You are on page 1of 71

‫أزمة مصر الحقيقية‪...

‬عيداروس القصير‬
‫مقدمة‬
‫من المعلوم أن القوى السياسية المصرية كلها‪ ،‬تقريبا‪ ،‬قد ركزت نشاطها‬
‫السبببياسي الفكري والعملي‪ ،‬طوال العاميبببن الماضييبببن‪ ،‬ببببل تكاد تكون‬
‫قصبرته خلل معظبم هذه الفترة‪ ،‬على قضيبة "التغييبر" بمعنبى الصبلح‬
‫السياسي والدستوري‪ ،‬ل يستثنى من ذلك النظام الحاكم نفسه‪.‬‬
‫دوافبع النظام الحاكبم فبي ذلك هبي التجاوب مبع متطلبات الصبلح الذي‬
‫تدعبو إليبه أمريكبا ومشروع الشرق الوسبط الكببير مبن جهبة ‪ ،‬واللتفاف‬
‫حول مطالب القوى الداخليبة الديموقراطيبة مبن جهبة أخرى‪ .‬أمبا أسبباب‬
‫ودوافبببع قوى المعارضبببة وراء هذا التركيبببز‪ ،‬بإسبببتثناءات ضئيلة فقبببد‬
‫صبدرت عبن عامليبن أسباسيين‪ ،‬العامبل الول الميبل الليببرالي السبائد منبذ‬
‫سنين عديدة خاصة منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي في أحزاب وقوى‬
‫المعارضببة المصببرية‪ ،‬والذي يعتبببر حريببة تداول الحكببم والنتخابات‬
‫التعدديببة والضمانات لحريتهببا ونزاهتهببا الحلقببة السبباسية فببي عملهببا‬
‫السياسي والقضية التي يجب أن تحظى بإجماع وتحالف قوى المعارضة‬
‫المختلفبة وأن تكون محبل اصبطفافها الول والرئيسبي أيبا كانبت القضايبا‬
‫السبياسية أو القتصبادية المباشرة الخرى‪ ،‬وأيبا كانبت خلفاتهبا بشأنهبا‪.‬‬
‫أمببا العامببل الثانببي فهببو أن أصببحاب هذا الميببل‪ ،‬أو أكثريتهببم‪ ،‬وكذلك‬
‫الخوان المسببلمون وكببل مببن أراد اغتنام الفرصببة‪ ،‬اعتبببروا الخطاب‬
‫المريكببي والعالمببي عببن نشببر الحريببة والديموقراطيببة واحترام حقوق‬
‫النسان في الدول العربية ظرفا ملئما ودعوة لتشديد النكير على النظام‬
‫الديكتاتوري فببي مصببر والفوز بحريببة تداول الحكببم ومببا تتطلبببه مببن‬
‫حريات وضمانات دسبتورية وقانونيبة‪ .‬فمنهبم مبن رأى تلقيبا أو تقاطعبا‬
‫بيبن المشروع الوطنبي للديموقراطيبة وبيبن المشروع المريكبي والشرق‬
‫الوسبطي الكببير رغبم تناقبض طبيعتهمبا وأهدافهمبا‪ ،‬ومنهبم مبن سبعى بل‬
‫مواربة إلى الستقواء بأمريكا أو عرض نفسه على أمريكا كبديل للنظام‪،‬‬
‫أو تحرك تحبببت مقولة تحييبببد القوى الدوليبببة فبببي الصبببراع مبببع النظام‬
‫المصببري حول قضايببا الديموقراطيببة والتببي هببي مجرد تغليببف لمقولة‬
‫تحييببد أمريكببا القديمببة الشهيرة‪ ،‬فليسببت هذه القوى الدوليببة‪ ،‬وفببي واقببع‬
‫المببر‪ ،‬إل أمريكببا والدول الكبببرى التببي تسببيطر على مقدراتنببا وتهاجببم‬
‫المنطقبة عسبكريا وسبياسيا وفبي القلب منهبا بلدنبا‪ ،‬وتتدخبل فبي جميبع‬
‫شئونها الداخلية‪.‬‬
‫علوة على ذلك اعتببرت أغلب قوى المعارضبة‪ ،‬خاصبة المحجوببة عبن‬
‫الشرعيببة‪ ،‬أن الوضببع الداخلي ملئم أيضببا لجذب الجماهيببر للمشاركببة‬
‫اليجابية الواسعة والعمل السياسي المباشر بالمظاهرات والمؤتمرات في‬
‫معركبة "التغييبر"‪ ،‬حيبث سباد بيبن أوسباطها تقديبر أو اعتقاد بأن المبر‬
‫يتطلب فبببي المقام الول جرأة النخببببة السبببياسية والمثقفبببة المعارضبببة‬
‫بالمبادرة إلى رفببع سببقف لغببة فضببح النظام والتحريببض ضده ‪ ،‬وإطلق‬
‫شعار تعبوي كشعار "ل للتجديببد ل للتوريببث"‪ .‬وسببرعان مببا شمببل هذا‬
‫التقديببر حزب التجمببع والحزب الناصببري وجماعات معارضببة أخرى‬
‫وظهر المزيد من التجمعات والتحالفات والحركات "الحتجاجية" ‪ .‬ومع‬
‫تكرار التظاهرات و"الوقفات" الحتجاجيبة وتحرك نادى القضاة وبعبض‬
‫أسبباتذة الجامعات ارتفعببت المال بقرب نجاح الحركببة‪ ،‬وتجلى فببي لغببة‬
‫أكثرية الحزاب والجماعات المعارضة وممارستها ما يشبه الرهان على‬
‫إمكان إسبقاط النظام بالعصبيان المدنبي أو على القبل حمبل رئيسبه مبارك‬
‫على عدم التجديبد لدورة جديدة عندمبا تنتهبي دورتبه الرابعبة فبي سببتمبر‬
‫‪.2005‬‬
‫إل أن النظام الحاكبببم لم يتردد طويل فبببي محاولتبببه‪ ،‬سبببواء للسبببتجابة‬
‫للمطالب المريكيبببببة والعالميبببببة بالتجاه لجراء تعديلت دسبببببتورية‬
‫وسببياسية تسببمح بتعدد القوى والحزاب المتنافسببة على التكيببف والقبول‬
‫بالمشروعات السبتعمارية المريكيبة والعالميبة فبي المنطقبة‪ ،‬أو لللتفاف‬
‫حول المطالب الديموقراطيبة "الحقيقيبة" فبي مصبر والتبي تحاول جاهدة‬
‫وفبي مواجهبة توجهات سبياسية وأيديولوجيبة وثقافيبة داخليبة غيبر ملئمبة‬
‫أن تفبببك اللتباس وتفبببض خلط الوراق بيبببن مشروع "الديموقراطيبببة‬
‫الوطنيببة" والمشروع الليبببرالي الجديببد‪" ،‬ديموقراطيببة" الخضوع للقوى‬
‫السببتعمارية‪ ،‬أي الحكببم الذاتببي فببي كنببف وتحببت وصبباية المبرياليببة‬
‫المريكيببة والعالميببة‪ .‬هذا دافببع ومغزى مبادرة الرئيببس مبارك فببي ‪26‬‬
‫فببراير ‪ 2005‬لتعديبل المادة ‪ 76‬مبن الدسبتور لسبتبدال نظام النتخاب‬
‫المباشبر لرئيبس الجمهوريبة بنظام السبتفتاء‪ ،‬والتبي نجحبت إلى حبد كببير‬
‫فببي تحقيببق أهدافهببا‪ .‬وممببا سبباعد على ذلك‪ ،‬أن المظاهرات والحركات‬
‫الحتجاجيببة ظلت محصببورة فببي القلة السببياسية والمثقفببة وعجزت عببن‬
‫اسبتدعاء جماهيبر الشعبب للمشاركبة فيهبا سبواء قببل التعديبل التعجيزي‬
‫للمادة ‪ 76‬أو بعبد تزويبر السبتفتاء عليبه وإصبداره‪ .‬ومبع ذلك وكمبا هبو‬
‫ثاببت فإن الحركات والتجمعات النخبويبة الحتجاجيبة التبي شكلت فبي تلك‬
‫الفترة – ومبن جاراهبا مبن الحزاب كحزب التجمبع والحزب الناصبري‬
‫والكرامببة تحببت التأسببيس وغيرهببا‪ .‬لم تقدر مدى عزوف الجماهيببر عببن‬
‫التجاوب معهببا‪ ،‬وظلت ترفببع شعار ل للتجديببد داعيببة للعمببل السببياسي‬
‫الجماهيري المباشبر لتحقيبق مطالبهبا ودعبت لمقاطعبة انتخابات الرئاسبة‬
‫بحجة عدم إكسابها الصفة الشرعية‪.‬‬
‫أمبا الخوان فناوروا بمقاطعبة انتخابات الرئاسبة ليدعموا فبي نهايبة المبر‬
‫مرشببح حزب الغببد‪ ،‬ويضعفوا مرشببح حزب الوفببد‪ .‬فلمببا أذنببت سبباعة‬
‫النتخابات البرلمانيبة فإذ بالجميبع يتسبابقون لخوضهبا دون أن يجبد جديبد‬
‫في الظروف والوضاع والقوانين التي دعت أغلبهم لمقاطعة النتخابات‬
‫الرئاسية ‪ ،‬والتي كانت المشاركة فيها بمثابة تحضيرا مباشرا للنتخابات‬
‫البرلمانيبة‪ ،‬وشكلت فجأة الجبهبة الوطنيبة للتغيبر والتبي لم تكشبف عبن أي‬
‫جدوى أو فعالية في المعركة النتخابية‪.‬‬

‫الفصل الول‬
‫نتائج النتخابات ودللتها‬
‫جاءت نتائج النتخابات كما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬تراجسسع نسسسبي لقوة النظام‪ ،‬تقدم ملموس للخوان‪ ،‬انحسسسار القوى‬
‫الديموقراطية([‪: )]1‬‬
‫أعضاء مجلس الشعبب الذيبن يكسببون العضويبة بالنتخاب ‪ 444‬عضوا‬
‫والمنتخبون عام ‪ 2005‬هبم فقبط ‪ 432‬عضوا ول زال ‪ 12‬مقعدا شاغرا‬
‫لوقف النتخابات في ‪ 6‬دوائر‪ ،‬بينما كان أعضاء المجلس المنتخب سنة‬
‫‪ 2000‬فقبط ‪ 442‬حيبث كان مقعدان شاغريبن‪ .‬وكانبت نتائج انتخابات‬
‫‪ 2005‬مقارنة بنتائج انتخابات ‪ 2000‬كما يلي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬تراجبع عدد نواب الحزب الحاكبم إلى ‪ 311‬عضوا بنسببة ‪ %70‬مبن‬
‫إجمالي عدد المجلس المختاريبببن بالنتخاب‪ ،‬بينمبببا كانوا ‪ 388‬عضوا‬
‫بنسبببة ‪ %87‬مببن إجمالي نفببس العدد فببي انتخابات ‪ .2000‬وتكررت‬
‫ظاهرة أعضاء الحزب الفائزيبببن مسبببتقلين عائديبببن بعبببد الفوز للحزب‪.‬‬
‫وكان نواب الحزب الحاكببم الفائزيببن بإسببمه رسببميا ‪ 145‬عضوا بينمببا‬
‫كانوا ‪ 175‬عضوا فببي انتخابات ‪ 2000‬والفائزيببن المسببتقلين العائديببن‬
‫‪ 166‬عضوا في انتخابات ‪ 2005‬بينما كانوا ‪ 213‬في انتخابات ‪.2000‬‬
‫ب‪ -‬فاز الخوان ببب ‪ 88‬عضوا بنسببة ‪ %20‬تقريببا بدل مبن ‪ 17‬عضوا‬
‫بنسبة ‪ %4‬سنة ‪.2000‬‬
‫جبب‪ -‬تراجبع مجموع نواب الحزاب والجماعات المعارضبة الخرى إلى‬
‫‪ 14‬عضوا بنسبة ‪ %3‬من إجمالي عضوية المجلس المنتخبة بدل من ‪17‬‬
‫عضوا بنسببة ‪ %4‬فبي المجلس السبابق منهبا ‪ 6‬للوفبد بدل من ‪ 7‬وللتجمبع‬
‫‪ 2‬بدل من ‪ 6‬بالمجلس السابق و ‪ 2‬للكرامة بدل من ‪ 1‬ول شئ للناصري‬
‫بدل من ‪ 3‬و للغد المنشق ‪ 2‬وللحرار المنشق ‪.2‬‬
‫د – المسببتقلون بلغوا ‪ 19‬عضوا (منهببم ثلثببة قومييببن ناصببريين فببي‬
‫البرلمان الحالي) بينما كانوا في البرلمان السابق ‪ 20‬عضوا ‪.‬‬
‫وبذلك كشفببت النتخابات عببن تراجببع نسبببي وملموس أيضببا فببي نفوذ‬
‫الحزب الحاكبم بيبن صبفوف مبن أدلوا بأصبواتهم ‪ ،‬وعبن اسبتمرار التفكبك‬
‫فببي قاعدة النظام السببياسية والذي ظهببر فببي انتخابات ‪( 2000‬ظاهرة‬
‫الخروج على ترشيحات الحزب فببي النتخابات البرلمانيببة وبوادر لميول‬
‫اسبتقللية لبعبض النواب)‪ .‬واسبتمرار التفكبك‪ ،‬وهبو أمبر متوقبع‪ ،‬يمكبن أن‬
‫يؤدي مبع اشتداد عدم شعبيبة النظام الحاكبم إلى انشقاق أو أكثبر مبن نواب‬
‫وأعضاء فببي الحزب الحاكببم ممببن يشكلون حاليببا قاعدة النظام السببياسية‬
‫وانضمامهببم لحزاب أخرى أو أحزاب جديدة قببد تشكببل مسببتقبل أو إلى‬
‫جماعببة الخوان المسببلمون الذيببن يقتربون بصببورة ملموسببة مببن تمثيببل‬
‫نفس القاعدة الجتماعية للسلطة الحالية وهي الطبقة الرأسمالية الكبيرة‪،‬‬
‫لكن بقناع الدين السلمي‪ .‬وكما هو واضح لم يكن تراجع وضع النظام‬
‫الحاكبم فبي نسببة القوى السبياسية فبي المجتمبع المصبري لصبالح القوى‬
‫الشعبيبة أو لصبالح القوى الديموقراطيبة بمختلف مراتبهبا وفصبائلها ‪ -‬هذه‬
‫القوى التبي لم تتمكبن مبن الحفاظ على العضويبة الضئيلة التبي كانبت لهبا‬
‫في البرلمان السابق – وإنما كان تراجعه لصالح جماعة الخوان‪ ،‬والتي‬
‫ل محبببببل لعتبارهبببببا مبببببن القوى الديموقراطيبببببة رغبببببم رطانتهبببببا‬
‫"الديموقراطيبة" الجديدة‪ ،‬واعترافهبا أخيرا بان الشعبب مصبدر السبلطات‬
‫وأن تكوين الحزاب المتعددة حق مشروع وليس محرما بالنص القرآني‪.‬‬
‫فهذا العتراف وغيره مبن بنود "الديموقراطيبة" الخوانيبة يقبع فبي إطار‬
‫تمسببكهم التام بالمبدأ الول الذي قامببت عليببه ول تزال الجماعببة وهببو‬
‫الرجوع إلى الديبببن كمرجعيبببة للدولة وللسبببياسة وكافبببة مجالت الحياة‬
‫الجتماعيبببة والثقافيبببة‪ ،‬وعلى الفتوى الدينيبببة – وليبببس بحبببث الحالة‬
‫الموضوعية وفقا للواقع المعيش بنظامه القتصادي والجتماعي وعلومه‬
‫الحديثبة والمعاصبرة – كمصبدر السبياسات والتشريعات‪ .‬إنبه المبدأ الذي‬
‫يجسبده شعارهبم الذي دخلوا ببه النتخاب "السبلم هبو الحبل"‪ ،‬وهبو مبا‬
‫ينسببف أسببس الدولة الحديثببة ويحطببم وحدة الشعببب فببي مجتمببع متعدد‬
‫الديانات ‪ ،‬ويقضبي حقيقبة على أي حديبث جدي عبن الديموقراطيبة التبي‬
‫تبدأ مسبيرتها الحقيقيبة فبي بلدنبا بحريبة العقيدة والتفكيبر وحبق المواطنبة‬
‫وإلغاء كل قيد عليه بسبب الدين أو الجنس أو اللون أو العرق‪.‬‬
‫‪ -2‬استمرار غياب الغلبية ‪:‬‬
‫بغلت نسبببة التصببويت ‪ %26.2‬مببن المقيديببن فببي جداول النتخاب‬
‫بالمقارنبة مبع ‪ %25‬فبي انتخابات ‪ 2000‬بفارق زيادة ‪ .%1.2‬والفارق‬
‫الحقيقبي ل شبك أنبه أكثبر مبن ذلك لن نسببة التزويبر أقبل ممبا كانبت عليبه‬
‫مبن جراء التحسبن النسببي فبي الشراف القضائي وفبي إجراءات العمليبة‬
‫النتخابيبة وإدارتهبا‪ .‬ومبع ذلك فنسببة التصبويت لزالت ضعيفبة‪ .‬فثلثبة‬
‫أرباع السبكان أكثبر من ‪ 18‬سبنة ل يشاركون فبي النتخابات ول فبي أي‬
‫نشاط سياسي آخر يتطلب مشقة ووقتا ووعيا أكثر واستعدادا أعلى بكثير‬
‫ممببا تتطلبببه مشاركببة بسببيطة فببي الدلء بالصببوت يوم النتخاب‪ .‬أمببا‬
‫المشاركون فبي النشاط السبياسي الحزببي وغيبر الحزببي المسبتمر والدائم‬
‫بكبل فصبائله ممبن أدلوا بأصبواتهم فهبو شديبد التواضبع ول يتعدى نسببة‬
‫منهم تقع كما نرى في خانة الحاد‪.‬‬
‫أما النساء فلم يحصلن إل على ‪ 4‬مقاعد فقط في المجلس الجديد رغم كل‬
‫الضجيج الجاري حول تمكين المرأة والموال الطائلة التي تصرف يوميا‬
‫على مجلس المرأة واللجان والحملت المظهرية والدعائية‪.‬‬
‫ومن تحصيل الحاصل أن الجهد المكثف للقوى السياسية والصحافة حول‬
‫قضايا النتخابات والصلح السياسي والدستوري ‪ ،‬والتنديد بفساد الحكم‬
‫وبالوضاع القتصادية والمعيشية المتفاقمة للجماهير ‪ ،‬ورفع سقف لغة‬
‫نقد وفضح النظام الحاكم ورموزه لمدة تزيد عن عام لم يترك أثرا إيجابيا‬
‫ملموسا على نسبة عزوف الجماهيبر عن سباحة النشاط السبياسي والعام ‪.‬‬
‫ولذلك يصبح لنبا أن نسبتنتج أن خطاب القوى السبياسية والصبحافة بوجبه‬
‫عام وخطاب المعارضبة الديموقراطيبة بوجبه خاص لم يؤثبر – ببل وقليل‬
‫مببا توجببه إلى أو تعامببل مببع – السببباب العمببق لبتعاد الجماهيببر عببن‬
‫العمبل السبياسي خاصبة والعام بصبفة عامبة‪ .‬فإذا كان صبحيحا أن عزوف‬
‫الجماهيببر هببو أسبباسا أو مجرد نتاج الخوف والتهيببب مببن الصببدام مببع‬
‫الحكومبة وأجهزة الشرطبة أو عدم الثقبة فبي نزاهبة النتخابات‪ ،‬فمبا الذي‬
‫يبعدهبا – وهبي تعانبي فبي حياتهبا اليوميبة المريبن مبن سبياسات الحكبم‬
‫القائم – عبن العمبل العام والسبياسي بعبد أن تخطبت القوى المناوئة للنظام‬
‫الخطوط الحمراء السببابقة فببي نقببد الحكببم ورموزه ورئيسببه‪ ،‬وكسببرت‬
‫بعبببض القيود الصبببارمة على حريبببة التعببببير الجماهيري بالمظاهرات‬
‫والندوات والمؤتمرات أو عببببر وسبببائل العلم مبببن قنوات وفضائيات‬
‫تليفزيونيبببة مرئيبببة على نطاق جماهيري واسبببع والصبببحافة الحزبيبببة‬
‫والخاصبة المسبتقلة وهببة نادي القضاة وجمعياتبه العموميبة للتشديبد على‬
‫الشراف القضائي على النتخابات ونزاهتهبببا؟ مبببا الذي يبعدهبببا عبببن‬
‫المشاركبة فبي عمليبة سبياسية قانونيبة وبسبيطة ول تعترض عليهبا السبلطة‬
‫وهببي الدلء بالصببوت فببي صببندوق النتخاب؟ ولماذا لم تؤد الضمانات‬
‫المحسببنة نسبببيا فببي الشراف القضائي والحبببر الفسببفوري والصببندوق‬
‫الزجاجببي وتوقيببع الناخببب فببي كشوف الناخبببين ومراقبببة نادي القضاة‬
‫والمراصببد المتعددة الداخليببة والخارجيببة للعمليببة النتخابيببة إلى رفببع‬
‫ملموس فببي نسبببة التصببويت؟ هناك ول شببك سبببب أعمببق بببل أسببباب‬
‫متعددة‪.‬‬
‫في المحافظات الريفية ترتفع نسبة التصويت عن الب ‪ %26‬وتقترب من‬
‫‪ %50‬وتتخطاهبا فبي بعبض الدوائر وفبي المدن تنخفبض عنهبا لتهببط إلى‬
‫‪ %10‬وما دونها في بعض الدوائر‪ .‬فالقل تعليما وثقافة وهم سكان تلك‬
‫المحافظات هبم الكثبر تصبويتا وهذا نتاج التراببط السبري والعصببيات‬
‫العائليببة القوى فببي الريببف‪ .‬ومببن زاويببة أخرى فإن الطبقات الشعبيببة‬
‫وفئات الطبقببة الوسببطى الكثببر انسببحاقا وانشغال فببي التلبيببة اليوميببة‬
‫لحتياجاتهبا المعيشبة ليسبت أقبل تصبويتا مبن الفئات الميسبورة‪ ،‬فالغلبيبة‬
‫الغائببة تنتمبي لكبل الطبقات‪ ،‬ول يلغبي ذلك حقيقبة أن الكتلة الرئيسبية فبي‬
‫هذه الغلبيببة الغائبببة تنتمببي للطبقات الشعبيببة والفئة الدنيببا مببن الطبقببة‬
‫الوسطى بحكم تشكيلها لكثر من أربعة أخماس السكان‪ ،‬إل أنه يشير إلى‬
‫أن يوم العمل الطويل المنهك للطبقات الشعبية ل يجعلها أقل تصويتا من‬
‫الفئات غيبر المنهكبة وغيبر المسبتوعبة فبي عمبل يوم طويبل ومجهبد‪ ،‬وإن‬
‫كان يحبببد ول شبببك مبببن المكانيبببة أو الفرصبببة والوقبببت اللزم للنشاط‬
‫الجتماعي عامة والسياسي خاصة‪.‬‬
‫فإذا كانت الغلبية الغائبة تنتمي إلى مستويات ثقافية وتعليمية واجتماعية‬
‫مختلفبة لكان علينبا أن نجبد أو نضبع أيدينبا على السبباب الكببر والعمبق‬
‫لعزوف الجماهير عن العمل السياسي وهو ما سنرجع إليه لحقا‪.‬‬
‫‪ -3‬العوامل الساسية المؤثرة في اختيارات الناخبين للمرشحين ‪:‬‬
‫إن الهببم مببن نسبببة التصببويت العامببة فببي قياس مدى التطور السببياسي‬
‫للجماهيبر‪ ،‬وعيبا واسبتعدادا نضاليبا‪ ،‬هبي المفاهيبم والعوامبل التبي قررت‬
‫اختياراتها ومفاضلتها بين المرشحين المتقدمين لكسب ثقتها وأصواتها‪.‬‬
‫وحسببب مشاهداتنببا فببي بعببض الدوائر والتغطيببة الصببحفية والعلميببة‬
‫المصبرية والعربيبة والعالميبة للنتخابات البرلمانيبة المصبرية ‪ 2005‬فإن‬
‫هذه المفاهيم والعوامل كانت كما يلي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬مفهوم نائب الخدمات ‪:‬‬
‫كانببت قدرة المرشببح على توفيببر الخدمات العامببة للدائرة والشخصببية‬
‫لبنائهبا المفهوم الول أو الرئيسبي فبي تقريبر اختيارات الناخببين‪ .‬وهبو‬
‫مفهوم ومعيار رئيسببي تكشببف عنبه بدرجات متفاوتبه قليل كببل انتخابات‬
‫برلمانية مصرية حتى الن‪ .‬فالنائب من وجهة النظر الشعبية الدارجة –‬
‫وبصببفة رئيسببية – هببو نقيببب الدائرة ومندوبهببا لدى الجهات الحكوميببة‬
‫والسببلطات الرسببمية وحاميهببا أيضببا مببن بطببش جهاز شرطتهببا وجهاز‬
‫جبايتهبا‪ ،‬وهبو أيضبا لببد أن يكون ثريبا أو ميسبور الحال وأن يكون قادرا‬
‫دائمبا قببل وبعبد فوزه على تحقيبق القدر الكافبي مبن "اليسبر" للنفاق على‬
‫متطلبات مهمته ومنها المشاركة بنفسه في تقديم الخدمات لهالي الدائرة‬
‫والصدقات للمعوزين من أبنائها‪ .‬ويرجع هذا المفهوم بأصوله إلى عصر‬
‫مبا قببل الدولة الحديثبة‪ .‬فهبو مورث عبن عصبر النقابات الطائفيبة وكببير‬
‫"الحتة" وفتوة الحارة "الشهم" وحاميها أو شيخ القرية أو الناحية ورجلها‬
‫القوي الصببالح‪ .‬وقببد سبباعد على اسببتمرار هذا المفهوم بطببء وسببطحية‬
‫وهجينيببة حركببة النهضببة والتحديببث عامببة والنهضببة والتجديببد الثقافببي‬
‫والفكري خاصببة ‪ .‬وممببا سبباعد بصببورة مباشرة على تخلف الوعببي‬
‫السياسي للجماهير مظهرية‪ ،‬وهزال جدوي‪ ،‬الحياة البرلمانية المصرية‪،‬‬
‫بالنسببة للطبقات الشعبيبة خاصبة‪ ،‬رغبم عمرهبا المديبد الذي بلغ حتبى الن‬
‫حوالي ‪ 140‬سنة منذ إنشاء مجلس شورى القوانين سنة ‪ .1866‬فلم يبرز‬
‫من جراء ذلك مفهوم النائب السياسي وظل مفهوم نائب الخدمات مهيمنا‪.‬‬
‫ومبن المهبم التنويبه بأن هيمنبة هذا المفهوم يصبب فبي تحببيذ إمبا اختيار‬
‫مرشحبا مواليبا للحكومبة أو له رواببط وثيقبة بأهبل الحكبم تجعبل له أكببر‬
‫نصبيب ممكبن مبن الخدمات التبي يجلبهبا للدائرة عبن طريبق هذه الرواببط‬
‫والمصببالح المتبادلة‪ ،‬أو اختيار المرشببح الذي يقوم بالعمببل الجتماعببي‬
‫الخيري ويدعمببه كمنهببج أسبباسي لتخفيببف وطأة المشاكببل القتصببادية‬
‫والجتماعيبة بديل عبن المنهبج والسبياسات الكفيلة بمواجهتهبا وحلهبا حل‬
‫حقيقيا أو جذريا‪ .‬وكل الختيارين يدعمان نفوذ وسطوة رأس المال على‬
‫حياة ووعي وحركة الجماهير ويكرسان تخلفها السياسي‪.‬‬
‫ب‪ -‬دور المال أو سلطان الثروة ‪:‬‬
‫دائمبا مبا كانبت ثروة المرشبح عامل هامبا فبي التأثيبر على إرادة الناخببين‬
‫فبي المجتمبع المصبري وكبل المجتمعات الطبقيبة بل اسبتثناء‪ .‬وهذه واحدة‬
‫من أخطر عيوب ونواقص "الديموقراطية" الليبرالية‪ .‬لكن دور المال أو‬
‫سلطان الثروة في النتخابات البرلمانية المصرية ‪ ،2005‬وكذلك إلى حد‬
‫مشابببه فببي انتخابات ‪ ،2000‬قببد تجاوز كثيرا هذا الدور المعتاد ليصبببح‬
‫القوة أو العامل الموضوعي الول المؤثر على اختيارات الناخب‪ .‬وتبدي‬
‫ذلك في كثافة بل وفحش النفاق على الدعاية النتخابية وعلى شراء عدد‬
‫كببير مبن أصبوات الناخببين وخاصبة الفقراء أو المتسبولين الذيبن ذهبوا‬
‫للتصبويت مقاببل الحصبول على "رزق" يوم أو بضعبة أيام‪ ،‬علوة على‬
‫مبا حصبل عليبه بالطببع سبماسرة هذه الصبوات‪ .‬ول مجازفبة كببيرة فبي‬
‫القول بأن الغلبية الساحقة ممن فازوا وأيا كانت صفاتهم أو أحزابهم أو‬
‫جماعتهببم لم تقببل نفقاتببه النتخابيببة عببن مليون أو عدة ملييببن ومنهببم‬
‫العشرات الذين انفق كل منهم عشرات المليين من الجنيهات‪.‬‬
‫ويرجببع هذا الدور المسببيطر لثروة المرشببح إلى تخلف الوعببي السببياسي‬
‫للناخببببين‪ ،‬وضاءلة عدد المنتميبببن منهبببم للحزاب والتيارات السبببياسية‬
‫خاصبببة التجاهات الديموقراطيبببة والشتراكيبببة‪ ،‬وسبببيادة مفهوم نائب‬
‫الخدمات والصبدقات‪ ،‬وتدنبي نسببة التصبويت والذي مبن شأنبه رفبع نسببة‬
‫مبن يتبم شراء أصبواتهم بصبورة مباشرة أو غيبر مباشرة إلى إجمالي مبن‬
‫أدلوا بأصواتهم‪.‬‬
‫جب‪ -‬جهاز الدولة ‪:‬‬
‫رغببم التحسببن النسبببي فببي إدارة النتخابات البرلمانيببة وفببي الشراف‬
‫القضائي عليهبببا فقبببد شهدت وقائع وصبببور متعددة للتدخبببل والتأثيبببر‬
‫والخلل المباشببر مببن جانببب أجهزة للدولة بسببير وحيدة ونزاهببة هذه‬
‫النتخابات‪ ،‬والتبي تركبت تأثيرا ملموسبا فبي نتائجهبا‪ .‬جداول الناخببين ل‬
‫تزال مليئة بالخطاء والتكرار وأسماء المتوفين والقيود الجماعية‪ ،‬وليس‬
‫لذلك مبرر أو سبب إل استخدامها عند اللزوم في التزوير‪ .‬الشرطة تارة‬
‫لزمبت الصبمت إزاء عمليات البلطجبة والعنبف السبافرين والشراء العلنبي‬
‫لصبوات الناخببين المرتزقبة والمتسبولين كمبا حدث بالذات فبي المرحلة‬
‫الولى‪ ،‬وتارة تدخلت بالعدوان على الناخببببين ومنعهبببم مبببن التصبببويت‬
‫لسببقاط مرشحيببن معينيببن وإنجاح غيرهببم‪ .‬وتكشببف تقاريببر صببحفية‬
‫وإعلمية وتصريحات بعض القضاة وأعضاء النيابة من المشرفين على‬
‫النتخابات فببي بعببض الدوائر‪ ،‬ومببا أعلن فببي الجمعيببة العموميببة لنادي‬
‫القضاة عددا مببن وقائع التدخببل والتزويببر والعدوان على الناخبببين‪ ،‬بببل‬
‫وأيضبا على بعبض القضاة وأعضاء النياببة المشرفيبن على لجان فرعيبة‬
‫لحملهببم على الخلل بسببلمة وحيدة عمليببة إدارة النتخابات والشراف‬
‫عليهبا‪ ،‬هذا فضل عبن التزويبر السبافر لنتائج بعبض الدوائر‪ ،‬والشكالت‬
‫التي أقامتها الدولة لمنع تنفيذ الحكام القضائية الصادرة بقبول الطعن في‬
‫جداول الناخببين أو صبفات وشروط الترشيبح عندمبا تكون صبادرة ضبد‬
‫بعببض مرشحببي الحزب الحاكببم وغيرهببا مببن صببور التدخببل والتأثيببر‬
‫المباشر على نتائج النتخابات‪.‬‬
‫ول يقتصببر تأثيببر جهاز الدولة على التدخببل المباشببر‪ .‬فالتدخببل والتأثيببر‬
‫غيببر المباشببر ل يقببل أهميببة وإنمببا يفوق تدخله المباشببر‪ .‬ويرجببع ذلك‬
‫لسببببين‪ .‬السبببب الول أن الحزب الحاكببم ليببس حزبببا بالمعنببى المعتاد‬
‫للحزاب السببياسية وإنمببا هببو حزب الدارة‪ ،‬امتداد التنظيببم أو الحزب‬
‫الواحبببد القديبببم‪ ،‬هيئة التحريبببر والتحاد القومبببي ومبببا سبببمي التحاد‬
‫الشتراكبي‪ ،‬وهبو مندمبج فبي جهاز الدولة وكأداة لهبا تحركبه كيبف تشاء ‪.‬‬
‫وعندما يواجه مرشح مستقل أو مرشح حزب آخر مرشح الحزب الحاكم‬
‫فهببو يواجببه جهاز الدولة بسببطوته ومببا بيببن يديببه مببن وسببائل ترهيببب‬
‫وترغيببب للناخبببين البسببطاء‪ .‬أمببا السبببب الثانببي فهببو أن جهاز الدولة‬
‫ومؤسبساتها الدائمبة التبي ل تتغيبر بتغيبر الوزراء والحكومات – ورغبم‬
‫اسببتقلله النسبببي المفترض فببي الدولة المصببرية‪ ،‬وفببي كببل نظام للدولة‬
‫الرأسبمالية‪ ،‬عبن المصبالح الخاصبة لفراد الطبقبة الرأسبمالية والمصبالح‬
‫الضيقببة لفئاتهببا أو شرائحهببا – يصببون وبفضببل هذا السببتقلل النسبببي‬
‫بالذات المصببالح المشتركببة للطبقببة الرأسببمالية وفئاتهببا القوى السببائدة‬
‫اقتصبباديا‪ ،‬كمببا يرعببى فببي ذات الوقببت الحدود والشروط الدنيببا لحياة‬
‫الطبقات الضعبف والمسبتغَلة والمسبودة اقتصباديا‪ ،‬وبالتالي الحفاظ على‬
‫النظام الجتماعببي القائم الذي يحرسببه هذا الجهاز‪ .‬إل أن هذا السببتقلل‬
‫النسببي المفترض لجهاز الدولة المصبرية هبو اسبتقلل محدود وضعيبف‬
‫للغايبة وأقبل ممبا هبو ضروري لتحقيببق مببا يسببمى نزاهببة الحكببم‪ .‬ويبدو‬
‫التدخببل والندماج يببن جهاز الدولة وأصببحاب المصببالح الخاصببة مببن‬
‫الفئات الرأسمالية وأصحاب الحظوة الذين يُراد إثرائهم ظاهرا للعيان إلى‬
‫حببد ملموس‪ .‬ول تقطببع فترة النتخابات بالطبببع تواصببل هذا الندماج أو‬
‫التداخل بل على العكس ينال مرشحي هذه المصالح أقصى مساندة ممكنة‬
‫بصببورة خفيببة أو سببافرة بدرجببة أو أخرى‪ .‬يُعزي البعببض هذا التداخببل‬
‫بمجرد الفسبباد‪ ،‬وهببو فسبباد ل شببك فيببه‪ ،‬لكببن المسببألة أعمببق مببن فسبباد‬
‫أشخاص المسببئولين والحكام وتتعلق بضعببف وتخلف الطبقببة الرأسببمالية‬
‫المصرية وخاصة الفئات صاحبة مركز النقل في سلطة الدولة وعجزها‬
‫عببن تحقيببق تراكببم الرباح والثروة الخاصببة التببي تحققهببا بدون مسبباندة‬
‫وتجيّز وتسهيلت أجهزة الدولة المعنية‪.‬‬
‫ومبن المهبم اللتفاف لحقيقبة أن لجهاز الدولة فبي جميبع الدول حتبى الدول‬
‫الموصبوفة بالكثبر حريبة وديموقراطيبة فبي عالمنبا المعاصبر دور كببير‬
‫مؤثبر على نتيجبة النتخابات ومتدخبل وفاعبل فبي كبل نزاع سبياسي فبي‬
‫المجتمبع‪ .‬ومبن المفيبد التعرف على أسببابه فبي هذه الدول ضمبن الجهبد‬
‫المبذول لمعرفة طريقنا إلى الديموقراطية‪.‬‬
‫ج ْذرْ أو مصدر هذا التأثير يظل باقيا وملموسا حتى لو التزمت الحكومة‬
‫بعدم التدخل السافر أو شكلت لجنة للشراف على النتخابات تتمتع بقدر‬
‫ملموس مببببن السببببتقلل أو حتببببى حكومببببة محايدة لجراء النتخابات‬
‫ووفرت الشراف القضائي مبن البدايبة للنهايبة‪ .‬فجهاز الدولة موجود فبي‬
‫كبل هذه الترتيبات وهبو الذي يعبد القوانيبن قببل اعتمداهبا ويصبدر اللوائح‬
‫والقرارات بشأنها‪.‬‬
‫ففببي مجتمببع تتعارض وتتناقببض فيببه المصببالح بيببن الطبقات والفئات‬
‫الجتماعيبة كمبا تتعارض أو تتناقبض التيارات والتوجهات اليديولوجيبة‬
‫والسببياسية إزاء القضايببا والمصببالح الوطنيببة والقوميببة وإزاء المشاكببل‬
‫والوضاع القتصببادية والجتماعيببة‪ ،‬فإن جهاز الدولة الذي يقببف فوق‬
‫المجتمع ويبدو كما لو كان حكما بين القوى الجتماعية وممثل لها جميعا‬
‫ليبببس جهازا محايدا ببببل متحيزا وممثل للطبقبببة أو الفئات الجتماعيبببة‬
‫المهيمنببة على القتصبباد والمجتمببع ويسبباندها فببي كببل صببراع أو تحببد‬
‫تتعرض له‪.‬‬
‫فمؤسببببسات وأجهزة الدولة الدائمببببة كالجهاز الداري (البيروقراطيببببة)‬
‫والشرطببة والمببن والقضاء هببي حجببر الزاويببة فببي الحفاظ على النظام‬
‫القتصببادي الجتماعببي‪ .‬ول تغيببر الحكومات والوزراء الذيببن يتعاقبون‬
‫على رئاسبتها العليبا منطبق وأهداف ونظام هذه المؤسبسات وإنمبا يُفَعِلون‬
‫أو ل يُ َفعِلون بهذا القدر أو ذلك أدائهبببا العملي ل غيبببر مبببا بقبببي النظام‬
‫الجتماعببي قائمببا‪ .‬لذلك فإن إدارة النظام السببياسي وحكومتببه للمجتمببع‬
‫بواسببطة مؤسببسات وأجهزة الدولة القائمببة تعنببي بالضرورة إدارتببه فببي‬
‫إطار مصالح الطبقات والفئات المسيطرة على القتصاد والمجتمع ودون‬
‫الخلل بالسس الجوهرية لهذه السيطرة‪ ،‬وبالتال ليس من المتصور أن‬
‫تكون الحكومات ومبن ورائهبا أجهزة الدولة ومؤسبساتها محايدة أو غيبر‬
‫متحيزة للمصببالح والقوى السببائدة اقتصبباديا واجتماعيببا التببي تمتلك هذه‬
‫المصببالح‪ .‬والفارق فببي هذا المجال بيببن الدولة الغيببر ديموقراطيببة وبيببن‬
‫الدولة الديموقراطيبة فبي عالمنبا الرأسبمالي المعاصبر هبو فارق بيبن عجبز‬
‫الدولة الولى عبن‪ ،‬وبيبن قدرة الدولة الثانيبة على‪ ،‬جعبل انحيازهبا خفيبا‬
‫وليس مباشرا سافرا وتدخلها لطيفا ناعما وليس فظا خشنا‪ .‬هذا الفارق ل‬
‫يقضببي بالطبببع على الكراه والكبببت السببياسي فببي الدولة الرأسببمالية‬
‫الديموقراطيببة لكنببه يخفببف وطأتهمببا وتقييببد أشكالهمببا المباشرة وحصببر‬
‫مجالت وحالت استخدامها تقييدا وحصرا واضحين وصارمين‪.‬‬
‫وهذا الفارق فارق تطور اجتماعبببببي يقبببببع فبببببي قاعدتبببببه فبببببي البلد‬
‫الديموقراطية تطور اقتصادي مكتمل أو شبه مكتمل للطبقة المسيطرة ‪،‬‬
‫أي الطبقة الرأسمالية ‪ ،‬وما يسبق ذلك وما يلحق به بصورة أساسية من‬
‫تطور سببياسي وثقافببي‪ .‬وتقوى هذه التطورات مجتمعببة وبفعلهببا المتبادل‬
‫قدرة الطبقببة المسببيطرة على خلق أو تفعيببل آليات إزاحببة الصببراعات‬
‫الطبقيبة أو احتوائهبا‪ ،‬ومبن ثبم تطويبر وتشديبد آليات الهيمنبة اليديولوجيبة‬
‫على المجتمبع‪ ،‬أي آليات تزييبف وعبي الطبقات الكادحبة والمسبتغلة‪ ،‬ممبا‬
‫يخلق بدوره إمكانيببة السببتغناء عببن أو التقليببل مببن العتماد على القمببع‬
‫الغليببظ أو التدخببل السببافر فببي العمليببة النتخابيببة أو غيرهببا مببن أشكال‬
‫الصببراع السببياسي طالمببا أن النظام القتصببادي الجتماعببي ليببس مهددا‬
‫تهديدا فوريببا أو مباشرا‪ ،‬وتعتمببد بدل مببن القمببع الفببظ والتدخببل المباشببر‬
‫أشكال التحيبببز والتدخبببل غيبببر المباشرة والملتويبببة‪ .‬أمبببا الدول الغيبببر‬
‫ديموقراطيبة فإنهبا كقاعدة عامبة متخلفبة اقتصباديا ومبا يسببق هذا التخلف‬
‫وينتج عنه – وبصورة أساسية أيضا – من تخلف ثقافي وسياسي يجعلها‬
‫غيبر قادرة عبن السبتغناء عبن العتماد على القهبر الغليبظ والتدخبل الفبظ‬
‫في النتخابات‪ ،‬ومصادرة كل نضال سياسي ديموقراطي جدي من اجل‬
‫الحفاظ على سبلطتها السبياسية ومبن ثبم نظامهبا القتصبادي الجتماعبي‬
‫المتخلف‪.‬‬
‫إل أنبه مبن الثاببت تاريخيبا أيضبا أن ظهور إمكانيبة السبتغناء عبن القهبر‬
‫والقمع الغليظ وإقامة نظم حكم ديموقراطية في الدول الرأسمالية المتقدمة‬
‫ل يتحقببق بصببورة عفويببة ومببن تلقاء نفسببه بمجرد تطور قوة الطبقببة‬
‫الرأسببمالية واكتمال بنيانهببا القتصببادي‪ ،‬وإنمببا أقيمببت هذه النظببم وفببي‬
‫المقام الول بفضببل تطور ونضببج الحركببة السببياسية للطبقات الشعبيببة‬
‫والمتوسطة وفي مقدمتها الطبقة العاملة والتي انتزعت انتزاعا حقها في‬
‫القتراع العام وغيره مبببببن الحقوق والحريات‪ .‬أمبببببا تطور القتصببببباد‬
‫الرأسبمالي واكتمال بنيان الطبقبة الرأسبمالية‪ ،‬فليبس العامبل الول فبي قيام‬
‫الديموقراطيبة‪ ،‬وإنمبا هبو العامبل الول الذي جعبل بقاء النظام الرأسبمالي‬
‫وسببببيطرته على الصببببراع الطبقببببي أمرا ممكنببببا رغببببم نظام الحكببببم‬
‫الديموقراطبي ومبا أتاحبه مبن حريات عامبة‪ .‬لقدا أتاح التطور القتصبادي‬
‫مساحات واسعة أمام الطبقة الرأسمالية للمناورة ترغيبا وترهيبا للطبقات‬
‫العاملة والكادحببة‪ .‬وقببد لعببب السببتعمار والتوسببع السببتعماري القديببم‬
‫والجديببد دورا أسبباسيا فببي هذه المضمار‪ ،‬بمببا أتاحببه مببن أرباح النهببب‬
‫والسببببتغلل السببببتعماري حُوِلتببب ْب فتات منهببببا لبعببببض فئات العمال‬
‫والكادحيببن‪ ،‬وبمببا حركببه مببن نزعات تعصببب قومببي وعنصببري وضببد‬
‫شعوب البلدان المسبتعمرَة أو التابعبة إزاحبة وتسبريبا للصبراعات الطبقيبة‬
‫الداخلة فبي الدول "الديموقراطيبة" السبتعمارية‪ ،‬ممبا أتاح بدوره ظروفبا‬
‫موضوعيبة ملئمبة لتزييبف وعبي الطبقات العاملة والكادحبة وهبو العامبل‬
‫الثانببي الذي جعببل بقاء الرأسببمالية رغببم نظام الحكببم الديموقراطببي أمرا‬
‫ممكنبا‪ .‬لذلك فإن الفارق الرئيسبي‪ ،‬فيمبا يتعلق بإمكانيبة إقامبة ديموقراطيبة‬
‫سبياسية‪ ،‬بيبن الدولة الغيبر ديموقراطيبة وبيبن الدولة الديموقراطيبة هبو ‪:‬‬
‫ضعبف القوى الديموقراطيبة والشعبيبة وعجزهبا فبي الدولة الولى مقاببل‬
‫قوة القوى الديموقراطية والشعبيبة وقدرتهبا على انتزاع الحريات وفرض‬
‫النظام الديموقراطي في الدولة الثانية‪.‬‬
‫فقدرة القوى الديموقراطيببة والشعبيببة هببي العامببل أو الشرط الحاسببم فببي‬
‫ظهور واسبتمرار النظبم الديموقراطيبة‪ ،‬هذا الشرط الذي قبد يؤدي – وقبد‬
‫أدى بالفعبل – إلى إقامبة نظبم ديموقراطيبة وشعبيبة بدرجبة أو أخرى فبي‬
‫السببنوات الخيرة فببي أمريكببا اللتينيببة فببي دول نهبببت وفرض عليهببا‬
‫التخلف القتصببادي مببن قبببل المبرياليببة المريكيببة كفنزويل وبوليفيببا‬
‫والبرازيل وشيلي‪.‬‬
‫وإذا عدنا إلى الحالة المصرية نجد أن أيا من الشرطين الساسيين اللذين‬
‫نشأت على أسببباسهما النظبببم الديموقراطيبببة ليبببس متوفرا حتبببى الن‪.‬‬
‫فالقتصبباد متخلف وتابببع ول تملك الطبقببة القوى المسببيطرة اقتصبباديا‬
‫إمكانية الحكم بوسائل ديموقراطية حقيقية أي انتفاء إمكانية الديموقراطية‬
‫الليبرالية‪ .‬أما القوى الديموقراطية والشعبية فهي حاليا في غاية الضعف‬
‫والنحسببار‪ .‬كمببا أثبتببت النتخابات البرلمانيببة وكببل مياديببن ومجالت‬
‫الصبراع السبياسي والقتصبادي فبي المجتمبع المصبري‪ ،‬وهبو مبا يعنبي‬
‫حتببى الن غياب إمكانيببة انتزاع فوري للحريات الديموقراطيببة‪ .‬وفرض‬
‫نظام حكبم ديموقراطبي شعببي ول حكبم ديموقراطبي لبيرالي وطنبي فورا‬
‫ول فبي الفبق القريبب‪ ،‬ول يزال الطريبق شاقبا وطويل ومتعرجبا إلى هذه‬
‫الغايات‪.‬‬
‫د – استغلل الدين والمشاعر الدينية ‪:‬‬
‫كان اسببتغلل الديببن والمشاعببر الدينيببة للمسببلمين مببن العوامببل الهامببة‬
‫المؤثرة فببي النتخابات البرلمانيببة والتغيببر الذي كشببف عنببه فببي ميزان‬
‫القوى السبببياسية‪ .‬فقبببد فازت جماعبببة الخوان المسبببلمين وتحبببت شعار‬
‫"السلم هو الحل" بب ‪ 88‬عضوا من بين نحو ‪ 150‬مرشحا تقدمت بهم‬
‫وكانبت قادرة على الفوز بأكثبر مبن ‪ 100‬عضبو منهبم لول تدخبل المبن‬
‫السبببافر فبببي المرحلة الثالثبببة فبببي عشيبببة التصبببويت باعتقال كوادرهبببا‬
‫وأعضائهببا ومنببع التصببويت فببي اللجان الفرعيببة التببي يتمتعون بتفوق‬
‫واضبح فيهبا فبي بعبض الدوائر‪ ،‬هذا بخلف مبا تردد بقوة ومبن أطراف‬
‫مختلفة عن تغيير أو تزوير نتيجة الفرز في بعض الدوائر ضد مرشحي‬
‫الجماعة الفائزين كدائرة دمنهور والدقي والزقازيق‪.‬‬
‫واسبببتقطب هذا الفوز تأييبببد الجماهيبببر النازعبببة إلى معارضبببة النظام‬
‫جبَهُب عبن الحزاب والقوى الديموقراطيبة ببل وهمبش‬ ‫حَ‬
‫السبياسي الحاكبم و َ‬
‫وجودها البرلماني والسياسي في المجتمع المصري‪.‬‬
‫كانببت العوامببل الربعببة السببابقة العوامببل السبباسية التببي أثرت على‬
‫اختيارات الناخببببين‪ ،‬يضاف إليهبببا عامبببل خامبببس بالنسببببة لمرشحبببي‬
‫الحزاب والخوان‪ ،‬وهبببببو مدى وجود القاعدة التنظيميبببببة الحزبيبببببة‬
‫العريضببة الفعالة والمنتشرة فببي كببل أو معظببم الدوائر‪ .‬وإذا كانببت هذه‬
‫العوامل هي التي تحكمت في نتيجة النتخابات لحق القول بأن الحزاب‬
‫والقوى الديموقراطيببة كانببت خارج المنافسببة تمامببا وبعيدة أيضببا عببن‬
‫إمكانيببة إحراز أي تحسببن لوضعهببا الهزيببل فببي البرلمان السببابق وفببي‬
‫المجتمبع‪ ،‬ببل يمكننبا الزعبم بأن أغلب مبن فاز مبن نوابهبا العشرة تقريببا‬
‫الفائزيببن مببع التسبباهل الشديببد فببي تعريببف "الديمقراطببي" فاز بصببفته‬
‫الفرديبة وبحكبم روابطبه وخدماتبه لهالي دائرتبه ل بوصبفه ممثل للحزب‬
‫أو القوة السياسية التي ينتمي إليها‪.‬‬
‫لقبد اقتصبرت المنافسبة الفعليبة والصبراع على حصبد الصبوات والفوز‬
‫بالمقاعبد على مرشحبي الحكومبة (الوطنبي الرسبمي والوطنبي المسبتقل)‬
‫والخوان‪ .‬وقبد اسبتمد كبل منهمبا قدرتبه على المنافسبة والفوز مبن أربعبة‬
‫عوامبل مبن بيبن العوامبل السباسية الخمسبة التبي قررت النتائج ‪ .‬اعتمبد‬
‫الحزب الوطنببببببببببي على نائب الخدمات وأجهزة الدولة والمال وجهازه‬
‫التنظيمي الذي يمتلك فعالية نسبية – رغم مظهرية وانتهازية عضويته –‬
‫يستمدها من مجرد انتشاره في كل المواقع ومساندة الدارة‪ .‬أما الخوان‬
‫فقبببد اعتمدوا على نائب الخدمات ومخاطببببة المشاعبببر الدينيبببة والمال‬
‫وجهازهببم التنظيمببي الواسببع المنضبببط والملتزم‪ .‬واشترك الطرفان بذلك‬
‫فبي اعتماد كبل منهمبا على عناصبر ثلثبة متشابهبة هبي الخدمات والمال‬
‫وجهاز التنظيببم الحزبببي‪ ،‬واختلفببا فببي اسببتغلل الحزب الوطنببي جهاز‬
‫الدولة واسبببتغلل الخوان للديبببن‪ .‬وحيبببث تعتمبببد الخدمات على المال‬
‫لتمويلهببا يصببح القول بأن التنظيميببن المتنافسببين اعتمببد أحدهمببا وهببو‬
‫الحزب الوطني على المال والدولة بينما اعتمد الخر وهو الخوان على‬
‫المال والديبن‪ .‬وقبد يغيبب عبن البعبض أن المال الذي اعتمبد عليبه الخوان‬
‫هبو مبن نفبس طبيعبة المال الذي اعتمبد عليببه الحزب الحاكببم‪ ،‬إنبه رأس‬
‫المال‪ ،‬رأس المال الكببير المصبري وكذلك العرببي والجنببي الذي أسبهم‬
‫فببي دعببم صببعود الخوان السببياسي والنتخابببي بصببورة مباشرة وغيببر‬
‫مباشرة‪ .‬فالموال التبببببي تمول نشاط الخوان وخدماتهبببببم وحملتهبببببم‬
‫النتخابيبببة مصبببدرها الرئيبببس رأسبببماليين مصبببريين مضافبببا إليهبببا‬
‫الرأسماليين العرب والجانب المؤيدين لهم‪.‬‬
‫لذلك فإن القوى الرئيسية التي خاضت النتخابات البرلمانية والسائدة في‬
‫الحياة السبياسية المصبرية اليوم مبن قببل ومبن بعبد النتخابات هبي تحالف‬
‫رأس المال وجهاز الدولة فببي جانببب‪ ،‬وتحالف رأس المال والديببن الذي‬
‫يعببئ المشاعبر الدينيبة للمسبلمين ويعدهبم بكسبب الدنيبا والخرة معبا فبي‬
‫الدولة السببببلمية المسببببتهدفة لزاحببببة التحالف القائم (النظام الحالي)‬
‫والسبيطرة بدل منبه على الدولة فبي الجانبب الخبر‪ .‬فنحبن إذن فبي وضبع‬
‫سبببياسي داخلي يتنازع فيبببه على تمثيبببل وقيادة رأس المال أو الطبقبببة‬
‫الرأسببببمالية المسببببيطرة على القتصبببباد والدولة فريقان يختلفان حول‬
‫الغلف اليديولوجبي للدولة ل على طبيعتهبا الجتماعيبة وسبياساتها التبي‬
‫تشهبد تقارببا كببيرا بينهمبا‪ ،‬بمبا فبي ذلك سبياستها العربيبة والدوليبة‪ ،‬نلمسبه‬
‫فبي موقبف الخوان مبن الحتلل المريكبي للعراق ومبا يسبمى العمليبة‬
‫السببياسية فيببه وموقفهببم التهادنببي والبرجماتببي (العملي) مببن التدخببل‬
‫المريكببي والعالمببي فببي الشئون الداخليببة لمصببر والمنطقببة تحببت قناع‬
‫الديموقراطية أو باسم الشرق الوسط الكبير‪.‬‬
‫إن القوى البرجوازيبة الديمقراطيبة فبي مصبر ليسبت الن خارج المنافسبة‬
‫الراهنة على الحكم فحسب بل وليس لها أيضا وجود أو تأثير ملموس في‬
‫التطورات السياسية الجارية‪ .‬أما القوى الشتراكية والشعبية فهي هامشية‬
‫الوجود والتأثيبببر ولببببد أن تجري مياه كثيرة وغزيرة قببببل أن يصببببح‬
‫وجودهبا ملموسبا ودورهبا فعال فبي حياة شعبنبا‪ ،‬وهبو مبا يتوقبف قببل أي‬
‫شبئ آخبر على تحررهبا مبن المفاهيبم والخطوط السبياسية التبي همشبت‬
‫دورها الذي يتوقف عليه في نهاية المر مستقبل بلدنا وشعبنا‪.‬‬
‫‪ -4‬سمات الحياة السياسية والطابع غير الثوري للزمة العامة في البلد ‪:‬‬
‫جاء فوز الخوان الفعلي والمحتجز ليؤكد سمات أساسية لحياتنا السياسية‬
‫والثقافيبببة‪ .‬أول هذه السبببمات أن الجزر والركود هبببو الطاببببع الرئيسبببي‬
‫للحركببة الجماهيريببة‪ .‬هذا مببا أدى – ومببا يؤدي – إلى أن يصببب تفاقببم‬
‫الزمببة العامببة والقتصببادية والسببياسية المزمنببة فببي صببالح مببا سببمي‬
‫"الصحوة" السلمية كما تقودها جماعة الخوان المسلمون‪ .‬فلقد كان –‬
‫ول يزال – صبببعود حركبببة "السبببلم" السبببياسي خلل العقود الثلثبببة‬
‫الماضيببة هببو لزمببة ووجببه آخببر لوضببع الجزر والركود وغدا عامل‬
‫أسباسيا مبن عوامبل اسبتمراره‪ .‬إن "السبلم" السبياسي فبي مصبر بالذات‬
‫نكوص عن الحالة العقلية أو ضرورة إعمال العقل وانطلق الفكر اللذين‬
‫تتطلبهمبا الحداثبة‪ .‬وهبو صبحوة الرجعيبة الدينيبة لتحافبظ على وتشدد مبن‬
‫الجوانبب الرجعيبة والمتخلفبة فبي واقعنبا السبياسي والجتماعبي والثقافبي‬
‫والفكري بحجبة أن ذلك هبو شرع ال‪ ،‬وهبو تكريبس لنسبحاب الجماهيبر‬
‫مبن مجابهبة قضايبا ومشكلت المجتمبع الحقيقيبة وأسببابها الجوهريبة التبي‬
‫يطرحهبا الواقبع المعيبش‪ ،‬وصبرف اهتمامهبا إلى قضايبا ومشكلت مفتعلة‬
‫ووهميببة أو على الكثببر "فرعيببة وجانبيببة"‪ .‬وهببو كذلك دعوة وحركببة‬
‫لحلل أو اسبتبدال وسبائل وأشكال التضامبن الطائفبي أو العمبل الخيري‬
‫فببي أفضببل الحوال‪ ،‬بوسببائل وأشكال التضامببن الجتماعببي الوطنببي‬
‫والطبقبي والفئوي‪ ،‬وللنصبراف عبن الرابطبة الجامعبة وحبق المواطنبة‬
‫المصرية لصالح إزكاء التمييز والتفرقة على أساس الدين وتأجيج جذوة‬
‫الفتنببة الطائفيببة لطلقهببا عنببد القتضاء لتحطيببم البقببة الباقيببة مببن وحدة‬
‫الشعب‪.‬‬
‫ولجزر الحركة الجماهيرية الطويل في مصر أسبابه التاريخية السياسية‬
‫والقتصبادية والوجدانيبة المسبتقلة عبن نمبو وصبعود السبلم السبياسي‬
‫سبنعود إليهبا لحقبا‪ ،‬لكبن اسبتمراره يسباهم فبي تشكيبل الترببة الصبالحة‬
‫لصببعود هذا التيار والذي غدا كمببا قلنببا سببابقا عامل هامببا مببن عوامببل‬
‫استمرار الجزر وإعاقة نهوض الجماهير النقابي والسياسي والثقافي‪.‬‬
‫وثانبي هذه السبمات هبو تدنبي وتشوش الوعبي السبياسي للجماهيبر وغياب‬
‫أو غموض إدراكهببا للمصببادر والسببباب السبباسية لمعاناتهببا وضعببف‬
‫وهوان الوطبن أمام أعدائه السبتعماريين والصبهاينة‪ .‬وإل مبا كان سبهل‬
‫على مببن يسببتغلون المشاعببر الدينيببة المقدسببة أن يتطوعوا بالتفسببيرات‬
‫والحلول المضللة والسببباذجة وأن يجدوا رغبببم ذلك آذانبببا صببباغية مبببن‬
‫جمهور عريبض‪ ،‬ول كان باسبتطاعة النظام الحاكبم الحصبول على عشبر‬
‫مبا حصبل عليبه مبن أصبوات الناخببين‪ .‬ولتدنبي وتشوش الوعبي السبياسي‬
‫أسببابه المتعددة الممتدة مبا بيبن عناصبر وجماعات المثقفيبن والسبياسيين‬
‫وبيبن الجمهور الواسبع مبن المتعلميبن والمييبن‪ .‬فعلى مسبتوى السبياسيين‬
‫والمثقفيبن الذيبن يؤثرون بدرجبة كببرى أم صبغرى فبي جمهور المتعلميبن‬
‫والمييبن‪ ،‬فالملحبظ أن التوجهات السبائدة فبي أوسباطهم ل تسبتند‪ ،‬أول‬
‫تستند بدرجة ملموسة ومنسقة‪ ،‬إلى الحقائق التاريخية والحالية الكبرى أو‬
‫الكثبر أهميبة فبي عصبرنا وبلدنبا‪ .‬ومبن هذه الزاويبة – فضل عبن زوايبا‬
‫أخرى – فهم مسئولون إلى حد كبير عن تراجع وتشوش الوعي السياسي‬
‫للجماهيبر فالتوجهات السبائدة بينهبم خلل السبنوات القليلة الماضيبة وحتبى‬
‫انتهاء النتخابات البرلمانيبة شكلهبا اتجاهان يلتقيان فبي تزييبف وتشويبش‬
‫وعبي الجماهيبر رغبم مبا بينهمبا مبن خلف‪ ،‬الول هبو تيار اتخاذ الديبن‬
‫المرجعيبة الوحيدة أو الرئيسبية للسبياسة والحياة‪ .‬وقبد روج خطاببا فكريبا‬
‫يسجن ويستهلك القدر العظم من طاقة الفرد المصري على إعمال العقل‬
‫والتفكيبر فبي التعرف على مبا هبو حرام ومبا هبو حلل مبن منظور وفهبم‬
‫السبلف "الصبالح" وبمبا ل يتجاوزهبم مبع الميبل لقلهبم مبن حيبث العمبق‬
‫وقيمة الفكر‪ .‬والتجاه الثاني عصري خليط من مفاهيم النهضة والتحديث‬
‫ومن تأثيرات مفاهيم التجاهات المحلية والعالمية اليديولوجية التفكيكية‬
‫والنفعيببة‪ ،‬التببي تدعببى سببقوط اليديولوجيات والمبادئ العامببة والنسبباق‬
‫الكليبة‪ ،‬هذه التجاهات التبي روجهبا الغرب السبتعماري والسبائرين فبي‬
‫ركاببه فبي بلدنبا خلل العقديبن الخيريبن‪ ،‬هذه التجاهات الخيرة التبي‬
‫تتخلل بدرجبة أو أخرى التيارات العلمانيبة وشببه العلمانيبة التاريخيبة فبي‬
‫مصببر؛ الليبراليببة والقوميببة والشتراكيببة‪ .‬ومببن أهببم ملمببح هذا التجاه‬
‫الملمبح التفكيكبي الذي يجمبع مبا بيبن القوى والحزاب والعناصبر المكونبة‬
‫لهذا التجاه العريببض فببي التعامببل مببع قضايببا بلدنببا والمنطقببة‪ ،‬وهببي‬
‫القضايبا المترابطبة بطبيعبة الشياء وحقائق الصبراع الجاريبة فبي أبعادهبا‬
‫المحليببة والقليميببة والدوليببة‪ .‬ول يضببر هذا التجاه الوعببي السببياسي‬
‫للجماهيبر ويدفبع لترديبه فحسبب ببل يترك أيضبا السباحة خاليبة أمام التيار‬
‫الدينببي لملء الفراغ الذي يخلقببه منهجببه التفكيكببي والختزالي‪ .‬أمببا على‬
‫مسببتوى الجمهور العريببض فقببد تدهور المسببتوى الثقافببي العام ومببن ثببم‬
‫الوعببي السببياسي كنتاج لنهيار مؤسببسة التعلم مببا قبببل العالي والعالي‪،‬‬
‫وانتشار النزعببة التفكيكيببة الختزاليببة فببي الثقافببة المصببرية‪ ،‬والصببحوة‬
‫الرجعيبببة الدينيببة‪ ،‬والثقافببة الضحلة المشوهببة السبببتهلكية العلنيبببة‬
‫العلمية التي تروجها الدولة ووسائل العلم المحلية والعالمية‪.‬‬
‫ثالث هذه السبببمات هبببو أن فشبببل قوى التحرر والتجديبببد فبببي المجتمبببع‬
‫المصببري (والعربببي أيضببا) فببي التغلب على عقبات التحرر السببياسي‬
‫والتقدم القتصببادي والجتماعببي يطرح منببذ سبببعينيات القرن الماضببي‬
‫بصبفة رئيسبية وحتبى الن ميل عامبا ماضويبا (الرجوع للماضبي) لتخاذ‬
‫الرؤيببة الدينيببة إطارا أو منهجببا عامببا لفهببم أسببباب هزائمنببا وتدهور‬
‫أوضاعنببا‪ ،‬ولعتبار الديببن المرجعيببة الوحيدة أو الرئيسببية لسببتراتيجية‬
‫وجميبببع سبببياسات المواجهبببة ويسبببتدعي على أسببباسها نماذج وأهداف‬
‫وممارسبات باتبت متعارضبة مبع حقائق الحياة الحديثبة والمعاصبرة‪ ،‬فبي‬
‫مقدمببة هذه الحقائق موضوعات وقضايببا وقوى الصببراع الحقيقيببة على‬
‫الساحتين الداخلية والدولية‪ .‬لذلك يدفع هذا الميل في نهاية المر إلى هوة‬
‫سببحيقة مببن التخلف الجتماعببي والثقافببي وقهببر واسببتغلل الجماهيببر‬
‫الكادحبة قبد يهون دونهبا مبا نحبن فيبه الن على شدة وطأة وهوان حالنبا‬
‫الراهن‪.‬‬
‫وقد شكلت هذه السمات الثلث في ترابطها هذه الحالة التي تعانيها الحياة‬
‫السببياسية المصببرية ومنببذ سببنين طويلة وحتببى الن وهببي حالة مجتمببع‬
‫يعانبي أزمبة عامبة يؤدي تفاقمهبا إلى المزيبد مبن تراكبم قوى اسبتدامتها ل‬
‫تراكببم قوى حلهببا وتجاوزهببا أي أزمببة عامببة غيببر ثوريببة‪ ،‬وهببي حالة‬
‫مخالفبة لحالة مجتمعات أخرى يكون فيهبا الفشبل مرة أو مرتيبن مثل هبو‬
‫أكبببر الدوافببع لحراز النجاح والصببرار عليببه‪ ،‬أو يكون تفاقببم أزماتهببا‬
‫مفضيببا بصببورة مباشرة أو على مدى زمنببي محدود نسبببيا إلى تراكببم‬
‫سببريع لدوافببع وعوامببل حلهببا وتجاوزهببا‪ .‬هذه المجتمعات تعيببش أزمببة‬
‫ثوريبببة‪ ،‬المجتمعات التبببي تبلورت فيهبببا إلى حبببد ملموس قوي التغييبببر‬
‫التقدمبي الجذري والثوري كمبا كانبت عليبه فبي السبنوات القليلة الماضيبة‬
‫عددا مبن دول أمريكبا اللتينيبة التبي شرعبت وبقدر كببير مبن النجاح فبي‬
‫تجاوز أزماتها وفي مقدمتها فنزويل‪.‬‬
‫وقبد ظهرت هذه الحالة لحياتنبا السبياسية أي الطاببع غيبر الثوري للزمبة‬
‫العامة في البلد بصورة أولية في أعقاب هزيمة ‪ ،1967‬وتبلورت تباعا‬
‫مبع تراكبم تداعياتهبا السبلبية المتمثلة فبي التراجبع عبن مشروع اسبتكمال‬
‫التحرر الوطنبي وبناء أسبس التقدم القتصبادي والتحرر الجتماعبي‪ .‬ففبي‬
‫أعقاب الهزيمببة التببي فاقببت أسببوأ التوقعات وفببي ظببل غياب المنظمات‬
‫السبياسية الديمقراطيبة والشعبيبة الجماهيريبة التبي قضبى نظام ‪ 23‬يوليبو‬
‫على مببا كان قائمببا منهببا‪ ،‬ومببع التراجعات السببياسية المتواليببة للنظام‬
‫السببياسي‪ ،‬كان رد الفعببل الدفاعببي العفوي عببن الذات الوطنيببة والقوميببة‬
‫أمام الهجوم الستعماري الصبهيوني هو اللجوء إلى الديبن للعتصبام به‪،‬‬
‫وهو رد فعبل أفرزه تكويننا الثقافبي ذا المرتكبز السباسي الدينبي والذي لم‬
‫يكن قد تجذر فيه الفكر التنويري والعقلني المعاصر‪ .‬وهو رد ساهم في‬
‫حينه بدور كبير في وقاية الذات من النسحاق التام أمام إجرام وضراوة‬
‫العدو‪ ،‬لكنبه مبع ذلك ل يصبلح إطارا أو منهجبا عامبا رئيسبيا ل لمواجهبة‬
‫المبرياليبببة والصبببهيونية ومخططاتهمبببا وهزيمتهمبببا ول لبناء مقومات‬
‫التقدم السببياسي والقتصببادي والثقافببي والتحرر الجتماعببي والنسبباني‬
‫لشعوبنبا‪ .‬لذلك نمبى ورسبخ على المدى البعبد عوامبل الضعبف فبي قوى‬
‫تحرر وتقدم المجتمبببع وأدى إلى تآكلهبببا‪ ،‬وهبببو مبببا نشاهده اليوم ظاهرا‬
‫للعيان المباشببر فببي النحطاط الثقافببي والسببياسي الرائج وتفاهبة وبدائيببة‬
‫خطاببة الفكري وخاصبة صبيغته الدينيبة الرائجبة‪ .‬وهبل أدل على ذلك مبن‬
‫الفتاوى والحاديبببث حول إرضاع الكببببير وجماع الزوجبببة عاريبببة أو‬
‫بملبسها وحجاب المرأة أو سفورها ولزومها منزل الزوجية أو خروجها‬
‫للعمل والمساهمة في الحياة الجتماعية وعدم جواز إقامة واقتناء التماثيل‬
‫وغيرهبببا مبببن عشرات القضايبببا الدالة على النكوص إلى جهالة وطغيان‬
‫القرون الوسطى وعصر ما قبل الدولة الحديثة‪.‬‬
‫ويرجببع السبببب الرئيسببي لسببتمرار وتوطببد سببمة النكوص للماضببي‬
‫ولتخاذ الديببن مرجعيببة وحيدة أو رئيسببية للحياة السببياسية والثقافيببة فببي‬
‫بلدنببا إلى أن مشروع مقاومببة المبرياليببة والصببهيونية المؤسببس على‬
‫ضرورات وقوى التجديببد والتحرر الجتماعببي والسببياسي والثقافببي قببد‬
‫تراجبع ببل تفكبك وانهار خلل نفبس الفترة‪ .‬ل شبك أن التطورات الدوليبة‬
‫غيبر الملئمبة التبي حدثبت فبي ذات الفترة قبد دفعبت فبي اتجاه التراجبع‬
‫والتفكبك‪ ،‬لكبن تظبل الوضاع الداخليبة هبي المسبئول الول‪ ،‬وفبي مقدمبة‬
‫هذه الوضاع ‪ :‬السببتراتيجية القتصببادية والسببياسية للطبقببة أو الفئات‬
‫الرأسبببمالية المهيمنبببة على القتصببباد وسبببلطة الدولة التبببي تخلت عبببن‬
‫المشروع وارتضبت التبعيبة والعيبش فبي كنبف السبتعمار والحدود التبي‬
‫يسمح بها من جهة‪ ،‬والتجاهات التهادنية والتفكيكية التي سادت صفوف‬
‫القوى الوطنيببة والديمقراطيببة بعببد هزيمببة ‪ 1967‬والتببي لم تكببف عببن‬
‫التخاذل والتراجبع أمام المبرياليبة والصبهيونية حتبى وصبلت مبع احتلل‬
‫العراق وحتى الن إلى موقف عدائي وشبه عدائي من المقاومة العراقية‬
‫البطلة وموقفهببببا الملتبببببس (بببببل والمريببببب أحيانببببا) مببببن مشروع‬
‫"الديموقراطيبة" المريكبي‪ ،‬مبع اسبتمرار وتجذر موقفهبا النهزامبي مبن‬
‫الكيان الصهيوني من جهة أخرى‪.‬‬

‫الفصل الثاني‬
‫جزر الحركة الجماهيرية وأسبابه الساسية‬
‫طوال ثلثة أرباع القرن العشريبن الولى‪ ،‬على تنوع أو اختلف مراحبل‬
‫التطور الجتماعي والسياسي فيها‪ ،‬كانت مواقف وحركة الجماهير حول‬
‫مطالبها القتصادية والسياسية تمر بدورات من المد والجزر‪ ،‬مرحلة من‬
‫النشاط واليقظبة والتصباعد يعقبهبا تراجبع وخمود وركود‪ ،‬إل أن مرحلة‬
‫المبد مبا كانبت لتنهبى بمكاسبب كببيرة أو صبغيرة أو حتبى بدون مكاسبب‬
‫وتدخبل الحركبة مرحلة الخمود والجزر لبضعبة شهور أو سبنوات معدودة‬
‫إل لتبدأ مببن جديببد مرحلة مببن نشاط ونهوض الحركببة‪ .‬وخلل الربببع‬
‫الراببع مبن القرن لم تتوقبف تمامبا بالطببع احتجاجات وتحركات الجماهيبر‬
‫القتصببببادية كالعتصببببامات أو الضراب عببببن قبببببض المرتبات أو‬
‫الضراب عبببن العمبببل أحيانبببا‪ ،‬ببببل وقامبببت بعبببض أحداث وتحركات‬
‫جماهيريبة كببيرة بعضهبا اقتصبادي ذا طاببع سبياسي كانتفاضبة ‪19 ،18‬‬
‫ينايبر ‪ ،1977‬أو ذات طاببع سبياسي كانتفاضبة جنود المبن المركزي فبي‬
‫الثمانينيات‪ ،‬أو سببياسية كهبببة الشهيببد سببليمان خاطببر بمحافظببة الشرقيببة‬
‫والجامعات المصبببببرية فبببببي الثمانينيات‪ ،‬ومظاهرات طلب الجامعات‬
‫المصبرية ضبد العدوان المريكبي والثلثينبي على العراق ‪ ،1991‬وهببة‬
‫طلب مصببر السببياسية سببنة ‪ 2000‬تضامنببا مببع النتفاضببة الفلسببطينية‬
‫الثانيببة "انتفاضببة القصببى"‪ ،‬ومظاهرات ‪ 21 ،20‬مارس ‪ 2003‬ضببد‬
‫الغزو المريكي للعراق‪ ،‬هذا بخلف النتفاضات المحلية في هذه المدينة‬
‫أو تلك ممببا عرف أمنيببا بالحوادث المؤسببفة وأغلبهببا كانببت صببداما بيببن‬
‫الشرطبة والجماهيبر الغاضببة إثبر موت أحبد المواطنيبن جراء التعذيبب أو‬
‫الضرب حتى الموت على أيدي ضباط المباحث والشرطة‪.‬‬
‫إل أن الحداث والتحركات الجماهيريبة خلل الثلثيبن عامبا الخيرة بمبا‬
‫في ذلك التحركات الكبيرة والسياسية الطابع كانت أحداثا متفرقة منعزلة‬
‫عبن السبياق والطاببع العام المقيبم للحركبة وهبو الركود‪ .‬ولم يكبن أيبا منهبا‬
‫حلقة أو بداية أو ذروة لمرحلة أو موجة يقظة وتصاعد تدريجية بطيئة أو‬
‫سببريعة‪ ،‬وإنمببا كانببت ومضات أو شرارات احتكاك أو تصببادم حاد بيببن‬
‫مصببالح أو مطامببح أو مشاعببر الجماهيببر وبيببن ممارسببات قوى القهببر‬
‫والسببتغلل الداخلي أو قوى القهببر والسببتغلل والعدوان السببتعماري‬
‫والصهيوني سرعان ما انطفأت في المناخ الخامل الذي انطلقت فيه‪ .‬لقد‬
‫ازدادت الحركبة النقابيبة العماليبة الرسبمية تعفنبا وبيروقراطيبة ومبن ثبم‬
‫انصببياعا للحكومبة وأصبحاب العمال وعداءً للقواعبد العماليبة وانعزال‬
‫عنها‪ .‬أما الحركة العمالية الواقعية النابعة من القواعد والمعبرة عنها التي‬
‫بدأت فببي التشكببل والنطلق بإضراب عمال مصببانع أسببكو فببي شبببرا‬
‫الخيمة ‪ 1968‬وتصاعدت في السبعينيات من القرن الماضي‪ ،‬فقد تآكلت‬
‫وخمدت فبي أواخبر الثمانينيات والتسبعينيات وغدا أدائهبا متهافتبا وعاجزا‬
‫أمام أخطبر العتداءات على الحقوق العماليبة التبي تشهدهبا مصبر خلل‬
‫خمسببين عامببا تحببت عناويببن الخصببخصة والمعاش المبكببر وتشجيببع‬
‫المستثمرين المحليين والجانب وحماية أمن الدولة‪ ،‬كما أزداد انصراف‬
‫الطبقببة العاملة عببن‪ ،‬وانحسببار دورهببا فببي‪ ،‬الحياة السببياسية للمجتمببع‬
‫المصببري‪ .‬وخلل نفببس الفترة كادت تموت بببل ماتببت بالفعببل الحركببة‬
‫الطلبيبة ومبن ثبم فقدت القوى الوطنيبة الديموقراطيبة والتقدميبة مصبدر‬
‫أسبباسي لنموهببا وتجددهببا بالجيال الجديدة‪ .‬ول ينال مببن هذه الحقيقببة –‬
‫وإنمبببا يؤكدهبببا – بقاء وانفراد الجماعات السبببلمية بالطلب‪ ،‬فاختزال‬
‫مرجعية الدنيا أو السياسة وحصرها في الدين كاختزالها في مرجعية أمن‬
‫الدولة يقضبي على حريبة الحركبة والفعبل والمعتقبد والفكبر والنقاش الحبر‬
‫والبحببث العقلنببي والعلمببي‪ ،‬ومببن ثببم على وجود أو نهوض الحركببة‬
‫الطلبية بل والحياة الجامعية التي تستحق هذا الوصف‪.‬‬
‫وخلل نفبس الفترة انخفضبت كثيرا درجبة تسبييس الجماهيبر وتجمدت أو‬
‫تقلصبببت قواعبببد الحزاب والمنظمات والقوى الديمقراطيبببة والتقديمبببة‬
‫وانسببحب مببن بعضهببا عمليببا أو رسببميا الكثيببر مببن أعضائهببا‪ ،‬وازداد‬
‫عزوف الجماهير عن دعواتها ونداءاتها وتكرس انصراف الجماهير عن‬
‫المشاركبببة فبببي النتخابات البرلمانيبببة والمحليبببة‪ .‬وانتشرت المراكبببز‬
‫والجمعيات الهليببة الممولة مببن الخارج التببي تتبنببى كببل منهببا أجندة قببد‬
‫يكون بعضها صحيحا إل أنها جزئية ومنفصلة عن النضال الوطني العام‬
‫وتحجبب قضايبا اكثبر أهميبة حيبث ل تشجبع حكومات الدول السبتعمارية‬
‫ومخابراتهببا ومؤسببساتها وشركاتهببا هذه الجمعيات وتمولهببا إل لغرض‬
‫حجببب وإزاحببة القضايببا الجوهريببة والعامببة ضمببن مخططهببا التفكيكببي‬
‫للمجتمبع المصبري والمجتمعات العربيبة الذي اتخبذ أخيرا صبيغة الشرق‬
‫الوسببببط الكبببببير‪ .‬كمببببا تغلغلت أيديولوجيات المبرياليببببة والعولمببببة‬
‫(المبرياليببة الجماعيببة ) والمركببة فببي الطبقببة الحاكمببة ودائرة واسببعة‬
‫نسببيا مبن المثقفيبن والمتعلميبن عببر منظمات المجتمبع المدنبي السبابقة‪،‬‬
‫وأيضبا وأسباسا‪ ،‬عببر القنوات الرسبمية الحكوميبة والعلميبة ومراكبز‬
‫الدراسببات والبحوث الصببحفية والحكوميببة والهليببة (الممولة أجنبيببا)‬
‫وجمعيات ومنظمات كبار رجال العمال والغرف التجاريبببببة ومنظمات‬
‫العمال المشتركبة مبع الدول الكببرى‪ ،‬وكذلك عببر تبعيبة مناهبج وقضايبا‬
‫وتوجيهات الدراسببببة والبحببببث الكاديمببببي فببببي الجامعات المصببببرية‬
‫للتجاهات الكاديميبة المرتبطبة عضويبا بمصبالح الحتكارات فبي الدول‬
‫الكببرى السبتعمارية وبعثات الدراسبة والتدريبب فبي هذه الدول ‪ .‬وأصببح‬
‫المشهبد الثقافبي والسبياسي الغالب قببل وبعبد احتلل العراق فبي الوسباط‬
‫العلمانيبببة وشببببه العلمانيبببة مشهدا ليبراليبببا يطمبببس المفاهيبببم والحقائق‬
‫الساسية للنظام المبريالي العالمي المتجدد‪ ،‬وتركت بذلك الساحة للتيار‬
‫الديني للرد والتصدي لعدوانية النظام المبريالي‪ ،‬وهو في الحقيقة ل يرد‬
‫ول يتصبدى وإنمبا ينجبر ويدفبع بالجماهيبر إلى الوقوع فبي فبخ مبا سبُمي‬
‫صبراع الحضارات والديانات بالضببط كمبا يريبد أعداؤنبا السبتعماريون‬
‫والصبهاينة تقسبيما لصبفوفنا وتعبئة لشعوبهبم لتأييبد العدوان علينبا بذريعبة‬
‫محارببة الرهاب السبلمي‪ .‬وكبل مبا سببق يجسبد انحسبار وتشوه مفاهيبم‬
‫وأسبببباليب النضال الطبقببببي الشعبببببي والعمالي فببببي أشكاله السببببياسية‬
‫والقتصبادية والفكريبة‪ ،‬وانحسبار وتشوه مفاهيبم وأشكال النضال الوطنبي‬
‫سببواء على الصببعيد المصببري أو العربببي ‪ ،‬هذا النحسببار والتشوه هببو‬
‫المعيار البارز والرئيسبي لجزر وركود الحركبة الجماهيريبة الطويبل فبي‬
‫بلدنبا‪ .‬فمبا هبي السبباب أو المصبادر السباسية التبي أنتجتبه وتعيبد إنتاجبه‬
‫حتى الن؟‬
‫هناك أربعة مصادر وأسباب أساسية وهي كما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬صعود خطاب وطريق الخلص الفردي ‪:‬‬
‫تضافرت عدة عوامبل منبذ منتصبف عقبد سببعينيات القرن الماضبي على‬
‫إحياء وصبببعود خطاب وطريبببق الخلص أو الحبببل الفردي بيبببن أفراد‬
‫جماهيببر الشعببب‪ .‬فقببد أصبببح الفرد المصببري يميببل ميل شديدا للنظببر‬
‫لمصلحة الفردية وحل مشكلت حياته وتنمية دخله ورفع مستوى معيشته‬
‫بمعزل عبن غيره مبن الفراد‪ ،‬وبعيدا عبن مصبالحهم وعبن حبل أو عدم‬
‫حبل مشاكلهبم ورفبع مسبتوى معيشتهبم‪ ،‬وسبواء كان الفراد الخريبن مبن‬
‫نفبس الطبقبة أو الفئة أو حتبى المنشأة التبي ينتمبي هبو نفسبه إليهبا أو مبن‬
‫غيرهبببا مبببن طبقات وفئات ومنشآت المجتمبببع الخرى‪ .‬وبعبارة أخرى‬
‫انحسبار أمله أو تعلقبه أو ارتباطبه بحبل مشاكله وتحقيبق مصبلحته الفرديبة‬
‫والسرية في إطار وضمن الحل الجماعي الوطني للمشكلت التي يعود‬
‫حلهبا بالنفبع على مجموع الشعبب‪ ،‬أو الحبل الجماعبي الطبقبي للمشكلت‬
‫الخاصبة بالطبقبة أو الفئة الجتماعيبة التبي ينتسبب إليهبا‪ .‬وهبو ممبا يفسبر‬
‫جزر الحركبة الجماهيريبة وركودهبا الطويبل سبواء تعلق المبر بقضايبا‬
‫النضال الجتماعببي الطبقببي فببي فترة شهدت اعتداءات وانتهاكات كثيفببة‬
‫لحقوق أسباسية ببل ومكتسببة مسببقاً للجماهيبر الكادحبة وارتفاعبا حادا فبي‬
‫تكاليبف المعيشبة وفقرا نسببيا ومطلقبا مسبتشريا‪ ،‬أو تعلق المبر بقضايبا‬
‫النضال الوطنببي فببي فترة اسببتمر فهببا انتهاك السببيادة المصببرية وفقدان‬
‫حريببببة القرار الوطنببببي المسببببتقل مببببن جراء اتفاقيات كامببببب ديفيببببد‬
‫السبببتسلمية وعلقات التبعيبببة للوليات المتحدة المريكيبببة وتصببباعد‬
‫العدوان المريكي والصهيوني على العالم العربي بأسره‪.‬‬
‫العوامل التي أحيت وصعدت نفسية وطريق الخلص الفردي هي التالية‬
‫‪:‬‬
‫أ ‪ -‬هزيمة ‪ 1967‬وتداعياتها السياسية السلبية ‪:‬‬
‫فاق هول الهزيمبة كمبا ذكرنبا أسبوأ التوقعات‪ .‬لكبن جماهيبر الشعبب أببت‬
‫التسبليم بالهزيمبة وانتفضبت مبن أعماق القرى إلى قلب العاصبمة مدويبة‬
‫"حنحارب"‪ ،‬مطالبة عبد الناصر بالستمرار في الحكم والمقاومة‪ ،‬ومع‬
‫ذلك خذلتهبا سياسات النظام قبل حرب أكتوبر وخاصة بعدها؛ بتراجعاته‬
‫أمام العدو‪ ،‬وبإصبببراره على مصبببادرة حرياتهبببا ومبادرتهبببا وحركتهبببا‬
‫المسبببتقلة‪ ،‬ففقدت تدريجيبببا روحهبببا المعنويبببة العاليبببة وانفرط التفافهبببا‬
‫العريببببض حول أهداف ‪ :‬التحريببببر واسببببتكمال السببببتقلل والسببببيادة‬
‫المصببرية‪ ،‬وبناء القتصبباد الحديببث المعتمببد على الذات وبمببا يضمببن‬
‫الحقوق القتصبببادية والجتماعيبببة للطبقات الشعبيبببة كأولويببة للسبببياسة‬
‫القتصبادية والجتماعيبة للدولة‪ ،‬وعلقات الرتباط الحيوي بيبن اسبتقلل‬
‫ورقببي مصببر وتقدمهببا وبيببن تحريببر فلسببطين والدول العربيببة مببن أي‬
‫احتلل أو تبعيبة للسبتعمار‪ .‬لقبد صبدمت الجماهيبر بوهبم القوة العسبكرية‬
‫التبي أسببغها إعلم النظام على نفسبه‪ ،‬إل أن مبا أضعبف تباعبا المعنويات‬
‫العاليبة التبي احتفظبت بهبا الجماهيبر رغبم هذه الصبدمة وأسبلمها لنفسبية‬
‫الخلص الفردي هو تراجعات النظام ذاته عن مشروعه وثوابته السابقة‬
‫فضل عبن تمسبكه بسبياسة مصبادرة حريات الجماهيبر ومبادرتهبا تحبت‬
‫شعار ل صوت يعلو على صوت المعركة‪.‬‬
‫كان الحفاظ على المعنويات النضاليبة والميول الثوريبة للجماهيبر يقتضبي‬
‫عندئذ طرح وبروز مشروع بديبببببل للتحريبببببر والتطور القتصبببببادي‬
‫والسبياسي المسبتقل والتقدم والتحرر الجتماعبي‪ .‬إل أن القوى المفترض‬
‫صبلحيتها لطرحبه وبناء التفاف جماهيري حوله – بعبد تراجبع نظام ‪23‬‬
‫يوليبو السبياسي – وهبي القوى الشعبيبة والشتراكيبة‪ ،‬كانبت قبد تفككبت‬
‫تحبت ضربات النظام وأيدت أغلبيبة قادتهبا وكوادرهبا السبابقة اسبتراتيجية‬
‫النظام؛ إزالة آثار العدوان والحبببل السبببلمي وقرار مجلس المبببن ‪/242‬‬
‫‪ .1967‬وحتبى عندمبا عادت لتنظيبم نفسبها مجددا بعبد وفاة عببد الناصبر‬
‫واصبلت نفبس الموقبف تحبت تأثيبر ذيليتهبا للناصبرية وتبعيتهبا الفكريبة‬
‫للسببوفييت الذيببن كانوا قببد تخلوا منببذ سببنوات طويلة عببن خببط المقاومببة‬
‫والتحرير‪ .‬حقا لقد ظهرت – ومن قبل الهزيمة – مجموعة من بين أشلء‬
‫الحركببة الشيوعيببة ونشطببت مببن قبيببل الهزيمببة وفور وقوعهببا للدعوة‬
‫لسبتراتيجية حرب تحريبر تعتمبد على الجيبش الوطنبي والشعبب المسبلح‬
‫معا‪ ،‬إل أنها حوصرت من قبل رفاقها السابقين ومن النظام الذي طاردها‬
‫ونكل بها في المعتقلت ومصادر دخلها ومعيشتها‪.‬‬
‫قامبت اسبتراتيجية مواجهبة الهزيمبة وتحبت شعار إزالة آثار العدوان على‬
‫سببياسة الحببل السببلمي وفقببا لقرار مجلس المببن ‪ 1967 /242‬وتأكيده‬
‫بالقرار ‪ ،1973 /338‬وهبو قرار يكافببئ العدو على عدوانببه بالعتراف‬
‫بإسبرائيل واغتصباب أراضبي ‪ 1948‬والمرور فبي قناة السبويس وخليبج‬
‫العقبة مقابل النسحاب من "أراضي" وليس "الراضي" المحتلة ‪1967‬‬
‫بمبا يسبمح بضبم أراضبي أو تجريبد الراضبي التبي تنسبحب منهبا إسبرائيل‬
‫مبن السبلح المصبري والعرببي ووجود قوات دوليبة وأمريكيبة بهبا كمبا‬
‫حدث في النسحاب من سيناء فيما بعد‪ .‬وشملت سياسة الحل السلمي من‬
‫المنظور المصببري الرسببمي إعادة بناء القوات المسببلحة لخوض جولت‬
‫قصبيرة ومحسبوبة مبن القتال ضبد احتلل سبيناء لفتبح طريبق المفاوضات‬
‫كلمبا أغلقهبا العدو بشروطبه المشددة‪ ،‬كمبا أدت إلى تقويبة الميبل لمهادنبة‬
‫أمريكا تحت شعار تحييدها وتشجيعها على الضغط على إسرائيل‪ ،‬إل أن‬
‫الخطببر مببن قبول هذه التنازلت رغببم خطرهببا البالغ هببو تداعياتهببا‬
‫السببياسية الكثببر انهزاميببة والتببي أدت فببي عهببد السببادات ومبارك إلى‬
‫تنازلت سببياسية وعسببكرية لسببرائيل وأمريكببا تجاوزت إلى حببد بعيببد‬
‫التنازلت التببي أظهرتهببا نصببوص القراريببن ‪ .338 ،242‬فقببد خلقببت‬
‫مهادنببة أمريكببا والتنازل التاريخببي الفادح أمام الكيان الصببهيوني بعببد‬
‫الهزيمبة – وفبي ظبل وضبع سبياسي داخلي يفتقبد للجماهيبر المنظمبة فبي‬
‫أحزاب ومنظمات وطنيبببة ديموقراطيبببة وثوريبببة – الترببببة السبببياسية‬
‫والفكريبببة والملئمبببة لبعبببث القوى الرجعيبببة السببباعية لللتحاق بعجلة‬
‫السبببتعمار المريكبببي وإعادة تدعيبببم وضبببع ومصبببالح كبار الملك‬
‫الزارعيبن والرأسبمالية الكببيرة مبن جهبة‪ ،‬وبعبث القوى الرجعيبة الخرى‬
‫الداعيبة للسبلفية السبياسية الدينيبة مبن جهبة أخرى‪ .‬وقبد سباهم هذا البعبث‬
‫الرجعببي بدوره الهام فببي إحباط الجماهيببر وإضعاف ميولهببا النضاليببة‬
‫والثوريبببة وأسبببلمها لنفسبببية الخلص الفردي‪ ،‬ول فرق كببببير مبببن هذه‬
‫الزاويببة بيببن الرجعيببة السببياسية الدينيببة وغيببر الدينيببة فخطاب السببلم‬
‫السياسي يعد بمعنى من المعاني خطابا للخلص الخلقي الفردي‪.‬‬
‫كان تنفيبذ شروط القرار ‪ 242‬على الجانبب المصبري والعرببي يصبطدم‬
‫بوجود قوى وطنية ثورية فلسطينية ومصرية وعربية تنتهج استراتيجية‬
‫حرب التحريببر‪ ،‬إلى جوار وجود قوى وطنيببة وسببطية مببن ناصببريين‬
‫وقومييبن عرب وشيوعييبن مبن المدرسبة السبوفيتية يدعون بإمكانيبة الحبل‬
‫السلمي وتنفيذ قرار مجلس المبن ‪ 242‬دون اللتحاق فبي نهايبة المطاف‬
‫بركبب أمريكبا أو السبتسلم لسبرائيل!!‪ ،‬هذا بخلف الخوان المسبلمون‬
‫وجماعات إسبببلمية أخرى لم تعبببر آنذاك أدنبببى اهتمام بمواجهببة وطرد‬
‫الحتلل وإنما ركزت جهودها على تدعيم وجودها ونفوذها مستفيدة من‬
‫الضعببف النسبببي للنظام الذي ألحقتببه بببه هزيمببة ‪ .1967‬وقببد أسببفرت‬
‫الصبراعات السياسية بين هذه التجاهات المتعارضة – والتي نشببت فبي‬
‫وضببع سببياسي غابببت فيببه ول تزال الحزاب والمنظمات الجماهيريببة‬
‫الممثلة للطبقات الشعبيببة – عببن صببعود وسببيطرة أكثببر القوى والكتببل‬
‫الطبقيببة السببياسية اسببتعدادا للخضوع للسببياسة المريكيببة والسببتسلم‬
‫للمشروع الصهيوني‪ ،‬مما فاقم بدوره انصراف الجماهير عن الشان العام‬
‫الوطني والطبقي واستسلمها لنفسية وطريق الخلص الفردي‪.‬‬
‫ب‪ -‬الفقار مع نزع وسائل النضال ‪:‬‬
‫يخطئ الليبراليون عندما يتباكون على عصر ذهبي للحرية والديمقراطية‬
‫تحبت سبلطة الحتلل البريطانبي والقصبر الملكبي‪ .‬فلم تقبم ول يمكبن أن‬
‫تقوم ديموقراطيببة تحببت الحتلل‪ .‬فمببا حدث هببو أن جماهيببر الشعببب‬
‫انتزعببت مدى واسببعا نسبببيا مببن الحريات بنضالهببا وخاصببة أثناء ثورة‬
‫‪ 1919‬المجيدة وخلل عقبد الربعينيات‪ .‬وكانبت هذه الحريات تتعرض‬
‫دائما لعتداءات وانتهاكات السلطة ويقاومها الشعب في سجال لم يتوقف‬
‫إلى أن حدثببت مؤامرة حريببق القاهرة ‪ 26‬ينايببر ‪ ،1952‬ثببم قيام حركببة‬
‫الضباط الحرار بالسبتيلء على السبلطة فبي ‪ 23‬يوليبو ‪ 1952‬وتأسبيس‬
‫نظام ‪ 23‬يوليو‪ .‬إل أنه من الثابت تاريخيا أن نظام ‪ 23‬يوليو قد بدأ مبكرا‬
‫جدا في انتهاك الحريات النسبية المكتسبة سابقا‪ .‬فمنذ أغسطس ‪ 1952‬بدأ‬
‫بأقصببى وسببائل العنببف والقهببر نزع وسببائل النضال العمالي ووسببائل‬
‫الكفاح المطلببي لفئات الشعبب المختلفبة بإعدام العامليبن الشهيديبن خميبس‬
‫والبقري بعبد محاكمبة صبورية عسبكرية فبي كفبر الدوار عقاببا وإرهاببا‬
‫لعمال كفر الدوار الذين اضربوا عن العمل ولعمال مصر كلها‪.‬‬
‫كما سعى منذ اليام الولى لفرض العسكريين (طعيمة والطحاوي) على‬
‫الحركبة النقابيبة العماليبة وإفسباد القادة النقابيين ورشوة الصبفر منهم (كما‬
‫حدث في أزمة مارس ‪ 1954‬وغيرها من المناسبات) واعتقال عددا من‬
‫خيرة القادة النقابيين الشرفاء والمؤسسين في الفترة ‪ .1954 – 53‬إل أنه‬
‫رغبم هذه الجراءات التعسبفية والبوليسبية وغيرهبا الكثيبر لم ينجبح النظام‬
‫تمامبا آنذاك فبي ضرب وحصبار الحركبة النقابيبة العماليبة‪ ،‬رغبم مواصبلة‬
‫مطاردة النقابييببببن المناضليببببن وقمببببع الضرابات العماليببببة بالدبابات‬
‫(إضراب مصببانع الشوربجببي فببي إمبابببة)‪ ،‬ومحاولة عزل وتصببفية‬
‫النقابات العامببببة المشكلة خارج المصببببانع وإحلل النقابات المصببببنعية‬
‫محلها تسهيل لمهمة الدارة والمن في السيطرة على قياداتها أو التنكيل‬
‫بهبا‪ ،‬وبرغبم تدخبل الحكومبة المباشبر و الكثيبف فبي تشكيبل التحاد العام‬
‫(‪ )1956‬واتحاد العمال العرب (‪.)1957‬‬ ‫لنقابات عمال مصر‬
‫الخطوة الفعالة لنجاح النظام فبي إحكام قبضتبه على الحركبة النقابيبة وكبل‬
‫المنظمات الشعبيببة هببي القرار رقببم ‪ 8‬لسببنة ‪ 1958‬باشتراط العضويببة‬
‫العاملة للتحاد القومببي (ثببم التحاد الشتراكببي لحقببا ‪ )1961‬للترشيببح‬
‫لعضويببة مجلس إدارة أي منظمببة نقابيببة أو أي منظمببة وهيئة تمثيليببة‬
‫منتخبببببة‪ .‬وتوالت إجراءات وخطوات نزع أسببببلحة ووسببببائل النضال‬
‫العمالي والشعبببي فاعتقببل تقريبببا كببل النقابييببن العمالييببن والمناضليببن‬
‫والشرفاء ضمبن العتقالت الكببرى لعضاء وأنصبار الحركبة الشيوعيبة‬
‫المصببرية (‪ ،)1964 -1959‬والتقليببس التدريجببي للتصببنيف النقابببي‬
‫للنقابات العامة الذي بدأ بب ‪ 64‬نقابة ليصل اليوم إلى ‪ 23‬نقابة فقط تجمع‬
‫النقاببة العامبة الواحدة منهبا فبي عضويتهبا مهنبا وأعمال غيبر متجانسبة أو‬
‫متشابهبة أو مترابطبة‪ ،‬ممبا يضعبف وحدة عمال النقاببة العامبة وتضامبن‬
‫نقاباتهبا الفرعيبة ولجانهبا النقابيبة‪ ،‬ويسبهل مهمبة أمبن الدولة وأصبحاب‬
‫العمال في السيطرة على الحركة النقابية وإخضاعها وإنهائها كمنظمات‬
‫كفاحيبة للعمال والجراء‪ ،‬ومواصبلة صبارمة لمصبادرة الحريات النقابيبة‬
‫والعامة‪.‬‬
‫إل أنبه – ومبن الوجبه الخبر – ورغبم تمكبن النظام الناصبري مبن تصبفية‬
‫الحركبة النقابيبة المسبتقلة وتحويبل النقابات واتحادهبا العام إلى جهاز مبن‬
‫أجهزة الدولة للسبيطرة على حركبة الجراء وقمعهبا وبالتالي نزع وسبائل‬
‫النضال المنظبببم الجماعبببي والنقاببببي مبببن أيدي الطبقبببة العاملة (وكذلك‬
‫الطبقات الشعبيبببة الخرى)‪ ،‬فقبببد ظلت نفسبببية (ببببل عقليبببة) الخلص‬
‫الجماعبي (خلص الوطبن مبن السبتعمار والتبعيبة السبتعمارية والتخلف‬
‫القتصادي والجتماعي‪ ،‬وخلص الطبقات الشعبية من شروط وظروف‬
‫العمبل المجحفبة ومبن الفقبر وفوارق الطبقات والسبتغلل "التطلع للحبل‬
‫الشتراكبي") هبي السبائدة فبي صبفوف الطبقبة العاملة والطبقات الشعبيبة‬
‫الخرى حتببى أواخببر عقببد السببتينيات‪ .‬ومرجببع ذلك السبباسي أن النظام‬
‫الناصببري كان ل يزال يحقببق للطبقات الشعبببة والمتوسببطة مكتسبببات‬
‫اقتصبادية واجتماعيبة مبن جهبة وأنبه كان يتبنبى "رسبميا" أهداف الشعبب‬
‫فبي مقاومبة السبتعمار والصبهيونية وتحريبر فلسبطين والوحدة العربيبة‬
‫والتصببنيع والسببتقلل القتصببادي والتقدم الجتماعببي ويدغدغ ‪ -‬بغبض‬
‫النظببر عببن جديببة وصببلحية سببياساته وتنظيماتببه فببي هذا الشأن – حلم‬
‫العمال والفلحيبن الفقراء وسبائر الطبقات الشعبيبة فبي العدل الجتماعبي‬
‫بمفهوم عصرنا وهو الشتراكية‪ ،‬وأن الجماهير كانت بدورها تعتقد إلى‬
‫حببد ملموس بمصببداقية النظام وخاصببة قائده عبببد الناصببر رغببم أسببلوبه‬
‫الفردي والديكتاتوري في الحكم‪.‬‬
‫منذ بداية السبعينيات وحتى الن‪ ،‬وإضافة إلى التداعيات السلبية لهزيمة‬
‫‪ – 1967‬وخاصة تراجعات النظام المتوالية أمام أمريكا وإسبرائيل التي‬
‫أشرنببا إليهببا سببابقا – وإلى اسببتمرار تحويببل الحركببة النقابيببة العماليببة‬
‫الرسمية إلى أداة للحكومة وأمن الدولة وأصحاب العمال والقمع العنيف‬
‫للضرابات والحتجاجات العماليبة ومصبادرة الحريات النقابيبة والعامبة‬
‫تحبببت شعارات دولة المؤسبببسات وسبببيادة القانون والتعدديبببة الحزبيبببة‬
‫المشوهة‪ ،‬نقول إضافة إلى كل ذلك تكاثرت عمليات بل وسياسات الدولة‬
‫لفقار الجماهيبببر العماليبببة وصبببغار المواطنيبببن ومتوسبببطيهم والفئات‬
‫الكادحببة الخرى فببي الحضببر والرياف‪ .‬تضخمببت السببعار بصببورة‬
‫فاحشبة ومتواصبلة مبع الثبات النسببي للجور والمرتبات النقديبة فانهارت‬
‫بصبورة متواصبلة الجور الحقيقيبة وقيمبة الدخول النقديبة الثابتبة‪ ،‬وتنامبي‬
‫عجببز الجهاز النتاجببي والقتصببادي عببن اسببتيعاب العاطليببن والزيادة‬
‫السنوية في قوة العمل‪ ،‬وتهافتت سياسة تشغيل العاطلين والخريجين‪ ،‬ثم‬
‫تم إلغاء التزام الدولة بتعيين الخريجين وتخليها عن مسئوليتها في تشغل‬
‫العامليببن وإلقائهببا على عاتببق القطاع الخاص الذي لم يسببتوعب أعدادا‬
‫ملموسبة منهبم‪ ،‬وتدهورت الخدمات السباسية وارتفعبت تكلفتهبا وتفاقمبت‬
‫أزمببة السببكان وفاق حلهببا قدرة الطبقات الشعبيببة والمتوسببطة وخاصببة‬
‫الشباب حتببى صببارت الجور والمرتبات الحقيقيببة للغالبيبة السبباحقة مبن‬
‫السبكان ل تكفبي مجرد بقاء الفرد وأسبرته على قيبد الحياة‪ .‬وغدا العتماد‬
‫على أجر أو مرتب الوظيفة أو دخل المزارع القزمية الصغيرة للفلحين‬
‫الفقراء وأجور عملهم عند الغير يساوي التضور جوعا‪ ،‬فما بالك بنفقات‬
‫التعليم والصحة وزواج الجيال الجديدة من الشباب والشابات‪.‬‬
‫في ظل هذه الوضاع المتدهورة والبائسة وإزاء فقدان الجماهير الكادحة‬
‫المقهورة وسببائل وأسببلحة النضال الجماعببي وغياب المنظمات النقابيببة‬
‫والديموقراطيبة المناضلة والمقاتلة دفاعبا عبن الكادحيبن‪ ،‬كان نمبو نفسبية‬
‫الخلص الفردي والندفاع نحو تلمس سبل الحلول الفردية أمرًا ل مجال‬
‫لتجنبه بالعمل في مهنة ثانية أو وظيفة ثانية وثالثة‪ .‬وامتد بذلك يوم العمل‬
‫للكادح المصبري إلى ‪ 18 ،15‬سباعة لمجرد تلبيبة احتياجاتبه الضروريبة‪،‬‬
‫اللهببم إل إذا وجببد فرصببة هجرة للعمببل بالخارج تاركببا ذويببه للمجهول‬
‫وأسببوأ الحتمالت قبببل أن يأتيهببم بالدخببل الذي يحافببظ على أو يرفببع‬
‫مستوى معيشتهم‪.‬‬
‫جب‪ -‬الهجرة وتصدير العمالة المصرية ‪:‬‬
‫حلم الثراء والحراك الطبقي إلى مصاف الطبقة الرأسمالية أو على القل‬
‫إلى مصباف البرجوازيبة الصبغيرة الميسبورة كان هبو دافبع العدد القليبل‬
‫للمهاجريبن المصبريين فبي الخمسبينيات والسبتينيات مبن القرن الماضبي‬
‫إلى أمريكا الشمالية واستراليا وغرب أوربا‪ ،‬وكذلك كان دافع بعض من‬
‫سببافروا بعببد طفرة أسببعار البترول ‪ 1973‬إلى السببعودية ومشيخات‬
‫الخليبج‪ .‬أمبا منبذ ‪ 1974‬وحتبى أوائل عقبد التسبعينيات فقبد تدفبق ملييبن‬
‫المصبريين للعمبل فبي البلد العربيبة البتروليبة ببل وغيبر البتروليبة التبي‬
‫كانت تفتقر إلى العمالة المصرية النشيطة الرخيصة الجر لمجرد توفير‬
‫مصبدر للوفاء باحتياجاتهبم الضروريبة‪ ،‬بعبد أن عزت فرص العمبل فبي‬
‫بلدنا المصرية للعاطلين وخاصة بعد أن أصبحت دخول المشتغلين منهم‬
‫مبن وظائفهبم أو أعمالهبم الصبغيرة المسبتقلة أقبل فبي قوتهبا الشرائيبة ممبا‬
‫يقيبم الود أو يوفبر الحياة الدميبة الكريمبة أو المسبتورة‪ .‬وباتبت القاعدة‬
‫المرعية السائدة اجتماعيا وثقافيا في الطبقات الشعبية والفقيرة في الريف‬
‫والمدن‪ ،‬أن على الشاب الذي يبلغ سن العمل متعلما أو لم يكمل تعلميه أو‬
‫أميا أن يتغرب في أحد البلد العربية أو الجنبية ليكمل ما ينقص أسرته‬
‫مبن نفقات العيبش الضروريبة أو توفيبر حياة كريمبة لهبا فضل عبن توفيبر‬
‫نفقات زواجبه وتأسبيس أسبرته الخاصبة‪ .‬وغدا الحبل فبي الخارج لمبن يجبد‬
‫فرصة لذلك من جهة أو العمل طول الوقت في الداخل إن وجد الفرصة‬
‫لذلك أيضببا مببن جهببة أخرى‪ ،‬هببو الملذ الوحيببد للوفاء بمتطلبات حياة‬
‫السبر المصبرية‪ .‬ومبن الثاببت تاريخيبا أن الدولة تبنبت رسبميا فبي أوائل‬
‫‪1974‬ضمببن سببياسة النفتاح القتصببادي التببي أعلنهببا وزيببر القتصبباد‬
‫وحدد خطواتها الساسية تصدير العمالة المصرية للخارج كتوجه رئيس‬
‫لسبياسة تشغيبل العاطليبن ولكبل مبن ل يقببل أن يرضببى براتببه أو دخله‬
‫الهزيببل مببن عمله‪ .‬لذلك أصببح الحببل خارج مصببر أو خارج المنشأة أو‬
‫المهنببة الصببلية التببي يعمببل بهببا المشتغلون مببن العامليببن‪ ،‬وبالمخالفببة‬
‫لقوانيببن الدولة والقطاع العام والخاص التببي تحظببر العمببل عنببد الغيببر‬
‫وبتشجيبع مبن الدولة أو غبض الطرف مبن جنابهبا‪ ،‬هبو المصبدر السباسي‬
‫للدخبل الذي يعتمبد عليبه الكادحون مبن عمال وموظفيبن وفلحون فقراء‪.‬‬
‫أدى ذلك فبي آن واحبد لطلق وتعميبم منحنبى الحبل أو الخلص الفردي‬
‫وإلى سبحب جهبد كببير مبن قوة العمبل المصبرية نسببة هامبة منهبا عمالة‬
‫ماهرة وعاليببة التدريببب مببن دورهببا فببي بناء القتصبباد المصببري‪ ،‬وإلى‬
‫إضعاف أداء وإنتاجيببة العمببل فببي المنشآت القتصببادية المصببرية وفببي‬
‫الجهاز الداري للدولة‪ ،‬و انتشار الفسبببباد المالي والداري فيهببببا‪ ،‬وبات‬
‫العامليبن فبي هذا الجهاز وتلك المنشآت ل يركزون بالهبم ومبن ثبم جهدهبم‬
‫فبي أعمالهبم فبي منشآتهبم‪ ،‬بقدر مبا يتطلعون ويتحينون الفرص إمبا للسبفر‬
‫للخارج أو توفيبر جهدهبم فبي الدارات أو المنشآت التبي يعملون فيهبا فبي‬
‫الصبباح أو الورديبة لصبالح العمبل الثانبي والثالث الضافبي مسباء أو بعبد‬
‫انتهاء الورديببة فببي عملهببم الصببلي‪ .‬ومببن النتائج التببي ترتبببت على‬
‫استشراء هذه الميول الفردية والنسحابية بين جماهير العاملين انصرافها‬
‫عبن طريبق التضامبن والنضال المشترك لبناء الطبقبة أو المهنبة الواحدة‬
‫دفاعا عن حقوقها‪ ،‬وكذلك ضعف دفاعها والتفافها حول الهداف الوطنية‬
‫والقوميبة فبي التحرر الوطنبي الفعلي والديموقراطيبة والتقدم القتصبادي‬
‫والجتماعي‪.‬‬
‫د‪ -‬سياسة نشر أيديولوجية الحل الفردي ‪:‬‬
‫لم ينتشبر مسبعى الحبل أو الخلص الفردي بصبورة عفويبة نتيجبة لعوامبل‬
‫موضوعيببة (الفقببر وفرض الحلول الفرديببة كالهجرة‪...‬الخ) فحسببب بببل‬
‫وأيضا – وأساسا – بصورة معتمدة واعية أيديولوجيا وساعية قصدا إلى‬
‫النتائج السياسية التي ترتبت على انتشاره وهيمنته على غالبية الجماهير‪.‬‬
‫فإلى جوار السببياسات المقررة لنزع وسببائل النضال النقابببي والمطلبببي‬
‫وسبياسة تصبدير العمالة كتوجبه رئيبس لتشغيبل العامليبن والزيادة السبنوية‬
‫فبي قوة العمبل غذت الدولة أيديولوجيبة (ذهنيبة) الخلص الفردي وعملت‬
‫على نشرها في الثقافة الجماهيرية‪ .‬تطري وسائل العلم الرسمية – منذ‬
‫السببعينيات وحتبى الن – وتدعبو العامليبن الجراء إلى اسبتكمال الدخول‬
‫الضروريبة لمعيشتهبم باحتراف مهنبة إضافيبة أو القيام بعمبل إضافبي إلى‬
‫جوار الوظيفبة الصبلية‪ ،‬وتروج نموذج الحراك الطبقبي الفردي الصباعد‬
‫و"الشطارة" فبي تحقيبق الثراء الفردي وانتهاز فرصبة‪ .‬وتعددت البرامبج‬
‫التلفزيونيبببة والذاعيبببة فبببي إطار هذا التوجبببه سبببواء بالدعوة المباشرة‬
‫الصببريحة أو عبببر الدرامببا التلفزيونيببة والذاعيببة (المسببلسلت)‪ .‬عملت‬
‫سبببياسات الدولة – ول تزال – على تغييبببر بعبببض القيبببم الجتماعيبببة‬
‫اليجابيبة والجماعيبة التبي كانبت قبد سبادت نسببيا فبي المجتمبع المصبري‪،‬‬
‫كاحترام العلم والتعليبم‪ ،‬والجتهاد والتقان والكيبف فبي العمبل قببل الكبم‪،‬‬
‫ونبببذ الفرديببة المفرطببة والنتهازيببة والتقديببر العالي نسبببيا للتضامببن‬
‫والمصببالح المشتركببة بيببن أبناء الطبقببة أو الفئة الجتماعيببة أو المهنببة‬
‫الواحدة‪ ،‬وإعلء شأن التحرر الوطنبببببي والعزة الوطنيبببببة والقوميبببببة‬
‫واللتفاف حول التوجببه السببياسي والقتصببادي والجتماعببي الذي يعود‬
‫بثماره على مجموع الشعبب ل على الفئة أو الطبقبة التبي تسبتغله وتقهره‬
‫وحدها‪.‬‬
‫شجعت أجهزة الدولة – ومن قمة السلطة أيضا – النتهازية أو استغلل‬
‫معاناة الجماهير في تحقيق الثراء الفردي بل والفساد عمدا‪ ،‬وليس بمجرد‬
‫غبض الطرف عنبه‪ .‬فرئيبس الجمهوريبة فبي السببعينيات قال بعبد انتفاضبة‬
‫‪19 ،18‬يناير ‪ 1977‬أنا عملت للبلد سعر الشقة اللي كان ثمنها كذا ارتفع‬
‫ثمنها إلى كذا‪....‬الخ‪ ،‬كما برر في مناسبة أخرى ودافع عن الفساد المالي‬
‫والتجاري الذي انتشبببر معتببببرا له كطريقبببة عاديبببة فبببي مرحلة إحياء‬
‫الرأسبمالية المصبرية‪ ،‬وعلى أسباس أنبه مسبتقبل سبتستخدم الموال التبي‬
‫تراكمت بهذه الوسائل البدائية والفاسدة بالطريقة المعتادة والمشروعة في‬
‫التراكم الرأسمالي ( أي سيتم غسلها باللغة الحالية)‪ .‬لكن الفساد والوسائل‬
‫غير المشروعة والهمجية لم تتوقف حتى الن بل انتشرت‪ ،‬وكلما زكمت‬
‫رائحتها النوف تقدم الدولة من آن لخر كبشا أو بضعة أكباش فداء دون‬
‫تضببع حدا للسببياسات واليديولوجيببة التببي تعيببد النتاج الموسببع للفسبباد‬
‫والسلب والنهب الفج والمباشر‪.‬‬
‫هذا ويشكببل توجببه انسببحاب الدولة مببن دورهببا المباشببر فببي القتصبباد‬
‫وخطاب الخصببببببخصة ‪ ،‬وخطاب المشروع الخاص الصببببببغير لشباب‬
‫الخريجيبببن والعاطليبببن كتوجبببه الدولة الرئيسبببي لتشغيبببل الخريجيبببن‬
‫والعاطليبن ‪ ،‬وإلقاء مسبئولية التشغيبل وحبل مشكلة البطالة المتزايدة على‬
‫عاتببق القطاع الخاص مكونات هامببة وأسبباسية فببي أيديولوجيببة وثقافببة‬
‫الخلص الخاص والفردي‪.‬‬
‫ومبن الواضبح أن نشبر ذهنية الخلص الفردي وآليات تفعليها كان شرطبا‬
‫لزمببا وملزمببا للسببياسة المصببرية والعربيببة النهزاميببة أمام الكيان‬
‫الصبببهيوني والتبعيبببة السبببياسية والعسبببكرية لمريكبببا خاصبببة والقوى‬
‫الستعمارية العالمية عامة‪.‬‬
‫‪ -2‬التفكيك الفكري السياسي‪ ،‬والجتماعي ‪:‬‬
‫أُخضببع الشعببب المصببري طوال أكثببر مببن ثلثيببن عاماً – ول يزال –‬
‫لعمليات تفكيك فكري وسياسي استهدفت وطالت وعيه بروابطه الوطنية‬
‫والقوميبة الجامعببة لوحدتببه الوطنيببة ولعروبتببه‪ ،‬ووعببي طبقاتببه الكادحببة‬
‫بمصببالحها المشتركببة‪ ،‬ووجود وفعاليببة أشكال التنظيببم ووسببائل النضال‬
‫التي تعبر أو تحاول التعبير عن هذه الطبقات في السبعينيات والثمانينيات‬
‫من القرن الماضي رغم وجودها المحدود والمضروب عليه الحصار في‬
‫تلك الفترة‪ ،‬كما استهدفت وفككت إلى حد كبير الوعي بحزمة السياسات‬
‫والعلقات الضروريبببة للتطور السبببياسي والقتصبببادي والجتماعبببي‬
‫والثقافي‪.‬‬
‫كمبببا جرت – ول تزال – لشعبنبببا عمليات تفكيبببك اجتماعبببي اسبببتهدفت‬
‫ونجحببببت – إلى حببببد كبببببير – فببببي الضرار بالقاعدة الموضوعيببببة‬
‫(القتصادية – الجتماعية) لنضاله السياسي الوطني والطبقي والنضال‬
‫النقاببي؛ أي الضرار بإمكانات التطور والنمبو القتصبادي التبي تملكهبا‬
‫بلدنبا (فتزداد نسببة المهمشيبن مبن الشعبب)‪ ،‬والضرار بوضوح وتبلور‬
‫الوضعيببة الطبقيببة ا لعماليببة خصببوصا والجيرة عمومببا ( حيببث يشكببل‬
‫الجراء العمود الفقري لي حركبببة جماهيريبببة ناهضبببة ) وذلك بإكراه‬
‫العامببل أو الموظببف الصببغير فضل عببن سببائر الفقراء – ومببن أجببل أن‬
‫يحصبلوا علي الحبد الدنبي للمعيشبة – علي الدخول فبي أكثبر مبن علقبة‬
‫مبن علقات النتاج والكسبب ‪ ،‬وهبو إكراه يفقبد فيبه العامبل تركيبز جهده‬
‫علي مهنة أو منشأة واحدة وتتجاذبه مصالحه الموزعة بين أكثر من جهة‬
‫فيتآكبببل انتمائه لجماعبببة عمبببل محددة واحدة فتتآكبببل بدورهبببا رواببببط‬
‫التضامبن والتعامبل التبي ينشبأ على أسباسها النضال النقاببي وكبل نضال‬
‫عام‪.‬‬
‫أ ‪ -‬التفكيك الفكري والسياسي ‪:‬‬
‫فعلى الصببعيد الفكري والسببياسي أطلقببت وروجببت السببلطة السببياسية‬
‫المصرية والفئات الجتماعية التي تمثلها منذ أكثر من ثلثة عقود وحتى‬
‫الن – وبدعببم مببن المبرياليببة المريكيببة والكيان الصببهيوني – خطاباً‬
‫لتفكيك العلقات والرتباطات الضرورية والتي كانت قد تشكلت إلى حد‬
‫ملموس فبي مراحبل كفاح شعبنبا السبابقة فبي ذهنبه ووجدانبه بيبن السبيادة‬
‫والكرامببة الوطنيببة وبيببن التطور والتقدم القتصببادي والجتماعببي‪ ،‬بيببن‬
‫التحرر الوطنبي الكامبل وبيبن التقدم القتصبادي والعدل الجتماعبي‪ ،‬بيبن‬
‫الستقلل والمن القومي المصري وبين تحرير فلسطين والدول العربية‬
‫المحتلة أو الخاضعبة للتبعيبة السبتعمارية‪ .‬الدافبع لترويبج هذه التوجهات‬
‫التفكيكيببة وكمببا هببو واضببح‪ ،‬أغراض سببياسية مباشرة انهزاميببة تمريراً‬
‫وتبريراً للصلح الستسلمي مع "إسرائيل" وعلقات التبعية القتصادية‬
‫والسبياسية والعسبكرية لمريكبا خاصبة والدول السبتعمارية عامبة‪ .‬وقبد‬
‫شمببل الخطاب وآليات نشره ترويببج أيديولوجيببة الخلص الفردي كمببا‬
‫ذكرنبا سبابقاً وأيديولوجيبة الخلص القطري (مبن القطبر) المصبري وهمبا‬
‫ل تحملن أي خلص للشعب بأي معنى حقيقي‪.‬‬
‫لم يقببف المببر عنببد هذا الحببد فقببد تبلور وراج خطاب تفكيكببي عالمببي‬
‫بمصبباحبة وفببي أعقاب سببقوط دول أوروبببا الشرقيببة والتحاد السببوفيتي‬
‫وانطلق اسببتراتيجيات السببيطرة السببتعمارية والهيمنببة المريكيببة مببن‬
‫عقالها وصعود ورواج أنماط التفكير ما بعد الحداثي([‪ )]2‬بإجاباته غير‬
‫العقلنيبة والتفكيكيبة على السبئلة التبي طرحهبا هذا السبقوط وإعادة قراءة‬
‫إنجازات الفترة مببن منتصببف القرن التاسببع عشببر وحتببى الن (مرحلة‬
‫الحداثبة)‪ .‬وقبد وظفبت المبرياليبة الجابات مبا بعبد الحداثيبة فبي مخططهبا‬
‫التفكيكببي الشامببل الموجببه ضببد أمببم وشعوب وطبقات العالم المسببتغلة‬
‫والمضطهدة بوجبببببه عام والبلدان المسبببببتهدفة بمخططات السبببببيطرة‬
‫السببتعمارية المباشرة بوجببه خاص كالبلد العربيببة والسببلمية‪ ،‬بحكببم‬
‫موقعهببا السببتراتيجي الحاكببم على خريطببة الكرة الرضيببة وحيازتهببا‬
‫لكبر احتياطي للبترول‪ ،‬وروجته في مصر – كما في الدول الخرى –‬
‫بد ًء بالمثقفيبن والسبياسيين‪ ،‬فأنتشبر بدرجات ومسبتويات وأشكال مختلفبة‬
‫فببي التيارات الفكريببة والسببياسية المختلفببة دامجببا داخله خطاب التفكيببك‬
‫المحلى الذي كانبت تروجبه مبن قببل السبلطة السبياسية وأجهزتهبا الثقافيبة‬
‫والعلمية‪،‬‬
‫وتببم النتشار بطريقببة مزدوجببة عفويببة مببن جهببة وتنظيميببة واعيببة‬
‫أيديولوجية من جهة أخرى‪ .‬فقد سمح الضطراب الثقافي والسياسي الذي‬
‫شهده عالمنببا عشيببة وغداة انهيار التحاد السببوفيتي بملء الفكببر غيببر‬
‫العقلنبي والتفكيكبي الرائج الفراغ الفكري الناشبئ عبن النهيار مبن جهبة‪،‬‬
‫ل لترويجبه‬ ‫كمبا تبنبت قوى الرأسبمالية العالميبة (المبرياليبة) مخططًا شام ً‬
‫ووضعبه قيبد التنفيبذ الموسبع فبي المجتمبع المصبري والمجتمعات العربيبة‬
‫وغيرهبا مبن الدول المتخلفبة والتابعبة ضمبن طور جديبد مبن المبرياليبة‬
‫يعيد إخضاع ما يمكن إخضاعه للستعمار القديم مرة أخرى‪.‬‬
‫روجببت المبرياليببة ودوائرهببا الكاديميببة والثقافيببة ووسببائل إعلمهببا‬
‫مقولتهببا المخربببة والمفككببة لوعببي ونضال الشعوب والمببم المضطهدة‬
‫تحت عناوين العولمة والديمقراطية وحقوق النسان والقليات مثل ‪ :‬فك‬
‫الرتباط بيبن الجغرافيبا والسبمات المحليبة والقوميبة وبيبن تطور العلقات‬
‫الجتماعيبة الداخليبة‪ ،‬تفكيبك مفهوم السبيادة الوطنيبة ومفهوم ودور الدولة‬
‫الوطنية‪ ،‬فك حزمة السياسات والعلقات الضرورية والمترابطة للتطور‬
‫السياسي والقتصادي والجتماعي وإحالتها إلى أجندات صغيرة منعزلة‬
‫وحلقات منفصلة عن بعضها البعض ؛ الطفل‪ ،‬المرأة‪ ،‬البيئة‪ ،‬النتخابات‬
‫التعدديببة وتداول الحكببم كمرادف للديمقراطيببة‪ ،‬حقوق النسببان الفرديببة‬
‫المنفصببلة عببن شروط كسبببها ‪ ...‬الخ‪ ،‬هذه المقولت والجندات التببي ل‬
‫تستهدف إل حجب السياسات والممارسات المسئولة عن تردي أوضاعنا‬
‫السبياسية والثقافيبة وتخلف وتدهور أوضاعنبا القتصبادية والجتماعيبة‪.‬‬
‫ل لترويببج خطابهببا التفكيكببي‬ ‫كمببا أنشأت المبرياليببة الليات المتعددة أو ً‬
‫السبتعماري عببر الدراسبات والبحوث "العلميبة" المزعومبة‪ ،‬ومنظمات‬
‫المجتمبببع المدنبببي الممولة أجنببببياً والتبببي تسببباهم علوة على ذلك فبببي‬
‫اسبببتقطاب وإفسببباد بعبببض عناصبببر الحزاب والجماعات أو الحلقات‬
‫الديمقراطيببة والشتراكيببة‪ ،‬وإعادة تدريببب وتأهيببل الكوادر الصببحفية‬
‫والعلميببة والكاديميببة والثقافيببة والقانونيببة والداريببة والقتصببادية‬
‫لتسببتوعب وتردد وتروج اليديولوجيببة المبرياليببة الجديدة‪ ،‬وثانياً إنشاء‬
‫آليات تفرض هذا الخطاب – إذا تطلب المبببببببببر – عببببببببببر العقوبات‬
‫القتصبادية والسبياسية أو تدبيبر النقلبات أو التدخبل العسبكري المباشبر‬
‫بذرائع التدخببل النسبباني وفرض احترام حقوق النسببان أو القليات أو‬
‫نشببر الحريببة والديمقراطيببة كمببا يزعببم قادة أمريكببا وغيرهببا مببن الدول‬
‫السببتعمارية‪ .‬ودخببل مخطببط التفكيببك الوافببد طور جديدًا مباشراً وأكثببر‬
‫توسببعًا بعببد احتلل العراق بطرح وبدء تنفيببذ مشروع الشرق الوسببط‬
‫الكببير واسبتهدافاته الكببرى فبي تفكيبك الهويبة الوطنيبة والقوميبة العربيبة‪،‬‬
‫وتوطيد بناء ركائز محلية اجتماعية سياسية أيديولوجية للسيطرة الجنبية‬
‫وللتبعية الستعمارية عبر إطلق العنان لليات السوق الحر (المتوحش)‬
‫وتشكيبل أو دعبم قيام ونمبو أحزاب وجماعات سبياسية تتنافبس فيمبا بينهبا‬
‫في إطار الخضوع والتبعية للمبريالية المريكية والعالمية‪.‬‬
‫ولعبل ممبا يؤكبد تسبرب وانتشار تأثيبر الخطاب والمخطبط التفكيكبي فبي‬
‫صبفوف الحزاب والقوى والجماعات الوطنيبة الديمقراطيبة والتقدميبة –‬
‫وليس الليبراليين الجدد وغيرهم ممن يقبلون بعلقات التبعية الستعمارية‬
‫وحدهم – هو طرح الكثيرون من المنتسبين لتلك الحزاب والقوى قضية‬
‫الديمقراطيببة والنضال مببن أجلهببا بمعزل عببن القضايببا والصبببراعات‬
‫السباسية الخرى‪ ،‬والتبي ل يمكبن كسبب الديمقراطيبة بدون إحراز تقدم‬
‫ملموس وحاسبم على طريبق النضال لحلهبا‪ ،‬وخاصبة قضايبا النضال ضبد‬
‫العدو المريكبي والكيان الصبهيوني وضبد التبعيبة للمبرياليبة المريكيبة‬
‫والعالميبة‪ ،‬وقضايبا النضال مبن أجبل كسبب الحريات الفكريبة والسبياسية‬
‫والنقابيبة وعلى رأسبها حبق المواطنبة الكاملة للمصبرين بدون أدنبى تفرقبة‬
‫بسبب الدين أو الجنس‪.‬‬
‫فلقد ظل مطلب الديمقراطية وبصفة أساسية في عامي ‪– 2005 ،2004‬‬
‫بل وقبل ذلك – معلقاً في الفراغ ومفصولً عن القضية الرئيسية (القضية‬
‫الوطنيبة) وعبن شروطهبا الوليبة وهبي الحريات‪ ،‬وهذا هبو أحبد السبباب‬
‫الساسية في الحصاد المر للقوى الديمقراطية في النتخابات البرلمانية‪.‬‬
‫ب‪ -‬التفكيك القتصادي الجتماعي ‪:‬‬
‫ل يتسبببع المقال لمحاولة رصبببد كاملة لمصبببادر ومظاهبببر التفكبببك –‬
‫وبالحرى التفكيبك – الجتماعبي وسبنركز على مصبدرين نعتبرهمبا أهبم‬
‫المصادر خاصة في علقتهما بموضوعنا وهما ‪:‬‬

‫(‪ )1‬تدهور الوضاع القتصادية والجتماعية ‪:‬‬


‫المصدر الول وراء المصادر والسبباب والمظاهر جميعاً هو الوضاع‬
‫القتصببادية والجتماعيببة الراكدة والمتدهورة بد ًء بالوضببع القتصببادي‬
‫وبصورة شبه تامة‪ ،‬والتي ربما تكون تسير حتى الن من سئ إلى أسوأ‪.‬‬
‫ل نرى ثمة حاجة للتدليل كثيراً على هذا الحكم بإدراج مؤشرات الوضع‬
‫والداء القتصبادي والجتماعبي منعاً للمزيبد مبن الطالة وتجنباً للخروج‬
‫عبن السبياق العام للمقال‪ ،‬علوة على أنهبا معروفبة بصبورة عامبة للكافبة‪.‬‬
‫يكفينبا التذكيبر بمثليبن فقبط همبا الصبادرات والتعليبم‪ .‬فالصبادرات السبلعية‬
‫المصبرية التبي جعلتهبا الدولة فبي مقدمبة أولويات سبياستها القتصبادية ل‬
‫زالت حوالي ‪ 10‬مليار دولر([‪ .)]3‬وهبو مؤشبر واضبح الدللة خاصبة‬
‫إذا قارناه بدولة مثبببل ماليزيبببا متوسبببطة التطور والتبببي بدأت حركتهبببا‬
‫الموسعة في التصنيع بعدنا حيث تتجاوز صادراتها الب ‪ 90‬مليار دولر‪،‬‬
‫نقول هذا وبغببض النظببر عببن رأينببا فببي الولويات الصببحيحة للسببياسة‬
‫القتصادية في مصر‪.‬‬
‫وفبي التعليبم نذكبر فقبط بمبا آل إليبه نظامنبا التعليمبي مبن أوضاع كارثبة‬
‫سبواء بتفكيبك الرواببط الفكريبة والثقافيبة السباسية فبي وحدة المبة بتفكيبك‬
‫التعليم القومي الموحد في مرحلة التعليم الساسي‪ ،‬أو في فقدان المدرسة‬
‫مبببن الناحيبببة الرئيسبببية لدورهبببا التربوي والتعليمبببي الذي تتوله عملياً‬
‫الدروس الخصوصية‪ ،‬أو التدهور المزري في المستوى الثقافي والعلمي‬
‫للخريج في المراحل المختلفة وفي مقدمتها التعليم العالي ‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫إن ركود وجمود المجتمببع المصببري هببو سبببب ونتيجببة أيضاً لعمليات‬
‫وسياسات التفكيك الجارية القتصادية والجتماعية والفكرية‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفكيك وضع الطبقة العاملة وأغلبية الجراء وتهميش الكثيرين منهم‬
‫‪:‬‬
‫تشكببل الطبقببة العاملة والُجراء مببن صببغار الموظفيببن (البرجوازيببة‬
‫الصبغيرة الجيرة) أغلبيبة قوة العمبل‪ ،‬وهبم وأسبرهم أغلبيبة السبكان‪ .‬وهبم‬
‫علوة على ذلك يشتركون كمجموعات في المصانع والشركات والهيئات‬
‫والدارات الحكوميبة فبي إنتاج سبلعة واحدة أو عدد محدود مبن السبلع أو‬
‫خدمبة واحدة أو عدد محدود مبن الخدمات المتشابهبة أو المترابطبة‪ .‬لذلك‬
‫يتسم عملهم بالطابع الجماعي ومن ثم تكون مصالحهم وحقوقهم المباشرة‬
‫(وأيضاً البعيدة) مشتركببة وواضحببة لهببم – على القببل المباشببر منهببا –‬
‫حتى في أدنى درجات الوعي‪.‬‬
‫وهم في ذلك يختلفون عن الحرفيين وأصحاب الدكاكين والمزارع الفقيرة‬
‫في الطابع الفردي والمنعزل لعملهم ومن ثم ل تكون مصالحهم المباشرة‬
‫والمشتركببة وتضامنهببم فيمببا بينهببم بدرجببة تحقببق ووضوح المصببالح‬
‫المشتركبة وأهميبة التضامبن حولهبا عنبد الجراء‪ .‬لذا يشكبل طاببع حركبة‬
‫ودفاع الجراء وخاصبة العمال عبن حقوقهبم ومطالبهبم العنصبر السباسي‬
‫الول فبي نهوض أو ركود الحركبة الجماهيريبة فبي المجتمبع‪ ،‬وبالتالي‪،‬‬
‫المناخ العام والقاعدة الجتماعيببببة الملئمببببة أو غيببببر الملئمببببة لنشاط‬
‫الحركات والحزاب الديمقراطية والشتراكية‪.‬‬
‫وبقدر ما يكون وضع العمال الذين ل يملكون ما يبيعونه غير قوة عملهم‬
‫محدداً وواضحًا لهبببم كطبقبببة واحدة متمايزة عبببن غيرهبببا مبببن الطبقات‬
‫وكذلك وضوح وضبع الُجراء الخريبن لنفسبهم كطبقبة أو فئة اجتماعيبة‬
‫متمايزة عببن غيرهببا مببن الفئات الجتماعيببة‪ ،‬بقدر مببا تكون مصببالحهم‬
‫المشتركة واضحة لهم ويكون ميلهم للتضامن والحل الجماعي لمشاكلهم‬
‫هبو الميبل أو التوجبه الرئيسبي بيبن صبفوفهم‪ .‬أمبا إذا لم يكبن وضبع الطبقبة‬
‫العاملة القتصببادي متبلوراً بدرجببة كافيببة أو اعتراه‪ ،‬لظروف مؤقتببة أو‬
‫لتدهور شديببد فببي الوضببع القتصببادي العام‪ ،‬قدراً كبببيرًا مببن التميّع أو‬
‫التفكبك بأن يدخبل عدد كببير مبن العمال (مبن أجبل زيادة دخله) فبي أكثبر‬
‫ل أجيراً وفلحاً‬ ‫مبن علقبة مبن علقات النتاج أو العمبل (كأن يكون عام ً‬
‫ل أجيراً وتاجرًا صببغيراً‬ ‫ل أجيراً وحرفياً مسببتقلً أو عام ً‬
‫صببغيراً أو عام ً‬
‫‪ ...‬الخ)‪ ،‬وتتجاذببه بذلك المواقبع الطبقيبة المختلفبة التبي وضبع نفسبه فيهبا‬
‫ومبن ثبم المصبالح المختلفبة المناظرة لكبل علقبة مبن علقات العمبل أو‬
‫النتاج ‪ ،‬فلببد أن يضعبف عندئذ واقبع ووضوح المصبالح المشتركبة بيبن‬
‫مجموع العمال ‪ ،‬ويضعبف بالتالي مسبتوى التضامبن والميبل الواعبي (ببل‬
‫العفوي) للنضال المشترك والحلول الجماعية للعمال بوصفهم عمالً‪.‬‬
‫فمن المعلوم أن الطبقة الجتماعية – أي طبقة – تنشأ من اشتراك جماعة‬
‫مببن الناس فببي الموقببع المتماثببل أو المتشابببه مببن‪ :‬ملكيببة وسببائل النتاج‬
‫(تملك أول تملك)‪ ،‬وإدارة وضبط وسائل النتاج وتقرير علقات العمل‬
‫(تديبر أو ل تديبر‪ ،‬تقرر أو ل تقرر‪ ،‬تحوز أو ل تحوز السبلطة داخبل‬
‫النطاق المباشبر للنتاج؛ المصبنع أو المنشأة)‪ ،‬وشكبل أو نمبط الحصبول‬
‫على الدخل (ربح أو ريبع أو أجر)‪ ،‬ويكتمل تشكلهبا كطبقة متمايزة تماماً‬
‫عببن غيرهببا مببن الطبقات بنمببو ونضببج وعيهببا بمصببالحها المشتركببة‬
‫ونضالها المشترك لتحقيقها من خلل تنظيم حركتها المستقلة‪.‬‬
‫والطبقبة العاملة هبي مبن ل يملك غيبر قوة عمله‪ ،‬ومصبدر دخله الوحيبد‬
‫هو الجر‪ ،‬ثمن بيع هذه القوة‪ .‬أما الموظفون الصغار وهم عادة ممن نال‬
‫تعليماً عالياً أو متوسببببطاً ويجوز قدرًا تافهاً أو قليلً مببببن السببببلطة فببببي‬
‫منشأتبه‪ ،‬فمنهبم مبن ل يملك أيضاً غيبر قوة عمله ومرتببه‪ ،‬إل أن الكثيريبن‬
‫منهبم لهبم دخول إضافيبة صبغيرة مبن عقار أو قطعبة أرض زراعيبة أو‬
‫شراكببببة فببببي دكان‪ .‬ومببببن الملحببببظ أن هذه المحددات الموضوعيببببة‬
‫القتصبادية والتنظيميبة للطبقبة العاملة خاصبة والموظفيبن الصبغار عامبة‬
‫قبد اعتراهبا خلل العقود الثلثبة الماضيبة – ول يزال – قدرًا كببيرًا مبن‬
‫التآكل والتفكك والختلط بين المواقع الطبقية المختلفة بالنسبة لعدد كبير‬
‫من العمال والُجراء الخرين‪.‬‬
‫فغالياً مبن أجبل مجرد اسبتكمال الدخبل اللزم لنفقات السبرة الضروريبة‬
‫ل مببن أجببل الثراء الفردي والنتقال إلى مرتبببة طبقيببة‬ ‫جداً‪ ،‬وأحياناً وقلي ً‬
‫أعلى‪ ،‬دخبل عدد كببير مبن العمال بمبا فبي ذلك عدد هام أيضاً مبن النواة‬
‫السبباسية للطبقببة العاملة – وهببي عمال الصببناعة والنتاج والذيببن كانوا‬
‫يتركزون في القطاع العام – في أكثر من علقة إنتاجية (عامل صناعي‬
‫وحائز زراعبي‪ ،‬عامبل وحرفبي‪ ،‬عامبل وتاجبر صبغير ‪...‬الخ)‪ .‬وهبو مبا‬
‫يمثبببل تفككاً للوضعيبببة العماليبببة ونكوصببباً فبببي التطور الموضوعبببي‬
‫القتصبادي للطبقبة العاملة التبي باتبت إعداد كببيرة منهبا تتجاذبهبا أنماط‬
‫علقات النتاج والكسبب المختلفبة والمتناقضبة التبي يمارسبونها‪ .‬وهبو مبا‬
‫أنعكببس بالسببلب وإلى حببد كبببير على الوعببي والنضال العمالي النقابببي‬
‫والجماعبي القتصبادي‪ ،‬كمبا أنعكبس بالطببع ومبن باب أولى على وعيهبم‬
‫السببياسي ودورهببم فببي الحياة السببياسية الذي كاد يتلشببى فببي المجتمببع‬
‫المصري‪.‬‬
‫ومببن الملحببظ أيضاً تزايببد أعداد المهمشيببن المسببتبعدين تمامًا بالبطالة‬
‫الكاملة مببن القتصبباد ومجال العمببل الرسببمي والمنظببم أو القطاع غيببر‬
‫المنظبم‪ ،‬أو الذيبن ليبس لهبم فرصبة كسبب محددة أو مسبتقرة فبي القطاع‬
‫الخير‪ ،‬وتزايد البطالة الجزئية للعمالة المؤقتة بوجه عام‪.‬‬
‫وإيجازًا يمكننببا تلخيببص آليات تفكيببك الطبقببة العاملة اقتصببادياً ونقابياً‬
‫وسببياسياً([‪ )]4‬وكذلك الفئات الكادحببة الجيرة الخرى وتهميشهببا كمببا‬
‫يلي‪:‬‬
‫· تسبريح عمال وموظفبي القطاع العام بنظام المعاش المبكبر وغيره مبن‬
‫الوسائل‪ ،‬والنخفاض الكبير في أعداد عمال المصانع والشركات التي لم‬
‫تخصبخص حتبى الن‪ ،‬والتحول فبي دور الدولة فبي التشغيبل‪ ،‬والعتماد‬
‫على القطاع الخاص حيببث يكشببف توجببه هذا القطاع عببن ميله الواضببح‬
‫للحجم الصغير من العمالة واستخدام تقنيات موفرة كثيرًا للعمل الحي في‬
‫عمليبة النتاج تحسبباً لرتفاع التكاليبف أو انخفاض الرباح وكببح النشاط‬
‫العمالي ومنببع قيام نقابات‪ ،‬وتخفيببض أو إلغاء العمالة فببي العمال غيببر‬
‫النتاجيببة فببي المصببنع أو المنشأة بإحالة أعمال الدارة أو التسببويق أو‬
‫الحراسببببة والمببببن إلى نظام الكراء ونظام المهام مببببن خلل شركات‬
‫ومقاولين‪ ،‬وهو مما يفاقم مع استمرار ركود القتصاد المصري وتعمق‬
‫تخلفبه وتبعيتبه البطالة فضلً عبن تفكيبك الطبقبة العاملة وضرب نضالهبا‬
‫النقابي‪.‬‬
‫· خروج أعداد مبن العمال مبن موقبع العمال إلى موقبع النتاج الصبغير‬
‫(فتببح دكان‪ ،‬وورشببة صببغيرة ‪.....‬الخ)‪ ،‬أو إلى القطاع القتصببادي غيببر‬
‫المنظبببم‪ ،‬أو الجمبببع بيبببن وضعهبببم كعمال أُجراء ومواقبببع أخرى وذلك‬
‫لسباب مختلفة تظافرت رغم هذا الختلف في تفكيك وزيادة التباين بين‬
‫الكادحين والُجراء وتهميشهم من أهمها ‪:‬‬
‫‪ -‬المدخرات من عوائد الهجرة للبلد العربية‪.‬‬
‫‪ -‬توظيف البعض مبلغ المعاش المبكر في مشروع صغير‪.‬‬
‫‪ -‬جمود الجور النقدية وانخفاض الجور الحقيقيبة ممبا اسبتدعى البحبث‬
‫عن مصدر إضافي للدخل من عمل أو مهنة احتياطية‪.‬‬
‫‪ -‬تزايببد أعداد المهاجريببن العائديببن مببن الخارج وضيببق فرص العمببل‬
‫ووجود بطالة كببببيرة كاملة وجزئيبببة‪ ،‬واسبببتيعاب القطاع الخاص لعدد‬
‫محدود ممبن سبرحوا مبن القطاع العام (تقدر بعبض الدراسبات أنبه ‪– 10‬‬
‫‪ %15‬فقبط) ([‪ )]5‬والباقبي منهبم تحول لحرفبي أو لبائع فبي محبل صبغير‬
‫أو متجول أو عاد إلى قريتببه‪ .‬وأغلبهببم‪ ،‬هببم وغيرهببم‪ ،‬مببن العاطليببن‬
‫مهمشين‪ .‬حيث ل يعملون على نحو منتظم وينتقلون من عمل إلى أخر أو‬
‫من حرفة إلى أخرى إذا وجدوا الفرصة لذلك‪.‬‬
‫· انتقال العمال بيبن أكثبر مبن نشاط خلل فترات قصبيرة والعمبل بعقود‬
‫مؤقتبة بسببب البطالة وتعسبف بعبض أصبحاب العمبل وجشعهبم‪ ،‬وتنقبل‬
‫العمال بيبن أكثبر مبن علقبة إنتاجيبة فبي ضوء المتاح مبن فرص العمبل‬
‫(العمبل فبي منشأة كببيرة أو صبغيرة‪ ،‬فبي قطاع منتظبم أو غيبر منتظبم ‪...‬‬
‫الخ) يؤثببر كثيراً على اسببتقرار حياتهببم ووعيهببم ورؤيتهببم المسببتقبلية‬
‫لطبقتهم ومجتمعهم‪.‬‬
‫· توجبه أصبحاب العمال الرئيسبي فبي المدن الجديدة لعدم إقامبة العمال‬
‫بجوار أعمالهبم فبي هذه المدن وانتقال العمبل يوميًا مبن قراهبم أو مدنهبم‬
‫البعيدة إلى أعمالهبا ثبم العودة إليهبا‪ ،‬حرصباً مبن جانبب أصبحاب العمال‬
‫وتحسباً من ظهور حركة عمالية نقابية وتكثيفًا لستغلل العمال وقهرهم‪.‬‬
‫· استغلل صاحب العمل المعروض الزائد من العمل لتخفيض الجور‬
‫والضمانات (بل ونسفها تماماً)‪ ،‬ولثارة المنافسة بين العمال حول فرص‬
‫العمببل المحدودة لتشغيببل مببن يقبببل بالجببر الدنببى وبدون ضمان‪ ،‬بببل‬
‫وبالتوقيبع على اسبتمارة فصبله مقدماً أو على وصبل أمانبة لتهديده بالطرد‬
‫والحببس إذا طالب بحقوقبه‪ ،‬وتشغيبل الناث بأجور أقبل مبن أجور الذكور‬
‫لنفس العمال‪.‬‬
‫· بطببش أمببن الدولة وتنكيلهببم بالمضربيببن عببن العمببل أو المعتصببمين‬
‫احتجاجاً على سبببوء أحوالهبببم وكثافبببة اسبببتغللهم‪ ،‬والقيود الصبببارمة‬
‫البوليسببية على النشاط النقابببي ومطاردتهببم للعناصببر القياديببة الشريفببة‬
‫والمخلصبة فبي صبفوف العمال‪ ،‬وملحقبة مبن يطالب بحقوقبه أو يسبعى‬
‫إلى تنظيم دفاع العمال عن حقوقهم وتأسيس نقابة لهم – أو حتى التفكير‬
‫فببي ذلك – فببي المدن الجديدة‪ ،‬ويتببم ذلك فببي تعاون وتلحببم وثيببق بيببن‬
‫المبن وأصبحاب العمال الكبار‪ ،‬وذلك فبي ظبل تقاعبس وخيانبة الحركبة‬
‫النقابية الرسمية واتحادها العام للقاعدة العمالية وجميع الجراء‪.‬‬
‫ومببا ينطبببق على العمال ينطبببق على صببغار الموظفيببن مببن حيببث تعدد‬
‫مواقعهبم الطبقيبة ومهنهبم (موظبف وفلح صبغير‪ ،‬موظبف وتاجبر صبغير‬
‫أو حتببى بائع متجول‪...‬الخ) فيضعببف تضامنهببم ونضالهببم النقابببي فببي‬
‫أعمالهم الصلية‪.‬‬

‫‪ -3‬نمو جوانب التخلف ومواطن الضعف في الثقافة المصرية الحديثة ‪:‬‬


‫لن يغيب عن انتباه القارئ للصفحات السابقة أن نمو أوجه التخلف ونقاط‬
‫الضعبف فبي الثقافبة المصبرية العامبة والسبياسية هبو قاسبم مشترك فبي‬
‫السبببباب السببباسية لضعبببف وانحسبببار التيارات والقوى الديمقراطيبببة‬
‫والتقدمية وركود الحركة الجماهيرية‪.‬‬
‫إن تخلف – ببل وتدهور – الثقافبة قاسبم مشترك فبي كبل مبن تدنبي الوعبي‬
‫السببياسي للجماهيببر‪ ،‬وتشوش وعببي قسببم هام مببن السببياسيين والمثقفيببن‬
‫وتخلف وعببي قسببم كبببير أخببر منهببم‪ ،‬وأشكال ووسببائل التضامببن أو‬
‫الصبراع الجتماعبي المتخلفبة التبي تلجبأ إليهبا الجماهيبر وعزوفهبا عبن‬
‫أشكاله ووسببائله المتقدمببة الطبقيببة والمهنيببة الفعالة‪ ،‬ومعاييببر الختيار‬
‫والمفاضلة بيبن المرشحيبن فبي النتخابات‪ ،‬وعزوف الجماهيبر المتعلمبة‬
‫والمية عن العمل السياسي والعام والنقابي‪ ،‬وردود أفعال الجماهير على‬
‫مبا تواجهبه البلد مبن هزائم أو انتكاسبات أو تهديدات وطنيبة أو قوميبة أو‬
‫أزمات سبياسية واجتماعيبة أو على مبا تواجهبه فبي حياتهبا وأعمالهبا مبن‬
‫إفقار واسببتغلل وتعسببف واضطهاد‪ ،‬وطابببع الزمببة العامببة السببياسية‬
‫والقتصادية والجتماعية غير الثوري‪ ،‬والميل الماضوي لتخاذ الرؤية‬
‫الدينيببببة إطار مرجعياً لمواجهببببة عقبات التحرر السببببياسي الوطنببببي‬
‫والديمقراطبببي والتقدم القتصبببادي والجتماعبببي والذي ل يعدو كونبببه‬
‫انسببحابًا مببن المياديببن الحقيقيببة للمواجهببة وإغراقاً فببي الوهببم لن يؤدي‬
‫اسببتمراره إل إلى أحببد أشكال النتحار الجماعببي للمببة‪ ،‬وتخلف الثقافببة‬
‫عامل أساسي في فشل قوى التحرر والتجديد الجتماعي في التغلب على‬
‫عقبات التحرر والتقدم وإعادة صببببياغة مشروع المقاومببببة والتحريببببر‬
‫والتقدم وتعميمبه بيبن الجماهيبر‪ .‬إذ أن مصبادر التخلف الفكري والثقافبي‬
‫المسببتحدثة وأبرزهببا التفكيببك والثقافببة العلميببة العلنيببة السببطحية‬
‫السببتهلكية والتسببلية المخدرة‪ ،‬وثقافببة الخنوع والسببتسلم والخلص‬
‫الفردي الوافدة أو التبببي تنميهبببا وتغذيهبببا السبببلطة السبببياسية والطبقبببة‬
‫الجتماعية التي تمثلها قد تسربت إلى دوائر عريضة من الجماهير‪ ،‬بل‬
‫وإلى بعبببض قوى التحرر والتجديبببد ذاتهبببا بروافدهبببا المختلفبببة‪ ،‬بينمبببا‬
‫أصببحت القلة القليلة الداعيبة للمشروع محاصبرة بيبن هذه القوى الخيرة‬
‫وبيببن التخلف الثقافببي القديببم المنبعببث على نطاق واسببع بقناع الصببحوة‬
‫السلمية‪.‬‬
‫والتراجبع والتخلف الثقافبي فبي صبوره ومصبادره المتعددة هبو انعكاس‬
‫لتدهور أوضاع مصببببر السببببياسية والقتصببببادية والجتماعيببببة وإفقار‬
‫واستغلل واضطهاد طبقاتها الكادحة‪ ،‬وغدا التخلف بدوره عاملً أساسياً‬
‫من عوامبل استمرار هذا التدهور‪ .‬والقوى التبي تقبف وراء تخلفنا الثقافبي‬
‫والفكري والعلمبي هبي القوى السبتعمارية والصبهيونية مبن جهبة‪ ،‬وقوى‬
‫السلم السياسي التي تستثمر تدهور أوضاعنا وفشل مشروعات التحرر‬
‫والحداثبة السبابقة فبي ترويبج مشروعهبا الذي ل يُروج إل ببعبث الثقافبة‬
‫المتخلفة القديمة‪.‬‬
‫والسبببؤال الذي يتعيبببن طرحبببه هنبببا هبببو لماذا وجدت الفكار والثقافبببة‬
‫المختلفببة‪ ،‬الرجعيببة والسببتعمارية‪ ،‬التربببة الملئمببة لنتشارهببا الواسببع‬
‫خلل الثلثيبببن عاماً الماضيبببة؟ أو بعبارة أخرى لماذا لم ينتشبببر انتشاراً‬
‫ملموسببًا فببي مواجهببة هذه الثقافببة الرجعيببة والسببتعمارية ثقافببة ناقدة‬
‫ومفسرة لوضاعنا السياسية والقتصادية والجتماعية المتدهورة تفسيراً‬
‫صحيحاً ومقاوما لها‪ ،‬وطارحا لبديل أو بدائل صحيحة وطنية ديمقراطية‬
‫أو شعبيبة تحظبى باقتناع الجماهيبر والتفافهبا؟ هناك ولشبك أسبباب عديدة‬
‫وراء انتشار الثقافبببة المتخلفبببة والرجعيبببة وانحسبببار الثقافبببة الوطنيبببة‬
‫والديمقراطية والعقلنية منها ‪ :‬تأثير ثقافة سعودية وخليجية ذات محتوى‬
‫ديني رجعي طاغ ونزعة تلفيقية أو متهادنة مع الغرب المستعمر وعدائية‬
‫للوجه العلمي والتقدمي في الثقافة العربية والعالمية‪ ،‬هذا التأثير الوافد مع‬
‫المصبببريين العامليبببن بهذه الدول وتحويلتهبببم‪ ،‬تأثيبببر وسبببائل العلم‬
‫العالميبة والمصبرية والعربيبة‪ ،‬انهيار النظام التعليمبي المصبري وتدهور‬
‫المسببتوى العلمببي والثقافببي للسببتاذ والطالب والخريببج‪ ،‬تظافببر الدولة‬
‫والتيار السبياسي الدينبي منبذ عهبد السبادات وحتبى الن فبي تعميبم وهيمنبة‬
‫الخطاب الديني وفي وجهه الرجعي والهابط والرديء حتى صار بعض‬
‫وعاظببه ودعائه نجوم ولمعببة يحجببب بريقهببا المصببنوع والمدفوع كببل‬
‫مفكري ودعاة العقبل والسبتنارة والوطنيبة والديمقراطيبة والتقدم والعدل‬
‫والتحرر الجتماعببي‪ ،‬ويحجببب رموز هذه المبادئ ل فببي الجيببل الحالي‬
‫فحسب‪ ،‬بل والجيال السابقة حتى جيل رواد النهضة المصرية الثقافية ‪:‬‬
‫الطهطاوي ومحمد عبده ولطفي السيد ومنصور فهمي وعلي عبدالرازق‬
‫وطه حسين وأحمد أمين وغيرهم‪.‬‬
‫مببن هذه السببباب أيضاً تبنببي كثيببر مبن الدباء والمثقفيببن منببذ ثمانينيات‬
‫وتسببعينيات القرن الماضببي للتجاهات اللعقلنيببة والتفكيكيببة والنفعيببة‬
‫التبي راجبت آنذاك فبي الغرب‪ ،‬ممبا سباهم فبي المزيبد مبن تآكبل المكونات‬
‫والعناصببر الوطنيببة والديمقراطيببة والعقلنيببة والتقدميببة والنضاليببة فببي‬
‫النتاج الدببي والثقافبي وفبي عزل المثقبف والديبب والفنان عبن الحقائق‬
‫الجوهريبة فبي الواقبع السبياسي والقتصبادي والجتماعبي وفبي النيبل مبن‬
‫دور الفن والدب والثقافة في تغييره تغييرًا نضالياً وعلمياً وتقدمياً‪.‬‬
‫إل أن أهببم السببباب سببببان أسبباسيان جوهريان لولهمببا لمببا كان تأثيببر‬
‫السبباب السبابقة بالكبم والكيبف المتحققيبن أمرًا ممكناً‪ .‬السببب الول‪ :‬هبو‬
‫أن نهضتنبا الثقافيبة أو ثورتنبا الثقافيبة الديمقراطيبة قبد تعثرت وتراجعبت‬
‫أثبببر توقبببف مبببد ثورة ‪ 1919‬وبروز اتجاهات التهادن مبببع المسبببتعمر‬
‫البريطانبي والعرش‪ ،‬وفشبل المحاولت المتكررة التبي قادهبا الوفبد لقامبة‬
‫حكومببة نيابيببة تمثببل الشعببب فببي ظببل الحتلل وسببيطرة كبار الملك‪،‬‬
‫فتراجعبت عقلنيبة الفكبر وعلمانيبة السبياسة اللتان واكبتبا نهوض الحركبة‬
‫الوطنيبة الجماهيريبة قببل وبعبد ثورة ‪ 1919‬لصبالح نزعبة توفيقيبة تببرز‬
‫فيهببا التجاهات المنافيببة للعقببل والحريببة‪ ،‬وتتغلب فيهببا منببذ منتصببف‬
‫ثلثينيات القرن الماضبي السبلفية التراثيبة على اتجاهات اسبتيعاب الفكبر‬
‫العلمبببببي الحديبببببث مخلفبببببة بذلك مناخًا معاديًا للتحرر الفكري وملئماً‬
‫لسبتمرار وبعبث السبلفية ودورهبا التخريببي فبي تكريبس رتاببة الجماهيبر‬
‫وخمود همتهبا‪ ،‬والحتفاظ بجذوة الفتنة الطائفيبة متقدة – ولو تحت الرماد‬
‫– لتستخدم كحاجز ضد التحرر العقلي والسياسي للجماهير([‪.)]6‬‬
‫أما السبب الثانبي فهو أن منجزات حركة الثقافة المصبرية الحديثة والتي‬
‫اسبتطاعت تياراتهبا أن تواصبل نسببياً تطويرهبا والبناء عليهبا‪ ،‬حتبى بعبد‬
‫توقبف مبد ثورة ‪ 1919‬وتراجبع الثورة الثقافيبة الديمقراطيبة‪ ،‬مسبتفيدة مبن‬
‫بعبض نصبوص دسبتور ‪ 1923‬والتناقضات بيبن الفئات الحاكمبة والقصبر‬
‫الملكبي والحتلل البريطانبي‪ ،‬هذه المنجزات قبد حُجببت وقُيدت حركتهبا‬
‫إلى حبد ملموس فبي ظبل نظام ‪ 23‬يوليبو بمصباحبة وفبي تناقبض بيّن مبع‬
‫منجزاته اليجابية التي التقت مع آمال الجماهير‪ ،‬وذلك من جراء موقف‬
‫النظام مببن الحريات والديمقراطيببة وإجهازه الفوقببي على تعدد الحزاب‬
‫وحرية الصحافة والنشر والتعبير وطبعه للفكر والثقافة بطابع واحد‪ .‬فقط‬
‫كانت حركة الثقافة الحديثة قد حققت بعض المنجزات الهامة والساسية‬
‫أهمهبببا ازدهار التيار العلمانبببي وقبببد شبببق مجراه فبببي معظبببم العلوم‬
‫الجتماعيببة‪ ،‬وكان رواده الوائل أمثال لطفببي السببيد وقاسببم أميببن وطببه‬
‫حسببين وحسببيين هيكببل وسببلمة موسببى وإسببماعيل مظهببر قببد خاضوا‬
‫معارك ضارية ضد الفكر السلفي والقطاعي‪ ،‬وتطور الفكر الديني على‬
‫أيدي علماء إجلء مبن أمثال علي عبدالرازق وأميبن الخولي وأحمبد أميبن‬
‫وسببعاد جلل‪ ،‬وظهور الفكببر الشتراكببي وتطوره مببن الفابيببة (سببلمة‬
‫موسبى) إلى الشتراكيبة الديمقراطيبة (محمبد مندور ولويبس عوض) إلى‬
‫الماركسية عند قطاع عريض من مثقفي أربعينيات القرن الماضي([‪.)]7‬‬
‫وقبد أدت مصبادرة الحريات فبي الفترة الناصبرية (والتبي اسبتمرت طوي ً‬
‫ل‬
‫بعدهبا وحتبى الن بمصباحبة إهدار المنجزات اليجابيبة لتلك الفترة) إلى‬
‫تقييببد حركببة ومنجزات الثقافببة المصببرية الحديثببة وتقليببل انتشارهببا بيببن‬
‫الجماهيببر العريضببة‪ ،‬باسببتثناء بعببض الفنون التببي رعتهببا الدولة فببي‬
‫الستينات‪ ،‬فتركت فراغًا ملته الثقافة الرجعية الدينية المحلية فضلً عن‬
‫الثقافببة السببتعمارية الوافدة اللتان تظافرنببا فببي حصببار الثقافببة الوطنيببة‬
‫الديمقراطية والعلمية وفي حصار وتهميش القوى الوطنية والديمقراطية‬
‫والتقدمية‪.‬‬
‫‪ -4‬مخزون الحزن والحباط المتراكم ‪:‬‬
‫تجرع شعبنبا الكادح للف السبنين ألوانًا متواصبلة ومتراكمبة مبن القهبر‬
‫ل مبن الحزن والحباط‬ ‫والذلل الداخلي والخارجبي أورثتبه مخزوناً هائ ً‬
‫ومبن ثبم العجبز والقعود عبن المقاومبة أو المواجهبة اليجابيبة‪ .‬كانبت تقطبع‬
‫هذا القعود كمببا هببو ثابببت تاريخياً وعلى فترات متباعدة لحظات انتفاض‬
‫عارضة يائسة كان الموت فيها أخف وأكرم من عذاب الحياة‪ .‬وربما كان‬
‫هذا المخزون المترسب في الذاكرة الجمعية للشعب المصري هو السبب‬
‫فبي روح الفكاهة والسبخرية الظاهرة لديه كبي يتغلب على أحزانه الدفينبة‬
‫غيبر المحتملة ويسبترد بهبا بعضاً مبن كرامتبه المنتهكبة‪ .‬وكان المفترض‬
‫أن يتجاوز عصببر الدولة الحديثببة وظهور الصببناعة الحديثببة فببي مصببر‬
‫والكفاح والثورة ضد الستعمار والقطاع – أو يخفف بدرجة ملموسة –‬
‫هذه الوراثة الحزينة المحبطة للوجدان الشعبي كنتيجة لنحسار أو تراجع‬
‫أشكال السببتغلل والقهببر القديمببة‪ .‬ذلك لنببه وبرغببم ظهور شكببل جديببد‬
‫للسبتغلل هبو السبتغلل الرأسبمالي وبقاء أشكال قديمبة وظهور أشكال‬
‫جديدة للقهببر والتسببلط الخشنببة والناعمببة‪ ،‬فقببد أتاح العصببر الحديببث فببي‬
‫بلدنببا موضوعياً الطابببع الجماعببي المتزايببد للعمببل وأشكال ووسببائل‬
‫التضامبببن والصبببراع الجتماعبببي التبببي يفرزهبببا كالنقابات والحزاب‬
‫وأشكال التنظيم المختلفة‪ ،‬كما أتاح النشر والصحافة والتعليم العام والفني‬
‫والعالي والحاجبة للتطور الفكري والثقافبي والعلمي المتواصل‪ .‬وكبل ذلك‬
‫فتبببح آفاقًا جديدة أمام جماهيبببر الطبقات الكادحبببة للنضال والدفاع عبببن‬
‫حقوقهببا والمشاركببة فببي العمببل العام والسببياسي والتخلص تدريجيًا مببن‬
‫الحباط والقعود المترسب في الذاكرة والوجدان الشعبيين‪ .‬وهو ما ظهر‬
‫جلياً في مصر منذ نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين رغم‬
‫الحدود الضيقبة التبي كانبت عليهبا – ول تزال – حداثبة الدولة والقتصباد‬
‫والثقافة المصرية‪.‬‬
‫إل أنبه حدث مبا أعاق هذه الفاق وحجبهبا عبن بصبيرة جماهيبر الشعبب‬
‫ورَاكببم فببي وجدانهببا أحزاناً وإحباطات ومهانات جديدة مسببت مشاعرهببا‬
‫الدفينة وذاكرتها التاريخية عن حقب طويلة قديمة من القهر وإنسداد آفاق‬
‫الخلص‪ ،‬مضيفببببة أحزان ومهانات وإحباطات اليوم إلى مثيلتهببببا فببببي‬
‫الماضبببي القريبببب والبعيبببد‪ ،‬طامرة بذلك الميول الثوريبببة والنضاليبببة‬
‫الجماعيبة لطبقات الشعبب‪ ،‬دافعبة لعزوفهبا الحالي الكببير والطويبل عبن‬
‫النضال السياسي الوطني والطبقي بل وعن النضال القتصادي والنقابي‬
‫الفعال‪ .‬هذا هبببو الحصببباد الكثبببر مرارة ووطأة واسبببتمرارًا للخفاقات‬
‫فالنتكاسببات فالهزائم التببي طالت الهداف الوطنيببة والقوميببة ومطامببح‬
‫الشعب في التطور القتصادي والسياسي والعدالة الجتماعية في الحلقة‬
‫الخيرة من ثورته الوطنية الديمقراطية التي أفتتحها نظام ‪ 23‬يوليو ‪.‬‬
‫بدأت إخفاقات وانتكاسبات حلقبة ‪ 23‬يوليبو بأوجبه القصبور فبي منهاج و‬
‫سبببياسات النظام فبببي المرحلة الناصبببرية ممثلة بموقفبببه مبببن الحريات‬
‫الديمقراطيببة‪ ،‬وعدم الحسببم الواضببح والمسببتقر لمسببألة العدو الرئيسببي‬
‫الخارجي وهو الستعمار المريكي وبروز ميل المساومة والمهادنة معه‬
‫في بعض سنوات المرحلة‪ ،‬وموقفه التهادني التلفيقي من الثقافة الرجعية‬
‫المحليببة فببي صببيغتها الدينيببة والذي أبقببى على ثقلهببا الكبببير فببي الثقافببة‬
‫السببياسية للجماهيببر فببي ظببل قمببع التيارات الفكريببة العلمانيببة والتقدميببة‬
‫والشتراكيبة الجذريبة والحقيقيبة‪ ،‬وخطبة التصبنيع التبي لم تعبط الهميبة‬
‫الواجببة والكافيبة للصبناعات الثقيلة وصبناعات وسبائل النتاج‪ ،‬ثبم هزيمبة‬
‫‪ 1967‬والتراجبع السبياسي الذي أعقبهبا أمام الصبهيونية بالموافقبة على‬
‫قرار مجلس المبن ‪ 242‬لسبنة ‪ .1967‬واكتملت الهزيمبة للحلقبة الخيرة‬
‫مبن الثورة المصبرية‪ ،‬حلقبة ‪ 23‬يوليبو باسبتغلل القوى الرجعيبة وخلفاء‬
‫عبدالناصببر فببي السببلطة السببياسية فببي الحقبببة السببادتية المباركيببة هذه‬
‫الخفاقات والنتكاسببات وهزيمببة ‪ 1967‬للتنكببر لهداف الشعببب فببي‬
‫اسبتكمال التحرر الوطنبي والديمقراطيبة والتقدم القتصبادي والجتماعبي‬
‫والعدالة‪ ،‬وللطاحببة التامببة بهببا‪ .‬وهببو مببا رفببع بمقاييببس كبببيرة مخزون‬
‫الحزن والحباط المقعد عن الفعل بين الجماهير‪.‬‬
‫ففبببي ظبببل اسبببتمرار فقدان الجماهيبببر للمنظمات السبببياسية والنقابيبببة‬
‫الجماهيريبة والكفاحيبة القادرة على توحيبد الشعبب وشبد أزره فبي النضال‬
‫لحمايبببة الحقوق الوطنيبببة والقوميبببة ومطامبببح الشعبببب القتصبببادية‬
‫والجتماعيببة والسببياسية‪ ،‬أُضيفببت انتكاسببات وإحباطات الحاضببر إلى‬
‫مثيلتهبا أو مشابهاتهبا فبي الماضبي القريبب والبعيبد لعادة إنتاج وتكريبس‬
‫ركود الحركبببة الجماهيريبببة وانحسبببار أو ضآلة تأثيبببر القوى الوطنيبببة‬
‫والديمقراطيبة والشعبيبة فبي التطور السبياسي والقتصبادي للمجتمبع‪ .‬إن‬
‫تدهور الوضاع القتصبببادية والجتماعيبببة الحاليبببة المقترنبببة بالقيود‬
‫الصبارمة على حريبة الحركبة والتعببير للطبقات الكادحبة وعبل الحريات‬
‫العامبة‪ ،‬والحتلل المريكبي للعراق وتخاذل النظام السبياسي المصبري‬
‫والعرببي الرسبمي أمام المشروع المريكبي والعالمبي الذي بُنبى على هذا‬
‫الحتلل للوصباية الشاملة على مصبر وكبل الدول العربيبة‪ ،‬والعجبز أمام‬
‫– بببل التواطببؤ مببع – حرب البادة اليوميببة للشعببب الفلسببطيني لفرض‬
‫المزيبد مبن اسبتيطان أراضيبه واسبتمرار الحتلل للباقبي منهبا‪ ،‬ومكافأة‬
‫الكيان الصبببهيوني على ذلك بالدفاع عبببن حقبببه المزعوم فبببي أراضبببي‬
‫فلسببطين‪ ،‬وباتفاقيات التطبببيع كاتفاقيببة الكويببز التببي يمثببل عقدهببا وكذلك‬
‫التبببرير الذي سبباقته الحكومببة المصببرية له مهانببة كبببيرة جديدة للكرامببة‬
‫والعزة الوطنيببة المصببرية ‪ .‬إن كببل ذلك إضافات لنتكاسببات ومهانات‬
‫الماضببي القريببب بحصببار العراق ‪ 13‬عامًا بعببد حرب أمريكيببة دوليببة‬
‫شاركت فيها قوات مصرية بحجة زائفة هي تحرير الكويت ولنتكاسات‬
‫ومهانات أقدم فببي الزمببن كاحتلل جنوب لبنان وبيروت دون أن يحرك‬
‫النظام المصري أو العربي ساكناً‪ ،‬وكعقد الصلح السبتسلمي في كامب‬
‫ديفيبد الذي أبقبى سبيناء رهينبة لجيبش العدو الصبهيوني والقوات الدوليبة‬
‫(المريكية) ووضع مصرفي أسر التبعية لمريكا‪ .‬وهي إضافات لهزيمة‬
‫‪ 1967‬وتداعياتها السلبية والمحبطة والتي لم تحررنا منها حرب أكتوبر‬
‫بانتصارها الجزئي المجهض عسكرياً والمستثمر سياسيًا فقط في تمرير‬
‫الصببلح السببتسلمي مببع إسببرائيل والخضوع السببياسي لمريكببا‪ .‬وكببل‬
‫النتكاسبببات والخفاقات السبببابق ذكرهبببا اسبببتدعت وأحيبببت اخفاقات‬
‫ومهانات أسبببببق أنتجتهببببا الجراءات المنافيببببة للحريات الديمقراطيببببة‬
‫المصاحبة للنجازات الوطنية والجتماعية اليجابية للمرحلة الناصرية‪،‬‬
‫والتبي صبدرت وطبقبت كمبا لو كانبت تفضبل ومنحبة مبن أعلى فحرمبت‬
‫الجماهير من المشاركة الفعلية في تحقيقها وحمايتها وتطويرها‪ ،‬وغيرها‬
‫من أوجه القصور المشار إليها للمرحلة الناصرية‪.‬‬
‫ولحقببت النتكاسببات والخفاقات السببابق ذكرهببا بنكبببة ومهانببة هزيمببة‬
‫الجيوش العربيبببة عام ‪ 1948‬واغتصببباب ‪ %78‬مبببن فلسبببطين‪ ،‬والتبببي‬
‫عجزت الشعوب العربيببببة جراء السببببياسات الخاطئة فببببي مرحلة أولى‬
‫والنهزاميبة فبي مرحلة تاليبة التبي انتهجتهبا الطبقات والنظمبة السبياسية‬
‫الحاكمبة وحتبى الن عبن الرد عليهبا رداً حقيقياً وفعالً‪ ،‬ممبا دعبم وجود‬
‫الكيان الصبببهيوني العنصبببري والذي كان ول يزال أداة رئيسبببية لبقاء‬
‫مصببر والدول العربيببة تحببت الحتلل أو التبعيببة والتخلف القتصببادي‬
‫والجتماعي‪ .‬لقبد كان أُفول الحلقة الثالثة فبي الثورة الوطنية الديمقراطيبة‬
‫(نظام ‪ 23‬يوليبببو فبببي المرحلة الناصبببرية) والخفاقات التبببي سببببقته‬
‫والنتكاسببات التببي صبباحبته‪ ،‬والسببتسلم الذي أعقبببه‪ ،‬امتدادًا بصببورة‬
‫محددة لخفاقات وانتكاسبببات الحلقتيبببن الولى والثانيبببة فبببي هذه الثورة‬
‫(الثورة العرابيبة‪ ،‬ثورة ‪ .)1919‬فقبد اشتركبت هذه الحلقات الثلث رغبم‬
‫مببا بينهمببا مببن اختلفات وفوارق أسبباسية فببي اعتماد قيادتهببا على نظرة‬
‫وحيدة الجانب والسير على ساق واحدة وإن يكن بصورة مختلفة في كل‬
‫حلقببة‪ ،‬ففشلت كببل منهببا فببي تحقيببق أهدافهببا السبباسية رغببم المكتسبببات‬
‫الجزئيبة الهامبة التبي حققتهبا‪ .‬ففبي سبنة ‪ 1882‬انهزمبت الثورة العرابيبة‬
‫ل فببي إطار‬ ‫واحتلت مصببر لن النتصببار على السببتعمار كان مسببتحي ً‬
‫الخلفبة العثمانيبة والسبلطة الخديويبة‪ ،‬ولم تدرك الثورة على نحبو واضبح‬
‫أن التحرر مبن الثنيبن شرط أسباسي ضروري‪ ،‬واحتويبت ثورة ‪1919‬‬
‫‪ ...‬وأنحسر تيارها وانتهت إلى التهادن مع المستعمر لن قيادتها أخطأت‬
‫فبي العتماد بصبورة أسباسية على إقامبة حكومبة نيابيبة ل يمكبن أن تمثبل‬
‫الشعببب بحببق فببي ظببل الحتلل وسببيطرة سببادة الرض‪ ،‬وفببي العتماد‬
‫على النضال السببياسي والقانونببي دون غيرهمببا مببن الوسببائل‪ ،‬وعجزت‬
‫ل فبي الحركبة الصبهيونية فبي وقبت مبكبر([‬ ‫عبن رؤيبة الخطبر القادم ممث ً‬
‫‪.)]8‬‬
‫لمسببت اخفاقات ومهانات الحاضببر والماضببي القريببب مشاعببر الحزن‬
‫والحباط المترسبببة عببن الماضببي البعيببد والبعببد لتكثببف فببي صببفوف‬
‫جماهيببر الشعببب المصببري شعورًا مفرطاً بقلة الحيلة فأنسببحبت إل قليلً‬
‫مبن ميدان المواجهبة اليجابيبة مبع مبن يقهرهبا ويقبف عقببة أمام مطالبهبا‬
‫وحقوقها‪.‬‬
‫لكبن القعود الدائم ليبس مبن سبنن الحياة‪ ،‬وقعود شعبنبا النسببي فبي الثلثيبن‬
‫عاما الخيرة مرحلة عابرة في تاريخه وإن طالت‪ ،‬ومثلما تمرد وانتقض‬
‫ونهض وثار في الماضي القريب والبعيد فإنه سيعاود الكرّة قصر الزمن‬
‫أو طال‪ ،‬وهاهبي الن بعبض نبضات الحيويبة تظهبر هنبا وهناك تتلمبس‬
‫طريقهبا لحياء حركبة الشعبب‪ ،‬والمهبم أن تنجبح الكرّة القادمبة فيمبا فشلت‬
‫فيه المرات السابقة‪ ،‬ولن يتحقق هذا من تلقاء نفسه وبتغيرات موضوعية‬
‫عفوية فقط وإنما أساساً بجهود واعية فكرياً وسياسياً وفعالة في الممارسة‬
‫العملية‪.‬‬
‫يتضبح مبن العرض التحليلي السبابق أن ركود الحركبة الجماهيريبة الذي‬
‫مثبل الرضيبة وشكبل الظروف غيبر الملئمبة لنشاط القوى الديمقراطيبة‬
‫والشتراكية لم يكن نتاج عوامل موضوعية صرفة مستقلة عن إرادة هذه‬
‫القوى‪ ،‬وإنمبا كان نتاج تفاعبل عوامبل موضوعيبة وذاتيبة (فكريبة وثقافيبة‬
‫وسياسية) معاً‪ .‬لذلك تتحمل القوى الشتراكية بوجه خاص والديمقراطية‬
‫بوجبه عام قسبطاً هامًا مبن المسبئولية عبن اسبتشراء ودوام ركود الحركبة‬
‫الجماهيريبة أقله مبا كان يجبب عليهبا القيام ببه فبي زمبن الركود أو المهمبة‬
‫التبي يتطلبهبا ويتيحهبا زمبن الركود وهبي بناء نواتهبا الفكريبة والتنظيميبة‬
‫الصببلبة‪ ،‬ل اسببتعداداً فقببط لزمببن النهوض والفوران الجماهيري‪ ،‬وإنمببا‬
‫أيضاً لمكان السببببتفادة مببببن ومضات أو شرارات النزوع الجماهيري‬
‫للنضال والمقاومة التي يطلقها بين آن وأخر هذا الحادث أو ذاك حتى في‬
‫زمن الركود ول تجد الطليعة السياسية التي تذودها بالوعي والخبرة‪.‬‬
‫وهذا مبا جعبل أزمبة مصبر العامبة السبياسية والقتصبادية والجتماعيبة‬
‫وطابعهببا غيببر الثوري المنوه عنببه سببابقا‪ ،‬وفببي جوهرهببا‪ ،‬أزمببة القوى‬
‫الوطنية الديمقراطية والشتراكية ذاتها‪ ،‬أزمة وجودها الضعيف ونفوذها‬
‫المنحسر بين الجماهير وتأثيرها الضئيل في مجرى التطورات السياسية‬
‫والقتصببادية الماسببة بالمصبببالح الوطنيببة ومصببالح الطبقات الشعبيببة‬
‫المباشرة والسباسية‪ .‬فهبي القوى الوحيدة المعببرة عبن الشعبب‪ ،‬ووجودهبا‬
‫الضعيببف وتأثيرهبا الهزيببل يعنببي أن مصببير الشعبب ل يزال بأيدي مبن‬
‫يضلله ويقهره ويسبتغله‪ ،‬بينمبا يعنبي وجودهبا الملموس وثقلهبا المتصباعد‬
‫فبي الحياة السبياسية وجود القوى القادرة وحدهبا على حبل الزمبة العامبة‬
‫المزمنببة فببي البلد‪ ،‬وعلى توفيببر الشروط الفكريببة والثقافيببة السببياسية‬
‫لنهوض الحركة الجماهيرية ولتحويل الطابع غير الثوري للزمة العامة‬
‫إلى طاببع ثوري‪ ،‬وعلى جعبل انتصبار الشعبب أمرا محققبا عندمبا تصبل‬
‫حركته إلى مرحلة النهوض العام ولحظة النفير العام ‪.‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫ما العمل لتجاوز أزمة القوى الديمقراطية والشتراكية ؟‬
‫الحياء وإعادة البناء للقوى السببياسية الديمقراطيببة والشعبيببة هببو الشعار‬
‫الساسي المعبر بدقة عن متطلبات مجابهة وضع الضعف بل والنحسار‬
‫لهذه القوى‪ ،‬وهو يركز بالضبط أهم ما يحتاجه تجاوز أزمتها‪.‬‬
‫فل توجبد فبي مصبر حاليبا أحزاب ومنظمات سبياسية ديمقراطيبة وشعبيبة‬
‫جماهيريببة‪ ،‬وإنمببا الموجود أحزاب وتجمعات أو جماعات أو مجموعات‬
‫أو حلقات أو أشخاص منفرديببن مببن المثقفيببن المعزوليببن عببن الطبقات‬
‫والفئات التببي يدعون أو يرغبون ذاتيببا فببي التعبببير عنهببا‪ .‬وهببى – أو‬
‫أغلبيتهبا – علوة على ذلك ل تملك‪ ،‬كمبا أشرنبا فبي المقدمبة وكذلك تحبت‬
‫عنوان التفكيك وفى صفحات أخرى‪ ،‬الجابات الكافية الملئمة أو الرؤية‬
‫الشاملة الصحيحة المتسقة للواقع القتصادي والجتماعي والسياسي‪ .‬أما‬
‫القليبة التبي تقترب بدرجبة أو أخرى مبن الرؤيبة الصبحيحة فإنهبا – وفبي‬
‫أغلبيتهبا أيضبا – تفتقبد همزة الوصبل بينهبا وبيبن الجماهيبر لعدم إتباعهبا‬
‫لخطبة وأسباليب نضال وعمبل ملئمبة وقادرة‪ -‬فبي الظروف المحددة التبي‬
‫تحيط بها‪ -‬على توسيع روابطها بالجماهير وعلى رفع وعيها واستعدادها‬
‫وتنميببة وإطلق مبادراتهببا النضاليببة‪ .‬ومببن الواضببح أنببه بدون وجود‬
‫منظمات سياسية وديمقراطية ونقابية‪ ،‬معبرة بحق عن مصالح ومطامح‬
‫الجماهيبر الشعبيبة‪ ،‬منطلقبة فبي ذلك دائمبا مبن الحقائق السباسية القائمبة‬
‫للواقببع القتصببادي والسببياسي‪ ،‬قادرة على كسببب تأييدهببا وتنظيمهببا فببي‬
‫النضال تحقيقبا لمصبالحها وآمالهبا‪ ،‬يظبل مصبير هذه الجماهيبر بأيدي مبن‬
‫يفقرهبا ويسبتغلها‪ .‬لذلك فإن المواجهبة الحقيقيبة للوضاع السباسية التبي‬
‫تعانبببى منهبببا البلد وشعبهبببا تبدأ بمهمبببة إحياء وبناء منظمات الشعبببب‬
‫السبياسية والنقابيبة الكفاحيبة‪ .‬وإذا حدث تغيبر فبي النظام السبياسي أو نظام‬
‫الحكبببم تحبببت ضغوط داخليبببة وخاصبببة أجنبيبببة‪ ،‬وقببببل أن توجبببد هذه‬
‫المنظمات بصورة فعالة على الساحة السياسية الجماهيرية سيكون التغير‬
‫فبي أيدي نفبس القوى المسبئولة عبن معاناة شعبنبا وهوان بلدنبا حتبى وإن‬
‫ارتدت ثياببببا جديدة ومثلتهبببا رموز جديدة‪ .‬حقبببا يشكبببل ركود حركبببة‬
‫الجماهيبر وانسبحابها الكببير مبن معترك النضال القتصبادي أو السبياسي‬
‫بأسببابه المتعددة السبابق ذكرهبا محيطبا وظرفبا غيبر ملئميبن تنطلق فبي‬
‫ظللهمببا دعوة الحياء والبناء‪ ،‬لكببن ليببس هناك مببن طريببق أخببر غيببر‬
‫النضال تحت هذا الظرف وفى ذلك المحيط إل القعود والستسلم للمر‬
‫الواقبع المرير‪ .‬والنجاح ممكن بشرط أن نعرف مهامنا المحددة وأين يقع‬
‫مركز الثقل فيها‪ .‬فليس ضعف وانحسار وجود وتأثير القوى الديمقراطية‬
‫والشتراكيبة مجرد نتيجبة لخمود همبة الجماهيبر وانسبحابها‪ ،‬ببل هو اليوم‬
‫أيضببا سبببب أسبباسي لسببتمرار خمود حركببة الجماهيببر‪ ،‬بببل وكان أحببد‬
‫السباب الصلية في بدء واستمرار الركود الطويل الحالي‪ .‬فغياب الدور‬
‫الفعال للقوى السببياسية والنقابيببة الكفاحيببة هببو مببا جعببل الركود والخمود‬
‫الجماهيري أمراً ل مجال لتجنبه في ظل الوضاع القتصادية والسياسية‬
‫التببي فرضببت على شعبنببا وبلدنببا ‪.‬وعلوة على ذلك سببنحت أكثببر مببن‬
‫فرصبة وأطلقبت أكثبر مبن ومضبة أو شرارة للنزوع النضالي للجماهيبر‬
‫خلل العقود الثلثبببة الماضيبببة ممثلة بالهبات والنتفاضات الجماهيريبببة‬
‫العفوية القتصادية أو ذات الطابع السياسي التي أشرنا إليها سابقا‪ ،‬لكنها‬
‫ذهبت أدراج الرياح فقمعت أو خمدت ولم يصبح أيا منها بداية أو مقدمة‬
‫لموجبة أو مرحلة نهوض أو صبعود للحركبة الجماهيريبة لنهبا لم تجبد –‬
‫كما أشرنا سابقًا ‪ -‬الطليعة السياسية التي تلبى احتياجات نزوع الجماهير‬
‫النضالي من الوعي والخبرات التي تنظمه وترشده‪.‬‬
‫إن ركود الحركبة الجماهيريبة يؤدى إلى حصبار وعزل وانحسبار القوى‬
‫السببياسية والنقابيببة المعبببرة عببن الشعببب‪ ،‬وانحسببار هذه القوى يكرس‬
‫ويدعم بدوره وضع الركود‪ .‬فكيف يمكن في ظل هذا العائق الكبير الذي‬
‫يشكله الركود على إمكانات النضال السبببببياسي والنقاببببببي‪ ،‬علوة على‬
‫القيود التببي يفرضهببا نظام الحكببم غيببر الديمقراطببي وترسببانة تشريعاتببه‬
‫وقوانينه المنتهكة للحريات‪ ،‬أن تجرى عملية إحياء وبناء القوى السياسية‬
‫والنقابيبة الكفاحيبة ؟ هذه هبي الشكاليبة التبي تجاببه مهمبة الحياء والبناء‬
‫التببي تتطلبهببا بإلحاح مشكلت شعبنببا وأوضاعببه المتدهورة فببي جميببع‬
‫المجالت الساسية‪ ،‬فما هو السبيل لحلها ؟‬
‫لشببك أن الحياء والبناء أو إعادة البناء فببي ظببل وضببع الركود وتحببت‬
‫نظام الحكببم الديكتاتوري وقوانينببه المصببادرة لحركببة الشعببب السببياسية‬
‫والنقابيبة وفبى مجابهتهبا مهمبة ممكنبة التحقيبق رغبم العوائق والمصباعب‬
‫الشديدة التي تعترضها ‪.‬هذا ما أكدته التجربة التاريخية في مراحل سابقة‬
‫مببن تاريببخ مصببر الحديببث وكذلك التجربببة العالميببة‪ ،‬والنجاح فببي ذلك‬
‫وقدره يتوقببف على الخطببة الملئمببة والمناسبببة التببي ينتهجهببا المعنيون‬
‫بإنجاز المهمبة وبمدى حزمهبم وإصبرارهم على تنفيذهبا‪ .‬فالناس تصبنعهم‬
‫الظروف وهم أيضا يصنعون ظروفهم وتاريخهم لكنهم ل يصنعونه على‬
‫هواهبم وإنمبا وفقبا للوضاع التبي يصبادفونها وتقرر إلى حبد كببير حدود‬
‫حريتهبم وفعلهبم كمبا ذهبب كارل ماركبس بحبق‪ .‬فمبا هبي متطلبات وأسبس‬
‫هذه الخطببة اللزمببة لحياء وبناء القوى السببياسة والنقابيببة المعبببرة عببن‬
‫المصالح الساسية والبعيدة لشعبنا وليس المصالح المباشرة أو العارضة‬
‫والمؤقتة فقط؟‬
‫منطلقات وأسس الحياء والبناء ‪:‬‬
‫‪ -1‬أفق فكري سياسي شامل لقضايا وأهداف المرحلة‬
‫يجببب أن تسببتند الخطببة إلى أفببق فكري سببياسي أو اسببتراتيجية مصببرية‬
‫للتحرر الوطنببي الفعلي والكامببل وللتحول الديمقراطببي الشامببل وللتقدم‬
‫القتصببادي والجتماعببي المعتمببد على الذات كأسبباس ولقرار وضمان‬
‫حقوق الطبقات الشعبيببة والمتوسببطة القتصببادية والجتماعيببة كأولويببة‬
‫أولى للسبببياسة القتصبببادية والجتماعيبببة للدولة‪ .‬إن كبببل هذه القضايبببا‬
‫والهداف مترابطبة ويسبتند كبل منهبا للخبر ول سببيل للتقدم تجاه تحقيبق‬
‫أيا منها تقدما حقيقيا دون تقدم مماثل أو ملئم على القل في النضال من‬
‫اجبل القضايبا الخرى‪ .‬فمبا يحتاجبه شعبنبا ليبس تفعيل للسبياسات القائمبة‬
‫الخاطئة والفاشلة للدولة مببن خلل تداول الحكببم بيببن المتنافسببين عليببه ‪،‬‬
‫وإنمببا سببلطة وطنيببة ديمقراطيببة توحببد وتعبببئ الشعببب لمقاومببة التدخببل‬
‫والعدوان الجنببببي المحتمبببل وتحرر مصبببر مبببن التفاقيات والوضاع‬
‫والسببياسات المنتهكببة لسببتقلل الوطببن وسببيادته وحريببة قراره وتفتببح‬
‫طريق التقدم وتحمي وترسخ حق بلدنا وشعبنا في طريق التطور الذاتي‬
‫المستقل وفقا لمصالحهما واختيارهما‪.‬‬
‫ونؤكبد مجددا مبا سببق لنبا تأكيده بأن معركبة كسبب الديمقراطيبة‪ ،‬خاصبة‬
‫فبببي الظروف الحاليبببة تحديدا‪ ،‬ظروف التدخبببل العسبببكري والسبببياسي‬
‫المريكبي فبي المنطقبة الذي يقتحبم بصبورة موسبعة مصبر وغيرهبا مبن‬
‫البلد العربيببة تحببت سببتار الحريببة الديمقراطيببة المهتوك‪ ،‬هببي جزء ل‬
‫يتجزأ مببن معركببة مقاومببة المبرياليببة والصببهيونية والتبعيببة والتخلف‬
‫القتصبادي والجتماعبي‪ ،‬كمبا نؤكبد أن مشروعنبا الوطنبي للديمقراطيبة‬
‫متناقبض تناقضبا عدائيبا مبع المشروع المريكبي للديمقراطيبة المزعومبة‪،‬‬
‫وأن صبيغتنا الصبحيحة للديمقراطيبة هبي "الديمقراطيبة الوطنيبة"([‪.)]9‬‬
‫لذلك فإن الشعارات التببي تتردد علنببا أحيانببا ومواربببة غالبببا عببن تحييببد‬
‫القوى الدوليبة (تحييبد أمريكبا) أو تقاطبع المصبالح الوطنيبة مبع المصبالح‬
‫المريكيبة فبي قضيبة الديمقراطيبة فبي مصبر هبي شعارات ضالة ومضللة‬
‫وتخدم أهداف العدو المريكي أيا أيا كانت نوايا من يرددها أو يعمل سرا‬
‫بمقتضاها‪.‬‬
‫‪ -2‬الحياء والبناء يشمل الوعي والتنظيم وخبرات الممارسة العملية‪.‬‬
‫إن وجود منظمبة أو قوة سبياسية واعيبة ونشطبة ومبادرة‪ ،‬وتنتهبج المبدأ‬
‫السباسي فبي القيادة الجماهيريبة "مبن الجماهيبر ‪ ..‬وإلى الجماهيبر" وفبق‬
‫لمسببببتوى وعببببي الجماهيببببر واسببببتعدادها النضالي وللتوجيببببه القيادي‬
‫المحسببوب بعنايببة‪ ،‬هببو عامببل هام مببن عوامببل مكافحببة ركود الحركببة‬
‫الجماهيرية بمبا يتيحبه من نجاحات ولو جزئيبة متتابعبة تضعبف مبن تأثيبر‬
‫العوامل المنتجة لستمرار الركود بما فيها التخلص تدريجيا من مخزون‬
‫الحباط المقعبببد عبببن الفعبببل الجماهيري‪ .‬كمبببا يشكبببل تملمبببل القاعدة‬
‫الجماهيرية من العمال وصغار الموظفين في منشآت النتاج والخدمات‪،‬‬
‫أو طلب الجامعات والمعاهد التعليمية أو من الفلحين الفقراء أو غيرهم‬
‫مبن الكادحيبن‪ ،‬وظهور ميبل نضالي نقاببي أو سبياسي بيبن صبفوفها ظرفبا‬
‫ملئمببا لحياء أو بناء المنظمببة ولنضالهببا والتحامهببا بالجماهيببر تتحدد‬
‫درجبببة ملءمتبببه بمقدار قوة هذا الميبببل وطابعبببه‪ .‬ول تسبببتطيع القوة أو‬
‫المنظمببة السببياسية القيام بعملهببا النظامببي المعتاد مببن دعايببة وتحريببض‬
‫وتنظيبم بيبن الجماهيبر‪ ،‬ول أن تسبتفيد مبن ومضات الوعبي أو شرارات‬
‫التمرد أو النزوع النضالي أو الثوري للجماهيبببببر إل إذا كانبببببت حائزة‬
‫لمسبتوى تطور ملموس فبي المياديبن الثلثبة لفعاليبة القوة السبياسية وهبي‬
‫الوعي‪ ،‬والتنظيم‪ ،‬وخبرات الممارسة العملية‪.‬‬
‫ومببن الثابببت أن جميببع أحزاب أو تجمعات أو جماعات أو حلقات القوى‬
‫السياسية الديمقراطية والشتراكية تفتقد الحد المناسب الدنى من التطور‬
‫في جميع الميادين الثلثة أو في اثنين أو واحد منها في أفضل الفروض‪.‬‬
‫ففببي مجال الوعببي تنزع أغلبيببة هذه الحزاب والجماعات إلى إصببلح‬
‫ليببرالي لنظام الحكبم ببل وشخصبنة معركبة الديمقراطيبة عازلة لهبا عبن‬
‫روابطهببا التببي ل تنفصببم بمقاومببة المبرياليببة والصببهيونية والتبعيببة‬
‫والفقار والتخلف القتصبببادي‪ ،‬هارببببة بمطالبهبببا للمام منفصبببلة عبببن‬
‫جماهيببر الشعببب‪ ،‬متصببورة – أو أغلبيتهببا – أن مزاعببم أمريكببا والدول‬
‫الثمانيببببة الكبار فبببي مشروع الشرق الوسببببط الكببببير عبببن الحريبببة‬
‫والديمقراطية تشكل ظرفا أو شرطا ملئما يعوض انسحاب الجماهير من‬
‫المعركة أو عدم استجابتها العملية لنداءات التغيير الليبرالي المشخصن([‬
‫‪ .)]10‬وفببي مجال التنظيببم الخاص بالقوة المذكورة‪ ،‬فيمكببن السببتدلل‬
‫على ضعبف وضآلة قاعدتبه وتدنبي فعاليتبه العمليبة مبن الضعبف الواضبح‬
‫الثابببت طوال سببنتين فببي قدرتهببا على التعبئة والحشببد فببي مظاهراتهببا‬
‫ووقفاتهبا الحتجاجيبة وندواتهبا ومؤتمراتهبا التبي ل تكاد تضيبف جديدا ل‬
‫فبي عدد الحاضريبن ول فبي النتائج السبياسية والعمليبة الخرى‪ ،‬رغبم أن‬
‫هذه المظاهرات والندوات والمؤتمرات اسببتغرقت جببل إن لم يكببن كببل‬
‫نشاطهببا طوال ذلك الوقببت‪ .‬أمببا فببي مجال خبببرات ومهارات الممارسببة‬
‫العمليببة وأسببلوب القيادة الجماهيريببة فإن الحركات الحتجاجيببة وغيرهببا‬
‫مبن الحزاب والقوى قبد كشفبت عبن نقبص بَيِن تجلي فبي نزعتبي القفبز‬
‫على الواقبع للمام أو النكوص للوراء "فهبم مبن حيبث بلغوا الذرى!! فبي‬
‫التحريبض على التغييبر المباشبر للنظام السبياسي والتعويبل فبي ذلك على‬
‫ميول الجماهيبببر الكامنبببة المهيأة – كمبببا ظنوا – للنطلق على عجبببل‬
‫للنضمام إليهببم هبطوا بتحريضهببم إلى نضال (سببياسي) ينبثببق بصببورة‬
‫عفوية من تطلع جماهير الشعب الكادحة للحصول من الدولة القائمة على‬
‫بعض الصلحات للتخفيف من معاناتهم القتصادية([‪ .)]11‬وقد سحبوا‬
‫فببي ذلك‪ ،‬وهببم يطالبون بتغييببر رأس النظام ونظام حكمببه ‪ ،‬مببن مجال‬
‫الصراع الجاري مع النظام أهم قضايا الطعن في شرعيته وهي؛ الموقف‬
‫مبن السبتعمار المريكبي والعالمبي والصبهيونية والتبعيبة‪ ،‬ومبن المقاومبة‬
‫العراقيبة والفلسبطينية‪ ،‬ومبن قبوله بالوضبع الطرفبي المهمبش للقتصباد‬
‫المصبري فبي القتصباد العالمبي‪ ،‬وقبوله لمشروع الشرق الوسبط الكببير‬
‫والشتراك فببي الهياكببل والليات المشكلة لتنفيذه‪ ،‬واشتراكببه فببي حلف‬
‫الطلنطي الستعماري تحت اسم "الحوار الورومتوسطي"‪ ،‬ومتجاهلين‬
‫– ول نقول متواطئيبن فبي – قضيبة النضال ضبد تدويبل قضايانبا الداخليبة‬
‫الذي صبببار الوسبببيلة والليبببة السببباسية للقضاء على فتات السبببتقلل‬
‫السببياسي للدولة المصببرية وغيرهببا مببن الدول العربيببة ‪ ،‬ومتحالفيببن أو‬
‫متعاونيببن فببي أنشطتهببم السببياسية والجماهيريببة كافببة مببع المنظمات‬
‫والجمعيات الهلية الممولة من الدول الستعمارية والتي يشارك البعض‬
‫منهبم فبي قيادتهبا وعضويتهبا‪ ،‬مثلمبا يشارك قادة وأعضاء هذه المنظمات‬
‫والجمعيات في عضوية تلك الحزاب والحركات "الحتجاجية" الجديدة‪.‬‬

‫‪ -3‬الميدان الرئيسي للحياء والبناء في اللحظة الراهنة ‪:‬‬


‫تشمبل مهمبة أحياء وبناء القوى السبياسية الديمقراطيبة والشتراكيبة جميبع‬
‫ميادين فعالية القوة السياسية كما ذكرنا في النقطة السابقة‪ .‬إل أن الميدان‬
‫الرئيسي من ميادينها اليوم هو ميدان الوعي السياسي للجماهير والطليعة‬
‫السببياسية وللطليعببة قبببل الجماهيببر‪،‬وإلي أن يتحقببق هذا الوعببي بالقدر‬
‫المناسب ‪.‬‬
‫يعنبي ذلك أن مسبألة الوعبي السبياسي لجماهيبر الشعبب عامبة ولطلئعبه‬
‫السياسية خاصة – وكما أوضحنا تحت أكثر من عنوان فيما سبق – غير‬
‫منجزة فببي حدهببا الدنببى الذي يجعببل أشكال النضال ووسببائلها المتعددة‬
‫وفبي مقدمتهبا النضال السبياسي تصبب فبي المجرى الرئيسبي‪ ،‬وهبو بناء‬
‫أسببباس النتصبببار على السبببتعمار والصبببهيونية والتخلف والتبعيبببة‬
‫والديكتاتوريببة السببياسية مببن جهببة‪ ،‬وعلى كببل أشكال الرجعيببة الداخليببة‬
‫سبببواء تلك الممثلة فبببي مشروعات الدولة الدينيبببة للخوان المسبببلمون‬
‫وغيرهم من الجماعات السلمية المتعصبة‪ ،‬أو تلك المخلفات الباقية من‬
‫القرون الوسبطى فبي الدسبتور المصبري الحالي وبعبض القوانيبن واللوائح‬
‫المصرية‪.‬‬
‫ومبن الثاببت تاريخياً وعمليًا أنبه بدون إحراز التقدم المناسبب والكاف فبي‬
‫ميدان الرؤيبببة السبببياسية السبببتراتيجية والخطبببة أو الخطبببط المناسببببة‬
‫لتحقيقهبا‪ ،‬فإن النجاحات المحققبة أو التبي يمكبن تحقيقهبا فبي مياديبن فعاليبة‬
‫القوة السبياسية لن تكون محدودة فحسبب ببل تكون بل مسبتقبل‪ .‬فكبم مبن‬
‫النجاحات التبي حققناهبا وغيرنبا مبن المناضليبن الشتراكييبن والوطنييبن‬
‫على امتداد مصببر مببن أقصببى الشمال إلى أقصببى الجنوب؛ فببي المدن‬
‫والقرى‪ ،‬في الحياء السكنية والمناطق الصناعية‪ ،‬في المصانع والحقول‬
‫والمكاتببب ووسببائل النقببل والمواصببلت ومؤسببسات الخدمات‪ ،‬وفببي‬
‫الجامعات والمعاهد التعليمية والتي توقفت واندثرت‪ ،‬وذلك نتيجة لتهافت‬
‫أو ضعف أو اهتزاز الرؤية السياسية الستراتيجية ولعدم مناسبة الخطط‬
‫المتبعببة قبببل أي عامببل آخببر مببن عوامببل اندثارهببا‪ ،‬كالقمببع والرهاب‬
‫البوليسي أو العيوب الشخصية لبعض القادة‪.‬‬
‫كانبت الرؤيبة السبتراتيجية والخطبط التبي تناسببها منبذ مجيبء نظام ‪23‬‬
‫يوليببو وطوال الخمسببين عامًا التاليببة‪ ،‬ناهيببك عببن الفترة السببابقة عليهببا‪،‬‬
‫محبل خلف سبواء على صبعيد القوى الوطنيبة بأسبرها مبن جهبة‪ ،‬أو على‬
‫صبعيد المنظمات والحلقات الشتراكيبة مبن جهبة أخرى‪ .‬لكبن مبا يواجهنبا‬
‫اليوم في هذا الميدان ليس مجرد الخلفات القديمة أو بالحرى رواسبها‪،‬‬
‫وإن كان جمود التطور السببياسي خاصببة غياب القوى السببياسية الشعبيببة‬
‫الجماهيريبة واسبتمرار وجود الوضاع السبياسية والقتصبادية والثقافيبة‬
‫الداخليببة والخارجيببة دون تغيببر جذري جعببل لهذه الرواسببب اسببتمرارا‬
‫ملموسبا فبي جدال القوى السبياسية والثقافيبة الراهبن‪ .‬لكبن هذه الرواسبب‬
‫ليسببت اليوم – وعلى أهميتهببا – العائق الوحيببد ول الول على طريببق‬
‫التفاف القوى الوطنيبببة والديمقراطيبببة حول رؤيبببة مشتركبببة وبرنامبببج‬
‫مشترك بحببد أدنببى مناسببب قادريببن على تعبئة القوى السببياسية والثقافيببة‬
‫للشعبب فبي حفبر مجرى التطور السبياسي تجاه أهداف ومطامبح الشعبب‬
‫الوطنيبة والقتصبادية والجتماعيبة والسبياسية‪ ،‬وتحفيبز ومسباعدة حركتبه‬
‫على المشاركبببة السبببياسية وعلى تنظيبببم أكثبببر وعيبببا وفعاليبببة لنضاله‬
‫القتصادي والنقابي‪.‬‬
‫فأخطببر مببن رواسببب الماضببي السببياسي على مهمببة الوصببول إلى هذا‬
‫البرنامبج وتلك الرؤيبة واللتفاف العريبض حولهمبا‪ ،‬الخطريبن الكببيرين‬
‫الجديديبن اللذيبن أثرا بالسبلب فبي وعبي وفعاليبة النخببة السبياسية والمثقفبة‬
‫والطلئع السببياسية القائمببة الممثلة فببي الحزاب والمنظمات والجماعات‬
‫السبياسية المختلفبة‪ ،‬كمبا أثرا تأثيرا سبلبيا عبن طريبق هذه الطلئع وتلك‬
‫النخبببب وعبببن طريبببق وسبببائل العلم والنشبببر المرئيبببة والمسبببموعة‬
‫والمكتوبة في وعي جماهير الشعب واستعدادها النضالي‪.‬‬
‫الخطبر الول هبو الحركبة الواسبعة للحياء الثقافبي الدينبي الرجعبي‪ .‬أمبا‬
‫الخطبر الثانبي فهبو الثقافبة التفكيكيبة بمصببدرها الخارجبي ‪ ،‬المبرياليبة‬
‫القوميبة والمشتركبة ( العولمبة ) ‪ ،‬ومصبدرها المحلي ممثل فبي الخطاب‬
‫التفكيكببي الذي روجببه نظام الحكببم منببذ عهببد السببادات وحتببى الن الذي‬
‫أشرنبا له مبن قببل ‪ .‬هذا علوة علي التفكيبك الجتماعبي للمواقبع العماليبة‬
‫والكادحبة الذي انعكبس فبي صبورة تدنبي تفكيكبي فبي وعبي هذه الطبقات‬
‫بمصببالحها الحقيقيببة وأسبباليب النضال الفعالة للدفاع عنهببا على نحببو مببا‬
‫ذكرناه من قبل‪.‬‬
‫تشكبل الثقافبة الدينيبة الرجعيبة المنبعثبة عقببة كؤود أمام نضال جماهيببر‬
‫شعبنببا‪ .‬فهببي تضفببي على صببراعنا الوطنببي والقومببي مببع السببتعمار‬
‫والصبهيونية والتبعيبة – على غيبر حقيقتبه – طابعبا دينيبا هبو بالضببط مبا‬
‫يريده السبببتعمار والصبببهيونية تببببريرا لعدوانهمبببا على الدول العربيبببة‬
‫والسبلمية تحبت فريبة مكافحبة الرهاب السبلمي أ وتببريراً وتسبويغاً‬
‫لقامة دولة ل يجمع بين أفرادها سوى رابطة العقيدة الدينية على أرض‬
‫الغير وهي إسرائيل ‪ .‬ول يساهم هذا التصور الخاطئ في تضييق القوى‬
‫المناصببرة لحقوقنببا وكفاحنببا الوطنببي داخببل الدول السببتعمارية وغيببر‬
‫الستعمارية فحسب ‪ ،‬بل وأيضا في إضعاف وحدتنا الوطنية في الداخل‬
‫المشكَلة مبن شعوب متعددة الديانات‪ .‬وهبي فبي قضايبا القتصباد تقببل –‬
‫مبن الناحيبة الجوهريبة – نموذج النمبو التاببع المتخلف الذي تروجبه الدول‬
‫المبرياليببة والعولمببة القتصببادية المبرياليببة وتفرضانببه على دولتنببا‬
‫وجميع الدول المتخلفة اقتصاديا والتابعة سياسيا واقتصاديا‪ .‬وهذه الثقافة‬
‫الرجعيببة سببتعيدنا – إن لم يوقببف مدهببا وتنزوي – فببي قضايببا الحريببة‬
‫والديمقراطيبببة والعلوم والبحوث الفلسبببفية والجتماعيبببة – ودون أدنبببي‬
‫مبالغببة – لجهالة وظلم القرون الوسببطى فببي ظببل الخلفببة العثمانيببة‬
‫والعصر السابق عليها‪.‬‬
‫أمبا الثقافبة التفكيكيبة فهبي تنتشبر أسباسا فبي أوسباط معتنقبي الثقافبة الحديثبة‬
‫بتياراتها الليبرالية والقومية واليسارية ‪ ،‬وباعتبارها ثقافة ما بعد الحداثة‬
‫أو الصببورة الحدث للثقافببة الحديثببة‪ .‬وقببد حدث هذا النتشار إمببا ولعببا‬
‫بالموضببببة – والموضببببة ليببببس قاصببببرة على عالم الزياء وحده – أو‬
‫لحسبببباس مملى عليهببببم بالدونيببببة إزاء المركزيببببة الوربيببببة أو دول‬
‫"الديمقراطيبة العظمبى" كمبا يتوهمون‪ .‬ويتجلى هذا الحسباس بالدونيبة‬
‫والولع بالموضببة اليديولوجيببة والسببياسية – مهمببا كانببت تفاهتهببا ول‬
‫عقلنيتهببا أو تعارضهببا مببع مصببالح بلدنببا وأوضاعهببا الخاصببة – فببي‬
‫مجالت وقضايا عديدة؛ يتجلى في القاعدة التي تتسع باستمرار لمنظمات‬
‫وجمعيات المجتمع المدني التي تحمل أجندات متعددة صبغيرة ممولة من‬
‫ومرتبطبة بالخارج السبتعماري والتبي اسبتقطبت عددا هامبا مبن مثقفبي‬
‫الحداثببة واليسبباريين السببابقين المعتزليببن خاصببة مببن جيلي السبببعينيات‬
‫والثمانينيات‪ ،‬وفبببي مقاومبببة الدعوة للصبببطفاف الوطنبببي العام ضبببد‬
‫السببتعمار المريكببي والصببهيوني والتبعيببة السببتعمارية فببي أعقاب‬
‫احتلل العراق وشهر سلح التدويل وإعادة رسم الخرائط السياسية ضد‬
‫جميبع الدول العربيبة‪ ،‬كمبا تجلى فبي المحاولت المسبتميتة حتبى اللحظبة‬
‫لفبك الرتباط بيبن الصبلح السبياسي والدسبتوري أو النضال مبن اجبل‬
‫الحريبة والديمقراطيبة وبيبن النضال الوطنبي ومقاومبة التدخبل والتهديبد‬
‫المريكبي ودعبم المقاومبة المسبلحة فبي العراق وفلسبطين وإعداد شعوبنبا‬
‫فكريبا وسبياسيا لحتمال حمبل السبلح دفاعبا عبن الراضبي أو الكرامبة‬
‫الوطنيبة‪ ،‬وفبي الوقوف ضبد التمييبز الواضبح بيبن جبهبة العدو المريكبي‬
‫والصببهيوني وأعوانببه أو مهادنيببه وبيببن جبهببة الشعببب وقواه الوطنيببة‬
‫والديمقراطية ‪.‬‬
‫وتجلي الولع بالموضببة والنظرة التفكيكيببة والتبعيببة الفكريببة لمببا ينتجببه‬
‫الغرب (السبتعماري) أخطبر مبا تجلى فبي عالم السبياسة فبي مصبر فبي‬
‫حركة كفاية التي تشكلت في خريف ‪ 2004‬بسبب العدد الكبير نسبيا في‬
‫قيادتهبا وعضويتهبا مبن العناصبر المنتميبة تاريخيبا للقوى الوطنيبة القوميبة‬
‫الناصرية أو التقدمية‪ .‬فهي لم تسحب القضايا الوطنية من مجال الصراع‬
‫مع النظام الحاكم حول قضايا الحرية والديمقراطية فحسب‪ ،‬بل وأُعجبت‬
‫بنموذج الثورات المصبببنوعة فبببي معامبببل خببببراء المخابرات ووسبببائل‬
‫العلم والثارة الستعمارية في صربيا وأوكرانيا وجورجيا بل وقلدته‪،‬‬
‫وأطرى منسبببقها العام و بعبببض قادتهبببا وأعضائهبببا الثورة الوكرانيبببة‬
‫المزعومبببة‪ ،‬وحاولت اتخاذ شارة صبببفراء تقليدا للشارة البرتقاليبببة فبببي‬
‫أوكرانيبا‪ ،‬ورفضبت بعناد أن تضبع فبي شعارهبا التعبوي "ل للتجديبد – ل‬
‫للتوريببث" ل لمريكببا أو ل للتدخببل الجنبببي والتدويببل‪ ،‬بببل ودعببت إلى‬
‫تحييد القوى الدولية (يعني تحييد أمريكا) كما جاء في مقال معنون "دليل‬
‫المواطبن الصبالح إلى التغييبر والعصبيان المدنبي الناجبح" منشور بجريدة‬
‫الكرامة بدون توقيع مما يعني أنه باسم هيئة تحرير الجريدة([‪ .)]12‬فمن‬
‫هي أمريكا الدولة أو الدارة أو الحتكارات غير العدو المريكي؟‬
‫فبي ظبل هذا الواقبع الثقافبي ل مجال يعول عليبه كثيراً لحسبم الخلفات أو‬
‫تقريب الشقة بين الفرقاء وصول لرؤية وبرنامج مشتركين وخطة للعمل‬
‫تناسببها مبن خلل الحوار أو الجدال المباشبر أو غيبر المباشبر بيبن النخبب‬
‫أو الطلئع السياسية والمثقفة‪ ،‬ول للوقوف في وجه المد الثقافي الرجعي‬
‫الديني والشحن الطائفي الذي يمارسه غلة المتعصبين الدينيين‪ ،‬ول للحد‬
‫بصورة فعالة من انتشار الثقافة التفكيكية والسطحية العلمية العلنية‬
‫بيبن الجماهيبر‪ .‬ول نعنببي بهبا القول دعوة لنببذ الحوار والجدال المباشبر‬
‫ومحاولت الئتلف والتحالف بيبببن قوة وأخرى كلمبببا كان ذلك ممكنبببا‬
‫ومنتجبا بيبن الفرقاء‪ ،‬وإنمبا نعنبي لفبت النتباه بقوة إلى أن أي تطور هام‬
‫وملموس فبي حياتنبا السبياسية يتطلب لكبي مبا يتحقبق‪ ،‬وقببل أن يتحقبق‪،‬‬
‫تطورا في حياتنا الثقافية وواقعنا الثقافي ‪.‬‬
‫إن نهضتنببا أو ثورتنببا السببياسية المنشودة تتطلب نهضببة أو ثورة ثقافيببة‬
‫موازيبة ببل وسبابقة إلى حبد مبا لنظيرتهبا السبياسية‪ .‬تقتضبي هذه الدعوة‬
‫معالجبة طويلة ومسبتقلة وتتطلب جهود ومشاركبة مثقفيبن أكفاء وجاديبن‬
‫ومسئولين وذوي ضمير في مجالت الثقافة والبداع وما يمكننا أن نشير‬
‫إليه فقط في هذا المقال أو الكراس هو التوجهات التالية ‪:‬‬
‫‪ -1‬مهمسسسسة التغلب على الجوانسسسسب الرجعيسسسسة والمتخلفببببة والتفكيكيببببة‬
‫والستعمارية الوافدة والسطحية والمبتذلة في ثقافتنبا يجب أن توضع في‬
‫مكانببببة متقدمببببة جدا فببببي أجندة القوى السببببياسية والثقافيببببة الوطنيببببة‬
‫والديمقراطية‪.‬‬
‫‪ -2‬إحياء التيار العلمانسسي فسسي الثقافسسة المصسسرية والعمببل على ازدهاره‬
‫وتغلغله فببببي جميببببع العلوم الجتماعيببببة والفلسببببفية مببببع الحفاظ على‬
‫الخصببوصية الثقافيببة الوطنيببة والقوميببة‪ ،‬المنفتحببة فببي ذات الوقببت على‬
‫الخببذ والعطاء مببع المشترك الثقافببي التقدمببي لشعوب العالم أجمببع أي‬
‫الثقافبة العالميبة‪ ،‬والمناهضبة فبي ذات الوقبت للثقافبة السبتعمارية‪ ،‬ثقافبة‬
‫العولمبببة الممثلة لثقافبببة المبرياليبببة والحتكارات والوجبببه الرجعبببي‬
‫للحضارة الرأسمالية العالمية المعاصرة‪.‬‬
‫‪ -3‬إحياء وتطويبر وإكمال حركبة تجديبد الفكبر الدينبي فبي اتجاه ‪ :‬تذليبل‬
‫أي قيببد على حريببة الفكببر والبحببث العلمببي والعقيدة والتقدم القتصببادي‬
‫الجتماعي‪ ،‬وأبعاد الدين عن السياسة‪ ،‬وفصل الدين عن الدولة – فالدولة‬
‫هيئة اعتباريبة ل ديبن لهبا وهبي والوطبن للجميبع – واعتبار الديبن مسبألة‬
‫خاصبة تتعلق بعلقبة الفرد بال‪ ،‬مبع احترام المقدسبات والمشاعبر الدينيبة‪،‬‬
‫وحريببة ممارسببة الشعائر الدينيببة لجميببع الديانات وعلى قدم المسبباواة‪،‬‬
‫وتأكيبد وحدة مصالح الشعوب والطبقات المظلومة فبي العالم أجمع وعَيرْ‬
‫الديانات والثقافات المختلفة‪.‬‬
‫‪ -4‬إحياء وتطويسسر ونشسسر الفكسسر الشتراكسسي والثقافببة الشتراكيببة تلبيببة‬
‫لتطلع وطموح جماهيببر الطبقببة العاملة وجميببع الطبقات الكادحببة المفقرة‬
‫والمثقفيبن النسبانيين الثورييبن لنهاء اسبتغلل النسبان لخيبه النسبان‬
‫وتحقيق العدل والحرية‪ ،‬ودحضا للنظرة الطبقية الستعلئية الستغللية‬
‫تجاه النسبان الكادح‪ ،‬والتبي تعتببره مجرد يبد عاملة وليبس إنسبانا كامبل‬
‫الصبفات والحتياجات والحقوق كغيره مبن البشبر غيبر الكادحيبن وغيبر‬
‫المسبتغلين‪ .‬على أنبه مبن الضروري فبي هذا السبياق التأكيبد على ضرورة‬
‫قيام مهمة الحياء والتطوير على نقد التجارب الشتراكية السابقة‪ ،‬وعلى‬
‫الرببببط بصبببورة ملئمبببة بيبببن النظريبببة الشتراكيبببة والحقائق العامبببة‬
‫الماركسبية التبي تبنبى عليهبا هذه النظريبة وبيبن الممارسبة الواقعيبة فبي‬
‫بلدنبببا للصبببراع الطبقبببي والوطنبببي‪ ،‬وإن تمتزج هذه الحقائق العامبببة‬
‫بخصببائص شعبنببا المصببري وأمتنببا العربيببة وأن ترتدي شكل وطنيببا‬
‫محددا‪ .‬على أن ضرورة الثقافببببة الشتراكيببببة ل تقتصببببر على مجرد‬
‫تمهيدهببا وتبشيرهببا لمسببتقبل اشتراكببي‪ ،‬فلهببا دور قيادي وحاسببم فببي‬
‫المرحلة الحاليبة وفبي ثورتنبا السبياسية والثقافيبة المنشودة المقبلة رغبم أن‬
‫هذه الثورة لم تتخبط بعبد حدود الثورة الوطنيبة الديمقراطيبة – والتبي فبي‬
‫الصبل ثورة برجوازيبة مبن حيبث أسباسها القتصبادي – وأننبا مازلنبا فبي‬
‫مرحلة اسبببتكمال هذه الثورة‪ ،‬وإن قضيبببة إقامبببة الشتراكيبببة والثورة‬
‫الشتراكيبة ليسبت المهمبة المباشرة المطروحبة أمام نضال جماهيبر شعبنبا‬
‫الكادحة لعدم توافر شروطها الموضوعية (تخلف القتصاد والتناقض مع‬
‫السببتعمار والصببهيونية بوصببفه التناقببض الرئيسببي) وشروطهببا الذاتيببة‬
‫(تأخر وعي وتنظيم الطبقة العاملة والطبقات شبه العمالية)‪.‬‬
‫ومرجبع الهميبة السباسية ببل والحاسبمة للثقافبة الشتراكيبة والنظريبة‬
‫الشتراكيبببة بالشروط التبببي أوضحناهبببا حتبببى فبببي إطار الثورة الوطنيبببة‬
‫الديمقراطيبة فبي العصبر الراهبن (عصبر المبرياليبة والسبتقطاب الدائم فبي‬
‫المنظومبة الرأسبمالية العالميبة بيبن المراكبز المهيمنبة والطراف المتخلفبة‬
‫اقتصباديا والتابعبة) هبو دور التحليبل الطبقبي والنظرة الماركسبية للعالم فبي‬
‫كشببف الحقائق السبباسية والجوهريببة للحضارة الرأسببمالية السببائدة عالميببا‬
‫وتناقضاتهببا السبباسية الدوليببة والمحليببة المتشابكببة‪ .‬ومببن المعلوم أن هذه‬
‫الحقائق والتناقضات تبنبببى عليهبببا وفبببي ضوئهبببا الرؤيبببة السبببتراتيجية‬
‫والبرنامبج اللزمان لتحقيبق اسبتكمال الثورة الوطنيبة الديمقراطيبة‪ ،‬إذا كان‬
‫لهذه الثورة أن تنجببز بحببق إنجاز جذريببا يحقببق للبلد اسببتقللها الوطنببي‬
‫الكامببل ويملكهببا حقهببا بل منازع فببي التطور الذاتببي المسببتقل وفقببا لرادة‬
‫ومصالح شعبها‪.‬‬
‫‪ -5‬إحياء الثقافسة الوطنيسة الديمقراطيسة العلميسة وهبي النهبر الكببير الذي‬
‫تصبب فيبه الروافبد الثقافيبة السبابقة أو هبي بمثاببة جبهبة ثقافيبة تشكلهبا هذه‬
‫الروافد‪.‬‬
‫هي ثقافة وطنية تناهض المبريالية والصهيونية وتدعو لتحقيق استقلل‬
‫مصر الكامل وصيانة كرامة شعبها وأمتها العربية‪ ،‬وتحمل خصوصياتنا‬
‫الوطنية والقومية لكنها منفتحة على الثقافة التقدمية والشتراكية العالمية‬
‫وكذلك على ثقافات جميبببع المبببم الخرى بمبببا فيهبببا البلد الرأسبببمالية‬
‫الستعمارية‪ ،‬تأخذ وستأخذ منها الكثير‪ ،‬ولكن ليس بصوره آلية‪ ،‬وإنما ما‬
‫يفيدنا ويناسبنا فقط وتلفظ ما ل يفيدنا ويضرنا‪.‬‬
‫وهببي ثقافببة ديمقراطيببة تحترم وتصببون وتنمببي حريببة الرأي والفكببر‬
‫والعقيدة وتسببتهدف تحقيببق مصببالح وحمايببة حقوق أغلبيببة السببكان وهببم‬
‫أبناء الطبقات الكادحبة وإعطائهبا الوليبة الولى فبي السبياسة القتصبادية‬
‫والجتماعيبة للدولة‪ ،‬وتثقيبف هذه الطبقات مبن العمال والفلحيبن وسبائر‬
‫الفئات الفقيرة بهذه الحقوق وبوسبببائل وأشكال النضال الفعالة لتحقيقهبببا‪،‬‬
‫والتوسع في ذلك حتى تغدو هي نفسها ثقافتهم الخاصة‪.‬‬
‫وهببي ثقافببة عقلنيببة وعلميببة تناهببض الفكار القطاعيببة وغيرهببا مببن‬
‫الفكار الرجعية والجهل والخرافات وتعترف وتلتزم بموضوعية الحقيقة‬
‫والبحث عنها في وقائع الشياء والظواهر المبحوثة‪.‬‬
‫ومبن الواضبح وفقبا للسبمة العلميبة والسبمة الديمقراطيبة لثقافتنبا المنشودة‬
‫أنهببا والجبهببة الثقافيببة المطلوب إقامتهببا وبنائهببا كفيلق مببن فيالق الجبهببة‬
‫العامة للتحول السياسي الوطني الديمقراطي أو الثورة السياسية المنشودة‬
‫ل تضمان بأي حال أيبة اتجاهات أو نزعات رجعيبة متبقيبة مبن الماضبي‬
‫القطاعببي ومعاديببة للتقدم والتحرر الجتماعببي وحريببة الفكببر والعقيدة‬
‫والمواطنبببة الواحدة‪ ،‬الكاملة المتسببباوية‪ ،‬كمبببا ل تضمان أيبببة اتجاهات‬
‫ونزعات رجعية إمبريالية وافدة من الخارج‪.‬‬
‫كمببا ل يجوز أن يضببم أي ائتلف أو جبهببة للقوى الديمقراطيببة أيببا مببن‬
‫التجاهات والنزعات الرجعيببة المذكورة المحليببة والجنبيببة‪ .‬وبالنسبببة‬
‫للخوان وعلى الرغبم مبن مطالبتهبم فبي البرلمان وخارجبه برفبع بعبض‬
‫القيود على الحريات مبببن جهبببة فإنهبببم يتمسبببكون ببببل ويطالبون بأكثبببر‬
‫الغلل ثقلً على الحريات والديموقراطيببة مببن جهببة أخرى‪ .‬لذلك لنببا‬
‫الحبق فبي اتهامهبم بأنهبم ل يسبتهدفون مبن دفاعهبم عبن بعبض الحريات‬
‫حاليا إل تسهيل مهمتهم في استكمال عناصر القوة التي تسمح لهم بفرض‬
‫طغيانهم‪ .‬لذلك ل تندرج العلقة معهم في إطار جبهة القوى الديمقراطية‪،‬‬
‫طالمببا تمسببكوا بهدف إقامببة الدولة " السببلمية " ‪ ،‬واعتبار الشريعببة‬
‫المصبدر الوحيبد أو الرئيسبي للتشريبع ومصبادرة حريبة الفكبر والبداع‬
‫والعقيدة‪ ،‬واعتبار القباط أهبببل ذمبببة وليسبببوا مواطنيبببن كاملي الحقوق‬
‫والواجبات كغيرهببم مببن المواطنيببن دون أقببل تفرقببة‪ .‬ليسببت هذه دعوة‬
‫لمقاطعتهم أو لضطهادهم‪ ،‬وإنما دعوة لدراج علقة القوى الديمقراطية‬
‫بهم في إطار جواز عقد "التفاقات المؤقتة" معهم في هذه القضية أو تلك‬
‫من قضايا الحريات أو غيرها من القضايا السياسية وكل على حده وكلما‬
‫أمكن ذلك‪.‬‬
‫ول يمنببع ذلك كمببا هببو واضببح مببن التعاون مببع الجماعات السببلمية‬
‫الرجعيبة وفبي مقدمتهبا الخوان المسبلمين فبي قضيبة فلسبطين‪ ،‬دون أن‬
‫نوافق بالطبع على اعتبار الصراع العربي السرائيلي – كما يعتبرونه –‬
‫صراع أديان ول على كراهية اليهود بوصفهم يهودا ل بوصفهم صهاينة‬
‫فقببط‪ .‬كمببا أنببه مببن المقبول والضروري إقامببة تحالف أو جبهببة معاديببة‬
‫للسبتعمار معهبم إذا كانوا مسبتعدين لذلك وبحبد أدنبى مشترك مقبول مبن‬
‫التفاق‪ .‬إل أن هذا الحتمال صببار محاطببا بعلمات السببتفهام الكبببيرة‬
‫والشكوك بعببببد تعاون إخوان العراق مبببع سبببلطة الحتلل المريكببببي‬
‫وموقف إخوان سوريا من التهديد المريكي بالتدخل العسكري فضل عن‬
‫السببياسي‪ ،‬الذي ل يسببتهدف النظام السببوري بقدر مببا يسببتهدف إخضاع‬
‫سبوريا لحكمبه المباشبر ومشروع الشرق الوسبط الكببير ودعبم الحتلل‬
‫الصهيوني للجولن‪.‬‬
‫وثقافتنبا الحديثبة الوطنيبة الديمقراطيبة العلميبة هبي – وبصبفة أسباسية –‬
‫اسبتمرار جدلي لثقافتنبا القديمبة‪ ،‬امتداد وتطويبر لكبل عقلنبي وديمقراطبي‬
‫وتقدمبي أبدعتبه ثقافبة الشعبب المصبري فبي الماضبي بهذا القدر أو ذاك‪،‬‬
‫وهبو مختلف اختلفاً أسباسياً عبن النتاج الثقافبي الرجعبي غيبر العقلنبي‬
‫للطبقات المسبتغِلة والحاكمبة فبي العصبور القديمبة والقطاعيبة الخراجيبة‪،‬‬
‫أنهبا الثقافبة التبي تمتبص الخلصبة الديمقراطيبة والتقدميبة لثقافتنبا القديمبة‬
‫وتلفظ شوائبها ومخلفاتها الرجعية القطاعية ‪ .‬إنها تؤكد من خلل دراسة‬
‫الماضبي الثقبة الوطنيبة بالذات وتحترم تاريخنبا وتطوره الجدلي وتضعبه‬
‫في مكانه الصحيح علميا ول تمجد الماضي على حساب الحاضر وتؤمن‬
‫بالتطور مبن الدنبى إلى العلى فبي المجتمعات البشريبة‪ ،‬فهبو قانون عام‬
‫من قوانين التطور الجتماعي أيا كانت التعرجات واللتفافات التي يشق‬
‫بها التطور مجراه الصاعد‪.‬‬
‫‪ -4‬توطيد الصلت بالجماهير‬
‫السياسة والنشاط السبياسي – وبالتعريبف – يبتغبي‪،‬و يقوم على‪ ،‬التصبال‬
‫بالجماهير‪ ،‬وعقد الصلت الوثيقة معها‪ .‬ويكرس السياسي خاصة عندما‬
‫يكون اشتراكيببا بالذات – أو هذا هببو المفترض – نشاطببه وأغلب وقتببه‬
‫ليجاد هذه الصببلت وتوطيدهببا‪ .‬فعمببل الحزب أو المنظمببة السببياسية‪،‬‬
‫خاصبة تلك التبي تعتمبد وصبول لهدافهبا على حركبة ووعبي الجماهيبر‬
‫وحدهمبا‪ ،‬مكرس وبصبفة دائمبة ومتواصبلة بأشكال النضال المختلفبة مبن‬
‫دعايببة وتحريببض وتنظيببم لنسببج شبكببة صببلتها بالجماهيببر وتوسببيعها‬
‫وتوطيدهبا باسبتمرار كسببا لتأييدهبا وتطويبر لمشاركتهبا فبي النضال مبن‬
‫أجل تحقيق أهداف الحزب أو المنظمة السياسية وبرنامجها‪.‬ومن الواضح‬
‫لي مراقببب أن كببل مببن الحزاب والجماعات السببياسية الديمقراطيببة‬
‫والشتراكية – وعلى تفاوت قوتها ونفوذها – مقارنة ببعضها البعض –‬
‫محدودة‪ ،‬وبعضها ربما تكون منعدمة‪ ،‬الصلت مع الجماهير‪ .‬هناك كما‬
‫أشرنبببا سبببابقا أسبببباب موضوعيبببة مسبببتقلة عبببن إرادة هذه الحزاب‬
‫والجماعات‪ ،‬فضل عببن اسببتمرار القيود المنيببة الصببارمة منببذ عشرات‬
‫السببببنين وحتببببى الن على القواعببببد الجماهيريببببة فببببي منشآت النتاج‬
‫والخدمات والجامعات والمعاهببد التعليميببة وفببي القرى والحياء السببكنية‬
‫فبي المدن‪ ،‬والتبي تشكبل عقبات شديدة أمام التوجبه للتصبال بالجماهيبر‬
‫والعمل بن صفوفها‪ .‬لكن هذه القوى مسئولة أيضا بعد المن عن تكريس‬
‫عزلتهبا وضعبف صبلتها بالجماهيبر‪ ،‬وتضييبع فرصبها وإمكانياتهبا فبي‬
‫تطوير وعي وحفز حركة الجماهير النضالية عامة ومشاركتها في العمل‬
‫السببياسي خاصببة‪ .‬فكيببف يحدث هذا وفببي أي ميدان أو وجببه مببن أوجببه‬
‫ممارسة السياسة؟ وكيف يمكن التغلب عليه؟‬
‫كيف تعزل القوى الديمقراطية والشتراكية نفسها؟‬
‫أ ‪ -‬جذر العزلة‬
‫جذر اسبتمرار العزلة وتفاقمهبا بيبن الجماهيبر منغرس فبي الخبط السبياسي‬
‫السبائد فبي هذه القوى‪ ،‬رغبم الطيبف الواسبع مبن الختلفات الثانويبة أو‬
‫الساسية على مستوى الرؤية الستراتيجية أو مستوى الخطة أو الخطط‬
‫السياسية‪ .‬وقد أشرنبا سبابقا إلى جوانبب متعددة فبي هذا الخبط‪ .‬والثر يدل‬
‫علي المسببير ‪ .‬والثببر – أثببر تطبببيق الخببط السببياسي – هببو عدم عزلِه بِ‬
‫سياسات الطبقة السائدة ونظامها السياسي جماهيريا بدرجة ملموسة‪ ،‬بل‬
‫عُزلة القوى الديمقراطيبة والشتراكيبة بصبورة ملموسبة‪ ،‬وذلك لن عزل‬
‫سبياسات النظام يتوقبف بالضببط على المسبألة التبي ل تعطيهبا هذه القوى‬
‫حقهببا وأولويتهببا وهببي بناء الوعببي الجماهيري بالعلقببة بيببن العدوان‬
‫والتدخبل الجنببي وفقدان السبيادة الوطنيبة وسبياسات التبعية وبين التخلف‬
‫القتصادي والجتماعي وقضايبا البطالة والتعليم والصحة والمواصلت‬
‫وغيرهمببا‪ ،‬وإن النضال مببن أجببل لقمببة العيببش وتربيببة الولد ورعايببة‬
‫السببرة يقتضببي نضال جبارا ضببد التدخببل الجنبببي وإدارة شئوننببا مببن‬
‫الخارج وضد فئات الرأسمالية المصرية الخاضعة والقابلة بذلك والتابعة‬
‫فبي سبياساتها للقوى الجنبيبة السبتعمارية وعلى رأسبها أمريكبا‪.‬وقبد سببق‬
‫لنبا فبي أوراق ومناسببات متعددة نقبد التجاهات التبي تسبحب مبن سباحة‬
‫الصببراع السببياسي فببي مصببر أخطببر نقاط الطعببن فببي شرعيببة النظام‬
‫السبياسي وسبياساته‪ ،‬كمبا نقدنبا التصبور الذي اسبتشرى فبي صبفوف هذه‬
‫القوى بأن مجرد التنديبببد فبببي الصبببحف المسبببتقلة والحزبيبببة أو فبببي‬
‫المظاهرات النخبويبببببة والرمزيبببببة بالوضاع القتصبببببادية المتدهورة‬
‫للجماهيبر سبيجذب الجماهيبر إلى سباحة المعارك السبياسية أو بأن التنديبد‬
‫بالسبتبداد والفسباد فبي الوقفات الحتجاجيبة الصبغيرة المتكررة أو أثناء‬
‫النتخابات البرلمانية هو الدواء الشافي لحركة الجماهير الراكدة‪.‬‬
‫وينطببق نفبس هذا المنهبج والسبلوك السبياسي الختزالي التبسبيطي على‬
‫الموقببف مببن جماعات السببلم السببياسي والخوان المسببلمون‪ .‬فقببد ظببن‬
‫الكثيرون أن مجرد التذكيبر بتاريخهبا الرهاببي العنيبف‪ ،‬أو التشكيبك فبي‬
‫مقولتهبا الجديدة – المشكوك فيهبا بالفعبل – عبن قبول التعدديبة الحزبيبة‬
‫والنظام الديمقراطبي‪ ،‬ودون التصبدي المباشبر لفكرهبا وأخطبر مقولتهبا‬
‫القديمبة المسبتمرة التبي تجنبد بهبا أعضائهبا أو توقبع بهبا ضحاياهبا وتكسبب‬
‫بهبا أنصبارها المتزايديبن‪ ،‬نقول ظبن الكثيرون أن هذيبن المريبن كافيان‬
‫لوقف مدها‪.‬‬
‫أل يحمبل هذا المنهبج الختزالي التبسبيطي فبي طياتبه نظرة متعاليبة على‬
‫جماهيبر شعبنبا البسبيطة والتبي مبن الثاببت أنهبا تصبغي وتعطبي تأييدهبا‬
‫لخطاب أو رؤيبة شاملة حتبى إذا لم تضبع فبي واجهتهبا أو تببث مرارا فبي‬
‫متنها مسألة انخفاض الجور وارتفاع السعار أو البطالة؟‬
‫فبي حالة الخوان فإنهبم ينتشرون ويحصبدون أعدادا كببيرة مبن أصبوات‬
‫الناخببين بخطاب الخلص الخلقببي الدينبي وشعار السبلم هبو الحبل‪،‬‬
‫الذي ل يقدم حقيقبة أي حبل‪ ،‬لكنبه خطاب شامبل يعطبي إجابات ماضويبة‬
‫وانسحابية تستعيض بها الجماهير عن هزائمها الحاضرة في هذه الدنيا‪،‬‬
‫وعن فقدانها لراية أو خطاب معاصر مواكب لوضاعها ومعاناتها مل بٍ‬
‫لطموحاتهبا الكامنبة إلى حياة دنيويبة آمنبة مبن العدوان والسبتعمار والفقبر‬
‫والجهل والقهر والمرض والستغلل‪.‬‬
‫أما في حالة النظام الحاكم فإنه يحصل على الغلبية العظمى من أصوات‬
‫الناخبببين‪ ،‬ل بسببطوة جهاز الدولة فقببط‪ ،‬وإنمببا أيضببا وإلى حببد ملموس‬
‫بموجببب خطاب أو رؤيببة للحياة والخلص فيهببا مفاده ‪ :‬أن عالمببك هببو‬
‫أولدك وأسبرتك الصبغيرة‪ ،‬والخريبن وسبيلة لغايتبك الخاصبة‪ ،‬وخلص‬
‫الجميبع هبو أن يحبل كبل منهبم مشكلتبه بوسبائله الفرديبة‪ ،‬أمبا القبلة التبي‬
‫يجبببب أن تتوجبببه إليهبببا أبصبببارنا وطموحاتنبببا فهبببي المشروع الخاص‬
‫التجاري الهدف‪ ،‬والدولة الناجحبة والذكيبة هبي مبن ل تزج بشعبهبا – كمبا‬
‫يزعبببم هذا الخطاب – فبببي مشروعات كببببرى ونضالت كببببرى باسبببم‬
‫الستقلل أو السيادة الوطنية أو الوحدة القومية أو محاربة الصهيونية أو‬
‫الثورة القتصببادية والجتماعيببة أو الكرامببة الوطنيببة‪ ،‬وإنمببا مببن تمالئ‬
‫الكبار فبي هذا العالم وتطأطبئ الرأس لهبم وتؤدي بعبض الخدمات مقاببل‬
‫عمولة أو إعانببة أو تخفيببض الديون‪ .‬والخطاب غايتببه الصببلية؛ تربيببة‬
‫الولد ورعايبة السبرة ‪،‬غايبة نببيلة ومشروعبة‪ ،‬لكنهبا تختزل احتياجات‬
‫وصبفات هذا الكائن الذي اسبمه النسبان‪ ،‬أمبا وسبائله وقيمبه فهبي هابطبة‬
‫وغيبر أخلقيبة وغيبر منتجبة فبي التحليبل ل على مسبتوى الفرد أو السبرة‬
‫أو المجتمبع‪ .‬ومنطبق هذا الخطاب هبو مبا كان يردده عدد ليبس قليل مبن‬
‫عمال حلوان تببببريرا لنتخابهبببم الرئيبببس مبارك‪ ،‬فمبببا بالك بالمناطبببق‬
‫الخرى والرياف‪ .‬ومبببن الواضبببح أن هزيمبببة هذه الخطاب فبببي فكبببر‬
‫وسلوك الجماهير الفقيرة بالذات هو أحد ركائز طريق الخلص الحقيقي‬
‫للشعببب وعزل سببياسات حكببم الطبقببة الرأسببمالية وكيلة وشريكببة رأس‬
‫المال الجنبي التي تسيطر على اقتصادنا ودولتنا‪ .‬فإلى أي حد قمنا نحن‬
‫أو غيرنبا مبن القوى الديمقراطيبة بنقبد وفضبح هذا الخطاب على المسبتوى‬
‫الجماهيري؟‬
‫ب‪ -‬النفس القصير والتعجل قفزا على الواقع‬
‫كشفبببت معظبببم الحزاب والمنظمات والجماعات الديمقراطيبببة‪ ،‬وليبببس‬
‫حركببة كفايببة وجدهببا‪ ،‬خلل العاميببن الماضييببن على وجببه الخصببوص‬
‫وحتبى الن‪ ،‬وعلى أوضبح مبا يكون‪ ،‬عبن نفبس قصبير وتعجبل قفزا على‬
‫الواقببع المعقببد غيببر الناضببج أو غيببر المهيببأ لتغيرات سببياسية أسبباسية‬
‫وسبريعة‪ .‬ل شبك أن مبن أسبباب العجلة‪ ،‬وعدم الكتراث الحقيقبي بتقديبر‬
‫موضوعبببي مسببببق للقوى الذاتيبببة الديمقراطيبببة واسبببتعداد الجماهيبببر‬
‫للمشاركة‪ ،‬الفكر السياسي الذي صور لصحابه أن مجرد انتخاب رئيس‬
‫الجمهوريببة انتخابببا مباشرا فببي انتخابات تعدديببة‪ ،‬وإلغاء حالة الطوارئ‬
‫دون ثمبة ضمان لسبتبدالها بقانون آخبر محقبق نفبس الغراض‪ ،‬أو إلغاء‬
‫القوانيبن الخرى والنصبوص المقيدة للحريات المبثوثبة فبي متون قوانيبن‬
‫أخرى عديدة سبيكون مفتتحبا حقيقيبا لتغيبر سبياسي شامبل أو بدايبة حقيقيبة‬
‫لمواجهة المشكلت الساسية والمزمنة لبلدنا وشعبنا‪.‬‬
‫ومببن أهببم أسبببابه أيضببا الطابببع النخبوي المثقببف المعزول عببن القواعببد‬
‫الجماهيريبببة لقادة دعوات التغييبببر الغامضبببة والملتبسبببة والذي يجعبببل‬
‫أصبحابه ينطلقون مبن رغباتهبم الذاتيبة وطموحهبم الشخصبي‪ ،‬وليبس مبن‬
‫الواقبببع الذي سبببيواجههم النطلق منبببه – وبالقطبببع – بضرورة التزود‬
‫بنفببس طويببل‪ ،‬والتركيببز فببي النشاط السببياسي والجماهيري العملي على‬
‫قضايببا هامببة تتطلب خوض معارك ضاريببة وناجحببة قبببل القدام علي‬
‫مهمببة إقامببة نظام حكببم ديمقراطببي وحكومببة ديمقراطيببة‪ ،‬وهببي قضايببا‬
‫الحريات‪.‬‬
‫وكان من المنطقي وتحصيل الحاصل أن يكون التغيير المطالب به شكليا‬
‫وأن يحقق لهم النظام السياسي الحاكم ما طالبوا به دون يقظة للولويات‪،‬‬
‫سباحبا البسباط مبن تحبت أقدام حركبة التغييبر – الموضبة العالميبة‪ ،‬ومبن‬
‫القوى الديمقراطية في النتخابات البرلمانية – هو والخوان المسلمون ‪-‬‬
‫مكرسا عزلتهم وبمساعدة منهم من حيث ل يدروا‪.‬‬
‫جب‪ -‬إسراف اللجوء لوسائل قليلة النتائج في الوضع الراهن‬
‫ل يقيبد السبياسي نفسبه بأسبلوب معيبن مبن أسباليب النضال‪ ،‬فكبل أشكال‬
‫ووسببائل النضال السببياسي والجماهيري جائزة ول غنببى عببن أي منهببا‬
‫بشرط أن تتفق أو تتلءم في الظرف المحدد لستخدامها مع قوى الحزب‬
‫أو الحركة التي تستخدمها‪ ،‬وأن تدعم قوة هذه الحركة‪ .‬ومن القوال التي‬
‫صببارت مأثورة قول القائد المفكببر الكبببير والممارس السببياسي العظيببم‬
‫لينيبن أن "الشتراكيبة (يقصبد الحزب الشتراكبي) ل تقيبد يدهبا‪ ،‬ل تقيبد‬
‫نشاطهببا بأي مشروع أو أسببلوب يوضببع سببلفا مببن مشاريببع أو أسبباليب‬
‫النضال‪ ،‬فهببببي تعترف بجميببببع وسببببائل النضال على أن تتلءم وقوى‬
‫الحزب الواقعة وتتيح الحصول عليها في ظروف معينة"([‪.)]13‬‬
‫فهناك إذن شرطان ضروريان للجوء إلى استخدام أسلوب ما من أساليب‬
‫النضال همببا‪ ،‬أن يتلءم مببع قوى الحزب (أو الحركببة السببياسية) الفعليببة‬
‫وان تسببمح هذه القوى باسببتخدامه بقدر ملموس مببن النجاح‪ ،‬وأن يؤدي‬
‫اسببتخدامه إلى إنماء أو دعببم قوة الحزب أو الحركببة‪ .‬هذا يعنببي مثل فببي‬
‫حالة تنظيبببم القيام بمظاهرة أن تجتذب تأييبببد الجماهيبببر للمشاركبببة بقدر‬
‫ملموس وتكتسبب تعاطبف دائرة أوسبع ممبن لم يشاركوا فتشكبل بذلك قوة‬
‫ضغبط على الحكومبة والجهات المعنيبة الخرى‪ ،‬إن كانبت‪ ،‬فتتدعبم بذلك‬
‫قوة الحزب أو الحركة‪.‬‬
‫لكبن سبياسيين كثيريبن فبي بلدنبا يبدو أن لهبم معاييبر وأقوال أخرى بشان‬
‫أسبباليب النضال وشروط اسببتخدام أحدهببا فببي ظروف محددة‪ .‬فأحزاب‬
‫وقوى متعددة خاصببة الكرامببة وكفايببة والغببد وجماعات يسببارية وأخرى‬
‫تحمل شعارا يخفي أكثر مما يفصح هو "من أجل التغيير"‪ ،‬وإلى حد ما‬
‫حزبببا التجمببع والناصببري بصببورة مباشرة أو غيببر مباشرة مببن خلل‬
‫مشاركتهبا فبي كفايبة وجماعات "مبن أجبل التغييبر" الخرى‪ ،‬قيدت نفسبها‬
‫لما يزيد عن عامين بأسلوب معين بل وأسرفت – دون مبرر موضوعي‬
‫أو جدوى عمليبببة – فبببي اسبببتخدامه هبببو أسبببلوب التظاهبببر والوقفات‬
‫الحتجاجية‪.‬‬
‫وبالطبع ل خلف من حيث المبدأ على أهمية المظاهرات في تشكيل قوة‬
‫ضغبط جماهيري على الحكبم أو غيرهبا مبن الجهات وكأحبد وسبائل قياس‬
‫قوة القوى السبياسية المختلفبة واتجاهات وميول الجماهيبر النضاليبة‪ ،‬وفبي‬
‫ظروف المد العالي للحركة الجماهيرية تصبح المظاهرات وسيلة أساسية‬
‫لحسبم الصبراع حول قضيبة أو عدة قضايبا كببيرة أو حتبى وجود أم عدم‬
‫وجود النظام السبياسي مبع شروط أخرى بالطببع‪ ،‬كمبا قبد يكون – خاصبة‬
‫فبي ظروف الركود والجزر – مجرد مظاهرة صبغيرة يقوم بهبا حزب أو‬
‫حركة سياسية معينة أو بعض أفراد جماعة من جماعات العمل أو غيرها‬
‫من الجماعات كتعبير رمزي عن موقفهم وإعلن مطالبهم‪.‬‬
‫ولكبن وفبي جميبع الحالت وكمبا ذكرنبا سبابقا يجبب أن تسبمح قوة الجهات‬
‫الداعيبة والمنظمبة للمظاهرة بتنفيذهبا بقدر ملموس مبن النجاح‪ ،‬وأن تدعبم‬
‫المظاهرة قوة هذه الجهات والحركبة الجماهيريببة التبي تبغبي إطلقهبا أو‬
‫تصبببعيدها‪ .‬وهذه المور لم تتوفبببر بقدر ملموس فبببي بدايبببة مسبببلسل‬
‫مظاهرات "التغييببر" ول فببي أي مرحلة مببن مراحله‪ .‬لقببد بدأت بنحببو‬
‫ثلثمائة متظاهبر واسبتمرت هكذا بضعبة مئات على الكثبر ثبم تراجعبت‬
‫وانكمشبت‪ ،‬ولم تتخبط مظاهرات عديدة منهبا خانبة عشرات المتظاهريبن‪.‬‬
‫ومع ذلك استمرت المظاهرات دون حتى فترة كافية للعداد بين مظاهرة‬
‫وأخرى‪ ،‬فكاد القيام بمظاهرة أو وقفبة احتجاجيبة والتحضيبر لمظاهرة أو‬
‫وقفة تالية يستغرق كل نشاط ووقت المنظمات والجماعات المواظبة على‬
‫التكرار المسببرف بل عائد حقيقببي‪ ،‬بببل صببارت السببتجابة له مببن قبببل‬
‫الجماعات الخرى تسبببب ضررا حقيقيببا أقله اسببتنزاف الجهببد والوقببت‬
‫اللزم إنفاقببه فببي مجالت وأسبباليب نضال أخرى ضروريببة‪ ،‬وقببد تكون‬
‫أكثببر إلحاحببا‪ ،‬لتطويببر قوى الحركببة السببياسية والنقابيببة للشعببب تطويرا‬
‫يجعلهبا قادرة على القيام بعمبل جماهيري أكثر فاعلية وعائدا بما فبي ذلك‬
‫تنظيم القيام بمظاهرات جماهيرية واسعة ومؤثرة‪.‬‬
‫إن تركيبز النشاط على المظاهرات المتلحقبة وعلى فترة زمنيبة ممتدة قبد‬
‫يكون جائزا فقط عند قيام‪ ،‬أو عندما نكون على وشك قيام‪ ،‬وضع سياسي‬
‫جديببد نتيجببة وفعببل متبادل بيببن قوى الحركببة السببياسية للشعببب وبيببن‬
‫جماهيره تغدو معببببببببه مظاهرات اللف وعشرات اللف ممكنببببببببه‬
‫وتتضاعبف مبع اسبتمرار التظاهبر أعداد المتظاهريبن بمقاييبس هائلة قبد‬
‫تقترب معهببا سبباعة الحسببم للقضيببة أو القضايببا التببي حركببت موجببة‬
‫المظاهرات والضرابات‪.‬‬
‫أمببا تكرار المظاهرات القزميببة والفاشلة بصببورة متلحقببة فإنببه يثيببر‬
‫سببخرية الخصببم واسببتهانته بقوة الحركببة علوة على اسببتنزاف الجهببد‬
‫والوقت بل طائل‪.‬‬
‫كيف تتغلب القوى الشتراكية والديمقراطية على عزلتها؟‬
‫‪ -1‬تصحيح الخط السياسي العام ليكون حجر الزاوية فيه – وبوضوح –‬
‫تحقيببق التحرر الوطنببي الكامببل لمصببر والتحول الديمقراطببي الشامببل‬
‫والتقدم القتصبببادي والجتماعبببي المعتمبببد أسببباسا على الذات وضمان‬
‫وأولويبة حقوق الطبقات الكادحبة القتصبادية والجتماعيبة وإقامبة سبلطة‬
‫الجبهببة الوطنيببة الديمقراطيببة القادرة على تحقيببق هذه الهداف ‪ ،‬فضل‬
‫عبن اللتزام برواببط الكفاح الوطنبي المشترك والمصبالح المشتركبة بيبن‬
‫الشعوب العربيببة وإقامببة الوحدة العربيببة على أسببس السببتقلل الوطنببي‬
‫والديمقراطيببببة والختيار واحترام الخصببببوصيات والفوارق الوطنيببببة‬
‫والثقافية بين القطار العربية علوة على حقوق القليات القومية‪.‬‬
‫‪ -2‬تنشيبط وتطويبر السبياسات الجماهيريبة فبي ميادينهبا الثلثبة السباسية‬
‫وهببي ‪ :‬سببياسة مسبباندة وتطويببر وتنظيببم النضال القتصببادي والنقابببي‪،‬‬
‫وسبياسة كسبب الحريات السبياسية والنقابيبة والفكريبة‪ ،‬وسبياسية مقاومبة‬
‫السببتعمار والصببهيونية والتبعيببة والتدخببل الجنبببي والتدويببل‪ ،‬ودعببم‬
‫المقاومببة العربببة المسببلحة للحتلليببن المريكببي والصببهيوني‪ ،‬وإعداد‬
‫شعبنبا وبلدنببا فكريبا وسبياسيا لسبقاط اتفاقيات كامبب ديفيبد واسبتكمال‬
‫تحريببر سببيناء وحمايتهببا مببن العدوان الصببهيوني والمريكببي‪ ،‬ورفببض‬
‫القواعبببد والتسبببهيلت العسبببكرية للقوى السبببتعمارية ورفبببض حلف‬
‫الطلنطبي السبتعماري العدوانبي وكبل أشكال وصبور الشتراك فيبه أو‬
‫التعاون معه‪.‬‬
‫ومن المهم للغاية الهتمام بنقل تركيز الحركة العملية إلى ميدان السياسة‬
‫التي تجتذب أوسع الجماهير إلى ساحتها – وبمرونة – من بين السياسات‬
‫الثلث‪ ،‬ودون ان نتوقببف أبدا عببن الربببط فببي الدعايببة والتحريببض وأيببا‬
‫كانبت السبياسة محبل تركيبز الحركبة العمليبة بيبن هذه السبياسات الثلث‪،‬‬
‫وتوظيف كل منها في خدمة الخرى‪.‬‬
‫‪ -3‬ضرورة العتراف والتمسببك بكببل أشكال ووسببائل النضال على أن‬
‫يتناسببب السببلوب المسببتخدم فببي كببل ظرف محدد مببع قوى الحركببة‬
‫الواقعية وينميها كما ذكرنا سابقا‪.‬‬
‫‪ -4‬العمبل على نقبل ثقبل العمبل السبياسي إلى مواقبع حياة الجماهيبر فبي‬
‫منشآت النتاج والخدمات والحياء والقرى السبكنية والقيام فبي أوسباطها‬
‫بأعمال الدعايبة والتحريبض والتنظيبم‪ ،‬مبع الهتمام فبي المرحلة الحاليبة‬
‫بالذات – مرحلة ركود وجزر الحركبة الجماهيريبة – بالعمبل مبن داخبل‬
‫الجمعيات والمؤسببسات الشرعيببة والنقابات أيببا كانببت القيود والتدخلت‬
‫المنيبة والداريبة فيهبا‪ ،‬والقيام بالعمبل الدؤوب الطويبل الجبل للتأثيبر فبي‬
‫العوامبل الموضوعيبة والذاتيبة المؤثرة فبي ميول الجماهيبر ونتاج تفاعلهبا‬
‫لمكان إقامبة مرتكزات الحركبة الشتراكيبة والديمقراطيبة داخبل القواعبد‬
‫الجماهيرية‪.‬‬
‫‪ -5‬اغتنام لحظات أو شرارات النزوع الجماهيري النضالي التبي تطلقهبا‬
‫بيببن الحيببن والخببر حوادث الرتطام بيببن حقوق وكرامببة أبناء الشعببب‬
‫وبيببن شراسببة وتعسببف السببلطة لللتحام بالجماهيببر‪ ،‬وحفببز ومسبباندة‬
‫مبادرتهبا النضاليبة ودفاعهبا عبن نفسبها ولتوسبيع آفاق نزوعهبا الكفاحبي‬
‫بالوعبي والخببرة‪ ،‬والتعلم منهبا وتعليمهبا وفقبا لمبدأ القيادة مبن الجماهيبر‬
‫وإلى الجماهير‪.‬‬

‫([‪ )]1‬الرقام مصببدرها موقببع برنامببج المببم المتحدة النمائي ومجلس‬


‫الشعبب المصبري على النترنبت ومصبادر صبحفية بالنسببة للبيانات التبي‬
‫لم تتضح في أرقام الموقعين المذكورين‪.‬‬
‫([‪ )]2‬مببا بعببد الحدائة ‪ :‬نمببط مببن التفكيببر يعتبببر القضايببا التببي نتبناهببا‬
‫وضعناهبا نحبن بأنفسببنا ولم نسبتقيها مبن عالم موضوعبي خارجنبا‪ ،‬وأن‬
‫مفهوم الحقيقبة هلمبي‪ ،‬ويمكبن للمجتمبع البشري الحياة فبي مجتمبع ثقافبي‬
‫دون اهتمام بمسبألة المنهبج والحقيقبة‪ ،‬وعلى هذا المجتمبع أن يهتبم بأفكار‬
‫زمانبه فقبط وأن يجعبل الحديبث عبن التعميبم والكليات جزءًا مبن الماضبي‬
‫العقيم وأن نتعامل مع المعطيات التي نواجهها عن طريق تجزئتها وأخذ‬
‫كل جزء على حده‪.‬‬
‫وكمببا هببو واضببح يترتببب على الخببذ بهذا التفكيببر أسببوأ النتائج‪ .‬فإنكار‬
‫إمكان معرفبة الحقيقبة "أو حتبى اعتبارهبا فكرة منظمبة للبحبث " سبيؤدي‬
‫إلى غياب أي أسبببس لتأييبببد أو رفبببض ممارسبببات سبببياسية وعسبببكرية‬
‫واقتصبادية وثقافيبة تواجهنبا‪ ،‬كمبا تؤدي سبياسات دفبع الختلف (عكبس‬
‫الترابببط) إلى أقصبباها كمببا يذهببب هذا التفكيببر إلى اسببتبعاد أي تحليببل‬
‫موضوعببي كلي يسببمح برؤيببة الواقببع التاريخببي والمعاش فببي ترابطببه‬
‫وشموله ليصبببح التاريببخ والواقببع المعاش مفككاً ل رابببط بيببن جوانبببه‬
‫وأجزائه المتعددة‪ .‬وللقارئ غيببر المتخصببص أو غيببر التابببع للموضوع‬
‫نحيبل إلى مقالتيبن مترجمتيبن بالعربيبة وهمبا ‪ :‬مفهوم الحقيقبة بيبن الحداثبة‬
‫ومببا بعدهببا – د‪ .‬توفيببق شومببر – مجلة الدسببتور الردنيببة‪ ،‬الماركسببية‬
‫والتفكيكيببة – كيببت سببوبر – ترجمببة سببعيد العليمببي – مجلة الطريببق‬
‫القاهرية – ديسمبر ‪.2004‬‬
‫([‪ )]3‬التقريبببر السبببنوي عبببن سبببنة ‪ – 2003/2004‬البنبببك المركزي‬
‫المصري‪.‬‬
‫([‪ )]4‬مبببن المراجبببع المؤيدة لهذا التلخيبببص مبببا جاء بكتاب الطبقات‬
‫الجتماعية ومستقبل مصر – الباحث الرئيسي د‪ .‬عبدالباسط عبدالمعطي‬
‫‪،‬صب ‪ ،291 – 284‬دار ميريت‪ ،2002 ،‬القاهرة‪.‬‬
‫([‪ )]5‬الطبقات الجتماعية صب ‪ – 285‬مرجع سابق‪.‬‬
‫([‪ )]6‬مقال ‪ :‬المهمة الملحة للفكر العربي – عيداروس القصير – مجلة‬
‫مصرية‪ .‬عدد ‪ – 5‬ديسمبر ‪ – 1982‬القاهرة‪.‬‬
‫([‪ )]7‬الفتتاحيبببببة – مجلة مصبببببرية – عدد ‪ – 7‬ديسبببببمبر ‪– 1984‬‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫([‪ )]8‬مقال المهمة الملحة للفكر العربي – مصدر سابق‪.‬‬
‫([‪ )]9‬الديمقراطيبة الوطنيبة – إصبدار ثانبي للجنبة المصبرية لمناهضبة‬
‫السبتعمار والصبهيونية – أبريبل ‪ ،2006‬الصبدار الول ضمبن كراسبة‬
‫"دروس الصراع حول الصطلح السياسي والدستوري سبتمبر ‪.2005‬‬
‫([‪ )]10‬راجبببع ‪ :‬ل للمبرياليبببة والتبعيبببة ‪..‬ل للدكتاتوريبببة والفقار –‬
‫اللجنببة المصببرية لمناهضببة السببتعمار والصببهيونية والرابطببة الشعبببة‬
‫العربيبة – فببراير ‪ ،2005‬الديمقراطيبة برنامبج وطنبي ديمقراطبي شعببي‬
‫(الحريات قبببل الديمقراطيببة) – اللجنببة المصببرية لمناهضببة السببتعمار‬
‫والصبهيونية – مايبو ‪ – 2005‬دروس الصبراع حول الصبلح السبياسي‬
‫والدسببتوري – اللجنببة المصببرية لمناهضببة السببتعمار والصببهيونية –‬
‫سبتمبر ‪.2005‬‬
‫([‪ )]11‬دروس الصراع حول الصلح السياسي والدستوري – مصدر‬
‫سابق‪.‬‬
‫([‪ )]12‬الكرامة – العدد الول – ‪.27/9/2005‬‬
‫([‪ )]13‬ف‪ .‬لبنين – في مقال المهام الملحمة لحركتنا‪.‬‬

You might also like