You are on page 1of 293

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫قال تعالى‬
‫حسَ َنهُ )‬
‫ن أَ ْ‬
‫ن َيسْ َت ِمعُونَ ا ْل َق ْولَ ‪ ،‬فَيَتّ ِبعُو َ‬
‫( فَ َبشّ ْر عِبَا ِد ‪ ،‬الّذِي َ‬
‫( الزمر )‬

‫كتاب‬

‫نهاية إسرائيل والوليات‬


‫المتحدة المريكية‬
‫من ومتى وكيف‬
‫دراسة تحليلية في القران والسنة والتوراة والنجيل‬

‫حقوق النشر متاحة للجميع‬

‫خالد عبد الواحد‬

‫‪1‬‬
‫الجزء الول‬
‫الفصل الول ‪:‬‬

‫البداية‬

‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫زوال إسرائيل قبل ظهور المهدي‬

‫الفصل الثالث ‪:‬‬

‫مختصر لمجمل أقوال المفسرين‬

‫الفصل الرابع ‪:‬‬

‫وكل شيء فصّلناه تفصيل‬

‫الفصل الخامس ‪:‬‬

‫تاريخ وجغرافيا بني إسرائيل في القران‬

‫الفصل السادس ‪:‬‬

‫تاريخ اليهود في التوراة والتلمود‬

‫الفصل السابع ‪:‬‬

‫فلسطين عبر التاريخ‬

‫‪2‬‬
‫البداية‬
‫قبييل عدة سيينوات ‪ ،‬كنييت قييد قرأت كتاب ( أحجار على رقعيية الشطرنييج ) للدميرال الكندي ( وليام كار ) حيييث‬
‫يؤكيد المؤلف فيي هذا الكتاب بالشواهيد والدلة سييطرة اليهود على واقعنيا المعاصير ‪ .‬بعيد قراءتيي لهذا الكتاب ‪،‬‬
‫وبالنظر لما يجري على أرض الواقع ‪ ،‬تملكتني حالة من اليأس والقنوط ‪ .‬فأحلمنا وأمانينا إذا ما سار الناس من‬
‫حولنيا على هدي ميا يُخطّطيه وينفذه اليهود – وهيم سيائرون وميا زالوا – أصيبحت هبا ًء منثورا ‪ ،‬وسيتسير المور‬
‫إلى السوأ يوما بعد يوم حتى يرث ال الرض ومن عليها ‪.‬‬
‫لم أكن أعلم آنذاك أن بعد كل هذا الكفر والظلم والفساد الذي استفحل في الرض ‪ ،‬وأخذ ينتشر في أرض السلم‬
‫والعروبية انتشار النار فيي الهشييم ‪ ،‬بعيد أن مُحييت آثار العييب والحرام مين مفردات قاموس أهلهيا ‪ ،‬سيتظهر فيي‬
‫آخير الزمان خلفية راشدة على منهاج النبوة تُعييد هذه المية للحياة مين جدييد ‪ ،‬فأحادييث الفتين وميا يكون بيين يديّي‬
‫السياعة لم تكين معروفية للعامية قبيل سينوات قليلة ‪ ،‬ولم تلق أي اهتمام كون السياعة بعيدة عنيا – حسيبما نحيب أن‬
‫تكون – كل البعد ‪ .‬ومؤخرا بدأ كثير من الدارسين والباحثين ‪ ،‬يخوضون غمار ما جاء فيها من أحاديث ‪ ،‬منبّهين‬
‫لظهور الكثير من أشراطها الصغرى ومحذّرين من قرب أشراطها الكبرى ‪.‬‬
‫معرفتيي بوجود تلك الخلفية ‪ ،‬التيي سيتقطع الطرييق على أصيحاب المؤامرة اليهوديية العالميية ‪ ،‬وتلغيي أحلمهيم‬
‫بسيادة العالم من القدس ‪ ،‬كانت لي بمثابة الضوء في آخر النفق ‪ ،‬تلك المعرفة الجديدة أعادت لي المل ‪ ،‬بعد أن‬
‫تملكنيي الكثيير مين اليأس والقنوط مين أحوال أمتيي العجيبية ‪ .‬اعترتنيي حالة مين الفضول فأردت معرفية المزييد ‪،‬‬
‫حيث ساعدني حبي القديم للمطالعة ‪ ،‬فعدّت لمطالعة كل ما يقع بين يد يّ من كتب على مختلف مواضيعها ‪ ،‬من‬
‫عقيدة وفقيه وسييرة وتارييخ فضل عين القرآن العظييم وتفسييره ‪ ،‬فتيبين لي أن العلم والمعرفية يهتكان الكثيير مين‬
‫أسيتار الجهيل بأمور الحياة الخرى ‪ ،‬ويزداد المرء بهميا إيمانيا ويقينيا وصيلة بربيه وثباتيا على دينيه فازددت حبيا‬
‫للمعرفة والمتابعة ‪.‬‬
‫شملت مطالعاتي في تلك الثناء ‪ ،‬بعض الكتب التي تناولت سيرة المهدي ‪ ،‬وأكثر ما حاز على اهتمامي من هذه‬
‫الحادييث ‪ ،‬ميا يتعلق بالمهدي وظهوره والمعارك التيي سييخوضها ‪ .‬وبعيد تحليلي لتلك الحادييث ومحاولة الربيط‬
‫فيميا بينهيا ‪ ،‬تيبين لي بأن دولة إسيرائيل الحاليية لن تكون موجودة عنيد ظهور أمره ‪ ،‬وأن المهدي سييدخل القدس‬
‫وبلد الشام ككيل بل حرب ‪ ،‬فتبادر إلى ذهنيي بعيض التسياؤلت ‪ ،‬التيي كان ل بيد لي مين الجابية عليهيا بدافيع‬
‫الفضول في البداية ‪ ،‬وأهمها كيف اختفت إسرائيل قبل ظهور المهدي ؟ ومن الذي كان سببا في اختفائها ؟‬
‫كنييت سيابقا أعتقيد – كمييا كان وميا زال – يعتقيد عامية المسيلمين اليوم ‪ ،‬أن الطريييق إلى تحرييير القدس سييتكون‬
‫بالوحدة العربيية ‪ ،‬وهذا بل شيك ضرب مين الخيال ‪ ،‬أو بالعودة إلى السيلم وقيام الخلفية السيلمية وهذا أيضيا‬
‫أمير بعييد المنال ‪ ،‬والواقيع ل ينبيئ بذلك فاليهود الن يسييطرون على مجريات المور ‪ ،‬أكثير مميا نسييطر على‬
‫زوجاتنا وأولدنا ‪ ،‬فهم يراقبون ويُحاربون أي جسم مسلم أو عربي ‪ ،‬تحول من حالة السكون إلى الحركة ‪ ،‬وكل‬
‫المحاولت السيلمية والقوميية العربيية النهضويية ‪ ،‬وُئدت واشتُرييت وبيعيت فيي سيوق النخاسية ‪ ،‬فل أميل فيي‬
‫المنظور القريب حسب ما نراه على أرض الواقع ‪.‬‬
‫وأميا إسيرائيل فعلى ميا يبدو أنهيا سيتبقى جاثمية فوق صيدورنا ‪ ،‬تمتيص دماء قلوبنيا وتعدّ عليهيا نبضاتهيا ‪ ،‬لتثبيت‬
‫للعالم أننيا ميا زلنيا أحياء ؟! والعالم يأتيي وينظير ويهزّ رأسيه موافقيا ويمضيي مطمئنيا ‪ ،‬نعيم إنهيم ميا زالوا أحياء !‬
‫وكأن العالم ينتظير منيا أن نموت أو نفنيى ‪ ،‬فيسيتيقظ يوميا ميا فل فلسيطين ول فلسيطينيون ‪ ،‬ليرتاح مين تلك المهمية‬
‫الثقيلة والمضنية ‪ ،‬التي رُميت على كاهله – وكأنه بل خطيئة اقترفتها يداه – كي يرتاح من مراقبة طويلة لعملية‬
‫احتضار شعب أُدخل إلى قسم العناية الحثيثة منذ أكثر من ‪ 50‬عاما وما زال حيا ‪.‬‬
‫وبالنظيير إلى الواقييع – قبييل ثلث سيينوات – ولغاييية هذه اللحظيية ‪ ،‬فإنييك تراه يقول بأن إسييرائيل سييتبقى ‪ .‬ولكيين‬
‫الحاديث النبوية الشريفة ترفض ما يقوله الواقع ‪ ،‬وتؤكد زوالها قبل ظهور المهدي والخلفة السلمية ‪ ،‬ولكن‬
‫كيف ؟ ومن ؟ ومتى ؟ وللجابة على هذه السئلة كان ل بد من البحث ومن هناك وقبل ثلث سنوات تقريبا كانت‬
‫البداية ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫ما يملكه عامّة المسلمين في بلدنا من معتقدات فيما يتعلّق بتحرير فلسطين ‪ ،‬يتمحور حول ثلثة عبارات تقريبا ‪،‬‬
‫هي ‪ :‬أول ؛ عبارة " شرقي النهر وهم غربيه " المشهورة لدينا بين فلسطينيي الشتات ‪ ،‬وثانيا ؛ عبارة " عبادا لنا‬
‫" ‪ ،‬وثالثا ؛ عبارة " وليدخلوا المسجد " ‪ .‬والتفسيرات المعاصرة لهذه العبارات في مجملها ‪ ،‬حصرت التحرير‬
‫بقيام الخلفيية السييلمية ‪ ،‬حتييى أصييبحت مين المور العقائدييية ‪ ،‬ويؤمين بصييحتها الكثييير مين الناس إن لم يكين‬
‫الغلبية العظمى ‪.‬‬
‫أما حديث ل تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود ويا مسلم يا عبد ال الذي غالبا ما نتدواله ‪ ،‬فهو يتحدث عن مسلمين‬
‫حقيقييين لن يتوفروا فيي ظيل هذه الجواء على المدى القرييب ‪ ،‬أو يتحدّث عين خلفية إسيلمية ‪ ،‬ومميا أعلميه أن‬
‫الخلفة السلمية لن تكون إل بظهور المهدي ‪ ،‬وخلف ذلك لم أجد في السنة النبوية من الحاديث ما يشير إلى‬
‫هذه الفترة ‪ ،‬فهي مغيبة تقريبا إل من حديث هنا أو هناك ‪.‬‬
‫في النصف الثاني من عام ‪1998‬م ‪ ،‬ومن خلل البحث الولي في العديد من المصادر أمسكت ببعض الخيوط ‪،‬‬
‫التي قادتني بدورها إلى اليات التي تحكي قصة العلو والفساد اليهودي في سورة السراء ‪ ،‬فطفقت أسبر معاني‬
‫ألفاظها وعباراتها وتركيباتها اللغوية ‪ ،‬فتحصلّت على فهم جديد ليات هذه السورة ‪ ،‬يختلف تماما عن معظم ما‬
‫تم طرحه سابقا ‪ ،‬ومن خلل هذا الفهم استطعت الجابة على معظم تساؤلتي ‪ ،‬وتساؤلت أخرى كانت ترد في‬
‫ذهني ‪ ،‬بين حين وآخر أثناء كتابتي لهذا البحث ‪.‬‬
‫عادة ما كنت أطرح ما توصلت إليه شفاها أمام الخرين ‪ ،‬وغالبا ما كانت أفكاري تُجابه بالمعارضة أحيانا بعلم‬
‫وأحيانيا مين غيير علم ‪ ،‬وغالبيا ميا كان النقاش يأخيذ وقتيا طويل ‪ ،‬وكان هناك الكثيير ممين يرغبون بالمعرفية ‪ ،‬كيل‬
‫حسب دوافعه وأسبابه الخاصة ‪ ،‬وكانت الغلبية تفاجأ بما أطرحه من أفكار ‪ ،‬فالقناعات الراسخة لدى الغلبية ‪،‬‬
‫مما سمعوه من الناس أو وجدوه في الكتب ‪ ،‬والواقع الذي يرونه بأم أعينهم يخالف بصريح العبارة ما أذهب إليه‬
‫‪.‬‬
‫والمشكلة أن المر جدّ خطير ‪ ،‬فالواقع الجديد والمفاجئ الذي سيفرض نفسه خلل سنين قليلة ‪ ،‬عندما يأتي أمر‬
‫ال ول ينطيق الحجير والشجير بشييء ! كميا كانوا يعتقدون سييوقع الناس فيي الحيرة والرتباك ‪ ،‬لتتلطيم الفكار‬
‫والتساؤلت في الذهان تلطم الموج في يوم عاصف ؛ ما الذي جرى ؟ وما الذي يجري ؟ وما الذي سيجري ؟‬
‫لذلك وجدت نفسي ملزما بإطلع الناس على ما تحصّلت عليه ‪ ،‬وعلى نطاق أوسع من دائرة القارب والزملء ‪.‬‬
‫وبالرغم من محدودية قدراتي وتواضعها إل أني حاولت جاهدا ‪ ،‬أن أصهر كل ما توصلت إليه مما علّمني ربي‬
‫فيي بوتقية واحدة ‪ .‬تمثّلت فيي هذا الكتاب الذي بيين أيديكيم فيي أول محاولة لي للكتابية ‪ ،‬كمسياهمة متواضعية فيي‬
‫الدعوة إلى ال ونصرة لكتابه الكريم قبل أن يوضع على المحك ‪ ،‬عندما يتحقّق أحد أعظم النباء المستقبلية بشكل‬
‫مخالف ‪ ،‬لما اعتادوا أن من آراء وتفسيرات كثرت في الونة الخيرة ‪ ،‬تتناول ما تُخبر عنه سورة السيراء مين‬
‫إفساديّ بني إسرائيل ‪.‬‬
‫كما وحاولت جاهدا أن أقدم هذا الكتاب في أسرع وقت ممكن ‪ ،‬بعد أن تأخرت سنتين وأكثر شغلتني فيها مشاكل‬
‫الحياة الدنيا ومصائبها ‪ ،‬عن إخراج هذا الكتاب إلى حيّز الوجود ‪ ،‬ومن ثم لسعى ليصاله إلى أكبر عدد من أمة‬
‫السلم ‪ ،‬لعله يجد فيهم من يلق السمع وهو شهيد ‪.‬‬
‫فإن أصبت فمن ال وإن أخطأت فمن نفسي ول حول ول قوة إل بال‬
‫هذا الكتاب سييكون بإذن ال متوافرا باسيتمرار ‪ ،‬ضمين موقيع خاص بيه على شبكية النترنيت ‪ ،‬وإن تعذّر الدخول‬
‫إلييه لسيبب أو لخير ‪ ،‬فبالمكان الوصيول إلييه عين طرييق محرك بحيث جوجيل ( ‪ ) www.google.com‬بكتابية‬
‫عنوان الكتاب كامل أو أحد العبارات الموجودة على صفحة الغلف ‪ ،‬حيث تستطيع من خلل هذا الموقع ‪:‬‬
‫‪.1‬الحصول على أحدث نسخة من الكتاب ‪.‬‬
‫‪.2‬إبداء أي ملحظة أو استفسار ‪.‬‬
‫‪.3‬متابعة أطروحات جديدة قد تصدر للمؤلف مستقبل ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫‪2001 / 7 / 20‬م _ ‪1422 / 4 / 29‬هي‬
‫المؤلف‬

‫‪5‬‬
‫تعقيب‬
‫من خلل ردود الفعال الولية لبعض الخوة ‪ ،‬سواء من قرأ أو من لم يقرأ الكتاب ‪ ،‬وجدنا أن الكثير من الناس‬
‫تخلط ما بين أمرين ؛ المر الول ‪ :‬هو كشف الغيب الذي ل يعلمه إل ال ‪ ،‬وهو ما ل ندعيه في كتابنا هذا ونعوذ‬
‫بال من أن ندعيه ؛ والمر الثاني ‪ :‬هو قراءة وبيان وتفصيل ما هو مكشوف أصل في القرآن والسنة ‪ ،‬من علم‬
‫الغيب مما أوحى سبحانه وتعالى لرسوله عليه الصلة والسلم ‪.‬‬
‫يقول سيبحانه وتعالى ( وَعِنْدَهُب َمفَاتِحبُ ا ْلغَيْبِب لَ َيعْ َلمُهَا ِإلّ ُهوَ ‪ 59 ( ... ،‬النعام ) ‪ ،‬ويقول ( ُقلْ لَ َيعْلَمُب مَنْب فِي‬
‫ن أَيّا نَ يُ ْبعَثُو نَ (‪ 65‬النمل ) وقد جاء أسلوب النفي ومن ثم الثبات‬ ‫شعُرُو َ‬‫ت وَالَْرْ ضِ ا ْلغَيْ بَ ِإ ّل الُّ َومَا َي ْ‬
‫س َموَا ِ‬
‫ال ّ‬
‫في هذين الموضعين ليفيد الحصر ‪ ،‬أي حصر علم الغيب بال دون غيره ممن في السموات والرض ‪ ،‬وهذا ما‬
‫يعلميه عامية الناس ويرددونيه عين ظهير قلب ‪ ،‬وهذا مميا ل خلف فييه ولكين السيؤال الذي يطرح نفسيه ‪ ،‬هيل هذا‬
‫الحصر مطلق ؟‬
‫علَى ا ْلغَيْبِب ‪،‬‬ ‫فإن كانيت الجابية بنعيم ‪ ،‬فميا القول فيي السيتثناء الذي جاء فيي قوله تعالى ( وَمَا كَانَب الُّ لِ ُيطْ ِلعَكُمْب َ‬
‫ظهِرُ عَلَى غَيْبِهِ َأحَدًا (‪)26‬‬ ‫وَ َلكِنّ الَّ َيجْتَبِي مِ نْ رُسُ ِل ِه مَ نْ َيشَاءُ ( ‪ 179‬آل عمران ) وفي قوله ( عَالِمُ ا ْلغَيْبِ فَلَ ُي ْ‬
‫ِإلّ مَ نِ ارْتَضَى مِ نْ رَ سُولٍ ‪ 27( … ،‬الجن ) حيث استثنى سبحانه وتعالى الرسل عليهم السلم من تلك القاعدة ‪،‬‬
‫إذ يقول ( تِلْكَب مِنْب أَنْبَاءِ ا ْلغَيْبِب نُوحِيهَا إِلَيْكَب ‪ ،‬مَا كُنْتَب َتعْ َلمُهَا أَنْتَب َولَ َق ْومُكَب مِنْب قَ ْبلِ هَذَا ‪ ،‬فَاصْب ِب ْر إِنّ ا ْلعَاقِ َبةَ‬
‫لِ ْلمُ ّتقِينَب (‪ 49‬هود ) ويقول ( َوكَذَلِكَب َأ ْوحَيْنَا إِلَيْكَب رُوحًا مِنْب َأمْرِنَا ‪ ،‬مَا كُنْتَب تَ ْدرِي مَا ا ْلكِتَابُب َو َل الِْيمَانُب ‪ ،‬وَ َلكِنْب‬
‫ط مُسْب َتقِيمٍ (‪ 52‬الشورى ) ليتيبين لنيا أن ال‬ ‫جعَلْنَاهُب نُورًا َنهْدِي بِهِب مَنْب َنشَا ُء مِنْب عِبَادِنَا ‪َ ،‬وإِنّكَب لَ َتهْدِي إِلَى صِبرَا ٍ‬
‫َ‬
‫سيبحانه وتعالى أطلع على غيبيه مين شاء مين رسيله ‪ ،‬وبذلك لم يحجيب علم الغييب بالكليية عين البشير ‪ ،‬والتيان‬
‫بالحصير ثيم السيتثناء يفييد بأن مرد العلم بالغييب أول وأخيرا هيو علم الغيوب ‪ ،‬وخاب وخسير مين اسيتقى علم‬
‫الغيب من غيره ‪.‬‬
‫أما ما كُشف للرسل فهو بعض من علم ال ‪ ،‬بما كان وما هو كائن وما سيكون ‪ ،‬مما اقتضت الحكمة اللهية كشفه‬
‫للناس عن طريق الوحي ‪ ،‬وكثير من هذا الغيب مخطوط فيما ورثته البشرية من كتب النبياء ‪ ،‬وفضل عما جاء‬
‫بيه القرآن مين أنباء الغييب ‪ ،‬فقيد أخيبر علييه الصيلة والسيلم بالكثيير مين أنباء الغييب ماضييا وحاضرا ومسيتقبل ‪،‬‬
‫وأفاضيت الحادييث النبويية فيي ذكير ميا سييقع فيي مسيتقبل المية مين فتوحات وفتين وابتلءات ومحين وأشراط‬
‫وأمارات للساعة ‪.‬‬
‫ن الِّ ‪َ ،‬و َل أَعْلَمُ ا ْلغَيْبَ ‪َ ،‬و َل أَقُولُ َلكُمْ إِنّي‬ ‫وأما قوله سبحانه وتعالى لرسوله الكريم ( ُق ْل َل أَقُولُ َلكُمْ عِنْدِي خَزَائِ ُ‬
‫عمَى وَالْبَ صِي ُر أَفَلَ تَ َت َفكّرُو نَ (‪ 50‬النعام ) ‪ ،‬وقوله ‪ُ ( :‬ق ْل لَ‬ ‫ن أَتّبِ ُع ِإلّ مَا يُوحَى إِلَيّ ‪ُ ،‬قلْ َهلْ يَ سْ َتوِي الَْ ْ‬
‫مَلَ كٌ ‪ ،‬إِ ْ‬
‫ت مِنَ ا ْلخَيْرِ ‪َ ،‬ومَا مَسّنِيَ السّوءُ ‪،‬‬ ‫ت أَعْلَمُ ا ْلغَيْبَ ‪ ،‬لَسْ َتكْثَرْ ُ‬
‫َأمْلِ كُ لِ َنفْسِي َن ْفعًا َولَ ضَرّا ‪ِ ،‬إ ّل مَا شَا َء الُّ ‪ ،‬وَ َل ْو كُنْ ُ‬
‫ن أَنَا ِإلّ نَذِي ٌر وَ َبشِيرٌ ِل َقوْمٍ ُي ْؤمِنُونَ (‪ 188‬العراف ) ل ينفي علمه عليه الصلة والسلم لبعض الغيب ‪ ،‬وما قيل‬ ‫إِ ْ‬
‫له ذلك إل ليجيب من يسأله عما لم يعلم من أنباء الغيب ‪ ،‬أو ما ل حكمة في الخبار عنه مما علم ‪.‬‬
‫تميّزت النصيوص النبويية التيي تتحدث عين أحداث المسيتقبل ‪ ،‬سيواء فيي القرآن والسينة أو فيي التوراة والنجييل‬
‫بالتلمييح ل بالتصيريح ‪ ،‬فهيي غالبيا ميا تصيف الشخوص والزمان والماكين والظروف والنتائج ‪ ،‬باسيتخدام عدة‬
‫أساليب لغوية ‪ ،‬كالستعارة والتشبيه واللتفات والعتراض وما إلى ذلك ‪ ،‬مما هو غير مألوف لناس هذا الزمان‬
‫‪ ،‬وخير مثال على ذلك هو ذكر اسم رسولنا الكريم عليه الصلة والسلم في التوراة والنجيل ( أحمد ) بالمعنى‬
‫ل باللفيظ ‪ ،‬وأحميد لغية هيي اسيم التفضييل مين ( حميد ) ومعناهيا أحميد الناس أو أكثير الناس حمدا ‪ ،‬ميع أن اسيمه ‪-‬‬
‫محمد ‪ -‬في الواقع جاء بنفس المعنى مع اختلف اللفظ ‪.‬‬
‫والحكمية التيي قيد ل يدركهيا الكثيير مين الناس ‪ ،‬مين عدم وضوح النصيوص النبويية ‪ ،‬هيو بقاء نسيبة ضئيلة مين‬
‫الشيك ‪ ،‬لحرمان الناس ذوي العلقية مين الدافيع لتعطييل مجريات المور ‪ ،‬إذ ل بيد للسيباب والمسيببات أن تأخيذ‬
‫مجراها ‪ ،‬من حيث الزمان والمكان والشخوص ‪ ،‬حتى تتحقق النبوءات كما تم الخبار عنها ‪.‬‬
‫ولنا في قصة فرعون مع موسى عليه السلم خير مثال على ما قد يفعله المجرمون لتعطيل أمر ال ‪ ،‬عندما أمر‬
‫بذبيح موالييد بنيي إسيرائيل كافية ‪ ،‬لمجرد رؤييا منام علم مين تأويلهيا ‪ ،‬بأن واحدا منهيم سييكون سيببا فيي تقوييض‬
‫‪6‬‬
‫أركان ملكيه ‪ ،‬ورغيم ميا اتخذه مين إجراءات وتدبيرات احترازيية لحرمان هذا الطفيل مين الحياة ‪ ،‬إل أن مكير ال‬
‫كان أعظيم وأكبر ‪ ،‬وبالرغيم من قدرتيه سبحانه على منع فرعون من إيذائه دون تدخل بشري ‪ ،‬إل أنه أوحيى لم‬
‫موسى بأن تتخذ من السباب ‪ ،‬ما هو كفيل بتحقيق المراد اللهي ‪.‬‬
‫هذا ما كان من أحد المجرمين والعتاة لمجرد رؤيا منام ‪ ،‬فماذا لو أتاه نص صريح بأن الذي سيقوض أركان ملكه‬
‫‪ ،‬هو ذلك الطفل الذي سيأتي به اليم إلى قصره ‪ ،‬فهل كان فرعون سيتخذه ربيبا ‪ ،‬أم ماذا سيفعل به ؟‬
‫وللناس مين أمير النبوءات الواردة فيي القرآن والسينة مواقيف شتيى ‪ ،‬فمنهيم مين ل يرغيب بالفهيم ‪ ،‬ومنهيم مين لييس‬
‫لديه القدرة على الفهم ‪ ،‬ومنهم من يعتقد بأن ل جدوى من البحث في أمرها ‪ ،‬ومنهم من يحاكمها بناء على أهواءه‬
‫وأحلمه ‪ ،‬فيأخذ ما اتفق وينكر ما اختلف ‪ .‬ولذلك تجد بعض الناس ‪ ،‬عند الحديث عن المستقبل ‪ ،‬يقول مستنكرا‬
‫ل يعلم الغيب إل ال ‪.‬‬
‫ونحن كمسلمين مطلوب منا أن نؤمن بالغيب المخبر عنه في القرآن والسنة ‪ ،‬لقوله تعالى ( الم (‪ )1‬ذَِلكَ ا ْلكِتَابُ َل‬
‫رَيْبَب فِيهِب هُدًى لِ ْلمُ ّتقِينَب (‪ )2‬الّذِينَب ُي ْؤمِنُونَب بِا ْلغَيْبِب وَيُقِيمُونَب الصّبلَ َة َو ِممّاب َرزَقْنَاهُمْب يُ ْن ِفقُونَب (‪ 3‬البقرة ) وأعظيم‬
‫الغيييب هييو وجود ال ‪ ،‬ونحيين وآباؤنييا لم نعلم بوجود ال ولم نعرفييه حييق المعرفيية ‪ ،‬ولم نعلم باليوم الخيير ومييا‬
‫سيجري فيه من بعث وحساب وثواب وعقاب ‪ ،‬إل من خلل القرآن الموحى به من عند ال جل وعل إلى محمد‬
‫علييه الصيلة والسيلم ‪ ،‬وميا دمنيا آمنيا بال وباليوم الخير مين خلل كتابيه ‪ ،‬فميا لنيا ل نؤمين بميا سيواها مين أخبار‬
‫الغيب مما حواه هذا القرآن العظيم بين جنباته ‪.‬‬
‫ح ْكمَةَ ‪،‬‬
‫ب وَا ْل ِ‬
‫علَ ْيكُ مْ ءَايَاتِنَا ‪ ،‬وَ ُي َزكّيكُ مْ ‪ ،‬وَ ُيعَّلمُكُ مُ ا ْلكِتَا َ‬
‫يقول سبحانه وتعالى ( َكمَا أَرْ سَلْنَا فِيكُ مْ رَ سُولً مِ ْنكُ مْ يَتْلُو َ‬
‫وَ ُيعَّلمُكُ ْم مَا لَمْ َتكُونُوا َتعْ َلمُونَ (‪ 151‬البقرة ) لم يُبعث عليه الصلة والسلم فقط ليتلو علينا القرآن ‪ ،‬بل بُعث أيضا‬
‫ليُزكينيا وليعلمنيا الكتاب والحكمية ‪ ،‬وليعلمنيا ميا لم نكين نعلم مين قبيل ‪ ،‬لنخلص مين هذه اليية وغيرهيا مين اليات‬
‫التي جاءت بنفس النص ‪ ،‬أن هناك شيء اسمه الحكمة ‪ ،‬يراد لنا أن نتعلمه من القرآن والسنة ‪ ،‬لكل ما ورد فيها‬
‫مين تشريعات وحدود وأوامير ونواهيي وأخبار الماضيي والمسيتقبل ‪ ،‬قررهيا سيبحانه فيي أواخير اليات وفيي نهايية‬
‫القصص كل حسب موضوعه ‪.‬‬
‫ومين مجميل اليات التيي ورد فيهيا نبوءات مسيتقبلية ‪ ،‬تيبين لنيا وحسيب ميا تقرره تلك اليات أن هناك حِكميا إلهيية‬
‫من الخبار عنها ‪ ،‬وقد حُصرت هذه الحِكم اللهية عموما في أمرين ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬أن معرفة الخبر قبل تحققه من القرآن أو السنة ‪ ،‬هي بمثابة زف البشرى للذين آمنوا ونذير للذين كفروا ‪،‬‬
‫من الذين يعايشون ظروف الحدث المخبر عنه ‪ .‬وهذا مما يمل نفوس المؤمنين بالمل ‪ ،‬ويعطيهم الدافع للعمل ‪،‬‬
‫دون كلل أو ملل ‪ ،‬ويلهمهيم الصيبر على ميا أصيابهم مين السيقام والعلل ‪ ،‬ويمل نفوس الكفرة والمنكريين الخوف‬
‫والترقيب والحذر ‪ ،‬ويزيدهيم تحدييا وطغيانيا وكفرا ‪ ،‬لدرجية أن يتحدّوا ال لينزل بهيم ميا يعدهيم مين العذاب ‪ ،‬كميا‬
‫هي عادة الجبابرة والظلمة والمفسدين في الرض ‪.‬‬
‫ثانييا ‪ :‬أن معاينية الحدث عنيد تحققيه على أرض الواقيع تماميا كميا ورد فيي القرآن أو السينة ‪ ،‬سييكون بالضرورة‬
‫سبب لزيادة إيمان المؤمنين بربهم وكتبه ‪ ،‬وزيادة في اجتهادهم بعبادته ‪ ،‬وأما للذين كفروا فهو زيادة في قهرهم‬
‫وإذللهم ‪ ،‬رغم كل ما أخذوه من إجراءات احترازية درءا ومنعا لمر ال ‪.‬‬
‫أما من يدّعي بأن ل حكمة ول فائدة من الخبار عنها ‪ ،‬وأن معرفتها على حقيقتها يبعث في النفس اليأس والقنوط‬
‫والتواكييل ‪ ،‬فأولئك يقولون على ال مييا ل يعلمون ‪ ،‬لمخالفتهييم لمييا اقتضتييه الحكميية اللهييية ميين الخبار عنهييا ‪،‬‬
‫ويدّعون بأنهم أكثر حكمة وعلما من أحكم الحاكمين وأعلم العالمين ‪.‬‬
‫وخلصة القول ‪ :‬أننا لم نكشف شيئا من الغيب ‪ ،‬وما قمنا به لم يتعدى حدود القراءة والتفكر والتدبر ‪ ،‬فيما أنزل‬
‫رب العزة على رسيله وأنيبيائه مين أخبار الغييب ‪ ،‬وبذلنيا ميا وفقنيا ال إلى بذله ‪ ،‬مين جهيد فيي فهمهيا واسيتيعابها‬
‫وتفصيلها وتبسيطها وتقديمها للناس بلغة يفهمونا ‪ ،‬وما لنا في ذلك من فضل ‪ ،‬إن الفضل إل ل ‪.‬‬
‫وفيي نهايية المير ‪ ،‬وبعيد مخاض عسيير كان هذا الكتاب ‪ ،‬الذي نعرضيه مجانيا ونحاول جهدنيا إيصياله للناس فيي‬
‫شتيى بقاع الرض ‪ ،‬ونشكير كيل مين سياهم فيي نشره ‪ ،‬وغايتنيا سيواء أصيبنا أو أخطانيا هيي نفيع الناس فيي دينهيم‬
‫ودنياهم ‪ ،‬وإنما العمال بالنيّات ولكل امرئ ما نوى ‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫وبضاعتنيا فيي هذا الكتاب مسيتقاة مين كتاب ال وسينة رسيوله ‪ ،‬والناس أحرار فيي شرائهيا أو العراض فصيانعها‬
‫بشري متهيم ‪ ،‬حييث ل وحيي يوحيى بعيد وفاة المصيطفى علييه الصيلة والسيلم ‪ ،‬ول نفرضهيا على أحيد ولكين ل‬
‫علييك إن اطلعيت عليهيا ‪ ،‬فهيي إن لم تنفعيك فلن تضرك فيي شييء ‪ ،‬ميع يقيننيا الشخصيي بأنهيا ل تخلو مين الفائدة ‪،‬‬
‫بل فيها الكثير كما أجمع معظم من حظي بقراءة هذا الكتاب ‪ ،‬وتذكر أنك حر فيما اعتقدت بشأن هذه البضاعة ‪.‬‬
‫أما بالنسبة لمسألة تحديد موعد من خلل العد ‪ ،‬فهو نتيجة لعملية عدّ في كلم ال ومن كتاب ال ‪ ،‬وما هو بقراءة‬
‫فيي فنجان أو نظير فيي النجوم ‪ ،‬وميا طرحنيا الفصيل الخاص بهذه المسيألة ‪ ،‬والتيي قيد تصيب وقد تخطئ ‪ ،‬إل بعد‬
‫أن تولدت لدينا قناعة ‪ ،‬بصرف النظر عن المواعيد المطروحة في ذلك الفصل ‪ ،‬تقول بأن نهاية كل من إسرائيل‬
‫وأمريكيا قريبية جدا جدا ‪ ،‬ومجريات المور سييتأخذ منحيى مغايرا لميا علييه الحال الن ‪ ،‬وسييكون التغيير سيريعا‬
‫ومفاجئا ومضطردا ‪ ،‬بحيث تأخذ الناس حالة مستمرة من الخوف والترقب ربما تدوم لعدة سنين ‪.‬‬
‫أما ما نود قوله لقرّاء هذا الكتاب ‪ ،‬هو أن يأخذوا بأحسن ما في هذا الكتاب ‪ ،‬وأن يتركوا ما هو دونه ‪ ،‬تماشيا مع‬
‫ميا أخيبر بيه أتباع رسيله الكرام ‪ ،‬فيي حيق ميا أنزله عليهيم مين الهدي ‪ ،‬قال تعالى ( فَ َبشّرْ عِبَادِ ‪ ،‬الّذِينَب يَسْبَت ِمعُونَ‬
‫حسَ َنهُ ‪ُ ،‬أوْلَئِكَ الّذِينَ هَدَا ُهمُ الُ ‪ ،‬وُأوْلَئِكَ ُه ْم ُأوْلُوا الَْلْبَابِ (‪ 18‬الزمر ) ‪.‬‬
‫ن َأ ْ‬
‫ا ْلقَ ْولَ ‪ ،‬فَيَتّ ِبعُو َ‬
‫هذا ما قاله رب العزة في حق كتبه وما أنزل فيها من الهدي على رسله ‪ ،‬فما بالك بقولنا في حق كتاب أنجزه عبد‬
‫مين عباد ال ‪ ،‬ل ولن يصيل إلى حيد الكمال مهميا بذل مين جهيد ‪ ،‬والعقيل البشري له حدود وطاقات مهميا بلغ مين‬
‫إبداع ‪ ،‬فإن أصياب فيي شييء أخطيأ فيي أشياء ‪ ،‬وكيل إنسيان فيي نهايية المطاف لديية قدر مين الحكمية ‪ ،‬ليمييز الغيث‬
‫من السمين فيما قرأ أو سمع ‪.‬‬
‫ونسأل ال أن يهدينا وإياكم سواء السبيل‬

‫أُضيف هذا التعقيب بتاريخ‬


‫‪2002 / 3 / 15‬م – ‪1423 / 1 / 1‬هي‬
‫المؤلف‬

‫‪8‬‬
‫زوال إسرائيل قبل ظهور المهدي‬
‫استفاضت كثير من المؤلفات لكبار العلماء والئمة ‪ ،‬في ذكر المهدي وسيرته ‪ ،‬وأكدت على حتمية خروجه آخر‬
‫الزمان ‪ ،‬ومين هؤلء على سيبيل المثال ل الحصير ‪ ،‬ابين حجير والشوكانيي والسييوطي والصيابوني وغيرهيم ‪،‬‬
‫وهناك من أفرد له بابا أو كان له مقال في كتاب كالذهبي وابن تيميه وابن القيم والقرطبي والبرزنجي وغيرهم ‪.‬‬
‫وهناك الكثيير مين الكتيب المتخصيصة الحديثية ‪ ،‬جمعيت أقوال أولئك العلماء والئمية فيي المهدي وأحداث آخير‬
‫الزمان ‪ ،‬فميين رغييب بالسييتزادة فليرجييع إليهييا فهييي متوافرة بكثرة فييي المكتبات هذه اليام ‪ ،‬واللمام المسييبق‬
‫بالحاديث الواردة في المهدي ‪ ،‬سيساعد كثيرا في فهم ما استخلصته من أفكار في هذا الفصل ‪.‬‬
‫وأما من ينكر أحاديث المهدي فل التفات لقوله ‪ ،‬فالحاديث الصريحة وغير الصريحة التي أتت على ذكر أخبار‬
‫المهدي ‪ ،‬بلغيت حيد التواتير المعنوي وقيد ورد فيهيا ميا يُقارب الربعيين حديثيا ‪ .‬وميا سينتناوله منهيا هيو ميا يخيص‬
‫موضوع هذا الكتاب فقييط ‪ .‬وأود أن أشييير إلى أن ذكيير المهدي قييد جاء فييي التوراة ‪ ،‬حيييث أن الترجميية العربييية‬
‫للنييص التوراتييي ‪ ،‬تُس يمّيه ( بالقدّوس ) فييي موضييع ( وبالغصيين ) فييي موضييع آخيير ‪ ،‬وهذا النييص موجود مييع‬
‫التعلييق ‪ ،‬فيي فصيل النبوءات التوراتيية ‪ .‬وقيد تنبيأ بظهوره ( نوسيتراداموس ) مفسيّر النبوءات التوراتيية ‪ ،‬وأشار‬
‫إليه بألفاظ صريحة سنوردها في فصل لحق ‪.‬‬
‫وللحقيقيية ‪ ،‬وميين خلل اطلعييي على الكثييير ميين دراسييات وأبحاث الغربيييين ‪ ،‬التييي تتناول النبوءات التوراتييية‬
‫والنجيلية ‪ ،‬الخاصة بأحداث النهاية ‪ ،‬تبيّن لي بأن اليهود والنصارى أكثر إيمانا ويقينا من عامة المسلمين بحتمية‬
‫ظهور المهدي ‪ ،‬وانتصيياره فييي كافيية حروبييه واتخاذه للقدس عاصييمة لملكييه وامتداده لمسيياحات شاسييعة ميين‬
‫الراضيي ‪ .‬ولنهيم يعلمون بأن النهايية قيد اقتربيت ‪ ،‬ويعتقدون بأنيه سييقود تحالفيا عسيكريا ضيد الغرب ينجيم عنيه‬
‫دمار الحضارة الغربية برمتها ‪ ،‬فهم يتوقعون ظهوره في أي لحظة ويخشون أن يظهر وأن تقوى شوكته وهم في‬
‫غفلة من أمرهم ‪ ،‬فلذلك تجدهيم يُحاولون تجنيد العالم بأسيره ضد ما يُسمّونه بالرهاب السلمي ‪ ،‬خوفا من ذلك‬
‫المصير المشؤوم الذي ينتظرهم عند ظهور أمره ‪.‬‬

‫غربة السلم ‪:‬‬


‫ك ا ُلْمَ ُم أَ نْ تَدَاعَى عَلَ ْيكُ مْ ‪َ ،‬كمَا تَدَاعَى ا َلْكَ َل ُة إِلَى‬
‫ل الِّ صَلّى الُّ عََليْ هِ وَ سَّلمَ ‪ ( :‬يُوشِ ُ‬ ‫ل ‪ :‬قَالَ رَ سُو ُ‬ ‫ن ثَ ْوبَا نَ ‪ ،‬قَا َ‬
‫ع ْ‬
‫َ‬
‫ن يَ ْو َم ِئذٍ ‪ ،‬قَالَ ‪َ :‬ب ْل أَنْتُمْ َي ْومَئِ ٍذ كَثِيرٌ ‪ ،‬وَ َلكِ ّنكُمْ غُثَا ٌء َكغُثَاءِ السّ ْيلِ ‪ ،‬وَلَيَ ْنزَعَنّ الُّ‬
‫حُ‬‫ن قِلّ ٍة َن ْ‬
‫ل قَائِلٌ ‪َ :‬ومِ ْ‬ ‫صعَتِهَا ‪ ،‬فَقَا َ‬‫قَ ْ‬
‫ن ؟ قَالَ ‪:‬‬ ‫ل الِّ َومَا ا ْلوَهْ ُ‬
‫مِ نْ صُدُورِ عَ ُد ّوكُ مْ ا ْل َمهَا َب َة مِ ْنكُ مْ ‪ ،‬وَلَ َيقْذِ َفنّ الُّ فِي قُلُو ِبكُ مْ ا ْلوَهْ نَ ‪ ،‬فَقَالَ قَائِلٌ ‪ :‬يَا رَ سُو َ‬
‫حُبّ الدّنْيَا وَكَرَاهِ َيةُ ا ْل َموْتِ ) رواه أبو داود وأخرجه أحمد ‪ ،‬وصحّحه اللباني ‪.‬‬
‫غرِيبًا ‪ ،‬وَ سَ َيعُودُ غَرِيبًا َكمَا بَ َدأَ ‪ ،‬وَ ُهوَ يَأْ ِرزُ‬
‫لمَ بَ َدأَ َ‬
‫ن ال ّن ِبيّ صَلّى الُّ عََليْ هِ وَ سَّلمَ قَالَ ‪ ( :‬إِنّ الِْ سْ َ‬ ‫ع َمرَ عَ ْ‬‫ن ابْ نِ ُ‬ ‫ع ْ‬‫َ‬
‫جحْرِهَا ) رواه مسلم ‪ ،‬وأخرجه الترمذي وابن ماجه وأحمد والدارمي ‪.‬‬ ‫ن َكمَا تَ ْأرِزُ ا ْلحَ ّيةُ فِي ُ‬
‫سجِدَيْ ِ‬
‫بَيْنَ ا ْل َم ْ‬
‫قبيل ظهور المهدي سيتشهد المية السيلمية عصيرا حالك السيواد مين كثرة الظلم والجور والفسياد ‪ ،‬يتمييز بوجود‬
‫قلة مؤمنية صيابرة متمسيكة بدينهيا ل حول لهيا ول قوة تنتظير حتيى يأتيي ال بأمير مين عنده ‪ ،‬وكثرة طاغيية فاسيدة‬
‫ومفسدة متمسكة بدنياها هم غثاء كغثاء السيل ‪.‬‬

‫جيش يغزو الكعبة بداية ظهور أمر المهدي ‪:‬‬


‫ل الِّ صَلّى الُّ عََليْهِ وَسَّلمَ ‪َ :‬يغْزُو جَيْشٌ ا ْل َكعْ َبةَ‬ ‫ت ‪ :‬قَالَ رَسُو ُ‬ ‫ع ْنهَا ‪ ( ،‬قَالَ ْ‬ ‫ي الُّ َ‬
‫عنْ عَا ِئشَ ُة َرضِ َ‬‫رواية البخاري _ َ‬
‫خرِهِ مْ ‪،‬‬ ‫ف ِبأَوِّلهِ مْ وَآ ِ‬
‫ل الِّ َكيْ فَ ُيخْ سَ ُ‬
‫ن الَْرْ ضِ ‪ُ ،‬يخْ سَفُ بِ َأوّ ِلهِ مْ وَآخِرِهِ مْ ‪ : ،‬قُلْ تُ ‪ :‬يَا رَ سُو َ‬‫‪َ ،‬فإِذَا كَانُوا بِبَيْدَا َء ِم ْ‬
‫َوفِيهِمْي أَسْيوَا ُق ُهمْ ‪َ ،‬ومَنْي َليْسَي ِم ْنهُمْي ‪ ،‬قَالَ ‪ُ :‬يخْسَبفُ بِ َأوّ ِلهِمْب وَآخِرِهِمْب ‪ ،‬ثُمّ يُ ْبعَثُونبَ عَلَى نِيّا ِتهِمْب ) رواه الشيخان ‪،‬‬
‫وأخرجه والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد ‪.‬‬
‫ل الِّ صَلّى الُّ عََليْ هِ وَ سَّلمَ فِي َمنَامِ هِ ‪ ( ،‬فَقُ ْلنَا ‪ :‬يَا‬
‫ث رَ سُو ُ‬ ‫عبَ َ‬‫ع ْنهَا ‪ ،‬قَالَ تْ ‪َ :‬‬ ‫رواية مسلم _ عَ نْ عَا ِئشَ َة رَضِ يَ الُ َ‬
‫ج ٍل مِنْب‬‫ش ْيئًا فِي َمنَامِكَي لَمْي َتكُنْي تَ ْفعَلُهُي ‪ ،‬فَقَالَ ‪ :‬ا ْل َعجَبُب إِنّ نَاسبًا مِنْب ُأمّتِي َي ُؤمّونَب الْبَيْتِب ‪ ،‬بِ َر ُ‬
‫ت َ‬
‫ل الِّ صَينَعْ َ‬
‫رَسيُو َ‬
‫‪9‬‬
‫جمَ عُ النّا سَ ‪ ،‬قَا َ‬
‫ل‬ ‫طرِي قَ َق ْد َي ْ‬
‫ل الِّ ِإنّ ال ّ‬‫قُرَ ْي شٍ قَدْ َلجَأَ بِالْبَيْ تِ ‪ ،‬حَتّى إِذَا كَانُوا بِالْبَيْدَا ِء خُ سِفَ ِبهِ مْ ‪ ،‬فَقُ ْلنَا ‪ :‬يَا رَ سُو َ‬
‫ن مَصبَادِ َر شَتّىب ‪ ،‬يَ ْبعَ ُثهُمْب الُّ‬ ‫‪َ :‬نعَمْب فِيهِمْب ا ْلمُسْبتَبْصِ ُر وَا ْلمَجْبُو ُر وَابْنُب السّببِيلِ ‪َ ،‬يهْ ِلكُونَب َمهْلَكًا وَاحِدًا ‪ ،‬وَيَصْبدُرُو َ‬
‫عَلَى نِيّا ِت ِهمْ ) ‪ ،‬رواه الشيخان ‪ ،‬وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد ‪.‬‬
‫ل الِّ صَيلّى الُّ عََليْهِي وَسَيّلمَ ‪ ( :‬جَيْشٌب مِنْب ُأمّتِي َيجِيئُونَب مِنْب قِ َب ِل‬ ‫ل رَسيُو ُ‬ ‫روايية أحميد _ عَنْي أُمّ سَيَلمَ َة قَالَتْي ‪ :‬قَا َ‬
‫جلٍ َيمْ َنعُهُب الُّ مِ ْنهُمْب ‪ ،‬حَتّىب إِذَا كَانُوا بِالْبَيْدَا ِء مِنْب ذِي ا ْلحُلَ ْيفَ ِة خُسِبفَ ِبهِمْب ‪َ ،‬ومَصبَادِرُ ُهمْ‬ ‫الشّامِب ‪َ ،‬ي ُؤمّونَب الْبَيْتَب لِ َر ُ‬
‫ن جُبِرَ‬ ‫ن مِ ْن ُهمْ مَ ْ‬
‫ن جُبِ َر إِ ّ‬
‫ن مِ ْن ُهمْ َم ْ‬
‫شتّى ‪ ،‬فَقَالَ ‪ :‬إِ ّ‬
‫جمِيعًا َو َمصَادِرُ ُه ْم َ‬‫سفُ ِب ِه ْم َ‬ ‫ف ُيخْ َ‬
‫ل الِّ َك ْي َ‬ ‫شَتّى ‪ ،‬فَقُلتُ ‪ :‬يَا رَسُو َ‬
‫ثَلَثًا ) رواه أحمد بهذا النص ‪ ،‬ورواته ثقات ‪ ،‬إل واحدا وثقه البعض وضعفه آخرون ‪.‬‬
‫بدايية ظهور المهدي سيتكون فيي مكية بإذن ال ‪ ،‬وفور معرفتيه تسيارع قلة مين تلك القلة لمبايعتيه على المارة ‪،‬‬
‫فيلجيأ إلى الحرم تهرّبيا ويعتصيم بيه فيظهير أمره شيئا فشيئا ‪ ،‬فيُبعيث إلييه بجييش يغزو الكعبية ‪ ،‬فيخسيف بيه فيي‬
‫الصحراء ما بين المدينة ومكة ‪.‬‬
‫هذه الحاديث الثلثة متوافقة من حيث النص والمضمون ‪ ،‬غير أن الحديث الثالث وهو من رواية أحمد ‪ ،‬أضاف‬
‫عبارة توضّح مخرج ذلك الجيش ومكان الخسف ‪ .‬ومع أن أحد الرواة ضعفه البعض ‪ ،‬إل أن تلك الضافة ( من‬
‫قبل الشام ) تتفق والتفسير المنطقي ‪ ،‬للحداث الموصوفة في جملة أحاديث هذا الفصل ‪.‬‬
‫لنخلص إلى ما يلي ‪:‬‬
‫‪.1‬أن جيشا سيغزو مكة ‪.‬‬
‫‪ .2‬وهذا الجيش من أمة محمد عليه الصلة والسلم ‪ ،‬ويعجب رسول ال ويحق له العجب ‪ ،‬فما آل إليه أمر أمة‬
‫السلم هذه اليام ‪ ،‬يثير ما هو أكثر من العجب والشفقة حتى في نفوس أعدائنا ‪.‬‬
‫‪ .3‬ومقصد هذا الجيش رجل من قريش يلجأ إلى الحرم ‪ ،‬وغايته وأد بؤرة الخلفة السلمية في مهدها ‪ ،‬خوفا‬
‫من أن تزلزل أركان عبدة الحياة الدنيا ‪.‬‬
‫‪ .4‬يُخسف بهذا الجيش في الصحراء قبل وصوله إلى مكة ‪.‬‬
‫‪ .5‬ومخرج هذا الجيش من قبل الشام ؟!‬

‫عمران بيت المقدس يعقبه خراب المدينة المنورة ‪:‬‬


‫ب خُرُو ُ‬
‫ج‬ ‫ت ال َمقْدِسِ خَرَابُ يَ ْثرِبَ ‪َ ،‬وخَرَابُ يَثْرِ َ‬ ‫ع ْمرَانُ بَيْ ِ‬
‫ل الِّ صَلّى الُّ عََليْهِ وَسَّلمَ ‪ُ ( :‬‬ ‫ل رَسُو ُ‬ ‫ن ُمعَا ٍذ قَالَ ‪ :‬قَا َ‬‫عْ‬ ‫َ‬
‫خذِ‬
‫ضرَبَي ِب َيدِهِي عَلَى َف ِ‬
‫ح َمةِ فَتْحُب ا ْلقُسْبطَنْطِينِ ّيةِ ‪ ،‬وَفَتْحُب ا ْلقُسْبطَنْطِينِ ّي ِة خُرُوجُب ال ّدجّالِ ‪ ،‬ثُمّ َ‬
‫ح َمةِ ‪َ ،‬وخُرُوجُب ا ْلمَ ْل َ‬ ‫ا ْلمَ ْل َ‬
‫عدٌ َيعْنِي ُمعَاذًا ) ‪ .‬رواه أبيو داود ‪،‬‬ ‫ح ّدثَهيُ أَ ْو َم ْن ِكبِهيِ ‪ ،‬ثُمّ قَالَ إِنّ َهذَا َلحَقّ كَمَا َأنّكيَ هَاهُنَا ‪َ ،‬أ ْو كَمَا َأنّكَي قَا ِ‬ ‫اّلذِي َ‬
‫وأخرجه أحمد ‪ ،‬وصححه اللباني ‪.‬‬
‫تعمير بييت المقدس فيي آخير الزمان برجوعهيا إلى الحكيم العربيي واتخاذهيا عاصيمة للملك ‪ ،‬فيرسيل حاكمهيا جييش‬
‫إلى الكعبة عند ظهور أمر المهدي ‪ ،‬فيخرب المدينة المنوّرة في طريقه إلى مكة ‪ ،‬ومن ثم يُخسف بجيشه قبل أن‬
‫يصيلها بالقرب مين ذي الحليفية وهيي ميقات إحرام أهيل المدينية وبينهيا وبيين المدينية سيتة أميال أو سيبعة ‪ ،‬وبينهيا‬
‫وبين مكة مسيرة عشرة أيام ‪.‬‬

‫المهدي ل يغزو العراق وبلد الشام ‪:‬‬


‫حهَا الُّ ‪ُ ،‬ثمّ فَارِ َ‬
‫س‬ ‫ن جَزِيرَةَ ا ْلعَرَ بِ فَ َيفْ َت ُ‬
‫ل الِّ صَلّى الُّ عََليْ هِ وَ سَلّمَ ‪َ ( :‬تغْزُو َ‬‫ل رَ سُو ِ‬ ‫ع ْت َبةَ ‪ ،‬قال ‪ :‬قَا َ‬
‫ن نَافِ ِع بْ نِ ُ‬
‫ع ْ‬ ‫َ‬
‫ل َنرَى‬
‫ل نَافِعٌي ‪ :‬يَا جَابِ ُر َ‬ ‫حهَا الُّ ‪ُ ،‬ثمّ َتغْزُونَب ال ّدجّالَ فَ َيفْتَحُهُب الُّ ‪ ،‬قَالَ ‪ :‬فَقَا َ‬
‫حهَا الُّ ‪ُ ،‬ثمّ َتغْزُونَب الرّومَب فَ َيفْ َت ُ‬ ‫فَ َيفْ َت ُ‬
‫ح الرّومُ ) رواه مسلم ‪ ،‬وأخرجه ابن ماجه وأحمد ‪.‬‬ ‫حتّى تُ ْفتَ َ‬
‫ج َ‬
‫خرُ ُ‬‫ال ّدجّالَ َي ْ‬

‫‪10‬‬
‫وتجمييع جزيرة العرب لقتال المهدي وصييحبه فيغزونهييا فيفتحهييا ال فتدييين لهييم ‪ ،‬وميين ثييم يخرجون إلى إيران‬
‫فيفتحهيا ال فتديين لهيم ‪ ،‬ومين ثيم يغزون الروم فيفتحهيا ال ‪ ،‬ومين ثيم يخرج الدجال فيغزونيه بمعيية عيسيى علييه‬
‫السلم فيفتحه ال ‪.‬‬
‫ولو تدبرت هذا الحديث ستجد أن البلدان التي سيغزوها المهدي عندما يمسك بزمام المور ‪ ،‬هي بالترتيب ؛ أول‬
‫‪ :‬جَزِيرَةَ ا ْلعَرَ بِ ثانييا ‪ :‬فَارِ سَ أي إيران ‪ ،‬ثالثيا ‪ :‬الرّومَب أي روسيا وأوروبا الشرقيية ‪ ،‬رابعا ‪ :‬ال ّدجّالَ ‪ ،‬والملحيظ‬
‫فيي هذا الحدييث ‪ ،‬عدم ورود ذكير فتيح بلد الشام والعراق ‪ ،‬التيي ل بيد للمهدي مين المرور بهيا عنيد خروجيه لفتيح‬
‫فارس ‪ ،‬ولفتح الروم الذين سيُلقونه بالقرب من مدينة دمشق ‪.‬‬
‫فلو كانيت دولة إسيرائيل قائمية فيي فلسيطين ‪ ،‬ألييس مين الحرى بالمهدي ومين معيه تحريرهيا ‪ ،‬فور خروجيه مين‬
‫جزيرة العرب ؟!‬
‫يظهير بوضوح فيي هذا الحدييث ‪ ،‬أن كيل واحيد مين هذه المور إشارة لوقوع ميا بعده ‪ ،‬كميا هيو الحال فيي الحدييث‬
‫السيابق ‪ ،‬وكيل منهميا يتقاطيع ميع الخير فيي نقطتيين ‪ ،‬هميا ؛ أول ‪ :‬غزو الروم ويقابلهيا خروج الملحمية ‪ ،‬وثانييا ‪:‬‬
‫غزو الدجال ويقابلهييا خروج الدجال ‪ ،‬ويضيييف الحديييث الول ثلثيية أحداث هييي عمران بيييت المقدس وخراب‬
‫يثرب وفتح القسطنطينية ‪.‬‬

‫حتمية نزول الخلفة في بيت المقدس ‪:‬‬


‫حوَا َل َة إِذَا َرأَيْتَب ا ْلخِلَ َفةَ قَدْ نَزَلَتْب الَْرْضَب‬
‫ل الِّ صَيلّى الُّ عََليْهِي وَسَيّل َم قَالَ ‪ ( :‬يَا ابْنَب َ‬ ‫عين ابْنُي حَوَاَلةَ عين رَسيُو ُ‬
‫ب إِلَى النّاسِ ‪ ،‬مِنْ يَ َديّ هَذِ ِه ِمنْ َر ْأسِكَ‬ ‫عةُ َي ْومَئِ ٍذ أَقْرَ ُ‬
‫سةَ ‪َ ،‬فقَدْ دَنَتْ ال ّزلَ ِزلُ وَالْبَلَيَا وَا ُلْمُورُ ا ْل ِعظَامُ ‪ ،‬وَالسّا َ‬
‫ا ْل ُمقَدّ َ‬
‫) رواه أحمد ‪ ،‬وأخرجه أبو داود والحاكم وصحّحه اللباني ‪.‬‬
‫عنيد خروج المهدي إلى بلد الشام سييتخذ القدس عاصيمة لخلفتيه ‪ ،‬تنعيم المية السيلمية خلل سينوات حكميه‬
‫بإقامة الحق والعدل ورفع الظلم والجور عن أمة السلم ‪.‬‬
‫نستخلص من هذا الحديث ما يلي ‪:‬‬
‫‪.1‬ل بد للخلفة من النزول في بيت المقدس آخر الزمان ‪.‬‬
‫‪.2‬ونزولهييا هناك يعنييي بدء ظهور الفتيين والكوارث الطبيعييية ‪ ،‬وميين ثييم علمات السيياعة الكييبرى ‪ ،‬بداييية‬
‫بظهور الدجال ومن ثم ونزول عيسى عليه السلم في نهاية حكم المهدي ‪.‬‬
‫‪.3‬وهنيا ل بيد لنيا مين أن نشيير إلى أن عبارة ( نزول الخلفية ) ‪ ،‬ربميا تشميل الحكيم العربيي للقدس ‪ ،‬الذي‬
‫تكثر فيه الفتن والحروب والقتتال والموصوف بالظلم والجور قبل ظهور المهدي ‪.‬‬

‫نطق الحجر والشجر ‪:‬‬


‫ع ُة حَتّىب ُيقَا ِت َل‬‫ل الِّ صيَلّى الُّ عََليْهيِ وَسيَلّمَ ‪ ،‬قَالَ ‪ ( :‬لَ َتقُومبُ السبّا َ‬ ‫رواييية مسييلم _ عَنيْ أَبِي ُه َريْرَةَ ‪ ،‬أَنّ رَسيُو َ‬
‫حجَ ُر َأوْ‬ ‫شجَرِ ‪ ،‬فَ َيقُولُ ا ْل َ‬
‫ا ْلمُسببْ ِلمُونَ الْ َيهُودَ ‪ ،‬فَ َيقْتُُلهُمببْ ا ْلمُسببْ ِلمُونَ ‪ ،‬حَتّىبب َيخْتَبِئَ الْ َيهُودِيّب مِنبْب َورَاءِ ا ْلحَجَ ِر وَال ّ‬
‫شجَرِ الْ َيهُودِ ) ‪ .‬رواه‬ ‫شجَرُ ‪ :‬يَبا مُس بْ ِل ُم يَبا عَبْدَ الِّب ‪ ،‬هَذَا َيهُودِيّب خَلْفِبي فَ َتعَالَ فَاقْ ُتلْهببُ ‪ِ ،‬إلّ ا ْلغَرْقَدَ َفإِنّهبُب مِن ْب َ‬
‫ال ّ‬
‫الشيخان ‪ ،‬وأخرجه أحمد والترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجه بنصوص أخرى ‪.‬‬
‫هذا الحديث روي بعدة نصوص ‪ ،‬وهذا النص أشهرها وأكثرها تداول بين العامة ‪ ،‬أما نطق الحجر والشجر فهو‬
‫أميير خارج عيين المألوف والعادة ‪ ،‬ول يُعقييل أن تحصييل تلك المعجزة فييي آخيير الزمان ‪ ،‬قبييل بدء ظهور أشراط‬
‫الساعة الكبرى على القل حتى بظهور المهدي ‪ .‬فنطق الحجر والشجر أكثر إعجازا من نطق عيسى عليه السلم‬
‫فيي المهيد صيبيا ‪ .‬فمين المنطقيي أل يحدث هذا المير ‪ ،‬قبيل ظهور الحداث غيير المألوفية للناس كأشراط السياعة‬
‫الكبرى ‪ .‬ومن الرجح أن يتزامن هذا الحدث مع وجود عيسى عليه السلم لكي يستقيم المر ‪ ،‬فالمعجزات غالبا‬
‫ما تأتي على أيدي الرسل وهذا ما تؤيده سورة السراء كما سيتبين لنا لحقا ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫أما عبارة ( شرق يّ النهر وهم غربيه ) ‪ ،‬فقد وردت في حديث آخر وهذا نصه ( عن نهيك بن صريم السكوني ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬لتقاتلنّ المشركين حتى يُقاتل بقيّتكم الدّجالَ على نهرِ الردن ‪ ،‬أنتم‬
‫شرقيّه وهبم غربيّه ‪ ،‬ول أدري أيبن الردن يومئذٍ ) رواه الطيبراني والبزار ‪ ،‬وقييل رجال البزار ثقات وضعفّه‬
‫اللباني ‪.‬‬
‫ولم ترد هذه العبارة بأي من نصوص الحديث السابق على اختلفها ‪ ،‬وعلى ما يبدو لنا أن كل من الحديثين آنف ّ‬
‫ي‬
‫الذكر ‪ ،‬يصفان حدثا واحدا هو مقاتلة المسلمين للدجال ومن تبعه من اليهود آخر الزمان ‪ ،‬عند نزول عيسى عليه‬
‫السلم ‪ ،‬حيث يُقتل الدجال على أبواب القدس ‪ ،‬وهو حدث سيقع بعد نفاذ وعد الخرة ‪ ،‬بزوال العلو اليهودي في‬
‫فلسطين والرض عموما بسنوات عديدة ‪.‬‬

‫خلصة القول ‪:‬‬


‫وبناءا على مييا تقدم ‪ ،‬نقول أن زوال دولة إسييرائيل أميير حتمييي يتبعييه زوال حلفائهييا ميين الغرب بالضرورة قبييل‬
‫ظهور خلفة المهدي ‪ ،‬وأن من سيقوم بتحريرها هو جيش عربي ‪ ،‬وأن صاحب هذا الجيش سيتخذ مدينة القدس‬
‫عاصيمة لملكيه ‪ ،‬ومين ثيم تديين له بلد الشام والعراق ‪ ،‬وأن فترة حكميه أو حكيم مين يخلفيه سيتكون حافلة بالظلم‬
‫والجور ‪ ،‬وعند ظهور أمر المهدي في مكة يبعث حاكم مدينة القدس جيشا إلى الجزيرة ل قبل للمهدي وجماعته‬
‫به ‪ ،‬فيُخرب المدينة المنورة لدى مروره بها متجها إلى مكة فيخسف ال بهم الرض ‪.‬‬
‫وآنذاك يظهير أمير المهدي ‪ ،‬فيهيب إلى قتاله مين رضوا بالحياة الدنييا واطمأنوا بهيا ‪ ،‬مين أمية محميد علييه الصيلة‬
‫والسيلم ‪ ،‬خوفيا مين عودة ديين أكيل الزمان علييه وشرب ‪ ،‬يدعوا إلى إخراجهيم مين غيّهيم وضللهيم ‪ ،‬وحرمانهيم‬
‫مما يتلذّذون به من الشهوات والحرمات ‪ ،‬التي استحلّوها واستباحوها في هذا العصر ‪ ،‬فاستعبدتهم فل فكاك لهم‬
‫منها ول يرضون عنها بديل ‪.‬‬
‫فتكون أولى مواجهات المهدي مع جيش آخر ‪ ،‬يُجمع له من جزيرة العرب فينتصر عليهم حربا ‪ ،‬وبعد أن يستتب‬
‫له أمير الجزيرة يخرج إلى أهيل الشام ‪ .‬فيتسيلم مقالييد الحكيم فيهيا تسيليما عين طييب خاطير ‪ ،‬أو اسيتسلما خوفيا‬
‫ورهبة ‪ ،‬ويتخّذ مدينة القدس عاصمة لخلفته ‪ ،‬ومن ثم يخرج إلى إيران فيفتحها ويعود إلى بلد الشام ‪.‬‬
‫ومن ثم تكون الروم ( نصارى الشرق ) قد جمعت له جيشا قوامه قرابة المليون نفر ‪ ،‬فيخرج لملقاتهها ‪ ،‬فتقع‬
‫الملحمة الكبرى الفاصلة بين الحق والباطل بالقرب من دمشق ‪ ،‬فيكون النصر في النهاية حليف المهدي ومن معه‬
‫من المسلمين ‪ .‬ومن ثم يخرج إلى القسطنطينية ( استنبول ) فيفتحها بالتهليل والتكبير من غير قتال ‪ ،‬وقريبا من‬
‫نهايية حكميه يخرج الدجال فيعييث فيي الرض فتنية وفسيادا ‪ ،‬ويُحصير المهدي وصيحبه فيي الشام ‪ ،‬فينزل عيسيى‬
‫عليييه السييلم فيهرب الدجال وميين تبعييه ميين اليهود إلى القدس ‪ ،‬وهناك يلحقون بييه فيقتله عليييه السييلم ‪ ،‬ويتولى‬
‫المسلمون أمر البقية الباقية من اليهود ‪ ،‬فينطق الحجر والشجر فيبيدوهم عن بكرة أبيهم بإذن ال ‪ ،‬ول المر من‬
‫قبل ومن بعد ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫هذا ميا سييكون مين أمير المهدي بإذن ال ‪ ،‬قدّمناه بشكيل مختصير وموجيز ‪ ،‬تناولنيا فييه بعضيا مين سييرة المهدي ‪،‬‬
‫التيي تعرضيت لفتوحاتيه آخير الزمان ‪ ،‬مسيتندين إلى ميا أوردناه مين أحادييث صيحيحة ‪ ،‬آخذيين بعيين العتبار‬
‫أحاديث صحيحة أخرى لم يتسع المقام ليرادها ‪.‬‬
‫أما موضوع هذا الكتاب فهو يبحث إجمال فيي حدثين عظيمين مفاجئين قبل ظهور المهدي وفي وقت قريب جدا‬
‫جدا ‪ ،‬وهميييا ؛ أول ‪ :‬نهايييية الدولة اليهوديييية واختفائهيييا إلى البيييد ‪ ،‬ثانييييا ‪ :‬انهيار الحضارة الغربيييية العملقييية‬
‫ومظاهرها المختلفة واختفائها إلى البد ‪.‬‬
‫ما ستجده في ثنايا هذا الكتاب ‪:‬‬
‫يي الجابية على التسياؤلت المطروحية على صيفحة الغلف ‪ ،‬فيميا يتعلق بالدولة اليهوديية ‪ ،‬ومصييرها ومصيير‬
‫اليهود ‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫يي الجابية على كثيير مين التسياؤلت التيي تدور فيي أذهان الناس ‪ ،‬وتوضييح كثيير مين القضاييا الخلفيية التاريخيية‬
‫فيما يخص تاريخ وجغرافيا بني إسرائيل ‪ ،‬منذ نشأتهم الولى حتى قيام الساعة وخاصة فيما يتعلق بتواجدهم في‬
‫فلسطين ‪.‬‬
‫ي استقراء وتحليل ما جرى ويجري على أرض الواقع في منطقتنا والعالم من حولنا ‪.‬‬
‫ي فهم حقيقة الصراع الدائر بين الغرب والشرق ‪ ،‬وحقيقة العداء الغربي للمتين العربية والسلمية ‪ ،‬والذي بلغ‬
‫أشدّه في العقود الخيرة ‪.‬‬
‫ي تفسيرات منطقية للحداث المستقبلية ‪ ،‬مدعّمة بالشواهد والدلة من القرآن والسنة والتوراة والنجيل والواقع ‪،‬‬
‫ووضعها ضمن سياق زمني منطقي ‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫مختصر لمجمل أقوال المفسرين‬
‫قبل أن نبدأ في البحار في معاني ومقاصد آيات سورة السراء ‪ ،‬سنتجول قليل في بعض كتب قدماء المف سّرين‬
‫لنسيتعرض مجميل تفسييراتهم لهذه اليات ‪ ،‬ومجميل ميا أوروده مين روايات وآثار عين الفسياد والعلو فيي الرض‬
‫ووعديّ الولى والخرة ‪ ،‬ومن هؤلء المفسرين ‪ :‬القرطبي وابن كثير والطبري والبيضاوي ‪ ،‬والبغوي والنحاس‬
‫والثعالبي ‪ ،‬وأبي السعود والشوكاني وابن الجوزي ‪ ،‬والسيوطي والنسفي واللوسي ‪.‬‬
‫تعريف بسورة السراء ‪:‬‬
‫قال اللوسي فيي تفسيره ‪ " :‬سورة بنيي إسيرائيل ‪ - ،‬وهو السم التوقيفي لها ‪ -‬وتسمى السيراء وسيبحان أيضيا ‪،‬‬
‫وهيي كميا أخرج ابين مردوييه عين ابين عباس وابين الزبيير ‪ ،‬رضيي ال تعالى عنهيم مكيية ‪ ،‬وكونهيا كذلك بتمامهيا‬
‫قول الجمهور ‪ .‬وقيد أخرج ابين جريير عين ابين عباس رضيي ال تعالى عنهميا ‪ ،‬أنيه قال ‪ (( :‬إن التوراة كلهيا فيي‬
‫خمس عشرة آية من سورة بني إسرائيل ‪ ،‬وذكر تعالى فيها عصيانهم وإفسادهم ‪ ،‬وتخريب مسجدهم واستفزازهم‬
‫النيبي وإرادتهيم إخراجيه مين المدينية ‪ ،‬وسيؤالهم إياه عين الروح ‪ ،‬ثيم ختمهيا جيل شأنيه بآيات موسيى علييه السيلم‬
‫التسيع وخطابيه ميع فرعون ‪ ،‬وأخيبر تعالى أن فرعون أراد أن يسيتفزهم مين الرض ‪ ،‬فأهلك وورث بنيو إسيرائيل‬
‫من بعده ‪ ،‬وفي ذلك تعريض بهم أنهم سينالهم ما نال فرعون ‪ ،‬حيث أرادوا بالنبي ما أراد فرعون بموسى عليه‬
‫السييلم وأصييحابه ‪ ،‬ولمييا كانييت هذه السيورة مصيدّرة بقصيية تخريييب المسييجد القصييى ‪ ،‬افتتحييت بذكيير إسييراء‬
‫المصطفى تشريفا له – أي المسجد القصى ‪ -‬بحلول ركابه الشريف فيه ‪ ،‬جبرا لما وقع من تخريبه )) " ‪.‬‬
‫اليات ‪:‬‬
‫قال تعالى ( وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسبْرائِيلَ فِي ا ْلكِتَبببابِ لَ ُتفْسِبدُنّ فِي الَْرْضِب مَرّتَيْنِب وَلَ َتعْلُنّ عُُلوّا كَبِيرًا (‪ )4‬فَإِذَا جَا َء‬
‫للَ الدّيَا ِر َوكَانَب َوعْدًا َم ْفعُولً (‪ )5‬ثُمّ رَدَدْنَا َلكُمْب‬ ‫وَعْ ُد أُولَهُمَا َبعَثْنَا عَلَ ْيكُمْب عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍب شَدِيدٍ َفجَاسبُوا خِ َ‬
‫ن أَ سَأْتُمْ فَ َلهَا فَإِذَا‬
‫سكُ ْم َوإِ ْ‬
‫ن َأحْ سَن ُتمْ َأحْ سَن ُتمْ لَِنفُ ِ‬
‫ن َوجَعَلْنَاكُ مْ َأكْثَرَ َنفِيرًا (‪ )6‬إِ ْ‬ ‫ا ْلكَرّةَ عَلَ ْيهِ مْ َوَأمْدَدْنَاكُ مْ بِ َأ ْموَا ٍل وَبَنِي َ‬
‫لخِرَةِ لِيَسبُوءُوا ُوجُو َهكُمْب وَلِيَ ْدخُلُوا ا ْلمَسْبجِ َد كَمَا َدخَلُوهُب َأ ّو َل مَرّ ٍة وَلِيُتَبّرُوا مَا عَ َلوْا تَتْبِيرًا (‪ ) 7‬عَسبَى‬ ‫جَا َء وَعْدُ ا ْ‬
‫ي أَ ْقوَمُ وَيُ َبشّرُ‬
‫ن حَصِيرًا (‪ ) 8‬إِنّ هَذَا ا ْلقُرْآنَ َيهْدِي لِلّتِي هِ َ‬ ‫جهَنّمَ لِ ْلكَافِرِي َ‬
‫جعَلْنَا َ‬
‫حمَكُ ْم َوإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا َو َ‬ ‫رَ ّبكُ ْم أَنْ َي ْر َ‬
‫لخِرَ ِة أَعْتَدْنَا َل ُهمْ عَذَابًا أَلِيمًا (‬ ‫ن لَ ُي ْؤمِنُونَ بِا ْ‬ ‫ت أَنّ َلهُ ْم َأجْرًا كَبِيرًا (‪َ )9‬وأَنّ الّذِي َ‬ ‫ا ْل ُم ْؤمِنِينَ الّذِينَ َي ْعمَلُونَ الصّا ِلحَا ِ‬
‫ب وَ ُكلّ‬ ‫ن وَا ْلحِسبَا َ‬ ‫عجُولً (‪ … )11‬وَلِ َتعْ َلمُوا عَدَ َد السّبنِي َ‬ ‫‪ )10‬وَيَدْعُب الِْنسبَانُ بِالشّرّ دُعَاءَهُب بِا ْلخَيْ ِر َوكَانَب الِْنسبَانُ َ‬
‫شَيْءٍ فَصّلْنَاهُ َتفْصِيلً (‪ 12‬السراء )‬

‫ن وَلَ َتعْلُنّ عُُلوّا كَبِيرًا ( ‪)4‬‬


‫ض مَرّتَيْ ِ‬
‫وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي ا ْلكِتَابِ لَ ُت ْفسِدُنّ فِي الْ َأرْ ِ‬
‫وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي ا ْلكِتَابِ ‪ :‬وأوحينا إليهم في التوراة وحيا مقضيا مبتوتا ‪.‬‬
‫لَ ُتفْسبِدُنّ فِي الَْرْضِب َمرّتَيْنبِ ‪ :‬لتفسييدن فييي الرض ‪ ،‬جواب قسييم محذوف ‪ ،‬والمراد بالرض الجنييس أو أرض‬
‫الشام وبيت المقدس ‪ ،‬ومرتين إفسادتين ‪.‬‬
‫وَلَ َتعْلُنّ عُُلوّا كَبِيرًا ‪ :‬ولتستكبرن عن طاعة ال ‪ ،‬من قوله أن فرعون عل في الرض ‪ ،‬والمراد به البغي والظلم‬
‫والغلبيية ‪ ،‬لتسييتكبرن عيين طاعيية ال تعالى ‪ ،‬أو لتغلبيين الناس بالظلم والعدوان وتفرطيين فييي ذلك إفراطييا مجاوزا‬
‫للحد ‪ ،‬وأصل معنى العلو الرتفاع وهو ضد السفل وتجوّز به عن التكبر والستيلء على وجه الظلم ‪.‬‬

‫ن وَعْدًا َم ْفعُولًا ( ‪)5‬‬


‫علَ ْيكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَ ْأسٍ شَدِيدٍ َفجَاسُوا خِلَالَ الدّيَارِ َوكَا َ‬
‫فَإِذَا جَاءَ وَعْ ُد أُولَا ُهمَا َبعَثْنَا َ‬
‫فَإِذَا جَا َء وَعْ ُد أُولَهُمَا ‪ :‬والوعييد بمعنييى الموعود مراد بييه العقاب وفييي الكلم تقدييير ‪ ،‬أي فإذا حان وقييت حلول‬
‫العقاب الموعود ‪ ،‬وقييل الوعيد بمعنيى الوعييد وفييه تقديير أيضيا ‪ ،‬وقييل بمعنيى الوعيد الذي يراد بيه الوقيت أي فإذا‬
‫حان موعد عقاب أولى الفسادتين ‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫َبعَثْنَا عَلَ ْيكُمْب عِبَادًا لَنَا ‪ :‬البعيث بالتخليية وعدم المنيع ( البيضاوي ) ‪ ،‬وقال الزمخشري ‪ " :‬خلينيا بينهيم وبيين ميا‬
‫فعلوا ولم نمنعهيم وفييه دسييسة اعتزال " ‪ ،‬وقال ابين عطيية ‪ " :‬يحتميل أن يكون ال تعالى ‪ ،‬أرسيل إلى ملك أولئك‬
‫العباد رسول ‪ ،‬يأمره بغزو بني إسرائيل فتكون البعثة بأمر منه تعالى " ‪.‬‬
‫أُولِي بَأْسٍب شَدِيدٍ ‪ :‬ذوي قوة وبطيش فيي الحروب ‪ ،‬والبأس والبأسياء فيي النكايية ‪ ،‬ومين هنيا قييل إن وصيف البأس‬
‫بالشديد مبالغة ‪.‬‬
‫للَ الدّيَارِ ‪ :‬قال الجوهري " الجوس مصييدر ‪ ،‬وقولك جاسييوا خلل الديار ‪ ،‬أى تخلّلوهييا كمييا يجوس‬ ‫َفجَاس بُوا خِ َ‬
‫الرجيل للخبار أي يطلبهيا " ‪ ،‬أي عاثوا وافسيدوا وقتلوا وتخللوا الزقية بلغية جذام بمعنيى الغلبية والدخول قهرا ‪،‬‬
‫وقال الزجاج ‪ " :‬طافوا خلل الديار ينظرون هييل بقييي احييد لم يقتلوه " والجوس طلب الشيييء باسييتقصاء ‪ ،‬وقال‬
‫اللوسيي ‪ " :‬والجمهور على أن فيي هذه البعثية ‪ ،‬خرّب هؤلء العباد بييت المقدس ‪ ،‬ووقيع القتيل الذرييع والجلء‬
‫والسر في بني إسرائيل وحرقت التوراة " ‪.‬‬
‫َوكَانَب وَعْدًا َمفْعُولً ‪ :‬قضاء كائنيا ل خلف فييه ‪ ،‬وكان وعيد عقابهيم ل بيد أن يفعيل ‪ ،‬أي ل بيد مين كونيه مقضييا أي‬
‫مفروغ منه ‪.‬‬

‫ن َوجَعَلْنَا ُكمْ َأكْثَرَ َنفِيرًا ( ‪)6‬‬


‫ُثمّ رَدَدْنَا َل ُكمْ ا ْلكَرّةَ عَلَ ْي ِهمْ َوَأمْدَدْنَا ُكمْ بِ َأ ْموَالٍ وَبَنِي َ‬
‫ُثمّ رَدَدْنَا َلكُمْ ا ْلكَرّةَ عَلَ ْيهِمْ ‪ :‬ثم للعطف وتفيد التراخي في الزمن ‪ ،‬يقول اللوسي " جعل َر َددَنا موضع نَ ُر ّد ‪ ،‬فعبّر‬
‫عن المستقبل بالماضي " ‪ ،‬ويُضيف في تفسير قوله تعالى ( ُثمّ رَدَدْنَا ُه أَ سْ َفلَ سَافِلِينَ ) ‪ ،‬أي رددنا النسان أسفل‬
‫سيافلين من النار ‪ ،‬إل الذيين آمنوا وعملوا الصيالحات ‪ ،‬فلهم أجير غير ممنون بعيد البعيث والجزاء " ‪ ،‬وهذه الكرة‬
‫بعد الجلوة الولى ‪ ،‬أي الرجعة والدولة والغلبة على الذين بُعثوا عليكم ‪.‬‬
‫َوَأمْدَدْنَا ُكمْ ِبَأ ْموَا ٍل وَبَنِينَ ‪ :‬أعطاهم ال الموال والولد ‪.‬‬
‫َوجَعَلْنَاكُم ْب َأكْثَرَ َنفِيرًا ‪ :‬والنفيير أي القوم الذيين يجتمعون ‪ ،‬ليصيييروا إلى أعدائهييم فيحاربوهييم ‪ ،‬وهييم المجتمعون‬
‫للذهاب إلى العدو ‪ ،‬أي أكثر رجال من عدوكم ‪ ،‬والنفير من ينفر مع الرجل من عشيرته ‪.‬‬

‫سجِدَ َكمَا‬
‫سكُ ْم َوإِ نْ أَ سَأْ ُتمْ فَ َلهَا فَإِذَا جَا َء وَعْ ُد الْآخِرَةِ لِيَ سُوءُوا ُوجُو َهكُ مْ وَلِيَ ْدخُلُوا ا ْلمَ ْ‬
‫ن َأحْ سَن ُتمْ َأحْ سَنتُ ْم لِأَنفُ ِ‬
‫إِ ْ‬
‫َدخَلُوهُ َأ ّولَ مَرّ ٍة وَلِيُتَبّرُوا مَا عَ َلوْا تَتْبِيرًا ( ‪)7‬‬
‫إِنْب َأحْسبَن ُتمْ َأحْسبَنتُ ْم لَِنفُسِبكُ ْم َوإِنْب أَسَبأْتُمْ فَلَهَا ‪ :‬وهذا الخطاب قييل أنيه لبنيي إسيرائيل الملبثيين لميا ذكير فيى هذه‬
‫اليات ‪ ،‬وقييل لبنيي إسيرائيل الكائنيين فيي زمين محميد صيلى ال علييه وآله وسيلم ‪ ،‬ومعناه إعلمهيم ميا حيل بسيلفهم‬
‫فليرتقبوا مثييل ذلك ‪ ،‬وأن إحسييان العمال وإسيياءتها مختييص بهييم والييية تضمنييت ذلك ‪ ،‬وفيهييا ميين الترغيييب‬
‫بالحسان والترهيب من الساءة ما ل يخفى فتأمل ‪.‬‬
‫لخِرَةِ ‪ :‬أي حضير وقيت ميا وعدوا مين عقوبية المرة الخرة ‪ ،‬وجواب إذا محذوف تقديره بعثناهيم‬ ‫فَإِذَا جَا َء وَعْدُ ا ْ‬
‫لدللة جواب إذا الولى علييه ‪ ،‬فالظاهير فإذا جاء ‪ ،‬وإذا جاء للدللة على أن مجييء وعيد عقاب المرة الخرة ‪ ،‬لم‬
‫يتراخ عين كثرتهيم واجتماعهيم دللة على شدة شكيمتهيم فيي كفران النعيم ‪ ،‬وأنهيم كلميا ازدادوا عددا وعدة زادوا‬
‫عدوانييا وعزة ‪ ،‬إلى أن تكاملت أسييباب الثروة والكثرة فاجأهييم ال عييز وجييل على الغرّة ‪ ،‬نعوذ بال سييبحانه ميين‬
‫مباغتة عذابه ‪.‬‬
‫لِيَسبُوءُوا ُوجُو َهكُمبْ ‪ :‬اللم لم كيي ‪ ،‬وليسيوءوا متعلق بفعيل حُذف لدللة ميا سيبق علييه ‪ ،‬وهيو جواب إذا ‪ ،‬أي‬
‫بعثناهم ليسوءوا وجوهكم ‪ ،‬أي ليجعل العباد المبعوثون ‪ ،‬آثار المساءة والكآبة بادية في وجوهكم ‪ ،‬إشارة إلى أنه‬
‫جمع عليهم ألم النفس والبدن ‪.‬‬
‫وَلِيَ ْدخُلُوا ا ْلمَس بْجِدَ ‪ :‬اللم لم كييي ‪ ،‬والضمييير للعباد أولى البأس الشديييد ‪ ،‬والمسييجد مسييجد بيييت المقدس ‪ ،‬قال‬
‫اللوسيي ‪ " :‬فإن المراد بيه بييت المقدس ‪ ،‬وداود علييه السيلم ابتدأ بنيانيه بعيد قتيل جالوت وإيتائه النبوة ولم يتمّه ‪،‬‬
‫وأتمّه سليمان عليه السلم ‪ ،‬فلم يكن قبل داود عليه السلم مسجد حتى يدخلوه أول مرة ‪ ،‬ودفع بأن حقيقة المسجد‬
‫‪15‬‬
‫الرض ل البناء ‪ ،‬أو يحميل قوله تعالى دخلوه على السيتخدام ‪ ،‬والحيق أن المسيجد كان موجودا قبيل داود علييه‬
‫السلم كما قدمنا " ‪.‬‬
‫كَمَا َدخَلُوهُب َأ ّولَ َمرّةٍ ‪ :‬كميا دخلوه أي دخول كائنيا كدخولهيم إياه أول مرة ‪ ،‬قال اللوسيي‪ " :‬والمراد مين التشيبيه‬
‫أنهيم يدخلونيه بالسييف والقهير والغلبية والذلل ‪ ،‬وفييه أيضيا أن هذا يبعيد قول ‪ ،‬مين ذهيب إلى أن أولى المرتيين لم‬
‫يكن فيها قتال ول قتل ول نهب " ‪.‬‬
‫عَلوْا تَتْبِيرًا ‪ :‬أي ليدمروا ويخربوا والتبار الهلك ‪ ،‬وليتيبروا أي يدمّروا ويهلكوا ميا غلبوا علييه مين‬
‫وَلِيُتَبّرُوا مَا َ‬
‫بلدكيم ‪ ،‬أو مدة علوهيم ‪ ،‬أي ميا علوا علييه مين القطار وملكوه مين البلد ‪ ،‬وقييل ميا ظرفيية والمعنيى مدة علوهيم‬
‫وغلبتهيم على البلد ‪ ،‬تتيبيرا أي تدميرا ‪ ،‬ذُك َر المصيدر إزالة للشيك وتحقيقيا للخيبر ‪ ،‬ميا علوا مفعول لتيبروا ‪ ،‬أي‬
‫ليُهلكوا كل شيء غلبوه واستولوا عليه أو بمعنى مدة علوهم ‪.‬‬

‫ن حَصِيرًا ( ‪)8‬‬
‫جهَنّمَ ِل ْلكَافِرِي َ‬
‫جعَلْنَا َ‬
‫ح َم ُكمْ َوإِنْ عُدْ ُتمْ عُدْنَا َو َ‬
‫ن يَ ْر َ‬
‫عسَى رَ ّبكُمْ أَ ْ‬
‫َ‬
‫حمَكُمْب ‪ :‬لبقيية بنيي إسيرائيل عسيى ربكيم ‪ ،‬إن أطعتيم فيي أنفسيكم واسيتقمتم أن يرحمكيم ‪ ،‬وهذه‬
‫عَسبَى رَ ّبكُمْب أَنْب َي ْر َ‬
‫العودة ليسيت برجوع دولة وإنميا هيي بأن يرحيم المطييع منهيم ‪ ،‬وكان مين الطاعية اتباعهيم لعيسيى ومحميد عليهميا‬
‫السلم ‪.‬‬
‫* ذلك لن المتقدمين من المفسرين اعتبروا أن تحصّل المرتين كان قبل بعثهما عليهما السلم ‪.‬‬
‫َوإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا ‪ :‬وإن عدتم للفساد بعد الذي تقدم ‪ ،‬عدنا عليكم بالعقوبة فعاقبناكم في الدنيا ‪ ،‬بمثل ما عاقبناكم به‬
‫في المرتين ‪.‬‬
‫ن حَصِيرًا ‪ :‬أي محبوسون في جهنم ل يتخلصون منها ‪.‬‬
‫جهَ ّنمَ لِ ْلكَافِرِي َ‬
‫َوجَعَلْنَا َ‬

‫ت أَنّ َلهُ ْم أَجْرًا كَبِيرًا ( ‪)9‬‬


‫ن َي ْعمَلُونَ الصّا ِلحَا ِ‬
‫ن َيهْدِي لِلّتِي ِهيَ أَ ْق َومُ وَيُ َبشّ ُر ا ْل ُم ْؤمِنِينَ الّذِي َ‬
‫إِنّ هَذَا ا ْلقُرْآ َ‬
‫ي أَ ْق َومُ ‪ :‬أي إلى الطريقة التي هي أصوب وقيل الكلمة التي هي أعدل ‪.‬‬
‫إِنّ هَذَا ا ْلقُرْآنَ َيهْدِي لِلّتِي هِ َ‬
‫ت أَنّ َل ُهمْ َأجْرًا كَبِيرًا ‪ :‬أي يُبشّر بما اشتمل عليه من الوعد بالخير ‪ ،‬آجل‬
‫وَيُ َبشّرُ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ الّذِينَ َي ْعمَلُونَ الصّا ِلحَا ِ‬
‫وعاجل للمؤمنين الذين يعملون الصالحات ‪ ،‬ويراد بالتبشير مطلق الخبار ‪ ،‬أو يكون المراد منه معناه الحقيقي ‪،‬‬
‫ويكون الكلم مشتمل على تبشير المؤمنين ببشارتين ‪ ،‬الولى ما لهم من الثواب والثانية ما لعدائهم من العقاب ‪.‬‬

‫ن لَا ُي ْؤمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا َل ُهمْ عَذَابًا أَلِيمًا ( ‪)10‬‬


‫َوأَنّ الّذِي َ‬
‫وهيو عذاب جهنيم ‪ ،‬أي أعددنيا وهيأنيا لهيم فيميا كفروا بيه وأنكروا وجوده مين الخرة عذابيا مؤلميا وهيو أبلغ مين‬
‫الزجر ‪ ،‬لما أن إتيان العذاب من حيث ل يحتسب أفظع وأفجع ‪ ،‬ولعل أهل الكتاب داخلون في هذا الحكم ‪ ،‬لنهم‬
‫ل يقولون بالجزاء الجسيماني ويعتقدون فيي الخرة أشياء ل أصيل لهيا ‪ ،‬فلم يؤمنوا بالخرة وأحكامهيا المشروحية‬
‫فيي هذا القرآن حقيقية اليمان ‪ ،‬والعطيف على أن لهيم أجرا كيبيرا ‪ ،‬فيكون إعداد العذاب اللييم للذيين ل يؤمنون‬
‫بالخرة مبشرا بيه ‪ ،‬كثبوت الجير الكيبير للمؤمنيين الذيين يعملون الصيالحات ‪ ،‬ومصييبة العدو سيرور يُبشّر بيه ‪،‬‬
‫فكأنييه قيييل يبشيير المؤمنييين بثوابهييم وعقاب أعدائهييم ‪ ،‬ويجوز أن تكون البشارة مجازا مرسييل ‪ ،‬بمعنييى مطلق‬
‫الخبار الشامل للخبار بما فيه سرور للمؤمنين ‪.‬‬

‫عجُولًا ( ‪)11‬‬
‫ن َ‬
‫وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشّرّ ُدعَاءَ ُه بِا ْلخَيْ ِر َوكَانَ الْإِنسَا ُ‬
‫وَيَدْعُب الِْنسبَانُ بِالشّرّ ‪ :‬ويدعيو النسيان على ماله وولده ونفسيه بالشير ‪ ،‬فيقول عنيد الغضيب ‪ :‬اللهيم العنيه وأهلكيه‬
‫ونحوهما ‪.‬‬
‫دُعَاءَهُب بِا ْلخَيْرِ ‪ :‬أي كدعائه ربيه بالخيير ‪ ،‬أن يهيب له النعمية والعافيية ‪ ،‬ولو اسيتجاب ال دعاءه على نفسيه لهلك ‪،‬‬
‫ولكن ال ل يستجيب بفضله ‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫عجُولً ‪ :‬بالدعاء على ما يكره أن يُستجاب له فيه ‪ ،‬قاله جماعة من أهل التفسير ‪ ،‬وقال ابن عباس‬
‫ن الِْن سَانُ َ‬
‫َوكَا َ‬
‫‪ :‬ضجرا ل صبر له على السراء والضراء ‪.‬‬

‫َوكُ ّل شَيْءٍ فَصّلْنَا ُه َتفْصِيلًا ( ‪: )12‬‬


‫أي كيل ميا تفتقرون إلييه فيي أمير دينكيم ودنياكيم ‪ ،‬فصيلناه تفصييل ‪ :‬بيناه تبينيا ل يلتبيس معيه بغيره ‪ ،‬أي بيناه بيانيا‬
‫غير ملتبس ‪ ،‬فأزحنا عللكم وما تركنا لكم حجة علينا ‪.‬‬

‫أقوال المفسرين في المبعوثين أول وثانيا‬


‫من تفسير القرطبي ‪:‬‬
‫بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد ‪ ،‬هم أهل بابل ‪ ،‬وكان عليهم بختنصر في المرة الولى ‪ ،‬حين كذبوا إرمياء‬
‫وجرحوه وحبسييوه ‪ ،‬قاله ابيين عباس وغيره ‪ ،‬وقال قتادة ‪ :‬أرسييل عليهييم جالوت فقتلهييم ‪ ،‬فهييو وقومييه أولوا بأس‬
‫شديد ‪ ،‬وقال مجاهد ‪ :‬جاءهم جند من فارس يتجسسون أخبارهم ومعهم بختنصر ‪ ،‬فوعى حديثهم من بين أصحابه‬
‫‪ ،‬ثم رجعوا إلى فارس ولم يكن قتال ‪ ،‬وهذا في المرة الولى فكان منهم جوس خلل الديار ل قتل ذكره القشيري‬
‫أبيو نصير ‪ .‬وذكير المهدوي ‪ :‬عين مجاهيد أنيه جاءهيم بختنصير ‪ ،‬فهزميه بنيو إسيرائيل ثيم جاءهيم ثانيية ‪ ،‬فقتلهيم‬
‫ودمرهم تدميرا ‪ ،‬ورواه ابن أبي نجيح عن مجاهد ذكره النحاس ‪ .‬وقال محمد بن إسحاق في خبر فيه طول ‪ :‬إن‬
‫المهزوم سينحاريب ملك بابيل ‪ ،‬جاء ومعيه سيتمائة ألف رايية تحيت كيل رايية ألف فارس ‪ ،‬فنزل حول بييت المقدس‬
‫فهزمه ال تعالى فرجعوا إلى بابل ‪ ،‬ثم مات سنحاريب بعد سبع سنين ‪ ،‬واستخلف بختنصر وعظمت الحداث في‬
‫بنيي إسيرائيل ‪ ،‬واسيتحلوا المحارم وقتلوا نيبيهم شعييا ‪ ،‬فجاءهيم بختنصير ودخيل هيو وجنوده بييت المقدس ‪ ،‬وقتيل‬
‫بني إسرائيل حتى أفناهم ‪ .‬وقال ابن عباس وابن مسعود ‪ :‬أول الفساد قتل زكريا ‪ ،‬وقال ابن إسحاق ‪ :‬فسادهم في‬
‫المرة الولى قتيل شعييا نيبي ال فيي الشجرة ‪ ،‬وذكير ابين إسيحاق ‪ :‬أن بعيض العلماء ‪ ،‬أخيبره أن زكرييا مات موتيا‬
‫ولم يقتيل وإنميا المقتول شعييا ‪ ،‬وقال سيعيد بين جيبير ‪ :‬فيي قوله تعالى ( ثيم بعثنيا عليكيم عبادا لنيا أولي بأس شدييد‬
‫فجاسيوا خلل الديار ) هو سينحاريب من أهيل نينوى بالموصيل ملك بابيل ‪ ،‬وهذا خلف ميا قال ابين إسيحاق ‪ ،‬فال‬
‫أعلم وقيل ‪ :‬إنهم العمالقة وكانوا كفارا قاله الحسن ‪.‬‬
‫من تفسير ابن كثير ‪:‬‬
‫وقد اختلف المفسرون من السلف والخلف في هؤلء المسلطين عليهم من هم ‪ ،‬فعن ابن عباس وقتادة ‪ :‬أنه جالوت‬
‫الجزري وجنوده ‪ ،‬سيلط عليهيم أول ثيم أديلوا علييه بعيد ذلك وقتيل داود جالوت ‪ ،‬ولهذا قال ( ثيم رددنيا لكيم الكرة‬
‫عليهييم ) اليية ‪ ،‬وعين سيعيد بين جييبير ‪ :‬أنيه ملك الموصيل سينحاريب وجنوده ‪ ،‬وعنيه أيضييا وعين غيره ‪ :‬أنيه‬
‫بختنصير ملك بابيل ‪ ،‬وقيد وردت فيي هذا آثار كثيرة إسيرائيلية ‪ ،‬لم أر تطوييل الكتاب بذكرهيا ‪ ،‬لن منهيا ميا هيو‬
‫موضوع مين وضيع بعيض زنادقتهيم ‪ ،‬ومنهيا ميا قيد يحتميل أن يكون صيحيحا ‪ ،‬ونحين فيي غنيية عنهيا ول الحميد ‪،‬‬
‫وفيما قص ال علينا في كتابه غنية ‪ ،‬عما سواه من بقية الكتب قبله ‪ ،‬ولم يحوجنا ال ول رسوله إليهم ‪ ،‬وقد أخبر‬
‫ال عنهيم أنهيم لميا طغوا وبغوا سيلط ال عليهيم عدوهيم ‪ ،‬فاسيتباح بيضتهيم وسيلك خلل بيوتهيم ‪ ،‬وأذلهيم وقهرهيم‬
‫جزاء وفاقيا ‪ ،‬وميا ربيك بظلم للعبييد ‪ ،‬فإنهيم كانوا قيد تمردوا وقتلوا خلقيا مين النيبياء والعلماء ‪ ،‬وقيد روى ابين‬
‫جرير ‪ :‬حدثني يونس بن عبد العلى ‪ ،‬حدثنا ابن وهب ‪ ،‬أخبرني سليمان بن بلل ‪ ،‬عن يحيى بن سعيد ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫سمعت سعيد بن المسيب ‪ ،‬يقول ‪ :‬ظهر بختنصر على الشام فخرب بيت المقدس وقتلهم ‪ ،‬ثم أتى دمشق فوجد بها‬
‫دما يغلي على كبا ‪ ،‬فسألهم ما هذا الدم ؟ فقالوا أدركنا آباءنا على هذا ‪ ،‬وكلما ظهر عليه الكبا ظهر ‪ ،‬قال ‪ :‬فقتل‬
‫على ذلك الدم سبعين ألفا من المسلمين وغيرهم ‪ ،‬فسكن وهذا صحيح إلى سعيد بن المسيب ‪ ،‬وهذا هو المشهور‬
‫وأنيه قتيل أشرافهيم وعلماءهيم ‪ ،‬حتيى أنيه لم يبيق مين يحفيظ التوراة ‪ ،‬وأخيذ معيه منهيم خلقيا كثيرا أسيرى مين أبناء‬
‫النيبياء وغيرهيم ‪ ،‬وجرت أمور وكوائن يطول ذكرهيا ‪ ،‬ولو وجدنيا ميا هيو صيحيح أو ميا يقاربيه ‪ ،‬لجاز كتابتيه‬
‫وروايته وال أعلم ‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫من تفسير الطبري ‪:‬‬
‫فكان أول الفسيادين قتيل زكرييا ‪ ،‬فبعيث ال عليهيم ملك النبيط ‪ ،‬فخرج بختنصير حيين سيمع ذلك منهيم ‪ ،‬ثيم إن بنيي‬
‫إسرائيل تجهزوا فغزوا النبط ‪ ،‬فأصابوا منهم واستنقذوا ما في أيديهم ‪ ،‬قال ابن زيد ‪ :‬كان إفسادهم الذي يفسدون‬
‫في الرض مرتين ‪ ،‬قتل زكريا ويحيى بن زكريا ‪ ،‬سلط ال عليهم سابور ذا الكتاف ‪ ،‬ملكا من ملوك النبط في‬
‫الولى ‪ ،‬وسلط عليهم بختنصر في الثانية ‪.‬‬
‫عن حذيفة بن اليمان ‪ ،‬يقول ‪ :‬قال رسول ال ‪ :‬إن بني إسرائيل لما اعتدوا وعلوا وقتلوا النبياء ‪ ،‬بعث ال عليهم‬
‫ملك فارس بختنصير ‪ ،‬وكان ال قيد ملّكيه سيبع مائة سينة فسيار إليهيم حتيى دخيل بييت المقدس ‪ ،‬فحاصيرها وفتحهيا‬
‫وقتل علي دم زكريا سبعين ألفا ‪ ،‬ثم سبى أهلها وبني النبياء ‪ ،‬وسلب حليّ بيت المقدس ‪ ،‬واستخرج منها سبعين‬
‫ي حتى أورده بابل ‪ ،‬قال حذيفة ‪ :‬فقلت يا رسول ال لقد كان بيت المقدس عظيما عند‬ ‫ألفا ومائة ألف عجلة من حل ّ‬
‫ال ‪ ،‬قال ‪ :‬أجيل بناه سيليمان بين داود ‪،‬ن ذهيب ودر وياقوت وزبرجيد ‪ ،‬وكان بلطيه مين ذهيب وبلطية مين فضية‬
‫وعمده ذهبييا ‪ ،‬أعطاه ال ذلك وسييخر له الشياطيين ‪ ،‬يأتونيه بهذه الشياء فيي طرفية عيين ‪ ،‬فسييار بختنصيير بهذه‬
‫الشياء حتييى نزل بهييا بابييل ‪ ،‬فأقام بنوا إسييرائيل فييي يديييه مائة سيينة ‪ ،‬تعذبهييم المجوس وأبناء المجوس ‪ ،‬فيهييم‬
‫النبياء وأبناء النبياء ‪ ،‬ثم إن ال رحمهم ‪ ،‬فأوحى إلى ملك من ملوك فارس يقال له كورش وكان مؤمنا ‪ ،‬أن سر‬
‫إلى بقايا بني إسرائيل حتيى تسيتنقذهم ‪ ،‬فسيار كورش ببنيي إسيرائيل وحلي بيت المقدس ‪ ،‬حتيى رده إلييه فأقام بنوا‬
‫إسيرائيل مطيعين ل مائة سنة ‪ ،‬ثم إنهيم عادوا في المعاصي ‪ ،‬فسلط ال عليهيم ابطيانحوس ‪ ،‬فغزا بأبناء من غزا‬
‫ميع بختنصير ‪ ،‬فغزا بنيي إسيرائيل حتيى أتاهيم بييت المقدس ‪ ،‬فسيبى أهلهيا وأحرق بييت المقدس ‪ ،‬وقال لهيم ييا بنيي‬
‫إسيرائيل ‪ ،‬إن عدتيم فيي المعاصيي عدنيا عليكيم بالسيباء ‪ ،‬فعادوا فيي المعاصيي فسييّر ال عليهيم السيباء الثالث ملك‬
‫روميية ‪ ،‬يقال له قاقيس بين إسيبايوس فغزاهيم فيي البر والبحير ‪ ،‬فسيباهم وسيبى حلي بييت المقدس وأحرق بييت‬
‫المقدس بالنيران ‪ ،‬فقال رسييول ال ‪ :‬هذا مين صيينعة حلي بييت المقدس ‪ ،‬ويرده المهدي إلى بيييت المقدس ‪ ،‬وهيو‬
‫ألف سفينة وسبع مائة سفينة يرسى بها على يافا ‪ ،‬حتى تنقل إلى بيت المقدس وبها يجمع ال الولين والخرين ‪.‬‬
‫ثم اختلف أهل التأويل ‪ ،‬في الذين عنى ال بقوله أولي بأس شديد ‪ ،‬فيما كان من فعلهم ‪ ،‬في المرة الولى في بني‬
‫إسرائيل ‪ ،‬حين بعثوا عليهم ‪ ،‬ومن الذين بعث عليهم في المرة الخرة ‪ ،‬وما كان من صنعهم بهم ‪ ،‬فقال بعضهم ‪:‬‬
‫كان الذي بعيث ال عليهيم فيي المرة الولى جالوت ‪ ،‬وهيو مين أهيل الجزيرة ‪ ،‬وفيميا روي عين ابين عباس قوله ‪:‬‬
‫بعث ال عليهم جالوت فجاس خلل ديارهم ‪ ،‬وضرب عليهم الخراج والذل ‪ ،‬فسألوا ال أن يبعث لهم ملكا يقاتلون‬
‫فيي سيبيل ال فبعيث ال طالوت ‪ ،‬فقاتلوا جالوت فنصير ال بنيي إسيرائيل ‪ ،‬وقتيل جالوت بيدي داود ورجيع ال إلى‬
‫بنيي إسيرائيل مُلكهيم ‪ ،‬وقال آخرون ‪ :‬بيل بعيث عليهيم فيي المرة الولى سينحاريب ‪ ،‬وفيميا روي عين سيعيد بين‬
‫المسييب يقول ‪ :‬ظهير بختنصير على الشام فخرب بييت المقدس وقتلهيم ‪ ،‬وقال آخرون ‪ :‬يعنيي بذلك قوميا مين أهيل‬
‫فارس ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ولم يكن في المرة الولى قتال ‪ ( ،‬ثم رددنا لكم … ) وفي قول ابن عباس ‪ ،‬الذي رواه عطية عنه‬
‫‪ ،‬هي إدالة ال إياهم من عدوهم جالوت حتى قتلوه ‪ ،‬وكان مجيء وعد المرة الخرة عند قتلهم يحيى بعث عليهم‬
‫بختنصير ‪ ،‬وخرّب بييت المقدس وأمير بيه أن تطرح فييه الجييف وأعانيه على خرابيه الروم ‪ ،‬فلميا خربيه ذهيب معيه‬
‫بوجوه بني إسرائيل وأشرافهم ‪ ،‬وذهب بدانيال وعليا وعزاريا وميشائيل ‪ ،‬وهؤلء كلهم من أولد النبياء ‪.‬‬
‫وفيما روي عن سعيد بن جبير ‪ ،‬قال ‪ :‬بعث ال عليهم في المرة الولى سنحاريب ‪ ،‬قال ‪ :‬فر ّد ال لهم الكرة عليهم‬
‫كميا أخيبر ‪ ،‬قال ‪ :‬ثيم عصيوا ربهيم وعادوا لميا نهوا عنيه ‪ ،‬فبعيث عليهيم فيي المرة الخرة بختنصير فقتيل المقاتلة‬
‫وسيبى الذريية وأخيذ ميا وجيد مين الموال ودخلوا بييت المقدس ‪ ،‬كميا قال ال عيز وجيل ‪ ،‬ودخلوه فتبّروه وخرّبوه‬
‫فرحمهيم فردّ إليهيم ملكهيم وخلّص مين كان فيي أيديهيم مين ذريية بنيي إسيرائيل ‪ ،‬وعين مجاهيد قال ‪ :‬بعيث ال ملك‬
‫فارس ببابل جيشا ‪ ،‬وأمر عليهم بختنصر ‪ ،‬فأتوا بني إسرائيل فدمروهم فكانت هذه الخرة ووعدها ‪ .‬وعن قتادة‬
‫قوله ‪ :‬فبعييث ال عليهييم فييي الخرة بختنصيير المجوسييي البابلي أبغييض خلق ال إليييه ‪ ،‬فسييبا وقتييل وخرّب بيييت‬
‫المقدس وسامهم سوء العذاب ‪ ،‬وفيما روي عن ابن عباس قال ‪ :‬فلما أفسدوا ‪ ،‬بعث ال عليهم في المرة الخرة ‪،‬‬
‫بختنصر فخرب المساجد ‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫من تفسير البغوي ‪:‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬إفسيادهم فيي المرة الولى ميا خالفوا مين أحكام التوراة وركبوا المحارم ‪ ،‬وقال ابين إسيحاق ‪ :‬إفسيادهم‬
‫في المرة الولى قتل إشعياء في الشجرة وارتكابهم المعاصي ‪ ( ،‬بعثنا عليكم عبادا لنا ) قال قتادة ‪ :‬يعني جالوت‬
‫الجزري وجنوده وهو الذي قتله داود ‪ ،‬وقال سعيد بن جبير ‪ :‬يعني سنحاريب من أهل نينوى ‪ ،‬وقال ابن إسحاق‬
‫‪ :‬بختنصر البابلي وأصحابه وهو الظهر ‪ ( ،‬فإذا جاء وعد الخرة ) وذلك قصدهم قتل عيسى عليه السلم حين‬
‫رفيع ‪ ،‬وقتلهيم يحييى بين زكرييا عليهميا السيلم ‪ ،‬فسيلط عليهيم الفرس والروم خردوش وطيطوس حتيى قتلوهيم‬
‫وسبوهم ونفوهم عن ديارهم ‪.‬‬
‫من تفسير الشوكاني ‪:‬‬
‫والمرة الولى قتل شعياء أو حبس أرمياء أو مخالفة أحكام التوراة ‪ ،‬والثانية قتل يحيى بن زكريا والعزم على قتل‬
‫عيسيى ‪ ( ،‬عبادا لنيا ) قييل هيو بختنصير وجنوده وقييل جالوت وقييل جنيد مين فارس وقييل جنيد مين بابيل ‪ ،‬والمرة‬
‫الخرة هيى قتلهيم يحييى ابين زكرييا ( وإن عدتيم ) قال أهيل السيير ‪ ،‬ثيم إنهيم عادوا إلى ميا ل ينبغيي وهيو تكذييب‬
‫محمد صلى ال عليه وآله وسلم ‪ ،‬وكتمان ما ورد من بعثه في التوراة والنجيل ‪ ،‬فعاد ال إلى عقوبتهم على أيدي‬
‫العرب ‪ ،‬فجرى على بنيي قريظية والنضيير وبنيي قينقاع وخييبر ‪ ،‬ميا جرى مين القتيل والسيبي والجلء وضرب‬
‫الجزية ‪ ،‬على من بقي منهم وضرب الذلة والمسكنة ‪.‬‬
‫من تفسير اللوسي ‪:‬‬
‫واختلف فيي تعييين هؤلء العباد فيي إفسيادهم الول ‪ ،‬فعين ابين عباس وقتادة هيم جالوت الجزري وجنوده ‪ ،‬وقال‬
‫ابين جيبير وابين إسيحاق هيم سينحاريب ملك بابيل وجنوده ‪ ،‬وقييل هيم العمالقية ‪ ،‬وفيي العلم للسيهيلي هيم بختنصير‬
‫عاميل لهراسيف أحيد ملوك الفرس الكيانيية ‪ ،‬على بابيل والروم وجنوده ‪ ،‬بعثوا عليهيم حيين كذبوا أرمييا وجرحوه‬
‫وحبسوه قيل وهو الحق ‪.‬‬
‫واختلف في تعيين هؤلء العباد المبعوثين ‪ ،‬بعد أن ذكروا قتل يحيى عليه السلم في إفسادهم الخير ‪ ،‬فقال غير‬
‫واحد إنهم بختنصر وجنوده ‪ ،‬وتعقبه السهيلي وقال بأنه ل يصح ‪ ،‬لن قتل يحيى بعد رفع عيسى عليهما السلم ‪،‬‬
‫وبختنصير كان قبيل عيسيى علييه السيلم بزمين طوييل ‪ ،‬وقييل السيكندر وجنوده ‪ ،‬وتعقبيه أيضيا وقال ‪ :‬بأن بيين‬
‫السيكندر وعيسيى علييه السيلم نحوا مين ثلثمائة سينة ‪ ،‬ثيم قال لكنيه إذا قييل إن إفسيادهم فيي المرة الخيرة بقتيل‬
‫شعيا جاز أن يكون المبعوث عليهم بختنصر ومن معه لنه كان حينئذ حيا ‪ ،‬والذي ذهب إليه اليهود أن المبعوث‬
‫أول بختنصير وكان فيي زمين آرمييا علييه السيلم ‪ ،‬وقيد أنذرهيم مجيئه صيريحا بعيد أن نهاهيم عين الفسياد وعبادة‬
‫الصنام كما نطق به كتابه ‪ ،‬فحبسوه في بئر وجرحوه ‪ ،‬وكان تخريبه لبيت المقدس في السنة التاسعة عشر من‬
‫حكمه ‪ ،‬وبين ذلك وهبوط آدم ثلثة آلف وثلثمائة وثماني وثلثين سنة وبقي خرابا سبعين سنة ‪ ،‬ثم إن أسبيانوس‬
‫قيصير الروم وجّه وزيره طيطوس إلى خرابيه فخربيه سينة ثلثية آلف وثمانمائة وثمانيية وعشريين ‪ ،‬فيكون بيين‬
‫البعثين عندهم أربعمائة وتسعون سنة ‪ ،‬وتفصيل الكلم في ذلك في كتبهم ‪ ،‬وال تعالى أعلم بحقيقة الحال ‪.‬‬
‫وقال اللوسيي ‪ " :‬ونعيم ميا قييل إن معرفية القوام المبعوثيين ‪ ،‬بأعيانهيم وتارييخ البعيث ونحوه ‪ ،‬مميا ل يتعلق بيه‬
‫كيبير غرض ‪ ،‬إذ المقصيود أنيه لميا كثرت معاصييهم ‪ ،‬سيلط ال تعالى عليهيم مين ينتقيم منهيم مرة بعيد أخرى ‪،‬‬
‫وظاهر اليات يقتضي اتحاد المبعوثين أول وثانيا "‬
‫ونقول ‪ :‬نتفق مع اللوسي في بعض ما ذهب إليه ‪ ،‬ونختلف معه في التقليل من شأن المبعوثين ‪ ،‬التي ما أخبر به‬
‫ل لكيبير غرض ‪ ،‬وهيو إثبات أن هذا القران مين لدن علّم الغيوب ‪ ،‬لمين هيم فيي شيك‬ ‫سيبحانه فيي كتابيه العزييز إ ّ‬
‫يلعبون ميين المسييلمين وغيرهييم ‪ ،‬فهذه النبوءة تحكييي واقعييا نعاصييره الن ‪ ،‬بكييل تفاصيييله ( َوكُ ّل شَيْءٍ فَصبّلْنَاهُ‬
‫َتفْصبِيلً ) ومعرفية وتحدييد المرتيين أمير فيي غايية الهميية ‪ .‬ميع أن عبارتيه الخيرة – رحميه ال ‪ -‬فيي النيص‬
‫السيابق ‪ ،‬التيي أكيد فيهيا " اتحاد المبعوثيبن أول وثانيبا " ‪ ،‬وهو المفسيّر الوحييد مين القدماء ‪ ،‬الذي أشار صيراحة‬
‫إلى هذا المير ‪ ،‬أعطتنيي دفعية كيبيرة للمضيي قدميا فيي هذا البحيث ‪ ،‬حييث كنيت قيد تتبعيت الضمائر الواردة فيي‬
‫اليات ‪ ،‬وتأكدت مين هذا المير فيي بدايية البحيث ‪ ،‬فقيد أيّدت هذه العبارة جانبيا مين الفكار التيي كنيت أحملهيا فيميا‬
‫يتعلق بهذه النبوءة ‪ ،‬بعدمييا تييبيّن لي ميين خلل الحاديييث النبوييية التييي ذكرتهييا فييي بداييية البحييث ‪ ،‬أنيّ فناء دولة‬
‫‪19‬‬
‫إسرائيل سيكون قبل قيام الخلفة السلمية ‪ ،‬التي ما زال عامة المسلمين ينتظرون ويأملون قيامها للقضاء عليهم‬
‫وإنهاء وجودهيم ‪ .‬وبميا أن المبعوثيين عليهيم أول وثانييا متحديين ‪ ،‬فذلك يعنيي أن معرفتنيا لمين بُعيث عليهيم أول ‪،‬‬
‫ستقودنا بالضرورة لمعرفة من سيبعث عليهم ثانيا ‪ ،‬ومن ثم الكشف عن الكثير مما أحاط هذه النبوءة من غموض‬
‫‪ ،‬كان سببا في كثير من التفسيرات المغلوطة ‪ ،‬التي حيّرت أُناس هذا العصر وأربكتهم ‪.‬‬
‫كان هذا عرضيا لمجميل ميا قاله المفسيرين أجلّهيم ال ورحمهيم جميعيا ‪ ،‬ميع الخيذ بعيين العتبار أن أحدا منهيم لم‬
‫يعاصيير قيام دولة اليهود للمرة الثانييية ‪ ،‬وكان أكثرهييم حداثيية هييو اللوسييي الذي توفييي سيينة ‪ 1227‬هجري ‪،‬‬
‫والملحظ من أقوالهم أنهم أجمعوا على أن تحقّق المرتين كان قبل السلم ‪ ،‬وأنهم نيبوا نسبة إحدى المرتين إلى‬
‫البابليين وبقيادة بختنصر ( نبوخذ نصر ) على الغلب ‪ ،‬وهو الحدث المشهور تاريخيا بما يُسمّى ( السبي البابلي‬
‫)‪.‬‬
‫ومعظيم ميا تقدّم مين روايات هيي أخبار موقوفية على أصيحابها ‪ ،‬وأصيلها أهيل التوراة حييث أنهيا المصيدر الوحييد‬
‫لمثيل هذه الروايات ‪ ،‬والتيي امتلت التفاسيير منها ‪ ،‬وهيي ليست مما يُرجيع إليه من الحكام التيي يجيب بهيا العميل‬
‫فتُتحرى فيي صيحتها أو كذبهيا ‪ ،‬لذلك تسياهل أغلب المفسيرين فيي نقلهيا عنهيم وهيي فيي بعيض منهيا أقرب إلى‬
‫الخرافة ‪.‬‬
‫أمّا المعاصرين من المف سّرين فقد أعاد أغلبهم نسخ أقوال القدماء بشكل مختصر وأضافوها إلى كتبهم ‪ ،‬ولم يأتوا‬
‫بجديد إل واحدا هو الشيخ سعيد حوى رحمه ال ‪ ،‬حيث أعلمني أحد الزملء بذلك ‪ ،‬عندما عرضت عليه بعض‬
‫نتائج هذا البحيث ‪ ،‬فقال لي بأن إحدى النتائج التيي خرجيت بهيا ‪ ،‬كان الشييخ قيد أوردهيا فيي تفسييره ‪ ،‬وقيد اطّلعيت‬
‫على تفسييره لهذه اليات مؤخرا فوجدت بأن الشييخ ‪ ،‬قدّمهيا كاحتمال موسيوم بالشيك ‪ ،‬ولكنيا نطرحهيا على وجيه‬
‫اليقين الذي ل يُخالطه شك ‪ ،‬بإذن ال ‪.‬‬
‫أمييا أناس هذه اليام مميين علم أو لم يعلم ‪ ،‬فقييد جاءوا بتفسيييرات وأقوال شتييى فييي هذه اليات ‪ ،‬منهييا مييا وافييق‬
‫تفسيرات القدماء وأقوالهم من جانب وخالفها في جوانب أخرى ومنها ما خالفها جملة وتفصيل ‪.‬‬

‫بعض من أسباب الضطراب والرتباك ‪ ،‬في تفسير آيات سورة السراء ؟‬

‫‪.1‬هجر القرآن‬
‫القرآن فيي العادة ل يُقرأ مين قبيل عامّة المسيلمين هذه اليام ‪ -‬إل ميا رحيم ربيي ‪ -‬وإن قُرء فهيي قراءة بل تفكّر أو‬
‫تدبّر ‪ ،‬قال تعالى ( وَ َيوْمَب َيعَضّ الظّالِمُب عَلَى يَدَيْهِب َيقُولُ يَالَيْتَنِي ا ّتخَذْتُب مَعَب الرّسبُو ِل سَببِيلً (‪َ )27‬يوَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْب‬
‫ن خَذُولً (‪ )29‬وَقَالَ الرّسبُولُ‬ ‫أَ ّتخِذْ ُفلَنًا خَلِيلً (‪َ )28‬لقَ ْد أَضَلّنِي عَنْب ال ّذكْرِ َبعْ َد إِ ْذ جَاءَنِي َوكَانَب الشّ ْيطَانُب لِلِْنسبَا ِ‬
‫ن َم ْهجُورًا (‪ 30‬الفرقان ) ‪ .‬وهجر القرآن نبوءة وقد تحققت في زماننا هذا ‪.‬‬ ‫ب إِنّ َق ْومِي ا ّتخَذُوا هَذَا ا ْلقُرْآ َ‬
‫يَرَ ّ‬
‫‪.2‬تجميد القرآن وتعطيله وفصله عن الواقع ‪ ،‬ماضيا وحاضرا ومستقبل‬
‫يذهب كثير من الناس من علماء وعامّة ‪ ،‬إلى أن فهم القرآن واكتشاف مكنوناته مقصور على فئة معينة من الناس‬
‫دون غيرهيم ‪ ،‬أو فيي زمان أو مكان دون آخير ‪ .‬بالرغيم مين أن هناك الكثيير مين التفسييرات الخاطئة ‪ ،‬والروايات‬
‫المضلّلة أحيانيا فيي كتيب التفسيير القديمية والتيي لم تصيحّح لغايية الن ‪ .‬ونحين باعتمادنيا بشكيل كلّي على تفسييرات‬
‫القدماء ‪ ،‬حرمنا أنفسنا من فهم كثير من اليات ‪ ،‬ذات الصلة بواقعنا المعاصر ‪ ،‬والتي ما كان لحد من المفسرين‬
‫قديميا القدرة على تفسييرها فيي زمين يسيبق زماننيا هذا ‪ ،‬ول نقصيد هنيا التعرييض بأي حال مين الحوال ‪ ،‬بأي مين‬
‫المفسرين أجلّهم ال فكل له عذره وأسبابه ‪ ،‬ولكن نريد أن نؤكد من خلل هذا الكتاب أن القرآن ما زال حيّا ‪ ،‬وما‬
‫زالت لدييه القدرة على التيان بجدييد حتيى قيام السياعة ‪ ،‬ولم يكين فهيم القرآن يوميا ولن يكون محصيورا بزمان أو‬
‫مكان أو أشخاص دون غيرهم ‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫‪.3‬الغموض والبهام في نصوص النبوءات المستقبلية‬
‫عادة ل تُسيتخدم النصيوص الصيريحة فيي الكتيب السيماوية وفيي السينة النبويية ‪ ،‬كأسيلوب للخبار عين مضاميين‬
‫النبوءات ‪ ،‬فعادة ما يُستعمل الوصف والتشبيه والتمثيل ‪ .‬وهذا هو حال مجمل النبوءات المستقبلية ‪ ،‬تبقى بعض‬
‫نصيوصها عصيية على الفهيم ‪ ،‬حتيى تتمكين مين تجسييد نفسيها على أرض الواقيع لتفسيّر نفسيها بنفسيها ‪ .‬فلكتمال‬
‫معالمهيا أسيباب ومسيببات ل بيد لهيا مين أخيذ مجراهيا الطيبيعي ‪ ،‬وعادة ميا تكون فيي جانيب منهيا مبهمية خاصية‬
‫للطرف صاحب الدور الكبر بترجمة أحداثها على أرض الواقع ‪.‬‬
‫وفي المقابل تبقى بعض نصوصها سهلة للهضم والفهم ‪ ،‬لمن جاءت في كتبهم إذا عاصروها ‪ ،‬ولكن بال َق ْدرِ الذي‬
‫ل يسمح لهم ‪ ،‬بالتدخل في مجرياتها أو تعطيل السباب والمسببات المؤدية لتحقّقها ‪ .‬ولتبقى قدرتهم على التدخل‬
‫مقيّدة ‪ ،‬بما لم يعرفوه يقينا مما أُبهم عليهم من نصوص النبوءة ‪ .‬ومثال ذلك ما جاء في كتب اليهود والنصارى ‪،‬‬
‫من نصوص تبشّر بنبوة سيدنا محمد عليه الصلة والسلم ‪ .‬وبالرغم من كثرة النصوص التي أخبرت عنه ‪ ،‬لم‬
‫يسييتطع اليهود السييتدلل عليييه يقينييا قبييل ظهور أمره وإل لقتلوه ‪ .‬وصيياحب النبوة لم يكيين يعلم بأنييه المقصييود‬
‫بنبوءات أهيل الكتاب قبيل أن يتنزّل علييه الوحيي ‪ ،‬وحتيى اسيمه ( محميد ) علييه الصيلة والسيلم ‪ ،‬جاء مغايرا‬
‫لسمه ( أحمد ) الموجود في كتبهم ‪ ،‬حيث جاء بالمعنى وليس باللفظ ‪ .‬وبعدما بُعث ومع مرور الزمن بدأ الواقع‬
‫يُف سّر جميع النصوص التي كانت بحوزتهم شيئا فشيئا ‪ ،‬أما قريش فما كانت تُصدّق من نبوءات أهل الكتاب شيئا‬
‫‪.‬‬
‫وحتيى لو كُشفيت مضاميين النبوءات عنيد اكتمال معالم القدر ‪ ،‬وقبيل تحقيق الفصيل الخيير منهيا كان مين الصيعب‬
‫على ذوي العلقية ‪ ،‬إعادة عقارب السياعة إلى الوراء ‪ ،‬مين أجيل التأثيير على مجريات أحداثهيا أو منيع تحقّقهيا ‪،‬‬
‫وخاصية أن معظيم النبوءات إذا فُسيرّت وكان واقيع الحال ل يتطابيق ميع التفسيير وهذا أمير طيبيعي جدا ‪ ،‬فعادة ميا‬
‫يُجابه التفسير بالنكار والتكذيب أو التشكيك حتى ممن يعنيهم المر ‪ ،‬أو الظن أن بالمكان منعها كما هو الحال‬
‫عنييد بنييي إسييرائيل ‪ ،‬الذييين يعلمون هذه النبوءة علم اليقييين ويُحاولون جهدهييم منييع تحقّقهييا ‪ ،‬كمييا حاولوا جهدهييم‬
‫البحيث عين نبينيا علييه الصيلة والسيلم لمنيع بعثيه وظهور أمره ‪ .‬وكميا سييكون الحال ميع كثيير مين الناس الذيين‬
‫سييطالعون هذا الكتاب ‪ ،‬الذي نكشيف فييه ملبسيات تحقّق وعيد الخرة كميا لم تكين مين قبيل ‪ ،‬بعيد أن تشابكيت‬
‫خيوطها واتصلت بإحكام منذ سنين عدة ولكن الناس كانوا عنها غافلين ‪.‬‬
‫‪.4‬فهم اللفاظ ومدلولتها‬
‫فييي كثييير ميين الحيان نفهييم ألفاظ القرآن بالمعنييى الذي نسييتخدمه بييه فييي حياتنييا المعاصييرة ‪ ،‬وربمييا يكون هذا‬
‫السييتخدام مختلف أو مخالف تمامييا ‪ ،‬لسييتخدام العرب القدماء ‪ -‬الذييين نزل القرآن بلغتهييم ‪ -‬لنفييس اللفييظ ‪ ،‬ممييا‬
‫يتسبّب في سوء التفسير أو الفهم ‪ .‬فعلى سبيل المثال لنأخذ كلمة ( فَصَلَ ) ‪ ،‬فنحن نستخدم هذا اللفظ تقريبا بمعنى‬
‫واحييد ؛ قَطعييَ التيار ‪ ،‬فَرّقيي مييا بييين شيئييين بشيييء ثالث ‪ ،‬طرده ميين الوظيفيية ‪ .‬أمييا العرب القدماء فقييد كانوا‬
‫خرَجَي ‪ ،‬ومين هذه المعانيي تسيتطيع تفسيير‬ ‫يسيتخدمونها بمعان شتيى ‪ ،‬تفهيم عادة مين السيياق ‪ ،‬منهيا ؛ قَطعَي و َفرّقَي و َ‬
‫صلَ طَالُوتُ بِا ْلجُنُودِ (‪ 249‬البقرة ) على أن طالوت خرج بالجنود ‪.‬‬ ‫قوله تعالى ( فَ َلمّا فَ َ‬
‫وفيي كثيير مين الحيان يحميل اللفيظ الواحيد فيي القرآن مفهوميا عاميا عريضيا ‪ ،‬ويندرج تحتيه عدة مفاهييم خاصية ‪،‬‬
‫يُعرّفهييا ويُفصييّلها القرآن فييي مواضييع عديدة ‪ .‬وميين هذه اللفاظ على سييبيل المثال ؛ الفسيياد والعلو والفاحشيية‬
‫والظلم ‪ ،‬وهذه كلهيا مفاهييم عامية يختلف تحدييد مواصيفاتها ومقاييسيها باختلف فهيم الشخيص على سيبيل المثال‬
‫ل حسيب رأييه ‪ ،‬سيتجد أن هناك تعارييف عديدة ومتباينية أميا القرآن فله‬‫لماهيّة اللفيظ ‪ .‬وإذا تركنيا الجابية للناس ك ٌ‬
‫تعريفه الخاص ‪.‬‬
‫فلنأخيذ لفيظ الظلم ‪ ،‬يقول سيبحانه وتعالى ( وَمَا كُنّاب ُمهْلِكِي الْقُرَى ِإ ّل َوأَهْلُهَا ظَا ِلمُونَب (‪ 59‬القصيص ) ‪ ،‬فميا هيي‬
‫ماهيية هذا الظلم الذي يتحتيم علييه إهلك القرى ؟ وكييف تسيتطيع القرى أن تسيلم مين الهلك ‪ ،‬بميا أن الظلم هيو‬
‫المقياس لذلك كميا أخيبر رب العزة ؟ ولفهيم دللة هذا اللفيظ ‪ ،‬يتحتيم علييك أن تُلمّي بكيل مُتعلّقاتيه فيي جمييع اليات‬
‫القرآنيية التيي ورد فيهيا ذكره ‪ ،‬لتخرج فيي النهايية بميا يُشبيه المقياس الذي مين خلله تسيتطيع تعرييف هذا المفهوم‬
‫بالمقياس اللهي له ‪ ،‬وليس بالمقاييس الشخصية للناس ‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫‪.5‬اليجاز الشديد‬
‫مثيل قوله تعالى ( فجاسيوا خلل الديار ) حييث وصيف سيبحانه كيل ميا فعله أولئك العباد فيي المرة الولى بثلث‬
‫كلمات فقيط ‪ ،‬أو بالحرى كلمية واحدة هيي ( فجاسيوا ) ‪ ،‬وبالرغيم مين ذلك فإن هذه الكلمية وعنيد الطلع معانيهيا‬
‫فيي المعجيم ‪ ،‬سيتجد أنهيا تصيوّر مشهدا سيينمائيا كامل ‪ ،‬وبدون الطلع على تلك المعانيي لن تمتلك القدرة على‬
‫تخيّل ذلك المشهد ‪.‬‬
‫‪.6‬الحذف وتقدير المحذوف‬
‫حذف كلمة أو عبارة من السياق لسبق الدللة عليها فيما تقدم من نصوص ‪ ،‬مثل حذف جواب شرط إذا الخاص‬
‫بوعد الخرة ‪ ،‬وتقديره ( بعثناهم عليكم ) في الية (‪ ، )7‬لدللة قوله تعالى ( فإذا جاء وعد أولهما بعثنا عليكم )‬
‫في الية ( ‪. )5‬‬
‫‪.7‬اللتفات‬
‫الحدييث عين الغائب ومين ثيم النتقال لتوجييه الخطاب إلى الحاضير ‪ ،‬والعكيس بالعكيس بيين حيين وآخير ‪ ،‬مثيل‬
‫ن فيي – الخطاب هنيا إلى‬
‫( وقضينيا إلى – الحدييث هنيا عين الغائب ( السيابقين مين بنيي إسيرائيل ) …لتفسيد ّ‬
‫الحاضر ( المعاصرين من بني إسرائيل ) ‪ . ) ..‬عادة ما يستخدم هذا السلوب ‪ ،‬في إخبار المستمع الحاضر عن‬
‫حدث وقيع فيي الماضيي ‪ .‬والهدف مين إنزال هذه النبوءة فيي كتاب موسيى ‪ ،‬وإعادة نسيخها فيي القرآن هيو كشيف‬
‫للغيب الذي ل يعلمه إل من أخبر عنه ‪ ،‬فيما أنزله من كتب على رُسله ‪ ،‬لعل الناس المعاصرين بربهم يؤمنون ‪،‬‬
‫عند تحقق هذه النبوءة بكل تفاصيلها ‪ ،‬كما جاءت في الكتب السماوية ‪ .‬لذلك جاء الخبار في القرآن للناس كافة ‪،‬‬
‫وجاء الخطاب لبي إسرائيل خاصّة ‪ ،‬لن المر يعنيهم أكثر من غيرهم فلعلّهم إلى ربهم يرجعون ‪.‬‬
‫لقد أخبر سبحانه في الية (‪ )2‬أنه آتى موسى الكتاب ‪ ،‬وفي الية ( ‪ )4‬أخبر بأنه أنزل في ذلك الكتاب نص هذه‬
‫النبوءة ‪ ،‬التي سيشرع فيما يلي بالخبار عنها بكل تفاصيلها كما جاءت في كتاب موسى ‪ ،‬حيث جاء النص آنذاك‬
‫مخاطبيا لبنيي إسيرائيل ‪ .‬وإتيان النيص بأسيلوب المخاطبية لبنيي إسيرائيل فيي القرآن ‪ ،‬يفييد أن هناك جزء مين هذه‬
‫النبوءة سيتحقق مستقبل بعد نزول هذه اليات ‪ ،‬وأعيد النص لتذكير بني إسرائيل وتنبيههم وتحذيرهم ‪ ،‬من مغبة‬
‫الفساد في الرض في المرة لثانية ‪ ،‬مما يترتب عليه نفاذ الوعد الثاني كما نفذ الوعد الول ‪.‬‬
‫وميع أن المخاطَب فيي هذه اليات هيم بنوا إسيرائيل ( المعاصيرين ) ‪ ،‬ولكين يجيب أل ننسيى أن هناك مين يقرأ‬
‫ويسيمع خطابيه تعالى – لبنيي إسيرائيل – مين خلل القرآن ‪ ،‬ممين هيم مين غيير بنيي إسيرائيل ول يعلمون مين أمير‬
‫هذه النبوءة شيئا ‪ ،‬فيميا إذا كانيت قيد أنزلت عليهيم فيي كتابهيم أم ل ‪ ،‬فابتدأ عيز وجيل القصية بالخبار عين وجودهيا‬
‫فيي كتابهيم لمين ل يعلم مين الجمهور بذلك ‪ ،‬مين مسيتمع وقارئ لهذه القصية ‪ .‬ليُعييد الجمهور إلى الجواء التيي‬
‫أُنزلت فيها هذه النبوءة ليسهُل فهمها من قبلهم ‪ .‬وليصبحوا مساوين لبني إسرائيل في معايشة تلك الجواء ‪ ،‬التي‬
‫يعرفونهييا كمييا يعرفون أبنائهييم ميين خلل مييا لديهييم ميين كتييب ‪ .‬لذلك تجده سييبحانه أحيانييا يتوجييه بالخطاب إلى‬
‫الجمهور ‪ ،‬تاركيا ( خطاب بنيي إسيرائيل ) ليضييف للقارئ خيبرا أو تعقيبيا على جزء معيين مين هذه النبوءة ‪ ،‬أو‬
‫إيضاحا أو تفصيل لم يرد في النص الصلي للنبوءة ‪ ،‬التي سبق أن أُنزلت عليهم أو تحقق بعد نزولها لزم إخبار‬
‫الجمهور عنييه فييي هذه اليات ‪ .‬فالحكميية ميين الخبار بهذه النبوءة والكشييف عنهييا للبشيير ‪ ،‬هييي تحص يّل اليمان‬
‫ؤمِنُوا (‪107‬‬
‫بالقرآن ومن أنزله ومن أُرسل به ‪ ،‬كما عقّب سبحانه بقوله في نهاية السورة ( ُقلْ ءَامِنُوا بِ ِه َأوْ لَ ُت ْ‬
‫السيراء ) ‪ .‬وسينبين إن شاء ال كيل موضيع حصيل فييه التفات ‪ ،‬لتصيبح نصيوص النبوءة أكثير وضوحيا وأسيهل‬
‫للفهيم ‪ .‬وعدم معرفية ماهيية اللتفات ومواضعيه ‪ -‬أحيد أوجيه البلغية فيي لغية العرب – سييجعل مين الصيعوبة بميا‬
‫كان ‪ ،‬أن يفهم الناس النصوص القرآنية بشكل صحيح وربما يقلب المعنى بشكل مخالف تماما ‪.‬‬
‫‪.8‬الضمائر‬
‫متابعة الضمائر في هذه اليات بأنواعها الثلثية ‪ ،‬المتكلّم والمخاطَب والغائب ‪ ،‬وتحدييد على مين يعود كل منهيا ‪.‬‬
‫وهنيا ل بيد أن نوضيح ونؤكيد على أنّي كيل الضمائر الواردة فيي اليات ( ‪ ) 8-4‬ميا عدا ضمائر المتكلّم التيي تعود‬

‫‪22‬‬
‫علييه سيبحانه ‪ ،‬تعود على أولئك العباد أولي البأس الشدييد أنفسيهم فيي مواضيع ‪ ،‬وعلى بنيي إسيرائيل فيي مواضيع‬
‫أخرى ‪ ،‬وهي محصورة فيهم على الطلق إذ لم يضف النص طرفا ثالثا ‪.‬‬
‫‪.9‬العتراض‬
‫وهيو إضافية جملة إلى السيياق ‪ ،‬زيادة فيي اليضاح والبانية ‪ ،‬وهيو أحيد أوجيه البلغية أيضيا ‪ .‬وغالبيا ميا يأتيي‬
‫كتعقييب على خيبر قيد سيبق ذكره ‪ ،‬وعدم وجود هذا التعقييب ربميا يُثيير التسياؤل فيي ذهين المسيتمع ‪ ،‬فيُضييف‬
‫الراوي مين تلقاء نفسيه خيبرا جديدا منعيا لتوارد الجتهادات والتفسييرات الخاطئة فيي مخيلتيه ‪ ،‬وليُغنيي المسيتمع‬
‫الحاجية إلى السيؤال ‪ .‬فعادة ميا تأتيي الجملة المعترضية كإضافية لزالة الغموض واللبيس ‪ ،‬الذي قيد ينجيم عين سيوء‬
‫تقدير المستمع ولزوم هذا التعقيب يعود لتقدير الراوي ‪.‬‬
‫وقيد وقيع العتراض فيي نصيوص النبوءة فيي موضعيين ‪ ،‬فيي قوله تعالى " وكان وعدا مفعول " ‪ ،‬للتعقييب على‬
‫الوعيد الول ‪ ،‬لبيان أن هذا كان قيد أُنجيز أم لم يُنجيز ‪ .‬وفيي قوله تعالى " وليتبّروا ميا علوا تتيبيرا " للتعقييب على‬
‫العلو الكبير الخاص ببني إسرائيل ‪ ،‬لبيان وتأكيد أن هذا العلو ستتم إزالته مستقبل ل محالة ‪.‬‬
‫‪.10‬الهوى والعاطفة‬
‫نحيين كمسييلمين مرتبطون عاطفيييا بالمسييجد القصييى ‪ ،‬ومرتبطون عاطفيييا بالبطولت السييلمية وأبطالهييا ‪،‬‬
‫ومرتبطون عاطفييا بالخلفية السيلمية وخلفائهيا ‪ ،‬لنهيا توفّر لنيا شعورا بالعزة والكرامية طالميا افتقدناه ‪ ،‬ونحين‬
‫بأميس الحاجية إلييه هذه اليام ‪ .‬وفيي المقابيل نحين أبعيد ميا نكون عين السيلم فيي حياتنيا العمليية ‪ ،‬ولو نظرنيا فيي‬
‫أعماق أعماقنيا لوجدنيا أننيا نرفيض السيلم كأسيلوب للحياة ‪ ،‬لن السيلم بكيل بسياطة يرفيض كيل مظاهير الحياة‬
‫الدنيا ‪ ،‬التي يتمسّك بها الن معظم المسلمين ويسعون لبقائها ويحرصون على إدامتها والستزادة منها ما أمكنهم‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫نيص هذه النبوءة موجود فيي كتيب اليهود ‪ ،‬فميا الذي قام بيه زعماؤهيم العلمانيون والمتدينون ‪ ،‬عندميا أرادوا أن‬
‫يقيموا لهيم دولة ؟ أخذوا مين النبوءة الجزء الخاص بالعودة مين الشتات ورد السيبي ‪ ،‬وفسيّروها على أن ال أراد‬
‫لهيم ذلك بغيض النظير عين فسيادهم وإفسيادهم ‪ ،‬وأخفوا النصيوص التيي تُحذّر مين العقوبية التيي تنتظرهيم ‪ ،‬ليُضفوا‬
‫على عودتهيم إلى فلسيطين بعدا دينييا توراتييا ‪ ،‬وبالتالي اسيتطاعوا كسيب التأيييد والدعيم المادي والمعنوي سيياسيا‬
‫واقتصاديا وعسكريا ‪ ،‬من اليهود والنصارى على حد سواء ‪.‬‬
‫نحين أيضيا نملك نيص النبوءة نفسيها وملزمون بتحريير القصيى ‪ ،‬ولننيا نشعير بالعجيز وقصير ذات الييد قمنيا‬
‫بإضفاء البعد الديني على عملية التحرير بحصرها بخلفة إسلمية غير منظورة على المدى القريب ‪ ،‬واستبعدنا‬
‫احتماليية أن يتيم هذا المير خارج هذا الطار العاطفيي ‪ .‬وبعيد أن تقوقعنيا داخيل هذا الطار بدأنيا نُفسيّر المعطيات‬
‫حسب ما يتوافق مع هذا التوجّه حتى بلغ بنا المر ‪ ،‬إلى أن نُحمّل النصوص القرآنية ما ل تحتمله لتوافق رغباتنا‬
‫وأهوائنيا وتطلّعاتنيا كمنتسيبين للسيلم ‪ .‬فأخذنيا عبارة ( عبادا لنيا ) وعبارة ( وليدخلوا المسيجد ) وعبارة ( كميا‬
‫دخلوه أول مرة ) وسييلخناها ميين جلدهييا ‪ ،‬وقمنييا بالسييهاب فييي تفسييير وتفصيييل هذه العبارات وأهملنييا بعييض‬
‫العبارات الخرى ‪ ،‬وف سّرنا بعضها الخر بشكل يُناقض فحواها ‪ ،‬فعزلنا العبارات عن آياتها وعزلنا اليات عن‬
‫بعضهيا وعزلنيا مجموعية اليات عين السيورة ‪ ،‬وعزلنيا السيورة عين باقيي القرآن وعزلنيا القرآن عين كيل شييء ‪.‬‬
‫فخرجنيا باسيتنتاجات وتحليلت وأصيدرنا أحكام ‪ ،‬حرميت الكثييير مين الناس مين المعرفية الحقيقية التيي تكتنفهيا‬
‫نصوص هذه النبوءة ‪ ،‬التي تم تفسيرها بتغليب من الهوى والعاطفة على النصوص القرآنية والسنة ‪ ،‬وعلى العقل‬
‫والمنطق والواقع والتاريخ والجغرافيا ‪.‬‬
‫وبذلك أزاحت بعض التفسيرات التي حصرت تحرير القصى بقيام الخلفة السلمية عن غير قصد ‪ ،‬عن كاهل‬
‫هذا الجييل عبيء فكرة التحريير ‪ ،‬وأبعدت عين أذهان الناس شبيح حرب قادمية ‪ ،‬مميا سياهم بشكيل غيير مباشير فيي‬
‫تخدييير أميية السييلم لسيينين طويلة ‪ ،‬لينعُم الناس بحياة آمنيية مطمئنيية ولكيين للسييف بعيدا عيين الدييين ‪ .‬فالخلفيية‬
‫السييلمية على المدى القرييب صيعبة التحقييق ‪ ،‬لن مقومات قيامهييا ضميين الظروف الراهنية معدوميية ‪ .‬والمية‬
‫بحاجة لمن يُنبّهها ل لمن يُخدّرها … وقبل طرح هذه الفكرة الخطرة عن تحرير المسجد القصى … ونسبها إلى‬
‫كتاب ال … وأن ال أراد ذلك … كان على روّاد هذه الفكرة … أن يتجرّدوا مين عواطفهيم وأهوائهيم كلييا عنيد‬
‫‪23‬‬
‫تفسيير آيات ال … فالقرآن يطلب العقيل سيبيل للفهيم ل العاطفية والهوى … لدرجية أنيه جعيل ( القلب ) موطنيا‬
‫للعقل بدل من العاطفة … وأن يُفكّروا مليّا قبل أن يُقدّموها للناس … فنحن بحاجة لبناء مساجد في نفوس الناس‬
‫… فإن اسيتطعنا القيام بذلك … فلن نحرّر المسيجد القصيى فقيط … بيل سينحرّر العالم بأسيره … وإن لم نسيتطع‬
‫فالحرى بنيا … أن نعتزل ونفرّ إلى رؤوس الجبال … بأطلل المسياجد المتبقيية فيي نفوسينا … حتيى يأتيي ال‬
‫بأمره … !!!‬
‫هذا الطرح الخطِر والبعييد جدا عميا جاء فيي النصيوص القرآنيية ‪ ،‬سييؤدي بالناس ل محالة إلى الوقوع فيي الحيرة‬
‫والرتباك ‪ ،‬ونشوء كثيير مين علمات السيتفهام حول مين قدّم هذه التفسييرات ‪ ،‬وحول مصيداقية كتاب ال نفسيه‬
‫من قبل ضعاف اليمان والعقل والقلب ‪ ،‬عندما تتحقّق النبوءة بشكل مغاير لتلك التفسيرات ‪.‬‬
‫ربميا يُصي ّر الكثيير مين الواقعيون على أن الواقيع يُناقيض مميا يطرحيه هذا الكتاب ‪ ،‬غيير أن هذا الواقيع سييتغير‬
‫بالتدريج ‪ ،‬أو بين عشية وضحاها ليتوافق مع أمر ال ‪ ،‬وإن لم يتوافق فأمر ال فوق الواقع وكثيرا ما يأتي بغتة ‪،‬‬
‫وبالرغيم من ذلك أعتقيد بأن كثيير مين المتغيرات على المسيتوى القليميي والعالميي ‪ ،‬ستلوح فيي الفيق قبيل مجييء‬
‫أمر ال وسيلحظها كل ذي بصيرة ‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫وكل شيء فصّلناه تفصيل‬
‫قال تعالى ( إِنّ هَذَا ا ْلقُرْآنَب َيقُصّب علَى بَنِي إِسْبرَائِيلَ أَكْثَرَ الّذِي هُمْب فِيهِب َيخْتَ ِلفُونَب (‪ 76‬النميل ) ‪ ،‬تؤكيد هذه اليية‬
‫الكريمة أن هذا القرآن فضل عن مخاطبته لكافة البشر ‪ ،‬جاء ليق صّ على بني إسرائيل أي ليُخاطبهم ويوضّح لهم‬
‫بشكل خاص ‪ ،‬كثيرا مما اختلفوا فيه من أمور الدين والدنيا والخرة ‪ .‬فهو يحكي تاريخهيم ويعرض مواقفهم من‬
‫أنيبيائهم ‪ ،‬ومشاهيد مين كفرهيم وعصييانهم وعدوانهيم ‪ ،‬والعذابات التيي أنزلهيا ال بهيم ‪ ،‬ويكشيف طبائعهيم ويفضيح‬
‫سرائرهم ويُفنّد أقوالهم ‪ ،‬ويُحذّرهم ويُحذّر منهم ‪ ،‬ويُبيّن لهم حقيقة ما جاء به رسلهم وأنبيائهم من وحي ‪ ،‬بعد أن‬
‫طمسته وشوّهت معالمه أقلم أحبارهم ‪.‬‬
‫ل شيّي مميا سيبق هذا‬ ‫ويقول سيبحانه فيي اليية (‪ )12‬مين سيورة السيراء ( َوكُ ّل شَيْءٍ فَصّبلْنَاهُ َتفْصبِيلً ) أي أن ك ّ‬
‫القول من آيات ‪ ،‬ق ّد بيّنه سبحانه بيانا واضحا ل لُبس فيه ‪ .‬وهذا القول البليغ عندما تقرأه مرارا وتكرارا ‪ ،‬تجد أن‬
‫له وقعيا خاصيا فيي نفسيك ‪ ،‬واليات التيي تسيبق هذا القول ‪ ،‬تخبرنيا عين أمير يتعلق ببنيي إسيرائيل ‪ ،‬مين حييث‬
‫إفسيادهم وعلوهيم وعقابهيم ‪ .‬وقيد جاء هذا القول ( بالفعيل ومفعوله المطلق للمبالغية فيي التأكييد ) مرة واحدة فيي‬
‫القرآن في هذا الموضع بالذات ‪ ،‬تعقيبا على ما مجمل ما جاء قبله من آيات ‪ ،‬ولم يأ تِ عامّا كما في قوله تعالى (‬
‫عرَبِيّاب ِل َقوْمٍب َيعْ َلمُونَب (‪ 3‬فصيلت ) ‪ ،‬أو فيي قوله تعالى ( وَ َلقَدْ جِئْنَاهُمْب ِبكِتَابٍب فَصّبلْنَاهُ‬
‫كِتَابٌب فُصّبلَتْ ءَايَاتُهُب قُ ْرءَانًا َ‬
‫ح َمةً ِل َقوْمٍ ُي ْؤمِنُونَ (‪ 52‬العراف ) ‪.‬‬ ‫عَلَى عِ ْلمٍ هُدًى وَ َر ْ‬
‫وإن دلّ هذا على شيييء ‪ ،‬فإنمييا يدّل على أن مييا تتحدّث عنييه هذه اليات أميير غاييية فييي الهمييية ‪ ،‬ولذلك فص يّله‬
‫سيبحانه تفصييل وأبانيه بيانيا ل يختمره شكّي أو تقوّل ‪ ،‬وأن هذا التفصييل جاء لعِظيم هذا المير وأن معرفتيه بكيل‬
‫دقائقيه وتفاصييله ‪ ،‬ل بيد إل أن يكون فييه الكثيير مين النفيع والفائدة لمين يُخاطبهيم القرآن ‪ ،‬وميا كان بيانيه وتفصييله‬
‫عبثييا ‪ .‬ومييا كان هذا الفصييل إل للتعريييف بهذه الدقائق والتفاصيييل ‪ ،‬ومييا جاء هذا الكتاب إل لتعميييم الفائدة على‬
‫الناس ‪ ،‬وال من وراء القصد ‪.‬‬
‫لو أمعنت النظر في مجمل سورة السراء ‪ ،‬لوجدت أنها تناوبت ما بين أسلوبي الخبار والمخاطبة ‪ ،‬ولو أمعنت‬
‫النظر في مقدمة السورة ‪ ،‬ستجد أنها جاءت إخبارية ومُخاطِبة للمسلمين بصفة عامّة ‪ ،‬وإخبارية ومُخاطِبة لبني‬
‫إسرائيل بصفة خاصّة ‪.‬‬
‫والسؤال الول ‪ :‬لماذا أُعيد نص النبوءة بأسلوب المخاطبة لبني إسرائيل في عصر أمة السلم ؟‬
‫مقدمية السيورة ( اليات ‪ ) 3-1‬جاءت كتمهييد ‪ ،‬فهيي تذكير المسيجد القصيى وتيبين قدسييّته عنيد ال وبالتالي عنيد‬
‫المسلمين ‪ ،‬وتذكُر كتاب موسى عليه السلم ‪ ،‬وتذّكر بني إسرائيل بما جاء فيه ‪ ،‬وبالذات عدم الشرك بال واتّخاذ‬
‫وكلء مين دونيه ‪ ،‬ويمنّي الّ عليهيم ويذكرهيم بنجاة أسيلفهم مين الطوفان ‪ ،‬وبنفيس الوقيت يحذّرهيم مين الهلك مين‬
‫خلل ذكر نوح عليه السلم ‪ ،‬وأنّه ما كان لنوح ومن معه النجاة ‪ ،‬لول إقراره بالعبودية ل ( عبداً ) أولً ‪ ،‬وقيامه‬
‫بالعبادة ل ( وشكوراً ثانياً ) ‪.‬‬
‫السؤال الثاني ‪ :‬لماذا التمهيد وبهذا الشكل المرعب لبني إسرائيل ؟‬
‫هناك قول بأن كلتيا المرتيين وقعتيا قبيل السيلم ‪ ،‬فلو كان هذا المير صيحيحا لتوجيب أن يكون نيص النبوءة كامل‬
‫بأسيلوب الخبار ‪ ،‬ولميا كان هناك داعيي لوجوده أصل ‪ ،‬فقد أخبرنيا سيبحانه فيي مواضيع أخرى فيي القرآن ‪ ،‬بأنه‬
‫غضيب عليهيم ولعنهيم وضرب عليهيم الذلة والمسيكنة ‪ ،‬وتوعدهيم بأن يبعيث عليهيم مين يسيومهم سيوء العذاب إلى‬
‫يوم القيامة ‪ ،‬وقطّعهم في الرض أمما ‪.‬‬
‫السؤال الثالث ‪ :‬ما هو المر الذي خرج عن كل ما تقدّم ‪ ،‬فأراد سبحانه لفت أنظارنا إليه مبينا أهميته ومنبها إليها‬
‫؟‬
‫وبميا أن المرتيين متشابهتيين تماميا ‪ ،‬فلو فرضنيا جدل أن القول السيابق صيحيح ‪ ،‬لكان مين الحرى أن يأتيي النيص‬
‫في الحديث عن المرتين مجمل ‪ ،‬على سبيل المثال على النحو التالي ( … لتفسدن … مرتين ولتعلن علوا كبيرا‬

‫‪25‬‬
‫… فإذا جاء وعيد كيل منهميا ‪ ،‬بعثنيا عليكيم عبادا لنيا أولي بأس شدييد … فأسياءوا وجوهكيم ودخلوا المسيجد …‬
‫وكان كلّ من الوعدين مفعول … وتبّروا ما علوا تتبيرا ) ‪.‬‬
‫السؤال الرابع ‪ :‬لماذا فَصَلت و َفصّلت اليات كلّ مرة على حدة ؟‬
‫أجملت الييية الرابعيية ثلثيية شروط ميين شروط المرتييين ‪ ،‬وهييي الرض ( المقدّسيية ) والعلو والفسيياد ‪ ،‬والييية‬
‫الخامسة أفردت وأوجزت الحديث عن الوعيد ( العقاب ) الول ‪ ،‬فذكرت البعيث والجوس وصيفة العباد ‪ ،‬وجاءت‬
‫الفعال كلهييا بصيييغة الماضيي ‪ .‬والييية السيادسة فصيّلت مظاهيير العلو الثانييي ‪ ،‬ميين لحظية النشوء حتييى اكتمال‬
‫مقوماته ‪ ،‬من حييث القدرة العسكرية والبشريية والقتصيادية ‪ ،‬وجاءت الفعال كلها بصييغة الماضيي ‪ ،‬ميع حملهيا‬
‫لصفة الستقبال ‪.‬‬
‫السييؤال الخامييس ‪ :‬لماذا جاءت أفعال وعييد الولى بصيييغة الماضييي ‪ ،‬ولماذا جاءت أفعال وعييد الخرة بصيييغة‬
‫الستقبال ؟‬
‫السيؤال السيادس ‪ :‬لماذا جاء التخييير ميا بيين الحسيان أو السياءة ‪ ،‬بعيد اكتمال مظاهير العلو الثانيي وقبيل الحدييث‬
‫عن عقاب وعد الخرة ‪ ،‬ولم يأتِ عند الحديث عن وعد الولى ؟‬
‫السؤال السابع ‪ :‬لماذا أُخرجت كيفية مجيئهم ‪ ،‬عند مجيء وعد الخرة من نص النبوءة ‪ ،‬ولماذا أُفردت في نهاية‬
‫السورة ؟‬
‫السيؤال الثامين ‪ :‬لماذا أُعييد ذكير بنيي إسيرائيل وقصيّتهم ميع فرعون فيي نهايية السيورة ‪ ،‬وذكير وعيد الخرة مرة‬
‫أخرى في اليات ( ‪ ) 104 – 101‬؟‬

‫حوْلَ ُه لِنُرِيَ ُه مِ نْ آيَاتِنَا‬


‫ن ا ْلمَ سْجِ ِد ا ْلحَرَا مِ إِلَى ا ْلمَ سْجِ ِد الْأَقْ صَى الّذِي بَا َركْنَا َ‬
‫( سُ ْبحَانَ الّذِي أَ سْرَى ِبعَبْدِ هِ لَيْلًا مِ ْ‬
‫سمِيعُ الْبَصِيرُ ( ‪)1‬‬
‫إِنّه ُه َو ال ّ‬
‫تُشيير هذه اليية بذكير المسيجد الحرام ‪ ،‬إلى نقطية البدايية لنتشار رسيالة السيلم ‪ ،‬التيي أنعيم ال وأكرم بهيا نيبيه ‪،‬‬
‫محميد علييه الصيلة والسيلم ‪ .‬وبذكير المسيجد القصيى تُشيير مين طرف خفيي إلى ميا ورد فيي الحدييث الصيحيح ‪،‬‬
‫إلى أن مسك الختام لهذه الرسالة آخر الزمان ‪ ،‬سيكون بنزول الخلفة الراشدة وأميرها المهدي في بيت المقدس ‪،‬‬
‫بإذن ال ‪ .‬وهذا ممييا يوحييي بأن قيام دولة إسييرائيل هييو أحييد أشراط السيياعة ‪ ،‬وأن نهايتهييا علميية لقرب ظهور‬
‫المهدي ونزول الخلفية فيهيا ‪ ،‬وال أعلم ‪ .‬وأهيم ميا جاءت بيه اليية هيو تعرييف المسيجد بوصيفه بالقصيى أي‬
‫البعد ‪ ،‬وبالذي باركنا حوله وهو المسجد الذي سيكون موضوع ما يلي هذه الية من آيات ‪.‬‬

‫ن دُونِي َوكِيلًا ( ‪)2‬‬


‫ب َوجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي ِإسْرَائِيلَ أَلّا تَ ّتخِذُوا مِ ْ‬
‫( وَآتيْنَا مُوسَى الْكِتَا َ‬
‫فيي هذه اليية ‪ ،‬يحذّر ال بنيي إسيرائيل ‪ ،‬مين التّكال على غيره ( لَ يَ ّتخِذْ ا ْل ُم ْؤمِنُونبَ ا ْلكَا ِفرِينَب َأوْلِيَا َء مِنْب دُونِب‬
‫ا ْل ُم ْؤمِنِينَب ‪ ..‬وَ ُيحَذّ ُركُمْب الُّ َنفْسَبهُ (‪ 28‬آل عمران ) ويختيم سيبحانه السيورة ‪ ،‬بقوله ( ‪ ..‬وَلَمْب َيكُنْب لَهُب وَلِيّ مِنْب ال ّذلّ‬
‫‪ ) ..‬أي لم يتخيييذ له حليفيييا لضعيييف أو لذلّة ‪ ،‬وهذا تعرييييض بالعلو الحالي لبنيييي إسيييرائيل ‪ ،‬حييييث كانوا أذلّء‬
‫مضطهدين وبموالة الغرب أصبحوا سادة ‪.‬‬
‫ويذكّرهيم فيهيا بميا أنزله عليهيم مين الهدى ليكون لهيم نورا يهتدون بيه ‪ ،‬ومين ضمنيه هذه النبوءة التيي أعادهيا إلى‬
‫أذهانهيم مخاطبيا إياهيم بمضمونهيا ‪ ،‬وكميا وردت فيي الكتاب الذي أُنزل على موسيى علييه السيلم ‪ ،‬ويحذّرهيم مين‬
‫ن على حدّ سواء ‪.‬‬
‫اتّخاذ أولياء من دونه من النس والج ّ‬
‫فاختاروا الولء لغيير ال ‪ ،‬وحقّقوا مآربهيم منيذ البدايية بالفسياد والفسياد ‪ ،‬بميا خطّطوا له بمكرهيم ودهائهيم ونفذّه‬
‫غيرهيم ‪ ،‬مين فتين وحروب سيبقت وهيّأت الظروف وتسيبّبت فيي قيام دولتهيم فيي فلسيطين ‪ .‬ولميا تمكنوا اسيتعلوا‬
‫واستكبروا فيها واستمروا بالفساد والفساد وساموا أهلها سوء العذاب ‪ ،‬فاستحقّوا غضب ال واستوجبوا العقاب ‪،‬‬
‫فتوافق أمرهم مع ذهب إليه النص القرآني ‪ ،‬بذِكر إفسادهم في الرض بمجملها أول ‪ ،‬ومن ثم جاء ذِكر علوهم‬
‫عُلوّا كَبِيرًا ) ‪.‬‬
‫ض َمرّتَيْنِ وَلَ َتعْلُنّ ُ‬
‫الكبير الذي نشهده هذه اليام في قوله تعالى ( لَ ُت ْفسِدُنّ فِي الَْرْ ِ‬
‫‪26‬‬
‫ن عَبْدًا شَكُورًا ( ‪)3‬‬
‫حمَلْنَا مَ َع نُوحٍ إِ ّنهُ كَا َ‬
‫( ذُرّ ّي َة مَنْ َ‬
‫يقول ابين كثيير ‪ " :‬تقديره ييا ذريّة مين حملنيا ميع نوح ‪ ،‬فييه تهيييج وتنيبيه على المنية " وهذا النداء موجّه لبنيي‬
‫إسيرائيل ‪ ،‬وبالضافية لميا قاله ابين كثيير ‪ ،‬نلميس تهديدا وتحذيرا خفييا لبنيي إسيرائيل ‪ ،‬مين وراء ذكير نوح علييه‬
‫السيلم ‪ ،‬فعادة ميا كان سيبحانه وتعالى ‪ ،‬يمنّي عليهيم بتذكيرهيم بنعمية النجاة مين فرعون وقوميه ( َوإِذْ فَ َرقْنَا بِكمْب‬
‫عوْنَب َوأَنْتُمْب تَنظُرُونَب (‪ 50‬البقرة ) إل فيي هذا الموضيع ‪ ،‬وهيي المرة الوحيدة فيي‬ ‫الْ َبحْرَ فَأَ ْنجَيْنَاكُمْب َوأَغْ َرقْنَا آلَ فِرْ َ‬
‫القرآن التي يمنّ عليهم فيها ‪ ،‬بأنهم سللة من حمل مع نوح عليه السلم ‪ ،‬أي من الذين أنجاهم ال من الطوفان ‪،‬‬
‫حثيا لهيم على اليمان بيه والعبادة والشكير له كميا كان يفعيل نوح والذيين حملهيم معيه ‪ ،‬وأنّي فِعيل هؤلء هيو الذي‬
‫ل بقوم نوح ‪ .‬و ِذ ْكرُ نوح فييي هذا الموضييع وتكرار‬ ‫ل بهييم مييا ح ّ‬ ‫أنجاهييم ميين الهلك ‪ ،‬فإن لم يفعلوا كمييا فعلوا ح ّ‬
‫ح َو َكفَى بِرَبّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِ ِه خَبِيرًا بَصِيرًا )‬
‫ن مِنْ َبعْدِ نُو ٍ‬
‫ذكره ‪ ،‬في الية (‪ 17‬السراء ) ( َوكَ ْم أَهْ َلكْنَا مِنْ ا ْلقُرُو ِ‬
‫دفعني إلى إلقاء نظرة على سورة نوح ‪.‬‬
‫جلَ الِّ إِذَا جَا َء لَ ُي َؤخّرُ ‪)4( ...‬‬ ‫ومنهيا قوله تعالى ( ‪ ...‬أَنْب أَنذِرْ َق ْومَكَب مِنْب قَ ْبلِ أَنْب يَأْتِ َيهُمْب عَذَابٌب أَلِيمٌب (‪ ... )1‬إِنّ َأ َ‬
‫شوْا ثِيَا َبهُمبْب َوأَصببَرّوا وَاسببْتَكْبَرُوا‬‫جعَلُوا أَص بَا ِبعَ ُهمْ فِبي آذَا ِنهِمبْب وَاسببْتَ ْغ َ‬ ‫‪ ...‬فَلَم بْ يَزِ ْدهُم بْ دُعَائِي ِإلّ فِرَارًا (‪َ … )6‬‬
‫ن لِّ وَقَارًا (‬ ‫ج َعلْ َلكُ مْ أَ ْنهَارًا (‪ )12‬مَا َلكُ مْ لَ تَ ْرجُو َ‬ ‫ت وَ َي ْ‬
‫ج َعلْ َلكُ ْم جَنّا ٍ‬
‫ن وَ َي ْ‬
‫ا سْ ِتكْبَارًا (‪ … )7‬وَ ُيمْدِ ْدكُ مْ بِ َأ ْموَا ٍل وَبَنِي َ‬
‫صوْنِي وَاتّ َبعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْ ُه مَالُهُ َووَلَدُ ُه ِإلّ خَسَارًا (‪َ )21‬و َمكَرُوا َمكْرًا كُبّارًا (‪.. )22‬‬ ‫‪ … )13‬قَالَ نُوحٌ َربّ إِ ّنهُمْ عَ َ‬
‫وَقَ ْد أَضَلّوا كَثِيرًا ‪ … )24( ...‬رَبّ لَ تَذَرْ عَلَى الَْرْضِب مِنْب ا ْلكَا ِفرِينَب دَيّارًا (‪َ ... )26‬ولَ تَزِ ْد الظّا ِلمِينَب ِإلّ تَبَارًا (‬
‫‪ 28‬نوح )‬
‫اقرأ هذه اليات وتفكّر وتدبّر ( ‪ ..‬أول إنذار ‪ ..‬ول تأخيير ‪ ..‬فرار ‪ ..‬إصيرار واسيتكبار ‪ ..‬إمداد بأموال وأولد ‪..‬‬
‫وجنات وأنهار ‪ ..‬اسييتهزاء وسييخرية ‪ ..‬عصيييان ‪ ..‬عبادة القوة والمال ‪ ..‬المكيير الكييبير ‪ ..‬الضلل ‪ ..‬الكفيير ‪..‬‬
‫وأخيرا تبار ‪) ..‬‬
‫وهذا هيو حال بنيي إسيرائيل ‪ ..‬وهذا هيو الفسياد فيي الرض ‪ ..‬ور ّد ال علييه أوله إنذار ‪ ..‬فإن كان هناك اسيتكبار‬
‫ضلّ عَلَيْهَا ‪َ ،‬ولَ‬
‫ضلّ فَإِنّمَا يَ ِ‬
‫وإصيرار ‪ ..‬كان هناك تبار ‪ .‬يقول سيبحانه ( مَنْب اهْتَدَى َفإِنّمَا َيهْتَدِي لِ َنفْسِبهِ ‪َ ،‬ومَنْب َ‬
‫ن حَتّى نَ ْبعَثَ َرسُولً (‪ 15‬السراء ) ‪.‬‬ ‫تَ ِز ُر وَازِرَ ٌة وِ ْز َر أُخْرَى ‪َ ،‬ومَا كُنّا ُمعَذّبِي َ‬
‫والرسول قد بُعث منذ ألف وأربعمائة وإحدى وثلثون عاما ‪ ،‬وقد أتاهم بالنذار في كتاب ربه ( وصحيفة النذار‬
‫) الموجهيية لتلك الفاعييي فييي الجحيير البيييض ‪ ،‬وتلك الفئران المسييتأسدة فييي قدس القداس هييي ( سببورة بنببي‬
‫إسرائيل ) ومن أول حرف فيها وحتى آخر حرف ‪ ،‬حيث قال فيها ( َوإِذَا أَرَدْنَا أَ نْ ُنهْلِ كَ َقرْ َيةً َأمَرْنَا مُتْ َرفِيهَا ‪) ..‬‬
‫سقُوا فِيهَا ‪ ) ..‬فاغتالوا‬ ‫وقد ساد دولة الكفر ويسودها ‪ ،‬قطاع الطرق واللصوص والقتلة وأسافل مجرميها ( ‪َ ..‬ففَ َ‬
‫أصيالتها وقدسييّة أرضهيا ‪ ،‬ووقار شيخوختهيا وسيكينة عبّادهيا ‪ ،‬وحياء حرائرهيا وأحلم طفولتهيا ‪ ،‬وحتيى طهارة‬
‫مساجدها ( ‪َ ..‬فحَقّ عَلَ ْيهَا ا ْل َق ْولُ ‪ ) ..‬وهذا هو ( قول ) رب العزة ( … لِيَ سُوءُوا ُوجُو َهكُ مْ … ) وهذا هو ( فعله‬
‫وكَفَى ِبرَبّكَب بِذُنُوبِب عِبَادِهِب خَبِيرًا بَصبِيرًا (‪17‬‬ ‫) ( ‪ ..‬فَ َدمّرْنَاهَا تَ ْدمِيرًا (‪ 16‬السيراء ) وهذا هيو ( تعقيببه ) ( … َ‬
‫حمْدُ لِّ الّذِي لَ مْ يَ ّتخِ ْذ وَلَدًا ‪ ،‬وَلَ مْ َيكُ نْ لَ ُه شَرِي كٌ فِي ا ْلمُلْ كِ ‪ ،‬وَلَ مْ َيكُ نْ لَ هُ‬
‫السراء ) وهذه هي ( خاتمته ) ( وَ ُقلْ ا ْل َ‬
‫ي مِنْ ال ّذلّ ‪َ ،‬وكَبّرْهُ َتكْبِيرًا ( ‪ 111‬السراء ) ‪.‬‬
‫وَلِ ّ‬
‫اقتصرت مقدمة السورة على ثلث آيات فقط ‪ ،‬حملت من المعاني ما يشحذ الفكر والوجدان ‪ ،‬ويعمل على تهييج‬
‫العقيل وتنيبيهه مين غفلتيه ‪ ،‬لسيتقبال واسيتيعاب ميا سييأتي مين عرض ‪ ،‬لنبوءة سيتغير مجرى التارييخ فيي يوم أو‬
‫بضعية أيام ‪ .‬وهذه النبوءة تعنيي كيل من سيمع برسيالت السيماء وتمسيّهم فيي صيميم معتقداتهيم ‪ ،‬وأكثرهيم تأثّرا هيم‬
‫أصيييحاب الديانات الثلث ‪ ،‬والذي يمتلك كيييل منهيييم مخزونيييا عقائدييييا ‪ ،‬فيميييا يخصييّ عودة اليهود إلى الرض‬
‫المقدسة ‪ ،‬يلتقي مع أحدها ويتعارض مع الخر في التفاصيل والحداث ‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫ن عُُلوّا كَبِيرًا ( ‪)4‬‬
‫ن وَلَ َتعْلُ ّ‬
‫ض مَرّتَيْ ِ‬
‫( وَقضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي ا ْلكِتَـابِ ‪ ،‬لَ ُت ْفسِدُنّ فِي الْأَرْ ِ‬

‫ضيْنَا إِلَى َبنِي إسْرائِيلَ فِي ا ْل ِكتَـابِ ‪:‬‬


‫وَق َ‬
‫ورد جذر الفعل قضى في القرآن (‪ )63‬مرة ‪ ،‬ومشتقات هذا الفعل حملت عدة معاني ‪ ،‬وعادة ما يأتي هذا الفعل ‪،‬‬
‫سكَ ُكمْ (‪ 200‬البقرة‬ ‫ليفيد تمام العمل الوارد نصا في السياق أو المفهوم ضمنا ‪ ،‬كما في قوله تعالى ( فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَا ِ‬
‫) بمعنيى أنجزتيم مناسيككم وانتهيتيم منهيا ‪ ،‬وقوله تعالى فيي شأن لوط وقوميه ( وَقَضَيْنَا إِلَيْهِب ذَلِكَب ا َلْمْرَ ‪ ،‬أَنّ دَابِرَ‬
‫َه ُؤلَ ِء َم ْقطُو عٌ مُ صْ ِبحِينَ (‪ 66‬الحجر ) أي أخبرناه بالمر على وجه النتهاء منه ‪ ،‬إذ ل رجعة عنه فل نقاش ول‬
‫جلْ بِا ْلقُ ْرءَانِب ‪ ،‬مِنْب قَ ْبلِ أَنْب ُيقْضَى إِلَيْكَب َوحْيُهُب (‪ 114‬طيه ) ‪ ،‬أي مين قبيل أن تُخيبر بوحييه على‬
‫جدال فييه ( َولَ َت ْع َ‬
‫وجه التمام ‪.‬‬
‫وقوله تعالى ( وَقضَيْنَا إِلَى بَنِي إسبْرائِيلَ فِي ا ْلكِتَابِب ) أي أنّا كنّا قيد أخبرنيا بنيي إسيرائيل فيي كتابهيم ‪ -‬أي أن‬
‫مضمون هذا الخيبر موجود فيي كتابهيم نصيا حتيى هذه اللحظية ‪ -‬بميا سييأتي تفصييله فيميا يلي مين شأن إفسيادهم‬
‫وعلوهيم فيي الرض ‪ ،‬والخطاب فيي هذه العبارة موجّه فيي الحقيقية لمين هيم مين غيير بنيي إسيرائيل ‪ ،‬ممين لييس‬
‫لديهيم علم أو اطلع على هذا المير ‪ ،‬وميا كان ال ليُخيبر عنيه إل لعظييم شأن ‪ ،‬وذلك مين سيابق علم علم الغيوب‬
‫بما سيكون منهم مستقبل ‪ ،‬وليس ما قضاه عليهم بمعنى المر أو الحكم ‪ ،‬فحاشا ل أن يأمر بالفساد في الرض‬
‫أو أن يقضي به ‪.‬‬
‫والكتاب المقصيود هنيا هيو كتاب موسيى علييه السيلم ‪ ،‬المنصيوص علييه فيي اليية الثانيية أعله ولييس التوراة ‪،‬‬
‫فكتاب موسيى شييء والتوراة شييء آخير ‪ .‬والذي قادنيي إلى معرفية تلك الحقيقية هيو تسياؤلي أول ‪ :‬عين سيبب عدم‬
‫ذكر التوراة بدل من الكتاب ‪ ،‬وثانيا ‪ :‬رغبتي بالطلع على نص النبوءة في التوراة نفسها فيما لو وجد ‪ .‬وبعد أن‬
‫اسيتخرجت كافية اليات القرآنيية التيي ذُكير فيهيا موسيى والتيي ذُكرت فيهيا التوراة ‪ ،‬تيبين لي أن ذكير التوراة لم‬
‫يرتبيط بذكير موسيى على الطلق ‪ ،‬وعدم الربيط بينهميا ل بيد له مين سيبب ‪ ،‬وبيان ذلك والنيص التوراتيي للنبوءة‬
‫في الترجمات العربية للتوراة اللتينية ‪ ،‬سيأتي في فصل قادم إن شاء ال ‪.‬‬
‫سدُنّ فِي ا ْلَأرْضِ َم ّر َتيْنِ وََل َتعْلُنّ عُلُوّا َكبِيرًا ‪:‬‬
‫َلتُ ْف ِ‬
‫هنا حصل التفات من الحديث عن الغائب وهم بني إسرائيل ككل ‪ ،‬في قوله تعالى ( وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي‬
‫ا ْلكِتَبببابِ ) إلى الحدييث إلى الحاضير المُخاطَب وهيم بنيي إسيرائيل ( المعاصيرين ) لرسيالة السيلم ‪ ،‬وذلك بسيرد‬
‫النبوءة بنفيس السيلوب والعبارات التيي أنزلت عليهيم فيي كتابهيم ‪ ،‬وكميا خوطيب بهيا أسيلفهم قديميا قبيل ‪ 3‬آلف‬
‫زمين موسيى علييه السيلم ‪ .‬فجاءت نصيوصها مخاطبية لبنيي إسيرائيل ولكين بألفاظ عربيية جزلة موجزة ‪ ،‬كميا‬
‫وأضيف إليها تعقيبات لتبين وتؤكد بعض ما تحقّق منهيا ‪ ،‬قبل إنزالها فيي سورة السراء مرة أخرى على محميد‬
‫ن ‪ ...‬وَلَ َتعْلُنّ ‪. ) ...‬‬
‫عليه الصلة والسلم ‪ .‬فبدأت بقوله تعالى ( لَ ُت ْفسِدُ ّ‬
‫فيي هذا الموضيع َقرَنَي سيبحانه ميا بيين الفسياد والعلو فيي المرتيين فيي قوله ( لَ ُتفْسِبدُنّ فِي الَْرْضِب مَرّتَيْنِب وَلَ َتعْلُنّ‬
‫عُُلوّا كَبِيرًا (‪ 4‬السيراء ) ولم يوضيح التفاصييل ‪ ،‬ولتكون لدينيا القدرة على معرفية شكيل هذا الفسياد وهذا العلو ‪،‬‬
‫دعنا نمعن النظر في اليات التالية ‪ ،‬حيث اقترن فيها المرين معيا في مواضع أخرى من القران الكريم ‪ ،‬كقوله‬
‫جحَدُوا ِبهَا وَاسْبتَيْقَنَ ْتهَا‬
‫عوْنَب عَلَ فِي الَْرْضِب … إِنّهُب كَانَب مِنْب ا ْل ُمفْسِبدِينَ (‪ 4‬القصيص ) وقوله ( َو َ‬
‫تعالى ( إِنّ فِ ْر َ‬
‫أَنْفُسُبهُ ْم ظُلْمًا وَعُُلوّا فَانظُ ْر كَيْفَب كَانَب عَاقِ َبةُ ا ْل ُمفْسِبدِينَ (‪ 14‬النميل حييث جاءت هذه اليية ‪ ،‬تعقيبيا على فرعون‬
‫وقومه لما علو وأفسدوا وجحدوا بآيات ال ‪ ،‬فكان جزاءهم الهلك غرقا ‪.‬‬
‫عُلوّا فِي الَْرْضِب َولَ فَسبَادًا وَا ْلعَاقِ َبةُ لِ ْلمُ ّتقِينَب (‪ 83‬القصيص )‬ ‫جعَُلهَا لِلّذِينَب لَ ُيرِيدُونَب ُ‬ ‫لخِرَةُ َن ْ‬
‫وقوله ( تِلْكَب الدّارُ ا ْ‬
‫توضيح هذه اليية بأنّي جزاء مين لم يُرد العلو والفسياد ‪ ،‬سيواء كان قادرا على ذلك أم لم يكين ‪ ،‬هيو أن يكون لهيم‬
‫ل بيه وبكنوزه ‪،‬‬ ‫حسين ثواب الدنييا والخرة ‪ ،‬والعاقبية للمتقيين بإذن ال ‪ ،‬وذلك تعقيبيا على قارون وصينيعه وميا ح ّ‬
‫حييث قال تعالى فيميا آتاه مين المال والقوة ( وَآتَيْنَاهُب مِنْب ا ْلكُنُو ِز مَا إِنّ َمفَا ِتحَهُب لَتَنُوءُ بِا ْلعُصْب َبةِ أُولِي ا ْل ُقوّةِ (‪)76‬‬
‫ن القُرُو نِ‬
‫ك مِ نْ قَبْلِ ِه مِ ْ‬
‫فجحد نعم ال ونسبها إلى نفسه ( قَا َل إِ ّنمَا أُوتِيتُ هُ عَلَى عِلْ مٍ عِندِي َأوَلَ مْ َيعْلَ مْ أَنّ الَّ قَ ْد أَهْلَ َ‬

‫‪28‬‬
‫سفْنَا بِ هِ‬
‫ج ْمعًا (‪ )78‬فعل واستكبر ( َفخَرَ جَ عَلَى َق ْومِ هِ فِي زِينَتِ هِ (‪ )79‬فأهلكه ال ( َفخَ َ‬
‫مَ نْ ُه َو َأشَ ّد مِنْ هُ ُقوّ ًة َوأَكْثَ ُر َ‬
‫وَبِدَارِ ِه الَْرْضَ (‪ 81‬القصص ) ليجعله عبرة لغيره ‪.‬‬
‫والملفييت للنظيير أن اقتران العلو بالفسيياد ‪ ،‬جاء فييي أربييع آيات فقييط ميين مجمييل القرآن وكلهييا ذات علقيية ببنييي‬
‫إسرائيل ‪ ،‬وقد تقدم ذكرها أعله ‪.‬‬
‫والقرآن كما نعلم أُنزل للناس كافة ‪ ،‬منذ اليوم الول لبعثة نبينا عليه أفضل الصلة وأتم التسليم ‪ ،‬وحتى يرث ال‬
‫الرض ومن عليها ‪ ،‬ومن ضمن هؤلء بني إسرائيل الذيين عاصيروا هذه الرسيالة وهذا القرآن ‪ ،‬وقيد ذكّرهيم ال‬
‫وميا زال ُيذّكرهيم فيي معجزتيه الخالييدة بمييا حصيل لفرعون وقارون ‪ ،‬وهيم أشدّ الناس قربيا لهيم لميا علوا وأفسيدوا‬
‫ن ِإلّ سُ ّنةَ ا َلْوّلِينَ‬ ‫في الرض ‪ ،‬وأنّهم إن أصرّوا على الفساد في الرض مضت فيهم سنة الولين ( َف َهلْ يَ ْنظُرُو َ‬
‫حوِيلً (‪ 43‬فاطير ) وقال فيي سيورة السيراء ( سُبّنةَ مَنْب قَ ْد َأرْسَبلْنَا‬ ‫ل وَلَنْب َتجِدَ لِسُبّن ِة الِّ ت ْ‬ ‫فَلَنْب َتجِدَ لِسُبّن ِة الِّ تَبْدِي ً‬
‫ن ل مناص‬ ‫حوِيلً (‪ )77‬لينالهم ما نال سابقيهم من العذاب في الدنيا والخرة ‪ ،‬وأ ّ‬ ‫ك مِنْ رُسُلِنَا َولَ َتجِدُ لِسُنّتِنَا َت ْ‬ ‫قَبْلَ َ‬
‫لهم للنجاة من سخطه وغضبة ‪ ،‬إلّ بالعودة إليه والنابة له ولكن هيهات لمن قيل في أسلفهم ( ُثمّ قَ سَتْ قُلُو ُبكُ مْ‬
‫عمّا َت ْعمَلُونَ (‪ 74‬البقرة ) ‪.‬‬
‫سوَةً … َومَا الُّ ِبغَا ِفلٍ َ‬ ‫حجَارَ ِة َأ ْو َأشَدّ َق ْ‬‫ي كَا ْل ِ‬
‫مِنْ َبعْدِ َذلِكَ َفهِ َ‬
‫عل ّو بنيي إسيرائيل فيي المرة الولى ‪ ،‬لم تتضيح تفاصييله فيي سيورة السيراء ‪ ،‬لكنهيا جليّة واضحية فيي مواضيع‬
‫أخرى مين القران ‪ ،‬وسييأتي الحدييث عنهيا فيي حينيه ‪ ،‬أميا ميا نحين بصيدده الن هيو توضييح مفهوم العلوّ ‪ ،‬ولدينيا‬
‫ن العلوّ المقصود هنا هو علوّهم كأمّة وليس كأفراد ‪ ،‬فالخيار‬ ‫مثالين هما فرعون وقومه وقارون وكنوزه ‪ ،‬وبما أ ّ‬
‫يقيع على علوّ فرعون وقوميه ‪ ،‬وهذه آيات تعرضيت لبعيض مين مظاهير هذا العلو ومقوماتيه ‪ ،‬قال تعالى ( وَنَادَى‬
‫عوْنُب فِي َق ْومِهِب قَالَ يَا َقوْمِب أَلَيْسَب لِي مُلْكُب مِصْب َر وَهَذِهِب الَْ ْنهَارُ َتجْرِي مِنْب َتحْتِي أَفَلَ تُبْصِبرُونَ (‪ 51‬الزخرف )‬ ‫فِ ْر َ‬
‫وقال على لسان مؤمن آل فرعون ( يَا َقوْمِ َلكُمْ ا ْلمُلْ كُ الْ َيوْ َم ظَا ِهرِي نَ فِي الَْ ْرضِ (‪ 29‬غافر ) وقال ( وَقَالَ مُوسَى‬
‫عوْنَب َومَلََهُب زِي َن ًة َوأَ ْموَالً فِي ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا (‪ 88‬يونيس ) وقال ( وَاتْرُكْب الْ َبحْرَ َر ْهوًا إِ ّنهُمْب جُندٌ‬
‫رَبّنَا إِنّكَب آتَيْتَب ِفرْ َ‬
‫و َمقَام بٍ كَرِيم بٍ (‪ )26‬وَ َن ْع َمةٍ كَانُوا فِيهَا فَا ِكهِين بَ (‪27‬‬
‫ُمغْرَقُون بَ (‪)24‬كَم بْ تَ َركُوا مِن بْ جَنّات ٍب وَعُيُون بٍ (‪ )25‬وَ ُزرُوع ٍب َ‬
‫الدخان ) وبالقليل من التدبر في اليات السابقة ‪.‬‬
‫نجيد أنّي مقومات علو فرعون ومله ‪ ،‬وهيم عليية القوم ‪ ،‬ويمثلهيم فيي زماننيا ‪ ،‬رجال الحكيم والقضاء والدولة ‪،‬‬
‫ورجال السييياسة والمال والقتصيياد ‪ ،‬والوجهاء ورؤوس الناس ‪ ،‬تتمثييل فيمييا يلي ‪ :‬ملك مصيير والسيييادة على‬
‫أهلها ‪ ،‬والقوة والمنعة والظهور في الرض ‪ ،‬وامتلك الزينة والموال ‪ ،‬والجنات والعيون ‪ ،‬والنهار الجارية ‪،‬‬
‫والزرع والمقام الكريم ‪ ،‬والنعم المختلفة ‪.‬‬
‫يي مفهوم العلو ‪ :‬هيو مظهير مين مظاهير الحياة ‪ ،‬بمعنيى السيتعلء والرتفاع والتكبّر والتجبّر ‪ ،‬مين خلل امتلك‬
‫مقومات مادية ‪ ،‬كالرض والمال والقوة ‪ ،‬مما يُمكّن الظلمة والمفسدون من سيادة الناس وسياستهم ‪ ،‬والتحكم في‬
‫تصريف شؤونهم ‪ ،‬على وجه من الظلم والبغي ‪.‬‬
‫عوْ نَ َلعَالٍ فِي‬ ‫أما مفهوم الفساد ؛ فهو يتمثّل فيي بعض ما قيل من آيات في فرعون وملئه ‪ ،‬قال تعالى ( َوإِنّ ِفرْ َ‬
‫ضعِفُ‬ ‫عوْنَب عَلَ فِي الَْرْضِب َوجَ َع َل أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْبتَ ْ‬ ‫الَْرْضِب َوإِنّهُب َلمِنْب ا ْلمُسْب ِرفِينَ (‪ 83‬يونيس ) ‪ ،‬وقال ( إِنّ ِفرْ َ‬
‫عوْنَب َومَلَئِهِب‬‫طَا ِئ َفةً مِ ْنهُمْب يُذَبّحُب أَبْنَا َءهُمْب وَيَسْبَتحْيِ نِسبَاءَ ُهمْ إِنّهُب كَانَب مِنْب ا ْل ُمفْسِبدِينَ (‪ 4‬القصيص ) ‪ ،‬وقال ( إِلَى ِفرْ َ‬
‫ومِه بِ إِ ّنهُم ْب كَانُوا َقوْمًبا فَاس ِبقِينَ (‪12‬‬ ‫عوْن َب وَ َق ْ‬
‫فَاس بْ َتكْبَرُوا َوكَانُوا َقوْمًبا عَالِين بَ (‪ 46‬المؤمنون ) ‪ ،‬وقال ( إِلَى فِرْ َ‬
‫حشَرَ فَنَادَى (‪َ )23‬فقَالَ أَنَا‬ ‫النميل ) ‪ ،‬وقال ( فََأرَاهُب الْ َيةَ ا ْلكُبْرَى (‪َ )20‬فكَذّبَب وَعَصبَى (‪ )21‬ثُمّ أَدْبَرَ يَسْبعَى (‪َ )22‬ف َ‬
‫ن مَا أُرِيكُمْ ِإ ّل مَا أَرَى َومَا أَهْدِيكُمْ ِإلّ سَبِيلَ ال ّرشَادِ (‪ 29‬غافر )‬ ‫عوْ ُ‬
‫رَ ّبكُمْ الَْعْلَى (‪ 24‬النازعات ) ‪ ،‬وقال ( قَالَ ِفرْ َ‬
‫عوْنُب يَا أَ ّيهَا ا ْلمَلَُ مَا عَ ِلمْتُب َلكُمْب مِنْب إِلَهٍب غَيْرِي (‪ 38‬القصيص ) ( فَاسْبَتخَفّ َق ْومَهُب فَ َأطَاعُوهُب إِ ّنهُمْب‬
‫وقال ( وَقَالَ فِرْ َ‬
‫عوْنُ َق ْو َم ُه َومَا هَدَى (‪ 79‬طه ) ‪.‬‬ ‫ضلّ فِ ْر َ‬
‫سقِينَ (‪ 54‬الزخرف ) ( وَأَ َ‬ ‫كَانُوا َق ْومًا فَا ِ‬
‫ومظاهيير إفسيياده تتمثييل فيمييا يلي ‪ :‬جعْلُ أهييل مصيير فرقييا وطوائف متنابذة ‪ ،‬واسييتضعاف طائفيية منهييم ( بنييي‬
‫إسيرائيل ) ‪ ،‬بذبيح أبنائهيم واسيتحياء نسيائهم ‪ ،‬والسيراف فيي كيل أمره ‪ ،‬والسيتكبار والفسيق ‪ ،‬وتكذييب الرسيل ‪،‬‬
‫ومعصية ال وجحود آياته ‪ ،‬وادّعاء الربوبية واللوهية ‪ ،‬والستخفاف بعقول الناس وإضللهم ( من خلل وسائل‬
‫العلم المتاحة لفرعون في ذلك الوقت ) ‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫ي مفهوم الفساد ‪ :‬استضعاف الناس وتفريقهم وتصنيفهم ‪ ،‬وإثارة الفتن فيما بينهم ‪ ،‬والقتل وسفك الدماء ‪ ،‬وتكذيب‬
‫الرسل ‪ ،‬وتكذيب آيات ال وجحودها ‪ ،‬ومعصية ال ورسله ومحاربته لدين ال وأتباعه ‪ ،‬واستخفاف عقول الناس‬
‫وتضليلهم وإضللهم ‪ ،‬وإنكار ربوبية ال ‪ ،‬وإنكار أحقيته في العبادة دون غيره ‪.‬‬
‫وخلصة القول ‪ :‬هذا هو مفهوم العلو وهذا هو مفهوم الفساد ‪ ،‬الذي تتحدث عنهما سورة السراء ‪ ،‬لذلك عند أي‬
‫محاولة لتعيين أيّ من المرتين الوارد ذكرهما في اليات أعله ‪ ،‬يجب أن تكون الحالة موضوع البحث ‪ ،‬مطابقة‬
‫تماما لما كان عليه فرعون ومَلَئه ‪ ،‬وكأنّ علو وإفساد بني إسرائيل ‪ ،‬صورة في مرآة لعلو وإفساد فرعون ومََلئِه ‪،‬‬
‫وميا علينيا إلّ أن نبحيث فيي ماضيي بنيي إسيرائيل وحاضرهيم ‪ ،‬عين أيّي حالة ترافيق فيهيا مثيل هذا العلو ومثيل هذا‬
‫الفسيياد ‪ ،‬كمييا هييو الحال بالنسييبة لفرعون وقومييه ‪ .‬ولن نذهييب بعيدا فإحداهمييا موصييوفة فييي القران الكريييم‬
‫وبالتفصيل أيضا ‪ ،‬والخرى نشاهدها بأم أعيننا على أرض الواقع منذ أكثر من خمسين عاما ‪.‬‬
‫فِي ا ْلَأرْضِ ‪:‬‬
‫قرن سيبحانه وتعالى بيين الفسياد والعل ّو لكلتيا المرتيين بالرض ‪ ،‬ولفيظ الرض هنيا اسيم جنيس ‪ ،‬وجاءت كذلك‬
‫ن وَلَ َتعْلُنّ عُُلوّا كَبِيرًا )‬
‫ض َمرّتَيْ ِ‬
‫لتشمل الجزء والكل والخاص والعام ‪ ،‬حيث قال في الية (‪ ( )4‬لَ ُتفْ سِدُنّ فِي الَْرْ ِ‬
‫ولم يحدّد مكانا بعينه ‪ ،‬وعاد سبحانه وحدّد موقع العقاب في المرتين ‪ ،‬حين قال في الية (‪ ( )7‬لِيَسُوءُوا ُوجُو َهكُمْ‬
‫‪ ،‬وَلِيَ ْدخُلُوا ا ْلمَس ْبجِدَ ‪ ،‬كَمَا َدخَلُوه ُب َأوّ َل مَرّةٍ ) حيييث ربييط مييا بييين العقاب والمسييجد ‪ ،‬لنفهييم ميين ذلك أن العقاب‬
‫الموعود به بنو إسرائيل والمقصود هنا ‪ ،‬سينفذ فيهم في المرتين خلل تواجدهم في فلسطين ( الرض المقدسة )‬
‫وذُكير المسيجد للشارة إلى المكان ‪ .‬وهذا المسيجد تيم تعريفيه فيي بدايية سيورة السيراء فيي قوله تعالى ( ا ْلمَسْبجِدِ‬
‫حوْلَهُ (‪ )1‬وقوله الذي باركنا حوله أي ما يليه من الرض ‪ ،‬ولم يقل باركنا فيه أي لم تُحصر‬ ‫الَْقْصَى الّذِي بَا َركْنَا َ‬
‫البركة في المسجد فقط ‪ ،‬بل شملت ما حوله من الرض ‪.‬‬
‫والملحيظ أن ذكير الفسياد حُصير فيي المرتيين ‪ ،‬وأن ذكير الفسياد سيبق ذكير العلوّ ‪ ،‬وأن العلو لم يُحصير فيي‬
‫المرتين ‪ ،‬بل أُفرد ووصف بالكبير ‪ .‬وبما أن التركيز هنا على المرة الثانية ‪ ،‬فذلك يوحي بأن الفساد في المرتين‬
‫متطابق ‪ ،‬وبأن تحصيلهم للعلو على القل في المرة الثانية سيتأتى عن طريق الفساد ‪ ،‬وأن العلو الثاني أكبر من‬
‫الول لذلك تأخر ذكر العلو وصفته عن كلمة مرتين للختلف ‪ .‬ذلك لن إفساد بني إسرائيل المُتأتّي عن العلوّ ‪،‬‬
‫اقتصير على حدود دولتهيم فيي فلسيطين فيي المرة الولى ‪ ،‬وهذا ميا يُثبتيه القرآن والتوراة ‪ .‬وأمّا إفسيادهم وعلوّهيم‬
‫الخير في فلسطين ‪ -‬والذي نعاصره الن ‪ -‬سبقه ورافقه إفساد وعلو شمل مشارق الرض ومغاربها ‪ .‬وال أعلم‬
‫‪.‬‬
‫وبميا أنّي العقاب سييحل بهيم فيي الرض المقدسية ‪ ،‬يترتيب على ذلك حتميية سيبق وقوع الفسياد والعل ّو فيهيا ‪ ،‬حتيى‬
‫ولو سيبق منهيم الفسياد والعلو فيي الرض على عمومهيا ‪ ،‬أو تزامين ميع إفسيادهم وعلوهيم فيي الرض المقدسية ‪،‬‬
‫لذلك جاء الحديث مجمل في الية (‪ ، )4‬وهي الية الولى من قصة الفسادتين ‪ ،‬فذُكرَ الفساد والعلو لشتراط‬
‫ي من المرتين فيها ‪.‬‬
‫وقوعهما في المرتين ‪ ،‬ولم يأتي بأي تفاصيل ل ّ‬
‫وخلصية القول ‪ :‬أن الرض التيي سييتم فيهيا علو بنيي إسيرائيل وإفسيادهم ‪ ،‬هيي الرض على عمومهيا فيي المرة‬
‫الثانيية ‪ ،‬وفلسيطين بشكيل خاص فيي المرتيين ‪ .‬وأن عقابهيم فيي المرتيين سييكون فيي الرض المقدسية خاصية ‪،‬‬
‫وزوال علوهم في المرة الثانية من الرض على عمومها بشكل عام ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫َمرّ َتيْنِ ‪:‬‬
‫المرة هيي الفعلة الواحدة مين شييء يُمكين تكراره ‪ ،‬والجميع مِرار ‪ ،‬واعتدنيا أن نجمعهيا على مرّات ‪ .‬وقيد أوضيح‬
‫سبحانه بما ل يدع مجال للشك أنهما مرّتان بصريح اللفظ ‪ ،‬ول يصحّ أن نُضيف ثالثة ‪ ،‬ومن أفتى بثالثة فقد أفتى‬
‫بغير علم ‪.‬‬
‫وعندمييا تقول ‪ :‬مرة ومرتان وثلث مرات ‪ ،‬فأنييت فييي الواقييع تَعدّ فعلة واحدة تتكرّر ولهييا صييفة السييتمرار‬
‫كالعمرة والحييج مثل ‪ ،‬لتقول اعتمرت مرة ومرتان وثلث مرات ‪ ،‬والعمرة لهييا شروط ومناسييك خاصيية بهييا ‪،‬‬
‫تميّزهيا عين غيرهيا كالحيج مثل ‪ ،‬ول يصيحّ أن تَعدّ أفعال مختلفية على أنهيا مرّات ‪ ،‬كأن تقول مثل عندميا تعتمير‬
‫‪30‬‬
‫مرة وتحجّ مرة ‪ ،‬اعتمرت مرتين أو حججت مرتين ‪ .‬ول يصحّ أن تُسمّي فعلة غير مكتملة الشروط والمواصفات‬
‫‪ ،‬على أنها مرة كعمرة بل طواف أو سعي ‪.‬‬
‫وخلصيية القول ‪ :‬أنيّي المرتييين تكرار لفعلة واحدة ‪ ،‬تمتلك نفييس الشروط والمواصييفات ‪ ،‬وبمييا أن إفسيياد بنييي‬
‫إسرائيل في الرض ‪ ،‬بدأ منذ نشأتهم قبل حوالي (‪ )3‬آلف سنة واستمر لغاية هذه اللحظة ‪ ،‬كان من الضروري‬
‫لنيا أن نسيتنبط مين هذه اليات شروطيا ومواصيفات ‪ ،‬تجعيل مين السيهولة بميا كان تحدييد المرتيين وبدقية متناهيية‬
‫وتحديد موقعهما من حيث الزمان والمكان ‪ ،‬وأول شرط من الشروط هو الفساد المقترن بالعلو ‪ ،‬والشرط الثاني‬
‫أن يكون في الرض المقدّسة أي فلسطين دون غيرها ‪.‬‬

‫س شَدِيدٍ َفجَاسُوا خِلَا َل الدّيَا ِر َوكَانَ وَعْدًا َم ْفعُولًا ( ‪)5‬‬


‫( فَإِذَا جَا َء وَعْدُ أُولَا ُهمَا َبعَثْنَا عَلَ ْي ُكمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْ ٍ‬

‫عدُ أُولَا ُهمَا ‪:‬‬


‫َفإِذَا جَاءَ َو ْ‬
‫جاء أي مجيء الوقت المعين أو الموعد المحدّد ‪ ،‬والوعد أي الموعودين به من العقاب والهلك ‪ ،‬والمعنى إجمال‬
‫هو مجيء زمن السيتحقاق لنفاذ الوعد بالعقاب والهلك ‪ ،‬ومجيء الوعد متعلّق بتحقق الشروط الثلثة فيي الية‬
‫جعَلْنَا ِل َمهْ ِل ِكهِمْب َموْعِدًا (‪ 59‬الكهيف ) أي ربيط الهلك بموعيد‬ ‫السيابقة ‪ ،‬ويتوضّح هذا المعنيى فيي قوله تعالى ( َو َ‬
‫عةً َولَ‬ ‫معيييين ل يتأخييير ول يتقدّم ‪ ،‬كميييا فيييي قوله تعالى ( وَ ِل ُكلّ ُأ ّمةٍ َأجَلٌ فَإِذَا جَا َء َأجَُلهُم ببْ لَ يَس ببْتَ ْأخِرُونَ س ببَا َ‬
‫يَسْب َتقْ ِدمُونَ(‪ 34‬العراف ) وسيرعة مجييء موعيد الهلك وإبطاءه تعتميد على درجية الظلم ‪ ،‬وتجيد ذلك فيي قوله‬
‫تعالى ( وَتِلْكببَ ا ْلقُرَى أَهْ َلكْنَاهُمببْ َلمّابب ظَ َلمُوا … ( ‪ 59‬الكهييف ) وقوله ( … وَمَبا كُنّابب ُمهْلِكِبي ا ْلقُرَى ِإلّ َوأَهْلُهَبا‬
‫ظَا ِلمُونَب (‪ 59‬القصيص ) والظلم المقصيود هنيا هيو الظلم المميي ميع توافير الصيرار ‪ .‬إذ كلميا زادت درجية الظلم‬
‫وزادت وتيرة اقترافه ‪ ،‬كلما أسرع إلى المم قدرها المحتوم ‪ ،‬لتمضي فيها سنن ال التي ل تتحول ول تتبدل ‪.‬‬
‫َب َع ْثنَا عََل ْي ُكمْ ‪:‬‬
‫شكُرُو َ‬
‫ن‬ ‫قال تعالى ( ُهوَ الّذِي َبعَثَ فِي ا ُلْمّيّينَ رَسُو ًل مِ ْنهُمْ (‪ 2‬الجمعة ) وقال ( ُثمّ َبعَثْنَاكُمْ مِنْ َبعْدِ َموْ ِتكُمْ َلعَّلكُمْ َت ْ‬
‫(‪ 56‬البقرة ) ‪ ،‬وقال ( فَ َبعَثَب الُّ غُرَابًا يَ ْبحَثُب فِي الَْرْضِب (‪ 31‬المائدة ) ‪ ( ،‬فَإِذَا جَا َء وَعْ ُد أُولَهُمَا َبعَثْنَا عَلَ ْيكُمْب‬
‫عِبَادًا لَنَا (‪ 5‬السيراء ) ومين خلل التدبر فيي اليات السيابقة ‪ ،‬نجيد أن المبعوث مين قبله سيبحانه ‪ ،‬لييس له القدرة‬
‫على بعث نفسه ‪ ،‬وذلك على حالين ‪:‬‬
‫الولى ‪ :‬هيي وجود الرادة اللهيية وانعدام الرادة البشريية ‪ ،‬فالرسيل عليهيم السيلم بتلقيي الرسيالة عين طرييق‬
‫الوحيي ‪ ،‬ينتقلون مين حال الغفلة والسيكون إلى حال الهدايية والدعوة ‪ ،‬والموتيى ينتقلون بنفيخ الروح فيهيم مين حال‬
‫الموت إلى حال الحياة ‪ .‬وفيي هذه الحالة يكون التدخيل اللهيي ظاهرا ‪ ،‬بإحداث البعيث عين طرييق إرسيال الروح‬
‫والوحي ‪ ،‬سواء كانت وسيلة البعث مادية أو معنوية ‪.‬‬
‫والثانية ‪ :‬هي وجود كلتا الرادتين ‪ ،‬مع تعليق الرادة الثانية بالولى ‪ ،‬فالحياء يملكون الرادة في بعث أنفسهم ‪،‬‬
‫لتصريف أمورهم الدنيوية ‪ ،‬ولكنّها إرادة معلقة بالمشيئة أو الرادة اللهية ‪ ،‬فما شاء ال كان وما لم يشأ لم يكن ‪،‬‬
‫فإن توافقت الرادة البشرية للقيام بأمر ما مع الرادة اللهية ‪ ،‬وقع ذلك المر وإن لم تتوافق لم يقع ‪ ،‬قال تعالى (‬
‫حكِيمًا (‪ 30‬النسان ) ‪ .‬وفي هذه الحالة يكون التدخل اللهي‬‫َومَا َتشَاءُو نَ ‪ِ ،‬إ ّل أَ نْ َيشَا َء الُّ ‪ ،‬إِنّ الَّ كَا نَ عَلِيمًا َ‬
‫غيير ظاهير ‪ ،‬حييث أنيه يتيم عين طرييق التمكيين ‪ ،‬بإزالة المعوقات والمثبّطات وإيجاد التسيهيلت والمحفّزات ‪،‬‬
‫سواء كانت الوسائل مادية أو معنوية ‪.‬‬
‫وفي كلتا الحالين يكون البعث من عند ال ‪ ،‬ولذلك نسب سبحانه بعث أولئك العباد إلى نفسه ‪ ،‬لن ال سيُمكّن لهم‬
‫السباب والسبل عند خروجهم ‪ ،‬لتحقيق وعده في بني إسرائيل ‪ .‬وأما هؤلء العباد فسيخرجون من تلقاء أنفسهم ‪،‬‬
‫ورغبة منهم في ذلك بدفع من أسبابهم الخاصة ‪.‬‬
‫طهُمْب ‪ ،‬وَقِيلَ ا ْقعُدُوا‬
‫ونجيد ذلك فيي قوله تعالى ( وَ َل ْو أَرَادُوا الخُرُوجَب لَعَدّوا لَهُب عُدّةً ‪ ،‬وَ َلكِنْب كَرِهَب الُّ انْ ِبعَا َثهُمْب فَثَ ّب َ‬
‫مَعَ ا ْلقَاعِدِينَ (‪ 46‬التوبة )‬

‫‪31‬‬
‫أي لو أرادوا الخروج لعدّوا عدة الخروج ‪ ،‬ولكنهم لم يُعدّوا العدّة لن رغبة الخروج لديهم معدومة أصل ‪ .‬وبما‬
‫أن إرادتهم معدومة كره ال انبعاثهم ‪ ،‬فثبّطهم كي ل يخرجوا مكرهين حياءً أو رياءً ‪ ،‬خشية تأثيرهم السلبي على‬
‫الخارجيين ‪ .‬وفيي المقابيل فإنّي مين وُجيد لدييه الرادة والرغبية فيي الخروج ‪ ،‬كان الولى بإزالة المُثبّطات وإحاطتيه‬
‫بالمُحفّزات لتمكينه من النبعاث والخروج ‪.‬‬
‫يي مفهوم البعيث ‪ :‬هيو انتقال أو انقلب أو تحول ‪ ،‬أو تغيير مين حالة إلى أخرى ‪ ،‬نتيجية مُسيبّب خارجيي مادي أو‬
‫معنوي ‪.‬‬
‫وخلصية القول ‪ :‬أنّي عمليية البعيث هنيا جاءت بمعنيى النتقال المكانيي ‪ ،‬أي أن هؤلء العباد سييأتون مين خارج‬
‫فلسيطين ومين مكان بعييد نسيبيا ‪ ،‬وعمليية البعيث معلّقية بالمشيئة اللهيية ‪ ،‬وموعيد البعيث منوط بهذه المشيئة ‪ ،‬وأن‬
‫هؤلء المبعوثين ولو تولدت فيهم الرادة ‪ ،‬ومهما حاولوا النقضاض ‪ ،‬مرارا وتكرارا على بني إسرائيل للقضاء‬
‫عليهم وإفنائهم ‪ ،‬فلن يتمكنوا من ذلك حتى مجيء الموعد الذي حدّده رب العزة ‪.‬‬

‫عِبَادًا لَنَا ‪:‬‬


‫معظيم الناس هذه اليام ‪ ،‬يعتقدون اعتقادا جازميا ل شيك فييه ‪ ،‬بأن هؤلء العباد المُشار إليهيم فيي هذه العبارة هيم‬
‫عباد مؤمنين ‪ ،‬بل من أولياء ال المخلصين ‪ .‬ولبيان خطأ هذا المعتقد سنناقش هذا المر من عدة وجوه ‪ ،‬وبما أن‬
‫هذه العبارة أحيد أهيم مرتكزات الفهيم الخاطيئ للنبوءة التيي جاءت بهيا آيات سيورة السيراء ‪ ،‬سينتاولها بالشرح‬
‫والتفصيل بما يتناسب مع حجم المساحة التي احتلتها في أذهان الناس ‪.‬‬
‫أول ‪ :‬رأي المفسرين القدماء‬
‫لم يكن فهم هذه العبارة مشكلة للمفسرين القدماء ‪ ،‬وهم الكثر قربا وفهما للفاظ العربية وتركيباتها اللغوية ‪ ،‬ولو‬
‫رجعيت إلى تفسييراتهم للعبارة وآرائهيم فيي أصيحاب البعيث الول والثانيي ‪ ،‬التيي أجملناهيا فيي الفصيل السيابق ‪،‬‬
‫ن تحقق الوعدين قد ت مّ قبل السلم ‪ ،‬فهم‬ ‫ن أنّهم جزموا بأ ّ‬
‫لوجدت أنّهم بل استثناء لم يعيروها أدنى انتباه ‪ ،‬وبما أ ّ‬
‫على القيل لم يثبتوا لهيم صيفة اليمان ‪ ،‬حييث أن بنيي إسيرائيل آنذاك ‪ ،‬كانوا مين أهيل الكتاب ‪ ،‬وكيل مين حولهيم‬
‫كانوا عبدة أوثان ‪ .‬بل على العكس من ذلك نجد أنهم بل استثناء كانوا قد أثبتوا لهم صفة الكفر ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬كلمة عباد نكرة ‪ ،‬وإضافتها للجار والمجرور لم تعرّفها ‪ ،‬وبالتالي لم توضح ماهية المعتقد‬
‫وردت هذه عبارة ( عبادا لنا ) في القرآن مرة واحدة فقط ‪ ،‬ولو أمعنّا النظر في تركيبتها لوجدنا أنّه سبحانه نكّر‬
‫هؤلء العباد ‪ ،‬ولم ينسيبهم إلى نفسيه حتيى بضميير متصيل كأن يقول عبادنيا ‪ ،‬وإنميا أُضيفيت إلى الجارّ والمجرور‬
‫ن تنكيرهيم كان غاية بحدّ ذاته ‪ ،‬والضافية للجارّ والمجرور جاءت هنيا لتفييد ملكيية ال لهم فقط ‪،‬‬‫( لنا ) لنفهيم أ ّ‬
‫وليس لها علقة ببيان ماهية المعتقد ‪ .‬وذلك ليعلم بني إسرائيل أن هذا البعث من عند ال وبتمكين منه سبحانه ‪،‬‬
‫فكل ما يجري على الرض بخيره وشرّه ‪ ،‬ل يكون إل بمشيئة ال جل وعل وتقدير منه ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬الفرق بين العبودية والعبادة‬
‫لنعلم أن أصل العبودية الخضوع والذل كرها أكثر منها طواعية ‪ ،‬وأصل العبادة الطاعة والولء طواعية ورغبة‬
‫ل كراهية فيها ‪.‬‬
‫والعبودية ل تجيب على الخلئق ‪ ،‬بدافع الربوبية أي المُلكية بأحقية الخلق واليجاد ‪ ،‬واقرأ سورة الملك إن شئت‬
‫فهييبي تفصييل الميير ‪ ،‬ونجدهييا فييي قوله تعالى ( ُقلْ أَغَ ْيرَ الِّ أَبْغِي رَبّاب وَ ُهوَ رَبّ ُكلّ شَيْءٍ (‪ 164‬النعام ) أي‬
‫ض َومَا بَيْ َن ُهمَا (‪ 17‬المائدة ) أي مالك للسموات والرض ‪،‬‬ ‫ت وَالَْرْ ِ‬‫س َموَا ِ‬
‫صاحب كل شيء ‪ ،‬وقوله ( َولِّ مُ ْلكُ ال ّ‬
‫وقوله ( خَالِقبُ ُك ّل شَيْءٍ (‪ 102‬النعام ) ممييا يعقييل ول يعقييل ‪ ،‬والخلق هييو الموجييب لحقوق الربوبييية والملكييية ‪،‬‬
‫حمَنِ عَبْدًا (‪ 93‬مريم ) من الملئكة حتى الذرّة‬ ‫ض ِإ ّل آتِي ال ّر ْ‬
‫س َموَاتِ وَالَْرْ ِ‬
‫ولذلك قال جل شأنه ( إِنْ ُكلّ مَنْ فِي ال ّ‬
‫من التراب ‪ ،‬رغما عن أنوفهم ل خيار لهم بأحقية ما سبق من خلقه إياهم ‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫ق بدافع الشراء أو ما شابه ‪ ،‬التي توجب الملكية وحق التصرف بكل شؤون‬ ‫ويندرج تحت العبودية ‪ ،‬عبودية الر ّ‬
‫العبد ‪ ،‬ومن هنا جاءت تسمية الرقيق بالعبد ‪ ،‬كما في قوله تعالى ( وَقَالَ ا ْلمَلِ كُ ائْتُونِي بِهِ فَ َلمّا جَاءَهُ الرّسُولُ قَالَ‬
‫ن أَيْدِ َيهُنّ إِنّ رَبّيب ِبكَيْدِهِنّ عَلِي مٌ (‪ 50‬يوسيف ) والملك هو ملك‬ ‫طعْ َ‬
‫سوَةِ اللّتِي َق ّ‬
‫ا ْرجِعْب إِلَى رَبّ كَ فَا سْأَ ْل ُه مَا بَالُ النّ ْ‬
‫خمْرًا )‬
‫مصير وهيو ربّي الرسيول أي صياحبه وسييّده ‪ ،‬والرسيول هيو نفيس الفتيى الذي قال ‪ ( :‬إِنّيب أَرَانِي أَعْصِب ُر َ‬
‫وربوبية المَلِك لهذا الفتى جاءت بدافع ملكيته للفتى ‪.‬‬
‫أما العبادة فهي تقديم فروض الطاعة والتقديس والولء لله أو للهة ‪ ،‬ول جبرية فيها فالخيار للمخلوق فهو يعبد‬
‫ميا يشاء ‪ ،‬واللهية التيي اتخذهيا الناس للعبادة كثيرة ومتنوعية ‪ ،‬قال تعالى ( ا ّتخَذُوا َأحْبَارَهُمْب وَ ُرهْبَا َنهُمْب أَرْبَابًا مِنْب‬
‫ركُونَب (‪31‬‬ ‫عمّاب ُيشْ ِ‬ ‫ح ابْنَب َمرْيَمَب وَمَا ُأمِرُوا ِإلّ ‪ ،‬لِ َيعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا ‪َ ،‬ل إِلَهَب ِإلّ ُهوَ ‪ ،‬سُب ْبحَا َنهُ َ‬
‫دُونِب الِّ وَا ْلمَسبِي َ‬
‫س ِإلّ لِ َيعْبُدُونِ (‪56‬‬ ‫التوبة ) أما الغاية من خلق الجنّ والنس فهي عبادة ال ‪ ،‬لقوله تعالى ( َومَا خَ َلقْتُ ا ْلجِنّ وَالِْن َ‬
‫الذاريات ) ‪.‬‬
‫ل الناس يمارسون طقوسا العبادة ‪ ،‬سواء كانوا من أهل الكتب السماوية أو وثنيون أو ملحدون ‪ ،‬أما المؤمنون‬ ‫وك ّ‬
‫ن مِنَ الِّ صِ ْب َغةً‬
‫ن َأحْسَ ُ‬
‫بال فهم من نُسبت عبادتهم ل ‪ ،‬وليس من نُسبوا بذواتهم فقط ‪ ،‬قال تعالى ( صِ ْب َغةَ الِّ َومَ ْ‬
‫وَ َنحْنُ َلهُ عَابِدُونَ (‪ 138‬البقرة ) ‪.‬‬

‫ونجيد أنيه سيبحانه يدعيو إلى القرار بالربوبيية ووحدانيية اللوهيية ‪ ،‬بأحقيية الخلق لكيل شييء أول ‪ ،‬ومين ثيم يأمير‬
‫يءٍ‬‫ق ُكلّ شَ ْ‬
‫بالخضوع له ‪ ،‬وإفراده سبحانه بالعبادة والتكال عليه ‪ ،‬في قوله ( ذَ ِلكُمْ الُّ رَ ّبكُمْ ‪َ ،‬ل إِلَهَ ِإلّ ُهوَ ‪ ،‬خَالِ ُ‬
‫‪ ،‬فَاعْبُدُو هُ ‪ ،‬وَ ُهوَ عَلَى ُك ّل شَيْ ٍء َوكِيلٌ (‪ 102‬النعام ) ‪ .‬فل تستقيم العبادة إل بإقرار الربوبية ل أول ‪ ،‬ول يستقيم‬
‫الحال بإقرار الربوبيية ل وحدهيا دون القيام بمقتضيات العبادة ‪ .‬وهذا ميا كان علييه كفار قرييش ‪ ،‬حييث أنهيم أقرّوا‬
‫ه ْم مَنْب خَ َل َقهُمْب لَ َيقُولُنّ الُّ فَأَنّىب ُيؤْ َفكُونَب (‪87‬‬
‫بربوبيية ال لهيم ولكنهيم أشركوا بالعبادة ‪ ،‬قال تعالى ( وَلَئِنْب سَبأَلْ َت ُ‬
‫الزخرف ) بينما عبادتهم للصنام قالوا فيها ( … مَا َنعْبُدُ ُه ْم ِإلّ لِ ُيقَرّبُونَا إِلَى الِّ ُز ْلفَى … (‪ 3‬الزمر ) ‪.‬‬
‫و كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَا ِئعِينَب (‪11‬‬
‫طوْعًا َأ ْ‬
‫قال تعالى ( ثُمّ اسْبَتوَى إِلَى السّبمَا ِء وَهِيَب ُدخَانٌب َفقَالَ لَهَا وَِللَْرْضِب اِئْتِيَا َ‬
‫فُ صّلت ) طوعا من قبيل العبادة ‪ ،‬ولو لم تأتيا طوعا لكان ذلك كرها من قبيل العبودية ‪ ،‬حيث قال تعالى ( تُ سَ ّب ُ‬
‫ح‬
‫ح ُهمْ ‪ ،‬إِنّ ُه كَانَ‬
‫ن لَ َت ْف َقهُونَ تَسْبِي َ‬
‫حمْدِهِ ‪ ،‬وَ َلكِ ْ‬
‫ن شَيْ ٍء ِإلّ يُسَ ّبحُ ِب َ‬
‫ن مِ ْ‬
‫ض َومَنْ فِيهِنّ ‪َ ،‬وإِ ْ‬
‫س َموَاتُ السّبْ ُع وَالَْرْ ُ‬
‫لَهُ ال ّ‬
‫غفُورًا (‪ 44‬السراء ) ‪.‬‬ ‫حَلِيمًا َ‬
‫ومين ذلك يُسيمّى مين يرزح تحيت العبوديية كرهيا عبدا ‪ ،‬فل خيار فيي أل يكون فهيو مرغيم ‪ ،‬ويُسيمى مين يقوم‬
‫بواجبات العبادة طواعية عابدا ‪ ،‬فالخيار في أن يكون أو ل يكون عائد إليه ‪ ،‬وأش ّد الكفر هو ما أُنكر فيه العبودية‬
‫ع َبدَ ) ‪.‬‬
‫والعبادة ل معا ‪ ،‬وشتان ما بين المسمّيين مع أن جذرهما واحد وهو كلمة ( َ‬
‫رابعا ‪ :‬الفراد والجمع‬
‫عباد وعبييد كلمتان مترادفتان ومفردهميا ( عَبْد ) ‪ ،‬والعبيد لغية نقييض الُح ّر ‪ ،‬فكلمتييّ ( عباد ) و ( عبييد ) هيي‬
‫صييغة الجميع مين كلمية ( عَبْد ) ‪ ،‬وذلك بدللة النيص القرآنيي فيي قوله تعالى ( َف َوجَدَا عَبْدًا مِنْب عِبَادِنَا ءَاتَيْنَاهُب‬
‫عّلمْنَاهُب مِنْب لَدُنّاب عِ ْلمًا (‪ 65‬الكهيف ) ‪ ،‬ولو قال ( عابدا مين عبادا ) لختلف المير ‪ ،‬وتدبرّ قوله‬ ‫ح َم ًة مِنْب عِنْدِنَا وَ َ‬
‫َر ْ‬
‫شكُورًا (‪ 3‬السييراء ) ‪ ،‬نجييد أنييه سييبحانه يُخييبر أن نوح عليييه‬ ‫حمَلْنَا مَعبَ نُوحٍب إِنّهُب كَانبَ عَبْدًا َ‬‫تعالى ( ُذرّ ّي َة مَن ْب َ‬
‫السلم ‪ ،‬كان عبدا أول من العبودية ‪ ،‬وعابدا بالشكر ل ثانيا من العبادة ‪.‬‬
‫أميا كلمية ( عابيد ) وهيو القائم بالعبادة ‪ ،‬فصييغة الجميع منهيا هيي ( عابدون ) ‪ ،‬وذلك بدللة قوله تعالى ( َو َل أَنَا‬
‫عَابِدٌ مَا عَبَدْ ُتمْ (‪َ )4‬و َل أَنْ ُتمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (‪ 5‬الكافرون )‬
‫خامسا ‪ :‬ترادف كلمتي عباد وعبيد في المعنى والستخدام ‪.‬‬
‫وقييد أطلق سييبحانه لفييظ عباد على العبيييد بمعنييى رقيييق ‪ ،‬ونجييد ذلك فييي قوله تعالى ( َوأَن ِكحُوا الَْيَامَبى مِ ْنكُمببْ‬
‫ن مِنْب عِبَا ِدكُمْب َوِإمَا ِئكُمْب (‪ 32‬النور ) نجيد أن الضميير المتصيل ( كيم ) فيي كلمية ( عبادكيم ) يعود على‬ ‫وَالصبّا ِلحِي َ‬

‫‪33‬‬
‫المؤمنين المخاطيبين بالنص ‪ ،‬ومما ل يُعقل أو من المستحيل أن نقول بأن كلمة ( عباد ) جاءت لغة من العبادة ‪،‬‬
‫فهي ل تحمل هذا المعنى على الطلق ‪ ،‬ولو بدللة هذه الية فقط ‪.‬‬
‫وأميا الترادف فيي السيتخدام ‪ ،‬فقيد جاء فيي قوله ( َومَا الُّ يُرِي ُد ظُ ْلمًا ِل ْلعِبَادِ (‪ 31‬غافير ) وقوله ( َومَا رَبّكَب ِبظَلّمٍب‬
‫حكَمبَ بَيْنبَ ا ْلعِبَادِ (‪ 48‬غافير ) نجيد أن‬
‫لِ ْلعَبِيدِ (‪ 46‬فصيلت ) وقوله ( قَالَ الّذِينبَ اسبْ َتكْبَرُوا إِنّاب كُلّ فِيهَا إِنّ الَّ قَ ْد َ‬
‫المعنى المستفاد من عباد وعبيد ‪ ،‬هو جملة خلق ال مؤمنهم وكافرهم على السواء ‪.‬‬
‫سادسا ‪ :‬كلمة عباد نكرة ‪ ،‬ول يُعرّفها إل ما يأتي بعدها من سياق ‪.‬‬
‫تشميل العبوديية كيل مين فيي السيماوات والرض وميا بينهميا مين الخلئق ‪ ،‬وتشميل العبادة كيل مين يملك العقيل‬
‫والرادة مين خلقيه ‪ ،‬ومنهيم على سيبيل المثال الملئكية والنيس والجين ‪ ،‬وهيم المطالبون والمكلفون بإفراده جيل‬
‫وعل باللوهييية والعبادة والمحاسييبون عليهييا ‪ ،‬فإن جاءت كلمتييي عباد أو عبيييد معرّفيية ‪ ،‬أو غييير معرّفيية بأل‬
‫حكَمَب بَيْنَب ا ْلعِبَادِ (‪ 48‬غافير ) ول تفييد أي‬
‫التعرييف أو بالضافية ‪ ،‬فهيي تفييد جملة الخلق كقوله تعالى ( إِنّ الَّ قَ ْد َ‬
‫معنى آخر على الطلق ‪ ،‬إلّ إذا أُضيف إليها ما يفيد ذلك ‪:‬‬
‫كقوله تعالى ( إِنّهُب مِنْب عِبَادِنَا ا ْل ُم ْؤمِنِينَب (‪ 81‬الصيافات ) ليُبرز فيهيم سيبحانه صيفة اليمان فهيم عباده المؤمنيين‬
‫وفيهيا حثّي على اليمان بيه ‪ .‬أو دل السيياق على غيير ذلك مين نفيي أو إثبات لصيفة دون غيرهيا لتناسيب الموقيف ‪،‬‬
‫كقوله تعالى ( إِنّمَا َيخْشَى الَّ مِنبْ عِبَادِهبِ ا ْلعُ َلمَاءُ (‪ 28‬فاطير ) ليُبرز فيهيم صيفة العلم وحصير خشيية ال بمين‬
‫يتصيف بالعلم فهيم عباده العلماء ‪ ،‬وفيهيا حثّي على طلب العلم ‪ ،‬وقوله ( َأأَنْتُمْب أَضْلَلْتُمْب عِبَادِي َه ُؤلَ ِء أَمْب هُمْب ضَلّوا‬
‫السبّبِيلَ (‪ 17‬الفرقان ) دل السييياق على ضللهييم فهييم عباده الضالييين وفيهييا تحذييير ميين الضلل ‪ ،‬وقوله ( ُقلْ يَا‬
‫عِبَادِي الّذِينَب أَسْبرَفُوا عَلَى أَ ْنفُسِبهِمْ (‪ 53‬الزمير ) دل السيياق على إسيرافهم فهيم عباده المسيرفين وفيهيا تنفيير مين‬
‫السراف ‪ ،‬وكلّهم نسبهم ال إلى نفسه بإضافة ضمير متصل يعود عليه سبحانه ‪.‬‬
‫سابعا ‪ :‬التركيب اللغوي للعبارة ‪ ،‬جيء به لتخصيص جزء من كل بصفة معينة وهي المراد إبرازها أصل ‪.‬‬
‫ولتوضييح ذلك ‪ ،‬لحيظ الفرق بيين أن تقول ( هذا بيتنيا ) وذاك ( بيتٌي لنيا ) يفهيم المسيتمع مين العبارة الولى ؛ أنّي‬
‫ن ذلك البيت مُلك لكم ولكنّكم‬‫هذا البيت مُلك لكم وخاصتُكم وأنّكم مُقيمون فيه ‪ ،‬وأمّا الثانية ؛ فيفهم منها المستمع أ ّ‬
‫ن بيتكم هذا هو واحد‬ ‫غير مقيمين فيه ‪ ،‬وربما يكون فارغا أو مؤجّرا ‪ .‬ومن هنا نجد أن عبارة ( بيت لنا ) تعني أ ّ‬
‫مين جملة بيوت تملكونهيا ‪ ،‬ول تعنيي شيئا أخير على الطلق ‪ ،‬وأنّك زدتيه تنكيرا بمثيل هذا اللفيظ ‪ .‬وأنيك لو قلت‬
‫( ذاك بييت لنيا ذو غرف كثيرة ) نفهيم أنيك أبرزت فييه صيفة معينية اختيص بهيا دون غيره مين البيوت التيي‬
‫تملكونها ‪ ،‬وهي احتوائه على غرف كثيرة ‪ ،‬وميّزته عن باقي بيوتكم التي في معظمها ذات غرف قليلة ‪ .‬وكذلك‬
‫المير بالنسيبة لعبارة ( عبادا لنيا ) التيي جاءت منكّرة أيضيا لبراز صيفة ( البأس الشدييد ) التيي يتميزون بهيا عين‬
‫غيرهم من جملة عباد ال مؤمنهم وكافرهم ‪ ،‬ولم يأتي السياق بتصريح أو تلميح عن ماهية معتقدهم ‪.‬‬
‫ولتوضيح ذلك أكثر فأكثر ‪ ،‬نطرح هذا المثال ‪ ،‬فيه أربعة أقوال لرجل يُجيب رجل آخرا يريد عمال لمزرعته ‪:‬‬
‫‪-1‬سأرسل لك ( أولدنا ) غدا للعمل في مزرعتك ‪.‬‬
‫‪-2‬سأرسل لك ( أولدا لنا ) غدا للعمل في مزرعتك ‪.‬‬
‫‪-3‬سأرسل لك ( أولدنا ‪ ،‬أولي المهارة والخبرة في الفلحة ) غدا للعمل في مزرعتك ‪.‬‬
‫‪-4‬سأرسل لك ( أولدا لنا ‪ ،‬أولي مهارة وخبرة في الفلحة ) غدا للعمل في مزرعتك ‪.‬‬
‫فما المعنى الذي أفادته كل عبارة أعله ؟‬
‫‪-1‬أنه سيرسل جميع أولده ‪ ،‬مع عدم توضيحه لصفتهم أو ماهيتهم ‪.‬‬
‫‪-2‬أنه سيرسل بعضا من أولده ‪ ،‬مع عدم توضيحه لصفتهم أو ماهيتهم أيضا ‪.‬‬
‫‪-3‬أنه سيرسل جميع أولده ‪ ،‬وأن جميع أولده لديهم مهارة وخبرة في الفلحة ‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫‪-4‬أنه سيرسل بعضا من أولده ‪ ،‬وأن هذا البعض من أولده فقط ‪ ،‬هو الذي يملك المهارة والخبرة في الفلحة ‪،‬‬
‫أما البقية فل ‪.‬‬
‫وأخيرا تدبرّ هذه اليات ‪:‬‬
‫( وَقَالَ لَ ّتخِذَنّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا َمفْرُوضًا (‪ 118‬النساء ) ( أي أن من جملة العباد المنسوبين إلى ال هناك نصيب‬
‫لبليس )‬
‫ن اتّ َبعَكَ ِمنَ ا ْلغَاوِينَ (‪ 42‬الحجر ) ( أي أن سلطان إبليس محصور فقط‬
‫( إِنّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَ ْيهِمْ سُ ْلطَانٌ ِإ ّل مَ ِ‬
‫على أتباعه من الغاوين ‪ ،‬الذين هم من جملة العباد المنسوبين إلى ال )‬
‫ن كُنْتُ مْ صَادِقِينَ (‪ 194‬العراف ) ( أي‬
‫ن الِّ عِبَا ٌد َأمْثَاُلكُ مْ فَادْعُوهُ مْ فَلْيَ سْ َتجِيبُوا َلكُ ْم إِ ْ‬
‫ن مِ نْ دُو ِ‬
‫( إِنّ الّذِي نَ تَدْعُو َ‬
‫أنتم وهم ‪ ،‬أي العابد والمعبود ‪ ،‬سواء في كونكم عباد )‬
‫( ُقلْ ِلعِبَا ِديَ الّذِينَ ءَامَنُوا (‪ 31‬إبراهيم ) ( أي أن الخطاب لعبادي الذين آمنوا ‪ ،‬دون عبادي الذين كفروا )‬
‫ن كَانَ َتقِيّا (‪ 63‬مريم ) ( أي وأن النار لمن لم يكن تقيا من عبادنا )‬
‫( تِ ْلكَ ا ْلجَ ّنةُ الّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَ ْ‬
‫حمِينَب (‪ 109‬المؤمنون ) ( أي‬
‫حمْنَا َوأَنْتَب خَيْرُ الرّا ِ‬
‫غفِرْ لَنَا وَا ْر َ‬
‫( إِنّهُب كَانَب فَرِيقٌب مِنْب عِبَادِي َيقُولُونَب رَبّنَا ءَامَنّاب فَا ْ‬
‫وكان هناك فريق من عبادي ‪ ،‬يقولون غير ذلك )‬
‫( فَلَمْب يَكُب يَ ْنفَ ُعهُمْب إِيمَا ُنهُمْب َلمّاب َرَأوْا بَأْسَبنَا سُبّن َة الِّ الّتِي قَ ْد خَلَتْب فِي عِبَادِهِب َوخَسِبرَ هُنَالِكَب ا ْلكَافِرُونَب (‪ 85‬غافير )‬
‫( أي سبقت في مجمل عباده ‪ ،‬والخاسرون منهم هم الكافرون دون المؤمنين )‬
‫( َنهْدِي بِهِب مَنْب َنشَاءُ مِنْب عِبَادِنَا َوإِنّكَب لَ َتهْدِي إِلَى صِبرَاطٍ مُسْب َتقِيمٍ (‪ 52‬الشورى ) ( أي وهناك مين لم نهدي مين‬
‫عبادنا )‬
‫حمَنِ عَبْدًا (‪ 93‬مريم ) ( مؤمنهم وكافرهم بل استثناء )‬
‫س َموَاتِ وَالَْرْضِ ِإلّ ءَاتِي ال ّر ْ‬
‫ن ُك ّل مَنْ فِي ال ّ‬
‫( إِ ْ‬
‫وفي الحديث الصحيح الطويل ‪ ،‬الذي رواه مسلم وأخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجة وأحمد ‪ ،‬جاء ما نصه "‬
‫ن َلِحَدٍ ِبقِتَا ِلهِمْ ‪َ ،‬فحَرّزْ عِبَادِي إِلَى الطّورِ ( جبال‬ ‫… إِذْ َأ ْوحَى الُّ إِلَى عِي سَى ‪ ،‬إِنّي قَ ْد أَخْ َرجْتُ عِبَادًا لِي ‪ ،‬لَ يَدَا ِ‬
‫ن ُك ّل حَدَبٍ يَنْسِلُونَ … " حيث يرد نفس التركيب اللغوي لعبارة‬ ‫ج َومَ ْأجُو جَ ‪ ،‬وَهُ ْم مِ ْ‬‫ث الُّ يَ ْأجُو َ‬
‫القدس ) ‪ ،‬وَيَبْعَ ُ‬
‫( عبادا لنيا ) ‪ ،‬وهيو ( عبادا لي ) فيي وصيف يأجوج ومأجوج ‪ ،‬الذيين قِييل فيهيم ( قَالُوا يَاذَا ا ْلقَرْنَيْنِب ‪ ،‬إِنّ يَ ْأجُوجَب‬
‫جعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْ َن ُهمْ سَدّا (‪ 94‬الكهف ) ‪.‬‬ ‫ك خَ ْرجًا ‪ ،‬عَلَى أَنْ َت ْ‬ ‫ج َعلُ َل َ‬
‫َومَ ْأجُوجَ ‪ُ ،‬م ْفسِدُونَ فِي الَْرْضِ ‪َ ،‬ف َهلْ َن ْ‬
‫وخلصة القول ‪ :‬أن كلمة ( عبادا ) جاءت نكرة وأن كلمة ( لنا ) لم تعرّفها وإنما جاءت هنا لتأكيد الملكية فقط ‪،‬‬
‫وكل الخلق ملك ل ‪ ،‬ليؤكد سبحانه لبني إسرائيل أن هذا البعث سيكون من عنده ‪ ،‬وبما أن هؤلء العباد ملكه فهم‬
‫رهين إشارتيه وطوع بنانيه ‪ ،‬ويملك حيق التصيرف بشؤونهيم ‪ ،‬فإن شاء بعيث وإن شاء أمسيك ‪ .‬وأكثير المعانيي دقية‬
‫لهذه العبارة ( عبادا لنا ) هو أنهم ( طائفة من خلقنا ) ل أكثر من ذلك ول أقل ‪ ،‬وأهم ما يميّز هؤلء الخلق عن‬
‫غيرهم أنهم ( أولي بأس شديد ) فقط ل غير ‪.‬‬
‫وأن ورود لفظ ( عباد ) في القرآن ‪ ،‬لم يقتصر على أولياء ال وأحباؤه ‪ ،‬وإنما جاء هذا اللفظ في الخطاب القرآني‬
‫‪ ،‬منّا على العباد بنعمة خلقه إياهم ورفقه ولطفه بهم مطيعهم وعاصيهم ‪ ،‬والكلمات ( عبادي ‪ ،‬عبادنا ‪ ،‬وعباده )‬
‫عادة ميا تأتيي كتهيئة لميا سييأتي بعدهيا مين صيفة مميزة أو سيياق يدل على صيفة وهيي المراد إبرازهيا أصيل ‪ ،‬فإن‬
‫كانيت صيفة محمودة كاليمان والعلم فقيد أُبرزت تحببيا بهيا ‪ ،‬وإن كانيت صيفة مذمومية كالضلل والسيراف فقيد‬
‫أُبرزت تنفيرا منها ‪.‬‬
‫وأما صفة البأس الشديد ‪ ،‬فقد أُبرزت تهديدا وتحذيرا وتخويفا لبني إسرائيل ‪ ،‬من سوء عاقبتهم بوقوعهم بين أيدي‬
‫مثل أولئك الخلق ‪ ،‬الذين لن يرقبوا فيهم إلّ ول ذمة ‪ ،‬لعلهم ينتهون ويرجعون ويرتدعون عمّا هم عليه من فساد‬
‫وإفساد واستعلء في الرض ‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫شدِيدٍ ‪:‬‬
‫س َ‬
‫أُولِي َبأْ ٍ‬
‫وصف ال هؤلء العباد بأولي البأس الشديد ‪ ،‬والبأس كما قدمه معظم المفسرون هو القوة والبطش في الحروب ‪،‬‬
‫س شَدِيدٌ َومَنَافِ عُ لِلنّا سِ (‪ 25‬الحديد ) فانظر‬
‫والشدّة جاءت زيادة في المبالغة ‪ ،‬قال تعالى ( َوأَنْزَلْنَا ا ْلحَدِيدَ فِي هِ بَأْ ٌ‬
‫وتفكر في معدن الحديد ‪ ،‬فهو يحمل في جوهره صفتان قلما تجدهما في معدن أخر ‪ ،‬وهما ‪:‬‬
‫أولّ ‪ :‬أنّه يحافيظ على طيبيعته ‪ ،‬مهميا عظيم علييه الطرق واشتدّ ‪ ،‬ول يحترق أي يتحول إلى مادة أخرى ‪ ،‬مهميا‬
‫ازدادت شدة النيران علييه ‪ ،‬وإن انصيهر عاد إلى سيابق عهده عنيد البرودة ‪ ،‬وهذه الصيفة إن وجدت فيي البشير ‪،‬‬
‫فهي الجلد والصبر عند وقوع البلء ‪.‬‬
‫ل الحدييد " وهذه الصيفة إن‬
‫وثانييا ‪ :‬أنّه عنيد تشكيله وشحذه فهيو قوي قاتيل وقاطيع ‪ ،‬لذلك قييل " ل يفيل الحدييد إ ّ‬
‫وجدت في البشر ‪ ،‬فهي القوة والبطش عند مواجهة العداء ‪.‬‬
‫وفيي قوله تعالى ( وَالُّ َأشَدّ بَأْسبًا َوَأشَدّ تَنكِيلً (‪ 84‬النساء ) نجيد أنّه سبحانه قد وصف نفسه بذات الصيفة ‪ ،‬وبما‬
‫أنّي البأس الشدييد تعنيي القوة والبطيش ‪ ،‬فأيين تسيتعمل هذه القوة وهذا البطيش مين قبله سيبحانه ؟ وفيي أي المواقيع‬
‫والمواقف يصف رب العزة نفسه بهاتين الصفتين ؛ القوة والبطش ؟ دعنا نتتبع هذه الصفات والعلقة ما بينها ‪،‬‬
‫شةَ الْكُبْرَى إِنّاب مُن َت ِقمُونَب (‪ 16‬الدخان )‬
‫ط َ‬
‫فيي اليات التالية ( إِنّ َبطْشَب رَبّكَب َلشَدِيدٌ (‪ 12‬البروج ) ( َيوْمَب نَ ْبطِشُب الْ َب ْ‬
‫نجد أنّ الشدة ارتبطت بالبطش ‪ ،‬والبطش بالنتقام ‪.‬‬
‫عزِيزٌ (‪ 40‬الحيج ) ( فَ َأخَذْنَاهُمْب َأخْذَ عَزِيزٍ ُمقْتَدِرٍ (‪42‬‬
‫( إِنّ الَّ َقوِيّ شَدِيدُ الْ ِعقَابِب (‪ 52‬النفال ) ( إِنّ الَّ َل َقوِيّ َ‬
‫القمير ) ( َوكَذَلِكَب َأخْذُ رَبّكَب إِذَا َأخَذَ ا ْلقُرَى وَهِيَب ظَا ِل َمةٌ إِنّ َأخْذَهُب أَلِيمٌب شَدِيدٌ (‪ 102‬هود ) ( َلهُمْب عَذَابٌب شَدِيدٌ وَالُّ‬
‫عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامببٍ (‪ 4‬آل عمران ) ‪ ،‬ونجييد أنييّ الشدة ارتبطييت بالقوة ‪ ،‬والقوة بالعزة ‪ ،‬والعزة بالخييذ ‪ ،‬والخييذ‬
‫بالشدة ‪ ،‬والشدة بالعزة ‪ ،‬والعزة بالنتقام ‪.‬‬
‫ومميا تقدم نجيد أن الموقيف ‪ ،‬الذي يسيتدعيه جيل وعل لظهار بأسيه الشدييد ‪ ،‬هيو موقيف النتقام ‪ ،‬وأن النتقام ل‬
‫يتأتى إل ممن هو قوي وعزيز ‪.‬‬
‫وخلصة القول ‪ :‬أ نّ هؤلء العباد المبعوثين من قبله سبحانه على بني إسرائيل ‪ ،‬اختارهم ال لتنفيذ مهمة ‪ ،‬وهي‬
‫إنزال أبشيع انتقام إلهيي ممكين فيي بنيي إسيرائيل ‪ ،‬لذلك تطلب المير أن يكونوا أولي بأس شدييد ‪ ،‬ويتمتعون بالقوة‬
‫والعزة ‪ ،‬ذوي صبر وجلد عند وقوع البلء ‪ ،‬وقوة وبطش عند اللقاء ‪ ،‬بغض النظر عن إيمانهم أو كفرهم ‪ ،‬زيادة‬
‫فيي التنكييل وإمعانيا فيي الذلل لبنيي إسيرائيل ‪ ،‬وميا عدا ذلك مين صيفات العباد ‪ ،‬ل تصيلح لتنفييذ هذه المهمية ‪.‬‬
‫والفتوحات التي اتخذت الطابع السلمي قديما وحديثا ‪ ،‬لم تحمل الطابع النتقامي بإهلك الحرث والنسل ‪ ،‬الذي‬
‫سيكون عليه المر الذي تصفه اليات ‪.‬‬
‫َفجَاسُوا خِلَالَ ال ّديَارِ ‪:‬‬
‫لم ترد كلمية ( جاسيوا ) أو أي مين مشتقات مصيدرها ( جوس ) فيي مجميل القرآن ‪ ،‬إلّ مرة واحدة فقيط فيي هذا‬
‫الموضع ‪ ،‬لذلك لجأت إلى معجم لسان العرب ‪ ،‬وهذا مما قيل فيها ‪ " :‬الجوس هو مصدر جاس جوسا ‪ ،‬وجوسان‬
‫تردّد ‪ ،‬فجاسوا خلل الديار ‪ :‬تردّدوا بينها للغارة والجوسان ؛ أي قتلوكم بين بيوتكم ؛ بمعنى يذهبون ويجيئون ؛‬
‫فطافوا خلل الديار ينظرون هييل بقييي أحييد لم يقتلوه ؛ تخللوهييا فطلبوا مييا فيهييا ‪ ،‬والجوسييان ‪ :‬الطوفان بالليييل ‪،‬‬
‫ورجيل جوّاس أي يجوس كيل شييء يدوسيه ‪ ،‬والجوس ‪ :‬طلب الشييء باسيتقصاء ‪ ،‬وكيل موضيع خالطتيه ووطئتيه‬
‫فقد جسته " ‪.‬‬
‫ولو جمعنا كل ما قيل فيها من معاني ‪ ،‬وأعدنا تشكيل هذه المعاني وصياغتها ‪ ،‬لخرجنا بالمشهد التالي ‪:‬‬
‫( أغاروا عليكيم – ليل على الرجيح – ودخلوا دياركيم ‪ ،‬ووطئوا أرضكيم ليقتلوكيم وينكّلوا بكيم ‪ ،‬وتردّدوا فيهيا‬
‫ذهابا وإيابا ‪ ،‬وطافوا خللها شرقا وغربا ‪ ،‬وتخلّلوا أزقتكم واقتحموا بيوتكم بحثا وتقصيّا ‪ ،‬لعلّهم يجدوا منهم من‬
‫بقي حيا ليقتلوه ) ‪.‬‬
‫ن ال جلّت قدرته ‪ ،‬أوجز في وصف فعل هؤلء العباد في بني إسيرائيل أيّما إيجاز ‪ ،‬ليصف كل ما‬ ‫نلحيظ هنا أ ّ‬
‫فعلوه فيي كلمية واحدة فقيط ‪ ،‬هيي كلمية ( جاسيوا ) لتصيف مشهدا كامل ‪ ،‬ولم تكين الضافية ( خلل الديار ) إلّ‬
‫‪36‬‬
‫لتوضييح ميا كان قيد جييس ‪ .‬وهذا يُشبيه مشهيد الغارات الوحشيية ‪ ،‬التيي كان يقوم بهيا المريكيي المدجّج بالسيلح‬
‫الناري ‪ ،‬على قرى الهنود الحمير شبيه ال ُعزّل ‪ ،‬وميا يُخلفيه وراءه مين دمار ومآسيي ‪ ،‬مشهيد طالميا حفلت بيه أفلم‬
‫الغرب المريكي ‪.‬‬
‫والعبارة جاءت لتصيف ميا قام بيه عباد البعيث الول عنيد بعثهيم ‪ ،‬قال تعالى ( فجاسيوا ) بصييغة الماضيي ‪ ،‬أي أن‬
‫هذا الجوس قد وقع في الماضي ‪ ،‬ولم يقل ( ليجوسوا ) بصيغة الستقبال ‪ ،‬كما هو الحال في أفعال البعث الثاني‬
‫التي ستقع في المستقبل ‪.‬‬
‫حرُماتهم‬
‫وخلصة القول ‪ :‬أن هذا الجوس قد وقع في الماضي ‪ ،‬وكان غاية في البشاعة واستباح فيه هؤلء العباد ُ‬
‫جميعها ‪ ،‬من أرض ومال وعرض ‪ ،‬فوقع فيهم القتل والنهب والسبي ‪.‬‬
‫عدًا مَ ْفعُولًا ‪:‬‬
‫َوكَانَ َو ْ‬
‫هذا الخبر جاء كتعقيب على الوعد الول ‪ ،‬ليؤكد سبحانه تحقق المرة الولى بعلوها وإفسادها وبعثها ‪ ،‬قد تحقق‬
‫قبل نزول هذه اليات ‪ ،‬حيث جاءت صيغة اسم المفعول ( مَ ْفعُول ) من الفعل ( َفعَلَ ) ‪ ،‬للدللة على تمام الفعل ‪،‬‬
‫ل ) فيما مضى من الزمان ‪ .‬ولم تأتي بأي حال من الحوال بمعنى ( مقضيا ) كما قدّمه‬ ‫بمعنى وكان وعدا ( قد فُعِ ْ‬
‫معظم المفسيرين القدماء ‪ ،‬ومنهيم القرطيبي أجلّه ال ‪ ،‬حيث قال فيهيا " وكان وعدا مفعول أي قضاء كائنيا ل خلف‬
‫فيه " على اعتبار أن نفاذ الوعدين كان قبل السلم ‪.‬‬
‫وقد جاءت هذه العبارة كجملة معترضة ‪ ،‬بحيث لو قمت بإسقاطها من السياق ‪ ،‬ومن ثم قرأت اليتين ( ‪4‬و ‪، ) 5‬‬
‫كمييا يلي ‪ … ( :‬بعثنييا عليكييم عبادا لنييا أولي بأس شديييد ‪ ،‬فجاسييوا خلل الديار ‪ .‬ثييم رددنييا لكييم الكرة عليهييم ‪،‬‬
‫وأمددناكيم … ) لوجدت أن السيياق لم يتأثير بحذفهيا ‪ ،‬فخيبر نفاذ الوعيد الول انتهيى عنيد ذكير الجوس ‪ ،‬أي أن‬
‫الجوس قيد وقيع بعيد البعيث ‪ .‬وجاء التعقييب على الوعيد بالجملة المعترضية ( وكان وعدا مفعول ) لبيان وتأكييد أن‬
‫الوعيد بالبعيث الذي تقدّم ذِكره قيد تحقّق فعل ‪ ،‬وكانيت نتيجتيه هيي الجوس ومين ثيم يبدأ النيص بالخبار عين الوعيد‬
‫الثاني ‪.‬‬
‫ت إِذْ تَأْتِيهِ مْ حِيتَا ُنهُ مْ َيوْ مَ سَبْ ِتهِ ْم‬
‫قال تعالى ( وَاسْبأَ ْل ُهمْ عَنْب ا ْلقَرْ َيةِ الّتِي كَانَتْب حَاضِرَةَ الْ َبحْرِ ‪ ،‬إِذْ َيعْدُو نَ فِي ال سّبْ ِ‬
‫ن لَ تَأْتِيهِمْب ‪ ،‬كَذَلِكَب نَبْلُوهُمْب ِبمَا كَانُوا َيفْسُبقُونَ (‪ … )163‬فَ َلمّاب عَ َتوْا عَنْب مَا ُنهُوا عَنْهُب ‪،‬‬ ‫شُرّعًا ‪ ،‬وَ َيوْمَب لَ يَسْببِتُو َ‬
‫قُلْنَا َلهُ ْم كُونُوا ِقرَدَ ًة خَا سِئِينَ (‪ 166‬العراف ) وهذه الحادثة كما نعلم وقعت في بني إسرائيل قبل مئات السنين ‪،‬‬
‫س ُوجُوهًا‬ ‫طمِ َ‬ ‫ن أُوتُوا ا ْلكِتَا بَ ءَامِنُوا ِبمَا َنزّلْنَا مُ صَدّقًا ِلمَا َمعَكُ مْ مِ نْ قَ ْب ِل أَ نْ َن ْ‬‫والن انظر قوله تعالى ( يَأَ ّيهَا الّذِي َ‬
‫ن َأمْرُ الِّ َم ْفعُولً (‪ )47‬إِنّ الَّ لَ َيغْفِ ُر أَنْ ُيشْرَكَ بِهِ‬ ‫صحَابَ السّبْتِ ‪َ ،‬وكَا َ‬ ‫فَنَرُدّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا َأوْ نَ ْلعَ َنهُ ْم َكمَا َلعَنّا أَ ْ‬
‫‪ 48( ..‬النساء )‬
‫جاءت الجملة المعترضيية ( وكان أميير ال مفعول ) زيادة لليضاح ‪ ،‬ولتؤكييد بمييا ل يدع مجال للشييك أو الظيين ‪،‬‬
‫لبني إسرائيل المعاصرين لرسالة السلم ‪ ،‬والمتشكّكين منهم والذين خانتهم ذاكرتهم ‪ ،‬وغير المصدّقين بصحة‬
‫هذا المير ‪ ،‬الذي كان ال قيد أجراه فيي أسيلفهم ‪ ،‬أن هذا المير وهيو المسيخ قيد مضيى فيي أسيلفهم حقيقية ‪ ،‬فجاء‬
‫ن ال‬
‫تعقيبه تعالى على ما تقدم من لعن ومسخ لسلفهم ‪ ،‬بقوله ( وكان أمر ال مفعول ) لزالة الشك ‪ ،‬ولتأكيد أ ّ‬
‫قادر على تكرار ذلك المر ‪ ،‬إن لم يؤمنوا بما أُنزل من القرآن على وجه التهديد والتحذير ‪.‬‬
‫وخلصية القول ‪ :‬أن الوعيد الول بالبعيث كان قيد مضيى وانقضيى قبيل نزول هذه اليات ‪ ،‬وأنّي تعقيبيه عيز وجيل‬
‫بقوله ( وكان وعدا مفعول ) جاء لتذكيير اليهود الحاليين وتحذيرهم ‪ ،‬وإنباء المسلمين غير العالمين ‪ ،‬بوقوع ذلك‬
‫فيي بنيي إسيرائيل بأنيه قيد وقيع فعل ‪ ،‬وبشرى لهيم بأن الوعيد الثانيي ‪ ،‬سييتحقق كميا تحقّق الوعيد الول وأن ال ل‬
‫يخلف الميعاد ‪ ،‬وميا عليهيم إل الصيبر والسيتمرار فيي كفاحهيم ضيد اليهود ‪ ،‬وحسين الظين بال وبوعده – وعيد‬
‫حلّ َقرِيبًا مِنْب دَا ِرهِمْب ‪ ،‬حَتّىب يَأْتِيَب‬
‫عةٌ ‪َ ،‬أوْ َت ُ‬
‫الخرة – قال تعالى ( َولَ يَزَالُ الّذِينَب َكفَرُوا تُصبِي ُب ُهمْ بِمَا صَبَنعُوا قَارِ َ‬
‫ن الَّ لَ ُيخْلِفُ ا ْلمِيعَادَ (‪ 31‬الرعد ) ‪.‬‬‫وَعْ ُد الِّ إِ ّ‬

‫‪37‬‬
‫جعَلْنَاكُ ْم أَكْثَ َر َنفِيرًا ( ‪)6‬‬
‫( ُثمّ رَدَدْنَا َلكُمْ ا ْلكَرّ َة عَلَ ْي ِهمْ َوَأمْدَدْنَا ُكمْ بِ َأ ْموَالٍ وَبَنِينَ َو َ‬

‫ُثمّ َردَ ْدنَا َل ُكمْ ا ْل َكرّةَ عََل ْي ِهمْ ‪:‬‬


‫قال تعالى ( ثُمّ رَدَدْنَاهُب أَسْب َف َل سبَافِلِينَ ) أي ثيم رددنيا النسيان أسيفل سيافلين مين النار ‪ ،‬وهذا ل يتحصيل إل بعيد‬
‫عمِلُوا الصبّا ِلحَاتِ فَ َلهُمْب‬
‫البعيث والحسياب ‪ ،‬بدللة السيتثناء فيي تكملة السيياق ‪ ،‬فيي قوله تعالى ( ِإلّ الّذِينَب آمَنُوا وَ َ‬
‫َأجْرٌ غَيْ ُر َممْنُونٍ (‪ 6‬التين ) وبالتالي تكون ( ثم رددناه ) بالماضي ‪ ،‬جاءت بمعنى أيضا ( ثم نردّه ) بالمستقبل ‪.‬‬
‫وجاءت كلميية ( رددنييا ) بمعنييى أعدنييا ميين إعادة ‪ ( ،‬وال َكرّة ) مصييدرها َك َررَ وفعلهييا كَرّ ‪ ،‬وال َكرّ والف ّر تقنييية‬
‫عسيكرية ‪ ،‬ويقولون " الحرب ك ّر وفرّ " وهيي تعنيي الفعيل المضاد للفعيل السيابق ‪ ،‬فالغلبية كانيت للعباد والهزيمية‬
‫لبنييي إسييرائيل ‪ ،‬ور ّد الكرة لهييم هييو العكييس تمامييا ‪ ،‬كالصييورة فييي المرآة ‪ ،‬أي الغلبيية والتفوق العسييكري لبنييي‬
‫لسرائيل ‪ .‬وليس المقصود بالكرّة العودة إلى فلسطين ‪ ،‬وانتصار اليهود في حروبهم ضد الدول العربية ‪ ،‬لقوله (‬
‫الكرّة عليهم ) أي الغلبة العسكرية على العباد أنفسهم دون غيرهم ‪ .‬فضمير الغائب المتصل ( هم ) في (عليهم ) ‪،‬‬
‫يعود على العباد المبعوثيين عليهيم الذيين سيبق ذكرهيم ‪ ،‬وجمييع ضمائر المخاطيب المتصيلة ( كيم ) فيي هذه اليية ‪،‬‬
‫تعود على بني إسرائيل ‪.‬‬
‫حسِنِينَ (‪ 58‬الزمر ) ‪ ،‬فالفعل الذي‬
‫ن مِنْ ا ْل ُم ْ‬
‫قال تعالى على لسان الكافر حين يرى العذاب ( َل ْو أَنّ لِي كَرّةً فَ َأكُو َ‬
‫سبق هو مجيئه من الدنيا إلى الخرة ‪ ،‬فتمنى الكرة أي العودة من الخرة إلى الحياة الدنيا ليكون من المحسنين ‪.‬‬
‫وخلصية القول ‪ :‬أن المقصيود هيو أن يُوقيع اليهود بأولئك العباد ‪ ،‬ميا كان أولئك العباد قيد أوقعوه فيي أسيلفهم مين‬
‫قبييل ‪ ،‬ميين اسييتباحة للرض والمال والعرض ‪ ،‬وذلك بعييد اسييتكمال مظاهيير العلو الثانييي بالسييتقواء على أولئك‬
‫العباد والعدوان عليهم ‪.‬‬
‫جعَ ْلنَا ُكمْ َأ ْك َثرَ نَفيرًا ‪:‬‬
‫وََأ ْم َد ْدنَاكُمْ ِبَأمْوَالٍ َو َبنِينَ َو َ‬
‫وأمددنيا فيي ( لسيان العرب ) " مصيدرها مدد ؛ ومدّه غيره وأمدّه ؛ وأمددناهيم بغيرنيا ؛ والمدد هيم العسياكر التيي‬
‫تلحيق بالمغازي ‪ ،‬والمداد أن يرسيل الرجيل للرجيل مددا ‪ ،‬تقول أمددنيا فلنيا بجييش ‪ ،‬قال تعالى ( ُيمْدِ ْدكُمْب رَ ّبكُمْب‬
‫س ِة آلَفٍ (‪ 125‬آل عمران ) " وفي المجمل تعني الزيادة والكثرة ‪ ،‬في المساعدة العسكرية المقدمة من قبل‬
‫خمْ َ‬
‫ِب َ‬
‫الغير ‪ ،‬من مال وأفراد وعتاد أثناء الحرب ‪ .‬عندما يكون الجيش أقرب للهزيمة منه إلى النصر ‪.‬‬
‫خفَافًا وَ ِثقَالً َوجَاهِدُوا بِ َأ ْموَا ِلكُمْب‬
‫والنفيير هيم القوم ينفرون معيك ويتنافرون فيي القتال ‪ ،‬ومنيه قوله تعالى ( انفِرُوا ِ‬
‫َوأَن ُف ِسكُمْ فِي سَبِي ِل الِّ ذَِل ُك ْم خَيْرٌ َل ُكمْ إِ ْن كُن ُتمْ َتعَْلمُونَ (‪ 41‬التوبة ) ‪.‬‬
‫جاء فيي ( كتاب النبوءة والسيياسة ) ‪ ،‬للكاتبية المريكيية ( غرييس هالسيل ) ‪ " :‬لقيد أغرقنيا إسيرائيل بالسيلحة ‪:‬‬
‫جعلنييا ميين دولة الثلثيية مليييين يهودي ‪ ،‬ماردا عسييكريا أكييبر ميين أي دولة منفردة ‪ ،‬مثييل ألمانيييا أو إنكلترا أو‬
‫فرنسا ‪ ،‬وأقوى من ‪ 21‬دولة عربية مجتمعة ‪ ،‬عدد سكانها ‪ 150‬مليون نسمة "‬
‫" أن إسيرائيل ‪ ..‬هيي المسيتفيد الول بل منازع مين برناميج مسياعداتنا ‪ ..‬تحصيل على ثلث مجميل المسياعدات‬
‫المريكية الخارجية "‬
‫وتقول الكاتبية تعقيبيا على انتصيار إسيرائيل فيي حرب ‪ " ، 1967‬لم يعطِي أحيد أي فضيل للوليات المتحدة ‪ ،‬لنهيا‬
‫زودت إسييرائيل بالسييلحة والتكنولوجيييا والدولرات ‪ ،‬وحتييى بالعناصيير العسييكرية المريكييية التييي سيياعدت‬
‫السرائيليين في تلك الحرب ‪ .‬لقد ربحت إسرائيل لن الوليات المتحدة كانت تؤيدها بل حدود "‬
‫وتقول أيضيا " أن نسيبة العسيكريين إلى المدنييين فيي إسيرائيل ‪ ،‬هيي ( ‪ 1‬عسكري من كيل ‪ 22‬مدنيي ) وهيي أعلى‬
‫نسبة في العالم "‬

‫‪38‬‬
‫وتقول أيضا على لسان الستاذ في الجامعة العبرية ( إسرائيل شاهاك ) " إن دافع الضرائب المريكي أرسل إلى‬
‫إسيرائيل ‪ ،‬فيي عام ‪ 1985‬خمسية مليارات دولر " واسيتمرت أمريكيا بدفيع هذه القيمة سينويا لغايية الن ‪ ،‬فضل‬
‫عن المساعدات المادية والعينية الخرى " ‪ ،‬انتهى ‪.‬‬
‫وفيي قوله تعالى ( ثيم رددنيا لكيم الكرة عليهيم ‪ ،‬وأمددناكيم بأموال وبنيين ‪ ،‬وجعلناكيم أكثير نفيرا ) ثلثية أفعال ‪،‬‬
‫حمّلت جميعهييا أيضييا صييفة‬ ‫جاءت جميعهييا بصيييغة الماضييي ‪ ،‬وهييي ( رددنييا لكييم ‪ ،‬أمددناكييم ‪ ،‬جعلناكييم ) و ُ‬
‫السيتقبال ‪ ،‬بمعنيى ( ونردّ لكيم ‪ ،‬ونمدّكيم ‪ ،‬ونجعلكيم ) ولكين باختلف الزمان ‪ ،‬فهذه الفعال جاءت لتأخيذ صيفة‬
‫السييتقبال ‪ ،‬قبييل قيام دولة إسييرائيل ‪ ،‬فتفيييد معنييى ( ونردّ لكييم ‪ ،‬ونمدّكييم ‪ ،‬ونجعلكييم ) ‪ ،‬ولتأخييذ بعييد قيام دولة‬
‫إسرائيل صفة الماضي ‪ ( ،‬رددنا لكم ‪ ،‬وأمددناكم ‪ ،‬وجعلناكم ) ‪.‬‬
‫كان المفسرين القدماء أكثر قربا منا وأكثر فهما لمفردات اللغة العربية ‪ ،‬ومع ذلك لم يعطوا هذه اليات حقها من‬
‫التفسيير والتفصييل ‪ ،‬مميا سياهم فيي إخفاء هذا المير العظييم حتيى هذه اليام ‪ ،‬ومر ّد ذلك أنهيم لم يعاصيروا الدولة‬
‫الحاليية لليهود ‪ .‬ولو فُسيّرت هذه اليات تفسييرا دقيقيا كميا الن لكشفيت هذه النبوءة للمسيلمين الكثيير مين الوقائع ‪،‬‬
‫ولربميا كان ضرّ هذا الكشيف عنهيا للمسيلمين أكثير مين نفعيه ‪ ،‬ولكين لم يشيأ ال ذلك رحمية بالمسيلمين ‪ ،‬حتيى ل‬
‫ن ال قد أخبر بذلك وهو الحقّ وقوله حقّ ‪.‬‬ ‫يتملكهم اليأس والقنوط والتسليم بالمر الواقع ‪ ،‬بما أ ّ‬
‫ولو حصل أن علم المسلمون بتفاصيل هذه النبوءة مسبقا ‪ ،‬فربما ترك معظم الفلسطينيون بلدهم ‪ ،‬مع إطلق أول‬
‫حرِ مَ المسلمون شرف الشهادة ونيل‬ ‫رصاصة من قبل برابرة هذا العصر ‪ ،‬إل من أوتي الحكمة و َرحِ مَ ربي ‪ ،‬وَل ُ‬
‫ك الَْيّامُ نُدَاوُِلهَا بَ ْينَ النّاسِ‬
‫ح مِثْلُهُ ‪ ،‬وَتِلْ َ‬
‫سكُمْ َقرْحٌ ‪َ ،‬فقَ ْد مَسّ ا ْل َقوْمَ َقرْ ٌ‬
‫س ْ‬
‫الذى في سبيل ال ‪ ،‬لقوله تعالى ( إِنْ َيمْ َ‬
‫شهَدَاءَ ‪ ،‬وَالُّ لَ ُيحِبّ الظّا ِلمِينَب (‪140‬آل عمران ) ولقوله ( مَا كَانَب‬ ‫‪ ،‬وَلِ َيعْلَمَب الُّ الّذِينَب آمَنُوا ‪ ،‬وَيَ ّتخِذَ مِ ْنكُمْب ُ‬
‫حوْ َلهُمْب مِنَب الَْعْرَابِب ‪ ،‬أَنْب يَ َتخَّلفُوا عَنْب رَسبُولِ الِّ ‪َ ،‬ولَ َيرْغَبُوا بِأَنفُسِبهِمْ عَنْب َنفْسِبهِ ‪ ،‬ذَلِكَب‬
‫لَِ ْهلِ ا ْلمَدِي َنةِ ‪َ ،‬ومَنْب َ‬
‫ن َم ْوطِئًا َيغِي ظُ ا ْلكُفّارَ ‪َ ،‬ولَ يَنَالُو نَ‬
‫صةٌ فِي سَبِي ِل الِّ ‪َ ،‬ولَ َيطَئُو َ‬
‫خمَ َ‬‫ظمَأٌ ‪َ ،‬ولَ نَ صَبٌ ‪َ ،‬و َل َم ْ‬ ‫بِأَ ّنهُ مْ ‪ ،‬لَ يُ صِي ُبهُمْ ‪َ ،‬‬
‫ع َملٌ صبَا ِلحٌ ‪ ،‬إِنّ الَّ لَ يُضِيعُب أَجْرَ ا ْل ُمحْسِبنِينَ (‪120‬التوبية ) ‪ .‬ولكين عدم‬
‫مِنْب عَ ُدوّ نَ ْيلً ‪ِ ،‬إ ّل كُتِبَب َلهُمْب بِهِب ‪َ ،‬‬
‫معرفية الفلسيطينيون آنذاك بحتميية قيام الدولة اليهوديية ‪ ،‬أبقيى الميل بإمكانيية منيع إقامتهيا حيّا فيي نفوس أهلهيا ‪،‬‬
‫فبقي الكثير منهم فيها ‪ ،‬واستمر باب الجهاد في سبيل ال مشرعا على مصراعيه ‪ ،‬وبقي سجل شرف الشهادة في‬
‫سيبيل ال مفتوحيا إلى يوم القيامية ‪ ،‬لمين يرغيب منهيم فيي تدويين اسيمه ‪ ،‬ولتكون منهيم بإذن ال تلك الطائفية التيي‬
‫أخبر عنها رسول الحق عليه الصلة والسلم ‪.‬‬
‫أما بالنسبة لليهود ‪ ،‬فهل كُشفت لهم هذه النبوءة ؟ أقول ‪ :‬نعم بل شك ‪ ،‬ألم يقل سبحانه ( وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ‬
‫فِي ا ْلكِتَببابِ ) وكشفيت لهيم أيضيا نبوءات أخرى ‪ ،‬ويعرفون تفاصييلها كميا يعرفون أبناءهيم ‪ ،‬قال تعالى ( ُثمّ آتَيْنَا‬
‫مُوسَى ا ْلكِتَابَ َتمَامًا عَلَى الّذِي َأحْسَنَ ‪ ،‬وَ َتفْصِيلً ِل ُكلّ شَ ْيءٍ وَهُدًى وَ َر ْح َمةً ‪َ ،‬لعَّلهُمْ بِِلقَاءِ رَ ّبهِمْ ُي ْؤمِنُونَ (‪154‬‬
‫ظةً ‪ ،‬وَ َتفْصبِيلً ِلكُ ّل شَيْءٍ ‪َ ،‬فخُذْهَا ِب ُقوّةٍ َو ْأمُرْ َق ْومَكَب يَ ْأخُذُوا‬
‫عَ‬‫النعام ) ( َوكَتَبْنَا لَهُب فِي الَْ ْلوَاحِب مِنْب ُك ّل شَيْ ٍء َموْ ِ‬
‫بِ َأحْسَب ِنهَا ‪ ،‬سَبأُرِي ُكمْ دَارَ ا ْلفَاسِبقِينَ (‪ 145‬العراف ) وقيد كشفهيا ال لهيم ليعلم ميا سييكون منهيم ‪ ،‬فعلم العقلء‬
‫يزيدهيم تواضعيا وخضوعيا وامتثال ‪ ،‬وعلم الذيين ل يعقلون ( اليهود ) زادهيم جهل واسيتكبارا وطغيانيا وعصييانا‬
‫وعدوانا ‪ ،‬وسنوضح لحقا ما كان منهم ‪ ،‬بناءا على معرفتهم لما جاء في كتبهم من نبوءات ‪ ،‬بإذن ال ‪.‬‬
‫أميا لماذا كُشفيت الن ‪ ،‬نقول ‪ :‬أن ل جدوى مين إخفاءهيا الن ‪ ،‬فقيد اكتملت معالم القدر مين ظروف وملبسيات ‪،‬‬
‫وفسيّر الواقيع جزءا كيبيرا مين نصيوصها ‪ ،‬وكيل شييء أصيبح واضحيا للعيان ( وَ َتمّتْب كَ ِل َمةُ رَبّكَب صِبدْقًا وَعَ ْدلً (‬
‫‪ 115‬النعام ) وعلم سبحانه ما أراد أن يعلم مما كان من المسلمين ‪ ،‬واتخذ وسيتخذ منهم ما أراد أن يتخذ ‪ ،‬وما‬
‫ن حَصِيرًا (‪8‬‬
‫جهَنّمَ لِ ْلكَا ِفرِي َ‬
‫جعَلْنَا َ‬
‫كان من اليهود وسيأخذ منهم ما شاء أن يأخذ حطبا لنار جهنم وبئس المصير ( َو َ‬
‫السبراء ) ‪ .‬والكشيف عين أسيئلة المتحان والبلء لن يُغيّر شيئا ‪ ،‬فقوائم النتائج والشهادات تُعلن مين على شاشات‬
‫التلفاز ‪ ،‬فقيد نجيح الكثيير مين طلب الخرة فيي امتحان ربهيم على ( درجبة شهيبد بامتياز مبع مرتببة الشرف )‬
‫ولكن أكثر الناس ل يعلمون ‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫ونحيين الن بانتظار أن يُصييدر رب العزة ‪ ،‬نتائج أولئك الوغاد السييفلة ‪ ،‬وكأنّي أتخيّل الملئكيية يُعدّونهييا ‪ ،‬فييي‬
‫ب أَفْئِدَ َت ُهمْ َوأَبْصَا َر ُهمْ ‪َ ،‬كمَا َلمْ ُي ْؤمِنُوا‬
‫عجلة من أمر ربهم لتكون جاهزة عند موعد التسليم ‪ ،‬فتدبّر في قوله ( وَ ُنقَلّ ُ‬
‫طغْيَا ِنهِمببْ َي ْع َمهُونببَ (‪ … 110‬وَلِتَصبْبغَى إِلَيْهببِ أَفْئِدَةُ الّذِينبَب لَ ُي ْؤمِنُونببَ بِا ْ‬
‫لخِرَةِ ‪،‬‬ ‫بِهبِب َأوّ َل مَرّةٍ ‪ ،‬وَنَذَرُهُمببْ فِبي ُ‬
‫ضوْه بُ ‪ ،‬وَلِ َيقْتَرِفُوا مَا هُم ْب ُمقْتَرِفُون بَ ‪ … 113( ،‬وَ َتمّت ْب كَ ِل َمةُ رَبّك بَ ص بِ ْدقًا وَعَ ْدلً ‪َ ،‬ل مُبَ ّدلَ ِلكَ ِلمَاتِه ِب وَ ُهوَ‬
‫وَلِيَرْ َ‬
‫السّبمِيعُ ا ْلعَلِيمُب (‪ 115‬النعام ) ‪ ،‬وموعدهيم قريب وعنيد مجيئه سيكون الباب مشرعا لولئك العباد بأمير ربهيم ‪،‬‬
‫لينقضوا عليهم ويزلزلوا أركانهم ‪ ،‬ويكسروا شوكتهم ويقتلعوها من جذورها ‪ ،‬والبعبع المريكي يغ طّ في سبات‬
‫عميق ولن يمنعهم من أمر ال أحد كان ‪.‬‬
‫ونقول ‪ :‬أ نّ عودة اليهود إلى فلسطين ح قّ ‪ ،‬فالذي أخبر عن ذلك هو الح قّ ‪ ،‬وأ نّ إخراج أهلها منها ح قّ ‪ ،‬بعد أن‬
‫ن ال عليهم بالستضعاف بالرض ‪ ،‬كما استضعف الذين من قبلهم فأُورثوا الرض من بعد ‪ ،‬فقد أَخرج رسوله‬ ‫مّ‬
‫مين قبيل بالحقّي ( َكمَا َأخْ َرجَكَب رَبّكَب مِنْب بَيْتِكَب بِا ْلحَقّ َوإِنّ فَرِيقًا مِنْب ا ْل ُم ْؤمِنِينَب َلكَارِهُونَب (‪ 5‬النفال ) وفيي إحدى‬
‫ن أَرْضِنَا َأوْ لَ َتعُودُنّ‬
‫ن َكفَرُوا لِ ُرسُ ِل ِهمْ لَ ُنخْ ِرجَ ّنكُ ْم مِ ْ‬
‫سننه الكونية لمن يُخرج الناس من ديارهم قال الحقّ ( وَقَالَ الّذِي َ‬
‫ن الظّا ِلمِينَ (‪ 13‬إبراهيم ) ‪.‬‬
‫فِي مِلّتِنَا فَ َأ ْوحَى إِلَ ْي ِهمْ رَ ّب ُهمْ لَ ُنهْ ِلكَ ّ‬
‫وهذه رسيالة رب العزة إلى أمية محميد علييه الصيلة والسيلم ومين سيورة ( محميد ) ‪ ( :‬فَلَ َتهِنُوا ‪ ،‬وَتَ ْدعُوا إِلَى‬
‫عمَا َلكُمْ (‪َ … )35‬وإِنْ تَ َتوَّلوْا يَسْتَبْ ِدلْ َق ْومًا غَيْ َركُمْ ُثمّ لَ َيكُونُوا‬
‫السّ ْلمِ ‪َ ،‬وأَنْتُ ْم الَْعْ َلوْنَ ‪ ،‬وَالُّ َم َعكُمْ ‪ ،‬وَلَنْ يَ ِت َركُمْ أَ ْ‬
‫َأمْثَا َلكُمْب (‪ ، )38‬وإن لم نكين نسيتحق النتسياب لمّة ( محميد ) علييه أفضيل الصيلة والتسيليم قول وعمل ‪ ،‬فسينّة‬
‫الستبدال واقعة بنا ل محالة ومن المؤسف أنها على وشك ‪.‬‬
‫وخلصية القول ‪ :‬أنيه وبعيد نفاذ الوعيد الول فيكيم – والخطاب لبنيي إسيرائيل ‪ -‬مين قبيل هؤلء العباد ‪ ،‬وقتلِهيم‬
‫وقهرِهيم لكيم وزوال دولتكيم ‪ ،‬وتشتتكيم فيي الرض بمدة مين الزمين طالت أو قصيرت ‪ -‬تفيدهيا ثمّي ‪ -‬سينأذن لكيم‬
‫بالعودة إلى الرض المقدسية ‪ ،‬وتهزموهيم كميا هزموا أسيلفكم ‪ ،‬وتعود لكيم السيطوة عليهيم وتلحقوا بهيم ميا ألحقوه‬
‫بأسيلفكم ‪ ،‬ونُمدّكيم بالفراد المدربيين على القتال وبالمسياعدات الماليية والعسيكرية ونجعلكيم أكثير عددا وعتادا ‪.‬‬
‫ك الَْيّامُب نُدَاوُِلهَا بيْ نَ النّاسِب ) بإجراء القضاء والقدر ‪ ،‬وليس مين قبييل المكافأة لبني إسيرائيل‬
‫وهذا من قبيل ( وَتِلْ َ‬
‫على إحسانهم ونيلهم رضاه سبحانه ‪ ،‬كما يدّعون في توراتهم وكما ذهب إلى ذلك بعض المفسّرين ‪.‬‬

‫ن أَسَأْ ُتمْ فَ َلهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْ ُد الْآخِرَ ِة لِيَسُوءُوا ُوجُو َهكُمْ وَلِيَ ْدخُلُوا ا ْلمَسْجِ َد َكمَا‬
‫سكُمْ َوإِ ْ‬
‫( إِنْ َأحْسَنتُ ْم أَحْسَن ُتمْ لِأَنفُ ِ‬
‫َدخَلُوهُ َأ ّولَ مَرّ ٍة وَلِيُتَبّرُوا مَا عَ َلوْا تَتْبِيرًا ( ‪) 7‬‬

‫س ْأتُمْ فََلهَا ‪:‬‬


‫ن َأ َ‬
‫حسَنتُ ْم ِلأَن ُفسِ ُكمْ وَإِ ْ‬
‫حسَن ُتمْ َأ ْ‬
‫ن َأ ْ‬
‫إِ ْ‬
‫وهذا على سيبيل التخييير ولنفيي الجبريية على مين يملك العقيل والرادة ‪ ،‬ولدفيع الظلم عين نفسيه جلّ وعل ‪ ،‬حييث‬
‫ن أَ سَاءَ َفعَلَ ْيهَا َومَا رَبّ كَ ِبظَلّمٍ لِ ْلعَبِيدِ (‪ 46‬فصلت ) وجاءت في ظاهرها تحمل‬ ‫سهِ َومَ ْ‬ ‫ع ِملَ صَا ِلحًا َفلِ َنفْ ِ‬
‫قال ( مَ نْ َ‬
‫الكثير من الترغيب والكثير من الترهيب ‪ ،‬وفي باطنها التهديد والتحذير مما يليها ‪ ،‬لكيل يكون لهم على ال حجة‬
‫‪ ،‬بأنه لم يحذّرهم وينذرهم قبل إنزال عقاب وعد الخرة فيهم ‪ .‬أما دفع تهمة الفساد عن النفس فليست بالماني‬
‫ومعسيول الكلم ولكين بالنظير إلى ميا اقترفتيه اليادي ‪ ،‬حييث قال سيبحانه ( لَيْسَب بِ َأمَانِ ّيكُمْب َو َل َأمَانِيّ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِب‬
‫لّ وَلِيّا َولَ نَصِيرًا (‪ 123‬النساء ) ‪.‬‬
‫مَنْ َي ْع َملْ سُوءًا ُيجْزَ ِبهِ َولَ َيجِدْ َل ُه مِنْ دُونِ ا ِ‬
‫والتغييير مين الفسياد إلى الصيلح ومين السياءة إلى الحسيان ‪ ،‬ل يأتيي عبثيا بيل يحتاج إلى الكثيير مين الجهيد‬
‫والعميل ‪ ،‬فالبدايية تكون بتحصييل العلم والمعرفية بال ‪ ،‬بالتفكّر والتدبّر فيي ملكوت السيماوات والرض ‪ ،‬ومين ثيم‬
‫اليمان بوجوده وقدرتييه على الخلق واليجاد ‪ ،‬وميين ثييم ردّ الجميييل لصيياحب الفضييل والمنّة ‪ ،‬بإقرار ربوبيتييه‬
‫وملكيتيه لنيا ‪ ،‬ومين ثيم الطاعية والتسيليم والنصيياع ‪ ،‬ومين ثيم تحصييل المعرفية بمراده مين الخلق ‪ ،‬كميا جاء فيي‬
‫كتابيه ( َومَا خَ َلقْتُب ا ْلجِنّ وَالِْنسَب ِإلّ لِ َيعْبُدُونِب (‪ 56‬الذاريات ) وبالتالي البحيث الحثييث لمعرفية ميا يُنال بيه الرضيا‬

‫‪40‬‬
‫ويُدفيع بيه الغضيب ‪ ،‬ومين ثيم العميل بميا تعلم ‪ ،‬فإن لم يكين حبيا فيي ملك الملوك ليكين ول ًء لسيبق الفضيل ‪ ،‬وإن لم‬
‫يكن طمعا في الجنة فخوفا من النار ‪.‬‬
‫فانظير بربيك إلى ربيك ميا أعدله ‪ ،‬أنعيم علييك وأوجدك أول ‪ ،‬وسييدخلك الجنية إلى البيد ثانييا ‪ ،‬لتكون ممين قالوا (‬
‫حمْدُ لِّ الّذِي صَ َدقَنَا وَعْدَ هُ َوَأوْرَثَنَا الَْرْ ضَ نَتَ َب ّوُأ مِ نَ ا ْلجَ ّنةِ حَيْ ثُ َنشَاءُ فَ ِنعْ مَ َأجْرُ ا ْلعَامِلِي نَ (‪ 74‬الزمر )‬
‫وَقَالُوا ا ْل َ‬
‫غفْ َل ٍة مِنْ هَذَا َب ْل كُنّا ظَا ِلمِينَ (‪ 97‬النبياء ) ‪.‬‬ ‫ل من الذين قالوا ( َيوَيْلَنَا قَ ْد كُنّا فِي َ‬
‫ل َمرَدّ لَهُب َومَا َلهُمْب مِنْب‬ ‫قال تعالى ( إِنّ الَّ لَ ُيغَيّ ُر مَا ِب َقوْمٍب حَتّىب ُيغَيّرُوا مَا بِأَنفُسِب ِهمْ َوإِذَا أَرَادَ الُّ ِب َقوْمٍب سبُوءًا فَ َ‬
‫دُونِهِب مِنْب وَالٍ (‪ 11‬الرعيد ) فالتغييير يبدأ مين العبيد وينتهيي عنده ‪ ،‬قال تعالى ( َوإِذْ قَا َل مُوسبَى ِل َق ْومِهِب َي َقوْمِب لِمَب‬
‫ُتؤْذُونَنِي وَقَدْ َتعْ َلمُونبَ أَنّيب رَسبُولُ الِّ إِلَ ْيكُمبْ فَ َلمّاب زَاغُوا أَزَاغَب الُّ قُلُو َبهُمبْ وَالُّ لَ َيهْدِي ا ْل َقوْمبَ ا ْلفَاسِبقِينَ (‪5‬‬
‫الصيف ) حييث سيبق الزييغ منهيم فأزاغ ال قلوبهيم ‪ ،‬أفل يسيتحق المير شيئا مين العناء … ؟! فلنسيارع بتغييير‬
‫أنفسنا قبل أن تتغير جلودنا مرارا وتكرارا في جحيم جهنم ‪.‬‬
‫خرَةِ ‪:‬‬
‫عدُ الْآ ِ‬
‫َفإِذَا جَاءَ َو ْ‬
‫فيما روي عنه عليه الصلة والسلم ‪ ،‬مما قال في دعاءه " أنت الول فليس قبلك شيء ‪ ،‬وأنت الخر فليس بعدك‬
‫شيء " ‪ ،‬والخِر والخِرة نقيض المتقدم والمتقدمة ‪ ،‬ومن معجم مختار الصحاح ‪ :‬الخِر بكسر الخاء بعد الول‬
‫وهو صفة ‪ ،‬تقول جاء آخِرا أي أخيرا وتقديره فاعل والنثى آخِرة والجمع أواخر ‪.‬‬
‫وخلصة القول ‪ :‬أنها المرة الثانية في الترتيب والخيرة في عدد المرات ‪ ،‬ول ثالثة بعدها ‪ ،‬وإنما هناك أخرى ‪،‬‬
‫ولكنها تختلف في أنها ليست مرة ‪ ،‬ول يصحّ أن نسميها مرة ثالثة فهي ل تمتلك شروط المرتين السابقتين ‪.‬‬
‫بعثناهم عليكم ‪:‬‬
‫هذه العبارة غيير موجودة أصيل فيي نيص اليية ‪ ،‬وهيي جواب شرط إذا الخاص بوعيد الخرة ‪ ،‬وقيد حُذفيت لدللة‬
‫جواب شرط إذا الخاص بوعد أولهما ‪ .‬ولتوضيح عمل ( إذا ) وما يعنيه شرطها وجوابها ‪ ،‬نقول نستعمل ( إذا )‬
‫عادة ‪ ،‬إذا أردنييا تعليييق فعييل معييين ( ويسييمى جواب شرط إذا ) بفعييل آخيير ( ويسييمى شرط إذا ) ‪ ،‬كأن تقول‬
‫لزوجتك على سبيل المثال ‪ " :‬إذا حصلت على ترقية في نهاية الشهر ‪ ،‬اشتريت لك ذلك الخاتم " ‪ ،‬فالذي ذهبت‬
‫إلييه فيي الواقيع ‪ ،‬هيو أنيك علّقيت عمليية شراء الخاتيم الذي رغبيت فييه زوجتيك ‪ ،‬بعمليية حصيولك على الترقيية‬
‫الموعود بهيا آخير الشهير ‪ ،‬فإن لم تكين هناك ترقيية فلن تحصيل زوجتيك المسيكينة على الخاتيم ‪ .‬فشرط ( إذا ) هيو‬
‫( الحصول على الترقية ) وجواب الشرط هو ( شراء الخاتم ) ‪ .‬وبعبارة أخرى نقول أن حصول زوجتك على‬
‫الخاتم متعلّق بالحصول على الترقية ‪.‬‬
‫لخِرَةِ – بعثناهيم عليكيم –‬
‫وبإعادة عبارة ( بعثناهيم عليكيم ) المحذوفية ‪ ،‬يصيبح النيص كميا يلي ( َفإِذَا جَا َء وَعْدُ ا ْ‬
‫سجِدَ ) ‪ .‬وعبارة ( وليسوءوا وجوهكم ) ليست جوابا للشرط لرتباطها بلم كي ‪،‬‬ ‫لِيَسُوءُوا ُوجُو َهكُمْ وَلِيَ ْدخُلُوا ا ْلمَ ْ‬
‫حييث جاءت العبارة لتعلييل البعيث وتوضييح الغايية مين البعيث ‪ .‬وضميير الغائب المتصيل ( هيم ) فيي ( بعثناهيم )‬
‫يعود على العباد أنفسهم ‪ ،‬وضمير المخاطب المتصل ( كم ) في ( عليكم ) يعود على بني إسرائيل ‪.‬‬
‫وخلصة القول ‪ :‬أن هذه المرة هي الخيرة من المرتين ‪ ،‬وأن تحقّق البعث متعلّق بمجيء الموعد المحدّد ‪ ،‬وبما‬
‫أن الضمير في كلمة ( بعثناهم ) يعود على نفس العباد ‪ ،‬فإن عباد البعث الثاني هم عباد البعث الول ‪.‬‬
‫ِل َيسُوءُوا ُوجُو َه ُكمْ ‪:‬‬
‫ل بِالنسيان ميا َي ْكرَه ‪ ،‬وأسياءه نقييض سَيرّه ‪ .‬وفيي الواقيع سيتظهر معالم الذل والهوان على‬‫إسياءة الوجيه ‪ ،‬أن يُفعِ َ‬
‫وجوه اليهود ‪ ،‬ميين جراء سييلب أولئك العباد للمكتسييبات والمقومات المادييية التييي مكّنتهييم ميين العلو والسييتكبار‬
‫والسييييتعلء على الناس ‪ ،‬ليُحرموا هذه الميزة بتبادل الدوار مييييع أولئك العباد ‪ .‬ويكسييييبوا ميزة جديدة هييييي‬
‫الستضعاف والذل والنخفاض ‪ ،‬بتبادل الدوار مع الفلسطينيين أيضا ‪ ،‬ومن ثم ليقع فيهم ما أنزلوه بالفلسطينيين‬
‫طيلة مدة علوهيم ‪ ،‬مين قتيل وأسير وتعذييب وسيلب للراضيي والممتلكات وإتلف وهدم ‪ ،‬وعلى قاعدة الجزاء مين‬

‫‪41‬‬
‫جنييس العمييل ‪ ( ،‬وَ َيشْف بِ ص بُدُورَ َقوْم ٍب ُم ْؤمِنِين بَ (‪ 14‬التوبيية ) ‪ .‬وضمييير الغائب المتصييل ( واو الجماعيية ) فييي‬
‫( ليسوءوا ) يعود على نفس العباد ‪ ،‬وضمير المخاطب المتصل (كم ) في ( وجوهكم ) يعود على بني إسرائيل ‪.‬‬
‫والذي سييظهر على الوجيه هيو تعابيير السيتياء التيي تنتيج فيي الغالب ‪ ،‬عين مشاعير تجييش بهيا النفيس البشريية ‪،‬‬
‫كاللم والحسرة والغيظ والخزي والذل ‪ ،‬عندما تتعرض للذى النفسي ‪ ،‬الذي غالبا ما يكون ناتج عن فقدان مادي‬
‫لميا هيو جييد أو كسيب ميا هيو سييئ أو كلهميا معيا ‪ ،‬وتعتميد درجية السيتياء على درجية الفقيد أو الكسيب ‪ ،‬والذي‬
‫سيفقده اليهود هو السيادة والغنى والقوة ‪.‬‬
‫جهُهُب‬ ‫ظلّ َو ْ‬ ‫ونجيد وصيف لتعابيير وجيه ‪ ،‬يشعير صياحبه بسيوء ألمّي بيه فيي قوله تعالى ( َوإِذَا ُبشّ َر َأحَدُهُمْب بِالُْنْثَى َ‬
‫مُسْبوَدّا وَ ُه َو َكظِيمٌب (‪ )58‬يَ َتوَارَى مِنَب الْ َقوْمِب مِنْب سبُو ِء مَا ُبشّرَ بِهِب … (‪ 59‬النحيل ) ‪ ،‬ونجيد وصيف آخير لتعابيير‬
‫وجوه الذين اقترفوا السيئات ‪ ،‬عندما استيقنوا أن ل مفر ول عاصم من أمر ال ‪ ،‬وأنهم سينالون جزاء سيئاتهم ‪،‬‬
‫جزَاءُ سَيّ َئةٍ ِبمِثْ ِلهَا وَتَ ْر َه ُقهُمْ‬
‫ن كَسَبُوا السّيّئَاتِ َ‬ ‫فتملكّتهم مشاعر اليأس والقنوط من النجاة ‪ ،‬في قوله تعالى ( وَالّذِي َ‬
‫صحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ‬ ‫ك أَ ْ‬
‫ت ُوجُو ُههُمْ ِقطَعًا مِنَ اللّ ْي ِل ُمظْ ِلمًا أُولَئِ َ‬
‫غشِيَ ْ‬
‫ص ٍم كَأَ ّنمَا أُ ْ‬
‫ن الِّ مِنْ عَا ِ‬
‫ذِّلةٌ مَا َلهُمْ ِم َ‬
‫(‪ 27‬يونس )‬
‫توحي عبارة ( ليسوءوا وجوهكم ) أن ما سينزل بهم من عقاب على أيدي هؤلء العباد ‪ ،‬شيء شديد الوقع وبالغ‬
‫الثير والتأثيير فيي نفوسيهم ‪ ،‬مميا سييعكس بالضرورة آثار المسياءة على وجوههيم ‪ ،‬لدرجية أنيه سيبحانه أورد نفيس‬
‫ت ُوجُو هُ الّذِي نَ‬
‫التعبير ‪ ،‬في وصفه لحال الكفار عند رؤيتهم لعذاب جهنم ‪ ،‬في قوله تعالى ( فَ َلمّا َرَأوْ هُ زُ ْل َفةً سِيئَ ْ‬
‫ل باليهود قريبيا لييس له نظيير ‪ ،‬ول يُمكين‬ ‫كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الّذِي كُنْتُمْب بِهِب تَدّعُونَب (‪ 27‬الملك ) ‪ .‬فالعقاب الذي سييح ّ‬
‫أن يتأتيى هذا العقاب ‪ ،‬إل مين قبيل أناس يملؤهيم الحقيد والكراهيية ‪ ،‬ولديهيم رغبية شديدة وملحية للنتقام مين بنيي‬
‫إسرائيل لسبب أو لخر ‪.‬‬
‫جلِ ذَلِكَب كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْبرَائِيلَ أَنّهُب مَنْب قَ َتلَ َنفْسبًا ِبغَيْرِ َنفْسٍب َأوْ فَسبَادٍ فِي الَْرْضِب َفكَأَنّمَا قَ َت َل‬ ‫قال تعالى ( مِنْب َأ ْ‬
‫جمِيعًا وَ َلقَدْ جَاءَ ْتهُ مْ رُ سُلُنَا بِالْبَيّنَا تِ ُثمّ إِنّ كَثِيرًا مِ ْنهُ مْ َبعْدَ ذَلِ كَ فِي‬
‫س َ‬‫ن َأحْيَاهَا َفكَأَ ّنمَا َأحْيَا النّا َ‬‫جمِيعًا َومَ ْ‬ ‫س َ‬‫النّا َ‬
‫الَْرْضِب َلمُسْب ِرفُونَ (‪ )32‬إِ ّنمَا جَزَاءُ الّذِينَب ُيحَارِبُونَب الَّ وَرَسبُو َلهُ ‪ ،‬وَيَسْب َعوْنَ فِي الَْرْضِب فَسبَادًا ‪ ،‬أَنْب ُيقَتّلُوا ‪َ ،‬أوْ‬
‫لخِرَةِ‬‫ن الَْرْ ضِ ذَلِ كَ َلهُ ْم خِزْ يٌ فِي الدّنيَا وَ َلهُ مْ فِي ا ْ‬ ‫ن خِلَ فٍ ‪َ ،‬أوْ يُن َفوْا مِ ْ‬
‫يُ صَلّبُوا ‪َ ،‬أوْ ُت َقطّ َع أَيْدِيهِ مْ َوأَ ْرجُُلهُ مْ مِ ْ‬
‫عظِيمٌ (‪ 33‬المائدة )‬ ‫عَذَابٌ َ‬
‫تيبين اليية الولى عظيم مكانية النفيس البشريية عنيد ال ‪ ،‬إذ لييس لحيد كان إزهاق أرواح الناس سيوى خالقهيا فهيو‬
‫الذي يحيي ويميت ‪ ،‬ومن أزهق روحا بغير نفس أي قصاصا أو لمنع الفساد في الرض ‪ ،‬كإقامة الحدود الموجبة‬
‫للقتيل فكأنميا قتيل الناس جميعيا ‪ ،‬ومين قام بهذا المير خارج نطاق ميا تقدّم مين موجبات القتيل فقيد أعلن حربيه على‬
‫ال ‪ .‬وأن من أعلن حربه على ال في الية الثانية ‪ ،‬حُصر جزاءه من قبل رب العزة بأربعة خيارات تنفّذ فيه في‬
‫الحياة الدنيا ‪ ،‬من قبل من أوكله ال بذلك حسبما يرتأيه منفذ الحكم ‪ ،‬إذ ل جناح عليه فيما أُنزل به من عقوبة ‪.‬‬
‫والملحظ أن هذا البيان جاء عامّا ‪ ،‬ولكنه ارتبط ببني إسرائيل بشكل خاص ‪ ،‬مما يوحي أن عقابهم في المرتين ‪،‬‬
‫شميل وسييشمل على ميا يبدو هذه الخيارات مجتمعيه ‪ ،‬بالقتيل والصيلب والتنكييل والسيبي ‪ ،‬وبميا أن النتيجية النهائيية‬
‫لهذا العقاب هيي زوال علوهيم فيي فلسيطين ‪ ،‬فهذا يعنيي رحييل مين بقيي حيّا فرارا عين فلسيطين نهائييا يجرّ أذيال‬
‫الخيبية والهزيمية ‪ .‬وسيتفيض قلوب كيل اليهود فيي كافية أرجاء العالم ‪ ،‬بمشاعير الذل والخزي والعار والهوان ‪، ،‬‬
‫مميا يدعيو القاصيي والدانيي للشماتية بهيم وبمين يشدّ على أيديهيم ‪ .‬وهذا ميا تؤكده اليات الكريمية بأن جزاءهيم‬
‫سيكون من جنس عملهم ‪.‬‬
‫سجِدَ ‪:‬‬
‫وَِل َي ْدخُلُوا ا ْل َم ْ‬
‫يعتقييد الكثييير ميين المسييلمين هذه اليام ‪ ،‬أن ذكيير المسييجد فييي هذا الموضييع ‪ ،‬يترتييب عليييه أن دخوله وتحريره‬
‫مقصيورا على حملة لواء السيلم ‪ ،‬أو بتعيبير أدق أولياء ال وخاصيته ‪ ،‬يوحدهيم ويقودهيم خليفية يفوقهيم ول ًء ل‬
‫ولدينه ‪ ،‬وفي الذهان صورة ابن الخطاب ‪ ،‬رضي ال وأرضاه عنه وصلح الدين رحمه ال ‪ ،‬ومن منا ل يتمنى‬
‫ذلك ‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫ولكن يحضرني هنا قول الشاعر ‪ " :‬ما كل ما يتمنى المرء يدركه تجري الرياح بما ل تشتهي السفن " فلو عدنا‬
‫بالذاكرة ‪ ،‬إلى دخوليّي عمير وصيلح الديين سينجد أنهميا ل يتفقّان ميع ميا جاء فيي سيورة السيراء لسيببين ‪ ،‬الول ؛‬
‫كان الدخول على النصارى في المرتين ‪ ،‬والثاني ؛ أن الجوس للديار لم يقع فيهما ‪ ،‬وكذلك الساءة لوجوه اليهود‬
‫‪ .‬بالضافة إلى أن الدخول في المرتين كان فتحا وليس عقابا لحد ‪.‬‬
‫ويبدو وكأنّي المسيألة هيي لفيظ المسيجد ‪ ،‬الذي أورده سيبحانه للتعرييف والتأكييد على أن الرض التيي ذُكرت فيي‬
‫الية (‪ )4‬هي الرض التي تحوي المسجد أي مدينة القدس ‪.‬‬
‫والسيؤال هنيا هيل المسياجد خاصية بالمسيلمين فقيط ؟ بكيل تأكييد نعيم ‪ ،‬ولكين لفيظ المسيجد ل ! نحين نعلم أن حادثية‬
‫السييراء كانيت فييي مكية ‪ ،‬وأن سيورة السييراء أُنزلت فيهيا أيضيا ‪ ،‬وأن ال سيبحانه وتعالى لمّا سيمّاه بالمسيجد‬
‫القصى ‪ ،‬لم يكن للمسلمين فيه ناقة ول بعير ولم يكن قائما كبناء أصل ‪ .‬وعبادة السجود ل كانت قد سبقت منذ‬
‫آدم علييه السيلم إلى يومنيا هذا ‪ ،‬فاقرأ قوله تعالى ( ُأوْلَئِكَب الّذِينَب أَ ْنعَمَب الُّ عَلَ ْيهِمْب مِنْب النّبِيّينَب مِنْب ذُرّ ّي ِة آدَمَب َو ِممّنْب‬
‫حمَانِب خَرّوا سُبجّدًا‬ ‫حمَلْنبا مَعَب نُوحٍب َومِنْب ذُرّ ّي ِة إِبْرَاهِيمَب َوإِسْبرَائِيلَ َو ِممّنْب هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُ ْتلَى عَلَ ْيهِمْب آيَاتُب ال ّر ْ‬
‫َ‬
‫سجُدُونَ‬ ‫ن آيَاتِ الِّ آنَاءَ اللّ ْي ِل وَهُمْ يَ ْ‬ ‫ب ُأ ّمةٌ قَا ِئ َمةٌ يَ ْتلُو َ‬
‫ن أَ ْهلِ ا ْلكِتَا ِ‬
‫سوَا ًء مِ ْ‬
‫وَ ُبكِيّا (‪ 58‬مريم ) وقوله تعالى ( لَيْسُوا َ‬
‫(‪ 113‬آل عمران ) وكل مكان اتخذوه للسجود سمّاه ال في القرآن مسجدا والمقصود هنا المكان وليس البناء ‪.‬‬
‫سجِدًا (‬
‫علَ ْيهِمْ بُنْيَانًا رَ ّبهُ ْم أَعْلَمُ ِبهِمْ قَالَ الّذِينَ غَلَبُوا عَلَى َأمْ ِرهِمْ لَنَ ّتخِذَنّ عَلَ ْيهِمْ مَ ْ‬
‫انظر قوله تعالى ( َفقَالُوا ابْنُوا َ‬
‫‪ 21‬الكهيف ) ‪ .‬وميع أن أصيحاب الكهيف كانوا مين أتباع عيسيى علييه السيلم ‪ ،‬فإن الذيين غلبوا على أمرهيم فيي‬
‫الواقع ‪ ،‬أقاموا عليهم مكانا للعبادة ‪ .‬وجاءت تسمية القرآن له بالمسجد ‪ ،‬على اعتبارهم له والقصد من بنائه ‪ ،‬أما‬
‫أنه مسجد خاص بالمسلمين فل ‪ ،‬والصلة بالنسبة للمسلمين في هذا المسجد منه يٌ عنها ‪ ،‬وبالرغم من ذلك سّماه‬
‫القرآن مسجدا لنهم اتخّذوه مكانا للعبادة ‪ ،‬التي أحد أركانها السجود وضمير الغائب المتصل ( واو الجماعة ) في‬
‫( وليدخلوا ) يعود على المبعوثين أنفسهم ‪.‬‬
‫وخلصيية القول ‪ :‬أن هؤلء المبعوثييين لم يتييبين بنييص صييريح ول بتلميييح بأنهييم ميين خاصيية عباد ال ‪ ،‬وأن ال‬
‫نكّرهيم وقصيد تنكيرهيم ‪ ،‬لمير اقتضتيه الحكمية اللهيية التيي وضحنيا جانبيا منهيا فيميا سيبق ‪ ،‬وأن معتقدهيم غيير‬
‫واضح من حيث اليمان أو الكفر ‪ ،‬وما زالت كل الحتمالت قائمة ‪ ،‬فربما يكونوا مؤمنين أو مسلمين أو وثنيين‬
‫أو ملحدين ‪ .‬ومن قال بعكس ذلك فقد جانبه الصواب بل أدنى شك ‪ .‬والمر الكثر وضوحا هو اتحاد المبعوثين‬
‫أول وثانييا ‪ ،‬أي خروجهيم مين نفيس الرض فيي المرتيين ‪ ،‬مهميا طال الزمين أو قصير وتعاقبيت عليهيا الجيال ‪،‬‬
‫بمعنييى أن أصييحاب البعييث الثانييي هييم ورثيية الرض ميين أصييحاب البعييث الول ‪ ،‬وأنهييم أولي قوة وبطييش فييي‬
‫الحروب ‪ ،‬وأن عبارة ( وليدخلوا المسيجد ) جاءت لتؤكيد دخولهيم لقلب الرض المقدسية ( فلسيطين ) وسييطرتهم‬
‫عليها بالكامل ‪.‬‬
‫َكمَا َدخَلُو ُه أَوّلَ َمرّةٍ ‪:‬‬
‫قوله تعالى ( َكمَا َدخَلُو ُه َأ ّولَ َمرّةٍ ) هو تشبيه للدخول الثاني بالول ‪ ،‬وفي العادة عندما يروي شخص لخر قصة‬
‫‪ ،‬وقييع فيهييا ذِكرُ حدثيٍي يحتاج إلى وصييف سييواء كان هذا الحدث ‪ ،‬قييد وقييع ولم يشهده المسييتمع أو سيييقع فييي‬
‫المستقبل ‪ ،‬فبدل من أن يستغرق الراوي في وصف هذا الحدث وسرد حيثياته على حساب مجمل أحداث القصة ‪،‬‬
‫يعمييد الراوي إلى تشييبيه الحدث المراد وصييفه بحدث آخيير مألوف ومعروف ميين الماضييي أو الحاضيير ‪ ،‬وذلك‬
‫لتقريب صفة الحدث موضوع الخطاب لذهن المستمع ‪ ،‬ومن ثم يكمل سرد بقية الحداث ‪.‬‬
‫ن مِنْ ا ْلمَسّ (‪ 275‬البقرة ) حيث‬
‫ن ِإلّ ‪َ ،‬كمَا ‪َ ،‬يقُومُ الّذِي يَ َتخَ ّبطُهُ الشّ ْيطَا ُ‬
‫قال تعالى ( الّذِينَ يَ ْأكُلُونَ الرّبَا لَ َيقُومُو َ‬
‫شبيه سيبحانه قيام آكيل الربيا يوم القيامية مجهول الصيفة بالنسيبة لنيا ‪ ،‬وهيو حدث سييقع مسيتقبل بقيام الممسيوس أي‬
‫المجنون ‪ ،‬وهيو حدث ومشهيد قيد رأيناه ونراه فيي الماضيي والحاضير مرارا وتكرارا ‪ ،‬ومعروف ومألوف لذهين‬
‫المستمع ‪ ،‬ونستطيع استرجاع ذلك المشهد من الذاكرة ‪ ،‬لنرى مشهدا مؤلما ومخزيا لكل الربا عند بعثه يتميز به‬
‫عن غيره ‪ ،‬فيقوم مفزوعا متحفزا مشوشا متخبطا ‪ ،‬ل يهدأ له بال ول تستكين له حال ‪.‬‬
‫ولتوضيييح الميير أكثيير ‪ ،‬فلو أن زوج مدح زوجتييه ‪ -‬على سييبيل المثال ‪ -‬مُبديييا إعجابييه بجمال وجههييا قائل ‪:‬‬
‫( وجهك كالمريخ ) فهل ستكون الزوجة قادرة على معرفة مدى حبه لها ‪ ،‬في حال لم تكن عالمة بماهية المريخ‬
‫‪43‬‬
‫وصيفته مين حييث الجمال والقبيح ‪ .‬وهيل أبان هذا التشيبيه بغيير المألوف والمعروف للزوجية ‪ ،‬وظيفتيه فيي تعيبير‬
‫الزوج عيين مدى إعجابييه بهييا أم أنييه زادهييا حيرة واضطرابييا ‪ ،‬لذلك إذا أريييد المدح تُشبّه جمال النسيياء بالقول ‪:‬‬
‫( وجهك كالبدر ليلة تمامه ) وهي صورة معروفة ومألوفة لكل البشر ‪ ،‬تسيتطيع النساء استرجاعها من الذاكرة‬
‫وتخيّلها واستيعابها ‪ ،‬ومعرفة مدى إعجاب زوجها بها ‪.‬‬
‫واستخدام التشبيه في الية (‪ )7‬أفاد أمرين ‪:‬‬
‫أول ؛ أنيّ دخول المسييجد أي بيييت المقدس حاصييل فييي المرتييين ‪ ،‬وهذا يدحييض قول ميين ذهييب إلى أن أيّي ميين‬
‫المرتين ‪ ،‬كانت أو ستكون في غير بيت المقدس ‪.‬‬
‫وثانييا ؛ تشابيه صيفة الدخول فيي المرتيين الولى والخرة بالدخول عنوة ‪ ،‬لقوله تعالى فيي وصيف الدخول الول‬
‫( فجاسيوا خلل الديار ) وهذا يدحيض قول مين ذهيب ‪ ،‬إلى أن المرة الولى كانيت للمسيلمين كون دخولهيم إليهيا لم‬
‫يحمل صفة الجوس ‪.‬‬
‫ولكيي يسيتقيم فهيم هذه العبارة ‪ ،‬نود أن نُشيير إلى أن الخطاب لبنيي إسيرائيل لم ينقطيع بيل ميا زال موّجهيا إليهيم ‪،‬‬
‫فالمُخاطَب في قوله تعالى ( كما دخلوه أول مرة ) هم بنو إسرائيل ‪ ،‬واقرأ هذه الصياغة للنص ‪ ( ،‬فَإِذَا جَا َء وَعْدُ‬
‫سجِدَ ‪َ ،‬كمَا َدخَلُو هُ – عليكم – َأ ّو َل مَرّةٍ ‪/‬‬
‫لخِرَةِ – بعثناهم عليكم – لِيَ سُوءُوا ُوجُو َهكُ مْ ‪ ،‬وَلِيَ ْدخُلُوا – عليكم – ا ْلمَ ْ‬
‫اْ‬
‫انقطاع الخطاب والعودة إلى الجمهور ‪ /‬وَلِيُتَبّرُوا مَا عَ َلوْا تَتْبِيرًا ) ‪.‬‬
‫وهذا يعنيي أن المعرفية بصيفة الدخول الول محصيورة ببنيي إسيرائيل فقيط ‪ ،‬وهذا يقودنيا إلى أن معرفية اليهود‬
‫المعاصيرين المخاطيبين ‪ ،‬لصيفة هذا الدخول بالضرورة ‪ ،‬تحصيّلت لهيم مميا لديهيم مين كتيب تحكيي تاريخهيم ‪،‬‬
‫ومجميل تاريخهيم القدييم موثيق فيي التوراة ‪ ،‬ويعلم سيبحانه أن آباءهيم القدماء ‪ ،‬قيد وثّقوا صيفة الدخول فيي كتبهيم‬
‫فلذلك شبيه الدخول الثانيي لهيم بميا يعرفون ‪ .‬وإن أردت معرفية صيفته كمسيلم ‪ ،‬ل بيد لك مين الرجوع إلى كتبهيم ‪،‬‬
‫وهذا الفهيم يقودنيا إلى مراجعية تاريخهيم كامل ‪ ،‬لنتعرّف على صيفة الدخول الول ‪ ،‬كميا وردت فيي اليية ( ‪) 5‬‬
‫وهذا ما سنفعله في الفصول القادمة ‪.‬‬
‫والحقيقية أن هذا الحدث المفجيع والرهييب الذي نزل بهيم ‪ ،‬كان له بالغ الثير فيي نفوسيهم ‪ ،‬حييث شكّل لهيم الكثيير‬
‫من العقد ‪ ،‬فضل عما كان لديهم في السابق ‪ .‬جعلت منهم شعبا مجرما حاقدا على البشرية جمعاء ‪ ،‬وعلى أولئك‬
‫العباد الذييين سيياموهم سييوء العذاب فييي المرة الولى بشكييل خاص ‪ .‬ومييا جاء التشييبيه هنييا إل لتذكيرهييم بحدث‬
‫يعرفونيه كميا يعرفون أبنائهيم ‪ ،‬ومين لم يعرفيه منهيم أو خانتيه ذاكرتيه ‪ ،‬يسيتطيع الرجوع إلى توراتهيم ‪ ،‬قال تعالى‬
‫ن أَبْنَاءَهُمْ َوإِنّ فَرِيقًا مِ ْنهُمْ لَ َيكْ ُتمُونَ ا ْلحَقّ وَهُمْ َيعْ َلمُونَ (‪ 146‬البقرة )‬
‫ن آتَيْنَاهُمْ ا ْلكِتَابَ َيعْرِفُونَ ُه َكمَا َيعْرِفُو َ‬
‫( الّذِي َ‬
‫وجاء هذا التشيبيه والتذكيير لنذارهيم وتحذيرهيم مين مغبية العودة إلى العلو والفسياد ‪ ،‬وميا ينتظرهيم مين خزي‬
‫عذاب الدنيا وهول عذاب الخرة ‪.‬‬
‫ن الباحثين في هذا الموضوع حديثا من المسلمين ‪ ،‬كانوا قد أهملوا أكبر وأعظم موسوعة‬ ‫والعجيب في المر ‪ ،‬أ ّ‬
‫طلُ مِنْب بيْنِب يَدَيْهِب َو َل مِنْب خَ ْلفِهِب‬
‫تاريخيية سيماوية ‪ ،‬موجودة بيين أيدينيا ‪ ،‬أقصيد القرآن الكرييم الذي ( لَ يَأْتِيهِب الْبَا ِ‬
‫حمِيدٍ (‪ 42‬فصلت ) ولم يرجع إليها أحد ‪ ،‬مع أنه كاد أل يترك سورة من سورهِ ‪ ،‬إل وأرّخ فيها‬ ‫حكِي مٍ َ‬
‫ن َ‬
‫تَنزِي ٌل مِ ْ‬
‫لبنيي إسيرائيل ‪ ،‬فعلوهيم الول ونشأتيه وإفسيادهم فيي الرض المقدسية ‪ ،‬ظاهير ماثيل للعيان بميا ل يترك مجال‬
‫للتقوّل أو الجتهاد ‪ .‬وأما فيما يخص عقاب الوعد الول ‪ ،‬فقد وردت إشارات كافية في هذه اليات وفي مواضع‬
‫أخرى في القرآن تدلّ على تحقّقه قبل السلم ‪.‬‬
‫وَِل ُي َتّبرُوا مَا عََلوْا َت ْتبِيرًا ‪:‬‬
‫فييي المُعجييم ‪ " :‬قال ابيين جنييي ‪ :‬ل يقال له ِتبْر حتييى يكون فييي تراب معدنييه أو مكسييورا ‪ ،‬قال الزجّاج ‪ :‬والتبار‬
‫الهلك ‪ ،‬وتبّره تتيبيرا أي كسيّره وأهلكيه ‪ ،‬وتبّره أي كسيّره وأذهبيه ‪ ،‬وفيي التنزييل العزييز ( َولَ تَزِ ْد الظّا ِلمِينَب ِإلّ‬
‫تَبَارًا (‪ 28‬نوح ) قال الزجاج ‪ :‬معناه إل هلكا ‪ ،‬ولذلك سمي كل مُكسّ ٍر تِبرا ‪ ،‬وفي قوله عز وجل ( وَعَادًا وَ َثمُودَ‬
‫ك كَثِيرًا (‪َ )38‬وكُلّ ضَرَبْنَا لَ ُه ا َلْمْثَالَ َوكُلّ تَبّرْنَا تَتْبِيرًا (‪ 39‬الفرقان ) قال ‪ :‬التتبير‬
‫س وَقُرُونًا بَيْنَ َذلِ َ‬
‫صحَابَ الرّ ّ‬
‫َوأَ ْ‬
‫التدمير وكل شيء كسّرته وفتّته فقد تبّرته " ‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫والمعنى العام للعبارة ‪ ،‬هو ( وليُدمّروا ما علوا تدميرا ) ‪ .‬وقد جاءت صيغة المفعول المطلق ( تتبيرا ) زيادة في‬
‫المبالغية وتأكيدا للفعيل ( وليتيبروا ) ‪ ،‬وسيواء كانيت ( ميا ) ظرفيية أو اسيم موصيول بمعنيى ( الذي ) فهيي تشميل‬
‫المكان والزمان والكم ‪.‬‬
‫وكميا أشرنيا فيي تفسيير العبارة السيابقة ‪ ،‬فقيد حصيل انقطاع فيي الخطاب الموجيه لبنيي إسيرائيل ‪ ،‬ليصيبح الحدييث‬
‫موجهيا للجمهور ‪ ،‬مضيفيا تعقيبيا حول مصيير علو بنيي إسيرائيل بدللة ضميير الغائب المتصيل واو الجماعية فيي‬
‫كلمتييي ( وليتييبروا ) و ( علوا ) العائد على بنييي إسييرائيل أنفسييهم ‪ .‬والعبارة ( وليتبّروا مييا علوا تتييبيرا ) جاءت‬
‫للتعقييب على ميا فعله بنيي إسيرائيل أنفسيهم بمقومات هذا العلو ‪ ،‬مميا كان سيببا فيي زواله ‪ .‬ليُصيبح المراد هيو أن‬
‫علو بنييي إسييرائيل ‪ ،‬حمييل فييي أحشائه بذرة دماره منييذ نشأتييه ‪ ،‬بعدم الولء ل وعدم اكتراثهييم بِحثّه ي لهييم على‬
‫الحسان وتحذيره لهم من الساءة ‪ .‬بل اعتمدوا على غير ال ‪ ،‬في تحصيل هذا العلو وإدامته وحمايته من الزوال‬
‫‪ ،‬بالفساد والفساد والثم والعدوان ‪.‬‬
‫ليتيبيّن لنيا أن الحدييث عين الوعيد الثانيي ‪ ،‬انتهيى بقوله ( كميا دخلوه أول مرة ) ‪ .‬وأن عبارة ( وليتبّروا ميا علوا‬
‫تتيبيرا ) جاءت تعقيبيا على قوله تعالى فيي بدايية القصية ( ولتعلنّي علوا كيبيرا ) فيي اليية (‪ ، )4‬ليؤكيد بميا ل يدع‬
‫مجال للشيك ‪ ،‬أن هذا العلو الموصيوف بالكيبير فيي الرض ‪ ،‬والذي تحصيّل علييه بنيي إسيرائيل ببعدهيم عين ال ‪،‬‬
‫سيصبح هبا ًء منثورا بما كسبته أيديهم ‪.‬‬
‫ومين تعريفنيا السيابق لمفهوم العلو ‪ ،‬نجيد أن العلو مظهير مين مظاهير الحياة ‪ ،‬كميا الغنيى الذي يتحصيّل بامتلك‬
‫المال الوفيير ‪ ،‬وكميا الفقير الذي يتحصيّل بامتلك المال القلييل ‪ ،‬ويتيم تحصييله مين خلل امتلك مقومات ماديية ‪،‬‬
‫تتمثّل في السيادة على الرض وأهلها ‪ ،‬وسياستهم والتحكّم في مختلف شؤونهم ‪ ،‬والقدرة بامتلك القوة ‪ ،‬والغنى‬
‫بامتلك المال والموارد الماديية الخرى ‪ .‬والحقيقية أن اليهود فيي هذا العصير ‪ ،‬لم يقتصير علوهيم على فلسيطين‬
‫فحسيب ‪ ،‬بيل شميل أمريكيا وبريطانييا والكثيير مين الدول الغربيية ‪َ .‬فهُميا شكيل مين أشكال الفسياد اليهودي فيي‬
‫الرض ‪ ،‬وأداة للعدوان على الشعوب بأيدي اليهودية العالمية ‪.‬‬
‫وبميا أن العلو مظهير ‪ ،‬والمظاهير ل تُدمّر تدميرا ‪ ،‬وإنميا تزول زوال بفقدان أسيبابها ومقوماتهيا ‪ ،‬كميا أُزييل علو‬
‫عوْنُب وَ َق ْومُهُب وَمَا كَانُوا‬
‫فرعون بتدميير ميا امتلك مين مقومات علوه ‪ ،‬فيي قوله تعالى ( وَ َدمّرْنَا مَا كَانَب يَصْبنَعُ فِرْ َ‬
‫َيعْ ِرشُونَب (‪ 137‬العراف ) ‪ .‬ونلحيظ أن ال تبارك وتعالى لم يأت بالمصيدر ( علوهيم ) ليقول ( وليتيبروا علوهيم‬
‫تتبيرا ) ‪ ،‬وإنما قال ( وليتبروا ما )لن المقصود تدميره هنا ليس العلو بحدّ ذاته ‪ ،‬وإنما تدمير ( ما ) عل عليه أو‬
‫به أو فيه بنوا إسرائيل بامتلكه والسيطرة عليه ‪ ،‬مما مكّنهم من الفساد في الرض ‪ ،‬أي تدمير كل ما يقع تحت‬
‫كلمة ( ما ) مما يمتلكونه من مقومات لعلوهم ‪ ،‬لتشمل المكان والزمان والكم لهذا العلو ‪ ،‬الموصوفة بالتفصيل في‬
‫اليتين ( ‪4‬و ‪ ، )6‬والتي تتلخص فيما يلي ‪:‬‬
‫•اسييتلب أو تدمييير القوة العسييكرية المتطورة ‪ ،‬والتييي مكنتهييم ميين العلو واسييتمراريته ‪ ،‬ورد الكرة على‬
‫أعدائهم ‪.‬‬
‫•ذهاب الموال والبنين والمداد ‪ ،‬الذي كان يتوفر لهم في حروبهم السابقة ‪.‬‬
‫•استلب أو تدمير المكنة التي تمتعوا بالعلو فيها وكانت منطلقا لفسادهم في الرض ‪.‬‬
‫لذلك جاءت عبارة ( وليتبّروا ما علوا تتبيرا ) في نهاية قصة المرتين ووعديهما ‪ ،‬كتعقيب لتوضيح مآل علو بني‬
‫إسرائيل الذي ورد ذكره في الية الرابعة في بداية ‪ ،‬ولم تأ تِ للتعقيب على وعد الخرة بالرغم من ورودها بعد‬
‫النتهاء ميين وصييف أحداثييه ‪ .‬وقييد جاء هذا التعقيييب مُتأخرا ‪ ،‬لن زوال العلو بشكييل نهائي ‪ ،‬سيييكون كعاقبيية أو‬
‫نتيجة لنفاذ وعد الخرة فيهم ‪ ،‬ويبدوا لي أن زوال العلو اليهودي في العالم سيأتي على مراحل ‪ ،‬ليبدأ في فلسطين‬
‫ومن ثم يمتد لمريكا وبريطانيا وفرنسا والغرب إجمال ‪ ،‬بإذن ال ‪.‬‬
‫وربما يذهب البعض إلى أن هذه العبارة ‪ ،‬جاءت للتعقيب على ما فعله هؤلء العباد ‪ ،‬بعلو بني إسرائيل في وعد‬
‫الخرة ‪ ،‬على اعتبار أن الضمييير واو الجماعيية فييي ( وليتبّروا ) عائد على العباد ‪ ،‬وهذا غييير صييحيح لن ذلك‬
‫يعني استمرارية الخطاب ‪ ،‬فلو أن الخطاب لبني إسرائيل استمر لجاءت العبارة على النحو التالي ( وليتبّروا ي ما‬
‫علوتم ي تتبيرا ) هذا من جانب ‪.‬‬
‫‪45‬‬
‫ومن جانب آخر لم يُذكر في التعقيب شيء يخص وعد الخرة بذكر كلمة وعد مثل ‪ ،‬كما جاء في التعقيب على‬
‫الوعيد الولى ‪ ،‬بقوله ( وكان وعدا مفعول ) وإنميا جاء التعقييب الخيير على بنيي إسيرائيل المذكوريين بالسيم فيي‬
‫اليية الرابعية ‪ ،‬لعود ضميير الغائب ( واو الجماعية ) عليهيم فيي كلمية ( وليتيبروا ) ‪ ،‬وكذلك على علوهيم الكيبير‬
‫الموصوف في الية الرابعة أيضا ‪ ،‬لتصال ضمير الغائب العائد عليهم ( واو ) في كلمة ( علوا ) ‪.‬‬
‫ولو فرضنييا جدل اسييتمرارية الخطاب ‪ ،‬فهييل يُعقييل أن يُدمّر المسييلمون ‪ ،‬مييا تحصيّلوا عليييه ميين مقومات العلو‬
‫الصيهيوني ‪ ،‬بعيد أن يكونوا قيد أوقعوا فيهيم القتيل والتنكييل والسيبي والنفيي ‪ ،‬وتمّت لهيم السييطرة الكاملة على‬
‫الرض بدخول القدس ؟! طبعيا ل ‪ .‬بيل على العكيس تماماسييكونون بأميس الحاجية ‪ ،‬لميا تحصيّلوا علييه سيالما مين‬
‫مال وعتاد لستخدامه في المواجهة الحقيقة المقبلة مع الغرب ‪.‬‬
‫وخلصية القول ‪ :‬أن كيل ميا عل بنيو إسيرائيل علييه أو بيه أو فييه سييصله الدمار ل محالة لعموم لفيظ العلو حتيى‬
‫علوهيم فيي الغرب ‪ ،‬إذ أن الذي أبقيى علوهيم قائميا ومسيتمرا فيي فلسيطين هيو علوهيم فيي الغرب ‪ ،‬ولذلك يصيبح‬
‫دمار الدول الغربيية أمير محتميا ‪ ،‬ليزول علو بنيي إسيرائيل فيهيا أيضيا بشكيل نهائي ‪ ،‬وبذلك تنتفيي تماميا قدرتهيم‬
‫على العلو مرة أخرى ‪ ،‬إذ أن هذا العلو هو علوهم الخير في الرض وأن أفعالهم ستكون سببا في زوال علوهم‬
‫هذا ‪ ،‬وستجد مزيد من تفصيل هذه العبارة في الجزء الثالث من الكتاب ‪.‬‬

‫خاتمة السورة ‪:‬‬


‫والن لننتقل إلى خاتمة سورة السراء ‪ ،‬حيث ذُكر وعد الخرة مرة أخرى ‪ .‬أما سبب مجيء هذه اليات في آخر‬
‫السيورة فهيو لسيببين ‪ :‬أول ؛ إظهار العجاز العددي فيي القرآن ‪ ،‬الذي سينظهره بإذن ال لحقيا ‪ ،‬ثانييا ؛ للتعقييب‬
‫على الوعد الثاني في بني إسرائيل بعد نفاذه ‪ ،‬وما سيكون ممن علموا بتفاصيل هذا الوعد قبل نفاذه ‪ ،‬وما سيكون‬
‫منهم بعد نفاذه تماما كما جاء به القرآن ‪.‬‬
‫لخِرَ ِة جِئْنَا بِكمْب َلفِيفًا (‪ )104‬وَبِا ْلحَقّ أَنزَلْنَاهُب‬ ‫( وَ ُقلْنَا مِنْب َبعْدِهبِ لِبَنِي إِسْبرَائِيلَ اسْبكُنُوا الَْرْضَب َفإِذَا جَا َء َوعْدُ ا ْ‬
‫ث وَنَزّلْنَا هُ تَنزِيلً (‬
‫علَى ُمكْ ٍ‬‫علَى النّا سِ َ‬ ‫ك ِإلّ مُ َبشّرًا وَنَذِيرًا (‪ )105‬وَقُرْآنًا َفرَقْنَا هُ لِ َتقْ َرأَ هُ َ‬
‫وَبِا ْلحَقّ نَ َز َل َومَا أَرْ سَلْنَا َ‬
‫‪ُ )106‬قلْ آمِنُوا بِهِب َأوْ لَ ُت ْؤمِنُوا إِنّ الّذِينَب أُوتُوا الْعِلْمبَ مِنبْ قَبلِهِب إِذَا يُتْلَى عَلَ ْيهِمبْ َيخِرّونبَ لِلَْ ْذقَانبِ سُبجّدًا (‪)107‬‬
‫خشُوعًا (‪)109‬‬ ‫ن وَيَزِي ُد ُهمْ ُ‬
‫ن وَعْدُ رَبّنَا َل َمفْعُولً (‪ )108‬وَ َيخِرّونَ ِللَْذْقَانِ يَ ْبكُو َ‬ ‫ن كَا َ‬‫ن سُ ْبحَانَ رَبّنَا إِ ْ‬ ‫وَ َيقُولُو َ‬
‫مختصر ما قيل في هذه اليات ‪ ،‬في تفسير اللوسي ‪:‬‬
‫" ( جئنيا بكيم لفيفيا ) أي مختلطيين ‪ ،‬وفسيره ابين عباس جميعيا ‪ ،‬وبكيم جاءت لتغلييب المخاطيبين على الغائبيين ‪،‬‬
‫( وبالحيق أنزلناه وبالحيق نزل ) ؛ عود إلى شرح حال القرآن الكرييم ‪ ،‬فهيو مرتبيط بقوله تعالى ( لئن اجتمعيت‬
‫النس والجن ) وهكذا طريقة العرب في كلمها تأخذ في شيء ‪ ،‬وتستطرد منه إلى آخر ثم إلى آخر ثم إلى آخر ‪،‬‬
‫ثيم تعود إلى ميا ذكرتيه أول والحدييث شجون ‪ ،‬فضميير الغائب للقرآن ‪ ،‬وقيد حمله بعضهيم على هذا ‪ ،‬أو للوعيد‬
‫المذكور آنفا ‪ ،‬أي وعد الخرة الذي ذُكر في الية السابقة ‪.‬‬
‫والمراد بالحييق الول ؛ على مييا قيييل الحكميية اللهييية المقتضييية لنزاله ‪ ،‬وبالثانييي مييا اشتمييل عليييه ميين العقائد‬
‫والحكام ونحوها ‪ ،‬أي ما أنزلناه إل ملتبسا بالحق المقتضى لنزاله ‪ ،‬وما نزل إل ملتبسا بالحق الذي اشتمل عليه‬
‫‪ ،‬وقييل الحيق فيي الموضعيين المير المحفوظ الثابيت ‪ ( ،‬وميا أرسيلناك إل مبشرا ) ؛ للمطييع بالثواب ( ونذيرا ) ؛‬
‫وللعاصي من العقاب ‪ ،‬فل عليك إل التبشير والنذار ل هداية الكفرة المقترحين ‪.‬‬
‫( وقرءانا فرقناه ) ؛ أي أنزلناه منجما مفرّقا ( على مكث ) ؛ أي تؤدة وتأنّ ‪ ،‬فإنه أيسر للحفظ وأعون على الفهم‬
‫‪ ( ،‬ونزلناه تنزيل ) ؛ على حسيب الحوادث والمصيالح ‪ ،‬قيل للذيين كفروا ( آمنوا بيه ) أي بالقرآن ‪ ( ،‬أو ل تؤمنوا‬
‫إن الذييين أوتوا العلم ميين قبله ) ؛ أي العلماء الذييين قرءوا الكتييب السييالفة ‪ ،‬ميين قبييل تَنزّل القرآن وعرفوا حقيقيية‬
‫الوحيي ‪ ،‬وأمارات النبوة ‪ ،‬وتمكنوا مين تميييز الحيق والباطيل ‪ ،‬والُمحقّي والمُبطيل ‪ ،‬أو رأوا نعتيك ونعيت ميا أنزل‬
‫إليك ‪.‬‬
‫( إذا يتلى ) أي القرآن ( عليهم يخرون للذقان ) ؛ يسقطون بسرعة على وجوههم ( سجدا ) تعظيما لمير ال‬
‫تعالى ‪ ،‬أو شكرا لنجاز ما وعد به في تلك الكتب من بعثتك ‪ ،‬وقال صاحب الفرائد ‪ ،‬المراد المبالغة في التحامل‬
‫‪46‬‬
‫على الجبهة والنف ‪ ،‬حتى كأنهم يلصقون الذقان بالرض ‪ ،‬وهو وجه حسن جدا ‪ ،‬أي يقعون على الرض عند‬
‫التحقيق والمراد تصوير تلك الحالة ‪.‬‬
‫( ويقولون ) ؛ أي في سجودهم أو مطلقا ‪ ( :‬سبحان ربنا ) عن خلف وعده ‪ ،‬أو عما يفعل الكفرة من التكذيب ‪( ،‬‬
‫إن كان وعييد ربنييا لمفعول ) ‪ ( ،‬ويخرون للذقان يبكون ) ؛ كرّرَ الخرور للذقان لختلف السييبب ‪ ،‬فإن الول‬
‫لتعظييم أمير ال تعالى أو الشكير لنجاز الوعيد ‪ ،‬والثانيي لميا أثّر فيهيم مين مواعيظ القرآن ‪ ،‬أي سياجدين باكيين مين‬
‫خشييية ال تعالى ‪ ،‬ولمييا كان البكاء ناشئا ميين الخشييية الناشئة ميين التفكّير الذي يتجدّد ‪ ،‬جيييء بالجملة الفعلييية‬
‫( يبكون ) المفيدة للتجدد ( ويزيدهم ) ؛ القرآن بسماعهم له ( خشوعا ) لما يزيدهم علما ويقينا بأمر ال تعالى ‪،‬‬
‫على ما حصل عندهم من الدلة " ‪ .‬من تفسير اللوسي ‪.‬‬
‫ج ْئنَا بِك ْم لَفِيفًا ‪:‬‬
‫ِ‬
‫قيل في ( لسان العرب ) في كلمة لفيف ( مُج َتمِع ملتف من كل مكان ) ‪ ،‬واللفيف ( القوم يجتمعون من قبائل شتى‬
‫جمْع العظيم من أخلط شتى فيهم‬ ‫ليس أصلهم واحدا ) واللفيف ( ما اجتمع من الناس من قبائل شتى ) واللفيف ( ال َ‬
‫الشرييف والدنييء والمطييع والعاصيي والقوي والضعييف ) ‪ .‬والملحيظ أن معانيي الكلمية جاءت بمعنيى جَمْع ل‬
‫جمييع ‪ ،‬والحقيقية أن الذي تيم على أرض الواقيع ‪ ،‬هيو المجييء والجميع مين أماكين شتيى ‪ .‬وأن مجيئهيم جميعيا لن‬
‫يتحقق لنهم يتمتّعون بصفات طفيلية ‪ ،‬ل تمكّنهم من ترك الدول الغربية الغنية والعودة إلى فلسطين ‪.‬‬
‫أما اليات (‪ )109-104‬وكما عقب سبحانه بعد ذِكره لوعد الخرة في بداية السورة ‪ .‬جاءت بعد ذِكره تعالى لوعد‬
‫الخرة ‪ ،‬في نهاية السورة تعقيبا على إنزاله هذا الوعد بنصه في القران ‪ ،‬كما أُنزل في كتاب موسى عليه السلم‬
‫ك ِإلّ مُ َبشّرًا وَنَذِيرًا (‪ )105‬وَ ُقرْآنًا َفرَقْنَاهُب‬
‫مين قبيل ‪ ،‬حييث قال سيبحانه ( وَبِا ْلحَقّ أَن َزلْنَاهُب وَبِا ْلحَقّ نَ َز َل َومَا أَرْسَبلْنَا َ‬
‫لِ َتقْ َرأَهُب عَلَى النّاسِب عَلَى ُمكْثٍب وَنَزّلْنَاهُب تَنزِيلً (‪ )106‬أي وبالحيق الذي أوجبتيه الحكمية اللهيية ‪ ،‬أنزلنيا خيبر هذا‬
‫الوعيد فيي القران ‪ ،‬الذي نزّله على عبده تنزيل ‪ ،‬وفرّقيه ليُقرأ على الناس على مكيث ‪ ،‬وبالحقّي والصيدق والخيبر‬
‫اليقيين جاء هذا القران ‪ ،‬بهذا الوعيد ‪ -‬مميا سييكون مين شأن بنيي إسيرائيل – بكيل تفاصييله وملبسياته ‪ ،‬بميا ل يدع‬
‫مجال للشك أو التقوّل ‪.‬‬
‫والحكمة اللهية التي اقتضت إنزاله ‪ ،‬كما جاء من نص اليات ‪ ،‬هي ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬زفّي البشرى للمؤمنيين الصيابرين المرابطيين المتمسيكين بدينهيم المخلصيين له ( وَيُبشّرُ ا ْل ُم ْؤمِنِينَب الّذِينَب‬
‫ت أَنّ َلهُمْب َأجْرًا كَبِيرًا (‪ 9‬السيراء ) ‪ ،‬بأن ال لن يخلف وعده الذي وعيد ‪ ،‬وأن ميا وعدهيم ال ل‬ ‫َي ْعمَلُونَب الصبّا ِلحَا ِ‬
‫محالة واقيع ولو بعيد حيين ‪ ،‬ليحثهيم على التمسيك بدينهيم والتحلي بالصيبر ‪ ،‬وعدم السيتعجال لمير ال والركون‬
‫لليأس ‪ ،‬فكلما ادلهمت الخطوب بالمؤمنين وضاقت السبل – كما هذه اليام – كان الفرج ‪ ،‬قاب قوسين أو أدنى (‬
‫حَتّىب إِذَا اسْبتَيْئَسَ الرّسُبلُ ‪َ ،‬وظَنّوا أَ ّنهُمْب قَ ْد كُذِبُوا ‪ ،‬جَا َءهُمْب نَصْبرُنَا ‪ ،‬فَ ُنجّيَب مَنْب َنشَاءُ ‪َ ،‬ولَ يُرَدّ َبأْسُبنَا عَنْب ا ْل َقوْمِب‬
‫ا ْل ُمجْ ِرمِينَ (‪ 110‬يوسف ) ‪.‬‬
‫وثانييا ‪ :‬إنذار بنيي إسيرائيل ( الذيين ل يؤمنون بالخرة ) والمكذبيين والمتشكّكيين ممين غرتهيم الحياة وآمنوا بميا‬
‫يقوله الواقيع ‪ ،‬ميع عدم قراءتهيم له بشكيل صيحيح ‪ ،‬أكثير مين إيمانهيم بال وميا جاء فيي كتابيه الذي أنزل ‪ ،‬وتحذيير‬
‫لخِرَ ِة أَعْتَدْنَا َل ُهمْ عَذَابًا أَلِيمًا (‪ 10‬السراء ) ‪.‬‬
‫ن لَ ُي ْؤمِنُونَ بِا ْ‬
‫لهم من عقابه في الدنيا والخرة ( َوأَنّ الّذِي َ‬
‫وثالثيا ‪ :‬تحصيّل اليمان لمين لم يؤمين بعيد وتجدّد إيمان المؤمنيين وزياد ًة فيي اطمئنان قلوبهيم ‪ ،‬عنيد نفاذ هذا الوعيد‬
‫كما جاءت صفته في القرآن ‪ .‬حيث قال سبحانه للناس كافة على وجه التبكيت والتهديد شديد اللهجة ‪ُ ( ،‬قلْ آمِنُوا‬
‫بِه ِب َأ ْو لَ ُت ْؤمِنُوا … ) ميين أميير هذا الوعييد وهذا القرآن ‪ ،‬أن ّي هذا الوعييد ل محالة واقييع ‪ ،‬وإيمانكييم بييه وبالقرآن‬
‫ن أُوتُوا ا ْلعِلْ مَ‬
‫وعدمه سواء ‪ .‬وأن من كانوا قد علموه وسبق لهم اليمان به وتصديقهم له قبل تحققه ( … إِنّ الّذِي َ‬
‫مِنْب قَبلِهِب … ) ‪ ،‬ليمانهيم بمين أنزله وصيِدق ميا جاء فيي كتابيه ‪ ،‬سييكون هذا حالهيم عنيد تحققيه وبعيد تحققيه ( إِذَا‬
‫ن وَعْدُ رَبّنَا َل َم ْفعُولً (‪ )108‬أي أنهم إذا تُليَ‬ ‫ن كَا َ‬
‫ن سُ ْبحَانَ رَبّنَا إِ ْ‬
‫سجّدًا (‪ )107‬وَ َيقُولُو َ‬
‫ن ُ‬
‫يُتْلَى عَلَ ْيهِمْ َيخِرّونَ لِلَْذْقَا ِ‬
‫عليهيم ذِكير هذا الوعيد عنيد وبعيد تحققيه خرّوا للذقان سيجدا ‪ ،‬قائليين ‪ ( :‬سيبحان ربنيا إن كان وعيد ربنيا لمفعول )‬
‫خشُوعًا (‬ ‫ن وَيَزِيدُ ُهمْ ُ‬
‫وسيكون هذا حالهم مرة تلو مرة ‪ ،‬كلما تُليت عليهم آيات هذا الوعد ( وَ َيخِرّونَ لِلَْ ْذقَانِ يَ ْبكُو َ‬

‫‪47‬‬
‫‪ )109‬وميا أن يقوموا حتيى ل تكاد تحملهيم أرجلهيم ‪ ،‬وتغلب عليهيم مشاعرهيم مين شدّة التصيديق وشدّة اليمان ‪،‬‬
‫فيعودوا ليقعوا ساجدين خاشعين لمن ل يُخلف وعده ‪.‬‬

‫جهَ ّنمَ لِ ْلكَا ِفرِينَ حَصِيرًا ( ‪) 8‬‬


‫جعَلْنَا َ‬
‫ن عُدْ ُتمْ عُدْنَا َو َ‬
‫ح َمكُمْ َوإِ ْ‬
‫عسَى رَ ّب ُكمْ أَنْ َي ْر َ‬
‫( َ‬

‫ح َم ُكمْ ‪:‬‬
‫ن يَ ْر َ‬
‫عسَى َر ّبكُ ْم أَ ْ‬
‫َ‬
‫بعيد نفاذ الوعيد الثانيي ‪ ،‬يوجيه سيبحانه الخطاب للبقيية الباقيية مين بنيي إسيرائيل ‪ ،‬الذيين نجوا مين هذا العذاب ولم‬
‫ل فيي بنيي قومهيم لميا علوا‬ ‫يطلهيم عقاب وعيد الخرة ‪ ،‬لعلّهيم يعتيبرون مميا حصيل بعيد أن رأوا ميا رأوا مميا ح ّ‬
‫وأفسييدوا فييي الرض ‪ .‬فلعلهييم يعودون إلى ال ويصييلحون أمرهييم فيتوب ال عليهييم ويرحمهييم ‪ .‬قال تعالى ( َولَ‬
‫ب مِ نْ ا ْل ُمحْ سِنِينَ (‪ 56‬العراف ) ‪،‬‬ ‫ح َمةَ الِّ َقرِي ٌ‬ ‫ط َمعًا ‪ ،‬إِنّ َر ْ‬ ‫خوْفًا َو َ‬‫حهَا ‪ ،‬وَادْعُو ُه َ‬ ‫لِ‬ ‫ُتفْ سِدُوا فِي الَْرْ ضِ َبعْدَ إِصْ َ‬
‫حكْ َمةٍ ُثمّ‬
‫ب َو ِ‬‫ن كِتَا ٍ‬‫وعودتهم إلى ال تعني اعتناقهم للسلم ‪ ،‬لقوله تعالى ( َوإِذْ َأخَذَ الُّ مِيثَاقَ النّبِيّينَ َلمَا آتَيْتُكُ ْم مِ ْ‬
‫جَا َءكُمْب رَسبُولٌ مُصَبدّقٌ لِمَا َم َعكُمْب لَ ُت ْؤمِنُنّ بِهِب وَلَتَنْصُبرُ ّنهُ قَا َل أَأَ ْقرَرْتُمْب َوأَخَذْتُمْب عَلَى ذَ ِلكُمْب إِصْبرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ‬
‫لخِرَ ِة مِنْب‬ ‫لمِ دِينًا فَلَنْب ُيقْ َبلَ مِنْهُب وَ ُهوَ فِي ا ْ‬ ‫شهَدُوا َوأَنَا َم َعكُمْب مِنْب الشّاهِدِينَب (‪َ ( … )81‬ومَنْب يَبْتَغِب غَ ْي َر الِْسْب َ‬ ‫فَا ْ‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌب (‪ 89‬آل عمران ) ‪ .‬وهذا ميا لم‬ ‫ا ْلخَاسِبرِينَ (‪ِ ( … )85‬إلّ الّذِينَب تَابُوا مِنْب َبعْدِ ذَلِكَب َوأَصْبَلحُوا فَإِنّ الَّ َ‬
‫يفعلوه سيابقا ولن يفعلوه مسيتقبل ‪ ،‬فهيم أعلنوا حربهيم على ال قبيل أن يعلنوهيا على أي شييء آخير ‪ ،‬وهيهات أن‬
‫سوَةً … (‪ 74‬البقرة ) …‬ ‫يتوبوا فقلوبهم كالحجارة ( … َأ ْو َأشَدّ َق ْ‬
‫ع ْدنَا ‪:‬‬
‫ع ْدتُمْ ُ‬
‫وَِإنْ ُ‬
‫لذلك سيييستمرون بالفسيياد وسيييعودون إليييه مرة تلو أخرى ‪ ،‬وهذا محمول على الشرط فإن عادوا للفسيياد بعييد‬
‫تحقيق الوعيد الثانيي ‪ ،‬عاد ال عليهيم بالعقاب ‪ ،‬وسيتكون هذه العودة باتباعهيم للدجال أكيبر المفسيدين فيي الرض‬
‫وهي العودة النهائية لهم ‪ ،‬ول تتفق من حيث المواصفات والشروط مع كونها مرة من المرتين ‪ ،‬وستكون نهايتهم‬
‫على مشارف بيت المقدس بباب ( ُلدّ ) على يديّ عيسى عليه السلم ومن معه من المسلمين ‪ ،‬عند هروب الدجال‬
‫إليهيا ‪ ،‬كميا روي فيي نفيس الحدييث الصيحيح الطوييل مين روايية مسيلم ‪ ،‬الذي أوردنيا بعضيا منيه فيي شرحنيا لعبارة‬
‫ح ابْنَب مَرْيَمَب … فَ َيطْلُبُهُب حَتّىب‬
‫عبادا لنيا ‪ ،‬جاء ميا نصيه " … فَبَيْنَمَا ُه َو كَذَلِكَب ( أي الدجال ) إِذْ َبعَثَب الُّ ا ْلمَسبِي َ‬
‫جهَنّمَب لِ ْلكَافِرِينَب حَصبِيرًا (‪ )8‬ول أسيف‬ ‫يُدْ ِركَهُب بِبَابِب لُدّ فَ َيقْتُلُهُب … " ‪ .‬ليعقّب سيبحانه على ذلك بقوله ( … َوجَعَلْنَا َ‬
‫ول رحمة …‬

‫ن النّاسِ ) ‪:‬‬
‫( إِلّا ِبحَ ْبلٍ ِمنْ الّل ِه … َوحَ ْبلٍ مِ ْ‬
‫قال تعالى فيي سيورة البقرة ( … وَضُرِبَتْب عَلَ ْيهِمْب الذّّل ُة وَا ْلمَسْبكَ َنةُ ‪ ،‬وَبَاءُوا ِبغَضَبٍب مِنْب الِّ ‪ ،‬ذَلِكَب بِأَ ّنهُمْب كَانُوا‬
‫َيكْفُرُونَب بِآيَاتِب الِّ ‪ ،‬وَ َيقْتُلُونَب النّبِيّينَب ِبغَيْرِ ا ْلحَقّ ‪ ،‬ذَلِكَب ِبمَا عَصَبوْا َوكَانُوا َيعْتَدُونَب (‪ )61‬هذه اليية توضيح حكميا‬
‫إلهييا مُلزميا لبنيي إسيرائيل ‪ ،‬كان فيميا سيبق قيد صيدر بحقهيم عنيد كفرهيم وقتلهيم النيبياء ‪ ،‬ونلحيظ أن المسيكنة‬
‫عُطفيت على الذلة مباشرة ‪ ،‬وأنهميا تلزميا فيي الوقوع تحيت الضرب ‪ ،‬فيي قوله تعالى ( وَضُرِبَتبْ عَلَ ْيهِمبْ الذّّلةُ‬
‫وَا ْل َمسْكَ َنةُ ) ‪.‬‬
‫ن مَا ُث ِقفُوا ‪ِ ،‬إلّ ِبحَ ْبلٍ‬
‫ضرِبَ تْ عَلَ ْيهِ مْ الذّّلةُ أَيْ َ‬
‫وفي سورة آل عمران ‪ ،‬أُعيد نفس النص السابق ‪ ،‬في قوله تعالى ( ُ‬
‫مِنْب الِّ َوحَ ْب ٍل مِنْب النّاسِب ‪ ،‬وَبَاءُوا ِبغَضَبٍب مِنْب الِّ ‪ ،‬وَضُرِبَتْب عَلَ ْيهِمْب ا ْلمَسْبكَنَةُ ‪ ،‬ذَلِكَب ِبأَ ّنهُمْب كَانُوا َي ْكفُرُونَب بِآيَاتِب‬
‫الِّ ‪ ،‬وَ َيقْتُلُونَب الَْنبِيَاءَ ِبغَيْ ِر حَقّ ‪ ،‬ذَلِ كَ ِبمَا عَصَبوْا َوكَانُوا َيعْتَدُونَب (‪ ، )112‬ولكن بفصل الذلّة عن المسيكنة ‪ ،‬مع‬
‫ضرب كيل منهميا على حدة أول ‪ ،‬ومين ثيم إضافية السيتثناء التالي ( ِإلّ ِبحَ ْب ٍل مِنْب الِّ ‪َ ،‬وحَ ْبلٍ مِنْب النّاسِب ) مين‬
‫ضرب الذلّة دون المسكنة ثانيا ‪ .‬ومن هنا نستطيع القول ‪ ،‬بأن الذلّة ستُرفع عنهم في حالتين ‪ :‬الحالة الولى بحبل‬
‫من ال ‪ ،‬والحالة الثانية بحبل من الناس ‪ ،‬وأن المسكنة ستبقى ملزمة لهم ‪ ،‬في حال رفعت الذلّة عنهم أم لم تُرفع‬
‫‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫جاء في معجم لسان العرب ‪ ،‬الذّل نقيض العزّة ‪ ،‬وقوله تعالى ( وذُلّلَ تْ ُقطُو ُفهَا تَذْلِيلًَ ) ‪ ،‬بمعنى سويت عناقيدها‬
‫خضَع له ‪ ،‬وأن المعنى المُستفاد من الذّل هو الصغار والخضوع والنخفاض ‪،‬‬ ‫ودُلّيت أي خُفّضت ‪ ،‬وتذلّلَ له أي َ‬
‫والنقيض لهذة الصفات هو الستكبار والسطوة والرتفاع ‪.‬‬
‫وَضُرِبَتْ عَلَ ْيهِ مْ الذّّلةُ ‪ :‬أي أُلزموا الذّلة والصغار فل منعة لهم ‪ ،‬بمعنى ل قوة لهم لمنع الغير من استباحة دمائهم‬
‫وأموالهييم وأهليهييم ‪ .‬وثبتييت فيهييم هذه الصييفة ولزمتهييم على م ّر العصييور ول خلص لهييم منهييا ‪ ،‬والسييبب فييي‬
‫ضربها عليهم هو استحقاقهم لغضب ال عليهم ‪ ،‬لكفرهم بآياته وقتلهم النبياء ‪ ،‬بالضافة لما كان من عصيانهم‬
‫لوامره واعتدائهم على حدوده ‪.‬‬

‫أَيْنَ مَا ُثقِفُوا ‪ :‬أينما وُجِدوا ‪.‬‬


‫ن مَا ُثقِفُوا ‪ِ ،‬إلّ ِبحَ ْب ٍل مِ ْ‬
‫ن‬ ‫ضرِبَ تْ عَلَ ْيهِ مْ الذّّلةُ ‪ ،‬أَيْ َ‬
‫هنا ل بد لنا من وقفة مع هذه العبارة ‪ ،‬حيث يقول سبحانه ‪ُ ( ،‬‬
‫الِّ َوحَ ْب ٍل مِنْب النّاسبِ ) ‪ ،‬فالذلة ملزمية لهيم أينميا أقاموا أو ارتحلوا ‪ ،‬وهذه الذلة سيتُرفع عنهيم مرتيين لتُسيتبدل‬
‫بالعلو ‪ ،‬أينمييا أقاموا أو ارتحلوا ‪ ،‬على امتداد سييطح كوكييب الرض ‪ ،‬فالعلو اليهودي لمرتييين حدث عارض فييي‬
‫تاريخهيم ومصييره إلى الزوال ‪ ،‬أو حالة اسيتثنائية سييعيشها عامية الشعيب اليهودي لمرتيين أينميا وُجيد ‪ ،‬وسيتزول‬
‫هذه الحالة عين عامية الشعيب اليهودي كذلك ‪ ،‬عندميا يأذن رب العزة بزوال علوهيم فيي المرة الثانيية ‪ ،‬وليعود كيل‬
‫يهود العالم أفرادا وجماعات ‪ ،‬فيي شتيى بقاع الرض إلى حالة الذلة ‪ ،‬التيي هيي فيي الصيل الحالة التيي يسيتحقون‬
‫بمنظور رب العزة ‪.‬‬
‫والسؤال الن ‪ ،‬لماذا كان هذا الفصل وهذا الستثناء ؟‬
‫ِإلّ ِبحَ ْب ٍل مِنْب الِّ ‪َ ،‬وحَ ْبلٍ مِنْب النّاسِب ‪ :‬السيتثناء هنيا يفييد رفيع حالة الذّلة ‪ ،‬لتصيبح حالهيم مين ( الذل والصيغار‬
‫والخضوع والنخفاض ) إلى العكيس تماميا ‪ ،‬أي ( العيز والسيتكبار والسيطوة والرتفاع ) ‪ ،‬وهذا مميا يفييد معنيى‬
‫العلو ‪ ،‬وهذا الستثناء يوضح أن العلو سيكون على حالين ‪ ،‬فالعلو الول كان بحبل ال ‪ ،‬أي باتكالهم على ال في‬
‫نشأته وتمكينه من خلل الوحي والنبوة ‪ ،‬وأن العلو الثاني سيكون بحبل الناس ‪ ،‬أي باتكالهم على الناس في نشأته‬
‫وتمكينه من خلل المساعدات المالية والعسكرية ‪.‬‬
‫وتمع نّ في جمال ودقة التعبير القرآني ‪ ،‬واستخدام كلمة ( حبل ) في هذا المقام ‪ ،‬فالحبل يُرفع به دلو الماء ‪ ،‬من‬
‫قعر البئر إلى قمته ‪ ،‬فهو وسيلة لنتشال الشيء ‪ ،‬من أدنى حالته وإيصاله إلى أعلها ‪ ،‬ومن قوله عليه الصلة‬
‫والسلم ‪ ،‬لصاحب الناقة " اعقل وتوكل " ‪ ،‬نجد أنه وسيلة ربط لحكام الشيء وإبقاءه على حاله ‪.‬‬
‫وهذا ميا تحقيق فيي الواقيع ‪ ،‬فقيد اسيتطاع اليهود بعيد أن كانوا فيي القاع ‪ ،‬مين تسيلق الحبيل المريكيي البريطانيي‬
‫ليصيعدوا إلى قمية تمثال الحريية ‪ ،‬ومين ثيم تناولوا الحبيل وربطوه فيي قرنيّي التمثال ‪ ،‬وأخذوا طرفيه الخير ولفّوه‬
‫سيياجا منعييا حول دولتهيم فيي فلسيطين ‪ ،‬حتيى أصيبح عامّة المريكييين عيبيدا لليهود ‪ ،‬يقدّمون لهيم القرابيين التيي‬
‫نعلمهيا ‪ ،‬خشيية أن يسيحب اليهود طرف الحبيل الذي يمسيكونه بإحكام ‪ ،‬فيهوي رأس التمثال فيي البحير ‪ .‬وطرف‬
‫الحبل الخر ليس ببعيد عن أولئك العباد ‪ ،‬فما زال ينتظرهم ليسحبوه ليغرق التمثال وأهله ‪.‬‬
‫نعلم أنّي ال قيد حذّرهيم مين اتخاذ وكلء غيره ‪ ،‬فيي افتتاحيية السيورة قائل ( َألّ تَ ّتخِذُوا مِنْب دُونِي َوكِيلً (‪ . )2‬فيي‬
‫العلو الول لهم كانوا قد طلبوا العون من ال ‪ ،‬لقامة الدولة في الرض المقدسة ‪ ،‬وكان اتكالهم على ال لدامة‬
‫وجودهيا ‪ ( ،‬إِذْ قَالُوا لِنَبِيّ َلهُمْب ا ْبعَثْب لَنَا مَ ِلكًا ُنقَا ِتلْ فِي سَببِيلِ (‪ 246‬البقرة ) فآتاهيم ال ميا طلبوا ( وَ َلقَ ْد آتَيْنَا بَنِي‬
‫إِسْبرَائِيلَ ا ْلكِتَابَب وَا ْلحُكْمَب وَالنّ ُبوّةَ وَ َرزَقْنَاهُمْب مِنْب الطّيّبَاتِب وَفَضّلْنَاهُمْب عَلَى الْعَا َلمِينَب (‪ 16‬الجاثيية ) فجميع لهيم الملك‬
‫والنبوة في داود وسليمان عليهما السلم ‪ .‬وأما في العلو الثاني كانوا قد طلبوا العون من ( بلفور ) لقامة الدولة ‪،‬‬
‫والتكال على بريطانييا ليجادهيا وعلى أمريكيا لدامية وجودهيا فكان لهيم ميا أرادوا ( ثُمّ رَدَدْنَا َلكُمْب ا ْلكَرّةَ عَلَ ْيهِمْب‬
‫جعَلْنَاكُ ْم أَكْثَرَ َنفِيرًا (‪ 6‬السراء ) ‪.‬‬‫ن َو َ‬
‫َوَأمْدَدْنَا ُكمْ ِبَأ ْموَا ٍل وَبَنِي َ‬
‫ولو لم يأتي هذا الستثناء في سورة آل عمران ‪ ،‬وبقي على حاله كما هو في سورة البقرة ‪ ،‬لتناقض ذلك مع قوله‬
‫تعالى في سورة السراء ‪ ( ،‬لَ ُتفْسِدُنّ فِي الَْرْ ضِ ‪َ ،‬مرّتَيْ نِ ‪ ،‬ولَ َتعْلُنّ عُُل ّوًا كَبِي َراً ) ‪ ،‬سبحانه وتعالى عن ذلك علوا‬
‫كبيرا ‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫وَضُرِبَتْب عَلَ ْيهِمْب ا ْلمَسْبكَ َنةُ ‪ :‬أي الحاجية للغيير والتسيول بل خجيل ‪ ،‬فل كرامية ول عزة ول إباء لهيم ‪ ،‬فل يوجيد‬
‫يهودي ‪ -‬وإن كان غنييا ‪ -‬خالييا مين زي الفقير والخضوع والمهانية ( وهكذا تكون الطفيليات ) بارعون فيي التسيلق‬
‫على ظهور غيرهم بمكرهم ودهائهم ‪ ،‬لقضاء حاجاتهم الدنيوية الدنيئة ‪.‬‬
‫مجيء اليهود من الشتات ‪:‬‬
‫يظنّي البعيض ‪ ،‬بناءا على عبارة ( جئنيا بكيم لفيفيا ) أن وعيد الخرة ميا زال بعيدا عين التحقيق ‪ ،‬كون تجمّع بنيي‬
‫إسرائيل في فلسطين لم يكتمل بعد ‪ ،‬فالكثير منهم – تقريبا النصف – ما زال في الدول الغربية ‪ ،‬وهذا الظ نّ في‬
‫غير محلّه وينمّ عن عدم معرفة بحقيقة الشخصية اليهودية ‪ ،‬فاليهود المنتشرون كالجراد في شرق العالم وغربه ‪،‬‬
‫لن يهاجروا إلى فلسييطين إل فييي حالة واحدة إذا أُجييبروا على ذلك مُكرهييين ‪ ،‬أو دُمّر العالم بأسييره ولم يبييق إل‬
‫فلسيطين ليهاجروا إليهيا ‪ ،‬وهذا غيير وارد فيي المنظور القرييب ‪ ،‬ودمار إسيرائيل القادم سييكون سيابقا بيل سيببا‬
‫لنهيار العالم الغربي ودماره ‪.‬‬
‫فاليهود كائنات طفيليية ‪ ،‬ل تسيتطيع العييش بمعزل عين الخريين مين غيير اليهود ‪ ،‬وحتيى الدولة اليهوديية تتصيف‬
‫بنفيس الصيفة ‪ ،‬فهيي ل تسيتطيع البقاء والمحافظية على وجودهيا وكيانهيا ‪ ،‬بدون المسياعدة الخارجيية مين الدول‬
‫الغربيية ‪ ،‬والتسيوّل الدائم والمسيتمر ‪ .‬وهذه هيي المسيكنة التيي ضربهيا ال عليهيم ‪ ،‬ولزمتهيم على مرّ تاريخهيم‬
‫الطويل ‪ ،‬في غناهم وفقرهم وفي ذلّهم وعلوهم ‪ .‬ول أدلّ على ذلك التسويق المذلّ والمخزي والمستمر ‪ ،‬للمحرقة‬
‫النازيية والتيي جعلوا منهيا ومين تهمية معاداة السيامية ‪ ،‬مسيمار جحيا فيي حلق الشعوب الغربيية لبتزازهيا ونهيب‬
‫خيراتها وخاصة ألمانيا ‪ ،‬فهم عالة على كل من آواهم ‪ ،‬وهذا ما يشهد به تاريخهم ‪ ،‬وكان سببا – بالضافة إلى‬
‫غدرهم ومكرهم ومؤامراتهم ‪ -‬في اضطهادهم ‪.‬‬
‫واليهود هيم أول مين ابتكير الربيا ويعيشون بيه وعلييه ‪ ،‬والن هيم يملكون معظيم بيوت المال العالميية إن لم تكين‬
‫كلها ‪ ،‬حتى البنوك المركزية المريكية والبريطانية ‪ ،‬وحق إصدار النقد فيها ‪ ،‬فهل من المعقول أن يتركوا العجل‬
‫الذهيبي ‪ ،‬ويغادروا جنّة إلههيم بمحيض إرادتهيم ؟! طبعيا ل ‪ ،‬فهذا ضرب مين الخيال ‪ ،‬لذلك أسيتطيع الجزم – لميا‬
‫تقدم – بأنّي تجمّعهيم فيي فلسيطين بكلّهيم وكليلهيم لن يكون ‪ ،‬وللعلم فإن معظيم المهاجريين اليهود ‪ ،‬كانوا مين بلدان‬
‫أوروبا الشرقية المعروفة بفقرها ‪ ،‬وأما الغربيون فأعدادهم قليلة جدا ‪.‬‬
‫فضل عن ذلك ‪ ،‬لم يأ تِ في مجمل معاني لفيفا ما يُفيد تجمّع كل اليهود في فلسطين كشرط لتحقّق وعد الخرة ‪،‬‬
‫والمعنى المستفاد منها هو الختلط في الصول والجمع من أماكن مختلفة وهذا قد تحصّل ‪ ،‬فالدول التي هاجروا‬
‫منها شملت معظم أرجاء المعمورة وهي غنيّة عن التعريف وهذا هو المراد ‪.‬‬
‫أما فيما يخص السنن اللهية في القرى الظالمة ‪ ،‬فقد وردت في هذا البحث الكثير من اليات التي توضّحها ‪ ،‬فل‬
‫أسيرع من النتقام اللهي ليحل بها ‪ .‬وظلم اليهود وعلوهم واستكبارهم وعنجهيّتهيم وعنصيريّتهم ‪ ،‬ومحاربتهم ل‬
‫ورسوله وأولياؤه وقتل البرياء العزّل ‪ ،‬وهدم البيوت واستلب الراضي واقتلع أشجارها واستيطانها ‪ ،‬ومنعهم‬
‫مسياجد ال أن يُذكير فيهيا اسيمه وتدنيسيها فاق كيل تصيوّر ‪ ،‬وأوجيب عقابيه سيبحانه لهيم منيذ زمين بعييد ‪ .‬ولول أن‬
‫عظُم شأنه ضرب لهم موعد لن يُخلفوه ‪ ،‬وأن أرضه المقدسة تزخر بأوليائه الصالحين‬ ‫الحكيم العليم جلّت قدرته و َ‬
‫‪ ،‬لنزل الن عليهم رجزا من السماء ‪ ،‬كما أنزله على أسلفهم ‪ ،‬لمجرد تبديلهم للقول والهيئة عند دخول القرية ‪،‬‬
‫لعنهيم ال بكفرهيم قليل ميا يؤمنون ‪ .‬ولكنّي عقابهيم سييكون مختلفيا رحمية مين ربيك بعباده الصيالحين هناك ‪ ،‬لكيل‬
‫جلَ الِّ لَتٍب ) ‪ ،‬و ( إِنّ َأجَلَ‬
‫يسيوءهم العذاب فضل عمّا أسياء لهيم أولئك الوغاد ‪ ،‬فليرتقبوا إنّا مرتقبون ( فَإِنّ َأ َ‬
‫لّ إِذَا جَا َء لَ ُي َؤخّرُ َلوْ كُن ُتمْ َتعْ َلمُونَ (‪ 4‬نوح ) ‪.‬‬
‫ا ِ‬
‫تعنيي عمليية ربيط نفاذ وعد الخرة بتجمّع كل اليهود فيي فلسيطين ‪ ،‬أن وعد الخرة لن يتحقيق حتيى قيام الساعة ‪،‬‬
‫وهذا مخالف لميا نراه على أرض الواقيع ‪ ،‬حييث وصيل الظلم اليهودي أقصيى مداه ‪ ،‬ومخالف أيضيا لميا تحكييه‬
‫النصيوص ‪ ،‬إذ أن هناك عودة أخرى للفسياد ‪ ،‬وهناك عقاب آخير سيينطق فييه الحجير والشجير قبيل قيام السياعة ‪،‬‬
‫التي أصبحت أشراطها الكبرى على البواب والناس عنها غافلون ‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫ما تُخبر عنه اليات في السورة ‪ ،‬ليس وعدا بنصر للمؤمنين ‪ ،‬وإنما وعد استثنائي بعقاب بني إسرائيل ‪:‬‬
‫قال تعالى ( َوإِذْ تَأَذّنَب رَبّكَب لَيَ ْبعَثَنّ عَلَ ْيهِمْب إِلَى َيوْمِب ا ْلقِيَا َمةِ مَنْب يَسبُو ُمهُمْ سبُوءَ ا ْلعَذَابِب (‪ 167‬العراف ) تقرّر هذه‬
‫الييية الكريميية ‪ ،‬بأن ال سيييبعث على بنييي إسييرائيل ‪ ،‬ميين يسييومهم سييوء العذاب إلى قيام السيياعة ‪ .‬إذًا هناك‬
‫اسيتمرارية للبعيث وهناك اسيتمرارية للعذاب ‪ .‬وقيد وقيع العذاب فيهيم على أيدي وثنيون ونصيارى ومسيلمون على‬
‫مرّ تاريخهم الطويل ‪ ،‬مما يؤكد أن العذاب الخاص بوعدي المرتين ‪ ،‬هو حالة استثنائية خاصة مختلفة عمّا تقرّره‬
‫اليية أعله ‪ ،‬وأن الذيين سييُوقعونه بهيم أناس اسيتثنائيون أيضيا ‪ ،‬وهذا السيتثناء جاء لميا يملكونيه مين صيفات على‬
‫رأسها صفة البأس الشديد ‪ ،‬ذلك أن إفساد بني إسرائيل المقترن بالعلو في كلتا المرتين ‪ ،‬أعظم من أي إفساد سابق‬
‫أو لحق ‪ ،‬مما يتطلّب بعث أناس هم أهل لما يريده ال لبني إسرائيل من العذاب الشديد ‪.‬‬
‫كانت نصوص هذه النبوءة قد أُنزلت على موسى عليه السلم ‪ ،‬قبل ‪ 3‬آلف سنة تقريبا من الن ‪ ،‬وقبل ‪1600‬سنة‬
‫مين مجييء السيلم تقريبيا ‪ ،‬وكُشفيت نصيوصها لبنيي إسيرائيل بعيد نكوصيهم عين الدخول إلى فلسيطين ‪ ،‬وقبيل‬
‫سنوات التحريم والتيه ‪ .‬وهي في الواقع تحكي حالتين استثنائيتين من تاريخ بني إسرائيل ‪ ،‬يتحصّل لهم فيهما علو‬
‫أمم يّ في فلسطين ‪ ،‬يشترط فيهما سبحانه الحسان وتجنّب الساءة ‪ ،‬فإن أحسنوا أحسن إليهم ‪ ،‬وإن أساءوا أزال‬
‫علوهيم وعذّبهيم فيي الدنييا والخرة ‪ ،‬وقيد وعدهيم بإطالة أميد هذا العلو إليهيم طالميا هيم محسينون ‪ ،‬والسياءة إليهيم‬
‫بعقابهم وبإزالة هذا العلو طالما هم يُسيئون ويُصرّون على الساءة ‪.‬‬
‫ولعلمه المسبق بإفسادهم بعد التمكن من العلو فيها في المرتين ‪ ،‬أخبرهم سبحانه بما سيكون منهم مستقبل ‪ ،‬مؤكدا‬
‫ذلك بِقَسيَم تسيتشعر مين خلله التحدّي اللهيي لهيم ‪ ،‬كونهيم دائبون على تحدّييه بمحاربية رسيله وأولياءه وشرائعيه ‪.‬‬
‫وأنهم كلمّا علوا في الرض سيفسدون فيها بالرغم من تحذيرهم هذا ‪ ،‬معلنين حربهم عليه سبحانه ‪ ،‬لينالوا غضبه‬
‫وسيخطه عليهيم مميا يسيتوجب انتقاميه ‪ .‬وعندميا يتحصيّل ذلك منهيم ‪ ،‬وعدهيم ربهيم بأن يبعيث عليهيم فيي كيل مرة‬
‫عبادا له أولي بأس شديد ‪ ،‬ليعيدونهم إلى موقعهم الحقيقي من العراب بين المم ‪.‬‬
‫لنؤكييد هنييا على أن مييا تُخييبر عنييه سييورة السييراء حصييرا ‪ ،‬هييو وعييد إلهييي بعقاب وعذاب لليهود لفسييادهم‬
‫واسيتعلئهم فيي الرض ‪ ،‬ل وعدا إلهييا بتحريير فلسيطين ‪ ،‬بغيض النظير عين أي اعتبارات أخرى ‪ ،‬وفيي التعقييب‬
‫على هذا الخيبر ‪ ،‬كانيت إحدى الحكيم اللهيية للخبار عنيه ‪ ،‬هيي زفّي البشرى للمؤمنيين ‪ .‬أميا نصير المؤمنيين مين‬
‫أهيل فلسيطين ‪ ،‬الذيين نصيروا ال بصيبرهم ورباطهيم وثباتهيم ‪ ،‬فالخبار عنيه والوعيد به جاء فيي سينن إلهيية عامية‬
‫بنصر المؤمنين والمستضعفين من عباده في مواضع أخرى من القرآن ‪ ،‬فل نخلط بين المرين ‪.‬‬

‫من هم هؤلء العباد ‪ ،‬ولماذا هم ‪ ،‬وما الذي يجري في الحقيقة ؟‬


‫ل بهم على‬ ‫يؤكد النص القرآني ‪ ،‬في اليات من ( ‪ ) 7-5‬من سورة السراء ‪ ،‬أن العقاب اللهي لبني إسرائيل سيح ّ‬
‫أيدي بشر ‪ ،‬طائفة من خلقه سخّرهم ال جلّت قدرته ‪ ،‬من أجل القيام بهذه المهمة العظيمة ‪ ،‬واختارهم لهذه المهمة‬
‫لتصافهم بالبأس الشديد ‪ ،‬وغاية هذه المهمة هي النتقام ‪ ،‬وهذا النتقام إلهي الطابع ‪ ،‬وصفته شديد الوقع والتأثير‬
‫‪ .‬وبالتالي مين الضرورة بميا كان أن يمتلك أولئك العباد ‪ ،‬مخزونيا هائل وكمّا ضخميا ‪ ،‬مين الحقيد والكراهيية‬
‫الموجّه لبني إسرائيل لسبب أو لخر ‪ ،‬مما أوجد لديهم رغبة شديدة وملحة في النتقام منهم ‪ ،‬حتى يتوافق ذلك مع‬
‫مقتضى الرادة اللهية في النتقام ‪ ،‬وليتجلى ذلك العذاب في أبشع صوره ‪ ،‬كما لو أنه أُنزل عليهم من السماء ‪.‬‬
‫وتوحيي اليات بأن هناك علقية عدائيية ميا بيين اليهود وأولئك العباد ‪ ،‬نشأت منيذ نهايية علوهيم الول وتجدّدت ميع‬
‫بداية علوهم الثاني ‪ ،‬واستمرت وتزايدت مع مرور الزمن ‪ ،‬وأن سبق العداء والعتداء اليهودي على أولئك العباد‬
‫‪ ،‬سيكون السبب في خروج أولئك العباد عليهم ‪ ،‬ولتوضيح ما خفي بين السطور في هذا النص القرآني الكريم ‪،‬‬
‫سنقوم بطرح مثال قريب إلى أذهاننا ‪.‬‬
‫لنأخذ مثل الرادة أو الرغبة في الكل وهي عادة ل تأتي عبثا ‪ ،‬وفي الغالب تتحصّل لسببين ‪ :‬الشعور بالجوع أو‬
‫شرِه يأكيل فيي العادة دون الحاجية للشعور بالجوع ذلك لنهيا طبيع‬
‫لوجود صيفة الشراهية فيي النسيان ‪ ،‬والنسيان ال َ‬
‫ملزم له ‪ ،‬فتخيّل أن إنسانا كهذا كان جائعا فضل عن شراهته ‪ ،‬وعند نزوله من إلى الشارع مرّ بمطعم ‪ ،‬فشاهد‬
‫من خلل الواجهة الزجاجية دجاجة مشوية ‪ ،‬بالتأكيد ستتولّد لديه رغبة شديدة في التهام تلك الدجاجة الشهية على‬
‫الفور ‪ ،‬للشعور باللذة والمتعية ولطفاء تلك الرغبية ‪ ،‬وعندميا همّ بالدخول تيبيّن له أن المطعيم مغلق للسيتراحة ‪،‬‬
‫‪51‬‬
‫وحسيب اللفتية الموجودة على الباب ‪ ،‬تيبين له أن المطعيم لن يُفتيح قبيل عشير دقائق ‪ .‬والذي حصيل ميع صياحبنا ‪،‬‬
‫أنه لم يترك المر ويمضي في حال سبيله ‪ ،‬بل أخذ المر على أنه موضوع شخصي كونه ذو طبع شره ‪ ،‬وكأن‬
‫الدجاجية اعتدت علييه بتعرّضهيا له فيي الطرييق وطعنتيه فيي مقتيل ‪ ،‬فاتخيذ قرارا بالنتقام منهيا ‪ ،‬لكيي يُزييح عين‬
‫كاهله عبييء ذلك الوضييع وذلك الشعور المزري ‪ ،‬الذي فرضتييه عليييه تلك الدجاجيية بمييا س يبّبته له ميين اسييتثارة‬
‫ل النتظار ‪،‬‬ ‫واسيتفزاز ‪ .‬ولكين هيل يسيتطيع تنفييذ رغبتيه فيي النتقام مين الدجاجية ؟ كل ! … إذن ل مناص له إ ّ‬
‫لحين مجيء الموعد المنتظر ‪ ،‬فقرّر النتظار ريثما يفتح المطعم … والن تخيل سلوك ذلك النسان ‪ ،‬لحظة فتح‬
‫الباب وحتيى لحظية وقوع الدجاجية بيين يدييه … ! وتخييل ميا الذي سييفعله بتلك الدجاجية حتيى ينتهيي مين أمرهيا‬
‫… ! وتخيل ما بقي من حطامها … ! وتخيل منظر الطاولة لحظة النتهاء منها … ! وتخيل منظره لحظة تركه‬
‫لساحة المعركة … وهو يشعر بنشوة النتصار … الذي حققه وباقتدار … على تلك الدجاجة المزعجة … !‬
‫أخيبر سيبحانه بأن عقابيه لبنيي إسيرائيل ‪ ،‬سييكون مين فعيل البشير ‪ ،‬والسيلوك البشري فيي بعيض مين جوانبيه ‪ ،‬هيو‬
‫مجموعية مين الحوادث المتكررة ‪ .‬وميا نحين بصيدده فيي هذا المقام ‪ ،‬هيو القانون الفيزيائي ( لكيل فعيل رد فعيل‬
‫معاكس له بالتجاه ) ولكن ليس مساو له بالمقدار ‪ ،‬فرد الفعل في السلوك البشري تتدخل فيه عوامل كثيرة تغير‬
‫من مقدار رد الفعل ‪ ،‬ومن قراءتنا للنص القرآني وفهمنا له ‪ ،‬نجد أن هذا العقاب اللهي ‪ ،‬سينفذ في بني إسرائيل‬
‫على أيدي بشر ‪ ،‬وسيكون غاية في البطش والتنكيل والذلل ‪.‬‬
‫وهذا السيلوك البشري ل يقوم بيه إل مين كان يعتميل فيي صيدورهم رغبية شديدة فيي النتقام ‪ .‬ورغبية النتقام لدى‬
‫البشر ل تنشأ عبثا ‪ ،‬فغالبا ما تكون ر ّد فعل لفعل سابق ‪ .‬بمعنى أن الرغبة في النتقام لدى شخص ما ‪ ،‬تنتج عادة‬
‫لسبق العتداء من قبل شخص آخر ‪ ،‬فغالبا ما يتسبب الشخص المعتدِي ‪ ،‬في إيقاع الذى بالشخص المعتدَى عليه‬
‫‪ ،‬سيواء كان هذا العدوان جسيديا أو نفسييا ‪ ،‬مميا يُشكيل خطرا وتهديدا على كيان المعتدَى علييه برمّتيه ‪ ،‬مين حييث‬
‫المن والسلمة النفسية والجسدية ‪ ،‬فيُشكّل هذا العدوان استفزازا واستثارة ‪ ،‬تجعل المعتدى عليه يعيش حالة من‬
‫التوتيير والقلق ‪ ،‬تؤدي بييه أخيرا إلى القيام برد العدوان بعدوان أشييد قسييوة وأكثيير إيلمييا وتنكيل ‪ ،‬حتييى يتخلّص‬
‫المعتدَى علييه مين تلك الحالة ‪ ،‬بالضافية إلى رد اعتباره أمام نفسيه وأمام الخريين ‪ ،‬ولدرء خطير تكرار العدوان‬
‫من قبل المعتدِي نفسه أو من قبل غيره ‪.‬‬
‫وفي كثير من الحيان ‪ ،‬يتكرر نفس السلوك البشري لشخص ما ‪ ،‬عند تعرضه لنفس المثير في أوقات مختلفة ‪.‬‬
‫وفيي أحيان كثيرة يتشابيه سيلوك شخيص ميا لدرجية التطابيق ميع سيلوك شخيص آخير تعرض لنفيس الموقيف ‪ ،‬وإن‬
‫اختلف فالختلف إما أن يكون ‪:‬‬
‫أول ؛ في درجة الشدة ‪ ،‬للفعل نفسه من ( شتم ‪ ،‬أو ضرب ‪ ،‬أو إيذاء بليغ أو قتل ) ‪.‬‬
‫ثانيا ؛ في درجة الشدة لرد الفعل من ( اكتئاب ‪ ،‬أو امتعاض ‪ ،‬أو شتم أو ضرب أو إيذاء بليغ أو قتل ) ‪.‬‬
‫ثالثيا ؛ فيي طبيعية الشخيص المعتدى علييه ( فإن كان ذليل ربميا يكتئب ‪ ،‬وإن كان جبانيا ربميا يمتعيض ‪ ،‬وإن كان‬
‫قويا فيه لين ربما يشتم أو يضرب ‪ ،‬وإن كان عزيزا وقويا ربما يقتل وينكل ) ‪.‬‬
‫وبميا أن السيلوك البشري حدث متكرر فهيو قابيل للدراسية والمقارنية ‪ ،‬وسيورة السيراء أعطيت صيورة مين صيور‬
‫هذا السلوك ‪ ،‬لولئك العباد في التعامل مع بني إسرائيل ‪ .‬وتصوير السلوك البشري يظهر في مواضع كثيرة أثناء‬
‫السيرد القرآنيي للقصية ‪ ،‬الذي يعتميد التصيوير بإيجاز شدييد ‪ ،‬ليلقيي على كاهيل القارئ تخييل بقيية تفاصييل القصية‬
‫التي اختفت بسبب اليجاز ‪ ،‬وما كان المثال السابق إل ليضاح الجانب الخفي ‪ ،‬مما تحكيه النصوص من أحداث‬
‫غير ظاهرة ‪ ،‬تغيب في العادة عن ذهن القارئ أثناء التلوة العادية لليات ‪.‬‬
‫ما تحصل لدينا من ملمح لسلوك هؤلء العباد ‪ ،‬ومن أحداث من خلل اليات ‪ ،‬هو ما يلي ‪:‬‬
‫‪.1‬صفة البأس الشديد ‪ :‬اتصاف هؤلء العباد بالصبر والجلد عند البلء وبالقوة والبطش عند اللقاء ‪.‬‬
‫‪ :‬قيام بنو إسرائيل بالعتداء على هؤلء العباد ‪ ،‬بعد تحصّلهم على العلو الكبير ‪.‬‬ ‫‪.2‬ردّ الكرّة‬
‫‪ :‬متعلّق ب ِعظَم الظلم والفساد في الرض ‪ ،‬فكلما ازدادت وتيرته كلما اقترب ‪.‬‬ ‫‪.3‬مجيء الوعد‬

‫‪52‬‬
‫‪ :‬الخروج للغزو والغارة ‪ ،‬يقترب كلميا ازدادت وتيرة السيتفزاز والتهدييد ‪ ،‬وتناقصيت‬ ‫‪.4‬البعيث‬
‫المُعيقات والموانع ‪.‬‬
‫‪ :‬سلب مقومات العلو اليهودي في فلسطين ‪.‬‬ ‫‪.5‬دخول المسجد‬
‫عظَم النتقام وبشاعته ‪ ،‬باليذاء والقتل والتنكيل والتهجير والسبي ‪.‬‬
‫‪ِ :‬‬ ‫‪.6‬إساءة الوجه‬
‫تتبع وقارن ما بين معطيات السلوكين ‪:‬‬
‫(‪ )1‬توافير صيفة الشراهية ‪ ) )2‬اسبتفزاز وإثارة مبن قببل الدجاجبة ‪ ) )3‬تولّد الرادة والرغببة فبي الكبل‬
‫‪ ) )4‬السببتعداد والتهيئة وانتظار الظروف المواتيببة ‪ ) )5‬مجيييء الموعييد الذي حدّده صيياحب المطعييم‬
‫بانتهاء فترة الستراحة ‪ ) )6‬النطلق نحو الدجاجة ‪ :‬بعد فتح الباب وتمكين الوصول ‪ ) )7‬دخول المطعم‬
‫‪ ) )8‬التلذذ والستمتاع بالتهام الدجاجة (‪ )9‬ل وجود للدجاجة ‪.‬‬
‫(‪ )1‬توافببر صببفة البأس الشديببد ‪ ) )2‬اسييتفزاز وإثارة بسييبق اليذاء والعتداء ميين قبييل بنييي إسييرائيل على‬
‫أصيحاب البعيث ‪ ) )3‬تولّد الرادة والرغبية فيي النتقام ‪ ) )4‬السيتعداد والتهيئة وانتظار الظروف المواتية‬
‫‪ ) )5‬مجيببء الوعببد ‪ :‬مببع ازدياد وتيرة الظلم والفسبباد اليهودي فببي الرض وازدياد خطببر العدوان اليهودي‬
‫على المراد بعثهبم ‪ ) )6‬النطلق نحبو بنبي إسبرائيل ‪ :‬بعبد زوال الموانبع وتوفبر السبباب ‪ ) )7‬دخول‬
‫المسجد ‪ ) )8‬النتقام بالتلذذ والستمتاع بالتنكيل ببني إسرائيل (‪ )9‬ل وجود لسرائيل ‪.‬‬
‫الملمح الخفية التي ظهرت من خلل المقارنة هي ‪:‬‬
‫‪.1‬ضرورة سيبق السيتفزاز اليهودي لولئك العباد ‪ ،‬بإضرارهيم وإيذائهيم بشكيل بالغ الثير ‪ ،‬والتهدييد الدائم‬
‫بإبادتهم واستئصال شأفتهم ‪.‬‬
‫‪.2‬تولّد حالة من التوتر والقلق والقهر ‪ ،‬لدى أولئك العباد يُخلّفها ذلك التهديد بالعدوان ‪.‬‬
‫‪.3‬تولد الرادة والرغبة بالنتقام لدى أولئك العباد ‪ ،‬بردّ الصياع صياعين لدفيع الذى والضرر ور ّد العتبار‬
‫‪.‬‬
‫‪.4‬العمل والستعداد والنتظار ‪ ،‬ريثما تأتي اللحظة المناسبة التي تُمكّنهم من النقضاض ‪.‬‬
‫والن لنطرح السئلة التالية ‪:‬‬
‫‪.1‬ميين الشعييب الذي يمتلك صييفة الصييبر والجلد عنييد وقوع البلء ‪ ،‬والقوة والبطييش عنييد مواجهيية‬
‫العداء ؟‬
‫‪ .2‬مين الشعيب الذي هُزم مين قبيل اليهود عنيد نشوء دولتهيم ‪ ،‬والوحييد الذي اسيتمر اليهود ‪ ،‬فيي إيذاءه‬
‫والعتداء علييه ‪ ،‬بشكيل مباشير وغيير مباشير ‪ ،‬وميا زالوا حتيى يومنيا هذا ‪ ،‬وسييستمرون فيي إيذاءه‬
‫حتى يُجبروه على الخروج عليهم ؟‬
‫‪ .3‬من الشعب الذي يُظهر رغبة شديدة وملحة في النتقام منهم ‪ ،‬والقضاء عليهم وإنهاء وجودهم ‪ ،‬وما‬
‫بقي عليه إل أن يُهيئ ال له ‪ ،‬أسباب الخروج والنبعاث ؟‬
‫‪.4‬ميين الشعييب الذي بُعييث عليهييم فييي المرة الولى ‪ ،‬ودمّر مملكتهييم فييي فلسييطين بالذات ؟ وأييين تقييع‬
‫الرض التي خرج منها الن ؟‬
‫‪.5‬مين الشعيب العزييز والقوي ‪ ،‬الذي ل يقبيل الخضوع والذل والهوان ‪ ،‬ولدييه القوة والقدرة ‪ ،‬ليفاجئهيم‬
‫ل واقتدار ؟‬
‫ويكيل لهم الصاع صاعين ‪ ،‬وينزل بهم أبشع انتقام إلهي ‪ ،‬وبتج ّ‬

‫‪53‬‬
‫شروط ومواصفات المرة ‪:‬‬
‫والن لنحاول اسيتنباط الشروط والمواصيفات ‪ ،‬التيي يجيب توافرهيا فيي المرة الواحدة ‪ ،‬ليصيبح لدينيا مقياس ينأى‬
‫بنيا عين التخبيط والعشوائيية والجتهاد الخاطيئ ‪ ،‬نسيتطيع مين خلله تقيييم كيل حالة مين الحالت المعروضية بيين‬
‫أيدينا ‪ ،‬لجل التحقق وبدقة متناهية من كونها إحدى المرتين أم ل ‪-:‬‬
‫أوجه التشابه بين المرتين ‪:‬‬
‫‪.1‬المكان ‪ :‬الرض المقدسة ‪ -‬فلسطين ‪.‬‬
‫‪ .2‬صفة الفساد ‪ :‬أممي جماعي ‪ -‬القتل وسفك الدماء ‪ ،‬إخراج الناس من ديارهم ‪ ،‬محاربة ال وما جاء به‬
‫رسله ‪.‬‬
‫‪.3‬العلو ‪ :‬الستعلء ‪ -‬امتلك الرض والمال والقوة ‪.‬‬
‫‪.4‬صيفة المبعوثيين ‪ :‬أقوياء وأعزاء ‪ -‬يفضلون الموت على الذل والمهانية ‪ ،‬ول يقبلون بأقيل مين ر ّد الصياع‬
‫صاعين ‪ ،‬ومخرجهم من نفس الرض في المرتين ‪.‬‬
‫‪.5‬صفة العقاب ‪ :‬انتقام إلهي ‪ -‬الدخول بالغلبة قسرا وقهرا ‪ ،‬وهدم مقومات الدولة ‪ ،‬وإفناء شعبها ‪ ،‬والشتات‬
‫لمن ينجو منهم ‪.‬‬
‫علمات فارقة تميز كل مرة عن الخرى ‪:‬‬
‫‪.1‬النشأة والستمرارية ‪ :‬تواكلية ‪ -‬إحداهما بالتواكل على ال ‪ ،‬والخرى بالتواكل على الناس ‪.‬‬
‫‪.2‬المجيء ‪ :‬مختلف ‪ -‬دخول فلسطين كأمة في الولى ‪ ،‬دخولها كجماعات متفرقة من الشتات في‬
‫الثانية ‪.‬‬
‫‪.3‬الوعييد ‪ :‬الول ‪ -‬تحقييق قبييل نزول سييورة السييراء ‪ ،‬والثانييي ‪ -‬سيييتحقق فييي مسييتقبل الميية‬
‫السلمية ‪.‬‬

‫هل من المكن أن يبعث ال الكفرة ويُسلّطهم على من شاء من عباده ؟‬


‫هذا السؤال كان قد أورده الزمخشري في الكشاف ‪ ،‬حيث قال ‪ ( " :‬عبادا لنا ) ‪ ،‬وقُرئ عبيدا لنا ‪ ،‬وأكثر ما يُقال‬
‫عباد ال ‪ ،‬وعبيد الناس ‪ ،‬سنحاريب وجنوده وقييل بختنصير … فإن قلت كيف جاز أن يبعيث ال الكفرة ويُسلّطهم‬
‫عليهيم ؟ قلت ‪ :‬معناه خلينيا بينهيم وبيين ميا فعلوا ولم نمنعهيم ‪ ،‬على أن ال أسيند بعيث الكفرة إلى نفسيه ‪ ،‬فهيو كقوله‬
‫ض الظّا ِلمِينَ َبعْضًا ‪ِ ،‬بمَا كَانُوا َيكْسِبُونَ (‪ 129‬النعام ) " انتهى ‪.‬‬
‫تعالى ( َوكَذَلِكَ ُنوَلّي َبعْ َ‬
‫أميا المام أحميد فقيد قال ردا على نفيس السيؤال ‪ " :‬هذا السيؤال إنميا يتوجيه على قدريّي ‪ ،‬يُوجيب على ال تعالى‬
‫عمّا َيفْ َعلُ‬
‫بزعمه ‪ ،‬رعاية ما يتوهمه بعقله مصلحة ‪ ،‬وأما السُنيّ إذا سُئل هذا السؤال أجاب عنه بقوله ‪ ( :‬لَ ُيسْ َألُ َ‬
‫وَ ُهمْ ُيسَْألُونَ (‪ 23‬النبياء ) " انتهى ‪.‬‬
‫ول ننسى أن الكلم في المسألة أعله ‪ ،‬محمول على أن البعثين قد تح صّل قبل نزول اليات ‪ ،‬حيث أجمعت كل‬
‫الروايات على كفير المبعوثيين ‪ ،‬فجاء الكلم ردّا على مين قيد ينكير على ال بعيث الكفرة على فسيقة أهيل الكتاب ‪،‬‬
‫ويحصير ذلك بالمؤمنيين وهميا وظنيا واتباعيا للهوى مُقدّرا بأن فيي ذلك كيل المصيلحة والمنفعية مُلزميا ربّي العزة‬
‫برأيه ‪.‬‬
‫وبالضافية لميا تقدّم ‪ ،‬نسيوق بعيض الدلة مين القرآن والسينة ‪ ،‬على تسيليط ال الناس بعضهيم على البعيض ‪ ،‬دون‬
‫بيان ماهية المعتقد من حيث اليمان أو الكفر ‪ ،‬وحتى نصرة الدين بالفجار ‪:‬‬
‫ضلٍ عَلَى ا ْلعَا َلمِينَ (‪ 251‬البقرة )‬
‫ن الَّ ذُو فَ ْ‬
‫ض وَ َلكِ ّ‬
‫ت الَْرْ ُ‬
‫ض ُهمْ بِ َبعْضٍ َل َفسَدَ ِ‬
‫قال تعالى ( وَ َل ْولَ َدفْ ُع الِّ النّاسَ َبعْ َ‬

‫‪54‬‬
‫ضهُمْب بِ َبعْضٍب َلهُ ّدمَتْب صَبوَامِ ُع وَبِيَعٌب وَصَبَلوَاتٌ َومَسبَاجِدُ يُ ْذكَرُ فِيهَا اسْبمُ الِّ‬
‫وقال أيضيا ( وَ َل ْولَ َدفْعُب الِّ النّاسَب َبعْ َ‬
‫ن الَّ َل َق ِويّ عَزِيزٌ (‪ 40‬الحج )‬ ‫صرُ ُه إِ ّ‬
‫ن الُّ مَنْ يَنْ ُ‬
‫صرَ ّ‬
‫كَثِيرًا وَلَيَنْ ُ‬
‫ل الِّ صَلّى الُّ عََليْ هِ وَ سَّلمَ ‪ ،‬أنه قَالَ في معرض‬
‫ع ْن هُ ‪ ،‬عن رَ سُو ِ‬
‫ي الُّ َ‬
‫ومما روى البخاري عن َأبِي ُه َر ْيرَ َة رَضِ َ‬
‫جلِ ا ْلفَاجِرِ ) ‪ ،‬وأخرجه مسلم وأحمد والدارمي ‪.‬‬ ‫حديثه ‪َ … ( :‬وإِنّ الَّ لَ ُيؤَيّدُ هَذَا الدّينَ بِال ّر ُ‬
‫فإذا كان الحكيم العليم ينصر دينه بالفجار ‪ ،‬أفل يُعذّب الكفار بالكفار ؟!!‬
‫أولم يُسلّط ال التتار على فسقة المسلمين قديما ‪ ،‬ويُسلّط التراك والنصارى واليهود على فسقة المسلمين حديثا ‪،‬‬
‫أم أن هذا التسليط كان من عند غير ال ؟!!‬
‫والسييؤال هييل هناك منفعيية أو مصييلحة ‪ ،‬تُرتجييى ميين بعييث الريييح والحجارة ‪ ،‬أو بعييث الطييير والضفادع ‪ ،‬على‬
‫القوام السابقة ‪ ،‬طالما أن الغاية هي عقاب الظلمة والمفسدين ؟!!‬

‫الخلصة ‪:‬‬
‫‪.1‬أن إفساد بنو إسرائيل وعلوهم سيكون كأمّة ‪ ،‬وبقيام دولة لهم في فلسطين لمرتين فقط ‪ ،‬ل ثالث لهما ‪.‬‬
‫‪.2‬أن البعث من عند ال ‪ ،‬وأنه عقاب وعذاب لبني إسرائيل لفسادهم في الرض بالدرجة الولى ‪ ،‬بالرغم‬
‫من كونه نصرا للمستضعفين من أهل فلسطين الذين انتصروا لربهم ودينهم ‪.‬‬
‫‪.3‬أن هذا البعيث متعلّق بموعيد ‪ ،‬والمؤشير على قرب أجله ‪ ،‬هيو ازدياد وتيرة الظلم والفسياد اليهودي فيي‬
‫الرض ‪ ،‬وازدياد حدة التهديد اليهودي لصحاب البعث ‪.‬‬
‫‪.4‬أن غاية هذا البعث ‪ ،‬هي النتقام من بني إسرائيل في الدرجة الولى ‪ ،‬وليس مكافأة لصلح المبعوثين أيّا‬
‫كانوا ‪.‬‬
‫‪.5‬أن الوعد الول كان قد أُنجز فيما مضى قبل مجيء السلم ‪ ،‬بل قبل عيسى عليه السلم ‪.‬‬
‫‪.6‬أن تحقق الوعد الثاني ‪ ،‬اشتُرط فيه قبل تحققّه ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬مجيئهم من الشتات ؛‬
‫ثانيا ‪ :‬هزيمة اليهود للمبعوثين وإلحاق الذى بهم ؛‬
‫ثالثا ‪ :‬اعتماد اليهود على المساعدات المادية والبشرية ؛‬
‫رابعا ‪ :‬تفوّق اليهود عسكريا على أعدائهم ‪.‬‬
‫‪.7‬أن للبعيث الثانيي سيبب ‪ ،‬وهيو سيبق العتداء اليهودي على المبعوثيين ‪ ،‬وأن خروج المبعوثيين عليهيم ‪،‬‬
‫سيكون لرفع الضرر والنتقام لنفسهم ‪.‬‬
‫‪.8‬أن المبعوثين عليهم في المرة الثانية ‪ ،‬هم نفس المبعوثين عليهم في المرة الولى ‪.‬‬
‫‪.9‬أن هذا البعث سيكون مُفاجئا لهم ‪ ،‬وهم في قمة علوهم وتجبرهم ‪ ،‬وسيأتيهم من حيث ل يحتسبوا ‪ ،‬وسيتم‬
‫قتييل اليهود والتنكيييل بهييم ‪ ،‬ومين ثيم دخول فلسييطين والسيييطرة عليهييا ‪ ،‬مييع انعدام قدرة اليهود على صيدّ‬
‫المبعوثين ‪.‬‬
‫‪.10‬أن الدخول الول يعرفيييه اليهود كمعرفتهيييم لولدهيييم ‪ ،‬ولييييس للمسيييلمين معرفييية بصيييفته كونهيييم لم‬
‫يُعاصرونه ‪ ،‬ول يمكن معرفته إل من خلل الطلع على كتب اليهود ‪.‬‬
‫‪.11‬أن تدمير مقومات علوهم في مشارق الرض ومغاربها أمر حتمي ولو بعد حين ‪.‬‬
‫‪.12‬أن ماهية المعتقد للمبعوثين مُبهمة ‪ ،‬فمن الجائز أن يكونوا كفرة أو مسلمين أو مؤمنين أو من أولياء ال‬
‫المخلصين ‪ ،‬في كل المرتين أو في مرة دون الخرى ‪ ،‬وأن أه مّ ما يُميّزهم في كل المرتين هو اتّصافهم‬
‫بالبأس الشديد ‪.‬‬
‫‪55‬‬
‫تاريخ وجغرافيا بني إسرائيل في القران‬
‫بعيد مراجعتيي لمعظيم اليات القرآنيية ‪ ،‬التيي تحكيي سييرة بنيي إسيرائيل ‪ ،‬تيبيّن لي الكثيير مين الوقائع المبهمية فيي‬
‫تاريخهم ‪ ،‬والكثير من المفاهيم المغلوطة ‪ ،‬التي كنت أحملها ويحملها عامة المسلمين ‪ ،‬والتي سيرد تفصيلها في‬
‫هذا الفصيل إن شاء ال ‪ .‬كنيت سيأقتصر بحثيي فيي تارييخ بنيي إسيرائيل ‪ ،‬لثبات تحقيق وعيد المرة الولى مين علو‬
‫وإفسياد وعقاب ‪ ،‬ولكين تيبين لي مين خلل الحادييث العامية ‪ ،‬وعنيد طرحيي لموضوع هذا البحيث ‪ ،‬أن كثيرا مين‬
‫الناس يجهلون تاريييخ بنييي إسييرائيل ‪ ،‬وخاصيية ماهيّة الحداث التييي حصييلت معهييم وموقعهييا ميين حيييث الزمان‬
‫والمكان ‪ ،‬والتي ذُكرت متفرقة في القرآن وبل ترتيب في أغلب الحيان ‪ ،‬ويجهلون أيضا حتى ترتيب أنبياء بني‬
‫إسرائيل وتعاقبهم ‪ ،‬لذلك كان ل بد لنا من تعقب تاريخهم منذ البداية ‪.‬‬

‫إبراهيم عليه السلم‬


‫جوَا َ‬
‫ب‬ ‫حسبما ورد عن أهل الكتاب فإن إبراهيم عليه السلم كان مقيما في بلدة أور في جنوب العراق ( َفمَا كَا نَ َ‬
‫حرّقُوهُب فَأَنجَاهُب الُّ مِنْب النّارِ إِنّ فِي ذَلِكَب لَيَاتٍب ِل َقوْمٍب ُي ْؤمِنُونَب (‪ 24‬العنكبوت ) ‪( ،‬‬ ‫َق ْومِهِب ِإ ّل أَنْب قَالُوا اقْ ُتلُوهُب َأوْ َ‬
‫حكِيمُب (‪ 26‬العنكبوت ) ‪ ( ،‬وَ َنجّيْنَاهُب وَلُوطًا إِلَى الَْرْضِب‬ ‫فَآمَنَب لَهُب لُوطٌب وَقَا َل إِنّيب ُمهَاجِرٌ إِلَى رَبّيب إِنّهُب ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬
‫الّتِي بَا َركْنَا فِيهَا ِل ْلعَا َلمِينَ (‪ 71‬النبياء ) ومن ثم انتقل إبراهيم ولوط عليهما السلم إلى فلسطين ‪.‬‬
‫وسكن لوط عليه السلم قريتي ( سدوم وعمورة ) حسب تسمية التوراة ‪ ،‬في موضع البحر الميت حاليا ‪ ،‬واستمر‬
‫إبراهييم علييه السيلم على الرجيح ‪ ،‬حتيى وصيل إلى المدينية المسيمّاة باسيمه لغايية الن – وهيي الخلييل جنوبيي‬
‫القدس ‪ -‬وسيكن فيهيا ‪ ،‬وظاهير النيص القرآنيي يفييد بأنهميا لم يكونيا متزوجيين ‪ ،‬ولو كانيا كذلك ل ُذ ِكرَ أهلهميا عنيد‬
‫النجاة ‪ ،‬كميا اقترن ِذكْر الهيل ميع النيبياء ‪ ،‬فيي كيل مين حالت النجاة والهجرة التيي وردت فيي القران ‪ ،‬كميا فيي‬
‫اليية ( وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْب قَ ْبلُ فَاسْبَتجَبْنَا لَهُب فَ َنجّيْنَاهُب َوأَهْلَهُب مِنْب ا ْلكَرْبِب ا ْل َعظِيمِب (‪ 76‬النيبياء ) ‪ ،‬واليية ( قَا َل إِنّ‬
‫جلَ‬‫فِيهَا لُوطًا … لَنُ َنجّيَنّهُب َوأَهْلَهُب ِإ ّل امْ َرأَتَهُب كَانَتْب مِنْب ا ْلغَابِرِينَب (‪ 32‬العنكبوت ) ‪ ،‬والية ( فَ َلمّاب قَضَى مُوسبَى ا َلْ َ‬
‫وَ سَارَ بِأَ ْهلِ هِ (‪ 29‬القصص ) ليفيد ذلك أنهما هاجرا منفردين وفي مقتبل العمر ‪ ،‬وأن الزواج حصل بعد القامة ‪،‬‬
‫وعلى الرجح ‪ ،‬من نفس القوام التي دخلوا عليها وعايشوها كأفراد ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫حمْ ُد لِِّ الّذِي وَهَب بَ لي عَلَى ا ْلكِبَرِ ‪ ،‬إِس ْبمَاعِي َل َوإِس ْبحَاقَ ‪ ،‬إِنّ رَبّي ب لَس َبمِي ُع‬ ‫قال تعالى على لسييان إبراهيييم ( ا ْل َ‬
‫الدّعَاءِ (‪ 39‬إبراهييم ) ومرت سينون طويلة ‪ ،‬وبعيد أن تقدم إبراهييم علييه السيلم فيي العمير ‪ ،‬وهبيه ال جلّ وعل‬
‫إسيماعيل أول مين هاجير ‪ ،‬فأسيكنه وأميه فيي مكية ‪ ،‬ومين ثيم ُرزِقَي بإسيحاق فيي شيخوختيه ‪ ،‬مين سيارة التيي كانيت‬
‫حكَتْب فَ َبشّرْنَاهَا بِإِسْبحَاقَ‬
‫ضِ‬ ‫عجوزا ‪ ،‬ومين ثيم وُِلدَ يعقوب لسيحاق عليهميا السيلم ‪ ،‬قال تعالى ( وَامْ َرأَتُهُب قَا ِئ َمةٌ فَ َ‬
‫عجِيبٌ (‪ 72‬هود ) ‪.‬‬ ‫عجُوزٌ وَهَذَا َبعْلِي شَ ْيخًا إِنّ هَذَا َلشَيْءٌ َ‬ ‫سحَاقَ َيعْقُوبَ (‪ )71‬قَالَتْ َيوَيْلَتَا أَأَلِدُ َوأَنَا َ‬
‫ن وَرَا ِء ِإ ْ‬
‫َومِ ْ‬

‫مسألة بناء البيت الحرام والمسجد القصى ‪:‬‬


‫ن َأوّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلّذِي بِ َب ّكةَ مُبَا َركًا وَهُدًى لِ ْلعَا َلمِينَ (‪ 96‬آل عمران ) ‪.‬‬
‫قال تعالى ( إِ ّ‬
‫حرَامُ ‪ُ ،‬قلْتُ ‪ُ :‬ثمّ أَيّ ؟ قَالَ ‪:‬‬
‫سجِدُ اْل َ‬
‫جدٍ وُضِعَ َأوّلَ ؟ قَالَ ‪ :‬اْلمَ ْ‬
‫سِ‬‫وعَ ْن أَبِي َذرّ رَضِيَ اللّ هُ عَنْ ُه ‪ ،‬قَا َل ‪ُ ( :‬قلْتُ ‪ :‬يَا رَ سُولَ اللّ هِ أَيّ مَ ْ‬
‫سجِدٌ )‬‫ض لَ كَ مَ ْ‬
‫صلّ ‪ ،‬وَالَْأرْ ُ‬
‫صلَاةُ فَ َ‬
‫سجِدُ الَْأقْ صَى ‪ُ ،‬قلْ تُ ‪ :‬كَ مْ كَا نَ بَيَْن ُهمَا ؟ قَالَ ‪َ :‬أرْبَعُو َن ‪ُ ،‬ثمّ قَالَ ‪ :‬حَيُْثمَا َأدْ َركَتْ كَ ال ّ‬
‫ثُمّ اْلمَ ْ‬
‫رواه الشيخان ‪ ،‬وأخرجه النسائي وابن ماجة وأحد ‪ .‬جاء ف شرح السندي ‪ ،‬لنفس الت عند ابن ماجة ‪ ،‬ما نصه ‪ " :‬قوله ( وُضِ عَ‬
‫أول ) بالبناء على الضمة ‪ ( ،‬قال أربعون عاما ) قالوا ‪ :‬ليس الراد بناء إبراهيم للمسجد الرام ‪ ،‬وبناء سليمان للمسجد القصى ‪ ،‬فإن‬
‫بينهما مدة طويلة بل ريب ‪ ،‬بل الراد بناؤها قبل هذين البناءين ‪ ،‬وال أعلم " ‪.‬‬
‫وميين معانييي ( الوضييع ) ‪ ،‬فييي لسييان العرب " والمواضييع معروفيية ‪ ،‬وواحدهييا موضييع ‪ ،‬والموضييع هييو اسييم‬
‫المكان ‪ ،‬وفيي الحدييث ‪ " :‬ينزل عيسيى بين مرييم فيَضَعُي الجزيية " ‪ ،‬فتوضيع الجزيية وتسيقط ‪ ،‬وفيي الحدييث ‪ " :‬و‬

‫‪56‬‬
‫َيضَ عُ العلم " أي يهدمه ويلصقه بالرض ‪ ،‬و َوضَ عَ الشيء َوضْ َعاً أي اختلقه وأوجده ‪ ،‬ووضع الشيء في المكان‬
‫أثبته فيه " ‪.‬‬
‫ضعَ ) بأي حال من الحوال بعن ( بُنِ َي ) ‪ ،‬وذلك يفيد بأن الوضع كان للقواعد فقط ‪ .‬وقد رُوي أن آدم عليه السلم ‪،‬‬
‫ول تأتِ ( وُ ِ‬
‫هو أول من بن الكعبة ‪ ،‬واتذت مكانا لعبادة ال ‪ ،‬ومن ث تول الوضع لعبادة الصنام ‪ ،‬وأزيلت معال ذلك البناء ‪ ،‬بفعل الطوفان‬
‫زمن نوح عليه السلم ‪ ،‬واختفت هذه القواعد نتيجة تراكم التربة ‪ ،‬على مرّ السني ‪ .‬وإعراب ( وُضِعَ ) ف كل الوضعي ‪ ،‬هو فعل‬
‫ض مب ن للمجهول ‪ ،‬أي أن فا عل الو ضع غ ي معلوم ف ال نص ‪ ،‬وجاءت بع ن تعي ي وتد يد مكان الب يت ‪ ،‬وهناك روايات بأن‬ ‫ما ٍ‬
‫اللئكة كشفت لدم عن موضعه ‪ ،‬عندما بناه لول مرة ‪ .‬وبلغة م سّاحي الراضي نستطيع القول أن ( وُضع ) ‪ ،‬جاءت بعن تديد‬
‫وإسقاط إحداثيات الوقع على الرض وتثبيت حدوده ‪.‬‬
‫ول يتلف اثنان على أن من أعاد بناء الب يت الرام ‪ ،‬ه ا إبراه يم وإ ساعيل عليه ما ال سلم ‪ ،‬بدللة قوله تعال ( وَِإ ْذ بَوّأْنَا لِإِْبرَاهِي مَ‬
‫سجُودِ (‪ 26‬ال ج ) ‪ ،‬بوّأ نا أي كشف نا وأظهر نا له‬
‫شرِ ْك بِي شَ ْيئًا وَ َط ّهرْ َبيْتِي لِلطّائِفِيَ وَالْقَاِئمِيَ وَال ّركّ عِ ال ّ‬
‫ت أَ ْن لَا تُ ْ‬
‫َمكَا نَ الْبَيْ ِ‬
‫موض عه ومكنّاه م نه وأذ نا له ف بنائه ‪ ،‬و من ث كان البناء برف عه فوق القوا عد ‪ ،‬ف قوله ( وَِإذْ َيرْ َف ُع إِْبرَاهِي مُ اْلقَوَاعِدَ مِ نْ الْبَ ْي تِ‬
‫وَإِ ْسمَاعِي ُل (‪ 127‬البقرة ) ‪ ،‬والغاية من بناءه هو جعله مكانا للعبادة ‪ ،‬با تشمله من طواف وقيام وركوع وسجود ‪ ،‬لن يستجيبوا‬
‫لر سالة ال سلم ‪ ،‬ك ما ورد ف ال ية أعله ‪ ،‬ال ت كان يمل ها إ ساعيل عل يه ال سلم والق يم ف ذلك الكان ( وَا ْذ ُكرْ فِي اْلكِتَا بِ‬
‫ِإ ْسمَاعِي َل إِنّ ُه كَا َن صَادِقَ الْ َوعْ ِد َوكَانَ َرسُولًا نَِبيّا (‪ 54‬مري ) ‪.‬‬

‫يعقوب ويوسف عليهما السلم‬


‫سجّدًا وَ ُبكِيّا‬
‫ن خَرّوا ُ‬ ‫حمَا ِ‬‫قال تعالى ( َومِ نْ ُذرّ ّي ِة إِبْرَاهِي مَ َوإِ سْرَائِيلَ َو ِممّ نْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَ ْيهِ ْم آيَا تُ ال ّر ْ‬
‫(‪ 58‬مريم ) ويعقوب عليه السلم هو إسرائيل ‪ ،‬والمقصود ببنيي إسرائيل هم نسل يعقوب عليه السلم ‪ ،‬وحسب‬
‫ميا تروييه التوراة ‪ ،‬أنيه ترك مقام أبييه إسيحاق فيي فلسيطين ‪ ،‬وهاجير إلى خاله فيي العراق ( وهذا مميا نشيك فيي‬
‫صحته ) ورعى عنده الغنم عدة سنين ‪ ،‬وتزوج اثنتين من بناته ‪ ،‬وعاد إلى فلسطين مرة أخرى ‪ ،‬وقد رُزق عليه‬
‫ت إِنّي َرأَيْتُ َأحَدَ‬
‫السلم باثني عشر ابنا ‪ ،‬وأبرزهم يوسف عليه السلم ‪ ،‬في قوله تعالى ( إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَِبِيهِ يَأَبَ ِ‬
‫س وَا ْل َقمَرَ ‪َ ،‬رأَيْ ُتهُ مْ لِي سَاجِدِينَ (‪ 4‬يوسف ) ‪ ،‬وقوله ( وَ َرفَ َع أَ َبوَيْ هِ عَلَى ا ْلعَرْ شِ َوخَرّوا لَ هُ‬ ‫عشَ َر َك ْوكَبًا ‪ ،‬وَالشّمْ َ‬
‫َ‬
‫سُبجّدًا (‪ 100‬يوسيف ) أي أجلس أبوه وأميه إلى جواره ‪ ،‬احتراميا وتقديرا وتوقيرا ‪ ،‬ومين ثيم سيجد له أخوتيه الحيد‬
‫عشر دون أبويه ‪ ،‬ففي الية (‪ )4‬كانت الرؤيا الولى ‪ ،‬للحد عشر كوكبا والشمس والقمر ‪ ،‬ومن ثم كانت الرؤيا‬
‫الثانيية ‪ ،‬لسيجود الحيد عشير كوكبيا دون الشميس والقمير ‪ ،‬وهذا ميا تؤكده اليية ( ‪ ) 100‬حييث رُفيع البويين إلى‬
‫العرش ‪ ،‬ومن ثم وقع السجود من الخوة ‪.‬‬
‫أما مكان سكنى يعقوب عليه السلم ‪ ،‬ومن قوله تعالى على لسان يوسف ( َوجَاءَ ِبكُ ْم مِ نْ الْبَ ْدوِ (‪ 100‬يوسف ) ‪،‬‬
‫يتييبين لنييا أنهييم كانوا قييد سييكنوا الصييحراء ‪ ،‬وعاشوا حياة البداوة ‪ ،‬وميين المعروف أن مهنيية البدو ‪ ،‬هييي تربييية‬
‫المواشيي وتبادل منتجاتهيا ميع أهيل الحضير ‪ ،‬ومين قوله على لسيان أخوة يوسيف أيضيا ( وَاسْبَألْ ا ْلقَرْ َيةَ الّتِي كُنّاب‬
‫فِيهَا وَالْعِيرَ الّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا َوإِنّا لَصَا ِدقُونَ (‪ 82‬يوسف ) والقرية هي مكان تواجد يوسف عليه السلم في مصر ‪،‬‬
‫حييث تركوا الخ الشقييق ليوسيف ‪ ،‬وقولهيم هذا وتردّدهيم لكثير مين مرة على مصير ‪ ،‬يدل على قربهيم منهيا ‪،‬‬
‫وقولهييم ( وَا ْلعِيرَ الّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا ) يدل أنهييم ذهبوا إلى مصيير ورجعوا فييي قافلة ‪ ،‬وأفرادهييا يقطنون معهييم أو‬
‫بالقرب منهييم ‪ ،‬والرجييح أن تكون هذه الصييحراء ‪ ،‬التييي كانوا يقيمون فيهييا قريبيية إلى مصيير ‪ ،‬وربمييا تكون‬
‫صحراء النقب جنوب فلسطين ‪ ،‬وفي منطقة بئر السبع بالذات حيث سكنى بدو فلسطين ‪ ،‬وهو الرجح وال أعلم‬
‫‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫النتقال إلى مصر ‪:‬‬
‫وبعد أن تبوّأ يوسف عليه السلم في مصر منصبا ‪ ،‬يوازي منصب وزير الخزينة أو المالية في عصرنا الحالي ‪،‬‬
‫علَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ‬ ‫لدى فرعون مصر ‪ .‬انتقل يعقوب وبنوه للحاق بيوسف في مصر ‪ ،‬قال تعالى ( َفَلمّا َدخَلُوا َ‬
‫أَ َبوَيْهبِ وَقَالَ ا ْدخُلُوا مِص ْب َر إِن ْب شَا َء الُّ آمِنِينبَ (‪ )100( … )99‬رَبّ قَ ْد آتَيْتَنِي مِنبْ ا ْلمُلْكِب وَعَّلمْتَنببي مِنبْ تَ ْأوِيلِ‬
‫ا َلْحَادِي ثِ … (‪ 101‬يوسف ) ‪ ،‬ودخلوها معزّزين مكرّمين آمنين ‪ ،‬وقوله ( آمنين ) يوحي بأن ليس كل من دخل‬
‫مصر آنذاك ليقيم فيه من الغرباء والدخلء ‪ ،‬سيكون آمنا على نفسه من الضطهاد والستعباد ‪.‬‬

‫بعض مظاهر الحكم المصري ‪:‬‬


‫قصة يوسف عليه السلم أشهر من أن تعرّف لذلك سنوردها باختصار ‪ ،‬ونركّز على بعض ما خفي منها ‪ .‬حيث‬
‫صهُ لِ َنفْسبِي‬
‫كانيت مصير آنذاك إحدى كُبريات الممالك القديمية ‪ ،‬بدللة قوله تعالى ( وَقَالَ ا ْلمَلِكُب ائْتُونِي بِهِب أَسْبتَخْلِ ْ‬
‫… (‪ 54‬يوسيف ) ‪ ،‬وعلى لسيان مؤمين آل فرعون ( يَا َقوْمِب َلكُمْب ا ْلمُلْكُب الْ َيوْمَب ظَا ِهرِينَب فِي الَْرْضِب (‪ 29‬غافير ) ‪،‬‬
‫وكان نظام الحكم فيها ملكي وراثي ‪ ،‬وكلمة فرعون ربما تكون اسم أو لقب للملك ‪ ،‬ويقال أن الفراعنة لم يكونوا‬
‫ملوك مصر في زمن يوسف عليه السلم ‪ ،‬فسواء كان هذا أو ذاك ‪ ،‬فنحن نتحدث عن الوضاع في مصر آنذاك‬
‫بشكل عام ‪ ،‬حيث يبدو لنا أن المجتمع المصري كان يتألّف من أربع طبقات ‪-:‬‬
‫الطبقة الولى ‪ :‬العائلة الملكية ‪ ،‬التي هي في مصاف اللهة من حيث الحقوق والمتيازات ‪.‬‬
‫الطبقية الثانيية ‪ :‬الشراف مين المصيريين ‪ ،‬وهيم الموكيل إليهيم العمال التنفيذيية مين وزراء وكهنية وميا شابيه ‪،‬‬
‫والذيين يتمتعون بامتيازات اسيتثنائية ‪ ،‬وهيم عليية القوم وسيماهم سيبحانه مل فرعون فيي قوله ( وَقَالَ مُوسبَى رَبّنَا‬
‫ن َومَلَهُ زِي َن ًة َوأَ ْموَالً فِي ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا (‪ 88‬يونس ) ‪ .‬ومنهم العزيز صاحب يوسف عليه السلم ‪،‬‬
‫ع ْو َ‬
‫إِنّكَ آتَيْتَ فِرْ َ‬
‫عوْ نُ يَا هَامَا نُ‬
‫وهامان الذي كان يشغل ما يشبه ‪ ،‬منصب رئيس الوزراء في عصرنا هذا ‪ ،‬قال تعالى ( وَقَالَ فِرْ َ‬
‫ابْنِ لِي صَ ْرحًا َلعَلّي أَبُْل ُغ الَْسْبَابَ (‪ 36‬غافر ) ‪.‬‬
‫وانضوى يوسيف علييه السيلم ضمين هذه الطبقية ‪ ،‬ميع أنيه كان مين الغرباء ‪ ،‬كونهيم كانوا بأمسّي الحاجية لعلميه‬
‫وحكمتييه ‪ ،‬لدارة شؤون البلد القتصييادية فييي سيينين الجفاف ل لشيييء آخيير ‪ .‬بعييد أن أصييبح عليييه السييلم ميين‬
‫صهُ لِ َنفْسِي فَ َلمّا كَّلمَهُ قَا َل إِنّكَ الْ َيوْمَ لَدَيْنَا َمكِينٌ َأمِينٌ (‪ 54‬يوسف‬
‫ك ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِ ْ‬
‫المقربين للملك ‪ ( ،‬وَقَالَ ا ْلمَلِ ُ‬
‫) بعد أن كان عبدا مملوكا لذلك العزيز ‪ ،‬الذي قال عنه يوسف عليه السلم ‪ ( :‬إِنّهُ رَبّي َأحْسَنَ مَ ْثوَايَ إِنّ ُه لَ ُيفْلِحُ‬
‫الظّا ِلمُونَب (‪ 23‬يوسيف ) ولفيظ ربّي فيي اليية السيابقة جاء بمعنيى صياحب أو مالك ‪ ،‬ولفيظ العزييز هيو لقيب يُطلق‬
‫على الشراف ذوي المناصيب الرفيعية ‪ ،‬وقيد خُوطيب بيه يوسيف علييه السيلم ‪ ،‬مين قِبَل أخوتيه فيي اليية (‪. )88‬‬
‫ويبدو أن المجتميع المصيري كان منغلقيا على نفسيه ‪ ،‬ول يخالط الغرباء مين منظور الفوقيية والسيتعلء ‪ ،‬ويخاف‬
‫الغرباء ويخشاهم وبالتالي كان ينبذهم ‪.‬‬
‫والطبقة الثالثة ‪ :‬عامة المصريين وهم يعملون بالوظائف العامة والخاصة بامتيازات عادية ‪ ،‬وشملت هذه الطبقة‬
‫نسبيا بني إسرائيل في زمن يوسف عليه السلم ‪.‬‬
‫والطبقية الرابعية ‪ :‬العبييد وأغلبهيم مين غيير المصيريين بل حقوق وبل امتيازات ‪ ،‬بيل على العكيس لييس لهيم إل‬
‫ي السييجن ‪،‬‬
‫المهانيية والزدراء ‪ ،‬ويعملون بقوتهييم اليومييي فييي الزراعيية والبناء والخدميية ‪ ،‬وميين ضمنهييا صيياحب ّ‬
‫وشملت هذه الطبقية بنيي إسيرائيل بعيد موت يوسيف علييه السيلم وحتيى بعيث موسيى علييه السيلم ‪ .‬والمخطيئ مين‬
‫هؤلء العبيييد فييي حييق المصييريين ‪ ،‬كان مصيييره السييجن أو العذاب الشديييد أو القتييل ‪ ،‬وبدون محاكميية على‬
‫الرجح ‪ ،‬وخاصة إذا كان خصمه مصريا حتى لو أُتهم زورا وبهتانا ‪.‬‬
‫عوْنُب فِي َق ْومِ هِ قَالَ يَا َقوْمِب أَلَيْسَب لِي مُلْ ُ‬
‫ك‬ ‫وأما الموقيع الجغرافيي لعاصمة الملك ‪ ،‬وبدللة هذه اليات ( وَنَادَى فِرْ َ‬
‫مِصْب َر وَهَذِهِب الَْ ْنهَارُ َتجْرِي مِنْب َتحْتِي أَفَلَ تُبْصِبرُونَ (‪ 51‬الزخرف ) ‪ ( ،‬وَاتْرُكْب الْ َبحْرَ َر ْهوًا إِ ّنهُمْب جُن ٌد ُمغْرَقُونَب (‬
‫‪)24‬كَمْب تَ َركُوا مِنْب جَنّاتٍب وَعُيُونٍب (‪ )25‬وَزُرُوعٍب َو َمقَامٍب كَرِيمٍب (‪ )26‬وَ َن ْعمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَا ِكهِينَب (‪ 27‬الدخان ) ‪ ،‬فهيو‬
‫يقع على مجرى نهر النيل ‪ ،‬في أخصب الراضي المصرية ‪ ،‬أما سكنى فرعون وآله ( أي عائلته ) كانت خارج‬
‫المدينة بمعزل عن الشعب ‪ ،‬وقصره مقام على ضفاف النيل ‪.‬‬
‫‪58‬‬
‫هيل كان يوسيف داعيية إلى ال فيي مصير ؟ نقول نعيم ‪ ،‬وقيد بدأ الدعوة فيي السيجن ‪ ،‬عندميا قال لصياحبيّ السيجن (‬
‫سمّيْ ُتمُوهَا أَنْتُمْ‬
‫ن مِنْ دُونِ ِه ِإلّ أَسمَاءً َ‬ ‫ن خَيْ ٌر أَ ْم الُّ ا ْلوَاحِدُ ا ْل َقهّارُ (‪ )39‬مَا َتعْبُدُو َ‬ ‫ب مُ َتفَرّقُو َ‬
‫سجْنِ َأأَرْبَا ٌ‬‫يَصَاحِبَيِ ال ّ‬
‫حكْمُب ِإ ّل لِِّ َأمَ َر َألّ َتعْبُدُوا ِإ ّل إِيّاهُب ‪ ،‬ذَلِكَب الدّينُب ا ْلقَيّمُب ‪ ،‬وَ َلكِنّ َأكْثَرَ‬
‫وَآبَاؤُكُمْب ‪ ،‬مَا أَن َزلَ الُّ بِهَا مِنْب سُبْلطَانٍ ‪ ،‬إِنْب ا ْل ُ‬
‫النّاسِب لَ َيعْ َلمُونَب (‪ 40‬يوسيف ) ‪ ،‬واسيتمرت دعوتيه حتيى مماتيه ‪ ،‬قال تعالى على لسيان مؤمين آل فرعون ( وَ َلقَدْ‬
‫ف مِنْب قَ ْبلُ بِالْبَيّنَاتِب ‪َ ،‬فمَا ِزلْتُمْب فِي شَكّ ِممّاب جَا َءكُمْب بِهِب ‪ ،‬حَتّىب إِذَا هَلَكَب قُلْتُمْب لَنْب يَ ْبعَثَب الُّ مِنْب َبعْدِهِب‬ ‫جَا َءكُمْب يُوسُب ُ‬
‫ف مُرْتَابٌب (‪ 34‬غافير ) وهيو يعنيي أهيل مصير ‪ ،‬وكان يوسيف علييه السيلم‬ ‫ض ّل الُّ مَنْب ُهوَ مُسْبرِ ٌ‬ ‫رَسبُولً ‪ ،‬كَذَلِكَب يُ ِ‬
‫يدعوا إلى ال تعالى بالقسييط ‪ ،‬فمييا أطاعوه تلك الطاعيية إل بمجرد الوزارة والجاه الدنيوي ‪ ،‬ولهذا قال مؤميين آل‬
‫فرعون ‪ ( :‬فميا زلتيم فيي شيك مميا جاءكيم بيه ‪ ،‬حتيى إذا هلك ‪ ،‬قلتيم لن يبعيث ال مين بعده رسيول ) ‪ ،‬وطال الميد‬
‫بقوم فرعون وببنيي إسيرائيل فضلّوا إل قليل ‪ ،‬وكان منهيم مؤمين آل فرعون الذي كان يكتيم إيمانيه ‪ ،‬وعلى لسيانه‬
‫جاءت هذه الية ومنهم أيضا أهل موسى عليه السلم ‪.‬‬

‫أحوال بني إسرائيل في مصر بعد وفاة يوسف عليه السلم وحتى خروجهم منها ‪:‬‬
‫بعيد زوال سيندهم لدى فرعون أصيبح حالهيم حال العبييد ‪ .‬وربميا يكون ذلك فيي زمين فرعون نفسيه أو مين مَلَك‬
‫بعده ‪ ،‬بعيد وفاة يوسيف علييه السيلم ‪ ،‬لزوال المصيلحة والنفيع الذي تأتّى مين علم يوسيف وحكمتيه فيي الدارة‬
‫والقتصياد ‪ .‬واسيتمر حالهيم كذلك حتيى خروجهيم ميع موسيى علييه السيلم ‪ ،‬وحسيب ميا يُروى أن المدة ‪ ،‬ميا بيين‬
‫دخولهم إلى مصر وخروجهم منها هي أربعمائة سنة ‪ ،‬وال أعلم ‪ ،‬وحالهم في تلك الفترة الزمنية ‪ ،‬يصفه القرآن‬
‫ح أَبْنَا َءهُ ْم وَيَسْ َتحْيِ نِسَاءَ ُهمْ‬
‫ضعِفُ طَا ِئ َفةً مِ ْنهُمْ يُذَبّ ُ‬‫ج َعلَ أَهْ َلهَا شِ َيعًا يَسْتَ ْ‬
‫عوْنَ عَلَ فِي الَْرْضِ َو َ‬ ‫بما يلي ‪ ( :‬إِنّ ِفرْ َ‬
‫عوْنَب يَسبُومُو َنكُ ْم سبُوءَ ا ْلعَذَابِب يُذَ ّبحُونَب أَبْنَا َءكُمْب‬ ‫إِنّهُب كَانَب مِنْب ا ْل ُمفْسِبدِينَ (‪ 4‬القصيص ) ‪َ ( ،‬وإِذْ َنجّيْنَاكُمْب مِنْب آلِ ِفرْ َ‬
‫عظِي مٌ (‪ 49‬البقرة ) ‪ ( ،‬وَ َلقَدْ َنجّيْنَا بَنِي إِ سْرَائِيلَ مِ نْ ا ْلعَذَا بِ ا ْل ُمهِي نِ‬ ‫وَيَ سْ َتحْيُونَ نِ سَا َءكُمْ وَفِي ذَ ِلكُ مْ بَلَءٌ مِ نْ رَ ّبكُ مْ َ‬
‫(‪ 30‬الدخان ) وازداد العذاب والضطهاد لهم ‪ ،‬ببعث موسى عليه السلم إلى فرعون وقومه ‪.‬‬

‫موسى عليه السلم‬


‫والحكمة اللهية التي أرادها ال من بعث موسى عليه السلم ‪ ،‬هي ما ابتدر به رب العزة سورة القصص ‪ ،‬بقوله‬
‫جعَ َلهُمْب أَ ِئ ّمةً ‪ ،‬وَ َنجْعَ َلهُمْب ا ْلوَارِثِينَب (‪ )5‬وَ ُن َمكّنَب َلهُمْب فِي‬
‫ضعِفُوا فِي الَْرْضِب ‪ ،‬وَ َن ْ‬
‫( وَنُرِي ُد أَنْب َنمُنّ علَى الّذِينَب اسْبتُ ْ‬
‫عوْنَب َوهَامَانَب َوجُنُودَ ُهمَا مِ ْنهُمْب ‪ ،‬مَا كَانُوا َيحْذَرُونَب (‪ 6‬القصيص ) والقصية بتمامهيا ‪ ،‬مفصيلة‬ ‫الَْرْضِب ‪ ،‬وَنُرِي ِفرْ َ‬
‫في سورة القصص وسورة طه ‪ ،‬وقصة موسى معروفة ومألوفة لدينا ‪ ،‬حيث وُلد عليه السلم وألقته أمه في النيل‬
‫خوفيا مين ذبحيه ‪ ،‬فالتقطيه آل فرعون واعتنوا بيه ‪ ،‬حتيى إذا بلغ أشدّه قتيل مصيريا ‪ ،‬فأتمير بيه مل فرعون ‪ ،‬فغادر‬
‫مصير متجهيا إلى مديين ‪ ،‬ولم يكين قيد لقيي بلء قبيل ذلك ‪ ،‬فقيد كان ربيبيا منعمّا فيي آل فرعون ‪ ،‬ولم يكين علييه‬
‫السلم قد أُوحيَ إليه بعد ‪ ،‬وإنما كان مسلما على دين آبائه إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلم ‪.‬‬

‫الموقع الجغرافي لمَدْيَن ‪:‬‬


‫قيل فيها في المعاجم ‪ :‬أنها تقع " قرب بحر القلزم ( البحر الحمر ) محاذية لتبوك ‪ ،‬وتقع بين وادي القرى والشام‬
‫‪ ،‬وقيل اتجاه تبوك بين المدينة والشام ‪ ،‬وقيل هي كفر سندة من أعمال طبرية ‪ ،‬وقيل بلد بالشام معلوم تلقاء غزة ‪،‬‬
‫وفيي ( البدايية والنهايية ) قال ابين كثيير ‪ " :‬كان أهيل مديين قوميا عربيا ‪ ،‬ومديين هيي قريية مين أرض معان مين‬
‫أطراف الشام ‪ ،‬مما يلي ناحية الحجاز قريبا من بحيرة قوم لوط ‪ ،‬وكانوا بعد قوم لوط بمدة قريبة " ‪.‬‬
‫والقول الخير هو أفضل ما قيل فيها ‪ ،‬وهو الرجح فهي تقع شرقيّ نهر الردن ‪ ،‬في السفح المطل على فلسطين‬
‫قبالة أريحا ‪ ،‬حيث المكان المسمى بوادي شعيب حاليا ‪ ،‬والذي يقع فيه مقام النبي شعيب عليه السلم ‪ ،‬في جبال‬
‫محافظية البلقاء الردنيية ‪ ،‬وهيي أرض خصيبة تصيلح لزراعية القثائيّات ‪ ،‬وفيهيا الشجار المثمرة وعيون الماء ‪،‬‬
‫ويؤيييد مييا ذهبنييا إليييه قوله تعالى ‪ ،‬على لسييان شعيييب مخاطبييا قومييه ( وَمَا َقوْم بُ لُوط ٍب مِ ْنكُم بْ بِ َبعِيدٍ (‪ 89‬هود ) ‪،‬‬
‫والمقصود هنا البعد المكاني ‪ ،‬حيث المسافة بين قرية شعيب والبحر الميت ( بحيرة لوط ) ل تتجاوز ( ‪ )20‬كم ‪،‬‬
‫أما البعد الزماني بين لوط وشعيب فيُقدّر بمئات السنين ‪ ،‬حيث أن لوط عاصر إبراهيم وأن شعيب عاصر موسى‬
‫عليهم السلم ‪.‬‬
‫‪59‬‬
‫وكميا ورد فييي الروايات ‪ ،‬كان أهيل مديين يقطعون السيبيل ويخيفون المارة ‪ ،‬وهيم أصيحاب اليكية أي الشجار‬
‫الملتفيية والمتشابكيية ‪ -‬وهييي صييفة موجودة أيضييا فييي تلك المنطقيية ‪ -‬وكانوا ميين أسييوء الناس معاملة ‪ ،‬يبخسييون‬
‫المكيال والميزان ويطففون فيهميا ‪ ،‬يأخذون بالزائد ويدفعون بالناقيص ‪ ،‬فآمين بشعييب بعضهيم وكفير أكثرهيم ‪( ،‬‬
‫ج َفةُ فَأَصْب َبحُوا فِي‬
‫عظِيمٍب (‪ 189‬الشعراء ) ( فَ َأخَذَ ْتهُمْب ال ّر ْ‬
‫َفكَذّبُوهُب فَ َأخَذَهُمْب عَذَابُب َيوْمِب الظّّل ِة إِنّهُب كَانَب عَذَابَب َيوْمٍب َ‬
‫دَارِهِ مْ جَا ِثمِي نَ (‪ 91‬العراف ) ‪ ،‬ولم تدمر ديارهم بل بقيت على حالها ‪ ،‬ويقال أن ذلك كان في يوم شديد الحر ‪،‬‬
‫فبعيث ال ظلل مين الغمام فيي بقعية قريبية مين مكان سيكناهم ‪ ،‬فذهبوا ليسيتظلوا بهيا فنزل بهيم العذاب ‪ ،‬وبقيي فيي‬
‫القرية من آمن لشعيب عليه السلم من قومه وهم قلة ‪.‬‬

‫مقام موسى في مدين ‪:‬‬


‫ء السّببِيلِ (‪22‬‬
‫( وَ َلمّاب َت َوجّهَب تِ ْلقَا َء مَدْيَنَب … ) خرج موسيى مين مصير وحيدا ( قَالَ عَسبَى رَبّيب أَنْب َيهْدِيَنِي سَبوَا َ‬
‫القصص ) ولم يكن يملك من أمره ‪ ،‬إل حسن ظنّه بربه عز وجل حتى صار إلى مدين ‪ .‬فلبث موسى عليه السلم‬
‫( ‪ ) 10-8‬سينين فيي أهلهيا ‪ ،‬لقوله تعالى على لسيان شعييب علييه السيلم ( قَا َل إِنّيب أُرِي ُد أَنْب أُ ْن ِكحَكَب ِإحْدَى ابْنَتَيّ‬
‫عشْرًا َفمِنْ عِنْدِكَ … (‪ 27‬القصص ) وتزوج فيها ورعى الغنم (‬ ‫ن أَ ْت َممْتَ َ‬
‫حجَجٍ فَإِ ْ‬
‫ي ِ‬
‫جرَنِي َثمَانِ َ‬
‫هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَ ْأ ُ‬
‫ت سِنِينَ فِي أَ ْه ِل مَدْيَنَ … ) ‪.‬‬ ‫فَلَبِثْ َ‬

‫العودة إلى مصر ‪:‬‬


‫جلَ وَسبَارَ بِأَ ْهلِهِب (‪ 29‬القصيص ) غادرهيا ميع أهله وميا‬
‫وبعيد أن قضيى المدة المطلوبية منيه ( فَ َلمّاب قَضَى مُوسبَى ا َلْ َ‬
‫تحصيّل علييه مين أغنام باتجاه مصير ‪ ،‬وكان خيط مسييره وال أعلم ‪ ،‬باتجاه الجنوب شرقيي البحير المييت ‪ ،‬حييث‬
‫انحدر بأهله إلى وادي عربية جنوب البحير المييت فضلّ الطرييق ‪ ،‬وهناك أتاه هاتيف السيماء ‪ ،‬قال تعالى ( … ُثمّ‬
‫جِئْتَب عَلَى قَدَرٍ َيمُوسبَى (‪ 40‬طيه ) إلى موضيع الوحيي فيي الوقيت المقدّر ‪ .‬فأوكله ال بحميل الرسيالة إلى فرعون ‪،‬‬
‫وأمره بالذهاب إلى فرعون ‪ ،‬وميين هناك سييار – بخييط شبييه مسييتقيم ‪ -‬مجتازا صييحراء النقييب جنوب فلسييطين ‪،‬‬
‫وصيحراء سييناء باتجاه بوابية مصير البريية مين الشرق ‪ ،‬ومين ثيم سيار جنوبيا باتجاه القاهرة حييث إقامية فرعون‬
‫وقومه ‪.‬‬

‫تحديد الموقع الجغرافي ‪ ،‬للمكان الذي أوحي فيه ‪ ،‬إلى موسى عليه السلم ‪:‬‬
‫نزل الوحي إلى موسى مرتين ؛ الوحي الول ‪ :‬هو الذي كُلف به موسى بحمل الرسالة ‪ ،‬وما بعث به إلى فرعون‬
‫وبني إسرائيل ‪ ،‬أثناء عودته إلى مصر بعد خروجه من مدين ‪ ،‬والوحي الثاني ‪ :‬هو الشريعة الجديدة التي كُتبت‬
‫في اللواح لبني إسرائيل ‪ ،‬بعد خروجهم من مصر في الطريق إلى الرض المقدسة ‪ ،‬ويعتقد الكثيرون أن الوحي‬
‫نزل على موسيى ‪ ،‬على جبيل سييناء الواقيع فيي صيحراء سييناء المصيرية وهذا غيير صيحيح ‪ ،‬حييث لم يوجيد أي‬
‫نيص فيي القرآن يفييد ذلك ‪ .‬والواقيع أن هذه تسيمية الصيحراء المصيرية بصيحراء سييناء ‪ ،‬اسيتندت إلى ميا جاء فيي‬
‫التوراة مع أن التوراة لم تُحدّد موقع الصحراء أو الجبل ‪.‬‬
‫وتذكير التوراة فيي سيفر الخروج ‪ ،‬أن بنيي إسيرائيل مروا على التوالي ‪ ،‬بثلثية صيحارى ‪ ،‬هيي الواردة فيي النيص‬
‫التالي بالترتيب ‪ :22 :15 " :‬ثم ارتحل موسى بإسرائيل من البحر الحمر ‪ ،‬وتوجّهوا نحو صحراء شور ‪ :27 ،‬ثم‬
‫بلغوا إيليم … ‪ :1 :16‬ثمّ انتقلوا من إيليم حتى أقبلوا على صحراء سين ‪ ،‬الواقعة بين إيليم وسيناء " ‪.‬‬
‫وجاء في نص آخر ‪ :1 :17 " :‬وتنقل بنوا إسرائيل على مراحل ‪ ،‬من صحراء سين … إلى أن خيّموا في رفيديم‬
‫…‪ :2 :19‬فقد ارتحل السرائيليون من رفيديم إلى أن جاءوا إلى برية سيناء ‪ ،‬فنزلوا مقابل الجبل فصعد موسى‬
‫للمثول أمام ال ‪ ،‬فناداه الرب من الجبل … ‪ : 20‬ونزل الرب على قمة جبل سيناء … "‬
‫وهذه النصيوص تُشيير إلى أن جبيل سييناء ‪ ،‬هيو اسيم الجبيل الذي أُوحيي بجانبيه إلى موسيى ‪ ،‬وأن بريية سييناء هيي‬
‫تسمية للمكان الواقع مقابل جبل سيناء ‪ .‬وأن برية سيناء هي البعد عن مصر ‪ ،‬كونها كانت آخر الصحارى التي‬
‫مرّوا بهيا أثناء مسييرهم ‪ ،‬باتجاه بوابية الرض المقدّسية شرقيي نهير الردن ‪ ،‬والترجمات العربيية للتوراة ل تُميّز‬
‫بين القفر ‪ ،‬أي الخلء غير المأهول بالسكّان وبين الصحارى الرملية القاحلة ‪.‬‬
‫‪60‬‬
‫وجاء فيي التوراة " ‪ :35 :16‬واقتات السيرائيليون بالمنّي طوال أربعيين سينة ‪ ،‬حتيى جاءوا إلى تخوم أرض كنعان‬
‫العامرة بالسكان " ‪ .‬وهذا النص الكاذب والمضلّل ‪ ،‬يقول أن المنّ والسلوى كانت تنزّل عليهم طيلة أربعين سنة ‪،‬‬
‫قبل وصولهم إلى مشارف فلسطين ‪ ،‬أي قبل أن يُطلب منهيم الدخول إلى الرض المقدسة ‪ ،‬وقبل أن يحكم عليهيم‬
‫بسنوات التحريم والتيه الربعين ‪ .‬والصحيح أن الم نّ والسلوى كانت تنزّل عليهم خلل مسيرهم في الصحراء ‪،‬‬
‫وهي مدة قصيرة ‪ ،‬أما سنوات التحريم والتيه الربعين ‪ -‬سنوات الغضب اللهي ‪ -‬فلم يكن يتنزّل عليهم شيء ‪.‬‬
‫وتسمية الصحراء المصرية بسيناء ‪ ،‬وذكر التوراة أن بني إسرائيل عاشوا فيها أربعين سنة يأكلون المن والسلوى‬
‫‪ ،‬ضلّلت حتيى اليهود أنفسيهم ‪ ،‬الذيين بحثوا ونقبوا فيهيا طويل عين أي أثير لمقامهيم فيهيا ولكين دون جدوى ‪ ،‬مميا‬
‫اضطيير بعييض الباحثييين اليهود مؤخرا ‪ ،‬إلى تكذيييب معظييم روايات التوراة ‪ ،‬ونشيير الكثييير ميين آرائهييم ونتائج‬
‫أبحاثهم في الصحف ‪.‬‬
‫أما كلمة الطور فقد وردت في القرآن (‪ )10‬مرات ‪ )8( ،‬منها بلفظ ( الطور ) معرّفة بأل التعريف ‪ ،‬بمعنى الجبل‬
‫لكِلِي نَ (‪ 20‬المؤمنون ) ‪،‬‬‫ن وَ صِبْغٍ ِل ْ‬
‫ج مِ نْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُ تُ بِالدّ ْه ِ‬
‫خرُ ُ‬‫شجَرَةً َت ْ‬
‫‪ ،‬وواحدة بلفظ ( طور سيناء ) ( َو َ‬
‫وواحدة بلفيظ ( طور سيينين ) بنفيس المعنيى السيابق ‪ ( ،‬وَالتّينِب وَالزّيْتُونِب (‪َ )1‬وطُو ِر سبِينِينَ (‪ 2‬التيين ) ‪ .‬وسييناء‬
‫وسينين لغية إذا لم تمنيع مين الصيرف ‪ ،‬أي لحقهيا التنويين جرّا ونصيباً فإنهيا تعنيي كثرة الشجير ‪ ،‬وإذا مُنعيت مين‬
‫الصيرف كميا هيو الحال هنيا فهيي اسيم ‪ ،‬والكلمات ( طور وسييناء وسيينين ) ألفاظ أعجميية ‪ ،‬ومميا تقدم نسيتطيع‬
‫القول بأن ( طور سيناء ) اسم لجبل معروف لبني إسرائيل ‪ ،‬بمعنى ( جبل الغابة ) وهو في الحقيقة ‪ ،‬اسم الجبل‬
‫عرّف هذا الجبل من خلل القرآن ‪ ،‬بأنه يُنبت التين‬ ‫الذي أوحيَ بجانبه إلى موسى ‪ ،‬حسب تسمية التوراة له ‪ ،‬وقد ُ‬
‫والزيتون ‪ .‬والمقصيود بكلمية ( الطور ) المعرّفية بألف ولم ‪ ،‬أينميا جاءت فيي القرآن هيو طور سييناء أو سيينين ‪،‬‬
‫والطور هو سلسلة جبال فلسطين ‪ ،‬التي تربض على تللها مدينة القدس ‪ ،‬والتي هي في الصل جبل واحد ‪ ،‬يمتد‬
‫من مدينة نابلس شمال إلى مدينة الخليل جنوبا ‪.‬‬
‫ج َل وَسبَارَ ِبأَهْلِهِب ‪ ،‬آنَسَب مِنْب جَانِبِب الطّورِ نَارًا ‪ ،‬قَا َل لَِهْلِهِب امْكُثُوا ‪ ،‬إِنّيب آنَسْبتُ‬
‫قال تعالى ( فَ َلمّاب قَضَى موسبَى ا َلْ َ‬
‫نَارًا ‪َ ،‬لعَلّي آتِيكُمْب مِ ْنهَا ِبخَبَرٍ ‪َ ،‬أوْ جَ ْذوَ ٍة مِنْب النّارِ ‪َ ،‬لعَّلكُمْب تَصْبطَلُونَ (‪ 29‬القصص ) قلنيا أن موسيى عليه السيلم ‪،‬‬
‫كان قيد ضلّ طريقيه بعيد خروجيه مين مديين باتجاه مصير ‪ ، ،‬لقوله علييه السيلم ( َلعَلّي آتِيكُمْب مِنْهَا ِبخَبَرٍ ) فوجيد‬
‫نفسيه فيي أحيد الوديية ‪ .‬ودخوله إلى الوادي كان عين طرييق انحداره بواد فرعيي جنوب البحير المييت ‪ ،‬وكان ذلك‬
‫ليل وفي طقس بارد جدا ‪ .‬وأثناء التخييم هناك ‪ ،‬كان يلتفت يمنة ويسرة بحثا عن الدفء والهداية ‪ ،‬فآنس نارا من‬
‫جانب الجبل ‪ ،‬فاتجه إليها بعد أن استأذن أهله ‪ ،‬ليأتيهم بجذوة منها لجل الدفء ‪ ،‬أو يجد من يرشده إلى طريقه ‪،‬‬
‫ولكنه لم يجد نارا ولم يجد في المكان أحد ‪.‬‬

‫نور ل نار ‪:‬‬


‫شجَرَةِ (‪ 30‬القصيص ) وفيي الواقيع لم تكين‬ ‫( فَ َلمّاب أَتَاهَا … ) أي النار وقيف تحتهيا ( فِي الْ ُبقْ َعةِ ا ْلمُبَا َر َكةِ مِنْب ال ّ‬
‫شجَرَةٍ ‪ ،‬مُبَا َر َكةٍ ‪ ،‬زَيْتُو ِنةٍ ‪ ،‬لَ‬
‫نارا ‪ ،‬بل كانت نور في شجرة ‪ ،‬ونعتقد بأنها الشجرة الموصوفة في قوله سبحانه ( َ‬
‫سهُ نَارٌ (‪ 35‬النور ) ‪ ،‬وهيييي ( شجرة ) ( وزيتونييية )‬ ‫غرْبِ ّيةٍ ‪َ ،‬يكَادُ زَيْتُهَببا يُضِيءُ ‪ ،‬وَ َلوْ لَمبببْ َتمْسببَب ْ‬
‫شَرْقِ ّي ٍة َولَ َ‬
‫( ومباركة ) ‪ ،‬أي تقع في بقعة من أرض مباركة ينبت فيها شجر الزيتون ‪ ،‬وقوله ( ل شرقية ول غربية ) ‪ ،‬أي‬
‫ل فيي الجانيب الشرقيي مين وادي عربية ‪ ،‬ول فيي الجانيب الغربيي منيه ‪ ،‬فهيي فيي منتصيف الوادي تقريبيا ‪ ،‬وقوله‬
‫( يكاد زيتهيا يضييء ولو لم تمسيسه نار ) ‪ ،‬أي لهيا وهيج مين نور ‪ ،‬ولييس ذلك من اشتعال نار فيهيا ‪ ،‬فهيي مضيئة‬
‫من تلقاء نفسها ‪ ،‬وقوله ( يكاد زيتها يضيء ) ‪ ،‬أي أن الضاءة ناتجة عن زيت الشجرة ‪ ،‬فل يكون ذلك إل وهي‬
‫مثمرة ‪ ،‬فالزيت يوجد في الثمر ‪ ،‬وتشكل الزيت في الثمر ‪ ،‬ل يكون إل في بداية فصل الشتاء ‪ ،‬ويؤيد ذلك طلب‬
‫موسيى علييه السيلم للدفيء ‪ ،‬ليتأكيد لنيا أن دخوله إلى بطين وادي عربية كان فيي فصيل الشتاء ‪ ،‬وأن الشجرة التيي‬
‫نوديَي مين تحتهيا فيي الوادي المقدس ‪ ،‬هيي نفيس الشجرة الموصيوفة فيي سيورة النور ‪ ،‬ول أدري لماذا يتملكنيي‬
‫شعور قوي ‪ ،‬بأن هذه الشجرة قائمة في ذلك المكان إلى اليوم ‪ ،‬في منطقة موحشة ومقفرة وغير مأهولة ‪ ،‬تضيء‬
‫كلما أثمرت في فصل الشتاء ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫( فَ َلمّاب أَتَاهَا ) وقييف حائرا أمامهييا يتفكّر فييي أمرهييا ‪ ،‬حيييث أنيه لم يجييد مييا جاء يسييعى إلييه ‪ ،‬فل نار ول ناس‬
‫يُشعلونهييا ‪ ،‬وأثناء شروده وفييي سييكون الليييل ‪ ( ،‬نُودِي َيمُوسببَى (‪ 11‬طييه ) ( مِنبْب شَاطِئِ ا ْلوَادِي الَْ ْيمَنببِ (‪30‬‬
‫ب الطّو ِر الَْ ْيمَ نِ (‪ 52‬مريم ) ‪ ،‬أي من الجانب اليمن‬ ‫ن جَان ِ‬
‫القصص ) ‪ ،‬أي من الجانب اليمن من الوادي ‪ ( ،‬مِ ْ‬
‫ي وهذا تحديد جغرافي بالغ الدقة لمكان‬ ‫للجبل وليس اليسر ‪ِ ( ،‬بجَانِبِ ا ْلغَرْبِيّ (‪ 44‬القصص ) ‪ ،‬أي الجبل الغرب ّ‬
‫الوحي ‪.‬‬
‫أتاه النداء باسيمه ممين يعرفيه ‪ ،‬وذلك مميا آنيس موسيى ‪ ،‬ليبدّد سيكون ذلك اللييل الموحيش ‪ ،‬ويقطيع علييه شروده‬
‫وتأمله ‪ ،‬ول أخاله إل قد أجفل عليه السلم ‪ ،‬ولما التفت إلى مصدر النداء ‪ ،‬خاطبه رب العزة قائل ( إِنّي أَنا رَبّكَ‬
‫طوًى (‪12‬طيه ) فأمره بخلع نعلييه – إذ هيو فيي‬ ‫) مطمئنيا إياه ومعرّفيا بنفسيه ( فَاخْلَعْب َنعْلَيْكَب إِنّكَب بِا ْلوَادِي ا ْل ُمقَدّسِب ُ‬
‫حضرة ملك الملوك – ليتجيه حافيي القدميين ‪ ،‬سيائرا فيي الجانيب المقدس مين الوادي ‪ ،‬صيوب الجبيل ‪ ،‬قال تعالى‬
‫( وَ َقرّبْنَاهُ َنجِيّا(‪ 52‬مريم ) أي كان الكلم مناجاة ‪ ،‬والمناجاة عادة تستدعي القرب ‪.‬‬
‫نحين نعلم أن الرض المباركية والمقدّسية هيي أرض فلسيطين ‪ ،‬وبميا أن الوادي الذي نزل فييه موسيى واد مقدّس ‪،‬‬
‫فل بيد له مين يكون واقعيا فيي الرض المقدّسية ‪ ،‬وبميا أن الشجرة نبتيت فيي بقعية مباركية ‪ ،‬فل بيد لهيا مين أن تكون‬
‫قائمية فيي الرض المباركية ‪ ،‬وبميا أن شجرة سيورة النور زيتونية مباركية ومضيئة ‪ ،‬فلبيد لهيا مين أن تكون هيي‬
‫الشجرة ‪ ،‬التي رآها موسى في بطن وادي عربة فظن نورها نارا ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫وعندميا اقترب موسيى بميا فييه الكفايية لبدء المناجاة ‪ ،‬ناجاه ربيه قائل ( َوأَنبا اخْتَرْتُكَب ‪ ،‬فَاسْب َتمِعْ لِمَا يُوحَى (‪)13‬‬
‫إِنّنِي أَنَا الُّ ‪َ ،‬ل إِلَهَب ِإلّ أَنَا فَاعْبُدْنِي ‪َ ،‬وأَقِمبْ الصبّلَةَ لِ ِذكْرِي (‪ 14‬طييه ) فأمره بتوحيده وإفراده بالعبادة وإقاميية‬
‫الصلة ‪ ،‬ومن ثم منحه آيتيّ العصا واليد وكلّفه بحمل الرسالة ‪ ،‬والذهاب لدعوة فرعون ودعوة بني إسرائيل إلى‬
‫طغَى (‪ 24‬طه) ‪ .‬وفي الصباح عاين موسى عليه السلم المكان ‪ ،‬وحفظه عن ظهر‬ ‫ن إِنّهُ َ‬
‫عوْ َ‬
‫ب إِلَى فِ ْر َ‬
‫ال ‪ ( ،‬اذْهَ ْ‬
‫قلب فهو المكان الذي تغيّر فيه مجرى حياته عليه السلم ‪ ،‬ولم كان يعلم عليه السلم ما يدبّره رب العزة من أقدار‬
‫‪ ،‬سيتأتي بيه إلى هذا المكان فيي قادم اليام ‪ ،‬عنيد خروجيه بقوميه مين مصير ‪ ،‬متجهيا إلى بوابية الرض المقدسية‬
‫حيث كان في أرض مدين ‪.‬‬

‫موسى في مصر ‪:‬‬


‫كنيت أعتقيد وربميا يشاركنيي كثيرون أيضيا ‪ ،‬أن مُقام موسيى فيي مصير ‪ ،‬ل يتجاوز عدة أيام أو عدة أشهير على‬
‫أبعيد تقديير ‪ ،‬ولكين تيبين لي أنيي كنيت مخطئا ‪ ،‬فالحداث والوقائع التيي مرت ميع موسيى علييه السيلم كثيرة ‪،‬‬
‫وتحتاج إلى سنوات عديدة ‪ ،‬وأظنه مكث هناك ما ل يقل عن ‪ 30‬عاما ‪ ،‬يدعوا فرعون وقومه وبني إسرائيل أيضا‬
‫جعَلُوا بُيُو َتكُم بْ قِبْ َلةً َوأَقِيمُوا الص بّلَ َة وَ َبشّرْ‬
‫‪َ ( ،‬وَأ ْوحَيْنَبا إِلَى مُوس بَى َوأَخِيه بِ أَن بْ تَ َب ّوأَا ِلقَ ْو ِمكُمَبا ِبمِص بْرَ بُيُوتًبا وَا ْ‬
‫ا ْل ُم ْؤمِنِي نَ (‪ 87‬يونس ) فلو تفكرت في الية الكريمة ‪ ،‬لتبينت أن طلبه سبحانه ببناء البيوت ‪ ،‬وجعلها باتجاه بيت‬
‫المقدس ‪ ،‬وَأ ْمرِه إياهيم بإقامية الصيلة فيهيا ‪ ،‬ميا كان إل لطول مُقام ‪ ،‬ولو كان مُقامهيم قصييرا أو عارضيا ‪ ،‬لميا‬
‫أمرهيم بذلك ‪ .‬والجدل بيين موسيى علييه السيلم وفرعون أخيذ زمنيا طويل ‪ ،‬بدءا باللقاء الول الذي عرض فييه‬
‫موسيى رسيالته ‪ ،‬وميا أيّدهيا بيه مين آيات – العصيا والييد – ولقاء يوم الزينية حييث التقيى موسيى بالسيحرة ‪ ،‬وبناء‬
‫ص ْرحًا‬
‫جعَل لِي َ‬ ‫علَى الطّي نِ فَا ْ‬ ‫ن إِلَ هٍ غَ ْيرِي فَ َأوْقِدْ لِي يَاهَامَا نُ َ‬
‫لَ مَا عَ ِلمْ تُ َلكُ مْ مِ ْ‬ ‫عوْ نُ يَاأَ ّيهَا ا ْلمَ ُ‬
‫الصرح ( وَقَالَ فِرْ َ‬
‫َلعَلّي َأطّلِ ُع إِلَى إِ َل ِه مُوسَى َوإِنّي لَظُ ّن ُه مِنْ ا ْلكَاذِبِينَ (‪ 38‬القصص ) ‪.‬‬

‫بناء الهرامات ‪:‬‬


‫الصيرح هيو البناء الضخيم والمرتفيع ‪ ،‬وأعتقيد أن الهرامات الثلثية هيي ميا أُمير هامان ببنائهيا مين قبيل فرعون‬
‫لينظر إلى إله موسى ‪ ،‬وفيما بعد اتّخذت تلك الصروح مقابر ومدافن ‪.‬‬
‫إذ لو ُفحِصيت مادة بناء الهرامات ‪ ،‬لتيبين أنهيا مين الطيين المشوي ‪ ،‬لدللة قوله تعالى ( فَ َأوْقِدْ لِي َيهَامَانُب عَلَى‬
‫الطّي نِ ) ‪ ،‬إذ يخبر سبحانه – وما إعلمه لنا بذلك عبثا ‪ -‬بأنهم كانوا يستخدمون الطين في البناء ‪ ،‬وليس الحجارة‬
‫كميا يعتقيد علماء الثار ‪ ،‬الذيين حاولوا جاهديين لتفسيير الليية المعقدة والمسيتحيلة ‪ ،‬فيي رفيع تلك الصيخور ذات‬
‫القطع الكبير ‪ ،‬إلى قمة الهرم حيث لم يكن لديهم رافعات عملقة ‪ .‬وهذا الخبر يكشف حقيقة ‪ ،‬ربما لم تخطر ببال‬
‫‪62‬‬
‫علماء الثار مين قبيل ‪ ،‬ويجعيل كيفيية البناء غايية السيهولة ‪ ،‬حييث كان عبييد فرعون ومنهيم بنيي إسيرائيل ‪ ،‬ينقلون‬
‫الطييين – وليييس الصييخور والحجارة ‪ -‬ويضعوه فييي قوالب مثبتيية على الهرم نفسييه ‪ ،‬وكييل لبنيية فييي موقعهييا ‪،‬‬
‫وينتظرون الَلبِن حتى يتماسك ‪ ،‬لينزعوا القوالب ‪ ،‬وكلما أنجزوا مرحلة ‪ ،‬قاموا بتثبيت القوالب مرة أخرى ‪ ،‬على‬
‫ميا تمّي إنجازه ‪ ،‬وبدءوا بنقيل الطيين ليفرغوه فيهيا ‪ ،‬وهكذا دوالييك حتيى يكتميل بناء الهرم ‪ .‬ومين الداخيل سيتجد أن‬
‫قلب الهرم مفرغ ‪ ،‬وسيتجد أن هناك سيراديب طويلة غيير نافذة ‪ ،‬تتوزّع بكافية التجاهات ‪ ،‬والغايية منهيا توزييع‬
‫ي الطين الجاف ‪ ،‬وهي عملية تحتاج إلى وقت طويل نظريا ‪ ،‬ولكن‬ ‫الحرارة ‪ ،‬عند إشعال النار في قلب الهرم لش ّ‬
‫ميع كثرة العبييد فالمير مختلف ‪ ،‬والليية بسييطة وليسيت معقدّة ‪ ،‬ول توحيي بأن الفراعنية كانوا جبابرة وأشداء ‪،‬‬
‫ي الطين قد تم على مراحل ‪ ،‬وليس دفعة واحدة ‪.‬‬ ‫فبناة الهرام هم العبيد وليس الفراعنة أنفسهم ‪ ،‬وربما يكون ش ّ‬
‫وهذه الفكرة مطروحية للمختصيّين لنفيهيا أو إثباتهيا ‪ ،‬وبذلك تكون الهرامات ‪ ،‬رمزا مين رموز الكفير والعصييان‬
‫والتمرد والتحدي الفرعوني ل ورسوله ‪ ،‬وربما يكون أبو الهول هو إله المصريين القدماء ‪ ،‬قبل أن يُعلن فرعون‬
‫ربوبيته تحديا لموسى عليه السلم وربه ‪.‬‬
‫وبالضافة إلى تلك الحداث ‪ ،‬التي وقعت أثناء تواجد موسى في مصر ‪ ،‬ما وقع في قوم فرعون من البلء الذي‬
‫ضفَادِعَب‬
‫أنزله ال ‪ ،‬وكلميا كشيف عنهيم بلء أرسيل عليهيم آخير ‪ ( ،‬فََأرْسَبلْنَا عَلَ ْيهِمُب الطّوفَانَب وَا ْلجَرَادَ وَا ْل ُق ّملَ وَال ّ‬
‫وَالدّم بَ ءَايَات ٍب ُمفَصبّلَتٍ فَاس بْتَكْبَرُوا َوكَانُوا َقوْمًا ُمجْ ِرمِين بَ (‪ 133‬العراف ) ‪ .‬وسييتجد مييا مرّ بقوم فرعون ميين‬
‫وقائع ‪ ،‬أثناء تواجد موسى في مصر ‪ ،‬قد سُردت بإيجاز في اليات (‪ )136 – 103‬من سورة العراف ‪ ،‬واليات‬
‫(‪ )90 – 85‬من سورة النمل ‪ ،‬ومواضع أخرى متفرقة في القرآن الكريم ‪.‬‬
‫عوْنَب َومَلََهُب زِي َن ًة َوَأ ْموَالً فِي ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا رَبّنَا لِيُضِلّوا عَنْب‬
‫وفيي نهايية المطاف ( وَقَالَ مُوسبَى رَبّنَا إِنّكَب آتَيْتَب فِ ْر َ‬
‫طمِس بْ عَلَى َأ ْموَا ِلهِم بْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُو ِبهِم بْ فَلَ ُي ْؤمِنُوا حَتّى ب يَ َروْا ا ْلعَذَاب َب الَْلِيم بَ (‪ 88‬يونييس ) أي‬ ‫س بَبِيلِكَ رَبّنَبا ا ْ‬
‫الغرق ‪ ،‬فاسيتجيبت دعوة موسيى ‪ ،‬وهذا بالضبيط ميا حصيل ميع فرعون ( حَتّىب إِذَا أَدْ َركَهُب ا ْلغَرَقُب قَا َل آمَنْتُب أَنّهُب لَ‬
‫إِلَهَب ِإلّ الّذِي آمَنَتْب بِهِب بَنُو إِسْبرَائِيلَ َوأَنَا مِنْب ا ْلمُسْبِلمِينَ (‪ 90‬يونيس ) ولو تمعنيت فيي قول فرعون لتيبينت أنيه لم‬
‫يؤمن ‪ ،‬لقوله ( الذي آمنت به بنو إسرائيل ) ‪ ،‬وأغلبية بني إسرائيل لم تكن تؤمن بال ‪ ،‬ولم يقل ال أو إله موسى‬
‫تكبرا وعلوا ‪.‬‬
‫شةً ‪َ ،‬أ ْو ظَ َلمُوا أَ ْنفُسَب ُهمْ ‪َ ،‬ذكَرُوا الَّ ‪ ،‬فَاسْبَت ْغفَرُوا لِذُنُو ِبهِمْب ‪َ ،‬ومَنْب َيغْفِرُ الذّنُوبَب‬
‫ح َ‬
‫قال تعالى ( وَالّذِينَب إِذَا َفعَلُوا فَا ِ‬
‫علَى مَا َفعَلُوا ‪ ،‬وَهُمبْ َيعْ َلمُونبَ (‪ 135‬آل عمران ) ‪ ،‬وقال أيضييا ( وَلَيْسبَتْ ال ّتوْ َبةُ ‪ ،‬لِلّذِينبَ‬ ‫ِإلّ الُّ ‪ ،‬وَلَمبْ يُصِبرّوا َ‬
‫َي ْعمَلُونَب السّبيّئَاتِ ‪ ،‬حَتّىب إِذَا حَضَ َر َأحَدَهُمْب ا ْل َموْتُب ‪ ،‬قَا َل إِنّيب تُبْتُب الْنَب ‪َ ،‬ولَ الّذِينَب َيمُوتُونَب وَهُمْب ُكفّارٌ ‪ُ ،‬أوْلَئِكَب‬
‫أَعْتَدْنَا َل ُهمْ عَذَابًا أَلِيمًا (‪ 18‬النساء ) ‪.‬‬

‫خروج موسى ببني إسرائيل من مصر ‪:‬‬


‫ضرِبْب َلهُمْب طَرِيقًا فِي الْ َبحْرِ يَبَسبًا ‪ ،‬لَ َتخَافُب دَرَكًا َو َل‬
‫قال تعالى ( وَ َلقَدْ َأ ْوحَيْنَا إِلَى مُوسبَى أَنْب أَسْب ِر بعِبَادِي ‪ ،‬فَا ْ‬
‫خشَى (‪ 77‬طه ) ‪ ،‬نتبين من ذلك أن خروج موسى بقومه إلى البحر كان بوحي من ربه ‪ ،‬وإن لم يخب ظني فقد‬ ‫َت ْ‬
‫اتجيه صيوب البحير الحمير مباشرة ‪ ،‬أقصيى الشمال مين خلييج السيويس ‪ ،‬وبعيد أن خرج بقوميه مين البحير ‪ ،‬اتجيه‬
‫شرقا وشمال بخط شبه مستقيم ‪ ،‬متجاوزا صحراء سيناء وصحراء النقب ‪ ،‬حيث المدخل الجنوبي لوادي عربة ‪،‬‬
‫وسييار شمال فييي بطيين الوادي ‪ ،‬حتييى الجبييل المعهود جنوب البحيير الميييت ‪ ،‬ليسييتقبل الوحييي بناءا على الموعييد‬
‫المسبق ‪ ،‬الذي ضرب بينه وبين ربه ‪ ،‬بعد النجاة من فرعون وقومه ‪ ،‬قال تعالى ( يَبَنِي إِسْرَائِيلَ قَ ْد أَنجَيْنَاكُ ْم مِنْ‬
‫عَ ُد ّوكُمْب َووَاعَدْنَاكُمْب جَانِبَب الطّورِ الَْ ْيمَنَب (‪ 80‬طيه ) ‪ ،‬وهذه اليية تدل على عدم مكوثهيم لفترة طويلة ‪ ،‬فيي أي مين‬
‫صييحراء سيييناء أو النقييب ‪ ،‬وأن وجهتهييم كانييت حيييث المكان الموعود ‪ ،‬وكان موسييى يسييتعجل المسييير وهييم‬
‫يبطئون ‪ ،‬وبعيد تلقييه الوحيي ‪ ،‬صيعد بقوميه إلى المرتفعات الشرقيية ‪ ،‬ودخيل الردن عين طرييق الوادي الذي نزل‬
‫به في المرة السابقة ‪ ،‬ملتفا حول مملكة الدوميين ومملكة الموآبيين شرقي البحر الميت ‪ ،‬ليصل إلى مكان إقامته‬
‫السابق ‪ ،‬حيث كان سفيرا لبني إسيرائيل – ولم يكن يعلم بذلك آنذاك ‪ -‬في مدين قرية شعيب عليه السلم ‪ ،‬ل ُي َمهّد‬
‫لهم طيب القامة فيها مستقبل ‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫ترتيب الحداث التي مرت بموسى وبني إسرائيل خلل تلك الرحلة الطويلة‬

‫الصاعقة والبعث بعد الموت ‪:‬‬


‫في رحلته مع بني إسرائيل ‪ ،‬في طريق العودة من مصر إلى مدين ‪ ،‬كانت ترافق موسى عليه السلم أمّة بأسرها‬
‫بما لها وما عليها ‪ ،‬وأكثرها من غير المؤمنين وغير المطيعين ل تعالى وله عليه السلم ‪ ،‬مما جعل المسير فيها‬
‫ن َومَلَ ِئهِمْ أَنْ َيفْتِ َنهُمْ‬
‫عوْ َ‬‫ف مِنْ فِ ْر َ‬‫خوْ ٍ‬ ‫علَى َ‬ ‫بطيئا وشاقا وطويل ‪ ،‬قال تعالى ( َفمَا آمَنَ ِلمُوسَى ِإلّ ُذرّ ّي ٌة مِنْ َق ْومِهِ َ‬
‫ع َقةُ ‪َ ،‬وأَنْتُ مْ‬‫جهْرَةً ‪ ،‬فَ َأخَذَ ْتكُ مْ ال صّا ِ‬ ‫(‪ 83‬يونس ) ‪ ،‬وقال أيضا ( َوإِذْ قُلْتُ مْ يَامُو سَى ‪ ،‬لَ نْ ُن ْؤمِ نَ َل كَ ‪ ،‬حَتّى نَرَى الَّ َ‬
‫شكُرُونَب (‪ 56‬البقرة ) ‪ ،‬وكان قولهيم هذا فور نجاتهيم وخروجهيم‬ ‫تَنظُرُونَب (‪ )55‬ثُمّ َبعَثْنَاكُمْب مِنْب َبعْ ِد َموْ ِتكُمْب َلعَّلكُمْب َت ْ‬
‫مين البحير ‪ ،‬بعدميا رأوا كيل ميا أجراه ال على ييد موسيى مين معجزات ‪ ،‬تليين لهيا قلوب الجبال وعقولهيا ‪ ،‬فأماتهيم‬
‫ال ثم أحياهم ‪ ،‬ولو نظرت إلى قولهم في الية السابقة واستخدام أداة الجزم والتأبيد ( لن ) ‪ ،‬تجد أن لديهم إصرار‬
‫عجييب على الكفير ‪ ،‬بميا هيو غييبيّ ومحجوب عين حواسيّهم ‪ ،‬رغيم مشاهدتهيم لليات والثار الدالة على وجوده ‪،‬‬
‫وأنهيم ل يؤمنون إل بميا تدركيه الحواس مين أشياء ماديية ‪ ،‬وهذا ميا جعلهيم يقعون فيي فتنية العجيل الذهيبي بعيد هذه‬
‫جهْرَةً فَ َأخَذَ ْتهُمبْ‬ ‫الحادثية ‪ ،‬وفيي فتنية الدجال مسيتقبل بميا لدييه مين فتين ماديية ظاهرة للعيان ‪َ ( ،‬فقَالُوا أَرِنَا الَّ َ‬
‫ك وَآتَيْنَا مُوسَى سُ ْلطَانًا مُبِينًا (‬ ‫عنْ ذَلِ َ‬‫جلَ مِنْ َبعْدِ مَا جَاءَ ْتهُمْ الْبَيّنَاتُ ‪َ ،‬ف َع َفوْنَا َ‬ ‫ع َقةُ ِبظُ ْل ِمهِمْ ‪ُ ،‬ثمّ ‪ ،‬ا ّتخَذُوا ا ْل ِع ْ‬
‫الصّا ِ‬
‫‪ 153‬النساء ) وقد وقع هذا منهم قبل اتخاذهم للعجل ‪.‬‬

‫ن والسلوى والتظليل بالسحاب أثناء المسير ‪:‬‬


‫تفجير الماء ونزول الم ّ‬
‫وبناءً على ميا سيبق ‪ ،‬كان خيط مسيير الرحلة فيي معظميه فيي صيحاري قاحلة ‪ ،‬وكيل ميا كان بحوزتهيم مين طعام‬
‫شرَ َة أَسْببَاطًا ُأمَمًا ‪،‬‬ ‫ع ْ‬ ‫طعْنَاهُمْب اثْنَتَيْب َ‬‫وماء أثناء الخروج ‪ ،‬كانوا قيد اسيتنفدوه فيي أيامهيم الولى ‪ ،‬قال تعالى ( وَ َق ّ‬
‫عشْرَةَ عَيْنًا ‪ ،‬قَدْ عَلِمَب كُلّ‬ ‫حجَرَ ‪ ،‬فَانْ َبجَسَبتْ مِنْهُب اثْنَتَا َ‬
‫َوَأوْحَيْنَا إِلَى مُوسبَى إِ ْذ اسْبَتسْقَاهُ َق ْومُهُب أَنْب اضْرِب ِبعَصبَاكَ ا ْل َ‬
‫ت مَا َرزَقْنَاكُ مْ ‪َ ،‬ومَا ظَ َلمُونَا‬ ‫ن طَيّبَا ِ‬ ‫علَ ْيهِمْ ا ْلمَنّ وَال سّ ْلوَى كُلُوا مِ ْ‬
‫علَ ْيهِمْ ا ْل َغمَامَ ‪َ ،‬وأَنزَلْنَا َ‬
‫س َمشْرَ َبهُمْ ‪َ ،‬وظَلّلْنَا َ‬ ‫أُنَا ٍ‬
‫وَ َلكِنْب كَانُوا أَنفُسَب ُهمْ َيظْ ِلمُونَب (‪160‬العراف ) ومين هذه اليية الكريمية نجيد أنهيم قُسيّموا إلى (‪ )12‬جماعية لتيسيير‬
‫عمليّه القيادة ‪ ،‬ومنّ عليهم ربهم سبحانه عما يصفون ‪ ،‬بأن وفّر لهم كل أسباب الراحة من ماء وغذاء ‪ ،‬وحتى أنه‬
‫وقاهييم ميين حيير الشمييس بأن جعييل السييحاب يظللهييم ‪ ،‬أينمييا حلوا وأينمييا ارتحلوا أثناء مسيييرهم باتجاه الرض‬
‫المُقدّسيية ‪ ،‬وفييي تلك الثناء مرّوا على عبدة الصيينام ‪ ،‬فطلبوا ميين موسييى أن يجعييل لهييم إله كمييا لهؤلء آلهيية (‬
‫علَى أَصْبنَامٍ َلهُمْب ‪ ،‬قَالُوا يَامُوسبَى اجْ َعلْ لَنَا إِ َلهًا َكمَا َلهُمْب‬ ‫َوجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْبرَائِيلَ الْ َبحْرَ ‪ ،‬فَأَ َتوْا عَلَى َقوْمٍب َي ْع ُكفُونَب َ‬
‫جهَلُونَ (‪ 138‬العراف ) ‪.‬‬ ‫ءَا ِل َهةٌ ‪ ،‬قَا َل إِ ّن ُكمْ َق ْومٌ َت ْ‬
‫ول يغيب عين بالنيا أن رحلة كهذه كانيت تسيتوجب ميا بيين فترة وأخرى التخيييم والقامية لبعيض الوقيت ‪ ،‬ومين ثيم‬
‫متابعة المسير وهكذا دواليك ‪ ،‬ولم تتعدى مدد القامة في أي من مراحل المسير ‪ ،‬سوى أيام أو أسابيع معدودة ‪،‬‬
‫فهيم لم يركنوا إلى مكان معين ‪ ،‬إذ كان هناك مواعدة للقاء في جانب الطور اليمين في وادي عربة ‪ ،‬وكانت هذه‬
‫المواعدة جماعيية لموسيى ولبنيي إسيرائيل ‪ ،‬ولكنّي موسيى علييه السيلم وبعيد أن قطيع شوطيا كيبيرا فيي وادي عربة‬
‫اسيتعجل اللقاء ‪ ،‬وعندميا اقترب مين المكان المحدد ‪ ،‬اسيتخلف أخييه هارون فيي قوميه وتركهيم ومضيى مسيرعا‬
‫رغب ًة منه في إرضاء ربه ‪ ،‬واعتذارا عن التأخير الذي تسبّب به قومه من جرّاء مماطلتهم وتذّمرهم ‪.‬‬

‫اللقاء الول لموسى بربه بعد الخروج من مصر ‪ ،‬واتخاذ العجل في بطن وادي عربة ‪:‬‬
‫ت إِلَ ْيكَ رَبّ لِ َترْضَى (‪ )84‬وهناك‬ ‫عجِلْ ُ‬
‫عجَلَكَ عَنْ َق ْومِكَ َيمُوسَى (‪ )83‬قَالَ هُ ْم أُولَءِ عَلَى أَثَرِي وَ َ‬ ‫قال تعالى ( َومَا أَ ْ‬
‫كان موسيى علييه السيلم ‪ ،‬مشتاقيا ومندفعيا فطلب رؤيية ربيه ‪ ،‬وكأنيه نسيي ميا كان مين قوميه ‪ ،‬فطلب مين ربيه ميا‬
‫طلبيه قوميه منيه ( وَ َلمّاب جَا َء مُوسبَى ِلمِيقَاتِنَا َوكَّلمَهُب رَبّهُب ‪ ،‬قَالَ رَبّ أَرِنِي أَنظُ ْر إِلَيْكَب ‪ ،‬قَالَ لَنْب َترَانِي ‪ ،‬وَ َلكِنْب انظُرْ‬
‫جعَلَهُب َدكّاب ‪َ ،‬وخَ ّر مُو سَى صَب ِعقًا ‪ ،‬فَ َلمّا أَفَا قَ‬
‫سوْفَ َترَانِي ‪ ،‬فَ َلمّا َتجَلّى رَبّ هُ لِ ْلجَ َب ِل َ‬
‫ن اسْبَتقَ ّر َمكَانَهُب فَ َ‬ ‫إِلَى ا ْلجَ َبلِ ‪ ،‬فَإِ ْ‬
‫قَا َل سُب ْبحَانَكَ تُبْتُب إِلَيْكَب َوأَنَا َأ ّولُ ا ْل ُم ْؤمِنِينَب (‪ 143‬العراف ) فصيُعق موسيى كميا صيُعق قوميه مين قبيل ‪ ،‬وبعدميا‬
‫أفاق أُعطييت له اللواح التيي تحميل فيي ثناياهيا الشريعية الجديدة لبنيي إسيرائيل ‪َ ( ،‬وكَتَبْنَا لَهُب فِي الَْ ْلوَاحِب مِنْب ُكلّ‬
‫‪64‬‬
‫ومَك ببَ َي ْأخُذُوا بِ َأحْس ببَ ِنهَا س ببَأُرِي ُكمْ دَارَ ا ْلفَاس بِبقِينَ (‪145‬‬
‫ظ ًة وَ َتفْص ببِيلً ِلكُ ّل شَيْءٍ َفخُذْهَببا ِب ُقوّةٍ َو ْأمُرْ َق ْ‬
‫عَ‬‫شَيْ ٍء َموْ ِ‬
‫العراف ) ‪.‬‬
‫ومين ثيم أخيبره ربيه بأن قوميه فُتنوا مين بعده ‪ ،‬بعبادتهيم للعجيل الذهيبي الذي ابتدعيه السيامريّ ( قَالَ َفإِنّاب قَدْ فَتَنّاب‬
‫َق ْومَكَب مِنْب َبعْدِكَب َوأَضَّلهُمْب السبّامِ ِريّ (‪ 85‬طيه ) ‪ ،‬وكانيت عقوبية الشرك بال غايية فيي القسيوة ‪َ ( ،‬وإِذْ قَا َل مُوسبَى‬
‫جلَ ‪ ،‬فَتُوبُوا إِلَى بَارِ ِئكُم بْ فَاقْتُلُوا أَنفُس َبكُمْ ‪ ،‬ذَ ِلكُم بْ خَ ْيرٌ َلكُم بْ عِنْدَ‬
‫ِل َق ْومِه بِ ‪َ ،‬ي َقوْم بِ إِ ّنكُم ْب ظَ َلمْتُم ْب أَنفُس بَ ُكمْ بِا ّتخَا ِذكُم بْ ا ْل ِع ْ‬
‫بَارِ ِئكُمْب ‪ ،‬فَتَابَب عَلَ ْيكُمْب ‪ ،‬إِنّهُب ُهوَ ال ّتوّابُب ال ّرحِيمُب (‪ 54‬البقرة ) ‪ ،‬وتوحيي هذه اليية بأن المير كان مُلزميا ‪ ،‬وقبول‬
‫التوبة كان مشروطا بقتل النفس ‪ ،‬فمن رغب في التوبة آنذاك ممن عبدوا العجل ‪ ،‬قتل نفسه حقيقة وقُبلت توبته ‪،‬‬
‫وال أعلم ‪.‬‬
‫حرّقَنّ ُه‬
‫علَيْ هِ عَا ِكفًا لَ ُن َ‬
‫وبالنظر في قوله تعالى ‪ ،‬على لسان موسى مخاطبا السامريّ ( وَانْظُ ْر إِلَى إِ َلهِ كَ الّذِي ظَلْ تَ َ‬
‫حرّق ورُميي فيي البحير ‪ ،‬وأقرب بحير لمقام بنيي‬ ‫ُثمّ لَنَنْسِبفَ ّنهُ فِي الْ َيمّ نَسْبفًا (‪ 97‬طيه ) ‪ ،‬نجيد أن العجيل الذهيبي قيد ُ‬
‫إسرائيل في وادي عربة هو البحر الميت ‪.‬‬

‫اللقاء الثاني والرجفة ونتق الجبل ‪:‬‬


‫وبناءً على ميا كان منهيم ‪ ،‬اختار موسيى (‪ )70‬رجل مين أفضلهيم ‪ ،‬للعتذار عميا فعله السيفهاء مين قوميه ( وَاخْتَا َر‬
‫ت أَهْ َلكْ َتهُمْ مِنْ قَ ْب ُل َوإِيّايَ ‪ ،‬أَ ُتهْ ِلكُنَا ِبمَا‬
‫ج َفةُ ‪ ،‬قَالَ رَبّ َل ْو شِئْ َ‬
‫مُوسَى َق ْومَهُ سَ ْبعِينَ َرجُلً ِلمِيقَاتِنَا ‪َ ،‬فَلمّا َأخَذَتْهُمْ ال ّر ْ‬
‫حمْنَا َوأَنْ تَ‬ ‫غفِرْ لَنَا وَا ْر َ‬
‫ضلّ ِبهَا مَ نْ َتشَا ُء وَ َتهْدِي مَ نْ َتشَاءُ ‪ ،‬أَنْ تَ وَلِيّنَا فَا ْ‬ ‫ي ِإلّ فِتْنَتُ كَ تُ ِ‬‫س َفهَا ُء مِنّا ‪ ،‬إِ نْ هِ َ‬
‫َف َعلَ ال ّ‬
‫خَيْرُ ا ْلغَافِرِينَب (‪ 155‬العراف ) فشهدوا الوحيي بمعيية موسيى علييه السيلم دون سيماعه ‪ ،‬وشعروا بوجود خالقهيم‬
‫وعظمة قدرته بأن زلزل الرض من تحت أرجلهم ‪.‬‬

‫أخذ الميثاق ‪ ،‬وإلزام النقباء الثنيّ عشر بالسهر على تطبيقه ‪ ،‬والحكم بما جاء فيه ‪:‬‬
‫وهناك عُرض عليهييم الميثاق ليلتزموا بييه ويلزموا أتباعهييم على القيام بييه ‪ ،‬ويتحملوا مسييؤولية نقضييه فتردّدوا‬
‫وأ َبوْا ‪ ،‬فرفع سبحانه فوقهم الجبل وأجبرهم على أخذه بالقوة ‪ ،‬ولو أصرّوا على الرفض لطبقه عليهم فقبلوه على‬
‫مضض ‪ ،‬وكان ال أعلم بما يعتمل في صدورهم ولكنه غفور رحيم ‪ ،‬حيث قال فيهم ( َوإِ ْذ َأخَذْنَا ميثَا َقكُ ْم وَرَ َفعْنَا‬
‫جلَ ِب ُكفْرِهِمْب ‪ُ ،‬قلْ‬ ‫َفوْ َقكُمْب الطّو َر خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْب ِبقُوّ ٍة وَاسْبمَعُوا ‪ ،‬قَالُوا سَب ِمعْنَا وَعَصَبيْنَا ‪َ ،‬وُأشْرِبُوا فِي قُلُو ِبهِمْب ا ْل ِع ْ‬
‫بِئْسَبمَا يَ ْأ ُم ُركُمْب بِهِب إِيمَا ُنكُمْب إِنْب كُنتُمْب ُم ْؤمِنِينَب (‪ 93‬البقرة ) ‪ .‬فاختيير مين السيبعين رجل (‪ )12‬نقيبيا ‪ ،‬بعدد السيباط‬
‫( أي قبائل بني إسرائيل ) وهم الذين تُسميهم التوراة بالقضاة ‪ .‬وهذا نص الميثاق الذي أُلزموا بالعمل على تطبيقه‬
‫عشَرَ‬ ‫‪ ،‬بالضافية إلى الوصيايا الواردة فيي سيورة النعام ( وَ َلقَ ْد َأخَذَ الُّ مِيثَاقَب بَنِي إِسْبرَائِيلَ ‪ ،‬وَ َبعَثْنَا مِ ْنهُمْب اثْنَيْب َ‬
‫عزّرْ ُتمُوهُمْ ‪َ ،‬وأَقْرَضْتُ ْم الَّ َقرْضًا‬ ‫َنقِيبًا ‪ ،‬وَقَالَ الُّ إِنّي َمعَكُمْ ‪ ،‬لَئِنْ أَ َقمْتُمْ الصّلَةَ ‪ ،‬وَآتَيْتُمْ ال ّزكَاةَ وَآمَنْتُمْ ِبرُسُلِي وَ َ‬
‫ضلّ‬‫حَسَبنًا ‪ُ ،‬لَ َكفّرَنّ عَ ْنكُمْب سَبيّئَا ِتكُمْ ‪َ ،‬ولَُ ْدخِلَ ّنكُمْب جَنّاتٍب َتجْرِي مِنْب َتحْ ِتهَا الَْ ْنهَارُ ‪َ ،‬فمَنْب َكفَرَ َبعْدَ َذلِكَب مِ ْنكُمْب ‪َ ،‬فقَدْ َ‬
‫سوَاءَ السّبِيلِ (‪ 12‬المائدة ) ‪.‬‬ ‫َ‬

‫رفض المن والسلوى وطلب القثائيات ‪ ،‬والحكم عليهم بالنزول في موطن زراعتها ‪:‬‬
‫كانيت مدة المكيث بادئ المير فيي الصيحراء بسييطة ‪ ،‬وذلك لتذمّرهيم وعدم صيبرهم على طعام واحيد ‪ ،‬أي المنّي‬
‫والسيلوى ‪ ،‬فحكيم عليهيم سيبحانه بإكمال المسيير المقدّر مسيبقا ‪ ،‬بقوله على لسيان موسيى ( َوإِذْ قُلْتُمْب َيمُوسبَى لَنْب‬
‫سهَا وَبَصَ ِلهَا قَالَ‬
‫ض مِنْ َبقْ ِلهَا وَقِثّا ِئهَا وَفُو ِمهَا وَعَدَ ِ‬
‫ت الَْرْ ُ‬
‫طعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبّكَ ُيخْرِجْ لَنَا ِممّا تُنْبِ ُ‬
‫علَى َ‬
‫نَصْبِرَ َ‬
‫أَتَسببْتَبْدِلُونَ الّذِي ُه َو أَدْنَبى بِالّذِي ُه َو خَيْرٌ اهْ ِبطُوا مِصبْبرًا ‪ ،‬فَإِنّب َلكُمبْب مَبا سببَأَلْ ُتمْ (‪ 61‬البقرة ) وحيييث أنييه قال‬
‫( مِصْراً ) منونةً ‪ ،‬ولم يقل ( مِصْرَ ) بدون تنوين ‪ ،‬فهي غير مصر التي خرجوا منها ‪ ،‬وإنما جاءت هنا بمعنى (‬
‫بلداً ) نكرة وغير معرّفة ‪ ،‬وقوله ( فإ نّ لكم ما سألتم ) تعني أن هذا البلد يتميّز ‪ ،‬بأن فيه ما سأله بني إسرائيل من‬
‫نيبيهم مين عدس وبصيل وغيره ‪ ،‬ولو تسياءلنا عين موقيع هذا البلد ‪ ،‬القرييب مين الرض المقدسية ‪ ،‬الذي يتمييز‬
‫بخصيوبة أراضييه ووفرة مياهيه مين ينابييع وآبار ويصيلح لزراعية القثّائيات ‪ ،‬بالتأكييد سيتكون الجابية الرض‬
‫الواقعة شرق نهر الردن ‪ ،‬وفي السفوح الغربية للجبال المطلة على فلسطين ‪ ،‬وبالتحديد قرية مدين التي يعرفها‬
‫‪65‬‬
‫موسيى ‪ ،‬ويعرف ميّزاتهيا وخصيائصها ‪ ،‬والتيي كان أهلهيا قيد هلكوا بعذاب يوم الظلّة ‪ ،‬قبيل أو بعيد خروج موسيى‬
‫منها ‪ ،‬ليرثها بنوا إسرائيل مع القلة المؤمنة ‪ ،‬من قوم شعيب التي نجت من العذاب ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬

‫دخول مدين والمُقام فيها ‪:‬‬


‫طةٌ َنغْفِرْ َلكُ مْ‬
‫حّ‬‫سجّدًا وَقُولُوا ِ‬ ‫ث شِئْتُ مْ َرغَدًا وَا ْدخُلُوا الْبَا بَ ُ‬‫قال تعالى ( َوإِذْ قُلْنَا ا ْدخُلُوا هَذِ هِ ا ْلقَرْ َيةَ َفكُلُوا مِ ْنهَا حَيْ ُ‬
‫خطَايَاكُمْب وَسَبنَزِيدُ ا ْل ُمحْسِبنِينَ (‪ 58‬البقرة ) ‪ ،‬وقال فيي آيية أخرى ( َوإِذْ قِيلَ َلهُمْب اسْبكُنُوا هَذِهِب ا ْلقَرْ َيةَ َوكُلُوا مِنْهَا‬ ‫َ‬
‫خطِيئَا ِتكُمْب سَبنَزِيدُ ا ْل ُمحْسِبنِينَ (‪ )161‬فَبَ ّدلَ الّذِينَب ظَ َلمُوا‬ ‫طةٌ وَا ْدخُلُوا الْبَابَب سُبجّدًا َنغْفِرْ َلكُمْب َ‬ ‫حّ‬ ‫حَيْثُب شِئْتُمْب وَقُولُوا ِ‬
‫جزًا مِنْب السّبمَاءِ بِمَا كَانُوا َيظْ ِلمُونَب (‪ 162‬العراف ) ‪ ،‬ولم يكين‬ ‫مِ ْنهُمْب َق ْولً غَيْرَ الّذِي قِيلَ َلهُمْب َفأَرْسَبلْنَا عَلَ ْيهِمْب ِر ْ‬
‫المقصود بهذه القرية الرض المقدسة ‪ ،‬كونهم دخلوها حربا ‪ ،‬بعد موسى عليه السلم بأربعين عاما على القل ‪،‬‬
‫وهذه القرية سُكنت حقيقة بدخولها بل قتال بمعية موسى عليه السلم ‪ ،‬وقد بدّل الذين ظلموا منهم –أي العُصاة –‬
‫القول والهيئة عند الدخول ‪ ،‬فأرسل عليهم سبحانه رجزا من السماء ‪.‬‬
‫ث شِئْتُ مْ رَغَدًا ) يوحي‬
‫ث شِئْتُ مْ ) وقوله لهم في النص الخر ( َفكُلُوا مِ ْنهَا حَيْ ُ‬
‫وقوله قبل الدخول ( َوكُلُوا مِنْها حَيْ ُ‬
‫بأنهيا سيكنى مؤقتية ‪ ،‬ولم يكين لديهيم علم بأنيه سييكون هناك ميا بعدهيا ‪ ،‬وهيو السيتعداد والتهيئة لدخول الرض‬
‫المقدسية ‪ ،‬فأفشلوا أنفسيهم فيي الدخول الول لتلك القريية ‪ ،‬فاسيتحقوا غضيب ال عليهيم ‪ ،‬وأفشلوا أنفسيهم عندميا‬
‫أُمروا بالدخول الثانيي بل حرب ‪ ،‬فأفشلهيم ال وأذهيب ريحهيم ‪ .‬وقيد قيلت هذه العبارة لدم علييه السيلم وزوجيه (‬
‫َوكُلَ مِ ْنهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْ ُتمَا (‪ 35‬البقرة ) قبل دخوله الجنة ولم يكن لديهما علم بأن القامة فيها مؤقتة ‪ ،‬وأن هناك‬
‫ما بعدها ‪ ،‬وسيحاطون به علما عند وقوعه ‪ ،‬وفي موعده المقدر المضمر في علم ال ‪ ،‬ولكن بعد فوات الوان ‪.‬‬
‫وإن لم تكن مدين هي القرية التي دخلها بنوا إسرائيل وأقاموا فيها ‪ ،‬فهي قرية تقع في نفس المنطقة ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬

‫الخسف بقارون ‪ ،‬ورحلة موسى والفتى ‪ ،‬وذبح البقرة ‪:‬‬


‫أقام بنيو إسيرائيل فيي مديين بمعيية موسيى ‪ -‬على ميا يبدو ‪ -‬سينين عديدة ‪ ،‬واطمأنوا بهيا وإليهيا وطاب لهيم المقام‬
‫فيها ‪ ،‬حيث الزراعة وتربية المواشي والتجارة ‪ ،‬ومن الحداث التي نعتقد أنها وقعت فيها قصة البقرة ( َوإِذْ قَالَ‬
‫ن مِنْ ا ْلجَاهِلِينَ (‪ 67‬البقرة‬ ‫ن َأكُو َ‬ ‫مُوسَى لِق ْو ِمهِ إِنّ الَّ يَ ْأ ُم ُركُمْ أَنْ تَذْ َبحُوا َبقَرَةً قَالُوا أَتَ ّتخِذُنَا هُ ُزوًا قَا َل أَعُوذُ بِالِّ أَ ْ‬
‫جمَعَب‬ ‫) ‪ ،‬وقصية سيفر موسيى حييث مجميع البحريين ‪ ،‬لللتقاء بالعالم ‪َ ( ،‬وإِذْ قَا َل مُوسبَى ِلفَتَاهُب َل أَبْرَحُب حَتّىب أَبْلُغَب َم ْ‬
‫الْ َبحْرَيْنِب َأوْ َأمْضِيَب حُقبًا (‪ 60‬الكهيف ) وقصية قارون المعروفية ( إِنّ قَارُونَب كَانَب مِنْب َقوْمِب مُوسبَى فَبَغَى عَل ْيهِمْب‬
‫رحِينَ (‪76‬‬ ‫ن الَّ لَ ُيحِبّ ا ْلفَ ِ‬ ‫ح إِ ّ‬ ‫حهُ لَتَنُوءُ بِا ْلعُصْ َب ِة أُولِي الْ ُقوّ ِة إِذْ قَالَ لَهُ َق ْومُ ُه لَ َتفْرَ ْ‬
‫وَآتَيْنَا ُه مِنْ الْكُنُو ِز مَا إِنّ َمفَا ِت َ‬
‫القصص ) ‪.‬‬

‫المر بدخول الرض المقدّسة وتحريمها عليهم وتيههم شرقي النهر ‪:‬‬
‫وبعيد مدة مين مكثهيم فيي مديين ‪ ،‬أمرهيم موسيى بدخول الرض المقدسية ( فلسيطين ) ‪ ،‬ولم تكين هناك حاجية للقتال‬
‫آنذاك فرفضوا وعصيوا لقلة إيمانهيم ‪ ،‬وأخلدوا إلى الرض وتذرّعوا بحجيج واهيية لييبرّروا اتكاليتهيم وعجزهيم ‪،‬‬
‫فدعا موسى ربه ليحكم بينه وبينهم ‪ ،‬فاستجاب له ربه ( قَالَ َفإِ ّنهَا ُمحَ ّر َمةٌ عَلَ ْيهِمْ أَرْ َبعِينَ سَ َنةً يَتِيهُونَ فِي الَْ ْرضِ‬
‫سقِينَ (‪ 26‬المائدة ) فكان تحريم الدخول لمدة أربعين سنة ومن ثم التيه في الرض ‪.‬‬ ‫فَل تَ ْأسَ عَلَى ا ْل َق ْومِ ا ْلفَا ِ‬
‫والتييه لغية الحيرة والضلل ‪ ،‬ورجيل تائه وتيّاه إذا كان جسيورا يركيب رأسيه فيي المور ‪ ،‬وفيي الحدييث ‪ :‬إنيك‬
‫امرؤ تائه ‪ ،‬أي متكيبر أو ضال متحيّر ‪ .‬والمراد مين ذلك أنهيم تُركوا على رؤوسيهم ‪ ،‬وحُرموا من قيادة النيبياء ‪،‬‬
‫بأن ال تخلى عنهيم وحرمهيم مين رعايتيه لهيم ‪ ،‬ورفيع عنهيم الوحيي وتركهيم بل هدايية ‪ ،‬بعيد موت موسيى علييه‬
‫السلم ‪ ،‬على مدى ‪ 40‬سنة ‪ ،‬ولم يُقصد بالتيه الضياع والتشرّد المكاني في صحراء سيناء كما كنا نعتقد سابقا ‪.‬‬
‫والصحيح أنهم حافظوا على تواجدهم ‪ ،‬كأمة مكونة من ‪ 12‬جماعة شرقي نهر الردن ‪ ،‬وأُوكلت قيادة كل جماعة‬
‫إلى أحد النقباء الثني عشر ‪ ،‬كل حسب السبط الذي ينتمي إليه بعد انقطاع قيادة الوحي ‪ ،‬وهذا مما ينفي نبوة فتى‬
‫موسى المسمى بيوشع بن نون ‪ .‬وهنا تتضح الحكمة من جراء إلقاء مسؤولية حفظ الميثاق وإقامته ‪ ،‬على النقباء‬
‫الثني عشر بعد وفاة موسى وانقطاع الوحي والعناية اللهية ‪ .‬وهذا ما حاول مؤلّفو التوراة إخفاءه بتبديل مواضع‬
‫‪66‬‬
‫الكلم ‪ ،‬فجعلوا المن والسلوى تتنزّل عليهم لمدة أربعين سنة في الصحراء ‪ ،‬وهي عدد سنين التحريم والتيه التي‬
‫كانوا يأكلون فيها البصل والعدس ‪.‬‬
‫ويدّعيي كتبية التوراة أن بنيي إسيرائيل ‪ ،‬أثناء قدومهيم إلى الرض المقدسية بمعيية موسيى علييه السيلم ‪ ،‬قيد قاتلوا‬
‫أقواميا كثيرة شرق نهير الردن وانتصيروا عليهيا ‪ ،‬ويدّعون أيضيا أنهيم هاجموا الكنعانييين بعيد موسيى ‪ ،‬وهدموا‬
‫أسييوار مدينيية أريحييا بمعييية يوشييع بيين نون ‪ ،‬وأنهييم أقاموا زميين القضاة غرب النهيير ‪ .‬وهذا كله محييض افتراء‬
‫وتلفييق ‪ ،‬فكييف يقاتيل مين طلب منيه مجرد الدخول ولم يدخيل ‪ ،‬ولفيظ الدخول فيي القرآن يوحيي بانتفاء القتال ‪،‬‬
‫ونص الحوار الذي دار بين موسى وقومه لدخولها تجده كامل في اليات (‪ )27 – 20‬المائدة ‪.‬‬

‫زمن الخبار بنص نبوءة الفساد والعلو في الرض ‪:‬‬


‫وبعيد مدة يسييره مين الزمين مين ذلك الحكيم ‪ ،‬كشيف موسيى علييه السيلم النقاب عين النبوءة موضوع هذا الكتاب ‪،‬‬
‫وأخبر عنها قبل أن ينتقل إلى جوار ربه ‪ .‬وتركهيم فيي غيهم وطغيانهم يعمهون ‪ ،‬كما حكم عليهم ربهيم ‪ ،‬وأُوكل‬
‫المير مين بعده إلى النقباء الثنيي عشير أصيحاب الميثاق ‪ ،‬ليحفظوا التوراة وليحكموا بيين الناس بميا جاء فيهيا ‪،‬‬
‫ومين ذلك اليوم انتقلت مسيؤولية حفيظ التوراة والشريعية إلى أناس عادييين ‪ ،‬فبدأ ظهور الحبار ‪ ،‬قال تعالى ( إِنّاب‬
‫حكُمبُ بِهَا النّبِيّون بَ الّذِينَب أَس بْ َلمُوا ‪ ،‬لِلّذِينبَ هَادُوا ‪ ،‬وَالرّبّانِيّونَب وَالَْحْبَارُ بِمَا‬
‫أَنْزَلْنَا ال ّتوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ‪َ ،‬ي ْ‬
‫شهَدَاءَ (‪ 44‬المائدة ) ‪.‬‬ ‫ب الِّ ‪َ ،‬وكَانُوا عَلَ ْي ِه ُ‬
‫ن كِتَا ِ‬
‫ح ِفظُوا مِ ْ‬
‫اسْتُ ْ‬

‫طلب المُلك لدخول الرض المقدّسة بعد نهاية سنوات التيه ‪:‬‬
‫علَ ْيكُمُ ا ْلقِتَالُ َألّ ُتقَاتِلُوا قَالُوا َومَا لَنَا‬
‫ن كُتِبَ َ‬‫عسَيْ ُت ْم إِ ْ‬
‫( إِذْ قَالُوا لِنَبِيّ َلهُ ُم ا ْبعَثْ لَنَا مَ ِلكًا ُنقَا ِتلْ فِي سَبِيلِ الِّ قَالَ َهلْ َ‬
‫ل مِ ْنهُمْب وَالُّ عَلِيمٌب‬‫َألّ ُنقَا ِتلَ فِي سَببِي ِل الِّ وَقَ ْد ُأخْ ِرجْنَا مِنْب دِيَارِنَا َوأَبْنَائِنَا فَ َلمّاب كُتِبَب عَلَ ْيهِمُب ا ْلقِتَالُ َتوَّلوْا ِإلّ قَلِي ً‬
‫بِالظّا ِلمِينَ (‪)246‬‬
‫وبعد انقضاء سنون التيه الربعون ‪ ،‬التي عاشوا خللها شرقي نهر الردن ‪ .‬بُعث فيهم نبيا ‪ ،‬يدّعون في التوراة‬
‫أن اسيمه ( صيمويل ) ‪ .‬وربميا لتعرضهيم لضييق العييش والضطهاد والغزو ‪ ،‬مين قبيل الممالك المجاورة شرقيي‬
‫لَ مِ نْ بَنِي إِ سْرَائِي َل مِ نْ َبعْدِ‬
‫النهر ‪ ،‬طلبوا من هذا النبي أن يسأل ال ليبعث لهم ملكا ‪ ،‬قال تعالى ( أَلَ مْ تَ َر إِلَى ا ْلمَ ِ‬
‫مُوسَى ‪ ،‬إِذْ قَالُوا لِنَبِيّ َلهُ ْم ا ْبعَثْ لَنَا مَ ِلكًا ُنقَا ِتلْ فِي سَبِيلِ الِّ (‪ 246‬البقرة ) بغية دخول الرض المقدسة التي كتب‬
‫ال لهيم ‪ ،‬فبُعيث لهيم طالوت ملكيا وأنزل ال لهيم التابوت تحمله الملئكية آيية لملكيه ‪ ،‬كونهيم ل يؤمنون إل بميا هيو‬
‫ل يشربوا منه فشربوا منه إل قليل ‪.‬‬ ‫محسوس ‪ ،‬فأعدّهم ونظّم صفوفهم واجتاز بهم نهر الردن على أ ّ‬
‫وكانيت المواجهية ميع الكنعانيين ‪ -‬على الرجيح فيي سيهول أريحيا ‪َ ( -‬فهَ َزمُوهُمْب بِإِذْنِب الِّ وَقَ َتلَ دَاوُو ُد جَالُوتَب )‬
‫وقتيل داود ‪ -‬الذي كان مين جنود طالوت ‪ -‬جالوت قائد الكنعانييين فدخلوا القدس ‪ .‬ومين ثيم انتقيل المُلك لداود علييه‬
‫عّلمَهُ ِممّا َيشَاءُ (‪ 251‬البقرة ) ونص هذه الحداث‬ ‫ح ْك َمةَ ‪ ،‬وَ َ‬
‫السلم بغض النظر عن الكيفية ( وَآتَا ُه الُّ ا ْلمُلْكَ وَا ْل ِ‬
‫كامل تجده فييي اليات (‪ )251 – 246‬البقرة ‪ ،‬وكانييت هذه أول معركيية يقاتييل فيهييا بنييو إسييرائيل ‪ ،‬وكان جيشهييم‬
‫يتألف مين القلة المؤمنية ‪ ،‬التيي لم تكين قيد شربيت مين النهير ( نهير الردن ) ‪ ،‬وكان هذا هيو الدخول الول لبنيي‬
‫إسرائيل إلى الرض المقدسة ‪.‬‬

‫داود عليه السلم يؤسس أول دولة لليهود في القدس ‪:‬‬


‫ت وَفَضّلْنَاهُ مْ عَلَى ا ْلعَا َلمِي نَ (‪16‬‬
‫ن الطّيّبَا ِ‬
‫حكْ مَ وَالنّ ُبوّ َة وَ َرزَقْنَاهُ ْم مِ ْ‬
‫قال تعالى ( وَ َلقَدْ آتَينَا بَنِي إِ سْرَائِيلَ ا ْلكِتَا بَ وَا ْل ُ‬
‫الجاثية ) هذه الية تشير إلى أن هناك خمسة أمور اجتمعت لبني إسرائيل ‪ ،‬وهي الكتاب أي الشريعة التي تركها‬
‫لهم موسى عليه السلم ‪ ،‬والحكم أي الملك ‪ ،‬والنبوة أي الوحي ‪ ،‬والسعة في الرزق ‪ ،‬والتفضيل باختيارهم لحمل‬
‫الرسييالة السييماوية فييي ذلك الزمان ‪ ،‬وقييد اجتمعييت هذه المور الخمسيية فييي زميين مملكتهييم الولى فييي الرض‬
‫المقدسة ‪ ،‬حيث كان داود عليه السلم أول ملوكها ‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫ملك داود عليه السلم ‪:‬‬
‫معظيم اليات التيي أخيبرت عين داود وملكيه ‪ ،‬كانيت تركّز على شخيص داود ‪ ،‬حييث اتّصيف علييه السيلم بالورع‬
‫والتقوى وكثرة العبادة ‪ ،‬والعلم والقوة ميع شييء مين الليين فيي المعاملة ‪ ،‬وتوحيي بأن شغله الشاغيل ‪ ،‬كان توطييد‬
‫خطَا بِ (‪ 20‬ص ) وإعداد ما استطاع من قوة للدفاع‬ ‫صلَ ا ْل ِ‬
‫أركان دولته الحديثة ( َوشَدَدْنَا مُ ْلكَ ُه وَآتَيْنَا هُ ا ْلحِ ْك َم َة وَفَ ْ‬
‫عين دولتيه الصيغيرة ‪ ،‬التيي كانيت محصيورة فيي بييت المقدس وميا حولهيا ‪ ،‬مين هجمات القوام المجاورة لهيا مين‬
‫الكنعانيين ‪ ،‬ولم يكن يسعى لتوسيع رقعة الدولة ‪ ،‬كون المة السرائيلية آنذاك كانت قليلة ‪ -‬وهي لم تكثر إل في‬
‫العصر الحديث ‪ ،‬وبالتحديد بعد الحرب العالمية الثانية ‪ ،‬حيث رُفع عنهم القتل ‪ -‬ولم تكن تستدعي امتلك مساحة‬
‫كبيرة من أرض فلسطين ‪.‬‬

‫صفة الجبن الملزمة لليهود ومعالجتها بابتكار داود للدروع الحربية ‪:‬‬
‫سكُمْ َف َه ْل أَنْتُ ْم شَاكِرُو نَ (‪ 80‬النبياء ) ‪ ،‬والضمير ( كم )‬ ‫قال تعالى ( وَعَّلمْنَا هُ صَ ْن َعةَ لَبُو سٍ َلكُ مْ لِ ُتحْ صِنَ ُك ْم مِ نْ بَأْ ِ‬
‫في كلمتي ( لكم ) و ( بأسكم ) يعود على المخاطبين بالقرآن ‪ ،‬وهذا خبر يفيد أن داود عليه السلم ‪ ،‬هو أول من‬
‫ابتكر الدروع الحربية الحديدية ‪ ،‬وأول من استعملها هم بنو إسرائيل ‪ ،‬وهذا يكشف طبيعة الجبن فيهم ‪ ،‬والحرص‬
‫ركُوا (‪96‬‬ ‫على الحياة والخوف مين الموت وكرههيم للقتال ( وَلَ َتجِدَ ّنهُمْب َأحْرَصَب النّاسِب عَلَى حَيَاةٍ َومِنْب الّذِينَب َأشْ َ‬
‫البقرة ) وصيناعة داود لهيا يدل على معرفتيه بطيبيعتهم تلك ‪ ،‬فقيد قالوا لموسيى مين قبيل ( إِنّاب لَنْب نَ ْدخُلَهَا أَبَدًا مَا‬
‫ل إِنّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (‪ 24‬المائدة ) ‪ ،‬فالجبن والتواكل على الغير طبيعة متأصّلة‬ ‫ب أَنْتَ وَرَبّكَ َفقَاتِ َ‬‫دَامُوا فِيهَا فَاذْ َه ْ‬
‫فيي نفوسيهم ‪ ،‬وانظير إلى قولهيم ( وربيك ) ولييس ( وربنيا ) ‪ ،‬فهيو رب موسيى ولييس بربهيم فميا كانوا مؤمنيين ‪،‬‬
‫لذلك قال فيهييم موسييى عليييه السييلم ( فَافْرُقبْ بَيْنَنَا وَبَيْنبَ ا ْل َقوْمبِ ا ْلفَاسبِقِينَ (‪ 25‬المائدة ) ‪ ،‬وكان أغلبهييم فاسييقين‬
‫وعصياة ومعتديين ‪ ،‬حتيى فيي زمين طالوت وداود وسيليمان وعلى مير العصيور ‪ ،‬حييث قال تعالى ( ُلعِنَب الّذِينَب‬
‫كَفَرُوا مِنْب بَنِي إِسْبرَائِيلَ عَلَى لِسبَانِ دَاوُودَ وَعِيسبَى ابْنِب مَرْيَمَب ذَلِكَب ِبمَا عَصَبوْا َوكَانُوا َيعْتَدُونَب (‪ 78‬المائدة ) فكميا‬
‫ن أَنّي رَسُولُ الِّ إِلَ ْيكُمْ فَ َلمّا زَاغُوا‬
‫تأذّى موسى عليه السلم ( َوإِذْ قَا َل مُوسَى ِل َق ْومِهِ يَا َقوْمِ لِمَ ُتؤْذُونَنِي َوقَدْ َتعْ َلمُو َ‬
‫أَزَاغَب الُّ قُلُو َبهُمْب وَالُّ لَ َيهْدِي ا ْل َقوْمَب ا ْلفَاسِبقِينَ (‪ 5‬الصيف ) تأذّى منهيم داود علييه السيلم وهيو أول ملوكهيم ‪،‬‬
‫وتأذّى منهم عيسى عليه السلم وهو آخر أنبيائهم ‪ ،‬ومن وقع بينهما من النبياء ‪.‬‬
‫ولم يكين شُرب أغلبهيم مين النهير ‪ ،‬عنيد عبورهيم ميع طالوت إلى فلسيطين عطشيا ‪ ،‬وإنميا ليسيتثنيهم طالوت مين‬
‫الخروج فيي الجييش للقتال ‪ ،‬وميا زالوا يفتعلون الحجيج للتهرب مين القتال حتيى فيي دولتهيم الحاليية ‪ ،‬فهيم يدفعون‬
‫بأبنائهييم إلى المدارس الدينييية لتجنيبهييم الخدميية العسييكرية ‪ .‬فابتكيير عليييه السييلم الدروع الحديدييية ليلبسييوها فييي‬
‫حروبهم مع الشعوب المجاورة ‪ ،‬التي على ما يبدو كانت تغزوهم باستمرار ‪ ،‬لعلها تدخل شيئا من الطمئنان إلى‬
‫تلك القلوب الوجلة ‪ ،‬وتدفعهيم إلى الذود عن حميى مملكتهم ‪ .‬ولو نظرت إلى واقعهيم المعاصير ‪ ،‬لوجدتهم يلبسيون‬
‫الدروع الواقيية مين الرصياص حتيى فيي مواجهية الحجارة ‪ ،‬وتجدهيم يتحصيّنون وراء السييارات المصيفحة ‪ ،‬أو‬
‫جمِيعًا‬‫يقاتلون من وراء جدر من السمنت المسلح ‪ ،‬وهذا ما يفضحهم به القرآن في مواضع كثيرة ( لَ ُيقَاتِلُونَكُ ْم َ‬
‫جمِيعًا وَ ُقلُو ُبهُمبْ شَتّىب ذَلِكبَ بِأَ ّنهُمبْ َقوْمبٌ لَ‬
‫ِإلّ فِي قُرًى ُمحَصبّ َنةٍ َأوْ مِنْب وَرَا ِء جُدُرٍ بَأْسُب ُهمْ بَيْ َنهُمبْ شَدِيدٌ َتحْسبَ ُب ُهمْ َ‬
‫َيعْقِلُونَ (‪ 14‬الحشر ) ‪.‬‬

‫سليمان عليه السلم يوطّد أركان الدولة ‪:‬‬

‫نظام الحكم ملكي وراثي ‪:‬‬


‫( َووَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُبلَ ْيمَانَ (‪ 30‬ص ) ‪َ ( ،‬ووَرِثَب سُبلَ ْيمَانُ دَاوُودَ (‪ 16‬النميل ) ‪ ،‬نتيبين مين اليتيين السيابقتين ‪ ،‬أن‬
‫نظام الحكم في مملكة بني إسرائيل الولى كان ملكيا وراثيا في نسل داود عليه السلم ‪ .‬وفي سنين حكم سليمان‬
‫عليه السلم ‪ ،‬سعى إلى توسيع رقعة مملكته نسبيا ‪ ،‬لتغطي مساحة أكبر من مدينة القدس ‪ ،‬لتشمل ما حولها من‬
‫المدن والقرى ‪ ،‬ميين النهيير شرقييا إلى البحيير غربييا ‪ ،‬ولكنهييا على كييل الحوال لم تشمييل فلسييطين كاملة ‪ ،‬فأهييل‬
‫فلسيطين الصيليين لم يخرجوا منهيا ولم يّبادوا ‪ ،‬ولكنهيم تقهقروا إلى ميا بعيد حدود مملكية سيليمان ‪ ،‬حييث كانيت‬
‫‪68‬‬
‫الممالك فييي تلك العصييور ‪ ،‬تقتصيير على مدينيية – بحجييم قرييية فييي العصيير الحالي – ومييا حولهييا ميين سييهول‬
‫ومراعيي ‪ ،‬ول أظنهيم اسيتكانوا وسيلمّوا لبنيي إسيرائيل بالمير الواقيع ‪ ،‬وإنميا كان هناك حروب ومناوشات ‪ ،‬وال‬
‫أعلم ‪.‬‬

‫حقيقة ملك سليمان ‪:‬‬


‫لِحَ ٍد مِنْب َبعْدِي إِنّكَب أَنْتَب ا ْلوَهّابُب (‪35‬‬
‫غفِرْ لِي وَهَبْب لِي مُلْكًا لَ يَنْبَغِي َ‬
‫أميا قول سيليمان علييه السيلم ( قَالَ رَبّ ا ْ‬
‫ص ) فكان ملكيا شخصييا خاصيا بيه ‪ ،‬ولم يكين لبنيي إسيرائيل فييه ناقية ول بعيير ‪ ،‬ولم يقصيد بيه امتلك مسياحات‬
‫شاسعة من الراضي ‪ ،‬ومظاهر ملكه اقتصرت على ما وهبه سبحانه إياه ‪ ،‬من الممتلكات والقوة والحكم ‪ ،‬والتي‬
‫تميّز بهيا عين كافية ملوك الرض ممين أتوا بعده ‪ ،‬ومنهيا ؛ جريان الرييح بأمره ‪ ،‬وحكميه للجنّي ‪ ،‬واسيتعمالهم فيي‬
‫البناء والغوص والقتال والصيييناعة ‪ ،‬والقدرة على إذابييية النحاس وتشكيله ‪ ،‬وكثرة جنوده مييين الجييين والنيييس‬
‫شدّة ‪ ،‬وكان بنوا إسيرائيل يرهبونيه‬ ‫والطيير ‪ ،‬وكان علييه السيلم قوييا ورعيا تقييا عالميا حكيميا ‪ ،‬وفييه شييء مين ال ِ‬
‫ويخافونه ‪ ،‬ولذلك نال قسطا كبيرا من اتهماتهم المشينة ‪ ،‬بعكس أبيه داود الذي كان لينا معهم ‪ ،‬فقال فيهم سبحانه‬
‫( وَاتّ َبعُوا مَا تَتْلُوا الشّيَاطِينُب عَلَى مُلْكِب سُبلَ ْيمَانَ … (‪102‬البقرة ) ‪ ،‬وعلى ميا يبدو أن الشياطيين بعيد وفاتيه علييه‬
‫السلم ‪ ،‬ادّعت أن سليمان لم يسلطّ عليهم ‪ ،‬وإنما كان تابعا لهم يعبدهم ويستعين بهم لقضاء مصالحه ‪ .‬فأشركوا‬
‫جعَلُوا لِِّ شُ َركَاءَ ا ْلجِنّ َوخَ َلقَهُمْب َوخَرَقُوا لَهبُ بَنِينَب وَبَنَاتٍب‬
‫بال وعبدوا الشياطيين وأباحوا السيحر والشعوذة ‪َ ( ،‬و َ‬
‫صفُونَ (‪ 100‬النعام ) ‪.‬‬
‫عمّا يَ ِ‬
‫ِبغَيْرِ عِ ْل ٍم سُ ْبحَا َنهُ وَ َتعَالَى َ‬
‫أكثر ما حيّرني في أمر ملك سليمان هو الغاية من تسخير الريح ‪ ،‬فالروايات في كتب التفسير غير منطقية ‪ ،‬حيث‬
‫تقول أنها كانت تحمل سليمان ومله وجنوده ‪ ،‬على بساط خشبي عظيم ‪ ،‬وتنقلهم من بلد إلى آخر للقتال والترفيه‬
‫وغيره ‪ ،‬ولم يرد في تواريخ المم التي عاصرت ملك سليمان ‪ ،‬أنهم شاهدوا يوما بساطا خشبيا طائرا ‪ ،‬وسورة‬
‫النمل تؤكد أن سليمان وجنوده ‪ ،‬كانوا يسيرون على القدام أثناء تنقلهم ‪.‬‬
‫وبعيد طول تفكيير وتمعنّي وتدبّر فيي اليات ‪ ،‬التيي تتحدث عين الرييح وعين ملكيه علييه السيلم ‪ ،‬تيبين لي أنيه كان‬
‫يركب البحر ‪ ،‬منطلقا من الرض المقدسة ‪ ،‬فتجري الريح بمركبه إلى حيث أراد برفق ولين في الذهاب ‪ ،‬لتسهل‬
‫عليييه عملييية البحييث والتقصييي ‪ ،‬بدللة قوله تعالى ( فَسَبخّرْنَا لَهُب الرّيحبَ َتجْرِي بِ َأمْرِهبِ ُرخَا ًء حَيْثُب أَصبَابَ (‪)36‬‬
‫غوّا صٍ (‪ 37‬ص ) ‪ ،‬وبعد انتهاء المهمة ‪ ،‬يستعجل العودة إلى وطنه ‪ ،‬فيأمر الريح لتجري‬ ‫ن ُكلّ بَنّا ٍء وَ َ‬
‫وَالشّيَاطِي َ‬
‫ص َفةً َتجْرِي بِ َأمْرِ ِه إِلَى الَْرْضِ الّتِي‬
‫بقوة وسرعة إلى الرض المباركة ‪ ،‬بدللة قوله تعالى ( وَلِسُلَ ْيمَانَ الرّيحَ عَا ِ‬
‫عمَلً دُونَب َذلِكَب َوكُنّاب َلهُمْب حَا ِفظِينَب (‪ 82‬النيبياء ) ‪،‬‬‫بَا َركْنَا فِيهَا (‪َ )81‬ومِنَب الشّيَاطِينِب مَنْب َيغُوصبُونَ لَهُب وَ َي ْعمَلُونَب َ‬
‫وأما الغاية من القيام بالرحلت البحرية ‪ ،‬فهي السياحة واستخراج كنوز البحر وجلبها لمملكته ‪ ،‬ويؤيد ما ذهبت‬
‫إليه ذكر الغوص ‪ ،‬الذي كانت تقوم به الشياطين ‪ ،‬مباشرة بعيد ذكر الريح في اليات السابقة ‪ ،‬والغوص عادة ل‬
‫يكون إل فيي المياه العميقية ‪ ،‬وكانيت مدة كيل رحلة مين رحلتيه شهريين ‪ ،‬شهير فيي الذهاب وشهير فيي العودة ‪،‬‬
‫شهْرٌ (‪12‬سبأ ) ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬ ‫حهَا َ‬ ‫شهْ ٌر وَ َروَا ُ‬
‫بدللة قوله تعالى ( وَ ِلسُلَ ْيمَانَ الرّيحَ غُ ُدوّهَا َ‬

‫سليمان هو أول من بنى المسجد القصى ‪:‬‬


‫ل الِّ صَلّى الُّ عََليْهِي وَسَيّلمَ ‪ ( :‬أَنّ سُلَ ْيمَانَ بْ نَ دَاوُدَ صَلّى الُّ عَلَيْ ِه وَسَبّلمَ ‪َ ،‬لمّا‬ ‫ن رَ سُو ِ‬ ‫ع ْمرٍو عَ ْ‬ ‫ع ْب ِد الِّ بْنِي َ‬
‫عَنْي َ‬
‫ح ْكمَهُب فَأُوتِيَهُب ‪ ،‬وَسَبَألَ الَّ‬‫ف ُ‬ ‫ح ْكمًا يُصبَادِ ُ‬‫جلّ ُ‬ ‫ع ّز َو َ‬
‫للً ثَلَ َثةً ‪ ،‬سَبَألَ الَّ َ‬ ‫ج ّل خِ َ‬ ‫بَنَى بَيْتَب ا ْل َمقْدِسِب ‪ ،‬سَبَأ َل الَّ عَ ّز َو َ‬
‫سجِدِ ‪ ،‬أَ نْ لَ َيأْتِيَ هُ َأحَدٌ‬
‫غ مِ نْ بِنَاءِ ا ْلمَ ْ‬
‫جلّ حِي نَ فَرَ َ‬‫ع ّز َو َ‬
‫ج ّل مُ ْلكًا لَ يَنْ َبغِي َلِحَ ٍد مِ نْ َبعْدِ هِ فَأُوتِيَ هُ ‪ ،‬وَ سَ َأ َل الَّ َ‬
‫عَ ّز َو َ‬
‫خطِيئَتِ ِه كَ َيوْمِ وَلَدَتْ ُه ُأمّهُ ) رواه النسائي وأحمد وابن ماجه وابن خزيمة‬ ‫ن َ‬ ‫لَ يَ ْنهَزُ ُه ِإلّ الصّلَةُ فِيهِ ‪ ،‬أَ نْ ُيخْ ِرجَهُ ِم ْ‬
‫وابن حبان والحاكم بأسانيدهم ‪ ،‬وصححه اللباني ‪.‬‬
‫هذا الحديث يؤكد ‪:‬‬
‫‪.1‬أن مملكية داود وسيليمان أي مملكية بنيي إسيرائيل الولى كانيت فيي فلسيطين ‪ ،‬بدللة هذا الحدييث واليية (‬
‫‪ )81‬من سورة النبياء المذكورة أعله ‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫‪.2‬أن سليمان عليه السلم بنى مدينة بيت المقدس ‪.‬‬
‫‪.3‬أن سليمان عليه السلم هو أول من بنى المسجد القصى ‪.‬‬
‫وأميا التسيمية بالمسيجد فهيي التسيمية السيلمية له ‪ ،‬وجاءت بعيد حادثية السيراء ‪ ،‬وأميا فيي عهيد سيليمان علييه‬
‫السلم ‪ ،‬فقد جاءت تسميته في القرآن بالصرح ‪ ( ،‬قِيلَ َلهَا ا ْدخُلِي الصّرْحَ ) وأما الترجمة العربية للتوراة فأعطته‬
‫اسييم الهيكييل ‪ ،‬والمعنييى لكلتييا التسييميتين واحييد ‪ ،‬وهييو البناء الضخييم المرتفييع ‪ .‬وعلى كييل الحوال فإن المسييجد‬
‫القصى القائم حاليا ‪ ،‬يجثم في نفس المكان الذي أقيم فيه صرح سليمان ‪ ،‬والغريب أن الكثير من أئمة المسلمين‬
‫وعامتهم ينكرون هذه الحقيقة ‪ ،‬ربما لظنهم أن اعترافهم بهذا المر ‪ ،‬يعطي الصهاينة حقا في هدم المسجد وبناء‬
‫هيكلهيم مكانيه ‪ ،‬ويُسيقط أحقيّة المسيلمين فييه ويُضعيف موقفهيم فيي الدفاع عنيه ‪ ،‬حتيى وصيل المير ببعضهيم إلى‬
‫مخالفة النص القرآني ‪ ،‬وإنكار حتى تواجدهم في الرض المقدسة جملة وتفصيل ‪.‬‬

‫قبلة اليهود هي الصخرة المشرّفة ‪:‬‬


‫جاء في البداية والنهاية لبن كثير ‪ ،‬ما نصّه قال المام أحمد ‪ ( :‬أن عمر بن الخطاب كان بالجابية فذكر فتح بيت‬
‫المقدس ‪ ،‬قال ‪ :‬قال ابيين سييلمة فحدثنييي أبييو سيينان عيين عبيييد بيين آدم ‪ :‬سييمعت عميير يقول لكعييب ‪ :‬أييين ترى أن‬
‫أصييلي ؟ قال ‪ :‬إن أخذت عنييي صييليت خلف الصييخرة ‪ ،‬وكانييت القدس كلهييا بييين يديييك ‪ ،‬فقال عميير ‪ :‬ضاهيييت‬
‫اليهوديية ! ل ‪ ،‬ولكين أصيلي حييث صيلى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ‪ ،‬فتقدم إلى القبلة فصيلى ثيم جاء فبسيط‬
‫ردائه ‪ ،‬وكنيس الكناسية فيي ردائه وكنيس الناس ) ‪ .‬وهذا إسيناد جييد ‪ ،‬اختاره الحافيظ ضياء الديين المقدسيي ‪ ،‬فيي‬
‫كتابييه المسييتخرج ‪ .‬وجاء فييي تاريييخ الطييبري فييي رواييية أخرى ‪ ،‬أن عميير أجاب كعييب بقوله ‪ ( :‬فإنييا لم نؤميير‬
‫بالصخرة ولكنّا أُمرنا بالكعبة ) ‪.‬‬
‫ونقول أن مفاد الروايية أن كعيب ‪ ،‬لميا أشار على عمير بالصيلة خلف الصيخرة ‪ ،‬أراد منيه أن يجميع القبلتيين فيي‬
‫صلته ‪ ،‬فأبى عمر وصلى جاعل وجه تلقاء الكعبة والصخرة من وراء ظهره ‪.‬‬

‫الصلة في الشريعة الموسوية ‪:‬‬


‫لتوضيح المر نحتاج إلى معرفة طبيعة العبادة في شريعة موسى عليه السلم ‪ ،‬فالصلة لديهم كانت تؤدّى بشكل‬
‫فردي في البيت أو فيما يُسمّى بالمحراب في المعبد المقدس ( أي الهيكل ) ( َوَأ ْوحَيْنَا إِلَى مُوسَى َوأَخِيهِ ‪ ،‬أَنْ تَ َبوّآ‬
‫جعَلُوا بُيُو َتكُم بْ قِبْ َلةً ‪َ ،‬وأَقِيمُوا الص بّلَةَ ‪ ،‬وَ َبشّرِ ا ْل ُم ْؤمِنِين بَ (‪ 87‬يونييس ) ‪ ،‬والمحراب‬
‫ِل َق ْومِكُمَبا ِبمِص بْرَ بُيُوتًبا ‪ ،‬وَا ْ‬
‫عبارة عين غرفية صيغيرة منعزلة ‪ ،‬مخصيّصة للصيلة والدعاء والذكير ‪ ،‬والغلب أنهيا كانيت تقام مرتفعية عين‬
‫الرض ‪ ،‬وهيي أشبيه ميا يكون بالعليّة أو السيدّة ‪ ،‬وقيد ارتبيط ذكير المحراب فيي القرآن ‪ ،‬بأنيبياء بنيي إسيرائيل‬
‫الوائل فيي فلسيطين داود وسيليمان ‪ ( ،‬وَ َه ْل أَتَاكَب نَبَأُ ا ْلخَصْب ِم إِذْ تَسَبوّرُوا ا ْل ِمحْرَابَب (‪ 21‬ص ) ‪ ،‬وبآخير أنيبيائهم‬
‫زكريا ويحيى ( فَنَادَ ْتهُ ا ْلمَلَ ِئ َكةُ وَ ُهوَ قَا ِئمٌ يُصَلّي فِي ا ْل ِمحْرَابِ (‪ 39‬آل عمران ) ‪.‬‬

‫الصرح أو الهيكل ‪ ،‬كيفية بناءه وصفته وموقعه ‪:‬‬


‫أميا الصيرح فعلى ميا يبدو أنيه كان أعجوبية مين أعاجييب الزمان ‪ ،‬وأن مين قام ببنائه وصيناعة محتوياتيه هيم الجين‬
‫والشياطيييين ‪ ،‬وأن مادة البناء كانيييت مييين النحاس والزجاج ومواد أخرى ميييا عدا الحجارة ‪ ،‬وأنيييه اشتميييل على‬
‫المحاريييب والتماثيييل والوانييي النحاسييية الصييغيرة ‪ ،‬والحواض أو البرك المائييية الضخميية المصيينوعة ميين‬
‫النحاس ‪ ،‬والجواهر والكنوز من لؤلؤ ومرجان وغيرها ‪ ،‬مما كانت تستخرجه الشياطين من أعماق البحار ‪ .‬قال‬
‫جرِي‬ ‫سخّرْنَا لَ ُه الرّي حَ َت ْ‬ ‫غفِرْ لِي وَ َهبْ لِي مُ ْلكًا لَ يَنْ َبغِي َلِحَ ٍد مِ نْ َبعْدِي إِنّ كَ أَنْ تَ ا ْلوَهّا بُ (‪ )35‬فَ َ‬ ‫تعالى ( قَالَ رَبّ ا ْ‬
‫غوّاصٍب (‪ 37‬ص ) وقال أيضيا ( َوأَسَبلْنَا لَهُب عَيْنَب ا ْل ِقطْرِ ‪،‬‬ ‫بِ َأمْرِهِب ُرخَا ًء حَيْثُب أَصبَابَ (‪ )36‬وَالشّيَاطِينَب ُكلّ بَنّا ٍء وَ َ‬
‫سعِيرِ (‪َ )12‬ي ْعمَلُو نَ لَ هُ مَا‬ ‫ن َأمْرِنَا نُذِقْ ُه مِ نْ عَذَا بِ ال ّ‬
‫غ مِ ْنهُ مْ عَ ْ‬
‫َومِ نْ ا ْلجِنّ مَ نْ َي ْع َملُ بَيْ نَ يَدَيْ هِ بِإِ ْذ نِ رَبّ ِه َومَ نْ يَ ِز ْ‬
‫شكْرًا َوقَلِي ٌل مِنبْ عِبَادِي‬ ‫عمَلُوا آلَ دَاوُو َد ُ‬‫جوَاببِ ‪ ،‬وَقُدُورٍ رَاسبِيَاتٍ ‪ ،‬ا ْ‬ ‫جفَانٍب كَا ْل َ‬
‫َيشَا ُء مِنْب َمحَارِيببَ ‪ ،‬وَ َتمَاثِيلَ ‪َ ،‬و ِ‬
‫الشّكُورُ (‪ 13‬سبأ ) ‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫وأستطيع وصف هذا الصرح بأنه بناء ضخم ومرتفع ‪ ،‬كانت الصخرة تقع في مركزه ‪ ،‬تحيط بها ساحة واسعة ‪،‬‬
‫أرضيتها من الزجاج المصقول ‪ ،‬يُرى من خللها ماء يجري أسفل منها ‪ ،‬أو ماء راكد في أحواض مائية ‪ ،‬وضع‬
‫فيهيا ميا اسيتجلبه سيليمان مين المناظير والمشاهيد البحريية ‪ ،‬مميا اسيتخرجته له الشياطيين مين أعماق البحير ‪ ،‬وعلى‬
‫أطراف تلك الساحة أقيمت المحاريب العديدة للعبادة من كل جانب ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬
‫وقد سمعت من زميل لي زار المسجد وتجوّل فيه ‪ ،‬أن هناك آبارا وأحواضا مائية ‪ ،‬تحت ساحة المسجد القصى‬
‫مباشرة ‪ ،‬فإذا كان ذلك صيحيحا ‪ ،‬وميع علمنيا بأن المسيجد القصيى بُنيي فيي نفيس موقيع المسيجد السيابق ‪ ،‬وأن‬
‫الصخرة هي القبلة الفعلية لليهود ‪ ،‬فهذا المر يُؤكد أن الصرح الذي كان قد بُني في عهد سليمان عليه السلم ‪،‬‬
‫هيو المسيجد الذي دخله أولئك المبعوثيين أول مرة ‪ ،‬وخرّبوه ونهبوا محتوياتيه ولم يبقوا له أثير يُذكير ‪ ،‬وعدم وجود‬
‫آثار له يُؤكد أن هذا الصرح لم يتم بناءه بالطرق المألوفة ‪ ،‬سواء بهندسة البناء أو بالمواد المستخدمة ‪ ،‬فبُناته هم‬
‫الجن والشياطين ‪ ،‬وبالتأكيد فإن طريقتهم في البناء تختلف عن طريقة البشر ‪ ،‬وطبيعة المواد المستخدمة تختلف‬
‫عميا يسيتخدمه البشير ‪ ،‬وربميا يكون هذا الصيرح الخرافيي هيو ميا دفيع نبوخيذ نصير صياحب حدائق بابيل المعلّقية ‪،‬‬
‫للغارة على بني إسرائيل في المرة الولى لنهب محتوياته ‪.‬‬

‫حكمة سليمان عليه السلم وخرافات ألف ليلة وليلة ‪:‬‬


‫الروايات الموجودة في كتب التفسير ‪ ،‬عن قصة سليمان وحبه لملكة سبأ ورغبته في الزواج منها ‪ ،‬وإدخالها إلى‬
‫الصرح لرؤية ساقيها ‪ ،‬فيما إذا كان عليهما شعر أو أن قدميها كحوافر الحمار ‪ ،‬لن أبوها أو أمها من الجن …‬
‫إلى آخره ‪ .‬مميا لييس له أصيل حتيى فيي التوراة ‪ ،‬جردّت سيليمان علييه السيلم مين حكمتيه فيي الدعوة إلى ال ‪،‬‬
‫وجعلت منه رجل مزواجا شهوانيا كما أراد له أعداء ال وأعداء أنبياؤه أن يكون ‪.‬‬
‫حكمة الهدهد ‪:‬‬
‫ولكيي نفهيم ميا جرى مين حوار وأحداث بيين سيليمان وملكية سيبأ ‪ ،‬دعنيا نتمعين قليل فيي قول الهدهيد ( َوجَدْتُهَا‬
‫عمَا َلهُمْ ‪ ،‬فَصَدّ ُهمْ عَنْ السّبِيلِ ‪َ ،‬فهُمْ لَ َيهْتَدُونَ (‬
‫ن أَ ْ‬
‫شمْسِ ِمنْ دُونِ الِّ ‪َ ،‬وزَيّنَ َلهُمْ الشّ ْيطَا ُ‬
‫سجُدُونَ لِل ّ‬
‫وَ َق ْو َمهَا يَ ْ‬
‫‪ 24‬النمل ) يقول الهدهد أنه وجدها هي وقومها ‪ ،‬يعبدون الشمس من دون ال ‪ ،‬ويعلّل ذلك بقوله أن الشيطان زيّن‬
‫لهم أعمالهم ‪ ،‬بمعنى أن الشيطان فتنهم وأوهمهم ‪ ،‬وزيّن لهم الباطل على أنه الحق ‪ ،‬وعمّى سمعهم وأبصارهم ‪،‬‬
‫فعطّل عقولهيم عين تميييز الحقيقية مين الوهيم ‪ ،‬فحرمهيم القدرة على الحكيم على معتقداهيم ‪ ،‬أهيي خطيا أم صيواب ‪،‬‬
‫فعبدوا الشمس على أنها ربهم ‪ ،‬وبذلك صدّهم عن السبيل ‪ ،‬أي منعهم من الوصول إلى الحقيقة ‪ ،‬وهي أن ال هو‬
‫ربهم ‪ ،‬فما دامت أبصارهم قد عميت ‪ ،‬ويعتقدون بصوابية عبادة الشمس ‪ ،‬فمن أين لهم الهداية ‪ ،‬وهم على حالهم‬
‫تلك ‪ .‬والرسيالة التيي وجّههيا الهدهيد لسيليمان مين خلل هذا القول ‪ ،‬هيي أنهيم بحاجية لمين يهديهيم ‪ ،‬ويُزييل الغشاوة‬
‫عن أبصارهم ‪ .‬فتكفّل سليمان عليه السلم بهدايتهم ‪ ،‬وبإزالة هذه الغشاوة ‪ ،‬لعلهم يُبصرون ومن ثم يهتدون ‪ ،‬بما‬
‫أوتيي مين علم وحكمية ‪ ،‬بعيد أن شرّحَي الهدهيد حالتهيم المرضيية وشخّصيَها وأعطيى سيليمان مفاتييح الحيل ‪ ،‬والن‬
‫دعنا نتعلم منه عليه السلم ‪ ،‬هذا الدرس العملي في الدعوة إلى ال ‪.‬‬
‫الدعوة إلى ال ‪:‬‬
‫كان أول خطاب وجهه سليمان لملكة سبأ وقومها ‪ ،‬هو قوله ( َألّ َتعْلُوا عََليّ َوأْتُونِي مُسْ ِلمِينَ (‪ )31‬خطابا حازما‬
‫واثقيا قوييا ومزلزل ‪ ،‬وكانيت هذه هيي الضربية الولى ‪ ،‬فيي جدار معتقداتهيم الوثنيية المتأصيلة فيي نفوسيهم ‪ ،‬فقيد‬
‫كانت هي وقومها يعبدون الشمس ‪ ،‬ولم يكن لديهم علم بوجود إله آخر أولى بالعبادة من غيره ‪ ،‬ولكن هل أطاعت‬
‫؟ بالطبيع ل ‪ ،‬فتغييير معتقدات البشير عمليية صيعبة جدا ‪ ،‬وتحتاج إلى علم وحكمية وصيبر ‪ -‬وانظير فيي سييرة نيبي‬
‫الهدى علييه الصيلة والسيلم ميع كفار قرييش لتحويلهيم مين عبادة إلى الصينام إلى عبادة ال ‪ -‬ولكين هيل تأثرت‬
‫بذلك العرض القوي ؟ بالطبع نعم ‪ ،‬فردت بالهدية ‪ -‬وكان بإمكانها عدم الرد ‪ -‬وذلك لتتأكد من جديّة سليمان عليه‬
‫السيلم ‪ ،‬ولتَعرِف ميع مين تتعاميل فهيي ذكيية وحكيمية أيضيا وتعيي موقعهيا وعظيم المسيؤولية الملقاة على عاتقهيا ‪،‬‬
‫جعَلُوا‬
‫بعكيس ملهيا ذوي القوة والبأس الشدييد ‪ ،‬ودللة ذلك قولهيا ( قَالَتْب إِنّ ا ْلمُلُوكَب إِذَا َدخَلُوا َقرْ َي ًة أَفْسَبدُوهَا َو َ‬
‫أَعِزّ َة أَهْلِهَا أَذِّل ًة َوكَذَلِكَب َيفْعَلُونَب (‪َ )34‬وإِنّيب مُرْسِبَل ٌة إِلَ ْيهِمْب ِبهَدِ ّيةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَب َي ْرجِعُب ا ْلمُرْسَبلُونَ (‪ )35‬فأعاد الهديية‬
‫‪71‬‬
‫خ ِرجَ ّنهُمْب مِ ْنهَا أَذِّلةً‬
‫ووجيه لهيا تهديدا صيارما وحازميا وأخيرا ‪ ( ،‬ا ْرجِعْب إِلَ ْيهِمْب َفلَنَأْتِيَ ّنهُمْب ِبجُنُو ٍد لَ قِ َبلَ َلهُمْب ِبهَا وَلَ ُن ْ‬
‫وَهُمْب صبَاغِرُونَ (‪ )37‬فاسيتوعبت الرسيالة وهيي أن ميا لدى سيليمان خيير مميا لديهيا ‪ ،‬وأن هذا التهدييد ل يصيدر إل‬
‫عمّن يعلم حجم قوتها ولديه من القوة أضعاف ما تملك وأن ما يريده لجلها شيئا آخر ‪.‬‬
‫التيان بالعرش وتنكيره ‪:‬‬
‫لذلك حملت قومهيا وأتتيه على جناح السيرعة ‪ ،‬وفيي طريقهيا إلييه كان علييه السيلم يُع ّد لهيا الضربية الثانيية ‪ ،‬فطلب‬
‫عرشهييا وأميير بتنكيره ‪ ،‬وعلّة ذلك كانييت ( نَنظُ ْر أَ َتهْتَدِي أَمببْ َتكُونبُب مِنببْ الّذِينبَب لَ َيهْتَدُونببَ (‪ )41‬لختبار مدى‬
‫استعدادها للهداية للدين الجديد ‪ ،‬وليس المقصود هو اهتدائها إلى العرش ‪ .‬كان همّه عليه السلم هدايتها وقومها ‪،‬‬
‫وليس الزواج منها كما صوّرته بعض الروايات في كتب التفسير ‪.‬‬
‫وكان جلب العرش بحدّ ذاته ‪ ،‬كفيل بتحطيم ذلك الجدار الذي تمترست خلفه ‪ .‬وقد تحطّم بداخلها فعل عندما رأته‬
‫وعرفتيه ‪ ،‬لكنهيا أضمرت ذلك وتمالكيت نفسيها ‪ .‬ولميا سيُئلت عنيه لم تُثبِت ولم تَنفِي ‪ ،‬وكان بمقدورهيا أن تعترف‬
‫بأنّه عرشها ‪ ،‬وأن تُسلم على الفور ولكنها أجّلت ذلك ‪ .‬والسبب هو ذلك الجدار نفسه ( وَ صَدّهَا مَا كَانَ تْ َتعْبُ ُد مِ نْ‬
‫ن الِّ ) ‪ ،‬أي الغشاوة التي أعمت بصرها وبصيرتها ‪ ،‬وخوفها من قومها أيضا ‪ ،‬فقالت ( كَأَنّهُ ُهوَ ) وحتى لو‬ ‫دُو ِ‬
‫أُجريَي على متاعيك الكثيير مين التعديلت ‪ ،‬فسيتبقى فييه أشياء كثيرة تدلك عليه ‪ ،‬فكانيت إجابتهيا حكيمية وغايية فيي‬
‫التعقل ‪ ،‬فلم تثبت وتسلم أسلحتها الواهية من الوهلة الولى ‪ ،‬محافظة منها على كبريائهيا كملكة ‪ ،‬ولم تنف لنهيا‬
‫تعلم وقومها ويعلم سليمان وقومه علم اليقين أنه هو بعينه ‪ ،‬فتدل على كبرياء أجوف وعن بلهة وغباء ‪ ،‬فإجابتها‬
‫ك كانت هي السلم ‪.‬‬‫الموسومة بالش ّ‬
‫كانيت تعلم بحكمتهيا أن هناك شيئا آخير ينتظرهيا ‪ ،‬سييأتي أوانيه بعيد حيين ‪ ،‬فكشفيت بهذه الجابية لسيليمان عين‬
‫اسييتعدادها للهداييية ‪ ،‬فيمييا لو عرض عليهييا برهانييا دامغييا وقاطعييا ‪ .‬ولكيين مييا الذي فعله سييليمان حقيقيية فييي هذا‬
‫الموقيف ؟ كان إحضار عرشهيا لظهار مدى عظيم ملكيه الموهوب له مين قبيل ربيه ‪ ،‬وكان تنكيير العرش ليقاظ‬
‫حاسة البصر ودقة الملحظة لديها وتحفيزا لعقلها وقلبها ‪ ،‬ولكنها لما اهتدت إلى إنه عرشها أخذتها العزة بالثم‬
‫شيئا قليل فكابرت حتى حين ‪.‬‬
‫دخول الصرح ‪:‬‬
‫فكانت الضربة الثالثة والخيرة ‪ ،‬أي القاضية التي سوّت ذلك الجدار بالرض ولم تترك له أثرا ( قِيلَ َلهَا ادْخُلِي‬
‫الصّ ْرحَ ) فما الذي كان في الصرح ؟ كانت أرضية الصرح من زجاج مصقول ومن تحت الزجاج ماء ‪ ،‬وعندما‬
‫ج ًة َو َكشَفَتْ عَنْ‬
‫حسِبَ ْتهُ ُل ّ‬
‫همت بالدخول شاهدت الماء فرفعت ثوبها خوفا من البلل وهمّت بالمشي فيه ( فَ َلمّا َرأَ ْتهُ َ‬
‫سَاقَ ْيهَا ) فتبسم سليمان وكأنه خاطبها ضاحكا ‪ :‬لقد كنت واهمة فلن يصل الماء إلى ثوبك فأنزليه وتقدمي ‪ ،‬فهذا (‬
‫ح ُم َمرّ ٌد مِنْب َقوَارِيرَ ) فأنزلتيه ودخلت ولميا لمسيت قدميهيا الزجاج تيبين لهيا بطلن ميا اعتقدت ‪ .‬وهنيا مربيط‬ ‫صَبرْ ٌ‬
‫الفرس فميا كان منهيا إل أن خجلت ‪ ،‬مين وهمهيا وانعدام بصييرتها ‪ ،‬وذهاب عقلهيا وحكمتهيا وضللهيا فيي تلك‬
‫اللحظة ‪ ،‬إذ لم تستطع تمييز الزجاج من الماء ‪ ،‬فاستوعبت على الفور مضمون الرسالة التي وجهها لها سليمان ‪.‬‬
‫العبرة ‪:‬‬
‫ن النسان بجهله أنه على ح قّ ‪ ،‬بينما يكون في الحقيقة على باطل ‪ ،‬وهذا هو حالها وقومها بعبادة الشمس‬ ‫فقد يظ ّ‬
‫مين دون ال ‪ ،‬وأنيه دعاهيا إلى الحيق عين علم ‪ ،‬فتمسيّكت بالباطيل عين جهيل ‪ ،‬فتيبينت بالتجربية والبرهان بطلن‬
‫معتقدهيا ‪ ،‬وأن الحقّي ميع سيليمان ‪ ،‬فاسيتجابت على الفور لدعوة سيليمان الولى ‪ ،‬قائلة ( رَبّ إِنّيب ظَ َلمْتُب َنفْسبِي )‬
‫ن لِِّ رَبّ ا ْلعَا َلمِينبَ (‪ 44‬النميل ) فميا كان مين قومهيا إل أن‬
‫ت مَعبَ سبُلَ ْيمَا َ‬
‫باتباع الباطيل عين غيير علم ( َوأَسبْ َلمْ ُ‬
‫تبعوها ‪ ،‬وعادت إلى مملكتها لهداية قومها ‪ ،‬وأُرجّح أن سليمان لم يتزوجها ‪ ،‬وال أعلم ‪ ،‬ودانت بعد ذلك مملكتها‬
‫لسيليمان دينييا ل عسيكريا ‪ ،‬وبقييت العلقات والمصيالح التجاريية وغيرهيا قائمية بيين الدولتيين ‪ ،‬مرورا بجزيرة‬
‫العرب لفترة طويلة ‪ ،‬حسبما تثبته سورة سبأ (‪ ، )20 – 15‬حتى كفر قوم سبأ بأنعم ال إل قليل منهم ‪ ،‬ومع تقادم‬
‫الزمن انقطعت تلك العلقة ‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫بنو إسرائيل في عصر سليمان ‪:‬‬
‫أما بني إسرائيل في عصر سليمان ‪ ،‬فلم يختلفوا كثيرا عما كانوا عليه في عصر موسى وداود ‪ ،‬حيث كانوا على‬
‫الدوام فاسييدين كأفراد إل ميين رحييم ال ‪ ،‬ومييا اختلف عليهييم فييي عصيير سييليمان ‪ ،‬أن سييليمان سيياسهم بالقوة‬
‫ن جُنُودُهُب مِنْب ا ْلجِنّ‬
‫حشِرَ لِسُبلَ ْيمَا َ‬
‫والسيلطان ‪ ،‬وكان يأخذهيم إلى القتال وهيم بطيبيعتهم له كارهون ‪ ،‬قال تعالى ( َو ُ‬
‫وَالِْنْسِب وَالطّيْرِ َفهُمْب يُوزَعُو نَ (‪ 17‬النمل ) ‪ ،‬وحشير أي جُميع ‪ ،‬ويوزعون أي يسياقون بانضباط ول يتقدم آخرهيم‬
‫على أولهم ‪.‬‬

‫هل تحقّق العلو الول لبني إسرائيل في فلسطين ؟‬


‫وأميا سيبق دخولهيم للرض المقدسية ‪ ،‬فقيد قال فييه سيبحانه على لسيان موسيى علييه السيلم ( َي َقوْمِب ا ْدخُلُوا الَْرْضَب‬
‫ا ْل ُمقَدّسَبةَ الّتِي كَتَبَب الُّ َلكُمْب (‪ 21‬المائدة ) أي كُتيب لبنيي إسيرائيل دخولهيا ‪ ،‬وقال سيبحانه ( َوَأوْرَثْنَا ا ْلقَوْمَب الّذِينَب‬
‫ض َومَغَارِ َبهَا الّتِي بَا َركْنَا فِيهَا (‪ 137‬العراف ) أي ملكوها وسكنوها ‪ ،‬وذلك بعد‬ ‫ق الَْرْ ِ‬‫ض َعفُونَ َمشَارِ َ‬
‫كَانُوا يُ سْتَ ْ‬
‫انقضاء سنوات التحريم والتيه الربعين ‪ .‬والرض المبارك فيها هي فلسطين ‪ ،‬ومشارقها ومغاربها أي كلها من‬
‫النهيير إلى البحيير ‪ ،‬وهذه هييي حدود الرض المقدّسيية والمباركيية وحدود مملكيية اليهود القديميية ‪ .‬لنخلص إلى أن‬
‫الرض المقدّسة والمباركة هي فلسطين فقط وليس بلد الشام عامة ‪ .‬إذ أن موسى عليه السلم كان يتواجد وقومه‬
‫شرقيي نهير الردن ‪ ،‬ولو كان شرق النهير أرضيا مقدّسية لميا قال ادخلوا الرض المقدسية وهيو بداخلهيا أصيل ‪.‬‬
‫وشرق النهير لم يورّث لبنيي إسيرائيل وإنميا أقاموا فييه فترة الغضيب اللهيي عليهيم ومين ثيم تركوهيا وارتحلوا إلى‬
‫فلسطين ‪.‬‬
‫وصيلنا إلى مرحلة تحقيق العلو ‪ ،‬بوحيي مين ال وقيادة أنيبياؤه وملوكيه ‪ ،‬وكان هذا هيو العلو الول لبنيي إسيرائيل ‪،‬‬
‫وأما الفساد فلم يكن قد وقع منهم لقتران الملك بالنبوة ‪ ،‬وما كان للنبياء عليهم السلم أن يفسدوا في الرض ‪،‬‬
‫ونجيد أن النيبي التالي لسيليمان فيي الذكير ‪ ،‬مين أنيبياء بنيي إسيرائيل فيي القرآن هيو زكرييا ومين بعده يحييى ‪ ،‬وكان‬
‫آخرهم عيسى عليهم السلم جميعا ‪ .‬وقد بعث النبياء الثلثة بالتتابع وعاصر بعضهم بعضا ‪ ،‬وكان ذلك بعد فترة‬
‫طويلة مين وفاة سيليمان ‪ ،‬وبعيد عيسيى لم يُبعيث فيهيم أنيبياء ‪ ،‬ويقدّر المؤرخون بأن المدة ميا بيين سيليمان وعيسيى‬
‫بأكثر من ‪ 900‬سنة ‪.‬‬
‫وما كان بعث عيسى عليه السلم بالنجيل ‪ ،‬إل لتجديد الشريعة التي جاء بها موسى ‪ ،‬بعد أن أضاع بنو إسرائيل‬
‫التوراة واختلفوا في أمرها ‪ .‬قال تعالى ( وَ َلمّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيّنَاتِ قَالَ قَ ْد جِئْ ُتكُمْ بِا ْلحِ ْك َم ِة َولُِبَيّ نَ َلكُمْ َبعْضَ الّذِي‬
‫َتخْتَ ِلفُونَب فِيهِب فَا ّتقُوا الَّ َوَأطِيعُونِب (‪ 63‬الزخرف ) ‪ .‬ويُثبيت التارييخ أن بعيث عيسيى علييه السيلم ‪ ،‬كان فيي زمين‬
‫الحكم الروماني للمنطقة ‪ ،‬مما يعني أن هذا العلو الذي تحصّل عليه بنو إسرائيل قد زال واندثر ‪ .‬مما يترتب عليه‬
‫أن الفساد قد وقع ‪ ،‬وأن البعث قد تحقق في الفترة الممتدة ما بين سليمان وعيسى عليهما السلم ‪ ،‬في زمن أقرب‬
‫إلى حكم سليمان منه إلى بعث عيسى ‪.‬‬
‫المملكة اليهودية بعد سليمان ‪:‬‬
‫ولييس مين المعقول أن نجزم بأن مملكية سيليمان انهارت بموتيه ‪ .‬وبميا أن نظام الحكيم كان ملكييا وراثييا كميا أقرّه‬
‫القرآن ‪ ،‬فل بد أن يكون الملك قد انتقل إلى أحد أبناء سليمان الذين لم يكونوا أنبياء في واقع الحال ‪ ،‬فالنبوة آنذاك‬
‫خرجييت ميين الملك وأصييبحت فييي عاميية الشعييب ‪ ،‬وهنييا تحرّر العصيياة والمعتدييين ميين اليهود ‪ ،‬ميين عبدة المال‬
‫والسلطة تجارا ومرابين من حكم وملك النبياء ‪ ،‬حيث كان الوحي يقف سدّا منيعا أمام طموحاتهم وأحلمهم ‪ ،‬في‬
‫نهب ثروات البلد والعباد ‪ ،‬فهم أبناء الذين قال فيهم تعال ( قَالَ الّذِينَ يُرِيدُونَ ا ْلحَيَاةَ الدّنْيَا يَلَيْتَ لَنَا مِ ْث َل مَا أُوتِيَ‬
‫عظِيمٍ (‪ 79‬القصص ) ‪.‬‬ ‫حظّ َ‬
‫ن إِ ّنهُ لَذُو َ‬
‫قَارُو ُ‬
‫وعلى ميير السيينين تغيّرت الحوال وتغلغييل المرابييين والتجار فييي أوسيياط الحكييم وتبادلوا المصييالح والمنافييع ‪،‬‬
‫وأصييبحوا ميين علييية القوم ليفرضوا على الملوك مييا شاءوا ميين سييياسات تخدم مصييالحهم ‪ .‬ولو راجعييت التوراة‬
‫المؤرخ الوحييد لتلك الفترة ‪ ،‬لوجدت أن عدد الملوك الذيين تعاقبوا على الحكيم ‪ ،‬على مدى ‪ 300‬سينة تقريبيا ‪ ،‬هيو‬
‫‪ 22‬ملكا ‪ ،‬وهو عدد كبير نسبيا ‪ ،‬بمعدل ‪ 14‬سنة حكم لكل ملك ‪ .‬وذلك لكثرة الغتيالت التي كان يدبّرها ويوقعها‬
‫‪73‬‬
‫فيهيم عليية القوم ‪ ،‬ومين والهيم مين الكهنية والحبار ‪ ،‬فيمين صيلح أو فسيد مين هؤلء الملوك ‪ .‬والملحيظ أيضيا أن‬
‫معظم ملوكهم كانوا صغارا في السن ‪ ،‬وربما كان ذلك هو الغاية من قتل آبائهم ‪ ،‬فوجود ملك صغير السن يسهل‬
‫عليهيم السييطرة على شؤون الحكيم ليكونوا هيم خيبرائه ومسيتشاريه ‪ ،‬وهذه هيي سيياستهم فيي العصير الحالي فيي‬
‫شتى بقاع الرض ‪ .‬وعلى الجانب الخر كان هناك النبياء الذين لم ينقطع بعثهم في بني إسرائيل ‪ ،‬ليعيدوا أولئك‬
‫العصاة عن غيّهم وبغيهم بدعوتهم إلى العودة إلى شرع ال ‪ ،‬وتذكيرهم وتحذيرهم بما قضاه ال عليهم إن أفسدوا‬
‫في الرض ‪.‬‬
‫تخبرنيا كثيير مين اليات القرآنيية عين إفسياد بنيي إسيرائيل ‪ ،‬حييث الشرك بال ‪ ،‬وتكذييب فرييق مين النيبياء وقتيل‬
‫فريييق آخيير ‪ ،‬وقتييل أولياء ال ميين الناس ‪ ،‬وسييفك دماء بنييي قومهييم وإخراجهييم ميين ديارهييم ‪ ،‬وتحريييف الكهنيية‬
‫والحبار لكتاب ال ليوافيق أهواء عليية القوم ‪ ،‬والعتداء على حدود ال وعصييان أوامره ‪ ،‬وأكلهيم الربيا وأموال‬
‫الناس بالباطل … إلى آخره ‪ .‬ومجمل هذه اليات تخاطب بني إسرائيل كأمة ‪ ،‬فأين ومتى وقع منهم هذا الفساد‬
‫الممي … ؟!‬

‫وهل تحقّق الفساد الول ؟‬


‫قال تعالى ( أَ َفكُلّمَا جَا َءكُمبْ رَسبُولٌ بِمَا لَ َت ْهوَى أَنفُسُب ُكمْ اسبْتَكْبَرْ ُتمْ َففَرِيقًا كَذّبْتُمبْ وَ َفرِيقًا َتقْتُلُونبَ (‪ 87‬البقرة )‬
‫والخطاب هنيا موجيه لمين يملك سيلطة القتيل وهيم سيادة الحكيم وعليية القوم ‪ ،‬فتارة كانوا يكذّبون النيبياء وأولياء‬
‫ال ‪ ،‬الذيين بُعثوا مين قبله سيبحانه للصيلح وتارة يقتلونهيم ‪ ،‬بدفيع مين الكهنية والحبار والتجار لتعارض ذلك ميع‬
‫ط مِ نْ‬
‫سِ‬‫رغباتهم وأهوائهم ( إِنّ الّذِي نَ َي ْكفُرُو نَ بِآيَا تِ الِّ وَ َيقْتُلُو نَ النّبِيّي نَ ِبغَيْ ِر حَقّ وَ َيقْتُلُو نَ الّذِي نَ يَ ْأمُرُو نَ بِا ْلقِ ْ‬
‫النّاسِب فَ َبشّرْهُمْب ِبعَذَابٍب أَلِيمٍب (‪ 21‬آل عمران ) فل أشدّ وأعظيم إفسيادا فيي الرض عنيد ال ‪ ،‬مين قتيل الناس وسيفك‬
‫دمائهيم بغيير حيق ‪ ،‬فميا بالك إذا كان القتيل فيي أنيبياء ال وأولياءه الصيالحين ‪ ،‬فهذا قمّة فيي الجرام والسيراف‬
‫والعصيييان والتمرد والعدوان ‪ ،‬ول أظنييّ أن هناك إفسيياد فييي الرض يُقارن بهذا الفسيياد ‪ ،‬فلم يسييبق لقوم ميين‬
‫القوام السابقين واللحقين من غير بني إسرائيل أن قتلوا أنبياءهم ‪ ،‬وما إفسادهم الحالي في دولتهم الحالية ‪ ،‬إل‬
‫صورة طبق الصل عن الفساد الول في دولتهم الولى ‪ ،‬ولو بُعث فيهم أنبياء في هذا العصر لقتلوهم بل شك ‪،‬‬
‫فقد قتلوا رئيس وزرائهم ( رابين ) بدفع وتحريض من الحاخامات ‪ ،‬كونه أظهر شيئا من اللين مع الفلسطينين ل‬
‫لنه مُصلح ‪.‬‬
‫شهَدُونَب (‬ ‫قال تعالى ( َوإِذْ َأخَذْنَا مِيثَا َقكُمْب لَ تَسْب ِفكُونَ ِدمَا َءكُمْب َولَ ُتخْ ِرجُونَب أَنفُسَبكُ ْم مِنْب دِيَا ِركُمْب ُثمّ أَ ْقرَرْتُمْب َوأَنْتُمْب َت ْ‬
‫ن َوإِنْ يَأْتُوكُمْ‬‫ظهَرُونَ عَلَ ْي ِهمْ بِالِْ ْثمِ وَا ْلعُ ْدوَا ِ‬ ‫ن أَن ُفسَ ُكمْ وَ ُتخْ ِرجُونَ فَرِيقًا مِ ْنكُ ْم مِنْ دِيَارِ ِهمْ َت َ‬‫‪ُ )84‬ث ّم أَنْ ُتمْ َه ُؤلَء َتقْتُلُو َ‬
‫ب وَتَ ْكفُرُونَ بِ َبعْضٍ (‪ 85‬البقرة ) توحي هاتين‬ ‫جهُمْ أَفَ ُت ْؤمِنُونَ بِ َبعْضِ ا ْلكِتَا ِ‬
‫أُسَارَى ُتفَادُوهُمْ وَ ُه َو ُمحَرّمٌ عَلَ ْيكُمْ ِإخْرَا ُ‬
‫اليتين أن سادة الحكم كانوا يستضعفون طائفة من قومهم ‪ ،‬ظلما وعلوا بغير وجه حق ‪ -‬وهذا نفس فعل فرعون ‪-‬‬
‫فأوقعوا فيهيم القتيل والنهيب والسيلب ‪ ،‬وأخرجوهيم مين ديارهيم واسيتولوا عليهيا ‪ .‬فاضطروا إلى اللجوء إلى أرض‬
‫أعدائهم ‪ ،‬وعلى ما يبدو أنهم كانوا يُجبرون على خوض المعارك ‪ ،‬إلى جانب أعداء مملكة بني إسرائيل ‪ ،‬وعند‬
‫وقوع المعركية كان هؤلء المسيتضعفين يُحجمون عين قتال بنيي جلدتهيم ‪ ،‬ويقومون بتسيليم أنفسيهم ظنّا منهيم بأن‬
‫أبناء جلدتهيم ‪ ،‬سييتركونهم ليعودوا إلى أهليهيم بعيد انتهاء المعركية ‪ ،‬فميا كان مين أولئك الظلمية إل أن عاملوهيم‬
‫كأسرى العدو فحبسوهم وطالبوا ذويهم بالفدية ‪.‬‬
‫وأما مظاهر الفساد الخرى فمنها ‪:‬‬
‫‪ .1‬الشرك بال ‪:‬‬
‫ن أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ ا ْلكِتَابِ ُي ْؤمِنُونَ بِا ْلجِبْتِ وَالطّاغُوتِ (‪ 51‬النساء )‬
‫( أَ َلمْ تَ َر إِلَى الّذِي َ‬
‫جعَ َل مِ ْنهُمُب ا ْلقِرَدَ َة وَا ْلخَنَازِي َر وَعَبَدَ‬
‫ش ّر مِنْب ذَلِكَب مَثُو َبةً عِنْ َد الِّ مَنْب َلعَنَهُب الُّ َوغَضِبَب عَلَيْهِب َو َ‬
‫( ُقلْ َه ْل أُنَبّئُكُمْب ِب َ‬
‫سوَا ِء السّبِيلِ (‪ 60‬المائدة )‬ ‫ن َ‬ ‫ك شَ ّر َمكَانًا َوأَضَلّ عَ ْ‬ ‫ت أُولَئِ َ‬ ‫الطّاغُو َ‬
‫ح ابْنَب َمرْيَمَب َومَا ُأمِرُوا ِإلّ لِ َيعْبُدُوا إِ َلهًا وَاحِدًا َل إِلَهَب ِإلّ‬
‫( ا ّتخَذُوا َأحْبَارَهُمْب وَرُهْبَا َنهُمْب أَرْبَابًا مِنْب دُونِب الِّ وَا ْلمَسبِي َ‬
‫عمّا ُيشْ ِركُونَ (‪ 31‬التوبة )‬ ‫ُه َو سُ ْبحَا َنهُ َ‬
‫‪74‬‬
‫‪ .2‬نقض الميثاق وكتمان كلم ال وإخفائه وتحريفه ‪:‬‬
‫حظّا ِممّا ُذكّرُوا بِ ِه َولَ‬
‫ضعِ ِه وَنَ سُوا َ‬‫ن َموَا ِ‬ ‫جعَلْنَا قُلُو َبهُ مْ قَا سِ َيةً ُيحَرّفُو نَ ا ْلكَلِ مَ عَ ْ‬
‫ضهِ ْم مِيثَا َقهُ مْ َلعَنّاهُ مْ َو َ‬
‫( فَ ِبمَا َنقْ ِ‬
‫حسِنِينَ (‪ 13‬المائدة )‬ ‫ح إِنّ الَّ ُيحِبّ ا ْل ُم ْ‬ ‫ل مِ ْن ُهمْ فَاعْفُ عَ ْن ُه ْم وَاصْ َف ْ‬ ‫تَزَالُ َتطّلِعُ عَلَى خَائِ َن ٍة مِ ْنهُ ْم ِإلّ قَلِي ً‬
‫ظهُو ِرهِ ْم وَاشْتَ َروْا بِهِ َثمَنًا َقلِيلً‬
‫س َولَ َتكْ ُتمُونَهُ فَنَبَذُو ُه َورَا َء ُ‬
‫ن أُوتُوا ا ْلكِتَابَ لَتُبَيّنُنّهُ لِلنّا ِ‬
‫( َوإِ ْذ َأخَذَ الُّ مِيثَاقَ الّذِي َ‬
‫س مَا َيشْتَرُونَ (‪ 187‬آل عمران )‬ ‫فَبِئْ َ‬
‫‪ .3‬عبادة الجن والشياطين وتعلم السحر وممارسته ‪:‬‬
‫صفُونَ (‪ 100‬النعام )‬
‫عمّا يَ ِ‬
‫ن وَبَنَاتٍ ِبغَيْرِ عِ ْل ٍم سُ ْبحَا َنهُ وَ َتعَالَى َ‬
‫ن َوخَ َلقَ ُه ْم َوخَرَقُوا َلهُ بَنِي َ‬
‫جعَلُوا لِّ شُ َركَاءَ ا ْلجِ ّ‬
‫( َو َ‬
‫سحْرَ (‬
‫ن كَفَرُوا ُيعَّلمُو نَ النّا سَ ال ّ‬
‫ن وَ َلكِنّ الشّيَاطِي َ‬
‫ن َومَا َكفَرَ سُلَ ْيمَا ُ‬
‫( وَاتّ َبعُوا مَا تَتْلُو الشّيَاطِي نُ عَلَى مُلْ كِ سُلَ ْيمَا َ‬
‫‪ 102‬البقرة )‬
‫‪ .4‬الربا والسرقة والحتيال ‪:‬‬
‫ن مِ ْن ُهمْ عَذَابًا أَلِيمًا (‪ 161‬النساء )‬
‫طلِ َوأَعْتَدْنَا لِ ْلكَافِرِي َ‬
‫( َوَأخْذِ ِهمُ الرّبَا وَقَدْ ُنهُوا عَ ْنهُ َوَأكْ ِل ِهمْ َأ ْموَالَ النّاسِ بِالْبَا ِ‬
‫س مَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‪ 62‬المائدة )‬
‫سحْتَ لَبِئْ َ‬
‫ن َوأَكْ ِل ِهمُ ال ّ‬
‫( وَتَرَى كَثِيرًا مِ ْن ُهمْ ُيسَارِعُونَ فِي الِْ ْث ِم وَالْعُ ْدوَا ِ‬
‫‪ .5‬ترك المر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪:‬‬
‫س مَا كَانُوا َي ْفعَلُونَ (‪ 79‬المائدة )‬
‫ن مُ ْنكَرٍ َفعَلُوهُ لَبِ ْئ َ‬
‫( كَانُوا لَ يَتَنَا َهوْنَ عَ ْ‬
‫‪ .6‬نقض العهود والمواثيق ‪:‬‬
‫ق مِ ْنهُمْ َب ْل أَكْثَ ُر ُهمْ لَ ُي ْؤمِنُونَ (‪)100‬‬
‫عهْدًا نَبَذَهُ فَرِي ٌ‬
‫( َأ َوكُّلمَا عَاهَدُوا َ‬
‫وهكذا نسيتطيع القول بأن العلو الول والفسياد الول لبنيي إسيرائيل قيد تحقّقيا فيي الرض المقدّسية ‪ ،‬وأن بدايية‬
‫علوهم كانت بملك داود ‪ ،‬ووصل إلى أقصى مداه في عصر سليمان عليه السلم ‪ ،‬وأما الفساد فكانت بدايته بعد‬
‫وفاة سيليمان علييه السيلم … والسيؤال الن هيل تبخّر هذا الملك وهذه المملكية فيي الهواء … ؟! وهيل م ّر ذلك‬
‫الفساد دون عقاب … ؟!‬

‫وهل تحقق البعث الول ؟‬


‫جلِ ذَلِكَب كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْبرَائِيلَ ‪ ،‬أَنّهُب مَنْب قَ َتلَ َنفْسبًا ِبغَيْرِ َنفْسٍب (( َأوْ فَسبَادٍ فِي الَْرْضِب )) ‪،‬‬ ‫قال تعالى ( مِنْب َأ ْ‬
‫جمِيعًا ‪ ،‬وَ َلقَ ْد جَاءَ ْتهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيّنَاتِ ‪ُ ،‬ثمّ إِنّ كَثِيرًا مِ ْنهُمْ‬
‫س َ‬‫ن أَحْيَاهَا َفكَأَ ّنمَا َأحْيَا النّا َ‬ ‫جمِيعًا َومَ ْ‬‫س َ‬ ‫َفكَأَ ّنمَا قَ َتلَ النّا َ‬
‫جزَاءُ الّذِينَب ُيحَارِبُونَب الَّ وَرَسبُو َلهُ ‪ (( ،‬وَيَسْب َعوْنَ فِي الَْرْضِب فَسبَادًا‬ ‫َبعْدَ ذَلِكَب فِي الَْرْضِب َلمُسْبرِفُونَ (‪ )32‬إِ ّنمَا َ‬
‫ن الَْ ْر ضِ ذَلِ كَ َلهُ ْم خِزْ يٌ فِي الدّنيَا ‪،‬‬ ‫ن خِلَ فٍ ‪َ ،‬أوْ يُن َفوْا مِ ْ‬ ‫)) ‪ ،‬أَ نْ ُيقَتّلُوا َأوْ يُ صَلّبُوا َأوْ ُت َقطّ عَ أَيْدِيهِ ْم َوأَ ْرجُُلهُ ْم مِ ْ‬
‫عظِيمبٌ (‪ 33‬المائدة ) وقال أيضييا فييي نفييس السييورة ( وَقَالَتبِ الْ َيهُودُ يَ ُد الِّ َمغْلُو َلةٌ …‬ ‫لخِرَةِ عَذَاببٌ َ‬ ‫وَ َلهُمبْ فِي ا ْ‬
‫(( وَ َيسْ َعوْنَ فِي الَْرْضِ َفسَادًا )) ‪ ،‬وَالُّ لَ ُيحِبّ ا ْل ُم ْفسِدِينَ (‪ 64‬المائدة )‬
‫وانظر ما كتبه ال عليهم في الية الولى وما عقب به في الية الثانية ‪ ،‬حيث أعطى أربع خيارات لمجازاة من‬
‫يحاربون ال ورسوله ويسعون في الرض فسادا ‪ .‬والذين لهم دأب على محاربة ال ورسوله بأقوالهم وأفعالهم ‪،‬‬
‫والذيين يسييعون فيي الرض فسيادا هيم اليهود ل غيرهييم ‪ ،‬وهذا مييا تُقرّره اليية الثالثية ‪ .‬وهذا نفييس الحكيم الذي‬
‫أصدره أحكم الحاكمين ‪ ،‬وأوكل أصحاب البعث الول لتنفيذ خياراته الربعة مجتمعة فيهم ‪.‬‬
‫وقال تعالى ( َوأَنْ َزلَ الّذِينَب ظَا َهرُوهُمْب مِنْب أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِب مِنْب صَبيَاصِي ِه ْم وَقَذَفَب فِي قُلُو ِبهِمُب الرّعْبَب َفرِيقًا َتقْتُلُونَب‬
‫وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (‪ 26‬الحزاب ) وهذا ما حُكم به على يهود بني قريظة بعد هزيمة الحزاب ‪ ،‬بقتل الرجال وسبي‬
‫النساء والطفال ‪.‬‬
‫وبميا أن الفسياد المقترن بالعلو قيد تحصيّل ومين ثيم زال ‪ ،‬فل بيد أن يكون أولئك العباد قيد بُعثوا عليهيم ‪ ،‬فجاسيوا‬
‫خلل ديارهيم وخربوهيا ‪ ،‬وأوقعوا فيي حكامهيم ورؤسيائهم وكهنتهيم وأحبارهيم القتيل والتنكييل ‪ ،‬وهدموا المسيجد‬
‫‪75‬‬
‫( الهيكل ) ونهبوا محتوياته من كنوز وأموال وسبوا نسائهم وأطفالهم ‪ ،‬وأصبحت بيت المقدس أطلل تعوي فيها‬
‫الثعالب ‪ ،‬فحييل بهييم الخزي والذلّ والعار ‪ ،‬بعييد أن رفعييه ال عنهييم بمنّه وكرمييه ‪ ،‬فخانوا ميثاق ربهييم ونقضوا‬
‫عهده ‪ ،‬اسيتكبارا وعلوا فيي الرض بغيير الحيق ‪ .‬حييث كان ذلك حكيم ال الذي أنجزه فيي أسيلفهم ‪ ،‬على أيدي‬
‫أولئك العباد ‪ ،‬فيما يُسمى بالسبي البابلي الموصوف بالتوراة بإسهاب ‪ ،‬والذي يؤكد نفاذ هذا الحكم فيهم ‪ ،‬كما جاء‬
‫في الية الكريمة أعله ‪ .‬لذلك عقّب سبحانه بعد ذكر الوعد الول بقوله ( َوكَانَ َوعْدًا َم ْفعُولً (‪ 5‬السراء ) ‪.‬‬
‫بعض الحكام التي صدرت في حقهم فيما سبق نزول القرآن ‪:‬‬
‫ب َوإِنّ ُه‬‫سرِيعُ ا ْل ِعقَا ِ‬‫قال تعالى ( َوإِذْ تَأَذّ نَ رَبّ كَ لَيَ ْبعَثَنّ عَلَ ْيهِ مْ إِلَى َيوْ مِ ا ْلقِيَا َم ِة مَ نْ يَ سُو ُمهُمْ سُوءَ ا ْلعَذَا بِ إِنّ رَبّ كَ لَ َ‬
‫ت وَال سّيّئَاتِ‬ ‫ك وَبَ َلوْنَاهُمْ بِا ْلحَسَنَا ِ‬
‫ن َومِ ْنهُمْ دُو نَ ذَلِ َ‬
‫ض ُأ َممًا مِ ْنهُمْ الصّا ِلحُو َ‬ ‫طعْنَاهُ مْ فِي الَْرْ ِ‬ ‫َل َغفُورٌ َرحِي مٌ (‪ )167‬وَ َق ّ‬
‫ف وَرِثُوا ا ْلكِتَابَ يَ ْأخُذُو نَ عَرَضَ هَذَا الَْدْنَى وَ َيقُولُو نَ سَ ُيغْفَرُ لَنَا َوإِ نْ‬ ‫ف مِنْ َبعْدِهِ ْم خَلْ ٌ‬ ‫جعُو نَ (‪َ )168‬فخَلَ َ‬ ‫َلعَّلهُمْ يَ ْر ِ‬
‫ن لَ َيقُولُوا عَلَى الِّ ِإلّ ا ْلحَقّ وَدَرَ سُوا مَا فِي ِه وَالدّارُ‬ ‫ب أَ ْ‬ ‫ض مِثْلُ هُ يَ ْأخُذُو ُه أَلَ مْ ُي ْؤخَذْ عَلَ ْيهِ ْم مِيثَا قُ ا ْلكِتَا ِ‬ ‫يَأْ ِتهِ مْ عَرَ ٌ‬
‫ن أَفَلَ َت ْعقِلُونَ (‪ 169‬العراف ) ‪.‬‬ ‫لخِرَ ُة خَيْرٌ لِلّذِينَ يَ ّتقُو َ‬ ‫اْ‬
‫غلّتْب أَيْدِيهِمْب وَُلعِنُوا بِمَا قَالُوا َبلْ يَدَاهُب مَبسبُوطَتَانِ يُنفِقُب كَيْفَب َيشَا ُء‬ ‫وقال أيضيا ( وَقَالَتْب الْ َيهُودُ يَ ُد الِّ َمغْلُو َلةٌ ُ‬
‫طغْيَانًا َو ُكفْرًا َوأَلْقَيْنَا بَيْ َنهُمْب الْعَدَاوَةَ وَالْ َبغْضَا َء إِلَى َيوْمِب ا ْلقِيَا َمةِ كُلّمَا‬
‫وَلَيَزِيدَنّ كَثِيرًا مِ ْنهُمْب مَا أُن ِز َل إِلَيْكَب مِنْب رَبّكَب ُ‬
‫لّ لَ ُيحِبّ ا ْل ُمفْسِدِينَ (‪ 64‬المائدة ) ‪.‬‬ ‫سعَوْنَ فِي الَْرْضِ َفسَادًا وَا ُ‬ ‫لّ وَ َي ْ‬
‫ب َأطْفَأَهَا ا ُ‬ ‫َأوْقَدُوا نَارًا ِل ْلحَرْ ِ‬
‫وهذه الحكام هي ‪:‬‬
‫‪.1‬اسيتضعافهم واضطهادهيم وتعذيبهيم مين قبيل الخريين ‪ ،‬أينميا حلوا وأينميا ارتحلوا إلى يوم القيامية ‪ ،‬وهذا حكيم‬
‫عامّ وأما عقابهم عند مجيء الوعدين ‪ ،‬فهو حكم خاص مستثنى من هذا الحكم ‪.‬‬
‫‪.2‬نفيهيم مين فلسيطين وشتاتهيم فيي كافية أرجاء الرض ‪ ،‬مميا يؤكيد تحقيق الوعيد الول بزوال مملكتهيم الولى ‪،‬‬
‫ومجيئهم من الشتات لقامة دولتهم الثانية مستقبل ‪.‬‬
‫‪.3‬إلقاء العداوة والبغضاء فيمييا بينهييم إلى يوم القياميية ‪ ،‬وإطفاء الحروب التييي يُشعلونهييا وإفشال مخططاتهييم‬
‫الساعية إلى الفساد في الرض ‪.‬‬

‫وهل دخلوا الرض المقدّسة ؟‬


‫لو عدنيا إلى زمين موسيى علييه السيلم ‪ ،‬بعيد أن وصيل وقوميه إلى مشارف الرض والمقدسية ‪ ،‬حييث قال لقوميه (‬
‫َي َقوْمببِ ا ْدخُلُوا الَْرْضببَ ا ْل ُمقَدّسبَبةَ الّتِبي كَتَببَب الُّب َلكُمببْ َولَ تَرْتَدّوا عَلَى أَدْبَا ِركُمببْ فَتَ ْنقَلِبُوا خَاسببِرِينَ (‪ 21‬المائدة )‬
‫والرض المقدسة هي فلسطين ولم تقدّس في القرآن أرض غيرها ‪ .‬وقد وردت هذه العبارة في القرآن مرة واحدة‬
‫فقيط ‪ ،‬وكان بنيو إسيرائيل آنذاك أمية واحدة ‪ ،‬فامتنعوا عين الدخول إليهيا ‪ ،‬فحُرموا مين دخولهيا أربعيين سينة ‪ ،‬ولم‬
‫يكن التيه بضياعهم وتشرذمهم في الرض كما قد يتوهم البعض ‪ ،‬وإنما بحرمانهم من الهداية والقيادة برفع النبوة‬
‫والوحيي ‪ ،‬وهذا يؤكيد أن موسيى علييه السيلم ‪ ،‬انتقيل إلى جوار ربيه قبيل أو بدايية سينوات التحرييم ‪ ،‬ولذلك تجلّت‬
‫الحكمة اللهية باختيار النقباء الثني عشر وأخذ الميثاق منهم مسبقا ‪ ،‬لعلمه المسبق بما سيكون منهم ‪ .‬وتُرك أمر‬
‫ل حسيب السيبط الذي ينتميي إلييه ‪ ،‬لقيادتهيم والفصيل بينهيم فيي الحوال المدنيية‬ ‫بنيي إسيرائيل لولئك النقباء ‪ ،‬ك ٌ‬
‫والشرعية ‪.‬‬
‫وفي نهاية الربعين سنة ‪ ،‬وصل ال ما كان قد قطعه فبعث فيهم نبيا ‪ ( ،‬أَ َلمْ َت َر إِلَى ا ْلمَلَِ مِنْ بَنِي ِإسْرَائِيلَ مِنْ َبعْ ِد‬
‫مُوسبَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيّ َلهُمُب ا ْبعَثْب لَنَا مَلِكًا ُنقَا ِتلْ فِي سَببِي ِل الِّ (‪ 246‬البقرة ) وكلمية ( المل ) تعنيي عليية القوم ‪،‬‬
‫وطلب القتال كان لدخول الرض المقدسية التيي كان قيد كُتيب لهيم دخولهيا على لسيان موسيى فيي اليية السيابقة ‪.‬‬
‫وعندما أذن ال لهم بدخولها بعد قتال جالوت وجنوده والنتصار عليهم بقتل داود عليه السلم لجالوت ‪ ،‬دخلوها‬
‫مجتمعين كأمة أيضا ‪ ،‬فأقام لهم داود عليه السلم دولتهم الولى وعلوهم الول ‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫حصر الفترة الزمنية للفساد المُذكور في القرآن ‪:‬‬
‫سلِ )) ‪ ،‬وَءَاتَيْنَا عِيسَى‬ ‫والن لننتقل إلى الكريمة التي تقول ( وَ َلقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى ا ْلكِتَابَ ‪ (( ،‬وَ َقفّيْنَا مِنْ َبعْدِهِ بِالرّ ُ‬
‫ابْنَب مَرْيَمَب الْبَيّنَاتِب ‪َ ،‬وأَيّدْنَاهُب بِرُوحِب ا ْلقُدُسِب ‪ .‬أَ َفكُلّمَا جَا َءكُمْب رَسبُولٌ ‪ ،‬بِمَا لَ َت ْهوَى أَ ْنفُسُب ُكمُ ‪ ،‬اسْبتَكْبَرْ ُتمْ ‪َ ،‬ففَرِيقًا‬
‫كَذّبْتُ ْم وَفَرِيقًا َتقْتُلُو نَ (‪ 87‬البقرة ) قلنا أن قمة الفساد هي قتل النفس بغير حق وأعظمها قتل الرسل والنبياء ‪،‬‬
‫ولحظ قوله سبحانه ( تقتلون ) حيث تفيد صيغة المضارع الستمرارية والكثرة في القتل ‪ ،‬وقد ذُكر قتلهم للرسل‬
‫والنبياء ( ‪ ) 7‬مرات في مواضع متفرقة من القرآن ‪ ،‬وقد حُصر وقوع هذا القتل منهم في هذه الية ‪ ،‬بين موسى‬
‫وعيسى عليهما السلم ‪ .‬وإذا علمنا أن بني إسرائيل كانوا بحاجة إلى النبياء ( حبل ال ) لدخول الرض المقدسة‬
‫لقامية دولتهيم فيهيا ‪ ،‬ولم يكين فيهيم أنيبياء فيي سينوات التحرييم ‪ ،‬غيير ذلك النيبي الذي بُعيث عنيد انقضائهيا ‪ ،‬والذي‬
‫توجهوا إليه لطلب المساعدة والنصرة من ال ‪ ،‬لتبين لنا أن قتل النبياء ‪ ،‬قد تح صّل منهم قبل بعث عيسى عليه‬
‫السلم ‪ ،‬وهو آخر أنبيائهم ‪ ،‬وبعد وفاة سليمان عليه السلم آخر النبياء الملوك ‪ ،‬حيث لم تعد بهم حاجة للنبياء‬
‫ليذكّروهيم بشرع ال واللتزام بيه ‪ ،‬بعيد أن أمسيى لهيم الملك والعلو فيي الرض ‪ ،‬فأهواء ورغبات وأطماع الذيين‬
‫( أشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم ) والذين ( قست قلوبهم فهي كالحجارة أو شد قسوة ) ل تتفق وشرع ال ‪.‬‬

‫نهاية المملكة وخروجهم من فلسطين ‪:‬‬


‫ض ُأ َممًا ) أي فرقّناهم ‪ ،‬نجد أنه سبحانه أثبت خروجهم ونفيهم من‬ ‫طعْنَا ُهمْ فِي الَْرْ ِ‬
‫ولو نظرنا في قوله تعالى ( وَ َق ّ‬
‫الرض المقدسة ‪ ،‬وشتاتهم في الرض على عمومها ‪ ،‬على القل قبل بعث محمد عليه الصلة والسلم بالقرآن ‪،‬‬
‫فهيل يُعقيل أن أمية بأسيرها ‪ ،‬تقوم بالتخلي عين مُلكهيا وترك أرضهيا مين تلقاء نفسيها ورغبية عنهيا ؟!!! أم أن هناك‬
‫أمر عظيم نزل بها ‪ ،‬فتركت أرضها قسرا وقهرا ‪ ،‬بعد أن أُزيل ملكها وأفل نجمها ؟!!! وقد ورد ذكر هذا الحدث‬
‫ن وَعْدًا َم ْفعُولً (‪ 5‬السراء ) ‪ .‬وبما أن تلك‬ ‫للَ الدّيَارِ ‪َ ،‬وكَا َ‬
‫في القرآن بصيغة الماضي ‪ ،‬بقوله تعالى ( َفجَاسُوا خِ َ‬
‫لخِرَ ِة جِئْنَا ِبكُمْب َلفِيفًا (‪104‬السيراء )‬
‫العبارة أثبتيت شتاتهيم بعيد أن كانوا أمية واحدة ‪ ،‬والعبارة ( فَإِذَا جَا َء وَعْدُ ا ْ‬
‫تشترط مجيئهم من الشتات والتجمّع في فلسطين ‪ ،‬ولم يرد نص في القرآن يُثبت مجيئهم وتجمّعهم من الشتات قبل‬
‫السلم لقامة علوهم الثاني ‪ .‬نستطيع الجزم بأن وعد الولى بقيام المملكة الولى وزوالها قد تحقق ‪ ،‬وأن المرة‬
‫الثانية قد تحقّقت بمجيئهم وتجمّعهم من الشتات لقامة دولتهم الحالية ‪.‬‬

‫إثبات تواجد اليهود في بابل ‪:‬‬


‫ن أُوتُوا ا ْلكِتَابَ ‪ ،‬كِتَابَ الِّ‬ ‫قال تعالى ( وَ َلمّا جَاءَهُمْ رَسُو ٌل مِنْ عِنْ ِد الِّ ‪ ،‬مُصَدّقٌ ِلمَا َم َعهُمْ ‪ )1( ،‬نَبَذَ فَرِي ٌ‬
‫ق مِنَ الّذِي َ‬
‫علَى مُلْكِب سُبلَ ْيمَانَ بب ( وَمَا َكفَ َر سُبلَ ْيمَانُ‬ ‫ظهُورِهِمْب ‪ ،‬كَأَ ّنهُمْب لَ َيعْ َلمُونَب (‪)2( )101‬وَاتّ َبعُوا مَا تَ ْتلُو الشّيَاطِينُب َ‬ ‫وَرَا َء ُ‬
‫(‪)3‬‬
‫ت َومَارُو تَ ب ( َومَا‬ ‫سحْرَ ‪َ ،‬ومَا أُنْ ِزلَ عَلَى ا ْلمَ َلكَيْ نِ ( بِبَا ِبلَ ) هَارُو َ‬ ‫وَ َلكِنّ الشّيَاطِي نَ َكفَرُوا ) ب ُيعَّلمُو نَ النّا سَ ال ّ‬
‫ُيعَّلمَانِب مِنْب َأحَدٍ ‪ ،‬حَتّىب َيقُولَ إِ ّنمَا َنحْنُب فِتْ َنةٌ ‪ ،‬فَلَ َت ْكفُرْ ‪ ،‬فَيَ َتعَّلمُونَب مِ ْن ُهمَا ‪ ،‬مَا ُيفَرّقُونَب بِهِب بَيْنَب ا ْلمَرْ ِء َو َز ْوجِهِب ‪،‬‬
‫ن اشْتَرَاهُ ‪ ،‬مَا‬ ‫ضرّهُمْ ‪َ ،‬ولَ يَ ْن َف ُعهُمْ ‪ ،‬وَ َلقَدْ عَ ِلمُوا َلمَ ِ‬
‫ن مَا يَ ُ‬ ‫ن الِّ ) ب (‪)4‬وَيَ َتعَّلمُو َ‬ ‫ن َأحَدٍ ِإلّ بِإِذْ ِ‬
‫َومَا هُمْ بِضَارّينَ بِ ِه مِ ْ‬
‫ش َروْا ِب ِه أَ ْن ُفسَ ُهمْ ‪َ ،‬ل ْو كَانُوا َيعْ َلمُونَ (‪ 102‬البقرة )‬ ‫س مَا َ‬ ‫ن خَلَقٍ ‪ ،‬وَلَبِئْ َ‬ ‫لخِرَ ِة ِم ْ‬
‫َلهُ فِي ا ْ‬
‫موضوع الحدييث ميا قبيل هاتيين اليتيين وميا بعدهميا هيم اليهود إجمال ‪ .‬بينميا تتعرض اليتان أعله ‪ ،‬لموقيف فئة‬
‫من اليهود المعاصرين لرسالة السلم ‪ ،‬من بعث نبينا محمد عليه الصلة والسلم ‪ ،‬حيث قام هؤلء وما زالوا‬
‫يقومون بأربعة أفعال ‪:‬‬
‫‪ .1‬عند مجيء رسول ال عليه الصلة والسلم ‪ ،‬بصفة مطابقة لما كان بين يديهم من التوراة ‪ ،‬ومجيئه بما‬
‫يتفق مع ما جاء به أنبياؤهم ‪ ،‬أزاحوا التوراة من عقولهم وقلوبهم وأنكروا ما فيها ‪ ،‬وكتموا ما أخبرت عنه‬
‫وجاءت به عين الناس ‪ ،‬وأظهروا عدم معرفتهيم وعلمهيم بأمير هذا النيبي ‪ ،‬وعوضيا عين اتباعهيم لهذا النيبي‬
‫عليه الصلة والسلم ‪ ،‬كما تأمرهم التوراة ‪:‬‬
‫‪.2‬قاموا باتباع ميا تتلوا الشياطيين على ملك سيليمان ‪ ،‬وحقيقية ميا اتبعوه يُبيّنه سيبحانه بالجملة المعترضية (‬
‫ن َكفَرُوا ) أي الكفريّات التي ما زالت تتلوها الشياطين على ملك سليمان ‪،‬‬ ‫ن وَ َلكِنّ الشّيَاطِي َ‬
‫َومَا َكفَرَ سُلَ ْيمَا ُ‬

‫‪77‬‬
‫ومجييء الفعيل ( تتلوا ) بصييغة المضارع ‪ ،‬يُفييد بأنهيم على اتّصيال دائم بالشياطيين ‪ ،‬وأن الشياطيين ميا‬
‫زالت تتحدّث إليهم بكفريّات تنسبها إلى سليمان عليه السلم ‪ ،‬يُبرأه سبحانه منها بقوله ( وما كفر سليمان‬
‫ولكن الشياطين كفروا ) وعوضا عن تعليم الناس تعاليم التوراة ‪:‬‬
‫‪.3‬كانوا وميا زالوا يُعلمون الناس السيحر ‪ ،‬ويعلّمونهيم أيضيا نوعيا آخرا مين السيحر ‪ ،‬كانوا قيد تعلّموه أثناء‬
‫تواجدهم في بابل ‪ ،‬هو ما أُنزل على الملكين هاروت وماروت ‪ ،‬اللذان لم يُعلّما أحدا من الناس إل وقال له‬
‫( إِنّمَا َنحْنُب فِتْ َنةٌ ‪ ،‬فَلَ َت ْكفُرْ ) وحقيقية ميا كان يتعلّميه الناس مين الملكيين فيي بابيل ‪ ،‬يُبيّنه سيبحانه بالجملة‬
‫ن َأحَدٍ ِإلّ بِإِذْ نِ‬
‫المعترضة ( فَيَ َتعَّلمُو نَ مِ ْن ُهمَا ‪ ،‬مَا ُيفَرّقُو نَ بِ هِ بَيْ نَ ا ْلمَرْ ِء وَ َز ْوجِ هِ ‪َ ،‬ومَا هُ مْ بِضَارّي نَ بِ ِه مِ ْ‬
‫الِّ ) ‪.‬‬
‫ضرّ ُهمْ ‪َ ،‬ولَ يَ ْن َف ُعهُمْ … إلى آخر الية )‬‫ن مَا يَ ُ‬
‫‪.4‬ويُعقّب سبحانه على ما قامت به تلك الفئة بقوله ( وَيَ َتعَّلمُو َ‬
‫‪ .‬وهذا ميا يقومون بيه لغايية الن ‪ ،‬فيي محافلهيم الماسيونية ومدارسيهم الدينيية ‪ ،‬حييث يُمارسيون ويُعلّمون‬
‫منتسبيهم وتلميذهم طقوس عبادة الشياطين وفنون السحر والشعوذة ‪.‬‬

‫عقوبتهم في الجزيرة العربية كانت جلءً وليس عذابا ‪:‬‬


‫وأما عند مجيء السلم ‪ ،‬كان جزء منهم متواجد في الجزيرة العربية ‪ ،‬وأخرجوا منها زمن عمر رضي ال عنه‬
‫حشْرِ (‪ 2‬الحشير ) والحشير معناه‬ ‫‪ ،‬قال تعالى ( ُهوَ الّذِي َأخْرَجَب الذِينَب َكفَرُوا مِنْب أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِب مِنْب دِيَارِهِمْب َلِ ّولِ ا ْل َ‬
‫الجميع ‪ ،‬والجميع يختلف عين الجمييع ‪ ،‬وقوله ( لول الحشير ) أي بدايية الجميع ‪ ،‬والجميع يكون عادة بعيد التشرّد‬
‫والشتات ‪ ،‬والمقصود هنا الجمع في الدنيا ‪ ،‬وليس الحشر بعد الموت والبعث ‪ ،‬حيث كانت وجهتهم عند الخروج‬
‫إلى بلد الشام ‪ ،‬وأميا الجلء الذي حكيم ال بيه عليهيم ‪ ،‬فيي زمين الرسيول علييه السيلم وصيحبه الكرام ‪ ،‬لم يكين‬
‫عذابيا كالموصيوف فيي سيورة السيراء ‪ ،‬ل فيي الوعيد الول ول فيي الوعيد الثانيي ‪ ،‬فكيفيية العقاب فيي المرتيين‬
‫علَ ْيهِ مُ ا ْلجَلَءَ ‪َ ،‬لعَذّ َبهُ مْ‬
‫متطابقة كما أوضحنا سابقا ‪ ،‬وهذا ما يقرره سبحانه في الية التالية ( وَ َل ْو َل أَ نْ كَتَ بَ الُّ َ‬
‫لخِرَةِ عَذَا بُ النّارِ (‪ 3‬الحشر ) وقوله تعالى ( لعذّبهم ) يفيد بأن الجلء لم يُعتبر عذابا بمعنى‬ ‫فِي الدّنْيَا وَ َلهُ مْ فِي ا ْ‬
‫الكلمة ‪ ،‬أما قتل وسبي يهود بني قريظة ‪ ،‬فهو استثناء حصل لخطورة ما قاموا به من خيانة في أحرج لحظة من‬
‫تاريخ المة السلمية ‪.‬‬
‫وإن لم يكيين مييا تقدّم مقنعييا بمييا فيييه الكفاييية ‪ ،‬فانظيير إلى قوله تعالى ( وَلِيَ ْدخُلُوا ا ْلمَس بْجِ َد كَمَبا َدخَلُوه بُ َأ ّو َل مَرّ ٍة‬
‫عَلوْا تَتْبِيرًا (‪ 7‬السييراء ) فأي مسييجد الذي دخله المسييلمون على اليهود آنذاك ‪ ،‬ومييا هييو المسييجد‬ ‫وَلِيُتَبّرُوا مَبا َ‬
‫المقصيود أصيل فيي هذه اليية ؟! وميا صيفة العلو الذي كان لهيم آنذاك ؟! ‪ ،‬وأميا فسيادهم وإفسيادهم فيي الجزيرة‬
‫س َعوْنَ فِي الَْرْ ضِ‬ ‫ب َأطْفَأَهَا الُّ وَيَ ْ‬ ‫وغيرها من الماكن ‪ ،‬فهو مشمول في الية الكريمة ( كُّلمَا َأوْقَدُوا نَارًا لِ ْلحَرْ ِ‬
‫فَ سَادًا وَالُّ لَ ُيحِبّ ا ْل ُمفْ سِدِينَ (‪ 64‬المائدة ) ولحظ قوله تعالى ( ويسعون ) بصيغة المضارع لتفيد الستمرارية‬
‫والمثابرة على الفسياد فيي الرض على عمومهيا ‪ ،‬وهذا هيو ديدنهيم على مير العصيور ‪ ،‬لذلك كانوا عرضية للقتيل‬
‫والتنكيييل والنهييب والسييلب والطرد والنفييي ‪ ،‬أينمييا حلوا وأينمييا ارتحلوا ‪ ،‬فطافوا معظييم أرجاء ميين المعمورة‬
‫وتواجدوا في كل قاراتها على مدى ما يزيد عن ‪ 3‬آلف سنة ‪ ،‬واستمر حالهم هذا على مر العصور ‪ ،‬وهذا ما لم‬
‫يقيع فيي أي شعيب مين شعوب الرض ‪ ،‬وكان السيتثناء الوحييد هيو حصيولهم على الدولة فيي القدس مرتيين فقيط ‪.‬‬
‫وبعيد شتاتهيم فيي المرة الولى لم يكين لهيم علو ولم يكين لهيم جميع مين الشتات ‪ ،‬الذي هيو أحيد شروط ومواصيفات‬
‫تحقق الوعد الثاني ‪ ،‬إل ما نُشاهده الن على أرض الواقع ‪ ،‬من علو ظاهر مقترن بالفساد والفساد ‪ ،‬في الرض‬
‫على عمومها والمُقدّسة فلسطين على وجه الخصوص ‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫تاريخ اليهود في التوراة والتلمود‬
‫ماهية التوراة ‪:‬‬
‫التوراة فيي ( لسيان العرب ) ‪ :‬نجيد أن هذه الكلمية ذات أصيل عربيي ومصيدرها َورِيَي ‪ ،‬والوراء هيو ولد الولد ‪،‬‬
‫والواري هيو السيمين مين كيل شييء ‪ ،‬وناقية واريية أي سيمينة ‪ ،‬وو َريْتُي النار توري ًة إذا اسيتخرجتها ‪ ،‬واسيتوريت‬
‫فلنا رأياً أي سألته أن يستخرج لي رأيا ‪ ،‬ووريت الشيء وواريته أخفيته ‪ ،‬ووريت الخبر أُورِيه توري ًة إذا سترته‬
‫وأظهرت غيره وكأنه مأخوذ من وراء النسان ‪ ،‬لنه إذا قال َو َريْته فكأنه يجعله وراءه حيث ل يظهر ‪ ،‬والتورية‬
‫ستْر ‪.‬‬
‫هي ال َ‬
‫ولو تدبرّنيا كيل المعانيي السيابقة ‪ ،‬لوجدنيا أن هيذ التسيمية ( التوارة أو التوريية حسيب الرسيم القرآنيي لهيا ) جاءت‬
‫لتصيف بدقية وبشموليية ‪ ،‬حال الكتاب الموجود بيين أيدي اليهود ‪ ،‬ولتصيف الكيفيية التيي يتعاميل بهيا اليهود ميع هذا‬
‫الكتاب ‪ ،‬فالتوراة في الواقع كتاب ضخم يحوي بين دفتيه ( ‪ ) 39‬سفرا ‪ ،‬وإحدى نسخه المترجمة فيها ما يزيد عن‬
‫‪ 1128‬صفحة بمعدل ‪ 380‬كلمة لكل صفحة ‪ ،‬أي ما يفوق القرآن من حيث عدد الكلمات بستة مرات تقريبا ‪ ،‬جُمع‬
‫فييه كيل ميا أُنزل على أنيبياء بنيي إسيرائيل المتعاقيبين تباعيا ‪ ،‬مين شرائع وأخبار ونبوءات غيبيية وتارييخ وأسياطير‬
‫وخرافات ‪ ،‬وعلى فترات متباعدة ومتتالية ‪ ،‬ولمدة ل تقل عن ألف وخمسمائة سنة ‪.‬‬

‫التوراة لم تنزّل على موسى وكتابه جزء منها ‪:‬‬


‫وحسب النص القرآني ‪ ،‬في الية ( يَأَ ْهلَ ا ْلكِتَابِ لِمَ ُتحَاجّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ َومَا أُنْزِلَتْ ال ّتوْرَاةُ وَالِْنجِيلُ ِإلّ مِنْ َبعْدِ ِه‬
‫ن َمرْيَ مَ مُ صَدّقًا ِلمَا بَيْ نَ يَدَيْ ِه مِ نْ ال ّتوْرَاةِ (‬
‫أَفَلَ َت ْعقِلُو نَ (‪ 65‬آل عمران ) ‪ ،‬والية ( وَ َقفّيْنَا عَلَى آثَارِهِ مْ ِبعِي سَى ابْ ِ‬
‫‪ 46‬المائدة ) نجد أن نزول التوراة حُصر في الفترة الزمنية الواقعة بين وفاة إبراهيم ونبوّة عيسى عليهما السلم ‪،‬‬
‫حكُمُب بِهَا النّبِيّونَب الّذِينَب أَسْبَلمُوا لِلّذِينَب هَادُوا وَالرّبّانِيّونَب‬ ‫ومين قوله تعالى ( إِنّاب أَنزَلْنَا ال ّت ْورَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ َي ْ‬
‫شهَدَاءَ (‪ 44‬المائدة ) نجيد أنهيا أنزلت كمرجيع لبنيي إسيرائيل‬ ‫حفِظُوا مِنْب كِتَابِب الِّ َوكَانُوا عَلَيْهِب ُ‬ ‫وَالَْحْبَارُ بِمَا اسْبُت ْ‬
‫( بنييي يعقوب عليييه السييلم ) لسييتنباط واسييتخراج الحكام الشرعييية منهييا ‪ ،‬وفييي قوله تعالى ( يَأَ ْهلَ ا ْلكِتَاببِ قَدْ‬
‫ن أُوتُوا‬ ‫خفُو نَ مِ نْ ا ْلكِتَا بِ (‪15‬المائدة ) وقوله ( َوإِذْ َأخَذَ الُّ مِيثَا قَ الّذِي َ‬ ‫جَا َءكُ مْ رَ سُولُنَا يُبَيّ نُ َلكُ مْ كَثِيرًا ِممّا كُنْتُ مْ ُت ْ‬
‫ظهُورِهِمْب وَاشْتَ َروْا بِهِب َثمَنًا قَلِيلً فَبِئْسَب مَا َيشْتَرُونَب (‪ 187‬آل‬ ‫ا ْلكِتَابَب لَتُبَيّنُنّهُب لِلنّاسِب َولَ َتكْ ُتمُونَهُب فَنَبَذُوهُب َورَا َء ُ‬
‫عمران ) نجد وصفا لحال اليهود معها وما كان منهم ‪ ،‬في إخفائها وكتمانها وتحريفها وإظهار غير ما جاء فيها ‪،‬‬
‫وكل ما قيل فيها من معاني في المعجم ينسجم مع واقع التوراة الحالي ‪ ،‬وليس على كتاب موسى فقط والذي هو‬
‫في الصل جزء منها ‪ ،‬وما كان الفصل بينها وبين موسى عليه السلم في القران إل ليؤكد هذه الحقيقة ‪.‬‬
‫سهِ ‪ -‬مِ نْ قَ ْب ِل أَ نْ تُنَ ّز َل‬
‫ن حِلّ لِبَنِي إِ سْرَائِيلَ ‪ِ -‬إ ّل مَا حَرّ َم إِ سْرَائِيلُ عَلَى َنفْ ِ‬ ‫طعَا مِ كَا َ‬
‫ولو تمعنّا في هذه الية ( ُكلّ ال ّ‬
‫ال ّتوْرَاةُ ‪ُ -‬قلْ َفأْتُوا بِال ّت ْورَاةِ فَاتْلُوهَببا إِن ب ْب كُنْتُم ببْ ص ببَادِقِينَ (‪ 93‬آل عمران ) ونظرت فيييي قوله تعالى ( ُت َنزّلَ ) ‪،‬‬
‫لوجدت أن التنزييل غيير النزال ‪ ،‬فالول على مراحيل والثانيي لمرة واحدة ‪ ،‬ومين ثيم انتقلنيا إلى سيورة النعام ‪،‬‬
‫علَ ْيكُمْ … (‪ُ = )153( … )152( … )151‬ثمّ = آتَيْنَا مُوسَى ا ْلكِتَابَ‬ ‫وتدبرنا اليات ( ُقلْ َتعَا َلوْا أَ ْت ُل مَا حَرّمَ رَ ّبكُمْ َ‬
‫ح َمةً َلعَّلهُمْب ِبِلقَاءِ رَ ّبهِمْب ُي ْؤمِنُونَب (‪ 154‬النعام ) لوجدنيا أن‬ ‫ن وَ َتفْصبِيلً ِل ُكلّ شَيْ ٍء َوهُدًى َو َر ْ‬ ‫َتمَامًا عَلَى الّذِي َأحْسَب َ‬
‫حرّم عليهم في التوراة ‪ ،‬وأن مجيء أداة العطف ( ُثمّ ) بعد ذكر ما جاء في التوراة‬ ‫هذه اليات توضح ما كان قد ُ‬
‫مباشرة ‪ ،‬والتي تفيد لغ ًة الترتيب والتراخي في الزمن ‪ ،‬ومجيء العبارة ( آتَيْنَا مُوسَى ا ْلكِتَابَ ) بعدها ‪ ،‬يؤكد بما‬
‫ل يدع مجال للشك أمرين ؛ الول ‪ :‬أن التوراة شيء يختلف عن كتاب موسى عليه السلم ‪ ،‬والثاني ‪ :‬أنها سبقت‬
‫كتاب موسى عليه السلم في النزول ‪.‬‬

‫التوراة كتاب يضمّ بين دفتيه جميع ما أُنزل على أنبياء بني إسرائيل ‪:‬‬
‫والرجح أن التوراة أُنزلت مفرّقة بدءاً من يعقوب أو إسحاق وانتها ًء بزكريا عليهم السلم ‪ ،‬وأنها مجمل ما أُنزل‬
‫على يعقوب ويوسف وموسى وداود وسليمان وزكريا وبقية أنبيائهم ممن لم تذكر أسمائهم في القرآن ‪ ،‬قال تعالى‬
‫‪79‬‬
‫ي مُوسَى وَعِيسَى َومَا أُوتِيَ النّبِيّونَ مِ ْ‬
‫ن‬ ‫ط َومَا أُوتِ َ‬
‫ب وَالَْسْبَا ِ‬
‫ق وَ َيعْقُو َ‬
‫سحَا َ‬
‫سمَاعِيلَ َوإِ ْ‬
‫( َومَا أُن ِزلَ إِلَى إِبْرَاهِي َم َوإِ ْ‬
‫رَ ّبهِمْب لَ ُنفَرّقُب بَيْنَب َأحَ ٍد مِ ْنهُمْب وَ َنحْنُب لَهُب مُسْبِلمُونَ (‪ 136‬البقرة ) ولحيظ أن ترتييب أسيماء النيبياء ‪ ،‬فيي هذه اليية‬
‫ن النزال شمل كل من إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب‬ ‫جاء متعاقبا حسب الترتيب الزمني ‪ ،‬ولحظ أيضا أ ّ‬
‫والسيباط وتوقيف ‪ .‬وأفرد موسيى وعيسيى ميع أنهيم مين السيباط وخصيّهما باليتاء ‪ ،‬وأفرد النيبيين مين غيير ذريية‬
‫إبراهيم باليتاء أيضا ‪ ،‬والظاهر أن هناك فرق بين النزال واليتاء ‪ ،‬وأما ماهية السباط فسنبيّنها في فصل آخر‬
‫‪.‬‬
‫ولو اطلعيت على مجميل النصيوص القرآنيية ‪ ،‬لوجدت أن ميا نُسيب إلى موسيى علييه السيلم باليتاء ‪ ،‬هيو الكتاب‬
‫والفرقان والهدى وضياء وذكر واللواح والصحف ‪ ،‬وأن التوراة لم تنسب ن صّا إلى موسى عليه السلم ‪ ،‬في أي‬
‫موضع من المواضع ال (‪ )18‬في القرآن ‪ ،‬وهي ( ‪ 6‬مرات في آل عمران ‪ ،‬و ‪ 7‬مرات في المائدة ‪ ،‬ومرة واحدة‬
‫ل مين العراف والتوبية والفتيح والصيف والجمعية ) وخلصية القول أن ذكير التوراة فيي القران يُقصيد بيه‬ ‫فيي ك ٍ‬
‫الكتاب الذي كان بأيدي اليهود زميين نزول القرآن وحتييى عصييرنا هذا ‪ ،‬والذي مجمييل مييا أُنزل على أنييبياء بنييي‬
‫إسيرائيل عليهم السلم ‪ ،‬وأن المقصود بذكير الكتاب المذكور في سورة السراء هو ما أُنزل على موسى وحده ‪،‬‬
‫وال أعلم ‪ .‬وأميا ميا يُنسيب إلى موسيى علييه السيلم فيي التوراة الحاليية ‪ ،‬فهيي السيفار الخمسية الولى مين مجموع‬
‫أسفارها ‪ ،‬وهي أسفار التكوين والخروج واللويين والعدد والتثنية ‪ ،‬وعلى الرجح أن بعض هذه السفار كسفر‬
‫التكويين ‪ ،‬كان موجودا قبيل موسيى علييه السيلم ‪ ،‬ومين المحتميل أن يكون هذا السيفر هيو مجموع صيحف إبراهييم‬
‫وإسحاق ويعقوب عليهم السلم ‪.‬‬

‫حقيقة التوراة على لسان المقدسي ‪:‬‬


‫جاء فيي كتاب ( البدء والتارييخ ) للمقدسييّ ‪ ،‬ميا نصيه ‪ " :‬جاء فيي كتاب ( البدء والتارييخ ) للمقدسييّ ‪ ،‬ميا نصيه ‪:‬‬
‫وذلك أن ( بختنصر ) لما خرب بيت المقدس وأحرق التورية وساق بني إسرائيل إلى أرض بابل ‪ ،‬ذهبت التوراة‬
‫مين أيديهيم حتيى جدّدهيا لهيم عزيير فيميا يحكون ‪ ،‬والمحفوظ عين أهيل المعرفية بالتوارييخ والقصيص أن عزيرا‬
‫( عزرا الكاتب ) أملى التوراة في آخر عمره ‪ ،‬ولم يلبث بعدها أن مات ودفعها إلى تلميذ من تلمذته ‪ ،‬وأمره بأن‬
‫يقرأها على الناس بعد وفاته ‪ ،‬فعن ذلك التلميذ أخذوها ودونوها ‪ ،‬وزعموا أن التلميذ هو الذي أفسيدها وزاد فيها‬
‫وحرفها ‪ ،‬فمن ثم وقع التحريف والفساد في الكتاب و ُبدّلت ألفاظ التوراة ‪ ،‬لنها من تأليف إنسان بعد موسى لنه‬
‫يخيبر فيهيا عميا كان مين أمير موسيى علييه السيلم ‪ ،‬وكييف كان موتيه ووصييته إلى يوشيع بين نون ‪ ،‬وحزن بنيي‬
‫إسرائيل وبكاؤهم عليه ‪ ،‬وغير ذلك مما ل يشكل على عاقل أنه ليس من كلم ال عز وجل ول من كلم موسى ‪،‬‬
‫وفي أيدي السامرة توراة مخالفة للتوراة التي في أيدي سائر اليهود ‪ ،‬في التواريخ والعياد وذكر النبياء ‪ ،‬وعند‬
‫النصيارى توراة منسيوبة إلى اليونانيية ‪ ،‬فيهيا زيادة فيي توارييخ السينين على التوريية العبرانيية ‪ ،‬بألف وأربيع مائة‬
‫سنة ونيف ‪ ،‬وهذا كله يدل على تحريفهم وتبديلهم ‪ ،‬إذ ليس يجوز وجود التضاد فيها من عند ال " انتهى ‪.‬‬
‫أما ما دفعني للبحث في أمر التوراة في البداية ‪ ،‬هو رغبتي في استخراج نص النبوءة منها ‪ ،‬ومقارنته مع نص‬
‫سورة السراء ‪ ،‬واستقراء تاريخهم حسب ما يروونه هم بأنفسهم ‪ ،‬فيما إذا كان هناك ما يفيد تحقق الوعد الول ‪،‬‬
‫من خلل البحث في التوراة الحالية ‪ ،‬والموجودة تحت اسم العهد القديم ‪ ،‬في الكتاب المقدس الخاص بالنصارى ‪،‬‬
‫ي نسختين عنه واحدة باسم (كتاب الحياة ‪ /‬ترجمة تفسيرية ‪ /‬ط ‪ / 1988 2‬جي سي سنتر القاهرة )‬ ‫حيث توفرت لد ّ‬
‫وتقع في (‪ )1128‬صفحة ‪ ،‬وأخرى باسم ( الكتاب المقدس ‪ /‬دار الكتاب المقدس في الشرق الوسط ) وتقع في (‬
‫‪ ) 1358‬صفحة مترجمة عن التوراة اليونانية ‪ ،‬وبما أن عدد الصفحات كبير جدا ‪ ،‬ومن المؤكد أن هذا النص قد‬
‫اعتراه الكثيير مين التحرييف والتزويير مين إضافية ونقيص ‪ ،‬فهيو يحتاج إلى قراءة مركزة ومتأنيية مين اللف إلى‬
‫الياء ‪ ،‬مما يتطلب الكثير من الوقت والجهد ‪ ،‬فضل عما تُصاب به من دوار كلما حاولت أن تستجمع ما ورد فيها‬
‫‪ ،‬من أفكار مشتتة ومضلّلة ‪ ،‬ولما فيها من إسهاب وإطالة وتكرار ‪ ،‬لذلك كان ل بد لي من تحديد على من أُنزلت‬
‫هذه النبوة ‪ ،‬وميا هيو المقصيود بقوله سيبحانه ( فيي الكتاب ) على وجيه الدقية وفيي أي فترة زمنيية أُنزلت ‪ ،‬لتكون‬
‫عمليية البحيث فيهيا أقيل جهدا ‪ ،‬وعنيد بحثيي عنهيا فيميا نُسيب إلى موسيى علييه السيلم مين أسيفار وجدتهيا فيي سيفر‬
‫التثنيية ‪ ،‬وقيد اعتراهيا الكثيير مين التشوييه مين حذف وإضافية ‪ ،‬وفيميا يلي بعيض مين بقاييا نصيوصها التيي توزعيت‬
‫على مدى ( ‪ 18‬صفحة ) ‪:‬‬
‫‪80‬‬
‫سفر التثنية آخر السفار المنسوبة لموسى ‪ ،‬ويضم في ثناياه نصوص نبوءة السراء ‪:‬‬
‫ملحظية ‪ :‬النيص مأخوذ مين نسيخة ( كتاب الحياة ) حييث أن التركييب اللغوي فيهيا أكثير قوة وتعيبيرا ‪ ،‬إل فيي‬
‫مواضيع نادرة نلجيأ فيهيا للخيذ مين النسيخة الخرى ( الكتاب المقدس ) وهيو ميا يرد بيين [ … ] ‪ ،‬وميا يرد بيين‬
‫( … ) فهو تعقيب من المؤلف ‪.‬‬

‫جعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي ِإسْرَائِيلَ أَلّا تَ ّتخِذُوا مِنْ دُونِي َوكِيلًا ( ‪ 2‬السراء )‬
‫( وَءَاتَيْنَا مُوسَى ا ْلكِتَابَ َو َ‬
‫" إصحاح ‪ :26‬آية ‪ :16‬لقد أمركم الرب إلهكم هذا اليوم ‪ ،‬أن تعملوا بهذه الفرائض والحكام ‪ ،‬فأطيعوا واعملوا‬
‫بها من كل قلوبكم ومن كل نفوسكم ‪ … :17 ،‬وأن عليكم طاعة جميع وصاياه ‪ :19،‬فيجعلكم أسمى من كل المم [‬
‫مستعليا على جميع القبائل ] التي خلقها في الثناء والشرف والمجد ‪ ( ،‬العلو ) ‪. " … ،‬‬
‫إخبار موسى عليه السلم بنص النبوءة كان قبل دخولهم إلى الرض المقدسة ‪:‬‬
‫‪ " :1-9 :27‬وأوصيى موسيى وشيوخ إسيرائيل الشعيب قائليين ‪ :‬أطيعوا جمييع الوصيايا التيي أنيا أمركيم بهيا اليوم ‪.‬‬
‫فعندميا تجتازون نهير الردن ‪ ،‬إلى الرض التيي يهبهيا الرب إلهكيم لكيم ‪ ،‬تنصيبوا لنفسيكم حجارة كيبيرة ‪… ،‬‬
‫وتكتبون عليها جميع كلمات هذه الشريعة ‪ … ،‬ثم قال موسى والكهنة واللويون لجميع شعب إسرائيل " ‪:‬‬
‫سفر الخروج ‪ :2 : 20 " :‬أنا هو الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر ديار عبوديتك ‪ :3 ،‬ل يكن لك آلهة‬
‫أخرى سواي ‪ :4 ،‬ل تنحت لك تمثال ول صورة ‪ :5 ، … ،‬ل تسجد لهن ول تعبدهن ‪ :7 ، … ،‬ل تنطق باسم‬
‫الرب باطل ‪ :12 ، … ،‬أكرم أباك وأمك ‪ :13 ، … ،‬ل تقتل ‪ :14 ،‬ل تزن ‪ :15 ،‬ل تسرق ‪ :16 ،‬ل تشهد على‬
‫قريبك شهادة زور ‪ :17 ،‬ل تشته بيت جارك ‪ ، … ،‬ول شيئا مما له " ‪.‬‬
‫وهذا ما يُسمّونه بالوصايا العشر ‪ ،‬واخترت النص من سفر الخروج ‪ ،‬كونه أكثر وضوحا ومطابقة للقرآن ‪ ،‬حيث‬
‫ورد نص الميثاق والوصايا في والبقرة ( ‪ ) 84 – 83‬والنعام ( ‪ ) 153 – 151‬والسراء ( ‪. ) 39 – 22‬‬

‫ن عُُلوّا كَبِيرًا ( ‪ 4‬السراء )‬


‫( وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي ا ْلكِتَابِ لَ ُت ْفسِدُنّ فِي الْأَ ْرضِ َمرّتَيْنِ وَلَ َتعْلُ ّ‬
‫" ‪ :16-21 :31‬و قال الرب لموسيى ‪ :‬ميا إن تموت وتلحيق بآبائك ( مسيتقبل ) … حالميا أدخلهيم إلى الرض التيي‬
‫تفيض لبنا وعسل ‪ ، … ،‬فيأكلون ويشبعون ويسمنون ‪ ،‬فإنهم يسعون وراء آلهة أخرى ويعبدونها ويزدرون بي‬
‫وينكثون عهدي ‪ .‬فيحتدم غضيبي عليهيم فيي ذلك اليوم ‪ ،‬وأنبذهيم وأحجيب وجهيي عنهيم ‪ ،‬فيكونوا فريسية ‪:، … ،‬‬
‫فمتيى حلّت بهيم شرور كثيرة ومصيائب جمّة ‪ ،‬يشهيد هذا النشييد عليهيم ‪ ،‬لنيه سييظل يتردّد على أفواه ذريّتهيم ‪ ،‬إذ‬
‫أنني عالم بخواطرهم التي تدور بخلدهم الن ‪ ،‬قبل أن أُدخلهم إلى الرض كما [ أقسمت ] " ‪ ( .‬وهذا يعني أن ال‬
‫أخبرهم من سابق علمه بما سيكون منهم بعد دخولهم للرض المقدّسة )‬

‫سكُمْ ( ‪ 7‬السراء )‬
‫حسَنْ ُتمْ لِأَ ْن ُف ِ‬
‫حسَنْتُ ْم أَ ْ‬
‫( إِنْ َأ ْ‬
‫" ‪ :1-13 :28‬وإن أطعتم صوت الرب طاعة تامة ‪،‬حرصا منكم على تنفيذ جميع وصاياه فإن الرب إلهكم يجعلكم‬
‫أسييمى ميين جميييع أمييم الرض ‪ .‬وإذا سييمعتم لصييوت الرب إلهكييم ‪ ،‬فإن جميييع هذه البركات تنسييكب عليكييم‬
‫وتلزمكيم ‪ ، … ،‬كميا تتبارك ُذرّيّتكيم ‪ ،‬وغلّت أرضكيم ‪ ،‬ونتاج بهائمكيم ‪ ،‬ويهزم الرب أمامكيم أعدائكيم القائميين‬
‫عليكييم ‪ ،‬فيقبلون عليكييم فييي طريييق واحدة ‪ ،‬ولكنّهييم يُولّون الدبار فييي سييبع طُرق ‪ ،‬فيفتييح الرب كنوز سييمائه‬
‫الصالحة ‪ ،‬فيمطر على أرضكم في مواسمها ‪ ،‬ويُبارك كل ما تنتجه أيديكم ‪ ، … ،‬فإنّه يجعلكم رؤوسا ل أذنابا ‪،‬‬
‫متسامين دائما ( علو ) ‪ ،‬ول يُدرككم انحطاط أبدا ( ذلّة ) … " ‪ ( .‬مثوبة الصلح )‬

‫( َوإِنْ َأسَأْ ُتمْ فَ َلهَا ( ‪ 7‬السراء )‬


‫" ‪ 15 :28‬ولكن إن عصيتم صوت الرب إلهكيم ‪ ،‬ولم تحرصوا على العميل بجمييع وصياياه وفرائضيه ‪ ،‬التيي أنيا‬
‫ل اللعنية بأبنائكيم ‪ ،‬وغلّت أرضكيم ‪،‬‬‫آمركيم اليوم بهيا ‪ ،‬فإن جمييع هذه اللعنات تحيل بكيم وتلزمكيم ‪ ، … ،‬وتح ّ‬
‫‪81‬‬
‫ب الربيّ عليكييم اللعنيية والفوضييى والفشييل ‪ ،‬حتييى تهلكوا وتفنوا سييريعا لسييوء أفعالكييم إذ‬
‫ونتاج بهائمكييم ‪ ،‬ويصي ّ‬
‫تركتموني ‪ ،‬ويتفشى بينكم الوباء حتى يُبيدكم ‪ ،‬وتصبح السماء من فوقكم كالنحاس ‪ ،‬والرض من تحتكم كالحديد‬
‫‪ :25 ،‬ويهزمكم الربّ أمام أعدائكم ‪ ،‬فتقبلون عليهم في طريق واحدة ‪ ،‬وتولون الدبار أمامهم متفرقين في سبع‬
‫طرق ‪ ،‬وتصيبحون عيبرة لجمييع ممالك الرض ‪ :26 ،‬وتكون جثتكيم طعاميا ‪ ،‬لجمييع طيور السيماء ووحوش‬
‫الرض ‪ ،‬ول يطردها أحد [ وليس من يزعجها ] ‪ :28 ،‬ويبتليكم الرب بالجنون والعمى وارتباك الفكر [ وحيرة‬
‫القلب ] ‪ :29 ،‬فتتحسيّسون طرقكيم فيي الظهير ‪ ،‬كميا يتحسيّس العميى فيي الظلم ‪ ،‬وتبوء طرقكيم بالخفاق ‪ ،‬ول‬
‫تكونون إل مظلومين مغصوبين كل اليام ‪ :32 ،‬يساق أولدكم وبناتكم إلى أمة أخرى … وما في أيديكم حيلة ‪،‬‬
‫… ‪ :36 ،‬ينفيكم الرب أنتم ومَلِككم إلى أمة أخرى ‪ ،‬ل تعرفونها أنتم ول آباؤكم ‪ :37 ، … ،‬وتصبحون مثار‬
‫دهشيية وسييخرية وعييبرة فييي نظيير جميييع الشعوب ‪ [ :43 ، … ،‬الغريييب الذي فييي وسييطك ‪ ،‬يسييتعلي عليييك‬
‫متصاعدا ‪ ،‬وأنت تنحط متنازل ] ( عودة الذل وزوال العلو ) ‪ ، … :44 ،‬وهم يكونون رؤوساً وأنتم تكونون ذنبا‬
‫" ‪ ( .‬عقوبة الفساد )‬

‫النصوص الخاصة بالمرة الولى ‪:‬‬

‫س شَدِيدٍ َفجَاسُوا خِلَا َل الدّيَا ِر … ( ‪ 5‬السراء )‬


‫( فَإِذَا جَا َء وَعْدُ أُولَا ُهمَا َبعَثْنَا عَلَ ْي ُكمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْ ٍ‬
‫" ‪ 49 :28‬ويجلب الرب عليكم أمة من بعيد ‪ ،‬من أقصى الرض ‪ ،‬فتنقضّ عليكم كالنسر ‪ :50 ،‬أمّة [ جافية الوجه‬
‫] يثيير منظرهيا الرعيب ‪ ،‬ل تهاب الشييخ ول ترأف بالطفيل ‪ ( ،‬صيفة البأس الشدييد ) ‪ :51‬فتسيتولي على نتاج‬
‫بهائمكييم ‪ ،‬وتلتهييم غلت أرضكييم حتييى تفنوا ‪ ،‬ول تُبق يِ لك قمحييا ول خمرا ول زيتييا ‪ … ،‬حتييى تفنيييك ‪:52 ،‬‬
‫وتحاصيركم فيي جمييع مدنكيم ‪ ،‬حتيى تتهدم أسيواركم الشامخية الحصيينة ‪ ،‬التيي وثقتيم بمناعتهيا ‪ ( ، … ،‬الجوس‬
‫خلل الديار ) ‪ :58‬فإن لم تحرصوا على العمل بجميع كلمات هذا الشريعة المكتوبة في هذا الكتاب ‪:59 ، … ،‬‬
‫فإن الرب يجعيل الضربات النازلة بكيم وبذرّيتكيم ‪ ،‬ضربات مخيفية وكوارث رهيبية دائمية ‪ :63 ، … ،‬وكميا سُيرّ‬
‫الرب بكيم ‪ ،‬فأحسين إليكيم وكثّركيم ‪ ،‬فإنيه سييُس ّر بأن يفنيكيم ويهلككيم فتنقرضون [ فتسيتأصلون ] مين الرض التيي‬
‫أنتم ماضون إلى امتلكها ‪ :64 ،‬ويشتّتكم [ ويبددكم ] الرب بين جميع المم ‪ ،‬من أقصى الرض الى أقصاها ‪،‬‬
‫… ( الشتات في كافة أرجاء الرض ) ‪ :65‬ول تجدون بين تلك المم اطمئنانا ول مقرّا لقدم ‪ ،‬بل يعطيكم الرب‬
‫قلبيا هلعيا ‪ ،‬وعيونيا أوهنهيا الترقيب ‪ ،‬ونفوسيا يائسية ( الذلة والمسيكنة بيين الميم ) ‪ :66 ،‬و تعيشون حياة مفعمية‬
‫بالتوتر ‪ ،‬مليئة بالرعب ليل و نهارا " ‪.‬‬
‫النبوءة جاءت بِ َقسَم ولمرتين ( تكرار للنص السابق مع السهاب ) ‪:‬‬
‫‪ 1 :29‬وهذه هيي نصيوص العهيد ‪ ،‬الذي أمير الرب موسيى ‪ ،‬أن يقطعيه ميع بنيي إسيرائيل فيي سيهول موآب ‪ ،‬فضل‬
‫عين العهيد الذي قطعيه معهيم فيي حورييب ‪ :2 ،‬ودعيا موسيى جمييع إسيرائيل ‪ 4 :29 ، … ،‬و لكين الرب لم يعطكيم‬
‫حتييى الن ‪ ،‬قلوبييا لتعوا [ لتفهموا ] وعيونييا لتبصييروا و أذانييا لتسييمعوا ‪ :9 ، … ،‬فأطيعوا نصييوص هذا العهييد‬
‫واعملوا بهيا ‪ [ ،‬لكيي تفلحوا فيي كيل ميا تفعلون ] ‪ :14 ، … ،‬ولسيت أقطيع هذا العهيد وهذا القسيم معكيم وحدكيم ‪،‬‬
‫‪ :15‬بل … أُبرمه أيضا مع الجيال القادمة ( حيث سيقع منهم الفساد مرّتين مستقبل ) ‪ :18 ، … ،‬فاحرصوا أن‬
‫ل يكون بينكم ‪ ،‬من تأصّل فيه الشرّ ‪ ،‬فيحمل ثمرا علقما سامّا ‪ :19 ،‬فإن سمعَ كلم هذا القَسم يستمطر بركة على‬
‫نفسه ( أي يزكّي نفسه ) قائل ‪ :‬سأكون آمنا ‪ ،‬حتى ولو أصررت على الستمرار في سلوك طريقي ( الصرار‬
‫على المعصية ) ‪ ،‬إن هذا يُفضي إلى فناء الخضر واليابس ‪ ،‬على حد سواء ‪ :20 ،‬إن الرب ل يشاء الرفق بمثل‬
‫هذا النسيان ‪ ،‬بيل يحتدم غضبيه وغيرتيه علييه ‪ ،‬فتنزل بيه كيل اللعنات المدوّنية فيي هذا الكتاب ‪ ،‬ويمحيو اسيمه مين‬
‫تحت السماء ‪ :22 ،‬فيشاهد أبناؤكم من الجيال القادمة ‪ ،‬والغرباء الوافدون من أرض بعيدة ‪ ،‬بليا تلك الرض ‪،‬‬
‫… ‪ :23 ،‬إذ تصيبح جمييع الرض كبريتيا محترقية ل زرع فيهيا ‪ ، … ،‬كانقلب سيدوم ( قوم لوط ) ‪ ،‬التيي قلبهيا‬
‫الرب من جراء غضبه وسخطه ‪ :28 ، … ،‬واجتثّهم من أرضهم ‪ ،‬بغضبٍ وسخطٍ وغيظٍ عظيم ‪ ،‬وطوّح بهم إلى‬
‫أرض أخرى ( السبي والشتات ) ‪. " … ،‬‬

‫‪82‬‬
‫النصوص الخاصة بالمرة الثانية ‪:‬‬

‫( فَإِذَا جَاءَ وَعْ ُد الْآخِرَ ِة جِئْنَا ِب ُكمْ َلفِيفًا ( ‪ 104‬السراء )‬


‫ل بكم هذه البركات واللعنات ( تحقق الوعد الول من علو وإفساد وعقاب ) كلها التي وضعتها‬ ‫‪ 1 :30‬وعندما تح ّ‬
‫نُصيب أعينكيم ‪ ،‬وردّدتموهيا فيي قلوبكيم بيين الميم ‪ ،‬حييث شتّتكيم الرب إلهكيم ‪ :2 ،‬ورجعتيم إلى الرب إلهكيم أنتيم‬
‫وبنوكيم ‪ :3 … ،‬فإن الرب إلهكيم يردّ سيبيكم ويرحمكيم ‪ ،‬ويلّم شتاتكيم مين بيين جمييع الشعوب ‪ ،‬التيي نفاكيم الرب‬
‫إلهكم إليها ‪… ،‬‬

‫جعَلْنَاكُ ْم أَكْثَ َر َنفِيرًا ( ‪ 6‬السراء )‬


‫( ُثمّ رَدَدْنَا َلكُمُ ا ْلكَرّ َة عَلَ ْي ِهمْ َوَأمْدَدْنَا ُكمْ بِ َأ ْموَالٍ وَبَنِينَ َو َ‬
‫‪ :5 :30‬ويعيدكيم إلى الرض التيي امتلكهيا آباؤكيم فتمتلكونهيا ‪ ،‬ويحسين إليكيم ويكثّركيم أكثير مين آبائكيم ‪ :7 :30 ،‬و‬
‫يُحوّل الرب إلهكيم كيل هذه اللعنات ( العقاب الذي سييكون قيد نزل بهيم فيي المرة الولى ) على أعدائكيم ‪ ،‬وعلى‬
‫مبغضيكم الذين طردوكم ( الذين أنزلوا بهم العقاب اللهي في المرة الولى ) ‪ 8 :30،‬و أما أنتم فتطيعون صوت‬
‫الرب من جديد ( في المرة الثانية ) ‪ ،‬وتعملون بجميع وصاياه التي أنا أوصيكم بها اليوم ‪ :9 ،‬فيفيض الرب عليكم‬
‫خيرا ‪ ،‬فيي كيل عميل ميا تنتجيه أيدكيم ‪ ،‬ويكثّر ثمرة أحشائكيم ‪ ،‬ونتاج بهائمكييم ‪ ،‬أرضكييم ‪ ( … ،‬وكيل ميا تقدم‬
‫مشروط بالحسان )‬

‫ن َأسَأْ ُتمْ فَ َلهَا ( ‪ 7‬السراء ) ( تكرار )‬


‫سكُمْ َوإِ ْ‬
‫حسَنْ ُتمْ لِأَ ْن ُف ِ‬
‫حسَنْتُ ْم أَ ْ‬
‫( إِنْ َأ ْ‬
‫‪ :10 :30‬هذا إن سيمعتم لصيوت الرب إلهكيم ‪ ،‬وحفظتيم وصياياه وفرائضيه المدوّنية فيي كتاب الشريعية هذا ‪ ( ،‬أي‬
‫تعالييم شريعية موسيى فيي التوراة ‪ ،‬ولييس تعالييم التلمود التيي خطّهيا أحبارهيم وكهنتهيم ) ‪ ،‬وإن رجعتيم إلى الرب‬
‫إلهكم ‪ ،‬من كل قلوبكم ومن كل نفوسكم ‪ :11 ،‬إن ما أوصيكم به اليوم من وصايا ‪ ،‬ليست متعذّرة عليكم ول بعيدة‬
‫المنال ‪ :15 ، … ،‬انظروا ‪ :‬هيا أنيا قيد وضعيت أمامكيم اليوم ‪ ،‬الحياة والخيير والموت والشير ‪ … :16 ،‬أوصييتكم‬
‫اليوم أن تُحبّوا الرب إلهكيم ‪ ،‬وأن تسيلكوا فيي طرقيه ‪ ،‬وتطيعوا وصياياه وفرائضيه وأحكاميه ‪ ،‬لكيي تحيوا وتنميو ‪،‬‬
‫فيبارككيم الرب ‪ ،‬فيي الرض التيي أنتيم ماضون إليهيا لمتلكهيا ‪ :17 ،‬ولكين إن تحوّلت قلوبكيم ولم تطيعوا ‪ ،‬بيل‬
‫غويتيم وسيجدتم للهية أخرى وعبدتموهيا ‪ :18 ،‬فإنيي أنذركيم [ أُنبّئكيم ] اليوم أنكيم ل محالة هالكون ‪ ،‬ول تطول‬
‫اليام على الرض ( أي مقامكم ) التي أنت عابر ( نهر ) الردن لتدخلها وتمتلكها …‬
‫‪ :19‬هيا أنيا أُشهيد عليكيم اليوم السيماء والرض ‪ ،‬قيد وضعيت أمامكيم الحياة والموت ( أي وضحيت لكيم طرييق‬
‫النجاة وطرييق الهلك ‪ ،‬واسيتبدالها بكلمتيي الحياة والموت مين خلل النقيل أو التحرييف ‪ ،‬ترتّب علييه إنكار الحياة‬
‫الخرة ‪ ،‬واليوم الخير مين بعيث وحسياب ‪ ،‬فالجزاء عندهيم دنيوي فقيط ‪ ،‬فالثواب هيو إطالة الحياة ‪ ،‬والعقاب هيو‬
‫قصيرها ) ‪ ،‬البركية واللعنية ( أي الجزاء فيي الدنييا ) ‪ ،‬فاختاروا الحياة ( أي الشريعية ) لتحيوا ( لتنجوا مين عذاب‬
‫الدنيا والخرة ) أنتم ونسلكم ‪ :20 ،‬إذ تحبّون الرب إلهكم و تطيعون صوته ‪ ،‬وتتمسّكون به لنه هو حياتكم ( أي‬
‫نجاتكييم ) والذي يُطيييل أيامكييم لتسييتوطنوا [ لكييي تسييكنوا ] الرض التييي حلف الرب لبائك ‪ ،‬إبراهيييم وإسييحاق‬
‫ويعقوب أن يعطيها لكم ‪.‬‬
‫الدخول أول مرة كان بحبل من ال ‪:‬‬
‫‪ :1 :31‬ومضيى موسيى يقول لبنيي إسيرائيل ‪ … :2 :‬وقيد قال لي الرب ‪ :‬لن تعيبر هذا الردن ( المقصيود نهير‬
‫الردن ) ‪ :3‬ولكن الرب إلهكم هو عابر أمامكم ‪ ،‬وهو يبيد تلك المم من قدّامكم فترثونهم ‪ [ :6 ، … ،‬تشدّدوا ]‬
‫وتشجّعوا ‪ ،‬ل تخشونهم ول تجزعوا منهم ‪ ،‬لن الرب إلهكم سائر معكم ‪ ،‬ل يهملكم ول يترككم ‪.‬‬
‫حتمية إفسادهم وعقابهم في المرة الثانية ‪:‬‬
‫‪ 28 :31‬اجمعوا إليّي جميييع شيوخ أسييباطكم و عرفاءكييم ( النقباء ) ‪ ،‬لتلو على مسييامعهم هذه الكلمات ‪ ،‬وأشهييد‬
‫عليهيم السيماء والرض ‪ :29 ،‬لننيي واثيق أنكيم بعيد موتيي ‪ ،‬تفسيدون وتضلون عين الطرييق الذي أوصييتكم بهيا ‪،‬‬
‫‪83‬‬
‫فيصييبكم الشرّ فيي آخير اليام ( المرة الثانيية تكون آخير الزمان ) ‪ ،‬لنكيم تقترفون الشير أمام الرب ‪ ،‬حتيى تثيروا‬
‫غيظه بما تجنيه أيديكم ‪ :30 ،‬فتل موسى في مسامع كل جماعة إسرائيل [ بكلمات ] هذا النشيد ‪… ،‬‬

‫( أَلّا تَ ّتخِذُوا مِنْ دُونِي َوكِيلًا ( ‪ 2‬السراء )‬


‫‪ :3 :32‬باسيم الرب أدعيو فمجّدوا عظمية إلهنيا ‪ :4 ،‬هيو الصيخر ( الوكييل ) [ الكاميل صينيعه ] ‪ ،‬سيبله جميعهيا‬
‫عدل ‪ ،‬هو إله أمانة ل يرتكب جورا ‪ ،‬صديق وعادل هو ‪ :5 ،‬لقد اقترفوا الفساد أمامه ‪ ،‬ولم يعودوا له أبناء ‪ ،‬بل‬
‫لطخيية عار ‪ ،‬إنهييم جيييل أعوج وملتييو ‪ :6 ،‬أبهذا تكافئون الرب ‪ ،‬أيهييا الشعييب الحمييق الغييبيّ ‪ ،‬أليييس هييو أباكييم‬
‫وخالقكيم ‪ ،‬الذي عملكيم وخلقكيم ‪ :7 ،‬اذكروا اليام الغابرة ‪ ،‬وتأملوا فيي سينوات الجيال الماضيية ‪ ،‬اسيألوا آبائكيم‬
‫جدَهيم فيي أرض قفرٍ وفيي خلء موحشٍي ‪ ،‬فأحاط بهيم ورعاهيم وصيانهم ‪،‬‬ ‫فينبئوكيم ‪ ،‬وشيوخكيم فيخيبروكم ‪َ :10 ،‬و َ‬
‫‪ … :12‬وحده قاد شعبيه ‪ ،‬ولييس معيه إله غرييب ( أي آخير ) ‪ :13 ،‬أصيعدهم على هضاب الرض ‪ ،‬فأكلوا ثمار‬
‫الصحراء ‪ ،‬وغذّاهم بعسل من حجر ‪ ،‬وزيتا من حجر الصوّان ‪ ،‬و … و …‬
‫الدخول الثاني كان بحبل من الناس ‪ ،‬إذ ل حاجة بهم إلى ال ‪:‬‬
‫‪ :15‬فسيمن بنيو إسيرائيل ورفسيوا ‪ ،‬سيمنوا وغلظوا واكتسيوا شحميا ( كنايية عين الترف ) ‪ ،‬فرفضوا الله صيانعهم‬
‫وتنكّروا لصخرة خلصهم ‪ :16 ،‬أثاروا غيرته بآلهتهم الغريبة ‪ ،‬وأغاظوه بأصنامهم الرجسة ‪ :17 ،‬للهة غريبة‬
‫لم يعرفوهيا بيل ظهرت حديثيا ( المال والقوة والناس ) ‪ ،‬آلهية لم يرهبهيا آباؤهيم مين قبيل ‪ :18 ،‬لقيد نبذتيم الصيخر‬
‫الذي أنجبكم ونسيتم ال الذي أنشأكم ( وهذا حالهم وحال دولتهم الحالية ) ‪.‬‬

‫سجِدَ َكمَا َدخَلُوهُ َأ ّولَ مَرّ ٍة … ( ‪ 7‬السراء )‬


‫( لِ َيسُوءُوا ُوجُو َهكُمْ وَلِيَ ْدخُلُوا ا ْل َم ْ‬
‫‪ :19‬فرأى الرب ذلك ورذلهيم ‪ ،‬إذ أثار أبناؤه وبناتيه غيظيه ‪ :20 ،‬وقال ‪ :‬سأحجب وجهي عنهيم فأرى ماذا سييكون‬
‫مصييرهم ؟ إنهيم جييل متقلب وأولدُ خونة ‪ ، … :21 ،‬لذلك سيأثير غيرتهيم بشعيب متوحيش ( أولي بأس شدييد ) ‪،‬‬
‫وأغيظهيم بأمية حمقاء [ أمية ل تفهمون لغتهيا ] ‪ :22‬فهيا قيد أضرم غضيبي نارا ‪ ،‬تُحرق حتيى الهاويية السيفلى ‪،‬‬
‫وتأكل الرض وغلّتها ‪ ،‬وتحرق أسس الجبال ‪ :23 ،‬أجمع عليهم شرورا ‪ ،‬وأُنفذ سهامي فيهم ‪ :24 ،‬أجعل أنياب‬
‫الوحوش ‪ ،‬مع حمّة زواحف الرض تنشب فيهم ‪ :25 ،‬يثكلهم سيف العدو في الطريق ‪ ،‬ويستولي عليهم الرعب‬
‫داخييل الخدور ‪ ،‬فيهلك الفتييى مييع الفتاة ‪ ،‬والرضيييع مييع الشيييخ ( الجوس الثانييي ) ‪ :26‬قلت ‪ :‬أشتّتهييم فييي زوايييا‬
‫الرض ‪ ،‬وأمحيو مين بيين الناس ذكرهيم ( أي فيي المرة الولى ) ‪ :27 ،‬لول خوفيي مين تبجيح العدو ‪ ،‬إذ يظنون‬
‫عظُمت ( أعداء بني إسرائيل ) وليس ما جرى من فِعل الرب ‪.‬‬ ‫قائلين ‪ :‬إن يدنا قد َ‬

‫( فَإِذَا جَاءَ وَعْ ُد الْآخِرَةِ ( ‪ 7‬السراء )‬


‫‪ 28 :32‬إن بني إسرائيل أمة غبية ول بصيرة فيهم ( ل يعقلون ول يفقهون ) ‪ :29 ،‬لو عقلوا لفطنوا لمآلهم وتأملوا‬
‫فيي مصييرهم ‪ :32 ،‬إذ أن كرمتهيم مين كرمية سيدوم ‪ ،‬ومين حقول عمورة ‪ ( ،‬تشييه إفسيادهم وإصيرارهم ‪ ،‬بإفسياد‬
‫قوم لوط وإصرارهم ) وعنبهم ينضح سمّا ‪ ،‬وعناقيدهم تفيض مرارة ‪ :33 ،‬خمرهم حمّة الفاعي ‪ ،‬وس ُم الثعابين‬
‫الممييت ‪ 34 :32‬ألييس ذلك مدخرا عندي ‪ ،‬مختوميا علييه فيي خزائنيي ‪ :35 ،‬لي النقمية وأنيا أُجازي ‪ ،‬فيي الوقيت‬
‫المعين ( مجيء الوعد ) تزلّ أقدامهم ‪ ،‬فيوم هلكهم بات وشيكا ‪ ،‬ومصيرهم المحتوم يُسرع إليهم ‪ ( ،‬كلما أمعنوا‬
‫في الفساد كلما اقترب موعد هلكهم ) ‪.‬‬

‫ح َم ُكمْ … ( ‪ 8‬السراء )‬
‫ن يَ ْر َ‬
‫عسَى رَ ّبكُمْ أَ ْ‬
‫( َ‬
‫" ‪ :36‬لن الرب يديين شعبيه ( بنيي إسيرائيل ) ويرأف بعيبيده ‪ ،‬عندميا يرى أن قوّتهيم قيد اضمحلت ( زالت بعيد‬
‫المرة الثانية ) … " ‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫حوِيلًا ( ‪ 56‬السراء )‬
‫ن دُو ِنهِ فَلَا َيمْ ِلكُونَ َكشْفَ الضّرّ عَ ْن ُكمْ وَلَا َت ْ‬
‫عمْ ُتمْ مِ ْ‬
‫( ُقلِ ادْعُوا الّذِينَ َز َ‬
‫ب لمساعدتكم وتبسط عليكم‬‫" ‪ 37 :32‬عندئذ يسأل الرب ‪ :‬أين آلهتهم ؟ أين الصخرة التي التجأوا إليها ؟ ‪ :38‬لته ّ‬
‫حمايتها ‪ :39‬انظروا الن ‪ :‬إني أنا هو وليس إله معي ‪ ،‬أنا أميت وأحيي ‪ ،‬أسحق وأشفي ول منقذ من يدي ‪… ،‬‬
‫ت بيه يدي للقضاء ‪ ،‬فإنيي أنتقيم مين أعدائي وأجازي مبغضيّي ‪ :42 ،‬أُسيكر‬
‫‪ :41‬إذا سيننت سييفي البارق ‪ ،‬وأمسيك ْ‬
‫سهامي بالدم ويلتهم سيفي لحما بدم القتلى والسبايا ‪ ،‬ومن رؤوس قواد العدو ( قادة إسرائيل ) … " ‪.‬‬

‫موسى عليه السلم يُخبر بنص النبوءة قبل موته ‪:‬‬


‫" ‪ 45 :32‬وعندميا انتهيى موسيى ‪ ،‬مين تلوة جمييع كلمات هذا النشييد على السيرائيليين ‪ :46 ،‬قال لهيم ‪ :‬تأمّلوا‬
‫بقلوبكيم فيي جمييع الكلمات ‪ ،‬التيي أنيا أشهيد عليكيم بهيا اليوم ‪ ،‬لكيي توصيوا بهيا أولدكيم ‪ ،‬ليحرصيوا على العميل‬
‫بكلمات هذه التوراة كلهيا ‪ :47 ،‬لنهيا ليسيت كلمات ل جدوى لكيم منهيا ‪ ،‬إنهيا حياتكيم وبهيا تعيشون طويل ‪ ،‬فيي‬
‫الرض التيي أنتيم عابرون نهير الردن إليهيا لترثوهيا … ‪ :5 :34‬فمات موسيى عبيد الرب ‪ ،‬فيي أرض موآب‬
‫[حسب ] قول الرب " ‪.‬‬
‫نلحيظ هنيا أن النبوءة ‪ ،‬اعتراهيا بعيض التشوييه مين حذف أو إضافية أو تبدييل ‪ ،‬ولكنهيا حافظيت على خطوطهيا‬
‫العريضة ‪ ،‬ونلحظ أيضا أنها فصلت المرتين كل منهما على حدة ‪.‬‬

‫حيثيات نفاذ الوعد الول في السفار الخرى‬

‫التوراة كمرجع تاريخي غير موثوق به ‪:‬‬


‫رجّح كثيير مين الناقديين والباحثيين الغربيون ‪ ،‬مين الذيين وضعوا التوراة تحيت المجهير ‪ ،‬كونهيا العهيد القدييم مين‬
‫كتابهيم المقدس ‪ ،‬أنهيا كتبيت بأيدي بشير ‪ ،‬وذلك لميا تحفيل بيه مين خرافات وأسياطير ‪ ،‬ولتناقضهيا ميع العهيد الجدييد‬
‫( النجييل ) ‪ ،‬وتناقضهيا ميع المنطيق والواقيع ‪ ،‬وتناقضهيا أيضيا ميع المصيادر التاريخيية الخرى فيي مواضيع‬
‫عديدة ‪ ،‬ويُجمع الكثير منهم أن كتابتها وجمعها قد تم بعد السبي البابلي ‪ ،‬وجاء القرآن ليكشف الكثير من أكاذيبها‬
‫وافتراءاتهيا ‪ ،‬ومن خلل اطّلعي عليها تبين لي أن من قام بإعادة كتابة التوراة ‪ ،‬هم أشخاص مشبعون بمشاعر‬
‫الحقد والقهر والنقمة والرغبة في النتقام ‪ ،‬وكل هذه المشاعر موجهة بالترتيب نحو ‪:‬‬
‫‪ .1‬رب العزة جلّ وعل ‪ ( ،‬يقولون أن يعقوب علييه السيلم صيرع ال فيي البريية ‪ ،‬واسيتطاع ال النجاة بعضّي‬
‫يعقوب فيي فخذه ‪ ،‬فسيبب له عرق النسياء ‪ ،‬ومين أجيل ذلك ل يأكيل اليهود عرق النسياء الذي فيي الفخيذ ‪ ،‬سيفر‬
‫التكوين ‪ ، 32-24 :32‬ويقولون عنه سبحانه أنه كثير البكاء وكثير الندم على ما أنزله بشعبه المقدس ‪ ،‬ولذلك‬
‫كانوا وميا زالوا يعتقدون ‪ ،‬أن ال سييصلح خطأه معهيم ‪ ،‬بإعادتهيم إلى وطنهيم ‪ ،‬الذي طُردوا منيه بل ذنيب أو‬
‫خطيئة ‪ ،‬فالخطييأ منسييوب إلى ال ورسييله وملئكتييه والشعوب المجاورة ‪ ،‬أمييا شعييب ال المقدّس ‪ ،‬فليييس له‬
‫خطيئة فهو حمل وديع ‪ ،‬وهذا نوع من السقاط النفسي ‪ ،‬لعظم الخطيئة ‪ ،‬وفداحة العقاب الذي وقع منهم وبهم‬
‫)‪.‬‬
‫‪.2‬الرسل والنبياء ‪ ( ،‬يقولون أن موسى وهارون خانا الرب وسط الشعب التثنية ؛ ‪ ، 51-50 :32‬وهارون هو‬
‫الذي صينع العجيل الذهيبي ‪ ،‬الخروج ‪ ، 6-1 :32‬وداود ارتكيب خطيئة الزنيا ميع زوجية الجندي ؛ صيموئيل‬
‫الثاني ‪ ، 27-1 :11 ،‬وسليمان عبد آلهة أخرى ‪ ،‬وفعل الشرّ في عيني الرب ‪ ،‬كما فعل أبوه ؛ ملوك أول ‪:11‬‬
‫‪. ) 8-1‬‬
‫‪.3‬الكنعانيون القدماء وورثتهييم الجدد ( الفلسييطينيون ) ‪ ( ،‬سييفر التكوييين ‪ :27-20 :9‬واشتغييل نوح بالفلحيية‬
‫وغرس كرما ‪ ،‬وشرب من الخمر فسكر وتعرى داخل خيمته ‪ ،‬فشاهد حام أبو الكنعانيين عُر يّ أبيه ‪ ،‬فخرج‬
‫وأخبر أخويه اللذين كانيا في الخارج ‪ ،‬فأخيذ سام ويافث ‪ ،‬رداءً ووضعاه على أكتافهميا ‪ ،‬ومشييا القهقرى إلى‬
‫داخيل الخيمية ‪ ،‬وسيترا عورة أبيهميا مين غيير أن يسيتديرا بوجهيهميا نحوه فيُبصيرا عورتيه ‪ .‬وعندم أفاق نوح‬

‫‪85‬‬
‫مين سيكره ‪ ،‬وعلم ميا فعله ابنيه الصيغير ‪ ،‬قال ‪ :‬ليكين كنعان ملعونيا ‪ ،‬وليكين عبيد العبييد لخوتيه ‪ ،‬ثيم قال ‪:‬‬
‫تبارك ال إله سام ‪ ،‬وليكن كنعان عبدا له ‪ ،‬ليوسع ال ليافث ‪ ،‬وليكن كنعان عبدا له ) ‪.‬‬
‫‪.4‬الكلدانيون فيي بابيل ‪ ،‬وورثتهيم الجدد ( العراقيون ) ‪ ( ،‬وأحقادهيم على بابيل وأهلهيا ‪ ،‬أُفرد الحدييث عنهيا فيي‬
‫موضع آخر ) ‪.‬‬
‫‪.5‬جميع شعوب الرض ما عدا اليهودي الصرف ‪ ( .‬والمثلة على ذلك موجودة في أسفار موسى ‪ ،‬ونصوص‬
‫التلمود ) ‪.‬‬
‫‪ .6‬سبط بنيامين الخ الشقيق ليوسف عليه السلم ‪.‬‬
‫وكل مشاعر الحقد والرغبة في النتقام ممن ذُكروا أعله ‪ ،‬أفرغها الكتبة ( الكهنة والحكماء ) في كتابهم المقدس‬
‫( التوراة ) ‪ ،‬فأعادوا جمعها ونسخها تحت وطأة انفعالت نفسية رهيبة ‪ ،‬وتمت فبركة جميع أسفارها بما يتناسب‬
‫مع تلك المشاعر التي خلفها السبي البابلي في عقولهم وقلوبهم ‪ ،‬والتي كانت أكبر فاجعة أُصيب بها بنو إسرائيل‬
‫والكثر إيلما على مرّ التاريخ ‪.‬‬
‫وقيد تيبين لي أن هناك تطوييل وتكرار غيير ميبرر لنفيس الحدث أو الموضوع ‪ ،‬وأحيانيا يكون هذا التكرار لنفيس‬
‫السيفر كامل تحيت مسيميين ‪ ،‬مثيل أسيفار أخبار اليام وأخبار الملوك ميع اختلف بسييط ‪ ،‬وأحيانيا لنفيس الفقرة فيي‬
‫نفييس السييفر ‪ ،‬وهذا التكرار يدل على أن نصييوص التوراة جُمعييت على القييل ميين مصييدرين مختلفييين ‪ ،‬وأُخذت‬
‫النصيوص منهميا وجُمعيت فيي كتاب واحيد دون تفضييل نيص على آخير ‪ ،‬فالحدث الواحيد أحيانيا يتكرّر مرتيين‬
‫وثلثة دون وجود فارق جوهري في المضمون ‪.‬‬
‫وبعد أن قمت بمطالعة التوراة بشكل مُتكرّر تأكدت من هذه الحقيقة ‪ ،‬التي لم يكن قد تنبّه لها الباحثون والناقدون‬
‫حرّفت أكثر من الخرى ‪،‬‬ ‫من قبل ‪ ،‬وهي أن التوراة قد جمعت فعل من نسختين مُختلفين ‪ ،‬وأن إحدى النسختين ُ‬
‫وأن لغية كيل منهميا تختلف عين الخرى ‪ ،‬فغالبيا ميا يكون هناك مُسيمّين لنفيس الشخيص أو المكان ‪ ،‬حتيى يخال‬
‫للقارئ أنهيا أسيماء لشخوص أو أماكين مختلفية ‪ ،‬وكمثال على ذلك إبرام وإبراهييم ‪ ،‬وسياراي وسيارة ‪ ،‬وصيحراء‬
‫سيين وصيحراء سييناء ‪ ،‬ومملكية يهوذا ومملكية إسيرائيل ‪ ،‬والسيبي البابلي والسيبي الشوري ‪ .‬وهذا الرتباك الذي‬
‫وقيع فييه مؤلفيو التوراة المتأخرون ‪ ،‬أثناء محاولة التوفييق بجميع ميا جاء فيي النسيختين ‪ ،‬تسيبب فيي هذا العرض‬
‫التأريخيي المشوّه للوقائع ‪ ،‬مميا أفقيد التوراة مصيداقيتها حتيى للكثيير مين الباحثيين اليهود أنفسيهم ‪ ،‬ولكيل مين بحيث‬
‫من علماء التنقيب والثار ‪ .‬ولكنها بقيت المرجع التاريخي الوحيد لتاريخ بني إسرائيل ‪.‬‬
‫وفي كثير من الحيان تشعر بسخافة كتابها من سخافة أفكارها وأخبارها وسخافة تبريرها وتعليلها ‪ ،‬كقصة عرق‬
‫النسياء وصيراع يعقوب ميع ال ‪ ،‬وفبركية قصية نوح وأولده أعله ‪ ،‬ناهييك عين ألفاظهيا البذيئة التيي أحيانيا تترفيع‬
‫عين كتابتهيا حتيى الروايات الهابطية ‪ ،‬ورائحية اللحوم والدماء والخمور والمشاوي والهيش والنيش … إلى آخره ‪،‬‬
‫وما يربط التوراة بالوحي هو ما يظهر في ثناياها من خطوط عريضة ‪ ،‬هي البقية الباقية التي سلمت من أيديهم‬
‫رغمييا عيين أنوفهييم ‪ ،‬وهذا ل يعنييي أل نقرأ هذا الكتاب ‪ -‬بييل على العكييس تمامييا ‪-‬توّجييب على المسييلمين قراءتييه‬
‫وقراءة التلمود أيضيا منيذ أميد بعييد وقراءة ميا كُتيب فيهميا مين مؤلفات ناقدة ‪ ،‬لمعرفية العقليية التيي يفكير بهيا هؤلء‬
‫ولمعرفة ما يطمحون إليه ‪ ،‬والحقيقة أني ما كنت لقرأها وأقرأ ما كُتب فيها من مؤلفات عديدة لول هذا البحث ‪.‬‬

‫مملكة شمالية ومملكة جنوبية ‪:‬‬


‫تقول السيفار التاريخيية فييي التوراة ‪ ،‬بأن مملكية سيليمان انقسيمت بعيد موتيه إلى مملكتيين ‪ ،‬جنوبيية فيي القدس‬
‫واسمها يهوذا ( القدس ) وهي الصل ‪ ،‬وشمالية واسمها إسرائيل ( نابلس ) وهي المنشقة ‪.‬‬
‫وصف فساد المملكة الشمالية ‪:‬‬
‫يذكير كتبية التوراة أن المملكية الشماليية فسيدت وأفسيدت ‪ ( ،‬ملوك أول ‪ " ) 33-25 : 12:‬وحصيّن يربعام ( ملك‬
‫الشماليية ) مدينية شكييم ( نابلس ) ‪ ،‬فيي جبيل أفراييم وأقام فيهيا ‪ ، … ،‬وبعيد المشاورة سيبك الملك عجليّي ذهيب ‪،‬‬

‫‪86‬‬
‫وقال للشعييب ‪ :‬إن الذهاب إلى أورشليييم للعبادة ‪ ،‬يعرضّكييم لمشقيية عظيميية ‪ ،‬فهييا هييي آلهتييك يييا إسييرائيل ‪ ،‬التييي‬
‫أخرجتك من ديار مصر " ‪.‬‬
‫وأما إفسيادهم حسب ما يروونه هيم عن أنفسهم ‪ ،‬فقد جاء في سفر الملوك الثانيي ميا نصيه ‪ :9 :17 ،‬وارتكيب بنيو‬
‫ق الرب إلههم ‪ :11 … ،‬واقترفوا الموبقات لغاظة الرب ‪ ،‬عابدين الصنام‬ ‫إسرائيل في الخفاء المعاصي ‪ ،‬في ح ّ‬
‫التيي حذّرهيم ونهاهيم الربّي عنهيا ‪ :13 … ،‬قائل ‪ :‬ارجعوا عين طرقكيم الثيمية ‪ ،‬وأطيعوا وصياياي وفرائضيي‬
‫بمقتضيى ‪ ،‬التيي أوصييت آبائكيم بتطبيقهيا ‪ … ،‬على لسيان عيبيدي النيبياء ‪ :14 ،‬لكنهيم أصيمّوا آذانهيم ‪ ،‬وأغلظوا‬
‫قلوبهم كآبائهيم ‪ :16 … ،‬ونبذوا جميع وصايا الرب ‪ ، … :17 ،‬وتعاطوا العرافة والفأل ( السحر والكهانة ) ‪،‬‬
‫… ‪ :22‬ولم يعدل السيرائيليون عين ارتكاب جمييع خطاييا يربعام ‪ ،‬بيل أمعنوا فيي اقترافهيا ‪ :23 ،‬فنفيى الرب‬
‫إسيرائيل مين حضرتيه ‪ ،‬كميا نطيق على لسيان جمييع النيبياء ‪ ،‬فسيبي السيرائيليون إلى أشور إلى هذا اليوم ( أي‬
‫اليوم الذي كتبوا فيه هذا النص بعد السبي بمدة طويلة ) ‪.‬‬
‫وصف فساد المملكة الجنوبية ‪:‬‬
‫وأما ما يُنسب من إفساد إلى ملوك المملكة الجنوبية ‪ ،‬فقد جاء في نفس السفر ما نصه ‪ :2 :21 " ،‬وارتكب الشرّ‬
‫ي الربّ ‪ ،‬مقترفا رجاسات المم الذين طردهم الرب من أمام بني إسرائيل ‪ ، … :3 ،‬وأقام مذابح البعل ‪،‬‬ ‫في عين ّ‬
‫ونصييب تماثيييل عشتاروت ( مدينيية بابلييية ) ‪ ،‬وسييجد لكواكييب السييماء وعبدهييا ‪ :6 ،‬ولجييأ إلى أصييحاب الجانيّ‬
‫والعرّافيين ‪ ،‬وأوغيل فيي ارتكاب الشرّ ‪ :10 … ،‬ثيم قال الرب على لسيان عيبيده النيبياء ‪ :‬لن منسيّى ملك يهوذا‬
‫اقترف جمييع هذه الموبقات ‪ ،‬وأضلّ يهوذا … ‪ ، … :12 ،‬هيا أنيا أجلب شرا على أورشلييم ويهوذا ‪، … :13 ،‬‬
‫وأمسيح أورشلييم كميا يّمسيح الطبيق مين بقاييا الطعام ‪ :14 ،‬وأنبيذ شعيبي وأسيلمهم إلى أيدي أعدائهيم ‪ ،‬فيصيبحون‬
‫غنيمة وأسرى لهم ‪ :15 ،‬لنهم ارتكبوا الشرّ في عيني ‪ :16 … ،‬وزاد منسّى فسفك دم أبرياء كثيرين ‪ ،‬حتى مل‬
‫أورشليم من أقصاها إلى أقصاها ‪ ،‬فضل عن خطيئته التي استغوى بها يهوذا ‪. " … ،‬‬
‫وتخيبر التوراة أن الحروب اسيتمرت بيين المملكتيين ‪ ،‬واسيتعانة المغلوب بالقوام المجاورة على الخير ‪ ،‬إلى أن‬
‫جاء الغزو الشوري وسبى المملكة الشمالية ‪ 721‬ق‪.‬م ‪.‬‬
‫وتتابعَي الملوك الجنوبيون فيي ارتكاب الشرّ فيي عينيّي الرب ( حسيب قولهيم ) ‪ ،‬وفيي عهيد الملك يهوياقييم ‪ ،‬هاجيم‬
‫نبوخذ نصر ( بختنصر ) مملكة يهوذا وخضعت له ثلث سنوات ‪ ،‬ثم تمردّ عليه ( يهوياقيم ) ‪ :2 :24 " ،‬فأرسل‬
‫الرب غزاة مين كلدانييين وأرامييين وموآبييين وعمّونييين ( سيكان العراق والردن القدماء ) ‪ ،‬للغارة على مملكية‬
‫يهوذا وإبادتهيا ‪ ،‬بموجيب ميا قضيى بيه الرب ‪ ،‬على لسيان عيبيده النيبياء ‪ :4 ،‬وانتقاميا للدم البرييء الذي سيفكه‬
‫( منسّى ) ‪ ،‬إذ أنه مل أورشليم بدم البرياء ‪. " … ،‬‬
‫وفي عهد الملك ( يهوياكين ) " ‪ … :10 :24‬زحف قادة نبوخذ نصر ملك بابل على أورشليم ‪ ،‬وحاصروا المدينة‬
‫‪ ،‬ثيم جاء نبوخيذ نصير بنفسيه وتسيلّم زمام القيادة ‪ ،‬فاسيتسلم ( يهوياكيين ) … واسيتولى على جمييع ميا فيي خزائن‬
‫الهيكل والقصر ‪ ، … ،‬تماما كما قضى الرب ‪ :14 ،‬وسبى نبوخذ نصر أهل أورشليم ‪ ( " ،‬وكما يقولون أنه ولّى‬
‫ابين عيم الملك خلفيا له ‪ ،‬وسيمّاه صيدقيّا ‪ ،‬وبعيد سينوات ارتكيب صيدقيّا الشير فيي عينيي الرب كالعادة ‪ ،‬وتمرّد على‬
‫ملك بابل ‪ ،‬وآنذاك ) ‪ :1 :25 " ،‬زحف نبوخذ نصر ملك بابل ‪ ،‬بكامل جيشه على أورشليم وحاصرها ‪:3 ، … ،‬‬
‫تفاقميت المجاعية فيي المدينية ‪ ،‬حتيى لم يجيد أهلهيا خبزا يأكلونيه ‪ :6 ،‬فأسيروا الملك ( الذي كان ينوي الهرب )‬
‫واقتادوه إلى ملك بابيل ‪ ، … ،‬ثمّي قتلوا أبناء صيدقيّا على مرأى منيه ‪ ،‬وقلعوا عينييه ‪ ،‬وسياقوه إلى بابيل ‪:9 ، … ،‬‬
‫وأحرق الهيكل وقصر الملك وسائر بيوت أورشليم ‪ ،‬وسبى نبوزرادان ( قائد الحرس الملكي ) بقية الشعب … ‪،‬‬
‫‪ ، 121‬ولكنيه ترك فيهيا فقراء الرض المسياكين ‪ :13 .‬وحطيم الكلدانيون أعمدة النحاس وبركية النحاس … إلى‬
‫آخره ‪ ( ،‬كيل محتويات الهيكيل ونقلوهيا إلى بابيل ) ‪ :18 ،‬وسيبى رئييس الحرس الملكيي ( سيرايا رئييس الكهنية‬
‫وأعوانيه وقادة الجييش وندماء الملك ‪ ،‬وفيي المجميل هيم عليية القوم وزمرة الفسياد والفسياد فيي الرض ) فقتلهيم‬
‫ملك بابل في المعسكر في أرض حماة ( المدينة السورية ) ‪ ،‬وهكذا سُبي شعب يهوذا من أرضه " ‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫فميا أطول باله هذا النبوخيذ نصير ‪ ،‬حتيى يزحيف عليهيم مرارا وتكرارا ‪ .‬والحقيقية أنيه زحيف عليهيم مرة واحدة ‪،‬‬
‫وبشكل مفاجئ فأباد مملكتهم ‪ ،‬وما هذا التطويل والتطويل والتكرار ‪ ،‬إل من صنع أيدي الكتبة ‪ ،‬وما ( يهوياقيم )‬
‫و( يهوياكين ) إل تسميتين لنفس الملك الذي حصل في عصره السبي البابلي ‪.‬‬
‫مملكة واحدة وبعث واحد ‪:‬‬
‫ميا تقدم مين نصيوص كان مين السيفار التيي يُسيمّونها السيفار التاريخيية ‪ ،‬والتيي أرخّت لعصير الملوك ابتدا ًء مين‬
‫طالوت وداود وسييليمان ‪ ،‬وانتها ًء بيهوياكييين الذي وقييع السييبي البابلي فييي عصييره ‪ .‬والحقيقيية أنييه لم يكيين هناك‬
‫مملكتييين ولم يكيين هناك سييبيين ‪ ،‬وإنمييا مملكيية واحدة وسييبي واحييد ‪ .‬ولكيين نتيجيية كتابيية التوراة بتلك الطريقيية‬
‫المزدوجة أصبحت المملكة مملكتين وأصبح الزحف البابلي زحفين ‪ ،‬ولحل الشكال قولبوه في زمانين مختلفين ‪.‬‬
‫أمييا ادعاء انقسييام المملكيية ‪ ،‬فالقرآن أثبييت بطلنييه فييي موضعييين ‪ ،‬أول ؛ ذُكيير العلو مرتييين كأميية فييي زمانييين‬
‫مختلفين ‪ ،‬ثانيا ؛ الية التي تتحدث عن سفكهم دمائهم وإخراجهم أنفسهم ‪ ،‬تؤكد أن ذلك لم يكن انشقاق في الحقيقة‬
‫‪ ،‬بيل كان ذلك قتيل وإخراج وسيلب ‪ ،‬لطائفية مسيتضعفة مين قومهيم ‪ ،‬وفيي الحقيقية وقيع هذا الفعيل فيي سيبط الخ‬
‫الشقيق ليوسف عليه السلم ‪ ،‬الذي تُسميه التوراة ( ببنيامين ) ‪ ،‬وما كان بإمكان هؤلء ‪ ،‬إقامة دولة في أراضي‬
‫الكنعانييين المجاورة التيي لجأوا إليهيا ‪ ،‬وميا كانيت حروبهيم ميع المملكية الم إل ضمين جيوش الكنعانييين وهيو‬
‫الرجح ‪ ،‬أو كثوّار لسترداد أسلبهم وديارهم ‪.‬‬
‫وربمييا أن بعضهييم اسييتنجد بالبابليييين كنوع ميين النتقام ( بأسييهم بينهييم شديييد ‪ ،‬تحسييبهم جميعييا وقلوبهييم شتّى )‬
‫فاسيتجابوا لهيم ‪ ،‬وربميا كان ذلك طمعيا فيي كنوز هيكيل سيليمان ‪ ،‬وال أعلم ‪ .‬حييث لم يأتيي أي ذكير فيي التارييخ‬
‫للسيبي الشوري لعشرة أسيباط ( قبائل ) مين المملكية الشماليية ‪ ،‬حسيب ميا يدّعيي مؤلفيو التوراة ‪ ،‬حتيى أن بعيض‬
‫الباحثون الذيين صيدّقوا التوراة ‪ ،‬يتسياءلون عين كيفيية اختفاء تلك القبائل ‪ ،‬التيي سيُبيت إلى مدينية أشور برمتهيا ‪،‬‬
‫ومن المرجّح أن اختراع قصة المملكة الثانية وسبيها ‪ ،‬هو أحد مظاهر السقاط النفسي لمن عوقبوا ‪ ،‬على من لم‬
‫يُعاقبوا مين الذيين أُخرجوا مين ديارهيم رغيم أنوفهيم تجنبيا وتخفيفيا للشعور باللم ‪ ،‬كلميا طرأ على مخيلتهيم تلك‬
‫الذكرى الليميية ‪ ،‬ويحصييل هذا عادة على المسييتوى الشخصييي ‪ ،‬فور تعرض الشخييص لحادثيية مؤلميية ‪ ،‬فيعزو‬
‫الخطاء التي تسببت في الحادثة إلى الخرين ‪.‬‬

‫تحذيرات النبياء من الفساد‬


‫جاء التحذيير مين السيتهانة بنيص النبوءة ‪ ،‬ومغبية الفسياد عنيد العلو ‪ ،‬والتخوييف مين العقاب ‪ ،‬التيي كانيت بدايتهيا‬
‫نصيا فيي كتاب موسيى علييه السيلم ‪ ،‬وعلى لسيان كيل النيبياء المتعاقيبين ‪ ،‬داعيين إلى اللتزام بشريعية موسيى ‪،‬‬
‫ومحذّرين من تركها ومخالفتها على مدى عمر مملكتهم ‪ ،‬بدءا من سليمان عليه السلم ‪ ،‬وانتها ًء بإشعياء وإرمياء‬
‫عليهما السلم ‪ ،‬إن كانوا أنبياء ‪.‬‬
‫وهذا هيو التحذيير الذي جاء على لسيان سيليمان ‪ ،‬بعيد انتهاءه مين بناء الهيكيل ‪ ،‬اليام الثانيي ‪ :19 :7 " :‬ولكين إن‬
‫انحرفتييم ونبذتيم فرائضيي التيي شرعتهيا لكيم ‪ ،‬وضللتيم وراء آلهية أخرى وعبدتموهيا وسيجدتم لهيا ‪ :20 ،‬فإنيي‬
‫أسيتأصلكم مين أرضيي التيي وهبتهيا لكيم ‪ ،‬وأنبيذ هذا الهيكيل الذي قدّسيته لسيمي ( جعلتيه قائميا لذكري ) ‪ ،‬وأجعله‬
‫مثل ومثار هُز ٍء لجميع المم ‪ :21 ،‬ويغدو هذا الهيكل الذي كان شامخا ‪ ،‬عبرة يُثير عجب كل من يمرّ به " ‪.‬‬
‫وبالضافية إلى ميا تقدم ‪ ،‬هذا عرض لجزء يسيير مين النصيوص الكثيرة والمطوّلة والمكرّرة ‪ ،‬لميا جاء فيي أسيفار‬
‫بعض أنبيائهم ( الكبار ) ‪ ،‬اخترناها لتكتمل معالم الصورة من الجانب الخر ‪.‬‬

‫تحذيرات إشعياء ‪:‬‬


‫إشعياء هو أول النبياء الكبار وهم أربعة ‪ ،‬ويُقال أنه بُعث في فترة ‪ ،‬بلغ فيه إفساد بني إسرائيل الذروة قبل وقوع‬
‫السبي البابلي ‪ ،‬حيث أن سِفره جاء حافل بالتقريع والتوبيخ والتحذير والنذار ‪ ،‬والتذكير بنص النبوءة الذي جاء‬
‫بيه موسيى ‪ ،‬ويروى أنيه مين النيبياء الذيين قُتلوا ( التعرييف بأصيحاب السيفار مين النيبياء ‪ ،‬مسيتقاة مين مقدمية‬
‫المترجم لكل سفر ) ‪:‬‬
‫‪88‬‬
‫" ‪ :4 :1‬ويل للمة الخاطئة ‪ ،‬الشعب المثقل بالثم ‪ ،‬ذرية مرتكبي الشرّ ‪ ،‬أبناء الفساد ‪ :10 .‬اسمعوا كلمة الرب يا‬
‫حكام سيدوم ( قريية لوط ) ‪ :15 … ،‬عندميا تبسيطون نحوي أيديكيم أحجيب وجهيي عنكيم ‪ ،‬وإن أكثرتيم الصيلة ل‬
‫أستجيب ‪ ،‬لن أيديكم مملوءة دما ‪ :16 ،‬اغتسلوا ‪ ،‬تطهّروا ‪ ،‬أزيلوا شرّ أعمالكم من أمام عيني ‪ ،‬كفوا عن اقتراف‬
‫الثيم ‪ :17 ،‬وتعلّموا الحسيان ‪ ،‬انْشدوا الحقّي ‪ ،‬انصيفوا المظلوم ‪ ،‬اقضوا لليتييم ‪ ،‬ودافعوا عين الرملة ‪:19 … ،‬‬
‫إن شئتييم وأطعتييم ‪ ،‬تتمتعون بخيرات الرض ‪ ،‬وإن أبيتييم وتمرّدتييم فالسيييف يلتهمكييم ‪ ،‬لنّي فييم الربّي قييد تكلّم "‬
‫( ويسييتطرد واصييفا حال المدينيية آنذاك ) ‪ … :21 " ،‬كانييت تفيييض حقّا ‪ ،‬ويأوي إليهييا العدل ‪ ،‬فأصييبحت وكرا‬
‫للمجرمييين ‪ :22 ،‬صييارت فضّتييك مزيّفيية ‪ ،‬وخمرك مغشوشيية بماء ‪ :23 ،‬أصييبح رؤسيياءك عصيياة ‪ ،‬وشركاء‬
‫لصوص ‪ ،‬يُولعون بالرشوة ويسعون وراء الهبات ‪ ،‬ل يدافعون عن اليتيم ‪ ،‬ول تُرفع إليهم دعوى الرملة " ‪.‬‬
‫" ‪ :8 :3‬قييد كَبَيت ( وقعييت ) أورشليييم ‪ ،‬انهارت يهوذا ( المملكيية ) ‪ ،‬لنهمييا أسيياءتا بالقول والفعييل إلى الرب ‪،‬‬
‫وتمرّدتيا على سيلطانه ‪ :9 ،‬ملميح وجوههيم تشهيد عليهيم ‪ ،‬إذ يجاهرون بخطيئتهيم كسيدوم ول يسيترونها ‪ ،‬فوييل‬
‫للذيين جلبوا على أنفسيهم شرّا ‪ :10 ،‬ولكين بشّروا الصيدّيقين بالخيير ‪ ،‬لنهيم سييتمتعون بثواب أعمالهيم ‪ :11 ،‬أمّا‬
‫الشرّير فويل له وبئس المصير ‪ … :12 ،‬إن قادتكم يُضلّونكم ويقتادونكم في مسالك منحرفة … " ‪.‬‬
‫" ‪ :11 :4‬وييل لمين … يسيعون وراء المُسْيكِر … ‪ :12 ،‬يتلهّون فيي مآدبهيم بالعود والرباب والدف والناي‬
‫والخمر ‪ ،‬غير مكترثين بأعمال الربّ ‪ :13 … ،‬لذلك يُسبى شعبي لنهم ل يعرفون ‪ ،‬ويموت عُظماؤهم جوعا ‪،‬‬
‫ل النسان ويُخفض الناس ويُحطّ كل متشامخ فيها ‪ ( ،‬الذل بعد العلو ) … ‪:18‬‬ ‫وتهلك العامة عطشا ‪ :15 … ،‬ويُذ ّ‬
‫وييل لمين يجرّون الثيم بحبال الباطيل ‪ :19 … ،‬ويقولون ليُسيرع ويُعجّل بعقابيه حتيى نراه ( انظير اليات ‪92،99‬‬
‫السراء و ‪ 58،59‬الكهف ) ‪ ،‬ليُنفذ مقدّس إسرائيل مآربه فينا ‪ ،‬فندرك حقيقة ما يفعله بنا ‪ :21 ،‬ويل للحكماء في‬
‫أعين أنفسهم ‪ ،‬والذكياء في نظر ذواتهم ‪ ( … ،‬الصرار على المعصية وتحدي ال )‬
‫" ‪ :25 :4‬لذلك احتدم غضيب الرب ضدّ شعبيه ‪ ،‬فمدّ يده عليهيم وضربهيم ‪ ،‬فارتعشيت الجبال ‪ ،‬وأصيبحت جثيث‬
‫موتاهيم كالقاذورات فيي الشوارع ‪ ،‬وميع ذلك لم يرت ّد غضبيه ‪ ،‬ولم تيبرح يده ممدودة بالعقاب ‪ :26 ،‬فيرفيع رايية‬
‫لميم بعيدة ‪ ،‬ويصيفر لمين فيي أطراف الرض ‪ ،‬فيقبلون مُسيرعين ‪ :27 ،‬دون أن يكلّوا أو يتعثروا أو يعتريهيم‬
‫نُعاس أو نوم ‪ :28 … ،‬سيهامهم مسينونة ‪ ،‬وقسييّهم مشدودة ‪ ،‬حوافير خيلهيم كأنهيا صيوّان ‪ ،‬عجلت مركباتهيم‬
‫مندفعة كالعصار ‪ :29 ،‬زئيرهم كأنه زئير أسد ‪ ،‬يزمجر وينقض على فريسته ‪ ،‬ويحملها وليس من منقذ ‪:30 ،‬‬
‫يُزمجرون … كهدير البحر ‪ ،‬وإن جاس أحدهم في البلد متفرسا ‪ ،‬ل يرى سوى الظلمة والضيق ‪ ،‬حتى الضوء‬
‫قد احتجب وراء سحبه ‪ ( . ..‬صفات جيش البعث )‬
‫"‪ :1 :10‬وييل للذيين يسينّون شرائع ظلم ‪ ،‬وللكتبية الذيين يسيجّلون أحكام جور ‪ :2 ،‬ليصيدّوا البائسيين عين العدل ‪،‬‬
‫ويسيلبوا مسياكين شعيبي حقّهيم ‪ ،‬لتكون الراميل مغنميا لهيم ‪ ،‬وينهبوا اليتاميى ‪ :3 ،‬فماذا تصينعون فيي يوم العقاب ‪،‬‬
‫عندما تقبل الكارثة من بعيد ! إلى من تلجئون طلبا للعون ؟ وأين تودعون ثروتكم ؟ لم يبقى شيء سوى أن تجثوا‬
‫بييين السييرى ‪ ،‬وتسييقطوا بييين القتلى ‪ :21 … ،‬وترجييع بقييية ذرييية يعقوب إلى الرب القدييير ‪ ،‬مييع أن شعبييك يييا‬
‫إسرائيل ‪ ،‬فإن بقية فقط ترجع ‪ ،‬لن ال قضى بفنائهم ‪ ،‬وقضاؤه عادل " ‪ ( .‬البعث من خارج فلسطين )‬
‫" ‪ :8 :46‬اذكروا هذا واتعظوا ‪ ،‬انقشوه فييي آذانكييم أيهييا العصيياة ‪ ،‬تذكّروا المور الغابرة القديمية ‪ ،‬لنييي أنييا ال‬
‫ولييس إله آخير ‪ :10 ،‬وقيد أنبأت بالنهايية منيذ البدايية ‪ ،‬وأخيبرت منيذ القدم ‪ ،‬بأمور لم تكين قيد حدثيت بعيد ‪ ،‬قائل ‪:‬‬
‫مقاصدي ل بد أن تتم ‪ ،‬ومشيئتي ل بد أن تتحقق ‪ :11 ،‬أدعوا من المشرق الطائر الجارح ‪ ،‬ومن الرض البعيدة‬
‫برجل مشورتي ‪ ،‬قد نطقت بقضائي ‪ ،‬ول بد أن أُجريه ‪ :12 … ،‬أصغوا إليّ يا غلظ القلوب ‪ ،‬أيها البعيدون عن‬
‫البرّ ‪ :13 ،‬لقد جعلت أوان برّي قريبا ‪ ،‬لم يعد بعيدا ‪ ،‬وخلصي ل يُبطئ … ( الشرق هي جهة البعث )‬
‫‪ :15-17 :30‬لنييه هكذا قال الرب ‪ ،‬قدّوس إسييرائيل ‪ :‬إنّي خلصييكم مرهون بالتوبيية والركون إلييّ ‪ ،‬وقوّتكييم فييي‬
‫الطمأنينية والثقية بيي ‪ ،‬لكنكيم أبيتيم ذلك ‪ ،‬وقلتيم ‪ :‬ل بيل نهرب على الخييل ‪ ،‬أنتيم حقّا تهربون ‪ ،‬لهذا فإن مطارديكيم‬
‫يُسييرعون فييي تعقّبكييم ‪ ،‬يهرب منكييم ألف ميين زجرة واحييد ‪ ،‬وتتشتّتون جميعييا ميين زجرة خمسيية ‪ ،‬حتييى تُتركوا‬
‫كسارية على رأس جبل …‬
‫نلحظ أن إشعياء يدعوا إلى التوبة والصلح ‪ ،‬ويصف ما وصل ببني إسرائيل من إفساد ‪ ،‬ويذّكرهم ويحذّرهم‬
‫ويعييد إلى أذهانهيم مضمون تلك النبوءة ‪ ،‬التيي جاءت فيي أسيفار موسيى ‪ ،‬ونصيوص إشعياء لم تحميل فيي طياتهيا‬
‫‪89‬‬
‫تصريح عن ماهية المبعوثين ‪ ،‬سوى أن الفقرة الخيرة ‪ ،‬ذكرت جهة مخرج البعث ‪ ،‬وربما يكون ذلك إضافة من‬
‫مؤلفي التوراة ‪.‬‬

‫تحذيرات ارميا ‪:‬‬


‫ارمييا هيو ثانيي النيبياء الكبار ‪ ،‬ويُقال أن هذا النيبي عاش فيي الفترة ميا قبيل وميا بعيد السيبي البابلي ‪ ،‬وكان فحوى‬
‫رسالته ‪ :‬دعوة قومه إلى التوبة والعودة إلى ال والتخلي عن الوهام ‪ ،‬وتقدير ال حقّ قدره فل ملجأ منه إل إليه ‪،‬‬
‫ول يردّ غضبه قوة أو مال أو جاه ‪ .‬وقد وُصف هذا النبي ( بالنبي البكّاء ) من كثرة بكاءه على قومه ‪ ،‬بعد وقوع‬
‫الكارثة التي طالما حذّرهم منها فلم يستجيبوا له ‪.‬‬
‫" ‪ :2 :7‬اسيمعوا كلم الرب … ‪ :3‬قوّموا طرقكيم وأعمالكيم فأُسيكنكم فيي هذا الموضيع ‪ :4 ،‬ل تتكلّوا على أقوال‬
‫الكذب ( النفاق ) ‪ :5 ،‬لكين إن قوّمتيم حقّا طرقكيم وأعمالكيم ‪ ،‬وأجريتيم قضا ًء عادل فيميا بينكيم ‪ :6 ،‬إن لم تجوروا‬
‫على الغرييب واليتييم والرملة ‪ ،‬ولم تسيفكوا دميا بريئا … وإن لم تضلّوا وراء الوثان ‪ :7 ،‬عندئذ أُسيكنكم فيي هذا‬
‫الموضيع … إلى البيد ‪ :8‬هيا أنتيم قيد اتكلتيم على أقوال الكذب ( نافقتيم ) ‪ ،‬ولكين مين غيير جدوى ‪ :9 ،‬أتسيرقون‬
‫وتقتلون وتزنون وتحلفون زورا وتبخّرون للبعل ( الصنم ) ‪ :10‬ثم تمثلون في حضرتي … هل أصبح هذا الهيكل‬
‫( الذي أُقيييم لذكري ) مغارة لصييوص ؟! … ‪ :20‬لذلك يُعلن الرب ‪ :‬هييا غضييبي وسييخطي ينصييبّان على هذا‬
‫الموضع …‬
‫" ‪ :7 :8‬إن اللقلق فييي السييماء يعرف ميعاد هجرتييه ‪ ،‬وكذلك … ‪ ،‬أمّا شعييبي فل يعرف قضاء الرب ! ‪ :8‬كيييف‬
‫تدّعون أنكييم حكماء ‪ ،‬ولديكييم شريعيية الرب ‪ ،‬بينمييا حولهييا قلم الكتبيية المخادع إلى أُكذوبيية ؟! سيييلحق الخزي‬
‫بالحكماء ‪ ،‬ويعتريهييم الفزع والذهول ‪ ،‬لنهييم رفضوا كلميية الرب ‪ ،‬إذ أي حكميية فيهييم ؟! لذلك أُعطييي نسييائهم‬
‫لخريين ‪ ،‬وحقولهيم للوارثيين القاهريين ‪ ،‬لنهيم جميعهيم مين صيغيرهم إلى كيبيرهم مولعون بالربيح ‪ ،‬حتيى النيبي‬
‫والكاهين يرتكبان الزور فيي أعمالهميا ‪ ،‬ويعالجون جراح شعيبي باسيتخفاف ‪ ،‬قائليين ‪ :‬سيلمٌ ‪ ،‬سيلمٌ ‪ ،‬فيي حيين ل‬
‫يوجد سلم ‪ ،‬هل خجلوا عندما ارتكبوا الرجس ؟! كلّ ! لم يخزوا ق طّ ‪ ،‬ولم يعرفوا الخجل ‪ ،‬لذلك سيسقطون بين‬
‫الساقطين ‪ ،‬وحين أُعاقبهم يُطوّح بهم ‪ ،‬يقول الرب " ‪.‬‬
‫" ‪ :22 :10‬اسييمعوا ‪ ،‬هييا أخبار تتواتيير عيين جيييش عظيييم ‪ ،‬مقبييل ميين الشمال ‪ ،‬ليحوّل مدن يهوذا ‪ ،‬إلى خرائب‬
‫ومأوى لبنات آوى " ‪.‬‬
‫ت بالقوس‬ ‫" ‪ :22 :6‬انظروا ‪ ،‬هييا شعبٌي زاحييف ميين الشمال ‪ ،‬وأمّة عظيميية تهبيّ ميين أقاصييي الرض ‪ ،‬تسيلّح ْ‬
‫والرميح ‪ ،‬وهيي قاسيية ل ترحيم ‪ ،‬جلبتهيا كهديير البحير ‪ ،‬وهيي مقبلة على صيهوات الخييل ‪ ،‬قيد اصيطفّت كإنسيان‬
‫واحيد ‪ ،‬لمحاربتيك ييا أورشلييم ‪ ،‬سيمعنا أخبارهيم المرعبية فدبّي الوهين فيي أيدينيا ‪ ،‬وتوّلنيا كرب وألم ‪ ،‬كألم امرأة‬
‫تعاني المخاض ‪ ،‬ل تخرجوا إلى الحقل ‪ ،‬ول تمشوا في الطريق ‪ ،‬فللعد ّو سيف ‪ ،‬والهول مُحدّق من كل جهة ‪ ،‬فيا‬
‫أورشليييم ارتدي المسييوح ‪ ،‬وتمرّغييي فييي الرماد ‪ ،‬ونوحييي كميين ينوح على وحيده ‪ ،‬وانتحييبي نحيبييا مرا ‪ ،‬لن‬
‫المُدمّر ينقض علينا فجأة ‪ ،‬إني أقمتك مُمتَحنا للمعدن ( إقامة مملكتهم كان لمتحانهم ) ‪ ،‬وجعلت شعبي مادةً خام ‪،‬‬
‫لكي تعرف طرقهم وتفحصها ‪ ،‬فكلّهم عصاة متمرّدون ساعون في النميمة ‪ ،‬هم نحاس وحديد ‪ ،‬كلهم فاسدون " ‪.‬‬
‫" ‪ :3 :23‬وأجمع شتات غنمي من جميع الراضي ‪ ،‬التي أجليتها إليها ‪ ،‬وأردّها إلى مراعيها ‪ ،‬فتنموا وتتكاثر ‪،‬‬
‫وأُقيم عليها رعاة يتعهّدونها ‪ ،‬فل يعتريها خوف من بعد ‪ ،‬ول ترتعد ول تضل ‪ ،‬ها أيام مقبلة أُقيم فيها لداود ذريّة‬
‫ِبرّ ‪ ،‬ملكيا يسيود بحكمية ‪ ،‬ويجري فيي الرض عدل وحقّا ‪ ،‬فيي عهده يتمّي خلص شعيب يهوذا ‪ ،‬ويسيكن شعيب‬
‫إسرائيل آمنا " ‪.‬‬
‫" ‪ :3 :30‬ها أيام مقبلة أردّ فيها سبي شعبي … ‪ ،‬وأعيدهم إلى الرض التي أعطيتها لبائهم فيرثونها ‪ ( ،‬ثم يقول‬
‫) ‪ :‬سمعنا صراخ رعب ‪ ،‬عم الفزع وانقرض السلم ‪ ، … ،‬ما أرهب ذلك اليوم ‪ ،‬إذ ل مثيل له ‪ ،‬هو زمن ضيق‬
‫على ذرية يعقوب ‪ ،‬ولكنها ستنجوا ‪ ،‬في ذلك اليوم ‪ ،‬يقول الرب القدير ‪ :‬أُحطّم أنيار أعناقهم وأقطع رُبطَهم ( أي‬
‫أرفيع قيود العبوديية والذل عنهيم ) فل يسيتعبدهم غرييب فيميا بعيد ‪ ،‬بيل يعبدون الرب إلههيم ‪ ،‬وداود ملكهيم الذي‬
‫أُقيمه عليهم ( شرك بال ) ‪ … ،‬فيرجع نسل إسرائيل ‪ ،‬ويطمئنّ ويستريح ‪ ،‬من غير أن يُضايقه أحد ‪ ، … ،‬فأُبيدُ‬
‫جمييع الميم التيي شتّتكَي بينهيا ‪ ،‬أمّي أنيت فل أُفنييك أُودّبيك بالحيق ‪ ،‬ول أُبرّئك تيبرئة كاملة ‪ ( ، … ،‬الخطاب موجّه‬
‫‪90‬‬
‫لورشلييم ) إن جرحيك ل شفاء له ‪ ،‬وضربتيك ل علج لهيا ‪ ،‬إذ ل يوجيد مين يدافيع عين دعواك ‪ ، … ،‬قيد نسييك‬
‫محبّوك ‪ ،‬وأهملوك إهمال ‪ ،‬لنيي ضربتيك كميا يَضربُي عدوّ ‪ ،‬وعاقبتكِي عقابَي مبغضٍي قاسٍي ‪ ،‬لن إثميك عظيمٌي‬
‫وخطاياك متكاثرة ‪ ، … ،‬لهذا أوقعتيك بالمحين ‪ ،‬ولكين سييأتي يوم يُفترس فييه جمييع مُفترسييك ‪ ،‬ويذهيب جمييع‬
‫مضايقيك إلى السبي ‪ ،‬ويصبح ناهبيك منهوبين ‪ ،‬لني أردّ لك عافيتك وأُبرئ جراحك " ‪.‬‬
‫النصيوص الخيرة أعله مين النصيوص المضلّلة ‪ ،‬التيي شكّلت قناعات ومعتقدات عامّة اليهود حكماءً ومغفليين ‪،‬‬
‫وملخصيها أنهيم فيي المرة الثانيية ‪ ،‬سييقيمون لهيم دولة فيي أرض الميعاد ‪ ،‬ويُبعيث لهيم ملكيا مين نسيل داود علييه‬
‫السييلم ‪ ،‬يحكييم الرض كلهييا بالحييق والعدل ‪ ،‬وليييس فلسييطين فقييط ‪ ،‬ففلسييطين ل تتسييع لحلمهييم وأوهامهييم‬
‫وهلوسيهم وأمانيّهيم ‪ ،‬وينعيم اليهود تحيت حكميه بالسيلم والمين إلى البيد ( فل بعثيا ول نشورا ) ‪ ،‬ويكون فيهيا‬
‫اليهود أسيادا ‪ ،‬وباقي خلق ال عبيدا تحت لهم ‪.‬‬
‫لقيد أضاع كتبية التوراة الحقيقية ‪ ،‬وظلموا أجيالهيم القادمية مين حييث ل يعلمون ‪ ،‬فكذبوا الكذبية وصيدّقها أبنائهيم ‪،‬‬
‫وأصيبحت مين صيميم معتقداتهيم ‪ ،‬فالمعاصيرين مين اليهود والنصيارى ‪ ،‬يتعاملون ميع كيل نصيوص التوراة بغثهيا‬
‫وسمينها ‪ ،‬على أنها من عند ال ‪.‬‬
‫يقولون أن النيص التالي ‪ ،‬هيو رسيالة مين إرمياء إلى المسيبيين فيي بابيل ‪ ،‬يُخيبرهم فيهيا أن مقامهيم هناك سييكون‬
‫طويل ‪ ،‬وينصحهم فيها بأن يُقيموا فيها ويبنوا بيوتا ويتزوجوا ويتكاثروا ‪ ،‬وهذا جزء من نصها ‪:‬‬
‫ت إليكم وأفي لكم بوعودي الصالحة ‪ ،‬بردّكم إلى‬ ‫" ‪ :10 :29‬ولكن بعد انقضاء سبعين سنة عليكم في بابل ‪ ،‬ألتف ُ‬
‫هذا الموضيع ‪ ،‬لنيي عرفيت ميا رسيمته لكيم ‪ ،‬إنهيا خطيط سيلم ل شرّ ‪ ،‬لمنحكيم مسيتقبل ورجاء ‪ ، … ،‬وحيين‬
‫تجدونني ‪ ،‬أر ّد سبيكم ‪ ،‬وأجمعكم من بين جميع المم ‪ ،‬ومن جميع الماكن التي شتّتكم إليها ‪. " … ،‬‬
‫في الحقيقة أن كتبة التوراة ‪ ،‬كانوا يعتقدون أن عودتهم الجزئية في عهد كورش الفارسي من بابل إلى أورشليم ‪،‬‬
‫بعد (‪ )70‬سنة من السبي ‪ ،‬هي العودة الثانية التي سيتحقق فيها النصف الثاني من نبوءة موسى وإشعياء وارميا ‪،‬‬
‫ومنذ ذلك اليوم وهم ينتظرون ‪ ،‬أن يُبعث فيهم ( الملك الله ) ليُقيم لهم دولة في القدس فلم يكن لهم ذلك ‪ ،‬ويروى‬
‫أن الذيين رجعوا مين بابيل أعادوا بناء الهيكيل بالرغيم مين معارضية المقيميين ‪ .‬وطال انتظارهيم وبيين عامييّ (‬
‫‪37‬ق‪.‬م – ‪70‬م ) أي مائة سنة تقريبا ‪ ،‬حصلوا على حكم ذاتي محدود ( المملكة الهيرودية ‪ ،‬وكان الملك من أصل‬
‫يهودي آراميي ) تحيت التاج الرومانيي ‪ ،‬وفيي زمانهيم تواجيد زكرييا ويحييى وبُعيث إليهيم عيسيى علييه السيلم ‪،‬‬
‫فتآمروا عليه ودفعوه إلى الرومان لقتله وصلبه ‪ ،‬حيث كانت سلطة القتل في أيدي الرومان ‪.‬‬
‫وبعييد زوال مملكتهييم على يييد ( نبوخييذ نصيير ) البابلي عام ‪586‬م ‪ ،‬وحتييى تشتّتهييم النهائي على يييد ( هادريان )‬
‫الرومانييي عام ‪135‬م ‪ ،‬أُخرج أغلبييية اليهود منهييا ‪ ،‬ولم تقييم لليهود فييي فلسييطين قائميية ‪ ،‬وأقصييى مييا اسييتطاعوا‬
‫الحصيول علييه ‪ ،‬هيو ذلك الحكيم الذاتيي فيي بدايية الحكيم الرومانيي لبلد الشام ‪ ،‬حييث قضيى هذا الميبراطور على‬
‫أي أمل لهم في إعادة إقامة دولتهم الثانية ‪ ،‬فكان انتشارهم في كافة أرجاء العالم ‪.‬‬
‫( ولنكمل النصوص من سفر ارميا ) ‪ :8 :31 " ،‬ها أنا آتي بهم من بلد الشمال ‪ ،‬وأجمعهم من أقصى أطراف‬
‫الرض ‪ ،‬وفيهم العمى والعرج ‪ ،‬الحبلى والماخض ‪ ،‬فيرجع حشد عظيم إلى هنا "‬
‫" ‪ :27 :31‬ها أيام مقبلة ‪ ،‬يقول الرب ‪ ،‬أُكثّر فيها ذرية إسرائيل ويهوذا ‪ ،‬وأُضاعف نتاج بهائمهم أضعافا ‪ ،‬وكما‬
‫تربّصت بهم لستأصل ‪ ،‬وأهدم وأنقُض وأُهلك وأُسيء ‪ ،‬كذلك أسهر عليكم لبنيكم وأغرسكم " ‪.‬‬
‫" ‪ :33 :31‬سيأجعل شريعتيي فيي دواخلهيم ‪ ، … ،‬وأكون لهيم إلهيا ويكونون لي شعبيا ‪ ،‬لنيي سيأصفح عين إثمهيم ‪،‬‬
‫ولن أذكر خطاياهم من بعد " ‪.‬‬
‫( وهذا محض افتراء وتحريف ‪ ،‬وتتبع هذه الكذوبة عبارات مبهمة ‪ ،‬ومن ثم تُفاجأ بهذه العبارة التي تقول ) ‪" :‬‬
‫عندئذ أَنبيذ ذرييية إسيرائبل مين أجييل كيل ميا ارتكبوه " ‪ ( ،‬لتفهييم أن العبارات المبهمية ‪ ،‬كانيت بدل مين عبارات‬
‫حذفوها ‪ ،‬وهي عبارات مفادها اشتراط الحسان للثواب والفساد للعقاب ) ‪.‬‬
‫"‪ :38 :31‬ها أيام مقبلة ‪ ،‬يُعاد فيها بناء هذه المدينة للرب ‪ ، … ،‬ولن تستأصل أو تُهدم إلى البد " ‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫بالنظير فيي قولهيم هذا وخاصية العبارة الخيرة ‪ ،‬نجيد أن مؤلفيي التوراة قضوا على أي أميل لليهود فيي الصيلح‬
‫والصلح في دولتهم الحالية ‪ ،‬حيث أنه شرط أساسيّ في استمرار وجودهم ‪ ،‬فمؤدّى هذه العبارة أنهم سيقيمون‬
‫فيها إلى البد ‪ ،‬بغض النظر عن إصلحهم أو إفسادهم فيها ‪ ،‬لتصبح نهاية دولتهم حتمية في الموعد المحدّد ‪ ،‬وقد‬
‫لحظيت مين خلل تتبعيي لميا جاء فيي المرة الثانيية ‪ ،‬أنهيم بعيد كيل عقاب مأسياوي يحيل بهيم ‪ ،‬يبدءون بذكير العودة‬
‫والجميع مين الشتات والبركية والكثرة ‪ ،‬ويفيضون فيهيا وصيفا وشرحيا ‪ ،‬والنتيجية تكون على الدوام هيي انتصيار‬
‫ربهم على أعدائهم ومحقهم عن بكرة أبيهم ‪ ،‬وجعل أرضهم صحراء قاحلة ‪ ،‬أما هم فيعشون جنة ونعيما ‪ ،‬ويكون‬
‫لهم الملك في الرض إلى البد ‪ ،‬بعد أن رضيَ عنهم ربهم ورضوا عنه ‪.‬‬
‫( وانظير إلى هذه النبوءة فيي المرة الثانيية على لسيان الرب ) ‪ :10 :42‬إن أقمتيم فيي هذه الرض ‪ ،‬فإنيي أبنيكيم ول‬
‫أهدمكم ‪ ،‬وأغرسكم ول أستأصلكم ‪ ،‬لني أسفت على الش ّر الذي ألحقته بكم ( ربهم يأسف ) ‪ ،‬ل تخشوا ملك بابل‬
‫الذي أنتيم منيه خائفون ‪ ،‬فإنيي معكيم لخلصيكم وأنجيكيم مين يده ( بل قييد أو شرط ) ‪ ،‬وأُنعيم عليكيم ‪ ،‬فيرحمكيم‬
‫ويردّكم إلى أرضكم ‪ ( ،‬فربهم يأسف ‪ ،‬ويحضّهم على عدم الخشية من ملك بابل وكأن ملك بابل سيُبعث من تلقاء‬
‫نفسه ) ‪.‬‬

‫السبي البابلي ‪:‬‬


‫هذا الحدث المشهور تاريخييا هو أول وأقسى وأفظع حدث ‪ ،‬وقع فيي تاريخ اليهود كأمة من حييث ميا ترتيب عليه‬
‫مين أذى مادي ومعنوي ‪ ،‬مميا كان له أبلغ الثير فيي تشكييل وجدان وفكير الشعيب اليهودي ‪ ،‬ولييس أدل على ذلك‬
‫مين أن عدد الصيفحات ‪ ،‬التيي تتطرّق إلى ذكير متعلّقات هذا الحدث ‪ ،‬وتفصيّله مين جمييع جوانبيه يتراوح ميا بيين (‬
‫‪ )400 – 350‬صفحة أي ما يُعادل ثلث التوراة ‪ .‬وقد جاء في كتاب ( الختراق الصهيوني للمسيحية ) للقس إكرام‬
‫لمعيي ‪ ،‬ونقل عين كتاب ( تارييخ اليهود ) للكاتيب ( بول جونسيون ) ميا نصيه ‪ :‬وفيي بابيل لم يعاميل اليهود معاملة‬
‫سييئة ‪ ،‬فقيد وجدت مخطوطات بجوار عشتاروت – أقدم مدن بابيل – وجيد فيهيا قائمية بأسيماء المسيبيين ونشاطهيم‬
‫فييي بابييل ‪ ،‬وكان بهييا اسييم ( يهوياكييين ) ملك يهوذا وبعييض السييماء الخرى ‪ ،‬وموضييح بهييا أن اليهود عملوا‬
‫بالتجارة واكتسبوا أموال كثيرة ‪ ،‬وكانت لهم أوضاعهم المتميزة إلى حدّ ما ‪ .‬وأما أشور فيشير نفس الكاتب ‪ ،‬إلى‬
‫عدم وجود أي دليل من ذكر أو أثر ‪ ،‬يؤكد رواية سبيهم إليها ‪.‬‬

‫رواية التلمود عن تدمير الهيكل ‪:‬‬


‫نص منقول عن كتاب ( التلمود تاريخه وتعاليمه ) لظفر السلم خان ‪:‬‬
‫" عندما بلغت ذنوب إسرائيل مبلغها ‪ ،‬وفاقت حدود ما يُطيقه الله العظيم ‪ ،‬وعندما رفضوا أن يُنصتوا لكلمات‬
‫وتحذيرات ارمييا ‪ ،‬ترك النيبي أورشلييم وسيافر إلى بلد بنياميين ( الخ الشقييق ليوسيف ) ‪ ،‬وطالميا كان النيبي ل‬
‫يزال في المدينة المقدّسة كان يدعو لها بالرحمة فنجت ‪ ،‬ولكنه عندما هجرها إلى بلد بنيامين ‪ ،‬دمّر نبوخذ نصر‬
‫بلد إسرائيل وحطّم الهيكل المقدّس ‪ ،‬ونهب مجوهراته وتركه فريسة للنيران الملتهبة ‪ ،‬وكان نبورذدان الذي آثر‬
‫البقاء في ريبله ( منطقة سورية بالقرب من حماة ) قد أرسل نبوخذ نصر لتدمير أورشليم " ‪.‬‬
‫" وقبل أن يبدأ نبوخذ نصر حملته العسكرية ‪ ،‬سعى لمعرفة نتائج الحملة بواسطة الشارات نظرا لذهوله ‪ ،‬فرمى‬
‫من قوسه نحو المغرب فسارت باتجاه أورشليم ‪ ،‬ثم رمى مرة أخرى نحو الشرق لكن السهم اتجهت نحو أورشليم‬
‫‪ ،‬ثيم رميى مرة أخرى ليتأكيد مين محيل وقوع المدينية المُذنبية التيي وجيب تطهيرهيا مين الرض ‪ ،‬وللمرة الثالثية‬
‫اتجهيت سيهمه نحيو أورشلييم ‪ ،‬وبعيد أن اسيتولى نبوخيذ نصير على المدينية ‪ ،‬توجّه ميع أُمرائه وضباط جيشيه إلى‬
‫داخل الهيكل ‪ ،‬وصاح ساخرا مخاطبا إله إسرائيل ‪ :‬وهل أنت الله العظيم الذي يرتعد أمامه العالم ؟ ها نحن في‬
‫مدينتك ومعبدك ! " ‪.‬‬
‫" ووجد نبوخذ علمة لرأس سهم على أحد جدران الهيكل ‪ ،‬كأن أحدا قُتل أو أُصيب بها ‪ ،‬فسأل ‪ :‬من قُتل هنا ؟‬
‫فأجاب الشعيب ‪ ( :‬زكرييا بين يهوياداه ) كيبير الكهنية ‪ ،‬لقيد كان يُحذّرنيا فيي كيل سياعة مين حسياب اعتداءاتنيا ‪ ،‬وقيد‬
‫سئمنا من كلماته فانتهينا منه ‪ .‬فذبح جنود نبوخذ نصر سكان أورشليم كهنتها وشعبها ‪ ،‬كهولها وشبابها ونسائها‬
‫وأطفالها ‪ ،‬وعندما شاهد كبير الكهنة هذا المنظر ألقى بنفسه بالنار ‪ ،‬التي أشعلها نبوخذ نصر في الهيكل ‪ ،‬وتبعه‬
‫‪92‬‬
‫بقية الكهنة مع عودهم وآلتهم الموسيقية الخرى ‪ ،‬ثم ضرب جنود نبوخذ نصر السلسل الحديدية في أيدي باقي‬
‫السرائيليين " ‪.‬‬
‫" ورجع ارميا النبي إلى أورشليم وصحب إخوانه البؤساء الذين خرجوا عرايا ‪ ،‬وعند وصولهم إلى مدينة تُسمى‬
‫بييت كورو هيّأ لهيم ملبيس جيدة ‪ ،‬وتكلّم ميع نبوخيذ نصير والكلدانييين ‪ ،‬قائل لهيم ‪ :‬ل تظين أنيك بقوتيك وحدهيا‬
‫استطعت أن تتغلّب على شعب الرب المُختار ‪ ،‬إنها ذنوبهم الفاجرة التي ساقتهم إلى هذا العذاب " ‪.‬‬
‫نجيد أن روايية التلمود أكثير وضوحيا مين روايية التوراة حييث أنهيا لم تذكير مملكتيين ‪ ،‬وتؤكيد أن اسيم المملكية‬
‫الجنوبيية المقام فيهيا الهيكيل هيو إسيرائيل ولييس يهوذا كميا ذُكير فيي التوراة ‪ .‬وأن مين أسيقطوا عليهيم اسيم إسيرائيل‬
‫والمملكية الشماليية ‪ ،‬هيم الذيين أُخرجوا مين ديارهيم ‪ ،‬ولم يقيع فيهيم السيبي الشوري المزعوم ‪ ،‬وبقوا على حالهيم‬
‫خارج حدود المملكة ‪ ،‬حيث يذكر النص التلمودي أن ارميا النبي لجأ إليهم " ترك النبي أورشليم وسافر إلى بلد‬
‫بنيامين " ‪ .‬وبنيامين حسب التوراة هو الخ الشقيق ليوسف عليه السلم ‪ ،‬وهذا يوحي أن الحقد القديم بين الخوة‬
‫الباء ‪ ،‬توارثيه البناء على مرّ العصيور ‪ ،‬وبأن السيباط الخرى القويية ‪ ،‬أخرجيت سيبط بنيامييين المسييتضعف‬
‫عندما سيطرت على مقاليد الحكم بعد سليمان عليه السلم ‪ .‬وبالتالي يُثبت هذا النص وقوع السبي البابلي ‪ ،‬وينفي‬
‫وقوع السييبي المسييمى بالشوري ‪ .‬وأن أشور وبابييل آنذاك تسييميتان لمملكيية واحدة عنييد كتبيية التوراة ‪ ،‬وأن أحييد‬
‫مصادر التوراة ذكر على أنه بابلي ‪ ،‬والخر ذكره على أنه آشوري ‪ ،‬وأما نبوخذ نصر فتجده أحيانا ملكا وأحيانا‬
‫وزيرا أو قائدا للجيش أو قائدا للحرس ‪.‬‬

‫مقتطفات من رثاء ارميا لشعبه ولورشيلم بعد السبي البابلي ‪:‬‬


‫( مين كتاب مراثيي ارمييا فيي نهايية سيفره ) ‪ :1 " :‬كييف أصيبحت المدينية الهلة بالسيكان مهجورة وحيدة ؟! هذه‬
‫التي كانت عظيمة بين المم ‪ ،‬صارت كأرملة ! صارت السيدة بين المدن تحت الجزية ! تبكي في الليل بمرارة ‪،‬‬
‫وتنهمير دموعهيا على خدّيهيا ‪ ،‬ل مُعزّي لهيا بيين مُحبيهيا ‪ ،‬غدر بهيا جمييع خلّنهيا ‪ ،‬وأصيبحوا أعدا ًء لهيا ‪ ،‬سيُبيت‬
‫يهوذا إلى المنفيى ‪ ، … ،‬فأقاميت شقيية بيين الميم ‪ ، … ،‬تهدّميت جمييع أبوابهيا ‪ ، … ،‬ارتكبيت أورشلييم خطيئة‬
‫نكراء فأصيبحت نجسية ‪ ، … ،‬لم تذكير آخرتهيا لهذا كان سيقوطها رهيبيا ‪ ، … ،‬بدّد الربّي جمييع جبابرتيي فيي‬
‫ب العذراء بنت صهيون ‪ ،‬كما يُداس العنب في‬ ‫شبّاني ‪ ،‬داس الر ّ‬ ‫وسطي ‪ ،‬وألّب عل يّ حشدا من أعدائي ليسحقوا ُ‬
‫المعصيرة ‪ ، … ،‬الربّي عادل حقيا ‪ ،‬وقيد تمرّدت على أمره ‪ ،‬فاسيتمعوا ييا جمييع الشعوب ‪ ،‬واشهدوا وجعيي ‪ ،‬قيد‬
‫ذهيب عذارا يَ وشبّانيي إلى السيبي ‪َ ، … ،‬فنِ يَ كهنتيي وشيوخي في المدينية ‪ ، … ،‬هيا السيف يثكيل فيي الخارج ‪،‬‬
‫ويسود الموت في البيت … " ‪.‬‬
‫" ‪ :2‬قييد هدم الربيّي بل رحميية ‪ ،‬جميييع مسيياكن يعقوب ‪ ، … ،‬وألحييق العار بالمملكيية وحكّامهييا ‪ ،‬إذ سييوّاها‬
‫بالرض ‪ ، … ،‬وتّر قوسيه كعد ّو ‪ ،‬نصيب يمينيه ك ُم ْبغِض ‪ ،‬ذبيح بقسوة كلّ عزييز فيي عيوننيا ‪ ، … ،‬وهدم جمييع‬
‫قصيورها ودمّر حصيونها ‪ ، … ،‬جلس شيوخ ابنية صيهيون على الرض صيامتين ‪ ،‬عفّروا رؤوسيهم بالرماد ‪،‬‬
‫وارتدوا المسييوح ‪ ،‬وطأطأت عذارى أورشليييم رؤوسييهن إلى الرض ‪ ،‬كلّت عيناي ميين البكاء ‪ ، … ،‬نفّذ الرب‬
‫قضاءه ‪ ،‬وحقيق وعيده الذي حكيم بيه منيذ الحقيب السيالفة ‪ ،‬هدم ولم يرأف ‪ ،‬فأشميت بيك الخصيوم ‪ ،‬وعظّم قوة‬
‫عدوك ‪ ، … ،‬انظيير يييا رب يّ وتأمّل ‪ ، … ،‬قييد انطرح الصييبيان والشيوخ فييي غبار الطرقات ‪ ،‬سييقط عذاراي يَ‬
‫شبّاني بالسيف ‪ ،‬قد قتلتهم في يوم غضبك ‪ ،‬ونحرتهم من غير رحمة … "‬ ‫وُ‬
‫" ‪ :3‬أنيا هيو الرجيل الذي شهيد البليية ‪ ،‬التيي أنزلهيا قضييب سيخطه ‪ ، … ،‬ولكين هذا ميا أُناجيي بيه نفسيي ‪ ،‬لذلك‬
‫يغمرنيي الرجاء ‪ ،‬مين إحسيانات الرب ‪ ،‬أننيا لم نفنَي ‪ ،‬لن مراحميه ل تزول ‪ ، … ،‬فلماذا يشتكيي النسيان حيين‬
‫يُعاقييب على خطاياه ؟ … ‪ ،‬لنفحييص طرقنييا ونختبرهييا ‪ ،‬ونرجييع إلى الرب ‪ ،‬لنرفييع أيدينييا وقلوبنييا إلى ال فييي‬
‫السماوات ‪" … ،‬‬
‫" ‪ ، … :4‬لن عقاب إثيم ابنية شعيبي ‪ ،‬أعظيم مين عقاب خطيئة سيدوم ‪ ،‬التيي انقلبيت فيي لحظية ‪ ،‬مين غيير أن تمت ّد‬
‫إليها يد إنسان ‪ ،‬كان نُبلؤها ‪ ،‬أنقى من الثلج ‪ ،‬وأنصع من اللبن ‪ ،‬أجسيادهم أكثر حمرة من المرجان ‪ ،‬وقاماتهم‬
‫ب كامل‬ ‫كالياقوت الزرق ‪ ،‬فأصبحت صورتهم أكثر سوادا من الفحم ‪ ،‬فلم يُعرفوا في الشوارع ‪ ، … ،‬نفث الر ّ‬
‫سخطه ‪ ،‬وصبّ حموّ غضبه ‪ ،‬وأضرم نارا في صهيون ‪ ،‬فالتهمت أُسسها ‪ ، … ،‬عقابا لها على خطايا أنبيائها ‪،‬‬
‫‪93‬‬
‫وآثام كهنتها ‪ ،‬الذين سفكوا في وسطها دماء الصدّيقين ‪ ، … ،‬آذنت نهايتنا ‪ ،‬وتمّت أيامنا ‪ ،‬وأزِفت خاتمتنا ‪ ،‬كان‬
‫مُطاردونا أسرع من نسور السماء ‪ ،‬تعقّبونا على الجبال ‪ ،‬وتربّصوا بنا في الصحراء ‪" … ،‬‬
‫" ‪ :5‬اذكر يا ربّ ما أصابنا ‪ ،‬انظر وعاين عارنا ‪ ،‬قد تحوّل ميراثنا إلى الغرباء ‪ ،‬وبيوتنا إلى الجانب ‪ ،‬أصبحنا‬
‫أيتاميا ل أب لنيا ‪ ،‬وأمهاتنيا كالراميل ‪ ، … ،‬داس مُضطهدونيا أعناقنيا ‪ ،‬أُعيينيا ولم نجيد راحية ‪ ،‬خضعنيا باسيطين‬
‫أيدينيا إلى أشور ومصير ‪ ،‬لنشبيع خبزا ‪ ، … ،‬تسيلّط علينيا عبييد ‪ ،‬ولييس مين يُنقذنيا مين أيديهيم ‪ ، … ،‬اغتصيبوا‬
‫النسيياء فييي صييهيون ‪ ،‬والعذارى فييي مُدن يهوذا ‪ ،‬عُلّقي النبلء ميين أيديهييم ‪ ،‬ولم يوقّروا الشيوخ ( كبار القوم ) ‪.‬‬
‫شبّان للطحين ‪ ،‬وهوى الصيبيان تحيت الحطيب ‪ ،‬هجير الشيوخ ( كبار السين ) بوّابات المدينية ‪ ،‬وكفّي‬ ‫سيخّروا ال ُ‬
‫الشبّان عين غنائهيم ‪ ،‬انقطيع فرح قلوبنيا ‪ ،‬وتحوّل رقصينا إلى نوح ‪ ،‬تهاوت أكالييل رؤوسينا ‪ ،‬فوييل لنيا لننيا قيد‬
‫غشِي على قلوبنا ‪ ،‬وأظلمت عيوننا ‪ ،‬لن جبل صهيون أصبح أطلل ‪ ،‬ترتع فيه الثعالب " ‪.‬‬ ‫أخطأنا ‪ ،‬لهذا ُ‬

‫‪94‬‬
‫فلسطين عبر التاريخ‬
‫منذ نشأة ملكة اليهود الول وحت نشأة دولتهم الثانية‬

‫تاريخ ما قبل الميلد ‪:‬‬


‫طالوت ( شاول ) ملكاً على اليهود ‪ 1020 .‬ق‪.‬م‬
‫عصر الملك سليمان وبناء الهيكل في القدس ‪ 928 – 965 .‬ق‪.‬م‬
‫تقسيم دولة إسرائيل إلى مملكة إسرائيل ( شمالية ) ويهودا ( جنوبية ) ‪ 928 .‬ق‪.‬م‬
‫فلسطين تحت الحكم الشوري ‪ 732 .‬ق‪.‬م‬
‫فتح الشوريون لمملكة إسرائيل ونهاية مملكة إسرائيل ( الشمالية ) ‪ 721 .‬ق‪.‬م‬
‫انتصار البابليين بقيادة " نبوخذ نصر" على مملكة يهودا ( في القدس ) وتدمير الهيكل وترحيل سكانها إلى بابل ‪.‬‬
‫‪ 586‬ق‪.‬م‬
‫‪ 333‬ق‪.‬م‬ ‫السكندر يهزم الفرس وتصبح فلسطين تحت الحكم اليوناني ‪.‬‬
‫موت السكندر يؤدي لتغيير الحكم إلى البطالسة ( في مصر ) والسالوقيين ( في سوريا ) ‪ 323 .‬ق‪.‬م‬
‫بداية حكم البطالسة ‪ 301 .‬ق‪.‬م‬
‫تمرّد المكابيين ( اليهود ) ضد الحكم السالوقي ‪ ،‬للعمل على إنشاء دولة يهودية مستقلة ‪ 165 .‬ق‪.‬م‬
‫فلسطين ضمن المبراطورية الرومانية ( بعد استيلء الرومان عليها ) ‪ 63 .‬ق‪.‬م‬
‫استيلء الفرس على فلسطين ‪ 40 .‬ق‪.‬م‬
‫عودة الحكم الروماني الوثني للمنطقة ‪ 38 .‬ق‪.‬م‬
‫القضاء على المكابيين وابتداء حكم الهرادسة في فلسطين ‪ 37 .‬ق‪.‬م‬

‫تاريخ ما بعد الميلد ‪:‬‬


‫تدمير الهيكل الثاني على يد المبراطور الروماني ( تيطس أو تايتوس ) ‪70 .‬م‬
‫إخماد ثورة ( باركوبا ) اليهودي ضد الرومان ‪ ،‬وإبعاد بقية اليهود عن القدس على يد المبراطور ( هادريان ) ‪.‬‬
‫‪135 -132‬م‬
‫‪638 – 313‬م‬ ‫فلسطين تحت الحكم البيزنطي ( نسبة إلى بيزنطة ) ‪.‬‬
‫( فيي عام ‪330‬م أسيّس الميبراطور قسيطنطين ‪ ،‬الذي جعيل المسييحية الديين الرسيمي للمبراطوريية ‪ ،‬عاصيمة‬
‫جديدة للنصف الشرقي في بيزنطة عُرفت بالقسطنطينية ‪ .‬وفي عام ‪395‬م انقسمت المبراطورية الرومانية ‪ ،‬إلى‬
‫قسيمين ‪ :‬شرقيية عاصيمتها بيزنطية ( القسيطنطينية ) وغربيية وعاصيمتها روميا ‪ ،‬وميع اتخاذ المسييحية كديانية‬
‫رسييمية للمبراطورييية الرومانييية ‪ ،‬بدأ عصيير الضطهاد المسيييحي لليهود ‪ ،‬واسييتمرّ حتييى منتصييف القرن‬
‫الماضي )‬
‫العرب المسلمون يفتحون فلسطين في عهد الخليفة عمر بن الخطاب ‪638 .‬م‬
‫‪1099 - 638‬م‬ ‫فلسطين تحت الحكم السلمي ( المويون ‪ ،‬العباسيون ‪ ،‬الفاطميون ‪ ،‬السلجقة ) ‪.‬‬
‫الصليبيون يقيمون المملكة اللتينية في القدس ‪1187 - 1099 .‬م‬
‫‪95‬‬
‫صلح الدين اليوبي يهزم الصليبيين في معركة حطين ‪1187 .‬م‬
‫‪1220‬م‬ ‫فلسطين تحت حكم المماليك بعد هزيمة المغول في موقعة عين جالوت ‪.‬‬
‫فلسطين جزء من المبراطورية العثمانية وعاصمتها استنبول ( القسطنطينية ) ‪1917 - 1516 .‬م‬

‫تاريخ فلسطين الحديث ‪:‬‬


‫إنشاء أول مستوطنة زراعية صهيونية ( بتاح تكفا ) في فلسطين ‪1878 .‬م‬
‫البارون ( ادموند دورتشلد ) يبدأ دعمه المالي للمستوطنات اليهودية ‪1882 .‬م‬
‫أول موجة من ‪ 25‬ألف مهاجر صهيوني تدخل فلسطين ‪ ،‬وغالبيتهم من أوروبا الشرقية ‪1903 – 1882 .‬م‬
‫ينعقد المؤتمر الصهيوني الول " في بال بسويسرا " ويصدر " برنامج بال " الذي يدعو إلى إقامة وطن للشعب‬
‫اليهودي فييي فلسييطين ‪ ،‬ويقرر إنشاء المنظميية الصييهيونية العالمييية ( ‪ ) WZO‬للعمييل ميين أجييل هذا الهدف ‪.‬‬
‫‪1897‬م‬
‫إنشاء أول كيبوتز على قاعدة العمل اليهودي ‪ ،‬إنشاء قاعدة تل أبيب شمالي يافا ‪1909 .‬م‬
‫* بداية الحرب العالمية الولى ‪1914 .‬م‬
‫المراسلت بين الشريف حسين (شريف مكة وقائد الثورة العربية ضد العثمانيون ) ‪ ،‬وبين سير هنري مكماهون‬
‫( المندوب السيامي فيي مصير ) تنتهيي إلى اتفاق اسيتقلل ووحدة البلد العربيية ‪ ،‬تحيت الحكيم العربيي بعيد انتهاء‬
‫الحرب ‪3/1/1916 .‬م‬
‫اتفاقيية ( سيايكس بيكيو ) السيرية لتقسييم البلد العربيية ‪ ،‬التيي كانيت تحيت الحكيم العثمانيي بيين بريطانييا وفرنسيا ‪.‬‬
‫‪16/5/1916‬م‬
‫( وقد كشف البلشفة ( الروس ) النقاب عنها في تشرين أول ‪1917‬م )‬
‫الشريف حسين يعلن استقلل العرب عن الحكم العثماني وبداية الثورة العربية ‪1916 .‬م‬
‫وزير الخارجية البريطاني ( بلفور ) يتعهد بالدعم البريطاني لوطن قومي لليهود في فلسطين ‪2/11/1917 .‬م‬
‫قوات الحلفاء بقيادة الجنرال اللنبي البريطاني تحتل فلسطين ‪9/1917/- .‬م‬
‫* نهاية الحرب العالمية الولى ‪30/10/1918 .‬م‬
‫المجلس العلى لمؤتمر السلم سان ريمو يعطي بريطانيا النتداب على فلسطين ‪25/4/1920 .‬م‬
‫المندوب السييامي سييير هربرت صييموئيل السييياسي اليهودي النجليزي يدشيين " الدارة المدنييية البريطانييية " ‪.‬‬
‫‪1/7/1920‬م‬
‫عصبة المم تق ّر النتداب على فلسطين ‪24/7/1921 .‬م‬
‫* بداية الحرب العالمية الثانية ‪1/9/1938 .‬م‬
‫اللجنة المريكية – النجليزية لتقصي الحقائق تصل إلى فلسطين ‪6/3/1946 .‬م‬
‫تقريير اللجنية المريكيية النجليزيية يقدر حجيم القوات المسيلحة اليهوديية ( ‪ ) 69 - 61‬ألف فرد ‪ ،‬ويوصيي بقبول‬
‫‪ 100.000‬يهودي في فلسطين ‪ ،‬وفلسطين تضرب احتجاجا ‪ ( .‬هنا تدخل العناية المريكية ) ‪5/1946/- .‬م‬
‫لجنة المم المتحدة الخاصة تقترح خطة للتقسيم ‪ ،‬والجامعة العربية ترفضها ‪ 8/9/1947 .‬م‬
‫بريطانيا تعلن أنها ستغادر فلسطين خلل ستة شهور إذا لم يتم التوصل إلى تسوية ‪29/10/1947 .‬م‬

‫‪96‬‬
‫الجمعييية العاميية للمييم المتحدة ‪ ،‬توصييي بتقسيييم فلسييطين بنسييبة ‪ %56.5‬لدولة يهودييية ‪ ،‬ونسييبة ‪ %43‬للدولة‬
‫الفلسطينية ‪ ،‬ومنطقة دولية حول القدس ‪29/11/1947 .‬م‬
‫الجامعيية العربييية تنظييم جيييش النقاذ العربييي ( قوة متطوعييين بقيادة فوزي القاوقجييي لمسيياعدة الفلسييطينيين فييي‬
‫مقاومة التقسيم ) ‪12/1947/- .‬م‬
‫بريطانيا توصي المم المتحدة بإنشاء دولتين يهودية وفلسطينية بعد أسبوعين من انتهاء النتداب ‪8/12/1947 .‬م‬
‫جيش النقاذ العربي يشن هجمات ناجحة على المستعمرات السرائيلية شمالي بيسان ‪16/2/1948 .‬م‬
‫القاوقجي يدخل فلسطين ويقود وحدات جيش النقاذ في مثلث جنين ‪ -‬نابلس‪ -‬طولكرم ‪7/3/1948-5 .‬م‬
‫الرئيس المريكي ( ترومان ) يدعو إلى هدنة فورية للقتال ‪25/3/1948 .‬م‬
‫عصيابة ( شتيرن ) ترتكيب مذبحية فيي ديير ياسيين بالقرب مين القدس تسيفر عين مقتيل أكثير مين ‪ 250‬شخصياً ‪.‬‬
‫‪9/4/1948‬م‬
‫قرار لمجلس المن يدعو إلى هدنة ‪17/4/1948 .‬م‬

‫‪15/5/1948‬م‬ ‫نهاية النتداب البريطاني وإعلن الدولة السرائيلية من تل أبيب ‪.‬‬


‫القوات اللبنانية تعبر الحدود وتستعيد مؤقتا قرى المالكية وقدس من الهاجاناة ‪17/5/1948 -15 .‬م‬
‫القوات الردنية تعبر نهر الردن وتتحرك صوب القدس ‪ ،‬وتسيطر على الشيخ جراح والحي اليهودي في المدينة‬
‫القديمة ‪28/5/1948 -15 .‬م‬
‫الوحدات العراقية تعبر نهر الردن وتتحرك نحو مثلث نابلس ‪ -‬جنين ‪ -‬طولكرم ‪4/6/1948 – 15/5 .‬م‬
‫القوات المصرية تعبر الحدود وتتحرك عبر الساحل إلى اسدود ‪7/6/19489 – 15/5 .‬م‬
‫تقدم الطوابير السورية عبر الشمال ‪10/6/1948 -16/5 .‬م‬
‫مجلس المن الدولي يعين الكونت ( فولك برنادوت ) كوسيط دولي في فلسطين ‪20/5/1948 .‬م‬
‫قرار مجلس المن الدولي بوقف إطلق النار ‪1948 /22/5 .‬م‬
‫الهدنة الولى ‪8/7/1948 -11/6 .‬م‬
‫الهدنة الثانية ‪15/10/1948 -18/7 .‬م‬
‫تقرير الوسيط الدولي ( برنادوت ) يقترح تقسيم فلسطين الى دولتين ؛ عربية وإسرائيلية ‪ ،‬مع بقاء القدس منطقة‬
‫دولية وتُرفض من العرب وإسرائيل ‪16/9/1948 .‬م‬
‫اغتيال الوسيييط الدولي ( برنادوت ) فييي القدس بواسييطة عصييابة ( شتيرن ) ‪ ،‬ويخلفييه نائبييه المريكييي ( رالف‬
‫باتش ) ‪.‬‬

‫عام ‪1949‬م ‪:‬‬


‫توقيع اتفاقيات الهدنة من قبل الدول العربية التي شاركت في حرب ‪ 48‬باستثناء العراق ‪:‬‬
‫‪ 24/2‬الهدنة المصرية – السرائيلية ‪.‬‬
‫‪ 23/3‬الهدنة اللبنانية – السرائيلية ‪.‬‬
‫‪ 3/4‬الهدنة الردنية ‪ -‬السرائيلية ‪.‬‬
‫‪ 20/5‬الهدنة السورية – السرائيلية ‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫المراحل الزمنية في تاريخ اليهود حسب ما جاءت في سورة السراء‬
‫بعد كل ما تقدم وبالنظر مليا في اليات من ( ‪ ) 8 – 4‬من سورة السراء ‪ ،‬نجد أن هناك خمس مراحل زمنية في‬
‫تاريخ بني إسرائيل ‪ ،‬توضحت على النحو التالي ‪:‬‬
‫عُلوّا كَبِيرًا‬
‫ن وَلَ َتعْلُنّ ُ‬
‫ض مَرّتَيْ ِ‬
‫♦المرحلة الولى ‪ ( :‬وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي ا ْلكِتَببابِ لَ ُت ْفسِدُنّ فِي الَْ ْر ِ‬
‫(‪)4‬‬
‫( زمن موسى عليه السلم حيث أوحى إليه ربه عز وجل ‪ ،‬فيما أنزل إليه من الكتاب نص هذه النبوءة ‪ ،‬والرجح‬
‫أنها أنزلت في بداية فترة التيه قبل أربعين عاما ‪ ،‬من دخولهم الول للرض المقدسة ) ‪.‬‬
‫ن وَعْدًا َم ْفعُولً (‪)5‬‬
‫♦المرحلة الثانية ‪ ( :‬فَإِذَا جَا َء وَعْ ُد أُولَ ُهمَا ………………… …… …… وَكَا َ‬
‫( منذ نهاية فترة التيه … بدء حرب الملك طالوت لدخول الرض المقدسة …مُلك ونبوّة داود وسليمان عليهما‬
‫السلم … مُلك مُتوارث بدون نبوّة ‪ :‬فساد وإفساد … حتى السبي البابلي سنة ‪ 586‬قبل الميلد ) ‪.‬‬
‫♦المرحلة الثالثة ‪ُ … ( :‬ثمّ … (‪)6‬‬
‫( منذ السبي البابلي … بعث عيسى عليه السلم … نزول سورة السراء بنص هذه النبوءة سنة ‪621‬م … إلى‬
‫ما قبل حرب ‪1948‬م ) ‪.‬‬
‫♦المرحلة الرابعة ‪ ( :‬رَدَدْنَا َل ُكمْ ا ْلكَرّةَ عَلَ ْي ِه ْم … … … … … وَلِيُتَبّرُوا مَا عَ َلوْا تَتْبِيرًا (‪)7‬‬
‫( منذ قيام دولة إسرائيل ( ‪15/5/1948‬م ) … وانتصار الجيش إسرائيلي في حروبه … ووصول الدولة إلى قمة‬
‫مجدها … حتى نهايتها ) ‪.‬‬
‫حمَ ُكمْ َوإِنْ عُدْ ُتمْ عُدْنَا … ( ‪)8‬‬
‫عسَى رَ ّب ُكمْ أَنْ َي ْر َ‬
‫♦المرحلة الخامسة ‪َ ( :‬‬
‫( منذ نهاية إسرائيل … قيام الدولة العربية المتحدة في بلد الشام والعراق … الحرب العالمية النووية الثالثة …‬
‫ظهور المهدي … معارك المهدي … قيام المبراطورييية السييلمية وعاصييمتها القدس … خروج الدجال …‬
‫نزول عيسيى علييه السيلم … هروب الدجال وأتباعيه إلى فلسيطين … قتيل الدجال … نطيق الحجير والشجير …‬
‫حتى الذبح النهائي لبني إسرائيل على أرض فلسطين ) ‪.‬‬

‫[ نهاية الجزء الول ]‬

‫‪98‬‬
‫الجزء الثاني‬

‫الفصل الول ‪:‬‬

‫المؤامرة اليهودية على العالم‬

‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫النبوءات التوراتية بين الماضي والمستقبل‬

‫الفصل الثالث ‪:‬‬

‫النبوءات النجيلية بين الماضي والمستقبل‬

‫الفصل الرابع ‪:‬‬

‫الغربيون وهوس النبوءات التوراتية والنجيلية‬

‫الفصل الخامس ‪:‬‬

‫السياسة المريكية ونبوءات التوراة والنجيل‬

‫الفصل السادس ‪:‬‬

‫الكتب المقدّسة تأمر اليهود بتدمير أصحاب البعث‬

‫‪99‬‬
‫المؤامرة اليهودية على العالم‬
‫" ويبل للمُتآمريبن بالسبوء ‪ ،‬الذيبن يحيكون الشرّ وهبم فبي مضاجعهبم ‪ ،‬الذيبن يُنفّذون مبا خطّطوا له عنبد طلوع‬
‫الفجبر ‪ ،‬لن ذلك فبي مُتناول أيديهبم ‪ ،‬يشتهون حقول فيغتصببونها ‪ ،‬وبيوتبا فيسبتولون عليهبا ‪ ،‬يجورون على‬
‫الرجل وعلى بيته ‪ ،‬وعلى النسان وميراثه " ( التوراة ‪ :‬سفر ميخا ‪. ) 2-1 :2 ،‬‬
‫" قبد باد الصبالح مبن الرض ‪ ،‬واختفبى المُسبتقيم مبن الناس ‪ ،‬جميعهبم يكمنون لسبفك الدماء ‪ ،‬وكبل واحبد منهبم‬
‫يقتنبص أخاه ‪َ .‬تجِ ّد أيديهبم فبي ارتكاب الشرّ ‪ ،‬ويسبعى الرئيبس والقاضبي وراء الرشوة ‪ ،‬ويملي العظيبم عليهبم‬
‫أهواء نفسبه ‪ ،‬فيتآمرون جميعبا على الحقبّ ‪ .‬أفضلهبم مثبل العوسبج ‪ ،‬وأكثرهبم اسبتقامة مثبل سبياج الشوك "‬
‫( التوراة ‪ :‬سفر ميخا ‪. ) 3-2 :7 ،‬‬
‫هذه النصيوص التيي تكشيف حقيقية اليهود والعقليية التيي يفكّرون ‪ ،‬لم تخطّهيا قلم كاتيب عربيي أو غربيي حاقيد على‬
‫اليهود واليهوديية ‪ ،‬مين المعاديين للسيامية اليهوديية ‪ ،‬وإنميا جاءت فيي التوراة ‪ ،‬كتاب اليهود والنصيارى المقدّس ‪.‬‬
‫وبالرغم من ذلك ما زال الكثير ‪ ،‬من مفكري وكتاب العرب في هذا العصر الغبر ‪ ،‬ينكر أن هناك مؤامرة تُحاك‬
‫ضد كل ما هو مسلم وضد كل ما هو عربي ‪ ،‬بل ضد كل ما هو غير يهودي ‪ ،‬ويتهمون كل من يقول بذلك ‪ ،‬بأنه‬
‫من مؤيدي نظرية المؤامرة التي ل أصل لها من الصحة ‪ .‬أما ما نقوله نحن في هؤلء أحد أمرين ‪ ،‬إما أن يكونوا‬
‫شركاء فيي المؤامرة ‪ ،‬ويعملون ميا بوسيعهم لتجهييل الناس بعلم ‪ ،‬حتيى ل يتنبّهوا لسيلحتها ورموزهيا فيُقاوموهيا ‪،‬‬
‫وإما أن يكونوا أُناس يعيشون على سطح كوكبٍ غير الذي نعيش فيه ‪ ،‬يُدلون بدلوهم ليُضلّوا الناس بغير علم ‪.‬‬

‫الديانة اليهودية ‪:‬‬


‫لنعلم أن تسيمية القرآن لبنيي إسيرائيل باليهود ‪ ،‬أُطلقيت عليهيم لقولهيم ( إِنّاب هُدْنَا إِلَيْكَب (‪ 156‬العراف ) ‪ ،‬وذلك بعيد‬
‫اتخاذهيم العجيل ‪ ،‬بمعنيى أنهيم أعلنوا التوبية عين فعلهيم والرجوع إلى ال ‪ ،‬وفيي الحقيقية كان ذلك قولهيم بألسينتهم ‪،‬‬
‫جلَ‬‫س ِمعْنَا وَعَصَيْنَا َوأُشْرِبُوا فِي قُلُو ِبهِمُ ا ْل ِع ْ‬ ‫وأما قلوبهم فأُشربت وشُغفت بعبادة العجل ‪ ،‬حيث قال سبحانه ( قَالُوا َ‬
‫ِبكُفْ ِرهِمْب ُقلْ بِئْسَبمَا يَ ْأ ُم ُركُمْب بِهِب إِيمَا ُنكُمْب إِنْب كُنْتُمْب ُم ْؤمِنِينَب (‪ 93‬البقرة ) ‪ ،‬وكان هذا حالهيم بمعيية نيبيهم موسيى علييه‬
‫السيلم ‪ .‬ولم يختلف حالهيم ميع نبينيا محميد علييه الصيلة والسيلم ‪ ،‬حييث قال فيهيم سيبحانه ( مِنبَ الّذِينبَ هَادُوا‬
‫سمَعٍ ‪ ،‬وَرَاعِنَا لَيّا بِأَلْ سِنَ ِت ِه ْم َوطَعْنًا فِي‬ ‫سمَعْ غَيْ َر مُ ْ‬‫س ِمعْنَا وَعَ صَيْنَا ‪ ،‬وَا ْ‬ ‫ضعِ هِ ‪ ،‬وَ َيقُولُو نَ َ‬ ‫ن َموَا ِ‬‫ُيحَرّفُو نَ ا ْلكَلِ مَ عَ ْ‬
‫طعْنَا وَاسْبمَ ْع وَا ْنظُرْنَا ‪َ ،‬لكَانَب خَيْرًا َلهُمْب َوأَ ْقوَمَب وَ َلكِنْب َلعَ َنهُمُب الُّ ِبكُفْرِهِمْب فَلَ‬
‫الدّينِب ‪ ،‬وَ َلوْ أَ ّنهُمبْ قَالُوا سَب ِمعْنَا َوَأ َ‬
‫ن ِإلّ َقلِيلً (‪ 46‬النساء ) ‪.‬‬ ‫ُي ْؤمِنُو َ‬
‫وأما الديانة اليهودية ‪ :‬فهي معتقد ‪ ،‬اختلط فيه شيء من بقايا مشوّهة لكتب أنبيائهم ‪ ،‬مع آراء وتفسيرات أحبارهم‬
‫ومعتقدات وأساطير وخرافات القوام ‪ ،‬التي عاشوا فيما بينها على م ّر العصور ‪ ،‬ومصدر هذه العقيدة في الصل‬
‫هيو التوراة ‪ ،‬والتيي سيبق أن قلنيا أنهيا كُتبيت بشكلهيا النهائي فيي القرن الول الميلدي ‪ ،‬قبيل خروجهيم النهائي مين‬
‫فلسطين وتشتّتهم في كافة أرجاء الرض ‪.‬‬
‫وفيمييا بعييد السييبي البابلي ‪ ،‬قام كهنتهييم وأحبارهييم ( حكمائهييم ) بتأليييف كُتييب جمعوا فيهييا ‪ ،‬معتقداتهييم وآرائهييم‬
‫وشروحهم للتوراة ‪ ،‬وقالوا أنها القانون الشفوي الذي لم يأ تِ به موسى عليه السلم مكتوبا ‪ ،‬والذي تناقلوه شفاها‬
‫عييبر الجيال ‪ ،‬وجُمعييت هذه المؤلفات فيمييا س ُيمّي بالتلمود ‪ ،‬والذي يعتييبرونه أكثيير قُدسييية ميين التوراة نفسييها ‪،‬‬
‫ولديهما تلمودان أحدهما جُمع في فلسطين عام ‪ 400‬م و سُميَ تلمود أورشليم ‪ ،‬والخر جُمع في بابل عام ‪ 500‬م‬
‫ي تلمود بابل وهو الشهر ويقع في ‪ 36‬مُجلّدا ‪ .‬وقد كان التلمود يُعامل بسرية فيما بين اليهود ‪ ،‬وقد تم طبعه‬ ‫وسُم َ‬
‫فيي أوروبيا فيي القرون الوسيطى ‪ ،‬وكلّميا أُكتشيف أمره فيي الدول الوربيية ‪ ،‬كان يُصيادر ويُجميع ويُحرق ‪ ،‬وكان‬
‫اكتشافيه سيببا فيي كثيير مين حالت الضطهاد والتعذييب والقتيل والنفيي لليهود ‪ .‬ومين هذا نخلص إلى أن الديانية‬
‫اليهودية ‪ ،‬هي ما جاء من معتقدات في التلمود أول وثانيا وثالثا … ‪ ،‬والتوراة على ما بقي فيها من وحي أخيرا ‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫ماهية التلمود ومعتقدات اليهود ‪:‬‬
‫قال د‪ ( .‬جوزيف باركلي ) أحد الباحثين في التلمود ‪ " :‬وبعض أقوال التلمود مغالٍ ( مُبالغ فيه ) وبعضها كريه ‪،‬‬
‫وبعضها الخر كفر ‪ ،‬ولكنها تشكّل في صورتها المخلوطة أثراً غير عادي ‪ ،‬للجهد النساني ‪ ،‬وللعقل النساني ‪،‬‬
‫وللحماقة النسانية " ‪.‬‬
‫ومميا جاء فيي التلمود مين تعالييم ‪ ،‬نعرض بعيض المقتطفات التاليية مين كتابيّي ( تعالييم التلمود ) لظفير السيلم‬
‫خان ‪ ،‬و( بروتوكولت حكماء صهيون ) لعجاج نويهض ‪:‬‬
‫يقول عجاج نويهيض ‪ :‬هذه الكلمات للعلمية ( بولس حنيا مسيعد ) صياحب كتاب ( همجيية التعالييم الصيهيونية ) ‪،‬‬
‫ومما قاله المؤلف في مقدمته ‪ " :‬للمسيحي إنجيله يبشّر به العالم ‪ ،‬وللمسلم قرآنه ينشره بين جميع الشعوب ‪ ،‬أما‬
‫السييرائيلي فله كتابان ؛ كتاب معروف وهييو التوراة ل يعمييل بييه ‪ ،‬والخيير مجهول ل يعرفييه العالم ( التلمود )‬
‫يفضّله على الول ويدرسه خفية وهو أساس كل مصيبة ‪ .‬والنصارى يؤمنون بأن ال هو أبو الجميع ‪ ،‬والمسلمين‬
‫يعترفون بأن ال رب العالمييين ‪ .‬أمييا الصييهيونيون يريدون أن يكون الله لهييم وحدهييم ‪ ،‬زد على ذلك أن التلمود‬
‫ينصّي على أن جمييع خيرات الرض ملك لبنيي إسيرائيل ‪ ،‬وأن النصيارى والمسيلمين وعبدة الوثان خلقوا عيبيدا‬
‫لهيم ‪ .‬هيم منحدرون مين ال كميا ينحدر البين مين أبييه ‪ ،‬وشعوب الرض مشتّقية مين الرواح النجسية ‪ ،‬ولم يُعطوا‬
‫صورة النسانية إل إكراما لبني إسرائيل " ‪.‬‬

‫نظرة التلمود لكافة البشر ‪:‬‬


‫" المخلوقات نوعان ؛ علوي وسيفلي ‪ .‬العالم يسيكنه سيبعون شعبيا بسيبعين لغية ‪ .‬إسيرائيل صيفوة المخلوقات ‪،‬‬
‫واختاره ال لكيي تكون له السييادة العلييا على بنيي البشير جميعيا سييادة النسيان على الحيوان المُدجّن ‪ .‬إن نفوس‬
‫اليهود منعّم عليهيا بأن تكون جزءا مين ال ‪ ،‬فهيي تنبثيق مين جوهير ال كميا ينبثيق الولد مين جوهير أبييه ‪ ،‬وهذا‬
‫السيبب يجعيل نفيس اليهودي أكثير قبول عنيد ال وأعظيم شأنيا عنيد ال من نفوس سيائر الشعوب ‪ ،‬لن هؤلء تُشتقّي‬
‫نفوسهم من الشيطان وهي مشابهة لنفوس الحيوانات والجماد " ‪.‬‬
‫ولهذا يقول التلمود ‪ " :‬أن زرع ( نطفييية ) الرجيييل غيييير اليهودي هيييي زرع حيوانيييي ‪ .‬وزرع الغراب كزرع‬
‫الحصييان ‪ .‬وإن غييير اليهود كلب عنييد اليهود ‪ .‬وإن غييير اليهودي ل يختلف بشيييء عيين الخنزييير البري ‪ .‬وإن‬
‫بيوت غيير اليهود زرائب للحيوانات ‪ ،‬وقيد كُتيب على شعوب الرض ‪ :‬لحومكيم مين لحوم الحميير وزرعكيم مين‬
‫زرع الحيوانات ‪ .‬وكما أن ربة البيت تعيش من خيرات زوجها ‪ ،‬هكذا أبناء إسرائيل يجب أن يعيشوا من خيرات‬
‫المم دون أن يتحمّلوا عناء العمل " ‪.‬‬

‫نظرة التلمود إلى العرب ( القدماء ) ‪:‬‬


‫أميية مُحتقرة ‪ ،‬ميين العار الزواج بعربييية ‪ ،‬يعبدون الصيينام ‪ ،‬مرتكبييو تسييعة أعشار الجرائم فييي العالم ‪ ،‬صييفتهم‬
‫الغدر وكراهية اليهود ‪ ،‬كانوا قادة تخريب الهيكل مع نبوخذ نصر ‪.‬‬

‫التعامل مع الملل الخرى ‪:‬‬


‫" إن عبدة الوثان الذين ل يعتنقون الدين اليهودي والمسيحيين والمسلمين ‪ ،‬هم في نظر اليهود أعداء ال وأعداء‬
‫اليهود " ‪ .‬و" يسيمح التلمود لصيدقاء ال وأقاربيه فيي أن يُضلّوا الشرار " ‪ .‬و" ممنوع السيلم على الكفار " ‪،‬‬
‫ولكن ّي " الرياء مسييموح بييه " ‪ .‬و" يُمكنييك أن تغش يّ الغريييب وتدينييه بالربييا الفاحييش " ‪ .‬و" يجييب انتزاع قلب‬
‫النصراني من جسده وإهلك علية القوم منهم " ‪ .‬و" إذا ردّ أحد اليهود إلى الغريب ما أضاعه فالرب ل يغفر له‬
‫أبدا " ‪ .‬و" أُقتيل عبدة الوثان ولو كان أكثير الناس كمال " ‪ .‬و" إذا وقيع وثنيي فيي حفرة فاسيددها علييه بحجير " ‪.‬‬
‫و" ميين يسييفك دم الكفار ( غييير اليهود ) بيده يقدّم قربانييا مُرضيييا ل " ‪ .‬وإجمال يقول التلمود ‪ :‬أن ميين ينتهييك‬
‫الوصايا العشر مع غير اليهود فهو جائز بل واجب ‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫التجديف على ال ‪:‬‬
‫" اليهود يضعون التلمود فوق التوراة والحاخام فوق ال ‪ ،‬وال يقرأ وهو واقف على قدميه ‪ ،‬وما يقوله الحاخام‬
‫يفعله ال ‪ ،‬إن تعالييم اللهوتييين فيي التلمود لهيي أطييب مين كلم الشريعية ( كلم ال ) ‪ ،‬والخطاييا المُقترفية ضيد‬
‫التلمود لهي أعظم من المقترفة ضد التوراة " ‪ .‬و" إن الرباني مناحيم يُطلعنا بالتفاق مع كثير من العلماء ‪ ،‬على‬
‫أن ال يأخييذ رأي الربانيييين على الرض ‪ ،‬فييي المشاكييل التييي تنشييأ فييي السييماء " ‪ .‬و" إن كلمات الربانيييين أشدّ‬
‫عذوبة من كلمات النبياء … وذلك لن كلماتهم هي كلمات ال " ‪.‬‬
‫و" إن ال قيد تاب عين تركيه بنيي إسيرائيل يرتطمون فيي الشقاء كمين يتوب عين إثيم شخصيي ‪ . " … ،‬و" أن ال‬
‫ل قسيمه بقسيم آخير نظيره ‪ . " … ،‬و" أن ال قيد‬‫عندميا يُقسيم فيي كيل مرة بدون مُبرّر معقول ‪ ،‬فمين اللزم أن يح ّ‬
‫ب إلى‬
‫أقسم بغير عدل ‪ ،‬وارتكب خطيئة الكذب لكي يلقي السلم والوئام بين سارة وإبراهيم " ‪ .‬و" أن اليهود أح ّ‬
‫ال من الملئكة ‪ ،‬فالذي يصفع اليهودي كمن يصفع العناية اللهية سواء بسواء ‪ ،‬وهذا يُفسر لنا استحقاق الوثني‬
‫وغيير اليهودي الموت إذا ضرب يهودييا " ‪ .‬و" وإذا أراد الرجيل أن يقترف ذنبيا فعلييه أن يذهيب إلى مكان ‪ ،‬هيو‬
‫مجهول فيه ‪ ،‬لئل يُهين ال علنية " ‪.‬‬

‫الملئكة ‪:‬‬
‫" إن عمل الملئكة الرئيسي سكب النوم على عيون البشر وحراستهم في الليل ‪ ،‬أما في النهار فإنهم يُصلّون عن‬
‫البشر ‪ ،‬ولذلك يجب أن نلتجئ إليهم " ‪.‬‬

‫النبياء ‪:‬‬
‫" أن إبراهيم أكل ‪ 74‬رجل ‪ ،‬وشرب دمائهم دفعة واحدة ‪ ،‬ولذلك كان له قوة ‪ 74‬رجل " ‪ .‬وصفوا عيسى عليه‬
‫السييلم بالحمييق والمجذوم و" غشاش بنييي إسييرائيل " ‪ ،‬واتهموا أمييه بالزنييا ‪ ،‬وتلميذه بالملحدييين ‪ ،‬والنجيييل‬
‫بالكتاب المملوء بالثم ‪.‬‬

‫التنجيم ‪:‬‬
‫يعتقد التلمود اعتقادا جازما ‪ ،‬بأن التنجيم علم يتحكم بحياة الناس ‪ ،‬ومن أقوالهم ‪ " :‬إن تأثير النجوم تجعل الرجل‬
‫ذكيا ‪ ،‬وبنو إسرائيل تحت تأثير النجوم " ‪ " ،‬إن كسوف الشمس آية سوء للشعوب ‪ ،‬وخسوف القمر آية سوء لبني‬
‫إسرائيل ‪ ،‬لن إسرائيل تعتمد في بقائها على القمر " ‪.‬‬

‫السحر ‪:‬‬
‫والتلمود ملييييء بطقوس السيييحر والشعوذة والعرافييية ‪ ،‬وطرق التصيييال بالجنيييّ ‪ ،‬وفييييه أن الرواح الشريرة‬
‫والشياطين والجنيات من ذرية آدم ‪ .‬وأنهم يطيرون في كل اتجاه ‪ ،‬وهم يعرفون أحوال المستقبل باستراق السمع ‪،‬‬
‫وهم يأكلون ويشربون ويتكاثرون مثل النسان ‪ ،‬ويجوز للناس استشارة الشيطان في آخر أيام السبوع ‪.‬‬

‫الروح والبعث والجزاء ‪:‬‬


‫لهيم فيهيا أقوال شتيى ‪ " ،‬تنتقيل نفيس اليهودي بعيد موتيه إلى جسيد آخير ‪ ،‬وعندميا يلفيظ المتقدم فيي السين أنفاسيه ‪،‬‬
‫تسيرع نفسيه إلى جنيين فيي بطين أميه " ‪ .‬ومنهيا ؛ أن اليهودي الذيين يقتيل يهودييا " تدخيل روحيه فيي الحيوانات‬
‫والنباتات ‪ ،‬ثم تذهب إلى الجحيم وتعذّب عذابا أليما مدة اثنيّ عشر شهرا ‪ ،‬ثم تعود ثانية لتدخل في الجمادات ‪ ،‬ثم‬
‫في الحيوانات ‪ ،‬ثم في الوثنيين ‪ ،‬حتى ترجع إلى جسد يهودي بعد تطهيرها " ‪ .‬ويقولون أن الجنة ليس فيها أكل‬
‫أو شرب ‪ ،‬أو زواج أو تناسل … ‪ ،‬وإنما يجلس الصالح فيها بوقار وسكينة ‪ ،‬ويقولون أن نار جهنم ل سلطان لها‬
‫على مُذنبي بني إسرائيل ‪ ،‬ول سلطان لها على تلمذة الحكماء ‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫ويقولون أنيه ل حسياب بعيد انفصيال الروح عين الجسيد ‪ .‬ويقولون " المشروبات السيماوية هيي الخمور الفاخرة ‪،‬‬
‫المعتّقيية المحفوظيية ميين يوم الخليقيية السييادس ‪ ،‬وهذه الجنّة اللذيذة ل يدخلهييا إل اليهود الصييالحون ‪ ،‬أمييا الباقون‬
‫فيُزجّون فييي نار جهنييم " ‪ .‬و" … ‪ ،‬ويأتييي المسييلمون بعييد النصييارى لنهييم ل يغسييلون سييوى أيديهييم وأرجلهييم‬
‫وأفخاذهم وعوراتهم ‪ ،‬كل هؤلء يُحشرون حشرا في جهنم ول يغادرونها أبدا " ‪.‬‬

‫التطلع الدائم للملك ‪:‬‬


‫" إن المسيح ( الذي ينتظرون ظهوره ) يُعيد قضيب المُلك إلى إسرائيل ‪ ،‬فتخدمه الشعوب وتخضع له الممالك ‪،‬‬
‫ول يأتي ما لم ينقرض مُلك الشعوب غير اليهودية ‪ ،‬ذلك أن إسرائيل إذا كان صالحا ‪ ،‬يجب عليه أن يعمل بغير‬
‫هوادة ‪ ،‬فيي العميل على أن ينبيذ المتسيلّطين ( الحكام ) على الشعوب نبيذ النواة ‪ ،‬لن السيلطة على الشعوب غيير‬
‫اليهوديية هيي مين نصييب اليهود فقيط ‪ ،‬وفيي كيل مكان يدخله اليهود يجيب أن يكونوا هيم المتسيلّطين ‪ ،‬وطالميا هيم‬
‫بعيدون عن تحقيق هذه الفكرة فيعتبرون أنفسهم منفيين وغرباء " ‪.‬‬
‫( وهذا المقتطفات جزء يسير مما تحصّل لدينا لما جاء في التلمود من أفكار وأقوال لحاخامات اليهود ) ‪.‬‬
‫ضعِهِب وَ َيقُولُونَب سَبمِعْنَا وَعَصَبيْنَا وَاسْبمَعْ غَ ْي َر مُسْبمَ ٍع وَرَاعِنَا‬ ‫قال تعالى ( مِنَب الّذِينَب هَادُوا ُيحَرّفُونَب الْكَلِمَب عَنْب َموَا ِ‬
‫لَيّاب بِأَلْسِبنَ ِت ِه ْم َوطَعْنًا فِي الدّينِب وَ َلوْ أَ ّنهُمْب قَالُوا سَبمِعْنَا َوَأطَعْنَا وَاسْبمَ ْع وَانْظُرْنَا َلكَانَب خَيْرًا َلهُمْب َوأَ ْقوَمَب وَ َلكِنْب َلعَ َنهُمُب‬
‫الُّ ِب ُكفْرِهِمْب فَلَ ُي ْؤمِنُونَب ِإلّ قَلِيلً (‪ )46‬يأَيّهَا الّذِينَب أُوتُوا ا ْلكِتَابَب ءَامِنُوا بِمَا َنزّلْنَا مُصَبدّقًا لِمَا َم َعكُمْب مِنْب قَ ْب ِل أَنْب‬
‫ن َأمْرُ الِّ َم ْفعُولً (‪ )47‬إِنّ الَّ لَ َيغْفِرُ‬ ‫ب السّبْتِ َوكَا َ‬ ‫صحَا َ‬ ‫علَى أَدْبَا ِرهَا َأوْ نَ ْلعَ َنهُمْ َكمَا َلعَنّا أَ ْ‬
‫س ُوجُوهًا فَنَرُدّهَا َ‬ ‫طمِ َ‬ ‫َن ْ‬
‫عظِيمًا (‪ )48‬أَ َلمْ تَ َر إِلَى الّذِينَ ُي َزكّونَ‬ ‫أَنْ ُيشْرَكَ ِب ِه وَ َي ْغفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ ِلمَنْ َيشَا ُء َومَنْ ُيشْرِكْ بِالِّ َفقَدِ افْتَرَى إِ ْثمًا َ‬
‫ب َوكَفَى بِ ِه إِ ْثمًا مُبِينًا (‬ ‫علَى الِّ ا ْلكَذِ َ‬ ‫س ُهمْ َب ِل الُّ ُي َزكّي َم نْ َيشَا ُء َولَ ُيظْ َلمُو نَ فَتِيلً (‪ )49‬ا ْنظُ ْر كَيْ فَ َيفْتَرُو نَ َ‬ ‫أَنْفُ َ‬
‫‪ )50‬أَلَمْب َت َر إِلَى الّذِينَب أُوتُوا نَصبِيبًا مِنَب ا ْلكِتَابِب ُي ْؤمِنُونَب بِا ْلجِبْتِب وَالطّاغُوتِب وَ َيقُولُونَب لِلّذِينَب َكفَرُوا َه ُؤلَ ِء أَهْدَى‬
‫لّ َومَنْ يَ ْلعَنِ الُّ فََلنْ َتجِدَ َلهُ نَصِيرًا (‪ 52‬النساء ) ‪.‬‬ ‫مِنَ الّذِينَ ءَامَنُوا سَبِيلً (‪ )51‬أُولَئِكَ الّذِينَ َلعَ َن ُهمُ ا ُ‬

‫المؤامرة اليهودية ‪:‬‬


‫هيي شجرة شيطانيية ل تراهيا فوق أنفيك ‪ ،‬ول ترى رسيمها فوق السيطور ‪ ،‬بذورهيا التوراة وجذورهيا التلمود ‪،‬‬
‫وجذعهيا بروتوكولت الحكماء ‪ ،‬وفروعهيا الهيئات والمنظمات الدوليية ‪ ،‬وأوراقهيا كيل وسييائل العلم المرئييية‬
‫والمسيموعة والمكتوبية ‪ ،‬وثمارهيا اللحاد والنحلل ‪ .‬أُنتجيت بذورهيا فيي ألمانييا ونقلت وزُرعيت فيي بريطانييا‬
‫وسُقيت بماء الذهب ‪ ،‬وأضيف إليها سماد الشهوة ‪ ،‬ولما استقام عودها نُقلت وغُرست في أمريكا ‪ ،‬ذات الراضي‬
‫الخصيبة لمثيل هذا النوع مين الشجار ‪ ،‬فاشتدّ عودهيا وارتفيع حتيى بلغ عنان السيماء ‪ ،‬وامتدت جذورهيا إلى شتيى‬
‫بقاع الرض ‪ ،‬وبدأنيا نقطيف شيئا مين بواكيير ثمارهيا ‪ ،‬وعندميا ينضيب ماء الذهيب مين الرض ‪ ،‬سيتعلن حربهيا‬
‫المدمّرة على العالم ‪ ،‬لنقطيييف الفوج الثانيييي مييين ثمار الفقييير والمجاعييية والمرض ول علج ‪ .‬آنذاك يأتيييي يوم‬
‫الحصاد ‪ ،‬قيام مملكة داود الدكتاتورية العالمية البدية ‪ ،‬على أطلل المسجد القصى في قدس القداس ‪ ،‬ليُنصّب‬
‫العجل الذهبي إله أوحدا لكل البشر ‪.‬‬

‫المؤامرة الولى في تاريخ بني إسرائيل‬

‫ن فِي يُوسُفَ وَِإخْ َو ِتهِ ءَايَاتٌ لِلسّائِلِينَ (‪)7‬‬


‫قال تعالى ( َل َقدْ كَا َ‬
‫سيورة يوسيف وبالرغيم مين تسيميتها باسيمه علييه السيلم ‪ ،‬فهيي تحكيي فيي الواقيع قصية أُخوة يوسيف ‪ ،‬وتروي‬
‫تفاصيل أول مؤامرة حاكها ونفذها بنوا إسرائيل ( يعقوب ) بدم بارد ‪ ،‬ضد أبيهم وأخيهم يوسف عليهما السلم ‪،‬‬
‫أحبّهييم إلى قلب أبيييه وبوحشييية منقطعيية النظييير ‪ ،‬وقوله تعالى ( فييي يوسييف وأخوتييه آيات للسييائلين ) يؤكييد أن‬
‫موضوع السيورة هيو ميا قام بيه أخوة يوسيف مين أفعال ‪ ،‬تدلّ على عدم إيمانهيم بال وميا جاء بيه أنيبياءه ‪ ،‬مين علم‬
‫وموعظية وحكمية ‪ ،‬وأنهيم لميا كادوا ليوسيف ميا كادوه ‪ ،‬كانوا قيد أغفلوا كلييا وجود ال سيبحانه وتعالى ‪ ،‬وأنكروا‬
‫قدرتيه على التدخيل بمجريات المور ‪ ،‬وقلب نتائج ميا يُخطّطون له رأسيا على عقيب ‪ ،‬وأنكروا أيضيا نبوة أبيهيم‬
‫يعقوب عليه السلم ‪.‬‬
‫‪103‬‬
‫أخوة يوسف ليسوا أنبياء ‪:‬‬
‫خوَتِكَب فَ َيكِيدُوا لَكَب كَيْدًا إِنّ‬
‫جاء فيي تفسيير القرطيبي رحميه ال لليية التاليية ( قَالَ يَبُنَيّ لَ َتقْصُبصْ ُرؤْيَاكَب عَلَى ِإ ْ‬
‫الشّ ْيطَانَب لِلِْنْ سَانِ عَ ُد ّو مُبِي نٌ (‪ )5‬ميا نصيه ‪ " :‬ودل أيضا على أن يعقوب علييه السلم ‪ ،‬كان أحيس من بنييه حسيد‬
‫يوسيف وبغضيه ‪ ،‬فنهاه عين قصيص الرؤييا عليهيم ‪ ،‬خوف أن تغلّ بذلك صيدورهم ‪ ،‬فيعملوا الحيلة فيي هلكيه ‪،‬‬
‫ومين هذا ومين فعلهيم بيوسيف ‪ ،‬يدل على أنهيم كانوا غيير أنيبياء ‪ ،‬فيي ذلك الوقيت ( ولم يكونوا أنيبياء فيي غيير ذلك‬
‫الوقيت أيضيا ) ‪ ،‬ووقيع فيي كتاب الطيبري لبين زييد ‪ ،‬أنهيم كانوا أنيبياء ‪ ،‬وهذا يردّه القطيع بعصيمة النيبياء عين‬
‫الحسيد الدنيوي ‪ ،‬وعين عقوق الباء ‪ ،‬وتعرييض مؤمين للهلك ‪ ،‬والتآمير فيي قتله ‪ ،‬ول التفات لقول مين قال إنهيم‬
‫كانوا أنبياء ‪ ،‬ول يستحيل في العقل زلة نبي ‪ ،‬إل أن هذه الزلة قد جمعت أنواعا من الكبائر ‪ ،‬وقد أجمع المسلمون‬
‫على عصمتهم منها وإنما اختلفوا في الصغائر " ‪.‬‬
‫لفظ سبط يُطلق على الحفاد وليس على البناء ‪:‬‬
‫وفيي لسيان العرب " قييل السيبط واحيد السيباط وهيو ولد الولد ‪ ،‬وقال ابين سييده ‪ :‬السيبط ولد البين والبنية ‪ ،‬وفيي‬
‫الحدييث الحسين والحسيين سيبطا رسيول ال صيلى ال عليه وسيلم ورضيي عنهميا ‪ ،‬ومعناه طائفتان وقطعتان منيه ‪،‬‬
‫ومنه حديث الضباب ‪ ،‬إن ال غضب على سبط من بني إسرائيل فمسخهم دواب ‪ ،‬والسبط من اليهود كالقبيلة من‬
‫العرب ‪ ،‬وهيم الذيين يرجعون إلى أب واحيد سُيمّي سيبطا ‪ ،‬ليفرق بيين ولد إسيماعيل وولد إسيحاق وجمعيه أسيباط ‪.‬‬
‫قالوا والصحيح أن السباط في ولد إسحاق بن إبراهيم بمنزلة القبائل في ولد إسماعيل عليهم السلم ‪ ،‬وإنما سمي‬
‫هؤلء بالسباط ‪ ،‬وهؤلء بالقبائل ليفصل بين ولد إسماعيل ‪ ،‬وولد إسحاق عليهما السلم ‪ .‬وجاء أيضا أن السبط‬
‫لغة ‪ ،‬هو نبات ذو ساق طويلة مفردة عليها أوراق دقيقة تعلفه البل " ‪.‬‬
‫وبالتالي نستطيع القول بأن لفيظ السيباط ‪ ،‬أُطلق على أحفاد يعقوب عليهم السلم وليس على أبنائه الثنيي عشر ‪،‬‬
‫بيل يتعدى ذلك إلى كيل نسيل بنيي إسيرائيل حتيى يومنيا هذا ‪ ،‬وأمّا قوله تعالى ( وَمَا أُن ِز َل إِلَى إِبْرَاهِيمَب َوإِسْبمَاعِيلَ‬
‫ق وَ َيعْقُوبَب وَالَْسْببَاطِ (‪ 136‬البقرة ) المقصيود هنيا النيبياء مين الحفاد على م ّر العصيور ‪ ،‬ومنهيم يوسيف‬ ‫َوإِسْبحَا َ‬
‫وموسى وداود وسليمان وزكريا ويحيى وعيسى ‪ ،‬ومن ُكذّب وقُتل من أنبياء بني إسرائيل وهم كثير ممن لم تُذكر‬
‫أسيمائهم ‪ .‬والوحييد مين أبناء يعقوب الثنيي عشير ‪ ،‬الذي نصّي القرآن على نبوّتيه هيو يوسيف علييه السيلم ‪ ،‬بدللة‬
‫ن َوأَيّوبَب‬ ‫ق وَ َي ْعقُوبَب كُلّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْب قَ ْب ُل َومِنْب ذُرّيّتِهِب دَاوُدَ وَسُبلَ ْيمَا َ‬
‫قوله تعالى ( َووَهَبْنَا لَهُب إِسْبحَا َ‬
‫ف مِ نْ قَ ْبلُ بِالْبَيّنَا تِ‬
‫ن َوكَذَلِ كَ َنجْزِي ا ْل ُمحْ سِنِينَ (‪ 84‬النعام ) وقوله ( وَ َلقَ ْد جَا َءكُ مْ يُو سُ ُ‬ ‫وَيُو سُفَ َومُو سَى وَهَارُو َ‬
‫ك ِممّا جَا َءكُمْ ِب ِه حَتّى إِذَا هَلَكَ قُلْ ُتمْ لَنْ يَ ْبعَثَ الُّ مِنْ َبعْدِهِ رَسُولً (‪ 34‬غافر ) بالضافة إلى ما جاء‬ ‫َفمَا زِلْ ُتمْ فِي شَ ّ‬
‫من آيات في سورة يوسف ‪.‬‬
‫شرَ َة َأسْبَاطًا ُأ َممًا (‪ 160‬العراف ) وقوله تعالى ( أسباطا أمما ) أي تم‬
‫ع ْ‬
‫طعْنَا ُهمُ اثْنَتَيْ َ‬
‫وانظر في قوله تعالى ( وَ َق ّ‬
‫فرزهم حسب انتسياب كل فرد منهيم ‪ ،‬إلى أحد أبناء يعقوب عليه السلم فنتج بالتالي اثنتي عشرة أمة ‪ ،‬وكل أمة‬
‫أُطلق عليهيا لفيظ سيبط ‪ ،‬وسيُمي كيل سيبط باسيم أحيد أبناء يعقوب ‪ ،‬وعلى ذلك يُطلق لفيظ سيبط على مجموعية مين‬
‫الفراد ‪ ،‬يجمعهم انتسابهم إلى أب واحد ‪ ،‬فيقال سبط يوسف أي قبيلة يوسف ‪.‬‬

‫فصول المؤامرة الولى ‪:‬‬

‫ن َأبَانَا لَفِي ضَلَالٍ ُمبِينٍ (‪)8‬‬


‫صبَ ٌة إِ ّ‬
‫ع ْ‬
‫ب إِلَى َأبِينَا ِمنّا ‪َ ،‬و َنحْنُ ُ‬
‫سفُ وََأخُو ُه َأحَ ّ‬
‫( ِإ ْذ قَالُوا َليُو ُ‬
‫‪.1‬قام أبناء يعقوب بعقد اجتماع سري ‪ ،‬بعيدا عن المعنيين بالمر ( يعقوب ويوسف وأخيه )‬
‫‪.2‬كانت المشكلة مدار البحث حب أبيهم ليوسف وأخيه ‪ ،‬والدافع هو الحسد وحب التملّك ‪.‬‬
‫ي ال ضالّ ‪ ،‬وضلله واضح ل لُبس فيه ‪.‬‬
‫ن أبيهم يعقوب نب ّ‬
‫‪.3‬كان هناك إقرار بالجماع ‪ ،‬أ ّ‬
‫‪.4‬كانوا يؤمنون بالقوة المتحصّلة من الكثرة ( فهم عشرة أشقّاء كبار مقابل اثنان صغار ) ‪.‬‬
‫‪.5‬جمعتهم وحدة الغاية والمصلحة ‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫ل َل ُكمْ َوجْ ُه َأبِي ُكمْ ‪َ ،‬و َتكُونُوا ِمنْ َب ْعدِ ِه قَ ْومًا صَاِلحِينَ (‪)9‬‬
‫ط َرحُو ُه َأرْضًا ‪َ ،‬يخْ ُ‬
‫سفَ ‪َ ،‬أوِ ا ْ‬
‫( اقْتُلُوا يُو ُ‬
‫‪.1‬الطرح الول كان القتل أي حتمية الهلك ‪.‬‬
‫‪.2‬الطرح الثاني كان النفي إلى أرض بعيدة مع احتمالية الهلك ‪.‬‬
‫ب أبيهم ‪.‬‬
‫‪.3‬كانت الغاية الستفراد بح ّ‬
‫‪.4‬القرار بعدم مشروعية عملهم وفساده ‪ ،‬وذلك قبل شروعهم بالتنفيذ ‪.‬‬
‫‪ .5‬تبييت نية التوبة والصلح قبل ارتكاب الجريمة ‪ ،‬وهذا منطق أعوج ل يقبله ربّ ول عبد ‪.‬‬
‫‪.6‬إغفالهم للعناية اللهية ال ُمدّخرة في علم الغيب ‪ ،‬والتي تتدخل في الوقت المناسب لتسيير المور‬
‫‪.‬‬
‫سيّارَةِ ‪ِ ،‬إنْ ُك ْن ُتمْ فَاعِلِينَ (‪)10‬‬
‫غيَابَ ِة ا ْلجُبّ ‪ ،‬يَ ْلتَ ِقطْ ُه َبعْضُ ال ّ‬
‫سفَ ‪ ،‬وَأَلْقُو ُه فِي َ‬
‫ل قَائِلٌ ِم ْن ُهمْ ‪ ،‬لَا تَ ْقتُلُوا يُو ُ‬
‫( قَا َ‬
‫‪.1‬كان أصلحهم فاسدا ‪ ،‬حيث وافقهم على فعل المنكر مع تخفيف الضرر ‪.‬‬
‫‪.2‬كان هناك إصرار لدى الغلبية ‪.‬‬
‫‪.3‬كان القرار النهائي أخف الضرر ‪ :‬إلقاء يوسف في بئر مع توافر احتمالية الهلك ‪ ،‬فيما لو لم يلتقطه أحد‬
‫‪.‬‬
‫‪.4‬عدم الكتراث بنبوة أبيهم ‪ ،‬وما كان يتنزّل عليه من الوحي ‪.‬‬
‫‪.5‬غفلة وعمى بصر وبصيرة واتباع للهوى ‪ ،‬فليس فيهم ذو رأي سديد ول حتى شيطان أخرس ‪.‬‬
‫‪.6‬جهيل بعواقيب المور ‪ ،‬كالثير النفسيي والمعنوي البالغ ‪ ،‬على مين يطمحون بالسيتفراد بحبيه ‪ ،‬وبالتالي‬
‫عدم تحقق مرادهم ‪.‬‬
‫‪.7‬تبييت النية للقيام بالفعل عندما تحين الفرصة ‪.‬‬
‫غدًا َيرْتَ عْ َويَ ْلعَ بْ ‪ ،‬وَِإنّا َل ُه‬
‫صحُونَ ( ‪َ )11‬أرْ سِلْ ُه َم َعنَا َ‬ ‫سفَ ‪ ،‬وَِإنّا لَ ُه َلنَا ِ‬ ‫( قَالُوا َيَأبَانَا مَا لَ كَ لَا َت ْأ َمنّا عَلَى يُو ُ‬
‫ع ْن هُ غَافِلُو نَ ( ‪ )13‬قَالُوا َلئِ نْ‬ ‫ن َي ْأكُلَ هُ ال ّذئْ بُ ‪ ،‬وََأ ْنتُ مْ َ‬
‫ف أَ ْ‬
‫ن َتذْ َهبُوا ِب هِ ‪ ،‬وََأخَا ُ‬ ‫ل ِإنّي َل َيحْ ُز ُننِي أَ ْ‬
‫َلحَا ِفظُو نَ (‪ )12‬قَا َ‬
‫غيَابَ ِة ا ْلجُبّ ‪،‬‬
‫جعَلُو ُه فِي َ‬ ‫ن َي ْ‬
‫ج َمعُوا َأ ْ‬ ‫سرُونَ (‪ )14‬فََلمّ ا ذَ َهبُوا بِ هِ ‪ ،‬وََأ ْ‬ ‫ح نُ عُ صْبَ ٌة ‪ِ ،‬إنّ ا ِإذًا َلخَا ِ‬ ‫َأكَلَ هُ ال ّذئْ بُ َو َن ْ‬
‫ش ُعرُونَ (‪)15‬‬ ‫ح ْينَا إَِليْ ِه َل ُت َنبّ َئ ّن ُهمْ ِبَأمْرِ ِهمْ َهذَا وَ ُهمْ لَا َي ْ‬
‫وََأ ْو َ‬
‫‪.1‬لم يكن يعقوب في العادة يأمنهم على يوسف وأخوه لمعرفته بعدم صلحهم ‪.‬‬
‫‪.2‬لم ينتظروا الفرصة للتنفيذ بل سعوا إلى خلقها وإيجادها باستخدام الحيلة والمكر والدهاء ‪.‬‬
‫‪.3‬تجاهلوا تأكييد أبيهيم لهيم بأن غيبية يوسيف عين وجهيه ‪ ،‬ولو لفترة بسييطة تسيبب له الحزن ‪ .‬فكييف إذا كان‬
‫ذلك أبدييا ؟! وكانيت تلك محاولة منيه علييه السيلم لحياء ضمائرهيم لعلّهيم يرجعون ‪ ،‬ولكنهيم لم يشعروا‬
‫بذلك فكان كما أخبره سبحانه ‪.‬‬
‫‪.4‬كان أبوهيم علييه السيلم على علم بمخطّطهيم قبيل التنفييذ ‪ ،‬وقيد أخيبرهم بميا كانوا قيد خطّطوه مسيبقا بشأن‬
‫الذئب ‪ ،‬لكن ذلك لم يُثنهم عن عزمهم ‪.‬‬
‫‪.5‬قرار التنفيذ اتُخذ بالجماع ‪.‬‬
‫‪.6‬تييم إخفاء النوايييا الجرامييية اتجاه يوسييف ‪ ،‬تحييت غطاء ميين الحرص على مصييلحته ‪ ،‬لقناع أبيهييم‬
‫بالستجابة لمطلبهم ‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫عنَا ‪َ ،‬فأَكَلَ ُه ال ّذئْ بُ ‪،‬‬ ‫ع ْندَ َمتَا ِ‬
‫سفَ ِ‬ ‫س َتبِقُ ‪َ ،‬و َت َر ْكنَا يُو ُ‬
‫عشَاءً َي ْبكُو نَ ( ‪ )16‬قَالُوا َيَأبَانَا ِإنّا ذَ َه ْبنَا نَ ْ‬ ‫( َوجَاءُوا َأبَاهُ مْ ِ‬
‫س ُكمْ َأ ْمرًا ‪،‬‬
‫ت َل ُكمْ َأنْ ُف ُ‬
‫ل بَلْ سَوّلَ ْ‬ ‫ب ‪ ،‬قَا َ‬
‫ن َلنَا ‪ ،‬وَلَ ْو ُكنّا صَا ِدقِينَ (‪َ )17‬وجَاءُوا عَلَى َقمِيصِ ِه ِبدَمٍ َكذِ ٍ‬ ‫ت ِبمُ ْؤمِ ٍ‬‫َومَا َأنْ َ‬
‫س َتعَانُ عَلَى مَا َتصِفُونَ (‪)18‬‬ ‫جمِيلٌ ‪ ،‬وَاللّهُ ا ْل ُم ْ‬ ‫ص ْبرٌ َ‬‫فَ َ‬
‫‪.1‬الستخفاف بأبيهم واستضعافه لكبر سنّه ‪.‬‬
‫‪.2‬التضليل واختلق وفبركة الشواهد والدلة لتبرئة أنفسهم وإدانة الذئب ‪.‬‬
‫ي ال مع علمهم بذلك ‪.‬‬
‫‪.3‬الجرأة في الكذب على نب ّ‬
‫‪.4‬يقين يعقوب عليه السلم من كذبهم وتجنّيهم على الذئب ‪.‬‬
‫‪.5‬ومميا أحزنيه علييه السيلم هيو ميا كان علييه أبناءه مين قلة إيمانهيم وعقوقهيم له ‪ ،‬وظلم لخيهيم ‪ ،‬وفسيادهم‬
‫وإفسادهم ‪ ،‬وصفات وطبائع غاية في السوء ‪ ،‬ل تليق بالنبياء أو بأبناء أنبياء يتنزّل الوحي بين ظهرانيهم‬
‫‪ ،‬وفي المقابل لم يملك عليه السلم إل الصبر والرجاء وطلب العون من ال لمجابهتم ‪.‬‬
‫( وََلمّاـ َدخَلُوا عَلَى يُوسُـفَ ‪ ،‬ءَاوَى إَِليْهِـ َأخَاهُـ ‪ ،‬قَالَ ِإنّيـ أَنَا َأخُوكَـ ‪ ،‬فَلَا َت ْب َتئِس ْـ بِمَا كَانُوا َي ْعمَلُونَـ (‪… )69‬‬
‫سهِ ‪ ،‬وَلَ مْ ُي ْبدِهَا َلهُ مْ ‪ ،‬قَالَ ‪َ :‬أ ْنتُ ْم شَرّ‬
‫سفُ فِي نَفْ ِ‬
‫سرّهَا يُو ُ‬
‫ن قَبْلُ ‪َ ،‬فأَ َ‬
‫خ لَ هُ مِ ْ‬
‫سرَقَ َأ ٌ‬
‫سرِقْ ‪ ،‬فَقدْ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫( قَالُوا ِإ ْ‬
‫ن (‪)77‬‬ ‫َمكَانًا ‪ ،‬وَاللّ ُه أَعَْل ُم ِبمَا َتصِفُو َ‬
‫بعد أن مرّت سنين على تلك الحادثة ‪ ،‬وأصبح يوسف وزيرا لمالية فرعون ‪ ،‬وقدِ مَ أخوته إليه في مصر ‪ ،‬احتال‬
‫عليهم ليأمن منهم على أخيه ‪ ،‬ويرفع عنه ما كان قد وقع عليه من ظلم وكيد ‪.‬‬
‫‪ .1‬كان يوسف عليه السلم على علم ‪ ،‬بما كانوا يكيدون لخيه ‪ ،‬عن طريق الوحي أو القياس ‪.‬‬
‫‪ .2‬عدم توبتهم عما فعلوه سابقا ‪ ،‬وبقائهم على نفس الحال ‪.‬‬
‫‪.3‬خيانيية يوسييف بالغيييب بعييد كييل هذه السيينين ‪ ،‬واتهامييه زورا وبهتانييا بالسييرقة ‪ ،‬فيوسييف ميين عباد ال‬
‫المخلصين ‪ ،‬وما كان له أن يسرق ‪.‬‬
‫‪.4‬تأكيد يوسف على فسادهم وإفسادهم بما حدّث به نفسه ‪ ،‬حيث لم يجهر نبي ال بقوله ( أو بحكمه عليهم )‬
‫أنهيم أسيوء حال ممين يسيرق ( قَا َل أَنْتُمْب شَ ّر َمكَانًا ) فميا فعلوه معيه ل يُقارن بخطيئة السيرقة التيي اتهموه‬
‫بهيا ‪ ،‬والتيي أقرّوا بأنهيا أحيد أشكال الفسياد في الرض ( قَالُوا تَالِّ َلقَدْ عَ ِلمْتُ مْ مَا جِئْنَا لِ ُنفْ سِدَ فِي الَْرْضِب‬
‫َومَا كُنّا سَارِقِينَ (‪ 73‬يوسف ) ‪.‬‬
‫ّهـ تَ ْف َتأُ َت ْذ ُكرُ‬
‫ِيمـ (‪ )84‬قَالُوا تَالل ِ‬ ‫ْنـ فَهُ َو َكظ ٌ‬ ‫حز ِ‬ ‫ِنـ ا ْل ُ‬
‫َاهـ م َ‬‫ع ْين ُ‬
‫ّتـ َ‬‫ُوسـفَ وَا ْب َيض ْ‬
‫َسـفَى عَلَى ي ُ‬ ‫ُمـ َوقَالَ َيأ َ‬ ‫ع ْنه ْ‬
‫( َو َتوَلّى َ‬
‫ح ْزنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّ ِه مَا لَا‬ ‫شكُو َبثّي َو ُ‬‫ن مِنَ ا ْلهَاِلكِينَ (‪ )85‬قَالَ ِإ ّنمَا َأ ْ‬
‫ح َرضًا َأوْ َتكُو َ‬ ‫حتّى َتكُونَ َ‬ ‫يُوسُفَ َ‬
‫ح اللّ ِه إِلّا‬ ‫ن رَوْ ِ‬‫ن رَوْ حِ اللّ ِه ِإنّ هُ لَا َي ْيئَ سُ ِم ْ‬
‫سفَ وََأخِي ِه وَلَا َت ْيئَ سُوا مِ ْ‬
‫ن يُو ُ‬‫سسُوا ِم ْ‬
‫َتعَْلمُو نَ (‪َ )86‬ي َب ِنيّ اذْ َهبُوا َف َتحَ ّ‬
‫ن (‪)87‬‬ ‫الْقَ ْو ُم ا ْلكَا ِفرُو َ‬
‫‪.1‬عدم اكتراثهم بسوء حال يعقوب عليه السلم ‪ ،‬ومدى ما نزل به من أذى نفسي وجسدي ‪.‬‬
‫‪.2‬قسوة قلوبهم باستنكارهم حزن أبيهم على يوسف ‪.‬‬
‫‪.3‬يعقوب يقطع الرجاء من أبنائه ‪ ،‬ويشكو قسوة أبنائه وضعفه وقلة حيلته في مواجهة أفعالهم إلى ال ‪.‬‬
‫‪.4‬لم يعترفوا لبيهيم بحقيقية فعلتهيم ميع يوسيف ‪ ،‬ميع علمهيم ومعرفتهيم ومعايشتهيم لحال أبيهيم ‪ ،‬وميا وصيلت‬
‫إليه من سوء ‪.‬‬
‫‪.5‬كان يعقوب على يقين من نجاة يوسف وكذب أبنائه عليه ‪.‬‬
‫هنا تتضح مفارقة عجيبة ‪ ،‬توضح الكثير من معالم الشخصية اليهودية السرائيلية القديمة الحديثة ‪ ،‬فهم يعلمون‬
‫علم اليقيين أن يوسيف ذهيب إلى غيير رجعية وأنيه قُتيل على الرجيح ‪ ،‬ولكنهيم لم يعترفوا لبيهيم بحقيقية ميا فعلوا ‪،‬‬
‫وظلّوا مصرّين على حكاية الذئب ‪ ،‬فل ضمير يؤنبهم ول قلب يشعر مع أبيهم ‪ .‬وأبيهم يعلم علم اليقين من ربه ‪،‬‬
‫‪106‬‬
‫أن يوسف على قيد الحياة ‪ ،‬وأنه نبي وسيكون له شأن كبير مستقبل ‪ ،‬إذ كان عالما بتأويل رؤيا يوسف السابقة ‪،‬‬
‫وأن أخوتيه سييسجدون له لعلو منزلتيه ‪ ،‬وهذا ميا كان يُصيبّره علييه السيلم حيين قال ( فصيبر جمييل ) أميا ميا كان‬
‫يؤلمه عليه السلم ‪ ،‬هو إصرار أبنائه على ما هم عليه واستمرارهم ‪ ،‬وعدم التوبة والرجوع إلى ال ‪.‬‬
‫ل لَا َت ْثرِي بَ عََل ْيكُ مُ ا ْل َيوْ مَ َيغْ ِفرُ اللّ ُه َلكُ مْ وَهُ َو َأ ْرحَ ُم‬ ‫طئِي نَ ( ‪ )91‬قَا َ‬ ‫ن ُكنّا َلخَا ِ‬ ‫( قَالُوا تَاللّ ِه لَ َقدْ ءَا َثرَ كَ اللّ هُ عََل ْينَا وَإِ ْ‬
‫جنِي مِنَ‬ ‫خ َر َ‬
‫جعََلهَا َربّي حَقّا َوقَدْ َأحْسَنَ بِي ِإذْ َأ ْ‬ ‫ن َقبْلُ قَ ْد َ‬ ‫ل رُ ْؤيَايَ ِم ْ‬‫الرّاحِمِينَ (‪َ ( … )92‬وقَالَ َيَأبَتِ َهذَا َتأْوِي ُ‬
‫ن ِإخْ َوتِي إِنّ َربّي َلطِي فٌ ِلمَا َيشَاءُ ِإنّ ُه هُ َو ا ْلعَلِي مُ‬ ‫ن َب ْينِي َو َب ْي َ‬
‫ش ْيطَا ُ‬
‫ن َنزَ غَ ال ّ‬‫سجْنِ َوجَا َء ِبكُ مْ مِ نَ ا ْل َب ْدوِ مِ نْ َب ْعدِ َأ ْ‬ ‫ال ّ‬
‫ج َمعُوا َأ ْمرَهُ مْ وَهُ مْ َي ْم ُكرُو نَ ( ‪)102‬‬ ‫ت َل َد ْيهِ مْ ِإذْ َأ ْ‬‫حكِي مُ (‪ ( … )100‬ذَلِ كَ مِ نْ َأ ْنبَاءِ ا ْل َغيْ بِ نُوحِي ِه إَِليْ كَ َومَا ُكنْ َ‬ ‫ا ْل َ‬
‫ح َرصْتَ ِبمُ ْؤ ِمنِينَ (‪)103‬‬ ‫َومَا َأ ْك َثرُ النّاسِ وََلوْ َ‬
‫‪.1‬هنا يتضح خلق النبياء وأدبهم في يوسف عليه السلم ‪ ،‬حيث قابلَ السيئة بالحسنة ونسب خطيئة أخوته‬
‫إلى الشيطان ‪.‬‬
‫‪.2‬معطيات المعادلة كانت ‪ :‬جمع واجتماع في الخفاء ‪ +‬قرار بالجماع ‪ +‬تنفيذ بمكر ودهاء = مؤامرة ‪.‬‬
‫‪.3‬أخوة يوسف لم يكونوا أنبياء بأي حال من الحوال ‪.‬‬
‫انظر إلى اليتين (‪ )103-102‬التي جاءت تعقيبا على قصة يوسف عليه السلم وأخوته ‪ ،‬لتقول أن هذا هو حال‬
‫نيبي ال يوسيف مع أخوته ‪ ،‬وحال نبي ال يعقوب ميع أبنائه ‪ ،‬الذين لم يكونوا على القيل مؤمنين بنبوة أبيهيم ‪ ،‬إن‬
‫لم يكونوا أصل غير مؤمنين بال ‪ ،‬فما بالك في عدم إيمان قومك بنبوتك ودعوتك ‪ ،‬وهم ليسوا بأبنائك ‪ ،‬فل تكن‬
‫شدييد الحرص على مين ل أميل فيي هدايتيه بعدميا أضلّه ال ‪ ،‬ولكين أُدعُي الناس وفوّض أمير هدايتهيم إلى ال ‪ ،‬كميا‬
‫فوّض يعقوب عليه السلم أمره إلى ال فيما كان من شأن أبنائه ‪ .‬أما من يستنكر فكرة أنهم غير أنبياء ‪ ،‬وال أعلم‬
‫بحالهم ‪ ،‬فليرجع إلى القرآن وليقرأ قصة نوح عليه السلم مع ابنه ‪ ،‬وقصة إبراهيم عليه السلم مع أبيه ‪ ،‬وقصة‬
‫أبيو لهيب عيم رسيول ال علييه الصيلة والسيلم ‪ ،‬ولحيظ أنيه سيبحانه نسيبهم بالخوة إلى يوسيف علييه السيلم ‪ ،‬فيي‬
‫قوله ‪ ( :‬لقد كان في يوسف وأخوته آيات للسائلين ) ولم ينسبهم إلى يعقوب عليه السلم مع أنهم أبنائه ‪.‬‬
‫ما تقدّم من أمر أخوة يوسف عليه السلم ‪ ،‬ليس بحاجة لزيادة أو توضيح أو تعليق ‪ ،‬فهذا ما جاء به القرآن الكريم‬
‫‪ ،‬وكان هذا أول فسيادهم وإفسيادهم فيي الرض ‪ ،‬الذي كان موجّهيا ضيد أخيهيم وأبيهيم ‪ .‬ومنيذ ذلك اليوم ‪ ،‬احترف‬
‫بنيو إسرائيل فنون التآمير ومارسيوه أول فيميا بينهيم ‪ ،‬منذ نشأتهيم وحتيى نهايية مملكتهيم الولى في فلسيطين ‪ .‬وبعيد‬
‫السيبي البابلي وشتاتهيم فيي شتيى بقاع الرض ‪ ،‬أصيبح بعضيا مين تآمرهيم يُحاك ضيد الشعوب التيي يقيمون فيميا‬
‫بينهيا ‪ .‬وكان تطلّعهيم دائميا وأبدا إلى الملك والقوة والغنيى والفضليية ‪ ،‬وكان سيبيلهم إلى ذلك جميع المال بطرق‬
‫غير مشروعة من ربا ونصب واحتيال ‪ ،‬والتقرب من أصحاب السلطة والنفوذ بالغواء والغراء ‪ ،‬للتلعب بهم‬
‫وتحريكهيييم مييين وراء السيييتار ‪ ،‬ليقاع الفتييين والحروب بيييين الشعوب ‪ ،‬لضمان السييييطرة لتلبيييية مصيييالحهم‬
‫واحتياجاتهيييم ‪ ،‬ولذلك تجدهيييم يجتمعون ويُخطّطون فيييي السييير والعلن ‪ ،‬ويعملون باسيييتمرار بل كلل أو ملل ‪،‬‬
‫وتاريخهم قديما وحديثا غني بالمثلة والشواهد ‪.‬‬

‫اليهود والمُلك المادي‬

‫ملك يوسف عليه السلم ‪:‬‬


‫كانت نشأة بني إسرائيل كقبيلة بدوية ‪ ،‬تعيش ضمن قبائل البدو في صحراء النقب ‪ ،‬وكان أول عهد لهم بالمُلك ‪،‬‬
‫فيي زمين يوسيف علييه السيلم ‪ ،‬تحيت التاج الفرعونيي فيي مصير ‪ ،‬حييث وفّر لهيم الُملك آنذاك حياة هانئة رغيدة ‪،‬‬
‫وأزال عنهم بؤس وشقاء حياة البدواة ‪ ،‬ولما زال ملك يوسف عليه السلم بوفاته ‪ ،‬انقلب حالهم رأسا على عقب ‪،‬‬
‫فقاسييوا شتييى أنواع العذاب والمهانيية ‪ ،‬ومنييذ ذلك اليوم ترس يخّت لديهييم قناعيية بأن الملك والغنييى يعنييي السييعادة‬
‫وزوالهما يعني الشقاء ‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫رفض نبوة موسى عليه السلم ‪:‬‬
‫وعندما بعث سبحانه لهم موسى عليه السلم لم يستجيبوا له ‪ ،‬فهم ل ينتظرون من يدعوهم إلى ال ‪ ،‬ول يؤمنون‬
‫بما هو غيبي وغير محسوس ‪ ،‬دين فيه إله غير مرئي يمنح جنة غير مرئية ‪ ،‬والحصول عليها مشروط بالصلح‬
‫والصيلح بعيد عمير طوييل ‪ ،‬وبعيد موت وبعيث وحسياب ‪ ،‬وإنميا يؤمنون بمين يمنحهيم ملكيا مجانييا دنيوييا مادييا‬
‫عاجل ل آجل ‪ ،‬يكون في متناول اليد بل جهد أو عناء منهم لتحصيله ‪ ،‬ول مانع لديهم بعد ذلك أن يكون لهم إله ‪،‬‬
‫بشرط أن يكون محسيوسا ويوافيق أهوائهيم ‪ ،‬كالعجيل الذهيبي الذي صينعه لهيم السيامريّ فسيارعوا لعبادتيه ‪ ،‬لذلك‬
‫عانى منهم عليه السلم ما عاناه ‪ ،‬في رحلته معهم من مصر إلى الرض المقدّسة ‪.‬‬

‫طلب المُلك بدعوى الرغبة في القتال ‪:‬‬


‫وبعيد موتيه علييه السيلم ‪ ،‬وبعيد انقضاء سينوات التحرييم الربعيين ‪ ،‬لم يطلبوا مين نيبيهم قيادتهيم للقتال لدخول‬
‫الرض المقدسية ‪ ،‬وإنميا طلبوا منيه أن يبعيث ال لهيم مَلِكيا وذلك طمعيا فيي المُلْك ‪ ،‬ولييس للقتال فيي سيبيل ال كميا‬
‫زعموا ‪ ،‬إذ أنهيم بعيد أن كُتيب عليهيم القتال تولوا إل قلييل منهيم ‪ ،‬وبالرغيم مين ذلك منّي ال عليهيم بالملك ‪ ،‬فكانيت‬
‫مملكتهم الولى في الرض المقدسة بقيادة داود وسليمان ‪ ،‬الذين لم يكن لبني إسرائيل معهما حول ول قوة ‪ ،‬إذ لم‬
‫يسييتطع مترفوهييم وفسييقتهم ‪ ،‬ميين الوصييول والتغلغييل والتدخييل فييي شؤون الحكييم ‪ ،‬لجتماع الملك والنبوة فيهمييا‬
‫عليهما السلم ‪ ،‬بل لعنهم داود آنذاك كما لعنهم عيسى عليه السلم من بعد ‪.‬‬

‫مُلكا ل نبوة فيه ‪:‬‬


‫وبعيد أن توفّى ال سيليمان وخرجيت النبوة مين الملك ‪ ،‬كان لهيم ميا أرادوا – امتحانيا لهيم وابتلء منيه عزّ وجلّ –‬
‫فأفسيدوا فيهيا أيّميا إفسياد ‪ ،‬فوقيع منهيم القتيل فيي النيبياء والصيالحين والمسيتضعفين ‪ ،‬وإخراج بنيي جلدتهيم مين‬
‫أرضهم وسلب ونهب ممتلكاتهم ‪ ،‬وعصيان أوامر ال والعتداء على حدوده ‪ ،‬بمخالفتهم الوصايا العشر برمتها ‪،‬‬
‫بميا فيهيا الشرك بال باتخاذ الصينام والشياطيين والملئكية أولياء مين دونيه ‪ ،‬فأزال ال عنهيم المُلك عقابيا لهيم على‬
‫يد نبوخذ نصر البابلي وجيوشه ‪ ،‬وكان فيهم السبي والخراج من الرض المقدّسة لقسم كبير منهم ‪ ،‬ومع علمهم‬
‫بفسادهم وعقاب ال لهم ببعث البابليين عليهم ‪ ،‬إل أنهم عاتبون وغاضبون على ال لنه أخطأ في حقهم ‪ -‬حسب‬
‫اعتقادهيم – بإنزال عقاب أولى المرتيين فيهيم ‪ ،‬ويعتيبرون وعده لهيم برجوعهيم مين الشتات للفسياد الثانيي هيو‬
‫تصحيح للخطأ الول ‪ .‬بالضافة إلى ذلك تجدهم يصبّون جام غضبهم على بابل والبابليين ‪ ،‬وكأن بعث البابليين‬
‫على شعب ال المختار كان من تلقاء أنفسهم ودون وجه حق ‪ ،‬وأن هذا البعث لم يكن من قبله سبحانه ‪.‬‬
‫فقد جاء في سفر إشعياء " ‪ :3 :52‬قد تمّ بيعكم مجّانا ‪ ،‬ومجّانا من غير فضة تُفدَوْن ( أي يُعادون إلى فلسطين ) ‪،‬‬
‫قد نزل شعبي أول إلى مصر ليتغرّب هناك ‪ ،‬ثم جار عليه الشوريون بل سبب " ‪.‬‬

‫عيسى عليه السلم لم يوافق أهواءهم ‪:‬‬


‫وميع بقاء بعضهيم فيي الرض المقدسية مين الذيين كانوا قيد أخرجوا مين المملكية مين المسيتضعفين ‪ ،‬وعودة بعيض‬
‫المسيبيين مين بابيل إليهيا بعيد مدة مين الزمين ‪ ،‬كانيت أعينهيم تتطلع إلى المُلك مين جدييد ‪ ،‬حييث كانوا يظنّون أن‬
‫علوهيم الثانيي ‪ ،‬سييكون بعيد عودتهيم مين بابيل مباشرة ‪ ،‬إذ كانيت لديهيم عدة نبوءات ‪ ،‬الولى بعيسيى علييه السيلم‬
‫الذي سييُبعث ميين جبال سيياعير ( القدس ) فانتظروه ليقيييم لهييم ملكهييم الثانييي ‪ ،‬وفييي فترة انتظارهييم تناوب على‬
‫حكمهيم عدة شعوب ‪ ،‬إلى أن بُعيث عيسيى فيي زمين الحكيم الرومانيي لفلسيطين ‪ ،‬فدعاهيم للعودة إلى ال والمحبية‬
‫والسيلم ‪ ،‬وعندميا جاءهيم بميا لم يوافيق أهواءهيم ‪ ،‬بالرغيم مين توافيق صيفته ميع ميا جاءت بيه التوراة ‪ ،‬حاربوه‬
‫وعادوه وكادوا له وتآمروا عليه ‪ ،‬وحرضّوا الرومان الوثنيون على قتله وصلبه ‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫وملك البرّ لم يوافق أهواءهم ‪:‬‬
‫وقبل بعث عيسى وبعده تعرّضوا للكثير من الذل والهوان ‪ ،‬من قبل الشعوب التي حكمتهم ‪ ،‬وفي كل مرة قاموا‬
‫فيها بالتمرد والعصيان للستقلل وإقامة الملك ساموهم سوء العذاب ‪ ،‬وكان آخرها على يد ( هدريان ) الروماني‬
‫‪ ،‬الذي فرّق ال شملهيم فيي شتيى بقاع الرض ‪ ،‬فاتجيه قسيم كيبير منهيم إلى الجزيرة العربيية ‪ ،‬وسيكنوا بالقرب مين‬
‫المدينة المنورة مكان هجرة الرسول عليه الصلة والسلم ‪ ،‬صاحب النبوءة الثانية لديهم ‪ ،‬ملك الب ّر الذي سيُبعث‬
‫من جبال فاران ( مكة ) ‪ ،‬ويكون له ولخلفائه ملكا يشمل مشارق الرض ومغاربها ‪.‬‬
‫وكان اليهود يترقّبون أخباره ويحسييبون لزمان مولده ومبعثييه ‪ ،‬مييع كرههييم وعدائهييم المسييبق له كونييه ميين ولد‬
‫إسماعيل وليس منهم ‪ ،‬وعندما بُعث عليه السلم ‪ ،‬عاينوا صفته وامتحنوه بأسئلتهم بما علموا وما لم يعلموا ‪ ،‬ولما‬
‫تبيّنوا صدق نبوته حاولوا استمالته لجانبهم بالغواء والغراء ‪ ،‬مستغلين رغبته عليه السلم في اتباعهم له كونهم‬
‫أهيل كتاب وهيم القرب لتصيديقه ومؤازرتيه ومناصيرته ‪ ،‬وكان مرادهيم منيه هيو اتباع ملتهيم لتحقييق رغباتهيم‬
‫وأهوائهييم ‪ ،‬لخراجييه ميين الجزيرة إلى فلسييطين لقاميية ملكييه عليهييم هناك ‪ ،‬ففضحهييم رب العزة وحذّر رسييوله‬
‫الكريم من الوقوع في حبائلهم وشراكهم ‪ ،‬ولمّا تيقّنوا من عدم رضوخه لهم ‪ ،‬أنكروا نبوته وناصروا المشركين‬
‫علييه ‪ ،‬وكادوا له بكيل ميا أُتوا مين مكير ودهاء وحيلة ‪ ،‬فآذوه وآذوا أصيحابه ولم يدخّروا فيي ذلك جهدا ‪ ،‬وحاولوا‬
‫فتنته وقتله عدة مرّات ‪ ،‬إلى أن ت ّم جلئهم وإخراجهم من جزيرة العرب ‪.‬‬

‫البحث عن المُلك القاروني ‪ ،‬وانتظار المَلك الله ‪ ،‬على النمط الفرعوني آخر الزمان ‪:‬‬
‫ومع ظهور السلم ومعرفتهم بما سيكون من أمره ‪ ،‬من سرعة انتشاره واتساع دولته لتشمل مناطق شاسعة من‬
‫العالم ‪ ،‬ومين ضمنهيا سييطرته على الرض المقدّسية ‪ ،‬تلشيت أحلمهيم فيي عودتهيم إليهيا ‪ ،‬لقامية ملكهيم المميي‬
‫الثانيي فيهيا على المسيتوى الفرعونيي ‪ ،‬فتخلّوا عين ذلك الطموح مؤقتيا ‪ ،‬وشرعوا فيي تحقييق الملك الفردي على‬
‫المسييتوى القارونييي ‪ ،‬بجمييع المال بالطرق المشروعيية وغييير المشروعيية ‪ ،‬ميين ربييا واحتيال وسييرقة والتهريييب‬
‫وتجارة الرقييق والدعارة ‪ ،‬والتمتيع بزينية الحياة الدنييا مين جرّاء هذا الكسيب ‪ ،‬واسيتمروا على تلك الحال إلى أن‬
‫تمكنّوا مين إقامية دولتهيم الحاليية فيي فلسيطين ‪ ،‬منتظريين حكيم العالم أجميع مين خلل النبوءة الخيرة ‪ ،‬بالذي يأتيي‬
‫من ربوات القدس ( مسيحهم المنتظر ) ‪.‬‬
‫وبعد ذلك اتجه أغلبهم إلى الشمال ‪ ،‬وتفرقوا في البلد العربية الخرى ‪ ،‬فتواجدوا في العراق وبلد الشام ومصر‬
‫والندلس ‪ ،‬وبالرغم من تعامل السلم السمح مع أهل الكتاب ‪ ،‬إل أنهم كانوا مقيّدين بما وضعه السلم من قيود‬
‫على أهوائهيم ومطامعهيم الماديية ‪ ،‬ووجود القرآن عدوهيم اللدود وثيقية أبديية ‪ ،‬تكشيف طبائعهيم وحقيقية نواياهيم‬
‫وتحذر منهيم ‪ .‬ولكيي يسيتطيع أحدهيم مين العييش فيي ظيل الحكيم السيلمي ‪ ،‬كان يعميد إلى إظهار إسيلمه وإخفاء‬
‫يهوديتيه ‪ ،‬أو أن يُرغيم نفسيه كارهيا على التخلي عين طبائعيه وأهوائه فيي الفسياد والفسياد ‪ ،‬وهذا مميا ل يوافيق‬
‫طبعهيم ول ميا يأمرهيم بيه تلمودهيم ‪ ،‬ولذلك آثيير الكثيير منهيم الهجرة مين كيل البلد التيي كانيت تخضيع للحكيم‬
‫السلمي تباعا على م ّر العصور ‪ ،‬ومن ثم استقر بهم المقام في القارة الوروبية ‪ ،‬حيث وجدوا فيها متنفسا في‬
‫البداية لجهل الوربيين بطبيعتهم البشعة ‪.‬‬

‫الضطهاد الوروبي لليهود وفشلهم في تحصيل المُلك القاروني ‪:‬‬


‫وعندميييا تيييبين للوربييييين ميييع مرور الوقيييت ‪ ،‬أن الكثيييير مييين المشاكيييل والمصيييائب والكوارث الجتماعيييية‬
‫والقتصيادية ‪ ،‬مين فقير ومجاعات وانهيارات اقتصيادية ‪ ،‬وانتشار للفسياد والرذيلة ‪ ،‬كان سيببه اليهود ‪ ،‬وضعوا‬
‫الكثير من الحلول لمواجهة مشكلتهم ‪ ،‬مثل سن القوانين التي تقيد حركتهم وتعاملتهم ‪ ،‬فلم تكن تجدي نفعا مع ما‬
‫يملكون من مكر ودهاء ‪ .‬وتم عزلهم في أحياء سكنية خاصة بهم فلم يجدي ذلك نفعا ‪ ،‬فكان ل بد من الحل الخير‬
‫وهيو طردهيم ونفيهيم مين معظيم بلدان أوروبيا الغربيية ‪ ،‬وكان رجالت الكنيسية آنذاك يعملون كمسيتشارين للملوك‬
‫في العصور الوسطى ‪ ،‬وكانوا يؤيدون تلك الجراءات ضد اليهود لتحريم المسيحية للزنا والربا ‪ ،‬بالضافة إلى‬
‫ما اكتشف من تجديف على المسيح والدته وكر هٍ وبغ ضٍ وعدا ٍء للمسييحيين فيي تلمودهم السيري ‪ ،‬الذي جلب لهم‬
‫المذابيح الجماعيية فيي بعيض البلدان الوربيية كإسيبانيا والبرتغال ‪ ،‬وفيي النهايية تيم طردهيم بالتعاقيب وعلى فترات‬
‫‪109‬‬
‫متباعدة ‪ ،‬مين فرنسيا وسيكسونيا وهنغارييا ‪ ،‬وبلجيكيا وسيلوفاكيا والنمسيا ‪ ،‬وهولندا وإسيبانيا وليتوانييا ‪ ،‬والبرتغال‬
‫وإيطاليا وألمانيا ‪ ،‬بدءا من عام ‪1253‬م وحتى عام ‪1551‬م ‪ ،‬فاضطر اليهود للهجرة ‪ ،‬إلى روسيا وأوروبا الشرقية‬
‫والمبراطورية العثمانية ‪.‬‬

‫إذن ل بدّ من التآمر ‪:‬‬


‫آنذاك أصيبح لليهود كشعيب مشتيت همّا مشتركيا ‪ ،‬مين جرّاء الضطهاد والتعذييب والطرد مين قبيل الوروبييين ‪.‬‬
‫وأبواب الجنّة الوربية قد أغلقت من دونهم ‪ ،‬حيث بدأ هناك بعد رحيل أغلب اليهود ما يُسمى بالنهضة الوروبية‬
‫‪ ،‬فحييل بينهيم وبيين تحقييق أحلمهيم ‪ ،‬سيواء على مسيتوى الملك المميي ‪ ،‬أو مسيتوى الملك الفردي ‪ ،‬وهذا ميا ل‬
‫يسييتطيعون احتماله أو تقبّله ‪ ،‬وهذه الجواء تذكّرنييا بأجواء المؤامرة الولى فييي تاريخهييم ‪ ،‬حيييث واجييه أخوة‬
‫يوسف همّا مشتركا ‪ ،‬تمثّل في شعورهم بالدونية بالمقارنة مع يوسف وأخيه ‪ ،‬وكان دافعهم الحسد فاجتمعوا سرا‬
‫وتآمروا وأجمعوا فنفّذوا ‪.‬‬
‫ويحضرنييي فييي هذا المقام قول لبيين القيييم ‪ ،‬إذ يقول فييي كتاب الفوائد أن أصييول المعاصييي ‪ ،‬ثلثيية ‪ :‬الكييبر‬
‫والحرص والحسد ‪ ،‬فالكبر جعل إبليس يفسق عن أمر ربه ‪ ،‬والحرص أخرج آدم من الجنة ‪ ،‬والحسد جعل أحد‬
‫ابنيّي آدم يقتيل أخاه ‪ ،‬وبعيد التدبر فيي هذا القول ‪ ،‬سيتجد أن الطرييق إلى الوقوع فيي المعصيية ‪ ،‬هيو الوقوع فريسية‬
‫للمقارنيية والمفاضلة ‪ ،‬مين خلل العتماد على الحواس فقييط وبتغييييب العقييل والفؤاد ‪ ،‬وبالتالي فقدان القدرة على‬
‫الستبصار والحكم على المور ‪ ،‬وقد نهى سبحانه في مواضع كثيرة من القرآن عن المقارنة والمفاضلة ‪ ،‬وحسم‬
‫المر بأن الفضل من لدنه يؤتيه من يشاء من عباده ‪ ،‬أما اليهود وبعد إطلعي على ما جاء في توراتهم وتلمودهم‬
‫‪ ،‬فإنهم جمعوا فيها أصول المعاصي كلها ‪ ،‬فالكبر جعلهم أفضل الناس على الطلق ‪ ،‬والحرص جعلهم يفضّلون‬
‫الدنيا على الخرة ‪ ،‬والحسد جعلهم يستبيحون ممتلكات الخرين ويستحلّونها لنفسهم ‪.‬‬
‫( لوثر ) بإصلحاته الكنسية في القرن السادس عشر ‪ ،‬يُمكّن اليهود من احتلل أوروبا اقتصاديا ‪:‬‬
‫ضمّت التوراة‬ ‫وعندما تم تدمير السلطة الكنسية ‪ ،‬التي قام بها الصلحيون في أوروبا ( بفعل اليهود أنفسهم ) ‪ ،‬و ُ‬
‫إلى النجيييل فييي كتييب النصييارى المقدسيية ‪ ،‬وجييد اليهود بعييض القبول فييي الدول الوروبييية ‪ ،‬فعادوا إليهييا شيئا‬
‫فشيئا ‪ ،‬ونتيجة للضطهاد والطرد الجماعي ‪ ،‬الذي تعرض له اليهود في هذه الدول فيما مضى ‪ ،‬اجتمع قارونات‬
‫المال اليهود ‪ ،‬وبدءوا يعقدون اجتماعاتهيم السيرية فيي نهايات القرن الثامين عشير ( قبيل أكثير مين مائتيي سينة )‬
‫للنتقام وتجنييب ذلك المصييير المرعييب مرة أخرى ‪ .‬وبوجود المال اليهودي ‪ ،‬تشكييل لديهييم مخططييا شيطانيييا‬
‫للسيييطرة على العالم كله وحكمييه فوضعوا مخططييا مبدئيييا ‪ ،‬كان موجهييا فييي الدرجيية الولى ضييد ملوك أوروبييا‬
‫ورجالت الدين المسيحي ‪.‬‬

‫أكبر وأخطر مؤامرة في تاريخ اليهود‬


‫المخطط في أطواره الولى ‪:‬‬
‫ويتلخص مخططهم المبدئي مما كُشف من محاضر اجتماعاتهم في كتاب ( أحجار على رقعة الشطرنج ) لمؤلفه‬
‫( وليام كار ) ضابط الستخبارات في البحرية الكندية ‪ ،‬بما يلي ‪:‬‬
‫الهدف العام ‪ :‬تألييه المادة ونشير المذاهيب اللحاديية ‪ ،‬لتمهييد سييطرة اليهود على العالم ‪ ،‬ومين ثيم تتوييج أنفسيهم‬
‫ملوكا وأسيادا على الشعوب ‪ ( .‬ونتيجة لذلك برز الكثيرين من المُفكّرين اليهود كفرويد وماركس وغيرهم ‪ ،‬ومن‬
‫غيير اليهود مين المأجوريين كدارويين وغيره ‪ ،‬حييث بدأت الطروحات والنظريات اللحاديية المنكرة لوجود ال‬
‫ل ‪ ،‬فظهرت الشيوعية ( ل إله ) والرأسمالية ( المال هو الله ) وظهرت الشتراكية ( التي جمعت ما بين‬ ‫عزّ وج ّ‬
‫المبدأين من حيث الكفر ) ‪.‬‬
‫فل سفة المخ طط ‪ :‬يتيم تقسييم الشعوب إلى معسيكرات متنابذة ‪ ،‬تتصيارع إلى البيد دونميا توقيف ‪ ،‬حول عدد مين‬
‫المشاكيل القتصيادية والسيياسية والجتماعيية والعرقيية وغيرهيا ‪ ،‬ومين ثيم يتيم تسيليح هذه المعسيكرات ‪ ،‬ثيم يجري‬

‫‪110‬‬
‫تدبير حادث ما ( فتنة ) تتسبب في إشعال الحروب بين هذه المعسكرات ‪ ،‬ل ُت ْنهِك وتحطّم بعضها بعضا ‪ ،‬وبالتالي‬
‫تتساقط الحكومات الوطنية والمؤسسات الدينية تباعا ‪.‬‬
‫برنامج العمل ‪:‬‬
‫‪.1‬السييييطرة على رجالت الحكيييم على مختلف المسيييتويات والمسيييؤوليات ‪ ،‬بالغواء المالي ( الرشوة )‬
‫والغراء الجنسييي ‪ ،‬وعنييد وقوعهييم يتييم اسييتغللهم لغايات تنفيييذ المخطييط ‪ ،‬وعنييد تفكييير أي منهييم‬
‫بالنسيحاب ‪ ،‬يتيم تهديده بالنطفاء السيياسي أو الخراب المالي ‪ ،‬أو تعريضيه لفضيحية عامية كيبرى تقضيي‬
‫على مستقبله ‪ ،‬أو تعريضه لليذاء الجسدي أو بالتخلص منه بالقتل ‪.‬‬
‫‪.2‬دفع معتنقي المذهب اللحادي المادي ‪ ،‬للعمل كأساتذة والجامعات والمعاهد العلمية وكمفكرين ‪ ،‬لترويج‬
‫فكرة الممية العالمية بين الطلب المتفوقين ‪ ،‬لقامة حكومة عالمية واحدة ‪ ،‬وإقناعهم أن الشخاص ذوي‬
‫المواهيب والملكات العقليية الخاصية ‪ ،‬لهيم الحيق فيي السييطرة على مين هيم أقيل منهيم كفاءةً وذكاءً ( وذلك‬
‫كغطاء لجرهم لعتناق المذهب اللحادي ) ‪.‬‬
‫‪.3‬يتيم اسيتخدام السياسة والطلب ( مين غيير اليهود ) الذيين اعتنقوا هذا المذهيب كعملء خلف السيتار ‪ ،‬بعيد‬
‫إحللهم لدى جميع الحكومات بصفة خبراء أو اختصاصيين ‪ ،‬لدفع كبار رجال الدولة إلى نهج سياسات ‪،‬‬
‫من شأنها في المدى البعيد خدمة المخططات السرية لليهود ‪ ،‬والتوصل إلى التدمير النهائي لجميع الديان‬
‫والحكومات التي يعملون لجلها ‪.‬‬
‫‪.4‬السييطرة على الصيحافة وكيل وسيائل العلم ‪ ،‬لتروييج الخبار والمعلومات التيي تخدم مصيالح اليهود ‪،‬‬
‫وتساهم في تحقيق هدفها النهائي ‪.‬‬
‫أميا القائمون على المؤامرة فهيم مجموعية كيبيرة منظمية مين جنود إبلييس ‪ ،‬تضيم حفنية مين كبار أثرياء اليهود فيي‬
‫العالم ‪ ،‬بالضافية إلى حفنية مين كبار حاخامات الشرق والغرب ‪ ،‬ومين السيماء التيي أطلقهيا عليهيم الباحثون فيي‬
‫مؤلفاتهيم ‪ ،‬جماعية النورانيون ‪ ،‬وحكومية العالم الخفيية ‪ ،‬واليهود العالميّون ‪ .‬يعملون بل كلل أو ملل على تدميير‬
‫الخلق والديان ‪ ،‬وإشعال الحروب القليميية والعالميية ‪ ،‬ويسييطرون على كثيير مين المنظمات السيرية والعلنيية‬
‫اليهوديية وغيير اليهوديية تحيت مسيميات عديدة ‪ ،‬ولهيم عملء ذوي مراكيز رفيعية ومرموقية فيي معظيم الحكومات‬
‫الوطنييية لدول العالم ‪ ،‬ميين الذييين باعوا شعوبهييم وأوطانهييم بأبخييس الثمان ‪ ،‬وتميّزوا بولئهييم المطلق للمؤامرة‬
‫وأصحابها ‪ ،‬وفيما يلي سنعرض أهدافهم وسياساتهم ‪.‬‬

‫بروتوكولت حكماء صهيون‬


‫يقول ( ويليام كار ) أن هذه البروتوكولت ‪ ،‬عرضهيا ( مايير روتشيلد ) أحيد كبار أثرياء اليهود ‪ ،‬أمام اثنيي عشير‬
‫من كبار أثرياء اليهود الغربيون ‪ ،‬في فرانكفورت بألمانيا عام ‪1773‬م ‪ ،‬أما كشفها فقد تم بالصدفة عام ‪1784‬م في‬
‫ألمانيا نفسها من قبل الحكومة البافارية ‪ ،‬وتمت محاربتها ومحاربة كل رموزها الظاهرة في ألمانيا آنذاك ‪ .‬ولذلك‬
‫انتقلت إلى السرية التامة ‪ ،‬وسارع معظم يهود العالم إلى التنصل منها ‪ ،‬واستطاعوا بما لديهم من نفوذ من إرغام‬
‫الناس والحكومات على تجاهلهييا ‪ ،‬ومنييذ ذلك اليوم الذي كُشفييت فيييه وحتييى منتصييف القرن الماضييي ‪ ،‬والكتّاب‬
‫والباحثون الغربيون يتناولونهيا بالبحيث والتقصيي ‪ ،‬ويؤكدون مطابقية ميا جاء فيهيا ‪ ،‬ميع ميا جرى ويجري على‬
‫أرض الواقيع ‪ ،‬ويحذّرون حكوماتهيم مين الخطير اليهودي المحدّق بأممهيم ‪ ،‬ولكين ل حياة لمين تنادي فيي حكومات‬
‫تغلغل فيها اليهود ‪ ،‬كما تتغلغل بكتيريا التسوس في السنان ‪ ،‬ومعظم الكتب التي حذّرت ‪ -‬وما زالت ‪ -‬تحذّر من‬
‫الخطر اليهودي على شعوب العالم كان مصيرها الختفاء من السواق ‪ ،‬أو اللقاء في زوايا النسيان والهمال ‪.‬‬
‫أما من يُفكّر اليوم بمناهضة اليهود ومعاداتهم في الغرب فقد ثكلته أمه ‪ ،‬فخذ ( هايدر ) مثل زعيم أحد الحزاب‬
‫النمسياوية الذي أطلق يوميا عبارات مناهضية لليهود ‪ ،‬عندميا فاز حزبيه ديموقراطييا بأغلبيية فيي مقاعيد البرلمان‬
‫قامت الدنيا ولم تقعد ‪ ،‬ضجّة إعلمية كبرى في إسرائيل وأمريكا وبريطانيا وفرنسا والمم المتحدة ‪ ،‬حتى أُرغم‬
‫التحاد الوروبي على مقاطعة النمسا لمنع ( هايدر ) من ترشيح نفسه لمنصب في الحكومة النمساوية ‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫الصيغة النهائية لمبادئ المخطط الشيطاني ‪:‬‬
‫‪.1‬أن قوانيين الطبيعية تقضيي بأن الحقّي هيو القوة ‪ ( .‬بمعنيى أن الذي يملك القوة هيو الذي يُحدّد مفاهييم الحيق‬
‫ويفرضها على الخرين ) ‪.‬‬
‫‪.2‬أن الحرييية السييياسية ليسييت إل فكرة مجردة ولن تكون حقيقيية واقعيية ‪ ( .‬بمعنييى أنييك تسييتطيع الدعاء‬
‫ظاهريا بأنك ديموقراطي وتسمح بحرية الرأي ولكن في المقابل يجب قمع الرأي الخر سرا ) ‪.‬‬
‫‪ .3‬سلطة الذهب ( المال ) فوق كل السلطات حتى سلطة الدين ‪ ( .‬محاربة الدين وإسقاط أنظمة الحكم غير‬
‫الموالية ‪ ،‬من خلل تمويل الحركات الثورية ذات الفكار التحررية وتمويل المنتصر منها بالقروض ) ‪.‬‬
‫‪.4‬الغاية تبرّر الوسيلة ‪ ( .‬فالسياسي الماهر ‪ :‬هو الذي يلجأ إلى الكذب والخداع والتلفيق في سبيل الوصول‬
‫إلى سدة الحكم ) ‪.‬‬
‫‪.5‬مييين العدل أن تكون السييييادة للقوى ‪ ( .‬وبالتالي تحطييييم المؤسيييسات والعقائد القائمييية ‪ ،‬عندميييا يترك‬
‫المستسلمون حقوقهم ومسؤولياتهم ‪ ،‬للركض وراء فكرة التحرّر الحمقاء ) ‪.‬‬
‫‪.6‬ضرورة المحافظية على السيرية ‪ ( .‬يجيب أن تبقيى سيلطتنا الناجمية عين سييطرتنا على المال مخفيّة عين‬
‫أعين الجميع ‪ ،‬لغاية الوصول إلى درجة من القوة ل تستطيع أي قوة منعنا من التقدم ) ‪.‬‬
‫‪.7‬ضرورة العمييل على إيجاد حكام طغاة فاسييدين ‪ ( .‬لن الحرييية المطلقيية تتحول إلى فوضييى وتحتاج إلى‬
‫قمع ‪ ،‬لكي يتسنى لولئك الحكام سرقة شعوبهم ‪ ،‬وتكبيل بلدانهم بالديون ولتصبح الشعوب برسم البيع ) ‪.‬‬
‫‪.8‬إفساد الجيال الناشئة لدى المم المختلفة ‪ ( .‬ترويج ونشر جميع أشكال النحلل الخلقي لفساد الشبيبة‬
‫‪ ،‬وتسخير النساء للعمل في دور الدعارة ‪ ،‬وبالتالي تنتشر الرذيلة حتى بين سيدات المجتمع الراقي إقتداءً‬
‫بفتيات الهوى وتقليدا لهن ) ‪.‬‬
‫‪.9‬الغزو السييلمي التسييللي هييو الطريييق السييلم ‪ ،‬لكسييب المعارك مييع المييم الخرى ‪ ( .‬الغزو القتصييادي‬
‫لغتصاب ممتلكات وأموال الخرين ‪ ،‬لتجنب وقوع الخسائر البشرية في الحروب العسكرية المكشوفة ) ‪.‬‬
‫‪.10‬إحلل نظام مبني على أرستقراطية المال بدل من أرستقراطية النسب ‪ ( .‬لذلك يجب إطلق شعارات ‪:‬‬
‫الحرييية والمسيياواة والخاء ‪ ،‬بييين الشعوب بغييية تحطيييم النظام السييابق ‪ ،‬وكان هذا موجهييا إلى السيير‬
‫الوروبييية ذات الجذور العريقيية ‪ ،‬وميين ضمنهييا السيير الملكييية والمبراطورييية ‪ ،‬ليلقييى لصييوص هذه‬
‫المؤامرة بعدها شيئا من التقدير والحترام ) ‪.‬‬
‫‪.11‬إثارة الحروب وخلق الثغرات فيي كيل معاهدات السيلم التيي تعقيد بعدهيا لجعلهيا مدخل لشعال حروب‬
‫جديدة ‪ ( .‬وذلك لحاجية المتحاربيين إلى القروض ‪ ،‬وحاجية كيل مين المنتصير والمغلوب لهيا بعيد الحرب‬
‫لعادة العمار والبناء ‪ ،‬وبالتالي وقوعهييم تحييت وطأة الديون ومسييك الحكومات الوطنييية ميين خنّاقهييا ‪،‬‬
‫وتسيير أمورها حسب ما يقتضيه المخطط من سياسات هدامة ) ‪.‬‬
‫‪.12‬خلق قادة للشعوب من ضعاف الشخصية الذين يتميزون بالخضوع والخنوع ‪ ( .‬وذلك بإبرازهم وتلميع‬
‫صورهم من خلل الترويج العلمي لهم ‪ ،‬لترشيحهيم للمناصب العامة في الحكومات الوطنية ‪ ،‬ومن ثم‬
‫التلعب بهم من وراء الستار بواسطة عملء متخصّصين لتنفيذ سياساتنا ) ‪.‬‬
‫‪.13‬امتلك وسيائل العلم والسييطرة عليهيا ‪ ( .‬لتروييج الكاذييب والشاعات والفضائح الملفّقية التيي تخدم‬
‫المؤامرة ) ‪.‬‬
‫‪.14‬قلب أنظمية الحكيم الوطنيية المسيتقلة بقراراتهيا ‪ ،‬والتيي تعميل مين أجيل شعوبهيا ول تسيتجيب لمتطلبات‬
‫المؤامرة ‪ ( .‬وذلك بإثارة الفتين وخلق ثورات داخليية فيهيا لتؤدي إلى حالة مين الفوضيى ‪ ،‬وبالتالي سيقوط‬
‫هذه النظمة الحاكمة وإلقاء اللوم عليها ‪ ،‬وتنصيب العملء قادة في نهاية كل ثورة وإعدام من يُلصق بهم‬
‫تهمة الخيانة من النظام السابق ) ‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫‪.15‬اسيتخدام الزمات القتصيادية للسييطرة على توجهات الشعوب ‪ ( .‬التسيبب فيي خلق حالت مين البطالة‬
‫والفقير والجوع ‪ ،‬لتوجييه الشعوب إلى تقدييس المال وعبادة أصيحابه ‪ ،‬لتصيبح لهيم الحقيية والولويية فيي‬
‫السيادة ‪ ،‬واتخاذهم قدوة والسير على هديهم ‪ ،‬وبالتالي سقوط أحقية الدين وأنظمة الحكم الوطنية ‪ ،‬والتمرد‬
‫على كل ما هو مقدّس من أجل لقمة العيش ) ‪.‬‬
‫‪.16‬نشير العقائد اللحادية المادية ‪ ( .‬من خلل تنظييم محافل الشرق الكبرى ‪ ،‬تحت ستار العمال الخيرية‬
‫والنسييانية ‪ ،‬كالماسييونية ونوادي الروتاري والليونييز ‪ ،‬والتييي تحارب فييي الحقيقيية كييل مييا تمثله الديان‬
‫السماوية ‪ ،‬وتساهم أيضا في تحقيق أهداف المخطط الخرى داخل البلدان التي تتواجد فيها ) ‪.‬‬
‫‪.17‬خداع الجماهيير المسيتمر باسيتعمال الشعارات والخطابات الرنّانية والوعود بالحريية والتحرر ‪ ( .‬التيي‬
‫تلهب حماس ومشاعر الجماهير لدرجة يمكن معها ‪ ،‬أن تتصرف بما يخالف حتى الوامر اللهية وقوانين‬
‫الطبيعية ‪ ،‬وبالتالي بعيد الحصيول على السييطرة المطلقية على الشعوب ‪ ،‬سينمحو حتيى اسيم ال مين معجيم‬
‫الحياة ) ‪.‬‬
‫‪.18‬ضرورة إظهار القوة لرهاب الجماهييير ‪ ( .‬وذلك ميين خلل افتعال حركات تمرد وهمييية على أنظميية‬
‫الحكيم ‪ ،‬وقميع عناصيرها بالقوة على علم أو مرأى مين الجماهيير ‪ ،‬بالعتقال والسيجن والتعذييب والقتيل إذا‬
‫لزم المر ‪ ،‬لنشر الذعر في قلوب الجماهير ‪ ،‬وتجنّب أي عصيان مسلح قد يُفكّرون فيه عند مخالفة الحكام‬
‫لمصالح أممهم ) ‪.‬‬
‫‪.19‬اسيتعمال الدبلوماسيية السيريّة مين خلل العملء ‪ ( .‬للتدخيل فيي أي اتفاقات أو مفاوضات ‪ ،‬وخاصية بعيد‬
‫الحروب لتحوير بنودها بما يتفق مع مخططات المؤامرة ) ‪.‬‬
‫‪.20‬الهدف النهائي لهذا البرناميج هيو الحكومية العالميية التيي تسييطر على العالم بأسيره ‪ ( .‬لذلك سييكون مين‬
‫الضروري إنشاء احتكارات عالمية ضخمة ‪ ،‬من جرّاء اتحاد ثروات اليهود جميعها ‪ ،‬بحيث ل يمكن لي‬
‫ثروة مييين ثروات الغرباء مهميييا عظُميييت مييين الصيييمود أمامهيييا ‪ ،‬مميييا يؤدي إلى انهيار هذه الثروات‬
‫والحكومات ‪ ،‬عندما يوجّه اليهود العالميون ضربتهم الكبرى في يوم ما ) ‪.‬‬
‫‪.21‬الستيلء والسيطرة على الممتلكات العقارية والتجارية والصناعية للغرباء ‪ ( .‬وذلك من خلل ؛ أول ‪:‬‬
‫فرض ضرائب مرتفعيية ومنافسيية غييير عادلة للتجار الوطنيييين ‪ ،‬وبالتالي تحطيييم الثروات والمدخرات‬
‫الوطنييية ‪ ،‬وحصييول النهيارات القتصييادية بالمييم ‪ .‬ثانيييا ‪ :‬السيييطرة على المواد الخام وإثارة العمال ‪،‬‬
‫للمطالبية بسياعات عميل أقيل وأجور أعلى ‪ ،‬وهكذا تضطير الشركات الوطنيية لرفيع السيعار ‪ ،‬فيؤدي ذلك‬
‫إلى انهيارها وإفلسها ‪ ،‬ويجب أل يتمكن العمال بأي حال من الحوال من الستفادة من زيادة الجور ) ‪.‬‬
‫‪.22‬إطالة أمد الحروب لستنزاف طاقات المم المتنازعة ماديا ومعنويا وبشريا ‪ ( .‬لكي ل يبقى في النهاية‬
‫سوى مجموعات من العمال ‪ ،‬تسيطر عليها وتسوسها حفنة من أصحاب المليين العملء ‪ ،‬مع عدد قليل‬
‫مين أفراد الشرطية والمين لحمايية السيتثمارات اليهوديية المختلفية ‪ ،‬بمعنيى آخير إلغاء الجيوش النظاميية‬
‫الضخمة حربا أو سلما في كافة البلدان ) ‪.‬‬
‫‪.23‬الحكومية العالميية المسيتقبلية تعتميد الدكتاتوريية المطلقية كنظام للحكيم ‪ ( .‬فرض النظام العالميي الجدييد ‪،‬‬
‫الذي يقوم فيييه الدكتاتور بتعيييين أفراد الحكوميية العالمييية ‪ ،‬ميين بييين العلماء والقتصيياديين وأصييحاب‬
‫المليين ) ‪.‬‬
‫‪.24‬تسيلل العملء إلى كافية المسيتويات الجتماعيية والحكوميية ‪ ( .‬مين أجيل تضلييل الشباب وإفسياد عقولهيم‬
‫بالنظريات الخاطئة ‪ ،‬حتى تسهل عملية السيطرة عليهم مستقبل ) ‪.‬‬
‫‪.25‬ترك القوانيين الداخليية والدوليية التيي سينتها الحكومات والدول كميا هيي ‪ ،‬وإسياءة اسيتعمالها وتطبيقهيا ‪.‬‬
‫( عن طريق تفسير القوانين بشكل مناقض لروحها ‪ ،‬يستعمل أول قناعا لتغطيتها ومن ثم يتم طمسها بعد‬
‫ذلك نهائيا ) ‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫ثم يختم المتحدّث عرضه بالقول ‪ " :‬لعلكم تعتقدون أن الغرباء ( غير اليهود ) لن يسكتوا بعد هذا ‪ ،‬وأنهم سيهبّون‬
‫للقضاء علينا ‪ ،‬كل هذا اعتقاد خاطئ ‪ .‬سيكون لنا في الغرب منظمة على درجة من القوة والرهاب ‪ ،‬تجعل أكثر‬
‫القلوب شجاعية ترتجيف أمامهيا ‪ ،‬تلك هيي منظمية الشبكات الخفيية تحيت الرض ‪ ،‬وسينعمل على تأسييس منظمات‬
‫من هذا النوع ‪ ،‬في كل عاصمة ومدينة نتوقّع صدور الخطر منها " ‪ ،‬انتهى ‪.‬‬
‫* بتصرّف من كتاب ( أحجار على رقعة الشطرنج ) ‪.‬‬
‫ن هذا المخطط ‪ ،‬وُضع قبل أكثر من ‪ 200‬سنة تقريبا ‪ ،‬وأن العمل على تنفيذه بقي جاريا على‬ ‫نود أن نُشير إلى أ ّ‬
‫قدم وسيياق ‪ ،‬وكان دائم التجدّد والتطوّر ميين حيييث القائمييين عليييه ‪ ،‬وميين حيييث برامجييه وأدواتييه ‪ ،‬ليتوافييق مييع‬
‫التطورات المتسارعة التيي ظهرت فيي القرنين الماضيين ‪ ،‬من مُخترعات واكتشافات كوسيائل التصال ووسيائل‬
‫الحروب على مختلف أنواعها ‪ ،‬سُخرّت كلها لخدمة هذا المُخطّط الشيطاني ‪ ،‬الذي خطّته أيدي أبالسة اليهود على‬
‫مرّ العصيور ‪ ،‬وميا كان لبشير مين غيير اليهود ‪ ،‬أن يجمعوا كيل هذا الش ّر فيي جعبتهيم ‪ ،‬ويصيهروه بهذا الشكيل‬
‫المُذهل المتعمّق ‪ ،‬في معرفته بدواخل النفس البشرية وأهوائها ‪ ،‬ومكامن ضعفها وقوتها ‪ ،‬اتقانا ربما يعجز إبليس‬
‫نفسيه عين التيان بمثله ‪ ،‬حتيى اسيتطاعوا مين خلله ‪ ،‬التحكيم بالبشير بدءا مين الرئييس المريكيي بعظمتيه ‪ ،‬وحتيى‬
‫إنسيان الغياهيب الفريقيية بفقره وقلة حيلتيه ‪ ،‬الذي ل يدري ميا الذي يُحاربيه أول ‪ ،‬الجوع أم اليدز ‪ .‬وهيا هيم الن‬
‫بدءوا يُزيلون أقنعتهيم شيئا فشيئا ‪ ،‬فتصيريحاتهم من مواقع السياسة المريكية ومواقفهيم ‪ ،‬تكشيف عن مدى قباحة‬
‫ق النسانية ‪.‬‬
‫وجوههم وأفعالهم في ح ّ‬
‫إسقاط جميع أنظمة الحكم الوراثية العريقة في أوروبا من خلل الثورات التحررية ‪:‬‬
‫وقد استطاع اليهود من خلل مواظبتهم على تنفيذ هذه البروتوكولت ‪ ،‬من إسقاط نظام الحكم الملكي في بريطانيا‬
‫لفترة ليست بالقصيرة ‪ ،‬ومن ثم عاد النظام الملكي ‪ ،‬بشكل صوري ل يتمتع بأي سلطة كما هو الحال الن ‪ ،‬كما‬
‫وقاموا بإسقاط النظام الملكي في فرنسا ‪ ،‬ومن ثم تم تحويلها إلى النظام الجمهوري ‪ .‬وبعد إثارتهم للحرب العالمية‬
‫الولى ‪ ،‬استطاعوا إسقاط الحكم القيصيري في روسيا ‪ ،‬الذي عاملهيم كميا عوملوا فيي أوروبا ‪ ،‬ولكن بدون طرد‬
‫وإدخال الحكيم الشيوعيي إليهيا ‪ ،‬واسيتطاعوا إسيقاط الحكيم القيصيري فيي ألمانييا أيضيا ‪ ،‬وأسيقطوا المبراطوريية‬
‫العثمانية ‪ ،‬وكان آخر الحصاد هو وضع فلسطين تحت النتداب البريطاني ‪.‬‬

‫المخطط في مراحله النهائية تحت حماية أمريكا ‪:‬‬


‫ولو أنك نظرت إلى البروتوكول رقم (‪ ، )23‬ستجد أن النظام الذي كان يُنادي به الرئيس المريكي ( بوش ) في‬
‫بدايية التسيعينيات بعيد انهيار التحاد السيوفييتي ‪ ،‬موجود تحيت نفيس السيم ( النظام العالميي الجدييد ) وهذه العبارة‬
‫نفسيها مكتوبية أيضيا على الدولر باللغية اللتينيية ‪ ،‬وهذا مؤشير على أن المخطّط أصيبح فيي مراحله الخيرة ‪،‬‬
‫حيييث أن هذا البرتوكول هييو الثالث قبييل الخييير ‪ ،‬ومييا بقييي عليهييم للوصييول إلى هدفهييم النهائي ‪ ،‬سييوى تنفيييذ‬
‫البرتوكولين (‪ )24‬و (‪ ، )25‬وهما المتعلقيّن بالعولمة بجانبيها الثقافي والقتصادي ‪ ،‬والتي سنوضحها لحقا ‪.‬‬
‫الرؤساء المريكيون الوائل يُحذّرون من الخطر اليهودي‬
‫ترجمة النص الكامل للجزء الخاص باليهود من خطاب بنيامين فرانكلين أمام الكونغرس ‪:‬‬
‫" أيها السادة ‪ :‬هنالك خطر كبير يتهدد الوليات المتحدة المريكية … وهذا الخطر هو اليهود … ففي أي أرض‬
‫يحلّ بهيا اليهود … يعملون على تدنيي المسيتوى الخلقيي والتجاري فيهيا … وعلى مدى تاريخهيم الطوييل …‬
‫ظلّوا متقوقعيين على أنفسيهم فيي معزل عين الميم التيي يعيشون فيهيا … ولم يندمجوا فيي حضاراتهيا … بيل كانوا‬
‫يعملون دوما على إثارة الزمات المالية وخنق اقتصادياتها … كما حصل في البرتغال وإسبانيا ‪.‬‬
‫لكثير مين ‪ 1700‬سينة … وهيم يبكون على قدرهيم ومصييرهم المحزن … أعنيي طردهيم ونفيهيم من وطنهيم الم‬
‫( فلسطين ) … ولو أن العالم المتحضر ( الغرب ) أعاد لهم فلسطين الن … فإنهم على الفور سيختلقون الكثير‬
‫مين السيباب والعذار والحجيج الواهيية … لييبرروا عدم رغبتهيم فيي العودة إليهيا … لماذا ؟ … لنهيم كائنات‬

‫‪114‬‬
‫طفيلية … والطفيليات ل تستطيع أن تتطفل على طفيليات أخرى … فهم ل يستطيعون العيش مع بعضهم البعض‬
‫… مما يستدعي ضرورة تواجدهم بين المسيحيين … أو بين أناس من غير جنسهم ‪.‬‬
‫وإن لم يُطردوا مييين الوليات المتحدة بموجيييب الدسيييتور … فإنهيييم وخلل مائة عام على القيييل مييين الن …‬
‫سييتوافدون إلى هذا البلد بأعداد كيبيرة … وبتلك العداد سيوف يحكمونيا ويدمّرونيا … مين خلل تغييير أنظمية‬
‫الحكيم لدينيا … والتيي بذلنيا نحين المريكييين مين أجيل توطيدهيا على مير السينين … الغالي والنفييس مين دمائنيا‬
‫وأرواحنيا وممتلكاتنيا وحرياتنيا … وإن لم يتيم طردهيم … وبعيد مائتيي سينة مين الن …فإن أحفادنيا سييعملون فيي‬
‫الحقول لييل نهار … مين أجيل إشباع بطونهيم وجيوبهيم … بينميا يجلسيون هيم فيي قصيورهم يفركون أيديهيم فرحيا‬
‫واغتباطا … بما حصدوه من غلل وأرباح ‪.‬‬
‫وهيا أنيا أحذركيم أيهيا السيادة … إن لم تطردوا اليهود مين هذا البلد إلى البيد … فإن أولدكيم وأحفادكيم سييلعنونكم‬
‫في قبوركم … ومع أنهم يعيشون بيننا منذ أجيال … فإن ُمثُلهم العليا ما زالت تختلف كليا ‪ ،‬عما يتحلى به الشعب‬
‫المريكييي ميين مُثُيل … فالفهييد الرقييط ل يمكنييه تغيييير لون جلده … سييوف يُعرّضون مؤسييساتنا ومقوماتنييا‬
‫الجتماعية للخطر … لذلك يجب طردهم بنص من الدستور " ‪.‬‬
‫وكان فرانكليين مين الرؤسياء الوائل فيي أمريكيا ‪ ،‬والذي اسيتشعر الخطير اليهودي قبيل تغلغله فيي أمريكيا ‪ ،‬مين‬
‫خلل دراسته لتوراتهم ولتاريخهم في أوروبا وما أحدثوه من خراب فيها ‪.‬‬
‫وهذا قسم من خطاب الرئيس المريكي ( لنكولن ) للمة ‪ ،‬في نهاية مدته الرئاسية الولى ‪:‬‬
‫" إنني أرى في الفق نُذر أزمة تقترب شيئا فشيئا … وهي أزمة تثيرني وتجعلني أرتجف على سلمة بلدي …‬
‫فقد أصبحت السيادة للهيئات والشركات الكبرى … وسيترتب على ذلك وصول الفساد إلى أعلى المناصب … إذ‬
‫أن أصيحاب رؤوس الموال سييعملون على إبقاء سييطرتهم على الدولة … مسيتخدمين فيي ذلك مشاعير الشعيب‬
‫وتحزّباته … وستصبح ثروة البلد بأكملها تحت سيطرة فئة قليلة … المر الذي سيؤدي إلى تحطم الجمهورية "‬
‫‪.‬‬
‫وكان هذا الخطاب قبل أكثر من ‪ 130‬سنة بعد أن تغلغل اليهود في أمريكا ‪ ،‬وقد اغتيل هذا الرئيس في بداية فترة‬
‫الرئاسييية الثانييية ‪ ،‬لن كييل أصييحاب رؤوس المال المريكييي أصييبحوا ميين اليهود ‪ .‬كمييا اغتيييل الرئيييس ( جون‬
‫كندي ) عندما أعلن عن برامجه الصلحية ‪ ،‬ورغبته ببناء أمريكا من الداخل ونهج التعايش السلمي مع الخارج‬
‫كروسيا والبلدان الخرى ‪ ،‬وهذا مما يتعارض كليا مع بروتوكولت أرباب المال اليهود وحكمائهم ‪.‬‬
‫بعيد اغتيال ( كندي ) اسيتوعب رؤسياء أمريكيا الدرس وحفظوه عين ظهير قلب ‪ ،‬فلم يجرؤ أحدهيم على نهيج أي‬
‫سيياسة تتعارض ميع طموحات اليهود وتطلعاتهيم على كافية الصيعدة ‪ ،‬بيل كانوا فور انتخابهيم يسيارعون لتقدييم‬
‫فروض الطاعييية والولء لسييييادهم اليهود ‪ .‬وخدماتهيييم لليهود خلل الربعيييين سييينة الماضيييية ظاهرة للعيان ‪،‬‬
‫وأصيبحت مهمية الرئييس المريكيي ل تتعدى مهمية ( كلب الصييد المدرّب جيدا ) ‪ ،‬لصيطياد الشعوب وثرواتهيا‬
‫وجلبها لليهود في الداخل والخارج ‪ ،‬وفي نهاية ولية كل كلب جيد منهم يُعلّق في رقبته وساما رفيعا من المديح‬
‫اليهودي ‪ ،‬فيهزّ ذنبيه فرحيا ويمضيي خارجيا مين البييت البييض ‪ ،‬بعيد حصيوله على شرف عضويية ( نادي كلب‬
‫الصيد ) اليهودي ‪ ،‬وكلنا يذكر قصة ( كلينتون ) عندما نسي نفسه وحاول الضغط على نتنياهو ‪ ،‬ففجّروا في بيته‬
‫البيض القنبلة ( لوينسكي ) ‪ ،‬التي كانت مُعدّة منذ لحظة انتخابه فأعادته إلى صوابه ‪ ،‬وإلى موقعه الحقيقي ككلب‬
‫صييد ل أكثير ‪ ،‬فأصيبح فيي نهايية مدة رئاسيته صيهيونيا أكثير مين الصيهاينة أنفسيهم ‪ ،‬يمسيح بفروه البييض الناعيم‬
‫نعال أحذيتهييم ‪ ،‬عسييى أن يقتات هييو وزوجتييه على فتات موائدهييم ‪ ،‬فييي قاعات مجلس الشيوخ المريكييي بعييد‬
‫خروجهم من البيت البيض ‪.‬‬

‫الحرب العالمية الثانية درس من دروس التآمر اليهودي العالمي‬


‫الظروف التي سبقت الحرب ‪ ،‬من كتاب ( أحجار على رقعة الشطرنج ) بتصرّف ‪:‬‬
‫يي معاهدة فرسياي المجحفية بحيق ألمانييا ‪ :‬التيي كان لليهود وعملئهيم الييد الطولى فيي صيياغتها مين وراء السيتار ‪،‬‬
‫لتكون بؤرة لتوريييط ألمانيييا فييي حرب أخرى ‪ ،‬إذا تطلب الميير مسييتقبل ‪ .‬حيييث أن بنود هذه المعاهدة اقتطعييت‬
‫‪115‬‬
‫جزءا مين الراضيي اللمانيية وضمتهيا إلى بولندا ‪ ،‬وأرغميت ألمانييا على دفيع التعويضات للخسيائر الناجمية عين‬
‫الحرب العالمية الولى ‪ ،‬وأبقت ألمانيا تحت طائلة الديون إلى ما ل نهاية ‪.‬‬
‫يي وجود الحركية النازيية فيي ألمانييا ‪ :‬والسيبب فيي بلورة أفكارهيا هيو معرفية اللمان بفصيول المؤامرة اليهوديية ‪،‬‬
‫حييث أن الصييغة النهائيية لبرتوكولت حكماء المؤامرة التيي تدعيو لتفوق العرق اليهودي ‪ ،‬والتيي كُشفيت أصيل‬
‫فيمييا سييبق فييي ألمانيييا نفسييها ‪ ،‬دفعييت المفكيير اللمانييي ( كارل ريتيير ) إلى طرح أفكار تدعييو إلى تفوق العرق‬
‫الجرمانييي ‪ ،‬ردا على مييا طرحتييه برتوكولت حكماء اليهود ‪ .‬وميين أقوال مؤسييس الفكيير النازي ( كارل ريتيير )‬
‫الذي نشر أفكاره عام ‪1849‬م ‪ :‬لكي يعود السلم والحرية القتصادية إلى العالم ‪ ،‬يجب أول القضاء على الممولين‬
‫اليهود ‪ ،‬وعلى جمييع أعضاء الحركية الثوريية العالميية ‪ ،‬الذيين يُوجّهون الشيوعيية ويسييطرون عليهيا ‪ .‬ومضمون‬
‫المعتقدات النازيية يقضيي بتفوق العرق الجرمانيي ‪ ،‬والذي يتوجيب علييه إخضاع العالم بالقوة العسيكرية ‪ ،‬ويجيب‬
‫أن تكون الطاعيية فيييه لرئيييس الدولة الجرمانييية طاعيية عمياء وبدون نقاش ‪ .‬وعلى مييا يبدو أن رجالت الحرب‬
‫اللمان بعييد الحرب العالمييية الولى ‪ ،‬ومييا لحييق بألمانيييا ميين إجحاف ميين خلل المؤامرات اليهودييية قبييل وبعييد‬
‫الحرب ‪ ،‬اقتنعوا بالمذهييب النازي واعتنقوا مبادئه ‪ ،‬فوضعوا مخططهييم العسييكري لكتسيياح أوروبييا وأمريكييا‬
‫للقضاء على الممولين اليهود والستيلء على ثرواتهم الطائلة ‪.‬‬
‫ي ي مرتكزات السييياسة اللمانييية ‪ :‬كانييت تقوم على وجوب تحرييير ألمانيييا ميين التفاقيات القتصييادية المفروضيية‬
‫عليهيا ‪ ،‬مين قبيل المموليين والمرابيين الدولييين ‪ ،‬بعيد أن أدرك الزعماء اللمان خطير هذه التفاقيات على اسيتقلل‬
‫البلد ‪ ،‬لن الفوائد المفروضية على القروض الماليية بموجيب هذه التفاقيات ‪ ،‬سيتؤدي حتميا إلى وقوع البلد فيي‬
‫براثن دائنيها ( بمعنى ارتهان القرار والموقف السياسي والقتصادي بمصلحة الدائنين بغض النظر عن مصلحة‬
‫المة ) تماما كما وقعت بريطانيا عام ‪1694‬م ‪ ،‬وفرنسا عام ‪1790‬م ‪ ،‬وأمريكا عام ‪1791‬م ‪ .‬وبالتالي ستكون هذه‬
‫القروض دينا واستعبادا لكل فرد من أفراد الشعب ‪ ،‬لن تسديدها لن يكون إل بفرض مزيد من الضرائب يدفعها‬
‫المواطنون جميعيا ‪ ،‬ويكون المسيتفيد الذي ل يخسير أبدا هيو الدائن ‪ ،‬أي الممول المرابيي العالميي ‪ .‬عندئذ صيمم‬
‫القادة اللمان على خلق عملة ألمانية ‪ ،‬ل تسيتند إلى القروض بل تعتميد على الدخل القومي والممتلكات الوطنية ‪،‬‬
‫وعلى موارد الصناعة والزراعة والثروات الطبيعية وعلى الطاقة النتاجية للمة ‪.‬‬
‫يي وصيول هتلر إلى سيدة الحكيم ‪ :‬يذهيب مؤلف الكتاب إلى أن شخصيية هذا الرجيل اعتراهيا الكثيير مين التشوييه‬
‫العلميي اليهودي الغربيي ‪ ،‬وفيي الحقيقية لم يكين هتلر داعيية حرب ولم يكين معتنقيا للمذهيب النازي ‪ ،‬بيل كان‬
‫رجل قومييا يسيعى لرفيع الظلم والجحاف الذي لحيق بأمتيه مين جراء معاهدة فرسياي ‪ ،‬وكان عدوًا لدودا للنازييين‬
‫والمموليين اليهود على حيد سيواء ‪ ،‬وقيد جاء فيي الصيفحة الخيرة مين كتابيه ( كفاحيي ) الذي كتبيه فيي السيجن عام‬
‫‪1934‬م ‪ ،‬قبل أن يتسلّم الزعامة ما نصه ‪ " :‬وبهذا يقف الحزب الشتراكيي الوطني موقفا إيجابيا من المسيحية ‪،‬‬
‫ولكنييه ل يترك أمور العقيدة لجماعيية ميين المنحرفييين ( النازيييين ) ‪ ،‬وميين جهيية أخرى يحارب الروح المادييية‬
‫اليهوديية المتغلغلة فيي نفوسينا وفيي نفوس الخريين " ‪ .‬أميا عين معاهدة فرسياي فقيد كتيب يقول ‪ " :‬إنهيا لم تكين‬
‫لمصييلحة بريطانيييا ولكنهييا كانييت أول وأخيرا فييي صييالح اليهود لتدمييير ألمانيييا " ‪ .‬ونود أن نضيييف أن السييبب‬
‫الرئيسيي فيي هزيمية ألمانييا فيي الحرب العالميية الولى وهيي فيي قمية انتصياراتها العسيكرية ‪ ،‬هيو الثورات والفتين‬
‫التيي أحدثهيا الممولون اليهود بإحياء الثورات الشيوعيية داخيل ألمانييا ‪ ،‬والتيي أضعفيت الجبهية الداخليية وأضعفيت‬
‫الروح المعنويية لدى الجييش اللمانيي ‪ ،‬والتيي تسيببت فيي تنازل القيصير عين عرشيه وتوقييع الهدنية لللتفات إلى‬
‫الشأن الداخلي ‪ ،‬خوفا من سيطرة الشيوعية على ألمانيا كما حصل في روسيا ‪.‬‬
‫يي نشوء دول المحور ‪ :‬وجيد الشعيب اللمانيي بصيورة عامية أنيه يشارك شعوب اليابان وإيطالييا وإسيبانيا ‪ ،‬آمالهيم‬
‫وأمانيهم في المستقبل السياسي والقتصادي فظهر حلف المحور ‪ ،‬ونظرا لديناميكية زعماء تلك الدول وما بذلوه‬
‫من جهود ضخمة ‪ ،‬تمكنّوا من إعادة بناء بلدانهم على كافة المستويات الصناعية والزراعية والعسكرية بما يشبه‬
‫المعجزات ‪.‬‬
‫سيناريو الحرب ‪:‬‬
‫بدأ هتلر عام ‪1936‬م محاولت التحالف مع بريطانيا ‪ ،‬وجرت عدة محادثات غير رسمية بين دبلوماسيي البلدين ‪،‬‬
‫وكانيت الغايية مين هذا التحالف ‪ ،‬هيو رغبية اللمان فيي احتلل جمييع الدول الشيوعيية ‪ ،‬وتحريير شعوبهيا وإعدام‬
‫‪116‬‬
‫جمييييع الخونييية فيهيييا ‪ ،‬وذلك لقناعييية اللمان بارتباط الشيوعيييية بكبار أغنياء اليهود ‪ ،‬الذيييين يوجّهون حركتهيييا‬
‫ويموّلونهيا ‪ ،‬كميا يوجهون ويمولون فيي نفيس الوقيت الحركية الصيهيونية السيياسية ‪ ،‬وكان الرد البريطانيي على‬
‫مقترحات اللمان سيلبيا ‪ ،‬معيبرا عين عدم موافقتيه على هذه المقترحات ‪ ،‬فاقتنيع هتلر بأنيه يسيتحيل على أي أمية‬
‫بمفردهيا ‪ ،‬أن تحطيم نفوذ المرابيين العالمييين وخاصية فيي الدول المسيمّاة بالديموقراطيية ‪ ،‬وذلك لتحكّمهيم المالي‬
‫بهذه الدول وإيقاعهم إياها تحت طائلة الديون ‪.‬‬
‫ولمّا رفيض هتلر أوامير لوردات الحرب النازييين ‪ ،‬لردع الشيوعيية وسيتالين منفردا حاولوا اغتياله ‪ ،‬ولميا فشلوا‬
‫حاولوا إضعاف شعبيته التي حققها بين اللمان ‪ ،‬فبدأ النازيون بنشر الفكار النازية اللحادية بين الشعب اللماني‬
‫‪ ،‬واستغلت الصحافة المعادية ذلك وألصقت هذه التهمة بهتلر ‪ ،‬وبدأت وسائل العلم حملتها ضد هتلر ‪ ،‬وانقسم‬
‫الشعيب اللمانيي إلى قسيمين ووقيع هتلر بيين فكيي كماشية ‪ ،‬رجال الكنيسية مين جهية ورجال النازيية مين جهية‬
‫أخرى ‪ ،‬أما في بريطانيا فكانت وسائل العلم اليهودية ‪ ،‬ماضية في تشويه صورة هتلر وألمانيا لتمنع أي فرصة‬
‫لي تقارب ألماني بريطاني ‪.‬‬
‫وعندميا عرضيت ألمانييا مشروعيا مقبول لمشكلة الممير البولندي ودانزنيغ المدينية اللمانيية ‪ ،‬التيي سيببتها معاهدة‬
‫فرسياي الجائرة ‪ ،‬سيارع أقطاب المؤامرة ليجاد تحالف بريطانيي بولندي مين خلل فيبركتهم لنذار مزوّر ‪ ،‬تنذر‬
‫فييه ألمانييا البولندييين بالسيتسلم خلل ‪ 48‬سياعة فقيط ‪ ،‬تمخّض عين معاهدة بريطانيية لحمايية البولندييين مين أي‬
‫عدوان ألمانيي عام ‪1939‬م ‪ .‬ومين ثيم عملوا على إقناع البولندييين بصيلحية معاهدة الحمايية البريطانيية ‪ ،‬وهكذا‬
‫أهميل البولنديون المذكرة اللمانيية أشهرا عديدة ‪ ،‬فيي حيين كانيت الصيحافة المعاديية لهتلر تشنيّ علييه الحملت‬
‫العنيفية المضادة ‪ ،‬وذلك لسيبب واحيد هيو معاداتيه لصيحاب المؤامرة العالميية ‪ ،‬واعتماده سيياسة مسيتقلة داخيل‬
‫المبراطورييية اللمانييية ‪ ،‬بعيدا عيين قروضهييم وخططهييم القتصييادية المدمرة ‪ ،‬وبشكييل عام كانييت الصييحافة‬
‫الغربيية ‪ ،‬قيد هيّأت الشعوب هناك لتقيف موقفيا معادييا لللمان ‪ ،‬ولجمييع الدول التيي تؤييد سيياستهم ‪ ،‬وبدأت تفسيّر‬
‫وتحلّل أقواله وأفعاله وتقلب الحقائق وتفبرك الخبار وتحذر من أطماعه التوسعية ‪.‬‬
‫وهكذا بعيد التعنيت البولندي وتجاهله للمذكرة اللمانيية ‪ ،‬ضجير هتلر مين انتظار الرد ‪ ،‬ومين الحرب المشينية التيي‬
‫وجهتهييا ضده صييحافة الحلفاء ‪ ،‬فأميير جيوشييه بالتحرك نحييو بولندا لسييترجاع مييا اسييتقطع ميين أراضييي ألمانيييا‬
‫بالقوة ‪ ،‬ولم يتعدّ إلى ميا وراءهيا بيل توقيف عنيد ذلك الحدّ ‪ .‬عندئذ أعلنيت بريطانييا الحرب على ألمانييا بموجيب‬
‫التفاقية السابقة ‪ ،‬مع علم الذين أوجدوا هذه التفاقية عدم قدرة بريطانيا ‪ ،‬على حماية نفسها في مواجهة القدرات‬
‫العسيكرية اللمانيية ‪ .‬وعندميا تأكيد لهيم أن رئييس الوزراء البريطانيي ( تشاميبرلين ) ‪ ،‬غيير مُتحميس للدخول فيي‬
‫حرب فعلية مع ألمانيا ‪ ،‬أسقطوه وجاءوا ( بتشرشل ) الذي قام بقصف المدن اللمانية بالطائرات ‪ .‬وهكذا اضطر‬
‫هتلر مرغميا لتكملة تلك الحرب المدمرة ‪ ،‬مُسيتجيبا للوردات الحرب النازيون التيي داميت قرابية الخميس سينوات ‪،‬‬
‫وانتهييت بخروج معظييم الدول التييي شاركييت فيهييا ‪ ،‬مثقلة بالديون والخسييائر المادييية والبشرييية ‪ .‬وكان المسييتفيد‬
‫الوحيييد هييم المرابون اليهود ‪ ،‬الذييين موّلوا هذه الحرب فييي سيينواتها الخمييس ‪ ،‬وموّلوا عمليات العمار بعدهييا ‪،‬‬
‫بقروض لم تستطع البلدان الوربية تسديدها إلى يومنا هذا ‪.‬‬
‫وأما ألمانيا ومن أجل عدائها المعلن لليهود سواء من هتلر أو من قبل النازيون ‪ ،‬فقد لقت مصيرها المحتوم من‬
‫تقسييم أراضيهيا وتحجيمهيا قدراتهيا ونهيب مقدّراتهيا وثرواتهيا ‪ ،‬حييث اسيتطاع اليهود العالميون بميا يملكونيه مين‬
‫أموال ‪ ،‬وميين خلل سيييطرتهم على اقتصيياديات الدول الغربييية برمتهييا ‪ ،‬ومصييادرة قرارهييا السييياسي وتجييره‬
‫لخدمة مخططاتهم الشيطانية ‪ ،‬وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا ‪ ،‬من التخلص من الخطير اللمانيي الذي كان يُهدّد‬
‫ض مضجعهم ويتقاطع مع مخطّطاتهم لتدمير البشرية ‪.‬‬ ‫وجودهم ويق ّ‬
‫ويخلص صياحب كتاب ( أحجار على رقعية الشطرنيج ) المسييحي الكندي ‪ ،‬فيي نهايية حديثيه عين الحرب العالميية‬
‫الثانيية ‪ ،‬يوجهيه لمين انسياق وسياهم مين سياسة الغرب ‪ ،‬فيي نجاح المخطيط الجهنميي للمرابيين اليهود ‪ ،‬طمعيا بميا‬
‫يلقونه لهم من فتات وحطام هذه الدنيا الزائلة ‪ ،‬إلى القول ‪:‬‬
‫" أما الحقيقة الولى ‪ :‬فهي أن النسان لن يصحب معه إلى القبر شيئا من كنوز الدنيا ‪ ،‬أو شيئا من أكاليل‬
‫المجد والثناء …‬

‫‪117‬‬
‫والحقيقة الثان ية ‪ :‬هي أن ال قبر ليس النها ية ‪ ،‬بل إنه الطريق الذي ل مناص منه ول مفرّ بعد القبر ‪ ،‬من‬
‫تقديم الحساب أخيرا ‪ ،‬حيث ليس للمرابين العالميين من حول ول قوة " ‪.‬‬

‫تأخر موسم الحصاد اليهودي للمحصول العالمي ‪:‬‬


‫كان مخطط المؤامرة يقتضي تنفيذ ما جاء في البروتوكولت بحرفتيه ‪ ،‬والغاية من ذلك السيطرة على اقتصاديات‬
‫دول العالم بأسرها ‪ ،‬وحصر رؤوس الموال العالمية كلها في أيدي اليهود ‪ ،‬وعندما يحين الموعد المناسب يعمد‬
‫اليهود إلى شراء الذهيب مين السيواق العالميية وتكديسيه ‪ ،‬ومين ثيم يُشعلون نيران الحرب العالميية الثالثية ‪ ،‬والتيي‬
‫حسيب تصيورهم سيتكون كارثيية بكيل معنيى الكلمية على العالم بأسيره ‪ ،‬وتخلف وراءهيا قطعانيا بشريية جائعية ‪،‬‬
‫ملحدة ل تؤمين إل بميا هيو مادي ‪ ،‬ومنحلة ل تبحيث إل عين كيل ميا يُشبيع غرائزهيا الجسيدية ‪ ،‬آنذاك يُعلن ملوك‬
‫الذهييب عيين أنفسييهم ‪ ،‬ويشترطون لنقاذ تلك القطعان البشرييية ميين الموت جوعييا ‪ ،‬بمييا أنهييم يملكون الذهييب ‪،‬‬
‫تنصيبهم ملوكا على الرض ليُقيموا دولتهم العالمية الدكتاتورية وعاصمتها القدس ‪ ،‬فل تملك تلك القطعان إل أن‬
‫تدين بالعبودية المطلقة لليهود ‪ ،‬بعد أن جاءها نور الذهب ليُبدد ظلمة الديان الموحشة ‪.‬‬
‫إذ كان مين المفروض أن تقوم الحرب العالميية الثالثية حسيب مُخططاتهيم ‪ ،‬بعيد ( ‪ ) 25 – 20‬عاميا مين الحرب‬
‫العالميية الثانيية ‪ ،‬ولكين ميا لم يكين فيي الحسيبان هيو موت لينيين نتاج المؤامرة اليهوديية ‪ ،‬وانقلب ( سيتالين ) على‬
‫مخطّطاتهيا ومخطّطيهيا ‪ ،‬وتخلّصيه مين جمييع القادة اليهود فيي الحزب الشيوعيي ‪ ،‬وإقامتيه لتحاد سيوفييتي قوي‬
‫وامتلكييه للسييلح النووي ‪ ،‬ومقاسييمته لمريكييا حكييم العالم ودخول عصيير الحرب الباردة ‪ ،‬الذي حجّيم اليهود‬
‫وطموحاتهم بوقوفه ندّا قويا في وجه أمريكا وطموحاتها ‪ ،‬فكان ل بد من تدميره وتفكيكه أول ‪ ،‬عن طريق الغزو‬
‫السلمي التسلي المطروح في البروتوكول رقم ( ‪. ) 9‬‬
‫فوجدوا في ( غورباتشوف ) ضالتهم ‪ ،‬ولما أوشك التحاد على النهيار أجهزوا عليه بعميلهم الخر ( يلتسين ) ‪،‬‬
‫فسيطر على مقاليد الحكم بالقوة ‪ ،‬وأنهى ما يُسمى بحلف وارسو ‪ ،‬وأزاح الحكم الشيوعي المناهض لمريكا عن‬
‫روسيييا ‪ ،‬وأخييذ بنصييائح صييندوق النقييد الدولي للصييلح القتصييادي ميين خصييخصة وغيرهييا ‪ ،‬فاسييتطاع‬
‫المليارديرات اليهود كييي ( بيريزوفسييكي ) ميين شراء معظييم المشاريييع السييتثمارية الروسييية ‪ ،‬وشراء القرار‬
‫السياسي والقتصادي الروسي ‪ ،‬وبالضافة إلى ما كانت تواجهه روسيا من أوضاع اقتصادية متردّية ‪ ،‬أدخلوها‬
‫في حرب استنزافية مع الشيشان في أوساط التسعينيات ‪ ،‬وكل ذلك حتى يتسنى لليهود أن يصولوا ويجولوا ‪ ،‬في‬
‫كافية أرجاء العالم ليُحققوا طموحاتهيم ‪ ،‬وخاصية فيي منطقية الشرق الوسيط ‪ ،‬وعندميا خلت لهيم السياحة بانهيار‬
‫التحاد السييوفييتي ‪ ،‬وتجيييير قرارات روسيييا بالموال اليهودييية أشعلوا حرب الخليييج الثانييية ‪ ،‬باسييتخدام نفييس‬
‫السييناريو المسيتخدم فيي الحرب العالميية الثانيية ‪ ،‬وخرجوا بنفيس النتائج ‪ ،‬وشاركيت روسييا فيي الحملة الثلثينيية‬
‫على العراق ‪ ،‬على اسيتحياء مين حليفهيا السيابق ‪ ،‬غيير أن الحصيار العراقيي شميل كيل مناحيي الحياة ‪ ،‬ولم يقتصير‬
‫على التصنيع العسكري كما هو الحال مع ألمانيا واليابان ‪.‬‬
‫وكان مؤتميير مدريييد للسييلم ‪ ،‬الذي كان فييي الصييل ‪ ،‬غايية لمخطّطييي ومفكري اليهود التوراتيون فييي الغرب ‪،‬‬
‫والذي لم يكن يوافق عليه حكام إسرائيل العلمانيون ‪ ،‬وذلك لخلق درع من معاهدات السلم ‪ ،‬لحماية إسرائيل من‬
‫الخطار الخارجية ‪ ،‬من دول ما وراء دول الطوق ‪ ،‬ولتحييد طول الطوق نفسها ‪ ،‬ودفعها لخوض الحروب نيابة‬
‫عيين الدولة اليهودييية ‪ ،‬فييي حال فكرت أي دولة بعيدة كروسيييا والعراق ‪ ،‬العدوييين اللدودييين حسييب النبوءات‬
‫التوراتية ‪ ،‬بالضافة إلى مصر والسودان وليبيا ‪ ،‬والردن وسوريا وإيران وأفغانستان ‪ ،‬وكل هذه الدول مذكورة‬
‫فييي التوراة بأسييمائها القديميية ‪ .‬ولذلك كانييت هناك معاهدة السييلم المصييرية ‪ ،‬لقطييع الطريييق على مصيير نفسييها‬
‫والسييودان وليبيييا ‪ ،‬وكانييت المعاهدة الردنييية لقطييع الطريييق على الدول الشرقييية ‪ ،‬ولم تتحقييق معاهدة السييلم‬
‫السورية ‪ ،‬نتيجة التعنت السوري لسترجاع هضبة الجولن ‪ ،‬التي ل تستطيع إسرائيل التخلي عنها بأي حال من‬
‫الحوال ‪ ،‬فكانيت هناك معاهدة أمنيية بيين إسيرائيل وتركييا بديل عين المعاهدة السيورية مؤقتيا لقطيع الطرييق على‬
‫روسيا ‪ ،‬أما هذه اليام فالموقف من سوريا قد اختلف باختلف الموقف السوري من إسرائيل ومن العراق ‪ ،‬مما‬
‫يستدعي أفكارا جديدة وأسلوبا جديدا للتعامل مع سوريا ‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫ميكانيكيات وأدوات العمل المستخدمة لتنفيذ برامج المخطط الشيطاني‬
‫مجلس المن ‪:‬‬
‫بغيض النظير عميا يُمثّله من أنظمية وقوانيين وقرارات تأخيذ طابع العدالة والنصاف ‪ ،‬فالتطبيق فيي الواقيع يختلف‬
‫كلييا ويأخيذ طابيع الجور والظلم ‪ ،‬كميا هيو الحال ميع فلسيطين والعراق مين جانيب ‪ ،‬وإسيرائيل مين جانيب آخير ‪.‬‬
‫فالقرارات ملزمية للجانيب الول وغيير ملزمية للجانيب الثانيي ‪ .‬وخيذ إسيرائيل وجنوب إفريقييا مين جانيب آخير‬
‫كنظاميين عنصريين ‪ ،‬فالنظام الول زالت عنه صفة العنصرية بقرار من مجلس المن مع بقاء النظام العنصري‬
‫‪ ،‬والثاني زالت عنه هذه الصفة بزوال النظام ‪ ،‬وهذا ل يُسمّى كما يحلو لبعض الغافلين ازدواجية في التعامل أو‬
‫الكييل بمكياليين ‪ ،‬فالحقيقية هيي أن مجلس المين الخاص بالميم المتحدة هيو مجلس أمين يهودي عالميي ‪ ،‬وبالتالي‬
‫لييس هناك ميا يُسيمّى بمعياريين أو مكياليين ‪ ،‬بيل هيو معيار واحيد ومكيال واحيد يقييس كيل الشياء وفيق الرؤى‬
‫اليهودية السرائيلية ‪ ،‬فهو الذي أوجد دولة إسرائيل وهو الذي حافظ على بقائها وإدامتها ‪.‬‬
‫لنطرح هذه التسياؤلت ‪ :‬كيم كان عدد الدول التيي كانيت قلقية بمصيير اليهود ؟ وميا الداعيي لوجود دولة لليهود بميا‬
‫أن اليهوديية ديانية وليسيت قوميية ؟ ومين قال بأن القوميية تعطيي الشرعيية لقامية دولة ؟ فهناك الكراد والرمين‬
‫وألبان كوسوفو وغيرهم الكثير ممن هم متواجدين على أراضيهم ! فلماذا لم يُوجد لهم مجلس المن دول ؟! وبدل‬
‫مين ذلك يتغاضيى عين إبادتهيم وقمعهيم ‪ ،‬خاصية إذا كانوا مسيلمين كالبوسينة وكوسيفو والشيشان ‪ ،‬أو أعداءً لدولة‬
‫حليفية لليهود كأكراد تركييا ‪ ،‬وعندميا يتعلّق المير بالعراق يُصيبح الكراد فيي الشمال مسيألة إنسيانية تُقلق مجلس‬
‫المن ‪ .‬فما مصلحة أمم العالم قاطبة ومجلس أمنها في إنشاء دولة لليهود ! مع وجود النظمة العلمانية في معظم‬
‫دول العالم حتيى فيي معظيم الدول السيلمية والعربيية ! إل أن يكون هذا المجلس هيو مجلس أمين يهودي بحيت ‪،‬‬
‫ولكن كيف تحصّل اليهود على ذلك ؟‬
‫الجواب بسييط جدا ‪ ،‬فهيم قادرون على ضمان الغلبيية لصيدار أي قرار يرغبون بتمريره ‪ ،‬مين خلل العميل مين‬
‫خلف الستار بالترغيب والترهيب القتصادي والسياسي لعضاء مجلس المن ‪ .‬بالضافة إلى إيجاد حق النقض‬
‫( الفيتو ) للدول دائمة العضوية ‪ ،‬منها ثلث دول مؤيدة لسرائيل بالسيطرة القتصادية ‪ ،‬مع أن واحدة تكفي ‪،‬‬
‫ج منهما خيرا وهما روسيا والصين ‪ ،‬اللتان غالبا ما‬ ‫لتعطيل أي قرار ل يخدم المصالح اليهودية ‪ ،‬ودولتان ل يُرت َ‬
‫كانتا تتماشيان مع الرغبة المريكية نتيجة السترضاء السياسي ‪ ،‬كغض الطرف عن ممارسات هاتين الدولتين ‪،‬‬
‫فيمييا يخييص مثل حقوق النسييان فييي الصييين ‪ ،‬أو اضطهاد الشعوب المُجاورة والقليّات العرقييية أو الدينييية فييي‬
‫روسيا ‪ ،‬بالضافة إلى الغراء القتصادي متعدد الوجه ‪ .‬وفي حال فكّرت إحداهما في استعمال أي منهما ‪ ،‬حق‬
‫النقيض على قرار يخدم إسيرائيل تصيبح دولة نازيية ول سيامية ‪ ،‬وتبدأ اللة العلميية اليهوديية العالميية بالطبيل‬
‫والزمير ‪ ،‬فالمور تصيبح محسيومة مسيبقا ‪ ،‬ومؤخرا كُشيف النقاب عين هذه السيياسة علنيا ‪ ،‬عندميا هدّدت أمريكيا‬
‫دولة كولومبيا المستضعفة بفرض مقاطعة اقتصادية ‪ ،‬عندما صوّتت لصالح إرسال قوة حماية دولية للفلسطينيين‬
‫‪.‬‬
‫ولنأخييذ على سييبيل المثال القرارات الخاصيية بالعراق ‪ ،‬فمعظييم هذه القرارات اتُخذت بالجماع بحجيية مخالفيية‬
‫العراق للقانون الدولي آنذاك ‪ ،‬وطريقة تأمين الجماع تمت كما هي العادة بطريقة آلية من خلل النشاط الملحوظ‬
‫للديبلوماسية اليهودية المريكية من وراء الستار ‪ ،‬ومن أمام الستار أحيانا بجولت مكوكية ‪ .‬فمعظم دول مجلس‬
‫الميين إمّا أن تكون حليفيية أو صييديقة أو مديونيية أو منهارة اقتصيياديا ‪ .‬وعندمييا وُضييع أول قرار بدأت الماكينيية‬
‫اليهودييية ‪ ،‬بالدوران بأقصييى سييرعتها وطاقتهييا مدفوعيية بأحقادهييا ومخاوفهييا التوراتييية ‪ ،‬لفرض قرارات جديدة‬
‫ولتأميين تطيبيق القرارات وتنفيذهيا ‪ ،‬والعالم كله ل يعلم لغايية الن حقيقية النواييا اليهوديية المريكيية البريطانيية‬
‫الفرنسية ‪ ،‬من وراء تلك الحرب وهذا الحصار ‪ .‬وفي الحقيقة ما وُضع بقرار ل يُرفع إل بقرار وهذا ينطبق على‬
‫الحصيار ‪ ،‬ولن يُرفيع هذا الحصيار اليهودي التوراتيي ميا داميت أمريكيا تملك حيق النقيض ‪ ،‬إل أن يتيم خرق هذا‬
‫الحصييار بدون قرار رفييع ميين جانييب دولة عظمييى كروسيييا أو الصييين ‪ ،‬ل يسييتطيع القانون الدولي اليهودي‬
‫المريكيي معاقبتهيا ‪ ،‬كونهيا تمتلك سيلحا نووييا قادرا على أن يمحيو أمريكيا وحلفائهيا عين الوجود بميا فيهيا مين‬
‫يهود ‪ ،‬وهذا الحتمال يُعدّ نوع ميين المُغامرة فييي الظروف الراهنيية ‪ ،‬ومييع ذلك بدأ التمرد الروسييي على أواميير‬
‫أسياد العالم يلوح في الفق ‪.‬‬
‫‪119‬‬
‫المنظمات النسانية في المم المتحدة ‪:‬‬
‫ميا الذي تنادي بيه هذه المنظمات ؟ تنادي بحريية المرأة وحقوق النسيان وحقوق الطفيل وتنظييم النسيل وتحديده ‪،‬‬
‫وغيرهيا مين الحريات والحقوق ‪ ،‬وكيل هذه الحريات والحقوق عنيد المناداة بهيا ‪ ،‬غالبيا ميا تأخيذ الطابيع السيياسي ‪،‬‬
‫فانظييير إلى الدول المتهمييية بانتهاك هذه الحريات وهذه الحقوق ‪ ،‬هيييي الدول العربيييية السيييلمية أول ‪ ،‬والدول‬
‫السلمية غير العربية ثانيا ‪ ،‬والدول الشيوعية ثالثا ‪ ،‬وما عدا ذلك إذا كان موجودا فهو لذ ّر الرماد في العيون ‪،‬‬
‫فمييا الذي يريدون ميين وراء ذلك ؟ انظيير إلى الحياة الجتماعييية فييي الغرب ‪ ،‬الذي سييمح ويسييمح بهذه الحريات‬
‫والحقوق ‪ ،‬تجد أن الجابة هي ما يلي ‪:‬‬
‫تحرّر الفكيير فنتييج الكفيير واللحاد وعبادة المادة وتقديسييها ‪ ،‬تحررت النسيياء فتنازلن عيين دورهيين الفطري فييي‬
‫الموميية والتربييية ‪ ،‬فنتجييت كافيية أنواع الباحييية والفجور والدعارة ‪ ،‬وأصييبحت لحوم النسيياء عرضيية للكلب‬
‫الضالّة ‪ ،‬وتحرّرت الطفولة فتطاولت على الباء والمهات والمعلّميييين والمعلّمات ‪ ،‬وتمرّدت عنيييد البلوغ لتترك‬
‫السييرة ‪ ،‬وطفقييت تبحييث عيين إشباع الغرائز والشهوات ‪ .‬لنخلص ميين ذلك إلى أن المطالبيية بحماييية هذه الحقوق‬
‫والحريات ‪ ،‬هي في الصل دعوة للتمرد على الطبيعة البشرية وأبجدياتها ‪ ،‬وعلى القيم الروحية والخلقية التي‬
‫قدّمتها الديان السماوية كمنهج للحياة ‪ .‬وتهدف إلى ضرب السرة التي هي اللبنة الساسية في بناء المجتمعات ‪،‬‬
‫وذلك بحرمان الب مين دوره القيادي مميا يؤدي إلى تفكييك العلقات ميا بيين أفرادهيا ‪ ،‬وضياع الرؤى المشتركية‬
‫للبقاء والستمرار ‪ .‬ولو قمت بإحصائية لعدد الغربيون ذوي الولدات الشرعية ! ربما لوجدت أن معظمهم أولد‬
‫زنييا ‪ ،‬شرّ الخلق عنييد ال !! أمييا نحيين … فماضون على الدرب لنواكييب مُتطلبات العصيير اليهودي … بجهود‬
‫الجهابذة من مفكرين وخبراء واختصاصيين … من دعاة التحرّر والتحرير والصيلح القتصادي والثقافي …‬
‫وسنصل … عمّا قريب … إن لم يدّاركنا ال برحمته ‪.‬‬
‫البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ‪:‬‬
‫مهمة هذه المؤسسة تقديم النصائح ‪ ،‬بما يُسمى ببرامج التصحيح القتصادي ‪ ،‬ومن ثم تقديم القروض والحصول‬
‫على ضمانات للسييداد ‪ ،‬ولكيين هييل تكترث هذه المؤسييسة بمصييير الموال المقدّميية ‪ ،‬وهييل تتابييع تنفيييذ برامجهييا‬
‫التصحيحية ؟ وما هي طبيعة هذه البرامج وماذا تحمل في طياتها ؟ في الحقيقة تذهب معظم الموال المقدّمة إلى‬
‫جيوب المتنفّذيين فيي الحكيم وكنفقات للجهزة الحكوميية ‪ ،‬ول تظهير المتابعية إل عندميا تقيع الدول المديونية فيي‬
‫أزمات اقتصيادية تعجيز بسيببها مين سيداد اسيتحقاقات الديين ‪ ،‬فيأتيي الصيندوق بمجموعية اقتراحات جديدة كرفيع‬
‫الضرائب والسيعار والرسيوم على كيل شييء لتحصييل أقسياط ديونيه ‪ ،‬وربميا يقترح بأن يضعوا فيي بييت كيل‬
‫مواطيين مسييتقبل موظفييا حكوميييا ‪ ،‬ليحصييي عليييه عدد لقمات الطعام التييي يأكلهييا أفراد عائلتييه ‪ ،‬أو مييا تحرقييه‬
‫عضلتهم من سكّر أثناء الحركة بما أنه أحد مصادر الطاقة ‪ ،‬ولتُجبى منه نسبة الضريبة على كل لقمة أو غرام‬
‫مين السُيكّر ‪ ،‬والنتيجية هيي رفيع السيعار والرسيوم والضرائب باسيتمرار ‪ ،‬والضحيية أول وأخيرا هيو المواطين‬
‫المسيحوق ‪ .‬ويُضاف ديين جدييد للخروج مين الزمية القتصيادية ‪ ،‬وتُعاد جدولتيه ميع الديون القديمية مرة أخرى‬
‫ومين ثيم تقيع أزمية جديدة ‪ ،‬نتيجية النسيياب المسيتمر لرأس المال الوطنيي ‪ ،‬فيي المجتمعات السيتهلكية وغيير‬
‫المنتجة إلى الخارج ‪ ،‬فضل عن السرقات والختلسات ‪ ،‬ومن ثم ديون جديدة وهكذا دواليك … ‪ ،‬فيتضخم أصل‬
‫الدين القومي ليصل إلى أرقام فلكية ‪ ،‬ل تستطيع الشعوب حتى تسديد قيمة فوائدها السنوية …‬
‫وبالتالي تصيادر أو بالحرى تُشترى القرارات السيياسية ‪ ،‬كميا اشتُرييت قرارات التحاد السيوفييتي ‪ ،‬فيي حرب‬
‫الخلييج وميا بعدهيا بعيد أن اختلس ( غورباتشوف ) وحاشيتيه ‪ ،‬ميا مجموعيه أربعية مليارات دولر ثمنيا لتدميير‬
‫التحاد السيوفييتي ‪ ،‬لكيي يتمكين اليهود مين التفرّد بحكيم العالم مين خلل نظامهيم العالميي الجدييد ‪ .‬وبعيد أن أزاح‬
‫الرئييس الروسيي ( يلتسيين ) غريميه مين الكرمليين بقوة المدرعات أكميل صيفقة البييع ‪ ،‬فاختلس على مدى سينين‬
‫حكمه ما مجموعه سبعة مليارات دولر من مساعدات صندوق النقد لدولي ‪ .‬ولما اكُتشف المر من قبل الروس‬
‫وصار ( يلتسين ) قاب قوسين أو أدنى من الملحقة القضائية ‪ ،‬اشتعلت بقدرة قادر أحداث داغستان والتفجيرات‬
‫الوهميية فيي موسيكو والتيي لم تُسيجّل أي ضحيية ‪ ،‬وشُنّت حرب غيير ميبررة للقضاء على الرهاب فيي الشيشان‬
‫وانشغل الشعب الروسي فيها ‪ ،‬ونسي اختلسات ( يلتسين ) الذي قدّم استقالته واشترط علنا على خليفته ( بوتين )‬

‫‪120‬‬
‫‪ ،‬عدم ملحقتيه قضائييا عنيد تسيلمه للسيلطة ‪ ،‬فمين الذي مكّن ( يلتسيين ) مين ذلك ؟ وكييف صيعد ( بوتيين ) مين‬
‫المجهول ليصبح رئيسا لروسيا ؟!‬
‫يُصييرّح الملياردييير اليهودي ( سييوروس ) بأن المسييؤول عيين تدبييير ذلك ‪ ،‬هييو الملياردييير اليهودي الخيير‬
‫( بيريزوفسيكي ) الذي قدّم التموييل لثوار داغسيتان السيلميين ‪ ،‬وبعيد اشتعال النيران وغزو الشيشان انقطيع‬
‫التموييل ‪ ،‬وبالتالي ذهبيت الشعيب الشيشانيي المسيلم ضحيية لمؤامرة ( يلتسيين ‪ ،‬بيريزوفسيكي ‪ ،‬بوتيين ) ‪ .‬وكميا‬
‫حصيل ميع الشرييف حسيين فيي الثورة العربيية فيي الحرب العالميية بعيد أن غُدر بيه ‪ ،‬فكانيت نتيجتهيا السيتعمار‬
‫والنتداب وضياع فلسطين وتشرذم المة العربية ‪ ،‬وكما حصل مع هتلر في الحرب العالمية الثانية ‪ ،‬ومع صدام‬
‫حسييين فييي حربييي العراق المُدمّرتييين ‪ .‬هييل المشكلة فييي أن العرب ل يقرءون التاريييخ أو القرآن أو التوراة أو‬
‫النجيييل ؟! أم أن العرب ل يقرءون شيئا ‪ ،‬وإن قرءوا ل يفهمون ‪ ،‬وإن فهموا ل يعملون ‪ .‬فييي الحقيقيية هذا ليييس‬
‫مين قولي ‪ ،‬وإنميا سيمعته يوميا مين أحدهيم ‪ ،‬منسيوبا إلى أحيد زعماء اليهود ربميا يكون ( بيغين ) ‪ ،‬والغرييب أن‬
‫سيناريو المؤامرة هو نفسه بكل حيثياته يتكرّر في كل مرة !!!‬
‫والسيؤال هنيا ‪ ،‬من هيم أصيحاب صيندوق النقيد الدولي والبنيك الدولي الحقيقيون ؟! وإن كانيت تملكهميا الدول ‪ ،‬فميا‬
‫معنى أن تكون بلدان كأمريكا وبريطانيا وفرنسا واليابان مثل ‪ ،‬من أكثر دول العالم أرقاما للدين القومي ؟! فالدين‬
‫القوميي المريكيي المعلن لعام ‪2000‬م كميا نُشير فيي إحدى الصيحف ‪ ،‬يصيل إلى ‪ 300‬ألف مليار دولر ‪ ،‬والديين‬
‫القومي الياباني يصل إلى ‪ 280‬ألف مليار دولر ‪ ،‬وهما أكبر اقتصادين في العالم ‪ .‬ولم يكفهم كل ذلك وكما أخوة‬
‫يوسف ‪ ،‬لم ينتظروا الفرصة ولم يتقاعسوا ‪ ،‬بل سارعوا لخلق الفرصة بالمكر والحيلة للظفر بأخيهم ‪ ،‬لم تستكن‬
‫أبالسة الشر ولم يهدأ لهم بال ‪ ،‬فهم دائمو الحركة والبحث في مطابخ السياسة والقتصاد هناك في الغرب ‪ ،‬وكل‬
‫جييل يُكميل ميا بدأه الخير ويضييف علييه تعديلتيه ‪ ،‬ويسيتعجل تنفييذ خطوات المخطيط الشيطانيي ‪ ،‬ويحلم كيل جييل‬
‫بأن يكون مجيء مليكهم المنتظر في زمانه ‪ ،‬وتأخّر التنفيذ يعني تأخر المجيء ‪ ،‬وآخر ما تفتّقت عنه أذهانهم في‬
‫حلقات هذا المسيلسل الطوييل ‪ ،‬هيو فكرة العولمية التيي ل تعدو أكثير مين كونهيا وحييا شيطانييا ‪ ،‬لنشير المذهيب‬
‫الشيطاني وفرضه على شعوب العالم ‪.‬‬

‫العولمة ‪:‬‬
‫العولمة ‪ :‬كلفظ مُجرّد مصطلح مُبهم ‪ ،‬ويصبح مفهوما وتضح ماهيته عندما تُضاف إليه كلمة أخرى ‪ ،‬كأن نقول‬
‫عولمة الثقافة وعولمة القتصاد ‪ .‬وبما أننا نعلم أن من يُنادي بالعولمة ويدعوا إليها هي أمريكا ‪ ،‬فذلك يعني أول ‪:‬‬
‫تعميييم الثقافيية المريكييية ‪ ،‬وثانيييا ‪ :‬تعميييم النظام القتصييادي المريكييي الرأسييمالي ‪ .‬وبشكييل شمولي هييو فرض‬
‫الحضارة المريكية الغربية بكافة جوانبها ‪ ،‬كأسلوب جديد للحياة على كافة شعوب العالم ‪ ،‬ولو قمنا بتقييم بسيط‬
‫للحضارة المريكييية ‪ ،‬لوجدنييا أن ميين رسييم وشكّل معالم وأبعاد هذه الحضارة ‪ ،‬منييذ بدايات القرن الماضييي هييم‬
‫السياد الجدد لمريكا ‪ ،‬أعني أرباب المال اليهود من خلل سيطرتهم المطلقة على كافة أدوات النتاج المريكي‬
‫القتصادي والثقافي ‪.‬‬
‫أما ملمح الحضارة المريكية ‪ ،‬فهي في الواقع ترجمة حيّة لما يحمله اليهود من عقائد كفرية إلحادية ‪ ،‬ل تؤمن‬
‫إل بكييل مييا هييو محسييوس ‪ ،‬تدعوا إلى تأليييه رأس المال والقتصيياد وعبادة أصييحابه ‪ .‬وتدعوا إلى أخلقيات‬
‫اجتماعيية تلموديية ‪ ،‬سيِمتها النحلل والباحيية والدعوة لممارسية كيل رذيلة والتحلل مين كيل فضيلة ‪ .‬لنخلص إلى‬
‫القول إلى أن الغايية مين العولمية ‪ ،‬هيو نشير العقيدة اليهوديية الماديية الدنيويية ‪ ،‬الخاصية بأصيحاب البروتوكولت‬
‫اليهود تمهيدا لضربتهم النهائية ‪.‬‬
‫فيي أواخير القرن الماضيي ‪ ،‬تمكين اليهود مين نشير هذه العقيدة فيي أمريكيا والدول الغربيية ‪ ،‬وبعيد أن اسيتحكمت‬
‫قبضتهيم على مواقيع صينع القرار فيهيا ‪ ،‬مين خلل امتلكهيم لرؤوس الموال المحرّكية لقتصياديات هذه الدول ‪.‬‬
‫ومييع انتهاء الحرب الباردة وتفرّد أمريكييا بحكييم العالم ‪ ،‬امتلك هؤلء القوة العظمييى والوحيدة فييي العالم ‪ ،‬التييي‬
‫أصبحت كالمعلّم الشرس بعصاه الطويلة ‪ ،‬الذي يسعى كل التلميذ لنيل رضاه ‪ ،‬بالنصياع لوامره وترك نواهيه‬
‫‪ ،‬وينفذون ميا يفرضيه عليهيم رغبية ورهبية ‪ ،‬حتيى لو أوردهيم موارد الهلك ‪ .‬فأصيبح لدى هؤلء القدرة أكثير مين‬
‫أي وقت مضى ‪ -‬حسب تصورهم ‪ -‬على تنفيذ ما تبقى من خطوات مخططهم الشيطاني ‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫فيي الجانيب الخير مين العالم تقيف بشموخ المجتمعات الشرقيية ‪ ،‬مين المؤمنيين بال وحتيى الملحديين والوثنيون ‪،‬‬
‫ذوي المعتقدات والقييم الراسيخة ‪ ،‬والتيي غرسيها وحافيظ عليهيا النيبياء والمفكّريين ورجال الديين قديميا وحديثيا ‪،‬‬
‫لتشكّل حواجز منيعة أمام طموحات اليهودية العالمية ‪ ،‬فكانت آخر القلع التي يتطلّعون إلى تحطيمها ‪ ،‬وما تبقى‬
‫من أسوارها في طريقه للنهيار ‪.‬‬
‫ولما أصبحت الرياح مواتية لهم ‪ ،‬جلس أسياد العالم وائتمروا فتفتّقت أذهانهم ‪ ،‬عن هذه الفكار الجهنمية الخاصة‬
‫بمنظمة التجارة العالمية وقوانينها ‪ ،‬ومتطلبات النتساب إليها لختراق جميع الحواجز القتصادية ‪ ،‬التي أقامتها‬
‫الحكومات لحماييية ثرواتهييا الوطنييية ‪ ،‬ميين النسييياب التلقائي إلى جيوب أرباب المال اليهود ‪ ،‬والتييي سيييكون‬
‫بمقدورهم من خللها إصابة عدة عصافير بحجر واحد ‪.‬‬
‫وسييائلها الثقافييية ‪ :‬بالترتيييب هييي المطبوعات والراديييو والسييينما والتلفاز والفيديييو والطباق اللقطيية وأخيرا‬
‫النترنيت ‪ .‬وكان ابتكار النترنيت بمُشاركية الطباق اللقطية ‪ ،‬التيي أُجيبرت الدول العربيية على السيماح بدخولهيا‬
‫واقتناها قبل ‪ 4‬إلى ‪ 5‬سنوات ‪ ،‬أكبر ضربة لما أقامه هؤلء من حواجز لحماية شعوبهم من الغزو الثقافي الغربي‬
‫‪ .‬وجاءت العولمة القتصادية لترفع الرسوم الجمركية عنها ‪ ،‬لتصبح في متناول من ل يملك ثمن رغيف الخبز ‪،‬‬
‫ولتكون بمثابة حصان طروادة ولكن بحلّة جديدة ‪ ،‬لتصل إلى البدوي في خيمته ‪ ،‬والمشرّد في كهفه ‪ ،‬والموظف‬
‫في مكان عمله ‪ ،‬والطالب في جامعته ومدرسته ‪ ،‬وحتى الطفل في مهده ‪.‬‬
‫التحذير من خطر العقائد والخلقيات اليهودية ‪ ،‬والتي يسعون الن لنشرها تحت مُسميات عولمة الثقافة وعولمة‬
‫القتصاد ‪ ،‬جاء في بعض أقوال رؤساء الغرب ‪:‬‬
‫( لنكولن ) ‪ … " :‬فقد أصبحت السيادة للهيئات والشركات الكبرى … إذ أن أصحاب رؤوس الموال سيعملون‬
‫على إبقاء سيطرتهم على الدولة … وستصبح ثروة البلد بأكملها ‪ ،‬تحت سيطرة فئة قليلة … المر الذي سيؤدي‬
‫إلى تحطم الجمهورية " ‪.‬‬
‫( فرانكليين ) ‪ " :‬وميع أنهيم يعيشون بيننيا منيذ أجيال … فإن ُمثُلهيم العلييا ميا زالت تختلف كلييا عميا يتحلى بيه‬
‫الشعب المريكي من ُمثُل … فالفهد الرقط ل يمكنه تغيير لون جلده ( عبارة مقتبسة من التوراة ) " ‪.‬‬
‫( هتلر ) ‪ " :‬ومن جهة أخرى يحارب ‪ ،‬الروح المادية اليهودية ‪ ،‬المتغلغلة في نفوسنا وفي نفوس الخرين " ‪.‬‬
‫بعد هذا العرض نستطيع تعريف لفظ العولمة على أنها ‪:‬‬
‫مصيطلح مضلل اسيتعمل كغطاء للتعيبير عين برناميج يهودي أمريكيي لتهوييد العالم بأسيره ‪ .‬أدواتيه الثقافيية هيي‬
‫وسيائل التصيال والعلم المختلفية ‪ ،‬وأدواتيه القتصيادية صيندوق النقيد والبنيك الدولي والخصيخصة ومنظمية‬
‫التجارة العالميية ‪ .‬وغايتيه أول ‪ :‬خلق ديانية ماديية جديدة تحيت عنوان الثقافية والتحضّر ‪ ،‬وثانييا ‪ :‬نهيب ثروات‬
‫الشعوب تحييت عنوان تحرييير التجارة ‪ ،‬وذلك لتهيئة الجواء لظهور اليهود كأسييياد للعالم بأسييره ‪ ،‬عندمييا يحييين‬
‫الوقت المناسب لذلك ‪.‬‬

‫أخطار العولمة على أرض الواقع ‪:‬‬


‫الخطر الجتماعي ؛ يتمثّل في ضرب منظومة العقائد والقيم والخلق ‪ ،‬لدى الشعوب المختلفة في العالم ‪ ،‬والتي‬
‫بدورهيا تشكيل الضميير النسياني للفرد ‪ ،‬الذي يُحاول السيمو بالنسيان إلى مرتبية الملئكية ‪ .‬وأميا الهدف النهائي‬
‫المرتجيى مين بعدهيا الجتماعيي فهيو تشكييل أجيال جديدة ‪ ،‬تبحيث بشتيى الوسيائل والسيبل عميا يُشبيع غرائزهيا‬
‫ورغباتهيا ونزواتهيا ‪ ،‬لتهبيط بالنسيان إلى ميا دون مرتبية الحيوان ‪ ،‬وبذلك يسيهل على مخططيي المؤامرة اليهود‬
‫سيياسة هذه الجيال وتذليلهيا ‪ .‬وبالتالي لن تكون هناك معارضية لمثيل هؤلء فيميا لو حُكموا مين قبيل سيادة العالم‬
‫الجدد ملوك اللحاد والباحية ‪ ،‬وهذا ما تصبوا إليه الجيال التي هي في طور التشكّل الن ‪.‬‬
‫وقد بدأنا في السنوات الخيرة ‪ ،‬نرى نماذج من المسوخ البشرية في العديد من بيوت المسلمين ‪ ،‬فتيان وفتيات ل‬
‫يرغبون فيي التعلم أو العميل ‪ ،‬والفشيل هيو السيمة البارزة فيي أعمالهيم وتوجهاتهيم ونتائجهيم ‪ ،‬يجوبون الشوارع‬
‫ويرتادون الماكن العامة ويذهبون إلى الجامعات بحثا عن الحب والمجون والخلعة ‪ ،‬بعد أن أصبحت جامعاتنا‬
‫وشوارعنا معارض لدور الزياء العالمية ‪ ،‬ول أحد يريد العفاف والطهر ‪ ،‬لذلك تجدهم يعزفون عن الزواج ‪.‬‬
‫‪122‬‬
‫والثر الكبر في تشكيل هذه النماذج ‪ ،‬يكمن في القنوات الفضائية العربية – فضل عن قنوات الباحة الجنبية –‬
‫وخاصيية التييي تضييم فييي طاقمهييا مقدّمييي ومقدّمات البرامييج اللبنانيون ‪ ،‬بعرض الكاسيييات العاريات المائلت‬
‫المميلت ‪ ،‬اللواتي يتحدثن بلسان عربي مبين ‪ ،‬مما أعطى المبرر لفتياتنا وكسر الحاجز النفسي لديهن ‪ ،‬ليتّخذن‬
‫منهين قدوة تُحتذى بمباركية مين الباء الذيين ينظرون إلى تلك الغوانيي وأولئك المخنّثيين ‪ ،‬بعيين الرضيا والقبول‬
‫والعجاب والستحسان والستمتاع ‪.‬‬
‫ما تراه اليوم أن رجال أمة السلم يتحدّون ال وحدوده وحُرماته عن سبق إصرار وترصّد ‪ ،‬وهم يدفعون فتياتهم‬
‫بشكيل مباشير لممارسية مهنية عرض الزياء ‪ ،‬فيي الشوارع والماكين العامية والجامعات وأماكين العميل ‪ .‬هدفهين‬
‫دائما وأبدا الغواء والفتنة بحركات وأصوات ‪ ،‬ل تقوم بها إل إناث القطط في شهر شباط ولمرة واحدة في السنة‬
‫‪ ،‬أمّا رجال بلد العرب أوطاني شيوخا وشبابا ‪ ،‬أصبحوا كذكورها ولكن على مدار السنة ‪ .‬لينتهي بهن المطاف‬
‫فييي أحضان الرذيلة فل أحييد معصييوم ‪ ،‬والذباب البشري الجائع يمل الجواء بحثييا عيين قطعيية الحلوى أو كيييس‬
‫للقمامة فل فرق عنده ‪.‬‬
‫أما أطفال أمة السلم ‪ ،‬فهم بين أيدي أمهات صفتهن قد تقدّمت أعله ل يفقهن من الزواج شيئا ‪ ،‬ول يملكن من‬
‫عاطفية المومية واحيد بالمليون مميا تمتلكيه وحوش القفير ‪ .‬وتربيية الطفال لديهين تقوم على مبادئ تربيية الدواجين‬
‫وتسمين الخراف ‪ .‬أطفال مهملون في زوايا الغرف يحملقون في برامج المسوخ المتحركة ‪ ،‬وأغاني ومسلسلت‬
‫ع ِمدَ إلى تغيير المناهج المدرسية ‪ ،‬لسلخ الطفل عن هويته‬ ‫وأفلم الدعارة العربية والجنبية ‪ .‬أما في المدرسة فقد ُ‬
‫السيلمية العربيية ‪ ،‬فحُذفيت أمجاد البطال والبطولت السيلمية ‪ ،‬وبدل منهيا تيم تصيميم بطولت وهميية لبطال‬
‫ميين ورق ‪ .‬وربمييا يضيفون غدا مناهييج التربييية الجنسييية لتثقيييف الجيال الناشئة فالغرائز تحتاج إلى تعلم ‪ .‬وتييم‬
‫تغييير أسياليب التربيية والتدرييس بإلغاء عقوبية الضرب وإلغاء عقوبية الرسيوب ‪ ،‬وإدخال لغية العولمية كمبحيث‬
‫أساسي في المناهج الدراسية ‪.‬‬
‫وخلصية القول بأنهيم سييُهوّدون العالم ‪ ،‬تحيت غطاء أمريكيي مدموغ بيِي ( ‪ ) made in USA‬لدرجية أنهيم ربميا‬
‫يُجبروك على الذهاب لصلة الجمعة‬
‫في يوم السبت أو الحد بعد إحدى ندوات حوار الديان ‪.‬‬
‫أميا الخطير القتصيادي ؛ فيتمثّل فيي ضرب قوانيين الحمايية التيي وُضعيت للمحافظية على الثروة الوطنيية ‪ .‬وذلك‬
‫لتسهيل عملية سلب ثروات الشعوب ‪ ،‬وتكديسها في المصارف العالمية وإفقارها وتجويعها ‪ .‬إذ لم يكفهم ما يقوم‬
‫به البنك الدولي وصندوق النقد والخصخصة من نهب لثروات الشعوب ‪ ،‬من خلل تغلغل الستثمارات اليهودية‬
‫فيي شتى أقطار العالم ‪ ،‬بعد كل هزة أو أزمة اقتصادية مفتعلة بشكل مباشر أو غير مباشر ‪ .‬فموجة الخصخصة‬
‫التييي هييي أحييد برامييج صييندوق النقييد الدولي ‪ ،‬أتاحييت لرؤوس الموال اليهودييية الدخول للدول العربييية ‪ ،‬تحييت‬
‫مُسيميات شركات أجنبيية عالميية كيبرى ‪ ،‬أو عين طرييق شركات محليية بأسيماء عربيية صيورية مقابيل حفنية مين‬
‫الدولرات ‪.‬‬
‫بييل ابتكروا مييا هييو أخطيير بكثييير ‪ ،‬الشييق الخيير الذي كان ( كلينتون ) يُروّج للنضمام له ‪ ،‬أل وهييو ( منظميية‬
‫التجارة العالميية ) والتيي تدعيو لتحريير التجارة وتحريير رأس المال ‪ .‬والملحيظ أن كيل مبادئهيم الهدامّة عادة ميا‬
‫تحميييل صيييفة التحريييير أو التحرر ‪ ،‬وانظييير إلى هذا القول العرج العوج ‪ ،‬فالشعوب عندميييا تحميييي سيييلعتها‬
‫وصينعتها تصيبح مُسيتعمِرة لتجارتهيا لذلك فهيي بحاجية إلى التحريير ‪ .‬أميا المراد مين وراء ذلك فيي الحقيقية ‪ ،‬فهيو‬
‫السييطو على مكتسييبات الدول الغنييية والفقيرة بطرق شرعييية ملتوييية ‪ ،‬مغطّاة بأوراق التغليييف البراقّة الملوّنيية ‪،‬‬
‫لتسيحر أعيين الشعوب المسيحوقة بميا يُشبيه عمليية التنوييم المغناطيسيي ‪ .‬ولنوضيح ميا نقصيده بذلك ‪ ،‬بأنيك تسيتطيع‬
‫فيي البدايية على سيبيل المثال ‪ ،‬الحصيول على سييارة جيدة بثمين زهييد نتيجية تخفييض الجمارك والرسيوم ‪ ،‬ولكين‬
‫هذا التخفيض سييترتب عليه عجيز كيبير فيي الموازنة العامية للدولة ‪ ،‬فمن أين سيتغطي الدولة هذا العجيز برأييك ‪،‬‬
‫إن لم تعتمييد على فرض رسييوم وضرائب بديلة تحييت مسييميات أخرى ‪ ،‬لتصييل فييي النهاييية إلى عدم القدرة على‬
‫شراء الوقود لتلك السيارة ‪ ،‬لعدم قدرة الراتب على تأمين متطلبات الحياة الساسية ‪.‬‬
‫وبعد أن تمكّنوا من خلق قطعان من المستهلكين ‪ ،‬تنظر بعين القداسة لكل ما هو غربي ومستورد ‪ ،‬من منتجات‬
‫ثقافيية وتكنولوجيية اسيتهلكية الطابيع ‪ ،‬جاءوا باتفاقيات هذه المنظمية لرفيع القيود مين قوانيين جمركيية وضريبيية‬
‫‪123‬‬
‫على السلع المستوردة ‪ ،‬وذلك بغية فتح السواق الوطنية للسلع الجنبية ‪ ،‬وبالتالي تتهافت المجتمعات الستهلكية‬
‫على تلك السلع ‪ ،‬فتتسرّب العملة الوطنية إلى الخارج بل توقف ‪ ،‬ويترتّب على ذلك عجز كبير في ميزانيات دول‬
‫العالم الثالث ‪ ،‬التيي ل تملك صيناعات منافسية تعوّض وتعييد جزء مين العملة المفقودة ‪ .‬لذلك سيتضطر الحكومات‬
‫إلى اتخاذ إجراءات علجيية عديدة لسيدّ عجيز الموازنية ‪ ،‬التيي غالبيا ميا يتكفيل بهيا صيندوق النقيد الدولي بزيادة‬
‫الضرائب بكافية الشكال والمُسيمّيات ‪ ،‬بميبررات ومين غيير ميبررات أحيانيا ‪ ،‬بالضافية إلى تراكيم ديون جديدة‬
‫وزيادة الضرائب تعني رفع السعار تلقائيا ‪ ،‬وهكذا دواليك … ‪ ،‬وسيظهر التأثير المدمّر على شعوب الدول التي‬
‫انضمّت لهذه المنظمية ‪ ،‬خلل فترة ربميا ل تزييد عين سينة أو سينتان ‪ .‬وذلك عندميا تبدأ المؤسيسات والشركات‬
‫الوطنية بالفلس والنهيار تباعا ‪ ،‬ومن ثم انتشار البطالة والفقر والجوع بين مواطنيها انتشار النار في الهشيم ‪.‬‬
‫هناك فرق شاسيع بيين فلسيفة القتصياد وفلسفة الدمار والخراب ‪ .‬تقضي فلسيفة القتصياد بأن تنفق أقل مما تُنتج ‪،‬‬
‫وتدّخير الفائض لتقلبات الزمين ‪ ،‬وأميا فلسيفة الدمار والخراب تقضيي بأن تنفيق أضعاف أضعاف ميا تنتيج ‪ ،‬لتنتهيي‬
‫فيي أحضان صيندوق النقيد الدولي ‪ ،‬ول أظين مين قال ‪ :‬على ق ّد لحافيك م ّد رجلييك كان حاصيل على دكتوراه فيي‬
‫القتصاد ليصل إلى هذه النتيجة ‪ .‬وأتساءل كيف عاشت البشرية ما يُقارب الستة آلف سنة ‪ ،‬بدون صندوق النقد‬
‫الدولي وبرامجه الصلحية ‪.‬‬
‫أما الن … فأمعن النظر والفكر والوجدان ‪ ،‬في كل ما يدور من حولك ‪ ،‬في بيتك ‪ ،‬في الشارع ‪ ،‬في المدرسة ‪،‬‬
‫في الجامعة ‪ ،‬في وطنك ‪ ،‬بل في العالم أجمع … وأجب هن هذا التساؤل … على أيّ هدي يسير هذا الواقع الذي‬
‫نحن عليه الن … ؟! على هدي القرآن … أم على هدي أسياد هذا الزمان !‬

‫نبذة بسيطة عن يهود العالم‬

‫ينقسم الشعب اليهودي من حيث المنشأ إلى ثلثة أقسام ‪:‬‬


‫يي اليهود الغربيون ‪ :‬وأغلبهيم أثرياء ‪ ،‬اسيتطاعوا التغلغيل فيي أوروبيا الغربيية فيي نهايية القرون الوسيطى ‪ ،‬وبدايات‬
‫عصير النهضية ( ‪ )17-16‬فازدادوا ثراء فوق ثراء بميا لديهيم مين وسيائل وإمكانيات وأخلقيات ‪ ،‬لجميع المال‬
‫بطرق مشروعية وغالبيا غيير مشروعية ‪ ،‬لم يكين الوروبيون والمريكيون يُمارسيونها أو يتنبّهوا إليهيا ‪ ،‬رغيم كيل‬
‫تحذيرات الرؤساء والساسة والخبراء المخلصين لممهم ‪ ،‬حتى " وقع الفأس فيي الرأس " ‪ ،‬فتربعوا على عرش‬
‫القتصاد العالمي حاليا ‪.‬‬
‫يي اليهود الشرقيون الشكناز ‪ :‬وأغلبهيم فقراء ‪ ،‬وقيد بقيي حالهيم كذلك فيي بلدان أوروبيا الشرقيية وروسييا الفقيرة ‪،‬‬
‫وكانوا مضطهدين ومنبوذين في أغلب الحيان ‪ ،‬ويعيشون فيما يُسمّى بالغيتوهات أو الكيبوتس ‪.‬‬
‫ي ي اليهود الشرقيون العرب ‪ :‬وهييم الذييين عاشوا فييي البلدان العربييية كأفراد وجماعات ‪ ،‬يتمتعون بحييق المواطنيية‬
‫مثلهييم مثييل غيرهييم ‪ ،‬وكثييير منهييم أُجييبر على الهجرة إسييرائيل مين خلل دبّره الموسيياد السييرائيلي ميين أزمات‬
‫لرغامهم على المغادرة ‪ ،‬وبقي جزء منهم في البلدان العربية لغاية الن ‪.‬‬

‫أما من حيث التوجه فينقسموا إلى ثلث أقسام ‪:‬‬


‫ي ي المتحرّرون ‪ :‬وأغلبهييم ميين يهود الغرب ‪ ،‬ومهمتهييم تنفيييذ مييا جاء فييي بروتوكولت الحكماء ‪ ،‬وحكييم العالم‬
‫اقتصياديا وسيياسيا ‪ ،‬يكونون فييه شيوخ المية ‪ ،‬ويضعون الدسيتور ‪ ،‬ويرسيمون السيياسية ‪ ،‬ويُنصيّبون مَلِكيا مين‬
‫أنفسييهم ‪ ،‬دكتاتورا مُطلقييا على العالم ‪ ،‬يؤميير فيُطاع ‪ ،‬ويكون بمثابيية الله على الرض ‪ ،‬ول إله فييي السييماء ‪،‬‬
‫فيُصبح اليهود أسيادا وبقية خلق ال ‪ ،‬بل استثناء عبيدا لهم ‪.‬‬
‫ي العلمانيون ‪ :‬وأغلبهم من يهود الشرق الوروبي ‪ ،‬ومهمتهم هي تنفيذ أهداف الحركة الصهيونية السياسية ‪ ،‬التي‬
‫تلفّعيت بالديين اليهودي ‪ ،‬مين أجيل تحقييق أهدافهيا السيياسية ‪ ،‬بإيجاد " غيتيو " قوميي لليهود فيي فلسيطين ‪ ،‬لرفيع‬
‫الضطهاد والذل الذي لزمهيم طيلة ‪ ،‬وليجاد موطييئ قدم لهييم ‪ ،‬فنوائب الدهيير الغربيية غيير مضمونيه ‪ ،‬فربميا‬
‫ينقلبون عليهم يوما ما ويطردونهم ‪ ،‬وهم الذين يشكّلون الحزاب العلمانية في الدولة اليهودية ‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫ي ي المتدينون ‪ :‬وأغلبهييم ميين يهود الشرق بمييا فيهييم يهود البلد العربييية ‪ ،‬وظهرت منهييم حركات دينييية متطرفيية‬
‫كثيرة ‪ ،‬ومهمتهيم هيي تنفييذ الوصيايا التوراتيية ‪ ،‬التيي خطّهيا أحبارهيم القدماء على شكيل نبوءات ‪ ،‬وتتلخيص فيي‬
‫استلب الراضي ‪ ،‬وتهجير السكان الوثنيين ‪ ،‬والستيطان ‪ ،‬وهدم المسجد القصى وبناء الهيكل ‪ ،‬تمهيدا للملك‬
‫اليهودي الداودي القادم ‪ ،‬الذي سييأتي مين ربوات القدس ‪ ،‬ليحكيم العالم إلى البيد ‪ ،‬فينتشير الحيق والعدل والسيلم‬
‫اليهودي في الرض ‪ ،‬وهم الذين يشكّلون الحزاب الدينية المتطرّفة ‪.‬‬
‫وكل هذه الصيناف اليهودية فيي المحصلة ‪ ،‬وجوه عديدة لعملة واحدة هي التوراة والتلمود ‪ ،‬أخطر وثيقتين على‬
‫مستقبل البشرية والعالم ‪ ،‬لذلك احتل التحذير من اليهود واليهودية ‪ ،‬مساحة شاسعة من قرآننا العظيم ‪ .‬بينما احتل‬
‫الفكير اليهودي المادي مسياحة شاسيعة مين عقول أمية السيلم ‪ ،‬فنسييت إلههيا ‪ ،‬وطفقيت تركيض وراء العجول‬
‫الذهبية المادية للسامريّون الجدد ‪.‬‬
‫آخيير مييا نود قوله ‪ ،‬أن اليهود قطعوا شوطييا كييبيرا ‪ ،‬فيي تنفييذ مخططهييم الشيطانييي للسيييطرة على العالم ‪ ،‬حتيى‬
‫صاروا ( نظريا ) قاب قوسين أو أدنى ‪ ،‬من الوصول إلى هدفهم النهائي في ظرف سنين قليلة ‪ ،‬ونجاحهم اعتمد‬
‫فييي الدرجيية الولى ‪ ،‬ليييس على ذكائهييم ومكرهييم ودهائهييم فحسييب ‪ ،‬بييل فييي العزف على وتيير يطرب له جميييع‬
‫الناس ‪ ،‬بل اسيتثناء إل مين رحيم وهدى ربيي ‪ ،‬أل وهيو سيهولة وقوع النفيس البشريية أسييرة لهوائهيا وأطماعهيا ‪،‬‬
‫ن بهيا ‪ ،‬عندما تنعدم لديهيا القيم الروحية‬
‫ومن ثيم إرغامهيا على الخلود إلى الرض ‪ ،‬لترضيى بالحياة الدنيا وتطمئ ّ‬
‫اليمانية ‪ ،‬المُتحصّلة من فهم حقيقة العلقة ما بين السماء والرض ‪ ،‬والتي توضحها سورة السراء بكل فصولها‬
‫‪ ،‬فاقرأها إن رغبت في الفهم ‪ ،‬فهي تحكي واقعنا المعاصر بكل فصوله ‪ ،‬ومن أجل أن تفهم فصولها ‪ ،‬كان هذا‬
‫الفصل في هذا الكتاب ‪.‬‬
‫جمِيعًا ‪َ ،‬يعْلَ مُ مَا َتكْسِب ُ‬
‫ب‬ ‫ن مِ نْ قَبْ ِلهِمْب ‪ ،‬فَلِلّهِب ا ْل َمكْ ُر َ‬‫وقيد يسيأل سيائل ‪ :‬ثيم ماذا ؟ نُجيب بقوله تعالى ‪ ( :‬وَقَ ْد َمكَرَ الّذِي َ‬
‫ن مِنْ قَبْ ِلهِمْ ‪ ،‬فَأَتَى الُّ بُنْيَا َنهُ ْم مِنَ‬ ‫عقْبَى الدّارِ (‪ 42‬الرعد ) وقوله ‪ ( :‬قَ ْد َمكَرَ الّذِي َ‬ ‫ُكلّ َنفْسٍ ‪ ،‬وَسَ َيعْ َلمُ ا ْل ُكفّارُ ِلمَنْ ُ‬
‫شعُرُونَ (‪ 26‬النحل ) ‪.‬‬ ‫ث لَ َي ْ‬ ‫ن حَيْ ُ‬‫ب مِ ْ‬‫ف مِنْ َفوْ ِق ِهمْ ‪َ ،‬وأَتَا ُهمُ ا ْلعَذَا ُ‬
‫ا ْلقَوَاعِدِ ‪َ ،‬فخَرّ عَلَ ْي ِه ُم السّقْ ُ‬
‫والعلو اليهودي قائم على قاعدتيين ‪ ،‬هميا إسيرائيل كموطين بميا فيهيا القدس ‪ ،‬كعاصيمة مسيتقبلية للدولة اليهوديية‬
‫العالمية البدية ‪ ،‬وأمريكا كقوة اقتصادية عسكرية ‪ ،‬لتمكين هذا الحلم اليهودي ‪ .‬فل غرابة ول عجب إن أتى ال‬
‫هذا البنيان مين القواعيد ‪ ،‬فخرّ على رؤوسيهم وعلى رؤوس مين يشدّ على أيديهيم سيقف أحلمهيم وطموحاتهيم ‪،‬‬
‫فأتاهم العذاب من حيث ل يشعرون ‪.‬‬
‫ونختيم هذا الفصيل بنيص مين التوراة ‪ ،‬يؤكيد لليهود أن عاقبية أفعالهيم سيتكون مدمرة ل محالة ‪ ،‬وأن الكأس التيي‬
‫جرّعوها للشعوب ل بد أن يتجرّعوها في النهاية ‪ ،‬حتى لو تخندقوا في الحصن المريكي البريطاني المنيع فذلك‬
‫لن يُجدي نفعيا ‪ ،‬ومهميا كُبرت أمريكيا وعظميت وتعالت فال أكيبر وأعظيم وأعلى ‪ ،‬ولييت عبدة أمريكيا مين أمتيي‬
‫يفقهون ذلك ‪ ،‬لعلهم يرجعون قبل فوات الوان ‪.‬‬
‫" ويبل لمبن يكوّم لنفسبه السبلب ‪ ،‬ويثرى على حسباب مبا نهبب ‪ ،‬إنمبا إلى متبى ؟ أل يقوم عليبك دائنوك بغتبة ‪،‬‬
‫أول يثورون عليك ويُملونك رُعبا ‪ .‬فتصبح لهم غنيمة لنك سلبت أمما كثيرة ‪ ،‬فإن بقية الشعوب ينهبونك ثأرا‬
‫‪ ،‬لما سفكت من دماء ‪ ،‬وارتكبت من جور في الرض ‪ ،‬فدمّرت مُدنا ‪ ،‬وأهلكت الساكنين فيها ‪ .‬ويل لمن يدّخر‬
‫لبنيبه مكسبب ظلم ‪ ،‬ويُشيبد مسبكنه فبي مقام حصبين ‪ ،‬ليكون فبي مأمبن مبن الخطبر ‪ .‬لقبد لطّختْب مؤامرتبك بيتبك‬
‫بالعار ‪ ،‬حيببن اسببتأصلت أممببا عديدة ‪ ،‬وجلبببت الدمار على نفسببك ‪ ،‬حتببى حجارة الجدران تصببرخ مببن شرّك ‪،‬‬
‫فتردّد الدعائم الخشبيبة أصبداءها ‪ .‬ويبل لمبن يبنبي مدينبة بالدماء ‪ ،‬ويُؤسبس قريبة بالثبم " ‪ ( .‬التوراة ‪ :‬سيفر‬
‫حبقوق ‪) 12-6 :2‬‬
‫قال تعالى‬
‫( وَقَالَت بِ الْ َيهُودُ يَ ُد الِّ َمغْلُو َلةٌ ‪ ،‬غُلّت ْب أَيْدِيهِم بْ ‪ ،‬وَُلعِنُوا بِمَا قَالُوا ‪َ ،‬بلْ يَدَاه ُب مَبْس بُوطَتَانِ ‪ ،‬يُ ْنفِق بُ كَيْف بَ َيشَاءُ ‪،‬‬
‫طغْيَانًا َوكُفْرًا ‪َ ،‬وأَ ْلقَيْنَا بَيْ َنهُ مُ ا ْلعَدَاوَ َة وَالْ َبغْضَا َء إِلَى َيوْ مِ ا ْلقِيَا َمةِ ‪،‬‬
‫ك مِ نْ رَبّ كَ ‪ُ ،‬‬
‫وَلَيَزِيدَنّ كَثِيرًا مِ ْنهُ مْ ‪ ،‬مَا أُنْ ِز َل إِلَيْ َ‬
‫لّ لَ ُيحِبّ ا ْل ُم ْفسِدِينَ (‪ 64‬المائدة )‬ ‫س َعوْنَ فِي الَْرْضِ َفسَادًا ‪ ،‬وَا ُ‬ ‫ب َأطْفَأَهَا الُّ ‪ ،‬وَ َي ْ‬ ‫حرْ ِ‬‫كُّلمَا َأوْقَدُوا نَارًا لِ ْل َ‬

‫‪125‬‬
‫النبوءات التوراتية بين الماضي والمستقبل‬
‫بالرغيم مين تحرييف التوراة ونسيخها وتأليفهيا عدة مرات ‪ ،‬وضعيف الترجمية إلى العربيية وانحيازهيا ‪ .‬إل أنهيا ميا‬
‫زالت تحوي بقيية مين كلم ال جلّ وعل ‪ ،‬تسيتطيع السيتدلل عليهيا مين خلل مقابلتهيا ومقارنتهيا ميع ميا لدينيا مين‬
‫وحييي ‪ ،‬وتسييتطيع أحيانييا ملحظيية السيياليب التييي تييم بهييا كتابيية التوراة ‪ ،‬ميين إضافيية وحذف وتبديييل لمواضييع‬
‫العبارات كما أخبر عنها القرآن الكريم ‪ .‬وهذه البقية هي ما كان يستدل اليهود من خللها وما زالوا ‪ ،‬على بعض‬
‫الحداث المستقبلية ‪ ،‬كبعث عيسى ومحمد عليهما السلم قديما ‪ ،‬وما سيقع من أحداث النهاية مستقبل ‪.‬‬
‫وكميا قلنيا فيي الفصيل السيابق ‪ ،‬أن معرفتهيم بميا وجيد لديهيم مين نبوءات ‪ ،‬كانيت بمثابية القوة الدافعية فيي تحركاتهيم‬
‫لسييتباق تحقّق هذه النبوءات على أرض الواقييع ‪ ،‬ولم ولن يألوا جهدا فييي اسييتعجالها إن وافقييت أهوائهييم أو فييي‬
‫تعطيلها إن خالفتها ‪.‬‬
‫فيي هذا الفصيل سينتتبع فيي البدايية ‪ ،‬بعيض الخبار التيي وردت فيي التوراة بشكيل مقتضيب وسيريع ‪ ،‬ومين ثيم‬
‫سنعرض جانبا من النبوءات التوراتية ‪ ،‬التي تحققت في الماضي ‪ ،‬وجانبا من النبوءات التي لم تتحقق بعد ‪ ،‬مما‬
‫يُسياعد على اسيتقراء بعيض النبوءات المسيتقبلية لديهيم ‪ ،‬لنتعرّف على المخاوف اليهوديية وتطلعاتهيم وأحلمهيم‬
‫وأمانيّهم المتعلّقة بعودتهم إلى فلسطين للمرة الثانية ‪.‬‬
‫ومن خلل هذا الكشف تستطيع التعرف على حقيقة العقلية التي يُفكّر بها يهود ‪ ،‬ومن ثم قراءة مواقفهم وسياستهم‬
‫على السياحتين العالميية والقليميية ‪ ،‬وتسيتطيع أيضيا قراءة سيياسات ومواقيف أمريكيا ‪ ،‬التيي يحكمهيا ويديرهيا فيي‬
‫الخفاء زعماء المؤامرة العالميية مين الثرياء والحاخامات اليهود ‪ ،‬لتجيد أن التوراة ونبوءاتهيا هيي ميا سييّر اليهود‬
‫في الماضي ‪ ،‬وهي ما يُسيّرهم في الحاضر والمستقبل ‪.‬‬
‫قال تعالى ( َفوَ ْيلٌ لِلّذِينَ َيكْتُبُونَ ا ْلكِتَابَ بِأَيْدِي ِهمْ ‪ُ ،‬ثمّ َيقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْ ِد الِّ ‪ ،‬لِ َيشْتَرُوا ِبهِ َثمَنًا قَلِيلً ‪َ ،‬فوَ ْيلٌ َلهُمْ‬
‫ِممّا كَتَبَتْ أَيْدِي ِهمْ ‪َ ،‬ووَ ْيلٌ َل ُه ْم ِممّا َي ْكسِبُونَ (‪ 79‬البقرة )‬
‫وقال أيضيا ( وَ َلمّاب جَاءَهُمْب كِتَابٌب مِنْب عِنْدِ الِّ ‪ ،‬مُصَبدّقٌ ِلمَا َم َعهُمْب ‪َ ،‬وكَانُوا مِنْب قَ ْبلُ يَسْبَتفْتِحُونَ عَلَى الّذِينَب كَفَرُوا‬
‫فَ َلمّا جَاءَ ُهمْ مَا عَ َرفُوا َكفَرُوا ِبهِ ‪ ،‬فَ َلعْ َنةُ الِّ عَلَى ا ْلكَافِرِينَ (‪ 89‬البقرة )‬
‫ن أَلْسِنَ َتهُمْ بِا ْلكِتَابِ ‪ ،‬لِ َتحْسَبُو ُه مِ نَ ا ْلكِتَابِ ‪َ ،‬ومَا ُه َو مِ نَ ا ْلكِتَابِ ‪ ،‬وَ َيقُولُو نَ‬
‫وقال أيضا ( َوإِنّ مِ ْنهُمْ َلفَرِيقًا ‪ ،‬يَ ْلوُو َ‬
‫ب وَ ُهمْ َيعْ َلمُونَ (‪ 78‬آل عمران )‬ ‫علَى الِّ ا ْلكَذِ َ‬
‫ُه َو مِنْ عِنْ ِد الِّ ‪َ ،‬ومَا ُه َو مِنْ عِنْ ِد الِّ ‪ ،‬وَ َيقُولُونَ َ‬

‫خبر إبراهيم وإسماعيل عليهما السلم في سفر التكوين‬


‫وعد ال لنسل إبراهيم بامتلك الرض ‪:‬‬
‫" تكويين ‪ :18 :15 :‬فيي ذلك اليوم ‪ ،‬عقيد الرب ميثاقيا ميع إبراهييم ‪ ،‬قائل ‪ :‬سيأعطي نسيلك هذه الرض ‪ ،‬مين نهير‬
‫مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات " ‪.‬‬
‫" تكويين ‪ :8-4 :17 :‬هيا أنيا أقطيع لك عهدي ‪ ،‬فتكون أبيا لميم كثيرة ‪ ،‬وأُصييّرك مُثمرا جدا ‪ ،‬يخرج مين نسيلك‬
‫ملوك ‪ ،‬فأكون إلها لك ولنسلك من بعدك ‪ .‬وأهبك أنت وذريّتك أرض كنعان التي نزلت فيها غريبا ‪ ،‬مُلكًا أبديا " ‪.‬‬
‫يي تكرار الوعيد لبراهييم بأرضيين مختلفتيين ‪ ،‬ناتيج عين كون التوراة جُمعيت مين مصيدرين مُختلفيين كميا سيبق‬
‫وأوضحنيا ‪ ،‬وأحيد المصيدرين أقيل تطرّفيا ومُغالة ‪ ،‬فيي التحرييف والكذب مين الخير ‪ ،‬وهذا الوعيد بميا أنيه كان‬
‫لبراهيم ونسله ‪ ،‬فهو ليس حكرا على نسل إسحاق ‪ ،‬بل يشمل نسل إسماعيل أيضا ‪ ،‬ونجد أن النص الثاني يكذب‬
‫النص الول ‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫وعد ال لهاجر في إسماعيل ‪:‬‬
‫" تكويين ‪ 10 :16 :‬وقال لهيا ملك الرب ‪ :‬لُكثّرنّي نسيلك فل يُع ّد مين الكثرة ‪ ،‬هيو ذا أنيت حاميل ‪ ،‬وسيتلدين ابنيا‬
‫وتدعينه إسماعيل ‪ ،‬ويكون إنسانا وحشيّا يُعادي الجميع والجميع يُعادونه ‪ [ ،‬وأمام جميع أخوته يسكن ] " ‪.‬‬
‫ي همجيّ متوّحش وإرهابي ومعاد للبشرية ‪ ،‬هذه هي صورة إسماعيل عليه السلم نبي ال جد العرب ‪ ،‬وهي ذاتها‬
‫صييورة النسييان العربييي فييي وسييائل العلم الغربييية ‪ ،‬ميين سييينما وتلفزيون وصييحف ومجلّت ‪ ،‬ومصييدر هذه‬
‫الصورة هو التوراة والمُنتج المُنفذّ هم اليهود المُسيطرون على كافة وسائل العلم الغربية ‪ .‬فالرب يقول ذلك ل‬
‫كذبية التوراة ‪ ،‬وإذا كان العرب مسيتاءون مين هذه النظرة لهيم ‪ ،‬فليجرؤ أحدهيم على مطالبية اليهود والنصيارى ‪،‬‬
‫بحذف كلمات الرب هذه ميين كتابهييم المقدّس ‪ ،‬كمييا يُطالبوننييا بحذف اليات التييي تحضيّ على قتالهييم ميين الكتييب‬
‫المدرسية ‪.‬‬
‫وعد ال لبراهيم في سارة ونسلها ‪:‬‬
‫" تكويين ‪ :19-15 :17 :‬وقال الرب لبراهييم ‪ :‬أميا سياراي زوجتيك ‪ ،‬وأُباركهيا وأُعطييك منهيا ابنيا ‪ ،‬سيأباركها‬
‫وأجعلها أمّا لشعوب ‪ ،‬ومنها يتحدّر ملوك أمم ‪ ،‬إ نّ سارة زوجتك هي التي تلد لك ابنا ‪ ،‬وتدعو اسمه اسحق وأُقيم‬
‫عهدي معه ‪ ،‬ومع ذريّته من بعده إلى البد " ‪.‬‬
‫وعد ال لبراهيم في إسماعيل ونسله ‪:‬‬
‫" تكوين ‪ :20 :17 :‬وأمّا إسماعيل فقد استجبت لطلبتك من أجله ‪ ،‬سأُباركه حقا ‪ ،‬وأجعله مُثمرا ‪ ،‬وأكثّر ذريّته‬
‫جدا ‪ ،‬فيكون أبا لثني عشر رئيسا يلد ‪ ،‬ويُصبح أمّة كبيرة " ‪.‬‬
‫هجرة هاجر وإسماعيل إلى صحراء فاران ‪:‬‬
‫" تكوييين ‪ :21-14 :21 :‬فنهييض إبراهيييم فييي الصييباح الباكيير ‪ ،‬وأخييذ خبزا وقربيية ماء ‪ ،‬ودفعهمييا إلى هاجيير ‪،‬‬
‫ووضعهميا على كتفيهيا ‪ ،‬ثيم صيرفها ميع الصيبي ‪ ،‬فهاميت على وجههيا فيي بريية بئر سيبع ‪ .‬وعندميا فرغ الماء مين‬
‫القربة ‪ ،‬طرحت الصبي تحت إحدى الشجار ‪ ،‬ومضت وجلست قبالته ‪ ،‬على بُعد مائة متر ‪ ( ،‬تبريرهم ‪ :‬حتى‬
‫ل تشهييد موت الصييبي ) ‪ ،‬ورفعييت صييوتها وبكييت ‪ ( .‬ناداهييا ملك الرب قائل ) ‪ " :‬قومييي واحملي الصييبي ‪،‬‬
‫وتشبّثيي بيه لنّي سيأجعله أمّة عظيمية " ‪ ،‬ثيم فتحيت عينيهيا ‪ ،‬فأبصيرت بئر ماء ‪ ،‬فذهبيت وملت القربية وسيقت‬
‫الصبي ‪ .‬وكان ال مع الصبي فكبُر ‪ ،‬وسكن في صحراء فاران ‪ ،‬وبرع في رمي القوس ‪ ،‬واتّخذت له ُأمّه زوجة‬
‫من مصر " ‪.‬‬
‫يي فيي هذا النيص يُوحيي كتبية التوراة ‪ ،‬أن إبراهييم تخلّى عين هاجير وابنهيا وطردهميا طردا ‪ ،‬ويقولون فيي بدايية‬
‫النص أنه سكن بئر السبع ‪ ،‬وأن بئر زمزم تفجّرت فيها ‪ ،‬وفي نهاية النص يقولون بأنه سكن في صحراء فاران ‪،‬‬
‫وهذا يعني أن التسمية العبرية القديمة لصحراء الجزيرة العربية هو صحراء فاران ‪ ،‬وجبال فاران هي جبال مكة‬
‫أو الجزيرة العربية ‪ ،‬ولذلك كان اليهود يعلمون على وجه التحديد ‪ ،‬أن نبياً من نسل إسماعيل سيُبعث في جزيرة‬
‫العرب ‪ ،‬مما دفعهم للرحيل إليها والقامة فيها ‪.‬‬

‫التبشير بمحمد عليه الصلة والسلم في سفر التثنية على لسان موسى عليه السلم‬
‫" تثنية ‪ :18 :18 :‬فقال لي الرب ‪ :‬لهذا أُقيم لهم نبيا من بين أُخوتهم مثلك ‪ ،‬وأضع كلمي في فمه ‪ ،‬فيُخاطبهم بكل‬
‫ما آمره به ‪ ،‬وكلّ من يعصي كلمي ‪ ،‬الذي يتكلم به باسمي ‪ ،‬فإني أُحاسبه " ‪.‬‬
‫ي وقول موسى عليه السلم نبيا من بين أُخوتهم ‪ ،‬يعني أنه من غير بني إسرائيل بل من أخوتهم ‪ ،‬وأخوتهم كما‬
‫نعلم هم نسل إسماعيل عليه السلم ‪ ،‬بدللة التوراة نفسها في النص الوارد أعله ( ‪ ، ) 12 :16‬وهذا القول بطبيعة‬
‫الحال ل يُشير إلى عيسى عليه السلم كون أُمه من بني إسرائيل ‪ .‬وقوله نبيا مثلك يعني يماثله في كل شيء تقريبا‬
‫‪ ،‬من لحظة ولدته بما شمله ال من رعاية وعناية وبعثه ورسالته ومعاناته وحتى مماته عليه السلم ‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫" تثنيية ‪ [ 2 :33 :‬فقال ( موسيى علييه السيلم ) ‪ :‬جاء الرب مين سييناء ‪ ،‬وأشرق لهيم مين سيعير ‪ ،‬وتلل مين جبال‬
‫فاران ‪ ،‬وأتى من ربوات القدس ‪ ،‬وعن يمينه نار شريعة لهم ] " ‪.‬‬
‫ي وهذا النص يحمل في ثناياه أربع نبوءات هي ‪:‬‬
‫‪.1‬جاء الرب من سيناء ‪ .‬وسيناء هو ( طور سيناء ) في وادي عربة ‪ ،‬مكان الوحي الذي أُنزلت فيه اللواح‬
‫على موسى عليه السلم ‪.‬‬
‫‪.2‬وأشرق لهم من سعير ‪ ، .‬حيث بُعث عيسى عليه السلم بالنجيل ‪ ،‬قال تعالى ( وَاذْكُرْ فِي ا ْلكِتَا بِ َمرْيَ مَ‬
‫إِذِ انْتَبَذَتْب مِنْب أَهْلِهَا َمكَانًا شَ ْرقِيّاب (‪ 16‬مرييم ) وقال ( َوجَعَلْنَا ابْنَب مَرْيَمَب َوُأمّهُب ءَا َيةً وَءَاوَيْ َنهُمَا إِلَى رَ ْبوَةٍ‬
‫ذَا تِ َقرَا ٍر َو َمعِي نٍ (‪ 50‬المؤمنون ) وسعير على ما يبدو من اليات الكريمة ‪ ،‬هي منطقة شرقي القدس تقع‬
‫على تلة ذات أشجار مثمرة وفيها عين ماء جارية ‪.‬‬
‫‪.3‬وتلل مين جبال فاران ‪ .‬جبال فاران هيي جبال الجزيرة العربيية حييث تقيع مكية ‪ ،‬مكان سيُكنى إسيماعيل‬
‫بدللة التوراة نفسها ‪ ،‬حيث بُعث محمد عليه الصلة والسلم بالقرآن ( لحظ هنا الفعل تلل ) دللة على‬
‫ميا سييكون للسيلم مين شأن عظييم ‪ .‬وهذا دعاء إبراهييم وإسيماعيل عليهميا السيلم ( رَبّنَا وَابْعَثْب فِيهِمْب‬
‫حكِي مُ (‪129‬إبراهيم )‬ ‫ك أَنْ تَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬
‫ب وَا ْلحِ ْك َم َة وَيُ َزكّيهِ مْ إِنّ َ‬
‫ك وَ ُيعَّل ُمهُ مُ الْكِتَا َ‬
‫رَ سُولً مِ ْنهُ مْ يَتْلُو عَلَ ْيهِ مْ ءَايَتِ َ‬
‫وهذه اسيتجابة دعائهميا ( ُهوَ الّذِي َبعَثَب فِي ا ُلْمّيّينَب رَسبُو ًل مِ ْنهُمْب يَتْلُو عَلَ ْيهِمْب ءَايَاتِهِب وَ ُي َزكّيهِمْب وَ ُيعَّل ُمهُمُب‬
‫ل ٍل مُبِينٍ (‪ 2‬الجمعة )‬ ‫ضَ‬ ‫ن كَانُوا مِنْ قَ ْبلُ َلفِي َ‬ ‫ح ْك َمةَ َوإِ ْ‬
‫ا ْلكِتَابَ وَا ْل ِ‬
‫‪.4‬وأتى من ربوات القدس ‪ .‬وهي النبوءة التي لم تتحقق لغاية الن حيث ل شريعة جديدة بل تجديد لشريعة‬
‫قائمة ‪.‬‬
‫ي والنبوءة الخيرة فُسرّت على ثلثة أقوال ‪:‬‬
‫•المسلمون ‪ :‬ظهور المهدي وعودة الخلفة السلمية واتّخاذ القدس عاصمة لها ‪.‬‬
‫•اليهود ‪ :‬ظهور مَلِك اليهود المنتظر الذي سينتصر على أعداء إسرائيل في حرب العالمية النووية الثالثة‬
‫‪ ،‬ومن ثم يحكم العالم إلى البد ‪.‬‬
‫•النصارى ‪ :‬عودة عيسى عليه السلم ليخلّص أتباعه برفعهم فوق السحاب عند نشوب تلك الحرب ‪ ،‬ومن‬
‫ثم يحكم العالم مدة ألف عام ‪.‬‬

‫سفر إشعياء يُخبر عن نبينا عليه الصلة والسلم وعن أمته‬


‫ع ْمرِو بْنِي ا ْلعَاصِي َرضِيَي الُّ‬ ‫ع ْب َد الِّ بْنَي َ‬
‫عطَا ِء بْنِي يَسيَارٍ ‪ ،‬قَالَ ‪ :‬لَقِيتُي َ‬ ‫مميا روى البخاري فيي صيحيحه " عَنْي َ‬
‫ل الِّ ‪ ،‬صَلّى الُّ عََليْ هِ وَ سَّل َم فِي التّ ْورَاةِ ‪ ،‬قَالَ ‪َ :‬أجَلْ ‪ ،‬وَالِّ ِإنّ هُ َلمَوْ صُوفٌ‬ ‫خبِ ْرنِي عَ نْ صِفَ ِة رَ سُو ِ‬ ‫ع ْن ُهمَا ‪ ،‬قُلْ تُ ‪َ :‬أ ْ‬
‫َ‬
‫لْ ّميّي نَ َأنْ تَ‬
‫حرْزًا لِ ُ‬‫ك شَاهِدًا َومُ َبشّرًا وَنَذِيرًا ) ‪َ ،‬و ِ‬ ‫فِي التّ ْورَاةِ ‪ِ ،‬ب َبعْ ضِ صِ َفتِ ِه فِي الْ ُقرْآ نِ ( يَا أَ ّيهَا النّبِيّ إِنّا أَرْ سَلْنَا َ‬
‫سيّئَةَ ‪ ،‬وََلكِ نْ‬
‫س ّيئَةِ ال ّ‬
‫ل َي ْدفَعُ بِال ّ‬‫ب فِي الَْسْوَاقِ ‪َ ،‬و َ‬ ‫سخّا ٍ‬ ‫س بِ َفظّ َولَ غَلِيظٍ ‪َ ،‬ولَ َ‬ ‫س ّم ْي ُتكَ المتَ َوكّلَ ‪َ ،‬ليْ َ‬
‫ع ْبدِي َورَسُولِي َ‬ ‫َ‬
‫ع ْميًا ‪ ،‬وَآذَانًا‬‫ع ُينًا ُ‬
‫ح ِبهَا أَ ْ‬
‫ل الُّ ‪َ ،‬ويَ ْفتَ ُ‬ ‫ن يَقُولُوا لَ إَِلهَ ِإ ّ‬
‫حتّى يُقِي َم بِهِ ا ْلمِلّةَ ا ْلعَ ْوجَاءَ ‪ِ ،‬بأَ ْ‬
‫ن يَ ْق ِبضَ ُه الُّ َ‬‫َيعْفُو َو َيغْ ِفرُ ‪ ،‬وََل ْ‬
‫صمّا ‪َ ،‬وقُلُوبًا غُلْفًا " ‪ .‬وأخرجه أحمد في مسنده ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ج َفةُ ‪ ،‬قَالَ رَبّ َل ْو شِئْتَب أَهْ َلكْ َتهُمْب مِنْب‬‫وقال تعالى ( وَاخْتَارَ مُوسبَى َق ْومَهُب سَب ْبعِينَ َرجُلً ِلمِيقَاتِنَا ‪ ،‬فَ َلمّاب َأخَذَ ْتهُمُب ال ّر ْ‬
‫ضلّ بِهَا مَنْب َتشَا ُء وَ َتهْدِي مَنْب َتشَاءُ ‪ ،‬أَنْتَب‬ ‫قَ ْب ُل َوإِيّايبَ ‪ ،‬أَ ُتهْلِكُنَا بِمَا َف َع َل السّبفَهَا ُء مِنّاب ‪ ،‬إِنْب هِيَب ِإلّ فِتْنَتُكَب ‪ ،‬تُ ِ‬
‫لخِرَةِ ‪ ،‬إِنّاب هُدْنَا‬ ‫حمْنَا ‪َ ،‬وأَنْتَب خَيْرُ ا ْلغَافِرِي نَ (‪ )155‬وَاكْتُ بْ لَنَا فِي هَذِهِب الدّنْيَا حَسَبَن ًة وَفِي ا ْ‬ ‫غفِرْ لَنَا وَا ْر َ‬‫وَلِيّنَا ‪ ،‬فَا ْ‬
‫سعَتْ ُك ّل شَيْءٍ ‪ ،‬فَسَ َأكْتُ ُبهَا ‪ ،‬لِلّذِي نَ يَ ّتقُو نَ ‪ ،‬وَ ُيؤْتُو نَ ال ّزكَاةَ ‪،‬‬ ‫حمَتِي وَ ِ‬ ‫ن َأشَاءُ ‪ ،‬وَ َر ْ‬ ‫إِلَيْ كَ ‪ ،‬قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِ ِه مَ ْ‬
‫وَالّذِي نَ هُ مْ بِآيَاتِنَا ُي ْؤمِنُو نَ (‪ )156‬الّذِي نَ يَتّ ِبعُو نَ الرّ سُولَ النّبِيّ ا ُلْمّيّ ‪ ،‬الّذِي َيجِدُونَ ُه َمكْتُوبًا عِنْدَهُ مْ فِي ال ّتوْرَاةِ‬
‫حلّ َلهُمُب الطّيّبَاتِب ‪ ،‬وَ ُيحَرّمُب عَلَ ْيهِمُب ا ْلخَبَائِثَب ‪ ،‬وَيَضَعُب‬ ‫وَالِْنْجِيلِ ‪ ،‬يَ ْأ ُمرُهُمْب بِا ْل َمعْرُوفِب ‪ ،‬وَيَ ْنهَاهُمْب عَنِب ا ْلمُ ْنكَرِ ‪ ،‬وَ ُي ِ‬
‫للَ الّتِي كَانَ تْ عَلَ ْيهِ مْ ‪ ،‬فَالّذِي نَ ءَامَنُوا بِ ِه وَعَزّرُو ُه وَنَ صَرُو ُه وَاتّبَعُوا النّورَ الّذِي أُنْ ِز َل َمعَ هُ‬ ‫عَ ْنهُ ْم إِ صْ َر ُهمْ ‪ ،‬وَالَْغْ َ‬
‫ض َل إِلَ َه ِإلّ‬‫س َموَاتِ وَالَْرْ ِ‬‫جمِيعًا الّذِي لَ ُه مُلْكُ ال ّ‬ ‫س إِنّي رَسُولُ الِّ إِلَ ْيكُ ْم َ‬ ‫أُولَئِكَ هُمُ ا ْلمُفْ ِلحُونَ (‪ُ )157‬قلْ َيأَ ّيهَا النّا ُ‬
‫‪128‬‬
‫ُهوَ ُيحْيِي وَ ُيمِي تُ فَآمِنُوا بِالِّ وَرَ سُو ِلهِ النّبِيّ ا ُلْمّيّ الّذِي ُي ْؤمِ نُ بِالِّ َوكَ ِلمَاتِ ِه وَاتّبِعُو هُ َلعَّلكُ مْ َتهْتَدُو نَ (‪َ )158‬ومِ نْ‬
‫ق وَ ِبهِ َيعْدِلُونَ (‪ 159‬العراف )‬ ‫َق ْومِ مُوسَى ُأ ّمةٌ َيهْدُونَ بِا ْلحَ ّ‬

‫خاتم النبوة على كتفه واسمه أحمد ‪:‬‬


‫من كتاب ( المنتظم في تاريخ الملوك والمم ) لبي الفرج " عن حسان بن ثابت ‪ ،‬قال ‪ :‬إني لغلمٍ يفعة ابن سبع‬
‫أو ثمان ‪ ،‬إذا يهوديٌي بيثرب ‪ ،‬يصييرخ ذات غداة ‪ :‬يييا معشيير يهود ‪ ،‬فلمييا قالوا ‪ :‬مييا لك ‪ ،‬ويلك ! قال ‪ :‬طلع نجييم‬
‫أحمد الذي ولد هذه الليلة ‪ ،‬قال ‪ :‬فأدركه اليهودي ولم يؤمن به " ‪.‬‬
‫من كتاب ( المنتظم ) " أخبرنا أبو الحسن بن البراء قالت آمنة ‪ … :‬وكان بمكة رجل من اليهود حين ولد ‪ ،‬فلما‬
‫أصبح قال ‪ :‬يا معشر قريش ‪ ،‬هل ولد فيكم مولود ؟ قالوا ‪ :‬ل نعلمه ‪ ،‬قال ‪ :‬ولد الليلة نبي العرب ‪ ،‬به شامة بين‬
‫منكبيه سوداء فيها شعرات ‪ ،‬فرجع القوم فسألوا أهليهم فقيل ‪ :‬ولد الليلة لعبد المطلب غلم فلقوه فأخبروه ‪ ،‬فنظر‬
‫ن بكيم سيطوة ‪،‬‬
‫إلييه فقال ‪ :‬ذهبيت النبوة مين بنيي إسيرائيل ‪ ،‬هذا الذي سيرّه أحبارهيم ‪ ،‬ييا معشير قرييش وال ليسيطو ّ‬
‫يخرج نبأها من المشرق إلى المغرب " ‪.‬‬
‫" إشعياء ‪ :2 :9 :‬الشعييب السييالك فييي الظلميية أبصيير نورا عظيمييا ‪ ،‬والمقيمون فييي أرض ظلل الموت ‪ ،‬أضاء‬
‫عليهم نور عظيم … ‪ :7-6 :9‬لنه يُولد لنا ولد ‪ ،‬ويُعطى لنا ابن يحمل الرياسة على كتفه ‪ ،‬ويُدعى اسمه عجيبا ‪،‬‬
‫مُشيرا ‪ ،‬إلها قديرا ‪ ،‬أبا أبديا ‪ ،‬رئيس السلم ‪ ،‬ول تكون نهاية لنمو رياسته وللسلم ‪ ،‬الل َذيْن يسودان عرش داود‬
‫ومملكته ‪ ،‬ليُثبتها بالحق والبرّ ‪ ،‬من الن وإلى البد ‪ ،‬إن غيرة الرب تُتم هذا " ‪.‬‬
‫" إشعياء ‪ :13 :9 :‬إن الشعيب لم يرجيع تائبيا إلى مين عاقبيه ‪ ،‬ول طلب الرب القديير ‪ .‬لذلك سييقطع الرب مين‬
‫إسرائيل ‪ ،‬في يوم واحد الرأس والذنب ‪ ،‬النخل والسل " ‪.‬‬
‫ي علم اليهود من خلل النص الول ‪:‬‬
‫‪.1‬أن نجما عظيما سيظهر عند مولد أحمد ‪،‬‬
‫‪.2‬وأن علمة النبوة ستكون على كتفه ‪،‬‬
‫‪.3‬أما اسمه العجيب في هذا الموضع فوصفته أقلم الكهنة ‪ ،‬بمشير وإله وأب ورئيس سلم ‪.‬‬
‫‪.4‬أما رسالته فتشمل مشارق الرض ومغاربها حتى قيام الساعة ‪،‬‬
‫‪.5‬أما إضافة عرش داود ومملكته فهي من أمانيهم وأحلمهم ‪.‬‬
‫‪.6‬أما النص الثاني فيؤكد انقطاع النبوة وخروجها من بني إسرائيل بمولد هذا النبي ومبعثه‬

‫هو ملك البرّ ورؤساءه يحكمون بالعدل ‪:‬‬


‫" إشعياء ‪ :1 :32 :‬ها إن ملكا يملك بالبرّ ( محميد ) ‪ ،‬ورؤساء يحكمون بالعدل ( الخلفاء ) ‪ [ :2 ،‬ويكون إنسيان ]‬
‫( أي ليييس إلهييا كمييا ص يوّره النييص السييابق ) كملذ ميين الريييح ‪ ،‬وكملجييأ ميين العاصييفة ‪ ،‬أو كجداول مياه فييي‬
‫صيحراء ‪ ،‬أو كظيل صيخرة عظيمية فيي أرض جدباء ‪ :3 ،‬عندئذ تنفتيح عيون الناظريين وتصيغي آذان السيامعين ‪،‬‬
‫‪ :4‬فتفهيم وتعلم العقول المتهوّرة ‪ ،‬وتنطيق بطلقية اللسينة الثقيلة ( الُميّون ) ‪ ، … .‬حتيى تنسيكب علينيا روح مين‬
‫السييماء ‪ ،‬فتتحوّل البرييية ( الصييحراء ) إلى مرج خصيييب ‪ ،‬ويُحسييب المرج غابيية ‪ ،‬عندئذ يسييكن العدل فييي‬
‫الصحراء ‪ ،‬ويٌقيم البرّ في المرج الخصيب ‪ ،‬فيكون ثمر الب ّر سلما ‪ ،‬وفعل الب ّر سكينة وطمأنينة إلى البد " ‪.‬‬

‫صفة المصطفى عليه الصلة والسلم ‪:‬‬


‫" إشعياء ‪ :1 :42 :‬هو ذا عبدي الذي أعضده ‪ ،‬مختاري الذي ابتهجت به نفسي ‪ ،‬وضعت روحي عليه ليسوس‬
‫الميم بالعدل ‪ :2 ،‬ل يصييح ول يصيرخ ‪ ،‬ول يرفيع صيوته فيي الطرييق ‪ :3 ،‬ل يكسير قصيبة مرضوضية ( أي‬
‫يُقيمها ) ‪ ،‬ول يطفئ فتيلة [ خامدة ] ( أي يُشعلها ) ‪ ،‬إنما بأمانة يُجري عدل ‪ ( ،‬أي أنه ل يسيء إلى الناس ‪ ،‬بل‬
‫‪129‬‬
‫يُحسن إليهم ) ‪ 4 ،‬ل يكلّ ول تُثبّط له همّة ‪ ،‬حتى ير سّخ العدل في الرض ‪ ،‬وتنتظير الجزائر شريعته ‪ :6 ،‬أنا‬
‫الرب قيد دعوتيك بالبّر ‪ ،‬أمسيكت بيدك وحافظيت علييك ‪ ،‬وجعلتيك عهدا للشعيب ونورا للميم ‪ :7 ،‬لتفتيح عيون‬
‫العميي ‪ ،‬وتطلق سيراح المأسيورين فيي السيجن ‪ ،‬وتحرّر الجالسييين فيي ظلمية الحبيس ‪ :9 ،‬هيا النبوّات السيالفة‬
‫ئ بها قبل أن تحدث ‪" … ،‬‬ ‫تتحقق ‪ ،‬وأخرى جديدة أُعلنُ عنها ‪ ،‬وأُنب ُ‬

‫رسالة السلم وصفة حملتها ‪:‬‬


‫" إشعياء ‪ :1 :61 :‬روح السيد الرب عل يّ ( الوحي ) لن الرب مسحني لُبشّر المساكين ‪ ،‬أرسلني لضمّد جراح‬
‫منكسيري القلوب ‪ ،‬لنادي للمسيبيين بالعتيق وللمأسيورين بالحريية ‪ :2 ،‬لعلن سينّة الرب المقبولة ( إِنّ الدّينَب عِنْدَ‬
‫ن أُوتُوا ا ْلكِتَابَ ِإ ّل مِنْ َبعْ ِد مَا جَاءَ ُهمُ ا ْلعِ ْلمُ َبغْيًا بَيْ َن ُهمْ (‪ 19‬آل عمران ) ‪… ،‬‬
‫لمُ َومَا اخْتَلَفَ الّذِي َ‬
‫لّ ا ِلْسْ َ‬
‫ا ِ‬
‫ن َأجْرَهُمْ َمرّتَيْنِ‬
‫‪ :7‬وعوضا عن عاركم تنالون ضعفين من الميراث ( إِنّا كُنّا مِنْ قَبْلِ ِه مُسْ ِلمِينَ (‪ )53‬أُولَئِكَ ُيؤْ َتوْ َ‬
‫… (‪ 54‬القصص ) …‬
‫ن مَا كَانُوا‬
‫‪ :8‬لني أنا الرب أُحبّ العدل ‪ ،‬وأمقت الختلس والظلم ‪ ،‬وأُكافئهم بأمانة ( وَلَ َنجْزِيَ ّنهُ ْم َأجْرَهُمْ بِ َأحْسَ ِ‬
‫َي ْعمَلُونَ (‪ 97‬النحل ) ‪ ،‬وأقطع معهم عهدا أبديا ‪… ،‬‬
‫ن أَثَرِ‬
‫‪ :9‬وتشتهر ذريتهم بين المم ‪ ،‬ونسلهم وسط الشعوب ‪ ،‬وكل من يراهم يعرفهم ( سِيمَا ُهمْ فِي ُوجُو ِههِ ْم مِ ْ‬
‫ك مَثَُل ُهمْ فِي ال ّتوْرَاةِ ) ‪ ،‬ويُقرّ أنهم شعب باركه الرب ‪… ،‬‬
‫سجُودِ ذَلِ َ‬
‫ال ّ‬
‫‪ :11‬كما تنبت الرض مزروعاتها ‪ ،‬والحديقة تخرج نباتاتها ‪ ،‬هكذا السيد الرب ينبت البرّ والتسبيح ‪ ،‬ينبتان أمام‬
‫شطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْ َتغْ َلظَ فَاسْ َتوَى عَلَى سُو ِقهِ ُي ْعجِبُ الزّرّاعَ لِ َيغِيظَ ِب ِهمُ ا ْلكُفّارَ )‬
‫ج َ‬
‫ع َأخْرَ َ‬
‫كل المم ( كَ َزرْ ٍ‬
‫‪ :1 :62‬إكراما لصهيون ( هذه إحدى تحريفاتهم ‪ ،‬والصل إكراما لخير أمة أُخرجت للناس ) ‪ ،‬ل أصمت ‪ ،‬و…‬
‫ل الملوك مجدك ‪،‬‬
‫ل أستكين ‪ [ ،‬حتى يخرج برّها كضياء ‪ ،‬وخلصها كمصباح مُتقد ] ‪ :2 ،‬فترى المم ِبرّ كِ وك ّ‬
‫ن ِمنْ قَ ْبلُ (‪ 78‬الحج ) ‪.‬‬
‫سمّا ُكمُ ا ْل ُمسْ ِلمِي َ‬
‫وتدعين باسم جديد يطلقه عليك فم الرب ( ُهوَ َ‬

‫وهب بن منبه يُجمل ما تفرّق من نصوص التوراة ‪:‬‬


‫وقارن كل ما تقدّم مع ما قاله وهب بن منبه أحد مُسلمي اليهود ‪ ،‬حيث أجمل كل هذه النبوءات في هذا النص من‬
‫كتاب ( المنتظيم ) لبيي الفرج " قال وهيب بين منبيه ‪ :‬أوحيى ال تعالى إلى إشعياء ‪ ،‬إنيي مُبعيث نبييا أميّا ‪ ،‬أفتيح بيه‬
‫آذانيا صيما ‪ ،‬وقلوبيا غلفيا ‪ ،‬وأعينيا عمييا ‪ ،‬مولده بمكية ومهاجره طيبية ( المدينية المنورة ) ‪ ،‬وملكيه بالشام ‪ ،‬عبدي‬
‫المتوكل المرفوع الحبيب المجيب ‪ ،‬ل يجزي بالسيئة السيئة ‪ ،‬ولكن يعفو ويصفح ‪ ،‬ويغفر بالمؤمنين ‪ ،‬وليس بفظ‬
‫ول غلييظ ‪ ،‬ول صيخاب فيي السيواق ‪ ،‬ول متزيّن بالفحيش ول قوّال ‪ ،‬أُسيدّده لكيل جمييل ‪ ،‬وأهيب له كيل خلق‬
‫كريييم ‪ ،‬وأجعييل السييكينة لباسييه ‪ ،‬والب ّر شعاره ‪ ،‬والتقوى والحكميية مقولتييه ‪ ،‬والصييدق والوفاء طييبيعته ‪ ،‬والعفييو‬
‫والمغفرة والمعروف خلقه ‪ ،‬والعدل والحق شريعته ‪ ،‬والهدى إمامه ‪ ،‬والسلم ملته ‪ ،‬وأحمد اسمه ‪ ،‬أهدي به بعد‬
‫الضللة ‪ … ،‬بيه بعيد الجهالة ‪ ،‬وأُكثير بيه بعيد القلة ‪ ،‬وأغنيي بيه بعيد العيلة ‪ ،‬وأجميع بيه بعيد الفرقية بيين قلوب‬
‫مختلفة ‪ ،‬وأهواء متشتتة ‪ ،‬وأمم متفرقة ‪ ،‬أجعل أمته خير أمة أخرجت للناس ‪ ،‬تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر‬
‫‪ ،‬توحيدا لي ‪ ،‬وإيمانا بي ‪ ،‬وإخلصا لي ‪ ،‬وتصديقا لما جاء به رسلي ‪ ،‬وهم دعاة الشمس ( النور ) ‪ ،‬طوبى لتلك‬
‫القلوب " ‪.‬‬

‫اليهود ينكرون نبوّة أحمد عليه الصلة والسلم حسدا وبغيا ‪:‬‬
‫من كتاب ( المنتظم ) لبي الفرج " عن ابن عباس قال ‪ :‬كانت يهود قريظة والنضير وفدك وخيبر ‪ ،‬يجدون صفة‬
‫النيبي قبييل أن يُبعيث ‪ ،‬وأن دار مهاجره المدينية ‪ ،‬فلميا وُلد رسيول ال ‪ ،‬قالت أحبار اليهود ولد أحميد الليلة ‪ ،‬هذا‬
‫الكوكيب طلع ‪ ،‬فلميا تنبّأ ‪ ،‬قالوا تنبيأ أحميد ‪ ،‬قيد طلع الكوكيب ‪ ،‬كانوا يعرفون ذلك ويُقرّون بيه ‪ ،‬وميا منعهيم مين‬
‫اتّباعه إل الحسد والبغي " ‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫كان هذا عرضا لبعض من نبوءات التوراة التي تحقّقت في الماضي ‪ ،‬وعرضا لكيفية فهمهم لشاراتها ورموزها‬
‫وتفسيييرهم لهييا ‪ .‬وفيمييا يلي سيينبدأ بعرض أغلب نبوءاتهييم المسييتقبلية ‪ ،‬والتفسيييرات المعاصييرة لهييا ميين الرواد‬
‫الغربيون من اليهود والنصارى ‪ ،‬مع التعقيب عليها أحيانا ‪.‬‬

‫نبوءات سفر ارميا‬

‫المرة الولى وما بعدها ‪:‬‬


‫ي بكلمته ‪ ،‬فخاطبتكم بها ‪ ،‬ولكنكم لم تسمعوا ‪،‬‬ ‫" ارميا ‪ :3 :25 :‬على مدى ثلث وعشرين سنة ‪ ،‬والربّ يوحي إل ّ‬
‫… ‪ :5‬وقيد قالوا لكيم ( النيبياء ) ‪ :‬توبوا الن ليرجيع كيل واحيد منكيم ‪ ،‬عين طُرقِه الشرّيرة ‪ ،‬وممارسياته الثيمية ‪،‬‬
‫… ‪ :6‬ول تضلوا وراء آلهية أخرى … عندئذ ل أُنزل بكيم أذىً ‪ :7 ،‬غيير أنكيم لم تسيمعوا لي ‪ ،‬بيل أثرتيم غيظيي‬
‫بميا جنتيه أيديكيم ‪ ،‬فاسيتجلبتم على أنفسيكم الشرّ ‪ :8 ،‬لذلك يقول الرب القديير ‪ :‬لنكيم عصييتم كلميي ‪ :9 ،‬فهيا أنيا‬
‫أُجنّد جمييع قبائل الشمال ‪ ،‬بقيادة نبوخيذ نصير عبدي ‪ ،‬وآتيي بهيا إلى هذه الرض ‪ ،‬فيجتاحونهيا ويهلكون جمييع‬
‫سيكّانها ‪ ،‬ميع سيائر الميم المحيطية بهيا ‪ ،‬وأجعلهيم مثار دهشية وصيفير ‪ ،‬وخرائب أبديية ‪ :10 ،‬وأُبييد مين بينهيم‬
‫أهازيييج الفرح والطرب ‪ … ،‬وضجيييج الرحييى ونور السييراج ‪ :11 ،‬فتصييبح هذه الرض بأسييرها قفرا خرابييا ‪،‬‬
‫وتُستعبد هذه المم لملك بابل ‪ ،‬طوال سبعين سنة ‪ :12 ،‬وفي ختام السبعين سنة أُعاقب ملك بابل وأمّته ‪ ،‬وأرض‬
‫الكلدانييين على إثمهيم ‪ ،‬وأُحولهيا إلى خراب أبديّي ‪ ،‬يقول الرب ‪ :13 ،‬وأُنفّذ فيي تلك الرض ‪ ،‬كيل القضاء الذي‬
‫ل ميا دوّن فيي هذا الكتاب ‪ ،‬وتنبيأ بيه إرمييا على جمييع الميم ‪ :14 ،‬إذ أنّي أمميا كثيرة وملوكيا‬
‫نطقيت بيه عليهيا ‪ ،‬ك ّ‬
‫عظماء يستعبدونهم أيضا ‪ ،‬وهكذا أُجازيهم بمقتضى أفعالهم ‪ ،‬وما جنته أيديهم من أعمال أثيمة " ‪.‬‬
‫يي نيص النبوءة فيي هذه الفقرة ‪ ،‬بالمقارنية ميع نيص النبوءة الصيلي فيي سيفر التثنيية ‪ ،‬هيو محيض افتراء وتزويير ‪،‬‬
‫فالكاتيب فيي الواقيع يسيرد تاريخيا لحداث بعيد وقوعهيا ‪ ،‬يحدّد فييه أسيماء وأمكنية وأزمنية ‪ ،‬ميع أنيه يحكيهيا بصييغة‬
‫المسيتقبل ‪ ،‬وفيي النهايية يسيكب بعضيا مين حقده الدفيين على بابيل وأهلهيا ‪ ،‬فاضحيا الثير النفسيي الذي كان يعترييه‬
‫ن هذا النص أُعيدت كتابته بالضافات من قبل مؤلفي التوراة بعد السبي البابلي ‪ ،‬فمثل‬ ‫عند كتابتها ‪ ،‬وهذا يؤكد أ ّ‬
‫سفر إشعياء يقول بأن الطائر الجارح سيأتي من المشرق ‪ ،‬وسفر إرمياء يقول أن نبوخذ نصر يأتي من الشمال ‪،‬‬
‫وفي الحقيقة ربما يكون كل المرين بناءً على نصوص التوراة صحيح ‪ ،‬ليكون خروج نبوخذ نصر من الشرق (‬
‫بابل ) ‪ ،‬وغزوه لمملكتهم من الشمال ( حماة ) ‪ ،‬أما جهة المخرج في المرة الولى لم تكن معروفة إل بعد تحقق‬
‫البعث ‪ ،‬فلذلك كانت الفقرة السابقة سردا تاريخيا ‪.‬‬

‫المرة الثانية وما بعدها ‪:‬‬


‫" ارمييا ‪ :3 :30 :‬هيا أيام مقبلة أر ّد فيهيا سيبي شعيبي … ‪ ،‬وأعيدهيم إلى الرض التيي أعطيتهيا لبائهيم فيرثونهيا ‪،‬‬
‫( ثم يقول ) ‪ :‬سمعنا صراخ رعب ‪ ،‬عم الفزع وانقرض السلم ‪ ، … ،‬ما أرهب ذلك اليوم ‪ ،‬إذ ل مثيل له ‪ ،‬هو‬
‫زمين ضييق على ذريية يعقوب ‪ ،‬ولكنهيا سيتنجو ‪ ،‬فيي ذلك اليوم ‪ ،‬يقول الرب القديير ‪ :‬أُحطّم أنيار أعناقهيم وأقطيع‬
‫رُبطَهيم ( أي أرفيع قيود العبوديية والذل عنهيم ) فل يسيتعبدهم غرييب فيميا بعيد ‪ ،‬بيل يعبدون الرب إلههيم ‪ ،‬وداود‬
‫ملكهيم الذي أُقيميه عليهيم ‪ … ،‬فيرجيع نسيل إسيرائيل ‪ ،‬ويطمئنّ ويسيتريح ‪ ،‬مين غيير أن يُضايقيه أحيد ‪ ، … ،‬فأُبيدُ‬
‫جمييع الميم التيي شتّتكَي بينهيا ‪ ،‬أمّي أنيت فل أُفنييك أُودّبيك بالحيق ‪ ،‬ول أُبرّئك تيبرئة كاملة ‪ ( ، … ،‬الخطاب موجّه‬
‫لورشلييم ) إن جرحيك ل شفاء له ‪ ،‬وضربتيك ل علج لهيا ‪ ،‬إذ ل يوجيد مين يدافيع عين دعواك ‪ ، … ،‬قيد نسييك‬
‫محبّوك ‪ ،‬وأهملوك إهمال ‪ ،‬لنيي ضربتيك كميا يُضربُي عدوّ ‪ ،‬وعاقبتكِي عقابَي مبغضٍي قاسٍي ‪ ،‬لن إثميك عظيمٌي‬
‫وخطاياك متكاثرة ‪ ، … ،‬لهذا أوقعتيك بالمحين ‪ ،‬ولكين سييأتي يوم يُفترس فييه جمييع مُفترسييك ‪ ،‬ويذهيب جمييع‬
‫مضايقيك إلى السبي ‪ ،‬ويصبح ناهبيك منهوبين ‪ ،‬لني أردّ لك عافيتك وأُبرئ جراحك " ‪.‬‬
‫ي هذه الفقرة تتحدث عن المرة الثانية وعقابهم الثاني ‪ ،‬وهذا النص منقول كامل مع حذف بعض العبارات الزائدة‬
‫كعبارة يقول الرب أو ما شابه ‪ ،‬فانظر ماذا أضافوا إليها ‪ ،‬لقد أضاعوا الحقيقة وظلموا أجيالهم القادمة من حيث‬
‫ل يعلمون ‪ ،‬فكذبوا الكذبة وصدّقها أبنائهم ‪ ،‬وأصبحت من صميم معتقداتهم ‪ ،‬فالمعاصرين من اليهود والنصارى‬
‫يتعاملون مع كل نصوص التوراة بغثها وسمينها ‪ ،‬على أنها من عند ال ‪ ،‬وأن ل مجال لتكذيبها ‪ .‬وما أُضيف إلى‬
‫‪131‬‬
‫هذه النبوءة المسيتقبلية ‪ ،‬كميا يعتبرونهيا هيم هيو كيل ميا تحتيه خيط ‪ .‬وأخطير ميا فيي هذه الضافية هيو تفسييرهم‬
‫المعاصر لها ‪.‬‬

‫نبوءات حزقيال المستقبلية‬


‫حزقيال هيو ثالث النيبياء الكبار ‪ ،‬ويقال أنيه أحيد الذيين سيُبوا إلى بابيل ‪ ،‬ويحتوي كتابيه على كثيير مين النبوءات‬
‫المسيتقبلية ‪ ،‬فيميا يخيص عودة اليهود الثانية ‪ ،‬وأحداث آخر الزمان وما سيقع فيها من حروب ‪ ،‬وهذا الكتاب وميا‬
‫يأتي بعده في الترتيب من كتب أنبياء التوراة ‪ ،‬أصبح مادة دسمة للباحثين في القرن الماضي ‪ ،‬فيما يتعلّق بأحداث‬
‫آخير الزمان ‪ ،‬كنهايية اليهود والحرب والعالميية الثالثية وظروفهيا ونتائجهيا ‪ ،‬وعودة المسييح الثانيية إلى الرض ‪،‬‬
‫وفيما يلي عرض لنبوءاته حسب تسلسلها في التوراة ‪ ،‬الذي كما يبدو حافظ عليه كتبة التوراة ‪.‬‬

‫تأكيد الوعد بالعقاب وتبيان أسبابه وغاياته ‪:‬‬


‫" حزقيال ‪ :5 :5 :‬هذه هي أورشليم التي أقمتها في وسط الشعوب … ‪ ،‬فخالفت أحكامي بأش ّر مما خالفتها المم‬
‫… لذلك من حيث أنكم تمرّدتم أكثر من المم المحيطة بكم ‪ ، … ،‬ها أنا أنقلب عليك يا أورشليم ‪ ،‬وأجري عليك‬
‫قضاء على مشهد من المم ‪ ،‬فأصنع بك ما لم أصنعه من قبل ‪ ،‬وما لم أصنع مثله من بعد ‪ ،‬عقابا لك على جميع‬
‫سكّانك يموتون بالوبأ والجوع في‬
‫أرجاسك ‪ ، … ،‬فأنا أيضا أستأصل ‪ ،‬ول تترأف عليك عيني ول أعفو … ثُلث ُ‬
‫ن يُقتل حولك بالسيف ‪ ،‬وثُلث أخير أُشتّته بين المم ‪ ،‬وأتعقبه بسيف مسلول ‪ ،‬وهكذا أُنفّس عن‬
‫وسطك ‪ ،‬وثُلث ثا ٍ‬
‫غضبي ‪ ،‬ويخمد سخطي ‪ ،‬إذ أكون قد انتقمت … وأجعلك خرابا وعارا بين المم … أنا الرب قد قضيت " ‪.‬‬
‫ي هذا النص يؤكد مقتل ثلثي اليهود ‪ ،‬وشتات ثلث سيكون عرضة للقتل والتنكيل والضطهاد ‪.‬‬

‫نزول العقاب ببني إسرائيل في جميع مواطن إقامتهم ‪:‬‬


‫" حزقيال ‪ :3 :6 :‬ها أنا أجلب عليكم سيفا وأهدم مرتفعاتكم ‪ ،‬فتصبح مذابحكم أطلل ‪ ، … ،‬وأطرح قتلكم أمام‬
‫أصنامكم ‪ ،‬وأُلقي جثث أبناء إسرائيل أمام أوثانهم ‪ ،‬وأذري عظامهم حول مذابحكم ‪ ،‬وحيثما تُقيمون تتحول مُدنكم‬
‫إلى أطلل ‪ … ،‬يموت البعيييد بالوبييأ ‪ ،‬والقريييب يصييرعه السيييف ‪ ،‬والباقييي منهييم والمُحاصيير تقضييي عليهييم‬
‫المجاعة ‪ ، … ،‬وأم ّد يدي عليهم في جميع مواطن إقامتهم " ‪.‬‬
‫ي هنا يؤكد نزول العقاب بهم على اختلف أمكنة إقامتهم ‪ ،‬ويؤكد بأن مدنهم التي يتواجدون فيها ستصبح خرابا ‪.‬‬

‫شدة العقاب وآثاره النفسية على البقية الناجية ‪:‬‬


‫" حزقيال ‪ :15 :7 :‬السيييف مُس يلّط ميين الخارج ‪ ،‬والوبييأ والجوع ميين الداخييل … أمييا الناجون منهييم ‪ ،‬فيلوذون‬
‫ل الركيب مائعية كالمياه ‪،‬‬
‫بالجبال كحمام الوديية ‪ ،‬يبكيي كيل واحيد منهيم على إثميه ‪ ،‬جمييع اليدي مسيترخية ‪ ،‬وك ّ‬
‫يتلفعون بالمسييوح ( الملبييس الخشنيية ) ‪ ،‬ويغشاهييم الرعييب ‪ ،‬ويكسييو العار وجوههييم جميعييا ‪ ،‬ويطغييى القرَع‬
‫( الصيلع ) على رؤوسيهم ‪ .‬ويطرحون فضّتهيم فيي الشوارع ‪ ،‬ويضحيي ذهبهيم نجاسية ‪ ،‬وتعجيز فضتهيم وذهبهيم‬
‫عن إنقاذهم في يوم غضب الرب " ‪.‬‬

‫الوعد بالعودة إلى فلسطين من الشتات ‪:‬‬


‫ي بكلمته ‪ ،‬قائل ‪ :‬يا ابن آدم ‪ ،‬قل لخوتك وأقربائك وسائر شعب إسرائيل ‪،‬‬ ‫" حزقيال ‪ 14 :11 :‬ثم أوحى الرب إل ّ‬
‫في الشتات معك ‪ ،‬الذين قال لهم سكان أورشليم ‪ :‬ابتعدوا عن الرب ‪ ،‬لنا قد وهبت هذه الرض ميراثا ‪ .‬ولكن إن‬
‫كنت ‪ ،‬قد فرّقتهم بين المم ‪ ،‬وشتّتهم بين البلد ‪ ،‬فإني أكون لهم مَقدِسا صغيرا ‪ ،‬في الراضي التي تبدّدوا فيها ‪.‬‬
‫لذلك قيل لهيم ‪ :‬سيأجمعكم مين بيين الشعوب ‪ ،‬وأحشدكيم مين الراضيي التيي شتّتكيم فيهيا ‪ ،‬وأهبكيم أرض إسيرائيل ‪.‬‬
‫وعندميا يُقبلون إليهيا ينتزعون منهيا جمييع أوثانهيا الممقوتية ورجاسياتها ( أي الحسيان والصيلح بترك أوثانهيم‬
‫وأرجاسييهم ‪ ،‬ولكنهييم عملوا ويعملون على انتزاع الفلسييطينيين وهدم أوثانهييم المقدسيية ) ‪ ،‬أعطيهييم جميعييا قلبييا‬
‫‪132‬‬
‫واحدا ‪ ،‬وأجعل في دواخلهم روحا جديدا ‪ ،‬وأنزع قلب الحجر من لحمهم ‪ ،‬وأستبدله بقلب من لحم ‪ ،‬لكي يسلكوا‬
‫فيي فرائضيي ‪ ،‬ويطيعوا أحكاميي ويعملوا بهيا ‪ ،‬ويكونون لي شعبيا وأنيا أكون لهيم إلهيا ‪ .‬يقول السييّد الرب ‪ :‬أمّا‬
‫طرُقهم على رؤوسهم ( فإن أحسنوا فلها‬ ‫الذين ضلّت قلوبهم وراء أوثانهم ورجاساتهم ‪ ،‬فإني أجعلهم يلقَوْن عقاب ُ‬
‫وإن أساءوا فعليها ) " ‪.‬‬

‫الحث على الحسان والتوبة والرجوع إلى ال ‪ ،‬لنها السبيل الوحيد للنجاة ‪:‬‬
‫" حزقيال ‪ :32-29 :18 :‬يقول السييد الرب ‪ :‬وميع ذلك يقول بييت إسيرائيل إنّي طرييق الرب غيير عادلة ‪ ،‬أطرقيي‬
‫غير عادلة يا بيت إسرائيل ؟! أليست طرقكم هي المعوجّة ؟! لذلك أُدينكم يا شعب إسرائيل ‪ ،‬كل واحد بمُقتضى‬
‫طُرُقه ‪ .‬يقول السيد الرب ‪ :‬توبوا وارجعوا عن ذنوبكم كلّها ‪ ،‬فل يكون لكم الثم معثرة هلك ‪ .‬اطرحوا عنكم كل‬
‫ذنوبكيم ‪ ،‬واحصيلوا لنفسيكم على قلب جدييد وروح جديدة ‪ ،‬فلماذا تموتون ييا شعيب إسيرائيل ؟! إذ ل أُسيرّ بموت‬
‫أحد ‪ ،‬فتوبوا واحيوا " ‪.‬‬
‫يي يؤكيد النيص على فسيادهم على الدوام ‪ ،‬وأنهيم ل يعترفون بذلك ‪ ،‬بيل يدّعون بأن الرب غيير عادل بعقابهيم على‬
‫فسادهم ‪ ،‬كما ويحضّهم النص على التوبة والعودة ‪ ،‬ويُحذّرهم من الهلك إن لم يفعلوا ‪.‬‬

‫التحذير المُسبق من الغترار بالقوة ‪ ،‬ومن الستهانة بما أنذرهم ال به ‪:‬‬


‫" حزقيال ‪ :16-6 :21 :‬يقول السييد الرب ‪ :‬أمّا أنيت ييا ابين آدم ‪ ،‬فتنهّد بقلب مُنكسير وحزن ومرارة ‪ ،‬فإن سيألوك‬
‫على ماذا تتنهّيد ؟ تجيبهييم ‪ :‬على الخبار الواردة التييي تُذيييب كييل قلب ‪ ،‬فتسييترخي اليدي ويعتري القنوط كييل‬
‫ي بكلمته قائل ‪ :‬يا ابن آدم ‪ ،‬تنبّأ‬
‫روح ‪ ،‬وتصبح الركب كالماء ‪ ،‬ها هي الخبار واردة ول بد أن تتم ‪ .‬وأوحى إل ّ‬
‫ن للذبح المُبرم ‪ ،‬وصقل ليومض بالبريق ‪ ،‬فهل‬ ‫وقل ‪ :‬هذا ما يُعلنه الرب ‪ :‬سيفٌ ‪ ،‬سيفٌ قد تم سنّه وصقله ‪ ،‬قد سٌ ّ‬
‫نبتهج قائلين ‪ :‬عصا ابني ( البن إسرائيل الدولة ‪ ،‬والعصا كناية عن القوة ) تحتقر كل قضيب ؟! ( بمعنى فهل‬
‫نسخر من هذا السيف ونستهزئ بجبروته مغترّين بقوتنا ) ‪ ،‬وقد أُعطي السيف ليصقل ويجرّد بالكف ‪ ،‬وها هو‬
‫بعييد سينّه وصييقله يُسيلّم ليييد القاتييل ‪ ،‬اصييرخ واعول يييا ابيين آدم ‪ ،‬لنييه يتسيلّط على شعييبي ‪ ،‬وعلى كييل رؤسيياء‬
‫إسيرائيل ‪ ،‬يتعرّض شعيبي لهوال مين جراء هذا السييف ‪ ،‬لذلك اضرب على صيدرك فزعيا ( ندبيا ) ‪ .‬يقول السييد‬
‫الرب ‪ :‬لنه امتحان ( وجود إسيرائيل فيي فلسطين ) ‪ ،‬وماذا يحدث إن لم تُقبل العصا المُحتقرِة ( الُمزدرِية ‪ ،‬غير‬
‫البهة بالعقاب ) ؟! ( بمعنى ماذا ستكون عاقبتها ‪ ،‬إذا رسبت بالمتحان اللهي ) ‪ .‬أنا الرب قد تكلّمت ( قضيت )‬
‫‪ :‬فتنبيأ ييا ابين آدم ‪ ،‬واصيفق كفيا على كيف ‪ ،‬وليضرب السييف مرتيّن ‪ ،‬بيل ثلث مرّات ‪ ،‬إنيه سييف القتلى ‪ ،‬سييف‬
‫المجزرة العظيمة المُحدّقة بهم ‪ ،‬لكي تذوب القلوب ‪ ،‬ليتهاوى كثيرون عند كل بواباتهم ‪ ،‬لهذا جرّدت سيفا متقلبا‬
‫برّاقا مصقول للذبح ‪ .‬فيا سيف اجرح يمينا ‪ ،‬اجرح شمال ‪ ،‬اجرح حيثما توجّه حدّك ‪ ،‬وأنا أيضا أُصفّق بكفي ‪،‬‬
‫وأُسكن غضبي " ‪.‬‬
‫يي هذا النيص يصيف الجبين اليهودي وحالة الرعيب التيي سيتصيبهم ‪ ،‬عندميا يدخيل عليهيم هذا السييف الذي يعرفونيه‬
‫جيدا ‪ ،‬والذي مزّق أجسادهم ش ّر مُمزق ذات مرّة ‪ .‬ويحذّر النص من الستهزاء بهذا السيف ‪ ،‬والغترار بالقوة ‪،‬‬
‫لنيه سييف مين صينع ال ‪ ،‬وسييسلّم لييد القاتيل فيي الموعيد المُحدّد ‪ ،‬ويؤكيد أن الرسيوب فيي المتحان أي الفسياد ‪،‬‬
‫معناه نفاذ القضاء بوقوع المجزرة ‪.‬‬

‫من أرض واحدة يخرج البعثان ‪:‬‬


‫ب بكلمته قائل ‪ :‬أمّا أنت يا ابن آدم ‪ ،‬فخطّط طريقين لزحف ملك بابل ‪ .‬من‬ ‫" حزقيال ‪ :19 :21 :‬وأوحى إل يّ الر ّ‬
‫أرض واحدة تخرج الطريقان [ وأنيت ييا ابين آدم ‪ ،‬عيّن لنفسيك طريقيين ‪ ،‬لمجييء سييف ملك بابيل ‪ ،‬مين أرض‬
‫واحدة تخرج الثنتان ] ( النيص الثانيي مين النسيخة الخرى ) ‪ ، ... ،‬لنكيم ذكّرتيم بإثمكيم ‪ ،‬إذ انكشيف تمردكيم ‪،‬‬
‫فتجلّت خطاياكييم فييي كييل مييا ارتكبتموه ميين أعمال ‪ ،‬لهذا إذ ذكّرتييم بأنفسييكم ‪ ،‬يُقبييض عليكييم باليييد ‪ ،‬وأنييت أيّهييا‬
‫المطعون الثييم ‪ ،‬ملك إسيرائيل ‪ ،‬ييا مين أزِف يوميه فيي سياعة العقاب النهائي ‪ ،‬اخلع العمامية وانزع التاج ‪ ،‬فلن‬
‫يبقيى الحال كسيالف العهيد بيه ‪ ،‬ارفيع الوضييع ‪ ،‬وضيع الرفييع ( اجعيل الوضييع عالييا ‪ ،‬والعالي وضيعيا ) ‪ ،‬هيا أنيا‬
‫‪133‬‬
‫أقلبه ‪ ،‬أقلبه ‪ ،‬أقلبه ‪ ،‬حتى ل يبقى منه أثر ( تاج الملك ) إلى أن يأتي صاحب الحكم ‪ ،‬فأعطيه إياه ( للذي يأتي من‬
‫ربوات القدس ) " ‪.‬‬
‫يي هذه النبوءة توضيح لهيم أن أرض الخروج الثانيي هيي بابيل ‪ ،‬بميا ل يدع مجال للشيك ‪ ،‬وأن البعيث عقاب لهيم‬
‫لفسيادهم ‪ ،‬وأن ملكهيم سييزول ل محالة ‪ ،‬وأن تاج المُلك سييُعطى لصياحبه عندميا يأتيي مين ربوات القدس ‪ ،‬وهيي‬
‫النبوءة الرابعيية والخيرة التييي أخييبر عنهييا موسييى عليييه السييلم قبييل موتييه ‪ .‬وبمييا أنهييم ل يفقهون ول يعلمون ‪،‬‬
‫وعقولهييم وقلوبهييم كالحجارة أو أش ّد قسييوة ‪ ،‬فهييم ل يتقبّلون فكرة زوال ملكهييم ‪ ،‬وذهاب الملك لغييير شعييب ال‬
‫المُختار وأبناء ال وأحبائه ‪ ،‬حسيب ميا علّمهيم كهنتهيم وأحبارهيم ‪ ،‬لذلك فهيم سييعملون المسيتحيل للمحافظية على‬
‫بقائهيم فيي فلسيطين ‪ ،‬بغيض النظير عين إفسيادهم فيهيا ‪ ،‬ليخرج هذا الملك التوراتيي المُنتظير فيهيم ‪ ،‬ليحكموا العالم‬
‫من خلله إلى البد ‪.‬‬

‫وصف الفساد والعقاب في المرة الثانية ‪:‬‬


‫" حزقيال ‪ :17-2 :22 :‬وأوحيى إليّي الربّي بكلمتيه قائل ‪ :‬وأنيت ييا ابين آدم ‪ ،‬أتُديين المدينية السيافكة الدماء ؟! إذاً‬
‫عرفّها بكل رجاساتها ( أي بيّن صفة إفسادها ) ‪ ،‬وقل ‪ :‬هذا ما يُعلنه السيد الرب ‪ :‬أيّتها المدينة التي تسفك الدماء‬
‫في وسطها ‪ ،‬لتستجلب العقاب على نفسها ‪ ، … ،‬قد أثمت بما سفكت من دماء ‪ ،‬وتنجّست بما عملت من أصنامك‬
‫‪ .‬قيد قرّبتي يوم دينونتيك ‪ ،‬وبلغتِي منتهيى أياميك ‪ ،‬لذلك جعلتيك عارا عنيد الميم ‪ ،‬ومثار سيخرية لجمييع البلدان ‪،‬‬
‫… ‪ ،‬أنت يا نجسة ‪ ،‬يا كثيرة الشغب ‪ ،‬هو ذا كل واحد من رؤساء إسيرائيل ‪ ،‬ممن كانوا فيك ‪ ،‬انهميك في سفك‬
‫الدماء على قدر طاقتييه ‪ .‬فيييك اسييتخفّوا بأب وأم ‪ ،‬واضطهدوا اليتيييم والرملة ‪ ،‬احتقرتِي مُقدّسيياتي ونجّسييت أيام‬
‫سيييبوتي ‪ .‬أقام فييييك وشاة عملوا على سيييفك الدم ‪ ،‬وأكلوا أمام الصييينام على الجبال ‪ ،‬وارتكبوا فيييي وسيييطك‬
‫الموبقات ‪ ، … ،‬أخذت الربا ومال الحرام ‪ ،‬وسلبت أقربائك ظُلما ونسيتني " ‪.‬‬
‫" حزقيال ‪ :16-13 :22 :‬ها أنا قد صفّقت بكفي من جرّاء ‪ ،‬ما حصلت عليه من ربح حرام ‪ ،‬وما سُفك من دم في‬
‫وسطك ‪ .‬فهل يصمد قلبك أو تحتفظ يداك بقوتهما ‪ ،‬في اليام التي أتعامل معك فيها ؟! أنا الرب قد تكلّمت ‪ ،‬وأُتمم‬
‫ميا أنطيق بيه ‪ .‬سيأُشتتك بيين الميم وأُبعثرك بيين البلدان ‪ ،‬وأزييل نجاسيتك منيك ‪ ،‬وتتدنّسيين بنفسيك على مرأى مين‬
‫المم ‪ ،‬وتدركين أنّي أنا الرب " ‪.‬‬
‫" حزقيال ‪ :31-23 :22 :‬وأوحيى إليّي الرب بكلمتيه قائل ‪ :‬ييا ابين آدم ‪ ،‬تنبيأ وقيل لهيا أنيت أرض ‪ ،‬لم تتطهّري ولم‬
‫يُمطر عليها في يوم الغضب ‪ ، ... ،‬خالف كهنتها شريعتي ‪ ،‬ونجّسوا مقادسي ‪ ،‬لم يُميّزوا بين المُقدّس والرجس ‪،‬‬
‫ولم يعلموا الفرق بين الطاهر والنّجس ‪ ،‬رؤساؤها فيها كذئاب خاطفة ‪ ،‬تُمزّق فرائسها ‪ ،‬إذ يسفكون دماء الناس ‪،‬‬
‫في سبيل الربح الحرام ‪ ،‬وأنبياؤها ( أي المتنبئون الجدد كعوفاديا يوسف ) يرَوْن لها رؤى باطلة ‪ ، … ،‬قائلين ‪:‬‬
‫هذا ميييا يعلنيييه الرب ‪ -‬ميييع أن الرب لم يعلن شيئا ‪َ : -‬أفِرطوا فيييي ظلم شعيييب الرض ‪ ،‬فاغتصيييبوا سيييالبين ‪،‬‬
‫واضطهدوا الفقييير والمسييكين ‪ ،‬وظلموا الغريييب جورا ‪ .‬فالتمسييت ميين بينهييم رجل واحدا ‪ ،‬يبنييي جدارا ( رجل‬
‫مُصلحاً ) ‪ ،‬ويقف في الثغرة أمامي ‪ ،‬حتى ل أُخربها فلم أجد ‪ .‬فصببت سخطي عليهم ‪ ،‬والتهمتهم بنار غضبي ‪،‬‬
‫جازيتهم بحسب طرقهم ‪ ،‬يقول السيد الرب " ‪.‬‬
‫يي هذه النصيوص تصيف إفسياد دولة اليهود الحاليية بدقية متناهيية ‪ ،‬وكأنهيا تُسيجّل وقائع عاينهيا الراوي ‪ ،‬وتؤكيد أن‬
‫الهلك والخراب واقع بهم ل محالة ‪ ،‬عندما تبلغ هذه الدولة منتهى أيامها ‪.‬‬

‫خراب أمريكا بعد زوال إسرائيل ‪:‬‬


‫في الصحاحات ( ‪ ، ) 28 ، 27 ، 26‬تجد وصفا تفصيليا لمدينة سمّاها كتبة التوراة ( صور ‪ :‬مدينة ساحلية لبنانية‬
‫) نلخّص صفات هذه المدينة ومميزاتها بما يلي ‪:‬‬
‫سكّانها على البحر ‪.‬‬
‫‪.1‬مُسيطرة هي و ُ‬
‫‪.2‬تُرعب جميع جيرانها ‪.‬‬
‫‪.3‬تاجرة الشعوب وكاملة الجمال ‪.‬‬
‫‪134‬‬
‫‪.4‬تقبع في قلب البحار ‪.‬‬
‫‪.5‬تأتيها السفن التجارية من كل مكان ‪.‬‬
‫‪.6‬شعبها وجيشها خليط من أمم أخرى ‪.‬‬
‫‪.7‬تتمتع بكونها مركز للتجارة العالمية ‪.‬‬
‫ي وهذه الوصاف ل تنطبق إل على أمريكا كدولة أو على ( نيويورك ) كمدينة ‪ ،‬وأما صفة عقابها فهي كما يلي ‪:‬‬
‫‪.1‬دمارها سيتحصل بريح شرقية ( أي من الشرق ) ‪.‬‬
‫‪.2‬اندلع النيران في وسطها ‪.‬‬
‫‪.3‬تحوّلها إلى رماد ‪.‬‬
‫‪.4‬مصيرها الغرق ولن يبقى منها أثر ‪.‬‬
‫‪.5‬القائمون على خرابها غرباء من أعتى المم ‪.‬‬
‫ي وأما أسباب الغضب اللهي عليها وعلى ملكها فهي ‪:‬‬
‫‪.1‬تنصيب ملكها لنفسه كإله للبشر ‪.‬‬
‫‪.2‬تربعه في مجلس اللهة في قلب البحار ‪.‬‬
‫‪.3‬الدعاء بامتلكه حكمة اللهة ‪.‬‬
‫‪.4‬الستحواذ على الذهب والفضة وادّخارها ‪.‬‬
‫‪.5‬مضاعفة الثروة بمهارتها في التجارة ‪.‬‬
‫‪.6‬التجارة الظالمة ‪.‬‬
‫‪.7‬البهاء والجلل والتكبر والستعلء لفرط الغنى ‪.‬‬
‫ي وفي النص التالي تسمية أخرى لها هي مصر ‪:‬‬
‫" حزقيال ‪ :16-3 :29 :‬هيا أن أنقلب علييك ييا فرعون ملك مصير ‪ ،‬أيهيا التمسياح الكامين فيي وسيط أنهاره ‪… ،‬‬
‫وأُخرجك قسرا من أنهارك ‪ ،‬وأسماكها ما برحت عالقة بحراشفك ‪ ،‬وأهجرك في البرية ‪ ،‬مع جميع سمك أنهارك‬
‫‪ ،‬فتتهاوى على سيطح أرض الصيحراء ‪ ،‬فل تُجميع ول تُلمّي ‪ ،‬بيل تكون قوتيا لوحوش البرّ وطيور السيماء ‪ .‬فيُدرك‬
‫عكّاز قصيبٍ هش ًة لبنيي إسيرائيل ‪ ،‬ميا أن اعتمدوا علييك بأكفهيم ‪ ،‬حتيى‬‫كيل أهيل مصير أنيي أنيا الرب ‪ ،‬لنّهيم كانوا ُ‬
‫ل متونهييم ‪ .‬لذلك هييا أنييا أجلب سيييفا ‪،‬‬
‫انكسييرت ومزّقييت أكتافهييم ‪ ،‬وعندمييا توكّأوا عليييك ‪ ،‬تحطّمييت وقصييفت ك ّ‬
‫ل مدنهيا‬‫وأسيتأصل منيك النسيان والحيوان ‪ ،‬وأجعيل ديار مصير ‪ ،‬الكثير وحشية بيين الراضيي المقفرة ‪ ،‬وتظ ّ‬
‫الكثير خرابيا بيين المدن الخربية … وأجعلهيم أقليية لئل يتسيلطوا على الشعوب ‪ ،‬فل تكون بعيد ‪ ،‬موضيع اعتماد‬
‫لبني إسرائيل ‪ ،‬بل تُذكّرهم بإثمهم حين ضلّوا وراءهم … "‬
‫ي قد يظن القارئ للوهلة الولى أن هذا النص يتنبأ بخراب مصر ‪ ،‬ولكن بعد إمعان النظر في العلقة ما بين هذا‬
‫الفرعون وبيين اليهود ‪ ،‬الموضّحية بميا تحتيه خيط ‪ ،‬سيتجد أن المقصيود بهذا النيص هيم فراعنية هذا العصير أمريكيا‬
‫ومين شايعهيا ‪ ،‬وعلى ميا يبدو أن المقصيود بالتمسياح هيو السيطول ‪ ،‬والمقصيود بالسيماك هيو السيفن الحربيية ‪،‬‬
‫والمقصييود بالنهار هييي البحار التييي تنشيير فيهييا القوات البحرييية المريكييية ‪ ،‬وعلى مييا يبدو أن السيياطيل‬
‫المريكيية ‪ ،‬سيتخرج وتجتميع فيي مكان ميا ( ربميا البحير المتوسيط ) ‪ ،‬بعيد إنهاء الوجود اليهودي فيي فلسيطين ‪،‬‬
‫لتلقي مصيرها المحتوم الذي يُخبر عنه هذا النص ‪.‬‬
‫يي وفيي نصيوص أخرى ربميا نوردهيا لحقيا ‪ ،‬سيتجد أن هناك تسيميات أخرى ‪ ،‬اسيتخدمها كتبية التوراة والنجييل‬
‫لنفس المدينة ‪ ،‬كبابل الجديدة وبابل العُظمى كناية عن دولة عظمى ‪ ،‬سيتزامن وجودها مع ظهور الدولة اليهودية‬
‫في فلسطين ‪.‬‬
‫‪135‬‬
‫تحالف أعداء ال ضد اليهود والنصارى ‪:‬‬
‫" حزقيال ‪ : -18 :29 :‬يا ابن آدم ‪ :‬إنّ نبوخذ نصّر ملك بابل ‪ ،‬قد سخّر جيشا أشدّ تسخير ‪ ،‬ضدّ صور فأصبحت‬
‫كل رأس من رؤوس جنوده صلعاء ‪ ،‬وكل كتف مُجرّدة من الثياب ‪ ،‬ولكن لم يغنم هو ول جيشه شيئا من صور ‪،‬‬
‫رغم ما كابده من جهد للستيلء عليها ‪ .‬لذلك … ‪ ،‬ها أنا أبذل ديار مصر لنبوخذ نصر ملك بابل ‪ ،‬فيستولي على‬
‫ثروتها ‪ ،‬ويسلبها غنائمها وينهبها ‪ ،‬فتكون هذه أُجر ًة لجيشه " ‪.‬‬
‫" حزقيال ‪ :13-1 :30 :‬وأوحيى إليّي الرب بكلمتيه قائل ‪ :‬ييا ابين آدم تنبّأ ‪ ،‬وقيل ‪ ، … :‬إنّي يوم الربّي بات وشيكيا ‪،‬‬
‫… ‪ ،‬إنّه يوم مُكفه ّر بالغيوم ‪ ،‬سياعة دينونية ( نهايية ) للميم ‪ ،‬إذ يُجرّد سييف على مصير ‪ ،‬فيعُمّي الذعير الشدييد‬
‫إثيوبييا ‪ ،‬عندميا يتهاوى قتلى مصير ‪ ،‬ويسيتولي على ثروتهيا ‪ ،‬وتُنقيض أُسيسها ‪ .‬ثيم تسيقط معهيم بالسييف ‪ ،‬إثيوبييا‬
‫سكّانها من مجدل إلى‬ ‫وفوط ولود ‪ ،‬وشبه الجزيرة العربية وليبيا ‪ ،‬وشعوب الرض المُتحالفة معهم … فيتهاوى ُ‬
‫أسوان ‪ ...‬فتُصبح أكثر الراضي المُقفرة وحشة ‪ ،‬وتُضحي مُدنها أكثر المُدن خرابا … في يوم هلك مصر الذي‬
‫ل بد أن يتحقّق ‪.‬‬
‫لني سأفني جماهير مصر بيد نبوخذ ن صّر ملك بابل ‪ ،‬إذ يُقبل بجيشه ‪ ،‬أعتى جيوش المم لخراب ديار مصر ‪،‬‬
‫فيُجرّدون عليهييا سيييوفهم ‪ ،‬ويملئون أرضهييا بالقتلى ‪ ،‬وأُجفّف مجاري نهيير النيييل ‪ ،‬وأبيييع الرض لقوم أشرار ‪،‬‬
‫وأُخرّب البلد فيها بيد الغرباء ‪ ،‬أنا الر بّ قد قضيت ‪ .‬ث مّ أُحطّم الصنام ‪ ،‬وأُزيل الوثان من ممفيس ‪ ،‬ول يبقى‬
‫بعد ‪ ،‬رئيس في ديار مصر ‪ ،‬وأُلقي فيها الرعب " ‪.‬‬
‫ي الرب بكلمته قائل ‪ :‬يا ابن آدم ‪ ،‬ولول على جند مصر ‪ ، … ،‬يسقطون صرعى وسط‬ ‫" ‪ :18-30 :32‬وأوحى إل ّ‬
‫قتلى السيف ‪ .‬قد أسلمت مصر للسيف ‪ ،‬وأسروها مع كل حلفائها ‪ ،‬وهناك أشور ( سوريا ) وقومه ‪ … ،‬وحلفاؤه‬
‫‪ .… ،‬وهناك أيضيييا عيلم ( أفغانسيييتان ) وحلفاؤهيييا … وهناك أيضيييا ماشيييك وتوبال ( مدن روسيييية ) ‪ ،‬وكلّ‬
‫حلفائهما ‪ … ،‬وهناك أيضا أدوم ( الردن ) وملوكها ورؤسائها ‪ … ،‬وهناك أُمراء الشمال ‪ ،‬وكل الصيدونيين (‬
‫اللبنانيين ) ‪ … ،‬أولئك الذين أشاعوا الرعب في أرض الحياء ‪ ، … ،‬كلهم قتلى ‪ ،‬وصرعى السيف " ‪.‬‬
‫ي هذه الفقرات الثلثة ‪ ،‬مقتطعة من الصحاحات ( ‪ ) 32 ، 31 ، 30‬التي كرّرت بإسهاب ما جاء في الصحاح (‬
‫‪ ، ) 29‬وعلى ميا يبدو أن محتوى هذه الصيحاحات الثلثية ‪ ،‬قيد تناولتيه أقلم الكتبية بكثيير مين التبدييل والتحويير‬
‫والضافية ‪ ،‬وقيد أوردنيا هذه الفقرات لتعيينهيا بعيض الشعوب والدول ‪ ،‬التيي يعتبرهيا الغرب أعداءً ل ‪ ،‬الذي هيو‬
‫المسييح عنيد النصيارى ‪ .‬ويفترض الكثيير مين المفسيّرين الجدد للتوراة ‪ ،‬أن الدول المذكورة فيي هذه النصيوص ‪،‬‬
‫ستقوم بالتحالف مستقبل ‪ ،‬ومن ثم ستغزو إسرائيل وتنهي وجودها ‪ ،‬بقيادة مصر أو العراق أو روسيا منفردة أو‬
‫مجتمعية ‪ ،‬مميا يتسيبب فيي مواجهية مصييرية كيبرى بيين الشرق والغرب ‪ ،‬يطلقون عليهيا تسيمية ( هرمجدون )‬
‫الحرب العالمية الثالثية ‪ ،‬ويجزمون بأن النصير سيكون فيهيا حلييف أحباء ال من اليهود والنصيارى ‪ ،‬على أعداءه‬
‫مين المسيلمين وغيرهيم ‪ ،‬وحتميية وقوع هذه الحرب المسيتقبلية ‪ ،‬أصيبحت فيي السينوات الخيرة ‪ ،‬حقيقية وعقيدة‬
‫راسيخة لدى عامية نصيارى الغرب وسياستهم المهووسيون بالنبوءات التوراتيية ‪ ،‬وهذا مميا سياهم فييه واسيتغلته‬
‫اليهود في أمريكا ‪ ،‬لدفع أمريكا لخوض هذه الحرب الوهمية ‪ ،‬التي فيها كل المصلحة ليهود الشرق والغرب ضد‬
‫العرب والمسلمين ‪ ،‬من قبل أن تبدأ ‪.‬‬
‫وقييد تكون هذه النصييوص فييي الحقيقيية ‪ ،‬تُخييبر عيين السييتعمار الغربييي لكييل البلدان العربييية والبلدان الخرى‬
‫المذكورة فيها ‪ ،‬أو تُخبر عن توحيد البلدان المذكورة بالقوة ‪ ،‬من قبل ورثة نبوخذ نصر الجدد ‪ ،‬بعد قيامهم بإنهاء‬
‫الوجود اليهودي في فلسطين ‪.‬‬

‫خراب الرض بعد خراب إسرائيل ‪:‬‬


‫" حزقيال ‪ :29-24 :33 :‬فأوحيى إليّي الرب بكلمتيه قائل ‪ :‬ييا ابين آدم ‪ ،‬إن المقيميين فيي خرائب أرض إسيرائيل ‪،‬‬
‫يقولون ‪ :‬إن إبراهييم كان فردا واحدا ‪ ،‬ومييع ذلك ورث الرض ‪ ،‬وهكذا نحين كثيرون ‪ ،‬وقيد وُهبييت لنيا الرض‬
‫ميراثيا ‪ .‬لذلك قيل لهيم أتأكلون اللحيم بالدم ‪ ،‬وتتعلّق عيونكيم بأصينامكم ‪ ،‬وتسيفكون الدّم ‪ ،‬فهيل ترثون الرض ؟!‬
‫اعتمدتم على سيوفكم ‪ ،‬وارتكبتم الموبقات ‪ ، … ،‬فهل ترثون الرض ؟! قل لهم ‪ :‬هذا ما يُعلنه الرب ‪ :‬إن الذين‬
‫‪136‬‬
‫يُقيمون فييي الخرائب ‪ ،‬يُقتلون بالسيييف ‪ .‬والذييين يسييكنون فييي العراء ‪ ،‬أبذلهييم قوتييا للوحوش ‪ .‬والمتمنّعون فييي‬
‫الحصون والمغاور يموتون بالوبأ ( يُفسّرونه على أنه السلح النووي والكيماوي ) ‪ .‬فأجعل الرض أطلل مُقفرة‬
‫ل كبريائها وعزّتها … فيُدركون أنّي أنا الرب ‪ ،‬حين أجعل الرض خربة مُقفرة ( وهذا ما ستُحدثه أسلحة‬ ‫‪ ،‬ويُذ ّ‬
‫الدمار الشامل التي يرتعبون منها لتوافقها مع ما جاءت به التوراة ) من جرّاء ما ارتكبوه من رجاسات " ‪.‬‬
‫ي وهذه النبوءة تؤكد زوال الدولة اليهودية بعد قيامها ‪ ،‬وذبح اليهود وتشريدهم وفنائهم ( بالنووي والكيماوي كما‬
‫يعتقدون ) ‪ ،‬وبالضافيية إلى ذلك تؤكييد خراب الرض إجمال ؟ ولكنهييم يرفضون هذه النبوءة جملة وتفصيييل ‪،‬‬
‫ويص يرّون على مخالفيية مييا جاء فيهييا ‪ ،‬ويبذلون قصييارى جهدهييم لمنييع تحقّقهييا ‪ .‬ولو طالعييت نصييوص التوراة‬
‫بمجملهيا ‪ ،‬سيتجد أنيه بعيد كيل مرة ‪ ،‬تُخيبر التوراة بحتميية نفاذ قضاء ( الرب ) فيي إسيرائيل وشعبهيا عنيد الفسياد ‪،‬‬
‫يُضيف ( كتبة التوراة ) نصوصا تفيد بأن ربهم دائما وأبدا يعود ويعفوا عنهم ‪ ،‬فيجمعهم من الرض التي شُتتوا‬
‫فيها ‪ ،‬ويعيدهم إلى أرض الميعاد التي وُهبت لهم ‪ ،‬فيّفسدون فيها ‪ ،‬فيُعذّبون ويُشتتون ‪ ،‬فيجمعهم ويعيدهم إليها ‪،‬‬
‫وهكذا دوالييك ‪ ( … ،‬حسيب ميا يشتهييه كتبية التوراة ) ‪ ،‬واليهود حتيى بعيد زوال دولتهيم الحاليية لن يسيتكينوا أو‬
‫يهدءوا ‪ ،‬طمعاً فيي تحصييل ذلك الملك البدي الذي يحلمون بيه ‪ ،‬وهيو ميا رسيم معالميه أقلمهيم الكهنية والحبار ‪،‬‬
‫في النص التالي ‪:‬‬

‫مَلِك القدس المنتظر من نسل إسماعيل ل من نسل داود ‪:‬‬


‫" حزقيال ‪ :28-21 :37 :‬وأوحيى إليّي الرب بكلمتيه قائل ‪ :‬ييا ابين آدم ‪ ، … ،‬وهيا أنيا أحشيد أبناء إسيرائيل مين بيين‬
‫الميم ‪ ،‬التيي تفرّقوا فيهيا ‪ ،‬وأجمعهيم مين كيل جهية ‪ ،‬وأُحضرهيم إلى أرضهيم ‪ ،‬وأجعلهيم أمية واحدة ‪ ، … ،‬تحيت‬
‫رئاسية ملك واحيد ‪ ، … ،‬ول ينقسيمون إلى مملكتيين ‪ .‬ول يتدنّسيون بعيد بأصينامهم ورجاسياتهم ‪ ،‬ول بأيّي مين‬
‫معاصيهم ‪ ،‬بيل أُخلّصيهم مين مواطين إثمهيم ‪ ،‬وأُطهّرهيم فيكونون لي شعبيا ‪ ،‬وأكون لهم إلها ‪ .‬ويُصيبح داود عبدي‬
‫ملكا عليهم ‪ ، … ،‬فيمارسون أحكامي ويُطيعون فرائضي ويعملون بمقتضاها ‪ .‬ويُقيمون في الرض التي وهبتها‬
‫لعبدي يعقوب ‪ ،‬التي سكن فيها آباؤهم ‪ ،‬فيستوطنون فيها ‪ ،‬هم وأبناؤهم وأحفادهم إلى البد ‪ ،‬ويكون عبدي داود‬
‫رئيسيا عليهيم مدى الدهير ‪ .‬وأُبرم معهيم ميثاق سيلم ‪ ،‬فيكون معهيم عهدا أبدييا ‪ ، … ،‬فتدرك الميم أنّي أنيا الرب‬
‫مُقدّس إسرائيل ‪ ،‬حين يكون مقدِسي قائما فيهم ( أي العبادة ل ‪ ،‬ولكنهم يُفسّرونها بإقامة الهيكل ) إلى البد " ‪.‬‬
‫يي هذه النبوءة المُحرّفية هيي ميا يسيير علييه اليهود منيذ أجيال وميا زالوا ‪ ،‬حييث أن كتبية هذا النيص اسيتخلصوا ميا‬
‫يُوافيق أهوائهيم وأطماعهيم ‪ ،‬مين مُجميل النبوءات السيابقة واللحقية وصيهروها فيي بوتقية واحدة ‪ ،‬وبات مين جاء‬
‫بعدهيم مين اليهود ليحملهيا ويعتقيد بهيا كحقيقية غيير قابلة للنقيض أو المناقشية ‪ ،‬فهيي نُسيبت إلى الرب ‪ .‬ومؤدى هذه‬
‫النبوءة يقول ‪ :‬أنه وعند مجيئهم من الشتات ( نبوءة العلو والفساد الثاني مع استثناء العقاب ‪ ،‬الذي طالما تحدّثت‬
‫عنه النصوص السابقة ) ‪ ،‬سيبعث ال لهم ملكا ( وجاءت شخصية هذا الملك من خلل تجميع النبوءات الخاصة‬
‫برسيولنا ‪ ،‬وعيسيى ‪ ،‬والدجّال ) ‪ ،‬وجعلوه مين نسيل داود ( مَِلكَهيم الول ) ‪ ،‬ويكون مُلكيه البدي هذا فيي فلسيطين‬
‫( يأتي من ربوات القدس ) ‪ ،‬وفي زمانه ينتشر الحقّ والعدل ( اليهوديين طبعا ) في أرجاء المعمورة ‪ .‬وعلى هذا‬
‫يعتقد عامة اليهود أن عودتهم الحالية هي العودة الخيرة والنهائية ‪ ،‬والتي ورد ذكرها في سورة السراء ‪ ،‬تحت‬
‫عدّتم عدنا ) وليست المرة الثانية ‪ ،‬التي سيتحقّق فيها وعد الخرة ‪ ،‬ولكن هذا العتقاد ليس يقينا بل‬ ‫عبارة ( وإن ُ‬
‫هناك نسبة من الشك ‪ ،‬وهذا الشكّ تولّد نتيجة التناقض في النصوص التوراتية ‪ ،‬فهم يعملون على الحتمال الول‬
‫مع عدم إغفالهم للحتمال الثاني ‪ .‬وحقيقة النص أعله تُخبر عن مُلك المهدي في القدس ‪ ،‬وهو من نسل إسماعيل‬
‫عليه الصلة والسلم ‪.‬‬

‫روسيا وحلفاؤها من نصارى الشرق يُهاجمون دولة السلم في زمن المهدي ‪:‬‬
‫" حزقيال ‪ :12-1 :38 :‬وأوحيى إليّي الرب بكلمتيه قائل ‪ :‬ييا ابين آدم ‪ ،‬التفيت بوجهيك نحيو جوج أرض ماجوج ‪،‬‬
‫رئييس روش ( روسييا ) ماشيك ( موسيكو ) وتوبال ‪ ،‬وتنبّأ علييه ‪ ،‬وقيل ‪ :‬هذا ميا يُعلنيه السييّد الرب ‪ :‬هيا أنيا أنقلب‬
‫عليك ‪ ،‬يا جوج رئيس روش وماشك وتوبال ‪ ،‬وأقهرك … ‪ ،‬وأطردك أنت وكل جيشك خيل وفرسانا ‪ ،‬وجميعهم‬
‫مُرتدون أفخر ثياب ‪ ،‬جمهورا غفيرا ‪ ،‬كلهم قابض سيف ‪ ،‬وحامل أتراس ومجانّ ‪ .‬ومن جملتهم ‪ ،‬رجال فارس (‬
‫إيران ) ‪ ،‬وإثيوبييا ( السيودان ) وفوط ‪ ، … ،‬وأيضيا جومير ( اليمين ‪ /‬أوروبيا الشرقيية ) وكيل جيوشيه ‪ ،‬وبييت‬
‫‪137‬‬
‫توجرمية ( بلد القوقاز الروسيية ‪ /‬الشيشان ) مين أقاصيي الشمال ميع كيل جيوشيه ‪ ،‬جيوش غفيرة اجتمعيت إلييك‬
‫( أي لرئيس روش ) ‪ .‬إذ بعد أيام كثيرة تُستدعى للقتال ‪ ،‬فتقبل في السنين الخيرة ( آخر الزمان ) ‪ ،‬إلى الرض‬
‫الناجيية مين السييف ( فلسيطين ) ‪ ،‬التيي تيم جميع أهلهيا مين بيين شعوب كثيرة ‪ ،‬فتأتيي مُندفعيا كزوبعية ‪ … ،‬أفكار‬
‫سيييوء تراودك ‪ ، … ،‬للسيييتيلء على السيييلب ‪ ،‬ونهيييب الغنائم ‪ ،‬ومهاجمييية الخرائب التيييي أصيييبحت آهلة ‪،‬‬
‫ولمحاربة الشعب المجتمع من بين المم ‪ ، … ،‬المُستوطن في مركز الرض " ‪.‬‬
‫ي هذا النص النبوي وقع فيه خلط كبير بين نبوءتين ‪ ،‬وحقيقة هذا النص تحكي وقائع الملحمة الكبرى ‪ ،‬التي ستقع‬
‫مستقبل بين الروس والعرب ‪ ،‬والتي سنتطرق لذكرها لحقا ‪ ،‬ولنكمل النص …‬

‫خروج يأجوج ومأجوج ونهايتهم عند وصولهم لمشارف مدينة القدس ‪:‬‬
‫"حزقيال ‪ :23-14 :38 :‬لذلك تنبّأ يا ابن آدم وقل لجوج ‪ ،‬هذا ما يُعلنه الرب ‪ :‬في ذلك اليوم عندما يسكن شعبي‬
‫إسرائيل آمنا … وتُقبل أنت من مقرّك في أقاصي الشمال ‪ ،‬مع جيوش غفيرة ‪ ،‬تغشى الرض ‪ ،‬كلّهم راكبو خيل‬
‫‪ … ،‬وتزحف على شعبي إسرائيل ‪ ،‬كسحابة تغطي الرض ‪ ،‬في اليام الخيرة ‪ ،‬أني آتي بك إلى أرضي ‪ ،‬لكي‬
‫تعرفنيي الشعوب ‪ ،‬عندميا تتجلّى قداسيتي ‪ ،‬حيين أُدمّرك ييا جوج أمام عيونهيم ‪ .‬هذا ميا يقوله السييد الرب ‪ :‬ألسيت‬
‫أنيت الذي ‪ ،‬تحدّثيت عنيه فيي اليام الغابرة ‪ ،‬على ألسينة عيبيدي أنيبياء إسيرائيل ‪ ،‬الذيين تنبّأوا فيي تلك اليام لسينين‬
‫ل رجيل ضدّ أخييه ‪ .‬وأُدينيه بالوباء وبالدم ‪،‬‬ ‫كثيرة ؟! … ‪ ،‬وأُسيلّط علييه السييف فيي كيل جبالي ‪ ،‬فيكون سييف ك ّ‬
‫وأُمطييير علييييه وجيوشيييه ‪ ،‬وعلى جموع حلفائه الغفيرة ‪ ،‬مطرا جارفيييا ‪ ،‬وبردا عظيميييا ‪ ،‬ونارا وكبريتيييا ‪… ،‬‬
‫فيدركون أنيي أنيا الرب … فيخرج سيكان مُدن إسيرائيل ( بعيد أن يكونوا قيد اعتصيموا منهيم فيي جبال القدس ) ‪،‬‬
‫ويحرقون السيلحة والمجانّي ‪ ،‬والترسية والقسييّ والسيهام ‪ ،‬والحراب والرماح ‪ ،‬ويوقدون بهيا النار سيبع سينين ‪،‬‬
‫وينهبون ناهبيهم ‪ ،‬ويسلبون سالبيهم " ‪.‬‬
‫يي مفاد هذه النبوءة والنبوءة السيابقة ‪ ،‬كميا يُفسيّره ويُأولّه الباحثون الجدد حديثيا مين اليهود والنصيارى ‪ ،‬أن روسييا‬
‫( جوج وماجوج ) وحلفائها ‪ ،‬ستقوم بغزو أرض إسرائيل ‪ ،‬عندئذٍ سيقف الرب بجانب إسرائيل وحلفائها فيكون‬
‫النصيير حليفهييم ‪ .‬والخلط الذي أوجده مؤلفييو التوارة ‪ ،‬بتكرار ذكيير يأجوج ومأجوج فييي نصييين مختلفييين ‪ ،‬دفييع‬
‫مفسيّري التوراة فيي الغرب للعتقاد بأن الروس هيم يأجوج ومأجوج ‪ ،‬والحقيقية التيي نعلمهيا نحين كمسيلمون أن‬
‫خروج يأجوج ومأجوج ‪ ،‬سيييقع بعييد زوال دولة إسييرائيل ‪ ،‬بييل بعييد ذبييح اليهود النهائي ‪ ،‬وبعييد خروج الدجال ‪،‬‬
‫ونزول عيسييى عليييه السييلم ‪ ،‬وأمييا غزو الروس لبلد الشام ‪ ،‬فسيييكون لقتال المسييلمين فييي زميين المهدي وقبييل‬
‫خروج الدجال ‪.‬‬

‫الطار العام للحداث المستقبلية حسب الترتيب الزمني لحزقيال ‪:‬‬


‫‪.1‬غزو الجيش العراقي لسرائيل وإنهاء وجود اليهود فيها ‪.‬‬
‫‪.2‬توحيد البلدان العربية تحت لواء واحد ‪.‬‬
‫‪.3‬خراب الرض في حرب عالمية نووية مُدمّرة بين معسكرين شرقي وغربي ‪.‬‬
‫‪.4‬نزول الخلفة السلمية في القدس ‪.‬‬
‫‪.5‬روسيا وحلفاؤها من نصارى الشرق يغزون دولة السلم في زمن المهدي ‪.‬‬
‫‪.6‬خروج يأجوج ومأجوج ونهايتهم عند وصولهم لمشارف مدينة القدس ‪.‬‬
‫ي هذه هي قراءتنا لنبوءات حزقيال ‪ ،‬من خلل معرفتنا بأحداث آخر الزمان مما ورد في القرآن والسنة ‪ ،‬أما فهم‬
‫النصييارى الجدد لهذه النبوءات فهيو فهييم مرتبييك ومضطرب ‪ ،‬إذ أنهييم عنيد تفسيييرها ل يُعيرون انتباهييا لترتيبهييا‬
‫الزمنيي كميا جاءت فيي سيفر حزقيال ‪ ،‬فمعظيم تفسييراتهم على اختلفهيا تذهيب إلى أن كيل هذه الحداث ‪ ،‬سيتتحقق‬
‫في زمن واحد متمثلة في حرب عالمية ثالثة ‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫رؤى دانيال ونبوءاته‬
‫دانيال هيو آخير النيبياء الكبار ‪ ،‬وأحيد الذيين سيُبوا إلى بابيل طفل ‪ ،‬وكتابيه فيي مُعظميه يشتميل على رؤى نبويية ‪،‬‬
‫تصف ما سيقع من أحداث في آخر الزمان ‪ ،‬وخاصّة فيما يتعلّق بقيام دولة اليهود الثانية وزوالها ‪ ،‬وعودة المسيح‬
‫عليه السلم ‪.‬‬

‫غزو العراق لسرائيل سيُشعل الحرب العالمية الثالثة ‪:‬‬


‫تفسير جبريل لحدى رؤى النبي دانيال ‪ " :‬دانيال ‪ :19 :8 :‬وقال ‪ :‬ها أن أُطلعك على ما سيحدث ‪ ،‬في آخر حقبة‬
‫الغضب ‪ ،‬ل نّ الرؤيا ترتبط بميعاد النتهاء [ وقت المُنتهى ] ‪ ،‬أن الكبش ذو القرنين الذي رأيته هو ملوك مادي‬
‫وفارس ( إيران والعراق ) ‪ ،‬والتيس الشعر هو ملك اليونان ( الغرب ) ‪ ،‬والقرن العظيم النابت بين عينيه ‪ ،‬هو‬
‫الملك الول وميا أن انكسير ‪ ،‬حتيى خلفيه أربعية عوضيا عنيه ‪ ،‬تقاسيموا مملكتيه ‪ ،‬ولكين لم يُماثلوه فيي قوتيه ‪ .‬وفيي‬
‫أواخير ملكهيم ‪ ،‬عندميا تبلغ المعاصيي أقصيى مداهيا ( عنيد اكتمال الظلم ) ‪ ،‬يقوم ملك فيظ حاذق وداهيية [ جافيي‬
‫الوجه وفاهم الحيل ] ( بعض المفسّرون يرون بأنه الرئيس العراقي ) ‪ ،‬فيُعظم شأنه ‪ ،‬إنما ليس بفضل قوّته ( أي‬
‫بقدرة ال ) ‪ .‬ويُس يبّب دمارا رهيبييا ( نتيجيية اسييتخدام أسييلحة الدمار الشامييل ) ‪ ،‬ويفلح فييي القضاء على القوياء‬
‫( أمريكييا والغرب ) ‪ ،‬ويقهيير شعييب ال ( اليهود ) ‪ .‬وبدهائه ومكره يُحقّيق مآربييه ‪ ،‬ويتكبّر فييي قلبييه ‪ ،‬ويُهلك‬
‫الكثيرين وهم في طمأنينة ‪ ،‬ويتمرّد على رئيس الرؤساء ‪ ،‬لكنه يتحطّم بغير يد النسان ( أي يموت موتا طبيعيا )‬
‫"‪.‬‬
‫ي يرى نوستراداموس ( المتنبئ الشهير ) قديما من خلل هذا النص ‪ ،‬أن نقطة البداية ( الشرارة ) للحرب العالمية‬
‫النهائية المدمّرة ‪ ،‬ستكون محصورة في ثلثة بلدان هي ( إيران والعراق وفلسطين ) أما أتباعه الجدد فيرون أن‬
‫هذه النبوءة تتحدث عين صيدام حسيين ‪ ،‬وغزوه لسيرائيل وتدميرهيا وإشعاله لنار الحرب العالميية الثالثية ‪ ،‬فتارة‬
‫يصيفونه بنبوخيذ نصير جدييد ‪ ،‬وتارة يصيفونه بصيلح الديين الجدييد ‪ ،‬وتارة بدجال آخير الزمان الذي يظهير فيي‬
‫إيران أو العراق ‪ ،‬وهذه النبوءة وتفسيراتها الحديثة مما يُفسر جانبا من العداء الغربي المرض يّ المزمن ‪ ،‬للعراق‬
‫وللعراقيين ولشخص الرئيس العراقي ‪.‬‬

‫فساد إسرائيل وإفسادها يؤكد حتمية زوالها ‪:‬‬


‫ل شعب إسرائيل على شريعتك ‪ ،‬وانحرفوا فلم يسمعوا صوتك ‪ ،‬فسكبت علينا اللعنة‬ ‫" دانيال ‪ :11 :9 :‬قد تعدّى ك ّ‬
‫وما أقسيمت أن توقعيه بنا ‪ ،‬كما ن صّت عليه شريعة موسيى عبد ال ‪ ،‬لننيا أخطأنا إليك ‪ .‬وقد نفذّت قضاءك الذي‬
‫قضييت بيه علينيا ‪ ،‬وعلى قضاتنيا الذيين تولّوا أمرنيا ‪ ،‬جالبيا علينيا على أورشلييم شرا عظيميا ‪ ،‬لم يحدث له مثييل‬
‫تحت السماء ‪ ، … .‬ولم [ نتضرّع إلى ] وجهك أيها الرب إلهنا ‪ ،‬تائبين عن آثامنا ومُتنبّهين لحقك ‪ ،‬فأضمرت لنا‬
‫العقاب ‪ ،‬وأوقعته بنا لنك إلهنا البارّ في كل أعمالك ‪ ،‬التي صنعتها لننا لم نستمع إليك "‪.‬‬
‫ي هنا يُخبر دانيال عن العقاب على اعتبار ما سيكون ‪ ،‬وبأنه قضاء كان موسى عليه السلم قد أخبر عنه في كتابه‬
‫‪ ،‬وموضحيا السيباب التيي أوجبيت العقاب ‪ ،‬وأن العقاب سييُرفع لو سيبقته التوبية ‪ ،‬ويقرّر دانيال أن ال عادل فيي‬
‫عقابه لشعبه المختار ‪.‬‬

‫قيام دولة اليهود الثانية ‪:‬‬


‫ص متداخل ‪ ،‬على ما يبدو أنه تكرار لنفس نص الرؤيا الولى أعله ‪ ،‬لم أستطع تتبّع‬ ‫ي النص التالي هو تكملة لن ّ‬
‫بداياتيه بدقية ‪ ،‬يتحدّث عين حروب وعين ملك ميا ‪ ،‬لم أسيتطع تحدييد ماهيتيه أو مخرجيه ‪ ،‬ولكين مين قراءة النيص‬
‫اللحيق ‪ ،‬يتيبين أنيه الذي تسيبب فيي زوال الحكيم السيلمي وقيام دولة إسيرائيل فيي فلسيطين ‪ .‬ويصيف هذا النيص‬
‫بدقية الواقيع الحالي لهيل فلسيطين وللعرب والمسيلمين إجمال ‪ ،‬ويحميل بشرى لهيم بالنصير والفرج مين عنيد ال ‪،‬‬
‫عندميا يحيين موعيد نهايية الدولة اليهوديية ‪ ،‬وميا كان عودة اليهود لفلسيطين إل امتحانيا ‪ ،‬ليمييز الطييب مين الخيبيث‬
‫والمؤمن من المنافق ‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫" دانيال ‪ :31 :11 :‬فتُهاجم بعض قوّاته حصن الهيكل وتنجّسه ‪ ،‬وتزيل المحرقة الدائمة ( أي الحكم السلمي ) ‪،‬‬
‫وتنصييب الرجييس المُخرّب ( أي دولة إسييرائيل ) ‪ .‬ويُغوي بالمُداهنيية المعتدييين على عهييد الرب ( اليهود ) ‪ ،‬أمّا‬
‫الشعيب ( الفلسيطينيون ) الذيين يعرفون إلههيم فإنّهيم يصيمدون ويُقاومون ‪ .‬والعارفون منهيم يُعلّمون كثيريين ‪ ،‬ميع‬
‫أنّهم يُقتلون بالسيف والنار ‪ ،‬ويتعرّضون للسر والنهب أيّاما ( سنين معدودة ) ‪ ،‬ول يتلقون عند سقوطهم ( قتلى‬
‫وجرحى ) إل عونا قليل ‪ ،‬وينض ّم إليهم كثيرون نفاقا ( حال العرب ) ‪ ،‬ويعثر بعض الحكماء تمحيصا لهم وتنقية‬
‫‪ ،‬حتى يأزف وقت النهاية ( نهاية إسرائيل ) ‪ ،‬في ميقات ال المعيّن ( أي عند مجيء وعد الخرة ) " ‪.‬‬

‫حتمية نهاية إسرائيل على يد العراقيين ‪:‬‬


‫" دانيال ‪ :36 :11 :‬ويصينع الملك ( ملك إسيرائيل ) ميا يطييب له ‪ ،‬ويتعظّم على كيل إله ويُجدّف بالعظائم على إله‬
‫اللهية ‪ ،‬ويُفلح إلى أن يحيين اكتمال الغضيب ‪ ،‬إذ ل بدّ أن يتيم ميا قضيى ال بيه ‪ ،‬ولن يبالي هذا الملك بآلهية آبائه ‪،‬‬
‫… ‪ ،‬إنّمييا يكرم إله الحصييون بدل منهييم ( أي يتّكييل على القوة ) ‪ . … ،‬وعندمييا تأزف النهاييية ‪ ،‬يُحاربييه ملك‬
‫الجنوب ‪ ،‬فينقضّ عليه ملك الشمال ‪ ،‬كالزوبعة بمركبات وفرسان وسفن كثيرة ‪ ،‬ويقتحم دياره كالطوفان الجارف‬
‫‪ .‬ويغزو أرض إسيرائيل ‪ ،‬فيسيقط عشرات اللوف صيرعى ‪ ،‬ول ينجيو منيه سيوى ‪ ،‬أرض أدوم وأرض موآب ‪،‬‬
‫والجزء الكبر من أرض عمون ( ممالك الردن القديمة ) ‪ ،‬يبسط يده على الراضي ‪ ،‬فل تفلت منه حتى أرض‬
‫مصير ‪ .‬ويسيتولي على كنوز الذهيب والفضية ‪ ،‬وعلى كيل ذخائر مصير ‪ ،‬ويسيير اللييبيون والثيوبيون فيي ركابيه‬
‫( ليبيا والسودان ) ‪ ،‬وتبلغه أخبار من الشرق ومن الشمال ‪ ،‬فيرجع بغضب شديد ‪ ،‬ليُدمّر ويقضي على كثيرين ‪،‬‬
‫وينصب خيمته الملكية ‪ ،‬بين البحر وأورشليم ‪ ،‬ويبلغ نهاية مصيره ( الوفاة ) ‪ ،‬وليس له من نصير " ‪.‬‬
‫ي يبدو أن هذا النص يتحدّث عن آخر رئيس لسرائيل ‪ ،‬وهو ملك ل يؤمن إل بالقوة ول يتكلّ إل عليها ‪ ،‬والنص‬
‫يصيف الغزو العراقيي القادم لسيرائيل ‪ ،‬وسييطرة رئييس العراق على معظيم بلدان المنطقية وحكميه لهيا ‪ ،‬واتخاذه‬
‫القدس عاصمة لملكه ‪ ،‬ومن ثم موته موتا ل قتل ‪ .‬وأما ذكر ملكين من الشمال والجنوب ‪ ،‬فهو ناتج عن ارتباك‬
‫كتبة التوراة ‪ ،‬في تحديد هوية هذا الملك ‪ ،‬والذي تبين لدينا من النبوءات السابقة ‪ ،‬أن هناك ملكين سيقومان بغزو‬
‫إسيرائيل ‪ ،‬الول هيو ملك بابيل وكان مخرجيه حسيب إشعياء مين الشرق ‪ ،‬وكان غزوه لسيرائيل حسيب ارمييا مين‬
‫الشمال ‪ ،‬وهذا يفيد بأنه خرج من الشرق ‪ ،‬وغزاهم من الشمال عن طريق سوريا حيث كان مُعسكرا في منطقة‬
‫حماة ‪ .‬والملك الثاني هو جوج رئيس ماجوج أي الرئيس الروسي ‪ ،‬الذي سيغزوهم من أقصى الشمال ‪ ،‬ومع أن‬
‫كل منهما حادث منفصل عن الخر إل أنهم جمعوهما في نص واحد بطريقة مربكة للقارئ ‪ ،‬مما أدى إلى حيرة‬
‫الدارسين والباحثين الجدد لهذه النصوص ‪ ،‬في محاولتهم لمعرفة ظروف الحرب العالمية الثالثة ‪ ،‬ولتحديد شقيّ‬
‫النزاع فيها وأحلف كل منهم ‪ ،‬وهذا النص تكرار لنص تفسير جبريل للرؤيا الذي تقدّم أعله ‪.‬‬
‫" ‪ :9 :12‬اذهيييب ييييا دانيال ‪ ،‬لن الكلمات مكتومييية ومختومييية إلى وقيييت النهايييية ‪ .‬كثيرون يتطهّرون ويتنقّون‬
‫ويُمحّصييييون بالتجارب ( يُمتحنون ) ‪ ،‬أمييييا الشرار فيرتكبون شرا ول يفهمون ‪ ،‬ولكيييين ذوو الفطنيييية يُدركون‬
‫[ يفهمون ] " ‪.‬‬
‫يي يؤكيد هذا النيص أن الحداث التيي أخيبر عنهيا سيتأخذ مكانهيا فيي زمان النهايية ‪ ،‬وسييُمتحن مين خللهيا أناس‬
‫كثيرون ‪ ،‬فمنهم من يقع بشرّ أعماله ‪ ،‬ومنهم من ينجو بجميل صنعه وفهمه ‪ ،‬واختياره للطريق الصوب ‪ ،‬بناءً‬
‫على ما جاء في هذه النبوءات ‪.‬‬
‫بعض رؤى ونبوءات النبياء الصغار‬
‫وهيم اثنيا عشير نبييا ‪ ،‬وعلى ميا يبدو أنهيم بُعثوا فيي الفترة ‪ ،‬التيي كان لليهود فيهيا تواجيد فيي جزئي فيي القدس ‪،‬‬
‫وتمتعوا فيهيا بحكيم شبيه ذاتيي ‪ ،‬للقلة التيي بقييت فيهيا ولمين عادوا مين السيبي البابلي ‪ ،‬وامتدت هذه الفترة ميا بعيد‬
‫سمّوا بالنبياء الصغار كون أسفارهم صغيرة الحجم ‪ ،‬حيث‬ ‫السبي البابلي إلى ما قبل بعث عيسى عليه السلم ‪ ،‬و ُ‬
‫يتراوح عدد صيفحات كيل منهيا ميا بيين ( ‪ ) 12-2‬صيفحة ‪ ،‬ومعظيم رؤاهيم ونبوءاتهيم تتحدث عين أحداث آخير‬
‫الزمان ‪ ،‬المرتبطة بعودتهم الثانية إلى فلسطين ‪:‬‬

‫‪140‬‬
‫سفر يوئيل‬

‫وصف أصحاب البعث الثاني ‪:‬‬


‫" هذا ما أوحى به الرب ‪ ،‬إلى يوئيل بن فثوئيل ‪ :‬اسمعوا هذا أيّها الشيوخ ‪ ،‬وأصغوا يا جميع أهل الرض ‪… ،‬‬
‫‪ :15 :1‬يا له من يوم رهيب ‪ ،‬لن يوم الرب قريب ‪ ،‬حامل معه الدمار من عند القدير ‪ … ،‬اصحوا أيها السكارى‬
‫‪ ،‬وابكوا ييا جمييع مدمنيي الخمير … فإن أم ًة قويية قيد زحفيت على أرضيي ‪ ،‬أُمية قويية ل تُحصيى لكثرتهيا ‪ ،‬لهيا‬
‫أسنان ليث وأنياب لبؤة ‪… ،‬‬
‫‪ :2 :2‬هو يوم ظلمة وتجهّم ‪ ،‬يوم غيوم مُكفهرّة وقتام دامس ‪ ،‬فيه تزحف أمة قوية وعظيمة ‪ ،‬كما يزحف الظلم‬
‫على الجبال ‪ ،‬أمّة لم يكن لها شبيه في سالف الزمان ‪ ،‬تلتهم النار ما أمامها ‪ ،‬ويُحرق اللهيب ما خلفها ‪ ،‬الرض‬
‫أمامهيا جنية عدن ‪ ،‬وخلفهيا صيحراء موحشية ‪ ،‬يثبون على رؤوس الجبال ‪ ،‬فيي جلبية كجلبية المركبات ‪ ،‬كفرقعية‬
‫ف للقتال ‪ .‬تنتاب الرعدة منهيم كيل الشعوب ‪ ،‬وتشحيب كيل الوجوه ‪،‬‬‫لهييب نار يلتهيم القشّي ‪ ،‬وكجييش عات مُصيط ّ‬
‫يندفعون كالجبابرة وكرجال الحرب ‪ ، … ،‬ينسيلّون بيين السيلحة مين غيير أن يتوقفوا ‪ ،‬ينقضّون على المدينية ‪،‬‬
‫ويتواثبون فوق السيوار ‪ ،‬يتسيلّقون البيوت ‪ ،‬ويتسيلّلون مين الكوى كاللصيوص ‪ ،‬ترتعيد الرض أمامهيم وترجيف‬
‫السماء ‪ ، … ،‬يجهر الرب بصوته في مُقدّمة جيشه ‪ ،‬لن جُنده ل يُحصى لهم عدد ‪ ،‬ومن يُنفّذ أمره يكون مُقتدرا‬
‫‪ ،‬لن يوم الرب عظيم ومخيف ‪ ،‬فمن يحتمله ؟! " ‪.‬‬
‫ض فيه تلك المة القوية ‪ ،‬لتنفيذ وعد الخرة في شعب ال‬
‫ي يوم الغضب الذي يصفه يوئيل ‪ ،‬هو اليوم الذي ستنق ّ‬
‫المختار ‪.‬‬

‫الشارة إلى موعد زوال دولة إسرائيل فلكيا ‪:‬‬


‫" يوئيل ‪ :30 :2 :‬وأجري آيات في السماء ‪ ،‬وعلى الرض ‪ ،‬دما ونارا وأعمدة دخان ‪ .‬وتتحول الشمس إلى ظلم‬
‫( كسيوف الشميس ) ‪ ،‬والقمير إلى دم ( وخسيوف القمير ) ‪ ،‬قبيل مجييء يوم الرب العظييم المُخييف ‪ .‬إنّميا كيل مين‬
‫يدعو باسم الرب يخلص ‪ ،‬لن النجاة تكون في جبل صهيون وفي أورشليم …‬
‫ي ي يُشييير هذا النييص إلى أن نهاييية إسييرائيل سيييسبقها بعييض الشارات والدلئل فييي السييماء وفييي الرض ‪ ،‬أمييا‬
‫الشارات الرضيية فهيي قتيل وسيفك دماء ‪ ،‬ودمار ونار وحرائق ودخان ‪ ،‬وأميا الشارات السيماوية فهيي كسيوف‬
‫كلّي للشميس يلييه خسيوف كلّي للقمير ‪ ،‬تتيم مشاهدتهميا مين فلسيطين على التوالي ‪ ،‬والملفيت للنظير أن الشارات‬
‫السيماوية قد وقعت بالفعيل فيي المنطقة ‪ ،‬فالكسيوف الكلي للشمس حدث بتارييخ ‪1999 / 8 / 11‬م ‪ ،‬وتبعيه خسوف‬
‫كلي للقمر بتارييخ ‪ ، 2001 / 1 / 9‬ولول مرة بعيد قيام الدولة اليهوديية ‪ ،‬يتحصيّل هذا الحدث على هذا النحو ‪،‬‬
‫وهو ما لن يتكرّر قبل ‪ 180‬سنة على القل ‪.‬‬

‫فلسطين مسرح الحرب العالمية الثالثة ‪:‬‬


‫‪ :1 :3‬لنّه في تلك اليام ‪ ،‬وفي ذلك الحين ‪ ،‬عندما أردّ سبي يهوذا وأورشليم ‪ ،‬أجمع المم كلّها ‪ ،‬وأحضرهم إلى‬
‫وادي يهوشافاط ‪ ،‬وأحاكمهييم هناك ‪ ،‬ميين أجييل شعييبي وميراثييي إسييرائيل ‪ ، … ،‬نادوا بهذا بييين المييم ‪ ،‬وتأهبوا‬
‫للحرب ‪ ، … ،‬أسييرعوا وتعالوا ميين كييل ناحييية ‪ ، … ،‬لتنهييض المييم وتقبييل إلى وادي القضاء ‪ ، … ،‬تعالوا‬
‫ودوسوا ‪ ،‬فإن المعصرة الخمر قد امتلت ‪ ،‬والحياض فاضت بكثرة شرّهم …‬
‫ي يوم الغضب يشمل أيضا ‪ ،‬ما سيقع من غضب إلهي لحق ‪ ،‬على بقية شعوب الرض ‪.‬‬

‫عودة المن والطمأنينة لفلسطين بعد الحرب ‪:‬‬


‫وتقطر الجبال في ذلك اليوم خمرة عذبة ‪ ،‬وتفيض التلل باللبن ‪ ،‬وجميع ينابيع يهوذا تتدفق ماء ‪ ،‬ويخرج ينبوعا‬
‫من هيكل الرب ‪ ،‬يروي واد السنط ‪ ،‬وتصبح مصر خرابا ‪ ،‬وأدوم قفرا موحشا ‪ ،‬لفرط ما أنزلوه من ظلم ‪، … ،‬‬
‫‪141‬‬
‫ولنهيم سيفكوا دميا بريئا فيي ديارهيم ‪ .‬أميا يهوذا فإنّه يسيكن الرض إلى البيد ‪ ،‬وتعمير أورشلييم مدى الجيال ‪،‬‬
‫وأُزكّي دمهم الذي لم أُبرّئه ‪ ،‬لن الرب يسكن في صهيون ( كناية عن الدين ) " ‪.‬‬

‫رؤيا حبقوق‬

‫وصف الفساد وأصحاب البعث الثاني ‪:‬‬


‫" ‪ :3-11 :1‬أينميا تلفّت أشهيد أماميي جورا واغتصيابا ‪ ،‬ويثور حولي خصيام ونزاع ‪ ،‬لذلك بطلت الشريعية‬
‫( تعطلّت ) وباد العدل ‪ ،‬لن الشرار يُحاصرون الصدّيق ‪ ،‬فيصدر الحكم مُنحرفا عن الحقّ ‪.‬‬
‫تأمّلوا المييم وأبصييروا ‪ ،‬تعجّبوا وتحيّروا ‪ ،‬لنييي مُقبييل على إنجاز أعمال ‪ ،‬فييي عهدكييم ‪ ،‬إذا أُخييبرتم بهييا ل‬
‫تصيدّقونها ‪ .‬فهيا أنيا أُثيير الكلدانييين ‪ ،‬هذه المية الحانقية المُندفعية ‪ ،‬الزاحفية فيي رحاب الرض ‪ ،‬لتسيتولي على‬
‫مسياكن ليسيت لهيا ‪ ،‬أمّة مُخيفية مُرعبية ‪ ،‬تسيتمدّ حُكمهيا وعظمتهيا مين ذاتهيا ‪ .‬خيولهيا أسيرع مين النمور ‪ ،‬وأكثير‬
‫ضراوة مين ذئاب المسياء ‪ ،‬فرسيانها يندفعون بكيبرياء ‪ ،‬قادميين مين أماكين بعيدة ‪ ،‬مُتسيابقين كالنسير المُسيرع ‪،‬‬
‫للنقضاض على فريسته ‪ ،‬يُقبلون جميعهم ليعيثوا فسادا ‪ ،‬ويطغى الرعب منهم على قلوب الناس قبل وصولهم ‪،‬‬
‫فيجمعون أسيرى كالرميل ‪ .‬يهزءون بالملوك ويعبثون بالحكام ‪ ،‬ويسيخرون مين الحصيون ‪ ،‬يجعلون حولهيا تلل‬
‫من التراب ‪ ،‬ويستولون عليها ‪ .‬ثم يجتاحون كالريح ويرحلون ‪ ،‬فقوة هؤلء الرجال هي إلههم " ‪.‬‬
‫" ‪ 3 :2‬لن الرؤييا ل تتحقّق إل فيي ميعادهيا ‪ ،‬وتسيرع إلى نهايتهيا ‪ ،‬إنهيا ل تكذب وإن توانيت فانتظرهيا ‪ ،‬لنهيا ل‬
‫بدّ أن تتحقّق ولن تتأخر طويل " ‪.‬‬

‫عودة السلم بخروج المهدي من مكة وانتصاره في جميع حروبه ‪:‬‬


‫" ‪ :3-13 :3‬قيد أقبيل ال مين أدوم ( الردن ) ‪ ،‬وجاء القدّوس مين جبيل فاران ( مكية ) ‪ ،‬غمير جلله السيماوات ‪،‬‬
‫وامتلت الرض ميين تسييبيحه ‪ ،‬إن بهاؤه كالنور ‪ ،‬وميين يده يومييض شعاع ‪ ،‬وهناك يحجييب قوّتييه ‪ .‬يتقدّمييه وبييأ‬
‫والموت يقتفييي خطاه ‪ .‬وقييف وزلزل الرض ‪ ،‬تفرّس فأرعييب المييم ‪ ،‬اندكّت الجبال البدييية ‪ ،‬وانهارت التلل‬
‫القديمة ‪ ،‬أما مسالكه فهي منذ الزل ‪ ،‬لقد رأيت خيام كوشان تنوء بالبلية ‪ ،‬وشُقق أخبية ديار مديان ترجف رعبا‬
‫"‪.‬‬
‫يي هذا النيص مشابيه للنيص النبوي الذي ورد فيي سيفر التثنيية بدايية هذا الفصيل ‪ ،‬فعبارة ( جاء القدّوس ) تُشيير إلى‬
‫عودة الديين ‪ ،‬وعبارة ( مين جبيل فاران ) ‪ ،‬تُحدّد مكان ظهور القائم على أمره وهيي جبال الجزيرة العربيية ‪ ،‬أميا‬
‫عبارة ( قيد أقبيل ال ) ‪ ،‬فتعنيي قدوم شييء مين أمير ال ‪ ،‬كالبعيث أو الملك المنتظير ‪ ،‬وعبارة ( مين أدوم ) أي مين‬
‫الردن ‪ ،‬تُشير إلى الجهة التي سيأتي منها البعث ‪ ،‬أو التي سيأتي منها المهدي لدخول القدس ‪ ،‬وعلى ما يبدو أن‬
‫هذا النص ‪ ،‬جاء ليُفسيّر ويُفصيّل النبوءة ‪ ،‬التيي جاءت على لسيان موسيى عليه السيلم ( وأتيى مين ربوات القدس ‪،‬‬
‫وعن يمينه نار شريعة لهم ) ‪ ،‬وتؤكد أن المهدي سيظهر في مكة ‪ ،‬ومن ثم سينتقل إلى القدس ليُعيد للسلم مجده‬
‫وبهاءه ‪ ،‬وليُيدد بنوره عصورا من ظلم القلوب والعقول ‪.‬‬

‫رؤيا صفنيا‬

‫وصف إفساد إسرائيل والوعد بعقابها ‪:‬‬


‫‪ :1-4 :3‬ويييل للمدينيية الظالميية المُتمرّدة الدنسيية ‪ ،‬التييي ل تُصييغي لصييوت أحييد ‪ ،‬وتأبييى التقويييم ‪ ،‬ول تتكلّ على‬
‫الرب ‪ ،‬ول تتقرّب من إلهها ‪ ،‬رؤساؤها في داخلها أُسود زائرة ‪ ،‬وقضاتها كذئاب المساء الجائعة ‪ ،‬التي ل تبقي‬
‫شيئا ‪ ،‬من فرائسها إلى الصباح ‪ ،‬أنبياؤها مغرورون وخونة ‪ ،‬وكهنتها يُدنّسون المقدس ‪ ،‬ويتعدّون على الشريعة‬
‫…‬

‫‪142‬‬
‫" ‪ :2 :1‬يقول الرب ‪ :‬سييأمحو محوا كييل شيييء عيين وجييه الرض ‪ . … ،‬أم ّد يدي لُعاقييب يهوذا وكييل أهييل‬
‫أورشلييم ‪ ،‬وأُفنيي مين هذا الموضيع بقيية عبدة البعيل ‪ ،‬وكيل كهنية الوثين ‪ ، … .‬فتصيبح ثروتهيم غنيمية ‪ ،‬وبيتهيم‬
‫خرابا " ‪.‬‬

‫الحرب القادمة مُباغتة وسريعة ‪:‬‬


‫‪ :14-18 :1‬إن يوم الرب العظيييم قريييب ‪ ،‬وشيييك وسييريع جدا ‪ .‬دويّي يوم الرب مُخيييف ‪ ،‬فيييه يصييرخ الجبار‬
‫مرتعبييا ‪ ،‬يوم غضييب هييو ذلك اليوم ‪ ،‬يوم ضيييق وعذاب ‪ ،‬يوم خراب ودمار ‪ ،‬يوم ظلميية واكتئاب ‪ ،‬يوم غيوم‬
‫وقتام ‪ ، … .‬فييه أُضايييق الناس فيمشون كالعمييي ‪ ،‬لنهييم أخطئوا فييي حقيّ الرب ‪ ،‬فتنسييكب دماؤهييم كالتراب ‪،‬‬
‫ويتناثير لحمهيم كالجلّة ‪ .‬ل يُنقذهيم ذهبهيم ول فضتهيم ‪ ،‬فيي يوم غضيب الرب ‪ ،‬إذ بنار غيرتيه تُلتهيم كلّ الرض ‪،‬‬
‫ل سكان المعمورة " ‪.‬‬‫وفيه يضع نهاية ‪ ،‬مُباغتة كاملة سريعة ‪ ،‬لك ّ‬
‫ي اعتمادا على هذا النص يعتقد معظيم المف سّرون الغربيون ‪ ،‬بأن الحرب العالمية القادمة ستكون مباغتة وسريعة‬
‫جدا ‪ ،‬وسييتحسم فييي فترة زمنييية قصيييرة جدا تُع ّد باليام ‪ .‬وقصيير المدة يُشييير إلى حتميية اسييتخدام أسيلحة الدمار‬
‫الشامل بكافة أشكالها ‪.‬‬

‫سفر حجّي‬

‫إعادة بناء الهيكل طمعا في الذهب والفضة ‪:‬‬


‫" ‪ :7-8 :1‬هكذا يقول الرب القدير ‪ :‬تأملوا فيما فعلتم ‪ ،‬اصعدوا الجبل ‪ ،‬واجلبوا خشبا وشيّدوا الهيكل ‪ ،‬فأرضى‬
‫عنه وأتمجّد …‬
‫‪ :5-9 :2‬بمقتضى عهدي الذي أبرمته معكم ‪ ،‬عندما خرجتم من ديار مصر ‪ ،‬إن روحي ماكث معكم ‪ ،‬فل تفزعوا‬
‫‪ .‬لنيه هكذا يقول الرب ‪ :‬هيا أنيا مُزميع مرّة أخرى ‪ ،‬عمّا قلييل أن أُزلزل السيماء والرض والبحير واليابسية ‪ ،‬وأن‬
‫أُزعزع أركان جمييع الميم ‪ ،‬فتُجلب نفائسيهم إلى هذا المكان ‪ ،‬وأمل الهيكيل بالمجيد ‪ ،‬فالذهيب والفضية لي يقول‬
‫الرب القدييير ‪ ،‬ويكون مجييد هذا الهيكييل الخييير ‪ ،‬أعظييم ميين مجييد الهيكييل السييابق ‪ ،‬وأجعييل السييلم يسييود هذا‬
‫الموضع ‪ ،‬يقول الرب القدير " ‪.‬‬
‫ي ي هذا النييص المُحرّف ‪ ،‬ممييا يتّخذه اليهود كدعوة لعادة بناء الهيكييل ‪ ،‬والحقيقيية أن ال أمرهييم بعبادتييه وإقاميية‬
‫شريعتيه ‪ ،‬ولكنهيم يعبدون الذهيب والفضية ‪ ،‬ومسيتودعها هيو الهيكيل ‪ ،‬ويسيعون لبناءه لجعله مصيرف دولي أو‬
‫بورصية عالميية ‪ ،‬وهذا كان حالهيم عنيد مجييء المسييح علييه السيلم ‪ ،‬وكميا هيو موصيوف بالنجييل ‪ ،‬وأميا النيص‬
‫غير المُحرّف الذي يخبرهم فيه ربهم ‪ ،‬بأنه ل يريد منهم هيكل وإنما يريد منهم صلحا وإصلحا ‪ ،‬فهو موجود‬
‫أيضا في نفس السفر ‪ ،‬بعد أسطر قليلة وهذا نصه ‪:‬‬
‫" ‪ :14-15 :2‬هذا هييو حال الشعييب ‪ ، … ،‬فكلّ أعمال أيديهييم ‪ ،‬ومييا يُقدّمونييه نجييس ‪ .‬والن تأملوا فيمييا صيينعتم‬
‫اليوم ‪ ،‬وفيما صنعتم في اليام السالفة ‪ ،‬قبل أن تضعوا حجرا فوق حجر ‪ ،‬لبناء هيكل الرب !!! " ‪.‬‬

‫سفر زكريا‬

‫تحذير يهود هذا الزمان على لسان زكريا عليه السلم ‪:‬‬
‫ب أشدّ الغضب على آبائكم ‪ ،‬ولكن قُل لهم هذا ما يُعلنه الرب القدير ‪ :‬ارجعوا إليّ فأرجع‬ ‫‪ :2-6 :1‬لقد غضب الر ّ‬
‫إليكيم ‪ .‬ول تكونوا كآبائكيم ‪ ،‬الذيين حذّرهيم النيبياء السيابقون ‪ ،‬قائليين ‪ :‬ارجعوا عين طُرقكيم الباطلة ‪ ،‬وأعمالكيم‬
‫الشرّيرة ‪ ،‬ولكنّهيم لم يسيمعوا ولم يُصيغوا إليّي ‪ … ،‬ألم تدركوا أقوالي وفرائضيي ‪ ،‬التيي أمير بهيا عيبيدي النيبياء‬
‫آباءكيم ‪ ،‬قائليين ‪ :‬لقيد نفّذ الرب القديير ‪ ،‬ميا عزم أن يُعاقبنيا بيه ( فيي المرة الولى ) ‪ ،‬بمقتضيى ميا ارتكبناه ‪ ،‬مين‬
‫أعمال باطلة " ‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫" ‪ :8 :7‬هذا مييا يقوله الرب القدييير ‪ :‬اقضوا بالعدل ‪ ،‬وليُب ِد كييل منكييم إحسييانا ورحميية لخيييه ‪ .‬ول تجوروا على‬
‫الرملة واليتيم ‪ ،‬والغريب والمسكين ‪ .‬ولكنهم أبَوْا أن يُصغوا ‪ ،‬واعتصموا بعنادهم غير عابئين ‪ ،‬وأصموا آذانهم‬
‫لئل يسيمعوا ‪ .‬وقسيّوا قلوبهيم كالصيوّان لئل يسيمعوا ‪ ، … ،‬فانصيبّ غضيب عظييم مين لدن الرب القديير ‪… ،‬‬
‫وأضحت الرض المبهجة قفرا " ‪.‬‬

‫مصير الشعب اليهودي في إسرائيل ‪:‬‬


‫" ‪ :7-9 :13‬ويقول الرب القديير ‪ :‬اسيتيقظ أيهيا السييف ‪ ،‬وهاجيم راعيّ ورجيل رفقتيي ‪ ،‬اضرب الراعيي فتتبدّد‬
‫الخراف ‪ ،‬ولكنّي أر ّد يدي عن الصّغار ( أي المستضعفين ) ‪ .‬يقول الرب ‪ :‬فيفنى ثُلثا شعب أرضي ‪ ،‬ويبقى ثُلثهم‬
‫حيا فقط ‪ .‬فأُجيز هذا الثلث في النار ‪ ،‬لُنقيه تنقية الفضة ‪ ،‬وأ ُمحّصه كما يُمحّص الذهب " ‪.‬‬
‫يي هذا النيص يُشيير إلى الوعيد الثانيي وعقابيه ‪ ،‬حييث يفنيى ثلثان وينجيو ثلث ‪ ،‬وهذا الثلث يُمتحين بمجييء الدجال‬
‫فيفنى من تبعه منهم ‪ ،‬وينجو منهم من يعتنق السلم ‪.‬‬
‫" ‪ :1 :14‬انظروا هيا يوم مُقبيل للرب ‪ ،‬يُقسيم فييه ميا سيُلب منكيم فيي وسيطكم ‪ .‬لنيي أجميع الميم على أورشلييم‬
‫لتحاربهيا ‪ ،‬فتُؤخيذ المدينية وتُنهيب البيوت ‪ ،‬وتُغتصيب النسياء ‪ ،‬ويُسيبى نصيف أهلهيا إلى المنفيى ‪ ،‬إنّميا ل ينقرض‬
‫بقية الشعب من المدينة " ‪.‬‬

‫الحرب العالمية النووية الثالثة ‪:‬‬


‫يي يعتقيد مُجميل الغربيون مين يهود ومسييحيين ‪ ،‬مين مفسيّري النصيوص التوراتيية ‪ ،‬أن حربيا نوويية سيتقع فيي‬
‫المسيتقبل القرييب تبدأ بهجوم على إسيرائيل ‪ ،‬مين قبيل روسييا وحلفائهيا مين الشرقييين المذكوريين فيي النصيوص‬
‫السابقة ‪ .‬وستكون نتيجة هذه الحرب هي انتصار إسرائيل وحلفائها الغربيّون ‪ ،‬وفيما يلي بعض النصوص التي‬
‫تُخبر عن ظروف هذه الحرب ‪:‬‬
‫" ‪ :1-6 :12‬ها أنا مُزمع ‪ ،‬أن أجعل أورشليم كأس خمر ‪ ،‬تترنّح منها جميع الشعوب المُحيطة بها ‪ ، … ،‬في ذلك‬
‫اليوم أجعل أورشليم كصخرة ثقيلة ‪ ،‬تعجز عن حملها جميع الشعوب ‪ .‬وكل من يُحاول حملها ينشقّ شقّا ‪ ،‬ويتألّب‬
‫عليهييا جميييع شعوب الرض ‪ ،‬فييي ذلك اليوم ‪ ،‬يقول الرب ‪ :‬أُصيييب كييل فرس ميين جيوش العداء بالرعييب ‪،‬‬
‫وفارسيه بالجنون ‪ ، … ،‬أجعيل عشائر يهوذا ‪ ، … ،‬كمشعلٍ ملتهبٍي بيين أكداس الحنطية ‪ ،‬فيلتهمون الشعوب مين‬
‫حولهم ‪ ،‬ممن عن يمينهم وعن يسارهم ‪ ،‬بينما تظلّ أورشليم ‪ ،‬آمنة آهلة في موضعها " ‪.‬‬
‫ن هذا النص يُشير إلى أن إسرائيل ‪ ،‬ستُهاجم من قبل أمم كثيرة فينتصر الرب لورشليم وعشائرها وتبقى‬ ‫ي مع أ ّ‬
‫آمنة مطمئنة ‪ ،‬لكن في النصوص التي تلي هذا النص ‪ ،‬تجد نواحا ونحيبا من قبل ذرية داود ‪ ،‬والنواح والنحيب‬
‫ل يكون عادة ميين شدة الفرح وإنمييا ميين شدة اللم ‪ ،‬لوقوع فاجعيية مييا حلّت بهييم ‪ ،‬وفييي النييص التالي وصييفا لهذا‬
‫النواح ‪:‬‬
‫" ‪ :11 :12‬في ذلك اليوم يكون النواح في أورشليم ‪ ،‬مماثل للنواح في هدد رمّون في سهل مجدّو ‪ ،‬فيشيع النحيب‬
‫بين أهل البلد " ‪.‬‬
‫يي وحسيب ميا يعتقيد اليهود والنصيارى ‪ ،‬فإن هذا النيص يُحدّد سياحة المعركية البريية ‪ ،‬فيي الحرب القادمية المُسيمّاة‬
‫( هرمجدون ) بين إسرائيل وأعدائها ‪ ،‬في سهل مجدّو شمال فلسطين ‪.‬‬
‫" ‪ :12 :14‬وهذا هيو البلء الذي يُعاقيب بيه الرب ‪ ،‬جمييع الشعوب الذيين اجتمعوا على أورشلييم ‪ :‬تتهرّأ لحومهيم‬
‫وهيم واقفون على أرجلهيم ‪ ،‬وتتآكيل عيونهيم فيي أوقابهيا ‪ ،‬وتتلف ألسينتهم فيي أفواههيم ‪ :13 .‬فيي ذلك اليوم يُلقيي‬
‫الرب ‪ ،‬الرعب في قلوبهم ‪ ،‬حتى ترتفع يد الرجل ضد رفيقه فيهلكان معا ‪ :14 .‬ويُحارب أبناء يهوذا أيضا دفاعا‬
‫عن أورشليم ‪ ،‬ويغنمون ثروات من المم المُحيطة " ‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫يي يُشكّل هذا النيص توليفية غريبية ‪ ،‬مين صينع الكتبية ‪ .‬فالفقرة (‪ )12‬تصيف ميا يُشبيه تأثيير تعرّض الجسيم لحرارة‬
‫شديدة جدا ‪ .‬والية (‪ )13‬تصف ما يُشبه قيام الساعة ‪ .‬والفقرة ( ‪ )14‬وكأنها نص مأخوذ مما يلي الفقرة ( ‪ )16‬في‬
‫النص اللحق ‪ ،‬إذ كيف يقوم أبناء يهوذا بمحاربة الجثث المحترقة !!!‬
‫" ‪ :13 :9‬هييا أنييا أُتيير يهوذا كقوس ‪ ،‬وأجعييل أفرايييم كسييهم ‪ ،‬وأُثييير رجال صييهيون على أبناء اليونان ‪ ،‬فتكونييين‬
‫كسييف جبّار ‪ :15 ، … .‬يقيهيم الرب القديير حجارة المقلع ‪ ،‬بيل تقصير عنهيم ويطئونهيا ‪ ،‬ويشربون ويصيخبون‬
‫كالسيكارى مين الخمير ( مين نشوة النصير ) ‪ :16 .‬فيي ذلك اليوم ‪ ،‬يُخلّصيهم الربّي إلههيم لنهيم شعبيه وقطيعيه ‪،‬‬
‫ويتألقون في أرضه كحجارة كريمة مرصّعة في تاج ‪ ،‬فما أجملهم وأبهاهم ! " ‪.‬‬
‫ييي هذا النييص يصييف رجال يُقاتلون أبناء اليونان أي ليييس آباءهييم ‪ ،‬واليونان هييم الغرب ويُمثّلهييم الن أمريكييا‬
‫وبريطانيا وحلف الناتو ‪ ،‬وهم كما نعلم حلفاء لسرائيل ‪ ،‬فكيف سيقاتل رجال صهيون حُلفائهم من أبناء اليونان ؟‬
‫ي ملخص ما تُفصح عنه هذه النصوص ‪:‬‬
‫بربيط هذه النصيوص ميع النصيوص السيابقة ‪ ،‬نجيد أن النصيوص السيابقة تُحذّر اليهود مين الفسياد فيي الرض ‪،‬‬
‫ومين ثيم تُخيبر بأن الفسياد سييقع منهيم ل محالة ‪ ،‬مميا يُحتيم انسيكاب الغضيب اللهيي عليهيم ‪ ،‬والنتيجية هيي وفاة‬
‫ثلثيهيم ونجاة ثلث وخراب أرضهيم ‪ ،‬بمعنيى نهايية دولتهيم فيي فلسيطين ‪ ،‬وهذا يعنيي أن القدس سيتكون فيي أيدي‬
‫أناس من غير اليهود ‪ ،‬وهم الذين أنهوا الوجود اليهودي فيها ‪.‬‬
‫ومن ثم تبدأ بالخبار بأن أورشليم أي القدس ‪ ،‬ستكون محط أنظار جميع شعوب العالم ‪ ،‬وبأن شعوبا كثيرة ستأتي‬
‫لقتال أهلهيا والسيتيلء عليهيا ‪ ،‬فيهلكوا جميعيا وتبقيى القدس آمنية عامرة بسيكانها ‪ .‬وهلك هذه الشعوب سييكون‬
‫باحتراقها بالسلحة النووية ‪ ،‬ويُحارب أهل فلسطين آنذاك في معركة برية فيُنصرون ويغنمون ويسلمون ‪.‬‬
‫والخصيم يُحدّده النيص الخيير بأبناء اليونان ‪ ،‬أي حلف الناتيو بقيادة أمريكيا ‪ ،‬ويُخيبر النيص بأن ال سييقي شعبيه‬
‫المتواجيد فيي فلسيطين ‪ ،‬مين صيورايخ أعداءهيم وقنابلهيم ‪ ،‬ويكون النصير حليفهيم ‪ ،‬ومين ثيم يُخيبر عين صيفة القوم‬
‫الذين يُحاربون أبناء اليونان ‪ ،‬وهي صفة ل تليق إل بالمسلمين ‪.‬‬

‫بناء الهيكل تعبير مجازي والمراد منه إقامة الدين وليس إقامة البناء ‪:‬‬
‫" ‪ :14-17 :1‬هذا ميا يقوله الرب القديير ‪ :‬إنّي قيد غرت على أورشلييم ‪ ،‬وعلى صيهيون ( جبيل المسيجد ) غيرة‬
‫عظيمة ‪ ( ،‬من أجل ما فعلوه فيها ) ‪ ،‬ولك نّ غضبي مُتأجج على المم المتنعمة ( وهم على رأسها ) ‪ .‬لقد اغتظت‬
‫ح كثيرا ) من شعبي ‪ ،‬إل أنّهم زادوا من فواجعهم ‪ .‬لذلك يقول الرب ‪ :‬سأرجع إلى أورشليم بفيض‬ ‫قليل ( والص ّ‬
‫ميين المراحييم ( بعودتهييا إلى أهلهييا ) ‪ ،‬فيُبنييى هيكلي ( فيُقام الدييين ) ‪ ،‬وتعميير أورشليييم ( ُتتّخييذ عاصييمة للحكييم‬
‫السلمي ) ‪ ،‬واهتف قائل ‪ :‬هذا ما يقوله الرب القدير ‪ :‬ستفيض مُدني خيرا ثانية ويرجع الرب ‪ ،‬فيُعزّي صهيون‬
‫ويصطفي أورشليم " ‪.‬‬
‫ي وفيما يلي تكرار لنفس النص ‪ ،‬ولكن بدون التشويهات التي أضافها الكهنة إلى النص أعله ‪:‬‬
‫" ‪ :2-3 :8‬هذا ما يقوله الرب القدير ‪ :‬إنّني أغار على صهيون غيرة عظيمة ‪ ،‬مُفعمة بغضب شديد على أعدائها (‬
‫وأعداءهيا هيم اليهود أنفسيهم ) ‪ .‬لهذا يقول الرب القديير ‪ :‬هيا أنيا عائد إلى صيهيون لُقييم فيي أورشلييم ‪ ،‬فتُدعيى آنئذ‬
‫ق ‪ ،‬كما يُدعى جبل الرب القدير بالجبل المُقدّس " ‪.‬‬ ‫مدينة الح ّ‬
‫ي وهذا سيكون عند ظهور ملك القدس المنتظر ‪ ،‬الذي تتحدّث عنه النصوص التالية ‪:‬‬
‫المهدي ومسمّاه وصفة ملكه ‪:‬‬
‫" ‪ :8 :3‬فأصغ يا يهوشع رئيس الكهنة ‪ ،‬أنت وسائر رفاقك الكهنة الجالسين أمامك ‪ ،‬أنتم رجال آية ( أي شهود )‬
‫‪ :‬وها أنا آتي بعبدي الذي يُدعى الغصن " ‪.‬‬
‫" ‪ :12-15 :6‬هكذا يقول الرب القدير ‪ :‬ها هو الرجل الذي اسمه الغصن ‪ ،‬ينبت من ذاته [ وفي الترجمة الثانية ‪/‬‬
‫ومين مكانيه ينبيت ] ‪ ،‬ويبنيي هيكيل الرب ( أي يقييم الديين ) ‪ .‬هيو الذي يبنيي هيكيل الرب ويتجلّل بالمجيد ‪ ،‬ويكون‬
‫‪145‬‬
‫ملكا وكاهنا في آن واحد ( أي خليفة قائم بأمر الدين والدنيا ) ‪ ،‬فيجلس ويحكم على عرشه ‪ ،‬فيعمل بفضل مشورة‬
‫رتبتيه ( أي الملك والكهانة ) ‪ ،‬على إشاعة السلم بين قومه ‪ .‬ويتوافد قوم من بعيد ليبنوا هيكل الرب ‪.‬‬
‫ي وهذا الرجل غصن من شجرة إسماعيل عليه الصلة والسلم ‪ ،‬وينبت في نفس المكان أي من جزيرة العرب ‪،‬‬
‫التي يُسمّونها في التوراة جبال فاران ‪.‬‬
‫" ‪ :19-22 :8‬ستكون مواسم ابتهاج وفرح وأعياد سعيدة ‪ ،‬يتمتع بها شعب يهوذا ‪ ،‬لهذا أحبّوا الح قّ والسلم ‪… ،‬‬
‫‪ .‬فتتوافد أمم كثيرة وشعوب قويّة ‪ ،‬ليلتمسوا وجه الرب القدير في أُورشليم وليحظوا برضاه ‪.‬‬
‫ي قارن ما بين النصين لتكتشف التحريف والتبديل ‪ ،‬حيث وضعوا شعب يهوذا في النص ( ‪ )22-19‬بدل من قومه‬
‫في النص ( ‪ )15-12‬أعله ‪ ،‬وأضافوا إلى النص الثاني ابنة صهيون وابنة أورشليم ‪.‬‬

‫ملك القدس المنتظر الذي تُخبر عنه توراة اليهود هو المهدي ‪:‬‬
‫" ‪ :9-10 :9‬ابتهجيي جدا ييا ابنية صيهيون ‪ ،‬واهتفيي ييا ابنية أورشلييم ‪ ،‬لن هيو ذا ملكيك مُقبيل إلييك ‪ .‬هيو عادل‬
‫ظافير ‪ ،‬ولكنّه ودييع راكيب على أتان ‪ .‬وأسيتأصل المركبات الحربيية مين أفراييم ‪ ،‬والخييل مين أورشلييم ‪ ،‬وتبييد‬
‫أقواس القتال ‪ ،‬ويشيع السلم بين المم ‪ ،‬ويمتدّ ملكه من البحر إلى البحر ‪ ،‬ومن نهر الفرات إلى أقاصي الرض‬
‫"‪.‬‬
‫ي يقول اليهود أنه الملك الرب ‪ ،‬ويقول النصارى أنه عيسى عليه السلم وقد تحقق ذلك ‪ ،‬والحقيقة أن هذه النبوءة‬
‫مستقبلية ولم تتحقق لغاية الن ‪ ،‬فصاحبها هو المهدي الذي سيقهر كل خصومه ‪ ،‬ومن ثم يشيع السلم والمن ‪،‬‬
‫على امتداد ملكه الموصوف بالنص ‪ ،‬وهذا مما يجعل أي صحوة إسلمية ‪ ،‬تدبّ الرعب في قلوبهم الفزعة ‪.‬‬

‫النبوءات التوراتية وأثرها في تشكيل القناعات والعقائد اليهودية المشوّهة ‪:‬‬


‫هذه النبوءات التوراتيية الواعدة ‪ ،‬شكلّت أحيد أبرز العقيد فيي الشخصيية اليهوديية ‪ ،‬وهيي التطلع الدائم إلى الملك‬
‫والسييادة فيي أرض الميعاد ‪ .‬وهذه النبوءات كانيت تُسييّر اليهود على مدى تاريخهيم الطوييل وميا زالت ‪ ،‬فيي حلّهيم‬
‫وترحالهيم فيي أرجاء الرض ‪ ،‬بحثيا عين هذا المُلك التوراتيي الموعود الذي نسيجته أقلم الكهنية ‪ ،‬فظلموا أنفسيهم‬
‫وظلموا مين جاء بعدهيم ممين آمين بأن هذا مين عنيد ال ‪ ،‬ليُلقيي عُميان البصير والبصييرة مين أبنائهيم هذه اليام‬
‫مصيرهم المظلم والمحتوم ‪ ،‬والذي تقشعرّ من وصفه في التوراة أبدان الذين يعقلون من الناس ‪ .‬ولكن اليهود …‬
‫ل يسمعون … ول يُبصرون … ول يعقلون … ول يفقهون … إل أكاذيب أربابهم من الكهنة والحبار ‪ .‬ولذلك‬
‫سيكون من ينجو منهم من عقاب وعد الخرة ‪ ،‬صيدا سهل للدجّال عند ظهوره بملكه المادي ‪ ،‬الذي هو القرب‬
‫للوصيف الذي خطيه الكهنية ‪ ،‬وهيو القرب لهوائهيم وأطماعهيم ‪ ،‬التيي لم تختلف قييد أنملة عين أهواء وأطماع‬
‫أسلفهم ‪.‬‬
‫قراءة في العقائد اليهودية ‪:‬‬
‫اليهود أقرب إلى القرار بوجود ال مين إنكاره ‪ ،‬ولكين معرفية المُ ِق ّر منهيم بال محصيورة ‪ ،‬فيي إطار ميا جاء فيي‬
‫التوراة والتلمود ‪ ،‬التييي تصييف ال بصييفات ‪ ،‬أقرب مييا يكون إلى صييفات الب البشري ‪ ،‬الذي يعطييي ويعطييف‬
‫ويعفيو ويصيفح ‪ ،‬ول يغضيب على أبنائه مهميا بلغوا مين السيوء ‪ ،‬ويُخطيئ ولكنيه يعود ويعترف بخطئه فيي حيق‬
‫أبنائه ويرجيع عنيه ‪ ،‬وكأنهيم البين البكير صياحب الحظوة عنيد الب كميا هيي العادة ‪ ،‬ويتعاملون ميع ال على هذا‬
‫السياس لفهمهيم الخاطيئ لمسيألة التفضييل ‪ ،‬باختيارهيم لحميل الرسيالة السيماوية ورعايية ال لهيم فيميا مضيى مين‬
‫الزمان ‪ ،‬وتسيتطيع تصيوّر العقليية التيي يتعاملون بهيا ميع ال ‪ ،‬بعقليية البين المُدلّل النانيي الفاسيد والمفسيد عدييم‬
‫البصر والبصيرة ‪ ،‬والذي ل يتوقع من أبيه الذى مهما ارتكب من أخطاء ‪ .‬حتى ولو حذّره والده مرارا وتكرارا‬
‫من استمراره على نفس الحال ‪ ،‬فهو ل يريد أن يُصدّق أن هذا الب المعطاء الحاني ‪ ،‬من الممكن يوما من اليام‬
‫أن يُعاقب ابنه المدلّل مهما كانت السباب ‪ .‬وتستطيع تصوّر الكيفية التي يتعامل بها اليهود مع باقي البشر ‪ ،‬من‬
‫خلل الكيفية التي يتعامل بها ذلك البن مع باقي أخوته ‪ ،‬وهذه الكيفية هي ما تجده في تعاليم التلمود ‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫وأخطر معتقدات اليهود هو عدم اليمان باليوم الخِر ‪ ،‬فمؤدى نكران اليوم الخِر هو نكران للبعث بعد الموت ‪،‬‬
‫ونكران للحسيياب ونكران للجزاء الخروي والبديييل لديهييم إن وُجييد فهييو الجزاء الدنيوي ‪ .‬وهذا ممييا يؤدي إلى‬
‫العتقاد بعبثيية الخلق ‪ ،‬وعبثيية اليمان بال أصيل ‪ ،‬فل جدوى مين الصيلح والصيلح إن لم يكين هناك ثواب ‪،‬‬
‫ول ضيير من الفساد والفساد إن لم يكين هناك عقاب ‪ ،‬وبعض من هذه الفكار اللحادية ‪ ،‬تجدهيا فيي التوراة فيي‬
‫سفر الجامعة سفر العبث والعبثية ‪ .‬ولذلك أخذ اليهود على عاتقهم ‪ ،‬مسؤولية الفساد في الرض دونما وازع أو‬
‫رادع ‪ ،‬بما أخفاه مؤلفو التوراة من ذكر لليوم الخر ومتعلّقاته ‪ ،‬فالثواب حسب اعتقادهم هو مقدار ما ينالونه من‬
‫كسيب دنيوي بشتيى الوسيائل والسيبل ‪ ،‬والعقاب هيو مقدار ميا يخسيرونه مين هذا الكسيب ‪ .‬وحتيى يُجنّب رب العزة‬
‫أمّة السيلم خطير هذا العتقاد ‪ ،‬اقترن ذكير اليمان بال بذكير اليمان باليوم الخير والخرة ‪ ،‬بصيريح اللفيظ ‪26‬‬
‫مرة فيي القرآن ‪ ،‬وتكاد ل تخلو سيورة مين ذكير متعلّقاتيه أو التذكيير بهيا ‪ ،‬مين بعيث وحسياب وجزاء وميا يلييه مين‬
‫عقاب وثواب ‪ .‬وانعدام إيمانهيم باليوم الخير ‪ ،‬أوجيد لديهيم الصيفات السيلبية التيي تمتعوا بهيا على مرّ العصيور ‪،‬‬
‫مثيل الحرص على الحياة والجبين والبخيل والسيعي وراء الكسيب المادي وانعدام المبادئ والقييم والصيفات البشريية‬
‫المحمودة ‪.‬‬
‫وللتعوييض عميا حذفوه مين الصيول العقائديية الصيحيحة ‪ ،‬وللتوفييق ميا بيين المعتقديين السيابقين ‪ ،‬طرح مؤلفيو‬
‫التوراة والتلمود الكثير من الفكار اللحادية ‪ ،‬كفكرة الملك الله الرب من نسل داود ‪ ،‬الذي سيظهر بلحمه ودمه‬
‫ليسكن جبل صهيون في القدس ويحكم العالم إلى البد ‪ ،‬لينفوا بعبارة ( إلى البد ) أي أمل لليهود ليعتقدوا بنهاية‬
‫الحياة الدنييا ‪ ،‬وبوجود حياة أخرى هيي التيي تتصيف بالبديية ‪ ،‬مميا أبهيم على العامية مصيير الروح بعيد الموت ‪،‬‬
‫فطرحوا حول مصيرها أفكار متضاربة هي أقرب إلى المعتقدات الوثنية منها إلى أي شيء آخر ‪.‬‬
‫أثر هذه المعتقدات في الشخصية اليهودية ‪:‬‬
‫كان السيبي البابلي بميا أحدثيه مين دمار وتنكييل وأسير ‪ ،‬أكيبر صيدمة يتعرض لهيا الشعيب اليهودي ‪ ،‬حييث قلبيت‬
‫كيانهيم رأسيا على عقيب ‪ ،‬ولم تقيم لهيم قائمية منيذ ذلك اليوم ‪ ،‬حتيى تمكنوا مين تحقييق علوهيم الثانيي فيي فلسيطين ‪،‬‬
‫ولول مشيئة ال التييي ينكرونهييا مييا كان ‪ .‬والذي لم يكيين يتخيله أو يتصييوره اليهود آنذاك وهييم فييي قميية علوهييم‬
‫الول ‪ ،‬أن يتخلى عنهم رب الجنود ‪ ،‬وأن يبعث عليهم أمة جافية الوجه لتعمل فيهم سيف انتقامه ‪ ،‬وأن يُنزل بهم‬
‫ل وخزييا ‪ ،‬بعيد عزة وقوة وعلو ‪ ،‬بالرغيم مين كيل ذلك الدلل ‪ -‬الموثّق فيي التوراة ‪ -‬الذي أحاطهيم بيه ‪،‬‬ ‫ضعية وذ ّ‬
‫منذ خروجهم من مصر ‪ -‬وما أجراه سبحانه لهم من معجزات ‪ ،‬وعفوه عنهم رغم كفرهم وعصيانهم وعدوانهم‬
‫مرارا وتكرارا ‪ -‬حتى أدخلهم إلى الرض المقدّسة وأقام لهم مملكة بل جهد أو عناء ‪.‬‬
‫وبالرغيم مين وضيع نبوءة الفسيادين وميا يليهميا مين عقاب ‪ ،‬سييفا إلهييا مسيلطا على رقابهيم ‪ ،‬لم ولن يرجعوا عين‬
‫غيهم وطغيانهم ‪ ،‬فهم مسكونون بما تقوّله كهنتهم وأحبارهم وحاخاماتهم ( الحكماء ) على ال وعلى رسله وعلى‬
‫كيل ميا هيو مقدّس ‪ ،‬مميا أدى إلى إصيابتهم كأمّة بحالة معقدّة مين الفصيام العقلي ‪ ،‬مين جراء اعتناقهيم لمعتقدات‬
‫خاطئة ‪ ،‬نتيجة ما زرعه حكماؤهم في التوراة والتلمود ‪ ،‬من خرافات وأساطير وآراء وتفسيرات ‪ ،‬هي أقرب ما‬
‫يكون إلى الوهام والهلوس ‪ ،‬فأنبتييت تلك المسييوخ الشيطانييية عديميية البصيير والبصيييرة ‪ ،‬التييي اتّحدت وآمنييت‬
‫بشكييل جماعييي بمعتقدات خاصيية بهييا ‪ ،‬تتنافييى مييع الطبيعيية البشرييية السييليمة ‪ ،‬فرُفضييت واضطهدت ميين كييل‬
‫المجتمعات البشرية ‪ ،‬التي ساءها ذلك السلوك الجماعي الشاذ والمنحرف لتلك المسوخ ‪ ،‬وبالتالي لم تجد الشعوب‬
‫حل لمشكلتهيم إل الطرد والنفيي ‪ ،‬أو إجبارهيم بمراسييم ملكيية على التقوقيع والعييش كالبهائم فيي حظائر المواشيي‬
‫ن الغرب أنه بإيجاد غيتو كبير لهم فلسطين ‪،‬‬ ‫المسماة بالغيتوهات أو الكيبوتس ‪ ،‬ومع ذلك لم ينجح هذا الحل ‪ .‬وظ ّ‬
‫ونفيهم إليه وحشرهم فيه ‪ ،‬سيتخلصون من مشكلتهم إلى البد ‪ ،‬ولكن تبين لهم بعد فوات الوان ‪ ،‬أنهم كانوا على‬
‫خطأ ‪ ،‬إذ أنهم بعد تمكّنهم من إقامة وطن قومي لهم ‪ ،‬أصرّ معظمهم وخاصة الغنياء منهم على البقاء في الغرب‬
‫‪ ،‬فأصيييب نصييارى الغرب مؤخرا بعدوى الفصييام اليهودي ‪ ،‬لنهييم يملكون اسييتعدادا وراثيييا توراتيييا لذلك ‪ ،‬لمييا‬
‫يحملونيه بدورهيم مين معتقدات خاطئة ‪ ،‬بناءً على ميا أورده كتبية النجييل مين أوهام وهلوس مشابهية ‪ .‬لذلك مين‬
‫الطيبيعي جدا ‪ ،‬أن ترى زعماء اليهود يصيافحون العرب ‪ ،‬راسيمين على شفاهيم تلك البتسيامة العريضية ‪ ،‬بينميا‬
‫أيديهم تقطر من دم أبنائهم وأخوانهم وكأن شيئا لم يكن ‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫ما يعتقده اليهود بالنسبة لوجودهم الحالي في فلسطين ‪:‬‬
‫خلصة ما يعتقده اليهود هذه اليام ‪ ،‬وهم القرب والكثر فهما لنبوءات التوراة ‪ ،‬لمعرفتهم بالطرق السرية التي‬
‫كُتبيت فيهيا نصيوص التوراة ‪ ،‬وميا تضمنتيه مين أسيرار ورموز ‪ ،‬مفاتييح حلهيا موجودة ‪ ،‬فيي كتيب خاصية لديهيم ‪،‬‬
‫بناءً على ما تقدّم ‪:‬‬
‫‪.1‬تُخبرهم بعض نصوص التوراة بأنهم ‪ ،‬بعد العودة من الشتات ‪ ،‬ل محالة سيُفسدون ‪ ،‬وأن ال سيبعث‬
‫عليهم من يُعاقبهم ‪ ،‬من العراق أو إيران أو كليهما ‪.‬‬
‫ن مُلكهم بعد العودة من الشتات ‪ ،‬سينضوي مستقبل تحت لواء ملك من‬ ‫‪.2‬وتُخبرهم نصوص أخرى ‪ ،‬أ ّ‬
‫نسييل داود أو الملك الرب القدييير ‪ ،‬يظهيير آخيير الزمان يقود اليهود وينتصيير على أعداء إسييرائيل ‪،‬‬
‫ويحكييم العالم أجمييع ميين القدس ملكييا أبديييا ‪ ،‬يتصييف بالحييق والعدل والسييلم وأن أوانييه قييد اقترب ‪،‬‬
‫ولتعجيل ظهوره ل بد لهم من الستيلء على أرض فلسطين كاملة ‪ ،‬وتفريغ شعبها منها وهدم المسجد‬
‫القصيى وبناء الهيكيل ‪ ،‬لكيي يتسينى لهذا الملك تقدييم القربان المُقدّس على مذبحيه ‪ ،‬وهيو أول عميل‬
‫سيقوم به فور ظهوره ‪ ،‬ويعتقدون بأن سرعة إنجاز هذه المور ‪ ،‬ستُعجّل بظهور هذا الملك ‪.‬‬
‫‪.3‬وتُخييبرهم نصييوص أخرى ‪ ،‬أن هناك كييم هائل ميين العداء الذييين س ييُهاجمون إسييرائيل مسييتقبل ‪،‬‬
‫وسيكون النصر حليف إسرائيل وحلفائها ‪ .‬لذلك فهم يعملون بل كلل أو ملل ‪ ،‬من وراء الستار الغربي‬
‫المريكي البريطاني لتأمين هذا النصر الموعود ‪.‬‬
‫ي لذلك كان ل بد ليهود أمريكا على وجه الخصوص ‪ ،‬من أجل تعطيل النبوءة التي تخبر عن دمار دولتهم ‪ ،‬ومن‬
‫أجل تحقق النبوءة التي تنسب إليهم الملك البدي ‪ ،‬الذي سيقوم في القدس في نهاية المر ‪ ،‬أن يعملوا ‪:‬‬
‫‪.1‬على تقوية إسرائيل بإمدادها بالموال والتكنولوجيا العسكرية المُتطوّرة التقليدية والنووية ‪.‬‬
‫‪.2‬على إجبار دول هؤلء العداء التوراتيون على الموالة للغرب ‪ ،‬وميين ثييم الموالة لسييرائيل عيين‬
‫طريق الترغيب والترهيب ‪.‬‬
‫‪.3‬على حرمان الدول المعادييية لسييرائيل ميين هذه القدرات ‪ ،‬وإضعاف هذه القدرات حييين امتلكهييا‬
‫وتدميرها ‪.‬‬
‫‪.4‬على تدمير الستقرار الداخلي لتلك الدول ‪ ،‬سياسيا واقتصاديا واجتماعيا إن تعذّر ذلك عسكريا ‪.‬‬
‫ي ويعتقدون أن الخطر القادم يتمثّل بشكل أساسي في ‪:‬‬
‫‪.1‬البلدان العربية والسلمية وعلى رأسها العراق ‪.‬‬
‫‪.2‬البلدان الشيوعية المناهضة للديموقراطية الرأسمالية وعلى رأسها روسيا والصين ‪.‬‬
‫‪.3‬شخييص المييير المُسييلم الذي أخييبرت عنيه التوراة ‪ ،‬بأنييه سييخرج ميين جزيرة العرب ليملك مشارق‬
‫الرض ومغاربها ‪.‬‬
‫وللسيباب الثلثية مجتمعية ‪ ،‬عميل اليهود وميا زالوا يعملون على تواجيد السياطيل والقواعيد العسيكرية المريكيية‬
‫البريطانيية ‪ ،‬بشكل مكثيف فيي منطقة الخليج العربي والجزيرة العربية ‪ ،‬وتركيا والبحير الحمر والبحير البيض‬
‫المتوسط سابقا ولحقا ‪ ،‬لكي تمنع العراق من مهاجمة إسرائيل ‪ ،‬ولكي تمنع هذا الميير المسلم من الخروج من‬
‫أرض الجزيرة ‪ ،‬وظهور أمره وأمير السيلم مين جدييد ‪ .‬فكميا أنهيم أي اليهود سيكنوا جزيرة العرب ‪ ،‬ليحاربوا‬
‫محمد عليه الصلة والسلم ‪ .‬فهم الن متواجدون فيها تحت القناع المريكي ‪ ،‬في انتظار خروجه ليحاربونه بل‬
‫أدنيى شيك ‪ .‬ولقطيع الطرييق على الجييش الروسيي عنيد هجوميه على إسيرائيل ‪ ،‬أميا ادّعائهيم بالتواجيد فيي منطقية‬
‫الخلييج ‪ ،‬للحفاظ على مصيالح الوليات المُتحدة فذلك لذ ّر الرماد فيي العيون ‪ ،‬فمصيالحهم محميّة بسيواعد عربيية‬
‫وأوامرهم مطاعة حتى في غرف النوم ‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫وغزو العراق لسرائيل الذي هو أول مشهد في الحلقة الخيرة ‪ ،‬من مسلسل اليهود التاريخي الطويل ‪ ،‬قد اقترب‬
‫أوانيه وأشرف زمانيه ‪ ،‬وهيم يعلمون ذلك مين خلل الحسياب ومين خلل الظواهير الفلكيية ‪ ،‬كميا علموا قديميا عين‬
‫طريق الفلك بموعد مولده عليه السلم وموعد بعثه ‪.‬‬

‫أعداء دولة إسرائيل التوراتيون بمسمّياتها القديمة والحديثة حسب تفسيرهم ‪:‬‬
‫‪.1‬بابيل وآشور وبلد الكلدانييين يي العراق ‪ ( .‬درجية أولى فيي العداء التوراتيي لسيرائيل ‪ ،‬وبامتياز ميع‬
‫مرتبية الشرف ) ‪ .‬تيم توريطيه فيي حربيّي الخلييج الولى والثانيية ‪ ،‬وضرب المفاعيل النووي ‪ ،‬وفرض‬
‫حصيار أبدي ‪ ،‬ويطمحون إلى إبادة شعبيه بالسيلحة النوويية ‪ ،‬فيي أقرب فرصية ممكنية ‪ .‬ومشمول فيي‬
‫قائمة الدول الراعية للرهاب ‪.‬‬
‫ل حلفائهميا ‪ ،‬وبييت توجرمية مين أقاصيي الشمال يي دول التحاد السيوفييتي‬ ‫‪.2‬روش وماشيك وتوبال وك ّ‬
‫السييابق ‪ ( .‬درجيية ثانييية ) ‪ .‬تييم تفكيييك التحاد السييوفييتي ‪ ،‬وإضعاف الحزب الشيوعييي المناهييض‬
‫للغرب ‪ ،‬وتدمييير اقتصيياد روسيييا وتوريطهييا مييع صييندوق النقييد الدولي ‪ .‬وتوريطهييا فييي حربييين‬
‫استنزافيتين في جمهورية الشيشان ‪.‬‬
‫‪.3‬مادي ‪ ،‬ورجال فارس يي إيران ‪ ( .‬درجية ثانيية ) ‪ .‬تيم توريطهيا فيي حرب الخلييج الولى ‪ ،‬ومقاطعية‬
‫اقتصييادية أمريكييية وعداء مُعلن ‪ ،‬تشجيييع الحركات الصييلحية الهداميية ‪ ،‬وإثارة الفتيين والثورات‬
‫الداخلية ‪ ،‬لشعال حروب أهلية ‪ ،‬طمعا في قلب نظام الحكم السلمي فيها ‪ ،‬وهي مشمولة في القائمة‬
‫المريكية للدول الراعية للرهاب ‪.‬‬
‫‪.4‬إثيوبييا يي السيودان ‪ ( .‬درجية ثالثية ) ‪ .‬ميا زالت الحروب الهليية التيي يدعمهيا الغرب مشتعلة فيهيا ‪،‬‬
‫ومقاطعية اقتصيادية أمريكيية وعداء مُعلن ‪ ،‬وُقصيفت بالصيواريخ المريكيية فيي زمين ( كلينتون ) ‪،‬‬
‫لتهامها بالتعاون مع ابن لدن ‪ ،‬وهي مشمولة في القائمة المريكية للدول الراعية للرهاب ‪.‬‬
‫‪.5‬ليبيا ‪ ( .‬درجة ثالثة ) قٌصفت من قبل الطائرات المريكية في زمن الرئيس المريكي ( ريغان ) ‪ ،‬تم‬
‫فبركية حادثية تفجيير الطائرة ( لوكربيي ) واتُهميت بتدبيرهيا ‪ ،‬ومين ثيم فُرض عليهيا ‪ ،‬حظير دولي مين‬
‫مجلس الميين ‪ ،‬ومقاطعيية اقتصييادية أمريكييية ‪ ،‬وهييي مشمولة فييي القائميية المريكييية للدول الراعييية‬
‫للرهاب ‪.‬‬
‫‪.6‬أشور وحلفائها ي سوريا ‪ ( .‬درجة ثالثة ) ‪ .‬موضوعة على جدول مؤامراتهم القادمة ‪ ،‬وهي مشمولة‬
‫في القائمة المريكية للدول الراعية للرهاب ‪.‬‬
‫‪.7‬عيلم وحلفاؤهيا ‪ ،‬ملوك الشرق يي أفغانسيتان وباكسيتان ‪ ( .‬درجية ثالثية ) ‪ .‬حظير ومقاطعية اقتصيادية‬
‫على كلتيا الدولتيين ‪ ،‬تيم قصيف معسيكرات تنظييم القاعدة فيي أفغانسيتان ‪ .‬وأفغانسيتان غيير مشمولة فيي‬
‫القائمة المريكية للدول الراعية للرهاب ‪ ،‬كونهم ل يعترفون بنظام الحكم فيها ‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫النبوءات النجيلية بين الماضي والمستقبل‬
‫النجييل فيي الصيل كتاب سيماوي أُنزل على عيسيى علييه السيلم ‪ ،‬بنيص واحيد مصيدقا لميا جاء فيي التوراة ‪،‬‬
‫ويحميل فيي طياتيه شريعية جديدة لليهود ‪ ،‬وناسيخة لبعيض ميا جاء فيي شريعية موسيى ‪ ،‬لتخفّف عنهيم الكثيير مين‬
‫العباء والكثير من القيود والغلل ‪ ،‬التي كانوا قد ألزموا بها في التوراة نتيجة فسقهم وعصيانهم وظلمهم ‪.‬‬
‫ومن أهم ما جاء به عيسى عليه السلم ‪ ،‬هي البشرى بنبي الهدى ( أحمد ) عليه الصلة والسلم ‪ .‬وكلمة النجيل‬
‫فيي اليونانيية تعنيي البشرى أو البشارة ‪ ،‬ويدّعيي النصيارى أن هذه البشرى هيي بشرى الخلص ‪ ،‬أمّا فيمين كانيت‬
‫لّ إِلَ ْيكُ ْم مُصَدّقًا ِلمَا بَيْنَ‬
‫البشارة حقيقة فنجده في قوله تعالى ( َوإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ َمرْ َيمَ يَبَنِي ِإسْرَائِي َل إِنّي َرسُولُ ا ِ‬
‫ر مُبِينبٌ (‪6‬‬ ‫حمَدُ فَ َلمّاب جَاءَهُمبْ بِالْبَيّنَاتبِ قَالُوا هَذَا سِبحْ ٌ‬
‫يَدَيّ مِنَب ال ّتوْرَاةِ َومُ َبشّرًا ِبرَسبُولٍ يَأْتِي مِنبْ َبعْدِي اسْب ُمهُ َأ ْ‬
‫الصييف ) ‪ .‬ونييص البشارة بنبينييا محمييد عليييه الصييلة والسييلم ‪ ،‬موجود فييي النجيييل الرابييع المنسييوب ليحيييى‬
‫( يوحنّا ) علييه السيلم ‪ ،‬فيي الصيحاحات ( ‪ ، ) 16-14‬ومُسيمّياته هيي " المؤيّدي" و " المؤيّدي الروح القُدس " و "‬
‫روح الحيق " و" سييّد هذا العالم " فيي الترجمية التيي اقتبسيت منهيا هذا النيص ‪ ،‬وفيي ترجمات أخرى ‪ " :‬الروح‬
‫القُدس ال ُمعِين " و" ال ُم َعزّي " ‪.‬‬
‫أميا ميا هيو موجود هذه اليام فيي الناجييل ‪ ،‬هيو مُجرّد بقاييا مين الوحيي اللهيي ‪ .‬وهذا ميا يؤكدّه حتيى المؤمنيين بيه‬
‫من النصارى أنفسهم فقد جاء في مقدّمة نسخة العهد الجديد من الكتاب المُقدّس ‪ ،‬دار المشرق ط ‪ ، 13‬ما نصه "‬
‫ك يبحث عن الحداث التي تم إثباتها والتحقّق منها ‪ ،‬يقع‬ ‫إن القارئ في عصرنا وهو حريص على الدّقة ‪ ،‬ل ينف ّ‬
‫فيي حيرة أمام تلك المؤلفات ( الناجييل الربعية وملحقاتهيا ) ‪ ،‬التيي تبدو له مفكّكية يخلو تصيميمها مين التنسييق ‪،‬‬
‫ويستحيل التغلب على تناقضاتها ‪ ،‬ول يُمكنها أن تردّ على السئلة التي تُطرح عليها " انتهى ‪.‬‬
‫وهكذا يعترف رجالت الديين المسييحي أن محتويات كتابهيم المقدّس مُتناقضية ‪ ،‬وأنهيا مؤلفات كُتبيت بأيدي بشير‬
‫بعد المسيح بما يزيد على ‪ 300‬سنة ‪ ،‬وأقدم النسخ المتوافرة ذات أصل يوناني وتعود إلى القرن الرابع الميلدي ‪.‬‬
‫وأميا النصيوص الصيلية للنجييل بلغتيه العبريية أو الراميية فهيي غيير موجودة ‪ .‬وللحقيقية يسيتحيل أن يكون ذلك‬
‫صحيحا ‪ ،‬فقد سمعت يوما أن الكثير من المخطوطات الصلية ‪ ،‬موجود على شكل لفائف وقراطيس في قوارير‬
‫زجاجييية على رفوف فييي أقبييية الكنائس الكييبرى ‪ ،‬ول يُسييمح لي كان ميين الوصييول إليهييا إل كبار رجالت‬
‫الكنيسية ‪ ،‬الحريصيون على إضلل الناس بكتيم ميا فيي تلك المخطوطات مين حقائق ‪ ،‬تنفيي ألوهيية عيسيى وتدعوا‬
‫إلى وحدانية ال ‪.‬‬
‫أما الكتاب الموجود حاليا بين يديّ النصارى ‪ ،‬فهو ل يعدو أكثر من كونه كتاب يحكي سيرة المسيح عليه السلم‬
‫‪ -‬كما التوراة تحكي سيرة موسى ‪ -‬بشكل حائر ومُضطرب ‪ ،‬تغلب عليه ذِكر أفعاله أكثر من أقواله ‪ ،‬حتى أنك‬
‫تشعر عند قراءته أن المسيح شخصية خيالية أسطورية ساذجة غبية وبليدة ‪ ،‬خالية من الحكمة والمنطق ‪ ،‬وحاشا‬
‫ل أو لبنيه كميا يدّعون أو حتيى لرسيول أن يكون كذلك ‪ .‬غيير أن إنجييل يوحنّا ( يحييى ) وسيفر الرؤييا المنسيوب‬
‫ليوحنّا ‪ ،‬يبدو أنهميا أكثير قربيا إلى السيفار المُتأخرة مين التوراة ‪ ،‬حييث أنهميا يتفقان ميع أسيلوب كتابية النصيوص‬
‫التوراتييية إلى درجيية التطابييق ‪ ،‬ميين حيييث النشاء واللفاظ المُسييتخدمة والمُسييميّات ‪ ،‬وحتييى تكرار وازدواجييية‬
‫النصوص التي تؤكد أنهما جُمعا ونسخا من مصدرين مُختلفين ‪.‬‬
‫وقد جاء في مقدّمة سفر الرؤيا من نسخة العهد الجديد من الكتاب المُقدّس ‪ ،‬دار المشرق ط ‪ ، 13‬ما نصه ‪ " :‬ل‬
‫يأتينا سفر رؤيا يوحنّا ‪ ،‬بشيء من اليضاح عن كاتبه ‪ .‬لقد أطلق على نفسه اسم يوحنّا واسم نبي ‪ ،‬ولم يذكر قط‬
‫أنه أحد الثنيّ عشر ( التلميذ ) ‪ .‬هناك تقليد على شيء من الثبوت ‪ ،‬وقد عُثر على بعض آثاره منذ القرن الثاني‬
‫( الميلدي ) ‪ ،‬وورد فيه أن كاتب الرؤيا هو الرسول يوحنّا ‪ ،‬وقد نُسب إليه أيضا النجيل الرابع ‪ .‬بيد أنه ليس‬
‫في التقليد القديم إجماع على هذا الموضوع ‪ .‬وقد بقي المصدر الرسولي لسفر الرؤيا عرضة للشك مدّة طويلة في‬
‫بعيض الجماعات المسييحية ‪ .‬إن آراء المُفسيّرين فيي عصيرنا مُتشعبية كثيرا ‪ ،‬ففيهيم مين يؤكيد أن الختلف فيي‬
‫النشاء والبيئة والتفكيير اللهوتيي ‪ ،‬يجعيل نسيبة سيفر الرؤييا والنجييل الرابيع ‪ ،‬إلى كاتيب واحيد أمرا عسييرا ‪.‬‬
‫وهناك مُفسيّرون يرون أن ظروف إنشاء سيفر الرؤييا ‪ ،‬أشدّ تشعبيا مين ذلك بكثيير ‪ ،‬فهيو لييس مُؤلّفيا مُتجانسيا بيل‬
‫محاولة غير مُحكمة لجمع أجزاء مُختلفة ‪ ،‬أُنشئت ثم نُقّحت في العقود الخيرة من القرن الول " انتهى ‪.‬‬
‫‪150‬‬
‫وللحيق نسيتطيع الجزم بأن التوراة تيم تنقيحهيا وجمعهيا بشكيل نهائي ‪ ،‬فيي هذه الحقبية مين الزمين بعيد وفاة عيسيى‬
‫وموت يحيى عليهما السلم ‪.‬‬
‫نجيد مين خلل ميا تقدّم أن النصيارى أنفسيهم ‪ ،‬كان لديهيم الكثيير مين الشكوك حول سيفر الرؤييا ‪ ،‬وبعيد قراءتيي‬
‫لمحتوى هذا السيفر تيبين لي ‪ ،‬أن أسييلوب إنشاءه هيو نفييس السيلوب ‪ ،‬الذي أُنشئت بيه أسيفار التوراة مين حييث‬
‫اللفاظ والعبارات ‪ ،‬وحتى تكرار الفكار والنصوص وتحويرها وتحريفها ‪ ،‬وتبديل مواضعها من تقديم وتأخير ‪،‬‬
‫لتشوييه الرؤى النبويية التيي تأتيي عادة فيي غيير صيالح اليهود ‪ .‬والسيِفر يحتوي على نبوءات مُشابيه ‪ ،‬لميا جاء فيي‬
‫السفار المُتأخرة من التوراة ‪ ،‬حيث أن سِفر زكريا في التوراة ينتهي عند ذكر الدجال ‪ ،‬ويُغفل ما سيأتي بعده من‬
‫أحداث ‪ ،‬وتجيد أن سيفر الرؤييا يُعييد بعيض ميا جاء فيي السيفار المُتأخرة مين التوراة ومين ضمنهيا سيفر زكرييا ‪،‬‬
‫ويكمل الحداث حتى دخول أهل الجنة الجنة ودخول أهل النار النار ‪.‬‬
‫وميا تقدّم يدفعنيي إلى العتقاد أن كتبية هذيين السيفرين ‪ ،‬هيم كهنية اليهود الذيين ألفوا التوراة ‪ ،‬إذ أن آثار أقلمهيم‬
‫واضحة للعيان ‪ ،‬مما فيه من تناقض أحيانا وتكرار أحيانا أخرى ‪ ،‬لمحاولتهم فهم هذه النبوءات وتفسيرها حسبما‬
‫يتناسب مع زمانهم ‪ ،‬أي مع بداية التقويم الميلدي ‪ ،‬حيث كانت مقومات ذلك العصر ورموزه ‪ ،‬تختلف كليا عمّا‬
‫لدينا في العصر الحالي ‪ ،‬حيث بدأت هذه النبوءات هذه اليام ‪ ،‬تأخذ مكانها على أرض الواقع ‪.‬‬
‫ويبدو أن المُتأخريين مين الكهنية اليهود ‪ ،‬كانوا عاقدي العزم على ضمّي سيفر الرؤييا والنجييل المنسيوب إلى يوحنّا‬
‫إلى التوراة ‪ ،‬فييأعملوا أقلمهيم فيهميا ‪ ،‬ويبدوا أنهيم تراجعوا عين ذلك فيي اللحظية الخيرة فقرّروا إسيقاطهما ‪ ،‬بعيد‬
‫أن تنكرّوا لنبوة يحييى وعيسيى عليهميا السيلم ‪ .‬فسيفر الرؤييا كميا الحال بالنسيبة لنجييل يوحنيا ‪ ،‬يُهاجيم اليهود‬
‫أنفسيهم ويهاجيم مجّمعات كهنتهيم ( المُسيمّاة بالسينهدرين ) التيي كانوا يتدارسيون فيهيا التوراة ( والحقيقة أنهيم كانوا‬
‫يدرسون التوراة كما ندرس الزيتون ) والتي وصفها هذا السفر بمُجمعات الشيطان ‪ .‬حيث جاء فيه " رؤيا ‪:9 :2‬‬
‫وأعلم افتراء الذين يقولون أنهم يهود وليسوا بيهود ‪ ،‬بل هم مَجمَع للشياطين " ‪ .‬رؤيا ‪ :9 :3‬ها إني أعطيك أُناسا‬
‫ميين مَجمَيع للشيطان ‪ ،‬يقولون أنهييم يهود ‪ ،‬ومييا هييم إل كذّابون " ‪ ،‬وهاتييين العبارتييين مثال على التكرار لنفييس‬
‫المعنى وبنفس اللفاظ تقريبا ‪.‬‬
‫بالضافيية إلى ذلك جاء سييفر الرؤيييا بنبوءات تُخالف أهواء الكهنيية ‪ ،‬وتتناقييض مييع مييا كان قييد خطّيه الكهنيية‬
‫المُتقدّمين ‪ ،‬ومنها أنّه يُثبت البعث والحساب والجزاء ‪ ،‬وهذا مما يُنكره اليهود ويجحدونه ‪ .‬فالتوراة على امتدادها‬
‫الشاسيع ‪ ،‬ل تجيد فيهيا حتيى كلمية توضّح مصيير الروح بعيد الموت ‪ ،‬وميا يملكونيه مين معتقدات فييا يتعلق بالروح‬
‫والبعيث والجزاء ‪ ،‬تعتميد فيي الدرجية الولى على أقوال متناقضية ومرتبكية لحكمائهيم ‪ ،‬وهذه القوال مثبتية فيي‬
‫التلمود ‪ ،‬وهي أقرب ما تكون إلى معتقدات الوثنيين كتناسخ الرواح والحلولية ‪.‬‬
‫وربما تكون نسبة هذا السفر إلى ( يوحنّا ) ‪ ،‬وهو يحيى بن زكريا عليهما السلم صحيحه ‪ ،‬حيث أن يحيى كان‬
‫قيد سيبق عيسيى علييه السيلم فيي البعيث لليهود ‪ ،‬وحال سيفر الرؤييا يشبيه حال السيفار المتأخرة مين التوراة ‪ ،‬التيي‬
‫امتازت بالطابع الدعوي النبوي في معظمها ‪ .‬وبعد أن أسقط اليهود النجيل وسفر الرؤيا ‪ ،‬المنسوبين إلى يوحنا‬
‫مين التوراة ‪ ،‬تلقّفتيه كهنية النصيارى ‪ ،‬ومين ثيم قاموا بتحريفيه بالحذف والضافية والتبدييل ‪ ،‬لثبات أُلوهيية عيسيى‬
‫عليه السلم ‪ ،‬وأضافوه إلى كتابهم المُقدّس ‪ ،‬على ما هو عليه من ازدواجية وتكرار باللفاظ والفكار ‪.‬‬
‫أمّا الكلم فيي النجيل المنسوب إلى يوحنّا ‪ ،‬هو أقرب ما يكون إلى كلم عيسيى عليه السلم ‪ ،‬حيث جاءت على‬
‫لسييانه البشارة بنبيّنييا عليييه الصييلة والسييلم ‪ ،‬كمييا نييص عليهييا القرآن الكريييم ‪ ،‬وهذا النجيييل يتميّز عيين باقييي‬
‫الناجييل ‪ ،‬بأنيه يُركّز على القوال التيي جاء بهيا عيسيى علييه السيلم ‪ ،‬أكثير مين طابيع السيرد القصيصي للفعال‬
‫التي قام بها ‪ ،‬الذي غلب على الناجيل الخرى ‪.‬‬

‫إنجيل يوحنا‬

‫نص البشارة بنبي السلم عليه الصلة والسلم ‪:‬‬


‫ن مَرْيَ مَ ‪ ،‬يَبَنِي إِ سْرَائِي َل إِنّي رَ سُولُ الِّ إِلَ ْيكُ مْ ‪ ،‬مُ صَدّقًا ِلمَا بَيْ نَ يَ َديّ مِ نَ ال ّتوْرَاةِ ‪،‬‬
‫قال تعالى ( َوإِذْ قَالَ عِي سَى ابْ ُ‬
‫سحْ ٌر مُبِينٌ (‪ 6‬الصف )‬ ‫حمَدُ ‪َ ،‬فَلمّا جَاءَ ُهمْ بِالْبَيّنَاتِ ‪ ،‬قَالُوا هَذَا ِ‬ ‫س ُمهُ َأ ْ‬
‫َومُ َبشّرًا ِب َرسُولٍ يَأْتِي مِنْ َبعْدِي ا ْ‬
‫‪151‬‬
‫" ‪ :16-18 :14‬وأنيا سيأسأل الب ‪ ،‬فيهيب لكيم مؤيّداً آخير ‪ ،‬يكون معكيم إلى البيد ‪ ،‬روح الحقّي ‪ ،‬الذي ل يسيتطيع‬
‫العالم أن يتلقّاه لنّه ل يراه ول يعرفيه ‪ ،‬أمّا أنتيم فتعلمون ‪ ،‬أنّه يُقييم عندكيم ويكون فيكيم ‪ ،‬لن أدعكيم يتاميى فإنيي‬
‫أرجع إليكم " ‪.‬‬
‫ي يُخبر عيسى أتباعه في هذا النص أن الب سيرسل لهم مؤيدا آخر ‪ ،‬غير عيسى عليه السلم ‪ ،‬فإن كان عيسى‬
‫هيو ال ‪ ،‬فإن ال سييبعث للنصيارى إلهيا غيير عيسيى ‪ ،‬وإن كان ابين ال فإن ال سييبعث لهيم ابنيا له غيير عيسيى ‪،‬‬
‫وإن كان عيسييى رسييول ال فإن ال سيييبعث لهييم رسييول آخيير غيره ‪ .‬ويُخييبر أيضييا أن رسييالته سييتكون خاتميية‬
‫الرسالت السماوية ‪ ،‬ويأتي بالح قّ ويعدل به ‪ ،‬ويُخبرهم بأنهم امتازوا على الخرين من سكان العالم ‪ ،‬بأن لديهم‬
‫علم بهذا الرسول ‪ ،‬وبإخبارهم أيضا أن الوحي من بعده لن ينقطع ‪.‬‬
‫" ‪ : 24-25 :14‬ومين ل يُحبنيي ل يحفيظ كلميي ‪ ،‬والكلمية التيي تسيمعونها ليسيت كلمتيي ‪ ،‬بيل كلمية الب الذي‬
‫أرسلني ‪ .‬قلت لكم هذه الشياء وأنا مُقيم عندكم " ‪.‬‬
‫" ‪ :26-31 :14‬ولكيين المؤيّد ي الروح القدس ‪ ،‬الذي يُرسييله الب باسييمي ‪ ،‬هييو يُعلمكييم جميييع الشياء ‪ ،‬ويُذكّركييم‬
‫بجمييع ميا قلتيه ‪ … .‬لقيد أنبأتكيم مُنيذ الن بالمير قبيل حدوثيه ‪ ،‬حتيى إذا حدث تؤمنون ‪ ،‬لن أُطييل عليكيم الكلم بعيد‬
‫ذلك ‪ ،‬لن سيييد هذا العالم آت وليييس له يييد علي يّ ‪ ،‬ومييا ذلك إل ليعرف العالم أنّي أُحب يّ الب وأنّي أعمييل كمييا‬
‫أوصاني " ‪.‬‬
‫يي يخيبرهم بأن هذا المؤيّدي ‪ ،‬سييُذكّرهم مين خلل الوحيي بميا سيبقه ‪ ،‬ويُعلّمهيم أشياء جديدة ‪ ،‬وسيبب إخباره لهيم‬
‫بذلك ‪ ،‬هيو وجوب اليمان بيه واتّباعيه عنيد ظهوره ‪ .‬يصيفه عيسيى بأنيه سييّد هذا العالم ‪ ،‬ويؤكيد مجيئه ‪ ،‬وأنيه ذو‬
‫أفضلية على من قبله ‪ ،‬ويُخبرهم في نهاية النص أنّه بلّغهم البشارة بأمانة كما أخبره ربه ‪.‬‬
‫" ‪ :26-27 :15‬ومتيى جاء المُؤيّدي ‪ ،‬الذي أرسيله لكيم روح الحقّي المُنبثيق مين الب ‪ ،‬فهيو يشهيد لي وأنتيم أيضيا‬
‫تشهدون ‪ ،‬لنكم معي منذ البدء " ‪.‬‬
‫ي هذا النص تكرار لجزاء مما تقدم من نصوص ‪.‬‬
‫ن فيهيا كلّ من يقتلكيم‬
‫‪ :1-14 :16‬قُلت لكم هذه الشياء لئل تعثروا ‪ .‬سيفصلونكم عن المجامع ‪ ،‬بيل تأتيي سياعة يظ ّ‬
‫بأنه يؤدي عبادة ل ‪ … .‬وقد قلت هذه الشياء لكم لتذكروا إذا أتت الساعة أنّي قُلتها لكم ‪ ،‬ولم أقلها منذ البدء لنّي‬
‫كنت معكم ‪ ،‬أمّا الن فإنّي ذاهب إلى الذي أرسلني ‪ ،‬وما من أحد يسألني إلى أين أذهب ؟ ل بل مل الحزن قلوبكم‬
‫ض ل يأتكم المؤيّد ‪ ،‬أمّا إذا ذهبت فأرسله إليكم " ‪.‬‬
‫‪ ،‬لنّي قلت لكم هذه الشياء ‪ .‬فإن لم أم ِ‬
‫_ يُثبت هذا النص بما ل يدع مجال للشك ‪ ،‬أن هذا المؤيّد سيُرسل ل محالة ‪ ،‬وأن بعثه مرتبط بذهاب عيسى عليه‬
‫السلم ‪.‬‬
‫" ‪ :8-11 :16‬وهيو متيى جاء ‪ ،‬أخزى العالم على الخطيئة والبرّ والدينونية ‪ :‬أميا على الخطيئة ‪ ،‬فلنهيم ل يؤمنون‬
‫بي ‪ .‬وأمّا على الب ّر ‪ ،‬فلني ذاهب إلى أبي ‪ ،‬وأما على الدينونة ‪ ،‬فلن سيّد هذا العالم قد دِين ‪. ".‬‬
‫يي هذا النيص فييه فلسيفة تفسييرية مين الكاتيب ‪ ،‬محاول ترمييم ميا أفسيده مين تغييير لللفاظ والعبارات ومواضعهيا ‪،‬‬
‫والمعنيى المراد مين وراء هذا النيص ‪ ،‬أنيه يأتيي شاهدا ومُبشّرا ونذيرا ‪ ،‬يدعوا إلى البرّ ويُديين الخطيئة ‪ ،‬مُبشّرا‬
‫بالثواب ومُنذرا بالعقاب وشاهيد على الخلق يوم الدينونية أي يوم القياميية وال أعلم ‪ ،‬قال تعالى ( يَأَيّهَا النّبِيّ إِنّاب‬
‫ك شَاهِدًا َومُ َبشّرًا وَنَذِيرًا (‪ 45‬الحزاب ) ‪.‬‬
‫أَ ْرسَلْنَا َ‬
‫" ‪ :13-14 :16‬فمتيى جاء هيو ‪ ،‬أي روح الحقّي ‪ ،‬أرشدكيم إلى الحقّي كله ‪ ،‬لنّه لن يتكلّم مين عنده ‪ ،‬بيل يتكلّم بميا‬
‫يسمع ‪ ،‬ويخبركم بما سيحدث ‪ ،‬سيُمجّدني لنه يأخذ مما لي ويُخبركم " ‪.‬‬
‫يي هذا النيص يُخيبر بأن " روح الحقّي " ‪ ،‬سييرشدهم إلى الحقّي ‪ ،‬ويُبلّغ رسيالة ربيه على أكميل وجيه ‪ ( ،‬وَمَا يَ ْنطِقُب‬
‫عَنِ ا ْل َهوَى (‪ )3‬إِنْ ُه َو ِإ ّل َوحْيٌ يُوحَى (‪ 4‬النجم ) ‪ ،‬ويُنبئهم بأمور غيبية ستحدث لحقا ‪.‬‬
‫ولو أمعنيت النظير أخيي القارئ ‪ ،‬فيي النصيوص أعله أو رجعيت إلى الكتاب نفسيه ‪ ،‬سيتكتشف بسيهولة محاولت‬
‫التضليل والتمويه ‪ ،‬من خلل تتبّع النصوص ومقارنتها مع بعضها البعض ‪ ،‬فاللفاظ والمُسمّيات تتكرّر بصورة‬

‫‪152‬‬
‫مُزدوجية ‪ ،‬وتتقدّم أحيانيا وتتأخير أحيانيا أخرى ( يُحرّفون الكلم عين مواضعيه ) ‪،‬كميا هيو الحال فيي النصيوص‬
‫التوراتية تماما ‪ .‬وغالبا ما يكشف أحد النصوص المزدوجة كذب وتضليل النص الخر ‪.‬‬

‫إنجيل متى‬

‫النجيل يكشف حقيقة اليهود ويُحذّر الناس من اتّباعهم ‪:‬‬


‫" متى ‪ :13 :23 :‬ولكن الويل لكم أيّها الكتبة والفرّيسيّون المراءون ‪ ،‬فإنكم تُغلقون ملكوت السماوات في وجوه‬
‫الناس ‪ ،‬فل أنتم تدخلون ‪ ،‬ول تدعون الناس يدخلون ‪ ، … ،‬فإنكم تطوفون البرّ والبحر ‪ ،‬لتكسبوا مُتهوّدا واحدا ‪،‬‬
‫فإذا تهوّد جعلتموه أهل لجهنّم ‪ ،‬ضعف ما أنتم عليه ‪ .‬الويل لكم أيها القادة العميان ‪ ،‬تقولون ‪ :‬من أقسم بالهيكل ‪،‬‬
‫فقسمه غير مُلزم ‪ ،‬أمّا من أقسم بذهب الهيكل ‪ ،‬فقسمه مُلزم " ‪.‬‬
‫" ‪ :27 :23‬الويل لكيم … فإنكيم كالقبور المطلية بالكلس ‪ ،‬تبدو جميلة مين الخارج ‪ ،‬ولكنّهيا مين الداخل ‪ ،‬ممتلئة‬
‫بعظام الموتيى وكيل نجاسية ‪ .‬كذلك أنتيم أيضيا تبدون للناس أبرارا ‪ ،‬ولكنّكيم مين الداخيل ممتلئون بالرياء والفسيق ‪.‬‬
‫… الوييل لكيم … فإنكيم تبنون قبور النيبياء وتُزيّنون مدافين البرار ‪ ،‬وتقولون ‪ :‬لو عشنيا فيي زمين آبائنيا ‪ ،‬لميا‬
‫شاركناهم في سفك دماء النبياء ‪ .‬فبهذا تشهدون على أنفسكم ‪ ،‬بأنكم أبناء قاتلي النبياء ‪ ،‬فأكملوا ما بدأه آباؤكم ‪،‬‬
‫ليطفح الكيل " ‪.‬‬

‫الجريمة وعقابها ‪:‬‬


‫" ‪ :33 :23‬أيهيا الحيّات ‪ ،‬أولد الفاعيي ‪ ،‬كييف تُفلتون مين عقاب جهنّم ؟ لذلك هيا أنيا ذا أُرسيل إليكيم ‪ ،‬أنيبياء‬
‫وحكماء ومعلّمين ‪ ،‬فبعضهم تقتلون وتصلبون ‪ ،‬وبعضهم في مجامعكم تجلدون ‪ ،‬ومن مدينة إلى أُخرى تُطاردون‬
‫‪ ،‬حتى يقع عليكم كل دمٍ سُفك في الرض ‪ ،‬من دم هابيل البّار إلى دم زكريّا بن برخيا ‪ ،‬الذي قتلتموه بين الهيكل‬
‫والمذبح ‪ .‬الحق أقول لكم ‪ :‬أن عقاب ذلك كله سينزل بهذا الجيل " ‪.‬‬
‫" ‪ :37 :23‬أورشلييم ‪ ،‬ييا قاتلة النيبياء وراجمية المرسيلين إليهيا ‪ .‬كيم مرّة أردت أن أجميع أولدك ‪ ،‬كميا تجميع‬
‫الدجاجة فراخها تحت جناحيها ‪ ،‬فأ َبيْتم ‪ .‬ها إن بيتكم يُترك لكم خرابا ‪ ،‬فإني أقول لكم ‪ :‬أنّكم لن تروني من الن ‪،‬‬
‫حتى تقولوا ‪ :‬مُبارك التي باسم الرب " ‪.‬‬
‫" ‪ :1 :24 :‬ثم خرج يسوع من الهيكل ‪ ، … ،‬فقال لهم ‪ :‬أما ترون هذه المباني كلها ؟ الحقّ أقول لكم ‪ :‬لن يُترك‬
‫هنا حجر فوق حجر إل ويُهدم " ‪.‬‬

‫المسيح يُنبئ بأحداث آخر الزمان ‪:‬‬


‫" ‪ :3 :24‬وبينما كان جالسا على جبل الزيتون ‪ ،‬تقدّم إليه التلميذ على انفراد ‪ ،‬وقالوا له ‪ :‬أخبرنا متى يحدث هذا‬
‫( أي خراب أورشلييم ) ‪ ،‬وميا هيي علمية رجوعيك ‪ ،‬وانتهاء الزمان ؟ فأجاب يسيوع ‪ :‬انتبهوا ‪ ،‬إيّاكيم أن يُضلّكيم‬
‫أحيد ‪ ،‬فسيوف يأتيي كثيير مين الناس منتحليين اسيمي ‪ ،‬ويضلّون أُناسيا كثيريين ‪ .‬وسيتسمعون بالحروب وبإشاعات‬
‫عين الحروب ‪ ،‬فإياكيم أن تفزعوا ‪ ،‬فل ب ّد مين حدوثهيا ‪ ،‬ولكين لن تكون النهايية عندئذ ‪ .‬فسيتقوم أمية على أمية ‪،‬‬
‫ومملكة على مملكة ‪ ،‬وتحدث مجاعات وزلل في أماكن كثيرة ‪ ،‬وهذا ليس إل بدء المخاض " ‪.‬‬

‫اضطهاد المؤمنين بال وفساد الدنيا يُبشّر بقرب النهاية ‪:‬‬


‫" ‪ :9 :24‬وسيتسلمون عندئذ إلى الضييق وتقتلون ‪ ،‬ويُبغضكيم جمييع الوثنييين مين أجيل اسيمي ‪ .‬فيعثير أناس‬
‫كثيرون ‪ ،‬ويُسيلم بعضهيم بعضيا ويتباغضون …‪ .‬ويزداد الثيم ‪ ،‬فتفتير المحبية فيي أكثير الناس ‪ ،‬والذي يثبيت إلى‬
‫النهاييية فذاك الذي يخلص ‪ .‬وس يتُعلن بشارة الملكوت هذه ‪ ،‬فييي المعمورة كلّهييا ‪ ،‬شهادة لدى الوثنيييين أجمعييين ‪،‬‬
‫وحينئذ تأتي النهاية " ‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫قيام دولة إسرائيل ودمارها يُبشر بقرب النهاية ‪:‬‬
‫" متييى ‪ :15 :24 :‬فإذا رأيتييم المُخرّب الشنيييع ‪ ،‬الذي تكلّم عليييه النييبي دانيال ‪ ،‬قائمييا فييي المكان المُقدّس – ليفهييم‬
‫القارئ – فليهرب إلى الجبال مين كان عندئذ فيي اليهوديية ‪ ،‬ومين كان على السيطح فل ينزل ليأخيذ ميا فيي بيتيه ‪،‬‬
‫ومن كان في الحقل فل يرجع ليأخذ رداءه ‪ ،‬الويل للحوامل والمرضعات في تلك اليام ‪ ،‬صلّوا لئل يكون هربكم‬
‫في الشتاء أو في يوم سبت " ‪.‬‬
‫" لوقيا ‪ :24-20 :21 :‬فإذا رأيتيم أورشلييم قيد حاصيرتها الجيوش ‪ ،‬فاعلموا أن خرابهيا قيد اقترب ‪ ،‬فمين كان يومئذ‬
‫فيي اليهوديية فليهرب إلى الجبال ‪ ،‬ومين كان فيي وسيط المدينية فليخرج منهيا ‪ ،‬ومين كان فيي الحقول فل يدخيل‬
‫إليها ‪ ،‬لن هذه اليام أيام نقمة يتم فيها جميع ما كُتب ‪ ،‬الويل للحوامل والمرضعات في تلك اليام ‪ ،‬فستنزل الشدّة‬
‫على هذا البلد وينزل الغضب على هذا الشعب ‪ ،‬فيسقطون قتلى بح ّد السيف ويؤخذون أسرى إلى جميع المم " ‪.‬‬
‫يي المقصيود بالمُخرّب الشنييع ‪ ،‬فيي النيص الول المأخوذ مين إنجييل متيى هيي دولة الفسياد إسيرائيل ‪ ،‬وهذا ميا‬
‫يوضّحه النص الثاني من إنجيل لوقا بنص صريح بعبارة (فإذا رأيتم أورشليم ) ‪ .‬ولو تمعّنت في النصائح المُقدّمة‬
‫للشعيب اليهودي لتجنّب القتيل والسير ‪ .‬سيتجد أن دخول الجيوش على أورشلييم ‪ ،‬سييكون مُفاجئا وسيريعا وبدون‬
‫ضجية ‪ ،‬لدرجية أن مين على سيطح المنزل ل يشعير بدخولهيم إلى بيتيه ‪ .‬وأن مين فيي الرياف ل يسيمع بهيم إل‬
‫مُتأخرا ‪ ،‬وأميا النصيارى الجدد فيي الغرب ‪ ،‬فيرون أن المقصيود بالمُخرّب الشنييع ‪ -‬أو رجسية الخراب فيي سيفر‬
‫دانيال ‪ -‬هو الدجال عدو المسيح ‪ ،‬الذي سيظهر في القدس وأما اليهود فيرون أنه المسجد القصى ‪.‬‬

‫الحرب الكونية النووية ‪:‬‬


‫" ‪ :21 :24‬فستحدث عندئذ شدّة عظيمة لم يحدث مثلها ‪ ،‬منذ بدء الخليقة إلى اليوم ولن يحدث ‪ ،‬ولو لم تقصّر تلك‬
‫اليام ‪ ،‬لما نجا أحد من البشر ‪ ،‬ولكن من أجل المُختارين ستقصر تلك اليام " ‪.‬‬
‫ي وهذا أحد النصوص التي يستند إليها نصارى الغرب في تحليلتهم ‪ ،‬بالقول بأن الحرب العالمية الثالثة ستكون‬
‫نووية ل محالة ‪ ،‬لسرعة هذه السلحة في حسم المعركة ‪.‬‬

‫المسيح يُحذّر من أتباعه الدجّال ‪:‬‬


‫" ‪ :23 :24‬فإذا قال عندئذ أحد من الناس ‪ :‬ها هو ذا المسيح هنا ‪ ،‬بل هنا ‪ ،‬فل تُصدّقوه ‪ .‬فسيظهر مُسحاء دجّالون‬
‫وأنيبياء كذّابون ‪ ،‬يأتون بآيات عظيمية وأعاجييب ‪ ،‬ليُضلّوا حتيى المُختاريين ( التقياء ) لو اسيتطاعوا ‪ .‬فهيا أنيا قيد‬
‫أنبأتكم " ‪.‬‬
‫" ‪ :26 :24‬فإن قيل لكم ها هو فيي البرية ‪ ،‬فل تخرجوا إليها ‪ ،‬أو هيا هو ذا فيي المخابئ ‪ ،‬فل تُصيدّقوا ‪ .‬وكميا أن‬
‫البرق يخرج ميين المشرف ‪ ،‬ويلمييع حتييى المغرب ‪ ،‬فكذلك يكون مجيييء ابيين النسييان ‪ ،‬وحيييث تكون الجيفيية‬
‫( الدجال ) تتجمّع النسور ( اليهود ) " ‪.‬‬

‫ظواهر فلكية تسبق بداية النهاية ‪:‬‬


‫" ‪ :29 :24‬وعلى أثيير الشدّة فييي تلك اليام ‪ ،‬تُظلم الشمييس ( كسييوف ) ‪ ،‬والقميير ل يُرسييل ضوءه (خسييوف ) ‪،‬‬
‫وتتسياقط النجوم مين السيماء ( الصيواريخ ) ‪ ،‬وتتزعزع قوات السيماء ( دوي النفجارات ) ‪ .‬وتظهير عندئذ فيي‬
‫السماء آية ابن النسان ‪ .‬فتنتحب جميع قلئل الرض ‪ ،‬وترى ابن النسان آتيا على غمام السماء ‪ ،‬في تمام العزة‬
‫والجلل " ‪.‬‬
‫يي وهذا النيص جعيل الصيوليون النجيليون ‪ ،‬يعتقدون بأن مجييء عيسيى علييه السيلم ‪ ،‬يسيبقه حرب كونيية نوويية‬
‫شاملة ‪ ،‬تحرق الخضير واليابيس ‪ ،‬وهيم يعملون على دفيع القادة السيياسيين فيي أمريكيا إلى التحضيير لهيا ‪ ،‬بغيية‬
‫النتصار فيها والنجاة من أهوالها ‪ ،‬فهي ل محالة قادمة ‪ ،‬ومن ضمن التحضيرات ‪ -‬فضل عن التسلح النووي ‪-‬‬
‫إصرار أمريكا مؤخرا ‪ ،‬على إنشاء الدرع المضادّ للصورايخ البالستية ‪.‬‬
‫‪154‬‬
‫أحداث النهاية ستكون مباغتة ‪:‬‬
‫" ‪ :32 :24‬من التينة خذوا العبرة ‪ ،‬فمتى لنت أغصانها ونبتت أوراقها ‪ ،‬علمتم أن الصيف قريب ‪ ،‬وكذلك أنتم‬
‫إذا رأيتيم كلّ هذه المور ‪ ،‬فاعلموا أن ابين النسيان قرييب بيل على البواب … السيماء والرض تزولن وكلميي‬
‫ل يزول … " ‪.‬‬
‫" ‪ :37 :24‬وكميا كانيت الحال فيي زمين نوح ‪ ،‬كذلك سيتكون عنيد رجوع ابين النسيان ‪ ،‬فقيد كان الناس قبيل‬
‫الطوفان ‪ ،‬يأكلون ويشربون ويتزوّجون ويُزوّجون ‪ ،‬ومييييا كانوا يتوقعون شيئا ‪ ،‬حتييييى جاء الطوفان فجرفهييييم‬
‫أجمعين " ‪.‬‬

‫رؤيا يوحنّا‬

‫خروج أصحاب البعث الثاني من أرض الفرات ‪:‬‬


‫" ‪ :14 :9‬فقال للملك السيادس ‪ " :‬أطلق الملئكية الربعية المُقيّديين على النهير الكيبير ‪ ،‬نهير الفرات " ‪ ،‬وكان‬
‫هؤلء الملئكيية الربعيية ‪ ،‬مُجهّزييين اسييتعدادا لهذه السيياعة واليوم والشهيير والسيينة ‪ ،‬فأُطلقوا ليقتلوا ثلث البشيير ‪.‬‬
‫وسيمعت أن جيشهيم يبلغ مائتيي مليون مُحارب ‪ ،‬ورأييت فيي الرؤييا الخيول وعليهيا فرسيان يلبسيون دروعيا … ‪.‬‬
‫وكانيت رؤوس الخييل مثيل رؤوس السيود ‪ ،‬تلفيظ مين أفواههيا نارا ودخانيا وكبريتيا ‪ ،‬فقُتيل ثلث الناس بهذه البلييا‬
‫الثلث … ‪ .‬وكانيت قوة الخييل القاتلة تكمين فيي أفواههيا وفيي أذنابهيا أيضيا ‪ ،‬أميا سيائر الناس الذيين لم يموتوا مين‬
‫هذه النكبات لم يتوبوا عن أعمالهم … " ‪.‬‬
‫ك قيده في موعد مُعين‬
‫ي هذا النص يُبين أن هنالك جيش كبير العدد ‪ ،‬مقيّد على نهر الفرات أي في العراق ‪ ،‬وسيُف ّ‬
‫‪ .‬ويصيف هذا النيص ميا يملكيه هذا الجييش مين آليّات حربيية حديثية ‪ ،‬وأن هناك أُناس سيينجون مين هذا الجييش ‪،‬‬
‫ولكنهم بالرغم من ذلك لن يتوبوا ‪.‬‬

‫جفاف نهر الفرات والحرب العالمية النهائية ‪:‬‬


‫ف ماؤه ‪ ،‬ليصير ممرا للملوك القادمين‬‫" ‪ :12-14 :16‬وسكب الملك السادس ‪ ،‬كأسه على نهر الفرات الكبير فج ّ‬
‫ميين الشرق ‪ ،‬وعنييد هذا رأيييت ثلثيية أرواح نجسيية ‪ ، … ،‬وهييي أرواح شيطانييية قادرة على صيينع المُعجزات ‪،‬‬
‫تذهب إلى ملوك الرض جميعا ‪ ،‬وتجمعهم للحرب في ذلك اليوم العظيم ‪ ،‬يوم ال القادر على كل شيء " ‪.‬‬
‫يي هذا النيص يُخيبر بأن العراق قيد يُضرب بالنووي ‪ ،‬فيجفّي نهير الفرات مين جراء ذلك ‪ ،‬إميا قبيل أو بعيد نشوب‬
‫الحرب العالمييية ‪ ،‬ليصييير ممرا للدول الشرقييية لتشارك فييي الحرب القادميية ‪ ،‬والدول الواقعيية شرق الفرات تبدأ‬
‫بإيران وتنتهي بالصين ‪ ،‬ومن ثم يجتمع ملوك العالم لتبدأ الحرب البرية ‪ ،‬التي يُحدّد مكانها في النص اللحق ‪.‬‬
‫" ‪ :16-21 :16‬وجمعييت الرواح الشيطانييية جيوش العالم كلهييا ‪ ،‬فييي مكان يُس يمّى بالعبرييية " هرمجدون " ‪ .‬ثييم‬
‫سيكب الملك السيابع كأسيه على الهواء فدوى صيوت مين العرش ‪ ، … ،‬يقول ‪ " :‬قُضيَي المير " ‪ .‬فحدثيت بروق‬
‫وأصييوات ورعود وزلزال عنيييف ‪ ،‬لم تشهييد الرض له مثيل ‪ ،‬منييذ أن وُجييد النسييان على الرض ‪ ،‬لنييه كان‬
‫ل الدمار بمُدن المم ‪ ،‬فقد ذكر ال بابل العُظمى‬ ‫زلزال عنيفا جدّا ‪ ،‬فانقسمت المدينة العُظمى إلى ثلثة أقسام ‪ ،‬وح ّ‬
‫ليسيقيها كأسيا تفور بخمير غضبيه ‪ ،‬وهربيت الجُزر كلهيا واختفيت الجبال ‪ ،‬وتسياقط مين السيماء على الناس بَ َردٌ‬
‫ل حبّة بقدار وزنة واحدة ‪ ،‬فجدّف الناس على ال ‪ ،‬بسبب هذه البلية الشديدة جدا " ‪.‬‬ ‫كبير ‪ ،‬ك ّ‬
‫ي هذا النص يصف هذه الحرب ‪ ،‬فهناك صواريخ تسقط من السماء ‪ ،‬وأصوات انفجاراتها مُدوّية كالرعد محدثة‬
‫زلزل عنيفيية ‪ ،‬واختفاء الجبال ميين شدة الزلزل ‪ ،‬وهروب الجُزر تحييت الماء لذوبان الكتييل الجليدييية ‪ ،‬وتبخّر‬
‫المسطّحات المائية نتيجة ارتفاع درجات الحرارة التي ستحدثها السلحة النووية ‪.‬‬
‫أمّا المدينيية العُظمييى التييي سييتنقسم إلى ثلثيية أقسييام فهييي بل شييك أمريكييا ‪ ،‬وإن كان هناك مدينيية بعينهييا فهييي‬
‫نيويورك ‪ ،‬بالرغم من أن كتبة التوراة ‪ ،‬أضافوا عبارة ( فقد ذكر ال بابل العُظمى ) ‪ .‬فلفظ مدينة بالعبرية يعني‬
‫‪155‬‬
‫دولة ‪ ،‬وبمييا أن النبوءة تحكييي عيين دولة عُظمييى فييي العصيير الحالي ‪ ،‬فهييم أضافوا هذه العبارة لكون بابييل فييي‬
‫مُخيّلتهيم ‪ ،‬تُمثّل الدولة العظميى والقويية فيي العصيور القديمية ‪ ،‬أميا بابيل الحاليية أي العراق ‪ ،‬فهيي ليسيت بأي حال‬
‫من الحوال بالدولة العظمى ‪ ،‬وهذه الصفة تتميّز بها أمريكا ‪.‬‬
‫ويبدو أن بعيض مفسيّري النبوءات التوراتيية والنجيليية مُؤخرا اكتشفوا هذا المير ‪ ،‬ومنهيم مين قام بتألييف كتيب‬
‫تنبأوا فيها بدمار إسرائيل ومن ثم أمريكا ‪ ،‬وبالتالي تستطيع قراءة النصوص ‪ ،‬التي تُخبر عن دمار بابل العظمى‬
‫ل بأمريكيا نتيجية هذه الحرب ولييس العراق ‪ .‬ولكين اليهود يريدونهيا بابيل‬‫أو الجديدة ‪ ،‬على أنهيا تُخيبر عمّا سييح ّ‬
‫القديمة ‪ ،‬ولكن ستجري الرياح بما ل تشتهيه سُفنهم ‪ ،‬بإذن ال ‪.‬‬

‫عرس الحمل ‪:‬‬


‫" ‪ :6-10 :19‬ث مّ سمعت صوتا ‪ ، … ،‬يقول ‪ " :‬هلّلويا ! فإن الرب الله القادر على كل شيء ‪ ،‬قد مَلَك ‪ ،‬لنفرح‬
‫ونبتهيج ونمجّده ‪ ،‬فإن عرس الحميل ‪ ،‬قيد حان موعده ‪ ،‬وعروسيه قيد هيّأت نفسيها ‪ ،‬ووهيب لهيا أن تلبيس الكتان‬
‫البيض الناصع ‪ ،‬والكتان يرمز إلى أعمال الصلح التي قام بها القدّيسون " ‪.‬‬
‫" ‪ :11 :19‬ثيم رأييت السيماء مفتوحية ‪ ،‬وإذا حصيان أبييض يُسيمّى راكبيه " الميين الصيادق " ‪ ،‬الذي يقضيي‬
‫ويحارب بالعدل ‪ … .‬وكان الجناد الذين في السماء ‪ ،‬يتبعونه راكبين خيول بيضاء ‪ ، … ،‬وكان يخرج من فمه‬
‫سيف حادّ ‪ ،‬ليضرب به المم ‪ ،‬ويحكمهم بعصا من حديد ‪. " … ،‬‬
‫يي ل أجيد تفسييرا لهذه النبوءة ‪ ،‬إل أنهيا تُخيبر عين المهدي ( الحميل ) وعروسيه ( القدس ) ‪ ،‬وجيوشيه ( الجناد ) ‪،‬‬
‫وانتصاراته في الحروب التي سيخوضها ‪.‬‬

‫عودة المسيح ‪:‬‬


‫" ‪ :4 :20‬ثمّي رأييت عروشيا مُنيح الجالسيون عليهيا حيق القضاء ‪ .‬ورأييت نفوس الذيين قُتلوا فيي سيبيل الشهادة‬
‫ليسوع ‪ ،‬وفي سبيل كلمة ال ‪ ،‬والذين … ‪ ،‬وقد عادوا إلى الحياة ‪ ،‬وملكوا مع المسيح ألف سنة ‪ .‬هذه هي القيامة‬
‫الولى ‪ .‬أما بقية الموات فل يعودون إلى الحياة حتى تنقضي اللف سنة " ‪.‬‬
‫يي ظاهير هذا النيص يُبشير بعودة المسييح ‪ ،‬وبأنيه سييحكم مين انتسيب إلى الديانية المسييحية بعيد بعثهيم مين الموت ‪،‬‬
‫بغيض النظير عين فسياد مين انتسيب إلييه أو صيلحه ‪ ،‬مدة ألف عام يعيشون فيهيا بسيلم ‪ ،‬أميا بقيية البشير مين غيير‬
‫المسيحين ‪ ،‬فسيقومون بعد ألف سنة فيما يُسمّونه بالقيامة الثانية ‪ .‬وسيُخلّدون في نار جهنم ول في خلقه شؤون ‪.‬‬

‫الدجّال ويأجوج ومأجوج ‪:‬‬


‫" ‪ :7-10 :20‬فحييين تنقضييي اللف سيينة ‪ ،‬يُطلق الشيطان ميين سييجنه ‪ ،‬فيخرج ليُضلّل المييم فييي زوايييا الرض‬
‫الربييع ‪ ،‬جوج وماجوج ويجمعهييم للقتال ‪ ،‬وعددهييم كثييير جدّا كرمييل البحيير ‪ ،‬فيصييعدون على سييهول الرض‬
‫العريضية ‪ ،‬ويحاصيرون مين كيل جانيب مُعسيكر القدّيسيين ( عيسيى ومين معيه مين المسيلمين ) والمدينية المحبوبية‬
‫( القدس ) ‪ ،‬ولكين نارا مين السيماء تنزل عليهييم وتلتهمهييم ‪ .‬ثييم يُطرح إبليييس الذي كان يُضلّلهييم فييي بُحيرة النار‬
‫والكبريت ‪ ،‬حيث الوحش ( أمريكا ) والنبي الدجال ( إسرائيل ) ‪ ،‬هناك سوف يُعذّبون نهارا وليل إلى أبد البدين‬
‫"‪.‬‬
‫( في هذا النص يُذكر الشيطان ( الدجال ) الذي سيُطلق ‪ ،‬بعد أن كان مقيدا مدة ألف سنة ‪ .‬وهو في الصل سابق‬
‫لمجيء عيسى عليه السلم ‪ ،‬ويذكر خروج يأجوج ومأجوج ‪ ،‬حيث أنهم يحصرون عيسى ومن معه من المؤمنين‬
‫في جبال القدس ‪ ،‬هربا منهم حيث ل قِبل لحد بهم ‪ ،‬فيتم القضاء عليهم والتخلّص من جثثهم بأمر من عند ال ‪،‬‬
‫أمّا النصارى فهُم يُف سّرون هذا النص على ما ف سّره العهد القديم أي التوراة ‪ ،‬حيث أخبرت أن جوج وماجوج هم‬
‫الروس ‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫البعث والحساب ‪:‬‬
‫" ‪ :11-12 :20‬ثم رأيت عرشا عظيما أبيض ‪ ،‬هربت السماء والرض من أمام الجالس عليه ‪ ،‬فلم يبق لهما مكان‬
‫‪ .‬ورأييت الموات كبارا وصيغارا ‪ ،‬واقفيين أمام العرش ‪ .‬وفُتحيت الكتيب ‪ ،‬ثيم فُتيح كتاب آخير هو سيجلّ الحياة ‪،‬‬
‫ودِين الموات بحسب ما هو مُدوّن فيي تلك الكتب ‪ ،‬كل واحد حسب أعماله ‪ … .‬وطُرح الموت … وكل من لم‬
‫يُوجد اسمه في سجل الحياة ‪ ،‬طُرح في بُحيرة النار " ‪.‬‬

‫السماء الجديدة والرض الجديدة‬


‫"‪ :1 :12‬ثيم رأييت سيماء جديدة وأرضيا جديدة ‪ ،‬ل بحير فيهيا ‪ ،‬لن السيماء والرض القديمتيين قيد زالتيا ‪ .‬ورأييت‬
‫المدينية المُقدّسية أورشلييم الجديدة نازلة مين السيماء مين عنيد ال ‪ . … ،‬وسيمعت صيوتا هاتفيا مين العرش ‪ " :‬الن‬
‫صار مسكن ال مع الناس هو يسكن بينهم ‪ ،‬وال نفسه يكون معهم إلها لهم ‪ ،‬وسيمسح كل دمعة عن عيونهم ‪ ،‬إذ‬
‫يزول الموت والحزن … ‪ ،‬لن المور القديمة كلها زالت " ‪.‬‬
‫يي فيي الحقيقية يصيف هذا النيص يوم الحشير والحسياب ‪ ،‬حييث أن أورشلييم هيي أرض المحشير ‪ ،‬وهذا الموقيف‬
‫العظيم الوارد في هذا النص ‪ ،‬موصوف بالتفصيل في مواضع كثيرة من القرآن ‪ .‬ولكن النصارى يفهمون النص‬
‫على أن إلههيم ( المسييح ) سيينزل ليسيكن معهيم فيي أورشلييم الجديدة ‪ ،‬التيي يصيفونها فيي نهايية السيفر ‪ ،‬وهيو فيي‬
‫الحقيقة وصف يُشبه وصف الجنّة في القرآن ‪ ،‬والموت ل يزول إل عندما يدخل أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار‬
‫إلى النار ‪.‬‬
‫ي يفهم عامة النصارى وخاصتهم من مُجمل النصوص أعله ‪ ،‬أنه عندما تبدأ الحداث المُدمّرة التي سيتعرّض لها‬
‫كوكيب الرض ‪ ،‬بأن المسييح سييعود وسييرتفع بهيم فوق السيحاب ‪ ،‬وبعيد نهايية الحداث التيي لن تسيتمرّ طويل ‪،‬‬
‫سينزل بهم ويحكمهم مدة ألف عام ‪ ،‬تحت أرض وسماء جديدتين ‪ .‬وهنا وقع خلط ما بين استعادة الرض لبركتها‬
‫بعد الخراب ‪ ،‬وبين تبدّل السماء والرض يوم القيامة ‪ ،‬كما جاء في قوله تعالى ( َيوْ مَ تُبَ ّد ُل الَْرْ ضُ غَ ْي َر الَْرْ ضِ‬
‫ت وَبَرَزُوا لِّ ا ْلوَاحِدِ الْ َقهّارِ (‪ 48‬إبراهيم ) ‪.‬‬
‫سمَوَا ُ‬
‫وَال ّ‬
‫ولذلك ظهرت جماعية التدبيرييين ‪ ،‬التيي تدعوا إلى تدميير كوكيب الرض بالسيلحة النوويية ‪ ،‬لقناعاتهيم الجديدة‬
‫نتيجية تفسييرهم الجدييد ‪ ،‬بأن هناك أرض جديدة وسيماء جديدة سيتأتي بعيد الدمار ‪ .‬والمصييبة الكيبرى أن رؤسياء‬
‫وسياسة ‪ ،‬أكيبر دولة عظميى فيي العالم يؤمنون بذلك ‪ ،‬ويسييرون بالعالم نحيو الهاويية ( فجورج بوش البين ) ل‬
‫يكترث بظاهرة النحباس الحراري ‪ ،‬وارتفاع درجية حرارة الرض ‪ ،‬وهيو غيير معنيي بتوقييع اتفاقيية ( كيوتيو )‬
‫للحيد مين هذه الظاهرة ‪ ،‬بميا أن هذه الرض سيتؤول إلى الزوال ‪ ،‬وميا يعنييه فيي الدرجية الولى ‪ ،‬هيو السيتعداد‬
‫للحرب النووية القادمة هجوما ودفاعا ‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫الغربيون وهوس النبوءات التوراتية والنجيلية‬
‫يعتقيد اليهود ونصيارى الغرب ‪ ،‬أن قيام دولة إسيرائيل للمرة الثانيية فيي فلسيطين ‪ ،‬هيو علمية لقرب ظهور الملك‬
‫المنتظر بالنسبة لليهود ‪ ،‬وللمجيء الثاني للمسيح بالنسبة للنصارى ‪ ،‬ولذلك يعكف الكثير من النصارى واليهود ‪،‬‬
‫على اختلف تخصصاتهم العلمية والمهنية في السنوات الخيرة ‪ ،‬على دراسة وتحليل وتفسير النبوءات التوراتية‬
‫والنجيلييية ‪ ،‬التييي تُخييبر عيين أحداث آخيير الزمان ‪ .‬وخاصيية فيمييا يتعلّق بنهاييية إسييرائيل ودمار العالم الغربييي ‪،‬‬
‫وعودة السييلم فييي نهاييية المطاف لواجهيية الصييدارة ‪ .‬ونطاق هذه البحوث فييي الغالب ‪ ،‬يدور حول مييا جاء فييي‬
‫التوراة والنجييل مين نصيوص نبويية ‪ ،‬وميا ُقدّم فيهيا مين كتيب ومؤلفات مؤخرا تفسيّر هذه النصيوص ‪ ،‬والكتاب‬
‫الكثر شهرة في هذا المجال ‪ ،‬هو كتاب ( نبوءات نوستراداموس ) الغامض ‪ ،‬والسوق الرائجة لطروحاتهم في‬
‫هذا المجال هي شبكة النترنت ‪.‬‬
‫وإذا أردت أن تعرف مقدار مييا تشغله هذه النبوءات المسييتقبلية ‪ ،‬ميين فكيير كبار رجالت السييياسة والدييين والعلم‬
‫وعامية الشعوب الغربيية ‪ ،‬وفيي مقدّمتهيا المريكيية والبريطانيية والفرنسيية ‪ ،‬وحتيى عامية النصيارى واليهود فيي‬
‫شتيى بقاع الرض ‪ ،‬فميا علييك إل أن تزور شبكية النترنيت ‪ ،‬وأن تقوم بالبحيث – على سيبيل المثال – عين إحدى‬
‫الكلمات التاليية ‪World War III ( ، )WW III ( ، )WW3 ( ، ) Armegeddon ( ، ) Nostradamus ( ، ) ( :‬‬
‫‪ ، ) Prophecy ( ، ) Miracle( ، ) Piple ( ، ) Torah‬لتجد أن هناك مئات اللف من المواقع التي تعرض البحاث‬
‫والكتب والدراسات ‪ ،‬التي تبحث في تفسير النصوص التوراتية والنجيلية ‪.‬‬
‫ي وفيما يلي بعض المثلة على مثل هذه المواقع ‪:‬‬
‫•‪)NOSTRADAMUS, CATHOLIC PROPHECY ON WORLD WAR III )1999-2030‬‬
‫‪A Catholic Prophecy Nostradamus prophesied that World War III would be initiated‬‬ ‫‪...‬‬
‫‪... .by Russia and Iran on July 4th of 1999 with nuclear and chemical weapons‬‬
‫‪]http://web.tusco.net/newone/nostradamus.htm‬‬ ‫‪]More Results From: web.tusco.net‬‬

‫نبوءة الكاثوليكي نوستراداموس بالحرب العالمية الثالثة ( ‪1999‬م – ‪2030‬م )‬


‫… الكاثوليكي نوستراداموس ‪ ،‬كان قد تنبأ بأن الحرب العالمية الثالثة ‪ ،‬ستبدأ باستخدام كلٍ من روسيا وإيران ‪،‬‬
‫للسلحة النووية … والكيميائية ‪ ،‬في الرابع من حزيران عام ‪1999‬م …‬
‫•‪... Armageddon, World War III, Antichrist, and the second coming‬‬
‫‪Armageddon, World War III, Antichrist, and the second‬‬
‫‪... coming of Jesus‬‬
‫هرمجدون ‪ ،‬الحرب العالمية الثالثة ‪ ،‬عدو المسيح ( الدجال ) ‪ ،‬العودة الثانية للمسيح …‬
‫‪Web Directory: Resources for Nostradamus Research‬‬
‫مصادر لبحاث نوستراداموس ‪.‬‬
‫‪.Nostradamus Society of America‬‬
‫مجتمع نوستراداموس في أمريكا ‪.‬‬
‫‪International Center for Nostradamian Studies – description of Nostradamus, his prophecies, and Prof.‬‬
‫‪.Vlaicu Ionescu’s interpertations‬‬
‫المركز العالمي لدارسات نوستراداموس …‬
‫وصف لنوستراداموس ‪ ،‬نبوءاته ‪ ،‬وتفسيرات البروفيسور ( ‪. ) Vlaicu Ionescu‬‬
‫‪158‬‬
‫‪.Nostradamus, Saddam Hussein, Armegeddon – by Storm Ministries‬‬
‫نوستراداموس ‪ ،‬صدام حسين ‪ ،‬هرمجدون‬
‫كتاب لكاتيب البريطانيي ( سيتورم مينيسيتريز ) ‪ ،‬يبحيث فيي النصيوص النبويية التوراتيية ‪ ،‬يجييب فييه عين عدّة‬
‫تسياؤلت يطرحهيا فيي بدايية كتابيه ‪ ،‬وأحيد هذه التسياؤلت ‪ :‬هيل صيدام حسيين هيو دجّال آخير الزمان الذي تنبيأ بيه‬
‫( نوستراداموس ) ؟! ‪.‬‬

‫من هو ( نوستراداموس ) ‪ ...‬؟‬


‫يي مين كتاب ( نبوءات نوسيتراداموس ) للطيبيب الفرنسيي د‪ ( .‬دو فونيبرون ) ‪ ،‬ترجمية أسيامة الحاج ‪ ،‬دار مكتبية‬
‫التربية ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬طبعة ‪1996‬م ‪.‬‬
‫هييو مسيييحي كاثوليكييي فرنسييي ذو أصييل يهودي ‪ ،‬عاش فييي الفترة ( ‪1566 – 1503‬م ) ألّف أحييد أشهيير كتييب‬
‫النبوءات التوراتيية والنجيليية ‪ .‬يقول هذا المتنبيئ فيي مقدمية كتابيه أن مصيدر نبوءاتيه ‪ ،‬هيو مجموعية مين الكتيب‬
‫والمجلدات القديمية ‪ ،‬التيي كان قيد ورثهيا عين أجداده اليهود ‪ ،‬كانيت مخبأة منيذ قرون عديدة ‪ ،‬وعلى ميا يبدو أنيه‬
‫اسيتطاع مين خللهيا ‪ ،‬الكشيف عين الرموز التوراتيية اللفظيية والعدديية ‪ ،‬التيي اسيتخدمها مؤلفيو التوراة مين الكهنية‬
‫والحبار ‪ ،‬ومن ثم قام بقراءة الحداث الواردة في النبوءات ‪ .‬ووضعها في كتاب على شكل رسائل نثرية وأبيات‬
‫شعرييية س يمّاها الرباعيات ‪ ،‬اسييتخدم فيهييا الكثييير ميين السييتعارات والرموز الواضحيية الدللة أحيانييا والمضلّلة‬
‫والمُحيّرة أغلب الحيان ‪.‬‬
‫وقيد اجتهيد كثيير مين الباحثيين الغربييين وخاصية فيي العصير الحدييث ‪ ،‬وأجهدوا أنفسيهم بمحاولت مضنيية لحيل‬
‫رموزه وطلسمه ‪ ،‬ومحاولت مضنية لمطابقتها لما جرى ويجري وسيجري على أرض الواقع ‪ ،‬لدرجة أنك لو‬
‫بحثيت عن لفيظ ( ‪ ) Nostradamus‬فيي أحيد محرّكات البحيث على شبكية النترنيت ‪ ،‬سيتجد آلف المواقيع لمراكيز‬
‫وجمعيات وكتيب ودراسيات ‪ ،‬تبحيث فيي أمير نبوءاتيه وتجتهيد فيي مطابقتهيا ميع الواقيع ‪ ،‬فيي محاولة لسيتقراء‬
‫المسييتقبل ‪ ،‬وخاصيية فيمييا يتعلق بأحداث النهاييية ‪ ،‬وخاصيية الحرب العالمييية الثالثيية ونهاييية الحضارة الغربييية‬
‫المرتبطييية بعودة الخلفييية السيييلمية ‪ ،‬والملفيييت للنظييير أن هذا المتنبيييئ يحميييل حقدا وكراهيييية شديدة للعرب‬
‫والمسلمين ‪ ،‬حيث يصفهم بأبشع الصفات بأسلوب على ل يخلو من التحريض ‪.‬‬
‫ومين أشهير الكتيب فيي تفسيير نبوءاتيه وفيك رموزه وطلسيمه ‪ ،‬هيو كتاب ( نبوءات نوسيتراداموس ) ‪ ،‬الذي ألّفيه‬
‫الطيبيب الفرنسيي ( دو فونيبرون ) ‪ ،‬المتوفيى عام ‪1959‬م ‪ ،‬وقيد طُبيع هذا الكتاب عدة مرات ‪ ،‬أعوام ‪ 38‬و ‪ 39‬و‬
‫‪1940‬م ‪ ،‬ومن ثيم أُعيد طبعه بعيد عدة سنوات من خلل ابين المؤلف ‪ ،‬ومميا أضافه البين إلى الطبعية الجديدة من‬
‫الكتاب نص مخطوط بقلم أبيه الطبيب ‪ ،‬كتبه قبل وفاته بأربعة أشهر بعنوان ( بحث في الحداث القادمة ) ‪.‬‬
‫وهذا نصه ‪:‬‬
‫" يجب النظر بصورة منفصلة إلى الحداث وتتابعها الزمني ‪ ،‬إن ترتيبها من حيث الزمان ل يمكن تصوّره ‪ ،‬إل‬
‫ضمين عمليية افتراضيية ‪ ،‬إذ أن المعطيات المتعلقية بهيا شديدة التشذر ‪ ،‬بحييث ل يمكين أن تؤدي إلى اسيتنتاجات‬
‫أكيدة كليا …‬
‫إن جميييع النبوءات القيّمية متركّزة على الحقبيية ‪ ،‬التييي سييتغدو فيهييا الحضارة الغربييية ‪ ،‬مهدّدة بالدمار ‪ .‬والوقائع‬
‫السيياسية لهذه الزميية العالمييية ‪ ،‬هييي كالتالي ‪ :‬الحرب والثورة العامتان ‪ ،‬تدمييير باريييس الكلي بالنار ‪ ،‬وتدمييير‬
‫جزء من مرسيليا ‪ ،‬بتلطم لمواج البحر ‪ ،‬هزات أرضية مخيفة ‪ ،‬وباء طاعون يقضي على ثلثي البشرية ‪ ،‬البابا‬
‫المطرود من روما ‪ ،‬انشقاق كنسي …‬
‫يبدو أن هذه الحداث سيتبدأ بالحرب بيين الشرق والغرب ‪ ،‬أميا ذريعتهيا فسيتكون فيي الشرق الوسيط ( العراق ‪،‬‬
‫إيران ‪ ،‬أو فلسطين ) ‪ ،‬ومن المرجح أن تجري على مرحلتين ‪ ،‬على غرار حرب ‪1945– 39‬م …‬

‫‪159‬‬
‫فييي تلك اللحظيية يظهيير نجييم مذنّب سييوف يمرّ على مقربيية ميين الرض ‪ ،‬لدرجيية أنهييا سييتجتاز شعره المُحمّل‬
‫بالحصى ‪ ،‬هذه النيازك الجوية التي ستكون بمثابة انتقام السماء العجائبي ‪ ،‬سوف تسقط على أمكنة محدّدة ‪ ،‬حيث‬
‫ستكون محتشدة قوات الثورة الحمراء ‪ ،‬والسطول الروسي في البحر المتوسط …‬
‫من المرجح أن تدمير باريس ‪ ،‬سيتم في المرحلة الثانية من النزاع ‪ ،‬قبل وقت قصير من طرد البابا من روما …‬
‫" ‪ ،‬انتهى ‪.‬‬
‫وجاء في نفس المقدمة ما مفاده أن المحنة الكبرى ‪ ،‬التي ستشهد بداية تدمير الحضارة اليهودية المسيحية ‪ ،‬كان (‬
‫نوستراداموس ) قد حدّد نقطة انطلقها في الشهر السابع من عام ‪1999‬م ‪.‬‬
‫نصوص من نبوءات ( نوستراداموس ) من كتاب الطبيب الفرنسي ‪:‬‬
‫في الرسالة إلى هنري الثاني ورد ما نصّه ‪:‬‬
‫" وسيوف تتيم حملة جديدة ‪ ،‬ميا وراء البحير المتوسيط لنقاذ الندلس ‪ ،‬التيي يُهدّدهيا النهوض الول للمحمدييين ‪.‬‬
‫( إشارة للستعمار الغربي للبلد العربية ) ‪.‬‬
‫والمكان الذي كان بييه مسييكن إبراهيييم فييي الماضييي البعيييد ( أي العراق ) سييوف تُهاجمييه رسييل المسيييح ( إشارة‬
‫للعدوان الصليبي على العراق ) ‪.‬‬
‫ومدينية ( سييشم ) أي فلسيطين ‪ ،‬سيوف تُحييط بهيا وتهاجمهيا مين كيل الجهات ‪ ،‬جيوش غربيية قويية جدا سيتحد مين‬
‫قوة أساطيلهم ‪ .‬وفي هذا الملك سوف يحدث حزن عظيم تقفر مدنه الكبرى ‪ ( .‬إشارة لستلب فلسطين )‬
‫والذيين يعودون إليهيا أولئك الذيين سييُمارس ال غضبيه ضدهيم ( أي اليهود فيي فلسيطين ) ‪ ،‬والمكان المُقدّس لن‬
‫يؤوي بعد ذلك ‪ ،‬سوى عدد صغير جدا من الكفار ( يقصد المسلمين ) ‪ ،‬أوه ! في أي حزن فاجع ‪ ،‬ستكون عندئذ‬
‫النساء الحبالى ‪ ،‬اللواتي ستمنعهن ثمرة أحشائهن من الهرب …‬
‫وخلل كييل هذا التقدييير الكرونولوجييي ( الممتييد طوليييا عييبر الزميين ) ‪ ،‬المُعاد إلى الكتابات المقدّسيية ‪ ،‬سيييتولد‬
‫اضطهاد رجال الكنيسيية ‪ ،‬ميين خلل تحالف قادة الشمال العسييكريين (ميين قبييل دول التحاد السييوفييتي السييابق ‪،‬‬
‫يأجوج ومأجوج ) ‪ ،‬وهذا الضطهاد سيييدوم ‪ 11‬عامييا غييير مكتملة ‪ ،‬وسييتسقط خللهييا الدولة الشمالييية الرئيسييية‬
‫( روسييا ) ‪ ،‬بعيد أن تُنجيز تلك السينوات مين الضطهاد ‪ ،‬سييأتي حليفهيا الجنوبيي ( العرب ) ‪ ،‬الذي سييضطهد‬
‫رجال الكنيسية على مدى ثلثية أعوام وبقسيوة أشدّ … إلى حدّ أن دم رجال الديين الحقيقييين سييسبح فيي كيل مكان‬
‫…‬
‫وللمرة الخيرة أيضيا سيترتجف كيل الممالك المسييحية ‪ ،‬وكذلك ممالك الكفار خلل ‪ 25‬عاميا ‪ ،‬سيتكون الحروب‬
‫والمعارك أكثر دموية من أي وقت مضى ‪ ،‬وسوف تُحرق المدن والقصور وكل المباني الخرى ‪ ،‬وسيتم هجرها‬
‫وتدميرهيا ‪ ،‬ميع إهراق عظييم لدماء العذارى والمهات والراميل المغتصيبات ‪ ،‬والطفال الرُضيع الذيين سييُرمى‬
‫بهم على جدران المدن وتحطّم عظامهم ( وصف لعقاب اليهود في فلسطين ) ‪ ،‬الكثير من الشرور سيتم ارتكابها‬
‫بفعيل الشيطان الميير الجهنميي ‪ ،‬بحييث كيل العالم الكاثوليكيي تقريبيا ‪ ،‬سييتعرّض للخراب والبادة ‪ ،‬وقبيل أن تتيم‬
‫هذه الحداث ‪ ،‬سييتدوي فييي الفضاء طيور غريبيية ( هييي الطائرات ) … ‪ ،‬وسييتختفي بعييد قليييل ‪ ،‬بفعييل الكارثيية‬
‫النهائيية للعالم ( الحرب العالميية النوويية الثالثية ) … ومين ثيم سيتقوم حقبية جديدة ‪ ،‬عهيد ذهيبي سييأمر بيه الخالق ‪،‬‬
‫وعندئذ سيبدأ بين ال والبشر سلم شامل ( زمن عيسى عليه السلم ) … "‬
‫وفي نهاية الفصل (‪ )11‬من الكتاب يخلص المؤلف إلى القول ‪ " :‬كل الشرق إذن سينتفض من جديد ضد الغرب ‪،‬‬
‫وحبره العظم الخير بطرس الروماني ( أمريكا ) … "‬
‫يي نجيد أن المؤلف مين خلل فهميه لمجميل نصيوص ( نوسيتراداموس ) ‪ ،‬يخلص إلى أن الشعوب الشرقيية بميا فيهيا‬
‫من إثنيات متنوعة ‪ ،‬ستتحد ضد الغرب في مواجهة مصيرية نهائية ‪.‬‬
‫وفي بدايات الفصل (‪ )14‬على لسان المتنبئ ‪:‬‬

‫‪160‬‬
‫‪ " 1-9‬مين الشرق سييأتي العميل الغادر ‪ .‬الذي سييُصيب إيطالييا وورثية رومولوس ‪ .‬بصيحبة السيطول اللييبي ‪.‬‬
‫ارتجفوا يا سكان مالطا والجزر القريبة المقفرة " ‪.‬‬
‫ي نجد أن المتنبئ يصف انتفاضة الشرق بالعمل الغادر ‪ ،‬الذي سيطيح بإيطاليا وورثة المبراطورية الرومانية ‪،‬‬
‫ونجده يذكر ليبيا بالسم مؤكدا انضمامها للتحالف الشرقي ‪ ،‬مثيرا رعب الغربيين من هذا العمل الغادر ‪.‬‬
‫وفي الفصل ( ‪ )27‬يقول المؤلف ‪:‬‬
‫" بمقدار ما نبتعد في المستقبل ‪ ،‬يغدو من الصعوبة بما كان ‪ ،‬أن نربط بين الحداث ‪ ،‬التي ستعيشها البشرية في‬
‫انحدارها القصى ‪ .‬إل أن التكرار المتواصل للتاريخ متشابه ‪ ،‬وعلى شبكته المُتجدّدة باستمرار ‪ ،‬يُمكن أن تُطرّز‬
‫سلفا المعركة الخيرة والمُخيفة ‪ ،‬التي سيظفر بها الشرق البربري على الغرب المسيحي ‪.‬‬
‫ي ي هنييا يلصييق المؤلف صييفة البربرييية بالشرق ‪ ،‬ويؤكييد انتصييار هذا الشرق المتوحييش ‪ ،‬على الغرب المسيييحي‬
‫المسالم والمتحضر ‪.‬‬
‫مسيتفيدين مين النقسيامات التيي سييُثيرها المسييح الدجال ‪ ،‬ومين الضعيف والفوضيى الناتجية عين مذاهبيه ‪ ،‬ينجيح‬
‫العرب والسييويّون والمغول فيي اجتياح أوروبيا ‪ ،‬بعضهيم عيبر إيطالييا وإسيبانيا كميا هيي العادة ‪ ،‬والخرون عيبر‬
‫القارة والجيو ‪ ،‬فيي حيين تنهار فرنسيا والكنيسية ‪ ،‬ويتعرض البابيا بالذات إلى الغتيال وسيط الفسياد العام ‪ ،‬تظهير‬
‫ظواهر مرعبة في السماء ‪.‬‬
‫ي نجد أن المتنبئ ‪ ،‬يُحدّد في هذا النص ماهية الشعوب الشرقية التي يقصدها ‪ ،‬ويضع العرب على رأس القائمة ‪،‬‬
‫ويؤكد نجاحهم في اجتياح معظم دول أوروبا برا وبحرا وجوا ‪.‬‬
‫فيي عام الكسوفين الكاملين ‪ ،‬من طرف لخير طرف فيي العالم القديم ‪ ،‬تحصل أمور غريبة ‪ :‬تظلم الشميس ويفقيد‬
‫القميير نوره ‪ ،‬وضجيييج البحيير والموج ‪ ،‬سيييجعل الناس ييبسييون رعبييا ‪ ،‬لنييه سيييصل الطوفان التكفيري الجديييد‬
‫( عودة الخلفة السلمية ) ‪ ،‬ليختم فجأة العصر الذي بدأ مع زمن نوح " ‪.‬‬
‫ي في هذا النص يُحدّد المتنبئ فلكيا نقطة البداية ‪ ،‬لحداث مسلسل الرعب الخير الذي يصفه في كتابه ‪ ،‬بكسوف‬
‫كلي كبير للشمس ( ‪1999‬م ) ‪ ،‬متبوعا بخسوف كلي للقمر ‪.‬‬
‫يؤكييد المؤلف على حتمييية وقوع مواجهيية أخيرة بييين الغرب والشرق ‪ ،‬ويؤكييد على حتمييية ظفيير الشرق بهييا ‪،‬‬
‫وكنتيجة لهذه المواجهة ستنهار فرنسا ( التي كانت تُمثل الدولة الصليبية العظمى آنذاك ‪ ،‬في العصر الذي عاش‬
‫فييه المتنبيئ ‪ ،‬أميا الن فأمريكيا هيي الدولة العظميى ‪ ،‬وراعيية الحملت الصيليبية الجديدة على الشرق ) وسيتنهار‬
‫الكنيسيية ( بمعنييى انهيار الدييين بظهور الدييين السييلمي ميين جديييد ) ‪ .‬ويعزو المؤلف نجاح الشرق فييي غزوه‬
‫أوروبا ‪ ،‬إلى ما أثاره المسيح الدجال من ضعف وفوضى وانقسام ‪ ،‬وليس غضبا إلهيا لكفرهم وضللهم ورغبة‬
‫إلهية في إظهار الحق وزهق الباطل ‪ ،‬والحقيقة أن الذي سيتسبب فيي ظهور الضعف والنقسام الوروبي ‪ ،‬بين‬
‫مؤيد ومعارض هو إسرائيل ( المسيح الدجال الحقيقي ) والشعب اليهودي بشكل عام ‪.‬‬
‫والمسيييح الدجال هيو لفييظ ‪ ،‬يطلقييه مفسيّرو النبوءات التوراتييية على شخييص مفسييد ومخرّب سيييظهر فييي المكان‬
‫المقدّس ‪ ،‬وهييو معا ٍد للمسيييحية وللمسيييح وأتباعييه ‪ ،‬سيييقود الشرق فييي معركتييه الخيرة مييع إسييرائيل والغرب ‪،‬‬
‫وينسيبون إلييه كيل ميا يُوصيف فيي التوراة مين إفسياد ‪ ،‬حتيى إفسياد الدولة اليهوديية الحاليية الموصيوف بالتوراة ‪،‬‬
‫وبذلك أصبح الفساد اليهودي السرائيلي ‪ ،‬الذي حذّرت منه التوراة ووصفته بدقة متناهية ‪ ،‬منسوبا إلى شخص‬
‫المسيح الدجال الذي لم يظهر بعد ‪ ،‬لتكون إسرائيل وحلفائها بمنأى عن الغضب والعقاب اللهي ‪ ،‬الذي سينسكب‬
‫على الدجال وأتباعه ‪ ،‬وأتباعه هم من العرب والروس والمغول حسب اعتقادهم ‪.‬‬
‫وفيما يلي بعض النصوص ‪ ،‬التي استقى منها المؤلف هذه الفكار ‪:‬‬

‫مشاهد من الحرب العالمية الثالثة ‪:‬‬


‫‪ " 2-70‬سيف السماء يمتد فوق العالم … يجري إعدام عظيم لمن سيموتون وهم يتخاطبون "‬

‫‪161‬‬
‫‪ " 2-18‬مطر جديد مفاجئ وعنيف … تتساقط من السماء على البحر ‪ ،‬الحجارة والنار … تموت بغتة الجيوش‬
‫السبعة البرية والبحرية " ‪.‬‬
‫‪ " 2-56‬من لم ينجح الطاعون والسلح في الجهاز عليهم … سيُضربون من أعالي السماء ‪" ..‬‬
‫‪ " 2-86‬خلل الغرق الذي سيتم قرب البحر الدرياتيكي … ستهتز الرض لتُميت من كانوا يحومون في الهواء‬
‫…"‬
‫‪ " 3-83‬الجو والسماء والرض ستُظلم وتضطرب … حينئذ سيتضرع الكافر ل وقدّيسيه "‬
‫أمريكا ‪:‬‬
‫‪ " 9-44‬اهربوا ‪ ،‬اهربوا يا سكان جنيف أجمعين … عهدكم الذهبي سيغدو عهدا حديديا … "‬
‫ي هذه الدعوة للهرب من جنيف ‪ ،‬هي في الصل دعوة للهرب من بابل في النصوص التوراتية ‪ ،‬ليتبين لنا أن لفظ‬
‫بابيل اسيتخدمه كتبية التوراة ‪ ،‬للتعيبير عين دولة أو مدينية ذات مال وجمال وسيطوة سيتظهر مسيتقبل ‪ ،‬كميا كانيت‬
‫جنيف في عصر نوستراداموس ‪ ،‬الذي لم يُعاصر العصر الذهبي لمريكا وعاصمتها التجارية ( نيويورك ) ‪.‬‬
‫‪ " 1-26‬الصاعقة العظيمة ستسقط في وضح النهار "‬
‫‪ " 1-87‬النار المركزية التي تجعل الرض تهتز … ستتجلى حول المدينة الجديدة ( نيويورك ) "‬
‫‪ " 10-49‬بستان العالم قرب المدينة الجديدة … سيُؤخذ ويُغطّس في البحيرة الغالية "‬
‫‪ " 6-97‬سماء خط التوازي ‪ ، 45‬ستحترق تقترب النار من المدينة الجديدة العظيمة … "‬
‫بريطانيا وفرنسا وبقية دول أوروبا ‪:‬‬
‫‪ " 9-55‬أيية حرب مخيفية سيتتهيأ فيي الغرب … وفيي العام التالي سييأتي الطاعون … رهيبيا إلى ح ّد أنيه على‬
‫شبّان والعجزة والقطعان … سيكون للدم والنار سلطة في فرنسا …‬ ‫ال ُ‬
‫‪ " 4-67‬فيي العام الذي سييشتعل فييه الزمين والحرب معيا … سييكون ثمية مسيار كيبير للمقذوف فيي الهواء الجاف‬
‫( الصيواريخ النوويية ) … يحترق المكان الكيبير بنيران آتيية مين بعييد … يرى الناس القحيط والعاصيفة ‪ ،‬تحصيل‬
‫حروب وغزوات " ‪.‬‬
‫‪ " 8-16‬فيي روميا ‪ ،‬حييث كلي القدرة بنيى هيكله … سييكون طوفان كيبير ومفاجيئ … بحييث ميا مين مكان ‪ ،‬وميا‬
‫من أرض ستسمح باتقائه … ستمر المياه من فوق الولمب فيزول " ‪.‬‬
‫‪ " 3-32‬القبر الكبير للشعب البريطاني … سيكون على وشك النفتاح … حين تزمجر الحرب قرب حدود ألمانيا‬
‫… وفي بلد مانتو ( إيطاليا ) " ‪.‬‬
‫‪ " 3-70‬بريطانيا العظمى ‪ ،‬أي إنكلترا … تتعرض لثورة عنيفة ( تغمرها المياه ) … " ‪.‬‬
‫‪ " 8-15‬نحو الشمال تعزيزات كبرى من الحشود البشرية ( روسيا ) … تضرب أوروبا والعالم أجمع تقريبا …‬
‫خلل الكسوفين ‪ ،‬تقوم بمطاردة مهمة … وتدخل هنغاريا في الحياة والموت " ‪.‬‬
‫خلصية ميا يتنبيأ به ( نوسيتراداموس ) ‪ ،‬هو دمار الدول الغربيية ( أمريكيا وبريطانييا وفرنسيا ) بهجوم صياروخي‬
‫نووي مفاجئ ‪ ،‬يصفه بكل دقة ( مطر جديد مفاجئ وعنيف …) ويُعرّف هذا المطر الجديد ( تتساقط من السماء‬
‫على البحير ‪ ،‬الحجارة والنار ) ويُعرّفيه أكثير بقوله ( للمقذوف فيي الهواء الجاف ) ويُحدّد مصيدره ( بنيران آتيية‬
‫مين بعييد ) ويصيف تأثيره ( يرى الناس القحيط والعاصيفة ) ويصيف ميا يعقبيه ( سييكون طوفان كيبير ومفاجيئ )‬
‫نتيجية ارتفاع درجية حرارة الرض ‪ ،‬التيي سيتعمل على ذوبان الكتيل الجليديية ‪ ،‬وتبخّر مياه البحار والمحيطات ‪،‬‬
‫ومن ثم لتعود وتسقط على شكل مطر غزير مسببة طوفانا ‪ ،‬تغرق في مياهه أمريكا وبريطانيا إلى غير رجعة ‪.‬‬
‫وميا يعطيي مصيداقية لنبوءات هذا المتنبيئ ‪ ،‬واهتماميا منقطيع النظيير بهيا لدى الغربييين ‪ ،‬هيو تحقّق الكثيير منهيا‬
‫حسيب اعتقادهيم ‪ ،‬بالرغيم مين إبهامهيا وعموميتهيا ‪ ،‬ووصيفه الدقييق ‪ -‬قبيل (‪ )450‬سينة تقريبيا ‪ -‬للسيلحة ووسيائل‬
‫‪162‬‬
‫النقل ‪ ،‬التي استخدمت في الحروب العالمية ‪ ،‬والتي لم تكن موجودة أصل في عصره ‪ .‬وهذا مما يُعزّز مخاوف‬
‫هؤلء من صدق نبوءاته ‪ ،‬بشأن دمار الحضارة الغربية برمتها من قبل الشرقيين ‪ ،‬كما يُعلن عن ذلك بصراحة ‪.‬‬
‫مين خلل هذه النصيوص والنصيوص التوراتيية الصيلية ‪ ،‬تيبين للكثيير مين الباحثيين المريكييين والبريطانييين‬
‫والفرنسيييين ‪ ،‬المشغولييين بنبوءات ( نوسييتراداموس ) ‪ ،‬أن المقصييود بالمدينيية الجديدة ‪ ،‬التييي سيييلحقها الدمار‬
‫والخراب ‪ ،‬هيي ( نيويورك ) بشكيل خاص وأمريكيا بشكيل عام ‪ .‬وخوفيا مين صيدق هذه النبوءات المرعبية ‪ ،‬تُجهيد‬
‫أمريكييا نفسييها – بقيادة الحزب الجمهوري التوراتييي النجيلي ‪ -‬وتحثيّي الخطييى ‪ ،‬سييعيا لمتلك الدرع النووي‬
‫المضاد ‪ ،‬للنبوءات التوراتية بصواريخها النووية الروسية والصينية ‪ ،‬ل الصواريخ النووية العراقية أو اليرانية‬
‫أو الكورية الشمالية كما تدّعي ‪.‬‬
‫فييي تقرييير لوكالة ( أ ف ب ) ميين واشنطيين ‪ ،‬نقل عيين صييحيفة الدسييتور الردنييية ‪ ،‬الصييادرة بتاريييخ ‪- 7 - 12‬‬
‫‪2001‬م ‪ ،‬جاء ميا نصيه ‪ " :‬أعلنيت وزارة الدفاع المريكيية أميس ‪ ،‬تسيريع برنامجهيا للدرع المضاد للصيواريخ ‪،‬‬
‫الذي قد يصطدم بالقيود التي تفرضها معاهدة ( إيه بي أم ) ‪ " :‬وذلك في غضون بضعة أشهر عوضا عن بضع‬
‫سينين " ‪ .‬وصيرّح مسياعد وزيير الدفاع المريكيي ( بول وولفوفيتيس ) فيي كلمية أمام لجنية القوات المسيلحة فيي‬
‫مجلس الشيوخ ‪ " :‬لقد بدأنا متأخرين سباقا ضد الزمن " ‪ .‬وبحسب المسؤول المريكيي ‪ ،‬فإن عمليات التجارب‬
‫وتطويير نظام الدرع المضاد للصيواريخ ‪ ،‬سييصطدم بل شيك ‪ ،‬بقيود نصيت عليهيا معاهدة ( إييه بيي أم ) ‪ ،‬وأشار‬
‫إلى " أن هناك فرصبا عديدة ليتبم ذلك فبي غضون بضعبة أشهبر بدل مبن بضبع سبنين " ‪ ،‬وأكيد أنيه " ينبغيي أن‬
‫نتجاوز قيودا تفرضهيا علينيا معاهدة ( إييه بيي أم ) ‪ ،‬وقال أن الوليات المتحدة ‪ ،‬سيتحاول العميل على إبرام اتفاق‬
‫مع روسيا ‪ ،‬يتضمّن ترتيبات جديدة ‪ ،‬بهدف تجاوز معاهدة ( إيه بي أم ) ‪ ،‬وأشار مع ذلك إلى أنه ‪ " :‬سيكون من‬
‫الصعب التأكد من تأمين ذلك خلل السنة المقبلة " ‪ .‬وأضاف ‪ " :‬كنا نُفضّل التوصل لذلك من خلل التعاون ( مع‬
‫روسييا ) ‪ ،‬ول نزال متفائليين بأن مثيل هذا الخيار أمير ممكين " ‪ .‬وذكرت صيحيفة واشنطين بوسيت ) فيي عددهيا‬
‫أميس أن وزارة الخارجيية ‪ ،‬أن وزارة الخارجيية المريكيية أمرت السيبوع الماضيي ‪ ،‬سيفارات الوليات المتحدة‬
‫فييي العالم ‪ ،‬باطلع الحكومات الجنبييية على النييية المريكييية ‪ ،‬بتطوييير مشروع الدرع المضادة للصييواريخ "‬
‫انتهى ‪.‬‬

‫لماذا بدءوا هذا السباق المحموم مع الزمن لنتاج هذا الدرع ؟‬


‫الذريعية المريكيية بتخوّفهيا مين مهاجمتهيا بصيواريخ باليسيتية ‪ ،‬مين قبيل العراق وإيران وكورييا الشماليية ‪ ،‬غيير‬
‫مقنعة لكل دول العالم ‪ ،‬وحتى حلفاء أمريكا من الوروبيين ‪ ،‬أما السباب الحقيقية لنتاج هذا الدرع ‪ ،‬فمردّها هو‬
‫مخاوف توراتية وإنجيلية بحتة ‪ ،‬وهي على أربعة احتمالت ‪:‬‬
‫‪.1‬وقايية نفسيها مين أي هجوم روسيي ‪ ،‬أثناء المواجهية القادمية بيين الشرق والغرب ‪ ،‬فيميا لو فكرت روسييا‬
‫ببدء هجوم مباغت ‪ ،‬بعد تحالفها مع الدول العربية والسلمية ‪ ،‬وهو الحتمال الضعف ‪.‬‬
‫‪.2‬التفكييير بالمبادرة بالهجوم على روسيييا ‪ ،‬اسييتعجال للمواجهيية الحتمييية التييي فرضتهييا عليهييم النبوءات ‪،‬‬
‫فكسييب المعركيية سيييكون ميين نصيييب ‪ ،‬ميين يُوجّه الضربيية الولى للطرف الخيير ‪ ،‬وقييد يكون اسييتجابة‬
‫لدعوات المُبشّرين النجيلين ‪ ،‬استعجال للمجيء الثاني للمسيح ‪.‬‬
‫‪.3‬تنفيييذ نواياهييا المعلنيية اتجاه العراق ‪ ،‬بالقيام بعمييل إجرامييي جديييد ‪ ،‬يُريييح أعصيياب اليهود فييي الشرق‬
‫والغرب إلى البيد ‪ ،‬مين خطير زوال إسيرائيل على أيدي العراقييين ‪ ،‬بشين حرب أو بتوجييه ضربية نوويية‬
‫واسعة النطاق أو محدودة ‪ ،‬وهو الحتمال القوى ‪.‬‬
‫‪.4‬منيع إمكانيية ظهور ذلك القائد المسيلم ‪ ،‬الذي سييتسبب فيي دمار الحضارة الغربيية ‪ ،‬بضرب بؤر القيادات‬
‫السلمية الحالية ‪.‬‬
‫وعلى ميا يبدو أن صيفة السيتعجال ‪ ،‬جاءت مين فهيم حاخامات اليهود للنصيوص النبويية ‪ ،‬ومعرفتهيم مين خلل‬
‫الشارات الفلكية ‪ ،‬والحسابات الموجودة في التوراة ‪ ،‬بقرب تحقق هذه الحداث على أرض الواقع ‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫العدوان على العراق ‪:‬‬
‫‪ " 10-86‬سييأتي ملك أوروبيا مثيل غريفون … تُرافقيه جماعية الشمال … سييقود حشدا كيبيرا مين الحمير والبييض‬
‫… ويسيرون ضد ملك بابل " ‪.‬‬
‫‪ " 1-55‬فيي ظيل المناخ الذي سييواجه بابيل … سييكون الدم المراق غزيرا … والرض والبحير والجيو والسيماء‬
‫جائرات … بفعل البدع والمجاعة والحكومات والطاعون والفوضى " ‪.‬‬

‫خروج المهدي من مكة ‪ ،‬وحتمية ظهور الدين السلمي من جديد ‪:‬‬


‫وهيو المير الذي يُرعيب نصيارى ويهود الغرب ويقضّي مضاجعهيم ‪ ،‬وهيو الميبرّر الوحييد لحربهيم الشعواء ‪ ،‬التيي‬
‫يشنّوهييا ضييد السييلم وميين يُمثّله ‪ ،‬دون كلل أو ملل ‪ ،‬بدفييع ميين أحبار اليهود وكهنتهييم ‪ ،‬فييي كواليييس ودهاليييز‬
‫السياسة الغربية ‪ ،‬كما كانوا يُزيّنون لكفار قريش سوء أفعالهم ‪ ،‬في كواليس ودهاليز السياسة في مكة ‪ ،‬خوفا من‬
‫ظهور أمر الدولة المحمدية الولى ‪ ،‬وكنا قد أشرنا سابقا إلى بعض النصوص التوراتية الصلية ‪ ،‬التي استطاع‬
‫( نوستراداموس ) من خللها التنبؤ بهذا المر بنصوص صريحة ل لُبس فيها ‪:‬‬
‫‪ " 5-55‬ميين الجزيرة العربييية السييعيدة … سيييولد قائد مسييلم كييبير … يهزم إسييبانيا ويحتييل غرناطيية … يصييد‬
‫المسلمون الصليب … يخون البلد واحد من قرطبة " ‪.‬‬
‫‪ " 5-25‬أمام المير العربي ‪ ،‬بعد الحرب الملكية الفرنسية … تسقط مملكة الكنيسة في البحر … يأتون من جهة‬
‫فارس مليونا … حين يستولي الشيطان على مصر واستنبول ‪.‬‬
‫‪ " 2-29‬سيُغادر الشرقي مقرّه … يجتاز جبال البينين ويدخل فرنسا … يعبر الثلوج الخالدة ( جبال اللب ) …‬
‫ويضرب كل واحد بعصاه " ‪.‬‬
‫‪ " 9-100‬سيجري كسب المعركة البحرية ليل … يكون ذلك خراب الغرب … سيكون ثمة ميثاق أحمر ‪ ،‬تتلطخ‬
‫الكنيسة بالدم … يشهد المهزوم إفلت النصر منه ويستشيط غضبا " ‪.‬‬
‫‪ " 2-93‬قريبا من نهر التيبر ‪ ،‬تُهدّد آلهة الموت … بعد فيضان عظيم بقليل … يقع البابا في السر … يحرقون‬
‫القصر والفاتيكان " ‪.‬‬
‫يي إذن يعلم الغربيون يهودا ونصيارى مميا جاء فيي كتبهيم ‪ ،‬أن هناك قائد مسيلم كيبير ‪ ،‬هيو نفيس الميير العربيي‬
‫والشرقي ‪ ،‬الذي سيولد في الجزيرة العربية ‪ ،‬وأن هذا القائد سينتصر في حروبه ‪ ،‬موحدا بذلك جميع دول العالم‬
‫السيلمي ‪ ،‬ومين ثيم سييجتاح أوروبيا كاملة ‪ ،‬بجيوشيه الجرارة البالغية فيي نيص ( ‪ ) 1‬مليون ‪ ،‬وفيي نيص آخير (‬
‫‪ ) 200‬مليون مقاتل ‪ ،‬مسببا سقوط الحضارة المسيحية اليهودية واندثارها ‪ ،‬لذلك تجد الغرب يسعى حثيثا ‪ ،‬لوأد‬
‫أية بادرة تلوح في الفق لحياء الخلفة السلمية ‪.‬‬

‫الصحوة السلمية ‪:‬‬


‫يقول مؤلف الكتاب ‪ :‬إذا كانيت أوروبيا وفرنسيا بوجيه خاص ‪ ،‬بقييت بمنأى عين أي غزو مين جانيب العالم العربيي‬
‫منذ أيام ( شارلمان ) ‪ ،‬فالحرب الكبرى ستشهد عودتهم المؤذية ‪ ،‬هذا ما سماه ( نوستراداموس ) في الرسالة إلى‬
‫هنري الثاني " بالعودة المحمدية الولى " ‪ .‬حيث يقول ( نوستراداموس ) ‪:‬‬
‫‪ " 3-4‬حين سيقترب تمرّد المسلمين ‪ ،‬لن نكون بعيدين جدا عن هذا وذاك … البرد والقحط والخطر على الحدود‬
‫… حتى حيث بدأ الوحي اللهي " ‪.‬‬
‫‪ … " 4-39‬لن إمبراطورية الهلل ستخرج من سباتها … "‬
‫‪ " 6-42‬سييجري التخلي عين السيلطة للكلم الفتان … لمبراطوريية الهلل التيي سيتفرض نفسيها … وتم ّد رايتهيا‬
‫إلى ما فوق اليطاليين … ستكون في يد شخص يتظاهر بالحكمة " ‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫‪ " 5-73‬سيييتم اضطهاد كنيسيية ال … وتصييادر البنييية الدينييية … س ييُعري الولد أمييه … وسيييتفق العرب مييع‬
‫البولنديين " ‪.‬‬
‫‪ " 10-33‬الجماعية القاسيية ذات الرداء الطوييل ( المسيلمون ) … سيتأتي مخبئة خناجرهيا … يسيتولي قائدهيا على‬
‫فلورنسا ومكان اللهبة المزدوجة ( روما ) … قائما بفتحه مع القتلة والحالمين " ‪.‬‬
‫ي تؤكد هذه النصوص ‪ ،‬أن المة السلمية ستنهض من سباتها ‪ ،‬وستفرض نفسها كدولة عظمى ‪ ،‬وعلى مساحة‬
‫واسعة من الرض ‪ ،‬تشمل أجزاء من أوروبا الغربية ‪ ،‬ويُخبر ( نوستراداموس ) بخبث ودهاء يهوديين ‪ ،‬بأنهم‬
‫أي المسلمون الغادرون القساة القتلة ‪ ،‬سيضطهدون كنيسة ال ‪ ،‬ويستولون على إيطاليا كلها ‪ .‬وهذه إحدى الصور‬
‫التيي شكلتهيا النبوءات التوراتيية والنجيليية ‪ ،‬عين السيلم والمسيلمين بشكيل عام ‪ ،‬وبدون اسيتثناء لي عربيي أو‬
‫مسلم حتى لو تنصّر ‪ .‬وهذه الصور أجاد في تشويهها والتخويف منها ‪ ،‬والتحريض على محاربتها ‪ ،‬مفسّرو هذه‬
‫النبوءات قديميا وحديثيا ‪ ،‬حتيى أصيبحت مين المسيلمات العقديية لدى عامية الغربييين ‪ ،‬فل عجيب ول غرابية ‪ ،‬مين‬
‫حمل الغربيين لهذا العداء العقائدي المزمن للعرب والمسلمين ‪ ،‬فهذا ما يُخبرهم به مفسّرو الكتاب المقدس ‪ ،‬الذي‬
‫ل يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه ‪ ،‬حسب اعتقادهم ‪.‬‬

‫نزول عيسى عليه السلم وتسلّمه لمقاليد الحكم ‪:‬‬


‫‪ " 4-77‬إمبراطورية الهلل ( المسلمون ) ‪ ،‬وإيطاليا المسالمة ( النصارى ) … يتحدّ فيهما الحُكمان ‪ ،‬على يد‬
‫ملك العالم المسيحي ( المسيح عليه السلم ) … " ‪.‬‬
‫ي هذا النص ‪ ،‬يؤكد عملية تسلّم عيسى عليه السلم للحكم من المهدي ‪ ،‬أما النصارى فليس لديهم استعداد ‪ ،‬لطرح‬
‫أي تسياؤل عين سيبب اتحاد المسيلمين ( الكفار غيير المؤمنيين بألوهيية المسييح ) والنصيارى ؟ ولماذا يتنازل خليفية‬
‫المسلمين ‪ ،‬عن مقالييد الحكم للمسيح عليه السلم ‪ ،‬بعد أن يكون قد فرض سيطرته على العالم بأسيره ؟ ولماذا ل‬
‫يصييلبه المسييلمون ‪ ،‬وهييم المتوحشون والغادرون والقتلة والقسيياة والرهابيون ‪ ،‬كمييا صييلبه اليهود المسيياكين‬
‫الضعفاء ؟‬
‫نحين نعلم أن الناس قديميا وحديثيا كانوا وميا زالوا يلجئون للعرافيين والكهان ‪ ،‬لكشيف الطالع ومعرفية أنباء الغييب‬
‫كل حسب مآربه وغاياته ‪ ،‬ومنها الفضول وحب المعرفة ‪ ،‬ومنهم العوام وأكثرهم الملوك والرؤساء ‪ ،‬ول غرابة‬
‫عندما أقرأ يوما ‪ ،‬أن زوجة أحد رؤساء أمريكا المعاصرين ‪ ،‬وأظنه بوش الب كانت تلجأ إليهم ‪.‬‬
‫إن أخطير ميا فعلته هذه الكتب ‪ ،‬هو أنهيا خلقت لدى نصيارى الغرب ‪ ،‬عقائد جديدة مرتبكة ومشوهة ‪ ،‬فيميا يتعلّق‬
‫بشكيل خاص بالمسيلمين والعرب ‪ ،‬ودورهيم القادم فيي دمار الحضارة الغربيية المسييحية ‪ ،‬التيي صينعتها اليهوديية‬
‫العالميية ‪ ،‬حتيى أنسيتهم تعالييم المسييح نفسيه ‪ ،‬تلك التعالييم التيي ميا زالت تدعوا إلى التسيامح والتعاييش السيلمي ‪،‬‬
‫بالرغم مين إعادة صيياغتها من قبيل اليهوديين بولس وبطرس ‪ .‬مما خلق لديهيم حالة مين الرعب والقلق ‪ ،‬مين كل‬
‫ما هو إسلمي وعربي ‪ ،‬بمساعدة حثيثة من خبثاء اليهود ‪ ،‬الذين يؤمنون بأن استمرارية وجودهم وبقائهم ونجاح‬
‫مخططاتهييم الشيطانييية ‪ ،‬تعتمييد فييي السيياس على القضاء على الديان التييي يُحاربهييم ال بهييا ‪ ،‬ويعلمون أن ألدّ‬
‫أعدائهم هو القرآن العظييم ‪ ،‬الذي ل بد له فيي يوم من اليام ‪ ،‬إن بقي المير على حاله ‪ ،‬ولم يتيم مسحه من قلوب‬
‫وعقول حملتيه ‪ ،‬ومسيخ تعاليميه وتشويهيا كميا شوّه آباءهيم وأجدادهيم التوراة والنجييل ‪ ،‬سييبعث فيهيم الحياة مين‬
‫جديد ‪.‬‬

‫الحرب الشاملة ‪2006‬‬


‫هييو عنوان لكتاب صييدر فييي بريطانيييا عام ‪1999‬م ‪ ،‬وعنوانييه بالنجليزييية هييو ( ‪ ، ) Total War 2006‬للكاتييب‬
‫البريطانيي ( سييمون بيرسيون ) ‪ ،‬الذي كان قيد شغيل منصيب ‪ ،‬مسياعد رئييس أركان الحرب البريطانيي لشؤون‬
‫السياسة ‪ ،‬وهذا الكتاب واحد من آلف الكتب والبحاث ‪ ،‬التي كادت أن تُصيب كبد الحقيقة ‪ ،‬لول تضليل مؤلفي‬
‫نصيوص التوراة بتحرييف الكلم عين مواضعيه ‪ ،‬مميا أدى إلى الخلط بيين الحداث ‪ ،‬مين حييث شخوصيها وزمانهيا‬
‫ومكانها ‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫* من مقال للكاتب محمد عارف ‪ ،‬من صحيفة الحياة اللندنية ‪ ،‬في النصف الثاني من عام ‪1999‬م ‪.‬‬
‫يقول الكاتب الصحفي ‪ " :‬كل فصل من فصول الكتاب تقريبا ‪ ،‬يُستهل بقول للنبي ارميا ‪ ،‬ويستهلّ الفصل الخير‬
‫منه ‪ ،‬بأربع فقرات من سفر ارميا ‪ ،‬أخفها وقعاً ‪ " :‬أرضهم أضحت قفرا يبابا ‪ ،‬شارة للزدراء السرمدي ‪ ،‬وي ُهزّ‬
‫كل عابر فيها رأسه فزعا " ‪ .‬هذا ما ستُخلّفه الحرب الشاملة عام ‪ ، 2006‬بين التحالف السلمي العظيم وروسيا‬
‫ميين جانييب ‪ ،‬والوليات المتحدّة ميين جانييب آخيير ‪ ،‬حيييث تبدأ الحداث بنشوب حرب البلقان مُجدّدا عام ‪2002‬م ‪،‬‬
‫واندلع الحرب الكورييية الثانييية ‪ ،‬وثورات إسييلمية تكتسييح البلدان العربييية ‪ ،‬وتوحّدهييا عام ‪2004‬م تحييت راييية‬
‫صلح دين جديد ‪ ،‬نصفه كردي ونصفه الخر ألماني ‪.‬‬
‫ويبلغ الباحث الستراتيجي البريطاني الذروة ‪ ،‬عندما يتوقع الحداث السياسية ‪ ،‬التي ستشمل قيام مملكة فلسطين‬
‫السيلمية وتضيم الردن ويقودهيا العاهيل الردنيي ‪ ،‬وثورة جديدة فيي روسييا تأتيي بحكومية عسيكرية ‪ ،‬يُسييطر‬
‫شنّها متطرفون‬‫عليها صلح الدين من مقرّه في مدينة قم اليرانية ‪ ،‬وانتفاضات مُتعاطفة مع الحلف السلمي ‪ ،‬ي ُ‬
‫فيي مدن فرنسيا وإيطالييا وبريطانييا ‪ .‬ول يخلو الكتاب مين صيور فوتوغرافيية لحرب عام ‪ ، 2006‬بينهيا صيورة‬
‫لخر البطال السرائيليين الحياء ‪ ،‬يقف تحت مُلصق جداري لحركة حماس ‪.‬‬
‫وعندميا تُقرّر السييدة رئيسية الوليات المتحدّة المريكيية ‪ ،‬اللجوء إلى السيلح النووي الشاميل ‪ ،‬تجيد أن صيلح‬
‫الديين اسيتبق تفكيرهيا مرة أخرى ‪ ،‬إنّه انفجار السيلح الكهرومغناطيسيي ‪ ،‬الذي طوّره ألميع علماء المسيلمين ‪،‬‬
‫ليُضيييء السييماء ليل على امتداد المسييافة ميين قييبرص والسييكندرية ‪ ،‬حتييى حدود الردن والحدود السييورية‬
‫العراقية ‪ ،‬حيث يُطلق هذا السلح السلمي نبضا إلكترونيا جبارا ينفذ من خلل كل شيء معدني ‪ ،‬في البنايات‬
‫والجهزة والعربات والدبابات والسلحة ‪ ،‬وتكمن قوته في قدرته على تدمير ‪ ،‬الدارات الكهربائية المستخدمة في‬
‫كييل شيييء ‪ ،‬ميين الترانزيسييتور والكمييبيوتر والتلفزيون ‪ ،‬إلى أجهزة الهاتييف والتصييالت ‪ ،‬وأنظميية المصييانع‬
‫والمختيييبرات ‪ ،‬وحتيييى الطائرات والقمار الصيييطناعية والصيييواريخ الموجّهييية ‪ .‬خلل لحظييية تحوّلت دولة‬
‫التكنولوجيا الرفيعة ( إسرائيل ) إلى مجتمع العصر الحجري ‪ ،‬من دون معدات حرارة وإنارة وضخ مياه ونقل ‪،‬‬
‫مُحاطة بجبل من الدوات المعدنية واللكترونية ‪ ،‬لعصر أصبح فجأة غابرا ‪.‬‬
‫ن الحرب النووية الشاملة ‪ ،‬يُجيبها صلح الدين ‪ " :‬بأن كلّ شيء قد انتهى ‪،‬‬ ‫وعندما تُهدّد الرئيسة المريكية بش ّ‬
‫إسبرائيل انتهبت كشعبب ‪ ،‬معظبم سُبكّانها قبد ماتوا ‪ ،‬مخزونهبا النووي قبد دُمّر ‪ ،‬ولن يشكبر التاريبخ الرئيسبة ‪،‬‬
‫لتسببّبها فبي قتبل مئات اللوف ‪ ،‬وربمبا الملييبن لجبل بلد خاوٍ " ‪ .‬كميا ويبدي صيلح الديين اسيتعداده ‪ ،‬فيي حال‬
‫تراجع قوات حلف الناتو ‪ ،‬التي تستعد للتحرك ضدّه من تركيا لوقف العمليات العسكرية ‪ ،‬لمشاهدة إسرائيل وهي‬
‫تموت " ‪.‬‬

‫تعقيب على الكتاب ‪:‬‬


‫الملفيت للنظير أن كثيير مين الباحثيين ‪ ،‬فيي نصيوص النبوءات التوراتيية والنجيليية ‪ ،‬هيم ممين يشغلون مراكيز‬
‫حسيياسة ومرموقيية ‪ ،‬فييي السييلك السييياسي والعسييكري والدينييي ‪ ،‬وهذا الكاتييب هييو أحدهييم ‪ ،‬ول يُعقييل أل تتأثيير‬
‫القرارات السيياسية والعسيكرية لهؤلء ‪ ،‬بميا يحملونيه مين أفكار ومعتقدات ‪ ،‬تُشكّل خطرا على المين والسيتقرار‬
‫العالمي ‪ ،‬ول يُعقل أل تؤثر أفكارهم ومعتقداتهم في قرارات رؤساء دولهم ‪ ،‬هذا إن لم يكن رؤساء الدول أنفسهم‬
‫( كريغان وبوش ) يحملون هذه الفكار والمعتقدات ‪.‬‬
‫ي تفصيل الحداث بشخوصها ومكانها وزمانها ‪ ،‬سنعرضه لحقا في الفصول الخيرة ‪ ،‬ولكن سنتوقف قليل مع‬
‫هذا الكتاب ‪ ،‬لنوضح ونصحّح بعضا من أحداثه وشخوصه ‪:‬‬
‫‪.1‬صلح الدين الجديد ي كناية عن القائد الذي سيُنهي العلو اليهودي الثاني في فلسطين ‪.‬‬
‫‪.2‬مملكة فلسطين السلمية ي كناية عن الخلفة السلمية في القدس ‪.‬‬
‫‪.3‬العاهييل الردنييي ي ي كناييية عيين ملك القدس المنتظيير ‪ ،‬أي المهدي الذي يعود بنسييبه ‪ ،‬إلى الرسييول عليييه‬
‫الصلة والسلم كما هو معتقد ‪.‬‬
‫‪.4‬ثورات إسلمية تكتسح البلدان العربية ي حروب المهدي لتوحيد البلدان العربية والسلمية ‪.‬‬
‫‪166‬‬
‫‪.5‬السلح الكهرومغناطيسي ‪ ،‬ليُضيء السماء ليل ي شريعة السلم التي ستبعث من جديد بخلفة المهدي ‪.‬‬
‫‪.6‬من قبرص والسكندرية ‪ ،‬حتى حدود الردن والحدود السورية العراقية ي امتداد الدولة السلمية ‪.‬‬
‫‪.7‬إنتاج السيلح الكهرومغناطيسيي يي ربميا تكون صيحيحة ‪ ،‬ولكين مين الرجيح أنهيا فكرة ابتدعهيا الكتاب ‪،‬‬
‫لتفسيير النتصيار المقبيل للعرب على إسيرائيل وتدميرهيا ‪ ،‬رغيم امتلكهيا للتكنولوجييا العسيكرية وأسيلحة‬
‫الدمار الشاميل وتحالفهيا ميع الغرب ‪ ،‬حسيب رأييه ‪ .‬والحقيقية أن فلسيطين لن يتيم تدميرهيا ‪ ،‬لتصيبح قفرا ل‬
‫تصلح للسكن للبد ‪ ،‬كما تُخبر النصوص التوراتية ‪.‬‬
‫‪.8‬الدمار الموصوف ي هو دمار لمريكا ل فلسطين ‪ ،‬أما فلسطين فسيتم استعادتها بدون تدمير ‪ ،‬وهي التي‬
‫سيتكون أكثير البلدان ‪ ،‬أمانيا وطمأنينية خلل الحداث القادمية ‪ ،‬وسيتكون بمنأى عين ضربات أسيلحة الدمار‬
‫الشامل بإذن ال ‪ ،‬حيث قُدر لها بعد تلك الحداث ‪ ،‬أن تكون عاصمة الخلفة السلمية ‪.‬‬
‫حقيقة ما وقع فيه هذا الكاتب ‪ ،‬أنه قام ببناء هرم نبوءاته على أساس صحة النصوص التوراتية ‪ ،‬إذ أنه ل يعلم أن‬
‫كتبية التوراة قاموا ببعثرة وجميع ثلثية أخبار نبويية ‪ ،‬متباعدة ومتتابعية فيي نصيوص مرتبكية ومضطربية ‪ ،‬ليظنّي‬
‫الكاتييب أنهييا تحكييي حدثييا نبويييا واحدا ‪ .‬وهذه الخبار النبوييية الثلثيية بالترتيييب هييي ؛ أول ‪ :‬الغزو العراقييي‬
‫لسرائيل ‪ ،‬وثانيا ‪ :‬تحالف الروس والعرب ضد الغرب في الحرب العالمية الثالثة ‪ ،‬بعد سقوط الدولة اليهودية ‪،‬‬
‫وثالثيا ‪ :‬خروج المهدي مين مكية واتخاذ القدس عاصيمة لخلفتيه الممتدة ‪ ،‬مين النييل إلى الفرات ومين تركييا إلى‬
‫اليمن ‪.‬‬
‫ونلحييظ هنييا أن مؤلف هذا الكتاب ‪ ،‬كان قييد شغييل منصييب مسيياعد رئيييس أركان الحرب البريطانييي ولشؤون‬
‫السياسة أيضا ‪ ،‬ونحن هنا ل نطرح تكهنات أو تخرّصات ‪ ،‬حول معتقداتهم بالنسبة لنا كمسلمين وعرب ‪ ،‬فهذا ما‬
‫يعتقدون ويؤمنون به ويطرحونه في كتبهم ‪ ،‬والتي هي من أكثر الكتب مبيعا في بلدانهم ‪ ،‬وأن هذا المؤلف وغيره‬
‫الكثييير ميين الذييين يحملون هذه الفكار ‪ ،‬كانوا فييي المييس القريييب جدا يشتركون فييي صيينع القرارات الخاصيية‬
‫بالمنطقية ‪ ،‬ولو اطلعيت على غزارة إنتاجهيم فيي هذا المجال ‪ ،‬ل شكّي أنيك سيتصاب بالذهول مميا يطرحونيه مين‬
‫أفكار وقناعات جنونييية ومرعبيية ‪ ،‬يُقدّمونهييا لشعوبهييم على أنهييا مسييلمات ‪ ،‬وسييتصاب بالذهول لغفلة أمتنييا عمييا‬
‫يحملونيه مين عقائد وقناعات ‪ ،‬وميا يقترفونيه بناءً عليهيا مين سيياسات يُحيكونهيا تحيت سيتر الظلم ‪ ،‬فيي كوالييس‬
‫السيياسة الغربيية وينفذونهيا على أرض واقيع أمتنيا ‪ ،‬ونشاركهيم نحين أيضيا فيي تنفيذهيا ‪ ،‬بعيد أن يُقدّموهيا لنيا فيي‬
‫غلف مين ورق السيولفان الملون ‪ ،‬الذي يكشيف مين خلل شفافيتيه وسيخافته حقيقية أهدافهيم البشعية ‪ ،‬والمشبعية‬
‫بالحقد على أمة القرآن التي تخلّت عنه طوعا ل كرها منذ أمد ليس بالقصير ‪ .‬ولكن ذلك ل ولن يرضيهم ‪ ،‬حتى‬
‫يُحقّقوا كاميل أحلمهيم وأمانيهيم ‪ ،‬ويُتخلّصيوا مين كاميل مخاوفهيم وهواجسيهم ‪ ،‬التيي لن تزول إل بزوال هذه المية‬
‫عيين وجييه الرض ‪ ،‬والتييي وعدهييا ربهييا بالبقاء حتييى تقوم السيياعة ‪ ،‬ولذلك عاجل أم آجل ‪ ،‬سييتقودهم أوهامهييم‬
‫وهواجسيهم إلى تدميير أنفسيهم ‪ ،‬بكسيب مزييد مين العداء والحقاد مين جراء تخبطهيم العميى ‪ ،‬وسييرحلوا قريبيا‬
‫ض لِّ يُورِ ُثهَا‬
‫جدا إلى غير رجعة ‪ ،‬وسيرث الصيالحون مين هذه المية الرض بأسيرها ‪ ،‬بإذن ال ( … إِنّ الَْرْ َ‬
‫مَنْ َيشَا ُء مِنْ عِبَادِ ِه وَا ْلعَاقِ َبةُ لِ ْلمُ ّتقِينَ (‪ 128‬العراف ) ‪.‬‬

‫قال تعالى‬

‫ن اتّ َبعْتَ أَ ْهوَاءَ ُهمْ ‪،‬‬


‫( وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْ َيهُو ُد َولَ النّصَارَى ‪ ،‬حَتّى تَتّ ِب َع مِلّ َت ُهمْ ‪ُ ،‬ق ْل إِنّ هُدَى الِّ ُهوَ ا ْلهُدَى ‪ ،‬وَلَئِ ِ‬
‫ي َولَ نَصِيرٍ (‪)120‬‬ ‫ن وَلِ ّ‬
‫ن الِّ ِم ْ‬‫ك مِ َ‬ ‫ك مِنَ ا ْلعِ ْلمِ ‪ ،‬مَا لَ َ‬
‫َبعْدَ الّذِي جَاءَ َ‬
‫( البقرة )‬

‫‪167‬‬
‫السياسة المريكية ونبوءات التوراة والنجيل‬
‫ستناول في هذا الفصل ‪ ،‬مسألة تأثير نبوءات التوراة والنجيل ‪ ،‬على القرارات السياسة المريكية ‪ ،‬وخاصة ما‬
‫يتعلق بمنطقيية الشرق الوسييط ‪ ،‬لنفهييم أبجديات هذه السييياسة المنحازة لسييرائيل ‪ ،‬والمعادييية للعرب والمسييلمين‬
‫بشكيل عام ‪ ،‬والتيي اجتهيد الكثيير مين المحلليين فيي تفسييرها وتحلييل دوافعهيا ‪ .‬وخيير مين تعرّض لهذه المسيألة ‪،‬‬
‫وأفاض فيي بحثهيا هيي الكاتبية المريكيية ( غرييس هالسيل ) فيي كتاب ( النبوءة والسيياسة ) ‪ ،‬وهيو مين منشورات‬
‫( الناشر للطباعة ) ‪ ،‬ط ‪1990 3‬م ‪ ،‬ترجمة محمد السمّاك ‪.‬‬

‫ملخص مقدّمة المترجم ( بتصرف ) ‪:‬‬


‫يمثيل العالم العربيي موقعيا متميزا وفريدا مين نوعيه ‪ ،‬فيي عمليية صينع القرار السيياسي المريكيي ‪ ،‬فبالضافية إلى‬
‫أهميية موقعيه الجغرافيي ‪ ،‬وكونيه سيوقا تجاريية اسيتهلكية ‪ ،‬ويملك أكيبر احتياطيي مين النفيط ‪ ،‬فإن هناك عاميل‬
‫آخير ‪ ،‬يتقدم على كيل هذه العواميل ‪ ،‬وهيو تأثيير الفكير المسييحي الدينيي ‪ ،‬على صيياغة القرار المريكيي ‪ ،‬المتعلق‬
‫بالصييراع العربييي السييرائيلي ‪ .‬حيييث نشييأ فييي نهاييية القرن التاسييع عشيير وبداييية القرن الماضييي ‪ ،‬مييا يسييمى‬
‫بالصهيونية المسيحية النجيلية القائمة على اعتناق ثلثة مبادئ ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬اليمان بعودة المسيح ‪،‬‬
‫ثانيا ‪ :‬أن عودته مشروطة بقيام دولة إسرائيل ‪،‬‬
‫ثالثا ‪ :‬وبالتالي تجمّع اليهود في فلسطين ‪.‬‬
‫وقد لعب هذا المر دورا أساسيا ‪ ،‬في صناعة القرار الخاص بقيام إسرائيل ‪ ،‬وتهجير اليهود إليها ومن ثم دعمها‬
‫ومسياعدتها ‪ ،‬وإعفاءهيا مين النصيياع للقوانيين والمواثييق الدوليية ‪ .‬وأن شريعية ال وحدهيا ‪ -‬التوراة – هيي التيي‬
‫يجب أن تطبق على اليهود في فلسطين ‪ ،‬بما أنهم شعب ال المختار ‪.‬‬
‫ونتيجية لهذه المعتقدات ظهير الكثيير مين الحركات الدينيية المسييحية النجيليية الصيولية فيي بريطانييا والوليات‬
‫المتحدة ‪ ،‬وأهيم وأخطير هذه الحركات هيي ( الحركية التدبيريية ) ‪ ،‬التيي نشأت فيي الوليات المتحدة بعيد قيام دولة‬
‫إسرائيل ‪ .‬وتضمّ في عضويتها أكثر من أربعين مليون أمريكي ‪ ،‬لحظة تأليف هذا الكتاب في أواسط الثمانينيات ‪،‬‬
‫ومن بين أعضائها الرئيس المريكي آنذاك ( رونالد ريغان ) وهي تسيطر على قطاع واسع من المنابر العلمية‬
‫المريكييية ‪ ،‬وتمتلك محطات تلفزة خاصيية بهيا ‪ ،‬ويشارك قادتهييا كبار المسييؤولين فييي البيييت البييض ‪ ،‬ومجلس‬
‫المن القومي المريكي ‪ ،‬ووزارة الخارجية بصناعة القرارات السياسية والعسكرية ‪ ،‬المتعلقة بالصراع العربي‬
‫السرائيلي ‪.‬‬
‫يي وتعتقيد هذه الحركية أنّي ال قيد وضيع فيي الكتاب المقدس نبوءات واضحية ‪ ،‬حول كيفيية تدبيره لشؤون الكون‬
‫ونهايته ‪ ،‬كما يلي ‪:‬‬
‫‪.1‬قيام إسرائيل وعودة اليهود إليها ‪.‬‬
‫‪.2‬هجوم أعداء ال على إسييييرائيل ووقوع محرقيييية هرمجدون النووييييية ( وأعداء إسييييرائيل هييييم الروس‬
‫والعرب ‪ ،‬وعلى مدى أوسع هم أهل الشرق على اختلف معتقداتهم ) ‪.‬‬
‫‪.3‬انتشار الخراب والدمار ومقتل المليين ‪.‬‬
‫‪.4‬ظهور المسيح المخلص وتخليصه لتباعه ( أي المؤمنين به ) من هذه المحرقة ‪.‬‬
‫‪.5‬إيمان من بقي من اليهود بالمسيح بعد المحرقة ‪.‬‬
‫‪.6‬انتشار السلم في مملكة المسيح في أرض جديدة وتحت سماء جديدة مدة ألف عام ‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫ن ال قد أوصاهم بذلك ‪ -‬كل المور التي من‬
‫ي وأن مهمة أعضاء هذه الحركة وأتباعها ‪ ،‬هي تدبير وتهيئة ‪ -‬وكأ ّ‬
‫الممكن ‪ ،‬أن تعجّل في عودة المسيح إلى الرض ‪ ،‬ومن ضمن تلك المور ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬ضرورة إضعاف العرب عسكريا ‪،‬‬
‫وثانيا ‪ :‬تلبية جميع مطالب إسرائيل بالدعم المالي والسياسي والعسكري ‪،‬‬
‫وثالثا ‪ :‬تعزيز ترسانتها النووية ‪.‬‬
‫مقتطفات من مقدمة الكاتبة ‪:‬‬
‫تؤكد الكاتبة المريكية ( غريس هالسل ) أن بذور هذه المُعتقدات المُدمّرة ‪ ،‬نشأت في نهاية القرن التاسع عشر ‪.‬‬
‫وكان رائد هذا التجاه فيي تفسيير الكتاب المُقدّس هيو ( سيايروس سيكوفيلد ) ‪ ،‬وقيد طُبيع أول مرجيع إنجيلي له عام‬
‫‪1909‬م ‪ ،‬زرع فيييه آراءه الشخصييية فييي النجيييل ‪ ،‬وصييار أكثيير الكتييب المتداولة حول المسيييحية ‪ .‬وبدأت هذه‬
‫المُعتقدات فيي الظهور وتعزّزت ‪ ،‬عندميا تتابعيت انتصيارات إسيرائيل على دول الجوار العربيية ‪ ،‬وبلغيت ذروتهيا‬
‫بعد الجتياح السرائيلي لجنوب لبنان ‪.‬‬
‫وتقول الكاتبة ‪ :‬وفي إحدى المناسبات كان ( سكوفيلد ) يذكّر مُستمعيه بأنه ‪ " :‬عام بعد عام كان يُردّد التحذير بأن‬
‫عالمنا ‪ ،‬سيصل إلى نهايته بكارثة ودمار ومأساة عالمية نهائية " ‪ .‬ولكنه يقول أيضا ‪ " :‬أن المسيحيين المُخلّصين‬
‫يجب أن يُرحّبوا بهذه الحادثة ‪ ،‬لنه مُجرّد ما أن تبدأ المعركة النهائية ‪ ،‬فإن المسييح سوف يرفعهم فوق السحاب‬
‫وسيُنقذون ‪ ،‬وأنهم لن يُواجهوا شيئا من المعاناة التي تجري تحتهم " ‪.‬‬
‫وتقول ‪ " :‬بالرغم من أن بعض الصوليين لم يتقبّلوا هذه الفكرة ‪ ،‬إل أنها تسيبّبت في انقسام كبير ‪ .‬فهناك مؤشير‬
‫إلى أن أعداد المسيحيين الذين يتعلّقون بنظرية ( هرمجدون ) فيي تزايد مُضطرد ‪ ،‬فهُم مثل سكوفيلد يعتقدون أن‬
‫المسييح وعيد المسييحيين المُخلّصيين بسيماء جديدة وأرض جديدة ‪ ،‬وبميا أن المير كذلك ‪ ،‬فلييس عليهيم أن يقلقوا‬
‫حول مصير الرض ‪ ،‬فليذهب العالم كلّه إلى الجحيم ‪ ،‬ليُحقّق المسيح للقلّة المُختارة سما ًء وأرضا جديدتين " ‪.‬‬
‫" إن اسيتقصاء عام ‪1984‬م ‪ ،‬الذي أجرتيه مؤسيسة ( باتكيلو فيتيش ) أظهير أن ‪ 39‬بالمائة مين الشعيب المريكيي ‪،‬‬
‫يقولون ‪ ،‬أنيه عندميا يتحدّث عين تدميير الرض بالنار ‪ ،‬فإن ذلك يعنيي ‪ ،‬أننيا نحين أنفسينا سيوف نُدمّر الرض ب‬
‫( هرمجدون ) نوويية ‪ .‬وأظهرت دراسية لمؤسيسة ( نلسين ) نُشرت فيي أُكتوبر ‪1985‬م ‪ ،‬أن ‪ 61‬مليون أمريكيي‬
‫يستمعون بانتظام إلى مُبشّرين ‪ ،‬يقولون أننا ل نستطيع أن نفعل شيئا ‪ ،‬لمنع حرب نووية تتفجر في حياتنا " ‪.‬‬
‫ي ومن أكثر الصوليين النجيليين شهرة ‪ ،‬من الذين يُبشرون على شاشة التلفزيون بنظرية ( هرمجدون ) ‪:‬‬
‫‪.1‬بات روبرتسون ‪ :‬يملك شبكة تلفزيونية مسيحية ‪ ،‬مكونة من ثلث محطات ‪ ،‬عائداته السنوية تصل إلى‬
‫‪ 200‬مليون دولر ‪ ،‬ومساهم في محطة تلفزيون الشرق الوسط في جنوب لبنان ‪ ،‬يشاهد برامجه أكثر من‬
‫‪ 16‬مليون عائلة أمريكية ‪.‬‬
‫‪.2‬جيميي سيواغرت ‪ :‬يملك ثانيي أكيبر المحطات النجيليية شهرة ‪ ،‬يُشاهيد برامجيه ميا مجموعيه ‪ 9,25‬مليون‬
‫منزل ‪.‬‬
‫‪.3‬جيم بيكر ‪ :‬يملك ثالث أشهر محطة تبشيرية ‪ ،‬عائداته السنوية تصل إلى ‪ 100-50‬مليون دولر ‪ ،‬يُشاهد‬
‫برامجه حوالي ‪ 6‬مليين منزل ‪ ،‬يعتقد أن علينا أن نخوض حربا رهيبة ‪ ،‬لفتح الطريق أمام المجيء الثاني‬
‫للمسيح ‪.‬‬
‫‪.4‬أورال روبرتس ‪ :‬تصل برامجه التلفزيونية إلى ‪ 5,77‬مليون منزل ‪.‬‬
‫‪.5‬جيري فولويل ‪ :‬تصل دروسه التبشيرية إلى ‪ 5,6‬مليون منزل ‪ ،‬يملك محطة الحرية للبث بالكابل ‪ ،‬أقام‬
‫بعيد شرائهيا بأسيبوع ‪ ،‬حفيل عشاء على شرف جورج بوش نائب الرئييس ريغان آنذاك ‪ .‬وقيد أخيبر فولوييل‬
‫يومها بأن جورج بوش ‪ ،‬سيكون أفضل رئيس في عام ‪1988‬م ‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫‪.6‬كينين كوبلند ‪ :‬يُشاهد برامجه ‪ 4,9‬مليون منزل ‪ .‬يقول ‪ " :‬أن ال أقام إسرائيل ‪ .‬إنّنا نُشاهد ال يتحرك‬
‫مين أجيل إسيرائيل … إنيه لوقيت رائع أن نبدأ فيي دعيم حكومتنيا ‪ ،‬طالميا أنّهيا تدعيم إسيرائيل … إنيه لوقيت‬
‫رائع أن نُشعر ال ‪ ،‬مدى تقديرنا لجذور إبراهيم " ‪.‬‬
‫‪.7‬ريتشارد دي هان ‪ :‬يصل في برنامجه إلى ‪ 4,75‬مليون منزل ‪.‬‬
‫‪.8‬ريكس همبرد ‪ :‬يصل إلى ‪ 3,7‬مليون منزل ‪ ،‬وهو يُبشّر بتعاليم سكوفيلد التي تقول ‪ " :‬أن ال كان يعرف‬
‫منذ البداية الولى ‪ ،‬أننا نحن الذين نعيش اليوم ‪ ،‬سوف نُدمّر الكرة الرضية " ‪.‬‬
‫وتعقّب الكاتبة بقولها ‪ " :‬لقد ذكرت ثمانية من الذين يٌقدّمون البرامج الدينية ‪ ،‬ويُبشّرون بنظرية هرمجدون نووية‬
‫في الذاعة والتلفزيون ‪ ،‬ومن بين ‪ 4‬آلف أصولي إنجيلي ‪ … ،‬هناك ‪ 3‬آلف من التدبيريين ‪ ،‬يعتقدون أن كارثة‬
‫نووية فقط ‪ ،‬يمكن أن تُعيد المسيح إلى الرض ‪ .‬إن هذه الرسالة تُبث عبر ‪ 1400‬محطة دينية في أمريكا ‪ .‬ومن‬
‫بيين ألف قسيّيس إنجيلي يذيعون يومييا براميج مين خلل ‪ 400‬محطية رادييو ‪ ،‬فإن الكثريية السياحقة منهيم مين‬
‫التدبيريييين ‪ .‬وتقول ‪ :‬أن بعييض هؤلء القسياوسة ورؤسياء الكنائس ‪ ،‬هيم مين القوة بحييث يظهرون كالملوك فييي‬
‫مناطقهم " ‪.‬‬
‫والرسالة التي يُرسلها هؤلء على الدوام هي ‪ " :‬لن يكون هناك سلم حتى يعود المسيح ‪ ،‬وأن أي تبشير بالسلم‬
‫قبل هذه العودة هو هرطقة ( تخريف وكفر ) إنه ضد كلمة ال ( ضد ما جاء في الكُتب المقدسة ) إنه ضد المسيح‬
‫" ‪ .‬وهذا ما يقوله أيضا ( جيم روبرتسون ) التلفزيوني النجيلي الذي دعاه الرئيس ( ريغان ) للقاء صلة افتتاح‬
‫المؤتمر الحزب الجمهوري عام ‪1984‬م ‪.‬‬

‫كتاب ( آخر أعظم كرة أرضية ) ومؤلفه ( هال لندسي ) ‪:‬‬


‫تقول الكاتبة أن هذا الكتاب ‪ ،‬أصبح الكثر مبيعا خلل السبعينات ‪ ،‬حيث بيع منه حوالي ‪ 18‬مليون نسخة ‪ ،‬وفي‬
‫تعليقهييا على هذا الكتاب ومؤلفييه ‪ ،‬تقول " أن المؤلف يفسييّر كييل التاريييخ ‪ ،‬قائل أن دولة إسييرائيل هييي الخييط‬
‫التاريخي لمعظم أحداث الحاضر والمستقبل " ‪.‬‬
‫( ومين ذلك يأتيي تقدييس النصيارى المريكان لسيرائيل ‪ ،‬ولحيظ أن هذا الكتاب قرأه ميا ل يقيل عين ‪ 18‬مليون‬
‫أمريكيي عنيد صيدوره ‪ ،‬أميا الن فربميا قيد قرأه معظيم الشعيب المريكيي ‪ ،‬وخطورة هذا الكتاب تنبيع مين كون‬
‫الفكار والمعتقدات التي أوردها المؤلف منسوبة إلى ال ‪ ،‬كما أوضح في كتابه المقدّس لديهم ) ‪.‬‬
‫" ويقول لندسيي ‪ :‬أن الجييل الذي وُلد عام ‪1948‬م ‪ ،‬سيوف يشهيد العودة الثانيية للمسييح ‪ .‬ولكين قبيل هذا الحدث ‪،‬‬
‫علينيا أن نخوض حربيين ‪ ،‬الولى ضيد يأجوح ومأجوج ( أي الروس ) ‪ ،‬والثانيية فيي هرمجدون ‪ .‬والمأسياة سيتبدأ‬
‫هكذا ‪ :‬كل العرب بالتحالف مع السوفييت ( الروس ) ‪ ،‬سوف يُهاجمون إسرائيل " ‪.‬‬
‫( وهذا تحذير وتحريض للغرب النصراني ‪ ،‬لمعاداة العرب المسلمين والروس الشيوعيين )‬
‫وتقول الكاتبة بعد مقابلتها للمؤلف ‪ " :‬أن لندسي ل يبدو عليه الحزن ‪ ،‬عندما يُعلن ‪ :‬أن كل مدينة في العالم سيتم‬
‫تدميرها في الحرب النووية الخيرة ‪ ،‬وتعقّب الكاتبة ‪ :‬تصوّروا أن مُدنا مثل لندن وباريس وطوكيو ‪ ،‬ونيويورك‬
‫ولوس أنجلوس وشيكاغو وقد أُبيدت " ‪.‬‬
‫ويقول لندسيي ‪ " :‬إن القوة الشرقيية سيوف تُزييل ثلث العالم … عندميا تصيل الحرب الكيبرى إلى هذا المسيتوى ‪،‬‬
‫بحيث يكون كل شخص تقريبا قد قُتل ‪ ،‬ستحين ساعة اللحظة العظيمة ‪ ،‬فيُنقذ المسيح النسانية من الندثار الكامل‬
‫( الفناء ) " ‪.‬‬
‫ويُتابيع لندسيي ‪ " :‬وفيي هذه السياعة سييتحول اليهود ‪ ،‬الذيين نجوا مين الذبيح إلى المسييحية … سييبقى ‪ 144‬ألف‬
‫يهودي فقط ‪ ،‬على قيد الحياة بعد معركة هرمجدون " ‪.‬‬
‫( إذن يجب أل يكترث نصارى الغرب ‪ ،‬بنشوب حرب عالمية نووية ثالثة مدمرة ‪ ،‬ما دامت مجمل ضحايا هذه‬
‫الحرب ‪ ،‬ستكون من المسلمين واليهود وبقية الوثنيين في الشرق ‪ ،‬غير المؤمنين بألوهية المسيح ‪ ،‬بل عليهم أن‬

‫‪170‬‬
‫يسيتعجلوا نشوبهيا بالعميل على تسيريع المواجهة بين الشرق والغرب ‪ ،‬حتيى يعود المسييح للرض مرة ثانية ليُنقيذ‬
‫البشرية النصرانية فقط من الندثار الكامل ) ‪.‬‬

‫وقفة مع المُبشّر النجيلي ( جيري فولويل ) ‪:‬‬


‫بعيد عرضيه لنظريية هرمجدون مسيتخدما الدلة التوراتيية والنجيليية ‪ .‬تقول الكاتبية بعيد حضورهيا للعرض ‪" :‬‬
‫رسم فولويل صورة مُرعبة عن نهاية العالم ‪ ،‬ولكنه لم يب ُد حزينا أو حتى مهتمّا ‪ .‬في الواقع أنهى عظته بابتسامه‬
‫كبيرة ‪ ،‬قائل ‪ :‬ما أعظم أن نكون مسيحيين ! إن أمامنا مُستقبل رائعا " ‪.‬‬
‫وفي إحدى تسجيلته يقول ‪:‬‬
‫" وهكذا ترون أن هرمجدون حقيقية ‪ ،‬إنهيا حقيقية مُركّبية ‪ .‬ولكين نشكير ال لنهيا سيتكون نهايية العامية ‪ ،‬لنيه بعيد‬
‫ذلك سييكون المسيرح مُعدّا ‪ ،‬لتقدييم الملك الرب المسييح ‪ ،‬بقوة وعظمية … إنّي كيل المُبشّريين بالكتاب المُقدّس ‪،‬‬
‫يتوقّعون العودة الحتميية للله … وأنيا نفسيي أُصيدّق ‪ ،‬بأننيا جزء مين جييل النهايية ‪ ،‬الذي لن يُغادر قبيل أن يأتيي‬
‫المسيح " ‪.‬‬
‫" ومنيذ ‪ 2600‬سينة تنبيأ النيبي العيبراني حزقيال ‪ ،‬أن أمية سيتقوم إلى الشمال مين فلسيطين ‪ ،‬قبيل وقيت قصيير مين‬
‫العودة الثانية للمسيح … في الفصلين ‪ 38‬و ‪ 39‬من حزقيال ‪ ،‬نقرأ أن اسم هذه الرض هو روش ‪ .‬ويذكر أيضا‬
‫اسيم مدينتيين هميا ماشيك وتوبال … إن هذه السيماء تبدو مُشابهية بشكيل مُثيير ‪ ،‬لموسيكو وتيبولسيك ‪ ،‬العاصيمتين‬
‫الحاكمتين اليوم في روسيا … وكذلك كتب حزقيال أن هذه الرض ستكون مُعادية لسرائيل ‪ ،‬وأنه من أجل ذلك‬
‫سييكون ضدهيا ‪ .‬وقال أيضيا أن روسييا سيوف تغزوا إسيرائيل بمسياعدة حُلفاء مُختلفيين فيي اليام الخيرة … وقيد‬
‫سيمّى هؤلء الحلفاء ‪ :‬إيران ( التيي كنيا نُسيميها فارس ) ‪ ،‬وجنوب إفريقييا أو إثيوبييا ‪ ،‬وشمال إفريقييا أو ليبييا ‪،‬‬
‫وأوروبا الشرقية ( جومر ) ‪ ،‬والقوقاز جنوب روسيا ( توجرمة ) " ‪.‬‬
‫" بالرغيم مين المال الورديية وغيير الواقعيية تماميا التيي أبدتهيا حكومتنيا ‪ ،‬حول اتفاقيية كاميب ديفييد بيين مصير‬
‫وإسييرائيل ‪ ،‬إل أن هذه التفاقييية لن تدوم ‪ .‬إننييا نصييلي بالفعييل ميين أجييل السييلم فييي القدس … إننييا نحترم كثيرا‬
‫رئيس ييّ حكومتي ّي إسييرائيل ومصيير … ولكيين أنييت وأنييا نعرف أنييه ‪ ،‬لن يكون هناك سييلم حقيقييي فييي الشرق‬
‫الوسط ‪ ،‬إلى أن يأتي يوم يجلس فيه الله المسيح على عرش داود في القدس " ‪.‬‬
‫وفي كتابه ( الحرب النووية والمجيء الثاني … ) ‪ ،‬في فصل الحرب القادمة مع روسيا ‪ ،‬يتنبأ ( فولويل ) بغزو‬
‫سوفييتي لسرائيل ‪ ...‬وفي نهاية المعركة سيسقط خمس أسداس الجنود السوفييت ‪ ،‬وبذلك يبدأ أول احتفال للرب‬
‫‪ .‬ويجري احتفال آخر بعد معركة هرمجدون … وسيتوقف التهديد الشيوعي إلى البد ‪ ،‬وسيستغرق دفن الموتى‬
‫مدة ‪ 7‬أشهر ‪.‬‬

‫الرئيس المريكي ( ريغان ) كان أحد فرسان هرمجدون النووية ‪:‬‬


‫تقول الكاتبية ‪ " :‬كان ( رونالد ريغان ) واحدا ‪ ،‬مين الذيين قرءوا كتاب ( آخير أعظيم كرة أرضيية ) … فيي وقيت‬
‫مبكير مين عام ‪1986‬م ‪ ،‬أصيبحت ليبييا العدو الول ( لريغان ) … واسيتنادا إلى ( جيميس ميلز ) ‪ ،‬الرئييس السيابق‬
‫لمجلس الشيوخ فيي وليية كاليفورنييا ‪ ،‬فإن ( ريغان ) كره ليبييا لنيه رأى أنهيا واحدة مين أعداء إسيرائيل ‪ ،‬الذيين‬
‫ذكرتهم النبوءات وبالتالي فإنها عدو ال " ‪.‬‬
‫" وعندما كان ( ريغان ) مرشحا للرئاسة عام ‪1980‬م ‪ ،‬كان يُواصل الحديث عن هرمجدون ‪ ،‬ومن أقواله ‪ " :‬إن‬
‫نهاية العالم قد تكون في متناول أيدينا … إن هذا الجيل بالتحديد هو الجيل الذي سيشهد هرمجدون " ‪.‬‬
‫" إن معظم المؤمنين ( بالتدبيرية ) ‪ ،‬ينظرون إلى روسيا على أنها شيطانية ‪ ،‬وأنها تُمثّل إمبراطورية الشيطان‬
‫‪ .‬ولقد جاهر ( ريغان ) بذلك في ‪1983 / 3 / 8‬م ‪ ،‬عندما قال ‪ " :‬إن التحاد السوفييتي هو حجر الزاوية في العالم‬
‫المعاصير " ‪ " .‬إننيي أؤمين أن الشيوعيية فصيل حزيين وسييئ فيي التارييخ النسياني ‪ ،‬الذي يكتيب الن صيفحاته‬
‫الخيرة " ‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫وتقول الكاتبية ‪ :‬يقول (جيميس ميلز ) فيي مقال صيحفي ‪ " :‬إن اسيتعمال ( ريغان ) لعبارة إمبراطوريية الشيطان‬
‫… كان إعلنييا انطلق ميين اليمان الذي أعرب لي عنييه ‪ ،‬فييي تلك الليلة عام ‪1971‬م … إن ( ريغان ) كرئيييس‬
‫أظهيير بصييورة دائميية ‪ ،‬التزامييه القيام بواجباتييه ‪ ،‬تمشيييا مييع ارادة ال … إن ( ريغان ) كان يشعيير بهذا اللتزام‬
‫خصّيصا ‪ ،‬وهو يعمل على بناء ‪ ،‬القدرة العسكرية للوليات المتحدة وحلفائها …‬
‫… صحيح أن حزقيال تنبأ بانتصار إسرائيل وحلفائها ‪ ،‬في المعركة الرهيبة ضد قوى الظلم ‪ ،‬إل أن المسيحيين‬
‫المحافظيين مثيل رئيسينا ‪ ،‬ل يسيمح لهيم التطرف الروحيي ‪ ،‬بأن يأخذوا هذا النتصيار كمُسيلّمات ‪ .‬إن تقويية قوى‬
‫الحقّي لتربيح هذا الصيراع المهيم ‪ ،‬هيو فيي عيون مثيل هؤلء الرجال ‪ ،‬عميل يُحقّق نبوءة ال انسيجاما ميع إرادتيه‬
‫السامية ‪ ،‬وذلك حتى يعود المسيح مرّة ثانية …‬
‫… وبالتأكييد فإن توجهيه بالنسيبة للنفاق العسيكري ‪ ،‬وبرودتيه اتجاه مُقترحات نزع السيلح النووي ‪ ،‬متفقية ميع‬
‫وجهة نظره هذه ‪ ،‬التي يستمدّها من سفر الرؤيا … إن هرمجدون التي تنبأ بها حزقيال ‪ ،‬ل يُمكن أن تحدث في‬
‫عالم منزوع السيلح ‪ .‬إن كيل مين يؤمين بحتميية وقوعهيا ‪ ،‬ل يُمكين توقيع تحقيقيه لنزع السيلح ‪ .‬إن ذلك يُناقيض‬
‫مشيئة ال كما وردت على لسانه …‬
‫… إن سياسات الرئيس ( ريغان ) الداخلية والمالية ‪ ،‬مُنسجمة مع التفسير اللفظي ‪ ،‬للنبوءات التوراتية والنجيلية‬
‫‪ .‬فل يوجد أي سبب للغضب من مسألة ال َديْن القومي المريكي ‪ ،‬إذا كان ال سيطوي العالم كلّه قريبا " ‪.‬‬
‫وتقول الكاتبة ‪ " :‬وبناء على ذلك ‪ ،‬فإن جميع البرامج المحلية ‪ ،‬التي تتطلب إنفاقا كبيرا ‪ ،‬يمكن بل يجب أن تُعلّق‬
‫مين أجيل توفيير المال ‪ ،‬لتموييل براميج تطويير السيلحة النوويية ‪ ،‬مين أجيل إطلق الحميم المُدمّرة على الشياطيين ‪،‬‬
‫أعداء ال وأعداء شعبه ‪ ،‬وأضاف ميلز ‪:‬‬
‫" لقيد كان ( ريغان ) على حيق عندميا اعتقيد أن أماميه فرصية أكيبر ‪ ،‬لينفيق المليارات مين الدولرات ‪ ،‬اسيتعدادا‬
‫لحرب نوويية ميع يأجوج ومأجوج ‪ ،‬لو كان معظيم الشعيب الذي أعاد انتخابيه ‪ ،‬يؤمن كميا أخيبرني ‪ ،‬بميا يؤمين هو‬
‫به ‪ ،‬بالنسبة ( لهرمجدون ) والعودة الثانية للمسيح " ‪.‬‬

‫النجيليون الصوليون يؤمنون بأكاذيب التوراة أكثر من اليهود أنفسهم ‪:‬‬


‫فيي لقاء للكاتبة مع محام فلسيطيني مسيحي بروتستنتي إنجيلي ‪ ،‬يعمل فيي القدس ‪ ،‬بعد أن عاد من أمريكا ليعيش‬
‫في فلسطين ‪ ،‬في معرض ردّه على سؤال ‪ ،‬عن رأيه في الحجّاج المريكيين ‪ ،‬الذين يُنظّمهم المُبشّر ( فولويل )‬
‫لزيارة أرض المسيح ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫" بالنسيبة للنجيلييين الصيوليين مثيل ( فولوييل ) ‪ ،‬فإن اليمان بإسيرائيل يتقدم على تعالييم المسييح ‪ .‬إن الصيهاينة‬
‫يُفسيدون تعالييم المسييح ‪ .‬إن صيهيونية ( فولوييل ) سيياسية ل علقية لهيا ‪ ،‬بالقييم أو الخلق أو بمواجهية المشاكيل‬
‫الحقيقيية ‪ .‬إنه يدعيو أتباعيه إلى تأيييد إسيرائيل ‪ ،‬ويطلب مين دافيع الضرائب المريكيي ‪ ،‬أن يُقدّم لسيرائيل ‪ 5‬مليار‬
‫دولر كيل سينة ‪ .‬إذ أنيه يؤكيد لتباعيه وبميا أنهيم مؤيدون للصيهيونية ‪ ،‬فهيم على الطرييق الصيحيح ‪ ،‬وفيي الجانيب‬
‫الرابح دوما …‬
‫وفي الواقع فإن مسيحيين مثل ( فولويل ) ‪ ،‬يُوفّرون للسرائيليين الدافع للتوسع ومصادرة المزيد من الراضي ‪،‬‬
‫ولضطهاد مزييد مين الشعوب ‪ ،‬لنهيم يدّعون أن ال إلى جانيب إسيرائيل ‪ ،‬وأن العيم سيام راغيب فيي التوقييع على‬
‫الفاتورة …‬
‫إن السرائيليين ‪ ،‬يعرفون أن مسيحيين جيدين ومؤثرين مثل ( فولويل ) ‪ ،‬يقفون معهم على الدوام ‪ ،‬بغض النظر‬
‫عمييا يفعلون أخلقيييا ومعنويييا ‪ .‬ومهمييا بلغوا ميين القمييع ‪ ،‬فإن السييرائيليين يعرفون أن الصييهيونيين المسيييحيين‬
‫المريكييين معهيم ‪ ،‬ويرغبون فيي إعطائهيم السيلحة ومليارات الدولرات ‪ ،‬وسييُصوّتون إلى جانبهيم فيي الميم‬
‫المتحدّة " ‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫المُبشر ( فولويل ) والترويج لسرائيل سياسيا ‪:‬‬
‫في بحث قام به اثنان من الساتذة الجامعيين عن حياة ( فولويل ) ‪ ،‬يؤكد د‪ ( .‬غودمان ) أن ( فولويل ) تحوّل من‬
‫الوعيظ الدينيي ‪ ،‬إلى الوعيظ السيياسي المؤييد للدولة الصيهيونية ‪ ،‬بعيد النتصيار العسيكري السيرائيلي فيي عام‬
‫‪1967‬م ‪ .‬حيث أن هذا النتصار المُذهل ‪ ،‬كان له تأثير كبير على العديد من المريكيين ‪ ،‬في الوقت الذي كان فيه‬
‫شعور الهزيميية والخيبيية ‪ ،‬يُخيّيم على الكثييير ميين المريكيييين ميين جرّاء الحرب الفيتنامييية ‪ ،‬وميين هؤلء كان‬
‫( فولوييل ) الذي نظير إلى المير بطريقية مختلفية ‪ ،‬حييث قال ‪ :‬أن السيرائيليين ‪ ،‬ميا كانوا لينتصيروا لو لم يكين‬
‫هناك تدخّل من ال ‪.‬‬
‫ونتيجيية لذلك بدأ السييرائيليون باسييتخدام ( فولويييل ) فييي السييبعينيات ‪ ،‬لتحقيييق أغراضهييم ومطالبهييم ‪ ،‬وتأييييد‬
‫سياساتهم لدي الشعب والساسة المريكان ‪ ،‬وفي خطاب له عام ‪1978‬م في إسرائيل ‪ ،‬قال ‪ " :‬إن ال يُحب أمريكا‬
‫‪ ،‬لن أمريكيا تُحيب اليهود " ‪ .‬وفيي مناسيبات عديدة كان يقول للمريكييين ‪ " :‬إن قدر المية يتوقيف على التجاه ‪،‬‬
‫الذي يتخذونه من إسرائيل … وإذا لم يُظهر المريكيون ‪ ،‬رغبة جازمة في تزويد إسرائيل بالمال والسلح ‪ ،‬فإن‬
‫أمريكا ستخسر الكثير " ‪ .‬وقد قامت وسائل العلم الصهيونية بإبرازه وتلميع صورته ‪ ،‬ليصبح شخصية سياسية‬
‫وإعلميية مرموقية على السياحة المريكيية ‪ ،‬لدرجية أن الرئييس ( ريغان ) رتيب له حضور اجتماع مجلس المين‬
‫القومي ( البنتاغون ) ‪ ،‬ليستمع ويُناقش كبار المسؤولين فيه ‪ ،‬حول احتمال نشوب حرب نووية مع روسيا ‪.‬‬
‫يُتابيع د‪ ( .‬غودمان ) ‪ " :‬فيي عام ‪1981‬م ‪ ،‬عندميا قصيفت إسيرائيل المفاعيل النووي قرب بغداد ‪ ،‬تخوّف ( بيغين )‬
‫مين رد فعيل سييّء فيي الوليات المُتحدّة ‪ .‬ومين أجيل الحصيول على الدعيم ‪ ،‬لم يتصيل بسييناتور أو كاهين يهودي ‪،‬‬
‫إنميا اتصيل ( بفولويل ) … وقبيل أن يُغلق سماعة الهاتيف ‪ ،‬قال ( فولويل ) ( لبيغن ) ‪ " :‬السيد رئييس الوزراء ‪،‬‬
‫أريد أن أهنئك على المهمة ‪ ،‬التي جعلتنا فخورين جدا بإنتاج طائرات ف ‪. " 16‬‬
‫وقال د‪ ( .‬برايس ) ‪ " :‬إن أي عمل عسكري قامت أو ستقوم به إسرائيل ‪ ،‬تستطيع أن تعتمد فيه على دعم اليمين‬
‫المسيحي " ‪.‬‬

‫هدم المسجد القصى وبناء الهيكل ‪ ،‬مطلب إلهي منصوص عليه فيه التوراة ‪ ،‬كما يعتقد مسيحيو الغرب ‪،‬‬
‫فضل عن يهود الشرق والغرب ‪:‬‬
‫أثناء رحلة الحج الثانية للكاتبة ‪ ،‬وفي لقاء مع أحد مستوطني مُستعمرة ( غوش أمونيم ) ‪ -‬مُعقبة على قوله ‪ -‬قالت‬
‫له ‪ :‬إن بناء هيكل للعبادة شيء ‪ ،‬وتدمير المسجد شيء آخر ‪ ،‬فمن الممكن أن يُؤدي ذلك إلى حرب بين إسرائيل‬
‫والعرب ‪ ،‬فر ّد قائل ‪ " :‬تماما هذا ما نُريده أن يحدث لننا سوف نربحها ‪ ،‬ومن ثم سنقوم بطرد العرب من أرض‬
‫إسرائيل ‪ ،‬وسنُعيد بناء الهيكل وننتظر مسيحنا " ‪.‬‬
‫تقول الكاتبية ‪ " :‬لقيد زرت قبية الصيخرة ‪ ،‬وهيي واحدة مين أجميل الصيروح فيي العالم – والتيي تُقارن بجمال تاج‬
‫محل – وقد تم بناؤها عام ‪685‬م ‪ ،‬بأمر من الخليفة الموي عبد الملك بن مروان ‪ ،‬وهو البناء الجمل في القدس ‪.‬‬
‫وتقول ‪ :‬على الرغم من أن المسيح دعا إلى إقامة المعابد في النفس ‪ ،‬فإن الصوليين المسيحيين يُصرّون على أن‬
‫ال يُرييد أكثير مين بناء معبيد روحيي ‪ ،‬إنيه يُرييد معبدا حقيقييا مين السيمنت والحجارة ‪ ،‬يُقام تماميا فيي الموقيع الذي‬
‫توجد فيه الصروح السلمية " ‪.‬‬
‫ويقول ( لندسيي ) فيي كتاب ( آخير أعظيم كرة أرضيية ) ‪ " :‬لم يبيق سيوى حدث واحيد ليكتميل المسيرح تماميا أمام‬
‫إسيرائيل ‪ ،‬لتقوم بدورهيا فيي المشهيد العظييم الخيير مين مأسياتها التاريخيية ‪ ،‬وهيو إعادة بناء الهيكيل القدييم ‪ ،‬فيي‬
‫موقعه القديم ‪ .‬ول يوجد سوى مكان واحد يمكن بناء الهيكل عليه ‪ ،‬استنادا إلى قانون موسى في جبل موريا حيث‬
‫الهيكلن السابقان " ‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫نشأة المسيحية الصهيونية ‪:‬‬
‫تقول الكاتبيية ‪ " :‬أواخيير أغسييطس ‪1985‬م سييافرت ميين واشنطيين إلى سييويسرا ‪ ،‬لحضور المؤتميير المسيييحي‬
‫الصييهيوني الول فييي بازل ‪ ،‬برعاييية السييفارة المسيييحية العالمييية فييي القدس ‪ ،‬لتعرّف على خلفييية الصييهيونية‬
‫السيياسية … فيي أحيد مقررات المؤتمير حثّي المسييحيون إسيرائيل على ضمّي الضفية الغربيية ‪ ،‬بسيكانها المليون‬
‫فلسيطيني … فاعترض يهودي إسيرائيلي ‪ :‬بأن ثلث السيرائيليين يُفضلون مقايضية الراضيي المحتلة بالسيلم ميع‬
‫الفلسيطينيين … فردّ علييه مقرر المؤتمير ‪ :‬إننيا ل نهتيم بميا يُصيوّت علييه السيرائيليون وإنميا بميا يقوله ال ‪،‬وال‬
‫أعطى هذه الرض لليهود " ‪.‬‬
‫وتقول ‪ " :‬كان تقديري أنه من بين ‪ 36‬ساعة … فإن المسيحيين الذين أشرفوا على المؤتمر ‪ ،‬خصصوا ‪ %1‬من‬
‫الوقت لرسالة المسيح وتعاليمه ‪ ،‬وأكثر من ‪ %99‬من الوقت للسياسة ‪ .‬ول يُوجد في المر ما يُثير الستغراب ‪،‬‬
‫ذلك أن المشرفين على المؤتمر ‪ ،‬برغم أنهم مسيحيون فهم أول وقبل كل شيء صهاينة ‪ ،‬وبالتالي فإن اهتمامهم‬
‫الول هو الهداف الصهيونية السياسية " ‪.‬‬
‫وفيي بحثهيا عين أصيل الصيهيونية السيياسية ‪ ،‬الداعيية إلى عودة اليهود إلى فلسيطين ‪ ،‬تؤكيد الكاتبية أن ( ثيودور‬
‫هرتزل ) لم يكين أصيل صياحب هذه الفكرة ‪ ،‬وإنميا كان دُعاتهيا هيم المسييحيون البروتسيتانت ( ذوي الغلبيية فيي‬
‫أمريكا وبريطانيا الن ) قبل ثلث قرون من المؤتمر الصهيوني الول ‪ .‬حيث ض مّ لوثر زعيم حركة الصلح‬
‫الكنسيي فيي القرن السيادس عشير ‪ ،‬توراة اليهود إلى الكتاب المقدّس تحيت اسيم العهيد القدييم ‪ .‬فأصيبح المسييحيون‬
‫الوربيون يُبدون اهتماما أكبر باليهود ‪ ،‬وبتغيير التجاه السائد المُعادي لهم في أوروبا ‪.‬‬
‫وتقول الكاتبة ‪ " :‬توجه البروتستانت إلى العهد القديم ليس فقط لنه أكثر الكتب شهرة ‪ ،‬ولكن لنه المرجع الوحيد‬
‫لمعرفة التاريخ العام ‪ .‬وبذلك قلّصوا تاريخ فلسطين ما قبل المسيحية إلى تلك المراحل التي تتضمّن فقط الوجود‬
‫العيبراني فيهيا ‪ .‬إن أعدادا ضخمية مين المسييحيين ُوضِعوا فيي إطار العتقاد ‪ ،‬أنيه لم يحدث شييء فيي فلسيطين‬
‫القديمة ‪ ،‬سوى تلك الخرافات غير الموثقة من الروايات التاريخية المدوّنة في العهد القديم " ‪.‬‬
‫وتقول ‪ " :‬في منتصف عام ‪1600‬م بدأ البروتستانت بكتابة معاهدات ‪ ،‬تُعلن بأن على جميع اليهود مُغادرة أوروبا‬
‫إلى فلسطين ‪ .‬حيث أعلن ( أوليفر كرمويل ) بصفته راعي الكومنولث البريطاني الذي أُنشيئ حديثا ‪ ،‬أن الوجود‬
‫اليهودي فييي فلسييطين هييو الذي سيييُمهّد للمجيييء الثانييي للمسيييح ‪ .‬وميين هناك فييي بريطانيييا بدأت بذرة الدولة‬
‫الصهيونية الحديثة في التخلّق " ‪.‬‬
‫وفيي خطاب لمندوب إسيرائيل فيي الميم المتحدّة ( بنياميين نتنياهيو ) عام ‪1985‬م ‪ -‬الذي أصيبح فيميا بعيد رئيسيا‬
‫لسيرائيل ‪ -‬أمام المسييحيين الصيهاينة ‪ ،‬قال ‪ " :‬إن كتابات المسييحيين الصيهاينة مين النجلييز والمريكان أثّرت‬
‫بصيورة مُباشرة على تفكيير قادة تاريخييين ‪ ،‬مثيل ( لوييد جورج ) و ( آرثير بلفور ) و ( ودرو ويلسيون ) ‪ ،‬فيي‬
‫مطلع هذا القرن … الذين لعبوا دورا أساسيا ‪ ،‬في إرساء القواعد السياسية والدولية لحياء الدولة اليهودية " ‪.‬‬
‫وتقول ‪ " :‬لم يكيين حلم هرتزل روحانيييا بييل كان جغرافيييا ‪ ،‬كان حُلمييا بالرض والقوة ‪ ،‬وعلى ذلك فإن السييياسة‬
‫الصهيونية ضلّلت الكثير من اليهود … وقد ادّعى الصهاينة السياسيون أنه لم يكن هناك فلسطينيون يعيشون في‬
‫فلسيطين … ويقول ( موش مانوحيين ) ‪ :‬أنيه انتقيل إلى الدولة اليهوديية الجديدة ‪ ،‬على أميل أن يجيد جنّة روحيية ‪،‬‬
‫ولكنّه اكتشف أن الصهاينة " ل يعبدون ال ‪ ،‬ولكنهم يعبدون قوتهم " ‪.‬‬
‫وتقول ‪ " :‬لن يهود أمريكا – مثل ( آندي غرين ) – يعرفون أنه يمكنهم العتماد ‪ ،‬على دعم ‪ 40‬مليون مسيحي‬
‫إنجيلي أصولي ‪ ،‬فهم يُصادرون الرض من الفلسطينيين بقوة السلح ‪ .‬ويقول غرين الذي انتقل إلى إسرائيل عام‬
‫‪1975‬م ‪ ،‬ول يزال يحتفظ بجواز سفره المريكي ‪ " :‬ليس للعرب أي حق في الرض إنها أرضنا على الطلق ‪،‬‬
‫هكذا يقول الكتاب المقدّس إنه أمر ل نقاش فيه ‪ .‬من أجل ذلك ل أجد أي مُبرر للتحدّث مع العرب حول ادعاءاتهم‬
‫المنافسة لنا ‪ ،‬إن القوى هو الذي يحصل على الرض " ‪.‬‬

‫‪174‬‬
‫غاية إسرائيل من التحالف مع اليمين المسيحي في أمريكا ‪:‬‬
‫يوضيح ( ناتان بيرلمتير ) يهودي أمريكيي ‪ ،‬مين حركية ( بناي برث ) – منظمية يهوديية ‪ -‬فيي أمريكيا ‪ ،‬أسيباب‬
‫تحالف يهود الوليات المتحدة ميع الصيوليين المسييحيين ‪ ،‬بقوله ‪ " :‬أن الصيوليين النجيلييين يُفسيّرون نصيوص‬
‫الكتاب المُقدّس بالقول ‪ " :‬أن على جمييع اليهود ‪ ،‬أن يؤمنوا بالمسييح أو أن يُقتلوا فيي معركية هرمجدون ‪ .‬ولكنيه‬
‫يقول في الوقت نفسه ‪ " :‬نحن نحتاج إلى كل الصدقاء لدعم إسيرائيل … وعندما يأتي المسييح فسوف نفكر في‬
‫خياراتنا آنذاك ‪ .‬أما الن دعونا نُصلّي ونرسل السلحة " ‪.‬‬
‫تشيير الكاتبية إلى كتاب ( مصيير اليهود ) للمؤلفية اليهوديية ( فيورليخيت ) الذي تصيفه بالرائع ‪ ،‬حييث تقول فييه‬
‫الكاتبية اليهوديية ‪ " :‬أن أول مسياهمة لليهوديية كانيت القانون الخلقيي ‪ ،‬وأن عظمية اليهوديية لم تكين فيي ملوكهيا‬
‫وإنما في أنبيائها ‪ .‬وأن ال لم يأمر اليهود بالموت ولكنّه أمرهم بالحياة ‪ .‬وتُدلّل على قولها بنص من التوراة " لقد‬
‫وضعت أمامكم الحياة والموت … ولذلك عليكم أن تختاروا الحياة " ‪ .‬وتُضيف ‪ :‬مع ذلك فإن السرائيليين بوضع‬
‫مصييرهم بييد الجيوش والسيلحة ‪ ،‬وبتشريفهيم الجنرالت أكثير مين النيبياء ‪ .‬ل يختارون الحياة وإنميا يختارون‬
‫الموت "‪ .‬وتُحذّر من أنّ أولئك الذين يجعلون من إسرائيل إلها يُعبد يدفعوننا في هذا التجاه " ‪.‬‬
‫ي وتلخص الكاتبة أهداف إسرائيل من التحالف ‪ ،‬مع اليمين المسيحي في الوليات المتحدة ‪:‬‬
‫•الحصول على المال ‪.‬‬
‫•أن يكون الكونغرس مجرد خاتم مطاطي للموافقة على أهدافها السياسية ‪.‬‬
‫•تمكينها من السيطرة الكاملة والمنفردة على القدس ‪.‬‬
‫وتقول على لسيان ( إسيرائيل شاهاك ) ‪ " :‬إن طبيعية الصيهيونية هيي البحيث الدائم عين حامٍي ومعييل ‪ .‬فيي البدايية‬
‫توجّه الصيهاينة السيياسيون إلى إنجلترا ‪ ،‬والن يتوجّهون ويعتمدون كليّا على الوليات المتحدة ‪ .‬وقيد أقاموا هذا‬
‫الحلف مع اليمين المسيحي الجديد ‪ ،‬لكي يُبرّر أي عمل عسكري أو إجرامي تقوم به إسرائيل " ‪.‬‬
‫وتقول الكاتبية ‪ " :‬إن للقادة الصبوليين النجيلييبن اليوم قوة سبياسية ضخمبة ‪ .‬إن اليميبن المسبيحي الجديبد هبو‬
‫النجبم الصباعد فبي الحزب الجمهوري ‪ ،‬وتحصبد إسبرائيل مكاسبب سبياسية جمبة داخبل البيبت البيبض مبن خلل‬
‫تحالفها معه " ‪.‬‬
‫وتنقل الكاتبة ‪ :‬إن ( مارفن ) – أحد زملئها في رحلة الحج ‪ -‬كغيره من اليمين المسيحي الجديد ‪ ،‬يشعر بالنشوة‬
‫لنييه ميع الحليييف الرابيح ‪ .‬وقييد نقيل إلي مرة المقطيع ‪ 110‬الذي يتحدّث عين يهوه وهيو يسييحق الرؤوس ‪ ،‬ويمل‬
‫الرض بجثث غير المؤمنين ‪ ،‬والمقطع ‪ 137‬الذي يُعرب فيه عن الرغبة من النتقام ‪ ،‬من أطفال بابليين وإلقائهم‬
‫فوق الصيخور ‪ .‬ثيم قال ( مارفين ) ‪ :‬وهكذا يتوجيب على السيرائيليين أن يُعاملوا العرب بهذه الطريقية ‪ .‬ورغيم أن‬
‫( مارفين ) كان معجبيا ومطلعيا على نصيوص التارييخ التوراتيي ‪ ،‬إل أنيه كان جاهل فيميا يتعلق بالصيراع العربيي‬
‫السيرائيلي ‪ .‬لنيه يعرف مسيبقا كيل ميا يعتقيد أن ال يرييد منيه أن يعرفيه ‪ .‬وقال لي ‪ " :‬إن على المريكييين أن‬
‫يتعلموا ميين السييرائيليين كيييف يُحاربون " ‪ .‬ويشارك ( مارفيين ) كذلك هؤلء بالعتقاد " بأننييا نحيين المسيييحيين‬
‫نؤخر وصول المسيح من خلل عدم مساعدة اليهود على مصادرة مزيد من الرض من الفلسطينيين " ‪.‬‬
‫وتخلُص الكاتبية إلى القول ‪ " :‬بأن عدة ملييين مين المسييحيين المريكييين ‪ ،‬يعتقدون أن القوانيين الوضعيية يجيب‬
‫أل تُطبيق على مصيادرة اليهود واسيترجاعهم لكيل أرض فلسيطين ‪ ،‬وإذا تسيبّب ذلك فيي حرب عالميية نوويية ثالثية‬
‫فإنهم يعتقدون بأنهم تصرّفوا بمشيئة ال " ‪.‬‬
‫وتذكر الكاتبة أن هناك قائمة بأسماء ‪ 250‬منظمة إنجيلية أصولية موالية لسرائيل ‪ ،‬من مختلف الحجام والعمق‬
‫في أمريكا ‪ ،‬ومعظم هذه المنظمات ننشأت وترعرت خلل السنوات الخمس الخيرة ‪ ،‬أي منذ عام ‪1980‬م ‪.‬‬
‫وتقول الكاتبية فيي فصيل مزج الديين بالسيياسة ‪ :‬أن السيرائيليون يُطالبون بفرض سييادتهم وحدهيم ‪ ،‬على المدينية‬
‫التيي يُقدّسيها مليار مسييحي ومليار مسيلم ‪ ،‬وحوالي ‪ 14‬مليون يهودي ‪ .‬وللدفاع عين ادّعائهيم هذا فإن السيرائيليين‬
‫– ومعظمهيم ل يؤمين بال – يقولون ‪ :‬بأن ال أراد للعيبرانيون أن يأخذوا القدس إلى البيد ‪ .‬ومين أجيل تروييج هذه‬
‫س تن صّر‬‫الرسالة توجّه السرائيليون إلى ( مايك ايفنز ) اليهودي المريكي ‪ ،‬الذي قُدّم في أحد المعابد على أنه ق ّ‬
‫‪175‬‬
‫ليسياعد شعبيه ‪ ،‬وأنيه صيديق لجورج بوش ويحتيل مكانية مرموقية فيي الحزب الجمهوري ‪ ،‬ومين حديثيه فيي هذا‬
‫المعبد قوله ‪ " :‬إن ال يريد من المريكيين ‪ ،‬نقل سفارتهم من تل أبيب إلى القدس ‪ ،‬لن القدس هي عاصمة داود‬
‫‪ .‬ويحاول الشيطان أن يمنييع اليهود ‪ ،‬ميين أن يكون لليهود حييق اختيار عاصييمتهم ‪ .‬إذا لم تعترفوا بالقدس ملكييية‬
‫يهودية ‪ ،‬فإننا سندفع ثمن ذلك من حياة أبنائنا وآبائنا ‪ ،‬إن ال ‪ ،‬سيُبارك الذين يُباركون إسرائيل ‪ ،‬وسيلعن لعنيها‬
‫"‪.‬‬

‫الخاتمة ‪:‬‬
‫وفيي الخاتمية تقول الكاتبية ‪ " :‬فكرت فيي خيارنيا للحياة أو الموت طوال السينين العديدة الماضيية ‪ ،‬مسيتمعة إلى‬
‫( جيري فولويل ) وغيره من النجيليين ‪ ،‬الذين يطلّون علينا عبر الهاتف والكتاب المقدّس باليد الخرى ‪ ،‬ناقلين‬
‫عين كتاب دانيال مين العهيد القدييم ‪ ،‬وعين كتاب سيفر الرؤييا مين العهيد الجدييد ‪ ،‬قائليين ‪ :‬أن ال قيد قضيى علينيا أن‬
‫نخوض حربا نووية مع روسيا ‪...‬‬
‫اقتناعيا منهيم بأن هرمجدون نوويية ل مفير منهيا بمقتضيى الخطية اللهيية ‪ ،‬فإن العدييد مين النجيلييين المؤمنيين‬
‫بالتدبيرية ‪ ،‬ألزموا أنفسهم سلوك طريق مع إسرائيل ‪ ،‬يؤدي بشكل مباشر – باعترافهم أنفسهم – إلى محرقة أشدّ‬
‫وحشية وأوسع انتشارا ‪ ،‬من أي مجزرة يُمكن أن يتصورها عقل ( أدولف هتلر ) الجرامي …‬
‫لقد وجدت فكرهم الوعظي تحريضيا تصادميا في حثّهم على الستعداد لنهاية العالم ‪ ،‬إنهم يدفعونني إلى العتقاد‬
‫بأننيا قطعنيا مسيافة طويلة بعيدا عين بداياتنيا كبشير ‪ .‬إن معظمنيا يتمسيك باعتبار حسين الجوار كعلقية رائعية فيي‬
‫حياتنيا المتحضرة ؛ معاملة الخريين كميا نحيب أن يُعاملونيا ‪ ،‬وفوق ذلك عاش الكثيريين بهدف أكثير نبل ؛ وهيو‬
‫مغادرة هذه الدنيا في حاله ‪ ،‬أفضل من تلك التي وجدوها عليها " ‪.‬‬
‫بعييد هذا العرض لبعييض مييا جاء فييي هذا الكتاب ‪ ،‬نسييتطيع القول أن الحلف المنعقييد بييين إسييرائيل والوليات‬
‫المتحدّة ‪ ،‬هيو حلف عقائدي عسيكري تُغذييه النبوءات التوراتيية والنجيليية ‪ .‬لدرجية أن الكثيير مين أفراد الشعيب‬
‫المريكي الضالّ يتمنى لو أنه ولد يهوديا ‪ ،‬لينعم بالنتساب إلى شعب ال المختار ‪ ،‬الذي يقاتل ال عنهم في جميع‬
‫حروبهم ضد الكفرة من المسلمين والشيوعيين ‪ .‬ونحن كمسلمين بتواجدنا على أرض اليهود وبمقاومتنا للحتلل‬
‫الصيهيوني ‪ ،‬نمنيع ال مين تحقييق إرادتيه بإعطاء أرض فلسيطين لليهود ‪ .‬فالشعيب المريكيي ينظير على أن اليهود‬
‫هيم جنود ال ‪ ،‬وأن الفلسيطينيون هيم إرهابيون وجنود الشيطان ‪ ،‬وأن قلة قليلة مين شُرفاء أمريكيا يعتقدون بعكيس‬
‫ذلك ‪ ،‬مين الذيين سيبروا أغوار الحقيقية ودرسيوا التارييخ والجغرافييا والواقيع بعيين العدالة والنصياف ‪ ،‬حتيى أن‬
‫بعضهيم طعين فيي مصيداقية كتبهيم المُقدّسية ‪ ،‬ولكين كيل جهود الشرفاء مين مواقيف ومحاضرات وبراميج ومؤلفات‬
‫ذهبيت أدراج الرياح ‪ ،‬ذلك لنهيم قلة ول يملكون ميا يملكيه اليهود وأتباعهيم مين القوة والمال ‪ ،‬فكانوا كمين يُجدّف‬
‫بالرمال ‪.‬‬
‫ي ونستطيع تلخيص العلقة ما بين إسرائيل وأمريكا ( اليهود والنصارى ) كما يلي ‪:‬‬
‫•أن التحالف بين الدولتين ‪ ،‬فضل عن كل شيء ‪ ،‬هو حلف ديني عقائدي ‪ ،‬أقوى من أي معاهدة أو اتفاقية‬
‫مكتوبة على الورق ‪.‬‬
‫•كل من المريكان والسرائيليون ينتظرون المسيح الخاص بهم ‪.‬‬
‫•يتفق الطرفان على أن قيام الدولة اليهودية في فلسطين إشارة لقرب مجيئه ‪.‬‬
‫•ويتفيق الطرفان على وجوب سييطرة اليهود على فلسيطين كاملة ‪ ،‬واتخاذ القدس عاصيمة للدولة اليهوديية ‪،‬‬
‫ومين ثيم يتوجيب عليهيم إقامية الهيكيل مكان المسيجد القصيى ‪ ،‬وأن هذه المور ميا لم تأخيذ مجراهيا على‬
‫أرض الواقع فإنها ستعطل مجيء المسيح بالنسبة للطرفين ‪.‬‬
‫•وأن ظهور المسيييح سيييكون مسييبوقا بحرب مُدمرة سييتقع بييين إسييرائيل وأعدائهييا ‪ ،‬تحصييد مييا ل يُعدّ ول‬
‫يُحصييى ميين أرواح البشيير وتنتهييي بخراب الرض ‪ ،‬وروّاد المؤامرة اليهودييية العالمييية يبذلون قصييارى‬
‫جهدهم لشعالها ‪ ،‬لقطف ثمار مخططهم الشيطاني بإثارة الفتن وافتعال الزمات ‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫•وبناء على ذلك ‪ ،‬تجيد أمريكيا نفسيها ملزمية عقائدييا بتسيليح إسيرائيل ميا أمكنهيا ذلك ‪ ،‬وبدعمهيا فيي كيل‬
‫مخططاتهييا داخييل فلسييطين وخارجهييا ‪ ،‬اسييتعدادا لوقوع هذه الحرب المدمرة لضمان انتصييار إسييرائيل‬
‫وحلفائها ضد أعداء ال ‪.‬‬
‫هكذا هي المعادلة بكل بساطة ‪ ،‬فساسة الشعب المريكي جملة وتفصيل صهاينة أكثر من ساسة إسرائيل أنفسهم ‪،‬‬
‫وميا عبادة المريكييين لسيرائيل إل لتقرّبهييم إلى ال زلفيى ‪ ،‬ولذلك يسيعى المريكيون قبيل السيرائيليون لتلبيية‬
‫متطلبات مجيء المسيح ‪ ،‬وأعجب من العرب عندما يطلبون من صهاينة الغرب رفع ظلم صهاينة الشرق ‪.‬‬
‫ولو عدنيا بالذاكرة إلى الوراء وبدأنيا بتتبّع الرؤسياء المريكييين المتأخريين ‪ ،‬لتيبين لنيا أن الرؤسياء مين الحزب‬
‫الديموقراطي كانوا أكثر اعتدال وأكثر ميل إلى السلم مع العرب وروسيا ‪ ،‬بغض النظر عن مفهومهم له ‪ ،‬وأقل‬
‫تجاوبا مع متطلبات كل من الصهيونية اليهودية والصهيونية المسيحية الصولية المُتطرّفة ‪ ،‬كما هو حال الرئيس‬
‫( كارتر ) – الذي انتهت وليته عام ‪1980‬م – حيث أُنجزت في عهده اتفاقية ( كامب ديفيد ) بين مصر وإسرائيل‬
‫‪ ،‬والرئيييس ( كلينتون ) ‪200-1992 ،‬م ‪ ،‬الذي أُنجزت فييي عهده اتفاقييية وادي عربيية بييين الردن وإسييرائيل ‪،‬‬
‫وحاول جاهدا صيينع ( كامييب ديفيييد ) أخرى مييع الفلسييطينيين ‪ ،‬رغييم خروجييه عيين النييص بمحاولتييه الخجولة‬
‫لرضاء هؤلء بقصف مصانع الدوية السودانية وقصف العراق بين حين وأخر ‪.‬‬
‫ولتبين لنا أيضيا ‪ ،‬أن الرؤساء من الحزب الجمهوري اليميني المسييحي النجيلي التوراتيي الصولي المتطرّف ‪،‬‬
‫كانوا أكثيير تطرفييا وعدوانييية وأقييل اهتمامييا بالسييلم ‪ ،‬ويتجاوبون مييع متطلبات اليهود بييل يُنفّذونهييا بحذافيرهييا ‪.‬‬
‫فالرئيييس ( ريغان ) ‪1988-1980‬م شن ّي الحرب على ليبيييا ‪ ،‬وتييم فييي عصييره ضرب المفاعييل العراقييي واجتياح‬
‫بيروت ‪ ،‬واشتعلت فيي عصيره نيران الحرب اليرانيية وتيم إطالة أمدهيا وانتهيت بنهايية وليتيه ‪ .‬والرئييس ( بوش‬
‫الب ) ‪1992-1988 ،‬م ‪ ،‬شنّي الحرب على العراق وفرض علييه الحصيار ‪ ،‬وتيم إسيقاط الشيوعيية وتفكييك التحاد‬
‫السوفييتي ‪ ،‬وأعلن عن نظامه العالمي الجديد المذكور في بروتوكولت اليهود ‪.‬‬
‫ومؤخرا جاء دور ( بوش البين ) ‪ ،‬ليُكميل سيلسلة جرائم أسيلفه مين الجمهورييين ‪ ،‬ويُنفيذ ميا أُعدّ له هؤلء مين‬
‫برامج مسبقة ‪ ،‬كان أبالسة اليهود قد خطّوها ‪ ،‬قبل وصوله لسدة الحكم ‪ ،‬كما خطّ أجدادهم أسفار التوراة والنجيل‬
‫‪ ،‬وبروتوكولت الحكماء ‪ ،‬فيما يُسمّى ( بتقرير معهد واشنطن لسياسات الشرق الدنى ‪ ، ) 2001‬حيث بدأ بتنفيذ‬
‫ما جاء فيه من أوامر ‪ ،‬فور تسلّمه للسلطة ‪:‬‬
‫‪.1‬ضرب بغداد دون سابق إنذار ‪ ،‬وبدأت إدارته بالترويج " للعقوبات الذكية " ‪ ،‬التي طالب بها خبثاء معهد‬
‫واشنطن ‪.‬‬
‫‪.2‬وأظهر عداءه لروسيا والصين ‪.‬‬
‫‪.3‬وطلب الرئيييس المصييري لمعاقبيية مصيير على موقفهييا المتشدّد مييع إسييرائيل فييي قميية القاهرة ‪ ،‬بخفييض‬
‫المساعدات وتأخير إنشاء منطقة التجارة الحرة فيما لو أصرّت على ذلك ‪.‬‬
‫‪.4‬وصرّح عن رغبته في نقل السفارة المريكية إلى القدس ‪.‬‬
‫‪.5‬ودعم إسرائيل في قمعها لنتفاضة الرهابيين الفلسطينيين ‪ ،‬وبرّر وما زال يُبرّر جرائمها ‪.‬‬
‫‪.6‬وظهيير هناك ميين يدعييو إلى انسييحاب الجيييش السييوري ميين لبنان ‪ ،‬ميين اللبنانيييين المدعومييين بالموال‬
‫اليهودية تحت غطاء الدين ‪.‬‬
‫‪.7‬وقام وزيير الخارجيية بجولة فيي دول المنطقية ‪ ،‬لشرح السيياسة الجديدة التيي جاء بهيا هذا التقريير ‪ ،‬الذي‬
‫تمت صياغته بذكاء ودهاء يهودي صرف ‪ ،‬بناء على المخاوف النبوية التوراتية ‪.‬‬

‫تقرير معهد واشنطن لسياسة الشرق الدنى لعام ‪2001‬م‬


‫موقع هذا التقرير باللغة النجليزية على شبكة النترنت هو ‪:‬‬
‫‪http://www.washingtoninstitute.org/pubs/psg/psg2000.htm‬‬

‫‪177‬‬
‫يُؤكد هذا التقرير الذي ت ّم إنجازه بتاريخ ‪2000 – 12 – 12‬م أن مصير هذه المنطقة ‪ ،‬مرهون بما جاء من نبوءات‬
‫فيي الكتيب المقدّسية ‪ ،‬ومرهون أيضيا بكيفيية تفسييرهم لهذه النبوءات ‪ .‬وإذا اطّلعيت على هذا التقريير ‪ ،‬فسيتجد أنيه‬
‫يوضيح السيياسات التيي يتوجيب على الرئييس المريكيي نهجهيا ‪ ،‬للسييطرة على هذه المنطقية واسيتعباد شعوبهيا ‪،‬‬
‫سيتجد أنهيا قيد رُسيمت بدهاء ومكير ‪ ،‬على طريقية دسّي السيم فيي العسيل ‪ ،‬بناءً على المخاوف اليهوديية المنبثقية مين‬
‫النبوءات التوراتيية ‪ .‬حييث أن مُجميل بنود هذا التقريير ‪ ،‬جاءت لدرء المخاطير عين الدولة اليهوديية فقيط ل غيير ‪.‬‬
‫وفيميا يلي سنعرض من فصول هذا التقرير الخمسية ‪ ،‬بعيض المقتطفات شديدة التعلق بموضوع هذا الكتاب ‪ .‬وقد‬
‫نُشر هذا التقرير مترجما على حلقات ‪ ،‬في جريدة العرب اليوم الردنية ‪ ،‬في النصف الول من شهر آذار ‪2001‬م‬
‫‪.‬‬
‫تأسيس معهيد واشنطين الذي قدم هذه التقريير عام ‪1985‬م ‪ ،‬وهيو يعميل كوحدة للبحوث تابعية للجنة للعلقات العامّة‬
‫المريكية السرائيلية ‪ ،‬المسماة بِ ( ايباك ) ‪ ،‬وهي المُنظمّة الصهيونية الولى في الوليات المُتحدة ‪ ،‬التي تُعتبر‬
‫" خط الدفاع الول عن إسرائيل " ‪ ،‬ويضم في عضويته مفكرون وسياسيون وخبراء أمريكيون يهودا ومسيحيين‬
‫صهاينة في الفكر والمعتقد ‪ .‬وقد تطوّر هذا المعهد ليصبح مصدر التأثير العظم ‪ ،‬في صنع القرارات السياسية‬
‫الخاصية بالمنطقية ‪ ،‬التيي تتخذهيا الدارات المريكيية المتعاقبية ‪ .‬ويصيدر هذا التقريير فيي بدايية كيل وليية رئاسيية‬
‫جديدة ‪ ،‬ليكون نورا يهتدي بيه الرئييس المريكيي الجدييد ‪ ،‬ونجاح هذا الرئييس وفشله لدى سيادته اليهود ‪ ،‬يعتميد‬
‫على مدى التزامييه ‪ ،‬ومقدار مييا أنجزه ميين الهداف الواردة فييي التقرييير ‪ ،‬وهذه المنظّميية على علقيية وثيقيية مييع‬
‫الرؤساء والساسة المريكان ‪.‬‬

‫الفصل الول ‪:‬‬


‫دبلوماسية عربية إسرائيلية ‪ -‬اردع الحرب القليمية بين إسرائيل والدول العربية ‪ ،‬واستطلع مسالك جديدة ‪.‬‬
‫تقويم دروس تجربة أوسلو ‪ ،‬واستطلع مسارات بديلة للسلم ‪:‬‬
‫التأكيد على أن الوليات المتحدة حليفة لسرائيل ‪ ،‬وأنها ل ترتبط معها بأحكام ومعاهدات مكتوبة ‪ ،‬وإنما بروابط‬
‫أقوى من القيم والمصالح المشتركة ‪ .‬المضي قدما في نقل سفارة الوليات المتحدة إلى الموقع المقرر في القدس‬
‫الغربية ‪.‬‬
‫تشجيع الجهود الدولية للمساعدة في تخفيف التوتر القليمي ‪:‬‬
‫التركييز على الدول المواليية للغرب ‪ :‬تحتاج الوليات المتحدة إلى التواصيل ميع الزعماء العرب والمسيلمين وميع‬
‫شعوبهيم ‪ ،‬فيي السيعي إلى إشراكهيم فيي حوار صيادق وصيريح حول آراء ومصيالح كيل منهيم ‪ .‬إذ أنّي دور الدول‬
‫المواليية للغرب فيي المنطقية مهيم جدا ‪ ،‬فيي وضيع الجندة السيياسية الجتماعية الثقافيية للشرق الوسيط ‪ ،‬ويصيدق‬
‫ذلك بشكيل خاص على مصير وتركييا ‪ ،‬والعربيية السيعودية والمغرب والردن ‪ .‬وقيد اتضيح ذلك أثناء قمية كاميب‬
‫ديفييد ‪2000‬م وبعدهيا ‪ ،‬عندميا أدى غياب التشاور ميع الدول العربيية الرئيسيية ‪ ،‬حول قضيية القدس خصيوصا إلى‬
‫تقليص فرصة قبول عرفات ‪ ،‬بأي من الحلول المختلفة التي طُرحت في الجتماع ‪.‬‬
‫تتحمل مصر من بين جميع الدول المسؤولية الكبر بصفتها الدولة العربية القوى ‪ ،‬والدولة التي تحمل إجراءاتها‬
‫الثير الكثير أهميية فيي المنطقية ‪ .‬إذ تُعتيبر تصيريحات الرئييس المصيري حسيني مبارك ‪ ،‬ضيد أي توسييع للنزاع‬
‫الفلسييطيني السييرائيلي ‪ ،‬وضييد تحويله إلى حرب عربييية إسييرائيلية جدارا واقيييا ‪ ،‬بوجييه انتشار المزيييد ميين‬
‫الراديكالية ( أي التوجه المعادي لسرائيل وأمريكا ) ‪.‬‬
‫المثلث السرائيلي اللبناني السوري ‪ :‬ينبغي على الدارة المريكية الجديدة ‪ ،‬أن تُعزّز قوة الردع السرائيلية ضد‬
‫احتمالت تعرضهييا لهجمات برييية أو صيياروخية ‪ ،‬تقوم بهييا قوات حزب ال المدعوم ميين سييوريا وإيران ‪ .‬على‬
‫الدارة المريكيية أن تدعيم الحركية الناشئة فيي لبنان ‪ ،‬والداعيية إلى الضغيط مين أجيل المزييد مين الحريية فيي‬
‫الداخل ‪ ،‬وتخفيف قبضة سوريا المطبقة على الشؤون اللبنانية ‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫الفصل الثاني ‪:‬‬
‫أسلحة الدمار الشامل ‪ -‬امنع النتشار واردع الستخدام ‪.‬‬
‫مين الممكين أن تشهيد السينوات الربيع المقبلة ‪ ،‬تحقيق تقديرات السيتخبارات المريكيية ‪ ،‬بأن إيران سيوف تطور‬
‫نظاما صاروخيا متعدد المراحل ‪ ،‬يُمكّنها من تطوير صاروخ عابر للقارات ‪ .‬ومن الممكن خلل الفترة نفسها أن‬
‫يُطور العراق أو إيران سييلحا نوويييا ‪ ،‬خصييوصا فييي حالة حصييولها على الوقود النووي ‪ ،‬بصييورة سييرية ميين‬
‫التحاد السوفييتي السابق مثل ‪ .‬والحصول عليها من قبل جماعات إرهابية بمساعدة بعض الحكومات ‪.‬‬
‫الكثيرون فييي المنطقيية يتهمون الوليات المتحدة بازدواجييية المواقييف ‪ ،‬فيمييا يتعلّق بقدرة العراق النووييية ‪ .‬فعلى‬
‫الرغم من القلق الذي تولّده السلحة النووية ‪ ،‬من وجهة النظر الداعية إلى عدم النتشار ‪ .‬فإن هذه السلحة توفر‬
‫لسرائيل هامشا من المن ‪ ،‬يمكنها من المجازفة بعقد السلم مع جارات معينة ‪ .‬في الوقت الذي تطور فيه دول‬
‫أخرى في المنطقة ‪ -‬ما زالت تهدد بتدمير إسرائيل ( أي العراق ) ‪ -‬الوسائل الكفيلة بتنفيذ تلك التهديدات ‪.‬‬

‫الفصل الثالث ‪:‬‬


‫الرهاب ‪ -‬اعمل على تقوية الرد على التهديدات الجديدة ‪.‬‬
‫اعزل جهود مكافحة الرهاب عن ديناميكيات العملية السلمية ‪ ،‬وعزز الرد على التحديات المستمرة ‪:‬‬
‫ينبغيي على الوليات المتحدة ‪ ،‬أن تتبيع سيياسة ل تسيامح فيهيا ‪ :‬ففيي الوقيت الذي يحيق للسيلطة الفلسيطينية ‪ ،‬أن‬
‫تختلف ميع إسيرائيل حول القضاييا الدبلوماسيية ‪ ،‬فإن العلقية المريكيية الفلسيطينية يجيب أن تدفيع ثمين التهاون ‪،‬‬
‫الذي تُبديه السلطة الفلسطينية بشأن التزامها بمكافحة الرهاب ‪.‬‬
‫ينبغيي على الوليات المتحدة أن تُعزز جهودهيا الراميية للرتقاء بالتعاون الدولي ‪ ،‬ضيد شبكات العنيف السيلمية‬
‫المُتطرّفية ‪ .‬وينبغيي أن تعميل ميع دول أوروبيا والشرق الوسيط ‪ ،‬لممارسية ضغيط جماعيي على تلك الدول القليلة‬
‫التي ما زالت تقدم الملذ للرهابيين ‪ ،‬أو تغض النظر عنهم وهي إيران وباكستان واليمن وأفغانستان ‪.‬‬
‫* وقفة قصيرة مع مقال ‪ ،‬في جريدة الدستور الردنية الصادرة ‪ ،‬بتاريخ ‪2001 – 7 – 5‬م ‪ ،‬نقل عن رويترز ‪:‬‬
‫( تصدير المقال ‪ :‬في حال هاجم ابن لدن مصالح أمريكية ‪ -‬واشنطن تُهدّد طالبان بانتقام عسكري )‬
‫" واشنطن – رويترز ؛ قال نائب وزير الخارجية المريكية ( ريتشارد أرميتاج ) ‪ :‬أن الوليات المتحدّة قد تش ّ‬
‫ن‬
‫انتقاميا عسيكريا على حركية طالبان ‪ ،‬إذا شنّي أسيامة بين لدن على هجمات مصيالح أمريكيية ‪ .‬وكان ( أرميتاج )‬
‫يُعقّب على تحذيير قدّميه إلى طالبان ‪ ،‬سيفير الوليات المتحدة لدى باكسيتان ( ويليام ملم ) فيي اجتماع عُقيد فيي‬
‫إسيلم أباد يوم الجمعية الماضيي ‪ .‬وقال مسيؤول فيي طالبان لرويترز أن طالبان التيي توفير المأوى لبين لدن ‪ ،‬تيم‬
‫إبلغها بأنها ستتحمل المسؤولية عن أي هجمات على مصالح أمريكية … " ‪ ،‬انتهى ‪.‬‬
‫طور الستخدام الفعّال لدوات السياسة المريكية المتوفرة ‪:‬‬
‫لخضاع الرهابييين للدانية الجنائيية ‪ ،‬يتحتيم على الوليات المتحدة متابعية اللتزام بملحقية أولئك المجرميين ‪،‬‬
‫حتييى وإن واجييه الميير عقبات دبلوماسييية ‪ .‬على الحكوميية التحادييية العمييل على إيقاف المناصييرين المحليييين‬
‫المؤيدين للجماعات الرهابية ‪ ( ،‬المقصود هنا هو الجاليات العربية الداعمة للحركات الجهادية في فلسطين ) ‪.‬‬
‫لقييد تقلص عدد الدول الداعميية للرهاب إلى سييبع دول ‪ ،‬وآخيير الدول التييي رُفييع اسييمها هييي العراق عام ‪1982‬م‬
‫وأعييد عام ‪1991‬م أميا آخير اسيم أُضييف للقائمية هيو السيودان عام ‪1993‬م ‪ .‬على الرئييس كجزء مين عمليية إعادة‬
‫النظيير ‪ ،‬أن يُفكيير بتحديييد الطرق التيي تسيتطيع مين خللهيا تلك الدول مين رفيع اسيمها مين القائمية ( أي وضيع‬
‫متطلبات جديدة لشهادات حسين السييرة والسيلوك المريكيية ) ‪ .‬وخصيوصا تلك التيي أظهرت اهتماميا بذلك مثيل‬
‫ليبيا والسودان وسوريا ‪ ،‬بعد ذلك يجب ربط درجة الدعم المقدّم للرهاب بدرجة العقوبات التي تفرضها الوليات‬
‫المتحدة ‪ ،‬وكذلك بمستوى التعامل الذي يقوم بين الحكومة المعنية وحكومة الوليات المتحدة ‪.‬‬
‫‪179‬‬
‫الفصل الرابع ‪:‬‬
‫العراق وإيران ‪ -‬اعمل من أجل التغيير ‪.‬‬
‫إن الموقف من العراق وإيران ‪ ،‬يُعتبر من أهم القضايا السياسية التي تواجه الدارة المريكية الجديدة ‪ .‬فكلٌ من‬
‫الدولتييين يُعتييبر لعبييا مُهمّيا فييي الخطرييين الرئيسييين ‪ ،‬اللذييين يتهددان مصييالح الوليات المتحدة فييي المنطقيية‬
‫( والمصالح هي وجود إسرائيل فقط ) ‪ .‬واللذين حدّدهما هذا التقرير بزعزعة العملية السلمية – لدرجة النزلق‬
‫نحو الحرب – وبامتلك أسلحة الدمار الشامل ‪.‬‬
‫في إيران يبدو التغيير يلوح في الفق ‪ ،‬وأنه سيكون ثمرة للديناميكيات السياسية الداخلية ‪ .‬أما بالنسبة للعراق فإن‬
‫القصية مختلفية ومين المور المُحزنية ‪ ،‬كوننيا مقتنعيين بأن التغييير فيي العراق يكاد يكون مرتبطيا بصيورة حتميية‬
‫بالعنييف ‪ ،‬أي بانقلب أو بانتفاضيية داخلييية ‪ ، … ،‬ينبغييي على الرئيييس المريكييي أن يُطور اسييتراتيجية شاملة ‪،‬‬
‫تنطوي على خطوات فعّالة تهدف إلى الضغط على صدام حسين في عدة جبهات ‪.‬‬
‫وحتييى يحييين موعييد التغيييير فييي العراق وإيران ‪ ،‬فإن على الوليات المتحدة أن تواجييه التحدي لحتواء الضرر‬
‫الذي تسيببه هاتان الدولتان ‪ ،‬بالضافية للعقوبات والقيود المفروضية على الصيادرات مين أجيل تقلييص الموارد ‪،‬‬
‫التي يمكن أن تُخصّصها الدولتان للتحديث العسكري ونشر السلحة ‪ ،‬والحصول على التكنولوجيا اللزمة لذلك ‪.‬‬
‫وضّح التهديد الذي يُمثّله صدام حسين لمصالح الوليات المتحدة ‪:‬‬
‫نعتقيد أن مين المهيم تحدييد تلك المصيالح المريكيية الحيويية التيي يمكين لصيدام أن يُهدّدهيا ‪ ،‬ووضيع خطوط حمراء‬
‫تُشكّل عند تجاوزها تحدّيا غير مقبول ‪ ،‬يستدعي ردا عسكريا أمريكيا واسع النطاق ‪.‬‬
‫ميا أن يتيم النتهاء مين هذه المراجعية ‪ ،‬يتوجيب على الرئييس ‪ ،‬أن يطرح مقرراتهيا على الشعيب ‪ ،‬كتهيئة لحتمال‬
‫وقوع مواجهية عسيكرية واسيعة النطاق ميع صيدام إذا ميا اقتضيى المير … فيي حالة العدوان خارج أراضييه أو‬
‫استخدامه لسلحة الدمار الشامل ‪ ،‬أو حتى نشرها في حالت معينة أو عدوانه على الكراد ‪.‬‬
‫ي يُقصد بالقوة واسعة النطاق ‪:‬‬
‫أول ؛ حملت القصف المتواصلة ضد الهداف التي تحمي النظام ‪،‬‬
‫ثانيا ؛ إذا كانت النتهاكات العراقية خطيرة بما يكفي يعني إرسال قوات أرضية ‪ ،‬بقدرات كافية بمشاركة الحلفاء‬
‫لغرض إحلل التغيير في النظام العراقي ‪،‬‬
‫ثالثيا ؛ فيي حالة اسيتخدام أسيلحة الدمار الشاميل ‪ ،‬يتوجيب اسيتخدام جمييع الوسيائل المُتاحية ضيد نظام صيدام حسيين‬
‫( أي استخدام السلح النووي ) ‪.‬‬
‫على الوليات المتحدة أن تكون مسيتعدة ‪ ،‬للعميل بالتنسييق ميع الحلفاء الرئيسييين وبالخيص السيعودية والكوييت‬
‫وبريطانييا ‪ .‬وبذل مزييد مين الجهيد لقناع تركييا ‪ ،‬بلعيب دور أكثير فاعليية فيي الرد على التحدّي الذي يُمثّله صيدام‬
‫حسين ‪.‬‬
‫أحيد الخطوط الصيفراء التيي تجاوزهيا صيدام بالفعيل ‪ ،‬هيو التوقيف عين التعاون ميع مفتشيي السيلحة ‪ .‬أظهرت‬
‫دروس التارييخ الليميية ‪ ،‬أن صييدام ل يسييمح بعمليات تفتيييش ‪ ،‬تكشييف مييا تبقييى مين برامجيه لنتاج الصيواريخ‬
‫وأسلحة الدمار الشامل ‪ ،‬كما أن السرة الدولية غير مستعدة لتأييد استخدام القوة لرغام صدام على التعاون ‪.‬‬
‫إلى جانب التفتيش المهني الدقيق الذي يجب أن تصرّ الوليات المتحدة عليه ‪ .‬يوجد عنصر مهم آخر ‪ ،‬هو الدعم‬
‫الذي يجب أن توفره واشنطن لجماعات المعارضة العراقية كعنصر إضافي لحتواء صدام ‪.‬‬
‫ضمن عملها مع المعارضة العراقية ‪ ،‬ينبغي للوليات المتحدة أن تضع رؤية أوضح لعراق ما بعد صدام ‪ ،‬على‬
‫واشنطن أن توضح أنه كلما ازداد العراق مسالمة وانفتاحا وديموقراطية كلما ازداد دعمها له ‪.‬‬

‫‪180‬‬
‫حوّل العقوبات إلى أدا ٍة لنفتاح العراق ‪:‬‬
‫نعتقييد بأن على الوليات المتحدة ‪ ،‬أن تقوم بمجهود عاجييل لتركيييز العقوبات على نحييو أكثيير حدّة على صييدام‬
‫ونظامه العسكري ‪ .‬من أجل ذلك ينبغي لواشنطن ‪ ،‬أن تأخذ زمام المبادرة في إعادة صياغة العقوبات ‪ ،‬بدل من‬
‫أن توافق مرغمة على خطوات يفرضها الخرون ‪.‬‬
‫في الوقت نفسه ‪ ،‬ينبغي للوليات المتحدة التوجه للمنظمات النسانية ‪ ،‬لتحسين طرق إيصال المساعدات للشعب‬
‫العراقييي ‪ .‬بدل ميين أن تكرّس هذه المنظمات ‪ ،‬الكثييير ميين جهدهييا لنتقاد السييياسة المريكييية إزاء العراق ‪ .‬وأن‬
‫تُظهير لهذه المنظمات أنهيا تشاركهيا همومهيا النسيانية ‪ ،‬مؤكدة بأن السيبب فيي معاناة الشعيب العراقيي هيو حكومية‬
‫العراق الستبدادية ( أي استخدام النفاق السياسي ) ‪.‬‬
‫ينبغيي للقيود التيي فُرضيت على السيفر مين تلك الدولة أن تُعكيس بشكيل تام ‪ .‬سييكون مين الفضيل تشجييع التبادل‬
‫الفردي ‪ ،‬وسييفر العراقيييين العاديييين ومنييع سييفر المسييؤولين العراقيييين وأفراد أسييرهم ‪ ،‬ميين الذييين يُعيقون تنفيييذ‬
‫قرارات مجلس المين ‪ ،‬أو الذيين يُشتبيه بارتكابهيم جرائم حرب ‪ ،‬أو انتهاكات فظيعية لحقوق النسيان ‪ .‬لقيد حصيل‬
‫هذا النوع من " العقوبات الذكية " على التأييد في المم المتحدة عندما طُبق على يوغسلفيا ‪.‬‬

‫الفصل الخامس ‪:‬‬


‫الستراتيجية القليمية ‪ :‬استثمر في العلقات الحاسمة ‪.‬‬
‫على الدارة المريكيية الجديدة أن تأخيذ زمام المبادرة ‪ ،‬فيي توسييع التواصيل الثقافيي والتربوي ميع الدول العربيية‬
‫والمسيلمة ‪ ،‬لغرض تطويير المعرفية المحليية ‪ ،‬بثقافية ومجتميع وسيياسة الوليات المتحدة وتفهّمهيا ‪ .‬وإيجاد وسيائل‬
‫لمحاربة النطباع الخاطئ ‪ ،‬المتفشّي في الشرق الوسط حول معاداة أمريكا للسلم والمسلمين ‪.‬‬
‫في الطرف الخر من الطيف ‪ ،‬ينبغي للدبلوماسية المريكية أن تُبرز العيوب الفاضحة لدول المنطقة التي تمارس‬
‫أقصى حد من انتهاكات حقوق النسان ‪ ،‬وبالخص العراق والسودان وليبيا وسوريا ‪.‬‬
‫تقوية العلقات الثنائية المهمة ‪:‬‬
‫إسـرائيل ‪ :‬أكييد على التحالف غييير المكتوب ‪ ،‬فهييو يعكييس عمييق ينابيييع الدعييم والتآخييي الذي يشعيير بييه الشعييب‬
‫المريكييي إزاء إسييرائيل ‪ ،‬والذي يشمييل كافيية الطياف السييياسية المريكييية ‪ .‬ينبغييي على الدارة أن تأخييذ زمام‬
‫المبادرة فيي الرتقاء بشراكتهيا لسيرائيل ‪ ،‬إلى مسيتوى مواجهية التهديدات السيتراتيجية المشتركية … وسيط جيو‬
‫التهديدات الجديدة وميع اضطراد تقدّم السيلحة الحديثية ‪ .‬فإن على الدارة أن تواجيه التحدي السيياسي المتمثيل فيي‬
‫التوضيح لجارات إسرائيل ‪ ،‬بأن أمريكا سوف تعارض أي مجهود ‪ ،‬للتوصل إلى مستوى الندية الستراتيجية مع‬
‫إسرائيل ‪.‬‬
‫دول مجلس التعاون الخليجـي ‪ :‬تقوييية الميين النفطييي والعسييكري والقتصييادي ‪ ،‬لضمان اسييتمرار تدفييق النفييط‬
‫بأسيعار مناسيبة ‪ .‬على الوليات المتحدّة تعمييق دعمهيا للصيلحات القتصيادية فيي تلك الدول ‪ ،‬بسيبب مصيلحتها‬
‫في استقرار النظمة الملكية الخليجية ‪.‬‬
‫م صر ‪ :‬لدى مصير قدرة على لعيب دور إيجابيي ‪ ،‬فيي تعزييز العتدال والسيتقرار فيي المنطقية ‪ ،‬أو لعيب دور‬
‫سيلبي فيي تعقييد وإعاقية مبادرات الوليات المتحدة القليميية ‪ .‬ولو حافظيت مصير على وضعهيا المقبول فإن على‬
‫الوليات المتحدة ‪ ،‬أن تكون مستعدة للمضي قدما في مبادراتها القتصادية ‪.‬‬
‫الردن ‪ :‬ادعيم السيلم ميع إسيرائيل ‪ ،‬واحذر مين العودة إلى احتضان عراق صيدام ‪ .‬أميا على الجانيب العسيكري‬
‫فينبغي له المساعدة في عملية التعامل مع المن الحدودي ‪ ،‬ومكافحة الرهاب ‪ ،‬والخطر العراقي المحتمل ‪ .‬أحد‬
‫السباب المبررة لتقديم معونة أمريكية كبيرة هو المسعى الذي يبذله العراق ‪ ،‬لجذب الردن بتقديم مساعدة نفطية‬
‫‪ 900-600‬مليون دولر ‪ .‬ولحباط الغراء العراقيي ‪ ،‬بوسيع دول الخلييج تقدييم النفيط بشروط ملئمية ‪ ،‬وتوسييع‬
‫دائرة التجارة ‪ ،‬واستخدام العمالة الردنية ‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫تركيا ‪ :‬يُعتبر بقاؤها ‪ ،‬كدولة ديموقراطية علمانية موالية للغرب ‪ ،‬مصلحة حيوية للوليات المتحدة ‪ .‬حيث تلعب‬
‫تركيا دورا مركزيا في عملية احتواء العراق ‪.‬‬
‫ادعيم التعاون ميا بيين شركاء أمريكيا القليمييين ‪ ،‬ومين ضمنهيا إسيرائيل وتركييا ودول مجلس التعاون الخليجيي‬
‫والردن ومصر ‪ .‬إنّ التعاون بين تركيا وإسرائيل ‪ ،‬يُعتبر الفضل بين جميع حالت التعاون المني القليمي في‬
‫المنطقة ‪.‬‬

‫الطار الستراتيجي ‪:‬‬


‫لدى الوليات المتحدة مصيالح دائمية فيي الشرق الوسيط ‪ ،‬مين بينهيا ؛ منيع وقوع الحرب ‪ ،‬وتسيهيل التقدم باتجاه‬
‫سلم عربي إسرائيلي ‪ ،‬وضمان أمن وسلمة إسرائيل ‪ ،‬وتوطيد الستقرار والمن والرفاهية والتنمية ‪ ،‬في تركيا‬
‫والدول العربية المعتدلة ‪ ،‬والمحافظة على حرية تدفق النفط وبأسعار معقولة ‪ .‬بعد النتصار في الحرب الباردة ‪،‬‬
‫وحرب الخلييج فيي مطلع التسيعينيات ‪ ،‬تمكنيت الوليات المتحدة مين ممارسية الزعامية فيي مجاليين مهميين ‪ ،‬هميا ؛‬
‫بناء السلم العربي السرائيلي وتعزيز المن في الخليج ‪.‬‬
‫العولمة ‪:‬‬
‫على مدى العقيد الخيير ‪ ،‬كان سيجل المنطقية مشوشيا بالنسيبة للعولمية ‪ ،‬فمين جانيب لم تسيتطع الحواجيز الوطنيية‬
‫القوييية ‪ ،‬أن تمنييع انتشار وسييائل العلم الحديثيية ‪ ،‬مثييل القنوات الفضائييية العربييية ‪ ،‬التييي أنهييت – بمصيياحبة‬
‫النترنيت – سييطرة الدولة على المعلومات ‪ ،‬كميا تيم العتراف على مسيتوى المنطقية باقتصياد السيوق ‪ ،‬والنفتاح‬
‫على التجارة والستثمار الدوليين ‪ ،‬بصفتها أفضل الطرق لتحقيق التنمية … إل أن الشرق الوسط يُعتبر خاسرا‬
‫نسبيا في سباق العولمة ‪ ،‬فحصّته في التجارة العالمية في تدهور مستمر ‪.‬‬
‫بفضييل أجهزة الفيديييو والمحطّات الفضائييية والنترنييت ‪ ،‬وأخيرا وليييس آخرا ‪ .‬فميين المحتمييل جدا ‪ ،‬أن يرتدي‬
‫المتظاهرون في رام ال أو طهران بنطلونات وأحذية من إنتاج أمريكي ‪.‬‬
‫* بقولهيم هذا ‪ ،‬يكشيف رواد العولمية ودعاتهيا ‪ ،‬عين الوجيه القذر لهيا ولغاياتهيا ‪ ،‬بشقيّهيا الثقافيي والقتصيادي ‪،‬‬
‫فغايات العولمة هي ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬مسخ الهوية العربية والسلمية بشكل خاص والشرقية بشكل عام ‪ ،‬باستهلك الثقافة المريكية عن طريق‬
‫وسائل العلم المختلفة ‪.‬‬
‫ثانييا ‪ :‬ومين ثيم جعيل جمييع دول العالم سيوقا مفتوحية ‪ ،‬للمنتجات المريكيية بمختلف أنواعهيا ‪ ،‬بإجبار الحكومات‬
‫على رفع القيود ‪ ،‬التي وُضعت لحماية ودعم الصناعات الوطنية ‪.‬‬
‫إذ ليييس هناك أي أهمييية تُذكيير لدى رواد العولميية ‪ ،‬بالنسييبة لتظاهرك ضييد إسييرائيل وأمريكييا ‪ ،‬وحرق أعلمهييا‬
‫وصور زعمائهيا ‪ ،‬بما أنك تدعم فيي نفس الوقت اقتصياد الدولتيين باسيتهلك منتجاتهميا ‪ ،‬مميا يُسياهم بزيادة النميو‬
‫القتصادي فيهما ‪ ،‬وأمريكا سيطرت على العالم اقتصاديا ‪ ،‬وبذلك تمكّنت من السيطرة عليه عسكريا ‪.‬‬
‫انهيار تحالف حرب الخليج ‪:‬‬
‫على المسيتوى الدولي ‪ ،‬ميا زالت هيمنية أمريكيا القليميية على ميا كانيت علييه ‪ ،‬إل أن هناك تصياعدا ‪ ،‬فيي عزم‬
‫القوى الخرى وقدرتهيا ‪ ،‬على التأثيير فيي مجرى الحداث فيي الشرق الوسيط ‪ ،‬خصيوصا باتجاه إعاقية السيياسة‬
‫المريكية في المنطقة ‪ .‬ويبرز في هذا المجال ثلثة لعبين مهمين ‪:‬‬
‫روسيا ‪ :‬أصيبحت روسييا أكثير قوميية خلل العقيد الماضيي ‪ ،‬وازدادت شكوكهيا فيميا يتعلق بعلقاتهيا ميع الوليات‬
‫المتحدة … لكنهيا أصيبحت مين جدييد لعبيا مُثيرا للمشاكيل … دأبيت روسييا على تقوييض جهود الميم المتحدة ‪،‬‬
‫الراميية إلى السييطرة على التسيلح وفرض العقوبات ‪ ،‬حتيى أن الرئييس الروسيي مؤخرا أثنيى بنفسيه على التعاون‬
‫التام بين موسكو وبغداد ‪ .‬لم تُبدِ روسيا تعاونا يُذكر مع مساعي الوليات المتحدة المدعومة بدولرات المساعدات‬

‫‪182‬‬
‫‪ ،‬للحيلولة دون انتشار أسلحة الدمار الشامل وتكنولوجيا الصواريخ ‪ ،‬من روسيا إلى الشرق الوسط وخصوصا‬
‫إلى إيران ‪.‬‬
‫الصـين ‪ :‬فالصييين ‪ ،‬تمتلك القدرة على تغيييير ميزان القوى القليمييية ‪ ،‬بتزويييد دول فييي المنطقيية بتكنولوجيييا‬
‫الصواريخ وأسلحة الدمار الشامل ‪ .‬في الوقت الذي تستطيع الصين فيه أن تصبح قوة إيجابية بالنسبة لنمو اقتصاد‬
‫العولمة ‪ ،‬إذا ما واصلت فتح أسواقها وخصخصة اقتصادها ‪.‬‬
‫أوروبـا ‪ :‬على سييبيل المثال لعبييت الدول الوروبييية ‪ ،‬دورا مهمييا فييي تسييهيل الدبلوماسييية الهادئة بييين إسييرائيل‬
‫والفلسطينيين ‪ .‬وفي تأمين التمويل السخي للسلطة الفلسطينية بعد عام ‪1993‬م ‪ .‬وفي فرض مناطق حظر الطيران‬
‫شمال وجنوب العراق ‪ .‬إن ممييا يُؤسييف له أن فرنسييا قييد أصييبحت العقبيية الكييبرى ‪ ،‬فييي طريييق تحقيييق التنسيييق‬
‫المريكي الوروبي ‪ ،‬حول الكثير من قضايا الشرق الوسط ‪ ،‬خصوصا تلك المتعلقة بالعملية السلمية والسياسة‬
‫المُتبعة إزاء العراق ‪.‬‬
‫على خلفيية هذا الطار السيتراتيجي ‪ ،‬نعتقيد بأن الشرق الوسيط مرشيح لن يكون منطقية مضطربية ‪ ،‬خلل فترة‬
‫ولية الرئيس المريكي الجديد ‪ .‬سيتغذى بعض ذلك الضطراب ‪ ،‬على مشاعر عدم الرضا والرغبة في تحقيق‬
‫الوحدة ‪ ،‬والمور غير المنجزة في النزاع العربي السرائيلي ‪ .‬كما أن بعضا منه ‪ ،‬سوف يتولد نتيجة التغييرات‬
‫البركانيية التيي تنتظير إيران ‪ .‬وسيوف ينتيج بعضيه الخير عين ردود الفعيل المترتبية ‪ ،‬على عودة انبعاث صيدام‬
‫حسين ‪.‬‬
‫يحتاج الرئييس المريكيي الجدييد وكبار مسياعديه ‪ ،‬لدراك أن الشرق الوسيط يدخيل القرن الواحيد والعشريين ‪،‬‬
‫بقيادة زعماء جدد بل خيبرة ‪ ،‬يتولون الزعامية مين المحييط الطلسيي إلى الخلييج الفارسيي ‪ ،‬باقتصياديات راكدة‬
‫وبأسيلحة مرعبية عاليية التقنيية ‪ ،‬لهيا القدرة على نقيل النزاعات إلى شواطيئ أمريكيا ‪ .‬إن لجنية الدراسية الرئيسيية ‪،‬‬
‫فيي معهيد واشنطين لسيياسة الشرق الوسيط الدنيى قيد وضعيت هذا التقريير ‪ ،‬مين أجيل تقدييم النصيح للرئييس‬
‫المريكيي الجدييد ‪ ،‬حول الطرق الكفيلة بإدارة هذه اللحظية العاصيفة ‪ ،‬على نحيو يحميي مصيالح الوليات المتحدة‬
‫وحلفائها … انتهى القتباس ‪.‬‬
‫بنود هذا التقرييير اليهودي المقدّم للرئيييس المريكييي واضحيية وربمييا ل تحتاج لتعليييق ‪ ،‬فالمخاوف والهداف‬
‫التوراتيية واضحية ‪ ،‬خلف ميا يدّعيي اليهود بأنيه مصيالح للوليات المتحدّة ‪ ،‬تقضيي بتحجييم وتدميير ثلثية قوى ‪،‬‬
‫ذات الخطيير الكييبر على مسييتقبل الدولة اليهودييية فييي المنطقيية ‪ ،‬حسييبما أوضحتييه التفسيييرات الجديدة للنبوءات‬
‫التوراتية ‪ ،‬وهي روسيا ( يأجوج ومأجوج ) ‪ ،‬والعراق وإيران ( مادي وفارس وبابل وأشور ) ‪ ،‬كافة الدول ذات‬
‫التوجه السلمي ‪ ،‬التي يسمونها بالراعية للرهاب ( خوفا من إحياء الخلفة السلمية ) ‪.‬‬
‫والسيؤال المطروح بعيد الطلع على هذا التقريير ‪ :‬لماذا يشغبل العراق المسباحة الكببر ‪ ،‬فبي مفردات صبحيفة‬
‫برتوكولت حكماء صهيون الجديدة ‪ ،‬المسمّاة بتقرير معهد واشنطن ؟!‬
‫ونختيم هذا الفصيل ‪ ،‬بقول لظفير السيلم خان صياحب كتاب ( تعالييم التلمود ) ‪ " :‬وقيد سياعدت كراهيية بريطانييا‬
‫العمياء ‪ ،‬وغدرهيا بالعرب والمسيلمين ‪ ،‬ووجود النزعية الصيليبية الخاطئة لدى البلدان الوربيية وأمريكيا ‪ ،‬على‬
‫نجاح المخططات الصيهيونية وغزو البلدان العربيية فيي الحرب العالميية الولى ‪ ،‬فنرى القائد الفرنسيي ( غورو )‬
‫الذي فتيح دمشيق يقول ‪ ،‬وقيد وضيع قدميه على قيبر صيلح الديين ‪ " :‬هبا نحبن قبد عُدنبا يبا صبلح الديبن ! " ‪،‬‬
‫والجنرال النجليزي ( اللنبي ) عند دخوله القدس ‪ ،‬يقول أمام كنيسة القيامة ‪ " :‬اليوم ‪ ،‬انتهت الحروب الصليبية‬
‫"‪.‬‬
‫قال تعالى‬
‫ن َأشْ َركُوا ‪ 82(… ،‬المائدة )‬
‫ن َأشَدّ النّاسِ عَدَاوَةً ِللّذِينَ ءَامَنُوا ‪ ،‬الْ َيهُودَ ‪ ،‬وَالّذِي َ‬
‫( لَ َتجِدَ ّ‬

‫‪183‬‬
‫الكتب المقدّسة تأمر اليهود بتدمير أصحاب البعث‬
‫احتييل العراق مسيياحة شاسييعة فييي التقرييير السييابق ‪ ،‬لن التوراة تُخييبر هؤلء الصييهاينة ميين يهود ونصييارى‬
‫صيراحة ‪ ،‬وفيي مواضيع عديدة بأن العراقيون هيم أصيحاب البعيث الثانيي ‪ ،‬وتأمرهيم بالعميل على تدميير العراق‬
‫ل يدّخروا جهدا ‪ ،‬من أجيل‬
‫والعراقيين ‪ ،‬عندما يتمكنّوا من العلو فيي الرض للمرة الثانية ‪ ،‬وتُحرّضهم وتحثّهم بأ ّ‬
‫إعادته إلى العصر الحجري ‪ ،‬حتى ل يتمكّن أحفاد البابليين من النبعاث عليهم مرة أخرى عندما يأذن ال بذلك ‪،‬‬
‫وفي هذا الفصل سنعرض جانبا من النصوص التوراتية ‪ ،‬التي تصرح بحتمية بعث العراقيين عليهم مرة أخرى ‪،‬‬
‫والتي يأمر فيها كتبة التوراة يهود هذا العصر بالنتقام من أهل بابل ‪ ،‬كونهم أحفاد نبوخذ نصر ‪ ،‬وللقضاء على‬
‫فرص انبعاثهم مرة أخرى لزالة العلو الثاني لهم في فلسطين ‪.‬‬

‫بعض مقتطفات من النصوص التوراتية ‪ ،‬التي تحصُر البعث بالعراقيين ‪:‬‬

‫موسى ‪:‬‬
‫سيفر التثنيية " ‪ 49 :28‬ويجلب الرب عليكيم أمية مين بعييد ‪ ،‬مين أقصيى الرض ‪ ،‬فتنقضّي عليكيم كالنسير ‪ :50 ،‬أمّة‬
‫[ جافية الوجه ] يثير منظرها الرعب ‪ ،‬ل تهاب الشيخ ول ترأف بالطفل ( أولي بأس شديد ) ‪ :51 ،‬فتستولي على‬
‫نتاج بهائمكيم ‪ ،‬وتلتهيم غلت أرضكيم حتيى تفنوا ‪ ،‬ول تُبقِي لك قمحيا ول خمرا ول زيتيا ‪ … ،‬حتيى تفنييك ‪:52 ،‬‬
‫وتحاصركم في جميع مدنكم ‪ ،‬حتى تتهدم أسواركم الشامخة الحصينة ‪ ،‬التي وثقتم بمناعتها ‪" … ،‬‬
‫‪ :29 :31‬لنني واثق أنكم بعد موتي ‪ ،‬تفسدون وتضلون عن الطريق الذي أوصيتكم بها ‪ ،‬فيصيبكم الشرّ في آخر‬
‫اليام ( المرة الثانية تكون في آخر اليام ) ‪ ،‬لنكم تقترفون الشر أمام الرب ‪ ،‬حتى تثيروا غيظه بما تجنيه أيديكم‬
‫…"‪.‬‬
‫‪ :19 :32‬فرأى الرب ذلك ورذلهييم ‪ ،‬إذ أثار أبناؤه وبناتييه غيظييه ‪ :20 ،‬وقال ‪ :‬سييأحجب وجهييي عنهييم فأرى ماذا‬
‫سييكون مصييرهم ؟ إنهيم جييل متقلب وأولدُ خونية ‪ ، … :21 ،‬لذلك سيأثير غيرتهيم بشعيب متوحيش ( أولي بأس‬
‫شديد ) ‪ ،‬وأغيظهم بأمة حمقاء [ أمة ل تفهمون لغتها ] ‪.‬‬

‫إشعياء ‪:‬‬
‫‪ :3 :10‬فماذا تصنعون في يوم العقاب ‪ ،‬عندما تقبل الكارثة من بعيد !‬
‫ل فلسيطين ( إسيرائيل ) ‪ ،‬لن القضييب الذي ضربيك قيد انكسير ‪ .‬فانيه مين أصيل تلك‬ ‫" ‪ :29 :14‬ل تفرحيي ييا ك ّ‬
‫الفعى يخرج أُفعوان ‪ ،‬وذريّته تكون ثعبانا سامّا طيّارا … ولول أيّها الباب ‪ ،‬ونوحي أيّتها المدينة ‪ ،‬ذوبي خوفا‬
‫يا فلسطين قاطبة ‪ ،‬لن جيشا مُدرّبا قد زحف نحوك من الشمال … " ‪.‬‬
‫‪ :11 :46‬أدعو من المشرق الطائر الجارح ‪ ،‬ومن الرض البعيدة برجل مشورتي ‪ ،‬قد نطقت بقضائي ‪ ،‬ول بد أن‬
‫أُجريه ‪.‬‬

‫ارميا ‪:‬‬
‫‪ :9 :25‬فهيا أنيا أُجنّد جمييع قبائل الشمال ‪ ،‬بقيادة نبوخيذ نصير عبدي* ‪ ،‬وآتيي بهيا إلى هذه الرض ‪ ،‬فيجتاحونهيا‬
‫ويهلكون جميع سكّانها ‪ ،‬مع سائر المم المحيطة بها ‪ ،‬وأجعلهم مثار دهشة وصفير ‪ ،‬وخرائب أبدية ‪.‬‬
‫* ( عبدي ) جاءت صفة لنبوخذ نصر في التوراة ‪.‬‬
‫‪ :22 :10‬اسمعوا ‪ ،‬ها أخبار تتواتر عن جيش عظيم ‪ ،‬مقبل من الشمال ‪ ،‬ليحوّل مدن يهوذا ‪ ،‬إلى خرائب ومأوى‬
‫لبنات آوى ‪.‬‬

‫‪184‬‬
‫‪ :22 :6‬انظروا ‪ ،‬هيا شعبٌي زاحيف مين الشمال ‪ ،‬وأمّة عظيمية تهبّي مين أقاصيي الرض ‪ ، … ،‬لمحاربتيك ييا‬
‫أورشليم ‪.‬‬

‫حزقيال ‪:‬‬
‫ب بكلمته قائل ‪ :‬أمّا أنت يا ابن آدم ‪ ،‬فخطّط طريقين لزحف ملك بابل ‪ .‬من أرض واحدة‬ ‫ي الر ّ‬
‫‪ :19 :21‬وأوحى إل ّ‬
‫تخرج الطريقان ‪ ،‬وفيي ترجمية أخرى [ وأنيت ييا ابين آدم ‪ ،‬عيّن لنفسيك طريقيين ‪ ،‬لمجييء سييف ملك بابيل ‪ ،‬مين‬
‫أرض واحدة تخرج الثنتان ]‬
‫‪ :22-23 :23‬وآتي بهم عليك من كل ناحية ‪ ،‬أبناء البابليين ‪ ،‬وسائر الكلدانيين ‪ ،‬ومعهم جميع أبناء أشور ‪.‬‬
‫يي يعلم اليهود علم اليقيين أن المبعوثيين عليهيم فيي المرة الثانيية ‪ ،‬سييخرجون مين أرض بابيل وأشور ‪ ،‬فالكلدانيون‬
‫بابلييين وآشوريون هيم سيكان العراق القدماء ‪ .‬وبابيل مدينية عراقيية تقيع فيي وسيط العراق إلى الجنوب مين بغداد ‪،‬‬
‫وأشور مدينية عراقيية تقيع فيي شماله ‪ .‬ورغيم معرفتهيم هذه فهيم مسيتمرّون فيي غيهيم وطغيانهيم ‪ ،‬ذلك لنهيم لم‬
‫يؤمنوا بال ول بأنبيائه سابقا ولحقا ‪ ،‬فمعرفتهم به سبحانه جاءت من خلل آراء كهنتهم وأحبارهم ‪ .‬فهم يأخذون‬
‫من التوراة ما يوافق أهوائهم ويتركون ما سواه ‪ ،‬أما ما يؤمنون به حقا فهو المال والقوة ‪ ،‬وبما أنهم يملكون القوة‬
‫والمال ‪ ،‬وبميا أن ال قيد كشيف لهيم عين مُخططاتيه ‪ ،‬بالنسيبة لحتميية القضاء على وجودهيم فيي فلسيطين ‪ ،‬فالحيل‬
‫لديهيم لييس التوبية والرجوع إلى ال ( الذي ل يقيمون له قدرا نتيجية افتراءات زنادقية التلمود علييه سيبحانه وتعالى‬
‫عمّا يصفون ) وإنما بمخالفة مُخطّطات ال وإبطالها ‪ ،‬معتمدين على ما ألّفه الكهنة من نبوءات خاطئة عن الملك‬
‫الموعود ‪ ،‬وذلك بكييل بسيياطة ميين خلل تنفيييذ مخطّطات الكهنيية والحبار القديميية الجديدة ‪ ،‬التييي وُضعييت كحلّ‬
‫لمعضلتهم المستعصية مع ال وهي إبادة الكلدانيين ومحو بابل الجديدة عن الوجود ‪ ،‬وتحويلها إلى صحراء قاحلة‬
‫ل تسييكنها إل الثعالب ‪ ،‬ومييا كان تصييريح أحييد كلبهييم ( بوش الب ) ‪ ،‬عندمييا قال ‪ ( :‬بأنييه س ييُعيد العراق إلى‬
‫العصر الحجري ) إل من خلفية توراتية حاقدة ‪.‬‬

‫نبوءة عن دمار بابل في سفر إشعياء‬


‫" ‪ :1-8 :13‬رؤيا إشعياء بن آموص بشأن بابل ‪ " :‬انصبوا راية فوق جبل أجرد ‪ ،‬اصرخوا فيهم لوحوا بأيديكم ‪،‬‬
‫ليدخلوا أبواب [ العتاة ] … لن الرب القدييير يسييتعرض جنود القتال ‪ .‬يقبلون ميين أرض [ بعيدة ] ميين أقصييى‬
‫السماوات ‪ ،‬هم جنود الرب وأسلحة سخطه لتدمير الرض كلها [ ولولوا ] فإن يوم الرب بات وشيكا ‪ ،‬قادما من‬
‫عنيد الرب مُحمّل بالدمار ‪ .‬لذلك ترتخيي كيل ييد ويذوب قلب كيل إنسيان ‪ ،‬ينتابهيم الفزع وتأخذهيم أوجاع يتلوون‬
‫كوالدة تُقاسي من الم المخاض …‬
‫" ‪ :9-16 :13‬ها هو يوم الرب قادم ‪ ،‬مفعما بالقسوة والسخط والغضب الشديد ‪ ،‬ليجعل الرض خرابا ويبيد منها‬
‫الخطاة … والشمس تظلم عند بزوغها ( كسوف ) والقمر ل يلمع بضوئه ( خسوف ) ‪ ،‬وأعاقب العالم على شرّه‬
‫ل كيبرياء العتاة … وأُزلزل السيماوات فتتزعزع‬
‫والمنافقيين على آثامهييم ‪ ،‬وأضيع حدّا لصيلف المُتغطرسييين وأُذ ّ‬
‫الرض فييي موضعهييا ‪ ،‬ميين غضييب الرب القدييير فييي يوم احتدام سييخطه ‪ ،‬وتولّي جيوش بابييل ( عبارة جيوش‬
‫بابل ‪ ،‬غير موجودة في الترجمة الخرى ) حتى يُنهكها التعب ‪ ،‬عائدين إلى أرضهم كأنهم غزال مُطارد أو غنم‬
‫ل راعي لها ‪ ،‬كل من يُؤسر يُطعن ‪ ،‬وكل من يُقبض عليه يُصرع بالسيف ‪ ،‬ويُمزّق أطفالهم على مرأى منهم ‪،‬‬
‫وتُنهب بيوتهم وتُغتصب نسائهم " ‪.‬‬
‫" ‪ :17-22 :13‬ها أنا أُثير عليهم الماديين ( اليرانيين ) الذين ل يكترثون للفضة ول يُسرّون بالذهب [ فتحطم ]‬
‫قسيّهم الفتيان ‪ ،‬ول يرحمون الولد أو الرضع … أما بابل مجد الممالك وبهاء وفخر الكلدانيين ‪ ،‬فتُصبح كسدوم‬
‫وعمورة اللتيين قلبهميا ال ‪ .‬ل يُسيكن فيهيا ‪ ،‬ول تعمير مين جييل إلى جييل ‪ ،‬ول ينصيب فيهيا بدوي خيمتيه ‪ ،‬ول‬
‫يُربيض فيهيا راع قُطعانيه ‪ .‬إنميا تأوي إليهيا وحوش القفير وتعجّي البوم خرائبهيا ‪ ،‬وتلجيأ إليهيا بنات النعام ‪ ،‬وتتواثيب‬
‫فيهيا [ معيز الوحيش ] ‪ ،‬وتعوي الضّباع بيين أبراجهيا ‪ ،‬وبنات آوى فيي قصيورها الفخمية ‪ .‬إن وقيت عقابهيا بات‬
‫وشيكا ‪ ،‬وأيامها لن تطول " ‪.‬‬

‫‪185‬‬
‫" ‪ 1 :14‬ولكنّي الرب [ سييرحم ] ذريّة يعقوب ‪ ،‬ويصيطفي شعيب إسيرائيل ثانيية ‪ ،‬وُيحلّهيم فيي أرضهيم ‪ ،‬فينضيم‬
‫الغرباء إليهم ويلحقون ببيت يعقوب ‪ .‬وت ُمدّ شعوب الرض إليهم يد العون ‪ ،‬ويصيرون عبيدا لبني إسرائيل ‪ ،‬في‬
‫أرض الرب ‪ ،‬ويتسلّطون على آسريهم وظالميهم ‪ .‬في ذلك اليوم يُريحكم الرب ‪ ،‬من عنائكم وشقائكم وعبوديتكم‬
‫القاسية " ‪.‬‬
‫" ‪ :4-23 :14‬فتسخرون من ملك بابل قائلين ‪ " :‬كيف استكان الظالم وكيف خمدت غضبته المُتعجرفة ؟ قد حطّم‬
‫الرب عصيا المنافيق وصيولجان المُتسيلطين … حتيى شجير السيرو وأرز لبنان عمّهيا الفرح ‪ ،‬فقالت ‪ " :‬منيذ أن‬
‫انكسييرت شوكتيك ‪ ،‬لم يصيعد إلينيا قاطيع حطيب " … والذيين يرونيك ‪ ،‬يحملقون فييك ويتسياءلون ‪ " :‬أهذا هيو‬
‫النسان الذي زعزع الرض وه ّز الممالك ‪ ،‬الذي حوّل المسكونة إلى مثل القفر ‪ ،‬وقلب مُدنها ‪ ،‬ولم يُطلق أسراه‬
‫ليرجعوا إلى بيوتهيم ؟ " … أميا أنيت فقيد طُرحيت بعيدا عين قيبرك ‪ ،‬كغصين مكسيور … لنيك خرّبيت أرضيك‬
‫وذبحيت شعبيك ‪ ،‬فذريّة فاعلي الثيم يبييد ذكرهيا إلى البيد ‪ .‬أعدّوا مذبحية لبنائه جزاء إثيم آبائهيم ‪ ،‬لئل يقوموا‬
‫ب ضدهم ‪ ،‬وأمحو من بابل ‪ ،‬اسماً وبقيةً‬ ‫ويرثوا الرض فيملئوا وجه البسيطة مُدناً ‪ .‬يقول الرب القدير ‪ " :‬إني أه ّ‬
‫ونسلً وذريةً ‪ ،‬وأجعلها ميراثًا للقنافذ ومستنقعاتٍ للمياه ‪ ،‬وأكنسها بمكنسة الدمار " ‪.‬‬
‫يي دعوة للشماتية والسيخرية مين بابيل بعيد سيقوطها ‪ .‬ودعوة لعداد مذبحية لبنائهيا ؛ أول ‪ :‬للنتقام منهيم لميا فعله‬
‫آبائهم سابقا ‪ ،‬وثانيا ‪ :‬لمنع البناء من تكرار فعل الباء لحقا ‪ ،‬وتلك هي مُبرّراتهم لتدمير العراق ‪.‬‬
‫ل فلسيطين ( إسيرائيل ) ‪ ،‬لن القضييب الذي ضربيك قيد انكسير ‪ .‬فانيه مين أصيل تلك‬ ‫" ‪ :29 :14‬ل تفرحيي ييا ك ّ‬
‫الفعى يخرج أُفعوان ‪ ،‬وذريّته تكون ثعبانا سامّا طيّارا … ولول أيّها الباب ‪ ،‬ونوحي أيّتها المدينة ‪ ،‬ذوبي خوفا‬
‫يا فلسطين قاطبة ‪ ،‬لن جيشا مُدرّبا قد زحف نحوك من الشمال … " ‪.‬‬
‫يي وهذا النيص يُحذر اليهود مين الفرح ‪ ،‬بانكسيار قضييب بابيل ( أي بانكسيار العراق فيي بادئ المير ) لنيه فيي‬
‫النهايية سيينهض مين جدييد ‪ ،‬ليُنجيز ميا قضاه ال عليهيم ‪ .‬فالُفعوان ل محالة خارج مين أصيل تلك الفعيى طال‬
‫الزمان أو قصر ‪ ،‬وسينفث سمّه في أجسادهم عند مجيء الموعد ‪ ،‬وذريته ستكون أشد بأسا وأشد تنكيل ‪.‬‬

‫نبوءة عن دمار بابل من سفر ارميا‬


‫جاء هذا النيص تحيت ( مُسيمى النبوءة التيي قضيى بهيا الرب ) والحقيقية أنيه وثيقية للثأر وتسيديد للحسياب القدييم‬
‫لمملكة بابل ‪ ،‬كتبه كهنتهم وأحبارهيم بعد أن سامهم أهل بابل في المرة الولى ‪ ،‬أشكال وألوانا من الذل والهوان‬
‫والعذاب ‪ ،‬ولم يسييتطع أولئك الكهنيية تقبّل فكرة أن إلههييم ‪ -‬الذي أرادوه حسييب أهوائهييم ‪ ،‬فجعلوه كالعجينيية بييين‬
‫أيديهييم يُشكّلونهييا كمييا شاءوا ‪ -‬يتخلى عنهييم ويسييمح لولئك البابليّون الوثنيون ‪ ،‬بالقضاء على حييبيبته أورشليييم‬
‫وأبنائه وأحباؤه من شعب ال المُختار ‪ .‬فكان وقع الصدمة شديد عليهم ‪ ،‬حيث أتاهم العذاب من حيث لم يحتسبوا‬
‫وكان غاية في البشاعة ‪ ،‬حتيى أنّهم شبّهوه فيي توراتهم بعذاب قوم لوط ‪ ،‬مما أشعل نيران الحقد والكراهية اتجاه‬
‫البابليين ‪ ،‬التي ما زالت مشتعلة في قلوبهم إلى الن ‪ ،‬بعد أن توارثوها جيل بعد جيل ‪.‬‬
‫حفظية التوراة مين الحبار والكهنية هيم أنفسيهم مين كان سيببا فيي دمار دولتهيم الولى ‪ ،‬بفسيادهم وإفسيادهم وحثهيم‬
‫الناس على الفساد والفساد من حكّام ومُترفين وعامة ‪ ،‬وهم الذين كذبوا وحاربوا أنبياء ال والصالحين من الناس‬
‫‪ ،‬وتآمروا عليهيم وأمروا بقتلهيم ‪ ،‬لمّا كانوا يأتونهيم مين عنيد ال بميا يُخالف أهواءهيم ‪ .‬وعندميا وقيع ميا لم يكين فيي‬
‫حُسيبانهم ‪ ،‬أنكروا ذلك وأنكروا أنيه جاء فيي كُتبهيم ‪ ،‬وأنكروا أنيه جاء مين عنيد ال ‪ ،‬وأنكروا أنيه عقابيا لهيم على‬
‫إفسادهم ( … ذَلِكَ بِأَ ّنهُمْ َقوْمٌ لَ َي ْف َقهُونَ (‪ … )13‬ذَلِكَ بِأَ ّنهُمْ َقوْمٌ لَ َي ْعقِلُونَ (‪ 14‬الحشر ) ‪ .‬فخروج البابليين كان‬
‫حسيدا مين عنيد أنفسيهم ‪ ،‬ورغبة منهيم للسيتيلء على كنوزهيم ‪ ،‬لذلك كان ل بيد لهيم مين النتقام منهيم ‪ ،‬عندميا تُردّ‬
‫لهم الكرّة مرة أخرى ‪ ،‬فخطّوا بأقلمهم ما ستقرأه لحقا ‪.‬‬
‫أخبر سبحانه بأنه سيكون لليهود كرّة على أولئك العباد ( الكلدانيين ) ‪ ،‬وذلك بهزيمتهم عسكريا في حروبهم معها‬
‫‪ ،‬وقيد تحصيّل ذلك فيي كافية حروبهيا ميع العرب ومين ضمنهيا العراق ‪ ،‬فيي بدايات نشوء الدولة اليهوديية ‪ ،‬ونسيب‬
‫سبحانه ردّ الكرة إلى نفسه ‪ ،‬ليُذكّرهم ويُؤكدّ لهم أ نّ ما تمّ لهم ذلك ‪ ،‬إل بإذنه ومشيئته منّا وكرماً ‪ ،‬وعقابا للعرب‬
‫على نكوصهم عن دينهم ‪ ،‬وتخليهم عن حمل رسالتهم ‪ ،‬فما من مصيبة تقع في الناس إل من كسب أيديهم ‪ ،‬كما‬

‫‪186‬‬
‫أخبر سبحانه في غير موضع من كتابه العزيز ‪ ،‬بالضافة إلى ما أوردناه سابقا من حكم إلهية لعودة اليهود إلى‬
‫فلسطين ‪.‬‬
‫أمّا أن ال قيد أمرهيم بتدميير العراق وإبادة أهله ‪ ،‬وتحوييل العراق إلى صيحراء قاحلة تسيكنها الثعالب ‪ ،‬فحاشيا ل‬
‫أن يأمر أو يُحرّض الناس على الفساد في الرض ‪ ،‬وهو الذي سيمحو ذكرهم عن فلسطين على أيدي العراقيين‬
‫أنفسهم ‪ ،‬لعظم ما أفسدوه في أرضه ولجل الفساد ذاته ‪ ،‬ولجل سفك دماء البرياء الذي هو أعظم الفساد في‬
‫الرض ‪ .‬إذ أنهييم فور امتلكهييم للقوة والسييلطة ‪ ،‬أسييرفوا فييي القتييل والتنكيييل أيّمييا إسييراف فييي الرض على‬
‫عمومهيا ‪ ،‬فأصيابعهم ملوثية بدماء ضحاييا كافية الحروب على مرّ العصيور ‪ .‬ففيي مملكتهيم الولى أوقعوا القتيل‬
‫والنهب والنفي في أبناء جلدتهم ‪ ،‬وفي دولتهم الثانية كرّروا فعلتهم في شعب فلسطين ‪.‬‬
‫ول يغب عن البال أن هذه النص التحريضي ‪ ،‬بما يحفل به من مبالغة وتهويل وتكرار وتطويل ‪ ،‬كُتب بعد السبي‬
‫البابلي قبل ‪ 2500‬عام تقريبا ‪ ،‬كدعوة للنتقام من بابل القديمة ‪ ،‬عند عودتهم من السبي والشتات إلى فلسطين ‪،‬‬
‫وإن كانيت بابيل قيد وقعيت فيي أيدي الفرس قديميا كميا جاء فيي التوراة ‪ ،‬فمملكية فارس تقيع إلى الشرق مين بابيل‬
‫وأشور ‪ ،‬والنبوءة تقول أن من سيُدمّرها جمع من الملوك يجتمعون عليها من الشمال ‪ .‬حتى جاءت دولتهم الحالية‬
‫وأخذ يهود هذا العصر بكل ما لديهم من طاقات وإمكانيات ووسائل ‪ ،‬على عاتقهم تنفيذ هذا البرنامج الذي وضعه‬
‫لهم أربابهم من الحبار والكهنة ( الحكماء ) ‪ .‬ولو أنك أمعنت النظر في الواقع وما م ّر بالعراق من أحداث خلل‬
‫عشرين سنة ماضية ‪ ،‬تجد أن مرجعية كل تلك الحداث موجودة في هذا النص التوراتي وبالتفصيل ‪.‬‬
‫ي وفي ما يلي النص الكامل لوثيقة الثأر ‪ ،‬والدعوة لتسديد الحساب القديم لبابل الجديدة ‪ ،‬كما جاء في الصحاح (‬
‫‪ ) 51 – 50‬من سفر ارميا ‪ ،‬بما فيها من تكرار وتطويل ‪:‬‬
‫التحريض العلمي ‪:‬‬
‫" النبوءة التيي قضيى بهيا الرب ‪ ،‬على بابيل وعلى بلد الكلدانييين ‪ ،‬على لسيان ارمييا النيبي ‪ :‬أخبِروا فيي الشعوب‬
‫وأسمِعوا وارفعوا راية ‪ ،‬أسمِعوا ل تخفوا ‪ ،‬قولوا ‪ :‬قد تم الستيلء على بابل ‪ ،‬ولحق ببيل العار وتحطّم مردوخ‬
‫( أسيماء لصينام بابيل ) ‪ ،‬خربيت أصينامها وانسيحقت أوثانهيا ‪ ،‬لن أمية مين الشمال ‪ ،‬قيد زحفيت عليهيا ‪ ،‬لتجعيل‬
‫أرضها مهجورة ‪ ،‬شرد منها الناس والبهائم جميعا " ‪.‬‬
‫التنفيذ مرتبط بعودتهم إلى فلسطين ‪:‬‬
‫" وفي تلك اليام ‪ ،‬يقول الرب ‪ ،‬يتوافد بنو إسرائيل وبنو يهوذا معا ‪ ،‬يبكون في سيرهم ويلتمسون الرب إلههم ‪،‬‬
‫ن شعبي كغنم‬‫يسألون عن الطريق صهيون ويتوجّهون إليها قائلين ‪ :‬هلم ننضمّ إلى الرب ‪ ،‬بعهد أبدي ل يُنسى ‪ ،‬إ ّ‬
‫ضالّة قد أضلّهم رعاتهم ‪ ،‬وشرّدوهم على الجبال ‪ ،‬فتاهوا ما بين الجبل والتل ‪ ،‬ونسوا مربضهم ‪ ،‬كل من وجدهم‬
‫افترسهم ‪ ،‬وقال أعدائهم ‪ :‬ل ذنب علينا لنهم ‪ ،‬هم الذين أخطأوا في حقّ الرب ‪ ،‬الذي هو ملذهم الحقّ ‪ ،‬ورجاء‬
‫آبائهم "‬
‫دعوة لخروج الغرباء من بابل ‪:‬‬
‫" اهربوا مين وسيط بابيل ‪ ،‬واخرجوا مين ديار الكلدانييين ‪ ،‬وكونوا كالتيوس أمام قطييع الغنيم ‪ ( ،‬الطلب مين جمييع‬
‫الغربييين مُغادرة العراق قبيل القصيف ) فهيا أنيا أُثيير وأجلب على بابيل ‪ ،‬حشود أُميم عظيمية ‪ ،‬مين أرض الشمال ‪،‬‬
‫فيتألّبون عليهيا ‪ ،‬ويسيتولون عليهيا مين الشمال ‪ ،‬وتكون سيهامهم كجبّار متمرّس ل يرجيع فارغيا ( مين الصييد ) ‪،‬‬
‫فتصيبح أرض الكلدانييين غنيمية ‪ ،‬وكيل مين يسيلبها يُتخيم ( عوائد النفيط ) ‪ ،‬يقول الرب ‪ .‬لنكيم تبتهجون وتطفرون‬
‫غبطية ييا ناهيبي شعيبي ‪ ،‬وتمرحون كعِجلةٍ فوق العشيب وتصيهلون كالخييل ‪ ،‬فإنّي أمّكيم قيد لحقهيا الخزي الشدييد ‪،‬‬
‫وانتابهيا الخجيل ‪ ،‬هيا هيي تُضحيي أقلّ الشعوب ‪ ،‬وأرضهيا تصيير قفرا جافيا وصيحراء ‪ ،‬وتظلّ بأسيرها مهجورة‬
‫وخربة ‪ ،‬كل من يم ّر ببابل ‪ ،‬يُصيبه الذعر ويصفر دهشة ‪ ،‬لما ابتليت به من نكبات " ‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫تحريض على تدمير بابل ‪:‬‬
‫" اصيطفّوا على بابيل مين كيل ناحيية ‪ ،‬ييا جمييع موتري القواس ‪ ،‬ارموا السيهام ول تبقوا سيهما واحدا ‪ ،‬لنهيا قيد‬
‫أخطأت فيي حقّي الرب ( لنهيا أنزلت بهيم العقاب اللهيي فيي المرة الولى ) ‪ ،‬أطلقوا هتاف الحرب عليهيا مين كيل‬
‫جانب ( طبل وزمر العلم الغربي قبل بدء الحرب ) ‪ ،‬فقد استسلمت ( لقرارات مجلس المن ) وانهارت أسسها‬
‫وتقوضت أسوارها ( البنية التحتية ) ‪ ،‬لن هذا هو انتقام الرب ( بل هو انتقامهم ) ‪ ،‬فاثأروا منها ( تحريض ) ‪،‬‬
‫وعاملوها بمثل ما عاملتكم ‪ ،‬استأصلوا الزّارع من بابل ‪ ،‬والحاصد بالمنجل في يوم الحصاد ‪ ،‬إذ يرجع كل واحد‬
‫إلى قومه ‪ ،‬ويهرب إلى أرضه فرارا من سيف العاتي " ‪.‬‬
‫دوافع النتقام ‪:‬‬
‫ل مين افترسيه ‪ ،‬ونبوخيذ نصير آخِر مين هشّم‬‫" إسيرائيل قطييع غنيم مشتّت ‪ ،‬طردتيه السيود ‪ ،‬كان ملك أشور أو ّ‬
‫عظاميه ( كان هذا واقيع حال الكهنية ‪ ،‬عنيد كتابية هذه الوثيقية ‪ ،‬موضحيين دوافيع هذا التحرييض ) ‪ ،‬لذلك هذا ميا‬
‫يُعلنه الرب القدير إله إسرائيل ‪ :‬ها أنا أُعاقب ملك بابل وأرضه ‪ ،‬كما عاقبت ملك أشور من قبل ‪ ،‬وأردّ إسرائيل‬
‫إلى مرتعييه ‪ ،‬فيرعييى فييي الكرمييل وباشان ‪ ،‬وتشبييع نفسييه فييي جبييل أفرايييم وجلعاد ‪ .‬وفييي ذلك الزمان والوان‬
‫( المسيتقبل ) ‪ ،‬يقول الرب ( وميا هيو بقوله ) ‪ :‬يُلتميس إثيم إسيرائيل فل يوجيد ‪ ،‬وخطيئة يهوذا فل تكون ‪ ،‬لنيي‬
‫أعفو عمن أبقيته منهما ( في المرة الثانية بعد السبي البابلي ) " ‪.‬‬
‫تحريض مستمر‪:‬‬
‫" ازحف على أرض ميراثايم ( الجبّار المتمرّد ‪ ،‬أي ملك بابل ) ‪ ،‬وعلى المقيمين في فقود ( أرض العقاب ‪ ،‬بابل‬
‫ت جلبة القتال فيي‬
‫خرّب ودمّري وراءهم ( أثناء فرارهيم ) ‪ ،‬يقول الرب ‪ ،‬وافعل حسب كل ميا آمرك به ‪ .‬قيد عَلَ ْ‬ ‫) َ‬
‫الرض ( على مرآى مين العالم فيي بيث حيّي ومُباشير ) ‪ ،‬صيوت تحطييم عظييم ( دوي القنابيل ) ‪ ،‬كييف تكسيرّت‬
‫ت فيه يا بابل ( تورطت في الحرب نتيجة مؤامرة‬ ‫وتحطّمت بابل ‪ ،‬مطرقة الرض كلها ؟ قد نصبتُ الشرك فوقع ِ‬
‫) ‪ ،‬من غير أن تشعري ‪ ،‬قد وُجدّت ( أُخذتِ ) وقُب ضَ عليك ‪ ،‬لنّك خاصمت الربّ ‪ ،‬قد فتح الرب ( أمريكا التي‬
‫يعبدون ) مخزن سلحه ‪ ،‬وأخرج آلت سخطه ( التعبير هنا أكثر دقة وبمصطلحات حديثة ) ‪ ،‬لنه ما برح للسيد‬
‫الرب القديير ‪ ،‬عميل يُنجزه فيي ديار الكلدانييين ( حربيين مدمّرتيين وحصيار وميا زال فيي جعبتهيم أكثير ‪ ،‬لحقيا ) ‪،‬‬
‫ازحفوا عليها من أقاصي الرض ‪ ،‬وافتحوا أهراءها ‪ ،‬وكوّموها أعراما واقضوا عليها قاطبة ‪ ،‬ول تتركوا منها‬
‫بقية ‪ ( ،‬نهب ثرواتهيا وخيراتهيا ) ‪ ،‬اذبحوا جميع ثيرانها ‪ ،‬أحضروها للذبح ‪ ،‬ويل لهيم لن يوم موعيد عقابهم قيد‬
‫حان " ‪.‬‬
‫استخدام وسائل العلم في الطبل والزمر ( تكرار ) ‪:‬‬
‫" اسيمعوا هيا جلبية الفارّيين الناجيين ‪ ،‬مين ديار بابيل ليذيعوا فيي صيهيون ‪ ،‬أنباء انتقام الرب إلهنيا والثأر لهيكله ‪،‬‬
‫اسيتدعوا إلى بابيل رماة السيهام ‪ ،‬جمييع موتري القسيي (مُذخّري السيلح ) ‪ ،‬عسيكروا حولهيا فل يُفلت منهيا أحيد‬
‫( الحصار ) ‪ ،‬جازوها بمُقتضى أعمالها ‪ ،‬واصنعوا بها كما صنعت بكم ‪ ،‬لنها بغت على الرب قدّوس إسرائيل ‪،‬‬
‫لذلك يُصييرع شبّانهييا فييي سيياحاتها ‪ ،‬ويبيييد فييي ذلك اليوم جميييع جنودهييا ‪ ،‬يقول الرب ‪ .‬هييا أنييا أُقاومك ِي أيتهييا‬
‫المتغطرسية ‪ ،‬يقول الرب القديير ‪ ،‬لن يوم إدانتيك ‪ ،‬وتنفييذ العقاب فييك قيد حان ‪ ،‬فيتعثّر المُتغطرس ويكبيو ‪ ،‬ول‬
‫يجد من يُنهضه ‪ ،‬وأُضرم نارا في مُدنه فتلتهم ما حوله " ‪.‬‬
‫دوافع النتقام ( تكرار ) ‪:‬‬
‫" وهذا ما يعلنه الرب القدير ‪ :‬قد وقع الظلم على شعب إسرائيل ( عقابهم من قبل بابل كان ظلماً لهم ) ‪ ،‬وعلى‬
‫شعيب يهوذا ‪ ،‬وجمييع الذيين سيبوهم وتشبّثوا بهيم ولم يطلقوهيم ‪ ،‬غيير أن فاديهيم قوي ‪ ،‬الرب القديير اسيمه ‪ ،‬وهيو‬
‫حتما يُدافع عن قضيتهم ‪ ،‬لكي يُشيع راحة في الرض ‪ ،‬ويُقلق أهل بابل ‪ .‬ها سيف على الكلدانيين ‪ ،‬يقول الرب‬
‫وعلى أهل بابل ‪ ،‬وعلى أشرافها وعلى حكامها " ‪.‬‬

‫‪188‬‬
‫طبيعة العقاب الذي يأمل اليهود أن يوقعوه في بابل وأهلها ‪:‬‬
‫" ها سيف على عرّافيها فيصبحون حمقى ‪ ،‬وها سيف على مُحاربيها فيمتلئون رعبا ‪ .‬ها سيف على خيلها وعلى‬
‫حرّ على مياههييا‬
‫مركباتهييا ‪ ،‬وعلى فِرق مُرتزقتهييا فيصيييرون كالنسيياء ‪ ،‬هييا سيييف على كنوزهييا فتُنهييب ‪ ،‬هييا ال َ‬
‫فيُصيبها الجفاف ( ربما بسبب ضربة نووية قادمة ) لنها أرض أصنام ‪ ،‬وقد أُولع أهلها بالوثان ‪ .‬لذلك يسكنها‬
‫وحيش القفير ميع بنات آوى ‪ ،‬وتأوي إليهيا رعال النعام ‪ ،‬وتظلّ مهجورة إلى البيد ‪ .‬غيير آهلة بالسيكان إلى مدى‬
‫الدهير ‪ .‬وكميا قلب ال سيدوم وعمورة وميا جاورهميا ‪ ،‬هكذا لن يسيكن فيهيا أحيد ‪ ،‬أو يقييم فيهيا إنسيان ( وهذا ميا‬
‫يصبون إليه ‪ ،‬ولن يهدأ لهم بال حتى يحققوه ) " ‪.‬‬
‫الدعوة لتدمير بابل وإسقاط نظام الحكم فيها ‪:‬‬
‫" هيا شعيب مُقبيل مين الشمال ‪ ،‬أمّة عظيمةٌ ولفيفٌي مين الملوك ‪ ،‬قيد هبّوا مين أقاصيي الرض ‪ ،‬يمسيكون بالقسييّ‬
‫ويتقلّدون بالرماح ‪ ،‬قُساة ل يعرفون الرحمة ‪ ،‬جلبتهم كهدير البحر ‪ ،‬يمتطون الخيل وقد اصطفوا كرجل واحد ‪،‬‬
‫لمحاربتك يا بنت بابل ( بابل الجديدة هي بنت بابل القديمة ‪ ،‬أي العراق ) ‪ ،‬قد بلغ خبرهم ملك بابل ‪ ،‬فاسترخت‬
‫يده وانتابتيه الضيقية ‪ ،‬ووجيع امرأة فيي مخاضهيا ‪ .‬انظير ‪ ،‬هيا هيو ينقضّي عليهيا ‪ ،‬كميا ينقضّي أسيد مين أجمات نهير‬
‫الردن ‪ ،‬هكذا وفي لحظة أطردهم منها ‪ ،‬وأُولي عليها من أختاره ( قلب نظام الحكم ‪ ،‬وإسقاط الرئيس ‪ ،‬وتولية‬
‫مين يرضون عنيه ) ‪ .‬لنيه مين هيو نظيري ؟ ومين يُحاكمنيي ؟ وأي راع يقوى على مواجهتيي ؟ " ( مين منطلق‬
‫العنجهية والقوة العمياء ) ‪.‬‬
‫قصف بابل بالقنابل التوراتية ‪:‬‬
‫" لذلك اسمعوا ما خطّطه الربّي ضدّ بابل ( بيل ما خطّطيه ودبّره عميان القلب والبصيرة ‪ ،‬مين كهنتهيم وأحبارهيم‬
‫الحاقدييين ) ‪ ،‬ومييا دبّره ضييد ديار الكلدانيييين ‪ ،‬هييا صييغارهم يُجرّون جرّا ‪ ،‬ويُخرّب مسيياكنهم عليهييم ‪ .‬ميين دوي‬
‫أصداء سُقوط ( القنابل التوراتية على ) بابل ترجف الرض ‪ ،‬ويتردّد صراخها بين المم " ‪.‬‬
‫" وهذا ميا يُعلنيه الرب ( أربابهيم ) ‪ :‬هيا أنيا أُثيير على بابيل ‪ ،‬وعلى المُقيميين فيي ديار الكلدانييين ريحيا مُهلكية ‪،‬‬
‫وأبعيث إلى بابيل مُذرّيين يُذرّونهيا ‪ ،‬ويجعلون أرضهيا قفرا ‪ ،‬ويُهاجمونهيا مين كيل جانيب فيي يوم بليّتهيا ‪ .‬ليوتير‬
‫شبّانهيا ‪ ،‬بيل‬
‫( يُذخّر ) الراميي قوسيه وليتدجّج بسيلحه ( لتلقيي طائراتهيم كيل حمولتهيا فوق بابيل ) ‪ ،‬ل تعفوا عين ُ‬
‫أبيدوا كييل جيشهييا إبادة كاملة ‪ ،‬يتسيياقط القتلى فييي أرض الكلدانيييين ‪ ،‬والجرحييى فييي شوارعهييا ( ميين المدنيييين‬
‫طبعيا ) ‪ ،‬لن إسيرائيل ويهوذا لم يُهملهميا الربّي القديير ‪ ،‬وإن تكين أرضهميا تفيضُي بالثيم ض ّد قدّوس إسيرائيل‬
‫( ربهم معهم دائما حتى لو وصل إفسادهم عنان السماء ) " ‪.‬‬
‫دعوة لخروج الغرباء من بابل ( تكرار ) ‪:‬‬
‫" اهربوا من وسيط بابيل ‪ ،‬ولينجُي كيل واحيد بحياتيه ‪ ،‬ل تيبيدوا مين جراء إثمهيا ( دعوة للجاليات الغربيية لمغادرة‬
‫العراق ) ‪ ،‬لن هذا هو وقت انتقام الرب ( الوقت الذي حدده جورج بوش ) ‪ ،‬وموعد مُجازاتها ( تصفية الحساب‬
‫القدييم قبيل ‪ 2500‬عام تقريبيا ) ‪ ،‬كانيت بابيل كأس ذهيب فيي ييد ال ( الثروة والقوة ) ‪ ،‬فسيكرت الرض قاطبية ‪،‬‬
‫تجرّعيت الميم مين خمرهيا ‪ ،‬لذلك جُنّت الشعوب ‪ .‬فجأة سيقطت بابيل وتحطّميت ‪ ،‬فولولوا عليهيا ‪ ،‬خذوا بلسيما‬
‫لجرحهيا لعلهيا تيبرأ ‪ .‬قُمنيا بمداواة بابيل ( حرب الخلييج الولى ‪ ،‬وضرب المفاعيل النووي ) ‪ ،‬ولكين لم ينجيع فيهيا‬
‫ض كيل واحيد منيا إلى‬
‫علج ( إذ قامت بالتهدييد بحرق نصفها حال اعتدائهيا على أي بلد عربي ) ‪ .‬اهجروها وليم ِ‬
‫أرضييه ‪ ،‬لن قضاءهييا قييد بلغ عنان السييماء ‪ ،‬وتصيياعد حتييى ارتفييع إلى الغيوم ( تهديدهييا لدولة الفاعييي مرارا‬
‫وتكرارا ) " ‪.‬‬
‫تحريض اليرانيين على تدمير بابل ‪:‬‬
‫" قيد أظهير الرب برّنيا ‪ ،‬فتعالوا لنُذييع فيي صيهيون ‪ ،‬ميا صينعه الرب إلهنيا ‪ .‬سينّوا السيهام وتقلّدوا التروس ‪ ،‬لن‬
‫الرب قييد أثار روح ملوك الماديييين ( اليرانيييين ) ‪ ،‬إذ وطّد العزم على إهلك بابييل ‪ ،‬لن هذا هييو انتقام الرب ‪،‬‬
‫والثأر لهيكله ‪ .‬انصبوا رايية على أسوار بابل ‪ ،‬شدّدوا الحراسة ‪ ،‬أقيموا الرصياد ( الجواسيس والعملء ) أعدوا‬
‫‪189‬‬
‫الكمائن ‪ ،‬لن الرب قيد خطّط وأنجيز ميا قضيى بيه على أهيل بابيل ‪ ،‬أيتهيا السياكنة إلى جوار المياه الغزيرة ‪ ،‬ذات‬
‫الكنوز الوفيرة ‪ ،‬إن نهايتيك قيد أزفيت ‪ ،‬وحان موعيد اقتلعيك ‪ ،‬قيد أقسيم الرب القديير بذاتيه ‪ ،‬قائل ‪ :‬لملنّك أُناسيا‬
‫كالغوغاء فتعلوا جلبتهم عليك " ‪.‬‬
‫بقدرة الرب القدير سيتم تدمير بابل ‪:‬‬
‫" هيو الذي صينع الرض بقدرتيه ‪ ،‬وأسيّس الدنييا بحكمتيه ‪ ،‬وم ّد السيماوات بفطنتيه ‪ ،‬ميا إن ينطيق بصيوته ‪ ،‬حتيى‬
‫تتجميع غمار المياه فيي السيماوات ‪ ،‬وتصيعد السيحب مين أقاصيي الرض ‪ ،‬ويجعيل للمطير بروقيا ‪ ،‬ويُطلق الرييح‬
‫ئ خامل وعديم المعرفة ‪ ،‬وكل صائغ خزيَ من تمثاله ‪ ،‬لن صنمه المسبوك كاذب ول حياة‬ ‫من خزائنه ‪ ،‬كل امر ٍ‬
‫فييه ‪ ،‬جمييع الصينام باطلة وصينعة ضلل ‪ ،‬وفيي زمين عقابهيا تبييد ‪ .‬أميا نصييب يعقوب فلييس مثيل هذه الوثان ‪،‬‬
‫بل جابل كل الشياء ‪ .‬وشعب إسرائيل ميراثه ‪ ،‬واسمه الرب القدير ‪ ،‬أنت فأس معركتي وآلة حربي ‪ ،‬بك أُمزّق‬
‫المييم إربييا وأُحطّم ممالك ‪ ،‬بييك أجعييل الفرس وفارسييها أشلء ‪ ،‬وأهشّم المركبيية وراكبهييا ‪ ،‬بييك أُحطّم الرجييل‬
‫والمرأة ‪ ،‬والشيخ والفتى والشاب والعذراء ‪ ،‬بك أسحق الراعي وقطيعه ‪ ،‬والحارث وفدّانه والحكّام والولة " ‪.‬‬
‫خطيئة بابل في حق صهيون ‪:‬‬
‫" سأُجازي بابل وسائر الكلدانيين على شرّهم ‪ ،‬الذي ارتكبوه في حق صهيون ‪ ،‬على مرأى منكم ‪ ،‬يقول الرب ‪.‬‬
‫هييا أنييا أنقلب عليييك أيهييا الجبييل المخرّب ‪ ،‬أنييت تُفسييد كييل الرض ‪ ،‬لذلك أمدّ يدي عليييك ‪ ،‬وأدحرجييك ميين بييين‬
‫الصيخور ‪ ،‬وأجعلك جبل محترقيا ‪ ،‬فل يُقطيع منيك حجير لزاويية ‪ ،‬ول حجير يُوضيع لسياس ‪ ،‬بيل تكون خرابيا‬
‫أبديا ‪ ،‬يقول الرب " ‪.‬‬
‫تحريض المم والممالك على تدمير بابل ( تكرار ) ‪:‬‬
‫" انصبوا رايةً في الرض ‪ ،‬انفخوا في البوق بين المم ( وسائل العلم الغربية ) ‪ ،‬أثيروا عليها الم مَ لقتالها ‪،‬‬
‫وألّبوا عليهييا ممالك َي أراراط ومنّي وأشكناز ( تركيييا ومييا حولهييا ) ‪ ،‬أقيموا عليهييا قائداً ‪ ،‬اجعلوا الخيييل تزحييف‬
‫ل الجنادبِي الشرسية ‪ .‬أثيروا عليهيا الممَي وملوكَي المادييين ( اليرانييين ) ‪ ،‬وكيل حكّامهيم وولتهيم‬ ‫عليهيا ‪ ،‬كجحاف ِ‬
‫وسيائر الديار التيي يحكمونهيا ( إمبراطوريية فارس القديمية ) ‪ .‬الرضُي ترتجيف وتقشعرّ ‪ ،‬لن قضاء الرب على‬
‫بابل يتمّ ‪ ،‬ليجعل أرض بابل خرابا وقفرا " ‪.‬‬
‫أهل بابل بيدر ‪ ،‬أزف موعد حصاده في ‪:‬‬
‫" قيد أحجيم مُحاربيو بابيل الجبابرة عين القتال ‪ ،‬واعتصيموا فيي معاقلهيم ‪ ،‬خارت شجاعتهيم وصياروا كالنسياء ‪،‬‬
‫احترقيت مسياكن بابيل وتحطّميت مزاليجهيا ‪ ،‬يركيض عدّاء لملقاة عدّاء آخير ‪ ،‬ويُسيرع مُخيبر للقاء مُخيبر ‪ ،‬ليُبلغ‬
‫ملك بابيل أن مدينتيه ‪ ،‬قيد تيم السيتيلء عليهيا ‪ ،‬مين كيل جانيب ‪ ،‬قيد سيقطت المعابر ‪ ،‬وأُحرقيت أجمات القصيب‬
‫بالنار ‪ ،‬واعترى المحاربين الذعر ‪ ،‬لن هذا ما يُعلنه الرب القدير إله إسرائيل ‪ :‬أ نّ أهل بابل كالبيدر ‪ ،‬وقد حان‬
‫أوان درس حنطته ‪ ،‬وبعد قليل يأزف موعد حصادهم " ‪.‬‬
‫دوافع النتقام ( تكرار ) ‪:‬‬
‫" يقول المسبيون ‪ " :‬قد افترسنا نبوخذ نصر ملك بابل ‪ ،‬وسحقنا وجعلنا إنا ًء فارغا ‪ ،‬ابتلعنا كتنّين ‪ ،‬ومل جوفه‬
‫ل ببابل ما أصابنا ‪ ،‬وما أصاب لحومنا من ظلم " ‪،‬‬ ‫من أطايبنا ‪ ،‬ثم لفظنا من فمه " ‪ .‬يقول أهل أورشليم ‪ " :‬ليحُ ّ‬
‫وتقول أورشليم ‪ " :‬دمي على أهل أرض الكلدانيين " ( مطالبة بالثأر مستقبل من الجيال القادمة ) ‪.‬‬
‫الكيفية التي تم بها إشعال حرب الخليج الثانية ‪:‬‬
‫" لذلك هذا ما يُعلنه الرب ‪ :‬ها أنا أُدافع عن دعواك وانتقم لك ‪ ،‬فأجفف بحر بابل وينابيعها ‪ ،‬فتصير بابل ركاما ‪،‬‬
‫ومأوى لبنات آوى ‪ ،‬ومثار دهشية وصيفير وأرضيا موحشية ( سييتحصّل لهيم ذلك فيي حال ضرب العراق نووييا ‪،‬‬
‫وهو ما يُفكّرون به حاليا ) ‪ ،‬إنهم يزأرون كالسود ‪ ،‬ويُزمجرون كالشبال ‪ ( ،‬أي العراقيون ‪ ،‬وهذا ما يُغيظ تلك‬
‫الفئران ‪ ،‬التي ترتعد فرائسها ‪ ،‬وتصطك أسنانها هلعا وجزعا ‪ ،‬عند سماعها للتهديدات العراقية ) ‪ ،‬عند شبعهم ‪،‬‬
‫‪190‬‬
‫أُعدّ لهم مأدبة ( دولة الكويت ‪ ،‬وحكامها باستجابتهم لبالسة المكر والدهاء جعلوا منها مأدبة ) ‪ ،‬وأُسكرهم حتى‬
‫تأخذهيم نشوة ( الغراء والمدييح لحكام العراق ‪ ،‬باسيتجابتهم للفرييق الثانيي مين البالسية ) ‪ ،‬فيناموا نوميا أبدييا ل‬
‫يقظة منه ‪ ،‬يقول الرب ‪ .‬وأُحضرهم ( العراقيين ) كالحملن للذبح ‪ ،‬وكالكباش والتيوس " ‪.‬‬
‫يي وكل الفريقيين وبقيية الدول العربيية بعلم ومين غيير علم ‪ ،‬وقعوا فيي الفيخ الذي نُصيب لهيم وكلهيم ملوميين بل‬
‫استثناء ‪ ،‬ومن يضع اللوم على فريق دون الخر فقد جانبه الصواب ‪ ،‬فكل عربي كان له دور في المؤامرة ونفذّه‬
‫ل أخيذ نصييبه فيي تأجييج نار الفتنية ‪ .‬وفيي المحصيلة نُهبيت ثروات المية واسيتخدمت لشباع‬ ‫على أكميل وجيه ‪ ،‬وك ٌ‬
‫ل يتركوا العراق ‪ ،‬حتيى يعود‬‫بعضيا مين الرغبية اليهوديية فيي النتقام مين بابيل ولديهيم مزييد ‪ ،‬فتوراتهيم تأمرهيم بأ ّ‬
‫إلى العصير الحجري ‪ ،‬كميا صيرح الرئييس المريكيي آنذاك ‪ ،‬وأقصيى أمانيّهيم هيي اختفاء أي مظهير مين مظاهير‬
‫الحياة فيي العراق ‪ ،‬خوفيا مين تكرار كابوس السيبي البابلي ‪ ،‬الذي ميا زال يؤرق أجفانهيم ويقضّي مضاجعهيم ‪ ،‬ميا‬
‫دام هناك عراق قوي يُهدّد وجودهم وقادر على الوصول إليهم ‪.‬‬
‫المصير المرعب الذي كان اليهود يتمنونه لبابل بعد حرب الخليج وما زالوا ‪:‬‬
‫" كيف استُوليَ على بابل ! كيف سقطت فخر كل الرض ! كيف صارت بابل مثار دهشة بين المم ! قد طغى‬
‫البحير على بابيل ‪ ،‬فغمرهيا بأمواجيه الهائجية ‪ ،‬وأصيبحت مُدنهيا موحشية ‪ ،‬وأرض قفير وصيحراء ‪ ،‬أرض ل يأوي‬
‫إليهيا أحيد ‪ ،‬ول يجتاز بهيا إنسيان ‪ ،‬وأعاقبُي الصينم بييل فيي بابيل ‪ ،‬وأسيتخرج مين فميه ميا ابتلعيه ‪ ( ،‬نهيب ثروات‬
‫ف المم من التوافد إليه ‪ ،‬وينهدم أيضا سور بابل " ‪.‬‬ ‫العراق تعويضا عن كنوز الهيكل ) ‪ ،‬فتك ّ‬
‫يي ل بيد لهيم مين ضرب العراق بالنووي عاجل أم آجل ‪ ،‬حتيى يتمكنوا مين تحقييق هذا الحلم التوراتيي ‪ ،‬فالسيلحة‬
‫التقليديية لم تُجدي نفعيا ‪ ،‬والرعيب الم َرضِيّي اليهودي مين اسيم بابيل وأشور ‪ ،‬كميا هيو واضيح مين هذه النصيوص ‪،‬‬
‫لييس له علج إل محيو هذا البلد بأهله عين الوجود وإلى البيد ‪ ،‬وهذا ميا يُصيرّحون بيه فيي هذه النصيوص ‪ ،‬ومين‬
‫معرفتك بطبيعة العلج الذي يصفونه لنفسهم ‪ ،‬تستطيع التعرف على خطورة الحالة المرضيّة المستعصية ‪ ،‬التي‬
‫يُعانون منها وخطورة ما قد يُقدمون عليه مستقبل في حق العراق ‪.‬‬
‫دعوة أخرى لخروج الغرباء من بابل ( تكرار ) ‪:‬‬
‫" اخرجوا مين وسيطها ييا شعيبي ( لذلك لم يبدأ العدوان إل بعيد خروج رعاييا الدول المعتديية ‪ ،‬والنيية كانيت تدميير‬
‫العراق عن بكرة أبيه لو أُتيح لهم ذلك ) ‪ ،‬ولينجُ كل واحد بحياته ‪ ،‬هربا من احتدام غضب الرب ‪ ،‬ل تخرّ قلوبكم‬
‫ول تفزعوا ‪ ،‬مميا يشييع فيي الديار مين أنباء ‪ ،‬إذ تروج شائعية فيي هذه السينة ‪ ،‬وأُخرى فيي السينة التاليية ‪ ،‬ويسيود‬
‫العنف الرض ‪ ،‬ويقوم مُتسلّط على مُتسلّط ‪ .‬لذلك ها أيام مُقبلة ‪ ،‬أُعاقب فيها أصنام بابل ‪ ،‬ويلحق العار بأرضها‬
‫كلها ‪ ،‬ويتساقط قتلها في وسطها ‪ ،‬عندئذ تتغنى بسقوط بابل ‪ ،‬السماوات والرض وكل ما فيها ‪ ،‬لن المُدمّرين‬
‫يتقاطرون عليها من الشمال ‪ ،‬يقول الرب " ‪.‬‬
‫المستهدف هو شعب بابل ‪:‬‬
‫" كما صرعت بابل قتلى إسرائيل ‪ ،‬هكذا يُصرع قتلى بابل في كل الرض ( السن بالسن والعين بالعين ) ‪ ،‬يا‬
‫أيّها الناجون من السيف ‪ ،‬اهربوا ل تقفوا ‪ ،‬اذكروا الرب في مكانكم البعيد ‪ ،‬ول تبرح أورشليم من خواطركم ‪ .‬قد‬
‫لحقنيا الخزيَي لننيا اسيتمعنا للهانية ‪ ،‬فكسيا الخجيل وجوهنيا ( إسياءة الوجيه ) ‪ ،‬إذ انتهيك الغرباء ( أي البابليون )‬
‫مقادس هيكل الرب ( بعدما حوّله الكهنة إلى بورصة ‪ ،‬للتبادلت التجارية الربويّة ‪ ،‬حسبما ذكر أنبياؤهم ) " ‪.‬‬
‫ن جرحاها في كل ديارها ‪ ،‬وحتى لو‬ ‫" لذلك ها أيام مُقبلة ‪ ،‬يقول الرب ‪ ،‬أُنفّذ فيها قضائي على أصنام بابل ‪ ،‬ويئ ّ‬
‫ن المُدمّرين ينقضون عليها من عندي ‪،‬‬
‫ارتفعت بابل فبلغت عنان السماء ‪ ،‬وحتى لو حصّنت معاقلها الشامخة ‪ ،‬فإ ّ‬
‫يقول الرب " ‪.‬‬
‫المصير المرعب الذي كان اليهود يتمنونه لبابل بعد حرب الخليج وما زالوا ( تكرار ) ‪:‬‬
‫" هيا صيوت صيراخ يتردّد فيي بابيل ‪ ،‬صيوت جلبية دمار عظييم مين أرض الكلدانييين ‪ ،‬لن الرب قيد خرّب بابيل ‪،‬‬
‫وأخرس جلبتها العظيمة ‪ ،‬إذ طغت عليها جحافل أعدائها ‪ ،‬كمياه عجّاجة ‪ ،‬وعل ضجيج أصواتهم ‪ ،‬لن المُدمّر‬
‫‪191‬‬
‫قيد انقيض على بابيل ‪ ،‬وأسيرَ مُحاربيهيا ‪ ،‬وتكسيرت كيل قسييّها ( أسيلحتها ) ‪ ،‬لن الرب إله مُجازاة ‪ ،‬وهيو حتميا‬
‫يُحاسيبها ‪ ،‬إنيي أُسيكرُ رؤسياءها وحكماءهيا ومحاربيهيا ‪ ،‬فينامون نوميا أبدييا ل يقظية منيه ‪ ، … ،‬وهذا ميا يُعلنيه‬
‫الرب القدير ‪ :‬إن سور بابل العريض ‪ ،‬يُقوّض ويُسوّى بالرض ‪ ،‬وبوّاباتها العالية تحترق بالنار ‪ ،‬ويذهب تعب‬
‫الشعوب باطل ‪ ،‬ويكون مصير جهد المم للنار " ‪.‬‬
‫" وكان ارميا قد دوّن في كتاب واحد ‪ ،‬جميع الكوارث التي ستُبتلى بها بابل ‪ ،‬أي جميع النبوءات المدوّنة عن‬
‫بابل ‪ ( ،‬وأرسله ارميا إلى بابل وقال لحامله ) ‪ " :‬حالما تصل إلى بابل ‪ ،‬اعمل على تلوة جميع هذه النبوءات ‪،‬‬
‫وقيل ‪ :‬أيهيا الرب ‪ ،‬قيد قضييت على هذا الموضيع بالنقراض ‪ ،‬فل يسيكن فييه أحيد مين الناس والبهائم ‪ ،‬بيل يُصيبح‬
‫خرابيا أبدييا " ‪ ،‬ومتيى فرغيت مين تلوة هذا الكتاب ‪ ،‬اربيط بيه حجرا واطرحيه فيي وسيط الفرات ‪ ،‬وقيل ‪ " :‬كذلك‬
‫تغرق بابل ‪ ،‬ول تطفو بعد ‪ ،‬لما أُوقعه عليها من عقاب ‪ ،‬فيعيا كل أهلها " ‪.‬‬
‫يي هذه الوثيقية المرعبية التيي خطّهيا مؤلفيو التوراة ‪ ،‬على أنهيا عقوبية ال لبابيل ‪ ،‬ميا هيي إل العقوبية التيي تنتظير‬
‫إسيرائيل وأمريكا مستقبل ‪ ،‬ولكنهم أرادوها لبابل ‪ ،‬ونفذّوا فصولها في العراق ‪ ،‬فصل تلو الخر ‪ ،‬وهم يسيعون‬
‫الن من وراء الكواليس لتنفيذ بقية فصولها ‪.‬‬
‫صفة العقاب اللهي لمريكا ‪:‬‬
‫سيبب العقاب اللهيي هيو اسيتعلئها وإضللهيا لشعوب الرض ‪ ،‬وميا أوقعتيه مين ظلم بهيم ‪ ،‬ودمارهيا سييأتي مين‬
‫الشمال ‪ ،‬مين خلل تحالف عدة دول ‪ ،‬وبضربات نوويية كثيفية ومفاجئة ‪ .‬تتسيبب بدمار عظييم وحرائق وجفاف ‪،‬‬
‫ومين ثيم طوفان عظييم يجتاح أراضيهيا ‪ ،‬ليتركهيا قفرا أجرد ل يصيلح للسيكن أبيد الدهير ‪ .‬وجيوشهيا التيي كانيت قيد‬
‫خرجت منها سيتم ذبحها كالحملن والتيوس ‪.‬‬

‫نبوءة عن سقوط بابل من سفر الرؤيا ليوحنا‬


‫قلنيا فيي السيابق أن إنجييل يوحنيا ورؤياه ‪ ،‬ل بيد أن تكون أسيفار توراتيية ‪ ،‬وكان مين المفروض أن تكون مُلحقية‬
‫بالتوراة ‪ ،‬ولكنّها أُسقطت في وقت مُتأخر ‪ ،‬بعد أن ت ّم التلعب فيها من قبل اليهود ‪ ،‬فتلقفها النصارى وضمّوها‬
‫إلى النجييل ‪ ،‬أثناء جمعيه وتحريفيه ونسيخه ‪ ،‬ولييس أدل على ذلك ‪ -‬بالضافية لميا تقدّم وأشرنيا إلييه ‪ -‬مين تكرار‬
‫نصيوص الوثيقية السيابقة مين سيفر ارمييا فيي التوراة ‪ ،‬بنفيس الفكار والعبارات تقريبيا ‪ ،‬ولكين بدرجية أقيل مين‬
‫المبالغة والتهويل والتطويل ‪ ،‬في سفر الرؤيا الملحق بأناجيل النصارى ‪.‬‬
‫" ‪ : -1 :18‬بعيد هذا رأييت ملكيا آخير ‪ ،‬نازل مين السيماء ‪ ، … ،‬وصياح بأعلى صيوته ‪ " :‬سيقطت بابيل ‪ ،‬سيقطت‬
‫بابيل العظميى ‪ ،‬وصيارت وكرا للشياطيين ‪ ،‬ومأوى لكيل روح نجيس ‪ ، … ،‬ثيم سيمعت صيوتا آخير ‪ ،‬يُنادي مين‬
‫السيماء ‪ " :‬اخرجوا منهيا ييا شعيبي ‪ ،‬لئل تشتركوا فيي خطاياهيا ‪ ،‬فتصيابوا ببلياهيا ‪ ،‬فقيد تراكميت خطاياهيا حتيى‬
‫بلغت عنان السماء ‪ ،‬وتذكّر ال ما ارتكبته من آثام ‪ .‬افعلوا بها كما فعلت بكم ‪ ،‬وضاعفوا لها جزاء ما اقترفت ‪،‬‬
‫… ‪ .‬سيتنقضّ عليهيا البلييا فيي يوم واحيد ‪ ،‬مين موت وحزن وجوع ‪ ،‬وسيتحترق بالنار فإن ال الذي يُدينهيا ‪ ،‬هيو‬
‫ربّ قدير " ‪.‬‬
‫" ‪ :9-10 :18‬وسيييبكي عليهييا ملوك الرض ‪ ،‬الذييين زنوا وترفّهوا معهييا ‪ ،‬وسييينوحون وهييم ينظرون إلى دخان‬
‫حريقها ‪ ،‬فيقفون على بُعد منها ‪ ،‬خوفا من عذابها ‪ ،‬وهم يصرخون ‪ :‬الويل ‪ ،‬الويل ‪ ،‬أيتها المدينة العظمى ‪ ،‬بابل‬
‫القوية ! في ساعة واحدة حل بك العقاب ! " ‪.‬‬
‫" ‪ :12-17 :18‬وسيييبكي تُجار الرض ويحزنون عليهييا ‪ ، … ،‬هؤلء التجار الذييين اغتنوا ميين التجارة معهييا ‪،‬‬
‫يقفون على بعد منها ‪ ،‬خوفا من عذابها ‪ ،‬يبكون عليها وينتحبون ‪ ،‬قائلين ‪ :‬الويل ‪ ،‬الويل ‪ ،‬على المدينة العظمى ‪،‬‬
‫… ‪ ،‬وقد زال هذا كله في ساعة واحدة ! " ‪.‬‬
‫" ‪ :18-19 :18‬ويقيف قادة السيفن وركّابهيا وملّحوهيا على بعيد منهيا ‪ ،‬ينظرون إلى دُخان حريقهيا ‪ ،‬أية مدينية مثيل‬
‫هذه المدينية العظميى ؟! ويذرون التراب على رؤوسيهم ‪ ،‬وهيم يصيرخون باكيين منتحيبين ‪ :‬الوييل ‪ ،‬الوييل ‪ ،‬على‬
‫المدينة العظمى ‪ ،‬التي اغتنى أصحاب سفن البحر جميعا بفضل ثروتها ! ها هي في ساعة واحدة قد زالت ! " ‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫" ‪ :20 :18‬اشمتي بها أيتها السماء ! واشمتوا بها أيها القدّيسون والرسل والنبياء ‪ ،‬فقد أصدر ال حُكمه عليها بعد‬
‫أن أصدرت أحكامها عليكم " ‪.‬‬
‫" ‪ :21-24 :18‬وتناول ملك قوي ‪ ،‬حجرا كأنّه حجيير طاحونيية عظيييم ‪ ،‬وألقاه فييي البحيير ‪ ،‬قائل ‪ " :‬هكذا تُدفييع‬
‫وتُطرح بابل الدينة العُظمى ‪ ،‬فتختفي إلى البد ! لن يُسمع فيك عزف موسيقى بعد ‪ ، … ،‬ولن تقوم فيك صناعة‬
‫بعيد الن ‪ ،‬ولن يُسييمع فييك صيوت رحيى ‪ ،‬ولن يُضييء فييك نور مصيباح … فقيد كان ُتجّارك سيادة الرض ‪،‬‬
‫وبسحرك ضلّلت جميع أمم الرض ‪ .‬وفيها وُجدت دماء أنبياء وقدّيسين وجميع الذين قُتلوا على الرض " ‪.‬‬
‫ب إلهنا !‬
‫" ‪ :1-2 :19‬وبعد هذا سمعت صوتا عاليا ‪ … ،‬يقول ‪ " :‬هلّلويا ! الخلص والمجد والكرامة والقدرة للر ّ‬
‫فإن أحكامه حق وعدل ‪ ،‬لنّه عاقب الزانية الكبرى ‪ ،‬التي أفسدت الرض ‪ ،‬وانتقم لدم عبيده منها " ‪.‬‬
‫ي الحقيقة أن هذه النبوءة تتحدث عن دولة عظمى في العصر الحديث ‪ ،‬تُضاهي عظمة بابل القديمة وقوتها ‪ ،‬وهذه‬
‫النصيوص فيي الواقيع تصيف حال أمريكيا بقوتهيا القتصيادية والعسيكرية ‪ ،‬وميا أحدثتيه فيي هذا العصير مين فسياد‬
‫وإفسياد ‪ ،‬وسيفك للدماء فيي مشارق الرض ومغاربهيا ‪ ،‬فهيي تحكيم الكرة الرضيية بأسيرها مين خلل ‪ ،‬ونصيّبت‬
‫نفسها كإله يُعبد ويُقدّس ‪ ،‬فهي تحدّد في تقارير وزارة خارجيّتها من أصلح ومن أفسد ‪ ،‬ومن حافظ على الحقوق‬
‫ومين هضمهيا ومين أرهيب ومين لم يرهيب ‪ .‬وعلى قائمية مقاطعاتهيا القتصيادية حوالي ‪ 46‬دولة ‪ ،‬فهيي المُنعِم‬
‫ل يخطييب و ّد ورضييا هذه اللهيية الجديدة ‪ ،‬وهييي تسييعى الن لعولميية‬ ‫والمُكرِم والمُتفضّيل على خلق ال ‪ ،‬والك ّ‬
‫اقتصادها وثقافتها ‪ ،‬وفرضها على شعوب تارة بالترهيب وتارة بالترغيب ‪ ،‬وأما كلمة بابل في هذه النص إما أن‬
‫تكون أُضيفت عن قصد من قبل الكهنة ‪ ،‬بسبب الحقد والكراهية والرغبة في النتقام من بابل ‪ ،‬وإما أن تكون قد‬
‫اسيتخدمت لترميز إلى الدولة العُظميى فيي هذا العصير ‪ .‬ولو حذفيت كلمية بابيل ووضعيت كلمية أمريكيا ‪ ،‬لوجدت أن‬
‫النص سيُصبح أكثر صدقا وتطابقا مع الواقع ‪.‬‬
‫ولكن أغلب المفسّرين الجدد من النصارى بوجه خاص ‪ ،‬كما تشير الكاتبة المريكية في الفصل السابق ‪ ،‬يأخذون‬
‫بالتفسيير اللفظيي للمسيميات ‪ ،‬التيي جاءت فيي النصيوص التوراتيية والنجيليية ‪ ،‬ويقدّمون شروحاتهيم وتفسييراتهم‬
‫لنصارى الغرب من ساسة وعامة ‪ ،‬على نحو مغاير لما تُخبر عنه النصوص حقيقة ‪ ،‬فبابل القديمة أينما جاءت‬
‫فيي النصيوص ‪ ،‬تعنيي بالنسيبة لهيم بابيل الجديدة أي العراق ‪ ،‬بالرغيم مين أن النصيوص تصيف دولة عظميى ‪ ،‬هيي‬
‫أقرب إلى أمريكا منها إلى العراق ‪ ،‬وتوحي بأن لفظ بابل استخدام كاستعارة لفظية ‪.‬‬
‫أميا اليهود فهيم يعلمون حقيقية ميا تُخيبر عنيه النصيوص ‪ ،‬وبأن الدمار القادم والذي تُخيبر عنيه النصيوص ‪ ،‬سييكون‬
‫لسييرائيل وأمريكييا وحلفائهمييا ‪ ،‬ولكنهييم يسييتغلون الفهييم الخاطييئ والمضطرب للنصييارى ‪ ،‬لخدميية أغراضهييم‬
‫ومخططاتهيم الشيطانيية ‪ ،‬ولحمايية دولتهيم مين الخطار المحدّقية بهيا ‪ .‬فهيم متّفقون على أن هذه النبوءات تتحدث‬
‫عين تدميير العراق ‪ ،‬وبميا أنهيا جاءت تحريضيية بصييغة المير ‪ ،‬فقيد اتّحدوا لتنفييذ ميا قضيى بيه الرب على بابيل ‪،‬‬
‫ولن تسيتكين لهيم حال أو تليين لهيم عزيمية ‪ ،‬حتيى يتحقيق ميا جاء فيي هذه النصيوص ‪ ،‬بجعيل العراق أرضيا قفرا‬
‫صيحراء قاحلة خاويية على عروشهيا ‪ ،‬لذلك هيم ل يكترثون بالشرعيية الدوليية ول بالقانون الدولي ‪ ،‬إذ ل يمتثيل‬
‫لهميا إل الضعفاء والغيبياء ‪ ،‬فالقوانيين اللهيية بشأن العراق هيي ميا ينصياعون إلييه ويلتزمون بتطيبيقه ‪ ،‬فالحرب‬
‫على العراق حرب مُقدّسة لنهم موقنون تماما ‪:‬‬
‫بأنّ بقاء العراق يعني حتمية زوال إسرائيل … وأنّ بقاء إسرائيل يعني حتمية زوال العراق‬
‫وميييا داموا يمتلكون مقدّرات الكاوبوي المريكيييي البريطانيييي ‪ ،‬المُشترى بالرشوة والشهوة والرعيييب والمأخوذ‬
‫بجنون القوة ‪ ،‬فلن يُثنيهم عن عزمهم إل أن يُبادوا قبل أن يُبيدوا الحرث والنسل ‪ .‬وبالتالي فإن بقاء العراق يتحتّم‬
‫عليه محو إسرائيل من قلب الوطن العربي ‪ ،‬وسحق تلك الفئران المتلفّعة بريش النسر المريكي القرع ‪.‬‬
‫وإن لم تكن الحرب العراقية اليرانية من صنع أيديهم ‪ ،‬فهم ساهموا فيها بشكل أو بآخر ‪ ،‬فإيران تأتي في الدرجة‬
‫الثانيية فيي العداء التوراتيي لسيرائيل ‪ ،‬وكلنيا سيمع بفضيحية ( إيران غييت ) فيي الثمانينيات ‪ ،‬التيي كان بطلهيا‬
‫الرئييس المريكيي ( ريغان ) حييث كانوا يُؤيدون العراق علنيا ‪ ،‬ويُزوّدون إيران ‪ -‬التيي كانيت تنظير إلى أمريكيا‬
‫على أنها الشيطان الكبر ‪ -‬بالسلحة سرا ‪ ،‬لطالة أمد هذه الحرب ولبقاء العراق وإيران منشغلين فيها ‪.‬‬

‫‪193‬‬
‫والسيبب الهيم لشعالهيا ‪ ،‬هيو الرعيب الذي دب فيي قلوبهيم مين المارد العراقيي ‪ ،‬الذي أعاد إلى أذهانهيم النبوءات‬
‫التوراتية ‪ ،‬وأيقظ في مخيلتهم شبح نبوخذ نصر وكابوس السبي البابلي ‪ ،‬ليقض مضاجعهم فلم ترقأ لهم عين ولم‬
‫يغميض لهيم جفين ‪ ،‬ذلك المارد الذي بدأ يسيتيقظ مين غفوتيه بامتلكيه المفاعيل النووي ‪ ،‬وسييكون بعيد سينوات قليلة‬
‫قاب قوسيين أو أدنيى مين إنتاج القنابيل النوويية ‪ .‬وميا أن انشغيل العراق فيي الحرب وأصيبح ظهره مكشوفيا ‪ ،‬حتيى‬
‫انسلت خفافيشهم تحت جنح الظلم ‪ ،‬لتصبّ حممها التوراتية الحاقدة على ذلك المفاعل ‪ ،‬في سنين صباه الولى‬
‫لتُبيده عن بكرة أبيه ‪.‬‬
‫وبعيد أن خرج العراق مين تلك الحرب محتفظيا بقوتيه وجيبروته ‪ ،‬وميع أول تصيريح وتهدييد له " بحرق نصبف‬
‫إسبرائيل ‪ ،‬حال اعتدائهبا على أي قطبر عرببي " على لسيان الرئييس العراقيي ‪ ،‬جهارا نهارا فيي مؤتمير قمية بغداد‬
‫عام ‪1989‬م ‪ ،‬أقامت وسائل العلم المرئية والمسموعة والمقروءة ‪ -‬التي تمتلك معظمها تلك الفاعي ‪ -‬الدنيا ولم‬
‫تقعدها ‪ ،‬حتى استطاعت زجّه وتوريطه في الدخول إلى الكويت ‪ ،‬بالتآمر والتواطؤ وبمكرهم ودهائهم المعهودين‬
‫‪ ،‬ومين ثيم حرضّت علييه مين بأقطارهيا ‪ ،‬بحجية رفيع الظلم عين دولة الكوييت ‪ ،‬وتأميين منابيع النفيط التيي سييسطر‬
‫عليها العراقيون ‪ .‬وكما خطّوا بأقلمهم سيناريو الحرب العالمية الثانية ‪ ،‬أعادوا نفس السيناريو في حرب الخليج‬
‫من ألفه إلى يائه ‪.‬‬
‫فها قد تحرّرت الكويت وتأمّنت منابع النفط ‪ ،‬فلماذا هذا الحصار الظالم على أطفال العراق ؟! يدّعون أن العراق‬
‫يهدد جيرانيه فانظير مين يدّعيي ! وانظير إلى جيرانيه ! وميا علقية المدّعيي بالجيران ؟! المدّعون هيم ( مادليين‬
‫أُلبراييت وزيرة الخارجيية المريكيية ‪ ،‬ووليام كوهيين وزيير الدفاع المريكيي ‪ ،‬وسياندي بيرغير مسيؤول المين‬
‫القومي المريكي ‪ ،‬وهلم جرا … ) وكلهم يهود ‪ .‬فما عليك إل استبدال كلمة المريكي في مناصبهم ومسؤولياتهم‬
‫بكلمة السرائيلي ‪ ،‬لتعرف من هم الجيران الذين سيهددهم وجود عراق قوي ‪.‬‬
‫أما الحصار فقد وُجد ليبقى ‪ ،‬وغايته منع المارد العراقي من الصحوة ‪ .‬واستم ّر الحصار ليبقى المارد محصورا‬
‫فيي القمقيم ‪ ،‬وعندميا تمّي لهيم ذلك عمدوا إلى تقلييم مخالبيه واقتلع أنيابيه ‪ ،‬فمنظرهيا يُرعيب تلك الفئران المسيكينة ‪،‬‬
‫ويجعيل فرائصيها ترتعيد هلعيا وجزعيا ‪ .‬واسيتم ّر الحصيار لمنيع أطفال العراق مين الوصيول إلى مرحلة الرجولة ‪،‬‬
‫كييي ل يكونوا مسييتقبل أفراد جيييش ‪ ،‬يُسييطّر على أجسيياد تلك الفئران أسيياطير البطولة ‪ ،‬فهييم وحسييب رؤاهييم‬
‫التوراتييية ‪ ،‬يعرفون ويعلمون أن دولتهييم سييتزول ‪ ،‬وسيييكون فيهييم القتييل والنهييب والنفييي ‪ ،‬وأن المرشييح الول‬
‫والوحيد للقضاء عليهم هو غريمهم الزلي ‪ ،‬وأن دولتهم سيعيش فيها جيل واحد ل أكثر ‪ .‬لذلك بما أنهم موقنون‬
‫تماميا بأن زوال دولتهيم أمير حتميي ‪ ،‬كان ل بيد لهيم مين أن يعملوا بكيل طاقاتهيم ‪ ،‬مين أجيل حمايية هذا المسيخ‬
‫الخداج ‪ ،‬الذي حملت به عروس المدائن غصبا واغتصابا ‪ ،‬من مرتزقة الغرب المأجورين في غفلة من الزمان ‪.‬‬
‫لذلك … فالحصار لن يُرفع … ما دامت تلك الفئران … في القدس ترتع‬

‫الفعوان العراقي في سفر إشعياء‬


‫خطورة هذا الفعوان المرعب ‪ ،‬تتمثل في ما يحمله في أحشائه من سموم مُميتة ‪ ،‬كان أسلفهم قد تجرّعوها من‬
‫قبيل ‪ ،‬ووصيفوا تأثيرهيا المؤلم على امتداد التوراة الشاسيع ‪ ،‬فشغلت حيّزا كيبيرا مين فكرهيم ووجدانهيم ‪ ،‬فمجرّد‬
‫ل بأسيلفهم ‪ ،‬مين جرّاء تلك الفعيى التيي أنجبيت هذا الفعوان ‪،‬‬
‫التفكيير بتكرار ذلك المصيير المرعيب ‪ ،‬الذي ح ّ‬
‫يُصيبهم بحالة من الذعر والهلع ‪ ،‬لذلك كان وسيكون لهم ‪ ،‬محاولت عديدة للتخلّص من خطر هذا الفعوان على‬
‫وجودهم ‪:‬‬
‫•المُحاولة الولى ‪ :‬هي الحرب اليرانية العراقية ‪ ،‬لصابته بالشلل وقد أُصيب ‪ ،‬فتسنّى لهم ضرب مفاعله‬
‫النووي ‪ ،‬واجتياح بيروت ‪ ،‬وترحيل منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان ‪.‬‬
‫•المُحاولة الثانييية ‪ :‬هييي الحرب المريكييية العراقييية ‪ ،‬لتغيييير رأس هذا الفعوان ‪ ،‬وزرع رأس جديييد له ‪،‬‬
‫وتقطيع أوصاله وتفريق شملها ‪ ،‬وتوزيع دمه على جميع القبائل التي اجتمعت عليه ‪ ،‬ولم يُكتب لها النجاح‬
‫‪.‬‬

‫‪194‬‬
‫•المُحاولة الثالثية ‪ :‬هيي الحصيار المميي ولجان التفتييش ‪ ،‬لنزع النياب التيي تنفيث السيمّ ‪ ،‬بتدميير أسيلحة‬
‫الدمار الشاميل ‪ ،‬وحرمانيه مين امتلك أسيلحة جديدة ‪ ،‬فاقتلعوا النياب واسيتخرجوا السيمّ ‪ ،‬ولكين النياب‬
‫نبتت من جديد ‪ ،‬والسم يتجدّد ول ينقطع ‪.‬‬
‫•المُحاولة الرابعة ‪ :‬هي الحرب المريكية الشاملة ‪ ،‬مع احتمالية توجيه ضربات نووية محدودة إن أمكن ‪،‬‬
‫لقطييع الرأس والوصييال معييا ‪ ،‬حيييث لم يعُد هناك أهمييية لتوزيييع دمييه على القبائل ‪ .‬وسييتصبح احتمالييية‬
‫الضربات النووية قائمة وحتمية فور امتلك أمريكا ‪ ،‬للدرع المُضاد للصواريخ المُحمّلة بالرؤوس النووية‬
‫‪ ،‬وهذه الحرب قائمة بل أدنى شك ‪ ،‬إن لم يقع ما لم يكن في حُسبان أمريكا وإسرائيل ‪ ،‬فهم يُخطّطون لها‬
‫ويسييتعجلونها ‪ ،‬ويطلبون ميين الرئيييس المريكييي ‪ ،‬تهيئة الشعييب المريكييي لتقبّلهييا ‪ ،‬وسيييعملون جهدهييم‬
‫لشعالها في أقرب فرصة ممكنة ‪ ،‬ظنا من الذين ل يعقلون ول يفقهون ‪ ،‬بأنهم قادرين على منع رب العزة‬
‫من إنجاز وعده فيهم ‪ ،‬بإبادة العراقيين وتقسيم العراق وإسقاط قيادته ‪.‬‬
‫ونختم هذا الفصل بنص من المزمور ‪ 137‬من سفر المزامير ‪ ،‬الذي يترنم به اليهود والنصارى في صلواتهم ‪:‬‬
‫" يا ابنة بابل المحتم خرابها ‪ ،‬طوبى لمن يُجازيك بما جازيتنا به ‪ ،‬طوبى لمن يُمسك صغارك ويلقي بهم‬
‫إلى الصخر "‬

‫[ نهاية الجزء الثاني ]‬

‫‪195‬‬
‫الجزء الثالث‬
‫الفصل الول ‪:‬‬

‫وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة‬

‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫وليتبروا ما علوا تتبيرا‬

‫الفصل الثالث ‪:‬‬

‫وجعلنا لمهلكهم موعدا‬

‫الفصل الرابع ‪:‬‬

‫فإنما يسّرناه بلسانك لعلّهم يتذكّرون‬

‫الفصل الخامس ‪:‬‬

‫فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين‬

‫الفصل السادس ‪:‬‬

‫بل هم في شك يلعبون‬

‫الفصل السابع ‪:‬‬

‫ثم تولوا عنه وقالوا مُعلّم مجنون‬

‫الفصل الثامن ‪:‬‬

‫يوم نبطش البطشة الكبرى‬

‫الفصل التاسع ‪:‬‬

‫الطوفان الخير وطوق النجاة‬

‫‪196‬‬
‫وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة‬
‫تبين لنا من خلل هذه القراءة الجديدة لتاريخ بني إسرائيل ‪ ،‬في القرآن والسنّة والتوراة والتلمود ‪ ،‬أن البابليّون هم‬
‫أصيحاب البعيث الول ‪ ،‬وبناءً على ذلك ‪ ،‬يكون العراقيون حصيرا وبل أدنيى شيك هيم أصيحاب البعيث الثانيي ‪.‬‬
‫وسيتبين لنا في هذا الفصل ‪ ،‬من خلل قراءة جديدة للواقع بأن اليهود على علم بهذا البعث وأصحابه ‪ ،‬وظنّا منهم‬
‫بأنهم قادرون على مخالفة أمر ال بمنع تحقق البعث الثاني ‪ ،‬خططوا ونفّذوا وما زالوا يخططون لدرء خطر هذا‬
‫البعث الموعودين به ‪ ،‬بإبادة أصحابه بشتى الوسائل والسبل ‪ ،‬لقناعتهم بأن بقاء دولتهم يتحتم عليه محو العراق‬
‫وشعبه عن خريطة العالم ‪.‬‬

‫حقيقة ما يُضمره الغرب للعراق ‪:‬‬


‫دأبت أمريكا ومن سار في ركبها ‪ ،‬على إعلن عدائها لقيادة العراق الحالية وإبداء الرغبة في إسقاطها ‪ ،‬وجعلت‬
‫ميين بقاء القيادة العراقييية على سييدة الحكييم فييي بغداد وسييابقتها فييي غزو الكويييت ‪ ،‬مثال لعدوانييية هذه الحكوميية‬
‫وخطورتهيا على جيرانهيا ‪ ،‬وذريعية لدامية الحصيار ولتجرييد العراق مين مقومات وجوده ‪ .‬ليصيل العالم والشعيب‬
‫العراقيي إلى قناعية ‪ ،‬بأن المسيتهدف حقيقية مين وراء الصيرار المريكيي ‪ ،‬على إبقاء الحصيار مفروضيا على‬
‫العراق ‪ ،‬هي القيادة العراقية الحالية بتوجهاتها العدوانية ضد جيرانها ‪ ،‬مما يُهدد أمن منطقة الخليج الحيوية للعالم‬
‫‪ ،‬وبإسقاط هذه القيادة ستنعم منطقة الخليج بالمن مجدّدا حسب الرؤى المريكية ‪.‬‬
‫وميع أن أمريكيا ل تُب ِد أدنيى اهتمام بمصيير الشعيب العراقيي ‪ ،‬بيل على العكيس مين ذلك ‪ ،‬كان وميا زال بعيض‬
‫مسؤوليها من اليهود ‪ ،‬يُبدون سعادة عارمة بل خجل أو مواربة ‪ ،‬بوقوع المزيد من الضحايا في العراق ‪ ،‬حيث‬
‫الغالبيية العظميى مين الطفال ‪ ،‬الذيين سيقطوا مين جراء نقيص الدويية والغذاء ‪ ،‬حيين تصيرح وزيرة الخارجيية‬
‫المريكيية ( أولبراييت ) ‪ ،‬فيي حوار صيحفي فيي محطية (‪ : ) CBS‬بأن تسيبّب أمريكيا بموت نصيف مليون طفيل‬
‫عراقيي " أمبر يسبتحق العناء " ‪ ،‬إل أن العالم أجميع ‪ ،‬والشعيب العربيي وحتيى الشعيب العراقيي ‪ ،‬لم يبحيث عين‬
‫الدوافع الحقيقية لهذا العداء المريكي للعراق ‪.‬‬
‫" توراة ‪ -‬إشعياء ‪ :16 :13 :‬كل من يُؤسر يُطعن ‪ ،‬وكل من يُقبض عليه يُصرع بالسيف ‪ ،‬ويُمزّق أطفالهم على‬
‫مرأى منهم ‪ ،‬وتُنهب بيوتهم وتُغتصب نسائهم " ‪.‬‬
‫"توراة ‪ -‬إشعياء ‪ :23-20 :14 :‬فذريّة فاعلي الثم ‪ ،‬يبيد ذكرها إلى البد ‪ .‬أعدّوا مذبحة لبنائه جزاء إثم آبائهم ‪،‬‬
‫لئل يقوموا ويرثوا الرض فيملئوا وجييه البسيييطة مُدناً ‪ .‬يقول الرب القدييير ‪ " :‬إنييي أهب ّي ضدهييم ‪ ،‬وأمحييو ميين‬
‫بابل ‪ ،‬اسماً وبقيةً ونسلً وذريةً ‪ ،‬وأجعلها ميراثاً للقنافذ ‪ ،‬ومستنقعاتٍ للمياه ‪ ،‬وأكنسها بمكنسة الدمار … وهذا ما‬
‫يُعلنيه الرب ‪ :‬هيا أنيا أُثيير على بابيل ‪ ،‬وعلى المُقيميين فيي ديار الكلدانييين ريحيا مُهلكية ‪ ،‬وأبعيث إلى بابيل مُذرّيين‬
‫يُذرّونهيا ‪ ،‬ويجعلون أرضهيا قفرا ‪ ،‬ويُهاجمونهيا مين كيل جانيب فيي يوم بليّتهيا ‪ .‬ليوتير ( يُذخّر ) الراميي قوسيه‬
‫شبّانهيا ‪ ،‬بيل أبيدوا كيل جيشهيا إبادة كاملة ‪ ،‬يتسياقط القتلى فيي أرض الكلدانييين ‪،‬‬
‫وليتدجّج بسيلحه ‪ ،‬ل تعفوا عين ُ‬
‫والجرحى في شوارعها ( من المدنيين طبعا ) " ‪.‬‬
‫" توراة ‪ -‬مزامير ‪ :8 :137‬يا ابنة بابل المحتم خرابها ‪ ،‬طوبى لمن يُجازيك بما جازيتنا به ‪ ،‬طوبى لمن يُمسك‬
‫صغارك ويلقي بهم إلى الصخر " ‪.‬‬
‫وباستجابة ( أولبرايت ) وكافة الجوقة اليهودية في الدارات المريكية المتعاقبة ‪ ،‬لوامر الرب القدير الواردة في‬
‫التوراة ‪ ،‬استطاع بنوا إسرائيل من ردّ الصاع صاعين لهل بابل ‪ ،‬وهكذا يكون العراقيون حصرا من ُردّت لبني‬
‫إسرائيل الكرة عليهم ‪ ،‬إذ أنهم أنزلوا بالعراقيين أضعاف أضعاف ما أنزله البابليون بهم في المرة الولى ‪.‬‬
‫ولو عدنا إلى كامل النصوص التوراتية ‪ ،‬ونظرنا إلى ما يجري حقيقة على أرض الواقع ‪ ،‬لتبين لنا أن المستهدف‬
‫الحقيقي هو العراق لنه أرض البعث ‪ ،‬والشعب العراقي لنه يحمل صفة أهل البعث ‪ ،‬والقيادة العراقية لرسالها‬
‫البعوث فيي كيل الحروب العربيية السيرائيلية ‪ ،‬وعدم قبولهيا وتوقيعهيا على اتفاقيات الهدنية ‪ ،‬ولعلنهيا المتجدّد‬
‫عن نية البعث بمناسبة وبدون مناسبة في السنوات الخيرة ‪ ،‬منذ انتهاء حرب الخليج الولى وحتى هذه اللحظة ‪،‬‬
‫‪197‬‬
‫ورفضها لمعاهدات السلم والتطبيع ‪ ،‬ولصرارها على مقولة فلسطين عربية من البحر إلى النهر ‪ ،‬والدعوة إلى‬
‫تحرير فلسطين بالقوة ‪.‬‬
‫وفيي حال اسيتطاع الغرب اليهودي إسيقاط القيادة العراقيية ‪ ،‬فسييكون البدييل كميا هيي العادة قيادة مواليية للغرب ‪،‬‬
‫ومعاديية للشعيب العراقيي وللمية العربيية ‪ ،‬المتخمية أصيل بالعداء مين أبناء جلدتنيا ‪ ،‬لتزييد المية ذل وهوانيا‬
‫أضعافيا مضاعفية ‪ ،‬أميا مصيير العراق بيين يدي هكذا قيادة ‪ ،‬فسييكون بل شيك كميا يتمنّى يهود الغرب والشرق‬
‫ويشتهون ‪ ،‬ليتحقّق لهم ما لم يحلموا بتحقيقه بجيوشهيم المدجّجية بالسيلحة المتطورة ‪ .‬وانظير إلى حال ألمانييا بعيد‬
‫الحرب ‪ ،‬وانظر إلى حال التحاد السوفييتي ‪ ،‬العدو الثاني للوجود اليهودي في فلسطين كما تُخبر التوراة ‪ ،‬عندما‬
‫استطاعوا إيصال الخونة – من شعبه – إلى سدة الحكم وما فعلوه به ‪ ،‬لنقول بأن مهمة القيادة المستقبلية للعراق ‪،‬‬
‫فيما لو أُسقطت القيادة الحالية هي ‪:‬‬
‫•تفكيك العراق وتقسيمه إلى دويلت صغيرة ‪ ،‬كردية وسنية وشيعية في الشمال والوسط والجنوب ‪.‬‬
‫•إثارة الحروب والفتن بين هذه الدويلت لشغالها عن المهمة الساسية التي أُنيطت بأصحاب البعث ‪.‬‬
‫•تدمير القتصاد وإفقار الشعب العراقي ليركض لهثا وراء قروض صندوق النقد الدولي ‪.‬‬
‫•حظر امتلك وتصنيع السلحة ‪.‬‬
‫•تقدييم فروض الطاعية والولء ليهود الغرب والشرق ‪ ،‬وإنهاء حالة الحرب ميع إسيرائيل ومباركية عمليية‬
‫السلم ‪.‬‬
‫فالمعضلة السياسية لدى الغرب المملوك مين قبيل اليهود ‪ ،‬هيي وجود عراق قوي وقادر ‪ ،‬فكميا صيدقت نبوءات‬
‫التوراة فييي عودتهييم ميين الشتات إلى فلسييطين ‪ ،‬فهييم يخشون أيضييا صييدق النبوءات الخرى ‪ ،‬فيمييا تصييفه فييي‬
‫نصوص عديدة من عقاب حتمي ‪ ،‬غاية في البشاعة سينزل بهم بعد العودة إليها ‪ ،‬من قبل أصحاب البعث الول ‪،‬‬
‫بالرغم مما أُضيف إليها من نصوص قليلة مضللة تُخبر عن ملكهم البدي ‪ ،‬نصوص ل تُسمن ول تغني من جوع‬
‫تبعث في تخبّطها وعدم منطقيتها ‪ ،‬في نفوسهم القلق أكثر مما تبعث على الطمأنينة ‪ .‬ليجد اليهود أنفسهم ملزمون‬
‫بتسيخير كيل إمكانياتهيم دون كلل أم ملل ‪ ،‬لدفيع قادة الغرب إلى القضاء الميبرم على العراق ‪ ،‬وكميا هيي عادتهيم‬
‫دائما وأبدا يدفعون الخرين لخوض حروبهم نيابة عنهم ‪ ،‬مذ طلبوا من موسى وربه الذهاب للقتال عنهم ‪ ،‬وحتى‬
‫حربهيم الخيرة على العراق التيي خاضتهيا ومازالت تخوضهيا أمريكيا وبريطانييا فيي العلن وفرنسيا المنافقية فيي‬
‫الخفاء ‪ ،‬والحرب الوحيدة التيي كسيبها اليهود منفرديين فيي مواجهية جييش ‪ ،‬هيي عنيد دخولهيم فلسيطين ميع طالوت‬
‫فيي المرة الولى ‪ ،‬وكان ذلك بتأيييد مين ال للقلة المؤمنية ‪ ،‬وبشجاعية نيبي ال داود علييه السيلم ‪ ،‬فالمسيألة لديهيم‬
‫مسألة حياة أو موت ‪ ،‬وبقاء العراق يعني تبخر أحلم الشعب اليهودي بسيادة العالم من القدس ‪.‬‬
‫ومما يؤذي الذان اليهودية في الشرق والغرب هو سماعها ‪ ،‬لتصريحات هذه القيادة المتكررة ‪ ،‬بضرورة تحرير‬
‫فلسيطين مين البحير إلى النهير وطرد اليهود منهيا ‪ ،‬مميا يقضّي مضطجعهيم فيي فلسيطين ‪ ،‬ويُعييد إلى أذهانهيم تلك‬
‫الذكريات الليمة للبعث الول ‪ ،‬التي أشبعتها أسفار التوراة وصفا وتفصيل ‪ ،‬لتتراءى لهم ‪ ،‬صورة نبوخذ نصر‬
‫وهتلر وصلح الدين ‪ ،‬دفعة واحدة في شخص الرئيس العراقي ‪.‬‬

‫الخيارات القائمة أمام اليهود لدرء الخطر العراقي ‪:‬‬


‫‪.1‬العمييل على بقاء الحصييار على مييا هييو عليييه مييا أمكنهييم ذلك ‪ ،‬ومنييع أي محاولة لتفكيكييه أو إضعافييه ‪،‬‬
‫والستمرار في نهب ثروات العراق وحرمانه من تطوير أسلحته وتجديدها ‪.‬‬
‫‪.2‬محاولة إسقاط القيادة العراقية ‪ ،‬عن طريق إحداث فتن وثورات داخلية ‪ ،‬أو عن طريق مواجهة عسكرية‬
‫واسيعة النطاق بعيد خلق الميبررات لهيا ‪ ،‬باسيتفزاز جدييد للعراق للقيام بعميل عدوانيي داخلي ‪ ،‬ضيد الكراد‬
‫في الشمال أو الشيعة في الجنوب ‪ ،‬أو القيام بعمل عدواني خارجي ضد إحدى دول الجوار ‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫‪.3‬ضرب العراق نووييا كخيار أخيير ‪ ،‬وهذا الحتمال غيير قائم حالييا حييث أنيه مرفوض عالمييا ‪ ،‬فمثيل هذا‬
‫المير سييؤلب العالم بأسيره ضيد أمريكيا ومؤيديهيا ‪ .‬ولكين هذا الحتمال سييقوى فيي حال فشلت الخيارات‬
‫السابقة ‪ ،‬وخاصة عند امتلك أمريكا للدرع المضاد للصورايخ البالستية ‪.‬‬
‫ي والسؤال الن ‪ :‬هل من الممكن أن يكون هناك ضربة نووية للعراق ؟‬
‫جاء فيي سيفر الرؤييا ميا نصيه ‪ " :‬وسيكب الملك السيادس ‪ ،‬كأسيه على نهير الفرات الكيبير فجفّي ماؤه ‪ ،‬ليصيير‬
‫ممرا لملوك القادمين من الشرق " ‪.‬‬
‫ل الِّ صَيلّى الُّ عََليْهِي وَسَيّلمَ ‪ " :‬يُوشِكُب‬
‫ل ‪ :‬قَالَ رَسيُو ُ‬
‫أميا فيي السينة النبويية فقيد جاء ميا نصيه ‪ :‬عَنْي َأبِي ُه َر ْيرَةَ ‪ ،‬قَا َ‬
‫ن حَضَرَهُ َفلَ يَ ْأخُذْ مِنْ ُه شَيْئًا " ‪ .‬رواه البخاري ‪ ،‬وأخرجه مسلم والترمذي‬ ‫ن كَنْ ٍز مِنْ ذَهَبٍ َفمَ ْ‬
‫عْ‬‫ا ْلفُرَاتُ أَنْ َيحْسِرَ َ‬
‫ن جَ َبلٍ‬
‫عةُ حَتّى َيحْسِرَ ا ْلفُرَاتُ عَ ْ‬
‫‪ ،‬وأبو داود وابن ماجه وأحمد ‪ .‬وفي نص آخر من رواية مسلم ‪ " :‬لَ َتقُومُ السّا َ‬
‫مِنْ ذَهَبٍ " ‪ ،‬يحسر أي ينكشف عن ‪.‬‬
‫يُخيبر النيص فيي سيفر الرؤييا ‪ ،‬أن شيئا ميا سييسكب على نهير الفرات فيجيف ماؤه ‪ ،‬ويُخيبر الحدييث الصيحيح عين‬
‫انحسار الفرات عن كنز من ذهب قبل قيام الساعة ‪ ،‬وانحسار الفرات يعني ذهاب ماءه ‪ ،‬فهل سيكون جفافه نتيجة‬
‫لما تنتجه السلحة النووية من حرارة شديدة عند انفجارها ؟!‬
‫وبالضافية إلى ميا ورد مين مخططات لتدميير العراق والطاحية بقيادتيه ‪ ،‬كميا جاءت فيي تقريير واشنطين السيابق‬
‫يقول الصيحفي فتحيي خطاب مين القاهرة ‪ ،‬فيي مقال له فيي جريدة العرب اليوم الردنيية ( لم أنتبيه لتوثييق تارييخ‬
‫صدورها ‪ ،‬ولكنه على الرجح كان في بداية شهر ‪: ) 2001/ 3‬‬
‫" حذّر خبراء عسكريون من مُخطط عسكري أمريكي إسرائيلي ‪ ،‬يستهدف فرض السيطرة المُطلقة على المنطقة‬
‫‪ ،‬وتطييبيق مييا يُعرف فييي ( البنتاغون ) بخطيية إعادة دمييج المنطقيية عسييكريا وأمنيييا … وأن توجّه ( شارون )‬
‫لسيييتحداث وزارة تعنيييى بتطويييير السيييلحة النوويييية وأسيييلحة الدمار الشاميييل ‪ ،‬واسيييتحداث وزارة للشؤون‬
‫الستخباراتية في سابقة هي الولى من نوعها ‪ ،‬يأتي في إطار ما تفرضه ضرورات نظام الحماية المنية الجديد‬
‫… وكشيف الخيبراء العسيكريون فيي مصير ‪ ،‬عين الترتيبات المريكيية لنشاء أكيبر شبكية صياروخية فيي منطقية‬
‫الخليج العربي ‪ ،‬تتمتع بمدى قتالي واسع يشمل العراق وإيران ودول أخرى ‪ ،‬بالضافة إلى مناطق شمال إفريقيا‬
‫والبحر الحمر ‪ ،‬لضمان أمن منطقة الخليج وملحقة الطائرات المُغيرة والتدمير السريع لية أهداف مُعادية ‪...‬‬
‫وأكد الخبراء أن وزير الخارجية المريكي ( كولن باول ) حصل على موافقة دول خليجية … على إنشاء الشبكة‬
‫‪ ،‬التيي سييتم تزويدهيا بأحدث أجهزة التصيالت الحديثية والنذار المبكّر ‪ ،‬التيي سيتكون لهيا القدرة على التعاميل‬
‫السريع مع العمليات الطارئة ‪ ،‬وقادرة على منع إصابة الشبكة بأي خلل أثناء العمليات العسكرية ‪ .‬وسوف تتحمل‬
‫دول الخليييج النصيييب الكييبر ‪ ،‬ميين تكلفيية مشروع هذه الشبكيية الصيياروخية ‪ ،‬وأن هناك مشاورات واتصييالت‬
‫عسيكرية ‪ ،‬للترتييب لنشاء هذه الشبكية ولعداد التفصييلت الفنيية المتعلّقية بهيا … وحذّر الخيبراء مين المُخطيط‬
‫العسيكري السيرائيلي لضرب العراق بالقنابيل النيترونيية ‪ ،‬والتيي سييتم إطلقهيا على منطقية غرب العراق وفيق‬
‫إعلن ( شارون ) …‬
‫وأوضييح العالم الفيزيائي الدكتور طارق النميير بقوله ‪ :‬أن القنابييل النيوترونييية النووييية هييي قنابييل إشعاعييية ذات‬
‫أحجام مختلفة ‪ ،‬منها أسطوانات إبرية في حجم القلم ‪ ،‬وتستطيع قتل جميع الكائنات الحية في مساحة قطرها مُحدّد‬
‫سيلفا ‪ ،‬وتأثيير كيل قنبلة منهيا يتحدد حسيب حجمهيا ‪،‬بحييث يتيم زراعتهيا داخيل الراضيي العراقيية ‪ ،‬وفيي الوقيت‬
‫المحدد سيتم تفجير هذه القنابل بواسطة أشعة الليزر … وأن إسرائيل مهتمة بتجربة أسلحتها الجديدة على أرض‬
‫العراق ‪ ،‬بعدميا نفذت عدة تجارب أسيفل مياه خلييج العقبية … ول أسيتبعد أن تعميل أمريكيا وبريطانييا ‪ ،‬على زرع‬
‫قنابل نيوترونية في مناطق من العراق ‪ ،‬بحيث تبقى بغداد تحت التهديد الدائم ‪ ،‬بتدمير حقول القنابل النيوترونية‬
‫بواسطة أشعة الليزر في نطاق العقوبات الذكية " ‪.‬‬
‫ميا لفيت انتباهيي فيي هذا التقريير الصيحفي ‪ ،‬هيو انسيجامه ميع المخاوف اليهوديية التوراتيية ‪ ،‬حييث يُسيمّي الدول‬
‫والمناطيق التيي تضيم الدول المعاديية لسيرائيل توراتييا ‪ ،‬ومنهيا إيران والعراق وليبييا فيي شمال إفريقييا والسيودان‬
‫وإثيوبيا بمحاذاة البحر الحمر ‪ ،‬واللتان كانتا قديما دولة واحدة ‪ ،‬ويُشير أيضا إلى ضرورة ضرب العراق حسب‬
‫‪199‬‬
‫ميا تدعو وتُحرّض عليه النصيوص التوراتيية ‪ .‬ولفت انتباهيي أيضيا التركيز على منطقة غرب العراق ‪ ،‬التي من‬
‫المتوقع أن يتواجد فيها الجيش العراقي قبل تحرّكه لغزو لسرائيل ‪.‬‬
‫وفيي تقريير آخير مين واشنطين للصيفحي محميد دلبيح ‪ ،‬نُشير فيي جريدة الدسيتور الردنيية ( التارييخ غيير موّثيق )‬
‫يقول فيه ‪:‬‬
‫" تبحييث وزارة الدفاع المريكييية ( البنتاغون ) إنتاج قنابييل نووييية ميين نوع جديييد ‪ ،‬قادرة على اختراق مراكييز‬
‫القيادة ‪ ،‬والتحصييينات التييي يسييتخدمها الزعماء والقادة ‪ .‬ونقلت صييحيفة ( واشنطيين بوسييت ) عيين مصييادر فييي‬
‫الحكومة المريكية والكونغرس قولها ‪ :‬أن الهدف من إنتاج هذه القنابل ‪ ،‬هو تجنّب ما تُسمّ‍يه الحكومة المريكية‬
‫الضرار الجانبية ‪ ،‬التي تُحدثها السلحة التدميرية بأنواعها ‪ .‬ويقول المدافعون عن هذا النوع من القنابل النووية‬
‫الصيغيرة – مقارنية بغيرهيا – أنهيا قيد تعميل على قيام الوليات المتحدة ‪ ،‬بتخفييض مخزونهيا الحالي مين القنابيل‬
‫النوويية ‪ ،‬دون أن تتعرّض مفاهيمهيا المنيية لخطار أو تعديلت ‪ .‬ونسيبت الصيحيفة إلى مسيتشاريّ وزيير الدفاع‬
‫المريكيي ( دونالد رامسيفيلد ) قوله ‪ :‬أن السبلحة النوويبة المريكيبة الحاليبة ‪ ،‬لن تردع الرئيبس العراقبي صبدام‬
‫حسببين ‪ ،‬لنببه يعلم بأن الرئيببس المريكببي ‪ ،‬لن يقوم بإلقاء قنبلة نوويببة – بقوة مائة كيلو طببن ‪ -‬على بغداد ‪،‬‬
‫سكّانها ‪ ،‬بهدف القضاء على أسلحة الدمار الشامل … ومن ناحية أخرى‬ ‫ليُدمّر المدينة بأكملها ‪ ،‬ويقضي على ُ‬
‫يعتزم اتحاد العلماء المريكييين ‪ ،‬إصيدار تقريير هذا السيبوع يقول فييه " أن إضافية هذا النوع مين القنابيل النوويية‬
‫إلى المخزون النووي في العالم ‪ ،‬سيجعل استخدام هذا النوع من السلح أكثر احتمال " ‪.‬‬
‫أسيتطيع القول بأن التفكيير المريكيي السيرائيلي العسيكري على المدى القرييب ‪ ،‬بعيد المعارضية والدانية العالميية‬
‫لضربهم بغداد مؤخرا ‪ ،‬سيكون محصورا في الردع وليس في الهجوم ‪ ،‬لعدم وجود ذريعة للهجوم مقبولة دوليا ‪،‬‬
‫( كذريعة القضاء على أسلحة الدمار الشامل العراقية ) منتظرين فبركة مؤامرة جديدة أو تحرّك عراقي خاطئ ‪،‬‬
‫وأعتقيد أنهيم سييُحاولون اسيتفزازه فيي المستقبل القرييب بشتيى الوسيائل والسبل ‪ ،‬ليعلنوا عليه حربهم الشاملة ‪ .‬أميا‬
‫على المدى البعييد ‪ -‬إن لم يُعطهيم العراق الذريعية لشنّي تلك الحرب ‪ -‬أسيتطيع القول ‪ ،‬أنهيم وفور امتلكهيم للدرع‬
‫النووي ‪ -‬الذي سييكون جاهزا بعيد خميس سينوات حسيب تقديرهيم ‪ -‬والذي سييُوفر لهيم الحمايية مين أي ردود فعيل‬
‫نووييية ‪ ،‬سيييشنّون حربهييم المُقدّسيية على العراق ‪ ،‬وسيييقومون بضربييه بوابييل ميين القنابييل النووييية ‪ ،‬حتييى يغدو‬
‫صيحراء قاحلة خاويية على عروشهيا ‪ .‬لكيي يتخلص يهود العالم مين هذا الرعيب التوراتيي المُسيلّط على رقابهيم ‪،‬‬
‫لينتظروا بسلم ملكهم الذي سيظهر في القدس ‪ ،‬والذي سيعيشون معه أحلمهم الوردية إلى البد ‪ ،‬ومن المحتمل‬
‫جدا أن تكون الضربيية النووييية للعراق ‪ ،‬كرد فعييل أمريكييي على الدخول العراقييي لفلسييطين ‪ ،‬لتبدأ بذلك الحرب‬
‫العالمية الثالثة ‪.‬‬

‫الموقف العالمي إزاء العراق ‪:‬‬


‫كانت غاية الغرب في السنوات الخيرة وما زالت ‪ ،‬هي تدمير العراق تحقيقا لرغبات اليهود في حماية إسرائيل ‪.‬‬
‫وميا كان للغرب أن يُحقّق هذا الهدف ‪ ،‬بالخروج على العراف والمواثييق الدوليية بأي شكيل مين الشكال ‪ ،‬للقيام‬
‫بعدوان مباشير ومكشوف على العراق ‪ ،‬وميا كان لمريكيا بعظمتهيا أن تقوم منفردة بعميل عدوانيي ضيد العراق ‪،‬‬
‫لنها في هذه الحالة ستجابه العالم بأسره ‪ .‬وبما أن مآرب اليهود من خلل إشعال حرب الخليج الولى لم تتحقّق ‪،‬‬
‫بيل على العكيس مين ذلك تماميا ‪ ،‬خرج العراق مين هذه الحرب محتفظيا بقوتيه ‪ ،‬وقاميت قيادتيه بتهدييد إسيرائيل‬
‫جهارا نهارا ‪ ،‬بحرق نصيف إسيرائيل حال اعتدائهيا على أي بلد عربيي ‪ ،‬كانيت هذه القيادة كمين حكّي لليهود على‬
‫جرب ‪.‬‬
‫آنذاك قاميت الدنييا ولم تقعيد ‪ ،‬طبيل وزمير فيي الشرق والغرب لتأكييد عدوانيية العراق ونازيتيه ‪ ،‬فحرق اليهود هيو‬
‫فعيل هتلريّي نازيّي ‪ ،‬وكان ذلك لتهيئة الرأي الغربيي والعالميي ‪ ،‬لسيتقبال هتلر جدييد يسيعى لحرق اليهود ‪ .‬وفيي‬
‫الخفاء كانت تُطبخ مؤامرة جديدة ‪ ،‬تمخّضت عن غزو العراق للكويت ‪ ،‬وبذلك استطاعت أمريكا أن تُوجد مبرّرا‬
‫قانونيا لتدمير العراق ‪ ،‬فغزو العراق للكويت كان مخالفا للقوانين والعراف والمواثيق الدولية ‪ ،‬وبذلك استطاعوا‬
‫إضفاء الشرعيية على عدوانيتهيم ‪ ،‬لتحقييق مآربهيم الحقيقيية تحيت غطاء الشرعيية الدوليية ‪ ،‬وبدل مين أن تواجيه‬
‫أمريكيا المعتديية العالم بأسيره ‪ ،‬أصيبحت الضحيية العراقيية تواجيه العالم بعيد أن أصيبحت معتديية ‪ ،‬كميا حصيل ميع‬

‫‪200‬‬
‫ألمانيا بنفس السيناريو ما قبل الحرب العالمية الثانية وبكل حيثياته ‪ ،‬والسبب هو عداء قيادة البلدين لسياد العالم ‪،‬‬
‫وبذلك أُجيبرت دول العالم المختلفية ‪ ،‬على اتخاذ موقيف معادي للعراق ‪ ،‬حتيى مين قبيل حلفاءه التقليدييين فيي ذلك‬
‫الوقت ‪.‬‬
‫أما في الوقت الحالي ‪ ،‬فقد بدأت دول العالم مؤخرا تصحو من أكاذيب الدارات المريكية المتعاقبة ‪ ،‬لتبرير ما‬
‫تنتهجييه ميين سييياسات إزاء العراق ‪ ،‬فكييل المييبرّرات السييابقة لم تعييد موجودة ‪ ،‬وأصييبحت العمال المريكييية‬
‫العدوانيية تُجابيه بالمعارضية الشديدة مين قبيل أغلب دول العالم ‪ .‬وحتيى قرارات الشرعيية الدوليية ‪ ،‬تمييل كثيير مين‬
‫الدول ومنها روسيا والصين إلى التغاضي عن البحث في مسألة التزام العراق بها من عدمه ‪ ،‬ومنها مسألة فرق‬
‫التفتيش عن السلحة ‪ .‬بل تعمد هذه الدول أحيانا إلى خرق هذه القرارات سرا ‪ ،‬حتى وصل المر بمجلس الدوما‬
‫الروسيي ‪ ،‬إلى المطالبية بالتصيويت على عمليية رفيع الحصيار عين العراق مين جانيب واحيد ‪ .‬أميا الكثير تمسيكا‬
‫بقرارات الشرعيية الدوليية ‪ ،‬فهيم الذيين يذرفون دموع التماسييح على الشعيب العراقيي ‪ ،‬بدعوى أنهيم حريصيون‬
‫على مصيلحة هذا الشعيب ‪ ،‬وأن قيادة هذا الشعيب ليسيت حريصية علييه ‪ ،‬بميا أنهيا عصيت وتمرّدت على قرارات‬
‫الشرعية الدولية ‪ ،‬التي جعلوا من يعصيها بمنزلة من عصى ال إن لم تكن أعظم ‪.‬‬
‫وأميا دعوى المريكان بأن العراق يُشكيل تهديدا للمصيالح المريكيية فيي منطقية الشرق الوسيط ‪ ،‬وعلى رأسيها‬
‫تدفييق النفييط بأسييعار معقولة واسييتمرارية فتييح السيواق الخليجيية للبضائع المريكييية فهييي دعوى باطلة ‪ ،‬فهذان‬
‫المران هما تحصيل حاصيل منيذ اغتيال الزعييم العربيي الوحييد ‪ ،‬الذي عارض الله المريكيي بقطيع النفط ليشلّ‬
‫بذلك العالم الغربي بأسره ‪ .‬وأما التذرّع بعدوانية العراق على جيرانه بغزوه للكويت فهو محض افتراء ‪ ،‬لن من‬
‫أجبر العراق على غزو الكويت هم المريكان بعلم وحلفائهم الكويتيون بغير علم ‪ ،‬وبتخطيط وتدبير وتشجيع من‬
‫المريكان أنفسيهم لكل الطرفيين ‪ ،‬وبمسياعدة مين العرب أنفسيهم ‪ .‬لنخلص إلى القول أن العداء المريكيي للعراق‬
‫أصيبح غيير ميبرّر ‪ ،‬فيي نظير شعوب العالم كافية حتيى مين قبيل الشعيب المريكيي نفسيه ‪ ،‬الذي أصيبح يُحرج قادتيه‬
‫بتفنيد كافة الحجج والذرائع ‪ ،‬التي يُبرّرون فيها مواقفهم المتناقضة من العراق وإسرائيل ‪.‬‬
‫ولنخلص إلى القول ‪ ،‬أول ؛ بأن الموقيف العالميي إزاء الصيراع المريكيي العراقيي ‪ ،‬أصيبح مختلفيا بيل مغايرا لميا‬
‫كان علييه فيي السيابق ‪ ،‬فهناك بعيض الدول العظميى وحتيى الصيغرى منهيا ‪ ،‬باتيت تتخيذ موقفيا مناهضيا لمريكيا‬
‫ولسيرائيل ‪ ،‬ومتعاطفيا ميع العراق وفلسيطين ‪ ،‬وخيير مثال على ذلك موقيف كولومبييا فيي مجلس المين المؤييد ‪،‬‬
‫لرسال قوة حماية دولية للفلسطينيين ‪ ،‬مبدية عدم اكتراثها بمقاطعات أمريكا القتصادية ‪ ،‬وموقفي كل من روسيا‬
‫والصين ‪ .‬وثانيا ؛ بأن الموقف المريكي المعادي للعراق ‪ ،‬عند عدم عزوه للمخاوف التوراتية اليهودية ‪ ،‬يُصبح‬
‫أمرا ل يُمكن فهمه من قبل الخرين ‪.‬‬

‫الموقف العربي من العراق ‪:‬‬


‫دأبيت أمريكيا على دفيع المور ‪ ،‬باتجاه جعيل الرأي العالميي والعربيي والعراقيي ‪ ،‬يعتقيد بأن السيبب فييي معاناة‬
‫الشعب العراقي هو القيادة العراقية بتوجهاتها العدوانية ‪ ،‬حتى بات كثير من العرب يعتقدون بأن هذه القيادة هي‬
‫السيبب الحقيقي ‪ ،‬فيما وصل إلييه العرب من ذل وهوان وفرقية ‪ ،‬وضياع لثرواتهيم النفطيية فضل عما كانوا عليه‬
‫في السابق ‪ .‬بل مضى الكثير منهم إلى أبعد من ذلك ‪ ،‬فاتهموا هذه القيادة بالتآمر والتواطؤ مع الغرب نفسه ‪ ،‬ضد‬
‫العرب وضد الشعب العراقي ‪ ،‬ليصبح إسقاط القيادة العراقية مطلبا عالميا وعربيا وعراقيا ‪ ،‬وليبقى رفع المعاناة‬
‫عن الشعب العراقيي مرتبطا بإسقاط القيادة العراقية الحاليية ‪ .‬وهذا مما جعل البعيض يذهب إلى القول أيضيا ‪ ،‬أن‬
‫الغرب مستفيد من وجود القيادة العراقية على رأس السلطة لذلك ل يرغب بإسقاطها ‪ ،‬وأن الرئيس العراقي متآمر‬
‫ومتواطيئ ميع أمريكيا للضرار بشعبيه وأمتيه ‪ ،‬وحتيى ضربيه لسيرائيل كان فقيط لذر الرماد فيي العيون ‪ .‬ولو أن‬
‫أمريكيا لم تكين مسيتفيدة مين وجوده لعملت على إزاحتيه ‪ ،‬تأليهيا مين أولئك لمريكيا بغيير علم ‪ ،‬وكأنّهيا القادر على‬
‫كل شيء ‪.‬‬
‫وكميا أخطيأ الشرييف حسيين بوضيع ثقته فيي النكلييز فيي الحرب العالميية الولى ‪ ،‬وسياهم بتنفييذ مخططات اليهود‬
‫من حيث ل يدري ‪ ،‬أخطأت القيادة العراقية عندما وثقت بأمريكا وبعض مواليها من العرب المتآمرين في ظهر‬
‫الغيب ‪ ،‬لينطلي عليها معسول الكلم ‪ ،‬فسيق العراق كما يُساق الفهد إلى قفص الصياد ‪ ،‬فدخل حربين مدمرتين‬

‫‪201‬‬
‫كان الهدف منهما تحطيم قدراته ‪ ،‬وعلى ما يبدو أن هذه القيادة استيقظت من غفوتها فور دخولها للكويت ‪ ،‬وعند‬
‫انكشاف الوجه الحقيقي لمريكا ولكن بعد فوات الوان ‪ ،‬فانسحبت من حرب الخليج الثانية لنقاذ ما يمكن إنقاذه ‪،‬‬
‫ولكن المتآمرون على العراق من عرب وعجم ‪ ،‬لم يُعطوها الفرصة للتقاط أنفاسها فتوالت قرارات مجلس المن‬
‫تباعييا ‪ ،‬وكان الحصييار الذي لم يكيين فييي الحسييبان وكانييت لجان التفتيييش وكانييت التعويضات ‪ ،‬فحُصيير المارد‬
‫العراقي في قمقم قرارات مجلس المن الدولي ‪ ،‬ريثما يجد المتآمرون عليه طريقة للجهاز عليه تماما ‪.‬‬
‫كان مقتيل القيادة العراقيية الول الذي اسيتغله المتآمرون خيير اسيتغلل ‪ ،‬هيو ميا يتمتيع بيه العراقيون إجمال مين‬
‫صيفات العزة والنفية ‪ ،‬وعدم قبولهيم للذل والهوان والتطاول عليهيم مين قبيل الخريين ‪ .‬فعندميا أُغري الكويتيون‬
‫بالتطاول على العراق كانت الحرب النتقامية ‪ .‬وكان المقتل الثاني وما زال هو أن العراقيين رجال حرب وليسوا‬
‫برجال مكير وكذب ومراء ‪ .‬لذلك كان مين السيهولة بميا كان أن تنطلي عليهيم دسيائس المكرة الفجرة مين الغرب‬
‫والشرق ‪ .‬وأمييا رجييم القيادة العراقييية بالخيانيية والتواطييؤ مييع الغرب ميين بعييض المحبطييين العرب ‪ ،‬فذلك أول ‪:‬‬
‫لجهلهم بما يدور في مطابخ الغرب والشرق ضد هذه المة بشكل عام وضد العراق بشكل خاص ‪ ،‬وثانيا ‪ :‬لخيبة‬
‫أملهم فيما عقدوه من آمال على القيادة العراقية لرفع حالة الذل والهوان المزمنة التي يُعانون منهيا ‪ ،‬وخاصة بعد‬
‫ك معاقل الصهاينة ‪ ،‬قبل أن تتحقّق أحلم الشعب العربي في العزة والكرامة ‪.‬‬ ‫أن توقفت الصواريخ العراقية عن د ّ‬

‫دوافع ومبررات العراق لمحو إسرائيل عن الوجود ‪:‬‬


‫‪.1‬التخلّص من الشعور بعقدة الذنب ‪ ،‬حيث أن أفعال القيادة العراقية أضرّت حقيقة بالشعب العراقي والمة‬
‫العربية حتى لو كانت عن غير قصد ‪.‬‬
‫‪.2‬تييبيض الصييفحة ونفييي تهميية الخيانيية والتواطييؤ ‪ ،‬حيييث أن القيادة العراقييية ‪ ،‬أصييبحت متهميية ميين قبييل‬
‫الخرين ‪.‬‬
‫‪.3‬ضرورة التعويض عما لحق الشعب العراقي والمة العربية ‪ ،‬من ذل وهوان نتيجة النكسار العراقي ‪.‬‬
‫‪.4‬إثبات القدرة العراقيية على النهوض بالمية العربيية ‪ ،‬وقيادتهيا لميا تصيبو إليه مين منازل العيز والكرامية ‪،‬‬
‫والتيي طالميا كانيت تتحدث عنهيا فيميا مضيى ‪ ،‬ولكنهيا لم تفلح لغايية الن ‪ ،‬مميا شكّك فيي مصيداقية القيادة‬
‫العراقية في تصديها لهموم المة العربية ‪.‬‬
‫‪.5‬إثبات صيدق تبنيي القيادة العراقيية ‪ ،‬لمقولة " عاشيت فلسيطين حرة عربيية مين البحير إلى النهير " ‪ ،‬والتيي‬
‫تُعتبر من أولويات الحزب الحاكم ‪.‬‬
‫‪.6‬الخروج مين الوضيع المأسياوي والمُهيين ‪ ،‬الذي نجيم عين الحصيار البدي ‪ ،‬المفروض على العراق منيذ‬
‫أحد عشر عاما ‪.‬‬
‫‪.7‬قطع الطريق على المخططات اليهودية المريكية لتدمير العراق التي أصبح العراقيون يعونها تماما ‪.‬‬
‫‪.8‬النتقام ميين التطاول السييرائيلي الجبان بضرب المفاعييل النووي العراقييي أثناء انشغاله فييي الحرب مييع‬
‫إيران ‪.‬‬
‫‪.9‬النتقام من التطاول المريكي أثناء وما بعد حرب الخليج الثانية ‪.‬‬
‫‪.10‬إظهار عدم مقدرة أمريكا على حماية مسخها الخداج في المنطقة في أي مواجهة عسكرية حقيقية ‪.‬‬
‫‪.11‬سييلبية مواقييف القيادات العربييية غييير المييبرّرة ميين العراق ‪ ،‬ويأس القيادة العراقييية وقنوطهييا ميين هذه‬
‫القيادات ‪ ،‬خاصة بعد مؤتمري القمة الخيرين في القاهرة وعمان ‪.‬‬
‫‪.12‬تعلّق آمال الشعب الفلسطيني اليائس بصحوة المارد العراقي المحاصر ‪ ،‬وخروجه من القامة الجبرية‬
‫في القمقم ‪ ،‬وهذا ما يُظهره الفلسطينيون أثناء مسيراتهم برفع صور الرئيس العراقي والعلم العراقية ‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫‪.13‬حاجيية الشعوب العربييية إلى بطييل حقيقييي يعيييد لهييا أمجادهييا ‪ ،‬فييي زميين عزّت فيييه البطولة ‪ ،‬إل ميين‬
‫بطولت على نمييط بطولت الدون كيشوت فييي معاركييه مييع طواحييين الهواء ‪ ،‬التييي مييا فتئت تتغنييى بهييا‬
‫وبأبطالها شاشات التلفزة العربية ليل ونهارا ‪.‬‬
‫‪.14‬العراق غرييق لن يخشيى البلل ‪ ،‬وعلى ميا يبدو أنيه سييعمل على مبدأ أنيا والطوفان مين بعدي ‪ ،‬وإن لم‬
‫يكسب فل شيء يخسره ‪.‬‬
‫‪.15‬السييتفزاز أو العدوان المريكييي القادم بناءً على التحريييض اليهودي ‪ ،‬كمييا ورد فييي تقرييير واشنطيين‬
‫بإثارة مسألة المفتشين ‪ ،‬مع نهاية شهر ‪11/2001‬م أو بإثارة فتنة جديدة ‪ ،‬تدفع العراق للقيام بعمل عدواني‬
‫داخل أو خارج أراضيه ‪.‬‬

‫النص القرآني يتحدّث عن علقة ثأرية بين طرفين ‪ ،‬ول اعتبار لي طرف آخر ‪:‬‬
‫يتحدّث النص القرآني في سورة السراء عن نزاع بين طرفين ‪ ،‬تربط ما بينهما علقة ثأرية متأصلة في النفس‬
‫اليهودية منذ آلف السنين ‪ ،‬ول يضع في حسبانه أي طرف آخر مهما عظُم شأنه أو صغُر ‪ ،‬وكأنه ل يوجد على‬
‫الكرة الرضية سوى بني إسرائيل وأولئك العباد ‪ .‬وهذا ما نجده في الية السادسة والخمسين من سورة السراء‬
‫ضرّ ) ورد فيي‬
‫حوِيلً (‪ )56‬ولفيظ ( ال ّ‬‫عمْتُمْب مِنْب دُونِهِب ‪ ،‬فَلَ َيمْ ِلكُونَب َكشْفَب الضّرّ عَ ْنكُمْب ‪َ ،‬ولَ َت ْ‬
‫( ُقلِ ادْعُوا الّذِينَب َز َ‬
‫القرآن (‪ )29‬مرة فقييط ‪ ،‬وبمعنييى واحييد هييو الذى أو العذاب فييي الحياة الدنيييا ‪ ،‬والمعنييى الجمالي للييية بأن ال‬
‫سيبحانه وتعالى ‪ ،‬يُخاطيب أُناسيا أثناء نزول العذاب بهيم متحدييا إيّاهيم ‪ ،‬بدعوة مين اتّكلوا عليهيم مين دونيه لرفيع‬
‫عذاب ال عنهم ‪ .‬ووعد الخرة هو وعد إلهي لليهود بالعذاب – وليس للمسلمين بالنصر ‪ -‬سيقع ل محالة ‪ ،‬والذين‬
‫نهاهيم ال فيي نفس السورة عن اتخاذ وكلء من دونه هم بنوا إسرائيل أنفسهم ‪ ،‬ولن يملك أحد من الجن والنس‬
‫رفعه أو حتى تحويله عنهم ‪ ،‬ولكن كيف ؟‬
‫لنتفيق أول على أن تحقيق هذا الوعيد بغزو العراق لسيرائيل ‪ ،‬يعتميد أسياسا على انفراد العراق بإسيرائيل ويمكين‬
‫لهذا المر أن يتحقّق في حالتين ‪:‬‬
‫الحتمال الول ‪ :‬أن يكون هذا الغزو مسييبوقا بدمار جميييع القوى العسييكرية التييي يمتلكهييا الغرب وإسييرائيل ‪،‬‬
‫كنتيجيية لتدخييل بشري بقيام حرب نوويية عالمييية بييين الغرب والشرق ‪ ،‬أو كنتيجيية لتدخييل إلهييي بإحداث كوارث‬
‫طبيعية هائلة في الغرب شبيهة بأحداث يوم القيامة ‪.‬‬
‫الحتمال الثاني ‪ :‬أن يكون هذا الغزو ضمن معطيات الواقع الحالي ‪ ،‬مع بقاء جميع القوى العسكرية التي يمتلكها‬
‫الغرب وإسرائيل ‪ .‬باستخدام العراق لتقنيات وخطط عسكرية بسيطة ‪ ،‬تحمل في طياتها منطق عسكري جديد ‪ ،‬لم‬
‫تألفييه الشعوب ول تتوقعييه ضميين المعطيات الحالييية ‪ ،‬يكون ميين شأنييه أثناء الغزو ‪ ،‬إلغاء أو تهميييش القدرات‬
‫العسكرية السرائيلية والغربية كليا ‪.‬‬
‫والحتمال الول ضعييف جدا ‪ ،‬حييث أنيه يتطلب أن تقوم القوى الغربيية بفعيل عدوانيي يُهدّد السيتقرار العالميي ‪،‬‬
‫ممييا يُجييبر القوى الشرقييية المتمثلة بروسيييا والصييين مثل ‪ ،‬على الرد بشكييل عنيييف ومدمّير لعادة المور إلى‬
‫نصابها ‪ .‬وضمن المنظور القريب ل يوجد من السباب ‪ ،‬ما يدفع القوى الغربية للقيام بمثل هذا الفعل العدواني ‪.‬‬
‫أما الفعل اللهي بتدمير القوى الغربية فهو أمر مستبعد كليا ‪ ،‬لن الحاديث النبوية فيما يُخص الفترة الزمنية التي‬
‫يظهر فيها المهدي ‪ ،‬تُشير إلى فناء التكنولوجيا العسكرية وغير العسكرية بمجملها ‪ ،‬سواء ما يمتلكه الشرق أو ما‬
‫يمتلكيه الغرب ‪ ،‬ول تُشيير إلى فناء جمييع الدول والشعوب التيي تمتلك هذه التكنولوجييا ‪ ،‬فكييف فنييت التكنولوجييا‬
‫بكليتها ولم تفنى الشعوب … ؟!‬
‫وهذا مميا يؤكيد أمريين ‪ ،‬أول ‪ :‬بقاء بعيض الدول وفناء البعيض الخير ‪ ،‬وثانييا ‪ :‬فناء جمييع السيلحة المتطورة‬
‫وعلى رأسيها السيلحة النوويية مين كل الطرفيين ‪ .‬فالدمار القادم للحضارة الغربيية برمتهيا سييتحصّل ل محالة ‪،‬‬
‫وعلى ما يبدو من جرّاء حرب عالمية نووية مدمرة تستنفذ فيها كافة السلحة المتطورة من على وجه البسيطة ‪،‬‬
‫مع بقاء بعض الشعوب المنتصرة ‪ ،‬بعد أن تكون ألقت ما في جعبتها من أسلحة على خصومها المنكسرة ‪ ،‬وبذلك‬

‫‪203‬‬
‫يغدو من الممكن قيام الخلفة السلمية في ظل غياب تلك القوى لتحكم الكون بأسره ‪ ،‬إذ ل بد للنصر من أسباب‬
‫ومسببات مادية فضل عن العقائد الروحية ‪.‬‬
‫أمييا الحتمال الثانييي فهييو القوى ‪ ،‬إذ أن المؤشرات على السيياحة العالمييية والمحلييية ‪ ،‬تؤكييد على أن العراق لن‬
‫يستطيع الصمود حتى وقت متأخر جدا ‪ ،‬فصبر القيادة العراقية بدأ ينفذ ‪ ،‬والتحركات السياسية المتعددة للخلص‬
‫من الحصار ‪ ،‬على المستوى القليمي والدولي باتت غير مجدية ‪ ،‬ورغم كل ذلك ل يبدو أن هناك ضوء في آخر‬
‫النفيق ‪ ،‬والضغوط والتهديدات المريكيية فيي تزاييد مسيتمر ‪ ،‬فل بيد لهيا مين القيام بعميل ميا لتحرييك المور ‪ ،‬أو‬
‫قلبها رأسا على عقب ‪ .‬وكذلك المر بالنسبة للشعب الفلسطيني في فلسطين ‪ ،‬إذا ما استمر الحال على ما هو عليه‬
‫من الخذلن العربي والعالمي ‪ ،‬فهو أقرب إلى النهيار منه إلى الستمرار ‪ ،‬وستكون النتيجة مأساوية على المدى‬
‫البعييد ‪ ،‬وعلى عكيس ميا يتوقعيه الناس منهيم ‪ ،‬فللنسيان طاقية محدودة على الصيبر ‪ ،‬وسييبدأ الفلسيطينيون مجدّدا‬
‫بالنسياب إلى الخارج شيئا فشيئا ‪.‬‬

‫معطيات الواقع الحالي تؤكد حتمية نفاذ هذا الوعد في وقت قريب ‪:‬‬
‫وسي ّر قابليية نفاذ هذا الوعيد فيي الوقيت الراهين تكمين فيي أربيع معطيات ‪ ،‬أول ‪ :‬فيي القيادة الحاليية للعراق التيي إن‬
‫زالت لن تتكرّر ‪ ،‬فهيي التيي تملك إرادة الغزو بعدميا تولدت لديهيا نتيجية عمليية مخاض عسييرة ‪ ،‬تمثلت بميا لحيق‬
‫بالعراق ميين ظلم وإجحاف وإذلل فييي السيينوات الخيرة على عهييد هذه القيادة ‪ ،‬وهييي المُطالبَة بإزالة هذا الظلم‬
‫والهوان والثأر ممن تسبّب فيه ‪ ،‬وبعث أولئك العباد المشار إليهم في النص القرآني أساسا ‪ -‬وكما أوضحنا سابقا ‪-‬‬
‫قائم على علقة ثأرية بينهم وبين اليهود غايته النتقام ليس إل ‪.‬‬
‫وثانيييا ‪ :‬فييي القيادة الحالييية لسييرائيل ‪ ،‬بقيادة أكثيير اليهود إجرامييا ووحشييية ‪ ،‬ودورهييا فييي ازدياد حدّة ودموييية‬
‫النتفاضة الجديدة ‪ ،‬والتي ساهمت وستساهم في استمرارية انغماس يهود إسرائيل في شأنهم الداخلي ‪ ،‬وإهمالهم‬
‫وعدم التفاتهم لمن يتربّص بهم الدوائر من الخارج ‪ ،‬مما يعطي فرصة أكبر لنجاح الغزو العراقي ‪.‬‬
‫وثالثيا ‪ :‬فيي حالة المجتميع السيرائيلي الراهنية ‪ ،‬وخاصية بعيد اختياره لقيادة هيي الكثير دمويية بيين سيابقاتها ‪،‬‬
‫وبأغلبيية سياحقة مميا يُشيير إلى أن الشعيب بكليتيه ‪ ،‬أصيبح أيضيا شعبيا دموييا فاسيدا ومفسيدا ‪ ،‬وعندميا تصيبح المية‬
‫بأسييرها تملك هذه الصييفة ‪ ،‬وحسييب السيينن اللهييية ‪ ،‬نجييد أن هلكهييا بات وشيكييا جدا ‪ .‬وإذا علمنييا أن السييفاح‬
‫( شارون ) يحمل على عاتقه ‪ ،‬تنفيذ مجمل أحلم اليهود التوراتية الواردة في الفصول السابقة قبل نهاية وليته ‪،‬‬
‫وعلى رأسييها هدم المسييجد القصييى ‪ ،‬نسييتطيع القول بأن هلك هذه الميية لن يتجاوز الربييع سيينوات على أبعييد‬
‫الحتمالت ‪.‬‬
‫ورابعا ‪ :‬في القيادة الحالية المريكية غير المتزنة ‪ ،‬التي أعلنت عدائيتهيا غير المبررة للعراق ‪ ،‬وقامت بضربه‬
‫فور تسيلمها للسيلطة دون سيابق إنذار ‪ ،‬بالرغيم مين سيياساته التصيالحية وتجاوبيه الكاميل ميع قرارات الشرعيية‬
‫الدولية ‪ ،‬وانتهاجه لسيلوب الحوار مع مجلس المن _ وكل ذلك لم ولن يُجدي نفعا ‪ ،‬إذ أن المطلوب من العراق‬
‫هو عبادة إسرائيل التي يعبدون ‪ ،‬وتقديم فروض الطاعة والولء للسامريّون الجدد في الغرب المتصهين _ والتي‬
‫أظهرت أيضيا فيي المقابيل تغاضييا وصيمتا ‪ ،‬على ميا تقترفيه القيادة السيرائيلية بشكيل غيير مسيبوق ‪ ،‬مميا أثار‬
‫حفيظية حتيى المنافقيين مين حلفاء أمريكيا ‪ ،‬فتعاقبيت التنديدات والنتقادات لهذا التصيرف الهوج مين قبيل المُهرّج‬
‫المريكي بوش ‪.‬‬
‫هذا ‪ ،‬فضل عميا أثارتيه القيادة المريكيية مين اسيتياء عالميي ودولي ‪ ،‬لسيياستها المعاديية لدول الشرق القصيى‬
‫والدنى من روسيا شمال وحتى اليمن جنوبا ‪ ،‬ومن الصين شرقا وحتى ليبيا غربا ‪ ،‬ولحلفائها الغربيين من الدول‬
‫غيير المنحازة لسيياساتها ‪ ،‬وللبشريية جمعاء بعدم توقيعهيا على اتفاقيية الحيد مين النبعاث الحراري ‪ ،‬حتيى انعكيس‬
‫ذلك على مشاركيية أمريكييا فييي اللجان المنبثقيية عيين هيئة المييم المتحدة ‪ ،‬فأُسييقطت ميين لجنتييي حقوق النسييان‬
‫ومكافحة المخدرات ‪ ،‬خلل فترة قصيرة مما يعكس السخط الدولي على أمريكا وسياساتها ‪.‬‬
‫فضل عن ذلك ‪ ،‬يأتي مشروع الدرع المضاد للصواريخ المثير للجدل ‪ ،‬والذي تروّج له أمريكا على أنه مشروع‬
‫دفاعييي بحييت ‪ ،‬تسييعى لمتلكييه متذرّعيية بمخاوف غييير منطقييية ميين هجوم نووي ‪ ،‬ربمييا تقوم بييه إحدى الدول‬
‫المارقية كإيران وكورييا الشماليية ‪ ،‬أو جماعات إرهابيية مين الممكين أن تحصيل يوميا ميا على السيلح النووي ‪،‬‬
‫‪204‬‬
‫لضمان تأييد حلفائها لهذا المشروع ‪ ،‬الذين أبدوا حوله الكثير من التحفظات ‪ ،‬لعدم قناعتهم بالمسوغات المريكية‬
‫لهذا المشروع ‪ .‬والذي يُجابيه أيضيا بمعارضية شديدة مين قبيل روسييا والصيين ‪ ،‬كون هذا المشروع سييلغي قوة‬
‫الردع النووية ‪ ،‬لي دولة تمتلك السلح النووي ‪ .‬فالسلح النووي في الصل هو قوة ردع كفيلة ‪ ،‬بمنع أي دولة‬
‫مارقية أو غيير مارقية مين مجرد التفكيير بضرب أمريكيا نووييا ‪ ،‬ليتيبين لنيا أن دوافيع أمريكيا المعلنية لمتلك هذا‬
‫الدرع غير مبررة وغير منطقية ‪.‬‬
‫أما دوافعها غير المعلنة لمتلك هذا الدرع ‪ ،‬فهي نابعة من المخاوف التوراتية والنجيلية ‪ ،‬فيما يتعلّق بالمواجهة‬
‫المقبلة بين الشرق والغرب ‪ ،‬والتي تناولناها في فصل سابق ‪ ،‬ومحركاتها الرئيسية هي العراق وروسيا والمهدي‬
‫‪ .‬وبامتلك أمريكا لهذا الدرع ‪ ،‬تتحول صواريخها النووية إلى أسلحة هجومية ‪ ،‬قادرة على ضرب أي جماعة ‪،‬‬
‫أو دولة نوويا أو غير نووية من المذكورة آنفا ‪ ،‬في حالة قيامها بتهديد المصالح أو أمن أمريكا وحلفائها ‪ ،‬دون أن‬
‫تكترث بأي هجوم نووي مضاد حتيى مين قبيل روسييا والصيين ‪ ،‬وبذلك تسيتطيع أمريكيا فرض إرادتهيا على أي‬
‫دولة بالقوة إن لم تمتثل لسياساتها طواعية ‪ ،‬ضاربة بهيئة المم ومجالسها وقراراتها ومواثيقها عُرض الحائط ‪.‬‬
‫ولو بحثييت عميين يسييعى بحماس لترويييج فكرة هذا الدرع ‪ ،‬فييي الدارة المريكييية ومجلسييي الشيوخ والنواب ‪،‬‬
‫لوجدت أنهييم فييي معظمهييم ميين اليهود وميين المتصييهينين النصييارى ميين عبدة إسييرائيل ‪ ،‬المسييكونين بالمخاوف‬
‫التوراتيية والنجيليية ‪ .‬وأن الهدف المنشود مين إقامية هذا الدرع ‪ ،‬هيو تمكيين النبوءات التوراتيية المسيتقبلية التيي‬
‫توافيق أهوائهيم وأمانيهيم مين التحقيق ‪ ،‬وتعطييل جمييع النبوءات التيي تخالفهيا ‪ ،‬وبذلك تصيبح قابليية نفاذ هذا الوعيد‬
‫بالشكييل الذي نتحدث عنييه شبييه معدوميية بييل مسييتحيلة ‪ ،‬ففور شعور أمريكييا بأي بوادر تحركات عراقييي باتجاه‬
‫إسيرائيل ‪ ،‬لن تتردد الدارة المريكيية التوراتيية فيي أن تجعيل أرض العراق صيعيدا جرزا ‪ ،‬دون خوف أو وجيل‬
‫وليصبح اسم العراق نسيا منسيا ‪ .‬هذا إن لم تستبق المور كما هي العادة ‪ ،‬بضرب العراق والخلص من أمره ‪،‬‬
‫حتيى قبيل أن يُفكير بالتحرك فور امتلكهيا لهذا الدرع ‪ ،‬بعيد خميس سينوات مين البدء فيي تنفيذه حسيب تقديراتهيا ‪،‬‬
‫ليصيبح أمير نفاذ هذا الوعيد بعيد هذه المدة الزمنيية ضربيا مين الخيال ‪ ،‬فل بيد مين تحقيق هذا الوعيد قبيل مضيي هذه‬
‫المدة ‪.‬‬
‫وقد يقول قائل أن أمريكا ل تخشى أحدا ‪ ،‬ولو أرادت بالعراق السوء لفعلت ‪ ،‬ونقول بأن هذا القول غير صحيح ‪،‬‬
‫فلتدمييير القدرة العسييكرية التقليدييية وأسييلحة الدمار الشامييل العراقييية ‪ ،‬احتاجييت أمريكييا أول ‪ :‬مييبررا وهيو غزو‬
‫الكويت ‪ ،‬وثانيا ‪ :‬لجماع أممي لستصدار قرار باستخدام القوة ‪ ،‬وثالثا ‪ :‬لمشاركة ‪ 30‬دولة لتنفيذ الهجوم لتوزيع‬
‫دمه على القبائل ‪ ،‬ومن ثم فُتح المجال لجراءاتها العدائية المستمرة اتجاه العراق ‪ .‬فلو كانت قادرة فما الداعي لما‬
‫قاميت بيه مين خطوات سيبقت الضرب الفعلي للعراق ! ونقول بأن أمريكيا لن تجرؤ على ضرب العراق نووييا ‪،‬‬
‫بداعيي الخوف على مصيالحها أو أمنهيا ‪ ،‬فيي ظيل امتلك نفيس السيلح ‪ ،‬مين قبيل دول مناهضية لهيا ولسيياساتها‬
‫كروسيا والصين ‪ ،‬لنها بالمقابل ستعطي لهما مبررا لضربها نوويا دون سابق إنذار ‪ ،‬في حال قيام أمريكا بتهديد‬
‫مصالحهما وأمنهما ‪ .‬فالمخاوف المريكية من أسلحة الدمار الشامل تأتي من العراق ‪ ،‬وكما نعلم فإن العراق كان‬
‫على علقية طيبية ميع أمريكيا قبيل حرب الخلييج الثانيية ‪ ،‬ولم يُهدّد يوميا ل أمين الوليات المتحدة ول مصيالحها ‪،‬‬
‫وحتيى بعيد احتلله للكوييت لم يكين ذلك ليُغيّر مين طبيعية تلك العلقية ‪ ،‬والذيين هدّد العراق أمنهيم قبيل جرّه لغزو‬
‫الكويت وما زال ‪ ،‬وتستطيع صواريخه الكيماوية والبيولوجية أن تصلهم ‪ ،‬هم يهود إسرائيل وهو ما كان قد أيقظ‬
‫المخاوف التوراتية لسياد أمريكا من اليهود ‪ ،‬فكان ما كان ووقع ما لم يكن في الحسبان ‪.‬‬

‫الجواء الن مغايرة تماما ‪ ،‬للجواء التي قامت في ظلها الدولة اليهودية ‪:‬‬
‫منيذ أكثير من مائتيي سينة ‪ ،‬قام اليهود بوضيع مخطيط طوييل الميد ‪ ،‬جمعوا فييه ميا بيين مطاميع أرباب المال اليهود‬
‫فييي السيييطرة القتصييادية ‪ ،‬وأحلم الحاخامات التوراتييية فييي فلسييطين ‪ .‬وكان الهدف النهائي للعمييل الجماعييي‬
‫اليهودي وميا زال ‪ ،‬هيو السييادة الكاملة على كوكيب الرض مين خلل حكيم ملكيي ديكتاتوري ‪ ،‬يتخيذ مين القدس‬
‫عاصييمة له لتحقيييق مطلب الطرفييين معييا ‪ .‬نظريييا وبإغفال القدرة اللهييية التييي ل يؤميين اليهود بوجودهييا ‪ ،‬فإن‬
‫مخططهم الفسادي قابل للتحقق على أرض الواقع ‪ ،‬أما عمليا وبإدخال القدرة اللهية يُصبح أمر تحقق مخططهم‬
‫هذا ضربا من الخيال ‪.‬‬

‫‪205‬‬
‫وقييد تمكيين اليهود ميين خلل هذا المخطييط ‪ ،‬ميين تحقيييق السيييطرة القتصييادية ‪ ،‬على العالم الغربييي ‪ ،‬بامتلك‬
‫الصناعة المصرفية ‪ ،‬وشراء الستثمارات بكافة أشكالها ‪ ،‬وأهمها الصناعات العسكرية والعلمية ‪ .‬مما مكّنهم‬
‫مين السييطرة على مجميل سيياسيات تلك الدول الداخليية والخارجيية ‪ ،‬ومين ثيم تيم تسيخيرها لخدمية أهداف المخطيط‬
‫اليهودي آنف الذكر ‪.‬‬
‫ولو أمعنت النظر في ظروف المنطقة ‪ ،‬التي سبقت الحربين العالميتين الولى والثانية ‪ ،‬لوجدت أنها تتقاطع كليا‬
‫ميع المخططات اليهوديية ‪ ،‬بإقامية وطين قوميي لهيم فيي فلسيطين ‪ ،‬فيي ظيل موقيف السيلطان عبيد الحمييد ‪ ،‬الرافيض‬
‫حتيى لقامية اليهود فيهيا كأفراد ‪ ،‬حتيى اسيتيئست رسيل اليهود مين المير ‪ .‬ولو أمعنيت النظير فيي نتائج الحربيين ‪،‬‬
‫سييتجد أنهييا خدمييت المخطييط اليهودي بشكييل ملفييت للنظيير ‪ ،‬حيييث تمخضييت الحرب الولى عيين انهيار الدولة‬
‫العثمانيية ‪ ،‬ومين ثيم إصيدار وعيد بلفور ‪ ،‬ووضيع فلسيطين تحيت النتداب البريطانيي ‪ ،‬ومين ثيم فتيح باب الهجرة‬
‫اليهوديية ‪ .‬ومين ثيم قاميت الحرب الثانيية ‪ ،‬فتمخّض عنهيا إنشاء الميم المتحدة مين خميس دول حليفية ومنتصيرة ‪،‬‬
‫وفيي تلك الجواء تيم اسيتصدار قرار أمميي بتقسييم فلسيطين ‪ ،‬مين خلل دعيم غربيي أمريكيي بريطانيي فرنسيي ‪،‬‬
‫وعدم معارضية شرقيية روسيية صيينية ‪ ،‬حييث كان لكيل دولة مين تلك الدول والمأخوذة بنشوة النتصيار ‪ ،‬أطماع‬
‫لنيل جزء من الكعكة العالمية بعد الحرب ‪ ،‬وكان أحد المطالب الغربية ‪ ،‬هو تقديم فلسطين لليهود على طبق من‬
‫ذهيب ‪ .‬وفيي المقابيل ‪ ،‬سيتجد أن نتائج هذه الحرب كانيت مأسياوية على مجميل الدول ‪ ،‬التيي شاركيت فيهيا حتيى‬
‫المنتصييرة منهييا ‪ ،‬بمييا أنهييا تكبّلت بالديون اليهودييية إلى مييا ل نهاييية ‪ ،‬والمسييتفيد الوحيييد دائمييا وأبدا ‪ ،‬هييم تجّار‬
‫الحروب من سادات اليهود ‪ ،‬أثرياء وحاخامات ممن يحكمون العالم الغربي في الخفاء ‪.‬‬
‫ي لنخلص إلى أن قيام إسرائيل واستمرارها ‪ ،‬اعتمد على عدة أمور ‪:‬‬
‫‪.1‬تمكييين بريطانيييا ميين السيييطرة على فلسييطين لسييتصدار وعييد بلفور ‪ ،‬الذي لم يكيين كافيييا لتحقيييق الحلم‬
‫اليهودي ‪ ،‬بإقامية وطين قوميي لهيم فيي فلسيطين ‪ .‬ومين ثيم وضيع فلسيطين تحيت النتداب البريطانيي لتمكيين‬
‫بريطانيا من تنفيذ الوعد ‪ ،‬بفتح أبواب الهجرة وخلق واقع جديد يسمح لليهود بإقامة الدولة ‪.‬‬
‫‪.2‬التضليل العلمي المستمر للرأي العالمي ‪ ،‬بترويج مقولة أرض بل شعب وشعب بل أرض ‪ .‬بالضافة‬
‫إلى التضخيم العلمي لمسألة الضطهاد الممي لليهود ‪ ،‬وخاصة ترويج حكاية ضحايا المحرقة النازية‬
‫الستة مليين ‪ .‬لكسب تعاطف وتأييد الرأي العالمي الغربي ‪ ،‬ومن ثم استغلل الحلفاء الخمسة المنتصرين‬
‫والمؤسسين للمم المتحدة ‪ ،‬لستصدار قرار أممي بتقسيم فلسطين تمخض عنه قيام دولة إسرائيل ‪ ،‬بطلب‬
‫وتأيييد من الدول الغربيية ‪ ،‬وقبول مين الدول الشرقيية ‪ ،‬حييث كانيت حسيبة المصيالح للدول الخمسية الكيبرى‬
‫آنذاك تسير في مركب واحد ‪ ،‬بينما كانت الدول العربية بأسرها مملوكة من قبل الغرب ‪.‬‬
‫‪.3‬الرعايية القتصيادية والسيياسية والعسيكرية المريكيية والوربيية المسيتمرة لسيرائيل فيي حالتيي السيلم‬
‫والحرب ‪.‬‬
‫ي والسؤال الن ‪ ،‬هل الظروف التي أوجدت دولة إسرائيل وحافظت على بقائها واستمراريتها ما زالت قائمة ؟‬
‫‪.1‬فور خروج الجييش البريطانيي وفور العلن عين قيام الدولة اليهوديية ‪ ،‬اسيتطاعت الجيوش العربيية قهير‬
‫الجييش السيرائيلي والوصيول إلى مشارف تيل أبييب ‪ ،‬ولول اسيتجابة العرب للوامير المريكيية بوقيف‬
‫القتال ‪ ،‬لميا اسيتطاع الغرب مين إمداد إسيرائيل بالعدة والعتاد لميا تمكّنيت لحقيا مين النتصيار ‪ ،‬ولميا كان‬
‫هناك ما يُسمى بدولة إسرائيل ‪ ،‬ولكن قدّر ال وما شاء فعل ‪.‬‬
‫‪.2‬بعد النفتاح العلمي وعالمية وسائل التصال وتعدّد مصادر المعلومات ‪ ،‬أُتيح للرأي العالمي وخاصة‬
‫المناهيض لمريكيا وسيياساتها ‪ ،‬رؤيية الجانيب الخير مين الصيورة ‪ ،‬الذي عملت وسيائل العلم الغربيية‬
‫على التعتيم عليه فيما مضى ‪ ،‬فبات الكل يعلم أن فلسطين لم تكن يوما من اليام أرضا بل شعب ‪ ،‬بل فيها‬
‫شعييب ل مثيييل له بييين الشعوب ‪ ،‬له إرادة تفييل الحديييد ويسييتحق التقدييير والحترام ‪ ،‬وبات الكييل يعلم أن‬
‫الشعيب الذي كان يتباكيى مين الضطهاد النازي له ‪ ،‬تيبين أنيه أكثير نازيية ووحشيية مين النازييين أنفسيهم ‪،‬‬
‫ل عالميّي مين أفعاله ‪ ،‬ولول الفيتيو المريكيي والدعيم‬ ‫فتبدّل التعاطيف معيه إلى سيخطٍ علييه واسيتياءٍ وخج ٍ‬

‫‪206‬‬
‫البريطانيي والفرنسيي والتخاذل العربيي المسيلّط على رقاب الفلسيطينيين ‪ ،‬والُمحبِط حتيى لنصيار القضيية‬
‫الفلسطينية من الشعوب غير العربية ‪ ،‬لما استمرت هذه الدولة النازية الجديدة في الوجود ‪.‬‬
‫‪.3‬ولو تتبعنيا كافية الحروب العربيية السيرائيلية ‪ ،‬لوجدنيا أن إسيرائيل لم تكين قادرة بأي حال مين الحوال‬
‫على مجابهيية الجيوش العربييية ‪ ،‬بييل لم تكيين قادرة على حماييية نفسييها ‪ ،‬لول الدعييم العسييكري المريكييي‬
‫البريطانيي الفرنسيي المعلن والخفيي بالسيلح والفراد ‪ ،‬مين خلل الجسيور الجويية التيي كانيت توصيل هذا‬
‫الدعييم ‪ ،‬فالمواجهيية فييي كييل الحروب لم تكيين بييين العرب وإسييرائيل وإنمييا كانييت بييين العرب والغرب ‪،‬‬
‫ولوجدنيا أن مجميل نواييا القيادات العربيية كانيت معروفية باليوم والسياعة ‪ ،‬وأن تحركات الجيوش العربيية‬
‫وإمداداتهييا كانييت معلنيية ومكشوفيية وبطيئة وغييير منسييقة لتعدد القيادات ‪ ،‬ولوجدنييا أن عامييل الوقييت كان‬
‫حاسما في مجمل تلك الحروب ‪ ،‬مما كان يُمكّن إسرائيل من الستعداد وطلب النصرة من الغرب ‪.‬‬
‫كانيت هذه قراءتنيا للواقيع ‪ ،‬أميا معطيات الواقيع المنظور كميا يقرأهيا عامية الناس ‪ ،‬والتيي ل توحيي باقتراب تحقّق‬
‫وعد الخرة وبإمكانية الدخول العراقي لفلسطين في ظل هذه المعطيات ‪ ،‬سنحاول تصحيح هذه القراءة ما أمكن ‪،‬‬
‫من خلل رسم صورة للدخول القادم من خلل صور ومشاهد ‪ ،‬من القرآن والتاريخ والواقع ‪ ،‬لتقريب صفة هذا‬
‫الدخول لذهين القارئ ‪ ،‬وذلك أول ‪ :‬لتأكييد مصيداقية ميا جاء بيه كتاب ال مين أمير هذا الوعيد قبيل تحقّقيه ‪ ،‬وعلى‬
‫النحو الذي أراده رب العزة ل كما أرادته أهواء البشر ‪ ،‬وثانيا ‪ :‬بيان مدى قابلية تحقّق هذا البعث في زمن قريب‬
‫جدا ‪ ،‬وضمن معطيات الواقع الحالي الذي قد يراه الناس مخالفا لما نذهب إليه جملة وتفصيل ‪.‬‬

‫من صور الدخول في القرآن ‪:‬‬


‫نطرح فيما يلي بعضا من صور الدخول مما ورد ذكره في القرآن الكريم ‪:‬‬
‫طةٌ ‪َ ،‬ن ْغفِرْ‬
‫حّ‬‫سجّدًا ‪ ،‬وَقُولُوا ِ‬
‫ث شِئْتُ مْ َرغَدًا ‪ ،‬وَادْخُلُوا الْبَا بَ ُ‬
‫•( َوإِذْ قُلْنَا ا ْدخُلُوا هَذِ هِ ا ْلقَرْ َيةَ ‪َ ،‬فكُلُوا مِ ْنهَا حَيْ ُ‬
‫حسِنِينَ (‪ 58‬البقرة )‬ ‫خطَايَا ُكمْ ‪َ ،‬وسَنَزِيدُ ا ْل ُم ْ‬ ‫َل ُكمْ َ‬
‫كان هذا وصف للدخول ‪ ،‬الذي أُمر به بنو إسرائيل على قرية مدين شبه الخاوية ‪ ،‬بعد هلك أغلبية أهلها بالعذاب‬
‫‪ ،‬وتركهيم لرضهيم ومسياكنهم وممتلكاتهيم مين الزروع والمواشيي ‪ ،‬وهذا ميا يُشيير إلييه قوله تعالى ( فكلوا منهيا‬
‫حييث شئتيم رغدا ) أي أن ميا فيهيا مين خيرات وأنعام ‪ ،‬أصيبح فيي متناول أيديهيم بمجرد الدخول ‪ ،‬وهذه العبارة‬
‫قيلت لدم وزوجه عند أمرهم بدخول الجنة ‪ ،‬وكان هذا من لطف ال بهم ومنّه وكرمه عليهم ‪ ،‬ولذلك طُلب منهم‬
‫عنيد دخول باب القريية ‪ ،‬التعيبير بالقول والهيئة عين شكرهيم وطاعتهيم ل على هذه النعمية التيي كانوا قيد طلبوهيا‬
‫سييابقا ‪ ،‬وتحص يّلوا عليهييا دون جهييد أو عناء ‪ ،‬إذ لم يُجابهوا بأييية ممانعيية أو مقاوميية ‪ ،‬بييل على العكييس قوبلوا‬
‫بالترحيب ‪ ،‬من قبل شعيب والقلة المؤمنة ممن بقي من قومه ‪ ،‬لمصاهرة موسى عليه السلم لهم وإقامته عندهم‬
‫فيما مضى ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫•( قَالَ َرجُلَنِ ‪ ،‬مِنَ الّذِينَ َيخَافُونَ ‪ ،‬أَ ْن َعمَ الُّ عَلَ ْي ِهمَا ‪ ،‬ا ْدخُلُوا عَلَ ْي ِهمُ الْبَابَ ‪ ،‬فَإِذَا َدخَلْ ُتمُوهُ فَإِ ّن ُكمْ غَالِبُونَ (‬
‫‪ 23‬المائدة )‬
‫كان هذا وصيف للدخول الذي أُمير بيه بنيو إسيرائيل لدخول الرض المقدّسية المأهولة بالسيكان ‪ ،‬فيي محاولة مين‬
‫رجلين مؤمنين عالمين بواقع الحال ‪ ،‬لتشجيعهم وطمأنتهم ‪ ،‬لعلهيم يرجعون عن موقفهم الرافض لدخولها وطرد‬
‫سيكانها الوثنيون والسيتيطان فيهيا بدل منهيم ‪ ،‬حييث يؤكيد لهميا الرجلن ‪ ،‬بأنهيم لن يتعرضوا للذى عنيد الدخول‬
‫وفيي حال كانيت هناك مواجهية ‪ ،‬فلن يُكلّفهيم ذلك سيوى كسير الباب بقتيل الحراس المتواجديين علييه ومباغتية أهلهيا‬
‫في الداخل ‪ .‬وعلى ما يبدو أن موسى عليه السلم قبل أن يأمر بني إسرائيل بالدخول ‪ ،‬كان قد بعث هذين الرجلين‬
‫للتجسييس على أهييل المدينيية المقدّسيية ‪ ،‬فوجدا أن أهلهييا على غييير اسييتعداد للحرب وأنهييم ل يملكون جيشييا ‪ ،‬ولم‬
‫يكونوا جبارين حقيقة كما ادعى بنوا إسرائيل لحقا ‪ ،‬وأنهم ل يملكون سوى بضعة حرّاس على باب المدينة فقط‬
‫‪ .‬وعندميا أمير موسيى قوميه بالدخول رفضوا مُتذرعيين بجيبروت أهلهيا تقاعسيا وخذلنيا وجبنيا ‪ ،‬فعقّب هذيين‬
‫الرجلين على قول موسى ‪ ،‬بقولهم ذلك تفنيدا لدّعائهم وتوضيحا لحقيقة المر كما رأوها بأُ مّ أعينهم ‪ ،‬ومع ذلك‬
‫أصي ّر بنييو إسييرائيل على موقفهييم الرافييض للدخول بقلة إيمانهييم وفسييقهم وجبنهييم ‪ .‬ودخول كهذا يحتاج للمباغتيية‬

‫‪207‬‬
‫كعنصيير أسيياسي ‪ ،‬لمنييع الخصييم ميين السييتعداد والجاهزييية للقتال ‪ ،‬ممييا يُقلّل أو يمنييع الخسييائر فييي المواجهات‬
‫المكشوفة ‪ ،‬ويدفع الخصم إلى الستسلم والرضوخ للمر الواقع ‪ ،‬ومن ثم الرحيل عن الرض ‪.‬‬
‫جعَلُوا أَعِزّ َة أَ ْهِلهَا أَذِّلةً ‪ ،‬وَكَذَلِكَ َي ْفعَلُونَ (‪ 34‬النمل )‬
‫ت إِنّ ا ْلمُلُوكَ ‪ ،‬إِذَا َدخَلُوا َقرْ َي ًة أَ ْفسَدُوهَا ‪َ ،‬و َ‬
‫•( قَالَ ْ‬
‫وكان هذا وصيفا لدخول الملوك على القرى المتمرّدة والمتطاولة على أمرهيم ومكانتهيم ‪ ،‬وجاء هذا الوصيف على‬
‫لسيان ملكية سيبأ ‪ ،‬تحذيرا لقومهيا مين عصييان أمير الملك سيليمان علييه السيلم ‪ ،‬وهذا الدخول هيو السيوأ على‬
‫الطلق ‪ .‬وانظير فيي ر ّد سيليمان علييه السيلم عندميا تمرّدوا على أمره ولم يأتوه مسيلمين كميا طلب حيين قال (‬
‫ا ْرجِ ْع إِلَ ْيهِ مْ ‪ ،‬فَلَنَأْتِيَ ّنهُ مْ ِبجُنُو ٍد لَ قِ َبلَ َلهُ مْ ِبهَا ‪ ،‬وَلَ ُنخْ ِرجَ ّنهُ مْ مِ ْنهَا أَذِّل ًة وَهُ مْ صَاغِرُونَ (‪ 37‬النمل ) فعصيان أمر‬
‫الملوك ‪ -‬ذوي القوة والعزة والنفية ‪ -‬والتطاول عليهيم بأي شكيل مين الشكال ‪ ،‬يُحميل على أنيه تحقيير وتقلييل مين‬
‫شأنهيم ويُعتيبر إهانية ل يسيتطيعون غفرانهيا ‪ ،‬والرد عليهيا عادة ميا يكون كميا هيو ظاهير فيي رد سيليمان عليهيم ‪،‬‬
‫بإرسال جيش ل قبل للخصم به ل من حيث العدد ول من حيث العدة ‪ ،‬ونتيجة فعلهم هي كما وصفته ملكة سبأ في‬
‫الية الولى ‪ ،‬وما أكدّ عليه سليمان في الية الثانية أعله ‪.‬‬
‫وغاييييية هذا الدخول فييييي العادة تكون للنتقام ورد العتبار ‪ ،‬باسييييتباحة الرض والمال والعرض وبتخريييييب‬
‫الممتلكات والقتيل والتنكييل فيي العامية ‪ ،‬وأسير عليية القوم وإذللهيم ومين ثيم قتلهيم والتنكييل بهيم وسيبي نسيائهم‬
‫وأطفالهيم ‪ ،‬وتسيخيرهم للعميل كجواري وخدام فيي القصيور إمعانيا فيي إذللهيم ‪ ،‬ودخول كهذا عادة ميا تُعلن فييه‬
‫الرغبية فيي النتقام ‪ ،‬ويتيم فييه تهدييد الخصيم مسيبقا لذلله وإدخال الرعيب فيي قلبيه ‪ ،‬مميا يكون أدعيى لنهياره‬
‫وسرعة تداعيه عند المواجهة ‪ ،‬في حال تجرّأ على ذلك ‪.‬‬
‫ق الُّ رَس بُو َلهُ ال ّرؤْيَا بِا ْلحَقّ ‪ ،‬لَتَ ْدخُلُنّ ا ْلمَس بْجِدَ ا ْلحَرَام بَ ‪ ،‬إِن ْب شَاءَ الُّ ءَامِنِين بَ ‪ُ ،‬محَّلقِين بَ‬ ‫•( َلقَدْ ص بَدَ َ‬
‫ج َع َل مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَ ْتحًا قَرِيبًا (‪ 27‬الفتح )‬ ‫ن لَ َتخَافُونَ ‪َ ،‬فعَ ِل َم مَا َلمْ َتعْ َلمُوا ‪َ ،‬ف َ‬
‫س ُكمْ ‪َ ،‬ومُقَصّرِي َ‬
‫رُءُو َ‬
‫هذه هيي المرة الخرى والوحيدة فيي القرآن ‪ ،‬التيي يرتبيط فيهيا ذكير الدخول بالمسيجد وهيو دخول المسيجد الحرام‬
‫فيي مكية ‪ ،‬ولو أمعنيت النظير فيي نيص اليية سيتجد أنهيا تصيف المسيلمين أثناء تأديية العمرة ‪ ،‬وقيد جاء فيي كتيب‬
‫سمّي لحقا بعمرة القضاء ‪ ،‬في العام التالي لصلح الحديبية فأنزلت هذه الية‬ ‫التفسير أن هذه الرؤيا قد تحقّقت فيما ُ‬
‫سمّي في القرآن فتحا وليس دخول‬ ‫تصديقا للرؤيا ووعدا بالفتح ‪ ،‬وأما الدخول العسكري لمكة والمسجد الحرام ‪ ،‬ف ُ‬
‫‪ ،‬والمعروف أن المسلمين عندما خرجوا لغزو مكة كانوا قد أعدوا عدة الحرب ‪ ،‬وقد روى المام مسلم عن جابر‬
‫‪ " :‬أن رسول ال دخل مكة وعليه عمامة سوداء من غير إحرام " ‪ ،‬وقال ابن كثير في تفسيره للية ( ‪ )24‬من‬
‫نفيس السيورة ‪ ،‬والتيي سييرد نصيها فيي الحدييث عين فتيح مكية أن الرسيول علييه الصيلة والسيلم ‪ " :‬لم يسيق عام‬
‫الفتح هديا وإنما جاء محاربا مقاتل في جيش عرمرم " ‪.‬‬

‫المقصود بدخول المسجد ‪:‬‬


‫الدخول القادم للمسيجد القصيى لن يكون لتخريبيه كميا وقيع فيي المرة الولى ‪ ،‬ولن يكون بقصيد الزيارة فقيط لداء‬
‫عبادة من العبادات ‪ ،‬كما هو الحال عند دخول المسجد الحرام الموصوف في الية أعله ‪ ،‬فالمقصود بقوله تعالى‬
‫( وليدخلوا المسيجد ) هيو الدخول إلى الرض المباركية التيي تحوي هذا المسيجد ‪ ،‬أي فلسيطين ككيل والسييطرة‬
‫عليها ‪ ،‬وذِكر المسجد الذي هو بمثابة القلب من الجسد بالنسبة للرض المباركة والمقدّسة ‪ ،‬جاء للشارة وللتأكيد‬
‫على أن نفاذ الوعييد بشكييل كامييل ‪ ،‬وسيييتحصل أخيرا بدخول القدس لزالة العلو اليهودي ميين فلسييطين وإنهاء‬
‫الوجود اليهودي فيها ‪.‬‬
‫لخِرَةِ ‪ ،‬لِيَسبُوءُوا ُوجُو َهكُمْب ‪ ،‬وَلِيَ ْدخُلُوا ا ْلمَسْبجِدَ (‪ )7‬سيتجد أن الغايية‬
‫ولو تمعنّت فيي قوله تعالى ( فَإِذَا جَا َء وَعْدُ ا ْ‬
‫من البعث فيي الصل هي إساءة وجوه اليهود ‪ ،‬وستتحصّل هذه الساءة من جرّاء ما سيقع فيهم من قتل وتنكيل‬
‫وسيبي وفرار ‪ .‬ومين ثيم جاء ذكير المسيجد ليكون دخول القدس واسيتعادتها ‪ ،‬نتيجية تأتّى مين جرّاء ميا وقيع فيي‬
‫اليهود مين إسياءة ‪ ،‬والنكيى والكثير إيلميا لمين بقيي مين اليهود بعيد زوال دولتهيم ‪ ،‬هيو أن ُتتّخيذ القدس عاصيمة‬
‫لدولة عربية كيبرى ‪ ،‬لتصيبح أحلم يهود الشرق والغرب المتعلقية بهيا هبا ًء منثورا ‪ ،‬بعيد أن كانيت قاب قوسيين أو‬
‫أدنيى مين التحقيق ‪ .‬وبالتالي يكون مجييء لفيظ الدخول فيي هذه الحالة ‪ ،‬تأكيدا لتحريير فلسيطين واسيتعادة المسيجد‬
‫والسيتيلء علييه مين قبيل المبعوثيين ‪ ،‬وأن البعيث لم يقتصير على إسياءة الوجوه فقيط ‪ .‬والتشيبيه هنيا كان لصيفة‬
‫‪208‬‬
‫الدخول منيذ اجتيازهيم لحدود الرض المقدّسية ‪ ،‬بميا تخلله مين قتيل وتنكييل وأسير وإذلل حتيى وصيولهم إلى قلب‬
‫مدينة القدس ‪ ،‬ليتأكد لنا زوال علوهم منها بشكل كامل قهرا وقسرا ‪ ،‬بالضبط كما حصل في المرة الولى ‪ ،‬عند‬
‫دخول البابليين بقيادة نبوخذ نصّر ‪.‬‬
‫وعلى مييا يبدو أن الدخول القادم ‪ ،‬سيييجمع بييين صييفتي الدخول الثانييي والثالث المشار إليهمييا أعله ‪ ،‬لن غاييية‬
‫الدخول القادم تجميع ميا بيين غايتيهميا ‪ ،‬وهميا أول ‪ :‬طرد اليهود وإعادة الرض لصيحابها الصيليين ‪ ،‬وثانييا ‪:‬‬
‫إشباع الرغبة العراقية في النتقام من اليهود وإذللهم ‪.‬‬
‫ومن جانب آخر ‪ ،‬نجد أن قوله تعالى ( ليسوءوا … وليدخلوا … كما دخلوه … ) يصف ما سيجري على أرض‬
‫فلسيطين لحظية الوصيول إليهيا ‪ ،‬وحتيى اسيتعادة كاميل أرضهيا ‪ .‬والذي سييجري حقيقية على أرض الواقيع حسيب‬
‫الوصف القرآني ليس بمعركة ‪ ،‬وإنما غزو من قبل أمة ل تعرف الرحمة لمة ضعيفة وجبانة مستباحة الرض‬
‫والمال والعرض ‪ ،‬ولو أنك فكّرت بهذا الحدث نظريا كما جاء به النص القرآني ‪ ،‬وحاولت مطابقته مع معطيات‬
‫الواقع الحالي ستجد بأن عملية تحققه ضرب من الخيال ‪ ،‬ضمن الظروف الراهنة التي تؤكد رجحان كفة موازين‬
‫القوى العالمية ‪ ،‬لصالح اليهود وحلفائهم الغربيين ‪.‬‬

‫صور من الواقع ‪:‬‬


‫ل مين‬
‫يي حال إسيرائيل فيي المنطقية كحال ثري يملك منزل فيي منطقية معزولة عين المدينية ‪ ،‬يحتوي على كمّ هائ ٍ‬
‫الكنوز والمقتنيات الثمينية ‪ ،‬ويقتنيي عتاد جييش كاميل مين السيلحة ‪ ،‬مين مسيدسات وأسيلحة رشاشية وقنابيل يدويية‬
‫وصواريخ ‪ ،‬لحماية هذه الممتلكات من هجمات اللصوص ‪.‬‬
‫فلو أن مجموعية كيبيرة مين اللصيوص ل تملك سيوى السيلح البييض فكّرت بالسيطو على مثيل هذا المنزل ‪ ،‬فهيل‬
‫ستنجح ؟!‬
‫•إذا وقيع هذا السيطو وشعير صياحب المنزل باللصيوص وهيم خارج السيوار ‪ ،‬فسييكون بمقدوره التصيال‬
‫برجال المن ومشاغلتهم بما لديه من السلحة متنوعة وفتاكة ‪ ،‬حتى يتمكن من الحصول على المساعدة ‪،‬‬
‫هذا إن لم يكن قد فرق شملهم وأبادهم عن بكرة أبيهم قبل وصول المساعدة إليه ‪ ،‬لتكون إمكانية صدهم في‬
‫هذه الحالة كبيرة جدا ‪.‬‬
‫•إذا وقيع السيطو ولم يشعير صياحب المنزل باللصيوص ‪ ،‬إل بعيد دخولهيم إلى المنزل والنتشار فيي أرجاءه‬
‫فهييو خاسيير ل محالة ‪ ،‬ولكيين أمامييه عدة خيارات أول ‪ :‬التصييال بالمسيياعدة التييي لن تصييل فييي الوقييت‬
‫المناسيب وسييكون ضررهيا أكثير مين نفعهيا فيي حال أحيس اللصيوص بذلك ‪ ،‬فقيد يُصيبح قتله أمرا محتميا‬
‫وكذلك الحال فيمييا لو حوصيير اللصييوص ميين قبييل رجال الميين داخييل المنزل المُتخييم بالسييلحة ‪ ،‬ثانيييا ‪:‬‬
‫المواجهية المسيلحة فيميا لو لم يتمكين مين التصيال ‪ ،‬والنتيجية ميع كثرتهيم محسيومة لصيالحهم بقتله ونهيب‬
‫محتويات المنزل ‪ ،‬وثالثا ‪ :‬الفرار أو الختفاء والتسليم بالمر الواقع لتنهب محتويات المنزل ‪.‬‬
‫•إذا وقع السطو ولم يشعر صاحب المنزل باللصوص إل وسكين أحدهم تضغيط على حنجرته منبهين إياه‬
‫من النوم ‪ ،‬هنا ستكون النتيجة محسومة فنهب المنزل أصبح تحصيل حاصل ‪ ،‬وأما أمر نجاته من عدمها‬
‫فمرهون بأيدي اللصوص ‪.‬‬
‫ولغزو إسييرائيل يتطلب الميير تجنّيب الحالة الولى ‪ ،‬وهييي مييا جرت عليييه العادة فييي كافيية الحروب العربييية‬
‫السيرائيلية ‪ ،‬والعميل على ميا أمكين على تحقييق الحالة الثالثية أو الحالة الثانيية على القيل ‪ ،‬بهجوم كيبير وشاميل‬
‫ومباغت وسريع ‪ ،‬تكفله وحدة القيادة من خلل العمل المنسقّ والمحافظة على السرية التامة ‪ ،‬مما يحرم إسرائيل‬
‫مين السيتعداد ‪ ،‬ويلغيي جمييع قدراتهيا الدفاعيية والهجوميية ويحرمهيا حتيى مين القدرة على طلب المسياعدة كذلك ‪،‬‬
‫ولنخلص إلى القول بأن نجاح هذه المهمة يتطلّب عدة عوامل ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬إعداد جيش كبير العدد ‪ ،‬يفوق تعداد الجيش السرائيلي أضعافا مضاعفة ‪ ،‬يتم تدريبه على كافة الساليب‬
‫القتاليية الحديثية ‪ ،‬ويكون لفراده القدرة على تحميل الجهيد والجوع والعطيش ‪ ،‬والقدرة على البقاء والسيتمرارية‬
‫في أقسى الظروف ‪ ،‬تملؤهم رغبة جامحة بالنتقام ‪ ،‬ويُسيّرهم حقد جارف ‪.‬‬
‫‪209‬‬
‫ثانيا ‪ :‬المحافظة على السرية التامة منذ لحظة النطلق حتى الوصول ‪ ،‬لتوفير عنصر المباغتة ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬سرعة الوصول ‪ ،‬باستخدام كافة الوسائل والتقنيات العصرية المتاحة ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬شمولية الهجوم ‪ ،‬من خلل تعدد الجبهات ‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬سرعة النتشار ‪.‬‬
‫يي ولو نظرنيا إلى واقيع إسيرائيل سيتجد أنهيا أشبيه بالطفيل الخداج الذي يعييش فيي بيئة مصيطنعة ‪ ،‬ويحتاج فيهيا إلى‬
‫مين يٌقدّم له الحمايية والرعايية والعنايية المسيتمرة والحثيثية والمداد بالغذاء والهواء فيي الظروف الطبيعيية ‪ ،‬وإلى‬
‫العلج المكثف في الزمات الصحية بسبب نقص المناعة وعدم القدرة على المقاومة ‪.‬‬
‫ومشكلة إسرائيل أن حاضنتها تقع في بيئة معادية ‪ ،‬وهي عرضة لن يُفتك بها في أي لحظة ‪ ،‬وأن أمريكا القائمة‬
‫على رعايتها والعناية بها تبعد عنها آلف الميال ‪ ،‬وتحتاج إلى وقت ليس بالقصير لتقديم العون لها كلما أل ّم بها‬
‫عارض مفاجيئ ‪ ،‬وغالبيا ميا كانيت أمريكيا تلجيأ إلى الحيلة والمماطلة ‪ ،‬فيي كيل مرّة لكسيب الوقيت كيي تؤمين لهيا‬
‫العلج المناسب وتنقذها من الهلك ‪.‬‬
‫وللتخلص ميين هذا المسييخ ‪ ،‬يتطلب الميير المباغتيية بالهجوم وسييرعة النجاز وعدم التأخييير أثناء عملييية القتييل‬
‫والستمرارية حتى مفارقة الروح الجسد ‪ ،‬لحرمان القائمة على الرعاية من كسب الوقت ‪ ،‬الذي تحتاجه لتعطيل‬
‫عملية قتيل المسيخ ومن ثم لتقوم بإنعاشيه ‪ ،‬كميا جرت العادة فيي كافية الحروب العربيية السيرائيلية ‪ .‬ولنخلص إلى‬
‫القول بأن نجاح هذه المهمة يعتمد على ثلثة عوامل ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬المباغتة بالهجوم ‪.‬‬
‫وثانيا ‪ :‬سرعة النجاز ‪.‬‬
‫وثالثا ‪ :‬الستمرارية حتى مفارقة الروح الجسد إذ ليس بإمكان أمريكا أن تحيي الموتى ولو فكّرت بذلك فلن تجد‬
‫من يُؤيّدها ‪.‬‬

‫صور من التاريخ السلمي ‪:‬‬


‫فيي السينة السيادسة للهجرة كان الرسيول علييه الصيلة السيلم وألف وأربعمائة رجيل مين المسيلمين ‪ ،‬قيد أحرموا‬
‫بالعمرة متوجهيين إلى مكية ‪ ،‬فلميا علم مشركيي قرييش بالمير خرجوا بخيلهيم لصيدّهم عين دخول المسيجد الحرام ‪.‬‬
‫فسلك عليه الصلة والسلم طريقا غير التي كان عليها ‪ ،‬حتى وصل إلى الحديبية بركت الناقة على غير عادتها ‪،‬‬
‫فعلم علييه الصيلة والسيلم أنهيا لن تعدو مكانهيا ‪ ،‬وبأن العمرة لم تُكتيب لهيم ذلك العام فأقام ومين معيه فيهيا ‪ .‬فكان‬
‫فيها الصلح الذي كان من بنوده ‪ ،‬حرمان المسلمين من أداء العمرة في ذلك العام على أن يعودوا لدائها في العام‬
‫المقبل فشُقّ ذلك على المسلمين ‪ ،‬ومنهم عمر بن الخطاب رضي ال عنه ‪ ،‬الذي أراد قتالهم والدخول قسرا ‪ ،‬ولم‬
‫تهدأ سَوْرة غضبه إل بعض أن أُنزلت آيات سورة الفتح ‪ ،‬مُبيّنة الحكمة اللهية التي غفل عنها بعض من أيّد قتال‬
‫أهل مكة من الصحابة رضوان ال عليهم ‪.‬‬
‫ن الُّ ِبمَا‬ ‫ظفَ َركُ مْ عَلَ ْيهِ مْ ‪َ ،‬وكَا َ‬
‫ن َأ ْ‬‫ن َم ّكةَ ‪ ،‬مِ نْ َبعْ ِد أَ ْ‬
‫قال تعالى ( وَ ُهوَ الّذِي كَفّ أَيْدِ َيهُ مْ عَ ْنكُ مْ ‪َ ،‬وأَيْدِ َيكُ مْ عَ ْنهُ مْ بِ َبطْ ِ‬
‫َت ْعمَلُونَب بَصبِيرًا (‪ )24‬هُمُب الّذِينَب كَفَرُوا ‪ ،‬وَصَبدّو ُكمْ عَنِب ا ْلمَسْبجِدِ ا ْلحَرَامِب ‪ ،‬وَا ْلهَدْيَب َم ْعكُوفًا أَنْب يَبْلُغَب َمحِلّهُب ‪ ،‬وَ َل ْولَ‬
‫خ َل الُّ فِي‬ ‫علْمٍب ‪ ،‬لِيُ ْد ِ‬
‫ِرجَا ٌل ُم ْؤمِنُونَب وَنِسبَا ٌء ُم ْؤمِنَاتٌب ‪ ،‬لَمْب َتعْ َلمُوهُمْب ‪ ،‬أَنْب َتطَئُوهُمْب ‪ ،‬فَتُصبِي َبكُ ْم مِ ْنهُمْب َمعَرّةٌ ِبغَيْرِ ِ‬
‫ن َكفَرُوا مِ ْنهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (‪ 25‬الفتح ) فبالرغم من توافر الرغبة اللهية‬ ‫حمَتِ ِه مَنْ َيشَاءُ ‪َ ،‬لوْ تَزَيّلُوا ‪َ ،‬لعَذّبْنَا الّذِي َ‬
‫َر ْ‬
‫فيي تعذييب الكفار وتوافير التأيييد اللهيي للمسيلمين فيي مواجهاتهيم للمشركيين ‪ ،‬وأسير المسيلمين لمين خرج لصيدّهم‬
‫عين المسييجد مين مشركيي قرييش ‪ ،‬مُنيع المسيلمين مين الدخول لمكية قسيرا ‪ ،‬لئل يُلحقوا الذى بالمؤمنيين غيير‬
‫المعلومين من أهل مكة ‪ ،‬وأنه لو كان هؤلء ظاهرين ومعلومين ‪ ،‬ل سُمح للمسلمين بقتال المشركين ودخول مكة‬
‫قسرا ‪.‬‬
‫قلنيا فيي فصيل سيابق أن صيفة دخول المسيجد القصيى ‪ ،‬فيي المرة الثانيية مشابهية لصيفة دخوله فيي المرة الولى ‪،‬‬
‫والدخول الول كميا علمنيا كان مين قبيل البابلييين ‪ .‬ولكين ميا نود أن نؤكيد علييه هنيا ‪ ،‬أن ظروف الدخول الول‬
‫‪210‬‬
‫مختلفيية عيين ظروف الدخول الثانييي ‪ ،‬فالدخول الول وقييع على كفرة اليهود وفسييقتهم ‪ ،‬بعييد أن قاموا بإخراج‬
‫المؤمنيين المسيتضعفين مين ديارهيم ‪ ،‬وإبعادهيم إلى خارج حدود المملكية ‪ .‬وميا نراه أمامنيا على أرض الواقيع فيي‬
‫فلسطين ككل ‪ ،‬هو تداخل المدن الفلسطينية بالمدن اليهودية والمستوطنات ‪ ،‬واختلط السكان من عرب ويهود في‬
‫بعييض المدن وخاصية فييي مدينية القدس ‪ .‬وهذا الواقيع مشابيه إلى حيد ميا ظروف مكيية قبيل الفتييح حييث اختلط‬
‫المؤمنين سرّا بالكفار ‪ ،‬وهذا مما ينفي ‪ ،‬وال أعلم ‪ ،‬استخدام القوة بشكل مفرط أثناء الدخول العراقي لفلسطين ‪،‬‬
‫ومميا ينفيي وقوع مواجهية شاملة فيي حرب معلنية ومكشوفية ‪ ،‬ولنتعرف على الفكير العسيكري لرسيول ال علييه‬
‫الصلة والسلم ‪ ،‬في كيفية التعامل مع هذا الواقع وكيفية التدبير اللهي في تنفيذ وعده سنعرض فيما يلي بعض‬
‫الملمح من فتح مكة ‪.‬‬
‫لما كان صلح الحديبية دخل بنو بكر في عقد قريش ‪ ،‬ودخلت خزاعة في عقد رسول ال عليه الصلة والسلم ‪،‬‬
‫فاغتنمت جماعة من بني بكر تحالفها مع قريش في السنة الثامنة للهجرة ‪ ،‬فأصابوا من خزاعة ثأرا قديما لهم ‪،‬‬
‫وكانيت قرييش قيد رفدت بنيي بكير بالسيلح والرجال ‪ ،‬فخرج نفير مين خزاعية حتيى قدموا على رسيول ال علييه‬
‫الصيلة والسيلم ‪ ،‬فأخيبروه بميا أصييب منهيم ومظاهرة قرييش لبنيي بكير عليهيم ‪ ،‬فوعدهيم علييه الصيلة والسيلم‬
‫بالنصير فانصيرفوا راجعيين ‪ ،‬فخرج أبيو سيفيان حتيى قدم المدينية ليطلب الشفاعية ويش ّد فيي العقيد ويزييد فيي المدة‬
‫فرجع خائبا ‪.‬‬
‫في تلك الثناء أُمر المسلمون بالجهاد ‪ ،‬وأُخفيت عنهم جهة الخروج في بادئ المر كما أُخفي موعد الخروج ‪ ،‬ثم‬
‫إن رسيول ال أخيبر الناس قبييل خروجيه بفترة قصييرة أنيه سيائر إلى مكية وأمرهيم بالجدّ والتهييؤ ‪ ،‬وقال ‪ " :‬اللهبم‬
‫خُذ العيون والخبار عبن قريبش حتبى نبغتهبا فبي بلدهبا " ‪ .‬وكلنيا يعلم قصية حاطيب بين أبيي بلتعيه ‪ ،‬عندميا حاول‬
‫إعلم قرييش بميا كان مين أمير المسيلمين ‪ ،‬فكشيف ال أمره عين طرييق الوحيي ف ُعمّييت الخبار عين قرييش ونزل‬
‫جيش الفتح بالقرب من مكة دون أن يشعر به أهلها ‪.‬‬
‫كان العباس عم الرسول عليه الصلة والسلم ‪ ،‬قد أعلن إسلمه عند مقدم جيش المسلمين لغزو مكة ‪ ،‬ومما قاله‬
‫حييين نزل رسييول ال مرّ الظهران ‪ " :‬واصببباح قريببش ‪ ،‬وال لئن دخببل رسببول ال مكببة عنوة قبببل أن يأتوه‬
‫فيسبتأمنوه ‪ ،‬إنبه لهلك قريبش إلى آخبر الدهبر " ‪ .‬فخرج العباس رضيي ال عنيه ليبحيث عين رجيل مين قرييش ‪،‬‬
‫ليطلب لهيا المان مين رسيول ال علييه الصيلة والسيلم ‪ ،‬خوفيا مين أن يُهلكهيا جييش المسيلمين القادم للنتقام منهيا‬
‫لنقض العهد ‪ ،‬فوجد صاحبه أبي سفيان فاستجلبه ليطلب المان ‪ ،‬ولول ما أُعطي أبو سفيان من المان لهل مكة‬
‫وإطلق سراحه صباحا ‪ ،‬ليُخبرهم قبل دخول جيش المسلمين لهلكت قريش ‪.‬‬
‫كانيت قرييش ‪ -‬بعيد أن نقضيت العهيد ‪ -‬تتوقيع خروج الرسيول علييه الصيلة والسيلم عليهيا ‪ ،‬ولكنّي معرفتهيا لوقيت‬
‫خروجيه على وجيه الدقية ‪ ،‬لم تكين متحصيّلة لذلك لم تقيم بالسيتعداد للمواجهية ‪ ،‬وكانيت تعتميد على خيبر يأتيهيا مين‬
‫عمليات التجسيس ‪ ،‬التيي دأبيت على القيام بهيا منيذ نقضهيا للعهيد للبدء فيي السيتعداد ‪ .‬ولكين ذلك الخيبر لم يأت‬
‫بمشيئة ال حتى كان صباح يوم الفتح على لسان أبي سفيان ‪ ،‬الذي كان قد أسلم داعيا أهل مكة إلى الستسلم ل‬
‫داعيا إياهم إلى النفير ‪.‬‬

‫مقومات وظروف فتح مكة ‪:‬‬


‫كان مُحرّك الخروج على قريش ‪ ،‬هو الرغبة في النتقام منها لنقضها العهد والثأر لبني خزاعة بالضافة لدوافع‬
‫أخرى ‪ ،‬أما رسول ال عليه السلم فكان أرحم بأهل قريش من أنفسهم ‪.‬‬
‫‪.1‬توافر الوعد اللهي لرسوله وللمؤمنين بالفتح ‪.‬‬
‫‪.2‬حاطة عملية الخروج بالسرية التامة لتوفير عنصر المباغتة ‪ ،‬مما حرم قريش من الستعداد للمواجهة ‪،‬‬
‫سيواء بإعداد العدد والعدة أو بالسيتعانة بميا حولهيا مين القبائل ‪ ،‬ممين كانوا على عداء ميع المسيلمين ‪ ،‬وميع‬
‫أن المسافة ما بين المدينة ومكة تزيد على ‪ 400‬كم ‪ ،‬وأن وسائل النتقال كانت بدائية وبطيئة جدا ‪ ،‬تمكّن‬
‫المسلمون من الوصول ومباغتة أهل مكة من خلل الخذ بالسباب والعتماد على التأييد اللهي ‪.‬‬

‫‪211‬‬
‫‪.3‬تأميين الزيادة العدديية لدب الرعيب فيي قلوب المشركيين ‪ ،‬وإجبارهيم على السيتسلم لنعدام القدرة على‬
‫المواجهة ‪ ،‬ولسحق أي مقاومة محتملة مهما كان حجمها ‪ ،‬حيث بلغ تعداد الجيش قرابة عشرة آلف رجل‬
‫‪ ،‬وهيو نفيس العدد الذي اسيتطاعت قرييش وحلفائهيا مين القبائل ‪ ،‬جمعيه فيي غزوة الخندق وهيو ميا حُرميت‬
‫قريش من فعله عند فتح مكة ‪.‬‬
‫‪.4‬علم المسلمين التام بجغرافية مكة ومحيطها مما أفاد المسلمين قبل وأثناء الدخول ‪.‬‬
‫‪.5‬والهم من كل ما تقدّم هو التأييد والتمكين والتدبير اللهي ‪ ،‬من البداية إلى النهاية لنجاز ذلك الوعد ‪.‬‬
‫يي والن لو طرحنيا التسياؤل التالي ‪ ،‬ألييس مين الممكين أن تتوفير ذات المقومات للعراقييين ليُنجيز ال وعده لبنيي‬
‫إسرائيل ؟!‬
‫‪.1‬توافر نفس المُحرّك للخروج وتوافر دوافع ومبررات أخرى طرحناها أعله ‪.‬‬
‫‪.2‬توافر الوعد اللهي بعقاب بني إسرائيل على أيدي العراقيين حتى لو لم يُذكروا بالسم في النص القرآني‬
‫‪.‬‬
‫‪.3‬توافير وحدة القيادة وقدرتهيا فيي هذه الحالة على إخفاء أمير الغزو مين حييث توقيتيه وكيفيّتيه مميا يضمين‬
‫عنصر المباغتة ‪.‬‬
‫‪.4‬القرب المكاني وتوافر آليات النقل الحديثة مما يضمن سرعة الوصول ‪.‬‬
‫‪.5‬توافير الكثرة والسيتعداد والتدرييب المكثيف ‪ ،‬فهذا هيو ميا يُشاهده القاصيي والدانيي على شاشية التلفزيون‬
‫العراقي مؤخرا ‪ ،‬ول يأخذ هذا المر على محمل الجدّ ‪ ،‬إل يهود أمريكا وإسرائيل من المؤمنين بالنبوءات‬
‫التوراتية ‪ ،‬لدرجة أن ( شارون ) سافر مؤخرا لمريكا فقط ‪ ،‬لبحث أمر جيش القصى الذي يُعدّه الرئيس‬
‫العراقيي ‪ ،‬حييث وعدَه المريكان بالتكفيل بأمره ‪ ،‬وطلبوا منيه الهتمام بالشأن الداخلي والعميل على تهدئة‬
‫المور ظاهرييا ‪ ،‬ومربيط الفرس أن العالم ل يُعيير أدنيى اهتمام للسيتعدادات العراقيية الجاريية حالييا على‬
‫قدم وسياق ‪ ،‬وحتى أمريكيا نفسيها على ميا يبدو تقلل من شأن هذا الجيش ‪ ،‬ول تتوقع أن يقوم العراق بغزو‬
‫إسرائيل برا ‪.‬‬
‫‪.6‬توافير التجربية والخيبرة الميدانيية للقيادات العسيكرية العراقيية ‪ ،‬بمشاركتهيا فيي كافية الحروب العربيية‬
‫السرائيلية والحرب اليرانية ودخولها المفاجئ للكويت ‪.‬‬
‫‪.7‬توافير التأيييد والتمكيين اللهيي بتذلييل السيبل أمام العراقييين ‪ ،‬والتيي مين شأنهيا تحقييق هذا الوعيد بالكيفيية‬
‫التي جاءت بها النصوص القرآنية ‪.‬‬

‫صفة جيش البعث في التوراة ‪:‬‬


‫ي سفر يوئيل ‪ :1 :1 " :‬هذا ما أوحى به الرب إلى يوئيل بن فثوئيل ‪ :‬اسمعوا هذا أيّها الشيوخ ‪ ،‬وأصغوا يا جميع‬
‫أهل الرض ‪… ،‬‬
‫‪ :15 :1‬يا له من يوم رهيب ‪ ،‬لن يوم الرب قريب ‪ ،‬حامل معه الدمار من عند القدير ‪ … ،‬اصحوا أيها السكارى‬
‫‪ ،‬وابكوا ييا جمييع مدمنيي الخمير … فإن أم ًة قويية قيد زحفيت على أرضيي ‪ ،‬أُمية قويية ل تُحصيى لكثرتهيا ‪ ،‬لهيا‬
‫أسنان ليث وأنياب لبؤة ‪… ،‬‬
‫‪ :2 :2‬هو يوم ظلمة وتجهّم ‪ ،‬يوم غيوم مُكفهرّة وقتام دامس ‪ ،‬فيه تزحف أمة قوية وعظيمة ‪ ،‬كما يزحف الظلم‬
‫على الجبال ‪ ،‬أمّة لم يكن لها شبيه في سالف الزمان ‪ ،‬تلتهم النار ما أمامها ‪ ،‬ويُحرق اللهيب ما خلفها ‪ ،‬الرض‬
‫أمامهيا جنية عدن ‪ ،‬وخلفهيا صيحراء موحشية ‪ ،‬يثبون على رؤوس الجبال ‪ ،‬فيي جلبية كجلبية المركبات ‪ ،‬كفرقعية‬
‫ف للقتال ‪ .‬تنتاب الرعدة منهيم كيل الشعوب ‪ ،‬وتشحيب كيل الوجوه ‪،‬‬‫لهييب نار يلتهيم القشّي ‪ ،‬وكجييش عات مُصيط ّ‬
‫يندفعون كالجبابرة وكرجال الحرب ‪ ، … ،‬ينسيلّون بيين السيلحة مين غيير أن يتوقفوا ‪ ،‬ينقضّون على المدينية ‪،‬‬
‫ويتواثبون فوق السيوار ‪ ،‬يتسيلّقون البيوت ‪ ،‬ويتسيلّلون مين الكوى كاللصيوص ‪ ،‬ترتعيد الرض أمامهيم وترجيف‬

‫‪212‬‬
‫السماء ‪ ، … ،‬يجهر الرب بصوته في مُقدّمة جيشه ‪ ،‬لن جُنده ل يُحصى لهم عدد ‪ ،‬ومن يُنفّذ أمره يكون مُقتدرا‬
‫‪ ،‬لن يوم الرب عظيم ومخيف ‪ ،‬فمن يحتمله ؟! " ‪.‬‬
‫يي سيفر حبقوق ‪ :3 :1 " :‬أينميا تلفّت أشهيد أماميي جورا واغتصيابا ‪ ،‬ويثور حولي خصيام ونزاع ‪ ،‬لذلك بطلت‬
‫الشريعة ( تعطلّت ) وباد العدل ‪ ،‬لن الشرار يُحاصرون الصدّيق ‪ ،‬فيصدر الحكم مُنحرفا عن الحقّ ‪.‬‬
‫" ‪ :5 :1‬تأمّلوا المم وأبصروا ‪ ،‬تعجّبوا وتحيّروا ‪ ،‬لني مُقبل على إنجاز أعمال ‪ ،‬في عهدكم ‪ ،‬إذا أُخبرتم بها ل‬
‫تصيدّقونها ‪ .‬فهيا أنيا أُثيير الكلدانييين ‪ ،‬هذه المية الحانقية المُندفعية ‪ ،‬الزاحفية فيي رحاب الرض ‪ ،‬لتسيتولي على‬
‫مسياكن ليسيت لهيا ‪ ،‬أمّة مُخيفية مُرعبية ‪ ،‬تسيتمدّ حُكمهيا وعظمتهيا مين ذاتهيا ‪ .‬خيولهيا أسيرع مين النمور ‪ ،‬وأكثير‬
‫ضراوة مين ذئاب المسياء ‪ ،‬فرسيانها يندفعون بكيبرياء ‪ ،‬قادميين مين أماكين بعيدة ‪ ،‬مُتسيابقين كالنسير المُسيرع ‪،‬‬
‫للنقضاض على فريسته ‪ ،‬يُقبلون جميعهم ليعيثوا فسادا ‪ ،‬ويطغى الرعب منهم على قلوب الناس قبل وصولهم ‪،‬‬
‫فيجمعون أسيرى كالرميل ‪ .‬يهزءون بالملوك ويعبثون بالحكام ‪ ،‬ويسيخرون مين الحصيون ‪ ،‬يجعلون حولهيا تلل‬
‫من التراب ‪ ،‬ويستولون عليها ‪ .‬ثم يجتاحون كالريح ويرحلون ‪ ،‬فقوة هؤلء الرجال هي إلههم " ‪.‬‬
‫" ‪ 3 :2‬لن الرؤيا ل تتحقّق إل في ميعادها ‪ ،‬وتسرع إلى نهايتها ‪ ،‬إنها ل تكذب ‪ ،‬وإن توانت فانتظرها ‪ ،‬لنها ل‬
‫بدّ أن تتحقّق ‪ ،‬ولن تتأخر طويل " ‪.‬‬

‫اليهودي وصفة الجبن الملزمة له عبر العصور ‪:‬‬


‫كلنييا يعلم أن وجود إسييرائيل وبقائهييا ‪ ،‬ل يعتمييد فييي الدرجيية الولى على مقوّماتهييا الذاتييية ‪ ،‬مهمييا بلغييت قوتهييا‬
‫العسكرية من عدة وعتاد ‪ ،‬فحصنهم المنيع هو أمريكا بقوتها وعظمتها ‪ ،‬والحصن الخر هو الطوق المني من‬
‫معاهدات السلم والحلف العسكرية ‪ ،‬التي سعوا جاهدين للتوقيع عليها مع دول الجوار ‪ .‬وهذين الحصنين هما‬
‫ميا يتكيل علييه اليهود ‪ ،‬كضمانية لسيتمرار وجودهيم وشعورهيم نسيبيا بالمان ‪ ،‬الذي يُمكّنهيم مين البدء فيي تنفييذ‬
‫مشاريعهم التوراتية على أرض فلسطين ‪.‬‬
‫أما اليهود في الحقيقة فليس لديهم عقيدة أو مبدأ ‪ ،‬ليبذلوا أرواحهم في سبيل الدفاع عنها كما هي الحال عند غيرهم‬
‫مين شعوب الرض ‪ .‬لذلك تجدهيم أش ّد الناس حرصيا على الحياة ‪ ،‬فل يُقاتلون إل مجيبري وفيي قرى محصينة أو‬
‫من وراء جدر ‪ ،‬فعادة الخروج للقتال ليست من شأنهم ‪ ،‬أما الخروج للقتل وسفك دماء غير المقاتلين فهذا أكثر ما‬
‫يسيتطيعون القيام بيه ‪ ،‬وعلى تخوّف مين إصيابتهم مين قبيل خصيمهم العزل ‪ ،‬وهذا ميا نشاهده على أرض الواقيع‬
‫هذه اليام ‪.‬‬
‫أما في حال المواجهة المعلنة المكشوفة ‪ ،‬فأول ما يُفكّر به الجندي السرائيلي المدجّج بالسلح ‪ ،‬هو البحث عن‬
‫ملجيأ يتحصيّن خلفيه ‪ ،‬هذا إن تجرأ على القتال ‪ ،‬وإن لم يجرؤ فأول ميا يُفكّر بيه هيو أن يولي الدبار مطلقيا لسياقيه‬
‫العنان هاربييا إلى حيييث ل يدري ‪ ،‬فكيييف إذا لم يكيين هناك مواجهيية بييل غزو مفاجييئ ‪ ،‬أتخيّل هذا الجندي وفور‬
‫سماعه بأمر خروج أحفاد نبوخذ نصر ‪ ،‬من بابل وقبل اجتيازهم للحدود العراقية باتجاه إسرائيل ‪ ،‬وقد تسمّر في‬
‫مكانه وتجمّد الدم في عروقه وشلّت أطرافه ‪ .‬وخلصة القول أن دولتهم محكوم عليها بالفناء منذ لحظة قيامها ‪،‬‬
‫وهم يعلمون ذلك علم اليقين وأن الجندي السرائيلي ‪ ،‬مهزوم بالرعب من قبل أن تبدأ المعركة ‪.‬‬

‫الكيفية المتوقعة لهذا الدخول ‪:‬‬


‫على ما يبدو ‪ ،‬وبعد هذه القراءة المطوّلة ‪ ،‬أنه لن تكون هناك معركة معلنة ومكشوفة وطويلة المد ‪ ،‬تستخدم فيها‬
‫الليات الحربية من مدافع ودبابات وصواريخ وطائرات ‪ ،‬وإنما غزو سريع ومباغت لجيش كبير بعدد هائل من‬
‫الجنييد المُدرّبييين على سييرعة النتقال والنتشار ومزودييين بأسييلحة خفيفيية ‪ ،‬هييم أشبييه ‪ -‬كمييا تصييورهم التوراة ‪-‬‬
‫باللصيوص فيي خفية حركتهيم وانسييابهم وتسيلّلهم ‪ ،‬وبالنسيور بسيرعة انقضاضهيا ‪ ،‬وبالسيود فيي قوتهيا وجبروتهيا‬
‫وبطشهيا ‪ .‬وقيد ل يخلو المير مين مواجهات ولكنهيا سيتكون محدودة وقصييرة ربميا ل تتعدى كسير الباب ‪ ،‬بمعنيى‬
‫أن العقبة الوحيدة التي ربما تواجه المهاجمين ‪ ،‬ل تعدو عن كونها مقاومة بسيطة على الحدود ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬

‫‪213‬‬
‫وكون هذا الهجوم مباغتيا ‪ ،‬يُفهيم مين تحذيير النجييل لليهود بأن مين سيمع بمحاصيرة أورشلييم بالجيوش ‪ ،‬إذا كان‬
‫فيي الحقيل فل يرجيع إلى المدينية ‪ ،‬وإذا كان على سيقف المنزل فل ينزل إلى أسيفل ليجلب متاعيا أو ميا شابيه ‪ ،‬أي‬
‫أن هناك مين سييسمع بهذا الغزو بعيد خروجيه إلى الحقيل ‪ ،‬وأن هناك مين سييسمع بالغزو بعيد صيعوده إلى سيطح‬
‫منزله ‪ ،‬والخروج ميين المدينيية إلى الحقييل والعودة ربمييا ل يتجاوز سييويعات معدودة ‪ ،‬وأمييا الصييعود إلى سييطح‬
‫المنزل والنزول عنيه فربميا ل يتجاوز دقائق معدودة ‪ .‬فالفارق الزمنيي قصيير جدا ميا بيين الحالتيين ‪ ،‬فالذي خرج‬
‫إلى الحقل لم يكن يعلم بالغزو قبل خروجه ‪ ،‬والذي صعد إلى سطح المنزل لم يكن قد سمع بالغزو قبل صعوده ‪.‬‬
‫وميين المحتمييل أن يكون هذا الغزو ليل ‪ ،‬وميين المحتمييل أن يبدأ الهجوم ليييل الجمعيية لينتهييي يوم السييبت قبييل‬
‫الظهيرة ‪ ،‬اسيتغلل لنقطاع أغلب اليهود عن العميل بحجية التزامهيم بشريعية حرمية السيبت ‪ ،‬التيي ميا ألزم ال بهيا‬
‫إل أصحاب تلك القرية ‪ ،‬وال أعلم ‪ .‬وسينجم عن هذا الغزو تفريغ كامل لليهود من فلسطين سواء بالقتل أو الفرار‬
‫‪ ،‬وسيطرة كاملة على مساحة فلسطين كلها ‪ ،‬وبالتالي فرض واقع جديد يُعيد المور إلى نقطة الصفر ‪ ،‬أي ما قبل‬
‫قيام إسرائيل بخمسين عاما أيام خلو فلسطين من اليهود ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬

‫ردود الفعل العالمية المتوقعة ‪:‬‬


‫هذا الحدث السريع والمباغت المرعب والعجيب ‪ ،‬عندما يقع سيُصاب العالم بأسره بالذهول والشلل ربما لشهر أو‬
‫لعدة أشهر ‪ ،‬وأول ما يُجابه به سماع خبره هو عدم التصديق ‪ ،‬وسيحتاج الغرب اليهودي الحليف لسرائيل ‪ ،‬إلى‬
‫وقيت طوييل ليفييق مين هول الصيدمة ‪ ،‬وليجيد الغرب نفسيه عاجزا عين القيام بأي رد فعيل سيريع ومؤثير للمسياعدة‬
‫فل إسرائيل ول يهود ‪ ،‬أما من هم في الصف المناهض لسرائيل وأمريكا من الشرق فسيصابون بنفس الشعور ‪،‬‬
‫ولكين شعور ل يخلو مين الشماتية باليهود إجمال وبأمريكيا بشكيل خاص ‪ ،‬أميا اليهود إجمال ويهود أمريكيا بشكيل‬
‫خاص ‪ ،‬فسيصابون بخيبة أمل كبيرة وهم يرون أحلهم التوراتية تتحول إلى سراب ‪.‬‬
‫وبعيد امتصياص الصيدمة الولى ‪ ،‬سيتبدأ المواقيف العالميية مين هذا الحدث فيي التبلور ‪ ،‬لتجيد أمريكيا نفسيها عندميا‬
‫تبدأ بالتحرك ‪ ،‬لعادة إحياء الدولة اليهوديية بدفيع مين سيادتها اليهود المتربعيين على عروشهيا ‪ ،‬أنهيا تغنيي منفردة‬
‫خارج السييرب العالمييي ‪ ،‬الذي أضحييى مؤيدا ومعجبييا بمييا قدّمييه العراقيون ‪ ،‬ميين حييل سييحري لتلك المشكلة‬
‫المستعصية ‪ ،‬التي أرّقت جفون العالم طوال قرن من الزمان ‪.‬‬
‫فالعرب من وجهة النظر العالمية ‪ ،‬التي باتت مطّلعة على أدق تفاصيل القضية الفلسطينية ‪ ،‬قد استعادوا أرضهم‬
‫وحقوقهم ‪ ،‬وإسرائيل بما قدّمته من أعمال وحشية وهمجية خلل سنين عمرها ‪ ،‬وعدم استجابتها لقرارات الجهة‬
‫التي أوجدتها ل تستحق الوجود والبقاء ‪ ،‬فالحق هو عودة فلسطين إلى أهلها العرب ‪ ،‬والباطل هو وجود إسرائيل‬
‫على أرض العرب ‪ ،‬فإذا جاء الحيق وزهيق الباطيل فلييس هناك مشكلة بالنسيبة لمجميل دول العالم ‪ ،‬التيي ل تقيع‬
‫تحت النتداب المريكي اليهودي المعاصر ‪ ،‬فالمشكلة وُجدت بإقامة إسرائيل في قلب الوطن العربي وزالت هذه‬
‫المشكلة بزوالها ‪.‬‬

‫الوعد والموعد والواقع ‪:‬‬


‫وبالعودة إلى الوراء قليل نجد أن المسلمون استاءوا كثيرا ‪ ،‬عندما مُنعوا من أداء العمرة بصحبة رسول ال عليه‬
‫الصيلة السيلم فيي السينة السيادسة للهجرة ‪ ،‬وميا زاد فيي قهرهيم هيو ذلك الصيلح ‪ ،‬الذي منيع دماء المشركيين منهيم‬
‫وأبقيى المسيجد الحرام فيي أيديهيم لمدة عشير سينوات قادمية ‪ ،‬فعقّب سيبحانه وتعالى على ذلك قائل ( َفعَلِمَب مَا لَمْب‬
‫َتعْ َلمُوا … ) والذي كان يعلميه رب العزة مسيبقا هيو أنهيم سييؤدون العمرة فيي العام التالي ‪ ،‬وأن هذا الصيلح الذي‬
‫اسيتاءوا مين عقده ميع مشركيي قرييش ‪ ،‬وأضفيى عليهيم شعورا باليأس والحباط ‪ ،‬سييكون هيو نفسيه سيببا وميبررا‬
‫ج َعلَ مِنْ دُو نِ َذلِ كَ فَ ْتحًا َقرِيبًا (‪27‬‬
‫لفتح مكة عند نقضه من قبل قريش بعد سنتين من إبرامه ‪ ،‬فعقّب بقوله ( … َف َ‬
‫الفتح ) ‪.‬‬
‫حتيى أكثير المسلمين إيمانا ويقينيا وتفاؤل ‪ ،‬لم يكن يتصيور لحظية منعهيم مين أداء العمرة وإبرام الصيلح ‪ ،‬بأن فتح‬
‫مكة سيكون بعد سنتين فقط ‪ ،‬من تاريخ تلك اللحظة ‪ ،‬وبتلك الصورة الحتفالية والمشرّفة لتكون تأدية فريضتي‬
‫الحج والعمرة متاحة لهم في أي وقت شاءوا ‪.‬‬
‫‪214‬‬
‫وبالنظر لواقع المسلمين في غزوة الحزاب وهم قلة ‪ ،‬وقريش وقبائل الجزيرة بمشركيها ويهودها يتربصون بهم‬
‫رييب المنون مين الداخيل والخارج ‪ ،‬هيل كان ممين المكين أن يتصيور أن هذه الحال سيتنقلب رأسيا على عقيب بعيد‬
‫ثلث سنوات ‪ ،‬فيغزو المسلمين مكة بعشرة آلف مقاتل ؟!‬
‫وبالرغم من اختلف طبيعة الوعود اللهية من حيث الثواب والعقاب ‪ ،‬إل أننا نتحدّث هنا عن الوعد بحد ذاته ‪،‬‬
‫لنقول بأن الوعييد اللهييي ل يحدّه زمان ول مكان ول واقييع ‪ ،‬ول ننسييى بأن وعييد الخرة المذكور فييي سييورة‬
‫السيراء هيو وعيد بعقاب اليهود فيي المقام الول ‪ ،‬ولكين هناك أسيباب ومسيببات ل بيد أن تأخيذ مجراهيا قبيل إتيان‬
‫أمر ال ‪.‬‬
‫قال تعالى‬
‫شعُرُونببَ (‪53‬‬
‫ج ٌل مُسبَبمّى ‪َ ،‬لجَا َءهُمببُ ا ْلعَذَابببُ ‪ ،‬وَلَيَأْتِيَ ّنهُمببْ َبغْ َتةً ‪ ،‬وَهُمببْ لَ َي ْ‬
‫( وَيَسببْ َت ْعجِلُونَكَ بِا ْلعَذَابببِ ‪ ،‬وَ َل ْولَ َأ َ‬
‫العنكبوت )‬
‫وقال‬
‫حشْرِ ‪ ،‬مَا ظَنَنْتُ ْم أَ نْ َيخْ ُرجُوا ‪َ ،‬وظَنّوا أَ ّنهُ مْ‬
‫ب مِ نْ دِيَا ِرهِ مْ ‪َ ،‬لِ ّولِ ا ْل َ‬
‫ن أَ ْهلِ ا ْلكِتَا ِ‬
‫ن َكفَرُوا ‪ِ ،‬م ْ‬
‫( ُهوَ الّذِي َأخْرَ جَ الّذِي َ‬
‫مَا ِنعَ ُتهُمْب حُصبُو ُنهُ ْم مِنَب الِّ ‪ ،‬فَأَتَاهُمُب الُّ مِنْب حَيْثُب لَمْب َيحْتَسِببُوا ‪ ،‬وَقَذَفَب فِي قُلُو ِبهِمُب الرّعْبَب ‪ُ ،‬يخْرِبُونَب بُيُو َتهُمْب‬
‫بِأَيْدِي ِهمْ َوأَيْدِي ا ْل ُم ْؤمِنِينَ ‪ ،‬فَاعْتَ ِبرُوا َيأُولِي الَْبْصَارِ (‪ 2‬الحشر )‬

‫‪215‬‬
‫وليتبروا ما علوا تتبيرا‬
‫قلنيا فيي نهايية تفسييرنا لعبارة ( وليتيبروا ميا علوا تتيبيرا ) ‪ :‬أن كيل ميا عل بنيو إسيرائيل علييه أو بيه أو فييه سييصله‬
‫الدمار ل محالة لعموم لفيظ العلو ‪ ،‬حتيى علوهيم فيي الغرب ‪ ،‬إذ أن الذي أبقيى علوهيم قائميا ومسيتمرا فيي فلسيطين‬
‫فيي الصيل هيو علوهيم فيي الغرب ‪ .‬ولذلك يصيبح دمار الدول الغربيية أمير محتميا ‪ ،‬ليزول علو بنيي إسيرائيل فيهيا‬
‫أيضيا بشكيل نهائي ‪ ،‬وبذلك تنتفيي تماميا قدرتهيم على العلو مرة أخرى ‪ ،‬إذ أن هذا العلو هيو علوهيم الخيير فيي‬
‫الرض ‪.‬‬
‫ويؤكد سبحانه أن السبب في زوال هذا العلو هو ما قدمته أيدي اليهود أنفسهم ‪ ،‬حيث أن ال كان قد اشترط عليهم‬
‫الحسيان لدامية هذا العلو ‪ ،‬وحذرهيم مين زواله إن هيم أسياءوا ‪ ،‬وجاء هذا الشرط مباشرة قبيل إخباره عين وعيد‬
‫الخرة في الية السابعة ‪ ،‬فاليهود حكموا على أنفسهم بالهلك وعلى علوهم بالزوال ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬وذلك لنهيم لم يُحسينوا ‪ ،‬بيل على العكيس مين ذلك أسياءوا ‪ ،‬ولم يألوا جهدا بالفسياد فيي الرض ضاربيين‬
‫بالتحذير اللهي عرض الحائط ‪.‬‬
‫ثانييا ‪ :‬والنكيى مين ذلك أنهيم قاموا بتوجييه رسيالة أخرى لرب العزة ‪ ،‬ومؤداهيا يقول ‪ :‬بأننيا سينفعل ميا يحلو لنيا‬
‫وسينفسد فيي الرض وسينمنعك مين بعيث عبادك الشداء الذيين تُهدّدنيا بهيم ‪ ،‬لننيا سينُبيدهم عين بكرة أبيهيم قبيل أن‬
‫تُفكر في بعثهم ‪ ،‬مظهرين إصرارا عز نظيره في تحدّيهم لرب العزة بأن ينزل بهم ما وعدهم ‪ ،‬متّكلين على من‬
‫هم دونه لحمايتهم ووقايتهم من أمر ال ‪ ،‬منكرين ربوبية ال وألوهيته وقدرته على تصريف أمور الكون ‪ ،‬وكذلك‬
‫حقيقية البعيث بعيد الموت ‪ ،‬وهذه المور هيي ميا تتناوله سيورة السيراء على امتدادهيا ‪ ،‬مين وجوه متعددة ‪ ،‬وبذلك‬
‫تكون عداوتهيم للعراق وعدوانهيم علييه ‪ ،‬ورغبتهيم فيي تدميره وإبادة أهله سيببا فيي خروج أهيل العراق عليهيم ‪،‬‬
‫انتقاميا ودفعيا لميا يُحييق بهيم مين أخطار ‪ ،‬فيي حال اسيتمر تواجيد الدولة اليهوديية على أرض فلسيطين ‪ ،‬ليخربوا‬
‫بيوتهم بأيديهم وأيدي المسلمين ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬هي حرب ال عليهم ل حرب أحد ‪ ،‬ذلك بأنهم تحدوا ال وأعلنوا حربهم عليه ‪ ،‬وعلى كل من يؤمن به ربا‬
‫وإلهيا واحدا أوحدا ‪ ،‬خاب وخسير الذيين مين دونيه ‪ ،‬وأن رب العزة قبِل التحدّي وأعلن حربيه عليهيم ‪ ،‬وهذا ميا‬
‫تسيتشعره مين خلل مجميل آيات سيورة السيراء ‪ ،‬ولكين لم يتبقّى إل أن تحيين سياعة الصيفر ليروا مين ال ميا لم‬
‫يكونوا يحتسبون ‪.‬‬
‫وفي الصل كما أوضحنا سابقا ‪ ،‬أن علوهم غير المسبوق في الغرب ‪ ،‬هو الذي أوجد علوهم في فلسطين لحقا ‪،‬‬
‫وإذا كانت النتيجة أي علوهم في فلسطين تستحق الزوال ‪ ،‬فالولى أن يُزال المتسبّب فيها أي علوهم في الغرب ‪،‬‬
‫حتى تنتفي فرصة ظهور تلك النتيجة ( أي العلو اليهودي ) مرة أخرى ‪ ،‬فكما أن زوال دولة إسرائيل أمر حتمي‬
‫فزوال أمريكا أمر أكثر حتمية ‪.‬‬
‫فاليهود لهم من حيث المكان إفسادين ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬فييي فلسييطين إفسيياد بسييفك الدماء ‪ ،‬وإخراج الناس ميين ديارهييا ‪ ،‬والسييتيلء على ممتلكاتهييم ‪ ،‬وإتلف‬
‫الخضر واليابس ‪ ،‬ومنع مساجد ال أن يُذكر فيها اسمه ‪ ،‬والسعي في خرابها … إلى آخره ‪.‬‬
‫وثانيييا ‪ :‬فييي أمريكييا والدول الغربييية إفسيياد بنشيير العقائد المادييية اللحادييية ‪ ،‬وإشاعيية الرذيلة والنحلل الخلقييي‬
‫والخلقيي فيي شتيى مناحيي الحياة ‪ ،‬بالضافية إلى تفرييق الناس وتصينيفهم واسيتضعاف طوائف منهيم ‪ ،‬وسيومهم‬
‫سوء العذاب ‪ ،‬لدرجة حرقهم وإبادتهم بالسلحة التقليدية والنووية ‪ ،‬وعلى قاعدة الجزاء من جنس العمل ‪ ،‬ل شك‬
‫لدي من أن كبرى المدن المريكيية ‪ ،‬سيتُضرب من السيماء بصيواريخ نووية ‪ ،‬أو بشهب مين السماء مسببة دمارا‬
‫كالدمار ‪ ،‬الذي أحدثته قنابلها المدن اليابانية ولكن على مدى أوسع بكثير ‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫زوال العلو اليهودي في أمريكا لن يتوانى كثيرا عن زوال العلو اليهودي في فلسطين ‪:‬‬
‫ن الِّ ‪،‬‬
‫ب مِ ْ‬
‫ن الِّ َوحَ ْبلٍ مِنْ النّاسِ ‪ ،‬وَبَاءُوا ِبغَضَ ٍ‬
‫ن مَا ُث ِقفُوا ب ِإلّ ِبحَ ْبلٍ ِم ْ‬
‫قال تعالى ( ضُرِبَتْ عَلَ ْي ِهمْ الذّّلةُ ب أَيْ َ‬
‫… (‪ 112‬آل عمران ) الذلة هيي الضعية والنخفاض وهيي نقييض العزة والعلو ‪ ،‬وأيين ميا ثقفوا تعنيي أينميا وجدوا‬
‫فييي الرض على امتداد رقعتهيا ‪ ،‬وخلصيية ميا تقوله هذه الييية أن الشعييب اليهودي كأميية وأفراد سييم ّر بخمسيية‬
‫مراحل ‪ ،‬هي ذات المراحل التي أشرنا إليها في نهاية الجزء الول ‪ ،‬وهي على التوالي ‪ ( :‬ذل ‪ ،‬علو ‪ ،‬ذل ‪ ،‬علو‬
‫‪ ،‬ذل ) ‪ .‬ومين ذلك نفهيم أن صيفة العلو وهيي المرحلة الرابعية ‪ ،‬سيتزول عنهيم فيي شتيى بقاع الرض سيواء فيي‬
‫إسيرائيل أو فيي أمريكيا ‪ ،‬أو فيميا سيواها مين دول العالم ‪ ،‬ليدخيل الشعيب اليهودي بأسيره فيي المرحلة التيي تليهيا ‪،‬‬
‫ولتعود إليييه صييفة الذل التييي هييي القاعدة أينمييا وجييد أيضييا وعلى مسييتوى الفراد والجماعات ‪ ،‬حيييث كان العلو‬
‫اسيتثنا ًء لمرتيين فقيط ‪ ،‬ولن يتحصيّل ذلك إل بانكسيار وزوال كيل الدول ‪ ،‬التيي يوجيد بهيا علو يهودي ظاهير وفيي‬
‫مقدّمتها أمريكا ‪.‬‬
‫ولو أننيا نظرنيا إلى أمريكيا كدولة وميا تقوم بيه حالييا نظرة مُتفحصيّة وشاملة ‪ ،‬سينجد أنهيا فاقيت فرعون فيي علوه‬
‫واستعلئه وفساده وإفساده ‪ ،‬باحتضانها للعقائد اليهودية الشيطانية ‪ ،‬والسهر على تطبيقها وترويجها في الرض‬
‫على عمومها بالترغيب تارة وبالترهيب تارة أخرى ‪.‬‬
‫والعقاب اللهيي الموعود بيه بنيو إسيرائيل كان للفسياد الناجيم عين العلو ‪ ،‬وعلوهيم الن يتمثيل فيي مكانيين تحديدا‬
‫هميا فلسيطين وأمريكيا ‪ ،‬وفضل عين ذلك فإن أمريكيا المتعاليية على شعوب الرض ‪ ،‬وبصيرف النظير عين كونهيا‬
‫مكانييا للعلو اليهودي ‪ ،‬سييتكون هدفييا مؤكدا لنسييكاب الغضييب اللهييي عليهييا ‪ ،‬بمييا يفوق الغضييب اللهييي على‬
‫إسيرائيل ‪ ،‬وذلك لن أمريكيا تجميع ميا بيين علويين وإفسيادين ‪ ،‬هميا ‪ :‬العلو والفسياد اليهودي ‪ ،‬والعلو والفسياد‬
‫الذاتي لها ‪ ،‬ليتأكد لنا أنها أولى من إسرائيل بالعقاب وبما هو أشد بأسا وأشد تنكيل ‪ ،‬وهذا بإذن ال ما سنشهده في‬
‫السنوات القليلة القادمة وما ذلك على ال بعزيز ‪.‬‬
‫وقد يستغرب ويستنكر كثير من أمة السلم ‪ ،‬والصح من المؤمنين بالله ( أمريكا ) مجرد التفكير بأن أمريكا‬
‫ن مِ نْ قَبْ ِلهِ مْ ‪،‬‬
‫ف كَا نَ عَاقِ َبةُ الّذِي َ‬
‫ستزول ‪ ،‬وكأنهم ل يقرءون قوله تعالى ( َأوَلَ مْ يَ سِيرُوا فِي الَْرْ ضِ ‪ ،‬فَيَ ْنظُرُوا كَيْ َ‬
‫علِيمًا قَدِيرًا (‪44‬‬ ‫ت َولَ فِي الَْرْضِ ‪ ،‬إِنّهُ كَانَ َ‬ ‫سمَوَا ِ‬
‫يءٍ ‪ ،‬فِي ال ّ‬
‫ن شَ ْ‬‫ن الُّ لِ ُيعْجِزَ ُه مِ ْ‬
‫َوكَانُوا َأشَدّ مِ ْنهُمْ ُقوّةً ‪َ ،‬ومَا كَا َ‬
‫فاطر ) ‪.‬‬
‫وقوله ( َأوَلَمْب يَسبِيرُوا فِي الَْرْضِب ‪ ،‬فَيَ ْنظُرُوا كَيْفَب كَانَب عَاقِ َبةُ الّذِينَب كَانُوا مِنْب قَبْ ِلهِمْب ‪ ،‬كَانُوا هُمْب َأشَ ّد مِ ْنهُمْب ُقوّةً‬
‫ن وَاقٍ (‪ 21‬غافر )‬ ‫ن الِّ مِ ْ‬‫وَءَاثَارًا فِي الَْ ْرضِ ‪ ،‬فَ َأخَذَ ُهمُ الُّ بِذُنُو ِبهِمْ ‪َ ،‬ومَا كَانَ َل ُه ْم مِ َ‬

‫ما بعد الغزو العراقي لسرائيل ‪:‬‬


‫بعيد امتصياص يهود أمريكيا والغرب للصيدمة ‪ ،‬مين جرّاء الكارثية التيي حلّت ببنيي جلدتهيم فيي فلسيطين ‪ ،‬سيتبدأ‬
‫الماكينة اليهودية في الغرب في بذل أقصى طاقاتها ‪ ،‬وعمل ما بوسعها لعادة عقارب الساعة قبل فوات الوان ‪،‬‬
‫مين خلل الدبلوماسيية فيي مجلس المين ‪ ،‬لشين حرب دوليية تحيت غطاء الشرعيية الدوليية لتحريير إسيرائيل مين‬
‫العرب ‪ ،‬كما كان المر عند مطالبتهم بتحرير الكويت ‪ ،‬وستُفاجأ هذه الماكينة اليهودية ببرود وجمود شديدين ‪ ،‬لم‬
‫يسييبق لهييا أن واجهتهمييا ميين قبييل معظييم دول العالم لتُثبييت عدم نجاعتهييا هذه المرة ‪ ،‬وسييتجد مشاريييع القرارات‬
‫المريكيية والبريطانيية والفرنسيية فيميا لو طُرحيت ‪ ،‬معارضية شديدة مين قبيل روسييا والصيين ‪ ،‬حتيى لو تطلّب‬
‫المير اسيتخدام حيق النقيض مين قبلهميا ‪ ،‬خوفيا مين الدخول فيي مواجهية ل تُحميد عقباهيا ميع العالم بيين الغرب‬
‫المسيحي والشرق المسلم ‪.‬‬
‫وربما يأخذ المر قرابة السنتين بين مدّ وجزر ‪ ،‬حتى يستطيع اليهود تحريض أمريكا ‪ ،‬وبعض دول الغرب من‬
‫ن حرب مصيرية على العرب ‪،‬‬‫حلف الناتو ‪ ،‬وحملها على تحريك أساطيلها ‪ ،‬باتجاه شواطئ البحر المتوسط ‪ ،‬لش ّ‬
‫ضاربة بمجلس المن وغطاءه الشرعي ‪ -‬بعد اليأس من الحصول عليه ‪ -‬عُرض الحائط ‪.‬‬
‫وعلى الجانيب الخير ‪ ،‬سييضطر العرب والمسيلمون لتوحييد صيفوفهم كرهيا مين البعيض وطواعيية مين البعيض‬
‫الخر ‪ ،‬والنضواء تحت لواء واحد للدفاع عن القصى بعد عودته إلى حظيرة السلم ‪ ،‬وسيبدأ التقارب العربي‬
‫‪217‬‬
‫الروسي الصيني ‪ ،‬على ما يبدو في التشكل ‪ ،‬إلى ما يُشبه الحلف العسكري وربما يكون باتفاقيات مكتوبة ‪ ،‬وال‬
‫أعلم ‪.‬‬

‫الحرب العالمية الثالثة ‪ ،‬والسيناريو المحتمل ‪:‬‬


‫بوجود القيادة الحالية غير المتزنة لمريكا وبتأييد من صهاينة الحزب الجمهوري ‪ ،‬سيتمكن اليهود أخيرا من ج ّر‬
‫أمريكا للدخول في مواجهة غير محسوبة مع العالمين العربي والسلمي ‪ ،‬بدفع من العقائد الدينية المشوّهة فيما‬
‫يخييص وجود اليهود فييي فلسييطين وعودة المسيييح الثانييية للنصييارى والولى لليهود ‪ ،‬بالضافيية إلى الرغبيية فييي‬
‫النتقام للمكانية المريكيية التيي مُرّغيت فيي التراب أمام العالم أجميع ‪ ،‬بزوال مسيخها الخداج بطرفية عيين دون أن‬
‫يُعير العرب عظمة أمريكا وجبروتها أدنى انتباه ‪.‬‬
‫فيي ظرف سينتين مين اسيتعادة العرب لفلسيطين ‪ ،‬سيتُعلن أمريكيا حربهيا اليهوديية الصيليبية المقدّسية على العرب‬
‫والمسلمين ‪ ،‬مما يُثير حالة من عدم الستقرار في سائر أرجاء العالم ‪ ،‬وستبدأ المواقف العالمية من هذا العلن‬
‫شيئا فشيئا بالتباين والتمايز ‪ ،‬بشكل لم يسبق له مثيل لينقسم إلى العالم معسكرين شرقي وغربي ‪ ،‬يقف إلى جانب‬
‫العرب معظم الدول المناهضة لمريكا في الشرق وفي مقدمتها روسيا ‪ ،‬ويقف إلى جانب أمريكا دول حلف الناتو‬
‫وملحقاته ‪.‬‬
‫وعندميا تبدأ أمريكيا بحشيد قواتهيا وأسياطيلها فيي البحير البييض ‪ ،‬وتبوء كيل المحاولت والتحذيرات والتهديدات‬
‫العالميية ‪ ،‬لثنيي أمريكيا عين عزمهيا بالفشيل ‪ ،‬وتصيبح المواجهية أمير ل مفير منيه ‪ ،‬سيتتطور المواقيف الدوليية فجأة‬
‫وتتحول إلى أحلف عسييكرية ‪ ،‬بحيييث تضطيير وتنجرّ الكثييير ميين الدول للمشاركيية الفعلييية فييي الحرب الدائرة ‪،‬‬
‫وعلى ميا يبدو أن أمريكيا نتيجية لذلك سيتفقد زمام السييطرة مبكرا ‪ ،‬وربميا تلجيأ إلى اسيتخدام السيلح النووي فيي‬
‫وقييت مييا بضرب بعييض العواصييم العربييية ‪ ،‬كبغداد والقاهرة على سييبيل المثال ‪ ،‬وربمييا يكون ذلك قبييل الحرب‬
‫البرية ‪ ،‬ظنا منها أن ذلك سيحسم المعركة لصالحها في وقت مبكر ‪.‬‬
‫ولكين ميا لن يكون فيي حسياب أمريكيا ‪ ،‬هيو ردّ الفعيل الروسيي والصييني العنييف ‪ ،‬على اسيتخدام أمريكيا لهذا‬
‫السلح ‪ ،‬لتبدأ الصواريخ النووية الروسية وربما الصينية ‪ ،‬تنهال على أمريكا تباعا دون سابق إنذار لتبيدها عن‬
‫بكرة أبيهيا ‪ ،‬هذا إن لم يُسيقط عليهيا رب العزة كسيفا مين السيماء ‪ .‬ومين ثيم تبدأ الحروب البينيية بيين دول العالم‬
‫المختلفيية المتخاصييمة ‪ ،‬فيختلط الحابيل بالنابييل لتشمييل هذه الحرب معظيم بقاع العالم ‪ .‬ولدخول السييلحة النوويية‬
‫دائرة الصييراع ‪ ،‬سييتكون هذه الحرب سييريعة وقصيييرة وحاسييمة ‪ ،‬ولكيين حجييم الدمار فيهييا سيييكون هائل جدا ‪،‬‬
‫وستنتهي بالمواجهة البرية البحرية على سواحل فلسطين بين الغرب والشرق ‪ ،‬بانتصار العرب والروس نصرا‬
‫مؤزرا ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬

‫تحالف الروس والعرب ونصرهم على عدو مشترك ‪:‬‬


‫غزْوَ ِة َتبُوكَ وَ ُه َو فِي ُقبّ ٍة ِمنْ َأدَمٍ ‪ ،‬فَقَالَ ‪ " :‬اعْدُ ْد‬ ‫ت ال ّن ِبيّ صَلّى الُّ عََليْهِ َوسَّلمَ ‪ ،‬فِي َ‬ ‫ن مَالِكٍ ‪ ،‬قَالَ ‪َ :‬أ َتيْ ُ‬ ‫ف بْ َ‬
‫عوْ َ‬
‫عنْ َ‬ ‫َ‬
‫ضةُ ا ْلمَالِ ‪،‬‬‫عةِ ؛ َموْتِي ‪ُ ،‬ثمّ فَتْحُ بَيْتِ ا ْل َمقْدِسِ ‪ُ ،‬ثمّ ُموْتَا نٌ يَ ْأخُذُ فِيكُمْ َكقُعَا صِ ا ْلغَنَمِ ‪ُ ،‬ثمّ اسْ ِتفَا َ‬ ‫سِتّا بَيْ نَ يَدَيْ السّا َ‬
‫خطًا ‪ ،‬ثُمّ فِتْ َن ٌة لَ يَبْقَى بَيْتٌب مِنْب ا ْلعَرَبِب ِإلّ َدخَلَتْهُب ‪ ،‬ثُمّ هُدْ َنةٌ َتكُونُب بَيْ َنكُمْب‬
‫ظ ّل سبَا ِ‬
‫جلُ مِا َئةَ دِينَارٍ فَ َي َ‬
‫حَتّىب ُيعْطَى ال ّر ُ‬
‫ش َر أَلْفًا ) رواه البخاري ‪،‬‬ ‫ع َ‬ ‫وَبَيْنبَ بَنِي الَْص ْبفَرِ ‪ ،‬فَ َيغْدِرُونبَ فَيَأْتُو َنكُمبْ َتحْتبَ َثمَانِينبَ غَا َيةً ‪َ ،‬تحْتبَ ُكلّ غَا َي ٍة اثْنَا َ‬
‫وأخرجه أبو داود وابن ماجه وأحمد ‪.‬‬
‫جاء في شرح هذا الحديث في فتح الباري ‪ " :‬قوله هدنة هي الصلح على ترك القتال بعد التحرك فيه ‪ ،‬قوله بني‬
‫الصفر هم الروم ‪ ،‬قوله غاية أي راية " ‪.‬‬
‫يخيبر هذا الحدييث عين هدنية تكون بيين المسيلمين والروم ‪ ،‬والهدنية كميا جاء فيي الشرح ‪ ،‬هيي صيلح على إيقاف‬
‫القتال قبييل اشتعال فتيله أو فييي بداياتييه ‪ ،‬وميين ثييم يغدر الروم فيغزون ديار المسييلمين ‪ ،‬بجيييش قوامييه مييا يُقارب‬
‫المليون جندي ‪.‬‬
‫أما الهدنة وما يسبقها فيوضحه الحديث التالي ‪:‬‬
‫‪218‬‬
‫ج َبيْ ِر‬
‫ن ُ‬
‫عْ‬‫ح ّد َثنَا َ‬‫ت َم َعهُ مْ ‪َ ،‬ف َ‬
‫ن َم ْعدَا نَ ‪َ ،‬ومِلْ ُ‬
‫طيّةَ ‪ ،‬قَالَ ‪ :‬مَالَ َم ْكحُولٌ وَابْ نُ َأبِي َزكَ ِريّا ‪ ،‬إِلَى خَاِل ِد بْ ِ‬ ‫عِ‬ ‫ن ْب نِ َ‬ ‫ن حَ سّا َ‬ ‫عْ‬ ‫َ‬
‫ب ال ّن ِبيّ صَلّى الُّ عََل ْيهِ َوسَّلمَ ‪،‬‬ ‫صحَا ِ‬‫خ َبرٍ ‪َ ،‬رجُلٍ مِنْ َأ ْ‬ ‫ق ِبنَا إِلَى ذِي ِم ْ‬ ‫ج َب ْيرٌ ‪ :‬ا ْنطَلِ ْ‬
‫ل ‪ :‬قَالَ ُ‬‫ن نُ َف ْيرٍ ‪ ،‬عَنْ ا ْل ُه ْدنَةِ ‪ ،‬قَا َ‬‫بْ ِ‬
‫ل الِّ صَيلّى الُّ عََليْهِي وَسَيلّمَ ‪ ،‬يَقُولُ ‪ " :‬سَبتُصَا ِلحُونَ الرّومَب‬ ‫ت رَسيُو َ‬ ‫ج َبيْرٌ عَنْي ا ْل ُه ْدنَةِ ‪ ،‬فَقَالَ ‪ :‬سَي ِمعْ ُ‬‫َفأَ َت ْينَاهُي ‪ ،‬فَسَيأَلَ ُه ُ‬
‫جعُونَ ‪ ،‬حَتّى تَنْزِلُوا‬ ‫ن وَرَا ِئ ُكمْ ‪ ،‬فَتُنْصَرُونَ ‪ ،‬وَ َتغْ َنمُونَ ‪ ،‬وَ َتسْ َلمُونَ ‪ُ ،‬ثمّ َت ْر ِ‬ ‫ن أَنْ ُت ْم وَ ُهمْ عَ ُدوّا مِ ْ‬
‫صُ ْلحًا آمِنًا ‪ ،‬فَ َتغْزُو َ‬
‫ج ٌل مِنببْ‬ ‫ج ٌل مِنبْب أَ ْهلِ النّصببْرَانِ ّيةِ الصببّلِيبَ ‪ ،‬فَ َيقُولُ ‪ :‬غَلَبببَ الصببّلِيبُ ‪ ،‬فَ َيغْضَبببُ َر ُ‬ ‫ِبمَرْجببٍ ذِي ُتلُولٍ ‪ ،‬فَيَ ْرفَعببُ َر ُ‬
‫ح َمةِ " ‪ ،‬رواه أبو داود ‪ ،‬وصحّحه اللباني وأخرجه ابن‬ ‫جمَعُ لِ ْلمَ ْل َ‬
‫ا ْلمُسْ ِلمِينَ ‪ ،‬فَيَدُ ّقهُ ‪َ ،‬فعِنْدَ ذَلِكَ ‪َ ،‬تغْدِرُ الرّومُ ‪ ،‬وَ َت ْ‬
‫ماجه وأحمد والحاكم والبيهقي ‪.‬‬
‫ح َمةِ ‪ ،‬فَيَأْتُونَب حِينَئِذٍ ‪َ ،‬تحْتبَ َثمَانِينبَ‬
‫وتكملة للحدييث فيي روايية أخرى بسيند آخير لبين ماجيه " فَ َيجْ َت ِمعُونبَ لِ ْلمَ ْل َ‬
‫عشَ َر أَ ْلفًا " ‪.‬‬
‫ت ُكلّ غَا َي ٍة اثْنَا َ‬
‫غَا َيةٍ ‪َ ،‬تحْ َ‬
‫جاء فيي شرح هذا الحدييث فيي ( عون المعبود ) ‪ " :‬الروم جييل معروف فيي بلد واسيعة تضاف إليهيم فيقال بلد‬
‫الروم ‪ ،‬ومشارق بلدهييم وشمالهييم الترك والروس والخزر ‪ ،‬وجنوبهييم الشام والسييكندرية ‪ ،‬ومغاربهييم البحيير‬
‫والندلس ‪ ،‬وكانت الرقة والشامات كلها تعد في حدودهم أيام الكاسرة ‪ ،‬وكانت أنطاكية دار ملكهم إلى أن نفاهم‬
‫المسلمون إلى أقصى بلدهم انتهى ‪ ...‬فسأله جبير عن الهدنة ‪ ،‬أي الهدنة التي تكون بين المسلمين وبين الروم ‪،‬‬
‫آمنا أي ذا أمن ‪ ،‬فتغزون أنتم أي فتقاتلون أيها المسلمون ‪ ،‬وهم أي الروم المصالحون معكم عدوا من ورائكم أي‬
‫من خلفكم ‪ ،‬وقال السندي في حاشية ابن ماجه ‪ ،‬أي عدوا آخرين بالمشاركة والجتماع ‪ ،‬بسبب الصلح الذي بينكم‬
‫وبينهييم ‪ ،‬فتُنصييرون بصيييغة المجهول ‪ ،‬وتغنمون بصيييغة المعلوم أي الموال ‪ ،‬وتسييلمون ميين السييلمة ‪ ،‬أي‬
‫تسيلمون مين القتيل والجرح فيي القتال ‪ ،‬ثيم ترجعون أي مين عدوكيم ‪ ،‬حتيى تنزلوا أي أنتيم وأهل الروم بمرج ‪ ،‬أي‬
‫الموضيع الذي ترعيى فييه الدواب قاله السيندي ‪ ،‬وفيي النهايية أرض واسيعة ذات نبات كثيرة ‪ ،‬ذي تلول بضيم التاء‬
‫جمع تل وهو موضع مرتفع ‪ ،‬قاله القاري ‪ ،‬وقال السندي ‪ :‬كل ما اجتمع على الرض من تراب أو رمل انتهى ‪.‬‬
‫فيقول أي الرجل منهم غلب الصليب أي دين النصارى ‪ ،‬فيدقّه أي فيكسر المسلم الصليب ‪ ،‬تغدر الروم أي تنقض‬
‫العهد ‪ ،‬وتجمع أي رجالهم ويجتمعون للملحمة أي للحرب " ‪.‬‬
‫هذا الحدييث يُخيبر بأن هناك صيلحا آمنيا أي ل قتال فييه ‪ ،‬سييكون بيين المسيلمين والنصيارى لمدة مين الزمين ‪ ،‬ثيم‬
‫يُقاتلون جنبيا إلى جنيب عدوا مشتركيا فينتصيرون بل خسيائر ‪ ،‬وبعيد النصير يقيع الخلف بيين المنتصي َريْن بسيبب‬
‫ادعاء أحيد النصيارى أن النصير كان للصيليب دون السيلم فيقتتيل الطرفان ‪ ،‬ومين ثيم يُفيض الشتباك ‪ ،‬وتعلن‬
‫الهدنة ‪ ،‬ومن ثم يعود النصارى إلى ديارهم مضمرين الغدر ‪ ،‬ليعودوا في قادم في اليام في جيش عرمرم لغزو‬
‫المسلمين في أرضهم ‪ ،‬ونرى بأن ذلك سيكون زمن المهدي ‪.‬‬

‫الروم قديما وحديثا ‪:‬‬


‫نعلم أن المبراطوريية الرومانيية القديمية ‪ ،‬كانيت قيد انقسيمت إلى قسيمين شرقيي وغربيي ‪ ،‬واتّخذت القسيطنطينية‬
‫عاصيمة للجزء الشرقيي ‪ ،‬وروميا عاصيمة للجزء الغربيي ‪ ،‬وذلك قبيل ظهور السيلم بحوالي مائتيي سينة ‪ ،‬وبقييت‬
‫القسطنطينية عاصمة لمملكة الروم الشرقية منذ ذلك الوقت ‪ ،‬حتى تم فتحها على يد محمد الفاتح سابع السلطين‬
‫العثمانيييين ‪ ،‬وبذلك اختفييت مملكيية الروم الشرقييية إلى البييد ‪ ،‬وأمييا سييكان تركيييا الحاليييين فمعظهييم ميين التراك‬
‫المتأسلمون ‪ ،‬الذين يعودون في أصولهم إلى غرب الصين ‪ ،‬مع بقاء نسبة قليلة من النصارى فيها ذوي الصول‬
‫الرومية ‪ ،‬أما النسبة الكبر من الروم فقد هاجرت وانتشرت فيما حولها من بلدان أوروبا الشرقية ‪.‬‬
‫ولنذكر هنا أن المسلمين حاصروا القسطنطينية إحدى عشرة مرة ‪ ،‬ولم يتمكنوا من فتحها إل بعد أن بدأت شمس‬
‫العثمانيون الترك بالظهور فيما يُسمى بآسيا الصغرى ‪ ،‬وذلك بعد ضعف الدولة السلجوقية وانحللها عام ‪1300‬م‬
‫تقريبا ‪ ،‬فبدأت دولتهم بالتساع غربا على حساب مملكة الروم الشرقية شيئا فشيئا ‪ ،‬حتى اقتصرت مملكة الروم‬
‫الشرقية على القسطنطينية وضواحيها ‪ ،‬وعندما تسلّم محمد الفاتح لمقاليد الحكم لم يتوانى عن فتحها سنة ‪1453‬م ‪.‬‬
‫ومن ثم استمرت فتوحات العثمانيين حتى شملت معظم بلدان منطقة البلقان في أوروبا الشرقية ‪.‬‬
‫والمتتبع للتاريخ الحديث ‪ ،‬سيجد أن روسيا القيصرية بعد بزوغ شمسها ‪ ،‬أصبحت الوريث الكبر لمملكة الروم‬
‫الشرقييية بعييد زوالهييا ‪ ،‬حيييث كانييت ومييا زالت فييي القرون الخيرة ‪ ،‬تحاول تنصيييب نفسييها كراعييية وحامييية ‪،‬‬
‫‪219‬‬
‫لمصيالح نصيارى الشرق ذوي المذهيب الرثوذكسيي ‪ ،‬وأخذت على عاتقهيا بعيد أن اشتيد عودهيا ‪ ،‬مهمية اسيتعادة‬
‫القسيطنطينية مين التراك ومين ثيم إعادتهيا كعاصيمة دينيية للكنيسية الرثوذكسيية كميا كانيت فيي السيابق ‪ ،‬وهيو ميا‬
‫تحاول الستئثار به حاليا الكنيسة اليونانية الموالية للغرب ‪ .‬وفيما يلي بعض البنود التي جاءت في وصية بطرس‬
‫الكيبر ‪ ،‬المؤسيس الحقيقيي للملكية الروسيية فيي أواخير القرن السيابع عشير ‪ ،‬مين كتاب ( تارييخ الدولة العثمانيية )‬
‫لفريد بك المحامي ‪:‬‬
‫" البند التاسع ‪ :‬ينبغي التقرب بقدر المكان من استنبول والهند ‪ ،‬وحيث انه من القضايا المسلمة أن من يحكم على‬
‫استنبول ‪ ،‬يمكنه حقيقة أن يحكم على الدنيا بأسرها ‪… ،‬‬
‫البنيد الحادي عشير ‪ ، … :‬وحينميا نسيتولي على اسيتنبول ‪ ،‬علينيا أن نسيلط دول أوروبيا القديمية على دولة النمسيا‬
‫حربيا ‪ ،‬أو نُسيكن حسيدها ومراقبتهيا لنيا ‪ ،‬بإعطائهيا حصية صيغيرة مين الماكين ‪ ،‬التيي نكون قيد أخذناهيا مين قبيل ‪،‬‬
‫وبعدها نسعى إلى نزع هذه الحصة منها ‪.‬‬
‫البند الثاني عشر ‪ :‬ينبغي أن نستميل لجهتنا جميع المسيحيين ‪ ،‬الذين هم من مذهب الروم المنكرين لرياسة البابا‬
‫الروحيية ‪ ،‬والمنتشرين فيي بلد المجير والممالك العثمانيية ‪ ،‬ونجعلهيم أن يتخذوا دولة روسييا مرجعيا ومعينا لهم ‪،‬‬
‫ومن اللزم قبل كل شيء ‪ ،‬إحداث رياسة مذهبية ‪ ،‬حتى نتمكن من إجراء نوع من السلطة الدينية عليهم … " ‪.‬‬

‫المذاهب النصرانية ‪:‬‬


‫كيل النصيارى بل اسيتثناء تكنّي عداوة للسيلم والمسيلمين ‪ ،‬ولكين بالنظير إلى الطوائف الثلثية الكيبرى المهيمنية‬
‫على العالم المسييحي ‪ ،‬نجيد أن معتنقيي المذهيب البروتسيتانتي والذي تُمثّله أمريكيا وبريطانييا وهولندا ‪ ،‬هيم الشدّ‬
‫عدواة وكراهيية للمسيلمين والعرب بشكيل خاص ‪ ،‬والمعروفيين بميلهيم وتأييدهيم لليهود ‪ ،‬ويليهيم فيي ذلك معتنقيي‬
‫المذهيب الكاثوليكيي ‪ ،‬والذي تُمثّله فرنسيا وإيطالييا وألمانييا وإسيبانيا وباقيي الدول الغربيية ‪ ،‬وأقلّهيم عدواة وكراهيية‬
‫هم معتنقي المذهب الرثوذكسي ‪ ،‬والذي تُمثّله روسيا ودول أوروبا الشرقية ‪.‬‬
‫والمتتبيع للتارييخ القدييم والحدييث ‪ ،‬سييجد أن الطوائف المسييحية الثلثية على خلف دائم ‪ ،‬وأن العداوة والبغضاء‬
‫مستفحلة وذات جذور عميقة ‪ ،‬فنصارى الشرق الرثوذكس لم ينسوا ولم يغفروا لنصارى الغرب من الكاثوليك ‪،‬‬
‫ميا أوقعوه بهيم مين مذابح فيي حملت الغرب الصيليبية ‪ ،‬ولم يقبلوا مؤخرا اعتذار البابيا عنهيا ‪ .‬والعداوة والبغضاء‬
‫مسيتفحلة حتيى بيين الكاثولييك والبروتسيتنت مين جهية أخرى ‪ ،‬كميا هيو الحال فيي أيرلندا الشماليية ‪ ،‬وهذا ميا أخيبر‬
‫حظّاب ِممّاب ُذكّرُوا بِهِب ‪،‬‬
‫عنيه سيبحانه وتعالى فيي قوله ( َومِنبْ الّذِينَب قَالُوا إِنّاب نَصبَارَى ‪َ ،‬أخَذْنَا مِيثَا َقهُمبْ ‪ ،‬فَنَسبُوا َ‬
‫غرَيْنَا بَيْ َنهُمْب ا ْلعَدَاوَةَ وَالْ َبغْضَاءَ ‪ ،‬إِلَى َيوْمِب ا ْلقِيَا َمةِ ‪ ،‬وَسَبوْفَ يُنَبّ ُئهُمْب الُّ بِمَا كَانُوا يَصْبَنعُونَ (‪ 14‬المائدة ) وهذه‬
‫فَأَ ْ‬
‫العداوة والبغضاء ل انقطاع لها مستمرة إلى يوم القيامة ‪ ،‬وهذا ما أكدّه التاريخ الوروبي القديم والحديث ‪.‬‬
‫والمتتبيع للتارييخ السيلمي والعربيي ‪ ،‬سييجد أن ميا تُخيبر عنيه هذا الحادييث النبويية أعله ‪ ،‬مين شأن مصيالحة‬
‫المسييلمين أو العرب للنصييارى ‪ ،‬والتحالف معهييم ضييد عدو مشترك ‪ ،‬وتحصييّلهم معييا على النصيير والغنيميية‬
‫والسلمة ‪ ،‬ومن ثم الختلف وإضمار الغدر وعودة الروم لمقاتلة المسلمين ‪ ،‬لم يكن قد تح صّل قديما أو حديثا ‪.‬‬
‫وبميا أن الدنييا تع ّد سينواتها الخيرة ‪ ،‬وأشراط السياعة الكيبرى باتيت على البواب ‪ ،‬فل شيك أن هذه الحرب التيي‬
‫سييخوضها المسيلمين والنصيارى جنبيا إلى جنبيا ‪ ،‬ضيد عدوهيم المشترك للمرة الولى والخيرة سيتقع فيي وقيت‬
‫قريب ‪ .‬والحاديث النبوية تُخبر أن هناك ثلثة أطراف ؛ المسلمون والروم وعدو مشترك للمسلمين والروم ‪.‬‬
‫وبميا أن هذا الحدث سييقع ضمين معطيات الواقيع الحالي ‪ ،‬ومين خلل قراءة الواقيع ‪ ،‬فيي ضوء ميا أخيبرت عنيه‬
‫الحاديث ‪ ،‬سنجد أن الروم ما زالوا ينقسمون إلى قسمين ‪:‬‬
‫•نصيارى الشرق مين معتنقيي المذهيب الرثوذكسيي ‪ ،‬وهيم المُقيمون إجمال فيي أوروبيا الشرقيية ‪ ،‬أو دول‬
‫حلف وارسو القديم الذي كانت فيه الزعامة وما زالت للدولة الروسية ‪.‬‬
‫•نصارى الغرب من معتنقي المذهب البروتستانتي والمذهب الكاثوليكي ‪ ،‬وهم المقيمون إجمال في أمريكا‬
‫وأوروبا الغربية ‪ ،‬أو دول حلف الناتو بزعامة أمريكا ‪.‬‬

‫‪220‬‬
‫وكل الفريقيين يُكنّي عداوة مذهبيية قيل نظيرهيا للفرييق الخير ‪ .‬ولو نظرنيا إلى الواقيع الحالي لوجدنيا أن أمريكيا‬
‫وبريطانييا وفرنسيا ‪ ،‬هيي الدول الشدّ عدا ًء للعرب والمسيلمين منيذ حروبهيم الصيليبية الولى ‪ ،‬التيي كانيت تقودهيا‬
‫فرنسيا بصيفتها الراعيية للمذهيب الكاثوليكيي ‪ ،‬منضوييا تحيت لوائهيا كيل مين ألمانييا وإيطالييا وإنكلترا ‪ ،‬وحتيى‬
‫حروبهم الستعمارية في العصر الحديث بقيادة أمريكا ‪ ،‬وما موالة هذه الدول لبعض الدول العربية إل مداهنة ‪،‬‬
‫ميين قبيييل الحرص على مصييالحها فقييط ‪ ،‬بييل هييي أكثيير مقتييا واحتقارا وامتهانييا لتلك الدول نفسييها ميين غيرهييا ‪،‬‬
‫ولوجدنيا أيضيا أن الروس ونصيارى الشرق إجمال ‪ ،‬ممين يعتنقون المذهيب الرثوذكسيي هيم القلّ عدا ًء للعرب‬
‫والمسلمين من مجموع المذاهب النصرانية ‪.‬‬
‫لنخلص إلى القول ‪ ،‬بأن الفريييق الذي سيييكون حليفنييا فييي المعركيية القادميية هييم الروس ‪ ،‬ضييد عدونييا وعدوهييم‬
‫المشترك أمريكييا وميين شايعهييا ميين دول حلف الناتييو ‪ .‬وأن هذا التحالف بييين الروس والعرب سيييحصل بدافييع‬
‫المصييالح أول ‪ ،‬وعلى قاعدة عدو عدوي صييديقي ثانيييا ‪ ،‬وليييس حبييا بالعرب أو بالمسييلمين ‪ ،‬ولكيين لتعارض‬
‫مصالحهم مع مصالح المريكان ‪ ،‬ولكراهية الروس المذهبية لمريكا واليهود ‪.‬‬
‫هذه الحرب البشيع فيي تارييخ البشريية ‪ ،‬أجيد أحداثهيا ونتائجهيا موصيوفة فيي كثيير مين اليات ‪ ،‬فيي مطالع سيور‬
‫كثيرة مين سيور القرآن ‪ ،‬والتيي يعتقيد معظيم الناس ‪ ،‬أنهيا تُخيبر عين أحداث يوم القيامية ‪ ،‬ومنهيا اشتعال البحار‬
‫واضطراب السييماء وزلزلة الجبال وانهيار بعضهييا ‪ ،‬وحتييى السييلحة المسييتخدمة فييي الحروب الحديثيية ‪ ،‬كان‬
‫سبحانه قد أخبر عنها ‪ ،‬أيضا في مطالع السور فالطارق هو الصاروخ والعاديات هي الدبابات ‪ ،‬وربما نفرد لهذا‬
‫المير بحثيا خاصيا ‪ ،‬إن شاء ال فيي وقيت لحيق ‪ ،‬وسييكون متوافرا على نفيس موقيع الكتاب هذا إن أسيعفنا الوقيت‬
‫وكان في العمر بقية ‪.‬‬

‫النتائج المتوقعة للحرب العالمية الثالثة ‪:‬‬


‫‪.1‬تدمير عدد كبير من المدن الكبرى ‪ ،‬وخاصة في أمريكا ومن شايعها من الدول في الشرق والغرب ‪.‬‬
‫‪.2‬ارتفاع هائل ومفاجئ ‪ ،‬في درجة حرارة الرض نتيجة التفجيرات النووية ‪ ،‬ذوبان الكتل الجليدية القريبة‬
‫مييين القطيييب الشمالي للكرة الرضيييية ‪ ،‬وتبخييير مياه المحيطات والبحار ‪ ،‬وعودتهيييا على شكيييل أمطار‬
‫غزيرة ‪ ،‬مميا يتسيبب فيي طوفان كيبير ‪ ،‬أشبيه ميا يكون بطوفان نوح علييه السيلم ‪ ،‬وبالتالي اختفاء بعيض‬
‫البلدان والجزر غرقا ‪.‬‬
‫‪.3‬اختفاء معالم الحضارة الغربيية ومظاهرهيا ‪ ،‬مين خلل الموت البطييء للتكنولوجييا المتبقيية ‪ ،‬لعدم القدرة‬
‫على تجديدها ‪ ،‬بكسر حلقة أو أكثر من حلقات سلسلة إنتاجها ‪ ( ،‬نفط _ كهرباء _ تقنية _ كهرباء _ نفط )‬
‫‪.‬‬
‫‪.4‬عودة منطقة الشرق الوسط كبؤرة للنشاط والصراع العالمي ‪ ،‬كما كانت في العصور القديمة ‪.‬‬
‫‪.5‬عودة عصور الجاهلية الولى في أبشع صورها ‪ ،‬بما فيها من ظلم وجور وفساد وإفساد ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫قال تعالى‬
‫لّ وَلَدًا (‪)4‬‬
‫( وَيُنْذِرَ الّذِينَ قَالُوا ا ّتخَذَ ا ُ‬
‫ن ِإ ّل كَذِبًا (‪)5‬‬
‫ن أَ ْفوَا ِه ِهمْ إِنْ َيقُولُو َ‬
‫ج مِ ْ‬
‫ت كَ ِل َمةً َتخْرُ ُ‬
‫مَا َل ُهمْ ِب ِه مِنْ عِ ْلمٍ َولَ لِبَا ِئ ِهمْ كَبُرَ ْ‬
‫ث َأسَفًا (‪)6‬‬
‫علَى ءَاثَارِ ِهمْ إِنْ َلمْ ُي ْؤمِنُوا ِبهَذَا ا ْلحَدِي ِ‬
‫فَ َلعَلّكَ بَاخِعٌ َن ْفسَكَ َ‬
‫عمَلً (‪)7‬‬
‫حسَنُ َ‬
‫جعَلْنَا مَا عَلَى الَْرْضِ زِي َنةً َلهَا لِنَبُْلوَ ُهمْ أَ ّي ُه ْم أَ ْ‬
‫إِنّا َ‬
‫صعِيدًا جُرُزًا (‪)8‬‬
‫ن مَا عَلَ ْيهَا َ‬
‫َوإِنّا َلجَاعِلُو َ‬
‫( الكهف )‬

‫‪221‬‬
‫وجعلنا لمهلكهم موعدا‬
‫ل اهتماميي فيي بداية المر محصورا في معرفة ماهية أولئك العباد ‪ ،‬الذين سيبعثهم ال على بني إسرائيل‬ ‫كان ج ّ‬
‫فييي المرة الثانييية ‪ ،‬وخلل هذا البحييث اضطررت لطرق مواضيييع كثيرة ذات علقيية بموضوع البحييث ومنهييا‬
‫موضوع هذا الفصل ‪ ،‬الذي يبحث في مسألة العد في القرآن ومحاولة تقدير فترة زمنية لنهاية الدولة اليهودية في‬
‫فلسطين ‪ ،‬والذي دفعني للبحث في هذه المسألة هو عدم اقتناعي بنتائج ما اطلعت عليه من أبحاث قدمها آخرون ‪.‬‬

‫مسألة العدّ في القرآن ‪:‬‬


‫أغلب رجال الديين إل من رحيم ربيي ‪ ،‬يُنفّرون مين مسيألة العدّ فيي القرآن ‪ ،‬ومنهيم مين يُنكير ذلك جملة وتفصييل ‪،‬‬
‫وربما يذهب البعض إلى اتهام من يبحث في هذا المر بالسحر والشعوذة والتنجيم ‪ .‬ويتذرّع البعض في معرض‬
‫إنكاره واسييتنكاره لمسييألة العدّ فييي القرآن ‪ ،‬بعدم وجود خييبر صييريح وصييحيح عيين رسييول ال عليييه الصييلة‬
‫والسيلم ‪ ،‬أتيى مين قرييب أو بعييد على ذكير هذه المسيألة ‪ ،‬وذلك ميع علمهيم بعدم وجود خيبر أو حتيى أثير ‪ ،‬يُنكير‬
‫وجود العجاز العددي في القرآن ‪ ،‬أو ينهى عن البحث في أمر إثباته وبيانه !!‬

‫القرآن يحدّد فترة زمنية في سورة الروم ‪:‬‬


‫قال تعالى ‪:‬‬
‫ضعِ سِنِينَ ‪ ،‬لِّ ا َلْمْرُ ِمنْ قَ ْب ُل َومِ ْ‬
‫ن‬ ‫غلِبَتِ الرّومُ (‪ )2‬فِي أَدْنَى الَْ ْرضِ ‪ ،‬وَهُ ْم مِنْ َبعْدِ غَلَ ِبهِمْ سَ َيغْلِبُونَ (‪ )3‬فِي بِ ْ‬ ‫( ُ‬
‫َبعْدُ ‪ ،‬وَ َي ْومَئِذٍ َيفْرَحُب ا ْل ُم ْؤمِنُونَب (‪ )4‬بِنَصْب ِر الِّ ‪ ،‬يَنْصُب ُر مَنْب َيشَاءُ ‪َ ،‬و ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ال ّرحِيمُب (‪ )5‬وَعْ َد الِّ ‪ ،‬لَ ُيخْلِفُب‬
‫لخِرَةِ ُهمْ غَافِلُونَ (‪)7‬‬ ‫س لَ َيعْ َلمُونَ (‪َ )6‬يعْ َلمُونَ ظَاهِرًا مِنَ ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا ‪ ،‬وَ ُهمْ عَنِ ا ْ‬
‫ن َأكْثَرَ النّا ِ‬
‫لّ وَعْدَهُ ‪ ،‬وَ َلكِ ّ‬
‫ا ُ‬
‫‪.1‬جاء النص القرآني بفعل ماض مبني للمجهول فأظهر المغلوب ( الروم ) ولم يظهر الغالب ( الفُرس ) ‪.‬‬
‫‪.2‬وأضاف نبأ جديدا وهو غلبة الروم مستقبل لمن غلبهم في الماضي ‪.‬‬
‫‪.3‬وحدّد فترة زمنية لتحقّق ذلك ببضع سنين ‪ ،‬والبضع لغ ًة يقدّر بي [ ‪ ] 9 – 3‬سنوات ‪.‬‬
‫‪.4‬وأفاد بأن المؤمنين سيفرحون عند تحقّق هذا المر ‪.‬‬
‫‪.5‬وأكدّ على أنه وعد من ال وأن ال ل يُخلف وعده ‪.‬‬
‫ن أكثر الناس ل يعلمون ) مما يكون من أمر ال ‪.‬‬
‫‪.6‬وعقّب بقوله ( ولك ّ‬
‫‪.7‬وأما ما يعلمه الناس فهو ظاهر الحياة الدنيا أي الواقع الذي يستشعرونه بحواسهم فقط ‪.‬‬
‫‪.8‬أما أمر الغيبيات التي أخبر عنها سبحانه في كتابه ومنها الحياة الخرة فهم عنها غافلون ‪.‬‬
‫فلو قلنا بأن هذه النبوءة تقول ‪ :‬بأن الروم سيهزمون الفرس في فترة زمنية ‪ ،‬تتراوح ما بين [ ‪ ] 9 – 3‬سنوات ‪،‬‬
‫سيقول من لم يعلم بظروف هذه النبوءة ‪ ،‬ولم يعلم أن البضع في لغة العرب يساوي ( ‪ ) 9 – 3‬أن هذا الذي نقول‬
‫غير موجود في القرآن نصاً ‪ ،‬فكيف عرفت أن الذين سيُهزمون هم الفرس ؟ وأن ذلك سيتم في فترة ل تقل عن ‪3‬‬
‫سنوات ول تزيد عن ‪ 9‬سنوات ؟‬
‫نلحييظ أن هذه النبوءة كانييت واضحيية بالنسييبة للمسييلمين ميين حيييث ميين سيييغلب مين ‪ ،‬ولكين زميين التحقّق جاء‬
‫فضفاضيا إذ لم يشيأ سيبحانه ميع علميه ‪ ،‬الكشيف عين الزمين بشكيل دقييق ‪ ،‬ولكنيه أعطيى فترة زمنيية على مدى ‪6‬‬
‫سنوات تقريبا ‪ ،‬ليُترك المجال لجريان السباب والمسبّبات ‪ ،‬التي من شأنها أن تترجم النبوءة على أرض الواقع ‪،‬‬
‫دون تعطيل من البشر من جرّاء العلم المسبق بحيثياتها ‪.‬‬
‫ولو تمعنّا فيي التعقييب الخيير فيي اليية (‪ )7‬على مجميل ميا أخيبر عنيه سيبحانه فيي اليات السيابقة لهيا ‪ ،‬سيتجد أن‬
‫هناك حكمية إلهيية مين الخبار عين شأن هذا الحدث المسيتقبلي ‪ ،‬أل وهيي زفّي البشرى للمؤمنيين بحتميية النصير‬
‫‪222‬‬
‫مستقبل ‪ ،‬فكما تحقّقت هذه النبوءة وهذا الوعد على أرض الواقع ‪ ،‬فسيُنجز ال كل ما وعد به في كتابه الكريم ‪،‬‬
‫ليزداد المؤمنون إيمانا ويقينا بصدق كل ما حواه هذا الكتاب من شأن الدنيا والخرة ماضيا وحاضرا ومستقبل ‪،‬‬
‫وصدق من أنزله وصدق وأمانة من أُرسل به هدى ورحمة للعالمين ‪.‬‬

‫الحكمة اللهية من كشف بعض الغيب للناس في الكتب السماوية ‪:‬‬


‫تراوحت غايات الخبار عن أنباء المستقبل ما بين البشارة والنذارة ‪ ،‬وأهم النباء المستقبلية التي يريد رب العزة‬
‫أن يتيقين منهيا الناس هيي اليوم الخير ‪ ،‬بميا فييه مين بعيث وحسياب وثواب وعقاب ‪ ،‬وهذه الحقيقية تكاد ل تخلو أي‬
‫من سور القرآن من ذكرها والتذكير بها ‪ ،‬إذ أن مؤدى إنكار اليوم الخر حتى ولو قُرن مع اليمان بال هو عبث‬
‫وعبثيية ‪ ،‬ليُصيبح إحسيان النسيان مرتبيط بميا يتحصيّل علييه مين مكاسيب دنيويية فقيط ‪ ،‬وبذلك يفسيد الناس وتفسيد‬
‫الرض فيحيل بهيم الهلك ‪ ،‬ولذلك عقّب سيبحانه بعيد الخبار عين هذه النبوءة بقوله ( … وَ َلكِنّ أَكْثَرَ النّاسِب لَ‬
‫لخِرَةِ ُهمْ غَافِلُونَ (‪ 7‬الروم ) ‪.‬‬
‫ن ظَا ِهرًا مِنَ ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا ‪ ،‬وَ ُهمْ عَنِ ا ْ‬
‫َيعْ َلمُونَ (‪َ )6‬يعْ َلمُو َ‬
‫وقيد جاءت أخبار النبوءات المسيتقبلية فيي القرآن والسينّة مسيبقا ‪ ،‬لتتحقّق فيي أزمان يكون المؤمنيين فيهيا ‪ ،‬بأميس‬
‫الحاجة لما يقوي إيمانهم ويُثبّتهم على دينهم ويشدّ من أزرهم ‪ ،‬في مواجهة أهل الكفر والفسوق والعصيان ‪ ،‬كما‬
‫هو الحال مع النبوءة السابقة ‪ .‬وجاءت أيضا لتتحقّق في أزمان يكاد فيهيا اليمان أن يلفظ أنفاسه الخيرة لتُعيد له‬
‫الحياة فيي قلوب أصيحابه ‪ ،‬ولينفضوا ميا علق بأرواحهيم وميا أغشيى أبصيارهم وبصيائرهم مين رماد هذه الدنييا ‪،‬‬
‫التيي أوشكيت على الفناء ‪ .‬فإذا ميا عاصير الناس تحقّق نبوءة على أرض الواقيع مميا أخيبر بيه القرآن ‪ ،‬أثبيت هذا‬
‫القرآن للناس بشكل قاطع وملموس محسوس بأنه من لدن حكيم عليم عالم للغيب والشهادة ‪ ،‬وأن ل بد للناس من‬
‫المثول بين يديه فالموت ليس نهاية المطاف ‪ ،‬بل هو بداية رحلة ل نهاية لها من الشقاء أو السعادة ‪.‬‬

‫سورة الكهف ‪:‬‬


‫كنيت قيد قرأت فيميا سيبق بعضيا مين كتيب العجاز العددي فيي القرآن ‪ ،‬ومين ضمنهيا كتاب بسيام جرار بعنوان‬
‫( إعجاز الرقم ‪ ) 19‬حيث قال بسام جرار فيه ‪:‬‬
‫صحَابَ ا ْل َكهْفِ‬
‫" كنت أقرأ سورة الكهف فخطر ببالي أن أحصي الكلمات من بداية قصة الكهف ( أَمْ حَسِبْتَ أَنّ أَ ْ‬
‫وَالرّقِيمِب ) وعندميا وصيلت إلى اليية (‪ ( : )25‬وَلَبِثُوا فِي َكهْ ِفهِمْب ) وإذا بالكلمية التيي تأتيي بعيد هذه العبارة مباشرة‬
‫هي الكلمة رقم (‪ )309‬ونحن نعلم أنهم لبثوا في كهفهم (‪ )309‬سنوات كما نص القرآن الكريم " ‪.‬‬
‫* كان هذا نقل حرفيا لما جاء في الكتاب ‪ ،‬وكان هذا الكتاب سابقا لكتاب ( زوال إسرائيل ) بعدة سنوات ‪.‬‬
‫عندما قرأت هذه المعلومة أحببت أن أتأكد من صحتها ‪ ،‬فقمت بإجراء نفس عملية الحصاء آنذاك فتبيّن لي صحة‬
‫الخيبر ‪ .‬ظننيت فيي بادئ المير أن المقصيود هيو إظهار التوافيق العددي اللغوي ‪ ،‬ميا بيين عدد السينين التيي لبثهيا‬
‫هؤلء الفتيية فيي الكهيف ‪ ،‬وعدد كلمات القصية التيي تروي خيبرهم ‪ ،‬وهيو بحدّ ذاتيه شييء جمييل وعجييب ‪ .‬ولكين‬
‫عندما رغبت في البحث في مسألة زوال إسرائيل فيما بعد حيث لم أقتنع بحسابات بسام جرار ‪ ،‬أصبح لهذا المثال‬
‫المطروح في سورة الكهف معنىً أخرا ‪.‬‬
‫تصفّحت سورة السراء مرارا وتكرارا ‪ ،‬ولفت انتباهي أن موضوع السورة بشكل عام هم بني إسرائيل أنفسهم "‬
‫وبني إسرائيل " هو السم التوقيفي للسورة ‪ ،‬كما ورد في جميع الحاديث والروايات التي جاءت على ذكرها ‪،‬‬
‫وأميا ميا تُركّز علييه السيورة بشكيل خاص هيو قصية المرتيين ‪ ،‬وميا فيهميا مين إفسياد وعلو ووعيد لكيل منهميا ‪،‬‬
‫والملحيظ أن القصية لهيا بدايية ولهيا نهايية ‪ .‬قميت بالمقارنية بيين القصيتين وفيي مخيلتيي تسياؤل مفاده ‪ ،‬ألييس مين‬
‫الممكين أن يكون سيبحانه قيد طرح هذا المثال الموجود فيي سيورة الكهيف ‪ ،‬لكيي نقوم بتطيبيقه فيي سيورة السيراء‬
‫لستخراج موعد هلك بني إسرائيل في المرة الثانية ؟!‬

‫‪223‬‬
‫وجعلنا لمهلكهم موعدا ‪:‬‬
‫تُركّز سيورة السيراء بشكيل كيبير على ذكير وعيد الخرة ‪ ،‬وهيو وعيد بهلك بنيي إسيرائيل وزوال دولتهيم ‪ ،‬وهذا‬
‫عمْتُمْب أَلّنْب‬
‫الوعيد له موعيد ويقول سيبحانه وتعالى فيي سيورة الكهيف ‪ ،‬التيي تلي سيورة السيراء مباشرة ( … َبلْ زَ َ‬
‫جعَلَ َلكُمْب َموْعِدًا (‪َ … )48‬بلْ َلهُمْب َموْعِدٌ … (‪ )58‬وَتِلْكَب ا ْلقُرَى أَهْ َلكْنَاهُمْب َلمّاب ظَ َلمُوا ‪َ ،‬وجَعَلْنَا ِل َمهْ ِل ِكهِمْب َموْعِدًا (‬
‫َن ْ‬
‫‪ )59‬هذا التكرار لكلمة موعد والتأكيد على أن هناك موعد أمر ملفت للنظر ‪ .‬حاولت في البداية إيجاد أوجه الشبه‬
‫عدّت إلى سورة الكهف وقمت بدارسة وتحليل المثال المطروح فيها ‪ ،‬فخرجت منه بعدة‬ ‫بين السورتين ‪ ،‬ومن ثم ُ‬
‫قواعيد رياضيية فتملكنيي شعور آنذاك ‪ ،‬أن هذا المثال إنميا وُضيع ليكون بمثابية مفتاح ‪ ،‬للكشيف عين موعيد هلك‬
‫بني إسرائيل في سورة السراء ‪.‬‬

‫قصة أصحاب الكهف ‪:‬‬


‫بعد إطلعي على قصة أصحاب الكهف ‪ ،‬من خلل كتاب ( أهل الكهف ) لحدى دور النشر الردنية ‪ -‬ل أذكر‬
‫اسيم المؤلف ‪ -‬الذي يؤكيد فييه المؤلف ‪ ،‬أن الكهيف المعنيي هيو الكهيف الموجود بالقرب مين العاصيمة الردنيية ‪،‬‬
‫وأن أحداث القصية وقعيت بعيد وفاة عيسيى علييه السيلم ‪ ،‬وقبيل بعيث محميد علييه الصيلة والسيلم ‪ ،‬حييث كانيت‬
‫المبراطورية الرومانية الوثنية آنذاك مسيطرة على المنطقة ‪ ،‬وأن القضية التي كانت مطروحة آنذاك هي مسألة‬
‫البعث بعد الموت ‪ ،‬التي كان ينكرها الوثنيّون الرومانيون واليهود الخاضعين لسيطرتهم كذلك ‪.‬‬
‫والحكمة من جرّاء تنويمهم ومن ثم بعثهم ‪ ،‬ومن ثم العثور عليهم من قبل أهل المدينة ‪ ،‬كانت لثبات البعث بعد‬
‫الموت لدى أُناس ذلك العصير مين وثنيون ويهود ‪ ،‬وهذا ميا يُخيبر عنيه سيبحانه وتعالى صيراحة فيي قوله ( َوكَذَلِكَب‬
‫ع َة لَ رَيْبَ فِيهَا ‪ ،‬إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْ َنهُ ْم َأمْرَهُمْ … (‪ )21‬أي أن‬ ‫أَعْثَرْنَا عَلَ ْي ِهمْ ‪ ،‬لِ َيعْ َلمُوا أَنّ وَعْ َد الِّ حَقّ ‪َ ،‬وأَنّ السّا َ‬
‫ال أعثير أُناس تلك المدينية المجاورة للكهيف لكيي يعلم أولئك الناس بيي ( أَنّ وَعْدَ الِّ حَقّ _ بالبعيث بعيد الموت _‬
‫عةَ لَ رَيْ بَ فِيهَا ) ‪ .‬ومجيء قصة أصحاب الكهف في القرآن لم يكن في الصل لطرح التساؤلت عن‬ ‫َوأَنّ ال سّا َ‬
‫عددهم وعن مدة لبثهيم ‪ ،‬فهذا أمر ل طائل منه ول فائدة فيه فهو سبحانه ينهى عن ذلك بقوله ( فَلَ ُتمَارِ فِيهِ ْم ِإلّ‬
‫مِرَا ًء ظَا ِه َراً َولَ تَ سْ َتفْتِ فِيهِ مْ مِ ْنهُ مْ َأحَ َداً (‪ 22‬الكهف ) وقد قرّر سبحانه عددهم بقوله ( وَ َيقُولُو نَ سَ ْب َع ٌة وَثَامِ ُنهُ مْ‬
‫كَلْ ُبهُمْب ُقلْ رَبّيب أَعْلَمُب ِبعِدّ ِتهِمْب مَا َيعْ َل ُمهُمْب ِإلّ َقلِيلٌ ( ‪ 22‬الكهيف ) إذ اسيتثنى هذه العبارة مين قوله ( رجميا بالغييب )‬
‫واقتصيرها على القوال السيابقة فقيط ‪ .‬وأميا مدة لبثهيم فقيد قرّرهيا فيي قوله ( وَلَبِثُوا فِي َكهْ ِفهِمْب ثَلَثَب مِا َئةٍ سِبنِينَ‬
‫س َموَاتِ وَالَْ ْر ضِ (‪ 26‬الكهف ) تأكيد على أن ما‬ ‫سعًا (‪ )25‬وقوله ( ُق ِل الُ أَعْلَ مُ ِبمَا لَبِثُوا ‪ ،‬لَ هُ غَيْ بُ ال ّ‬ ‫وَازْدَادُوا تِ ْ‬
‫أخبر عنه من مدة لبثهم هو الحق ‪ ،‬فهو أعلم بغيب الماضي والمستقبل كما أكدّ على إخباره عن عدّتهم فيما سبق ‪.‬‬

‫ل يُمكن إحصاء السنين ‪:‬‬


‫نخلص مين ذلك ‪ ،‬إلى أن المسيألة المراد التركييز عليهيا هيي شييء آخير غيير إحصياء عددهيم أو مدة لبثهيم ‪ ،‬هيي‬
‫إشارات لدرس رائع فيي الرياضيات اللهيية ‪ ،‬ولتوضييح هذا الدرس سينبدأ ميع بدايية القصية حييث لخّص سيبحانه‬
‫عجَبًا (‪ )9‬إِ ْذ َأوَى‬
‫صحَابَ ا ْلكَهْفِ وَالرّقِي ِم كَانُوا مِنْ ءَايَاتِنَا َ‬
‫ت أَنّ أَ ْ‬‫القصة كاملة في أربع آيات ‪ ،‬في قوله ( أَ ْم حَسِبْ َ‬
‫ح َم ًة وَهَيّئْ لَنَا مِنْب َأمْرِنَا َرشَدًا (‪ )10‬فَضَرَبْنَا عَلَى ءَاذَانِهِمْب فِي‬‫ا ْلفِتْ َيةُ إِلَى ا ْل َكهْفِب َفقَالُوا رَبّنَا ءَاتِنَا مِنْب لَدُنْكَب َر ْ‬
‫ا ْلكَهْف بِ س بِنِينَ عَدَدًا (‪ )11‬ثُمّ َبعَثْنَاهُم بْ لِ َنعْلَم بَ أَيّ ا ْلحِزْبَيْن ِب َأحْص بَى لِمَا لَبِثُوا َأمَدًا (‪ )12‬هذا الملخّص يقول ‪ :‬أن‬
‫أصيحاب الكهيف فتيية لجأوا إلى الكهيف ‪ ،‬وطلبوا مين ربهيم أن يرحمهيم وأن يُهييئ لهيم سيبيل للنجاة مين قومهيم ‪،‬‬
‫فأسيلمهم سيبحانه للنوم فيي الكهيف عددا مين السينين ثيم بعثهيم ‪ ،‬ثيم علّل أمير نومهيم ثيم بعثهيم بأنيه يرييد أن يعلم مين‬
‫ص مدة لبثهم في الكهف من عدد السنين ‪.‬‬ ‫أحصى ممن لم يُح ِ‬
‫وتعليل النوم والبعث حقيقة كنا قد أوضحناه سابقا ‪ ،‬ولكن الملفت للنظر هنا هو تعليل البعث في بداية القصة على‬
‫غييير الوجييه الحقيقييي له ‪ ،‬بقوله تعالى ( لنعلم أي الحزبييين أحصييى لمييا لبثوا أمدا ) إذ ل يُعقييل أن يكون المقصييد‬
‫الحقيقي هو معرفة من أحصى مدة اللبث ممن لم يُحصِها ‪ .‬وفي الواقع فإن المد ( أي الفترة الزمنية ) ل يُحصى‬
‫إحصياءً وإنميا يتحصيّل بالحسياب ‪ .‬ولو فكّرت فيي معنيى الحصياء رياضييا لوجدت أن هذا الذي جاء فيي اليتيين‬
‫غيير منطقيي مين الناحية الرياضيية العملية ‪ ،‬فعمليية الحصياء والع ّد ل يمكين القيام بهيا إل إذا كان المراد إحصياءه‬
‫‪224‬‬
‫أو عدّه ماثل أمامك عيانا ‪ ،‬كأن تحصي مجموعة من الشياء ‪ .‬أما أن تحصي شيئا ل تلمسه بيديك أو تراه بعينيك‬
‫فهذا أمر مستحيل ‪ .‬وأما بالنسبة للسنين فل يُمكن بأي حال من الحوال إحصائها أيضا ‪ ،‬لنها ليست أشياء قابلة‬
‫للعدّ وإنما تتحصل معرفتها بالحساب ‪ ،‬فهي نتيجة لجمع عدد من الشهور ‪ ،‬والشهور نتيجة لجمع عدد من اليام ‪.‬‬
‫وعلى سيبيل المثال ‪ ،‬إذا أردت معرفية عمير شخيص ميا أو عمير ُأمّة ميا ‪ ،‬فميا سيتقوم بيه هيو عمليية طرح للتوارييخ‬
‫لتحصيل عدد السنين ‪ ،‬التي تُمثّل عمر ذلك الشخص أو عمر تلك المة ‪.‬‬

‫الحصاء لمدة اللبث ‪:‬‬


‫وبالتالي نستطيع القول بأن هذا التركيب اللغوي ‪ ،‬جاء ليلفت انتباهنا إلى ما جاء في هذه القصة من إعجاز عددي‬
‫لغوي ‪ ،‬ولحصياء أشياء ماثلة أمام أعيننيا أل وهيي كلمات القصية ‪ ،‬التيي توافيق عدد السينين التيي لبثهيا أصيحاب‬
‫الكهف في كهفهم ‪ ،‬والتي إن قمت بإحصاءها ستكون في الحقيقة قمت بعدّ مدة اللبث بالسنين ‪ ،‬لن عدد الكلمات‬
‫يوافييق عدد السيينين ‪ ،‬ويقول سييبحانه تعقيبييا على هذا العجاز فيمييا يلي القصيية ميين آيات ( لَه بُ غَيْب بُ الْس ّب َموَاتِ‬
‫سمِعْ (‪ )26‬وكأنه ح ثّ على إمعان‬ ‫وَالَْرْ ضِ ) أي ما كشفه من شأن هؤلء الفتية من غيب الماضي ( أَبْ صِرْ بِ ِه َوأَ ْ‬
‫النظير فيميا بيين يدييك مين إعجاز وكشفيه والخبار عنيه ‪ ،‬ويؤكيد سيبحانه مين خلل هذا التوافيق العددي فيي نهايية‬
‫ت الِّ‬‫القصة أن ( ل مُبَ ّدلَ ِلكَ ِلمَاتِه ( ‪ 27‬الكهف ) كما أكدّ أيضا في سورتي النعام ويونس بقوله ( َو َل مُبَ ّدلَ ِلكَ ِلمَا ِ‬
‫(‪ ( )34‬لَ تَبْدِيلَ ِلكَ ِلمَاتِب الِّ (‪ )64‬ليتيبين لك أن ل تبدييل لمواقيع الكلمات فييه ول زيادة فييه ول نقيص ‪ ،‬وهذا ميا‬
‫تثبته هذه السورة وسورة السراء أيضا مصداقا لقوله تعالى ( إِنّا َنحْ نُ نَزّلْنَا الْ ّذكْ َر َوإِنّا لَ هُ َلحَا ِفظُو نَ (‪ 9‬الحجر )‬
‫ن مِنْ عِنْدِ غَيْ ِر الِّ َل َوجَدُوا فِي ِه اخْتِلَفًا كَثِيرًا (‪ 82‬النساء ) ‪.‬‬
‫وقوله ( وَ َل ْو كَا َ‬
‫يقول سيبحانه ( أحصيى لميا لبثوا أمدا ) نتيبين مين ذلك ‪ ،‬أن المراد هيو إجراء عمليية إحصياء أو عدّ ‪ ،‬وأن المراد‬
‫إحصياؤه _ حسيب ظاهير النيص القرآنيي ‪ -‬هيو مدة اللبيث ‪ ،‬وبميا أن إحصياء مدة اللبيث مُتعذّر فالحصياء سييكون‬
‫لشياء تُمثّل هذه المدّة ‪ ،‬أل وهي الكلمات الماثلة أمامنا والتي تُشكل أحداث القصة ‪ ،‬لنستطيع من خلل إحصائها‬
‫معرفيية عدد سيينين مدة اللبييث ‪ ،‬وكأنييه سييبحانه أراد أن يُعلمنييا درسييا رياضيييا نسييتطيع ميين خلل القواعييد التييي‬
‫سينستنبطها منيه ‪ ،‬مين اسيتخراج عدد السينين لمدة لبيث أُناس ‪ ،‬كان قيد سيبق ذكرهيم فيي السيورة التيي سيبقت سيورة‬
‫الكهف ‪ ،‬وهذا يعني أن مدة لبثهم لها نهاية بهلكهم والمشار إليها بوعد الخرة ‪.‬‬

‫طريقة العدّ في سورة الكهف ‪:‬‬


‫سعًا )‪(309‬‬
‫ن وَازْدَادُوا تِ ْ‬
‫ث مِا َئةٍ سِنِي َ‬
‫ف‪ … … 5‬وَلَبِثُوا ‪ 306‬فِبي ‪َ 307‬ك ْهفِب ِهمْ‪ ( 308‬ثَلَ َ‬
‫صحَابَ‪ 4‬ا ْل َكهْ ِ‬
‫( أَ مْ‪ 1‬حَ سِبْتَ‪ 2‬أَنّ‪ 3‬أَ ْ‬
‫‪)25‬‬
‫تبدأ القصية مين اليية (‪ )9‬بعبارة ( أم حسببت ) وتنتهيي فيي اليية (‪ )25‬بعبارة ( ثلثمائة سبنين وازدادوا تسبعا ) ‪.‬‬
‫نلحيظ أن كلمية ( كهفهيم ) تحميل العدد ( ‪ ) 308‬وأن العدد الذي يلي العدد (‪ )308‬هيو (‪ )309‬وبدل مين أن ينتهيي‬
‫العدّ عنيد الكلمية التيي تلي كلمة ( كهفهيم ) مباشرة بقولنيا ‪ :‬ثلثمائة وتسيعة جاء سيبحانه بعبارة ‪ ،‬تحكيي العدد نفسيه‬
‫بالكلمات ( ثلثمائة سنين وازدادوا تسعا ) لتحمل العبارة كاملة العدد ( ‪. ) 309‬‬
‫وقوله سبحانه ( ثلثمائة سنين وازدادوا تسعا ) وعدم قوله ( تسع وثلثمائة )جاءت ليُعلّمنا قاعدة حسابية لحساب‬
‫الفرق بين السنين الشمسية والسنين القمرية ‪ ،‬بإضافة ‪ 3‬سنوات لكل ‪ 100‬شمسية لنحصل على ما يُعادلها بالقمرية‬
‫‪ ،‬حيث أن كل (‪ )100‬سنة شمسية تعادل ( ‪ )103‬سنوات قمرية تقريبا ‪ .‬ومفاد هذه العبارة أنهم لبثوا ( ‪ )300‬سنة‬
‫شمسية و(‪ )309‬سنة قمرية ‪ ،‬والهم من ذلك أن عدد الكلمات جاء متفقا مع مدة لبثهم بالسنين القمرية ‪ ،‬أي أن كل‬
‫كلمية مثّلت سينة قمريية ل شمسيية ‪ .‬وبناء على ذلك وعنيد اسيتخدام هذه الطريقية فيي سيورة السيراء سينتعامل ميع‬
‫السنين القمرية ‪.‬‬

‫قواعد الحصاء في سورة الكهف ‪:‬‬


‫‪.1‬الحصاء للكلمات إذ ل يُمكن إحصاء السنين ‪.‬‬

‫‪225‬‬
‫‪.2‬الكلمة لغة هي التي تتكون من حرفين فما فوق ‪.‬‬
‫‪.3‬بداية العدّ كانت من بداية قصة أصحاب الكهف ‪.‬‬
‫‪.4‬قصة أصحاب الكهف سبقتها مقدمة تكوّنت من ‪ 8‬آيات ولم تشملها عملية العدّ ‪.‬‬
‫‪.5‬أن بعيض اليات التيي وردت ضمين القصية دخلت كلماتهيا فيي الع ّد ميع أن علقتهيا بالقصية ليسيت ظاهرة‬
‫كاليات ( ‪. ) 24 ، 23‬‬
‫‪.6‬أن نهاية العدّ كان بانتهاء القصة ‪.‬‬
‫‪.7‬أن عدد الكلمات توافق مع عدد السنين التي لبثوها في الكهف إذ أن كل كلمة تمثل سنة ‪.‬‬
‫‪.8‬أن كيل كلمية تمثّل سينة قمريية ‪ ،‬ذلك لن نتيجية الع ّد كانيت ‪ 309‬كلمات قيد توافقيت ميع مدة لبثهيم بالسينين‬
‫القمرية ‪.‬‬

‫قابلية هذا المثال للتطبيق على سورة السراء ‪:‬‬


‫قال تعالى ( فَضَرَبْنَا عَلَى ءَاذَانِهِمْب فِي ا ْل َكهْفِب سِبنِينَ عَدَدًا (‪ )11‬ثُمّ َبعَثْنَاهُمْب لِ َنعْلَمَب أَيّ ا ْلحِزْبَيْنِب َأحْصبَى لِمَا لَبِثُوا‬
‫َأمَدًا (‪ )12‬لو أمعنيت النظير فيميا تحتيه ‪ ،‬لوجدت أن الظاهير يقول أن بعثهيم كان لن ال سيبحانه وتعالى ‪ ،‬أراد أن‬
‫يعلم أي الحزبيين أحصيى ! ‪ ...‬أحصيى ماذا ؟ أحصيى مدة ميا لبثوا فيي الكهيف مين عدد السينين ‪ .‬أي أن المراد مين‬
‫الحصاء هو معرفة عدد السنين ‪ ،‬في المقابل نجد في الية (‪ )12‬من سورة السراء عبارة تقول ( ولتعلموا عدد‬
‫السنين والحساب ) للشارة إلى أن السورة ‪ ،‬تحمل بين ثناياها معرفة لعدد سنين تتحصل بالعدّ والحساب ‪ ،‬تخصّ‬
‫أُناس سبق ذكرهم فيما ورد من آيات سبقت هذه العبارة ‪.‬‬
‫وللفت النتباه إلى أن الحصاء متعلق بمدة اللبث ‪ ،‬تكرّر ذِكر مشتقات هذه الكلمة (‪ )6‬مرات في سورة الكهف ‪،‬‬
‫وهيي ( َل ِبثُوا ‪َ ،‬ل ِب ْثتُمْي ‪َ ،‬ل ِبثْنَا ‪َ ،‬ل ِب ْثتُمْي ‪ ،‬وََل ِبثُوا ‪َ ،‬ل ِبثُوا ) فيي اليات ( ‪ . ) 12،19،25،26‬وفيي المقابيل نجيد أن مشتقات‬
‫ن إِنْ لَبِثْتُمْ ِإلّ قَلِيلً (‪ )52‬وقوله ( َوإِذًا لَ‬
‫هذه الكلمة تكرّرت مرتين في سورة السراء ‪ ،‬في قوله سبحانه ( وَ َتظُنّو َ‬
‫ك ِإلّ قَلِيلً (‪ )76‬يُقال أن المقصودين في هاتين اليتين هم مشركي قريش حصرا ‪ ،‬وهذا القول غير‬ ‫يَلْبَثُو نَ خِلَفَ َ‬
‫صيريح ‪ .‬ولو أنيك تتبعيت النيص منيذ البدايية ‪ ،‬لوجدت أن القول الول قييل لمنكري البعيث وعلى رأس القائمية فيي‬
‫إنكار البعث هم اليهود ‪.‬‬
‫ك مِ َ‬
‫ن‬ ‫ك … َوإِ نْ كَادُوا لَيَسْ َتفِزّونَ َ‬
‫عنِ الّذِي َأ ْوحَيْنَا إِلَيْ َ‬
‫ن كَادُوا لَ َيفْتِنُونَ كَ َ‬
‫ولو أنك تتبعت النص من قوله تعالى ( َوإِ ْ‬
‫الَْرْضِب ‪ ،‬لِ ُيخْ ِرجُو كَ مِ ْنهَا ‪َ ،‬وإِذًا لَ يَلْبَثُونَب خِلَفَكَب ِإلّ قَلِيلً (‪ )76‬لوجدت أن القول الثانيي قييل فيي اليهود حصيرا ‪،‬‬
‫حييث تؤكيد معظيم الروايات أن هذه اليات مدنيية ‪ ،‬ولو تمعنّت فيي قوله تعالى ( وإن كادوا ليفتنونيك ) وتسياءلت‬
‫عمن له القدرة على فتنة الرسول عليه الصلة والسلم ‪ ،‬أهم أهل الكتاب أم عبدة الصنام ! ولو تمعنّت في قوله‬
‫تعالى ( وإن كادوا ليسييتفزّونك ميين الرض ليُخرجوك منهييا ) وتسيياءلت عميين حاولوا اسييتفزاز الرسييول عليييه‬
‫الصيلة والسيلم ‪ ،‬لخراجيه ولم يُكتيب لهيم النجاح ! لو قلت أنهيم اليهود عندميا أرادوا منيه أن يخرج معهيم ‪ ،‬مين‬
‫أرض الجزيرة ككييل إلى الرض المقدّسيية ليُعيييد لهييم ملكهييم المنقرض ‪ ،‬لكان ذلك أقرب إلى العقييل والمنطييق ‪،‬‬
‫وهناك روايات تؤكد ذلك ‪ .‬ولو قلت أنهم مشركي قريش فقد جانبت الصواب ‪ ،‬لنهم قد استفزّوه بالفعل وأخرجوه‬
‫من بلدته حقيقة ‪.‬‬

‫أوجه التشابه ‪:‬‬


‫أول ‪ :‬ذكر أحد مشتقات لفظ اللبث في السورتين ‪ ،‬وهو لفظ يأتي أينما ورد في القرآن ‪ ،‬للشارة إلى مدة زمنية ‪،‬‬
‫( قَالَ َبلْ لَبِثْتَب مِا َئةَ عَامٍب (‪ 259‬البقرة ) ‪ ( ،‬فَلَبِثَب فِي السّبجْنِ بِضْعَب سِبنِينَ (‪ 42‬يوسيف ) ‪ ( ،‬فَلَبِثْتَب سِبنِينَ فِي أَ ْهلِ‬
‫عشْرًا (‪ 103‬طيه ) ( قَا َل كَمْب لَبِثْتُمْب فِي الَْرْضِب عَدَ َد سِبنِينَ (‪ 112‬المؤمنون ) ‪( ،‬‬ ‫مَدْيَنَب (‪ 40‬طيه ) ‪ ( ،‬إِنْب لَبِثْتُمْب ِإلّ َ‬
‫خ ْمسِينَ عَامًا (‪ 14‬العنكبوت ) ‪.‬‬ ‫ف سَ َن ٍة ِإلّ َ‬
‫فَلَبِثَ فِي ِهمْ أَلْ َ‬

‫‪226‬‬
‫ثانييا ‪ :‬ذكر لفظ يُشيير إلى الحصاء أو العدّ في السورتين ( سِنِينَ عَدَدًا … َأحْ صَى ِلمَا لَبِثُوا َأمَدًا ) في الكهف (‬
‫حسَابَ ) في السراء بإضافة لفظ الحساب ‪.‬‬ ‫ن وَا ْل ِ‬
‫وَلِ َتعْ َلمُوا عَدَ َد السّنِي َ‬

‫سورة السراء ‪:‬‬


‫عُلوّا كَبِيرًا(‪ )4‬فَإِذَا جَا َء وَعْ ُد أُولَ ُهمَا‬ ‫ن وَلَ َتعْلُنّ ُ‬
‫ض مَرّتَيْ ِ‬‫( وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي ا ْلكِتَببابِ لَ ُتفْسِدُنّ فِي الَْ ْر ِ‬
‫للَ الدّيَا ِر َوكَانَب وَعْدًا َمفْعُولً(‪ )5‬ثُمّ رَدَدْنَا َلكُمْب ا ْلكَرّةَ عَلَ ْيهِمْب‬ ‫َبعَثْنَا عَلَ ْيكُمْب عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍب شَدِيدٍ َفجَاسبُوا خِ َ‬
‫جعَلْنَاكُمْب َأكْثَرَ َنفِيرًا(‪ )6‬إِنْب أحْسبَنتُ ْم َأحْسبَن ُتمْ لَِنفُسِب ُكمْ َوإِنْب أَسَبأْ ُتمْ فَلَهَا فَإِذَا جَا َء وَعْدُ‬ ‫َوَأمْدَدْنَاكُمْب بِ َأ ْموَالٍ وَبَنِينَب َو َ‬
‫عَلوْا تَتْبِيرًا(‪ )7‬عَسبَى رَ ّبكُمْب أَنْب‬ ‫لخِرَةِ لِيَسبُوءُوا ُوجُو َهكُمْب وَلِيَ ْدخُلُوا ا ْلمَسْبجِ َد كَمَا َدخَلُوهُب َأ ّولَ َمرّةٍ وَلِيُتَبّرُوا مَا َ‬ ‫اْ‬
‫ن حَصِيرًا(‪)8‬‬ ‫جهَ ّنمَ ِل ْلكَافِرِي َ‬
‫ح َمكُ ْم َوإِنْ عُدْ ُتمْ عُدْنَا ‪َ ،‬وجَعَلْنَا َ‬ ‫يَ ْر َ‬
‫في المثال الوارد في سورة الكهف والذي أشرنا إليه آنفا ‪ ،‬نجد أن عملية الع ّد بدأت من حيث بدأت قصة أصحاب‬
‫الكهيف وانتهيت ميع نهايتهيا ‪ ،‬وحييث أن عدد الكلمات فيي القصية جاء ليوافيق مدة لبثهيم بالسينين القمريية ‪ ،‬نجيد أن‬
‫عملية العدّ توقفيت عند قوله تعالى ( ولبثوا في كهفهيم ثلث مائة سينين وازدادوا تسعا ) وهيي العبارة التيي أوحت‬
‫بتمام القصة ‪.‬‬
‫عند النظر في مقدمة سورة السراء نجد أن هناك قصة تروى هي قصة مرتي الفساد السرائيلي في الرض ‪،‬‬
‫ونلحظ هنا أن الفساد السرائيلي سيتحصل لثلث مرات اثنتان منهما مقترنة بالعلو وأخرى غير مقترنة ‪ ،‬وأن‬
‫هناك ثلث وعود بالعقاب لكيل منهيا ‪ ،‬وكنيا قيد أوضحنيا فيي الفصيول السيابقة أن وعيد المرة الولى قيد نفيذ فيي‬
‫الماضي ‪ ،‬ونحن الن بصدد نفاذ وعد المرة الثانية ‪.‬‬
‫عنيد تأميل مقدمية السيورة نجيد أن البدايية الحقيقيية لقصية المرتيين هيي قوله تعالى ( وقضينبا إلى بنبي إسبرائيل فبي‬
‫الكتاب … ) وأن ميا سيبقها مين آيات كانيت مجرد مقدمية للدخول فيي أجواء القصية ‪ ،‬كميا كانيت هناك مقدمية فيي‬
‫سورة الكهف سبقت قصة أصحاب الكهف للدخول في أجواء القصة أيضا ‪ ،‬في السابق كان لدينا احتمالن للعبارة‬
‫التيي تُشيير إلى تمام الحدييث عين وعيد الخرة ‪ ،‬وهميا قوله تعالى ( وليسبوءوا وجوهكبم وليدخلوا المسبجد … )‬
‫وقوله تعالى ( كمبا دخلوه أول مرة … ) ‪ ،‬والخيار وقيع على الحتمال الول فيي إصيداراتنا السيابقة وعلييه بنينيا‬
‫بعضيا مين اسيتنتاجاتنا وهيو ميا ثبيت خطأه لحقيا ‪ ،‬والن لم يبقيى لدينيا إل الحتمال الثانيي ‪ ،‬وهيو أن يبدأ العدّ مين‬
‫قوله تعالى ( وَقَضَيْنَا ‪ 1‬إِلَى ‪ 2‬بَنِي ‪ 3‬إ سْرائِيلَ‪ ) …4‬في الية الرابعة من بداية السورة وأن ينتهي عند قوله تعالى (‬
‫كَمَا ‪َ 57‬دخَلُوهبُ‪َ 58‬أ ّولَ‪ 59‬مَرّةٍ‪ ) …60‬فييي الييية السييابعة ‪ ،‬ليكون عميير الدولة السييرائيلية المحتمييل هييو سييتون سيينة‬
‫قمريية ‪ ،‬وقيد تكون نهايية هذه الدولة ‪ -‬إن صيح هذا التقديير ‪ -‬فيي السينة السيتون مين عمرهيا أو عنيد تمامهيا أو بعيد‬
‫تمامها ‪.‬‬

‫الموعد المحتمل لنهاية إسرائيل ‪:‬‬


‫ولتحدييد الموعيد المحتميل لنهايتهيا ‪ -‬أي نفاذ وعيد الخرة ‪ -‬بالتقويميين الهجري والميلدي سينُضيف سيتين سينة‬
‫قمريية إلى تارييخ إعلن قيامهيا بالتقوييم الهجري ‪ ،‬ميع العلم أن تارييخ إعلن قيام الدولة السيرائيلية هيو ‪/ 5 / 15‬‬
‫‪1948‬م ‪ ،‬ويقابل هذا التاريخ بالتقويم الهجري ‪ / 6‬رجب ‪ 1367 /‬هي ‪ ،‬ورجب هو الشهر السابع في السنة الهجرية‬
‫‪.‬‬
‫‪ 60‬سنة قمرية ‪1367 / 7 / 6 +‬هي = ‪ 1427 / 7 / 6‬هي‬
‫وبذلك تكون إسيرائيل قيد أتميت السينة السيتون مين عمرهيا بتارييخ ‪ / 5‬رجيب ‪1427 /‬هيي والذي يُقابله بالتقوييم‬
‫الميلدي ‪2006 / 7 / 30‬م ‪ ،‬وقد تكون نهاية إسرائيل في بحر السنة التي تسبق هذا التاريخ على أقرب تقدير أو‬
‫في بحر السنة التي تليها على أبعد تقدير وال أعلم ‪.‬‬

‫‪227‬‬
‫الموعد المحتمل لنهاية أمريكا ‪:‬‬
‫كنييا قييد أوضحنييا بالفصييل السييابق إلى أن قوله تعالى ( وَلِيُتَبّرُوا مَا عَ َلوْا تَتْبِيرًا ) جاء لتأكيييد حتمييية زوال العلو‬
‫اليهودي من الرض على عمومها سواء كان في فلسطين أو في أمريكا ‪ ،‬وبما أن هذه العبارة توحي بتمام زوال‬
‫العلو بشكل مطلق من كل أرجاء الرض ‪ ،‬فهذا يعني بالضرورة زوال الجبروت المريكي المسيطر عليه يهوديا‬
‫بدمار أمريكا وبريطانيا واندثارهما تماما حتى ل يبقى لليهود في شتى بقاع الرض من مقومات العلو والسيادة ما‬
‫يعينهم على إفسادهم في الرض ‪.‬‬
‫ولتحدييد الموعيد المحتميل لنهايية أمريكيا سينضيف ‪ 64‬سينة قمريية هيي عدد الكلمات منيذ بدايية القصية حتيى نهايية‬
‫عبارة ( وَلِيُتَبّرُوا ‪ 61‬مَا ‪ 62‬عَ َلوْا ‪ 63‬تَتْبِيرًا ‪ ) … 64‬إلى تاريييخ إعلن قيام إسييرائيل ‪ ،‬أو ‪ 4‬سيينوات قمرييية هييي عدد‬
‫كلمات هذه العبارة إلى أقصى موعد لنهاية إسرائيل ‪.‬‬
‫وبما أن ‪ / 5‬رجب ‪ 1427 /‬هي ‪ ،‬هو آخر أيام السنة الي ‪ 60‬من عمر إسرائيل فإن أقصى موعد لنهاية أمريكا هو ‪:‬‬
‫‪ 4‬سنوات قمرية ‪1427 / 7 / 5 +‬هي = ‪ 1431 / 7 / 5‬هي‬
‫ويقابله بالتقويم الميلدي ‪2010 / 6 / 16 :‬م‬
‫* بنيت الستنتاجات أعله على اعتبار أن عبارة ( كما دخلوه لول مرة ) هي تمام الحديث عن وعد الخرة ‪،‬‬
‫وأن عبارة ( وليتيبروا ميا علوا تتيبيرا ) هيي تمام الحدييث عين زوال العلو اليهودي الكيبير الوارد ذكره فيي اليية‬
‫الرابعية مين بدايية القصية ‪ ،‬وقيد يكون هذا العتبار خاطئا لحتمال أن يكون نفاذ وعيد الخرة يشميل زوال العلو‬
‫اليهودي في فلسطين وأمريكا ‪ ،‬فقد تتزامن النهايتان مع نهاية العبارة الولى أو مع نهاية العبارة الثانية وال أعلم‬
‫‪.‬‬

‫الموعد المحتمل لعودة عيسى عليه السلم ‪ ،‬والقضاء على الدجال وأتباعه اليهود ‪:‬‬
‫قلنيا فيي تفسيير قوله تعالى ( َوإِنْب عُدْتُمْب عُدْنَا ) بأنهيا تُخيبر عين عودتهيم للفسياد وعودة ال عليهيم بالعقاب على ييد‬
‫عيسيى علييه السيلم والمهدي ومين معهميا مين المؤمنيين ‪ ،‬ولتحدييد الموعيد المحتميل للعقاب النهائي لبنيي إسيرائيل‬
‫سنضيف ‪ 71‬سنة قمرية هي عدد الكلمات منذ بداية القصة حتى نهاية عبارة ( … َوإِنْ‪ 69‬عُدْ ُتمْ‪ 70‬عُدْنَا ‪ ) … 71‬إلى‬
‫تارييخ إعلن قيام إسيرائيل ‪ ،‬أو ‪ 11‬سينوات قمريية إلى أقصيى موعيد لنهايية إسيرائيل حييث كلمية ( عدنبا ) تحميل‬
‫العدد ( ‪ ) 11‬بعد نهاية الحديث عن وعد الخرة في قوله تعالى ( َكمَا َدخَلُو ُه َأوّ َل مَرّةٍ‪. ) 60‬‬
‫‪ 11‬سنة قمرية ‪1427 / 7 / 5 +‬هي = ‪ 1438 / 7 / 5‬هي‬
‫ويقابله بالتقويم الميلدي ‪2017 / 4 / 1 :‬م‬

‫الموعد المحتمل لخروج المهدي ‪:‬‬


‫خ ْدرِيّ أَنّ ال ّن ِبيّ صَلّى الُّ عََليْهِ وَسَّلمَ قَالَ ‪ُ ( :‬ثمّ َيخْ ُرجُ فِي آخِ ِر ُأمّتِي ا ْل َمهْ ِديّ ‪َ ، … ،‬يعِيشُ سَ ْبعًا‬
‫سعِيدٍ ا ْل ُ‬
‫عنْ َأبِي َ‬
‫َ‬
‫ججَاً ) رواه الحاكيم وصيحّحه اللبانيي وأخرجيه الترمذي ( … إِنْب قُصِبرَ فَسَببْ ٌع َوِإلّ فَتِسْبعٌ )‬ ‫حَ‬‫َأوْ َثمَانِيَاً ‪َ ،‬يعْنِي ِ‬
‫خمْسبًا َأوْ سَب ْبعًا َأوْ تِسْبعًا ) وأبيو داود ( … َيمْلِكُب سَببْ َع سِبنِينَ )‬ ‫وأحميد ( … َيمْلِكُب سَب ْبعًا َأوْ تِسْبعًا … ) و ( … َ‬
‫خ ْدرِيّ ‪.‬‬
‫سعِيدٍ ا ْل ُ‬
‫وابن ماجه ( إِنْ قُصِرَ َفسَبْ ٌع َوِإلّ فَ ِتسْعٌ … ) كلّهم عَنْ َأبِي َ‬
‫ومين المرجّح لدينيا أن خروج المهدي سييكون بعيد زوال أمريكيا وقبيل خروج الدجال ‪ ،‬وسيتنتهي خلفتيه بنزول‬
‫عيسيى علييه السيلم وتسيليمها له وال أعلم ‪ ،‬ومتوسيط مدة خلفتيه إذا أخذنيا بعيين العتبار اختلف الروايات هيو‬
‫ح هذا التقديير نسيتطيع حسياب موعيد خروجيه بطرح ( ‪ ) 7‬سينوات ‪ ،‬مين الموعيد المتوقيع‬‫سيبع سينوات ‪ ،‬فإن صي ّ‬
‫لنزول عيسى عليه السلم ( ‪: ) 1438‬‬
‫‪1438‬هي – ‪1431 = 7‬هي‬
‫ويقابله بالتقويم الميلدي ‪2010 :‬م‬
‫‪228‬‬
‫التأريخ لقيام دولة إسرائيل في سورة السراء ‪:‬‬
‫مين الملفيت للنظير أمير تكرار ذكير بنيي إسيرائيل وتكرار ذكير وعيد الخرة فيي بدايية السيورة وفيي نهايتهيا ‪ ،‬وأثناء‬
‫محاولتي المتكرّرة للربط العددي بين ذكريهما في بداية السورة ونهايتها ‪ ،‬تبين لي ما يلي ‪:‬‬
‫أنك إذا قمت بإحصاء الكلمات من عبارة ( وَقَضَيْنَا ‪ 1‬إِلَى ‪ 2‬بَنِي ‪ 3‬إ سْرائِيلَ‪ )4( …4‬في بداية السورة ‪ ،‬حتى تصل‬
‫إلى عبارة ( … َوكَانَ‪ 1364‬الِْ ْنسَانُ‪ 1365‬قَتُورًا ‪ )100( 1366‬وَ َلقَدْ‪ 1367‬آتَيْنَا مُوسَى ِتسْ َع آيَاتٍ بَيّنَاتٍ … (‪ )101‬في نهاية‬
‫السورة ‪ ،‬ستجد أن الكلمة الولى في بداية الذكر الثاني لبني إسرائيل في السورة ‪ ،‬جاءت لتحمل العدد ( ‪) 1367‬‬
‫وهذا العدد في الواقع ‪ ،‬يمثل السنة التي قامت فيها دولة إسرائيل بالتقويم الهجري ‪ ،‬وهو موعد استيلئهم الفعلي‬
‫على أرض فلسطين وبدء استيطانهم فيها وتجمّعهم من شتى بقاع الرض ‪.‬‬
‫لخِرَةِ‪ 4‬لِيَ سُوءوا ‪ … 5‬في الية رقم (‪ )7‬بداية السورة‬
‫وإذا قمت بع ّد الكلمات من قوله تعالى ( فَإِذَا ‪ 1‬جَاءَ‪ 2‬وَعْدُ‪ 3‬ا ْ‬
‫إلى ميا قبيل عبارة ( فإذا جاء وعبد الخرة … فيي اليية رقيم (‪ )104‬نهايية السيورة وتوقفيت عنيد عبارة ( اسبكنوا‬
‫الرض ) فيي قوله ( وَقُلْنَا … لِبَنِي إِسْبرَائِيلَ اسْبكُنُوا ‪ 1366‬الَْرْضَب‪ )104( … 1367‬لوجدت أنيك قيد توقفيت عنيد نفيس‬
‫العدد (‪. )1367‬‬
‫وربميا كان هذا الكشيف عين موعيد إعلن قيام دولة إسيرائيل فيي سيورة السيراء مين خلل عمليية الع ّد باتباع نفيس‬
‫الطريقة التيي اسيتخلصناها فيي سورة الكهيف هو ميا أضفى على موضوع هذا الفصل بعضيا من المصداقية ‪ ،‬أما‬
‫فيميا يتعلق بإضافية هذا الفصيل إلى الكتاب قبيل نشره فكنيا نراوح بيين رأييين ‪ ،‬يقول الول بأن الطرح المقدّم فيي‬
‫الكتاب مين القوة بحييث ل يحتاج إلى إضافية هذا الفصيل إذ أنيه سيينعكس سيلبا على الكتاب عنيد الكثيير مين الناس‬
‫وخاصية عنيد مين يعتيبرون مسيألة الع ّد فيي القرآن ضربيا مين الشعوذة ‪ ،‬وأميا الرأي الثانيي فيقول بأن إضافية هذا‬
‫ح مييا ورد فيييه ميين‬‫الفصييل سييتجلب قرّاء للكتاب مييا كانوا ليقرءوا هذا الكتاب لول وجود هذه المسييألة ‪ ،‬وإن ص ي ّ‬
‫مواعيد سيضاعف قوة الطرح أضعافا مضاعفة ‪ ،‬وغايتنا أول وأخيرا هي نصرة كتاب ال من خلل بيان ما جاء‬
‫فييه مين أنباء تتحدث عين حاضرنيا ومسيتقبلنا ‪ ،‬وفيي النهايية حسيمنا المير بإضافية هذا الفصيل بعيد إبداء كيل مين‬
‫عارض الضافة ممن تمت استشارتهم عن رغبته في الطلع على محتوى هذا الفصل ‪.‬‬
‫تحذير‬
‫كل ما ورد في هذا الكتاب هو مجرد أفكار ورؤى وتصوّرات شخصية للمؤلف داعبت مخيلة المؤلف منذ أواخر‬
‫تسعينيات القرن الماضي ‪ ،‬وخوفا من إثم الكتمان وحجب علم من كتاب ال عن الناس كان لزاما علينا كشف ما‬
‫منّي ال بيه علينيا مين علم ‪ ،‬وقمنيا بتألييف الكتاب ونشره بمجهود فردي ميع ضييق الوقيت وعدم التفرغ على نشره‬
‫على أوسيع نطاق آمليين أن ينتفيع بيه الناس فيي دينهيم ودنياهيم مجانيا بل مقابيل وتحيت اسيم مسيتعار إذ ل مطميع لنيا‬
‫في مكاسب دنيوية نجنيها من وراء هذا العمل وال من وراء القصد ‪.‬‬
‫نود أن نلفيت انتباه الخوة القرّاء إلى أن هذه القراءة العدديية ناتجية عين تقديرات شخصيية مين الممكين أن تخطيئ‬
‫كميا أنهيا مين الممكين أن تصييب ‪ ،‬وإصيابتنا فيي أحيد هذه المواعييد ‪ -‬فيميا لو حصيلت ‪ -‬فذلك ل يعنيي بالضرورة‬
‫إصيابتنا فيي المواعييد الخرى ‪ ،‬والتصيديق بهذه مسيألة مين عدمهيا متروك لقناعية القارئ الشخصيية ‪ ،‬فإن أخطأنيا‬
‫فمن أنفسنا وإن أصبنا فمن ال ‪ ،‬ول حول ول قوة إل بال وال ولي التوفيق ‪.‬‬
‫قال تعالى‬
‫ضهُمْ‬
‫ن َبعْ ُ‬
‫ن ‪ ،‬لَا يَأْتُونَ ِبمِثْ ِل ِه ‪ ،‬وَ َلوْ كَا َ‬
‫ن يَأْتُوا ِبمِ ْثلِ هَذَا ا ْلقُرْءَا ِ‬
‫ن ‪ ،‬عَلَى أَ ْ‬
‫س وَا ْلجِ ّ‬
‫ت الْإِ ْن ُ‬
‫ن اجْ َتمَعَ ِ‬
‫( ُق ْل لَئِ ِ‬
‫ظهِيرًا (‪)88‬‬ ‫ض َ‬ ‫لِ َبعْ ٍ‬

‫س إِلّا ُكفُورًا (‪)89‬‬


‫ن ‪ ،‬مِنْ ُكلّ مَ َثلٍ ‪ ،‬فَأَبَى أَكْثَ ُر النّا ِ‬
‫( وَ َلقَدْ صَرّفْنَا لِلنّاسِ ‪ ،‬فِي هَذَا ا ْلقُرْءَا ِ‬
‫( السراء )‬

‫‪229‬‬
‫فإنما يسّرناه بلسانك لعلّهم يتذكّرون‬
‫تبدأ سيورة الدخان بتعظييم شأن القرآن الكرييم ‪ ،‬وتعظييم شأن الليلة التيي أُنزل فيهيا ‪ ،‬وتركّز السيورة على النذار‬
‫ك شَاهِدًا َومُ َبشّرًا‬
‫دون البشرى ‪ ،‬حيث قال سبحانه في إرسال محمد عليه الصلة والسلم ( يَأَ ّيهَا النّبِيّ إِنّا أَرْسَلْنَا َ‬
‫وَنَذِيرًا (‪ 45‬الحزاب ) ويؤكيد سيبحانه أنيه أرسيله منذرا للبشير مين قبيل أن يحيل بهيم العقاب رحمية منيه بعباده ‪.‬‬
‫والعقاب الذي تأتييي على خييبره اليات وتحذّر منييه هييو البطشيية الكييبرى التييي لم تُحدّد ماهيتهييا هنييا ‪ ،‬ونذييير هذه‬
‫البطشة هو الدخان الذي سيسبقها بقليل ‪ ،‬فليرتقبه الناس فإن ظهر وعاينوه ‪ ،‬فليعتبروا وليحذروا وليعودوا عما هم‬
‫عليهيم مين الشيك والتشكييك فيي أمير ربهيم ‪ ،‬واللعيب فيي أمير دينهيم ‪ ،‬والطعين فيي رسيولهم الكرييم الذي بُعيث إليهيم‬
‫بشيرا ونذيرا ‪ ،‬فإن لم يفعلوا ولن يفعلوا فليرتقبوا البطشية الكيبرى ‪ .‬وقيد ظهير الدخان الموصيوف فيي هذه السيورة‬
‫فيي عاصيمة أحيد القطار العربيية ‪ ،‬فاقرأ معنيا هذا الفصيل والفصيول التيي تلييه ‪ ،‬لتعرف كييف فُسيّرت هذه النبوءة‬
‫على أرض الواقيع ‪ ،‬ولتعرف مين هيم الموعوديين بالبطشية الكيبرى قريبيا ‪ ،‬بعيد إصيرارهم على ميا هيم علييه مين‬
‫الكفر والفسوق والعصيان ‪ ،‬بالرغم من غشيان الدخان لهم بنفس الصفة التي أخبرت عنها اليات ‪.‬‬

‫أقوال بعض المفسّرين في آيات سورة الدخان ‪:‬‬

‫حكِي مٍ ( ‪)4‬‬
‫ق ُكلّ َأمْرٍ َ‬
‫ب ا ْلمُبِي نِ ( ‪ )2‬إِنّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْ َل ٍة مُبَا َر َك ٍة إِنّا كُنّا مُنْ ِذرِي نَ ( ‪ )3‬فِيهَا ُيفْرَ ُ‬
‫( حم ( ‪ )1‬وَا ْلكِتَا ِ‬
‫سمِيعُ العَلِيمُ ( ‪)6‬‬
‫ك إِ ّنهُ ُه َو ال ّ‬
‫ح َمةً مِنْ رَبّ َ‬
‫ن عِنْدِنَا إِنّا كُنّا ُم ْرسِلِينَ ( ‪َ )5‬ر ْ‬
‫َأمْرًا مِ ْ‬
‫" يقول تعالى مخبرا عن القرآن العظيم أنه أنزله في ليلة مباركة وهي ليلة القدر ‪ ،‬أمر حكيم أي محكم ل يُبدّل‬
‫ول يُغيّر ‪ ،‬ولهذا قال جيل جلله ( أمرا مين عندنيا ) أي جمييع ميا يكون ويُقدّره ال تعالى وميا يوحييه فبأمره وإذنيه‬
‫وعلمه ‪ ( ،‬إنا كنا مرسلين ) أي إلى الناس رسول يتلوا عليهم آيات ال مبينات " ابن كثير ‪.‬‬

‫ض َومَا بَيْ َن ُهمَا إِ نْ كُنْتُ مْ مُوقِنِي نَ ( ‪ )7‬لَا إِلَ هَ إِلّا ُهوَ ُيحْيِي وَ ُيمِي تُ رَ ّبكُ مْ وَرَبّ ءَابَائِكُ مُ‬
‫س َموَاتِ وَالْ َأرْ ِ‬
‫( رَبّ ال ّ‬
‫الْ َأوّلِينَ ( ‪)8‬‬
‫" أي إن كنتم من أهل اليقان ‪ ،‬علمتم كونه سبحانه رب السماوات والرض لنه من أظهر اليقينيات دليل ‪ ،‬وفي‬
‫هذا الشرك تنزيل إيقانهم منزلة عدمه لظهور خلفه عليهم ‪ ،‬وهو مراد من قال ‪ :‬إنه من باب تنزيل العالم منزلة‬
‫الجاهيل لعدم جرييه على موجيب العلم ‪ ،‬قييل ‪ :‬ول يصيح أن يقال ‪ :‬إنهيم نزلوا منزلة الشاكيين لميا كان قوله سيبحانه‬
‫بعد ‪ :‬بل هم في شك ‪ ،‬ول أدري بأسا في أن يقال ‪ :‬إنهم نزلوا أول كذلك ثم سجّل عليهم بالشك لنهم وأن أقرّوا‬
‫بأنيه عيز وجيل رب السيماوات والرض ‪ ،‬لم ينفكّوا عين الشكّي للحادهيم فيي صيفاته وإشراكهيم بيه تعالى شأنيه "‬
‫اللوسي ‪.‬‬

‫( َبلْ ُهمْ فِي شَكّ يَ ْلعَبُونَ ( ‪)9‬‬


‫" ( بيل هيم فيي شيك يلعبون ) أي ليسيوا على يقيين فيميا يظهرونيه مين اليمان والقرار فيي قولهيم إن ال خالقهيم ‪،‬‬
‫وإنميا يقولونيه لتقلييد آبائهيم مين غيير علم فهيم فيي شكّي ‪ ،‬وإن توهموا أنهيم مؤمنون فهيم يلعبون فيي دينهيم ‪ ،‬وقييل‬
‫يلعبون يضيفون إلى النبي صلى ال عليه وسلم الفتراء والسيتهزاء ‪ ،‬ويقال أعرض عن المواعظ لعب ‪ ،‬وهو‬
‫كالصبي الذي يلعب فيفعل ما ل يدري عاقبته " القرطبي ‪.‬‬
‫" ل يقولون ما يقولون مما هو مطابق لنفي المر عن جدر وإذعان بل يقولونه مخلوطا بهزء ولعب وهذه الجملة‬
‫خيبر بعد خبر لهم ‪ ،‬واللتفات عن خطابهيم لفرط عنادهم وعدم التفاتهيم ‪ ،‬والفاء فيي قوله تعالى ‪ :‬فارتقيب لترتييب‬
‫الرتقاب أو المر به على ما قبلها ‪ ،‬فإن كونهم في شك يلعبون مما يوجب ذلك ‪ ،‬أي فانتظر لهم يوم تأتي السماء‬
‫بدخان مبين " اللوسي ‪.‬‬

‫‪230‬‬
‫ب أَلِيمٌ ( ‪)11‬‬
‫سمَاءُ بِ ُدخَانٍ مُبِينٍ ( ‪َ )10‬ي ْغشَى النّاسَ هَذَا عَذَا ٌ‬
‫( فَارْ َتقِبْ َي ْومَ تَأْتِي ال ّ‬
‫" ارتقيب معناه انتظير ‪ ،‬ييا محميد بهؤلء الكفار ‪ ،‬يوم تأتيي السيماء بدخان ميبين ‪ ،‬قاله قتادة ‪ .‬وقييل معناه احفيظ‬
‫قولهم هذا ‪ ،‬لتشهد عليهم " ‪ ،‬القرطبي ‪.‬‬
‫" يعنييي تعالى ذكره بقوله ( فارتقييب ) فانتظيير يييا محمييد بهؤلء المشركييين ميين قومييك ‪ ،‬الذييين ( هييم فييي شييك‬
‫يلعبون ) ‪ ( ،‬يغشيى الناس ) يغشيى أبصيارهم من الجهيد الذي يصييبهم ‪ ( ،‬هذا عذاب أليم ) يعني أنهيم يقولون مميا‬
‫نالهم من ذلك الكرب والجهد ‪ ،‬هذا عذاب أليم ) " الطبري ‪.‬‬

‫أقوال المفسّرين في الدخان ‪:‬‬


‫خذُ‬ ‫حدّثُي فِي ِك ْندَةَ ‪ ،‬فَقَالَ ‪َ :‬يجِيءُ ُدخَانٌي يَوْمَي الْ ِقيَامَةِ ‪َ ،‬فيَ ْأ ُ‬ ‫تفسيير ابين مسيعود ‪ :‬عَنْي مَسْيرُوقٍ ‪ ،‬قَالَ ‪َ " :‬ب ْي َنمَا َرجُلٌ ُي َ‬
‫ن ُم ّت ِكئًا ‪َ ،‬فغَضِ بَ ‪،‬‬ ‫سعُودٍ ‪َ ،‬وكَا َ‬ ‫ن مَ ْ‬ ‫ت ابْ َ‬‫عنَا ‪َ .‬فَأ َتيْ ُ‬
‫ن َك َه ْيئَ ِة ال ّزكَا مِ ‪ ،‬فَ َفزِ ْ‬
‫خذُ ا ْلمُ ْؤمِ َ‬
‫ِبأَ سْمَاعِ ا ْل ُمنَافِقِي نَ وََأبْ صَارِهِمْ ‪َ ،‬ي ْأ ُ‬
‫ن الَّ‬ ‫ل َيعَْلمُ لَ أَعَْلمُ ‪َ ،‬فإِ ّ‬ ‫ن يَقُولَ ِلمَا َ‬‫ن مِنْ ا ْلعِ ْلمِ ‪َ ،‬أ ْ‬‫ل الُّ أَعَْلمُ ‪َ ،‬فإِ ّ‬
‫َفجَلَسَ ‪ ،‬فَقَالَ ‪ :‬مَنْ عَِلمَ فَ ْليَقُلْ ‪َ ،‬ومَنْ َل ْم َيعَْلمْ ‪ ،‬فَلْيَقُ ْ‬
‫طئُوا عَنْي‬ ‫قَالَ ِل َن ِبيّهِي صَيلّى الُّ عََليْهِي وَسَيّلمَ ( ُقلْ مَا أَسْبأَُل ُكمْ عَلَيْهِب مِنْب َأجْ ٍر وَمَا أَنَا مِنْب ا ْلمُ َتكَلّفِينَب ) وَإِنّ قُ َريْشًا َأ ْب َ‬
‫عنّيي عََل ْيهِمْي بِسَيبْ ٍع كَسَيبْعِ يُوسُيفَ ‪َ ،‬فَأخَ َذ ْتهُمْي سَينَةٌ‬ ‫الِْسْيلَمِ ‪َ ،‬فدَعَا عََل ْيهِمْي ال ّن ِبيّ صَيلّى الُّ عََليْهِي وَسَيّلمَ ‪ ،‬فَقَالَ ‪ :‬الّلهُمّ أَ ِ‬
‫لْرْضِي ‪َ ،‬ك َه ْيئَ ِة ال ّدخَانِي ‪َ ،‬فجَاءَهُي أَبُو‬ ‫ل مَا َبيْنَي السّيمَاءِ وَا َ‬ ‫حتّىي هََلكُوا فِيهَا ‪ ،‬وََأكَلُوا ا ْل َم ْيتَةَ وَا ْل ِعظَامَي ‪َ ،‬و َيرَى ال ّرجُ ُ‬ ‫َ‬
‫جئْتَي َت ْأ ُمرُنَا بِصِيلَ ِة ال ّرحِمِي ‪ ،‬وَإِنّ قَ ْومَكَي َقدْ هََلكُوا ‪ ،‬فَادْعُي الَّ ( َفقَ َرأَ فَارْ َتقِبْب َيوْمَب تَأْتِي‬ ‫ح ّم ُد ِ‬
‫سُي ْفيَانَ ‪ ،‬فَقَالَ ‪ :‬يَا ُم َ‬
‫خرَةِ ‪ِ ،‬إذَا جَا َء ُثمّ عَادُوا إِلَى كُ ْفرِهِمْي ‪َ ،‬فذَلِكَي‬ ‫لِ‬ ‫عذَابُي ا ْ‬ ‫ع ْنهُمْي َ‬
‫السّبمَاءُ بِ ُدخَانٍب مُبِينٍب ‪ -‬إِلَى قَوْلِهِي ‪ -‬عَائِدُونَب ) َأ َف ُيكْشَفُي َ‬
‫شةَ ا ْلكُبْرَى ) يَوْمَي َبدْرٍ وَ ( ِلزَامًا ) َيوْمَي َب ْدرٍ ( الم غُِلبَتْي الرّومُي ) إِلَى ( سَيَيغِْلبُونَ )‬ ‫ط َ‬ ‫قَوْلُهُي َتعَالَى ‪َ ( :‬يوْمَب نَ ْبطِشُب الْ َب ْ‬
‫وَالرّو ُم َقدْ َمضَى " ‪ .‬رواه البخاري وأخرجه مسلم والترمذي وأحمد ‪.‬‬
‫س ال ّدخَا نُ وَالرّومُ وَا ْل َق َمرُ وَا ْل َبطْشَةُ‬
‫خمْ ٌ‬
‫سعُودٍ ‪ ،‬قَالَ ‪َ " :‬مضَى َ‬
‫ن مَ ْ‬
‫ع ْب ِد الِّ ب َ‬
‫عنْ َ‬
‫ن مَسْرُوقٍ َ‬
‫عْ‬‫رواية لبن مسعود ‪َ :‬‬
‫وَالّلزَامُ " ‪ .‬رواه البخاري وأخرجه مسلم والترمذي وأحمد ‪.‬‬
‫ن َن َتذَا َكرُ ‪ ،‬فَقَالَ ‪:‬‬
‫ل ‪ :‬اطّلَعَ ال ّن ِبيّ صَلّى الُّ عََل ْيهِ وَسَّلمَ عََل ْينَا ‪َ ،‬و َنحْ ُ‬
‫ح َذيْفَ َة بْنِ أَسِيدٍ ا ْلغِفَارِيّ ‪ ،‬قَا َ‬
‫ن ُ‬
‫حديث حذيفة ‪ :‬عَ ْ‬
‫عشْ َر آيَاتٍب ‪ ،‬فَ َذكَرَ ال ّدخَانَب ‪،‬‬ ‫عةَ ‪ ،‬قَالَ ‪ ( :‬إِنّهَا لَنْب َتقُومَب حَتّىب تَ َروْنَب قَبْلَهَا َ‬‫( مَا تَذَاكَرُونَب ؟ ) قَالُوا ‪َ :‬ن ْذ ُكرُ السيّا َ‬
‫شمْسِب مِنْب َمغْرِبِهَا ‪ ،‬وَنُزُولَ عِيسبَى ابْنِب َمرْيَمَب صَبلّى الُّ عَلَيْهِب وَسَبّلمَ ‪ ،‬وَيَ َأجُوجَب‬ ‫وَال ّدجّالَ ‪ ،‬وَالدّا ّبةَ ‪َ ،‬وطُلُوعَب ال ّ‬
‫خرُ جُ‬
‫َومَ ْأجُو جَ ‪ ،‬وَثَلَ َث َة خُسُوفٍ خَسْفٌ بِا ْل َمشْرِ قِ ‪َ ،‬وخَسْفٌ بِا ْل َمغْرِبِ ‪َ ،‬وخَسْفٌ ِبجَزِيرَةِ الْعَرَبِ ‪ ،‬وَآخِرُ َذلِ كَ نَارٌ َت ْ‬
‫حشَرِ ِهمْ ) رواه مسلم وأخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجه وأحمد ‪.‬‬ ‫س إِلَى َم ْ‬ ‫مِنْ الْ َيمَنِ ‪َ ،‬تطْرُدُ النّا َ‬
‫قال ابن كثير " وقد وافق ابن مسعود رضي ال عنه على تفسير الية بأن الدخان قد مضى جماعة من السلف ‪،‬‬
‫كمجاهد وأبي العالية وإبراهيم النخعي والضحاك وعطية العوفي وهو اختيار ابن جرير ‪ .‬وروى ابن جرير عن‬
‫ربعي بن حراش قال سمعت حذيفة بن اليمان رضي ال عنه ‪ ،‬يقول ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬إن‬
‫أول اليات الدجال ‪ ،‬ونزول عيسيى بين مرييم عليهميا الصيلة والسيلم ‪ ،‬ونار تخرج مين قعير عدن أبيين ‪ ،‬تسيوق‬
‫الناس إلى المحشر ‪ ،‬تقيل معهم إذا قالوا ‪ ،‬والدخان ‪ ،‬قال ‪ :‬حذيفة رضي ال عنه يا رسول ال ‪ :‬وما الدخان ؟ فتل‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم هذه الية ‪ ( :‬فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين ‪ ،‬يغشى الناس هذا عذاب أليم )‬
‫يمل ميا بيين المشرق والمغرب يمكيث أربعيين يوميا وليلة ‪ ،‬أميا المؤمين فيصييبه منيه كهيئة الزكمية ‪ ،‬وأميا الكافير‬
‫ح هذا الحديث لكان فاصل ‪ ،‬وإنما‬ ‫فيكون بمنزلة السكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره ) قال ابن جرير لو ص ّ‬
‫لم أشهد له بالصحة ‪.‬‬
‫وقال ابن جرير أيضا ‪ " :‬عن أبي مالك الشعري ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫( إن ربكم أنذركم ثلثا ؛ الدخان ‪ ،‬يأخذ المؤمن كالزكمة ‪ ،‬ويأخذ الكافر ‪ ،‬فينفخ حتى يخرج من كل مسمع منه ‪،‬‬
‫والثانية الدابة ‪ ،‬والثالثة الدجال ) ورواه الطبراني ‪ ،‬وهذا إسناد جيد " ‪.‬‬
‫وروى ابين جريير ‪ " :‬عين عبيد ال بين أبيي مليكية ‪ ،‬قال ‪ ( :‬غدوت على ابين عباس رضيي ال عنهميا ذات يوم ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬ميا نميت الليلة حتيى أصيبحت ! قلت ‪ :‬لِمَي ؟ قال ‪ :‬قالوا طلع الكوكيب ذو الذنيب فخشييت أن يكون الدخان قيد‬
‫طرق ‪ ،‬فميا نميت حتيى أصيبحت ) وهكذا رواه ابين أبيي حاتيم فذكره وهذا إسيناد صيحيح إلى ابين عباس رضيي ال‬
‫‪231‬‬
‫عنهما حبر المة وترجمان القرآن ‪ ،‬وهكذا قول من وافقه من الصحابة والتابعين رضي ال عنهم ‪ ،‬مع الحاديث‬
‫المرفوعة من الصحاح والحسان وغيرهما التي أوردوها ‪ ،‬مما فيه مقنع ودللة ظاهرة على أن الدخان من اليات‬
‫المنتظرة ‪ ،‬مع أنه ظاهر القرآن ‪ ،‬قال ال تبارك وتعالى ( فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين ) أي بيّن واض حٌ‬
‫يراه كيل أحيد ‪ ،‬وعلى ميا فسيّر بيه ابين مسيعود رضيي ال عنيه ‪ ،‬إنميا هيو خيال رأوه فيي أعينهيم مين شدة الجوع‬
‫والجهييد ‪ ،‬وهكذا قوله تعالى ( يغشييى الناس ) ‪ ،‬أي يتغشاهييم ويعميهييم ‪ ،‬ولو كان أمرا خياليييا يخص يّ أهييل مكيية‬
‫المشركين ‪ ،‬لما قيل فيه يغشى الناس ‪ ،‬وقوله تعالى ( هذا عذاب أليم ) أي يقال لهم ذلك تقريعا وتوبيخا " ‪.‬‬
‫وقال القرطبي ‪ " :‬وفي الدخان أقوال ثلثة ؛ الول ‪ :‬أنه من أشراط الساعة لم يجئ بعد ‪ ،‬وأنه يمكث في الرض‬
‫أربعيين يوميا يمل ميا بيين السيماء والرض ‪ ،‬فأميا المؤمين فيصييبه مثيل الزكام ‪ ،‬وأميا الكافير والفاجير فيدخيل فيي‬
‫أنوفهم فيثقب مسامعهم ويضيق أنفاسهم وهو من آثار جهنم يوم القيامة ‪ ،‬وممن قال إن الدخان لم يأت بعد ‪ ،‬علي‬
‫وابن عباس وابن عمر وأبو هريرة وزيد بن علي والحسن وابن أبي ملكية وغيرهم ؛ والثاني ‪ :‬أن الدخان هو ما‬
‫أصاب قريشا من الجوع بدعاء النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬حتى كان الرجل يرى بين السماء والرض دخانا ‪،‬‬
‫قاله ابن مسعود ؛ والثالث ‪ :‬إنه يوم فتح مكة لما حجبت السماء الغبرة ‪ ،‬قاله عبد الرحمن العرج " ‪.‬‬
‫وقال اللوسي ‪ " :‬أي يوم تأتي بجدب ومجاعة ‪ ،‬فإن الجائع جدا ي َر بينه وبين السماء كهيئة الدخان ‪ ،‬وقد فسّر أبو‬
‫عييبيدة الدخان بييه ‪ ،‬والمراد باليوم مطلق الزمان أي ارتقييب وعييد ال ذلك اليوم ‪ ،‬وبالسييماء جهيية العلو ميين قبيييل‬
‫السيناد إلى السيبب ‪ ،‬وتفسيير الدخان بميا فسيرناه بيه ‪ ،‬مروي عين قتادة وأبيي العاليية والنخعيي والضحاك ومجاهيد‬
‫ومقاتل ‪ ،‬وهو اختيار الفرّاء والزجّاج ‪ ،‬وقد روي بطرق كثيرة عن ابن مسعود رضي ال تعالى ‪ ،‬وظاهره يدلّك‬
‫ميا فيي تارييخ ابين كثيير على أن القصية كانيت بمكية فاليية مكيية ‪ ،‬وفيي بعيض الروايات أن قصية أبيي سيفيان كانيت‬
‫بعد الهجرة ‪ ،‬فلعلها وقعت مرتين ‪ ،‬وقد تقدّم ما يتعلق بذلك في سورة المؤمنين ‪ ،‬وقال علي كرّم ال تعالى وجهه‬
‫وابن عمر وابن عباس وأبو سعيد الخدري وزيد بن علي والحسن ‪ ،‬أنه دخان يأتي من السماء قبل يوم القيامة ‪،‬‬
‫يدخيل فيي أسيماع الكفرة حتيى يكون رأس الواحيد كالرأس الحنييذ ‪ ،‬ويعتري المؤمين كهيئة الزكام ‪ ،‬فالدخان على‬
‫ظاهره والمعنى فارتقب يوم ظهور الدخان ‪...‬‬
‫وحمل ما في الية على ما يعم الدخانين ل يخفى حاله ‪ .‬هذا والظهر حمل الدخان على ما روي عن ابن مسعود‬
‫أولى ‪ ،‬لنه أنسب بالسياق لما أنه في كفار قريش وبيان سوء حالهم ‪ ( .‬يغشى الناس ) أي يحيط بهم والمراد بهم‬
‫كفار قريش ‪ ،‬ومن جعل الدخان ما هو من أشراط الساعة حمل ( الناس ) على من أدركه ذلك الوقت ‪ ،‬ومن جعل‬
‫ذلك يوم القيامة حمل الناس على العموم ‪ ،‬والجملة ( يغشى الناس ) صفة أخرى للدخان ‪ ،‬وقوله تعالى هذا عذاب‬
‫ألييم ‪ ،‬وقييل ‪ :‬يجوز أن يكون هذا عذاب ألييم إخبارا منيه عيز وجيل ‪ ،‬تهويل للمير ‪ ،‬كميا قال سيبحانه وتعالى فيي‬
‫قصة الذبيح إن هذا لهو البلء المبين " ‪.‬‬

‫( رَبّنَا اكْشِفْ عَنّا ا ْلعَذَابَ إِنّا ُم ْؤمِنُونَ ( ‪)12‬‬


‫" أي يقول الكافرون ‪ ،‬إذا عاينوا عذاب ال وعقابه سائلين رفعه وكشفه عنهم ( ربنا اكشف عنا العذاب ) " ابن‬
‫كثير ‪.‬‬
‫" وقوله ( ربنيا اكشيف عنيا العذاب ) يعنيي أن الكافريين الذيين يصييبهم ذلك الجهيد ‪ ،‬يضّرعون إلى ربهيم بمسيألتهم‬
‫إياه كشف ذلك الجهد " الطبري ‪.‬‬
‫" كميا صيرح بيه غيير واحيد مين المفسيرين ‪ ،‬وع ُد منهيم باليمان إن كشفَي جلّ وعل عنهيم العذاب ‪ ،‬فكأنهيم قالوا ‪:‬‬
‫ربنا إن كشفت عنا العذاب آمنا لكن عدلوا عنه " اللوسي ‪.‬‬

‫( أَنّى َل ُهمُ ال ّذكْرَى وَقَدْ جَاءَ ُهمْ َرسُولٌ مُبِينٌ ( ‪ُ )13‬ثمّ َتوَّلوْا عَ ْن ُه وَقَالُوا ُمعَّلمٌ َمجْنُونٌ ( ‪)14‬‬
‫" قال ابين عباس ‪ :‬أي يتعظون وال أبعدهيم مين التعاظ والتذكير ‪ ،‬بعيد توليهيم عين محميد صيلى ال علييه وسيلم‬
‫وتكذيبهيم إياه ( وقالوا مُعلّم مجنون ) أي علّميه بشير أو علّميه الكهنية والشياطيين ثيم هيو مجنون ولييس برسيول "‬
‫القرطبي ‪.‬‬

‫‪232‬‬
‫" ( أنييى لهييم الذكرى ) نفييي صييدقهم فييي الوعييد ‪ ،‬وأن غرضهييم إنمييا هييو كشييف العذاب والخلص ‪ ،‬أي كيييف‬
‫يتذكرون أو مين أيين يتذكرون بذلك ‪ ،‬ويفون بميا وعدوه مين اليمان عنيد كشيف العذاب عنهيم وقيد جاءهيم رسيول‬
‫ميبين ‪ ،‬أي والحال أنهيم شاهدوا مين دواعيي التذكير وموجبات التعاظ ميا هيو أعظيم مين ذلك فيي إيجابهيم ‪ ،‬حييث‬
‫جاءهيم رسيول عظييم الشأن ‪ ،‬ظاهير أمير رسيالته باليات والمعجزات التيي تخيز لهيا صيم الجبال ‪ ،‬أو مظهرا لهيم‬
‫مناهييج الحييق ( ثييم تولوا عنييه ) أي عيين ذلك الرسييول عليييه الصييلة والسييلم ‪ ،‬ولم يقييل ومجنون بالعطييف لن‬
‫المقصود تعديد قبائحهم " اللوسي ‪.‬‬

‫شةَ ا ْلكُبْرَى إِنّا مُنْ َت ِقمُونَ ( ‪)16‬‬


‫ش الْ َبطْ َ‬
‫شفُوا ا ْلعَذَابِ َقلِيلًا إِ ّن ُكمْ عَائِدُونَ ( ‪َ )15‬ي ْومَ نَ ْبطِ ُ‬
‫( إِنّا كَا ِ‬
‫" والحتمال الثانيي أن يكون المراد إنيا مؤخرو العذاب عنكيم قليل ‪ ،‬بعيد انعقاد أسيبابه ووصيوله إليكيم ‪ ،‬وأنتيم‬
‫مستمرون فيما أنتم فيه من الطغيان والضلل ‪ ،‬ول يلزم من الكشف عنهم أن يكون باشرهم " ابن كثير ‪.‬‬
‫" أي إن كشفنا عنكم العذاب كشفا قليل ‪ ،‬أو زمانا قليل عدتم ‪ ،‬والمراد على ما قيل عائدون إلى الكفر ‪ ،‬وأنت‬
‫عدُهيم مُنزل‬
‫تعلم أن عودهيم إلييه يقتضيي إيمانهيم وقيد مير أنهيم لم يؤمنوا ‪ ،‬وإنميا وعدوا اليمان فإميا أن يكون و ْ‬
‫مَنزلة إيمانهم ‪ ،‬أو المراد عائدون إلى الثبات على الكفر أو على القرار والتصريح به ‪ ( .‬يوم نبطش ) يوم نسلّط‬
‫القتل عليهم ونوسع الخذ منهم ‪ ،‬وفي القاموس بطش به ‪ ،‬أخذه بالعنف والسطوة كأبطشه ‪ ،‬والبطش الخذ الشديد‬
‫في كل شيء " اللوسي ‪.‬‬
‫" وروى ابين جريير عين عكرمية ‪ ،‬قال ‪ :‬قال ابين عباس رضيي ال عنهميا ‪ ( :‬قال ابين مسيعود رضيي ال عنيه ‪،‬‬
‫البطشيية الكييبرى يوم بدر ‪ ،‬وأنييا أقول هييي يوم القياميية ) وهذا إسييناد صييحيح عنييه ‪ ،‬وبييه يقول الحسيين البصييري‬
‫وعكرمة في أصحّ الروايتين عنه ‪ ،‬وال أعلم " ‪ ،‬ابن كثير ‪.‬‬

‫ن أَدّوا إِلَيّ عِبَا َد اللّ هِ إِنّي َلكُ مْ رَ سُولٌ َأمِي نٌ ( ‪)18‬‬


‫عوْ نَ َوجَاءَهُ مْ رَ سُو ٌل كَرِي مٌ ( ‪ )17‬أَ ْ‬
‫وَ َلقَدْ فَتَنّا قَبْ َلهُ مْ َقوْ مَ ِفرْ َ‬
‫جمُو نِ ( ‪َ )20‬وإِ نْ لَ مْ‬
‫ت بِرَبّي وَرَ ّبكُ مْ أَ نْ َت ْر ُ‬
‫ن مُبِي نٍ ( ‪َ )19‬وإِنّي عُذْ ُ‬
‫َوأَ نْ لَا َتعْلُوا عَلَى اللّ هِ إِنّي ءَاتِيكُ مْ بِ سُ ْلطَا ٍ‬
‫ُت ْؤمِنُوا لِي فَاعْ َتزِلُونِ ( ‪ )21‬فَدَعَا رَ ّب ُه أَنّ َهؤُلَاءِ َق ْومٌ ُمجْ ِرمُونَ ( ‪)22‬‬
‫" يقول تعالى ‪ ،‬ولقيد اختبرنيا قبيل هؤلء المشركيين قوم فرعون وهيم قبيط مصير ‪ ،‬وجاءهيم رسيول كرييم يعنيي‬
‫موسى كليمه عليه الصلة والسلم " ‪ ،‬ابن كثير ‪.‬‬
‫" ( رسيول كرييم ) أي مُكرم معظّم عند ال عز وجل ‪ ،‬أو عنيد المؤمنين أو عنده تعالى وعندهيم ‪ ،‬أو كرييم فيي‬
‫نفسه متصف بالخصال الحميدة والصفات الجليلة حسبا ونسبا " اللوسي ‪.‬‬
‫" ( وإنيي عذت بربيي وربكيم ) أي التجأت إلييه تعالى ‪ ،‬وتوكلت علييه جيل شأنيه ( أن ترجمون ) مين أن‬
‫ترجمونييي ‪ ،‬أن تؤذونييي ضربييا أو شتمييا ‪ ،‬أو أن تقتلونييي ( وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون ) فكونوا بمعزل منييي ل‬
‫علي ول لي ول تتعرضوا لي بسوء ‪ ،‬فليس ذلك جزاء من يدعوكم إلى ما فيه فلحكم ‪ ،‬فدعا ربه بعد أن أصرّوا‬
‫على تكذيبه عليه السلم ( أن هؤلء قوم مجرمون ) " ‪ ،‬اللوسي ‪.‬‬
‫" وفيه اختصار كأنه قيل ‪ :‬أن هؤلء مجرمون تناهى أمرهم في الكفر وأنت أعلم بهم ‪ ،‬فافعل بهم ما يستحقونه ‪،‬‬
‫قييل ‪ :‬كان دعاؤه علييه السيلم اللهيم عجّل لهيم ميا يسيتحقون بإجرامهيم ‪ ،‬وقييل ‪ :‬قوله ربنيا ل تجعلنيا فتنية للقوم‬
‫الظالميين إلى قوله فل يؤمنوا حتيى يروا العذاب اللييم ‪ ،‬وإنميا ذكير ال سيبحانه السيبب الذي اسيتوجبوا بيه الهلك‬
‫ليُعلم منيه دعاؤه والجابية معيا ‪ ،‬وأن دعاءه على يأس مين أيمانهيم وهذا مين بلييغ اختصيارات الكتاب المعجيز "‬
‫اللوسي ‪.‬‬

‫‪233‬‬
‫ن كُنْتُ مْ‬
‫ن ِبمُ ْنشَرِي نَ ( ‪ )35‬فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِ ْ‬
‫( … إِنّ َهؤُلَاءِ لَ َيقُولُو نَ ( ‪ )34‬إِ نْ ِه يَ إِلّا َموْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا َنحْ ُ‬
‫ن مِنْ قَبْ ِل ِهمْ ‪ ،‬أَهْ َلكْنَا ُهمْ ‪ ،‬إِ ّن ُهمْ كَانُوا ُمجْ ِرمِينَ ( ‪… )37‬‬
‫صَادِقِينَ ( ‪ )36‬أَ ُهمْ خَيْ ٌر ‪َ ،‬أمْ َق ْومُ تُبّ ٍع وَالّذِي َ‬
‫" ( إن هؤلء ) كفار قرييش لن الكلم فيهيم ‪ ،‬وذكير قصية فرعون وقوميه اسيتطرادي للدللة على أنهيم مثلهيم فيي‬
‫ل بهيم ‪ ،‬وفيي اسيم الشارة (هؤلء ) تحقيير لهيم ( ليقولون ) ‪:‬‬
‫الصيرار على الضللة ‪ ،‬والنذار على مثيل ميا ح ّ‬
‫( إن هيي إل موتتنيا الولى ) أي ميا العاقبية ونهايية المير ‪ ،‬إل الموتية الولى المزيلة للحياة الولى ‪ ( ،‬وميا نحين‬
‫بمنشرين ) أي بمبعوثين بعدها " اللوسي ‪.‬‬
‫" ( إن هؤلء ليقولون إن هيي إل موتتنيا الولى وميا نحين بمنشريين ‪ ،‬فأتوا بآبآئنيا إن كنتيم صيادقين ) يقول تعالى‬
‫ذكره مخيبرا عين قييل مشركيي قرييش لنيبي ال صيلى ال علييه وسيلم ‪ ،‬إن هؤلء المشركيين مين قوميك ييا محميد ‪،‬‬
‫ليقولون إن هي إل موتتنا الولى التي نموتها وهي الموتة الولى ‪ ،‬وما نحن بمنشرين بعد مماتنا ول بمبعوثين ‪،‬‬
‫تكذيبا منهم بالبعث والثواب والعقاب " الطبري ‪.‬‬
‫" ( أهيم خيير أم قوم تبيع ) هذا اسيتفهام إنكار ‪ ،‬أي إنهيم مسيتحقون فيي هذا القول العذاب ‪ ،‬إذ ليسيوا خيرا مين قوم‬
‫تبع والمم المهلكة ‪ ،‬وإذا أهلكنا أولئك فكذا هؤلء " القرطبي ‪.‬‬
‫" ( والذيين مين قبلهيم ) أي قبيل قوم تبيع كعاد وثمود ‪ ،‬أو قبيل قرييش فهيو تعمييم بعيد تخصييص ‪ ( ،‬أهلكناهيم )‬
‫اسيتئناف لبيان عاقبية أمرهيم هدّد بيه كفار قرييش ( إنهيم كانوا مجرميين ) تعلييل لهلكهيم ‪ ،‬أي أهلكناهيم بسيبب‬
‫كونهم مجرمين ‪ ،‬فليحذر كفار قريشا " اللوسي ‪.‬‬

‫( فَإِ ّنمَا َيسّرْنَاهُ ِبِلسَانِكَ َلعَّلهُمْ يَتَ َذكّرُونَ ( ‪ )58‬فَارْ َتقِبْ إِ ّن ُهمْ مُرْ َتقِبُونَ ( ‪)59‬‬
‫" أي أنزلناه سييهل واضحييا بينييا جليييا ‪ ،‬بلسييانك الذي هييو أفصييح اللغات وأجلهييا وأحلهييا وأعلهييا ‪ ( ،‬لعلهييم‬
‫يتذكرون ) أي يتفهّمون ويعلمون ‪ ،‬ثم لما كان ميع هذا الوضوح والبيان ‪ ،‬من الناس من كَفرَ وخال فَ وعاندَ ‪ ،‬قال‬
‫ال تعالى لرسييوله صييلى ال عليييه وسييلم ‪ ،‬مسييليا له وواعدا له بالنصيير ومتوعدا لميين كذّبييه بالعطييب والهلك‬
‫( فارتقيب ) أي انتظير ( إنهيم مرتقبون ) أي فسييعلمون لمين سيتكون النصيرة ‪ ،‬والظفير وعلو الكلمية فيي الدنييا‬
‫والخرة " ابن كثير ‪.‬‬
‫" ( فإنما يسرناه بلسانك ‪ ،‬لعلهم يتذكرون ‪ ،‬فارتقب إنهم مرتقبون ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى ال عليه‬
‫وسيلم ‪ ،‬فإنميا سيهّلنا قراءة هذا القرآن ‪ ،‬الذي أنزلناه إلييك بلسيانك ليتذكير هؤلء المشركون ‪ ،‬الذيين أرسيلناك إليهيم‬
‫بعِبرِه وحُججه ‪ ،‬ويتعظوا بعظاته ويتفكروا في آياته ‪ ،‬إذا أنت تتلوه عليهم ‪ ،‬فيُنيبوا إلى طاعة ربهم ويذعنوا للحق‬
‫عندما تبينهموه ‪ .‬وقوله ( فارتقب إنهم مرتقبون ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فانتظر أنت‬
‫ييا محميد الفتيح مين ربيك ‪ ،‬والنصير على هؤلء المشركيين بال مين قوميك مين قرييش ‪ ،‬إنهيم منتظرون عنيد أنفسيهم‬
‫قهرك وغلبتك ‪ ،‬بصدهم عما أتيتهم به من الحق ‪ ،‬من أراد قبوله واتباعك عليه " الطبري ‪.‬‬
‫" ( فإنميا يسيرناه بلسيانك لعلهيم يتذكرون ) أي كيي يفهموه ويتذكروا بيه ويعملوا بموجبيه ( فارتقيب ) أي وأن لم‬
‫ل بهم ‪ ،‬وهو تعميم بعد تخصيص ‪ ،‬بقوله تعالى ( فارتقب يوم تأتي السماء …حتى قوله … إنهم‬ ‫يتذكروا بما يح ّ‬
‫مرتقبون ) وقييل ‪ :‬معناه مرتقبون ميا يحيل بهيم تهكميا ‪ ،‬وفيي اليية مين الوعيد له صيلى ال تعالى علييه وسيلم ميا ل‬
‫يخفى " اللوسي ‪.‬‬
‫سورة الدخان تُنذر قوما من أمة السلم كفروا بعد إيمانهم‬

‫َبلْ ُهمْ فِي شَكّ َي ْلعَبُونَ ( ‪)9‬‬


‫هذا الوصيف لم يكين بحال مين الحوال لمشركيي قرييش ‪ ،‬فهؤلء كذّبوا وكفروا بميا جاء بيه محميد علييه الصيلة‬
‫والسلم جملة وتفصيل ‪ .‬والش كّ في المعتقد عادة يتأتّى بعد اليمان ‪ ،‬بوحي من شياطين النس والج نّ والهوى ‪،‬‬
‫مما يدفع النسان في النهاية إلى الكفر ‪ .‬وأما اللعب جاء بمعنى العراض عما ينفع والستهزاء به ‪ ،‬والنشغال‬

‫‪234‬‬
‫بما ل ينفع بل وبما يضرّ ‪ ،‬وهي صفة يمتاز بها الصبية والولد الصغار ‪ ،‬لصغر عقولهم وقلة مداركهم وضيق‬
‫أفقهم وعدم مقدرتهم على أخذ العبرة والعظة ‪.‬‬
‫أميا هؤلء القوم من أمية محميد ‪ ،‬فهيم فيي شيك مين أمير ال ‪ ،‬والشيك هيو انعدام اليقيين بمعنيى أنهيم غيير موقنيين بميا‬
‫أخيبر عنيه فيي كتابيه الميبين ‪ ،‬الذي جاء بيه الرسيول الميبين بلسيان عربيي ميبين مين أمور الغييب ‪ ،‬وعلى رأسيها‬
‫ربوبيية ال وألوهيته ووحدانيته وإنكار قدرتيه على البعث ‪ ،‬أي الشك بملكية ال للسيماوات والرض وميا بينهميا ‪،‬‬
‫وقدرتيه على تصيريف المور ‪ ،‬والشيك بحقيقية الحياة بعيد الممات ‪ .‬لذلك فهيم ل يتورعون عين اتخاذ دينهيم هزوا‬
‫ولعبا ‪ ،‬إذ ل بعث ول حساب ول عقاب يردعهم ‪.‬‬
‫قال تعالى ( يَأَيّهَا الّذِينَب ءَامَنُوا ‪ ،‬لَ تَ ّتخِذُوا الّذِينَب ا ّتخَذُوا دِي َنكُمْب هُ ُزوًا وَ َلعِبًا ‪ ،‬مِنَب الّذِينَب أُوتُوا ا ْلكِتَابَب مِنْب قَ ْبِلكُمْب‬
‫وَالْ ُكفّا َر َأوْلِيَاءَ ‪ ،‬وَاتّقُوا الَّ ‪ ،‬إِنْب كُنْتُمْب ُم ْؤمِنِينَب (‪ 57‬المائدة ) ‪ ،‬فالذيين يوالون الذيين اتخذوا ديين ال هزوا ولعبيا ‪،‬‬
‫من اليهود والنصارى والكفار إجمال ‪ ،‬وهم يُظهرون اليمان ليسوا بمؤمنين ‪ ،‬فما بالك بمن يتخذ دين السيلم ‪،‬‬
‫هزوا ولعبا ويحاربه وهو ينتسب إليه ‪.‬‬
‫سلَ َنفْ سٌ ِبمَا كَ سَبَتْ لَ ْي َ‬
‫س‬ ‫غرّ ْتهُ مُ ا ْلحَيَاةُ الدّنْيَا وَ َذكّرْ بِ هِ أَ نْ تُبْ َ‬
‫ن اتّخَذُوا دِي َنهُ مْ َلعِبًا وَ َل ْهوًا وَ َ‬
‫وقال تعالى ( وَذَرِ الّذِي َ‬
‫شفِي ٌع َوإِ نْ َتعْ ِد ْل ُكلّ عَ ْد ٍل لَ ُي ْؤخَ ْذ مِ ْنهَا أُولَئِ كَ الّذِي نَ أُبْ سِلُوا ِبمَا كَ سَبُوا َلهُ ْم شَرَا بٌ ِم نْ‬ ‫َلهَا ِم نْ دُو نِ الِّ وَِليّ َو َل َ‬
‫ن ا ّتخَذُوا دِي َنهُمْ َل ْهوًا وَ َلعِبًا وَغَرّ ْتهُمُ ا ْلحَيَاةُ الدّنْيَا‬
‫ب أَلِيمٌ ِبمَا كَانُوا َيكْفُرُونَ (‪ 70‬النعام ) ‪ ،‬وقال ( الّذِي َ‬ ‫حمِيمٍ َوعَذَا ٌ‬ ‫َ‬
‫جحَدُونَ (‪ 51‬العراف ) ‪.‬‬ ‫فَالْ َي ْومَ نَ ْنسَا ُه ْم َكمَا َنسُوا ِلقَاءَ َي ْو ِم ِهمْ هَذَا َومَا كَانُوا بِآيَاتِنَا َي ْ‬
‫فهؤلء القوم يتصفون بأمرين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أنهم ل يؤمنون بال وباليوم الخر ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن شغلهم الشاغل هو الحياة الدنيا ‪ ،‬وأنهم يتخذون أمور دينهم مادة للهزء والسخرية واللهو ‪.‬‬

‫ب أَلِيمٌ ( ‪)11‬‬
‫سمَاءُ بِ ُدخَانٍ مُبِينٍ ( ‪َ )10‬ي ْغشَى النّاسَ هَذَا عَذَا ٌ‬
‫فَارْ َتقِبْ َي ْومَ تَأْتِي ال ّ‬
‫نلحظ أن المفسرين اختلفوا على ثلثة مواقف ‪ ،‬فمنهم من وافق تفسير ابن مسعود ‪ ،‬ومنهم من وافق تفسير ابن‬
‫ل منهم أكمل تفسير السورة ‪ ،‬على ما ارتأى من صوابية اعتقاده بالنسبة‬ ‫عباس ‪ ،‬ومنهم من أخذ بالحتمالين ‪ .‬وك ّ‬
‫لهذا الدخان ‪ .‬وأميا مين حييث زمين الوقوع ‪ ،‬فالحتمال الول ‪ ،‬يقول بأن الدخان والبطشية قيد مضييا فيي مشركيي‬
‫قريييش ‪ ،‬والحتمال الثانييي يقول بأنييه قبييل يوم القياميية ‪ ،‬والحتمال الثالث يقول بأنييه ميين أحداث يوم القياميية ‪،‬‬
‫وللفصييل فييي هذه القوال والمواقييف ‪ ،‬سيينستنبط صييفات هذا الدخان ميين اليات نفسييها ‪ ،‬وصييفات هؤلء القوم‬
‫وأفعالهيم فيي نهايية الفصيل ‪ ،‬بمعزل عين الروايات والتفسييرات السيابقة ‪ ،‬فظاهير اليات الكريمية يدل على أن ميا‬
‫ورد فيي اليات هيو نبيأ دخان سييظهر فيي المسيتقبل ‪ ،‬والقدر على بيان أمره هيو مين يعاصير ظهوره بعيد اكتمال‬
‫معالمه ‪ ،‬كما هي العادة في فهم وتفسير النبوءات المستقبلية ‪.‬‬

‫رَبّنَا اكْشِفْ عَنّا ا ْلعَذَابَ إِنّا ُم ْؤمِنُونَ ( ‪)12‬‬


‫وهذا هو دعاء المعُرضين عن ذكر ال كما هي العادة ‪ ،‬من المسرفين والمشركين والكفار من الناس إجمال كلما‬
‫مسيّتهم الضراء والبأسياء ‪ ،‬سيواء كانوا مين أمية السيلم أو مين غيرهيا كميا فيي قوله تعالى ( َوإِذَا مَسّب الِْنْسبَانَ‬
‫سهُ كَذَلِ كَ زُيّ نَ لِ ْلمُ سْ ِرفِينَ‬
‫ض ّر مَ ّ‬
‫الضّرّ دَعَانَا ِلجَنْبِ ِه َأوْ قَاعِدًا َأوْ قَا ِئمًا فَ َلمّا َكشَفْنَا عَنْ هُ ضُرّ ُه مَ ّر كَأَ نْ لَ مْ يَدْعُنَا إِلَى ُ‬
‫مَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‪ 12‬يونس ) ‪.‬‬
‫ولحظ ضمير المخاطب ( كم ) ‪ ،‬والذي يعود على المخاطبين بالقرآن ‪ ،‬في قوله تعالى ( َومَا ِبكُ مْ مِ نْ ِن ْع َمةٍ َفمِ نَ‬
‫ركُونَب (‪54‬‬ ‫الِّ ‪ ،‬ثُمّ إِذَا مَسّبكُمُ الضّرّ ‪ ،‬فَإِلَيْهِب َتجَْأرُونَب (‪ )53‬ثُمّ إِذَا َكشَفَب الضّرّ عَ ْنكُمْب إِذَا َفرِيقٌب مِ ْنكُمْب ِبرَ ّبهِمْب ُيشْ ِ‬
‫عرَضْتُم بْ َوكَان بَ‬ ‫ض ّل مَن بْ تَدْعُون َب ِإ ّل إِيّاه بُ فَ َلمّا ب َنجّاكُم ْب إِلَى الْبَ ّر أَ ْ‬
‫النحييل ) ‪ ،‬وقوله ( َوإِذَا مَسّبكُمُ الضّرّ فِي الْ َبحْرِ َ‬
‫ن كَفُورًا (‪ 67‬السراء ) ‪.‬‬ ‫الِْ ْنسَا ُ‬

‫‪235‬‬
‫والقرب والظهر بالنظر في دعواهم تلك ‪ ،‬وإقرارهم بألسنتهم ما ليس في قلوبهم من اليمان عند غشيان الدخان‬
‫لهيم ‪ ،‬أن يكون هؤلء مين أمية محميد علييه الصيلة والسيلم ‪ ،‬فسيقوا عين دينهيم ميع كونهيم مسيلمين نفاقيا على‬
‫الغلب ‪ ،‬وشركهم في ال جاء بعد اليمان به ‪ .‬أما قريش فلم يكن هذا حالهم ‪ ،‬وما كان ليصدر منها هذا الدعاء ‪،‬‬
‫فمنهم من أسلم ومنهم أصرّ على كفره ‪ ،‬أما النفاق فلم يعرفوه ولم يكن لهم فيه مصلحة ‪ ،‬ومن المعروف أن النفاق‬
‫ظهير بعد انتشار السلم وهو ما حصل في المدينة المنورة ‪ ،‬لعدة غايات وأهمها وأخطرها هو سعيهم لمحاربة‬
‫تعالييم الديين وهدم معالميه داخيل المجتمعات السيلمية ‪ ،‬وسيورة الدخان مكيية وحال هؤلء كحال مين قال فيهيم‬
‫سبحانه ‪ ،‬في مطلع سورة البقرة ‪:‬‬
‫لخِرِ ‪َ ،‬ومَا هُمْب ِب ُم ْؤمِنِينَب (‪ُ )8‬يخَادِعُونَب الَّ ‪ ،‬وَالّذِينَب ءَامَنُوا ‪،‬‬ ‫( َومِنَب النّاسِب مَنْب َيقُولُ ‪ :‬ءَامَنّاب بِالِّ ‪ ،‬وَبِالْ َيوْمِب ا ْ‬
‫شعُرُونَب (‪ )9‬فِي قُلُو ِبهِمْب مَرَضٌب فَزَادَهُمُب الُّ مَرَضًا وَ َلهُمْب عَذَابٌب أَلِيمٌب بِمَا كَانُوا‬ ‫وَمَا َيخْدَعُونَب ِإلّ أَ ْنفُسَبهُ ْم وَمَا َي ْ‬
‫ن وَ َلكِ نْ لَ‬ ‫ن مُ صْ ِلحُونَ (‪َ )11‬ألَ إِ ّنهُ مْ هُ مُ ا ْل ُمفْ سِدُو َ‬ ‫َيكْذِبُو نَ (‪َ )10‬وإِذَا قِيلَ َلهُ مْ لَ ُتفْ سِدُوا فِي الَْ ْر ضِ قَالُوا إِ ّنمَا َنحْ ُ‬
‫سفَهَا ُء وَ َلكِ نْ‬
‫ن َكمَا ءَامَ نَ السّ َفهَا ُء َأ َل إِ ّنهُمْ هُمُ ال ّ‬ ‫شعُرُو نَ (‪َ )12‬وإِذَا قِيلَ َلهُمْ ءَامِنُوا َكمَا ءَامَ نَ النّاسُ قَالُوا أَ ُن ْؤمِ ُ‬ ‫َي ْ‬
‫ن مُسْ َتهْزِئُونَ‬ ‫لَ َيعْ َلمُو نَ (‪َ )13‬وإِذَا َلقُوا الّذِي نَ ءَامَنُوا قَالُوا ءَامَنّا َوإِذَا خَ َلوْا إِلَى شَيَاطِي ِنهِمْ قَالُوا إِنّا َم َعكُمْ إِ ّنمَا َنحْ ُ‬
‫طغْيَا ِنهِمْب َي ْع َمهُونَب (‪ )15‬أُولَئِكَب الّذِينَب اشْتَ َروُا الضّلَ َلةَ بِا ْلهُدَى فَمَا رَ ِبحَتْب‬ ‫(‪ )14‬الُّ يَسْب َتهْ ِزئُ ِبهِمْب وَ َيمُدّهُمْب فِي ُ‬
‫ِتجَارَ ُت ُهمْ َومَا كَانُوا ُمهْتَدِينَ (‪ 16‬البقرة ) ‪.‬‬
‫حييث قال سيبحانه ( ومين الناس ) ولم يحصير هذا السيلوك بطائفية مين الناس أو بزمين معيين ‪ ،‬وهذا السيلوك بدأ‬
‫بالظهور بعدما قويت شوكة السلم في المدينة المنورة ‪ ،‬واستمر على م ّر العصور حتى يومنا هذا ‪.‬‬

‫أَنّى َل ُهمُ ال ّذكْرَى وَقَ ْد جَاءَ ُهمْ َرسُولٌ مُبِينٌ ( ‪ُ )13‬ثمّ َتوَّلوْا عَ ْنهُ وَقَالُوا ُمعَلّ ٌم َمجْنُونٌ ( ‪)14‬‬
‫من أين لهؤلء القوم الذكرى ؟! أي التوبة والنابة إلى ال ‪ ،‬وقد سبق منهم العراض عما جاء به الرسول الكريم‬
‫‪ ،‬الذي ل يُشكّك في كرم أخلقه أو حسبه أو نسبه أو لسانه العربي المبين ‪ ،‬محمد عليه الصلة والسلم بعد مجيئه‬
‫واليمان به والنتساب إلى دينه ‪ .‬وفضل عن سبق العراض عن رسالته ‪ ،‬بعد احتضانها لمدة من الزمن ‪ ،‬تولّوا‬
‫عنه وأعرضوا عما جاء به ‪ ،‬واتهموه بالتعلّم من الكهّان والشياطين بحوادث ميتافيزيقية وما شابه ‪ ،‬وأضافوا إليه‬
‫صيفة الجنون إمعانيا منهيم فيي الجرام والفتراء والسيتهزاء ‪ ،‬فإن سيلم مين الكهانية لم يسيلم مين الجنون ‪ .‬فيردّ‬
‫ن َو َل َمجْنُونٍ (‪ 29‬الطور ) ‪َ ( ،‬وإِنّكَ َلعَلى‬
‫عليهم ربهم قولهم هذا بقوله لرسوله ( فَ َذكّرْ ‪َ ،‬فمَا أَنْتَ بِ ِن ْع َمةِ رَبّكَ ِبكَاهِ ٍ‬
‫عظِيمٍ (‪ 4‬القلم ) ‪ ( ،‬إِ ّنهُ َل َق ْولُ َرسُو ٍل كَرِيمٍ (‪ 40‬الحاقة )‬
‫خُلُقٍ َ‬
‫وسيُتفاجأ أخيي المسيلم أن المقصيود بهذا القول ليسيوا مشركيي قرييش ‪ ،‬بيل مشركيي ومنافقيي هذا العصير مين أمية‬
‫السيلم ‪ ،‬وأنهيم قالوا هذا القول وأكثير فيي رسيول ال علييه الصيلة والسيلم ‪ ،‬تحيت رعايية ودعيم حكوميي مادي‬
‫ومعنوي ‪ ،‬وأن هذا الفتراء ذاته هو الذي أخبر عنه سبحانه وهو من أكبر السباب الموجبة لعقابهم ‪.‬‬

‫شفُوا ا ْلعَذَابِ َقلِيلًا إِنّ ُكمْ عَائِدُونَ ( ‪)15‬‬


‫إِنّا كَا ِ‬
‫ويُخبر سيبحانه بأنيه سيرفع العذاب عنهم قليل بعيد انعقاد أسبابه ‪ ،‬بكشيف الدخان بعيد نيلهيم قسيطا من أذاه ‪ ،‬نزول‬
‫عند رغبتهم السابقة وإقرارهم باليمان عند غشيانه لهم ‪ ،‬فالدخان مجرد تحذير ولفت انتباه لهم ‪ ،‬بأن ال هو رب‬
‫السييموات والرض وبأنييه قادر على إماتتهييم وإهلكهييم كمييا أمات آبائهييم ‪ ،‬ولئل تكيين لهييم حجّة بأنييه لم يعطهييم‬
‫الفرصية للتوبية والنابية ‪ .‬ومين ثيم يٌقرّر سيبحانه بأنهيم سييعودون لميا كانوا علييه مين الشيك واللعيب ‪ ،‬وسييضيفون‬
‫إليها التولي والعراض والعصيان والتهام لرسوله الكريم ‪ ،‬ليستوجبوا عن جدارة واستحقاق أن يبطش بهم رب‬
‫العزة بطشته الكبرى ‪.‬‬
‫ن الَّ وَرَسُو َلهُ َلعَ َنهُ ُم الُّ‬
‫ب أَلِيم (‪ 61‬التوبة ) وقال ( الّذِينَ ُيؤْذُو َ‬
‫قال تعالى ‪ ( :‬وَالّذِينَ ُيؤْذُونَ رَسُو َل الِّ َلهُمْ عَذَا ٌ‬
‫لخِرَةِ َوأَعَدّ َل ُهمْ عَذَابًا ُمهِينًا (‪ 57‬الحزاب ) ‪.‬‬ ‫فِي الدّنْيَا وَا ْ‬

‫‪236‬‬
‫شةَ ا ْلكُبْرَى إِنّا مُنْ َت ِقمُونَ ( ‪)16‬‬
‫ط َ‬
‫َي ْومَ نَ ْبطِشُ الْ َب ْ‬
‫أما بطش رب العزة فهذا وصفه ( إِنّ َبطْ شَ رَبّ كَ َلشَدِيدٌ (‪ 12‬البروج ) ‪ .‬ونستطيع تصوّر طبيعة هذه البطشة من‬
‫سحَرٍ (‬ ‫قوله تعالى في سورة القمر ( كَذّبَ تْ َقوْ مُ لُو طٍ بِالنّ ُذرِ (‪ )33‬إِنّا أَرْ سَلْنَا عَلَ ْيهِ ْم حَا صِبًا ِإلّ ءَالَ لُو طٍ َنجّيْنَاهُ مْ بِ َ‬
‫طشَتَنَا فَ َتمَا َروْا بِالنّ ُذرِ (‪ )36‬وَ َلقَدْ رَاوَدُوهبُ عَنبْ‬ ‫شكَرَ (‪ )35‬وَ َلقَ ْد أَنْذَرَهُمبْ َب ْ‬
‫‪ِ )34‬ن ْع َم ًة مِنبْ عِنْدِنَا كَذَلِكبَ َنجْزِي مَن ْب َ‬
‫ح ُهمْ ُبكْرَةً عَذَابٌب مُسْبَتقِرّ (‪ )38‬فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (‬ ‫طمَسْبنَا أَعْيُ َنهُمْب فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (‪ )37‬وَ َلقَدْ صَبّب َ‬
‫ضَ ْيفِهِب َف َ‬
‫‪ )39‬وَ َلقَدْ يَسّبرْنَا ا ْلقُرْءَانَب لِل ّذكْرِ َف َه ْل مِنْب مُ ّدكِرٍ (‪ 40‬القمير ) وتماروا بالنُذر أي كذّبوا إنذارات لوط علييه الصيلة‬
‫والسيلم وتحذيراتيه لهيم ‪ ،‬وأكثروا الجدال والسيتهزاء بهيا ومنهيا فبطيش بهيم ربهيم ‪ ،‬وميا وقيع من قوم لوط هو ميا‬
‫وقيع مين هؤلء ‪ ،‬بعيد أن جاءهيم هذا رسيولهم الكرييم نذيرا مين غضيب ال ‪ ،‬فغشيهيم الدخان وسيتبغتهم البطشية‬
‫الكبرى ‪ ،‬وهم ما زالوا يُمارون ويتمارون في ش كٍ يلعبون ‪ ،‬من أمر هذا الرسول المبين وأمر هذا الكتاب المبين‬
‫وأمر هذا الدخان المبين ‪.‬‬
‫ي وما نزل بقوم لوط نستخلصه من اليات التالية ‪:‬‬
‫جعَلْنَا عَالِ َيهَا سبَافِ َلهَا ‪َ ،‬وَأ ْمطَرْنَا عَلَ ْيهَا ‪،‬‬
‫( … إِنّ َموْعِدَهُمُب ال صّ ْبحُ أَلَيْ سَ الصّب ْبحُ ِبقَرِيبٍب (‪ )81‬فَ َلمّا جَا َء َأمْرُنَا ‪َ ،‬‬
‫ن الظّا ِلمِينَ بِ َبعِيدٍ (‪ 83‬هود ) ‪.‬‬ ‫ي مِ َ‬‫س ّو َمةً عِنْدَ رَبّكَ ‪َ ،‬ومَا هِ َ‬
‫سجّيلٍ مَنْضُودٍ (‪ُ )82‬م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫حجَارَ ًة مِ ْ‬
‫ِ‬
‫كان ذلك فيي الصيباح الباكير حييث رُفعيت قريية لوط علييه الصيلة والسيلم بمين فيهيا إلى السيماء ‪ ،‬وتقول بعيض‬
‫الروايات أن الملئكة في السماء الولى سمعت نباح كلبهم ‪ ،‬ومن ثم قُلبت ورُميت من ذلك الرتفاع الشاهق إلى‬
‫الرض ‪ ،‬فأحدثييت ذلك الجرف الجغرافييي الممتييد ميين على طول نهيير الردن ووادي عربيية ‪ ،‬وميين ثييم أُمطرت‬
‫بالحجارة التي ل تزال ظاهرة إلى يومنا هذا ‪ ،‬منغرسة في الطين على شواطئ البحر الميت ‪ .‬وخلصة القول أن‬
‫البطشية تعنيي خراب الديار وهلك أهلهيا بغيض النظير عين الوسييلة ‪ ،‬مشهيد يحميل فيي ثناياه أبشيع صيور للنتقام‬
‫اللهييي ‪ ،‬حييين يوغييل الناس بإصييرار فييي الجرام بحييق ال وحييق رسييله الكرام دون وازع أو رادع ‪ ،‬ضاربييين‬
‫بإنذارات ربهم عُرض الحائط ‪ ،‬مستحقّين بذلك غضبا إلهيا عارما ‪.‬‬

‫عوْنَ َوجَاءَ ُهمْ َرسُو ٌل كَرِيمٌ … فَدَعَا رَ ّب ُه أَنّ َهؤُلَاءِ َق ْومٌ ُمجْ ِرمُونَ ( ‪)22‬‬
‫وَ َلقَدْ فَتَنّا قَبْ َل ُهمْ َق ْومَ ِفرْ َ‬
‫ومفاد اليات أعله هييو أن حال هؤلء القوم ‪ ،‬مييع محمييد الكريييم المييين المييبين عليييه الصييلة والسييلم ‪ ،‬كحال‬
‫فرعون وقومه مع موسى الكريم المين المبين عليه الصلة والسلم ‪ ،‬وذلك نفيا لما قاله هؤلء عنهما ‪ ،‬سواء من‬
‫فرعون وقومه أو ممن أشرك وكفر من أمة محمد ‪ .‬ومن تشبيه الحال بالحال نستطيع التعرف على موقف هؤلء‬
‫القوم مين محميد ‪ ،‬مين خلل معرفية موقيف فرعون وقوميه مين موسيى ‪ ،‬الذي ورد بالتفصييل فيي القرآن الكرييم ‪،‬‬
‫حيث أن اليات ‪ ،‬التي تصف موقف فرعون وقومه من موسى ورسالته ‪ ،‬تكاد تبين ما تحويه سورة الدخان من‬
‫مقاصد إلهية تكتنفها اليات الكريمة ‪.‬‬
‫حال فرعون وقومه مع موسى ‪:‬‬
‫ي دعا موسى عليه الصلة والسلم فرعون وقومه إلى تقوى ال ‪ ،‬فجادلوه واستهزءوا به وبما جاء به ‪ ،‬وأنكروا‬
‫ربوبية ال ‪ ،‬واتهمه فرعون بالجنون وهدّده بالسجن إن اتّخذ إلها غيره ‪ ،‬فأراه موسى آيات ربه الكبرى ‪ ،‬فاتهمه‬
‫بالسحر وببلوغه مرتبة عالية في علمه ‪ ،‬ليصبح كبيرا السحرة ونفّذ تهديده فيمن اتبعه وآمن به من السحرة ‪.‬‬
‫ن َألَ يَ ّتقُونَ (‪ )11‬قَالَ َربّ إِنّي َأخَافُ أَنْ ُيكَذّبُو ِ‬
‫ن‬ ‫ع ْو َ‬‫ن ائْتِ ا ْل َقوْمَ الظّا ِلمِينَ (‪َ )10‬قوْمَ فِرْ َ‬ ‫ك مُوسَى أَ ِ‬ ‫( َوإِذْ نَادَى رَبّ َ‬
‫عوْنُب‬ ‫عوْنَب َفقُولَ إِنّاب رَسبُولُ رَبّ ا ْلعَا َلمِينَب (‪ )16‬أَنْب أَرْسِبلْ َمعَنَا بَنِي إِسْبرَائِيلَ (‪ … )17‬قَالَ فِ ْر َ‬ ‫(‪ … )12‬فَأْتِيَا ِفرْ َ‬
‫حوْلَهُب َألَ‬ ‫وَمَا رَبّ ا ْلعَا َلمِين بَ (‪ )23‬قَالَ رَبّ السّب َموَاتِ وَالَْرْض ِب وَمَا بَيْ َنهُمَا إِن ْب كُنْتُم ْب مُوقِنِين بَ (‪ )24‬قَالَ ِلمَن ْب َ‬
‫تَسْبَت ِمعُونَ (‪ )25‬قَالَ رَ ّبكُمْب َورَبّ ءَابَا ِئكُمُب ا َلْوّلِينَب (‪ )26‬قَا َل إِنّ رَسبُو َلكُمُ الّذِي ُأرْسِب َل إِلَ ْيكُمْب َل َمجْنُونٌب (‪ )27‬قَالَ َربّ‬
‫ك مِ نَ ا ْلمَسْبجُونِينَ (‪)29‬‬ ‫ن ا ّتخَذْتَب إِ َلهًا غَيْرِي لَجْعَلَنّ َ‬ ‫ن كُنْتُمْب َتعْقِلُو نَ (‪ )28‬قَالَ لَئِ ِ‬
‫ب َومَا بَيْ َن ُهمَا إِ ْ‬
‫ا ْل َمشْرِقِب وَا ْل َمغْرِ ِ‬
‫قَا َل َأوَ َل ْو جِئْتُكَب ِبشَيْ ٍء مُبِينٍب (‪ )30‬قَالَ فَأْتِب بِهِب إِنْب كُنْتَب مِنَب الصبّادِقِينَ (‪ )31‬فَأَ ْلقَى عَصبَاهُ فَإِذَا هِيَب ُثعْبَانٌب مُبِينٌب (‬
‫حوْلَ هُ إِنّ هَذَا لَسبَاحِرٌ عَلِيمٌب (‪ … )34‬قَالَ ءَامَنْتُ مْ لَ هُ قَ ْبلَ‬ ‫لَ َ‬‫‪ )32‬وَنَزَعَب يَدَ هُ فَإِذَا هِ يَ بَيْضَاءُ لِلنّاظِرِي نَ (‪ )33‬قَالَ لِ ْلمَ ِ‬

‫‪237‬‬
‫طعَنّ أَيْدِ َيكُمْب َوأَ ْرجُ َلكُمْب مِنْب خِلَفٍب َولَُصَبلّبَ ّنكُمْ‬
‫عّل َمكُمُب السّبحْرَ فَلَسَبوْفَ َتعْ َلمُونَب لَُ َق ّ‬
‫أَنْب ءَاذَنَب َلكُمْب إِنّهُب َلكَبِي ُركُمُب الّذِي َ‬
‫جمَعِينَ (‪ ( … )49‬الشعراء ) ‪.‬‬ ‫َأ ْ‬
‫ولهذا تشابهت لغة الخطاب وتشابهت الحجة في قول الرسولين الكريمين ‪:‬‬
‫لْوّلِينَ (‪26‬‬
‫ن كُنْتُ ْم مُوقِنِينَ (‪ … )24‬قَالَ رَ ّبكُمْ َورَبّ ءَابَا ِئكُ ُم ا َ‬
‫ض َومَا بَيْ َن ُهمَا إِ ْ‬
‫س َموَاتِ وَالَْرْ ِ‬
‫موسى ‪ ( :‬قَالَ رَبّ ال ّ‬
‫الشعراء )‬
‫لْوّلِينبَ (‪8‬‬
‫ت وَالَْرْضِب وَمَا بَيْ َنهُمَا إِن ْب كُنْتُم ْب مُوقِنِينبَ (‪ … )7‬رَ ّبكُمبْ َورَبّ ءَابَا ِئكُمُب ا َ‬
‫محميد ‪ … ( :‬رَبّ السّب َموَا ِ‬
‫الدخان )‬
‫يي فأنذرهيم ال بالمألوف للناس مين العذاب كالقحيط والجوع ‪ ،‬مشعرا إياهيم بقدرتيه على أخذهيم لعلهيم يرجعون ‪،‬‬
‫ولكنهييم ردّوا هذه البتلءات ‪ ،‬إلى " الوش ّي النحييس " لموسييى وميين معييه ولم ينسييبوها إلى ال ‪ .‬وأص يرّوا على‬
‫كفرهم فأرسل عليهم ما لم يألفوه ‪ ،‬كالطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ‪ ،‬فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين ‪.‬‬
‫ولكنهيم لميا وقيع بهيم العذاب وعاينوه وعدوا موسيى باليمان فيي حال كُشيف عنهيم ‪ .‬ورُفيع العذاب عنهيم لجيل‬
‫مسيمى هيم بالغوه ‪ ،‬وفور شعورهيم بالرخاء نكثوا عهدهيم وعادوا لميا سيبق ‪ ،‬فانتقيم ال منهيم لتكذيبهيم ليات ال‬
‫وغفلتهم عنها ‪.‬‬
‫ن وَ َنقْ صٍ مِ نَ ال ّث َمرَا تِ ‪َ ،‬لعَّلهُ مْ يَ ّذكّرُو نَ (‪ )130‬فَإِذَا جَاءَ ْتهُ مُ ا ْلحَ سَ َنةُ ‪ ،‬قَالُوا لَنَا‬ ‫عوْ نَ بِال سّنِي َ‬
‫( وَ َلقَ ْد َأخَذْنَا ءَالَ فِرْ َ‬
‫ن َمعَهُ ‪َ ،‬ألَ إِ ّنمَا طَا ِئرُهُمْ عِنْ َد الِّ ‪ ،‬وَ َلكِنّ َأكْثَرَهُمْ لَ َيعْ َلمُونَ (‪)131‬‬ ‫هَذِهِ ‪َ ،‬وإِنْ تُصِ ْب ُهمْ سَيّ َئةٌ ‪َ ،‬يطّيّرُوا ِبمُوسَى َومَ ْ‬
‫وَقَالُوا َمهْمَا تَأْتِنَا بِهِب مِنْب ءَا َيةٍ ‪ ،‬لِتَسْبحَرَنَا ِبهَا ‪َ ،‬فمَا َنحْنُب لَكَب ِب ُم ْؤمِنِينَب (‪ )132‬فَأَرْسَبلْنَا عَلَ ْيهِمُب الطّوفَانَب وَا ْلجَرَادَ‬
‫جزُ ‪،‬‬ ‫ت ُمفَصّلَتٍ ‪ ،‬فَاسْ َتكْبَرُوا ‪َ ،‬وكَانُوا َق ْومًا ُمجْ ِرمِينَ (‪ )133‬وَ َلمّا وَقَعَ عَلَ ْيهِمُ ال ّر ْ‬ ‫ع وَالدّمَ ‪ ،‬ءَايَا ٍ‬ ‫وَالْ ُق ّم َل وَالضّفَادِ َ‬
‫ن َمعَ كَ بَنِي إِ سْرَائِيلَ (‬ ‫جزَ لَ ُن ْؤمِنَنّ لَ كَ ‪ ،‬وَلَنُرْ سَِل ّ‬
‫ن َكشَفْ تَ عَنّا ال ّر ْ‬
‫عهِدَ عِنْ َد كَ ‪ ،‬لَ ِئ ْ‬‫قَالُوا ‪َ :‬يمُو سَى ادْ عُ لَنَا رَبّ كَ ِبمَا َ‬
‫جلٍ هُ مْ بَا ِلغُو هُ ‪ ،‬إِذَا هُ مْ يَ ْنكُثُو نَ (‪ )135‬فَانْ َت َقمْنَا مِ ْنهُ مْ ‪َ ،‬فأَغْ َرقْنَاهُ مْ فِي الْ َيمّ ‪،‬‬
‫‪ )134‬فَ َلمّا َكشَفْنَا عَ ْنهُ مُ ال ّرجْ َز إِلَى َأ َ‬
‫ضعَفُونَ ‪َ ،‬مشَارِقَب الَْرْضبِ‬ ‫بِأَ ّنهُم ْب كَذّبُوا بِآيَاتِنَا ‪ ،‬وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينبَ (‪َ )136‬وَأوْرَثْنَا ا ْل َقوْمبَ الّذِينَب كَانُوا يُسبْتَ ْ‬
‫َو َمغَارِبَهَا الّتِي بَا َركْنَا فِيهَا ‪ ،‬وَ َتمّتْب كَ ِل َمةُ رَبّكَب ا ْلحُسْبنَى عَلَى بَنِي إِسْبرَائِيلَ بِمَا صَببَرُوا ‪ ،‬وَ َدمّرْنَا مَا كَانَب يَصْبنَعُ‬
‫ن وَ َق ْو ُمهُ ‪َ ،‬ومَا كَانُوا َيعْ ِرشُونَ (‪ 137‬العراف ) ‪.‬‬ ‫عوْ ُ‬ ‫فِ ْر َ‬
‫ي فما آمن لموسى سوى فئة قليلة من مجموع بني إسرائيل ‪ ،‬وتبعهم فرعون إلى البحر وعندما أدركه الغرق ‪ ،‬ندم‬
‫الله فخان قومه وأعلن توبته وإيمانه بإله آخر ‪ ،‬هو الله الذي آمنت به بنوا إسرائيل حسب قوله ‪.‬‬
‫عوْنَب َومَلَئِهِب بِآيَاتِنَا فَاسْبتَكْبَرُوا َوكَانُوا َق ْومًا ُمجْ ِرمِينَب (‪َ … )75‬فمَا‬ ‫( ُثمّ َبعَثْنَا مِنْب َبعْدِهِمْب مُوسبَى وَهَارُونَب إِلَى فِرْ َ‬
‫عوْ نَ َلعَالٍ فِي الَْرْ ضِ‬ ‫ن َومَلَ ِئهِ مْ ‪ ،‬أَ نْ َيفْتِ َنهُ مْ ‪َ ،‬وإِنّ ِفرْ َ‬
‫عوْ َ‬‫ف مِ نْ ِفرْ َ‬‫خوْ ٍ‬ ‫ءَامَ نَ ِلمُو سَى ِإلّ ذُرّ ّي ٌة مِ نْ َق ْومِ هِ ‪ ،‬عَلَى َ‬
‫عوْنُب َوجُنُودُهُب َبغْيًا وَعَ ْدوًا ‪ ،‬حَتّىب إِذَا‬
‫َوإِنّهُب َلمِنَب ا ْلمُسْب ِرفِينَ (‪َ … )83‬وجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْبرَائِيلَ الْ َبحْرَ ‪ ،‬فَأَتْ َب َعهُمْب ِفرْ َ‬
‫ت أَ ّن ُه َل إِ َلهَ ِإلّ الّذِي ءَامَنَتْ ِبهِ بَنُو ِإسْرَائِيلَ ‪َ ،‬وأَنَا مِنَ ا ْل ُمسْ ِلمِينَ (‪ 90‬يونس ) ‪.‬‬ ‫أَدْ َر َكهُ ا ْلغَرَقُ ‪ ،‬قَالَ ءَامَنْ ُ‬
‫ي وأما عامة المصريين فقد اتبعوا إلههم وربهم العلى فرعون ‪ ،‬بعد أن استخفّ عقولهم فأطاعوه ‪ ،‬وأضلّهم عن‬
‫السبيل فكانوا قوما فاسقين كإلههم ‪ ،‬ومن الغريب أن صفة خفة العقل صفة متوارثة لغاية الن في عامة الشعب‬
‫المصري إل من رحم ربي ‪ ،‬كما ورث أهل العراق صفة البأس الشديد من أجدادهم البابليين ‪.‬‬
‫ج َعلْ لِي صَب ْرحًا ‪،‬‬ ‫عوْنُب َيأَيّهَا ا ْلمَلَُ مَا عَ ِلمْتُب َلكُمْب مِنْب إِلَهٍب غَ ْيرِي ‪ ،‬فَ َأوْقِدْ لِي يَاهَامَانُب عَلَى الطّينِب ‪ ،‬فَا ْ‬
‫( وَقَالَ فِرْ َ‬
‫َلعَلّي َأطّلِ ُع إِلَى إِلَ ِه مُوسَى َوإِنّي لَظُنّ ُه مِ نَ ا ْلكَاذِبِي نَ (‪ 38‬القصص ) ‪ ( .‬فَأَرَاهُ الْ َيةَ ا ْلكُبْرَى (‪َ )20‬فكَذّبَ وَعَصَى (‬
‫حشَرَ فَنَادَى (‪َ )23‬فقَالَ أَنَا رَ ّبكُمْب الَْعْلَى (‪ 24‬النازعات ) ‪ ( .‬فَاسْبَتخَفّ َق ْومَهُب فَ َأطَاعُوهُب‬ ‫‪ُ )21‬ثمّ أَدْبَرَ يَسْبعَى (‪َ )22‬ف َ‬
‫عوْنُ َق ْو َم ُه َومَا هَدَى (‪ 79‬طه ) ‪.‬‬ ‫ضلّ فِ ْر َ‬‫سقِينَ (‪ 54‬الزخرف ) ‪ ( .‬وَأَ َ‬ ‫إِ ّنهُ ْم كَانُوا َق ْومًا فَا ِ‬
‫يي أميا عليية القوم حاشيية السيوء فكان رأيهيم أنهيم هيم المصيلحون ‪ ،‬وأن موسيى ومين معيه مين المؤمنيين بال هيم‬
‫المُفسدون في الرض ‪ ،‬وكذلك رأي فراعنة هذا العصر بأنفسهم وبالمصلحين من الناس ‪ ،‬بمعنى أن موسى ومن‬
‫معه سيدفعون الناس إلى عبادة ال فيتركوا عبادة آلهة فرعون ‪ ،‬مما يجعلهم يستنكفوا عن طاعته ليؤول ملكه إلى‬
‫الزوال فتفسد الرض ‪ ،‬لذلك توجب التخلص من شرورهم بقتل أبنائهم واستحياء نسائهم وقهرهم ‪ ،‬وقتل الرأس‬
‫المحرّكة للفتنة ‪.‬‬
‫‪238‬‬
‫عوْنَب أَتَذَ ُر مُوسبَى َو َق ْومَهبُ لِ ُيفْسِبدُوا فِي الَْرْضِب وَيَذَرَكَب وَءَا ِلهَتَكَب قَالَ سَب ُنقَتّ ُل أَبْنَاءَهُمْب‬
‫لَ مِنْب َقوْمبِ فِرْ َ‬ ‫( وَقَالَ ا ْلمَ ُ‬
‫عوْنُب َذرُونِي أَقْ ُت ْل مُوسبَى ‪ ،‬وَلْيَدْعُب رَبّهُب ‪،‬‬ ‫وَنَسْبَتحْيِي نِسبَاءَ ُه ْم َوإِنّاب َفوْ َقهُمْب قَاهِرُونَب (‪ 127‬العراف ) ‪ ( .‬وَقَالَ فِرْ َ‬
‫ظهِرَ فِي الَْرْضِ ا ْل َفسَادَ (‪)26‬‬
‫ف أَنْ يُبَ ّدلَ دِي َنكُمْ ‪َ ،‬أ ْو أَنْ ُي ْ‬
‫إِنّي أَخَا ُ‬
‫ي وأما مؤمن آل فرعون فكان له رأي آخر ‪ ،‬إذ قال لقومه فمن ينصرنا من بأس ال إن جاءنا ؟!‬
‫عوْ نُ ‪ :‬مَا أُرِيكُ مْ‬
‫ن جَاءَنَا ‪ … ،‬قَالَ فِ ْر َ‬
‫س الِّ إِ ْ‬
‫( َي َقوْ مِ َلكُ مُ ا ْلمُلْ كُ الْ َيوْ َم ظَا ِهرِي نَ فِي الَْ ْر ضِ ‪َ ،‬فمَ نْ يَنْ صُرُنَا مِ نْ بَأْ ِ‬
‫ِإلّ مَا أَرَى ‪َ ،‬ومَا أَهْدِيكُ ْم ِإلّ سَبِيلَ ال ّرشَادِ (‪ 29‬غافر ) وعلى هذا فليحذر فراعنة أمة السلم الجدد ‪ ،‬الذين يهدون‬
‫الناس إلى سبيل الرشاد الخاص بهم ‪ ،‬من بأس ال !!‬
‫يي وجاء نصير ال لرسيوله الكرييم فأنجاه مين مكير فرعون وملئه ‪ ،‬وأنزل بهيم ميا اسيتجلبوه على أنفسيهم مين عذاب‬
‫الدنيا والخرة ‪.‬‬
‫عشِيّاب وَ َيوْمَب‬
‫علَيْهَا غُ ُدوّا وَ َ‬
‫عوْنَب سبُوءُ ا ْلعَذَابِب (‪ )45‬النّارُ ُيعْرَضُونَب َ‬
‫ت مَا َمكَرُوا َوحَاقَب بِآلِ فِ ْر َ‬ ‫( َفوَقَاهُب الُّ سَبيّئَا ِ‬
‫ن َأشَدّ ا ْلعَذَابِ (‪ 46‬غافر )‬ ‫عوْ َ‬
‫ع ُة أَ ْدخِلُوا ءَالَ فِ ْر َ‬
‫َتقُو ُم السّا َ‬
‫ي وأخيرا ‪ ،‬تهديد وتحذير شديد اللهجة لمن كفر بالنذير محمد من ملقاة نفس المصير ‪ ،‬فليس هناك استثناء لحد‬
‫حتى ولو انتسب لمته وادعى السلم ‪ ،‬فملة الكفر عند رب العزة واحدة ومصيرها واحد ‪ ،‬إذ ل خيرية في الكفر‬
‫‪.‬‬
‫عوْنَب النّ ُذرُ (‪ )41‬كَذّبُوا بِآيَاتِنَا كُّلهَا فَ َأخَذْنَاهُمْب َأخْذَ عَزِي ٍز ُمقْتَدِرٍ (‪ )42‬أَ ُكفّا ُركُمْب خَيْ ٌر مِنْب أُولَئِكُمْب‬
‫( وَ َلقَ ْد جَاءَ ءَالَ ِفرْ َ‬
‫عوْنَ رَسُولً‬ ‫علَ ْيكُمْ ‪َ ،‬كمَا ‪ ،‬أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْ َ‬‫أَمْ َلكُمْ َبرَاءَةٌ فِي الزّبُرِ (‪ 43‬القمر ) ‪ ( .‬إِنّا أَرْسَلْنَا إِلَ ْيكُمْ رَسُولً ‪ ،‬شَاهِدًا َ‬
‫ن ال ّرسُولَ ‪ ،‬فَ َأخَذْنَا ُه َأخْذًا وَبِيلً (‪ 16‬المزمل ) ‪.‬‬ ‫عوْ ُ‬‫(‪َ )15‬فعَصَى فِرْ َ‬
‫وقيد جانيب الصواب من ظنّي ‪ ،‬بأن الذين ورثوا أرض مصير هيم بنيي إسيرائيل ‪ ،‬فتارييخ مصير القدييم والحدييث ل‬
‫يدل على ذلك ‪ ،‬وكذلك تاريخ بني إسرائيل في القرآن والسنة والتوراة والتلمود كما بينّاه سابقا ‪ ،‬وأما المقصودين‬
‫بوراثتهيا هيا هنيا هيم أهيل مصير ‪ ،‬مين أبناء مين بقيي مين قوم فرعون وعيبيده ‪ ،‬حييث لم يُهلك منهيم فيي الييم غرقيا‬
‫سيوى مين تبيع بنيي إسيرائيل أثناء خروجهيم مين مصير ‪ ،‬أميا الرض التيي ورثهيا بنيو إسيرائيل بعيد خروجهيم مين‬
‫مصر فهي الرض المقدّسة والمباركة فلسطين ‪.‬‬

‫ت مَا فِيهِ َبلَا ٌء مُبِينٌ ( ‪)33‬‬


‫ن الْآيَا ِ‬
‫ب ا ْل ُمهِينِ … وَءَاتَيْنَا ُهمْ مِ َ‬
‫ن ا ْلعَذَا ِ‬
‫وَ َلقَدْ َنجّيْنَا بَنِي ِإسْرَائِيلَ مِ َ‬
‫ويُذكّر سيبحانه بإنجائه بنيي إسييرائيل مين فرعون وقوميه ‪ ،‬وبميا آتيى نيبيهم موسيى علييه الصيلة والسيلم مين‬
‫معجزات بيّنات ‪ ،‬شاهدوها بأم أعينهم في مصر وأثناء خروجهم منها ‪ ،‬ويذكّر سبحانه بأنه وبالرغم من تفضيلهم‬
‫وابتلئهيم بالسيرّاء والضرّاء ‪ ،‬فميا كان مين أكثرهيم إل الكفير والفسيوق والعصييان ‪ ،‬وإيذاء نيبيهم موسيى علييه‬
‫الصيلة والسيلم ‪ ،‬فأنزل بهيم وعليهيم ربهيم العذاب تلو العذاب مميا فصيلناه فيي فصيل سيابق ‪ .‬وكميا حاول فرعون‬
‫إيذاء موسى ومن منعه من المؤمنين ‪ ،‬كذلك فعل بنو إسرائيل أنفسهم بموسى بعد النجاة ( َوإِذْ قَا َل مُو سَى ِل َق ْومِ هِ‬
‫‪َ :‬ي َقوْمِب لِمَب ُتؤْذُونَنِي ؟! وَقَدْ َتعْ َلمُونَب أَنّيب رَسبُو ُل الِّ إِلَيْكُ مْ ‪ ،‬فَ َلمّاب زَاغُوا ‪ ،‬أَزَاغَب الُّ قُلُو َبهُ مْ ‪ ،‬وَالُّ لَ َيهْدِي الْ َقوْمَب‬
‫ا ْلفَاسِقِينَ (‪ 5‬الصف ) ومجمل من تقدّم ذكرهم في سورة الدخان يقول فيهم سبحانه ‪:‬‬

‫ج ِرمِينَ ( ‪)37‬‬
‫ي إِلّا َموْتَتُنَا الْأُولَى … أَهْ َلكْنَا ُهمْ ‪ ،‬إِ ّن ُهمْ كَانُوا ُم ْ‬
‫إِنّ َهؤُلَا ِء لَ َيقُولُونَ ‪ :‬إِنْ هِ َ‬
‫يُقرّر سبحانه وتعالى بأن ( َه ُؤلَءِ ) أي أصحاب الدخان يُنكرون البعث والنشور ‪ ،‬كما يُقرّر سبحانه وتعالى أنهم‬
‫ليسوا بخير من قوم تبع والذين من قبلهم حيث أهلكهم ال بإجرامهم ‪ ،‬ومن المفهوم ضمنا بأن في هذا وعيد لمن‬
‫يُجرمون فيي حق ال ورسله وكتبه وينكرون البعث ‪ ،‬حيث أنهم لو آمنوا بحقيقة رجعتهم إلى ال فيي اليوم الخر‬
‫لتقدييم الحسياب ‪ ،‬ونييل ميا ترتيب على أقوالهيم وأفعالهيم تلك مين ثواب وعقاب ‪ ،‬وتحصيّل لديهيم اليقيين بذلك لميا‬
‫تجرّأوا على الجرام كميا أجرم الذيين مين قبلهيم ‪ ،‬فهيم فيي شيك يلعبون ومصييرهم الهلك ل محالة ‪ ،‬وانظير قوله‬
‫تعالى موضحا حقيقة حالهم وهو أعلم بما يعتمل في صدورهم ‪ ،‬وحقيقة موقفه منهم ومن أمثالهم ماضيا ومستقبل‬
‫‪:‬‬
‫‪239‬‬
‫جعَ َلكُمْب خَلَئِفَب فِي‬ ‫ت وَالَْرْضِب ‪ ،‬إِنّهُب عَلِيمٌب بِذَاتِب الصّبدُورِ (‪ُ )38‬هوَ الّذِي َ‬ ‫قال تعالى ( إِنّ الَّ عَالِمُب غَيْبِب السّب َموَا ِ‬
‫الَْرْضِب ‪َ ،‬فمَنْب كَفَرَ َفعَلَيْهِب كُفْرُهُب ‪َ ،‬ولَ يَزِيدُ ا ْلكَا ِفرِينَب ُكفْرُهُمْب عِنْدَ رَ ّبهِمْب ‪ِ ،‬إ ّل َمقْتًا ‪َ ،‬ولَ يَزِيدُ ا ْلكَا ِفرِينَب ُكفْرُهُمْب ‪ِ ،‬إلّ‬
‫جهْ َد أَ ْيمَا ِنهِمْب ‪ ،‬لَئِنْب جَاءَهُمْب نَذِيرٌ ‪ ،‬لَ َيكُونُنّ أَهْدَى مِنْب ِإحْدَى ا ُلْمَمِب ‪ ،‬فَ َلمّاب جَاءَهُمْب‬ ‫خَسبَارًا (‪َ … )39‬وأَقْسَبمُوا بِالِّ َ‬
‫ئ ِإلّ بِأَهْلِهِب ‪َ ،‬ف َهلْ‬
‫نَذِيرٌ ‪ ،‬مَا زَادَهُمْب ِإلّ ُنفُورًا (‪ )42‬اسْبتِكْبَارًا فِي الَْرْضِب ‪َ ،‬و َمكْ َر السّبيّئِ ‪َ ،‬ولَ َيحِيقُب ا ْل َمكْ ُر السّبيّ ُ‬
‫حوِيلً (‪َ )43‬أوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الَْرْضِ ‪،‬‬ ‫ن ِإلّ سُ ّنةَ ا َلْوّلِينَ ‪َ ،‬فلَنْ َتجِدَ لِسُ ّنةِ الِّ تَبْدِيلً ‪ ،‬وَلَنْ َتجِدَ لِسُ ّنةِ الِّ َت ْ‬ ‫يَ ْنظُرُو َ‬
‫يءٍ ‪ ،‬فِي‬ ‫فَيَ ْنظُرُوا كَيْف بَ كَان بَ عَاقِ َبةُ الّذِين َب مِن بْ قَ ْبِلهِم بْ ‪ ،‬وَكَانُوا َأشَدّ مِ ْنهُم بْ ُقوّةً ‪ ،‬وَمَا كَان َب الُّ لِ ُي ْعجِزَه ُب مِن ْب شَ ْ‬
‫ظهْرِهَا‬ ‫س َموَاتِ َولَ فِي الَْرْ ضِ ‪ ،‬إِنّ هُ كَا نَ عَلِيمًا قَدِيرًا (‪ )44‬وَ َلوْ ُيؤَاخِذُ الُّ النّا سَ ‪ِ ،‬بمَا كَ سَبُوا ‪ ،‬مَا تَ َر كَ عَلَى َ‬ ‫ال ّ‬
‫ن الَّ كَانَ ِبعِبَادِهِ بَصِيرًا (‪ 45‬فاطر ) ‪.‬‬ ‫سمّى ‪ ،‬فَإِذَا جَا َء َأجَُلهُمْ ‪ ،‬فَإِ ّ‬ ‫مِنْ دَا ّبةٍ ‪ ،‬وَ َلكِنْ ُي َؤخّرُ ُهمْ إِلَى َأجَ ٍل ُم َ‬
‫وخَ سِرَ هُنَالِ كَ ا ْلكَا ِفرُو نَ (‪85‬‬
‫وقال ( فَلَ مْ يَ كُ يَ ْنفَ ُعهُ ْم إِيمَا ُنهُمْ ‪َ ،‬لمّا َرَأوْا بَأْسَنَا ‪ ،‬سُ ّنةَ الِّ الّتِي قَ ْد خَلَ تْ فِي عِبَادِ هِ ‪َ ،‬‬
‫غافر ) ‪.‬‬
‫‪ -‬إذن ل أحد ممن أجرم في حق ال بمفازة من العذاب ‪ ،‬وما تركِهم في طغيانهم يعمهون إل لحين مجيء أجلهم‬
‫المُعلوم سيلفا ‪ ،‬وتأخيير العذاب عنهيم ميا كان لعجيز أو لقصير ذات ييد ‪ ،‬إذ أنهيم كلميا أمعنوا فيي الكفير كلميا ازدادوا‬
‫مقتيا وغضبيا وخسيارة وكلميا اقترب إليهيم أجلهيم وهيم ل يشعرون ‪ ،‬ولن يقبيل إيمانهيم عنيد معاينية العذاب ‪ ،‬بعيد أن‬
‫حق القول عليهم وصدر الحكم بكفرهم ونفذ قضاء ال فيهم ‪.‬‬

‫ب إِ ّنهُمْ ُمرْ َتقِبُونَ ( ‪)59‬‬


‫ك َلعَّل ُهمْ يَتَ َذكّرُونَ ‪ ،‬فَارْ َتقِ ْ‬
‫فَإِ ّنمَا َيسّرْنَا ُه بِ ِلسَانِ َ‬
‫أي أن ال سيبحانه أنزل هذا القرآن بلسيان العرب ‪ ،‬فميا هيو بأعجميي حتيى ندّعيي عدم الفهيم ‪ ،‬وجعله قابل للفهيم‬
‫والهضم لمن أراد خير الدنيا والخرة ‪ ،‬ومن لم يُرد وارتاده لمر ما غير ذلك حُجب عنه الفهم ‪ ،‬ووجده طلسم‬
‫ورموز ل يفقيه منهيا شيئا ‪ ،‬فكذّب وجادل وكفير ونسيب إلى كتاب ال ميا لييس فييه وأعرض عين اتباعيه ونهيى عين‬
‫العمل به وحاربه بشتى الوسائل والسبل ‪:‬‬
‫قال تعالى ( َومَنْب َأظْلَمُب ِممّنِب افْ َترَى عَلَى الِّ كَذِبًا َأ ْو كَذّبَب بِآيَاتِهِب إِنّهُب لَ ُيفْلِحُب الظّا ِلمُونَب (‪َ … )21‬ومِ ْنهُمْب مَنْب‬
‫جعَلْنَا عَلَى قُلُو ِبهِمْب َأكِ ّنةً أَنْب َي ْف َقهُوهُب ‪ ،‬وَفِي ءَاذَا ِنهِمْب وَ ْقرًا ‪َ ،‬وإِنْب يَ َروْا ُكلّ ءَا َي ٍة لَ ُي ْؤمِنُوا بِهَا ‪،‬‬ ‫يَسْب َتمِ ُع إِلَيْكَب ‪َ ،‬و َ‬
‫حَتّىب إِذَا جَاءُوكَب ُيجَادِلُونَكَب ‪َ ،‬يقُولُ الّذِينَب َكفَرُوا ‪ ،‬إِنْب هَذَا ِإلّ أَسبَاطِي ُر ا َلْوّلِينَب (‪ )25‬وَهُمْب يَ ْن َهوْنَب عَنْهُب ‪ ،‬وَيَنْ َأوْنَب‬
‫علَى النّارِ ‪َ ،‬فقَالُوا ‪ :‬يَلَيْتَنَا نُرَ ّد َولَ ُنكَذّبَ‬
‫شعُرُونَ (‪ )26‬وَ َلوْ تَرَى إِ ْذ وُ ِقفُوا َ‬ ‫سهُمْ ‪َ ،‬ومَا َي ْ‬ ‫ن ِإ ّل أَنْفُ َ‬
‫عَنْهُ ‪َ ،‬وإِ نْ ُيهْ ِلكُو َ‬
‫خفُو نَ مِ نْ قَ ْبلُ ‪ ،‬وَ َلوْ رُدّوا َلعَادُوا ِلمَا ُنهُوا عَنْهُ ‪،‬‬ ‫ن مِ نَ ا ْل ُم ْؤمِنِي نَ (‪َ )27‬بلْ بَدَا َلهُمْ ‪ ،‬مَا كَانُوا ُي ْ‬ ‫بِآيَاتِ رَبّنَا ‪ ،‬وَ َنكُو َ‬
‫ي ِإ ّل حَيَاتُنَا الدّنْيَا َومَا َنحْنُ ِبمَ ْبعُوثِينَ (‪ 29‬النعام ) ‪.‬‬ ‫َوإِ ّنهُمْ َلكَاذِبُونَ (‪ )28‬وَقَالُوا إِنْ هِ َ‬
‫( فارتقيب ) خاص برسيوله علييه الصيلة والسيلم ‪ ،‬وفييه وعيد بنصيرته ونصيرة أتباعيه بإهلك خصيومه ‪ ،‬وعام‬
‫لمن يُخاطبهم القرآن ( إنهم مرتقبون ) أي مرتقبين هلكهم غير مصدّقين ‪ ،‬مستهزئين غير عابئين بما وعدهم ال‬
‫مين أمير البطشية الكيبرى ‪ ،‬وفييه تهكّم مين ال بهيم وتحقيرا لشأنهيم وقوله ( فارتقيب ) يفييد أن ذلك سييقع مسيتقبل ‪،‬‬
‫وفييه حثّي على الترقّب والنتظار كقوله ( فارتقيب يوم تأتيي السيماء ) لمعاينية الحدث الول ( أي الدخان ) الذي‬
‫بيّن رب العزة خيبره ‪ ،‬وبيّن ميا سييكون قولهيم عنيد نزوله بهيم ‪ ،‬وميا سييكون موقفهيم بعيد كشفيه عنهيم ‪ ،‬ومين ثيم‬
‫( فارتقيب ) فيي آخير السيورة لمعاينية الحدث الثانيي ( أي البطشية الكيبرى ) لتعلم وليعلم المؤمنون ‪ ،‬بأن ميا أخيبر‬
‫عنيه هذا القرآن الكرييم الميبين هيو الحيق ‪ ،‬وأن مين أنزله هيو الحيق ‪ ،‬وأن ميا يُنكره هؤلء بكفرهيم هيو الحيق فل‬
‫يُضيرك ويُضير المؤمنين به ‪ ،‬كفرهم وفسوقهم وعصيانهم ‪ ،‬فلن تأسف عليهم السماء ول الرض كما لم تأسف‬
‫ض ّل إِذَا اهْتَدَيْتُمْب ‪ ،‬إِلَى‬
‫علَ ْيكُمْب أَ ْنفُسَب ُكمْ ‪ ،‬لَ يَضُ ّركُمْب مَنْب َ‬
‫على مين أهلكناهيم مين قبيل قال تعالى ( يَأَ ّيهَا الّذِينَب ءَامَنُوا َ‬
‫جمِيعًا فَيُنَبّ ُئكُمْ ِبمَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ (‪105‬المائدة ) ‪.‬‬
‫ج ُعكُ ْم َ‬
‫لّ مَ ْر ِ‬
‫ا ِ‬

‫صفات الدخان ‪:‬‬


‫‪.1‬بيّن واضح ل لُبس فيه ‪ ،‬وهو المعروف المألوف بين الناس ‪ ،‬والذي ينجم عن عملية الحرق في العادة ‪،‬‬
‫ن مُبِينٍ ) ‪.‬‬
‫ذو طبيعة غازية ولون أسود ورائحة كريهة نفّاثة مؤذية بدللة قوله تعالى ( بِ ُدخَا ٍ‬
‫‪.2‬هو من المور المنتظرة والمرتقبة ‪ ،‬قادم ل محالة في يوم من اليام بدللة تنكير كلمة ( َي ْومَ ) ‪.‬‬
‫‪240‬‬
‫‪.3‬مصيدره مين السيماء ل الرض ‪ ،‬بدللة قوله تعالى ( تَأْتِي السّبمَاءُ ) أي أن السيماء سيتأتي بيه ‪ ،‬وبذلك‬
‫سييتكون الغازات المؤلفيية لهذا الدخان ‪ ،‬غييير تلك الغازات التييي تؤلف الدخان الناجييم عيين الحرائق على‬
‫الرض ‪.‬‬
‫‪.4‬ظهوره مفاجيئ ومباغيت وغيير مسيبوق بميا يُنبيئ عين قدوميه ‪ ،‬لكيي يتعذر على الناس إيجاد تيبريرات‬
‫وأسباب مادية ومنطقية لظهوره ‪ ،‬ليؤكد سبحانه بأن مصدره هو السماء ‪ ،‬وأنه عذاب من عنده وأنه نذير‬
‫سيوء ‪ ،‬وأن هناك ميا هيو أفظيع منيه وأقسيى أل وهيو البطشية الكيبرى ‪ ،‬بدللة قوله تعالى ( فَارْ َتقِبْب ) وهيو‬
‫خطاب بلفظ المفرد خاص برسول ال عليه السلم ومراد به العموم ‪ ،‬ممن يسوءهم ما يسوء ال ورسوله‬
‫أي فارتقبوه لتعرفوه إذا ظهر ‪ ،‬وليرتقبه المعنيين به ليحذروا ما يكون من أمر ال بعده ‪.‬‬
‫‪.5‬إحاطته بالناس من كل الجوانب بمعنى أنه ينزل من السماء ‪ ،‬ويمكث قريبا من الرض ملزما للناس ‪،‬‬
‫يمل عليهم معايشهم ومساكنهم ‪ ،‬بدللة قوله تعالى ( َي ْغشَى النّاسَ ) والناس هنا هم الذين سيُظهرون الشك‬
‫واللعيب فيي أمير دينهيم دون غيرهيم ‪ ،‬لن اليات السيابقة لهيا حدّدت حقيقية معتقدهيم ( فيي شيك ) ووصيفت‬
‫فعلهم بي ( يلعبون ) ‪ ،‬وفي العادة فإن الدخان يتصاعد إلى أعلى بعيدا عن الناس ومساكنهم ‪ ،‬ومن ثم ينتشر‬
‫فيي السيماء ويختفيي تدريجييا ‪ ،‬ومين ثيم تمتزج ذراتيه ميع ذرات الماء والغبار ‪ ،‬وتترسيب وتعود إلى سيطح‬
‫الرض خلل سيويعات قليلة ‪ ،‬ولكين هذا مخالف لكيل ميا سيبق ‪ ،‬يهبيط مين أعلى إلى أسيفل ويبقيى ملزميا‬
‫للرض وللناس ‪ ،‬ول ينتشر ول يترسب حتى تتحصّل الغاية من إرساله بتعذيب أولئك القوم ‪.‬‬
‫‪.6‬يُصياب الناس منيه بالذى والضرر ‪ ،‬وعادة ميا يُحدث الدخان ضررا فيي النيف والعيين والحنجرة ‪ ،‬وقيد‬
‫يتسيبّب بحالت اختناق نتيجة نقص الوكسجين فيي أسوأ الحوال ‪ ،‬من جراء غشيانه وإحاطته بهيم ولكن‬
‫دون الموت والهلك ‪ ،‬بدللة قوله تعالى ( هَذَا عَذَابٌب أَلِيمٌب ) وهذا تقريير مين رب العزة بأنيه عذاب لمين قيد‬
‫يُشكّك فيي ذلك ‪ ،‬أي أن المقصيود بإنزاله إيذاء مين ينزل بهييم ولييس موتهييم ‪ ،‬لمور اقترفوهييا توضّحهييا‬
‫اليات فيما يليها ‪.‬‬
‫‪.7‬هذا الدخان حدث عارض وغشيانيه للناس مؤقيت ‪ ،‬وانكشاف هذا الدخان سييكون بأمير مين ال ‪ ،‬لقوله (‬
‫إِنّاب كَاشِفُوا ا ْلعَذَابِب قَلِيلً ) إذ أن الهدف منيه هيو النذار فقيط بالرغيم مين انعقاد السيباب الموجبية للعذاب ‪،‬‬
‫ولكن يلزم الصرار من قبل القوم على ما هم فيه من العتو والكبر قبل نزول البطشة الكبرى بهم ‪ ،‬وهذا‬
‫رحمة من ال حتى بمن يؤذيه ويؤذي رُسله ويؤذي عباده ‪.‬‬

‫حقيقة معتقد هؤلء القوم وصفة أقوالهم وأفعالهم ‪:‬‬


‫‪.1‬انعدام اليقين بال وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر ‪ ،‬وكل ما أخبرت عنه الكتب السماوية ( َبلْ ُهمْ فِي‬
‫شَكّ ) ‪.‬‬
‫‪.2‬العراض عن آيات ال والستهزاء بها واتخاذها هزوا ولعبا كمادة للتسلية والفكاهة والتندر ( يَ ْلعَبُو نَ )‬
‫‪.‬‬
‫‪.3‬النفاق حتى مع ال ‪ ،‬فحقيقة أفعالهيم تتنافيى مع ميا يُظهرونه من إيمان أو انتسياب للسيلم ‪ ،‬فقولهم هو (‬
‫ب إِنّا ُم ْؤمِنُونَ ) وشهادة رب العزة تُكذّب قولهم ( أَنّى َل ُهمُ ال ّذكْرَى ) ‪.‬‬
‫رَبّنَا ا ْكشِفْ عَنّا ا ْلعَذَا َ‬
‫‪.4‬الكفر بعد اليمان بالعراض عن هدي رسول ال عليه الصلة والسلم ( ُثمّ َتوَّلوْا عَ ْنهُ ) ‪.‬‬
‫‪.5‬الطعين فيي خلقيه الكرييم ‪ ،‬واتهاميه بالجنون أي الميس ‪ ،‬وبالتعلّم مين البشير والكهان والسيحرة ‪ ( ،‬وَقَالُوا‬
‫ُمعَلّ ٌم َمجْنُونٌ ) ‪.‬‬
‫‪.6‬محاربة ال وإيذاء رسوله وأوليائه من الناس من تضيييق وتعذييب وقتل ‪ ،‬ومحاربية السلم والطعن فيي‬
‫تعاليميه ‪ ،‬وإضلل الناس وإبعادهيم عين الحقيقية ‪ ،‬وهدي الناس بغيير هدي محميد علييه الصيلة والسيلم ‪،‬‬
‫واتهام المُصيلحين مين الناس بالمفسيدين فيي الرض ‪ ،‬خشيية أن يُبدّل هؤلء المصيلحون دينهيم الجدييد الذي‬
‫يدينون بإحياء الديين السيلمي ‪ ،‬وهذه هيي أقوال وأفعال فرعون وقوميه ‪ ،‬ومسيتفادة مين تشيبيه حال هؤلء‬
‫القوم ‪ ،‬بحال فرعون وقومه وكذلك بحال بني إسرائيل ‪.‬‬
‫‪241‬‬
‫‪ .7‬إنكار البعيث والنشور وميا يلييه مين حسياب وثواب وعقاب ( إِنّ َه ُؤلَءِ لَ َيقُولُونبَ ‪ :‬إِنبْ هِيَب ِإلّ َموْتَتُنَا‬
‫الُْولَى َومَا َنحْنُ ِبمُ ْنشَرِينَ ) ‪.‬‬
‫عبّاد الدنيا ومظاهرها الخادعة ‪ ،‬ل يؤمنون إل بما‬ ‫‪.8‬ماديّون منشغلون ومتفانون في الحياة الدنيا ‪ ،‬فهم من ُ‬
‫هو محسوس ‪ ،‬من الدلئل الدافعة للشك والموجبة لليقين ‪ ،‬لطلبهيم الدليل المادي بقولهم ( فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِ نْ‬
‫كُنْتُمْب صبَادِقِينَ ) للتأكيد مين حقيقية القدرة على البعيث وميا هيم بموقنيين ‪ ،‬فعقولهيم قاصيرة عين فهيم الدلئل‬
‫العقلية المطروحة في القرآن ‪ ،‬والتي ل تتحصّل إل بالتفكّر والتدبّر ‪.‬‬
‫‪.9‬مجرمون ومصيييرّون على إجرامهيييم ‪ ،‬فل وازع ول رادع يثنيهيييم عييين غيهيييم وطغيانهيييم ول تعنيهيييم‬
‫ن مِنْ قَبْ ِل ِه ْم أَهْ َلكْنَا ُه ْم إِ ّنهُ ْم كَانُوا ُمجْ ِرمِينَ ) ‪.‬‬
‫التحذيرات والنذر ( أَ ُهمْ خَيْ ٌر َأمْ َق ْومُ تُبّ ٍع وَالّذِي َ‬
‫ظهور هذا الدخان بصفته الموضحة أعله ‪ ،‬لم يتحصّل في حياته عليه الصلة والسلم ‪ ،‬حيث لو عاينه في حياته‬
‫لخيبر عنيه أو أخيبر عنيه أصيحابه ‪ ،‬ولورد خيبره فيي كتيب السييرة والتارييخ ‪ ،‬ولييس مين المنطقيي أن يكون مين‬
‫أحداث يوم القياميية أو ميين أشراطهييا الكييبرى ‪ ،‬فصييفته وصييفة هؤلء القوم والغاييية ميين غشيانييه لهييم كمييا تُبينهييا‬
‫اليات ‪ ،‬ل تتفيق ميع كونهيا أحيد أشراط السياعة الكيبرى والتيي سييُعاينها مجميل البشير ‪ ،‬بينميا هذا الدخان خاص‬
‫بأناس من أمة السيلم ‪ ،‬وسيبب غشيانه لهيم هو أنهيم كفروا بعيد أن كانوا مسلمين ‪ ،‬وأما السبب الموجيب للبطشية‬
‫الكبرى هو الشك واللعب وإيذاءهم لرسوله الكريم بالرغم من تحذيرهم بالدخان ‪.‬‬

‫ن َوجَاءَ ُهمْ َرسُولٌ كَرِيمٌ )‬


‫عوْ َ‬
‫( وَ َلقَدْ فَتَنّا قَبْ َل ُهمْ َق ْومَ فِرْ َ‬
‫جاء فييي لسييان العرب أن " جماع معنييى الفتنيية البتلء والمتحان والختبار ‪ ،‬وأصييلها مأخوذ ميين قولك فتنييت‬
‫الفضية والذهيب ‪ ،‬إذا أذبتهميا بالنار لتمييز الردييء مين الجييد " ‪ ،‬ويتضيح معناهيا مين قوله تعالى ( وَنَبْلُوكُمْب بِالشّرّ‬
‫وَا ْلخَيْرِ فِتْ َنةً (‪ 35‬النييبياء ) ‪ ،‬وقوله تعالى ( الم (‪َ )1‬أحَسببِبَ النّاسببُ ‪ ،‬أَنببْ يُتْ َركُوا ‪ ،‬أَنببْ َيقُولُوا ءَامَنّابب ‪ ،‬وَهُمبْب لَ‬
‫ُيفْتَنُونَب (‪ )2‬وَ َلقَدْ فَتَنّاب الّذِينَب مِنْب قَبْ ِلهِمْب ‪ ،‬فَلَ َيعْ َلمَنّ الُّ الّذِينَب صَب َدقُوا ‪ ،‬وَلَ َيعْ َلمَنّ الْكَاذِبِينَب (‪ … ) 3‬وَلَ َيعْ َلمَنّ الُّ‬
‫الّذِينببَ ءَامَنُوا وَلَ َيعْ َلمَنّب ا ْلمُنَا ِفقِينببَ (‪ 11‬العنكبوت ) ليكون معنييى الفتنيية هييو المتحان والختبار ‪ ،‬ويكون ذلك‬
‫بالبتلء بالشر أو بالخير ‪ ،‬ليعلم ال الصادق من الكاذب وليعلم المؤمن من المنافق ‪.‬‬
‫والملحظ في اليات أعله أن المخاطب في الية ( ‪ ) 35‬من سورة النبياء هم المعاصرين لرسالة السلم ‪ ،‬وأن‬
‫الحديث في الية ( ‪ ) 2‬من سورة العنكبوت ‪ ،‬كان عن الناس إجمال وبشكل عام ‪ .‬أما قوله ( ولقد فتنا الذين من‬
‫قبلهم ) فالضمير ( هم ) يعود على المعاصرين لرسالة السلم ‪ ،‬والذين فتنوا من قبلهم هم كل من سبقت فتنتهم‬
‫قبل مجي السلم ‪ ،‬إذ لم يكن في هذه العبارة تحديد لقوام بعينها سبقت فتنتها ‪ ،‬فهي أسبقية زمانية ل مكانية ‪.‬‬
‫وأميا فيي سيورة الدخان فيقول سيبحانه وتعالى ( ولقيد فتنيا قبلهيم ) ‪ ،‬وضميير الغائب ( هيم ) فيي كلمية ( قبلهيم ) ‪،‬‬
‫يعود حصرا على أصحاب الدخان الموعودين بالبطشة الكبرى ‪ ،‬وبمجيء التحديد لقوم بعينهم بقوله تعالى ( قوم‬
‫فرعون ) تصبح أسبقية ( قوم فرعون ) لهؤلء الناس ‪ ،‬مكانية وزمانية في آن واحد ‪ ،‬ونلحظ هنا أن الفتنة كانت‬
‫للقوم بشكييل عام ‪ ،‬إذ لم يقييل سييبحانه ( فرعون ) أو ( فرعون وقومييه ) أو ( فرعون وملئه ) ‪ ،‬وإنمييا قال ( قوم‬
‫فرعون ) ‪.‬‬
‫ليصيبح المعنيى بأننيا قمنيا بامتحان واختبار هؤلء القوم ( أصيحاب الدخان ) ‪ ،‬فكان منهيم ميا كان فيي حيق رسيولهم‬
‫وحق ما جاء به من الهدي ‪ ،‬ورسبوا في المتحان الذي قُدّم إليهم ‪ ،‬بمجيء محمد عليه الصلة والسلم الرسول‬
‫الكرييم ‪ ،‬وتيبيّن لنيا وتأكّد أنهيم كاذبون فاسيتحقوا بطشتنيا الكيبرى ‪ ،‬كميا كنيا قيد فتنيا قبلهيم فيي نفيس الرض قوم‬
‫فرعون ‪ ،‬ببعيث رسيولنا الكرييم موسيى علييه الصيلة والسيلم إليهيم ‪ ،‬فكذبوه وحاربوه واتهموه بالسيحر والجنون ‪،‬‬
‫فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر ‪.‬‬
‫وهنا نفهم من قوله تعالى ( يغشى الناس ) بأن المقصودين هنا أناس بعينهم ل جملة البشر ‪ ،‬وحقيقة هؤلء الناس‬
‫موضحة في اليات بشكل ل لبس فيه ‪ ،‬وأهم ما يتميّزون به هو الكفر والنفاق ‪ ،‬وأن هذا الدخان سيغشاهم كعذاب‬
‫وذلك لكفرهم ونفاقهم ‪ ،‬مما ينفي أن هذا الدخان سيُبتلى به عامة البشر ‪ ،‬من مؤمنين وكفار ومنافقين ‪ ،‬ويُفهم من‬

‫‪242‬‬
‫قوله ( الناس ) أنيه سييغشى عامية الناس المقيميين فيي المكان الذي أحدث الناس فييه ميا وصيفته اليات أعله دون‬
‫سائر البشر ‪.‬‬
‫عوْ َ‬
‫ن‬ ‫أما الشارة الثانية للمكان فجاءت في قوله تعالى ( وَ َلقَدْ َنجّيْنَا بَنِي إِ سْرَائِيلَ مِ نَ ا ْلعَذَا بِ ا ْل ُمهِي نِ (‪ )30‬مِ نْ ِفرْ َ‬
‫… ) ونجاتهيم كانيت بخروجهيم مين مصير ‪ ،‬وذكير بنيي إسيرائيل أيضيا جاء هنيا لشتراكهيم ميع الفراعنية بالفسياد‬
‫والفسياد فيي الرض ‪ ،‬وانعدام اليمان بال واليوم الخير ‪ ،‬ومحاربتهيم ل ولرسيله وأنيبيائه والصيالحين مين الناس‬
‫قبل العلو وبعده ‪ ،‬فأنزل ال بهم العذاب تلو العذاب ‪.‬‬
‫وقوله تعالى ( … إِنّ َه ُؤلَءِ … ) أصحاب الدخان ( … أَهْ َلكْنَا ُهمْ ‪ ،‬إِ ّنهُ ْم كَانُوا ُمجْ ِرمِينَ (‪ )37‬وفيه تهديد ضمني‬
‫للمخاطبين بالقرآن ‪ ،‬من كفرة أمة محمد عليه الصلة والسلم ‪ ،‬بالهلك كما أُهلك الذين من قبلهم لما فعلوا مثل‬
‫فعلهم ‪.‬‬

‫ترتيب المشاهد حسبما وردت في سورة الدخان ‪:‬‬


‫المشهد الول ‪ :‬الشك واللعب ‪.‬‬
‫المشهد الثاني ‪ :‬غشيان الدخان للناس ومن ثم زواله ‪.‬‬
‫المشهد الثالث ‪ :‬العودة لما كانوا عليه بل والمعان في التولي والعراض وأخيرا الساءة لرسول ال ‪.‬‬
‫المشهد الرابع ‪ :‬البطشة الكبرى ‪.‬‬

‫تساؤلت ‪:‬‬
‫والسؤال الول ‪ :‬هل ظهر الدخان في مصر حيث مكان إقامة فرعون وقومه ؟!‬
‫والسؤال الثاني ‪ :‬هل كان أهل مصر ( فِي شَكّ يَ ْلعَبُونَ ) قبل ظهور الدخان ؟!‬
‫والسؤال الثالث ‪ :‬هل أمعن أهل مصر في التولي والعراض ‪ ،‬عما جاء به رسول ال عليه الصلة والسلم بعد‬
‫ظهور الدخان ( وَقَالُوا _ عنه _ ُمعَلّ ٌم َمجْنُونٌ ) أيضا ؟!‬

‫‪243‬‬
‫فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين‬
‫فيي هذا الفصل ‪ ،‬سنعرض جانبا من مقالت كانت قد وردت في صحيفة الهرام المصرية ‪ ،‬تتحدث عن سحابة‬
‫كثيفة من الدخان السود ‪ ،‬غشيَت سكان القاهرة ‪ ،‬في الفترة الواقعة ما بين ‪1999 / 10/ 30 – 20‬م ‪.‬‬

‫سر سحابة الدخان التي أزعجت سكان القاهرة الكبرى !!‬


‫الصفحة الولى ‪ /‬الحد ‪ 15 /‬من رجب ‪ 1420‬هي ‪ 24 ،‬أكتوبر ‪ ، 1999‬السنة ‪ – 124‬العدد ‪41229‬‬
‫موقع الصفحة على شبكة النترنت هو ‪www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/24/FRON15.HTM :‬‬
‫تزايدت طوال الليلة الماضيييية ظاهرة تراكيييم الدخنييية والغازات والروائح النفاذة فيييي سيييماء مدينييية القاهرة ‪،‬‬
‫والمستمرة منذ نحو ثلث ليال سابقة ‪ ،‬وقد وصلت هذه الظاهرة في مساء أمس إلى حد تسبب في حالة من القلق‬
‫بين سكان القاهرة ‪ ،‬وطوال الليل لم تنقطع التصالت التليفونية من المواطنين إلى الهرام يشكون ويستفسرون ‪،‬‬
‫بعيد أن اضطروا إلى إغلق نوافيذ منازلهيم ‪ ،‬وبعيد لجوء بعضهيم إلى المسيتشفيات لعلج اللتهابات التيي أصييبت‬
‫بها عيون أطفالهم ‪.‬‬
‫وفييي محاولة لتفسييير هذه الظاهرة ‪ ،‬أجرت الهرام عدد ميين التصييالت مييع مسييئولي الرصيياد الجوييية والبيئة‬
‫طوال ليلة أمييس ‪ .‬فقييد صييرح مصييدر مسييئول بهيئة الرصيياد الجوييية لفوزي عبييد الحليييم مندوب الهرام ‪ ،‬بأن‬
‫الظاهرة ناتجة عن حرق المزارعين في المحافظات حول القاهرة ‪ ،‬لمخلفات محصول الرز بالضافة إلى تراكم‬
‫الدخنة الناتج عن عوادم السيارات والمصانع ‪ ،‬وتزامن هذه الدخنة مع وجود مرتفع جوي شمال البلد ووسطها‬
‫‪ ،‬أدى إلى احتباس حراري واسيتقرار الحالة الجويية ‪ ،‬المير الذي أدى بدوره إلى تركييز الدخنية فيي طبقية الهواء‬
‫القريبيية ميين سييطح الرض ‪ ،‬واحتفاظ الهواء بكييل مكوناتييه ‪ .‬وقال إنييه ميين المنتظيير ‪ ،‬انتهاء هذه الظاهرة ‪ ،‬فور‬
‫تحرك المرتفع الجوي بعيدا عن القاهرة ‪.‬‬
‫ومين ناحيية أخرى ‪ ،‬نفيى الدكتور إبراهييم عبيد الجلييل الرئييس التنفيذي لجهاز شئون البيئة ‪ ،‬ميا تردّد على ألسينة‬
‫المواطنيين عين وجود حرائق بمناطيق تجمّع القمامية حول القاهرة والجيزة ‪ ،‬كمصيدر لنتشار هذه الدخنية فيي‬
‫القاهرة ‪ .‬وقال إنه أجرى اتصال بمحافظ القليوبية المستشار صبري البيلي ‪ ،‬أك ّد خلله انتشار الدخنة بالمحافظة‬
‫نتيجية حرق قيش الرز بهيا ‪ ،‬كميا أكيد الدكتور حسيين كاظيم محافيظ الشرقيية المعلومات نفسيها فيي محافظتيه خلل‬
‫اتصال مماثل ‪ .‬وأضاف عبد الجليل ‪ ،‬أن جهاز شئون البيئة طلب من وزارة الزراعة إصدار تعليمات بمنع حرق‬
‫قش الرز ‪ ،‬أو أي مواد مماثلة لمنع تكرار هذه الظاهرة مستقبل ‪.‬‬
‫وفي محاولة لطمأنة المواطنين ‪ ،‬ناشد الدكتور محمود عمرو ‪ ،‬أستاذ ورئيس قسم المراض المهنية ومدير مركز‬
‫السموم بقصر العيني ‪ ،‬المواطنين بعدم المبالغة في القلق ووصف ما حدث بأنه ليس كارثة ‪ ،‬على الرغم من أن‬
‫العراض المبدئيية للتعرض لهيا ‪ ،‬تشميل التهاب العيون والنيف والذن والصيدر ‪ ،‬وأك ّد أن الحتياطات اللزمية‬
‫تسييتدعي التركيييز على حماييية الطفال ‪ ،‬وعدم إغلق النوافييذ ضمانييا للتهوييية اللزميية ‪ ،‬وكذلك توفييير الحماييية‬
‫اللزمية للمرضيى بالمسيتشفيات ‪ ،‬أميا الصيحاء البالغيين فلن يتعرضوا لخطورة مين التعرض للدخنية مشيرا إلى‬
‫أن ندى الفجير سييغسل الهواء ويخفّف مين حدة التلوث ‪ .‬وأكدّ الدكتور عمرو أن هذه الظاهرة قيد حدثيت مين قبيل‬
‫عام ‪1949‬م فيي لندن بسيبب ارتفاع نسيبة الرطوبية ‪ ،‬والحماس الزائد للتوسيع الصيناعي وانتشار المداخين ‪ ،‬أميا فيي‬
‫مصر فالطبيعة الصحراوية للبلد تمتص الملوثات الزائدة في المدن لذا فلن يشعر بها سكان الصعيد ‪.‬‬

‫‪244‬‬
‫سحابة الدخان تتلشى نهائيا من فوق القاهرة خلل ‪ 48‬ساعة‬
‫الصفحة الولى ‪ /‬الثنين ‪ 16 /‬من رجب ‪ 1420‬هي ‪ 25 ،‬أكتوبر ‪1999‬م ‪ ،‬السنة ‪ -124‬العدد ‪41230‬‬
‫موقع الصفحة على شبكة النترنت هو ‪www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/25/FRON13.HTM :‬‬

‫صورة نهارية ‪ :‬واختفت القاهرة خلف دخان حريق قش الرز‬


‫توقع خبراء الرصاد الجوية ‪ ،‬أن تتلشى نهائيا سحابة الدخان الكثيف ‪ ،‬التي خيّمت ليلة أمس الول على القاهرة‬
‫وضواحيهييا خلل السيياعات الثمانييي والربعييين المقبلة ‪ ،‬وأضافوا أن الكتلة الهوائييية التييي حملت هذه السييحابة ‪،‬‬
‫الناتجية عين إحراق مخلفات محصيولي الرز والقطين فيي المحافظات المجاورة ‪ ،‬آخذة فيي التحرك شرقيا لتحيل‬
‫محلها كتلة هوائية نظيفة مقبلة من الشمال الغربيي ‪ ،‬وأوضحوا أن نسبة الرطوبة سوف تنخفض أيضا بفعل هذه‬
‫التغيرات في حالة الطقس ‪.‬‬
‫وقيد قاميت الدكتورة ناديية مكرم عبييد وزيرة الدولة لشئون البيئة أميس بجولة فيي محافظتيي الشرقيية والقليوبيية ‪،‬‬
‫بوصييفهما المصييدر الرئيسييي للدخان الناتييج عيين إحراق مخلفات الرز والقطيين ‪ ،‬وصيرّحت بأنييه سيييتمّ تدريييب‬
‫المزارعيين على اسيتخدام غاز المونييا ‪ ،‬لتحوييل قيش الرز إلى أعلف حيوانية ‪ ،‬بحييث تنتفيي الحاجية تماميا إلى‬
‫إحراقييه ‪ ،‬كمييا أعلنييت الجهات المسييؤولة فييي المحافظتييين عيين اتخاذ إجراءات حاسييمة لوقييف عمليات إحراق‬
‫المخلفات الزراعية في الحقول ‪.‬‬

‫‪245‬‬
‫سر اختناق القاهرة !‬
‫‪ 25‬أكتوبر ‪1999‬م ‪ ،‬السنة ‪ -124‬العدد ‪41230‬‬ ‫تحقيقات ‪ /‬الثنين ‪ 16 /‬من رجب ‪ 1420‬هي ‪،‬‬
‫موقع الصفحة على شبكة النترنت هو ‪www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/25/INVE1.HTM :‬‬
‫حرق حطيب القطين وقيش الرز ميع خلييط الغازات المركبية سيبب سيحابة الدخان ‪ .‬المواطنون ‪ :‬إصيابات بالنيف‬
‫والحلق وصعوبة في التنفس نتيجة للتلوث ‪ .‬مصدر أمني ‪ 5 :‬بلغات فقط حول حرائق المخلفات وتم إخمادها ‪.‬‬

‫صورة نهارية ‪ :‬اختفاء القاهرة خلف سحابة الدخان‬


‫تحقيق وجدي رياض ومحمود النوبي ‪:‬‬
‫تعرضييت سييماء الدلتييا والقاهرة حتييى الجيزة لتلوث هوائي شديييد ‪ ،‬خلق حالة ميين الهباء الجوي ي ي بخار ماء مييع‬
‫ملوثات ي أثار ذعر السكان وسبب بعض حالت الختناق ‪ ،‬لمن لديهم حساسية صدرية أو ربوية أو أمراض سوء‬
‫التنفس ‪ .‬كما تعرض بعض سكان القاهرة إلى أزمات تنفسية نتيجة لزمتة الهواء وغياب الوكسجين الكافي ‪.‬‬
‫ويرجع سبب حدوث هذه الحالة النادرة إلى عدة اعتبارات تم رصدها ‪ ،‬كان من أبرزها ‪:‬‬
‫•صييدور الواميير إلى المزارعييين ميين مديريات الزراعيية ‪ ،‬بضرورة حرق حطييب القطيين المتخلّف عيين‬
‫زراعات القطن للتخلص من دودة اللوز ‪ ،‬ومن المعروف أن الدلتا بخصوبة أرضها ‪ ،‬تزرع حوالي‪750‬‬
‫ألف فدان بزراعات القطن الذي تم جمعه هذا الشهر ‪.‬‬
‫•ارتفاع نسيبة الرطوبية فيي مثيل هذا الوقيت مين السينة ميع ارتفاع فيي درجية الحرارة ‪ ،‬مميا أدى إلى حدوث‬
‫حالة من الهباء الجوي ‪ ،‬أدى إلى كتمة الهواء وغياب الكسجين الكافي ‪.‬‬
‫• ساعد على ذلك ي أيضا ي انتشار احتراق آثار الحصاد من حطب القطن وقش الرز ‪ .‬ومع حركة الرياح‬
‫أدى إلى تغطيية هواء سيكان القاهرة ‪ ،‬بحالة مين الدخان ميع سيكون للهواء ‪ ،‬وارتفاع فيي درجية الحرارة‬
‫مع رطوبة مع ملوثات كربونية آزوتية وغازية وكبريتية وذرات عالقة في الجو ‪.‬‬
‫ومين ناحيية أخرى فقيد أدت عمليات احتراق أحطاب القطين للقضاء على دودة اللوز ‪ ،‬وفقيا للقرار الذي صيدر مين‬
‫مديريات الزراعيية بالمحافظات بالعقوبات المقررة لميين يحتفييظ بالحطييب ‪ ،‬ممييا دفييع الفلحييين إلى سييرعة حرق‬
‫الحطاب تنفيذا لقرارات وزارة الزراعة في الحقول ‪.‬‬

‫‪246‬‬
‫ومن جانبه آثار المسيتشار صبري البيلي محافظ القليوبية ‪ ،‬مشكلة حرق حطب القطن في المزارع ‪ ،‬أمام وزيرة‬
‫البيئة ورئيس جهاز شؤون البيئة في اجتماع هذا السبوع ‪ .‬وقال المستشار البيلي أن القانون ‪ 4‬لسنة ‪ 1994‬المادة‬
‫‪ 37‬بشأن البيئة ‪ ،‬يمنع منعا بافات والقمامة ومخلفات الحقول حتى ل يتلوث الهواء ‪ ،‬وفي نفس الوقت يحتم القرار‬
‫الوزاري على الفلحين حرق الحطاب ‪.‬‬
‫ومين المعروف ‪ ،‬أن هناك ‪ 32‬محطية ‪ ،‬أقامتهيا الدانمرك فيي الرض المصيرية ‪ ،‬لرصيد حالة الهواء ‪ ،‬بالكاسييد‬
‫الزوتية الكبريتية والكربونية ‪ .‬وقد تم تركيب هذه المحطات لتغطي أرض الدلتا ‪ ،‬وهي تعمل لمدة‪ 24‬ساعة ويتم‬
‫بها رصد حالة الهواء ومكوناته ‪ ،‬ولم نسمع أن أحدا فتح هذه المحطات ‪ ،‬ورصد ما بها من تسجيل وما حدث من‬
‫ملوثات بهواء الدلتا وعواصم مدنها ‪.‬‬
‫وفيي القاهرة الكيبرى حوالي‪ 40‬محطية لرصيد الهواء ‪ ،‬وقيد أقام المشروع المريكيي لتحسيين هواء القاهرة حوالي‬
‫‪ 33‬محطيية ‪ ،‬لرصييد الذرات الصييغيرة العالقية ميين ‪ 2.5‬جزء فييي المليون إلى عشرة أجزاء فييي المليون كمييا تقوم‬
‫برصييد الرصيياص ‪ ،‬وهناك ‪ 7‬محطات دانمركييية تقوم برصييد أول وثانييي أكسيييد الكربون وأول أكسيييد الكييبريت‬
‫والغازات الخرى ‪ ،‬ولم َتبُح هذه المحطات بأسرار ما حدث من تلوث في هواء القاهرة الكبرى والدلتا والجيزة ‪.‬‬
‫قام اليابانيون بإنشاء معمل مركزي تابع لجهاز شؤون البيئة ‪ ،‬ومعامل أخرى متنقلة لرصد حالة الجو عند حدوث‬
‫أزمة أو كارثة ‪ ،‬أو رد فعل لي شكوى ‪ ،‬ويشرف على المعامل جهاز شؤون البيئة ويديرها خبراء مصريون ‪.‬‬
‫ومييين المعروف أيضيييا أن المصيييادر الطبيعيييية لتلوث هواء القاهرة ‪ ،‬مصيييدرها بخار الماء الضار والبكتيرييييا‬
‫والفطريات والملح ‪ ،‬ونواتييج الحتراق ذو النشاط الطييبيعي ‪ .‬أمييا المصييادر الصييناعية فييي تلوث هواء القاهرة‬
‫الكبرى فهي حرق الوقود والطاقة وعمليات النتاج الصناعي ‪ ،‬ووسائل النقل والقطارات والطائرات والسفن ‪..‬‬
‫ومين ناحيية أخرى لم تنقطيع التصيالت التليفونيية للمواطنيين بالهرام طوال ليلة أميس الحيد ‪ ،‬حييث اشتكوا مين‬
‫وجود سحابة دخان كثيفة غطّت أجواء القاهرة ‪ ،‬خاصة منطقتي مدينة نصر ومصر الجديدة ومناطق وسط البلد‬
‫ومصر القديمة ‪ ،‬وأصابت الطفال وكبار السن بالختناق ‪.‬‬
‫وتقول السيدة نجية الشال ‪ ،‬من سكان شارع مصطفى النحاس بمدينة نصر ‪ ،‬أن سحابة الدخان أصابتها وأطفالها‬
‫بحالة اختناق ‪ ،‬حيث تعاني من حساسية في الصدر ‪ ،‬أدت إلى عدم قدرتها على التنفس رغم إغلق النوافذ بالشقة‬
‫وتتساءل هل عمال جمع القمامة هم السبب ‪ ،‬أم القائمون على حرق القمامة ؟! أم العمال المختصين بجمع القمامة‬
‫مين الشوارع ‪ ،‬هيم الذيين أحرقوا هذه القمامية التيي أدت إلى هذا الدخان الكثييف ؟! وتتسياءل السييدة نجيية الشال ‪،‬‬
‫أين وزيرة شؤون البيئة ‪ ،‬وأين القائمون على النظافة في بلدنا ‪ ..‬وكيف يتركون هذا المر دون متابعة ؟!‬
‫ومن الروضة بالمنيل ‪ ،‬استغاث بنا محمد أبو سريع عبد الكريم ‪ ،‬قائل ‪ :‬ما هي حكاية الدخان الكثيف الذي يمتد‬
‫مين حلوان إلى المعادي والمنييل والمهندسيين ؟! ويقول أننيا ل نسيتطيع التنفيس ونكاد نصياب بحالة اختناق شديدة ‪.‬‬

‫أميا السييدة سيمر عمير محمود مين سيكان مدينية نصير ‪ ،‬فقيد وصيفت الدخان بأنيه عبارة عين دخان ينبعيث مين آبار‬
‫بترول تحترق وليس دخانا عاديا ‪ ،‬ينبعث من مخلفات قمامة ‪ ،‬كما أن الجو الحار ساعد على حدوث انقباض في‬
‫حالة الجو جعلتنا ل نستطيع التنفس ‪.‬‬
‫أحميد علي أبيو الحسين ‪ ،‬مشرف اجتماعيي بجامعية الزهير بمدينية نصير ‪ ،‬يقول إنيه يشعير بحالة اختناق شديدة‬
‫وحرقان بعينيه ‪ ،‬لم يستطع معها البصار بصورة جيدة ‪.‬‬
‫ومين جانبيه أكيد مصييدر أمنييي بنجدة القاهرة ‪ ،‬بأن النجدة لم تتلق بلغات حرائق ليلة أميس ‪ ،‬عدا حرييق محدود‬
‫شب في محطة بنزين التعاون بشارع قصر العيني ‪ .‬وذكر المصدر المني أن الدارة تلقت ليلة أمس ‪ ،‬حوالي ‪5‬‬
‫بلغات حريق في مخلفات قمامة وتم إخمادها فورا ‪ .‬وأوضح أن الدارة تلقّت إشارة بأن الشبورة ‪ ،‬التي أحاطت‬
‫سماء القاهرة ليلة أمس ‪ ،‬كانت نتيجة حرق مخلفات محصول القطن والرز بالرياف ‪.‬‬
‫وحول أسباب الظاهرة ‪ ،‬كتب عبد المجيد الشوادفي من الشرقية ‪ ،‬في محاولة سريعة وعاجلة ‪ ،‬لحتواء السباب‬
‫التيي أدت إلى ظهور السيحابة السوداء فوق سماء القاهرة وعدد من محافظات الدلتا ‪ ،‬نتيجة لقيام الفلحيين بحرق‬

‫‪247‬‬
‫قش الرز المتخلف عن حصاد المحصول ‪ ،‬مما ترتب عليه حدوث اختناقات وإصابات في العيون بين الكثيرين‬
‫من أبناء ومحافظة الشرقية ‪.‬‬
‫قرّر المحافييظ الدكتور حسييين رمزي كاظييم تنفيييذ عدة إجراءات للقضاء على هذه الظاهرة ‪ ،‬التييي انتشرت فييي‬
‫مختلف مسياحات الراضيي المزروعية بالرز ‪ ،‬والتيي تبلغ حوالي‪ 150‬ألف فدان ‪ .‬وتيم التفاق ميع اللواء محميد‬
‫صيادق أبيو النور مسياعد وزيير الداخليية لمين الشرقيية ‪ ،‬على تكلييف رؤسياء الوحدات المحليية بالقرى والمدن‬
‫ومأموري مراكيز الشرطية ‪ ،‬بتنظييم حملت لخماد عمليات حرق قيش الرز ‪ ،‬والسيتعانة بفرق الدفاع المدنيي‬
‫والحريق لطفاء النيران المشتعلة في الحقول وتحرير محاضر للمخالفين ‪.‬‬
‫وكانت سحابة الدخان الكثيفة التي خيّمت على مدى اليام الماضية فوق محافظة الشرقية ‪ ،‬قد امتدت إلى مناطق‬
‫متعددة في المحافظات المجاورة ؟ وغطّت الطرق الرئيسية التي تربط بينها وبين الطرق الصحراوية ‪ ،‬مما أدى‬
‫إلى إعاقة الرؤية أمام سائقي السيارات وعرضتهم إلى ارتكاب حوادث تصادم ‪.‬‬

‫انتهاء السحابة الملوثة خلل ‪ 48‬ساعة‬


‫تحقيقات ‪ /‬الثنين ‪ 16 /‬من رجب ‪ 1420‬هي ‪ 25 ،‬أكتوبر ‪1999‬م ‪ ،‬السنة ‪ -124‬العدد ‪41230‬‬
‫موقع الصفحة على شبكة النترنت هو ‪www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/25/INVE2.HTM :‬‬
‫أكيد فوزي غنيميي مديير مركيز التنبؤات ‪ ،‬أن خيبراء الرصياد الجويية يتوقعون انتهاء هذه الظاهرة الجويية خلل‬
‫الساعات ال ‪ 48‬المقبلة ‪ ،‬بسبب تحرك هذه الكتلة الهوائية جهة الشرق ‪ ،‬وتقدم الكتلة الهوائية المقبلة من جنوب‬
‫وشرق أوروبيا ‪ ،‬مميا يحرك الهواء ويجدده ويقلل نسيبة الرطوبية ‪ ،‬وبالتالي سييبدأ الدخان فيي الختفاء التدريجيي ‪،‬‬
‫وتنبيه المسيؤولون فيي المحافظات المجاورة للقاهرة ‪ ،‬لعطاء تعليمات بمنيع حرق مخلفات الزراعية إل بأسيلوب‬
‫علمي وفي الوقت المناسب ‪ ،‬وأن الهيئة على استعداد لمدادهم بالبيانات اللزمة والحوال الجوية المتوقعة ‪.‬‬

‫الزراعة تقول أحرقوه‪ ..‬والبيئة تقول ل‬


‫‪ 16‬من رجب ‪ 1420‬هي ‪ 25 ،‬أكتوبر ‪1999‬م ‪ ،‬السنة ‪ -124‬العدد ‪41230‬‬ ‫تحقيقات ‪ /‬الثنين ‪/‬‬
‫موقع الصفحة على شبكة النترنت هو ‪www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/25/INVE3.HTM :‬‬
‫كتيب عبيد الوهاب حاميد ‪ :‬تناقضات غريبية ومعادلت صيعبة يتعرّض لهيا الفلح المصيري ( نتيجية تخبيط خيبراء‬
‫البيئة ) ‪ .‬فبينميا تطالبيه وزارة الزراعية بضرورة حرق عيدان القطين بعيد جنييه ‪ ،‬كشرط لتمتيع الفلح بالحصيول‬
‫على الدعييم المقرر فييي عمليات المقاوميية ‪ ،‬الذي تحملّتييه الدولة بالكامييل لول مرة هذا العام ‪ ،‬نظرا لنخفاض‬
‫أسعار القطن عالميا وهي على حق ‪ ،‬وبناء على هذا الحق للمصلحة العامة ‪ ،‬تقوم مديريات الزراعة بالمحافظات‬
‫بتحريير محاضير مخالفات للفلحيين ‪ ،‬الذيين ل يقومون بحرق عيدان القطين ‪ .‬على الجانيب الخير ‪ ،‬نجيد تعليمات‬
‫وزارة البيئة تركيز على الحمايية مين التلوث ‪ ،‬وذلك بحظير حرق أيية مخلفات بأسياليب بدائيية ‪ ،‬ومنهيا طبعيا حرق‬
‫مخلفات زراعات القطن والرز ‪.‬‬

‫‪248‬‬
‫المزارعون ‪ :‬القش بريء‬
‫تحقيقات ‪ /‬الثنين ‪16 /‬من رجب ‪ 1420‬هي ‪ 25‬أكتوبر ‪1999‬م ‪ ،‬السنة ‪ -124‬العدد ‪41230‬‬
‫موقع الصفحة على شبكة النترنت هو ‪www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/25/INVE4.HTM :‬‬

‫صورة لحرق القش‬


‫كتبييت أهداف البنداري ‪ :‬فييي قرييية الناي بمحافظيية القليوبييية إحدى المحافظات التييي تزرع الرز ‪ ،‬قال عبييد ال‬
‫إبراهيم فلح أنه يتم حرق ‪ 5‬أطنان قش في كل فدان أرز ‪ ،‬وتستغرق كل كمية يتم حرقها ربع ساعة ‪ ،‬ول يصل‬
‫دخان هذا الحريق إلى مدينة قليوب التي تبعد خمسة كيلو مترات عن قرية الناي ‪ .‬ويضيف عادل عطا أن مواعيد‬
‫حرق القييش ‪ ،‬تختلف فييي القرييية الواحدة ميين مكان لخيير ‪ ،‬ومازالت أماكيين لم تبدأ الحرق بعييد ‪ .‬وتسيياءل فلح‬
‫آخير ‪ ،‬بأن رماد حرييق القيش يترسيب ثيم يتبخير ‪ ،‬فكييف يصيل إلى القاهرة التيي تبعيد عين قليوب ‪ 30‬كيلو مترا ؟!‬
‫( تساؤل وجيه ) ‪ ،‬وأضاف أن ميعاد حرق القش ‪ ،‬يبدأ من ‪ 15‬أكتوبر ويستمر‪ 20‬يوما ‪ ،‬وما يصل ارتفاع الدخان‬
‫إلى حوالي عشرة أمتار ‪ .‬وفيي مركيز شيبين القناطير ‪ ،‬أرجيع فلح سيبب الدخان الغاميق اللون الذي ظهير اليام‬
‫الماضية ‪ ،‬إلى طبقة مفتوحة في الوزون وقال انه شاهد شبورة مع دخان أزرق ( أي أنها أتت من السماء ) ‪ ،‬ل‬
‫يعرف سببها وإدارات المرور هي المفترض أن تشرح أسبابها !‬

‫سر اختناق القاهرة ( ‪) 2‬‬


‫تحقيقات ‪ /‬الثلثاء ‪ 17 /‬من رجب ‪ 1420‬هي ‪ 26 ،‬أكتوبر ‪1999‬م ‪ ،‬السنة ‪ -124‬العدد ‪41231‬‬
‫موقع الصفحة على شبكة النترنت هو ‪www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/26/INVE1.HTM :‬‬
‫تحقيق أهداف البنداري ‪ :‬كشف اختناق القاهرة الذي استمر لثلثة أيام متتالية ‪ ،‬عن وجود العديد من الملوثات في‬
‫سييماء العاصيمة ‪ .‬ففييي الوقيت الذي تقوم فيييه الدولة ‪ ،‬بالحفاظ على سييلمة المواطنيين والهتمام بتجميييل القاهرة‬
‫الكبرى ‪ ،‬تنتشر مقالب القمامة بين الشوارع والميادين وعلى أسطح المنازل ‪ ،‬حسب ما شاهدته وزيرة البيئة في‬
‫جولتهيا بالطائرة فوق القاهرة ‪ ،‬ويؤدي حرقهيا بل أيية ضوابيط إلى تلوث هوائي ‪ ،‬يُصييب العدييد مين المواطنيين‬
‫بالمراض ‪.‬‬
‫وعلى الرغيم مين أن مقالب القمامية الرسيمية قيد أوقفيت حرق القمامية ‪ ،‬منيذ أكثير مين عام بقرار صيادر مين وزيرة‬
‫البيئة ‪ ،‬إل أن مقالب القمامية الخاصية مازالت تعميل بل ضوابيط ‪ .‬والسيؤال الن ‪ ..‬متيى تختفيي مقالب القمامية مين‬
‫شوارع العاصيمة ؟! فيي البدايية تقول د‪ .‬ناديية مكرم عبييد وزيرة البيئة ‪ ،‬إنهيا رصيدت سيحابة الدخان وشعرت بهيا‬
‫‪249‬‬
‫مثيل كيل المواطنيين ‪ ،‬وأدركيت أن هناك شيئا غيير طيبيعي ‪ ،‬فيي الهواء منيذ عشرة أيام ‪ ،‬فبحثيت ميع كيل الجهات‬
‫المعنية لتعرف حقيقة هذا الدخان ‪.‬‬
‫ميين هنييا أرجعييت هذه السييحابة الدخانييية ‪ ،‬إلى تزاميين عدة عوامييل فييي آن واحييد ‪ .‬فالنبعاثات التييي تصييدر ميين‬
‫الشتعال الذاتي للقمامة ‪ ،‬التي يلقيها الهالي بطريقة عشوائية نتيجة سلوك غير سوي ‪ ،‬مع استقرار الهواء بدون‬
‫رياح ‪ ،‬أدى إلى تعلّق دخان القمامية المشتعلة والقيش المحترق ‪ ،‬والذي يقوم الفلحون بحرقيه منيذ سينوات ‪ ،‬لكننيا‬
‫شعرنيا بدخان هذا الحتراق نتيجية اتحاد العواميل السيابقة معيا ‪ .‬فالدخنية المعلّقية سيبب شعورنيا ‪ ،‬بأن هناك شيئا‬
‫يحرق في الهواء ‪.‬‬
‫وأضافت د‪ .‬نادية مكرم عبيد ‪ ،‬أنه سيتم إعداد برنامج تنفيذي للتعامل مع الحرق المكشوف ‪ .‬فقانون البيئة يعطي‬
‫للمواطن الحق في البلغ عن أية مخالفة بيئية في القسم ‪ ،‬وعلى ملوّث البيئة أن يدفع الثمن ‪.‬‬
‫وأوضحت أن قانون البيئة ينص على عقوبات لملوثي البيئة ‪ ،‬منها غرامة مالية ألف جنيه لحارق القمامة ‪ ،‬وهذا‬
‫المبلغ مين وجهية نظير وزيرة البيئة ‪ ،‬مناسيب لكين المشكلة فيي تنفييذ العقوبات ‪ ،‬وهيي مهمية منوط بهيا الوزارة‬
‫والمحافظات ‪ ،‬والهيم سيلوك المواطنيين والجمعيات الهليية وأجهزة العلم عليهيم دور كيبير لتحقييق السيتجابة‬
‫المطلوبة من الموطنين ‪ ،‬للحفاظ علي بيئتهم ‪.‬‬
‫ومين جانبيه أكيد د‪ .‬عبيد الرحييم شحاتيه محافيظ القاهرة ‪ ،‬أن سيحابة الدخان التيي غطيت القاهرة ‪ ،‬ليسيت بسيبب‬
‫القمامة ‪ ،‬فالمحافظة خصصت ‪ 18‬مليون جنيه سنويا لميزانية شركات القمامة ‪ ،‬وأن الدولة تقوم بدورها من حيث‬
‫توفيير جهاز بمسيئوليه ومعداتيه لنظافية القاهرة ‪ ،‬ولم تعيد لدى إدارات مقالب القاهرة الرسيمية أيية محارق ‪ ،‬إل أن‬
‫المحافظة وكل الجهزة المعنية لن تستطيع أن تقضي علي القمامة في الشوارع ‪ ،‬فذلك يتوقف بنسبة‪ 100%‬على‬
‫سيلوك المواطنيين ‪ ،‬واسيتشهد محافيظ القاهرة بسيلوك المواطنيين ‪ ،‬الذي يسياعد على اسيتمرار تلل القمامية فيي‬
‫الشوارع ‪ ،‬حيث إن ‪ 50%‬فقط من سكان القاهرة يتعاملون مع جامعي القمامة ‪ ،‬والباقي يرفض دفع ‪ 3‬جنيهات ‪،‬‬
‫مفضل إلقاء مخلفاته على الجزيرة الوسطية في الشارع ‪.‬‬

‫رئيس هيئة النظافة وتجميل القاهرة يُبرّئ مقالب القمامة ويتهم القش‬
‫تحقيقات ‪ /‬الثلثاء ‪ 17 /‬من رجب ‪ 1420‬هي ‪ 26 ،‬أكتوبر ‪1999‬م ‪ ،‬السنة ‪ -124‬العدد ‪41231‬‬
‫موقع الصفحة على شبكة النترنت هو ‪www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/26/INVE2.HTM :‬‬
‫كتيب عبيد العظييم الباسيل ‪ :‬أثارت سيحابة الدخان الخانيق التيي غطيت القاهرة أول أميس ‪ ،‬تسياؤلت عديدة حول‬
‫أسبابها ‪ ..‬البعض أرجعها لحرق مقالب القمامة المنتشرة حول القاهرة ‪ ،‬وعلّلها البعض الخر بحرق بقايا جذور‬
‫نبات الرز ‪ ،‬في الحقول المنتشرة حول القاهرة الكبرى ‪.‬‬
‫وأيًا كانييت أسييبابها الحقيقييية فقييد انزعييج العديييد ميين الهالي ‪ ،‬التييي أصييابها احمرار بالعييين وضيييق بالتنفييس‬
‫الصدري ‪ ،‬نتيجة لهذا الدخان الخانق الذي لف القاهرة ‪.‬‬
‫مين جانبيه يؤكيد اللواء مجدي البسييوني ‪ ،‬رئييس هيئة التجمييل والنظافية بالقاهرة ‪ :‬إن هذه السيحابة العالقية بسيماء‬
‫القاهرة ل ترجيع إلى حرق القمامية ‪ ،‬خاصية أن لدينيا ثلث مقالب كيبرى بالوفاء والميل والقطاميية ودار السيلم ‪،‬‬
‫ل منهييا ‪ 15‬فدانييا ‪ ،‬ولم يتييم حرق قماميية إحداهييا طوال اليام الثلثيية الماضييية ‪ ...‬فضل عيين أننييا قمنييا‬
‫مسيياحة ك ٍ‬
‫بالتفتييش على مقالب قمامية القطاع الخاص ‪ ،‬ووجدناهيا ل تعميل أيضيا ‪ ،‬وقبيل هذا وذاك فان رائحية حرق القمامية‬
‫مميزة ‪ ،‬وهي تختلف عن رائحة الدخان التي انبعث فوق القاهرة ‪.‬‬
‫ومن هنا فقد تأكدنا ‪ ،‬وفقا لشكاوي المواطنين القادمين من الطرق السريعة ‪ ،‬والذين أكدّوا انهم فقدوا الرؤية على‬
‫الطرق السيريعة ‪ ،‬نتيجية لنبعاث الدخنية مين الحقول المجاورة على جانيبي الطرييق ‪ ،‬على غرار ميا حدث فيي‬
‫العام الماضي ‪ ،‬خلل نفس التوقيت ‪ .‬وأضاف ‪ :‬من المعاينة تأكدنا من اشتعال ‪ 9‬مواقع في المساحة المحصورة‬
‫من مزارع الرز ‪ ،‬بين الطريق الدائري والطريق الزراعي عند مدينة قليوب ‪ ،‬بالضافة لمساحات أخرى كانت‬
‫ظاهرة من طريق بلبيس الصحراوي باتجاه الخانكة ‪.‬‬

‫‪250‬‬
‫عودة سحابة الدخان إلى سماء القاهرة‬
‫الصفحة الولى ‪ /‬الربعاء ‪ 18 /‬من رجب ‪ 1420‬هي ‪ 27 ،‬أكتوبر ‪1999‬م ‪ ،‬السنة ‪ -124‬العدد ‪41232‬‬
‫موقع الصفحة على شبكة النترنت هو ‪www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/27/FRON1.HTM :‬‬

‫صورة ليلية ‪ :‬سحابة الدخان حجبت مباني القاهرة مرة أخرى مساء أمس‬
‫تجدد انتشار الدخان فيي سيماء القاهرة الكيبرى مسياء أميس ‪ ،‬وتلقيت الهرام اتصيالت هاتفيية مين قاطنيي السياحل‬
‫وشبرا مصر ومصر الجديدة ‪ ،‬ومدينة السلم والعجوزة والمنيل والهرم ‪ ،‬بإحساسهم بتكاثر الدخان وأنهم أغلقوا‬
‫نوافيذ مسياكنهم ‪ .‬وصيرحت الدكتورة ناديية مكرم عبييد وزيرة شئون البيئة ‪ ،‬بأن كثافية سيحابة الدخان التيي عادت‬
‫إلى سماء القاهرة ‪ ،‬أقل مما كانت عليه مساء السبت الماضي حين بلغت ذروتها ‪ .‬وقالت لمندوبي الهرام ‪ ،‬أنها‬
‫في اجتماع دائم مع خبراء البيئة المصريين وبعض الخبراء من الدنمارك ‪ ،‬لرصد وتحليل الدخنة الموجودة في‬
‫سماء القاهرة الكبرى ‪ .‬وأكدّت وجود مرتفع جوي قادم من شمال الجمهورية ‪ ،‬وأنه أدى إلى عدم تشتت الملوثات‬
‫العالقيية فييي الجييو ‪ ،‬وزيادة شعور المواطنييين بهييا فييي بعييض مناطييق القاهرة الكييبرى ‪ .‬وحذر الدكتور طارق‬
‫صيفوت ‪ ،‬رئييس قسيم المراض الصيدرية بجامعية عين شميس ‪ ،‬من أن هذه السيحابة تزييد مخاطير التهاب الشعيب‬
‫الهوائيية للمواطنيين ‪ ،‬وحدوث النزلت الربويية وحسياسية جهاز التنفيس ‪ .‬ونفيى مديير أمين القليوبيية ميا تردّد عين‬
‫احتراق مخلفات أحد المصانع الكبرى بي ( بنها ) ‪.‬‬

‫عودة الدخان الخانق ! طوارئ في وزارة البيئة لفك لغز السحابة السوداء‬
‫تحقيقات ‪ /‬الربعاء ‪ 18 /‬من رجب ‪ 1420‬هي ‪ 27 ،‬أكتوبر ‪1999‬م ‪ ،‬السنة ‪ -124‬العدد ‪41232‬‬
‫موقع الصفحة على شبكة النترنت هو ‪www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/27/INVE1.HTM :‬‬

‫‪251‬‬
‫متابعة ‪ :‬عبد العظيم الباسل وناجي الجرجاوي وسالي وفائي وأشرف أمين‬

‫صورة ليلية‬
‫فيي حوالي السياعة السيابعة والنصيف مسياء أميس ‪ 26 ،‬أكتوبر ‪ ،‬تلقيت الهرام العدييد مين المكالمات التليفونيية ‪،‬‬
‫تؤكيد عودة سيحابة الدخان مرة أخرى ‪ ،‬فيي مناطيق السياحل وشيبرا ومصير الجديدة ‪ ،‬ومدينية السيلم والعجوزة‬
‫والمنييل والهرم ‪ .‬وقيد أغلق المواطنون النوافيذ لشعورهيم بالختناق ‪ .‬وصيرحت الدكتور ناديية مكرم عبييد وزيرة‬
‫شؤون البيئة ‪ ،‬بأن سيحابة الدخان الخانيق عادت إلى سيماء القاهرة بالميس ‪ ،‬ولكين ليسيت بكثافية السيحابة ‪،‬التيي‬
‫غطييت القاهرة منييذ ثلثيية أيام ‪ .‬وقالت ‪ :‬أنهييا فييي اجتماع دائم مييع خييبراء البيئة المصييريين وبعييض الخييبراء‬
‫الدانماركيين ‪ ،‬لرصد وتحليل الدخنة المنبثقة والمنتشرة في سماء القاهرة الكبرى ‪.‬‬
‫وأشارت إلى أن التحليل المبدئي للدخنة ‪ ،‬أكد وجود نسبة عالية من الجسيمات العالقة والتربة الرفيعة ‪ ،‬ساعد‬
‫على انتشارهيا سيكون الجيو وعدم تحريكهيا بواسيطة الرياح ‪ ،‬ومازالت أبحاثنيا مسيتمرة للوصيول إلى حقيقية هذه‬
‫الدخنيية خلل اليي ‪ 48‬سيياعة المقبلة ‪ .‬وعلّلت عودة الدخنيية إلى تضافيير مجموعيية ميين العوامييل أهمهييا المسييابك‬
‫والصناعات الملوثة للبيئة ‪ ،‬وحرق بقايا محصولي الرز والقطن في الحقول المجاورة للقاهرة ‪.‬‬
‫أكدّت السييدة ناديية مكرم عبييد ‪ ،‬أن اسيتمرار ظهور الدخان المنتشير فيي سيماء القاهرة الكيبرى ‪ ،‬هيو نتيجية وجود‬
‫مرتفييع جوي قادم ميين شمال الجمهورييية ‪ ،‬أدى إلى عدم تشتييت الملوثات العالقيية فييي الجييو ‪ ،‬والتييي شعيير بهييا‬
‫المواطنون فييي بعييض مناطييق القاهرة الكييبرى ‪ .‬وقالت الوزيرة إن الوزارة تقوم حاليييا بالتعاون مييع الجهزة‬
‫المعنيية ‪ ،‬بمتابعية الموقيف للتخفيف من تركيز تلك الملوثات ‪ ،‬حيث أشارت مصيادر الرصاد الجوية ‪ ،‬إلى توقع‬
‫استمرار هذه الظاهرة لمدة ‪ 3‬أيام على القل ‪.‬‬
‫ومن جانبه ‪ ،‬قال الدكتور محمود نصر ال مدير معمل تلوث الهواء بالمركز القومي للبحوث ‪ :‬إن حرائق القمامة‬
‫والملوثات الناتجة من العربات والصناعات الصغيرة ‪ ،‬ليست السبب الوحد في هذه الحالة المناخية ‪ ،‬فهناك نوع‬
‫من الركود للحركة الرئيسية والفقية للهواء ‪ ،‬هذا بالضافة إلى انخفاض سرعة الرياح وتغير العوامل الجوية ‪،‬‬
‫مميا يؤدي إلى حالة مين الحتباس الحراري ‪ ،‬لذلك يجيب أن تشكيل غرفية عمليات ‪ ،‬فيي مثيل هذه الحالت ليقاف‬
‫الملوثات المنبعثة ‪ ( .‬تبريرات وتكهنات جديدة )‬
‫وشرح الدكتور محمود نصيير ال مدييير معمييل تلوث الهواء ‪ ،‬أنييه ميين المتوقييع أن تكون الدخنيية ( وليييس ميين‬
‫المؤكييد ) ‪ ،‬ناتجيية عيين احتراق وقود البترول أو القماميية ! هذه الدخنيية عبارة عيين جسيييمات عالقيية ميين الدخان‬
‫السود ‪ ،‬ثاني أكسد الكربون ‪ ،‬وثاني أكسيد الكبريت ‪ ،‬أول أكسيد الكربون ‪ ،‬وأكاسيد النيتروجين ‪ ،‬لذلك يجب أن‬
‫يكون هناك حل سريع وفوري ‪ ،‬وتشكيل غرفة عمليات لرصد مصادر التلوث ‪ ،‬وكل منطقة سكنية بها محرقة أو‬
‫‪252‬‬
‫مقلب زبالة ‪ ،‬يجب أن تبلغ الجهات المسؤولة مثل وزارة البيئة وجهاز شؤون البيئة حتى تخمد هذه الحرائق فورا‬
‫‪.‬‬
‫ويضيف الدكتور محمود نصر ال ‪ :‬إننا الن أمام احتمالين ‪ ،‬إما أن تنشط حركة الهواء مرة أخرى ويعود المناخ‬
‫لوضعيه الطيبيعي ‪ ،‬أو يسيتمر الوضيع على ميا هيو علييه ‪ ،‬مميا يؤدي إلى تركيز الهواء وبالتالي تراكيم الملوثات ‪،‬‬
‫والتي سيُضارّ منها مرضى الصدر والدورة الدموية والقلب ‪ .‬ويضيف الدكتور محمود نصر ال ‪ ،‬أنه للسف ل‬
‫توجيد خريطية توضيح مراكيز التلوث بالقاهرة ‪ ،‬مثيل المحارق وبعيض الورش والمصيانع ‪ ،‬والتيي مين الممكين‬
‫التحكم بها في مثل هذه الحالت بإيقاف مصادر التلوث ‪ ،‬بشكل تدريجي ومؤقت لحين عودة الرياح لنشاطها ‪.‬‬
‫ويضييف الدكتور محمود نصير ال ‪ :‬أن حادثيا مشابهيا وقيع فيي لندن عام ‪ ( 56‬المسيؤول السيابق قال أنيه وقيع عام‬
‫‪ ، ) 49‬حييث ازدادت كثافية السيحب المعبأة بالملوثات ‪ ،‬مميا أدى إلى إصيابة العدييد باللتهابات الشعبيية ‪ ،‬وتطور‬
‫الميير إلى مرحلة الختناق والوفاة ‪ .‬لذلك يطالب الدكتور محمود نصيير ال ‪ ،‬بأن تتابييع محطات الرصييد التابعيية‬
‫لجهاز شؤون البيئة ‪ ،‬تغيرات مكونات الهواء فييي كييل منطقيية ‪ ،‬وتحدد مصييادر التلوث سييواء كانييت محارق أو‬
‫مصانع ‪ .‬ووقفها بشكل مؤقت لحين تحسن الحالة الجوية وعودة الرياح لسرعتها الطبيعية ‪.‬‬
‫وميين جانبييه أكييد مجدي البسيييوني رئيييس هيئة النظافيية وتجميييل القاهرة ‪ :‬أنييه قام بجولة ميدانييية ‪ ،‬للوقوف على‬
‫مصادر انبعاث الدخنة من جديد ‪ ،‬فوجد أن المقالب الرسمية لم يحدث بها أي اشتعال للقمامة ‪ ،‬بينما لحظ وجود‬
‫الدخنة بكثافة في المناطق المتاخمة للراضي الزراعية على امتداد المشروع البلبيسي ‪ .‬وأجمعت المصادر على‬
‫أن الحرائق ل تزال مشتعلة فيي الحقول بمنطقية الخانكية والطرييق الدائري ‪ .‬وطالب البسييوني ‪ :‬بضرورة تحرك‬
‫الرصاد والبيئة ‪ ،‬للكشف عن سر هذه الظاهرة ‪ ،‬التي تفاجئ القاهرة بين الحين والخر ‪.‬‬
‫ومين جانبيه أكيد المسيتشار صيبري البيلي محافيظ القليوبيية أنيه بالميس فقيط ‪ ،‬تيم تحريير ‪ 35‬محضرا بيي ( قهيا‬
‫وطوخ ) لحرق قش الرز المخالف ‪ ،‬والحملت مازالت مستمرة من الزراعة ومجالس المدن لمتابعة المخالفين ‪.‬‬
‫مؤكدا أن سييبب الدخان يرجييع للرز المحترق ميين بعييض المزارعييين ‪ ،‬بمنطقيية اللج والخانكيية بجوار الطريييق‬
‫الدائري ‪ .‬ونفى المستشار البيلي عدم حرق أي كاوتش كما تردّد عن أحد المصانع الكبرى ‪.‬‬
‫ومين جانبيه صيرح د‪ .‬محميد عطيية الفيوميي رئييس مجلس محلي محافظية القليوبيية ‪ :‬بأنيه ل توجيد حرائق فيي‬
‫المنشآت الموجودة على أرض المحافظيية حتييى السيياعة التاسييعة مسيياء الثلثاء ‪ 26‬أكتوبر ‪ ،‬ولم تتلق النجدة أو‬
‫المطافيئ أيية بلغات فيي هذا الخصيوص ‪ ،‬إل أنيه قيد توجيد بعيض حرائق يشعلهيا بعيض المزارعيين للمحاصييل‬
‫المنتهية ‪ ،‬لكنها ل تخرج عن كونها حرائق محدودة الثر وغير ذات تأثير ‪ .‬وعلى الجانب الخر لم يشعر سكان‬
‫القليوبييية بالدخان الذي شعيير بييه سييكان القاهرة ‪ ،‬ولم تتغييير طبيعيية المناخ ول رائحيية الجييو عيين المور المعتادة‬
‫( بالرغم من أن الحرق يتم في القليوبية ‪ ،‬وهي تبعد عن القاهرة ‪ 25‬كم ) ‪ .‬ونفى مدير أمن القليوبية ما تردّد عن‬
‫احتراق مخلفات أحد المصانع الكبرى بي ( بنها ) مسببة الدخان الذي غطّى سماء القاهرة ‪.‬‬

‫مرضى الصدر ضحايا التلوث !‬


‫تحقيقات ‪ /‬الربعاء ‪ 18 /‬من رجب ‪ 1420‬هي ‪ 27 ،‬أكتوبر ‪1999‬م ‪ ،‬السنة ‪ -124‬العدد ‪41232‬‬
‫موقع الصفحة على شبكة النترنت هو ‪www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/27/INVE2.HTM :‬‬
‫تحقيق ‪ :‬عبد المحسن سلمة ونادية يوسف‬
‫أدى الدخان الكثيييف الذي تعرضييت له القاهرة مؤخرا ‪ ،‬إلى ازدياد معاناة مرضييى الحسيياسية الصييدرية ‪ ،‬وزيادة‬
‫أعداد المتردديين على أقسيام الصيدر بالمسيتشفيات ‪ ،‬بعيد أن شعير المرضيى بالختناق وضييق التنفيس ‪ ،‬الناتيج عين‬
‫تهييج الغشيية المخاطيية للعيين والنيف ‪ .‬ويقول د‪ .‬محميد عوض تاج الديين ‪ ،‬أسيتاذ المراض الصيدرية ‪ ،‬ونائب‬
‫رئيس جامعة عين شمس ‪ … :‬وبالنسبة لدخان السحابة الخيرة فقد اتسم بالكثافة ‪ ،‬ووجود رائحة نفاذه مصاحبة‬
‫له مميا أحدث تهيجيا فيي الغشيية المخاطيية للعيين والنيف لمين تعرضوا له ‪ ،‬وأدى ذلك إلى إصيابتهم بضييق فيي‬
‫التنفييس نتيجيية تهيييج هذه الغشييية ‪ ،‬فارتفييع عدد الحالت المصييابة وزاد عدد المتردّدييين على أقسييام الصييدر‬
‫بالمستشفيات العامة والخاصة ‪.‬‬
‫‪253‬‬
‫ويقول الدكتور هشام قاسيم أخصيائي الصيدر بمسيتشفى الصيدر بالعباسيية ‪ :‬أنيه لم ترد أي حالت اختناق أو إعياء‬
‫للمستشفى بسبب التلوث ‪ ،‬ويوصي الدكتور هشام مرضى الحساسية ‪ :‬بإغلق النوافذ والبتعاد عن الملوثات بقدر‬
‫المكان ‪ ،‬كما يجب وضع منديل مبلل ‪ ،‬على النف والفم والتنفس من خلله ‪ .‬كما من الممكن ‪ ،‬أن يصاب الناس‬
‫فيي حالة كثافية الدخنية ‪ ،‬باحتقان الحلق والتهاب شدييد فيي الشعيب الهوائيية والعينيين ‪ ( .‬يغشيى الناس هذا عذاب‬
‫أليم )‬

‫تقرير لرئيس مجلس الوزراء حول ظاهرة الدخان‬


‫الصفحة الولى ‪ /‬الخميس ‪ 19 /‬من رجب ‪ 1420‬هي ‪ 28 ،‬أكتوبر ‪1999‬م ‪ ،‬السنة ‪ -124‬العدد ‪41233‬‬
‫موقع الصفحة على شبكة النترنت هو ‪www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/28/FRON.HTM :‬‬
‫مرتفع جوي فوق القاهرة تسبب في تكوين طبقة عازلة ‪ ،‬منعت انسياب الدخان والملوثات إلى طبقات الجو العليا‬
‫‪.‬‬
‫تلقيى الدكتور عاطيف عبييد رئييس مجلس الوزراء ‪ ،‬تقريرا شامل مسياء أميس ‪ ،‬مين الدكتورة ناديية مكرم عبييد‬
‫وزيرة الدولة لشؤون البيئة ‪ ،‬حول ظاهرة الدخان الكثيييف الذي غطييى سييماء القاهرة ‪ ،‬منييذ يوم السييبت الماضييي‬
‫وعاد إلى الظهور يوميي أميس وأميس الول ‪ .‬وقال عبييد ‪ :‬أنيه سييتم بحيث هذا التقريير بشكيل تفصييلي لمعرفية‬
‫أسباب تلك الظاهرة ‪ ،‬وكانت الهرام قد تلقت طوال ليلة أمس ‪ ،‬سيل من الشكاوي حولها من عشرات المواطنين‬
‫‪ ،‬الذين يشكون من الختناق وعودة الدخان إلى الظهور بشكل كثيف في أنحاء متفرقة من القاهرة ‪.‬‬
‫كمييا أكدت وزيرة البيئة ‪ :‬أن السييبب وراء زيادة نسييبة الدخان فييي الجييو ‪ ،‬هييو ظهور المرتفييع الجوي الذي سيياد‬
‫منطقية شمال الجمهوريية ‪ ،‬وأدى إلى تحرك كتلة مين الهواء المشبيع ببخار الماء باتجاه الدلتيا والقاهرة ‪ ،‬وقالت ‪:‬‬
‫إن هذه الكتلة كونييت طبقيية عازلة فوق الهواء ‪ ،‬تمنييع انسييياب الملوثات إلى طبقات الجييو العليييا ‪ .‬وأضافييت فييي‬
‫مؤتمير صيحفي عقدتيه بعيد ظهير أميس ‪ :‬أن ذلك تزامين ميع انخفاض سيرعة الرياح وحرق المخلفات الزراعيية‬
‫داخيل الحقول ‪ ،‬فيي محافظات الدلتيا القريبية وهيي القليوبيية والشرقيية ‪ ،‬بالضافية إلى مصيادر التلوث الموجودة‬
‫على مدار العام ‪ ،‬ممييا أدى إلى تكوّن سييحابة ميين الدخان غطّت أجواء القاهرة الكييبرى ‪ ،‬وشعيير بهييا المواطنون‬
‫نتيجة لتركيز تلك الملوثات وعدم تشتتها أو انسيابها إلى طبقات الجو العليا ‪.‬‬
‫وكان بيان لهيئة الرصاد قد أعلن ‪ :‬أن العاصمة تأثرت أمس بمرتفع جوي أدى إلى تباطؤ سرعة الرياح ‪ .‬كذلك‬
‫أكدت الوزيرة ‪ :‬ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة حتيى يمكين التخفييف مين حدة تلك الظاهرة ‪ ،‬بميا فيي ذلك التنيبيه‬
‫على المصيانع الكيبرى حول القاهرة الكيبرى ‪ ،‬للعميل على التقلييل مين حدة النبعاثات الملوثية خلل اليام القليلة‬
‫المقبلة ‪ ،‬وقيام الجهزة المعنية باليقاف الفوري للنشطة العشوائية الملوثة ‪ ،‬مثل الجيارات والفواخير والمسابك‬
‫ومصانع الطوب والحرق المكشوف أيا كان مصدره ‪ ،‬وقيام أجهزة الشرطة بمنع سير السيارات ‪ ،‬التي ينتج عنها‬
‫عادم كثيف تطبيقا لحكام قانون المرور ‪.‬‬

‫والي يطلب سرعة وقف حرق مخلفات الزراعة‬


‫الصفحة الولى‪ /‬الجمعة ‪ 20 /‬من رجب ‪ 1420‬هي ‪ 29 ،‬أكتوبر ‪1999‬م ‪ ،‬السنة ‪ – 124‬العدد ‪41234‬‬
‫موقع الصفحة على شبكة النترنت هو ‪www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/29/FRON10.HTM :‬‬
‫الرصاد ‪ :‬المرتفع الجوي مستمر اليوم‬
‫أصييدر الدكتور يوسييف والي نائب رئيييس مجلس الوزراء ‪ ،‬ووزييير الزراعيية واسييتصلح الراضييي تعليمات‬
‫بسييرعة وقييف حرق قييش الرز وحطييب القطيين ‪ ،‬للحييد ميين ظاهرة تراكييم الدخنيية فييي سييماء القاهرة الكييبرى ‪.‬‬
‫وصييرحت الدكتورة نادييية مكرم عبيييد وزيرة الدولة لشؤون البيئة ‪ ،‬بأن معدلت تلوث الهواء وصييلت أخيرا إلى‬
‫‪ 300‬ميكروجرام في المتر المكعب ‪ ،‬بما يتجاوز أربعة أضعاف نسب التلوث المنية ( إحدى الحقائق المرعبة ) ‪.‬‬
‫ومين ناحيية أخرى قال خيبراء الرصياد الجويية ‪ ،‬أن القاهرة الكيبرى سيتتأثر اليوم بامتداد مرتفيع جوي قرييب مين‬
‫سيطح الرض ‪ ،‬يؤدي إلى اسيتمرار السيتقرار فيي الحوال الجويية وهدوء فيي سيرعة الرياح ليل ‪ ،‬مميا يسياعد‬
‫‪254‬‬
‫على ظهور الدخنية فيي سيماء القاهرة الكيبرى ‪ ،‬فيي حالة اسيتمرار عملية حرق مخلفات المحاصييل الزراعيية فيي‬
‫الرض المحيطة بإقليم القاهرة الكبرى ‪.‬‬

‫وزيرة البيئة ‪ :‬استمرار متابعة ظاهرة الدخان للحد من أثارها‬


‫الصفحة الولى ‪ /‬الجمعة ‪ 20 /‬من رجب ‪ 1420‬هي ‪ 29 ،‬أكتوبر ‪1999‬م ‪ ،‬السنة ‪ -124‬العدد ‪41234‬‬
‫موقع الصفحة على شبكة النترنت هو ‪www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/29/FRON11.HTM :‬‬
‫كتبت سالي وفائي ‪ :‬صرحت السيدة نادية مكرم عبيد ‪ ،‬وزيرة الدولة لشؤون البيئة ‪ ،‬بأن غرفة العمليات المشكلة‬
‫فيي الوزارة ‪ ،‬فيي حالة عميل مسيتمر لمواجهية ظاهرة الدخان ‪ ،‬والحيد مين آثارهيا ‪ .‬وقالت أنهيا تلقّت تقريرا ‪ ،‬مين‬
‫الدكتور حسين رمزي كاظم محافظ الشرقية ‪ ،‬أكدّ خلله ‪ ،‬أنه تم إيقاف عمليات ‪ ،‬حرق قش الرز وأعواد القطن‬
‫‪ ،‬وإخماد النيران عن طريق رشها بالماء ‪.‬‬
‫وقالت السييدة ناديية مكرم عبييد أن القياسيات المسيجلة لنسيب تلوث الهواء ‪ ،‬والصيادرة عين ثمانيي محطات منتشرة‬
‫في نطاق القاهرة الكبرى ‪ ،‬وصلت أخيرا إلى ‪ 300‬ميكروجرام في المتر المكعب من الجسيمات العالقة ‪ ،‬في حين‬
‫أن الحدود التيي نيص عليهيا قانون البيئة هي‪ 70‬ميكروجرام ‪ ،‬حييث تسيبب المنخفيض الجوي فيي عدم انسيياب تلك‬
‫الجسييمات ‪ ،‬والتيي تنتيج عين النشطية الصيناعية الكيبرى وكذلك الصيناعات التقليديية ‪ ،‬مثيل المسيابك والفواخيير‬
‫وقمائن الطوب ‪ ،‬بالضافيية إلى عوادم السيييارات والرمال القادميية ميين الصييحراء وكذلك النشطيية الموسييمية‬
‫للزراعات ‪.‬‬

‫مشكلة الدخان وتطوير مطار القاهرة‬


‫الصفحة الولى ‪ /‬السبت ‪ 21 /‬من رجب ‪ 1420‬هي ‪ 30 ،‬أكتوبر ‪1999‬م ‪ ،‬السنة ‪ -124‬العدد ‪41235‬‬

‫موقع الصفحة على شبكة النترنت هو ‪www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/29/FRON10.HTM :‬‬


‫يعقيد الدكتور عاطيف عبييد رئيس مجلس الوزراء ‪ ،‬اجتماعين متتاليين اليوم وغدا لبحث عدد من المشكلت التيي‬
‫تهيم الجماهيير ‪ .‬يخصيص اجتماع اليوم للمجموعية الوزاريية لبحيث مشكلة الدخان الذي غطيى سيماء القاهرة فيي‬
‫السبوع الماضي ‪ ،‬والتعرف على أسبابها واتخاذ الجراءات الحازمة التي تقلل من حدوث مثل هذه الظاهرة مرة‬
‫أخرى ‪ ،‬ويخصييص الجتماع الثانييي لدراسيية ارتفاعات المبانييي حول مطار القاهرة الدولي ‪ ،‬واتخاذ الجراءات‬
‫الخاصة لتطوير المطارات … انتهى القتباس من جريدة الهرام ‪.‬‬
‫صحيفة الشعب‬
‫* فيما يلي سنعرض تعليقا ‪ ،‬للكاتب عادل حسين من صحيفة ( الشعب ) المصرية ‪ ،‬في عددها الذي صدر يوم‬
‫الجمعة ‪1999 / 11 / 5‬م ‪ .‬عنوان المقال على شبكة النترنت ‪، ) www. elshaab.com/05-11-1999/2.htm ( :‬‬
‫تصدير المقال ‪:‬‬
‫•السحابة وسقوط الطائرة وتهديد السودان ‪ :‬حلقات متكاملة لرهابنا ‪.‬‬

‫الجزء الخاص بالدخان من نص المقال ‪:‬‬


‫لحييظ المواطنون أن المصييائب توالت علينييا ‪ ،‬منييذ إعلن النقلب الوزاري الخييير ‪ ،‬بدءا ميين اختطاف طائرة‬
‫بسيكين وانهيار بعيض المدارس ‪ ،‬ثيم انتها ًء بالسيحابة السيوداء الغامضية والسيقوط المروع للطائرة المصيرية فيي‬
‫المياه المريكيية ‪ ،‬وهذه الملحظية عين تتابيع المصيائب صيحيحة بالقطيع ‪ ،‬وقيد اسيتنتج الناس أن الوزارة ( وشّهيا‬
‫نحس ) ‪.‬‬
‫إل أننا ل نتفق طبعا مع هذا التفسير ‪ ،‬ومن واجبنا أن ننتبه إلى أن ما جرى ‪ ،‬أخطر كثيرا من كونه مجرد أحداث‬
‫متفرقة تتابعت بسبب النحس ‪.‬‬
‫‪255‬‬
‫ونحن في تحليلنا نُفرّق بين نمطين من الحداث ‪ ،‬الول له أسبابه المحلية الظاهرة ‪ ،‬ومثل ذلك اختطاف الطائرة‬
‫بالسيكين وسيقوط المدارس ‪ ،‬وميا سيبقه مين تصيادم القطارات وتهاوي ركابهيا فوق القضبان ‪ ،‬فمثيل هذه الحداث‬
‫كوارث داخليية فيي أسيبابها ومغازيهيا ‪ ،‬فهيي تكشيف عين مدى النحطاط ‪ ،‬الذي بلغيه جهازنيا الداري ‪ ،‬الذي ل‬
‫يعرف كيف يُنظم العمل ول كيف تتم الصيانة والمتابعة ‪ ،‬والذي أصبح ل يعرف العقاب الفوري للمهمل والفاسد‬
‫‪ .‬ويتفرّع عن هذا كل ما يُعانيه المواطن ‪ ،‬من ظلم وإذلل لدى تعامله مع أية مصلحة حكومية ‪.‬‬
‫إل أنني أُركّز هنا على النمط الثاني من المصائب التي اجتاحتنا ‪ ،‬والذي يتمثّل في السحابة السوداء وفي سقوط‬
‫الطائرة في المياه المريكية ‪ ،‬وسأضيف أيضا التهديد باستقلل جنوب السودان ‪.‬‬

‫لغز السحابة السوداء ‪:‬‬


‫بالنسيبة للسيحابة السيوداء ‪ ،‬مؤكيد أن هناك إجماعيا على رفيض التفسيير الرسيمي المعلن ‪ ،‬بحكايية مقالب الزبالة‬
‫وحرق قييش الرز ومييا شابييه … طبعييا لو صيحّ التفسييير لكان سييببا إضافيييا لعزل ( يوسييف والي ) !! ولكننييا ل‬
‫نصيدّق مثيل غيرنيا هذا التفسيير المتهافيت والمهيين للعقول ‪ ،‬ونحين ل نتسيقّط أسيبابا لعزل ( والي ) فوالي ميش‬
‫ناقص ‪ ،‬والتهامات الخرى الثابتة في حقه تكفي وزيادة للطاحة به ومحاكمته ‪.‬‬
‫ولكن مع الرفض الجماعي لعلن الحكومة عن حكاية قش الرز ‪ ،‬حاول الناس أن يتوصلوا بمعرفتهم للسباب‬
‫الكثيير احتمال ومنطقييية ‪ ،‬لحكاييية السييحابة السييوداء ‪ ،‬وفييي سييعيهم هذا حاولوا أن يرصييدوا أي تغيّير جديييد ‪،‬‬
‫يربطونيه بنشوء هذه الظاهرة المفاجئة وغيير المألوفية ‪ ،‬فلم يجدوا أمامهيم إل مناورات النجيم السياطع وانتشير بيين‬
‫الناس أنها السبب ‪ ،‬وهذا التفسير للظاهرة العجيبة والمؤذية ‪ ،‬يُعبّر في تقديري عن اتجاه سليم في التحليل ‪ ،‬فهو‬
‫من ناحية يعكس وعيا شعبيا عميقا ‪ ،‬في التعامل مع الحلف الصهيوني المريكي ‪ ،‬على أمننا ووجودنا … ومن‬
‫جهية أخرى ‪ ،‬فقيد خمّن الناس أن لجوء الحكومية إلى كذبية مفضوحية وسيخيفة ‪ ،‬يُخفيي حرجهيا مين إعلن السيبب‬
‫الحقيقي لمأساة السحابة السوداء ‪ ،‬فتأكد عندهم أن مناورات النجم الساطع قد تكون السبب ‪ ،‬المُثير للحرج ‪.‬‬
‫وقيد ذكرت أن ميا وصيل إلييه جمهور الناس وخاصيتهم ‪ ،‬يُعتيبر تحليل فيي التجاه الصيحيح ‪ ،‬ولكين قيد ل تكون‬
‫مناورات النجيم السياطع ‪ ،‬بالذات ‪ ،‬مسيؤولة وبشكيل مباشير عين هذه الظاهرة ‪ ،‬إذن كييف حدثيت ؟ ل أسيتبعد أن‬
‫تكون الحكومية عاجزة مثلنيا ‪ ،‬عين المسياك وبالدلييل بالسيبب الحقيقيي لمصييبة السيحابة السيوداء ‪ ،‬ول غرابية فيي‬
‫قولي هذا ‪ ،‬فميين الثابييت الن ‪ ،‬أن ترسييانة العداء فييي مجال الحرب البيولوجييية والكيمائييية ‪ ،‬فيهييا الكثييير ميين‬
‫الطلسيم والسيرار التيي يصيعب فهيم كنههيا ‪ ،‬وفيهيا تنوييع هائل ‪ ،‬فبعضهيا يُمكين أن يقتيل والبعيض الخير يُمكنيه‬
‫اليذاء دون القتيل ‪ ،‬وحسيب الدرجية المطلوبية … وفيي كيل الحوال ‪ ،‬فإن الميزة العظميى لهذه السيلحة السيرية ‪،‬‬
‫أنها تُحدث فعلها المدمر دون أن تتمكن الضحية ‪ ،‬من معرفة السبب أو من التثبت من نوع الوسائل ‪ ،‬التي حملت‬
‫إليها أسلحة القتل واليذاء ‪.‬‬
‫( ويسيهب الكاتيب قليل فيي الحدييث عين السيلحة السيرية ‪ ،‬ويضرب قصية المحاولة السيرائيلية الفاشلة لغتيال‬
‫خالد مشغيل ‪ ،‬واسيتخدام اليورانيوم المسيتنفذ فيي العراق ويوغسيلفيا ‪ ،‬ومنتجات الهندسية الوراثيية فيي الغذيية ‪،‬‬
‫ومن ثم يختم كل ذلك بقوله ) ‪:‬‬
‫في إطار ما سبق ‪ ،‬لم ل تكون سحابتنا الغامضة ضمن وسائل الحرب السرية ؟! ول يعني هذا ‪ ،‬أن ما جرى كان‬
‫بالضرورة فيي إطار أسيلحة البادة الشاملة ‪ ،‬فقيد ذكرت أن أسيلحتهم أصيبح فيهيا درجات متصياعدة مين اليذاء ‪،‬‬
‫الذي قد ل يصل في كل الحالت إلى القتل ‪.‬‬
‫إنّي البتلء الذي مثّلتيه السيحابة السيوداء الغامضية ‪ ،‬قيد يكون مجرّد إشارة تحذيير ( لقيد أصياب الكاتيب هنيا كبيد‬
‫الحقيقة ‪ ،‬وهي كذلك ) وشدّ للذن ‪ ،‬فالدولة قد تتوصل إلى نفس الستنتاج الذي وصلناه ‪ ،‬وهذا في ظنهم يكفي –‬
‫مع ضغوط أخرى ‪ -‬لكي تخضع الدولة ‪ ،‬وتُنفّذ ما يُطلب منها خوفا من تكرار الظاهرة وتصاعدها ‪ ،‬إن الدولة قد‬
‫ل تتمكين مين تقدييم أدلة قاطعية تثبيت وقوع الجريمية ‪ ،‬وإن كانيت ترجيح قيامهيا ‪ ،‬ولكين هذا الغموض هيو ميا يُميّز‬
‫الشكال الجديدة للحروب الكيماوية والبيولوجية ‪ ،‬والتي يُمكن أن تحقق ما يستهدفه القصف النووي بالصواريخ ‪،‬‬
‫ولكن دون ضجيج ودليل … انتهى القتباس ‪.‬‬

‫‪256‬‬
‫* صحيفة الشعب والتي أُخذ منها هذا المقال ‪ ،‬موقوفة عن العمل من قبل الحكومة المصرية ‪.‬‬
‫قراءة سريعة في مقالت الهرام والشعب‬
‫صحيفة الهرام‬

‫وصف المسؤولين الصحفيين والطباء والمواطنين للظاهرة ‪:‬‬


‫الدخنة والغازات والروائح النفاذة … ظاهرة غريبة بحاجة إلى تفسير … سحابة دخان كثيفة … الدخان الكثيف‬
‫… السيحابة العالقية بسيماء القاهرة … دخان ينبعيث مين آبار بترول تحترق ولييس دخانيا عادييا … بأن هناك شيئا‬
‫يحرق فيي الهواء … هذا الدخان الخانيق … وبالنسيبة لدخان السيحابة الخيرة فقيد اتسيم بالكثافية ووجود رائحية‬
‫نفّاذه مصاحبة له … أن هناك شيئا غير طبيعي ‪ ،‬في الهواء منذ عشرة أيام … لغز السحابة السوداء ‪.‬‬

‫مدى انتشار الدخان ‪:‬‬


‫تعرضيت سيماء الدلتيا والقاهرة حتيى الجيزة لتلوث هوائي شدييد … غطّت أجواء القاهرة خاصية منطقتيي مدينية‬
‫نصير ومصير الجديدة ومناطيق وسيط البلد ومصير القديمية … الدخان الكثييف الذي يمتيد مين حلوان إلى المعادي‬
‫والمنييل والمهندسيين … نتيجية لهذا الدخان الخانيق ‪ ،‬الذي لف القاهرة ‪ ...‬فوق سيماء القاهرة وعدد مين محافظات‬
‫الدلتيا … التيي خيّميت على مدى اليام الماضيية فوق محافظية الشرقيية … تجدد انتشار الدخان فيي سيماء القاهرة‬
‫الكبرى من الساحل وشبرا مصر ومصر الجديدة ‪ ،‬ومدينة السلم والعجوزة والمنيل والهرم ‪.‬‬

‫الضرر النفسي والجسدي الذي أحدثه ‪:‬‬


‫اختناق القاهرة الذي اسيتمر لثلثية أيام متتاليية … وأياً كانيت أسيبابها الحقيقيية فقيد انزعيج العدييد مين الهالي …‬
‫تسبب في حالة من القلق بين سكان القاهرة … أثار ذعر السكان … المبالغة في قلق ووصف الحدث ‪ ،‬بالكارثة‬
‫…‬
‫العراض المبدئية للتعرض لها ‪ ،‬تشمل التهاب العيون والنف والذن والصدر والحلق وصعوبة في التنفس …‬
‫وس يبّب بعييض حالت الختناق … أزمات تنفسييية نتيجيية لزمتيية الهواء وغياب الوكسييجين الكافييي ‪ ،‬وأصييابت‬
‫الطفال وكبار السن بالختناق … عدم القدرة على التنفس رغم إغلق نوافذ الشقق … ل نستطيع التنفس ونكاد‬
‫نصياب بحالة اختناق شديدة … أصييب بحالة اختناق شديدة وحرقان بعينييه ‪ ،‬لم يسيتطع معهيا البصيار بصيورة‬
‫جيدة ‪ ...‬وغطّت الطرق الرئيسييية ممييا أدى إلى إعاقيية الرؤييية ‪ ،‬أمام سييائقي السيييارات وعرضتهييم إلى ارتكاب‬
‫حوادث التصادم ‪ ...‬وقد أغلق المواطنون النوافذ لشعورهم بالختناق ‪.‬‬
‫تهييج فيي الغشيية المخاطيية للعيين والنيف لمين تعرضوا له ‪ ،‬وأدى ذلك إلى إصيابتهم بضييق فيي التنفيس نتيجية‬
‫تهييج هذه الغشيية ‪ ،‬فارتفيع عدد الحالت المصيابة وزاد عدد المتردّديين على أقسيام الصيدر بالمسيتشفيات العامية‬
‫والخاصة ‪.‬‬

‫السباب المحتملة ‪:‬‬


‫ثلثية احتمالت ‪ :‬حرق المخلفات الزراعيية ‪ ،‬حرق القمامية ‪ ،‬عوادم السييارات … أثارت سيحابة الدخان الخانيق‬
‫التيي غطيت القاهرة أول أميس ‪ ،‬تسياؤلت عديدة حول أسيبابها ‪ ..‬البعيض أرجعهيا لحرق مقالب القمامية المنتشرة‬
‫حول القاهرة ‪ ،‬وعلّلها البعض الخر بحرق بقايا جذور نبات الرز ‪.‬‬

‫‪257‬‬
‫مقالب الزبالة بريئة من التهمة ‪:‬‬
‫مين جانبيه يؤكيد اللواء مجدي البسييوني رئييس هيئة التجمييل والنظافية بالقاهرة ‪ :‬إن هذه السيحابة العالقية بسيماء‬
‫القاهرة ل ترجع إلى حرق القمامة ‪ ،‬ليُبرّئ مقالب القمامة ويتهم القش ‪.‬‬

‫مزارع القطن والرز بريئة من التهمة ‪:‬‬


‫يي أميا المزارعون فقيد برّءوا القيش بحجيج منطقيية ‪ ،‬بالضافية إلى أن دخان حرق القيش والخشاب ذو لون أبييض‬
‫ورائحية خاصية ومميزة ‪ ،‬وتختلف عين دخان حرق المواد البتروليية ‪ ،‬ذو اللون السيود والرائحية النفاثية ‪ ،‬وكذلك‬
‫تختلف عن دخان حرق القمامة ‪ ،‬ذو اللون القل سوادا ‪ ،‬والرائحة الكريهة ‪.‬‬

‫المختص ل يعرف الحقيقة ‪ ،‬ويُبرّئ القش ويتهم الوقود والقمامة ‪:‬‬


‫وشرح الدكتور محمود نصيير ال مدييير معمييل تلوث الهواء ‪ ،‬أنييه ميين المتوقييع أن تكون الدخنيية ( وليييس ميين‬
‫المؤكييد ) ناتجيية عيين احتراق وقود البترول ! أو القماميية ! هذه الدخنيية عبارة عيين جسيييمات عالقيية ميين الدخان‬
‫السود المكون من ‪:‬‬
‫‪.1‬ثاني أكسد الكربون ‪،‬‬
‫‪.2‬وثاني أكسيد الكبريت ‪،‬‬
‫‪.3‬أول أكسيد الكربون ‪،‬‬
‫‪.4‬وأكاسيد النيتروجين ‪.‬‬
‫لذلك يجيب أن يكون هناك حيل سيريع وفوري ‪ ،‬وتشكييل غرفية عمليات ‪ ،‬لرصيد مصيادر التلوث ‪ ،‬وكيل منطقية‬
‫سيكنية ‪ ،‬بهيا محرقية أو مقلب زبالة ‪ ،‬يجيب أن تبلغ الجهات المسيؤولة ‪ ،‬مثيل وزارة البيئة وجهاز شؤون البيئة ‪،‬‬
‫حتى تخمد هذه الحرائق فورا ‪.‬‬
‫يي وبميا أنيه ل يوجيد حقول نفيط تحترق فيي القاهرة ‪ ،‬نجيد أن هذا المختيص يُبعيد الشبهية عين القيش ويعزوه لمقالب‬
‫القمامة ‪ ،‬والتي أكد المسؤولون أنها موقوفة عن العمل منذ ثلث سنوات وأنها ليست السبب ‪.‬‬

‫عودة الدخان … ول حرائق تؤخذ بعين العتبار … ؟!‬


‫ل الجراءات الحترازيية والحتياطات اللزمية ‪ ،‬التيي اتخذت على الرض بمنيع الحرائق فيي القاهرة‬ ‫يي ورغيم ك ّ‬
‫وميا حولهيا ‪ ،‬يعود الدخان بنفيس الكثافية ويبقيى عالقيا فيي سيماء القاهرة ‪ ،‬ليدبّي الذعير والرعيب بيين سيكان القاهرة‬
‫من جديد ‪ ،‬في ليل ‪1999 / 10 / 26‬م ‪ ،‬ليصبح لغزا غامضا ل يقبل تبريرا منطقيا ول يجد تفسيرا علميا ‪.‬‬
‫وقالت الوزيرة ‪ :‬أنهيا فيي اجتماع دائم ميع خيبراء البيئة المصيريين وبعيض الخيبراء الدانماركييين ‪ ،‬لرصيد وتحلييل‬
‫الدخنة المنبثقة والمنتشرة في سماء القاهرة الكبرى ‪ .‬وأشارت إلى أن التحليل المبدئي للدخنة ‪ ،‬أكد وجود نسبة‬
‫عالية من الجسيمات العالقة والتربة الرفيعة ‪ ،‬ساعد على انتشارها سكون الجو ‪ ،‬وعدم تحريكها بواسطة الرياح‬
‫( كمن فسّر الماء بعد الجهد بالماء ) ‪ ،‬وما زالت أبحاثنا مستمرة للوصول إلى حقيقة هذه الدخنة ‪.‬‬
‫يي أي بالرغيم مين كيل محطات الرصيد التيي عدّدهيا أحيد المقالت أعله ‪ ،‬لم تسيتطع الوزيرة وخبرائهيا الدنمركييين‬
‫من معرفة أسبابها ‪.‬‬

‫‪258‬‬
‫اهتمام على مستوى رئاسة مجلس الوزراء ‪:‬‬
‫تلقى الدكتور عاطف عبيد رئيس مجلس الوزراء تقريرا شامل مساء أمس ‪ ،‬من الدكتورة نادية مكرم عبيد وزيرة‬
‫الدولة لشؤون البيئة ‪ ،‬حول ظاهرة الدخان الكثييف الذي غطيى سيماء القاهرة منيذ يوم السيبت الماضيي ‪ ،‬وعاد إلى‬
‫الظهور يومي أمس وأمس الول ‪.‬‬

‫إحدى الحقائق المرعبة ‪ ،‬على لسان وزيرة الدولة لشؤون البيئة ‪:‬‬
‫وصييرحت الدكتورة نادييية مكرم عبيييد وزيرة الدولة لشؤون البيئة ‪ ،‬بأن معدلت تلوث الهواء وصييلت أخيرا إلى‬
‫‪ 300‬ميكروغرام في المتر المكعب ‪ ،‬بما يتجاوز أربعة أضعاف نسب التلوث المنية ‪.‬‬
‫ي فكيف وصلت نسبة التلوث بالدخان إلى هذه الدرجة بين عشية وضحاها … ؟! ولماذا لم تُطلع الوزيرة وخبراء‬
‫الرصيد الشعيب المصيري ‪ ،‬على تقاريير التحليلت المخبريية أثناء حدوث الظاهرة أو بعيد انتهائهيا ‪ ،‬واقتصيرت‬
‫على تبريرات وتفسيرات أشبه ما يكون بحكايا جدتي ‪.‬‬

‫صحيفة الشعب ‪:‬‬


‫ي تؤكد الصحيفة أن هناك إجماعا ‪ ،‬على رفض التفسير الرسمي المعلن ‪ ،‬بحكاية مقالب الزبالة وحرق قش الرز‬
‫وميا شابيه …!! وتصيف التفسيير الحكوميي للظاهرة بالمتهافيت والمهيين للعقول ‪ .‬ولذلك حاول الناس أن يتوصيلوا‬
‫بمعرفتهيم ‪ ،‬للسيباب الكثير احتمال ومنطقيية لحكايية السيحابة السيوداء ‪ ،‬وفيي سيعيهم هذا حاولوا أن يرصيدوا أي‬
‫تغيّر جديد ‪ ،‬يربطونه بنشوء هذه الظاهرة المفاجئة وغير المألوفة ‪.‬‬

‫التطيّر من الناس والشياء من عادات أهل مصر قديما وحديثا ‪:‬‬


‫وكميا تطيّر فرعون وقوميه بموسيى ومين معيه ‪ ،‬لميا كان ينزل بهيم العذاب ‪ ،‬تطيّر أهيل مصير ( بالوشّي النحيس )‬
‫للوزارة الجديدة ‪ ،‬وكان جواب رب العزة لهييل مصيير القدماء ( َألَ إِنّمَبا طَائِرُهُمببْ عِنْدَ الِّب ‪ ،‬وَ َلكِنّب َأكْثَرَهُمبْب لَ‬
‫َيعْ َلمُونَ ) ‪.‬‬

‫الوصاف التي أطلقتها الصحيفة على ظاهرة الدخان ‪:‬‬


‫الظاهرة العجيبة والمؤذية ‪ ،‬المفاجئة وغير المألوفة ‪ ،‬مأساة السحابة السوداء ‪ ،‬مصيبة السحابة السوداء ‪ ،‬سحابتنا‬
‫الغامضة ‪ ،‬السحابة السوداء الغامضة ‪.‬‬

‫هي ابتلء ونذير شؤم لهل مصر ؟!‬


‫وتخلص الصيحيفة إلى القول ‪ :‬إنّي البتلء الذي مثّلتيه السيحابة السيوداء الغامضية ‪ ،‬قيد يكون مجرّد إشارة تحذيير‬
‫وشدّ للذن ‪.‬‬
‫ي وهنا أصاب كاتب المقال كبد الحقيقة ‪ ،‬نعم هو تحذير وإنذار نهائي … ولكن من قبل من … ؟!‬

‫‪259‬‬
‫بل هم في شك يلعبون‬
‫* النصيوص الكاملة لمادة هذا الفصيل ‪ ،‬تجدهيا على موقيع باسيم ( ملف وليمية لعشاب البحير ) ‪ ،‬على شبكية‬
‫النترنت على العنوان ‪:‬‬
‫‪ ، www.mohammadabbas.com/books/alwaai/alwaai8.htm‬أو العنوان ‪:‬‬
‫‪www.alshaab.com/GIF/31-08-2001/Walima.htm‬‬

‫" الرواية في ميزان السلم ‪ :‬ساقطة داعرة ‪..‬‬

‫في ميزان العقل ‪ :‬مختلة فاسدة ‪..‬‬

‫في ميزان الدب ‪ :‬ضعيفة مهترئة ‪. " ..‬‬


‫الستاذ الدكتور جابر قميحة أستاذ الدب العربي‬

‫مقتطفات ‪ ،‬من مقالت د‪ .‬محمد عباس في رواية وليمة لعشاب البحر ‪:‬‬
‫صحيفة الشعب ‪ ، 28/4/2000 :‬عنوان المقال ‪:‬‬

‫ل إلـه إل ال ‪..‬‬

‫من يبايعني على الموت ‪..‬‬

‫تبّت أيديكم‪ ..‬لم يبق إل القرآن ‪..‬‬

‫ماذا لو قلنا أن رئيس الوزراء خـراء ؟!‬


‫" ل إلييه إل ال … بكييت …لم يكين طول الجرح بالمسيافة بيل بالزمين ‪ ..‬جرح طوله ألف وخمسيمائة عام ‪..‬‬
‫صيرخت ‪ :‬تبيت أيديكيم ‪ ..‬أيميا كنتيم ‪ ..‬وأينميا كنتيم ‪ ..‬وأيميا أنتيم ‪ ..‬وأييا كان مين وراءكيم ‪ ..‬ييا كلب النار ييا حطيب‬
‫جهنم ‪...‬‬
‫أمسكت باليهاتف واتصلت بصديق كي أبثه همي … استطعت بعد جهد جهيد ‪ ،‬أن أقرأ للصديق بعض الجمل ‪،‬‬
‫التيي انصيبت على جسيدي كالنار ‪ ..‬كرصاص منصيهر‪ ..‬طفحيت من كتاب داعر فاسيق فاجير كافير ‪ ..‬طبعته لنيا‬
‫ونشرته بيننا وزارة الثقافة المصرية ‪ ..‬وليس السرائيلية ول المريكية …‬
‫حرون هو القلم في يدي ‪ ..‬وقلبي ل يطاوعني ‪ ،‬أن أنقل لكم الكلمات الفاسقة الداعرة الكافرة ‪ ،‬التي أوردها كتاب‬
‫فاسيق داعير كافير‪ ..‬نشرتيه هيئة ‪ ،‬لبيد أن تكون فاسيقة داعرة كافرة ‪ ،‬تحيت رئاسية مسيئول ‪ ،‬لبيد أن يكون داعرا‬
‫فاسقا كافرا ‪..‬‬
‫إليكم ما طبعته ونشرته وزارة الثقافة المصرية ‪ " :‬وهؤلء يهمشون التاريخ ‪ ،‬ويعيدونه مليون عام إلى الوراء ‪،‬‬
‫في عصر الذرة والفضاء والعقل المتفجر ‪ ،‬يحكموننا بقوانين آليهة البدو ‪ ،‬وتعاليم القرآن ‪ ..‬خيراء "‪..‬‬
‫ل إليه إل ال‪ ..‬ل إليه إل ال ‪ ..‬ل إليه إل ال ‪...‬‬
‫صرخت في نفسي ‪ :‬كيف يا صفيق قرأتها فلم تمت الفور ‪ ..‬كيف ؟! …‬

‫‪260‬‬
‫تراءى لي الرسول ‪ ،‬صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬يناظرني معاتبا يوم القيامة ‪ ،‬فصرخت من الخجل …‬
‫تراءى لي الزبير بن العوام ‪ ،‬يهتف صارخا في حروب الردة ‪ :‬من يبايعني على الموت ‪...‬‬
‫تراءى لي ملييين ومليين مين الشهداء والصيابرين ‪ ..‬بذلوا حياتهيم واحتسيبوا صيبرهم ‪ ،‬لتقدييس اسيم ال ورفيع‬
‫كلمته ‪ ..‬ثم أتى الشيطان ليكتب ما يسميه كتابا ‪ ،‬تعتيبره وزارة الثقافة المصيرية – وهى الخرى شيطان ‪ -‬أدبا ‪،‬‬
‫فتنشره على الناس كي تنوّرهم ‪...‬‬
‫وزارة الثقافة المصرية في بلد الزهر ‪ ،‬وصلح الدين وقطز وخالد السلمبولي ‪ ،‬تنشر يا قراء كتابا يدعى أنه‬
‫رواية ‪ ،‬يقول ‪ :‬أن القرآن خيراء ‪ ..‬ثم ل يلبث أن يقول ‪ :‬إخرأ بربك …‬
‫ل إليه إل ال … أول مرة ألقى مثل هذا اللم في حياتي ‪..‬‬
‫ول حتييى اسييتدراجنا كقطيييع ميين الخراف ‪ ،‬إلى مقتلة الخليييج ‪ ..‬حييين اندفييع بالشرك والغباوة والخيانيية والجهييل‬
‫والنفاق ‪ ،‬نصفنا يقتل نصفنا ‪ ..‬كقطيع ‪ ..‬قطيع من الخراف يندفع إلى المجزرة ‪ ،‬وهو فرح بها نشوان ‪..‬‬
‫ول حتى عندما حمل السادات ‪ ،‬كفننا وكرامتنا وتاريخنا ‪ ،‬ليذهب مذموما مدحورا إلى القدس ‪..‬‬
‫ول حتى مع الذبح اليومي الذي نشارك فيه للعراق ‪ ..‬ول حتى يوم موت أبى ‪ ..‬أبدا ‪ ..‬لم أشعر بمثل هذا اللم ‪...‬‬
‫القرآن ‪ ..‬خيراء …‬
‫ملذنا الخير ينتهك ويهان ‪...‬‬
‫كان صديقي ما يزال على اليهاتف … وكنت ما أزال أبكى ‪ ،‬وأنا أقرأ له ‪ ،‬مما نشرته وزارة الثقافة المصرية ‪..‬‬
‫رائدة التكفيير ل التنويير ‪ " :‬ال قال انكحوا ميا طاب لكيم ‪ .‬رسيولنا المعظيم كان مثالنيا جميعيا ‪ ،‬ونحين على سينته ‪..‬‬
‫لقد تزوج أكثر من عشرين امرأة ‪ ،‬بين شرعية وخليلة ومتعة ‪" ..‬‬
‫ثييم يسييتطرد الكتاب الفاجيير الكافيير ‪ ،‬الذي يلبييس عباءة رواييية ‪ ،‬وليييس برواييية ‪ ،‬إل فييي عقول مخصييية شاذة‬
‫مريضة ‪ ،‬سعت وتسعى إلى نشر الكفر والفاحشة ‪ ..‬يستطرد مجترئا على الذات الليهية ‪ ،‬ليقول ‪ " :‬إن رب هذه‬
‫الرض ‪ ،‬كان يزحف وهو يتسلل من عصور الرمل والشمس ‪ ،‬ببطيء السلحفاة " ‪.‬‬
‫ويسوق في حوار فاجر كافر ‪ " :‬هو من صنع ربى ‪ ..‬ل بد أن ربك فنان فاشل إذن ‪" ..‬‬
‫ل إليه إل ال …‬
‫ويقول الفاجير بين الفاجير ‪ ،‬الفاسيق بين الفاسيق ‪ ،‬الكافير بين الكافير ‪ :‬مؤلفيا وطابعيا وناشرا ووزارة ‪ " :‬داخيل هذه‬
‫الهواز التيي خلقهيا الرب ‪ ،‬فيي الزمنية الموغرة فيي القدم ‪ ،‬ثيم نسييها فيميا بعيد لتراكيم مشاغله ‪ ،‬التيي ل تُح ّد فيي‬
‫بلد العرب وحدها ‪ ،‬حيث الزمن يدور على عقبيه منذ ألفي عام " ‪.‬‬
‫و " أقام ال مملكته الوهمية ‪ ،‬في فراغ السماوات " ‪..‬‬
‫و " وخلع الجلد المتخلف والبالي ‪ ،‬الذي خاطه السلم فوق جلودنا القديمة " ‪..‬‬
‫و " إن حبل السرة ‪ ،‬ما يزال موصول مع الزمنة الرعوية ‪ ،‬وأزمنة عبادة ال الواحد القهار في السماء والرض‬
‫‪ ،‬وذلك الذي يقول للشيء كن فيكون " ‪.‬‬
‫آه ينصدع لها القلب ‪ ،‬وينحطم الفؤاد ‪ ،‬وتنكسر الروح ‪...‬‬
‫برح الخفاء يا ناس ‪ ،‬وهذا وقت المفاصلة ‪ ،‬إما إيمان ‪ ،‬وإما كفر ‪...‬‬
‫للوهلة الولى ‪ ..‬والدوار يكتنفنيي ‪ ،‬قلت لنفسيي ‪ :‬اذهيب إلى الزهير على الفور واصيعد منيبره ‪ ،‬واصيرخ ‪ :‬مين‬
‫يبايعني على الموت ‪ ..‬؟!‬
‫ثيم آخيذ الرهيط الذي يجتميع حولي ‪ ،‬وأتوجيه بهيم إلى قصير الرئييس مبارك ‪ ..‬عراة صيدورنا نازفية قلوبنيا دامعية‬
‫عزّل أيدينيا ‪ ..‬نسيأليه ‪ ،‬والسيؤال دم ‪ :‬ميا هيي الحدود بيين السيلم والكفير ‪ ..‬؟ ميا هيي التخوم بيين التنويير‬
‫عيوننيا ُ‬

‫‪261‬‬
‫والتعهير ‪ ..‬؟ ما هى الطخوم بين تجفيف المنابع ‪ ،‬والخروج من الملة ‪ ..‬؟ ما هي البيون بين أن تكون مصر قائدة‬
‫للتنوير حقا يرتضيها العرب والمسلمون ‪ ،‬وبين أن تكون قوادة للكفر والفسوق والعصيان ‪ ..‬؟‬
‫نهتف فييه ‪ :‬أنت ولى المر … وليس لنا أن نقيم الحد على الفجرة الكفرة الفسقة بأيدينيا …‬
‫تسيلل إلى نفسيي أمل مييت ‪ ..‬أن يكون ثمة لبيس قيد حدث أمام صيحيفة السبوع ‪ ،‬عندما فجرت هذه الفضيحة منيذ‬
‫أسابيع قليلة ‪ ..‬لعل الكتاب طبع في إسرائيل مثل ‪ ..‬وقلت لنفسي أن السلم يأمرني بالتثبت ‪ ..‬بحثت عن الكتاب‬
‫‪ ..‬ووجدته ‪:‬‬
‫( وليمة لعشاب البحر ‪ ..‬حيدر حيدر ‪ ..‬سلسلة آفاق الكتابة ‪ ..‬العدد ‪ -35‬اليهيئة العامة لقصور الثقافة ‪ ..‬وعنوانها‬
‫كما هو مثبت ‪ 16 :‬أ شارع أمين سامي‪ -‬قصر العيني – القاهرة ت‪ – 3564842 – 3564841 :‬فاكس ‪– 3564202‬‬
‫أميا الطابيع فهيو ‪ :‬شركية الميل للطباعية والنشير ‪ ،‬أميا قائمية العار الدنييسة المكتوبية على صيفحات الكتاب الولى ‪،‬‬
‫فتجميع ‪ :‬رئييس مجلس الدارة ‪ :‬على أبيو شادي ‪ ،‬أميين عام النشير ‪ :‬محميد كشييك ‪ ،‬رئييس التحرييير ‪ :‬إبراهيييم‬
‫أصلن ‪ ،‬الشراف الفني ‪ :‬د ‪.‬محمود عبد العاطي ‪ ،‬مدير التحرير ‪ :‬حمدي أبو جلييل ) ‪...‬‬
‫ل إليه إل ال …‬
‫كنيت أظن أنيي محتاج لقراءة الرموز بين السيطور ‪ ،‬كيي أكشيف الشرك الخفيي ‪ ..‬حتيى جاء هذا الكتاب ‪ ،‬وفجرت‬
‫صحيفة السبوع قضيته …‬
‫ليس الشرك الخفي بل الكفر البواح ‪...‬‬
‫هو الخيانة ل ولرسوله ‪ ..‬هو الخيانة للمة وللوطن ‪ ..‬هي العمالة الصريحة المباشرة لمريكا وإسرائيل ‪...‬‬
‫هيو التسيلل إلى عقول أبنائنيا لخراجهيم مين السيلم تماميا ‪ ،‬كميا قال ( زويميير ) ‪ ..‬هيو نشير الباحيية والسيفالة‬
‫والشذوذ وقتل روح المة …‬
‫إن العار ل يلحيق بوزارة الثقافية فقيط ‪ ..‬فتضامين المسيؤولية الوزاريية ‪ ،‬يجعيل مجلس الوزراء كله مسيئول ‪ ،‬وكيل‬
‫وزير مسئول ‪ ..‬ورئيس الوزراء مسئول ‪ ..‬و‪..‬‬
‫لكن الفاجر يكتب ‪ ،‬والفاجر ينشر أن "القرآن خييراء " ‪ ..‬و " خرا بربك " ‪ ..‬ثم يجد من يدافع عنه ‪..‬‬
‫أما من وزير يستقيل … ؟!‬
‫ل إليه إل ال ‪...‬‬
‫ييا جللة ملوك وفخامية رؤسياء الدول السيلمية ‪ ..‬لطالميا تعاونتيم على الثيم والعدوان ‪ ..‬فتعاونوا ولو مرة للدفاع‬
‫عن القرآن ‪ ..‬اطلبوا الرئييس مبارك اليوم‪ ..‬قولوا له أن ما نشرتيه وزارة الثقافة المصيرية ‪ ،‬لم يذبيح المسلمين فيي‬
‫مصر فقط ‪ ،‬بل في العالم السلمي كله ‪ ..‬من لم يفعل منكم ذلك ‪ ،‬فليأت ال يوم القيامة والقرآن خصمه … !‬
‫من كان منكم يحب ال والرسول ‪ ،‬فليدافع عن القرآن …‬
‫من كان منكم مذنبا فليكفر عن ذنوبه ‪ ،‬بالدفاع عن القرآن ‪..‬‬
‫ييا شييخ الزهير ‪ ...‬ل إلييه إل ال … ييا فضيلة المفتيى … ييا شيوخ الزهير ‪ ،‬وييا طلبية جامعية الزهير … ييا‬
‫خطباء المساجد … ل إليه إل ال ‪...‬‬
‫يا كل هيئة ومؤسسة وصحيفة في العالم السلمي … اكتبوا أنهم في بلد الزهر ‪ ،‬ينشرون أن القرآن خيراء …‬
‫يا شيخ يوسف القرضاوي … دافع عن القرآن بما أنت له أهل … إن المة تنتظر فتواك في كل مسئول عن نشر‬
‫هذا الكتاب … أصيرخ فييك … أهتيف فيك ‪ :‬مصير لم تعد بخيير ‪ ..‬مصير لم تعيد بخيير ‪ ..‬مصير لم تعد بخييير …‬
‫فالنجدة النجدة والغوث الغوث … فإنه القيرآن … ول إليه إل ال …‬
‫يا سيادة الرئيس … أطفئ الفتنية …‬

‫‪262‬‬
‫واعلم هدانا وهداك ال ‪ ،‬أن المر ليس أمر وزير فاسيق أو وزارة فاجرة ‪ ،‬بل هو منهج مشرك تسلل إلى النظام‬
‫‪ ..‬مسيئوليتك أمام ال أن تزيله وأن تحاربيه حتيى لو اسيتشهدت دونيه ‪ ..‬منهيج مشرك ل يقتصير على وزارة ول‬
‫يقوم به مجرد أفراد ‪...‬‬
‫واعلم هدانا وهداك ال ‪ ،‬أن مثل هذا المنهج الفاجر ‪ ،‬هو الذي يغيب في السجون والمعتقلت عشرات اللف من‬
‫شباب ‪ ،‬لم يأخذوا عليهيم سيوى أن السيلم دينهيم والقرآن كتابهيم ‪ ..‬بينميا يرى ذلك المنهيج الخائن الفاجير الكافير‬
‫العميل ‪ ،‬أن القرآن خيراء … وذلك ما ينقمونه عليهم …‬
‫واعلم هدانا وهداك ال ‪ ،‬أن أسوأ ما تفعل أن تكتفي ‪ ،‬بإقالة وزير أو تنحية مسئول ‪...‬‬
‫فالخطب أطم والمصيبة أعم ‪...‬‬
‫قل لي يا سيادة الرئيس ‪ :‬هل ترضى لعهدك – دون العهود جميعا – أن تصمه هذه الوصمة ‪ ..‬فالقرآن لم يتعرض‬
‫لمثل ما يتعرض له الن ‪ ..‬أبدا ‪ ..‬ول حتى في عهد كرومر ‪ ..‬بل وحتى الفراعنة كانوا يقدسون كتب الدين ‪...‬‬
‫قل لي يا سيادة الرئيس ‪ :‬هل كانت الدولة تسكت لو أن من كتب هذا الكتاب ‪ ،‬أو طبعه ‪ ،‬أو نشره ووزعه ‪ ،‬كان‬
‫قد وضع النجيل أو التوراة مكان القرآن ؟!‪ ..‬ما كانت الدولة لتسكت ‪ ..‬وما كنا نحن أيضا سنسكت ‪..‬‬
‫ييا سييادة الرئييس ‪ :‬إنيك مسيئول عين هذه الفئة المنحرفية الشاذة ‪ ..‬مسيئول أمام المية وأمام التارييخ وأمام ال ‪ ..‬إن‬
‫القانون في بريطانيا يحمي النجيل والتوراة ‪ ..‬وأخوتنا المسلمون هناك يجاهدون لمدّ مظلة الحماية إلى القرآن ‪..‬‬
‫فهل ترضى لنفسك أن نجاهد أمامك لسن قانون يحمي القرآن ؟! …‬
‫يا سيادة الرئيس ‪ :‬إنك كادح إلى ربك كدحا فملقيه ‪ ..‬وإني وال لمشفق عليك ‪ ،‬من أن تلقاه وهذه الفعلة الشنعاء‬
‫في كتابك ‪ ..‬توضع في ميزانك ‪ ..‬وما أثقلها ‪ ..‬ما أثقلها ‪ ..‬ما أثقلها ‪!..‬‬
‫وإننيي أناشدك ييا سييادة الرئييس ‪ -‬أبييت اللعين ‪ -‬أن تطفيئ لهييب الفتنية ببيييان يصيدر عين الرئاسية اليوم ‪ ..‬بيان‬
‫استغفار إلى ال ‪ ..‬واعتذار إلى المية ‪..‬‬
‫فإن لم تفعل يا سيادة الرئيس … فإنني أرجوك ‪ :‬مر رجالك بقتلي … قتلة غلم أهل الخدود " ‪.‬‬
‫* مقتطفات من مقال آخر ‪ ،‬د‪ .‬محمد عباس ‪ ،‬صحيفة الشعب ‪5/5/2000 :‬م ‪ ،‬تصدير المقال ‪:‬‬
‫الجريمة مستمرة ‪..‬‬

‫ثلثية الثقافة في مصر ‪:‬‬

‫الكفر والعهر والتطبيع ‪..‬‬

‫هل ال جليسة أطفال ‪ ..‬ويعلمنا الحب ؟!‬

‫وهل النبياء آبقون ‪ ..‬؟!‬


‫الجريمية مسيتمرة … وسيوف تخطئون خطيأ مروعيا ‪ ،‬إذا ظننتيم أنيه مجرد كتاب داعير فاجير كافير أفلت ‪ ..‬وأن‬
‫المر قد ل يتكرر مرة أخرى ‪...‬‬
‫لييس مجرد الكتاب بيل إنيه المنهيج ‪ ..‬منهيج متعميد مقصيود ‪ ..‬منهيج أخطبوطيي ينفيذ بالضبيط تعالييم المسيتشرقين‬
‫والمبشريين ‪ ،‬والسيتعمار فيي صيورته الحديثية ‪ ..‬منهيج يدرك أن أخطير ميا فيي السيلم والقرآن هيو ذلك اليمان‬
‫اليقينييي ‪ ،‬الذي يجعييل ميين المسييلمين بشرا يمكيين أن يتفوقوا حتييى على الملئكيية ‪ ،‬ويجعييل ميين المنافقييين أشبييه‬
‫بالخنازير والقردة ‪ ..‬وتلك هي النقطة التي تثير عجب وحنق المنافقين ‪ ،‬عندما يلحظون استعلءنا عليهم ‪ ،‬مهما‬
‫أدبرت عنيا الدنييا وأقبلت عليهيم ‪ ..‬اسيتعلء البشير على الخنازيير ‪ ..‬ولقيد أدرك الغرب منيذ قرون ‪ ،‬أنيه هزم فيي‬
‫المواجهية المسيلحة ميع الحضارة السيلمية ‪ ..‬وأنيه ل سيبيل أماميه إل إفراغ السيلم مين محتواه ‪ ..‬ولقيد اسيتعان‬
‫‪263‬‬
‫على ذلك حينا بالستعمار ‪ ،‬حتى اطمأن إلى أنه ربّى بيننا نخبة فاسدة مفسدة ‪ ،‬فتركها لتنوب عنه ‪ ..‬وهم منا لكن‬
‫قلوبهم قلوب ذئاب ‪...‬‬
‫ليس مجرد كتاب يا أمة ‪ ...‬الجريمة مستمرة ول إليه إل ال …‬
‫الجريمة مستمرة … والثقافة في بلدنا تهدف إلى ثلثة أشياء ل تنسوها ‪:‬‬
‫أن تكون حرية التفكير مرادفة للكفر ‪...‬‬
‫وأن تكون حقوق المرأة مرادفة للعهر ‪...‬‬
‫وأنيه بعيد نشير الكفير والعهير سييكون المجتميع السيلمي ‪ ،‬قيد غرق فيي غيبوبية فقيد معهيا كيل مناعية ‪ ..‬ليسيهل‬
‫التطبيع بعد ذلك مع إسرائيل والنسحاق أمام الغرب ‪...‬‬
‫الجريمية مسيتمرة ييا ناس ‪ ..‬وسيأعرض عليكيم على الفور نماذج ل تقيل سيفالة وبشاعية ‪ ،‬عميا عرضيت عليكيم فيي‬
‫المقالة الماضية ‪ ...‬فلنتناول معا كتابا أخرجته وزارة الثقافة أيضا ‪ ،‬اليهيئة العامة لقصور الثقافة ( كتابات نقدية ‪،‬‬
‫العدد ‪ ، 97‬ديسيمبر ‪ ، 99‬والكتاب معروض ‪ ،‬عنيد باعية الصيحف ‪ ،‬وإن كنيت أحسيب أن السييد الوزيير ‪ ،‬الذي‬
‫يطلقون عليه ( زين الرجال ) سوف يأمر بسحبه غدا ‪ ،‬قبل انتشار الفضيحة ‪ ..‬عنوان الكتاب ‪ :‬شعر الحداثة في‬
‫مصر ‪ ،‬وقائمة العار للهيئة المشرفة عليه هي ذات قائمة العار ‪ ،‬التي نشرناها في السبوع الماضي وعلى رأسها‬
‫أيضا ‪ :‬علي أبو شادي ) ‪...‬‬
‫ولقيد وفّر علينيا إدوارد الخراط مئونية البحيث فيي عشرات ‪ ،‬مين إصيدارات وزارة الثقافية المصيرية ‪ ،‬لعشرات‬
‫الشعراء المصريين ‪ -‬وأغلبهم وال ليسوا شعراء ‪ ،‬وليسوا بشرا ‪ -‬حين استعرضها في هذا الكتاب ‪ 700 :‬صفحة‬
‫تقريبييا ‪ ..‬وسييعره خمسيية جنيهات ‪ ..‬وتذكروا يييا قراء ‪ ،‬أن هذه الكتيب هيي التييي يخرءونهييا – إذا صيح التعييبير‪-‬‬
‫لتشكيل وجدان المة ‪...‬‬
‫فلندلف معيييا إلى كلمات السيييفالة والشذوذ والكفييير البواح ‪ ..‬فلندلف دامعيييين إلى السيييخرية مييين الذات اللييييهية‬
‫والمرسييييلين ‪ ..‬فلندلف إلى محاكاة هازلة هازئة كمحاكاة مسيييييلمة الكذاب ‪ ..‬فلندلف إلى خيوط الشبكيييية التييييي‬
‫يصيطادون بهيا المية ‪ ..‬إل أننيي أجيد لزاميا عليّي أن أنبيه القراء ‪ ،‬أن ميا سييقرؤونه على الفور بالغ الفحيش ‪ ،‬وأن‬
‫يبعدوه عن أيدي أبنائهم …‬
‫( لم نشأ أن نورد شيئا مما اقتبسه المؤلف من أمثلة على شعر الحداثة في مصر … حيث أن ما يطرحونه من‬
‫تصيويرات وتشيبيهات ‪ ،‬تقشّعير منهيا جلود الذيين كفروا ‪ ،‬وهيي ل تقيل سيفالة وانحطاطيا عين الروايية السيابقة بيل‬
‫تفوقها أحيانا ‪ .‬تستطيع الطلع على ما لم نقم بإيراده هنا مما اقتبسه كاتب المقال ‪ ،‬وشيوخ الزهر في تقاريرهم‬
‫من نصوص ‪ ،‬على موقع الملف على شبكة النترنت ) ‪.‬‬
‫ويستطرد الكاتب قوله ‪:‬‬
‫هذا هو تنوير وزارة الثقافة المصرية ‪ ،‬يا مسلمون ويا عرب ‪ ...‬هذا هو ما يحاربون به السلم ‪...‬‬
‫يا عاطف عبيد ‪ ..‬هذا هو الفجر بعينه ‪ ..‬فُجر فاجر وعُهر عاهر ‪ ،‬ل يرعاه إل فاجر وعاهر ‪ ..‬وتذكّر ‪ ..‬أن من‬
‫ولّى أمر المسلمين فاجرا فهو فاجر مثله …‬
‫تصورت يا ناس أن نشر المقال ‪ ،‬سيسفر عن نسف كل مؤسسات وزارة الثقافة على الفور ‪..‬‬
‫لكين تصيوّري كان أمل جهيضيا فيي القلب ‪ ..‬وعلى العكيس ‪ ..‬وجدت مين المثقفيين والنخبية مين يدافيع عين الكفير‬
‫البواح ‪...‬‬
‫لقيد احتفظيت حضارتنيا بتراث أوغيل فيي الفحيش بيل والكفير ‪ ..‬ونذكير أبيي نواس والغانيي والفرق المختلفية التيي‬
‫زاغيت عين السيلم ‪ ..‬كان المجرى الرئيسيي للنهير سيليما ‪ ،‬ولم يكين يضره كثيرا أن يبول كلب أو خنزيير فييه ‪..‬‬
‫لكين عندميا يكون الماء راكدا ‪ ..‬ولييس لدينيا سيوى كوب مين الماء ‪ ،‬ونحين تائهون فيي البيداء فيي الييهجير ‪ ،‬فكييف‬
‫نسمح للكلب أن تبول في مائنا الخيير ‪..‬‬
‫* مقتطفات من مقال آخر ‪ ،‬د‪ .‬محمد عباس ‪ ،‬صحيفة الشعب ‪12/5/2000 :‬م ‪ ،‬تصدير المقال ‪:‬‬
‫‪264‬‬
‫ل إلـه إل ال ‪..‬‬
‫يا سيادة الرئيس ‪ :‬الفتنة تطل ‪ ..‬فأطفئها ‪..‬‬
‫يا شيخ الزهر ‪ :‬دافع عن دين ال ‪..‬‬
‫يا فضيلة المفتي ‪ :‬صمتك مذهل ‪..‬‬
‫إن وزيرة في الحكومة المصرية ‪ ،‬هي التي صرحت أن ‪ %17‬من طالبات الجامعة ‪ ،‬قد تزوجن زواجا عرفيا ‪...‬‬
‫فكم يا ترى ؟! لم يحتجن إلى ورقة التوت المغشوشة يغطين بها سوءاتهن ‪...‬‬
‫ولماذا نندهش لذلك إذا كانت مطبوعات وزارة الثقافة ‪ ،‬تتدنى حتى تنشر الفسق والفجور ‪ ،‬وتصف بعهر كل ما‬
‫يهدم القيم والثوابت ‪...‬‬
‫لماذا نندهش عندما تتحدث بعض الدراسات ‪ ،‬إلى أن أكثر من ‪ %50‬من طلب الجامعة يتعاطون البانجو ( مخدر‬
‫) ‪...‬‬
‫وبرغييم ذلك كله ‪ ،‬فإن اعتراضنييا على تشييبيه القرآن بالخيييراء ‪ ،‬لم يتركّيز على المؤلف ‪ ،‬ول على روايتييه ‪..‬‬
‫فليذهب إلى الجحيم ‪ ،‬ما دام قد اختار الطريق إليها ‪ ..‬لقد انصب اعتراضي ‪ ،‬على قيام وزارة الثقافة المصرية ‪،‬‬
‫بإعادة نشر الرواية في مصر ‪ ..‬والرواية التي تباع في السواق بثلثين أو أربعين جنيها ‪ ،‬دعمتها وزارة الثقافة‬
‫حتى بيعت بأربعة جنيهات ‪ ..‬هل هذا هو الفكر الذي ننقله ونعلمه لبنائنا …‬
‫نعيم ‪ ..‬كذب المسيؤولون فيي وزارة الثقافية وكانيت مجلتهيم وصيحفهم تكذبهيم ‪ ..‬لقيد صيرحوا بأن الروايية مسيموح‬
‫بها في كل الدول العربية ‪...‬‬
‫لكين أخبار الدب ‪ :‬تذكير بالنيص على لسيان حيدر حيدر ‪ " :‬عشيت فيي بيئة تحاربنيي على المسيتوى الدينيي ‪ ،‬ول‬
‫يقولون أنني علماني ول عقلني وتنويري بل يقولون ملحدا "‬
‫ويسألونه ‪ :‬هل كنت تجد صعوبة في نشر أعمالك ؟ فيجيب ‪ " :‬صعوبة شديدة جدا … فقد عشت أنا وكتبي ‪ ،‬في‬
‫حالة منع مستمر من بلد عربية كثيرة " …‬
‫اقرءوا أيضا في نفس العدد من أخبار الدب ‪ ،‬تعليق الستاذ محمود أمين العالم ‪ " :‬أخذت أقلب بين يدي رواية ‪،‬‬
‫وليمة لعشاب البحر أو نشيد الموت للستاذ حيدر حيدر ‪ ،‬بحثا عن اسم ناشر أو مطبعة فلم أجد ‪ ،‬وأخيرا علمت‬
‫أن دور النشر العربية جميعا ‪ ،‬رفضت نشر هذه الرواية فقام هو بطبعها على نفقته ‪ ،‬ولكن يبدو أن المطبعة التي‬
‫قامت بطبع هذه الرواية ‪ ،‬قد آثرت هي أيضا السلمة فاكتفت بالطبع وامتنعت عن ذكر اسمها ‪ .‬صدرت الرواية‬
‫مجهّلة إل مين اسيم مؤلفهيا ‪ ،‬ولقيد علميت كذلك ‪ ،‬أن الروايية تكاد تعتميد فيي توزيعهيا على الييد ‪ ،‬وعلى العلقات‬
‫الشخصية كما توزع المخدرات أو المنبهات المحظورة " ‪.‬‬
‫فلماذا كذبت أجهزة وزارة الثقافة ‪ ...‬؟!‬
‫لماذا يُكذب الوزير نفسه كل يومين ‪ ..‬لقد صرح أول بأن الرواية مصادرة ‪ ،‬منذ منتصف نوفمبر الماضي ‪ ..‬وفى‬
‫شرِ بيانيه ‪ ،‬كان بيان علي أبيو شادي يقول ‪ :‬أن الروايية صيدرت فيي منتصيف نوفميبر ( أي بعيد ظهور‬
‫نفيس يوم َن ْ‬
‫الدخان بأسبوعين ) ‪...‬‬
‫لماذا حاول الوزير باستمرار أن يخلط بين طبعة مصرية ‪ ،‬هو الذي أصدرها ورعاها وباعها بعشر ثمنها ‪ ،‬وبين‬
‫طبعات لبنانية لم نسأليه ولم نطلب حسابه عنها ‪ ،‬رغم أنه بحكم مسئوليته الوزارية ‪ ،‬مسئول عما يدخل إلى البلد‬
‫من عناصر الثقافة …‬
‫إن القانون النجليزي مثل يُجرّم العتداء على التوراة والنجييل ‪ ..‬وهيم ل يعتيبرون القرآن كتابيا سيماويا مقدسيا ‪..‬‬
‫هيم وشأنهيم ‪ ..‬لكين أل يحقّي للقرآن فيي بلده أن يقدّس ‪ ..‬لقيد منيع فيلم العشاء الخيير للمسييح فيي لندن ‪ ،‬وخرجيت‬
‫المظاهرات تحطم دور السينما التي تعرضه في باريس ‪...‬‬

‫‪265‬‬
‫لماذا لجأ بعض مثقفينا ( المدافعين عن وزارة الثقافة ) إلى هذا اليهجوم الضاري ؟ …‬
‫لماذا اعتبرتم فاروق حسني فرعونكم ‪َ ،‬فرُحتم كالكهنة القدامى تدعون لعبادته من دون ال ؟ …‬
‫وأقول لكم على الرغم منيي يا ناس ‪ ،‬أنهيم حققوا بعض النجاح فيي خطتهيم ‪ ..‬فقد وعدتكيم فيي السبوع الماضيي ‪،‬‬
‫أن أتناول اليوم كتابا من كتب وزارة الثقافة ‪ ،‬تدعو فيه كاتبته ‪ ،‬إلى تعديل القرآن ‪ ،‬كي يتوافق مع النظام العالمي‬
‫الجديد ومواثيق حقوق النسان …‬
‫وأن هؤلء الناس ‪ ،‬ينظرون إلى السيلم وإلينيا ‪ ،‬كميا ينظير مبدعهيم حيدر حيدر ‪ ،‬الذي يقول فيي صيفحة ‪، 510‬‬
‫من كتابه الملعون ‪:‬‬
‫"ضحك الرجل وهو يرمم جثة البدوي فيه ‪ :‬لكنني ملحد كما تعرفين ‪ ..‬الشرف ‪ ..‬وأخلق المسلمين في مؤخرتي‬
‫من عشرات العوام " ‪.‬‬
‫ل تعترضوا يا قراء ‪ ..‬فنقادنا الجهابذة ‪ ،‬يرون أن هذا الكلم السافل البذيء إبداعا ‪..‬‬
‫بيان مجمع البحوث السلمية‬
‫بيان الزهر‬
‫الزهير ‪ /‬مكتيب المام الكيبر ‪ /‬شييخ الزهير ‪ ،‬بيان مجميع البحوث السيلمية بشأن ‪ ،‬روايية ( وليمية لعشاب‬
‫البحر ) لمؤلفها السيد حيدر حيدر ‪ .‬طبع ونشر اليهيئة العامة لقصور الثقافة ‪ ،‬التابعة لوزارة الثقافة بالقاهرة ‪.‬‬
‫تيم عرض موضوع الروايية المشار إليهيا على لجنية البحوث الفقهيية ‪ ،‬فكلّفيت اثنيين مين أعضائهيا المتخصيصين ‪،‬‬
‫حدّد لهيا يوم‬
‫بكتابية تقريريين منفصيلين عين الروايية ‪ ،‬لعرضهيا فيي جلسية اسيتثنائية لمجميع البحوث السيلمية ‪ُ ،‬‬
‫الربعاء ‪ 17‬ماييو سينة ‪ ، 2000‬وقيد تيم عرض هذيين التقريريين والروايية على المجميع فيي جلسيته السيتثنائية ‪،‬‬
‫وتبين ما يأتي ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬أن وزارة الثقافة التي نشرت هذه الرواية ‪ ،‬لم تستطلع رأي الزهر الشريف أو مجمع البحوث السلمية ‪،‬‬
‫مع ما ورد فيها من أمور كثيرة تتصل بالسلم والعقيدة والشريعة ‪ ،‬وذلك على خلف ما يقضى به القانون ‪103‬‬
‫لسنة ‪… 1961‬‬
‫ثانيييا‪ :‬إن الروايية مليئة باللفاظ والعبارات ‪ ،‬التيي تحقّر وتهيين جميييع المقدسييات الدينييية ‪ ،‬بمييا فييي ذلك ذات ال‬
‫سبحانه وتعالى والرسول صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬والقرآن الكريم واليوم الخر والقيم الدينية ‪.‬‬
‫ومن ذلك أنهيا تسيتهزئ بذات ال ‪ ،‬مثل وصيفه بأنيه فنان فاشل ( ص ‪ ، ) 219 :‬وأنه نسيي بعيض مخلوقاته ‪ ،‬من‬
‫تراكم مشاغله التي ل تحد في بلد العرب وحدها ( ص ‪ ، ) 257 :‬وأنه أقام مملكته الوهمية في فراغ السماوات‬
‫ليدخل في خلود ذاته بذاته ( ص ‪. ) 426 :‬‬
‫كما يفتري على الرسول عليه الصلة والسلم ‪ ،‬بأنه تزوج أكثر من عشرين امرأة ‪ ،‬ما بين شرعية وخليلة ومتعة‬
‫( ص ‪ ، ) 148 :‬وأنه كان يتزوج من عذارى القبائل بغية توحيدها ( ص ‪. ) 427 ، 426 :‬‬
‫وأنيه حرّف فيي آيات القرآن الكرييم ‪ ،‬ونسيب إلييه ميا لييس منيه كقوله " وال تعالى قال فيي كتابيه العزييز‪ .. " :‬إذا‬
‫بليتيم بالمعاصيي فاسيتتروا ‪ ( " ..‬ص ‪ ، ) 148 :‬كميا أن الروايية تحرّض صيراحة على الخروج على الشريعية‬
‫السيلمية ‪ ،‬وعدم التمسيك بأحكامهيا ‪ ،‬وذلك بالدعوة إلى ضرورة النفصيال عين الديين وال والخلق والتقالييد‬
‫والزمنيية الموحلة ‪ ،‬والجنيية والجحيييم الخرافيييين ‪ ،‬وطاعيية أولى الميير والوالدييين ‪ ،‬والزواج المبارك بالشرع ‪،‬‬
‫وسائر الكاذيب والطقوس التي رسمتها دهور الكذب ( ص ‪. ) 348 :‬‬
‫ثالثييا ‪ :‬إن الرواييية خرجييت على الداب العاميية خروجييا فاضحييا ‪ ،‬وذلك بالدعوة إلى الجنييس غييير المشروع ‪،‬‬
‫واستعمال اللفاظ في الوقاع ‪ ،‬وأعضائه الجنسية للذكر والنثى ‪ ،‬بل حياء مما يعف اللسان عن ذكرها ‪ ،‬وكتابة‬
‫نصها حفظا على الحياء العام الذي انتهكته الرواية ‪.‬‬

‫‪266‬‬
‫رابعا‪ :‬إن الرواية لم تكتف بذلك ‪ ،‬بل حرّضت صراحة على إهانة جميع الحكام العرب ‪ ،‬ووصفتهم بأقبح وأقذع‬
‫الوصاف ‪ ،‬مما يعف المقام عن ذكرها ‪ ،‬وطالبت بالخروج عليهم والثورة ولو بإراقة الدماء ‪.‬‬
‫خامسيا‪ :‬اتضيح لمجميع البحوث السيلمية مين كيل ميا سيبق ‪ ،‬أن ميا ورد بروايية ( وليمية لعشاب البحير ) لمؤلفهيا‬
‫حيدر حيدر ‪ ،‬خروج عمييا هييو معلوم ميين الدييين بالضرورة ‪ ،‬وينتهييك المقدسييات الدينييية والشرائع السييماوية ‪،‬‬
‫والداب العامة والقيم القومية ‪ ،‬ويثير الفتن ويزعزع تماسك وحدة المة ‪ ،‬التي هي الركيزة الساسية لبناء الدولة‬
‫‪ ،‬ويضيع على عاتيق مين نشروا هذه الروايية ‪ ،‬دون اسيتطلع رأي أهيل الختصياص المسيؤولية الكاملة ‪ ،‬عين هذا‬
‫التجاوز والثار المترتبية علييه دينييا واجتماعييا ‪ ،‬وذلك على النحيو الموضّح تفصييل بالتقريريين المقدميين ‪ ،‬مين‬
‫ي مجمع البحوث السلمية المشار إليهما ‪.‬‬ ‫عضو ّ‬
‫وال ولى التوفيق ‪ ..‬تحريرا في ‪ 13‬من صفر سنة ‪ 1421‬هي ‪ ..‬الموافق ‪ 17‬من مايو سنة ‪ 2000‬م ‪ ،‬شيخ الزهر ‪:‬‬
‫الدكتور محمد سيد طنطاوي‬
‫القرضاوي يطالب مبارك بالتدخل لوقف الموجة الثقافية الفاجرة‬
‫" ُكلّ ما في وليمة لعشاب البحر مُنكر "‬
‫ناشيد فضيلة العلمية د‪ .‬يوسيف القرضاوي ‪ ،‬الرئييس المصيري حسيني مبارك ‪ ،‬أن يتدخيل لوقيف الموجية الثقافيية‬
‫الفاجرة ‪ -‬حسب وصفه ‪ -‬عند حدّها ‪ ،‬وشدّد فضيلته على أهمية الحرص على وحدة المة ‪ ،‬كما حيّا شييخ الزهر‬
‫والزهير ‪ ،‬ورئييس جامعية الزهير والطلب والطالبات ‪ ،‬الذيين وقفوا موقفيا موحدا ضيد روايية الكاتيب السيوري‬
‫وليميية لعشاب البحيير ‪ ،‬التييي طبعتهييا وزارة الثقافيية المصييرية وتسييببت فييي حالة اليييهياج التييي شهدهييا الشارع‬
‫المصيري مؤخراً ‪ ،‬واعتبر د‪ .‬القرضاوي فيي خطبة الجمعة أمس ‪ ،‬أن الرواية تدخل في باب الكفر ‪ ،‬مستنداً في‬
‫ذلك على بيان الزهير الشرييف ‪ ،‬ورأي فضيلتيه أن هذا العميل كفير ‪ ،‬بغيض النظير عين الشخاص ‪ ،‬واعتيبر مين‬
‫قاله ورضي به كافرا ‪.‬‬
‫العلمية القيرضياوي في خطبة الجمعة ( ‪ 15‬صفر ‪) 19/5/2000 – 1420‬‬
‫* بعد انتهاء الخطبة ‪ ،‬اتصلنا بفضيلة العلمة د‪ .‬يوسف القرضاوي ‪ ،‬وسألناه عن مدى دخول هذا العمل الروائي‬
‫في باب الكفر فأجاب ‪:‬‬
‫" إن بيان مجميع البحوث السيلمية بالزهير الشرييف ‪ ،‬يدل على أن هذا مين الكفير ‪ ،‬لنيه خروج على ميا هيو‬
‫معلوم مين الديين بالضرورة ‪ ،‬وانتهاك للمقدسيات الدينيية والشرائع السيماوية ‪ ،‬وهذا واضيح لكيل مين قرأ الروايية ‪،‬‬
‫لما فيه من ازدراء واستخفاف باللوهية والقرآن والرسول والقيم الدينية كلها في مواضع شتى ‪ ،‬وأضاف ‪:‬‬
‫ونحن نقول ‪ :‬إن هذا العمل كفر بغض النظر عن الشيخاص ‪ ،‬فمن قاليه واعيا متعمدا ذاكرا فهو كافر ‪ ،‬ورضي‬
‫به وهو يعلم هذا فهو كافر ‪ ،‬ومن كان يجهل بما فيه ثم أُعلم بمضمونه ورضيه فهو كافر ‪ ،‬هذا هو الحكم الشرعي‬
‫أما الحكم على الشخاص ‪ ،‬فل ندخل فيه فهو يحتاج إلى تحقيق وقضاء " ‪.‬‬

‫مقتطفات من حاشية الملف الكامل للرواية على شبكة النترنت ‪:‬‬


‫بقلم د‪ .‬محمد عباس ‪:‬‬
‫كانيت صيحيفة السيبوع ‪ ،‬أول مين تعرّض بهدوء للموضوع ‪ ،‬ولو أن فيي أجهزة وزارة الثقافية مين يرى ويحيس‬
‫ويسمع ‪ ،‬لستدركوا المر ولداروْا عورتهم ‪ ،‬وكان يمكن للمر أن ينتهي باعتذارهم واعترافهم بالخطأ ‪ ،‬لكن ال‬
‫شاء للمور أن تتخذ مجرى آخرا كي يفضحهم على الشهاد ‪ .‬لقد استنكروا علينا حدة أسلوبنا ‪ ،‬فماذا فعلوا عندما‬
‫نشرت السييبوع ‪ ،‬يوم ‪28/2/2000‬م مقال صييغيرا بقلم حسيين نور ‪ ،‬يعترض فيييه على قيام وزارة الثقافيية بنشيير‬
‫الرواية …‬
‫لمدة شهير ونصيف بعيد ذلك لم تتدارك وزارة الثقافية المير ‪ ..‬وبدأت الشعيب تناول القضيية يوم ‪28/4/2000‬م بعيد‬
‫بداية النشر في السبوع بشهرين كاملين …‬

‫‪267‬‬
‫فيي البدايية ‪ ،‬حاولت وزارة الثقافية التنصيل مين المير كله ‪ .‬وقيد أوردت أخبار الدب ‪ :‬العدد ‪ 356‬ص ‪ 6‬ذلك‬
‫بالتفصييل فيي مقال وائل عبيد الفتاح ‪ ،‬عين تصيريح وزيير الثقافية المنشور فيي الهرام فيي ‪30/4/2000‬م وهيو أن‬
‫الهدف مين اللجنية العلميية التيي شكلهيا ‪ " ،‬التحقييق فيي ظهور طبعية لبنانيية ‪ ،‬مين روايية وليمية لعشاب البحير‬
‫للسوري ‪ ،‬حيدر حيدر منسوبة لوزارة الثقافة "‪ ..‬ويستطرد الكاتب أنه يبدو أن الوزير وجدها " واسعة " ‪ ،‬فغير‬
‫أقواله بعد ذلك ‪.‬‬
‫نفس الخبر نشرته بتفصيل أكثر صحيفة آفاق عربية في عدد ‪ 4‬مايو ص ‪ ، 11‬تحت عنوان ‪ :‬وزارة الثقافة تزعم‬
‫أن جهة مجهولة نشرت الرواية المجهولة ونسبتها إليها ‪.‬‬
‫كان التخبيط هائل وشميل الجمييع ‪ ،‬فرئييس الوزراء على سيبيل المثال صيرح ‪ :‬لسيت أدري كييف ؟! أنيه اسيتعان‬
‫بخبير أجنبي لمواجهة الزمة ‪ ،‬كما نشرت صحيفة الوفد ‪ ،‬وصرح الدكتور أحمد فتحي سرور بأنه طلب تقريرا‬
‫عاجل ‪ ،‬لتخاذ الجراءات القانونية اللزمة ومحاكمة المؤلف طبقا للقانون الدولي ( أخبار الدب ‪ 14‬مايو ) ‪.‬‬
‫كانت المة تغلي بالغضب ‪ ،‬وكان قلبها متمثل ‪ ،‬في طلبة جامعة الزهر ‪ ،‬حيث تظاهر ‪ 25‬ألف طالب ‪ ،‬وكانت‬
‫الدولة مترددة حتيى حسيمت أمرهيا بإطلق الرصياص ‪ ،‬على قلب المية على طلبية جامعية الزهير ‪ .‬وأصيبح مين‬
‫المستحيل مواصلة استطلع الرأي ‪ ،‬تحت التهديد بإطلق الرصاص مرة أخرى ‪ ،‬وبلغ النفاق ببعض التنويريين‬
‫ومدعيي البداع ‪ ،‬الذيين أجازوا الجتراء على ال ‪ ،‬أن وجهوا اللوم لصيحيفة الشعيب ‪ ،‬ولحزب العميل ولشخصيي‬
‫الضعيف ‪ ،‬فنحن الذين حرضنيا ونحن الذين أخرجنا الطلبة ‪ ،‬فتسببنا فيما حدث لهم ‪ ،‬أكثير من مائة جريح منهيم‬
‫خمسة فقئت عيونهم ‪.‬‬
‫وجهوا اللوم لنيا ‪ ،‬ولم يجرؤ منهيم أحيد ‪ ،‬على توجييه اللوم على المعالجية المنيية الخاطئة ‪ ،‬ل تعقييب على المين‬
‫وكأنيه القدر بيل أكثير مين القدر ‪ ،‬لننيا فيي القدر نسيأل ال اللطيف فييه ‪ ،‬هيم لم يسيألوا أجهزة المين اللطيف ‪ ،‬وهذه‬
‫الواقعية وحدهيا كانيت كافيية لفضحهيم تماميا ونهائييا أمام الجيال وأمام التارييخ ‪ ،‬لكين هذه الفضيحية ل تنفجير ول‬
‫تأتي بالتأثير المتوقع ‪ ،‬بسبب تهديد جاثم مستمر بإمكانية إطلق الرصاص في أي وقت ‪.‬‬
‫بعيد ميا حدث لطلبية جامعية الزهير ‪ ،‬خفتيت أصيوات معظيم الغاضيبين لدينهيم ‪ ،‬وارتفعيت أصيوات الحيدرييين‬
‫وأصيبح الكذب مجانييا ‪ ،‬خاصية عندميا أقدميت السيلطة على عقاب صيحيفة الشعيب التيي دافعيت عين المقدسيات ‪،‬‬
‫وأصبح الجتراء على الذات الليهية إبداعا وتقدما واستنارة ‪ ،‬وفي نفس الوقت أصبحت إدانة وزير ثقافة النظام‬
‫الباقي ‪ ،‬في مكانه منذ أربعة عشر عاما ‪ ،‬رغم كل ما أثير حوله إرهابا وظلمية وتخلفا ‪.‬‬
‫ووقييف الوزييير الذي قلت تناقضات تصييريحاته ‪ ،‬بعييد أن اطمأن إلى تدعيييم الدولة له ‪ ،‬ليصييرح أن مصيير دولة‬
‫علمانيية ‪ .‬وارتفعيت أصيوات تنادى بإلغاء المادة الثانيية فيي الدسيتور والتيي تنيص على إسيلمية مصير ‪ ،‬ونشرت‬
‫صيحيفة الحياة اللندنيية مقال لكاتيب ‪ ،‬ظين أنيه يفحيم السيلميين بقوله أنيه إذا كان علينيا أن نحترم التراث ‪ ،‬فلييس‬
‫علينيا أن نحترم التراث السيلمي فقيط ‪ ،‬بيل علينيا أن نعطيي اهتماميا مسياويا لمصير المسييحية والفرعونيية ‪ ،‬كان‬
‫السيلم بالنسيبة للمسيكين تراثيا ‪ ،‬مجرد تراث لم يكين دينيا ‪ ،‬وبدا أن هؤلء الناس وأقرانهيم فيي مصير ‪ ،‬ينظرون‬
‫إلى السلم تماما كما ينظر له المتعصبون من المستشرقين ‪ ،‬فالقرآن من تأليف محمد ‪ -‬صلى ال عليه وسلم –‬
‫أما هو نفسه فكذاب ‪ -‬أستغفر ال العظيم ‪ -‬وأن أولئك التنويريين قد ابتلوا بمجموعة من المتخلفين أمثالنا ‪ ...‬نظر‬
‫كلب جهنيم إلى الدين ‪ ،‬كما لو كان مرضا كلّفهم الشيطان بالقضاء عليه ‪ ،‬وبدا لهم أنهم كلما أوشكوا على إنجاز‬
‫مهمة الشيطان ‪ ،‬واجهناهم نحن لنصيب المة بنكسة جديدة …‬
‫وانفجير اللم بصيحيفة ( آفاق عربيية ) فنشرت بمانشييت كيبير ‪ ،‬أنهيا ل تسيتبعد أن ينجيح التنويرييو فيي اسيتبدال‬
‫المادة الثانية في الدستور ‪ ،‬لكي يصبح حيدر حيدر هو المصدر الرئيسي للتشريع … !! …‬
‫مذيعة للبرامج الدينية في التليفزيون المصري وفي كتابها ( ل يا زمري ) نشرت ما ل يصدقه عقل من الجتراء‬
‫على الدين ‪ ،‬ورفض المسؤولين استمرار أي برنامج ناجح ‪ ،‬أو استضافة أي شخصية دينية لها شعبية ‪ ،‬فالشيخ‬
‫محمد الغزالي والدكتور يوسف القرضاوي على سبيل المثال إرهابيان ‪ ،‬أما عندما حاولت تغطية أداء بعض كبار‬
‫المسيؤولين وزوجاتهيم لداء العمرة ‪ ،‬فقيد رفيض التليفزيون ذلك حتيى ميع السييدة سيوزان مبارك ‪ ،‬وكانيت حجتهيم‬
‫أنيه ل داعيي لربيط كبار المسيؤولين بالديين بأي شكيل ‪ ،‬وأنهيم يطبقون تعليمات تأتيي مين فوق بمحاصيرة البراميج‬

‫‪268‬‬
‫الدينيية ‪ ،‬وتصيرخ كاريمان حمزة فيي النهايية أنهيا تنزه وزيير العلم ورئييس الوزراء ورئييس الجمهوريية ‪ ،‬أن‬
‫يكونوا مصدر هذه التعليمات ‪ ،‬ولكنها في نفس الوقت تؤكد أن هذه التعليمات تأتي " من فوق " حقيقية ‪ ،‬لكن هذا‬
‫الفوق ل يوجد داخل مصر إنما خارجها ‪ .‬في أحد برامجها ‪ ،‬كانت تعد موضوعا عن العشرة المبشرين بالجنة ‪،‬‬
‫واحتج المسؤول الكبير على اقتصارها ‪ ،‬على شخصيات من عهد الرسول ‪ ،‬صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وطلب منها‬
‫أن تختار جزءا منهيم وأن تكملهيم بالمعاصيرين ( مثيل عاطيف صيدقي ) ‪ ..‬لم تكين طرفية ( نكتية ) ‪ ..‬ول مأسياة‬
‫جاهل ‪ ..‬بل كارثة أمة ‪...‬‬
‫صرح وزير الثقافة أنه لن يستقيل طول عهد الرئيس مبارك …‬
‫أما صحافته ( وزير الثقافة ) خاصة القاهرة وأخبار الدب ‪ ،‬فقد بلغ بها أن اتهمت الزهر بأنه ينصب من نفسه‬
‫محكمة من محاكم التفتيش ‪ ،‬وأنه ل علقة له بالدب ول حق له أن يحكم فيما هو خارج الدين ‪ ،‬بل وشبهت هذه‬
‫الصحف رئيس جامعة الزهر بالنازيين ‪...‬‬
‫يلخيص مأسياوية الوضيع كله ‪ ،‬ميا قاله الدكتور أحميد عمير هاشيم ‪ ،‬فيي حدييث نشرتيه مجلة المصيور الصيادرة فيي‬
‫‪25/5/2000‬م مين أنيه كرئييس للجنية الدينيية فيي مجلس الشعيب ‪ ،‬مُنِع مين إلقاء بيان يُدافيع فييه عين ال والقرآن‬
‫والرسول صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬بينما سُمح لفاروق حسني أن يلقي بيانه ‪ ،‬الذي يُدافع فيه عمن يسبون ال والقرآن‬
‫والرسيول صيلى ال علييه وسيلم ‪ ،‬وراح الرجيل يردد فيي ألم ‪ " :‬حسيبنا ال ونعيم الوكييل " … انتهيى القتباس مين‬
‫الملف ‪.‬‬
‫الصيور التيي عُرضيت فيي ملف الجريمية لميا كان يجري فيي مصير ‪ ،‬مين حرب شعواء مبرمجية شنّهيا الفراعنية‬
‫الجدد على ال ورسيوله منيذ سينوات ‪ ،‬رسيمتها ريشية فنان مبدع مين أبناء مصير ل مين غيرهيا ‪ .‬أشهيد ال على أن‬
‫قوميه أصيبحوا مجرميين ‪ ،‬بيل وفاقوا الفراعنية القدماء فيي إجرامهيم ‪ ،‬وكأنيه أعذر ال سيبحانه وتعالى فيي إنزال‬
‫العذاب ببني جلدته من حيث ل يدري ‪ ،‬وهذه المر يُذكّرني بقصة النبي ارميا ‪ ،‬عندما أعذر ربه في عذاب قومه‬
‫بني إسرائيل في المرة الولى ‪ ،‬التي أوردها الطبري في تفسيره ج ‪ 3‬ص ( ‪ ) 33 – 32‬وهي قصة جميلة ‪ ،‬تُبين‬
‫بعضا من الحكمة اللهية في تصريف المور ‪ ،‬وكما قال رب العزة في قوم فرعون ( فَ َلمّا ءَاسَفُونَا انْتَ َقمْنَا مِ ْنهُمْ‬
‫لخِرِينَ (‪ 56‬الزخرف )‬
‫ج َمعِينَ (‪َ )55‬فجَعَلْنَا ُهمْ سَ َلفًا َومَثَلً ِل ْ‬
‫غرَقْنَا ُهمْ َأ ْ‬
‫فَأَ ْ‬
‫حيييث يؤكييد د‪ .‬محمييد عباس وبيان شيوخ وطلبيية الزهيير الوارد ذكره فييي الحاشييية ‪ ،‬أن هناك مخطييط تنتهجييه‬
‫الحكومة المصرية منذ سنوات ‪ ،‬لتدمير معالم السلم ورموزه معلما تلو الخر ‪.‬‬
‫واسييتنادا لبيان علي أبييو شادي رئيييس مجلس الهيئة المشرفيية على النشيير ‪ ،‬والذي يقول ‪ :‬بأن الرواييية ( وليميية‬
‫لعشاب البحر ) صدرت في منتصف نوفمبر ‪ ،‬أي ‪15/11/1999‬م ‪ ،‬نستطيع القول أن هذه الرواية المشؤومة ( أو‬
‫وشّي النحيس الحقيقيي ) على القيل ‪ ،‬كانيت فيي مخازن دار النشير عندميا غشيَي الدخان سيكان القاهرة ‪ ،‬فيي الفترة‬
‫الواقعة بين [ ‪1999 30/10 – 20/10‬م ] ‪ .‬ليأتي التحذير والنذير اللهي قبل نشرها وتوزيعها بين الناس مجانا ‪،‬‬
‫من قبل الحكومة المصرية ‪ .‬لكنهم نشروها ونشروا كتابا آخر ‪ ،‬كتابات نقدية العدد ‪ [ 97‬ديسمبر ‪1999‬م ] بعنوان‬
‫( شعير الحداثية فيي مصير ) بعيد شهير واحيد مين نشير الكتاب الول ‪ ،‬اسيتمروا فيي النشير حتيى بعيد أن كشيف ال‬
‫الدخان عنهم ‪.‬‬
‫بعيد هذا العرض نكون قيد عايشنيا على التوالي ‪ ،‬مشهديين مين المشاهيد التيي تعرضهيا اليات ‪ ،‬هميا الشيك واللعيب‬
‫وظهور الدخان فييي مصيير ‪ ،‬والن إلى المشهييد الثالث ‪ ،‬عندمييا يُتهييم خييير النام عليييه الصييلة والسييلم ‪ ،‬بالتعلّم‬
‫والجنون والسيحر فيي كتاب ( فترة التكويين فيي حياة الصيادق الميين ) الذي صيدر فيي النصيف الول ‪ ،‬مين العام‬
‫الحالي ‪2001‬م وهو الكتاب السابع للمجرم المصري خليل عبد الكريم ‪.‬‬
‫قال تعالى‬
‫ن (‪)83‬‬
‫( فَ َذرْ ُه ْم َيخُوضُوا وَيَ ْلعَبُوا ‪ ،‬حَتّى يُلَاقُوا َي ْو َمهُمُ الّذِي يُوعَدُو َ‬
‫( الزخرف )‬
‫وقال‬
‫‪269‬‬
‫ص َعقُونَ (‪)45‬‬
‫( فَ َذرْ ُهمْ حَتّى يُلَاقُوا َي ْو َم ُهمُ الّذِي فِيهِ يُ ْ‬
‫( الطور )‬

‫‪270‬‬
‫ثم تولوا عنه وقالوا مُعلّم مجنون‬
‫ملف خليل عبد الكريم‬
‫في هذا الملف سيجد القارئ جزءا يسيرا من التغطية العلمية ‪ ،‬التي نشرت مؤخرا عن خليل عبد الكريم وكتبه‬
‫‪ .‬ومنها صحيفة القدس العربي ‪ ،‬والهرام القتصادي وصحيفة أخبار الدب ‪ ،‬والخيرة كرست نفسها للدفاع عن‬
‫كييل اجتراء على الذات اللهييية ‪ ،‬ويبدو أنهييا ذهبييت فييي ذلك إلى أبعييد ممييا نتصييور ‪ ،‬ويكفييي دليل على ذلك أن‬
‫محاميهيا فيي قضاييا الرأي ‪ ،‬هيو فرييد الدييب ‪ ..‬محاميي الجاسيوس السيرائيلي عزام عزام وسيعد الديين إبراهييم ‪..‬‬
‫كما أنه محامي الشواذ من عبدة الشيطان ‪..‬‬
‫نعم ‪..‬‬
‫جاسوسية ‪ ..‬وخيانة ‪ ..‬وشذوذ ‪..‬‬
‫فذلك هو الوجه الخر ‪ ،‬للدفاع عن الكفر ‪..‬‬
‫السلم الشيوعي‬
‫سبعة كتب مشبوهة للمفكر اليساري خليل عبد الكريم‬
‫موقع المقال على شبكة النترنت ‪http://www.lailatalqadr.com/stories/p6260501.shtml :‬‬
‫أو ‪http://www.alshaab.com/GIF/31-08-2001/Khalil%20Abd%20Alkareem.htm :‬‬
‫بقلم بدر الشبيب ‪:‬‬
‫" … خليل عبد الكريم كاتب يساري أو شيوعي أو تقدمي ‪ ،‬يكتب في السلم ‪ ..‬ول بأس أن يكتب ‪ ،‬كائن من‬
‫كان عن الدين الحنيف ‪ ،‬ولكن السؤال هو ‪ :‬ماذا يكتب ؟‬
‫وقد كان خليل عبد الكريم عضوًا في جماعة الخوان المسلمين منذ سنوات طويلة خلت ‪ ،‬ولكنه ترك موقعه هذا‬
‫وتحوّل من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ‪ ،‬فأصبح عضوًا في اللجنة المركزية لحزب التجمع الوطني التقدمي‬
‫الوحدوي ‪ ،‬وهو حزب يساري يقول عنه السلميون إنه حزب شيوعي ‪.‬‬
‫ومنذ عشر سنوات أو أكثر ‪ ،‬يثير خليل عبد الكريم عاصفة في مصر وخارجها بكتبه التي يضعها عن السلم ‪..‬‬
‫وتتعرض هذه الكتب للمنع والمصادرة والهجوم العنيف ‪ ،‬ومع هذا فإن الرجل لم يتوقف عن الكتابة ‪ ،‬ولم يتوقف‬
‫عن تغيير خطه الفكري الذي يصدم الجميع ‪ .‬ورغم أن عددًا من أساتذة الجامعات الكبار ‪ ،‬قد حاولوا كشف ما في‬
‫دراسياته هذه مين زييف وافتراءات على السيلم ‪ ،‬إل أن شيئًا ل يمنيع الرجيل مين السيتمرار ‪ ،‬بيل إنيه يزداد غلوًا‬
‫مع كل كتاب جديد غير عابئ بما تثيره كتبه من رفض عنيف ‪.‬‬
‫ويسيتخدم خلييل عبيد الكرييم لغية جارحية فيي كتبيه ‪ ،‬كميا يطرح آراء وأفكار ل يمكين أن توصيف ‪ ،‬إل بأنهيا خروج‬
‫على الملة وعلى رأي الجماعة وعلى رأي الجمهور ‪.‬‬
‫وهيو ينطلق فيي هذا مين مقولة ‪ :‬أننيا يجيب أن نتمتيع بالجرأة العقليية ‪ ،‬وأن نطرح كيل الفكار وكيل الشخصييات ‪،‬‬
‫على مائدة التشرييح العقلي الموضوعيي ‪ ،‬البعييد عين الهوى وعين الفكار الجاهزة ‪ ،‬التيي يكتيب بهيا المؤرخون‬
‫والدارسيون للسيلم عين الدعوة والرسيالة وسييدنا محميد ‪ ..‬يقول خلييل عبيد الكرييم فيي صيدر كتاب أخيير له ‪" ..‬‬
‫وآميل ‪ -‬وهذا أمير متوقيع ‪ -‬أل يسييء البعيض فهيم هذه الدراسية على نحيو لم يرد على خاطرنيا ‪ ،‬وكنيا قيد طالبنيا‬
‫بضرورة كتابة التاريخ السلمي ‪ ،‬كتابة علمية موضوعية بداية بالحبيب المصطفى ‪ ،‬وكرّرنا أن الكتابة بطريقة‬
‫مغايرة للكتابات التقليدية ‪ ،‬يتعين أن تقابل بأفق رحيب وعقلنية بعيدة عن التشنج ‪ ،‬ونذكر هؤلء بأن المين نفسه‬
‫‪ ،‬أكد أن من اجتهد واخطأ فله أجر ‪ ،‬ونحن نأمل في أن نحظى بالجرين ‪ ..‬أجر الجتهاد وأجر الصابة " ‪.‬‬

‫‪271‬‬
‫وفى ظل ما يدعيه من جرأة عقلية على هذا النحو ‪ ،‬فإن خليل عبد الكريم يمضي في هذه الكتابات ‪ ،‬التي ل نجد‬
‫لها مثيلً في تاريخ السلم ‪ .‬ونحن ل ندعو بالطبع إلى مصادرة هذه الكتب أو الحجر على حرية الرجل ‪ ،‬ولكننا‬
‫ندعيو المتخصيصين وعلماء الديين وشيوخ المية إلى مناقشية أفكار الرجيل ‪ ،‬ودحيض ميا فيهيا مين شبهات بشكيل‬
‫علمي هادئ بعيدًا عن الترويع والتخويف والرهاب الفكري ‪.‬‬
‫وهناك الن ‪ ،‬ميا ل يقيل عين سيبعة كتيب هامية أصيدرها الرجيل فيي السينوات الخيرة ‪ ،‬وهيي تسيتحق المناقشية‬
‫والتحليل لعرض ما فيها من آراء والرد عليها ‪.‬‬
‫ولسنا هنا بالطبع في معرض تحليل هذه الكتب أو مناقشتها ‪ ،‬فليس هنا ول الن يتم هذا المر ‪ ،‬ولكننا قد نكتفي‬
‫بالتعريف السريع بها ‪ ،‬خصوصًا أنها تكوّن الن مشروعًا فكريًا لهذا الرجل ‪ .‬والكتب السبعة التي سنعرض لها‬
‫هنا هي ‪:‬‬
‫ل ‪ :‬كتاب ( للشريعة ل لتطبيق الحكم ) ‪:‬‬
‫أو ً‬
‫وهذا الكتاب يقوم على فكرة واحدة أسياسية ‪ ،‬هيي أن تطيبيق الشريعية السيلمية لم يعيد صيالحًا فيي هذا العصير ‪،‬‬
‫لن هذا التطيبيق سوف يجر علينا من المشاكل ما ل حصر لها ‪ .‬ومع أن السلم وكما جاء فيي القرآن العظييم ‪،‬‬
‫هو الدين الخالد الذي يصلح للبشر كافة ويصلح في كل زمان ومكان ‪ ،‬إل أن خليل عبد الكريم له رأي آخر ‪ ،‬فهو‬
‫يقول بالحرف ‪ " :‬إن السييلم ليييس عبادات فقييط ‪ ،‬بييل هييو أيضًيا تشريعات وعقوبات ونظام سييياسي " وهنييا‬
‫الخطورة مين وجهية نظره ‪ ،‬إذ يرى أن تطيبيق الشريعية سيوف يؤدي بنيا إلى أضرار ‪ ،‬تفوق بمراحيل الضرار‬
‫التيي تترتيب على إهمالنيا لتطبيقهيا ‪ .‬وتلك هيي دعوة العلمانييين واللدينييين الذيين يفضلون القانون الوضعيي على‬
‫الشريعة السلمية ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬كتاب ( الجذور التاريخية للشريعة السلمية ) ‪:‬‬
‫وهذا الكتاب يعتييبر اسييتكمالً وتأصيييلً للكتاب الول إذ أنييه ينطلق ميين نفييس الفكرة ‪ ،‬التييي ترفييض الشريعيية‬
‫السلمية وترفض تطبيقها ‪ ،‬وهنا يقول خليل عبد الكريم ‪ " :‬إن هذه الشريعة التي ينادون بها هي مجرد تعاليم ‪،‬‬
‫كان يقول ويأخيذ بهيا عرب الجاهليية ‪ ،‬ثيم جاء محميد فأخيذ هذه التعالييم ‪ ،‬وأعميل فيهيا عقله وفكره ‪ ،‬حتيى بدت‬
‫وكأنها شيء جديد " ‪ .‬ولهذا فإن السؤال الذي يطرحه خليل عبد الكريم ‪ ،‬هو ‪ :‬هل تصلح هذه التعاليم ‪ ،‬التي كان‬
‫يطبقهيا بدو الصيحراء ‪ ،‬قبيل أكثير مين أربعية عشير قرنًا ‪ ،‬لكيي تحكمنيا اليوم ؟! على أن ميا هيو أخطير مين هذا‬
‫السيؤال ‪ ،‬ميا معناه وخلصيته أنيه لييس ثمية شييء منزل مين السيماء ‪ ،‬بيل إن الشياء كلهيا مين صينع سييدنا محميد‬
‫… !!‬
‫ثالثا ‪ :‬كتاب ( السس الفكرية لليسار السلمي ) ‪:‬‬
‫وفيى هذا الكتاب ‪ ،‬يقول خلييل عبيد الكرييم صيراحة أن السيلم لييس شيئًا غيير العبادات ‪ ،‬ميع أن طلبية المراحيل‬
‫التعليميية الولى يعرفون أن السيلم يقوم على دعامتيين ‪ ،‬هميا العبادات والمعاملت ‪ .‬ولكنيه يحصير السيلم فيي‬
‫العبادات فقيط ‪ ،‬ولهذا فإن ميدانيه الصيلي هيو المسياجد والجواميع والتكاييا والحسيينيات ‪ ،‬أو الخلوي والخانقاهات‬
‫والزوايا والمصليّات ‪ ،‬وحضرات الصوفية وحلقات الذكر ومجالس دلئل الخيرات ‪ .‬ومعنى هذا أن السلم دين‬
‫للعبادة وليس دينًا للحياة ‪ ،‬فهو يحصر وظيفته في دور العبادة ‪ ،‬أما شؤون الناس وتصريف حياتهم فليس للسلم‬
‫شأن بها ‪ .‬وهنا نعود إلى مقولت المغرضين ‪ ،‬الذين يقولون إن السلم ليس دينًا ودولة بل هو دين فقط ‪.‬‬
‫رابعًا ‪ :‬كتاب ( مجتمع يثرب ‪ ..‬العلقة بين الرجل والمرأة في العهدين المحمدي والخليفي ) ‪:‬‬
‫وهذا كتاب َم ْعيَبيية ‪ ،‬لنييه يشوه السييلم فييي أعظييم عصييوره ‪ ،‬أي فييي مرحلة النبوة وصييدر السييلم والخلفاء‬
‫الراشدييين ‪ .‬وسييوف يلحييظ القارئ فييي اللحظيية الولى ‪ ،‬أن الكاتييب يسييتخدم كلميية ( يثرب ) ول يسييتخدم اسييم‬
‫( المدينة المنورة ) علمًا بأن السم الول ‪ ،‬قد نسخه السلم وألغاه النبي وأطلق عليها هذا السم الجديد الجميل ‪.‬‬
‫ولكن ليست هذه هي المشكلة في هذا الكتاب ‪ ،‬ولكن المشكلة هي في الدراسة الجتماعية المزعومة التي قدّمها ‪،‬‬
‫والتي شوه بها ومن خللها أعظم المجتمعات وأعظم العصور وأعظم الشخصيات ‪ ،‬حين نكتشف أن المجتمع في‬
‫‪272‬‬
‫مدينة رسول ال ‪ ،‬وهو المجتمع الذي أقام دولة ونشر دينًا ‪ ،‬هذا المجتمع ورجاله ‪ ،‬لم يكونوا مشغولين بشيء قدر‬
‫انشغالهم بالمرأة والجنس معًا …‍‍!‬
‫خامسا‪ :‬كتاب ( قريش من القبيلة إلى الدولة المركزية ) ‪:‬‬
‫وهذا الكتاب ينزع عين النيبي محميد صيلى ال علييه وسيلم ‪ ،‬صيفات الرسيالة والنبوة والوحيي جميعًا ‪ ،‬إذ يحاول‬
‫المؤلف أن يثبت أنه ليس هناك شيء من هذا كله ‪ ،‬ولكن المر كان ينحصر في رغبة قريش في أن تقيم دولة ‪،‬‬
‫وأن تسود على القبائل العربية في شبه الجزيرة وما حولها ‪ .‬وقد تم هذا وفق تخطيط محكم قام به رجل داهية ‪،‬‬
‫هيو جدّ النيبي صيلى ال علييه وسيلم ‪ ،‬وهيو عبيد المطلب الذي جاء بحفيده محميد ‪ ،‬الذي لم يكين أقيل منيه ذكاءً ‪،‬‬
‫وصنع منه حاكمًا ومؤسسًا لهذه الدولة ‪ .‬لقد أراد عبد المطلب أن يصنع ملكًا فصنع نبيًا ‪ ،‬أي أن الحكاية كلها هي‬
‫الحكييم وهييي السيييطرة وهييي السيييادة إلى جوار ملوك وأباطرة ‪ ،‬يحيطون بقبائل العرب ابتداء ميين كسييرى حتييى‬
‫هرقل ‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬كتاب ( شدو الربابة بأحوال الصحابة ) ‪:‬‬
‫وهذا كتاب ل يقيل سيوءًا إن لم يزد عين الكتيب السيابقة ‪ ،‬وهيو أيضًا يأتيي اسيتكمالً لكتابيي مجتميع يثرب وقرييش‬
‫القبيلة والدولة ‪ .‬وفي هذا الكتاب الجديد يعرض المؤلف لحوال صحابة رسول ال ‪ ،‬فيقول فيهم كلمًا لم يرد في‬
‫كتيب السييرة ول فيي كتيب التارييخ ‪ ،‬ومنيه أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ‪ ،‬كان يختلي بالصيحابي الجلييل‬
‫سلمان الفارسي ‪ ،‬ليام طويلة لكي يأخذ منه ويتعلم على يديه ‪ ،‬لن سلمان فيما يقال كان من كبار مثقفي عصره ‪،‬‬
‫وكان عالمًا بالعقائد والديان وكان يحيط بالمذاهب المختلفة ‪ .‬وقد جلس النبي بين يديه كما يجلس تلميذ بين يدي‬
‫أستاذه ‪ ،‬ليتعلم منه كل السس والقواعد والتجارب والتواريخ والسير ‪ ،‬التي استفاد منها النبي بعد ذلك في رسالته‬
‫السلمية المحمدية ‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬كتاب ( فترة التكوين في حياة الصادق المين ) ‪:‬‬
‫وهذا هو آخر كتب خليل عبد الكريم ‪ ،‬ولعله من أخطرها جميعًا ‪ .‬ويقوم هذا الكتاب على فكرة واحدة أساسية هي‬
‫أن سيدنا محمد ليس نبيًا ‪ ،‬ولكنه تلميذ عبقري لمجموعة من الساتذة هم ‪ :‬السيدة خديجة ‪ ،‬وابن عمها ورقة بن‬
‫نوفل ‪ ،‬وبقية أفراد السرة وهم ‪ :‬ميسرة والراهب بحيرا والراهب عداس والبطرك عثمان بن الحويرت ‪ ..‬وكلهم‬
‫مسييحيون ‪ ..‬ولقيد قاميت هذه المجموعية النصيرانية على صيناعة هذا النيبي ‪ ،‬بعيد أن عكفوا على تعليميه لكثير مين‬
‫خمسة عشر عامًا ‪ ،‬حفظ فيها كتب الولين والخرين ‪ ،‬وعرف التوراة والنجيل والمذاهب والعقائد ‪ ،‬وانتهى هذا‬
‫كله بنجاح التجربية أي الرسيالة وصينع هذا العبقري الذي أصيبح نبيًا ‪ ،‬ووضيع كتاب حيّر العامليين على امتداد‬
‫القرون هو القرآن الكريم ‪.‬‬
‫ويقول خلييل عبيد الكرييم بالحرف الواحيد ‪ " :‬وهذا الكتاب يقدم رؤيية جديدة ‪ ،‬نزعيم أنهيا غيير مسيبوقة لحيل هذا‬
‫اللغيز الذي مل الدنييا وشغيل الناس ‪ ،‬وقيد بدأنيا بمحميد قبيل أن يلتقيي أبوه بأميه حتيى التقطتيه سييدة قرييش ‪ ،‬بعيد أن‬
‫توسمت فيه بفراسة يعز مثلها أنه هو القادم المنتظر ‪ ،‬ثم قيامها بمعونة سخية من ابن عمها القس ‪ ،‬بدور ل نجد‬
‫له فيي تارييخ الديان مجرد شيبيه ‪ ،‬أنهيا ملحمية خالدة سيلخت مين عمير الطاهرة والقيس ‪ ،‬عقدًا ونصيف العقيد مين‬
‫الزمان ‪ ،‬فيي العداد والتصينيع والتهيئة والتأهييل ‪ ،‬حتيى طرح ذلك العميل الصيبور الدءوب المتأنيي المخطيط ‪،‬‬
‫والمرسيوم بدقية متناهيية ثمرتيه الناجحية ‪ ،‬وحدثيت واقعية غار حراء بصيورة فذة معجبية ‪ ،‬أدهشيت حتيى فاعليهيا‬
‫وهما سيدة نسياء قريش وورقية بن نوفل ‪ ،‬لنهيا جاءت بصورة لم تخطر لهما على بال ‪ ،‬ول شيك أن هذا النجاح‬
‫يؤوب بنسبة كبيرة إلى موضوع التجربة ‪ ،‬وهو محمد فقد كان عبقريًا ل يفري فرية أحد ‪ ،‬ذلك أن سيرته الذاتية‬
‫وخبراته الشخصية وملكاته العقلية والنفسية واللسانية كانت ركائز أساسية في فلح التجربة " ‪.‬‬
‫يي ل يفري فريية أحيد ‪ ( :‬أي ل يكذب كذبية أحيد ‪ ،‬بمعنيى جاء بكذبية لم يسيبقه إليهيا أحيد مين قبله ‪ ،‬حييث كان يُسيمى‬
‫الصادق المين في مكة ‪ ،‬وبذلك ينفي عنه الكاتب هاتين الصفتين ‪ ،‬فيكون إيرادهما في عنوان الكتاب ‪ ،‬من قبيل‬
‫الستهزاء والستخفاف ‪ ،‬به وبمن صدّقوه على مدى ‪ 1400‬سنة ‪ ،‬وهذا مما مل قلب مسيلمة الكذاب هذا ‪ ،‬وأمثاله‬
‫‪ ،‬غيظا وحسدا على خير الخلق وأكرمهم ‪ ،‬محمد عليه الصلة والسلم )‬
‫‪273‬‬
‫ويقول أيضًا فيي نفيس الكتاب " ‪ ...‬أميا فيي المسياء وفيي لييل مكية الطوييل شتا ًء ‪ ،‬فكان ميع الطاهرة ‪ -‬أي خديجية ‪-‬‬
‫بمفردها أحياناً ‪ ،‬وبحضور القس أحيانًا أخرى ‪ ،‬حيث تتم في تلك القعدات مذاكرة الصحاحات مباشرة ( التوراة‬
‫والنجييل ) ثيم إدارة الحوار بشأنهيا ‪ ،‬وأميا بتلقّيهيا مين الم الرءوم والزوجية الحنون خديجية ‪ ،‬التيي ل شيك أنهيا‬
‫أجادت القراءة والكتابية ‪ ،‬وقيد قرأت تلك الصيحاحات وخزنتّهيا فيي ذاكرتهيا ‪ ،‬أو أنهيا طفقيت تقرأهيا له مباشرة ‪.‬‬
‫وكييل هذا يدور بالنهار فييي السييواق والحوانيييت والعياد ‪ ،‬ومييا يتييم سييماعه ميين القييس ورقيية وخديجيية ميين‬
‫الصيحاحات ‪ ،‬التيي عرّبهيا القيس فيي الليالي الطوال ( لتخرج فيي شكيل سيور القرآن ) وميا يعقبهيا مين شروح‬
‫وإيضاحات ( السينة النبويية ) وحوارات بالجلسيات ‪ ،‬التيي قيد تسيتمر حتيى بزوغ الفجير ‪ .‬نقول أن كيل هذا ‪ ،‬كان‬
‫يجري تخزينييه وبرمجتييه فييي ذاكرة العبقري ‪ ،‬الذي لم تيير جزيرة العرب له مثيلً ‪ ،‬ولم تشهييد له ضريبًيا ‪ ،‬ولم‬
‫تعايين له شبيهًا أو ندًا ‪ ،‬خاصيّة وقيد آمنيا أنيه أميي ل يقرأ ول يكتيب ‪ ،‬والميي ‪ -‬أيّي أُميّي ‪ -‬يتمتيع بذاكرة حديديية ‪،‬‬
‫وحافظة واعية أشد الوعي ‪ ،‬فما بالك إذا اجتمعت المية والعبقرية الفذة في شخص واحد " ‪.‬‬
‫ويقول فيي موضيع آخير " ‪ ...‬ومهميا كانيت الجهود التيي بذلتهيا الطاهرة وعاضدهيا فيهيا ابين عمهيا القيس ‪ ،‬فأنهيا ل‬
‫تنفي عن التجربة وفي مقدمتها حادث الغار ‪ ،‬جانبها الغيبي وناحيتها الميتافيزيقية ( المتافيزيقية ‪ :‬لفظ توصف به‬
‫الظواهر الخارقة الطبيعية ‪ ،‬التي عادة ما تتأتى ‪ ،‬على أيدي الكهان والسحرة والمشعوذين والدراويش ومحضّري‬
‫الرواح ‪ ،‬وذلك لنفي الوحي ) إذ ل تعارض بين المرين ‪ ،‬بل إن كل منهما يكمل الخر ويدعمه ‪ .‬ويقول أيضًا‬
‫‪ ..‬حتمٌي علينيا أن نق ّر ونعترف بمهارة خديجية ‪ ،‬فيي المزج بيين المومية الفياضية بالحيب والحنان ‪ ،‬وبيين العداد‬
‫الكرييم الدقييق لتلقيى التجربية ‪ ،‬ولول هذا الخلط البارع لميا قُدّر للتجربية الفلح والنجاح الذي مل الدنييا ‪ ،‬وشغيل‬
‫الناس منيذ أربعية عشير قرنًا ومازال يشغلهيم حتيى الن وربميا لميد بعييد ‪ ،‬ميا لم تتبدل جذريًا أحوالهيم الجتماعيية‬
‫والقتصادية والثقافية ‪ ،‬وما لم يتحلّل حراس الساطير وجلّس التراث المبارك عن أماكنهيم الميمونة " ( بمعنى‬
‫ما لم يعمل جهابذة المفكّرين من أمثال الكاتب ‪ ،‬على رفع هالة القداسة عن محمد ورسالته فتعالى ال عما يُشرك‬
‫به المجرمون ) ‪.‬‬
‫ثم يقول خليل عبد الكريم في موضع آخر وأخير " ‪ ...‬كان أسى محمد المرير على فقد خديجة أمرًا بديهيًا لنها‬
‫الم الرءوم والزوجية الحبيبية ‪ ،‬ولولهيا ميا أكميل التجربية حتيى نهايتهيا ‪ ،‬وهيي التيي أتاحيت له التّماس ميع ورقية‬
‫وعداس وبحيرا ‪ ،‬وقضاء الليالي الطوال مع ابن نوفل في المدارسة والمذاكرة والمحاورة ‪ ،‬وهي التي كانت تقرأ‬
‫له الصحف التي عرّبها القس نوفل ‪ ،‬وهي التي هيأت له الختلط بأصحاب جميع الملل والنحل والعقائد والديان‬
‫الذين اكتظّت بهم مكة ‪ ،‬ولول التفرغ الدائم وهو أحد عطايا أم هند لما انفسحت له الفرصة الثمينة ‪ .‬ول شك أن‬
‫الخلطية بأصيحاب الديانات شكّلت جزءًا مين الخطية المرسيومة ‪ ،‬لميا انضوت علييه الخطية مين تمرّس واسيتماع ‪،‬‬
‫وحفظ وحوار ومدارسة وتخزين معلومات ‪ .‬لقد أدركت خديجة منذ فجر التجربة ‪ ،‬أن احترامه التجارة ل يدع له‬
‫فسيحة مين الوقيت ‪ ،‬فيي حيين أن التجربية تحتّم ضرورة التفرغ الكاميل ‪ ،‬وطلق كيل ميا يشغله عنهيا طلقًا بائنًا‬
‫بينونة كبرى " ‪.‬‬
‫وبعد ‪ ..‬فهذه مجرد وقفة سريعة ‪ ،‬عند كتب خليل عبد الكريم ‪ ..‬وليس منها كتابًا أقل خطورة من الخر ‪ ..‬ولكن‬
‫ربميا كان هذا الكتاب الخيير هيو أخطرهيا ‪ ..‬فسيوف نلحيظ هنيا ‪ ،‬أن سييدنا محميد ‪ ،‬صيلى ال عليهيم وسيلم ‪ ،‬لييس‬
‫نبيًا يوحى إليه ‪ ،‬بل هو رجل عبقري ‪ ،‬تمت صناعته على يد السيدة خديجة وجماعتها ‪ ،‬وهم مجموعة من أقباط‬
‫مكية ‪ ،‬وأنيه تيم تحفيظيه الكتيب السيماوية ‪ ،‬التيي سيبقته كلهيا ‪ ،‬فكان النتاج هيو هذا الرسيول ‪ .‬وأغرب مين هذا ‪ ،‬أن‬
‫الكتاب كله ‪ ،‬ل ترد فيه كلمة " الرسالة " ‪ ،‬للدللة على الدين الحنيف ‪ ،‬بل هو يسميها " التجربة " ‪ ..‬فلقد نجحت‬
‫" تجربة " خديجة ومن معها ‪ ،‬بما يعني أنها شيء أرضي ‪ ،‬وليست شيئًا علويًا منزلً ‪ ،‬من فوق سبع سماوات ‪.‬‬
‫وفي هذا السياق ‪ ،‬فهو يسمي السيدة خديجة باسم " الطاهرة " تيمنًا باسم مريم العذراء ‪ ،‬التي طهّرها رب العزة‬
‫والجلل واصطفاها على نساء العالمين ‪ ،‬ودللة السم هو أن السيدة خديجة كانت نصرانية ‪ ،‬وبعد هذا ‪ ،‬فهو ل‬
‫يتورع ‪ ،‬عن وصف الوحي ‪ ،‬الذي نزل على رسول ال ‪ ،‬صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬في غار حراء بأنه حادث غيبي‬
‫ميتافيزيقي !‬

‫بين البداع والحرية‬


‫بقلم ‪ :‬الستاذ بدر الشبيب ‪.‬‬
‫‪274‬‬
‫ولكين كييف يكتسيب عميل ميا صيفة البداع ؟ هذا سيؤال جوهري ‪ ،‬ينبغيي على المهتميين بالشأن الثقافيي والفلسيفي‬
‫الجابة عليه ‪ ،‬لنه أصبح أكثر إلحاحا من ذي قبل بخاصة مع ظهور موجة في العالم العربي ‪ ،‬ترى البداع في‬
‫الخروج على المألوف والحديث في المسكوت عنه ‪ ،‬وذلك في مجالين اثنين ل ثالث لهما ( الدين والجنس ) ‪.‬‬
‫فباسييم البداع وحرييية النشيير والتعييبير ‪ ،‬تقذف لنييا دور النشيير كتابييا هنييا ورواييية هناك ‪ ،‬يكون هذان المجالن‬
‫محورهمييا ‪ ،‬مييع كثييير ميين التطاول على حرميية المقدسييات والرموز الدينييية ‪ ،‬وكثييير ميين السييفاف والبتذال‬
‫والخروج على الداب العامة ‪.‬‬
‫وقائمية السيماء طويلة ‪ ،‬تبدأ مين المشرق ول تنتهيي فيي المغرب ‪ ،‬ويأتيي على رأس القائمية جميع مين الروائييين‬
‫أمثال حيدر حيدر ( وليمية لعشاب البحير ) ‪ ،‬ومحميد شكري ( الخبيز الحافيي ) ‪ ،‬ومنيى فياض ( فيخ الجسيد ) ‪،‬‬
‫وإلهام منصور ( أنا هي أنتِ ) ‪ ... ،‬الخ ‪.‬‬
‫وأما ال ُكتّاب فهم كثر أيضا ( نوال السعداوي ‪ ،‬ليلى العثمان ‪ ،‬نصر حامد أبو زيد ‪ ،‬خليل عبد الكريم ‪ ... ،‬الخ )‬
‫ولعل هذا الخير ‪ ،‬أعني خليل عبد الكريم ‪ ،‬هو آخر المتطاولين في كتابه ( فترة التكوين في حياة الصادق المين‬
‫) ‪ ،‬حيث يتناول مرحلة ما قبل النبوة في حياة النبي ( ص ) محاول النيل من قدسية الرسول ( ص ) والتشكيك‬
‫في كونه مرسل من عند ال ‪.‬‬
‫والملحيظ أن هؤلء الكتاب والروائييين يؤسيسون لكتاباتهيم بمصيطلحات تبدو للوهلة الولى حضاريية وتقدميية ‪،‬‬
‫من مثل البداع وحرية النشر والتعبير ‪ ،‬وإعادة قراءة النصوص التراثية بما فيها القرآن ‪ ،‬بالستفادة من المناهج‬
‫التاريخية والمدارس اللسنية الحديثة ‪.‬‬
‫ولكننيا حيين نتأميل فيي مجميل إنتاجاتهيم ‪ ،‬نجدهيا تهدف أول وآخرا إلى الميس مين المقدّس السيلمي وجعله غيير‬
‫مقدّس ‪ ،‬وإلى هدم قلع الحياء والعفية فيي المجتميع المسيلم ‪ ،‬وإل فأي معنيى لحصير البداع فيي كيل ميا مين شأنيه‬
‫الحط من الذوق الجمالي الرفيع ‪ ،‬بدل من أن يكون البداع أساسا لتدريب الذائقة وتنميتها ؟!‬
‫وسيؤال آخير يطرح نفسيه ‪ :‬هيل يحيق لكيل أحيد أن يكتيب فيي الديين ويناقيش مسيائله ‪ ،‬ولماذا يصيبح النيص الدينيي‬
‫مباحا لكل أحد ‪ ..‬ألسنا نعيش عصر التخصص ؟!‬
‫وأخيرا ‪ ،‬لماذا يغضب هؤلء الكتاب عند رفع دعوى حسبية ضدهم أمام القضاء ‪ ،‬إذا كانوا متحضرين فعل ؟! ‪..‬‬
‫أليس التقاضي أسلوبا حضاريا ؟!‬
‫ونقطية أخرى هامية ينبغيي الشارة إليهيا هنيا ‪ ،‬فنحين ل نسيتطيع أن نعميم على جمييع الكتاب تهمية التآمير ضيد‬
‫السيلم والمجتميع المسيلم ‪ ،‬فهناك طائفية مين الكتاب تنشيد الحيق ‪ ،‬ولكنهيا تخطيئ الوسييلة والمنهيج و ( لييس مين‬
‫طلب الحق فأخطأه ‪ ،‬كمن طلب الباطل فأدركه ) ‪.‬‬
‫نحين لسينا ضيد البداع ‪ ،‬ولسينا ضيد السيتفادة مين المنتجات الثقافيية للخريين ‪ ،‬ول نرييد هنيا أن نؤسيس لفقيه‬
‫ي البداع‬
‫المصيادرة ‪ ،‬ولكننيا نرييد أن نؤسيس منهجيا منطلقيا مين ثقافتنيا السيلمية الصييلة ‪ ،‬فيي تعرييف مصيطلح ّ‬
‫والحرية وحدودهما ‪ ،‬في نفس الوقت الذي ندعو فيه لعادة صياغة فقه الحسبة ‪ ،‬بلغة عصرية وبثه في أوساط‬
‫المجتمع ‪.‬‬
‫وهذا التأصييل ضروري ‪ ،‬لكيي نتعرف على قيمية المنفعية والمتعية وغيرهميا فيي تحدييد إبداعيية العميل ‪ ،‬وكذلك‬
‫للتعرف على الطير التيي تعميل الحريية فيي حدودهيا ‪ ،‬إذ ل يمكننيا العتماد على المنهيج الغربيي الذي يكييل بألف‬
‫مكيال ‪ ،‬فيحتفييي بسييلمان رشدي باعتباره مبدعييا ‪ ،‬ويضيييق صييدرا بروجيييه جارودي ‪ ،‬فيسيين قانون ( جيسييو –‬
‫فابييو ) ليقدميه للمحاكمية ‪ ،‬لنيه كتيب ( السياطير المؤسيسة للسيياسة السيرائيلية ) ‪ ،‬كميا لم يتسيع صيدره ليي ( دافييد‬
‫ايرفنج ) المؤرخ البريطاني الذي شكك في أرقام الهولوكوست " ‪.‬‬

‫جولة الصحافة ‪ :‬الجزيرة نت ‪ ،‬ثورة المشايخ‬


‫" وأصدر مجمع البحوث السلمية من جهته تقريراً عن الكتاب ‪ ،‬أوضح فيه أن الكتاب يعتبر إنكارا لرسالت‬
‫النيبياء ‪ .‬ويعرض الكتاب لحياة الرسيول الكرييم بشكيل مزرٍ ‪ ...‬وانتهيى التقريير إلى التوصيية بمصيادرة الكتاب‬
‫‪275‬‬
‫الذي يمثيل عملً عدوانياً على عقيدة المية السيلمية ‪ ،‬ينكير مبدأ الرسيالت السيماوية إنكارًا قاطعاً ‪ ،‬ويزعيم أن‬
‫جمييع النيبياء صيناعة أرضيية بشريية ‪ .‬مين الجديير بالذكير أن التوصيية بالمصيادرة صيدرت بإجماع آراء علماء‬
‫مجمع البحوث ‪.‬‬
‫من ناحيته أكد د‪ .‬يحيى إسماعيل المين العام لجبهة علماء الزهر ‪ ،‬أن الكلم الوارد في الكتاب ل يحتمل حكماً‬
‫آخر غير الكفر ‪ .‬وأضاف قائلً ‪ :‬لسنا أمام ثقافة أو فكر ول يمكن أن تكون الوقاحة إبداعاً ‪.‬‬
‫وليميية جديدة ‪ ،‬وفييي نفييس الطار نشرت صييحيفة الوفييد تقريرا ‪ ،‬تحييت عنوان وزارة الثقافيية تطبييع كتابًا يهاجييم‬
‫السيلم ‪ ،‬ويقول التقريير ‪ :‬أن مجميع البحوث السيلمية ‪ ،‬طلب مصيادرة كتاب ( المرأة والجنوسية فيي السيلم )‬
‫والذي قاميت بتأليفيه ليلى أحميد باللغية النجليزيية ‪ ،‬وطبعتيه وزارة الثقافية على نفقتهيا بعيد ترجمتيه … وكشيف‬
‫التقرير ‪ ،‬أن الكتاب يزعم أن القرآن اقتبس مادته التاريخية من التوارة ‪ ،‬وأن السلم سلب حقوق المرأة ‪ .‬واتهم‬
‫التقريير المؤلفة بالتشكيك فيي سماوية القرآن وبالتحرييف المتعمد لوقائع السيرة النبوية ‪ ...‬وطلب التقرير مساءلة‬
‫المجلس العلى للثقافة ‪ ،‬عن إضاعة أموال الدولة في عمل يدعو لهدم السلم ‪.‬‬

‫خشْ َيةً )‬
‫خشْ َيةِ الّلهِ َأوْ َأشَدّ َ‬
‫شوْنَ النّاسَ َك َ‬
‫خ َ‬
‫( َي ْ‬
‫فيي نيجيريا تخرج المليين من الناس ‪ ،‬لتجتمع في صعيد واحد مطالبة بتطبيق الشريعة ‪ ،‬فتبدأ ولية تلو أخرى‬
‫بتطبيقهييا ‪ ،‬بالرغييم ميين معارضيية الغرب النصييراني ‪ ،‬أمييا فييي مصيير أم الدنيييا بلد الزهيير كمييا يُسيمّيها الشقاء‬
‫المصيريون ‪ ،‬وفيي أرض الكنانية كميا يُسيميها الشقاء العرب ‪ ،‬فالشريعية السيلمية لديهيم انتهيت مدة صيلحيتها ‪،‬‬
‫لذلك يتوجب علينا أن نُلقيها في سلة المهملت ‪ ،‬ليكون مصيرها الحرق في مقالب قمامة القاهرة ‪.‬‬
‫هيي نفسيها حرب فرعون وملئه ‪ ،‬على موسيى ومين معيه مين المؤمنيين ‪ ،‬تتجدّد على نفيس الرض وعلى نفيس‬
‫الشاكلة ‪ ،‬ول وازع ول رادع ‪ ،‬بالرغم من سكنهم في مسياكن الذين ظلموا أنفسهم ‪ ،‬فأخذهم وأبقى أثرهم لتذكير‬
‫من يأتي بعدهم ببطشه وجبروته ‪.‬‬
‫فيي مصير تُصيدر المحكمية الداريية فيي القاهرة ‪ ،‬فيي مطلع شهير ‪7/2001‬م ‪ ،‬قرارا بإغلق صيحيفتي ( النبيأ ) و‬
‫( آخر نبأ ) ‪ ،‬لنها أساءت لمشاعر القباط بنشر صور فاضحة ‪ ،‬انحرافات جنسية لراهب مطرود من الدير ‪،‬‬
‫ممييا أثار تظاهرات غاضبيية للقباط فييي حزيران الماضييي ‪ .‬وهذا القرار عادل بل أدنييى شييك فديننييا ل يقبييل هذا‬
‫الفعل ‪.‬‬
‫ولكن ماذا عن إساءة مشاعر المسلمين ‪ ،‬وماذا عن الساءة لكتاب ال ‪ ،‬وماذا عن الساءة لرسول ال ‪ ،‬وماذا عن‬
‫الجتراء على ال ‪ ،‬لقد رُفعت قضايا ضد من قاموا بذلك ‪ ،‬ولكن هل اتخذت تلك المحكمة قرارا مشابها ‪‍ ...‬؟‍! نعم‬
‫‪ ..‬لقد أخذت الحكومة المصرية قرارا ‪ ،‬ولكن بإغلق الصحف التي دافعت عن مقدسات المة ‪ ،‬بدعوى الرهاب‬
‫الفكري للمبدعييين ‪ ،‬الذييين انهالوا على السييلم ليحطموا أوثانييه وأصيينامه ‪ ،‬التييي ألفوا آباءهييم وأجدادهييم لهييا‬
‫عاكفين ‪ ،‬منذ أربعة عشر قرنا من الزمان … !!‬
‫ميا يلفيت النتباه إلى أن أقباط مصير ‪ ،‬غضبوا لدينهيم بشكيل جماعيي وهيم أقليية فيي مصير ‪ ،‬ومين حيق النسيان بيل‬
‫واجب عليه أن يغضب ‪ ،‬ول يكون الغضب محمودا إل في هذا الموقف ‪ ،‬ولكن هل غضب المسلمون في مصر ‪،‬‬
‫عندما انتهكت وما زالت مقدّساتهم الدينية جمل وتفصيل ‪.‬‬
‫يقول د‪ .‬محميد عباس ‪ " :‬كانيت المة تغلي بالغضيب ‪ ،‬وكان قلبها متمثل في طلبية جامعة الزهير ‪ ،‬حييث تظاهير‬
‫‪ 25‬ألف طالب ‪ ،‬وكانت الدولة مترددة حتى حسمت أمرها بإطلق الرصاص ‪ ،‬على قلب المة على طلبة جامعة‬
‫الزهر ‪ .‬ويقول ‪ :‬كان موقف شيوخ الزهر وطلبته رائعا ‪ ،‬فقد أصدر ‪ 70‬عالما أزهريا بيانا " ‪.‬‬
‫ولكين ميا شاهدناه على شاشية التلفزيون هيو مظاهرة تضيم بضعية عشرات مين فتيات الزهير ‪ ،‬وأدتهيا الشرطية‬
‫المصيرية من قبل أن تبدأ ‪ ،‬حسبما جاء فيي النشرات الخباريية ‪ ،‬وما نود أن نُشيير إليه هنا أن المية المصيرية لم‬
‫تُحرك ساكنا ‪ ،‬فهي منشغلة بدنياها من رأسها حتى أخمص قدمها ‪ ،‬لتستمر المعركة على صفحات الصحف من‬
‫قبل القلة من أبناء مصر الذين انتصروا لدينهم ‪ ،‬وخذلتهم أمتهم وخذلت دينها قبل أن تخذلهم حكومتهم ‪ ،‬وما نسبة‬
‫‪ 25‬ألف طالب مما يزيد عن ‪ 50‬مليون مسلم في مصر … ؟!‬
‫‪276‬‬
‫وهذا الوضيع المؤسيف والمأسيوي فيي مصير ‪ ،‬الذي حاول د‪ .‬محميد عباس تجميله ‪ ،‬والذي يبعيث السيى والحزن‬
‫فيي قلب كيل مسيلم ‪ ،‬هيو ميا تسيتشعره فيي ثناييا مقالت وبيانات ‪ ،‬د‪ .‬محميد عباس نفسيه ‪ ،‬وهيو ينادي فيي أمتيه فل‬
‫سييامع ول مجيييب ‪ ،‬ممييا اضطره للسييتنجاد بالزهيير وطلبتييه والمفتييي والقرضاوي ‪ ،‬بعييد أن وجييد نفسييه وحيدا‬
‫ي كماشة إعلم الكفر والضللة وجبروت فرعون وسطوته ‪ ،‬فاستجابوا له بعد حين ‪.‬‬ ‫محاصرا ‪ ،‬بين فك ّ‬
‫فلماذا انتصيرت الحكومية لنصيارى مصير وحاربيت مسيلميها ؟! ألييس لنهيم يخشون الناس مين نصيارى الغرب‬
‫كخشيية ال أو أشيد خشيية ‪ ،‬نعيم ‪ ..‬هذا هيو الشرك بعينيه ‪ ،‬لذلك اعتقيد بعيض المفسيّرون القدماء أن المقصيود فيي‬
‫اليات هم مشركي قريش ‪ ،‬ظنا منهم أن الشرك ولّى من غير رجعة ‪.‬‬
‫نعيم ‪ ..‬إنهيم يشكّون بربوبيية ال وألوهيتيه ول يدينون له بالعبادة ‪ ،‬ويشكّون فيي قدرتيه على نصير أوليائه والنتقام‬
‫مين خصيومه ‪ ،‬ويُضاف إلى شركهيم صيفة أخرى هيي النفاق ‪ ،‬وهيو ميا لم ينتبيه إلييه مين ذهبوا إلى ذلك القول مين‬
‫المُفسّرين ‪ ،‬فمشركو قريش أخذتهم العزة بالثم ‪ ،‬فل حاجة بهم ليُنافقوا رسول ال وصحبه ‪ ،‬ولم يُعطوا الدنية في‬
‫معتقدهم بالرغم من بطلنه ‪ ،‬حتى فُتحت مكة ودخلوا في السلم وما ظهر النفاق إل في المدينة ‪.‬‬
‫وفيي خضيم هذه الموجية ‪ ،‬وميع ضعيف نور السيلم وأفول شمسيه ‪ ،‬سييتحول النفاق قريبيا إلى كفير بواح ‪ ،‬فلن‬
‫يكون هناك داعيا للخجل ‪ .‬حينها ستكون بطشة ربك الكبرى على البواب ‪ ،‬ويكون أهل مصر قد أعذروا ال في‬
‫أنفسهم بما كسبت أيديهم وبما سكتوا عن الحق ‪ ،‬فالساكت عن الحق شيطان أخرس ‪ ،‬لنعود إلى قوله تعال ( َومَا‬
‫ك ُمهِْلكَ ا ْلقُرَى حَتّى يَ ْبعَثَ فِي ُأ ّمهَا رَسُولً يَتْلُو عَلَ ْيهِمْ ءَايَاتِنَا َومَا كُنّا ُمهْ ِلكِي ا ْلقُرَى ِإلّ َوأَهُْلهَا ظَا ِلمُونَ (‬
‫كَانَ رَبّ َ‬
‫‪ 59‬القصيص ) ورحمية مين ربيك بعيث رسيله الكرام ‪ ،‬مبشريين بعظيم ثواب الدنييا والخرة ‪ ،‬ومنذريين مين بأسيه‬
‫الشديد فيي الدنيا والخرة ‪ ،‬ورحمة بأهل مصير ها قد أنذرهم بالدخان ‪ ،‬حتى يوقظهم من غفلتهيم لعلهم يرجعون‬
‫ك أَ نْ لَ مْ َيكُ نْ رَبّ كَ ‪ُ ،‬مهْلِ كَ ا ْلقُرَى ِبظُلْ مٍ ‪َ ،‬وأَهُْلهَا غَافِلُو نَ (‪ 131‬النعام ) وقوله ( َومَا كَا نَ رَبّ كَ‬ ‫مصداقا لقوله ( ذَِل َ‬
‫لِ ُيهْلِكَ ا ْلقُرَى ِبظُ ْلمٍ ‪َ ،‬وأَهُْلهَا مُصْ ِلحُونَ (‪ 117‬هود ) ‪.‬‬
‫قال تعالى ( َومِ ْنهُمُب الّذِينَب ُيؤْذُونَب النّبِيّ ‪ ،‬وَ َيقُولُونَب ُهوَ أُذُنٌب ‪ُ ،‬ق ْل أُذُنُب خَيْرٍ َلكُمْب ‪ُ ،‬ي ْؤمِنُب بِالِّ وَ ُي ْؤمِنُب لِ ْل ُم ْؤمِنِينَب ‪،‬‬
‫ب أَلِي مٌ (‪َ )61‬يحْ ِلفُو نَ بِالِّ َلكُ مْ لِيُرْضُوكُ مْ ‪ ،‬وَالُّ‬ ‫ح َمةٌ لِلّذِي نَ ءَامَنُوا مِ ْنكُ مْ ‪ ،‬وَالّذِي نَ ُيؤْذُو نَ رَ سُو َل الِّ َلهُ مْ عَذَا ٌ‬ ‫وَ َر ْ‬
‫جهَنّمَب‬ ‫وَرَسبُوُل ُه َأحَقّ أَنْب ُيرْضُوهُب ‪ ،‬إِنْب كَانُوا ُم ْؤمِنِينَب (‪ )62‬أَلَمْب َيعْ َلمُوا أَنّهُب مَنْب ُيحَادِ ِد الَّ وَرَسبُو َلهُ ‪َ ،‬فأَنّ لَهُب نَا َر َ‬
‫خَالِدًا فِيهَا ‪ ،‬ذَلِكَب ا ْلخِزْيبُ ا ْل َعظِيمبُ (‪َ )63‬يحْذَرُ ا ْلمُنَا ِفقُونبَ ‪ ،‬أَنْب تُنَ ّزلَ عَلَ ْيهِمْب سبُورَةٌ تُنَبّ ُئهُمبْ بِمَا فِي قُلُو ِبهِمبْ ‪ُ ،‬قلِ‬
‫ض وَنَ ْلعَ بُ ‪ُ ،‬قلْ أَبِالِّ وَءَايَاتِ هِ‬ ‫ج مَا َتحْذَرُو نَ (‪ )64‬وَلَئِ نْ سََألْ َت ُهمْ ‪ ،‬لَ َيقُولُنّ إِ ّنمَا كُنّا َنخُو ُ‬ ‫ا سْ َتهْزِئُوا ‪ ،‬إِنّ الَّ ُمخْرِ ٌ‬
‫ب طَا ِئ َفةً ‪ ،‬بِأَ ّنهُمْ‬ ‫ن طَا ِئ َفةٍ مِ ْنكُمْ ‪ُ ،‬نعَذّ ْ‬
‫وَرَسُو ِلهِ كُنْتُمْ تَسْ َتهْزِئُونَ (‪ )65‬لَ َتعْتَذِرُوا قَ ْد َكفَرْتُمْ َبعْدَ إِيمَا ِنكُمْ ‪ ،‬إِنْ َنعْفُ عَ ْ‬
‫ضهُم ْب مِن بْ َبعْض بٍ ‪ ،‬يَ ْأمُرُون بَ بِا ْلمُ ْنكَ ِر وَيَ ْن َهوْن بَ عَن بِ ا ْل َمعْرُوف بِ ‪،‬‬ ‫كَانُوا ُمجْ ِرمِين بَ (‪ )66‬ا ْلمُنَا ِفقُون َب وَا ْلمُنَا ِفقَات بُ َبعْ ُ‬
‫وَ َيقْبِضُون َب أَيْدِ َيهُم بْ ‪ ،‬نَس بُوا الَّ فَنَس بِ َي ُهمْ ‪ ،‬إِنّ ا ْلمُنَا ِفقِين بَ هُم بُ ا ْلفَاس بِقُونَ (‪ )67‬وَعَ َد الُّ ا ْلمُنَا ِفقِين َب وَا ْلمُنَا ِفقَات بِ‬
‫ن ِم نْ قَ ْبِلكُ مْ ‪ ،‬كَانُوا َأشَدّ‬ ‫ي حَ سْ ُبهُ ْم وَ َلعَ َنهُ مُ الُّ وَ َلهُ مْ عَذَا بٌ ُمقِي مٌ (‪ )68‬كَالّذِي َ‬ ‫جهَنّ َم خَالِدِي نَ فِيهَا ‪ ،‬هِ َ‬ ‫وَالْ ُكفّارَ ‪ ،‬نَا َر َ‬
‫ن مِنْ قَبْ ِلكُمْ ِبخَلَ ِقهِمْ ‪،‬‬ ‫مِ ْنكُمْ ُقوّ ًة َوَأكْثَرَ َأ ْموَالً َوَأ ْولَدًا ‪ ،‬فَاسْ َتمْ َتعُوا ِبخَلَ ِقهِمْ ‪ ،‬فَاسْ َتمْتَعْ ُتمْ ِبخَلَ ِقكُمْ َكمَا اسْ َتمْتَعَ الّذِي َ‬
‫لخِرَةِ ‪َ ،‬وأُولَئِكَب هُمُب ا ْلخَاسِبرُونَ (‪ )69‬أَلَمْب يَأْ ِتهِمْب نَبَأُ‬ ‫عمَاُلهُمْب فِي الدّنْيَا وَا ْ‬ ‫َوخُضْتُمْب كَالّذِي خَاضُوا ‪ ،‬أُولَئِكَب حَ ِبطَتْب أَ ْ‬
‫ب مَدْيَنَب وَا ْل ُمؤْ َتفِكَاتِب ‪ ،‬أَتَ ْتهُمْب رُسُبُل ُهمْ بِالْبَيّنَاتِب ‪،‬‬
‫الّذِينَب مِنْب قَبْ ِلهِمْب ‪َ ،‬قوْمِب نُوحٍب َوعَا ٍد وَ َثمُودَ وَ َقوْمِب إِبْرَاهِيمَب َوأَصْبحَا ِ‬
‫ضهُ ْم َأوْلِيَاءُ َبعْضٍ ‪ ،‬يَ ْأمُرُونَ‬ ‫ن وَا ْل ُم ْؤمِنَاتُ َبعْ ُ‬ ‫سهُمْ َيظْ ِلمُونَ (‪ )70‬وَا ْل ُم ْؤمِنُو َ‬ ‫ن الُّ لِ َيظْ ِل َمهُمْ ‪ ،‬وَ َلكِنْ كَانُوا أَنْ ُف َ‬‫َفمَا كَا َ‬
‫ح ُم ُهمُ‬ ‫بِا ْل َمعْرُوفِب وَيَ ْن َهوْنَب عَنِب ا ْلمُ ْنكَرِ ‪ ،‬وَ ُيقِيمُونَب الصّبلَ َة وَ ُيؤْتُونَب ال ّزكَاةَ وَ ُيطِيعُونَب الَّ وَرَسبُو َلهُ ‪ ،‬أُولَئِكَب سَبيَ ْر َ‬
‫الُّ ‪ ،‬إِنّ الَّ عَزِي ٌز حَكِيمٌب (‪ )71‬وَعَ َد الُّ ا ْل ُم ْؤمِنِينَب وَا ْل ُم ْؤمِنَاتِب ‪ ،‬جَنّاتٍب َتجْرِي مِنْب َتحْتِهَا الَْ ْنهَا ُر خَالِدِينَب فِيهَا ‪،‬‬
‫ضوَانٌب مِنَب الِّ َأكْبَرُ ‪ ،‬ذَلِكَب ُهوَ ا ْل َفوْزُ ا ْل َعظِي مُ (‪ )72‬يَأَ ّيهَا النّبِيّ ‪ ،‬جَاهِدِ ا ْل ُكفّارَ‬ ‫ن طَيّ َبةً فِي جَنّا تِ عَدْ نٍ ‪َ ،‬ورِ ْ‬ ‫َومَسبَاكِ َ‬
‫جهَنّ مُ وَبِئْ سَ ا ْلمَ صِيرُ (‪َ )73‬يحْ ِلفُو نَ بِالِّ مَا قَالُوا ‪ ،‬وَ َلقَدْ قَالُوا كَ ِل َمةَ ا ْلكُفْرِ ‪،‬‬ ‫ن وَاغْلُ ظْ عَلَ ْيهِ مْ ‪َ ،‬ومَ ْأوَاهُ مْ َ‬ ‫وَا ْلمُنَا ِفقِي َ‬
‫ل ِم ِهمْ ‪ ،‬وَ َهمّوا ِبمَا لَمْب يَنَالُوا ‪َ ،‬ومَا َن َقمُوا ِإ ّل أَنْب أَغْنَاهُمُب الُّ وَرَسبُوُل ُه مِنْب فَضْلِهِب ‪ ،‬فَإِنْب يَتُوبُوا يَكُب‬ ‫َوكَفَرُوا َبعْدَ إِسْب َ‬
‫ن وَلِيّ َولَ نَصِيرٍ (‪)74‬‬ ‫لخِرَةِ ‪َ ،‬ومَا َلهُمْ فِي الَْرْضِ مِ ْ‬ ‫خَيْرًا َلهُمْ ‪َ ،‬وإِنْ يَ َتوَّلوْا ُيعَذّ ْبهُ ُم الُّ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدّنْيَا وَا ْ‬
‫ضلِهِب ‪،‬‬‫ن وَلَ َنكُونَنّ مِنَب الصبّا ِلحِينَ (‪ )75‬فَ َلمّاب ءَاتَاهُمْب مِنْب فَ ْ‬ ‫َومِ ْنهُمْب مَنْب عَاهَ َد الَّ ‪ ،‬لَئِنْب ءَاتَانَا مِنْب فَضْلِهِب ‪ ،‬لَنَصّبدّقَ ّ‬
‫عقَ َبهُمْب ِنفَاقًا فِي قُلُو ِبهِمْب إِلَى َيوْمِب يَ ْل َقوْنَهُب ‪ ،‬بِمَا َأخْ َلفُوا الَّ مَا وَعَدُوهُب ‪،‬‬ ‫َبخِلُوا بِهِب وَ َتوَّلوْا وَهُمْب ُمعْرِضُونَب (‪ )76‬فَأَ ْ‬
‫لمُ ا ْلغُيُوبِ (‪ 78‬التوبة ) ‪.‬‬ ‫عّ‬ ‫ن الَّ َ‬ ‫جوَا ُهمْ ‪َ ،‬وأَ ّ‬ ‫ن الَّ َيعْ َل ُم سِرّ ُه ْم وَ َن ْ‬ ‫وَ ِبمَا كَانُوا َيكْذِبُونَ (‪ )77‬أَ َلمْ َيعْ َلمُوا أَ ّ‬

‫‪277‬‬
‫همْ عَذَابًا ُمهِينًا (‪57‬‬
‫لخِرَةِ ‪َ ،‬وأَعَدّ َل ُ‬
‫لّ وَ َرسُو َلهُ ‪َ ،‬لعَ َن ُهمُ الُّ فِي الدّنْيَا وَا ْ‬
‫قال تعالى ( إِنّ الّذِينَ ُيؤْذُونَ ا َ‬
‫الحزاب )‬
‫ن ظَ َلمُوا ‪ ،‬وَ ُبشْرَى‬
‫عرَبِيّا ‪ ،‬لِيُنْ ِذرَ الّذِي َ‬
‫ح َمةً ‪ ،‬وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدّقٌ ِلسَانًا َ‬ ‫ب مُوسَى ِإمَامًا وَ َر ْ‬
‫وقال ( َومِنْ قَبْ ِل ِه كِتَا ُ‬
‫حسِنِينَ (‪ 12‬الحقاف )‬ ‫لِ ْل ُم ْ‬

‫‪278‬‬
‫يوم نبطش البطشة الكبرى‬
‫وهكذا نكون قييد عايشنييا أجواء المشهييد الثالث قبييل الخييير ميين فصييول سييورة الدخان ‪ ،‬وبقييي المشهييد الرابييع‬
‫والخير ‪ ،‬المشهد الكثر رعبا وهول إنها البطشة الكبرى ‪ ،‬التي سينتقم فيها رب العزة ممن آذوا رسوله ‪ ،‬وهو‬
‫وعيد خاص لمحميد علييه الصيلة والسيلم ول يخلف ال وعده ‪ ،‬قال تعالى ( إِنّاب لَنَنْصُبرُ رُسُبلَنَا ‪ ،‬وَالّذِينَب ءَامَنُوا ‪،‬‬
‫عزِيزٌ ذُو انْ ِتقَا مٍ‬
‫شهَادُ (‪ )51‬وقال ( فَلَ َتحْ سَبَنّ الَّ ُمخْلِ فَ وَعْدِ هِ رُ سُ َلهُ ‪ ،‬إِنّ الَّ َ‬
‫فِي ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا ‪ ،‬وَ َيوْ مَ َيقُو مُ ا َلْ ْ‬
‫(‪ 47‬إبراهيم ) ‪.‬‬
‫أما المؤمنون من أهل مصر فربهم أعلم بهم ‪ ،‬وهو كفيل بأن يقيهم العذاب حيث وعدهم بالنصر كما وعد رسله (‬
‫صرُ‬
‫ن حَقّا عَلَيْنَا نَ ْ‬ ‫ن َأجْ َرمُوا ‪َ ،‬وكَا َ‬ ‫وَ َلقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلً ‪ ،‬إِلَى َق ْو ِمهِمْ َفجَاءُوهُمْ بِالْبَيّنَاتِ ‪ ،‬فَانْ َت َقمْنَا ِمنَ الّذِي َ‬
‫ا ْل ُم ْؤمِنِينَب (‪ 47‬الروم ) ‪ ،‬ووعدهيم بالنجاة كميا وعيد رسيله ‪ ،‬قال تعالى ( َف َهلْ يَنْ َتظِرُونَب ‪ِ ،‬إلّ مِ ْث َل أَيّامِب الّذِينَب خَ َلوْا‬
‫علَيْنَا‬
‫حقّاب َ‬
‫مِنْب قَبْ ِلهِمْب ‪ُ ،‬قلْ فَانْ َتظِرُوا ‪ ،‬إِنّيب َم َعكُمْب مِنَب ا ْلمُنْ َتظِرِينَب (‪ُ )102‬ثمّ نُ َنجّيب رُسُبلَنَا ‪ ،‬وَالّذِينَب ءَامَنُوا ‪ ،‬كَذَلِكَب َ‬
‫نُ ْنجِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪ 103‬يونس ) ‪.‬‬
‫وبعد جدال طويل لمؤمن آل فرعون مع أئمة الكفر من قومه ‪ ،‬في حوار يمتد من الية ‪ 28‬في سورة غافر وحتى‬
‫ن مَا أَقُولُ َلكُمْب ‪َ ،‬وأُ َفوّضُب َأمْرِي إِلَى الِّ ‪ ،‬إِنّ الَّ بَصبِيرٌ بِا ْلعِبَادِ (‪َ )44‬فوَقَاهُب‬‫اليية ‪ ، 44‬يقول لقوميه ‪ ( :‬فَسَبتَ ْذكُرُو َ‬
‫عشِيّاب ‪ ،‬وَ َيوْمَب َتقُومُب‬
‫علَ ْيهَا غُ ُدوّا وَ َ‬
‫عوْنَب سبُوءُ ا ْلعَذَابِب (‪ )45‬النّارُ ُيعْرَضُونَب َ‬‫ت مَا َمكَرُوا ‪َ ،‬وحَاقَب بِآلِ فِرْ َ‬ ‫الُّ سَبيّئَا ِ‬
‫ن َأشَدّ الْعَذَابِ (‪ )46‬وكذلك سيفعل الذين من بعدهم عندما يسمعون بأمر هذا الكتاب ‪،‬‬ ‫عوْ َ‬
‫عةُ ‪ ،‬أَ ْدخِلُوا ءَالَ ِفرْ َ‬ ‫السّا َ‬
‫فسييُمارون ويُكثرون مين الجدل الجدال ‪ ،‬ليُثبتوا أن هذه السييورة لم تكيين بأي حال ميين الحوال بشأن مصيير ومييا‬
‫يجري في مصر ‪ ،‬وما ذلك بمنجيهم من العذاب ‪ ،‬فالولى بهم أن يُصلحوا ما فسد من أمرهم ليدرءوا العذاب عن‬
‫أنفسهم ‪.‬‬

‫ماهية هذه البطشة ‪:‬‬


‫المكان هييو القاهرة بشكييل خاص حيييث ظهيير الدخان ‪ ،‬وميين المرجييح أل يمتييد إلى غيرهييا ميين المدن المصييرية‬
‫الكبرى وربما يمتد ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫النتيجية هيي دمار القاهرة وخرابهيا وهلك أهلهيا هلكيا عاميا غايية فيي البشاعية ‪ ،‬وهذا مسيتفاد مين قوله تعالى‬
‫( بطشتنا ) عند حديثه عن عذاب قوم لوط ‪ ،‬التي أوضحنا صفتها في فصل سابق ‪ ،‬فتلك بطشة وهذه بطشة كبرى‬
‫‪.‬‬
‫وميين المرجييح وال أعلم ‪ ،‬أل تكون هذه البطشيية بفعييل إلهي ّي خاص وظاهيير كعذابات القوام السييابقة ‪ ،‬مييع بقاء‬
‫الحتماليية قائمية كالخسيف والزلزل ‪ .‬ومين المحتميل أن تكون ضربية أو ضربات نوويية ‪ ،‬تترافيق وتتزامين ميع‬
‫أحداث الحرب القادمة ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫ومميا يدعيم احتمال ضرب القاهرة نووييا ‪ ،‬هيو ميا جاء فيي أسيفار التوراة مين أخبار بخراب مصير وحريقهيا بالنار‬
‫وهلك أهلها ‪ ،‬وجفاف النيل وروافده فربما تصدق إن كانت هي المقصودة فعل ‪ ،‬في النصوص التالية ‪:‬‬
‫يي نيص مين سيفر إشعياء ‪ ،‬وهيو السيفر القيل تشويهيا وتحريفيا ‪ ،‬وهيو السيفر الذي مازال يحتفيظ بنصيوص البشرى‬
‫بمحمد عليه الصلة والسلم ‪ ،‬وإليك نصه ‪:‬‬
‫" إشعياء ‪ :16-1 :19 :‬نبوءة بشأن مصر ‪ ،‬ها هو الرب قادم إلى يركب سحابة سريعة ‪ ،‬فترتجف أوثان مصر‬
‫فيي حضرتيه ‪ ،‬وتذوب قلوب المصيريين فيي داخلهيم ‪ ،‬وأُثيير مصيريين على مصيريين فيتحاربون ‪ ،‬ويقوم الواحيد‬
‫على أخيييه ‪ ،‬والمدينيية على المدينيية ‪ ،‬والمملكيية على المملكيية ‪ ،‬فتذوب أرواح المصييريين فييي داخلهييم ‪ ،‬وأُبطييل‬
‫ى قاس ‪ ،‬فيسود‬ ‫مشورتهم ‪ ،‬فيسألون الوثان والسحرة وأصحاب التوابع والعرّافين ‪ ،‬وأُسلّط على المصريين مول ً‬
‫ملك عنيف عليهم ‪ ،‬هذا ما يقوله الرب القدير …‬

‫‪279‬‬
‫… وتنضييب مياه النيييل ‪ ،‬وتجييف الحواض وتيبييس ‪ ،‬تُنتيين القنوات ‪ ،‬وتتناقييص تفرّعات النيييل وتجييف ‪ ،‬ويتلف‬
‫القصيب والسيل ‪ ،‬وتذبيل النباتات على ضفاف نهير النييل ‪ ،‬والحقول والمزروعات كلهيا تجيف ‪ ،‬وكأنهيا لم تكين‬
‫مخضرّة ‪ .‬فيئن الصييادون وطارحيو الشصيوص فيي النييل وينوحون ‪ ،‬ويتحسيّر الذيين يلقون شباكهيم فيي المياه ‪،‬‬
‫ويتولّى اليأس قلوب الذين يصنعون الكتان الممشّط ‪ ،‬ويفقد حائكو الكتان الفاخر كل أمل ‪ ،‬ويسحق الرجال أعمدة‬
‫الرض ‪ ،‬ويكتئب كل عامل أجير …‬
‫… رؤساء صوعن حمقى ‪ ،‬ومشورات أحكم حكماء فرعون غبية ‪ ,‬كيف تقولون لفرعون ‪ ،‬نحن من نسل حكماء‬
‫‪ ،‬وأبناء ملوك قدامى ؟! أين حكماؤك يا فرعون ‪ ،‬ليطلعوك على ما قضى به الرب القدير على مصر ؟! قد حَمق‬
‫رؤسياء صيوعن ‪ ،‬وانخدع أمراء نوف ‪ ،‬وأضلّ مصير شرفاء قبائلهيا ‪ .‬جعيل الرب فيهيا روح فوضيى ‪ ،‬فأضلّوا‬
‫مصر في كل تصرّفاتها ‪ ،‬حتى ترنّحت كترنّح السكران في قيئه ‪ ،‬فلم يبق لعُظمائها أو أدنيائها ما يفعلونه فيها ‪.‬‬
‫في ذلك اليوم ‪ ،‬يرتعد المصريون كالنساء ‪ ،‬خوفا من يد الرب القدير التي يهزّها فوقهم " ‪.‬‬
‫ي ومقتطفات من نص آخر لرميا ‪ ،‬يُنبّئ بخراب مصر ‪:‬‬
‫" ارمييا ‪ : -13 :46 :‬النبوءة التيي أوحيى بهيا الرب إلى ارمييا النيبي ‪ ،‬عين زحيف نبوخيذ نصير لمهاجمية مصير ‪:‬‬
‫أذيعوا في مصر ‪ ،‬وأعلنوا في مجدل ‪ ،‬خبّروا في ممفيس ‪ ،‬وفي تحفنحيس ‪ ،‬قولوا ‪ :‬قف متأهبا لن السيف يلتهم‬
‫مِن حولك ‪ … .‬فتقول بقييية اليهود آنذاك ‪ " :‬قوموا لنرجييع إلى قومنييا ‪ ،‬وإلى أرض موطننييا ‪ ،‬هربييا ميين السيييف‬
‫الطاغيي " ‪ .‬ويهتفون هناك ‪ " :‬إن فرعون ملك مصير ‪ ،‬لييس سيوى طبيل أجوف ‪ ،‬أضاع فرصيته " ‪ … .‬تأهبوا‬
‫للجلء يأهل مصر ‪ ،‬لن ممفيس ستصبح أطلل وخربا مهجورا ‪ .‬مصر عجلة فاتنة هاجمها الهلك من الشمال ‪،‬‬
‫حتى مرتزقتها في وسطها كعجول مسمّنة ‪ ،‬قد نكصوا على أعقابهم هاربين معا ‪ ،‬ولم يصمدوا لن يوم بلئهم ‪،‬‬
‫قد حل بهم في وقت عقابهم " ‪.‬‬
‫ي ومقتطفات من نص آخر لحزقيال ‪ ،‬يُنبّئ بخراب مصر ‪:‬‬
‫ن يوم الربّ بات وشيكا ‪،‬‬ ‫ي الرب بكلمته قائل ‪ :‬يا ابن آدم ‪ ،‬تنبّأ ‪ ،‬وقل ‪ ، … :‬إ ّ‬
‫" حزقيال ‪ :13-1 :30 :‬وأوحى إل ّ‬
‫… ‪ ،‬إنّه يوم مُكفه ّر بالغيوم ‪ ،‬سياعة دينونية ( نهايية ) للميم ‪ ،‬إذ يُجرّد سييف على مصير ‪ ،‬فيعُمّي الذعير الشدييد‬
‫إثيوبييا ‪ ،‬عندميا يتهاوى قتلى مصير ‪ ،‬ويسيتولي على ثروتهيا ‪ ،‬وتُنقيض أُسيسها ‪ .‬ثيم تسيقط معهيم بالسييف ‪ ،‬إثيوبييا‬
‫سكّانها من مجدل إلى‬ ‫وفوط ولود ‪ ،‬وشبه الجزيرة العربية وليبيا ‪ ،‬وشعوب الرض المُتحالفة معهم … فيتهاوى ُ‬
‫أسيوان ‪ ...‬فتُصيبح أكثير الراضيي المُقفرة وحشية ‪ ،‬وتُضحيي مُدنهيا أكثير المُدن خرابيا … فيي يوم هلك مصير ‪،‬‬
‫الذي ل بد أن يتحقّق ‪...‬‬
‫… لنيي سيأفني جماهيير مصير بييد نبوخيذ نصيّر ملك بابيل ‪ ،‬إذ يُقبيل بجيشيه أعتيى جيوش الميم لخراب ديار‬
‫مصيير ‪ ،‬فيُجرّدون عليهييا سيييوفهم ‪ ،‬ويملئون أرضهييا بالقتلى ‪ ،‬وأُجفّف مجاري نهيير النيييل ‪ ،‬وأبيييع الرض لقوم‬
‫أشرار ‪ ،‬وأُخرّب البلد فيهيا بييد الغرباء ‪ ،‬أنيا الربّي قيد قضييت ‪ .‬ثمّي أُحطّم الصينام ‪ ،‬وأُزييل الوثان مين ممفييس ‪،‬‬
‫ول يبقى بعد رئيس في ديار مصر ‪ ،‬وأُلقي فيها الرعب " ‪.‬‬

‫طشَتَنَا فَ َتمَا َروْا بِالنّذُرِ )‬


‫( وَ َلقَدْ أَنْذَرَ ُهمْ َب ْ‬
‫سحَرٍ (‬ ‫قال تعالى في سورة القمر ( كَذّبَ تْ َقوْ مُ لُو طٍ بِالنّذُرِ (‪ )33‬إِنّا أَرْ سَلْنَا عَلَ ْيهِ ْم حَا صِبًا ِإلّ ءَالَ لُو طٍ َنجّيْنَاهُ مْ بِ َ‬
‫طشَتَنَا فَ َتمَا َروْا بِالنّ ُذرِ (‪ )36‬وَ َلقَدْ رَاوَدُوهبُ عَنبْ‬ ‫شكَرَ (‪ )35‬وَ َلقَ ْد أَنْذَرَهُمبْ َب ْ‬
‫‪ِ )34‬ن ْع َم ًة مِنبْ عِنْدِنَا كَذَلِكبَ َنجْزِي مَن ْب َ‬
‫ح ُهمْ ُبكْرَةً عَذَابٌب مُسْبَتقِرّ (‪ )38‬فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (‬ ‫طمَسْبنَا أَعْيُ َنهُمْب فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (‪ )37‬وَ َلقَدْ صَبّب َ‬ ‫ضَ ْيفِهِب َف َ‬
‫ن مُ ّدكِرٍ (‪ 40‬القمر ) ‪.‬‬ ‫‪ )39‬وَ َلقَدْ َيسّرْنَا ا ْلقُرْءَانَ لِل ّذكْرِ َف َه ْل مِ ْ‬
‫فتماروا بالنُذر ‪ :‬جماع معنى كلمة مراء ‪ ،‬هو الكثار في الجدال بل طائل ‪ ،‬بغية إلباس الحق بالباطل ‪ ،‬والصورة‬
‫التي تشكّلت لدينا مما جاء من معاني في لسان العرب ‪ ،‬هو أن قوم لوط ‪ ،‬عندما أنذرهم وحذّرهم عليه السلم من‬
‫العذاب اسيتهزءوا بيه وبتحذيره ‪ ،‬بيل وطفقوا فيي مجالسيهم يتبارون فيميا بينهيم أيهيم أقوى حجية ‪ ،‬بكيل ميا أُتوا مين‬
‫ملكات وبيان لسيتخراج واسيتنباط البراهيين ‪ ،‬لتفنييد ميا يدّعييه لوط مين قدرة ربيه على إهلكهيم ‪ ،‬دون أن يألوا‬
‫جهدا فيي التشكييك بذلك ‪ ،‬مظهريين أكيبر قدر مين الصيلبة والثبات فيي مواقفهيم المخالفية للوط ‪ ،‬وأكيبر قدر مين‬
‫‪280‬‬
‫الخصومة لكل ما جاء به من الحق ‪ .‬وهذا ما يقوم به عادة المدافعين عن الباطل لضلل الناس ودفعهم للعتقاد‬
‫بوجهة نظرهم ‪ ،‬وهذه الصورة كثيرا ما نراها هذه اليام ‪ ،‬في حوارات أهل الباطل ومناقشاتهم ‪ ،‬حتى من بعض‬
‫رجال الديين عندمييا يجتمعون فيميا بينهييم ‪ ،‬على منابر العلم المرئييية والمسييموعة والمكتوبية ‪ .‬قال تعال ( وَمَا‬
‫طلِ لِيُ ْدحِضُوا بِهِب ا ْلحَقّ وَا ّتخَذُوا ءَايَاتِي وَمَا‬
‫ن ِإ ّل مُ َبشّرِينَب َومُنْذِرِينَب وَ ُيجَا ِدلُ الّذِينَب كَفَرُوا بِالْبَا ِ‬
‫نُرْسِبلُ ا ْلمُرْسَبلِي َ‬
‫أُنْذِرُوا هُ ُزوًا (‪ 56‬الكهف )‬
‫والسيؤال الن ‪ :‬هيل سييتمارى أهيل مصير بهذا الكتاب ‪ ،‬فيميا لو وقيع تحيت أيديهيم ‪ ،‬كميا تمارى الذيين مين قبلهيم ؟‬
‫نقول ‪ :‬نعيم بل أدنيى ! ألم يقيل سيبحانه ( أنّى لهيم الذكرى ) ‪ ،‬وقيد كذّبوا برسيالة محميد علييه الصيلة والسيلم ‪،‬‬
‫فالحرى بهيم أن يُكذبوا مين هيو دونيه مين البشير ‪ ،‬أييا كانيت درجتهيم أو صيفتهم ‪ ،‬وألم يقيل سيبحانه ( يوم نبطيش‬
‫… ) وعقب على هذا اليوم ‪ ،‬بقوله ( فارتقب إنهم مرتقبون ) فالمسألة باتت مسألة وقت ل أكثر … فلنرتقب …‬
‫ونرى … !‬
‫ولكن هل يفيد هذا النذار السابق للعذاب ؟ نقول ‪ :‬نعم ولو لم يكن فيه فائدة لما أنزله ال في كتابه ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬إذ لو عاد أهيل مصير عامية ‪ ،‬عمّا هيم علييه لرُفيع عنهيم العذاب ‪ ،‬كميا رُفيع عين قوم يونيس علييه الصيلة‬
‫والسلم ‪ ،‬وأما التأكيد على أنهم سينزل بهم ‪ ،‬كان لسبق علم ال ‪ ،‬بما سيكون من إصرارهم على ما هم عليه بعد‬
‫كشف الدخان ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬وربما سيكون هناك عودة لبعض أهل مصر على المستوى الفردي ‪ ،‬فيما لو انتبه أحدهم لهذا المر ‪ ،‬من‬
‫خلل قراءته لسورة الدخان ‪ ،‬أو تم تنبيهه لهذا النذير اللهي ‪ .‬وكون الناس منشغلون بدنياهم عن قراءة القرآن ‪،‬‬
‫فذلك حجة إضافية عليهم يوم القيامة فيما لو تذرّعوا بأن لم يأتهم نذير ‪ ،‬في أنهم كانوا حقا معرضين عن كتابه ‪،‬‬
‫كميا أخيبر سيبحانه بحالهيم مين سيابق علميه فيي كتابيه العزييز ‪ ،‬ليكون النذيير فيي متناول أيديهيم وهيم ل يشعرون ‪.‬‬
‫وربميا يكون أحدهيم قيد انتبيه ‪ ،‬ولميا لم يُكلّف نفسيه بالبحيث ‪ ،‬إذ ل يرى نفسيه ملزميا بفهيم كتاب ال فتسياءل … ؟!‬
‫فضلّله عامّي أو عالم أو فقيه بغير علم … !‬
‫جعَلْنَاهُمْب سَبَلفًا َومَثَلً‬
‫ثالثيا ‪ :‬ليكون فيي كيل هذا عيبرة لمين يعتيبر مين المصيريين وغيرهيم مين الميم ‪ ،‬قال تعالى ( َف َ‬
‫لخِرِينَ (‪ 56‬الزخرف ) سلفا لمن سيأتي بعدهم ومثل لمن عاصرهم ‪.‬‬ ‫ِل ْ‬

‫مسألة إهلك العامة والخاصة ‪:‬‬


‫قد يستنكر البعض إهلك ال للعامة كونهم مسلمين ‪ ،‬وردا على ذلك ‪ ،‬نقول أن ربهم أعلم بهم ‪ ،‬وهو القدر على‬
‫كيفيية التعاميل معهيم ‪ ،‬وحكميه فيي خلقيه عدل وقضاؤه فيهيم حقّي ‪ .‬ومميا قاله رب العزة فيي سينن إهلك القرى ‪،‬‬
‫موضحيا أسيباب اسيتحقاق أهلهيا للعقاب بفعيل سياداتها هيو ( َوكَذَلِكَب جَعَلْنَا فِي ُكلّ َقرْ َيةٍ ‪َ ،‬أكَابِ َر ُمجْ ِرمِيهَا لِ َي ْمكُرُوا‬
‫شعُرُون بَ (‪ 123‬النعام ) ‪ ،‬وقال ( َوإِذَا أَرَدْنَبا أَنببْ ُنهْلِك بَ َقرْ َيةً ‪َ ،‬أمَرْنَبا‬ ‫فِيهَبا ‪ ،‬وَمَبا َي ْمكُرُون َب ِإلّ ِبأَ ْنفُس ِبهِ ْم وَمَبا َي ْ‬
‫سقُوا فِيهَا ‪َ ،‬فحَقّ عَلَ ْيهَا ا ْل َق ْولُ ‪ ،‬فَ َدمّرْنَاهَا تَ ْدمِيرًا (‪ 16‬السراء )‬‫مُتْرَفِيهَا ‪َ ،‬ف َف َ‬
‫سعِيرًا (‬‫ن َوأَعَدّ َلهُمْ َ‬ ‫وأما أسباب استحقاق العامة للعقاب ‪ ،‬كما يُبيّنوها هم بأنفسهم قال تعالى ( إِنّ الَّ َلعَنَ ا ْلكَافِرِي َ‬
‫طعْنَا الَّ‬ ‫‪ )64‬خَالِدِينَب فِيهَا أَبَدًا لَ َيجِدُونَب وَلِيّاب َولَ نَصبِيرًا (‪َ )65‬يوْمَب ُتقَلّبُب ُوجُو ُههُمْب فِي النّارِ َيقُولُونَب يَلَيْتَنَا َأ َ‬
‫ض ْعفَيْنِب مِنَب‬
‫ضلّونَا السّببِيلَ (‪ )67‬رَبّنَا ءَا ِتهِمْب ِ‬ ‫طعْنَا سبَادَتَنَا َوكُبَرَاءَنَا فَأَ َ‬
‫طعْنَا الرّسبُولَ (‪ )66‬وَقَالُوا رَبّنَا إِنّاب َأ َ‬ ‫َوأَ َ‬
‫ب وَا ْلعَنْ ُهمْ َلعْنًا كَبِيرًا (‪ )68‬يَأَ ّيهَا الّذِينَ ءَامَنُوا ‪ ،‬لَ َتكُونُوا كَالّذِينَ ءَا َذوْا مُوسَى ‪ ،‬فَبَ ّرأَ ُه الُّ ِممّا قَالُوا ‪َ ،‬وكَانَ‬
‫ا ْلعَذَا ِ‬
‫عِنْ َد الِّ َوجِيهًا (‪ )69‬يَأَ ّيهَا الّذِينَ ءَامَنُوا ا ّتقُوا الَّ َوقُولُوا َق ْو ًل سَدِيدًا (‪ 70‬الحزاب )‬
‫صمُونَ (‪ )96‬تَالِّ‬ ‫جمَعُونَ (‪ )95‬قَالُوا وَ ُهمْ فِيهَا َيخْتَ ِ‬ ‫س َأ ْ‬
‫وقال تعالى ( َفكُبْكِبُوا فِيهَا ُهمْ وَا ْلغَاوُونَ (‪َ )94‬وجُنُودُ إِبْلِي َ‬
‫ن شَا ِفعِينَ (‬
‫سوّي ُكمْ ِبرَبّ ا ْلعَا َلمِينَ (‪َ )98‬ومَا أَضَلّنَا ِإلّ ا ْل ُمجْ ِرمُونَ (‪َ )99‬فمَا لَنَا مِ ْ‬
‫للٍ مُبِينٍ (‪ )97‬إِذْ ُن َ‬‫ضَ‬ ‫ن كُنّا َلفِي َ‬
‫إِ ْ‬
‫حمِيمٍ (‪ 101‬الشعراء ) ‪.‬‬ ‫ق َ‬‫‪َ )100‬ولَ صَدِي ٍ‬
‫وقال تعالى ( وَقَالَ الّذِينبَب َكفَرُوا ‪ ،‬لَنببْ ُن ْؤمِنببَ ِبهَذَا ا ْلقُرْءَانببِ ‪َ ،‬ولَ بِالّذِي بَيْنببَ يَدَيْهببِ ‪ ،‬وَ َلوْ َترَى ‪ ،‬إِ ِذ الظّا ِلمُونببَ‬
‫ن اسْتَكْبَرُوا ‪َ ،‬ل ْو َل أَنْتُمْ َلكُنّا‬
‫ن اسْتُضْ ِعفُوا ‪ ،‬لِلّذِي َ‬
‫ضهُ ْم إِلَى َبعْ ضٍ ا ْل َق ْولَ ‪َ ،‬يقُولُ الّذِي َ‬
‫َموْقُوفُو نَ عِنْدَ رَ ّبهِمْ ‪َ ،‬ي ْرجِ عُ َبعْ ُ‬
‫ُم ْؤمِنِينَ (‪ 31‬سبأ )‬
‫‪281‬‬
‫وذلك بسبب طاعتهم وتأليههيم لسادتهم وكبرائهم من المجرمين ‪ ،‬ورضاهم واتباعهم لمنهج كبرائهم ‪ ،‬سواء كان‬
‫ذلك كرهيا أم طوعيا ‪ ،‬وممارسيتهم للفسياد والفسياد كيل حسيب طاقتيه ‪ .‬وفسياد الحكام عادة ميا يكون مسيبوقا بفسياد‬
‫الشعوب وانحرافها ‪ ،‬وليس العكس كما يتصور الكثير من المنظّرين الطامعين في السلطة ‪ ،‬صابين جام غضبهم‬
‫على الحكام ‪ ،‬والجدى بهؤلء والجدر بأن يشعروا بالرثاء لحال الملوك ‪ ،‬والشفاق عليهم من حسابهم العسير ‪،‬‬
‫بيين يدي ملك الملوك إن كانوا مين الظالميين وليصيلحوا أنفسيهم أول ‪ ،‬ورب العزة كفييل بأن يولّي عليهيم مين هيو‬
‫خير منهم ‪ ،‬ول أذكر بالضبط من القائل " لو يعلم الملوك ما نشعر به من حلوة اليمان لقاتلونا عليها بالسيوف "‬
‫وهل يضمن هؤلء أل يُفتنوا ببريق المال والسلطة ‪ ،‬كما افتُتن الملوك والحكام على م ّر العصور فيما لو تحصّلوا‬
‫سهِمْ (‪ 11‬الرعد ) ‪.‬‬
‫لّ لَ ُيغَيّ ُر مَا ِب َقوْ ٍم حَتّى ُيغَيّرُوا مَا بِأَ ْن ُف ِ‬
‫عليهما ‪ ،‬قال تعالى ( إِنّ ا َ‬
‫ك إِ نْ تَذَ ْرهُ مْ يُضِلّوا‬
‫وتدبّر دعاء نوح عليه السلم على قومه ‪ ،‬حيث شملت دعوته من هم في ظهور آبائهم ‪ ( :‬إِنّ َ‬
‫ك َولَ يَلِدُوا ِإلّ فَاجِرًا كَفّارًا (‪ 27‬نوح )‬
‫عِبَادَ َ‬
‫وتفكّر وتدبّر في قصة أصحاب السبت ‪ ،‬فيما يلي من آيات ‪:‬‬
‫ضرَةَ الْ َبحْ ِر إِذْ َيعْدُو نَ فِي ال سّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِ ْم حِيتَا ُنهُ مْ َيوْ مَ سَبْ ِت ِه ْم شُرّعًا وَ َيوْ مَ‬
‫( وَا سْأَ ْل ُهمْ عَ نِ ا ْلقَرْ َيةِ الّتِي كَانَ تْ حَا ِ‬
‫ن لَ تَأْتِيهِمْب كَذَلِكَب نَبْلُوهُمْب ِبمَا كَانُوا َيفْسُبقُونَ (‪َ )163‬وإِذْ قَالَتْب ُأ ّمةٌ مِ ْنهُمْب لِمَب َتعِظُونَب َق ْومًا الُّ ُمهْ ِل ُكهُمْب َأوْ‬ ‫لَ يَسْببِتُو َ‬
‫ُمعَذّ ُبهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا َمعْذِرَ ًة إِلَى رَ ّبكُمْ وَ َلعَّلهُمْ يَ ّتقُونَ (‪ )164‬فَ َلمّا نَسُوا مَا ُذكّرُوا بِ ِه أَ ْنجَيْنَا الّذِي نَ يَ ْن َهوْنَ عَنِ‬
‫السبّو ِء َوأَخَذْنَا الّذِينَب ظَ َلمُوا ِبعَذَابٍب بَئِيسٍب ِبمَا كَانُوا َيفْسُبقُونَ (‪ )165‬فَ َلمّاب عَ َتوْا عَنْب مَا ُنهُوا عَنْهُب قُلْنَا َلهُمْب كُونُوا‬
‫قِرَدَ ًة خَاسِئِينَ (‪ 166‬العراف ) ‪.‬‬
‫إذن هناك نجاة لمين ينهون عين السيوء أول ‪ ،‬ومين ثيم هناك عذاب للذيين ظلموا ثانييا بميا كانوا يفسيقون ‪ ،‬والفسيق‬
‫اصيطلحا هيو الخروج مين الديين ‪ ،‬ولحيظ هنيا أن النجاة كُتبيت لمين أمروا بالمعروف ونهوا عين المنكير ‪ ،‬فهيل‬
‫نجرؤ أو نقوى هذه اليام على فعيل ذلك ‪ ،‬وإيمان الواحيد منيا على حرف وخوفنيا على فقدان متاع الحياة الدنييا ‪،‬‬
‫أشد من خوفنا من أمر ال … ؟!‬
‫طمَأَنّ بِهِب ‪َ ،‬وإِنْب أَصبَابَ ْتهُ فِتْ َنةٌ ‪ ،‬ا ْنقَلَبَب عَلَى‬
‫قال تعالى ( َومِنَب النّاسِب مَنْب َيعْبُ ُد الَّ عَلَى حَرْفٍب ‪ ،‬فَإِنْب أَصبَا َب ُه خَيْ ٌر ا ْ‬
‫خسْرَانُ ا ْلمُبِينُ (‪ 11‬الحج )‬ ‫لخِرَةَ َذلِكَ ُهوَ ا ْل ُ‬‫خسِرَ الدّنْيَا وَا ْ‬
‫ج ِههِ ‪َ ،‬‬
‫َو ْ‬
‫سأَلُهُ عَ ْ‬
‫ن‬ ‫خ ْيرِ ‪َ ،‬و ُكنْ تُ أَ ْ‬‫ل الِّ صَلّى الُّ عََل ْي هِ وَ سَّلمَ عَ نْ ا ْل َ‬ ‫ن رَ سُو َ‬ ‫سأَلُو َ‬
‫ن النّا سُ ‪ ،‬يَ ْ‬ ‫ح َذيْفَ َة بْ نَ ا ْل َيمَا نِ ‪ ،‬قال ‪ :‬كَا َ‬‫وعن ُ‬
‫خ ْيرِ ‪َ ،‬فهَلْ َب ْعدَ َهذَا‬‫شرّ ‪َ ،‬فجَا َءنَا الُّ ِب َهذَا ا ْل َ‬ ‫ل الِّ ِإنّا ُكنّا فِي جَاهِِليّةٍ َو َ‬ ‫ن ُيدْ ِر َكنِي ‪ ،‬فَقُلْ تُ ‪ " :‬يَا رَ سُو َ‬ ‫الشّرّ ‪َ ،‬مخَافَةَ أَ ْ‬
‫خنُ ُه ؟ قَالَ‬ ‫خ ْيرٍ ؟ قَالَ ‪َ :‬نعَ مْ ‪ ،‬وَفِي هِ َدخَ نٌ ‪ ،‬قُلْ تُ ‪َ :‬ومَا َد َ‬ ‫ن َ‬ ‫شرّ مِ ْ‬ ‫ك ال ّ‬
‫ل َب ْع َد ذَلِ َ‬
‫ن شَ ّر ؟ قَالَ ‪َ :‬نعَ مْ ‪ ،‬قُلْ تُ ‪ :‬وَهَ ْ‬ ‫خيْ ِر مِ ْ‬
‫ا ْل َ‬
‫خ ْيرِ مِنْي شَ ّر ؟ قَالَ ‪َ :‬نعَمْب دُعَا ٌة إِلَى أَ ْبوَابِب‬ ‫‪َ :‬قوْمٌب َيهْدُونَب ِبغَيْرِ هَدْيِي ‪َ ،‬تعْرِفُب مِ ْنهُمْب وَتُ ْنكِرُ ‪ ،‬قُلْتُي ‪َ :‬فهَلْ َب ْع َد ذَلِكَي ا ْل َ‬
‫ن جِلْدَتِنَا وَيَ َتكَّلمُونَ ِبأَلْسِنَتِنَا ‪،‬‬ ‫ل الِّ صِ ْفهُمْ َلنَا ؟! فَقَالَ ‪ :‬هُ ْم مِ ْ‬ ‫ن َأجَا َبهُمْ إِلَ ْيهَا قَذَفُوهُ فِيهَا ‪ ،‬قُلْتُ ‪ :‬يَا رَسُو َ‬ ‫جهَنّمَ ‪ ،‬مَ ْ‬ ‫َ‬
‫عةٌ َولَ‬ ‫جمَا َ‬ ‫ن َوِإمَا َمهُمْب ‪ ،‬قُلْتُي ‪َ :‬فإِنْي لَمْي َيكُنْي َلهُمْي َ‬ ‫عةَ ا ْلمُسْبِلمِي َ‬ ‫جمَا َ‬ ‫قُلْتُي ‪َ :‬فمَا َت ْأمُ ُرنِي إِنْي َأدْ َر َكنِي ذَلِكَي ؟ قَالَ ‪ :‬تَ ْلزَمُب َ‬
‫شجَرَةٍ ‪ ،‬حَتّىب يُ ْد ِركَكَب ا ْل َموْ تُ ‪َ ،‬وأَنْتَب عَلَى ذَلِكَب " ‪. .‬‬ ‫صلِ َ‬ ‫ق كُّلهَا ‪ ،‬وَ َل ْو أَ نْ َتعَضّ بِأَ ْ‬ ‫ِإمَامٌي ؟ قَالَ ‪ :‬فَاعْتَ ِزلْ تِلْكَب ا ْلفِرَ َ‬
‫رواه الشيخان ‪ ،‬وأخرجه الترمذي والنسائي وأبو داود وابن وأحمد ‪.‬‬
‫ل الِّ صَيلّى الُّ‬ ‫ل رَسيُو ُ‬‫ل الِّ ‪َ ،‬أيّ النّاسِي َأ ْفضَلُ ؟ فَقَا َ‬‫ل ‪ " :‬قِيلَ يَا رَسيُو َ‬ ‫عنْهُي ‪ ،‬قَا َ‬‫خ ْدرِيّ َرضِيَي الُّ َ‬ ‫وعَنْي سَيعِيدٍ ا ْل ُ‬
‫شعَا بِ يَ ّتقِي‬
‫ن ال ّ‬
‫شعْ بٍ مِ ْ‬
‫ن ؟ قَالَ ‪ُ :‬م ْؤمِ نٌ فِي ِ‬ ‫س ِه َومَالِ هِ ‪ ،‬قَالُوا ‪ُ :‬ثمّ مَ ْ‬
‫عََليْ هِ وَ سَّلمَ ‪ُ :‬م ْؤمِ نٌ ُيجَاهِدُ فِي سَبِي ِل الِّ بِ َنفْ ِ‬
‫ن شَرّهِ " ‪ .‬رواه الشيخان ‪ ،‬وأخرجه وأبو داود وابن ماجه وأحمد ‪.‬‬ ‫س ِم ْ‬
‫الَّ ‪ ،‬وَيَدَعُ النّا َ‬
‫ن الَّ شَدِيدُ ا ْلعِقَابِ (‪ 25‬النفال )‬
‫صةً ‪ ،‬وَاعْ َلمُوا أَ ّ‬
‫ن ظَ َلمُوا مِ ْن ُكمْ خَا ّ‬
‫وقال تعالى ( وَا ّتقُوا فِتْ َن ًة لَ تُصِيبَنّ ‪ ،‬الّذِي َ‬

‫عمّا َي ْع َملُ الظّا ِلمُونَ )‬


‫ن الّلهَ غَافِلًا ‪َ ،‬‬
‫حسَبَ ّ‬
‫( وَلَا َت ْ‬
‫شخَصُب فِيهِب الَْبْصبَارُ (‪)42‬‬ ‫عمّاب َي ْع َم ُل الظّا ِلمُونَب ‪ ،‬إِنّمَا ُي َؤخّ ُرهُمْب لِ َيوْمٍب ‪َ ،‬ت ْ‬
‫ن الَّ غَا ِفلً ‪َ ،‬‬ ‫قال تعالى ‪َ ( :‬ولَ َتحْسَببَ ّ‬
‫سهِ ْم لَ يَرْتَ ّد إِلَ ْيهِمْب طَرْ ُفهُ مْ َوأَفْئِدَ ُتهُمْب َهوَاءٌ (‪َ )43‬وأَنْذِرِ النّا سَ ‪َ ،‬يوْمَب يَأْتِيهِ مُ ا ْلعَذَابُب ‪ ،‬فَ َيقُولُ‬‫ن ُمقْنِعِي رُءُو ِ‬‫ُم ْهطِعِي َ‬
‫سمْ ُتمْ مِ نْ قَ ْبلُ ‪ ،‬مَا َلكُ مْ‬
‫سلَ ‪َ ،‬أوَلَ مْ َتكُونُوا أَقْ َ‬ ‫عوَتَ كَ ‪ ،‬وَنَتّبِ عِ الرّ ُ‬‫جلٍ َقرِي بٍ ‪ُ ،‬نجِ بْ دَ ْ‬ ‫ن ظَ َلمُوا ‪ :‬رَبّنَا َأخّرْنَا إِلَى َأ َ‬
‫الّذِي َ‬
‫ضرَبْنَا َلكُمُ ا َلْمْثَالَ (‪)45‬‬ ‫سهُمْ ‪ ،‬وَتَبَيّنَ َلكُمْ كَيْفَ َفعَلْنَا ِبهِمْ ‪ ،‬وَ َ‬ ‫ن ظَ َلمُوا أَنْفُ َ‬‫مِ نْ َزوَالٍ (‪ )44‬وَسَكَنْ ُتمْ فِي مَسَاكِنِ الّذِي َ‬
‫‪282‬‬
‫ف وَعْدِ هِ‬
‫ن َمكْرُهُ مْ لِتَزُو َل مِنْ هُ ا ْلجِبَالُ (‪ )46‬فَلَ َتحْ سَبَنّ الَّ ‪ُ ،‬مخْلِ َ‬
‫ن كَا َ‬
‫وَقَ ْد َمكَرُوا َمكْ َرهُ مْ ‪ ،‬وَعِنْ َد الِّ َمكْرُهُ مْ ‪َ ،‬وإِ ْ‬
‫ن الَّ عَزِيزٌ ذُو انْ ِتقَامٍ (‪ 47‬إبراهيم ) …‬ ‫ُرسُ َلهُ ‪ ،‬إِ ّ‬
‫… هَذَا بَلَغٌ لِلنّاسِ ‪ ،‬وَلِيُنْ َذرُوا ِبهِ ‪ ،‬وَلِ َيعْ َلمُوا أَ ّنمَا ُه َو إِ َل ٌه وَاحِدٌ ‪ ،‬وَلِيَ ّذكّ َر أُولُو الَْلْبَابِ (‪ 52‬إبراهيم )‬

‫من هم الظالمون ومن هي القرى الظالمة ؟!‬


‫جاء في إهلك القرى الظالمة ‪:‬‬
‫ي ظَا ِل َمةٌ ُثمّ َأخَذْ ُتهَا َوإِلَيّ ا ْلمَصِيرُ (‪ 48‬الحج )‬
‫ن مِنْ قَرْ َي ٍة َأمْلَيْتُ َلهَا وَهِ َ‬
‫( َوكَأَيّ ْ‬
‫ن َأخْذَ ُه أَلِي ٌم شَدِيدٌ (‪ 102‬هود )‬
‫ي ظَا ِل َمةٌ إِ ّ‬
‫ك إِذَا َأخَذَ ا ْلقُرَى وَ ِه َ‬
‫ك َأخْذُ رَبّ َ‬
‫( َوكَذَلِ َ‬
‫( فَتِلْكَ بُيُو ُت ُهمْ خَاوِ َيةً ِبمَا ظَ َلمُوا إِنّ فِي ذَلِكَ لَ َيةً ِل َق ْومٍ َيعْ َلمُونَ (‪ 52‬النمل )‬
‫ت ظَا ِل َمةً َوأَنشَأْنَا َبعْدَهَا َق ْومًا آخَرِينَ (‪ 11‬النبياء )‬
‫صمْنَا مِنْ َقرْ َيةٍ كَانَ ْ‬
‫( َو َكمْ قَ َ‬
‫ك أَنْ لَمْ َيكُنْ رَبّكَ ُمهْلِكَ ا ْلقُرَى ِبظُلْمٍ َوأَهُْلهَا‬
‫ض الظّا ِلمِينَ َبعْضًا ِبمَا كَانُوا َيكْسِبُونَ (‪ … )129‬ذَلِ َ‬
‫( َوكَذَلِكَ ُنوَلّي َبعْ َ‬
‫غَا ِفلُونَ (‪ 131‬النعام ) ‪.‬‬
‫ك ِإلّ ا ْل َق ْومُ الظّا ِلمُونَ (‪ 47‬المائدة )‬
‫جهْرَةً ‪َ ،‬هلْ ُيهَْل ُ‬
‫ب الِّ ‪َ ،‬بغْ َتةً َأ ْو َ‬
‫ن أَتَا ُكمْ عَذَا ُ‬
‫( ُقلْ أَ َرأَيْ َت ُكمْ إِ ْ‬

‫مفهوم الظلم بالمنظور اللهي ‪ ،‬على المستوى الفردي والجماعي ‪:‬‬


‫جهَنّ مَ ‪ ،‬كَذَلِ كَ َنجْزِي‬
‫جزِي ِه َ‬
‫‪.1‬إدعاء البشر لللوهية ‪َ ( :‬ومَ نْ َي ُقلْ مِ ْنهُ مْ ‪ ،‬إِنّي إِلَ ٌه مِ نْ دُونِ هِ ‪ ،‬فَ َذلِ كَ َن ْ‬
‫الظّا ِلمِينَ (‪ 29‬النبياء )‬
‫عظِيمٌب (‪13‬‬
‫‪.2‬الشرك بال ‪َ ( :‬وإِذْ قَالَ ُل ْقمَانُب لِبْنِهِب َو ُهوَ َي ِعظُهُب يَبُنَيّ لَ ُتشْرِكْب بِالِّ إِنّ الشّرْكَب َلظُلْمٌب َ‬
‫لقمان )‬
‫‪.3‬الشرك فيي الدعاء والولء ‪َ ( :‬ولَ تَدْعُب مِنْب دُونِب الِّ مَا لَ يَ ْن َفعُكَب َولَ يَضُرّكَب َفإِنْب َفعَلْتَب فَإِنّكَب إِذًا‬
‫ن الظّا ِلمِينَ (‪ 106‬يونس )‬
‫مِ َ‬
‫‪.4‬الكذب على ال أو التكذييب بآياتيه ‪َ ( :‬ومَنْب َأظْلَمُب ِممّنْب افْتَرَى عَلَى الِّ كَذِبًا َأوْ كَذّبَب بِآيَاتِهِب إِنّهُب لَ‬
‫ُيفْ ِلحُ الظّا ِلمُونَ (‪ 21‬النعام )‬
‫‪.5‬العراض عين آيات ال ‪َ ( :‬ومَنْب َأظْلَمُب ِممّنْب ُذكّرَ بِآيَاتِب رَبّهِب ُثمّ أَعْرَضَب عَ ْنهَا إِنّاب مِنَب ا ْل ُمجْ ِرمِينَب‬
‫مُنْ َت ِقمُونَ (‪ 22‬السجدة )‬
‫شهِدُوا أَنّ الرّسُو َل حَقّ َوجَاءَهُمُ‬
‫‪.6‬الكفر بعد اليمان ‪ ( :‬كَيْفَ َيهْدِي الُّ َق ْومًا َكفَرُوا َبعْ َد إِيمَا ِنهِمْ َو َ‬
‫لّ لَ َيهْدِي ا ْل َق ْومَ الظّا ِلمِينَ (‪ 86‬آل عمران )‬‫ت وَا ُ‬
‫الْبَيّنَا ُ‬
‫س َموَاتِ وَالَْ ْرضَ قَادِرٌ عَلَى‬
‫‪.7‬إنكار البعث وقدرة ال على الخلق ‪َ ( :‬أوَلَمْ َي َروْا أَنّ الَّ الّذِي خَلَقَ ال ّ‬
‫ن ِإ ّل كُفُورًا (‪ 99‬السراء )‬ ‫ل لَ رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظّا ِلمُو َ‬
‫ج َعلَ َل ُه ْم َأجَ ً‬
‫ق مِثْ َل ُهمْ َو َ‬
‫أَنْ َيخْلُ َ‬
‫‪.8‬التكذييب المسيبق بدون علم ممين أخذتهيم العزة بالثيم ‪َ ( :‬ب ْل كَذّبُوا بِمَا لَمبْ ُيحِيطُوا ِبعِ ْلمِهِب وَ َلمّاب‬
‫ن مِنْ قَبْ ِل ِهمْ فَا ْنظُ ْر كَيْفَ كَانَ عَاقِ َب ُة الظّا ِلمِينَ (‪ 39‬يونس )‬
‫ك كَذّبَ الّذِي َ‬
‫يَأْ ِت ِهمْ تَ ْأوِيُل ُه كَذَلِ َ‬
‫عرِضْب عَ ْنهُمْب حَتّىب َيخُوضُوا‬
‫‪.9‬الخوض فيي آيات ال ‪َ ( :‬وإِذَا َرأَيْتَب الّذِينَب َيخُوضُونَب فِي ءَايَاتِنَا فَأَ ْ‬
‫ك الشّ ْيطَانُ فَلَ َتقْعُدْ َبعْدَ الذّكْرَى مَعَ ا ْل َق ْومِ الظّا ِلمِينَ (‪ 68‬النعام )‬
‫فِي حَدِيثٍ غَ ْيرِ ِه َوِإمّا يُ ْنسِيَنّ َ‬
‫‪.10‬تكذيب الرسل ‪ ( :‬وَ َلقَدْ جَاءَ ُهمْ َرسُولٌ مِ ْن ُهمْ َفكَذّبُوهُ فَ َأخَذَ ُهمْ ا ْلعَذَابُ وَ ُهمْ ظَا ِلمُونَ (‪ 113‬النحل )‬
‫ل مَس ْبحُورًا (‪47‬‬
‫‪ .11‬اتهام الرسيل بالميس إنكارا للوحيي ‪ ( :‬إِذْ َيقُولُ الظّا ِلمُونَب إِنبْ تَتّ ِبعُونَب ِإلّ َرجُ ً‬
‫السراء )‬
‫‪283‬‬
‫جوَى الّذِينَب ظَ َلمُوا‬
‫‪.12‬اللهيو والتجنيي على الرسيل فيي السير والعلن ‪ ( :‬لَهِ َيةً قُلُو ُبهُمْب ‪َ ،‬وأَسَبرّوا ال ّن ْ‬
‫صرُونَ (‪ 3‬النبياء )‬ ‫سحْ َر َوأَنْ ُتمْ تُبْ ِ‬
‫ن ال ّ‬
‫ش ٌر مِثُْلكُ ْم أَفَتَأْتُو َ‬
‫َهلْ هَذَا ِإلّ َب َ‬
‫‪.13‬اتهام الرسيول بالكذب والتعلّم مين البشير ‪ ( :‬وَقَالَ الّذِينَب َكفَرُوا إِنْب هَذَا ِإ ّل إِفْكٌب افْتَرَاهُب َوأَعَانَهُب‬
‫عَلَ ْيهِ َق ْومٌ ءَاخَرُونَ َفقَدْ جَاءُوا ظُ ْلمًا وَزُورًا (‪ 4‬الفرقان )‬
‫علَى يَدَيْهِ َيقُولُ يَلَيْتَنِي اتّخَذْتُ‬
‫‪.14‬العراض عن هدي الرسل واتباع سبلهم ‪ ( :‬وَ َيوْ مَ َيعَضّ الظّالِمُ َ‬
‫مَعَ ال ّرسُو ِل سَبِيلً (‪ 27‬الفرقان )‬
‫ن مَنَ َع مَسَاجِدَ الِّ أَنْ يُ ْذكَرَ فِيهَا‬
‫ن َأظْلَمُ ِممّ ْ‬
‫‪.15‬منع ذكر ال في المساجد والسعي في خرابها ‪َ ( :‬ومَ ْ‬
‫سعَى فِي خَرَا ِبهَا (‪ 114‬البقرة )‬
‫س ُمهُ َو َ‬
‫ا ْ‬
‫شهَادَةً‬
‫ن كَتَ َم َ‬
‫ن َأظْلَمُ ِممّ ْ‬
‫‪.16‬كتم ما أُوتي الناس من علم من عند ربهم ‪ُ ( :‬قلْ َءأَنْتُ ْم أَعْلَ ُم أَ ِم الُّ ‪َ ،‬ومَ ْ‬
‫ن الِّ (‪ 140‬البقرة )‬
‫عِنْدَ ُه مِ ْ‬
‫شهَادَ ِتهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنّاب إِذًا َلمِنبَ‬
‫شهَادَتُنَا َأحَقّ مِن ْب َ‬
‫‪.17‬شهادة الزور ‪ … ( :‬فَ ُيقْسِبمَانِ بِالِّ َل َ‬
‫الظّا ِلمِينَ (‪ 107‬المائدة )‬
‫ضلّ الُّ َومَا َلهُ مْ ِم نْ‬
‫ن أَ َ‬
‫ن ظَ َلمُوا أَ ْهوَاءَهُ مْ ِبغَيْرِ عِلْ مٍ َفمَ نْ َيهْدِي مَ ْ‬
‫‪.18‬اتباع الهوى ‪َ ( :‬ب ْل اتّبَ عَ الّذِي َ‬
‫نَاصِرِينَ (‪ 29‬الروم )‬
‫‪.19‬اتباع أهواء أهيل الكتاب ‪ ( :‬وَلَئِنْب اتّ َبعْتَب أَ ْهوَاءَهُمْب مِنْب َبعْدِ مَا جَاءَكَب مِنْب ا ْلعِلْمِب إِنّكَب إِذًا َلمِنْب‬
‫الظّا ِلمِينَ (‪145‬البقرة )‬
‫‪.20‬فتنية الناس فيي دينهيم ‪ ( :‬وَقَاتِلُوهُمْب حَتّىب لَ َتكُونَب فِتْ َنةٌ وَ َيكُونَب الدّينُب لِّ َفإِنْب ان َت َهوْا فَلَ عُ ْدوَانَب‬
‫ِإلّ عَلَى الظّا ِلمِينَ (‪ 193‬البقرة )‬
‫ن الظّا ِلمِينَ (‪ 35‬البقرة )‬
‫شجَرَةَ فَ َتكُونَا مِ ْ‬
‫‪.21‬معصية أمر ال ‪َ ( :‬ولَ َتقْرَبَا هَذِ ِه ال ّ‬
‫‪.22‬العتداء على حدود ال ‪ ( :‬تِلْكبَب حُدُودُ الِّب َفلَ َتعْتَدُوهَببا َومَنببْ يَ َتعَ ّد حُدُودَ الِّب فَُأوْلَئِكببَ هُمببْ‬
‫الظّا ِلمُونَ (‪ 229‬البقرة )‬
‫جزَاءُ‬
‫‪.23‬القتيل وسيفك الدماء ‪ ( :‬إِنّيب أُرِي ُد أَنْب تَبُوءَ بِإِثْمِي َوإِ ْثمِكَب فَ َتكُونَب مِنْب أَصْبحَابِ النّارِ وَذَلِكَب َ‬
‫الظّا ِلمِينَ (‪ 29‬المائدة )‬
‫ح ُكمْ ِبمَا أَن َزلَ الُّ فَُأوْلَئِكَ ُهمْ الظّا ِلمُونَ (‪ 45‬المائدة )‬
‫‪.24‬الحكم بغير ما أنزل ال ‪َ ( :‬ومَنْ َلمْ َي ْ‬
‫ل مِ ْنهُمْب وَالُّ عَلِيمٌب‬
‫‪.25‬السيتنكاف عين القتال فيي سيبيل ال ‪ ( :‬فَ َلمّاب كُتِبَب عَلَ ْيهِمْب ا ْلقِتَالُ َتوَّلوْا ِإلّ قَلِي ً‬
‫بِالظّا ِلمِينَ (‪ 246‬البقرة )‬
‫غّلقَتبْ الَْ ْبوَاببَ‬
‫‪.26‬خيانية العهيد ونكران المعروف ‪ ( :‬وَرَاوَدَتْهبُ الّتِي ُهوَ فِي بَيْتِهَا عَنبْ َنفْسِبهِ وَ َ‬
‫ن مَ ْثوَايَ إِ ّن ُه لَ ُيفْ ِلحُ الظّا ِلمُونَ (‪ 23‬يوسف )‬‫حسَ َ‬‫وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ َمعَا َذ الِّ إِ ّنهُ رَبّي أَ ْ‬
‫‪.27‬موالة الذيين يقاتلون المسيلمين ويُخرجونهيم مين ديارهيم ‪ ،‬وموالة الذيين يُؤيدونهيم ويُسياندونهم‬
‫ن َوَأخْ َرجُوكُ مْ مِ نْ دِيَا ِركُ مْ َوظَا َهرُوا عَلَى‬
‫في فعلهم ‪ ( :‬إِ ّنمَا يَ ْنهَاكُ مُ الُّ عَ نِ الّذِي نَ قَاتَلُوكُ مْ فِي الدّي ِ‬
‫ج ُكمْ أَنْ َتوَّلوْ ُه ْم َومَنْ يَ َتوَّل ُهمْ فَأُولَئِكَ ُه ُم الظّا ِلمُونَ (‪ 9‬الممتحنة )‬
‫ِإخْرَا ِ‬
‫ضهُم بْ‬
‫‪.28‬موالة اليهود والنصييارى ‪ ( :‬يَأَيّهَبا الّذِين َب آمَنُوا لَ تَ ّتخِذُوا الْ َيهُو َد وَالنّص بَارَى َأوْلِيَاءَ َبعْ ُ‬
‫ن الَّ لَ َيهْدِي ا ْلقَ ْو َم الظّا ِلمِينَ (‪ 51‬المائدة )‬ ‫ض َومَنْ يَ َتوَّل ُهمْ مِ ْن ُكمْ فَإِ ّن ُه مِ ْنهُ ْم إِ ّ‬
‫َأوْلِيَاءُ َبعْ ٍ‬
‫خوَا َنكُمْب َأوْلِيَاءَ‬
‫‪.29‬موالة الكافريين ولو كانوا أولي قربيى ‪ ( :‬يَأَ ّيهَا الّذِينَب آمَنُوا لَ تَ ّتخِذُوا آبَا َءكُمْب َوِإ ْ‬
‫ن َومَنْ يَ َتوَّلهُ ْم مِ ْن ُكمْ فَُأوْلَئِكَ ُه ْم الظّا ِلمُونَ (‪ 23‬التوبة )‬
‫ن اسْتَحَبّوا ا ْل ُكفْرَ عَلَى الِْيمَا ِ‬
‫إِ ْ‬
‫‪.30‬إخراج الناس مين ديارهيم وتشريدهيم ‪ ( :‬وَقَالَ الّذِينَب َكفَرُوا ِلرُسُبِل ِهمْ لَ ُنخْ ِرجَ ّنكُمْب مِنْب أَرْضِنَا َأوْ‬
‫ن الظّا ِلمِينَ (‪13‬إبراهيم )‬ ‫لَ َتعُودُنّ فِي مِلّتِنَا فَ َأ ْوحَى إِلَ ْي ِهمْ رَ ّب ُهمْ لَ ُنهْ ِلكَ ّ‬
‫‪284‬‬
‫للً (‪ 24‬نوح )‬
‫‪.31‬إضلل الناس ‪ ( :‬وَقَ ْد أَضَلّوا كَثِيرًا َولَ تَزِ ِد الظّا ِلمِينَ ِإلّ ضَ َ‬
‫خلَ جَنّتَهُب وَ ُه َو ظَالِمٌب لِ َنفْسِبهِ قَا َل مَا َأظُنّ أَنْب تَبِيدَ هَذِهِب‬
‫‪.32‬السيتعلء والسيتكبار فيي الرض ‪ ( :‬وَ َد َ‬
‫أَبَدًا (‪ 35‬الكهف )‬
‫طرُدِ الّذِينبَ يَدْعُونبَ رَ ّبهُمبْ بِا ْلغَدَاةِ وَا ْل َعشِيّ‬‫‪.33‬ازدراء فقراء المؤمنييين والعراض عنهييم ‪َ ( :‬ولَ َت ْ‬
‫يءٍ فَ َتطْرُدَهُمْ فَ َتكُونَ‬ ‫ن شَ ْ‬ ‫علَ ْيهِ ْم مِ ْ‬
‫ن حِسَابِكَ َ‬
‫ي ٍء َومَا مِ ْ‬
‫ن شَ ْ‬
‫ن حِسَا ِب ِه ْم مِ ْ‬
‫ك مِ ْ‬
‫علَيْ َ‬
‫جهَ ُه مَا َ‬
‫ن َو ْ‬
‫يُرِيدُو َ‬
‫ن الظّا ِلمِينَ (‪ 52‬النعام )‬ ‫مِ َ‬
‫سخَرْ قَومٌ مِنْ َقوْمٍ عَسَى أَ ْ‬
‫ن‬ ‫‪.34‬الستهزاء بالخرين والتقليل من شأنهم ‪ ( :‬يَأَ ّيهَا الّذِينَ ءَامَنُوا لَ يَ ْ‬
‫َيكُونُوا خَيْرًا مِ ْنهُمْب َولَ نِسبَا ٌء مِنْب نِسبَاءٍ عَسبَى أَنْب َيكُنّ خَيْرًا مِ ْنهُنّ َولَ تَ ْل ِمزُوا أَ ْنفُسَبكُ ْم َولَ تَنَابَزُوا‬
‫ن َومَنْ َلمْ يَ ُتبْ فَأُولَئِكَ ُهمُ الظّا ِلمُونَ (‪ 11‬الحجرات )‬ ‫س ا ِلسْمُ ا ْل ُفسُوقُ َبعْ َد الِْيمَا ِ‬
‫بِالَْ ْلقَابِ بِئْ َ‬
‫‪.35‬الستعاضة عن اليمان بال واليوم الخر ‪ ،‬والجهاد في سبيله ‪ ،‬بخدمة حجاج بيت ال الحرام ‪:‬‬
‫لخِ ِر َوجَاهَدَ فِي سَببِيلِ‬
‫عمَارَةَ ا ْلمَسْبجِدِ ا ْلحَرَامِب َكمَنْب ءَامَنَب بِالِّ وَالْ َيوْمِب ا ْ‬
‫جعَلْتُمْب سِبقَا َيةَ ا ْلحَاجّ وَ ِ‬
‫( َأ َ‬
‫لّ لَ َيسْ َتوُونَ عِنْ َد الِّ وَالُّ لَ َيهْدِي ا ْل َقوْ َم الظّا ِلمِينَ (‪ 19‬التوبة )‬ ‫ا ِ‬
‫حمِلُوهَا َكمَثَلِ‬
‫حمّلُوا ال ّتوْرَاةَ ثُمّ لَم بْ َي ْ‬
‫‪.36‬حمييل القرآن والعمييل بنقيييض مييا جاء بييه ‪ ( :‬مَ َثلُ الّذِين َب ُ‬
‫ح ِملُ أَسْبفَارًا بِئْسَب مَ َثلُ ا ْل َقوْمِب الّذِينَب كَذّبُوا بِآيَاتِب الِّ وَالُّ لَ َيهْدِي ا ْل َقوْمَب الظّا ِلمِينَب (‪5‬‬
‫حمَارِ َي ْ‬
‫ا ْل ِ‬
‫الجمعة )‬
‫نحن نرى أن زمن النهاية قد اقترب ‪ ،‬وأن الحلقة الولى من مسلسل أحداثها ‪ ،‬ستبدأ على أبعد الحتمالت خلل‬
‫فترة زمنيية ل تزييد عين أشهير معدودة ‪ .‬وأن أحداث النهايية سييهلك فيهيا الكثيير مين الناس وتنهار فيهيا الكثيير مين‬
‫المم ‪ ،‬وقد يستنكر الكثيرون هذا المر ‪.‬‬
‫قال تعالى ( َوكَمْب أَهْ َلكْنَا مِنَب ا ْلقُرُونِب مِنْب َبعْدِ نُوحٍب (‪ 17‬السيراء ) ولو رجعنيا إلى الوراء قليل ‪ ،‬واسيتذكرنا تلك‬
‫القوام التيي أُهلكيت لمّا ( عَتَتبْ عَنْب َأمْرِ رَبّهَا َورُسبُ ِلهِ (‪ 8‬الطلق ) لوجدنيا أن أشكال الظلم التيي مارسيتها تلك‬
‫القوام ‪ ،‬ل تُقارن مييع مييا تمارسييه القوام المعاصييرة هذه اليام ‪ ،‬أفل تسييتحق القوام المعاصييرة الهلك ؟ وإن‬
‫كانت كذلك أليس هلكها بقريب ؟!‬
‫ولو اسيتذكرنا تارييخ المية السيلمية ‪ ،‬سينجد أنهيا مُنييت بكثيير مين النكبات والمصيائب ‪ ،‬كلميا كانيت تبتعيد عين‬
‫الخرة وتلتصق بالحياة الدنيا ‪ .‬والحالة التي نعيشها الن هي السوأ على مر التاريخ ‪ ،‬فنحن منغمسون في الحياة‬
‫الدنيا من الرأس حتى أخمص القدم ‪ ،‬وأما السلم فهو مجرد شعار تسويقي ‪ ،‬نلبَسه كلما اقتضت الحاجة لذلك ‪...‬‬
‫خوْفِب وَا ْلجُوعِب وَنَقْصٍب مِنَب‬ ‫ي ٍء مِنَب ا ْل َ‬ ‫أفل نسيتحق الهلك ‪ ...‬أو السيتبدال ‪ ..‬أو التأدييب على القيل ؟! ولو ( ِبشَ ْ‬
‫ا َلْ ْموَا ِل وَالَْ ْنفُسِب وَال ّثمَرَاتِب ( ‪ 155‬البقرة ) ؟! أو ( أَنْب يَ ْبعَثَب عَلَ ْيكُمْب عَذَابًا مِنْب َفوْ ِقكُمْب ‪َ ،‬أ ْو مِنْب َتحْتِب أَ ْرجُ ِلكُمْب ‪َ ،‬أوْ‬
‫سكُ ْم شِ َيعًا ‪ ،‬أوَ يُذِيقَ َبعْضَ ُكمْ بَ ْأسَ َبعْضٍ ‪ ،‬ا ْنظُ ْر كَيْفَ نُصَرّفُ الْيَاتِ َلعَّلهُمْ َي ْفقَهُونَ (‪ 65‬النعام ) ؟!‬ ‫يَلْ ِب َ‬
‫وعلى ميا يبدو أن إهلك القرى سييبدأ بثلثيية الفسياد والظلم فيي الرض ‪ ،‬على مسيتوى الديانات الثلث اليهوديية‬
‫والنصيرانية والسيلم ‪ ،‬متمثلة فيي إسيرائيل وأمريكيا ومصير ‪ ،‬ومين ثيم بقيية القرى المفسيدة والظالمية تباعيا ‪ ،‬على‬
‫قاعدة الجزاء من جنس العمل بإذن ال ‪ ،‬وما ذلك على ال بعزيز ‪.‬‬

‫ف سَ َنةٍ مِمّا َتعُدّونَ )‬


‫ن َيوْمًا عِنْ َد رَ ّبكَ كَأَلْ ِ‬
‫( وَِإ ّ‬
‫ت الَْبْصبَارُ ‪ ،‬وَبَ َلغَتِب ا ْلقُلُوبُب ا ْلحَنَاجِرَ ‪ ،‬وَ َتظُنّونَب‬
‫ن أَسْب َفلَ مِ ْنكُمْب ‪َ ،‬وإِذْ زَاغَ ِ‬
‫قال تعالى ( إِذْ جَاءُوكُ مْ مِ نْ َفوْ ِقكُمْب ‪َ ،‬ومِ ْ‬
‫بِالِّ الظّنُونَا (‪ 10‬الحزاب ) كان هذا حال صيحابة رسول ال عليه الصيلة والسيلم ‪ ،‬أكثير الناس إيمانا وعزيمية‬
‫وصييبرا وثباتييا على دينهييم ‪ ،‬لقييد بلغ منهييم الخوف مبلغييا عظيمييا ‪ ،‬حتييى سيياورتهم الشكوك والظنون فييي غزوة‬
‫الحزاب ‪ ،‬عندميا تألبّي عليهيم مين بأقطارهيا مين ملل الكفير والشرك ‪ ،‬جمعتهيا الصيهيونية اليهوديية الحاقدة قديميا‬
‫لوأد دولة السيلم الحديثية ‪ ،‬خوفيا مين ضياع السييطرة اليهوديية على مجريات المور فيي الجزيرة العربيية بإثارة‬
‫الفتين والحروب بيين القبائل ‪ ،‬حييث كان اليهود المرجعيية السيتشارية لمشركيي قرييش وغيرهيم مين القبائل فيميا‬
‫يتعلّق بأساطير الولين ‪.‬‬
‫‪285‬‬
‫وفيي العالم العربيي والسيلمي شرقيا وغربيا ‪ ،‬يشعير الناس بالحباط واليأس والخوف ‪ ،‬مين الوضيع المُتأزم الذي‬
‫يعيشونييه فييي السيينوات الخيرة إجمال ‪ ،‬وفييي هذه اليام على وجييه الخصييوص ‪ ،‬وهييم يشاهدون مييا يجري على‬
‫أرض السييراء والمعراج وغيرهييا ‪ ،‬ميين هجميية شرسيية شنهييا أوغاد الصييهانية فييي الشرق ‪ ،‬مدعومييين بأوغاد‬
‫الصهانية من يهود ومسيحيين في الغرب ‪ ،‬حتى بدأ اليأس والقنوط من رحمة ال يتسرّب إلى قلوب الكثير منهم ‪،‬‬
‫لدرجية أن منهيم مين ظنّي بال ظنّي السيوء ‪ ،‬بيل ومنهيم مين كفير بال ربّا وبالسيلم دينيا فيي لحظية مين اللحظات ‪،‬‬
‫ومنهم من دعا على أهله وولده وعلى الشعوب العربية وحكّامها بالهلكة والخراب ‪.‬‬
‫لمثل أولئك في هذا الزمان يقول سبحانه وتعالى ‪ ،‬قبل ما يزيد على ‪ 1400‬سنة ‪ ،‬في كتابه المجيد في نهاية سورة‬
‫النحل ‪ ،‬قبل أن يبدأ في الخبار عن وعد الخرة في السورة التي تليها ‪َ ( :‬وإِنْ عَاقَبْتُمْ َفعَاقِبُوا ِبمِ ْثلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ‬
‫ق ِممّا‬‫علَ ْيهِ مْ ‪َ ،‬ولَ َت كُ فِي ضَيْ ٍ‬ ‫ك ِإلّ بِالِّ ‪َ ،‬ولَ َتحْزَ نْ َ‬
‫وَلَئِ نْ صَبَرْ ُتمْ َل ُه َو خَيْرٌ لِل صّا ِبرِينَ (‪ )126‬وَا صْبِ ْر َومَا صَبْ ُر َ‬
‫حسِنُونَ (‪)128‬‬ ‫ن ا ّت َقوْا ‪ ،‬وَالّذِينَ ُهمْ ُم ْ‬
‫لّ مَعَ الّذِي َ‬
‫َي ْمكُرُونَ (‪ )127‬إِنّ ا َ‬
‫وفيي معرض تعقيبيه على وعيد الخرة ‪ ،‬الذي نعيشيه الن بكيل حيثيّاتيه ‪ ،‬يقول ‪ ( :‬وَيَدْعُب الِْنْسبَانُ بِالشّرّ دُعَاءَهُب‬
‫ن أَعْرَضَ‬ ‫عجُولً (‪ 11‬السراء ) ويقول أيضا في نفس السورة ‪َ ( :‬وإِذَا أَ ْن َعمْنَا عَلَى الِْنْسَا ِ‬ ‫ن الِْنْسَانُ َ‬ ‫بِا ْلخَيْرِ ‪ ،‬وَكَا َ‬
‫ن مِنْب دُعَاءِ ا ْلخَيْرِ ‪،‬‬
‫وَنَأَى ِبجَانِبِهِب ‪َ ،‬وإِذَا مَسّبهُ الشّ ّر كَانَب يَئُوسبًا (‪)83‬ويقول فيي سيورة فُصيّلت ‪ ( :‬لَ يَسْبَأمُ الِْنْسبَا ُ‬
‫س ُه الشّرّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (‪)49‬‬ ‫َوإِنْ َم ّ‬
‫ك َلِحَدٍ‬
‫عجَبًا َلِمْرِ ا ْل ُم ْؤمِنِ ‪ ،‬إِنّ َأمْرَ ُه كُلّ ُه خَيْرٌ ‪ ،‬وَلَيْسَ ذَا َ‬
‫ل الِّ صَلّى الُّ عََليْهِ وَسَّلمَ ‪َ " :‬‬ ‫ص َهيْبٍ ‪ ،‬قَالَ رَسُو ُ‬ ‫وعَنْ ُ‬
‫ن خَيْرًا َلهُ " ‪ .‬رواه مسلم ‪.‬‬ ‫ن خَيْرًا َلهُ ‪َ ،‬وإِنْ أَصَابَ ْتهُ ضَرّاءُ ‪ ،‬صَبَرَ َفكَا َ‬ ‫شكَرَ ‪َ ،‬فكَا َ‬
‫ن أَصَابَ ْت ُه سَرّا ُء َ‬
‫ِإلّ ِل ْل ُم ْؤمِنِ ‪ ،‬إِ ْ‬
‫كثير من الناس ‪ ،‬ببعدهم عن القرآن والسنة ل يفهمون الكثير من الغايات والمقاصد اللهية ‪ ،‬من تصريف أمور‬
‫الناس بالشكل المنظور والمحسوس ‪ ،‬وخاصة فيما يتعلّق بالبتلء سواء بالخير أو الشرّ ( وَنَبْلُوكُمْ بِالشّ ّر وَا ْلخَيْرِ‬
‫جعُونَ (‪ 35‬النبياء ) مع أن ال سبحانه وتعالى ‪ ،‬وضّح وبيّن في كتابه العزيز للمؤمنين ‪ ،‬أن عاقبة‬ ‫فِتْ َن ًة َوإِلَيْنَا ُت ْر َ‬
‫المور هي ما يجب أن نُركّز عليه أنظارنا وعقولنا وقلوبنا ‪ .‬وأن نعلّق آمالنا دائما وأبدا على العاقبة ‪ ،‬أي المنتهى‬
‫الذي سيتؤول إلييه المور فيميا بعيد ‪ ،‬سيوا ًء فيي الدنييا أو الخرة مهميا طال الزمين أو قصير ‪ ،‬وأل نعلّق آمالنيا على‬
‫الواقيع الذي نعييش فييه ‪ ،‬فبعيد غزوة الحزاب التيي زاغيت فيهيا أبصيار المؤمنيين ‪ ،‬وبلغيت قلوبهيم الحناجير وظنوا‬
‫بال الظنون فُتحييت مكيية ‪ ،‬وكانييت تلك الفئة المؤمنيية الصييابرة والثابتيية ‪ ،‬هييي نفسييها التييي قادت جيوشييا زلزلت‬
‫عروش أكبر دول الكفر والطغيان في ذلك الزمان ‪.‬‬
‫كان يوسف عليه السلم قد أُبعد عن أبويه طفل ‪ ،‬وأُخذ من قبل أُناس غرباء إلى أرض غريبة وبيع عبدا بدارهم‬
‫قليلة ‪ ،‬وعاش غريبا حتى بلغ أشدّه ‪ ،‬واتُهم بمراودة زوجة سيده فألقي في السجن سنينا طويلة ‪ .‬ولكن بعد كل تلك‬
‫ك َمكّنّا لِيُوسُفَ فِي الَْرْضِ يَتَ َب ّوُأ مِ ْنهَا حَيْثُ َيشَاءُ نُصِيبُ‬
‫المعاناة وفي نهاية المطاف كان المر مختلفا كليا ( َوكَذَلِ َ‬
‫لخِرَ ِة خَيْرٌ لِلّذِينَب ءَامَنُوا‬
‫حمَتِنَا مَنْب َنشَا ُء َولَ نُضِيعُب َأجْرَ ا ْل ُمحْسِبنِينَ (‪ 56‬يوسيف ) وأميا فيي الخرة ( َولَجْرُ ا ْ‬
‫بِ َر ْ‬
‫َوكَانُوا يَ ّتقُونَ (‪ 57‬يوسف )‬
‫ويؤكيد سيبحانه بأن بدايية التمكيين ليوسيف كانيت منيذ دخوله لبييت العزييز ميع كونه دخله عبدا ( وَقَالَ الّذِي اشْتَرَاهُب‬
‫مِنْب مِصْب َر ِلمْ َرأَتِهِب َأكْرِمِي مَ ْثوَاهُب عَسبَى أَنْب يَ ْنفَعَنَا َأوْ نَ ّتخِذَهُب وَلَدًا َوكَذَلِكَب َمكّنّاب لِيُوسُبفَ فِي الَْرْضِب وَلِ ُنعَّلمَهُب مِنْب‬
‫تَ ْأوِي ِل الَْحَادِيثبِ … ) ولكنّي الناظير إلى يوسيف عبدا سيجينا قابعيا فيي زواييا النسييان والهمال ‪ ،‬ولو كان أكثير‬
‫الناس تفاؤل ‪ ،‬لم يكين يخطير بباله أن حال هذا العبيد السيجين المتهيم بالخيانية ‪ ،‬سيينقلب رأسيا على عقيب ‪ ،‬ليُصيبح‬
‫وزير مالية مصر أكبر دول العالم القديم ؟! ولكن حكمة ال اقتضت ‪ ،‬عكس ما قد يتصوّره أغلب الواقعيون من‬
‫أُناس ذلك العصر ‪ ،‬وعلى رأسهم العزيز وامرأته ‪ .‬لذلك أكد سبحانه على أن الناس – خاصة غير المؤمنين بال‬
‫وصيفاته جلّت قدرتيه – يُعانون فيي الغالب ‪ ،‬مين قصير النظير والفكير بأنيه قادر على تنفييذ مشيئتيه ‪ ،‬فيي أقسيى‬
‫الظروف وأحلكهيا واسيتحالتها مخالفيا كيل معطيات الواقيع ‪ ،‬الذي يتذرّع بيه الناس هذه اليام لذلك قال فيي تكملة‬
‫س لَ َيعْ َلمُو نَ (‪ )21‬وفي سورة الروم يُوضّح سبحانه حقيقة ما‬ ‫الية ( … وَالُّ غَالِ بٌ عَلَى َأمْرِهِ ‪ ،‬وَ َلكِنّ َأكْثَرَ النّا ِ‬
‫لخِرَةِ هُمْ غَافِلُو نَ (‪ )7‬وظاهر‬ ‫ن ظَا ِهرًا مِ نَ ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا ‪ ،‬وَهُمْ عَ نِ ا ْ‬ ‫يعلمه الناس ويؤمنون به ‪ ،‬في قوله ( َيعْ َلمُو َ‬
‫الحياة الدنيا هو الواقع المشاهد ‪.‬‬

‫‪286‬‬
‫أما بالنسبة لواقع المة السلمية الحالي ‪ ،‬وما يواجهه الشعب الفلسطيني من معاناة ‪ ،‬من قبل المفسدون الصهاينة‬
‫فيي الغرب والشرق ‪ ،‬فإن ال وعيد المؤمنيين بالنصير مين عنده ‪ ،‬ووعيد عدوهيم قبيل ثلثية آلف سينة بالعذاب إن‬
‫أفسيدوا فيي الرض ‪ ،‬وقيد أفسيدوا فيهيا ميا يزييد على خمسيين سينة ‪ ،‬وبلغ إفسيادهم هذه اليام عنان السيماء ‪ ،‬فهذان‬
‫وعدان صيدرا ممين ل يخلف الميعاد ‪ ،‬ولكين المير يحتاج إلى اليمان بال والصيبر والثبات على الديين ‪ ،‬وعلى‬
‫صبرهم وثباتهم في مواجهة عدوهم مع حسن الظن بال رب العالمين ‪.‬‬
‫ف الُّ وَعْدَ ُه‬‫يقول سبحانه في شأن المفسدين في الرض مخاطبا رسوله وأمته ( وَ َيسْتَ ْعجِلُونَكَ بِا ْلعَذَابِ ‪ ،‬وَلَنْ ُيخْلِ َ‬
‫سلِ ‪َ ،‬ولَ‬ ‫‪َ ،‬وإِنّ َي ْومًا عِنْدَ رَبّ كَ ‪ ،‬كَأَلْ فِ سَ َن ٍة ِممّا َتعُدّو نَ (‪ 47‬الحج ) وقال ( فَا صْ ِبرْ َكمَا صَ َب َر أُولُو ا ْلعَزْ مِ مِ نَ الرّ ُ‬
‫سقُونَ (‪35‬‬ ‫ك ِإلّ الْ َقوْمُ ا ْلفَا ِ‬
‫ع ًة مِنْ َنهَارٍ بَلَغٌ َف َهلْ ُيهْلَ ُ‬
‫ن مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا ِإلّ سَا َ‬
‫جلْ َلهُمْ ‪ ،‬كَأَ ّنهُمْ َيوْمَ يَ َروْ َ‬
‫تَسْ َتعْ ِ‬
‫الحقاف ) ‪.‬‬
‫س الناس من الشرّ فهم يستعجلون زواله ‪ ،‬ورغبوا في الخير وهم يستعجلون إطلله ‪ ،‬فقد استقوى‬ ‫هذه اليام ‪ ،‬يأ َ‬
‫ن سَبِيلٍ (‪ 11‬غافر ) ؟ !‬
‫ج مِ ْ‬
‫خرُو ٍ‬
‫الباطل وزادت سطوته وغاب الحقّ وطالت غيبته ( َف َهلْ إِلَى ُ‬
‫الفرق بين المواقيت بين التقدير السماوي والتقدير الرضي ‪:‬‬
‫عادة ميا يشعير النسيان فيي حالت الفرح ‪ ،‬بأن الزمين ينقضيي كلميح البرق ‪ ،‬فالسيبوع يمرّ وكأنيه يوم ‪ ،‬واليوم‬
‫وكأنيه سياعة ‪ ،‬والسياعة وكأنهيا دقيقية ‪ ،‬أميا فيي حالت الفراغ أو الحزن فيشعير بأن الزمين يسيير ببطيئ شدييد ‪،‬‬
‫ويكاد أن يتوقيف ‪ ،‬فالدقيقية تم ّر وكأنهيا سياعة ‪ ،‬والسياعة وكأنهيا يوم ‪ ،‬واليوم كأنيه شهير ‪ ،‬فالحسياس بالزمين أمير‬
‫نسبي ‪ ،‬يعتمد على الحالة النفسية التي تعتري النسان بين حين وآخر ‪.‬‬
‫وحتى ل يتخبّط النسان في تقديراته للزمن تبعا لحالته النفسية ‪ ،‬اتُخذت اليام والشهور والسنون ‪ ،‬وهي مقاييس‬
‫ثابتيية ومنتظميية ‪ ،‬لعتمادهييا على الحركيية المنتظميية والثابتيية للجرام السييماوية ‪ ،‬التييي أبدعهييا رب هذا الكون ‪.‬‬
‫وبقيت مسألة كيفية تقدير الزمن بالنسبة لليوم الواحد ‪ ،‬فاصطلح على تقسيم اليوم إلى ‪ 24‬ساعة ‪ ،‬والساعة إلى ‪60‬‬
‫دقيقة ‪ ،‬والدقيقة ‪ 60‬ثانية ‪.‬‬
‫ويرى كثيير مين المسيلمين أن فترة الظلم والفسياد على الرض طالت جدا ‪ ،‬وربميا سيتطول أكثير عنيد البعيض ‪.‬‬
‫ونقول هييي فييي الميقات السييماوي قصيييرة جدا ‪ ،‬ولتوضيييح الفكرة وتقريبهييا إلى الذهان ليييس إل سيينقوم بعملييية‬
‫حسابية بسيطة ‪.‬‬
‫اليوم في الميقات السماوي = ‪ 1000‬سنة ‪ ،‬واليوم في الميقات الرضي = ‪ 24‬ساعة‬
‫فإذا قمنا بقسمة ‪ 1000‬سنة على ‪ 24‬ساعة ‪ ،‬سنكون قادرين على التوصل لمعرفة نسبية لمقدار الساعة الواحدة في‬
‫الميقات السماوي ‪:‬‬
‫‪ 41,6 = 24 ÷ 1000‬سنة‬
‫إذن الساعة الواحدة في الميقات السماوي تقابل ‪ 41,6‬سنة أرضية‬
‫أي أن الساعة في الميقات السماوي ‪ ،‬تُقابل ‪ 42‬سنة تقريبا بالمقارنة مع الميقات الرضي‬
‫ولحساب عمر الدولة اليهودية على سبيل المثال بالميقات السماوي ‪ ،‬وبما أن العمر المتوقع لها هو ‪ 60‬سنة ‪ ،‬نجد‬
‫أن ‪:‬‬
‫( ‪ ) 1‬ساعة سماوية ‪ 41,6 :‬سنة أرضية‬
‫( س ) ساعة سماوية ‪ 60 :‬سنة أرضية‬
‫ومن خلل الضرب التبادلي ‪:‬‬
‫نجد أن ( س ) = ( ‪ 1,44 = 41,6 ÷ ) 1 × 60‬ساعة سماوية‬
‫أي أن عمرها ‪ ،‬هو ساعة واحدة و ‪ 0,44‬من الساعة ‪ .‬وبما أن الساعة لدينا ‪ ،‬تتكون من ( ‪ ) 60‬دقيقة ‪.‬‬

‫‪287‬‬
‫فإن ‪ 0,44‬من الساعة = ‪ 26,4 = 60 × 0,44‬دقيقة ‪.‬‬
‫ليتبين لنا أن إحساس أهل السماء بانقضاء ‪ 60‬سنة أرضية ‪ ،‬يُماثل إحساسنا بانقضاء ساعة واحدة وست عشرين‬
‫دقيقة فقط على الرض ‪ ،‬وهو زمن قصير جدا بالنسبة لهل السماء ‪ ،‬وطويل جدا بالنسبة لهل الرض ‪.‬‬
‫لذلك يشعير الناس على الرض بطول الزمن وامتداده ‪ ،‬فتجدهم يسيتعجلون الوعود اللهيية بإهلك القرى الظالمية‬
‫وبنصير المؤمنيين ويعجبون مين تأخّرهيا ‪ ،‬وأميا أهيل السيماء فهيم على العكيس تماميا ‪ ،‬يرون أن العذاب أو النصير‬
‫يتنزل على الناس بسييرعة كييبيرة جدا ‪ ،‬وأن الحداث تجري كلمييح البصيير وهذا مييا يؤكده الخبار اللهييي عيين‬
‫السيياعة فييي القرآن ‪ ،‬حتييى ظنّي صييحابة رسييول ال ميين كثرة مييا أكّد سييبحانه وتعالى على قربهييا أن سييتقع فييي‬
‫زمانهيم ‪ ،‬لذلك كان الناس آنذاك يكثرون السؤال عنهيا إشفاقيا مين أمرهيا ‪ ،‬وهيا قيد مرّ أكثير مين ‪ 1400‬سينة ولم تقيم‬
‫بعيد ‪ ،‬وهذه الحقيقية هيي ميا يُقرّره سيبحانه وتعالى فيي مطلع سيورة المعارج ‪ ،‬حييث قال ( سبَا ِئلٌ ِبعَذَابٍب وَاقِعٍب (‪)1‬‬
‫خمْسبِينَ‬
‫لِ ْلكَافِرينَب لَيْسَب لَهُب دَافِعٌب (‪ )2‬مِنَب الِّ ذِي ا ْل َمعَارِجِب (‪َ )3‬تعْرُجُب ا ْلمَلَ ِئ َكةُ وَالرّوحُب إِلَيْهِب فِي َيوْمٍب كَانَب ِمقْدَارُهُب َ‬
‫جمِيلً (‪ )5‬إِ ّن ُهمْ َي َروْ َنهُ َبعِيدًا (‪ )6‬وَنَرَاهُ قَرِيبًا (‪ 7‬المعارج )‬ ‫أَلْفَ سَ َنةٍ (‪ )4‬فَاصْبِرْ صَ ْبرًا َ‬
‫وقال تعالى‬
‫( فَا ْرتَقِبْ ِإ ّنهُ ْم ُمرْتَ ِقبُونَ )‬

‫‪288‬‬
‫الطوفان الخير وطوق النجاة‬
‫جعُو نَ (‪41‬‬
‫عمِلُوا َلعَّلهُ مْ يَ ْر ِ‬
‫ظهَرَ ا ْلفَ سَادُ فِي الْبَ ّر وَالْ َبحْرِ ِبمَا كَ سَبَتْ أَيْدِي النّا سِ لِيُذِي َقهُ مْ َبعْ ضَ الّذِي َ‬
‫قال تعالى ( َ‬
‫الروم )‬
‫لم تحمل الرض فيي أحشائها عبر تاريخها الطويل ‪ ،‬حمل فاسدا ومفسدا كهذا الحمل الذي حملته في المائة سنة‬
‫الخيرة ‪ .‬فقد حوت في رحمها جميع خطايا ومعاصي المم السابقة ‪ ،‬التي كانت فيما مضى تُهلك لمجرد خطيئة‬
‫أو معصيية واحدة تُصيرّ عليهيا ‪ ،‬كعبادة الصينام أو إتيان الفواحيش أو تطفييف الكييل ‪ ،‬وذلك بالرغيم مين وجود‬
‫تعاليم موسى وعيسى ومحمد عليهم الصلة والسلم ‪ ،‬حية مسطورة بين دفات الكتب ‪ .‬فالرض حبلى بالفساد ول‬
‫بيد لهذا الحميل ‪ ،‬الذي عظيم شأنيه وكيبر حجميه مين جراحية قيصيرية مؤلمية جدا ‪ ،‬لنقاذ رحيم الرض قبيل أن‬
‫تتسرّب لبقيته العفونة فل يُسمح له بحمل آخر ‪.‬‬
‫قال تعالى ( إِنّمَا مَ َثلُ ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا ‪َ ،‬كمَا ٍء أَنْ َزلْنَاهُب مِنبْ السّبمَاءِ ‪ ،‬فَاخْتَلَطبَ بِهبِ نَبَاتُب الَْرْضبِ ‪ِ ،‬ممّاب يَ ْأ ُكلُ النّاسُب‬
‫ل َأوْ َنهَارًا ‪،‬‬
‫خرُ َفهَا وَازّيّنَتْ ‪َ ،‬وظَنّ أَهُْلهَا أَ ّنهُمْ قَادِرُونَ عَلَ ْيهَا ‪ ،‬أَتَاهَا َأمْرُنَا لَيْ ً‬
‫وَالَْنْعَامُ ‪ ،‬حَتّى إِذَا َأخَذَتْ الَْرْضُ ُز ْ‬
‫صلُ الْيَاتِ ِل َقوْمٍ يَ َت َفكّرُونَ (‪ 24‬يونس )‬ ‫جعَلْنَاهَا حَصِيدًا ‪ ،‬كَأَنْ َلمْ َتغْنَ بِا َلْمْسِ ‪ ،‬كَذَلِكَ ُنفَ ّ‬
‫َف َ‬
‫هذه الية تحمل في ثناياها سنة إلهية جاءت على شكل شرط وجواب للشرط ‪ ،‬والشرط ( َأخَذَ تْ الَْرْ ضُ ُزخْرُ َفهَا‬
‫وَازّيّنَتْب ‪َ ،‬وظَنّ أَهْلُهَا أَ ّنهُمْب قَادِرُونَب عَلَيْهَا هيو أن تأخيذ الرض أبهيى صيورها ‪ ،‬وأن يُصيبح أهلهيا منشغلون‬
‫بمظاهرهيا مفتونون بجمالهيا ‪ ،‬يبذلون قصيارى جهدهيم فيي تحصييل متاعهيا ‪ ،‬غافليين عين شكير خالقهيا وبارئهيا ‪،‬‬
‫ظانين أنهم قادرين وبل منازع على تصريف شؤونها ‪ ،‬وشؤون من على ظهرها من المخلوقات ‪ ،‬منتقصين قدر‬
‫وقدرة خالقهم وخالقها ‪.‬‬
‫ل َأوْ َنهَارًا ) وماهية أمر ال تتبين من النتيجة ‪ ،‬في تعقيبه‬
‫أما جواب الشرط فهو مجيء أمر ال ( أَتَاهَا َأمْرُنَا لَيْ ً‬
‫جعَلْنَاهَا حَصبِيدًا ‪ ،‬كَأَنْب لَمْب َتغْنَب بِا َلْمْسِب ) وهيو خراب الرض بزوال زينتهيا وزخرفهيا ‪ ،‬التيي‬
‫سيبحانه وتعالى ( َف َ‬
‫أشغلت الناس عين عبادة ال ‪ ،‬وهيي تشميل كيل ميا تراه مين حولك ‪ ،‬مين مفاتين الحياة التيي اغتير بهيا الناس إل مين‬
‫رحيم ربيي وهيم قلييل ‪ ،‬وذلك يعنيي هلك الكثيير مين الناس ‪ .‬وإن لم تسيتخدم السيلحة النوويية فيي جعيل الرض‬
‫صيحراء قاحلة ‪ ،‬أينميا وقيع مين أهلهيا ميا أخيبرت عنيه اليات ‪ ،‬فميا الذي سييجعلها كذلك ؟! ميع حتميية زوال هذه‬
‫السلحة كما كنا قد أوضحنا في فصول سابقة ‪.‬‬
‫وهذه السينة اللهيية سيتمضي فيي عصيرنا وقريبيا جدا ‪ ،‬كميا مضيت مرارا وتكرارا فيي القوام ‪ ،‬كلميا ابتعيد الناس‬
‫عن الغاية اللهية من جعل النسان خليفة في الرض ‪ .‬ويُعقّب سبحانه أنه فصّل اليات ‪ ،‬وأن هذا المر المفصّل‬
‫فيي اليية مطروح للتفكّر فييه ‪ ،‬بمعنيى أنيك متيى عاينيت ميا أخيبرت عنيه اليات ‪ ،‬متمثّل على أرض الواقيع فتوقيع‬
‫أمر ال في أي لحظة ‪ ،‬هذا إن كنت ممن يتفكّرون ‪.‬‬

‫المة السلمية فسقت عن أمر ربها وموعودة بالعقاب أيضا ‪:‬‬


‫عشِيرَ ُتكُمْ ‪َ ،‬وَأ ْموَالٌ اقْتَ َرفْ ُتمُوهَا ‪ ،‬وَ ِتجَارَ ٌة‬ ‫جكُمْ ‪ ،‬وَ َ‬
‫خوَانُكُمْ ‪َ ،‬وأَ ْزوَا ُ‬
‫ن كَانَ ءَابَا ُؤكُمْ ‪َ ،‬وأَبْنَا ُؤكُمْ ‪َ ،‬وِإ ْ‬
‫قال تعالى ( ُق ْل إِ ْ‬
‫جهَادٍ فِي سَببِي ِلهِ ‪ ،‬فَتَرَبّصبُوا حَتّىب يَأْتِيَب‬ ‫ضوْ َنهَا ‪َ ،‬أحَبّ إِلَ ْيكُمْب مِنَب الِّ وَرَسبُو ِلهِ ‪َ ،‬و ِ‬ ‫شوْنَب كَسبَادَهَا ‪َ ،‬ومَسبَاكِنُ تَرْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫َت ْ‬
‫لّ لَ َيهْدِي ا ْل َقوْمَ ا ْلفَاسِقِينَ (‪ 24‬التوبة ) ‪.‬‬ ‫الُّ بِ َأمْرِهِ ‪ ،‬وَا ُ‬
‫وهنيا شرط آخير خاص بأمية السيلم ‪ ،‬فإن تحقّق منهيا ميا تُخيبر عنيه اليات وقيد تحقّق هذه اليام ‪ ،‬بيل حالنيا أسيوأ‬
‫مين ذلك بكثيير ‪ ،‬إذ لمين نكتفيي بحيب الحياة الدنييا ومفرداتهيا ‪ ،‬فقيد بدأنيا مؤخرا نمارس الفسياد والظلم والعصييان ‪،‬‬
‫والتعدي على حدود ال فيي وضيح النهار وفيي الماكين العامية ‪ ..‬فيي الشارع ‪ ..‬فيي الجامعية ‪ ..‬فيي التلفاز ‪ ..‬فيي‬
‫الصحف ‪ ..‬في الكتب ‪ ..‬ولكن الرحمن الرحيم ‪ ،‬لم يُنزل بنا غضبه حتى هذه اللحظة ‪ ،‬ول شكّ أن أمر على وشك‬
‫أن يأتي … !‬
‫أميير ال سيييحيق بنييا قريبييا ‪ ،‬وأقلّه شيييء ميين الخوف والجوع ونقييص ميين الموال والنفييس والثمرات ‪ ،‬وأكثره‬
‫الهلك العاجل في الدنيا ونار جهنم في الخرة ‪ ،‬هذا لمن فسق عن أمر ربه من أمة محمد عليه الصلة والسلم ‪،‬‬
‫‪289‬‬
‫أما من ضرب بمظاهر الحياة الدنيا عرض الحائط وتاجر بما عند ربه ‪ ،‬فآمن وصبر وعمل صالحا فأولئك لهم‬
‫البشرى من ربهم في الدنيا والخرة ‪ ،‬ول خوف عليهم ول هم يحزنون ‪.‬‬
‫ن آيَاتِنَا غَافِلُو نَ (‬
‫ع ْ‬
‫طمَأَنّوا ِبهَا ‪ ،‬وَالّذِي نَ هُ مْ َ‬
‫قال تعالى ( إِنّ الّذِي نَ لَ َي ْرجُو نَ ِلقَاءَنَا ‪ ،‬وَرَضُوا بِا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا ‪ ،‬وَا ْ‬
‫‪ُ )7‬أوْلَئِكَ مَ ْأوَا ُهمْ النّارُ ِبمَا كَانُوا َي ْكسِبُونَ (‪ 8‬يونس )‬

‫صراع بين مذهبين ‪:‬‬


‫مرت البشريية بعدة محطات ‪ ،‬بدأت بهبوط آدم عليه السيلم بمذهيب إلهيّي يدعو إلى الصيلح والصيلح ‪ ،‬وهبوط‬
‫إبليس بمذهب شيطاني يدعو إلى الفساد والفساد ‪ .‬ومنذ ذلك اليوم بدأ الصراع الحقيقي بين مذهبين ‪ ،‬بين مذهب‬
‫إبلييس ومذهيب رب العزة وكيل له جنده ‪ ،‬وتُركيت للبشير حريية الختيار فيي تجنييد أنفسيهم لنصيرة أحيد المذهيبين ‪،‬‬
‫وكل من الفريقين سيتحمّل تبعة اختياره ‪.‬‬
‫حيين بدأت الحياة البشرية على الرض ‪ ،‬كان مقام آدم علييه السلم فيي أرض الجزيرة العربيية ‪ ،‬حيث كانيت جنة‬
‫ال في الرض ‪ ،‬فقام ببناء أول بيت وضع لعبادة ال في مكة المكرمة ‪ ،‬وتناسل فيها وكثر أولده وأحفاده ‪ .‬ومع‬
‫مرور الزمن ‪ ،‬بدأ المذهب الشيطاني ينتشر في نسله ‪ ،‬والمذهب اللهي يضمحل شيئا فشيئا ‪ .‬وبعد وفاة آدم عليه‬
‫السلم استفحل المذهب الشيطاني ‪ ،‬حتى عمّ أرجاء المعمورة التي لم تتجاوز حدود الجزيرة العربية آنذاك ‪.‬‬
‫فيي هذه الجواء ‪ ،‬بُعيث سيبحانه نوح علييه السيلم لدعوة قوميه ‪ ،‬فلم يسيتجب له إل قلة مين المسيتضعفين ‪ ،‬ولميا‬
‫واجهوه بإصرارهم على الكفر واستمرارهم بالفساد في الرض ‪ ،‬ولما انقطع رجاءه في هدايتهم هنالك دعا ربه‬
‫ليقطيع دابر الكافريين ‪ ،‬فأُمير بصيناعة الفلك وبدأ بإقامتيه وسيط اليابسية ‪ ،‬حييث أقرب بحير يبعيد آلف الميال ‪،‬‬
‫وإقامة الفلك في ذلك المكان هو الجنون بعينه ‪ ،‬فما كان من قومه إل أن سخروا منه وممن معه ‪ ،‬وهم ل يعلمون‬
‫وعن عاقبتهم غافلون ‪ ،‬وفجأة … انقلب كل شيء رأسا على عقب ‪ ،‬كان الطوفان الذي رافقه انقلب كوني هائل‬
‫في جغرافية الرض ‪ ،‬جعلت من الجزيرة العربية صحراء قاحلة ‪.‬‬
‫ورست سفينته على جبل الجودي في الموصل شمالي العراق ‪ ،‬فنزل الذين انتصروا للمذهب اللهي واستوطنوا‬
‫العراق فييي بادئ الميير ‪ ،‬ومييع مرور الزميين ‪ ،‬وميين هناك بدءوا بالنتشار شيئا فشيئا فييي شتييى بقاع الرض ‪.‬‬
‫وعادت المور بعد الطوفان كما كانت في بداية عهد آدم عليه السلم وبدأ الناس في التناسل والتكاثر ‪.‬‬
‫وبعد نوح عليه السيلم وميع مرور الزمين بدأ المذهيب الشيطاني دورته الثانيية ‪ ،‬فأخيذ سيبحانه يبعيث الرسيل تباعيا‬
‫إلى تلك القوام التيي كانيت محصيورة ‪ ،‬فيي هذه منطقية الهلل الخصييب والجزيرة العربيية ‪ ،‬حييث أن المناطيق‬
‫البعيد لم تكين مأهولة آنذاك ‪ ،‬وأُخذت معظيم أقوام الرسيل السيابقين بالعذاب ‪ ،‬ومن ثيم بدأ الناس منيذ تلك اللحظية ‪،‬‬
‫في النتشار إلى البلدان البعد شيئا فشيئا ‪ -‬حتى عمروا الرض كلها في عصرنا الحالي – ومع ذلك بقيت الكثافة‬
‫السييكانية آنذاك متمركزة فييي هذه المنطقيية ‪ ،‬ولذلك اختصييت بالرسييالت السييماوية دون غيرهييا ‪ .‬وميين ثييم بُعييث‬
‫إبراهييم علييه السيلم إلى قوميه فيي بلدة أور جنوب العراق فلم يؤمنوا له ‪ ،‬فتركهيم وهاجير إلى الرض المقدّسية‬
‫ليُسلم الراية إلى نسله من بعده ‪.‬‬
‫وبعيد مرور الزمين ‪ ،‬وبعيد ضلل بنيي إسيرائيل أثناء تواجدهيم فيي مصير ‪ ،‬عين شريعية آبائهيم إبراهييم واسيحق‬
‫ويعقوب عليه السلم ‪ ،‬بُعث فيهم موسى عليه السلم فلم يؤمنوا له ول لمن بعده إل قليل ‪ .‬وبعد سنين طويلة ‪ ،‬من‬
‫انتصيار بنيي إسيرائيل للمذهيب الشيطانيي بُعيث فيهيم عيسيى علييه السيلم رسيول مجدّدا ‪ ،‬فلم يؤمنوا له بيل حاولوا‬
‫قتله ‪ ،‬فتوفاه ال ورفعه إلى السماء ‪ ،‬ليعود آخر الزمان وينهي آخر حلقات مسلسل الطوفان الخير ‪ ،‬والذي ستبدأ‬
‫حلقاته بالتتابع بعد شهور قليلة ‪ ،‬والناس لهية قلوبهم وهم عنه غافلون ‪.‬‬
‫ويكميل المذهيب الشيطانيي مشواره وميع مرور الزمين ‪ ،‬فجأة يتعطيل هذا المذهيب فيي هذه البقعية مين العالم لفترة‬
‫دامت ما يقارب (‪ )1350‬عام ‪ ،‬بِبعث نبي الهدى عليه أفضل الصلة والسلم بخاتمة الرسالت السماوية ‪ ،‬ومن ثم‬
‫يتوفاه ال ليترك لنا هذا القرآن العظيم ‪ ،‬حبل متينا ممدودا ما بين السماء والرض ‪ ،‬لمن ابتغى الهداية ووجد في‬
‫نفسيه العزم والقوة ‪ ،‬فدُحير ذلك المذهيب اللعيين وولى هاربيا ‪ .‬وفيي السينوات الخيرة عادت أمية السيلم لتحذوا‬
‫حذو سيابقيها مين الميم وتحتضين ذلك المذهيب ‪ ،‬لينبُت فيي هذه البقعية مين العالم وينموا ويزدهير مشمول بالعنايية‬
‫‪290‬‬
‫والرعاية بحجّة التقدم والحضارة ‪ ،‬فعاد ذلك المذهب وشمل كافة أرجاء الدنيا بما فيها مهد الرسالت السماوية ‪،‬‬
‫بلد الشام والعراق وجزيرة العرب ‪ ،‬فأصبح العالم أجمع أسوأ مما كان عليه قبل طوفان نوح عليه السلم ‪.‬‬
‫وفي نهاية الطوفان ‪ ،‬يُبعث عيسى بن مريم عليه السلم ليعيد المور إلى نصابها ‪ ،‬وتستعيد الرض بركتها في‬
‫زمانيه وينعيم الناس بالمين والمان ‪ ،‬ويمضيي المهدي ويمضيي عيسيى علييه السيلم بعيد أن يبلغ سين الكهولة ‪،‬‬
‫وتبقيى القلة المؤمنية فيبدأ المذهيب الشيطانيي مين جدييد انتشار النار فيي الهشييم فيي نسيل تلك القلة ‪ ،‬وتخطيف رييح‬
‫لينة أرواح البقية المؤمنة وتبقى الغلبية الكافرة ‪ ،‬وتجري الزمنة مسرعة إلى حيث الساعة …‬
‫مراحل الطوفان القادم‬
‫هذا الطوفان الذي نتحدث عنيه ‪ ،‬هيو ميا سييُعيد البشريية إلى ميا كانيت علييه بعيد الطوفان الول زمين نوح علييه‬
‫السيلم ‪ ،‬ليعييد التارييخ نفسيه مرة أخرى ‪ .‬وهيو يختلف بعيض الشييء عين سيابقه ‪ ،‬حييث سيتكون بدايتيه مين صينع‬
‫البشر وسيأتي على عدة مراحل ‪- :‬‬
‫المرحلة الولى ‪ :‬أكبر وأبشع مذبحة في تاريخ الشعب اليهودي على يد العراقيين في فلسطين ‪.‬‬
‫المرحلة الثانيـة ‪ :‬تحالف العرب مييع الروس فييي حرب عالمييية نووييية ثالثيية ‪ ،‬تنتهييي فناء الحضارة الغربييية‬
‫ومظاهرها ‪.‬‬
‫المرحلة الثال ثة ‪ :‬عودة أجواء داحيس والغيبراء فيي المنطقية العربيية لتصيفية الحسيابات فيميا بعيد الحرب العالميية‬
‫الثالثة ‪.‬‬
‫المرحلة الرابعـة ‪ :‬خروج المهدي ميين مكيية ‪ ،‬وبدء حروبييه لضييم الجزيرة العربييية وإيران وتركيييا ‪ ،‬والملحميية‬
‫الكبرى مع الروس ‪.‬‬
‫المرحلة الخامسة ‪ :‬سقوط عبدة المادة وظاهر الحياة الدنيا بين براثن الدجّال في حرب الجوع والعطش ‪.‬‬
‫المرحلة السادسة ‪ :‬نزول عيسى عليه السلم ‪ ،‬والذبح النهائي للدجال وأتباعه من اليهود على مشارف القدس ‪.‬‬
‫المرحلة ال سابعة ‪ :‬فناء مين بقيي مين الشعوب الشرقيية فيي حرب يأجوج ومأجوج ‪ ،‬وحصير الصيفوة مين عباد ال‬
‫مع عيسى عليه السلم في جبال فلسطين ‪.‬‬
‫المرحلة الثامنة ‪ :‬فناء يأجوج ومأجوج ‪ ،‬وتغيّر في جغرافية الرض وعودة مناخها الفردوسي ( جنة آخر الزمان‬
‫) كما كانت على عهد آدم عليه السلم ‪.‬‬
‫المرحلة التاسعة ‪ :‬عصر المن والسلم تحت حكم عيسى عليه السلم ‪ ،‬مكمل سنين عمره حتى يبلغ سن الكهولة‬
‫‪.‬‬
‫* ملحظة ‪ :‬المراحل تحمل ترتيبا زمنيا ‪ ،‬وقد يكون هناك اندماج بين المراحل أو تقديم أو تأخير ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫إذا بقي البصر حيث موطئ القدم … فلن ترَ النجوم في بطن السماء … ول القمر في ليل تمامه … ول الشمس‬
‫في ع ّز الظهيرة … فمنذ هذه اللحظة …‬
‫ابدأ هدانا وهداك ال بصناعة الفُلك‬
‫وابذل قصيارى جهدك فيي إتقان صينعته ‪ ..‬فلعلك تنجيو مين الغرق ‪ ..‬كلفتيه ليسيت باهظية جدا ‪ ..‬أو ل تُقدّر بثمين ‪..‬‬
‫أو ل تُشترى بمال ‪ ..‬وحتيى لو كانيت كذلك ‪ ..‬فالنجاة أغلى وأثمين … هذا الفلك … خشبيه صيفحات مين ذهيب ‪..‬‬
‫محصيورة بيين دفتيي كتاب ‪ ..‬يقبيع فيي إحدى زواييا المنزل ‪ ..‬ومسياميره كلمات مين نور ‪ ..‬إذا عرفيت ميا هيو ‪..‬‬
‫ستجد فيه رسالة أُنزلت من أجلك ‪ ..‬واجتهد كثير من الناس ‪ ..‬في حملها وبيانها … على مدى أربعة عشر قرنا‬
‫من الزمان ‪ ..‬ليصالها إليك ‪ ..‬فل تُذهب جهدهم أدراج الرياح ‪..‬‬
‫خشَعَب قُلُو ُبهُمْب لِ ِذكْرِ الِّ ‪ ،‬وَمَا َن َزلَ مِنَب ا ْلحَقّ ‪َ ،‬ولَ َيكُونُوا كَالّذِينَب أُوتُوا‬ ‫قال تعالى ( أَلَمْب يَأْنِب لِلّذِينَب ءَامَنُوا ‪ ،‬أَنْب َت ْ‬
‫سقُونَ (‪ 16‬الحديد ) وقال ( ُقلْ َيعِبَادِيَ الّذِينَ‬ ‫علَ ْيهِ ُم ا َلْمَدُ ‪َ ،‬فقَسَتْ قُلُو ُبهُمْ ‪َ ،‬وكَثِي ٌر مِ ْنهُمْ فَا ِ‬
‫ا ْلكِتَابَ ِمنْ قَ ْبلُ ‪َ ،‬فطَالَ َ‬
‫‪291‬‬
‫رحِيم بُ (‪53‬‬
‫جمِيعًا ‪ ،‬إِنّه بُ ُهوَ ا ْلغَفُورُ ال ّ‬
‫ح َم ِة الِّ ‪ ،‬إِنّ الَّ َيغْفِرُ الذّنُوب َب َ‬ ‫أَس بْرَفُوا عَلَى أَ ْنفُس ِبهِمْ ‪ ،‬لَ َتقْ َنطُوا مِن بْ َر ْ‬
‫حزَنُونَ (‪ … )38‬وَ َبشّرِ الصّابِرِينَ (‪ 155‬البقرة )‬ ‫خوْفٌ عَلَ ْي ِه ْم َولَ ُهمْ َي ْ‬ ‫ل َ‬‫الزمر ) وقال ( َفمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَ َ‬
‫أخيي القارئ … سياهم معنيا فيي نشير هذا الكتاب … بتوزييع نسيخة على قرص مرن … أو مطبوعة على الورق‬
‫… أو عبر البريد اللكتروني …‬
‫قال تعالى‬
‫ن)‬
‫عمّا َت ْعمَلُو َ‬
‫شهَادَ ًة عِنْدَ ُه مِنَ الّل ِه ‪َ ،‬ومَا الّل ُه ِبغَا ِفلٍ َ‬
‫ن كَتَ َم َ‬
‫( َومَنْ َأظْ َلمُ ‪ِ ،‬ممّ ْ‬
‫(‪ 140‬البقرة )‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد ل رب العالمين ‪ ،‬والصلة والسلم على سيد المرسلين‬

‫[ نهاية الكتاب ]‬

‫‪292‬‬
‫كتاب‬
‫نهاية إسرائيل والوليات المتحدة المريكية‬
‫متوفر على شبكة النترنت ضمن موقع وعد الخرة‬
‫موقع شخصي للمؤلف يتم من خلله تقديم فكرة عن الكتاب ‪ ،‬وتقديم خدمة تحميل الكتاب مجانا‬
‫هذا الكتاب لم يُعط حق نشره ‪ ،‬لي من دور النشر ‪ ،‬حتى يتسنى لنا عرضه من خلل شبكة النترنت ‪ ،‬وليتسنى‬
‫للجميع الطلع على ما يحويه هذا الكتاب من أفكار وطروحات‬
‫الكتاب غير متوفر مطبوعا في السواق ‪ ،‬ومن رغب بطباعته ونشره فله الحق بذلك ‪ ،‬ودون داع للرجوع إلى‬
‫المؤلف‬
‫إذ ل نبتغ من وراءه منفعة مادية أو معنوية قل شأنها أو كبر‬

‫حق النشر متاح للجميع‬

‫احصل على أحدث نسخة من الكتاب مجانا من خلل أحد مواقعنا‬

‫عنوان الموقع الرئيس‬


‫‪www.go.ae/kalwid‬‬
‫عناوين الموقع الخرى‬
‫‪http://kalwid.0pi.com/index.htm‬‬
‫‪http://kalwid.bravepages.com/index.htm‬‬
‫‪http://www.geocities.com/kalwid/index.htm‬‬
‫‪http://kalwid.freeservers.com/index.htm‬‬
‫أو من خلل محرك بحث ( جوجل )‬
‫‪http://www.google.com‬‬
‫بريد المؤلف اللكتروني‬
‫‪kalwid@yahoo.com‬‬

‫‪293‬‬

You might also like