You are on page 1of 1144

‫بسم ال الرحن الرحيم‬

‫التفسي اليسر‬
‫ت بمد ال ومنته ف شهر صفر من عام ‪ 1425‬نقل هذا التفسي الهم من موقع‬
‫ممع اللك فهد لطباعة الصحف نقله أحد مب القرآن الكري‬
‫فل تنسوه من دعائكم ول تنسوا من كان سببا ف ذلك‬
‫جعلن ال وإياكم من أهل القرآن حقا‬
‫من وجد خطأ فليسله على العنوان التال ‪bnm678@gawab.com‬‬
‫ونن له من الشاكرين‬
‫ومن كان لديه اقتراح فليتفضل به على العنوان السابق‬

‫‪1‬‬
‫‪ -1‬سورة الفاتة‬
‫)بسم ال الرحن الرحيم (‪)1‬‬

‫سورة الفاتة سيت هذه السورة بالفاتة; لنه يفتتح با القرآن العظيم‪ ,‬وتسمى الثان; لنا تقرأ ف كل‬
‫ركعة‪ ,‬ولا أساء أخر‪ .‬أبتدئ قراءة القرآن باسم ال مستعينا به‪( ,‬الِ) علم على الرب ‪-‬تبارك وتعال‪-‬‬
‫العبود بق دون سواه‪ ,‬وهو أخص أساء ال تعال‪ ,‬ول يسمى به غيه سبحانه‪( .‬الرّحْمَنِ) ذي الرحة‬
‫العامة الذي وسعت رحته جيع اللق‪( ,‬الرّحِيمِ) بالؤمني‪ ,‬وها اسان من أسائه تعال‪ ،‬يتضمنان إثبات‬
‫صفة الرحة ل تعال كما يليق بلله‪.‬‬

‫ب اْلعَالَمِيَ (‪)2‬‬
‫حمْدُ لِلّهِ رَ ّ‬
‫الْ َ‬

‫ب العَالَ ِميَ) الثناء على ال بصفاته الت كلّها أوصاف كمال‪ ,‬وبنعمه الظاهرة والباطنة‪،‬‬
‫(الَمْدُ لِ رَ ّ‬
‫الدينية والدنيوية‪ ،‬وف ضمنه َأمْرٌ لعباده أن يمدوه‪ ,‬فهو الستحق له وحده‪ ,‬وهو سبحانه النشئ للخلق‪,‬‬
‫القائم بأمورهم‪ ,‬الرب لميع خلقه بنعمه‪ ,‬ولوليائه باليان والعمل الصال‪.‬‬

‫الرّحْمَنِ الرّحِيمِ (‪)3‬‬

‫(الرّحْ َمنِ) الذي وسعت رحته جيع اللق‪( ,‬الرّحِيمِ)‪ ,‬بالؤمني‪ ,‬وها اسان من أساء ال تعال‪.‬‬

‫ك َي ْومِ الدّينِ (‪)4‬‬


‫مَالِ ِ‬
‫وهو سبحانه وحده مالك يوم القيامة‪ ,‬وهو يوم الزاء على العمال‪ .‬وف قراءة السلم لذه الية ف كل‬
‫ركعة من صلواته تذكي له باليوم الخر‪ ,‬وحثّ له على الستعداد بالعمل الصال‪ ,‬والكف عن العاصي‬
‫والسيئات‪.‬‬

‫سَتعِيُ (‪)5‬‬
‫ِإيّا َك َنعْبُ ُد َوِإيّاكَ نَ ْ‬
‫‪2‬‬
‫إنا نصك وحدك بالعبادة‪ ,‬ونستعي بك وحدك ف جيع أمورنا‪ ,‬فالمر كله بيدك‪ ,‬ل يلك منه أحد‬
‫مثقال ذرة‪ .‬وف هذه الية دليل على أن العبد ل يوز له أن يصرف شيئًا من أنواع العبادة كالدعاء‬
‫والستغاثة والذبح والطواف إل ل وحده‪ ,‬وفيها شفاء القلوب من داء التعلق بغي اله‪ ,‬ومن أمراض‬
‫الرياء والعجب‪ ,‬والكبياء‪.‬‬

‫سَتقِيمَ (‪)6‬‬
‫ط الْمُ ْ‬
‫اهْ ِدنَا الصّرَا َ‬

‫دُلّنا‪ ,‬وأرشدنا‪ ,‬ووفقنا إل الطريق الستقيم‪ ,‬وثبتنا عليه حت نلقاك‪ ,‬وهو السلم‪ ،‬الذي هو الطريق‬
‫الواضح الوصل إل رضوان ال وإل جنته‪ ,‬الذي دلّ عليه خات رسله وأنبيائه ممد صلى ال عليه وسلم‪,‬‬
‫فل سبيل إل سعادة العبد إل بالستقامة عليه‪.‬‬

‫ب عََلْيهِ ْم وَل الضّالّيَ (‪)7‬‬


‫ت عََلْيهِ ْم غَيْرِ الْ َمغْضُو ِ‬
‫ط الّذِينَ َأنْعَ ْم َ‬
‫صرَا َ‬
‫ِ‬

‫طريق الذين أنعمت عليهم من النبيي والصدّيقي والشهداء والصالي‪ ,‬فهم أهل الداية والستقامة‪ ,‬ول‬
‫تعلنا من سلك طريق الغضوب عليهم‪ ,‬الذين عرفوا الق ول يعملوا به‪ ,‬وهم اليهود‪ ,‬ومن كان على‬
‫شاكلتهم‪ ,‬والضالي‪ ,‬وهم الذين ل يهتدوا‪ ,‬فضلوا الطريق‪ ,‬وهم النصارى‪ ,‬ومن اتبع سنتهم‪ .‬وف هذا‬
‫الدعاء شفاء لقلب السلم من مرض الحود والهل والضلل‪ ,‬ودللة على أن أعظم نعمة على الطلق‬
‫هي نعمة السلم‪ ,‬فمن كان أعرف للحق وأتبع له‪ ,‬كان أول بالصراط الستقيم‪ ,‬ول ريب أن أصحاب‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم هم أول الناس بذلك بعد النبياء عليهم السلم‪ ,‬فدلت الية على‬
‫فضلهم‪ ,‬وعظيم منلتهم‪ ,‬رضي ال عنهم‪ .‬ويستحب للقارئ أن يقول ف الصلة بعد قراءة الفاتة‪:‬‬
‫(آمي)‪ ,‬ومعناها‪ :‬اللهم استجب‪ ,‬وليست آية من سورة الفاتة باتفاق العلماء; ولذا أجعوا على عدم‬
‫كتابتها ف الصاحف‪.‬‬

‫‪ -2‬سورة البقرة‬

‫ال (‪)1‬‬

‫‪3‬‬
‫هذه الروف وغي ها من الروف القطّ عة ف أوائل ال سور في ها إشارة إل إعجاز القرآن; ف قد و قع به‬
‫تدي الشركي‪ ,‬فعجزوا عن معارضته‪ ,‬وهو مركّب من هذه الروف الت تتكون منها لغة العرب‪ .‬فدَلّ‬
‫عجز العرب عن التيان بثله ‪-‬مع أنم أفصح الناس‪ -‬على أن القرآن وحي من ال‪.‬‬

‫ك اْل ِكتَابُ ل َرْيبَ فِيهِ هُدًى لِلْ ُمّتقِيَ (‪)2‬‬


‫ذَلِ َ‬
‫ذلك القرآن هو الكتاب العظيم الذي ل شَكّ أنه من عند ال‪ ,‬فل يصح أن يرتاب فيه أحد لوضوحه‪,‬‬
‫ينتفع به التقون بالعلم النافع والعمل الصال وهم الذين يافون ال‪ ,‬ويتبعون أحكامه‪.‬‬

‫ب َويُقِيمُونَ الصّلة َومِمّا َرزَ ْقنَاهُ ْم يُن ِفقُونَ (‪)3‬‬


‫الّذِي َن ُيؤْ ِمنُو َن بِاْل َغيْ ِ‬
‫وهم الذين يُ صَدّقون بالغيب الذي ل تدركه حوا سّهم ول عقولم وحدها; لنه ل ُيعْرف إل بوحي ال‬
‫إل رسله‪ ,‬مثل اليان باللئكة‪ ,‬والنة‪ ,‬والنار‪ ,‬وغي ذلك ما أخب ال به أو أخب به رسوله‪( ،‬واليان‪:‬‬
‫كل مة جام عة للقرار بال وملئك ته وكت به ور سله واليوم ال خر والقدر خيه وشره‪ ،‬وت صديق القرار‬
‫بالقول والع مل بالقلب والل سان والوارح) و هم مع ت صديقهم بالغ يب يافظون على أداء ال صلة ف‬
‫مواقيتها أداءً صحيحًا وَفْق ما شرع ال لنبيه ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وما أعطيناهم من الال يرجون‬
‫صدقة أموالم الواجبة والستحبة‪.‬‬

‫ك َوبِالخ َر ِة هُ ْم يُوقِنُونَ (‪)4‬‬


‫ك َومَا ُأنْ ِز َل مِنْ َقبْلِ َ‬
‫وَالّذِينَ ُي ْؤ ِمنُو َن بِمَا ُأنْزِلَ إَِليْ َ‬

‫والذين ُيصَدّقون با أُنزل إليك أيها الرسول من القرآن‪ ,‬وبا أنزل إليك من الكمة‪ ,‬وهي السنة‪ ,‬وبكل‬
‫ما أُنزل مِن قبلك على الرسل من كتب‪ ,‬كالتوراة والنيل وغيها‪ ,‬وُيصَدّقون بدار الياة بعد الوت‬
‫وما فيها من الساب والزاء‪ ،‬تصديقا بقلوبم يظهر على ألسنتهم وجوارحهم وخص يوم الخرة; لن‬
‫اليان به من أعظم البواعث على فعل الطاعات‪ ,‬واجتناب الحرمات‪ ,‬وماسبة النفس‪.‬‬

‫ك عَلَى هُدًى مِنْ َرّبهِ ْم َوُأوَْلئِكَ هُ ْم الْ ُمفِْلحُونَ (‪)5‬‬


‫ُأوْلَئِ َ‬
‫أصحاب هذه الصفات يسيون على نور من ربم وبتوفيق مِن خالقهم وهاديهم‪ ,‬وهم الفائزون الذين‬
‫أدركوا ما طلبوا‪ ,‬ونَجَوا من ش ّر ما منه هربوا‪.‬‬

‫إِ ّن الّذِينَ َكفَرُوا َسوَا ٌء عََلْيهِمْ ءأَنذَ ْرَتهُمْ َأمْ لَ ْم تُنذِ ْرهُ ْم ل ُي ْؤ ِمنُونَ (‪)6‬‬
‫‪4‬‬
‫إن الذ ين جحدوا ما أُنزل إل يك من ر بك ا ستكبارًا وطغيانًا‪ ,‬لن ي قع من هم اليان‪ ,‬سواء أخوّفت هم‬
‫وحذرتم من عذاب ال‪ ,‬أم تركت ذلك؛ لصرارهم على باطلهم‪.‬‬

‫َختَمَ اللّ ُه عَلَى قُلُوِبهِ ْم َوعَلَى سَ ْم ِعهِ ْم َوعَلَى َأْبصَا ِرهِمْ غِشَاوَ ٌة وََلهُ ْم عَذَابٌ عَظِيمٌ (‪)7‬‬
‫طبع ال على قلوب هؤلء وعلى سعهم‪ ,‬وجعل على أبصارهم غطاء; بسبب كفرهم وعنادهم مِن بعد‬
‫ما تبيّن لم الق‪ ,‬فلم يوفقهم للهدى‪ ,‬ولم عذاب شديد ف نار جهنم‪.‬‬

‫س مَ ْن َيقُولُ آمَنّا بِاللّ ِه َوبِاْلَي ْومِ الخِ ِر َومَا هُ ْم بِ ُم ْؤ ِمنِيَ (‪)8‬‬


‫َومِ ْن النّا ِ‬
‫ومن الناس فريق يتردد متحيّرًا بي الؤمني والكافرين‪ ,‬وهم النافقون الذين يقولون بألسنتهم‪ :‬صدّ ْقنَا بال‬
‫وباليوم الخر‪ ,‬وهم ف باطنهم كاذبون ل يؤمنوا‪.‬‬

‫شعُرُونَ (‪)9‬‬
‫يُخَا ِدعُونَ اللّهَ وَالّذِينَ آ َمنُوا َومَا يَخْ َدعُونَ إِلّ أَنفُسَهُ ْم َومَا يَ ْ‬
‫يعتقدون بهل هم أن م يادعون ال والذ ين آمنوا بإظهار هم اليان وإضمار هم الك فر‪ ,‬و ما يدعون إل‬
‫أنفسهم; لن عاقبة خداعهم تعود عليهم‪ .‬ومِن فرط جهلهم ل ُيحِسّون بذلك; لفساد قلوبم‪.‬‬

‫فِي ُقلُوِبهِ ْم مَ َرضٌ فَزَا َدهُمْ اللّ ُه َمرَضا وََلهُ ْم عَذَابٌ أَلِي ٌم بِمَا كَانُوا َيكْ ِذبُونَ (‪)10‬‬
‫ف قلوبم شكّ وفساد فاْبتُلوا بالعاصي الوجبة لعقوبتهم‪ ,‬فزادهم ال شكًا‪ ,‬ولم عقوبة موجعة بسبب‬
‫كذبم ونفاقهم‪.‬‬

‫َوإِذَا قِيلَ َلهُ ْم ل ُتفْسِدُوا فِي الَ ْرضِ قَالُوا إِنّمَا َنحْ ُن ُمصْلِحُونَ (‪)11‬‬
‫وإذا نُصحوا ليكفّوا عن الفساد ف الرض بالكفر والعاصي‪ ,‬وإفشاء أسرار الؤمني‪ ,‬وموالة الكافرين‪,‬‬
‫قالوا كذبًا وجدال إنا نن أهل الصلح‪.‬‬

‫شعُرُونَ (‪)12‬‬
‫أَل ِإّنهُ ْم هُ ْم الْ ُمفْسِدُونَ وََلكِ ْن ل يَ ْ‬
‫إ ّن هذا الذي يفعلونه ويزعمون أنه إصلح هو عي الفساد‪ ,‬لكنهم بسبب جهلهم وعنادهم ل يُحِسّون‪.‬‬

‫س َفهَا ُء وَلَكِ ْن ل َيعْلَمُونَ‬


‫س َفهَاءُ أَل ِإّنهُ ْم هُ ْم ال ّ‬
‫َوإِذَا قِيلَ َل ُهمْ آ ِمنُوا كَمَا آمَ َن النّاسُ قَالُوا َأنُ ْؤمِنُ َكمَا آمَ َن ال ّ‬

‫‪5‬‬
‫(‪)13‬‬
‫وإذا قيل للمنافقي‪ :‬آ ِمنُوا ‪-‬مثل إيان الصحابة‪ ،‬وهو اليان بالقلب واللسان والوارح‪ ,-‬جادَلوا وقالوا‪:‬‬
‫سفَهَ‬
‫سفَهِ سواء؟ فردّ ال عليهم بأن ال ّ‬
‫َأنُ صَدّق مثل تصديق ضعاف العقل والرأي‪ ,‬فنكون نن وهم ف ال ّ‬
‫مقصور عليهم‪ ,‬وهم ل يعلمون أن ما هم فيه هو الضلل والسران‪.‬‬

‫سَتهْ ِزئُونَ (‪)14‬‬


‫َوإِذَا َلقُوا الّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آ َمنّا َوإِذَا َخَلوْا إِلَى َشيَاطِينِهِمْ قَالُوا ِإنّا َم َعكُمْ ِإنّمَا نَحْ ُن مُ ْ‬
‫هؤلء النافقون إذا قابلوا الؤمنيه قالوا‪ :‬صهدّقنا بالسهلم مثلكهم‪ ,‬وإذا انصهرفوا وذهبوا إل زعمائههم‬
‫خفّون بالؤمن ي‪,‬‬
‫ستَ ِ‬‫الكفرة التمرد ين على ال أكّدوا ل م أن م على ملة الك فر ل يتركو ها‪ ,‬وإن ا كانوا يَ ْ‬
‫ويسخرون منهم‪.‬‬

‫ئ ِبهِمْ َويَمُ ّدهُمْ فِي ُط ْغيَانِهِ ْم َيعْ َمهُونَ (‪)15‬‬


‫ستَهْ ِز ُ‬
‫اللّ ُه يَ ْ‬
‫ال يستهزئ بم ويُمهلهم; ليزدادوا ضلل و َحيْرة وترددًا‪ ,‬ويازيهم على استهزائهم بالؤمني‪.‬‬

‫حتْ تِجَا َرُتهُ ْم َومَا كَانُوا ُمهْتَدِينَ (‪)16‬‬


‫ك الّذِي َن اشْتَ َروْا الضّلَل َة بِاْلهُدَى فَمَا َرِب َ‬
‫ُأوْلَئِ َ‬

‫أولئك النافقون باعوا أنفسهم ف صفقة خاسرة‪ ,‬فأخذوا الكفر‪ ,‬وتركوا اليان‪ ,‬فما كسبوا شيئًا‪ ,‬بل‬
‫خَسِروا الداية‪ .‬وهذا هو السران البي‪.‬‬

‫ت مَا َحوْلَهُ َذهَبَ اللّ ُه ِبنُورِهِ ْم َوتَرَ َكهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ ل ُيبْصِرُونَ‬
‫َمثَُلهُمْ كَ َمثَ ِل الّذِي اسَْتوْقَ َد نَارا َفلَمّا أَضَاءَ ْ‬
‫(‪)17‬‬

‫حال النافقي الذين آمنوا ‪-‬ظاهرًا ل باطنًا‪ -‬برسالة ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬ث كفروا‪ ,‬فصاروا‬
‫يتخبطون ف ظلماتِ ضللم وهم ل يشعرون‪ ,‬ول أمل لم ف الروج منها‪ ,‬تُشْبه حالَ جاعة ف ليلة‬
‫مظلمة‪ ,‬وأوقد أحدهم نارًا عظيمة للدفء والضاءة‪ ,‬فلما سطعت النار وأنارت ما حوله‪ ,‬انطفأت‬
‫وأعتمت‪ ,‬فصار أصحابا ف ظلمات ل يرون شيئًا‪ ,‬ول يهتدون إل طريق ول مرج‪.‬‬

‫صُ ّم ُبكْ ٌم عُ ْميٌ َف ُه ْم ل يَرْ ِجعُونَ (‪)18‬‬

‫‪6‬‬
‫هم صُمّ عن ساع الق ساع تدبر‪ُ ,‬بكْم عن النطق به‪ ,‬عُمْي عن إبصار نور الداية; لذلك ل يستطيعون‬
‫الرجوع إل اليان الذي تركوه‪ ,‬واستعاضوا عنه بالضلل‪.‬‬

‫صوَاعِقِ َحذَ َر الْ َموْتِ‬


‫جعَلُونَ أَصَاِب َعهُمْ فِي آذَانِهِ ْم مِ ْن ال ّ‬
‫صّيبٍ مِ ْن السّمَاءِ فِي ِه ظُلُمَاتٌ وَ َرعْ ٌد َوبَرْقٌ َي ْ‬
‫َأوْ كَ َ‬
‫ط بِالْكَافِرِينَ (‪)19‬‬ ‫وَاللّهُ مُحِي ٌ‬

‫أو تُشْبه حالُ فريق آخر من النافقي يظهر لم الق تارة‪ ,‬ويشكون فيه تارة أخرى‪ ,‬حالَ جاعة يشون‬
‫ف العراء‪ ,‬فينصب عليهم مطر شديد‪ ,‬تصاحبه ظلمات بعضها فوق بعض‪ ,‬مع قصف الرعد‪ ,‬ولعان‬
‫البق‪ ,‬والصواعق الحرقة‪ ,‬الت تعلهم من شدة الول يضعون أصابعهم ف آذانم; خوفًا من اللك‪ .‬وال‬
‫تعال ميط بالكافرين ل يفوتونه ول يعجزونه‪.‬‬

‫شوْا فِي ِه َوإِذَا َأظْلَ َم عََلْيهِ مْ قَامُوا وََل ْو شَاءَ اللّ هُ لَ َذهَ بَ‬
‫خطَ فُ َأبْ صَا َرهُمْ كُلّمَا أَضَاءَ َلهُ ْم مَ َ‬
‫ق يَ ْ‬
‫يَكَا ُد الْبَرْ ُ‬
‫بِسَ ْم ِعهِ ْم َوأَْبصَا ِرهِمْ ِإنّ اللّ َه عَلَى كُ ّل َشيْءٍ قَدِيرٌ (‪)20‬‬

‫شوْا ف ضوئه‪ ,‬وإذا‬


‫يقارب البق ‪-‬من شدة لعانه‪ -‬أن يسلب أبصارهم‪ ,‬ومع ذلك فكلّما أضاء لم م َ‬
‫ذهب أظلم الطريق عليهم فيقفون ف أماكنهم‪ .‬ولول إمهال ال لم لسلب سعهم وأبصارهم‪ ,‬وهو قادر‬
‫على ذلك ف كل وقتٍ‪ ,‬إنه على كل شيء قدير‪.‬‬

‫يَا َأيّهَا النّاسُ ا ْعبُدُوا َرّبكُ ْم الّذِي َخَل َقكُمْ وَالّذِي َن مِنْ َقبِْلكُمْ َلعَّلكُ ْم َتّتقُونَ (‪)21‬‬

‫نداء من ال للبشر جيعًا‪ :‬أن اعبدوا ال الذي ربّاكم بنعمه‪ ,‬وخافوه ول تالفوا دينه; فقد أوجدكم من‬
‫العدم‪ ,‬وأوجد الذين من قبلكم; لتكونوا من التقي الذين رضي ال عنهم ورضوا عنه‪.‬‬

‫ج بِ ِه مِ ْن الثّ َمرَاتِ رِزْقا َلكُمْ فَل‬


‫الّذِي َجعَلَ َلكُ ْم الَرْضَ فِرَاشا وَالسّمَا َء ِبنَاءً َوَأنْزَ َل مِ ْن السّمَاءِ مَاءً َفأَ ْخرَ َ‬
‫جعَلُوا لِلّهِ أَندَادا َوَأنْتُ ْم َتعْلَمُونَ (‪)22‬‬
‫تَ ْ‬

‫‪7‬‬
‫ربكم الذي جعل لكم الرض بساطًا; لتسهل حياتكم عليها‪ ,‬والسماء مكمة البناء‪ ,‬وأنزل الطر من‬
‫السحاب فأخرج لكم به من ألوان الثمرات وأنواع النبات رزقًا لكم‪ ,‬فل تعلوا ل نظراء ف العبادة‪,‬‬
‫وأنتم تعلمون تفرّده باللق والرزق‪ ,‬واستحقاقِه العبودية‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫ب مِمّا نَزّْلنَا عَلَى عَبْ ِدنَا َف ْأتُوا بِ سُو َرةٍ مِ ْن ِمثْلِ ِه وَا ْدعُوا ُشهَدَاءَكُ ْم مِ نْ دُو نِ اللّ هِ إِ نْ كُنتُ مْ‬
‫َوإِ نْ كُنتُ مْ فِي َريْ ٍ‬
‫صَادِِقيَ (‪)23‬‬
‫وإن كن تم ‪-‬أي ها الكافرون العاندون‪ -‬ف شَكّ من القرآن الذي نَزّلناه على عبد نا م مد صلى ال عل يه‬
‫وسلم‪ ,‬وتزعمون أنه ليس من عند ال‪ ,‬فهاتوا سورة تاثل سورة من القرآن‪ ,‬واستعينوا بن تقدرون عليه‬
‫مِن أعوانكم‪ ,‬إن كنتم صادقي ف دعواكم‬

‫س وَالْحِجَا َرةُ ُأعِدّتْ لِ ْلكَافِرِينَ (‪)24‬‬


‫فَِإنْ َل ْم َتفْعَلُوا وَلَ ْن َت ْفعَلُوا فَاّتقُوا النّا َر الّتِي وَقُو ُدهَا النّا ُ‬
‫فإن عجَزت الن ‪-‬وستعجزون مستقبل ل مالة‪ -‬فاتقوا النار باليان بالنب صلى ال عليه وسلم وطاعة‬
‫ال تعال‪ .‬هذه النار الت حَ َطبُها الناس والجارة‪ُ ,‬أعِدّتْ للكافرين بال ورسله‬

‫حِتهَا الَْنهَارُ كُلّمَا رُزِقُوا ِمْنهَا مِ ْن ثَمَ َرةٍ‬


‫جرِي مِ نْ تَ ْ‬ ‫ت تَ ْ‬‫َوبَشّ ْر الّذِي نَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا الصّالِحَاتِ َأنّ َلهُ مْ َجنّا ٍ‬
‫ج مُ َطهّ َرٌة َوهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (‪)25‬‬ ‫رِزْقا قَالُوا هَذَا الّذِي رُزِ ْقنَا مِنْ َقبْ ُل َوُأتُوا بِهِ ُمتَشَابِها وََلهُمْ فِيهَا أَ ْزوَا ٌ‬

‫وأخب ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أهل اليان والعمل الصال خبًا يلؤهم سرورًا‪ ,‬بأن لم ف الخرة حدائق عجيبة‪,‬‬
‫تري النار تت قصورها العالية وأشجارها الظليلة‪ .‬كلّما رزقهم ال فيها نوعًا من الفاكهة اللذيذة‬
‫قالوا‪ :‬قد رَزَقَنا ال هذا النوع من قبل‪ ,‬فإذا ذاقوه وجدوه شيئًا جديدًا ف طعمه ولذته‪ ,‬وإن تشابه مع‬
‫سابقه ف اللون والنظر والسم‪ .‬ولم ف النّات زوجات مطهّرات من كل ألوان الدنس الس ّي كالبول‬
‫واليض‪ ,‬والعنوي كالكذب وسوء الُلُق‪ .‬وهم ف النة ونعيمها دائمون‪ ,‬ل يوتون فيها ول يرجون‬
‫منها‪.‬‬

‫ضةً فَمَا َفوَْقهَا َفَأمّا الّذِي نَ آمَنُوا َفَيعَْلمُو نَ َأنّ هُ الْحَقّ مِ نْ َرّبهِ مْ‬
‫ل مَا َبعُو َ‬
‫ب َمَث ً‬
‫حيِي أَ نْ يَضْرِ َ‬
‫ستَ ْ‬
‫ِإنّ اللّ َه ل يَ ْ‬

‫‪8‬‬
‫ِههإِلّ‬
‫ِهه َكثِيا وَمَا يُضِ ّل ب ِ‬
‫ِهه َكثِيا َوَيهْدِي ب ِ‬
‫ّههِبهَذَا َمَثلً ُيضِ ّل ب ِ‬
‫ُونه مَاذَا أَرَادَ الل ُ‬
‫ِينه َكفَرُوا َفَيقُول َ‬
‫َوَأمّاه الّذ َ‬
‫الْفَا ِسقِيَ (‪)26‬‬

‫إن ال تعال ل يستحيي من الق أن يذكر شيئًا ما‪ ,‬قلّ أو كثر‪ ,‬ولو كان تثيل بأصغر شيء‪ ,‬كالبعوضة‬
‫والذباب ونو ذلك‪ ,‬ما ضربه ال مثل ِلعَجْز كل ما ُيعْبَد من دون ال‪ .‬فأما الؤمنون فيعلمون حكمة ال‬
‫ف التمثيل بالصغي والكبي من خلقه‪ ,‬وأما الكفار َفيَسْخرون ويقولون‪ :‬ما مراد ال مِن ضَرْب الثل بذه‬
‫الشرات القية؟ وييبهم ال بأن الراد هو الختبار‪ ,‬وتييز الؤمن من الكافر; لذلك يصرف ال بذا‬
‫الثل ناسًا كثيين عن الق لسخريتهم منه‪ ,‬ويوفق به غيهم إل مزيد من اليان والداية‪ .‬وال تعال ل‬
‫يظلم أحدًا; لنه ل َيصْرِف عن الق إل الارجي عن طاعته‪.‬‬

‫الّذِي َن يَن ُقضُو َن َعهْدَ اللّ ِه مِ ْن َبعْدِ مِيثَاقِ ِه َوَيقْ َطعُو نَ مَا َأمَرَ اللّ ُه بِ هِ أَ نْ يُو صَلَ َوُيفْ سِدُونَ فِي الَرْ ضِ ُأوْلَئِ كَ‬
‫هُ ْم الْخَاسِرُونَ (‪)27‬‬

‫الذين ينكثون عهد ال الذي أخذه عليهم بالتوحيد والطاعة‪ ,‬وقد أكّده بإرسال الرسل‪ ,‬وإنزال الكتب‪,‬‬
‫ويالفون دين ال كقطع الرحام ونشر الفساد ف الرض‪ ,‬أولئك هم الاسرون ف الدنيا والخرة‪.‬‬

‫حيِيكُمْ ثُمّ إِلَيْ ِه تُ ْر َجعُونَ (‪)28‬‬


‫َكيْفَ َت ْكفُرُونَ بِاللّهِ وَكُنتُمْ َأ ْموَاتا َفأَ ْحيَاكُمْ ثُ ّم يُمِيُتكُ ْم ثُ ّم يُ ْ‬

‫كيف تنكرون ‪-‬أيّها الشركون‪ -‬وحدانية ال تعال‪ ,‬وتشركون به غيه ف العبادة مع البهان القاطع‬
‫عليها ف أنفسكم؟ فلقد كنتم أمواتًا فأوجدكم ونفخ فيكم الياة‪ ,‬ث ييتكم بعد انقضاء آجالكم الت‬
‫حددها لكم‪ ,‬ث يعيدكم أحياء يوم البعث‪ ,‬ث إليه ترجعون للحساب والزاء‪.‬‬

‫سوّاهُنّ َسبْعَ سَمَاوَاتٍ َو ُهوَ بِكُ ّل َشيْءٍ‬


‫ُهوَ الّذِي خَلَقَ َلكُ ْم مَا فِي الَرْضِ جَمِيعا ثُمّ ا ْستَوَى إِلَى السّمَاءِ فَ َ‬
‫عَلِيمٌ (‪)29‬‬
‫الُ وحده الذي َخلَق لجلكم كل ما ف الرض من النّعم الت تنتفعون با‪ ,‬ث قصد إل خلق السموات‪,‬‬
‫فسوّاه ّن سبع سوات‪ ,‬وهو بكل شيء عليم‪ .‬فعِ ْلمُه ‪-‬سبحانه‪ -‬ميط بميع ما خلق‬

‫‪9‬‬
‫سفِكُ ال ّدمَاءَ‬
‫جعَلُ فِيهَا مَ ْن ُيفْ سِدُ فِيهَا َويَ ْ‬
‫َوإِذْ قَالَ َربّ كَ ِللْمَلئِ َكةِ ِإنّ ي جَاعِلٌ فِي الَرْ ضِ خَلِي َفةً قَالُوا َأتَ ْ‬
‫سبّ ُح بِحَ ْم ِدكَ َوُنقَدّسُ لَكَ قَالَ ِإنّي َأعَْل ُم مَا ل َتعَْلمُونَ (‪)30‬‬ ‫َونَحْ ُن نُ َ‬
‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للناس حي قال ربك للملئكة‪ :‬إن جاعل ف الرض قومًا يلف بعضهم بعضًا‬
‫لعمارتا‪ .‬قالت‪ :‬يا ربّنا علّمْنا وأَ ْرشِدْنا ما الكمة ف خلق هؤلء‪ ,‬مع أنّ من شأنم الفساد ف الرض‬
‫وارا قة الدماء ظل ما وعدوانًا ون ن طوع أمرك‪ ,‬ننّ هك التن يه اللئق بمدك وجللك‪ ،‬ونجّدك ب كل‬
‫صفات الكمال واللل؟ قال ال لم‪ :‬إن أعلم ما ل تعلمون من الكمة البالغة ف خلقهم‬

‫ض ُه ْم عَلَى الْمَلِئ َكةِ َفقَالَ َأْنِبئُونِي ِبَأسْمَا ِء َهؤُلء ِإنْ كُنتُمْ صَادِقِيَ (‪)31‬‬
‫َوعَلّمَ آ َد َم ا َلسْمَاءَ كُّلهَا ثُ ّم عَرَ َ‬
‫وبيانًا لفضل آدم عليه السلم علّمه ال أساء الشياء كلها‪ ,‬ث عرض مسمياتا على اللئكة قائل لم‪:‬‬
‫أخبون بأساء هؤلء الوجودات‪ ,‬إن كنتم صادقي ف أنكم َأوْل بالستخلف ف الرض منهم‬

‫حكِيمُ (‪)32‬‬
‫ك ل عِلْمَ َلنَا إِ ّل مَا عَلّ ْمَتنَا إِنّكَ َأْنتَ اْلعَلِي ُم الْ َ‬
‫قَالُوا ُسبْحَانَ َ‬

‫قالت اللئكة‪ :‬ننّهك يا ربّنا‪ ,‬ليس لنا علم إل ما علّمتنا إياه‪ .‬إنك أنت وحدك العليم بشئون خلقك‪,‬‬
‫الكيم ف تدبيك‪.‬‬

‫قَا َل يَا آدَ مُ َأْنِبئْهُ ْم ِبأَ سْمَاِئهِمْ فَلَمّا أَْنَبأَهُ ْم ِبأَ سْمَاِئهِمْ قَالَ أَلَ مْ أَقُلْ َلكُ مْ ِإنّي َأعْلَ ُم َغيْ بَ ال سّ َموَاتِ وَالَرْ ضِ‬
‫َوأَعَْل ُم مَا تُبْدُو َن َومَا كُنتُ ْم َتكْتُمُونَ (‪)33‬‬

‫قال ال‪ :‬يا آدم أخبهم بأساء هذه الشياء الت عجَزوا عن معرفتها‪ .‬فلما أخبهم آدم با‪ ,‬قال ال‬
‫للملئكة‪ :‬لقد أخبتكم أن أعلم ما خفي عنكم ف السموات والرض‪ ,‬وأعلم ما تظهرونه وما تفونه‪.‬‬

‫جدُوا إِلّ ِإبْلِيسَ َأبَى وَا ْستَ ْكبَ َر وَكَانَ مِ ْن اْلكَافِرِينَ (‪)34‬‬
‫َوإِذْ قُ ْلنَا ِللْمَلئِ َك ِة اسْجُدُوا ل َدمَ فَسَ َ‬

‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للناس تكري ال لدم حي قال سبحانه للملئكة‪ :‬اسجدوا لدم إكرامًا له‬
‫وإظهارًا لفضله‪ ,‬فأطاعوا جيعًا إل إبليس امتنع عن السجود تكبًا وحسدًا‪ ,‬فصار من الاحدين بال‪,‬‬
‫العاصي لمره‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫ث ِشْئتُمَا وَل َتقْ َربَا هَذِ هِ الشّجَ َر َة وَل تَقْ َربَا‬
‫جّنةَ وَكُل ِمنْهَا َرغَدا َحيْ ُ‬
‫وَقُ ْلنَا يَا آدَ ُم ا سْكُنْ َأنْ تَ وَ َزوْجُ كَ الْ َ‬
‫ج َرةَ َفَتكُونَا مِنْ الظّاِلمِيَ (‪)35‬‬ ‫هَ ِذهِ الشّ َ‬

‫وقال ال‪ :‬يا آدم اسكن أنت وزوجك حواء النة‪ ,‬وتتعا بثمارها تتعًا هنيئًا واسعًا ف أي مكان تشاءان‬
‫فيها‪ ,‬ول تقربا هذه الشجرة حت ل تقعا ف العصية‪ ,‬فتصيا من التجاوزين أمر ال‪.‬‬

‫ض عَ ُد ّو وََلكُ مْ فِي الَرْ ضِ‬


‫ضكُ مْ ِلَبعْ ٍ‬
‫شيْطَا ُن َعنْهَا َفأَ ْخرَ َجهُمَا مِمّ ا كَانَا فِي ِه وَقُلْنَا اهْبِطُوا َبعْ ُ‬
‫َفأَزَّلهُمَا ال ّ‬
‫ستَقَ ّر َو َمتَاعٌ إِلَى ِحيٍ (‪)36‬‬ ‫مُ ْ‬

‫فأوقعهما الشيطان ف الطيئة‪ :‬بأ ْن وسوس لما حت أكل من الشجرة‪ ,‬فتسبب ف إخراجهما من النة‬
‫ونعيمها‪ .‬وقال ال لم‪ :‬اهبطوا إل الرض‪ ,‬يعادي بعضكم بعضًا ‪-‬أي آدم وحواء والشيطان‪ -‬ولكم ف‬
‫الرض استقرار وإقامة‪ ,‬وانتفاع با فيها إل وقت انتهاء آجالكم‪.‬‬

‫ب عََليْهِ ِإنّهُ ُه َو التّوّابُ الرّحِيمُ (‪)37‬‬


‫َفتََلقّى آ َدمُ مِنْ َربّهِ كَلِمَاتٍ َفتَا َ‬
‫سنَا وإِ نْ َل مْ‬
‫فتلقى آد مُ بالقبول كلما تٍ‪ ,‬ألمه ال إياها توبة واستغفارًا‪ ,‬وهي قوله تعال‪( :‬ربّنَا ظَلَ ْمنَا َأْنفُ َ‬
‫َتغْفِرْ َلنَا وتَ ْرحَ ْمنَا َلنَكُونَنّ مِن الَا سِرِينَ) فتاب ال عليه‪ ,‬وغفر له ذنبه إنه تعال هو التواب لن تاب مِن‬
‫عباده‪ ,‬الرحيم بم‬

‫ح َزنُو نَ (‬
‫ف عََلْيهِ ْم وَل هُ ْم يَ ْ‬
‫قُ ْلنَا ا ْهبِطُوا ِمنْهَا َجمِيعا فَِإمّا يَ ْأِتيَّنكُ مْ ِمنّ ي هُدًى فَ َم ْن َتبِ عَ هُدَا يَ فَل َخوْ ٌ‬
‫‪)38‬‬
‫قال ال لم‪ :‬اهبطوا من النة جيعًا‪ ,‬وسيأتيكم أنتم وذرياتكم التعاقبة ما فيه هدايتكم إل الق‪ .‬فمن‬
‫عمل با فل خوف عليهم فيما يستقبلونه من أمر الخرة ول هم يزنون على ما فاتم من أمور الدنيا‬

‫ب النّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (‪)39‬‬


‫صحَا ُ‬
‫وَالّذِينَ َك َفرُوا وَكَ ّذبُوا بِآيَاتِنَا ُأوَْلئِكَ أَ ْ‬

‫والذين جحدوا وكذبوا بآياتنا التلوة ودلئل توحيدنا‪ ,‬أولئك الذين يلزمون النار‪ ,‬هم فيها خالدون‪ ,‬ل‬
‫يرجون منها‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫ف ِب َعهْدِكُ ْم َوِإيّايَ فَا ْرهَبُونِ (‪)40‬‬
‫ت عََلْيكُمْ َوأَوْفُوا ِب َعهْدِي أُو ِ‬
‫يَا بَنِي ِإسْرَائِيلَ اذْكُرُوا ِنعْ َمتِي اّلتِي َأنْعَ ْم ُ‬
‫يا ذرية يعقوب اذكروا نعمي الكثية عليكم‪ ,‬واشكروا ل‪ ,‬وأتوا وصيت لكم‪ :‬بأن تؤمنوا بكتب ورسلي‬
‫جيعًا‪ ,‬وتعملوا بشرائ عي‪ .‬فإن فعل تم ذلك أُت م ل كم ما وعدت كم به من الرح ة ف الدن يا‪ ,‬والنجاة ف‬
‫الخرة‪ .‬وإيّايَ ‪-‬وحدي‪ -‬فخافون‪ ,‬واحذروا نقمت إن نقضتم العهد‪ ,‬وكفرت ب‬

‫شتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنا قَلِيلً َوإِيّايَ فَاّتقُونِ‬


‫وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدّقا لِمَا َم َعكُ ْم وَل تَكُونُوا َأوّلَ كَافِ ٍر بِ ِه وَل تَ ْ‬
‫(‪)41‬‬

‫وآمنوا‪ -‬يا بن إسرائيل‪ -‬بالقرآن الذي أنزَْلتُه على ممد نب ال ورسوله‪ ,‬موافقًا لا تعلمونه من صحيح‬
‫التوراة‪ ,‬ول تكونوا أول فريق من أهل الكتاب يكفر به‪ ,‬ول تستبدلوا بآيات ثنًا قليل من حطام الدنيا‬
‫الزائل‪ ,‬وإياي وحدي فاعملوا بطاعت واتركوا معصيت‪.‬‬

‫وَل تَ ْلبِسُوا الْحَ ّق بِاْلبَاطِلِ َوَت ْكتُمُوا الْحَ ّق َوَأْنتُ ْم َتعْلَمُونَ (‪)42‬‬
‫ول تلِطوا الق الذي بيّنته لكم بالباطل الذي افتريتموه‪ ,‬واحذروا كتمان الق الصريح من صفة نب ال‬
‫ور سوله م مد صلى ال عل يه و سلم ال ت ف كتب كم‪ ,‬وأن تم تدون ا مكتو بة عند كم‪ ،‬في ما تعلمون من‬
‫الكتب الت بأيديكم‪.‬‬

‫َوأَقِيمُوا الصّلةَ وَآتُوا الزّكَا َة وَارْ َكعُوا مَعَ الرّا ِكعِيَ (‪)43‬‬

‫وادخلوا ف دين السلم‪ :‬بأن تقيموا الصلة على الوجه الصحيح‪ ,‬كما جاء با نب ال ورسوله ممد‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وتؤدوا الزكاة الفروضة على الوجه الشروع‪ ,‬وتكونوا مع الراكعي من أمته صلى‬
‫ال عليه وسلم‪.‬‬

‫سكُمْ َوَأْنتُ ْم َتتْلُو َن اْلكِتَابَ أَفَل َت ْعقِلُونَ (‪)44‬‬


‫س ْونَ أَنفُ َ‬
‫س بِاْلبِ ّر َوتَن َ‬
‫َأتَ ْأمُرُونَ النّا َ‬
‫ما أق بح حالَ كم وحا َل علمائ كم ح ي تأمرون الناس بع مل اليات‪ ,‬وتتركون أنف سكم‪ ,‬فل تأمرون ا‬
‫بال ي العظ يم‪ ,‬و هو ال سلم‪ ,‬وأن تم تقرءون التوراة‪ ,‬ال ت في ها صفات م مد صلى ال عل يه و سلم‪,‬‬
‫ووجوب اليان به!! أفل تستعملون عقولكم استعمال صحيحًا‬

‫‪12‬‬
‫صبْ ِر وَال صّلةِ َوِإّنهَا َل َكبِ َيةٌ إِ ّل عَلَى الْخَا ِشعِيَ (‪ )45‬الّذِي َن يَ ُظنّو نَ َأنّهُ ْم مُلقُو َرّبهِ ْم َوَأنّهُ مْ‬
‫وَا ْسَتعِينُوا بِال ّ‬
‫إَِليْهِ رَا ِجعُونَ (‪)46‬‬

‫واستعينوا ف كل أموركم بالصب بميع أنواعه‪ ,‬وكذلك الصلة‪ .‬وإنا لشاقة إل على الاشعي الذين‬
‫يشون ال ويرجون ما عنده‪ ,‬ويوقنون أنم ملقو ربّهم ج ّل وعل بعد الوت‪ ,‬وأنم إليه راجعون يوم‬
‫القيامة للحساب والزاء‪.‬‬

‫ت عََلْيكُمْ َوأَنّي َفضّ ْلتُكُ ْم عَلَى اْلعَالَمِيَ (‪)47‬‬


‫يَا بَنِي ِإسْرَائِيلَ اذْكُرُوا ِنعْ َمتِي اّلتِي َأنْعَ ْم ُ‬
‫يا ذر ية يعقوب تذكّروا نع مي الكثية علي كم‪ ,‬واشكروا ل علي ها‪ ,‬وتذكروا أ ن َفضّلْت كم على عالَ مي‬
‫زمانكم بكثرة النبياء‪ ,‬والكتب النّلة كالتوراة والنيل‬

‫س َشيْئا وَل ُيقْبَ ُل ِمْنهَا َشفَا َع ٌة وَل ُيؤْخَ ُذ ِمْنهَا عَدْلٌ وَل هُ ْم يُن صَرُونَ‬
‫س عَ نْ نَفْ ٍ‬
‫وَاّتقُوا َيوْما ل َتجْزِي َنفْ ٌ‬
‫(‪)48‬‬

‫وخافوا يوم القيامة‪ ,‬يوم ل يغن أحد عن أحد شيئًا‪ ,‬ول يقبل ال شفاعة ف الكافرين‪ ,‬ول يقبل منهم‬
‫فدية‪ ,‬ولو كانت أموال الرض جيعًا‪ ,‬ول يلك أحد ف هذا اليوم أن يتقدم لنصرتم وإنقاذهم من‬
‫العذاب‪.‬‬

‫حيُو َن نِ سَاءَكُ ْم وَفِي ذَِلكُ مْ‬


‫ستَ ْ‬
‫جْينَاكُ ْم مِ نْ آلِ ِف ْر َعوْ َن يَ سُومُونَكُمْ سُو َء اْلعَذَا بِ يُ َذبّحُو نَ َأبْنَاءَكُ ْم َويَ ْ‬
‫َوإِ ْذ نَ ّ‬
‫بَلءٌ مِنْ َربّكُ ْم عَظِيمٌ (‪)49‬‬
‫واذكروا نعمتنا عليكم حي أنقذناكم من بطش فرعون وأتباعه‪ ,‬وهم يُذيقونكم أش ّد العذاب‪ ,‬فيُكثِرون‬
‫مِن َذبْح أبنائكم‪ ,‬وترك بنات كم للخدمة والمتهان‪ .‬و ف ذلك اختبار لكم من رب كم‪ ,‬و ف إنائ كم منه‬
‫نعمة عظيمة‪ ,‬تستوجب شكر ال تعال ف كل عصوركم وأجيالكم‬

‫جْينَاكُ ْم َوأَغْرَ ْقنَا آلَ ِف ْر َعوْ َن َوَأنْتُ ْم تَنظُرُونَ (‪)50‬‬


‫َوإِذْ فَرَ ْقنَا ِبكُ ْم اْلبَحْرَ َفَأنْ َ‬
‫واذكروا نعمت نا علي كم‪ ,‬ح ي فَ صَلْنا ب سببكم الب حر‪ ,‬وجعل نا ف يه طرقًا ياب سةً‪ ,‬ف عبت‪ ,‬وأنقذنا كم من‬
‫فرعون وجنوده‪ ,‬ومن اللك ف الاء‪ .‬فلما دخل فرعون وجنوده طرقكم أهلكناهم ف الاء أمام أعينكم‬

‫‪13‬‬
‫َوإِ ْذ وَاعَ ْدنَا مُوسَى أَ ْرَبعِيَ َليَْل ًة ثُ ّم اتّخَ ْذتُ ْم اْلعِجْ َل مِ ْن َبعْ ِد ِه َوَأنْتُ ْم ظَالِمُونَ (‪)51‬‬

‫واذكروا نعمتنا عليكم‪ :‬حي واعدنا موسى أربعي ليلة لنزال التوراة هداي ًة ونورًا لكم‪ ,‬فإذا بكم‬
‫تنتهزون فرصة غيابه هذه الدة القليلة‪ ,‬وتعلون العجل الذي صنعتموه بأيديكم معبودًا لكم من دون ال‬
‫‪ -‬وهذا أشنع الكفر بال‪ -‬وأنتم ظالون باتاذكم العجل إلًا‪.‬‬

‫ثُ ّم َع َفوْنَا َعنْكُ ْم مِ ْن َبعْدِ ذَلِكَ َلعَّلكُ ْم تَشْكُرُونَ (‪)52‬‬

‫ثّ تاوزنا عن هذه الفعلة النكرة‪ ,‬وَقبِ ْلنَا توبتكم بعد عودة موسى; رجاءَ أن تشكروا ال على نعمه‬
‫وأفضاله‪ ,‬ول تتمادوا ف الكفر والطغيان‪.‬‬

‫ب وَاْلفُرْقَانَ َلعَّلكُ ْم َت ْهتَدُونَ (‪)53‬‬


‫َوإِ ْذ آَتيْنَا مُوسَى اْلكِتَا َ‬
‫واذكروا نعمتنا عليكم حي أعطينا موسى الكتاب الفارق بي الق والباطل ‪-‬وهو التوراة‪ ;-‬لكي تتدوا‬
‫من الضللة‬

‫سكُمْ‬
‫َوإِذْ قَا َل مُو سَى ِل َق ْومِ ِه يَا َقوْ مِ ِإّنكُ ْم ظَلَ ْمتُ مْ أَنفُ سَكُ ْم بِاتّخَاذِكُ ْم اْلعِجْلَ َفتُوبُوا إِلَى بَا ِرِئكُ مْ فَا ْقتُلُوا أَنفُ َ‬
‫ب عََلْيكُمْ ِإنّ ُه ُهوَ الّتوّابُ الرّحِيمُ (‪)54‬‬ ‫ذَِلكُمْ َخْيرٌ َلكُ ْم عِنْ َد بَا ِرِئكُمْ َفتَا َ‬

‫واذكروا نعمتنا عليكم حي قال موسى لقومه‪ :‬إنكم ظلمتم أنفسكم باتاذكم العجل إلًا‪ ,‬فتوبوا إل‬
‫خالقكم‪ :‬بأن َيقْتل بعضكم بعضًا‪ ,‬وهذا خي لكم عند خالقكم من اللود البدي ف النار‪ ,‬فامتثلتم‬
‫ذلك‪ ,‬فم ّن ال عليكم بقَبول توبتكم‪ .‬إنه تعال هو التواب لن تاب مِن عباده‪ ,‬الرحيم بم‪.‬‬

‫َوإِذْ قُ ْلتُ ْم يَا مُوسَى لَنْ ُنؤْمِنَ لَكَ َحتّى نَرَى اللّهَ َج ْه َرةً َفأَ َخ َذتْكُ ْم الصّاعِ َق ُة َوَأنْتُ ْم تَنظُرُونَ (‪)55‬‬

‫واذكروا إذ قلتم‪ :‬يا موسى لن نصدقك ف أن الكلم الذي نسمعه منك هو كلم ال‪ ,‬حت نرى ال‬
‫عِيَانًا‪ ,‬فنلت نار من السماء رأيتموها بأعينكم‪ ,‬ف َقتََلتْكم بسبب ذنوبكم‪ ,‬و ُجرْأتكم على ال تعال‪.‬‬

‫شكُرُونَ (‪)56‬‬
‫ثُ ّم َبعَْثنَاكُ ْم مِ ْن َبعْ ِد َم ْوتِكُمْ َلعَّلكُ ْم تَ ْ‬
‫‪14‬‬
‫ث أحييناكم مِن بعد موتكم بالصاعقة; لتشكروا نعمة ال عليكم‪ ,‬فهذا الوت عقوبة لم‪ ,‬ث بعثهم ال‬
‫لستيفاء آجالم‪.‬‬

‫ت مَا رَزَ ْقنَاكُ ْم وَمَا ظَلَمُونَا وََلكِ نْ‬


‫َوظَلّلْنَا عََلْيكُ مْ اْلغَمَا َم َوأَنزَلْنَا عََلْيكُ ْم الْمَنّ وَال سّ ْلوَى كُلُوا مِ ْن َطيّبَا ِ‬
‫سهُ ْم يَ ْظلِمُونَ (‪)57‬‬ ‫كَانُوا أَنفُ َ‬
‫واذكروا نعمتنا عليكم حي كنتم تتيهون ف الرض; إذ جعلنا السحاب مظلل عليكم من َحرّ الشمس‪,‬‬
‫وأنزل نا علي كم النّ‪ ,‬و هو ش يء يش به ال صّمغ طع مه كالع سل‪ ,‬وأنزل نا علي كم ال سّلوى و هو ط ي يش به‬
‫ال سّمانَى‪ ,‬وقلنا لكم‪ :‬كلوا من طيّبات ما رزقناكم‪ ,‬ول تالفوا دينكم‪ ,‬فلم تتثلوا‪ .‬وما ظلمونا بكفران‬
‫النعم‪ ,‬ولكن كانوا أنفسهم يظلمون; لن عاقبة الظلم عائدة عليهم‬

‫َوإِذْ قُ ْلنَا ادْ ُخلُوا هَذِ هِ اْلقَ ْرَيةَ َفكُلُوا ِمْنهَا َحيْ ثُ ِشْئتُ مْ َرغَدا وَا ْدخُلُوا اْلبَا بَ سُجّدا وَقُولُوا حِ ّط ٌة َن ْغفِرْ َلكُ مْ‬
‫سنِيَ (‪)58‬‬ ‫خَطَايَاكُ ْم َو َسنَزِي ُد الْ ُمحْ ِ‬
‫واذكروا نعمتنا عليكم حي قلنا‪ :‬ادخلوا مدينة "بيت القدس" فكلوا من طيباتا ف أي مكان منها أكل‬
‫هنيئًا‪ ,‬وكونوا ف دخولكم خاضعي ل‪ ,‬ذليلي له‪ ,‬وقولوا‪ :‬ربّنا ضَ ْع عنّا ذنوبنا‪ ,‬نستجب لكم ونعف‬
‫ونسترها عليكم‪ ,‬وسنيد الحسني بأعمالم خيًا وثوابًا‬

‫السهمَا ِء بِم َا كَانُوا‬


‫ِنه ّ‬‫ِينه ظََلمُوا ِرجْزا م ْ‬
‫ُمه َفأَنزَلْن َا عَلَى الّذ َ‬
‫ِينه ظََلمُوا َقوْ ًل َغيْ َر الّذِي قِيلَ َله ْ‬
‫َفبَدّ َل الّذ َ‬
‫َيفْسُقُونَ (‪)59‬‬

‫فبدّل الائرون الضالون من بن إسرائيل قول ال‪ ,‬وحرّفوا القول والفعل جيعًا‪ ,‬إذ دخلوا يزحفون على‬
‫أستاههم وقالوا‪ :‬حبة ف شعرة‪ ,‬واستهزءوا بدين ال‪ .‬فأنزل ال عليهم عذابًا من السماء; بسبب تردهم‬
‫وخروجهم عن طاعة ال‪.‬‬

‫ت ِمنْ ُه اثَْنتَا عَشْ َر َة َعيْنا قَ ْد عَِلمَ كُلّ ُأنَاسٍ‬


‫جرَ فَانفَجَرَ ْ‬
‫ب ِبعَصَا َك الْحَ َ‬
‫سقَى مُوسَى ِل َق ْومِهِ َفقُ ْلنَا اضْرِ ْ‬
‫َوإِ ْذ ا ْستَ ْ‬
‫مَشْ َرَبهُمْ كُلُوا وَاشْ َربُوا مِنْ رِ ْزقِ اللّ ِه وَل َتعَْثوْا فِي الَ ْرضِ ُمفْسِدِينَ (‪)60‬‬

‫‪15‬‬
‫واذكروا نعمتنا عليكم ‪-‬وأنتم عطاش ف التّيْه‪ -‬حي دعانا موسى ‪-‬بضراعة‪ -‬أن نسقي قومه‪ ,‬فقلنا‪:‬‬
‫اضرب بعصاك الجر‪ ,‬فضرب‪ ,‬فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا‪ ,‬بعدد القبائل‪ ,‬مع إعلم كل قبيلة بالعي‬
‫الاصة با حت ل يتنازعوا‪ .‬وقلنا لم‪ :‬كلوا واشربوا من رزق ال‪ ,‬ول تسعوا ف الرض مفسدين‪.‬‬

‫ض يُخْ ِرجْ َلنَا مِمّا‬


‫ت الَرْ ُ‬ ‫ك يُخْ ِرجْ َلنَا مِمّا تُْنبِ ُ‬ ‫صبِ َر عَلَى َطعَا ٍم وَاحِدٍ فَادْعُ َلنَا َربّ َ‬ ‫َوإِذْ قُ ْلتُ ْم يَا مُوسَى لَ نْ نَ ْ‬
‫ستَبْدِلُونَ الّذِي ُهوَ أَ ْدنَى بِالّذِي ُهوَ َخْيرٌ‬ ‫ض مِ ْن َبقِْلهَا وَِقثّائِهَا وَفُو ِمهَا َوعَدَ ِسهَا َوبَ صَِلهَا قَالَ َأتَ ْ‬ ‫ُتنْبِ تُ الَرْ ُ‬
‫ك ِبأَّنهُمْ كَانُوا‬‫ضبٍ مِنْ اللّهِ ذَلِ َ‬ ‫س َكَنةُ َوبَاءُوا ِب َغ َ‬‫ت عََلْيهِمْ الذّّلةُ وَالْمَ ْ‬
‫ا ْهبِطُوا ِمصْرا فَِإنّ َلكُ ْم مَا َسأَْلتُ ْم وَضُ ِرَب ْ‬
‫صوْا وَكَانُوا َي ْعتَدُونَ (‪)61‬‬ ‫ك بِمَا عَ َ‬ ‫ي ِبغَيْرِ الْحَقّ ذَلِ َ‬
‫يَ ْكفُرُو َن بِآيَاتِ اللّ ِه َوَي ْقتُلُو َن النِّبيّ َ‬
‫واذكروا ح ي أنزل نا علي كم الطعام اللو‪ ,‬والط ي الش هي‪ ,‬فبطِر ت النع مة كعادت كم‪ ,‬وأ صابكم الض يق‬
‫واللل‪ ,‬فقلتم‪ :‬يا موسى لن نصب على طعام ثابت ل يتغي مع اليام‪ ,‬فادع لنا ربك يرج لنا من نبات‬
‫الرض طعام ًا مهن البقول والُض َر‪ ,‬والقثاء والبوب الته تؤكهل‪ ,‬والعدس‪ ,‬والبصهل‪ .‬قال موسهى‬
‫‪-‬م ستنكرًا علي هم‪ :-‬أتطلبون هذه الطع مة ال ت هي أ قل قدرًا‪ ,‬وتتركون هذا الرزق النا فع الذي اختاره‬
‫ال لكم؟ اهبطوا من هذه البادية إل أي مدينة‪ ,‬تدوا ما اشتهيتم كثيًا ف القول والسواق‪ .‬ولا هبطوا‬
‫تبيّن لم أنم ُيقَدّمون اختيارهم ‪-‬ف كل موطن‪ -‬على اختيار ال‪ ,‬وُيؤْثِرون شهواتم على ما اختاره ال‬
‫ص َفةُ الذل وفقر النفوس‪ ,‬وانصرفوا ورجعوا بغضب من ال; لعراضهم عن دين ال‪,‬‬ ‫لم; لذلك لزمتهم ِ‬
‫ولنم كانوا يكفرون بآيات ال ويقتلون النبيي ظلمًا وعدوانًا; وذلك بسبب عصيانم وتاوزهم حدود‬
‫ربم‪.‬‬

‫ي مَ نْ آمَ َن بِاللّ ِه وَاْلَيوْ مِ الخِ ِر َوعَمِلَ صَالِحا َوعَمِلَ‬ ‫إِنّ الّذِي نَ آ َمنُوا وَالّذِي نَ هَادُوا وَالنّ صَارَى وَال صّابِئِ َ‬
‫ح َزنُونَ (‪)62‬‬ ‫ف عََلْيهِمْ وَل هُ ْم يَ ْ‬
‫صَالِحا َفَلهُمْ أَ ْج ُرهُ ْم عِنْدَ َرّبهِمْ وَل َخوْ ٌ‬
‫إن الؤمني من هذه المة‪ ,‬الذين صدّقوا بال ورسله‪ ,‬وعملوا بشرعه‪ ,‬والذين كانوا قبل بعثة ممد صلى‬
‫ال عليه وسلم من المم السالفة من اليهود‪ ,‬والنصارى‪ ,‬والصابئي‪ -‬وهم قوم باقون على فطرتم‪ ,‬ول‬
‫د ين مقرر ل م يتبعو نه‪ -‬هؤلء جيعًا إذا صدّقوا بال ت صديقًا صحيحًا خال صًا‪ ,‬وبيوم الب عث والزاء‪,‬‬
‫وعملوا عمل مرضيًا ع ند ال‪ ,‬فثواب م ثا بت ل م ع ند رب م‪ ,‬ول خوف علي هم في ما ي ستقبلونه من أ مر‬
‫الخرة‪ ،‬ول هم يزنون على ما فاتم من أمور الدنيا‪ .‬وأما بعد بعثة ممد صلى ال عليه و سلم خاتًا‬
‫للنبيي والرسلي إل الناس كافة‪ ,‬فل يقبل ال من أحد دينًا غي ما جاء به‪ ,‬وهو السلم‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫َوإِذْ أَخَ ْذنَا مِيثَاقَكُ ْم وَرََف ْعنَا َفوَْقكُمْ الطّورَ خُذُوا مَا آَتيْنَاكُ ْم ِب ُقوّ ٍة وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ َل َعّلكُمْ تَّتقُونَ (‪)63‬‬
‫واذكروا ‪ -‬يا ب ن إ سرائيل‪ -‬ح ي أَ َخذْ نا الع هد الؤكّ د من كم باليان بال وإفراده بالعبادة‪ ,‬ورفع نا ج بل‬
‫الطور فوق كم‪ ,‬وقل نا ل كم‪ :‬خذوا الكتاب الذي أعطينا كم بدٍ واجتهاد واحفظوه‪ ,‬وإل أطبق نا علي كم‬
‫البل‪ ،‬ول تنسوا التوراة قول وعمل كي تتقون وتافوا عقاب‪.‬‬

‫ثُ ّم َتوَلّْيتُ ْم مِ ْن َبعْدِ ذَلِكَ َفَلوْل َفضْلُ اللّهِ عََليْكُ ْم وَ َرحْ َمتُهُ َلكُنتُ ْم مِ ْن الْخَاسِرِينَ (‪)64‬‬
‫ث خالف تم وع صيتم مرة أخرى‪ ,‬ب عد أَخْ ِذ اليثاق ورَفْع ال بل كشأن كم دائمًا‪ .‬فلول َفضْلُ ال علي كم‬
‫ورحته بالتوبة‪ ,‬والتجاوز عن خطاياكم‪ ,‬لصرت من الاسرين ف الدنيا والخرة‪.‬‬

‫وََلقَ ْد عَلِ ْمتُ ْم الّذِي َن اعْتَ َدوْا ِمنْكُمْ فِي السّْبتِ َفقُ ْلنَا َلهُمْ كُونُوا قِ َر َدةً خَا ِسئِيَ (‪)65‬‬

‫ولقد علمتم ‪-‬يا معشر اليهود‪ -‬ما حلّ من البأس بأسلفكم من أهل القرية الت عصت ال‪ ،‬فيما أخذه‬
‫عليهم من تعظيم السبت‪ ،‬فاحتالوا لصطياد السمك ف يوم السبت ‪ ،‬بوضع الشّباك وحفر البِرَك‪ ،‬ث‬
‫اصطادوا السمك يوم الحد حيلة إل الحرم‪ ،‬فلما فعلوا ذلك‪ ،‬مسخهم ال قردة منبوذين‪.‬‬

‫جعَ ْلنَاهَا َنكَالً لِمَا بَيْ َن يَ َدْيهَا َومَا خَ ْل َفهَا َو َم ْوعِ َظةً ِللْ ُمّتقِيَ (‪)66‬‬
‫فَ َ‬

‫فجعلنا هذه القرية عبة لن بضرتا من القرى‪ ,‬يبلغهم خبها وما ح ّل با‪ ,‬وعبة لن يعمل بعدها مثل‬
‫تلك الذّنوب‪ ,‬وجعلناها تذكرة للصالي; ليعلموا أنم على الق‪ ,‬فيثبتوا عليه‪.‬‬

‫خ ُذنَا هُزُوا قَالَ َأعُو ُذ بِاللّ هِ أَ نْ أَكُو نَ مِ نْ‬


‫َوإِذْ قَا َل مُو سَى ِل َق ْومِ هِ إِنّ اللّ َه َيأْمُرُ ُك مْ أَ ْن تَ ْذبَحُوا َبقَ َرةً قَالُوا َأتَتّ ِ‬
‫الْجَاهِلِيَ (‪)67‬‬

‫واذكروا يا بن إسرائيل جناية أسلفكم‪ ,‬وكثرة تعنتهم وجدالم لوسى عليه الصلة والسلم‪ ,‬حي قال‬
‫لم‪ :‬إن ال يأمركم أن تذبوا بقرة‪ ,‬فقالوا ‪-‬مستكبين‪ :-‬أتعلنا موضعًا للسخرية والستخفاف؟ فردّ‬
‫عليهم موسى بقوله‪ :‬أستجي بال أن أكون من الستهزئي‪.‬‬

‫ض وَل بِكْ ٌر َعوَا نٌ َبيْ نَ ذَلِ كَ فَا ْفعَلُوا مَا‬


‫قَالُوا ادْ عُ َلنَا َربّ كَ ُيَبيّ نْ َلنَا مَا هِ يَ قَالَ ِإنّ هُ َيقُولُ ِإنّهَا َبقَ َرةٌ ل فَارِ ٌ‬
‫‪17‬‬
‫ُتؤْمَرُونَ (‪)68‬‬
‫قالوا‪ :‬ادع ل نا ربّ ك يو ضح ل نا صفة هذه البقرة‪ ,‬فأجاب م‪ :‬إن ال يقول ل كم‪ :‬صفتها أل تكون م سنّة‬
‫هَرِمة‪ ,‬ول صغية َفتِيّة‪ ,‬وإنا هي متوسطة بينهما‪ ,‬فسارِعوا إل امتثال أمر ربكم‪.‬‬

‫صفْرَاءُ فَاقِعٌ َل ْوُنهَا تَسُ ّر النّاظِرِينَ (‪)69‬‬


‫ك ُيبَيّنْ َلنَا مَا َل ْوُنهَا قَالَ ِإنّهُ َيقُولُ ِإّنهَا َبقَ َرةٌ َ‬
‫قَالُوا ا ْدعُ َلنَا َربّ َ‬
‫صفْرة‪,‬‬
‫فعادوا إل جدالم قائلي‪ :‬ادع لنا ربك يوضح لنا لونا‪ .‬قال‪ :‬إنه يقول‪ :‬إنا بقرة صفراء شديدة ال ّ‬
‫تَسُ ّر مَن ينظر إليها‪.‬‬

‫ك ُيبَيّنْ َلنَا مَا ِهيَ ِإنّ اْلَبقَ َر تَشَابَهَ عََلْينَا َوِإنّا ِإ ْن شَاءَ اللّهُ لَ ُم ْهتَدُونَ (‪)70‬‬
‫قَالُوا ا ْدعُ َلنَا َربّ َ‬

‫قال بنو إسرائيل لوسى‪ :‬ادع لنا ربك يوضح لنا صفات أخرى غي ما سبق; لن البقر ‪-‬بذه الصفات‪-‬‬
‫كثي فا ْشَتبَهَ علينا ماذا نتار؟ وإننا ‪-‬إن شاء ال‪ -‬لهتدون إل البقرة الأمور بذبها‪.‬‬

‫ث مُ سَلّ َم ٌة ل ِشَيةَ فِيهَا قَالُوا ال نَ ِجئْ تَ‬


‫حرْ َ‬
‫سقِي الْ َ‬
‫ض وَل تَ ْ‬
‫قَالَ ِإنّ هُ َيقُولُ ِإنّهَا َبقَ َرةٌ ل ذَلُو ٌل ُتثِ ُي الَرْ َ‬
‫بِالْحَقّ َف َذبَحُوهَا َومَا كَادُوا َي ْفعَلُونَ (‪)71‬‬
‫قال لم موسى‪ :‬إن ال يقول‪ :‬إنا بقرة غ ي مذللة للعمل ف حراثة الرض للزراعة‪ ,‬وغي معدة للسقي‬
‫من الساقية‪ ,‬وخالية من العيوب جيعها‪ ,‬وليس فيها علمة من لون غي لون جلدها‪ .‬قالوا‪ :‬الن جئت‬
‫بقيقة وصف البقرة‪ ,‬فاضطروا إل ذبها بعد طول الراوغة‪ ,‬وقد قاربوا أل يفعلوا ذلك لعنادهم‪ .‬وهكذا‬
‫شددوا فشدّد ال عليهم‬

‫ج مَا كُنتُ ْم َت ْكتُمُونَ (‪)72‬‬


‫َوإِذْ َقتَ ْلتُ ْم َنفْسا فَادّا َرْأتُمْ فِيهَا وَاللّ ُه ُمخْ ِر ٌ‬

‫واذكروا إذ قتلتم نفسًا فتنازعتم بشأنا‪ ,‬كلّ يدفع عن نفسه تمة القتل‪ ,‬وال مرج ما كنتم تفون مِن‬
‫َقتْل القتيل‪.‬‬

‫حيِ اللّ ُه الْ َم ْوتَى َويُرِيكُمْ آيَاتِهِ َلعَّلكُ ْم َت ْعقِلُونَ (‪)73‬‬


‫ك يُ ْ‬
‫ضهَا كَذَلِ َ‬
‫َفقُ ْلنَا اضْ ِربُوهُ ِبَبعْ ِ‬

‫‪18‬‬
‫فقلنا‪ :‬اضربوا القتيل بزء من هذه البقرة الذبوحة‪ ,‬فإن ال سيبعثه حيًا‪ ,‬ويبكم عن قاتله‪ .‬فضربوه‬
‫ببعضها فأحياه ال وأخب بقاتله‪ .‬كذلك يُحيي ال الوتى يوم القيامة‪ ,‬ويريكم‪ -‬يا بن إسرائيل‪ -‬معجزاته‬
‫الدالة على كمال قدرته تعال; لكي تتفكروا بعقولكم‪ ,‬فتمتنعوا عن معاصيه‪.‬‬

‫حجَا َرةِ لَمَا َيَتفَجّ ُر ِمنْ ُه الَْنهَا ُر‬


‫س َو ًة َوإِنّ مِ ْن الْ ِ‬
‫ستْ قُلُوُبكُ ْم مِ نْ بَعْدِ ذَلِ كَ َفهِ يَ كَاْلحِجَا َرةِ َأوْ َأشَدّ قَ ْ‬ ‫ثُمّ قَ َ‬
‫شَيةِ اللّ ِه َومَا اللّ ُه ِبغَافِ ٍل عَمّا َتعْمَلُو نَ (‬
‫ج ِمنْ هُ الْمَا ُء َوِإنّ ِمْنهَا لَمَا َي ْهبِ طُ مِ نْ خَ ْ‬
‫شقّ قُ َفَيخْ ُر ُ‬
‫َوإِنّ ِمْنهَا َلمَا يَ ّ‬
‫‪)74‬‬

‫ولكنكم ل تنتفعوا بذلك; إذ بعد كل هذه العجزات الارقة اشتدت قلوبكم وغلظت‪ ,‬فلم َيْنفُذ إليها‬
‫خي‪ ,‬ول تَلِنْ أمام اليات الباهرة الت أريتكموها‪ ,‬حت صارت قلوبكم مثل الجارة الصمّاء‪ ,‬بل هي‬
‫أشد منها غلظة; لن من الجارة ما يتسع وينفرج حت تنصبّ منه الياه صبًا‪ ,‬فتصي أنارًا جاريةً‪ ,‬ومن‬
‫الجارة ما يتصدع فينشق‪ ,‬فتخرج منه العيون والينابيع‪ ,‬ومن الجارة ما يسقط من أعال البال مِن‬
‫خشية ال تعال وتعظيمه‪ .‬وما ال بغافل عما تعملون‪.‬‬

‫حرّفُونَ هُ مِ نْ بَعْ ِد مَا َعقَلُو هُ وَهُ مْ‬‫أََفتَطْ َمعُو نَ أَ نْ ُي ْؤ ِمنُوا َلكُ ْم وَقَدْ كَا نَ َفرِي ٌق ِمْنهُ مْ يَ سْ َمعُونَ كَل مَ اللّ ِه ثُمّ يُ َ‬
‫َيعْلَمُونَ (‪)75‬‬
‫أيهها السهلمون أنسهيتم أفعال بنه إسهرائيل‪ ,‬فطمعهت نفوسهكم أن يصهدّق اليهو ُد بدينكهم؟ وقهد كان‬
‫علماؤهم يسمعون كلم ال من التوراة‪ ,‬ث يرفونه بِ صَرْفِه إل غي معناه الصحيح بعد ما عقلوا حقيقته‪,‬‬
‫أو بتحريف ألفاظه‪ ,‬وهم يعلمون أنم يرفون كلم رب العالي عمدًا وكذبًا‬

‫ُمه‬
‫ّهه عََليْك ْ‬
‫َحه الل ُ‬
‫ُمه بِمَا َفت َ‬
‫ْضه قَالُوا َأتُحَ ّدثُونَه ْ‬
‫ُمهإِلَى َبع ٍ‬
‫ضه ْ‬‫ِينه آمَنُوا قَالُوا آ َمنّاه َوإِذَا خَل َب ْع ُ‬
‫َوإِذَا َلقُوا الّذ َ‬
‫ِليُحَاجّوكُ ْم بِ ِه ِعنْدَ َرّبكُمْ أَفَل َت ْعقِلُونَ (‪)76‬‬

‫هؤلء اليهود إذا لقوا الذين آمنوا قالوا بلسانم‪ :‬آمنّا بدينكم ورسولكم البشّر به ف التوراة‪ ,‬وإذا خل‬
‫بعض هؤلء النافقي من اليهود إل بعض قالوا ف إنكار‪ :‬أتدّثون الؤمني با بيّن ال لكم ف التوراة من‬
‫أمر ممد; لتكون لم الجة عليكم عند ربكم يوم القيامة؟ أفل تفقهون فتحذروا؟‬

‫‪19‬‬
‫سرّو َن َومَا ُيعِْلنُونَ (‪)77‬‬
‫َأوَل َيعْلَمُونَ َأنّ اللّ َه َيعْلَ ُم مَا يُ ِ‬

‫أيفعلون كلّ هذه الرائم‪ ,‬ول يعلمون أن ال يعلم جيع ما يفونه وما يظهرونه؟‬

‫َو ِمنْهُمْ ُأ ّميّو َن ل َيعْلَمُونَ اْل ِكتَابَ إِلّ َأمَانِ ّي َوإِ ْن هُمْ إِ ّل يَ ُظنّونَ (‪)78‬‬

‫ومن اليهود جاعة يهلون القراءة والكتابة‪ ,‬ول يعلمون التوراة وما فيها من صفات نب ال ورسوله‬
‫ب وظنون فاسدة‪.‬‬ ‫ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وما عندهم من ذلك إل أكاذي ُ‬

‫شتَرُوا بِ ِه ثَمَنا قَلِيلً َف َويْلٌ َلهُ ْم مِمّا‬


‫ب بَِأيْدِيهِ ْم ثُمّ َيقُولُو َن هَذَا مِ ْن ِعنْدِ اللّ هِ ِليَ ْ‬
‫َف َويْلٌ لِلّذِي َن َيكُْتبُو نَ اْل ِكتَا َ‬
‫سبُونَ (‪)79‬‬ ‫َكتََبتْ أَيْدِيهِ ْم َو َويْلٌ َلهُ ْم مِمّا َيكْ ِ‬

‫فهلك ووعيد شديد لحبار السوء من اليهود الذين يكتبون الكتاب بأيديهم‪ ,‬ث يقولون‪ :‬هذا من عند‬
‫ال وهو مالف لا أنزل ال على نبيّه موسى عليه الصلة والسلم; ليأخذوا ف مقابل هذا عرض الدنيا‪.‬‬
‫فلهم عقوبة مهلكة بسبب كتابتهم هذا الباطل بأيديهم‪ ,‬ولم عقوبة مهلكة بسبب ما يأخذونه ف القابل‬
‫من الال الرام‪ ,‬كالرشوة وغيها‪.‬‬

‫خ ْذتُ ْم ِعنْدَ اللّهِ عَهْدا َفلَنْ يُخْلِفَ اللّ ُه َعهْدَهُ أَمْ َتقُولُونَ عَلَى‬
‫سنَا النّارُ إِلّ َأيّاما َمعْدُو َدةً قُلْ أَاتّ َ‬
‫وَقَالُوا لَ ْن تَمَ ّ‬
‫اللّ ِه مَا ل تَعَْلمُونَ (‪)80‬‬

‫وقال بنو إسرائيل‪ :‬لن تصيبنا النار ف الخرة إل أيامًا قليلة العدد‪ .‬قل لم ‪-‬أيها الرسول مبطل‬
‫دعواهم‪ :-‬أعندكم عهد من ال بذا‪ ,‬فإن ال ل يلف عهده؟ بل إنكم تقولون على ال ما ل تعلمون‬
‫بافترائكم الكذب‪.‬‬

‫ب النّا ِر هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (‪)81‬‬


‫سبَ َسّيَئةً َوأَحَا َطتْ بِهِ َخطِيئَتُهُ َفُأوْلَئِكَ أَصْحَا ُ‬
‫بَلَى مَنْ كَ َ‬

‫حكْ ُم ال ثابت‪ :‬أن من ارتكب الثام حت جَرّته إل الكفر‪ ,‬واستولت عليه ذنوبه مِن جيع جوانبه وهذا‬
‫فُ‬
‫ل يكون إل فيمن أشرك بال‪ ,‬فالشركون والكفار هم الذين يلزمون نار جهنم ملزمة دائمةً ل تنقطع‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫جّنةِ هُمْ فِيهَا خَاِلدُونَ (‪)82‬‬
‫وَالّذِينَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا الصّالِحَاتِ ُأوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْ َ‬

‫وحكم ال الثابتُ ف مقابل هذا‪ :‬أ ّن الذين صدّقوا بال ورسله تصديقًا خالصًا‪ ,‬وعملوا العمال التفقة‬
‫مع شريعة ال الت أوحاها إل رسله‪ ,‬هؤلء يلزمون النة ف الخرة ملزمةً دائمةً ل تنقطع‪.‬‬

‫َوإِذْ أَخَ ْذنَا مِيثَا قَ َبنِي إِ سْرَائِيلَ ل َت ْعبُدُو نَ إِلّ اللّ َه َوبِاْلوَالِ َديْ نِ إِحْ سَانا وَذِي اْلقُ ْربَى وَاْليَتَامَى وَالْمَ سَاكِيِ‬
‫ل ِمْنكُمْ َوَأْنتُ ْم ُمعْرِضُونَ (‪)83‬‬ ‫وَقُولُوا لِلنّاسِ حُسْنا َوأَقِيمُوا الصّل َة وَآتُوا الزّكَاةَ ثُ ّم َتوَّلْيتُمْ إِلّ َقلِي ً‬

‫واذكروا يا بن إسرائيل حي أخَذْنا عليكم عهدًا مؤكدًا‪ :‬بأن تعبدوا ال وحده ل شريك له‪ ,‬وأن تسنوا‬
‫للوالدين‪ ,‬وللقربي‪ ,‬وللولد الذين مات آباؤهم وهم دون بلوغ اللم‪ ,‬وللمساكي‪ ,‬وأن تقولوا للناس‬
‫أطيب الكلم‪ ,‬مع أداء الصلة وإيتاء الزكاة‪ ,‬ث َأعْرَضْتم ونقضتم العهد ‪-‬إل قليل منكم ثبت عليه‪-‬‬
‫وأنتم مستمرون ف إعراضكم‪.‬‬

‫شهَدُو نَ (‬
‫سكُمْ مِ نْ ِديَارِكُ ْم ثُمّ أَ ْقرَ ْرتُ ْم َوَأنْتُ ْم تَ ْ‬
‫خرِجُو نَ أَنفُ َ‬
‫س ِفكُونَ ِدمَاءَكُ ْم وَل تُ ْ‬
‫َوإِذْ أَخَ ْذنَا مِيثَاقَكُ ْم ل تَ ْ‬
‫‪)84‬‬

‫واذكروا ‪-‬يا بن إسرائيل‪ -‬حي أَ َخذْنا عليكم عهدًا مؤكدًا ف التوراة‪ :‬يرم سفك بعضكم دم بعض‪,‬‬
‫وإخراج بعضكم بعضًا من دياركم‪ ,‬ث اعترفتم بذلك‪ ,‬وأنتم تشهدون على صحته‪.‬‬

‫سكُ ْم َوتُخْ ِرجُونَ فَرِيقا مِْنكُمْ مِنْ ِديَا ِرهِ ْم َتتَظَاهَرُو َن عََلْيهِ ْم بِا ِلثْ ِم وَاْلعُ ْدوَانِ َوإِ ْن‬ ‫ثُمّ َأْنتُ ْم َهؤُلء َتقْتُلُونَ أَنفُ َ‬
‫ب َوتَ ْكفُرُو نَ ِبَبعْ ضٍ فَمَا‬ ‫ض الْ ِكتَا ِ‬‫حرّ مٌ عََلْيكُ مْ إِ ْخرَا ُجهُ مْ أََفُتؤْ ِمنُو َن ِبَبعْ ِ‬
‫يَ ْأتُوكُ مْ أُ سَارَى ُتفَادُوهُ مْ وَ ُه َو مُ َ‬
‫ب َومَا اللّهُ بِغَافِلٍ‬ ‫حيَاةِ ال ّدْنيَا َوَيوْمَ اْل ِقيَا َمةِ يُ َردّونَ إِلَى َأشَ ّد اْلعَذَا ِ‬
‫ك ِمْنكُمْ إِلّ ِخزْيٌ فِي الْ َ‬ ‫َجزَاءُ مَ ْن َيفْعَلُ ذَلِ َ‬
‫عَمّا َتعْمَلُونَ (‪)85‬‬

‫ث أنتم يا هؤلء يقتل بعضكم بعضًا‪ ,‬ويُخرج بعضكم بعضًا من ديارهم‪ ,‬ويََت َقوّى كل فريق منكم على‬
‫إخوانه بالعداء بغيًا وعدوانًا‪ .‬وأن يأتوكم أسارى ف يد العداء سعيتم ف تريرهم من السر‪ ,‬بدفع‬
‫الفدية‪ ,‬مع أنه مرم عليكم إخراجهم من ديارهم‪ .‬ما أقبح ما تفعلون حي تؤمنون ببعض أحكام التوراة‬

‫‪21‬‬
‫وتكفرون ببعضها! فليس جزاء مَن يفعل ذلك منكم إل ذُل وفضيحة ف الدنيا‪ .‬ويوم القيامة يردّهم ال‬
‫إل أفظع العذاب ف النار‪ .‬وما ال بغافل عما تعملون‪.‬‬

‫ف عَْنهُ ْم اْلعَذَابُ وَل هُ ْم يُنصَرُونَ (‪)86‬‬


‫خفّ ُ‬
‫حيَاةَ ال ّدْنيَا بِالخِ َرةِ فَل يُ َ‬
‫ك الّذِي َن اشْتَ َروْا الْ َ‬
‫ُأوْلَئِ َ‬

‫أولئك هم الذين آثروا الياة الدنيا على الخرة‪ ,‬فل يفف عنهم العذاب‪ ,‬وليس لم ناصر ينصرهم مِن‬
‫عذاب ال‪.‬‬

‫ت َوَأيّ ْدنَا هُ ِبرُو حِ الْقُدُ سِ‬


‫وََلقَ ْد آتَْينَا مُو سَى الْ ِكتَا بَ وََق ّفْينَا مِ ْن َبعْدِ هِ بِالرّ سُ ِل وَآَتيْنَا عِي سَى ابْ َن مَ ْريَ َم الَْبّينَا ِ‬
‫سكُمْ ا ْسَتكْبَ ْرتُمْ َف َفرِيقا كَ ّذْبتُ ْم وَفَرِيقا َتقْتُلُونَ (‪)87‬‬ ‫أََفكُلّمَا جَاءَ ُكمْ َرسُو ٌل بِمَا ل َت ْهوَى أَنفُ ُ‬

‫ولقد أعطينا موسى التوراة‪ ,‬وأتبعناه برسل من بن إسرائيل‪ ,‬وأعطينا عيسى ابن مري العجزات‬
‫الواضحات‪ ,‬وقوّيناه ببيل عليه السلم‪ .‬أفكلما جاءكم رسول بوحي من عند ال ل يوافق أهواءكم‪,‬‬
‫استعليتم عليه‪ ,‬فكذّبتم فريقًا وتقتلون فريقًا؟‬

‫ل مَا ُي ْؤمِنُونَ (‪)88‬‬


‫ف بَلْ َل َعَنهُمْ اللّ ُه بِ ُكفْ ِرهِمْ َفقَلِي ً‬
‫وَقَالُوا ُقلُوبُنَا غُلْ ٌ‬

‫وقال بنو إسرائيل لنب ال ورسوله ممد صلى ال عليه وسلم‪ :‬قلوبنا مغطاة‪ ,‬ل َينْفُذ إليها قولك‪ .‬وليس‬
‫المر كما ا ّد َعوْا‪ ,‬بل قلوبم ملعونة‪ ,‬مطبوع عليها‪ ,‬وهم مطرودون من رحة ال بسبب جحودهم‪ ,‬فل‬
‫يؤمنون إل إيانًا قليل ل ينفعهم‪.‬‬

‫ب مِ ْن ِعنْدِ اللّ ِه مُ صَ ّدقٌ ِلمَا َم َعهُ ْم وَكَانُوا مِ نْ َقبْ ُل يَ سَْت ْفتِحُونَ عَلَى الّذِي نَ َكفَرُوا َفلَمّا‬
‫وَلَمّا جَا َءهُ مْ ِكتَا ٌ‬
‫جَا َءهُ ْم مَا عَرَفُوا َكفَرُوا بِهِ فََل ْعَنةُ اللّ ِه عَلَى اْلكَافِرِينَ (‪)89‬‬

‫وحي جاءهم القرأن من عند ال مصدقا لا معهم من التوراة جحدوه‪ ,‬وأنكروا نبوة ممد صلى ال عليه‬
‫ب مبعث نبّ آخرِ الزمان‪,‬‬
‫وسلم‪ ,‬وكانوا قبل بعثته يستنصرون به على مشركي العرب‪ ,‬ويقولون‪ :‬قَرُ َ‬

‫‪22‬‬
‫وسنتبعه ونقاتلكم معه‪ .‬فلمّا جاءهم الرسول الذي عرفوا صفاتِه وصِدْقَه كفروا به وكذبوه‪ .‬فلعنةُ ال‬
‫على كل مَن كفر بنب ال ورسوله ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وكتابه الذي أوحاه ال إليه‪.‬‬

‫ِبئْسَمَا ا ْشتَ َروْا بِهِ أَنفُسَهُمْ َأنْ َي ْكفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللّهُ بَغْيا أَنْ يُنَزّلَ اللّ ُه مِنْ َفضْلِهِ َأنْ ُينَزّلَ اللّ ُه مِنْ َفضْلِ ِه عَلَى‬
‫ب ُمهِيٌ (‪)90‬‬ ‫ب وَلِ ْلكَافِرِي َن عَذَا ٌ‬ ‫ضبٍ عَلَى َغضَ ٍ‬ ‫مَ ْن يَشَا ُء مِ ْن عِبَا ِدهِ َفبَاءُوا ِب َغ َ‬

‫َقبُحَ ما اختاره بنو إسرائيل لنفسهم; إذ استبدلوا الكفر باليان ظلمًا وحسدًا لنزال ال من فضله القرآن‬
‫على نب ال ورسوله ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فرجعوا بغضب من ال عليهم بسبب جحودهم بالنب‬
‫ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬بعد غضبه عليهم بسبب تريفهم التوراة‪ .‬وللجاحدين نبوّة ممد صلى ال‬
‫عليه وسلم عذابٌ يذلّهم ويزيهم‪.‬‬

‫َوإِذَا قِيلَ َلهُ مْ آ ِمنُوا بِمَا أَنزَلَ اللّ هُ قَالُوا ُن ْؤمِ ُن بِمَا أُنزِ َل عََلْينَا َوَيكْفُرُو َن بِمَا وَرَاءَ هُ َو ُهوَ الْحَقّ مُ صَدّقا لِمَا‬
‫َم َعهُمْ ُقلْ فَِل َم َتقْتُلُونَ أَْنِبيَاءَ اللّ ِه مِنْ َقبْلُ إِنْ كُنتُمْ ُم ْؤ ِمنِيَ (‪)91‬‬

‫وإذا قال بعض السلمي لليهود‪ :‬صدّقوا با أنزل ال من القرآن‪ ,‬قالوا‪ :‬نن نصدّق با أنزل ال على‬
‫أنبيائنا‪ ,‬ويحدون ما أنزل ال بعد ذلك‪ ,‬وهو الق مصدقًا لا معهم‪ .‬فلو كانوا يؤمنون بكتبهم حقًا‬
‫لمنوا بالقرآن الذي صدّقها‪ .‬قل لم ‪-‬يا ممد‪ :-‬إن كنتم مؤمني با أنزل ال عليكم‪ ,‬فلماذا قتلتم أنبياء‬
‫ال مِن قبل؟‬

‫وََلقَدْ جَاءَكُ ْم مُوسَى بِاْلَبّينَاتِ ثُ ّم اتّخَ ْذتُ ْم اْلعِجْلَ مِ ْن َبعْدِ ِه َوَأنْتُ ْم ظَالِمُونَ (‪)92‬‬

‫ولقد جاءكم نب ال موسى بالعجزات الواضحات الدالة على صدقه‪ ,‬كالطوفان والراد والقُمّل‬
‫والضفادع‪ ,‬وغي ذلك ما ذكره ال ف القرآن العظيم‪ ,‬ومع ذلك اتذت العجل معبودًا‪ ,‬بعد ذهاب‬
‫موسى إل ميقات ربه‪ ,‬وأنتم متجاوزون حدود ال‪.‬‬

‫صيْنَا َوُأشْ ِربُوا‬


‫َوإِذْ أَخَ ْذنَا مِيثَاَقكُ ْم وَرََف ْعنَا َفوْقَكُ مْ الطّورَ خُذُوا مَا آَتْينَاكُ ْم ِب ُقوّ ٍة وَا سْ َمعُوا قَالُوا سَ ِم ْعنَا َوعَ َ‬
‫ج َل بِ ُكفْ ِرهِمْ قُ ْل ِبئْسَمَا َي ْأمُرُكُ ْم بِهِ إِيَاُنكُمْ ِإنْ كُنتُ ْم ُم ْؤمِنِيَ (‪)93‬‬
‫فِي ُقلُوِبهِمْ الْعِ ْ‬

‫‪23‬‬
‫واذكروا حي أَ َخذْنا عليكم عهدًا مؤكدًا بقَبول ما جاءكم به موسى من التوراة‪ ,‬فنقضتم العهد‪ ,‬فرفعنا‬
‫جبل الطور فوق رؤوسكم‪ ,‬وقلنا لكم‪ :‬خذوا ما آتيناكم بدّ‪ ,‬واسعوا وأطيعوا‪ ,‬وإل أسقطنا البل‬
‫عليكم‪ ,‬فقلتم‪ :‬سعنا قولك وعصينا أمرك; لن عبادة العجل قد امتزجت بقلوبكم بسبب تاديكم ف‬
‫الكفر‪ .‬قل لم ‪-‬أيها الرسول‪َ :-‬قبُحَ ما يأمركم به إيانكم من الكفر والضلل‪ ,‬إن كنتم مصدّقي با‬
‫أنزل ال عليكم‪.‬‬

‫ص ًة مِنْ دُو ِن النّاسِ َفتَ َمّنوْا الْ َموْتَ ِإنْ كُنتُمْ صَادِقِيَ (‪)94‬‬
‫قُلْ ِإنْ كَاَنتْ َلكُمْ الدّارُ ال ِخ َرةُ ِعنْدَ اللّهِ خَاِل َ‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لليهود الذين يدّعون أن النة خاصة بم; لزعمهم أنم أولياء ال من دون الناس‪,‬‬
‫وأنم أبناؤه وأحباؤه‪ :‬إن كان المر كذلك فا ْدعُوا على الكاذبي منكم أو من غيكم بالوت‪ ,‬إن كنتم‬
‫صادقي ف دعواكم هذه‪.‬‬

‫وَلَ ْن َيتَ َمّنوْهُ َأبَدا بِمَا قَ ّد َمتْ َأيْدِيهِ ْم وَاللّ ُه عَلِي ٌم بِالظّالِ ِميَ (‪)95‬‬

‫ولن يفعلوا ذلك أبدًا; لا يعرفونه من صدق النب ممد صلى ال عليه وسلم ومن كذبم وافترائهم‪,‬‬
‫وبسبب ما ارتكبوه من الكفر والعصيان‪ ,‬الؤَ ّدَييْن إل حرمانم من النة ودخول النار‪ .‬وال تعال عليم‬
‫بالظالي من عباده‪ ,‬وسيجازيهم على ذلك‪.‬‬

‫سهنَ ٍة وَمَا ُهوَ‬


‫ْفه َ‬
‫ُمه َلوْ ُيعَمّرُ أَل َ‬
‫ِينه َأشْرَكُوا َيوَدّ أَ َح ُده ْ‬
‫ِنه الّذ َ‬
‫ّاسه عَلَى َحيَا ٍة َوم ْ‬ ‫َصه الن ِ‬ ‫ُمه أَ ْحر َ‬‫وََلتَجِ َدّنه ْ‬
‫بِمُ َزحْزِحِ ِه مِنْ الْعَذَابِ َأنْ ُيعَمّ َر وَاللّ ُه َبصِيٌ بِمَا َيعْمَلُونَ (‪)96‬‬
‫ولتعلمَنّ ‪-‬أيهها الرسهول‪ -‬أن اليهود أشهد الناس رغبهة فه طول الياة أيّاه كانهت هذه الياة مهن الذلّة‬
‫والهانة‪ ,‬بل تزيد رغبتهم ف طول الياة على رغبات الشركي‪ .‬يتمن اليهودي أن يعيش ألف سنة‪ ,‬ول‬
‫ُيبْعده هذا العمر الطويل إن حصل من عذاب ال‪ .‬وال تعال ل يفى عليه شيء من أعمالم وسيجازيهم‬
‫عليها با يستحقون من العذاب‪.‬‬

‫ك بِإِذْ نِ اللّ ِه مُ صَدّقا لِمَا َبيْ َن يَ َديْ هِ َوهُدًى َوبُشْرَى ِللْ ُم ْؤ ِمنِيَ‬
‫جبْرِيلَ فَِإنّ ُه نَزّلَ ُه عَلَى قَ ْلبِ َ‬
‫قُ ْل مَ نْ كَا َن عَ ُدوّا ِل ِ‬
‫(‪)97‬‬

‫‪24‬‬
‫قل‪-‬أيها الرسول‪ -‬لليهود حي قالوا‪ :‬إن جبيل هو عدونا من اللئكة‪ :‬من كان عدوًا لبيل فإنه نزّل‬
‫القرآن على قلبك بإذن ال تعال مصدّقًا لا سبقه من كتب ال‪ ,‬وهاديًا إل الق‪ ,‬ومبشرًا للمصدّقي به‬
‫بكل خي ف الدنيا والخرة‪.‬‬

‫مَنْ كَانَ عَ ُدوّا لِلّهِ َومَلِئكَتِ ِه وَ ُرسُلِ ِه وَ ِجْبرِيلَ َومِيكَالَ فَِإنّ اللّ َه عَ ُدوّ ِل ْلكَافِرِينَ (‪)98‬‬

‫من عادى ال وملئكته‪ ،‬ورسله من اللئكة أو البشر‪ ،‬وباصة الَلَكان جبي ُل وميكالُ؛ لن اليهود‬
‫زعموا أن جبيل عدوهم‪ ،‬وميكال وليّهم ‪ ،‬فأعلمهم ال أنه من عادى واحدًا منهما فقد عادى الخر‪،‬‬
‫وعادى ال أيضًا‪ ،‬فإن ال عدو للجاحدين ما أنزل على رسوله ممد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫ت َومَا َي ْكفُ ُر ِبهَا إِلّ اْلفَا ِسقُونَ (‪)99‬‬


‫ك آيَاتٍ بَّينَا ٍ‬
‫وََلقَدْ أَنزَْلنَا إَِليْ َ‬

‫ولقد أنزلنا إليك‪-‬أيها الرسول‪ -‬آيات بينات واضحات تدل على أنّك رسول من ال صدقا وحقا‪ ،‬وما‬
‫ينكر تلك اليات إل الارجون عن دين ال‪.‬‬

‫َأوَكُلّمَا عَاهَدُوا َعهْدا َنبَ َذهُ َفرِي ٌق ِمْنهُمْ بَلْ أَ ْكثَ ُرهُ ْم ل ُي ْؤ ِمنُونَ (‪)100‬‬

‫ما أقبح حال بن إسرائيل ف نقضهم للعهود!! فكلما عاهدوا عهدًا طرح ذلك العهد فريق منهم‪,‬‬
‫ونقضوه‪ ,‬فتراهم ُيبْرِمون العهد اليوم وينقضونه غدًا‪ ,‬بل أكثرهم ل يصدّقون با جاء به نب ال ورسوله‬
‫ممد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫وَلَمّا جَا َءهُ مْ رَ سُو ٌل مِ ْن عِنْدِ اللّ ِه مُ صَ ّدقٌ لِمَا َم َعهُ ْم َنبَذَ فَرِي ٌق مِ ْن الّذِي نَ أُوتُوا الْ ِكتَا بَ ِكتَا بَ اللّ ِه وَرَاءَ‬
‫ُظهُو ِرهِمْ َكَأّنهُمْ ل َيعَْلمُونَ (‪)101‬‬
‫ولا جاءهم ممد رسول ال صلى ال عليه وسلم بالقرآن الوافق لا معهم من التوراة طرح فريق منهم‬
‫كتاب ال‪ ,‬وجعلوه وراء ظهورهم‪ ,‬شأنم شأن الهال الذين ل يعلمون حقيقته‬

‫شيَاطِيَ َكفَرُوا ُيعَلّمُو َن النّا سَ‬


‫شيَاطِيُ عَلَى مُلْ كِ سَُليْمَانَ وَمَا َكفَرَ سَُليْمَانُ وََلكِنّ ال ّ‬
‫وَاّتَبعُوا مَا َتتْلُو ال ّ‬

‫‪25‬‬
‫ت َومَارُوتَ َومَا ُيعَلّمَا ِن مِنْ أَحَدٍ َحتّى َيقُول ِإنّمَا نَحْنُ ِفْتَنةٌ فَل‬ ‫ح َر َومَا أُنزِ َل عَلَى الْمََل َكيْ ِن ِببَابِ َل هَارُو َ‬ ‫السّ ْ‬
‫تَ ْكفُرْ َفَيَتعَلّمُونَ مِْنهُمَا مَا ُيفَرّقُونَ بِهِ َبيْ َن الْمَرْ ِء وَ َز ْوجِ ِه َومَا هُ ْم ِبضَارّي َن بِ ِه مِنْ أَحَدٍ إِ ّل بِإِ ْذنِ اللّ ِه َوَيتَعَلّمُونَ‬
‫سهُمْ َلوْ‬
‫ق وََلبِئْسَ مَا شَ َروْا بِهِ أَنفُ َ‬ ‫مَا َيضُ ّرهُ ْم وَل يَن َفعُهُ ْم وََلقَ ْد عَلِمُوا لَمَنْ ا ْشتَرَا ُه مَا لَهُ فِي الخِ َر ِة مِنْ خَل ٍ‬
‫كَانُوا َيعْلَمُونَ (‪)102‬‬
‫حدّث الشياطيُ به ال سحر َة على عهد ملك سليمان بن داود‪ .‬و ما ك فر سليمان وما‬ ‫واتبع اليهود ما تُ َ‬
‫َتعَلّم ال سّحر‪ ,‬ولكنّ الشياطي هم الذين كفروا بال حي علّموا الناس السحر; إفسادًا لدينهم‪ .‬وكذلك‬
‫اتبع اليهود ال سّحر الذي أُنزل على الَلكَي هاروت وماروت‪ ,‬بأرض "بابل" ف "العراق"; امتحانًا وابتلء‬
‫من ال لعباده‪ ,‬و ما يعلّم اللكان من أ حد ح ت ين صحاه ويذّراه من تعلم ال سحر‪ ,‬ويقول له‪ :‬ل تك فر‬
‫بتعلم السّحر وطاعة الشياطي‪ .‬فيتعلم الناس من اللكي ما ُيحْدِثون به الكراهية بي الزوجي حت يتفرقا‪.‬‬
‫ول يسهتطيع السهحرة أن يضروا بهه أحدًا إل بإذن ال وقضائه‪ .‬ومها يتعلم السهحرة إل شرًا يضرههم ول‬
‫ينفع هم‪ ,‬و قد نقل ته الشياط ي إل اليهود‪ ,‬فشاع في هم ح ت فضّلوه على كتاب ال‪ .‬ول قد علم اليهود أن‬
‫من اختار السّحر وترك الق ما له ف الخرة من نصيب ف الي‪ .‬ولبئس ما باعوا به أنفسهم من السحر‬
‫والكفر عوضًا عن اليان ومتابعة الرسول‪ ,‬لو كان لم عِ ْلمٌ يثمر العمل با ُوعِظوا‪.‬‬

‫وََلوْ َأّنهُمْ آ َمنُوا وَاتّ َقوْا َل َمثُوَب ٌة مِ ْن ِعنْدِ اللّهِ َخيْرٌ َلوْ كَانُوا َيعْلَمُونَ (‪)103‬‬

‫ولو أن اليهود آمنوا وخافوا ال ليقنوا أن ثواب ال خي لم من السّحر وما اكتسبوه به‪ ,‬لو كانوا‬
‫يعلمون ما يصل باليان والتقوى من الثواب والزاء علما حقيقيا لمنوا‪.‬‬

‫يَا َأيّهَا الّذِينَ آ َمنُوا ل َتقُولُوا رَا ِعنَا وَقُولُوا ان ُظ ْرنَا وَاسْ َمعُوا وَلِ ْلكَاِفرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (‪)104‬‬

‫يا أيها الذين آمنوا ل تقولوا للرسول ممد صلى ال عليه وسلم‪ :‬راعنا‪ ,‬أي‪ :‬راعنا سعك‪ ،‬فافهم عنا‬
‫وأفهمنا; لن اليهود كانوا يقولونا للنب صلى ال عليه وسلم يلوون ألسنتهم با‪ ,‬يقصدون سبّه ونسبته‬
‫إل الرعونة‪ ,‬وقولوا‪ -‬أيها الؤمنون‪ -‬بدل منها‪ :‬انظرنا‪ ,‬أي انظر إلينا وتعهّدْنا‪ ,‬وهي تؤدي العن‬
‫الطلوب نفسه واسعوا ما يتلى عليكم من كتاب ربكم وافهموه‪ .‬وللجاحدين عذاب موجع‪.‬‬

‫ختَ صّ‬
‫ب وَل الْمُشْرِكِيَ أَ ْن يُنَزّ َل عََلْيكُ ْم مِ نْ َخيْ ٍر مِ نْ َرّبكُ ْم وَاللّ ُه َي ْ‬
‫مَا َيوَ ّد الّذِي نَ َكفَرُوا مِ نْ َأهْلِ اْل ِكتَا ِ‬

‫‪26‬‬
‫بِرَ ْح َمتِهِ مَ ْن يَشَا ُء وَاللّهُ ذُو اْل َفضْ ِل الْعَظِيمِ (‪)105‬‬

‫ما يب الكفار من أهل الكتاب والشركي أن يُنّل عليكم أدن خي من ربكم قرآنًا أو علمًا‪ ,‬أو نصرًا‬
‫أو بشارة‪ .‬وال يتص برحته مَن يشاء مِن عباده بالنبوة والرسالة‪ .‬وال ذو العطاء الكثي الواسع‪.‬‬

‫خيْ ٍر ِمْنهَا َأ ْو ِمثِْلهَا أَلَ ْم َتعْلَمْ َأنّ اللّ َه عَلَى كُ ّل َشيْءٍ قَدِيرٌ (‪)106‬‬
‫مَا نَنسَخْ مِنْ آَيةٍ َأ ْو نُنسِهَا َنأْتِ ِب َ‬

‫ما نبدّل من آية أو نُزِلا من القلوب والذهان نأت بأنفع لكم منها‪ ,‬أو نأت بثلها ف التكليف والثواب‪,‬‬
‫ولكلٍ حكمة‪ .‬أل تعلم ‪-‬أيها النب‪ -‬أنت وأمتك أن ال قادر ل يعجزه شيء؟‬

‫ت وَالَ ْرضِ َومَا َلكُ ْم مِنْ دُونِ اللّ ِه مِ ْن وَِل ّي وَل َنصِيٍ (‪)107‬‬
‫أَلَ ْم َتعْلَمْ َأنّ اللّهَ لَ ُه ُملْكُ السّ َموَا ِ‬

‫أما علمتَ ‪-‬أيها النب‪ -‬أنت وأمتك أن ال تعال هو الالك التصرف ف السموات والرض؟ يفعل ما‬
‫يشاء‪ ,‬ويكم ما يريد‪ ,‬ويأمر عباده وينهاهم كيفما شاء‪ ,‬وعليهم الطاعة والقَبول‪ .‬وليعلم من عصى أن‬
‫ليس لحد من دون ال من ولّ يتولهم‪ ,‬ول نصي ينعهم من عذاب ال‪.‬‬

‫ضلّ َسوَاءَ‬
‫سأَلُوا رَ سُولَكُمْ كَمَا سُئِ َل مُو سَى مِ نْ َقبْ ُل َومَ ْن َيتَبَدّ ْل اْل ُكفْ َر بِالِيَا نِ َفقَدْ َ‬
‫أَ ْم تُرِيدُو نَ أَ ْن تَ ْ‬
‫السّبِيلِ (‪)108‬‬

‫بل أتريدون‪ -‬أيها الناس‪ -‬أن تطلبوا من رسولكم ممد صلى ال عليه وسلم أشياء بقصد العناد‬
‫والكابرة‪ ,‬كما طُِلبَ مثل ذلك من موسى‪ .‬علموا أن من يتر الكفر ويترك اليان فقد خرج عن صراط‬
‫ال الستقيم إل الهل والضّلل‪.‬‬

‫سهِ ْم مِ نْ بَعْ ِد مَا َتبَيّ نَ‬


‫وَدّ َكثِ ٌي مِ نْ َأهْ ِل الْ ِكتَا بِ َل ْو يَ ُردّونَكُ ْم مِ ْن َبعْدِ إِيَانِكُ مْ ُكفّارا حَ سَدا مِ ْن ِعنْدِ أَنفُ ِ‬
‫صفَحُوا َحتّى َيأِْتيَ اللّ ُه بَِأمْ ِرهِ ِإنّ اللّ َه عَلَى كُ ّل َشيْءٍ َقدِيرٌ (‪)109‬‬ ‫َلهُ ْم الْحَقّ فَا ْعفُوا وَا ْ‬

‫تن كثي من أهل الكتاب أن يرجعوكم بعد إيانكم كفارًا كما كنتم من قب ُل تعبدون الصنام; بسبب‬
‫القد الذي امتلت به نفوسهم من بعد ما تبيّن لم صدق نب ال ورسوله ممد صلى ال عليه وسلم‬

‫‪27‬‬
‫فيما جاء به‪ ,‬فتجاوزوا عمّا كان منهم من إساءة وخطأ‪ ,‬واصفحوا عن جهلهم‪ ,‬حت يأت ال بكمه‬
‫فيهم بقتالم (وقد جاء ووقع)‪ ,‬وسيعاقبهم لسوء أفعالم‪ .‬إن ال على كل شيء قدير ل يعجزه شيء‪.‬‬

‫سكُ ْم مِ نْ َخْي ٍر تَجِدُو ُه عِنْدَ اللّ هِ ِإنّ اللّ َه بِمَا َتعْمَلُو نَ بَ صِيٌ (‬
‫َوأَقِيمُوا ال صّلةَ وَآتُوا الزّكَا َة َومَا ُتقَ ّدمُوا لَنفُ ِ‬
‫‪)110‬‬

‫واشتغلوا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬بأداء الصلة على وجهها الصحيح‪ ,‬وإعطاء الزكاة الفروضة‪ .‬واعلموا أنّ كل‬
‫خي تقدمونه لنفسكم تدون ثوابه عند ال ف الخرة‪ .‬إنه تعال بصي بكل أعمالكم‪ ,‬وسيجازيكم‬
‫عليها‪.‬‬

‫جّنةَ إِ ّل مَنْ كَانَ هُودا َأ ْو نَصَارَى تِلْكَ َأمَانِّيهُمْ قُ ْل هَاتُوا بُ ْرهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِيَ (‬
‫وَقَالُوا لَ ْن يَدْخُلَ الْ َ‬
‫‪)111‬‬

‫ادّعى ك ّل من اليهود والنصارى أن النة خاصة بطائفته ل يدخلها غيهم‪ ,‬تلك أوهامهم الفاسدة‪ .‬قل‬
‫لم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬أحضروا دليلكم على صحة ما تدّعون إن كنتم صادقي ف دعواكم‪.‬‬

‫ف عََلْيهِ ْم وَل هُ ْم يَحْ َزنُونَ (‪)112‬‬


‫بَلَى مَنْ َأسْلَ َم وَ ْجهَهُ لِلّ ِه َو ُه َو مُحْسِنٌ َفلَهُ أَجْ ُر ُه ِعنْدَ َربّ ِه وَل َخوْ ٌ‬

‫ليس المر كما زعموا أنّ النة تتص بطائفة دون غيها‪ ,‬وإنا يدخل النّة مَن أخلص ل وحده ل‬
‫شريك له‪ ,‬وهو متبع للرسول ممد صلى ال عليه وسلم ف كل أقواله وأعماله‪ .‬فمن فعل ذلك فله ثواب‬
‫عمله عند ربه ف الخرة‪ ,‬وهو دخول النة‪ ,‬وهم ل يافون فيما يستقبلونه من أمر الخرة‪ ,‬ول هم‬
‫يزنون على ما فاتم من حظوظ الدنيا‪.‬‬

‫ستْ اْلَيهُو ُد عَلَى شَيْ ٍء َوهُ ْم َيتْلُو َن اْلكِتَا بَ‬ ‫ت النّ صَارَى َليْ َ‬ ‫ت النّ صَارَى عَلَى َشيْ ٍء وَقَالَ ْ‬ ‫ت الَْيهُودُ َليْ سَ ْ‬
‫وَقَالَ ْ‬
‫ختَِلفُونَ (‪)113‬‬ ‫حكُ ُم َبْينَهُ ْم َي ْو َم الْ ِقيَا َمةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ َي ْ‬
‫كَذَلِكَ قَا َل الّذِي َن ل َيعْلَمُو َن ِمثْلَ َقوِْلهِمْ فَاللّ ُه يَ ْ‬

‫‪28‬‬
‫وقالت اليهود‪ :‬ليست النصارى على شيء من الدين الصحيح‪ ,‬وكذلك قالت النصارى ف اليهود وهم‬
‫يقرؤون التوراة والنيل‪ ,‬وفيهما وجوب اليان بالنبياء جيعًا‪ .‬كذلك قال الذين ل يعلمون من‬
‫مشركي العرب وغيهم مثل قولم‪ ,‬أي قالوا لكل ذي دين‪ :‬لست على شيء‪ ,‬فال يفصل بينهم يوم‬
‫القيامة فيما اختلفوا فيه مِن أمر الدين‪ ,‬ويازي كل بعمله‪.‬‬

‫ك مَا كَانَ َلهُمْ أَ ْن يَدْخُلُوهَا‬


‫َومَنْ أَظَْل ُم مِمّ ْن َمنَ َع مَسَا ِجدَ اللّهِ أَ ْن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُ ُه وَ َسعَى فِي خَرَاِبهَا ُأوْلَئِ َ‬
‫ب عَظِيمٌ ( ‪)114‬‬ ‫ي وََلهُمْ فِي ال ِخ َرةِ عَذَا ٌ‬ ‫إِلّ خَاِئفِيَ َلهُمْ فِي ال ّدنْيَا ِخزْ ٌ‬

‫ل أحد أظلم من الذين منعوا ذِ ْكرَ ال ف الساجد من إقام الصلة‪ ,‬وتلوة القرآن‪ ,‬ونو ذلك‪ ,‬وجدّوا ف‬
‫تريبها بالدم أو الغلق‪ ,‬أو بنع الؤمني منها‪ .‬أولئك الظالون ما كان ينبغي لم أن يدخلوا الساجد‬
‫إل على خوف ووجل من العقوبة‪ ,‬لم بذلك صَغار وفضيحة ف الدنيا‪ ,‬ولم ف الخرة عذاب شديد‪.‬‬

‫ق وَالْ َمغْرِبُ َفَأْينَمَا ُتوَلّوا َفثَ ّم وَجْهُ اللّهِ ِإنّ اللّ َه وَاسِ ٌع عَلِيمٌ (‪)115‬‬
‫وَلِلّ ِه الْمَشْ ِر ُ‬
‫ول جه تا شروق الش مس وغروب ا و ما بينه ما‪ ,‬ف هو مالك الرض كل ها‪ .‬فأي ج هة توجه تم إلي ها ف‬
‫ال صلة بأ مر ال ل كم فإن كم مبتغون وج هه‪ ,‬ل ترجوا عن مل كه وطاع ته‪ .‬إن ال وا سع الرح ة بعباده‪,‬‬
‫عليم بأفعالم‪ ,‬ل يغيب عنه منها شيء‬

‫ت وَالَ ْرضِ كُلّ لَهُ قَانِتُونَ (‪)116‬‬


‫وَقَالُوا اتّخَذَ اللّ ُه وَلَدا ُسبْحَانَ ُه بَلْ لَ ُه مَا فِي السّ َموَا ِ‬
‫وقالت اليهود والن صارى والشركون‪ :‬ات ذ ال لنف سه ولدًا‪ ,‬تنّه ال ‪ -‬سبحانه‪ -‬عن هذا القول البا طل‪,‬‬
‫بل كل مَن ف السموات والرض ملكه وعبيده‪ ,‬وهم جيعًا خاضعون له‪ ,‬مسخّرون تت تدبيه‬

‫بَدِيعُ السّ َموَاتِ وَالَ ْرضِ َوإِذَا َقضَى َأمْرا فَِإنّمَا َيقُولُ لَهُ ُكنْ َفيَكُونُ (‪)117‬‬

‫وال تعال هو خالق السموات والرض على غي مثال سبق‪ .‬وإذا قدّر أمرًا وأراد كونه فإنا يقول له‪:‬‬
‫"كن" فيكون‪.‬‬

‫وَقَا َل الّذِي َن ل َيعْلَمُو نَ َلوْل ُيكَلّمُنَا اللّ هُ َأوْ تَ ْأتِينَا آَيةٌ كَذَلِ كَ قَا َل الّذِي َن مِ نْ َقبِْلهِ ْم ِمثْلَ َقوِْلهِ ْم تَشَاَبهَ تْ‬

‫‪29‬‬
‫قُلُوُبهُمْ قَ ْد َبّينّا اليَاتِ ِل َقوْ ٍم يُوِقنُونَ (‪)118‬‬

‫وقال الهلة من أهل الكتاب وغيهم لنب ال ورسوله ممد صلى ال عليه وسلم على سبيل العناد‪ :‬هل‬
‫يكلمنا ال مباشرة ليخبنا أنك رسوله‪ ,‬أو تأتينا معجزة من ال تدل على صدقك‪ .‬ومثل هذا القول قالته‬
‫المم من قبلُ لرسلها عنادًا ومكابرة; بسبب تشابه قلوب السابقي واللحقي ف الكفر والضّلل‪ ,‬قد‬
‫أوضحنا اليات للذين يصدّقون تصديقًا جازمًا؛ لكونم مؤمني بال تعال‪ ،‬متّبعي ما شرعه لم‪.‬‬

‫ب الْجَحِيمِ (‪)119‬‬
‫صحَا ِ‬
‫ِإنّا أَ ْر َس ْلنَا َك بِالْحَ ّق بَشِيا َونَذِيرا وَل تُسْأَ ُل عَنْ أَ ْ‬

‫إنا أرسلناك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بالدين الق الؤيد بالجج والعجزات‪ ,‬فبلّغه للناس مع تبشي الؤمني بيي‬
‫الدنيا والخرة‪ ,‬وتويف العاندين با ينتظرهم من عذاب ال‪ ,‬ولست ‪-‬بعد البلغ‪ -‬مسئول عن كفر‬
‫مَن كفر بك; فإنم يدخلون النار يوم القيامة‪ ،‬ول يرجون منها‪.‬‬

‫ك الَْيهُو ُد وَل النّصَارَى َحتّى َتتّبِ َع مِّلَتهُمْ ُقلْ إِنّ هُدَى اللّ ِه ُهوَ الْهُدَى وََلئِنْ اّتَبعْتَ َأ ْهوَاءَهُمْ‬ ‫وَلَ ْن َترْضَى َعنْ َ‬
‫ك مِنْ اللّ ِه مِ ْن وَِليّ وَل َنصِيٍ (‪)120‬‬ ‫َبعْدَ الّذِي جَا َء َك مِ ْن الْعِ ْل ِم مَا لَ َ‬

‫ولن ترضى عنك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬اليهود ول النصارى إل إذا تركت دينك واتبعتَ دينهم‪ .‬قل لم‪ :‬إن‬
‫دين السلم هو الدين الصحيح‪ .‬ولئن اتبعت أهواء هؤلء بعد الذي جاءك من الوحي ما لك عند ال‬
‫ل ينفعك‪ ,‬ول نصي ينصرك‪ .‬هذا موجه إل المّة عامة وإن كان خطابًا للنب صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫مِن و ّ‬

‫ك ُي ْؤمِنُونَ بِ ِه َومَ ْن َيكْفُ ْر بِهِ َفُأوَْلئِكَ هُ ْم الْخَا ِسرُونَ (‪)121‬‬


‫الّذِي َن آتَْينَاهُ ْم الْ ِكتَابَ يَتْلُونَهُ حَقّ تِل َوتِهِ ُأوْلَئِ َ‬
‫الذيهن أعطيناههم الكتاب مهن اليهود والنصهارى‪ ,‬يقرؤونهه القراءة الصهحيحة‪ ,‬ويتبعونهه حهق التباع‪,‬‬
‫ويؤمنون با جاء فيه من اليان برسل ال‪ ,‬ومنهم خاتهم نبينا ورسولنا ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬ول‬
‫يرفون ول يبدّلون ما جاء فيه‪ .‬هؤلء هم الذين يؤمنون بالنب ممد صلى ال عليه وسلم وبا أنزل عليه‪,‬‬
‫وأما الذين بدّلوا بعض الكتاب وكتموا بعضه‪ ,‬فهؤلء كفار بنب ال ممد صلى ال عليه وسلم وبا أنزل‬
‫عليه‪ ,‬ومن يكفر به فأولئك هم أشد الناس خسرانًا عند ال‬

‫‪30‬‬
‫ت عََلْيكُمْ َوأَنّي َفضّ ْلتُكُ ْم عَلَى اْلعَالَمِيَ (‪)122‬‬
‫يَا بَنِي ِإسْرَائِيلَ اذْكُرُوا ِنعْ َمتِي اّلتِي َأنْعَ ْم ُ‬

‫يا ذرية يعقوب اذكروا نعمي الكثية عليكم‪ ,‬وأن َفضّلتكم على عالَمي زمانكم بكثرة أنبيائكم‪ ,‬وما‬
‫أُنزل عليهم من الكتب‪.‬‬

‫س َشيْئا وَل ُيقْبَ ُل ِمنْهَا عَدْ ٌل وَل تَن َفعُهَا َشفَا َع ٌة وَل هُ ْم يُن صَرُونَ (‬
‫س عَ نْ نَفْ ٍ‬
‫وَاّتقُوا َيوْما ل َتجْزِي َنفْ ٌ‬
‫‪)123‬‬

‫وخافوا أهوال يوم الساب إذ ل تغن نفس عن نفس شيئًا‪ ,‬ول يقبل ال منها فدية تنجيها من العذاب‪,‬‬
‫ول تنفعها وساطة‪ ,‬ول أحد ينصرها‪.‬‬

‫َوإِ ْذ ابْتَلَى ِإبْرَاهِيمَ َربّ ُه ِبكَلِمَاتٍ َفَأتَ ّمهُنّ قَالَ ِإنّي جَاعِلُكَ لِلنّاسِ ِإمَاما قَا َل َومِنْ ُذ ّرّيتِي قَا َل ل َينَا ُل َعهْدِي‬
‫الظّالِمِيَ (‪)124‬‬

‫واذكر‪-‬أيها النب‪ -‬حي اختب ال إبراهيم با شرع له من تكاليف‪ ,‬فأدّاها وقام با خي قيام‪ .‬قال ال له‪:‬‬
‫إن جاعلك قدوة للناس‪ .‬قال إبراهيم‪ :‬ربّ اجعل بعض نسلي أئمة فضل منك‪ ,‬فأجابه ال سبحانه أنه ل‬
‫تصل للظالي المامةُ ف الدين‪.‬‬

‫خذُوا مِ ْن َمقَا مِ ِإبْرَاهِي َم مُ صَلّى َو َعهِ ْدنَا إِلَى إِبْرَاهِي َم َوإِ سْمَاعِيلَ أَ نْ‬
‫س َوأَمْنا وَاتّ ِ‬‫ت َمثَاَبةً لِلنّا ِ‬‫َوإِذْ َجعَ ْلنَا الَْبيْ َ‬
‫ي وَالرّكّعِ السّجُودِ (‪)125‬‬ ‫ي وَاْلعَا ِكفِ َ‬ ‫َطهّرَا َبْيتِي لِلطّائِفِ َ‬

‫واذكر ‪-‬أيها النب‪ -‬حي جعلنا الكعبة مرجعًا للناس‪ ,‬يأتونه‪ ,‬ث يرجعون إل أهليهم‪ ,‬ث يعودون إليه‪,‬‬
‫وممعًا لم ف الج والعمرة والطواف والصلة‪ ,‬وأمنًا لم‪ ,‬ل ُيغِي عليهم عدو فيه‪ .‬وقلنا‪ :‬اتِذوا من‬
‫مقام إبراهيم مكانًا للصلة فيه‪ ,‬وهو الجر الذي وقف عليه إبراهيم عند بنائه الكعبة‪ .‬وأوحينا إل‬
‫إبراهيم وابنه إساعيل‪ :‬أن طهّرا بيت من كل رجس ودنس; للمتعبدين فيه بالطواف حول الكعبة‪ ,‬أو‬
‫العتكاف ف السجد‪ ,‬والصلة فيه‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫ت مَنْ آمَ َن ِمنْهُ ْم بِاللّهِ وَاْلَيوْمِ الخِرِ قَالَ‬
‫َوإِذْ قَالَ ِإبْرَاهِيمُ رَبّ ا ْجعَ ْل هَذَا َبلَدا آمِنا وَارْزُقْ أَهْلَ ُه مِ ْن الثّمَرَا ِ‬
‫ب النّا ِر َوِبْئسَ الْ َمصِيُ (‪)126‬‬ ‫َومَنْ َكفَرَ َفُأمَّتعُهُ قَلِيلً ثُمّ أَضْطَ ّرهُ إِلَى عَذَا ِ‬

‫واذكر ‪-‬أيها النب‪ -‬حي قال إبراهيم داعيًا‪ :‬ربّ اجعل "مكة" بلدًا آمنًا من الوف‪ ,‬وارزق أهله من‬
‫أنواع الثمرات‪ ,‬و ُخصّ بذا الرزق مَن آمن منهم بال واليوم الخر‪ .‬قال ال‪ :‬ومن كفر منهم فأرزقه ف‬
‫الدنيا وأُمتعه متاعًا قليل ث أُلئُه مرغمًا إل عذاب النار‪ .‬وبئس الرجع والقام هذا الصي‪.‬‬

‫ت َوِإسْمَاعِيلُ َربّنَا َت َقبّلْ ِمنّا ِإنّكَ أَْنتَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ (‪)127‬‬


‫َوإِ ْذ يَرْفَعُ إِبْرَاهِي ُم الْ َقوَاعِ َد مِ ْن اْلَبيْ ِ‬

‫واذكر ‪-‬أيها النب‪ -‬حي رفع إبراهيم وإساعيل أسس الكعبة‪ ,‬وها يدعوان ال ف خشوع‪ :‬ربنا تقبل منّا‬
‫صال أعمالنا ودعاءنا‪ ,‬إنك أنت السميع لقوال عبادك‪ ,‬العليم بأحوالم‪.‬‬

‫ب عََليْنَا ِإنّكَ َأنْتَ الّتوّابُ الرّحِيمُ‬


‫ك َوأَ ِرنَا َمنَا ِسكَنَا َوتُ ْ‬
‫ك َومِنْ ذُ ّرّيتِنَا ُأ ّمةً مُسْلِ َمةً لَ َ‬
‫َرّبنَا وَا ْجعَ ْلنَا مُسْلِ َميْنِ لَ َ‬
‫(‪)128‬‬

‫ربنا واجعلنا ثابتَيْن على السلم‪ ,‬منقا َديْن لحكامك‪ ,‬واجعل من ذريتنا أمة منقادة لك‪ ,‬باليان‪,‬‬
‫وبصّرْنا بعال عبادتنا لك‪ ,‬وتاوز عن ذنوبنا‪ .‬إنك أنت كثي التوبة والرحة لعبادك‪.‬‬

‫ت الْعَزِيزُ‬
‫حكْ َم َة َويُزَكّيهِ مْ ِإنّ كَ َأنْ َ‬
‫ب وَالْ ِ‬
‫ك َوُيعَلّ ُمهُ ْم الْ ِكتَا َ‬
‫َرّبنَا وَابْعَ ثْ فِيهِ مْ رَ سُو ًل ِمنْهُ ْم َيتْلُو عََلْيهِ ْم آيَاتِ َ‬
‫حكِيمُ (‪)129‬‬ ‫الْ َ‬

‫ربنا وابعث ف هذه المة رسول من ذرية إساعيل يتلو عليهم آياتك ويعلمهم القرآن والسنة‪ ,‬ويطهرهم‬
‫من الشرك وسوء الخلق‪ .‬إنك أنت العزيز الذي ل يتنع عليه شيء‪ ,‬الكيم الذي يضع الشياء ف‬
‫مواضعها‪.‬‬

‫َومَ ْن يَ ْرغَبُ عَ ْن مِّلةِ ِإبْرَاهِيمَ إِ ّل مَ نْ َسفِ َه َنفْسَهُ وََلقَ ْد اصْ َط َفْينَاهُ فِي ال ّدنْيَا َوِإنّهُ فِي الخِ َرةِ لَمِ ْن الصّالِحِيَ‬
‫(‪)130‬‬

‫‪32‬‬
‫ول أحد يُعرض عن دين إبراهيم ‪-‬وهو السلم‪ -‬إل سفيه جاهل‪ ,‬ولقد اخترنا إبراهيم ف الدنيا نبيّا‬
‫ورسول وإنه ف الخرة لن الصالي الذين لم أعلى الدرجات‪.‬‬

‫ب الْعَالَ ِميَ (‪)131‬‬


‫إِذْ قَالَ لَهُ َربّهُ َأسْلِمْ قَالَ َأسَْل ْمتُ ِلرَ ّ‬

‫وسبب هذا الختيار مسارعته للسلم دون تردد‪ ,‬حي قال له ربه‪ :‬أخلص نفسك ل منقادًا له‪.‬‬
‫فاستجاب إبراهيم وقال‪ :‬أسلمت لرب العالي إخلصًا وتوحيدًا ومبة وإنابة‪.‬‬

‫ب يَا َبنِيّ إِنّ اللّ َه ا صْ َطفَى َلكُ مْ الدّي نَ فَل تَمُوتُنّ إِ ّل َوأَْنتُ ْم مُ سْلِمُونَ (‬
‫َووَ صّى بِهَا ِإبْرَاهِي ُم َبنِي هِ َوَي ْعقُو ُ‬
‫‪)132‬‬

‫وحثّ إبراهي ُم ويعقوبُ أبناءها على الثبات على السلم قائَليْن‪ :‬يا أبناءنا إن ال اختار لكم هذا الدين‪-‬‬
‫وهو دين السلم الذي جاء به ممد صلى ال عليه وسلم‪ -‬فل تفارقوه أيام حياتكم‪ ,‬ول يأتكم الوت‬
‫إل وأنتم عليه‪.‬‬

‫ك َوإِلَ َه آبَائِ كَ‬


‫ب الْ َموْ تُ ِإذْ قَالَ ِلَبنِي هِ مَا َت ْعبُدُو نَ مِ ْن َبعْدِي قَالُوا َن ْعبُدُ إَِلهَ َ‬
‫أَ مْ كُنتُ ْم ُشهَدَاءَ إِذْ َحضَ َر َي ْعقُو َ‬
‫سلِمُونَ (‪)133‬‬ ‫ِإبْرَاهِي َم َوِإسْمَاعِي َل َوِإسْحَقَ إِلَها وَاحِدا َونَحْنُ لَ ُه مُ ْ‬

‫أكنتم أيها اليهود حاضرين حي جاء الوتُ يعقوبَ‪ ,‬إذ جع أبناءه وسألم ما تعبدون من بعد موت؟‬
‫قالوا‪ :‬نعبد إلك وإله آبائك إبراهيم وإساعيل وإسحاق إلًا واحدًا‪ ,‬ونن له منقادون خاضعون‪.‬‬

‫سأَلُو َن عَمّا كَانُوا َيعْمَلُونَ (‪)134‬‬


‫سْبتُمْ وَل تُ ْ‬
‫سَبتْ وََلكُ ْم مَا كَ َ‬
‫تِلْكَ ُأ ّمةٌ َقدْ َخَلتْ َلهَا مَا كَ َ‬

‫ضتْ‪ ,‬لم أعمالم‪ ,‬ولكم أعمَالكم‪ ,‬ول تُسْألون عن أعمالم‪ ,‬وهم ل‬ ‫تلك ُأمّة من أسلفكم قد م َ‬
‫يُسْألون عن أعمالكم‪ ,‬وكلّ سيجازى با فعله‪ ,‬ل يؤاخذ أحد بذنب أحد‪ ,‬ول ينفعُ أحدًا إل إيانُه‬
‫وتقواه‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫وَقَالُوا كُونُوا هُودا َأوْ نَصَارَى َت ْهتَدُوا ُق ْل بَ ْل مِّلةَ ِإبْرَاهِيمَ َحنِيفا َومَا كَا َن مِ ْن الْمُشْرِكِيَ (‪)135‬‬

‫وقالت اليهود لمّة ممد صلى ال عليه وسلم‪ :‬ادخلوا ف دين اليهودية تدوا الداية‪ ,‬وقالت النصارى‬
‫لم مثل ذلك‪ .‬قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬بل الداية أن نتبع‪ -‬جيعًا‪ -‬ملة إبراهيم‪ ,‬الذي مال عن كل دين‬
‫باطل إل دين الق‪ ,‬وما كان من الشركي بال تعال‪.‬‬

‫ط َومَا أُوتِ يَ‬


‫قُولُوا آ َمنّا بِاللّ ِه َومَا أُنزِلَ إَِلْينَا َومَا أُنزِلَ إِلَى ِإبْرَاهِي َم َوإِ سْمَاعِي َل َوإِ سْحَ َق َوَيعْقُو بَ وَالَ ْسبَا ِ‬
‫ق َبيْنَ أَحَ ٍد ِمْنهُ ْم َونَحْنُ لَ ُه مُسِْلمُونَ (‪)136‬‬ ‫مُوسَى َوعِيسَى َومَا أُوِتيَ النِّبيّو َن مِنْ َرّبهِ ْم ل ُنفَ ّر ُ‬

‫قولوا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬لؤلء اليهود والنّصارى‪ :‬صدّقنا بال الواحد العبود بق‪ ,‬وبا أنزل إلينا من القرآن‬
‫الذي أوحاه ال إل نبيه ورسوله ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وما أنزل من الصحف إل إبراهيم وابنيه‬
‫إساعيل وإسحاق‪ ,‬وإل يعقوب والسباط ‪-‬وهم النبياء مِن ولد يعقوب الذين كانوا ف قبائل بن‬
‫إسرائيل الثنت عشرة‪ -‬وما أُعطي موسى من التوراة‪ ,‬وعيسى من النيل‪ ,‬وما أُعطي النبياء جيعًا من‬
‫وحي ربم‪ ,‬ل نفرق بي أحد منهم ف اليان‪ ,‬ونن خاضعون ل بالطاعة والعبادة‪.‬‬

‫سيَ ْكفِي َكهُمْ اللّ ُه َوهُ َو ال سّمِيعُ‬


‫فَإِ نْ آ َمنُوا بِ ِمثْ ِل مَا آمَنتُ ْم بِ هِ َفقَدْ ا ْهتَدَوا َوإِ ْن َتوَّلوْا فَِإنّمَا هُ مْ فِي ِشقَا قٍ فَ َ‬
‫الْعَلِيمُ (‪)137‬‬

‫فإنْ آمن الكفار من اليهود والنصارى وغيهم بثل الذي آمنتم به‪ ,‬ما جاء به الرسول‪ ,‬فقد اهتدوا إل‬
‫الق‪ ,‬وإن أعرضوا فإنا هم ف خلف شديد‪ ,‬فسيكفيك ال ‪-‬أيها الرسول‪ -‬شرّهم وينصرك عليهم‪,‬‬
‫وهو السميع لقوالكم‪ ,‬العليم بأحوالكم‪.‬‬

‫صْب َغةً َونَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (‪)138‬‬


‫س ُن مِنْ اللّهِ ِ‬
‫صْب َغةَ اللّ ِه َومَنْ أَحْ َ‬
‫ِ‬

‫الزموا دين ال الذي فطركم عليه‪ ,‬فليس هناك أحس ُن مِن فطرة ال الت فطر الناس عليها‪ ,‬فالزموها‬
‫وقولوا نن خاضعون مطيعون لربنا ف اتباعنا ملّة إبراهيم‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫خِلصُونَ (‪)139‬‬
‫قُلْ َأتُحَاجّوَننَا فِي اللّ ِه َو ُهوَ َرّبنَا وَ َربّكُ ْم وََلنَا َأعْمَاُلنَا وََلكُمْ َأعْمَاُلكُ ْم َونَحْنُ لَ ُه مُ ْ‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول لهل الكتاب‪ :-‬أتادلوننا ف توحيد ال والخلص له‪ ,‬وهو رب العالي جيعًا‪ ,‬ل‬
‫يتص بقوم دون قوم‪ ,‬ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم‪ ,‬ونن ل ملصو العبادة والطّاعة ل نشرك به شيئًا‪,‬‬
‫ول نعبد أحدًا غيه‪.‬‬

‫ب وَالَ ْسبَاطَ كَانُوا هُودا َأوْ نَ صَارَى ُقلْ َأأَْنتُ مْ َأعْلَ مُ أَ مْ‬‫أَ مْ َتقُولُو نَ ِإنّ ِإبْرَاهِي َم َوإِ سْمَاعِي َل َوإِ سْحَ َق َوَيعْقُو َ‬
‫اللّ ُه َومَنْ أَظَْل ُم مِمّنْ َكتَ َم َشهَا َد ًة ِعنْ َدهُ مِنْ اللّ ِه َومَا اللّ ُه ِبغَافِ ٍل عَمّا َتعْمَلُونَ (‪)140‬‬

‫بل أتقولون مادلي ف ال‪ :‬إن إبراهيم وإساعيل وإسحاق ويعقوب والسباط‪ -‬وهم النبياء الذين كانوا‬
‫ف قبائل بن إسرائيل الثنت عشرة من ولد يعقوب‪ -‬كانوا على دين اليهود أو النصارى؟ وهذا كذب;‬
‫فقد ُبعِثوا وماتوا قبل نزول التوراة والنيل‪ .‬قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬أأنتم أعلم بدينهم أم ال تعال؟ وقد‬
‫أخب ف القرآن بأنم كانوا حنفاء مسلمي‪ ,‬ول أحد أظلم منكم حي تفون شهادة ثابتة عندكم من ال‬
‫حصٍ لا‬ ‫تعال‪ ,‬وتدّعون خلفها افتراء على ال‪ .‬وما ال بغافل عن شيء من أعمالكم‪ ,‬بل هو ُم ْ‬
‫ومازيكم عليها‪.‬‬

‫سأَلُو َن عَمّا كَانُوا َيعْمَلُونَ (‪)141‬‬


‫سْبتُمْ وَل تُ ْ‬
‫سَبتْ وََلكُ ْم مَا كَ َ‬
‫تِلْكَ ُأ ّمةٌ َقدْ َخَلتْ َلهَا مَا كَ َ‬

‫ضتْ‪ ,‬لم أعمالم ولكم أعمالكم‪ ,‬ول تُسْألون عن أعمالم‪ ,‬وهم ل يُسْألون‬‫تلك ُأمّة من أسلفكم قد م َ‬
‫عن أعمالكم‪ .‬وف الية قطع للتعلق بالخلوقي‪ ,‬وعدم الغترار بالنتساب إليهم‪ ,‬وأن العبة باليان بال‬
‫وعبادته وحده‪ ,‬واتباع رسله‪ ,‬وأن من كفر برسول منهم فقد كفر بسائر الرسل‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫الزء الثان‪:‬‬

‫ب َيهْدِي مَ نْ‬
‫ق وَالْ َمغْرِ ُ‬
‫س مَا وَ ّلهُ ْم عَ نْ ِقبَْلِتهِ ْم اّلتِي كَانُوا عََلْيهَا قُلْ لِلّ ِه الْمَشْرِ ُ‬
‫س َفهَاءُ مِ ْن النّا ِ‬
‫َسَيقُولُ ال ّ‬
‫سَتقِيمٍ (‪)142‬‬ ‫ط مُ ْ‬‫يَشَاءُ إِلَى صِرَا ٍ‬

‫سيقول الهال وضعاف العقول من اليهود وأمثالم‪ ,‬ف سخرية واعتراض‪ :‬ما الذي صرف هؤلء‬
‫السلمي عن قبلتهم الت كانوا ُيصَلّون إل جهتها أول السلم; (وهي "بيت القدس") قل لم ‪-‬أيها‬
‫الرسول‪ :-‬الشرق والغرب وما بينهما ملك ل‪ ,‬فليست جهة من الهات خارجة عن ملكه‪ ,‬يهدي مَن‬
‫يشاء من عباده إل طريق الداية القوي‪ .‬وف هذا إشعار بأن الشأن كله ل ف امتثال أوامره‪ ,‬فحيثما‬
‫وَ ّجهَنا َتوَ ّجهْنا‪.‬‬

‫وَكَذَلِكَ َجعَ ْلنَاكُمْ ُأ ّم ًة وَسَطا ِلَتكُونُوا ُشهَدَا َء عَلَى النّاسِ َوَيكُونَ الرّسُو ُل عََلْيكُ ْم َشهِيدا َومَا َجعَ ْلنَا الْ ِقبَْل َة‬
‫ت عََليْهَا إِلّ ِلَنعْلَ َم مَ ْن َيّتبِ عُ الرّ سُو َل مِمّ ْن يَنقَلِ بُ عَلَى َعقَِبيْ ِه َوإِ نْ كَانَ تْ َل َكبِيَةً إِلّ عَلَى الّذِي نَ‬
‫الّتِي كُن َ‬
‫هَدَى اللّ ُه َومَا كَانَ اللّهُ ِلُيضِيعَ ِإيَانَكُمْ ِإنّ اللّ َه بِالنّاسِ َلرَءُوفٌ رَحِيمٌ (‪)143‬‬

‫وكما هديناكم ‪-‬أيها السلمون‪ -‬إل الطريق الصحيح ف الدين‪ ,‬جعلناكم أمة خيارًا عدول لتشهدوا‬
‫على المم ف الخرة أن رسلهم بلّغتهم رسالت ربم‪ ,‬ويكون الرسول ف الخرة كذلك شهيدًا عليكم‬
‫أنّه بلّغكم رسالة ربه‪ .‬وما جعلنا ‪-‬أيها الرسول‪ -‬قبلة "بيت القدس" الت كنت عليها‪ ,‬ث صرفناك عنها‬
‫إل الكعبة به "مكة"‪ ,‬إل ليظهر ما علمناه ف الزل؛ علما يتعلق به الثواب والعقاب لنميز مَن يتبعك‬
‫ويطيعك ويستقبل معك حيث توجهت‪ ,‬ومَن هو ضعيف اليان فينقلب مرتدًا عن دينه لشكه ونفاقه‪.‬‬
‫وإن هذه الال الت هي تول السلم ف صلته من استقبال بيت القدس إل استقبال الكعبة لثقيلة شاقة‬
‫إل على الذين هداهم وم ّن عليهم باليان والتقوى وما كان ال ليضيع إيانكم به واتباعكم لرسوله‪,‬‬
‫ويبطل صلتكم إل القبلة السابقة‪ .‬إنه سبحانه وتعال بالناس لرءوف رحيم‪.‬‬

‫ج ِد الْحَرَا مِ وَ َحيْ ثُ مَا‬‫ك شَطْرَ الْمَ سْ ِ‬‫قَ ْد نَرَى تَقَلّ بَ وَ ْجهِ كَ فِي ال سّمَاءِ فََلُنوَّليَنّ كَ ِقبَْل ًة تَرْضَاهَا َفوَ ّل َو ْجهَ َ‬
‫كُنتُ مْ َفوَلّوا وُجُوهَكُ ْم شَ ْطرَ هُ َوِإنّ الّذِي نَ أُوتُوا اْلكِتَا بَ َلَيعْلَمُو نَ َأنّ ُه الْحَقّ مِ نْ َرّبهِ مْ َومَا اللّ ُه ِبغَافِ ٍل عَمّا‬
‫‪36‬‬
‫َيعْمَلُونَ (‪)144‬‬
‫قد نرى توّل وج هك ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬ف ج هة ال سماء‪ ,‬مرة ب عد مرة; انتظارًا لنول الو حي إل يك ف‬
‫شأن القبلة‪ ,‬فلن صرفنك عن "بيهت القدس" إل قبلة تب ها وترضا ها‪ ,‬و هي وج هة ال سجد الرام ب ه‬
‫"مكة"‪ ,‬فولّ وجهك إليها‪ .‬وف أي مكان كنتم ‪-‬أيها السلمون‪ -‬وأردت الصلة فتوجهوا نو السجد‬
‫الرام‪ .‬وإن الذين أعطاهم ال علم الكتاب من اليهود والنصارى لَيعلمون أن تويلك إل الكعبة هو الق‬
‫الثابت ف كتبهم‪ .‬وما ال بغافل عما يعمل هؤلء العترضون الشككون‪ ,‬وسيجازيهم على ذلك‬

‫ضهُ ْم ِبتَابِ عٍ ِقبَْلةَ‬


‫ب ِبكُلّ آَي ٍة مَا َتِبعُوا ِقبَْلتَ كَ َومَا أَنْ تَ ِبتَابِ عٍ ِقبَْلَتهُ ْم وَمَا َبعْ ُ‬
‫وََلئِ نْ َأَتيْ تَ الّذِي نَ أُوتُوا ال ِكتَا َ‬
‫ض وََلئِنْ اّتَبعْتَ َأ ْهوَا َءهُ ْم مِ ْن َبعْ ِد مَا جَا َء َك مِ ْن الْعِ ْلمِ ِإنّكَ إِذا لَمِنْ الظّالِ ِميَ (‪)145‬‬ ‫َبعْ ٍ‬

‫ولئن جئت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬الذين أُعطوا التوراة والنيل بكل حجة وبرهان على أن توجّهك إل الكعبة‬
‫ف الصلة هو الق من عند ال‪ ,‬ما تبعوا قبلتك عنادًا واستكبارًا‪ ,‬وما أنت بتابع قبلتهم مرة أخرى‪ ,‬وما‬
‫بعضهم بتابع قبلة بعض‪ .‬ولئن اتبعت أهواءهم ف شأن القبلة وغيها بعد ما جاءك من العلم بأنك على‬
‫الق وهم على الباطل‪ ,‬إنك حينئذ لن الظالي لنفسهم‪ .‬وهذا خطاب لميع المة وهو تديد ووعيد‬
‫لن يتبع أهواء الخالفي لشريعة السلم‪.‬‬

‫ب َيعْرِفُونَ هُ كَمَا َيعْرِفُو نَ َأبْنَا َءهُ ْم َوإِنّ َفرِيقا ِمْنهُ مْ َلَي ْكتُمُو نَ الْحَقّ َوهُ مْ َيعَْلمُو نَ (‬
‫الّذِي َن آَتْينَاهُ ْم الْ ِكتَا َ‬
‫‪)146‬‬

‫الذين أعطيناهم التوراة والنيل من أحبار اليهود وعلماء النصارى يعرفون أنّ ممدًا صلى ال عليه وسلم‬
‫رسول ال بأوصافه الذكورة ف كتبهم‪ ,‬مثل معرفتهم بأبنائهم‪ .‬وإن فريقًا منهم ليكتمون الق وهم‬
‫صدْقه‪ ,‬وثبوت أوصافه‪.‬‬‫يعلمون ِ‬

‫الْحَ ّق مِنْ َربّكَ فَل َتكُونَ ّن مِ ْن الْمُ ْمَترِينَ (‪)147‬‬

‫الذي أنزل إليك ‪-‬أيها النب‪ -‬هو الق من ربك‪ ,‬فل تكونن من الشاكي فيه‪ .‬وهذ وإن كان خطابا‬
‫للرسول صلى ال عليه وسلم فهو موجه للمة‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫ت بِكُ مْ اللّ هُ جَمِيعا ِإنّ اللّ َه عَلَى ُك ّل شَيْءٍ‬
‫خيْرَا تِ َأيْ َن مَا َتكُونُوا َيأْ ِ‬
‫وَِلكُلّ ِو ْج َهةٌ ُه َو ُموَلّيهَا فَا ْسَتِبقُوا الْ َ‬
‫قَدِيرٌ (‪)148‬‬

‫ولكل أمة من المم قبلة يتوجّه إليها كل واحد منها ف صلته‪ ,‬فبادروا ‪ -‬أيها الؤمنون‪ -‬متسابقي إل‬
‫ِفعْل العمال الصالة الت شرعها ال لكم ف دين السلم‪ .‬وسيجمعكم ال جيعا يوم القيامة من أي‬
‫موضع كنتم فيه‪ .‬إن ال على كل شيء قدير‪.‬‬

‫ج ِد الْحَرَا ِم َوإِنّهُ لَ ْلحَقّ مِنْ َربّكَ َومَا اللّ ُه ِبغَافِ ٍل عَمّا َتعْمَلُونَ‬
‫َومِنْ َحيْثُ خَ َرجْتَ َفوَ ّل َو ْجهَكَ شَ ْط َر الْمَسْ ِ‬
‫(‪)149‬‬

‫ومن أي مكان خَ َر ْجتَ ‪-‬أيها النب‪ -‬مسافرًا‪ ,‬وأردت الصلة‪ ,‬فوجّه وجهك نو السجد الرام‪ .‬وإنّ‬
‫توجّهك إليه لو الق الثابت من ربك‪ .‬وما ال بغافل عما تعملونه‪ ,‬وسيجازيكم على ذلك‪.‬‬

‫ج ِد الْحَرَا ِم وَ َحيْ ثُ مَا كُنتُ مْ َفوَلّوا وُجُو َهكُ مْ شَطْرَ هُ ِلَئ ّ‬


‫ل‬ ‫َومِ نْ َحيْ ثُ خَ َرجْ تَ َفوَ ّل َو ْجهَ كَ شَ ْط َر الْمَ سْ ِ‬
‫ش ْونِي وَ ُلتِمّ ِنعْ َمتِي عََلْيكُ ْم وََلعَّلكُ مْ‬
‫ش ْوهُ ْم وَاخْ َ‬
‫جةٌ إِلّ الّذِي نَ ظَلَمُوا ِمْنهُ مْ فَل تَخْ َ‬
‫يَكُو نَ لِلنّا سِ عََليْكُ مْ ُح ّ‬
‫َتهْتَدُونَ (‪)150‬‬

‫ومن أى مكان خرجت ‪-‬أيها النب‪ -‬فتوجّه إل السجد الرام‪ ,‬وحيثما كنتم ‪-‬أيها السلمون‪ ,-‬بأي‬
‫قطر من أقطار الرض فولّوا وجوهكم نو السجد الرام; لكي ل يكون للناس الخالفي لكم احتجاج‬
‫عليكم بالخاصمة والجادلة‪ ,‬بعد هذا التوجه إليه‪ ,‬إل أهل الظلم والعناد منهم‪ ,‬فسيظلّون على جدالم‪,‬‬
‫فل تافوهم وخافون بامتثال أمري‪ ,‬واجتناب نيي; ولكي أت نعمت عليكم باختيار أكمل الشرائع لكم‪,‬‬
‫ولعلكم تتدون إل الق والصواب‪.‬‬

‫حكْ َم َة َويُعَلّ ُمكُ ْم مَا لَمْ‬


‫ب وَالْ ِ‬
‫كَمَا أَرْسَ ْلنَا فِيكُمْ رَسُولً مِْنكُمْ َيتْلُو عََلْيكُ ْم آيَاِتنَا َويُزَكّيكُ ْم َوُيعَلّ ُمكُ ْم اْل ِكتَا َ‬
‫تَكُونُوا َتعْلَمُونَ (‪)151‬‬

‫‪38‬‬
‫كما أنعمنا عليكم باستقبال الكعبة أرسلنا فيكم رسول منكم يتلو عليكم اليات البينة للحق من الباطل‪,‬‬
‫ويطهركم من دنس الشرك وسوء الخلق‪ ,‬ويعلمكم الكتاب والسنة وأحكام الشريعة‪ ,‬ويعلمكم من‬
‫أخبار النبياء‪ ,‬وقصص المم السابقة ما كنتم تهلونه‪.‬‬

‫فَاذْ ُكرُونِي أَذْكُرْ ُك ْم وَا ْشكُرُوا لِي وَل َتكْفُرُونِ (‪)152‬‬

‫أمر تعال الؤمني بذكره‪ ،‬ووعد عليه أفضل الزاء‪ ،‬وهو الثناء ف الل العلى على مَنْ ذكره‪ ,‬وخصون‬
‫‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬بالشكر قول وعمل ول تحدوا نعمي عليكم‪.‬‬

‫صبْ ِر وَالصّلةِ ِإنّ اللّ َه مَ َع الصّابِرِينَ (‪)153‬‬


‫يَا َأيّهَا الّذِينَ آ َمنُوا اسَْتعِينُوا بِال ّ‬

‫يا أيها الؤمنون اطلبوا العون من ال ف كل أموركم‪ :‬بالصب على النوائب والصائب‪ ,‬وترك العاصي‬
‫والذنوب‪ ,‬والصب على الطاعات والقربات‪ ,‬والصلة الت تطمئن با النفس‪ ,‬وتنهى عن الفحشاء‬
‫والنكر‪ .‬إن ال مع الصابرين بعونه وتوفيقه وتسديده‪ .‬وف الية‪ :‬إثبات معيّة ال الاصة بالؤمني‪,‬‬
‫القتضية لا سلف ذكره; أما العية العامة‪ ,‬القتضية للعلم والحاطة فهي لميع اللق‪.‬‬

‫شعُرُونَ (‪)154‬‬
‫وَل تَقُولُوا لِ َم ْن ُيقْتَلُ فِي َسبِيلِ اللّهِ َأ ْموَاتٌ بَلْ أَ ْحيَا ٌء وََلكِ ْن ل تَ ْ‬

‫ول تقولوا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬فيمن يُقتلون ماهدين ف سبيل ال‪ :‬هم أموات‪ ,‬بل هم أحياء حياة خاصة‬
‫بم ف قبورهم‪ ,‬ل يعلم كيفيتها إل ال ‪ -‬تعال‪ ,-‬ولكنكم ل تُحسّون با‪ .‬وف هذا دليل على نعيم‬
‫القب‪.‬‬

‫ت َوبَشّ ْر الصّابِرِينَ (‪)155‬‬


‫ص مِ ْن ا َلمْوَا ِل وَالَن ُفسِ وَالثّمَرَا ِ‬
‫ع َوَنقْ ٍ‬
‫ف وَالْجُو ِ‬
‫خوْ ِ‬
‫شيْءٍ مِ ْن الْ َ‬
‫وََلنَبُْل َوّنكُ ْم بِ َ‬

‫ولنختبنكم بشيء يسي من الوف‪ ،‬ومن الوع‪ ,‬وبنقص من الموال بتعسر الصول عليها‪ ,‬أو ذهابا‪,‬‬
‫ومن النفس‪ :‬بالوت أو الشهادة ف سبيل ال‪ ,‬وبنقص من ثرات النخيل والعناب والبوب‪ ,‬بقلّة‬

‫‪39‬‬
‫ناتها أو فسادها‪ .‬وبشّر ‪-‬أيها النب‪ -‬الصابرين على هذا وأمثاله با يفرحهم ويَسُرّهم من حسن العاقبة‬
‫ف الدنيا والخرة‪.‬‬

‫الّذِينَ إِذَا أَصَابَْتهُ ْم ُمصِيَبةٌ قَالُوا ِإنّا لِلّ ِه َوِإنّا إَِليْهِ رَا ِجعُونَ (‪)156‬‬

‫من صفة هؤلء الصابرين أنم إذا أصابم شيء يكرهونه قالوا‪ :‬إنّا عبيد ملوكون ل‪ ,‬مدبّرون بأمره‬
‫وتصريفه‪ ,‬يفعل بنا ما يشاء‪ ,‬وإنا إليه راجعون بالوت‪ ,‬ث بالبعث للحساب والزاء‪.‬‬

‫ك هُ ْم الْ ُم ْهتَدُونَ (‪)157‬‬


‫ت مِنْ َرّبهِ ْم وَ َرحْ َم ٌة َوُأوْلَئِ َ‬
‫ك عََلْيهِمْ صََلوَا ٌ‬
‫ُأوْلَئِ َ‬

‫أولئك الصابرون لم ثناء من ربم ورحة عظيمة منه سبحانه‪ ,‬وأولئك هم الهتدون إل الرشاد‪.‬‬

‫ف ِبهِمَا َومَ ْن تَ َطوّ عَ‬


‫ح عََليْ هِ أَ ْن يَ ّطوّ َ‬
‫صفَا وَالْمَ ْر َو َة مِ ْن َشعَائِرِ اللّ هِ فَمَ نْ حَجّ اْلَبيْ تَ َأوْ ا ْعتَمَرَ فَل ُجنَا َ‬
‫ِإنّ ال ّ‬
‫َخيْرا فَِإنّ اللّ َه شَاكِ ٌر عَلِيمٌ (‪)158‬‬

‫إن الصفا والروة‪ -‬وها جبلن صغيان قرب الكعبة من جهة الشرق‪ -‬من معال دين ال الظاهرة الت‬
‫تعبّد ال عباده بالسعي بينهما‪ .‬فمَن قصد الكعبة حاجّا أو معتمرًا‪ ,‬فل إث عليه ول حرج ف أن يسعى‬
‫بينهما‪ ,‬بل يب عليه ذلك‪ ,‬ومن فعل الطاعات طواعية من نفسه ملصًا با ل تعال‪ ,‬فإن ال تعال‬
‫شاكر يثيب على القليل بالكثي‪ ,‬عليم بأعمال عباده فل بضيعها‪ ,‬ول يبخس أحدًا مثقال ذرة‪.‬‬

‫ت وَاْلهُدَى مِ ْن َبعْدِ مَا َبّينّا هُ لِلنّا سِ فِي اْلكِتَا بِ ُأوَْلئِ كَ يَ ْل َعُنهُ مْ اللّ هُ‬
‫ِإنّ الّذِي َن َيكْتُمُو َن مَا أَنزَْلنَا مِ ْن اْلَبيّنَا ِ‬
‫لعِنُونَ (‪)159‬‬ ‫َويَ ْل َعنُهُ ْم ال ّ‬

‫إن الذين يُخْفون ما أنزلنا من اليات الواضحات الدالة على نبوة ممد صلى ال عليه وسلم وما جاء به‪,‬‬
‫وهم أحبار اليهود وعلماء النصارى وغيهم من يكتم ما أنزل ال من بعد ما أظهرناه للناس ف التوراة‬
‫والنيل‪ ,‬أولئك يطردهم ال من رحته‪ ,‬ويدعو عليهم باللعنة جيع الليقة‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫ب عََلْيهِ ْم َوَأنَا الّتوّابُ الرّحِيمُ (‪)160‬‬
‫إِلّ الّذِي َن تَابُوا َوأَصَْلحُوا َوَبّينُوا َفُأوَْلئِكَ َأتُو ُ‬

‫إل الذين رجعوا مستغفرين ال من خطاياهم‪ ,‬وأصلحوا ما أفسدوه‪ ,‬وبَيّنوا ما كتموه‪ ,‬فأولئك أقبل‬
‫توبتهم وأجازيهم بالغفرة‪ ,‬وأنا التواب على من تاب من عبادي‪ ,‬الرحيم بم; إذ وفقتُهم للتوبة وقبلتها‬
‫منهم‪.‬‬

‫ِإنّ الّذِينَ َكفَرُوا َومَاتُوا َوهُمْ ُكفّارٌ ُأوَْلئِكَ عََلْيهِمْ َل ْعَنةُ اللّ ِه وَالْمَلِئ َكةِ وَالنّاسِ أَجْ َمعِيَ (‪)161‬‬

‫إن الذين جحدوا اليان وكتموا الق‪ ,‬واستمروا على ذلك حت ماتوا‪ ,‬أولئك عليهم لعنة ال واللئكة‬
‫والناس أجعي بالطرد من رحته‪.‬‬

‫ب وَل هُ ْم يُنظَرُونَ (‪)162‬‬


‫ف َعْنهُ ْم الْعَذَا ُ‬
‫خفّ ُ‬
‫خَالِدِينَ فِيهَا ل يُ َ‬

‫دائمي ف اللعنة والنار‪ ,‬ل يفف عنهم العذاب‪ ,‬ول هم يهلون بعذرة يعتذرون با‪.‬‬

‫َوإَِلهُكُمْ إِلَ ٌه وَاحِدٌ ل إِلَهَ إِلّ ُهوَ الرّ ْحمَنُ الرّحِيمُ (‪)163‬‬

‫وإلكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬إله واحد متفرد ف ذاته وأسائه وصفاته وأفعاله وعبودية خلقه له‪ ,‬ل معبود بق إل‬
‫هو‪ ,‬الرحن التصف بالرحة ف ذاته وأفعاله لميع اللق‪ ,‬الرحيم بالؤمني‪.‬‬

‫ك الّتِي تَجْرِي فِي اْلبَحْ ِر بِمَا يَنفَ ُع النّا سَ‬


‫ِإنّ فِي َخلْ ِق ال سّ َموَاتِ وَالَرْ ضِ وَا ْختِل فِ الّليْ ِل وَالّنهَا ِر وَاْلفُلْ ِ‬
‫ض َبعْ َد َموِْتهَا َوبَثّ فِيهَا مِ نْ كُلّ دَاّب ٍة َوتَ صْرِيفِ ال ّريَا حِ‬‫َومَا أَن َزلَ اللّ ُه مِ ْن ال سّمَا ِء مِ ْن مَاءٍ َفأَ ْحيَا بِ هِ الَرْ َ‬
‫ض ليَاتٍ ِل َق ْو ٍم َيعْقِلُونَ (‪)164‬‬ ‫ب الْمُسَخّ ِر بَيْنَ السّمَا ِء وَالَ ْر ِ‬ ‫وَالسّحَا ِ‬

‫إن ف خلق السموات بارتفاعها واتساعها‪ ,‬والرض ببالا وسهولا وبارها‪ ,‬وف اختلف الليل والنهار‬
‫من الطول والقصر‪ ,‬والظلمة والنور‪ ,‬وتعاقبهما بأن يلف كل منهما الخر‪ ,‬وف السفن الارية ف‬
‫البحار‪ ,‬الت تمل ما ينفع الناس‪ ,‬وما أنزل ال من السماء من ماء الطر‪ ,‬فأحيا به الرض‪ ,‬فصارت‬
‫مضرّة ذات بجة بعد أن كانت يابسة ل نبات فيها‪ ,‬وما نشره ال فيها من كل ما دبّ على وجه‬

‫‪41‬‬
‫الرض‪ ,‬وما أنعم به عليكم من تقليب الرياح وتوجيهها‪ ,‬والسحاب السيّر بي السماء والرض ‪-‬إن ف‬
‫كل الدلئل السابقة لياتٍ على وحدانية ال‪ ,‬وجليل نعمه‪ ,‬لقوم يعقلون مواضع الجج‪ ,‬ويفهمون أدلته‬
‫سبحانه على وحدانيته‪ ,‬واستحقاقه وحده للعبادة‪.‬‬

‫حبّ اللّ ِه وَالّذِينَ آ َمنُوا َأشَدّ ُحبّا ِللّ ِه وََلوْ َيرَى الّذِينَ‬
‫حبّوَنهُمْ كَ ُ‬
‫س مَ ْن َيتّخِ ُذ مِنْ دُونِ اللّهِ أَندَادا يُ ِ‬
‫َومِ ْن النّا ِ‬
‫ظَلَمُوا ِإ ْذ يَ َر ْونَ اْلعَذَابَ أَ ّن اْل ُقوّةَ لِلّهِ َجمِيعا َوَأنّ اللّ َه َشدِي ُد الْعَذَابِ (‪)165‬‬

‫ومع هذه الباهي القاطعة يتخذ فريق من الناس من دون ال أصنامًا وأوثانًا وأولياء يعلونم نظراء ل‬
‫تعال‪ ,‬ويعطونم من الحبة والتعظيم والطاعة‪ ,‬ما ل يليق إل بال وحده‪ .‬والؤمنون أعظم حبا ل من‬
‫حب هؤلء الكفار ل وللتهم; لن الؤمني أخلصوا الحبة كلها ل‪ ,‬وأولئك أشركوا ف الحبة‪ .‬ولو‬
‫يعلم الذين ظلموا أنفسهم بالشرك ف الياة الدنيا‪ ,‬حي يشاهدون عذاب الخرة‪ ,‬أن ال هو التفرد‬
‫بالقوة جيعًا‪ ,‬وأن ال شديد العذاب‪ ,‬لا اتذوا من دون ال آلة يعبدونم من دونه‪ ,‬ويتقربون بم إليه‪.‬‬

‫إِ ْذ َتبَ ّرَأ الّذِينَ اّتِبعُوا مِ ْن الّذِينَ اّتَبعُوا وَ َرَأوْا اْلعَذَابَ َوَتقَ ّط َعتْ ِبهِ ْم ا َل ْسبَابُ (‪)166‬‬

‫عند معاينتهم عذاب الخرة يتبأ الرؤساء التبوعون من اتبعهم على الشرك‪ ,‬وتنقطع بينهم كل الصلت‬
‫الت ارتبطوا با ف الدنيا‪ :‬من القرابة‪ ,‬والتّباع‪ ,‬والدين‪ ,‬وغي ذلك‪.‬‬

‫ت عََلْيهِ مْ‬
‫ك ُيرِيهِ مْ اللّ هُ َأعْمَاَلهُ مْ حَ سَرَا ٍ‬
‫وَقَا َل الّذِي َن اتَّبعُوا َلوْ َأنّ َلنَا كَ ّرةً َفَنتَبَ ّرَأ ِمْنهُ مْ كَمَا َتبَرّءُوا ِمنّا كَذَلِ َ‬
‫ي مِ ْن النّارِ (‪)167‬‬ ‫َومَا هُ ْم ِبخَارِ ِج َ‬

‫وقال التابعون‪ :‬يا ليت لنا عودة إل الدنيا‪ ,‬فنعلن براءتنا من هؤلء الرؤساء‪ ,‬كما أعلنوا براءتم ِمنّا‪.‬‬
‫وكما أراهم ال شدة عذابه يوم القيامة يريهم أعمالم الباطلة ندامات عليهم‪ ,‬وليسوا بارجي من النار‬
‫أبدًا‪.‬‬

‫شيْطَا نِ ِإنّ هُ َلكُ ْم عَ ُد ّو ُمبِيٌ (‪)168‬‬


‫يَا َأّيهَا النّا سُ كُلُوا مِمّا فِي الَرْ ضِ حَللً طَيّبا وَل َتّتبِعُوا خُ ُطوَا تِ ال ّ‬
‫ِإنّمَا يَ ْأمُرُكُ ْم بِالسّو ِء وَاْلفَحْشَا ِء َوأَ ْن َتقُولُوا عَلَى اللّ ِه مَا ل َتعْلَمُونَ (‪)169‬‬

‫‪42‬‬
‫يا أيها الناس كلوا من رزق ال الذي أباحه لكم ف الرض‪ ,‬وهو الطاهر غي النجس‪ ,‬النافع غي الضار‪,‬‬
‫ول تتبعوا طرق الشيطان ف التحليل والتحري‪ ,‬والبدع والعاصي‪ .‬إنه عدو لكم ظاهر العداوة إنا يأمركم‬
‫الشيطان بكل ذنب قبيح يسوءُكم‪ ,‬وبكل معصية بالغة القبح‪ ,‬وبأن تفتروا على ال الكذب من تري‬
‫اللل وغيه بدون علم‪.‬‬

‫َوإِذَا قِيلَ َلهُ مْ اّتِبعُوا مَا أَنزَلَ اللّ هُ قَالُوا بَلْ نَّتبِ ُع مَا أَْلفَْينَا عََليْ هِ آبَاءَنَا َأوََلوْ كَا َن آبَا ُؤهُ مْ ل َي ْعقِلُو نَ َشيْئا وَل‬
‫َيهْتَدُونَ (‪)170‬‬

‫وإذا قال الؤمنون ناصحي أهل الضلل‪ :‬اتبعوا ما أنزل ال من القرآن والدى‪ ,‬أصرّوا على تقليد‬
‫أسلفهم الشركي قائلي‪ :‬ل نتبع دينكم‪ ,‬بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا‪ .‬أيتبعون آباءهم ولو كانوا ل‬
‫يعقلون عن ال شيئًا‪ ,‬ول يدركون رشدًا؟‬

‫َو َمثَلُ الّذِي نَ َكفَرُوا كَ َمثَ ِل الّذِي َيْنعِ قُ بِمَا ل يَ سْ َمعُ إِلّ ُدعَا ًء َونِدَاءً صُ ّم ُبكْ مٌ عُمْ يٌ َفهُ ْم ل َي ْعقِلُو نَ (‬
‫‪)171‬‬
‫وصفة الذين كفروا وداعيهم إل الدى واليان كصفة الراعي الذي يصيح بالبهائم ويزجرها‪ ,‬وهي ل‬
‫تفهم معان كلمه‪ ,‬وإنا تسمع النداء و َدوِيّ الصوت فقط‪ .‬هؤلء الكفار صُمّ سدّوا أساعهم عن الق‪,‬‬
‫بُكْم أخرسوا ألسنتهم عن النطق به‪ ,‬عُمْي ل ترى أعينهم براهينه الباهرة‪ ,‬فهم ل يعملون عقولم فيما‬
‫ينفعهم‬

‫يَا َأيّهَا الّذِينَ آ َمنُوا كُلُوا مِنْ طَّيبَاتِ مَا رَزَ ْقنَاكُ ْم وَاشْكُرُوا لِلّهِ ِإنْ كُنتُمْ ِإيّاهُ َت ْعبُدُونَ (‪)172‬‬

‫يا أيها الؤمنون كلوا من الطعمة الستلَذّة اللل الت رزقناكم‪ ,‬ول تكونوا كالكفار الذين يرمون‬
‫الطيبات‪ ,‬ويستحِلّون البائث‪ ,‬واشكروا ل نعمه العظيمة عليكم بقلوبكم وألسنتكم وجوارحكم‪ ,‬إن‬
‫كنتم حقًا منقادين لمره‪ ,‬سامعي مطيعي له‪ ,‬تعبدونه وحده ل شريك له‪.‬‬

‫ِإنّمَا حَرّ مَ عََلْيكُ مْ الْ َميَْت َة وَالدّ َم وَلَحْ َم الْخِنِي ِر َومَا ُأهِ ّل بِ هِ ِل َغيْرِ اللّ هِ فَمَ ْن اضْطُ ّر َغيْ َر بَا غٍ وَل عَادٍ فَل ِإثْ مَ‬
‫‪43‬‬
‫عََليْهِ ِإنّ اللّ َه َغفُورٌ رَحِيمٌ (‪)173‬‬

‫إنا حرم ال عليكم ما يضركم كاليتة الت ل تذبح بطريقة شرعية‪ ,‬والدم السفوح‪ ,‬ولم النير‪,‬‬
‫والذبائح الت ذبت لغي ال‪ .‬ومِنْ َفضْلِ ال عليكم وتيسيه أنه أباح لكم أكل هذه الحرمات عند‬
‫الضرورة‪ .‬فمن ألأته الضرورة إل أكل شيء منها‪ ,‬غي ظال ف أكله فوق حاجته‪ ,‬ول متجاوز حدود‬
‫ال فيما أُبيح له‪ ,‬فل ذنب عليه ف ذلك‪ .‬إن ال غفور لعباده‪ ,‬رحيم بم‪.‬‬

‫شتَرُو َن بِ ِه ثَمَنا قَلِيلً ُأوْلَئِكَ مَا َيأْكُلُونَ فِي بُطُوِنهِمْ إِلّ النّارَ‬
‫إِنّ الّذِي َن َيكْتُمُو َن مَا أَن َزلَ اللّ ُه مِ ْن الْ ِكتَابِ َويَ ْ‬
‫وَل ُيكَلّ ُم ُهمْ اللّ ُه َيوْ َم اْلقِيَا َم ِة وَل يُزَكّيهِمْ وََلهُ ْم عَذَابٌ أَلِيمٌ (‪)174‬‬

‫إن الذين يُخْفون ما أنزل ال ف كتبه من صفة ممد صلى ال عليه وسلم وغي ذلك من الق‪ ,‬ويرصون‬
‫على أخذ عوض قليل من عرض الياة الدنيا مقابل هذا الخفاء‪ ,‬هؤلء ما يأكلون ف مقابلة كتمان الق‬
‫إل نار جهنم تتأجج ف بطونم‪ ,‬ول يكلمهم ال يوم القيامة لغضبه وسخطه عليهم‪ ,‬ول يطهرهم من‬
‫دنس ذنوبم وكفرهم‪ ,‬ولم عذاب موجع‪.‬‬

‫صبَ َرهُ ْم عَلَى النّارِ (‪)175‬‬


‫ب بِالْ َم ْغفِ َرةِ َفمَا أَ ْ‬
‫ك الّذِي َن اشْتَ َروْا الضّلَل َة بِاْلهُدَى وَالْعَذَا َ‬
‫ُأوْلَئِ َ‬

‫أولئك التصفون بذه الصفات استبدلوا الضللة بالدى وعذاب ال بغفرته‪ ,‬فما أشد جراءتم على النار‬
‫بعملهم أعمال أهل النار!! يعجب ال من إقدامهم على ذلك‪ ,‬فاعجبوا ‪-‬أيها الناس‪ -‬من جراءتم‪ ,‬ومن‬
‫صبهم على النار ومكثهم فيها‪ .‬وهذا على وجه الستهانة بم‪ ,‬والستخفاف بأمرهم‪.‬‬

‫ق َبعِيدٍ (‪)176‬‬
‫ك ِبَأنّ اللّ َه نَزّ َل الْ ِكتَابَ بِالْحَ ّق َوِإنّ الّذِينَ ا ْختََلفُوا فِي اْلكِتَابِ َلفِي ِشقَا ٍ‬
‫ذَلِ َ‬

‫ذلك العذاب الذي استحقوه بسبب أن ال تعال نزّل كتبه على رسله مشتملة على الق البي‪ ,‬فكفروا‬
‫به‪ .‬وإن الذين اختلفوا ف الكتاب فأمنوا ببعضه وكفروا ببعضه‪ ,‬لفي منازعة ومفارقة بعيدة عن الرشد‬
‫والصواب‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫ب وََلكِنّ الْبِرّ مَ نْ آمَ َن بِاللّ ِه وَالَْيوْ مِ ال ِخ ِر وَالْمَلِئ َكةِ‬
‫ق وَالْ َمغْرِ ِ‬
‫َليْ سَ اْلبِرّ أَ نْ ُتوَلّوا ُوجُو َهكُ مْ ِقبَ َل الْمَشْرِ ِ‬
‫ي وَفِي‬ ‫ي وَابْ َن ال سّبِي ِل وَال سّائِِل َ‬ ‫وَالْ ِكتَا بِ وَالّنبِيّيَ وَآتَى الْمَا َل عَلَى ُحبّ هِ َذوِي اْلقُ ْربَى وَالَْيتَامَى وَالْمَ سَاكِ َ‬
‫ب َوأَقَا مَ ال صّلةَ وَآتَى الزّكَا َة وَالْمُوفُو َن ِب َعهْ ِدهِ مْ إِذَا عَاهَدُوا وَال صّابِرِينَ فِي اْلبَأْ سَاءِ وَالضّرّاءِ َوحِيَ‬ ‫الرّقَا ِ‬
‫ك هُ ْم الْ ُمتّقُونَ (‪)177‬‬ ‫ك الّذِينَ صَدَقُوا َوأُوَْلئِ َ‬ ‫الَْبأْسِ ُأوْلَئِ َ‬

‫ليس الي عند ال‪ -‬تعال‪ -‬ف التوجه ف الصلة إل جهة الشرق والغرب إن ل يكن عن أمر ال‬
‫وشرعه‪ ,‬وإنا الي كل الي هو إيان من آمن بال وصدّق به معبودًا وحدَه ل شريك له‪ ,‬وآمن بيوم‬
‫البعث والزاء‪ ,‬وباللئكة جيعًا‪ ,‬وبالكتب النلة كافة‪ ,‬وبميع النبيي من غي تفريق‪ ,‬وأعطى الال‬
‫تط ّوعًا ‪-‬مع شدة حبه‪ -‬ذوي القرب‪ ,‬واليتامى الحتاجي الذين مات آباؤهم وهم دون سن البلوغ‪,‬‬
‫والساكي الذين أرهقهم الفقر‪ ,‬والسافرين الحتاجي الذين َبعُدوا عن أهلهم ومالم‪ ,‬والسائلي الذين‬
‫اضطروا إل السؤال لشدة حاجتهم‪ ,‬وأنفق ف ترير الرقيق والسرى‪ ,‬وأقام الصلة‪ ,‬وأدى الزكاة‬
‫الفروضة‪ ,‬والذين يوفون بالعهود‪ ,‬ومن صب ف حال فقره ومرضه‪ ,‬وف شدة القتال‪ .‬أولئك التصفون‬
‫بذه الصفات هم الذين صدقوا ف إيانم‪ ,‬وأولئك هم الذين اتقَوا عقاب ال فتجنبوا معاصيه‪.‬‬

‫ح ّر وَالْ َعبْ ُد بِاْلعَبْ ِد وَالُنثَى بِالُنثَى َفمَ ْن ُعفِ َي‬


‫ح ّر بِالْ ُ‬
‫ب عََلْيكُ ْم اْلقِصَاصُ فِي اْل َقتْلَى الْ ُ‬ ‫يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا ُكتِ َ‬
‫خفِيفٌ مِ نْ َرّبكُمْ َورَحْ َمةٌ َفمَ ْن ا ْعتَدَى َبعْدَ‬ ‫ك تَ ْ‬‫ف َوأَدَاءٌ إَِليْ ِه بِإِحْ سَانٍ ذَلِ َ‬
‫لَ ُه مِ نْ أَخِي ِه َشيْءٌ فَاتّبَاعٌ بِالْ َم ْعرُو ِ‬
‫ذَلِكَ َفلَ ُه عَذَابٌ أَلِيمٌ (‪)178‬‬

‫يا أيها الذين صدقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه فرض ال عليكم أن تقتصوا من القاتل عمدا بقتله‪,‬‬
‫بشرط الساواة والماثلة‪ :‬يُقتل الر بثله‪ ,‬والعبد بثله‪ ,‬والنثى بثلها‪ .‬فمن سامه ول القتول بالعفو عن‬
‫القتصاص منه والكتفاء بأخذ الدية ‪-‬وهي قدر مال مدد يدفعه الان مقابل العفو عنه‪ -‬فليلتزم‬
‫الطرفان بسن اللق‪ ,‬فيطالب الول بالدية من غي عنف‪ ,‬ويدفع القاتل إليه حقه بإحسان‪ ,‬مِن غي تأخي‬
‫ول نقص‪ .‬ذلك العفو مع أخذ الدية تفيف من ربكم ورحة بكم; لا فيه من التسهيل والنتفاع‪ .‬فمَن‬
‫قتل القاتل بعد العفو عنه وأَخْذِ الدية فله عذاب أليم بقتله قصاصًا ف الدنيا‪ ,‬أو بالنار ف الخرة‪.‬‬

‫وََلكُمْ فِي اْل ِقصَاصِ َحيَاٌة يَا ُأوْلِي الَْلبَابِ َلعَّلكُ ْم َتتّقُونَ (‪)179‬‬

‫‪45‬‬
‫ولكم ف تشريع القصاص وتنفيذه حياة آمنة ‪-‬يا أصحاب العقول السليمة‪ ;-‬رجاء تقوى ال وخشيته‬
‫بطاعته دائمًا‪.‬‬

‫ُكتِ بَ عََلْيكُ مْ إِذَا َحضَرَ أَ َحدَكُ ْم الْ َموْ تُ إِ نْ َترَ كَ َخيْرا اْلوَ صِّيةُ لِ ْلوَالِ َديْ ِن وَالَقْ َربِيَ بِالْ َمعْرُو فِ َحقّا عَلَى‬
‫الْ ُمتّقِيَ (‪)180‬‬

‫فرض ال عليكم إذا حضر أحدكم علمات الوت ومقدماته ‪-‬إن ترك مال‪ -‬الوصية بزء من ماله‬
‫للوالدين والقربي مع مراعاة العدل; فل يدع الفقي ويوصي للغن‪ ,‬ول يتجاوز الثلث‪ ,‬وذلك حق ثابت‬
‫يعمل به أهل التقوى الذين يافون ال‪ .‬وكان هذا قبل نزول آيات الواريث الت حدّد ال فيها نصيب‬
‫كل وارث‪.‬‬

‫فَمَ ْن بَدّلَ ُه َبعْ َدمَا سَ ِمعَهُ فَِإنّمَا ِإثْمُ ُه عَلَى الّذِي َن يُبَدّلُونَهُ ِإنّ اللّ َه سَمِي ٌع عَلِيمٌ (‪)181‬‬

‫فمَن َغيّر وصية اليت بعدما سعها منه قبل موته‪ ,‬فإنا الذنب على مَن غيّر وبدّل‪ .‬إن ال سيع لوصيتكم‬
‫وأقوالكم‪ ,‬عليم با تفيه صدوركم من اليل إل الق والعدل أو الور واليف‪ ,‬وسيجازيكم على ذلك‪.‬‬

‫ف مِ ْن مُوصٍ َجنَفا َأوْ ِإثْما َفأَصْلَ َح َبْيَنهُمْ فَل ِإثْ َم عََليْهِ ِإنّ اللّ َه َغفُورٌ رَحِيمٌ (‪)182‬‬
‫فَمَنْ خَا َ‬

‫فمَن علم مِن موصٍ ميل عن الق ف وصيته على سبيل الطأ أو العمد‪ ,‬فنصح الوصيَ وقت الوصية با‬
‫هو العدل‪ ،‬فإن ل يصل له ذلك فأصلح بي الطراف بتغيي الوصية; لتوافق الشريعة‪ ,‬فل ذنب عليه ف‬
‫هذا الصلح‪ .‬إن ال غفور لعباده‪ ,‬رحيم بم‪.‬‬

‫ب عَلَى الّذِي َن مِنْ َقبِْلكُمْ َل َعّلكُمْ تَّتقُونَ (‪)183‬‬


‫صيَامُ كَمَا ُكتِ َ‬
‫ب عََلْيكُمْ ال ّ‬
‫يَا َأيّهَا الّذِينَ آ َمنُوا ُكتِ َ‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬فرض ال عليكم الصيام كما فرضه على المم قبلكم;‬
‫لعلكم تتقون ربكم‪ ,‬فتجعلون بينكم وبي العاصي وقاية بطاعته وعبادته وحده‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫َأيّاما َمعْدُودَاتٍ فَ َمنْ كَانَ ِمْنكُمْ مَرِيضا َأ ْو عَلَى َسفَرٍ َفعِ ّدةٌ مِ نْ َأيّامٍ أُخَ َر َوعَلَى الّذِي َن يُطِيقُونَهُ فِ ْدَي ٌة طَعَامُ‬
‫سكِيٍ فَمَ ْن تَ َط ّوعَ َخيْرا َف ُهوَ َخْيرٌ لَ ُه َوأَ ْن َتصُومُوا َخيْرٌ َلكُمْ إِنْ كُنتُ ْم َتعْلَمُونَ (‪)184‬‬‫مِ ْ‬

‫فرض ال عليكم صيام أيام معلومة العدد وهي أيام شهر رمضان‪ .‬فمن كان منكم مريضًا يشق عليه‬
‫الصوم‪ ,‬أو مسافرًا فله أن يفطر‪ ,‬وعليه صيام عدد من أيام ُأخَر بقدر الت أفطر فيها‪ .‬وعلى الذين‬
‫يتكلفون الصيام ويش ّق عليهم مشقة غي متملة كالشيخ الكبي‪ ,‬والريض الذي ل ُيرْجَى شفاؤه‪ ,‬فدية‬
‫عن كل يوم يفطره‪ ,‬وهي طعام مسكي‪ ,‬فمن زاد ف قدر الفدية تبعًا منه فهو خي له‪ ,‬وصيامكم خي‬
‫لكم ‪-‬مع تمّل الشقة‪ -‬من إعطاء الفدية‪ ,‬إن كنتم تعلمون الفضل العظيم للصوم عند ال تعال‪.‬‬

‫س َوبَّينَا تٍ مِ ْن اْلهُدَى وَالْفُرْقَا نِ َفمَ ْن َشهِ َد ِمنْكُ مْ الشّهْ َر‬ ‫َشهْرُ َر َمضَا َن الّذِي أُنزِلَ فِي هِ اْلقُرْآ ُن هُدًى لِلنّا ِ‬
‫فَ ْليَ صُمْ ُه َومَ نْ كَا نَ َمرِيضا َأ ْو عَلَى َسفَرٍ َفعِ ّدٌة مِ نْ َأيّا مٍ أُخَ َر يُرِيدُ اللّ ُه ِبكُ ْم اْليُ سْ َر وَل يُرِي ُد ِبكُ مْ الْعُ سْرَ‬
‫شكُرُونَ (‪)185‬‬ ‫وَِلتُكْمِلُوا اْلعِ ّدةَ وَِلُتكَبّرُوا اللّ َه عَلَى مَا هَدَاكُ ْم وََلعَّلكُ ْم تَ ْ‬

‫شهر رمضان الذي ابتدأ ال فيه إنزال القرآن ف ليلة القدر; هداية للناس إل الق‪ ,‬فيه أوضح الدلئل‬
‫على هدى ال‪ ,‬وعلى الفارق بي الق والباطل‪ .‬فمن حضر منكم الشهر وكان صحيحًا مقيمًا فليصم‬
‫ناره‪ .‬ويُرخّص للمريض والسافر ف الفطر‪ ,‬ث يقضيان عدد تلك اليام‪ .‬يريد ال تعال بكم اليسر‬
‫والسهولة ف شرائعه‪ ,‬ول يريد بكم العسر والشقة‪ ,‬ولتكملوا عدة الصيام شهرًا‪ ,‬ولتختموا الصيام بتكبي‬
‫ال ف عيد الفطر‪ ,‬ولتعظموه على هدايته لكم‪ ,‬ولكي تشكروا له على ما أنعم به عليكم من الداية‬
‫والتوفيق والتيسي‪.‬‬

‫ك ِعبَادِي َعنّي فَِإنّي َقرِي بٌ أُجِي بُ َد ْعوَةَ الدّاعِي إِذَا َدعَانِي َف ْليَ سْتَجِيبُوا لِي وَْلُيؤْ ِمنُوا بِي َلعَّل ُه مْ‬
‫َوإِذَا سَأَلَ َ‬
‫يَ ْرشُدُونَ (‪)186‬‬

‫وإذا سألك ‪-‬أيها النب‪ -‬عبادي عن فقل لم‪ :‬إن قريب منهم‪ ,‬أُجيب دعوة الداعي إذا دعان‪ ,‬فليطيعون‬
‫فيما أمرتم به ونيتهم عنه‪ ,‬وليؤمنوا ب‪ ,‬لعلهم يهتدون إل مصال دينهم ودنياهم‪ .‬وف هذه الية إخبار‬
‫منه سبحانه عن قربه من عباده‪ ,‬القرب اللئق بلله‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫ختَانُو َن‬ ‫أُحِلّ َلكُ مْ َليَْل َة ال صّيَامِ الرّفَ ثُ إِلَى نِ سَائِكُ ْم هُنّ ِلبَا سٌ َلكُ ْم َوَأْنتُ مْ ِلبَا سٌ َلهُنّ عَلِ مَ اللّ هُ َأّنكُ مْ كُنتُ مْ َت ْ‬
‫ب عََليْكُ ْم َو َعفَا عَْنكُ مْ فَال نَ بَاشِرُوهُنّ وَابَْتغُوا مَا َكتَ بَ اللّ هُ َلكُ ْم وَكُلُوا وَاشْ َربُوا َحتّى َيَتبَيّ نَ‬ ‫سكُمْ َفتَا َ‬ ‫أَنفُ َ‬
‫صيَامَ إِلَى الّليْ ِل وَل ُتبَاشِرُوهُنّ َوَأْنتُ ْم عَاكِفُونَ‬ ‫ج ِر ثُمّ َأتِمّوا ال ّ‬ ‫ط ا َلسْوَ ِد مِنْ الْفَ ْ‬
‫خيْ ِ‬
‫ض مِ ْن الْ َ‬‫خيْطُ ا َلْبيَ ُ‬ ‫َلكُ ْم الْ َ‬
‫ك ُيَبيّنُ اللّ ُه آيَاتِهِ لِلنّاسِ َلعَّل ُه ْم َيتّقُونَ (‪)187‬‬ ‫فِي الْمَسَاجِ ِد تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَل َتقْ َربُوهَا كَذَلِ َ‬

‫أباح ال لكم ف ليال شهر رمضان جاعَ نسائكم‪ ,‬هنّ ستر وحفظ لكم‪ ,‬وأنتم ستر وحفظ لن‪ .‬علم‬
‫ال أنكم كنتم تونون أنفسكم; بخالفة ما حرّمه ال عليكم من مامعة النساء بعد العشاء ف ليال‬
‫الصيام ‪-‬وكان ذلك ف أول السلم‪ ,-‬فتاب ال عليكم ووسّع لكم ف المر‪ ,‬فالن جامعوهن‪ ,‬واطلبوا‬
‫ما قدّره ال لكم من الولد‪ ,‬وكلوا واشربوا حت يتبَيّن ضياء الصباح من سواد الليل‪ ،‬بظهور الفجر‬
‫الصادق‪ ,‬ث أتوا الصيام بالمساك عن الفطرات إل دخول الليل بغروب الشمس‪ .‬ول تامعوا نساءكم‬
‫أو تتعاطوا ما يفضي إل جاعهن إذا كنتم معتكفي ف الساجد; لن هذا يفسد العتكاف (وهو القامة‬
‫ف السجد مدة معلومة بنيّة التقرب إل ال تعال)‪ .‬تلك الحكام الت شرعها ال لكم هي حدوده‬
‫الفاصلة بي اللل والرام‪ ,‬فل تقربوها حت ل تقعوا ف الرام‪ .‬بثل هذا البيان الواضح يبي ال آياته‬
‫شوْه‪.‬‬
‫وأحكامه للناس; كي يتقوه وي َ‬

‫س بِا ِلثْ ِم َوأَْنتُ مْ‬


‫حكّا مِ ِلَتأْكُلُوا َفرِيقا مِ نْ َأ ْموَا ِل النّا ِ‬
‫وَل تَأْكُلُوا َأمْوَالَكُ ْم َبْينَكُ ْم بِاْلبَاطِ ِل َوتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْ ُ‬
‫َتعْلَمُونَ (‪)188‬‬

‫ول يأكل بعضكم مال بعض بسبب باطل كاليمي الكاذبة‪ ,‬والغصب‪ ,‬والسرقة‪ ,‬والرشوة‪ ,‬والربا ونو‬
‫ذلك‪ ,‬ول تلقوا بالجج الباطلة إل الكام; لتأكلوا عن طريق التخاصم أموال طائفة من الناس بالباطل‪,‬‬
‫وأنتم تعلمون تري ذلك عليكم‪.‬‬

‫س الْبِرّ بِأَ نْ َت ْأتُوا الُْبيُو تَ مِ ْن ظُهُو ِرهَا وََلكِنّ اْلبِرّ‬


‫س وَالْحَجّ وََليْ َ‬
‫سأَلُونَكَ عَ نْ ا َلهِّلةِ قُ ْل هِ يَ َموَاقِي تُ لِلنّا ِ‬
‫يَ ْ‬
‫ت مِنْ َأْبوَاِبهَا وَاّتقُوا اللّهَ َلعَّلكُ ْم ُتفْلِحُونَ (‪)189‬‬ ‫مَ ْن اتّقَى َوْأتُوا اْلُبيُو َ‬

‫ل الهلة علمات يعرف با‬ ‫يسألك أصحابك ‪-‬أيها النب‪ :-‬عن الهلة وتغيّر أحوالا‪ ,‬قل لم‪ :‬جعل ا ُ‬
‫الناس أوقات عباداتم الحددة بوقت مثل الصيام والج‪ ,‬ومعاملتم‪ .‬وليس الي ما تعودت عليه ف‬

‫‪48‬‬
‫حرِمون بالج أو العمرة‪ ,‬ظاني أن ذلك‬ ‫الاهلية وأول السلم من دخول البيوت من ظهورها حي تُ ْ‬
‫قربة إل ال‪ ,‬ولكن الي هو ِفعْ ُل مَ ِن اتقى ال واجتنب العاصي‪ ,‬وادخلوا البيوت من أبوابا عند‬
‫إحرامكم بالج أو العمرة‪ ,‬واخشوا ال تعال ف كل أموركم‪ ,‬لتفوزوا بكل ما تبون من خيي الدنيا‬
‫والخرة‪.‬‬

‫ب الْ ُم ْعتَدِينَ (‪)190‬‬


‫ح ّ‬
‫وَقَاتِلُوا فِي َسبِيلِ اللّ ِه الّذِي َن ُيقَاتِلُونَكُ ْم وَل َت ْعتَدُوا ِإنّ اللّ َه ل يُ ِ‬

‫وقاتلوا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬لنصرة دين ال الذين يقاتلونكم‪ ,‬ول ترتكبوا الناهي من ا ُلثْلة‪ ،‬والغُلول‪ ،‬وَقتْلِ‬
‫من ل يل قتله من النساء والصبيان والشيوخ‪ ،‬ومن ف حكمهم‪ .‬إن ال ل يب الذين ياوزون حدوده‪,‬‬
‫فيستحلون ما حرّم ال ورسوله‪.‬‬

‫ث َثقِ ْفتُمُوهُ ْم َوأَخْ ِرجُوهُ ْم مِ نْ َحيْ ثُ أَ ْخرَجُوكُ ْم وَاْلفِْتَنةُ َأشَدّ مِ نْ الْ َقتْ ِل وَل تُقَاتِلُوهُ ْم ِعنْدَ‬
‫وَاقْتُلُوهُ مْ َحيْ ُ‬
‫حرَامِ َحتّى ُيقَاتِلُوكُمْ فِيهِ َفِإنْ قَاتَلُوكُمْ فَا ْقُتلُوهُمْ َكذَلِكَ جَزَا ُء اْلكَافِرِينَ (‪)191‬‬ ‫الْمَسْجِ ِد الْ َ‬

‫واقتلوا الذين يقاتلونكم من الشركي حيث وجدتوهم‪ ,‬وأخرجوهم من الكان الذي أخرجوكم منه‬
‫وهو "مكة"‪ .‬والفتنة ‪-‬وهي الكفر والشرك والصد عن السلم‪ -‬أشد من قتلكم إياهم‪ .‬ول تبدؤوهم‬
‫بالقتال عند السجد الرام تعظيمًا لرماته حت يبدؤوكم بالقتال فيه‪ ,‬فإن قاتلوكم ف السجد الرام‬
‫فاقتلوهم فيه‪ .‬مثل ذلك الزاء الرادع يكون جزاء الكافرين‪.‬‬

‫فَِإنْ انَت َهوْا فَِإنّ اللّ َه َغفُورٌ رَحِيمٌ (‪)192‬‬

‫فإن تركوا ما هم فيه من الكفر وقتالكم عند السجد الرام‪ ,‬ودخلوا ف اليان‪ ,‬فإن ال غفور لعباده‪,‬‬
‫رحيم بم‪.‬‬

‫وَقَاتِلُوهُمْ َحتّى ل َتكُونَ ِفْتَنةٌ َوَيكُونَ الدّينُ لِلّهِ فَِإنْ انَت َهوْا فَل عُ ْدوَانَ إِلّ عَلَى الظّالِمِيَ (‪)193‬‬

‫‪49‬‬
‫واستمروا‪ -‬أيها الؤمنون‪ -‬ف قتال الشركي العتدين‪ ,‬حت ل تكون فتنة للمسلمي عن دينهم ول شرك‬
‫بال‪ ,‬ويبقى الدين ل وحده خالصًا ل ُي ْعبَد معه غيه‪ .‬فإن كفّوا عن الكفر والقتال ف ُكفّوا عنهم;‬
‫فالعقوبة ل تكون إل على الستمرين على كفرهم وعدوانم‪.‬‬

‫ح ُرمَاتُه قِصهَاصٌ َفمَن ْه اعْتَدَى عََلْيكُم ْه فَا ْعتَدُوا عََليْهِه بِ ِمثْ ِل مَا ا ْعتَدَى‬
‫شهْ ِر الْحَرَامِه وَالْ ُ‬‫شهْ ُر الْحَرَامُه بِال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫عََليْكُ ْم وَاّتقُوا اللّ َه وَاعْلَمُوا َأنّ اللّ َه مَ َع الْ ُمّتقِيَ (‪)194‬‬

‫قتالكم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬للمشركي ف الشهر الذي حرّم ال القتال فيه هو جزاء لقتالم لكم ف الشهر‬
‫الرام‪ .‬والذي يعتدي على ما َحرّم ال من الكان والزمان‪ ,‬يعاقب بثل فعله‪ ,‬ومن جنس عمله‪ .‬فمن‬
‫اعتدى عليكم بالقتال أو غيه فأنزلوا به عقوبة ماثلة لنايته‪ ,‬ول حرج عليكم ف ذلك; لنم هم‬
‫البادئون بالعدوان‪ ,‬وخافوا ال فل تتجاوزوا الماثلة ف العقوبة‪ ,‬واعلموا أن ال مع الذين يتقونه ويطيعونه‬
‫بأداء فرائضه وتنب مارمه‪.‬‬

‫سنِيَ (‪)195‬‬
‫ب الْمُحْ ِ‬
‫ح ّ‬
‫سنُوا إِنّ اللّ َه يُ ِ‬
‫َوأَن ِفقُوا فِي َسبِيلِ اللّ ِه وَل تُ ْلقُوا ِبَأيْدِيكُمْ إِلَى الّتهُْل َكةِ َوأَحْ ِ‬

‫واستمروا‪ -‬أيها الؤمنون‪ -‬ف إنفاق الموال لنصرة دين ال تعال‪ ,‬والهاد ف سبيله‪ ,‬ول توقعوا أنفسكم‬
‫ف الهالك بترك الهاد ف سبيل ال‪ ,‬وعدم النفاق فيه‪ ,‬وأحسنوا ف النفاق والطاعة‪ ,‬واجعلوا عملكم‬
‫كله خالصًا لوجه ال تعال‪ .‬إن ال يب أهل الخلص والحسان‪.‬‬

‫ي وَل تَحِْلقُوا رُءُو َسكُمْ َحتّى َيبْلُ َغ اْلهَدْ ُ‬


‫ي‬ ‫َوَأتِمّوا الْحَجّ وَالْعُ ْم َرةَ ِللّ هِ فَإِ نْ ُأحْ صِ ْرتُمْ َفمَا ا سَْتيْسَ َر مِ ْن الْهَدْ ِ‬
‫صيَامٍ َأوْ صَدََقةٍ َأ ْو نُ سُكٍ َفإِذَا َأمِنتُ مْ فَ َم نْ‬ ‫مَحِلّ هُ َفمَ نْ كَا َن ِمنْكُ ْم مَرِيضا َأوْ بِ هِ أَذًى مِ نْ َرأْ سِهِ َف ِف ْدَيةٌ مِ نْ ِ‬
‫صيَا ُم ثَلثَةِ َأيّامٍ فِي الْحَ ّج َو َسْب َعةٍ ِإذَا رَ َج ْعتُمْ‬
‫جدْ َف ِ‬‫تَ َمتّ َع بِاْلعُمْ َرةِ إِلَى الْحَجّ َفمَا اسَْتيْسَ َر مِ ْن اْلهَدْيِ فَ َمنْ لَ ْم يَ ِ‬
‫سجِ ِد الْحَرَا مِ وَاّتقُوا اللّ َه وَاعْلَمُوا َأنّ اللّ َه شَدِيدُ‬ ‫ضرِي الْمَ ْ‬ ‫ك عَشَ َرةٌ كَامَِلةٌ ذَلِ كَ لِ َم نْ َل ْم َيكُ نْ َأهْلُ هُ حَا ِ‬ ‫تِلْ َ‬
‫الْ ِعقَابِ (‪)196‬‬

‫وأدّوا الج والعمرة تامّيْنِ‪ ,‬خالصي لوجه ال تعال‪ .‬فإن منعكم عن الذهاب لتامهما بعد الحرام بما‬
‫مانع كالعدو والرض‪ ,‬فالواجب عليكم َذبْحُ ما تيسر لكم من البل أو البقر أو الغنم تقربًا إل ال تعال;‬

‫‪50‬‬
‫خرُجوا من إحرامكم بلق شعر الرأس أو تقصيه‪ ,‬ول تلقوا رؤوسكم إذا كنتم مصرين حت‬ ‫لكي تَ ْ‬
‫ينحر الحصر هديه ف الوضع الذي حُصر فيه ث يل من إحرامه‪ ,‬كما نر النب صلى ال عليه وسلم ف‬
‫"الديبية" ث حلق رأسه‪ ,‬وغي الحصر ل ينحر الدي إل ف الرم‪ ,‬الذي هو مله ف يوم العيد‪ ,‬اليوم‬
‫العاشر وما بعده من أيام التشريق‪ .‬فمن كان منكم مريضًا‪ ,‬أو به أذى من رأسه يتاج معه إل اللق‬
‫حرِم‪ -‬حَلَق‪ ,‬وعليه فدية‪ :‬بأن يصوم ثلثة أيام‪ ,‬أو يتصدق على ستة مساكي لكل مسكي‬ ‫‪-‬وهو مُ ْ‬
‫نصف صاع من طعام‪ ,‬أو يذبح شاة لفقراء الرم‪ .‬فإذا كنتم ف أمن وصحّة‪ :‬فمن استمتع بالعمرة إل‬
‫الج وذلك باستباحة ما ُحرّم عليه بسبب الحرام بعد انتهاء عمرته‪ ,‬فعليه ذبح ما تيسر من الدي‪ ,‬فمن‬
‫ل يد هَ ْديًا يذبه فعليه صيام ثلثة أيام ف أشهر الج‪ ,‬وسبعة إذا فرغتم من أعمال الج ورجعتم إل‬
‫أهليكم‪ ,‬تلك عشرة كاملة ل بد من صيامها‪ .‬ذلك الَدْيُ وما ترتب عليه من الصيام لن ل يكن أهله‬
‫من ساكن أرض الرم‪ ,‬وخافوا ال تعال وحافظوا على امتثال أوامره واجتناب نواهيه‪ ,‬واعلموا أن ال‬
‫شديد العقاب لن خالف أمره‪ ,‬وارتكب ما عنه زجر‪.‬‬

‫حجّ َومَا َت ْفعَلُوا مِ نْ‬


‫ث وَل فُ سُوقَ وَل ِجدَالَ فِي الْ َ‬‫الْحَجّ َأ ْشهُ ٌر َمعْلُومَا تٌ فَمَ نْ َفرَ ضَ فِيهِنّ الْحَجّ فَل رَفَ َ‬
‫َخيْ ٍر َيعْلَمْهُ اللّهُ َوتَ َزوّدُوا فَِإنّ َخْيرَ الزّا ِد الّت ْقوَى وَاّتقُونِي يَا ُأوْلِي الَلْبَابِ (‪)197‬‬
‫وقت الج أشهر معلومات‪ ,‬وهي‪ :‬شوال‪ ,‬وذو القعدة‪ ,‬وعشر من ذي الجة‪ .‬فمن أوجب الج على‬
‫نف سه في هن بالحرام‪ ,‬فيحرم عل يه الماع ومقدما ته القول ية والفعل ية‪ ,‬ويرم عل يه الروج عن طا عة ال‬
‫تعال بفعل العاصي‪ ,‬والدال ف الج الذي يؤدي إل الغضب والكراهية‪ .‬وما تفعلوا من خي يعلمه ال‪,‬‬
‫فيجازي كل على عمله‪ .‬وخذوا لنفسهكم زادًا مهن الطعام والشراب لسهفر الجه‪ ,‬وزادًا مهن صهال‬
‫العمال للدار الخرة‪ ,‬فإن خي الزاد تقوى ال‪ ,‬وخافون يا أصحاب العقول السليمة‬

‫حرَا مِ‬
‫شعَ ِر الْ َ‬
‫ضتُ مْ مِ ْن عَرَفَا تٍ فَاذْ ُكرُوا اللّ َه ِعنْ َد الْمَ ْ‬
‫ل مِ نْ َرّبكُ مْ فَإِذَا أََف ْ‬
‫ضً‬‫َليْ سَ عََلْيكُ مْ ُجنَا حٌ أَ ْن َتْبتَغُوا َف ْ‬
‫وَاذْكُرُوهُ َكمَا هَدَاكُمْ َوإِنْ كُنتُ ْم مِنْ َقبْلِهِ لَمِ ْن الضّالّيَ (‪)198‬‬

‫ليس عليكم حرج ف أن تطلبوا رزقًا من ربكم بالربح من التجارة ف أيام الج‪ .‬فإذا دفعتم بعد غروب‬
‫الشمس راجعي من "عرفات" ‪-‬وهي الكان الذي يقف فيه الجاج يوم التاسع من ذي الجة‪-‬‬
‫فاذكروا ال بالتسبيح والتلبية والدعاء عند الشعر الرام ‪"-‬الزدلفة"‪ ,-‬واذكروا ال على الوجه الصحيح‬
‫الذي هداكم إليه‪ ,‬ولقد كنتم من قبل هذا الدى ف ضلل ل تعرفون معه الق‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫ض النّاسُ وَا ْستَ ْغفِرُوا اللّهَ إِنّ اللّ َه َغفُورٌ رَحِيمٌ (‪)199‬‬
‫ثُمّ أَفِيضُوا مِنْ َحْيثُ أَفَا َ‬

‫وليكن اندفاعكم من "عرفات" الت أفاض منها إبراهيم عليه السلم مالفي بذلك من ل يقف با من‬
‫أهل الاهلية‪ ,‬واسألوا ال أن يغفر لكم ذنوبكم‪ .‬إن ال غفور لعباده الستغفرين التائبي‪ ,‬رحيم بم‪.‬‬

‫ضْيتُ ْم َمنَا ِسكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللّ هَ كَذِ ْكرِكُ ْم آبَاءَكُ مْ َأوْ َأشَدّ ذِكْرا َفمِ ْن النّا سِ مَ ْن َيقُولُ َرّبنَا آتِنَا فِي‬
‫فَإِذَا َق َ‬
‫ال ّدنْيَا َومَا لَهُ فِي ال ِخ َرةِ مِنْ خَلقٍ (‪)200‬‬

‫فإذا أتمتم عبادتكم‪ ,‬وفرغتم من أعمال الج‪ ,‬فأكثروا من ذكر ال والثناء عليه‪ ,‬مثل ذكركم مفاخر‬
‫آبائكم وأعظم من ذلك‪ .‬فمن الناس فريق يعل هه الدنيا فقط‪ ,‬فيدعو قائل ربنا آتنا ف الدنيا صحة‪,‬‬
‫ومال وأولدًا‪ ,‬وهؤلء ليس لم ف الخرة حظ ول نصيب; لرغبتهم عنها وَقصْ ِر هَمّهم على الدنيا‪.‬‬

‫ب النّارِ (‪)201‬‬
‫سَنةً وَِقنَا عَذَا َ‬
‫سَن ًة وَفِي الخِ َرةِ حَ َ‬
‫َو ِمنْهُ ْم مَ ْن َيقُولُ َرّبنَا آتِنَا فِي ال ّدنْيَا حَ َ‬

‫ومن الناس فريق مؤمن يقول ف دعائه‪ :‬ربنا آتنا ف الدنيا عافية ورزقًا وعلمًا نافعًا‪ ,‬وعمل صالًا‪ ,‬وغي‬
‫ذلك من أمور الدين والدنيا‪ ,‬وف الخرة النة‪ ,‬واصرف عنّا عذاب النار‪ .‬وهذا الدعاء من أجع الدعية‪,‬‬
‫ولذا كان أكثر دعاء النب صلى ال عليه وسلم‪ ,‬كما ثبت ف الصحيحي‪.‬‬

‫سبُوا وَاللّ ُه سَرِي ُع الْحِسَابِ (‪)202‬‬


‫ب مِمّا كَ َ‬
‫ُأوْلَئِكَ َلهُ ْم َنصِي ٌ‬

‫أولئك الداعون بذا الدعاء لم ثواب عظيم بسبب ما كسبوه من العمال الصالة‪ .‬وال سريع الساب‪,‬‬
‫حصٍ أعمال عباده‪ ,‬ومازيهم با‪.‬‬
‫مُ ْ‬

‫وَاذْكُرُوا اللّ هَ فِي َأيّا مٍ َمعْدُودَا تٍ َفمَ ْن َتعَجّلَ فِي َي ْومَيْ نِ فَل ِإثْ َم عََليْ ِه َومَ نْ تَأَخّرَ فَل إِثْ َم عََليْ هِ لِ َم نْ اّتقَى‬
‫شرُونَ (‪)203‬‬ ‫وَاّتقُوا اللّ َه وَاعْلَمُوا َأّنكُمْ إَِليْهِ تُحْ َ‬

‫‪52‬‬
‫واذكروا ال تسبيحًا وتكبيًا ف أيام قلئل‪ ,‬وهي أيام التشريق‪ :‬الادي عشر والثان عشر والثالث عشر‬
‫من شهر ذي الجة‪ .‬فمن أراد التعجل وخرج من "مِن" قبل غروب شس اليوم الثان عشر بعد رمي‬
‫المار فل ذنب عليه‪ ,‬ومن تأخر بأن بات به "مِن" حت يرمي المار ف اليوم الثالث عشر فل ذنب‬
‫عليه‪ ,‬لن اتقى ال ف حجه‪ .‬والتأخر أفضل; لنه تزوّد ف العبادة واقتداء بفعل النب صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وخافوا ال‪ -‬أيها السلمون‪ -‬وراقبوه ف كل أعمالكم‪ ,‬واعلموا أنكم إليه وحده تُحْشَرون بعد موتكم‬
‫للحساب والزاء‪.‬‬

‫خصَامِ (‪)204‬‬
‫شهِدُ اللّ َه عَلَى مَا فِي قَ ْلبِ ِه َو ُهوَ أَلَدّ الْ ِ‬
‫حيَاةِ ال ّدنْيَا َويُ ْ‬
‫جبُكَ َقوْلُهُ فِي الْ َ‬
‫س مَ ْن ُيعْ ِ‬
‫َومِ ْن النّا ِ‬

‫وبعض الناس من النافقي يعجبك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كلمه الفصيح الذي يريد به حظّا من حظوظ الدنيا‬
‫ل الخرة‪ ,‬ويلف مستشهدًا بال على ما ف قلبه من مبة السلم‪ ,‬وف هذا غاية الرأة على ال‪ ,‬وهو‬
‫شديد العداوة والصومة للسلم والسلمي‪.‬‬

‫ب الْفَسَادَ (‪)205‬‬
‫ح ّ‬
‫ث وَالنّسْ َل وَاللّ ُه ل يُ ِ‬
‫حرْ َ‬
‫ك الْ َ‬
‫َوإِذَا َتوَلّى َسعَى فِي الَ ْرضِ ِلُيفْسِدَ فِيهَا َوُيهْلِ َ‬

‫وإذا خرج من عندك أيها الرسول‪ ,‬جَ ّد ونَشِط ف الرض ليفسد فيها‪ ,‬ويتلف زروع الناس‪ ,‬ويقتل‬
‫ماشيتهم‪ .‬وال ل يب الفساد‪.‬‬

‫س الْ ِمهَادُ (‪)206‬‬


‫سبُهُ َج َهنّ ُم وََلبِْئ َ‬
‫َوإِذَا قِيلَ لَهُ اتّقِ اللّهَ أَ َخ َذتْهُ اْلعِ ّز ُة بِالِثْمِ َفحَ ْ‬

‫وإذا ُنصِح ذلك النافق الفسد‪ ,‬وقيل له‪ :‬اتق ال واحذر عقابه‪ ,‬وكُفّ عن الفساد ف الرض‪ ,‬ل يقبل‬
‫سبُه جهنم وكافيته عذابًا‪ ,‬ولبئس‬
‫النصيحة‪ ,‬بل يمله الكب وحيّة الاهلية على مزيد من الثام‪َ ,‬فحَ ْ‬
‫الفراش هي‪.‬‬

‫ف بِاْل ِعبَادِ (‪)207‬‬


‫س مَ ْن يَشْرِي َنفْسَ ُه ابِْتغَا َء مَرْضَاةِ اللّ ِه وَاللّهُ رَءُو ٌ‬
‫َومِ ْن النّا ِ‬

‫‪53‬‬
‫وبعض الناس يبيع نفسه طلبًا لرضا ال عنه‪ ,‬بالهاد ف سبيله‪ ,‬والتزام طاعته‪ .‬وال رءوف بالعباد‪ ,‬يرحم‬
‫عباده الؤمني رحة واسعة ف عاجلهم وآجلهم‪ ,‬فيجازبم أحسن الزاء‪.‬‬

‫شيْطَانِ ِإنّهُ َلكُمْ عَ ُدوّ ُمبِيٌ (‪)208‬‬


‫يَا َأيّهَا الّذِينَ آ َمنُوا ادْ ُخلُوا فِي السّلْمِ كَاّف ًة وَل َتتِّبعُوا ُخ ُطوَاتِ ال ّ‬

‫يا أيها الذين آمنوا بال ربًا وبحمد نبيًا ورسول وبالسلم دينًا‪ ,‬ادخلوا ف جيع شرائع السلم‪ ,‬عاملي‬
‫بميع أحكامه‪ ,‬ول تتركوا منها شيئًا‪ ,‬ول تتبعوا طرق الشيطان فيما يدعوكم إليه من العاصي‪ .‬إنه لكم‬
‫عدو ظاهر العداوة فاحذروه‪.‬‬

‫فَِإنْ زَلَ ْلتُ ْم مِ ْن َبعْ ِد مَا جَا َءْتكُ ْم اْلبَّينَاتُ فَاعْلَمُوا أَنّ اللّ َه عَزِيزٌ َحكِيمٌ (‪)209‬‬

‫فإن انرفتم عن طريق الق‪ ,‬من بعد ما جاءتكم الجج الواضحة من القرآن والسنة‪ ,‬فاعلموا أن ال‬
‫عزيز ف ملكه ل يفوته شيء‪ ,‬حكيم ف أمره ونيه‪ ,‬يضع كل شيء ف موضعه الناسب له‪.‬‬

‫هَ ْل يَن ُظرُو نَ إِلّ أَ نْ َي ْأتَِيهُ مْ اللّ هُ فِي ظُلَ ٍل مِ ْن اْلغَمَا ِم وَالْمَلئِ َك ُة وَُقضِ يَ ا َلمْ ُر َوإِلَى اللّ ِه تُرْ َج ُع ا ُلمُورُ (‬
‫‪)210‬‬

‫ما ينتظر هؤلء العاندون الكافرون بعد قيام الدلة البينة إل أن يأتيهم ال عز وجل على الوجه اللئق به‬
‫سبحانه ف ظُلَل من السحاب يوم القيامة; ليفصل بينهم بالقضاء العادل‪ ,‬وأن تأت اللئكة‪ ,‬وحينئذ‬
‫يقضي ال تعال فيهم قضاءه‪ .‬وإليه وحده ترجع أمور اللئق جيعها‪.‬‬

‫سَ ْل َبنِي إِسْرَائِيلَ كَ ْم آَتْينَاهُ ْم مِ ْن آَي ٍة َبّينَ ٍة َومَنْ ُيبَدّ ْل ِنعْ َمةَ اللّ ِه مِ ْن َبعْ ِد مَا جَا َءتْهُ فَِإنّ اللّ َه شَدِي ُد اْل ِعقَابِ (‬
‫‪)211‬‬

‫سل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بن إسرائيل العاندين لك‪ :‬كم أعطيناهم من آيات واضحات ف كتبهم تديهم إل‬
‫الق‪ ,‬فكفروا با كلها‪ ,‬وأعرضوا عنها‪ ,‬و َحرّفوها عن مواضعها‪ .‬ومن يبدل نعمة ال ‪-‬وهي دينه‪-‬‬
‫ويكفر با من بعد معرفتها‪ ,‬وقيام الجة عليه با‪ ,‬فإن ال تعال شديد العقاب له‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫خرُو َن مِ ْن الّذِي نَ آ َمنُوا وَالّذِي نَ اّت َقوْا َفوَْقهُ ْم َيوْ مَ اْل ِقيَامَ ِة وَاللّ ُه يَرْزُ قُ‬
‫حيَاةُ ال ّدنْيَا َويَ سْ َ‬
‫ُزيّ نَ لِلّذِي نَ َكفَرُوا الْ َ‬
‫مَ ْن يَشَا ُء ِبغَيْرِ حِسَابٍ (‪)212‬‬

‫حُسّن للذين جحدوا وحدانية ال اليا ُة الدنيا وما فيها من الشهوات واللذات‪ ,‬وهم يستهزئون‬
‫بالؤمني‪ .‬وهؤلء الذين يشون ربم فوق جيع الكفار يوم القيامة; حيث يدخلهم ال أعلى درجات‬
‫النة‪ ,‬وينل الكافرين أسفل دركات النار‪ .‬وال يرزق مَن يشاء مِن خلقه بغي حساب‪.‬‬

‫حكُ َم َبيْ َن النّا ِ‬


‫س‬ ‫كَانَ النّاسُ ُأ ّمةً وَاحِ َدةً َفَبعَثَ اللّ ُه النِّبيّيَ ُمبَشّرِي َن َومُنذِرِي َن َوأَن َز َل َم َعهُمْ الْ ِكتَابَ بِاْلحَقّ ِليَ ْ‬
‫ت َبغْيا َبيَْنهُ مْ َفهَدَى اللّ ُه الّذِي نَ‬
‫فِيمَا ا ْختََلفُوا فِي ِه َومَا ا ْختَلَ فَ فِي هِ إِلّ الّذِي نَ أُوتُو ُه مِ ْن َبعْ ِد مَا جَا َءْتهُ ْم اْلبَّينَا ُ‬
‫سَتقِيمٍ (‪)213‬‬ ‫ط مُ ْ‬ ‫آ َمنُوا لِمَا ا ْختََلفُوا فِي ِه مِ ْن الْحَ ّق بِِإ ْذنِهِ وَاللّ ُه َيهْدِي مَ ْن يَشَاءُ إِلَى صِرَا ٍ‬

‫كان الناس جاعة واحدة‪ ,‬متفقي على اليان بال ث اختلفوا ف دينهم‪ ,‬فبعث ال النبيي دعاة لدين ال‪,‬‬
‫مبشرين مَن أطاع ال بالنة‪ ,‬ومذرين من كفر به وعصاه النار‪ ,‬وأنزل معهم الكتب السماوية بالق‬
‫الذي اشتملت عليه; ليحكموا با فيها بي الناس فيما اختلفوا فيه‪ ,‬وما ا ْختَلَف ف أمر ممد صلى ال‬
‫عليه وسلم وكتابه ظلمًا وحسدًا إل الذين أعطاهم ال التوراة‪ ,‬وعرفوا ما فيها من الجج والحكام‪,‬‬
‫فوفّق ال الؤمني بفضله إل تييز الق من الباطل‪ ,‬ومعرفة ما اختلفوا فيه‪ .‬وال يوفّق من يشاء من عباده‬
‫إل طريق مستقيم‪.‬‬

‫سْتهُمْ الَْبأْسَاءُ وَالضّرّاءُ وَزُْلزِلُوا َحتّى‬


‫جّن َة وَلَمّا َيأِْتكُ ْم َمثَ ُل الّذِينَ خََلوْا مِنْ َقبِْلكُ ْم مَ ّ‬
‫سْبتُمْ أَ ْن تَدْ ُخلُوا الْ َ‬
‫أَمْ حَ ِ‬
‫َيقُولَ ال ّرسُو ُل وَالّذِينَ آ َمنُوا َمعَهُ َمتَى َنصْرُ اللّهِ أَل ِإنّ َنصْرَ اللّهِ َقرِيبٌ (‪)214‬‬

‫بل أظننتم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬أن تدخلوا النة‪ ,‬ولّا يصبكم من البتلء مثل ما أصاب الؤمني الذين مضوا‬
‫من قبلكم‪ :‬من الفقر والمراض والوف والرعب‪ ,‬وزُلزلوا بأنواع الخاوف‪ ,‬حت قال رسولم والؤمنون‬
‫معه ‪-‬على سبيل الستعجال للنصر من ال تعال‪ :-‬مت نصر ال؟ أل إن نصر ال قريب من الؤمني‪.‬‬

‫ي وَابْ ِن ال سّبِي ِل َومَا‬


‫سأَلُونَكَ مَاذَا يُن ِفقُو نَ قُ ْل مَا أَنفَ ْقتُ ْم مِ نْ َخْيرٍ فَِل ْلوَالِ َديْ ِن وَالَقْ َربِيَ وَاْليَتَامَى وَالْمَ سَاكِ ِ‬
‫يَ ْ‬

‫‪55‬‬
‫َتفْعَلُوا مِنْ َخيْرٍ َفِإنّ اللّ َه بِ ِه عَلِيمٌ (‪)215‬‬

‫يسلك أصحابك ‪-‬أيها النب‪ -‬أي شيء ينفقون من أصناف أموالم تقربًا إل ال تعال‪ ,‬وعلى مَن‬
‫ينفقون؟ قل لم‪ :‬أنفقوا أيّ خي يتيسر لكم من أصناف الال اللل الطيب‪ ,‬واجعلوا نفقتكم للوالدين‪,‬‬
‫والقربي من أهلكم وذوي أرحامكم‪ ,‬واليتامى‪ ,‬والفقراء‪ ,‬والسافر الحتاج الذي َبعُ َد عن أهله وماله‪.‬‬
‫وما تفعلوا من خي فإن ال تعال به عليم‪.‬‬

‫حبّوا َشيْئا َو ُهوَ‬


‫ب عََلْيكُ ْم الْ ِقتَا ُل َو ُهوَ ُكرْ هٌ َلكُ ْم َوعَسى أَ ْن تَكْ َرهُوا َشيْئا َوهُوَ َخيْرٌ َلكُ مْ َوعَ سَى أَ ْن تُ ِ‬
‫ُكتِ َ‬
‫شَرّ َلكُ ْم وَاللّ ُه َيعْلَ ُم َوَأنْتُ ْم ل َتعْلَمُونَ (‪)216‬‬

‫فرض ال عليكم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬قتال الكفار‪ ,‬والقتال مكروه لكم من جهة الطبع; لشقته وكثرة‬
‫ماطره‪ ,‬وقد تكرهون شيئًا وهو ف حقيقته خي لكم‪ ,‬وقد تبون شيئًا لا فيه من الراحة أو اللذة العاجلة‪,‬‬
‫وهو شر لكم‪ .‬وال تعال يعلم ما هو خي لكم‪ ,‬وأنتم ل تعلمون ذلك‪ .‬فبادروا إل الهاد ف سبيله‪.‬‬

‫حرَا ِم‬ ‫سجِ ِد الْ َ‬


‫حرَا مِ ِقتَالٍ فِي هِ قُلْ ِقتَالٌ فِي هِ َكبِيٌ وَ صَ ّد عَ نْ َسبِيلِ اللّ ِه وَ ُكفْ ٌر بِ ِه وَالْمَ ْ‬
‫شهْ ِر الْ َ‬
‫ك عَ نْ ال ّ‬ ‫سأَلُونَ َ‬
‫يَ ْ‬
‫َوإِخْرَاجُ َأهْلِ ِه ِمنْهُ أَ ْكبَ ُر ِعنْدَ اللّ ِه وَاْلفِْتَنةُ أَكْبَ ُر مِ ْن اْلقَتْ ِل وَل يَزَالُونَ يُقَاتِلُوَنكُمْ َحتّى يَ ُردّوكُمْ عَنْ دِيِنكُمْ إِنْ‬
‫ت َوهُوَ كَافِرٌ َفأُوَْلئِ كَ َحبِطَ تْ أَعْمَاُلهُ مْ فِي ال ّدنْيَا وَال ِخ َرةِ‬ ‫ا سْتَطَاعُوا َومَ ْن يَ ْرتَ ِد ْد ِمنْكُ ْم عَ نْ دِينِ هِ َفيَمُ ْ‬
‫ب النّا ِر هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (‪)217‬‬ ‫َوُأوْلَئِكَ أَصْحَا ُ‬

‫يسألك الشركون ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عن الشهر الرام‪ :‬هل يل فيه القتال؟ قل لم‪ :‬القتال ف الشهر الرام‬
‫عظيم عند ال استحلله وسفك الدماء فيه‪ ,‬ومَنْعكم الناس من دخول السلم بالتعذيب والتخويف‪,‬‬
‫وجحودكم بال وبرسوله وبدينه‪ ,‬و َمنْع السلمي من دخول السجد الرام‪ ,‬وإخراج النب والهاجرين منه‬
‫وهم أهله وأولياؤه‪ ,‬ذلك أكب ذنبًا‪ ,‬وأعظم جرمًا عند ال من القتال ف الشهر الرام‪ .‬والشرك الذي أنتم‬
‫فيه أكب وأشد من القتل ف الشهر الرام‪ .‬وهؤلء الكفار ل يرتدعوا عن جرائمهم‪ ,‬بل هم مستمرون‬
‫عليها‪ ,‬ول يزالون يقاتلونكم حت يردوكم عن السلم إل الكفر إن استطاعوا تقيق ذلك‪ .‬ومن أطاعهم‬
‫منكم ‪-‬أيها السلمون‪ -‬وارتدّ عن دينه فمات على الكفر‪ ,‬فقد ذهب عمله ف الدنيا والخرة‪ ,‬وصار من‬
‫اللزمي لنار جهنم ل يرج منها أبدًا‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫ك يَرْجُو نَ رَحْ َمةَ اللّ ِه وَاللّ ُه َغفُورٌ رَحِي مٌ (‬
‫ِإنّ الّذِي نَ آ َمنُوا وَالّذِي َن هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي َسبِيلِ اللّ هِ ُأوَْلئِ َ‬
‫‪)218‬‬

‫إن الذين صَدّقوا بال ورسوله وعملوا بشرعه والذين تركوا ديارهم‪ ,‬وجاهدوا ف سبيل ال‪ ,‬أولئك‬
‫يطمعون ف فضل ال وثوابه‪ .‬وال غفور لذنوب عباده الؤمني‪ ,‬رحيم بم رحة واسعة‪.‬‬

‫سأَلُونَ َ‬
‫ك‬ ‫س َوِإثْ ُمهُمَا أَكْبَرُ مِ ْن َنفْ ِعهِمَا َويَ ْ‬ ‫خمْ ِر وَالْ َميْ سِرِ ُقلْ فِيهِمَا ِإثْ مٌ َكبِ ٌي َو َمنَافِ عُ لِلنّا ِ‬
‫سأَلُونَكَ عَ نْ الْ َ‬
‫يَ ْ‬
‫ُونه (‪ )219‬فِي ال ّدنْيَا وَالخِ َرةِ‬ ‫ُمه َتَتفَكّر َ‬ ‫َاته َلعَّلك ْ‬
‫ُمه الي ِ‬ ‫ّهه َلك ْ‬‫ّنه الل ُ‬
‫ِكه ُيَبي ُ‬
‫ُونه قُ ْل اْل َع ْفوَ كَذَل َ‬
‫مَاذَا يُن ِفق َ‬
‫ك عَ ْن اْلَيتَامَى قُلْ إِ صْلحٌ َلهُ مْ َخيْ ٌر َوإِ ْن تُخَالِطُوهُ مْ فَإِ ْخوَانُكُ ْم وَاللّ ُه َيعْلَ ُم الْ ُمفْ سِ َد مِ ْن الْمُ صِْلحِ‬ ‫سأَلُونَ َ‬
‫َويَ ْ‬
‫وََلوْ شَاءَ اللّهُ َل ْعَنتَكُمْ ِإنّ اللّ َه عَزِيزٌ َحكِيمٌ (‪)220‬‬

‫يسألك السلمون ‪-‬أيها النب‪ -‬عن حكم تعاطي المر شربًا وبيعًا وشراءً‪ ,‬والمر كل مسكر خامر‬
‫العقل وغطاه مشروبًا كان أو مأكول ويسألونك عن حكم القمار ‪-‬وهو َأخْ ُذ الال أو إعطاؤه بالقامرة‬
‫وهي الغالبات الت فيها عوض من الطرفي‪ ,-‬قل لم‪ :‬ف ذلك أضرار ومفاسد كثية ف الدين والدنيا‪,‬‬
‫والعقول والموال‪ ,‬وفيهما منافع للناس من جهة كسب الموال وغيها‪ ,‬وإثهما أكب من نفعهما; إذ‬
‫يصدّان عن ذكر ال وعن الصلة‪ ,‬ويوقعان العداوة والبغضاء بي الناس‪ ,‬ويتلفان الال‪ .‬وكان هذا تهيدًا‬
‫لتحريهما‪ .‬ويسألونك عن القَدْر الذي ينفقونه من أموالم تبعًا وصدقة‪ ,‬قل لم‪ :‬أنفقوا القَدْر الذي‬
‫يزيد على حاجتكم‪ .‬مثل ذلك البيان الواضح يبيّن ال لكم اليات وأحكام الشريعة; لكي تتفكروا فيما‬
‫ينفعكم ف الدنيا والخرة‪.‬‬

‫ويسألونك ‪-‬أيها النب‪ -‬عن اليتامى كيف يتصرفون معهم ف معاشهم وأموالم؟ قل لم‪ :‬إصلحكم لم‬
‫خي‪ ,‬فافعلوا النفع لم دائمًا‪ ,‬وإن تالطوهم ف سائر شؤون العاش فهم إخوانكم ف الدين‪ .‬وعلى الخ‬
‫أن يرعى مصلحة أخيه‪ .‬وال يعلم الضيع لموال اليتامى من الريص على إصلحها‪ .‬ولو شاء ال لضيّق‬
‫وشقّ عليكم بتحري الالطة‪ .‬إن ال عزيز ف ملكه‪ ,‬حكيم ف خلقه وتدبيه وتشريعه‪.‬‬

‫شرِكِيَ‬ ‫جَبتْكُ مْ وَل تُنكِحُوا الْمُ ْ‬ ‫شرِكَا تِ َحتّى ُي ْؤمِنّ وَلَ َم ٌة ُم ْؤمَِنةٌ َخيْرٌ مِ ْن مُشْرِ َك ٍة وََلوْ َأعْ َ‬‫وَل تَنكِحُوا الْمُ ْ‬
‫جّنةِ‬
‫ك يَ ْدعُو نَ إِلَى النّارِ وَاللّ ُه يَدْعُو إِلَى الْ َ‬‫جَبكُ مْ ُأوَْلئِ َ‬‫َحتّ ى ُي ْؤمِنُوا وََل َعبْ ٌد ُم ْؤمِ نٌ َخْي ٌر مِ ْن مُشْرِ ٍك وََلوْ َأعْ َ‬
‫‪57‬‬
‫وَالْ َمغْفِ َر ِة بِإِ ْذنِ ِه َوُيبَيّ ُن آيَاتِهِ لِلنّاسِ َلعَّلهُ ْم َيتَذَكّرُونَ (‪)221‬‬

‫ول تتزوجوا ‪-‬أيها السلمون‪ -‬الشركات عابدات الوثان‪ ,‬حت يدخلن ف السلم‪ .‬واعلموا أن امرأة‬
‫ملوكة ل مال لا ول حسب‪ ,‬مؤمنةً بال‪ ,‬خي من امرأة مشركة‪ ,‬وإن أعجبتكم الشركة الرة‪ .‬ول‬
‫تُ َزوّجوا نساءكم الؤمنات ‪-‬إماء أو حرائر‪ -‬للمشركي حت يؤمنوا بال ورسوله‪ .‬واعلموا أن عبدًا مؤمنًا‬
‫مع فقره‪ ,‬خي من مشرك‪ ,‬وإن أعجبكم الشرك‪ .‬أولئك التصفون بالشرك رجال ونسا ًء يدعون كل مَن‬
‫يعاشرهم إل ما يؤدي به إل النار‪ ,‬وال سبحانه يدعو عباده إل دينه الق الؤدي بم إل النة ومغفرة‬
‫ذنوبم بإذنه‪ ,‬ويبي آياته وأحكامه للناس; لكي يتذكروا‪ ,‬فيعتبوا‪.‬‬

‫َويَ سْأَلُونَكَ عَ ْن الْ َمحِي ضِ قُ ْل ُهوَ أَذًى فَا ْعتَزِلُوا النّ سَاءَ فِي الْمَحِي ضِ وَل َتقْ َربُوهُنّ َحتّ ى يَ ْطهُرْ نَ فَإِذَا‬
‫ب الْ ُمتَ َطهّرِينَ (‪)222‬‬
‫ح ّ‬
‫ي َويُ ِ‬
‫ب الّتوّابِ َ‬
‫ح ّ‬
‫تَ َطهّ ْرنَ َفأْتُوهُ ّن مِنْ َحْيثُ َأمَرَكُمْ اللّهُ إِنّ اللّ َه يُ ِ‬

‫ويسألونك عن اليض‪ -‬وهو الدم الذي يسيل من أرحام النساء ِجِبلّة ف أوقات مصوصة‪ ,-‬قل لم‬
‫‪-‬أيها النب‪ :-‬هو أذى مستقذر يضر من َيقْ َربُه‪ ,‬فاجتنبوا جاع النساء مدة اليض حت ينقطع الدم‪ ,‬فإذا‬
‫انقطع الدم‪ ,‬واغتسلن‪ ,‬فجامعوهن ف الوضع الذي أحلّه ال لكم‪ ,‬وهو القبل ل الدبر‪ .‬إن ال يب‬
‫عباده الكثرين من الستغفار والتوبة‪ ,‬ويب عباده التطهرين الذين يبتعدون عن الفواحش والقذار‪.‬‬

‫سكُمْ وَاّتقُوا اللّ َه وَاعْلَمُوا أَّنكُ مْ مُلقُو ُه َوبَشّرْ‬


‫نِ سَاؤُكُمْ َحرْ ثٌ َلكُ مْ َف ْأتُوا َح ْرثَكُ مْ َأنّى ِشْئتُ ْم وَقَ ّدمُوا لَنفُ ِ‬
‫الْ ُم ْؤمِنِيَ (‪)223‬‬

‫نساؤكم موضع زرع لكم‪ ,‬تضعون النطفة ف أرحامهن‪َ ,‬فَيخْرج منها الولد بشيئة ال‪ ,‬فجامعوهن ف‬
‫مل الماع فقط‪ ,‬وهو القبل بأي كيفية شئتم‪ ,‬وقَدّموا لنفسكم أعمال صالة براعاة أوامر ال‪,‬‬
‫وخافوا ال‪ ,‬واعلموا أنكم ملقوه للحساب يوم القيامة‪ .‬وبشّر الؤمني ‪-‬أيها النب‪ -‬با يفرحهم ويسرّهم‬
‫من حسن الزاء ف الخرة‪.‬‬

‫س وَاللّ ُه سَمِي ٌع عَلِيمٌ (‪)224‬‬


‫ضةً َليْمَانِكُمْ َأنْ َتبَرّوا َوتَّتقُوا َوُتصْلِحُوا َبيْنَ النّا ِ‬
‫جعَلُوا اللّ َه عُ ْر َ‬
‫وَل تَ ْ‬

‫‪58‬‬
‫ول تعلوا ‪-‬أيها السلمون‪ -‬حلفكم بال مانعًا لكم من الب وصلة الرحم والتقوى والصلح بي الناس‪:‬‬
‫بأن تُ ْدعَوا إل فعل شيء منها‪ ,‬فتحتجوا بأنكم أقسمتم بال أل تفعلوه‪ ,‬بل على الالف أن يعدل عن‬
‫حلفه‪ ,‬ويفعل أعمال الب‪ ,‬ويكفر عن يينه‪ ,‬ول يعتاد ذلك‪ .‬وال سيع لقوالكم‪ ,‬عليم بميع أحوالكم‪.‬‬

‫سَبتْ قُلُوُبكُمْ وَاللّ ُه َغفُورٌ َحلِيمٌ (‪)225‬‬


‫ل ُيؤَاخِذُ ُكمْ اللّ ُه بِالّل ْغوِ فِي َأيْمَاِنكُ ْم وَلَكِ ْن ُيؤَاخِذُكُ ْم بِمَا كَ َ‬

‫ل يعاقبكم ال بسبب أيانكم الت تلفونا بغي قصد‪ ,‬ولكن يعاقبكم با قص َدتْه قلوبكم‪ .‬وال غفور لن‬
‫تاب إليه‪ ,‬حليم بن عصاه حيث ل يعاجله بالعقوبة‪.‬‬

‫لِلّذِي َن ُيؤْلُونَ مِ ْن نِسَاِئهِ ْم تَ َرّبصُ أَ ْرَبعَةِ َأ ْشهُرٍ فَِإنْ فَاءُوا فَِإنّ اللّ َه َغفُورٌ رَحِيمٌ (‪)226‬‬

‫للذين يلفون بال أن ل يامعوا نساءهم‪ ,‬انتظار أربعة أشهر‪ ,‬فإن رجعوا قبل فوات الشهر الربعة‪ ,‬فإن‬
‫ال غفور لا وقع منهم من اللف بسبب رجوعهم‪ ,‬رحيم بم‪.‬‬

‫َوإِ ْن عَ َزمُوا الطّلقَ فَِإنّ اللّ َه سَمِي ٌع عَلِيمٌ (‪)227‬‬

‫وإن عقدوا عزم هم على الطلق‪ ,‬با ستمرارهم ف اليم ي‪ ,‬وترك الماع‪ ,‬فإن ال سيع لقوال م‪ ,‬عل يم‬
‫بقاصدهم‪ ,‬وسيجازيهم على ذلك‪.‬‬

‫سهِنّ ثَلَثةَ ُقرُو ٍء وَل يَحِلّ َلهُنّ أَ نْ يَ ْكتُمْ َن مَا َخلَ قَ اللّ هُ فِي أَرْحَا ِمهِنّ إِ نْ ُكنّ‬
‫ت َيتَ َربّ صْنَ بِأَنفُ ِ‬
‫وَالْمُطَّلقَا ُ‬
‫ُيؤْمِنّ بِاللّ ِه وَاْلَيوْ مِ الخِ ِر َوُبعُوَلتُهُنّ أَحَقّ بِرَ ّدهِنّ فِي ذَلِ كَ إِ نْ أَرَادُوا إِ صْلحا وََلهُنّ ِمثْ ُل الّذِي عََلْيهِنّ‬
‫ف وَلِلرّجَا ِل عََلْيهِنّ دَرَ َج ٌة وَاللّ ُه عَزِيزٌ َحكِيمٌ (‪)228‬‬ ‫بِالْ َمعْرُو ِ‬

‫والطلقات ذوات ال يض‪ ,‬ي ب أن ينتظرن دون نكاح ب عد الطلق مدة ثل ثة أطهار أو ثلث حيضات‬
‫على سبيل العدة; ليتأكدن من فراغ الرحم من المل‪ .‬ول يوز لن تزوج رجل آخر ف أثناء هذه العدة‬
‫حت تنتهي‪ .‬ول يل لن أن يفي ما خلق ال ف أرحامهن من المل أو اليض‪ ,‬إن كانت الطلقات‬
‫مؤمنات حقًا بال واليوم الخهر‪ .‬وأزواج الطلقات أحهق براجعتههن فه العدة‪ .‬وينبغهي أن يكون ذلك‬

‫‪59‬‬
‫بقصد الصلح والي‪ ,‬وليس بقصد الضرار تعذيبًا لن بتطويل العدة‪ .‬وللنساء حقوق على الزواج‪,‬‬
‫م ثل ال ت علي هن‪ ,‬على الو جه العروف‪ ,‬وللرجال على الن ساء منلة زائدة من ح سن ال صحبة والعشرة‬
‫بالعروف والقِوا مة على الب يت وملك الطلق‪ .‬وال عز يز له العزة القاهرة‪ ,‬حك يم ي ضع كل ش يء ف‬
‫موضعه الناسب‪.‬‬

‫الطّلقُ مَ ّرتَانِ فَإمْسَاكٌ بِ َم ْعرُوفٍ َأوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَل يَحِلّ َلكُمْ َأ ْن َتأْخُذُوا مِمّا آَتْيتُمُوهُنّ َشيْئا إِلّ َأ ْن‬
‫ت بِ ِه تِلْ كَ ُحدُودُ‬
‫ح عََلْيهِمَا فِيمَا ا ْفتَدَ ْ‬
‫يَخَافَا أَ ّل ُيقِيمَا حُدُودَ اللّ هِ َفإِ نْ ِخ ْفتُ مْ أَ ّل ُيقِيمَا حُدُودَ اللّ هِ فَل ُجنَا َ‬
‫اللّهِ فَل تَ ْعتَدُوهَا َومَنْ َيَتعَدّ ُحدُودَ اللّهِ َفُأوَْلئِكَ هُمْ الظّالِمُونَ (‪)229‬‬

‫الطلق الذي تصل به الرجعة مرتان‪ ,‬واحدة بعد الخرى‪ ,‬فحكم ال بعد كل طلقة هو إمساك الرأة‬
‫بالعروف‪ ,‬وحسن العشرة بعد مراجعتها‪ ,‬أو تلية سبيلها مع حسن معاملتها بأداء حقوقها‪ ,‬وأل يذكرها‬
‫مطلق ها ب سوء‪ .‬ول ي ل ل كم‪ -‬أي ها الزواج‪ -‬أن تأخذوا شيئًا م ا أعطيتمو هن من ال هر ونوه‪ ,‬إل أن‬
‫ياف الزوجان أل يقوما بالقوق الزوجية‪ ,‬فحينئذ يعرضان أمرها على الولياء‪ ,‬فإن خاف الولياء عدم‬
‫إقامة الزوجي حدود ال‪ ,‬فل حرج على الزوجي فيما تدفعه الرأة للزوج مقابل طلقها‪ .‬تلك الحكام‬
‫هي حدود ال الفا صلة ب ي اللل والرام‪ ,‬فل تتجاوزو ها‪ ,‬و من يتجاوز حدود ال تعال فأولئك هم‬
‫الظالون أنفسهم بتعريضها لعذاب ال‪.‬‬

‫ح عََلْيهِمَا أَنْ َيتَرَا َجعَا إِنْ َظنّا‬


‫فَإِ ْن طَّل َقهَا فَل تَحِلّ لَ ُه مِ نْ بَعْدُ َحتّى تَنكِ حَ َزوْجا َغيْرَ هُ فَإِ ْن طَّل َقهَا فَل ُجنَا َ‬
‫أَ ْن ُيقِيمَا حُدُودَ اللّ ِه َوتِلْكَ حُدُودُ اللّ ِه ُيبَّيُنهَا ِل َق ْو ٍم َيعْلَمُونَ (‪)230‬‬

‫فإن طلّق الرجل زوجته الطلقة الثالثة‪ ,‬فل تلّ له إل إذا تزوجت رجل غيه زواجًا صحيحًا وجامعها فيه‬
‫ويكون الزواج عهن رغبهة‪ ,‬ل بنيهة تليهل الرأة لزوجهها الول‪ ,‬فإن طلقهها الزوج الخهر أو مات عنهها‬
‫وانقضت عدتا‪ ,‬فل إث على الرأة وزوجها الول أن يتزوجا بعقد جديد‪ ,‬ومهر جديد‪ ,‬إن غلب على‬
‫ظنهما أن يقيما أحكام ال الت شرعها للزوجي‪ .‬وتلك أحكام ال الحددة يبينها لقوم يعلمون أحكامه‬
‫وحدوده; لنم النتفعون با‪.‬‬

‫سكُوهُنّ ضِرَارا‬
‫ف وَل تُمْ ِ‬
‫سكُوهُ ّن بِ َمعْرُو فٍ َأوْ سَرّحُوهُنّ بِ َم ْعرُو ٍ‬
‫َوإِذَا طَّلقْتُ ْم النّ سَاءَ َفبََلغْ نَ أَجََلهُنّ َفَأمْ ِ‬
‫‪60‬‬
‫ِلَتعْتَدُوا َومَ نْ َي ْفعَلْ ذَلِ كَ َف َق ْد ظَلَ َم َنفْ سَهُ وَل َتتّخِذُوا آيَا تِ اللّ ِه هُزُوا وَاذْ ُكرُوا ِنعْ َمةَ اللّ ِه عََلْيكُ ْم َومَا أَن َزلَ‬
‫حكْ َم ِة َيعِ ُظكُ ْم بِهِ وَاّتقُوا اللّ َه وَاعَْلمُوا َأنّ اللّ َه ِبكُ ّل َشيْءٍ عَلِيمٌ (‪)231‬‬ ‫عََليْكُ ْم مِ ْن اْل ِكتَابِ وَالْ ِ‬

‫وإذا طَلّقتم النساء فقاربن انتهاء عدتن‪ ,‬فراجعوهن‪ ,‬ونيتكم القيام بقوقهن على الوجه الستحسن شرعًا‬
‫وعرفًا‪ ,‬أو اتركوهن حت تنقضي عدتن‪ .‬واحذروا أن تكون مراجعتهن بقصد الضرار بن لجل‬
‫العتداء على حقوقهن‪ .‬ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه باستحقاقه العقوبة‪ ,‬ول تتخذوا آيات ال‬
‫وأحكامه لعبًا ولوًا‪ .‬واذكروا نعمة ال عليكم بالسلم وتفصيل الحكام‪ .‬واذكروا ما أنزل ال عليكم‬
‫من القرآن والسنة‪ ,‬واشكروا له سبحانه على هذه النعم الليلة‪ ,‬يُذكّركم ال بذا‪ ,‬ويوفكم من الخالفة‪,‬‬
‫فخافوا ال وراقبوه‪ ,‬واعلموا أن ال عليم بكل شيء‪ ,‬ل يفى عليه شيء‪ ,‬وسيجازي كل با يستحق‪.‬‬

‫ضوْا َبيَْنهُ مْ بِالْ َمعْرُو فِ ذَلِ َ‬


‫ك‬ ‫ح نَ أَ ْزوَا َجهُنّ إِذَا َترَا َ‬
‫َوإِذَا طَّلقْتُ ْم النّ سَاءَ َفبََلغْ نَ أَ َجَلهُنّ فَل َت ْعضُلُوهُنّ أَ ْن يَنكِ ْ‬
‫ظ بِ ِه مَ نْ كَا نَ ِمْنكُ ْم ُيؤْمِ ُن بِاللّ ِه وَاْلَيوْ مِ الخِرِ ذَِلكُ مْ أَزْكَى َلكُ ْم َوَأ ْطهَ ُر وَاللّ ُه َيعْلَ ُم َوَأنْتُ ْم ل َتعْلَمُو نَ (‬
‫يُوعَ ُ‬
‫‪)232‬‬

‫واذا طلّقتم نساءكم دون الثلث وانتهت عدتن من غي مراجعة لن‪ ,‬فل تضيقوا ‪-‬أيها الولياء‪ -‬على‬
‫الطلقات بنعهن من العودة إل أزواجهن بعقد جديد إذا أردن ذلك‪ ,‬وحدث التراضي شرعًا وعرفًا‪.‬‬
‫ذلك يوعظ به من كان منكم صادق اليان بال واليوم الخر‪ .‬إن تَ ْر َك العضل وتكي الزواج من‬
‫نكاح زوجاتم أكثر ناء وطهارة لعراضكم‪ ,‬وأعظم منفعة وثوابًا لكم‪ .‬وال يعلم ما فيه صلحكم‬
‫وأنتم ل تعلمون ذلك‪.‬‬

‫َهه رِزُْقهُنّ‬
‫َنه ُيتِمّ الرّضَا َعةَ َوعَلَى الْ َموْلُودِ ل ُ‬ ‫َنه أَرَادَ أ ْ‬
‫ْنه لِم ْ‬‫ْنه كَامَِلي ِ‬ ‫ْنه َأوْل َدهُنّ َحوَْلي ِ‬ ‫ضع َ‬‫َاته ُيرْ ِ‬
‫وَالْوَالِد ُ‬
‫ِهه َوعَلَى‬
‫َهه ِبوَلَد ِ‬
‫ُسهعَهَا ل ُتضَا ّر وَالِ َدةٌ ِبوَلَدِهَا وَل َموْلُودٌ ل ُ‬ ‫ْسهإِلّ و ْ‬ ‫ّفه َنف ٌ‬ ‫ُوفه ل ُتكَل ُ‬ ‫ِسهَوُتهُ ّن بِالْ َمعْر ِ‬
‫وَك ْ‬
‫ضعُوا‬
‫ستَرْ ِ‬
‫ح عََلْيهِمَا َوإِ نْ أَرَ ْدتُ مْ أَ ْن تَ ْ‬
‫ض ِمْنهُمَا َوتَشَاوُرٍ فَل ُجنَا َ‬‫ث ِمثْلُ ذَلِ كَ فَإِ نْ أَرَادَا فِ صَالً عَ ْن تَرَا ٍ‬ ‫اْلوَارِ ِ‬
‫ف وَاتّقُوا اللّ َه وَاعْلَمُوا أَنّ اللّ َه بِمَا َتعْمَلُو َن بَصِيٌ (‬
‫ح عََلْيكُمْ إِذَا سَلّ ْمتُمْ مَا آَتْيتُ ْم بِالْ َمعْرُو ِ‬
‫َأوْلدَكُمْ فَل ُجنَا َ‬
‫‪)233‬‬

‫‪61‬‬
‫وعلى الوالدات إرضاع أولدهن مدة سنتي كاملتي لن أراد إتام الرضاعة‪ ,‬ويب على الباء أن يكفُلوا‬
‫للمرضعات الطلقات طعامهن وكسوتن‪ ,‬على الوجه الستحسن شرعًا وعرفًا; لن ال ل يكلف نفسًا‬
‫إل قدر طاقتها‪ ,‬ول يل للوالدين أن يعلوا الولود وسيلة للمضارة بينهما‪ ,‬ويب على الوارث عند‬
‫موت الوالد مثل ما يب على الوالد قبل موته من النفقة والكسوة‪ .‬فإن أراد الوالدان فطام الولود قبل‬
‫انتهاء السنتي فل حرج عليهما إذا تراضيا وتشاورا ف ذلك; ليصل إل ما فيه مصلحة الولود‪ .‬وإن اتفق‬
‫الوالدان على إرضاع الولود من مرضعة أخرى غي والدته فل حرج عليهما‪ ,‬إذا سلّم الوالد للم حقّها‪،‬‬
‫وسلّم للمرضعة أجرها با يتعارفه الناس‪ .‬وخافوا ال ف جيع أحوالكم‪ ,‬واعلموا أن ال با تعملون بصي‪,‬‬
‫وسيجازيكم على ذلك‪.‬‬

‫سهِنّ أَ ْرَب َعةَ َأشْهُ ٍر َوعَشْرا فَِإذَا بََلغْ نَ أَجََلهُنّ فَل ُجنَا حَ‬
‫وَالّذِي نَ ُيَتوَّفوْ َن ِمْنكُمْ َويَ َذرُونَ أَ ْزوَاجا َيتَ َربّ صْ َن ِبأَنفُ ِ‬
‫ف وَاللّ ُه بِمَا َتعْ َملُونَ َخبِيٌ (‪)234‬‬ ‫سهِ ّن بِالْ َمعْرُو ِ‬
‫عََليْكُمْ فِيمَا َفعَلْنَ فِي أَنفُ ِ‬

‫والذين يوتون منكم‪ ,‬ويتركون زوجات بعدهم‪ ,‬يب عليهن النتظار بأنفسهن مدة أربعة أشهر وعشرة‬
‫أيام‪ ,‬ل يرجن من منل الزوجية‪ ,‬ول يتزيّنّ‪ ,‬ول يتزوجن‪ ,‬فإذا انتهت الدة الذكورة فل إث عليكم يا‬
‫أولياء النساء فيما يفعلن ف أنفسهن من الروج‪ ,‬والتزين‪ ,‬والزواج على الوجه القرر شرعًا‪ .‬وال‬
‫سبحانه وتعال خبي بأعمالكم ظاهرها وباطنها‪ ,‬وسيجازيكم عليها‪.‬‬

‫ضتُ ْم بِ ِه مِ نْ ِخ ْطَبةِ النّ سَاءِ َأوْ أَ ْكنَنتُ مْ فِي أَنفُ سِكُ ْم عَِل مَ اللّ هُ َأنّكُ مْ َستَذْكُرُوَنهُ ّن‬
‫ح عََلْيكُ مْ فِيمَا عَرّ ْ‬
‫وَل ُجنَا َ‬
‫وََلكِ نْ ل ُتوَاعِدُوهُنّ سِرّا إِلّ أَ نْ َتقُولُوا َقوْ ًل َمعْرُوفا وَل َتعْ ِزمُوا عُقْ َد َة النّكَا حِ َحتّ ى َيبْلُ َغ اْلكِتَا بُ أَ َجلَ هُ‬
‫وَاعْلَمُوا َأنّ اللّ َه َيعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُو ُه وَاعَْلمُوا َأنّ اللّ َه َغفُورٌ َحلِيمٌ (‪)235‬‬

‫ول إث عليكم ‪-‬أيها الرجال‪ -‬فيما ُتلَمّحون به مِن طلب الزواج بالنساء التوفّى عنهنّ أزواجهن‪ ،‬أو‬
‫الطلقات طلقًا بائنًا ف أثناء عدتن‪ ,‬ول ذنب عليكم أيضًا فيما أضمرتوه ف أنفسكم من نية الزواج بن‬
‫بعد انتهاء عدتن‪ .‬علم ال أنكم ستذكرون النساء العتدّات‪ ,‬ولن تصبوا على السكوت عنهن‪,‬‬
‫لضعفكم; لذلك أباح لكم أن تذكروهن تلميحًا أو إضمارًا ف النفس‪ ,‬واحذروا أن تواعدوهن على‬
‫النكاح سرًا بالزن أو التفاق على الزواج ف أثناء العدة‪ ,‬إل أن تقولوا قول ُي ْفهَم منه أن مثلها يُ ْر َغبُ‬

‫‪62‬‬
‫فيها الزواج‪ ,‬ول تعزموا على عقد النكاح ف زمان العدة حت تنقضي مدتا‪ .‬واعلموا أن ال يعلم ما ف‬
‫أنفسكم فخافوه‪ ,‬واعلموا أن ال غفور لن تاب من ذنوبه‪ ,‬حليم على عباده ل يعجل عليهم بالعقوبة‪.‬‬

‫ضةً َومَّتعُوهُنّ عَلَى الْمُو سِعِ قَدَرُ هُ‬


‫ح عََلْيكُ مْ إِ نْ طَّل ْقتُ ْم النّ سَاءَ مَا َل ْم تَمَ سّوهُنّ َأ ْو َتفْرِضُوا َلهُنّ فَرِي َ‬
‫ل ُجنَا َ‬
‫سنِيَ (‪)236‬‬ ‫َوعَلَى الْ ُم ْقتِرِ قَ َد ُرهُ َمتَاعا بِالْ َم ْعرُوفِ َحقّا عَلَى الْمُحْ ِ‬

‫ل إث عليكم ‪-‬أيها الزواج‪ -‬إن طلقتم النساء بعد العقد عليهن‪ ,‬وقبل أن تامعوهن‪ ,‬أو تددوا مهرًا‬
‫لن‪ ,‬ومتّعوهن بشيء ينتفعن به جبًا لن‪ ,‬ودفعًا لوحشة الطلق‪ ,‬وإزالة للحقاد‪ .‬وهذه التعة تب‬
‫بسب حال الرجل الطلّق‪ :‬على الغن َقدْر َسعَة رزقه‪ ,‬وعلى الفقي َقدْر ما يلكه‪ ,‬متاعًا على الوجه‬
‫العروف شرعًا‪ ,‬وهو حق ثابت على الذين يسنون إل الطلقات وإل أنفسهم بطاعة ال‪.‬‬

‫ضتُ مْ إِلّ أَ ْن َي ْعفُو نَ َأ ْو َيعْ ُف َو‬


‫ف مَا َفرَ ْ‬
‫ضةً َفنِ صْ ُ‬
‫ضتُ مْ َلهُنّ َفرِي َ‬
‫َوإِ نْ طَّل ْقتُمُوهُنّ مِ نْ َقبْلِ أَ ْن تَمَ سّوهُ ّن وَقَدْ َفرَ ْ‬
‫سوْا اْل َفضْلَ بَْيَنكُ مْ إِنّ اللّ َه بِمَا َتعْمَلُو َن بَ صِيٌ (‬ ‫ح َوأَ ْن َت ْعفُوا أَقْرَ بُ لِلّت ْقوَى وَل تَن َ‬ ‫الّذِي ِبيَدِ ِه ُعقْ َدةُ الّنكَا ِ‬
‫‪)237‬‬

‫وإن طلّقتم النساء بعد العقد عليهن‪ ,‬ول تامعوهن‪ ,‬ولكنكم ألزمتم أنفسكم بهر مدد لن‪ ,‬فيجب‬
‫عليكم أن تعطوهن نصف الهر التفق عليه‪ ,‬إل أ ْن تُسامِح الطلقات‪ ,‬فيتركن نصف الهر الستحق لن‪,‬‬
‫أو يسمح الزوج بأن يترك للمطلقة الهر كله‪ ,‬وتسامكم أيها الرجال والنساء أقرب إل خشية ال‬
‫وطاعته‪ ,‬ول تنسوا ‪-‬أيها الناس‪ -‬الفضل والحسان بينكم‪ ,‬وهو إعطاء ما ليس بواجب عليكم‪,‬‬
‫والتسامح ف القوق‪ .‬إن ال با تعملون بصي‪ ,‬يُرغّبكم ف العروف‪ ,‬ويثّكم على الفضل‪.‬‬

‫ت وَالصّل ِة اْل ُوسْطَى وَقُومُوا لِلّهِ قَاِنتِيَ (‪)238‬‬


‫حَافِظُوا عَلَى الصَّلوَا ِ‬

‫حافظوا ‪-‬أيها السلمون‪ -‬على الصلوات المس الفروضة بالداومة على أدائها ف أوقاتا بشروطها‬
‫وأركانا وواجباتا‪ ,‬وحافظوا على الصلة التوسطة بينها وهي صلة العصر‪ ,‬وقوموا ف صلتكم مطيعي‬
‫ل‪ ,‬خاشعي ذليلي‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫فَِإنْ ِخ ْفتُمْ فَرِجَالً َأوْ رُ ْكبَانا فَإِذَا َأمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللّهَ كَمَا عَلّ َمكُ ْم مَا لَمْ تَكُونُوا َتعْلَمُونَ (‪)239‬‬

‫فإن خفتم من عدو لكم فصلوا صلة الوف ماشي‪ ,‬أو راكبي‪ ,‬على أي هيئة تستطيعونا ولو بالياء‪,‬‬
‫أو إل غي جهة القبلة‪ ,‬فإذا زال خوفكم فصلّوا صلة المن‪ ,‬واذكروا ال فيها‪ ,‬ول تنقصوها عن هيئتها‬
‫الصلية‪ ,‬واشكروا له على ما علّمكم من أمور العبادات والحكام ما ل تكونوا على علم به‪.‬‬

‫حوْ ِل َغيْرَ إِ ْخرَا جٍ فَإِ نْ خَ َرجْ نَ فَل‬


‫صّيةً لَ ْزوَا ِجهِ ْم َمتَاعا إِلَى الْ َ‬
‫وَالّذِي نَ ُيَتوَّفوْ َن ِمْنكُ مْ َويَ َذرُو نَ أَ ْزوَاجا وَ ِ‬
‫ف وَاللّ ُه عَزِيزٌ َحكِيمٌ (‪)240‬‬ ‫سهِ ّن مِ ْن َمعْرُو ٍ‬
‫ح عََلْيكُمْ فِي مَا َفعَلْنَ فِي أَنفُ ِ‬ ‫ُجنَا َ‬

‫والزواج الذين يوتون ويتركون زوجات بعدهم‪ ,‬فعليهم وصيةً لنّ‪ :‬أن يُ َمتّعن سنه تامة من يوم الوفاة‪,‬‬
‫بالسكن ف منل الزوج من غي إخراج الورثة لن مدة السنة; جبًا لاطر الزوجة‪ ,‬وبرًا بالتوفّى‪ .‬فإن‬
‫خرجت الزوجات باختيارهن قبل انقضاء السنة فل إث عليكم ‪-‬أيها الورثة‪ -‬ف ذلك‪ ,‬ول حرج على‬
‫الزوجات فيما فعلن ف أنفسهن من أمور مباحة‪ .‬وال عزيز ف ملكه‪ ,‬حكيم ف أمره ونيه‪ .‬وهذه الية‬
‫منسوخة بقوله تعال‪ ( :‬والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرًا)‪.‬‬

‫ت َمتَاعٌ بِالْ َمعْرُوفِ َحقّا عَلَى الْ ُمّتقِيَ (‪)241‬‬


‫وَلِلْ ُمطَّلقَا ِ‬

‫وللمطلقات متاع من كسوة ونفقة على الوجه العروف الستحسن شرعًا‪ ,‬حقًا على الذين يافون ال‬
‫ويتقونه ف أمره ونيه‪.‬‬

‫ك ُيبَيّنُ اللّهُ َلكُ ْم آيَاتِهِ َلعَّلكُ ْم َتعْقِلُونَ (‪)242‬‬


‫كَذَلِ َ‬

‫مثل ذلك البيان الواضح ف أحكام الولد والنساء‪ ,‬يبيّن ال لكم آياته وأحكامه ف كل ما تتاجونه ف‬
‫معاشكم ومعادكم; لكي تعقلوها وتعملوا با‪.‬‬

‫أَلَ ْم َترَ إِلَى الّذِي نَ خَرَجُوا مِ نْ ِديَا ِرهِ مْ وَهُ مْ أُلُو فٌ َحذَ َر الْ َموْ تِ َفقَالَ َلهُ مْ اللّ ُه مُوتُوا ثُمّ أَ ْحيَاهُ مْ ِإنّ اللّ هَ‬
‫س ل يَشْكُرُونَ (‪)243‬‬ ‫س وََلكِنّ أَكْثَ َر النّا ِ‬
‫لَذُو َفضْ ٍل عَلَى النّا ِ‬

‫‪64‬‬
‫أل تعلم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬قصة الذين فرّوا من أرضهم ومنازلم‪ ,‬وهم ألوف كثية; خشية الوت من‬
‫الطاعون أو القتال‪ ,‬فقال لم ال‪ :‬موتوا‪ ,‬فماتوا دفعة واحدة عقوبة على فرارهم من قدر ال‪ ,‬ث أحياهم‬
‫ال تعال بعد مدة; ليستوفوا آجالم‪ ,‬وليتعظوا ويتوبوا؟ إن ال لذو فضل عظيم على الناس بنعمه الكثية‪,‬‬
‫ولكن أكثر الناس ل يشكرون فضل ال عليهم‪.‬‬

‫وَقَاتِلُوا فِي َسبِيلِ اللّ ِه وَاعْلَمُوا أَنّ اللّ َه سَمِي ٌع عَلِيمٌ (‪)244‬‬

‫وقاتلوا ‪-‬أيها السلمون‪ -‬الكفار لنصرة دين ال‪ ,‬واعلموا أن ال سيع لقوالكم‪ ,‬عليم بنيّاتكم‬
‫وأعمالكم‪.‬‬

‫ط َوإِلَيْ هِ ُترْ َجعُو نَ (‬


‫ض َويَبْ سُ ُ‬
‫ضعَافا َكثِ َيةً وَاللّ ُه َي ْقبِ ُ‬
‫مَ نْ ذَا الّذِي يُقْرِ ضُ اللّ هَ َقرْضا حَ سَنا َفيُضَا ِعفَ هُ لَ هُ أَ ْ‬
‫‪)245‬‬

‫من ذا الذي ينفق ف سبيل ال إنفاقًا حسنًا احتسابًا للجر‪ ,‬فيضاعفه له أضعافا كثية ل تصى من‬
‫الثواب وحسن الزاء؟ وال يقبض ويبسط‪ ,‬فأنفقوا ول تبالوا; فإنه هو الرزاق‪ ,‬يُضيّق على مَن يشاء من‬
‫عباده ف الرزق‪ ,‬ويوسعه على آخرين‪ ,‬له الكمة البالغة ف ذلك‪ ,‬وإليه وحده ترجعون بعد الوت‪,‬‬
‫فيجازيكم على أعمالكم‪.‬‬

‫ل مِ ْن َبنِي إِ سْرَائِيلَ مِ نْ بَعْ ِد مُو سَى ِإذْ قَالُوا ِلَنِبيّ َلهُ ْم اْبعَ ثْ َلنَا مَلِكا نُقَاتِلْ فِي َسبِيلِ اللّ ِه‬ ‫أَلَ ْم تَرَ إِلَى الْ َم ٍ‬
‫ب عََلْيكُ مْ الْ ِقتَالُ أَ ّل تُقَاتِلُوا قَالُوا َومَا َلنَا أَلّ ُنقَاتِلَ فِي َسبِيلِ اللّ ِه وَقَدْ أُ ْخرِ ْجنَا مِ نْ‬
‫سيْتُمْ إِ نْ ُكتِ َ‬
‫قَا َل هَ ْل عَ َ‬
‫ب عََلْيهِمْ الْ ِقتَا ُل َتوَّلوْا إِلّ َقلِيلً ِمْنهُ ْم وَاللّ ُه عَلِي ٌم بِالظّالِ ِميَ (‪)246‬‬ ‫ِديَا ِرنَا َوَأبْنَاِئنَا فَلَمّا ُكِت َ‬

‫أل تعلم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬قصة الشراف والوجهاء من بن إسرائيل من بعد زمان موسى; حي طلبوا من‬
‫نبيهم أن يول عليهم ملكا‪ ,‬يتمعون تت قيادته‪ ,‬ويقاتلون أعداءهم ف سبيل ال‪ .‬قال لم نبيهم‪ :‬هل‬
‫المر كما أتوقعه إنْ ُفرِض عليكم القتال ف سبيل ال أنكم ل تقاتلون; فإن أتوقع جبنكم وفراركم من‬
‫القتال‪ ,‬قالوا مستنكرين توقع نبيهم‪ :‬وأي مانع ينعنا عن القتال ف سبيل ال‪ ,‬وقد أَ ْخرَ َجنَا عدوّنا من‬

‫‪65‬‬
‫ديارنا‪ ,‬وأبعدنا عن أولدنا بالقتل والسر؟ فلما فرض ال عليهم القتال مع اللِك الذي عيّنه لم َجبُنوا‬
‫وفرّوا عن القتال‪ ,‬إل قليل منهم ثبتوا بفضل ال‪ .‬وال عليم بالظالي الناكثي عهودهم‪.‬‬

‫ح نُ أَحَقّ بِالْ ُملْ ِ‬


‫ك‬ ‫ك عََلْينَا َونَ ْ‬
‫وَقَالَ َلهُ ْم َنِبيّهُ مْ ِإنّ اللّ هَ قَ ْد َبعَ ثَ َلكُ ْم طَالُو تَ مَلِكا قَالُوا َأنّى َيكُو نُ لَ ُه الْمُلْ ُ‬
‫ِمنْهُ وَلَ ْم ُيؤْتَ َس َعةً مِنْ الْمَالِ قَالَ ِإنّ اللّهَ اصْ َطفَا ُه عََلْيكُ ْم وَزَادَهُ بَسْ َطةً فِي اْلعِلْ ِم وَالْجِسْ ِم وَاللّ ُه ُي ْؤتِي مُ ْلكَهُ‬
‫مَ ْن يَشَا ُء وَاللّ ُه وَاسِ ٌع عَلِيمٌ (‪)247‬‬

‫وقال لم نبيهم‪ :‬إن ال قد أرسل إليكم طالوت مَِلكًا إجابة لطلبكم‪ ,‬يقودكم لقتال عدوكم كما طلبتم‪.‬‬
‫قال كباء بن إسرائيل‪ :‬كيف يكون طالوت مَِلكًا علينا‪ ,‬وهو ل يستحق ذلك؟ لنه ليس من سبط‬
‫اللوك‪ ,‬ول من بيت النبوة‪ ,‬ول ُيعْط كثرة ف الموال يستعي با ف ملكه‪ ,‬فنحن أحق باللك منه; لننا‬
‫من سبط اللوك ومن بيت النبوة‪ .‬قال لم نبيهم‪ :‬إن ال اختاره عليكم وهو سبحانه أعلم بأمور عباده‪,‬‬
‫وزاده َسعَة ف العلم وقوة ف السم ليجاهد العدو‪ .‬وال مالك اللك يعطي ملكه مَن يشاء من عباده‪,‬‬
‫وال واسع الفضل والعطاء‪ ,‬عليم بقائق المور‪ ,‬ل يفى عليه شيء‪.‬‬

‫وَقَالَ َلهُ ْم َنِبّيهُ مْ ِإنّ آَيةَ ُم ْلكِ هِ أَ نْ يَ ْأِتيَكُ ْم التّابُو تُ فِي هِ َسكِيَنةٌ مِ نْ َربّكُ ْم َوَب ِقّيةٌ مِمّا تَرَ كَ آ ُل مُو سَى وَآلُ‬
‫ك لَيةً َلكُمْ ِإنْ كُنتُ ْم ُم ْؤمِنِيَ (‪)248‬‬ ‫حمِلُ ُه الْمَلئِ َكةُ ِإنّ فِي ذَلِ َ‬ ‫هَارُو َن تَ ْ‬

‫وقال لم نبيهم‪ :‬إن علمة ملكه أن يأتيكم الصندوق الذي فيه التوراة ‪-‬وكان أعداؤهم قد انتزعوه‬
‫منهم‪ -‬فيه طمأنينة من ربكم تثبت قلوب الخلصي‪ ,‬وفيه بقية من بعض أشياء تركها آل موسى وآل‬
‫هارون‪ ,‬مثل العصا وفُتات اللواح تمله اللئكة‪ .‬إن ف ذلك لعظم برهان لكم على اختيار طالوت‬
‫ملكًا عليكم بأمر ال‪ ,‬إن كنتم مصدقي بال ورسله‪.‬‬

‫س ِمنّي َومَنْ لَ ْم يَ ْطعَمْهُ فَِإنّ ُه ِمنّي‬ ‫ب ِمنْهُ فََليْ َ‬ ‫جنُودِ قَالَ ِإنّ اللّ َه ُمْبتَلِيكُ ْم ِبَنهَرٍ فَ َم ْن شَرِ َ‬
‫فََلمّا فَصَ َل طَالُوتُ بِالْ ُ‬
‫ف غُرَْف ًة ِبيَدِ هِ فَشَ ِربُوا ِمنْ هُ إِلّ َقلِيلً ِمْنهُ مْ َفلَمّا جَاوَزَ هُ ُه َو وَالّذِي نَ آ َمنُوا َمعَ هُ قَالُوا ل طَاَقةَ َلنَا‬ ‫إِلّ مَ ْن اغْتَرَ َ‬
‫ت وَ ُجنُودِهِ قَا َل الّذِي َن يَ ُظنّونَ َأّنهُ ْم مُلقُو اللّهِ كَمْ مِنْ ِفَئةٍ قَلِيَل ٍة غََلبَتْ ِفَئةً َكثِيَ ًة بِإِذْنِ اللّ ِه وَاللّهُ‬ ‫الَْيوْ َم بِجَالُو َ‬
‫مَ َع الصّابِرِينَ (‪)249‬‬

‫‪66‬‬
‫فلما خرج طالوت بنوده لقتال العمالقة قال لم‪ :‬إن ال متحنكم على الصب بنهر أمامكم تعبونه;‬
‫ليتميّز الؤمن من النافق‪ ,‬فمن شرب منكم من ماء النهر فليس من‪ ,‬ول يصلح للجهاد معي‪ ,‬ومن ل‬
‫يذق الاء فإنه من; لنه مطيع لمري وصال للجهاد‪ ,‬إل مَن ترخّص واغترف غُرْفة واحدة بيده فل لوم‬
‫عليه‪ .‬فلما وصلوا إل النهر انكبوا على الاء‪ ,‬وأفرطوا ف الشرب منه‪ ,‬إل عددًا قليل منهم صبوا على‬
‫العطش والر‪ ,‬واكتفوا بغُرْفة اليد‪ ,‬وحينئذ تلف العصاة‪ .‬ولا عب طالوت النهر هو والقلة الؤمنة معه‬
‫‪-‬وهم ثلثائة وبضعة عشر رجل للقاة العدو‪ ,‬ورأوا كثرة عدوهم وعدّتم‪ ,‬قالوا‪ :‬ل قدرة لنا اليوم‬
‫بالوت وجنوده الشداء‪ ,‬فأجاب الذين يوقنون بلقاء ال‪ ,‬يُذَكّرون إخوانم بال وقدرته قائلي‪ :‬كم من‬
‫جاعة قليلة مؤمنة صابرة‪ ,‬غلبت بإذن ال وأمره جاعة كثية كافرة باغية‪ .‬وال مع الصابرين بتوفيقه‬
‫ونصره‪ ,‬وحسن مثوبته‪.‬‬

‫صبْرا َوثَبّ تْ أَقْدَا َمنَا وَانْ صُ ْرنَا عَلَى اْل َقوْ مِ اْلكَافِرِي نَ (‬
‫غ عََلْينَا َ‬
‫ت وَ ُجنُودِ هِ قَالُوا َرّبنَا أَ ْفرِ ْ‬
‫وَلَمّا بَرَزُوا ِلجَالُو َ‬
‫‪)250‬‬

‫ولا ظهروا لالوت وجنوده‪ ,‬ورأوا الطر رأي العي‪ ,‬فزعوا إل ال بالدعاء والضراعة قائلي‪ :‬ربنا أنزل‬
‫على قلوبنا صبًا عظيمًا‪ ,‬وثبت أقدامنا‪ ,‬واجعلها راسخة ف قتال العدو‪ ,‬ل تفر مِن هول الرب‪,‬‬
‫وانصرنا بعونك وتأييدك على القوم الكافرين‪.‬‬

‫حكْ َم َة َوعَلّمَ ُه ِممّ ا يَشَا ُء وََلوْل دَفْ عُ اللّ هِ‬


‫ك وَالْ ِ‬
‫ت وَآتَا هُ اللّ ُه الْمُلْ َ‬
‫َفهَ َزمُوهُ ْم بِإِذْ نِ اللّ ِه وََقتَلَ دَاوُودُ جَالُو َ‬
‫ض وََلكِنّ اللّهَ ذُو َفضْ ٍل عَلَى الْعَالَ ِميَ (‪)251‬‬ ‫ت الَ ْر ُ‬
‫س َب ْعضَهُ ْم ِبَب ْعضٍ َلفَسَدَ ْ‬ ‫النّا َ‬

‫فهزموهم بإذن ال‪ ,‬وقتل داود ‪-‬عليه السلم‪ -‬جالوتَ قائ َد البابرة‪ ,‬وأعطى ال عز وجل داود بعد‬
‫ذلك اللك والنبوة ف بن إسرائيل‪ ,‬وعَلّمه ما يشاء من العلوم‪ .‬ولول أن يدفع ال ببعض الناس ‪-‬وهم‬
‫أهل الطاعة له واليان به‪ -‬بعضًا‪ ,‬وهم أهل العصية ل والشرك به‪ ,‬لفسدت الرض بغلبة الكفر‪ ,‬وتكّن‬
‫الطغيان‪ ,‬وأهل العاصي‪ ,‬ولكن ال ذو فضل على الخلوقي جيعًا‪.‬‬

‫ك بِالْحَ ّق َوِإنّكَ لَمِ ْن الْ ُم ْرسَلِيَ (‪)252‬‬


‫ك آيَاتُ اللّ ِه َنتْلُوهَا عََليْ َ‬
‫تِلْ َ‬

‫‪67‬‬
‫تلك حجج ال وبراهينه‪ ,‬نقصّها عليك ‪-‬أيها النب‪ -‬بالصدق‪ ,‬وإنك لن الرسلي الصادقي‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫الزء الثالث‬

‫ض ِمْنهُ ْم مَنْ كَلّمَ اللّ ُه َورَفَ َع َب ْعضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآَتْينَا عِيسَى ابْ َن مَ ْريَ َم‬ ‫ضهُ ْم عَلَى َبعْ ٍ‬ ‫تِلْكَ ال ّرسُلُ َفضّ ْلنَا َبعْ َ‬
‫ت وََلكِنْ‬ ‫س وََلوْ شَاءَ اللّ ُه مَا ا ْقَتتَلَ الّذِي َن مِ ْن َبعْ ِدهِ ْم مِ ْن َبعْ ِد مَا جَا َءْتهُ ْم اْلَبيّنَا ُ‬
‫ح اْلقُدُ ِ‬
‫الَْبّينَاتِ َوَأيّ ْدنَاهُ ِبرُو ِ‬
‫ا ْختََلفُوا فَ ِمْنهُ ْم مَنْ آمَ َن َو ِمْنهُ ْم مَنْ َكفَ َر وََل ْو شَاءَ اللّ ُه مَا اقَْتتَلُوا وََلكِنّ اللّ َه َي ْفعَلُ مَا ُيرِيدُ (‪)253‬‬

‫هؤلء الرسل الكرام فضّل ال بعضهم على بعض‪ ,‬بسب ما منّ ال به عليهم‪ :‬فمنهم مَن كلمه ال‬
‫كموسى وممد عليهما الصلة والسلم‪ ,‬وف هذا إثبات صفة الكلم ل عز وجل على الوجه اللئق‬
‫ت عاليةً كمحمد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬بعموم رسالته‪ ,‬وختم النبوة به‪,‬‬ ‫بلله‪ ,‬ومنهم مَن رفعه ال درجا ٍ‬
‫وتفضيل أمته على جيع المم‪ ,‬وغي ذلك‪ .‬وآتى ال تعال عيسى ابن مري عليه السلم البينات العجزات‬
‫الباهرات‪ ,‬كإبراء مَن ولد أعمى بإذن ال تعال‪ ,‬ومَن به برص بإذن ال‪ ,‬وكإحيائه الوتى بإذن ال‪ ,‬وأيده‬
‫ببيل عليه السلم‪ .‬ولو شاء ال أل يقتتل الذين جاؤوا مِن بعد هؤلء الرسل مِن بعد ما جاءتم البينات‬
‫ما اقتتلوا‪ ,‬ولكن وقع الختلف بينهم‪ :‬فمنهم مَن ثبت على إيانه‪ ,‬ومنهم مَن أصر على كفره‪ .‬ولو شاء‬
‫ال بعد ما وقع الختلف بينهم‪ ,‬الوجب للقتتال‪ ,‬ما اقتتلوا‪ ,‬ولكن ال يوفق مَن يشاء لطاعته واليان‬
‫به‪ ,‬ويذل مَن يشاء‪ ,‬فيعصيه ويكفر به‪ ،‬فهو يفعل ما يشاء ويتار‪.‬‬

‫يَا َأيّهَا الّذِينَ آ َمنُوا أَن ِفقُوا مِمّا رَزَ ْقنَاكُ ْم مِنْ َقبْلِ َأنْ َي ْأتِ َي َي ْومٌ ل َبيْعٌ فِي ِه وَل خُّل ٌة وَل َشفَاعَ ٌة وَالْكَاِفرُونَ‬
‫هُمْ الظّالِمُونَ (‪)254‬‬

‫يا من آمنتم بال وصدّقتم رسوله وعملتم بديه أخرجوا الزكاة الفروضة‪ ,‬وتصدّقوا ما أعطاكم ال قبل‬
‫ميء يوم القيامة حي ل بيع فيكون ربح‪ ,‬ول مال تفتدون به أنفسكم مِن عذاب ال‪ ,‬ول صداقة صديق‬
‫تُنقذكم‪ ,‬ول شافع يلك تفيف العذاب عنكم‪ .‬والكافرون هم الظالون التجاوزون حدود ال‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫ض مَنْ ذَا الّذِي‬
‫حيّ اْل َقيّو ُم ل َتأْخُ ُذهُ ِسَن ٌة وَل َنوْمٌ لَ ُه مَا فِي السّ َموَاتِ َومَا فِي الَ ْر ِ‬ ‫اللّهُ ل إِلَهَ إِ ّل ُه َو الْ َ‬
‫شفَعُ عِنْ َدهُ إِلّ بِِإ ْذنِهِ َيعَْل ُم مَا بَيْنَ َأيْدِيهِ ْم َومَا خَ ْل َفهُ ْم وَل يُحِيطُو َن بِشَيْ ٍء مِ ْن عِلْمِهِ إِلّ بِمَا شَا َء َوسِعَ‬
‫يَ ْ‬
‫ض وَل َيئُو ُدهُ ِحفْ ُظ ُهمَا َو ُهوَ اْلعَِليّ اْلعَظِيمُ (‪)255‬‬ ‫كُ ْر ِسيّهُ السّ َموَاتِ وَالَ ْر َ‬

‫ال الذي ل يستحق اللوهية والعبودية إل هو‪ ,‬اليّ الذي له جيع معان الياة الكاملة كما يليق بلله‪,‬‬
‫القائم على كل شيء‪ ,‬ل تأخذه ِسنَة أي‪ :‬نعاس‪ ,‬ول نوم‪ ,‬كل ما ف السموات وما ف الرض ملك له‪,‬‬
‫ول يتجاسر أحد أن يشفع عنده إل بإذنه‪ ,‬ميط علمه بميع الكائنات ماضيها وحاضرها ومستقبلها‪,‬‬
‫يعلم ما بي أيدي اللئق من المور الستقبلة‪ ,‬وما خلفهم من المور الاضية‪ ,‬ول يَطّلعُ أحد من اللق‬
‫على شيء من علمه إل با أعلمه ال وأطلعه عليه‪ .‬وسع كرسيه السموات والرض‪ ,‬والكرسي‪ :‬هو‬
‫موضع قدمي الرب ‪-‬جل جلله‪ -‬ول يعلم كيفيته إل ال سبحانه‪ ,‬ول يثقله سبحانه حفظهما‪ ,‬وهو‬
‫العلي بذاته وصفاته على جيع ملوقاته‪ ,‬الامع لميع صفات العظمة والكبياء‪ .‬وهذه الية أعظم آية ف‬
‫القرآن‪ ,‬وتسمى‪( :‬آية الكرسي)‪.‬‬

‫ك بِاْلعُ ْر َوةِ‬
‫ل إِكْرَاهَ فِي الدّينِ قَ ْد َتبَيّنَ ال ّرشْ ُد مِنْ ال َغيّ َفمَ ْن َي ْكفُ ْر بِالطّاغُوتِ َوُي ْؤمِ ْن بِاللّهِ َفقَ ْد اسْتَمْسَ َ‬
‫اْلوُْثقَى ل انفِصَامَ َلهَا وَاللّ ُه سَمِيعٌ عَلِيمٌ (‪)256‬‬

‫لكمال هذا الدين واتضاح آياته ل يُحتاج إل الكراه عليه لن تُقبل منهم الزية‪ ,‬فالدلئل بينة يتضح با‬
‫الق من الباطل‪ ,‬والدى من الضلل‪ .‬فَمَن يكفر بكل ما ُعبِد من دون ال ويؤمن بال‪ ,‬فقد ثبت‬
‫واستقام على الطريقة الثلى‪ ,‬واستمسك من الدين بأقوى سبب ل انقطاع له‪ .‬وال سيع لقوال عباده‪,‬‬
‫عليم بأفعالم ونياتم‪ ,‬وسيجازيهم على ذلك‪.‬‬

‫خرِجُوَنهُ ْم مِنْ‬
‫خرِ ُجهُ ْم مِنْ الظُّلمَاتِ إِلَى النّورِ وَالّذِينَ َكفَرُوا َأوْلِيَا ُؤهُمْ الطّاغُوتُ يُ ْ‬
‫اللّ ُه وَِليّ الّذِينَ آ َمنُوا يُ ْ‬
‫ب النّا ِر هُمْ فِيهَا خَاِلدُونَ (‪)257‬‬ ‫صحَا ُ‬ ‫النّورِ إِلَى الظّلُمَاتِ ُأوَْلئِكَ أَ ْ‬

‫‪70‬‬
‫ال يتول الؤمني بنصره وتوفيقه وحفظه‪ ,‬يرجهم من ظلمات الكفر‪ ,‬إل نور اليان‪ .‬والذين كفروا‬
‫أنصارهم وأولياؤهم النداد والوثان الذين يعبدونم من دون ال‪ ,‬يُخرجونم من نور اليان إل ظلمات‬
‫الكفر‪ ,‬أولئك أصحاب النار اللزمون لا‪ ,‬هم فيها باقون بقاء أبديًا ل يرجون منها‪.‬‬

‫حيِي َويُمِيتُ قَا َل‬


‫أَلَ ْم تَرَ إِلَى الّذِي حَاجّ ِإبْرَاهِيمَ فِي َربّهِ َأ ْن آتَاهُ اللّ ُه الْمُلْكَ ِإذْ قَالَ ِإبْرَاهِيمُ َربّي الّذِي يُ ْ‬
‫ت ِبهَا مِ ْن الْ َمغْرِبِ َفُب ِهتَ الّذِي َكفَرَ‬
‫ش ِرقِ َفأْ ِ‬
‫س مِ ْن الْمَ ْ‬
‫َأنَا أُ ْحيِي َوُأمِيتُ قَالَ ِإبْرَاهِيمُ فَِإنّ اللّ َه يَ ْأتِي بِالشّ ْم ِ‬
‫وَاللّهُ ل َيهْدِي اْل َق ْومَ الظّالِ ِميَ (‪)258‬‬

‫هل رأيت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أعجب مِن حال هذا الذي جادل إبراهيم عليه السلم ف توحيد ال تعال‬
‫وربوبيته; لن ال أعطاه الُلْك فتجبّر وسأل إبراهيمَ‪ :‬مَن ربّك؟ فقال عليه السلم‪ :‬رب الذي ييي‬
‫اللئق فتحيا‪ ,‬ويسلبها الياة فتموت‪ ,‬فهو التفرد بالحياء والماتة‪ ,‬قال‪ :‬أنا أحيي وأميت‪ ,‬أي أقتل مَن‬
‫أردتُ َقتْلَه‪ ,‬وأستبقي مَن أردت استبقاءه‪ ,‬فقال له إبراهيم‪ :‬إن ال الذي أعبده يأت بالشمس من الشرق‪,‬‬
‫سنّة اللية بأن تعلها تأت من الغرب; فتحيّر هذا الكافر وانقطعت حجته‪,‬‬ ‫فهل تستطيع تغيي هذه ال ّ‬
‫شأنه شأن الظالي ل يهديهم ال إل الق والصواب‪.‬‬

‫حيِي هَ ِذهِ اللّ ُه َبعْ َد َموِْتهَا َفَأمَاتَهُ اللّ ُه مِاَئةَ‬


‫َأوْ كَالّذِي مَ ّر عَلَى قَ ْرَي ٍة َوهِيَ خَا ِوَي ٌة عَلَى عُرُو ِشهَا قَالَ َأنّى يُ ْ‬
‫عَامٍ ثُ ّم َب َعثَهُ قَالَ كَمْ َلِبثْتَ قَالَ َلِبْثتُ َيوْما َأوْ َب ْعضَ َيوْمٍ قَا َل بَلْ َلِبْثتَ مِاَئ َة عَامٍ فَان ُظرْ إِلَى َطعَامِكَ‬
‫ف نُنشِ ُزهَا ثُ ّم َنكْسُوهَا‬ ‫ك آَيةً لِلنّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ َكيْ َ‬ ‫ج َعلَ َ‬
‫سنّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَا ِركَ وَِلنَ ْ‬
‫َوشَرَابِكَ لَ ْم َيتَ َ‬
‫لَحْما فَلَمّا َتَبيّنَ لَهُ قَالَ َأعْلَمُ َأنّ اللّ َه عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( ‪)259‬‬

‫أو هل رأيت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬مثل الذي مرّ على قرية قد تدّمت دورها‪ ,‬و َخوَتْ على عروشها‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫كيف ييي ال هذه القرية بعد موتا؟ فأماته ال مائة عام‪ ,‬ث ردّ إليه روحه‪ ,‬وقال له‪ :‬كم قدر الزمان‬
‫الذي لبثت ميتًا؟ قال‪ :‬بقيت يومًا أو بعض يوم‪ ,‬فأخبه بأنه بقي ميتًا مائة عام‪ ,‬وأمره أن ينظر إل طعامه‬
‫وشرابه‪ ,‬وكيف حفظهما ال من التغيّر هذه الدة الطويلة‪ ,‬وأمره أن ينظر إل حاره كيف أحياه ال بعد‬
‫أن كان عظامًا متفرقة؟ وقال له‪ :‬ولنجعلك آية للناس‪ ,‬أي‪ :‬دللة ظاهرة على قدرة ال على البعث بعد‬
‫الوت‪ ,‬وأمره أن ينظر إل العظام كيف يرفع ال بعضها على بعض‪ ,‬ويصل بعضها ببعض‪ ,‬ث يكسوها‬

‫‪71‬‬
‫بعد اللتئام لمًا‪ ,‬ث يعيد فيها الياة؟ فلما اتضح له ذلك عِيانًا اعترف بعظمة ال‪ ,‬وأنه على كل شيء‬
‫قدير‪ ,‬وصار آية للناس‪.‬‬

‫خ ْذ‬
‫ح ِي الْ َم ْوتَى قَالَ َأوَلَ ْم ُت ْؤمِنْ قَا َل بَلَى وََلكِنْ ِليَطْ َمئِنّ قَ ْلبِي قَالَ فَ ُ‬
‫ف تُ ْ‬
‫َوإِذْ قَالَ ِإبْرَاهِيمُ رَبّ أَ ِرنِي َكيْ َ‬
‫ك َسعْيا وَاعَْلمْ أَنّ اللّهَ‬ ‫ك ثُمّ ا ْجعَ ْل عَلَى ُكلّ َجبَ ٍل ِمْنهُنّ جُزْءا ثُمّ ا ْدعُهُ ّن َي ْأتِينَ َ‬ ‫أَ ْرَب َعةً مِنْ ال ّطيْرِ َفصُ ْرهُنّ إَِليْ َ‬
‫عَزِيزٌ َحكِيمٌ (‪)260‬‬

‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬طلب إبراهيم من ربه أن يريه كيفية البعث‪ ,‬فقال ال له‪َ :‬أوَل تؤمن؟ قال‪ :‬بلى‪,‬‬
‫ولكن أطلب ذلك لزداد يقينًا على يقين‪ ,‬قال‪ :‬فخذ أربعة من الطي فاضممهن إليك واذبهن وقطعهن‪,‬‬
‫ث اجعل على كل جبل منهن جزءًا‪ ,‬ث نادِهن يأتينك مسرعات‪ .‬فنادى إبراهيم عليه السلم‪ ,‬فإذا كل‬
‫جزء يعود إل موضعه‪ ,‬وإذا با تأت مسرعة‪ .‬واعلم أن ال عزيز ل يغلبه شيء‪ ,‬حكيم ف أقواله وأفعاله‬
‫وشرعه وقدره‪.‬‬

‫َمثَلُ الّذِينَ يُن ِفقُونَ َأمْوَاَلهُمْ فِي َسبِيلِ اللّهِ كَ َمثَلِ َحّبةٍ َأْنبََتتْ َسبْ َع َسنَابِلَ فِي كُلّ سُْنبَُل ٍة مِاَئةُ َحّبةٍ وَاللّهُ‬
‫ُيضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللّ ُه وَاسِ ٌع عَلِيمٌ (‪)261‬‬

‫ومِن أعظم ما ينتفع به الؤمنون النفاقُ ف سبيل ال‪ .‬ومثل الؤمني الذين ينفقون أموالم ف سبيل ال‬
‫كمثل حبة زُرِعتْ ف أرض طيبة‪ ,‬فإذا با قد أخرجت ساقًا تشعب منها سبع شعب‪ ,‬لكل واحدة سنبلة‪,‬‬
‫ف كل سنبلة مائة حبة‪ .‬وال يضاعف الجر لن يشاء‪ ,‬بسب ما يقوم بقلب النفق من اليان‬
‫والخلص التام‪ .‬وفضل ال واسع‪ ,‬وهو سبحانه عليم بن يستحقه‪ ,‬مطلع على نيات عباده‪.‬‬

‫الّذِينَ يُن ِفقُونَ َأ ْموَاَلهُمْ فِي سَبِيلِ اللّ ِه ثُ ّم ل ُيتِْبعُونَ مَا أَنفَقُوا َمنّا وَل أَذًى َلهُمْ أَ ْج ُرهُ ْم ِعنْدَ َرّبهِ ْم وَل‬
‫ف عََلْيهِ ْم وَل هُ ْم يَحْ َزنُونَ (‪)262‬‬ ‫َخوْ ٌ‬

‫‪72‬‬
‫الذين يرجون أموالم ف الهاد وأنواع الي‪ ,‬ث ل يتبعون ما أنفقوا من اليات َمنّا على مَن أعطَوه ول‬
‫أذى بقول أو ِفعْ ٍل يشعره بالتفضل عليه‪ ,‬لم ثوابم العظيم عند ربم‪ ,‬ول خوف عليهم فيما يستقبلونه‬
‫من أمر الخرة‪ ,‬ول هم يزنون على شيء فاتم ف هذه الدنيا‪.‬‬

‫ف َو َم ْغفِ َرةٌ َخيْ ٌر مِنْ صَدََق ٍة َيْتَبعُهَا أَذًى وَاللّ ُه َغِنيّ حَلِيمٌ (‪)263‬‬
‫َقوْ ٌل َمعْرُو ٌ‬

‫كلم طيب وعفو عما بدر مِن السائل مِن إلافٍ ف السؤال‪ ,‬خي من صدقة يتبعها من التصدق أذى‬
‫وإساءة‪ .‬وال غن عن صدقات العباد‪ ,‬حليم ل يعاجلهم بالعقوبة‪.‬‬

‫صدَقَاتِكُ ْم بِالْ َم ّن وَالَذَى كَالّذِي يُنفِ ُق مَالَهُ ِرئَا َء النّاسِ وَل ُي ْؤمِنُ بِاللّ ِه وَالَْي ْومِ‬‫يَا َأيّهَا الّذِينَ آ َمنُوا ل تُبْ ِطلُوا َ‬
‫سبُوا وَاللّهُ‬ ‫صلْدا ل َيقْدِرُونَ عَلَى َشيْءٍ مِمّا كَ َ‬ ‫ص ْفوَانٍ عََليْهِ تُرَابٌ َفأَصَابَ ُه وَابِلٌ َفتَرَكَهُ َ‬
‫الخِرِ فَ َمثَلُهُ كَ َمثَلِ َ‬
‫ل َيهْدِي الْ َق ْومَ الْكَافِرِينَ (‪)264‬‬

‫يا من آمنتم بال واليوم الخر ل تُ ْذ ِهبُوا ثواب ما تتصدقون به بال ّن والذى‪ ,‬فهذا شبيه بالذي يرج ماله‬
‫لياه الناس‪ ,‬فيُثنوا عليه‪ ,‬وهو ل يؤمن بال ول يوقن باليوم الخر‪ ,‬فمثل ذلك مثل حجر أملس عليه‬
‫تراب هطل عليه مطر غزير فأزاح عنه التراب‪ ,‬فتركه أملس ل شيء عليه‪ ,‬فكذلك هؤلء الراؤون‬
‫تضمحلّ أعمالم عند ال‪ ,‬ول يدون شيئًا من الثواب على ما أنفقوه‪ .‬وال ل يوفق الكافرين لصابة‬
‫الق ف نفقاتم وغيها‪.‬‬

‫سهِمْ كَ َمثَلِ َجّنةٍ ِب َرْبوَةٍ أَصَاَبهَا وَابِلٌ فَآتَتْ‬


‫َو َمثَلُ الّذِي َن يُن ِفقُونَ َأ ْموَاَلهُمْ اْبِتغَاءَ َمرْضَاةِ اللّ ِه َوَتْثبِيتا مِنْ َأنْفُ ِ‬
‫صْبهَا وَابِلٌ فَطَ ّل وَاللّ ُه بِمَا َتعْمَلُو َن َبصِيٌ ( ‪)265‬‬ ‫ض ْعفَيْنِ فَِإنْ لَ ْم ُي ِ‬
‫أُكَُلهَا ِ‬

‫ومثل الذين ينفقون أموالم طلبًا لرضا ال واعتقادًا راسخًا بصدق وعده‪ ,‬كمثل بستان عظيم بأرض‬
‫عالية طيبة هطلت عليه أمطار غزيرة‪ ,‬فتضاعفت ثراته‪ ,‬وإن ل تسقط عليه المطار الغزيرة فيكفيه رذاذ‬
‫الطر ليعطي الثمرة الضاعفة‪ ,‬وكذلك نفقات الخلصي تُقبل عند ال وتُضاعف‪ ,‬قلّت أم كثُرت‪ ,‬فال‬
‫الُطّلِع على السرائر‪ ,‬البصي بالظواهر والبواطن‪ ,‬يثيب كل بسب إخلصه‪.‬‬
‫‪73‬‬
‫حِتهَا ا َلْنهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلّ الثّ َمرَاتِ‬
‫َأَيوَدّ أَحَدُكُمْ َأ ْن تَكُونَ لَهُ َجّنةٌ مِ ْن َنخِيلٍ َوأَ ْعنَابٍ تَجْرِي مِ ْن َت ْ‬
‫ك يَُبيّنُ اللّهُ َلكُ ْم اليَاتِ َلعَّلكُمْ‬
‫ض َعفَاءُ َفأَصَاَبهَا ِإعْصَارٌ فِي ِه نَارٌ فَا ْحتَرََقتْ َكذَلِ َ‬
‫َوأَصَابَهُ اْلكِبَرُ وَلَهُ ذُ ّرّيةٌ ُ‬
‫َتتَ َفكّرُونَ (‪)266‬‬

‫أيرغب الواحد منكم أن يكون له بستان فيه النخيل والعناب‪ ,‬تري من تت أشجارِه الياه العذبة‪ ,‬وله‬
‫فيه من كل ألوان الثمرات‪ ,‬وقد بلغ ال ِكبَر‪ ,‬ول يستطيع أن يغرس مثل هذا الغرس‪ ,‬وله أولد صغار ف‬
‫حاجة إل هذا البستان وف هذه الالة هبّت عليه ريح شديدة‪ ,‬فيها نار مرقة فأحرقته; وهكذا حال غي‬
‫الخلصي ف نفقاتم‪ ,‬يأتون يوم القيامة ول حسنة لم‪ .‬وبثل هذا البيان يبيّن ال لكم ما ينفعكم; كي‬
‫تتأملوا‪ ,‬فتخلصوا نفقاتكم ل‪.‬‬

‫خبِيثَ ِمنْهُ‬
‫ض وَل َتيَمّمُوا الْ َ‬
‫سْبتُ ْم َومِمّا أَخْ َر ْجنَا َلكُمْ مِنْ الَ ْر ِ‬
‫يَا َأيّهَا الّذِينَ آ َمنُوا أَن ِفقُوا مِ ْن َطّيبَاتِ مَا كَ َ‬
‫ستُ ْم بِآخِذِيهِ إِلّ أَ ْن ُتغْ ِمضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا َأنّ اللّ َه َغنِيّ َحمِيدٌ (‪)267‬‬ ‫تُن ِفقُو َن وَلَ ْ‬

‫يا من آمنتم ب واتبعتم رسلي أنفقوا من اللل الطيب الذي كسبتموه وما أخرجنا لكم من الرض‪,‬‬
‫ول تقصدوا الرديء منه لتعطوه الفقراء‪ ,‬ولو أُعطِيتموه ل تأخذوه إل إذا تغاضيتم عما فيه من رداءة‬
‫ونقص‪ .‬فكيف ترضون ل ما ل ترضونه لنفسكم؟ واعلموا أن ال الذي رزقكم غن عن صدقاتكم‪,‬‬
‫مستحق للثناء‪ ,‬ممود ف كل حال‪.‬‬

‫ضلً وَاللّ ُه وَاسِ ٌع عَلِيمٌ (‪)268‬‬


‫الشّيْطَا ُن َيعِدُكُ ْم اْلفَقْ َر َوَي ْأمُرُكُ ْم بِاْلفَحْشَا ِء وَاللّ ُه َيعِدُكُ ْم َم ْغفِ َرةً ِمنْ ُه وََف ْ‬

‫هذا البخل واختيار الرديء للصدقة من الشيطان الذي يوفكم الفقر‪ ,‬ويغريكم بالبخل‪ ,‬ويأمركم‬
‫بالعاصي ومالفة ال تعال‪ ,‬وال سبحانه وتعال يعدكم على إنفاقكم غفرانًا لذنوبكم ورزقا واسعا‪ .‬وال‬
‫واسع الفضل‪ ,‬عليم بالعمال والنيّات‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫حكْ َمةَ َفقَدْ أُوتِيَ َخيْرا َكثِيا َومَا يَذّكّرُ إِلّ ُأوْلُوا الَْلبَابِ (‪)269‬‬
‫ت الْ ِ‬
‫حكْ َمةَ مَ ْن يَشَاءُ َومَ ْن ُيؤْ َ‬
‫ُيؤْتِي الْ ِ‬

‫يؤت ال الصابة ف القول والفعل مَن يشاء من عباده‪ ,‬ومن أنعم ال عليه بذلك فقد أعطاه خيًا كثيًا‪.‬‬
‫وما يتذكر هذا وينتفع به إل أصحاب العقول الستنية بنور ال وهدايته‪.‬‬

‫ي مِنْ أَنصَارٍ (‪)270‬‬


‫َومَا أَن َف ْقتُمْ مِ ْن َنفَ َقةٍ َأوْ نَ َذ ْرتُ ْم مِ ْن نَذْرٍ فَِإنّ اللّ َه َيعْلَمُ ُه َومَا لِلظّالِمِ َ‬

‫وما أعطيتم من مال أو غيه كثي أو قليل تتصدقون به ابتغاء مرضات ال أو أوجبتم على أنفسكم شيئًا‬
‫من مال أو غيه‪ ,‬فإن ال يعلمه‪ ,‬وهو الُطّلِع على نياتكم‪ ,‬وسوف يثيبكم على ذلك‪ .‬ومَن منع حق ال‬
‫فهو ظال‪ ,‬والظالون ليس لم أنصار ينعونم من عذاب ال‪.‬‬

‫خفُوهَا َوُتؤْتُوهَا اْل ُفقَرَاءَ َف ُهوَ َخيْرٌ َلكُ ْم َويُ َكفّ ُر َعْنكُمْ مِنْ سَّيئَاتِكُمْ‬
‫ِإنْ ُتبْدُوا الصّدَقَاتِ َفِنعِمّا ِهيَ َوِإنْ تُ ْ‬
‫وَاللّهُ بِمَا َتعْمَلُونَ َخبِيٌ (‪)271‬‬

‫إن تظهروا ما تتصدقون به ل فِنعْ َم ما تصدقتم به‪ ,‬وإن تسرّوا با‪ ,‬وتعطوها الفقراء فهذا أفضل لكم;‬
‫لنه أبعد عن الرياء‪ ,‬وف الصدقة ‪-‬مع الخلص‪ -‬مو لذنوبكم‪ .‬وال الذي يعلم دقائق المور‪ ,‬ل يفى‬
‫عليه شيء من أحوالكم‪ ,‬وسيجازي كل بعمله‪.‬‬

‫ك هُدَاهُ ْم وَلَكِنّ اللّ َه َيهْدِي مَ ْن يَشَا ُء َومَا تُنفِقُوا مِنْ َخيْرٍ َفلَنفُسِكُ ْم َومَا تُن ِفقُونَ إِ ّل ابِْتغَا َء وَجْهِ‬
‫َلْيسَ عََليْ َ‬
‫اللّ ِه َومَا تُن ِفقُوا مِنْ َخيْ ٍر ُيوَفّ إَِلْيكُمْ َوأَْنتُ ْم ل تُظْلَمُونَ (‪)272‬‬

‫لست ‪-‬أيها الرسول‪ -‬مسئول عن توفيق الكافرين للهداية‪ ,‬ولكن ال يشرح صدور مَن يشاء لدينه‪,‬‬
‫ويوفقه له‪ .‬وما تبذلوا من مال َيعُ ْد عليكم َن ْفعُه من ال‪ ,‬والؤمنون ل ينفقون إل طلبًا لرضاة ال‪ .‬وما‬
‫تنفقوا من مال ‪-‬ملصي ل‪ -‬توفوا ثوابه‪ ,‬ول تُْن َقصُوا شيئا من ذلك‪ .‬وف الية إثبات صفة الوجه ل‬
‫تعال على ما يليق به سبحانه‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫سُبهُ ْم الْجَاهِلُ َأ ْغِنيَاءَ مِ ْن الّتعَفّفِ‬
‫ستَطِيعُونَ ضَرْبا فِي الَ ْرضِ يَحْ َ‬ ‫لِل ُفقَرَا ِء الّذِينَ أُ ْحصِرُوا فِي َسبِيلِ اللّ ِه ل يَ ْ‬
‫َتعْرُِفهُ ْم بِسِيمَاهُ ْم ل يَسْأَلُونَ النّاسَ إِْلحَافا َومَا تُن ِفقُوا مِنْ َخيْرٍ فَِإنّ اللّ َه بِ ِه عَلِيمٌ (‪)273‬‬

‫اجعلوا صدقاتكم لفقراء السلمي الذين ل يستطيعون السفر; طلبًا للرزق لشتغالم بالهاد ف سبيل ال‪,‬‬
‫يظنهم مَن ل يعرفهم غي متاجي إل الصدقة; لتعففهم عن السؤال‪ ,‬تعرفهم بعلماتم وآثار الاجة‬
‫فيهم‪ ,‬ل يسألون الناس بالكُليّة‪ ,‬وإن سألوا اضطرارًا ل يُِلحّوا ف السؤال‪ .‬وما تنفقوا مِن مال ف سبيل‬
‫ال فل يفى على ال شيء منه‪ ,‬وسيجزي عليه أوفر الزاء وأتّه يوم القيامة‪.‬‬

‫ف عََلْيهِ ْم وَل هُ ْم‬


‫الّذِي َن يُن ِفقُونَ َأ ْموَاَلهُ ْم بِالّليْ ِل وَالنّهَا ِر ِسرّا وَعَلِنيَةً فََل ُهمْ أَجْ ُرهُ ْم ِعنْدَ َرّبهِ ْم وَل َخوْ ٌ‬
‫خبّطُهُ الشّيْطَا ُن مِ ْن الْ َمسّ ذَلِكَ‬ ‫يَحْ َزنُونَ (‪ )274‬الّذِي َن يَأْكُلُونَ ال ّربَا ل َيقُومُونَ إِلّ َكمَا َيقُو ُم الّذِي َيتَ َ‬
‫بَِأّنهُمْ قَالُوا ِإنّمَا اْلَبيْعُ مِثْلُ ال ّربَا َوأَحَلّ اللّ ُه اْلَبيْ َع وَحَ ّرمَ ال ّربَا فَ َمنْ جَا َء ُه َموْعِ َظ ٌة مِنْ َربّهِ فَانَتهَى َفلَ ُه مَا سَلَفَ‬
‫ب النّا ِر هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (‪)275‬‬ ‫َوَأمْ ُرهُ إِلَى اللّهِ َومَنْ عَادَ َفُأوْلَئِكَ أَصْحَا ُ‬

‫الذين يُخْرجون أموالم مرضاة ل ليل ونارًا مسرّين ومعلني‪ ,‬فلهم أجرهم عند ربم‪ ,‬ول خوف عليهم‬
‫فيما يستقبلونه من أمر الخرة‪ ,‬ول هم يزنون على ما فاتم من حظوظ الدنيا‪ .‬ذلك التشريع اللي‬
‫الكيم هو منهاج السلم ف النفاق لا فيه مِن سدّ حاجة الفقراء ف كرامة وعزة‪ ,‬وتطهي مال الغنياء‪,‬‬
‫وتقيق التعاون على الب والتقوى; ابتغاء وجه ال دون قهر أو إكراه الذين يتعاملون بالربا ‪-‬وهو الزيادة‬
‫على رأس الال‪ -‬ل يقومون ف الخرة من قبورهم إل كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من النون;‬
‫ذلك لنم قالوا‪ :‬إنا البيع مثل الربا‪ ,‬ف أن كل منهما حلل‪ ,‬ويؤدي إل زيادة الال‪ ,‬فأكذبم ال‪ ,‬وبيّن‬
‫أنه أحل البيع وحرّم الربا; لا ف البيع والشراء من نفع للفراد والماعات‪ ,‬ولا ف الربا من استغلل‬
‫وضياع وهلك‪ .‬فمن بلغه ني ال عن الربا فارتدع‪ ,‬فله ما مضى قبل أن يبلغه التحري ل إث عليه فيه‪,‬‬
‫وأمره إل ال فيما يستقبل من زمانه‪ ,‬فإن استم ّر على توبته فال ل يضيع أجر الحسني‪ ,‬ومن عاد إل‬
‫الربا ففعله بعد بلوغه ني ال عنه‪ ,‬فقد استوجب العقوبة‪ ,‬وقامت عليه الجة‪ ,‬ولذا قال سبحانه‪:‬‬
‫ب النّا ِر هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)‬
‫(َفأُولَئِكَ أَصْحَا ُ‬

‫حبّ كُلّ َكفّارٍ َأثِيمٍ (‪)276‬‬


‫ت وَاللّ ُه ل يُ ِ‬
‫حقُ اللّهُ ال ّربَا َويُ ْربِي الصّدَقَا ِ‬
‫يَمْ َ‬

‫‪76‬‬
‫يذهب ال الربا كله أو يرم صاحبه بركة ماله‪ ,‬فل ينتفع به‪ ،‬وينمي الصدقات ويكثرها‪ ،‬ويضاعف‬
‫ستَحِلّ أكل الربا‪ ,‬متمادٍ‬
‫الجر للمتصدقي‪ ,‬ويبارك لم ف أموالم‪ .‬وال ل يب كل ُمصِرّ على كفره‪ ,‬مُ ْ‬
‫ف الث والرام ومعاصي ال‪.‬‬

‫ف عََلْيهِمْ‬
‫ت َوأَقَامُوا الصّل َة وَآَتوْا الزّكَاةَ َلهُمْ َأجْ ُرهُ ْم ِعنْدَ َرّبهِ ْم وَل َخوْ ٌ‬
‫ِإنّ الّذِينَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا الصّالِحَا ِ‬
‫وَل هُ ْم َيحْ َزنُونَ (‪)277‬‬

‫إن الذين صدقوا ال ورسوله‪ ,‬وعملوا العمال الطيبة‪ ,‬وأدّوا الصلة كما أمر ال ورسوله‪ ,‬وأخرجوا‬
‫زكاة أموالم‪ ,‬لم ثواب عظيم خاص بم عند ربم ورازقهم‪ ,‬ول يلحقهم خوف ف آخرتم‪ ,‬ول حزن‬
‫على ما فاتم من حظوظ دنياهم‪.‬‬

‫يَا َأيّهَا الّذِينَ آ َمنُوا اّتقُوا اللّ َه َوذَرُوا مَا َب ِقيَ مِنْ ال ّربَا ِإنْ كُنتُ ْم ُم ْؤ ِمنِيَ (‪)278‬‬

‫يا من آمنتم بال واتبعتم رسوله خافوا ال‪ ,‬واتركوا طلب ما بقي لكم من زيادة على رؤوس أموالكم‬
‫الت كانت لكم قبل تري الربا‪ ,‬إن كنتم مققي إيانكم قول وعمل‪.‬‬

‫ب مِنْ اللّ ِه وَ َرسُولِ ِه َوإِ ْن ُتبْتُمْ َفَلكُمْ رُءُوسُ َأ ْموَاِلكُ ْم ل تَظْلِمُو َن وَل تُ ْظلَمُونَ (‬
‫حرْ ٍ‬
‫فَِإنْ َل ْم َتفْعَلُوا َفأْ َذنُوا بِ َ‬
‫‪)279‬‬

‫فإن ل ترتدعوا عما ناكم ال عنه فاستيقنوا برب من ال ورسوله‪ ,‬وإن رجعتم إل ربكم وتركتم أَكْلَ‬
‫الربا فلكم أَخْذُ ما لكم من ديون دون زيادة‪ ,‬ل تَظْلمون أحدًا بأخذ ما زاد على رؤوس أموالكم‪ ,‬ول‬
‫يظلمكم أحد بنقص ما أقرضتم‪.‬‬

‫َوإِنْ كَانَ ذُو عُسْ َرةٍ َفنَظِ َرةٌ إِلَى َميْسَ َر ٍة َوأَ ْن َتصَدّقُوا َخيْرٌ َلكُمْ ِإنْ كُنتُ ْم َتعَْلمُونَ (‪)280‬‬

‫‪77‬‬
‫وإن كان الدين غي قادر على السداد فأمهلوه إل أن ييسّر ال له رزقًا فيدفع إليكم مالكم‪ ,‬وإن تتركوا‬
‫رأس الال كله أو بعضه وتضعوه عن الدين فهو أفضل لكم‪ ,‬إن كنتم تعلمون َفضْلَ ذلك‪ ,‬وأنّه خي لكم‬
‫ف الدنيا والخرة‪.‬‬

‫سَبتْ َوهُ ْم ل يُظَْلمُونَ (‪)281‬‬


‫س مَا كَ َ‬
‫وَاّتقُوا َيوْما ُترْ َجعُونَ فِيهِ إِلَى اللّ ِه ثُ ّم ُتوَفّى ُك ّل َنفْ ٍ‬

‫واحذروا ‪-‬أيها الناس‪ -‬يومًا ترجعون فيه إل ال‪ ,‬وهو يوم القيامة‪ ,‬حيث تعرضون على ال ليحاسبكم‪,‬‬
‫فيجازي كل واحد منكم با عمل من خي أو شر دون أن يناله ظلم‪ .‬وف الية إشارة إل أن اجتناب ما‬
‫حرم ال من الكاسب الربوية‪ ,‬تكميل لليان وحقوقه من إقام الصلة وإيتاء الزكاة وعمل الصالات‪.‬‬

‫يَا َأيّهَا الّذِينَ آ َمنُوا إِذَا تَدَايَنتُ ْم بِ َديْنٍ إِلَى أَجَ ٍل مُسَمّى فَا ْكُتبُو ُه وَْليَ ْكُتبْ َبْينَكُمْ كَاِتبٌ بِاْلعَدْلِ وَل َيأْ َ‬
‫ب‬
‫س ِمنْ ُه َشيْئا فَِإنْ‬‫خ ْ‬ ‫ب وَْليُمْلِ ْل الّذِي عََليْ ِه الْحَ ّق وَْلَيتّقِ اللّهَ َربّ ُه وَل َيبْ َ‬ ‫كَاتِبٌ َأنْ َي ْكتُبَ كَمَا عَلّمَهُ اللّهُ فَ ْلَيكُْت ْ‬
‫شهِدُوا‬ ‫ستَطِيعُ أَ ْن يُمِ ّل ُهوَ فَ ْليُ ْملِ ْل وَِليّهُ بِاْلعَدْلِ وَا ْستَ ْ‬
‫ضعِيفا َأ ْو ل يَ ْ‬ ‫كَانَ الّذِي عََليْ ِه الْحَ ّق َسفِيها َأوْ َ‬
‫شهَدَاءِ َأ ْن تَضِلّ إِ ْحدَاهُمَا‬ ‫ض ْو َن مِنْ ال ّ‬ ‫َشهِي َديْ ِن مِنْ رِجَاِلكُمْ فَِإنْ لَ ْم َيكُونَا رَ ُجَليْنِ فَ َرجُ ٌل وَامْ َرَأتَا ِن مِمّ ْن تَرْ َ‬
‫صغِيا َأوْ َكبِيا إِلَى أَ َجلِهِ‬ ‫سَأمُوا أَ ْن َتكُْتبُوهُ َ‬ ‫شهَدَاءُ إِذَا مَا ُدعُوا وَل تَ ْ‬ ‫َفتُذَكّرَ إِ ْحدَاهُمَا الُخْرَى وَل َيأْبَ ال ّ‬
‫شهَا َدةِ َوأَ ْدنَى أَلّ َت ْرتَابُوا إِلّ َأنْ تَكُونَ تِجَا َرةً حَاضِ َر ًة تُدِيرُوَنهَا َبيَْنكُمْ فََلْيسَ‬ ‫ط ِعنْدَ اللّ ِه َوأَ ْقوَمُ لِل ّ‬
‫ذَِلكُمْ أَقْسَ ُ‬
‫ق بِكُمْ‬ ‫عََليْكُمْ ُجنَاحٌ أَ ّل تَ ْكُتبُوهَا َوَأ ْشهِدُوا إِذَا َتبَاَي ْعتُ ْم وَل ُيضَارّ كَاِتبٌ وَل َشهِي ٌد َوإِ ْن َت ْفعَلُوا فَِإنّهُ فُسُو ٌ‬
‫وَاّتقُوا اللّ َه َوُيعَلّ ُمكُمْ اللّ ُه وَاللّ ُه ِبكُلّ َشيْ ٍء عَلِيمٌ (‪)282‬‬

‫يا من آمنتم بال واتبعتم رسوله ممدًا صلى ال عليه وسلم إذا تعاملتم ب َديْن إل وقت معلوم فاكتبوه;‬
‫حفظًا للمال ودفعًا للناع‪ .‬ولْيقُم بالكتابة رجل أمي ضابط‪ ,‬ول يتنع مَن علّمه ال الكتابة عن ذلك‪,‬‬
‫ولْيقم الدين بإملء ما عليه من ال ّديْن‪ ,‬ولياقب ربه‪ ,‬ول ينقص من دينه شيئا‪ .‬فإن كان الدين مجورًا‬
‫عليه لتبذيره وإسرافه‪ ,‬أو كان صغيًا أو منونًا‪ ,‬أو ل يستطيع النطق لرس به أو عدم قدرة كاملة على‬
‫الكلم‪ ,‬فليتو ّل الملء عن الدين القائم بأمره‪ ,‬واطلبوا شهادة رجلي مسل َميْن باِلغَيْن عاقَليْن من أهل‬
‫سَيتْ إحداها‬ ‫العدالة‪ .‬فإن ل يوجد رجلن‪ ,‬فاطلبوا شهادة رجل وامرأتي ترضون شهادتم‪ ,‬حت إذا نَ ِ‬
‫ذكّرتا الخرى‪ ,‬وعلى الشهداء أن ييبوا مَن دعاهم إل الشهادة‪ ,‬وعليهم أداؤها إذا ما دعوا إليها‪ ,‬ول‬

‫‪78‬‬
‫تَمَلّوا من كتابة الدّين قليل أو كثيًا إل وقته العلوم‪ .‬ذلكم أعدل ف شرع ال وهديه‪ ,‬وأعظم عونًا على‬
‫إقامة الشهادة وأدائها‪ ,‬وأقرب إل نفي الشك ف جنس الدّين وقدره وأجله‪ .‬لكن إن كانت السألة‬
‫مسألة بيع وشراء‪ ،‬بأخذ سلعة ودفع ثنها ف الال‪ ،‬فل حاجة إل الكتابة‪ ,‬ويستحب الشهاد على ذلك‬
‫منعًا للناع والشقاق‪ ،‬ومن الواجب على الشاهد والكاتب أداء الشهادة على وجهها والكتابة كما أمر‬
‫ال‪ .‬ول يوز لصاحب الق ومَن عليه الق الضرار بال ُكتّاب والشهود‪ ،‬وكذلك ل يوز لل ُكتّاب‬
‫والشهود أن يضارّوا بن احتاج إل كتابتهم أو شهادتم‪ ،‬وإن تفعلوا ما نيتم عنه فإنه خروج عن طاعة‬
‫ال‪ ،‬وعاقبة ذلك حالّة بكم‪ .‬وخافوا ال ف جيع ما أمركم به‪ ،‬وناكم عنه‪ ،‬ويعلمكم ال جيع ما يصلح‬
‫دنياكم وأخراكم‪ .‬وال بكل شيء عليم‪ ،‬فل يفى عليه شيء من أموركم‪ ،‬وسيجازيكم على ذلك‪.‬‬

‫ضكُ ْم َبعْضا فَ ْلُيؤَدّ الّذِي ا ْؤتُمِنَ َأمَاَنتَهُ‬


‫ضةٌ فَِإنْ َأمِ َن َبعْ ُ‬
‫َوإِنْ كُنتُمْ عَلَى َسفَ ٍر وَلَمْ ِتدُوا كَاتِبا َف ِرهَانٌ َم ْقبُو َ‬
‫وَْليَتّقِ اللّهَ َربّ ُه وَل َتكْتُمُوا الشّهَا َدةَ َومَ ْن َي ْكتُ ْمهَا فَِإنّ ُه آثِمٌ َق ْلبُهُ وَاللّ ُه بِمَا َتعْ َملُو َن عَلِيمٌ (‪)283‬‬

‫وإن كنتم مسافرين ول تدوا مَن يكتب لكم فادفعوا إل صاحب الق شيئًا يكون عنده ضمانًا لقّه إل‬
‫أن يردّ الدينُ ما عليه من دين‪ ,‬فإن وثق بعضكم ببعض فل حرج ف ترك الكتابة والشهاد والرهن‪,‬‬
‫ويبقى الدّين أمانة ف ذمّة الدين‪ ,‬عليه أداؤه‪ ,‬وعليه أن يراقب ال فل يون صاحبه‪ .‬فإن أنكر الدين ما‬
‫عليه من دين‪ ,‬وكان هناك مَن حضر وشهد‪ ,‬فعليه أن يظهر شهادته‪ ,‬ومن أخفى هذه الشهادة فهو‬
‫صاحب قلب غادر فاجر‪ .‬وال الُطّلِع على السرائر‪ ,‬الحيط علمه بكل أموركم‪ ,‬سيحاسبكم على ذلك‪.‬‬

‫خفُوهُ يُحَاسِْبكُ ْم بِهِ اللّهُ َفَيغْفِرُ ِلمَنْ‬


‫لِلّ ِه مَا فِي السّ َموَاتِ َومَا فِي الَ ْرضِ َوِإنْ ُتبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ َأ ْو تُ ْ‬
‫ب مَ ْن يَشَا ُء وَاللّ ُه عَلَى كُ ّل َشيْءٍ َقدِيرٌ (‪)284‬‬‫يَشَاءُ َويُعَذّ ُ‬

‫ل ملك السموات والرض وما فيهما ملكًا وتدبيًا وإحاطة‪ ,‬ل يفى عليه شيء‪ .‬وما تظهروه ما ف‬
‫أنفسكم أو تفوه فإن ال يعلمه‪ ,‬وسيحاسبكم به‪ ,‬فيعفو عمن يشاء‪ ,‬ويؤاخذ من يشاء‪ .‬وال قادر على‬
‫كل شيء‪ ,‬وقد أكرم ال السلمي بعد ذلك فعفا عن حديث النفس وخطرات القلب ما ل يتبعها كلم‬
‫أو عمل‪ ,‬كما ثبت ذلك عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫ق َبيْنَ أَ َحدٍ‬
‫آمَنَ ال ّرسُو ُل بِمَا أُنزِلَ إَِليْهِ مِنْ َربّ ِه وَالْ ُم ْؤ ِمنُونَ كُلّ آمَ َن بِاللّ ِه َومَلئِ َكتِ ِه وَكُُتبِ ِه وَ ُرسُلِ ِه ل ُنفَ ّر ُ‬
‫مِنْ ُرسُلِ ِه وَقَالُوا سَ ِم ْعنَا َوَأ َطعْنَا ُغفْرَانَكَ َرّبنَا َوإَِليْكَ الْ َمصِيُ (‪)285‬‬

‫صدّق وأيقن رسول ال ممد صلى ال عليه وسلم با أوحي إليه من ربه وحُقّ له أن يُوقن‪ ,‬والؤمنون‬
‫كذلك صدقوا وعملوا بالقرآن العظيم‪ ,‬كل منهم صدّق بال ربا وإلًا متصفًا بصفات اللل والكمال‪,‬‬
‫وأن ل ملئكة كرامًا‪ ,‬وأنه أنزل كتبًا‪ ,‬وأرسل إل خلقه رسل ل نؤمن ‪-‬نن الؤمني‪ -‬ببعضهم وننكر‬
‫بعضهم‪ ,‬بل نؤمن بم جيعًا‪ .‬وقال الرسول والؤمنون‪ :‬سعنا يا ربنا ما أوحيت به‪ ,‬وأطعنا ف كل ذلك‪,‬‬
‫نرجو أن تغفر ‪-‬بفضلك‪ -‬ذنوبنا‪ ,‬فأنت الذي ربّيتنا با أنعمت به علينا‪ ,‬وإليك ‪-‬وحدك‪ -‬مرجعنا‬
‫ومصينا‪.‬‬

‫سبَتْ َرّبنَا ل ُتؤَاخِ ْذنَا ِإنْ نَسِينَا َأوْ أَ ْخ َطأْنَا‬


‫سَبتْ َوعََلْيهَا مَا ا ْكتَ َ‬‫ل يُكَلّفُ اللّ ُه َنفْسا إِ ّل ُو ْسعَهَا َلهَا مَا كَ َ‬
‫ف َعنّا‬ ‫حمّ ْلنَا مَا ل طَاَقةَ َلنَا بِ ِه وَاعْ ُ‬
‫حمِ ْل عََلْينَا إِصْرا كَمَا حَمَ ْلتَ ُه عَلَى الّذِينَ مِنْ َقبِْلنَا َرّبنَا وَل تُ َ‬
‫َرّبنَا وَل تَ ْ‬
‫ت َموْلنَا فَانصُ ْرنَا عَلَى الْ َق ْو ِم الْكَافِرِينَ (‪)286‬‬ ‫وَا ْغفِرْ َلنَا وَارْحَ ْمنَا َأنْ َ‬

‫دين ال يسر ل مشقة فيه‪ ,‬فل يطلب ال مِن عباده ما ل يطيقونه‪ ,‬فمن فعل خيًا نال خيًا‪ ,‬ومن فعل‬
‫شرّا نال شرّا‪ .‬ربنا ل تعاقبنا إن نسينا شيئًا ما افترضته علينا‪ ,‬أو أخطأنا ف ِفعْل شيء نيتنا عن فعله‪,‬‬
‫ربّنا ول تكلفنا من العمال الشاقة ما كلفته مَن قبلنا من العصاة عقوبة لم‪ ,‬ربنا ول تُحَمّ ْلنَا ما ل‬
‫نستطيعه من التكاليف والصائب‪ ,‬وامح ذنوبنا‪ ,‬واستر عيوبنا‪ ,‬وأحسن إلينا‪ ,‬أنت مالك أمرنا ومدبره‪,‬‬
‫فانصرنا على مَن جحدوا دينك وأنكروا وحدانيتك‪ ,‬وكذّبوا نبيك ممدًا صلى ال عليه وسلم‪ ,‬واجعل‬
‫العاقبة لنا عليهم ف الدنيا والخرة‪.‬‬

‫‪ -3‬سورة آل عمران‬

‫ال (‪)1‬‬

‫‪80‬‬
‫سبق الكلم عليها ف أول سورة البقرة‪.‬‬

‫حيّ اْل َقيّومُ (‪)2‬‬


‫اللّهُ ل إِلَهَ إِ ّل ُه َو الْ َ‬

‫هو ال‪ ,‬ل معبود بق إل هو‪ ,‬التصف بالياة الكاملة كما يليق بلله‪ ,‬القائم على كل شيء‪.‬‬

‫س َوأَنْ َزلَ‬
‫ب بِالْحَقّ مُصَدّقا ِلمَا َبيْنَ يَ َديْ ِه َوَأنْزَ َل الّتوْرَا َة وَا ِلنْجِيلَ (‪ )3‬مِنْ َقبْ ُل هُدًى لِلنّا ِ‬
‫ك اْلكِتَا َ‬
‫نَزّ َل عََليْ َ‬
‫الْفُرْقَانَ ِإنّ الّذِينَ َكفَرُوا بِآيَاتِ اللّهِ َلهُمْ عَذَابٌ شَدِي ٌد وَاللّ ُه عَزِيزٌ ذُو انِْتقَامٍ (‪)4‬‬

‫نَزّل عيك القرآن بالق الذي ل ريب فيه‪ ,‬مصدّقًا لا قبله من كتب ورسل‪ ,‬وأنزل التوراة على موسى‬
‫علبه السلم‪ ,‬والنيل على عيسى عليه السلم من قبل نزول القرآن; لرشاد التقي إل اليان‪ ,‬وصلح‬
‫دينهم ودنياهم‪ ,‬وأنزل ما يفرق بي الق والباطل‪ .‬والذين كفروا بآيات ال النلة‪ ,‬لم عذاب عظيم‪.‬‬
‫وال عزيز ل ُيغَالَب‪ ,‬ذو انتقام بن جحد حججه وأدلته‪ ,‬وتفرّده باللوهية‪.‬‬

‫ض وَل فِي السّمَاءِ (‪)5‬‬


‫خفَى عََليْهِ َشيْءٌ فِي الَ ْر ِ‬
‫ِإنّ اللّ َه ل يَ ْ‬

‫إن ال ميط علمه باللئق‪ ,‬ل يفى عليه شيء ف الرض ول ف السماء‪ ,‬قلّ أو كثر‪.‬‬

‫حكِيمُ (‪)6‬‬
‫صوّرُكُمْ فِي الَرْحَامِ َكيْفَ يَشَاءُ ل إِلَهَ إِلّ ُه َو اْلعَزِي ُز الْ َ‬
‫ُهوَ الّذِي ُي َ‬

‫هو وحده الذي يلقكم ف أرحام أمهاتكم كما يشاء‪ ,‬من ذكر وأنثى‪ ,‬وحسن وقبيح‪ ,‬وشقي وسعيد‪,‬‬
‫ل معبود بق سواه‪ ,‬العزيز الذي ل يُغالَب‪ ,‬الكيم ف أمره وتدبيه‪.‬‬

‫ت هُنّ أُمّ الْ ِكتَا بِ َوأُ َخ ُر ُمتَشَاِبهَا تٌ َفَأمّ ا الّذِي نَ فِي‬ ‫حكَمَا ٌ‬ ‫ك الْ ِكتَا بَ ِمنْ هُ آيَا تٌ ُم ْ‬ ‫ُهوَ الّذِي َأنْزَلَ عََليْ َ‬
‫قُلُوِبهِمْ َزيْغٌ َفَيّتبِعُونَ مَا تَشَابَ َه ِمنْهُ اْبتِغَا َء اْل ِفتَْن ِة وَاْبِتغَاءَ َت ْأوِيلِ ِه َومَا َيعَْل ُم تَ ْأوِيلَهُ إِلّ اللّهُ وَالرّاسِخُونَ فِي اْلعِلْمِ‬
‫َيقُولُونَ آ َمنّا بِهِ كُ ّل مِ ْن ِعنْدِ َرّبنَا َومَا يَذّكّرُ إِلّ ُأوْلُوا الَْلبَابِ (‪)7‬‬

‫‪81‬‬
‫هو وحده الذي أنزل عليك القرآن‪ :‬منه آيات واضحات الدللة‪ ,‬هن أصل الكتاب الذي يُرجع إليه عند‬
‫الشتباه‪ ,‬ويُرَدّ ما خالفه إليه‪ ,‬ومنه آيات أخر متشابات تتمل بعض العان‪ ,‬ل يتعيّن الراد منها إل‬
‫بضمها إل الحكم‪ ,‬فأصحاب القلوب الريضة الزائغة‪ ,‬لسوء قصدهم يتبعون هذه اليات التشابات‬
‫وحدها; ليثيوا الشبهات عند الناس‪ ,‬كي يضلوهم‪ ,‬ولتأويلهم لا على مذاهبهم الباطلة‪ .‬ول يعلم حقيقة‬
‫معان هذه اليات إل ال‪ .‬والتمكنون ف العلم يقولون‪ :‬آمنا بذا القرآن‪ ,‬كله قد جاءنا من عند ربنا‬
‫على لسان رسوله ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬ويردّون متشابه إل مكمه‪ ,‬وإنا يفهم ويعقل ويتدبر‬
‫العان على وجهها الصحيح أولو العقول السليمة‪.‬‬

‫ت اْلوَهّابُ (‪)8‬‬
‫َرّبنَا ل ُت ِزغْ ُقلُوَبنَا َبعْدَ إِ ْذ هَ َدْيَتنَا َو َهبْ َلنَا مِنْ َل ُدنْكَ رَحْ َمةً ِإنّكَ َأنْ َ‬

‫ويقولون‪ :‬يا ربنا ل تَصْرِف قلوبنا عن اليان بك بعد أن مننت علينا بالداية لدينك‪ ,‬وامنحنا من فضلك‬
‫رحة واسعة‪ ,‬إنك أنت الوهاب‪ :‬كثي الفضل والعطاء‪ ,‬تعطي مَن تشاء بغي حساب‪.‬‬

‫َرّبنَا إِنّكَ جَا ِم ُع النّاسِ ِلَي ْومٍ ل َرْيبَ فِيهِ ِإنّ اللّ َه ل يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (‪)9‬‬

‫ك فيه‪ ,‬وهو يوم القيامة‪ ,‬إنّك ل تُخلف ما‬


‫يا ربنا إنا ُنقِ ّر ونشهد بأنك ستجمع الناس ف يوم ل شَ ّ‬
‫وعَدْتَ به عبادك‪.‬‬

‫ِإنّ الّذِينَ َكفَرُوا لَ ْن ُتغِْنيَ عَْنهُمْ َأ ْموَاُلهُ ْم وَل َأوْل ُدهُ ْم مِنْ اللّ ِه َشيْئا َوُأوَْلئِكَ هُ ْم وَقُو ُد النّارِ (‪)10‬‬

‫إن الذين جحدوا الدين الق وأنكروه‪ ,‬لن تنفعهم أموالم ول أولدهم من عذاب ال شيئًا إن وقع بم‬
‫ف الدنيا‪ ,‬ولن تدفعه عنهم ف الخرة‪ ,‬وهؤلء هم حطب النار يوم القيامة‪.‬‬

‫كَ َدأْبِ آلِ ِف ْرعَ ْونَ وَالّذِي َن مِنْ َقبِْل ِهمْ كَ ّذبُوا بِآيَاتِنَا َفأَخَ َذهُمْ اللّ ُه بِ ُذنُوِبهِمْ وَاللّ ُه شَدِيدُ الْ ِعقَابِ (‪)11‬‬

‫‪82‬‬
‫شأن الكافرين ف تكذيبهم وما ينل بم‪ ,‬شأن آل فرعون والذين من قبلهم من الكافرين‪ ,‬أنكروا آيات‬
‫ال الواضحة‪ ,‬فعاجلهم بالعقوبة بسبب تكذيبهم وعنادهم‪ .‬وال شديد العقاب لن كفر به وكذّب‬
‫رسله‪.‬‬

‫س الْ ِمهَادُ (‪)12‬‬


‫شرُونَ إِلَى َج َهنّمَ َوبِْئ َ‬
‫قُلْ لِلّذِينَ َكفَرُوا َسُتغَْلبُو َن َوتُحْ َ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ ،-‬للذين كفروا من اليهود وغيهم والذين استهانوا بنصرك ف "بَدْر"‪ :‬إنكم سُتهْزَمون‬
‫ف الدنيا وستموتون على الكفر‪ ,‬وتشرون إل نار جهنم; لتكون فراشًا دائمًا لكم‪ ,‬وبئس الفراش‬

‫ي الْ َعيْ ِن وَاللّ هُ‬


‫قَدْ كَا نَ َلكُ ْم آَيةٌ فِي ِفَئتَيْ ِن اْلَتقَتَا ِفَئ ٌة ُتقَاتِلُ فِي َسبِيلِ اللّ ِه َوأُ ْخرَى كَافِ َرٌة يَ َر ْوَنهُ ْم ِمثَْلْيهِ مْ َرأْ َ‬
‫ُيؤَيّ ُد ِبَنصْ ِرهِ مَنْ يَشَاءُ ِإنّ فِي ذَلِكَ َل ِعبْ َرةً ُلوْلِي الَْبصَارِ (‪)13‬‬

‫قد كان لكم ‪-‬أيها اليهود التكبون العاندون‪ -‬دللة عظيمة ف جاعتي تقابلتا ف معركة "بَدْر"‪ :‬جاعة‬
‫تقاتل من أجل دين ال‪ ,‬وهم ممد صلى ال عليه وسلم وأصحابه‪ ,‬وجاعة أخرى كافرة بال‪ ,‬تقاتل من‬
‫أجل الباطل‪ ,‬ترى الؤمني ف العدد مثليهم رأي العي‪ ,‬وقد جعل ال ذلك سببًا لنصر السلمي علبهم‪.‬‬
‫وال يؤيّد بنصره من يشاء من عباده‪ .‬إن ف هذا الذي حدث َلعِظة عظيمة لصحاب البصائر الذين‬
‫يهتدون إل حكم ال وأفعاله‪.‬‬

‫س ّو َمةِ‬
‫خيْ ِل الْمُ َ‬
‫ضةِ وَالْ َ‬
‫ب وَالْ ِف ّ‬
‫ت مِ ْن النّ سَاءِ وَاْلَبنِيَ وَاْل َقنَاطِ ِي الْ ُم َقنْطَ َرةِ مِ نْ ال ّذهَ ِ‬‫ش َهوَا ِ‬
‫ُزيّ نَ لِلنّا سِ ُحبّ ال ّ‬
‫حيَاةِ ال ّدْنيَا وَاللّ ُه ِعنْ َدهُ حُسْ ُن الْمَآبِ (‪)14‬‬ ‫ك َمتَاعُ الْ َ‬
‫حرْثِ ذَلِ َ‬
‫وَا َلْنعَامِ وَالْ َ‬

‫ب الشهوات من النساء والبني‪ ,‬والموال الكثية من الذهب والفضة‪ ,‬واليل السان‪,‬‬ ‫حُسّن للناس ح ّ‬
‫والنعام من البل والبقر والغنم‪ ,‬والرض التّخَذة للغراس والزراعة‪ .‬ذلك زهرة الياة الدنيا وزينتها‬
‫الفانية‪ .‬وال عنده حسن الرجع والثواب‪ ,‬وهو النّة‪.‬‬

‫حِتهَا ا َلْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا خَالِدِينَ‬


‫ت تَجْرِي مِ ْن تَ ْ‬
‫خيْ ٍر مِنْ ذَِلكُمْ لِلّذِي َن اّت َقوْا ِعنْدَ َرّبهِمْ َجنّا ٌ‬
‫قُلْ َأ ُؤَنبُّئكُ ْم بِ َ‬
‫ضوَانٌ مِنْ اللّ ِه وَاللّ ُه َبصِيٌ بِالْ ِعبَادِ (‪)15‬‬‫ج مُ َطهّ َرةٌ وَرِ ْ‬‫فِيهَا َوأَ ْزوَا ٌ‬

‫‪83‬‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬أأخبكم بي ما ُزيّن للنّاس ف هذه الياة الدنيا‪ ,‬لن راقب ال وخاف عقابه‬
‫جنات تري من تت قصورها وأشجارها النار‪ ,‬خالدين فيها‪ ,‬ولم فيها أزواج مطهرات من اليض‬
‫والنفاس وسوء اللق‪ ,‬ولم أعظم من ذلك‪ :‬رضوان من ال‪ .‬وال مطّلِع على سرائر خلقه‪ ,‬عال‬
‫بأحوالم‪ ,‬وسيجازيهم على ذلك‪.‬‬

‫الّذِي َن َيقُولُونَ َرّبنَا ِإّننَا آ َمنّا فَا ْغفِرْ َلنَا ُذنُوبَنَا وَِقنَا عَذَابَ النّارِ (‪)16‬‬

‫هؤلء العباد التقون يقولون‪ :‬إننا آمنا بك‪ ,‬واتبعنا رسولك ممدًا صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فامْ ُح عنا ما‬
‫اقترفناه من ذنوب‪ ,‬وننا من عذاب النار‪.‬‬

‫سَت ْغفِرِي َن بِا َلسْحَارِ (‪)17‬‬


‫ي وَالْمُ ْ‬
‫ي وَالْ ُمْن ِفقِ َ‬
‫ي وَاْلقَانِتِ َ‬
‫الصّابِرِي َن وَالصّادِقِ َ‬

‫هم الذين اتصفوا بالصب على الطاعات‪ ,‬وعن العاصي‪ ,‬وعلى ما يصيبهم من أقدار ال الؤلة‪ ,‬وبالصدق‬
‫ف القوال والفعال وبالطاعة التامة‪ ,‬وبالنفاق سرا وعلنية‪ ,‬وبالستغفار ف آخر الليل; لنه مَ ِظنّة‬
‫القبول وإجابة الدعاء‪.‬‬

‫حكِيمُ (‪)18‬‬‫َشهِدَ اللّهُ َأنّهُ ل إِلَهَ إِ ّل ُهوَ وَالْمَلئِ َك ُة َوُأوْلُوا الْعِ ْلمِ قَائِما بِاْلقِسْطِ ل إِلَهَ إِ ّل ُهوَ اْلعَزِي ُز الْ َ‬
‫ش هد ال أ نه التفرد بالل ية‪ ,‬وقَرَ نَ شهاد ته بشهادة اللئ كة وأ هل العلم‪ ,‬على أجلّ مشهود عل يه‪ ,‬و هو‬
‫توحيده تعال وقيامه بالعدل‪ ,‬ل إله إل هو العزيز الذي ل يتنع عليه شيء أراده‪ ,‬الكيم ف أقواله وأفعاله‬

‫ف الّذِي نَ أُوتُوا اْلكِتَا بَ إِ ّل مِ ْن َبعْدِ مَا جَا َءهُ ْم اْلعِلْ ُم َبغْيا َبْينَهُ ْم َومَ نْ‬
‫ِإنّ الدّي َن ِعنْدَ اللّ ِه الِ سْلمُ َومَا ا ْختَلَ َ‬
‫يَ ْكفُ ْر بِآيَاتِ اللّهِ فَِإنّ اللّ َه َسرِي ُع الْحِسَابِ (‪)19‬‬

‫إن الدين الذي ارتضاه ال للقه وأرسل به رسله‪ ,‬ول َيقْبَل غيه هو السلم‪ ,‬وهو النقياد ل وحده‬
‫بالطاعة والستسلم له بالعبودية‪ ,‬واتباع الرسل فيما بعثهم ال به ف كل حي حت خُتموا بحمد صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ,‬الذي ل يقبل ال مِن أحد بعد بعثته دينًا سوى السلم الذي أُرسل به‪ .‬وما وقع اللف‬
‫بي أهل الكتاب من اليهود والنصارى‪ ,‬فتفرقوا شيعًا وأحزابًا إل من بعد ما قامت الجة عليهم بإرسال‬

‫‪84‬‬
‫الرسل وإنزال الكتب; بغيًا وحسدًا طلبًا للدنيا‪ .‬ومن يحد آيات ال النلة وآياته الدالة على ربوبيته‬
‫وألوهيته‪ ,‬فإن ال سريع الساب‪ ,‬وسيجزيهم با كانوا يعملون‪.‬‬

‫ت وَ ْجهِي ِللّ ِه َومَنْ اّتَب َعنِي وَقُلْ لِلّذِينَ أُوتُوا اْل ِكتَابَ وَا ُلمّيّيَ َأأَسْلَ ْمتُمْ َفإِنْ أَسْلَمُوا‬
‫فَإِنْ حَاجّوكَ َفقُلْ أَسْلَ ْم ُ‬
‫ك الْبَلغُ وَاللّ ُه َبصِيٌ بِاْل ِعبَادِ (‪)20‬‬ ‫َفقَ ْد اهْتَدَوا َوإِ ْن َتوَلّوْا فَِإنّمَا عََليْ َ‬

‫فإن جادلك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أهل الكتاب ف التوحيد بعد أن أقمت الجة عليهم فقل لم‪ :‬إنن أخلصت‬
‫ل وحده فل أشرك به أحدًا‪ ,‬وكذلك من اتبعن من الؤمني‪ ,‬أخلصوا ل وانقادوا له‪ .‬وقل لم ولشركي‬
‫العرب وغيهم‪ :‬إن أسلمتم فأنتم على الطريق الستقيم والدى والق‪ ,‬وإن توليتم فحسابكم على ال‪,‬‬
‫وليس عليّ إل البلغ‪ ,‬وقد أبلغتكم وأقمت عليكم الجة‪ .‬وال بصي بالعباد‪ ,‬ل يفى عليه من أمرهم‬
‫شيء‪.‬‬

‫ي ِبغَيْرِ حَقّ َوَي ْقتُلُو َن الّذِي َن َي ْأمُرُونَ بِاْلقِسْطِ مِ ْن النّاسِ َفبَشّ ْرهُمْ‬
‫ِإنّ الّذِي َن َيكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّ ِه َوَيقْتُلُونَ النِّبيّ َ‬
‫ِبعَذَابٍ أَلِيمٍ (‪)21‬‬

‫إن الذين يحدون بالدلئل الواضحة وما جاء به الرسلون‪ ,‬ويقتلون أنبياء ال ظلمًا بغي حق‪ ,‬ويقتلون‬
‫الذين يأمرون بالعدل واتباع طريق النبياء‪ ,‬فبشّرهم بعذاب موجع‪.‬‬

‫صرِينَ (‪)22‬‬
‫ك الّذِينَ َحبِ َطتْ َأعْمَاُلهُمْ فِي ال ّدْنيَا وَال ِخ َرةِ َومَا َلهُ ْم مِ ْن نَا ِ‬
‫ُأوْلَئِ َ‬

‫أولئك الذين بطلت أعمالم ف الدنيا والخرة‪ ,‬فل يُقبل لم عمل‪ ,‬وما لم من ناص ٍر ينصرهم من عذاب‬
‫ال‪.‬‬

‫حكُ َم َبْيَنهُ ْم ثُمّ َيتَوَلّى فَرِي قٌ مِْنهُ مْ‬


‫أَلَ ْم َترَى إِلَى الّذِي نَ أُوتُوا نَ صِيبا مِ ْن اْلكِتَا بِ يُ ْد َعوْ نَ إِلَى ِكتَا بِ اللّ هِ ِليَ ْ‬
‫َوهُمْ ُمعْرِضُونَ (‪)23‬‬

‫‪85‬‬
‫أرأيت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أعجب من حال هؤلء اليهود الذين أتاهم ال حظا من الكتاب فعلموا أن ما‬
‫جئت به هو الق‪ ,‬يُدْعون إل ما جاء ف كتاب ال ‪-‬وهو القرآن‪ -‬ليفصل بينهم فيما اختلفوا فيه‪ ,‬فإن‬
‫ل يوافق أهواءهم َيأْبَ كثي منهم حكم ال; لن من عادتم العراض عن الق؟‬

‫سنَا النّارُ إِلّ َأيّاما َمعْدُودَاتٍ َوغَ ّرهُمْ فِي دِيِنهِ ْم مَا كَانُوا َي ْفتَرُونَ (‪)24‬‬
‫ك ِبَأّنهُمْ قَالُوا لَ ْن تَمَ ّ‬
‫ذَلِ َ‬

‫ذلك النصراف عن الق سببه اعتقاد فاسد لدى أهل الكتاب; بأنم لن يعذّبوا إل أيامًا قليلة‪ ,‬وهذا‬
‫العتقاد أدى إل جرأتم على ال واستهانتهم بدينه‪ ,‬واستمرارهم على دينهم الباطل الذي َخدَعوا به‬
‫أنفسهم‪.‬‬

‫سَبتْ وَهُ ْم ل يُ ْظلَمُونَ (‪)25‬‬


‫َف َكيْفَ ِإذَا جَ َم ْعنَاهُمْ ِلَي ْومٍ ل َرْيبَ فِي ِه َووُّفيَتْ كُ ّل َن ْفسٍ مَا كَ َ‬

‫فكيف يكون حالم إذا جعهم ال ليحاسَبوا ف يوم ل شك ف وقوعه ‪-‬وهو يوم القيامة‪ ،-‬وأخذ كل‬
‫واحد جزا َء ما اكتسب‪ ,‬وهم ل يظلمون شيئا؟‬

‫ك مِمّ ْن تَشَا ُء َوتُعِ ّز مَ نْ تَشَاءُ َوتُذِلّ مَ ْن تَشَاءُ‬


‫ع الْمُلْ َ‬
‫ك مَ ْن تَشَاءُ َوتَنْزِ ُ‬
‫ك ُت ْؤتِي الْ ُملْ َ‬
‫ك الْمُلْ ِ‬
‫قُلْ الّلهُمّ مَالِ َ‬
‫ك عَلَى ُك ّل شَيْءٍ قَدِيرٌ (‪)26‬‬ ‫خيْرُ ِإنّ َ‬
‫ِبيَدِ َك الْ َ‬

‫قل ‪-‬أيها النب متوجها إل ربك بالدعاء‪ :-‬يا مَن لك اللك كلّه‪ ,‬أنت الذي تنح اللك والال والتمكي‬
‫ف الرض مَن تشاء مِن خلقك‪ ,‬وتسلب اللك من تشاء‪ ,‬وتب العزة ف الدنيا والخرة مَن تشاء‪ ,‬وتعل‬
‫الذلّة على من تشاء‪ ,‬بيدك الي‪ ,‬إنك ‪-‬وحدك‪ -‬على كل شيء قدير‪ .‬وف الية إثبات لصفة اليد ل‬
‫تعال على ما يليق به سبحانه‪.‬‬

‫حيّ َوتَ ْرزُ قُ‬


‫ج الْ َميّ تَ مِ ْن الْ َ‬
‫خرِ ُ‬
‫حيّ مِ ْن الْ َميّ تِ َوتُ ْ‬
‫ج الْ َ‬
‫خرِ ُ‬
‫تُولِ جُ الّليْلَ فِي الّنهَا ِر َوتُولِ ُج الّنهَارَ فِي الّليْ ِل َوتُ ْ‬
‫مَ ْن تَشَا ُء ِبغَيْرِ حِسَابٍ (‪)27‬‬

‫‪86‬‬
‫ومن دلئل قدرتك أنك تُدخل الليل ف النهار‪ ,‬وتُدخل النهار ف الليل‪ ,‬فيطول هذا ويقصر ذاك‪ ,‬وتُخرج‬
‫الي من اليت الذي ل حياة فيه‪ ,‬كإخراج الزرع من الب‪ ,‬والؤمن من الكافر‪ ,‬وتُخرج اليت من الي‬
‫كإخراج البيض من الدجاج‪ ,‬وترزق من تشاء مَن خلقك بغي حساب‪.‬‬

‫س مِ نْ اللّ هِ فِي َشيْءٍ إِلّ أَ نْ‬


‫ل َيتّخِ ْذ الْ ُم ْؤ ِمنُو َن اْلكَافِرِي نَ َأوِْليَاءَ مِ نْ دُو نِ الْ ُم ْؤ ِمنِيَ َومَ ْن َي ْفعَلْ ذَلِ كَ َفَليْ َ‬
‫َتتّقُوا ِمْنهُ ْم ُتقَاةً َويُحَذّرُكُمْ اللّ ُه َنفْسَهُ َوإِلَى اللّ ِه الْ َمصِيُ (‪)28‬‬

‫ينهى ال الؤمني أن يتخذوا الكافرين أولياء بالحبة والنصرة من دون الؤمني‪ ,‬ومَن يتولم فقد برِئ من‬
‫ال‪ ,‬وال برِيء منه‪ ,‬إل أن تكونوا ضعافًا خائفي فقد رخّص ال لكم ف مهادنتهم اتقاء لشرهم‪ ,‬حت‬
‫تقوى شوكتكم‪ ,‬ويذركم ال نفسه‪ ,‬فاتقوه وخافوه‪ .‬وإل ال وحده رجوع اللئق للحساب والزاء‪.‬‬

‫خفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ َأ ْو ُتبْدُو ُه َيعْلَمْ هُ اللّ ُه َوَيعْلَ ُم مَا فِي ال سّ َموَاتِ َومَا فِي الَرْ ضِ وَاللّ ُه عَلَى‬
‫قُلْ إِ نْ ُت ْ‬
‫كُ ّل َشيْءٍ َقدِيرٌ (‪)29‬‬

‫قل ‪-‬أيها النب‪ -‬للمؤمني‪ :‬إن تكتموا ما استقر ف قلوبكم من مالة الكافرين ونصرتم أم تظهروا ذلك‬
‫ف على ال منه شيء‪ ,‬فإنّ علمه ميط بكل ما ف السماوات وما ف الرض‪ ,‬وله القدرة التامة على‬‫ل يَخْ َ‬
‫كل شيء‪.‬‬

‫حضَرا َومَا عَمِلَ تْ مِ نْ سُوءٍ َتوَدّ َلوْ َأنّ َبْينَهَا َوبَْينَ هُ َأمَدا َبعِيدا‬
‫َيوْ َم تَجِدُ كُ ّل َنفْ سٍ مَا عَمِلَ تْ مِ نْ َخيْ ٍر ُم ْ‬
‫ف بِاْل ِعبَادِ (‪)30‬‬
‫َويُحَذّرُكُمْ اللّهُ نَفْسَ ُه وَاللّهُ رَءُو ٌ‬

‫وف يوم القيامة بوم الزاء تد كل نفس ما عملت من خي ينتظرها موفرًا لتُجزَى به‪ ,‬وما عملت من‬
‫عمل سيّئ تده ف انتظارها أيضًا‪ ,‬فتتمن لو أن بينها وبي هذا العمل زمنًا بعيدًا‪ .‬فاستعدوا لذا اليوم‪,‬‬
‫وخافوا بطش الله البار‪ .‬ومع شدّة عقابه فإنه سبحانه رءوف بالعباد‪.‬‬

‫حِببْكُمْ اللّ ُه َوَي ْغفِرْ َلكُمْ ُذنُوبَكُ ْم وَاللّ ُه َغفُورٌ رَحِيمٌ (‪)31‬‬
‫حبّونَ اللّهَ فَاّتِبعُونِي يُ ْ‬
‫قُلْ ِإنْ ُكْنتُ ْم تُ ِ‬

‫‪87‬‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬إن كنتم تبون ال حقا فاتبعون وآمنوا ب ظاهرًا وباطنًا‪ ,‬يببكم ال‪ ,‬وي ُح‬
‫ذنوبكم‪ ,‬فإنه غفور لذنوب عباده الؤمني‪ ,‬رحيم بم‪ .‬وهذه الية الكرية حاكمة على كل من ادعى‬
‫مبة ال ‪-‬تعال‪ -‬وليس متبعًا لنبيه مصد صلى ال عيه وسلم حق التباع‪ ,‬مطيعًا له ف أمره ونيه‪ ,‬فإنه‬
‫كاذب ف دعواه حت يتابع الرسول صلى ال عليه وسلم حق التباع‪.‬‬

‫ب اْلكَافِرِينَ (‪)32‬‬
‫ح ّ‬
‫قُلْ َأطِيعُوا اللّ َه وَال ّرسُولَ فَِإ ْن َتوَلّوْا فَِإنّ اللّ َه ل يُ ِ‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬أطيعوا ال باتباع كتابه‪ ,‬وأطيعوا الرسول باتباع سنته ف حياته وبعد ماته‪ ,‬فإن هم‬
‫أعرضوا عنك‪ ,‬وأصروا على ما هم عليه مِن كفر وضلل‪ ,‬فليسوا أهل لحبة ال; فإن ال ل يب‬
‫الكافرين‪.‬‬

‫ِإنّ اللّ َه اصْ َطفَى آ َد َم َونُوحا وَآلَ إِبْرَاهِي َم وَآ َل عِمْرَانَ عَلَى اْلعَالَمِيَ (‪)33‬‬

‫إن ال اختار آدم ونوحًا وآل إبراهيم وآل عمران‪ ,‬وجعلهم أفضل أهل زمانم‪.‬‬

‫ضهَا مِ ْن َب ْعضٍ وَاللّ ُه سَمِيعٌ عَلِيمٌ (‪)34‬‬


‫ُذ ّرّيةً َب ْع ُ‬

‫هؤلء النبياء والرسل سلسلة ُطهْر متواصلة ف الخلص ل وتوحيده والعمل بوحيه‪ .‬وال سيع لقوال‬
‫عباده‪ ,‬عليم بأفعالم‪ ,‬وسيجازيهم على ذلك‪.‬‬

‫حرّرا َفَت َقبّ ْل ِمنّي ِإنّ كَ َأنْ تَ ال سّمِي ُع اْلعَلِي مُ (‬


‫ك مَا فِي بَ ْطنِي مُ َ‬
‫ت امْ َرأَ ُة عِمْرَا نَ رَبّ ِإنّي نَذَرْ تُ لَ َ‬
‫إِذْ قَالَ ْ‬
‫‪)35‬‬

‫اذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ما كان من أمر مري وأمها وابنها عيسى عليه السلم; لتردّ بذلك على من ادعوا‬
‫أُلوهية عيسى أو بنوّته ل سبحانه‪ ,‬إذ قالت امرأة عمران حي حلت‪ :‬يا ربّ إن جعلت لك ما ف بطن‬
‫خالصا لك‪ ,‬لدمة "بيت القدس"‪ ,‬فتقبّل من; إنك أنت وحدك السميع لدعائي‪ ,‬العليم بنيت‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫ضعَ تْ وََليْ سَ الذّكَرُ كَا ُلْنثَى َوإِنّي سَ ّميُْتهَا‬
‫ضعُْتهَا ُأْنثَى وَاللّ هُ َأعْلَ ُم بِمَا وَ َ‬
‫ض َعْتهَا قَالَ تْ رَبّ ِإنّي وَ َ‬
‫فََلمّا وَ َ‬
‫ك وَذُ ّرّيَتهَا مِنْ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ (‪)36‬‬ ‫مَ ْريَ َم َوِإنّي ُأعِي ُذهَا بِ َ‬

‫فلما تّ حلها ووضعت مولودها قالت‪ :‬ربّ إن وضعتها أنثى ل تصلح للخدمة ف "بيت القدس" ‪-‬وال‬
‫ضعَتْ‪ ,‬وسوف يعل ال لا شأنًا‪ -‬وقالت‪ :‬وليس الذكر الذي أردت للخدمة كالنثى ف‬ ‫أعلم با و َ‬
‫ذلك; لن الذكر أقوى على الدمة وأ ْقوَم با‪ ,‬وإن سّيتها مري‪ ,‬وإن حصّنتها بك هي وذريّتها من‬
‫الشيطان الطرود من رحتك‪.‬‬

‫ب وَجَدَ‬
‫َفَتقَبَّلهَا َرّبهَا ِب َقبُولٍ حَ سَ ٍن َوَأْنبََتهَا َنبَاتا حَ سَنا وَ َكفَّلهَا زَكَ ِريّا كُلّمَا َدخَ َل عََلْيهَا زَكَ ِريّا الْ ِمحْرَا َ‬
‫ك هَذَا قَاَلتْ هُ َو مِ ْن ِعنْدِ اللّهِ ِإنّ اللّ َه يَ ْر ُزقُ مَ ْن يَشَا ُء ِب َغيْرِ حِسَابٍ (‪)37‬‬
‫عِنْ َدهَا ِرزْقا قَا َل يَا مَ ْريَمُ َأنّى لَ ِ‬

‫فاستجاب ال دعاءها وقبل منها نَذْرها أحسن قَبول‪ ,‬وتولّى ابنتها مري بالرعاية فأنبتها نباتًا حسنًا‪ ,‬ويسّر‬
‫ال لا زكريا عليه السلم كافل فأسكنها ف مكان عبادته‪ ,‬وكان كلّما دخل عليها هذا الكان وجد‬
‫عندها رزقًا هنيئًا معدّا قال‪ :‬يا مري من أين لكِ هذا الرزق الطيب؟ قالت‪ :‬هو رزق من عند ال‪ .‬إن ال‬
‫‪-‬بفضله‪ -‬يرزق مَن يشاء مِن خلقه بغي حساب‪.‬‬

‫ُهنَالِكَ َدعَا زَكَ ِريّا َربّهُ قَالَ رَبّ هَبْ لِي مِنْ َل ُدنْكَ ذُ ّرّي ًة َطيَّبةً ِإنّكَ سَمِيعُ ال ّدعَاءِ (‪)38‬‬

‫عندما رأى زكريا ما أكرم ال به مري مِن رزقه وفضله توجه إل ربه قائل يا ربّ أعطن من عندك ولدًا‬
‫صالًا مباركًا‪ ,‬إنك سيع الدعاء لن دعاك‪.‬‬

‫َفنَا َدتْ ُه الْمَلئِ َك ُة َوهُوَ قَائِ ٌم يُ صَلّي فِي الْ ِمحْرَا بِ أَنّ اللّ َه ُيبَشّرُ كَ بِيَحْيَى مُ صَدّقا بِكَِل َمةٍ مِ نْ اللّ ِه وَ سَيّدا‬
‫حيَ (‪)39‬‬ ‫وَ َحصُورا َونَِبيّا مِ ْن الصّالِ ِ‬

‫فنادته اللئكة وهو واقف بي يدي ال ف مكان صلته يدعوه‪ :‬أن ال يبك بب يسرّك‪ ,‬وهو أنك‬
‫سترزق بولد اسه يي‪ُ ,‬يصَدّق بكلمة من ال ‪-‬وهو عيسى ابن مري عليه السلم‪ ،-‬ويكون يي سيدًا‬
‫ف قومه‪ ,‬له الكانة والنلة العالية‪ ,‬وحصورًا ل يأت الذنوب والشهوات الضارة‪ ,‬ويكون نبيّا من‬
‫الصالي الذين بلغوا ف الصّلح ذروته‪.‬‬
‫‪89‬‬
‫قَالَ رَبّ أَنّى يَكُو نُ لِي غُل ٌم وَقَ ْد بََل َغنِي اْل ِكبَ ُر وَامْ َرَأتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِ كَ اللّ ُه َي ْفعَ ُل مَا يَشَاءُ (‪ )40‬قَا َل‬
‫َسهبّحْ بِاْلعَشِيّ‬
‫ّكه َكثِيا و َ‬
‫ّامه إِلّ َرمْزا وَاذْكُرْ َرب َ‬ ‫ّاسه ثَلَثةَ َأي ٍ‬
‫ّمه الن َ‬ ‫ُكه أَ ّل تُكَل َ‬ ‫رَبّ ا ْجعَلْ لِي آَيةً قَا َل آَيت َ‬
‫وَا ِلْبكَارِ (‪)41‬‬

‫ب أنّى يكون ل غلم مع أن الشيخوخة قد بلغت من مبلغها‪ ,‬وامرأت عقيم‬ ‫قال زكريا فرحًا متعجبًا‪ :‬ر ّ‬
‫ل تلد؟ قال‪ :‬كذلك يفعل ال ما يشاء من الفعال العجيبة الخالفة للعادة قال زكريّا‪ :‬رب اجعل ل‬
‫علمةً أستد ّل با على وجود الولد من; ليحصل ل السرور والستبشار‪ ,‬قال‪ :‬علمتك الت طلبتها‪ :‬أل‬
‫تستطيع التحدث إل الناس ثلثة أيام إل بإشارة إليهم‪ ,‬مع أنك سويّ صحيح‪ ,‬وف هذه الدة أكثِرْ من‬
‫ذكر ربك‪ ,‬وصلّ له أواخر النهار وأوائله‪.‬‬

‫َوإِذْ قَاَلتْ الْمَلِئ َكةُ يَا مَ ْريَمُ إِنّ اللّ َه اصْ َطفَاكِ َو َطهّ َر ِك وَاصْ َطفَا ِك عَلَى نِسَاءِ اْلعَالَمِيَ (‪)42‬‬

‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬حي قالت اللئكة‪ :‬يا مري إن ال اختاركِ لطاعته وطهّركِ من الخلق الرذيلة‪,‬‬
‫واختاركِ على نساء العالي ف زمانك‪.‬‬

‫جدِي وَارْ َكعِي مَعَ الرّا ِكعِيَ (‪)43‬‬


‫ك وَاسْ ُ‬
‫يَا مَ ْريَ ُم ا ْقنُتِي لِ َربّ ِ‬
‫يا مري داومي على الطاعة لربك‪ ,‬وقومي ف خشوع وتواضع‪ ,‬واسجدي واركعي مع الراكعي; شكرًا‬
‫ل على ما أولكِ من نعمه‬

‫ك مِ ْن أْنبَا ِء الْ َغيْبِ نُوحِيهِ إَِليْكَ َومَا ُكنْتَ لَ َدْيهِمْ ِإ ْذ يُ ْلقُونَ أَقْلمَهُمْ َأّيهُ ْم َي ْكفُلُ َم ْريَ َم َومَا ُكنْتَ لَ َدْيهِمْ‬
‫ذَلِ َ‬
‫خَتصِمُونَ (‪)44‬‬ ‫إِ ْذ يَ ْ‬

‫ذلك الذي قصصناه عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من أخبار الغيب الت أوحاها ال إليك‪ ,‬إذ ل تكن معهم حي‬
‫اختلفوا ف كفالة مري أيّهم أحق با وأول‪ ,‬ووقع بينهم الصام‪ ,‬فأجْ َروْا القرعة للقاء أقلمهم‪ ,‬ففاز‬
‫زكريا عليه السلم بكفالتها‪.‬‬

‫ت الْمَلئِ َك ُة يَا َم ْريَ مُ ِإنّ اللّ َه ُيبَشّرُ ِك بِكَِل َم ٍة ِمنْ هُ ا سْمُ ُه الْمَ سِي ُح عِي سَى ابْ ُن َم ْريَ َم وَجِيها فِي ال ّدْنيَا‬
‫إِذْ قَالَ ْ‬
‫‪90‬‬
‫وَال ِخ َرةِ َومِ ْن الْ ُمقَ ّرِبيَ (‪)45‬‬

‫وما كنت ‪ -‬يا نب ال ‪ -‬هناك حي قالت اللئكة‪ :‬يا مري إن ال يُبَشّ ْر ِك بولد يكون وجوده بكلمة من‬
‫ال‪ ,‬أي يقول له‪" :‬كن"‪ ,‬فيكون‪ ,‬اسه السيح عيسى ابن مري‪ ,‬له الاه العظيم ف الدنيا والخرة‪ ,‬ومن‬
‫القربي عند ال يوم القيامة‪.‬‬

‫َويُكَلّ ُم النّاسَ فِي الْ َمهْ ِد وَ َك ْهلً َومِ ْن الصّالِحِيَ (‪)46‬‬

‫ويكلم الناس ف الهد بعد ولدته‪ ,‬وكذلك يكلمهم ف حال كهولته با أوحاه ال إليه‪ .‬وهذا تكليم‬
‫النبوّة والدعوة والرشاد‪ ,‬وهو معدود من أهل الصلح والفضل ف قوله وعمله‪.‬‬

‫سنِي بَشَرٌ قَالَ َكذَلِ كِ اللّ ُه يَخْلُ ُق مَا يَشَاءُ ِإذَا قَضَى َأمْرا فَِإنّمَا‬
‫قَالَ تْ رَبّ َأنّ ى َيكُو نُ لِي وَلَ ٌد وَلَ ْم يَمْ سَ ْ‬
‫َيقُولُ لَهُ كُنْ َفَيكُونُ (‪)47‬‬
‫قالت مري متعجبة من هذا المر‪ :‬أنّى يكون ل ولد وأنا لست بذات زوج ول بَ ِغيّ؟ قال لا الَلَك‪ :‬هذا‬
‫الذي يدث لكِ ليس بستبعد على الله القادر‪ ,‬الذي يوجِد ما يشاء من العدم‪ ,‬فإذا أراد إياد شيء فإنا‬
‫يقول له‪" :‬كُن" فيكون‬

‫حكْ َمةَ وَالّتوْرَا َة وَالِنِيلَ (‪)48‬‬


‫ب وَالْ ِ‬
‫َوُيعَلّمُ ُه الْ ِكتَا َ‬

‫ويعلمه الكتابة‪ ,‬والسداد ف القول والفعل‪ ,‬والتوراة الت أوحاها ال إل موسى عليه السلم‪ ,‬والنيل‬
‫الذي أنزل ال عليه‪.‬‬

‫وَرَسُولً إِلَى َبنِي إِسْرَائِيلَ َأنّي قَدْ ِجْئتُكُ ْم بِآَيةٍ مِنْ َرّبكُمْ َأنّي أَخْلُقُ َلكُ ْم مِنْ الطّيِ َكهَْيَئةِ ال ّطيْرِ َفأَنفُخُ فِي ِه‬
‫ص َوأُ ْحيِ الْ َم ْوتَى بِإِذْنِ اللّ ِه َوُأَنّبئُكُمْ بِمَا َتأْكُلُو َن َومَا تَدّ ِخرُونَ‬
‫ئ الَكْمَهَ وَا َلبْرَ َ‬
‫َفيَكُو ُن َطيْرا بِإِذْنِ اللّ ِه َوُأبْرِ ُ‬
‫ك لَيةً َلكُمْ ِإنْ ُكْنتُ ْم ُم ْؤمِنيَ (‪)49‬‬ ‫فِي ُبيُوتِكُمْ ِإنّ فِي ذَلِ َ‬

‫ويعله رسول إل بن إسرائيل‪ ,‬ويقول لم‪ :‬إن قد جئتكم بعلمة من ربكم تدلّ على أن مرسل من ال‪,‬‬
‫وهي أن أصنع لكم من الطي مثل شكل الطي‪ ,‬فأنفخ فيه فيكون طيًا حقيقيا بإذن ال‪ ,‬وأَشفي مَن وُلِد‬

‫‪91‬‬
‫أعمى‪ ,‬ومَن به برص‪ ,‬وأُحيي من كان ميتًا بإذن ال‪ ,‬وأخبكم با تأكلون وتدّخرون ف بيوتكم من‬
‫طعامكم‪ .‬إن ف هذه المور العظيمة الت ليست ف قدرة البشر لدليل على أن نب ال ورسوله‪ ,‬إن كنتم‬
‫مصدّقي حجج ال وآياته‪ ,‬مقرّين بتوحيده‪.‬‬

‫َومُ صَدّقا لِمَا َبيْ َن يَدَيّ مِ ْن الّتوْرَا ِة وَلُحِلّ َلكُ مْ بَعْ ضَ الّذِي حُرّ مَ عََلْيكُ مْ وَ ِجْئتُكُ مْ بِآَي ٍة مِ نْ َربّكُ مْ فَاّتقُوا‬
‫اللّ َه َوأَطِيعُونِ (‪)50‬‬

‫وجئتكم مصدقًا با ف التوراة‪ ,‬ولحلّ لكم بوحي من ال بعض ما حرّمه ال عليكم تفيفًا من ال‬
‫ورحة‪ ,‬وجئتكم بجة من ربكم على صدق ما أقول لكم‪ ,‬فاتقوا ال ول تالفوا أمره‪ ,‬وأطيعون فيما‬
‫أبلغكم به عن ال‪.‬‬

‫ستَقِيمٌ (‪)51‬‬
‫ط مُ ْ‬
‫صرَا ٌ‬
‫ِإنّ اللّهَ َربّي وَ َرّبكُمْ فَاعْبُدُو ُه هَذَا ِ‬

‫إن ال الذي أدعوكم إليه هو وحده رب وربكم فاعبدوه‪ ,‬فأنا وأنتم سواء ف العبودية والضوع له‪,‬‬
‫وهذا هو الطريق الذي ل اعوجاج فيه‪.‬‬

‫حوَا ِريّو نَ َنحْ نُ َأنْ صَارُ اللّ هِ آ َمنّ ا بِاللّ هِ‬


‫س عِي سَى ِمْنهُ ْم اْل ُكفْرَ قَا َل مَ نْ َأنْ صَارِي إِلَى اللّ هِ قَا َل الْ َ‬
‫فََلمّ ا أَحَ ّ‬
‫وَا ْشهَ ْد ِبَأنّا مُسِْلمُونَ (‪)52‬‬

‫فلما استشعر عيسى منهم التصميم على الكفر نادى ف أصحابه الُلّص‪ :‬مَن يكون معي ف نصرة دين‬
‫ال؟ قال أصفياء عيسى‪ :‬نن أنصار دين ال والداعون إليه‪ ,‬صدّقنا بال واتبعناك‪ ,‬واشهد أنت يا عيسى‬
‫بأنا مستسلمون ل بالتوحيد والطاعة‪.‬‬

‫ت وَاّتَبعْنَا ال ّرسُولَ فَا ْكُتبْنَا مَعَ الشّاهِدِينَ (‪)53‬‬


‫َرّبنَا آمَنّا بِمَا َأنْزَْل َ‬

‫ربنا صدّقنا با أنزلت من النيل‪ ,‬واتبعنا رسولك عيسى عليه السلم‪ ,‬فاجعلنا من شهدوا لك بالوحدانية‬
‫ولنبيائك بالرسالة‪ ,‬وهم أمة ممد صلى ال عليه وسلم الذين يشهدون للرسل بأنم بلّغوا أمهم‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫َومَكَرُوا َو َمكَرَ اللّ ُه وَاللّهُ َخيْ ُر الْمَاكِرِينَ (‪)54‬‬

‫ومكر الذين كفروا من بن إسرائيل بعيسى عليه السلم‪ ,‬بأن وكّلوا به من يقتله ِغيْلة‪ ,‬فألقى ال َشبَه‬
‫عيسى على رجل دلّهم عليه فأمسكوا به‪ ,‬وقتلوه وصلبوه ظنا منهم أنه عيسى عليه السلم‪ ,‬وال خي‬
‫الاكرين‪ .‬وف هذا إثبات صفة الكر ل ‪-‬تعال‪ -‬على ما يليق بلله وكماله; لنه مكر بق‪ ,‬وف مقابلة‬
‫مكر الاكرين‪.‬‬

‫ك وَرَاِفعُ كَ إَِليّ َومُ َطهّرُ َك مِ ْن الّذِي نَ َكفَرُوا وَجَاعِ ُل الّذِي َن اتَّبعُو كَ َفوْ قَ‬ ‫إِذْ قَالَ اللّ ُه يَا عِي سَى ِإنّي ُمَتوَفّي َ‬
‫ختَِلفُونَ (‪)55‬‬ ‫الّذِينَ َكفَرُوا إِلَى َي ْو ِم اْلقِيَا َمةِ ثُمّ إِلَ ّي مَ ْر ِجعُكُمْ َفأَ ْحكُ ُم َبْينَكُمْ فِيمَا ُكْنتُمْ فِي ِه تَ ْ‬

‫ل ببدنك‬
‫ومكر ال بم حي قال ال لعيسى‪ :‬إن قابضك من الرض من غي أن ينالك سوء‪ ,‬ورافعك إ ّ‬
‫وروحك‪ ,‬وملصك من الذين كفروا بك‪ ,‬وجاعل الذين اتبعوك أي على دينك وما جئت به عن ال من‬
‫الدين والبشارة بحمد صلى ال عليه وسلم وآمَنوا بحمد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬بعد بعثنه‪ ,‬والتزموا‬
‫شريعته ظاهرين على الذين جحدوا نبوتك إل يوم القيامة‪ ,‬ث إلّ مصيكم جيعًا يوم الساب‪ ,‬فأفصِل‬
‫بينكم فيما كنتم فيه تتلفون من أمر عيسى عليه السلم‪.‬‬

‫صرِينَ (‪)56‬‬
‫َفَأمّا الّذِينَ َكفَرُوا َفأُعَ ّذُبهُ ْم عَذَابا شَدِيدا فِي ال ّدْنيَا وَال ِخ َرةِ َومَا َلهُ ْم مِ ْن نَا ِ‬

‫فأمّا الذين كفروا بالسيح من اليهود أو غَلَوا فيه من النصارى‪ ,‬فأعذبم عذابًا شديدًا ف الدنيا‪ :‬بالقتل‬
‫وس ْلبِ الموال وإزالة اللك‪ ,‬وف الخرة بالنار‪ ,‬وما لم مِن ناصر ينصرهم ويدفع عنهم عذاب ال‪.‬‬

‫حبّ الظّالِمِيَ (‪)57‬‬


‫َوَأمّا الّذِينَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا الصّالِحَاتِ َفُيوَفّيهِمْ أُجُو َرهُ ْم وَاللّ ُه ل يُ ِ‬

‫وأما الذين آمنوا بال ورسله وعملوا العمال الصالة‪ ,‬فيعطيهم ال ثواب أعمالم كامل غي منقوص‪.‬‬
‫وال ل يب الظالي بالشرك والكفر‪.‬‬

‫حكِيمِ (‪)58‬‬
‫ت وَالذّ ْك ِر الْ َ‬
‫ك َنتْلُوهُ عَليْكَ مِ ْن اليَا ِ‬
‫ذَلِ َ‬
‫‪93‬‬
‫ذلك الذي نقصّه عليك ف شأن عيسى‪ ,‬من الدلئل الواضحة على صحة رسالتك‪ ,‬وصحة القرآن‬
‫الكيم الذي يفصل بي الق والباطل‪ ,‬فل شك فيه ول امتراء‪.‬‬

‫ِإنّ َمثَ َل عِيسَى ِعنْدَ اللّهِ َك َمثَلِ آ َدمَ َخَلقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمّ قَالَ لَهُ كُنْ َفَيكُونُ (‪)59‬‬

‫إنّ َخلْقَ ال لعيسى من غي أب مثَلُه كمثل خلق ال لدم من غي أب ول أم‪ ,‬إذ خلقه من تراب‬
‫الرض‪ ,‬ث قال له‪" :‬كن بشرًا" فكان‪ .‬فدعوى إلية عيسى لكونه خلق من غي أب دعوى باطلة; فآدم‬
‫عليه السلم خلق من غي أب ول أم‪ ,‬واتفق الميع على أنه َعبْد من عباد ال‪.‬‬

‫الْحَ ّق مِنْ َربّكَ فَل َتكُ ْن مِ ْن الْمُ ْمتَرِينَ (‪)60‬‬

‫الق الذي ل شك فيه ف أمر عيسى هو الذي جاءك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من ربك‪ ,‬فدم على يقينك‪ ,‬وعلى‬
‫ما أنت عليه من ترك الفتراء‪ ,‬ول تكن من الشاكّي‪ ,‬وف هذا تثبيت وطمأنة لرسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪.‬‬

‫سنَا‬
‫فَمَنْ حَاجّكَ فِي ِه مِ ْن َبعْ ِد مَا جَاءَ َك مِ ْن اْلعِلْمِ َفقُ ْل َتعَاَلوْا نَدْعُ َأْبنَاءَنَا َوَأبْنَاءَكُ ْم َونِسَا َءنَا َونِسَاءَكُمْ َوَأْنفُ َ‬
‫جعَلْ َل ْعَنةَ اللّهِ عَلَى اْلكَا ِذبِيَ (‪)61‬‬ ‫سكُ ْم ثُ ّم َنبَْتهِلْ َفنَ ْ‬
‫َوأَْنفُ َ‬

‫فمَن جادلك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ف السيح عيسى ابن مري من بعد ما جاءك من العلم ف أمر عيسى عليه‬
‫حضِر أبناءنا وأبناءكم‪ ,‬ونساءنا ونساءكم‪ ,‬وأنفسنا وأنفسكم‪ ,‬ث نتجه إل ال‬
‫السلم‪ ,‬فقل لم‪ :‬تعالوا نُ ْ‬
‫بالدعاء أن يُنل عقوبته ولعنته على الكاذبي ف قولم‪ ,‬الصرّين على عنادهم‪.‬‬

‫حكِيمُ (‪)62‬‬
‫ص الْحَ ّق َومَا مِنْ إِلَهٍ إِلّ اللّ ُه َوإِنّ اللّهَ َل ُهوَ اْلعَزِي ُز الْ َ‬
‫ِإنّ هَذَا َل ُهوَ اْل َقصَ ُ‬

‫إن هذا الذي أنبأتك به من أمر عيسى لو النبأ الق الذي ل شك فيه‪ ,‬وما من معبود يستحق العبادة إل‬
‫ال وحده‪ ,‬وإن ال لو العزيز ف ملكه‪ ,‬الكيم ف تدبيه وفعله‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫فَِإنْ َتوَّلوْا فَِإنّ اللّ َه عَلِي ٌم بِالْ ُمفْسِدِينَ (‪)63‬‬
‫فإن أعرضوا عن تصديقك واتباعك فهم الفسدون‪ ,‬وال عليم بم‪ ,‬وسيجازيهم على ذلك‬

‫خذَ‬
‫قُ ْل يَا َأهْ َل الْ ِكتَا بِ تَعَاَلوْا إِلَى كَلِ َمةٍ َسوَا ٍء بَْينَنَا َوَبْينَكُ مْ أَ ّل َن ْعبُدَ إِلّ اللّ َه وَل نُشْرِ َك بِ هِ َشيْئا وَل َيتّ ِ‬
‫ضنَا َبعْضا أَ ْربَابا مِنْ دُونِ اللّهِ فَِإ ْن َتوَّلوْا َفقُولُوا ا ْشهَدُوا ِبأَنّا مُسْلِمُونَ (‪)64‬‬ ‫َبعْ ُ‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهل الكتاب من اليهود والنصارى‪ :‬تعاَلوْا إل كلمة عدل وحق نلتزم با جيعًا‪:‬‬
‫وهي أن نَخُص ال وحده بالعبادة‪ ,‬ول نتخذ أي شريك معه‪ ,‬من وثن أو صنم أو صليب أو طاغوت أو‬
‫غي ذلك‪ ,‬ول يدين بعضنا لبعض بالطاعة من دون ال‪ .‬فإن أعرضوا عن هذه الدعوة الطيبة فقولوا لم ‪-‬‬
‫أيها الؤمنون ‪ : -‬اشهدوا علينا بأنا مسلمون منقادون لربنا بالعبودية والخلص‪ .‬والدعوة إل كلمة‬
‫سواء‪ ,‬كما تُوجّه إل اليهود والنصارى‪ ,‬توجّه إل من جرى مراهم‪.‬‬

‫ت الّتوْرَاةُ وَالِنِيلُ إِ ّل مِ ْن َبعْ ِدهِ أَفَل َت ْعقِلُونَ (‪)65‬‬


‫يَا أَهْ َل اْل ِكتَابِ لِمَ تُحَاجّونَ فِي ِإبْرَاهِي َم َومَا ُأنْزَِل ْ‬

‫يا أصحاب الكتب النلة من اليهود والنصارى‪ ,‬كيف يادل كل منكم ف أن إبراهيم عليه السلم كان‬
‫على ملّته‪ ,‬وما أُنزلت التوراة والنيل إل من بعده؟ أفل تفقهون خطأ قولكم‪ :‬إن إبراهيم كان يهوديا أو‬
‫نصرانيا‪ ,‬وقد علمتم أن اليهودية والنصرانية حدثت بعد وفاته بي؟‬

‫جتُمْ فِيمَا َلكُ ْم بِ ِه عِلْمٌ فَِل َم تُحَاجّونَ فِيمَا َلْيسَ َلكُ ْم بِ ِه عِلْ ٌم وَاللّ ُه َيعَْل ُم َوَأْنتُ ْم ل َتعْلَمُونَ‬
‫هَاأَْنتُمْ َهؤُلءِ حَاجَ ْ‬
‫(‪)66‬‬

‫ها أنتم يا هؤلء جادلتم رسول ال ممدًا صلى ال عليه وسلم فيما لكم به علم مِن أمر دينكم‪ ,‬ما‬
‫تعتقدون صحته ف كتبكم‪ ,‬فلِمَ تادلون فيما ليس لكم به علم من أمر إبراهيم؟ وال يعلم المور على‬
‫خفائها‪ ,‬وأنتم ل تعلمون‪.‬‬

‫مَا كَانَ ِإبْرَاهِي ُم َيهُو ِديّا وَل َنصْرَاِنيّا وَلَكِنْ كَانَ َحنِيفا مُسْلِما َومَا كَا َن مِ ْن الْمُشْرِ ِكيَ (‪)67‬‬

‫‪95‬‬
‫ما كان إبراهيم يهوديا ول نصرانيا‪ ,‬فلم تكن اليهودية ول النصرانية إل من بعده‪ ,‬ولكن كان متبعًا لمر‬
‫ال وطاعته‪ ,‬مستسلمًا لربه‪ ,‬وما كان من الشركي‪.‬‬

‫س بِِإبْرَاهِيمَ لَلّذِي َن اّتَبعُو ُه َوهَذَا النِّب ّي وَالّذِينَ آ َمنُوا وَاللّ ُه وَِليّ الْ ُم ْؤ ِمنِيَ (‪)68‬‬
‫ِإنّ َأوْلَى النّا ِ‬

‫إنّ أحق الناس بإبراهيم وأخصهم به‪ ,‬الذين آمنوا به وصدقوا برسالته واتبعوه على دينه‪ ,‬وهذا النب ممد‬
‫ل الؤمني به التبعي شرعه‪.‬‬ ‫صلى ال عليه وسلم والذين آمنوا به‪ .‬وال و ّ‬

‫شعُرُونَ (‪)69‬‬
‫سهُ ْم َومَا يَ ْ‬
‫ت طَاِئ َفةٌ مِنْ َأهْ ِل اْلكِتَابِ َل ْو ُيضِلّوَنكُ ْم َومَا ُيضِلّونَ إِلّ أَْنفُ َ‬
‫وَدّ ْ‬

‫تنّت جاعة من اليهود والنصارى لو يضلونكم ‪ -‬أيها السلمون ‪ -‬عن السلم‪ ,‬وما يضلون إل أنفسهم‬
‫وأتباعهم‪ ,‬وما يدرون ذلك ول يعلمونه‪.‬‬

‫شهَدُونَ (‪)70‬‬
‫يَا أَهْ َل اْل ِكتَابِ لِمَ تَ ْكفُرُونَ بِآيَاتِ اللّ ِه َوَأنْتُ ْم تَ ْ‬

‫يا أهل التوراة والنيل ل تحدون آيات ال الت أنزلا على رسله ف كتبهم‪ ,‬وفيها أن ممدًا صلى ال‬
‫عليه وسلم هو الرسول النتظر‪ ,‬وأن ما جاءكم به هو الق‪ ,‬وأنتم تشهدون بذلك؟ ولكنكم تنكرونه‪.‬‬

‫يَا أَهْ َل اْل ِكتَابِ لِمَ تَ ْلبِسُو َن الْحَ ّق بِاْلبَاطِ ِل َوَت ْكتُمُو َن الْحَ ّق َوَأْنتُمْ َتعَْلمُونَ (‪)71‬‬

‫يا أهل التوراة والنيل لِمَ تلطون الق ف كتبكم با حرفتموه وكتبتموه من الباطل بأيديكم‪ ,‬وتُخْفون‬
‫ما فيهما من صفة ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وأن دينه هو الق‪ ,‬وأنتم تعلمون ذلك؟‬

‫وَقَالَت ْه طَاِئ َفةٌ مِن ْهَأهْ ِل اْلكِتَابِه آ ِمنُوا بِالّذِي ُأنْزِ َل عَلَى الّذِينَه آ َمنُوا وَجْهَه الّنهَا ِر وَا ْكفُرُوا آ ِخرَهُهَلعَّلهُم ْه‬
‫يَرْ ِجعُونَ (‪)72‬‬

‫وقالت جاعة من أهل الكتاب من اليهود‪ :‬صدّقوا بالذي أُنزل على الذين آمنوا أول النهار واكفروا‬
‫آخره; لعلهم يتشككون ف دينهم‪ ,‬ويرجعون عنه‪.‬‬
‫‪96‬‬
‫وَل ُتؤْ ِمنُوا إِلّ لِمَ ْن َتبِ عَ دِيَنكُ مْ ُقلْ إِنّ اْلهُدَى هُدَى اللّ هِ أَ ْن ُيؤْتَى أَحَدٌ مِثْ َل مَا أُوتِيتُ مْ َأ ْو يُحَاجّوكُ ْم ِعنْدَ‬
‫َرّبكُمْ قُلْ ِإنّ اْل َفضْلَ بِيَدِ اللّ ِه ُي ْؤتِيهِ مَ ْن يَشَا ُء وَاللّ ُه وَاسِعٌ عَلِيمٌ (‪)73‬‬

‫ول تصدّقوا تصديقًا صحيحًا إل لَن تبع دينكم فكان يهوديا‪ ,‬قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬إن الدى‬
‫والتوفيق هدى ال وتوفيقه لليان الصحيح‪ .‬وقالوا‪ :‬ل تظهروا ما عندكم من العلم للمسلمي فيتعلمون‬
‫منكم فيساووكم ف العلم به‪ ,‬وتكون لم الفضلية عليكم‪ ,‬أو أن يتخذوه حجة عند ربكم يغلبونكم با‪.‬‬
‫قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬إن الفضل والعطاء والمور كلها بيد ال وتت تصرفه‪ ,‬يؤتيها من يشاء من‬
‫آمن به وبرسوله‪ .‬وال واسع عليم‪ ,‬يَسَعُ بعلمه وعطائه جيع ملوقاته‪ ,‬من يستحق فضله ونعمه‪.‬‬

‫خَتصّ ِبرَحْ َمتِ ِه مَ ْن يَشَا ُء وَاللّهُ ذُو اْل َفضْلِ اْلعَظِيمِ (‪)74‬‬
‫يَ ْ‬

‫إن ال يتص مِن خلقه مَن يشاء بالنبوة والداية إل أكمل الشرائع‪ ,‬وال ذو الفضل العظيم‪.‬‬

‫ك َو ِمنْهُ ْم مَ نْ إِ نْ َت ْأمَنْ هُ بِدِينَا ٍر ل ُيؤَدّ هِ إَِليْ كَ إِ ّل مَا ُدمْ تَ‬


‫َومِ نْ َأهْ ِل الْ ِكتَا بِ مَ نْ إِ ْن تَ ْأ َمنْ ُه ِبقِنطَا ٍر ُيؤَدّ هِ إَِليْ َ‬
‫ب َوهُ ْم َيعْلَمُونَ (‪)75‬‬ ‫ي َسبِي ٌل َوَيقُولُو َن عَلَى اللّ ِه اْلكَذِ َ‬ ‫ك ِبَأنّهُمْ قَالُوا َلْيسَ عََلْينَا فِي ا ُل ّميّ َ‬ ‫عََليْهِ قَائِما ذَلِ َ‬

‫ومن أهل الكتاب من اليهود مَن إنْ تأمنه على كثي من الال يؤدّه إليك من غي خيانة‪ ,‬ومنهم مَن إ ْن‬
‫تأمنه على دينار واحد ل يؤدّه اليك‪ ,‬إل إذا بذلت غاية الهد ف مطالبته‪ .‬وسبب ذلك عقيدة فاسدة‬
‫تعلهم يستحلّون أموال العرب بالباطل‪ ,‬ويقولون‪ :‬ليس علينا ف أكل أموالم إث ول حرج; لن ال‬
‫أحلّها لنا‪ .‬وهذا كذب على ال‪ ,‬يقولونه بألسنتهم‪ ,‬وهم يعلمون أنم كاذبون‪.‬‬

‫ب الْ ُمّتقِيَ (‪)76‬‬


‫ح ّ‬
‫بَلَى مَنْ َأوْفَى ِب َعهْ ِدهِ وَاتّقَى فَِإنّ اللّ َه يُ ِ‬

‫ليس المر كما زعم هؤلء الكاذبون‪ ,‬فإن التقي حقا هو من أوف با عاهد ال عليه من أداء المانة‬
‫واليان به وبرسله والتزم هديه وشرعه‪ ,‬وخاف ال عز وجل فامتثل أمره وانتهى عما نى عنه‪ .‬وال‬
‫يب التقي الذين يتقون الشرك والعاصي‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫شتَرُو َن ِبعَهْدِ اللّ ِه َوَأيْمَاِنهِ ْم ثَمَنا قَلِيلً ُأوْلَئِ كَ ل خَل قَ َلهُ مْ فِي ال ِخ َرةِ وَل ُيكَلّ ُمهُ مْ اللّ ُه وَل‬
‫ِإنّ الّذِي َن يَ ْ‬
‫َينْظُرُ إَِلْيهِمْ َي ْو َم اْلقِيَا َمةِ وَل يُزَكّيهِ ْم وََلهُ ْم عَذَابٌ أَلِيمٌ (‪)77‬‬

‫إن الذين يستبدلون بعهد ال ووصيته الت أوصى با ف الكتب الت أنزلا على أنبيانم‪ ,‬عوضًا وبدل‬
‫خسيسًا من عرض الدنيا وحطامها‪ ,‬أولئك ل نصيب لم من الثواب ف الخرة‪ ,‬ول يكلمهم ال با‬
‫يسرهم‪ ,‬ول ينظر إليهم يوم القيامة بعي الرحة‪ ,‬ول يطهرهم من دنس الذنوب والكفر‪ ,‬ولم عذاب‬
‫موجع‪.‬‬

‫سبُوهُ مِ ْن اْل ِكتَا بِ َومَا ُهوَ مِ نْ الْ ِكتَا بِ َوَيقُولُو َن ُهوَ مِ نْ‬
‫َوإِنّ ِمْنهُ مْ َلفَرِيقا يَ ْلوُو نَ أَلْ سَِنَتهُ ْم بِاْلكِتَا بِ ِلتَحْ َ‬
‫ب َوهُ ْم َيعْلَمُونَ (‪)78‬‬ ‫عِنْدِ اللّ ِه َومَا ُه َو مِ ْن عِنْدِ اللّ ِه َوَيقُولُو َن عَلَى اللّ ِه اْلكَذِ َ‬

‫وإن مِن اليهود لَجماعةً يرفون الكلم عن مواضعه‪ ,‬ويبدلون كلم ال; ليوهوا غيهم أن هذا من‬
‫الكلم النل‪ ,‬وهو التوراة‪ ,‬وما هو منها ف شيء‪ ,‬ويقولون‪ :‬هذا من عند ال أوحاه ال إل نبيه موسى‪,‬‬
‫وما هو من عند ال‪ ,‬وهم لجل دنياهم يقولون على ال الكذب وهم يعلمون أنم كاذبون‪.‬‬

‫حكْ َم وَالّنبُ ّوةَ ثُمّ َيقُولَ لِلنّا سِ كُونُوا ِعبَادا لِي مِ نْ دُو نِ اللّ ِه وَلَكِ نْ‬
‫مَا كَا نَ ِلبَشَرٍ أَ ْن ُيؤِْتيَ هُ اللّ ُه الْ ِكتَا بَ وَالْ ُ‬
‫ب َوبِمَا كُنتُ ْم تَدْ ُرسُونَ (‪)79‬‬ ‫ي بِمَا ُكنْتُ ْم ُتعَلّمُو َن الْ ِكتَا َ‬ ‫كُونُوا َربّانِيّ َ‬

‫ما ينبغي لحد من البشر أن يُنّل ال عليه كتابه ويعله حكمًا بي خلقه ويتاره نبيا‪ ,‬ث يقول للناس‪:‬‬
‫اعبدون من دون ال‪ ,‬ولكن يقول‪ :‬كونوا حكماء فقهاء علماء با كنتم ُتعَلّمونه غيكم من وحي ال‬
‫تعال‪ ,‬وبا تدرسونه منه حفظًا وعلمًا وفقهًا‪.‬‬

‫خذُوا الْمَلِئ َكةَ وَالنِّبيّيَ أَ ْربَابا َأَي ْأمُرُكُ ْم بِاْلكُفْرِ بَعْدَ ِإذْ َأنْتُ ْم مُسِْلمُونَ (‪)80‬‬
‫وَل يَ ْأمُرَكُمْ َأ ْن تَتّ ِ‬

‫وما كان لحد منهم أن يأمركم باتاذ اللئكة والنبيي أربابًا تعبدونم من دون ال‪ .‬أَُي ْعقَلُ ‪-‬أيها الناس‪-‬‬
‫أن يأمركم بالكفر بال بعد انقيادكم لمره؟‬

‫‪98‬‬
‫َوإِذْ أَخَذَ اللّ ُه مِيثَاقَ الّنبِيّيَ َلمَا آَتيُْتكُ ْم مِنْ ِكتَابٍ وَ ِحكْ َم ٍة ثُمّ جَاءَكُمْ َرسُولٌ مُصَ ّدقٌ لِمَا َمعَكُمْ َلُت ْؤمِنُ ّن بِ ِه‬
‫صرِي قَالُوا أَ ْقرَ ْرنَا قَالَ فَا ْشهَدُوا َوَأنَا َم َعكُ ْم مِ نْ الشّاهِدِي نَ (‬
‫وََلتَنْ صُ ُرنّهُ قَالَ َأأَقْرَ ْرتُ ْم َوأَ َخ ْذتُ ْم عَلَى ذَِلكُ مْ إِ ْ‬
‫‪)81‬‬

‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إذ أخذ ال سبحانه العهد الؤكد على جيع النبياء‪َ :‬لئِ ْن آتيتكم من كتاب‬
‫وحكمة‪ ,‬ث جاءكم رسول من عندي‪ ,‬مصدق لا معكم لتؤمنن به ولتنصرنّه‪ .‬فهل أقررت واعترفتم بذلك‬
‫وأخذت على ذلك عهدي الوثق؟ قالوا‪ :‬أقررنا بذلك‪ ,‬قال‪ :‬فليشه ْد بعضكم على بعض‪ ,‬واشهدوا على‬
‫أمكم بذلك‪ ,‬وأنا معكم من الشاهدين عليكم وعليهم‪ .‬وف هذا أن ال أخذ اليثاق على كل نب أن‬
‫يؤمن بحمد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وأخذ اليثاق على أمم النبياء بذلك‪.‬‬

‫ك هُ ْم اْلفَاسِقُونَ (‪)82‬‬
‫فَمَ ْن َتوَلّى بَعْدَ ذَلِكَ َفُأوْلَئِ َ‬

‫فمن أعرض عن دعوة السلم بعد هذا البيان وهذا العهد الذي أخذه ال على أنبيائه‪ ,‬فأولئك هم‬
‫الارجون عن دين ال وطاعة ربم‪.‬‬

‫ت وَالَ ْرضِ َطوْعا وَكَرْها َوإَِليْهِ يُ ْر َجعُونَ (‪)83‬‬


‫أََفغَيْرَ دِينِ اللّ ِه َيْبغُونَ وَلَهُ َأسَْل َم مَنْ فِي السّ َموَا ِ‬

‫أيريد هؤلء الفاسقون من أهل الكتاب غي دين ال ‪-‬وهو السلم الذي بعث ال به ممدا صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ،-‬مع أن كل مَن ف السموات والرض استسلم وانقاد وخضع ل طواعية ‪-‬كالؤمني‪-‬‬
‫ورغمًا عنهم عند الشدائد‪ ,‬حي ل ينفعهم ذلك وهم الكفار‪ ,‬كما خضع له سائر الكائنات‪ ,‬وإليه‬
‫يُرجَعون يوم العاد‪ ,‬فيجازي كل بعمله‪ .‬وهذا تذير من ال تعال للقه أن يرجع إليه أحد منهم على‬
‫غي ملة السلم‪.‬‬

‫ط َومَا أُوتِ يَ‬


‫ح َق َويَ ْعقُو بَ وَالَ ْسبَا ِ‬
‫قُلْ آ َمنّا بِاللّ ِه وَمَا أُنْ ِز َل عََليْنَا وَمَا ُأنْزِ َل عَلَى ِإبْرَاهِي َم َوإِ سْمَاعِيلَ َوإِ سْ َ‬
‫ق َبيْنَ أَحَ ٍد ِمْنهُ ْم َونَحْنُ لَ ُه مُسِْلمُونَ (‪)84‬‬ ‫مُوسَى َوعِيسَى وَالّنبِيّونَ مِنْ َرّبهِمْ ل ُنفَ ّر ُ‬

‫قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬صدّقنا بال وأطعنا‪ ,‬فل رب لنا غيه‪ ,‬ول معبود لنا سواه‪ ,‬وآمنّا بالوحي الذي‬
‫أنزله ال علينا‪ ,‬والذي أنزله على إبراهيم خليل ال‪ ,‬وابنيه إساعبل وإسحاق‪ ,‬وابن ابنه يعقوب بن‬
‫‪99‬‬
‫إسحاق‪ ,‬والذي أنزله على السباط ‪-‬وهم النبياء الذين كانوا ف قبائل بن إسرائيل الثنت عشرة مِن‬
‫ولد يعقوب‪ -‬وما أوت موسى وعيسى من التوراة والنيل‪ ,‬وما أنزله ال على أنبيائه‪ ,‬نؤمن بذلك كله‪,‬‬
‫ول نفرق بي أحد منهم‪ ,‬ونن ل وحده منقادون بالطاعة‪ُ ,‬مقِرّون له بالربوبية واللوهية والعبادة‪.‬‬

‫َومَ ْن َيبْتَ ِغ َغيْ َر ا ِلسْلمِ دِينا فَلَ ْن ُي ْقبَ َل ِمنْهُ َو ُهوَ فِي ال ِخ َرةِ مِ ْن الْخَا ِسرِينَ (‪)85‬‬

‫ومن يطلب دينًا غي دين السلم الذي هو الستسلم ل بالتوحيد والنقياد له بالطاعة‪ ,‬والعبودية‪,‬‬
‫ولرسوله النب الات ممد صلى ال عليه وسلم باليان به وبتابعته ومبته ظاهرًا وباطنًا‪ ,‬فلن يُقبل منه‬
‫ذلك‪ ,‬وهو ف الخرة من الاسرين الذين بسوا أنفسهم حظوظها‪.‬‬

‫ت وَاللّ ُه ل َيهْدِي الْ َقوْمَ‬


‫َكيْفَ َيهْدِي اللّهُ َقوْما َكفَرُوا َبعْدَ إِيَاِنهِ ْم َو َشهِدُوا َأنّ الرّسُولَ حَقّ وَجَا َءهُ ْم اْلَبيّنَا ُ‬
‫الظّالِمِيَ (‪)86‬‬

‫كيف بوفق ال لليان به وبرسوله قومًا جحدوا نبوة ممد صلى ال عليه وسلم بعد إيانم به‪ ,‬وشهدوا‬
‫أن ممدًا صلى ال علبه وسلم حق وما جاء به هو الق‪ ,‬وجاءهم الجج من عند ال والدلئل بصحة‬
‫ذلك؟ وال ل يوفق للحق والصواب الماعة الظلمة‪ ,‬وهم الذين عدلوا عن الق إل الباطل‪ ,‬فاختاروا‬
‫الكفر على اليان‪.‬‬

‫ُأوْلَئِكَ َجزَاؤُهُمْ َأ ّن عََلْيهِمْ َلعَْنةَ اللّ ِه وَالْمَلِئ َكةِ وَالنّاسِ أَجْ َمعِيَ (‪)87‬‬

‫أولئك الظالون جزاؤهم أنّ عليهم لعنة ال واللئكة والناسِ أجعي‪ ,‬فهم مطرودون من رحة ال‪.‬‬

‫ب وَل هُ ْم ُينْظَرُونَ (‪)88‬‬


‫ف َعْنهُ ْم الْعَذَا ُ‬
‫خفّ ُ‬
‫خَالِدِينَ فِيهَا ل يُ َ‬

‫ماكثي ف النار‪ ,‬ل يُرفع عنهم العذاب قليل ليستريوا‪ ,‬ول يُؤخر عنهم لعذرة يعتذرون با‪.‬‬

‫ك َوأَصْلَحُوا فَِإنّ اللّ َه َغفُورٌ رَحِيمٌ (‪)89‬‬


‫إِلّ الّذِي َن تَابُوا مِ ْن َبعْدِ ذَلِ َ‬

‫‪100‬‬
‫إل الذين رجعوا إل ربم بالتوبة النصوح من بعد كفرهم وظلمهم‪ ,‬وأصلحوا ما أفسدوه بتوبتهم فإن ال‬
‫يقبلها‪ ,‬فهو غفور لذنوب عباده‪ ,‬رحيم بم‪.‬‬

‫ِإنّ الّذِينَ َكفَرُوا بَعْدَ ِإيَاِنهِ ْم ثُمّ ازْدَادُوا ُكفْرا لَ ْن ُت ْقبَلَ َت ْوَبُتهُمْ َوُأوَْلئِكَ هُمْ الضّالّونَ (‪)90‬‬

‫إن الذين كفروا بعد إيانم واستمروا على الكفر إل المات لن تُقبل لم توبة عند حضور الوت‪,‬‬
‫وأولئك هم الذين ضلّوا السبيل‪ ,‬فأخ َطؤُوا منهجه‪.‬‬

‫إِنّ الّذِي نَ َكفَرُوا َومَاتُوا َوهُ مْ ُكفّارٌ َفلَ ْن ُي ْقبَلَ مِ نْ َأحَ ِدهِ ْم مِلْ ُء الَرْ ضِ َذهَبا وََل ْو ا ْفتَدَى بِ هِ ُأوَْلئِ كَ َلهُ مْ‬
‫عَذَابٌ أَلِي ٌم َومَا َلهُ ْم مِ ْن نَاصِرِينَ (‪)91‬‬

‫إن الذين جحدوا نبوة ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وماتوا على الكفر بال ورسوله‪ ,‬فلن يُقبل من أحدهم‬
‫يوم القيامة ملء الرض ذهبًا; ليفتدي به نفسه من عذاب ال‪ ,‬ولو افتدى به نفسه ِفعْل‪ .‬أولئك لم‬
‫عذاب موجع‪ ,‬وما لم من أحد ينقذهم من عذاب ال‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫الزء الرابع ‪:‬‬

‫حبّو َن َومَا ُتنْ ِفقُوا مِ ْن َشيْءٍ فَِإنّ اللّ َه بِ ِه عَلِيمٌ (‪)92‬‬


‫لَ ْن َتنَالُوا الْبِرّ َحتّى ُتْن ِفقُوا مِمّا تُ ِ‬

‫لن تدركوا النة حت تتصدقوا ما تبون‪ ,‬وأي شيء تتصدقوا به مهما كان قليل أو كثيًا فإن ال به‬
‫عليم‪ ,‬وسيجازي كل منفق بسب عمله‪.‬‬

‫كُلّ ال ّطعَا مِ كَا نَ ِحلّ ِلبَنِي إِ سْرَائِيلَ إِ ّل مَا َحرّ مَ إِ سْرَائِي ُل عَلَى َنفْ سِ ِه مِ نْ َقبْلِ أَ نْ ُتنَزّ َل الّتوْرَاةُ قُلْ َف ْأتُوا‬
‫بِالتّوْرَاةِ فَاْتلُوهَا ِإنْ ُكْنتُمْ صَادِقِيَ (‪)93‬‬

‫كل الطعمة الطيّبة كانت حلل لبناء يعقوب عليه السلم إل ما حرّم يعقوب على نفسه لرض نزل به‪,‬‬
‫وذلك مِن قبل أن ُتنَزّل التوراة‪ .‬فلما نُزّلت التوراة حرّم ال على بن إسرائيل بعض الطعمة الت كانت‬
‫حلل لم; وذلك لظلمهم وبغيهم‪ .‬قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬هاتوا التوراة‪ ,‬واقرؤوا ما فيها إن كنتم‬
‫مقي ف دعواكم أن ال أنزل فيها تري ما حرّمه يعقوب على نفسه‪ ,‬حت تعلموا صدق ما جاء ف‬
‫القرآن من أن ال ل يرم على بن إسرائيل شيئًا من قبل نزول التوراة‪ ,‬إل ما حرّمه يعقوب على نفسه‪.‬‬

‫ك هُمْ الظّالِمُونَ (‪)94‬‬


‫فَمَ ْن ا ْفتَرَى عَلَى اللّ ِه الكَذِبَ مِ ْن َبعْدِ ذَلِكَ َفُأوْلَئِ َ‬

‫فمَن كذب على ال من بعد قراءة التوراة ووضوح القيقة‪ ,‬فأولئك هم الظالون القائلون على ال‬
‫بالباطل‪.‬‬

‫شرِكِيَ (‪)95‬‬
‫ص َدقَ اللّهُ فَاّتِبعُوا مِّلةَ ِإبْرَاهِيمَ َحنِيفا َومَا كَانَ مِ ْن الْمُ ْ‬
‫قُلْ َ‬

‫صدَق ال فيما أخب به وفيما شرعه‪ .‬فإن كنتم صادقي ف مبتكم وانتسابكم‬ ‫قل لم ‪-‬أيها الرسول‪َ -‬‬
‫لليل ال إبراهيم عليه السلم فاتبعوا ملّته الت شرعها ال على لسان ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فإنا‬
‫الق الذي ل شك فيه‪ .‬وما كان إبراهيم عليه السلم من الشركي بال ف توحيده وعبادته أحدًا‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫ت وُضِعَ لِلنّاسِ لَلّذِي ِبَب ّكةَ ُمبَارَكا َوهُدًى لِ ْلعَالَ ِميَ (‪)96‬‬
‫ِإنّ َأوّ َل َبيْ ٍ‬

‫إن أول بيت بُن لعبادة ال ف الرض لو بيت ال الرام الذي ف "مكة"‪ ,‬وهذا البيت مبارك تضاعف‬
‫فيه السنات‪ ,‬وتتنل فيه الرحات‪ ,‬وف استقباله ف الصلة‪ ,‬وقصده لداء الج والعمرة‪ ,‬صلح وهداية‬
‫للناس أجعي‪.‬‬

‫ت مَ ْن ا سْتَطَاعَ إَِليْ هِ َسبِيلً‬


‫فِي هِ آيَا تٌ َبّينَا تٌ َمقَا مُ ِإبْرَاهِي َم َومَ نْ َدخَلَ هُ كَا نَ آمِنا وَلِلّ ِه عَلَى النّا سِ حِجّ اْلَبيْ ِ‬
‫َومَنْ َكفَرَ فَِإنّ اللّ َه َغِنيّ عَ ْن اْلعَالَمِيَ (‪)97‬‬

‫ف هذا البيت دللت ظاهرات أنه من بناء إبراهيم‪ ,‬وأن ال عظّمه وشرّفه‪ ,‬منها‪ :‬مقام إبراهيم عليه‬
‫السلم‪ ,‬وهو الَجَر الذي كان يقف عليه حي كان يرفع القواعد من البيت هو وابنه إساعيل‪ ,‬ومن‬
‫دخل هذا البيت َأمِنَ على نفسه فل يناله أحد بسوء‪ .‬وقد أوجب ال على الستطيع من الناس ف أي‬
‫مكان َقصْدَ هذا البيت لداء مناسك الج‪ .‬ومن جحد فريضة الج فقد كفر‪ ,‬وال غن عنه وعن حجّه‬
‫وعمله‪ ,‬وعن سائر َخلْقه‪.‬‬

‫قُ ْل يَا َأهْ َل الْ ِكتَابِ لِ َم َتكْفُرُو َن بِآيَاتِ اللّ ِه وَاللّ ُه َشهِي ٌد عَلَى مَا َتعْ َملُونَ (‪)98‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهل الكتاب من اليهود والنصارى‪ِ :‬لمَ تحدون حجج ال الت دّلتْ على أن دين‬
‫ال هو السلم‪ ,‬وتنكرون ما ف كتبهم من دلئل وبراهي على ذلك‪ ,‬وأنتم تعلمون؟ وال شهيد على‬
‫صنيعكم‪ .‬وف ذلك تديد ووعيد لم‪.‬‬

‫قُ ْل يَا َأهْ َل اْلكِتَا بِ لِ َم تَ صُدّو َن عَ نْ َسبِيلِ اللّ ِه مَ نْ آمَ َن َتبْغُوَنهَا ِعوَجا َوَأنْتُ ْم ُشهَدَاءُ َومَا اللّ ُه ِبغَافِ ٍل عَمّا‬
‫َتعْمَلُونَ (‪)99‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لليهود والنصارى‪ِ :‬لمَ تنعون من السلم من يريد الدخول فيه تطلبون له زيغًا وميل‬
‫ت به هو الق؟ وما ال بغافل عما تعملون‪ ,‬وسوف‬ ‫عن القصد والستقامة‪ ,‬وأنتم تعلمون أن ما جئ ُ‬
‫يازيكم على ذلك‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫يَا َأيّهَا الّذِينَ آ َمنُوا إِ ْن تُطِيعُوا فَرِيقا مِ ْن الّذِينَ أُوتُوا الْ ِكتَابَ َيرُدّوكُ ْم َبعْدَ إِيَاِنكُمْ كَافِرِينَ (‪)100‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬إن تطيعوا جاعة من اليهود والنصارى من آتاهم ال‬
‫التوراة والنيل‪ ,‬يضلوكم‪ ,‬ويلقوا إليكم الشّبَه ف دينكم; لترجعوا جاحدين للحق بعد أن كنتم مؤمني‬
‫به‪ ,‬فل تأمنوهم على دينكم‪ ,‬ول تقبلوا لم رأيًا أو مشورة‪.‬‬

‫وَ َكيْ فَ َت ْكفُرُو نَ َوَأْنتُ ْم تُتْلَى عََلْيكُ ْم آيَا تُ اللّ ِه وَفِيكُ مْ رَ سُولُ ُه َومَ ْن َيعْتَ صِ ْم بِاللّ هِ َفقَ ْد هُدِ يَ إِلَى صِرَاطٍ‬
‫ستَقِيمٍ (‪)101‬‬ ‫مُ ْ‬

‫وكيف تكفرون بال ‪-‬أيها الؤمنون ‪ ،-‬وآيات القرآن تتلى عليكم‪ ,‬وفيكم رسول ال ممد صلى ال‬
‫عليه وسلم يبلغها لكم؟ ومَن يتوكل على ال ويستمسك بالقرآن والسنة فقد وُفّق لطريق واضح‪,‬‬
‫ومنهاج مستقيم‪.‬‬

‫يَا َأيّهَا الّذِينَ آ َمنُوا اّتقُوا اللّهَ حَ ّق ُتقَاتِهِ وَل تَمُوتُنّ إِلّ َوَأْنتُ ْم مُسْلِمُونَ (‪)102‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله‪ ،‬وعملوا بشرعه‪ ,‬خافوا ال حق خوفه‪ :‬وذلك بأن يطاع فل يُعصى‪,‬‬
‫ويُشكَر فل يكفر‪ ,‬ويُذكَر فل ينسى‪ ,‬وداوموا على تسككم بإسلمكم إل آخر حياتكم; لتلقوا ال‬
‫وأنتم عليه‪.‬‬

‫ف بَيْ نَ قُلُوِبكُ ْم‬ ‫حبْلِ اللّ هِ َجمِيعا وَل َتفَرّقُوا وَاذْ ُكرُوا ِنعْ َمةَ اللّ ِه عََلْيكُ مْ إِذْ ُكْنتُ مْ َأعْدَاءً َفأَلّ َ‬ ‫وَا ْعتَ صِمُوا ِب َ‬
‫ك ُيبَيّنُ اللّهُ َلكُ ْم آيَاتِهِ َلعَّلكُمْ‬
‫حتُ ْم ِبِنعْ َمتِهِ إِ ْخوَانا وَ ُكْنتُ ْم عَلَى َشفَا ُحفْ َر ٍة مِ ْن النّارِ َفَأْنقَذَكُ ْم ِمْنهَا كَذَلِ َ‬
‫صبَ ْ‬
‫َفأَ ْ‬
‫َتهْتَدُونَ (‪)103‬‬

‫وتسّكوا جيعًا بكتاب ربكم وهدي نبيكم‪ ,‬ول تفعلوا ما يؤدي إل فرقتكم‪ .‬واذكروا نعمة جليلة أنعم‬
‫ال با عليكم‪ :‬إذ كنتم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬قبل السلم أعداء‪ ,‬فجمع ال قلوبكم على مبته ومبة رسوله‪,‬‬
‫وألقى ف قلوبكم مبة بعضكم لبعض‪ ,‬فأصبحتم ‪-‬بفضله‪ -‬إخوانا متحابي‪ ,‬وكنتم على حافة نار جهنم‪,‬‬

‫‪104‬‬
‫فهداكم ال بالسلم ونّاكم من النار‪ .‬وكما بيّن ال لكم معال اليان الصحيح فكذلك يبيّن لكم كل‬
‫ما فيه صلحكم; لتهتدوا إل سبيل الرشاد‪ ,‬وتسلكوها‪ ,‬فل تضلوا عنها‪.‬‬

‫ك هُ ْم الْ ُمفِْلحُو نَ (‬
‫ف َوَيْن َهوْ نَ عَ نْ الْ ُمنْكَ ِر َوُأوَْلئِ َ‬
‫خيْ ِر َوَيأْمُرُو نَ بِالْ َم ْعرُو ِ‬
‫وَْلتَكُ ْن ِمنْكُ مْ ُأمّ ٌة يَ ْدعُو نَ إِلَى الْ َ‬
‫‪)104‬‬

‫ولتكن منكم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬جاعة تدعو إل الي وتأمر بالعروف‪ ,‬وهو ما عُرف حسنه شرعًا وعقل‬
‫وتنهى عن النكر‪ ,‬وهو ما عُرف قبحه شرعًا وعقل وأولئك هم الفائزون بنات النعيم‪.‬‬

‫وَل تَكُونُوا كَالّذِي َن َتفَرّقُوا وَا ْختََلفُوا مِنْ بَعْ ِد مَا جَا َءهُ ْم الَْبّينَاتُ َوُأوَْلئِكَ َل ُه ْم عَذَابٌ عَظِيمٌ (‪)105‬‬

‫ول تكونوا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬كأهل الكتاب الذين وقعت بينهم العداوة والبغضاء فتفرّقوا شيعًا وأحزابًا‪,‬‬
‫واختلفوا ف أصول دينهم من بعد أن اتضح لم الق‪ ,‬وأولئك مستحقون لعذابٍ عظيم موجع‪.‬‬

‫ب بِمَا‬
‫ت وُجُو ُههُ مْ أَ َكفَ ْرتُ ْم َبعْدَ إِيَاِنكُ مْ فَذُوقُوا اْلعَذَا َ‬
‫سوَ ّد ُوجُو هٌ َفَأمّ ا الّذِي نَ ا ْسوَدّ ْ‬
‫َيوْ َم َتْبيَضّ وُجُو هٌ َوتَ ْ‬
‫ُكنْتُ ْم َت ْكفُرُونَ (‪)106‬‬

‫سوَ ّد وجوه أهل‬


‫يوم القيامة َتبَْيضّ وجوه أهل السعادة الذين آمنوا بال ورسوله‪ ,‬وامتثلوا أمره‪ ,‬وتَ ْ‬
‫الشقاوة من كذبوا رسوله‪ ,‬وعصوا أمره‪ .‬فأما الذين اسودّت وجوههم‪ ,‬فيقال لم توبيخًا‪ :‬أكفرت بعد‬
‫إيانكم‪ ,‬فاخترت الكفر على اليان؟ فذوقوا العذاب بسبب كفركم‪.‬‬

‫ضتْ ُوجُو ُههُمْ َففِي رَ ْح َمةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (‪)107‬‬
‫َوَأمّا الّذِي َن اْبيَ ّ‬

‫ضتْ وجوهم بنضرة النعيم‪ ,‬وما بُشّروا به من الي‪ ,‬فهم ف جنة ال ونعيمها‪ ,‬وهم باقون‬ ‫وأما الذين ابي ّ‬
‫فيها‪ ,‬ل يرجون منها أبدًا‪.‬‬

‫ك بِالْحَ ّق َومَا اللّ ُه يُرِي ُد ظُلْما لِلْعالَمِيَ (‪)108‬‬


‫ك آيَاتُ اللّ ِه َنتْلُوهَا عََليْ َ‬
‫تِلْ َ‬

‫‪105‬‬
‫هذه آيات ال وبراهينه الساطعة‪ ,‬نتلوها ونقصّها عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بالصدق واليقي‪ .‬وما ال بظال‬
‫أحدًا من خلقه‪ ,‬ول بنقص شيئًا من أعمالم; لنه الاكم العدل الذي ل يور‪.‬‬

‫ض َوإِلَى اللّ ِه تُ ْرجَ ُع ا ُلمُورُ (‪)109‬‬


‫ت َومَا فِي الَ ْر ِ‬
‫وَلِلّ ِه مَا فِي السّ َموَا ِ‬
‫ول ما ف ال سموات و ما ف الرض‪ ,‬مل كٌ له وحده خلقًا وتدبيًا‪ ,‬وم صي ج يع اللئق إل يه وحده‪,‬‬
‫فيجازي كل على قدر استحقاقه‬

‫ف َوَتنْ َهوْ َن عَ ْن الْمُنكَ ِر َوُتؤْ ِمنُو نَ بِاللّ ِه وََلوْ آمَ نَ َأهْلُ‬


‫س تَ ْأمُرُو َن بِالْ َمعْرُو ِ‬
‫ُكنْتُ مْ َخيْرَ ُأ ّمةٍ أُخْ ِرجَ تْ لِلنّا ِ‬
‫الْ ِكتَابِ َلكَانَ َخيْرا َلهُ ْم ِمْنهُ ْم الْ ُم ْؤ ِمنُو َن َوأَكْثَ ُرهُ ْم اْلفَا ِسقُونَ (‪)110‬‬

‫أنتم ‪ -‬يا أمة ممد ‪ -‬خي المم وأنفع الناس للناس‪ ,‬تأمرون بالعروف‪ ,‬وهو ما عُرف حسنه شرعًا‬
‫وعقل وتنهون عن النكر‪ ,‬وهو ما عُرف قبحه شرعًا وعقل وتصدقون بال تصديقًا جازمًا يؤيده العمل‪.‬‬
‫ولو آمن أهل الكتاب من اليهود والنصارى بحمد صلى ال عليه وسلم وما جاءهم به من عند ال كما‬
‫آمنتم‪ ,‬لكان خيا لم ف الدنيا والخرة‪ ,‬منهم الؤمنون الصدقون برسالة ممد صلى ال عليه وسلم‬
‫العاملون با‪ ,‬وهم قليل‪ ,‬وأكثرهم الارجون عن دين ال وطاعته‪.‬‬

‫لَ ْن َيضُرّوكُمْ إِلّ أَذًى َوِإنْ ُيقَاتِلُوكُ ْم ُيوَلّوكُ ْم الَ ْدبَا َر ثُ ّم ل ُيْنصَرُونَ (‪)111‬‬

‫لن يضركم هؤلء الفاسقون من أهل الكتاب إل ما يؤذي أساعكم من ألفاظ الشرك والكفر وغي ذلك‪,‬‬
‫فإن يقاتلوكم ُيهْزَموا‪ ,‬ويهربوا مولّي الدبار‪ ,‬ث ل ينصرون عليكم بأي حال‪.‬‬

‫ض ِربَ ْ‬
‫ت‬ ‫ب مِ نْ اللّ ِه وَ ُ‬
‫حبْلٍ مِ نْ اللّ ِه وَ َحبْ ٍل مِ ْن النّا سِ َوبَاءُوا ِب َغضَ ٍ‬ ‫ت عََلْيهِ مْ الذّّلةُ َأيْ َن مَا ُث ِقفُوا إِلّ ِب َ‬
‫ضُ ِربَ ْ‬
‫صوْا وَكَانُوا‬
‫ك بِمَا عَ َ‬ ‫ك بَِأّنهُ مْ كَانُوا َي ْكفُرُو َن بِآيَا تِ اللّ ِه َوَي ْقتُلُو َن الَنِبيَاءَ ِب َغيْرِ حَقّ ذَلِ َ‬
‫سكََنةُ ذَلِ َ‬ ‫عََلْيهِ ْم الْمَ ْ‬
‫َيعْتَدُونَ (‪)112‬‬

‫جعل ال الوان والصغار أمرًا لزمًا ل يفارق اليهود‪ ,‬فهم أذلء متقرون أينما وُجِدوا‪ ,‬إل بعهد من ال‬
‫وعهد من الناس يأمنون به على أنفسهم وأموالم‪ ,‬وذلك هو عقد الذمة لم وإلزامهم أحكام السلم‪,‬‬

‫‪106‬‬
‫ورجعوا بغضب من ال مستحقي له‪ ,‬وضُربت عليهم الذلّة والسكنة‪ ,‬فل ترى اليهوديّ إل وعليه‬
‫الوف والرعب من أهل اليان; ذلك الذي جعله ال عليهم بسبب كفرهم بال‪ ,‬وتاوزهم حدوده‪,‬‬
‫وَقتْلهم النبياء ظلمًا واعتداء‪ ,‬وما جرّأهم على هذا إل ارتكابم للمعاصي‪ ,‬وتاوزهم حدود ال‪.‬‬

‫َليْسُوا َسوَاءً مِنْ َأهْ ِل الْ ِكتَابِ ُأ ّمةٌ قَائِ َم ٌة َيتْلُونَ آيَاتِ اللّ ِه آنَاءَ الّليْ ِل َوهُ ْم يَسْجُدُونَ (‪)113‬‬

‫ليس أهل الكتاب متساوين‪ :‬فمنهم جاعة مستقيمة على أمر ال مؤمنة برسوله ممد صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ,‬يقومون الليل مرتلي آيات القرآن الكري‪ ,‬مقبلي على مناجاة ال ف صلواتم‪.‬‬

‫ك مِنَ‬
‫ت َوُأوْلَئِ َ‬
‫خيْرَا ِ‬
‫ف َوَيْن َهوْ َن عَ ْن الْ ُمنْكَ ِر َويُسَا ِرعُونَ فِي الْ َ‬
‫ُي ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَاْلَيوْمِ الخِ ِر َوَي ْأمُرُو َن بِالْ َمعْرُو ِ‬
‫حيَ (‪)114‬‬ ‫الصّالِ ِ‬

‫يؤمنون بال واليوم الخر‪ ,‬ويأمرون بالي كله‪ ,‬وينهون عن الشر كلّه‪ ,‬ويبادرون إل فعل اليات‪,‬‬
‫وأولئك مِن عباد ال الصالي‪.‬‬

‫َومَا يَ ْفعَلُوا مِنْ َخيْرٍ َفلَ ْن ُي ْكفَرُو ُه وَاللّ ُه عَلِي ٌم بِالْ ُمّتقِيَ (‪)115‬‬

‫وأيّ عمل ق ّل أو َكثُر من أعمال الي تعمله هذه الطائفة الؤمنة فلن يضيع عند ال‪ ,‬بل يُشكر لم‪,‬‬
‫ويازون عليه‪ .‬وال عليم بالتقي الذين فعلوا اليات وابتعدوا عن الحرمات; ابتغاء رضوان ال‪ ,‬وطلبًا‬
‫لثوابه‪.‬‬

‫ب النّا ِر هُ مْ فِيهَا‬
‫إِنّ الّذِي نَ َكفَرُوا لَ ْن ُتغْنِ يَ عَْنهُ مْ َأ ْموَاُلهُ ْم وَل َأوْل ُدهُ ْم مِ نْ اللّ ِه َشيْئا َوُأوَْلئِ كَ أَ صْحَا ُ‬
‫خَالِدُونَ (‪)116‬‬

‫إن الذين كفروا بآيات ال‪ ,‬وكذبوا رسله‪ ,‬لن تدفع عنهم أموالم ول أولدهم شيئًا من عذاب ال ف‬
‫الدنيا ول ف الخرة‪ ,‬وأولئك أصحاب النار اللزمون لا‪ ,‬ل يرجون منها‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫سهُمْ َفأَهَْل َكتْ هُ‬
‫حيَاةِ ال ّدْنيَا كَ َمثَلِ رِي حٍ فِيهَا صِرّ أَ صَاَبتْ حَرْ ثَ َقوْ ٍم ظَلَمُوا َأنْفُ َ‬
‫َمثَلُ مَا ُيْنفِقُو نَ فِي هَذِ ِه الْ َ‬
‫سهُ ْم يَظِْلمُونَ (‪)117‬‬ ‫َومَا ظََل َمهُمْ اللّ ُه وََلكِنْ َأنْفُ َ‬

‫َمثَلُ ما ينفق الكافرون ف وجوه الي ف هذه الياة الدنيا وما يؤملونه من ثواب‪ ,‬كمثل ريح فيها برد‬
‫شديد َهبّتْ على زرع قوم كانوا يرجون خيه‪ ,‬وبسبب ذنوبم ل ُتبْقِ الريح منه شيئًا‪ .‬وهؤلء الكافرون‬
‫ل يدون ف الخرة ثوابًا‪ ,‬وما ظلمهم ال بذلك‪ ,‬ولكنهم ظلموا أنفسهم بكفرهم وعصيانم‪.‬‬

‫ت اْلَبغْضَا ُء مِ نْ‬
‫خذُوا بِطَاَن ًة مِ نْ دُونِكُ ْم ل َيأْلُوَنكُ مْ َخبَا ًل وَدّوا مَا َعِنتّ مْ قَ ْد بَدَ ْ‬ ‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ل تَتّ ِ‬
‫خفِي صُدُو ُرهُمْ أَكْبَرُ َق ْد َبيّنّا َلكُ ْم اليَاتِ ِإنْ ُكْنتُ ْم َت ْعقِلُونَ ( ‪)118‬‬ ‫أَ ْفوَا ِههِ ْم َومَا ُت ْ‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ،‬ل تتخذوا الكافرين أولياء من دون الؤمني‪ ,‬تُطْلعونم‬
‫على أسراركم‪ ,‬فهؤلء ل َي ْفتُرون عن إفساد حالكم‪ ,‬وهم يفرحون با يصيبكم من ضرر ومكروه‪ ,‬وقد‬
‫ظهرت شدة البغض ف كلمهم‪ ,‬وما تفي صدورهم من العداوة لكم أكب وأعظم‪ .‬قد بّينّا لكم الباهي‬
‫والجج‪ ,‬لتتعظوا وتذروا‪ ,‬إن كنتم تعقلون عن ال مواعظه وأمره ونيه‪.‬‬

‫حبّونَكُ ْم َوُت ْؤمِنُو نَ بِاْل ِكتَا بِ ُكلّ ِه َوإِذَا َلقُوكُ مْ قَالُوا آ َمنّ ا َوإِذَا َخَلوْا َعضّوا‬
‫حبّوَنهُ ْم وَل يُ ِ‬
‫هَاأَْنتُ مْ ُأوْلءِ ُت ِ‬
‫عََليْكُ ْم ا َلنَامِ َل مِ ْن ال َغيْظِ قُ ْل مُوتُوا ِبغَيْ ِظكُمْ ِإنّ اللّهَ عَلِي ٌم بِذَاتِ الصّدُورِ (‪)119‬‬

‫ها هوذا الدليل على خطئكم ف مبتهم‪ ,‬فأنتم تبونم وتسنون إليهم‪ ,‬وهم ل يبونكم ويملون لكم‬
‫العداوة والبغضاء‪ ,‬وأنتم تؤمنون بالكتب النلة كلها ومنها كتابم‪ ,‬وهم ل يؤمنون بكتابكم‪ ,‬فكيف‬
‫تبونم؟ وإذا لقوكم قالوا ‪-‬نفاقًا‪ : -‬آمنّا وصدّقْنا‪ ,‬وإذا خل بعضهم إل بعض بدا عليهم الغم والزن‪,‬‬
‫ف َعضّوا أطراف أصابعهم من شدة الغضب‪ ,‬لا يرون من ألفة السلمي واجتماع كلمتهم‪ ,‬وإعزاز‬
‫السلم‪ ,‬وإذللم به‪ .‬قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬موتوا بشدة غضبكم‪ .‬إن ال مطّلِع على ما تفي‬
‫الصدور‪ ,‬وسيجازي كل على ما قدّم مِن خي أو شر‪.‬‬

‫صبِرُوا َوَتّتقُوا ل َيضُرّكُ مْ َكيْ ُدهُ ْم َشيْئا‬


‫س ْؤهُ ْم َوإِ ْن تُ صِْبكُمْ َسيَّئ ٌة َيفْرَحُوا ِبهَا َوإِ نْ تَ ْ‬
‫سَن ٌة تَ ُ‬
‫سكُمْ حَ َ‬
‫إِ نْ تَمْ سَ ْ‬
‫إِنّ اللّ َه بِمَا َيعْمَلُو َن مُحِيطٌ (‪)120‬‬

‫‪108‬‬
‫ومن عداوة هؤلء أنكم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬إن نزل بكم أمرٌ حسن مِن نصر وغنيمة ظهرت عليهم الكآبة‬
‫والزن‪ ,‬وإن وقع بكم مكروه من هزية أو نقص ف الموال والنفس والثمرات فرحوا بذلك‪ ,‬وإن‬
‫تصبوا على ما أصابكم‪ ,‬وتتقوا ال فيما أمركم به وناكم عنه‪ ,‬ل يضركم أذى مكرهم‪ .‬وال بميع ما‬
‫يعمل هؤلء الكفار من الفساد ميط‪ ,‬وسيجازيهم على ذلك‪.‬‬

‫ي َمقَاعِدَ ِل ْلقِتَا ِل وَاللّ ُه سَمِي ٌع عَلِيمٌ (‪)121‬‬


‫ئ الْ ُم ْؤ ِمنِ َ‬
‫ك ُتبَوّ ُ‬
‫ت مِنْ َأهْلِ َ‬
‫َوإِ ْذ غَ َدوْ َ‬

‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬حي َخرَ ْجتَ من بيتك لبسًا عُدّة الرب‪ ,‬تنظم صفوف أصحابك‪ ,‬وُتنْزِل كل‬
‫واحد ف منله للقاء الشركي ف غزوة "ُأحُد"‪ .‬وال سيع لقوالكم‪ ,‬عليم بأفعالكم‪.‬‬

‫ت طَاِئ َفتَا ِن ِمْنكُمْ َأ ْن َتفْشَل وَاللّ ُه وَِلّيهُمَا َوعَلَى اللّهِ َف ْليََتوَكّ ْل الْ ُم ْؤمِنُونَ (‪)122‬‬
‫إِ ْذ هَ ّم ْ‬

‫اذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ما كان من أمر بن سَلِمة وبن حارثة حي حدثتهم أنفسهم بالرجوع مع زعيمهم‬
‫النافق عبد ال بن أُبّ; خوفًا من لقاء العدو‪ ,‬ولكن ال عصمهم وحفظهم‪ ,‬فساروا معك متوكلي على‬
‫ال‪ .‬وعلى ال وحده فليتوكل الؤمنون‪.‬‬

‫شكُرُونَ (‪)123‬‬
‫وََلقَ ْد َنصَرَكُمْ اللّ ُه ِببَدْ ٍر َوَأنْتُمْ أَذِّلةٌ فَاّتقُوا اللّهَ َلعَّلكُ ْم تَ ْ‬

‫ولقد نصركم ال ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬به "بدر" على أعدائكم الشركي مع قلة عَدَدكم وعُدَدكم‪ ,‬فخافوا‬
‫ال بفعل أوامره واجتناب نواهيه; لعلكم تشكرون له نعمه‪.‬‬

‫ف مِ ْن الْمَلِئ َكةِ ُمنْزَِليَ (‪)124‬‬


‫إِ ْذ َتقُولُ لِلْ ُم ْؤ ِمنِيَ أَلَ ْن َي ْكفَِيكُمْ َأنْ يُمِدّ ُكمْ َرّبكُ ْم بِثَلَثةِ آل ٍ‬

‫اذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ما كان من أمر أصحابك ف "بدر" حي شقّ عليهم أن يأت مَدَد للمشركي‪,‬‬
‫فأوحينا إليك أن تقول لم‪ :‬ألن تكفيكم معونة ربكم بأن يدكم بثلثة آلف من اللئكة ُمنْزَلي من‬
‫السماء إل أرض العركة‪ ,‬يثبتونكم‪ ,‬ويقاتلون معكم‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫س ّومِيَ (‬
‫ف مِ ْن الْمَلِئ َكةِ مُ َ‬
‫سةِ آل ٍ‬
‫بَلَى إِ نْ تَ صْبِرُوا َوَتتّقُوا َوَي ْأتُوكُ ْم مِ نْ َفوْ ِرهِ ْم هَذَا يُ ْمدِدْكُ مْ َرّبكُ ْم ِبخَمْ َ‬
‫‪)125‬‬

‫بلى يكفيكم هذا الَدَد‪ .‬وبشارة أخرى لكم‪ :‬إن تصبوا على لقاء العدو وتتقوا ال ب ِفعْل ما أمركم به‬
‫واجتناب ما ناكم عنه‪ ,‬ويأت كفار "مكة" على الفور مسرعي لقتالكم‪ ,‬يظنون أنم يستأصلونكم‪ ,‬فإن‬
‫ال يدكم بمسة آلف من اللئكة مسوّمي أي‪ :‬قد أعلموا أنفسهم وخيولم بعلمات واضحات‪.‬‬

‫حكِيمِ (‪)126‬‬
‫َومَا َجعَلَهُ اللّهُ إِ ّل بُشْرَى َلكُ ْم وَِلتَطْ َمئِنّ قُلُوُبكُ ْم بِ ِه َومَا الّنصْرُ إِ ّل مِ ْن عِنْدِ اللّ ِه اْلعَزِي ِز الْ َ‬

‫وما جعل ال هذا المداد باللئكة إل بشرى لكم يبشركم با ولتطمئن قلوبكم‪ ,‬وتطيب بوعد ال لكم‪.‬‬
‫وما النصر إل من عند ال العزيز الذي ل يغالَب‪ ,‬الكيم ف تدبيه وفعله‪.‬‬

‫ِلَيقْطَ َع طَرَفا مِ ْن الّذِينَ َكفَرُوا َأ ْو َيكِْبَتهُمْ َفَينْقَِلبُوا خَاِئبِيَ (‪)127‬‬


‫وكان نصر ال لكم به "بدْر" ليهلك فريقًا من الكفار بالقتل‪ ,‬ومن نا منهم من القتل رجع حزينًا قد‬
‫ضاقت عليه نفسه‪ ,‬يَظْهر عليه الزي والعار‬

‫ك مِ ْن ا َلمْ ِر َشيْءٌ َأوْ َيتُوبَ عََلْيهِمْ َأ ْو ُيعَ ّذَبهُمْ فَِإّنهُ ْم ظَالِمُونَ (‪)128‬‬
‫َلْيسَ لَ َ‬

‫ليس لك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من أمر العباد شيء‪ ,‬بل المر كله ل تعال وحده ل شريك له‪ ,‬ولعل بعض‬
‫هؤلء الذين قاتلوك تنشرح صدورهم للسلم فيسلموا‪ ,‬فيتوب ال عليهم‪ .‬ومن بقي على كفره يعذبه‬
‫ال ف الدنيا والخرة بسبب ظلمه وبغيه‪.‬‬

‫ب مَ ْن يَشَا ُء وَاللّ ُه َغفُورٌ َرحِيمٌ (‪)129‬‬


‫ض َي ْغفِرُ لِمَ ْن يَشَا ُء َوُيعَذّ ُ‬
‫ت َومَا فِي الَ ْر ِ‬
‫وَلِلّ ِه مَا فِي السّ َموَا ِ‬

‫ول وحده ما ف السموات وما ف الرض‪ ,‬يغفر لن يشاء من عباده برحته‪ ,‬ويعذب من يشاء بعدله‪.‬‬
‫وال غفور لذنوب عباده‪ ,‬رحيم بم‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫ضعَافا ُمضَا َعفَ ًة وَاتّقُوا اللّهَ َلعَّلكُ ْم ُتفِْلحُونَ (‪)130‬‬
‫يَا َأيّهَا الّذِينَ آ َمنُوا ل تَأْكُلُوا ال ّربَا أَ ْ‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه احذروا الربا بميع أنواعه‪ ,‬ول تأخذوا ف القرض زيادة‬
‫على رؤوس أموالكم وإن قلّت‪ ,‬فكيف إذا كانت هذه الزيادة تتضاعف كلما حان موعد سداد الدين؟‬
‫واتقوا ال بالتزام شرعه; لتفوزوا ف الدنيا والخرة‪.‬‬

‫وَاّتقُوا النّا َر الّتِي أُعِدّتْ ِل ْلكَافِرِينَ (‪)131‬‬

‫اجعلوا لنفسكم وقاية بينكم وبي النار الت ُهيّئت للكافرين‪.‬‬

‫َوأَطِيعُوا اللّ َه وَال ّرسُولَ َلعَّلكُ ْم تُرْحَمُونَ (‪)132‬‬

‫وأطيعوا ال ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬فيما أمركم به من الطاعات وفيما ناكم عنه من أكل الربا وغيه من‬
‫الشياء‪ ,‬وأطيعوا الرسول; لترحوا‪ ,‬فل تعذبوا‪.‬‬

‫ت وَالَ ْرضُ ُأعِدّتْ لِ ْل ُمّتقِيَ (‪)133‬‬


‫ضهَا السّ َموَا ُ‬
‫َوسَا ِرعُوا إِلَى َم ْغفِ َرةٍ مِنْ َرّبكُمْ وَ َجّنةٍ عَ ْر ُ‬

‫وبادروا بطاعتكم ل ورسوله لغتنام مغفرة عظيمة من ربكم وجنة واسعة‪ ,‬عرضها السموات والرض‪,‬‬
‫أعدها ال للمتقي‪.‬‬

‫سنِيَ (‪)134‬‬
‫حبّ الْ ُمحْ ِ‬
‫س وَاللّهُ يُ ِ‬
‫ي عَ ْن النّا ِ‬
‫ظ وَالْعَافِ َ‬
‫ي الْ َغيْ َ‬
‫الّذِي َن يُْن ِفقُونَ فِي السّرّاءِ وَالضّرّاءِ وَاْلكَاظِ ِم َ‬

‫الذين ينفقون أموالم ف اليسر والعسر‪ ,‬والذين يسكون ما ف أنفسهم من الغيظ بالصب‪ ,‬وإذا َقدَروا‬
‫َعفَوا عمّن ظلمهم‪ .‬وهذا هو الحسان الذي يب ال أصحابه‪.‬‬

‫شةً َأ ْو ظَلَمُوا َأْنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللّهَ فَا ْستَ ْغفَرُوا لِ ُذنُوبِهِ ْم َومَ ْن َي ْغفِرُ ال ّذنُوبَ إِلّ اللّ ُه وَلَمْ‬
‫وَالّذِينَ ِإذَا َف َعلُوا فَاحِ َ‬
‫ُيصِرّوا عَلَى مَا َفعَلُوا َوهُ ْم َيعْلَمُونَ (‪)135‬‬

‫‪111‬‬
‫والذين إذا ارتكبوا ذنبًا كبيًا أو ظلموا أنفسهم بارتكاب ما دونه‪ ,‬ذكروا وعد ال ووعيده فلجأوا إل‬
‫ربم تائبي‪ ,‬يطلبون منه أن يغفر لم ذنوبم‪ ,‬وهم موقنون أنه ل يغفر الذنرب إل ال‪ ,‬فهم لذلك ل‬
‫يقيمون على معصية‪ ,‬وهم يعلمون أنم إن تابوا تاب ال عليهم ‪.‬‬

‫حتِهَا ا َلْنهَارُ خَالِدِي نَ فِيهَا َوِنعْ مَ أَ ْج ُر الْعَامِلِيَ (‬


‫ُأوْلَئِ كَ جَزَا ُؤهُ ْم َم ْغفِ َرٌة مِ نْ َرّبهِ ْم وَ َجنّا تٌ َتجْرِي مِ ْن تَ ْ‬
‫‪)136‬‬

‫أولئك الوصوفون بتلك الصفات العظيمة جزاؤهم أن يستر ال ذنوبم‪ ,‬ولم جنات تري من تت‬
‫أشجارها وقصورها الياه العذبة‪ ,‬خالدين فيها ل يرجون منها أبدًا‪ .‬وِنعْمَ أجر العاملي الغفرة والنة‪.‬‬

‫قَدْ َخَلتْ مِنْ َقبِْلكُ ْم ُسنَنٌ فَسِيُوا فِي الَ ْرضِ فَانْظُروا َكيْفَ كَانَ عَاِقَبةُ الْمُكَ ّذبِيَ (‪)137‬‬

‫ياطب ال الؤمني لهمّا أُصيبوا يوم "أُحد" تعزية لم بأنه قد مضت من قبلكم أمم‪ ,‬ابتُلي الؤمنون منهم‬
‫بقتال الكافرين فكانت العاقبة لم‪ ,‬فسيوا ف الرض معتبين با آل إليه أمر أولئك الكذبي بال‬
‫ورسله‪.‬‬

‫هَذَا َبيَانٌ لِلنّاسِ وَهُدًى َو َم ْوعِ َظةٌ لِلْ ُمّتقِيَ (‪)138‬‬

‫هذا القرآن بيان وإرشاد إل طريق الق‪ ,‬وتذكي تشع له قلوب التقي‪ ,‬وهم الذين يشون ال‪ ,‬و ُخصّوا‬
‫بذلك; لنم هم النتفعون به دون غيهم‪.‬‬

‫ح َزنُوا َوَأنْتُ ْم ا َلعَْلوْنَ ِإنْ ُكْنتُ ْم ُم ْؤمِنِيَ (‪)139‬‬


‫وَل َتهِنُوا وَل تَ ْ‬

‫ضعُفوا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬عن قتال عدوكم‪ ,‬ول تزنوا لا أصابكم ف "أُحد"‪ ,‬وأنتم الغالبون والعاقبة‬
‫ول ت ْ‬
‫لكم‪ ,‬إن كنتم مصدقي بال ورسوله متّبعي شرعه‪.‬‬

‫ك ا َليّا ُم نُدَاوِلُهَا َبيْ َن النّا سِ وَِلَيعْلَ مَ اللّ ُه الّذِي نَ آ َمنُوا‬


‫ح ِمثْلُ ُه َوتِلْ َ‬
‫س اْل َقوْ مَ َقرْ ٌ‬
‫سكُمْ َقرْ حٌ َفقَ ْد مَ ّ‬
‫إِ نْ يَمْ سَ ْ‬

‫‪112‬‬
‫حبّ الظّالِ ِميَ (‪)140‬‬
‫خ َذ ِمنْكُ ْم ُشهَدَا َء وَاللّ ُه ل يُ ِ‬
‫َويَتّ ِ‬

‫إن أصابتكم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬جراح أو قتل ف غزوة "أُحد" فحزنتم لذلك‪ ,‬فقد أصاب الشركي جراح‬
‫وقتل مثل ذلك ف غزوة "بدر"‪ .‬وتلك اليام ُيصَرّفها ال بي الناس‪ ,‬نصر مرة وهزية أخرى‪ ,‬لا ف ذلك‬
‫من الكمة‪ ,‬حت يظهر ما علمه ال ف الزل ليميز ال الؤمن الصادق مِن غيه‪ ,‬ويُكْ ِر َم أقوامًا منكم‬
‫بالشهادة‪ .‬وال ل يب الذين ظلموا أنفسهم‪ ,‬وقعدوا عن القتال ف سبيله‪.‬‬

‫حصَ اللّ ُه الّذِينَ آمَنُوا َويَ ْمحَ َق اْلكَافِرِينَ (‪)141‬‬


‫وَِليُمَ ّ‬

‫وهذه الزية الت وقعت ف "أُحد" كانت اختبارًا وتصفية للمؤمني‪ ,‬وتليصًا لم من النافقي وهلكًا‬
‫للكافرين‪.‬‬

‫جّن َة وَلَمّا َيعْلَمْ اللّ ُه الّذِينَ جَاهَدُوا ِمنْكُ ْم َوَيعْلَ َم الصّابِرِينَ (‪)142‬‬
‫سْبتُمْ َأ ْن تَدْ ُخلُوا الْ َ‬
‫َأمْ حَ ِ‬

‫يا أصحاب ممد ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬أظننتم أن تدخلوا النة‪ ,‬ول ُتْبتَلوا بالقتال والشدائد؟ ل يصل‬
‫لكم دخولا حت ُتبْتلوا‪ ,‬ويعلم ال ‪-‬علما ظاهرا للخلق‪ -‬الجاهدين منكم ف سبيله‪ ,‬والصابرين على‬
‫مقاومة العداء‪.‬‬

‫ت مِنْ َقبْلِ َأنْ تَ ْل َق ْوهُ َف َقدْ َرَأيْتُمُو ُه َوَأنْتُ ْم َتنْظُرُونَ (‪)143‬‬


‫وََلقَدْ ُكنْتُ ْم َتتَ َمّنوْن الْ َموْ َ‬

‫ولقد كنتم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬قبل غزوة "أُحد" تتمنون لقاء العدو; لتنالوا شرف الهاد والستشهاد ف‬
‫سبيل ال الذي حَظِي به إخوانكم ف غزوة "بدر"‪ ,‬فها هو ذا قد حصل لكم الذي تنيتموه وطلبتموه‪,‬‬
‫فدونكم فقاتلوا وصابروا‪.‬‬

‫ب عَلَى‬
‫َومَا مُحَمّدٌ إِلّ َرسُولٌ َقدْ َخَلتْ مِنْ َقبْلِهِ ال ّرسُلُ أَفَِإيْن مَاتَ َأوْ ُقتِ َل انْقََلْبتُ ْم عَلَى َأعْقَاِبكُ ْم َومَنْ يَْنقَِل ْ‬
‫جزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ (‪)144‬‬ ‫َعقَِبيْهِ َفلَ ْن َيضُرّ اللّ َه َشيْئا َو َسيَ ْ‬

‫‪113‬‬
‫وما ممد إل رسول من جنس الرسل الذين قبله يبلغ رسالة ربه‪ .‬أفإن مات بانقضاء أجله أو ُقتِل كما‬
‫أشاعه العداء رجعتم عن دينكم‪ ,,‬تركتم ما جاءكم به نبيكم؟ ومن ير ِج ُع منكم عن دينه فلن يضر ال‬
‫شيئًا‪ ,‬إنا يضر نفسه ضررًا عظيمًا‪ .‬أما مَن ثبت على اليان وشكر ربه على نعمة السلم‪ ,‬فإن ال يزيه‬
‫أحسن الزاء‪.‬‬

‫ل َومَ ْن يُ ِر ْد َثوَا بَ ال ّدنْيَا ُن ْؤتِ هِ مِنْهَا َومَ ْن يُ ِر ْد َثوَا بَ‬


‫وَمَا كَا نَ ِلَنفْ سٍ أَ ْن تَمُو تَ إِلّ بِإِذْ نِ اللّ هِ ِكتَابا ُمؤَ ّج ً‬
‫جزِي الشّاكِرِينَ (‪)145‬‬ ‫الخِ َر ِة ُنؤْتِ ِه ِمْنهَا َو َسنَ ْ‬

‫لن يوت أحد إل بإذن ال وقدره وحت يستوف الدة الت قدرها ال له كتابًا مؤجّل‪ .‬ومن يطلب بعمله‬
‫عَرَض الدنيا‪ ,‬نعطه ما قسمناه له من رزق‪ ,‬ول حظّ له ف الخرة‪ ,‬ومن يطلب بعمله الزاء من ال ف‬
‫الخرة ننحه ما طلبه‪ ,‬ونؤته جزاءه وافرًا مع ما لَه ف الدنيا من رزق مقسوم‪ ,‬فهذا قد شَكَرَنا بطاعته‬
‫وجهاده‪ ,‬وسنجزي الشاكرين خيًا‪.‬‬

‫ض ُعفُوا َومَا ا ْستَكَانُوا وَاللّهُ‬


‫وَ َكأَيّ ْن مِ ْن َنِبيّ قَاتَ َل َمعَهُ ِرّبيّونَ َكثِيٌ َفمَا َوهَنُوا ِلمَا أَصَاَبهُمْ فِي َسبِيلِ اللّ ِه َومَا َ‬
‫ب الصّابِرِينَ (‪)146‬‬ ‫ح ّ‬ ‫يُ ِ‬

‫كثي من النبياء السابقي قاتل معهم جوع كثية من أصحابم‪ ,‬فما ضعفوا ِلمَا نزل بم من جروح أو‬
‫قتل; لن ذلك ف سبيل ربم‪ ,‬وما عَجَزوا‪ ,‬ول خضعوا لعدوهم‪ ,‬إنا صبوا على ما أصابم‪ .‬وال يب‬
‫الصابرين‪.‬‬

‫وَمَا كَا نَ َقوَْلهُ مْ إِلّ أَ نْ قَالُوا َربّنَا ا ْغفِرْ لَنَا ُذنُوبَنَا َوإِ سْرَاَفنَا فِي َأمْرِنَا َوثَبّ تْ أَقْدَامَنَا وَانْ صُ ْرنَا عَلَى اْل َقوْ مِ‬
‫الْكَافِرِينَ (‪)147‬‬

‫وما كان قول هؤلء الصابرين إل أن قالوا‪ :‬ربنا اغفر لنا ذنوبنا‪ ,‬وما وقع منا مِن تاوزٍ ف أمر ديننا‪,‬‬
‫وثبّت أقدامنا حت ل نفرّ من قتال عدونا‪ ,‬وانصرنا على مَن جحد وحدانيتك ونبوة أنبيائك‪.‬‬

‫سنِيَ (‪)148‬‬
‫حبّ الْ ُمحْ ِ‬
‫فَآتَاهُمْ اللّ ُه َثوَابَ ال ّدنْيَا وَحُسْ َن َثوَابِ الخِ َرةِ وَاللّ ُه ُي ِ‬

‫‪114‬‬
‫فأعطى ال أولئك الصابرين جزاءهم ف الدنيا بالنصر على أعدائهم‪ ,‬وبالتمكي لم ف الرض‪ ,‬وبالزاء‬
‫السن العظيم ف الخرة‪ ,‬وهو جنات النعيم‪ .‬وال يب ك ّل مَن أحسن عبادته لربه ومعاملته للقه‪.‬‬

‫يَا َأيّهَا الّذِينَ آ َمنُوا إِ ْن تُطِيعُوا الّذِينَ َكفَرُوا يَ ُردّوكُ ْم عَلَى َأعْقَاِبكُمْ َفتَْنقَِلبُوا خَاسِرِينَ (‪)149‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ،‬إن تطيعوا الذين جحدوا ألوهيت‪ ,‬ول يؤمنوا برسلي‬
‫من اليهود والنصارى والنافقي والشركي فيما يأمرونكم به وينهونكم عنه‪ ,‬يضلوكم عن طريق الق‪,‬‬
‫وترتدّوا عن دينكم‪ ,‬فتعودوا بالسران البي واللك الحقق‪.‬‬

‫بَلْ اللّ ُه َموْلكُ ْم َو ُهوَ َخيْ ُر النّاصِرِينَ (‪)150‬‬

‫إنم لن ينصروكم‪ ,‬بل ال ناصركم‪ ,‬وهو خي ناصر‪ ,‬فل يتاج معه إل نصرة أحد‪.‬‬

‫َسنُ ْلقِي فِي قُلُوبِ الّذِينَ َكفَرُوا ال ّر ْعبَ بِمَا َأشْرَكُوا بِاللّ ِه مَا لَ ْم ُينَزّ ْل بِهِ سُلْطَانا َو َم ْأوَاهُ ْم النّا ُر َوِبئْسَ مَْثوَى‬
‫الظّالِمِيَ (‪)151‬‬

‫سنقذف ف قلوب الذين كفروا أش ّد الفزع والوف بسبب إشراكهم بال آلة مزعومة‪ ,‬ليس لم دليل‬
‫أو برهان على استحقاقها للعبادة مع ال‪ ,‬فحالتهم ف الدنيا‪ :‬رعب وهلع من الؤمني‪ ,‬أما مكانم ف‬
‫الخرة الذي يأوون إليه فهو النار; وذلك بسبب ظلمهم وعدوانم‪ ,‬وساء هذا القام مقامًا لم‪.‬‬

‫صيْتُ ْم‬
‫ش ْلتُ ْم َوَتنَازَ ْعتُ مْ فِي الَمْ ِر َوعَ َ‬
‫ش ْلتُ مْ َحتّى ِإذَا فَ ِ‬
‫وََلقَدْ صَدََقكُمْ اللّ ُه َوعْدَ هُ ِإ ْذ تَحُ سّوَنهُ ْم بِإِ ْذنِ هِ َحتّى ِإذَا فَ ِ‬
‫صرََفكُ ْم َعنْهُ مْ ِلَيبْتَِلَيكُ مْ‬
‫حبّو َن ِمْنكُ ْم مَ نْ يُرِيدُ ال ّدنْيَا َومِْنكُ ْم مَ ْن يُرِيدُ الخِ َر َة ثُمّ َ‬ ‫مِ ْن َبعْ ِد مَا أَرَاكُ ْم مَا تُ ِ‬
‫وََلقَ ْد عَفَا َعنْكُ ْم وَاللّهُ ذُو َفضْ ٍل عَلَى الْ ُم ْؤ ِمنِيَ (‪)152‬‬

‫ولقد حقق ال لكم ما وعدكم به من نصر‪ ,‬حي كنتم تقتلون الكفار ف غزوة "أُحد" بإذنه تعال‪ ,‬حت‬
‫إذا َجبُنتم وضعفتم عن القتال واختلفتم‪ :‬هل تبقون ف مواقعكم أو تتركونا لمع الغنان مع مَن يمعها؟‬
‫وعصيتم أمر رسولكم حي أمركم أل تفارفوا أماكنكم بأي حال‪ ,‬حلّت بكم الزية من بعد ما أراكم‬

‫‪115‬‬
‫ما تبون من النصر‪ ,‬وتبيّن أن منكم مَن يريد الغنائم‪ ,‬وأن منكم مَن يطلب الخرة وثوابا‪ ,‬ث صرف ال‬
‫وجوهكم عن عدوكم; ليختبكم‪ ,‬وقد علم ال ندمكم وتوبتكم فعفا عنكم‪ ,‬وال ذو فضل عظيم على‬
‫الؤمني‪.‬‬

‫صعِدُو َن وَل تَ ْلوُو َن عَلَى أَحَ ٍد وَال ّرسُو ُل يَ ْدعُوكُمْ فِي أُ ْخرَاكُمْ َفأَثَاَبكُ ْم غَمّا ِبغَمّ ِلكَيْل تَحْ َزنُوا عَلَى مَا‬
‫إِ ْذ ُت ْ‬
‫فَاَتكُمْ وَل مَا أَصَاَبكُ ْم وَاللّهُ َخبِيٌ بِمَا َتعْمَلُونَ (‪)153‬‬

‫اذكروا ‪-‬يا أصحاب ممد‪ -‬ما كان مِن أمركم حي أخذت تصعدون البل هاربي من أعدائكم‪ ,‬ول‬
‫تلتفتون إل أحد لِمَا اعتراكم من الدهشة والوف والرعب‪ ,‬ورسول ال صلى ال عليه وسلم ثابت ف‬
‫اليدان يناديكم من خلفكم قائل إلّ عبا َد ال‪ ,‬وأنتم ل تسمعون ول تنظرون‪ ,‬فكان جزاؤكم أن أنزل‬
‫ال بكم ألًا وضيقًا وغمّا; لكي ل تزنوا على ما فاتكم من نصر وغنيمة‪ ,‬ول ما حلّ بكم من خوف‬
‫وهزية‪ .‬وال خبي بميع أعمالكم‪ ,‬ل يفى عليه منها شيء‪.‬‬

‫سهُ ْم يَ ُظنّو َن بِاللّ ِه َغيْ َر‬


‫ثُمّ َأنْزَ َل عََلْيكُ ْم مِ ْن َبعْ ِد الْغَمّ َأ َمَنةً نُعَاسا َيغْشَى طَائِ َف ًة ِمنْكُ ْم َوطَاِئ َفةٌ َقدْ أَهَ ّمْتهُمْ َأْنفُ ُ‬
‫سهِ ْم مَا ل‬ ‫خفُو نَ فِي َأْنفُ ِ‬ ‫الْحَقّ ظَنّ الْجَاهِِلّي ِة َيقُولُو نَ هَلْ لَنَا مِ ْن ا َلمْ ِر مِ ْن َشيْءٍ قُلْ إِنّ ا َلمْرَ كُلّ هُ لِلّ ِه ُي ْ‬
‫ك َيقُولُو نَ َلوْ كَا نَ َلنَا مِ نْ ا َلمْ ِر َشيْ ٌء مَا ُقتِ ْلنَا هَا ُهنَا قُلْ َلوْ ُكْنتُ مْ فِي بُيُوتِكُ مْ َلبَرَ َز الّذِي نَ ُكتِ بَ‬ ‫ُيبْدُو نَ لَ َ‬
‫ص مَا فِي قُلُوِبكُ ْم وَاللّ هُ عَلِي ٌم بِذَا تِ‬ ‫عََلْيهِ ْم الْ َقتْلُ إِلَى َمضَا ِج ِعهِ ْم وَِلَيبْتَلِ يَ اللّ ُه مَا فِي صُدُورِكُ ْم وَِليُمَحّ َ‬
‫الصّدُورِ (‪)154‬‬

‫ث كان من رحة ال بالؤمني الخلصي أن ألقى ف قلوبم من بعد ما نزل با من ه ّم وغ ّم اطمئنانًا وثقة‬
‫ف وعد ال‪ ,‬وكان من أثره نعاس غَشِي طائفة منهم‪ ,‬وهم أهل الخلص واليقي‪ ,‬وطائفة أُخرى أهّهم‬
‫ض ُع َفتْ عزيتهم و ُشغِلوا بأنفسهم‪ ,‬وأساؤوا الظن بربم وبدينه وبنبيه‪ ,‬وظنوا‬
‫خلص أنفسهم خاصة‪ ,‬و َ‬
‫أن ال ل ُيتِمّ أمر رسوله‪ ,‬وأن السلم لن نقوم له قائمة‪ ,‬ولذلك تراهم نادمي على خروجهم‪ ,‬يقول‬
‫بعضهم لبعض‪ :‬هل كان لنا من اختيار ف الروج للقتال؟ قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬إن المر كلّه ل‪,‬‬
‫فهو الذي قدّر خروجكم وما حدث لكم‪ ,‬وهم ُيخْفون ف أنفسهم ما ل يظهرونه لك من السرة على‬
‫خروجهم للقتال‪ ,‬يقولون‪ :‬لو كان لنا أدن اختيار ما ُقتِلنا هاهنا‪ .‬قل لم‪ :‬إن الجال بيد ال‪ ,‬ولو كنتم‬
‫ف بيوتكم‪ ,‬وقدّر ال أنكم توتون‪ ,‬لرج الذين كتب ال عليهم الوت إل حيث ُيقْتلون‪ ,‬وما جعل ال‬

‫‪116‬‬
‫ذلك إل ليختب ما ف صدوركم من الشك والنفاق‪ ,‬وليميز البيث من الطيب‪ ,‬ويظهر أمر الؤمن من‬
‫النافق للناس ف القوال والفعال‪ .‬وال عليم با ف صدور خلقه‪ ,‬ل يفى عليه شيء من أمورهم‪.‬‬

‫سبُوا وََلقَ ْد َعفَا اللّ ُه َعنْهُمْ ِإنّ‬


‫ِإنّ الّذِي َن َتوَّلوْا ِمنْكُ ْم َيوْ َم الَْتقَى الْجَ ْمعَانِ ِإنّمَا اسْتَزَّلهُمْ الشّيْطَانُ ِبَبعْضِ مَا كَ َ‬
‫اللّ َه َغفُورٌ حَلِيمٌ (‪)155‬‬

‫إن الذين فرّوا منكم ‪-‬يا أصحاب‪ -‬ممد عن القتال يوم التقى الؤمنون والشركون ف غزوة "أُحد"‪ ,‬إنا‬
‫أوقعهم الشيطان ف هذا الذنب ببعض ما عملوا من الذنوب‪ ,‬ولقد تاوز ال عنهم فلم يعاقبهم‪ .‬إن ال‬
‫غفور للمذنبي التائبي‪ ,‬حليم ل يعاجل من عصاه بالعقوبة‪.‬‬

‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ل َتكُونُوا كَالّذِي نَ َكفَرُوا وَقَالُوا لِ ْخوَاِنهِ مْ إِذَا ضَ َربُوا فِي الَرْ ضِ َأوْ كَانُوا غُزّى َل ْو‬
‫س َرةً فِي ُقلُوِبهِ مْ وَاللّ ُه يُحْ ِي َويُمِي تُ وَاللّ ُه بِمَا َتعْمَلُو نَ‬
‫جعَلَ اللّ هُ ذَلِ كَ حَ ْ‬
‫كَانُوا ِعنْ َدنَا مَا مَاتُوا َومَا ُقتِلُوا ِلَي ْ‬
‫َبصِيٌ (‪)156‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ،‬ل تُشابوا الكافرين الذين ل يؤمنون بربم‪ ,‬فهم‬
‫يقولون لخوانم من أهل الكفر إذا خرجوا يبحثون ف أرض ال عن معاشهم أو كانوا مع الغزاة القاتلي‬
‫فماتوا أو ُقتِلوا‪ :‬لو ل يرج هؤلء ول يقاتلوا وأقاموا معنا ما ماتوا وما قُتلوا‪ .‬وهذا القول يزيدهم ألًا‬
‫وحزنًا وحسرة تستقر ف قلوبم‪ ,‬أما الؤمنون فإنم يعلمون أن ذلك بقدر ال فيهدي ال قلوبم‪ ,‬ويفف‬
‫عنهم الصيبة‪ ,‬وال ييي مَن قدّر له الياة ‪-‬وإن كان مسافرًا أو غازيًا‪ -‬وييت مَنِ انتهى أجله ‪-‬وإن‬
‫كان مقيمًا‪ -‬وال بكل ما تعملونه بصي‪ ,‬فيجازيكم به‪.‬‬

‫وََلئِنْ ُقتِ ْلتُمْ فِي َسبِيلِ اللّهِ َأوْ ُمتّمْ َل َم ْغفِ َرةٌ مِنْ اللّ ِه وَ َرحْ َمةٌ َخْي ٌر مِمّا يَجْ َمعُونَ (‪)157‬‬

‫ولئن ُقتِلتم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬وأت تاهدون ف سبيل ال أو متم ف أثناء القتال‪ ,‬ليغفرن ال لكم ذنوبكم‪,‬‬
‫وليحنكم رحة من عنده‪ ,‬فتفوزون بنات النعيم‪ ,‬وذلك خي من الدنيا وما يمعه أهلها‪.‬‬

‫وََلئِنْ مُتّمْ َأوْ ُقتِ ْلتُمْ لٍلَى اللّ ِه تُحْشَرُونَ (‪)158‬‬

‫‪117‬‬
‫ولئن انقضت آجالكم ف هذه الياة الدنيا‪ ,‬فمتم على ُفرُشكم‪ ,‬أو قتلتم ف ساحة القتال‪ ,‬لل ال وحده‬
‫تُحشرون‪ ,‬فيجازيكم بأعمالكم‪.‬‬

‫ف َعنْهُ ْم وَا ْستَ ْغفِرْ َلهُمْ‬


‫ب لنْ َفضّوا مِنْ َحوْلِكَ فَاعْ ُ‬
‫ظ اْلقَلْ ِ‬ ‫َفبِمَا رَحْ َم ٍة مِنْ اللّهِ ِلنْتَ َلهُ ْم وََلوْ ُكنْتَ فَظّا غَلِي َ‬
‫ب الْ ُمَتوَكّلِيَ (‪)159‬‬‫ح ّ‬ ‫َوشَاوِ ْرهُمْ فِي ا َلمْرِ فَإِذَا عَ َز ْمتَ َفَتوَكّ ْل عَلَى اللّهِ ِإنّ اللّ َه يُ ِ‬

‫فبحة من ال لك ولصحابك ‪-‬أيها النب‪ -‬منّ ال عليك فكنت رفيقًا بم‪ ,‬ولو كنت سيّئ الُلق قاسي‬
‫القلب‪ ,‬لْنصَرَفَ أصحابك من حولك‪ ,‬فل تؤاخذهم با كان منهم ف غزوة "أُحد"‪ ,‬واسأل ال ‪-‬أيها‬
‫النب‪ -‬أن يغفر لم‪ ,‬وشاورهم ف المور الت تتاج إل مشورة‪ ,‬فإذا عزمت على أمر من المور ‪-‬بعد‬
‫الستشارة‪ -‬فَأ ْمضِه معتمدًا على ال وحده‪ ,‬إن ال يب التوكلي عليه‪.‬‬

‫خذُْلكُ مْ فَ َم نْ ذَا الّذِي َينْ صُرُكُمْ مِ ْن َبعْدِ ِه َوعَلَى اللّ هِ فَ ْلَيَتوَكّلْ‬


‫إِ ْن يَنْ صُرْكُمْ اللّ هُ فَل غَالِ بَ َلكُ ْم َوإِ ْن يَ ْ‬
‫الْ ُم ْؤمِنُونَ (‪)160‬‬

‫إن يددكم ال بنصره ومعونته فل أحد يستطيع أن يغلبكم‪ ,‬وإن يذلكم فمن هذا الذي يستطيع أن‬
‫ينصركم من بعد خذلنه لكم؟ وعلى ال وحده فليتوكل الؤمنون‪.‬‬

‫سَبتْ وَهُ ْم ل يُ ْظلَمُونَ‬


‫َومَا كَانَ ِلَنبِيّ َأنْ َيغُ ّل َومَ ْن َيغْلُ ْل َيأْتِ بِمَا غَ ّل َيوْ َم اْلقِيَا َم ِة ثُ ّم ُتوَفّى كُ ّل َن ْفسٍ مَا كَ َ‬
‫(‪)161‬‬

‫وما كان لنبّ أن َيخُونَ أصحابه بأن يأخذ شيئًا من الغنيمة غي ما اختصه ال به‪ ,‬ومن يفعل ذلك منكم‬
‫يأت با أخذه حامل له يوم القيامة; ليُفضَح به ف الوقف الشهود‪ ,‬ث تُعطى كل نفس جزاءَ ما كسبت‬
‫وافيًا غي منقوص دون ظلم‪.‬‬

‫ضوَانَ اللّهِ كَمَ ْن بَا َء بِسَخَطٍ مِنْ اللّ ِه َومَ ْأوَاهُ َج َهنّ ُم َوِبْئسَ الْ َمصِيُ (‪)162‬‬
‫أَفَمَ ْن اّتبَعَ رِ ْ‬

‫‪118‬‬
‫ل يستوي من كان قصده رضوان ال ومن هو ُم ِكبٌ على العاصي‪ ,‬مسخط لربه‪ ,‬فاستحق بذلك سكن‬
‫جهنم‪ ,‬وبئس الصي‪.‬‬

‫ت ِعنْدَ اللّ ِه وَاللّهُ بَصِ ٌي بِمَا َيعْمَلُونَ (‪)163‬‬


‫هُمْ َدرَجَا ٌ‬

‫أصحاب النة التبعون لا يرضي ال متفاوتون ف الدرجات‪ ,‬وأصحاب النار التبعون لا يسخط ال‬
‫متفاوتون ف الدركات‪ ,‬ل يستوون‪ .‬وال بصي بأعمالم ل يفى عليه منها شيء‪.‬‬

‫سهِ ْم َيتْلُوا عََلْيهِمْ آيَاتِهِ َويُزَكّيهِ ْم َويُعَلّ ُمهُ ْم اْل ِكتَابَ‬


‫َلقَ ْد مَنّ اللّ ُه عَلَى الْ ُم ْؤمِنِيَ إِ ْذ َبعَثَ فِيهِمْ َرسُولً مِنْ َأْنفُ ِ‬
‫حكْ َمةَ َوِإنْ كَانُوا مِنْ َقبْلُ َلفِي ضَل ٍل ُمبِيٍ (‪)164‬‬ ‫وَالْ ِ‬

‫لقد أنعم ال على الؤمني من العرب; إذ بعث فيهم رسول من أنفسهم‪ ,‬يتلو عليهم آيات القرآن‪,‬‬
‫ويطهرهم من الشرك والخلق الفاسدة‪ ,‬ويعلمهم القرآن والسنة‪ ,‬وإن كانوا من قبل هذا الرسول لفي‬
‫غيّ وجهل ظاهر‪.‬‬

‫صْبتُ ْم ِمثَْليْهَا ُق ْلتُ مْ َأنّ ى هَذَا ُق ْل ُهوَ مِ ْن ِعنْدِ َأْنفُ سِكُمْ إِنّ اللّ هَ عَلَى كُ ّل َشيْءٍ‬
‫َأوَلَمّ ا أَ صَاَبتْكُ ْم مُ صِيَبةٌ قَدْ أَ َ‬
‫قَدِيرٌ (‪)165‬‬

‫أولا أصابتكم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬مصيبة‪ ,‬وهي ما أُصيب منكم يوم "أُحد" قد أصبتم مثليها من الشركي‬
‫ف يوم "بدْر"‪ ,‬قلتم متعجبي‪ :‬كيف يكون هذا ونن مسلمون ورسول ال صلى ال عليه وسلم فينا‬
‫وهؤلء مشركون؟ قل لم ‪-‬أيها النب‪ : -‬هذا الذي أصابكم هو من عند أنفسكم بسبب مالفتكم أمْرَ‬
‫رسولكم وإقبالكم على جع الغنائم‪ .‬إن ال يفعل ما يشاء ويكم ما يريد‪ ,‬ل معقّب ‌‌لكمه‪.‬‬

‫َومَا أَصَابَكُ ْم َي ْومَ اْلَتقَى الْجَ ْمعَانِ َفبِإِ ْذنِ اللّ ِه وَِليَعَْل َم الْ ُم ْؤمِنِيَ (‪)166‬‬

‫‪119‬‬
‫وما وقع بكم مِن جراح أو قتل ف غزوة "أُحد" يوم التقى جَ ْمعُ الؤمني وجع الشركي فكان النصر‬
‫للمؤمني أول ث للمشركي ثانيًا‪ ,‬فذلك كله بقضاء ال وقدره‪ ,‬وليظهر ما علمه ال ف الزل؛ ليميز‬
‫الؤمني الصادقي منكم‪.‬‬

‫وَِليَعَْل َم الّذِي َن نَاَفقُوا وَقِيلَ َل ُه ْم َتعَالَوْا قَاتِلُوا فِي َسبِيلِ اللّ هِ َأوْ ادَْفعُوا قَالُوا َل ْو َنعْلَ مُ ِقتَالً لتَّب ْعنَاكُ مْ هُ مْ‬
‫ب ِمنْهُمْ ِللِيَانِ َيقُولُو َن بِأَفْوا ِههِ ْم مَا َلْيسَ فِي ُقلُوِبهِمْ وَاللّهُ َأعْلَمُ بِمَا يَ ْكتُمُونَ (‪)167‬‬ ‫لِ ْل ُكفْ ِر َي ْومَئِذٍ أَ ْقرَ ُ‬

‫وليعلم النافقي الذين كشف ال ما ف قلوبم حي قال الؤمنون لم‪ :‬تعالوا قاتلوا معنا ف سبيل ال‪ ,‬أو‬
‫كونوا عونًا لنا بتكثيكم سوادنا‪ ,‬فقالوا‪ :‬لو نعلم أنكم تقاتلون أحدًا لكنا معكم عليهم‪ ,‬هم للكفر ف‬
‫هذا اليوم أقرب منهم لليان; لنم يقولون بأفواههم ما ليس ف قلوبم‪ .‬وال أعلم با يُخفون ف‬
‫صدورهم‪.‬‬

‫سكُ ْم الْ َموْ تَ إِ نْ ُكنْتُ مْ صَادِقِيَ (‬


‫الّذِي نَ قَالُوا لِ ْخوَاِنهِ ْم وََقعَدُوا َلوْ َأطَاعُونَا مَا ُقتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَ نْ َأْنفُ ِ‬
‫‪)168‬‬

‫هؤلء النافقون هم الذين قعدوا وقالوا لخوانم الذين أصيبوا مع السلمي ف حربم الشركي يوم‬
‫"أُحد"‪ :‬لو أطاعَنا هؤلء ما قتلوا‪ .‬قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬فادفعوا عن أنفسكم الوت إن كنتم صادقي‬
‫ف دعواكم أنم لو أطاعوكم ما قتلوا‪ ,‬وأنكم قد نوت منه بقعودكم عن القتال‪.‬‬

‫سبَ ّن الّذِينَ ُقتِلُوا فِي َسبِيلِ اللّهِ َأ ْموَاتا بَلْ أَ ْحيَا ٌء ِعنْدَ َرّبهِ ْم يُرْزَقُونَ (‪)169‬‬
‫وَل تَحْ َ‬

‫ول تظنّ ّن ‪-‬أيها النب‪ -‬أن الذين قتلوا ف سبيل ال أموات ل يُحِسّون شيئًا‪ ,‬بل هم أحياء حياة برزخية ف‬
‫جوار ربم الذي جاهدوا من أجله‪ ,‬وماتوا ف سبيله‪ ,‬يري عليهم رزقهم ف النة‪ ,‬ويُنعّمون‪.‬‬

‫ف عََلْيهِ ْم وَل هُمْ‬


‫حقُوا ِبهِ ْم مِنْ َخ ْل ِفهِمْ أَلّ َخوْ ٌ‬
‫سَتبْشِرُو َن بِالّذِينَ لَ ْم يَ ْل َ‬
‫فَ ِرحِيَ بِمَا آتَاهُمْ اللّ ُه مِنْ َفضْلِ ِه َويَ ْ‬
‫يَحْ َزنُونَ (‪)170‬‬

‫‪120‬‬
‫لقد عَمّتهم السعادة حي مَنّ ال عليهم‪ ,‬فأعطاهم مِن عظيم جوده وواسع كرمه من النعيم والرضا ما‬
‫َتقَ ّر به أعينهم‪ ,‬وهم يفرحون بإخوانم الجاهدين الذين فارقوهم وهم أحياء; ليفوزوا كما فازوا‪,‬‬
‫ِلعِلْمِهم أنم سينالون من الي الذي نالوه‪ ,‬إذا استشهدوا ف سبيل ال ملصي له‪ ,‬وأن ل خوف عليهم‬
‫فيما يستقبلون من أمور الخرة‪ ,‬ول هم يزنون على ما فاتم من حظوظ الدنيا‪.‬‬

‫ستَبْشِرُو َن ِبنِعْ َم ٍة مِنْ اللّ ِه وََفضْ ٍل َوَأنّ اللّ َه ل ُيضِيعُ أَجْ َر الْ ُم ْؤ ِمنِيَ (‪)171‬‬
‫يَ ْ‬

‫وإنم ف فرحة غامرة با أُعطوا من نعم ال وجزيل عطائه‪ ,‬وأن ال ل يضيع أجر الؤمني به‪ ,‬بل ينمّيه‬
‫ويزيده من فضله‪.‬‬

‫سنُوا ِمْنهُ ْم وَاتّ َقوْا َأجْ ٌر عَظِيمٌ (‪)172‬‬


‫الّذِينَ ا ْستَجَابُوا ِللّ ِه وَال ّرسُولِ مِ ْن َبعْدِ مَا أَصَاَبهُ ْم اْلقَرْحُ لِلّذِينَ أَحْ َ‬

‫الذين لبّوا نداء ال ورسوله وخرجوا ف أعقاب الشركي إل "حراء السد" بعد هزيتهم ف غزوة "أُحد"‬
‫مع ما كان بم من آلم وجراح‪ ,‬وبذلوا غاية جهدهم‪ ,‬والتزموا بدي نبيهم‪ ,‬للمحسني منهم والتقي‬
‫ثواب عظيم‪.‬‬

‫سبُنَا اللّهُ َونِعْ َم اْلوَكِيلُ (‬


‫ش ْوهُمْ َفزَا َدهُمْ ِإيَانا وَقَالُوا حَ ْ‬
‫الّذِينَ قَالَ َلهُ ْم النّاسُ ِإنّ النّاسَ قَدْ َج َمعُوا َلكُمْ فَاخْ َ‬
‫‪)173‬‬

‫وهم الذين قال لم بعض الشركي‪ :‬إن أبا سفيان ومن معه قد أجعوا أمرهم على الرجوع إليكم‬
‫لستئصالكم‪ ,‬فاحذروهم واتقوا لقاءهم‪ ,‬فإنه ل طاقة لكم بم‪ ,‬فزادهم ذلك التخويف يقينًا وتصديقًا‬
‫بوعد ال لم‪ ,‬ول َيثْنِهم ذلك عن عزمهم‪ ,‬فساروا إل حيث شاء ال‪ ,‬وقالوا‪ :‬حسبنا ال أي‪ :‬كافينا‪,‬‬
‫ونِعْم الوكيل الفوّض إليه تدبي عباده‪.‬‬

‫ضوَانَ اللّ ِه وَاللّهُ ذُو َفضْ ٍل عَظِيمٍ (‪)174‬‬


‫سهُ ْم سُوءٌ وَاّتبَعُوا رِ ْ‬
‫فَاْنقََلبُوا ِبنِعْ َم ٍة مِنْ اللّ ِه وََفضْلٍ لَمْ يَمْسَ ْ‬

‫‪121‬‬
‫فرجعوا من "حراء السد" إل "الدينة" بنعمة من ال بالثواب الزيل وبفضل منه بالنلة العالية‪ ,‬وقد‬
‫ازدادوا إيانًا ويقينًا‪ ,‬وأذلوا أعداء ال‪ ,‬وفازوا بالسلمة من القتل والقتال‪ ,‬واتبعوا رضوان ال بطاعتهم له‬
‫ولرسوله‪ .‬وال ذو فضل عظيم عليهم وعلى غيهم‪.‬‬

‫خوّفُ َأوِْليَا َءهُ فَل تَخَافُوهُ ْم وَخَافُونِي إِنْ ُكْنتُ ْم ُمؤْ ِمنِيَ (‪)175‬‬
‫شيْطَانُ يُ َ‬
‫ِإنّمَا ذَِلكُمْ ال ّ‬

‫إنّما الثبّط لكم ف ذلك هو الشيطان جاءكم يوّفكم أنصاره‪ ,‬فل تافوا الشركي; لنّهم ضعاف ل‬
‫ناصر لم‪ ,‬وخافون بالقبال على طاعت إن كنتم مصدّقي ب‪ ,‬ومتبعي رسول‪.‬‬

‫جعَلَ َل ُه مْ َحظّا فِي‬ ‫وَل يَحْ ُزنْ كَ الّذِي َن يُ سَا ِرعُونَ فِي اْل ُكفْرِ ِإّنهُ مْ لَ ْن َيضُرّوا اللّ َه َشيْئا يُرِيدُ اللّ هُ أَلّ يَ ْ‬
‫الخِ َر ِة وََلهُ ْم عَذَابٌ عَظِيمٌ (‪ِ )176‬إنّ الّذِي َن اشْتَ َروْا اْلكُفْ َر بِالِيَانِ لَ ْن َيضُرّوا اللّ َه َشيْئا وََلهُ ْم عَذَابٌ أَلِيمٌ‬
‫(‪)177‬‬

‫ل يُدْخِل الزنَ إل قلبك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء الكفارُ بسارعتهم ف الحود والضلل‪ ,‬إنم بذلك لن‬
‫يضروا ال‪ ,‬إنا يضرون أنفسهم برمانا حلوة اليان وعظيم الثواب‪ ,‬يريد ال أل يعل لم ثوابًا ف‬
‫الخرة; لنم انصرفوا عن دعوة الق‪ ,‬ولم عذاب شديد ‪ ،‬إن الذين استبدلوا الكفر باليان لن يضروا‬
‫ال شيئًا‪ ,‬بل ضرر ِفعْلِهم يعود على أنفسهم‪ ,‬ولم ف الخرة عذاب موجع‪.‬‬

‫سبَ ّن الّذِينَ َكفَرُوا َأنّمَا نُمْلِي َلهُمْ َخيْرٌ َلْنفُسِهِمْ ِإنّمَا نُ ْملِي َلهُمْ ِليَزْدَادُوا ِإثْما وََلهُمْ عَذَابٌ ُمهِيٌ (‬
‫وَل يَحْ َ‬
‫‪)178‬‬

‫ول يظن ّن الاحدون أننا إذا َأطَلْنا أعمارهم‪ ,‬ومتعناهم بُتع الدنيا‪ ,‬ول تؤاخذهم بكفرهم وذنوبم‪ ,‬أنم‬
‫قد نالوا بذلك خيًا لنفسهم‪ ,‬إنا نؤخر عذابم وآجالم; ليزدادوا ظلمًا وطغيانًا‪ ,‬ولم عذاب يهينهم‬
‫ويذلّهم‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫ب َومَا كَا نَ اللّ هُ ِليُطِْل َعكُ ْم عَلَى‬
‫ث مِ نْ ال ّطيّ ِ‬ ‫خبِي َ‬ ‫مَا كَا نَ اللّ هُ ِليَذَ َر الْ ُم ْؤ ِمنِيَ عَلَى مَا َأنْتُ ْم عََليْ هِ َحتّى يَمِي َز الْ َ‬
‫جتَبِي مِ نْ رُ ُسلِ ِه مَ ْن يَشَاءُ فَآ ِمنُوا بِاللّ ِه وَرُ سُلِهِ َوإِ نْ ُت ْؤ ِمنُوا َوتَّتقُوا فََلكُ مْ أَ ْج ٌر عَظِي مٌ (‬ ‫ب وََلكِنّ اللّ َه َي ْ‬ ‫الْ َغيْ ِ‬
‫‪)179‬‬

‫ما كان ال ليَ َدعَكم أيها الصدقون بال ورسوله العاملون بشرعه على ما أنتم عليه من التباس الؤمن‬
‫منكم بالنافق حت يَمِي َز البيث من الطيب‪ ,‬فيُعرف النافق من الؤمن الصادق‪ .‬وما كان مِن حكمة ال‬
‫أن يطلعكم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬على الغيب الذي يعلمه من عباده‪ ,‬فتعرفوا الؤمن منهم من النافق‪ ,‬ولكنه‬
‫ييزهم بالحن والبتلء‪ ,‬غي أن ال تعال يصطفي من رسله مَن يشاء؛ ليطلعه على بعض علم الغيب‬
‫بوحي منه‪ ,‬فآمنوا بال ورسوله‪ ,‬وإن تؤمنوا إيانًا صادقًا وتتقوا ربكم بطاعته‪ ,‬فلكم أجر عظيم عند ال‪.‬‬

‫خلُوا بِهِ‬
‫خلُو َن بِمَا آتَاهُمْ اللّ ُه مِنْ َفضْلِ ِه ُهوَ َخيْرا َلهُ ْم بَ ْل ُهوَ َشرّ َلهُمْ َسيُ َطوّقُو َن مَا بَ ِ‬
‫سبَ ّن الّذِينَ يَبْ َ‬
‫وَل يَحْ َ‬
‫ض وَاللّ ُه بِمَا َتعْمَلُونَ َخبِيٌ (‪)180‬‬ ‫ت وَالَ ْر ِ‬ ‫َيوْ َم اْلقِيَا َم ِة وَلِلّ ِه مِيَاثُ السّ َموَا ِ‬

‫ول يظنن الذين يبخلون با أنعم ال به عليهم تفضل منه أن هذا البخل خي لم‪ ,‬بل هو شرّ لم; لن‬
‫هذا الال الذي جعوه سيكون طوقًا من نار يوضع ف أعناقهم يوم القيامة‪ .‬وال سبحانه وتعال هو مالك‬
‫اللك‪ ,‬وهو الباقي بعد فناء جيع خلقه‪ ,‬وهو خبي بأعمالكم جيعها‪ ,‬وسيجازي كل على قدر‬
‫استحقاقه‪.‬‬

‫َلقَ ْد سَمِعَ اللّهُ َقوْلَ الّذِينَ قَالُوا ِإنّ اللّهَ َفقِ ٌي َونَحْنُ َأ ْغنِيَا ُء َسَنكُْتبُ مَا قَالُوا وََقتَْلهُ ْم ا َلنِْبيَاءَ بِ َغيْرِ حَ ّق َوَنقُولُ‬
‫حرِيقِ (‪)181‬‬ ‫ذُوقُوا عَذَابَ الْ َ‬

‫لقد سع ال قول اليهود الذين قالوا‪ :‬إن ال فقي إلينا يطلب منا أن نقرضه أموال ونن أغنياء‪ .‬سنكتب‬
‫هذا القول الذي قالوه‪ ,‬وسنكتب أنم راضون با كان مِن َقتْل آبائهم لنبياء ال ظلمًا وعدوانًا‪ ,‬وسوف‬
‫نؤاخذهم بذلك ف الخرة‪ ,‬ونقول لم وهم ف النار يعذبون‪ :‬ذوقوا عذاب النار الحرقة‪.‬‬

‫لمٍ لِ ْل َعبِيدِ (‪)182‬‬


‫ك بِمَا َق ّد َمتْ َأيْدِيكُ ْم َوأَنّ اللّهَ َلْيسَ بِ َظ ّ‬
‫ذَلِ َ‬

‫‪123‬‬
‫ذلك العذاب الشديد بسبب ما قدّمتموه ف حياتكم الدنيا من العاصي القولية والفعلية والعتقادية‪ ,‬وأن‬
‫ال ليس بظلم للعببد‪.‬‬

‫الّذِي نَ قَالُوا ِإنّ اللّ َه َعهِدَ إَِلْينَا أَ ّل ُن ْؤمِ نَ لِرَ سُولٍ َحتّى يَ ْأِتيَنَا ِبقُ ْربَا نٍ َتأْكُلُ ُه النّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُ مْ رُ سُ ٌل مِ نْ‬
‫َقبْلِي بِاْلَبّينَاتِ َوبِالّذِي ُق ْلتُمْ فَِلمَ َقتَ ْلتُمُوهُمْ إِنْ ُكْنتُمْ صَادِِقيَ (‪)183‬‬

‫هؤلء اليهود حي ُدعُوا إل السلم قالوا‪ :‬إن ال أوصانا ف التوراة أل نصدّق مَن جاءنا يقول‪ :‬إنه‬
‫رسول من ال‪ ,‬حت يأتينا بصدقة يتقرب با إل ال‪ ,‬فتنل نار من السماء فتحرقها‪ .‬قل لم ‪-‬أيها‬
‫الرسول‪ : -‬أنتم كاذبون ف قولكم; لنه قد جاء آباءكم رسلٌ من قِبلي بالعجزات والدلئل على‬
‫صدقهم‪ ,‬وبالذي قلتم من التيان بالقربان الذي تأكله النار‪ ,‬فَِلمَ َقتَل آباؤكم هؤلء النبياء إن كنتم‬
‫صادقي ف دعواكم؟‬

‫فَِإنْ َك ّذبُوكَ َفقَدْ كُذّبَ ُرسُلٌ مِنْ َقبْلِكَ جَاءُوا بِاْلبَّينَاتِ وَال ّزُب ِر وَاْل ِكتَابِ الْ ُمنِيِ (‪)184‬‬

‫فإن كذّبك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء اليهود وغيهم من أهل الكفر‪ ,‬فقد كذّب البطلون كثيًا من الرسلي‬
‫مِن قبلك‪ ,‬جاءوا أقوامهم بالعجزات الباهرات والجج الواضحات‪ ,‬والكتب السماوية الت هي نور‬
‫ب البيّن الواضح‪.‬‬
‫يكشف الظلمات‪ ,‬والكتا ِ‬

‫جّنةَ َفقَدْ فَازَ‬


‫ح عَ نْ النّا ِر َوأُ ْدخِ َل الْ َ‬
‫ت َوإِنّمَا ُتوَّفوْ نَ أُجُورَ ُك ْم َيوْ َم اْلقِيَا َمةِ فَمَ نْ ُزحْ ِز َ‬
‫كُ ّل َنفْ سٍ ذَاِئ َقةُ الْ َموْ ِ‬
‫حيَاةُ ال ّدْنيَا إِ ّل َمتَاعُ اْلغُرُورِ (‪)185‬‬ ‫َومَا الْ َ‬

‫كل نفس ل ب ّد أن تذوق الوت‪ ,‬وبذا يرجع جيع اللق إل ربم; ليحاسبهم‪ .‬وإنا تُوفّون أجوركم‬
‫على أعمالكم وافية غي منقوصة يوم القيامة‪ ,‬فمن أكرمه ربه ونّاه من النار وأدخله النة فقد نال غاية‬
‫ما يطلب‪ .‬وما الياة الدنيا إل متعة زائلة‪ ,‬فل تغترّوا با‪.‬‬

‫ب مِ نْ َقبِْلكُ ْم َومِ ْن الّذِي نَ َأشْرَكُوا أَذًى‬


‫َلُتبَْلوُنّ فِي َأمْوَالِكُ ْم َوَأْنفُ سِكُ ْم وََلتَ سْ َمعُ ّن مِ ْن الّذِي نَ أُوتُوا الْ ِكتَا َ‬
‫ك مِ ْن عَ ْز ِم الُمُورِ (‪)186‬‬ ‫صبِرُوا َوَتّتقُوا فَِإنّ ذَلِ َ‬ ‫َكثِيا َوِإنْ َت ْ‬

‫‪124‬‬
‫خَتبَ ُرنّ ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬ف أموالكم بإخراج النفقات الواجبة والستحبّة‪ ,‬وبالوائح الت تصيبها‪ ,‬وف‬
‫َلتُ ْ‬
‫أنفسكم با يب عليكم من الطاعات‪ ,‬وما يلّ بكم من جراح أو قتل وَفقْد للحباب‪ ,‬وذلك حت يتميّز‬
‫الؤمن الصادق من غيه‪ .‬ولتَسمعُ ّن من اليهود والنصارى والشركي ما يؤذي أساعكم من ألفاظ الشرك‬
‫والطعن ف دينكم‪ .‬وإن تصبوا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬على ذلك كله‪ ,‬وتتقوا ال بلزوم طاعته واجتناب‬
‫معصيته‪ ,‬فإن ذلك من المور الت يُعزم عليها‪ ,‬وينافس فيها‪.‬‬

‫َوإِذْ أَخَذَ اللّ ُه مِيثَاقَ الّذِينَ أُوتُوا الْ ِكتَابَ َلُتبَّيُننّهُ لِلنّاسِ وَل َت ْكتُمُونَهُ َفنَبَذُوهُ وَرَا َء ُظهُورِهِ ْم وَاشْتَ َروْا بِ ِه ثَمَنا‬
‫شتَرُونَ (‪)187‬‬ ‫س مَا يَ ْ‬ ‫قَلِيلً َفبِْئ َ‬

‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إذ أخذ ال العهد الوثق على الذين آتاهم ال الكتاب من اليهود والنصارى‪,‬‬
‫فلليهود التوراة وللنصارى النيل; ليعملوا بما‪ ,‬ويبينوا للناس ما فيهما‪ ,‬ول يكتموا ذلك ول يفوه‪,‬‬
‫فتركوا العهد ول يلتزموا به‪ ,‬وأخذوا ثنا بسًا مقابل كتمانم الق وتريفهم الكتاب‪ ,‬فبئس الشراء‬
‫يشترون‪ ,‬ف تضييعهم اليثاق‪ ,‬وتبديلهم الكتاب‪.‬‬

‫سَبّنهُ ْم بِ َمفَا َز ٍة مِ ْن اْلعَذَا بِ‬


‫حبّو نَ أَ ْن يُحْ َمدُوا بِمَا لَ ْم َيفْعَلُوا فَل تَحْ َ‬
‫سبَ ّن الّذِي َن َيفْرَحُو َن بِمَا أَتَوا َويُ ِ‬
‫ل تَحْ َ‬
‫وََلهُ ْم عَذَابٌ أَلِيمٌ (‪)188‬‬

‫ول تظنن الذين يفرحون با أَتَوا من أفعال قبيحة كاليهود والنافقي وغيهم‪ ,‬ويبون أن يثن عليهم‬
‫الناس با ل يفعلوا‪ ,‬فل تظنهم ناجي من عذاب ال ف الدنيا‪ ,‬ولم ف الخرة عذاب موجع‪ .‬وف الية‬
‫ن عليه الناس ويمدوه‪.‬‬
‫وعيد شديد لكل آت لفعل السوء معجب به‪ ,‬ولكل مفتخر با ل يعمل‪ ,‬ليُث َ‬

‫ض وَاللّ ُه عَلَى ُك ّل شَيْءٍ قَدِيرٌ (‪)189‬‬


‫ت وَالَ ْر ِ‬
‫وَلِلّ ِه مُلْكُ السّ َموَا ِ‬

‫ول وحده ملك السموات والرض وما فيهما‪ ,‬وال على كل شيء قدير‪.‬‬

‫ِإنّ فِي َخلْقِ السّ َموَاتِ وَالَ ْرضِ وَا ْختِلفِ الّليْ ِل وَالّنهَا ِر ليَاتٍ لُولِي الَْلبَابِ (‪)190‬‬

‫‪125‬‬
‫إن ف خلق السموات والرض على غي مثال سابق‪ ,‬وف تعاقُب الليل والنهار‪ ,‬واختلفهما طول وِقصَرًا‬
‫لدلئل وبراهي عظيمة على وحدانية ال لصحاب العقول السليمة‪.‬‬

‫الّذِي َن يَذْكُرُو نَ اللّ هَ ِقيَاما وَُقعُودا َوعَلَى ُجنُوِبهِ ْم َوَيتَ َفكّرُو نَ فِي َخلْ ِق ال سّ َموَاتِ وَالَرْ ضِ َربّنَا مَا َخَلقْ تَ‬
‫هَذَا بَا ِطلً ُسبْحَانَكَ َف ِقنَا عَذَابَ النّارِ (‪)191‬‬

‫الذين يذكرون ال ف جيع أحوالم‪ :‬قيامًا وقعودًا وعلى جنوبم‪ ,‬وهم يتدبرون ف خلق السموات‬
‫صرِف عنا عذاب النار‪.‬‬
‫والرض‪ ,‬قائلي‪ :‬يا ربنا ما أوجدت هذا اللق عبثًا‪ ,‬فأنت منّه عن ذلك‪ ,‬فا ْ‬

‫ي مِنْ َأنْصَارٍ (‪)192‬‬


‫ك مَ ْن تُدْ ِخ ْل النّارَ َفقَدْ أَخْ َزْيتَهُ َومَا لِلظّالِ ِم َ‬
‫َرّبنَا إِنّ َ‬

‫يا ربنا نّنا من النار‪ ,‬فإنك ‪-‬يا أل‪ -‬مَن تُدخِلْه النار بذنوبه فقد فضحته وأهنته‪ ,‬وما للمذنبي الظالي‬
‫لنفسهم من أحد يدفع عنهم عقاب ال يوم القيامة‪.‬‬

‫َرّبنَا إِّننَا سَ ِم ْعنَا ُمنَادِيا ُينَادِي ِللِيَا نِ أَ نْ آ ِمنُوا بِ َرّبكُ مْ فَآ َمنّا َرّبنَا فَاغْفِرْ َلنَا ُذنُوَبنَا وَ َكفّ ْر عَنّا َسّيئَاِتنَا َوَتوَفّنَا‬
‫مَ َع الَبْرَارِ (‪)193‬‬

‫يا ربنا إننا سعنا مناديا ‪-‬هو نبيك ممد صلى ال عليه وسلم‪ -‬ينادي الناس للتصديق بك‪ ,‬والقرار‬
‫بوحدانيتك‪ ,‬والعمل بشرعك‪ ,‬فأجبنا دعوته وصدّقنا رسالته‪ ,‬فاغفر لنا ذنوبنا‪ ,‬واستر عيوبنا‪ ,‬وألقنا‬
‫بالصالي‪.‬‬

‫ف الْمِيعَادَ (‪)194‬‬
‫ك ل تُخِْل ُ‬
‫ك وَل تُخْ ِزنَا َي ْو َم الْ ِقيَا َمةِ ِإنّ َ‬
‫َرّبنَا وَآِتنَا مَا َوعَ ْدتَنَا عَلَى ُرسُلِ َ‬

‫يا ربنا أعطنا ما وعدتنا على ألسنة رسلك من نصر وتكي وتوفيق وهداية‪ ,‬ول تفضحنا بذنوبنا يوم‬
‫ت به عبادك‪.‬‬
‫القيامة‪ ,‬فإنك كري ل تُخْلف وعدًا َوعَدْ َ‬

‫فَا ْستَجَابَ َل ُهمْ َرّبهُمْ َأنّي ل أُضِي ُع عَمَ َل عَامِ ٍل ِمنْكُ ْم مِ نْ ذَكَرٍ َأوْ ُأنْثَى َب ْعضُكُ ْم مِ ْن َبعْ ضٍ فَالّذِي َن هَاجَرُوا‬

‫‪126‬‬
‫جرِي‬
‫ت تَ ْ‬
‫َوأُخْرِجُوا مِ نْ ِديَا ِرهِ مْ َوأُوذُوا فِي َسبِيلِي وَقَاتَلُوا وَُقتِلُوا ل َكفّ َرنّ عَْنهُ مْ َسّيئَاتِهِ ْم وَل ْدخَِلّنهُ مْ َجنّا ٍ‬
‫حِتهَا الَْنهَا ُر َثوَابا مِ ْن ِعنْدِ اللّهِ وَاللّ ُه ِعنْ َدهُ حُسْ ُن الّثوَابِ (‪)195‬‬ ‫مِ ْن تَ ْ‬

‫فأجاب ال دعاءهم بأنه ل يضيع جهد مَن عمل منهم عمل صالًا ذكرًا كان أو أنثى‪ ,‬وهم ف أُ ُخوّة‬
‫الدين وقَبول العمال والزاء عليها سواء‪ ,‬فالذين هاجروا رغبةً ف رضا ال تعال‪ ,‬وأُخرجوا من‬
‫ديارهم‪ ,‬وأوذوا ف طاعة ربم وعبادتم إيّاه‪ ,‬وقاتلوا وُقتِلوا ف سبيل ال لعلء كلمته‪ ,‬ليسترنّ ال‬
‫عليهم ما ارتكبوه من العاصي‪ ,‬كما سترها عليهم ف الدنيا‪ ,‬فل ياسبهم عليها‪ ,‬وليدخلنّهم جنات‬
‫تري من تت قصورها وأشجارها النار جزاء من عند ال‪ ,‬وال عنده حسن الثواب‪.‬‬

‫ب الّذِينَ َكفَرُوا فِي اْلبِلدِ (‪)196‬‬


‫ل َيغُ ّرنّكَ َتقَّل ُ‬

‫ل تغتر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬با عليه أهل الكفر بال من بسطة ف العيش‪ ,‬وسَعَة ف الرزق‪ ,‬وانتقالم من‬
‫مكان إل مكان للتجارات وطلب الرباح والموال‪ ,‬فعمّا قليل يزول هذا كلّه عنهم‪ ,‬ويصبحون مرتني‬
‫بأعمالم السيئة‪.‬‬

‫س الْ ِمهَادُ (‪)197‬‬


‫َمتَاعٌ َقلِيلٌ ثُ ّم مَ ْأوَاهُمْ َج َهنّ ُم َوبِْئ َ‬

‫متاع قليل زائل‪ ,‬ث يكون مصيهم يوم القيامة إل النار‪ ,‬وبئس الفراش‪.‬‬

‫حِتهَا الَْنهَارُ خَاِلدِي نَ فِيهَا ُنزُلً مِ ْن ِعنْدِ اللّ ِه َومَا ِعنْدَ اللّ هِ‬
‫جرِي مِ ْن َت ْ‬
‫ت تَ ْ‬
‫َلكِ ْن الّذِي نَ اّت َقوْا َرّبهُ مْ َلهُ مْ َجنّا ٌ‬
‫لبْرَارِ (‪)198‬‬ ‫َخيْرٌ ِل َ‬

‫لكن الذين خافوا ربم‪ ,‬وامتثلوا أوامره‪ ,‬واجتنبوا نواهيه‪ ,‬قد أعدّ ال لم جنات تري من تت أشجارها‬
‫النار‪ ,‬هي منلم الدائم ل يرجون منه‪ .‬وما عد ال أعظم وأفضل لهل الطاعة ما يتقلب فيه الذين‬
‫كفروا من نعيم الدنيا‪.‬‬

‫َوإِنّ مِنْ َأهْ ِل الْ ِكتَابِ لَ َم ْن ُي ْؤمِ ُن بِاللّ ِه َومَا ُأنْزِلَ إَِلْيكُ ْم َومَا أُنْ ِزلَ إَِليْهِمْ خَا ِشعِيَ لِلّ ِه ل يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ‬

‫‪127‬‬
‫ثَمَنا َقلِيلً ُأوَْلئِكَ َلهُمْ أَجْ ُرهُ ْم ِعنْدَ َرّبهِمْ ِإنّ اللّهَ سَرِي ُع الْحِسَابِ (‪)199‬‬

‫وإن بعضًا من أهل الكتاب لَيصدّق بال ربّا واحدًا وإلًا معبودًا‪ ,‬وبا أُنزِل إليكم من هذا القرآن‪ ,‬وبا‬
‫أُنزِل إليهم من التوراة والنيل متذللي ل‪ ,‬خاضعي له‪ ,‬ل يشترون بآيات ال ثنًا قليل من حطام الدنيا‪,‬‬
‫ول يكتمون ما أنزل ال‪ ,‬ول يرفونه كغيهم من اهل الكتاب‪ .‬أولئك لم ثواب عظيم عنده يوم‬
‫يلقونه‪ ,‬فيوفيهم إياه غي منقوص‪ .‬إنّ ال سريع الساب‪ ,‬ل يعجزه إحصاء أعمالم‪ ,‬وماسبتهم عليها‪.‬‬

‫صبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاّتقُوا اللّهَ َلعَّلكُ ْم ُتفِْلحُونَ (‪)200‬‬


‫يَا َأيّهَا الّذِينَ آ َمنُوا ا ْ‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه اصبوا على طاعة ربكم‪ ,‬وعلى ما ينل بكم من ضر‬
‫وبلء‪ ,‬وصابروا أعداءكم حت ل يكونوا أشد صبًا منكم‪ ,‬وأقيموا على جهاد عدوي وعدوكم‪ ,‬وخافوا‬
‫ال ف جيع أحوالكم; رجاء أن تفوزوا برضاه ف الدنيا والخرة‪.‬‬

‫‪ -4‬سورة النساء‬

‫س وَاحِ َدةٍ َوخَلَ َق ِمنْهَا َزوْ َجهَا َوبَثّ ِمْنهُمَا ِرجَالً َكثِيا‬
‫يَا أَّيهَا النّا سُ اّتقُوا َرّبكُ ْم الّذِي خََل َقكُ ْم مِ ْن َنفْ ٍ‬
‫َونِسَاءً وَاّتقُوا اللّ َه الّذِي َتتَسَاءَلُونَ بِ ِه وَالَرْحَامَ ِإنّ اللّهَ كَا َن عََلْيكُمْ رَقِيبا (‪)1‬‬

‫يا أيها الناس خافوا ال والتزموا أوامره‪ ,‬واجتنبوا نواهيه; فهو الذي خلقكم من نفس واحدة هي آدم‬
‫عليه السلم‪ ,‬وخلق منها زوجها وهي حواء‪ ,‬ونشر منهما ف أناء الرض رجال كثيًا ونساء كثيات‪,‬‬
‫وراقبوا ال الذي يَسْأل به بعضكم بعضًا‪ ,‬واحذروا أن تقطعوا أرحامكم‪ .‬إن ال مراقب لميع أحوالكم‪.‬‬

‫ب وَل تَأْكُلُوا َأمْوَاَلهُ مْ إِلَى َأ ْموَاِلكُ مْ ِإنّ هُ كَا نَ حُوبا َكبِيا‬


‫ث بِال ّطيّ ِ‬
‫خبِي َ‬
‫وَآتُوا الَْيتَامَى َأ ْموَاَلهُ ْم وَل َتتَبَدّلُوا الْ َ‬
‫(‪)2‬‬

‫‪128‬‬
‫وأعطوا مَن مات آباؤهم وهم دون البلوغ‪ ,‬وكنتم عليهم أوصياء‪ ,‬أموالم إذا وصلوا سن البلوغ‪ ,‬ورأيتم‬
‫منهم قدرة على حفظ أموالم‪ ,‬ول تأخذوا اليّد من أموالم‪ ,‬وتعلوا مكانه الرديء من أموالكم‪ ,‬ول‬
‫تلطوا أموالم بأموالكم; لتحتالوا بذلك على أكل أموالم‪ .‬إن من ترأ على ذلك فقد ارتكب إثًا‬
‫عظيمًا‪.‬‬

‫َوإِ نْ ِخ ْفتُ مْ أَ ّل ُتقْ سِطُوا فِي الَْيتَامَى فَانكِحُوا مَا طَا بَ َلكُ ْم مِ َن النّ سَاءِ َمْثنَى َوثُل ثَ وَ ُربَا عَ فَإِ نْ ِخ ْفتُ مْ أَلّ‬
‫َتعْدِلُوا َفوَاحِ َدةً َأوْ مَا مََل َكتْ َأيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَ ْدنَى أَ ّل َتعُولُوا (‪)3‬‬

‫وإن خفتم أل تعدلوا ف يتامى النساء اللت تت أيديكم بأن ل تعطوهن مهورهن كغيهن‪ ,‬فاتركوهن‬
‫وانكحوا ما طاب لكم من النساء من غيهن‪ :‬اثنتي أو ثلثًا أو أربعًا‪ ,‬فإن خشيتم أل تعدلوا بينهن‬
‫فاكتفوا بواحدة‪ ,‬أو با عندكم من الماء‪ .‬ذلك الذي شرعته لكم ف اليتيمات والزواج من واحدة إل‬
‫لوْ ِر والتعدي‪.‬‬
‫أربع‪ ,‬أو القتصار على واحدة أو ملك اليمي‪ ,‬أقرب إل عدم ا َ‬

‫وَآتُوا النّسَاءَ صَدُقَاِتهِنّ ِنحَْلةً فَِإ ْن طِبْنَ َلكُ ْم عَ ْن َشيْءٍ ِمنْ ُه َنفْسا َفكُلُو ُه َهنِيئا مَرِيئا (‪)4‬‬

‫وأعطوا النساء مهورهن‪ ,‬عطية واجبة وفريضة لزمة عن طيب نفس منكم‪ .‬فإن طابت أنفسهن لكم عن‬
‫شيء من الهر فوهَبْنه لكم فخذوه‪ ,‬وتصرّفوا فيه‪ ,‬فهو حلل طيب‪.‬‬

‫س َفهَاءَ َأ ْموَالَكُ ْم اّلتِي َجعَلَ اللّ هُ َلكُ مْ ِقيَاما وَارْزُقُوهُ مْ فِيهَا وَاكْ سُوهُمْ وَقُولُوا َلهُ مْ َقوْلً َمعْرُوفا‬
‫وَل ُتؤْتُوا ال ّ‬
‫(‪)5‬‬

‫ول تؤتوا ‪-‬أيها الولياء‪ -‬من ُيبَذّر من الرجال والنساء والصبيان أموالم الت تت أيديكم فيضعوها ف‬
‫غي وجهها‪ ,‬فهذه الموال هي الت عليها قيام حياة الناس‪ ,‬وأنفقوا عليهم منها واكسوهم‪ ,‬وقولوا لم‬
‫قول معروفًا من الكلم الطيب واللق السن‪.‬‬

‫ستُ ْم ِمْنهُ مْ ُرشْدا فَادَْفعُوا إَِلْيهِ مْ َأ ْموَاَلهُ ْم وَل تَأْكُلُوهَا إِ سْرَافا‬ ‫وَاْبتَلُوا اْلَيتَامَى َحتّى ِإذَا بََلغُوا الّنكَا حَ فَإِ ْن آنَ ْ‬
‫سَت ْعفِفْ َومَنْ كَانَ َفقِيا فَ ْلَيأْكُلْ بِالْ َم ْعرُوفِ فَِإذَا دََف ْعتُمْ إَِلْيهِمْ َأ ْموَاَلهُمْ‬‫َوبِدَارا أَنْ َي ْكبَرُوا َومَنْ كَانَ غَِنيّا فَ ْليَ ْ‬

‫‪129‬‬
‫َفَأشْهِدُوا عََلْيهِ ْم وَ َكفَى بِاللّهِ حَسِيبا (‪)6‬‬

‫واختبوا مَن تت أيديكم من اليتامى لعرفة قدرتم على حسن التصرت ف أموالم‪ ,‬حت إذا وصلوا إل‬
‫سن البلوغ‪ ,‬وعَلمتم منهم صلحًا ف دينهم‪ ,‬وقدرة على حفظ أموالم‪ ,‬فسلّموها لم‪ ,‬ول تعتدوا عليها‬
‫بإنفاقها ف غي موضعها إسرافًا ومبادرة لكلها قبل أن يأخذوها منكم‪ .‬ومَن كان صاحب مال منكم‬
‫فليستعفف بغناه‪ ,‬ول يأخذ من مال اليتيم شيئًا‪ ,‬ومن كان فقيًا فليأخذ بقدر حاجته عند الضرورة‪ .‬فإذا‬
‫علمتم أنم قادرون على حفظ أموالم بعد بلوغهم الُلُم وسلمتموها إليهم‪ ,‬فَأ ْشهِدوا عليهم; ضمانًا‬
‫لوصول حقهم كامل إليهم; لئل ينكروا ذلك‪ .‬ويكفيكم أن ال شاهد عليكم‪ ,‬وماسب لكم على ما‬
‫فعلتم‪.‬‬

‫ب مِمّا تَرَ َك اْلوَالِدَا نِ وَالَقْ َربُو نَ مِمّا َق ّل ِمنْ هُ َأوْ‬


‫ب مِمّا تَرَ َك اْلوَالِدَا نِ وَالَقْ َربُو نَ وَلِلنّ سَا ِء نَ صِي ٌ‬
‫لِلرّجَا ِل نَ صِي ٌ‬
‫َكثُ َر َنصِيبا َمفْرُوضا (‪)7‬‬

‫للذكور ‪-‬صغارًا أو كبارًا‪ -‬نصيب ‪+‬شرعه ال فيما تركه الوالدان والقربون من الال‪ ,‬قليل كان أو‬
‫كثيًا‪ ,‬ف أنصبة مددة واضحة فرضها ال عز وجل لؤلء‪ ,‬وللنساء كذلك‪.‬‬

‫َوإِذَا َحضَ َر اْلقِسْ َمةَ ُأوْلُوا الْقُ ْربَى وَالَْيتَامَى وَالْمَسَاكِيُ فَا ْرزُقُوهُمْ ِمنْ ُه وَقُولُوا َلهُمْ َقوْ ًل َمعْرُوفا (‪)8‬‬

‫ب اليت من ل ح ّق لم ف التركة‪ ,‬أو حضرها من مات آباؤهم وهم‬‫وإذا حضر قسم َة الياث أقار ُ‬
‫صغار‪ ,‬أو مَن ل مال لم فأعطوهم شيئًا من الال على وجه الستحباب قبل تقسيم التركة على‬
‫أصحابا‪ ,‬وقولوا لم قول حسنًا غي فاحش ول قبيح‪.‬‬

‫ضعَافا خَافُوا عََلْيهِمْ فَ ْلَيّتقُوا اللّ َه وَْلَيقُولُوا َقوْ ًل سَدِيدا (‪)9‬‬


‫ش الّذِينَ َلوْ َترَكُوا مِنْ َخ ْل ِفهِمْ ذُ ّرّيةً ِ‬
‫خ َ‬
‫وَْليَ ْ‬

‫وْليَخَفِ الذين لو ماتوا وتركوا من خلفهم أبناء صغارًا ضعافًا خافوا عليهم الظلم والضياع‪ ,‬فلياقبوا ال‬
‫فيمن تت أيديهم من اليتامى وغيهم‪ ,‬وذلك بفظ أموالم‪ ,‬وحسن تربيتهم‪ ,‬ودَفْع الذى عنهم‪,‬‬
‫وليقولوا لم قول موافقا للعدل والعروف‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫ِإنّ الّذِي َن َيأْكُلُونَ َأ ْموَا َل اْليَتَامَى ظُلْما ِإنّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُوِنهِ ْم نَارا َو َسيَصَْل ْو َن َسعِيا (‪)10‬‬

‫إن الذين يعْتَدون على أموال اليتامى‪ ,‬فيأخذونا بغي حق‪ ,‬إنا يأكلون نارًا تتأجّج ف بطونم يوم القيامة‪,‬‬
‫وسيدخلون نارا يقاسون حرّها‪.‬‬

‫ق اثَْنَتيْ نِ فََل ُهنّ ثُُلثَا مَا تَرَ كَ َوإِ ْن‬


‫يُو صِيكُمْ اللّ هُ فِي َأوْلدِكُ مْ لِلذّكَ ِر ِمثْلُ حَظّ الُنَثيَيْ نِ فَإِ نْ كُنّ نِ سَاءً َفوْ َ‬
‫س مِمّا تَرَ كَ إِ نْ كَا نَ لَ ُه وَلَدٌ فَإِ نْ لَ ْم َيكُ نْ لَ هُ‬
‫ف وَ َلَب َويْ هِ ِلكُ ّل وَاحِ ٍد ِمْنهُمَا ال سّدُ ُ‬‫ت وَاحِ َدةً فََلهَا النّ صْ ُ‬ ‫كَانَ ْ‬
‫صّي ٍة يُو صِي ِبهَا َأوْ َديْ ٍن آبَاؤُكُ مْ‬ ‫س مِ ْن َبعْ ِد وَ ِ‬
‫لمّ هِ ال سّدُ ُ‬
‫لمّ ِه الثّلُ ثُ فَإِ نْ كَا نَ لَ هُ إِ ْخ َوةٌ َف ُ‬
‫وَلَ ٌد َووَ ِرثَ هُ أََبوَا هُ َف ُ‬
‫ضةً مِنْ اللّهِ ِإنّ اللّهَ كَانَ عَلِيما َحكِيما (‪)11‬‬ ‫َوأَْبنَاؤُكُ ْم ل تَدْرُونَ َأّيهُمْ أَقْرَبُ َلكُ ْم َنفْعا فَرِي َ‬

‫يوصيكم ال ويأمركم ف شأن أولدكم‪ :‬إذا مات أحد منكم وترك أولدًا‪ :‬ذكورًا وإناثًا‪ ,‬فمياثه كله‬
‫لم‪ :‬للذكر مثل نصيب النثيي‪ ,‬إذا ل يكن هناك وارث غيهم‪ .‬فإن ترك بنات فقط فللبنتي فأكثر ثلثا‬
‫ما ترك‪ ,‬وإن كانت ابنة واحدة‪ ,‬فلها النصف‪ .‬ولوالِدَي اليت لكل واحد منهما السدس إن كان له ولد‪:‬‬
‫ذكرًا كان أو أنثى‪ ,‬واحدًا أو أكثر‪ .‬فإن ل يكن له ولد وورثه والداه فلمه الثلث ولبيه الباقي‪ .‬فإن كان‬
‫للميت إخوة اثنان فأكثر‪ ,‬ذكورًا كانوا أو إناثًا‪ ,‬فلمه السدس‪ ,‬وللب الباقي ول شيء للخوة‪ .‬وهذا‬
‫التقسيم للتركة إنا يكون بعد إخراج وصية اليت ف حدود الثلث أو إخراج ما عليه من َديْن‪ .‬آباؤكم‬
‫وأبْناؤكم الذين فُرِض لم الرث ل تعرفون أيهم أقرب لكم نفعًا ف دنياكم وأخراكم‪ ,‬فل تفضلوا‬
‫واحدًا منهم على الخر‪ .‬هذا الذي أوصيتكم به مفروض عليكم من ال‪ .‬إن ال كان عليمًا بلقه‪,‬‬
‫حكيمًا فيما شرعه لم‪.‬‬

‫ف مَا تَرَ كَ أَ ْزوَا ُجكُ مْ إِ نْ لَ ْم َيكُ نْ َلهُنّ وََلدٌ فَإِ نْ كَا نَ َلهُنّ وَلَدٌ فََلكُ مْ ال ّربُ ُع مِمّا تَرَكْ َن مِ ْن َبعْ ِد‬‫وََلكُ ْم نِ صْ ُ‬
‫ي ِبهَا َأوْ َديْ ٍن وََلهُنّ ال ّربُ ُع مِمّا َترَ ْكتُمْ إِنْ لَ ْم َيكُنْ َلكُ ْم وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ َلكُ ْم وَلَدٌ َفَلهُنّ الثّمُنُ مِمّا‬
‫صّيةٍ يُوصِ َ‬ ‫وَ ِ‬
‫صّي ٍة تُو صُونَ ِبهَا َأوْ َديْ ٍن َوإِ نْ كَا نَ رَ ُج ٌل يُورَ ثُ كَلَلةً َأوْ امْ َرَأةٌ وَلَ هُ أَ خٌ َأوْ أُخْ تٌ فَِلكُلّ‬ ‫تَرَ ْكتُ ْم مِ ْن َبعْ ِد وَ ِ‬
‫صّي ٍة يُو صَى ِبهَا َأوْ َديْ نٍ‬ ‫وَاحِ ٍد ِمْنهُمَا ال سّدُسُ فَإِ نْ كَانُوا أَ ْكثَ َر مِ نْ ذَلِ كَ َفهُ ْم شُرَكَاءُ فِي الثّلُ ثِ مِ ْن َبعْ ِد وَ ِ‬
‫صّي ًة مِنْ اللّ ِه وَاللّ ُه عَلِيمٌ َحلِيمٌ (‪)12‬‬ ‫غَيْرَ مُضَا ّر وَ ِ‬

‫‪131‬‬
‫ولكم ‪-‬أيها الرجال‪ -‬نصف ما ترك أزواجكم بعد وفاتن إن ل يكن لن ولد ذكرًا كان أو أنثى‪ ,‬فإن‬
‫كان لن ولد فلكم الربع ما تركن‪ ,‬ترثونه من بعد إنفاذ وصيتهن الائزة‪ ,‬أو ما يكون عليهن من َديْن‬
‫لستحقيه‪ .‬ولزواجكم ‪ -‬أيها الرجال ‪ -‬الربع ما تركتم‪ ,‬إن ل يكن لكم ابن أو ابنة منهن أو من‬
‫غيهن‪ ,‬فإن كان لكم ابن أو ابنة فلهن الثمن ما تركتم‪ ,‬يقسم الربع أو الثمن بينهن‪ ,‬فإن كانت زوجة‬
‫واحدة كان هذا مياثًا لا‪ ,‬من بعد إنفاذ ما كنتم أوصيتم به من الوصايا الائزة‪ ,‬أو قضاء ما يكون‬
‫عليكم من َديْن‪ .‬وإن مات رجل أو امراة وليس له أو لا ولد ول والد‪ ,‬وله أو لا أخ أو أخت من أم‬
‫فلكل واحد منهما السدس‪ .‬فإن كان الخوة أو الخوات لم أكثر من ذلك فهم شركاء ف الثلث يقسم‬
‫بينهم بالسوية ل فرق بي الذكر والنثى‪ ,‬وهذا الذي فرضه ال للخوة والخوات لم يأخذونه مياثًا‬
‫لم من بعد قضاء ديون اليت‪ ,‬وإنفاذ وصيته إن كان قد أوصى بشيء ل ضرر فيه على الورثة‪ .‬بذا‬
‫أوصاكم ربكم وصية نافعة لكم‪ .‬وال عليم با يصلح خلقه‪ ,‬حليم ل يعاجلهم بالعقوبة‪.‬‬

‫ك الْ َفوْزُ‬
‫حِتهَا الَْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا َوذَلِ َ‬
‫جرِي مِ ْن تَ ْ‬
‫ت تَ ْ‬
‫تِلْكَ ُحدُودُ اللّ ِه َومَ ْن يُطِعْ اللّ َه وَرَسُولَ ُه يُدْ ِخلْهُ َجنّا ٍ‬
‫الْعَظِيمُ (‪)13‬‬

‫تلك الحكام اللية الت شرعها ال ف اليتامى والنساء والواريث‪ ,‬شرائعه الدالة على أنا مِن عند ال‬
‫العلبم الكيم‪ .‬ومَن يطع ال ورسوله فيما شرع لعباده من هذه الحكام وغيها‪ ,‬يدخله جنات كثية‬
‫الشجار والقصور‪ ,‬تري من تتها النار بياهها العذبة‪ ,‬وهم باقون ف هذا النعيم‪ ,‬ل يرجون منه‪,‬‬
‫وذلك الثواب هو الفلح العظيم‪.‬‬

‫َومَ ْن َيعْصِ اللّ َه وَ َرسُولَهُ َويََتعَدّ ُحدُو َدهُ يُدْخِلْ ُه نَارا خَالِدا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ ُمهِيٌ (‪)14‬‬

‫ومَن َيعْصِ ال ورسوله‪ ,‬بإنكاره لحكام ال‪ ,‬وتاوزه ما شرعه ال لعباده بتغييها‪ ,‬أو تعطيل العمل با‪,‬‬
‫يدخله نارًا ماكثًا فيها‪ ,‬وله عذاب يزيه ويهينه‪.‬‬

‫شهِدُوا عََلْيهِنّ أَ ْرَب َعةً ِمْنكُ مْ فَإِ نْ َشهِدُوا َفَأمْ سِكُوهُنّ فِي اْلبُيُو تِ‬
‫ش َة مِ ْن نِ سَاِئكُمْ فَا ْستَ ْ‬
‫لتِي َي ْأتِيَ الْفَاحِ َ‬ ‫وَال ّ‬
‫جعَلَ اللّهُ َلهُ ّن َسبِيلً (‪)15‬‬ ‫َحتّى َيَتوَفّاهُ ّن الْ َموْتُ َأ ْو يَ ْ‬

‫‪132‬‬
‫واللت يزني من نسائكم‪ ,‬فاستشهدوا ‪-‬أيها الولة والقضاة‪ -‬عليهن أربعة رجال عدول من السلمي‪,‬‬
‫فإن شهدوا عليهن بذلك فاحبسوهن ف البيوت حت تنتهي حياتن بالوت‪ ,‬أو يعل ال لن طريقًا‬
‫للخلص من ذلك‪.‬‬

‫صلَحَا َفَأعْرِضُوا َعْنهُمَا ِإنّ اللّهَ كَا َن َتوّابا رَحِيما (‪)16‬‬


‫وَاللّذَا ِن َيأِْتيَاِنهَا ِمْنكُمْ فَآذُوهُمَا فَِإ ْن تَابَا َوأَ ْ‬

‫واللذان يقعان ف فاحشة الزن‪ ,‬فآذُوها بالضرب والجر والتوبيخ‪ ,‬فإن تابا عمّا وقع منهما وأصلحا با‬
‫يقدّمان من العمال الصالة فاصفحوا عن أذاها‪ .‬ويستفاد من هذه الية والت قبلها أن الرجال إذا فعلوا‬
‫حبَسْ َن ويُؤ َذيْنَ‪ ,‬فالبس غايتة الوت‪ ,‬والذية نايتها إل التوبة والصلح‪.‬‬
‫الفاحشة ُيؤْ َذوْن‪ ,‬والنساء يُ ْ‬
‫وكان هذا ف صدر السلم‪ ,‬ث نُسخ با شرع ال ورسوله‪ ,‬وهو الرجم للمحصن والحصنة‪ ,‬وها‬
‫الران البالغان العاقلن‪ ,‬اللذان جامعا ف نكاح صحيح‪ ,‬والل ُد مائة جلدة‪ ,‬وتغريب عام لغيها‪ .‬إن ال‬
‫كان توابا على عباده التائبي‪ ,‬رحيمًا بم‪.‬‬

‫ك َيتُو بُ اللّ ُه عََلْيهِ ْم وَكَا نَ‬


‫جهَاَل ٍة ثُمّ َيتُوبُو َن مِ نْ َقرِي بٍ َفُأوْلَئِ َ‬
‫ِإنّمَا الّت ْوَبةُ عَلَى اللّ هِ لِلّذِي َن َيعْمَلُو نَ ال سّو َء بِ َ‬
‫اللّ ُه عَلِيما َحكِيما (‪)17‬‬

‫إنّما يقبل ال التوبة من الذين يرتكبون العاصي والذنوب بهل منهم لعاقبتها‪ ,‬وإيابا لسخط ال ‪-‬فكل‬
‫عاص ل مطئًا أو متعمّدًا فهو جاهل بذا العتبار‪ ,‬وإن كان عالًا بالتحري ‪-‬ث يرجعون إل ربم بالنابة‬
‫والطاعة قبل معاينة الوت‪ ,‬فأولئك يقبل ال توبتهم‪ .‬وكان ال عليمًا بلقه‪ ,‬حكيمًا ف تدبيه وتقديره‪.‬‬

‫ت ال َن وَل الّذِي نَ‬


‫ت التّ ْوَبةُ لِلّذِي َن َيعْمَلُو َن ال سّّيئَاتِ َحتّ ى ِإذَا َحضَرَ أَحَ َدهُ ْم الْ َموْ تُ قَالَ إِنّ ي تُبْ ُ‬
‫وََليْ سَ ْ‬
‫يَمُوتُو َن َوهُمْ ُكفّارٌ ُأوَْلئِكَ َأعْتَ ْدنَا َلهُ ْم عَذَابا أَلِيما (‪)18‬‬

‫وليس قَبول التوبة للذين ُيصِرّون على ارتكاب العاصي‪ ,‬ول يرجعون إل ربم إل أن تأتيهم سكرات‬
‫الوت‪ ,‬فيقول أحدهم‪ :‬إن تبت الن‪ ,‬كما ل تُقبل توبة الذين يوتون وهم جاحدون‪ ,‬منكرون لوحدانية‬
‫ال ورسالة رسوله ممد صلى ال عليه وسلم‪ .‬أولئك الصرّون على العاصي إل أن ماتوا‪ ,‬والاحدون‬
‫الذين يوتون وهم كفار‪ ,‬أعتدنا لم عذابًا موجعًا‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫يَا أَّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ل يَحِلّ َلكُ مْ أَ نْ تَ ِرثُوا النّ سَاءَ كَرْها وَل َتعْضُلُوهُنّ ِلتَ ْذ َهبُوا بَِبعْ ضِ مَا آَتْيتُمُوهُنّ إِلّ أَ نْ‬
‫جعَلَ اللّهُ فِيهِ َخيْرا‬‫شةٍ ُمَبّيَنةٍ َوعَاشِرُوهُنّ بِالْ َمعْرُوفِ فَإِنْ َك ِرهْتُمُوهُنّ َفعَسَى أَنْ َتكْ َرهُوا َشيْئا َويَ ْ‬ ‫يَ ْأتِيَ ِبفَاحِ َ‬
‫َكثِيا (‪)19‬‬

‫يا أيها الذين آمنوا ل يوز لكم أن تعلوا نساء آبائكم من جلة َترِكتهم‪ ,‬تتصرفون فيهن بالزواج منهن‪,‬‬
‫أو النع لن‪ ,‬أو تزويهن للخرين‪ ,‬وهن كارهات لذلك كله‪ ,‬ول يوز لكم أن تصارّوا أزواجكم وأنتم‬
‫كارهون لن; ليتنازلن عن بعض ما آتيتموهن من مهر ونوه‪ ,‬إل أن يرتكب أمرا فاحشا كالزن‪ ,‬فلكم‬
‫حيننذ إمساكهن حت تأخذوا ما أعطيتموهن‪ .‬ولتكن مصاحبتكم لنسائكم مبنية على التكري والحبة‪,‬‬
‫وأداء ما لن من حقوق‪ .‬فإن كرهتموهن لسبب من السباب الدنيوية فاصبوا; فعسى أن تكرهوا أمرًا‬
‫من المور ويكون فيه خي كثي‪.‬‬

‫ج وَآتَْيتُمْ إِحْدَاهُنّ قِنطَارا فَل َتأْخُذُوا ِمنْ ُه َشيْئا َأَتأْخُذُونَهُ ُب ْهتَانا َوِإثْما‬
‫ج َمكَانَ َز ْو ٍ‬
‫َوإِنْ أَرَ ْدتُمْ ا ْسِتبْدَالَ َزوْ ٍ‬
‫ُمبِينا (‪)20‬‬

‫وإن أردت استبدال زوجة مكان أخرى‪ ,‬وكنتم قد أعطيتم مَن تريدون طلقها مال كثيًا مهرًا لا‪ ,‬فل‬
‫يل لكم أن تأخذوا منه شيئًا‪ ,‬أتأخذونه كذبًا وافتراءً واضحًا؟‬

‫ض َوأَخَ ْذ َن ِمنْكُ ْم مِيثَاقا غَلِيظا (‪)21‬‬


‫وَ َكيْفَ َتأْخُذُونَ ُه وَقَدْ أَ ْفضَى َب ْعضُكُمْ إِلَى َبعْ ٍ‬

‫وكيف يلّ لكم أن تأخذوا ما أعطيتموهن من مهر‪ ,‬وقد استمتع كل منكما بالخر بالماع‪ ,‬وأخَ ْذنَ‬
‫منكم ميثاقًا غليظًا من إمساكهن بعروف أو تسريهن بإحسان؟‬

‫ش ًة َو َمقْتا َوسَا َء َسبِيلً (‪)22‬‬


‫وَل تَنكِحُوا مَا َنكَ َح آبَاؤُكُ ْم مِ ْن النّسَاءِ إِ ّل مَا قَ ْد سََلفَ ِإنّهُ كَانَ فَاحِ َ‬

‫ول تتزوجوا مَن تزوجه آباؤكم من النساء إل ما قد سلف منكم ومضى ف الاهلية فل مؤاخذة فيه‪ .‬إن‬
‫زواج البناء من زوجات آبائهم أمر قبيح يفحش ويعظم قبحه‪ ,‬وبغيض يقت ال فاعله‪ ,‬وبئس طريقًا‬
‫ومنهجًا ما كنتم تفعلونه ف جاهليتكم‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫ت الُخْتِ َوأُ ّمهَاُتكُ ْم‬
‫خ َوبَنَا ُ‬‫ُح ّرمَتْ عََليْكُمْ ُأ ّمهَاُتكُ ْم َوَبنَاتُكُ ْم َوأَ َخوَاُتكُ ْم َوعَمّاُتكُ ْم وَخَالُتكُمْ َوَبنَاتُ الَ ِ‬
‫ض ْعنَكُ ْم َوأَ َخوَاُتكُ ْم مِ نْ الرّضَا َع ِة َوأُ ّمهَا تُ نِ سَائِكُ ْم وَ َربَاِئُبكُ ْم اللّتِي فِي حُجُورِكُ ْم مِ نْ نِ سَاِئكُمْ‬
‫لتِي أَرْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫ح عََلْيكُمْ وَحَلئِلُ َأْبنَائِكُ ْم الّذِي َن مِنْ أَصْلِبكُمْ َوأَنْ‬
‫لتِي َدخَ ْلتُ ْم ِبهِنّ فَإِنْ لَ ْم َتكُونُوا دَخَ ْلتُ ْم ِبهِنّ فَل ُجنَا َ‬
‫ال ّ‬
‫تَجْ َمعُوا َبيْ َن الُ ْخَتيْنِ إِلّ مَا قَدْ سَلَفَ ِإنّ اللّهَ كَا َن َغفُورا َرحِيما (‪)23‬‬

‫حرّم ال عليكم نكاح أمهاتكم‪ ,‬ويدخل ف ذلك الدّات مِن جهة الب أو الم‪ ,‬وبناتكم‪ :‬ويشمل‬
‫بنات الولد وإن نزلن‪ ,‬وأخواتكم الشقيقات أو لب أو لم‪ ,‬وعماتكم‪ :‬أخوات آبائكم وأجدادكم‪,‬‬
‫وخالتكم‪ :‬أخوات أمهاتكم وجداتكم‪ ,‬وبنات الخ‪ ,‬وبنات الخت‪ :‬ويدخل ف ذلك أولدهن‪,‬‬
‫وأمهاتكم اللت أرضعنكم‪ ,‬وأخواتكم من الرضاعة ‪-‬وقد حرّم رسول ال صلى ال عليه وسلم من‬
‫الرضاع ما يرم من النسب‪ -‬وأمهات نسائكم‪ ,‬سواء دخلتم بنسائكم‪ ,‬أم ل تدخلوا بن‪ ,‬وبنات‬
‫نسائكم من غيكم اللت يتربّيْ َن غالبًا ف بيوتكم وتت رعايتكم‪ ,‬وهن مُح ّرمَات فإن ل يكنّ ف‬
‫حجوركم‪ ,‬ولكن بشرط الدخول بأمهاتن‪ ,‬فإن ل تكونوا دخلتم بأمهاتن وطلقتموهن أو متْنَ قبل‬
‫الدخول فل جناح عليكم أن تنكحوهن‪ ,‬كما حرّم ال عليكم أن تنكحوا زوجات أبنائكم الذين من‬
‫أصلبكم‪ ,‬ومن أُلق بم مِن أبنائكم من الرضاع‪ ,‬وهذا التحري يكون بالعقد عليها‪ ,‬دخل البن با أم ل‬
‫يدخل‪ ,‬وحرّم عليكم كذلك المع ف وقت واحد بي الختي بنسب أو رضاع إل ما قد سلف ومضى‬
‫منكم ف الاهلية‪ .‬ول يوز كذلك المع بي الرأة وعمتها أو خالتها كما جاء ف السنة‪ .‬إن ال كان‬
‫غفورًا للمذنبي إذا تابوا‪ ,‬رحيمًا بم‪ ,‬فل يكلفهم ما ل يطيقون‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫الزء الامس ‪:‬‬

‫وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النّسَا ِء ِإلّ مَا مَ َلكَتْ َأيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَ ْيكُمْ َوأُ ِح ّل لَكُمْ مَا وَرَا َء َذلِكُمْ أَنْ تَبَْتغُوا‬
‫ضةً وَل جُنَا حَ عَلَ ْيكُ مْ‬
‫ي فَمَا ا سْتَمَْتعُْتمْ بِ هِ مِ ْن ُهنّ فَآتُو ُهنّ أُجُو َرهُنّ َفرِي َ‬
‫ح صِِنيَ غَ ْي َر مُ سَافِحِ َ‬
‫ِبأَ ْموَاِلكُ مْ مُ ْ‬
‫ضةِ إِ ّن ال ّلهَ كَانَ عَلِيما حَكِيما (‪)24‬‬
‫فِيمَا َترَاضَيُْت ْم ِبهِ ِم ْن َبعْ ِد الْ َفرِي َ‬

‫ويرم عليكم نكاح التزوجات من النساء‪ ,‬إل َم ْن سَبَيْتُم منهن ف الهاد‪ ,‬فإنه يل لكم نكاحهن‪,‬‬
‫بعد استباء أرحامهن بيضة‪ ,‬كتب ال عليكم تري نكاح هؤلء‪ ,‬وأجاز لكم نكاح مَن سواهن‪ ,‬مّا‬
‫أحله ال لكم أن تطلبوا بأموالكم العفة عن اقتراف الرام‪ .‬فما استمتعتم به منهن بالنكاح الصحيح‪,‬‬
‫فأعطوهن مهورهن‪ ,‬الت فرض ال لن عليكم‪ ,‬ول إث عليكم فيما ّت التراضي به بينكم‪ ,‬من الزيادة‬
‫أو النقصان ف الهر‪ ,‬بعد ثبوت الفريضة‪ .‬إن ال تعال كان عليمًا بأمور عباده‪ ,‬حكيما ف أحكامه‬
‫وتدبيه‪.‬‬

‫ت َأيْمَاُنكُ ْم مِ ْن فَتَيَاِتكُ مْ‬


‫ت الْ ُمؤْمِنَا تِ فَمِ ْن مَا مَ َلكَ ْ‬
‫صنَا ِ‬
‫ح الْمُحْ َ‬
‫َومَ نْ لَ مْ يَ سْتَطِ ْع مِ ْنكُ مْ َط ْولً أَ نْ يَنكِ َ‬
‫ضكُمْ مِ ْن َبعْضٍ فَانكِحُو ُهنّ ِبِإذْنِ أهْ ِل ِهنّ وَآتُو ُهنّ ُأجُو َر ُهنّ بِالْ َم ْعرُوفِ‬
‫ت وَاللّ ُه أَعْلَمُ بِإِيَانِكُ ْم بَعْ ُ‬
‫الْمُ ْؤمِنَا ِ‬
‫شةٍ فَعَلَ ْي ِهنّ نِ صْفُ مَا عَلَى‬
‫ص ّن فَإِ ْن َأتَيْ نَ ِبفَا ِح َ‬
‫ت أَ ْخدَا ٍن َفِإذَا ُأحْ ِ‬
‫خذَا ِ‬
‫ت وَل مُتّ ِ‬
‫مُحْ صَنَاتٍ غَ ْي َر مُ سَافِحَا ٍ‬
‫ت مِ ْنكُ ْم َوأَ نْ تَ صِْبرُوا خَ ْي ٌر لَكُ مْ وَاللّ هُ َغفُورٌ َرحِي مٌ (‬
‫ك لِمَ نْ َخشِ يَ اْلعَنَ َ‬
‫ب َذلِ َ‬
‫الْمُحْ صَنَاتِ مِ ْن الْ َعذَا ِ‬
‫‪)25‬‬

‫ومن ل قدرة له على مهور الرائر الؤمنات‪ ,‬فله أن ينكح غيهن‪ ,‬من فتياتكم الؤمنات الملوكات‪.‬‬
‫وال تعال هو العليم بقيقة إيانكم‪ ,‬بعضكم من بعض‪ ,‬فتزوجوهن بوافقة أهلهن‪ ,‬وأعطوهن‬
‫مهورهن على ما تراضيتم به عن طيب نفس منكم‪ ,‬متعففات عن الرام‪ ,‬غي ماهرات بالزن‪ ,‬ول‬
‫مسرات به باتاذ أخلء‪ ,‬فإذا تزوجن وأتي بفاحشة الزن فعليهن من ال ّد نصف ما على الرائر‪.‬‬
‫ذلك الذي أبيح مِن نكاح الماء بالصفة التقدمة إنا أبيح لن خاف على نفسه الوقوع ف الزن‪,‬‬

‫‪136‬‬
‫وشق عليه الصب عن الماع‪ ,‬والصب عن نكاح الماء مع العفة أول وأفضل‪ .‬وال تعال غفور لكم‪,‬‬
‫رحيم بكم إذ أذن لكم ف نكاحهن عند العجز عن نكاح الرائر‪.‬‬

‫ُيرِيدُ ال ّل ُه لِيُبَّينَ لَ ُكمْ َوَي ْهدَِيكُ ْم سَُننَ اّلذِي َن ِمنْ قَبْ ِل ُك ْم وَيَتُوبَ َعلَ ْيكُ ْم وَال ّلهُ عَلِي ٌم حَكِيمٌ (‪)26‬‬

‫يريد ال تعال بذه التشريعات‪ ,‬أن يوضح لكم معال دينه القوي‪ ,‬وشرعه الكيم‪ ,‬ويدلكم على طرق‬
‫النبياء والصالي من قبلكم ف اللل والرام‪ ,‬ويتوب عليكم بالرجوع بكم إل الطاعات‪ ,‬وهو‬
‫سبحانه عليم با يصلح شأن عباده‪ ,‬حكيم فيما شرعه لكم‪.‬‬

‫ت أَ ْن تَمِيلُوا مَ ْيلً عَظِيما (‪)27‬‬


‫شهَوَا ِ‬
‫وَال ّلهُ يُرِيدُ أَ ْن يَتُوبَ عَلَ ْيكُ ْم َويُرِيدُ اّلذِي َن يَتِّبعُو َن ال ّ‬

‫وال يريد أن يتوب عليكم‪ ,‬ويتجاوز عن خطاياكم‪ ,‬ويريد الذين ينقادون لشهواتم وملذاتم أن‬
‫تنحرفوا عن الدين انرافًا كبيًا‪.‬‬

‫ضعِيفا (‪)28‬‬
‫خفّفَ عَ ْن ُكمْ َوخُ ِلقَ الِنسَانُ َ‬
‫ُيرِيدُ ال ّل ُه أَ ْن يُ َ‬
‫يريد ال تعال با شرعه لكم التيسي‪ ,‬وعدم التشديد عليكم; لنكم خلقتم ضعفاء‬

‫ض مِ ْنكُ ْم وَل َتقْتُلُوا‬


‫يَا َأّيهَا اّلذِينَ آمَنُوا ل تَأْكُلُوا أَ ْموَاَلكُ ْم بَيَْنكُمْ بِالْبَا ِط ِل ِإلّ أَ ْن َتكُونَ تِجَا َرةً عَنْ َترَا ٍ‬
‫سكُ ْم إِ ّن اللّهَ كَا َن ِبكُمْ َرحِيما (‪)29‬‬
‫أَن ُف َ‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬ل يل لكم أن يأكل بعضكم مال بعض بغي حق‪,‬‬
‫إل أن يكون َوفْ َق الشرع والكسب اللل عن تراض منكم‪ ,‬ول يقتل بعضكم بعضًا فتهلكوا‬
‫أنفسكم بارتكاب مارم ال ومعاصيه‪ .‬إن ال كان بكم رحيمًا ف كل ما أمركم به‪ ,‬وناكم عنه‪.‬‬

‫ف نُصْلِي ِه نَارا وَكَا َن َذلِكَ عَلَى ال ّل ِه َيسِيا (‪)30‬‬


‫َومَ ْن َيفْ َع ْل َذلِكَ ُع ْدوَانا وَظُلْما َفسَوْ َ‬

‫‪137‬‬
‫ومن يرتكب ما نى ال عنه من أخذ الال الرام كالسرقة والغصب والغش معتديًا متجاوزًا حد‬
‫الشرع‪ ,‬فسوف يدخله ال نارًا يقاسي حرّها‪ ,‬وكان ذلك على ال يسيًا‪.‬‬

‫إِ ْن تَجْتَنِبُوا كَبَاِئ َر مَا تُ ْن َهوْنَ عَ ْن ُه نُ َك ّفرْ عَ ْنكُ ْم سَيّئَاتِ ُكمْ َوُندْخِ ْلكُ ْم ُمدْخَلً َكرِيا (‪)31‬‬

‫إن تبتعدوا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬عن كبائر الذنوب كالشراك بال وعقوق الوالدين وقَتْ ِل النفس بغي‬
‫الق وغي ذلك‪ ,‬نكفّر عنكم ما دونا من الصغائر‪ ,‬وندخلكم مدخل كريًا‪ ,‬وهو النّة‪.‬‬

‫ب مِمّ ا‬
‫ب مِمّ ا اكْتَ سَبُوا وَلِلنّ سَا ِء نَ صِي ٌ‬
‫ضكُ مْ عَلَى َبعْ ضٍ لِل ّرجَالِ نَ صِي ٌ‬
‫ضلَ اللّ ُه بِ هِ َبعْ َ‬
‫وَل تَتَمَّنوْا مَا فَ ّ‬
‫اكَْتسَ ْبنَ وَاسَْألُوا اللّ َه ِمنْ فَضْ ِل ِه إِ ّن ال ّلهَ كَا َن ِب ُكلّ َشيْءٍ عَلِيما (‪)32‬‬

‫ول تتمنوا ما فضّل ال به بعضكم على بعض‪ ,‬ف الواهب والرزاق وغي ذلك‪ ,‬فقد جعل ال‬
‫للرجال نصيبًا مقدّرًا من الزاء بسب عملهم‪ ,‬وجعل للنساء نصيبًا ما عملن‪ ,‬واسألوا ال الكري‬
‫الوهاب ُيعْطِكم من فضله بدل من التمن‪ .‬إن ال كان بكل شيء عليمًا‪ ,‬وهو أعلم با يصلح عباده‬
‫فيما قسمه لم من خي‪.‬‬

‫ت َأيْمَانُكُ مْ فَآتُوهُ مْ نَ صِيَب ُه ْم إِنّ اللّ هَ‬


‫َولِ ُكلّ َجعَلْنَا َموَالِ َي مِمّا َترَ َك اْلوَاِلدَا ِن وَا َل ْقرَبُو َن وَاّلذِي نَ َع َقدَ ْ‬
‫كَانَ عَلَى ُك ّل شَيْ ٍء َشهِيدا (‪)33‬‬

‫ولكل واحد منكم جعلنا ورثة يرثون ما ترك الوالدان والقربون‪ ,‬والذين تالفتم معهم باليان‬
‫الؤكدة على النصرة وإعطائهم شيئًا من الياث فأعطوهم ما ُقدّر لم‪ .‬والياث بالتحالف كان ف‬
‫أول السلم‪ ,‬ث رُفع حكمه بنول آيات الواريث‪ .‬إن ال كان مُطّ ِلعًا على كل شيء من أعمالكم‪,‬‬
‫وسيجازيكم على ذلك‪.‬‬

‫ضهُ مْ عَلَى بَعْ ضٍ وَبِمَا أَن َفقُوا مِ نْ َأ ْموَاِلهِ ْم فَال صّالِحَاتُ‬


‫ضلَ اللّ هُ َبعْ َ‬
‫ال ّرجَا ُل قَوّامُو نَ عَلَى النّ سَاءِ بِمَا فَ ّ‬
‫جرُو ُهنّ فِي الْمَضَاجِ عِ‬
‫لتِي تَخَافُو َن ُنشُو َز ُهنّ َفعِظُو ُهنّ وَاهْ ُ‬
‫ظ اللّ ُه وَال ّ‬
‫ب بِمَا َحفِ َ‬
‫ت حَافِظَا تٌ لِ ْلغَيْ ِ‬
‫قَانِتَا ٌ‬

‫‪138‬‬
‫ل إِنّ ال ّلهَ كَانَ عَلِيّا كَبِيا (‪)34‬‬
‫ض ِربُو ُه ّن َفإِنْ أَ َطعَْن ُكمْ فَل تَ ْبغُوا عَلَ ْي ِه ّن سَبِي ً‬
‫وَا ْ‬

‫الرجال قوّامون على توجيه النساء ورعايتهن‪ ,‬با خصهم ال به من خصائص القِوامَة والتفضيل‪ ,‬وبا‬
‫أعطوهن من الهور والنفقات‪ .‬فالصالات الستقيمات على شرع ال منهن‪ ,‬مطيعات ل تعال‬
‫ولزواجهن‪ ,‬حافظات لكل ما غاب عن علم أزواجهن با اؤتنّ عليه بفظ ال وتوفيقه‪ ,‬واللت‬
‫تشون منهن ترفّعهن عن طاعتكم‪ ,‬فانصحوهن بالكلمة الطيبة‪ ,‬فإن ل تثمر معهن الكلمة الطيبة‪,‬‬
‫فاهجروهن ف الفراش‪ ,‬ول تقربوهن‪ ,‬فإن ل يؤثر فعل الِجْران فيهن‪ ,‬فاضربوهن ضربًا ل ضرر فيه‪,‬‬
‫فإن أطعنكم فاحذروا ظلمهن‪ ,‬فإن ال العليّ الكبي وليّهن‪ ,‬وهو منتقم مّن ظلمه ّن وبغى عليهن‪.‬‬

‫ق بَيِْنهِمَا فَاْبعَثُوا َحكَما مِ ْن َأهْلِهِ َوحَكَما مِنْ َأهْ ِلهَا إِ ْن ُيرِيدَا إِصْلحا ُي َوفّ ْق اللّهُ بَيَْنهُمَا‬
‫َوإِنْ ِخفْتُمْ ِشقَا َ‬
‫إِنّ ال ّلهَ كَانَ عَلِيما خَبِيا (‪)35‬‬

‫وإن علمتم ‪-‬يا أولياء الزوجي‪ -‬شقاقًا بينهما يؤدي إل الفراق‪ ,‬فأرسلوا إليهما حكمًا عدل من أهل‬
‫الزوج‪ ,‬وحكمًا عدل من أهل الزوجة; لينظرا ويكما با فيه الصلحة لما‪ ,‬وبسبب رغبة الكمي‬
‫ف الصلح‪ ,‬واستعمالما السلوب الطيب يوفق ال بي الزوجي‪ .‬إن ال تعال عليم‪ ,‬ل يفى عليه‬
‫شيء من أمر عباده‪ ,‬خبي با تنطوي عليه نفوسهم‪.‬‬

‫شرِكُوا بِ ِه شَيْئا َوبِاْلوَاِل َديْ ِن ِإحْسَانا َوِبذِي اْلقُ ْربَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِيِ وَالْمَسَاكِيِ‬
‫وَاعُْبدُوا اللّ َه وَل ُت ْ‬
‫ت َأيْمَاُنكُ ْم إِنّ اللّ َه ل‬
‫ب وَابْ ِن ال سّبِيلِ َومَا مَ َلكَ ْ‬
‫ب بِالْجَنْ ِ‬
‫ب وَال صّاحِ ِ‬
‫وَالْجَا ِر ذِي الْ ُق ْربَى وَالْجَارِ الْجُُن ِ‬
‫ب َمنْ كَا َن مُخْتَالً فَخُورا (‪)36‬‬
‫يُحِ ّ‬
‫واعبدوا ال وانقادوا له وحده‪ ,‬ول تعلوا له شريكًا في الربوبيية والعبادة‪ ,‬وأحسينوا إل الوالديين‪,‬‬
‫وأدّوا حقوقهما‪ ,‬وحقوق القربي‪ ,‬واليتامى والحتاجي‪ ,‬والار القريب منكم والبعيد‪ ,‬والرفيق ف‬
‫السفر وف الضر‪ ,‬والسافر الحتاج‪ ,‬والماليك من فتيانكم وفتياتكم‪ .‬إن ال تعال ل يب التكبين‬
‫من عباده‪ ,‬الفتخرين على الناس‪.‬‬
‫خ ِل َويَكْتُمُو نَ مَا آتَاهُ ْم اللّ ُه مِ ْن فَضْلِ ِه َوأَعَْتدْنَا لِ ْلكَا ِفرِي نَ َعذَابا‬
‫س بِالْبُ ْ‬
‫الّذِي َن يَبْخَلُو نَ َوَيأْ ُمرُو َن النّا َ‬
‫ُمهِينا (‪)37‬‬

‫‪139‬‬
‫الذين يتنعون عن النفاق والعطاء ما رزقهم ال‪ ,‬ويأمرون غيهم بالبخل‪ ,‬ويحدون ِن َعمَ ال عليهم‪,‬‬
‫ويفون فضله وعطاءه‪ .‬وأعددنا للجاحدين عذابًا مزيًا‪.‬‬

‫س وَل ُيؤْمِنُو َن بِاللّ هِ وَل بِالَْيوْ مِ ال ِخرِ َومَ نْ َيكُ نْ الشّيْطَا ُن لَ هُ َقرِينا‬
‫وَاّلذِي َن يُنفِقُو َن َأمْوَالَهُ مْ ِرئَاءَ النّا ِ‬
‫َفسَا َء َقرِينا (‪)38‬‬

‫وأعتدنا هذا العذاب كذلك للذين ينفقون أموالم ريا ًء وسعةً‪ ,‬ول يصدقون بال اعتقادًا وعمل ول‬
‫بيوم القيامة‪ .‬وهذه العمال السيئة ما يدعو إليها الشيطان‪ .‬ومن يكن الشيطان له ملزمًا فبئس‬
‫اللزم والقرين‪.‬‬

‫َومَاذَا عَلَ ْي ِهمْ َلوْ آمَنُوا بِاللّ ِه وَالَْيوْ ِم ال ِخرِ َوأَنفَقُوا مِمّا رَ َز َق ُهمْ ال ّلهُ وَكَا َن ال ّلهُ ِب ِهمْ عَلِيما (‪)39‬‬

‫وأيّ ضرر يلحقهم لو صدّقوا بال واليوم الخر اعتقادًا وعمل وأنفقوا ما أعطاهم ال باحتساب‬
‫وإخلص‪ ,‬وال تعال عليم بم وبا يعملون‪ ,‬وسيحاسبهم على ذلك‪.‬‬

‫ت ِمنْ َل ُدْنهُ َأجْرا عَظِيما (‪)40‬‬


‫إِ ّن اللّ َه ل يَظْ ِل ُم مِ ْثقَا َل ذَ ّر ٍة وَإِ ْن َتكُ َحسََن ًة يُضَا ِعفْهَا وَُيؤْ ِ‬

‫إن ال تعال ل ينقص أحدًا من جزاء عمله مقدار ذرة‪ ,‬وإن تكن زنة الذرة حسنة فإنه سبحانه‬
‫يزيدها ويكثرها لصاحبها‪ ,‬ويتفضل عليه بالزيد‪ ,‬فيعطيه من عنده ثوابًا كبيًا هو النة‪.‬‬

‫شهِيدٍ َوجِئْنَا ِبكَ عَلَى هَؤُل ِء َشهِيدا (‪)41‬‬


‫َفكَيْفَ ِإذَا جِئْنَا ِمنْ ُك ّل ُأ ّمةٍ ِب َ‬

‫فكيف يكون حال الناس يوم القيامة‪ ,‬إذا جاء ال من كل أمة برسولا ليشهد عليها با عملت‪ ,‬وجاء‬
‫بك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لتكون شهيدًا على أمتك أنك بلغتهم رسالة ربّك‪.‬‬

‫ض وَل يَكْتُمُو َن ال ّلهَ َحدِيثا (‪)42‬‬


‫سوّى بِ ِهمْ الَرْ ُ‬
‫صوْا الرّسُولَ َلوْ ُت َ‬
‫َيوْمَِئذٍ يَ َودّ اّلذِينَ َك َفرُوا وَعَ َ‬

‫‪140‬‬
‫يوم يكون ذلك‪ ,‬يتمن الذين كفروا بال تعال وخالفوا الرسول ول يطيعوه‪ ,‬لو يعلهم ال والرض‬
‫سواء‪ ,‬فيصيون ترابًا‪ ,‬حت ل يبعثوا وهم ل يستطيعون أن يُخفوا عن ال شيئًا ما ف أنفسهم‪ ,‬إذ‬
‫ت عليهم جوارحهم با كانوا يعملون‪.‬‬
‫ختم ال على أفواههم‪ ,‬و َش ِهدَ ْ‬

‫يَا َأّيهَا اّلذِينَ آمَنُوا ل تَ ْق َربُوا الصّلةَ وََأنْتُمْ ُسكَارَى حَتّى َتعْلَمُوا مَا َتقُولُو َن وَل جُنُبا إِلّ عَاِبرِي سَبِيلٍ‬
‫ط َأوْ لمَ سُْتمْ النّ سَا َء فَلَ مْ‬
‫حَتّى َتغْتَ سِلُوا وَإِ نْ كُنتُ ْم َمرْضَى َأوْ عَلَى سَ َف ٍر َأوْ جَا َء أَ َح ٌد مِنْكُ ْم مِ نْ اْلغَائِ ِ‬
‫صعِيدا َطيّبا فَا ْمسَحُوا ِبوُجُو ِه ُكمْ َوَأيْدِي ُك ْم إِنّ ال ّلهَ كَانَ َع ُفوّا َغفُورا (‪)43‬‬
‫جدُوا مَا ًء فَتَيَمّمُوا َ‬
‫تَ ِ‬

‫يا أيها الذين صدّقوا بال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬ل تقربوا الصلة ول تقوموا إليها حال السكر‬
‫حت تيزوا وتعلموا ما تقولون‪ ,‬وقد كان هذا قبل التحري القاطع للخمر ف كل حال‪ ,‬ول تقربوا‬
‫الصلة ف حال النابة‪ ,‬ول تقربوا مواضعها وهي الساجد‪ ,‬إل من كان منكم متازًا من باب إل‬
‫باب‪ ,‬حت تتطهروا‪ .‬وإن كنتم ف حال مرض ل تقدرون معه على استعمال الاء‪ ,‬أو حال سفر‪ ,‬أو‬
‫جاء أحد منكم من الغائط‪ ,‬أو جامعتم النساء‪ ,‬فلم تدوا ماء للطهارة فاقصدوا ترابًا طاهرًا‪,‬‬
‫فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه‪ .‬إن ال تعال كان عفوّا عنكم‪ ,‬غفورًا لكم‪.‬‬

‫َألَ ْم َترَ ِإلَى اّلذِي َن أُوتُوا نَصِيبا ِمنْ اْلكِتَابِ َيشَْترُونَ الضّلَل َة َويُرِيدُو َن أَ ْن تَضِلّوا السّبِيلَ (‪)44‬‬

‫أل تعلم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أمر اليهود الذين أُعطوا حظّا من العلم ما جاءهم من التوراة‪ ,‬يستبدلون‬
‫الضللة بالدى‪ ,‬ويتركون ما لديهم من الجج والباهي‪ ,‬الدالة على صدق رسالة الرسول ممد‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ,‬ويتمنون لكم ‪-‬أيها الؤمنون الهتدون‪ -‬أن تنحرفوا عن الطريق الستقيم;‬
‫لتكونوا ضالي مثلهم‪.‬‬

‫وَال ّلهُ أَعْ َلمُ ِبأَ ْعدَائِ ُكمْ وَ َكفَى بِال ّلهِ َولِيّا وَ َكفَى بِاللّ ِه نَصِيا (‪)45‬‬

‫وال سبحانه وتعال أعلم منكم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬بعداوة هؤلء اليهود لكم‪ ,‬وكفى بال وليّا‬
‫يتولكم‪ ,‬وكفى به نصيًا ينصركم على أعدائكم‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫ضعِ ِه َويَقُولُونَ سَ ِمعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَ ْي َر مُسْمَ ٍع وَرَاعِنَا لَيّا‬
‫ح ّرفُو َن الْكَلِمَ عَ ْن َموَا ِ‬
‫مِ ْن الّذِي َن هَادُوا يُ َ‬
‫ِبأَلْسِنَِت ِهمْ وَ َطعْنا فِي الدّينِ وََلوْ َأّنهُمْ قَالُوا سَ ِمعْنَا َوأَ َطعْنَا وَاسْ َم ْع وَان ُظ ْرنَا َلكَا َن خَيْرا َلهُمْ َوَأقْوَ َم َوَلكِنْ‬
‫َلعَنَ ُهمْ ال ّل ُه بِ ُك ْفرِ ِه ْم فَل ُيؤْمِنُو َن إِ ّل قَلِيلً (‪)46‬‬

‫من اليهود فريق دأبوا على تبديل كلم ال وتغييه عمّا هو عليه افتراء على ال‪ ,‬ويقولون للرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ :‬سعنا قولك وعصينا أمرك واسع منّا ل سعت‪ ,‬ويقولون‪ :‬راعنا سعك أي‪:‬‬
‫افهم عنا وأفهمنا‪ ,‬يلوون ألسنتهم بذلك‪ ,‬وهم يريدون الدعاء عليه بالرعونة حسب لغتهم‪ ,‬والطعن‬
‫ف دين السلم‪ .‬ولو أنم قالوا‪ :‬سعنا وأطعنا‪ ,‬بدل و"عصينا"‪ ,‬واسع دون "غي مسمع"‪ ,‬وانظرنا‬
‫بدل "راعنا" لكان ذلك خيًا لم عند ال وأعدل قول ولكن ال طردهم من رحته; بسبب كفرهم‬
‫وجحودهم نبوة ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فل يصدقون بالق إل تصديقًا قليل ل ينفعهم‪.‬‬

‫س وُجُوها فََن ُردّهَا عَلَى‬


‫صدّقا لِمَا َمعَكُمْ مِ ْن قَ ْبلِ أَنْ نَ ْطمِ َ‬
‫يَا َأّيهَا اّلذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا َن ّزلْنَا مُ َ‬
‫ت وَكَا َن أَ ْم ُر اللّ ِه َمفْعُولً (‪)47‬‬
‫َأدْبَا ِرهَا َأوْ نَ ْلعََن ُهمْ َكمَا لَعَنّا أَصْحَابَ السّبْ ِ‬
‫يا أ هل الكتاب‪ ,‬صدّقوا واعملوا ب ا نزّل نا من القرآن‪ ,‬م صدقًا ل ا مع كم من الك تب من ق بل أن‬
‫نأخذكم بسوء صنيعكم‪ ,‬فنمحو الوجوه ونولا قَِب َل الظهور‪ ,‬أو نلعن هؤلء الفسدين بسخهم قردة‬
‫وخنازير‪ ,‬كما لعنّا اليهود مِن أصحاب السبت‪ ,‬الذين نُهوا عن الصيد فيه فلم ينتهوا‪ ,‬فغضب ال‬
‫عليهم‪ ,‬وطردهم من رحته‪ ,‬وكان أمر ال نافذًا ف كل حال‬

‫شرِ ْك بِاللّ ِه َفقَ ْد افَْترَى ِإثْما عَظِيما‬


‫ك لِمَ ْن َيشَا ُء وَمَنْ ُي ْ‬
‫إِنّ اللّ َه ل َي ْغ ِفرُ أَ ْن ُيشْرَ َك بِ ِه وََي ْغ ِفرُ مَا دُو َن َذلِ َ‬
‫(‪)48‬‬

‫إن ال تعال ل يغفر ول يتجاوز عمّن أشرك به أحدًا من ملوقاته‪ ,‬أو كفر بأي نوع من أنواع الكفر‬
‫الكب‪ ,‬ويتجاوز ويعفو عمّا دون الشرك من الذنوب‪ ,‬لن يشاء من عباده‪ ,‬ومن يشرك بال غيه فقد‬
‫اختلق ذنبًا عظيمًا‪.‬‬

‫َألَ ْم َترَ ِإلَى اّلذِي َن ُيزَكّو َن أَن ُفسَ ُهمْ بَ ْل ال ّلهُ ُيزَكّي َم ْن َيشَاءُ وَل يُظْلَمُو َن فَتِيلً (‪)49‬‬

‫‪142‬‬
‫أل تعلم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أمر أولئك الذين يُثنون على أنفسهم وأعمالم‪ ,‬ويصفونا بالطهر والبعد عن‬
‫السوء؟ بل ال تعال وحده هو الذي يثن على مَن يشاء مِن عباده‪ ,‬لعلمه بقيقة أعمالم‪ ,‬ول‬
‫يُنقَصون من أعمالم شيئًا مقدار اليط الذي يكون ف شق نَواة التمرة‪.‬‬

‫ب وَ َكفَى ِبهِ ِإثْما مُبِينا (‪)50‬‬


‫ف َيفَْترُونَ عَلَى ال ّلهِ اْل َكذِ َ‬
‫ان ُظرْ كَيْ َ‬

‫انظر إليهم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬متعجبًا من أمرهم‪ ,‬كيف يتلقون على ال الكذب‪ ,‬وهو النّه عن كل‬
‫ما ل يليق به؟ وكفى بذا الختلق ذنبًا كبيًا كاشفًا عن فساد معتقدهم‪.‬‬

‫ب ُيؤْمِنُو َن بِالْجِبْ تِ وَالطّاغُو تِ َوَيقُولُو َن لِ ّلذِي نَ َك َفرُوا َهؤُلءِ‬


‫َألَ مْ َت َر ِإلَى الّذِي َن أُوتُوا نَ صِيبا مِ نْ اْلكِتَا ِ‬
‫أَ ْهدَى ِمنْ اّلذِينَ آمَنُوا سَبِيلً (‪)51‬‬

‫أل تعلم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أمر أولئك اليهود الذين أُعطوا حظّا من العلم يصدقون بكل ما يُعبد من‬
‫دون ال من الصنام وشياطي النس والن تصديقا يملهم على التحاكم إل غي شرع ال‪,‬‬
‫ويقولون للذين كفروا بال تعال وبرسوله ممد صلى ال عليه وسلم‪ :‬هؤلء الكافرون أقْومُ‪ ,‬وأعدلُ‬
‫طريقًا من أولئك الذين آمنوا؟‬

‫ج َد َلهُ نَصِيا (‪)52‬‬


‫ُأوْلَِئكَ اّلذِي َن َلعََنهُ ْم اللّ ُه َومَ ْن يَ ْل َعنْ ال ّلهُ فَ َل ْن تَ ِ‬

‫أولئك الذين كَُث َر فسادهم وعمّ ضللم‪ ,‬طردهم ال نعال من رحته‪ ,‬ومَن يطرده ال من رحته فلن‬
‫تد له من ينصره‪ ,‬ويدفع عنه سوء العذاب‪.‬‬

‫ب ِم ْن الْمُ ْلكِ َفإِذا ل يُ ْؤتُونَ النّاسَ َنقِيا (‪)53‬‬


‫أَ ْم َل ُهمْ نَصِي ٌ‬

‫بل ألم حظ من اللك‪ ,‬ولو أوتوه لا أعطوا أحدًا منه شيئًا‪ ,‬ولو كان مقدار النقرة الت تكون ف ظهر‬
‫النّواة‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫حكْ َمةَ وَآتَيْنَاهُ مْ‬
‫سدُونَ النّا سَ عَلَى مَا آتَاهُ مْ اللّ هُ مِ نْ فَضْلِ هِ َف َقدْ آتَيْنَا آ َل ِإْبرَاهِي مَ اْلكِتَا بَ وَالْ ِ‬
‫أَ ْم َيحْ ُ‬
‫مُلْكا عَظِيما (‪)54‬‬

‫بل أيسدون ممدًا صلى ال عليه وسلم على ما أعطاه ال من نعمة النبوة والرسالة‪ ,‬ويسدون‬
‫أصحابه على نعمة التوفيق إل اليان‪ ,‬والتصديق بالرسالة‪ ,‬واتباع الرسول‪ ,‬والتمكي ف الرض‪,‬‬
‫ويتمنون زوال هذا الفضل عنهم؟ فقد أعطينا ذرية إبراهيم عليه السلم ‪-‬من قَ ْبلُ‪ -‬الكتب‪ ,‬الت‬
‫أنزلا ال عليهم وما أوحي إليهم ما ل يكن كتابا مقروءا‪ ,‬وأعطيناهم مع ذلك ملكا واسعا‪.‬‬

‫جهَّنمَ سَعِيا (‪)55‬‬


‫صدّ عَ ْن ُه وَ َكفَى بِ َ‬
‫فَمِ ْن ُهمْ َمنْ آ َم َن ِبهِ َومِ ْن ُهمْ َمنْ َ‬

‫فمن هؤلء الذين أوتوا حظّا من العلم‪ ,‬مَن صدّق برسالة ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وعمل بشرعه‪,‬‬
‫ومنهم مَن أعرض ول يستجب لدعوته‪ ,‬ومنع الناس من اتباعه‪ .‬وحسبكم ‪-‬أيها الكذبون‪ -‬نار جهنم‬
‫تسعّر بكم‪.‬‬

‫ت جُلُو ُدهُ مْ َب ّدلْنَاهُ ْم جُلُودا غَ ْيرَهَا لَِيذُوقُوا‬


‫ف نُ صْلِي ِه ْم نَارا كُلّمَا نَضِجَ ْ‬
‫إِنّ اّلذِي نَ َك َفرُوا بِآيَاتِنَا َسوْ َ‬
‫ب إِنّ ال ّلهَ كَانَ َعزِيزا َحكِيما (‪)56‬‬
‫الْ َعذَا َ‬

‫إن الذين جحدوا ما أنزل ال من آياته ووحي كتابه ودلئله وحججه‪ ,‬سوف ندخلهم نارًا يقاسون‬
‫حرّها‪ ,‬كلما احترقت جلودهم بدّلْناهم جلودًا أخرى; ليستمر عذابم وألهم‪ .‬إن ال تعال كان‬
‫عزيزًا ل يتنع عليه شيء‪ ,‬حكيمًا ف تدبيه وقضائه‪.‬‬

‫جرِي مِ ْن تَحِْتهَا ا َلْنهَا ُر خَاِلدِي نَ فِيهَا َأبَدا َلهُ مْ‬


‫ت تَ ْ‬
‫وَاّلذِي نَ آمَنُوا وَ َعمِلُوا ال صّالِحَاتِ سَُن ْدخِ ُلهُ ْم جَنّا ٍ‬
‫فِيهَا أَ ْزوَاجٌ مُ َط ّه َر ٌة وَُن ْدخِلُ ُهمْ ِظلّ ظَلِيلً (‪)57‬‬

‫والذين اطمأنت قلوبم باليان بال تعال والتصديق برسالة رسوله ممد صلى ال عليه وسلم‪,‬‬
‫واستقاموا على الطاعة‪ ,‬سندخلهم جنات تري من تتها النار‪ ,‬ينعمون فيها أبدًا ول يرجون منها‪,‬‬
‫ولم فيها أزواج طهرها ال مِن كل أذى‪ ,‬وندخلهم ظل كثيفًا متدًا ف النة‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫حكُمُوا بِاْل َعدْ ِل إِنّ اللّ هَ‬
‫س أَ نْ َت ْ‬
‫ت ِإلَى أَهْ ِلهَا َوإِذَا حَكَمْتُ مْ بَيْ نَ النّا ِ‬
‫إِنّ اللّ َه َيأْ ُمرُكُ ْم أَ نْ ُت َؤدّوا ا َلمَانَا ِ‬
‫ِنعِمّا َيعِ ُظكُ ْم ِبهِ إِ ّن ال ّلهَ كَانَ سَمِيعا بَصِيا (‪)58‬‬
‫إن ال تعال يأمركيم بأداء متلف المانات‪ ,‬التي اؤتنتيم عليهيا إل أصيحابا‪ ,‬فل تفرطوا فيهيا‪,‬‬
‫ويأمركم بالقضاء بي الناس بالعدل والقسط‪ ,‬إذا قضيتم بينهم‪ ,‬وِنعْ َم ما يعظكم ال به ويهديكم إليه‪.‬‬
‫إن ال تعال كان سيعًا لقوالكم‪ ,‬مُطّلعًا على سائر أعمالكم‪ ,‬بصيًا با‪.‬‬

‫يَا َأيّهَا اّلذِي نَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّ هَ َوأَطِيعُوا الرّ سُولَ َوُأوْلِي ا َل ْمرِ مِ ْنكُ ْم َفإِ ْن تَنَازَعْتُ ْم فِي شَيْ ٍء َف ُردّو ُه ِإلَى‬
‫سنُ َت ْأوِيلً (‪)59‬‬
‫اللّ ِه وَال ّرسُولِ إِنْ كُنُت ْم ُت ْؤمِنُو َن بِاللّ ِه وَالَْيوْ ِم ال ِخرِ َذِلكَ خَ ْي ٌر َوأَ ْح َ‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬استجيبوا لوامر ال تعال ول تعصوه‪ ,‬واستجيبوا‬
‫للرسول صلى ال عليه وسلم فيما جاء به من الق‪ ,‬وأطيعوا ولة أمركم ف غي معصية ال‪ ,‬فإن‬
‫اختلفتم ف شيء بينكم‪ ,‬فأرجعوا الكم فيه إل كتاب ال تعال وسنة رسوله ممد صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ,‬إن كنتم تؤمنون حق اليان بال تعال وبيوم الساب‪ .‬ذلك الردّ إل الكتاب والسنة خي‬
‫لكم من التنازع والقول بالرأي‪ ،‬وأحسن عاقبة ومآل‪.‬‬

‫َألَ ْم َترَ ِإلَى اّلذِي َن َيزْعُمُو َن َأنّهُ مْ آمَنُوا بِمَا أُن ِزلَ ِإلَيْ كَ َومَا أُن ِزلَ مِ ْن قَبْلِ كَ ُيرِيدُو َن أَ ْن يَتَحَاكَمُوا ِإلَى‬
‫الطّاغُوتِ َو َقدْ ُأ ِمرُوا أَ ْن يَ ْك ُفرُوا ِبهِ َوُيرِيدُ الشّيْطَا ُن أَ ْن يُضِ ّل ُهمْ ضَللً َبعِيدا (‪)60‬‬

‫أل تعلم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أمر أولئك النافقي الذين يدّعون اليان با أُنزل إليك ‪-‬وهو القرآن‪ -‬وبا‬
‫أُنزل إل الرسل من قبلك‪ ,‬وهم يريدون أن يتحاكموا ف فَصْل الصومات بينهم إل غي ما شرع ال‬
‫من الباطل‪ ,‬وقد أُمروا أن يكفروا بالباطل؟ ويريد الشيطان أن يبعدهم عن طريق الق‪ ,‬بعدًا شديدًا‪.‬‬
‫وف هذه الية دليل على أن اليان الصادق‪ ,‬يقتضي النقياد لشرع ال‪ ,‬والكم به ف كل أمر من‬
‫المور‪ ,‬فمن زعم أنه مؤمن واختار حكم الطاغوت على حكم ال‪ ,‬فهو كاذب ف زعمه‪.‬‬

‫صدُودا (‪)61‬‬
‫صدّونَ عَ ْنكَ ُ‬
‫ي يَ ُ‬
‫َوإِذَا قِيلَ َل ُهمْ َتعَالَوْا ِإلَى مَا أَن َزلَ ال ّلهُ وَِإلَى الرّسُولِ َرَأيْتَ الْمُنَا ِفقِ َ‬

‫‪145‬‬
‫وإذا نُصح هؤلء‪ ,‬وقيل لم‪ :‬تعالوا إل ما أنزل ال‪ ,‬وإل الرسول ممد صلى ال عليه وسلم‪,‬‬
‫صرْتَ الذين يظهرون اليان ويبطنون الكفر‪ ,‬يعرضون عنك إعراضًا‪.‬‬
‫وهديه‪ ,‬أب َ‬

‫ت َأْيدِي ِهمْ ُث ّم جَاءُو َك يَحْ ِلفُو َن بِال ّل ِه إِ ْن أَ َردْنَا إِ ّل ِإحْسَانا َوتَ ْوفِيقا (‬
‫َفكَيْفَ ِإذَا أَصَابَ ْت ُهمْ مُصِيَب ٌة بِمَا َقدّمَ ْ‬
‫‪)62‬‬

‫فكيف يكون حال أولئك الناففي‪ ,‬إذا حلّت بم مصيبة بسبب ما اقترفوه بأيديهم‪ ,‬ث جاؤوك ‪-‬أيها‬
‫الرسول‪ -‬يعتذرون‪ ,‬ويؤكدون لك أنم ما قصدوا بأعمالم تلك إل الحسان والتوفيق بي الصوم‪.‬‬

‫سهِ ْم َقوْ ًل بَلِيغا (‪)63‬‬


‫ُأوْلَِئكَ اّلذِي َن َيعْلَ ُم ال ّلهُ مَا فِي قُلُوبِ ِهمْ فَأَ ْعرِضْ عَ ْن ُهمْ وَعِ ْظ ُه ْم َوقُ ْل َل ُهمْ فِي أَن ُف ِ‬
‫أولئك هم الذ ين يعلم ال حقي قة ما ف قلوب م من النفاق‪ ,‬فتولّ عن هم‪ ,‬وحذّر هم من سوء ما هم‬
‫عليه‪ ,‬وقل لم قول مؤثرًا فيهم زاجرًا لم‪.‬‬

‫س ُهمْ جَاءُو كَ فَا سَْت ْغ َفرُوا اللّ هَ‬


‫ع ِبِإذْ ِن اللّ ِه وََل ْو أَّنهُ ْم ِإذْ ظَلَمُوا أَنفُ َ‬
‫وَمَا أَرْ سَلْنَا مِ نْ رَ سُولٍ ِإ ّل لِيُطَا َ‬
‫وَاسَْتغْ َف َر َلهُ ْم ال ّرسُو ُل لَ َو َجدُوا ال ّلهَ تَوّابا َرحِيما (‪)64‬‬

‫وما بعَثْنَا من رسول من رسلنا‪ ,‬إل ليستجاب له‪ ,‬بأمر ال تعال وقضائه‪ .‬ولو أن هؤلء الذين ظلموا‬
‫أنفسهم باقتراف السيئات‪ ,‬جاؤوك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ف حياتك تائبي سائلي ال أن يغفر لم ذنوبم‪,‬‬
‫واستغفرت لم‪ ,‬لوجدوا ال توابًا رحيمًا‪.‬‬

‫س ِهمْ َحرَجا مِمّا قَضَ ْي تَ‬


‫جدُوا فِي أَنفُ ِ‬
‫ج َر بَيَْنهُ مْ ُثمّ ل َي ِ‬
‫حكّمُو كَ فِيمَا شَ َ‬
‫ك ل يُ ْؤمِنُو نَ حَتّى يُ َ‬
‫فَل وَ َربّ َ‬
‫وَُيسَلّمُوا َتسْلِيما (‪)65‬‬

‫أقسم ال تعال بنفسه الكرية أن هؤلء ل يؤمنون حقيقة حت يعلوك حكمًا فيما وقع بينهم من‬
‫نزاع ف حياتك‪ ,‬ويتحاكموا إل سنتك بعد ماتك‪ ,‬ث ل يدوا ف أنفسهم ضيقًا ما انتهى إليه‬
‫حكمك‪ ,‬وينقادوا مع ذلك انقيادًا تاما‪ ,‬فالكم با جاء به رسول ال صلى ال عليه وسلم من‬
‫الكتاب والسنة ف كل شأن من شؤون الياة من صميم اليان مع الرضا والتسليم‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫سكُ ْم َأوْ ا ْخرُجُوا مِ نْ ِديَارِكُ ْم مَا َفعَلُو هُ ِإلّ قَلِي ٌل مِ ْنهُ مْ َوَلوْ َأّنهُ مْ‬
‫َولَ ْو َأنّ ا كَتَبْنَا عَلَ ْيهِ ْم أَ ْن اقْتُلُوا أَنفُ َ‬
‫َفعَلُوا مَا يُوعَظُو نَ بِ هِ َلكَا َن خَيْرا َلهُ ْم َوأَ َشدّ تَثْبِيتا (‪ )66‬وَإِذا لتَيْنَاهُ مْ مِ نْ َل ُدنّ ا أَجْرا عَظِيما ( ‪)67‬‬
‫صرَاطا ُمسَْتقِيما (‪)68‬‬
‫وََل َه َديْنَا ُهمْ ِ‬

‫ولو أوجبنا على هؤلء النافقي التحاكمي إل الطاغوت أن يقتل بعضهم بعضًا‪ ,‬أو أن يرجوا من‬
‫ديارهم‪ ,‬ما استجاب لذلك إل عدد قليل منهم‪ ,‬ولو أنم استجابوا لا يُنصحون به لكان ذلك نافعًا‬
‫لم‪ ,‬وأقوى ليانم‪ ,‬ولعطيناهم من عندنا ثوابًا عظيمًا ف الدنيا والخرة‪ ,‬ولرشدناهم ووفقناهم إل‬
‫طريق ال القوي‪.‬‬

‫ش َهدَاءِ‬
‫ي وَال ّ‬
‫ك مَ َع اّلذِي َن َأنْعَ مَ اللّ هُ عَلَ ْيهِ ْم مِ نْ النّبِيّيَ وَال صّدّيقِ َ‬
‫َومَ ْن يُطِ ْع اللّ هَ وَالرّ سُو َل َفأُ ْولَئِ َ‬
‫س َن ُأوْلَِئكَ َرفِيقا (‪)69‬‬
‫ي َوحَ ُ‬
‫وَالصّالِحِ َ‬

‫ومن يستجب لوامر ال تعال وهدي رسوله ممد صلى ال عليه وسلم فأولئك الذين عَ ُظ َم شأنم‬
‫وقدرهم‪ ,‬فكانوا ف صحبة مَن أنعم ال تعال عليهم بالنة من النبياء والصديقي الذين كمُل‬
‫تصديقهم با جاءت به الرسل‪ ،‬اعتقادًا وقول وعمل والشهداء ف سبيل ال وصال الؤمني‪ ,‬و َحسُنَ‬
‫هؤلء رفقاء ف النة‪.‬‬

‫ض ُل ِمنْ ال ّلهِ وَ َكفَى بِال ّلهِ عَلِيما (‪)70‬‬


‫ك الْفَ ْ‬
‫َذلِ َ‬

‫ذلك العطاء الزيل من ال وحده‪ .‬وكفى بال عليما يعلم أحوال عباده‪ ,‬ومَن يَستح ّق منهم الثواب‬
‫الزيل با قام به من العمال الصالة‪.‬‬

‫ت أَ ْو ان ِفرُوا جَمِيعا (‪)71‬‬


‫يَا َأّيهَا اّلذِينَ آمَنُوا ُخذُوا حِذْرَ ُك ْم فَان ِفرُوا ثُبَا ٍ‬

‫يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم بالستعداد لعدوكم‪ ,‬فاخرجوا للقاته جاعة بعد جاعة أو متمعي‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫َوإِنّ مِ ْن ُكمْ لَ َم ْن لَيُبَطَّئ ّن َفإِ ْن أَصَابَتْ ُكمْ مُصِيَب ٌة قَا َل َقدْ أَْن َعمَ ال ّلهُ عَ َليّ ِإ ْذ َلمْ أَ ُك ْن َم َعهُ ْم َشهِيدا (‪)72‬‬

‫وإ ّن منكم لنفرًا يتأخر عن الروج للقاة العداء متثاقل ويثبط غيه عن عمد وإصرار‪ ,‬فإن ُقدّر‬
‫عليكم وأُصِبتم بقتل وهزية‪ ,‬قال مستبشرًا‪ :‬قد حفظن ال‪ ,‬حي ل أكن حاضرًا مع أولئك الذين‬
‫وقع لم ما أكرهه لنفسي‪ ,‬وسرّه تلفه عنكم‪.‬‬

‫ت َم َعهُ مْ َفَأفُوزَ َفوْزا‬


‫ضلٌ مِ نَ اللّ ِه لََيقُوَلنّ َكأَ نْ لَ مْ َتكُ ْن بَيَْنكُ مْ َوبَيْنَ هُ َم َو ّدةٌ يَا لَيْتَنِي كُن ُ‬
‫َولَئِ نْ أَ صَابَ ُكمْ فَ ْ‬
‫عَظِيما (‪)73‬‬

‫ولئن نالكم فضل من ال وغنيمة‪ ,‬ليقولن ‪-‬حاسدًا متحسرًا‪ ,‬كأن ل تكن بينكم وبينه مودة ف‬
‫الظاهر‪ : -‬يا ليتن كنت معهم فأظفر با َظفِروا به من النجاة والنصرة والغنيمة‪.‬‬

‫شرُو نَ الْحَيَا َة الدّنْيَا بِال ِخ َرةِ َومَ ْن ُيقَاِتلْ فِي سَبِيلِ اللّ ِه فَُيقَْتلْ َأوْ يَغْلِ بْ‬
‫فَلُْيقَاِتلْ فِي سَبِيلِ اللّ ِه اّلذِي َن َي ْ‬
‫ف ُن ْؤتِي ِه َأجْرا عَظِيما (‪)74‬‬
‫َفسَوْ َ‬

‫فليجاهد ف سبيل نصرة دين ال‪ ,‬وإعلء كلمته‪ ,‬الذين يبيعون الياة الدنيا بالدار الخرة وثوابا‪.‬‬
‫ومن ياهد ف سبيل ال ملصًا‪ ,‬فُيقَْتلْ أو َيغْلِبْ‪ ,‬فسوف نؤتيه أجرًا عظيمًا‪.‬‬

‫ضعَفِيَ مِ نْ ال ّرجَالِ وَالنّ سَا ِء وَاْل ِولْدَا ِن اّلذِي نَ َيقُولُو نَ َربّنَا‬


‫َومَا َلكُ ْم ل ُتقَاتِلُو نَ فِي سَبِيلِ اللّ ِه وَالْمُ سْتَ ْ‬
‫ك نَصِيا (‪)75‬‬
‫أَ ْخ ِرجْنَا ِمنْ َه ِذ ِه الْ َق ْريَ ِة الظّاِلمِ َأهْ ُلهَا وَاجْعَل لَنَا ِمنْ لَ ُدْنكَ َولِيّا وَا ْجعَل لَنَا ِمنْ َل ُدنْ َ‬

‫وما الذي ينعكم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬عن الهاد ف سبيل نصرة دين ال‪ ,‬ونصرة عباده الستضعفي من‬
‫الرجال والنساء والصغار الذين اعتُدي عليهم‪ ,‬ول حيلة لم ول وسيلة لديهم إل الستغاثة بربم‪,‬‬
‫يدعونه قائلي‪ :‬ربنا أخرجنا من هذه القرية ‪-‬يعن "مكة "‪ -‬الت ظَلَم أهلها أنفسهم بالكفر والؤمني‬
‫بالذى‪ ,‬واجعل لنا من عندك وليّا يتول أمورنا‪ ,‬ونصيًا ينصرنا على الظالي‪.‬‬

‫الّذِينَ آمَنُوا ُيقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّ ِه وَاّلذِينَ َك َفرُوا ُيقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطّاغُوتِ َفقَاتِلُوا أَ ْولِيَا َء الشّيْطَانِ‬

‫‪148‬‬
‫ضعِيفا (‪)76‬‬
‫إِنّ كَ ْيدَ الشّيْطَانِ كَانَ َ‬

‫الذين ص َدقُوا ف إيانم اعتقادًا وعمل ياهدون ف سبيل نصرة الق وأهله‪ ,‬والذين كفروا يقاتلون‬
‫ف سبيل البغي والفساد ف الرض‪ ,‬فقاتلوا أيها الؤمنون أهل الكفر والشرك الذين يتولّون الشيطان‪,‬‬
‫ويطيعون أمره‪ ,‬إن تدبي الشيطان لوليائه كان ضعيفًا‪.‬‬

‫َألَ مْ َت َر ِإلَى الّذِي َن قِيلَ َلهُ مْ ُكفّوا َأْيدَِيكُ ْم وََأقِيمُوا ال صّل َة وَآتُوا الزّكَا َة فَلَمّ ا كُِت بَ عَلَ ْيهِ ْم الْقِتَا ُل ِإذَا‬
‫خشَْي ِة اللّ ِه أَ ْو َأشَ ّد َخشَْيةً َوقَالُوا َربّنَا لِ مَ كََتبْ تَ عَلَيْنَا اْلقِتَالَ لَوْل َأ ّخرْتَنَا‬
‫شوْ َن النّا سَ كَ َ‬
‫خَ‬‫َفرِي قٌ مِ ْنهُ ْم يَ ْ‬
‫ب ُق ْل مَتَاعُ ال ّدنْيَا قَلِي ٌل وَالخِ َر ُة خَ ْيرٌ لِ َم ْن اّتقَى وَل تُظْلَمُو َن فَتِيلً (‪)77‬‬
‫ِإلَى أَ َج ٍل َقرِي ٍ‬

‫أل تعلم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أمر أولئك الذين قيل لم قبل الذن بالهاد‪ :‬امنعوا أيديكم عن قتال‬
‫أعدائكم من الشركي‪ ,‬وعليكم أداء ما فرضه ال عليكم من الصلة‪ ,‬والزكاة‪ ,‬فلما فرض عليهم‬
‫القتال إذا جاعة منهم قد تغي حالم‪ ,‬فأصبحوا يافون الناس ويرهبونم‪ ,‬كخوفهم من ال أو أشد‪,‬‬
‫ويعلنون عما اعتراهم من شدة الوف‪ ,‬فيقولون‪ :‬ربنا ِلمَ َأ ْوجَبْتَ علينا القتال؟ هل أمهلتنا إل وقت‬
‫قريب‪ ,‬رغبة منهم ف متاع الياة الدنيا‪ ,‬قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬متاع الدنيا قليل‪ ,‬والخرة وما‬
‫فيها أعظم وأبقى لن اتقى‪ ,‬فعمل با أُمر به‪ ,‬واجتنب ما نُهي عنه‪ ,.‬ل يظلم ربك أحدًا شيئًا‪ ,‬ولو‬
‫كان مقدار اليط الذي يكون ف شق نَواة التمرة‪.‬‬

‫ج ُمشَّي َدةٍ َوإِ ْن تُصِ ْبهُ ْم حَسََنةٌ َيقُولُوا َهذِهِ مِنْ عِ ْن ِد اللّهِ‬
‫َأيْنَمَا َتكُونُوا ُيدْرِكّمْ الْ َموْتُ َوَلوْ كُنتُمْ فِي ُبرُو ٍ‬
‫وَإِ ْن تُ صِ ْب ُهمْ سَيّئَ ٌة َيقُولُوا َهذِ هِ مِ نْ عِ ْندِ َك ُقلْ ُك ّل مِ نْ ِع ْندِ اللّ هِ َفمَا ِل هَؤُل ِء الْ َقوْ ِم ل يَكَادُو َن َي ْفقَهُو نَ‬
‫حَدِيثا (‪)78‬‬

‫أينما تكونوا يلحقكم الوت ف أي مكان كنتم فيه عند حلول آجالكم‪ ,‬ولو كنتم ف حصون منيعة‬
‫بعيدة عن ساحة العارك والقتال‪ .‬وإن يصل لم ما يسرّهم من متاع هذه الياة‪ ,‬ينسبوا حصوله إل‬
‫ال تعال‪ ,‬وإن وقع عليهم ما يكرهونه ينسبوه إل الرسول ممد صلى ال عليه وسلم جهالة‬
‫وتشاؤمًا‪ ,‬وما علموا أن ذلك كله من عند ال وحده‪ ,‬بقضائه وقدره‪ ,‬فما بالم ل يقاربون َف ْه َم أيّ‬
‫حديث تدثهم به‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫سكَ َوأَرْ سَلْنَاكَ لِلنّا سِ رَ سُو ًل وَ َكفَى‬
‫ك مِ نْ سَيَّئ ٍة فَمِ ْن نَفْ ِ‬
‫مَا أَ صَاَبكَ مِ ْن حَ سََن ٍة فَمِ ْن اللّ ِه َومَا أَ صَابَ َ‬
‫بِال ّلهِ شَهِيدا (‪)79‬‬

‫ما أصابك ‪-‬أيها النسان‪ -‬مِن خي ونعمة فهو من ال تعال وحده‪ ,‬فضل وإحسانًا‪ ,‬وما أصابك من‬
‫جهد وشدة فبسبب عملك السيئ‪ ,‬وما اقترفته يداك من الطايا والسيئات‪ .‬وبعثناك ‪-‬أيها الرسول‪-‬‬
‫لعموم الناس رسول تبلغهم رسالة ربك‪ ,‬وكفى بال شهيدًا على صدق رسالتك‪.‬‬

‫ع اللّ َه َومَ ْن َتوَلّى فَمَا أَ ْرسَلْنَاكَ عَلَ ْي ِه ْم َحفِيظا (‪)80‬‬


‫َمنْ يُ ِطعْ ال ّرسُولَ َف َقدْ أَطَا َ‬

‫من يستجب للرسول صلى ال عليه وسلم‪ ,‬ويعمل بديه‪ ,‬فقد استجاب ل تعال وامتثل أمره‪ ,‬ومن‬
‫أعرض عن طاعة ال ورسوله فما بعثناك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬على هؤلء العترضي رقيبًا تفظ أعمالم‬
‫وتاسبهم عليها‪ ,‬فحسابم علينا‪.‬‬

‫ب مَا يُبَيّتُونَ َفأَ ْعرِضْ‬


‫َويَقُولُونَ طَا َع ٌة َفِإذَا َبرَزُوا ِمنْ عِ ْندِ َك بَيّتَ طَاِئفَ ٌة مِ ْن ُهمْ غَ ْيرَ اّلذِي َتقُو ُل وَال ّل ُه يَكْتُ ُ‬
‫عَ ْن ُه ْم وََتوَ ّكلْ عَلَى ال ّل ِه وَ َكفَى بِال ّلهِ وَكِيلً (‪)81‬‬

‫ويُظْهر هؤلء العرضون‪ ,‬وهم ف ملس رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬طاعتهم للرسول وما جاء‬
‫به‪ ,‬فإذا ابتعدوا عنه وانصرفوا عن ملسه‪ ,‬دبّر جاعة منهم ليل غي ما أعلنوه من الطاعة‪ ,‬وما علموا‬
‫أن ال يصي عليهم ما يدبرون‪ ,‬وسيجازيهم عليه أت الزاء‪ ,‬فتول عنهم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ول تبال‬
‫بم‪ ,‬فإنم لن يضروك‪ ,‬وتوكل على ال‪ ,‬وحسبك به وليّا وناصرًا‪.‬‬

‫َأفَل يََتدَّبرُونَ اْل ُقرْآ َن َولَوْ كَا َن ِمنْ عِ ْندِ غَ ْي ِر اللّ ِه َلوَ َجدُوا فِيهِ اخْتِلفا كَثِيا (‪)82‬‬

‫أفل ينظر هؤلء ف القرآن‪ ,‬وما جاء به من الق‪ ,‬نظر تأمل وتدبر‪ ,‬حيث جاء على نسق مكم يقطع‬
‫بأنه من عند ال وحده؟ ولو كان مِن عند غيه لوجدوا فيه اختلفًا كثيًا‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫ف َأذَاعُوا بِ ِه َولَوْ َردّوهُ ِإلَى الرّسُو ِل َوإِلَى أُ ْولِي الَ ْم ِر مِ ْنهُ ْم َلعَلِمَهُ‬
‫خوْ ِ‬
‫َوإِذَا جَا َءهُمْ َأ ْم ٌر مِنَ الَمْ ِن َأوْ الْ َ‬
‫ضلُ ال ّلهِ عَلَ ْي ُكمْ وَ َرحْمَُت ُه لتَّبعُْتمْ الشّيْطَا َن ِإلّ قَلِيلً (‪)83‬‬
‫الّذِينَ َيسْتَنْبِطُوَنهُ مِ ْن ُهمْ َوَلوْل فَ ْ‬

‫وإذا جاء هؤلء الذين ل يستقر اليان ف قلوبم أمْرٌ يب كتمانه متعلقًا بالمن الذي يعود خيه على‬
‫السلم والسلمي‪ ,‬أو بالوف الذي يلقي ف قلوبم عدم الطمئنان‪ ,‬أفشوه وأذاعوا به ف الناس‪,‬‬
‫ولو ردّ هؤلء ما جاءهم إل رسول ال صلى ال عليه وسلم وإل أهل العلم والفقه َلعَلِ َم حقيقة معناه‬
‫ضلَ ال عليكم ورحكم لتبعتم الشيطان ووساوسه إل قليل‬
‫أهل الستنباط منهم‪ .‬ولول أ ْن َتفَ ّ‬
‫منكم‪.‬‬

‫ك وَ َحرّ ضْ الْ ُم ْؤمِنِيَ عَ سَى اللّ هُ أَ ْن َيكُفّ بَأْ سَ اّلذِي نَ َك َفرُوا‬


‫َفقَاِتلْ فِي سَبِيلِ اللّ ِه ل ُتكَلّ فُ ِإ ّل نَفْ سَ َ‬
‫وَال ّلهُ َأ َشدّ َبأْسا َوأَ َشدّ تَنكِيلً (‪)84‬‬

‫ض الؤمني‬
‫فجاهد ‪-‬أيها النب‪ -‬ف سبيل ال لعلء كلمته‪ ,‬ل تلزم فعل غيك ول تؤاخذ به‪ ,‬وحُ ّ‬
‫على القتال والهاد‪ ,‬ورغّبهم فيه‪ ,‬لعل ال ينع بك وبم بأس الكافرين وشدتم‪ .‬وال تعال أشد قوة‬
‫وأعظم عقوبة للكافرين‪.‬‬

‫شفَ ْع شَفَا َعةً سَيّئَ ًة َيكُ ْن لَ هُ ِكفْ ٌل مِ ْنهَا وَكَا َن اللّ هُ‬
‫ب مِ ْنهَا َومَ ْن َي ْ‬
‫شفَ ْع َشفَا َع ًة حَ سَنَ ًة َيكُ ْن لَ هُ نَ صِي ٌ‬
‫مَ نْ َي ْ‬
‫عَلَى ُك ّل شَيْ ٍء ُمقِيتا (‪)85‬‬

‫من َيسْ َع لصول غيه على الي يكن له بشفاعته نصيب من الثواب‪ ,‬ومن َيسْ َع ليصال الشر إل‬
‫غيه يكن له نصيب من الوزر والث‪ .‬وكان ال على كل شيء شاهدًا وحفيظًا‪.‬‬

‫سنَ مِ ْنهَا َأوْ ُردّوهَا إِنّ ال ّلهَ كَانَ عَلَى ُك ّل شَيْ ٍء َحسِيبا (‪)86‬‬
‫َوإِذَا حُيّيتُ ْم بِتَحِّي ٍة فَحَيّوا بَِأ ْح َ‬

‫وإذا سلّم عليكم السلم فردّوا عليه بأفضل ما سلّم لفظًا وبشاشةً‪ ,‬أو ردوا عليه بثل ما سلّم‪ ,‬ولكل‬
‫ثوابه وجزاؤه‪ .‬إن ال تعال كان على كل شيء مازيًا‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫ق ِمنْ ال ّل ِه حَدِيثا (‪)87‬‬
‫صدَ ُ‬
‫ب فِي ِه َومَ ْن أَ ْ‬
‫ج َمعَنّ ُك ْم إِلَى يَوْ ِم اْلقِيَا َمةِ ل َريْ َ‬
‫اللّ ُه ل إَِل َه إِ ّل ُهوَ لَيَ ْ‬

‫ال وحده التفرد باللوهية لميع اللق‪ ,‬ليجمعنكم يوم القيامة‪ ,‬الذي ل شك فيه‪ ,‬للحساب‬
‫والزاء‪ .‬ول أحد أصدق من ال حديثًا فيما أخب به‪.‬‬

‫ض ّل اللّ ُه َومَنْ يُضْ ِللْ‬


‫س ُه ْم بِمَا كَسَبُوا َأتُرِيدُو َن أَ ْن َت ْهدُوا مَنْ أَ َ‬
‫فَمَا َلكُمْ فِي الْمُنَا ِفقِيَ فِئَتَيْ ِن وَاللّ ُه أَرْكَ َ‬
‫جدَ َل ُه سَبِيلً (‪)88‬‬
‫اللّ ُه فَ َلنْ تَ ِ‬

‫فما لكم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬ف شأن النافقي إذ اختلفتم فرقتي‪ :‬فرقة تقول بقتالم وأخرى ل تقول‬
‫بذلك؟ وال تعال قد أوقعهم ف الكفر والضلل بسبب سوء أعمالم‪ .‬أتودون هداية من صرف ال‬
‫تعال قلبه عن دينه؟ ومن خذله ال عن دينه‪ ,‬واتباع ما أمره به‪ ,‬فل طريق له إل الدى‪.‬‬

‫خذُوا مِ ْنهُ ْم أَ ْولِيَا َء حَتّ ى ُيهَا ِجرُوا فِي سَبِيلِ اللّ هِ‬
‫َودّوا َل ْو تَ ْك ُفرُو نَ كَمَا َك َفرُوا فََتكُونُو نَ سَوَا ًء فَل تَتّ ِ‬
‫خذُوا مِ ْن ُه ْم وَلِيّا وَل نَصِيا (‪)89‬‬
‫ث َو َجدْتُمُوهُ ْم وَل تَتّ ِ‬
‫خذُو ُهمْ وَاقْتُلُو ُهمْ حَيْ ُ‬
‫َفإِنْ َت َولّوْا فَ ُ‬

‫تنّى النافقون لكم أيها الؤمنون‪ ,‬لو تنكرون حقيقة ما آمنت به قلوبكم‪ ,‬مثلما أنكروه بقلوبم‪,‬‬
‫فتكونون معهم ف النكار سواء‪ ,‬فل تتخذوا منهم أصفياء لكم‪ ,‬حت يهاجروا ف سبيل ال‪ ,‬برهانًا‬
‫على صدق إيانم‪ ,‬فإن أعرضوا عما دعوا إليه‪ ,‬فخذوهم أينما كانوا واقتلوهم‪ ,‬ول تتخذوا منهم‬
‫وليّا من دون ال ول نصيًا تستنصرونه به‪.‬‬

‫صدُو ُرهُ ْم أَ ْن ُيقَاتِلُوكُ ْم َأوْ‬


‫ص َرتْ ُ‬
‫ق َأوْ جَاءُوكُ ْم حَ ِ‬
‫إِ ّل اّلذِي َن يَ صِلُو َن ِإلَى َقوْ ٍم بَيَْنكُ ْم َوبَيَْنهُ مْ مِيثَا ٌ‬
‫ُيقَاتِلُوا َقوْ َمهُ ْم َولَ ْو شَا َء اللّ ُه لَ سَلّ َطهُمْ عَلَ ْيكُ ْم فَ َلقَاتَلُوكُ ْم َفإِ نْ اعَْت َزلُوكُ ْم فَلَ ْم ُيقَاتِلُوكُ مْ َوَأْلقَوْا ِإلَ ْيكُ مْ‬
‫السّ َل َم فَمَا جَ َعلَ ال ّل ُه لَ ُكمْ عَلَ ْي ِه ْم سَبِيلً (‪)90‬‬

‫لكن الذين يتصلون بقوم بينكم وبينهم عهد وميثاق فل تقاتلوهم‪ ,‬وكذلك الذين أتَوا إليكم وقد‬
‫ضاقت صدورهم وكرهوا أن يقاتلوكم‪ ,‬كما كرهوا أن يقاتلوا قومهم‪ ,‬فلم يكونوا معكم ول مع‬
‫قومهم‪ ,‬فل تقاتلوهم‪ ,‬ولو شاء ال تعال لسلّطهم عليكم‪ ,‬فلقاتلوكم مع أعدائكم من الشركي‪,‬‬

‫‪152‬‬
‫ولكن ال تعال صرفهم عنكم بفضله وقدرته‪ ,‬فإن تركوكم فلم يقاتلوكم‪ ,‬وانقادوا اليكم‬
‫مستسلمي‪ ,‬فليس لكم عليهم من طريق لقتالم‪.‬‬

‫جدُونَ آ َخرِي نَ ُيرِيدُو نَ أَ ْن َيأْمَنُوكُ ْم َويَ ْأمَنُوا َق ْومَهُ مْ ُك ّل مَا ُردّوا ِإلَى اْلفِتْنَ ِة أُرْكِ سُوا فِيهَا فَإِ ْن لَ مْ‬
‫سَتَ ِ‬
‫ث َثقِفْتُمُوهُ ْم َوأُ ْولَِئكُ ْم َجعَلْنَا‬
‫خذُوهُ ْم وَاقْتُلُوهُ ْم حَيْ ُ‬
‫َيعْتَ ِزلُوكُ ْم َويُ ْلقُوا ِإلَ ْيكُ ْم ال سّلَ َم َويَ ُكفّوا َأيْ ِدَيهُ ْم فَ ُ‬
‫لَ ُكمْ عَلَ ْي ِه ْم سُلْطَانا مُبِينا (‪)91‬‬

‫ستجدون قومًا آخرين من النافقي يودون الطمئنان على أنفسهم من جانبكم‪ ,‬فيظهرون لكم‬
‫اليان‪ ,‬ويودون الطمئنان على أنفسهم من جانب قومهم الكافرين‪ ,‬فيظهرون لم الكفر‪ ,‬كلما‬
‫أعيدوا إل موطن الكفر والكافرين‪ ,‬وقعوا ف أسوأ حال‪ .‬فهؤلء إن ل ينصرفوا عنكم‪ ,‬ويقدموا‬
‫إليكم الستسلم التام‪ ,‬وينعوا أنفسهم عن قتالكم فخذوهم بقوة واقتلوهم أينما كانوا‪ ,‬وأولئك‬
‫الذين بلغوا ف هذا السلك السيّئ حدّا ييزهم عمّن عداهم‪ ,‬فهم الذين جعلنا لكم الجة البينة على‬
‫قتلهم وأسرهم‪.‬‬

‫حرِيرُ َرقََبةٍ ُم ْؤمِنَ ٍة َودَِي ٌة مُ سَلّ َم ٌة ِإلَى‬


‫وَمَا كَا َن لِ ُم ْؤمِ نٍ أَ ْن َيقُْتلَ ُم ْؤمِنا ِإلّ خَ َطأً وَمَ نْ قََت َل ُمؤْمِنا خَطًَأ فَتَ ْ‬
‫حرِيرُ َرقََبةٍ ُم ْؤمَِنةٍ َوإِ نْ كَا َن مِ ْن َقوْ مٍ‬
‫ص ّدقُوا َفإِ نْ كَا َن مِ ْن َقوْ مٍ َع ُد ّو لَكُ مْ َوهُ َو ُمؤْمِ نٌ فَتَ ْ‬
‫أَهْلِ هِ ِإ ّل أَ ْن يَ ّ‬
‫جدْ فَ صِيَا ُم َشهْ َريْ ِن مُتَتَابِعَيْ نِ‬
‫حرِيرُ َرقََبةٍ ُم ْؤمَِنةٍ فَمَ نْ لَ مْ َي ِ‬
‫ق َف ِديَ ٌة مُ سَلّ َمةٌ ِإلَى َأهْلِ ِه وَتَ ْ‬
‫بَيَْنكُ مْ َوبَيَْنهُ ْم مِيثَا ٌ‬
‫تَ ْوَبةً ِم ْن اللّ ِه وَكَا َن اللّهُ عَلِيما َحكِيما (‪)92‬‬

‫ول يق لؤمن العتداء على أخيه الؤمن وقتله بغي حق‪ ,‬إل أن يقع منه ذلك على وجه الطأ الذي‬
‫ل عمد فيه‪ ,‬ومن وقع منه ذلك الطأ فعليه عتق رقبة مؤمنة‪ ,‬وتسليم دية مقدرة إل أوليائه‪ ,‬إل أن‬
‫يتصدقوا با عليه ويعفوا عنه‪ .‬فإن كان القتول من قوم كفار أعداء للمؤمني‪ ,‬وهو مؤمن بال تعال‪,‬‬
‫وبا أنزل من الق على رسوله ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فعلى قاتله عتق رقبة مؤمنة‪ ,‬وإن كان من‬
‫قوم بينكم وبينهم عهد وميثاق‪ ,‬فعلى قاتله دية تسلم إل أوليائه وعتق رقبة مؤمنة‪ ,‬فمن ل يد القدرة‬
‫على عتق رقبة مؤمنة‪ ,‬فعليه صيام شهرين متتابعي; ليتوب ال تعال عليه‪ .‬وكان ال تعال عليما‬
‫بقيقة شأن عباده‪ ,‬حكيمًا فيما شرعه لم‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫ب اللّ هُ عَلَيْ ِه َوَلعَنَ هُ َوأَ َع ّد لَ هُ َعذَابا عَظِيما (‬
‫جزَاؤُ هُ َجهَنّ ُم خَالِدا فِيهَا وَغَضِ َ‬
‫َومَ نْ َيقُْت ْل مُ ْؤمِنا مَُتعَمّدا فَ َ‬
‫‪)93‬‬

‫ومن َيعْتَ ِد على مؤمن فيقتله عن عمد بغي حق فعاقبته جهنم‪ ,‬خالدًا فيها مع سخط ال تعال عليه‬
‫و َط ْر ِدهِ من رحته‪ ,‬إن جازاه على ذنبه وأعدّ ال له أشد العذاب بسبب ما ارتكبه من هذه الناية‬
‫العظيمة‪ .‬ولكنه سبحانه يعفو ويتفضل على أهل اليان فل يازيهم باللود ف جهنم‪.‬‬

‫ت ُم ْؤمِنا‬
‫ض َربْتُ ْم فِي سَبِيلِ اللّ هِ فَتَبَيّنُوا وَل َتقُولُوا لِمَ ْن َأْلقَى ِإلَ ْيكُ مْ ال سّل َم لَ سْ َ‬
‫يَا َأيّهَا اّلذِي نَ آمَنُوا إِذَا َ‬
‫يةٌ َك َذلِ كَ كُنتُ ْم مِ نْ قَ ْب ُل فَ َمنّ اللّ هُ عَلَ ْيكُ ْم فَتَبَيّنُوا إِنّ‬
‫ض الْحَيَا ِة ال ّدنْيَا َفعِ ْن َد اللّ ِه َمغَانِ مُ َكثِ َ‬
‫تَبَْتغُو نَ َعرَ َ‬
‫اللّهَ كَا َن بِمَا َتعْمَلُونَ خَبِيا (‪)94‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه إذا خرجتم ف الرض ماهدين ف سبيل ال فكونوا‬
‫على بينة ما تأتون وتتركون‪ ,‬ول تنفوا اليان عمن بدا منه شيء من علمات السلم ول يقاتلكم;‬
‫لحتمال أن يكون مؤمنًا يفي إيانه‪ ,‬طالبي بذلك متاع الياة الدنيا‪ ,‬وال تعال عنده من الفضل‬
‫والعطاء ما يغنيكم به‪ ,‬كذلك كنتم ف بدء السلم تفون إيانكم عن قومكم من الشركي ف َمنّ ال‬
‫عليكم‪ ,‬وأعزّكم باليان والقوة‪ ,‬فكونوا على بيّنة ومعرفة ف أموركم‪ .‬إن ال تعال عليم بكل‬
‫أعمالكم‪ ,‬مطّلع على دقائق أموركم‪ ,‬وسيجازيكم عليها‪.‬‬

‫سهِمْ‬
‫ضرَرِ وَالْمُجَاهِدُو َن فِي سَبِيلِ اللّ ِه ِبأَ ْموَاِلهِ مْ َوأَنفُ ِ‬
‫ل يَ سَْتوِي اْلقَا ِعدُو َن مِ نْ الْ ُم ْؤمِنِيَ َغ ْيرُ ُأ ْولِي ال ّ‬
‫ضلَ اللّ هُ‬
‫ل وَ َعدَ اللّ ُه الْحُ سْنَى َوفَ ّ‬
‫س ِهمْ عَلَى اْلقَا ِعدِي نَ دَرَ َج ًة وَكُ ّ‬
‫ضلَ اللّ هُ الْ ُمجَا ِهدِي َن ِبَأمْوَاِلهِ مْ َوأَنفُ ِ‬
‫فَ ّ‬
‫الْمُجَاهِدِينَ عَلَى اْلقَا ِعدِينَ َأجْرا َعظِيما (‪)95‬‬

‫ل يتساوى التخلفون عن الهاد ف سبيل ال ‪-‬غي أصحاب العذار منهم‪ -‬والجاهدون ف سبيل‬
‫ال‪ ,‬بأموالم وأنفسهم‪ ,‬فضّل ال تعال الجاهدين على القاعدين‪ ,‬ورفع منلتهم درجة عالية ف النة‪,‬‬
‫وقد وعد ال كل من الجاهدين بأموالم وأنفسهم والقاعدين من أهل العذار النة لِما بذلوا‬
‫وضحّوا ف سبيل الق‪ ,‬وفضّل ال تعال الجاهدين على القاعدين ثوابًا جزيل‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫دَ َرجَاتٍ مِ ْن ُه َومَ ْغ ِف َرةً وَ َرحْ َم ًة وَكَانَ ال ّلهُ َغفُورا َرحِيما (‪)96‬‬

‫هذا الثواب الزيل منازل عالية ف النات من ال تعال لاصة عباده الجاهدين ف سبيله‪ ,‬ومغفرة‬
‫لذنوبم ورحة واسعة ينعمون فيها‪ .‬وكان ال غفورًا لن تاب إليه وأناب‪ ,‬رحيمًا بأهل طاعته‪,‬‬
‫الجاهدين ف سبيله‪.‬‬

‫ض قَالُوا أَلَ مْ‬


‫ي فِي الَرْ ِ‬
‫س ِهمْ قَالُوا فِي مَ كُنتُ ْم قَالُوا كُنّا مُ سْتَضْ َعفِ َ‬
‫إِنّ اّلذِي نَ َت َوفّاهُ مْ الْمَلِئ َكةُ ظَالِمِي أَنفُ ِ‬
‫ك َمأْوَا ُه ْم جَهَّن ُم وَسَا َءتْ مَصِيا (‪)97‬‬
‫ض اللّ ِه وَا ِس َعةً فَُتهَا ِجرُوا فِيهَا َفُأ ْولَئِ َ‬
‫تَ ُك ْن أَرْ ُ‬

‫إن الذين توفّاهم اللئكة وقد ظلموا أنفسهم بقعودهم ف دار الكفر وترك الجرة‪ ,‬تقول لم اللئكة‬
‫توبيخًا لم‪ :‬ف أي شيء كنتم من أمر دينكم؟ فيقولون‪ :‬كنا ضعفاء ف أرضنا‪ ,‬عاجزين عن دفع‬
‫الظلم والقهر عنا‪ ,‬فيقولون لم توبيخا‪ :‬أل تكن أرض ال واسعة فتخرجوا من أرضكم إل أرض‬
‫أخرى بيث تأمنون على دينكم؟ فأولئك مثواهم النار‪ ,‬وقبح هذا الرجع والآب‪.‬‬

‫ي ِمنْ الرّجَا ِل وَالّنسَا ِء وَاْل ِولْدَا ِن ل َيسْتَطِيعُو َن حِيلَ ًة وَل َيهَْتدُو َن سَبِيلً (‪)98‬‬
‫ض َعفِ َ‬
‫إِ ّل الْ ُمسْتَ ْ‬

‫ويعذر من ذاك الصي العجزة من الرجال والنساء والصغار الذين ل يقدرون على دفع القهر والظلم‬
‫عنهم‪ ,‬ول يعرفون طريقًا يلصهم ما هم فيه من العاناة‪.‬‬

‫َفأُ ْولَِئكَ َعسَى اللّ ُه أَ ْن َيعْ ُفوَ عَ ْن ُهمْ وَكَا َن ال ّلهُ َعفُوّا َغفُورا (‪)99‬‬

‫فهؤلء الضعفاء هم الذين يُرجى لم من ال تعال العفو; لعلمه تعال بقيقة أمرهم‪ .‬وكان ال عفوًا‬
‫غفورًا‪.‬‬

‫خرُجْ مِ ْن بَيْتِ ِه ُمهَاجِرا ِإلَى اللّهِ‬


‫ض ُمرَاغَما كَثِيا وَ َس َعةً َومَنْ َي ْ‬
‫ج ْد فِي الَرْ ِ‬
‫َومَ ْن ُيهَا ِجرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَ ِ‬
‫ت َفقَ ْد َوقَ َع أَ ْج ُرهُ عَلَى ال ّل ِه وَكَانَ ال ّلهُ َغفُورا َرحِيما (‪)100‬‬
‫وَرَسُولِ ِه ُثمّ ُيدْرِ ْك ُه الْ َموْ ُ‬

‫‪155‬‬
‫ومَن يرج من أرض الشرك إل أرض السلم فرارًا بدينه‪ ,‬راجيًا فضل ربه‪ ,‬قاصدًا نصرة دينه‪ ,‬يد‬
‫ف الرض مكانًا ومتحول ينعم فيه با يكون سببًا ف قوته وذلة أعدائه‪ ,‬مع السعة ف رزقه وعيشه‪,‬‬
‫ومن يرج من بيته قاصدًا نصرة دين ال ورسوله صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وإعلء كلمة ال‪ ,‬ث يدركه‬
‫الوت قبل بلوغه مقصده‪ ,‬فقد ثبت له جزاء عمله على ال‪ ,‬فضل منه وإحسانًا‪ .‬وكان ال غفورًا‬
‫رحيمًا بعباده‪.‬‬

‫صرُوا مِ نْ ال صّل ِة إِ ْن ِخفْتُ مْ أَ ْن َيفْتَِنكُ ْم الّذِي نَ‬


‫ض فَلَيْ سَ عَلَ ْيكُ ْم جُنَا حٌ أَ نْ َتقْ ُ‬
‫ض َربْتُ مْ فِي الَرْ ِ‬
‫َوإِذَا َ‬
‫َك َفرُوا إِنّ اْلكَا ِفرِينَ كَانُوا َلكُمْ َع ُدوّا مُبِينا (‪)101‬‬

‫وإذا سافرت ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬ف أرض ال‪ ,‬فل حرج ول إث عليكم ف قصر الصلة إن خفتم من‬
‫عدوان الكفار عليكم ف حال صلتكم‪ ,‬وكانت غالب أسفار السلمي ف بدء السلم موفة‪,‬‬
‫والقصر رخصة ف السفر حال المن أو الوف‪ .‬إن الكافرين ماهرون لكم بعداوتم‪ ,‬فاحذروهم‪.‬‬

‫جدُوا‬
‫ك َولْيَ ْأ ُخذُوا أَ سْلِحََت ُهمْ َفِإذَا سَ َ‬
‫ت َلهُ مْ ال صّل َة فَلَْتقُ مْ طَاِئفَ ٌة مِ ْنهُ مْ مَعَ َ‬
‫ت فِيهِ مْ َفَأقَمْ َ‬
‫َوإِذَا كُن َ‬
‫فَلَْيكُونُوا مِ نْ وَرَائِكُ مْ وَلَْتأْ تِ طَاِئ َفةٌ ُأ ْخرَى لَ ْم يُ صَلّوا فَلْيُ صَلّوا َمعَ كَ َولَْيأْ ُخذُوا حِذْ َرهُ مْ َوأَ سْلِحََت ُهمْ َودّ‬
‫الّذِي نَ َك َفرُوا َلوْ َت ْغفُلُو نَ عَ نْ أَ سْلِحَِت ُكمْ وََأمِْتعَتِكُ مْ فَيَمِيلُو نَ عَلَ ْيكُ مْ مَيْ َل ًة وَا ِح َدةً وَل جُنَا حَ َعلَ ْيكُ ْم إِ نْ‬
‫ضعُوا أَ سْلِحََت ُكمْ َوخُذُوا ِحذْرَكُ ْم إِنّ اللّ هَ أَ َع ّد لِ ْلكَا ِفرِي نَ‬
‫كَا َن ِبكُ ْم َأذًى مِ نْ مَ َط ٍر َأوْ كُنتُ ْم َمرْضَى أَ ْن تَ َ‬
‫َعذَابا ُمهِينا (‪)102‬‬

‫وإذا كنت ‪-‬أيها النب‪ -‬ف ساحة القتال‪ ,‬فأردت أن تصلي بم‪ ,‬فلتقم جاعة منهم معك للصلة‪,‬‬
‫وليأخذوا سلحهم‪ ,‬فإذا سجد هؤلء فلتكن الماعة الخرى من خلفكم ف مواجهة عدوكم‪ ,‬وتتم‬
‫الماعة الول ركعتهم الثانية ويُسلّمون‪ ,‬ث تأت الماعة الخرى الت ل تبدأ الصلة فليأتوا بك ف‬
‫ركعتهم الول‪ ,‬ث يكملوا بأنفسهم ركعتهم الثانية‪ ,‬وليحذروا مِن عدوهم وليأخذوا أسلحتهم‪ .‬ودّ‬
‫الاحدون لدين ال أن تغفُلوا عن سلحكم وزادكم; ليحملوا عليكم حلة واحلة فيقضوا عليكم‪,‬‬
‫ول إث عليكم حيننذ إن كان بكم أذى من مطر‪ ,‬أو كنتم ف حال مرض‪ ,‬أن تتركوا أسلحتكم‪ ,‬مع‬
‫أخذ الذر‪ .‬إن ال تعال أعدّ للجاحدين لدينه عذابًا يهينهم‪ ,‬ويزيهم‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫ُمي َفَأقِيمُوا الصيّل َة إِنّ‬
‫ُمي فَِإذَا اطْ َم ْأنَنت ْ‬
‫ّهي قِيَاما َوقُعُودا وَعَلَى جُنُوبِك ْ‬
‫ُمي الصيّل َة فَاذْ ُكرُوا الل َ‬
‫َفإِذَا قَضَيْت ْ‬
‫الصّلةَ كَانَتْ عَلَى الْ ُم ْؤمِنِيَ كِتَابا َم ْوقُوتا (‪)103‬‬

‫فإذا أدّيتم الصلة‪ ,‬فأديوا ذكر ال ف جيع أحوالكم‪ ,‬فإذا زال الوف فأدّوا الصلة كاملة‪ ,‬ول‬
‫تفرّطوا فيها فإنا واجبة ف أوقات معلومة ف الشرع‪.‬‬

‫وَل َتهِنُوا فِي ابِْتغَا ِء الْ َقوْ ِم إِ ْن َتكُونُوا تَ ْألَمُو نَ َفِإّنهُ مْ َي ْألَمُو نَ كَمَا َتأْلَمُو نَ َوَترْجُو نَ مِ نْ اللّ ِه مَا ل‬
‫َيرْجُونَ وَكَا َن ال ّلهُ عَلِيما حَكِيما (‪)104‬‬

‫ول تضعفوا ف طلب عدوكم وقتاله‪ ,‬إن تكونوا تتألون من القتال وآثاره‪ ,‬فأعداؤكم كذلك يتألون‬
‫منه أشد الل‪ ,‬ومع ذلك ل يكفون عن قتالكم‪ ,‬فأنتم أول بذلك منهم‪ ,‬لا ترجونه من الثواب‬
‫والنصر والتأييد‪ ,‬وهم ل يرجون ذلك‪ .‬وكان ال عليمًا بكل أحوالكم‪ ,‬حكيمًا ف أمره وتدبيه‪.‬‬

‫ي خَصِيما (‪)105‬‬
‫س بِمَا أَرَاكَ ال ّل ُه وَل َتكُ ْن لِلْخَائِنِ َ‬
‫ح ُكمَ بَ ْي َن النّا ِ‬
‫ح ّق لِتَ ْ‬
‫ب بِالْ َ‬
‫ِإنّا أَن َزلْنَا ِإلَ ْيكَ اْلكِتَا َ‬

‫إنا أنزلنا إليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬القرآن مشتمل على الق; لتفصل بي الناس جيعًا با أوحى ال‬
‫إليك‪ ,‬وبَصّرك به‪ ,‬فل تكن للذين يونون أنفسهم ‪-‬بكتمان الق‪ -‬مدافعًا عنهم با أيدوه لك من‬
‫القول الخالف للحقيقة‪.‬‬

‫وَاسَْتغْ ِف ْر اللّ َه إِ ّن اللّهَ كَانَ َغفُورا َرحِيما (‪)106‬‬

‫واطلب من ال تعال الغفرة ف جيع أحوالك‪ ,‬إن ال تعال كان غفورًا لن يرجو فضله ونوال‬
‫مغفرته‪ ,‬رحيمًا به‪.‬‬

‫ب َمنْ كَا َن َخوّانا َأثِيما (‪)107‬‬


‫س ُهمْ إِ ّن ال ّلهَ ل يُحِ ّ‬
‫وَل تُجَادِلْ َع ْن اّلذِي َن يَخْتَانُو َن أَنفُ َ‬

‫‪157‬‬
‫ت خيانته‪,‬‬
‫ول تدافع عن الذين يونون أنفسهم بعصية ال‪ .‬إن ال ‪-‬سبحانه‪ -‬ل يب مَن عَظُمَ ْ‬
‫وكثر ذنبه‪.‬‬

‫خفُونَ مِ ْن اللّ هِ َوهُ َو َم َعهُ ْم ِإذْ يُبَيّتُو َن مَا ل َيرْضَى مِ ْن الْ َق ْولِ وَكَا َن اللّ هُ‬
‫س وَل يَ سْتَ ْ‬
‫خفُونَ مِ ْن النّا ِ‬
‫يَ سْتَ ْ‬
‫بِمَا َيعْمَلُو َن مُحِيطا (‪)108‬‬

‫يستترون من الناس خوفًا من اطلعهم على أعمالم السيئة‪ ,‬ول يستترون من ال تعال ول يستحيون‬
‫منه‪ ,‬وهو ع ّز شأنه معهم بعلمه‪ ,‬مطلع عليهم حي يدبّرون ‪-‬ليل‪ -‬ما ل يرضى من القول‪ ,‬وكان ال‬
‫‪-‬تعال‪ -‬ميطًا بميع أقوالم وأفعالم‪ ,‬ل يفى عليه منها شيء‪.‬‬

‫هَاَأنْتُ مْ َهؤُل ِء جَادَلْتُ مْ عَ ْنهُ ْم فِي الْحَيَاةِ ال ّدنْيَا فَمَ ْن يُجَادِ ُل اللّ هَ عَ ْنهُ مْ َيوْ َم الْقِيَامَ ِة أَ ْم مَ ْن يَكُو نُ عَلَ ْيهِ مْ‬
‫وَكِيلً (‪)109‬‬

‫ها أنتم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬قد حاججتم عن هؤلء الائني لنفسهم ف هذه الياة الدنيا‪ ,‬فمن ياجج‬
‫ال تعال عنهم يوم البعث والساب؟ ومن ذا الذي يكون على هؤلء الائني وكيل يوم القيامة؟‬

‫ج ْد اللّهَ َغفُورا َرحِيما (‪)110‬‬


‫سهُ ثُ ّم َيسَْتغْ ِف ْر اللّ َه يَ ِ‬
‫َومَ ْن َيعْ َملْ سُوءا أَ ْو يَظْ ِل ْم نَ ْف َ‬

‫ومن ُيقْدِمْ على عمل سيّئ قبيح‪ ,‬أو يظلم نفسه بارتكاب ما يالف حكم ال وشرعه‪ ,‬ث يرجع إل‬
‫ال نادمًا على ما عمل‪ ,‬راجيًا مغفرته وستر ذنبه‪ ,‬يد ال تعال غفورًا له‪ ,‬رحيمًا به‪.‬‬

‫سهِ وَكَا َن ال ّلهُ عَلِيما حَكِيما (‪)111‬‬


‫ب ِإثْما َفإِنّمَا يَ ْكسُِبهُ عَلَى نَ ْف ِ‬
‫َومَ ْن َيكْسِ ْ‬

‫ومن يعمد إل ارتكاب ذنب فإنا يضر بذلك نفسه وحدها‪ ,‬وكان ال تعال عليمًا بقيقة أمر عباده‪,‬‬
‫حكيمًا فيما يقضي به بي خلقه‪.‬‬

‫ب خَطِيَئ ًة َأوْ ِإثْما ثُ ّم َيرْ ِم ِبهِ َبرِيئا َف َقدْ احْتَ َم َل ُبهْتَانا َوِإثْما مُبِينا (‪)112‬‬
‫َومَ ْن َيكْسِ ْ‬
‫‪158‬‬
‫ومن يعمل خطيئة بغي عمد‪ ,‬أو يرتكب ذنبًا متعمدًا ث يقذف با ارتكبه نفسًا بريئة ل جناية لا‪ ,‬فقد‬
‫تمّل كذبًا وذنبًا بيّنا‪.‬‬

‫ضرّونَكَ‬
‫سهُ ْم َومَا يَ ُ‬
‫ض ُل اللّهِ عَلَ ْيكَ وَ َرحْمَتُ ُه َلهَمّتْ طَاِئفَ ٌة مِ ْنهُمْ أَ ْن يُضِلّو َك َومَا يُضِلّو َن ِإلّ أَنفُ َ‬
‫َولَوْل فَ ْ‬
‫ضلُ ال ّلهِ عَلَ ْيكَ عَظِيما‬
‫حكْ َمةَ وَعَلّ َمكَ مَا لَ ْم َتكُ ْن َتعْ َلمُ وَكَا َن فَ ْ‬
‫ِمنْ َشيْ ٍء وَأَنزَ َل ال ّلهُ َعلَ ْيكَ اْلكِتَابَ وَالْ ِ‬
‫(‪)113‬‬

‫ولول أن ال تعال قد َم ّن عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ورحك بنعمة النبوة‪ ,‬فعصمك بتوفيقه با أوحى‬
‫إليك‪ ,‬لعزمت جاعة من الذين يونون أنفسهم أن ُيزِلّوكَ عن طريق الق‪ ,‬وما يُ ِزلّونَ بذلك إل‬
‫أنفسهم‪ ,‬وما يقدرون على إيذائك لعصمة ال لك‪ ,‬وأنزل ال عليك القرآن والسنة البينة له‪,‬‬
‫وهداك إل علم ما ل تكن تعلمه مِن قبل‪ ,‬وكان ما خصّك ال به من فضلٍ أمرًا عظيمًا‪.‬‬

‫ف َأوْ إِ صْلحٍ بَيْ نَ النّا سِ َومَ ْن َيفْ َع ْل َذلِ كَ‬


‫ص َد َقةٍ َأوْ مَ ْعرُو ٍ‬
‫جوَاهُ مْ ِإ ّل مَ ْن أَ َم َر بِ َ‬
‫ي مِ نْ نَ ْ‬
‫ل خَ ْي َر فِي كَثِ ٍ‬
‫ف ُنؤْتِي ِه أَجْرا عَظِيما (‪)114‬‬
‫ابْتِغَا َء َمرْضَاةِ ال ّلهِ َفسَوْ َ‬

‫ل نفع ف كثي من كلم الناس سرّا فيما بينهم‪ ,‬إل إذا كان حديثًا داعيًا إل بذل العروف من‬
‫الصدقة‪ ,‬أو الكلمة الطيبة‪ ,‬أو التوفيق بي الناس‪ ,‬ومن يفعل تلك المور طلبًا لرضا ال تعال راجيًا‬
‫ثوابه‪ ,‬فسوف نؤتيه ثوابًا جزيل واسعًا‪.‬‬

‫َومَ ْن ُيشَاقِقْ الرّسُولَ مِ ْن َبعْ ِد مَا تَبَيّ َن لَهُ اْل ُهدَى َويَتّبِعْ َغ ْيرَ سَبِي ِل الْ ُمؤْمِنِيَ ُن َولّهِ مَا تَ َولّى َونُصْ ِلهِ َجهَنّمَ‬
‫وَسَا َءتْ مَصِيا (‪)115‬‬

‫ومن يالف الرسول صلى ال عليه وسلم من بعد ما ظهر له الق‪ ,‬ويسلك طريقًا غي طريق‬
‫الؤمني‪ ,‬وما هم عليه من الق‪ ,‬نتركه وما توجّه إليه‪ ,‬فل نوفقه للخي‪ ,‬وندخله نار جهنم يقاسي‬
‫حرّها‪ ,‬وبئس هذا الرجع والآل‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫ضلّ ضَللً َبعِيدا (‬
‫شرِ ْك بِاللّ ِه َفقَدْ َ‬
‫ك لِمَ ْن َيشَا ُء وَ َمنْ ُي ْ‬
‫إِنّ اللّ َه ل َي ْغ ِفرُ أَ ْن ُيشْرَ َك بِ ِه وََي ْغ ِفرُ مَا دُو َن َذلِ َ‬
‫‪)116‬‬

‫إن ال تعال ل يغفر أن يشرك به‪ ,‬ويغفر ما دون الشرك من الذنوب لن يشاء من عباده‪ .‬ومن يعل‬
‫ل تعال الواحد الحد شريكًا من خلقه‪ ,‬فقد َبعُ َد عن الق بعدًا كبيًا‪.‬‬

‫إِ ْن َيدْعُو َن ِم ْن دُوِنهِ ِإ ّل ِإنَاثا َوإِ ْن يَدْعُو َن ِإلّ شَيْطَانا َمرِيدا (‪)117‬‬

‫ما يعبد الشركون من دون ال تعال إل أوثانًا ل تنفع ول تضر‪ ,‬وما يعبدون إل شيطانًا متمردًا على‬
‫ال‪ ,‬بلغ ف الفساد والفساد حدّا كبيًا‪.‬‬

‫خذَ ّن ِمنْ عِبَادِ َك نَصِيبا مَ ْفرُوضا (‪)118‬‬


‫َلعَنَ ُه ال ّلهُ َوقَا َل لَتّ ِ‬

‫طرده ال تعال من رحته‪ .‬وقال الشيطان‪ :‬لتذن مِن عبادك جزءًا معلومًا ف إغوائهم قول وعمل‪.‬‬

‫خذْ‬
‫وَلضِلّّنهُ مْ وَلمَنّيَّنهُ مْ وَلمُ َرّنهُ مْ فَلَيُبَّتكُنّ آذَا َن الَْنعَا ِم وَل ُم َرّنهُ مْ فَلَُيغَّيرُنّ خَلْ قَ اللّ هِ َومَ ْن يَتّ ِ‬
‫س َر ُخسْرَانا مُبِينا (‪)119‬‬
‫الشّيْطَا َن َولِيّا ِم ْن دُو ِن ال ّلهِ َف َقدْ خَ ِ‬

‫ولصر َفنّ مَن تبعن منهم عن الق‪ ,‬ول ِع َدنّهم بالمان الكاذبة‪ ,‬ولدعونّهم إل تقطيع آذان النعام‬
‫وتشقيقها لا أزينه لم من الباطل‪ ,‬ولدعونّهم إل تغيي خلق ال ف الفطرة‪ ,‬وهيئة ما عليه اللق‪.‬‬
‫ومن يستجب للشيطان ويتخذه ناصرًا له من دون ال القوي العزيز‪ ,‬فقد هلك هلكًا بيّنًا‪.‬‬

‫َيعِ ُد ُهمْ َويُمَنّي ِهمْ َومَا َي ِعدُ ُه ْم الشّيْطَا ُن ِإلّ ُغرُورا (‪)120‬‬

‫يعد الشيطان أتباعه بالوعود الكاذبة‪ ,‬ويغريهم بالمان الباطلة الادعة‪ ,‬وما َيعِدهم إل خديعة ل‬
‫صحة لا‪ ,‬ول دليل عليها‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫جدُونَ َع ْنهَا مَحِيصا (‪)121‬‬
‫ُأوْلَِئكَ َم ْأوَا ُهمْ َجهَّنمُ وَل يَ ِ‬

‫أولئك مآلم جهنم‪ ,‬ول يدون عنها معدل ول ملجأً‪.‬‬

‫جرِي مِ ْن تَحِْتهَا ا َلْنهَار خَاِلدِي نَ فِيهَا َأبَدا وَ ْعدَ‬


‫ت تَ ْ‬
‫وَاّلذِي نَ آمَنُوا وَ َعمِلُوا ال صّالِحَاتِ سَُن ْدخِ ُلهُ ْم جَنّا ٍ‬
‫ق ِمنْ ال ّل ِه قِيلً (‪)122‬‬
‫صدَ ُ‬
‫اللّ ِه َحقّا َومَ ْن أَ ْ‬

‫صدَقوا ف إيانم بال تعال‪ ,‬وأتبعوا اليان بالعمال الصالة سيدخلهم ال ‪-‬بفضله‪ -‬جنات‬
‫والذين َ‬
‫تري من نت أشجارها النار ماكثي فيها أبدًا‪ ,‬وعدا من ال تعال الذي ل يلف وعده‪ .‬ول أحد‬
‫أصدق من ال تعال ف قوله ووعده‪.‬‬

‫ج ْد لَ هُ مِ ْن دُو ِن اللّ هِ َولِيّا وَل‬


‫ج َز بِ ِه وَل يَ ِ‬
‫س ِبأَمَانِيّكُ مْ وَل أَمَانِيّ َأهْ ِل الْكِتَا بِ مَ ْن يَعْ َملْ سُوءا يُ ْ‬
‫لَيْ َ‬
‫نَصِيا (‪)123‬‬

‫ل يُنال هذا الفضل العظيم بالمان الت تتمنونا أيها السلمون‪ ,‬ول بأمان أهل الكتاب من اليهود‬
‫والنصارى‪ ,‬وإنا يُنال باليان الصادق بال تعال‪ ,‬وإحسان العمل الذي يرضيه‪ .‬ومن يعمل عمل‬
‫سيئًا يز به‪ ,‬ول يد له سوى ال تعال وليّا يتول أمره وشأنه‪ ,‬ول نصيًا ينصره‪ ,‬ويدفع عنه سوء‬
‫العذاب‪.‬‬

‫ت مِ ْن ذَ َكرٍ أَ ْو أُنثَى َو ُهوَ ُم ْؤمِ نٌ َفُأ ْولَئِ كَ َي ْدخُلُو نَ الْجَّن َة وَل يُظْ َلمُو َن َنقِيا (‬
‫َومَ نْ َيعْ َم ْل مِ ْن ال صّالِحَا ِ‬
‫‪)124‬‬

‫ومن يعمل من العمال الصالة من ذكر أو أنثى‪ ,‬وهو مؤمن بال تعال وبا أنزل من الق‪ ,‬فأولئك‬
‫يدخلهم ال النة دار النعيم القيم‪ ,‬ول يُ ْنقَصون من ثواب أعمالم شيئًا‪ ,‬ولو كان مقدار النقرة ف‬
‫ظهر النواة‪.‬‬

‫خذَ اللّ ُه ِإبْرَاهِي مَ‬


‫س ٌن وَاتّبَ َع مِ ّلةَ ِإْبرَاهِي َم حَنِيفا وَاتّ َ‬
‫س ُن دِينا مِمّ ْن أَ سْ َل َم وَ ْجهَ ُه لِلّ ِه وَ ُه َو مُحْ ِ‬
‫وَمَ نْ َأحْ َ‬

‫‪161‬‬
‫خَلِيلً (‪)125‬‬

‫ل أحد أحسن دينًا من انقاد بقلبه وسائر جوارحه ل تعال وحده‪ ,‬وهو مسن‪ ,‬واتبع دين إبراهيم‬
‫وشرعه‪ ,‬مائل عن العقائد الفاسدة والشرائع الباطلة‪ .‬وقد اصطفى ال إبراهيم ‪-‬عليه الصلة‬
‫والسلم‪ -‬واتذه صفيّا من بي سائر خلقه‪ .‬وف هذه الية‪ ,‬إثبات صفة الُلّة ل ‪-‬تعال‪ -‬وهي أعلى‬
‫مقامات الحبة‪ ,‬والصطفاء‪.‬‬

‫ض وَكَانَ ال ّل ُه بِ ُك ّل شَيْ ٍء مُحِيطا (‪)126‬‬


‫ت َومَا فِي الَرْ ِ‬
‫َولِلّ ِه مَا فِي السّ َموَا ِ‬

‫ول جيع ما ف هذا الكون من الخلوقات‪ ,‬فهي ملك له تعال وحده‪ .‬وكان ال تعال بكل شيء‬
‫ميطًا‪ ,‬ل يفى عليه شيء من أمور خلقه‪.‬‬

‫لتِي ل‬
‫ب فِي يَتَامَى النّسَاءِ ال ّ‬
‫َويَسَْتفْتُوَنكَ فِي النّسَا ِء ُق ْل اللّ ُه ُيفْتِيكُ ْم فِي ِهنّ َومَا يُتْلَى عَلَ ْيكُمْ فِي الْكِتَا ِ‬
‫ي مِنْ اْلوِْلدَانِ َوأَ ْن َتقُومُوا لِلْيَتَامَى بِاْلقِسْطِ‬
‫ض َعفِ َ‬
‫ب َل ُهنّ وََترْغَبُو َن أَ ْن تَنكِحُو ُهنّ وَالْمُسْتَ ْ‬
‫تُ ْؤتُوَن ُهنّ مَا كُتِ َ‬
‫وَمَا َتفْعَلُوا ِم ْن خَيْ ٍر َفإِ ّن اللّهَ كَا َن ِبهِ عَلِيما (‪)127‬‬

‫يطلب الناس منك ‪-‬أيها النب‪ -‬أن تبي لم ما أشكل عليهم َفهْمُه من قضايا النساء وأحكامهن‪ ,‬قل‬
‫ال تعال يبيّن لكم أمورهن‪ ,‬وما يتلى عليكم ف الكتاب ف يتامى النساء اللت ل تعطونن ما فرض‬
‫ال تعال لن من الهر والياث وغي ذلك من القوق‪ ,‬وتبون نكاحهن أو ترغبون عن نكاحهن‪,‬‬
‫ويبيّن ال لكم أمر الضعفاء من الصغار‪ ,‬ووجوب القيام لليتامى بالعدل وترك الور عليهم ف‬
‫حقوقهم‪ .‬وما تفعلوا من خي فإن ال تعال كان به عليمًا‪ ,‬ل يفى عليه شيء منه ول من غيه‪.‬‬

‫ت مِ ْن َبعْلِهَا ُنشُوزا أَ ْو إِ ْعرَاضا فَل جُنَا حَ عَلَ ْيهِمَا أَ نْ يُ صْلِحَا بَيَْنهُمَا صُلْحا وَال صّلْحُ‬
‫َوإِ نْ ا ْم َرأَ ٌة خَافَ ْ‬
‫حسِنُوا وَتَّتقُوا َفإِنّ ال ّلهَ كَا َن بِمَا تَعْمَلُو َن خَبِيا (‪)128‬‬
‫ح وَإِ ْن تُ ْ‬
‫س الشّ ّ‬
‫ض َرتْ الَنفُ ُ‬
‫خَ ْيرٌ َوأُحْ ِ‬

‫وإن علمت امرأة من زوجها ترفعًا عنها‪ ,‬وتعاليًا عليها أو انصرافًا عنها فل إث عليهما أن يتصالا‬
‫على ما تطيب به نفوسهما من القسمة أو النفقة‪ ,‬والصلح أول وأفضل‪ .‬وجبلت النفوس على الشح‬

‫‪162‬‬
‫والبخل‪ .‬وإن تسنوا معاملة زوجاتكم وتافوا ال فيهن‪ ,‬فإن ال كان با تعملون من ذلك وغيه‬
‫عالًا ل يفى عليه شيء‪ ,‬وسيجازيكم على ذلك‪.‬‬

‫ي ْم فَل تَمِيلُوا ُك ّل الْمَ ْيلِ فََتذَرُوهَا كَالْ ُمعَ ّل َقةِ َوإِن ْي‬
‫يَطِيعُوا أَن ْيَت ْعدِلُوا بَيْنَي النّسيَا ِء َولَ ْو َحرَص ُْت‬
‫َولَن ْيتَس ْت‬
‫تُصْلِحُوا َوتَّتقُوا َفإِنّ ال ّلهَ كَانَ َغفُورا َرحِيما (‪)129‬‬

‫ولن تقدروا ‪-‬أيها الرجال‪ -‬على تقيق العدل التام بي النساء ف الحبة وميل القلب‪ ,‬مهما بذلتم ف‬
‫ذلك من الهد‪ ,‬فل تعرضوا عن الرغوب عنها كل العراض‪ ,‬فتتركوها كالرأة الت ليست بذات‬
‫زوج ول هي مطلقة فتأثوا‪ .‬وإن تصلحوا أعمالكم فتعدلوا ف َقسْمكم بي زوجاتكم‪ ,‬وتراقبوا ال‬
‫تعال وتشوه فيهن‪ ,‬فإن ال تعال كان غفورًا لعباده‪ ,‬رحيمًا بم‪.‬‬

‫ل ِمنْ َسعَِتهِ وَكَا َن ال ّلهُ وَاسِعا َحكِيما (‪)130‬‬


‫َوإِنْ يََت َف ّرقَا ُي ْغنِ ال ّلهُ ُك ّ‬

‫وإن وقعت الفرقة بي الرجل وامرأته‪ ,‬فإن ال تعال يغن كل منهما من فضله وسعته; فإنه سبحانه‬
‫وتعال واسع الفضل والنة‪ ,‬حكيم فيما يقضي به بي عباده‪.‬‬

‫ض َولَ َق ْد وَ صّيْنَا اّلذِي َن أُوتُوا اْلكِتَا بَ مِ ْن قَبْ ِلكُ ْم َوإِيّاكُ مْ أَ نْ اّتقُوا‬


‫ت َومَا فِي الَرْ ِ‬
‫َولِلّ ِه مَا فِي ال سّ َموَا ِ‬
‫اللّ َه َوإِنْ َت ْكفُرُوا َفإِ ّن لِ ّلهِ مَا فِي السّ َموَاتِ وَمَا فِي الَرْضِ وَكَا َن ال ّلهُ غَنِيّا حَمِيدا (‪)131‬‬

‫ول ملك ما ف السموات وما ف الرض وما بينهما‪ .‬ولقد عهدنا إل الذين أُعطوا الكتاب من قبلكم‬
‫من اليهود والنصارى‪ ,‬وعهدنا إليكم كذلك ‪-‬يا أمة ممد‪ -‬بتقوى ال تعال‪ ,‬والقيام بأمره واجتناب‬
‫نيه‪ ,‬وبيّنّا لكم أنكم إن تحدوا وحدانية ال تعال وشرعه فإنه سبحانه غن عنكم; لن له جيع ما ف‬
‫السموات والرض‪ .‬وكان ال غنيّا عن خلقه‪ ,‬حيدًا ف صفاته وأفعاله‪.‬‬

‫ض وَ َكفَى بِال ّل ِه وَكِيلً (‪)132‬‬


‫ت َومَا فِي الَرْ ِ‬
‫َولِلّ ِه مَا فِي السّ َموَا ِ‬

‫ول ملك ما ف هذا الكون من الكائنات‪ ,‬وكفى به سبحانه قائمًا بشؤون خلقه حافظًا لا‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫ت بِآ َخرِي َن وَكَانَ ال ّلهُ عَلَى ذَِلكَ قَدِيرا (‪)133‬‬
‫إِ ْن َيشَ ْأ ُيذْهِ ْب ُكمْ َأّيهَا النّاسُ َوَيأْ ِ‬

‫إن يشأ ال يُهلكّم أيها الناس‪ ,‬ويأت بقوم آخرين غيكم‪ .‬وكان ال على ذلك قديرًا‪.‬‬

‫ب ال ّدنْيَا َفعِ ْندَ ال ّل ِه ثَوَابُ الدّنْيَا وَال ِخ َر ِة وَكَانَ ال ّلهُ سَمِيعا بَصِيا (‪)134‬‬
‫َمنْ كَا َن ُيرِيدُ َثوَا َ‬

‫من يرغب منكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬ف ثواب الدنيا ويعرض عن الخرة‪ ,‬فعند ال وحده ثواب الدنيا‬
‫والخرة‪ ,‬فليطلب من ال وحده خيي الدنيا والخرة‪ ,‬فهو الذي يلكهما‪ .‬وكان ال سيعًا لقوال‬
‫عباده‪ ,‬بصيًا بأعمالم ونياتم‪ ,‬وسيجازيهم على ذلك‪.‬‬

‫س ُكمْ َأوْ اْلوَاِل َديْ نِ وَالَ ْق َربِيَ إِ نْ‬


‫ط شُ َهدَا َء لِلّ ِه وََلوْ عَلَى أَنفُ ِ‬
‫يَا َأيّهَا اّلذِي نَ آمَنُوا كُونُوا َقوّامِيَ بِالْقِ سْ ِ‬
‫يَكُ نْ غَنِيّا َأ ْو َفقِيا فَاللّ ُه أَ ْولَى ِبهِمَا فَل تَتِّبعُوا اْلهَوَى أَ ْن َت ْعدِلُوا َوإِ نْ تَ ْلوُوا َأوْ ُت ْعرِضُوا َفإِنّ اللّ هَ كَا نَ‬
‫بِمَا َتعْمَلُو َن خَبِيا (‪)135‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬كونوا قائمي بالعدل‪ ,‬مؤدين للشهادة لوجه ال‬
‫تعال‪ ,‬ولو كانت على أنفسكم‪ ,‬أو على آبائكم وأمهاتكم‪ ,‬أو على أقاربكم‪ ,‬مهما كان شأن‬
‫الشهود عليه غنيّا أو فقيًا; فإن ال تعال أول بما منكم‪ ,‬وأعلم با فيه صلحهما‪ ,‬فل يملنّكم‬
‫الوى والتعصب على ترك العدل‪ ,‬وإن ترفوا الشهادة بألسنتكم فتأتوا با على غي حقيقتها‪ ,‬أو‬
‫تعرضوا عنها بترك أدائها أو بكتمانا‪ ,‬فإن ال تعال كان عليمًا بدقائق أعمالكم‪ ,‬وسيجازيكم با‪.‬‬

‫ب الّذِي أَن َزلَ مِ نْ‬


‫يَا َأيّهَا اّلذِي نَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللّ هِ وَرَ سُوِلهِ وَالْكِتَا بِ اّلذِي َن ّزلَ عَلَى رَ سُوِلهِ وَالْكِتَا ِ‬
‫ضلّ ضَل ًل َبعِيدا (‬
‫قَ ْبلُ َومَن ْيَيكْ ُف ْر بِاللّهِي َومَلئِكَتِهِي وَكُتُبِهِي وَرُسُيلِ ِه وَالَْيوْمِي الخِ ِر وَالَْيوْمِي الخِ ِر َف َقدْ َ‬
‫‪)136‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه داوموا على ما أنتم عليه من التصديق الازم بال‬
‫تعال وبرسوله ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬ومن طاعتهما‪ ,‬وبالقرآن الذي نزله عليه‪ ,‬وبميع الكتب‬

‫‪164‬‬
‫الت أنزلا ال على الرسل‪ .‬ومن يكفر بال تعال‪ ,‬وملئكته الكرمي‪ ,‬وكتبه الت أنزلا لداية خلقه‪,‬‬
‫ورسله الذين اصطفاهم لتبليغ رسالته‪ ,‬واليوم الخر الذي يقوم الناس فيه بعد موتم للعرض‬
‫والساب‪ ,‬فقد خرج من الدين‪ ,‬وَبعُ َد بعدًا كبيًا عن طريق الق‪.‬‬

‫إِنّ اّلذِي نَ آمَنُوا ُثمّ َك َفرُوا ثُمّ آمَنُوا ُثمّ َك َفرُوا ُثمّ ا ْزدَادُوا ُكفْرا لَ مْ َيكُ ْن اللّ هُ لَِي ْغ ِفرَ َلهُ ْم وَل لَِي ْه ِديَهُ مْ‬
‫سَبِيلً (‪)137‬‬

‫إن الذين دخلوا ف اليان‪ ,‬ث رجعوا عنه إل الكفر‪ ,‬ث عادوا إل اليان‪ ,‬ث رجعوا إل الكفر مرة‬
‫أخرى‪ ,‬ث أصرّوا على كفرهم واستمروا عليه‪ ,‬ل يكن ال ليغفر لم‪ ,‬ول ليدلم على طريق من طرق‬
‫الداية‪ ,‬الت ينجون با من سوء العاقبة‪.‬‬

‫شرْ الْمُنَافِقِيَ بِأَ ّن َل ُهمْ َعذَابا َألِيما (‪)138‬‬


‫َب ّ‬

‫بشّر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬النافقي ‪-‬وهم الذين يظهرون اليان ويبطنون الكفر‪ -‬بأن لم عذابًا موجعًا‪.‬‬

‫ي َأيَبَْتغُونَ عِ ْندَ ُه ْم الْ ِع ّزةَ َفإِ ّن اْلعِ ّز َة لِ ّلهِ جَمِيعا (‪)139‬‬


‫خذُو َن الْكَافِرِينَ َأ ْولِيَا َء ِمنْ دُو ِن الْمُ ْؤمِنِ َ‬
‫الّذِينَ يَتّ ِ‬

‫الذين يوالون الكافرين‪ ,‬ويتخذونم أعوانًا لم‪ ,‬ويتركون ولية الؤمني‪ ,‬ول يرغبون ف مودتم‪.‬‬
‫أيطلبون بذلك النصرة والنعة عند الكافرين؟ إنم ل يلكون ذلك‪ ,‬فالنصرة والعزة والقوة جيعها ل‬
‫تعال وحده‪.‬‬

‫ت اللّ هِ ُي ْك َفرُ ِبهَا َويُ سَْتهْ َزُأ ِبهَا فَل تَ ْق ُعدُوا مَ َعهُ ْم حَتّى‬
‫َوقَ ْد َنزّلَ عَلَ ْيكُ ْم فِي الْكِتَا بِ أَ ْن ِإذَا سَ ِمعْتُمْ آيَا ِ‬
‫يَخُوضُوا فِي َحدِي ثٍ غَ ْيرِ ِه ِإنّكُ مْ إِذا مِثْ ُلهُ ْم إِنّ اللّ َه جَامِ ُع الْمُنَا ِفقِيَ وَاْلكَا ِفرِي َن فِي َجهَنّ مَ جَمِيعا (‬
‫‪)140‬‬

‫وقد نزل عليكم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬ف كتاب ربكم أنه إذا سعتم الكفر بآيات ال والستهزاء با فل‬
‫تلسوا مع الكافرين والستهزئي‪ ,‬إل إذا أخذوا ف حديث غي حديث الكفر والستهزاء بآيات ال‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫إنكم إذا جالستموهم‪ ,‬وهم على ما هم عليه‪ ,‬فأنتم مثلهم; لنكم رضيتم بكفرهم واستهزائهم‪,‬‬
‫والراضي بالعصية كالفاعل لا‪ .‬إن ال تعال جامع النافقي والكافرين ف نار جهنم جيعًا‪ ,‬ي ْلقَون فيها‬
‫سوء العذاب‪.‬‬

‫ح مِ ْن اللّ هِ قَالُوا َألَ مْ َنكُ ْن َمعَكُ ْم َوإِ نْ كَا َن لِلْكَا ِفرِي َن نَ صِيبٌ‬
‫الّذِي َن يََترَبّ صُونَ ِبكُ ْم َفإِ نْ كَا نَ لَكُ ْم فَتْ ٌ‬
‫ج َعلَ اللّ هُ‬
‫حكُ مُ بَيَْنكُ ْم َيوْ َم اْلقِيَا َمةِ َولَ ْن يَ ْ‬
‫ح ِوذْ عَلَ ْيكُ ْم َونَمَْنعْكُ ْم مِ ْن الْ ُمؤْمِنِيَ فَاللّ هُ َي ْ‬
‫قَالُوا َألَ ْم نَ سْتَ ْ‬
‫ي سَبِيلً (‪)141‬‬
‫لِلْكَا ِفرِينَ عَلَى الْ ُم ْؤمِنِ َ‬

‫النافقون هم الذين ينتظرون ما ي ّل بكم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬من الفت والرب‪ ,‬فإن منّ ال عليكم‬
‫بفضله‪ ,‬ونصركم على عدوكم وغنمتم‪ ,‬قالوا لكم‪ :‬أل نكن معكم نؤازركم؟ وإن كان للجاحدين‬
‫لذا الدين َقدْ ٌر من النصر والغنيمة‪ ,‬قالوا لم‪ :‬أل نساعدكم با قدّمناه لكم ونَحْ ِمكُم من الؤمني؟‬
‫فال تعال يقضي بينكم وبينهم يوم القيامة‪ ,‬ولن يعل ال للكافرين طريقًا للغلبة على عباده‬
‫الصالي‪ ,‬فالعاقبة للمتقي ف الدنيا والخرة‪.‬‬

‫إِنّ الْمُنَا ِفقِيَ يُخَادِعُو َن اللّ َه َوهُ َو خَادِ ُعهُ مْ وَِإذَا قَامُوا ِإلَى ال صّل ِة قَامُوا كُ سَالَى ُيرَاءُو َن النّا سَ وَل‬
‫َيذْكُرُو َن اللّ َه ِإلّ قَلِيلً (‪)142‬‬

‫إنّ طريقة هؤلء النافقي مادعة ال تعال‪ ,‬با يظهرونه من اليان وما يبطنونه من الكفر‪ ,‬ظنّا أنه‬
‫يفى على ال‪ ,‬والال أن ال خادعهم ومازيهم بثل عملهم‪ ,‬وإذا قام هؤلء النافقون لداء الصلة‪,‬‬
‫قاموا إليها ف فتور‪ ,‬يقصدون بصلتم الرياء والسمعة‪ ,‬ول يذكرون ال تعال إل ذكرًا قليل‪.‬‬

‫ج َد لَ ُه سَبِيلً (‪)143‬‬
‫ي بَ ْينَ َذِلكَ ل ِإلَى هَؤُل ِء وَل ِإلَى َهؤُل ِء َو َمنْ يُضْ ِل ْل ال ّلهُ فَ َل ْن تَ ِ‬
‫ُمذَْب َذبِ َ‬

‫إ ّن مِن شأن هؤلء النافقي التردد والَيْرة والضطراب‪ ,‬ل يستقرون على حال‪ ,‬فل هم مع الؤمني‬
‫ول هم مع الكافرين‪ .‬ومن يصرف ال قلبه عن اليان به والستمساك بديه‪ ,‬فلن تد له طريقًا إل‬
‫الداية واليقي‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫جعَلُوا لِلّ هِ عَلَ ْيكُ مْ‬
‫خذُوا الْكَافِرِي نَ َأ ْولِيَا َء مِ ْن دُو نِ الْ ُم ْؤمِنِيَ َأُترِيدُو نَ أَ ْن تَ ْ‬
‫يَا َأيّهَا اّلذِي نَ آمَنُوا ل تَتّ ِ‬
‫سُلْطَانا مُبِينا (‪)144‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬ل توالوا الاحدين لدين ال‪ ,‬وتتركوا موالة‬
‫الؤمني ومودتم‪ .‬أتريدون بودّة أعدائكم أن تعلوا ل تعال عليكم حجة ظاهرة على عدم صدقكم‬
‫ف إيانكم؟‬

‫ج َد َلهُ ْم نَصِيا (‪)145‬‬


‫ي فِي الدّرْ ِك الَ ْس َفلِ ِمنْ النّا ِر َولَ ْن تَ ِ‬
‫إِ ّن الْمُنَا ِفقِ َ‬

‫إن النافقي ف أسفل منازل النار يوم القيامة‪ ,‬ولن تد لم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ناصرًا يدفع عنهم سوء‬
‫هذا الصي‪.‬‬

‫ك مَ َع الْ ُمؤْمِنِيَ وَ َسوْفَ ُيؤْ تِ‬


‫إِ ّل اّلذِي نَ تَابُوا َوأَ صْلَحُوا وَاعْتَ صَمُوا بِاللّ هِ وََأخْلَ صُوا دِيَنهُ ْم لِلّ هِ َفُأوْلَئِ َ‬
‫ي َأجْرا َعظِيما (‪)146‬‬
‫اللّ ُه الْ ُمؤْمِنِ َ‬

‫إل الذين رجعوا إل ال تعال وتابوا إليه‪ ,‬وأصلحوا ما أفسدوا من أحوالم باطنًا وظاهرًا‪ ,‬ووالوا‬
‫عباده الؤمني‪ ,‬واستمسكوا بدين ال‪ ,‬وأخلصوا له سبحانه‪ ,‬فأولئك مع الؤمني ف الدنيا والخرة‪,‬‬
‫وسوف يعطي ال الؤمني ثوابًا عظيمًا‪.‬‬

‫مَا َي ْفعَ ُل ال ّلهُ ِب َعذَاِبكُ ْم إِ ْن شَ َك ْرتُ ْم وَآمَنُْتمْ وَكَا َن ال ّلهُ شَاكِرا َعلِيما (‪)147‬‬

‫ما يفعل ال بعذابكم إن أصلحتم العمل وآمنتم بال ورسوله‪ ,‬فإن ال سبحانه غن عمّن سواه‪ ,‬وإنا‬
‫يعذب العباد بذنوبم‪ .‬وكان ال شاكرًا لعباده على طاعتهم له‪ ,‬عليمًا بكل شيء‪.‬‬

‫الزء السادس ‪:‬‬


‫‪167‬‬
‫ج ْه َر بِالسّوءِ مِنْ الْ َقوْلِ إِ ّل مَ ْن ظُلِ َم وَكَانَ اللّ ُه سَمِيعا عَلِيما (‪)148‬‬
‫حبّ اللّ ُه الْ َ‬
‫ل يُ ِ‬

‫حبّ ال أن يَجهر أح ٌد بقول السوء‪ ,‬لكن يُباح للمظلوم أن يَذكُر ظاله با فيه من السوء; ليبيّن‬
‫ل يُ ِ‬
‫مَظْلمته‪ .‬وكان ال سيعًا لا تهرون به‪ ,‬عليمًا با تفون من ذلك‪.‬‬

‫خفُوهُ َأوْ تَ ْعفُوا عَ ْن سُوءٍ فَِإنّ اللّهَ كَا َن َع ُفوّا قَدِيرا (‪)149‬‬
‫ِإنْ ُتبْدُوا َخيْرا َأوْ ُت ْ‬

‫نَدَب ال تعال إل العفو‪ ,‬ومهّد له بأ ّن الؤمن‪ :‬إمّا أن يُظهر الي‪ ,‬وإمّا أن يُخفيه‪ ,‬وكذلك مع الساءة‪:‬‬
‫إما أن يظهرها ف حال النتصاف من السيء‪ ,‬وإما أن يعفو ويصفح‪ ,‬والعفوُ أفضلُ; فإن من صفاته‬
‫تعال العفو عن عباده مع قدرته عليهم‪.‬‬

‫ِإنّ الّذِي َن َيكْفُرُو َن بِاللّ ِه وَرُ سُلِ ِه َويُرِيدُو نَ أَ نْ ُيفَرّقُوا بَيْ نَ اللّ ِه وَرُ سُلِهِ َويَقُولُو َن ُن ْؤمِ نُ بَِبعْ ضٍ َوَن ْكفُ ُر ِببَعْ ضٍ‬
‫ك َسبِيلً (‪)150‬‬ ‫خذُوا َبيْنَ ذَلِ َ‬ ‫َويُرِيدُونَ َأنْ َيتّ ِ‬

‫إن الذين يكفرون بال ورسله من اليهود والنصارى‪ ,‬ويريدون أن يفرقوا بي ال ورسله بأن يؤمنوا بال‬
‫ويكذبوا رسله الذين أرسلهم إل خلقه‪ ,‬أو يعترفوا بصدق بعض الرسل دون بعض‪ ,‬ويزعموا أنّ بعضهم‬
‫افتروا على ربّهم‪ ,‬ويريدون أن يتخذوا طريقًا إل الضللة الت أحدثوها والبدعة الت ابتدعوها‪.‬‬

‫ك هُ ْم اْلكَافِرُونَ َحقّا َوَأ ْعتَ ْدنَا ِل ْلكَافِرِي َن عَذَابا ُمهِينا (‪)151‬‬


‫ُأوْلَئِ َ‬

‫أولئك هم أهل الكفر الحقّق الذي ل شك فيه‪ ,‬وأعتدنا للكافرين عذابًا يزيهم ويهينهم‪.‬‬

‫ف ُي ْؤتِيهِ مْ أُجُو َرهُ مْ وَكَا نَ اللّ ُه َغفُورا‬


‫وَالّذِي نَ آ َمنُوا بِاللّ ِه َورُ سُلِ ِه وَلَ ْم ُيفَرّقُوا َبيْ نَ أَحَدٍ مِْنهُ مْ ُأوَْلئِ كَ َسوْ َ‬
‫رَحِيما (‪)152‬‬

‫‪168‬‬
‫صدّقوا بوحدانية ال‪ ,‬وأقرّوا بنبوّة رسله أجعي‪ ,‬ول يفرقوا بي أحد منهم‪ ,‬وعملوا بشريعة ال‪,‬‬
‫والذين َ‬
‫أولئك سوف يعطيهم جزاءهم وثوابم على إيانم به وبرسله‪ .‬وكان ال غفورًا رحيمًا‪.‬‬

‫سأَلُكَ َأهْ ُل الْ ِكتَا بِ أَ ْن ُتنَزّ َل عََلْيهِ مْ ِكتَابا مِ ْن ال سّمَاءِ َف َقدْ سَأَلُوا مُو سَى أَ ْكبَ َر مِ نْ ذَلِ كَ َفقَالُوا أَ ِرنَا اللّ َه‬ ‫يَ ْ‬
‫ك وَآتَْينَا‬‫َجهْ َرةً َفأَخَ َذْتهُ ْم ال صّاعِ َق ُة بِظُلْ ِم ِه ْم ثُمّ اتّخَذُوا اْلعِجْ َل مِ نْ بَعْ ِد مَا جَا َءْتهُ ْم الَْبّينَا تُ َف َع َف ْونَا عَ نْ ذَلِ َ‬
‫مُوسَى سُلْطَانا ُمبِينا (‪)153‬‬

‫حفًا‬
‫يسألك اليهود ‪-‬أيها الرسول‪ -‬معجزة مثل معجزة موسى تشهد لك بالصدق‪ :‬بأن تنل عليهم صُ ُ‬
‫من ال مكتوبةً‪ ,‬مثل ميء موسى باللواح من عند ال‪ ,‬فل تعجب ‪-‬أيها الرسول‪ -‬فقد سأل أسلفهم‬
‫صعِقوا بسبب ظلمهم أنفسهم حي‬ ‫موسى ‪-‬عليه السلم‪ -‬ما هو أعظم‪ :‬سألوه أن يريهم ال علنيةً‪َ ,‬ف ُ‬
‫سألوا أمرًا ليس من حقّهم‪ .‬وبعد أن أحياهم ال بعد الصعق‪ ,‬وشاهدوا اليات البينات على يد موسى‬
‫القاطعة بنفي الشرك‪ ,‬عبدوا العجل من دون ال‪ ,‬فعَفونا عن عبادتم العجل بسبب توبتهم‪ ,‬وآتينا موسى‬
‫حجة عظيمة تؤيّد صِدق ُنُب ّوتِه‪.‬‬

‫ت َوأَخَذْنَا‬
‫سبْ ِ‬
‫وَرََفعْنَا َفوَْقهُ مْ الطّورَ بِمِيثَاِقهِ ْم وَقُلْنَا َلهُ مْ ادْ ُخلُوا اْلبَا بَ سُجّدا وَقُلْنَا َلهُ ْم ل َتعْدُوا فِي ال ّ‬
‫ِمنْهُ ْم مِيثَاقا غَلِيظا (‪)154‬‬

‫ورفعنا فوق رؤوسهم جبل الطور حي امتنعوا عن اللتزام بالعهد الؤكد الذي أعطوه بالعمل بأحكام‬
‫التوراة‪ ,‬وأمرناهم أن يدخلوا باب "بيت القدس" سُجّدًا‪ ,‬فدخلوا يزحفون على أستاههم‪ ,‬وأمرناهم أل‬
‫َيعْتَدُوا بالصيد ف يوم السبت فاعتدَوا‪ ,‬وصادوا‪ ,‬وأخذنا عليهم عهدًا مؤكدًا‪ ,‬فنقضوه‪.‬‬

‫ف بَ ْل َطبَ عَ اللّ هُ‬


‫َفبِمَا َن ْقضِهِ ْم مِيثَاَقهُ ْم وَ ُكفْ ِرهِ ْم بِآيَا تِ اللّ ِه وََقتِْلهِ ْم ا َلْنبِيَا َء ِبغَيْرِ حَقّ وََقوِْلهِ مْ قُلُوبُنَا غُلْ ٌ‬
‫عََلْيهَا ِب ُكفْ ِرهِمْ فَل ُيؤْ ِمنُونَ إِلّ قَلِيلً (‪)155‬‬

‫فلعنّاهم بسبب نقضهم للعهود‪ ,‬وكفرهم بآيات ال الدالة على صدق رسله‪ ,‬وقتلهم للنبياء ظلمًا‬
‫واعتداءً‪ ,‬وقولم‪ :‬قلوبنا عليها أغطية فل تفقه ما تقول‪ ,‬بل طمس ال عليها بسبب كفرهم‪ ,‬فل يؤمنون‬
‫إل إيانًا قليل ل ينفعهم‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫َوبِ ُكفْ ِرهِ ْم وََقوِْلهِ ْم عَلَى مَ ْريَ َم ُب ْهتَانا عَظِيما (‪)156‬‬

‫وكذلك لعنّاهم بسبب كفرهم وافترائهم على مري با نسبوه إليها من الزن‪ ,‬وهي بريئة منه‪.‬‬

‫صَلبُو ُه وََلكِ نْ ُشبّ هَ َلهُ ْم َوِإنّ الّذِي نَ‬


‫وََقوِْلهِ مْ ِإنّا َقتَ ْلنَا الْمَ سِي َح عِي سَى ابْ نَ مَ ْريَ مَ رَ سُولَ اللّ ِه َومَا َقتَلُو هُ َومَا َ‬
‫ك ِمنْهُ مَا َلهُ ْم بِ ِه مِ ْن عِ ْلمٍ إِلّ اّتبَاعَ الظّ ّن َومَا َقتَلُو ُه َيقِينا (‪)157‬‬
‫ا ْختََلفُوا فِيهِ َلفِي شَ ّ‬

‫وبسبب قولم ‪-‬على سبيل التهكم والستهزاء‪ : -‬هذا الذي يدعي لنفسه هذا النصب (قتلناه)‪ ,‬وما‬
‫قتلوا عيسى وما صلبوه‪ ,‬بل صلبوا رجل شبيهًا به ظنّا منهم أنه عيسى‪ .‬ومن ادّعى َقتْلَهُ من اليهود‪ ,‬ومن‬
‫أسلمه إليهم من النصارى‪ ,‬كلهم واقعون ف شك و َحيْرَة‪ ,‬ل عِ ْلمَ لديهم إل اتباع الظن‪ ,‬وما قتلوه‬
‫متيقني بل شاكي متوهي‪.‬‬

‫بَلْ رََفعَهُ اللّهُ إَِليْهِ وَكَانَ اللّ ُه عَزِيزا َحكِيما (‪)158‬‬

‫بل رفع ال عيسى إليه ببدنه وروحه حيّا‪ ,‬وطهّره من الذين كفروا‪ .‬وكان ال عزيزًا ف ملكه‪ ,‬حكيمًا ف‬
‫تدبيه وقضائه‪.‬‬

‫َوإِ ْن مِنْ َأهْ ِل الْ ِكتَابِ إِلّ َلُي ْؤ ِمنَنّ بِهِ َقبْ َل َم ْوتِهِ َويَ ْو َم الْ ِقيَا َمةِ َيكُونُ عََلْيهِ ْم َشهِيدا (‪)159‬‬

‫وإنه ل يبقى أحدٌ من أهل الكتاب بعد نزول عيسى آخر الزمان إل آمن به قبل موته عليه السلم‪ ,‬ويوم‬
‫القيامة يكون عيسى ‪-‬عليه السلم‪ -‬شهيدًا بتكذيب مَن كذّبه‪ ,‬وتصديق مَن صدّقه‪.‬‬

‫َفبِظُلْمٍ مِ ْن الّذِينَ هَادُوا َح ّر ْمنَا عََلْيهِمْ َطّيبَاتٍ ُأحِّلتْ َلهُ ْم َوبِصَ ّدهِ ْم عَ ْن َسبِيلِ اللّهِ َكثِيا (‪)160‬‬

‫فبسبب ظلم اليهود با ارتكبوه من الذنوب العظيمة حَرّم ال عليهم طيبات من الأكل كانت حلل لم‪,‬‬
‫وبسبب صدّهم أنفسهم وغيهم عن دين ال القوي‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫س بِاْلبَاطِلِ َوَأ ْعتَ ْدنَا ِل ْلكَافِرِي َن ِمْنهُمْ عَذَابا أَلِيما (‪)161‬‬
‫َوأَخْ ِذهِمْ ال ّربَا وَقَ ْد ُنهُوا َعنْهُ َوأَكِْلهِمْ َأمْوَا َل النّا ِ‬

‫وبسبب تناولم الربا الذي نوا عنه‪ ,‬واستحللم أموال الناس بغي استحقاق‪ ,‬وأعتدنا للكافرين بال‬
‫ورسوله مِن هؤلء اليهود عذابًا موجعًا ف الخرة‪.‬‬

‫ك وَالْ ُمقِيمِيَ الصّلةَ‬


‫ك َومَا أُن ِز َل مِنْ َقبْلِ َ‬
‫َلكِنْ الرّاسِخُونَ فِي الْعِ ْل ِم ِمنْهُ ْم وَالْ ُم ْؤ ِمنُو َن ُيؤْ ِمنُو َن بِمَا أُنزِلَ إَِليْ َ‬
‫ك َسنُ ْؤتِيهِمْ َأجْرا عَظِيما (‪)162‬‬ ‫وَالْ ُمؤْتُونَ الزّكَا َة وَالْ ُم ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَاْلَيوْمِ الخِرِ ُأوَْلئِ َ‬

‫لكنِ التمكنون ف العلم بأحكام ال من اليهود‪ ,‬والؤمنون بال ورسوله‪ ,‬يؤمنون بالذي أنزله ال إليك‬
‫‪-‬أيها الرسول‪ -‬وهو القرآن‪ ,‬وبالذي أنزل إل الرسل من قبلك كالتوراة والنيل‪ ,‬ويؤدّون الصلة ف‬
‫أوقاتا‪ ,‬ويرجون زكاة أموالم‪ ,‬ويؤمنون بال وبالبعث والزاء‪ ,‬أولئك سيعطيهم ال ثوابًا عظيمًا‪ ,‬وهو‬
‫النة‪.‬‬

‫ي مِ ْن َبعْ ِدهِ َوَأوْ َحْينَا إِلَى ِإبْرَاهِي َم َوإِسْمَاعِي َل َوإِسْحَ َق َوَي ْعقُوبَ‬
‫ح وَالّنبِيّ َ‬
‫ِإنّا َأوْ َحْينَا إَِليْكَ كَمَا َأوْ َحيْنَا إِلَى نُو ٍ‬
‫س َوهَارُو َن َوسَُليْمَانَ وَآَتْينَا دَاوُودَ َزبُورا (‪)163‬‬ ‫ب َويُوُن َ‬ ‫ط َوعِيسَى َوأَيّو َ‬ ‫وَا َل ْسبَا ِ‬

‫إنا أوحينا اليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بتبليغ الرسالة كما أوحينا إل نوح والنبيي من بعده‪ ,‬وأوحينا إل‬
‫إبراهيم وإساعيل وإسحاق ويعقوب والسباط ‪-‬وهم النبياء الذين كانوا ف قبائل بن إسرائيل الثنت‬
‫عشرة من ولد يعقوب‪ -‬وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان‪ .‬وآتينا داود زبورًا‪ ,‬وهو كتاب‬
‫وصحف مكتوبة‪.‬‬

‫صهُ ْم عََليْكَ وَكَلّمَ اللّ ُه مُوسَى َتكْلِيما (‪)164‬‬


‫ص ْ‬
‫ك مِنْ َقبْ ُل وَ ُر ُسلً َل ْم َنقْ ُ‬
‫صصْنَاهُ ْم عََليْ َ‬
‫وَ ُر ُسلً َقدْ َق َ‬

‫وأرسلنا رسل قد قصصناهم عليك ف القرآن من قبل هذه الية‪ ,‬ورسل ل نقصصهم عليك لكمة‬
‫أردناها‪ .‬وكلم ال موسى تكليمًا؛ تشريفًا له بذه الصفة‪ .‬وف هذه الية الكرية‪ ,‬إثبات صفة الكلم ل‬
‫‪-‬تعال‪ -‬كما يليق بلله‪ ,‬وأنه سبحانه كلم نبيه موسى ‪-‬عليه السلم‪ -‬حقيقة بل وساطة‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫ج ٌة َبعْدَ ال ّرسُ ِل وَكَانَ اللّ ُه عَزِيزا َحكِيما (‪)165‬‬
‫س عَلَى اللّهِ حُ ّ‬
‫ل ُمبَشّرِينَ َومُنذِرِينَ لَ ّل َيكُونَ لِلنّا ِ‬
‫ُر ُس ً‬

‫أرسَ ْلتُ رسل إل خَلْقي مُبشّرين بثواب‪ ,‬ومنذرين بعقاب; لئل يكون للبشر حجة يعتذرون با بعد‬
‫إرسال الرسل‪ .‬وكان ال عزيزًا ف ملكه‪ ,‬حكيمًا ف تدبيه‪.‬‬

‫شهَدُونَ وَ َكفَى بِاللّ ِه َشهِيدا (‪)166‬‬


‫شهَدُ بِمَا أَنزَلَ إَِليْكَ أَنزَلَ ُه ِبعِلْمِهِ وَالْمَلِئ َكةُ يَ ْ‬
‫َلكِنْ اللّ ُه يَ ْ‬

‫إن يكفر بك اليهود وغيهم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬فال يشهد لك بأنك رسوله الذي َأنْ َز َل عليه القرآن‬
‫العظيم‪ ,‬أنزله بعلمه‪ ,‬وكذلك اللئكة يشهدون بصدق ما أوحي إليك‪ ,‬وشهادة ال وحدها كافية‪.‬‬

‫ضلّوا ضَل ًل َبعِيدا (‪)167‬‬


‫ِإنّ الّذِينَ َكفَرُوا وَصَدّوا عَ ْن َسبِيلِ اللّهِ قَدْ َ‬

‫إن الذين جحدوا نُُبوّتك‪ ,‬وصدوا الناس عن السلم‪ ,‬قد َبعُدوا عن طريق الق ُبعْدًا شديدًا‪.‬‬

‫ِإنّ الّذِينَ َكفَرُوا وَظََلمُوا لَ ْم َيكُنْ اللّهُ ِلَي ْغفِرَ َلهُ ْم وَل ِلَيهْ ِديَهُ ْم طَرِيقا (‪)168‬‬

‫إن الذين كفروا بال وبرسوله‪ ,‬وظلموا باستمرارهم على الكفر‪ ,‬ل يكن ال ليغفر ذنوبم‪ ,‬ول ليدلم‬
‫على طريق ينجيهم‪.‬‬

‫ك عَلَى اللّ ِه يَسِيا (‪)169‬‬


‫إِلّ طَرِيقَ َج َهنّمَ خَالِدِينَ فِيهَا َأبَدا وَكَانَ ذَلِ َ‬

‫إل طريق جهنم ماكثي فيها أبدًا‪ ,‬وكان ذلك على ال يسيًا‪ ,‬فل يعجزه شيء‪.‬‬

‫يَا َأيّهَا النّا سُ َقدْ جَاءَكُ مْ الرّ سُو ُل بِاْلحَقّ مِ نْ َرّبكُ مْ فَآ ِمنُوا َخيْرا َلكُ ْم َوإِ نْ َت ْكفُرُوا فَإِنّ لِلّ ِه مَا فِي‬
‫ت وَالَ ْرضِ وَكَانَ اللّ ُه عَلِيما َحكِيما (‪)170‬‬ ‫السّ َموَا ِ‬

‫يا أيها الناس قد جاءكم رسولنا ممد صلى ال عليه وسلم بالسلم دين الق من ربكم‪َ ,‬فصَدّقوه‬
‫واتبعوه‪ ,‬فإن اليان به خيلكم‪ ,‬وإن تُصرّوا على كفركم فإن ال غن عنكم وعن إيانكم; لنه مالك ما‬

‫‪172‬‬
‫ف السموات والرض‪ .‬وكان ال عليمًا بأقوالكم وأفعالكم‪ ,‬حكيمًا ف تشريعه وأمره‪ .‬فإذا كانت‬
‫السموات والرض قد خضعتا ل تعال كونًا وقدرًا خضوع سائر ملكه‪ ,‬فأول بكم أن تؤمنوا بال‬
‫وبرسوله ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وبالقرآن الذي أنزله عليه‪ ,‬وأن تنقادوا لذلك شرعًا حت يكون‬
‫الكون كلّه خاضعًا ل قدرًا وشرعًا‪ .‬وف الية دليل على عموم رسالة نب ال ورسوله ممد صلى ال‬
‫عليه وسلم‪.‬‬

‫يَا أَهْ َل اْل ِكتَا بِ ل َتغْلُوا فِي دِيِنكُ ْم وَل َتقُولُوا عَلَى اللّ هِ إِ ّل الْحَقّ ِإنّمَا الْمَ سِي ُح عِي سَى ابْ نُ َم ْريَ مَ رَ سُو ُل‬
‫ح ِمنْ هُ فَآ ِمنُوا بِاللّ ِه وَرُسُلِ ِه وَل َتقُولُوا ثَلَثةٌ انَتهُوا َخيْرا َلكُمْ ِإنّمَا اللّهُ إِلَ هٌ‬
‫اللّ ِه وَكَِل َمتُ هُ أَْلقَاهَا إِلَى مَ ْريَ َم وَرُو ٌ‬
‫ض وَ َكفَى بِاللّ ِه وَكِيلً (‪)171‬‬ ‫ت َومَا فِي الَ ْر ِ‬ ‫وَاحِ ٌد ُسبْحَانَهُ أَ ْن َيكُونَ لَ ُه وَلَدٌ لَ ُه مَا فِي السّ َموَا ِ‬

‫يا أهل النيل ل تتجاوزوا العتقاد الق ف دينكم‪ ,‬ول تقولوا على ال إل الق‪ ,‬فل تعلوا له صاحب ًة‬
‫ول ولدًا‪ .‬إنا السيح عيسى ابن مري رسول ال أرسله ال بالق‪ ,‬وخََلقَه بالكلمة الت أرسل با جبيل‬
‫إل مري‪ ,‬وهي قوله‪" :‬كن"‪ ,‬فكان‪ ,‬وهي نفخة من ال تعال نفخها جبيل بأمر ربه‪ ,‬فَصدّقوا بأن ال‬
‫واحد وأسلموا له‪ ,‬وصدّقوا رسله فيما جاؤوكم به من عند ال واعملوا به‪ ,‬ول تعلوا عيسى وأمه مع‬
‫ال شريكي‪ .‬انتهوا عن هذه القالة خيًا لكم ما أنتم عليه‪ ,‬إنا ال إله واحد سبحانه‪ .‬ما ف السموات‬
‫والرض مُ ْلكُه‪ ,‬فكيف يكون له منهم صاحبة أو ولد؟ وكفى بال وكيل على تدبي خلقه وتصريف‬
‫معاشهم‪ ,‬فتوكّلوا عليه وحده فهو كافيكم‪.‬‬

‫ف عَ ْن ِعبَا َدتِ هِ َويَ سَْت ْكبِرْ‬


‫ستَنكِ ْ‬
‫ف الْمَ سِيحُ أَ نْ َيكُو نَ َعبْدا لِلّ ِه وَل الْمَلِئ َكةُ الْ ُمقَ ّربُو َن َومَ نْ يَ ْ‬
‫ستَنكِ َ‬
‫لَ نْ يَ ْ‬
‫سيَحْشُ ُرهُمْ إَِليْهِ جَمِيعا (‪)172‬‬ ‫فَ َ‬

‫ف اللئكة ا ُلقَرّبون من القرار بالعبودية ل‬


‫لن َيأْنف ولن يتنع السيح أن يكون عبدًا ل‪ ,‬وكذلك لن يأنَ َ‬
‫تعال‪ .‬ومن يأنف عن النقياد والضوع ويستكب فسيحشرهم كلهم إليه يوم القيامة‪ ,‬ويفص ُل بينهم‬
‫بكمه العادل‪ ,‬ويازي كل با يستحق‪.‬‬

‫اسهَن َكفُوا‬
‫ِينه ْت‬
‫ِهه َوَأمّاه الّذ َ‬
‫ِنه َفضْل ِ‬
‫ُمه م ْ‬
‫ُمه َويَزِي ُده ْ‬
‫ِمهأُجُو َره ْ‬
‫ِينه آ َمنُوا َوعَمِلُوا الصهّالِحَاتِ َفُيوَفّيه ْ‬‫َفَأمّاه الّذ َ‬
‫جدُونَ َلهُ ْم مِنْ دُونِ اللّ ِه وَِليّا وَل نَصِيا (‪)173‬‬ ‫وَا ْسَتكْبَرُوا َفُيعَ ّذُبهُمْ عَذَابا أَلِيما وَل يَ ِ‬
‫‪173‬‬
‫فأمّا الذين صَدّقوا بال اعتقادًا وقول وعمل واستقاموا على شريعته فيوفيهم ثواب أعمالم‪ ,‬ويزيدُهم من‬
‫فضله‪ ,‬وأما الذين امتنعوا عن طاعة ال‪ ,‬واستكبوا عن التذلل له فيعذبم عذابًا موجعًا‪ ,‬ول يدون لم‬
‫وليّا ينجيهم من عذابه‪ ,‬ول ناصرًا ينصرهم من دون ال‪.‬‬

‫يَا َأيّهَا النّاسُ َقدْ جَاءَكُ ْم ُب ْرهَا ٌن مِنْ َرّبكُ ْم َوأَنزَْلنَا إَِلْيكُ ْم نُورا ُمبِينا (‪)174‬‬

‫يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم‪ ,‬وهو رسولنا ممد‪ ,‬وما جاء به من البينات والجج القاطعة‪,‬‬
‫وأعظمها القرآن الكري‪ ,‬ما يشهد بصدق نبوته ورسالته الاتة‪ ,‬وأنزلنا إليكم القرآن هدًى ونورًا مبينًا‪.‬‬

‫ستَقِيما (‬
‫سيُدْ ِخُلهُمْ فِي َرحْ َم ٍة ِمنْ هُ وََفضْ ٍل َوَيهْدِيهِ مْ إَِليْ هِ صِرَاطا مُ ْ‬
‫َفَأمّا الّذِي نَ آ َمنُوا بِاللّ ِه وَا ْعتَ صَمُوا بِ هِ فَ َ‬
‫‪)175‬‬

‫فأمّا الذين صدّقوا بال اعتقادًا وقول وعمل واستمسكوا بالنور الذي أُنزل إليهم‪ ,‬فسيدخلهم النة رحة‬
‫منه وفضل ويوفقهم إل سلوك الطريق الستقيم الفضي إل روضات النات‪.‬‬

‫ف مَا َترَ َك َو ُهوَ يَ ِرُثهَا‬


‫سَتفْتُونَكَ قُلْ اللّ ُه ُي ْفتِيكُمْ فِي الْكَلَلةِ إِنْ امْ ُر ٌؤ هَلَكَ َليْسَ لَ ُه وَلَ ٌد وَلَهُ أُخْتٌ فََلهَا نِصْ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫إِ نْ لَ ْم َيكُ نْ َلهَا وَلَدٌ فَإِ نْ كَانَتَا اْثنََتيْ نِ فََلهُمَا الثُّلثَا نِ مِمّا تَرَ كَ َوإِ نْ كَانُوا إِ ْخ َوةً رِجَا ًل َونِ سَاءً فَلِلذّكَ ِر ِمثْلُ‬
‫ظ الُنَثَييْ ِن يَُبيّنُ اللّهُ َلكُمْ َأنْ َتضِلّوا وَاللّ ُه ِبكُ ّل َشيْءٍ عَلِيمٌ (‪)176‬‬ ‫حَ ّ‬

‫يسألونك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عن حكم مياث الكللة‪ ,‬وهو من مات وليس له ول ٌد ول والد‪ ,‬قل‪ :‬ال يُبيّن‬
‫لكم الكم فيها‪ :‬إن مات امرؤ ليس له ولد ول والد‪ ,‬وله أخت لبيه وأمه‪ ,‬أو لبيه فقط‪ ,‬فلها نصف‬
‫ترك ته‪ ,‬ويرث أخو ها شقيقًا كان أو لب ج يع مال ا إذا ما تت ول يس ل ا ولد ول والد‪ .‬فإن كان ل ن‬
‫مات كللةً أختان فلهما الثلثان ما ترك‪ .‬وإذا اجتمع الذكور من الخوة لغي أم مع الناث فللذكر مثل‬
‫نصيب النثيي من أخواته‪ .‬يُبيّن ال لكم قسمة الواريث وحكم الكللة‪ ,‬لئل تضلوا عن القّ ف أمر‬
‫الواريث‪ .‬وال عال بعواقب المور‪ ,‬وما فيها من الي لعباده‪.‬‬

‫‪174‬‬
‫‪ – 5‬سورة الائدة‬

‫صيْ ِد َوأَْنتُ مْ‬


‫حلّي ال ّ‬
‫يَا أَيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا َأوْفُوا بِاْلعُقُودِ أُ ِحلّ تْ َلكُ ْم َبهِي َم ُة الَْنعَا مِ إِلّ مَا ُيتْلَى عََليْكُ ْم َغيْ َر مُ ِ‬
‫حكُ ُم مَا يُرِيدُ (‪)1‬‬ ‫ُح ُرمٌ ِإنّ اللّ َه يَ ْ‬

‫يا أي ها الذ ين صدّقوا ال ور سوله وعملوا بشر عه‪ ,‬أتِمّوا عهود ال الوث قة‪ ,‬من اليان بشرائع الد ين‪,‬‬
‫والنقياد لا‪ ,‬وأَدّوا العهود لبعضكم على بعض من المانات‪ ,‬والبيوع وغيها‪ ,‬ما ل يالف كتاب ال‪,‬‬
‫وسنة رسوله ممد صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقد أحَلّ ال لكم البهيمة من النعام‪ ,‬وهي الب ُل والبقر والغنم‪,‬‬
‫إل ما بيّنه لكم من تري اليتة والدم وغي ذلك‪ ,‬ومن تري الصيد وأنتم مرمون‪ .‬إن ال يكم ما يشاء‬
‫وَفْق حكمته وعدله‪.‬‬

‫ت الْحَرَا مَ‬ ‫ي وَل اْلقَلئِدَ وَل آمّيَ اْلبَيْ َ‬ ‫حرَا َم وَل اْلهَدْ َ‬
‫شهْ َر الْ َ‬
‫حلّوا َشعَائِرَ اللّ هِ وَل ال ّ‬ ‫يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ل تُ ِ‬
‫صدّوكُ ْم عَ نْ‬ ‫ج ِر َمنّكُ ْم َشنَآ نُ َقوْ مٍ أَ نْ َ‬ ‫ضوَانا َوإِذَا حََل ْلتُ مْ فَا صْطَادُوا وَل يَ ْ‬ ‫ضلً مِ نْ َرّبهِ ْم وَرِ ْ‬ ‫َيبَْتغُو نَ َف ْ‬
‫حرَا مِ أَ ْن َتعْتَدُوا َوتَعَا َونُوا عَلَى الْبِ ّر وَالّتقْوَى وَل َتعَاوَنُوا عَلَى ا ِلثْ مِ وَاْلعُ ْدوَا ِن وَاتّقُوا اللّ هَ ِإنّ اللّ هَ‬
‫الْمَ سْجِ ِد الْ َ‬
‫شَدِي ُد اْلعِقَابِ (‪)2‬‬

‫يا أي ها الذ ين صدّقوا ال ور سوله وعملوا بشر عه ل تتعدّوا حدود ال ومعال ه‪ ,‬ول ت ستحِلّوا القتال ف‬
‫الشههر الرم‪ ,‬وههي‪ :‬ذو القعدة وذو الجهة والحرم ورجهب‪ ,‬وكان ذلك فه صهدر السهلم‪ ,‬ول‬
‫ت ستحِلّوا حر مة الَدْي‪ ,‬ول ما قُلّ َد م نه; إذ كانوا يضعون القلئد‪ ,‬و هي ضفائر من صوف أو َوبَر ف‬
‫حلّوا قتال قا صدي الب يت الرام‬‫ي وأن الر جل ير يد ال ج‪ ,‬ول تَ سْتَ ِ‬
‫الرقاب علم ًة على أن البهي مة هَدْ ٌ‬
‫الذين يبتغون من فضل ال ما يصلح معايشهم ويرضي ربم‪ .‬وإذا حللتم من إحرامكم حلّ لكم الصيد‪,‬‬
‫ول يمَِلنّكهم بُغ ْض قوم مهن أجهل أن منعوكهم مهن الوصهول إل السهجد الرام ‪-‬كمها حدث عام‬
‫"الديبية"‪ -‬على ترك العدل فيهم‪ .‬وتعاونوا ‪-‬أيها الؤمنون فيما بينكم‪ -‬على ِفعْل الي‪ ,‬وتقوى ال‪ ,‬ول‬
‫تعاونوا على ما فيه إث ومعصية وتاوز لدود ال‪ ,‬واحذروا مالفة أمر ال فإنه شديد العقاب‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫خنِ َق ُة وَالْ َموْقُو َذةُ وَالْ ُمتَ َر ّدَيةُ‬
‫ِهه وَالْ ُمنْ َ‬
‫ّهه ب ِ‬
‫ْمه الْخِنِي ِر وَم َا ُأهِلّ ِل َغيْرِ الل ِ‬
‫ّمه وَلَح ُ‬ ‫ُمه الْ َميَْت ُة وَالد ُ‬
‫َته عََليْك ْ‬
‫ُح ّرم ْ‬
‫ستَقْسِمُوا بِالَزْل مِ ذَِلكُ مْ فِ سْ ٌق اْليَوْ مَ‬ ‫صبِ َوأَ ْن تَ ْ‬ ‫ح ُة َومَا أَكَ َل ال سّبُعُ إِ ّل مَا ذَ ّكْيتُ ْم َومَا ُذبِ َح عَلَى النّ ُ‬
‫وَالنّطِي َ‬
‫ش ْونِي اْلَيوْ مَ أَكْمَلْ تُ َلكُ مْ دِيَنكُ ْم َوأَتْ َممْ تُ عََلْيكُ ْم ِنعْ َمتِي‬ ‫ش ْوهُ ْم وَاخْ َ‬
‫س الّذِي نَ َكفَرُوا مِ نْ دِينِكُ مْ فَل تَخْ َ‬ ‫َيئِ َ‬
‫ص ٍة َغيْ َر ُمتَجَانِفٍ ِلثْمٍ فَِإنّ اللّ َه َغفُورٌ رَحِيمٌ (‪)3‬‬ ‫وَرَضِيتُ َلكُ ْم ا ِلسْلمَ دِينا فَمَ ْن اضْ ُطرّ فِي مَخْ َم َ‬

‫حرّم ال عليكم اليتة‪ ,‬وهي اليوان الذي تفارقه الياة بدون ذكاة‪ ,‬وحرّم عليكم الدم السائل الُراق‪,‬‬
‫ولم النير‪ ,‬وما ذُكِر عليه غي اسم ال عند الذبح‪ ,‬والنخنقة الت ُحبِس َنفَسُها حت ماتت‪ ,‬والوقوذة‬
‫وهي الت ضُربت بعصا أو حجر حت ماتت‪ ,‬والُتَ َردّية وهي الت سقطت من مكان عال أو َهوَت ف بئر‬
‫ض َربَتْها أخرى بقرنا فماتت‪ ,‬وحرّم ال عليكم البهيمة الت أكلها السبُع‪,‬‬
‫فماتت‪ ,‬والنطيحة وهي الت َ‬
‫كالسد والنمر والذئب‪ ,‬ونو ذلك‪ .‬واستثن ‪-‬سبحانه‪ -‬ما حرّمه من النخنقة وما بعدها ما أدركتم‬
‫ذكاته قبل أن يوت فهو حلل لكم‪ ,‬وحرّم ال عليكم ما ُذبِح لغي ال على ما يُنصب للعبادة من حجر‬
‫أو غيه‪ ,‬وحرّم ال عليكم أن تطلبوا عِلْم ما قُسِم لكم أو ل يقسم بالزلم‪ ,‬وهي القداح الت كانوا‬
‫يستقسمون با إذا أرادوا أمرًا قبل أن يقدموا عليه‪ .‬ذلكم الذكور ف الية من الحرمات ‪-‬إذا ارتُكبت‪-‬‬
‫خروج عن أمر ال وطاعته إل معصيته‪ .‬الن انقطع طمع الكفار من دينكم أن ترتدوا عنه إل الشرك‬
‫بعد أن نصَ ْرتُكم عليهم‪ ,‬فل تافوهم وخافون‪ .‬اليوم أكملت لكم دينكم دين السلم بتحقيق النصر‬
‫وإتام الشريعة‪ ,‬وأتمت عليكم نعمت بإخراجكم من ظلمات الاهلية إل نور اليان‪ ,‬ورضيت لكم‬
‫السلم دينًا فالزموه‪ ,‬ول تفارقوه‪ .‬فمن اضطرّ ف ماعة إل أكل اليتة‪ ,‬وكان غي مائل عمدًا لث‪ ,‬فله‬
‫تناوله‪ ,‬فإن ال غفور له‪ ,‬رحيم به‪.‬‬

‫جوَارِ حِ مُكَّلبِيَ ُتعَلّمُونَهُنّ مِمّا عَلّ َمكُ مْ‬


‫ت َومَا عَلّ ْمتُ ْم مِ ْن الْ َ‬
‫سأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلّ َلهُ مْ قُلْ ُأحِلّ َلكُ مْ ال ّطيّبَا ُ‬
‫يَ ْ‬
‫سكْ َن عََلْيكُمْ وَاذْ ُكرُوا اسْمَ اللّ ِه عََليْ ِه وَاّتقُوا اللّهَ ِإنّ اللّ َه َسرِي ُع الْحِسَابِ (‪)4‬‬ ‫اللّهُ َفكُلُوا مِمّا َأمْ َ‬

‫يسألك أصحابك ‪-‬أيها النب‪ : -‬ماذا أُحِ ّل لم أَكْلُه؟ قل لم‪ :‬أُحِلّ لكم الطيبات وصيدُ ما دَرّبتموه من‬
‫ذوات الخالب والنياب من الكلب والفهود والصقور ونوها ما ُيعَلّم‪ ,‬تعلمونن طلب الصيد لكم‪ ,‬ما‬
‫علمكم ال‪ ,‬فكلوا ما أمسكن لكم‪ ,‬واذكروا اسم ال عند إرسالا للصيد‪ ,‬وخافوا ال فيما أمركم به‬
‫وفيما ناكم عنه‪ .‬إن ال سريع الساب‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫ت مِ ْن‬
‫صنَا ُ‬
‫ت َوطَعَا مُ الّذِي نَ أُوتُوا اْل ِكتَا بَ حِلّ َلكُ ْم َوطَعَا ُمكُ مْ حِلّ َلهُ مْ وَالْ ُمحْ َ‬ ‫الَْيوْ مَ أُحِلّ َلكُ مْ ال ّطّيبَا ُ‬
‫ي َغيْرَ‬
‫ْصهنِ َ‬
‫ُمه إِذَا آَتيْتُمُوهُنّ أُجُو َرهُنّ مُح ِ‬ ‫ِنه َقبِْلك ْ‬
‫َابه م ْ‬
‫ِينهأُوتُوا اْل ِكت َ‬ ‫ِنه الّذ َ‬ ‫تم ْ‬ ‫ْصهَا ُ‬
‫َاته وَالْ ُمح َن‬‫الْ ُم ْؤمِن ِ‬
‫ط عَمَلُ ُه َو ُهوَ فِي ال ِخ َرةِ مِ ْن الْخَا ِسرِينَ (‪)5‬‬
‫خذِي أَخْدَانٍ َومَ ْن َي ْكفُ ْر بِالِيَانِ َفقَدْ َحبِ َ‬ ‫مُسَافِحِيَ وَل ُمتّ ِ‬

‫ومن تام نعمة ال عليكم اليوم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬أن أَحَ ّل لكم اللل الطيب‪ ,‬وذبائ ُح اليهود والنصارى‬
‫سبَ شرعهم‪ -‬حلل لكم وذبائحكم حلل لم‪ .‬وأَحَ ّل لكم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬نكاح‬ ‫‪-‬إن ذكّوها حَ َ‬
‫الحصنات‪ ,‬وهُنّ الرائر من النساء الؤمنات‪ ,‬العفيفات عن الزن‪ ,‬وكذلك نكاحَ الرائر العفيفات من‬
‫اليهود والنصارى إذا أعطيتموهُ ّن مهورهن‪ ,‬وكنتم أ ِعفّاء غي مرتكبي للزن‪ ,‬ول متخذي عشيقات‪,‬‬
‫وأمِنتم من التأثر بدينهن‪ .‬ومن يحد شرائع اليان فقد بطل عمله‪ ,‬وهو يوم القيامة من الاسرين‪.‬‬

‫يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا إِذَا قُ ْمتُ مْ إِلَى ال صّلةِ فَاغْ سِلُوا وُجُوهَكُ ْم َوأَيْ ِدَيكُ مْ إِلَى الْمَرَافِ قِ وَامْ سَحُوا بِرُءُو سِكُ ْم‬
‫َوأَرْجَُلكُ مْ إِلَى اْلكَ ْعَبيْ ِن َوإِ نْ ُكنْتُ مْ ُجنُبا فَا ّطهّرُوا َوإِ نْ ُكنْتُ ْم مَرْضَى َأ ْو عَلَى َسفَرٍ َأوْ جَاءَ أَ َح ٌد ِمنْكُ ْم مِ نْ‬
‫صعِيدا طَيّبا فَامْ سَحُوا ِبوُجُو ِهكُ ْم َوأَيْدِيكُ ْم ِمنْ هُ مَا يُرِيدُ‬ ‫الْغَائِ طِ َأوْ لمَ سْتُ ْم النّ سَاءَ فَلَ ْم َتجِدُوا مَاءً َفَتيَمّمُوا َ‬
‫شكُرُونَ (‪)6‬‬ ‫ج وََلكِ ْن يُرِيدُ ِليُ َطهّرَكُ ْم وَِلُيتِ ّم ِنعْ َمتَهُ عََلْيكُمْ َلعَّلكُ ْم تَ ْ‬
‫جعَ َل عََلْيكُمْ مِنْ حَ َر ٍ‬
‫اللّهُ ِليَ ْ‬

‫يا أيها الذين آمنوا إذا أردت القيام إل الصلة‪ ,‬وأنتم على غي طهارة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم مع‬
‫الرافق (والِرْفَق‪ :‬ا ِلفْصَل الذي بي الذراع وال َعضُد) وامسحوا رؤوسكم‪ ,‬واغسلوا أرجلكم مع الكعبي‬
‫(وها‪ :‬العظمان البارزان عند ملتقى الساق بالقدم) ‪ .‬وإن أصابكم الدث الكب فتطهروا بالعتسال منه‬
‫قبل الصلة‪ .‬فإن كنتم مرضى‪ ,‬أو على سفر ف حال الصحة‪ ,‬أو قضى أحدكم حاجته‪ ,‬أو جامع زوجته‬
‫فلم تدوا ماء فاضربوا بأيديكم وجه الرض‪ ,‬وامسحوا وجوهكم وأيديكم منه‪ .‬ما يريد ال ف أمر‬
‫ضيّق عليكم‪ ,‬بل أباح التيمم توسعةً عليكم‪ ,‬ورحة بكم‪ ,‬إذ جعله بديل للماء ف الطهارة‪,‬‬ ‫الطهارة أن يُ َ‬
‫فكانت رخصة التيمّم من تام النعم الت تقتضي شكر النعم; بطاعته فيما أمر وفيما نى‪.‬‬

‫وَاذْكُرُوا نِعْ َمةَ اللّ ِه عََلْيكُ ْم َومِيثَاقَ هُ الّذِي وَاَثقَكُ ْم بِ هِ إِذْ ُق ْلتُ مْ سَ ِم ْعنَا َوأَ َط ْعنَا وَاّتقُوا اللّ هَ إِنّ اللّ َه عَلِي مٌ بِذَا تِ‬
‫الصّدُورِ (‪)7‬‬

‫‪177‬‬
‫واذكروا نعمة ال عليكم فيما شَرَعه لكم‪ ,‬واذكروا عهده الذي أخذه تعال عليكم من اليان بال‬
‫ورسوله ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬والسمع والطاعة لما‪ ,‬واتقوا ال فيما أمركم به وناكم عنه‪ .‬إن ال‬
‫سرّونه ف نفوسكم‪.‬‬
‫عليمٌ با تُ ِ‬

‫ط وَل يَجْ ِر َمّنكُ ْم َشنَآنُ َقوْمٍ عَلَى أَ ّل َتعْدِلُوا اعْدِلُوا ُهوَ‬


‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا كُونُوا َقوّامِيَ ِللّ ِه ُشهَدَاءَ بِاْلقِسْ ِ‬
‫أَقْرَبُ لِلّت ْقوَى وَاّتقُوا اللّهَ ِإنّ اللّهَ َخبِيٌ بِمَا تَعْ َملُونَ (‪)8‬‬

‫يا أيها الذين آمَنوا بال ورسوله ممد صلى ال عليه وسلم كونوا قوّامي بالق‪ ,‬ابتغاء وجه ال‪ ,‬شُهداء‬
‫ض قوم على أل تعدلوا‪ ,‬اعدِلوا بي العداء والحباب على درجة سواء‪ ,‬فذلك‬
‫بالعدل‪ ,‬ول يملنكم ُبغْ ُ‬
‫العدل أقرب لشية ال‪ ,‬واحذروا أن توروا‪ .‬إن ال خبي با تعملون‪ ,‬وسيجازيكم به‪.‬‬

‫َوعَدَ اللّ ُه الّذِينَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا الصّالِحَاتِ َلهُ ْم َم ْغفِ َرةٌ َوأَ ْج ٌر عَظِيمٌ (‪)9‬‬

‫وعد ال الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا الصالات أن يغفر لم ذنوبم‪ ,‬وأن يثيبهم على ذلك النة‪,‬‬
‫وال ل يلف وعده‪.‬‬

‫ب الْجَحِيمِ (‪)10‬‬
‫صحَا ُ‬
‫وَالّذِينَ َك َفرُوا وَكَ ّذبُوا بِآيَاتِنَا ُأوَْلئِكَ أَ ْ‬

‫والذين جحدوا وحدانية ال الدالة على الق البي‪ ,‬وكذّبوا بأدلته الت جاءت با الرسل‪ ,‬هم أهل النار‬
‫اللزمون لا‪.‬‬

‫يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا اذْ ُكرُوا ِنعْ َمةَ اللّ ِه عََلْيكُ مْ إِ ْذ هَمّ َقوْ مٌ أَ نْ َيبْ سُطُوا إَِليْكُ مْ َأيْ ِدَيهُ مْ َفكَفّ َأيْ ِدَيهُ مْ َعْنكُ مْ‬
‫وَاّتقُوا اللّ َه َوعَلَى اللّهِ فَ ْلَيَتوَكّ ْل الْ ُم ْؤ ِمنُونَ (‪)11‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه اذكروا ما أنعم ال به عليكم من نعمة المنِ‪ ,‬وإلقا ِء‬
‫الرعب ف قلوب أعدائكم الذين أرادوا أن يبطشوا بكم‪ ,‬فصرفهم ال عنكم‪ ,‬وحال بينهم وبي ما أرادوه‬
‫بكم‪ ,‬واتقوا ال واحذروه‪ ,‬وتوكلوا على ال وحده ف أموركم الدينية والدنيوية‪ ,‬وثِقوا بعونه ونصره‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫ش َر َنقِيبا وَقَالَ اللّ هُ ِإنّي َمعَكُ مْ َلئِ نْ أَقَ ْمتُ ْم ال صّل َة‬
‫وََلقَدْ أَخَذَ اللّ ُه مِيثَا قَ َبنِي إِ سْرَائِيلَ َوَب َعْثنَا ِمْنهُ ْم اثْنَ يْ عَ َ‬
‫ضتُمْ اللّهَ قَرْضا حَسَنا ل َكفّ َرنّ َعْنكُمْ َسّيئَاتِكُ ْم وَل ْدخَِلّنكُمْ‬ ‫وَآتَْيتُمْ الزّكَا َة وَآ َمنْتُ ْم بِرُ ُسلِي َوعَزّ ْرتُمُوهُ ْم َوأَقْرَ ْ‬
‫سبِيلِ (‪)12‬‬ ‫ك ِمْنكُمْ َفقَدْ ضَ ّل َسوَاءَ ال ّ‬ ‫حِتهَا الَْنهَارُ فَ َمنْ َكفَ َر َبعْدَ ذَلِ َ‬ ‫جرِي مِ ْن تَ ْ‬ ‫ت تَ ْ‬
‫َجنّا ٍ‬

‫ولقد أخذ ال العهد الؤكّد على بن إسرائيل أن يلصوا له العبادة وحده‪ ,‬وأمر ال موسى أن يعل‬
‫عليهم اثن عشر عريفًا بعدد فروعهم‪ ,‬يأخذون عليهم العهد بالسمع والطاعة ل ولرسوله ولكتابه‪ ,‬وقال‬
‫ال لبن إسرائيل‪ :‬إن معكم بفظي ونصري‪ ,‬لئن أقمتم الصلة‪ ,‬وأعطيتم الزكاة الفروضة مستحقيها‪,‬‬
‫وصدّقتم برسلي فيما أخبوكم به ونصرتوهم‪ ,‬وأنفقتم ف سبيلي‪ ,‬لكفّر ّن عنكم سيئاتكم‪ ,‬ول ْدخَِلّنكُم‬
‫جناتٍ تري من تت قصورها النار‪ ,‬فمن جحد هذا اليثاق منكم فقد عدل عن طريق الق إل طريق‬
‫الضلل‪.‬‬

‫ضهِ ْم مِيثَاَقهُ مْ َل َعنّاهُ ْم وَ َجعَ ْلنَا قُلُوَبهُ مْ قَا ِسَيةً ُيحَرّفُو َن اْلكَلِ َم عَ ْن َموَاضِعِ هِ َونَ سُوا َحظّا مِمّا ذُكّرُوا‬
‫َفبِمَا َن ْق ِ‬
‫سنِيَ (‪)13‬‬ ‫ب الْمُحْ ِ‬
‫ح ّ‬‫صفَحْ ِإنّ اللّ َه يُ ِ‬
‫ف َعْنهُ ْم وَا ْ‬‫ل ِمنْهُمْ فَاعْ ُ‬ ‫بِهِ وَل تَزَا ُل تَطّلِ ُع عَلَى خَاِئَنةٍ ِمْنهُمْ إِلّ قَلِي ً‬

‫فبسبب نقض هؤلء اليهود لعهودهم الؤكّدة طردناهم من رحتنا‪ ,‬وجعلنا قلوبم غليظة ل تلي لليان‪,‬‬
‫يبدلون كلم ال الذي أنزله على موسى‪ ,‬وهو التوراة‪ ,‬وتركوا نصيبًا ما ذُكّروا به‪ ,‬فلم يعملوا به‪ .‬ول‬
‫تزال ‪-‬أيها الرسول‪ -‬تد من اليهود خيانةً وغَدرًا‪ ,‬فهم على منهاج أسلفهم إل قليل منهم‪ ,‬فاعف عن‬
‫سوء معاملتهم لك‪ ,‬واصفح عنهم‪ ,‬فإن ال يب مَن أحسن العفو والصفح إل من أساء إليه‪( .‬وهكذا‬
‫يد أهل الزيغ سبيل إل مقاصدهم السيئة بتحريف كلم ال وتأويله على غي وجهه‪ ,‬فإن عجَزوا عن‬
‫التحريف والتأويل تركوا ما ل يتفق مع أهوائهم مِن شرع ال الذي ل يثبت عليه إل القليل من عصمه‬
‫ال منهم)‪.‬‬

‫َومِ ْن الّذِينَ قَالُوا ِإنّا نَصَارَى َأخَ ْذنَا مِيثَاَقهُمْ َفنَسُوا حَظّا ِممّا ذُكّرُوا بِهِ َفأَغْ َرْينَا َبْيَنهُ ْم اْلعَدَاوَ َة وَالَْب ْغضَاءَ إِلَى‬
‫صَنعُونَ (‪)14‬‬ ‫َيوْ ِم اْلقِيَا َم ِة َو َسوْفَ ُيَنّبئُهُمْ اللّ ُه بِمَا كَانُوا يَ ْ‬

‫وأخذنا على الذين ادّعوا أنم أتباع السيح عيسى ‪-‬وليسوا كذلك‪ -‬العهد الؤكد الذي أخذناه على بن‬
‫إسرائيل‪ :‬بأن يُتابعوا رسولم وينصروه ويؤازروه‪ ,‬فبدّلوا دينهم‪ ,‬وتركوا نصيبًا ما ذكروا به‪ ,‬فلم يعملوا‬
‫‪179‬‬
‫به‪ ,‬كما صنع اليهود‪ ,‬فألقينا بينهم العداوة والبغضاء إل يوم القيامة‪ ,‬وسوف ينبئهم ال با كانوا يصنعون‬
‫يوم الساب‪ ,‬وسيعاقبهم على صنيعهم‪.‬‬

‫ب َويَ ْعفُو عَ نْ َكثِيٍ قَدْ‬


‫خفُو َن مِ ْن الْ ِكتَا ِ‬
‫يَا أَهْ َل اْل ِكتَا بِ َقدْ جَاءَكُ مْ رَ سُولُنَا ُيبَيّ نُ َلكُ مْ َكثِيا ِممّا ُكنْتُ ْم تُ ْ‬
‫ب ُمبِيٌ (‪)15‬‬ ‫جَاءَكُ ْم مِنْ اللّ ِه نُو ٌر وَ ِكتَا ٌ‬

‫يا أهل الكتاب من اليهود والنصارى‪ ,‬قد جاءكم رسولنا ممد صلى ال عليه وسلم يبيّن لكم كثيًا ما‬
‫كنتم تُخْفونه عن الناس ما ف التوراة والنيل‪ ,‬ويترك بيان ما ل تقتضيه الكمة‪ .‬قد جاءكم من ال نور‬
‫وكتاب مبي‪ :‬وهو القرآن الكري‪.‬‬

‫خرِ ُجهُ ْم مِنْ الظّلُمَاتِ إِلَى النّو ِر بِإِ ْذنِ ِه َوَيهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ‬
‫ضوَانَهُ ُسبُ َل السّلمِ َويُ ْ‬
‫َيهْدِي بِهِ اللّهُ مَنْ اّتبَعَ رِ ْ‬
‫ستَقِيمٍ (‪)16‬‬ ‫مُ ْ‬

‫يهدي ال بذا الكتاب البي من اتبع رضا ال تعال‪ ,‬طرق المن والسلمة‪ ,‬ويرجهم بإذنه من ظلمات‬
‫الكفر إل نور اليان‪ ,‬ويوفقهم إل دينه القوي‪.‬‬

‫ك مِنْ اللّهِ شَيْئا إِنْ أَرَادَ أَنْ ُيهْلِكَ الْمَسِيحَ‬ ‫َلقَدْ َكفَ َر الّذِينَ قَالُوا ِإنّ اللّ َه ُهوَ الْمَسِي ُح ابْ ُن مَ ْريَمَ قُلْ َفمَ ْن يَمْلِ ُ‬
‫ت وَالَرْضِ َومَا َبيَْنهُمَا يْلُ ُق مَا يَشَا ُء وَاللّ ُه عَلَى‬‫ك السّ َموَا ِ‬ ‫ابْ َن مَ ْريَ َم َوأُمّهُ َومَ نْ فِي الَرْضِ َجمِيعا وَلِلّ ِه مُلْ ُ‬
‫كُ ّل َشيْءٍ َقدِيرٌ (‪)17‬‬

‫لقد كفر النصارى القائلون بأن ال هو السيح ابن مري‪ ,‬قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الهلة من النصارى‪:‬‬
‫لو كان السيح إلًا كما يدّعون لقَدرَ أن يدفع قضاء ال إذا جاءه بإهلكه وإهلك ُأمّه ومَن ف الرض‬
‫جيعًا‪ ,‬وقد ماتت أم عيسى فلم يدفع عنها الوت‪ ,‬كذلك ل يستطيع أن يدفع عن نفسه; لنما عبدان‬
‫من عباد ال ل يقدران على دفع اللك عنهما‪ ,‬فهذا دلي ٌل على أنه بشر كسائر بن آدم‪ .‬وجيع‬
‫الوجودات ف السموات والرض ملك ل‪ ,‬يلق ما يشاء ويوجده‪ ,‬وهو على كل شيء قدير‪ .‬فحقيقة‬
‫التوحيد توجب تفرّد ال تعال بصفات الربوبية واللوهية‪ ,‬فل يشاركه أحد من خلقه ف ذلك‪ ,‬وكثيًا‬
‫ما يقع الناس ف الشرك والضلل بغلوهم ف النبياء والصالي‪ ,‬كما غل النصارى ف السيح‪ ,‬فالكون‬

‫‪180‬‬
‫كله ل‪ ,‬واللق بيده وحده‪ ,‬وما يظهر من خوارق وآيات مَرَدّه إل ال‪ .‬يلق سبحانه ما يشاء‪ ,‬ويفعل‬
‫ما يريد‪.‬‬

‫ت الَْيهُو ُد وَالنّ صَارَى نَحْ نُ َأبْنَاءُ اللّ ِه َوأَ ِحبّاؤُ هُ ُقلْ فَلِ َم ُيعَ ّذبُكُ ْم بِ ُذنُوبِكُ مْ بَلْ أَْنتُ مْ بَشَ ٌر مِمّ نْ خََل َق َي ْغفِرُ‬
‫وَقَالَ ْ‬
‫ض َومَا بَْيَنهُمَا َوإَِليْهِ الْ َمصِيُ ( ‪)18‬‬ ‫ب مَ ْن يَشَا ُء وَلِلّ ِه مُلْكُ السّ َموَاتِ وَالَ ْر ِ‬ ‫لِمَ ْن يَشَا ُء َوُيعَذّ ُ‬

‫ي شيء يعذّبكم بذنوبكم؟‬ ‫وزعم اليهود والنصارى أنم أبناء ال وأحباؤه‪ ,‬قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬فَل ّ‬
‫فلو كنتم أحبابه ما عذبكم‪ ,‬فال ل يب إل من أطاعه‪ ,‬وقل لم‪ :‬بل أنتم خلقٌ مثلُ سائر بن آدم‪ ,‬إن‬
‫أحسنتُم جوزيتم بإحسانكم خيا‪ ,‬وإن أسَ ْأتُم جوزيتم بإساءتكم شرّا‪ ,‬فال يغفر لن يشاء‪ ,‬ويعذب من‬
‫يشاء‪ ,‬وهو مالك اللك‪ُ ,‬يصَرّفه كما يشاء‪ ,‬وإليه الرجع‪ ,‬فيحكم بي عباده‪ ,‬ويازي كل با يستحق‪.‬‬

‫يَا َأهْ َل الْ ِكتَابِ َقدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا ُيبَيّ نُ َلكُ ْم عَلَى َفتْ َر ٍة مِ نْ الرّسُلِ أَ ْن َتقُولُوا مَا جَا َءنَا مِ ْن بَشِ ٍي وَل نَذِيرٍ‬
‫َفقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيٌ َونَذِي ٌر وَاللّ ُه عَلَى كُ ّل َشيْءٍ َقدِيرٌ (‪)19‬‬

‫يا أيها اليهود والنصارى قد جاءكم رسولنا ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬يُبيّن لكم الق والدى بعد مُدّة‬
‫من الزمن بي إرساله بإرسال عيسى ابن مري; لئل تقولوا‪ :‬ما جاءنا من بشي ول نذير‪ ,‬فل عُذ َر لكم‬
‫بعد إرساله إلبكم‪ ,‬فقد جاءكم من ال رسو ٌل يبشّر مَن آمن به‪ ,‬ويُنذِز مَن عصاه‪ .‬وال على كل شيء‬
‫قدير من عقاب العاصي وثواب الطيع‪.‬‬

‫َوإِذْ قَا َل مُوسَى ِل َق ْومِ ِه يَا َق ْومِ اذْ ُكرُوا ِنعْ َمةَ اللّ ِه عََلْيكُمْ إِذْ َجعَلَ فِيكُمْ َأْنبِيَا َء وَ َجعََلكُ ْم مُلُوكا وَآتَاكُ ْم مَا لَمْ‬
‫ُيؤْتِ أَحَدا مِ ْن اْلعَالَمِيَ (‪)20‬‬

‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إذ قال موسى عليه السلم لقومه‪ :‬يا بن إسرائيل اذكروا نعمة ال عليكم‪ ,‬إذ‬
‫جعل فيكم أنبياء‪ ,‬وجعلكم ملوكًا تلكون أمركم بعد أن كنتم ملوكي لفرعون وقومه‪ ,‬وقد منحكم من‬
‫نعمه صنوفًا ل ينحها أحدًا من عالَمي زمانكم‪.‬‬

‫يَا َق ْومِ ا ْدخُلُوا الَ ْرضَ الْ ُمقَ ّد َس َة الّتِي َكتَبَ اللّهُ َلكُ ْم وَل َت ْرتَدّوا عَلَى أَ ْدبَارِكُمْ َفَتْنقَِلبُوا خَا ِسرِينَ (‪)21‬‬

‫‪181‬‬
‫يا قوم ادخلوا الرض القدسة ‪-‬أي الطهرة‪ ,‬وهي "بيت القدس" وما حولا‪ -‬الت وعد ال أن تدخلوها‬
‫وتقاتلوا مَن فيها من الكفار‪ ,‬ول ترجعوا عن قتال البارين‪ ,‬فتخسروا خي الدنيا وخي الخرة‪.‬‬

‫خرُجُوا ِمنْهَا فَإِ ْن يَخْ ُرجُوا ِمْنهَا فَِإنّا دَاخِلُو نَ‬


‫قَالُوا يَا مُو سَى ِإنّ فِيهَا َقوْما َجبّارِي َن َوِإنّا لَ ْن نَدْ ُخَلهَا َحتّى يَ ْ‬
‫(‪)22‬‬

‫قالوا‪ :‬يا موسى‪ ,‬إن فيها قومًا أشداء أقوياء‪ ,‬ل طاقة لنا بربم‪ ,‬وإنّا لن نستطيع دخولا وهم فيها‪ ,‬فإن‬
‫يرجوا منها فإنّا داخلون‪.‬‬

‫قَالَ َرجُل نِ مِ ْن الّذِي َن يَخَافُو نَ َأنْعَ مَ اللّ ُه عََلْيهِمَا ا ْدخُلُوا عََلْيهِ مْ الْبَا بَ فَإِذَا دَخَ ْلتُمُو هُ فَِإّنكُ ْم غَالِبُو نَ َوعَلَى‬
‫اللّهِ َفَتوَكّلُوا ِإنْ كُنتُ ْم ُم ْؤمِنِيَ (‪)23‬‬

‫قال رجلن من الذين يشون ال تعال‪ ,‬أنعم ال عليهما بطاعته وطاعة نبيّه‪ ,‬لبن إسرائيل‪ :‬ادخلوا على‬
‫هؤلء البارين باب مدينتهم‪ ,‬أخْذًا بالسباب‪ ,‬فإذا دخلتم الباب غلبتموهم‪ ,‬وعلى ال وحده فتوكّلوا‪,‬‬
‫إن كنتم مُصدّقي رسوله فيما جاءكم به‪ ,‬عاملي بشرعه‪.‬‬

‫قَالُوا يَا مُوسَى ِإنّا لَ ْن نَدْ ُخَلهَا َأبَدا مَا دَامُوا فِيهَا فَا ْذ َهبْ َأْنتَ وَ َربّكَ َفقَاتِل ِإنّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (‪)24‬‬

‫قال قوم موسى له‪ :‬إنا لن ندخل الدينة أبدًا ما دام البارون فيها‪ ,‬فاذهب أنت وربك فقاتلهم‪ ,‬أما نن‬
‫فقاعدون هاهنا ولن نقاتلهم‪ .‬وهذا إصرارٌ منهم على مالفة موسى عليه السلم‪.‬‬

‫ق َبْينَنَا َوَبيْ َن الْ َق ْومِ الْفَا ِسقِيَ (‪)25‬‬


‫قَالَ رَبّ إِنّي ل َأمْلِكُ إِلّ َنفْسِي َوأَخِي فَافْ ُر ْ‬

‫توجّه موسى إل ربه داعيًا‪ :‬إن ل أقدر إل على نفسي وأخي‪ ,‬فاحكم بيننا وبي القوم الفاسقي‪.‬‬

‫ي َسَن ًة َيتِيهُونَ فِي الَ ْرضِ فَل َتأْسَ عَلَى اْل َقوْ ِم اْلفَا ِسقِيَ (‪)26‬‬
‫ح ّر َمةٌ عََلْيهِمْ أَ ْرَبعِ َ‬
‫قَالَ فَِإّنهَا مُ َ‬

‫‪182‬‬
‫قال ال لنبيه موسى عليه السلم‪ :‬إن الرض القدّسة مرّم على هؤلء اليهود دخولا أربعي سنة‪ ,‬يتيهون‬
‫ف الرض حائرين‪ ,‬فل تأسف ‪-‬يا موسى‪ -‬على القوم الارجي عن طاعت‪.‬‬

‫وَاتْ ُل عََلْيهِ ْم نََبأَ اْبنَ يْ آدَ مَ بِاْلحَقّ ِإذْ قَ ّربَا قُ ْربَانا َفُتقُبّ َل مِ نْ أَحَ ِدهِمَا وَلَ ْم ُيَت َقبّلْ مِ نْ الخَرِ قَالَ لَ ْقتَُلنّ كَ قَالَ‬
‫ِإنّمَا يََت َقبّلُ اللّ ُه مِ ْن الْ ُمّتقِيَ ( ‪)27‬‬

‫واقصص ‪-‬أيها الرسول‪ -‬على بن إسرائيل َخبَر ابنَيْ آدم قابيل وهابيل‪ ,‬وهو خبٌ حقٌ‪ :‬حي قَدّم ك ّل‬
‫منهما قربانًا ‪-‬وهو ما يُتَقرّب به إل ال تعال ‪ -‬فتقبّل ال قُربان هابيل; لنه كان تقيّا‪ ,‬ول يتقبّل قُربان‬
‫قابيل; لنه ل يكن تقيّا‪ ,‬فحسد قابيلُ أخاه‪ ,‬وقال‪ :‬لقتلنّك‪ ,‬فَر ّد هابيل‪ :‬إنا يتقبل ال من يشونه‪.‬‬

‫ب اْلعَالَمِيَ (‪)28‬‬
‫ط يَدِي إَِليْكَ لَ ْقتُلَكَ ِإنّي أَخَافُ اللّهَ رَ ّ‬
‫َلئِ ْن بَسَطتَ إَِل ّي يَ َدكَ ِلَت ْقتَُلنِي مَا َأنَا بِبَاسِ ٍ‬

‫جدُ من مثل فعْلك‪ ,‬وإن أخشى ال ربّ‬


‫ل يد َك لتقتُلن ل تَ ِ‬
‫وقال هابي ُل واعظًا أخاه‪ :‬لَئنْ َمدَدْتَ إ ّ‬
‫اللئق أجعي‪.‬‬

‫ب النّارِ َوذَلِكَ َجزَاءُ الظّالِ ِميَ (‪)29‬‬


‫صحَا ِ‬
‫ِإنّي أُرِيدُ َأنْ َتبُوءَ بِإِثْمِي َوِإثْمِكَ َفتَكُونَ مِنْ أَ ْ‬

‫إن أريد أن ترجع حامل إث َقتْلي‪ ,‬وإثك الذي عليك قبل ذلك‪ ,‬فتكون من أهل النار وملزميها‪ ,‬وذلك‬
‫جزاء العتدين‪.‬‬

‫صبَ َح مِ ْن الْخَا ِسرِينَ (‪)30‬‬


‫فَ َط ّو َعتْ لَ ُه َنفْسُهُ َقتْلَ أَخِيهِ َف َقتَلَهُ َفأَ ْ‬

‫فَ َزيّنت لقابي َل نفسُه أن يقتل أخاه‪ ,‬فقتله‪ ,‬فأصبح من الاسرين الذين باعوا آخرتم بدنياهم‪.‬‬

‫جزْ تُ أَ نْ أَكُو َن ِمثْلَ‬


‫ف ُيوَارِي َس ْوأَةَ أَخِي هِ قَا َل يَا َويَْلتَا َأعَ َ‬
‫َفَبعَ ثَ اللّ ُه غُرَابا َيبْحَ ثُ فِي الَرْ ضِ ِلُي ِريَ هُ َكيْ َ‬
‫صبَ َح مِ ْن النّا ِد ِميَ (‪)31‬‬‫ي َس ْوَأةَ أَخِي َفأَ ْ‬
‫هَذَا اْلغُرَابِ َفُأوَارِ َ‬

‫‪183‬‬
‫لا قتل قابيلُ أخاه ل يعرف ما يصنع بسده‪ ,‬فأرسل ال غرابًا يفر حفرةً ف الرض ليدفن فيها غرابًا‬
‫َميّتًا; ليدل قابيل كيف يدفن جُثمان أخيه؟ فتعجّب قابيل‪ ,‬وقال‪ :‬أعجزتُ أن أصنع مثل صنيع هذا‬
‫الغراب فأستُ َر عورة أخي؟ فدَفَنَ قابيل أخاه‪ ,‬فعاقبه ال بالندامة بعد أن رجع بالسران‪.‬‬

‫مِنْ أَ ْجلِ ذَلِكَ َكتَْبنَا عَلَى َبنِي ِإسْرَائِيلَ َأنّهُ مَنْ َقتَ َل َنفْسا ِبغَيْ ِر َن ْفسٍ َأوْ فَسَادٍ فِي الَ ْرضِ َف َكَأنّمَا َقتَ َل النّا َ‬
‫س‬
‫جَمِيعا َومَ نْ أَ ْحيَاهَا َف َكَأنّمَا أَ ْحيَا النّا سَ جَمِيعا وََلقَدْ جَا َءْتهُ مْ رُ سُُلنَا بِاْلَبيّنَا تِ ثُمّ ِإنّ َكثِيا ِمْنهُ ْم َبعْدَ ذَلِ كَ‬
‫سرِفُونَ (‪)32‬‬ ‫فِي الَ ْرضِ لَمُ ْ‬

‫بسبب جناية القتل هذه َش َرعْنا لبن اسرائيل أنه من قتل نفسا بغي سبب من قصاص‪ ,‬أو فساد ف الرض‬
‫بأي نوع من أنواع الفساد‪ ,‬الوجب للقتل كالشرك والحاربة فكأنا قتل الناس جيعًا فيما استوجب من‬
‫عظيم العقوبة من ال‪ ,‬وأنه من امتنع عن َقتْل نفس حرّمها ال فكأنا أحيا الناس جيعًا; فالفاظ على‬
‫حرمة إنسان واحد حفاظ على حرمات الناس كلهم‪ .‬ولقد أتت بن إسرائيل رسلُنا بالجج والدلئل‬
‫ض عليهم‪ ,‬ث إن كثيًا منهم بعد ميء الرسل‬‫على صحة ما دعَوهم إليه من اليان بربم‪ ,‬وأداء ما فُ ِر َ‬
‫إليهم لتجاوزون حدود ال بارتكاب مارم ال وترك أوامره‪.‬‬

‫س َعوْنَ فِي الَرْ ضِ فَ سَادا أَ ْن ُي َقتّلُوا َأ ْو يُ صَّلبُوا َأوْ ُتقَطّ عَ َأيْدِيهِ ْم‬
‫ِإنّمَا َجزَاءُ الّذِي َن يُحَا ِربُو نَ اللّ َه وَرَ سُولَهُ َويَ ْ‬
‫ب عَظِيمٌ (‪)33‬‬ ‫َوأَرْجُُلهُمْ مِنْ خِلفٍ َأ ْو يُن َفوْا مِ ْن الَ ْرضِ ذَلِكَ َلهُمْ خِزْيٌ فِي الدّنيَا وََلهُمْ فِي الخِ َر ِة عَذَا ٌ‬

‫إنا جزاء الذين ياربون ال‪ ,‬ويبارزونه بالعداوة‪ ,‬ويعتدون على أحكامه‪ ,‬وعلى أحكام رسوله‪,‬‬
‫ويفسدون ف الرض بقتل النفس‪ ,‬وسلب الموال‪ ,‬أن ُي َقتّلوا‪ ,‬أو يُصَلّبوا مع القتل (والصلب‪ :‬أن يُشَدّ‬
‫الان على خشبة) أو ُتقْطَع يدُ الحارب اليمن ورجله اليسرى‪ ,‬فإن ل َيُتبْ تُقطعْ يدُه اليسرى ورجلُه‬
‫اليمن‪ ,‬أو يُنفَوا إل بلد غي بلدهم‪ ,‬ويُحبسوا ف سجن ذلك البلد حت تَظهر توبتُهم‪ .‬وهذا الزاء الذي‬
‫أعدّه ال للمحاربي هو ذلّ ف الدنيا‪ ,‬ولم ف الخرة عذاب شديد إن ل يتوبوا‪.‬‬

‫إِلّ الّذِي َن تَابُوا مِنْ َقبْلِ َأ ْن َتقْدِرُوا عََلْيهِمْ فَاعْلَمُوا َأنّ اللّ َه َغفُورٌ رَحِيمٌ (‪)34‬‬

‫‪184‬‬
‫لكن مَن أتى من الحاربي من قبل أن تقدروا عليهم وجاء طائعًا نادمًا فإنه يسقط عنه ما كان ل‪,‬‬
‫فاعلموا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬أن ال غفور لعباده‪ ,‬رحيم بم‪.‬‬

‫يَا َأيّهَا الّذِينَ آ َمنُوا اّتقُوا اللّ َه وَابَْتغُوا إَِليْ ِه الْ َوسِيَل َة وَجَاهِدُوا فِي َسبِيلِهِ َلعَّلكُ ْم ُتفْلِحُونَ (‪)35‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬خافوا ال‪ ,‬وَتقَرّبوا إليه بطاعته والعمل با يرضيه‪,‬‬
‫وجاهدوا ف سبيله; كي تفوزوا بناته‪.‬‬

‫ب َيوْ ِم اْلقِيَا َم ِة مَا ُتقُبّلَ‬


‫ِإنّ الّذِي نَ َكفَرُوا َلوْ َأنّ َلهُ ْم مَا فِي الَرْ ضِ َجمِيعا َو ِمثْلَ ُه َمعَ هُ ِلَي ْفتَدُوا بِ ِه مِ ْن عَذَا ِ‬
‫ِمنْهُ ْم وََلهُ ْم عَذَابٌ أَلِيمٌ (‪)36‬‬

‫إن الذين جحدوا وحدانية ال‪ ,‬وشريعته‪ ,‬لو أنم سلكوا جيع ما ف الرض‪ ,‬وملكوا مثله معه‪ ,‬وأرادوا‬
‫أن يفتدوا أنفسهم يوم القيامة من عذاب ال با ملكوا‪ ,‬ما تَقبّل ال ذلك منهم‪ ,‬ولم عذاب مُوجع‪.‬‬

‫ب ُمقِيمٌ (‪)37‬‬
‫ي ِمْنهَا وََلهُ ْم عَذَا ٌ‬
‫يُرِيدُونَ َأ ْن يَخْ ُرجُوا مِ ْن النّا ِر َومَا هُ ْم بِخَارِ ِج َ‬

‫يريد هؤلء الكافرون الروج من النار لا يلقونه من أهوالا‪ ,‬ول سبيل لم إل ذلك‪ ,‬ولم عذاب دائم‪.‬‬

‫سبَا نَكَا ًل مِنْ اللّ ِه وَاللّ ُه عَزِيزٌ َحكِيمٌ (‪)38‬‬


‫وَالسّا ِرقُ وَالسّارَِقةُ فَاقْ َطعُوا أَيْ ِدَيهُمَا جَزَا ًء بِمَا كَ َ‬

‫والسارق والسارقة فاقطعوا ‪-‬يا ولة المر‪ -‬أيديهما بقتضى الشرع‪ ,‬مازاة لما على أَخْذها أموال‬
‫الناس بغي حق‪ ,‬وعقوبةً ينع ال با غيها أن يصنع مثل صنيعهما‪ .‬وال عزيز ف ملكه‪ ,‬حكيم ف أمره‬
‫ونيه‪.‬‬

‫ب عََليْهِ إِنّ اللّ َه َغفُورٌ رَحِيمٌ (‪)39‬‬


‫ب مِ ْن َبعْ ِد ظُلْمِهِ َوأَصْلَحَ فَِإنّ اللّ َه َيتُو ُ‬
‫فَمَ ْن تَا َ‬

‫فمن تاب مِن بعد سرقته‪ ,‬وأصلح ف كل أعماله‪ ,‬فإن ال يقبل توبته‪ .‬إن ال غفور لعباده‪ ,‬رحيم بم‪.‬‬

‫‪185‬‬
‫ب مَ ْن يَشَا ُء َوَي ْغفِرُ لِمَ ْن يَشَا ُء وَاللّ ُه عَلَى كُ ّل َشيْءٍ َقدِيرٌ‬
‫ت وَالَرْضِ ُيعَذّ ُ‬
‫ك السّ َموَا ِ‬
‫أَلَ ْم َتعْلَمْ َأنّ اللّهَ لَ ُه ُملْ ُ‬
‫(‪)40‬‬

‫أل تعلم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أن ال خالق الكون ومُدبّره ومالكه‪ ,‬وأنه تعال الفعّال لا يريد‪ ,‬يعذب من‬
‫يشاء‪ ,‬ويغفر لن يشاء‪ ,‬وهو على كل شيء قدير‪.‬‬

‫ح ُزنْ كَ الّذِي َن يُ سَا ِرعُونَ فِي الْ ُكفْ ِر مِ ْن الّذِي نَ قَالُوا آمَنّا ِبأَ ْفوَا ِههِ ْم وَلَ ْم ُت ْؤمِ نْ ُقلُوُبهُ مْ‬ ‫يَا َأيّهَا الرّ سُو ُل ل يَ ْ‬
‫ضعِ هِ‬ ‫َومِ ْن الّذِي نَ هَادُوا سَمّاعُونَ ِل ْلكَذِ بِ سَمّاعُونَ ِل َقوْ مٍ آ َخرِي نَ لَ ْم َي ْأتُو َك يُحَرّفُو َن الْكَِل َم مِ ْن َبعْدِ َموَا ِ‬
‫خذُو هُ َوإِ نْ لَ ْم ُت ْؤَتوْ هُ فَاحْذَرُوا َومَ ْن يُ ِردْ اللّ هُ ِفْتَنتَ هُ فََل ْن تَ ْملِ كَ لَ ُه مِ نْ اللّ ِه َشيْئا‬
‫َيقُولُو نَ إِ نْ أُوتِيتُ ْم هَذَا فَ ُ‬
‫ب عَظِيمٌ ( ‪)41‬‬ ‫ي وََلهُمْ فِي ال ِخ َرةِ عَذَا ٌ‬ ‫ك الّذِينَ لَ ْم يُ ِردْ اللّهُ َأنْ يُ َطهّرَ قُلُوَبهُمْ َلهُمْ فِي ال ّدنْيَا ِخزْ ٌ‬
‫ُأوْلَئِ َ‬

‫يا أيها الرسول ل يزنك الذين يسارعون ف جحود نبوتك من النافقي الذين أظهروا السلم وقلوبم‬
‫خالية منه‪ ,‬فإن ناصرك عليهم‪ .‬ول يزنك تسرّع اليهود إل إنكار نبوتك‪ ,‬فإنم قوم يستمعون للكذب‪,‬‬
‫ويقبلون ما َي ْفتَريه أحبارُهم‪ ,‬ويستجيبون لقوم آخرين ل يضرون ملسك‪ ,‬وهؤلء الخرون ُيبَدّلون‬
‫كلم ال من بعد ما َعقَلوه‪ ,‬ويقولون‪ :‬إن جاءكم من ممد ما يوافق الذي بدّلناه وحرّفناه من أحكام‬
‫التوراة فاعملوا به‪ ,‬وإن جاءكم منه ما يالفه فاحذروا قبوله‪ ,‬والعمل به‪ .‬ومن يشأ ال ضللته فلن‬
‫تستطيع ‪-‬أيها الرسول‪ -‬دَفْعَ ذلك عنه‪ ,‬ول تقدر على هدايته‪ .‬وإ ّن هؤلء النافقي واليهود ل يُرِدِ ال أن‬
‫يطهّر قلوبم من دنس الكفر‪ ,‬لم الذ ّل والفضيحة ف الدنيا‪ ,‬ولم ف الخرة عذاب عظيم‪.‬‬

‫ض َعنْهُ مْ فَلَ نْ‬


‫ض َعنْهُ ْم َوإِ نْ تُعْرِ ْ‬
‫حتِ فَإِ نْ جَاءُو كَ فَا ْحكُ ْم َبْيَنهُ مْ َأوْ َأعْرِ ْ‬ ‫سَمّاعُونَ ِل ْلكَذِ بِ أَكّالُو نَ لِل سّ ْ‬
‫ب الْ ُمقْسِطِيَ (‪)42‬‬ ‫ح ّ‬ ‫َيضُرّو َك َشيْئا َوِإنْ َحكَ ْمتَ فَا ْحكُ ْم َبيَْنهُ ْم بِاْلقِسْطِ إِنّ اللّ َه يُ ِ‬

‫هؤلء اليهود يمعون بي استماع الكذب وأكل الرام‪ ,‬فإن جاؤوك يتحاكمون إليك فاقض بينهم‪ ,‬أو‬
‫اتركهم‪ ,‬فإن ل تكم بينهم فلن يقدروا على أن يضروك بشيء‪ ,‬وإن حكمت فاحكم بينهم بالعدل‪ .‬إن‬
‫ال يب العادلي‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫ك بِالْ ُم ْؤ ِمنِيَ (‪)43‬‬
‫ك َومَا ُأوْلَئِ َ‬
‫ك َو ِعنْ َدهُمْ الّتوْرَاةُ فِيهَا ُحكْمُ اللّ ِه ثُ ّم َيَتوَلّ ْونَ مِ ْن َبعْدِ ذَلِ َ‬
‫حكّمُونَ َ‬
‫وَ َكيْفَ ُي َ‬

‫إ ّن صنيع هؤلء اليهود عجيب‪ ,‬فهم يتكمون إليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬وهم ل يؤمنون بك‪ ,‬ول بكتابك‪,‬‬
‫مع أن التوراة الت يؤمنون با عندهم‪ ,‬فيها حكم ال‪ ,‬ث يتولّون مِن بعد حكمك إذا ل يُرضهم‪ ,‬فجمعوا‬
‫بي الكفر بشرعهم‪ ,‬والعراض عن حكمك‪ ,‬وليس أولئك التصفون بتلك الصفات‪ ,‬بالؤمني بال وبك‬
‫وبا تكم به‪.‬‬

‫حكُ ُم ِبهَا الّنبِيّو َن الّذِي نَ أَ سْلَمُوا ِللّذِي َن هَادُوا وَال ّربّاِنيّو َن وَالَ ْحبَا ُر بِمَا‬
‫ِإنّا أَنزَْلنَا الّتوْرَاةَ فِيهَا هُدًى َونُورٌ َي ْ‬
‫شتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنا قَلِيلً‬ ‫ش ْونِي وَل تَ ْ‬‫شوْا النّا سَ وَاخْ َ‬ ‫حفِظُوا مِ نْ ِكتَا بِ اللّ ِه وَكَانُوا عََليْ ِه ُشهَدَاءَ فَل تَخْ َ‬ ‫ا ْستُ ْ‬
‫ك هُ ْم الْكَافِرُونَ (‪)44‬‬ ‫حكُ ْم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ َفأُوَْلئِ َ‬
‫َومَنْ لَ ْم يَ ْ‬

‫إنا أنزلنا التوراة فيها إرشاد من الضللة‪ ,‬وبيان للحكام‪ ,‬وقد حكم با النبيّون ‪-‬الذين انقادوا لكم ال‪,‬‬
‫حرّفوها‪ ,‬وحكم با ُعبّاد اليهود وفقهاؤهم الذين‬‫وأقروا به‪ -‬بي اليهود‪ ,‬ول يرجوا عن حكمها ول يُ َ‬
‫يربّون الناس بشرع ال; ذلك أن أنبياءهم قد استأمنوهم على تبليغ التوراة‪ ,‬وِفقْه كتاب ال والعمل به‪,‬‬
‫وكان الربانيون والحبار شهداء على أن أنبياءهم قد قضوا ف اليهود بكتاب ال‪ .‬ويقول تعال لعلماء‬
‫اليهود وأحبارهم‪ :‬فل تشوا الناس ف تنفيذ حكمي; فإنم ل يقدرون على نفعكم ول ضَرّكم‪ ,‬ولكن‬
‫ت عوضًا حقيًا‪ .‬الكم بغي ما أنزل ال‬ ‫اخشون فإن أنا النافع الضار‪ ,‬ول تأخذوا بترك الكم با أنزل ُ‬
‫من أعمال أهل الكفر‪ ،‬فالذين يبدلون حكم ال الذي أنزله ف كتابه‪ ,‬فيكتمونه ويحدونه ويكمون‬
‫بغيه معتقدين حله وجوازه فأولئك هم الكافرون‪.‬‬

‫ف وَالُذُ َن بِالُذُ ِن وَال سّنّ بِال سّ ّن‬ ‫ف بِالَن ِ‬ ‫وَ َكتَبْنَا عََلْيهِ مْ فِيهَا أَنّ الّنفْ سَ بِالّنفْ سِ وَاْل َعيْ َن بِاْلعَيْ ِن وَالَن َ‬
‫ك هُ مْ الظّالِمُو نَ (‬‫حكُ ْم بِمَا أَنزَلَ اللّ هُ َفُأوَْلئِ َ‬
‫ق بِ هِ َف ُهوَ َكفّا َرةٌ لَ ُه َومَ نْ لَ ْم َي ْ‬
‫وَالْجُرُو حَ قِ صَاصٌ فَمَ ْن تَ صَ ّد َ‬
‫‪)45‬‬

‫جدَع بالنف‪ ,‬والذُن‬


‫وفَرَضنا عليهم ف التوراة أن النفس ُت ْقتَل بالنفس‪ ,‬والعي ُت ْفقَأ بالعي‪ ,‬والنف يُ ْ‬
‫ُتقْطع بالذُن‪ ,‬والس ّن ُتقْلَعُ بالسنّ‪ ,‬وأنّه ُيقَْتصّ ف الروح‪ ,‬فمن تاوز عن حقه ف القتصاص من الُعتدي‬

‫‪187‬‬
‫فذلك تكفي لبعض ذنوب العتدى عليه وإزالةٌ لا‪ .‬ومن ل يكم با أنزل ال ف القصاص وغيه‪ ,‬فأولئك‬
‫هم التجاوزون حدود ال‪.‬‬

‫وََق ّفيْنَا عَلَى آثَا ِرهِ مْ ِبعِي سَى ابْ ِن مَ ْريَ َم مُ صَدّقا لِمَا َبيْ َن يَ َديْ هِ مِ ْن التّوْرَاةِ وَآَتْينَا هُ الِنِيلَ فِي ِه هُدًى َونُورٌ‬
‫َومُصَدّقا ِلمَا َبيْنَ يَ َديْ ِه مِ ْن الّتوْرَا ِة َوهُدًى َو َموْعِ َظةً لِ ْل ُمّتقِيَ (‪)46‬‬

‫وأتبعنا أنبياء بن إسرائيل عيسى ابن مري مؤمنًا با ف التوراة‪ ,‬عامل با فيها ما ل ينسخه كتابه‪ ,‬وأنزلنا‬
‫إليه النيل هاديا إل الق‪ ,‬ومبيّنًا لا جهله الناس مِن حكم ال‪ ,‬وشاهدًا على صدق التوراة با اشتمل‬
‫عليه من أحكامها‪ ,‬وقد جعلناه بيانًا للذين يافون ال وزاجرًا لم عن ارتكاب الحرّمات‪.‬‬

‫ك هُ ْم الْفَا ِسقُونَ (‪)47‬‬


‫حكُ ْم بِمَا أَن َزلَ اللّهُ َفُأوَْلئِ َ‬
‫حكُمْ َأهْلُ الِنِي ِل بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِي ِه َومَنْ لَ ْم يَ ْ‬
‫وَْليَ ْ‬

‫وليحكم أهل النيل الذين أُرسِل إليهم عيسى با أنزل ال فيه‪ .‬ومن ل يكم با أنزل ال فأولئك هم‬
‫الارجون عن أمره‪ ,‬العاصون له‪.‬‬

‫ب َو ُمهَيْمِنا عََليْ هِ فَا ْحكُ ْم َبْينَهُ ْم بِمَا أَن َزلَ اللّ ُه‬
‫حقّ مُ صَدّقا ِلمَا َبيْ نَ يَ َديْ ِه مِ ْن اْل ِكتَا ِ‬
‫ب بِالْ َ‬
‫ك الْ ِكتَا َ‬
‫َوأَنزَْلنَا إَِليْ َ‬
‫جعََلكُ مْ ُأ ّمةً‬
‫وَل َتّتبِ عْ َأ ْهوَا َءهُ ْم عَمّ ا جَاءَ َك مِ ْن الْحَقّ ِلكُلّ َج َعلْنَا ِمْنكُ ْم شِ ْر َع ًة َومِْنهَاجا وََل ْو شَاءَ اللّ هُ لَ َ‬
‫خيْرَا تِ إِلَى اللّ ِه مَ ْر ِجعُكُ مْ جَمِيعا َفُينَّبُئكُ ْم بِمَا كُنتُ مْ فِي هِ‬ ‫وَاحِ َدةً وََلكِ نْ ِليَبُْلوَكُ مْ فِي مَا آتَاكُ مْ فَا ْسَتِبقُوا الْ َ‬
‫ختَِلفُونَ (‪)48‬‬ ‫تَ ْ‬

‫وأنزلنا إليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬القرآن‪ ,‬وكل ما فيه حقّ يشهد على صدق الكتب قبله‪ ,‬وأنا من عند ال‪,‬‬
‫مصدقًا لا فيها من صحة‪ ،‬ومبّينًا لا فيها من تريف‪ ،‬ناسخًا لبعض شرائعها‪ ,‬فاحكم بي الحتكمي إليك‬
‫من اليهود با أنزل ال إليك ف هذا القرآن‪ ,‬ول تنصرف عن الق الذي أمرك ال به إل أهوائهم وما‬
‫اعتادوه‪ ,‬فقد جعلنا لكل أمة شريعة‪ ,‬وطريقة واضحة يعملون با‪ .‬ولو شاء ال لعل شرائعكم واحدة‪,‬‬
‫ولكنه تعال خالف بينها ليختبكم‪ ,‬فيظهر الطيع من العاصي‪ ,‬فسارعوا إل ما هو خي لكم ف الدارين‬
‫بالعمل با ف القرآن‪ ,‬فإن مصيكم إل ال‪ ,‬فيخبكم با كنتم فيه تتلفون‪ ,‬ويزي كل بعمله‪.‬‬

‫‪188‬‬
‫َوأَ نْ ا ْحكُ ْم َبيَْنهُ ْم بِمَا أَنزَلَ اللّ هُ وَل َتّتبِ عْ َأهْوَا َءهُ مْ وَا ْحذَ ْرهُ مْ أَ نْ َي ْفتِنُو كَ عَ ْن َبعْ ضِ مَا أَن َزلَ اللّ هُ إِلَيْ كَ فَإِ نْ‬
‫َتوَلّوْا فَاعْلَمْ َأنّمَا يُرِيدُ اللّهُ َأ ْن يُصِيَبهُمْ بَِب ْعضِ ُذنُوبِهِ ْم َوِإنّ َكثِيا مِ ْن النّاسِ َلفَا ِسقُونَ (‪)49‬‬

‫واحكم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بي اليهود با أنزل ال إليك ف القرآن‪ ,‬ول تتبع أهواء الذين يتكمون إليك‪,‬‬
‫واحذرهم أن يصدّوك عن بعض ما أنزل ال إليك فتترك العمل به‪ ,‬فإن أعرض هؤلء عمّا تكم به فاعلم‬
‫ب اكتسبوها من قبل‪ .‬وإن كثيًا من الناس لَخارجون عن‬
‫أن ال يريد أن يصرفهم عن الدى بسبب ذنو ٍ‬
‫طاعة ربم‪.‬‬

‫س ُن مِنْ اللّهِ ُحكْما ِل َق ْومٍ يُوِقنُونَ (‪)50‬‬


‫حكْ َم الْجَاهِِلّي ِة َيبْغُونَ َومَنْ أَحْ َ‬
‫أَفَ ُ‬

‫أيريد هؤلء اليهود أن تكم بينهم با تعارف عليه الشركون عبدةُ الوثان من الضللت والهالت؟!‬
‫ل يكون ذلك ول يليق أبدًا ومَن أعدل مِن ال ف حكمه لن عقل عن ال شَرْعه‪ ,‬وآمن به‪ ,‬وأيقن أن‬
‫حكم ال هو الق؟‬

‫ض َومَ ْن َيَتوَلّهُ ْم ِمْنكُ مْ فَِإنّ هُ مِْنهُ مْ‬


‫ضهُ مْ َأوْلِيَا ُء َبعْ ٍ‬
‫خذُوا اْلَيهُو َد وَالنّ صَارَى َأوِْليَاءَ َب ْع ُ‬
‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ل تَتّ ِ‬
‫إِنّ اللّ َه ل َيهْدِي اْل َقوْمَ الظّالِمِيَ (‪)51‬‬

‫يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى حلفا َء وأنصارًا على أهل اليان; ذلك أنم ل يُوادّون‬
‫الؤمني‪ ,‬فاليهود يوال بعضهم بعضًا‪ ,‬وكذلك النصارى‪ ,‬وكل الفريقي يتمع على عداوتكم‪ .‬وأنتم‬
‫‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬أجد ُر بأن ينصر بعضُكم بعضًا‪ .‬ومن يتولم منكم فإنه يصي من جلتهم‪ ,‬وحكمه‬
‫حكمهم‪ .‬إن ال ل يوفق الظالي الذين يتولون الكافرين‪.‬‬

‫ض يُسَا ِرعُونَ فِيهِم َيقُولُو َن نَخْشَى أَ ْن تُصِيبَنَا دَائِ َرةٌ َفعَسَى اللّهُ أَنْ َي ْأتِيَ بِاْل َفتْحِ‬
‫َفتَرَى الّذِينَ فِي قُلُوِبهِ ْم َمرَ ٌ‬
‫سهِ ْم نَا ِدمِيَ (‪)52‬‬‫َأوْ َأمْ ٍر مِنْ عِنْ ِدهِ َفُيصْبِحُوا عَلَى مَا َأسَرّوا فِي أَنفُ ِ‬

‫يب ال تعال عن جاعة من النافقي أنم كانوا يبادرون ف موادة اليهود لا ف قلوبم من الش ّ‬
‫ك‬
‫والنفاق‪ ,‬ويقولون‪ :‬إنا نوادّهم خشية أن يظفروا بالسلمي فيصيبونا معهم‪ ,‬قال ال تعال ذكره‪ :‬فعسى‬
‫ال أن يأت بالفتح ‪-‬أي فتح "مكة"‪ -‬وينصر َنبِيّه‪ ,‬ويُ ْظهِر السلم والسلمي على الكفار‪ ,‬أو يُهيّئ من‬
‫‪189‬‬
‫المور ما تذهب به قوةُ اليهود والنّصارى‪ ,‬فيخضعوا للمسلمي‪ ,‬فحينئ ٍذ يندم النافقون على ما أضمروا‬
‫ف أنفسهم من موالتم‪.‬‬

‫صبَحُوا‬
‫َوَيقُو ُل الّذِي نَ آ َمنُوا َأ َهؤُل ِء الّذِي نَ أَقْ سَمُوا بِاللّ هِ َجهْدَ َأيْمَاِنهِ مْ ِإّنهُ مْ لَ َم َعكُ مْ َحبِطَ تْ َأعْمَاُلهُ مْ َفأَ ْ‬
‫خَاسِرِينَ (‪)53‬‬

‫وحينئذ يقول بعض الؤمني لبعض مُتعجّبي من حال النافقي ‪-‬إذا كُشِف أمرهم‪ :-‬أهؤلء الذين‬
‫أقسموا بأغلظ اليان إنم لَ َمعَنا؟! بطلت أعمال النافقي الت عملوها ف الدنيا‪ ,‬فل ثواب لم عليها;‬
‫لنم عملوها على غي إيان‪ ,‬فخسروا الدنيا والخرة‪.‬‬

‫حبّونَ هُ َأذِّلةٍ عَلَى الْ ُم ْؤ ِمنِيَ‬


‫حّبهُ ْم َويُ ِ‬
‫ف َي ْأتِي اللّ ُه ِب َقوْ ٍم يُ ِ‬
‫سوْ َ‬
‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا مَ ْن يَ ْرتَ ّد ِمْنكُ مْ عَ نْ دِينِ هِ فَ َ‬
‫َأعِ ّزةٍ عَلَى الْكَاِفرِي نَ يُجَاهِدُو نَ فِي َسبِيلِ اللّ ِه وَل يَخَافُو نَ َل ْو َمةَ لئِ مٍ ذَلِ كَ َفضْلُ اللّ هِ ُيؤْتِي هِ مَ نْ يَشَاءُ وَاللّ هُ‬
‫وَاسِ ٌع عَلِيمٌ (‪)54‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه من يرجع منكم عن دينه‪ ,‬ويستبدل به اليهودية أو‬
‫حبّهم ويبونه‪ ,‬رحاء‬ ‫النصرانية أو غي ذلك‪ ,‬فلن يضرّوا ال شيئًا‪ ,‬وسوف يأت ال بقوم خي منهم يُ ِ‬
‫بالؤمني أشدّاء على الكافرين‪ ,‬ياهدون أعداء ال‪ ,‬ول يافون ف ذات ال أحدًا‪ .‬ذلك النعام مِن فضل‬
‫ال يؤتيه من أراد‪ ,‬وال واسع الفضل‪ ,‬عليم بن يستحقه من عباده‪.‬‬

‫ِإنّمَا وَِليّكُمْ اللّ ُه وَ َرسُولُ ُه وَالّذِينَ آ َمنُوا الّذِي َن ُيقِيمُو َن الصّلةَ َويُ ْؤتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (‪)55‬‬

‫إنا ناصركم ‪-‬أيّها الؤمنون‪ -‬ال ورسوله‪ ,‬والؤمنون الذين يافظون على الصلة الفروضة‪ ,‬ويؤدون‬
‫الزكاة عن رضا نفس‪ ,‬وهم خاضعون ل‪.‬‬

‫َومَ ْن َيتَوَلّ اللّ َه وَ َرسُولَ ُه وَالّذِينَ آمَنُوا فَِإنّ ِحزْبَ اللّ ِه هُ ْم اْلغَالِبُونَ (‪)56‬‬

‫ومن وثق بال وتولّى ال ورسوله والؤمني‪ ,‬فهو من حزب ال‪ ,‬وحزب ال هم الغالبون النتصرون‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫خذُوا الّذِي َن اتّخَذُوا دِيَنكُ مْ هُزُوا وََلعِبا مِ ْن الّذِي نَ أُوتُوا اْل ِكتَا بَ مِ نْ َقبِْلكُ مْ‬‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ل تَتّ ِ‬
‫وَالْ ُكفّارَ َأوْلِيَا َء وَاتّقُوا اللّهَ ِإنْ كُنتُ ْم ُم ْؤ ِمنِيَ (‪)57‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ،‬ل تتخذوا الذين يستهزئون ويتلعبون بدينكم من أهل‬
‫الكتاب والكفا َر أولياءَ‪ ,‬وخافوا ال إن كنتم مؤمني به وبشرعه‪.‬‬

‫ك ِبأَّنهُمْ َق ْو ٌم ل يَ ْعقِلُونَ (‪)58‬‬


‫خذُوهَا هُزُوا وََلعِبا ذَلِ َ‬
‫َوإِذَا نَا َدْيتُمْ إِلَى الصّلةِ اتّ َ‬

‫وإذا أذّن مؤذنكم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬بالصلة سخر اليهود والنصارى والشركون واستهزؤوا من دعوتكم‬
‫إليها؛ وذلك بسبب جهلهم بربم‪ ،‬وأنم ل يعقلون حقيقة العبادة‪.‬‬

‫قُ ْل يَا َأهْ َل اْلكِتَا بِ هَلْ تَنقِمُو َن ِمنّ ا إِلّ أَ نْ آ َمنّ ا بِاللّ ِه وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا ُأنْ ِز َل مِ نْ َقبْ ُل َوأَنّ أَ ْكثَرَكُ مْ‬
‫فَا ِسقُونَ (‪)59‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الستهزئي من أهل الكاب‪ :‬ما تَجِدُونه مطعنًا أو عيبًا هو ممدة لنا‪ :‬من إياننا‬
‫بال وكتبه النلة علينا‪ ,‬وعلى من كان قبلنا‪ ,‬وإياننا بأن أكثركم خارجون عن الطريق الستقيم!‬

‫خنَازِيرَ‬
‫ك َمثُوَبةً عِنْدَ اللّ ِه مَ نْ َل َعنَ هُ اللّ ُه َوغَضِ بَ عََليْ ِه وَ َجعَ َل ِمْنهُ ْم اْلقِرَ َد َة وَالْ َ‬
‫قُ ْل هَلْ ُأَنبُّئكُ ْم بِشَ ّر مِ نْ ذَلِ َ‬
‫سبِيلِ (‪)60‬‬ ‫ك شَ ّر َمكَانا َوأَضَ ّل عَ ْن َسوَاءِ ال ّ‬ ‫َوعَبَدَ الطّاغُوتَ ُأوْلَئِ َ‬

‫قل ‪-‬أيها النب‪ -‬للمؤمني‪ :‬هل أخبكم بن يُجازَى يوم القيامة جزاءً أش ّد مِن جزاء هؤلء الفاسقي؟‬
‫إنم أسلفهم الذين طردهم ال من رحته و َغضِب عليهم‪ ,‬ومَسَخَ خَلْقهم‪ ,‬فجعل منهم القردة والنازير‪,‬‬
‫بعصيانم وافترائهم وتكبهم‪ ,‬كما كان منهم ُعبّاد الطاغوت (وهو كل ما عُبِد من دون ال وهو‬
‫راضٍ)‪ ,‬لقد ساء مكانم ف الخرة‪ ,‬وضلّ َسعْيُهم ف الدنيا عن الطريق الصحيح‪.‬‬

‫َوإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنّا وَقَدْ دَ َخلُوا بِاْل ُكفْ ِر َوهُمْ َقدْ َخرَجُوا بِهِ وَاللّهُ َأعْلَ ُم بِمَا كَانُوا يَ ْكتُمُونَ (‪)61‬‬

‫‪191‬‬
‫وإذا جاءكم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬منافقو اليهود‪ ,‬قالوا‪ :‬آمنّا‪ ,‬وهم مقيمون على كفرهم‪ ,‬قد دخلوا عليكم‬
‫بكفرهم الذي يعتقدونه بقلوبم‪ ,‬ث خرجوا وهم مصرّون عليه‪ ,‬وال أعلم بسرائرهم‪ ,‬وإن أظهروا‬
‫خلف ذلك‪.‬‬

‫حتَ َلِبْئسَ مَا كَانُوا يَعْ َملُونَ (‪)62‬‬


‫َوتَرَى َكثِيا ِمْنهُ ْم يُسَا ِرعُونَ فِي الِثْ ِم وَاْلعُ ْدوَانِ َوأَكِْل ِهمْ السّ ْ‬

‫وترى ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كثيًا من اليهود يبادرون إل العاصي من قول الكذب والزور‪ ,‬والعتداء على‬
‫أحكام ال‪ ,‬وأكْل أموال الناس بالباطل‪ ,‬لقد ساء عملهم واعتداؤهم‪.‬‬

‫صَنعُونَ (‪)63‬‬
‫حتَ َلِبْئسَ مَا كَانُوا َي ْ‬
‫َلوْل َيْنهَاهُمْ ال ّربّانِيّونَ وَالَ ْحبَا ُر عَنْ َقوِْلهِ ْم الِثْ َم َوأَكِْلهِمْ السّ ْ‬

‫هل ينهى هؤلء الذين يسارعون ف الث والعدوان أئمتُهم وعلماؤهم‪ ,‬عن قول الكذب والزور‪ ,‬وأكل‬
‫أموال الناس بالباطل‪ ,‬لقد ساء صنيعهم حي تركوا النهي عن النكر‪.‬‬

‫ف يَشَا ُء وََليَزِي َدنّ‬


‫ت الَْيهُو ُد يَدُ اللّ ِه َمغْلُوَلةٌ غُلّتْ َأيْدِيهِ ْم وَُلعِنُوا بِمَا قَالُوا بَ ْل يَدَاهُ َمبْسُو َطتَا ِن يُنفِ قُ َكيْ َ‬ ‫وَقَالَ ْ‬
‫ك ُطغْيَانا وَ ُكفْرا َوأَلْ َقيْنَا َبيَْنهُ مْ الْعَدَا َوةَ وَاْلبَ ْغضَاءَ إِلَى َيوْ ِم اْلقِيَا َمةِ كُلّمَا‬
‫ك مِ نْ َربّ َ‬ ‫َكثِيا ِمْنهُ ْم مَا أُنزِلَ إَِليْ َ‬
‫ب الْ ُمفْسِدِينَ (‪)64‬‬ ‫ح ّ‬ ‫سعَ ْونَ فِي الَ ْرضِ فَسَادا وَاللّ ُه ل يُ ِ‬ ‫َأوْقَدُوا نَارا لِ ْلحَرْبِ أَ ْط َفأَهَا اللّ ُه َويَ ْ‬

‫يُطلع ال نَِبيّه على شيء من مآث اليهود ‪-‬وكان ما يُسرّونه فيما بينهم‪ -‬أنم قالوا‪ :‬يد ال مبوسة عن‬
‫فعل اليات‪ ,‬بَخِ َل علينا بالرزق والتوسعة‪ ,‬وذلك حي لقهم َجدْب وقحط‪ .‬غُّلتْ أيديهم‪ ,‬أي‪:‬‬
‫حبست أيديهم هم عن ِفعْ ِل اليات‪ ,‬وطردهم ال من رحته بسبب قولم‪ .‬وليس المر كما يفترونه‬
‫على ربم‪ ,‬بل يداه مبسوطتان ل َحجْرَ عليه‪ ,‬ول مانع ينعه من النفاق‪ ,‬فإنه الواد الكري‪ ,‬ينفق على‬
‫مقتضى الكمة وما فيه مصلحة العباد‪ .‬وف الية إثبات لصفة اليدين ل سبحانه وتعال كما يليق به من‬
‫غي تشبيه ول تكييف‪ .‬لكنهم سوف يزدادون طغيانًا وكفرًا بسبب حقدهم وحسدهم; لن ال قد‬
‫اصطفاك بالرسالة‪ .‬ويب تعال أن طوائف اليهود سيظلون إل يوم القيامة يعادي بعضهم بعضًا‪ ,‬وينفر‬
‫بعضهم من بعض‪ ,‬كلما تآمروا على الكيد للمسلمي بإثارة الفت وإشعال نار الرب ردّ ال كيدهم‪,‬‬

‫‪192‬‬
‫وفرّق شلهم‪ ,‬ول يزال اليهود يعملون بعاصي ال ما ينشأ عنها الفساد والضطراب ف الرض‪ .‬وال‬
‫تعال ل يب الفسدين‪.‬‬

‫وََلوْ َأنّ َأهْلَ اْل ِكتَابِ آ َمنُوا وَاّتقَوْا َلكَفّ ْرنَا َعْنهُ ْم َسيّئَاِتهِ ْم وَلَدْ َخ ْلنَاهُمْ َجنّاتِ الّنعِيمِ (‪)65‬‬

‫ولو أن اليهود والنصارى صدّقوا ال ورسوله‪ ,‬وامتثلوا أوامر ال واجتنبوا نواهيه‪ ,‬لكفّرنا عنهم ذنوبم‪,‬‬
‫ولدخلناهم جنات النعيم ف الدار الخرة‪.‬‬

‫وََلوْ َأّنهُ مْ أَقَامُوا الّتوْرَا َة وَالِنِي َل َومَا أُن ِزلَ إَِليْهِ ْم مِ نْ َرّبهِ مْ لَكَلُوا مِ نْ َفوِْقهِ ْم َومِ ْن تَحْ تِ أَرْ ُجِلهِ ْم ِمْنهُ مْ‬
‫ُأ ّمةٌ ُم ْقَتصِدَ ٌة وَ َكثِيٌ ِمْنهُ ْم سَا َء مَا َيعْمَلُونَ (‪)66‬‬

‫ولو أنّهم عملوا با ف التوراة والنيل‪ ,‬وبا ُأنْزِل عليك أيها الرسول ‪ -‬وهو القرآن الكري ‪ -‬لرُزِقوا من‬
‫ك ّل سبيلٍ‪ ,‬فأنزلنا عليهم الطر‪ ,‬وأنبتنا لم الثمر‪ ,‬وهذا جزاء الدنيا‪ .‬وإ ّن مِن أهل الكتاب فريقًا معتدل‬
‫ثابتًا على الق‪ ,‬وكثي منهم ساء عملُه‪ ,‬وضل عن سواء السبيل‪.‬‬

‫ك مِ ْن النّا سِ إِنّ‬
‫ك َوإِ نْ َل ْم َتفْعَلْ فَمَا بَّلغْ تَ رِ سَاَلتَ ُه وَاللّ ُه َيعْ صِمُ َ‬
‫ك مِ نْ َربّ َ‬
‫يَا َأيّهَا الرّ سُو ُل بَلّ ْغ مَا أُن ِزلَ إِلَيْ َ‬
‫اللّ َه ل َيهْدِي الْ َق ْومَ الْكَافِرِينَ (‪)67‬‬

‫يا أيها الرسول بلّغ وحي ال الذي أنزِل إليك من ربك‪ ,‬وإن قصّرت ف البلغ َف َكتَ ْمتَ منه شيئًا‪ ,‬فإنك‬
‫ل ُتبَلّغ رسالة ربّك‪ ,‬وقد بلّغ صلى ال عليه وسلم رسالة ربه كاملة‪ ,‬فمن زعم أنه كتم شيئًا ما أنزِل‬
‫عليه‪ ,‬فقد أعظم على ال ورسوله الفرية‪ .‬وال تعال حافظك وناصرك على أعدائك‪ ,‬فليس عليك إل‬
‫البلغ‪ .‬إن ال ل يوفق للرشد مَن حاد عن سبيل الق‪ ,‬وجحد ما جئت به من عند ال‪.‬‬

‫ستُ ْم عَلَى َشيْءٍ َحتّ ى ُتقِيمُوا الّتوْرَا َة وَالِنِي َل وَمَا أُنزِلَ إَِلْيكُ ْم مِ نْ َرّبكُ ْم وََليَزِيدَنّ‬
‫قُ ْل يَا َأهْ َل اْلكِتَا بِ لَ ْ‬
‫َكثِيا ِمْنهُ ْم مَا أُنزِلَ إَِليْكَ مِنْ َربّكَ ُط ْغيَانا وَ ُكفْرا فَل َتأْسَ عَلَى اْلقَ ْو ِم الْكَافِرِينَ (‪)68‬‬

‫‪193‬‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لليهود والنصارى‪ :‬إنكم لستم على حظّ من الدين ما دمتم ل تعملوا با ف التوراة‬
‫والنيل‪ ,‬وما جاءكم به ممد من القرآن‪ ,‬وإن كثيًا من أهل الكتاب ل يزيدهم إنزا ُل القرآن إليك إل‬
‫تبّرًا وجحودًا‪ ,‬فهم يسدونك; لن ال بعثك بذه الرسالة الاتة‪ ,‬الت َبيّن فيها معايبهم‪ ,‬فل تزن‬
‫‪-‬أيها الرسول‪ -‬على تكذيبهم لك‪.‬‬

‫ِإنّ الّذِينَ آ َمنُوا وَالّذِينَ هَادُوا وَالصّاِبئُو َن وَالنّصَارَى مَنْ آمَ َن بِاللّ ِه وَاْلَيوْمِ الخِ ِر َوعَمِلَ صَالِحا فَل َخوْفٌ‬
‫عََلْيهِ ْم وَل هُ ْم َيحْ َزنُونَ (‪)69‬‬

‫إن الذين آمنوا (وهم السلمون) واليهود‪ ,‬والصابئي (وهم قوم باقون على فطرتم‪ ,‬ول دين مقرر لم‬
‫يتبعونه) والنصارى (وهم أتباع السيح) من آمن منهم بال اليان الكامل‪ ,‬وهو توحيد ال والتصديق‬
‫بحمد صلى ال عليه وسلم وبا جاء به‪ ,‬وآمن باليوم الخر‪ ,‬وعمل العمل الصال‪ ,‬فل خوف عليهم من‬
‫أهوال يوم القيامة‪ ,‬ول هم يزنون على ما تركوه وراءهم ف الدنيا‪.‬‬

‫سهُمْ فَرِيقا‬
‫َلقَدْ أَخَذْنَا مِيثَا قَ بَنِي إِ سْرَائِيلَ َوأَرْ سَ ْلنَا إَِلْيهِ مْ رُ ُسلً كُلّمَا جَا َءهُ مْ رَ سُو ٌل بِمَا ل َت ْهوَى أَنفُ ُ‬
‫كَ ّذبُوا وَفَرِيقا َيقْتُلُونَ (‪)70‬‬

‫لقد أخذنا العهد الؤكّد على بن إسرائيل ف التوراة بالسمع والطاعة‪ ,‬وأرسلنا إليهم بذلك رسلنا‪,‬‬
‫َفَنقَضوا ما أُخذ عليهم من العهد‪ ,‬واتبعوا أهواءهم‪ ,‬وكانوا كلما جاءهم رسول من أولئك الرسل با ل‬
‫تشتهيه أنفسهم عا َدوْه‪ :‬فكذبوا فريقًا من الرسل‪ ,‬وقتلوا فريقًا آخر‪.‬‬

‫صمّوا َكثِ ٌي ِمنْهُ ْم وَاللّ ُه بَ صِيٌ بِمَا‬


‫صمّوا ثُمّ تَا بَ اللّ ُه عََلْيهِ ْم ثُمّ عَمُوا وَ َ‬
‫سبُوا أَ ّل َتكُو نَ ِفْتَنةٌ َفعَمُوا وَ َ‬
‫وَحَ ِ‬
‫َيعْمَلُونَ (‪)71‬‬

‫وظنّ هؤلء العُصاة أن ال لن يأخذهم بالعذاب جزاء عصيانم و ُعتُوّهم‪ ,‬فمضوا ف شهواتم‪ ,‬وعمُوا عن‬
‫صمّوا عن ساع القّ فلم ينتفعوا به‪ ,‬فأنزل ال بم بأسه‪ ,‬فتابوا فتاب ال عليهم‪ ,‬ث‬
‫الدى فلم يبصروه‪ ,‬و َ‬
‫عَمِي كث ٌي منهم‪ ,‬وصمّوا‪ ,‬بعدما تبي لم القّ‪ ,‬وال بصي بأعمالم خيها وشرها وسيجازيهم عليها‪.‬‬

‫‪194‬‬
‫َلقَدْ َكفَ َر الّذِي نَ قَالُوا ِإنّ اللّ َه ُه َو الْمَ سِي ُح ابْ ُن مَ ْريَ َم وَقَا َل الْمَ سِي ُح يَا َبنِي إِ سْرَائِي َل ا ْعبُدُوا اللّ هَ َربّي َو َربّكُ مْ‬
‫جّنةَ َومَ ْأوَا ُه النّا ُر َومَا لِلظّالِمِيَ مِنْ أَنصَارٍ (‪)72‬‬ ‫ِإنّهُ مَ ْن يُشْ ِر ْك بِاللّهِ َفقَدْ حَ ّرمَ اللّ ُه عََليْ ِه الْ َ‬

‫يقسم ال تعال بأن الذين قالوا‪ :‬إن ال هو السيح ابن مري‪ ,‬قد كفروا بقالتهم هذه‪ ,‬وأخب تعال أن‬
‫السيح قال لبن إسرائيل‪ :‬اعبدوا ال وحده ل شريك له‪ ,‬فأنا وأنتم ف العبودية سواء‪ .‬إنه من يعبد مع ال‬
‫غيه فقد حرّم ال عليه النة‪ ,‬وجعل النار مُسَتقَرّه‪ ,‬وليس له ناصرٌ يُنقذُه منها‪.‬‬

‫ث ثَلَثةٍ وَمَا مِ نْ إِلَ هٍ إِلّ إِلَ ٌه وَاحِ ٌد َوإِ نْ لَ ْم يَنَتهُوا عَمّ ا َيقُولُو نَ َليَمَ سّنّ‬
‫َلقَدْ َكفَ َر الّذِي نَ قَالُوا إِنّ اللّ َه ثَالِ ُ‬
‫الّذِينَ َكفَرُوا ِمْنهُ ْم عَذَابٌ أَلِيمٌ (‪)73‬‬

‫لقد كفر من النصارى من قال‪ :‬إنّ ال مموع ثلثة أشياء‪ :‬هي الب‪ ,‬والبن‪ ,‬وروح القدس‪ .‬أما عَِل َم‬
‫هؤلء النصارى أنه ليس للناس سوى معبود واحد‪ ,‬ل يلد ول يولد‪ ,‬وإن ل ينته أصحاب هذه القالة عن‬
‫افترائهم وكذبم لُيصِيَبنّهم عذاب مؤل موجع بسبب كفرهم بال‪.‬‬

‫ستَ ْغفِرُونَ ُه وَاللّهُ غَفُورٌ َرحِيمٌ (‪)74‬‬


‫أَفَل َيتُوبُونَ إِلَى اللّ ِه َويَ ْ‬

‫أفل يرجع هؤلء النصارى إل ال تعال‪ ,‬ويتولون عمّا قالوا‪ ,‬ويسألون ال تعال الغفرة؟ وال تعال‬
‫متجاوز عن ذنوب التائبي‪ ,‬رحيمٌ بم‬

‫مَا الْمَ سِيحُ ابْ ُن مَ ْريَ مَ إِلّ رَ سُولٌ قَدْ خَلَ تْ مِ نْ َقبْلِ هِ الرّ سُ ُل َوُأمّ هُ صِدّي َقةٌ كَانَا يَأْكُل نِ ال ّطعَامَانظُرْ َكيْ فَ‬
‫ُنبَيّنُ َلهُ ْم اليَاتِ ثُمّ ان ُظرْ َأنّى ُيؤْفَكُونَ (‪)75‬‬

‫ما السيح ابن مري عليه السلم إل رسولٌ كمن تقدمه من الرسل‪ ,‬وُأمّه قد صَدّقت تصديقًا جازمًا علمًا‬
‫وعمل وها كغيها من البشر يتاجان إل الطعام‪ ,‬ول يكون إلًا مَن يتاج ال الطعام ليعيش‪ .‬فتأمّل‬
‫‪-‬أيها الرسول‪ -‬حال هؤلء الكفار‪ .‬لقد وضحنا العلماتِ الدالةَ على وحدانيتنا‪ ,‬وبُطلن ما يَدّعونه ف‬
‫أنبياء ال‪ .‬ث هم مع ذلك َيضِلّون عن الق الذي نَهديهم إليه‪ ,‬ث انظر كيف يُصرفون عن الق بعد هذا‬
‫البيان؟‬

‫‪195‬‬
‫ضرّا وَل َنفْعا وَاللّ ُه ُهوَ السّمِي ُع اْلعَلِيمُ (‪)76‬‬
‫قُلْ َأَتعْبُدُو َن مِنْ دُونِ اللّ ِه مَا ل يَمْلِكُ َلكُمْ َ‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الكفرة‪ :‬كيف تشركون مع ال من ل َيقْدِرُ على ضَرّكم‪ ,‬ول على َج ْلبِ نفع‬
‫لكم؟ وال هو السميع لقوال عباده‪ ,‬العليم بأحوالم‪.‬‬

‫ضلّوا مِ نْ َقبْ ُل َوأَضَلّوا َكثِيا‬


‫قُ ْل يَا َأهْ َل اْلكِتَا بِ ل َتغْلُوا فِي دِيِنكُ ْم َغيْ َر الْحَقّ وَل َتتِّبعُوا َأ ْهوَاءَ َقوْ مٍ قَدْ َ‬
‫وَضَلّوا عَنْ َسوَاءِ السّبِيلِ (‪)77‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للنصارى‪ :‬ل تتجاوزوا ال ّق فيما تعتقدونه من أمر السيح‪ ,‬ول تتبعوا أهواءكم‪ ,‬كما‬
‫اتّبع اليهود أهواءهم ف أمر الدين‪ ,‬فوقعوا ف الضلل‪ ,‬وحلوا كثيًا من الناس على الكفر بال‪ ,‬وخرجوا‬
‫عن طريق الستقامة ال طريق الغَواية والضلل‪.‬‬

‫صوْا وَكَانُوا َي ْعتَدُونَ (‬


‫ك بِمَا عَ َ‬
‫ُلعِ َن الّذِينَ َكفَرُوا مِ ْن َبنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُو َد َوعِيسَى ابْنِ َم ْريَمَ ذَلِ َ‬
‫‪)78‬‬

‫يب تعال أنه طرد من رحته الكافرين من بن إسرائيل ف الكتاب الذي أنزله على داود ‪-‬عليه السلم‪-‬‬
‫وهو الزّبور‪ ,‬وف الكتاب الذي أنزله على عيسى ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬وهو النيل; بسبب عصيانم‬
‫واعتدائهم على حرمات ال‪.‬‬

‫كَانُوا ل َيتَنَا َهوْ َن عَ ْن مُنكَرٍ َف َعلُوهُ َلِبْئسَ مَا كَانُوا َي ْفعَلُونَ (‪)79‬‬

‫كان هؤلء اليهود يُجاهرون بالعاصي ويرضونا‪ ,‬ول َينْهى بعضُهم بعضًا عن أيّ منكر فعلوه‪ ,‬وهذا من‬
‫أفعالم السيئة‪ ,‬وبه استحقوا أن يُطْ َردُوا من رحة ال تعال‪.‬‬

‫سهُمْ أَ نْ سَخِطَ اللّ ُه عََلْيهِ ْم وَفِي اْلعَذَا بِ‬


‫تَرَى َكثِيا ِمْنهُ ْم يََتوَّلوْ َن الّذِي نَ َكفَرُوا َلبِئْ سَ مَا قَ ّدمَ تْ َلهُ مْ أَنفُ ُ‬
‫هُمْ خَالِدُونَ (‪)80‬‬

‫‪196‬‬
‫تَرَى ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كثيًا من هؤلء اليهود يتخذون الشركي أولياء لم‪ ,‬ساء ما عملوه من الوالة الن‬
‫كانت سببًا ف غضب ال عليهم‪ ,‬وخلودهم ف عذاب ال يوم القيامة‪.‬‬

‫خذُوهُمْ َأوْلِيَا َء وََلكِنّ َكثِيا ِمْنهُمْ فَا ِسقُونَ (‪)81‬‬


‫وََلوْ كَانُوا ُيؤْ ِمنُو َن بِاللّ ِه وَالنِّبيّ َومَا أُنزِلَ إَِليْ ِه مَا اتّ َ‬

‫ولو أن هؤلء اليهود الذين يناصرون الشركي كانوا قد آمنوا بال تعال والنب ممد صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ,‬وأقرّوا با أنزل إليه ‪-‬وهو القرآن الكري‪ -‬ما اتذوا الكفار أصحابًا وأنصارًا‪ ,‬ولكن كثيًا منهم‬
‫خارجون عن طاعة ال ورسوله‪.‬‬

‫س عَدَاوَةً لِلّذِي نَ آ َمنُوا الَْيهُو َد وَالّذِي نَ َأشْرَكُوا وََلتَجِدَنّ أَقْ َرَبهُ ْم َموَ ّدةً لِلّذِي نَ آ َمنُوا الّذِي نَ‬
‫َلتَجِدَنّ َأشَ ّد النّا ِ‬
‫سَتكْبِرُونَ (‪)82‬‬ ‫ي وَ ُر ْهبَانا َوَأّنهُمْ ل يَ ْ‬‫ك ِبأَ ّن ِمْنهُمْ قِسّيسِ َ‬ ‫قَالُوا ِإنّا َنصَارَى ذَلِ َ‬

‫لتجدنّ ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أش ّد الناس عداوة للذين صدّقوك وآمنوا بك واتبعوك‪ ,‬اليهودَ; لعنادهم‪,‬‬
‫وجحودهم‪ ,‬وغمطهم الق‪ ,‬والذين أشركوا مع ال غيه‪ ,‬كعبدة الوثان وغيهم‪ ,‬ولتجدنّ أقربم مودة‬
‫للمسلمي الذين قالوا‪ :‬إنا نصارى‪ ,‬ذلك بأن منهم علماء بدينهم متزهدين وعبّادًا ف الصوامع متنسكي‪,‬‬
‫وأنم متواضعون ل يستكبون عن قَبول الق‪ ,‬وهؤلء هم الذين قبلوا رسالة ممد صلى ال عليه وسلم‪,‬‬
‫وآمنوا با‪.‬‬

‫‪197‬‬
‫الزء السابع ‪:‬‬

‫َوإِذَا َس ِمعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرّ سُو ِل تَرَى أَ ْعُيَنهُ مْ َتفِي ضُ مِ نْ ال ّدمْ ِع مِمّا عَرَفُوا مِ ْن الْحَقّ َيقُولُو نَ َربّنَا آ َمنّ ا‬
‫فَا ْكتُْبنَا مَعَ الشّاهِدِينَ (‪)83‬‬

‫وما يدل على قرب مودتم للمسلمي أن فريقًا منهم (وهم وفد البشة لا سعوا القرآن) فاضت أعينهم‬
‫من الدمع فأيقنوا أنه حقّ منل من عند ال تعال‪ ,‬وصدّقوا بال واتبعوا رسوله‪ ,‬وتضرعوا إل ال أن‬
‫يكرمهم بشرف الشهادة مع أمّة ممد عليه السلم على المم يوم القيامة‪.‬‬

‫حيَ (‪)84‬‬
‫َومَا َلنَا ل ُن ْؤمِ ُن بِاللّ ِه َومَا جَا َءنَا مِ ْن الْحَ ّق َونَطْ َمعُ َأنْ يُ ْدخَِلنَا َرّبنَا مَ َع الْ َق ْو ِم الصّالِ ِ‬

‫وقالوا‪ :‬وأيّ لوم علينا ف إياننا بال‪ ,‬وتصديقنا بالق الذي جاءنا به ممد صلى ال عليه وسلم من عند‬
‫ال‪ ,‬واتباعنا له‪ ,‬ونرجو أن يدخلنا ربنا مع أهل طاعته ف جنته يوم القيامة؟‬

‫سِنيَ (‪)85‬‬
‫حِتهَا الَْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا َوذَلِكَ جَزَا ُء الْمُحْ ِ‬
‫جرِي مِ ْن تَ ْ‬
‫ت تَ ْ‬
‫َفَأثَاَبهُمْ اللّ ُه بِمَا قَالُوا َجنّا ٍ‬

‫فجزاهم ال با قالوا من العتزاز بإيانم بالسلم‪ ,‬وطلبهم أن يكونوا مع القوم الصالي‪ ,‬جنات تري‬
‫من تت أشجارها النار‪ ,‬ماكثي فيها ل يرجون منها‪ ,‬ول يُحوّلون عنها‪ ,‬وذلك جزاء إحسانم ف‬
‫القول والعمل‪.‬‬

‫ب الْجَحِيمِ (‪)86‬‬
‫صحَا ُ‬
‫وَالّذِينَ َك َفرُوا وَكَ ّذبُوا بِآيَاتِنَا ُأوَْلئِكَ أَ ْ‬

‫والذين جحدوا وحدانية ال وأنكروا نبوة ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وكذّبوا بآياته النلة على رسله‪,‬‬
‫أولئك هم أصحاب النار اللزمون لا‪.‬‬

‫ب الْ ُمعْتَدِينَ (‪)87‬‬


‫ح ّ‬
‫يَا َأيّهَا الّذِينَ آ َمنُوا ل تُحَ ّرمُوا طَّيبَاتِ مَا َأحَلّ اللّهُ َلكُ ْم وَل تَ ْعتَدُوا ِإنّ اللّ َه ل يُ ِ‬

‫‪198‬‬
‫يا أيها الذين آمنوا ل ترّموا طيبات أحلّها ال لكم من الطاعم والشارب ونكاح النساء‪ ,‬فتضيقوا ما‬
‫وسّع ال عليكم‪ ,‬ول تتجاوزوا حدود ما حرّم ال‪ .‬إن ال ل يب العتدين‪.‬‬

‫وَكُلُوا مِمّا رَزََقكُمْ اللّهُ حَل ًل َطيّبا وَاتّقُوا اللّ َه الّذِي َأْنتُ ْم بِ ِه ُمؤْ ِمنُونَ (‪)88‬‬

‫وتتعوا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬باللل الطيب ما أعطاكم ال ومنحكم إياه‪ ,‬واتقوا ال بامتثال أوامره‪,‬‬
‫واجتناب نواهيه; فإن إيانكم بال يوجب عليكم تقواه ومراقبته‪.‬‬

‫ل ُيؤَاخِذُ ُكمْ اللّ ُه بِالّل ْغوِ فِي َأيْمَانِكُ ْم وَلَكِ ْن ُيؤَا ِخذُكُ ْم بِمَا َعقّ ْدتُ ْم ا َليْمَانَ َف َكفّا َرتُهُ إِ ْطعَامُ عَشَ َر ِة مَسَاكِ َ‬
‫ي‬
‫صيَامُ ثَلَثةِ َأيّا مٍ ذَلِ كَ َكفّا َرةُ‬
‫حرِيرُ رََقَبةٍ فَمَ نْ لَ ْم يَجِدْ فَ ِ‬ ‫س َوتُهُمْ َأ ْو تَ ْ‬
‫مِ نْ َأوْ سَطِ مَا تُ ْطعِمُو نَ أَهْلِيكُ مْ َأوْ كِ ْ‬
‫شكُرُونَ ( ‪)89‬‬ ‫ك يَُبيّنُ اللّهُ َلكُ ْم آيَاتِهِ َلعَّلكُ ْم تَ ْ‬
‫َأيْمَانِكُمْ إِذَا َحَل ْفتُ ْم وَا ْحفَظُوا َأيْمَاَنكُمْ َكذَلِ َ‬

‫ل يعاقبكم ال ‪-‬أيها السلمون‪ -‬فيما ل تقصدون َعقْدَه من اليان‪ ,‬مثل قول بعضكم‪ :‬ل وال‪ ,‬وبلى‬
‫وال‪ ,‬ولكن يعاقبكم فيما قصدت عقده بقلوبكم‪ ,‬فإذا ل تَفُوا باليمي فإث ذلك يحوه ال با تقدّمونه ما‬
‫شرعه ال لكم كفارة من إطعام عشرة مساكي‪ ,‬لكل سكي نصف صاع من أوسط طعام أهل البلد‪ ,‬أو‬
‫كسوتم‪ ,‬لكل مسكي ما يكفي ف الكسوة عُرفًا‪ ,‬أو إعتاق ملوك من الرق‪ ,‬فالالف الذي ل يف‬
‫بيمينه مي بي هنا المور الثلثة‪ ,‬فمن ل يد شيئًا من ذلك فعليه صيام ثلثة أيام‪ .‬تلك مكفرات عدم‬
‫الوفاء بأيانكم‪ ,‬واحفظوا ‪-‬أيها السلمون‪ -‬أيانكم‪ :‬باجتناب اللف‪ ,‬أو الوفاء إن حلفتم‪ ,‬أو الكفارة‬
‫إذا ل تفوا با‪ .‬وكما بيّن ال لكم حكم اليان والتحلل منها يُبيّن لكم أحكام دينه; لتشكروا له على‬
‫هدايته إياكم إل الطريق الستقيم‪.‬‬

‫شيْطَا نِ فَا ْجَتنِبُو هُ َلعَّلكُ مْ‬


‫س مِ ْن عَمَلِ ال ّ‬
‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ِإنّمَا الْخَمْرُ وَالْ َميْ سِ ُر وَالَن صَابُ وَالَزْل مُ رِجْ ٌ‬
‫ُتفْلِحُونَ (‪)90‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ،‬إنا المر‪ :‬وهي كل مسكر يغطي العقل‪ ,‬واليسر‪:‬‬
‫وهو القمار‪ ,‬وذلك يشمل الراهنات ونوها‪ ,‬ما فيه عوض من الانبي‪ ,‬وصدّ عن ذكر ال‪ ,‬والنصاب‪:‬‬
‫وهي الجارة الت كان الشركون يذبون عندها تعظيمًا لا‪ ,‬وما ينصب للعبادة تقربًا إليه‪ ,‬والزلم‪:‬‬

‫‪199‬‬
‫وهي القِداح الت يستقسم با الكفار قبل القدام على الشيء‪ ,‬أو الحجام عنه‪ ,‬إن ذلك كله إ ٌث مِن‬
‫تزيي الشيطان‪ ,‬فابتعدوا عن هذه الثام‪ ,‬لعلكم تفوزون بالنة‪.‬‬

‫خمْ ِر وَالْ َميْ سِرِ َويَ صُدّكُ ْم عَ نْ ذِكْرِ اللّ ِه َوعَ نْ‬
‫شيْطَا نُ أَ ْن يُوقِ َع َبْينَكُ ْم اْلعَدَا َوةَ وَاْلَبغْضَاءَ فِي الْ َ‬
‫ِإنّمَا يُرِيدُ ال ّ‬
‫الصّلةِ َفهَلْ َأْنتُ ْم مُنتَهُونَ (‪)91‬‬

‫إنا يريد الشيطان بتزيي الثام لكم أن يُلقِي بينكم ما يوجد العداوة والبغضاء‪ ,‬بسبب شرب المر‬
‫ولعب اليسر‪ ,‬ويصرفكم عن ذكر ال وعن الصلة بغياب العقل ف شرب المر‪ ,‬والشتغال باللهو ف‬
‫لعب اليسر‪ ,‬فانتهوا عن ذلك‪.‬‬

‫َوأَطِيعُوا اللّ َه َوأَطِيعُوا ال ّرسُو َل وَاحْذَرُوا فَِإنْ َتوَّليْتُمْ فَاعَْلمُوا َأنّمَا عَلَى َرسُوِلنَا اْلبَلغُ الْ ُمبِيُ (‪)92‬‬

‫وامتثلوا ‪-‬أيها السلمون‪ -‬طاعة ال وطاعة رسوله ممد صلى ال عليه وسلم ف كل ما تفعلون‬
‫وتتركون‪ ,‬واتقوا ال وراقبوه ف ذلك‪ ,‬فإن أعرضتم عن المتثال فعملتم ما نيتم عنه‪ ,‬فاعلموا أنا على‬
‫رسولنا ممد صلى ال عليه وسلم البلغ البي‪.‬‬

‫ت ثُمّ‬
‫س عَلَى الّذِي نَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ ُجنَا حٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتّ َقوْا وَآ َمنُوا َوعَمِلُوا ال صّالِحَا ِ‬ ‫َليْ َ‬
‫سنِيَ (‪)93‬‬ ‫حبّ الْ ُمحْ ِ‬
‫سنُوا وَاللّ ُه ُي ِ‬
‫اّت َقوْا وَآ َمنُوا ثُ ّم اتّ َقوْا َوأَحْ َ‬

‫ليس على الؤمني الذين شربوا المر قبل تريها إث ف ذلك‪ ,‬إذا تركوها واتقوا سخط ال وآمنوا به‪,‬‬
‫وقدّموا العمال الصالة الت تدل على إيانم ورغبتهم ف رضوان ال تعال عنهم‪ ,‬ث ازدادوا بذلك‬
‫مراقبة ل عز وجل وإيانا به‪ ,‬حت أصبحوا مِن يقينهم يعبدونه‪ ,‬وكأنم يرونه‪ .‬وإن ال تعال يب الذين‬
‫بلغوا درجة الحسان حت أصبح إيانم بالغيب كالشاهدة‪.‬‬

‫صيْدِ تَنَالُ هُ َأيْدِيكُ ْم وَ ِرمَا ُحكُ مْ ِليَعَْل مَ اللّ ُه مَ ْن يَخَافُ ُه بِاْل َغيْ بِ‬
‫شيْءٍ مِ ْن ال ّ‬
‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا َليَبُْل َوّنكُ مْ اللّ ُه بِ َ‬
‫فَمَ ْن ا ْعتَدَى َبعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (‪)94‬‬

‫‪200‬‬
‫يا أيها الذين صدقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬ليبلونكم ال بشيء من الصيد يقترب منكم على غي‬
‫العتاد حيث تستطيعون أَخْذَ صغاره بغي سلح وأخذ كباره بالسلح; ليعلم ال علمًا ظاهرًا للخلق‬
‫الذين يافون ربم بالغيب‪ ,‬ليقينهم بكمال علمه بم‪ ,‬وذلك بإمساكهم عن الصيد‪ ,‬وهم مرمون‪ .‬فمن‬
‫حرِم‪ -‬فإنه يستحق العذاب الشديد‪.‬‬‫تاوز حَدّه بعد هذا البيان فأقدم على الصيد ‪-‬وهو مُ ْ‬

‫جزَاءٌ ِمثْ ُل مَا َقتَلَ مِ ْن الّنعَ ِم‬


‫صيْ َد َوَأنْتُ مْ ُحرُ ٌم َومَ نْ َقتَلَ ُه ِمنْكُ ْم ُمَتعَمّدا فَ َ‬
‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ل َت ْقتُلُوا ال ّ‬
‫ق َوبَالَ‬
‫صيَاما ِليَذُو َ‬ ‫حكُ ُم بِ هِ َذوَا عَدْ ٍل ِمنْكُ ْم هَدْيا بَالِ َغ اْلكَ ْعَبةِ َأوْ َكفّا َرٌة َطعَا ُم مَ سَاكِيَ َأ ْو عَدْلُ ذَلِ كَ ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫ف َومَ ْن عَادَ َفيَنَتقِمُ اللّ ُه ِمنْهُ وَاللّ ُه عَزِيزٌ ذُو انِتقَامٍ (‪)95‬‬ ‫َأمْ ِرهِ َعفَا اللّ ُه عَمّا سَلَ َ‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه ل تقتلوا صيد الب‪ ,‬وأنتم مرمون بج أو عمرة‪ ,‬أو‬
‫ي نوعٍ من صيد البّ متعمدًا فجزاء ذلك أن يذبح مثل ذلك الصيد من بيمة‬ ‫كنتم داخل الرم ومَن قتل أ ّ‬
‫النعام‪ :‬البل أو البقر أو الغنم‪ ,‬بعد أن ُيقَدّره اثنان عدلن‪ ,‬وأن يهديه لفقراء الرم‪ ,‬أو أن يشتري بقيمة‬
‫مثله طعامًا يهديه لفقراء الرم لكل مسكي نصف صاع‪ ,‬أو يصوم بدل من ذلك يوما عن كل نصف‬
‫صاع من ذلك الطعام‪ ,‬فَ َرضَ ال عليه هذا الزاء; ليلقى بإياب الزاء الذكور عاقبة ِفعْله‪ .‬والذين وقعوا‬
‫ف شيء من ذلك قبل التحري فإن ال تعال قد عفا عنهم‪ ,‬ومَن عاد إل الخالفة متعمدًا بعد التحري‪,‬‬
‫فإنه ُمعَرّض لنتقام ال منه‪ .‬وال تعال عزيز قويّ منيع ف سلطانه‪ ,‬ومِن عزته أنه ينتقم من عصاه إذا‬
‫أراد‪ ,‬ل ينعه من ذلك مانع‪.‬‬

‫صيْ ُد الْبَرّ مَا ُد ْمتُ مْ ُحرُما وَاّتقُوا اللّ هَ‬


‫سيّا َر ِة وَ ُحرّ َم عََلْيكُ مْ َ‬
‫صيْ ُد اْلبَحْرِ وَ َطعَامُ ُه َمتَاعا َلكُ ْم وَلِل ّ‬
‫أُحِلّ َلكُ مْ َ‬
‫شرُونَ (‪)96‬‬ ‫الّذِي إَِليْهِ تُحْ َ‬

‫أحل ال لكم ‪-‬أيها السلمون‪ -‬ف حال إحرامكم صيد البحر‪ ,‬وهو ما يصاد منه حيّا‪ ,‬وطعامه‪ :‬وهو‬
‫اليت منه; من أجل انتفاعكم به مقيمي أو مسافرين‪ ,‬وحرم عليكم صيد البَ ّر ما دمتم مرمي بج أو‬
‫عمرة‪ .‬واخشوا ال ونفذوا جيع أوامِره‪ ,‬واجتنبوا جيع نواهيه; حت تظفَروا بعظيم ثوابه‪ ,‬وتَسْلموا من‬
‫أليم عقابه عندما تشرون للحساب والزاء‪.‬‬

‫ي وَاْلقَلئِدَ ذَلِكَ ِلتَعَْلمُوا َأنّ اللّهَ يَعَْل ُم مَا‬


‫شهْ َر الْحَرَامَ وَاْلهَدْ َ‬
‫س وَال ّ‬
‫حرَامَ ِقيَاما لِلنّا ِ‬
‫َجعَلَ اللّ ُه اْل َكعَْب َة الَْبيْتَ الْ َ‬
‫‪201‬‬
‫ض َوأَنّ اللّ َه ِبكُلّ َشيْ ٍء عَلِيمٌ (‪)97‬‬
‫ت َومَا فِي الَ ْر ِ‬
‫فِي السّ َموَا ِ‬

‫امتّ ال على عباده بأن جعل الكعبة البيت الرام صلحًا لدينهم‪ ,‬وأمنًا لياتم; وذلك حيث آمنوا بال‬
‫ورسوله وأقاموا فرائضه‪ ,‬وحرّم العدوان والقتال ف الشهر الرم (وهي ذو القعدة وذو الجة والحرم‬
‫ورجب) فل يعتدي فيها أحد على أحد‪ ,‬وحرّم تعال العتداء على ما يُهدَى إل الرم من بيمة النعام‪,‬‬
‫وحرّم كذلك العتداء على القلئد‪ ,‬وهي ما قُلّد إشعارًا بأنه بقصد به النسك; ذلك لتعلموا أن ال يعلم‬
‫جيع ما ف السموات وما ف الرض‪ ,‬ومن ذلك ما شرعه لماية خلقه بعضهم من بعض‪ ,‬وأن ال بكل‬
‫شيء عليم‪ ,‬فل تفى عليه خافية‪.‬‬

‫ب َوأَنّ اللّ َه َغفُورٌ رَحِيمٌ (‪)98‬‬


‫اعَْلمُوا َأنّ اللّهَ شَدِي ُد الْ ِعقَا ِ‬

‫اعلموا ‪-‬أيها الناس‪ -‬أن ال جل وعل شديد العقاب لن عصاه‪ ,‬وأن ال غفور رحيم لن تاب وأناب‪.‬‬

‫غ وَاللّهُ يَعَْل ُم مَا ُتبْدُو َن َومَا تَ ْكتُمُونَ (‪)99‬‬


‫مَا عَلَى ال ّرسُولِ إِ ّل اْلبَل ُ‬

‫يبيّن ال تعال أن مهمة رسوله صلى ال عليه وسلم هداية الدللة والتبليغ‪ ,‬وبيد ال ‪-‬وحده‪ -‬هداية‬
‫التوفيق‪ ,‬وأن ما تنطوي عليه نفوس الناس ما يُسرون أو يعلنون من الداية أو الضلل يعلمه ال‪.‬‬

‫خبِي ثِ فَاّتقُوا اللّ َه يَا أُولِي الَْلبَا بِ َلعَّلكُ ْم ُتفِْلحُو نَ (‬


‫جبَ كَ َكثْ َرةُ الْ َ‬
‫خبِي ثُ وَال ّطيّ بُ وََلوْ َأعْ َ‬
‫سَتوِي الْ َ‬
‫قُ ْل ل يَ ْ‬
‫‪)100‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬ل يستوي البيث والطيب من كل شيء‪ ,‬فالكافر ل يساوي الؤمن‪ ,‬والعاصي ل‬
‫يساوي الطيع‪ ,‬والاهل ل يساوي العال‪ ,‬والبتدع ل يساوي التبع‪ ,‬والال الرام ل يساوي اللل‪ ,‬ولو‬
‫أعجبك ‪-‬أيها النسان‪ -‬كثرة البيث وعدد أهله‪ .‬فاتقوا ال يا أصحاب العقول الراجحة باجتناب‬
‫البائث‪ ,‬وفعل الطيبات; لتفلحوا بنيل القصود العظم‪ ,‬وهو رضا ال تعال والفوز بالنة‪.‬‬

‫سأَلُوا َعْنهَا حِيَ ُينَزّ ُل اْلقُرْآ ُن تُبْدَ َلكُمْ‬


‫سؤْكُ ْم َوإِنْ تَ ْ‬
‫يَا َأيّهَا الّذِينَ آ َمنُوا ل تَسْأَلُوا عَنْ َأ ْشيَاءَ إِ ْن ُتبْدَ َلكُمْ تَ ُ‬

‫‪202‬‬
‫َعفَا اللّ ُه َعْنهَا وَاللّ ُه َغفُورٌ َحلِيمٌ (‪)101‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه ل تسألوا عن أشياء من أمور الدين ل تؤمروا فيها‬
‫بشيء‪ ,‬كالسؤال عن المور غي الواقعة‪ ,‬أو الت يترتب عليها تشديدات ف الشرع‪ ,‬ولو ُكلّفتموها‬
‫ت عليكم‪ ,‬وإن تسألوا عنها ف حياة رسول ال صلى ال عليه وسلم وحي نزول القرآن عليه تُبيّن‬ ‫لشقّ ْ‬
‫لكم‪ ,‬وقد تُكلّفونا فتعجزون عنها‪ ,‬تركها ال معافيًا لعباده منها‪ .‬وال غفور لعباده إذا تابوا‪ ,‬حليم‬
‫عليهم فل يعاقبهم وقد أنابوا إليه‪.‬‬

‫صبَحُوا ِبهَا كَافِرِينَ (‪)102‬‬


‫قَ ْد َسأََلهَا َق ْو ٌم مِنْ َقبِْلكُ ْم ثُمّ أَ ْ‬

‫إن مثل تلك السئلة قد سألا قو ٌم مِن قبلكم رسلَهم‪ ,‬فلما ُأمِروا با جحدوها‪ ,‬ول ينفذوها‪ ,‬فاحذروا أن‬
‫تكونوا مثلهم‪.‬‬

‫مَا َجعَلَ اللّ ُه مِ ْن بَحِ َي ٍة وَل سَائَِب ٍة وَل وَ صِيَلةٍ وَل حَا مٍ وَلَكِنّ الّذِي نَ َكفَرُوا َيفْتَرُو َن عَلَى اللّ ِه اْلكَذِ بَ‬
‫َوأَكْثَ ُرهُ ْم ل َي ْعقِلُونَ (‪)103‬‬

‫ما شرع ال للمشركي ما ابتدعوه ف بيمة النعام مِن تَرْك النتفاع ببعضها وجعلها للصنام‪ ,‬وهي‪:‬‬
‫البَحية الت تُقطع أذنا إذا ولدت عددًا من البطون‪ ,‬والسائبة وهي الت تُترك للصنام‪ ,‬والوصيلة وهي‬
‫الت تتصل ولدتا بأنثى بعد أنثى‪ ,‬والامي وهو الذكر من البل إذا وُلد من صلبه عدد من البل‪ ,‬ولكن‬
‫الكفار نسبوا ذلك إل ال تعال افتراء عليه‪ ,‬وأكثر الكافرين ل ييزون الق من الباطل‪.‬‬

‫سبُنَا مَا َوجَ ْدنَا عََليْهِ آبَاءَنَا َأوَلَوْ كَا َن آبَا ُؤهُمْ ل‬
‫َوإِذَا قِيلَ َلهُ ْم َتعَاَلوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللّ ُه َوإِلَى الرّسُولِ قَالُوا حَ ْ‬
‫َيعْلَمُونَ َشيْئا وَل َي ْهتَدُونَ (‪)104‬‬

‫وإذا قيل لؤلء الكفار الحرّمي ما أحل ال‪ :‬تعالوا إل تنيل ال وإل رسوله ليتبي لكم اللل والرام‪,‬‬
‫قالوا‪ :‬يكفينا ما ورثناه عن آبائنا من قول وعمل‪ ,‬أيقولون ذلك ولو كان آباؤهم ل يعلمون شيئًا أي‪ :‬ل‬
‫يفهمون حقّا ول يعرفونه‪ ,‬ول يهتدون إليه؟ فكيف يتبعونم‪ ,‬والالة هذه؟ فإنه ل يتبعهم إل من هو‬
‫أجهل منهم وأضل سبيل‪.‬‬
‫‪203‬‬
‫يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا عََلْيكُمْ أَنفُسَكُ ْم ل َيضُرّكُمْ مَنْ ضَلّ إِذَا ا ْهتَ َديْتُمْ إِلَى اللّ ِه مَرْ ِج ُعكُمْ جَمِيعا َفُينَّبئُكُ ْم بِمَا‬
‫كُنتُ ْم َتعْمَلُونَ (‪)105‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه ألزموا أنفسكم بالعمل بطاعة ال واجتناب معصيته‪,‬‬
‫وداوموا على ذلك وإن ل يستجب الناس لكم‪ ,‬فإذا فعلتم ذلك فل يضركم ضلل مَن ضلّ إذا لزمتم‬
‫طريق الستقامة‪ ,‬وأمرت بالعروف ونيتم عن النكر‪ ,‬إل ال مرجعكم جيعًا ف الخرة‪ ,‬فيخبكم‬
‫بأعمالكم‪ ,‬ويازيكم عليها‪.‬‬

‫صّيةِ اْثنَا نِ َذوَا عَدْ ٍل ِمْنكُ مْ َأوْ آخَرَا نِ‬


‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا َشهَا َدةُ بَْيِنكُ مْ إِذَا َحضَرَ أَحَدَ ُك ْم الْ َموْ تُ حِيَ اْلوَ ِ‬
‫حبِ سُونَهُمَا مِ ْن َبعْ ِد ال صّلةِ َفُيقْ سِمَانِ‬ ‫ت تَ ْ‬‫مِ ْن َغيْرِكُ مْ إِ نْ َأْنتُ مْ ضَ َرْبتُ مْ فِي الَرْ ضِ َفأَ صَاَبتْكُ ْم مُ صِيَب ُة الْ َموْ ِ‬
‫شتَرِي بِ ِه ثَمَنا وََلوْ كَانَ ذَا ُق ْربَى وَل َنكْتُ ُم َشهَا َدةَ اللّهِ ِإنّا إِذا لَمِ ْن الثِمِيَ (‪)106‬‬ ‫بِاللّهِ ِإنْ ا ْرَتْبتُمْ ل نَ ْ‬

‫شهِد على وصيته اثني‬


‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه إذا قرب الوت من أحدكم‪ ,‬ف ْليُ ْ‬
‫أميني من السلمي أو آخرين من غي السلمي عند الاجة‪ ,‬وعدم وجود غيها من السلمي‪,‬‬
‫تُشهدونما إن أنتم سافرت ف الرض فح ّل بكم الوت‪ ,‬وإن ارتبتم ف شهادتما فقفوها من بعد الصلة‬
‫‪-‬أي صلة السلمي‪ ,‬وباصة صلة العصر‪ ،-‬فيقسمان بال قسمًا خالصًا ل يأخذان به عوضًا من‬
‫الدنيا‪ ,‬ول يابيان به ذا قرابة منهما‪ ,‬ول يكتمان به شهادة ل عندها‪ ,‬وأنما إن َفعَل ذلك فهما من‬
‫الذنبي‪.‬‬

‫حقّا ِإثْما فَآ َخرَا ِن َيقُومَا ِن َمقَا َمهُمَا مِ ْن الّذِي َن ا ْستَحَ ّق عََلْيهِ ْم ا َلوْلَيَا نِ َفُيقْ سِمَانِ‬
‫فَإِ نْ ُعثِ َر عَلَى َأّنهُمَا ا سْتَ َ‬
‫شهَا َدُتنَا أَحَ ّق مِ ْن َشهَا َدِتهِمَا َومَا اعْتَ َدْينَا ِإنّا إِذا لَمِنْ الظّالِ ِميَ (‪)107‬‬ ‫بِاللّهِ لَ َ‬

‫فإن اطلع أولياء اليت على أن الشاهدين الذكورين قد أثا باليانة ف الشهادة أو الوصية فليقم مقامهما‬
‫ف الشهادة اثنان من أولياء اليت فيقسمان بال‪ :‬لَشهادتنا الصادقة أول بالقبول من شهادتما الكاذبة‪,‬‬
‫وما تاوزنا الق ف شهادتنا‪ ,‬إنا إن اعتدينا وشهدنا بغي الق لن الظالي التجاوزين حدود ال‪.‬‬

‫‪204‬‬
‫شهَا َدةِ عَلَى وَ ْج ِههَا َأ ْو يَخَافُوا أَ ْن تُرَدّ أَيْمَا ٌن َبعْدَ َأيْمَاِنهِمْ وَاّتقُوا اللّ َه وَاسْ َمعُوا وَاللّهُ‬
‫ذَلِكَ َأ ْدنَى أَنْ َي ْأتُوا بِال ّ‬
‫ل َيهْدِي الْ َق ْومَ الْفَا ِسقِيَ (‪)108‬‬

‫ذلك الكم عند الرتياب ف الشاهدين من اللف بعد الصلة وعدم قبول شهادتما‪ ,‬أقرب إل أن يأتوا‬
‫بالشهادة على حقيقتها خوفًا من عذاب الخرة‪ ,‬أو خشية من أن ترد اليمي الكاذبة من ِقبَل أصحاب‬
‫الق بعد حلفهم‪ ,‬فيفتضح الكاذب الذي ردت يينه ف الدنيا وقت ظهور خيانته‪ .‬وخافوا ال ‪-‬أيها‬
‫الناس‪ -‬وراقبوه أن تلفوا كذبًا‪ ,‬وأن تقتطعوا بأيانكم مال حرامًا‪ ,‬واسعوا ما توعظون به‪ .‬وال ل‬
‫يهدي القوم الفاسقي الارجي عن طاعته‪.‬‬

‫ت َعلّ ُم اْلغُيُوبِ (‪)109‬‬


‫جمَعُ اللّهُ ال ّرسُلَ َفَيقُو ُل مَاذَا أُ ِجْبتُمْ قَالُوا ل عِلْمَ َلنَا ِإنّكَ َأنْ َ‬
‫َي ْومَ يَ ْ‬

‫واذكروا ‪-‬أيها الناس‪ -‬يوم القيامة يوم يمع ال الرسل عليهم السلم‪ ,‬فيسألم عن جواب أمهم لم‬
‫حينما دعوهم إل التوحيد فيجيبون‪ :‬ل علم لنا‪ ,‬فنحن ل نعلم ما ف صدور الناس‪ ,‬ول ما أحدثوا بعدنا‪.‬‬
‫إنك أنت عليم بكل شيء ما ظهر وخفي‪.‬‬

‫س ُتكَلّ ُم النّاسَ فِي‬ ‫ح اْلقُدُ ِ‬


‫ك بِرُو ِ‬
‫ك َوعَلى وَالِ َدتِكَ ِإذْ َأيّدتّ َ‬ ‫إِذْ قَالَ اللّ ُه يَا عِيسَى ابْ َن مَ ْريَمَ اذْكُ ْر ِنعْ َمتِي عََليْ َ‬
‫حكْ َم َة وَالتّوْرَاةَ وَالِنِيلَ َوِإ ْذ تَخْلُ قُ مِ نْ الطّيِ َك َهيَْئةِ ال ّطيْ ِر بِإِذْنِي‬ ‫الْ َمهْ ِد وَ َك ْهلً َوإِ ْذ عَلّ ْمتُ كَ اْل ِكتَا بَ وَالْ ِ‬
‫ج الْ َم ْوتَى بِِإ ْذنِي َوإِذْ َك َففْ تُ َبنِي‬
‫خرِ ُ‬‫ئ الَكْمَ َه وَا َلبْرَ صَ بِِإ ْذنِي َوإِ ْذ تُ ْ‬ ‫َفتَنفُ خُ فِيهَا َفَتكُو نُ طَيْرا بِإِ ْذنِي َوتُبْ ِر ُ‬
‫ح ٌر ُمبِيٌ ( ‪)110‬‬ ‫ِإسْرَائِي َل َعنْكَ ِإذْ ِجْئَتهُمْ بِالَْبّينَاتِ َفقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا ِمْنهُمْ إِ ْن هَذَا إِلّ سِ ْ‬

‫إذ قال ال يرم القيامة‪ :‬يا عيسى ابن مري اذكر نعمت عليك إذ خلقتك من غي أب‪ ,‬وعلى والدتك‬
‫حيث اصطفيتها على نساء العالي‪ ,‬وبرأتا ما نُسِب إليها‪ ,‬ومن هذه النعم على عيسى أنه قوّاه وأعانه‬
‫ببيل عليه السلم‪ ,‬يكلم الناس وهو رضيع‪ ,‬ويدعوهم إل ال وهو كبي با أوحاه ال إليه من التوحيد‪,‬‬
‫ومنها أن ال تعال علّمه الكتابة والط بدون معلم‪ ,‬ووهبه قوة الفهم والدراك‪ ,‬وعَلّمه التوراة الت أنزلا‬
‫على موسى عليه السلم‪ ,‬والنيل الذي أنزل عليه هداية للناس‪ ,‬ومن هذه النعم أنه يصوّر من الطي‬
‫كهيئة الطي فينفخ ف تلك اليئة‪ ,‬فتكون طيًا بإذن ال‪ ,‬ومنها أنه يشفي الذي وُلِد أعمى فيبصر‪ ,‬ويشفي‬
‫البرص‪ ,‬فيعود جلده سليمًا بإذن ال‪ ,‬ومنها أنه يدعو ال أن يييَ الوتى فيقومون من قبورهم أحياء‪,‬‬

‫‪205‬‬
‫وذلك كله بإرادة ال تعال وإذنه‪ ,‬وهي معجزات باهرة تؤيد نبوة عيسى عليه السلم‪ ,‬ث يذكّره ال جل‬
‫وعل نعمته عليه إذ منع بن إسرائيل حي هّوا بقتله‪ ,‬وقد جاءهم بالعجزات الواضحة الدالة على نبوته‪,‬‬
‫فقال الذين كفروا منهم‪ :‬إنّ ما جاء به عيسى من البينات سحر ظاهر‪.‬‬

‫حوَا ِريّيَ َأنْ آ ِمنُوا بِي َوبِ َرسُولِي قَالُوا آمَنّا وَا ْشهَدْ ِبَأّننَا مُسِْلمُونَ (‪)111‬‬
‫َوإِذْ َأوْ َحْيتُ إِلَى الْ َ‬

‫واذكر نعمت عليك‪ ,‬إذ ألمتُ‪ ,‬وألقيتُ ف قلوب جاعة من خلصائك أن يصدقوا بوحدانية ال تعال‬
‫ونبوتك‪ ,‬فقالوا‪ :‬صدّقنا يا ربنا‪ ,‬واشهد بأننا خاضعون لك منقادون لمرك‪.‬‬

‫ستَطِيعُ َربّكَ أَ ْن ُينَزّ َل عََلْينَا مَائِ َدةً مِنْ السّمَاءِ قَا َل اّتقُوا اللّهَ إِنْ‬
‫حوَا ِريّو َن يَا عِيسَى ابْ َن مَ ْريَ َم هَ ْل يَ ْ‬
‫إِذْ قَالَ الْ َ‬
‫كُنتُ ْم ُم ْؤ ِمنِيَ (‪)112‬‬

‫واذكر إذ قال الواريون‪ :‬يا عيسى ابن مري هل يستطيع ربك إن سألته أن ينل علينا مائدة طعام من‬
‫السماء؟ فكان جوابه أن أمرهم بأن يتقوا عذاب ال تعال‪ ,‬إن كانوا مؤمني حقّ اليان‪.‬‬

‫صدَ ْقَتنَا َوَنكُو َن عََلْيهَا مِنْ الشّاهِدِينَ (‪)113‬‬


‫قَالُوا نُرِيدُ أَ ْن َنأْكُ َل ِمْنهَا َوتَطْ َمئِنّ قُلُوُبنَا َونَعَْلمَ أَنْ قَدْ َ‬

‫قال الواريون‪ :‬نريد أن نأكل من الائدة وتسكن قلوبنا لرؤيتها‪ ,‬ونعلم يقينا صدقك ف نبوتك‪ ,‬وأن‬
‫نكون من الشاهدين على هذه الية أن ال أنزلا حجة له علينا ف توحيده وقدرته على ما يشاء‪ ,‬وحجة‬
‫لك على صدقك ف نبوتك‪.‬‬

‫قَا َل عِي سَى ابْ ُن مَ ْريَ مَ الّلهُمّ َرّبنَا أَن ِز ْل عََليْنَا مَائِ َدةً مِ ْن ال سّمَا ِء َتكُو نُ َلنَا عِيدا َلوِّلنَا وَآ ِخرِنَا وَآَيةً مِنْ كَ‬
‫وَارْزُ ْقنَا َوَأْنتَ خَيُ الرّازِقِيَ (‪)114‬‬

‫أجاب عيسى ابن مري طلب الواريي فدعا ربه جل وعل قائل ربنا أنزل علينا مائدة طعام من السماء‪,‬‬
‫نتخذ يوم نزولا عيدًا لنا‪ ,‬نعظمه نن ومَن بعدنا‪ ,‬وتكون الائدة علمة وحجة منك يا أل على‬
‫وحدانيتك وعلى صدق نبوت‪ ,‬وامنحنا من عطائك الزيل‪ ,‬وأنت خي الرازقي‪.‬‬

‫‪206‬‬
‫قَالَ اللّهُ ِإنّي ُمنَزُّلهَا عََلْيكُمْ فَمَ ْن َي ْكفُ ْر َبعْ ُد ِمنْكُمْ فَِإنّي ُأعَ ّذبُهُ عَذَابا ل ُأعَ ّذبُهُ أَحَدا مِ ْن اْلعَالَمِيَ (‪)115‬‬

‫قال ال تعال‪ :‬إن منل مائدة الطعام عليكم‪ ,‬فمن يحد منكم وحدانيت ونبوة عيسى عليه السلم بعد‬
‫نزول الائدة فإن أعذبه عذابًا شديدًا‪ ,‬ل أعذبه أحدًا من العالي‪ .‬وقد نزلت الائدة كما وعد ال‪.‬‬

‫ك مَا‬
‫س اتّخِذُونِي َوُأمّي إَِل َهيْ ِن مِ نْ دُو نِ اللّ هِ قَالَ ُسبْحَانَ َ‬ ‫َوإِذْ قَالَ اللّ ُه يَا عِي سَى ابْ َن مَ ْريَ مَ َأأَن تَ قُلْ تَ لِلنّا ِ‬
‫حقّ إِ نْ كُن تُ قُ ْلتُ هُ َف َق ْد عَلِ ْمتَ ُه َتعْلَ ُم مَا فِي نَفْ سِي وَل َأعْلَ مُ مَا فِي َنفْ سِكَ‬
‫يَكُو نُ لِي أَ نْ أَقُو َل مَا َليْ سَ لِي بِ َ‬
‫لمُ اْل ُغيُوبِ (‪)116‬‬ ‫ِإنّكَ َأْنتَ َع ّ‬

‫واذكر إذ قال ال تعال يوم القيامة‪ :‬يا عيسى ابن مري أأنت قلت للناس اجعلون وأمي معبودين من دون‬
‫ال؟ فأجاب عيسى ‪-‬م ّنهًا ال تعال‪ :-‬ما ينبغي ل أن أقول للناس غي الق‪ .‬إن كنتُ قلتُ هذا فقد‬
‫علمتَه; لنه ل يفى عليك شيء‪ ,‬تعلم ما تضمره نفسي‪ ,‬ول أعلم أنا ما ف نفسك‪ .‬إنك أنت عالٌ بكل‬
‫شيء ما ظهر أو خفي‪.‬‬

‫ت عََلْيهِ مْ َشهِيدا مَا ُدمْ تُ فِيهِ مْ فََلمّ ا‬


‫مَا قُلْ تُ َلهُ مْ إِ ّل مَا َأمَ ْرتَنِي بِ هِ أَ نْ ا ْعبُدُوا اللّ هَ َربّ ي وَ َرّبكُ ْم وَكُن ُ‬
‫َتوَفّْيَتنِي كُنتَ َأْنتَ الرّقِيبَ عََلْيهِ ْم َوَأْنتَ عَلَى كُ ّل َشيْءٍ َشهِيدٌ (‪)117‬‬

‫ت لم إل ما أوحيته إلّ‪ ,‬وأمرتن بتبليغه من إفرادك بالتوحيد‬


‫قال عيسى عليه السلم‪ :‬يا ربّ ما قل ُ‬
‫والعبادة‪ ,‬وكنتُ على ما يفعلونه ‪-‬وأنا بي أظهرهم‪ -‬شاهدًا عليهم وعلى أفعالم وأقوالم‪ ,‬فلما وفيتن‬
‫أجلي على الرض‪ ,‬ورفعتن إل السماء حيّا‪ ,‬كنت أنت الطّلِع على سرائرهم‪ ,‬وأنت على كل شيء‬
‫شهيد‪ ,‬ل تفى عليك خافية ف الرض ول ف السماء‪.‬‬

‫حكِيمُ (‪)118‬‬
‫ِإنْ ُتعَ ّذْبهُمْ فَِإّنهُ ْم ِعبَا ُدكَ َوِإنْ َت ْغفِرْ َلهُمْ فَِإنّكَ َأْنتَ اْلعَزِي ُز الْ َ‬

‫إنك يا أل إن تعذبم فإنم عبادك ‪-‬وأنت أعلم بأحوالم‪ ،-‬تفعل بم ما تشاء بعدلك‪ ,‬وإن تغفر‬
‫برحتك لن أتى منهم بأسباب الغفرة‪ ,‬فإنك أنت العزيز الذي ل يغاَلبُ‪ ,‬الكيم ف تدبيه وأمره‪ .‬وهذه‬
‫الية ثناء على ال ‪-‬تعال‪ -‬بكمته وعدله‪ ,‬وكمال علمه‪.‬‬

‫‪207‬‬
‫حِتهَا ا َلنَارُ خَالِدِي نَ فِيهَا َأبَدا رَضِ يَ‬
‫صدُْقهُمْ َلهُ مْ َجنّا تٌ َتجْرِي مِ ْن تَ ْ‬
‫قَالَ اللّ ُه هَذَا َيوْ مُ يَنفَ ُع ال صّادِِقيَ ِ‬
‫ك الْ َفوْ ُز اْلعَظِيمُ (‪)119‬‬
‫اللّ ُه عَْنهُ ْم وَرَضُوا َعنْهُ ذَلِ َ‬

‫قال ال تعال لعيسى عليه السلم يوم القيامة‪ :‬هذا يوم الزاء الذي ينفع الوحدين توحيدهم ربم‪,‬‬
‫وانقيادهم لشرعه‪ ,‬وصدقهم ف نياتم وأقوالم وأعمالم‪ ,‬لم جنات تري من تت قصورها النار‪,‬‬
‫ماكثي فيها أبدًا‪ ,‬رضي ال عنهم فقبل حسناتم‪ ,‬ورضوا عنه با أعطاهم من جزيل ثوابه‪ .‬ذلك الزاء‬
‫والرضا منه عليهم هو الفوز العظيم‪.‬‬

‫ت وَالَ ْرضِ َومَا فِيهِ ّن َوهُ َو عَلَى كُ ّل َشيْءٍ َقدِيرٌ (‪)120‬‬


‫لِلّ ِه مُلْكُ السّ َموَا ِ‬

‫ل وحده ل شريك له ملك السموات والرض وما فيهن‪ ,‬وهو ‪-‬سبحانه‪ -‬على كل شيء قدير ل‬
‫يعجزه شيء‪.‬‬

‫‪ -6‬سورة النعام‬

‫ض وَ َجعَلَ الظّلُمَاتِ وَالنّو َر ثُ ّم الّذِينَ َكفَرُوا بِ َرّبهِ ْم َيعْدِلُونَ (‪)1‬‬


‫الْحَمْدُ ِللّ ِه الّذِي َخلَقَ السّ َموَاتِ وَالَ ْر َ‬

‫الثناء على ال بصفاته الت كلّها أوصاف كمال‪ ،‬وبنعمه الظاهرة والباطنة‪ ،‬الدينية والدنيوية‪ ،‬الذي أنشأ‬
‫السموات والرض وما فيهن‪ ,‬وخلق الظلمات والنور‪ ,‬وذلك بتعاقب الليل والنهار‪ .‬وف هذا دللة على‬
‫عظمة ال تعال‪ ,‬واستحقاقه وحده العبادة‪ ,‬فل يوز لحد أن يشرك به غيه‪ .‬ومع هذا الوضوح فإن‬
‫الكافرين يسوون بال غيه‪ ,‬ويشركون به‪.‬‬

‫سمّى ِعنْ َدهُ ثُمّ أَْنتُ ْم تَ ْمتَرُونَ (‪)2‬‬


‫ل َوأَجَ ٌل مُ َ‬
‫ي ثُمّ َقضَى أَ َج ً‬
‫ُهوَ الّذِي خََل َقكُ ْم مِ ْن طِ ٍ‬

‫‪208‬‬
‫هو الذي خلق أباكم آدم من طي وأنتم سللة منه‪ ,‬ث كتب مدة بقائكم ف هذه الياة الدنيا‪ ,‬وكتب‬
‫أجل آخر مدّدًا ل يعلمه إل هو جل وعل وهو يوم القيامة‪ ,‬ث أنتم بعد هذا تشكّون ف قدرة ال تعال‬
‫على البعث بعد الوت‪.‬‬

‫سبُونَ (‪)3‬‬
‫ض َيعْلَ ُم ِسرّكُ ْم وَ َجهْرَكُمْ َويَعَْل ُم مَا تَكْ ِ‬
‫ت وَفِي الَ ْر ِ‬
‫َوهُوَ اللّهُ فِي السّ َموَا ِ‬

‫وال سبحانه هو الله العبود ف السموات والرض‪ .‬ومن دلئل ألوهيته أنه يعلم جيع ما تفونه ‪-‬أيها‬
‫الناس‪ -‬وما تعلنونه‪ ,‬ويعلم جيع أعمالكم من خي أو شر; ولذا فإنه ‪-‬جلّ وعل‪ -‬وحده هو الله‬
‫الستحق للعبادة‪.‬‬

‫ضيَ (‪)4‬‬
‫َومَا تَ ْأتِيهِ ْم مِ ْن آَي ٍة مِ ْن آيَاتِ َرّبهِمْ إِلّ كَانُوا َعنْهَا ُمعْرِ ِ‬

‫هؤلء الكفار الذين يشركون مع ال تعال غيه قد جاءتم الجج الواضحة والدللت البينة على‬
‫وحدانية ال ‪-‬جل وعل‪ -‬وصِ ْدقِ ممد صلى ال عليه وسلم ف نبوته‪ ,‬وما جاء به‪ ,‬ولكن ما إن جاءتم‬
‫حت أعرضوا عن قبولا‪ ,‬ول يؤمنوا با‪.‬‬

‫ف يَ ْأتِيهِمْ أَْنبَا ُء مَا كَانُوا بِهِ يَسَْتهْ ِزئُون (‪)5‬‬


‫سوْ َ‬
‫حقّ لَمّا جَا َءهُمْ فَ َ‬
‫َفقَدْ كَ ّذبُوا بِالْ َ‬

‫لقد جحد هؤلء الكفار القّ الذي جاءهم به ممد صلى ال عليه وسلم وسخروا من دعائه; جهل‬
‫منهم بال واغترارًا بإمهاله إياهم‪ ,‬فسوف يرون ما استهزءوا به أنه الق والصدق‪ ,‬ويبي ال للمكذبي‬
‫كذبم وافتراءهم‪ ,‬ويازيهم عليه‪.‬‬

‫ض مَا لَ ْم نُ َمكّ نْ َلكُ ْم َوأَرْ سَ ْلنَا ال سّمَا َء عََلْيهِ مْ‬‫أَلَ ْم يَ َروْا كَ مْ َأهَْلكْنَا مِ نْ َقبِْلهِ ْم مِ نْ َقرْ نٍ مَ ّكنّاهُ مْ فِي الَرْ ِ‬
‫ش ْأنَا مِ ْن َبعْ ِدهِمْ َقرْنا آخَرِينَ (‪)6‬‬ ‫حِتهِمْ َفَأهَْل ْكنَاهُ ْم بِ ُذنُوِبهِ ْم َوأَن َ‬
‫مِدْرَارا وَ َجعَ ْلنَا ا َلنْهَا َر َتجْرِي مِ ْن تَ ْ‬

‫أل يعلم هؤلء الذين يحدون وحدانية ال تعال واستحقاقه وحده العبادة‪ ,‬ويكذبون رسوله ممدًا صلى‬
‫ال عليه وسلم ما ح ّل بالمم الكذبة قبلهم من هلك وتدمي‪ ,‬وقد مكنّاهم ف الرض ما ل نكن لكم‬

‫‪209‬‬
‫أيها الكافرون‪ ,‬وأنعمنا عليهم بإنزال المطار وجريان النار من تت مساكنهم؛ استدراجًا وإملءً لم‪,‬‬
‫فكفروا بنعم ال وكذبوا الرسل‪ ,‬فأهلكناهم بسبب ذنونم‪ ,‬وأنشأنا من بعدهم أمًا أخرى خلفوهم ف‬
‫عمارة الرض؟‬

‫ح ٌر ُمبِيٌ (‪)7‬‬
‫وََلوْ َنزّْلنَا عََليْكَ ِكتَابا فِي ِق ْرطَاسٍ َفلَمَسُوهُ بَِأيْدِيهِمْ َلقَا َل الّذِينَ َكفَرُوا ِإنْ هَذَا إِ ّل سِ ْ‬

‫ولو نزّلنا عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كتابًا من السماء ف أوراق فلمسه هؤلء الشركون بأيديهم لقالوا‪ :‬إنّ‬
‫ما جئت به ‪-‬أيها الرسول‪ -‬سحر واضح بيّن‪.‬‬

‫ضيَ ا َلمْ ُر ثُ ّم ل يُنظَرُونَ (‪)8‬‬


‫ك وََلوْ أَنزَْلنَا َملَكا َل ُق ِ‬
‫وَقَالُوا َلوْل أُنزِ َل عََليْ ِه مَلَ ٌ‬

‫وقال هؤلء الشركون‪ :‬هل أنزل ال تعال على ممد َمَلكًا من السماء; ليصدقه فيما جاء به من النبوة‪,‬‬
‫ولوأنزلنا مََلكّا من السماء إجابة لطلبهم لقضي المر بإهلكهم‪ ,‬ث ل يهلون لتوبة‪ ,‬فقد سبق ف علم ال‬
‫أنم ل يؤمنون‪.‬‬

‫سنَا عََلْيهِ ْم مَا يَ ْلبِسُونَ (‪)9‬‬


‫ل وَلََلبَ ْ‬
‫جعَ ْلنَاهُ َر ُج ً‬
‫وََلوْ َجعَ ْلنَاهُ َملَكا َل َ‬

‫ولو جعلنا الرسول الرسل إليهم مََلكًا إذ ل يقتنعوا بحمد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬لعلنا ذلك اللك ف‬
‫صورة البشر‪ ,‬حت يستطيعوا السماع منه وماطبته; إذ ليس بإمكانم رؤية اللك على صورته اللئكية‪,‬‬
‫ولو جاءهم اللك بصورة رجل لشتبه المر عليهم‪ ,‬كما اشتبه عليهم أمر ممد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫ستَهْ ِزئُون (‪)10‬‬


‫خرُوا ِمْنهُ ْم مَا كَانُوا بِ ِه يَ ْ‬
‫ق بِالّذِي َن سَ ِ‬
‫ئ بِ ُرسُ ٍل مِنْ َقبْلِكَ فَحَا َ‬
‫وََلقَ ْد اسُْتهْزِ َ‬

‫ولّا كان طلبهم إنزال اللك على سبيل الستهزاء بحمد صلى ال عليه وسلم بيّن ال تعال له أن‬
‫الستهزاء بالرسل عليهم السلم ليس أمرا حادثا‪ ,‬بل قد وقع من الكفار السابقي مع أنبيائهم‪ ,‬فأحاط‬
‫بم العذاب الذي كانوا يهزؤون به وينكرون وقوعه‪.‬‬

‫‪210‬‬
‫قُ ْل سِيُوا فِي الَ ْرضِ ثُ ّم انظُرُوا َكيْفَ كَانَ عَاِقَبةُ الْمُكَ ّذبِيَ (‪)11‬‬

‫قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬سيوا ف الرض ث انظروا كيف أعقب ال الكذبي اللك والزي؟ فاحذروا‬
‫مثل مصارعهم‪ ,‬وخافوا أن يلّ بكم مثل الذي حل بم‪.‬‬

‫ت وَالَرْ ضِ ُقلْ لِلّ هِ َكتَ بَ عَلَى َنفْ سِهِ الرّ ْح َمةَ َليَجْ َم َعّنكُ مْ إِلَى َيوْ مِ اْل ِقيَا َمةِ ل َريْ بَ‬
‫قُلْ لِ َم ْن مَا فِي ال سّ َموَا ِ‬
‫سهُمْ َفهُ ْم ل ُي ْؤ ِمنُونَ (‪)12‬‬‫فِيهِ الّذِينَ خَسِرُوا أَنفُ َ‬

‫ك السموات والرض وما فيهن؟ قل‪ :‬هو ل كما تقرون‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬لن مُل ُ‬
‫بذلك وتعلمونه‪ ,‬فاعبدوه وحده‪ .‬كتب ال على نفسه الرحة فل بعجل على عباده بالعقوبة‪ .‬ليجمعنكم‬
‫إل يوم القيامة الذي ل شك فيه للحساب والزاء‪ .‬الذين أشركوا بال أهلكوا أنفسهم‪ ,‬فهم ل يوحدون‬
‫ال‪ ,‬ول يصدقون بوعده ووعيده‪ ,‬ول يقرون بنبوة ممد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫وَلَ ُه مَا سَكَنَ فِي الّليْ ِل وَالّنهَا ِر َو ُهوَ السّمِي ُع اْلعَلِيمُ (‪)13‬‬

‫ول ملك كل شيء ف السموات والرض‪ ,‬سكن أو ترك‪ ,‬خفي أو ظهر‪ ,‬الميع عبيده وخلقه‪ ,‬وتت‬
‫قهره وتصرفه وتدبيه‪ ,‬وهو السميع لقوال عباده‪ ,‬الليم بركاتم وسرائرهم‪.‬‬

‫ت وَالَرْ ضِ َو ُه َو يُ ْطعِ ُم وَل يُ ْطعَ مُ قُلْ ِإنّي ُأمِرْ تُ أَ نْ أَكُو نَ َأوّ َل مَ نْ‬
‫قُلْ َأ َغيْرَ اللّ هِ َأتّخِ ُذ وَِليّا فَاطِ ِر ال سّ َموَا ِ‬
‫َأسْلَ َم وَل َتكُونَ ّن مِ ْن الْمُشْرِ ِكيَ (‪)14‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي مع ال تعال غيه‪ :‬أغي ال تعال أتذ وليّا ونصيًا‪ ,‬وهو خالق‬
‫السموات والرض وما فيهن‪ ,‬وهو الذي يرزق خلقه ول يرزقه أحد؟ قل ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬إن ُأمِرْتُ‬
‫أن أكون أول مَن خضع وانقاد له بالعبودية من هذه المة‪ ,‬ونيت أن أكون من الشركي معه غيه‪.‬‬

‫ب َيوْ ٍم عَظِيمٍ (‪)15‬‬


‫قُلْ ِإنّي أَخَافُ إِ ْن َعصَْيتُ َربّي عَذَا َ‬

‫‪211‬‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي مع ال غيه‪ :‬إن أخاف إن عصيت رب‪ ,‬فخالفت أمره‪ ,‬وأشركت‬
‫معه غيه ف عبادته‪ ,‬أن ينل ب عذاب عظيم يوم القيامة‪.‬‬

‫ك اْل َفوْزُ الْ ُمبِيُ (‪)16‬‬


‫ف َعنْهُ َي ْو َمئِذٍ َفقَدْ رَ ِحمَ ُه وَذَلِ َ‬
‫مَ ْن ُيصْرَ ْ‬

‫من يصرف ال عنه ذلك العذاب الشديد فقد رحه‪ ,‬وذلك الصرف هو الظفر البي بالنجاة من العذاب‬
‫العظيم‪.‬‬

‫خيْرٍ َف ُهوَ عَلَى كُ ّل َشيْءٍ قَدِيرٌ (‪)17‬‬


‫ك بِ َ‬
‫َوإِ ْن يَمْسَسْكَ اللّ ُه ِبضُرّ فَل كَاشِفَ لَهُ إِلّ ُه َو َوإِ ْن يَمْسَسْ َ‬

‫وإن يصبك ال تعال ‪-‬أيها النسان‪ -‬بشيء يضرك كالفقر والرض فل كاشف له إل هو‪ ,‬وإن يصبك‬
‫بي كالغن والصحة فل راد لفضله ول مانع لقضائه‪ ,‬فهو ‪-‬جل وعل‪ -‬القادر على كل شيء‪.‬‬

‫خبِيُ (‪)18‬‬
‫حكِي ُم الْ َ‬
‫َو ُهوَ اْلقَاهِرُ َف ْوقَ ِعبَا ِد ِه َو ُهوَ الْ َ‬

‫وال سبحانه هو الغالب القاهر فوق عباده; خضعت له الرقاب وذَّلتْ له البابرة‪ ,‬وهو الكيم الذي‬
‫يضع الشياء مواضعها وَفْق حكمت‪ ,‬البي الذي ل يفى عليه شيء‪ .‬ومن اتصف بذه الصفات يب‬
‫أل يشرك به‪ .‬وف هذه الية إثبات الفوقية ل ‪-‬تعال‪ -‬على جيع خلقه‪ ,‬فوقية مطلقة تليق بلله‬
‫سبحانه‪.‬‬

‫قُلْ أَيّ شَيْءٍ أَ ْكبَ ُر َشهَا َدةً قُلْ اللّ ُه َشهِي ٌد َبيْنِي َوَبْينَكُ ْم َوأُوحِ يَ إِلَيّ هَذَا اْلقُرْآ نُ لُنذِرَكُ مْ بِ ِه َومَ ْن بََل َغ‬
‫شهَدُو نَ َأنّ مَ عَ اللّ هِ آِل َهةً أُ ْخرَى قُلْ ل َأ ْشهَدُ قُلْ ِإنّمَا ُهوَ إِلَ هٌ وَاحِدٌ َوإِّننِي بَرِي ٌء ِممّا تُشْرِكُو نَ (‬ ‫َأئِّنكُ مْ َلتَ ْ‬
‫‪)19‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول لؤلء الشركي‪ :-‬أيّ شيء أعظم شهادة ف إثبات صدقي فيما أخبتكم به أن‬
‫رسول ال؟ قل‪ :‬ال شهيد بين وبينكم أي‪ :‬هو العال با جئتكم به وما أنتم قائلونه ل‪ ,‬وأوحى ال إلّ‬
‫هذا القرآن مِن أجل أن أنذركم به عذابه أن ي ّل بكم‪ ,‬وأنذر به مَن وصل إليه من المم‪ .‬إنكم لتقرون‬

‫‪212‬‬
‫أن مع ال معبودات أخرى تشركونا به‪ .‬قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬إن ل أشهد على ما أقررت به‪ ,‬إنا ال‬
‫إله واحد ل شريك له‪ ,‬وإنن بريء من كل شريك تعبدونه معه‪.‬‬

‫سهُمْ َف ُه ْم ل ُيؤْ ِمنُونَ (‪)20‬‬


‫سرُوا أَنفُ َ‬
‫الّذِي َن آتَْينَاهُ ْم الْ ِكتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا َيعْرِفُونَ َأبْنَا َءهُ ْم الّذِينَ خَ ِ‬

‫الذين آتيناهم التوراة والنيل‪ ,‬يعرفون ممدًا صلى ال عليه وسلم بصفاته الكتوبة عندهم كمعرفتهم‬
‫أبناءهم‪ ,‬فكما أن أبناءهم ل يشتبهون أمامهم بغيهم‪ ,‬فكذلك ممد صلى ال عليه وسلم ل يشتبه بغيه‬
‫لدقة وصفه ف كتبهم‪ ,‬ولكنهم اتبعوا أهواءهم‪ ,‬فخسروا أنفسهم حب كفروا بحمد صلى ال عليه‬
‫وسلم وبا جاء به‪.‬‬

‫ب بِآيَاتِهِ ِإنّهُ ل ُيفْلِحُ الظّاِلمُونَ (‪)21‬‬


‫َومَنْ أَظَْل ُم مِمّ ْن ا ْفتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبا َأوْ َكذّ َ‬

‫ل أحد أشد ظلمًا مّن َتقَوّلَ الكذب على ال تعال‪ ,‬فزعم أن له شركاء ف العبادة‪ ,‬أو ادّعى أن له ولدًا‬
‫أو صاحبة‪ ,‬أو كذب بباهينه وأدلته الت أيّد با رسله عليهم السلم‪ .‬إنه ل يفلح الظالون الذين افتروا‬
‫الكذب على ال‪ ,‬ول يظفرون بطالبهم ف الدنيا ول ف الخرة‪.‬‬

‫ش ُرهُمْ جَمِيعا ثُ ّم َنقُولُ ِللّذِينَ َأشْرَكُوا َأيْ َن شُرَكَاؤُكُ ْم الّذِينَ كُنتُ ْم تَ ْزعُمُونَ (‪)22‬‬
‫َوَيوْ َم نَحْ ُ‬

‫وليحذر هؤلء الشركون الكذبون بآيات ال تعال يوم نشرهم ث نقول لم‪ :‬أين آلتكم الت كنتم‬
‫تدّعون أنم شركاء مع ال تعال ليشفعوا لكم؟‬

‫ثُمّ لَ ْم َتكُنْ ِفْتنَُتهُمْ إِلّ أَنْ قَالُوا وَاللّهِ َربّنَا مَا ُكنّا مُشْرِكِيَ (‪)23‬‬

‫ث ل تكن إجابتهم حي فتنوا واختبوا بالسؤال عن شركائهم إل أن تبؤوا منهم‪ ,‬وأقسموا بال ربم‬
‫أنم ل يكونوا مشركي مع ال غيه‪.‬‬

‫سهِ ْم وَضَ ّل َعْنهُ ْم مَا كَانُوا َيفْتَرُونَ (‪)24‬‬


‫انظُرْ َكيْفَ كَ َذبُوا عَلَى أَنفُ ِ‬

‫‪213‬‬
‫تأمل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كيف كذب هؤلء الشركون على أنفسهم وهم ف الخرة قد تبؤوا من الشرك؟‬
‫وذهب وغاب عنهم ما كانوا يظنونه من شفاعة آلتهم‪.‬‬

‫ك وَ َجعَلْنَا عَلَى ُقلُوبِهِ مْ أَ ِكّنةً أَ ْن َي ْفقَهُو ُه وَفِي آذَاِنهِ ْم وَقْرا َوإِ نْ َي َروْا كُ ّل آَيةٍ ل‬
‫ستَمِعُ إَِليْ َ‬
‫َو ِمنْهُ ْم مَ ْن يَ ْ‬
‫ُيؤْ ِمنُوا ِبهَا َحتّى ِإذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُو ُل الّذِينَ َكفَرُوا إِ ْن هَذَا إِلّ َأسَاطِيُ ا َلوّلِيَ (‪)25‬‬

‫ومن هؤلء الشركي من يستمع إليك القرآن ‪-‬أيها الرسول‪ ،-‬فل يصل إل قلوبم; لنم بسبب‬
‫اتباعهم أهواءهم جعلنا على قلوبم أغطية; لئل يفقهوا القرآن‪ ,‬وجعلنا ف آذانم ثقل وصممًا فل تسمع‬
‫ول تعي شيئًا‪ ,‬وإن يروا اليات الكثية الدالة على صدق ممد صلى ال عليه وسلم ل يصدقوا با‪ ,‬حت‬
‫إذا جاؤوك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بعد معاينة اليات الدالة على صدقك ياصمونك‪ :‬يقول الذين جحدوا‬
‫آيات ال‪ :‬ما هذا الذي نسمع إل ما تناقله الولون من حكايات ل حقيقة لا‪.‬‬

‫شعُرُونَ (‪)26‬‬
‫سهُ ْم َومَا يَ ْ‬
‫َوهُ ْم يَْن َه ْونَ َعنْهُ َويَْنَأوْ َن عَنْ ُه َوِإنْ ُيهِْلكُونَ إِلّ أَنفُ َ‬

‫وهؤلء الشركون ينهون الناس عن اتباع ممد صلى ال عليه وسلم والستماع إليه‪ ,‬ويبتعدون بأنفسهم‬
‫عنه‪ ,‬وما يهلكون ‪-‬بصدهم عن سبيل ال‪ -‬إل أنفسهم‪ ,‬وما يسون أنم يعملون للكها‪.‬‬

‫ب بِآيَاتِ َربّنَا َوَنكُونَ مِ ْن الْ ُم ْؤمِنِيَ (‪)27‬‬


‫وََلوْ َترَى إِ ْذ وُِقفُوا عَلَى النّارِ َفقَالُوا يَا َليَْتنَا نُرَ ّد وَل ُنكَذّ َ‬

‫حبَسون على‬
‫ولو ترى ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء الشركي يوم القيامة لرأيت أمرًا عظيمًا‪ ,‬وذلك حي ُي ْ‬
‫النار‪ ,‬ويشاهدون ما فيها من السلسل والغلل‪ ,‬ورأوا بأعينهم تلك المور العظام والهوال‪ ,‬فعند‬
‫ذلك قالوا‪ :‬ياليتنا نُعاد إل الياة الدنيا‪ ,‬فنصدق بآيات ال ونعمل با‪ ,‬ونكون من الؤمني‪.‬‬

‫خفُو َن مِنْ َقبْ ُل وََلوْ رُدّوا َلعَادُوا لِمَا ُنهُوا َعنْهُ َوِإّنهُمْ َلكَا ِذبُونَ (‪)28‬‬
‫بَ ْل بَدَا َل ُه ْم مَا كَانُوا يُ ْ‬

‫‪214‬‬
‫ليس المر كذلك‪ ,‬بل ظهر لم يوم القيامة ما كانوا يعلمونه من أنفسهم من صدق ما جاءت به الرسل‬
‫ف الدنيا‪ ,‬وإن كانوا يظهرون لتباعه خلفه‪ .‬ولو فرض أن أعيدوا إل الدنيا فأمهلوا لرجعوا إل العناد‬
‫بالكفر والتكذيب‪ .‬وإنم لكاذبون ف قولم‪ :‬لو رددنا إل الدنيا ل نكذب بآيات ربنا‪ ,‬وكنا من الؤمني‪.‬‬

‫وَقَالُوا ِإنْ ِهيَ إِلّ َحيَاتُنَا ال ّدْنيَا َومَا نَحْنُ بِ َمبْعُوثِيَ (‪)29‬‬

‫وقال هؤلء الشركون النكرون للبعث‪ :‬ما الياة إل هذه الياة الت نن فيها‪ ,‬وما نن ببعوثي بعد‬
‫موتنا‪.‬‬

‫ُمه‬
‫َابه بِم َا كُنت ْ‬
‫ْسه هَذَا بِاْلحَق ّ قَالُوا بَلَى وَ َربّن َا قَالَ فَذُوقُوا اْلعَذ َ‬
‫ِمه قَالَ أََلي َ‬
‫وََلوْ َترَى إِ ْذ وُِقفُوا عَلَى َرّبه ْ‬
‫تَ ْكفُرُونَ (‪)30‬‬

‫ولو ترى ‪-‬أيها الرسول‪ -‬منكري البعث إذ حُبسوا بي يدي ال تعال لقضائه فيهم يوم القيامة‪ ,‬لرأيت‬
‫أسوأ حال‪ ,‬إذ يقول ال جل وعل أليس هذا بالق‪ ,‬أي‪ :‬أليس هذا البعث الذي كنتم تنكرونه ف الدنيا‬
‫حقّا؟ قالوا‪ :‬بلى وربنا إنه لق‪ ,‬قال ال تعال‪ :‬فذوقوا العذاب با كنتم تكفرون أي‪ :‬العذاب الذي كنتم‬
‫تكذبون به ف الدنيا بسبب جحودكم بال تعال ورسوله ممد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫س َرتَنَا عَلَى مَا فَ ّر ْطنَا فِيهَا َوهُ مْ‬


‫قَدْ خَ سِ َر الّذِي نَ كَ ّذبُوا بِِلقَاءِ اللّ هِ َحتّى إِذَا جَا َءْتهُ ْم ال سّا َعةُ َب ْغَتةً قَالُوا يَا حَ ْ‬
‫يَحْ ِملُونَ َأوْزَا َرهُ ْم عَلَى ُظهُو ِرهِمْ أَل سَا َء مَا يَ ِزرُونَ (‪)31‬‬

‫قد خسر الكفار الذين أنكروا البعث بعد الوت‪ ,‬حت إذا قامت القيامة‪ ,‬وفوجئوا بسوء الصي‪ ,‬نادَوا‬
‫على أنفسهم بالسرة على ما ضيّعوه ف حياتم الدنيا‪ ,‬وهم يملون آثامهم على ظهورهم‪ ,‬فما أسوأ‬
‫الحال الثقيلة السيئة الت يملونا!!‬

‫حيَاةُ ال ّدْنيَا إِلّ َل ِعبٌ وََل ْه ٌو وَلَلدّارُ الخِ َرةُ َخْيرٌ لِلّذِي َن َيّتقُونَ أَفَل َت ْعقِلُونَ (‪)32‬‬
‫َومَا الْ َ‬

‫‪215‬‬
‫وما الياة الدنيا ف غالب أحوالا إل غرور وباطل‪ ,‬والعمل الصال للدار الخرة خي للذين يشون ال‪,‬‬
‫فيتقون عذابه بطاعته واجتناب معاصيه‪ .‬أفل تعقلون ‪-‬أيها الشركون الغترون بزينة الياة الدنيا‪-‬‬
‫فتقدّموا ما يبقى على ما يفن؟‬

‫ي بِآيَاتِ اللّ ِه َيجْحَدُونَ (‪)33‬‬


‫ك وَلَكِنّ الظّالِ ِم َ‬
‫ح ُزنُكَ الّذِي َيقُولُونَ فَِإّنهُ ْم ل ُيكَ ّذبُونَ َ‬
‫قَ ْد َنعْلَمُ ِإنّهُ َليَ ْ‬

‫إنا نعلم إنه ليُدْخل الزنَ إل قلبك تكذيبُ قومك لك ف الظاهر‪ ,‬فاصب واطمئن; فإنم ل يكذبونك ف‬
‫قرارة أنفسهم‪ ,‬بل يعتقدون صدقك‪ ,‬ولكنهم لظلمهم وعدوانم يحدون الباهي الواضحة على‬
‫صدقك‪ ,‬فيكذبونك فيما جئت به‪.‬‬

‫صبَرُوا عَلَى مَا كُ ّذبُوا َوأُوذُوا َحتّى َأتَاهُ مْ نَ صْ ُرنَا وَل ُمبَدّلَ ِلكَلِمَا تِ اللّ هِ‬
‫وََلقَدْ كُ ّذبَ تْ رُ سُ ٌل مِ نْ َقبْلِ كَ فَ َ‬
‫وََلقَدْ جَا َء َك مِ ْن َنبَإِ الْ ُم ْرسَلِيَ (‪)34‬‬

‫ولقد كذّب الكفارُ رسل من قبلك أرسلهم ال تعال إل أمهم وأوذوا ف سبيله‪ ,‬فصبوا على ذلك‬
‫ومضوا ف دعوتم وجهادهم حت أتاهم نصر ال‪ .‬ول مبدل لكلمات ال‪ ,‬وهي ما أنزل على نبيه ممد‬
‫صلى ال عليه وسلم مِن وعده إياه بالنصر على مَن عاداه‪ .‬ولقد جاءك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬مِن خب مَن كان‬
‫قبلك من الرسل‪ ,‬وما تقق لم من نصر ال‪ ,‬وما جرى على مكذبيهم من نقمة ال منهم وغضبه عليهم‪,‬‬
‫فلك فيمن تقدم من الرسل أسوة وقدوة‪ .‬وف هذا تسلية للرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫ضهُمْ فَإِنْ اسْتَ َط ْعتَ أَنْ َتْبتَغِيَ َنفَقا فِي الَرْضِ َأوْ سُلّما فِي السّمَاءِ َفَتأِْتَيهُ ْم بِآَيةٍ‬
‫َوإِنْ كَانَ َكبُرَ عََليْكَ ِإعْرَا ُ‬
‫وََلوْ شَاءَ اللّهُ َلجَ َم َعهُ ْم عَلَى اْلهُدَى فَل َتكُونَنّ مِنْ الْجَاهِلِيَ (‪)35‬‬

‫وإن كان عَ ُظ َم عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬صدود هؤلء الشركي وانصرافهم عن الستجابة لدعوتك‪ ,‬فإن‬
‫استطعت أن تتخذ نفقًا ف الرض‪ ,‬أو مصعدًا تصعد فيه إل السماء‪ ,‬فتأتيهم بعلمة وبرهان على صحة‬
‫قولك غي الذي جئناهم به فافعل‪ .‬ولو شاء ال َلجَمعهم على الدى الذي أنتم عليه ووفّقهم لليان‪,‬‬
‫ولكن ل يشأ ذلك لكمة يعلمها سبحانه‪ ,‬فل تكونن ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من الاهلي الذين اشتد حزنم‪,‬‬
‫وتسّروا حت أوصلهم ذلك إل الزع الشديد‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫ب الّذِي َن يَسْ َمعُو َن وَالْ َم ْوتَى َيبْ َعُثهُمْ اللّ ُه ثُمّ إَِليْهِ يُ ْر َجعُونَ (‪)36‬‬
‫ستَجِي ُ‬
‫ِإنّمَا يَ ْ‬

‫إنا ييبك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إل ما دعوت إليه من الدى الذين يسمعون الكلم ساع قبول‪ .‬أما الكفار‬
‫فهم ف عداد الوتى; لن الياة القيقية إنا تكون بالسلم‪ .‬والوتى يرجهم ال من قبورهم أحياء‪ ,‬ث‬
‫يعودون إليه يوم القيامة ليوفوا حسابم وجزاءهم‪.‬‬

‫وَقَالُوا َلوْل نُزّ َل عََليْ ِه آَي ٌة مِنْ َربّهِ قُلْ ِإنّ اللّهَ قَادِ ٌر عَلَى َأنْ ُينَزّ َل آَي ًة وََلكِنّ أَكْثَ َرهُ ْم ل َيعَْلمُونَ (‪)37‬‬

‫وقال الشركون ‪-‬تعنتًا واستكبارًا‪ :-‬هل أنزل ال علمة تدل على صدق ممد صلى ال عليه وسلم من‬
‫نوع العلمات الارقة‪ ,‬قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬إن ال قادر على أن ينل عليهم آية‪ ,‬ولكن أكثرهم ل‬
‫يعلمون أن إنزال اليات إنا يكون وَفْق حكمته تعال‪.‬‬

‫ب مِ ْن َشيْءٍ ثُمّ إِلَى‬


‫جنَا َحيْ هِ إِلّ ُأمَ مٌ َأمْثَاُلكُ ْم مَا فَ ّر ْطنَا فِي اْلكِتَا ِ‬
‫َومَا مِ نْ دَاّبةٍ فِي الَرْ ضِ وَل طَائِ ٍر يَطِ ُي بِ َ‬
‫شرُونَ (‪)38‬‬ ‫َرّبهِ ْم يُحْ َ‬

‫ب على الرض أو طائر يطي ف السماء بناحيه إل جاعات متجانسة اللق‬ ‫ليس ف الرض حيوان يَدِ ّ‬
‫مثلكم‪ .‬ما تركنا ف اللوح الحفوظ شيئًا إل أثبتناه‪ ,‬ث إنم إل ربم يشرون يوم القيامة‪ ,‬فيحاسب ال‬
‫كل با عمل‪.‬‬

‫صرَاطٍ مُسَْتقِيمٍ (‬
‫جعَلْ ُه عَلَى ِ‬
‫شأْ اللّ ُه ُيضِْللْ ُه َومَ ْن يَشَ ْأ يَ ْ‬
‫ت مَ ْن يَ َ‬
‫وَالّذِينَ َك ّذبُوا بِآيَاِتنَا صُ ّم َوُبكْمٌ فِي الظّلُمَا ِ‬
‫‪)39‬‬

‫والذين كذبوا بجج ال تعال صمّ ل يسمعون ما ينفعهم‪ُ ,‬بكْ ٌم ل يتكلمون بالق‪ ,‬فهم حائرون ف‬
‫الظلمات‪ ,‬ل يتاروا طريقة الستقامة‪ .‬من يشأ ال إضلله يضلله‪ ,‬ومن يشأ هدايته يعله على صراط‬
‫مستقيم‪.‬‬

‫قُلْ أَ َرَأْيتَكُمْ ِإنْ أَتَاكُ ْم عَذَابُ اللّهِ َأوْ أََتْتكُمْ السّا َعةُ َأغَيْرَ اللّ ِه تَ ْدعُونَ ِإنْ كُنتُمْ صَادِقِيَ (‪)40‬‬
‫‪217‬‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬أخبون إن جاءكم عذاب ال ف الدنيا أو جاءتكم الساعة الت‬
‫تبعثون فيها‪ :‬أغي ال تدعون هناك لكشف ما نزل بكم من البلء‪ ,‬إن كتم مقي ف زعمكم أن آلتكم‬
‫الت تعبدونا من دون ال تنفع أو تضر؟‬

‫سوْ َن مَا تُشْرِكُونَ (‪)41‬‬


‫بَلْ ِإيّا ُه تَ ْدعُونَ َفَيكْشِفُ مَا تَ ْدعُونَ إَِليْهِ ِإنْ شَا َء َوتَن َ‬

‫بل تدعون ‪-‬هناك‪ -‬ربكم الذي خلقكم ل غيه‪ ,‬وتستغيثون به‪ ,‬فيفرج عنكم البلء العظيم النازل بكم‬
‫إن شاء; لنه القادر على كل شيء‪ ,‬وتتركون حينئذ أصنامكم وأوثانكم وأولياءكم‪.‬‬

‫وََلقَدْ أَ ْرسَ ْلنَا إِلَى ُأمَ ٍم مِنْ َقبْلِكَ َفأَخَ ْذنَاهُ ْم بِاْلَبأْسَا ِء وَالضّرّاءِ َلعَّلهُمْ يََتضَ ّرعُونَ (‪)42‬‬

‫ولقد بعثنا ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إل جاعات من الناس من قبلك رسل يدعونم إل ال تعال‪ ,‬فكذّبوهم‪,‬‬
‫فابتليناهم ف أموالم بشدة الفقر وضيق العيشة‪ ,‬وابتليناهم ف أجسامهم بالمراض واللم; رجاء أن‬
‫يتذللوا لربم‪ ,‬ويضعوا له وحده بالعبادة‪.‬‬

‫شيْطَانُ مَا كَانُوا َيعْمَلُونَ (‪)43‬‬


‫ستْ قُلُوُبهُ ْم وَ َزيّنَ َلهُمْ ال ّ‬
‫فََلوْل إِذْ جَا َءهُ ْم بَ ْأ ُسنَا تَضَ ّرعُوا وََلكِنْ قَ َ‬

‫فهل إذ جاء هذه المم الكذبة بلؤنا تذللوا لنا‪ ,‬ولكن قست قلوبم‪ ,‬وزيّن لم الشيطان ما كانوا‬
‫يعملون من العاصي‪ ,‬ويأتون من الشرك‪.‬‬

‫حنَا عََلْيهِ مْ َأْبوَا بَ كُ ّل َشيْءٍ َحتّى إِذَا فَ ِرحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَ ْذنَاهُ ْم َب ْغَتةً فَِإذَا هُ مْ‬
‫فََلمّا نَ سُوا مَا ذُكّرُوا بِ هِ َفتَ ْ‬
‫ُمبْلِسُونَ (‪)44‬‬

‫فلما تركوا العمل بأوامر ال تعال معرضي عنها‪ ,‬فتحنا عليهم أبواب كل شيء من الرزق فأبدلناهم‬
‫بالبأساء رخاءً ف العيش‪ ,‬وبالضراء صحة ف الجسام; استدراجا منا لم‪ ,‬حت إذا بطروا‪ ,‬وأعجبوا با‬
‫أعطيناهم من الي والنعمة أخذناهم بالعذاب فجأة‪ ,‬فإذا هم آيسون منقطعون من كل خي‪.‬‬

‫‪218‬‬
‫ب اْلعَالَمِيَ (‪)45‬‬
‫َفقُطِعَ دَابِرُ الْ َق ْومِ الّذِي َن ظََلمُوا وَالْحَ ْمدُ لِلّهِ رَ ّ‬

‫فاستؤصل هؤلء القوم وأُهلكوا إذ كفروا بال وكذّبوا رسله‪ ,‬فلم يبق منهم أحد‪ .‬والشكر والثناء ل‬
‫تعال ‪-‬خالق كل شيء ومالكه‪ -‬على نصرة أوليائه وهلك أعدائه‪.‬‬

‫قُلْ أَ َرَأْيتُ مْ إِ نْ أَخَذَ اللّ هُ َس ْمعَكُ ْم َوَأبْ صَارَكُ ْم وَ َختَ َم عَلَى قُلُوِبكُ ْم مَ نْ إِلَ هٌ َغيْرُ اللّ ِه َي ْأتِيكُ ْم بِ هِ ان ُظرْ َكيْ فَ‬
‫ت ثُ ّم هُ ْم َيصْدِفُونَ (‪)46‬‬ ‫ف اليَا ِ‬ ‫ُنصَرّ ُ‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬أخبون إن أذهب ال سعكم فأصمّكم‪ ,‬وذهب بأبصاركم‬
‫فأعماكم‪ ,‬وطبع على قلوبكم فأصبحتم ل تفقهون قول أيّ إله غي ال جل وعل يقدر على ردّ ذلك‬
‫لكم؟! انظر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كيف ننوّع لم الجج‪ ,‬ث هم بعد ذلك يعرضون عن التذكر والعتبار؟‬

‫قُلْ أَ َرَأْيتَكُمْ ِإنْ أَتَاكُ ْم عَذَابُ اللّ ِه َبغَْتةً َأوْ َجهْ َر ًة هَ ْل ُيهْلَكُ إِ ّل الْ َق ْومُ الظّاِلمُونَ (‪)47‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬أخبون إن نزل بكم عقاب اللة فجأة وأنتم ل تشعرون به‪ ,‬أو‬
‫ظاهرًا عِيانًا وأنتم تنظرون إليه‪ :‬هل يُهلك إل القوم الظالون الذين تاوزوا الد‪ ,‬بصرفهم العبادة لغي ال‬
‫تعال وبتكذيبهم رسله؟‬

‫ح َزنُونَ (‪)48‬‬
‫ف عََلْيهِمْ وَل هُ ْم يَ ْ‬
‫َومَا نُ ْرسِ ُل الْمُ ْرسَِليَ إِلّ ُمبَشّرِي َن َومُنذِرِينَ َفمَنْ آمَ َن َوأَصْلَحَ فَل َخوْ ٌ‬

‫وما نرسل رسلنا إل مبشرين أهل طاعتنا بالنعيم القيم‪ ,‬ومنذرين أهل العصية بالعذاب الليم‪ ,‬فمن آمن‬
‫وصدّق الرسل وعمل صالًا فأولئك ل يافون عند لقاء ربم‪ ,‬ول يزنون على شيء فاتم من حظوظ‬
‫الدنيا‪.‬‬

‫سقُونَ (‪)49‬‬
‫سهُ ْم اْلعَذَابُ بِمَا كَانُوا َيفْ ُ‬
‫وَالّذِينَ َك ّذبُوا بِآيَاِتنَا يَمَ ّ‬

‫والذين كذّبوا بآياتنا من القرآن والعجزات فأولئك يصيبهم العذاب يوم القيامة‪ ,‬بسبب كفرهم‬
‫وخروجهم عن طاعة ال تعال‪.‬‬

‫‪219‬‬
‫ب وَل أَقُولُ َلكُ مْ ِإنّي مَلَ كٌ إِ نْ َأّتبِ عُ إِ ّل مَا يُوحَى إَِلّيقُلْ‬
‫قُلْ ل أَقُولُ َلكُ ْم عِندِي َخزَائِ نُ اللّ هِ وَل َأعْلَ ُم اْلغَيْ َ‬
‫هَ ْل يَسَْتوِي الَعْمَى وَالَْبصِيُ أَفَل َتَتفَكّرُونَ (‪)50‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬إن ل أدّعي أن أملك خزائن السموات والرض‪ ,‬فأتصرف فيها‪,‬‬
‫ول أدّعي أن أعلم الغيب‪ ,‬ول أدّعي أن ملك‪ ,‬وإنا أنا رسول من عند ال‪ ,‬أتبع ما يوحى إلّ‪ ,‬وأبلّغ‬
‫وحيه إل الناس‪ ,‬قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬هل يستوي الكافر الذي عَمِي عن آيات ال تعال‬
‫فلم يؤمن با والؤمن الذي أبصر آيات ال فآمن با؟ أفل تتفكرون ف آيات ال; لتبصروا الق فتؤمنوا‬
‫به؟‬

‫شرُوا إِلَى َرّبهِمْ َلْيسَ َلهُ ْم مِنْ دُونِ ِه وَِليّ وَل َشفِيعٌ َلعَّلهُ ْم َيّتقُونَ (‪)51‬‬
‫َوأَنذِ ْر بِهِ الّذِي َن يَخَافُونَ َأنْ يُحْ َ‬

‫وخوّف ‪-‬أيها النب‪ -‬بالقرآن الذين يعلمون أنم يُحشرون إل ربم‪ ,‬فهم مصدّقون بوعد ال ووعيده‪,‬‬
‫ليس لم غي ال ولّ ينصرهم‪ ,‬ول شفيع يشفع لم عنده تعال‪ ,‬فيخلصهم من عذابه; لعلهم يتقون ال‬
‫تعال بفعل الوامر واجتناب النواهي‪.‬‬

‫ك مِ نْ حِ سَاِبهِ ْم مِ ْن شَيْ ٍء َومَا مِ نْ‬


‫وَل تَطْرُدْ الّذِي َن يَ ْدعُو نَ َرّبهُ ْم بِاْلغَدَا ِة وَاْلعَشِيّ يُرِيدُو نَ َو ْجهَ ُه مَا عََليْ َ‬
‫ك عََلْيهِ ْم مِ ْن َشيْءٍ َفتَ ْطرُ َدهُمْ َفَتكُو َن مِنْ الظّالِمِيَ (‪)52‬‬ ‫حِسَابِ َ‬

‫ول ُتبْعد ‪-‬أيها النب‪ -‬عن مالستك ضعفاء السلمي الذين يعبدون ربم أول النهار وآخره‪ ,‬يريدون‬
‫بأعمالم الصالة وجه ال‪ ,‬ما عليك من حساب هؤلء الفقراء من شيء‪ ,‬إنا حسابم على ال‪ ,‬وليس‬
‫عليهم شيء من حسابك‪ ,‬فإن أبعدتم فإنك تكون من التجاوزين حدود ال‪ ,‬الذين يضعون الشيء ف‬
‫غي موضعه‪.‬‬

‫ضهُ ْم بَِب ْعضٍ ِلَيقُولُوا َأ َهؤُلءِ مَنّ اللّ ُه عََلْيهِ ْم مِ ْن َبْينِنَا أََلْيسَ اللّ ُه ِبَأعْلَ َم بِالشّاكِرِينَ (‪)53‬‬
‫وَكَذَلِكَ َفَتنّا َب ْع َ‬

‫وكذالك ابتلى ال تعال بعض عباده ببعض بتباين حظوظهم من الرزاق والخلق‪ ,‬فجعل بعضهم غنيّا‬
‫وبعضهم فقيًا‪ ,‬وبعضهم قويّا وبعضهم ضعيفًا‪ ,‬فأحوج بعضهم إل بعض اختبارًا منه لم بذلك; ليقول‬

‫‪220‬‬
‫الكافرون الغنياء‪ :‬أهؤلء الضعفاء مَ ّن ال عليهم بالداية إل السلم مِن بيننا؟ أليس ال تعال بأعلم بن‬
‫يشكرون نعمته‪ ,‬فيوفقهم إل الداية لدينه؟‬

‫َوإِذَا جَاءَ َك الّذِي نَ ُي ْؤ ِمنُو َن بِآيَاِتنَا َفقُلْ سَلمٌ عََلْيكُ مْ َكتَ بَ َرّبكُ ْم عَلَى نَفْ سِهِ الرّ ْح َمةَ َأنّ هُ مَ ْن عَمِلَ مِْنكُ مْ‬
‫ب مِ ْن َبعْ ِد ِه َوأَصْلَحَ َفَأنّهُ غَفُورٌ َرحِيمٌ (‪)54‬‬ ‫جهَاَل ٍة ثُ ّم تَا َ‬
‫سُوءا بِ َ‬

‫صدّقوا بآيات ال الشاهدة على صدقك من القرآن وغيه مستفتي عن‬ ‫وإذا جاءك ‪-‬أيها النب‪ -‬الذين َ‬
‫التوبة من ذنوبم السابقة‪ ,‬فأك ِرمْهم بر ّد السلم عليهم‪ ,‬وبَشّرهم برحة ال الواسعة; فإنه ج ّل وعل قد‬
‫كتب على نفسه الرحة بعباده تفضل أنه من اقترف ذنبًا بهالة منه لعاقبتها وإيابا لسخط ال ‪-‬فكل‬
‫عاص ل مطئًا أو متعمدًا فهو جاهل بذا العتبار وإن كان عالًا بالتحري‪ -‬ث تاب من بعده وداوم على‬
‫العمل الصال‪ ,‬فإنه تعال يغفر ذنبه‪ ,‬فهو غفور لعباده التائبي‪ ,‬رحيم بم‪.‬‬

‫ج ِرمِيَ (‪)55‬‬
‫ي َسبِي ُل الْمُ ْ‬
‫سَتبِ َ‬
‫ك ُنفَصّ ُل اليَاتِ وَِلتَ ْ‬
‫وَكَذَلِ َ‬

‫ومثل هذا البيان الذي بّينّاه لك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬نبيّن الجج الواضحة على كل حق ينكره أهل الباطل;‬
‫ليتبي الق‪ ,‬وليظهر طريق أهل الباطل الخالفي للرسل‪.‬‬

‫قُلْ ِإنّ ي ُنهِي تُ أَ نْ َأعْبُ َد الّذِي َن تَ ْدعُو نَ مِ نْ دُو نِ اللّ هِ قُلْ ل َأتّبِ عُ َأ ْهوَاءَكُ مْ َقدْ ضََللْ تُ إِذا وَمَا أَنَا مِ نْ‬
‫الْ ُم ْهتَدِينَ (‪)56‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬إن ال عز وجل نان أن أعبد الوثان الت تعبدونا من دونه‪ ,‬وقل‬
‫لم‪ :‬ل أتبع أهواءكم قد ضللت عن الصراط الستقيم إن اتبعت أهواءَكم‪ ,‬وما أنا من الهتدين‪.‬‬

‫حقّ َوهُوَ َخْيرُ‬


‫حكْمُ إِلّ لِلّ ِه َيقُصّ الْ َ‬
‫جلُو َن بِهِ إِنْ الْ ُ‬
‫قُلْ ِإنّي عَلَى َبيَّن ٍة مِنْ َربّي وَكَ ّذبْتُ ْم بِ ِه مَا عِندِي مَا تَسَْتعْ ِ‬
‫صلِيَ (‪)57‬‬ ‫الْفَا ِ‬

‫‪221‬‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول لؤلء الشركي‪ :-‬إن على بصية واضحة من شريعة ال الت أوحاها إلّ‪ ,‬وذلك‬
‫بإفراده وحده بالعبادة‪ ,‬وقد كذّبتم بذا‪ ,‬وليس ف قدرت إنزال العذاب الذي تستعجلون به‪ ,‬وما الكم‬
‫ف تأخر ذلك إل إل ال تعال‪ ,‬يقصّ القّ‪ ,‬وهو خي مَن يفصل بي الق والباطل بقضائه وحكمه‪.‬‬

‫ضيَ ا َلمْ ُر َبيْنِي َوبَْينَكُ ْم وَاللّهُ َأعْلَ ُم بِالظّاِلمِيَ (‪)58‬‬


‫سَتعْجِلُونَ بِهِ َل ُق ِ‬
‫قُلْ َلوْ َأنّ عِندِي مَا تَ ْ‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬لو أنن أملك إنزال العذاب الذي تستحجلونه لنزلته بكم‪ ,‬وقضي المر بين‬
‫وبينكم‪ ,‬ولكن ذلك إل ال تعال‪ ,‬وهو أعلم بالظالي الذين تاوزوا حدّهم فأشركوا معه غيه‪.‬‬

‫ط مِ ْن وَرََقةٍ إِ ّل َيعْلَ ُمهَا وَل َحّبةٍ‬


‫سقُ ُ‬
‫ب ل يَعَْل ُمهَا إِ ّل ُهوَ َوَيعْلَ ُم مَا فِي الْبَ ّر وَاْلبَحْ ِر َومَا تَ ْ‬
‫َوعِنْدَ هُ َمفَاتِ حُ الْ َغيْ ِ‬
‫ب ُمبِيٍ (‪)59‬‬ ‫ت الَ ْرضِ وَل َر ْطبٍ وَل يَاِبسٍ إِلّ فِي ِكتَا ٍ‬ ‫فِي ظُُلمَا ِ‬

‫وعند ال ‪-‬جل وعل‪ -‬مفاتح الغيب أي‪ :‬خزائن الغيب‪ ,‬ل يعلمها إل هو‪ ,‬ومنها‪ :‬علم الساعة‪ ,‬ونزول‬
‫الغيث‪ ,‬وما ف الرحام‪ ,‬والكسب ف الستقبل‪ ,‬ومكان موت النسان‪ ,‬ويعلم كل ما ف الب والبحر‪ ,‬وما‬
‫تسقط من ورقة من نبتة إل يعلمها‪ ,‬فكل حبة ف خفايا الرض‪ ,‬وكل رطب ويابس‪ ,‬مثبت ف كتاب‬
‫واضح ل َلبْس فيه‪ ,‬وهو اللوح الحفوظ‪.‬‬

‫َو ُهوَ الّذِي َيَتوَفّاكُ ْم بِالّليْ ِل َوَيعْلَ ُم مَا جَرَ ْحتُ ْم بِالّنهَارِ ثُمّ َيْبعَُثكُمْ فِيهِ ِليُ ْقضَى أَجَ ٌل مُسَمّى ثُمّ إَِليْ ِه مَ ْر ِجعُكُمْ‬
‫ثُ ّم ُينَّبُئكُمْ بِمَا كُنتُ ْم َتعْمَلُونَ (‪)60‬‬

‫وهو سبحانه الذي يقبض أرواحكم بالليل با يشبه قبضها عند الوت‪ ,‬ويعلم ما اكتسبتم ف النهار من‬
‫العمال‪ ,‬ث يعيد أرواحكم إل أجسامكم باليقظة من النوم نارًا با يشبه الحياء بعد الوت; لتُقضى‬
‫آجالكم الحددة ف الدنيا‪ ,‬ث إل ال تعال معادكم بعد بعثكم من قبوركم أحياءً‪ ,‬ث يبكم با كنتم‬
‫تعملون ف حياتكم الدنيا‪ ,‬ث يازيكم بذلك‪.‬‬

‫ت َتوَّفتْهُ رُ ُسُلنَا َوهُ ْم ل ُيفَ ّرطُونَ‬


‫ق ِعبَادِ ِه َويُرْسِ ُل عََلْيكُمْ َحفَ َظةً َحتّى إِذَا جَاءَ َأحَدَكُ ْم الْ َموْ ُ‬
‫َو ُهوَ اْلقَاهِرُ َفوْ َ‬
‫(‪)61‬‬

‫‪222‬‬
‫وال تعال هو القاهر فوق عباده‪ ,‬فوقية مطلقة من كل وجه‪ ,‬تليق بلله سبحانه وتعال‪ .‬كل شيء‬
‫خاضع للله وعظمته‪ ,‬ويرسل على عباده ملئكة‪ ,‬يفظون أعمالم ويُحْصونا‪ ,‬حت إذا نزل الوت‬
‫بأحدهم قبض روحَه مَلكُ الوت وأعوانه‪ ,‬وهم ل يضيعون ما أُمروا به‪.‬‬

‫ع الْحَا ِسبِيَ (‪)62‬‬


‫حكْ ُم َو ُهوَ َأسْ َر ُ‬
‫ثُمّ ُردّوا إِلَى اللّ ِه َموْلهُ ْم الْحَقّ أَل لَ ُه الْ ُ‬

‫ث أعيد هؤلء التوفون إل ال تعال مولهم الق‪ .‬أل له القضاء والفصل يوم القيامة بي عباده وهو‬
‫أسرع الاسبي‪.‬‬

‫ح ِر تَ ْدعُونَ ُه َتضَرّعا وَ ُخ ْفَيةً َلئِنْ أَنَانَا مِ ْن هَذِهِ َلَنكُونَنّ مِنْ الشّاكِرِينَ‬


‫ت اْلبَ ّر وَالْبَ ْ‬
‫قُ ْل مَ ْن ُينَجّيكُ ْم مِ ْن ظُُلمَا ِ‬
‫(‪)63‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬من ينقذكم من ماوف ظلمات الب والبحر؟ أليس هو اللع تعال‬
‫الذي تدعونه ف الشدائد متذللي جهرًا وسرّا؟ تقولون‪ :‬لئن أنانا ربنا من هذه الخاوف لنكونن من‬
‫الشاكرين بعبادته عز وجل وحده ل شريك له‪.‬‬

‫قُلْ اللّ ُه ُينَجّيكُ ْم ِمنْهَا َومِنْ كُلّ كَرْبٍ ثُمّ َأنْتُ ْم تُشْرِكُونَ (‪)64‬‬

‫قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬ال وحده هو الذي ينقذكم من هذه الخاوف ومن كل شدة‪ ,‬ث أنتم بعد‬
‫ذلك تشركون معه ف العبادة غيه‪.‬‬

‫سكُ ْم ِشيَعا َويُذِي قَ‬


‫قُ ْل ُه َو الْقَا ِد ُر عَلَى أَ نْ َيْبعَ ثَ عََليْكُ ْم عَذَابا مِ نْ َفوْقِكُ مْ َأوْ مِ ْن تَحْ تِ أَ ْرجُِلكُ مْ َأوْ يَ ْلبِ َ‬
‫ف اليَاتِ َل َعّلهُ ْم َيفْ َقهُونَ (‪)65‬‬ ‫ف ُنصَرّ ُ‬ ‫ضكُ ْم َبأْسَ َب ْعضٍ انظُرْ َكيْ َ‬ ‫َبعْ َ‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬ال عز وجل هو القادر وحده على أن يرسل عليكم عذابًا مِن فوقكم كالرّجْم أو‬
‫الطوفان‪ ,‬وما أشبه ذلك‪ ,‬أو من تت أرجلكم كالزلزل والسف‪ ,‬أو يلط أمركم عليكم فتكونوا فرقًا‬

‫‪223‬‬
‫متناحرة يقتل بعضكم بعضًا‪ .‬انظر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كيف نُنوّع حججنا الواضحات لؤلء الشركي‬
‫لعلهم يفهمون فيعتبوا؟‬

‫ت عََلْيكُمْ ِبوَكِيلٍ (‪)66‬‬


‫س ُ‬
‫ب بِهِ َق ْومُكَ َو ُه َو الْحَقّ قُلْ لَ ْ‬
‫وَكَذّ َ‬

‫وكذّب بذا القرآن الكفا ُر مِن قومك أيها الرسول‪ ,‬وهو الكتاب الصادق ف كل ما جاء به‪ .‬قل لم‪:‬‬
‫لست عليكم بفيظ ول رقيب‪ ,‬وإنا أنا رسول ال أبلغكم ما أرسلت إليكم‪.‬‬

‫سَتقَ ّر َو َسوْفَ َتعَْلمُونَ (‪)67‬‬


‫ِلكُ ّل نَبٍَإ مُ ْ‬

‫لكل خب قرار يستقر عنده‪ ,‬وناية ينتهي إليها‪ ,‬فيتبيّن الق من الباطل‪ ,‬وسوف تعلمون ‪-‬أيها الكفار‪-‬‬
‫عاقبة أمركم عند حلول عذاب ال بكم‪.‬‬

‫سَينّكَ‬
‫ث َغيْرِ ِه َوِإمّ ا يُن ِ‬
‫َوإِذَا َرَأيْ تَ الّذِي َن يَخُوضُو نَ فِي آيَاتِنَا َفأَعْرِ ضْ عَْنهُ مْ َحتّ ى يَخُوضُوا فِي حَدِي ٍ‬
‫الشّيْطَانُ فَل َتقْعُ ْد َبعْدَ الذّكْرَى مَعَ الْ َق ْومِ الظّاِلمِيَ (‪)68‬‬

‫وإذا رأيت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬الشركي الذين يتكلمون ف آيات القرآن بالباطل والستهزاء‪ ,‬فابتعد عنهم‬
‫حت يأخذوا ف حديث آخر‪ ,‬وإن أنساك الشيطان هذا المر فل تقعد بعد تذكرك مع القوم العتدين‪,‬‬
‫الذين تكلموا ف آيات ال بالباطل‪.‬‬

‫َومَا عَلَى الّذِي َن َيّتقُونَ مِنْ حِسَاِبهِ ْم مِ ْن َشيْءٍ وََلكِنْ ذِكْرَى َلعَّلهُ ْم َيّتقُونَ (‪)69‬‬

‫وما على الؤمني الذين يافون ال تعال‪ ,‬فيطيعون أوامره‪ ,‬ويتنبون نواهيه من حساب ال للخائضي‬
‫الستهزئي بآيات ال من شيء‪ ,‬ولكن عليهم أن يعظوهم ليمسكوا عن ذلك الكلم الباطل‪ ,‬لعلهم يتقون‬
‫ال تعال‪.‬‬

‫سَبتْ َليْسَ َلهَا‬


‫حيَاةُ ال ّدنْيَا َوذَكّ ْر بِهِ أَنْ ُتبْسَلَ َنفْسٌ بِمَا كَ َ‬
‫وَذَ ِر الّذِي َن اتّخَذُوا دِيَنهُمْ َلعِبا وََلهْوا َوغَ ّرْتهُ ْم الْ َ‬

‫‪224‬‬
‫سبُوا َلهُ مْ‬
‫ك الّذِي نَ ُأبْ سِلُوا بِمَا كَ َ‬
‫مِ نْ دُو نِ اللّ ِه وَلِيّ وَل َشفِي عٌ َوإِ ْن َتعْدِلْ كُ ّل عَدْ ٍل ل ُيؤْخَ ْذ ِمنْهَا ُأوْلَئِ َ‬
‫ب مِنْ حَمِي ٍم َوعَذَابٌ أَلِي ٌم بِمَا كَانُوا َيكْفُرُونَ (‪)70‬‬ ‫شَرَا ٌ‬

‫واترك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء الشركي الذين جعلوا دين السلم لعبًا ولوًا; مستهزئي بآيات ال تعال‪,‬‬
‫وغرّتم الياة الدنيا بزينتها‪ ,‬وذكّر بالقرآن هؤلء الشركي وغيهم; كي ل ترتن نفس بذنوبا وكفرها‬
‫بربا‪ ,‬ليس لا غي ال ناصر ينصرها‪ ,‬فينقذها من عذاب‪ ,‬ول شافع يشفع لا عنده‪ ,‬وإن َتفْتَ ِد بأي فداء‬
‫ل ُيقْبَل منها‪ .‬أولئك الذين ارتُهِنوا بذنوبم‪ ,‬لم ف النار شراب شديد الرارة وعذاب موجع; بسبب‬
‫كفرهم بال تعال ورسوله ممّد صلى ال عليه وسلم وبدين السلم‪.‬‬

‫قُلْ َأنَدْعُو مِ نْ دُو نِ اللّ ِه مَا ل يَن َفعُنَا وَل يَضُرّنَا َونُ َر ّد عَلَى أَ ْعقَابِنَا َبعْدَ إِ ْذ هَدَانَا اللّ هُ كَالّذِي ا ْستَ ْه َوتْهُ‬
‫ب يَ ْدعُونَ هُ إِلَى اْلهُدَى اْئتِنَا ُقلْ إِنّ هُدَى اللّ ِه ُه َو الْهُدَى َوُأمِرْنَا‬ ‫الشّيَاطِيُ فِي الَرْ ضِ َحيْرَا نَ لَ هُ أَ صْحَا ٌ‬
‫ب الْعَالَ ِميَ ( ‪)71‬‬ ‫ِلنُسْلِمَ ِلرَ ّ‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬أنعبد من دون ال تعال أوثانًا ل تنفع ول تضر؟ ونرجع إل الكفر‬
‫بعد هداية ال تعال لنا إل السلم‪ ,‬فنشبه ‪-‬ف رجوعنا إل الكفر‪ -‬مَن فسد عقله باستهواء الشياطي‬
‫له‪َ ,‬فضَلّ ف الرض‪ ,‬وله رفقة عقلء مؤمنون يدعونه إل الطريق الصحيح الذي هم عليه فيأب‪ .‬قل‬
‫‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬إنّ هدى ال الذي بعثن به هو الدى الق‪ ,‬وُأمِرنا جيعًا لنسلم ل‬
‫تعال رب العالي بعبادته وحده ل شريك له‪ ,‬فهو رب كل شيء ومالكه‪.‬‬

‫شرُونَ (‪)72‬‬
‫َوأَنْ أَقِيمُوا الصّل َة وَاّتقُوهُ َو ُهوَ الّذِي إَِليْ ِه تُحْ َ‬

‫وكذلك أُمرنا بأن نقيم الصلة كاملة‪ ,‬وأن نشاه بفعل أوامره واجتناب نواهيه‪ .‬وهو ‪-‬جل وعل‪-‬‬
‫ش ُر جيع اللئق يوم القيامة‪.‬‬
‫الذي إليه تُحْ َ‬

‫ك َيوْ َم يُنفَ خُ فِي‬


‫َو ُهوَ الّذِي َخلَ َق ال سّ َموَاتِ وَالَرْ ضَ بِاْلحَقّ َوَيوْ َم َيقُولُ كُ نْ َفَيكُو نُ َقوْلُ ُه الْحَقّ وَلَ ُه الْمُلْ ُ‬
‫خبِيُ (‪)73‬‬ ‫حكِي ُم الْ َ‬
‫شهَا َد ِة َو ُهوَ الْ َ‬
‫ب وَال ّ‬
‫الصّو ِر عَالِ ُم اْلغَْي ِ‬

‫‪225‬‬
‫وال سبحانه هو الذي خلق السموات والرض بالق‪ ,‬واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬يوم القيامة إذ يقول ال‪:‬‬
‫"كن"‪ ,‬فيكون عن أمره كلمح البصر أو هو أقرب‪ ,‬قوله هو الق الكامل‪ ,‬وله اللك سبحانه وحده‪ ,‬يوم‬
‫ينفخ الَلَك ف "القرن" النفخة الثانية الت تكون با عودة الرواح إل الجسام‪ .‬وهو سبحانه الذي يعلم‬
‫ما غاب عن حواسكم ‪-‬أيها الناس ‪ -‬وما تشاهدونه‪ ,‬وهو الكيم الذي يضع المور ف مواضعها‪ ,‬البي‬
‫بأمور خلقه‪ .‬وال تعال هو الذي يتص بذه المور وغيها بدءًا وناية‪ ,‬نشأة ومصيًا‪ ,‬وهو وحده الذي‬
‫يب على العباد النقياد لشرعه‪ ,‬والتسليم لكمه‪ ,‬والتطلع لرضوانه ومغفرته‪.‬‬

‫صنَاما آِل َهةً ِإنّي أَرَا َك وََق ْومَكَ فِي ضَل ٍل ُمبِيٍ (‪)74‬‬
‫َوإِذْ قَالَ ِإبْرَاهِيمُ َلبِيهِ آزَرَ َأَتتّخِذُ أَ ْ‬

‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬مُحاجّة إبراهيم عليه السلم لبيه آزر‪ ,‬إذ قال له‪ :‬أتعل من الصنام آلة تعبدها‬
‫من دون ال تعال؟ إن أراك وقومك ف ضلل بيّن عن طريق الق‪.‬‬

‫ض وَِليَكُو َن مِ ْن الْمُوِقنِيَ (‪)75‬‬


‫ك نُرِي ِإبْرَاهِي َم مََلكُوتَ السّ َموَاتِ وَالَ ْر ِ‬
‫وَكَذَلِ َ‬

‫وكما هدينا إبراهيم عليه السلم إل الق ف أمر العبادة نُريه ما تتوي عليه السموات والرض من ملك‬
‫عظيم‪ ,‬وقدرة باهرة‪ ,‬ليكون من الراسخي ف اليان‪.‬‬

‫ب الفِلِيَ (‪)76‬‬
‫فََلمّا جَ ّن عََليْهِ الّليْلُ َرأَى َكوْكَبا قَا َل هَذَا َربّي فََلمّا أَفَلَ قَالَ ل أُ ِح ّ‬

‫فلما أظلم على إبراهيم عليه السلم الليل وغطّاه ناظر قومه; ليثبت لم أن دينهم باطل‪ ,‬وكانوا يعبدون‬
‫النجوم‪ .‬رأى إبراهيم عليه السلم كوكبًا‪ ,‬فقال ‪-‬مستدرجا قومه للزامهم بالتوحيد‪ :-‬هذا رب‪ ,‬فلما‬
‫غاب الكوكب‪ ,‬قال‪ :‬ل أحب اللة الت تغيب‪.‬‬

‫فََلمّا َرأَى اْلقَمَ َر بَازِغا قَا َل هَذَا َربّي َفلَمّا أَفَلَ قَالَ َلئِنْ لَ ْم َيهْ ِدنِي َربّي لَكُونَ ّن مِ ْن اْل َق ْومِ الضّالّيَ (‪)77‬‬

‫‪226‬‬
‫فلما رأى إبراهيم القمر طالعًا قال لقومه ‪-‬على سبيل استدراج الصم‪ :-‬هذا رب‪ ,‬فلما غاب‪ ,‬قال‬
‫‪-‬مفتقرا إل هداية ربه‪ :-‬لئن ل يوفقن رب إل الصواب ف توحيده‪ ,‬لكونن من القوم الضالي عن‬
‫سواء السبيل بعبادة غي ال تعال‪.‬‬

‫س بَا ِز َغةً قَا َل هَذَا َربّي هَذَا أَ ْكبَرُ َفلَمّا أَفََلتْ قَا َل يَا َق ْومِ ِإنّي بَرِي ٌء مِمّا تُشْرِكُونَ (‪)78‬‬
‫فََلمّا َرأَى الشّ ْم َ‬

‫فلما رأى الشمس طالعة قال لقومه‪ :‬هذا رب‪ ,‬هذا أكب من الكوكب والقمر‪ ,‬فلما غابت‪ ,‬قال لقومه‪:‬‬
‫إن بريء ما تشركون من عبادة الوثان والنجوم والصنام الت تعبدونا من دون ال تعال‪.‬‬

‫شرِكِيَ (‪)79‬‬
‫ِإنّي وَ ّج ْهتُ وَ ْجهِي ِللّذِي فَ َطرَ السّ َموَاتِ وَالَ ْرضَ َحنِيفا َومَا َأنَا مِ ْن الْمُ ْ‬

‫إن توجّهت بوجهي ف العبادة ل عز وجل وحده‪ ,‬فهو الذي خلق السموات والرض‪ ,‬مائل عن الشرك‬
‫إل التوحيد‪ ,‬وما أنا من الشركي مع ال غيه‪.‬‬

‫ف مَا تُشْرِكُو َن بِهِ إِلّ أَنْ يَشَاءَ َربّي َشيْئا وَسِعَ‬


‫وَحَاجّهُ َق ْومُهُ قَالَ أَتُحَاجّونِي فِي اللّ ِه وَقَ ْد هَدَانِي وَل أَخَا ُ‬
‫َربّي كُ ّل َشيْ ٍء عِلْما أَفَل َتتَذَكّرُونَ (‪)80‬‬

‫وجادله قومه ف توحيد ال تعال قال‪ :‬أتادلونن ف توحيدي ل بالعبادة‪ ,‬وقد وفقن إل معرفة وحدانيته‪,‬‬
‫فإن كنتم توفونن بآلتكم أن توقع ب ضررًا فإنن ل أرهبها فلن تضرن‪ ,‬إل أن يشاء رب شيئًا‪ .‬وسع‬
‫رب كل شيء علمًا‪ .‬أفل تتذكرون فتعلموا أنه وحده العبود الستحق للعبودية؟‬

‫ف مَا َأشْرَ ْكتُ ْم وَل َتخَافُو نَ أَّنكُ مْ َأشْرَ ْكتُ ْم بِاللّ هِ وَل تَخَافُو نَ َأّنكُ مْ َأشْرَ ْكتُ ْم بِاللّ ِه مَا لَ ْم ُينَزّلْ‬
‫وَ َكيْ فَ أَخَا ُ‬
‫ي اْلفَرِيقَيْنِ أَ َح ّق بِا َلمْنِ ِإنْ كُنتُ ْم َتعْلَمُونَ (‪)81‬‬ ‫بِهِ عََلْيكُ ْم سُ ْلطَانا َفأَ ّ‬

‫وكيف أخاف أوثانكم وأنتم ل تافون رب الذي خلقكم‪ ,‬وخلق أوثانكم الت أشركتموها معه ف‬
‫العبادة‪ ,‬من غي حجة لكم على ذلك؟ فأي الفريقي‪ :‬فريق الشركي وفريق الوحدين أحق بالطمأنينة‬
‫والسلمة والمن من عذاب ال؟ إن كنتم تعلمون صدق ما أقول فأخبون‪.‬‬

‫‪227‬‬
‫الّذِينَ آمَنُوا وََل ْم يَ ْلبِسُوا إِيَاَنهُ ْم بِظُ ْلمٍ ُأوَْلئِكَ َلهُ ْم ا َلمْ ُن َوهُ ْم ُمهْتَدُونَ (‪)82‬‬

‫الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه ول يلطوا إيانم بشرك‪ ,‬أولئك لم الطمأنينة والسلمة‪ ,‬وهم‬
‫الوفقون إل طريق الق‪.‬‬

‫ت مَ ْن نَشَاءُ ِإنّ َربّكَ َحكِيمٌ عَلِيمٌ (‪)83‬‬


‫جتُنَا آَتْينَاهَا ِإبْرَاهِي َم عَلَى َق ْومِهِ َنرْفَعُ َدرَجَا ٍ‬
‫َوتِلْكَ ُح ّ‬

‫ج با إبراهيم عليه السلم قومه هي حجتنا الت وفقناه إليها حت انقطعت حجتهم‪.‬‬
‫وتلك الجة الت حا ّ‬
‫نرفع مَن نشاء من عبادنا مراتب ف الدنيا والخرة‪ .‬إن ربك حكيم ف تدبي خلقه‪ ,‬عليم بم‪.‬‬

‫ب َويُوسُفَ‬
‫َو َوهَْبنَا لَهُ إِسْحَ َق َوَي ْعقُوبَ ُكلّ هَ َدْينَا َونُوحا هَ َدْينَا مِنْ َقبْ ُل َومِنْ ذُ ّرّيتِهِ دَاوُو َد وَسَُليْمَانَ َوَأيّو َ‬
‫سنِيَ (‪)84‬‬ ‫ك نَجْزِي الْمُحْ ِ‬ ‫َومُوسَى وَهَارُو َن وَكَذَلِ َ‬

‫ومننّا على إبراهيم عليه السلم بأن رزقناه إسحاق ابنًا ويعقوب حفيدًا‪ ,‬ووفّقنا كل منهما لسبيل الرشاد‪,‬‬
‫وكذلك وفّقنا للحق نوحًا ‪-‬من قبل إبراهيم وإسحاق ويعقوب‪ -‬وكذلك وفّقنا للحق من ذرية نوح‬
‫داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون عليهم السلم‪ ,‬وكما جزينا هؤلء النبياء لحسانم‬
‫نزي كل مسن‪.‬‬

‫حيَ (‪)85‬‬
‫حيَى َوعِيسَى َوإِْليَاسَ ُك ّل مِ ْن الصّالِ ِ‬
‫وَزَكَ ِريّا َويَ ْ‬

‫وكذلك هدينا زكريا ويي وعيسى وإلياس‪ ,‬وكل هؤلء النبياء عليهم السلم من الصالي‪.‬‬

‫َوِإسْمَاعِي َل وَاْليَسَعَ َويُوُنسَ وَلُوطا وَ ُكلّ َفضّ ْلنَا عَلَى اْلعَالَمِيَ (‪)86‬‬

‫ن آبَائِهِمْ َوذُرّيّاتِه وهدينا كذلك إساعيل واليسع ويونس ولوطا‪ ,‬وكل هؤلء الرسل فضّلناهم‬
‫وَمِ ْ‬
‫على أهل زمانم‪.‬‬

‫‪228‬‬
‫سَتقِيمٍ (‪)87‬‬
‫صرَاطٍ مُ ْ‬
‫ِ ْم َوإِ ْخوَاِنهِ ْم وَا ْجَتبَْينَاهُمْ َوهَ َدْينَاهُمْ إِلَى ِ‬

‫وكذلك وفّقنا للحق من شئنا هدايته من آباء هؤلء وذرياتم وإخوانم‪ ,‬واخترناهم لديننا وإبلغ رسالتنا‬
‫إل مَن أرسلناهم إليهم‪ ,‬وأرشدناهم إل طريق صحيح‪ ,‬ل عوج فيه‪ ,‬وهو توحيد ال تعال وتنيهه عن‬
‫الشرك‪.‬‬

‫ط َعنْهُ ْم مَا كَانُوا َيعْ َملُونَ (‪)88‬‬


‫حبِ َ‬
‫ك هُدَى اللّ ِه َيهْدِي بِ ِه مَ ْن يَشَا ُء مِ ْن ِعبَا ِد ِه وََلوْ َأشْرَكُوا لَ َ‬
‫ذَلِ َ‬

‫ذلك الدى هو توفيق ال‪ ,‬الذي يوفق به من يشاء من عباده‪ .‬ولو أن هؤلء النبياء أشركوا بال ‪-‬على‬
‫سبيل الفرض والتقدير‪ -‬لبطل عملهم; لن ال تعال ل يقبل مع الشرك عمل‪.‬‬

‫حكْ َم وَالّنُبوّةَ فَإِ نْ َي ْكفُ ْر بِهَا َهؤُلءِ َفقَ ْد وَكّلْنَا بِهَا َقوْما َليْ سُوا بِهَا‬
‫ب وَالْ ُ‬
‫ك الّذِي َن آَتيْنَاهُ ْم الْ ِكتَا َ‬
‫ُأوْلَئِ َ‬
‫بِكَاِفرِينَ (‪)89‬‬

‫أولئك النبياء الذين أنعمنا عليهم بالداية والنبوة هم الذين آتيناهم الكتاب كصحف إبراهيم وتوراة‬
‫موسى وزبور داود وإنيل عيسى‪ ,‬وآتيناهم َفهْمَ هذه الكتب‪ ,‬واخترناهم لبلغ وحينا‪ ,‬فإن يحد‬
‫‪-‬أيها الرسول‪ -‬بآيات هذا القرآن الكفارُ من قومك‪ ,‬فقد وكلنا با قومًا آخرين ‪-‬أي‪ :‬الهاجرين‬
‫والنصار وأتباعهم إل يوم القيامة‪ -‬ليسوا با بكافرين‪ ,‬بل مؤمنون با‪ ,‬عاملون با تدل عليه‪.‬‬

‫ك الّذِي َن هَدَى اللّهُ َفِبهُدَاهُ ْم ا ْقتَ ِدهِ قُلْ ل َأسْأَُلكُ ْم عََليْهِ أَجْرا ِإنْ هُوَ إِلّ ذِ ْكرَى لِ ْلعَالَ ِميَ (‪)90‬‬
‫ُأوْلَئِ َ‬

‫أولئك النبياء الذكورون هم الذين وفقهم ال تعال لدينه الق‪ ,‬فاتبع هداهم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬واسلك‬
‫سبيلهم‪ .‬قل للمشركي‪ :‬ل أطلب منكم على تبليغ السلم عوضًا من الدنيا‪ ,‬إنْ أجري إل على ال‪ ,‬وما‬
‫السلم إل دعوة جيع الناس إل الطريق الستقيم وتذكي لكم ولكل مَن كان مثلكم‪ ,‬من هو مقيم على‬
‫باطل‪ ,‬لعلكم تتذكرون به ما ينفعكم‪.‬‬

‫ب الّذِي جَا َء بِ هِ‬


‫وَمَا قَ َدرُوا اللّ هَ حَقّ قَدْرِ هِ ِإذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللّ ُه عَلَى بَشَ ٍر مِ ْن َشيْءٍ ُق ْل مَ نْ أَنزَلَ الْ ِكتَا َ‬

‫‪229‬‬
‫خفُو نَ َكثِيا َوعُلّ ْمتُ ْم مَا لَ ْم َتعَْلمُوا َأْنتُ ْم وَل‬
‫س ُتبْدُونَهَا َوتُ ْ‬
‫جعَلُونَ هُ قَرَاطِي َ‬
‫مُو سَى نُورا َوهُدًى لِلنّا سِ تَ ْ‬
‫ضهِ ْم يَ ْل َعبُونَ (‪)91‬‬
‫آبَاؤُكُمْ ُقلْ اللّ ُه ثُمّ َذ ْرهُمْ فِي َخوْ ِ‬

‫وما عَظّم هؤلء الشركون ال حق تعظيمه; إذ أنكروا أن يكون ال تعال قد أنزل على أحد من البشر‬
‫شيئًا من وحيه‪ .‬قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬إذا كان المر كما تزعمون‪ ,‬فمن الذي أنزل الكتاب الذي‬
‫جاء به موسى إل قومه نورًا للناس وهداية لم؟ ث توجه الطاب إل اليهود زَجْرًا لم بقوله‪ :‬تعلون هذا‬
‫الكتاب ف قراطيس متفرقة‪ ,‬تظهرون بعضها‪ ,‬وتكتمون كثيًا منها‪ ,‬وما كتموه الخبار عن صفة ممد‬
‫صلى ال عليه وسلم ونبوته‪ ,‬وعلّمكم ال معشر العرب بالقرآنِ ‪-‬الذي أنزله عليكم‪ ,‬فيه خب مَن قبلكم‬
‫ومَن بعدكم‪ ,‬وما يكون بعد موتكم‪ -‬ما ل تعلموه أنتم ول آباؤكم‪ ,‬قل‪ :‬ال هو الذي أنزله‪ ,‬ث دع‬
‫هؤلء ف حديثهم الباطل يوضون ويلعبون‪.‬‬

‫ق الّذِي َبيْ َن يَ َديْ هِ وَلِتُنذِرَ ُأمّ اْلقُرَى َومَ نْ َحوَْلهَا وَالّذِي نَ ُي ْؤ ِمنُو َن بِالخِ َرةِ‬
‫َوهَذَا ِكتَا بٌ أَنزَْلنَا هُ ُمبَارَ كٌ مُ صَ ّد ُ‬
‫ُيؤْ ِمنُو َن بِ ِه َوهُ ْم عَلَى صَلِتهِ ْم يُحَاِفظُونَ (‪)92‬‬

‫وهذا القرآن كتاب أنزلناه إليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عظيم النفع‪ ,‬مصدق لا تقدمه من الكتب السماوية‪,‬‬
‫أنزلناه لنخوّف به من عذاب ال وبأسه أهل "مكة" ومن حولا من أهل أقطار الرض كلها‪ .‬والذين‬
‫يصدقون بالياة الخرة‪ ,‬يصدقون بأن القرآن كلم ال‪ ,‬ويافظون على إقام الصلة ف أوقاتا‪.‬‬

‫َومَ نْ َأظْلَ ُم مِمّ ْن افْتَرَى عَلَى اللّ هِ كَذِبا َأوْ قَالَ أُوحِ يَ إَِليّ وَلَ ْم يُو حَ إَِليْ ِه َشيْءٌ َومَ نْ قَالَ سَأُنزِ ُل ِمثْ َل مَا‬
‫سكُمْ اْلَيوْ مَ‬
‫ت وَالْمَلِئ َكةُ بَا سِطُوا َأيْدِيهِ مْ أَ ْخرِجُوا أَنفُ َ‬ ‫أَنزَلَ اللّ ُه وََل ْو تَرَى ِإذْ الظّالِمُو نَ فِي غَمَرَا تِ الْ َموْ ِ‬
‫ستَ ْكبِرُونَ (‪)93‬‬ ‫تُجْ َز ْو َن عَذَابَ اْلهُونِ بِمَا كُنتُ ْم َتقُولُونَ عَلَى اللّ ِه َغيْ َر الْحَ ّق وَكُنتُ ْم عَ ْن آيَاتِ ِه تَ ْ‬

‫ومَن أشدّ ظلمّا مّن اختلق على ال تعال قول كذبًا‪ ,‬فادعى أنه ل يبعث رسول من البشر‪ ,‬أو ادعى‬
‫ح إليه شيئًا‪ ,‬أو ادّعى أنه قادر على أن يُنْزل مثل ما أنزل ال من القرآن؟‬
‫كذبًا أن ال أوحى إليه ول يُو ِ‬
‫ولو أنك أبصرت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء التجاوزين الدّ وهم ف أهوال الوت لرأيت أمرًا هائل‬
‫واللئكة الذين يقبضون أرواحهم باسطو أيديهم بالعذاب قائلي لم‪ :‬أخرجوا أنفسكم‪ ,‬اليوم تانون‬
‫غاية الهانة‪ ,‬كما كنتم تكذبون على ال‪ ,‬وتستكبون عن اتباع آياته والنقياد لرسله‪.‬‬

‫‪230‬‬
‫وََلقَدْ ِجْئتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خََل ْقنَاكُ مْ َأوّ َل َم ّرةٍ َوتَرَ ْكتُ مْ مَا َخوّْلنَاكُ ْم وَرَاءَ ُظهُورِكُ ْم وَمَا نَرَى َم َعكُ مْ‬
‫ُشفَعَاءَكُ ْم الّذِينَ َزعَ ْمتُمْ َأّنهُمْ فِيكُ ْم شُرَكَاءُ َلقَ ْد َتقَطّ َع َبْينَكُ ْم وَضَ ّل عَنكُ ْم مَا كُنتُ ْم تَ ْزعُمُونَ (‪)94‬‬

‫ولقد جئتمونا للحساب والزاء فرادى كما أوجدناكم ف الدنيا أول مرة حفاة عراة‪ ,‬وتركتم وراء‬
‫ظهوركم ما مكنّاكم فيه ما تتباهون به من أموال ف الدنيا‪ ,‬وما نرى معكم ف الخرة أوثانكم الت كنتم‬
‫تعتقدون أنا تشفع لكم‪ ,‬وتَدّعون أنا شركاء مع ال ف العبادة‪ ,‬لقد زال تَواصُلُكم الذي كان بينكم ف‬
‫الدنيا‪ ,‬وذهب عنكم ما كنتم تَدّعون من أن آلتكم شركاء ل ف العبادة‪ ,‬وظهر أنكم الاسرون‬
‫لنفسكم وأهليكم وأموالكم‪.‬‬

‫حيّ ذَِلكُمْ اللّهُ َفَأنّا ُتؤَْفكُونَ (‬


‫ت مِ ْن الْ َ‬
‫ج الْ َميّ ِ‬
‫خرِ ُ‬
‫حيّ مِ ْن الْ َميّتِ َومُ ْ‬
‫ج الْ َ‬
‫خرِ ُ‬
‫حبّ وَالنّوَى يُ ْ‬
‫ِإنّ اللّهَ فَالِ ُق الْ َ‬
‫‪)95‬‬

‫إن ال تعال يشق الب‪ ,‬فيخرج منه الزرع‪ ,‬ويشق النوى‪ ,‬فيخرج منه الشجر‪ ,‬يرج الي من اليت‬
‫كالنسان واليوان مثل من النطفة‪ ,‬ويرج اليت من الي كالنطفة من النسان واليوان‪ ,‬ذلكم ال‬
‫أي‪ :‬فاعل هذا هو ال وحده ل شريك له الستحق للعبادة‪ ,‬فكيف ُتصْرَفون عن الق إل الباطل فتعبدون‬
‫معه غيه؟‬

‫ك َتقْدِي ُر اْلعَزِي ِز اْلعَلِيمِ (‪)96‬‬


‫سبَانا ذَلِ َ‬
‫س وَالْقَ َمرَ حُ ْ‬
‫ح وَ َجعَلَ الّليْ َل َسكَنا وَالشّ ْم َ‬
‫صبَا ِ‬
‫فَالِ ُق الِ ْ‬

‫وال سبحانه وتعال هو الذي شق ضياء الصباح من ظلم الليل‪ ,‬وجعل الليل مستقرًا‪ ,‬يسكن فيه كل‬
‫متحرك ويهدأ‪ ,‬وجعل الشمس والقمر يريان ف فلكيهما بساب متقن مقدّر‪ ,‬ل يتغي ول يضطرب‪,‬‬
‫ذلك تقدير العزيز الذي عزّ سلطانه‪ ,‬العليم بصال خلقه وتدبي شئونم‪ .‬والعزيز والعليم من أساء ال‬
‫السن يدلن على كمال العز والعلم‪.‬‬

‫ت اْلبَ ّر وَاْلبَحْرِ َقدْ َفصّ ْلنَا اليَاتِ ِل َق ْومٍ َيعْلَمُونَ (‪)97‬‬


‫َو ُهوَ الّذِي َجعَلَ َلكُمْ النّجُومَ ِلَتهْتَدُوا ِبهَا فِي ظُلُمَا ِ‬

‫‪231‬‬
‫وال سبحانه هو الذي جعل لكم أيها الناس النجوم علمات‪ ,‬تعرفون با الطرق ليل إذا ضللتم بسبب‬
‫الظلمة الشديدة ف الب والبحر‪ ,‬قد بّينّا الباهي الواضحة; ليتدبرها منكم أولو العلم بال وشرعه‪.‬‬

‫سَتوْ َدعٌ َقدْ َفصّ ْلنَا اليَاتِ ِل َق ْومٍ َي ْف َقهُونَ (‪)98‬‬


‫سَتقَ ّر َومُ ْ‬
‫س وَاحِ َدةٍ فَمُ ْ‬
‫شأَكُ ْم مِ ْن َن ْف ٍ‬
‫َو ُهوَ الّذِي أَن َ‬

‫وال سبحانه هو الذي ابتدأ خلقكم أيها الناس من آدم عليه السلم; إذ خلقه من طي‪ ,‬ث كنتم سللة‬
‫ونسل منه‪ ,‬فجعل لكم مستقَرًا تستقرون فيه‪ ,‬وهو أرحام النساء‪ ,‬ومُستودعًا تُحفَظُون فيه‪ ,‬وهو أصلب‬
‫الرجال‪ ,‬قد بينا الجج وميزنا الدلة‪ ,‬وأحكمناها لقوم يفهمون مواقع الجج ومواضع العب‪.‬‬

‫ج ِمنْ ُه‬
‫خرِ ُ‬
‫َو ُهوَ الّذِي أَنزَ َل مِ ْن السّمَا ِء مَاءً َفأَ ْخرَ ْجنَا بِهِ َفأَخْرَ ْجنَا بِ ِه َنبَاتَ كُ ّل َشيْءٍ َفأَخْرَ ْجنَا ِمنْهُ َخضِرا نُ ْ‬
‫شتَبِها َوغَيْ َر ُمتَشَابِهٍ‬
‫ب وَال ّزْيتُونَ وَال ّرمّا َن مُ ْ‬
‫ت مِنْ َأعْنَا ٍ‬
‫خ ِل مِ ْن طَ ْل ِعهَا ِقْنوَانٌ دَاِنَي ٌة وَ َجنّا ٍ‬
‫َحبّا ُمتَرَاكِبا َومِ ْن النّ ْ‬
‫ان ُظرُوا إِلَى ثَمَ ِرهِ إِذَا َأثْمَ َر َوَينْعِهِ ِإنّ فِي ذَِلكُ ْم ليَاتٍ ِل َق ْومٍ ُي ْؤ ِمنُونَ (‪)99‬‬

‫وال سبحانه هو الذي أنزل من السحاب مطرًا فأخرج به نبات كل شيء‪ ,‬فأخرج من النبات زرعًا‬
‫وشجرًا أخضر‪ ,‬ث أخرح من الزرع َحبّا يركب بعضه بعضًا‪ ,‬كسنابل القمح والشعي والرز‪ ,‬وأخرج‬
‫من طلع النخل ‪-‬وهو ما تنشأ فيه عذوق الرطب‪ -‬عذوقًا قريبة التناول‪ ,‬وأخرج سبحانه بساتي من‬
‫أعناب‪ ,‬وأخرج شجر الزيتون والرمان الذي يتشابه ف ورقه ويتلف ف ثره شكل وطعمًا وطبعًا‪.‬‬
‫انظروا أيها الناس إل ثر هذا النبات إذا أثر‪ ,‬وإل نضجه وبلوغه حي يبلغ‪ .‬إن ف ذلكم ‪ -‬أيها الناس ‪-‬‬
‫لدللت على كمال قدرة خالق هذه الشياء وحكمته ورحته لقوم يصدقون به تعال ويعملون بشرعه‪.‬‬

‫صفُونَ (‬
‫وَ َجعَلُوا لِلّ هِ شُرَكَا َء الْجِنّ وَخََل َقهُ ْم وَخَرَقُوا لَ ُه َبنِيَ َوبَنَا تٍ بِ َغيْ ِر عِ ْل مٍ ُسبْحَانَهُ َوَتعَالَى عَمّ ا يَ ِ‬
‫‪)100‬‬

‫وجعل هؤلء الشركون الن شركاء ل تعال ف العبادة; اعتقادًا منهم أنم ينفعون أو يضرون‪ ,‬وقد‬
‫خلقهم ال تعال وما يعبدون من العدم‪ ,‬فهو الستقل باللق وحده‪ ,‬فيجب أن يستقل بالعبادة وحده ل‬
‫شريك له‪ .‬ولقد كذب هؤلء الشركون على ال تعال حي نسبوا إليه البني والبنات; جهل منهم با‬
‫يب له من صفات الكمال‪ ,‬تنّه وعل عما نسبه إليه الشركون من ذلك الكذب والفتراء‪.‬‬

‫‪232‬‬
‫بَدِي ُع السّ َموَاتِ وَالَرْضِ َأنّى يَكُونُ لَ ُه وَلَ ٌد وََل ْم َتكُنْ لَهُ صَا ِحَبةٌ َوخَلَقَ كُ ّل َشيْءٍ َو ُه َو بِكُ ّل َشيْ ٍء عَلِيمٌ (‬
‫‪)101‬‬

‫وال تعال هو الذي أوجد السموات والرض وما فيهن على غي مثال سابق‪ .‬كيف يكون له ولد ول‬
‫تكن له صاحبة؟ تعال ال عما يقول الشركون علوّا كبيًا‪ ,‬وهو الذي خلق كل شيء من العدم‪ ,‬ول‬
‫يفى عليه شيء من أمور اللق‪.‬‬

‫ذَِلكُمْ اللّهُ َرّبكُمْ ل إِلَهَ إِلّ ُهوَ خَاِلقُ كُ ّل َشيْءٍ فَا ْعبُدُوهُ َو ُه َو عَلَى كُلّ شَيْ ٍء وَكِيلٌ (‪)102‬‬

‫ذلكم ‪-‬أيها الشركون‪ -‬هو ربكم جل وعل ل معبود بق سواه‪ ,‬خالق كل شيء فانقادوا واخضعوا له‬
‫بالطاعة والعبادة‪ .‬وهو سبحانه على كل شيء وكيل وحفيظ‪ ,‬يدبر أمور خلقه‪.‬‬

‫خبِيُ (‪)103‬‬
‫ف الْ َ‬
‫ل تُدْرِكُ ُه الَْبصَا ُر َو ُهوَ يُ ْد ِركُ ا َلْبصَارَ َو ُهوَ اللّطِي ُ‬

‫ل البصارُ ف الدنيا‪ ,‬أما ف الدار الخرة فإن الؤمني يرون ربم بغي إحاطة‪ ,‬وهو سبحانه‬ ‫ل ترى ا َ‬
‫يدرك البصار وييط با‪ ,‬ويعلمها على ما هي عليه‪ ,‬وهو اللطيف بأوليائه الذي يعلم دقائق الشياء‪،‬‬
‫البي الذي يعلم بواطنها‪.‬‬

‫حفِيظٍ (‪)104‬‬
‫قَدْ جَاءَكُ ْم َبصَائِرُ مِنْ َرّبكُمْ فَمَنْ َأْبصَرَ فَِلَنفْسِ ِه َومَ ْن عَ ِميَ َفعََلْيهَا َومَا َأنَا عََلْيكُ ْم بِ َ‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬قد جاءتكم براهي ظاهرة تبصرون با الدى من الضلل‪ ,‬ما‬
‫اشتمل عليها القرآن‪ ,‬وجاء با الرسول عليه الصلة والسلم‪ ,‬فمَن تبيّن هذه الباهي وآمن بدلولا فنَفْغُ‬
‫ذلك لنفسه‪ ,‬ومَن ل يبصر الدى بعد ظهور الجة عليه فعلى نفسه جن‪ ,‬وما أنا عليكم بافظ أحصي‬
‫أعمالكم‪ ,‬وإنا أنا مبلغ‪ ,‬وال يهدي مَن يشاء ويضل مَن يشاء وَفْق علمه وحكمته‪.‬‬

‫ت وَِلنَُبّينَهُ ِل َق ْومٍ َيعَْلمُونَ (‪)105‬‬


‫ت وَِلَيقُولُوا دَ َر ْس َ‬
‫ف اليَا ِ‬
‫ك ُنصَرّ ُ‬
‫وَكَذَلِ َ‬

‫‪233‬‬
‫وكما بيّنّا ف هذا القرآن للمشركي الباهي الظاهرة ف أمر التوحيد والنبوة والعاد نبيّن لم الباهي ف‬
‫كل ما جهلوه فيقولون عند ذلك كذبًا‪ :‬تعلمت من أهل الكتاب‪ ,‬ولنبي ‪-‬بتصريفنا اليات‪ -‬ال ّق لقوم‬
‫يعلمونه‪ ,‬فيقبلونه ويتبعونه‪ ,‬وهم الؤمنون برسول ال ممد صلى ال عليه وسلم وما أنزل عليه‪.‬‬

‫شرِكِيَ (‪)106‬‬
‫ك مِنْ َربّكَ ل إِلَهَ إِلّ ُه َو َوَأعْ ِرضْ عَ ْن الْمُ ْ‬
‫اتّبِ ْع مَا أُو ِحيَ إِلَيْ َ‬

‫اتبع ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ما أوحيناه إليك من الوامر والنواهي الت أعظمُها توحيد ال سبحانه والدعوة إليه‪,‬‬
‫ول تُبال بعناد الشركي‪ ,‬وادعائهم الباطل‪.‬‬

‫ت عََلْيهِ ْم ِبوَكِيلٍ (‪)107‬‬


‫وََلوْ شَاءَ اللّ ُه مَا َأشْرَكُوا َومَا َجعَ ْلنَاكَ عََلْيهِمْ َحفِيظا َومَا َأنْ َ‬

‫ولو شاء ال تعال أن ل يشرك هؤلء الشركون لا أشركوا‪ ,‬لكنه تعال عليم با سيكون من سوء‬
‫اختيارهم واتباعهم أهواءهم النحرفة‪ .‬وما جعلناك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عليهم رقيبًا تفظ عليهم أعمالم‪,‬‬
‫وما أنت ب َقيّمٍ عليهم تدبر مصالهم‪.‬‬

‫سبّوا اللّ َه عَدْوا ِبغَيْ ِر عِ ْل مٍ َكذَلِ كَ َزّينّا ِلكُلّ ُأ ّم ٍة عَمََلهُ ْم ثُمّ إِلَى‬
‫سبّوا الّذِي َن يَ ْدعُو َن مِ نْ دُو نِ اللّ هِ َفيَ ُ‬
‫وَل تَ ُ‬
‫َرّبهِ ْم مَرْ ِج ُعهُمْ َفُيَنّبئُهُ ْم بِمَا كَانُوا َيعْمَلُونَ (‪)108‬‬

‫ول تسبوا ‪-‬أيها السلمون‪ -‬الوثان الت يعبدها الشركون ‪-‬سدّا للذريعة‪ -‬حت ل يتسبب ذلك ف‬
‫سنّا لؤلء عملهم السيئ عقوبة لم على سوء اختيارهم‪,‬‬ ‫سبهم ال جهل واعتداءً‪ :‬بغي علم‪ .‬وكما ح ّ‬
‫سنّا لكل أمة أعمالا‪ ,‬ث إل ربم معادهم جيعًا فيخبهم بأعمالم الت كانوا يعملونا ف الدنيا‪ ,‬ث‬
‫حّ‬
‫يازيهم با‪.‬‬

‫شعِرُكُ مْ َأّنهَا إِذَا‬


‫ت ِعنْدَ اللّ هِ َومَا يُ ْ‬
‫َوأَقْ سَمُوا بِاللّ هِ َجهْدَ َأيْمَاِنهِ مْ َلئِ نْ جَا َءْتهُ ْم آَيةٌ َليُ ْؤ ِمنُنّ ِبهَا ُقلْ ِإنّمَا اليَا ُ‬
‫ت ل ُي ْؤ ِمنُونَ (‪)109‬‬ ‫جَاءَ ْ‬

‫‪234‬‬
‫وأقسم هؤلء الشركون بأيان مؤكّدة‪ :‬لئن جاءنا ممد بعلمة خارقة لنصدقنّ با جاء به‪ ,‬قل ‪-‬أيها‬
‫الرسول‪ : -‬إنا ميء العجزات الارقة من عند ال تعال‪ ,‬هو القادر على الجيء با إذا شاء‪ ,‬وما‬
‫يدريكم أيها الؤمنون‪ :‬لعل هذه العجزات إذا جاءت ل يصدّق با هؤلء الشركون‪.‬‬

‫َوُنقَّلبُ أَ ْفئِ َدَتهُ ْم َوَأبْصَا َرهُمْ كَمَا َل ْم ُيؤْ ِمنُوا بِهِ َأوّ َل مَ ّر ٍة َونَذَ ُرهُمْ فِي ُط ْغيَانِهِ ْم َيعْ َمهُونَ (‪)110‬‬

‫ونقلب أفئدت م وأب صارهم‪ ,‬فنحول بين ها وب ي النتفاع بآيات ال‪ ,‬فل يؤمنون ب ا ك ما ل يؤمنوا بآيات‬
‫القرآن عند نزولا أول مرة‪ ,‬ونتركهم ف ترّدهم على ال متحيّرين‪ ,‬ل يهتدون إل الق والصواب‪.‬‬

‫‪235‬‬
‫الزء الثامن ‪:‬‬

‫وََلوْ َأّننَا نَزّْلنَا إِلَْيهِ ْم الْمَلئِ َك َة وَكَلّ َم ُه ْم الْ َموْتَى وَحَشَ ْرنَا عََلْيهِمْ كُ ّل َشيْءٍ ُقُبلً مَا كَانُوا ِلُي ْؤمِنُوا إِلّ أَنْ يَشَاءَ‬
‫ج َهلُونَ (‪)111‬‬ ‫اللّ ُه وََلكِنّ أَ ْكثَ َرهُ ْم يَ ْ‬

‫ولو أننا أجبنا طلب هؤلء‪ ,‬فنّلنا إليهم اللئكة من السماء‪ ,‬وأحيينا لم الوتى‪ ,‬فكلموهم‪ ,‬وجعنا لم‬
‫كل شيء طلبوه فعاينوه مواجهة‪ ,‬ل يصدّقوا با دعوتم إليه ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ول يعملوا به‪ ,‬إل من شاء‬
‫ال له الداية‪ ,‬ولكن أكثر هؤلء الكفار يهلون الق الذي جئت به من عند ال تعال‪.‬‬

‫ف اْل َقوْلِ غُرُورا‬


‫ضهُ مْ إِلَى َبعْ ضٍ زُخْ ُر َ‬
‫س وَالْجِنّ يُوحِي َب ْع ُ‬
‫وَكَذَلِ كَ َجعَلْنَا ِلكُ ّل َنبِيّ عَ ُدوّا َشيَاطِيَ الِن ِ‬
‫وََلوْ شَاءَ َربّكَ مَا َفعَلُوهُ فَذَ ْرهُ ْم َومَا َي ْفتَرُونَ (‪)112‬‬

‫وكما ابتليناك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بأعدائك من الشركي ابتلينا جيع النبياء ‪-‬عليهم السلم‪ -‬بأعداء مِن‬
‫مردة قومهم وأعداء من مردة الن‪ ,‬يُلقي بعضهم إل بعض القول الذي زيّنوه بالباطل; ليغتر به سامعه‪,‬‬
‫فيضل عن سبيل ال‪ .‬ولو أراد ربك ‪-‬ج ّل وعل‪ -‬لال بينهم وبي تلك العداوة‪ ,‬ولكنه البتلء من ال‪,‬‬
‫فدعهم وما يتلقون مِن كذب وزور‪.‬‬

‫ض ْو ُه وَِليَ ْقتَرِفُوا مَا هُمْ ُمقْتَرِفُونَ (‪)113‬‬


‫صغَى إَِليْهِ أَ ْفئِ َدةُ الّذِي َن ل ُي ْؤمِنُونَ بِال ِخ َرةِ وَِليَرْ َ‬
‫وَِلتَ ْ‬

‫ولِتميل إليه قلوب الكفار الذين ل يصدقون بالياة الخرة ول يعملون لا‪ ,‬ولتحبّه أنفسهم‪ ,‬وليكتسبوا‬
‫من العمال السيئة ما هم مكتسبون‪ .‬وف هذا تديد عظيم لم‪.‬‬

‫ب َيعْلَمُو نَ َأنّ ُه ُمنَزّلٌ‬


‫صلً وَالّذِي َن آَتيْنَاهُ ْم الْ ِكتَا َ‬
‫أََفغَيْرَ اللّ هِ أَْبَتغِي َحكَما َو ُه َو الّذِي أَنزَلَ إَِليْكُ ْم اْل ِكتَا بَ ُمفَ ّ‬
‫ك بِالْحَقّ فَل َتكُونَ ّن مِ ْن الْمُ ْمَترِينَ (‪)114‬‬ ‫مِنْ َربّ َ‬

‫‪236‬‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬أغي ال إلي وإلكم أطلب َحكَمًا بين وبينكم‪ ,‬وهو سبحانه الذي‬
‫أنزل إليكم القرآن مبينًا فيه الكم فيما تتصمون فيه من أمري وأمركم؟ وبنو إسرائيل الذين آتاهم ال‬
‫التوراة والنيل يعلمون علمًا يقينًا أن هذا القرآن منل عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من ربك بالق‪ ,‬فل‬
‫تكونن من الشاكّي ف شيء ما أوحينا إليك‪.‬‬

‫َوتَ ّمتْ َكلِ َمةُ َربّكَ صِدْقا َوعَدْلً ل ُمبَدّلَ ِلكَلِمَاتِ ِه َو ُهوَ السّمِي ُع اْلعَلِيمُ (‪)115‬‬

‫وتت كلمة ربك ‪-‬وهي القرآن‪ -‬صدقًا ف الخبار والقوال‪ ,‬وعدل ف الحكام‪ ,‬فل يستطيع أحد أن‬
‫يبدّل كلماته الكاملة‪ .‬وال تعال هو السميع لا يقول عباده‪ ,‬الليم بظواهر أمورهم وبواطنها‪.‬‬

‫خرُصُونَ (‪)116‬‬
‫َوإِ ْن تُطِعْ أَ ْكثَ َر مَنْ فِي الَ ْرضِ ُيضِلّو َك عَنْ سَبِيلِ اللّهِ ِإنْ َيّتِبعُونَ إِلّ الظّ ّن َوِإنْ هُمْ إِ ّل يَ ْ‬

‫ولو فُرض ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أنك أطعت أكثر أهل الرض لضلّوك عن دين ال‪ ,‬ما يسيون إل على ما‬
‫ظنوه حقّا بتقليدهم أسلفهم‪ ,‬وما هم إل يظنون ويكذبون‪.‬‬

‫ك ُهوَ أَعَْل ُم مَ ْن َيضِ ّل عَنْ َسبِيلِ ِه َو ُهوَ َأعْلَمُ بِالْ ُم ْهتَدِينَ (‪)117‬‬
‫ِإنّ َربّ َ‬

‫إن ربك هو أعلم بالضالي عن سبيل الرشاد‪ ,‬وهو أعلم منكم ومنهم بن كان على استقامة وسداد‪ ,‬ل‬
‫يفى عليه منهم أحد‪.‬‬

‫َفكُلُوا مِمّا ذُكِ َر اسْمُ اللّ ِه عََليْهِ ِإنْ كُنتُ ْم بِآيَاتِ ِه ُم ْؤ ِمنِيَ (‪)118‬‬

‫فكلوا من الذبائح الت ذُكِ َر اسم ال عليها‪ ,‬إن كنتم بباهي ال تعال الواضحة مصدقي‪.‬‬

‫َومَا َلكُ مْ أَ ّل َتأْكُلُوا مِمّا ذُ ِك َر ا سْمُ اللّ هِ عََليْ ِه وَقَدْ فَ صّلَ َلكُ ْم مَا حَرّ مَ عََليْكُ مْ إِلّ مَا اضْطُرِ ْرتُ مْ إَِليْ ِه َوِإنّ‬
‫ك ُهوَ َأعْلَ ُم بِالْ ُم ْعتَدِينَ (‪)119‬‬ ‫َكثِيا َلُيضِلّونَ ِبأَ ْهوَائِهِ ْم ِب َغيْ ِر عِلْمٍ ِإنّ َربّ َ‬

‫‪237‬‬
‫وأيّ شيء ينعكم أيها السلمون من أن تأكلوا ما ذكر اسم ال عليه‪ ,‬وقد بيّن ال سبحانه لكم جيع ما‬
‫حرّم عليكم؟ لكن ما دعت إليه الضرورة بسبب الجاعة‪ ,‬ما هو مرم عليكم كاليتة‪ ,‬فإنه مباح لكم‪.‬‬
‫وإ ّن كثيًا من الضالي ليضلون عن سبيل ال أشياعهم ف تليل الرام وتري اللل بأهوائهم؛ جهل‬
‫منهم‪ .‬إن ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هو أعلم بن تاوز حده ف ذلك‪ ,‬وهو الذي يتول حسابه وجزاءه‪.‬‬

‫سبُونَ ا ِلثْ َم َسيُجْ َز ْو َن بِمَا كَانُوا َي ْقتَرِفُونَ (‪)120‬‬


‫وَذَرُوا ظَاهِ َر الِثْ ِم َوبَاطِنَهُ ِإنّ الّذِي َن َيكْ ِ‬

‫واتركوا ‪-‬أيها الناس‪ -‬جيع العاصي‪ ,‬ما كان منها علنية وما كان سرّا‪ .‬إن الذين يفعلون العاصي‬
‫سيعاقبهم ربم; بسبب ما كانوا يعملونه من السيئات‪.‬‬

‫وَل تَأْكُلُوا مِمّا َل ْم يُذْكَرْ ا سْمُ اللّ ِه عََليْ هِ َوإِنّ هُ َلفِ سْ ٌق َوإِنّ الشّيَاطِيَ َليُوحُو نَ إِلَى َأوِْليَاِئهِ مْ ِليُجَادِلُوكُ ْم َوإِ نْ‬
‫شرِكُونَ (‪)121‬‬ ‫أَ َط ْعتُمُوهُمْ إِّنكُمْ لَمُ ْ‬

‫ول تأكلوا ‪-‬أيها السلمون‪ -‬من الذبائح الت ل يذكر اسم ال عليها عند الذبح‪ ,‬كاليتة وما ذبح للوثان‬
‫والن‪ ,‬وغي ذلك‪ ,‬وإن الكل من تلك الذبائح لروج عن طاعة ال تعال‪ .‬وإن مردة الن َليُلْقون إل‬
‫أوليائهم من شياطي النس بالشبهات حول تري أكل اليتة‪ ,‬فيأمرونم أن يقولوا للمسلمي ف جدالم‬
‫معهم‪ :‬إنكم بعدم أكلكم اليتة ل تأكلون ما قتله ال‪ ,‬بينما تأكلون ما تذبونه‪ ,‬وإن أطعتموهم ‪-‬أيها‬
‫السلمون ف تليل اليتة‪ -‬فأنتم وهم ف الشرك سواء‪.‬‬

‫ج ِمْنهَا‬
‫َأ َومَ نْ كَا َن َميْتا َفأَ ْحَيْينَا هُ وَ َج َع ْلنَا لَ ُه نُورا يَمْشِي بِ هِ فِي النّا سِ كَمَ ْن َمثَلُ هُ فِي الظُّلمَا تِ َليْ سَ ِبخَارِ ٍ‬
‫كَذَلِكَ ُزيّنَ لِ ْلكَاِفرِي َن مَا كَانُوا َيعْمَلُونَ (‪)122‬‬

‫أوَمن كان ميتًا ف الضللة هالكا حائرا‪ ,‬فأحيينا قلبه باليان‪ ,‬وهديناه له‪ ,‬ووفقناه لتباع رسله‪ ,‬فأصبح‬
‫يعيش ف أنوار الداية‪ ,‬كمن مثله ف الهالت والهواء والضللت التفرقة‪ ,‬ل يهتدي إل منفذ ول‬
‫ملص له ما هو فيه؟ ل يستويان‪ ,‬وكما خذلتُ هذا الكافر الذي يادلكم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬فزّيْنتُ له‬
‫سوء عمله‪ ,‬فرآه حسنًا‪ ,‬زّيْنتُ للجاحدين أعمالم السيئة; ليستوجبوا بذلك العذاب‪.‬‬

‫‪238‬‬
‫شعُرُو نَ (‬
‫سهِ ْم وَمَا يَ ْ‬
‫وَكَذَلِ كَ َجعَلْنَا فِي كُلّ َق ْرَيةٍ أَكَابِرَ مُجْ ِرمِيهَا ِليَ ْمكُرُوا فِيهَا وَمَا يَ ْمكُرُو نَ إِ ّل ِبأَنفُ ِ‬
‫‪)123‬‬

‫ومثل هذا الذي حصل مِن زعماء الكفار ف "مكة" من الصدّ عن دين ال تعال‪ ,‬جعلنا ف كل قرية‬
‫مرمي يتزعمهم أكابرهم; ليمكروا فيها بالصد عن دين ال‪ ,‬وما يكيدون إل أنفسهم‪ ,‬وما يُحِسّون‬
‫بذلك‪.‬‬

‫جعَلُ رِ سَالَتَهُ‬
‫ث يَ ْ‬
‫َوإِذَا جَا َءْتهُ ْم آَيةٌ قَالُوا لَ ْن ُن ْؤمِ نَ َحتّ ى ُنؤْتَى ِمثْ َل مَا أُوتِ يَ رُ سُلُ اللّ هِ اللّ هُ َأعْلَ مُ َحيْ ُ‬
‫صغَا ٌر ِعنْدَ اللّ ِه َوعَذَابٌ شَدِي ٌد بِمَا كَانُوا يَ ْمكُرُونَ (‪)124‬‬ ‫َسيُصِيبُ الّذِينَ أَ ْج َرمُوا َ‬

‫وإذا جاءت هؤلء الشركي من أهل "مكة" حجة ظاهرة على نبوة ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬قال‬
‫بعض كبائهم‪ :‬لن نصدّق بنبوته حت يعطينا ال من النبوة والعجزات مثل ما أعطى رسله السابقي‪ .‬فردّ‬
‫ال تعال عليهم بقوله‪ :‬ال أعلم حيث يعل رسالته أي‪ :‬بالذين هم أهل لمل رسالته وتبليغها إل الناس‪.‬‬
‫سينال هؤلء الطغاة الذل‪ ,‬ولم عذاب موجع ف نار جهنم; بسبب كيدهم للسلم وأهله‪.‬‬

‫صعّدُ‬
‫ضيّقا َحرَجا َكَأنّمَا يَ ّ‬
‫جعَلْ صَدْ َرهُ َ‬
‫لسْل ِم َومَ ْن يُ ِردْ أَ ْن ُيضِلّ ُه يَ ْ‬
‫فَمَ ْن يُ ِردْ اللّهُ أَ ْن يَه ِديَهُ يَشْ َرحْ صَ ْد َرهُ ِل ِ‬
‫س عَلَى الّذِي َن ل ُيؤْ ِمنُونَ (‪)125‬‬ ‫جعَلُ اللّهُ الرّ ْج َ‬ ‫فِي السّمَاءِ َكذَلِكَ يَ ْ‬

‫فمن يشأ ال أن يوفقه لقَبول الق يشرح صدره للتوحيد واليان‪ ,‬ومن يشأ أن يضله يعل صدره ف‬
‫حال شديدة من النقباض عن قَبول الدى‪ ,‬كحال مَن يصعد ف طبقات الو العليا‪ ,‬فيصاب بضيق‬
‫شديد ف التنفس‪ .‬وكما يعل ال صدور الكافرين شديدة الضيق والنقباض‪ ,‬كذلك يحل العذاب على‬
‫الذين ل يؤمنون به‪.‬‬

‫ستَقِيما قَدْ َفصّ ْلنَا اليَاتِ ِل َقوْ ٍم يَذّكّرُونَ (‪)126‬‬


‫ك مُ ْ‬
‫صرَاطُ َربّ َ‬
‫َوهَذَا ِ‬

‫وهذا الذي بّينّاه لك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هو الطريق الوصل إل رضا ربك وجنته‪ .‬قد بينّا الباهي لن‬
‫يتذكر من أهل العقول الراجحة‪.‬‬

‫‪239‬‬
‫َلهُمْ دَارُ السّلمِ ِعنْدَ َرّبهِ ْم َو ُه َو وَِليّهُ ْم بِمَا كَانُوا يَعْ َملُونَ (‪)127‬‬

‫للمتذكرين عند ربم جل وعل يوم القيامة دار السلمة والمان من كل مكروه وهي النة‪ ,‬وهو سبحانه‬
‫ناصرهم وحافظهم جزا ًء لم; بسبب أعمالم الصالة‪.‬‬

‫ش ُرهُ مْ جَمِيعا يَا َمعْشَ َر الْجِنّ قَ ْد ا ْسَتكْثَ ْرتُ ْم مِ ْن الِن سِ وَقَالَ َأوْلِيَا ُؤهُ ْم مِ ْن الِن سِ َرّبنَا ا سْتَ ْمتَ َع‬‫َوَيوْ َم يَحْ ُ‬
‫ضنَا بَِبعْ ضٍ َوبََل ْغنَا أَجََلنَا الّذِي أَجّلْ تَ َلنَا قَا َل النّا ُر َمْثوَاكُ مْ خَالِدِي نَ فِيهَا إِلّ مَا شَاءَ اللّ هُ ِإنّ َربّ كَ َحكِي مٌ‬
‫َبعْ ُ‬
‫عَلِيمٌ (‪)128‬‬

‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬يوم يشر ال تعال الكفار وأولياءهم من شياطي الن فيقول‪ :‬يا معشر الن قد‬
‫أضللتم كثيًا من النس‪ ,‬وقال أولياؤهم من كفار النس‪ :‬ربنا قد انتفع بعضنا من بعض‪ ,‬وبلغنا الجل‬
‫الذي أجّ ْلتَه لنا بانقضاء حياتنا الدنيا‪ ,‬قال ال تعال لم‪ :‬النار مثواكم‪ ,‬أي‪ :‬مكان إقامتكم خالدين فيها‪,‬‬
‫إل مَن شاء ال عدم خلوده فيها من عصاة الوحدين‪ .‬إن ربك حكيم ف تدبيه وصنعه‪ ,‬عليم بميع‬
‫أمور عباده‪.‬‬

‫ي َبعْضا بِمَا كَانُوا َيكْسِبُونَ (‪)129‬‬


‫ك ُنوَلّي َبعْضَ الظّالِ ِم َ‬
‫وَكَذَلِ َ‬

‫وكما سلّطْنا شياطي الن على كفار النس‪ ,‬فكانوا أولياء لم‪ ,‬نسلّط الظالي من النس بعضهم على‬
‫بعض ف الدنيا; بسبب ما يعملونه من العاصي‪.‬‬

‫يَا َمعْشَ َر الْجِنّ وَالِن سِ أَلَ ْم َيأِْتكُ مْ رُ سُ ٌل ِمْنكُ ْم َيقُ صّونَ عََلْيكُ ْم آيَاتِي َويُنذِرُونَكُ مْ ِلقَاءَ َي ْو ِمكُ ْم هَذَا قَالُوا‬
‫سهِمْ َأّنهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (‪)130‬‬ ‫حيَاةُ ال ّدْنيَا َو َشهِدُوا عَلَى أَنفُ ِ‬
‫َشهِ ْدنَا عَلَى أَنفُسِنَا َوغَ ّرْتهُ ْم الْ َ‬

‫أيها الشركون من الن والنس‪ ,‬أل يأتكم رسل من جلتكم ‪-‬وظاهر النصوص يدلّ على أنّ الرسل من‬
‫النس فقط‪ ,-‬يبونكم بآيات الواضحة الشتملة على المر والنهي وبيان الي والشر‪ ,‬ويذرونكم لقاء‬
‫عذاب ف يوم القيامة؟ قال هؤلء الشركون من النس والن‪َ :‬شهِدْنا على أنفسنا بأن رسلك قد بلغونا‬

‫‪240‬‬
‫آياتك‪ ,‬وأنذرونا لقاء يومنا هذا‪ ,‬فكذبناهم‪ ,‬وخدعت هؤلء الشركي زينةُ الياة الدنيا‪ ,‬وشهدوا على‬
‫أنفسهم أنم كانوا جاحدين وحدانية ال تعال ومكذبي لرسله عليهم السلم‪.‬‬

‫ك الْقُرَى بِظُلْ ٍم َوَأهُْلهَا غَافِلُونَ (‪)131‬‬


‫ذَلِكَ َأنْ لَ ْم َيكُنْ َربّكَ ُمهْلِ َ‬

‫إنا أعذرنا إل الثقلي بإرسال الرسل وإنزال الكتب‪ ,‬لئل يؤا َخذَ أحد بظلمه‪ ,‬وهو ل تبلغه دعوة‪ ,‬ولكن‬
‫أعذرنا إل المم‪ ,‬وما عذّبنا أحدًا إل بعد إرسال الرسل إليهم‪.‬‬

‫ت مِمّا عَمِلُوا َومَا َربّكَ بِغَافِ ٍل عَمّا َيعْ َملُونَ (‪)132‬‬


‫وَِلكُلّ دَ َرجَا ٌ‬

‫ولكل عامل ف طاعة ال تعال أو معصيته مراتب من عمله‪ ,‬يبلّغه ال إياها‪ ,‬ويازيه عليها‪ .‬وما ربك‬
‫‪-‬أيها الرسول‪ -‬بغافل عما يعمل عباده‪.‬‬

‫ستَخْلِفْ مِ ْن َبعْدِكُ ْم مَا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُ ْم مِ نْ ذُ ّرّيةِ َقوْ مٍ‬


‫ك الْ َغنِيّ ذُو الرّحْ َمةِ إِ ْن يَشَ ْأ يُ ْذ ِهبْكُ ْم َويَ ْ‬
‫وَ َربّ َ‬
‫آخَرِينَ (‪)133‬‬

‫وربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬الذي أمر الناس بعبادته‪ ,‬هو الغن وحده‪ ,‬وكل خلقه متاجون إليه‪ ,‬وهو سبحانه‬
‫ذو الرحة الواسعة‪ ,‬لو أراد لهلككم‪ ,‬وأوجد قومًا غيكم يلفونكم من بعد فنائكم‪ ,‬ويعملون بطاعته‬
‫تعال‪ ,‬كما أوجدكم من نسل قوم آخرين كانوا قبلكم‪.‬‬

‫جزِينَ (‪)134‬‬
‫ت َومَا أَْنتُ ْم بِ ُمعْ ِ‬
‫ِإنّ مَا تُوعَدُونَ ل ٍ‬

‫إن الذي يوعدكم به ربكم ‪ -‬أيها الشركون ‪ -‬من العقاب على كفركم واقع بكم‪ ,‬ولن تُعجِزوا ربكم‬
‫هربًا‪ ,‬فهو قادر على إعادتكم‪ ,‬وإن صرت ترابًا وعظامًا‪.‬‬

‫ف َتعْلَمُونَه مَن ْهتَكُونُهلَهُه عَاِقَبةُ الدّارِ ِإنّهُه ل ُيفْلِحُه‬


‫قُ ْل يَا َقوْمِه اعْ َملُوا عَلَى َمكَاَنِتكُم ْهِإنّيه عَامِلٌ فَسَهوْ َ‬
‫الظّالِمُونَ (‪)135‬‬

‫‪241‬‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬يا قوم اعملوا على طريقتكم فإن عامل على طريقت الت شرعها ل رب جل وعل‬
‫فسوف تعلمون ‪-‬عند حلول النقمة بكم‪ -‬مَنِ الذي تكون له العاقبة السنة؟ إنه ل يفوز برضوان ال‬
‫تعال والنة مَن تاوز حده وظلم‪ ,‬فأشرك مع ال غيه‪.‬‬

‫وَ َجعَلُوا لِلّهِه مِمّاه ذَ َرَأ مِن ْه الْحَرْثِه وَا َلْنعَامِهنَصهِيبا َفقَالُوا هَذَا لِلّهِهبِ َزعْ ِمهِم ْه َوهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَه‬
‫حكُمُونَ ( ‪)136‬‬ ‫لِشُرَكَاِئهِمْ فَل َيصِلُ إِلَى اللّ ِه َومَا كَانَ لِلّهِ َف ُه َو َيصِلُ إِلَى شُرَكَاِئهِ ْم سَا َء مَا يَ ْ‬

‫وجعل الشركون ل ‪-‬ج ّل وعل‪ -‬جزءًا ما خلق من الزروع والثمار والنعام يقدمونه للضيوف‬
‫والساكي‪ ,‬وجعلوا قسمًا آخر من هذه الشياء لشركائهم من الوثان والنصاب‪ ,‬فما كان مصصًا‬
‫لشركائهم فإنه يصل إليها وحدها‪ ,‬ول يصل إل ال‪ ,‬وما كان مصصا ل تعال فإنه يصل إل شركائهم‪.‬‬
‫بئس حكم القوم وقسمتهم‪.‬‬

‫شرِكِيَ َقتْلَ َأوْل ِدهِ ْم شُرَكَا ُؤهُمْ ِليُرْدُوهُ ْم وَِليَ ْلبِسُوا عََلْيهِمْ دِيَنهُ ْم وََل ْو شَاءَ اللّهُ‬
‫وَكَذَلِكَ َزيّنَ ِل َكثِيٍ مِ ْن الْمُ ْ‬
‫مَا َفعَلُوهُ َفذَ ْرهُ ْم َومَا َيفْتَرُونَ (‪)137‬‬

‫وكما زيّن الشيطان للمشركي أن يعلوا ل تعال من الرث والنعام نصيبًا‪ ,‬ولشركائهم نصيبًا‪ ,‬زيّنت‬
‫الشياطي لكثي من الشركي َقتْلَ أولدهم خشية الفقر; ليوقعوا هؤلء الباء ف اللك بقتل النفس الت‬
‫حرم ال قتلها إل بالق‪ ,‬وليخلطوا عليهم دينهم فيلتبس‪ ,‬فيضلوا ويهلكوا‪ ,‬ولو شاء ال أل يفعلوا ذلك‬
‫ما فعلوه‪ ,‬ولكنه قدّر ذلك لعلمه بسوء حالم ومآلم‪ ,‬فاتركهم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬وشأنم فيما يفترون من‬
‫كذب‪ ,‬فسيحكم ال بينك وبينهم‪.‬‬

‫ت ُظهُورُهَا َوأَْنعَا مٌ ل‬
‫وَقَالُوا هَذِ هِ َأْنعَا ٌم وَحَرْ ثٌ ِحجْ ٌر ل يَ ْطعَمُهَا إِ ّل مَ ْن نَشَا ُء بِ َزعْ ِمهِ ْم َوَأنْعَا مٌ حُ ّرمَ ْ‬
‫يَذْكُرُونَ اسْمَ اللّ ِه عََلْيهَا ا ْفتِرَاءً عََليْ ِه َسيَجْزِيهِ ْم بِمَا كَانُوا َيفْتَرُونَ (‪)138‬‬

‫وقال الشركون‪ :‬هذه إبل وزرع حرام‪ ,‬ل يأكلها إل مَن يأذنون له ‪-‬حسب ادعائهم‪ -‬مِن سدنة‬
‫الوثان وغيهم‪ .‬وهذه إبل ُحرّمت ظهورها‪ ,‬فل يل ركوبا والم ُل عليها بال من الحوال‪ .‬وهذه‬

‫‪242‬‬
‫إبل ل يَذكرون اسم ال تعال عليها ف أي شأن من شئونا‪ .‬فعلوا ذلك كذبًا منهم على ال‪ ,‬سيجزيهم‬
‫ال بسبب ما كانوا يفترون من كذبٍ عليه سبحانه‪.‬‬

‫حرّ ٌم عَلَى أَ ْزوَا ِجنَا َوإِ نْ َيكُ ْن َميَْتةً َفهُ مْ فِي ِه شُرَكَاءُ‬
‫صةٌ ِلذُكُو ِرنَا َومُ َ‬
‫وَقَالُوا مَا فِي بُطُو ِن هَذِ ِه الَْنعَا مِ خَالِ َ‬
‫ص َفهُمْ ِإنّهُ َحكِيمٌ عَلِيمٌ (‪)139‬‬ ‫َسيَجْزِيهِ ْم وَ ْ‬

‫وقال الشركون‪ :‬ما ف بطون النعام من أجنّة مباح لرجالنا‪ ,‬ومرم على نسائنا‪ ,‬إذا ولد حيّا‪ ,‬ويشركون‬
‫فيه إذا ولد ميتًا‪ .‬سيعاقبهم ال إذ شرّعوا لنفسهم من التحليل والتحري ما ل يأذن به ال‪ .‬إنه تعال‬
‫حكيم ف تدبي أمور خلقه‪ ,‬عليم بم‪.‬‬

‫ضلّوا َومَا كَانُوا‬


‫قَدْ خَسِ َر الّذِي نَ َقتَلُوا َأوْل َدهُمْ َسفَها ِبغَيْرِ عِلْ ٍم وَ َح ّرمُوا مَا رَزََقهُمْ اللّهُ افْتِرَا ًء عَلَى اللّهِ قَدْ َ‬
‫ُمهْتَدِينَ (‪)140‬‬

‫قد خسر وهلك الذين قتلوا أولدهم لضعف عقولم وجهلهم‪ ,‬وحرموا ما رزقهم ال كذبًا على ال‪ .‬قد‬
‫َبعُدوا عن الق‪ ,‬وما كانوا من أهل الدى والرشاد‪ .‬فالتحليل والتحري من خصائص اللوهية ف‬
‫التشريع‪ ,‬واللل ما أحله ال‪ ,‬والرام ما حرّمه ال‪ ,‬وليس لحد من خَلْقه فردًا كان أو جاعة أن يشرع‬
‫لعباده ما ل يأذن به ال‪.‬‬

‫ختَلِفا أُكُلُهُه وَال ّزْيتُونَه وَال ّرمّانَه‬


‫شأَ َجنّاتٍه َمعْرُوشَاتٍه َو َغيْ َر َمعْرُوشَاتٍه وَالنّخْ َل وَالزّرْعَه ُم ْ‬ ‫َو ُهوَ الّذِي َأنْ َ‬
‫سرِفِيَ (‬‫حبّ الْمُ ْ‬ ‫سرِفُوا ِإنّهُ ل ُي ِ‬ ‫ُمتَشَابِها َوغَيْ َر ُمتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَ ِرهِ إِذَا َأثْمَ َر وَآتُوا َحقّ ُه َي ْومَ َحصَا ِد ِه وَل تُ ْ‬
‫‪)141‬‬

‫وال سبحانه وتعال هو الذي أوجد لكم بساتي‪ :‬منها ما هو مرفوع عن الرض كالعناب‪ ,‬ومنها ما‬
‫هو غي مرفوع‪ ,‬ولكنه قائم على سوقه كالنخل والزرع‪ ,‬متنوعًا طعمه‪ ,‬والزيتون والرمان متشابًا منظره‪,‬‬
‫ومتلفًا ثره وطعمه‪ .‬كلوا ‪-‬أيها الناس‪ -‬مِن ثره إذا أثر‪ ,‬وأعطوا زكاته الفروضة عليكم يوم حصاده‬
‫وقطافه‪ ,‬ول تتجاوزوا حدود العتدال ف إخراج الال وأكل الطعام وغي ذلك‪ .‬إنه تعال ل يب‬
‫التجاوزين حدوده بإنفاق الال ف غي وجهه‪.‬‬

‫‪243‬‬
‫َومِ ْن الَْنعَا مِ حَمُوَل ًة وَفَرْشا كُلُوا مِمّ ا َرزََقكُ مْ اللّ هُ وَل َتّتِبعُوا خُ ُطوَا تِ الشّيْطَا نِ ِإنّ هُ َلكُ ْم عَ ُد ّو ُمبِيٌ (‬
‫‪)142‬‬

‫وأوجد من النعام ما هو مهيّأ للحمل عليه لكبه وارتفاعه كالبل‪ ,‬ومنها ما هو مهيّأ لغي المل لصغره‬
‫وقربه من الرض كالبقر والغنم‪ ,‬كلوا ما أباحه ال لكم وأعطاكموه من هذه النعام‪ ,‬ول ترموا ما‬
‫أح ّل ال منها اتباعًا لطرق الشيطان‪ ,‬كما فعل الشركون‪ .‬إن الشيطان لكم عدو ظاهر العداوة‪.‬‬

‫ضأْ نِ اْثنَيْ نِ َومِ ْن الْ َمعْ ِز اْثنَيْ نِ قُلْ أَالذّكَ َريْ نِ حَرّ مَ أَ مْ ا ُلْنثََييْ نِ َأمّا ا ْشتَمَلَ تْ عََليْ هِ أَرْحَا مُ‬
‫ج مِ ْن ال ّ‬
‫ثَمَاِنَيةَ أَ ْزوَا ٍ‬
‫الُنَثيَيْ ِن َنّبئُونِي ِبعِلْمٍ إِنْ كُنتُمْ صَادِِقيَ (‪)143‬‬

‫هذه النعام الت رزقها ال عباده من البل والبقر والغنم ثانية أصناف‪ :‬أربعة منها من الغنم‪ ,‬وهي الضأن‬
‫ذكورًا وإناثًا‪ ,‬والعز ذكورًا وإناثًا‪ .‬قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لولئك الشركي‪ :‬هل َحرّم ال الذكرين من‬
‫الغنم؟ فإن قالوا‪ :‬نعم‪ ,‬فقد كذبوا ف ذلك; لنم ل يرمون كل ذكر من الضأن والعز‪ ,‬وقل لم‪ :‬هل‬
‫َحرّم ال النثيي من الغنم؟ فإن قالوا‪ :‬نعم‪ ,‬فقد كذبوا أيضًا; لنم ل يرمون كل أنثى من ولد الضأن‬
‫والعز‪ ,‬وقل لم‪ :‬هل حَرّم ال ما اشتملت عليه أرحام النثيي من الضأن والعز من المل؟ فإن قالوا‪:‬‬
‫نعم‪ ,‬فقد كذبوا أيضًا; لنم ل يرمون كل َحمْل مِن ذلك‪ ,‬خبّرون بعلم يدل على صحة ما ذهبتم إليه‪,‬‬
‫إن كنتم صادقي فيما تنسبونه إل ربكم‪.‬‬

‫َومِ ْن ا ِلبِلِ اْثَنيْ ِن َومِ نْ اْلَبقَ ِر اثَْنيْ نِ ُقلْ أَالذّ َك َريْ نِ َحرّ مَ أَمْ الُنثََييْ نِ َأمّا ا ْشتَمَلَتْ عََليْهِ أَرْحَامُ الُنثََييْ نِ أَمْ كُنتُمْ‬
‫ُشهَدَاءَ ِإ ْذ وَصّاكُمْ اللّ ُه ِبهَذَا َفمَنْ أَظَْل ُم مِمّ ْن ا ْفتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبا ِلُيضِ ّل النّاسَ ِب َغيْ ِر عِلْمٍ ِإنّ اللّ َه ل َيهْدِي‬
‫الْ َق ْومَ الظّالِمِيَ (‪)144‬‬

‫والصناف الربعة الخرى‪ :‬هي اثنان من البل ذكورًا وإناثًا‪ ,‬واثنان من البقر ذكورًا وإناثًا‪ .‬قل ‪-‬أيها‬
‫الرسول‪ -‬لولئك الشركي‪ :‬أحَرّم ال الذكرين أم النثيي؟ أم حرّم ما اشتملت عليه أرحام النثيي‬
‫ذكورًا وإناثًا؟ أم كنتم أيها الشركون حاضرين‪ ,‬إذ وصاكم الد بذا التحري للنعام‪ ,‬فل أحد أشد ظلمًا‬
‫من اختلق على ال الكذب; ليصرف الناس بهله عن طريق الدى‪ .‬إن ال تعال ل يوفق للرشد مَن‬
‫تاوز حدّه‪ ,‬فكذب على ربه‪ ,‬وأض ّل الناس‪.‬‬
‫‪244‬‬
‫سفُوحا َأوْ لَحْ مَ‬
‫حرّما عَلَى طَاعِ ٍم يَ ْطعَمُ هُ إِلّ أَ نْ َيكُو َن َميَْتةً َأوْ دَما مَ ْ‬ ‫قُلْ ل أَجِدُ فِي مَا أُوحِ يَ إِلَيّ مُ َ‬
‫ك غَفُورٌ َرحِيمٌ (‪)145‬‬ ‫غ وَل عَادٍ فَِإنّ َربّ َ‬ ‫خِنِيرٍ فَِإنّهُ ِر ْجسٌ َأوْ فِسْقا ُأهِلّ ِل َغيْرِ اللّ ِه بِهِ َفمَ ْن اضْطُرّ غَيْ َر بَا ٍ‬

‫ل شيئًا مرمًا على من يأكله ما تذكرون أنه حُرّم من‬


‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬إن ل أجد فيما أوحى ال إ ّ‬
‫النعام‪ ,‬إل أن يكون قد مات بغي تذكية‪ ,‬أو يكون دمًا مراقًا‪ ,‬أو يكون لم خنير فإنه نس‪ ,‬أو الذي‬
‫كانت ذكاته خروجًا عن طاعة ال تعال; كما إذا كان الذبوح قد ذكر عليه اسم غي ال عند الذبح‪.‬‬
‫فمن اضطر إل الكل من هذه الحرمات بسبب الوع الشديد غي طالب بأكله منها تلذذًا‪ ,‬ول متجاوز‬
‫حد الضرورة‪ ,‬فإن ال تعال غفور له‪ ,‬رحيم به‪ .‬وقد ثبت ‪ -‬فيما بعد ‪ -‬بالسنة تري كل ذي ناب من‬
‫السباع‪ ,‬وملب من الطي‪ ,‬والمر الهلية‪ ,‬والكلب‪.‬‬

‫َته‬
‫ِمه شُحُو َمهُمَا إِ ّل مَا حَ َمل ْ‬
‫َمه حَ ّرمْنَا عََلْيه ْ‬
‫ِنه الَْبقَ ِر وَاْلغَن ِ‬‫ِينه هَادُوا َح ّرمْنَا كُلّ ذِي ُظفُ ٍر َوم ْ‬ ‫َوعَلَى الّذ َ‬
‫ط ِبعَظْمٍ ذَلِكَ جَ َزْينَاهُ ْم ِببَ ْغِيهِ ْم َوإِنّا َلصَادِقُونَ (‪)146‬‬
‫حوَايَا َأ ْو مَا ا ْختَلَ َ‬
‫ُظهُو ُرهُمَا َأ ْو الْ َ‬

‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي ما حرمّنا على اليهود من البهائم والطي‪ :‬وهو كل ما ل يكن‬
‫مشقوق الصابع كالبل والنّعام‪ ,‬وشحوم البقر والغنم‪ ,‬إل ما عَلِق من الشحم بظهورها أو أمعائها‪ ,‬أو‬
‫اختلط بعظم اللْية والنب ونو ذلك‪ .‬ذلك التحرم الذكور على اليهود عقوبة ِمنّا لم بسبب أعمالم‬
‫السيئة‪ ,‬وإنّا لصادقون فيما أخبنا به عنهم‪.‬‬

‫فَِإنْ َك ّذبُوكَ َفقُلْ َرّبكُمْ ذُو َرحْ َم ٍة وَا ِسعَ ٍة وَل يُرَدّ بَ ْأسُ ُه عَنْ الْ َق ْومِ الْ ُمجْ ِرمِيَ (‪)147‬‬

‫فإن كذبك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬مالفوك من الشركي واليهود‪ ,‬وغيهم‪ ,‬فقل لم‪ :‬ربكم جل وعل ذو رحة‬
‫واسعة‪ ,‬ول يُدْفع عقابه عن القوم الذين أجرموا‪ ,‬فاكتسبوا الذنوب‪ ,‬واجترحوا السيئات‪ .‬وف هذا تديد‬
‫لم لخالفتهم الرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫ب الّذِي َن مِ ْن‬
‫َسيَقُو ُل الّذِي نَ َأشْرَكُوا َل ْو شَاءَ اللّ ُه مَا َأشْرَ ْكنَا وَل آبَا ُؤنَا وَل حَ ّر ْمنَا مِ ْن َشيْءٍ َكذَلِ كَ كَذّ َ‬
‫خرُصُونَ (‬ ‫َقبِْلهِمْ َحتّى ذَاقُوا َبأْ َسنَا قُ ْل هَ ْل ِعنْدَكُ ْم مِ ْن عِلْمٍ َفتُخْ ِرجُوهُ َلنَا إِ ْن َتتِّبعُونَ إِلّ الظّ ّن َوإِنْ َأْنتُمْ إِ ّل تَ ْ‬

‫‪245‬‬
‫‪)148‬‬

‫سيقول الذين أشركوا‪ :‬لو أراد ال أن ل نشرك ‪-‬نن وآباؤنا‪ -‬وأن ل نرم شيئًا مِن دونه ما فعلنا ذلك‪,‬‬
‫وردّ ال عليهم ببيان أن هذه الشبهة قد أثارها الكفار مِن قبلهم‪ ,‬وكذّبوا با دعوة رسلهم‪ ,‬واستمَرّوا‬
‫على ذلك‪ ,‬حت نزل بم عذاب ال‪ .‬قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬هل عندكم ‪-‬فيما حرّمتم من النعام‬
‫والرث‪ ,‬وفيما زعمتم من أن ال قد شاء لكم الكفر‪ ,‬ورضيه منكم وأحبه لكم‪ -‬من علم صحيح‬
‫فتظهرره لنا؟ إن تتبعون ف أمور هذا الدين إل مرد الظن‪ ,‬وإن أنتم إل تكذبون‪.‬‬

‫جةُ الْبَاِل َغةُ َفَل ْو شَاءَ َلهَدَاكُمْ أَجْ َمعِيَ (‪)149‬‬


‫حّ‬‫قُلْ َفلِلّ ِه الْ ُ‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لم‪ :‬فلله جل وعل الجة القاطعة الت يقطع با ظنونكم‪ ,‬فلو شاء لوفّقكم جيعًا إل‬
‫طريق الستقامة‪.‬‬

‫شهَ ْد َم َعهُ ْم وَل َتتّبِ عْ َأهْوَاءَ الّذِي نَ‬


‫شهَدُو نَ َأنّ اللّ هَ َحرّ َم هَذَا َفإِ ْن َشهِدُوا فَل تَ ْ‬
‫قُ ْل هَلُمّ ُشهَدَاءَكُ ْم الّذِي َن يَ ْ‬
‫كَ ّذبُوا بِآيَاتِنَا وَالّذِي َن ل ُيؤْ ِمنُو َن بِالخِ َر ِة َوهُ ْم بِ َرّبهِ ْم َيعْدِلُونَ (‪)150‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬هاتوا شهداءكم الذين يشهدون أن ال تعال هو الذي حرّم ما‬
‫حرّمتم من الرث والنعام‪ ,‬فإن شهدوا ‪-‬كذبًا وزورًا‪ -‬فل تصدقهم‪ ,‬ول توافق الذين حكّموا‬
‫أهواءهم‪ ,‬فكذبوا بآيات ال فيما ذهبوا إليه من تري ما أحل ال‪ ,‬وتليل ما حرم ال‪ ,‬ول تتبع الذين ل‬
‫يصدقون بالياة الخرة ول يعملون لا‪ ,‬والذين هم بربم يشركون فيعبدون معه غيه‪.‬‬

‫قُ ْل َتعَاَلوْا َأتْ ُل مَا حَرّ مَ َربّكُ ْم عََلْيكُ مْ أَ ّل تُشْرِكُوا بِ هِ َشيْئا َوبِالْوَالِ َديْ نِ إِحْ سَانا وَل َت ْقتُلُوا َأوْلدَكُ ْم مِ ْن‬
‫س الّتِي حَرّ مَ اللّ هُ‬
‫ش مَا َظهَ َر ِمنْهَا َومَا بَطَ َن وَل َتقْتُلُوا النّفْ َ‬
‫ق نَحْ ُن نَ ْرزُُقكُ ْم َوإِيّاهُ ْم وَل َتقْ َربُوا اْلفَوَاحِ َ‬
‫ِإمْل ٍ‬
‫إِلّ بِاْلحَقّ ذَِلكُ ْم وَصّاكُمْ بِهِ َلعَّلكُ ْم َت ْعقِلُونَ (‪)151‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لم‪ :‬تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم‪ :‬أن ل تشركوا معه شيئًا من ملوقاته ف‬
‫عبادته‪ ,‬بل اصرفوا جيع أنواع العبادة له وحده‪ ,‬كالوف والرجاء والدعاء‪ ,‬وغي ذلك‪ ,‬وأن تسنوا إل‬
‫الوالدين بالب والدعاء ونو ذلك من الحسان‪ ,‬ول تقتلوا أولدكم مِن أجل فقر نزل بكم; فإن ال‬
‫‪246‬‬
‫يرزقكم وإياهم‪ ,‬ول تقربوا ما كان ظاهرًا من كبي الثام‪ ,‬وما كان خفيّا‪ ,‬ول تقتلوا النفس الت حرم‬
‫ال قتلها إل بالق‪ ,‬وذلك ف حال القصاص من القاتل أو الزن بعد الحصان أو الردة عن السلم‪,‬‬
‫ذلكم الذكور ما ناكم ال عنه‪ ,‬وعهد إليكم باجتنابه‪ ,‬وما أمركم به‪ ,‬وصّاكم به ربكم; لعلكم تعقلون‬
‫أوامره ونواهيه‪.‬‬

‫ط ل ُنكَلّ ُ‬
‫ف‬ ‫وَل تَقْ َربُوا مَا َل الَْيتِي مِ إِلّ بِالّتِي هِ يَ أَحْ سَنُ َحتّ ى َيبْلُ غَ َأشُدّ هُ َوَأوْفُوا اْل َكيْلَ وَالْمِيزَا نَ بِاْلقِ سْ ِ‬
‫َنفْسا إِ ّل ُو ْس َعهَا َوإِذَا قُ ْلتُمْ فَاعْدِلُوا وََلوْ كَانَ ذَا ُق ْربَى َوِب َعهْدِ اللّهِ َأوْفُوا ذَِلكُ ْم وَصّاكُ ْم بِهِ َلعَّلكُ ْم تَذَكّرُونَ (‬
‫‪)152‬‬

‫ول تقربوا أيها الوصياء مال اليتيم إل بالال الت تصلح با أمواله ويَْنَتفِع با‪ ,‬حت يصل إل سن البلوغ‬
‫ويكون راشدًا‪ ,‬فإذا بلغ ذلك فسلموا إليه ماله‪ ,‬وأوفوا الكيل والوزن بالعدل الذي يكون به تام الوفاء‪.‬‬
‫وإذا بذلتم جهدكم فل حرج عليكم فيما قد يكون من نقص‪ ,‬ل نكلف نفسًا إل وسعها‪ .‬وإذا قلتم‬
‫فتحرّوا ف قولكم العدل دون ميل عن الق ف خب أو شهادة أو حكم أو شفاعة‪ ,‬ولو كان الذي تعلق‬
‫به القول ذا قرابة منكم‪ ,‬فل تيلوا معه بغي حق‪ ,‬وأوفوا با عهد ال به إليكم من اللتزام بشريعته‪ .‬ذلكم‬
‫التل ّو عليكم من الحكام‪ ,‬وصّاكم به ربكم; رجاء أن تتذكروا عاقبة أمركم‪.‬‬

‫ق ِبكُ ْم عَ نْ َسبِيلِهِ ذَِلكُ ْم وَ صّاكُ ْم بِ هِ َلعَّلكُ مْ‬


‫سبُلَ َفَتفَرّ َ‬
‫سَتقِيما فَاّتبِعُو ُه وَل تَّتِبعُوا ال ّ‬
‫َوأَنّ هَذَا صِرَاطِي مُ ْ‬
‫َتتّقُونَ (‪)153‬‬

‫وما وصاكم ال به أن هذا السلم هو طريق ال تعال الستقيم فاسلكوه‪ ,‬ول تسلكوا سبل الضلل‪,‬‬
‫فتفرقكم‪ ,‬وتبعدكم عن سبيل ال الستقيم‪ .‬ذلكم التوجه نو الطريق الستقيم هو الذي وصّاكم ال به;‬
‫لتتقوا عذابه بفعل أوامره‪ ,‬واجتناب نواهيه‪.‬‬

‫ب تَمَاما عَلَى الّذِي َأحْ سَ َن َوَتفْ صِيلً ِلكُ ّل َشيْءٍ وَهُدًى َورَحْ َمةً َلعَّلهُ ْم بِِلقَاءِ َرّبهِ مْ‬
‫ثُمّ آَتْينَا مُو سَى اْل ِكتَا َ‬
‫ُيؤْ ِمنُونَ (‪)154‬‬

‫‪247‬‬
‫ث قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬إن ال تعال هو الذي أتى موسى التوراة تامًا لنعمته على‬
‫الحسني من أهل ملته‪ ,‬وتفصيل لكل شيء من أمور دينهم‪ ,‬وهدى ودللة على الطريق الستقيم ورحة‬
‫لم; رجاء أن يصدّقوا بالبعث بعد الوت والساب والزاء‪ ,‬ويعملوا لذلك‪.‬‬

‫َوهَذَا ِكتَابٌ أَنزَْلنَاهُ ُمبَا َركٌ فَاتِّبعُوهُ وَاّتقُوا َلعَّلكُ ْم تُرْحَمُونَ (‪)155‬‬

‫وهذا القرآن كتاب أنزلناه على نبينا ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬خيه كثي فاتبعوه فيما يأمر به وينهى‬
‫عنه‪ ,‬واتقوا ال أن تالفوا له أمرًا; رجاء أن ترحوا فتنجوا من عذابه‪ ,‬وتظفروا بثوابه‪.‬‬

‫ب عَلَى طَاِئ َفتَيْ ِن مِنْ َقبِْلنَا َوِإنْ ُكنّا عَنْ ِدرَاسَِتهِمْ َلغَافِِليَ (‪)156‬‬
‫َأنْ َتقُولُوا ِإنّمَا أُنزِ َل اْلكِتَا ُ‬

‫وأنزلنا هذا القرآن; لئل تقولوا ‪-‬يا كفار العرب‪ :-‬إنا أُنزل الكتاب من السماء على اليهود والنصارى‪,‬‬
‫وقد كنا عن قراءة كتبهم ف شغل‪ ،‬ونن ليس لنا با علم ول معرفة‪.‬‬

‫َأوْ َتقُولُوا َلوْ َأنّ ا أُنزِ َل عََليْنَا اْل ِكتَا بُ َلكُنّ ا أَهْدَى ِمْنهُ مْ َفقَدْ جَاءَكُ ْم َبيَّن ٌة مِ نْ َربّكُ ْم َوهُدًى وَرَ ْح َمةٌ فَمَ ْن‬
‫ف َعْنهَا َسنَجْزِي الّذِي َن يَ صْدِفُونَ عَ ْن آيَاِتنَا سُو َء اْلعَذَا بِ بِمَا كَانُوا‬ ‫ب بِآيَا تِ اللّ ِه وَ صَدَ َ‬ ‫أَظَْل ُم مِمّ نْ كَذّ َ‬
‫َيصْدِفُونَ (‪)157‬‬

‫ولئل تقولوا ‪-‬أيها الشركون‪ : -‬لو أنّا أُنزل علينا كتاب من السماء‪ ,‬كما أُنزل على اليهود والنصارى‪,‬‬
‫لكنّا أش ّد استقامة على طريق الق منهم‪ ,‬فقد جاءكم كتاب بلسانكم عرب مبي‪ ,‬وذلك حجة واضحة‬
‫مِن ربكم وإرشاد إل طريق الق‪ ,‬ورح ٌة لذه المة‪ .‬فل أحد أشد ظلمًا وعدوانًا من كذّب بجج ال‬
‫تعال وأعرض عنها!! فهؤلء العرضون سنعاقبهم عقابًا شديدًا ف نار جهنم; بسبب إعراضهم عن آياتنا‪,‬‬
‫وصدّهم عن سبيلنا‪.‬‬

‫ك َيوْ َم يَ ْأتِي َبعْ ضُ آيَا تِ َربّ كَ‬


‫ض آيَا تِ َربّ َ‬
‫هَ ْل يَنظُرُو نَ إِلّ أَ نْ َت ْأتَِيهُ مْ الْمَلِئ َكةُ َأ ْو َيأْتِ يَ َربّ كَ َأوْ َي ْأتِ يَ َبعْ ُ‬
‫سَبتْ فِي إِيَاِنهَا َخيْرا قُ ْل انتَ ِظرُوا ِإنّا مُنتَ ِظرُونَ (‪)158‬‬ ‫ل يَنفَ ُع َنفْسا إِيَاُنهَا لَ ْم َتكُنْ آمََنتْ مِنْ َقبْلُ َأوْ كَ َ‬

‫‪248‬‬
‫هل ينتظر الذين أعرضوا وصدوا عن سبيل ال إل أن يأتيهم ملك الوت وأعوانه لقبض أرواحهم‪ ,‬أو‬
‫يات ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للفصل بي عباده يوم القيامة‪ ,‬أو يأت بعض أشراط الساعة وعلماتا الدالة‬
‫على ميئها‪ ,‬وهي طلوع الشمس من مغربا؟ فحي يكون ذلك ل ينفع نفسا إيانا‪ ,‬إن ل تكن آمنت‬
‫من قبل‪ ,‬ول يُقبل منها إن كانت مؤمنة كسب عمل صال إن ل تكن عاملة به قبل ذلك‪ .‬قل لم ‪-‬أيها‬
‫الرسول‪ : -‬انتظروا ميء ذلك; لتعلموا الحق من البطل‪ ,‬والسيء من الحسن‪ ,‬إنا منتظرون ذلك‪.‬‬

‫ت ِمْنهُمْ فِي َشيْءٍ إِنّمَا َأمْ ُرهُمْ إِلَى اللّ ِه ثُ ّم ُينَّبُئهُ ْم بِمَا كَانُوا َي ْفعَلُونَ‬
‫س َ‬
‫ِإنّ الّذِينَ فَرّقُوا دِيَنهُمْ وَكَانُوا ِشيَعا لَ ْ‬
‫(‪)159‬‬

‫إن الذين فرقوا دينهم بعد ما كانوا متمعي على توحيد ال والعمل بشرعه‪ ,‬فأصبحوا فرقا وأحزابا‪ ,‬إنك‬
‫‪-‬أيها الرسول‪ -‬بريء منهم‪ ,‬إنا حكمهم إل ال تعال‪ ,‬ث يبهم بأعمالم‪ ,‬فيجازي من تاب منهم‬
‫وأحسن بإحسانه‪ ,‬ويعاقب السيء بإساءته‪.‬‬

‫جزَى إِ ّل ِمثَْلهَا َوهُمْ ل يُ ْظلَمُونَ (‪)160‬‬


‫سّيَئةِ فَل يُ ْ‬
‫سَنةِ َفلَ ُه عَشْرُ َأ ْمثَالِهَا َومَنْ جَا َء بِال ّ‬
‫مَنْ جَا َء بِاْلحَ َ‬

‫من لقي ربه يوم القيامة بسنة من العمال الصالة فله عشر حسنات أمثالا‪ ,‬ومن لقي ربه بسيئة فل‬
‫يعاقب إل بثلها‪ ,‬وهم ل يظلمون مثقال ذرة‪.‬‬

‫سَتقِيمٍ دِينا ِقيَما ِمّلةَ إِبْرَاهِيمَ َحنِيفا َومَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِيَ (‪)161‬‬
‫ط مُ ْ‬
‫قُلْ ِإّننِي هَدَانِي َربّي إِلَى صِرَا ٍ‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬إنن أرشدن رب إل الطريق القوي الوصل إل جنته‪ ,‬وهو دين‬
‫السلم القائم بأمر الدنيا والخرة‪ ,‬وهو دين التوحيد دين إبراهيم عليه السلم‪ ,‬وما كان إبراهيم عليه‬
‫السلم من الشركي مع ال غيه‪.‬‬

‫ب اْلعَالَمِيَ (‪)162‬‬
‫حيَاي َومَمَاتِي لِلّهِ رَ ّ‬
‫قُلْ ِإنّ صَلتِي َونُسُكِي َومَ ْ‬

‫‪249‬‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬إن صلت‪ ,‬ونسكي‪ ,‬أي‪ :‬ذبي ل وحده‪ ,‬ل للصنام‪ ,‬ول‬
‫للموات‪ ,‬ول للجن‪ ,‬ول لغي ذلك ما تذبونه لغي ال‪ ,‬وعلى غي اسه كما تفعلون‪ ,‬وحيات وموت ل‬
‫تعال رب العالي‪.‬‬

‫ت َوأَنَا َأوّ ُل الْمُسِْلمِيَ (‪)163‬‬


‫ل شَرِيكَ لَ ُه َوبِذَلِكَ ُأمِرْ ُ‬

‫ل شريك له ف ألوهيته ول ف ربوبيته ول ف صفاته وأسائه‪ ,‬وبذلك التوحيد الالص أمرن رب جل‬
‫وعل وأنا أول من أقر وانقاد ل من هذه المة‪.‬‬

‫سبُ ُك ّل َنفْسٍ إِلّ عََلْيهَا وَل تَ ِز ُر وَازِ َرةٌ وِ ْزرَ أُخْرَى ثُمّ‬
‫قُلْ َأ َغيْرَ اللّهِ َأْبغِي َربّا وَ ُهوَ رَبّ كُ ّل َشيْءٍ وَل َتكْ ِ‬
‫ختَِلفُونَ (‪)164‬‬ ‫إِلَى َرّبكُ ْم مَ ْر ِجعُكُمْ َفُيَنبُّئكُ ْم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ َت ْ‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬أغي ال أطلب إلا‪ ,‬وهو خالق كل شيء ومالكه ومدبره؟ ول يعمل أي إنسان‬
‫عمل سيئا إل كان إثه عليه‪ ,‬ول تمل نفس آثة إث نفس أخرى‪ ,‬ث إل ربكم معادكم يوم القيامة‪,‬‬
‫فيخبكم با كنتم تتلفون فيه من أمر الدين‪.‬‬

‫ضكُ مْ َفوْ قَ َبعْ ضٍ دَ َرجَا تٍ ِلَيبُْلوَكُ مْ فِي مَا آتَاكُ مْ ِإنّ َربّ كَ‬
‫ف الَرْ ضِ وَرََف َع َبعْ َ‬
‫َو ُهوَ الّذِي َج َعَلكُ مْ خَلئِ َ‬
‫سَرِي ُع اْل ِعقَابِ َوِإنّهُ َلغَفُورٌ َرحِيمٌ (‪)165‬‬

‫وال سبحانه هو الذي جعلكم تلفون من سبقكم ف الرض بعد أن أهلكهم ال‪ ,‬واستخلفكم فيها;‬
‫لتعمروها بعدهم بطاعة ربكم‪ ,‬ورفع حكم ف الرزق والقوة فوق بعض درجات‪ ,‬ليبلوكم فيما أعطاكم‬
‫من نعمه‪ ,‬فيظهر للناس الشاكر من غيه‪ .‬إن ربك سريع العقاب لن كفر به وعصاه‪ ,‬وإنه لغفور لن آمن‬
‫به وعمل صالا وتاب من الوبقات‪ ,‬رحيم به‪ ,‬والغفور والرحيم اسان كريان من أساء ال السن‪.‬‬

‫‪250‬‬
‫‪ - 7‬سورة العراف‬

‫الص (‪)1‬‬

‫سبق الكلم على الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬

‫ج ِمنْهُ ِلتُنذِ َر بِ ِه وَذِ ْكرَى لِ ْل ُم ْؤمِنِيَ (‪)2‬‬


‫صدْ ِركَ حَ َر ٌ‬
‫ِكتَابٌ أُن ِزلَ إَِليْكَ فَل َيكُنْ فِي َ‬

‫هذا القرآن كتاب عظيم أنزله ال عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬فل يكن ف صدرك شك منه ف أنه أنزل من‬
‫عند ال‪ ،‬ول تتحرج ف إبلغه والنذار به‪ ،‬أنزلناه إليك; لتخوف به الكافرين وتذكر الؤمني‪.‬‬

‫ل مَا تَذَكّرُونَ (‪)3‬‬


‫اتِّبعُوا مَا ُأنْزِلَ إَِلْيكُمْ مِنْ َرّبكُمْ وَل َتّتبِعُوا مِنْ دُونِهِ َأوْلِيَاءَ قَلِي ً‬

‫اتبعوا ‪-‬أيها الناس‪ -‬ما أُنزل إليكم من ربكم من الكتاب والسنة بامتثال الوامر واجتناب النواهي‪ ،‬ول‬
‫تتبعوا من دون ال أولياء كالشياطي والحبار والرهبان‪ .‬إنكم قليل ما تتعظون‪ ،‬وتعتبون‪ ،‬فترجعون إل‬
‫الق‪.‬‬

‫وَكَ ْم مِنْ قَ ْرَيةٍ َأهَْل ْكنَاهَا فَجَا َءهَا َب ْأسُنَا َبيَاتا َأ ْو هُمْ قَائِلُونَ (‪)4‬‬

‫وكثي من القرى أهلكنا أهلها بسبب مالفة رسلنا وتكذيبهم‪ ،‬فأعقبهم ذلك خزي الدنيا موصول بذ ّل‬
‫الخرة‪ ،‬فجاءهم عذابنا مرة وهم نائمون ليل ومرة وهم نائمون نارًا‪ .‬و َخصّ ال هذين الوقتي; لنما‬
‫وقتان للسكون والستراحة‪ ،‬فمجيء العذاب فيهما أفظع وأشد‪.‬‬

‫فَمَا كَانَ َد ْعوَاهُمْ ِإذْ جَا َءهُ ْم َب ْأسُنَا إِلّ أَنْ قَالُوا ِإنّا ُكنّا ظَالِمِيَ (‪)5‬‬

‫فما كان قولم عند ميء العذاب إل القرار بالذنوب والساءة‪ ،‬وأنم حقيقون بالعذاب الذي نزل بم‪.‬‬

‫‪251‬‬
‫سأَلَنّ الْ ُم ْرسَلِيَ (‪)6‬‬
‫سأَلَ ّن الّذِينَ أُ ْرسِلَ إِلَْيهِ ْم وََلنَ ْ‬
‫فََلنَ ْ‬

‫الرسلون‪ :‬ماذا أجبتم رسلنا إليكم؟ ولنسْألَنّ الرسلي عن تبليغهم لرسالت ربم‪ ،‬وعمّا أجابتهم به‬
‫أمهم‪.‬‬

‫فََلَن ُقصّ ّن عََلْيهِمْ بِعِ ْل ٍم َومَا ُكنّا غَاِئبِيَ (‪)7‬‬

‫فلَن ُقصّنّ على اللق كلهم ما عملوا بعلم منا لعمالم ف الدنيا فيما أمرناهم به‪ ،‬وما نيناهم عنه‪ ،‬وما‬
‫كنا غائبي عنهم ف حال من الحوال‪.‬‬

‫وَالْوَ ْز ُن َيوْ َمئِ ٍذ الْحَقّ َفمَ ْن َثقَُلتْ َموَازِينُهُ َفُأوَْلئِكَ هُ ْم الْ ُمفِْلحُونَ (‪)8‬‬

‫ووزن أعمال الناس يوم القيامة يكون بيزان حقيقي بالعدل والقسط الذي ل ظلم فيه‪ ،‬فمن ثقلت‬
‫موازين أعماله ‪-‬لكثرة حسناته‪ -‬فأولئك هم الفائزون‪.‬‬

‫سهُ ْم بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظِْلمُونَ (‪)9‬‬


‫َومَنْ َخ ّفتْ َموَازِينُهُ َفُأوَْلئِكَ الّذِينَ خَسِرُوا أَنفُ َ‬

‫ومن َخ ّفتْ موازين أعماله ‪-‬لكثرة سيئاته‪ -‬فأولئك هم الذين أضاعوا حظّهم من رضوان ال تعال‪،‬‬
‫بسبب تاوزهم الد بحد آيات ال تعال وعدم النقياد لا‪.‬‬

‫شكُرُونَ (‪)10‬‬
‫وََلقَ ْد َمكّنّاكُمْ فِي الَ ْرضِ وَ َج َع ْلنَا َلكُمْ فِيهَا َمعَاِيشَ َقلِيلً مَا تَ ْ‬

‫ولقد م ّكنّا لكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬ف الرض‪ ،‬وجعلناها قرارًا لكم‪ ،‬وجعلنا لكم فيها ما تعيشون به من‬
‫مطاعم ومشارب‪ ،‬ومع ذلك فشكركم لنعم ال قليل‪.‬‬

‫سجَدُوا إِلّ ِإبْلِيسَ َل ْم َيكُ ْن مِ ْن ال سّا ِجدِينَ‬


‫جدُوا لدَمَ فَ َ‬
‫صوّ ْرنَاكُ ْم ثُمّ قُ ْلنَا ِللْمَلئِ َك ِة ا سْ ُ‬
‫وََلقَدْ خََل ْقنَاكُ ْم ثُمّ َ‬
‫(‪)11‬‬
‫‪252‬‬
‫ولقد أنعمنا عليكم بلق أصلكم ‪-‬وهو أبوكم آدم من العدم‪ -‬ث صوّرناه على هيئته الفضلة على كثي‬
‫من اللق‪ ،‬ث أمرنا ملئكتنا عليهم السلم بالسجود له ‪-‬إكرامًا واحترامًا وإظهارًا لفضل آدم‪ -‬فسجدوا‬
‫جيعًا‪ ،‬لكنّ إبليس الذي كان معهم ل يكن من الساجدين لدم; حسدًا له على هذا التكري العظيم‪.‬‬

‫جدَ إِذْ َأمَ ْرتُكَ قَالَ َأنَا َخيْ ٌر ِمنْهُ َخَلقَْتنِي مِ ْن نَا ٍر َوخََل ْقتَهُ مِ ْن طِيٍ (‪)12‬‬
‫قَا َل مَا َمَنعَكَ أَ ّل تَسْ ُ‬

‫قال تعال منكرًا على إبليس تَ ْركَ السجود‪ :‬ما منعك أل تسجد إذ أمرتك؟ فقال إبليس‪ :‬أنا أفضل منه‬
‫خلقًا; لن ملوق من نار‪ ,‬وهو ملوق من طي‪ .‬فرأى أن النار أشرف من الطي‪.‬‬

‫ط ِمنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ َأ ْن تََت َكبّرَ فِيهَا فَاخْ ُرجْ ِإنّكَ مِنْ الصّاغِرِينَ (‪)13‬‬
‫قَالَ فَا ْهبِ ْ‬

‫قال ال لبليس‪ :‬فاهبط من النة‪ ,‬فما يصح لك أن تتكب فيها‪ ,‬فاخرج من النة‪ ,‬إنك من الذليلي‬
‫القيين‪.‬‬

‫قَالَ أَنظِ ْرنِي إِلَى َي ْومِ ُيْب َعثُونَ (‪)14‬‬

‫قال إبليس ل ‪-‬جل وعل‪ -‬حينما يئس من رحته‪ :‬أمهلن إل يوم البعث; وذلك لتكن من إغواء مَن‬
‫أقدر عليه من بن آدم‪.‬‬

‫ك مِ ْن الْمُنظَرِينَ (‪)15‬‬
‫قَالَ ِإنّ َ‬

‫ت عليهم تأخي الجل إل النفخة الول ف القرن‪ ,‬إذ يوت اللق كلهم‪.‬‬
‫قال ال تعال‪ :‬إنك من كتب ُ‬

‫ستَقِيمَ (‪)16‬‬
‫ك الْمُ ْ‬
‫قَالَ َفبِمَا َأ ْغ َويَْتنِي لَ ْقعُ َدنّ َلهُمْ صِرَاطَ َ‬

‫قال إبليس لعنه ال‪ :‬فبسبب ما أضللتن لجتهدنّ ف إغواء بن آدم عن طريقك القوي‪ ,‬ولص ّدنّهم عن‬
‫السلم الذي فطرتم عليه‪.‬‬

‫‪253‬‬
‫ثُ ّم لِتيَّنهُ ْم مِ ْن َبيْنِ َأيْدِيهِ ْم َومِنْ خَ ْل ِفهِ ْم َوعَنْ َأيْمَاِنهِمْ وَعَ ْن شَمَاِئِلهِ ْم وَل تَجِدُ أَ ْكثَ َرهُ ْم شَاكِرِينَ (‪)17‬‬

‫ث لتينّهم من جيع الهات والوانب‪ ,‬فأصدهم عن الق‪ ,‬وأُحسّن لم الباطل‪ ,‬وأرغبهم ف الدنيا‪,‬‬
‫وأشككهم ف الخرة‪ ,‬ول تد أكثر بن آدم شاكرين لك نعمتك‪.‬‬

‫لنّ َج َهنّمَ ِمْنكُمْ أَجْ َمعِيَ (‪)18‬‬


‫ك ِمنْهُمْ َل ْم َ‬
‫ج ِمْنهَا مَذْءُوما مَ ْدحُورا لَمَ ْن َتِبعَ َ‬
‫قَالَ ا ْخرُ ْ‬

‫قال ال تعال لبليس‪ :‬اخرج من النة مقوتًا مطرودًا‪ ,‬لمل ّن جهنم منك ومن تبعك من بن آدم‬
‫أجعي‪.‬‬

‫ويا آدم اسكن أنت وزوجك حواء النة‪ ,‬فكُل من ثارها حيث شئتما‪ ,‬ول تأكل من ثرة شجرة ( َعيّنها‬
‫لما)‪ ,‬فإن فعلتما ذلك كنتما من الظالي التجاوزين حدود ال‪.‬‬

‫جّنةَ َفكُل مِنْ َحيْثُ ِشْئتُمَا وَل تَقْ َربَا هَذِهِ الشّجَ َرةَ َفَتكُونَا مِنْ الظّالِ ِميَ (‬
‫ك الْ َ‬
‫ت وَ َزوْجُ َ‬
‫َويَا آدَ ُم اسْكُنْ َأنْ َ‬
‫‪)19‬‬

‫فألقى الشيطان لدم وحواء وسوسة ليقاعهما ف معصية ال تعال بالكل من تلك الشجرة الت ناها‬
‫ال عنها; لتكون عاقبتهما انكشاف ما سُتر من عوراتما‪ ,‬وقال لما ف ماولة الكر بما‪ :‬إنا ناكما‬
‫ربكما عن الكل مِن ثر هذه الشجرة مِن أجل أن ل تكونا ملَكي‪ ,‬ومِن أجل أن ل تكونا من الالدين‬
‫ف الياة‪.‬‬

‫ي َعْنهُمَا مِ نْ َسوْآِتهِمَا وَقَا َل مَا َنهَاكُمَا َرّبكُمَا عَ ْن هَذِ هِ‬


‫َفوَ ْسوَسَ َلهُمَا الشّيْطَا نُ ِلُيبْدِ يَ َلهُمَا مَا وُورِ َ‬
‫الشّجَ َرةِ إِلّ أَ ْن َتكُونَا مََل َكيْنِ َأوْ َتكُونَا مِ ْن الْخَاِلدِينَ (‪)20‬‬

‫وأقسم الشيطان لدم وحواء بال إنه من ينصح لما ف مشورته عليهما بالكل من الشجرة‪ ,‬وهو كاذب‬
‫ف ذلك‪.‬‬

‫‪254‬‬
‫صحِيَ (‪)21‬‬
‫وَقَاسَ َمهُمَا ِإنّي َلكُمَا لَ ِم ْن النّا ِ‬

‫وأقسم الشيطان لدم وحواء بال إنه من ينصح لما ف مشورته عليهما بالكل من الشجرة‪ ,‬وهو كاذب‬
‫ف ذلك‪.‬‬

‫جّنةِ َونَادَاهُمَا‬
‫صفَانِ عََلْيهِمَا مِ ْن وَرَقِ الْ َ‬
‫ج َرةَ بَدَتْ َلهُمَا َسوْآُتهُمَا َو َط ِفقَا يَخْ ِ‬ ‫فَدَ ّلهُمَا ِبغُرُورٍ َفلَمّا ذَاقَا الشّ َ‬
‫شيْطَانَ َلكُمَا عَ ُد ّو ُمبِيٌ (‪)22‬‬ ‫ج َر ِة َوأَقُلْ َلكُمَا إِنّ ال ّ‬
‫َرّبهُمَا أَلَمْ َأْنهَكُمَا عَ ْن تِ ْلكُمَا الشّ َ‬

‫فجرّأها وغرّها‪ ,‬فأكل من الشجرة الت ناها ال عن القتراب منها‪ ,‬فلما أكل منها انكشفت لما‬
‫عوراتما‪ ,‬وزال ما سترها ال به قبل الخالفة‪ ,‬فأخذا يلزقان بعض ورق النة على عوراتما‪ ,‬وناداها‬
‫ربما جل وعل أل أنكما عن الكل من تلك الشجرة‪ ,‬وأقل لكما‪ :‬إن الشيطان لكما عدو ظاهر‬
‫جنًا ف‬
‫العداوة؟ وف هذه الية دليل على أن كشف العورة من عظائم المور‪ ,‬وأنه كان ول يزل مسته َ‬
‫الطباع‪ ,‬مستقبَحًا ف العقول‪.‬‬

‫سنَا َوإِنْ لَ ْم َت ْغفِرْ َلنَا َوتَرْحَ ْمنَا َلَنكُونَ ّن مِ ْن الْخَا ِسرِينَ (‪)23‬‬
‫قَال َرّبنَا ظَلَ ْمنَا أَنفُ َ‬

‫قال آدم وحواء‪ :‬ربنا ظلمنا أنفسنا بالكل من الشجرة‪ ,‬وإن ل تغفر لنا وترحنا لنكونن من أضاعوا‬
‫حظّهم ف دنياهم وأخراهم‪( .‬وهذه الكلمات هي الت تلقاها آدم من ربه‪ ,‬فدعا با فتاب ال عليه)‪.‬‬

‫ستَقَ ّر َو َمتَاعٌ إِلَى ِحيٍ (‪)24‬‬


‫ض مُ ْ‬
‫ض عَ ُد ّو وََلكُمْ فِي الَ ْر ِ‬
‫ضكُمْ ِلَبعْ ٍ‬
‫قَا َل ا ْهبِطُوا َبعْ ُ‬

‫قال تعال ماطبًا آدم وحواء لبليس‪ :‬اهبطوا من السماء إل الرض‪ ,‬وسيكون بعضكم لبعض عدوًا‪,‬‬
‫ولكم ف الرض مكان تستقرون فيه‪ ,‬وتتمتعون إل انقضاء آجالكم‪.‬‬

‫حَي ْونَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ َومِْنهَا تُخْ َرجُونَ (‪)25‬‬


‫قَالَ فِيهَا تَ ْ‬

‫قال ال تعال لدم وحوّاء وذريتهما‪ :‬فيها تيون‪ ,‬أي‪ :‬ف الرض تقضون أيام حياتكم الدنيا‪ ,‬وفيها‬
‫تكون وفاتكم‪ ,‬ومنها يرجكم ربكم‪ ,‬ويشركم أحياء يوم البعث‪.‬‬

‫‪255‬‬
‫ك مِ ْن آيَا تِ اللّ هِ‬
‫يَا َبنِي آدَ مَ َقدْ أَنزَْلنَا عََلْيكُ مْ ِلبَاسا ُيوَارِي َسوْآتِكُ ْم وَرِيشا وَِلبَا سُ الّتقْوَى ذَلِ كَ َخْيرٌ ذَلِ َ‬
‫َلعَّلهُ ْم يَذّكّرُونَ (‪)26‬‬

‫يا بن آدم قد جعلنا لكم لباسًا يستر عوراتكم‪ ,‬وهو لباس الضرورة‪ ,‬ولباسًا للزينة والتجمل‪ ,‬وهو من‬
‫س تقوى ال تعال بفعل الوامر واجتناب النواهي هو خي لباس للمؤمن‪ .‬ذلك‬ ‫الكمال والتنعم‪ .‬ولبا ُ‬
‫الذي مَنّ ال به عليكم من الدلئل على ربوبية ال تعال ووحدانيته وفضله ورحته بعباده; لكي تتذكروا‬
‫هذه النعم‪ ,‬فتشكروا ل عليها‪ .‬وف ذلك امتنان من ال تعال على خَلْقه بذه النعم‪.‬‬

‫ع َعنْهُمَا ِلبَا َسهُمَا ِليُ ِرَيهُمَا َسوْآِتهِمَا ِإنّهُ‬


‫جّنةِ يَنِ ُ‬
‫شيْطَانُ كَمَا أَخْ َرجَ َأَبوَْيكُ ْم مِ ْن الْ َ‬ ‫يَا بَنِي آدَ َم ل َيفِْتَننّكُمْ ال ّ‬
‫شيَاطِيَ َأوْلِيَاءَ لِلّذِي َن ل ُيؤْ ِمنُونَ (‪)27‬‬ ‫ث ل تَ َر ْوَنهُمْ ِإنّا َج َع ْلنَا ال ّ‬‫يَرَاكُ ْم ُهوَ وََقبِيلُ ُه مِنْ َحْي ُ‬

‫يا بن آدم ل يدعنّكم الشيطان‪ ,‬فيزين لكم العصية‪ ,‬كما زيّنها لبويكم آدم وحواء‪ ,‬فأخرجهما بسببها‬
‫من النة‪ ,‬ينع عنهما لباسهما الذي سترها ال به; لتنكشف لما عوراتما‪ .‬إن الشيطان يراكم هو‬
‫وذريته وجنسه وأنتم ل ترونم فاحذروهم‪ .‬إنّا جعلنا الشياطي أولياء للكفار الذين ل يوحدون ال‪ ,‬ول‬
‫يصدقون رسله‪ ,‬ول يعملون بديه‪.‬‬

‫شةً قَالُوا وَ َج ْدنَا عََلْيهَا آبَا َءنَا وَاللّهُ َأمَ َرنَا ِبهَا قُلْ ِإنّ اللّ َه ل يَ ْأمُ ُر بِاْلفَحْشَاءِ َأَتقُولُونَ عَلَى اللّهِ‬
‫َوإِذَا َفعَلُوا فَاحِ َ‬
‫مَا ل تَعَْلمُونَ (‪)28‬‬

‫وإذا أتى الكفار قبيحًا من الفعل اعتذروا عن فعله بأنه ما ورثوه عن آبائهم‪ ,‬وأنه ما أمر ال به‪ .‬قل لم‬
‫‪-‬أيها الرسول‪ : -‬إن ال تعال ل يأمر عباده بقبائح الفعال ومساوئها‪ ,‬أتقولون على ال ‪-‬أيها‬
‫الشركون‪ -‬ما ل تعلمون كذبًا وافتراءً؟‬

‫خلِصِيَ لَهُ الدّي نَ كَمَا بَ َدأَكُمْ تَعُودُونَ‬


‫قُلْ َأمَرَ َربّي بِاْلقِسْطِ َوأَقِيمُوا ُوجُوهَكُمْ عِنْدَ كُ ّل مَسْجِدٍ وَا ْدعُو ُه مُ ْ‬
‫(‪)29‬‬

‫‪256‬‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬أمر رب بالعدل‪ ,‬وأمركم بأن تلصوا له العبادة ف كل موضع من‬
‫مواضعها‪ ,‬وباصة ف الساجد‪ ,‬وأن تدعوه ملصي له الطاعة والعبادة‪ ,‬وأن تؤمنوا بالبعث بعد الوت‪.‬‬
‫وكما أن ال أوجدكم من العدم فإنه قادر على إعادة الياة إليكم مرة أخرى‪.‬‬

‫سبُونَ َأّنهُ مْ‬


‫شيَاطِيَ َأوْلِيَا َء مِ نْ دُو نِ اللّ ِه َويَحْ َ‬
‫فَرِيقا هَدَى وَفَرِيقا حَقّ عََلْيهِ ْم الضّلَلةُ ِإّنهُ ْم اتّخَذُوا ال ّ‬
‫ُمهْتَدُونَ (‪)30‬‬

‫جعل ال عباده فريقي‪ :‬فريقًا وفّقهم للهداية إل الصراط الستقيم‪ ,‬وفريقًا وجبت عليهم الضللة عن‬
‫الطريق الستقيم‪ ,‬إنم اتذوا الشياطي أولياء من دون ال‪ ,‬فأطاعوهم جهل منهم وظنًا بأنم قد سلكوا‬
‫سبيل الداية‪.‬‬

‫ب الْمُسْرِِفيَ (‪)31‬‬
‫ح ّ‬
‫ج ٍد وَكُلُوا وَاشْ َربُوا وَل تُسْرِفُوا إِنّ ُه ل يُ ِ‬
‫يَا بَنِي آ َدمَ خُذُوا زِيَنتَكُ ْم ِعنْدَ كُ ّل مَسْ ِ‬

‫يا بن آدم كونوا عند أداء كل صلة على حالة من الزينة الشروعة من ثياب ساترة لعوراتكم ونظافة‬
‫وطهارة ونو ذلك‪ ,‬وكلوا واشربوا من طيبات ما رزقكم ال‪ ,‬ول تتجاوزوا حدود العتدال ف ذلك‪.‬‬
‫إن ال ل يب التجاوزين السرفي ف الطعام والشراب وغي ذلك‪.‬‬

‫صةً‬
‫حيَاةِ ال ّدْنيَا خَاِل َ‬
‫ت مِنْ الرّ ْزقِ ُق ْل هِيَ لِلّذِينَ آمَنُوا فِي الْ َ‬
‫قُ ْل مَنْ حَ ّرمَ زِيَنةَ اللّ ِه اّلتِي أَ ْخرَجَ ِل ِعبَا ِد ِه وَال ّطيّبَا ِ‬
‫ك ُن َفصّلُ اليَاتِ ِل َقوْ ٍم َيعْلَمُونَ (‪)32‬‬ ‫َيوْ َم اْلقِيَا َمةِ كَذَلِ َ‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الهلة من الشركي‪ :‬مَن الذي حرم عليكم اللباس السن الذي جعله ال‬
‫تعال زينة لكم؟ ومَن الذي حرّم عليكم التمتع باللل الطيب من رزق ال تعال؟ قل ‪-‬أيها الرسول‪-‬‬
‫لؤلء الشركي‪ :‬إ ّن ما أحله ال من اللبس والطيبات من الطاعم والشارب حق للذين آمنوا ف الياة‬
‫الدنيا يشاركهم فيها غيهم‪ ,‬خالصة لم يوم القيامة‪ .‬مثل ذلك التفصيل يفصّل ال اليات لقوم يعلمون‬
‫ما يبيّن لم‪ ,‬ويفقهون ما ييز لم‪.‬‬

‫شرِكُوا بِاللّ ِه َوأَ نْ‬


‫ش مَا َظهَ َر ِمنْهَا وَمَا بَطَ نَ وَا ِلثْ َم وَاْلَبغْ يَ ِب َغيْ ِر الْحَقّ َوأَ نْ تُ ْ‬
‫قُلْ ِإنّمَا حَرّ مَ َربّ ي اْلفَوَاحِ َ‬

‫‪257‬‬
‫تُشْرِكُوا بِاللّ ِه مَا َل ْم يُنَزّ ْل بِهِ سُلْطَانا َوأَ ْن َتقُولُوا عَلَى اللّ ِه مَا ل َتعْلَمُونَ (‪)33‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬إنا َحرّم ال القبائح من العمال‪ ,‬ما كان منها ظاهرًا‪ ,‬وما كان‬
‫خفيّا‪ ,‬وحَرّم العاصي كلها‪ ,‬ومِن أعظمها العتداء على الناس‪ ,‬فإن ذلك مانب للحق‪ ,‬وحرّم أن تعبدوا‬
‫مع ال تعال غيه ما ل يُنَزّل به دليل وبرهانًا‪ ,‬فإنه ل حجة لفاعل ذلك‪ ,‬وحرّم أن تنسبوا إل ال تعال‬
‫ما ل يشرعه افتراءً وكذبًا‪ ,‬كدعوى أن ل ولدًا‪ ,‬وتري بعض اللل من اللبس والآكل‪.‬‬

‫سَتقْ ِدمُونَ (‪)34‬‬


‫ستَأْ ِخرُو َن سَا َعةً وَل يَ ْ‬
‫وَِلكُلّ ُأ ّمةٍ أَجَلٌ فَِإذَا جَاءَ أَ َجُلهُ ْم ل يَ ْ‬

‫ولكل جاعة اجتمعت على الكفر بال تعال وتكذيب رسله ‪-‬عليهم الصلة والسلم‪ -‬وقت للول‬
‫العقوبة بم‪ ,‬فإذا جاء الوقت الذي وقّته ال لهلكهم ل يتأخرون عنه لظة‪ ,‬ول يتقدمون عليه‪.‬‬

‫ف عََلْيهِ ْم وَل هُ مْ‬


‫يَا بَنِي آدَ مَ ِإمّا يَ ْأِتيَّنكُ مْ رُ سُ ٌل ِمْنكُ مْ يَقُ صّو َن عََلْيكُ ْم آيَاتِي فَمَ ْن اّتقَى َوأَ صْلَحَ فَل َخوْ ٌ‬
‫يَحْ َزنُونَ (‪)35‬‬

‫يا بن آدم إذا جاءكم رسلي من أقوامكم‪ ,‬يتلون عليكم آيات كتاب‪ ,‬ويبينون لكم الباهي على صدق‬
‫ما جاؤوكم به فأطيعوهم‪ ,‬فإنه من اتقى سخطي وأصلح عمله فل خوف عليهم يوم القيامة من عقاب‬
‫ال تعال‪ ,‬ول ههم يزنون على ما فاتم من حظوظ الدنيا‪.‬‬

‫ب النّا ِر هُمْ فِيهَا خَاِلدُونَ (‪)36‬‬


‫صحَا ُ‬
‫وَالّذِينَ َك ّذبُوا بِآيَاِتنَا وَا ْسَتكْبَرُوا َعنْهَا ُأوَْلئِكَ أَ ْ‬

‫والكفار الذين كذّبوا بالدلئل على توحيد ال‪ ,‬واستعلَوا عن اتباعها‪ ,‬أولئك أصحاب النار ماكثي فيها‪,‬‬
‫ل يرجون منها أبدًا‪.‬‬

‫ك َينَالُهُ ْم نَ صِيبُهُ ْم مِ ْن اْل ِكتَا بِ َحتّ ى إِذَا‬


‫ب بِآيَاتِ هِ ُأوْلَئِ َ‬
‫فَمَ نْ َأظْلَ مُ مِمّ ْن ا ْفتَرَى عَلَى اللّ هِ كَذِبا َأوْ كَذّ َ‬
‫سهِمْ‬‫جَا َءْتهُ مْ رُ سُُلنَا َيَتوَّفوَْنهُ مْ قَالُوا َأيْ نَ مَا كُنتُ ْم تَ ْدعُو نَ مِ نْ دُو نِ اللّ هِ قَالُوا ضَلّوا َعنّ ا َو َشهِدُوا عَلَى َأْنفُ ِ‬
‫َأنّهُمْ كَانُوا كَاِفرِينَ (‪)37‬‬

‫‪258‬‬
‫ل أحد أشد ظلمًا من اختلق على ال تعال الكذب‪ ,‬أو كذّب بآياته النلة‪ ,‬أولئك يصل إليهم حظّهم‬
‫من العذاب ما كتب لم ف اللوح الحفوظ‪ ,‬حت إذا جاءهم ملك الوت وأعوانه يقبضون أرواحهم قالوا‬
‫لم‪ :‬أين الذين كنتم تعبدونم من دون ال من الشركاء والولياء والوثان ليخلّصوكم ما أنتم فيه؟‬
‫قالوا‪ :‬ذهبوا عنا‪ ,‬واعترفوا على أنفسهم حينئذ أنم كانوا ف الدنيا جاحدين مكذبي وحدانية ال تعال‪.‬‬

‫قَالَ ا ْدخُلُوا فِي ُأمَ مٍ قَدْ خَلَ تْ مِ نْ َقبِْلكُ ْم مِ ْن الْجِنّ وَالِن سِ فِي النّارِ كُلّمَا دَ َخلَ تْ ُأ ّمةٌ َل َعنَ تْ أُ ْخَتهَا َحتّى‬
‫ضعْفا مِ ْن النّارِ قَالَ ِلكُلّ‬ ‫إِذَا ادّارَكُوا فِيهَا َجمِيعا قَالَ تْ أُ ْخرَاهُ مْ لُولهُ مْ َرّبنَا َهؤُلءِ أَضَلّونَا فَآِتهِ مْ عَذَابا ِ‬
‫ف وََلكِنْ ل َتعَْلمُونَ (‪)38‬‬ ‫ضعْ ٌ‬‫ِ‬

‫قال ال تعال ‪-‬لؤلء الشركي الفترين‪ : -‬ادخلوا النار ف جلة جاعات من أمثالكم ف الكفر‪ ,‬قد‬
‫سلفت من قبلكم من الن والنس‪ ,‬كلما دخلت النارَ جاعةٌ من أهل ملة لعنت نظيتا الت ضّلتْ‬
‫بالقتداء با‪ ,‬حت إذا تلحق ف النار الولون من أهل اللل الكافرة والخرون منهم جيعًا‪ ,‬قال الخرون‬
‫التبعون ف الدنيا لقادتم‪ :‬ربنا هؤلء هم الذين أضلونا عن الق‪ ,‬فآتم عذابًا مضاعفا من النار‪ ,‬قال ال‬
‫تعال‪ :‬لكل ضعف‪ ,‬أي‪ :‬لكل منكم ومنهم عذاب مضاعف من النار‪ ,‬ولكن ل تدركون أيها التباع ما‬
‫لكل فريق منكم من العذاب واللم‪.‬‬

‫سبُونَ (‪)39‬‬
‫وَقَاَلتْ أُولهُمْ لُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ َلكُ ْم عََلْينَا مِنْ َفضْلٍ َفذُوقُوا اْلعَذَابَ بِمَا كُنتُ ْم َتكْ ِ‬

‫وقال التبوعون من الرؤساء وغيهم لتباعهم‪ :‬نن وأنتم متساوون ف الغيّ والضلل‪ ،‬وف ِفعْلِ أسباب‬
‫العذاب فل َفضْ َل لكم علينا‪ ,‬قال ال تعال لم جيعًا‪ :‬فذوقوا العذاب أي عذاب جهنم; بسبب ما‬
‫كسبتم من العاصي‪.‬‬

‫جّنةَ َحتّى يَِل َج الْجَمَلُ‬


‫ب ال سّمَا ِء وَل يَدْخُلُو َن الْ َ‬
‫إِنّ الّذِي نَ كَ ّذبُوا بِآيَاتِنَا وَا سَْت ْكبَرُوا َعْنهَا ل ُت َفتّ حُ َلهُ مْ َأْبوَا ُ‬
‫ك نَجْزِي الْ ُمجْ ِرمِيَ (‪)40‬‬ ‫ط وَكَذَلِ َ‬ ‫خيَا ِ‬ ‫فِي سَمّ الْ ِ‬

‫إن الكفار الذين ل يصدّقوا بججنا وآياتنا الدالة على وحدانيتنا‪ ,‬ول يعملوا بشرعنا تكبًا واستعلءً‪ ,‬ل‬
‫تُفتّح لعمالم ف الياة ول لرواحهم عند المات أبواب السماء‪ ,‬ول يكن أن يدخل هؤلء الكفار‬

‫‪259‬‬
‫النة إل إذا دخل المل ف ثقب البرة‪ ,‬وهذا مستحيل‪ .‬ومثل ذلك الزاء نزي الذين كثر إجرامهم‪,‬‬
‫واشت ّد طغيانم‪.‬‬

‫ك َنجْزِي الظّالِ ِميَ (‪)41‬‬


‫َلهُ ْم مِنْ َج َهنّ َم ِمهَادٌ َومِنْ َفوِْقهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِ َ‬

‫هؤلء الكفار ملدون ف النار‪ ,‬لم مِن جهنم فراش مِن تتهم‪ ,‬ومن فوقهم أغطية تغشاهم‪ .‬وبثل هذا‬
‫صوْه‪.‬‬
‫العقاب الشديد يعاقب ال تعال الظالي الذين تاوزوا حدوده فكفروا به وع َ‬

‫جّن ِة هُ مْ فِيهَا خَالِدُو نَ (‬


‫ب الْ َ‬
‫ف َنفْسا إِ ّل وُ ْس َعهَا ُأوْلَئِ كَ أَ صْحَا ُ‬
‫ت ل نُكَلّ ُ‬
‫وَالّذِي نَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا ال صّالِحَا ِ‬
‫‪)42‬‬

‫والذين آمنوا بال وعملوا العمال الصالة ف حدود طاقاتم ‪-‬ل يكلف ال نفسًا من العمال إل ما‬
‫تطيق‪ -‬أولئك أهل النة‪ ,‬هم فيها ماكثون أبدًا ل يرجون منها‪.‬‬

‫حمْدُ ِللّ ِه الّذِي هَدَانَا ِلهَذَا َومَا ُكنّا‬ ‫حِتهِ ْم الَْنهَا ُر وَقَالُوا الْ َ‬
‫َونَ َز ْعنَا مَا فِي صُدُو ِرهِ ْم مِ ْن غِ ّل تَجْرِي مِ ْن تَ ْ‬
‫جّنةُ أُو ِرْثتُمُوهَا بِمَا كُنتُ مْ‬
‫ِلَنهْتَدِ يَ َلوْل أَ نْ هَدَانَا اللّ هُ َلقَدْ جَاءَ تْ رُ سُلُ َربّنَا بِالْحَقّ َونُودُوا أَ ْن تِ ْلكُ مْ الْ َ‬
‫َتعْمَلُونَ (‪)43‬‬

‫وأذهب ال تعال ما ف صدور أهل النة من حقد وضغائن‪ ,‬ومن كمال نعيمهم أن النار تري ف النة‬
‫من تتهم‪ .‬وقال أهل النة حينما دخلوها‪ :‬المد ل الذي وفّقنا للعمل الصال الذي أكسبنا ما نن فيه‬
‫من النعيم‪ ,‬وما كنا لنوفّق إل سلوك الطريق الستقيم لول أَ ْن هدانا ال سبحانه لسلوك هذا الطريق‪,‬‬
‫ووفّقنا للثبات عليه‪ ,‬لقد جاءت رسل ربنا بالق من الخبار بوعد أهل طاعته ووعيد أهل معصيته‪,‬‬
‫ونُودوا تنئة لم وإكرامًا‪ :‬أن تلكم النة أورثكم ال إياها برحته‪ ,‬وبا قدّمتموه من اليان والعمل‬
‫الصال‪.‬‬

‫ب النّارِ أَ نْ قَ ْد وَ َج ْدنَا مَا َوعَ َدنَا َرّبنَا َحقّا َفهَ ْل وَجَ ْدتُ مْ مَا َوعَدَ َربّكُ مْ َحقّا‬
‫صحَا َ‬
‫جّنةِ أَ ْ‬
‫َونَادَى أَ صْحَابُ الْ َ‬
‫قَالُوا َنعَمْ َفأَ ّذ َن ُمؤَ ّذنٌ َبْيَنهُمْ أَنْ َل ْعَنةُ اللّ ِه عَلَى الظّالِمِيَ (‪)44‬‬

‫‪260‬‬
‫ونادى أصحاب النة ‪-‬بعد دخولم فيها‪ -‬أهلَ النار قائلي لم‪ :‬إنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا على ألسنة‬
‫رسله حقًا من إثابة أهل طاعته‪ ,‬فهل وجدت ما وعدكم ربكم على ألسنة رسله حقًا من عقاب أهل‬
‫معصيته؟ فأجابم أهل النار قائلي‪ :‬نعم قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًا‪ .‬فأذّن مؤذن بي أهل النة وأهل‬
‫النار‪ :‬أنْ لعنة ال على الظالي الذين تاوزوا حدود ال‪ ,‬وكفروا بال ورسله‪.‬‬

‫الّذِي َن يَصُدّو َن عَ ْن َسبِيلِ اللّ ِه َوَيبْغُوَنهَا ِعوَجا َوهُ ْم بِال ِخ َرةِ كَاِفرُونَ (‪)45‬‬

‫هؤلء الكافرون هم الذين كانوا ُيعْرِضون عن طريق ال الستقيم‪ ,‬وينعون الناس من سلوكه‪ ,‬ويطلبون‬
‫أن تكون السبيل معوجة حت ل يتبينها أحد‪ ,‬وهم بالخرة ‪-‬وما فيها‪ -‬جاحدون‪.‬‬

‫جّنةِ أَ نْ سَل ٌم عََلْيكُ مْ لَ مْ‬


‫ل بِ سِيمَاهُ ْم َونَا َدوْا أَ صْحَابَ الْ َ‬
‫ب َوعَلَى ا َلعْرَا فِ ِرجَا ٌل َيعْرِفُو نَ ُك ّ‬
‫َوبَْيَنهُمَا حِجَا ٌ‬
‫يَدْخُلُوهَا َوهُ ْم يَطْ َمعُونَ (‪)46‬‬

‫وبي أصحاب النة وأصحاب النار حاجز عظيم يقال له العراف‪ ,‬وعلى هذا الاجز رجال يعرفون‬
‫أهل النة وأهل النار بعلماتم‪ ,‬كبياض وجوه أهل النة‪ ,‬وسواد وجوه أهل النار‪ ,‬وهؤلء الرجال قوم‬
‫استوت حسناتم وسيئاتم يرجون رحة ال تعال‪ .‬ونادى رجال العراف أهل النة بالتحية قائلي لم‪:‬‬
‫سلم عليكم‪ ,‬وأهل العراف ل يدخلوا النة بعد‪ ,‬وهم يرجون دخولا‪.‬‬

‫جعَ ْلنَا مَ َع اْلقَ ْومِ الظّالِمِيَ (‪)47‬‬


‫ب النّارِ قَالُوا َرّبنَا ل َت ْ‬
‫صحَا ِ‬
‫َوإِذَا صُرَِفتْ َأبْصَا ُرهُ ْم تِ ْلقَاءَ أَ ْ‬

‫وإذا ُحوَّلتْ أبصار رجال العراف جهة أهل النار قالوا‪ :‬ربنا ل تُصيّرنا مع القوم الظالي بشركهم‬
‫وكفرهم‪.‬‬

‫ستَ ْكبِرُونَ‬
‫َونَادَى أَ صْحَابُ ا َلعْرَا فِ رِجَالً َيعْرِفُوَنهُ ْم بِ سِيمَاهُمْ قَالُوا مَا َأ ْغنَى َعنْكُ مْ جَ ْم ُعكُ ْم َومَا كُنتُ ْم تَ ْ‬
‫(‪)48‬‬

‫‪261‬‬
‫ونادى أهل العراف رجال من قادة الكفار الذين ف النار‪ ,‬يعرفونم بعلمات خاصة تيزهم‪ ,‬قالوا لم‪:‬‬
‫ما نفعكم ما كنتم تمعون من الموال والرجال ف الدنيا‪ ,‬وما نفعكم استعلؤكم عن اليان بال وقَبول‬
‫الق‪.‬‬

‫جّنةَ ل َخوْفٌ عََليْكُ ْم وَل َأْنتُمْ َتحْ َزنُونَ (‪)49‬‬


‫َأهَؤُل ِء الّذِينَ أَقْسَ ْمتُ ْم ل َينَالُهُمْ اللّ ُه ِبرَحْ َمةٍ ا ْدخُلُوا الْ َ‬

‫أهؤلء الضعفاء والفقراء من أهل النة الذين أقسمتم ف الدنيا أن ال ل يشملهم يوم القيامة برحة‪ ,‬ولن‬
‫يدخلهم النة؟ ادخلوا النة يا أصحاب العراف فقد ُغفِرَ لكم‪ ,‬ل خوف عليكم من عذاب ال‪ ,‬ول‬
‫أنتم تزنون على ما فاتكم من حظوظ الدنيا‪.‬‬

‫جّنةِ أَنْ أَفِيضُوا عََلْينَا مِ ْن الْمَاءِ َأوْ ِممّا رَزََقكُمْ اللّهُ قَالُوا إِنّ اللّهَ َح ّر َمهُمَا‬
‫ب الْ َ‬
‫َونَادَى أَصْحَابُ النّارِ أَصْحَا َ‬
‫عَلَى اْلكَافِرِينَ (‪)50‬‬

‫واستغاث أهل النار بأهل النة طالبي منهم أن يُفيضوا عليهم من الاء‪ ,‬أو ما رزقهم ال من الطعام‪,‬‬
‫فأجابوهم بأن ال تعال قد َحرّم الشراب والطعام على الذين جحدوا توحيده‪ ,‬وكذّبوا رسله‪.‬‬

‫حيَاةُ ال ّدنْيَا فَاْلَيوْ مَ نَن سَاهُمْ كَمَا نَ سُوا ِلقَا َء َي ْومِهِ ْم هَذَا وَمَا‬
‫الّذِي َن اتّخَذُوا دِيَنهُ مْ َلهْوا وََلعِبا َوغَ ّرْتهُ مْ الْ َ‬
‫حدُونَ (‪)51‬‬ ‫كَانُوا بِآيَاِتنَا يَجْ َ‬

‫الذين حَرَمهم ال تعال من نعيم الخرة هم الذين جعلوا الدين الذي أمرهم ال باتباعه باطل ولوًا‪,‬‬
‫وخدعتهم الياة الدنيا وشغلوا بزخارفها عن العمل للخرة‪ ,‬فيوم القيامة ينساهم ال تعال ويتركهم ف‬
‫العذاب الوجع‪ ,‬كما تركوا العمل للقاء يومهم هذا‪ ,‬ولكونم بأدلة ال وبراهينه ينكرون مع علمهم بأنا‬
‫حق‪.‬‬

‫وََلقَدْ ِجْئنَاهُمْ ِب ِكتَابٍ َفصّ ْلنَا ُه عَلَى عِلْ ٍم هُدًى وَ َرحْ َمةً ِل َق ْومٍ ُي ْؤ ِمنُونَ (‪)52‬‬

‫‪262‬‬
‫ولقد جئنا الكفار بقرآن أنزلناه عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بّينّاه مشتمل على علم عظيم‪ ,‬هاديًا من الضللة‬
‫إل الرشد ورحة لقوم يؤمنون بال ويعملون بشرعه‪ .‬وخصّهم دون غيهم; لنم هم النتفعون به‪.‬‬

‫هَ ْل يَنظُرُونَ إِ ّل َتأْوِيلَ ُه َي ْومَ َي ْأتِي َت ْأوِيلُ ُه َيقُو ُل الّذِي َن نَسُو ُه مِنْ َقبْلُ قَدْ جَاءَتْ ُرسُلُ َرّبنَا بِالْحَقّ َف َهلْ َلنَا مِ ْن‬
‫سهُ ْم وَضَ ّل َعْنهُمْ مَا كَانُوا يَ ْفتَرُونَ (‬ ‫سرُوا أَنفُ َ‬‫ش َفعُوا َلنَا َأوْ نُ َردّ َفَنعْمَ َل َغيْ َر الّذِي ُكنّا نَعْ َملُ قَدْ خَ ِ‬ ‫ُشفَعَاءَ َفيَ ْ‬
‫‪)53‬‬

‫هل ينتظر الكفار إل ما ُوعِدوا به ف القرآن من العقاب الذي يؤول إليه أمرهم؟ يوم يأت ما يئول إليه‬
‫المر من الساب والثواب والعقاب يوم القيامة يقول الكفار الذين تركوا القرآن‪ ,‬وكفروا به ف الياة‬
‫الدنيا‪ :‬قد تبيّن لنا الن أنّ رسل ربنا قد جاؤوا بالق‪ ,‬ونصحوا لنا‪ ,‬فهل لنا من أصدقاء وشفعاء‪,‬‬
‫فيشفعوا لنا عند ربنا‪ ,‬أو نعاد إل الدنيا مرة أخرى فنعمل فيها با يرضي ال عنا؟ قد خسروا أنفسهم‬
‫بدخولم النار وخلودهم فيها‪ ,‬وذهب عنهم ما كانوا يعبدونه من دون ال‪ ,‬ويفترونه ف الدنيا ما َيعِدُهم‬
‫به الشيطان‪.‬‬

‫ت وَالَرْ ضَ فِي ِسّتةِ َأيّا ٍم ثُمّ ا سَْتوَى عَلَى اْلعَرْ شِ يُغْشِي الّليْ َل الّنهَارَ‬ ‫إِنّ َرّبكُ مْ اللّ هُ الّذِي خََل َق ال سّ َموَا ِ‬
‫خلْ قُ وَا َلمْ ُر َتبَارَ كَ اللّ هُ رَبّ اْلعَالَمِيَ (‬
‫س وَالْقَ َم َر وَالنّجُو مَ مُ سَخّرَاتٍ ِبَأمْرِ هِ أَل لَ ُه الْ َ‬
‫يَطُْلبُ هُ َحثِيثا وَالشّمْ َ‬
‫‪)54‬‬

‫إن ربكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬هو ال الذي أوجد السموات والرض من العدم ف ستة أيام‪ ,‬ث استوى‬
‫‪-‬سبحانه‪ -‬على العرش ‪-‬أي عل وارتفع‪ -‬استواءً يليق بلله وعظمته‪ ,‬يُدخل سبحانه الليل على النهار‪,‬‬
‫فيلبسه إياه حت يذهب نوره‪ ,‬ويُدخل النهار على الليل فيذهب ظلمه‪ ,‬وكل واحد منهما يطلب الخر‬
‫سريعًا دائمًا‪ ,‬وهو ‪-‬سبحانه‪ -‬الذي خلق الشمس والقمر والنجوم مذللت له يسخرهن ‪-‬سبحانه‪-‬‬
‫كما يشاء‪ ,‬وهنّ من آيات ال العظيمة‪ .‬أل له سبحانه وتعال اللق كله وله المر كله‪ ,‬تعال ال وتعاظم‬
‫وتنّه عن كل نقص‪ ,‬رب اللق أجعي‪.‬‬

‫حبّ الْ ُم ْعتَدِينَ (‪)55‬‬


‫ا ْدعُوا َرّبكُ ْم َتضَرّعا َو ُخفَْيةً ِإنّهُ ل ُي ِ‬

‫‪263‬‬
‫ادعوا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬ربكم متذللي له خفية وسرّا‪ ,‬وليكن الدعاء بشوع وُبعْدٍ عن الرياء‪ .‬إن ال تعال‬
‫ل يب التجاوزين حدود شرعه‪ ,‬وأعظم التجاوز الشرك بال‪ ,‬كدعاء غي ال من الموات والوثان‪,‬‬
‫ونو ذلك‪.‬‬

‫سنِيَ (‪)56‬‬
‫ض َبعْدَ إِصْل ِحهَا وَا ْدعُوهُ َخوْفا َوطَمَعا ِإنّ رَ ْح َمةَ اللّهِ قَرِيبٌ مِ ْن الْمُحْ ِ‬
‫وَل تُفْسِدُوا فِي الَ ْر ِ‬

‫ول ُتفْسدوا ف الرض بأيّ نوع من أنواع الفساد‪ ,‬بعد إصلح ال إياها ببعثة الرسل ‪-‬عليهم السلم‪-‬‬
‫وعُمْرانا بطاعة ال‪ ,‬وادعوه ‪-‬سبحانه‪ -‬ملصي له الدعاء; خوفًا من عقابه ورجاء لثوابه‪ .‬إن رحة ال‬
‫قريب من الحسني‪.‬‬

‫ح بُشْرا َبيْ نَ يَدَ يْ رَ ْح َمتِ هِ َحتّى إِذَا أَقَلّ تْ سَحَابا ِثقَالً ُس ْقنَاهُ ِلبََل ٍد َميّ تٍ َفأَنزَْلنَا بِ هِ‬
‫َو ُهوَ الّذِي يُرْ سِلُ ال ّريَا َ‬
‫ج الْ َم ْوتَى َلعَّلكُ ْم تَذَكّرُونَ (‪)57‬‬
‫خرِ ُ‬‫ك نُ ْ‬
‫الْمَاءَ َفأَخْرَ ْجنَا بِ ِه مِنْ كُ ّل الثّمَرَاتِ كَذَلِ َ‬

‫وال تعال هو الذي يرسل الرياح الطيبة اللينة مبشرات بالغيث الذي تثيه بإذن ال‪ ,‬فيستبشر اللق‬
‫برحة ال‪ ,‬حت إذا حلت الريح السحاب الحمل بالطر ساقه ال با لحياء بلد‪ ,‬قد أجدبت أرضه‪,‬‬
‫ويَبِست أشجاره وزرعه‪ ,‬فأنزل ال به الطر‪ ,‬فأخرج به الكل والشجار والزروع‪ ,‬فعادت أشجاره‬
‫مملة بأنواع الثمرات‪ .‬كما نيي هذا البلد اليت بالطر نرج الوتى من قبورهم أحيا ًء بعد فنائهم;‬
‫لتتعظوا‪ ,‬فتستدلوا على توحيد ال وقدرته على البعث‪.‬‬

‫ف اليَا تِ ِل َقوْ مٍ‬


‫ك نُ صَرّ ُ‬
‫ج َنبَاتُ هُ بِإِذْ نِ َربّ ِه وَالّذِي َخبُ ثَ ل َيخْ ُر جُ إِلّ َنكِدا كَذَلِ َ‬
‫ب يَخْ ُر ُ‬
‫وَالْبََلدُ ال ّطيّ ُ‬
‫يَشْكُرُونَ (‪)58‬‬

‫والرض النقية إذا نزل عليها الطر تُخْرج نباتًا ‪-‬بإذن ال ومشيئته‪ -‬طيبًا ميسرًا‪ ,‬وكذلك الؤمن إذا‬
‫سبِخة الرديئة فإنا ل تُخرج النبات‬
‫نزلت عليه آيات ال انتفع با‪ ,‬وأثرت فيه حياة صالة‪ ,‬أما الرض ال ّ‬
‫إل عسرًا رديئا ل نفع فيه‪ ,‬ول تُخرج نباتًا طيبًا‪ ,‬وكذلك الكافر ل ينتفع بآيات ال‪ .‬مثل ذلك التنويع‬
‫البديع ف البيان نُنوّع الجج والباهي لثبات الق لناس يشكرون نعم ال‪ ,‬ويطيعونه‪.‬‬

‫‪264‬‬
‫ب َيوْ مٍ‬
‫ف عََليْكُ ْم عَذَا َ‬
‫َلقَدْ أَرْ َس ْلنَا نُوحا إِلَى َق ْومِ هِ َفقَا َل يَا َقوْ مِ ا ْعبُدُوا اللّ َه مَا َلكُ مْ مِ نْ إِلَ هٍ َغيْرُ هُ ِإنّي أَخَا ُ‬
‫عَظِيمٍ (‪)59‬‬

‫لقد بعثنا نوحًا إل قومه; ليدعوهم إل توحيد ال سبحانه وإخلص العبادة له‪ ,‬فقال‪ :‬يا قوم اعبدوا ال‬
‫وحده‪ ,‬ليس لكم من إله يستحق العبادة غيه جل وعل فأخلصوا له العبادة فإن ل تفعلوا وبقيتم على‬
‫عبادة أوثانكم‪ ,‬فإنن أخاف أن ي ّل عليكم عذاب يوم يعظم فيه بلؤكم‪ ,‬وهو يوم القيامة‪.‬‬

‫قَا َل الْمَل مِنْ َق ْومِهِ ِإنّا َلنَرَاكَ فِي ضَل ٍل ُمبِيٍ (‪)60‬‬

‫قال له سادتم وكباؤهم‪ :‬إنا لنعتقد ‪-‬يا نوح‪ -‬أنك ف ضلل بيّن عن طريق الصواب‪.‬‬

‫ب الْعَالَ ِميَ (‪)61‬‬


‫قَا َل يَا َق ْومِ َلْيسَ بِي ضَلَلةٌ وََل ِكنّي َرسُو ٌل مِنْ رَ ّ‬

‫قال نوح‪ :‬يا قوم لست ضال ف مسألة من السائل بوجه من الوجوه‪ ,‬ولكن رسول من رب العالي رب‬
‫وربكم ورب جيع اللق‪.‬‬

‫ُأبَّلغُكُمْ ِرسَالتِ َربّي َوأَنصَحُ َلكُ ْم َوَأعْلَ ُم مِنْ اللّ ِه مَا ل َتعْلَمُونَ (‪)62‬‬

‫أُبلّغكم ما أُرسلت به من رب‪ ,‬وأنصح لكم مذرًا لكم من عذاب ال ومبشرًا بثوابه‪ ,‬وأعلم من شريعته‬
‫ما ل تعلمون‪.‬‬

‫جْبتُمْ َأنْ جَاءَكُمْ ذِكْ ٌر مِنْ َرّبكُ ْم عَلَى رَ ُج ٍل ِمنْكُمْ ِليُنذِرَكُ ْم وَِلَتّتقُوا وََلعَّلكُمْ ُترْحَمُونَ (‪)63‬‬
‫َأوَعَ ِ‬

‫وهل أثار عجبكم أن أنزل ال تعال إليكم ما يذكركم با فيه الي لكم‪ ,‬على لسان رجل منكم‪,‬‬
‫تعرفون نسبه وصدقه; ليخوّفكم بأس ال تعال وعقابه‪ ,‬ولتتقوا سخطه باليان به‪ ,‬ورجاء أن تظفروا‬
‫برحته وجزيل ثوابه؟‬

‫ك َوَأغْرَ ْقنَا الّذِينَ َك ّذبُوا بِآيَاِتنَا ِإنّهُمْ كَانُوا َقوْما عَمِيَ (‪)64‬‬
‫َفكَ ّذبُوهُ َفأَنَْينَاهُ وَالّذِي َن َمعَهُ فِي اْلفُلْ ِ‬
‫‪265‬‬
‫فكذبوا نوحًا فأنيناه ومَن آمن معه ف السفينة‪ ,‬وأغرقنا الكفار الذين كذبوا بججنا الواضحة‪ .‬إنم‬
‫كانوا عُ ْميَ القلوب عن رؤية الق‪.‬‬

‫َوإِلَى عَادٍ أَخَاهُ ْم هُودا قَا َل يَا َق ْومِ ا ْعبُدُوا اللّ َه مَا َلكُ ْم مِنْ إِلَهٍ غَيْ ُرهُ أَفَل تَّتقُونَ (‪)65‬‬

‫ولقد أرسلنا إل قبيلة عاد أخاهم هودا حي عبدوا الوثان من دون ال‪ ,‬فقال لم‪ :‬اعبدوا ال وحده‪,‬‬
‫ليس لكم من إله يستحق العبادة غيه جل وعل فأخلصوا له العبادة أفل تتقون عذاب ال وسخطه‬
‫عليكم؟‬

‫ك مِ ْن الْكَا ِذبِيَ (‪)66‬‬


‫قَا َل الْمَل الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ َق ْومِهِ ِإنّا َلنَرَاكَ فِي َسفَا َه ٍة َوِإنّا َلنَ ُظنّ َ‬

‫قال الكباء الذين كفروا من قوم هود‪ :‬إنا لنعلم أنك بدعوتك إيانا إل ترك عبادة آلتنا وعبادة ال وحده‬
‫ناقص العقل‪ ,‬وإنا لنعتقد أنك من الكاذبي على ال فيما تقول‪.‬‬

‫ب اْلعَالَمِيَ (‪)67‬‬
‫قَا َل يَا َق ْومِ َلْيسَ بِي َسفَا َه ٌة وََلكِنّي َرسُو ٌل مِنْ رَ ّ‬

‫قال هود‪ :‬يا قوم ليس ب نقص ف عقلي‪ ,‬ولكن رسول إليكم من رب اللق أجعي‪.‬‬

‫ُأبَّلغُكُمْ ِرسَالتِ َربّي َوَأنَا َلكُ ْم نَاصِحٌ َأمِيٌ (‪)68‬‬

‫أُبلّغكم ما أرسلن به رب إليكم‪ ,‬وأنا لكم ‪ -‬فيما دعوتكم إليه من توحيد ال والعمل بشريعته ‪ -‬ناصح‪,‬‬
‫أمي على وحي ال تعال‪.‬‬

‫جْبتُ مْ أَ نْ جَاءَكُ مْ ذِ ْك ٌر مِ نْ َرّبكُ ْم عَلَى رَجُ ٍل ِمْنكُ مْ ِليُنذِرَكُ ْم وَاذْكُرُوا ِإذْ َجعََلكُ مْ ُخَلفَاءَ مِ ْن َبعْدِ َقوْ مِ‬
‫َأوَعَ ِ‬
‫ح وَزَادَكُمْ فِي الْخَ ْل ِق بَسْ َطةً فَاذْكُرُوا آلءَ اللّهِ َلعَّلكُ ْم ُتفْلِحُونَ (‪)69‬‬ ‫نُو ٍ‬

‫وهل أثار عجبكم أن أنزل ال تعال إليكم ما يذكركم با فيه الي لكم‪ ,‬على لسان رجل منكم‪,‬‬
‫تعرفون نسبه وصدقه; ليخوّفكم بأس ال وعقابه؟ واذكروا نعمة ال عليكم إذ جعلكم تلفون ف الرض‬
‫‪266‬‬
‫مَن قبلكم من بعد ما أهلك قوم نوح‪ ,‬وزاد ف أجسامكم قوة وضخامة‪ ,‬فاذكروا ِنعَمَ ال الكثية‬
‫عليكم; رجاء أن تفوزوا الفوز العظيم ف الدنيا والخرة‪.‬‬

‫ت مِ ْن الصّادِقِيَ (‪)70‬‬
‫قَالُوا أَ ِجْئَتنَا ِلنَ ْعبُدَ اللّ َه وَحْ َد ُه َونَذَ َر مَا كَا َن َيعْبُ ُد آبَا ُؤنَا َفأِْتنَا بِمَا َتعِ ُدنَا ِإنْ كُن َ‬

‫قالت عاد لود عليه السلم‪ :‬أدعوتنا لعبادة ال وحله وهَجْر عبادة الصنام الت ورثنا عبادتا عن آبائنا؟‬
‫فأتنا بالعذاب الذي توفنا به إن كنت من أهل الصدق فيما تقول‪.‬‬

‫س َو َغضَ بٌ َأتُجَادِلُوَننِي فِي أَ سْمَاءٍ سَ ّمْيتُمُوهَا َأْنتُ ْم وَآبَاؤُكُ ْم مَا نَزّلَ‬


‫قَالَ َق ْد وَقَ َع عََلْيكُ مْ مِ نْ َرّبكُ مْ رِجْ ٌ‬
‫اللّ ُه ِبهَا مِ ْن ُسلْطَانٍ فَانتَ ِظرُوا ِإنّي َم َعكُ ْم مِ ْن الْمُنتَظِرِينَ (‪)71‬‬

‫قال هود لقومه‪ :‬قد حلّ بكم عذاب وغضب من ربكم جل وعل أتادلونن ف هذه الصنام الت‬
‫سيتموها آلة أنتم وآباؤكم؟ ما نزّل ال با من حجة ول برهان; لنا ملوقة ل تضر ول تنفع‪ ,‬وإنا‬
‫العبود وحده هو الالق سبحانه‪ ,‬فانتظروا نزول العذاب عليكم فإن منتظر معكم نزوله‪ ,‬وهذا غاية ف‬
‫التهديد والوعيد‪.‬‬

‫َفأَنَْينَاهُ وَالّذِي َن َمعَهُ بِرَحْ َم ٍة ِمنّا وَقَ َط ْعنَا دَابِ َر الّذِينَ كَ ّذبُوا بِآيَاتِنَا َومَا كَانُوا ُم ْؤمِنِيَ (‪)72‬‬

‫فوقع عذاب ال بإرسال الريح الشديدة عليهم‪ ,‬فأنى ال هودًا والذين آمنوا معه برحة عظيمة منه تعال‪,‬‬
‫وأهلك الكفار من قومه جيعا ودمّرهم عن آخرهم‪ ,‬وما كانوا مؤمني لمعهم بي التكذيب بآيات ال‬
‫وترك العمل الصال‪.‬‬

‫َوإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُ مْ صَالِحا قَا َل يَا َقوْ ِم اعْبُدُوا اللّ َه مَا َلكُ ْم مِ نْ إِلَ ٍه َغيْرُ هُ قَدْ جَا َءتْكُ ْم َبيَّن ٌة مِ نْ َربّكُ ْم هَذِ هِ‬
‫نَاَقةُ اللّهِ َلكُ ْم آَيةً فَ َذرُوهَا َتأْكُلْ فِي أَ ْرضِ اللّ ِه وَل تَمَسّوهَا بِسُوءٍ َفَيأْخُذَكُ ْم عَذَابٌ أَلِيمٌ (‪)73‬‬

‫ولقد أرسلنا إل قبيلة ثود أخاهم صالًا لهمّا عبدوا الوثان من دون ال تعال‪ .‬فقال صال لم‪ :‬يا قوم‬
‫اعبدوا ال وحده; ليس لكم من إله يستحق العبادة غيه جل وعل‪ ،‬فأخلصوا له العبادة‪ ,‬قد جئتكم‬

‫‪267‬‬
‫بالبهان على صدق ما أدعوكم إليه‪ ,‬إذ دعوتُ ال أمامكم‪ ,‬فأخرج لكم من الصخرة ناقة عظيمة كما‬
‫سألتم‪ ,‬فاتركوها تأكل ف أرض ال من الراعي‪ ,‬ول تتعرضوا لا بأي أذى‪ ,‬فيصيبكم بسبب ذلك‬
‫عذاب موجع‪.‬‬

‫حتُو نَ‬
‫ض َتتّخِذُو نَ مِ نْ ُسهُوِلهَا قُ صُورا َوَتنْ ِ‬
‫وَاذْكُرُوا إِذْ َجعََلكُ مْ خَُلفَا َء مِ ْن َبعْ ِد عَا ٍد َوَب ّوأَكُ مْ فِي الَرْ ِ‬
‫جبَا َل ُبيُوتا فَاذْ ُكرُوا آلءَ اللّ ِه وَل َتعَْثوْا فِي الَ ْرضِ ُمفْسِدِينَ (‪)74‬‬ ‫الْ ِ‬

‫واذكروا نعمة ال عليكم‪ ,‬إذ جعلكم تَخْلُفون ف الرض مَن قبلكم‪ ,‬من بعد قبيلة عاد‪ ,‬ومكّن لكم ف‬
‫الرض الطيبة تنلونا‪ ,‬فتبنون ف سهولا البيوت العظيمة‪ ,‬وتنحتون من جبالا بيوتًا أخرى‪ ,‬فاذكروا ِنعَمَ‬
‫سعَوا ف الرض بالفساد‪.‬‬ ‫ال عليكم‪ ,‬ول تَ ْ‬

‫قَا َل الْمَل الّذِي َن ا سَْتكْبَرُوا مِ نْ َق ْومِ هِ لِلّذِي َن ا ْسُتضْ ِعفُوا لِ َم نْ آمَ َن ِمنْهُ مْ َأَتعْلَمُو نَ أَنّ صَالِحا مُرْ سَ ٌل مِ نْ َربّ هِ‬
‫قَالُوا ِإنّا بِمَا أُ ْرسِ َل بِ ِه ُم ْؤمِنُونَ (‪)75‬‬

‫قال السادة والكباء من الذين استعلَوا ‪-‬من قوم صال‪ -‬للمؤمني الذين استضعفوهم‪ ,‬واستهانوا بم‪:‬‬
‫أتعلمون حقيقة أن صالًا قد أرسله ال إلينا؟ قال الذين آمنوا‪ :‬إنا مصدقون با أرسله ال به‪ ,‬متّبعون‬
‫لشرعه‪.‬‬

‫قَا َل الّذِي َن اسَْت ْكبَرُوا ِإنّا بِالّذِي آمَنتُ ْم بِهِ كَاِفرُونَ (‪)76‬‬

‫قال الذين استعَلوْا‪ :‬إنّا بالذي صدّقتم به واتبعتموه من نبوة صال جاحدون‪.‬‬

‫ت مِ ْن الْمُ ْر َسلِيَ (‪)77‬‬


‫َف َعقَرُوا النّاَقةَ وَ َعَتوْا عَنْ َأمْرِ َرّبهِ ْم وَقَالُوا يَا صَالِ ُح ائِْتنَا بِمَا َتعِ ُدنَا ِإنْ كُن َ‬

‫فنحروا الناقة استخفافا منهم بوعيد صال‪ ,‬واستكبوا عن امتثال أمر ربم‪ ,‬وقالوا على سبيل الستهزاء‬
‫واستبعاد العذاب‪ :‬يا صال ائتنا با تتوعّدنا به من العذاب‪ ,‬إن كنت مِن رسل ال‪.‬‬

‫‪268‬‬
‫صبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِيَ (‪)78‬‬
‫َفأَخَ َذْتهُمْ الرّ ْج َفةُ َفأَ ْ‬

‫فأخذَت الذين كفروا الزلزلةُ الشديدة الت خلعت قلوبم‪ ,‬فأصبحوا ف بلدهم هالكي‪ ,‬لصقي بالرض‬
‫على رُكَبهم ووجوههم‪ ,‬ل ُيفْلِت منهم أحد‪.‬‬

‫حبّونَ النّاصِحِيَ (‪)79‬‬


‫حتُ َلكُ ْم وََلكِ ْن ل تُ ِ‬
‫َفَتوَلّى َعنْهُ ْم وَقَا َل يَا َق ْومِ َلقَدْ َأبَْل ْغُتكُمْ ِرسَاَلةَ َربّي َوَنصَ ْ‬

‫فأعرض صال عليه السلم عن قومه ‪-‬حي عقروا الناقة وحل بم اللك‪ -‬وقال لم‪ :‬يا قوم لقد أبلغتكم‬
‫ما أمرن رب بإبلغه من أمره ونيه‪ ,‬وبَذَلْت لكم وسعي ف الترغيب والترهيب والنصح‪ ,‬ولكنكم ل‬
‫تبون الناصحي‪ ,‬فرددت قولم‪ ,‬وأطعتم كل شيطان رجيم‪.‬‬

‫ش َة مَا َسبَ َقكُ ْم ِبهَا مِنْ أَحَ ٍد مِ ْن اْلعَالَمِيَ (‪)80‬‬


‫وَلُوطا إِذْ قَالَ ِل َقوْمِهِ َأتَ ْأتُو َن اْلفَاحِ َ‬

‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لوطًا عليه السلم حي قال لقومه‪ :‬أتفعلون الفعلة النكرة الت بلغت ناية القبح؟‬
‫ما فعلها مِن أحد قبلكم من الخلوقي‪.‬‬

‫ِإنّكُمْ َلَت ْأتُونَ الرّجَا َل َش ْه َوةً مِنْ دُونِ النّسَا ِء بَلْ َأنْتُمْ َق ْو ٌم مُسْرِفُونَ (‪)81‬‬

‫إنكم لتأتون الذكور ف أدبارهم‪ ,‬شهوة منكم لذلك‪ ,‬غي مبالي بقبحها‪ ,‬تاركي الذي أحلّه ال لكم من‬
‫نسائكم‪ ,‬بل أنتم قوم متجاوزون لدود ال ف السراف‪ .‬إن إتيان الذكور دون الناث من الفواحش‬
‫الت ابتدعها قوم لوط‪ ,‬ول يسبقهم با أحد من اللق‪.‬‬

‫س َيتَ َطهّرُونَ (‪)82‬‬


‫َومَا كَانَ َجوَابَ َق ْومِهِ إِلّ َأنْ قَالُوا أَ ْخرِجُوهُ ْم مِنْ قَ ْرَيِتكُمْ ِإنّهُمْ ُأنَا ٌ‬

‫وما كان جواب قوم لوط حي أنكر عليهم فعلهم الشنيع إل أن قال بعضهم لبعض‪ :‬أخرجوا لوطًا وأهله‬
‫من بلدكم‪ ,‬إنه ومن تبعه أناس يتنهون عن إتيان أدبار الرجال والنساء‪.‬‬

‫َفأَنَْينَاهُ َوَأهْلَهُ إِلّ امْ َرَأتَهُ كَاَنتْ مِ ْن اْلغَابِرِينَ (‪)83‬‬


‫‪269‬‬
‫فأنى ال لوطًا وأهله من العذاب حيث أمره بغادرة ذلك البلد‪ ,‬إل امرأته‪ ,‬فإنا كانت من الالكي‬
‫الباقي ف عذاب ال‪.‬‬

‫َوَأمْطَ ْرنَا عََلْيهِ ْم مَطَرا فَان ُظرْ َكيْفَ كَا َن عَاِقَبةُ الْ ُمجْ ِرمِيَ (‪)84‬‬

‫وعذّب ال الكفار من قوم لوط بأن أنزل عليهم مطرًا من الجارة‪ ,‬وقلب بلدهم‪ ,‬فجعل عاليها‬
‫سافلها‪ ,‬فانظر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كيف صارت عاقبة الذين اجترؤوا على معاصي ال وكذبوا رسله‪.‬‬

‫َوإِلَى مَ ْديَ نَ أَخَاهُ ْم ُش َعيْبا قَالَ يَا َقوْ ِم اعْبُدُوا اللّ َه مَا َلكُ مْ مِ نْ إِلَ هٍ َغيْرُ هُ قَدْ جَا َءتْكُ ْم َبّيَنةٌ مِ نْ َربّكُ مْ َفَأوْفُوا‬
‫ض َبعْدَ إِ صْل ِحهَا ذَِلكُ مْ َخيْرٌ َلكُ مْ إِ نْ‬ ‫الْ َكيْ َل وَالْمِيزَا َن وَل تَبْخَ سُوا النّا سَ َأ ْشيَا َءهُ مْ وَل ُتفْ سِدُوا فِي الَرْ ِ‬
‫كُنتُ ْم ُم ْؤ ِمنِيَ (‪)85‬‬

‫ولقد أرسلنا إل قبيلة "مدين" أخاهم شعيبًا عليه السلم‪ ,‬فقال لم‪ :‬يا قوم اعبدوا ال وحده ل شريك‬
‫له; ليس لكم مِن إله يستحق العبادة غيه جل وعل فأخلصوا له العبادة‪ ,‬قد جاءكم برهان من ربكم‬
‫صدْق ما أدعوكم إليه‪ ,‬فأدوا للناس حقوقهم بإيفاء الكيل‪ ,‬اليزان‪ ,‬ول تنقصوهم حقوقهم‬
‫على ِ‬
‫فتظلموهم‪ ,‬ول تفسدوا ف الرض ‪-‬بالكفر والظلم‪ -‬بعد إصلحها بشرائع النبياء السابقي عليهم‬
‫السلم‪ .‬ذلك الذي دعوتكم إليه خي لكم ف دنياكم وأخراكم‪ ,‬إن كنتم مصدق ّي فيما دعوتكم إليه‪,‬‬
‫عاملي بشرع ال‪.‬‬

‫ط تُوعِدُو نَ َوتَ صُدّونَ عَ نْ َسبِيلِ اللّ ِه مَ نْ آمَ َن بِ هِ َوتَْبغُوَنهَا ِعوَجا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُ مْ‬
‫صرَا ٍ‬
‫وَل تَ ْقعُدُوا بِكُلّ ِ‬
‫قَلِيلً َفكَثّرَ ُك ْم وَانظُرُوا َكيْفَ كَانَ عَاِقَبةُ الْ ُمفْسِدِينَ (‪)86‬‬

‫ول تقعدوا بكل طريق تتوعدون الناس بالقتل‪ ,‬إن ل يعطوكم أموالم‪ ,‬وتصدّون عن سبيل ال القوي من‬
‫صدّق به عز وجل‪ ,‬وعمل صالًا‪ ,‬وتبغون سبيل ال أن تكون معوجة‪ ,‬وتيلونا اتباعًا لهوائكم‪,‬‬
‫وتنفّرون الناس عن اتباعها‪ .‬واذكروا نعمة ال تعال عليكم إذ كان عددكم قليل فكثّركم‪ ,‬فأصبحتم‬
‫أقوياء عزيزين‪ ,‬وانظروا كيف كان عاقبة الفسدين ف الرض‪ ,‬وما ح ّل بم من اللك والدمار؟‬

‫‪270‬‬
‫حكُمَ اللّ ُه َبيَْننَا َو ُهوَ َخيْرُ‬
‫صبِرُوا َحتّى يَ ْ‬
‫ت بِ ِه َوطَائِ َفةٌ لَ ْم ُيؤْ ِمنُوا فَا ْ‬
‫َوإِنْ كَانَ طَاِئ َفةٌ ِمْنكُمْ آ َمنُوا بِالّذِي أُرْسِ ْل ُ‬
‫الْحَاكِمِيَ (‪)87‬‬
‫وإن كان جا عة من كم صدّقوا بالذي أر سلن ال به‪ ,‬وجا عة ل ي صدّقوا بذلك‪ ,‬فانتظروا أي ها الكذبون‬
‫قضاء ال الفا صل بين نا وبين كم ح ي ي ّل علي كم عذا به الذي أنذرت كم به‪ .‬وال ‪-‬ج ّل وعل‪ -‬هو خ ي‬
‫الاكمي بي عباده‪.‬‬

‫‪271‬‬
‫الزء التاسع ‪:‬‬

‫ك مِنْ َق ْريَِتنَا َأوْ َلَتعُو ُدنّ فِي ِمّلتِنَا‬


‫ب وَالّذِينَ آمَنُوا َمعَ َ‬
‫قَا َل الْمَل الّذِينَ ا ْسَتكْبَرُوا مِنْ َق ْومِهِ َلنُخْ ِر َجنّكَ يَا ُش َعيْ ُ‬
‫قَالَ َأوََلوْ ُكنّا كَا ِرهِيَ (‪)88‬‬

‫قال السادة والكباء من قوم شعيب الذين تكبوا عن اليان بال واتباع رسوله شعيب عليه السلم‪:‬‬
‫لنخرجنك يا شعيب ومَن معك من الؤمني من ديارنا‪ ,‬إل إذا صرت إل ديننا‪ ,‬قال شُعيب منكرًا‬
‫ومتعجبًا من قولم‪ :‬أنتابعكم على دينكم ومِلّتكم الباطلة‪ ,‬ولو كنا كارهي لا لعِلْمِنا ببطلنا؟‬

‫قَ ْد ا ْفتَ َرْينَا عَلَى اللّ هِ كَذِبا إِ نْ عُ ْدنَا فِي مِّلِتكُ ْم َبعْدَ ِإ ْذ نَجّانَا اللّ ُه ِمْنهَا َومَا َيكُو نُ َلنَا أَ ْن َنعُودَ فِيهَا إِلّ أَ نْ‬
‫يَشَاءَ اللّ هُ َرّبنَا وَ سِعَ َربّنَا كُ ّل َشيْ ٍء عِلْما عَلَى اللّ ِه َتوَكّ ْلنَا َربّنَا افْتَ ْح َبيَْننَا َوَبيْ نَ َق ْو ِمنَا بِالْحَقّ َوَأنْ تَ َخيْرُ‬
‫حيَ (‪)89‬‬ ‫الْفَاتِ ِ‬

‫وقال شعيب لقومه مستدركًا‪ :‬قد اختلقنا على ال الكذب إن عُدْنا إل دينكم بعد أن أنقذنا ال منه‪,‬‬
‫وليس لنا أن نتحول إل غي دين ربنا إل أن يشاء ال ربنا‪ ,‬وقد وسع ربنا كل شيء علمًا‪ ,‬فيعلم ما‬
‫يصلح للعباد‪ ,‬على ال وحده اعتمادنا هداية ونصرة‪ ,‬ربنا احكم بيننا وبي قومنا بالق‪ ,‬وأنت خي‬
‫الاكمي‪.‬‬

‫وَقَا َل الْمَل الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ َق ْومِهِ َلئِ ْن اتَّب ْعتُمْ ُشعَيْبا ِإّنكُمْ إِذا َلخَاسِرُونَ (‪)90‬‬

‫وقال السادة والكباء الكذبون الرافضون لدعوة التوحيد إمعانًا ف العتوّ والتمرد‪ ,‬مذرين من اتباع‬
‫شعيب‪ :‬لئن اتبعتم شعيبًا إنكم إذًا لالكون‪.‬‬

‫صبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِيَ (‪)91‬‬


‫َفأَخَ َذْتهُمْ الرّ ْج َفةُ َفأَ ْ‬

‫ت قو َم شعيب الزلزلةُ الشديدة‪ ,‬فأصبحوا ف دارهم صرعى ميتي‪.‬‬


‫فأخذَ ْ‬

‫‪272‬‬
‫الّذِينَ كَ ّذبُوا ُش َعيْبا َكأَنْ لَ ْم َي ْغَنوْا فِيهَا الّذِينَ كَ ّذبُوا ُشعَيْبا كَانُوا هُ ْم الْخَاسِرِينَ (‪)92‬‬

‫الذين كذّبوا شعيبًا كأنم ل يقيموا ف ديارهم‪ ,‬ول يتمتعوا فيها‪ ,‬حيث استؤصلوا‪ ,‬فلم يبق لم أثر‪,‬‬
‫وأصابم السران واللك ف الدنيا والخرة‪.‬‬

‫حتُ َلكُ مْ َف َكيْ فَ آ سَى عَلَى َقوْ مٍ كَاِفرِي نَ (‬


‫َفَتوَلّى َعنْهُ ْم وَقَا َل يَا َقوْ مِ َلقَدْ َأبَْل ْغُتكُ مْ رِ سَالتِ َربّ ي َونَ صَ ْ‬
‫‪)93‬‬

‫فأعرض شعيب عنهم حينما أيقن بلول العذاب بم‪ ,‬وقال‪ :‬يا قوم لقد أبلغتكم رسالت رب‪ ,‬ونصحت‬
‫لكم بالدخول ف دين ال والقلع عما أنتم عليه‪ ,‬فلم تسمعوا ول تطيعوا‪ ,‬فكيف أحزن على قوم‬
‫جحدوا وحدانية ال وكذبوا رسله؟‬

‫َومَا أَ ْرسَ ْلنَا فِي َق ْرَيةٍ مِ ْن َنِبيّ إِلّ أَ َخ ْذنَا َأهَْلهَا بِاْلَبأْسَا ِء وَالضّرّاءِ َلعَّلهُ ْم َيضّ ّرعُونَ (‪)94‬‬

‫وما أرسلنا ف قرية من نب يدعوهم إل عبادة ال‪ ,‬وينهاهم عمّا هم فيه من الشرك‪ ,‬فكذّبه قومه‪ ,‬إل‬
‫ابتليناهم بالبأساء والضراء‪ ,‬فأصبناهم ف أبدانم بالمراض والسقام‪ ,‬وف أموالم بالفقر والاجة; رجاء‬
‫أن يستكينوا‪ ,‬وينيبوا إل ال‪ ,‬ويرجعوا إل الق‪.‬‬

‫س آبَاءَنَا الضّرّا ُء وَال سّرّاءُ َفأَخَ ْذنَاهُ مْ َب ْغَتةً وَهُ مْ ل‬


‫سَنةَ َحتّى َعفَوا وَقَالُوا قَ ْد مَ ّ‬
‫ثُمّ بَدّْلنَا مَكَا نَ ال سّّيَئةِ الْحَ َ‬
‫شعُرُونَ (‪)95‬‬ ‫يَ ْ‬

‫ث بدّلنا الالة الطيبة الول مكان الالة السيئة‪ ,‬فأصبحوا ف عافية ف أبدانم‪ ,‬وسَعَة ورخاء ف أموالم;‬
‫إمهال لم‪ ,‬ولعلهم يشكرون‪ ,‬فلم ُيفِد معهم كل ذلك‪ ,‬ول يعتبوا ول ينتهوا عمّا هم فيه‪ ,‬وقالوا‪ :‬هذه‬
‫عادة الدهر ف أهله‪ ,‬يوم خي ويوم شر‪ ,‬وهو ما جرى لبائنا من قبل‪ ,‬فأخذناهم بالعذاب فجأة وهم‬
‫آمنون‪ ,‬ل يطر لم اللك على بال‪.‬‬

‫ت مِ نْ‬
‫ت مِ ْن ال سّمَا ِء وَالَرْ ضِ َل َفتَحْنَا عََلْيهِ ْم بَرَكَا ٍ‬
‫حنَا عََلْيهِ ْم بَرَكَا ٍ‬
‫وََلوْ أَنّ َأهْلَ اْلقُرَى آ َمنُوا وَاّتقَوْا َلفَتَ ْ‬
‫‪273‬‬
‫سبُونَ (‪)96‬‬
‫ض وََلكِنْ كَ ّذبُوا َفأَخَ ْذنَاهُ ْم بِمَا كَانُوا َيكْ ِ‬
‫السّمَا ِء وَالَ ْر ِ‬

‫ولو أ ّن أهل القرى صدّقوا رسلهم واتبعوهم واجتنبوا ما ناهم ال عنه‪ ,‬لفتح ال لم أبواب الي من كلّ‬
‫وجه‪ ,‬ولكنهم كذّبوا‪ ,‬فعاقبهم ال بالعذاب الهلك بسبب كفرهم ومعاصيهم‪.‬‬

‫أََفأَمِنَ َأهْ ُل اْلقُرَى َأنْ َي ْأتَِيهُ ْم َبأْ ُسنَا َبيَاتا َوهُ ْم نَائِمُونَ (‪)97‬‬

‫أيظن أهل القرى أنم ف منجاة ومأمن من عذاب ال‪ ,‬أن يأتيهم ليل وهم نائمون؟‬

‫َأ َوأَمِنَ َأهْ ُل اْلقُرَى َأنْ َي ْأتَِيهُ ْم َبأْ ُسنَا ضُحًى َوهُ ْم يَ ْل َعبُونَ (‪)98‬‬

‫أوَأمن أهل القرى أن يأتيهم عذاب ال وقت الضحى‪ ,‬وهم غافلون متشاغلون بأمور دنياهم؟ وخصّ ال‬
‫هذين الوقتي بالذكر‪ ,‬لن النسان يكون أ ْغفَل ما يكون فيهما‪ ,‬فمجيء العذاب فيهما أفظع وأشد‪.‬‬

‫أََفأَ ِمنُوا َمكْرَ اللّهِ فَل َيأْمَ ُن َمكْرَ اللّهِ إِ ّل الْ َق ْو ُم الْخَاسِرُونَ (‪)99‬‬

‫أفأمن أهل القرى الكذبة َمكْرَ ال وإمهاله لم; استدراجًا لم با أنعم عليهم ف دنياهم عقوبة لكرهم؟‬
‫فل يأمن مكر ال إل القوم الالكون‪.‬‬

‫صبْنَاهُ ْم بِ ُذنُوبِهِ ْم َونَ ْطبَ ُع عَلَى قُلُوِبهِ مْ َفهُ مْ ل‬


‫ض مِ ْن َبعْدِ َأهِْلهَا أَ نْ َل ْو نَشَاءُ أَ َ‬
‫َأوَلَ ْم َيهْدِ لِلّذِي َن يَ ِرثُو نَ الَرْ َ‬
‫يَسْ َمعُونَ (‪)100‬‬

‫أوَل يتبي للذين سكنوا الرض من بعد إهلك أهلها السابقي بسبب معاصيهم‪ ,‬فساروا سيتم‪ ,‬أن لو‬
‫نشاء أصبناهم بسبب ذنوبم كما فعلنا بأسلفهم‪ ,‬ونتم على قلوبم‪ ,‬فل يدخلها الق‪ ,‬ول يسمعون‬
‫موعظة ول تذكيًا؟‬

‫ص عََليْ كَ مِ نْ َأنْبَاِئهَا وََلقَدْ جَا َءْتهُ مْ رُ سُُلهُ ْم بِاْلَبيّنَا تِ َفمَا كَانُوا ِليُ ْؤ ِمنُوا بِمَا كَ ّذبُوا مِ نْ َقبْلُ‬
‫ك اْلقُرَى َنقُ ّ‬ ‫تِلْ َ‬
‫ب الْكَاِفرِينَ (‪)101‬‬ ‫ك يَ ْطبَعُ اللّ ُه عَلَى قُلُو ِ‬
‫كَذَلِ َ‬
‫‪274‬‬
‫ص عليك ‪-‬أيها‬ ‫تلك القرى الت َتقَدّم ذِكْرُها‪ ,‬وهي قرى قوم نوح وهود وصال ولوط وشعيب‪ ,‬نق ّ‬
‫الرسول‪ -‬من أخبارها‪ ,‬وما كان من َأمْر رسل ال الت أرسلت إليهم‪ ,‬ما يصل به عبة للمعتبين‬
‫وازدجار للظالي‪ .‬ولقد جاءت أهلَ القرى رسلنا بالجج البينات على صدقهم‪ ,‬فما كانوا ليؤمنوا با‬
‫جاءتم به الرسل; بسبب طغيانم وتكذيبهم بالق‪ ,‬ومثل َختْمِ ال على قلوب هؤلء الكافرين الذكورين‬
‫يتم ال على قلوب الكافرين بحمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫َومَا وَجَ ْدنَا لَ ْكثَ ِرهِ ْم مِ ْن َعهْ ٍد َوإِ ْن وَجَ ْدنَا أَ ْكثَ َرهُمْ َلفَا ِسقِيَ (‪)102‬‬

‫وما َوجَدْنا لكثر الم الاضية من أمانة ول وفاء بالعهد‪ ,‬وما وجدنا أكثرهم إل فسقة عن طاعة ال‬
‫وامتثال أمره‪.‬‬

‫ثُمّ َب َعثْنَا مِ ْن َبعْ ِدهِ ْم مُو سَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِ ْر َعوْ َن َومََلئِ هِ فَ َظلَمُوا بِهَا فَانظُرْ َكيْ فَ كَا َن عَاقَِب ُة الْ ُمفْ سِدِينَ (‬
‫‪)103‬‬

‫ث بعثنا من بعد الرسل التقدم ذِكْرهم موسى بن عمران بعجزاتنا البينة إل فرعون وقومه‪ ,‬فجحدوا‬
‫وكفروا با ظلمًا منهم وعنادًا‪ ,‬فانظر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬متبصرًا كيف فعلنا بم وأغرقناهم عن آخرهم‬
‫برأى من موسى وقومه؟ وتلك ناية الفسدين‪.‬‬

‫ب اْلعَالَمِيَ (‪)104‬‬
‫وَقَا َل مُوسَى يَا فِ ْر َع ْونُ ِإنّي َرسُو ٌل مِنْ رَ ّ‬

‫وقال موسى لفرعون ماورًا مبّلغًا‪ :‬إن رسولٌ من ال خالق اللق أجعي‪ ,‬ومدبّر أحوالم ومآلم‪.‬‬

‫َحقِي ٌق عَلَى أَنْ ل أَقُو َل عَلَى اللّهِ إِ ّل الْحَقّ َقدْ ِجْئُتكُمْ ِبَبّيَنةٍ مِنْ َرّبكُمْ َفأَ ْرسِ ْل َمعِي َبنِي ِإسْرَائِيلَ (‪)105‬‬

‫جدير بأن ل أقول على ال إل الق‪ ,‬وحريّ ب أن ألتزمه‪ ,‬قد جئتكم ببهان وحجة باهرة من ربكم‬
‫صدْق ما أذكره لكم‪ ,‬فأطلق ‪-‬يا فرعون‪ -‬معي بن إسرائيل مِن َأسْرك وَقهْرك‪ ,‬وخلّ سبيلهم لعبادة‬
‫على ِ‬
‫ال‪.‬‬

‫‪275‬‬
‫قَالَ ِإنْ كُنتَ ِجْئتَ بِآَيةٍ َفأْتِ ِبهَا ِإنْ كُنتَ مِ ْن الصّادِِقيَ (‪)106‬‬

‫ت جئتَ بآية حسب زعمك فأتن با‪ ,‬وأحضرها عندي; لتص ّح دعواك ويثبت‬ ‫قال فرعرن لوسى‪ :‬إن كن َ‬
‫صدقك‪ ,‬إن كنت صادقًا فيما ادّعيت أنك رسول رب العالي‪.‬‬

‫َفأَْلقَى عَصَاهُ فَإِذَا ِهيَ ُث ْعبَا ٌن ُمبِيٌ (‪)107‬‬

‫فألقى موسى عصاه‪ ,‬فتحولت حيّة عظيمة ظاهرة للعيان‪.‬‬

‫ع يَ َدهُ فَِإذَا هِ َي َبيْضَاءُ لِلنّاظِرِينَ (‪)108‬‬


‫َونَ َز َ‬

‫وجذب يده من جيبه أو من جناحه فإذا هي بيضاء كاللب من غي برص آية لفرعون‪ ,‬فإذا ردّها عادت‬
‫إل لونا الول‪ ,‬كسائر بدنه‪.‬‬

‫قَا َل الْمَل مِنْ َق ْومِ فِ ْر َع ْونَ ِإنّ هَذَا لَسَا ِح ٌر عَلِيمٌ (‪)109‬‬

‫قال الشراف من قوم فرعون‪ :‬إن موسى لساحر يأخذ بأعي الناس بداعه إياهم‪ ,‬حت ييل إليهم أن‬
‫العصا حية‪ ,‬والشيء بلف ما هو عليه‪ ,‬وهو واسع العلم بالسحر ماهر به‪.‬‬

‫ضكُمْ فَمَاذَا َت ْأمُرُونَ (‪)110‬‬


‫يُرِيدُ َأنْ ُيخْرِ َجكُ ْم مِنْ أَ ْر ِ‬

‫يريد أن يرجكم جيعًا من أرضكم‪ ,‬قال فرعون‪ :‬فبماذا تشيون عل ّي أيها الل ف أمر موسى؟‬

‫قَالُوا أَ ْرجِ ِه َوأَخَاهُ َوأَ ْرسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (‪)111‬‬

‫قال مَن حضر مناظرة موسى مِن سادة قوم فرعون وكبائهم‪ :‬أَخّر موسى وأخاه هارون‪ ,‬وابعث ف‬
‫مدائن "مصر" وأقاليمها الشّرَط‪.‬‬

‫‪276‬‬
‫َيأْتُوكَ ِبكُ ّل سَاحِرٍ عَلِيمٍ (‪)112‬‬

‫ليجمعوا لك كل ساحر واسع العلم بالسحر‪.‬‬

‫ح َرةُ ِف ْر َعوْنَ قَالُوا ِإنّ َلنَا َلجْرا ِإنْ ُكنّا نَحْنُ الْغَاِلبِيَ (‪)113‬‬
‫وَجَاءَ السّ َ‬

‫وجاء السحرة فرعون قالوا‪ :‬أئنّ لنا لائزة ومال إن غََلبْنا موسى؟‬

‫قَا َل َنعَ ْم َوِإنّكُمْ َلمِ ْن الْ ُمقَ ّربِيَ (‪)114‬‬

‫قال فرعون‪ :‬نعم لكم الجر والقرب من إن غََلْبتُموه‪.‬‬

‫ح ُن الْمُ ْلقِيَ (‪)115‬‬


‫قَالُوا يَا مُوسَى ِإمّا َأنْ تُ ْل ِق َي َوإِمّا َأنْ َنكُونَ نَ ْ‬

‫قال سحرة فرعون لوسى على سبيل التكب وعدم البالة‪ :‬يا موسى اختر أن تُلقي عصاك أول أو نُلقي‬
‫نن أول‪.‬‬

‫ح ٍر عَظِيمٍ (‪)116‬‬
‫س وَاسْتَ ْر َهبُوهُ ْم وَجَاءُوا بِسِ ْ‬
‫حرُوا َأ ْعيُنَ النّا ِ‬
‫قَالَ أَْلقُوا َفلَمّا أَْل َقوْا سَ َ‬

‫خيّل إل البصار أن ما‬


‫قال موسى للسحرة‪ :‬ألقوا أنتم‪ ,‬فلما ألقَوا البال والعصيّ سحروا أعي الناس‪ ,‬ف ُ‬
‫فعلوه حقيقة‪ ,‬ول يكن إل مرد صنعة وخيال‪ ,‬وأرهبوا الناس إرهابًا شديدًا‪ ,‬وجاؤوا بسحر قوي كثي‪.‬‬

‫ف مَا َيأِْفكُونَ (‪)117‬‬


‫َوَأوْ َحيْنَا إِلَى مُوسَى َأنْ أَلْ ِق عَصَاكَ فَإِذَا ِهيَ تَ ْلقَ ُ‬

‫وأوحى ال إل عبده ورسوله موسى عليه السلم ف ذلك الوقف العظيم الذي فرّق ال فيه بي الق‬
‫والباطل‪ ,‬يأمره بأن يُلقي ما ف يينه وهي عصاه‪ ,‬فألقاها فإذا هي تبلع ما يلقونه‪ ,‬ويوهون الناس أنه حق‬
‫وهو باطل‪.‬‬

‫‪277‬‬
‫َفوَقَ َع الْحَ ّق َوبَطَ َل مَا كَانُوا َيعْ َملُونَ (‪)118‬‬

‫فظهر الق واستبان لن شهده وحضره ف أمر موسى عليه السلم‪ ,‬وأنه رسول ال يدعو إل الق‪ ,‬وبطل‬
‫الكذب الذي كانوا يعملونه‪.‬‬

‫َفغُِلبُوا ُهنَالِكَ وَانقََلبُوا صَاغِرِينَ (‪)119‬‬

‫فغُِلبَ جيع السحرة ف مكان اجتماعهم‪ ,‬وانصرف فرعون وقومه أذلء مقهورين مغلوبي‪.‬‬

‫َوأُْلقِيَ السّحَ َر ُة سَاجِدِينَ (‪)120‬‬

‫وخَرّ السحرة سُجّدًا على وجوههم ل رب العالي لِمَا عاينوا من عظيم قدرة ال‪.‬‬

‫ب اْلعَالَمِيَ (‪)121‬‬
‫قَالُوا آ َمنّا بِرَ ّ‬

‫قالوا‪ :‬آمنا برب العالي‪.‬‬

‫ب مُوسَى َوهَارُونَ (‪)122‬‬


‫رَ ّ‬

‫وهو رب موسى وهارون‪ ,‬وهو الذي يب أن تصرف له العبادة وحده دون مَن سواه‪.‬‬

‫سوْفَ‬
‫قَالَ ِف ْر َعوْ نُ آمَنتُ ْم بِ هِ َقبْلَ أَ نْ آذَ نَ َلكُ مْ ِإنّ هَذَا لَ َمكْ ٌر َمكَ ْرتُمُو هُ فِي الْ َمدِيَنةِ ِلتُخْ ِرجُوا ِمْنهَا َأهَْلهَا فَ َ‬
‫َتعْلَمُونَ (‪)123‬‬

‫قال فرعون للسحرة‪ :‬آمنتم بال قبل أن آذن لكم باليان به؟ إن إيانكم بال وتصديقكم لوسى‬
‫وإقراركم بنبوته ليلة احتلتموها أنتم وموسى; لتخرجوا أهل مدينتكم منها‪ ,‬وتكونوا الستأثرين بياتا‪,‬‬
‫فسوف تعلمون ‪-‬أيها السحرة‪ -‬ما يلّ بكم من العذاب والنكال‪.‬‬

‫‪278‬‬
‫صّلَبنّكُمْ أَ ْج َمعِيَ (‪)124‬‬
‫ف ثُمّ ل َ‬
‫لقَ ّطعَنّ َأيْ ِديَكُ ْم َوأَ ْرجَُلكُ ْم مِنْ خِل ٍ‬

‫لقطعنّ أيديكم وأرجلكم ‪-‬أيها السحرة‪ -‬من خلف‪ :‬بقطع اليد اليمن والرجل اليسرى‪ ,‬أو اليد‬
‫اليسرى والرجل اليمن‪ ,‬ث لعلقنّكم جيعًا على جذوع النخل; تنكيل بكم وإرهابًا للناس‪.‬‬

‫قَالُوا ِإنّا إِلَى َرّبنَا مُنقَِلبُونَ (‪)125‬‬

‫قال السحرة لفرعون‪ :‬قد تققنا أنّا إل ال راجعون‪ ,‬وأن عذابه أشد من عذابك‪ ,‬فلنصبنّ اليوم على‬
‫عذابك; لِننجو من عذاب ال يوم القيامة‪.‬‬

‫سلِمِيَ (‪)126‬‬
‫صبْرا َوَتوَّفنَا مُ ْ‬
‫َومَا تَنقِ ُم ِمنّا إِلّ َأنْ آمَنّا بِآيَاتِ َرّبنَا َلمّا جَا َءْتنَا َرّبنَا أَ ْف ِرغْ عََليْنَا َ‬

‫ولستَ تعيب منا وتنكر ‪-‬يا فرعون‪ -‬إل إياننا وتصديقنا بجج ربنا وأدلته الت جاء با موسى ول تقدر‬
‫على مثلها أنت ول أحد آخر سوى ال الذي له ملك السموات والرض‪ ,‬ربنا أَِفضْ علينا صبًا عظيمًا‬
‫وثباتا عليه‪ ,‬وتوفّنا منقادين لمرك متبعي رسولك‪.‬‬

‫ض َويَذَرَ كَ وَآِلهَتَ كَ قَالَ َسُن َقتّلُ َأْبنَا َءهُ مْ‬


‫وَقَا َل الْمَل مِ نْ َقوْ مِ ِف ْر َعوْ نَ َأتَذَ ُر مُو سَى وََق ْومَ هُ ِلُيفْ سِدُوا فِي الَرْ ِ‬
‫ح ِي نِسَا َءهُ ْم َوِإنّا َفوَْقهُمْ قَاهِرُونَ (‪)127‬‬ ‫َونَسْتَ ْ‬

‫ع موسى وقومه من بن إسرائيل ليفسدوا الناس ف‬ ‫وقال السادة والكباء من قوم فرعون لفرعون‪ :‬أَتَ َد ُ‬
‫أرض "مصر" بتغيي دينهم بعبادة ال وحده ل شريك له‪ ,‬وترك عبادتك وعبادة آلتك؟ قال فرعون‪:‬‬
‫سنُ َقتّل أبناء بن إسرائيل ونستبقي نساءهم أحياء للخدمة‪ ,‬وإنّا عالون عليهم بقهر الُلْكِ والسلطان‪.‬‬

‫صبِرُوا ِإنّ الَرْ ضَ ِللّ ِه يُو ِرثُهَا مَ ْن يَشَا ُء مِ ْن ِعبَادِ ِه وَاْلعَاِقَبةُ ِللْ ُمّتقِيَ (‬
‫قَا َل مُو سَى ِل َق ْومِ هِ ا ْسَتعِينُوا بِاللّ ِه وَا ْ‬
‫‪)128‬‬

‫‪279‬‬
‫قال موسى لقومه ‪-‬من بن إسرائيل‪ :-‬استعينوا بال على فرعون وقومه‪ ,‬واصبوا على ما نالكم من‬
‫فرعون من الكاره ف أنفسكم وأبنائكم‪ .‬إن الرض كلها ل يورثها من يشاء من عباده‪ ,‬والعاقبة‬
‫الحمودة لن اتقى ال ففعل أوامره واجتنب نواهيه‪.‬‬

‫ستَخِْل َفكُمْ فِي‬


‫ك عَ ُدوّكُ ْم َويَ ْ‬
‫قَالُوا أُوذِينَا مِ نْ َقبْلِ أَ ْن َتأِْتيَنَا َومِ ْن َبعْ ِد مَا ِجْئتَنَا قَا َل عَ سَى َرّبكُ مْ أَ ْن ُيهْلِ َ‬
‫ف َتعْمَلُونَ (‪)129‬‬ ‫الَ ْرضِ َفيَنظُرَ َكيْ َ‬

‫قال قوم موسى ‪-‬من بن إسرائيل‪ -‬لنبيهم موسى‪ :‬ابتُلينا وأُوذينا بذبح أبنائنا واستحياء نسائنا على يد‬
‫فرعون وقومه‪ ,‬من قبل أن تأتينا‪ ,‬ومن بعد ما جئتنا‪ ,‬قال موسى لم‪ :‬لعل ربكم أن يهلك عدوكم‬
‫فرعون وقومه‪ ,‬ويستخلفكم ف أرضهم بعد هلكهم‪ ,‬فينظر كيف تعملون‪ ,‬هل تشكرون أو تكفرون؟‬

‫سنِيَ َونَ ْقصٍ مِ ْن الثّ َمرَاتِ َلعَّل ُه ْم يَذّكّرُونَ (‪)130‬‬


‫وََلقَدْ أَخَ ْذنَا آلَ ِف ْر َعوْ َن بِال ّ‬

‫ولقد ابتلينا فرعون وقومه بالقحط والدب‪ ,‬وَنقْص ثارهم وغَلتم; ليتذكروا‪ ,‬وينجروا عن ضللتم‪,‬‬
‫ويفزعوا إل ربم بالتوبة‪.‬‬

‫صبْهُمْ َسّيَئةٌ يَ ّطيّرُوا بِمُو سَى َومَ ْن َمعَ هُ أَل ِإنّمَا طَائِ ُرهُ ْم ِعنْدَ اللّ هِ‬
‫سَنةُ قَالُوا َلنَا هَذِ ِه َوإِ ْن تُ ِ‬
‫فَإِذَا جَا َءْتهُ ْم الْحَ َ‬
‫وََلكِنّ أَ ْكثَ َرهُ ْم ل َيعْلَمُونَ (‪)131‬‬

‫صبْهم جدب وقحط يتشاءموا‪,‬‬ ‫ق قالوا‪ :‬هذا لنا با نستحقه‪ ,‬وإن ُي ِ‬


‫صبُ والرز ُ‬
‫ل ْ‬
‫فإذا جاء فرعو َن وقومَه ا ِ‬
‫ويقولوا‪ :‬هذا بسبب موسى ومَن معه‪ .‬أل إنّ ما يصيبهم من الدب والقحط إنا هو بقضاء ال وقدره‪,‬‬
‫وبسبب ذنوبم وكفرهم‪ ,‬ولكن أكثر قوم فرعون ل يعلمون ذلك; لنغمارهم ف الهل والضلل‪.‬‬

‫ك بِ ُم ْؤ ِمنِيَ (‪)132‬‬
‫ح َرنَا ِبهَا َفمَا نَحْنُ لَ َ‬
‫وَقَالُوا َمهْمَا َت ْأتِنَا بِ ِه مِ ْن آَيةٍ ِلتَسْ َ‬

‫وقال قوم فرعون لوسى‪ :‬أي آية تأتِنا با‪ ,‬ودللة وحجة أقمتها لتصرفنا عما نن عليه من دين فرعون‪,‬‬
‫فما نن لك بصدّقي‪.‬‬

‫‪280‬‬
‫ه ْكبَرُوا وَكَانُوا َقوْما‬
‫هنَا عََلْيهِم ْه الطّوفَانَه وَالْجَرَا َد وَاْلقُمّ َل وَالضّفَادِعَه وَالدّمَه آيَاتٍه ُمفَصهّلتٍ فَاس َْت‬
‫َفأَرْسَ ْل‬
‫مُجْ ِر ِميَ (‪)133‬‬

‫فأرسلنا عليهم سيل جارفًا أغرق الزروع والثمار‪ ,‬وأرسلنا الراد‪ ,‬فأكل زروعهم وثارهم وأبوابم‬
‫وسقوفهم وثيابم‪ ,‬وأرسلنا القُمّل الذي يفسد الثمار ويقضي على اليوان والنبات‪ ,‬وأرسلنا الضفادع‬
‫فملت آنيتهم وأطعمتهم ومضاجعهم‪ ,‬وأرسلنا أيضًا الدم فصارت أنارهم وآبارهم دمًا‪ ,‬ول يدوا ماء‬
‫صالًا للشرب‪ ,‬هذه آيات من آيات ال ل يقدر عليها غيه‪ ,‬مفرقات بعضها عن بعض‪ ,‬ومع كل هذا‬
‫ترفّع قوم فرعون‪ ,‬فاستكبوا عن اليان بال‪ ,‬وكانوا قومًا يعملون با ينهى ال عنه من العاصي والفسق‬
‫عتوّا وتردًا‪.‬‬

‫شفْ تَ عَنّا الرّجْزَ َلُن ْؤ ِمنَنّ لَ كَ‬


‫ك بِمَا َعهِ َد عِنْدَ كَ َلئِ نْ كَ َ‬
‫وَلَمّا وَقَ َع عََلْيهِ مْ الرّ ْجزُ قَالُوا يَا مُو سَى ادْ عُ َلنَا َربّ َ‬
‫ك َبنِي ِإسْرَائِيلَ (‪)134‬‬ ‫وََلنُ ْرسِلَ ّن َمعَ َ‬

‫ولا نزل العذاب على فرعون وقومه فزعوا إل موسى وقالوا‪ :‬يا موسى ادع لنا ربك با أوحى به إليك‬
‫مِن رَفْع العذاب بالتوبة‪ ,‬لئن رفعت عنا العذاب الذي نن فيه لنصدّقنّ با جئت به‪ ,‬ونتبع ما دعوت إليه‪,‬‬
‫ولنطلق ّن معك بن إسرائيل‪ ,‬فل ننعهم من أن يذهبوا حيث شاؤوا‪.‬‬

‫شفْنَا َعْنهُمْ الرّجْزَ إِلَى أَجَ ٍل هُ ْم بَاِلغُوهُ إِذَا هُ ْم يَنكُثُونَ (‪)135‬‬


‫فََلمّا كَ َ‬

‫فلما رفع ال عنهم العذاب الذى أنزله بم إل أج ٍل هم بالغوه ل مالة فيعذبون فيه‪ ,‬ل ينفعهم ما تقدّم‬
‫لم من المهال وكَشْفِ العذاب إل حلوله‪ ,‬إذا هم ينقضون عهودهم الت عاهدوا عليها ربم وموسى‪,‬‬
‫ويقيمون على كفرهم وضللم‪.‬‬

‫فَانتَقَ ْمنَا ِمْنهُمْ َفأَغْرَ ْقنَاهُمْ فِي اْليَمّ ِبَأّنهُمْ كَ ّذبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا َعنْهَا غَافِِليَ (‪)136‬‬

‫‪281‬‬
‫فانتقمنا منهم حي جاء الجل الحدد لهلكهم‪ ,‬وذلك بإحلل نقمتنا عليهم‪ ,‬وهي إغراقهم ف البحر;‬
‫بسبب تكذيبهم بالعجزات الت ظهرت على يد موسى‪ ,‬وكانوا عن هذه العجزات غافلي‪ ,‬وتلك الغفلة‬
‫هي سبب التكذيب‪.‬‬

‫ق الَرْ ضِ َو َمغَا ِربَهَا الّتِي بَارَكْنَا فِيهَا َوتَمّ تْ كَِل َمةُ َربّ كَ‬
‫ض َعفُو َن مَشَارِ َ‬ ‫ستَ ْ‬
‫َوَأوْ َرثْنَا اْل َقوْ َم الّذِي نَ كَانُوا يُ ْ‬
‫صبَرُوا وَ َدمّ ْرنَا مَا كَا َن َيصْنَعُ ِف ْر َعوْ ُن وََق ْومُهُ َومَا كَانُوا َيعْ ِرشُونَ (‪)137‬‬
‫سنَى عَلَى َبنِي ِإسْرَائِي َل بِمَا َ‬ ‫الْحُ ْ‬

‫وأررثنا بن إسرائيل الذين كانوا يُستَذَلّون للخدمة‪ ,‬مشارق الرض ومغاربا (وهي بلد "الشام") الت‬
‫باركنا فيها‪ ,‬بإخراج الزروع والثمار والنار‪ ,‬وتت كلمة ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬السن على بن‬
‫إسرائيل بالتمكي لم ف الرض; بسبب صبهم على أذى فرعون وقومه‪ ,‬ودمّرنا ما كان يصنع فرعون‬
‫وقومه من العمارات والزارع‪ ,‬وما كانوا يبنون من البنية والقصور وغي ذلك‪.‬‬

‫صنَامٍ َل ُه مْ قَالُوا يَا مُو سَى ا ْجعَل َلنَا إِلَها كَمَا‬


‫حرَ َفأََتوْا عَلَى َقوْ مٍ َي ْعكُفُو َن عَلَى أَ ْ‬
‫وَجَاوَ ْزنَا ِبَبنِي إِ سْرَائِيلَ اْلبَ ْ‬
‫جهَلُونَ (‪)138‬‬ ‫َلهُمْ آِل َهةٌ قَالَ ِإنّكُمْ َق ْو ٌم تَ ْ‬

‫وقطعنا ببن إسرائيل البحر‪ ,‬فمرّوا على قوم يقيمون ويواظبون على عبادة أصنام لم‪ ,‬قال بنو إسرائيل‪:‬‬
‫اجعل لنا يا موسى صنمًا نعبده ونتخذه إلًا‪ ,‬كما لؤلء القوم أصنام يعبدونا‪ ,‬قال موسى لم‪ :‬إنكم أيها‬
‫القوم تهلون عظمة ال‪ ,‬ول تعلمون أن العبادة ل تنبغي إل ل الواحد القهار‪.‬‬

‫ِإنّ َهؤُلءِ ُمَتبّ ٌر مَا هُمْ فِي ِه َوبَاطِ ٌل مَا كَانُوا َيعْمَلُونَ (‪)139‬‬

‫إن هؤلء القيمي على هذه الصنام ُمهْلَك ما هم فيه من الشرك‪ ,‬ومدمّر وباطل ما كانوا يعملون من‬
‫عبادتم لتلك الصنام‪ ,‬الت ل تدفع عنهم عذاب ال إذا نزل بم‪.‬‬

‫قَالَ َأ َغيْرَ اللّهِ َأبْغِيكُمْ إِلَها َو ُهوَ َفضَّلكُ ْم عَلَى اْلعَالَمِيَ (‪)140‬‬

‫‪282‬‬
‫قال موسى لقومه‪ :‬أغي ال أطلب لكم معبودًا تعبدونه من دونه‪ ,‬وال هو الذي خلقكم‪ ,‬وفضّلكم على‬
‫عالي زمانكم بكثرة النبياء فيكم‪ ,‬وإهلك عدوكم وما خصّكم به من اليات؟‬

‫حيُو َن نِ سَاءَكُ ْم وَفِي ذَِلكُ مْ‬


‫ستَ ْ‬
‫ب ُيقَتّلُو نَ َأبْنَاءَكُ ْم َويَ ْ‬
‫َوإِذْ أَ َنيْنَاكُ ْم مِ نْ آلِ فِ ْر َعوْ َن يَ سُومُوَنكُمْ سُوءَ اْلعَذَا ِ‬
‫بَلءٌ مِنْ َربّكُ ْم عَظِيمٌ (‪)141‬‬

‫واذكروا ‪ -‬يا بن إسرائيل ‪ِ -‬نعَمنا عليكم إذ أنقذناكم من َأسْر فرعون وآله‪ ,‬وما كنتم فيه من الوان‬
‫والذلة من تذبيح أبنائكم واستبقاء نسائكم للخدمة‪ ,‬وف َحمْلِكم على أقبح العذاب وأسوئه‪ ,‬ث إنائكم‪,‬‬
‫اختبار من ال لكم ونعمة عظيمة‪.‬‬

‫َووَاعَدْنَا مُو سَى ثَلثِيَ َليَْل ًة َوَأتْمَ ْمنَاهَا ِبعَشْرٍ َفتَمّ مِيقَا تُ َربّ هِ أَ ْرَبعِيَ َليَْل ًة وَقَا َل مُو سَى لَخِي هِ هَارُو نَ‬
‫اخُْل ْفنِي فِي َق ْومِي َوأَصْلِحْ وَل َتّتبِ ْع َسبِي َل الْ ُمفْسِدِينَ (‪)142‬‬

‫وواعد ال سبحانه وتعال موسى لناجاة ربه ثلثي ليلة‪ ,‬ث زاده ف الجل بعد ذلك عشر ليال‪ ,‬فت ّم ما‬
‫وَّقتَه ال لوسى لتكليمه أربعي ليلة‪ .‬وقال موسى لخيه هارون ‪-‬حي أراد الض ّي لناجاة ربه‪ :-‬كن‬
‫خليفت ف قومي حت أرجع‪ ,‬وأحِلَهم على طاعة ال وعبادته‪ ,‬ول تسلكْ طريق الذين يفسدون ف‬
‫الرض‪.‬‬

‫جبَلِ فَإِنْ‬
‫وَلَمّا جَا َء مُوسَى لِمِيقَاِتنَا وَكَلّمَهُ َربّهُ قَالَ رَبّ أَ ِرنِي أَنظُرْ إَِليْكَ قَالَ َل ْن تَرَانِي وََلكِ ْن انظُرْ إِلَى الْ َ‬
‫صعِقا َفلَمّا أَفَاقَ قَالَ ُسبْحَانَكَ‬ ‫جبَلِ َجعَلَهُ دَكّا وَ َخ ّر مُوسَى َ‬ ‫ف تَرَانِي َفلَمّا تَجَلّى َربّهُ لِلْ َ‬
‫سوْ َ‬‫ا ْستَقَرّ مَكَانَهُ فَ َ‬
‫ُتبْتُ إَِليْكَ َوَأنَا َأوّلُ الْ ُم ْؤ ِمنِيَ (‪)143‬‬

‫ولا جاء موسى ف الوقت الحدد وهو تام أربعي ليلة‪ ,‬وكلّمه ربه با كلّمه من وحيه وأمره ونيه‪ ,‬طمع‬
‫ف رؤية ال فطلب النظر إليه‪ ,‬قال ال له‪ :‬لن تران‪ ,‬أي لن تقدر على رؤيت ف الدنيا‪ ,‬ولكن انظر إل‬
‫البل‪ ,‬فإن استقر مكانه إذا تلّيتُ له فسوف تران‪ ,‬فلما تلّى ربه للجبل جعله دكّا مستويًا بالرض‪,‬‬
‫وسقط موسى مغشيّا عليه‪ ,‬فلما أفاق من غشيته قال‪ :‬تنيهًا لك يا رب عما ل يليق بللك‪ ,‬إن تبت‬
‫إليك من مسألت إياك الرؤية ف هذه الياة الدنيا‪ ,‬وأنا أول الؤمني بك من قومي‪.‬‬

‫‪283‬‬
‫قَا َل يَا مُوسَى ِإنّي اصْ َط َفْيتُكَ عَلَى النّاسِ بِ ِرسَالتِي َوِبكَلمِي فَخُذْ مَا آَتْيتُكَ وَكُ ْن مِنْ الشّاكِرِينَ (‪)144‬‬

‫قال ال يا موسى‪ :‬إن اخترتك على الناس برسالت إل خلقي الذين أرسلتك إليهم وبكلمي إياك مِن‬
‫غي وساطة‪ ,‬فخذ ما أعطيتك مِن أمري ونيي‪ ,‬وتسّك به‪ ,‬واعمل به‪ ,‬وكن من الشاكرين ل تعال على‬
‫ما آتاك من رسالته‪ ,‬وخصّك بكلمه‪.‬‬

‫َكه َيأْخُذُوا‬
‫ِنه كُ ّل َشيْءٍ َم ْوعِ َظ ًة َوتَفْصهِيلً ِلكُ ّل َشيْءٍ َفخُذْهَا ِب ُقوّ ٍة َوْأمُرْ َق ْوم َ‬
‫َاحه م ْ‬
‫َهه فِي الَْلو ِ‬ ‫وَ َكتَبْنَا ل ُ‬
‫سِنهَا َسأُرِيكُمْ دَا َر الْفَا ِسقِيَ (‪)145‬‬
‫بِأَحْ َ‬

‫وكتبنا لوسى ف التوراة من كل ما يتاج إليه ف دينه من الحكام‪ ,‬موعظة للزدجار والعتبار وتفصيل‬
‫لتكاليف اللل والرام والمر والنهي والقصص والعقائد والخبار والغيبات‪ ,‬قال ال له‪ :‬فخذها بقوة‪,‬‬
‫أي‪ :‬خذ التوراة بد واجتهاد‪ ,‬وأمر قومك يعملوا با شرع ال فيها; فإن مَن أشرك منهم ومِن غيهم‬
‫فإن سأريه ف الخرة دار الفاسقي‪ ,‬وهي نار ال الت أعدّها لعدائه الارجي عن طاعته‪.‬‬

‫ض ِبغَيْرِ الْحَقّ َوإِ ْن يَ َروْا كُ ّل آَيةٍ ل ُي ْؤ ِمنُوا ِبهَا َوإِ ْن يَ َروْا َسبِي َل‬
‫ف عَ ْن آيَاتِي الّذِي َن َيتَ َكبّرُونَ فِي الَرْ ِ‬
‫َسأَصْرِ ُ‬
‫ك بَِأّنهُمْ كَ ّذبُوا بِآيَاِتنَا وَكَانُوا َعْنهَا غَافِلِيَ‬ ‫ال ّرشْ ِد ل َيتّخِذُوهُ َسبِيلً َوإِ ْن يَ َروْا َسبِي َل ال َغيّ َيتّخِذُوهُ َسبِيلً ذَلِ َ‬
‫(‪)146‬‬

‫سأصرف عن َفهْم الجج والدلة الدالة على عظمت وشريعت وأحكامي قلوب التكبين عن طاعت‪,‬‬
‫والتكبين على الناس بغي الق‪ ,‬فل يتبعون نبيًا ول يصغون إليه لتكبهم‪ ,‬وإ ْن يَ َر هؤلء التكبون عن‬
‫اليان كل آية ل يؤمنوا با لعراضهم ومادّتم ل ورسوله‪ ,‬وإن يروا طريق الصلح ل يتخذوه طريقًا‪,‬‬
‫وإن يروا طريق الضلل‪ ,‬أي الكفر يتخذوه طريقًا ودينًا; وذلك بسبب تكذيبهم بآيات ال وغفلتهم عن‬
‫النظر فيها والتفكر ف دللتا‪.‬‬

‫ج َزوْنَ إِ ّل مَا كَانُوا َيعْمَلُونَ (‪)147‬‬


‫وَالّذِينَ َك ّذبُوا بِآيَاِتنَا وَِلقَاءِ ال ِخ َرةِ َحبِ َطتْ َأعْمَاُلهُ ْم هَ ْل يُ ْ‬

‫‪284‬‬
‫والذين كذّبوا بآيات ال وحججه وبلقاء ال ف الخرة حبطت أعملهم; بسبب َفقْدِ شرطها‪ ,‬وهو‬
‫اليان بال والتصديق بزائه‪ ,‬ما يزون ف الخرة إل جزاء ما كانوا يعملونه ف الدنيا من الكفر‬
‫والعاصي‪ ,‬وهو اللود ف النار‪.‬‬

‫جلً جَسَدا لَهُ ُخوَارٌ أَلَ ْم َي َروْا َأنّ ُه ل يُكَلّ ُمهُ ْم وَل َيهْدِيهِمْ َسبِيلً‬
‫خذَ َقوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِ ِه مِنْ ُحِلّيهِ ْم عِ ْ‬
‫وَاتّ َ‬
‫خذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِيَ (‪)148‬‬ ‫اتّ َ‬

‫واتذ قوم موسى من بعد ما فارقهم ماضيًا لناجاة ربه معبودًا مِن ذهبهم عِجل جسدًا بل روح‪ ,‬له‬
‫صوت‪ ,‬أل يعلموا أنه ل يكلمهم‪ ,‬ول يرشدهم إل خي؟ أَقْ َدمُوا على ما أقدموا عليه من هذا المر‬
‫الشنيع‪ ,‬وكانوا ظالي لنفسهم واضعي الشيء ف غي موضعه‪.‬‬

‫وَلَمّا ُسقِطَ فِي َأيْدِيهِ ْم وَ َرَأوْا َأّنهُ مْ قَدْ ضَلّوا قَالُوا َلئِ نْ لَ ْم يَرْ َح ْمنَا َرّبنَا َوَي ْغفِرْ َلنَا َلَنكُونَنّ مِ ْن الْخَا سِرِينَ (‬
‫‪)149‬‬

‫ولا ندم الذين عبدوا العجل مِن دون ال عند رجوع موسى إليهم‪ ,‬ورأوا أنم قد ضلّوا عن قصد‬
‫السبيل‪ ,‬وذهبوا عن دين ال‪ ,‬أخذوا ف القرار بالعبودية والستغفار‪ ,‬فقالوا‪ :‬لئن ل يرحنا ربنا بقَبول‬
‫توبتنا‪ ,‬ويستر با ذنوبنا‪ ,‬لنكونن من الالكي الذين ذهبت أعمالم‪.‬‬

‫وَلَمّ ا َرجَ َع مُو سَى إِلَى َق ْومِ ِه َغضْبَا نَ أَ سِفا قَا َل ِبئْ سَمَا خََل ْفتُمُونِي مِ ْن َبعْدِي َأعَجِ ْلتُ مْ َأمْرَ َربّكُ ْم َوأَلْقَى‬
‫ت بِي‬‫ضعَفُونِي وَكَادُوا َيقْتُلُوَننِي فَل تُشْمِ ْ‬ ‫الَلْوَا حَ َوأَخَ َذ بِ َرأْ سِ أَخِي ِه يَجُرّ هُ إِلَيْ هِ قَا َل ابْ نَ ُأمّ ِإنّ اْلقَوْ مَ ا سَْت ْ‬
‫جعَ ْلنِي مَ َع اْل َق ْومِ الظّالِ ِميَ (‪)150‬‬ ‫الَعْدَا َء وَل َت ْ‬

‫ولا رجع موسى إل قومه مِن بن إسرائيل غضبان حزينًا; لن ال قد أخبه أنه قد ُفتِن قومه‪ ,‬وأن‬
‫السامريّ قد أضلّهم‪ ,‬قال موسى‪ :‬بئس اللفة الت خلفتمون مِن بعدي‪ ,‬أعجلتم َأمْر ربكم؟ أي‪:‬‬
‫أستعجلتم ميئي إليكم وهو مقدّر من ال تعال؟ وألقى موسى ألواح التوراة غضبا على قومه الذين عبدوا‬
‫العجل‪ ,‬وغضبًا على أخيه هارون‪ ,‬وأمسك برأس أخيه يره إليه‪ ,‬قال هارون مستعطفًا‪ :‬يا ابن أمي‪ :‬إن‬

‫‪285‬‬
‫القوم استذلون وعدّون ضعيفًا وقاربوا أن يقتلون‪ ,‬فل تَسرّ العداء با تفعل ب‪ ,‬ول تعلن ف غضبك‬
‫مع القوم الذين خالفوا أمرك وعبدوا العجل‪.‬‬

‫قَالَ رَبّ ا ْغفِرْ لِي وَلَخِي َوأَ ْدخِ ْلنَا فِي رَ ْح َمتِكَ َوَأْنتَ أَ ْرحَمُ الرّاحِ ِميَ (‪)151‬‬

‫قال موسى لا تبي له عذر أخيه‪ ,‬وعلم أنه ل ُيفَرّط فيما كان عليه من أمر ال‪ :‬ربّ اغفر ل غضب‪,‬‬
‫واغفر لخي ما سبق بينه وبي بن إسرائيل‪ ,‬وأدخلنا ف رحتك الواسعة‪ ,‬فإنك أرحم بنا من كل راحم‪.‬‬

‫ك نَجْزِي الْ ُمفْتَرِي نَ (‬


‫حيَاةِ ال ّدنْيَا وَكَذَلِ َ‬
‫ب مِ نْ َرّبهِ ْم وَذِّلةٌ فِي الْ َ‬
‫جلَ َسيَنَاُلهُ ْم َغضَ ٌ‬
‫إِنّ الّذِي َن اتّخَذُوا الْعِ ْ‬
‫‪)152‬‬

‫إن الذين اتذوا العجل إلًا سينالم غضب شديد مِن ربم وهوان ف الياة الدنيا; بسبب كفرهم بربم‪,‬‬
‫وكما فعلنا بؤلء نفعل بالفترين البتدعي ف دين ال‪ ,‬فكل صاحب بدعة ذليل‪.‬‬

‫ك مِ ْن َبعْ ِدهَا َل َغفُورٌ َرحِيمٌ (‪)153‬‬


‫سّيئَاتِ ثُ ّم تَابُوا مِ ْن َبعْ ِدهَا وَآ َمنُوا إِنّ َربّ َ‬
‫وَالّذِينَ عَ ِملُوا ال ّ‬

‫والذين عملوا السيئات من الكفر والعاصي‪ ,‬ث رجعوا مِن بعد فعلها إل اليان والعمل الصال‪ ,‬إن ربك‬
‫من بعد التوبة النصوح لغفور لعمالم غي فاضحهم با‪ ,‬رحيم بم وبكل مَن كان مثلهم من التائبي‪.‬‬

‫خِتهَا هُدًى وَرَ ْح َمةٌ لِلّذِي َن هُ مْ ِل َرّبهِ ْم يَ ْر َهبُو نَ (‬


‫ح وَفِي نُ سْ َ‬
‫ت عَ نْ مُو سَى اْلغَضَ بُ أَخَذَ الَْلوَا َ‬
‫وَلَمّا َسكَ َ‬
‫‪)154‬‬

‫ولا سكن عن موسى غضبه أخذ اللواح بعد أن ألقاها على الرض‪ ,‬وفيها بيان للحق ورحة للذين‬
‫يافون ال‪ ,‬ويشون عقابه‪.‬‬

‫وَا ْختَارَ مُو سَى َق ْومَ هُ َسبْعِيَ رَ ُجلً لِمِيقَاتِنَا فَلَمّ ا أَخَ َذْتهُ مْ الرّ ْج َفةُ قَالَ رَبّ َل ْو ِشئْ تَ أَهَْل ْكَتهُ ْم مِ نْ َقبْ ُل‬
‫ت وَِليّنَا‬
‫ك ُتضِلّ بِهَا مَ ْن تَشَا ُء َوَتهْدِي مَ ْن تَشَاءُ َأنْ َ‬ ‫َوإِيّا يَ َأُتهِْلكُنَا بِمَا َفعَلَ ال سّ َفهَا ُء ِمنّ ا إِ ْن هِ يَ إِلّ ِفتَْنتُ َ‬

‫‪286‬‬
‫فَا ْغفِرْ َلنَا وَارْ َح ْمنَا َوأَْنتَ َخيْ ُر اْلغَافِرِينَ (‪)155‬‬

‫واختار موسى من قومه سبعي رجل مِن خيارهم‪ ,‬وخرج بم إل طور "سيناء" للوقت والجل الذي‬
‫واعده ال أن يلقاه فيه بم للتوبة ما كان من سفهاء بن إسرائيل من عبادة العجل‪ ,‬فلما أتوا ذلك الكان‬
‫قالوا‪ :‬لن نؤمن لك ‪-‬يا موسى‪ -‬حت نرى ال جهرة فإنك قد كلّمته فأ ِرنَاهُ‪ ,‬فأخذتم الزلزلة الشديدة‬
‫فماتوا‪ ,‬فقام موسى يتضرع إل ال ويقول‪ :‬رب ماذا أقول لبن إسرائيل إذا أتيتُهم‪ ,‬وقد أهلكتَ‬
‫خيارهم؟ لو شئت أهلكتهم جيعًا من قبل هذا الال وأنا معهم‪ ,‬فإن ذلك أخف عليّ‪ ,‬أتلكنا با فعله‬
‫سفهاء الحلم منا؟ ما هذه الفعلة الت فعلها قومي من عبادتم العجل إل ابتلءٌ واختبارٌ‪ ,‬تض ّل با مَن‬
‫تشاء مِن خلقك‪ ,‬وتدي با من تشاء هدايته‪ ,‬أنت وليّنا وناصرنا‪ ,‬فاغفر ذنوبنا‪ ,‬وارحنا برحتك‪ ,‬وأنت‬
‫خي مَن صفح عن جُرْم‪ ,‬وستر عن ذنب‪.‬‬

‫سَن ًة وَفِي الخِ َرةِ ِإنّا هُ ْدنَا إَِليْ كَ قَا َل عَذَابِي أُ صِيبُ بِ هِ مَ نْ َأشَا ُء وَرَ ْح َمتِي‬
‫وَاكْتُ بْ َلنَا فِي هَذِ هِ ال ّدْنيَا حَ َ‬
‫سأَ ْكُتبُهَا لِلّذِي َن َيتّقُونَ َوُي ْؤتُونَ الزّكَاةَ وَالّذِي َن هُ ْم بِآيَاِتنَا ُي ْؤمِنُونَ (‪)156‬‬
‫َو ِسعَتْ كُ ّل َشيْءٍ فَ َ‬

‫واجعلنا من كتبتَ له الصالات من العمال ف الدنيا وف الخرة‪ ,‬إنا رجعنا تائبي إليك‪ ,‬قال ال تعال‬
‫ت هؤلء الذين أصبتهم من قومك‪ ,‬ورحت‬ ‫لوسى‪ :‬عذاب أصيب به مَن أشاء مِن خلقي‪ ,‬كما أصب ُ‬
‫وسعت خلقي كلّهم‪ ,‬فسأكتبها للذين يافون ال‪ ,‬ويشون عقابه‪ ,‬فيؤدون فرائضه‪ ,‬ويتنبون معاصيه‪,‬‬
‫والذين هم بدلئل التوحيد وبراهينه يصدقون‪.‬‬

‫الّذِي َن َيّتبِعُو نَ الرّ سُو َل الّنبِيّ ا ُلمّيّ الّذِي يَجِدُونَ هُ َم ْكتُوبا عِنْ َدهُ مْ فِي التّوْرَاةِ وَالِنِيلِ يَ ْأمُ ُرهُ مْ بِالْ َمعْرُو ِ‬
‫ف‬
‫ث َوَيضَ ُع َعْنهُ مْ إِ صْ َرهُ ْم وَالَغْل َل الّتِي‬ ‫خبَائِ َ‬ ‫حرّ ُم عََلْيهِ ْم الْ َ‬
‫ت َويُ َ‬‫حلّ َلهُ مْ ال ّطّيبَا ِ‬
‫َويَْنهَاهُ ْم عَ ْن الْمُنكَ ِر َويُ ِ‬
‫ك هُ مْ الْ ُمفْلِحُو نَ (‬ ‫كَانَ تْ عََلْيهِ مْ فَالّذِي نَ آ َمنُوا بِ ِه َوعَزّرُو ُه َونَ صَرُو ُه وَاّتَبعُوا النّو َر الّذِي أُنزِ َل َمعَ هُ ُأوَْلئِ َ‬
‫‪)157‬‬

‫هذه الرحة سأكتبها للذين يافون ال ويتنبون معاصيه‪ ,‬ويتبعون الرسول النب المي الذي ل يقرأ ول‬
‫يكتب‪ ,‬وهو ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬الذي يدون صفته وأمره مكتوَبيْن عندهم ف التوراة والنيل‪,‬‬
‫يأمرهم بالتوحيد والطاعة وكل ما عرف حُسْنه‪ ,‬وينهاهم عن الشرك والعصية وكل ما عرف ُقبْحه‪,‬‬

‫‪287‬‬
‫ويُحِلّ لم الطيبات من الطاعم والشارب والناكح‪ ,‬ويُحرّم عليهم البائث منها كلحم النير‪ ,‬وما‬
‫كانوا يستحلّونه من الطاعم والشارب الت حرّمها ال‪ ,‬ويذهب عنهم ما كُلّفوه من المور الشاقة‬
‫كقطع موضع النجاسة من الثوب‪ ,‬وإحراق الغنائم‪ ,‬والقصاص حتمًا من القاتل عمدًا كان القتل أم‬
‫خطأ‪ ,‬فالذين صدّقوا بالنب المي ممد صلى ال عليه وسلم وأقروا بنبوته‪ ,‬ووقروه وعظّموه ونصروه‪,‬‬
‫واتبعوا القرآن النل عليه‪ ,‬وعملوا بسنته‪ ,‬أولئك هم الفائزون با وعد ال به عباده الؤمني‪.‬‬

‫ت وَالَرْ ضِ ل إِلَ هَ إِ ّل ُهوَ يُحْ يِ‬


‫ك ال سّ َموَا ِ‬ ‫قُ ْل يَا َأيّهَا النّا سُ ِإنّ ي رَ سُولُ اللّ هِ إَِليْكُ مْ جَمِيعا الّذِي لَ ُه ُملْ ُ‬
‫َويُمِيتُ فَآ ِمنُوا بِاللّ ِه وَ َرسُولِ ِه الّنِبيّ ا ُلمّ ّي الّذِي ُي ْؤمِنُ بِاللّ ِه وَكَلِمَاتِ ِه وَاتِّبعُوهُ َلعَّلكُ ْم َت ْهتَدُونَ (‪)158‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للناس كلهم‪ :‬إن رسول ال إليكم جيعًا ل إل بعضكم دون بعض‪ ,‬الذي له ملك‬
‫السموات والرض وما فيهما‪ ,‬ل ينبغي أن تكون اللوهية والعبادة إل له جل ثناؤه‪ ,‬القادر على إياد‬
‫اللق وإفنائه وبعثه‪ ,‬فصدّقوا بال وأقرّوا بوحدانيته‪ ,‬وصدّقوا برسوله ممد صلى ال عليه وسلم النب‬
‫الميّ الذي يؤمن بال وما أنزل إليه من ربه وما أنزل على النبيي من قبله‪ ,‬واتبعوا هذا الرسول‪ ,‬والتزموا‬
‫العمل با أمركم به من طاعة ال‪ ,‬رجاء أن توفقوا إل الطريق الستقيم‪.‬‬

‫ح ّق َوبِهِ َيعْدِلُونَ (‪)159‬‬


‫َومِنْ َق ْومِ مُوسَى ُأ ّم ٌة َيهْدُونَ بِالْ َ‬

‫ومِن بن إسرائيل من قوم موسى جاعة يستقيمون على الق‪ ,‬يهدون الناس به‪ ,‬ويعدلون به ف الكم ف‬
‫قضاياهم‪.‬‬

‫ج َر‬
‫وَقَ ّط ْعنَاهُ ْم اْثنَتَ ْي عَشْ َرةَ أَ ْسبَاطا ُأمَما َوَأوْ َحيْنَا إِلَى مُو سَى إِ ْذ ا ْستَسْقَاهُ َق ْومُ هُ أَ نْ اضْرِب ِبعَ صَا َك الْحَ َ‬
‫س مَشْ َرَبهُ ْم َوظَلّلْنَا عََلْيهِ ْم اْلغَمَا مَ َوأَنزَلْنَا عََلْيهِ ْم الْمَنّ‬
‫ستْ ِمنْ ُه اثْنَتَا عَشْ َرةَ َعيْنا َق ْد عَلِ مَ كُلّ ُأنَا ٍ‬
‫فَاْنبَجَ َ‬
‫سهُمْ يَظْلِمُونَ (‪)160‬‬ ‫وَالسّ ْلوَى ُكلُوا مِ ْن َطّيبَاتِ مَا َرزَ ْقنَاكُ ْم َومَا ظََلمُونَا وََلكِنْ كَانُوا أَنفُ َ‬

‫وفرّقنا قوم موسى مِن بن إسرائيل اثنت عشرة قبيلة بعدد السباط ‪-‬وهم أبناء يعقوب‪ -‬كل قبيلة معروفة‬
‫من جهة نقيبها‪ .‬وأوحينا إل موسى إذ طلب منه قومه السقيا حي عطشوا ف الّتيْه‪ :‬أن اضرب بعصاك‬
‫الجر‪ ,‬فضربه‪ ،‬فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا من الاء‪ ,‬قد علمت كل قبيلة من القبائل الثنت عشرة‬

‫‪288‬‬
‫مشربم‪ ,‬ل تدخل قبيلة على غيها ف شربا‪ ,‬وظلّلنا عليهم السحاب‪ ,‬وأنزلنا عليهم النّ ‪-‬وهو شيء‬
‫يشبه الصّمغ‪ ,‬طعمه كالعسل ‪ -‬والسلوى‪ ,‬وهو طائر يشبه السّمَانَى‪ ,‬وقلنا لم‪ :‬كلوا من طيبات ما‬
‫رزقناكم‪ ,‬فكرهوا ذلك وملّوه من طول الداومة عليه‪ ,‬وقالوا‪ :‬لن نصب على طعام واحد‪ ,‬وطلبوا‬
‫استبدال الذي هو أدن بالذي هو خي‪ .‬وما ظلمونا حي ل يشكروا ل‪ ,‬ول يقوموا با أوجب ال‬
‫عليهم‪ ,‬ولكن كانوا أنفسهم يظلمون; إذ فوّتوا عليها كل خي‪ ,‬وعرّضوها للشر والنقمة‪.‬‬

‫ث ِشئْتُ ْم وَقُولُوا حِ ّط ٌة وَادْ ُخلُوا اْلبَا بَ سُجّدا َن ْغفِرْ َلكُ مْ‬


‫َوإِذْ قِيلَ َلهُ ْم ا ْسكُنُوا هَذِ ِه اْلقَ ْرَيةَ وَكُلُوا ِمْنهَا َحيْ ُ‬
‫سنِيَ (‪)161‬‬ ‫خَطِيئَاتِكُ ْم َسنَزِي ُد الْ ُمحْ ِ‬

‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عصيان بن إسرائيل لربم سبحانه وتعال ولنبيهم موسى عليه السلم‪ ,‬وتبديلهم‬
‫القول الذي أمروا أن يقولوه حي قال ال لم‪ :‬اسكنوا قرية "بيت القدس"‪ ,‬وكلوا من ثارها وحبوبا‬
‫ط عنا ذنوبنا‪ ,‬وادخلوا الباب خاضعي ل‪ ,‬نغفر لكم خطاياكم‪,‬‬ ‫ونباتا أين شئتم ومت شئتم‪ ,‬وقولوا‪ :‬حُ ّ‬
‫ي الدنيا والخرة‪.‬‬
‫فل نؤاخذكم عليها‪ ,‬وسنيد الحسني مِن َخيْرَ ِ‬

‫َفبَدّ َل الّذِي نَ ظََلمُوا ِمْنهُ مْ َقوْ ًل َغيْ َر الّذِي قِيلَ َلهُ مْ َفأَرْ سَ ْلنَا عََلْيهِ مْ رِجْزا مِ ْن ال سّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَ ْظلِمُو نَ (‬
‫‪)162‬‬

‫فغيّر الذين كفروا بال منهم ما أمرهم ال به من القول‪ ,‬ودخلوا الباب يزحفون على أستاههم‪ ,‬وقالوا‪:‬‬
‫حبة ف شعرة‪ ,‬فأرسلنا عليهم عذابًا من السماء‪ ,‬أهلكناهم به; بسبب ظلمهم وعصيانم‪.‬‬

‫سبْتِ إِ ْذ َت ْأتِيهِمْ حِيتَاُنهُ ْم َيوْمَ َسْبِتهِمْ شُرّعا‬


‫حرِ إِ ْذ َيعْدُونَ فِي ال ّ‬
‫وَا ْسأَْلهُ ْم عَ ْن الْقَ ْرَي ِة اّلتِي كَانَتْ حَاضِ َر َة الْبَ ْ‬
‫سقُونَ (‪)163‬‬ ‫ك َنبْلُوهُ ْم بِمَا كَانُوا َيفْ ُ‬‫سبِتُونَ ل َت ْأتِيهِمْ كَذَلِ َ‬ ‫َوَيوْ َم ل يَ ْ‬

‫واسأل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء اليهود عن خب أهل القرية الت كانت بقرب البحر‪ ,‬إذ يعتدي أهلها ف‬
‫يوم السبت على حرمات ال‪ ,‬حيث أمرهم أن يعظموا يوم السبت ول يصيدوا فيه سكًا‪ ,‬فابتلهم ال‬
‫وامتحنهم; فكانت حيتانم تأتيهم يوم السبت كثية طافية على وجه البحر‪ ,‬وإذا ذهب يوم السبت‬
‫تذهب اليتان ف البحر‪ ,‬ول يرون منها شيئًا‪ ,‬فكانوا يتالون على حبسها ف يوم السبت ف حفائر‪,‬‬

‫‪289‬‬
‫ويصطادونا بعده‪ .‬وكما وصفنا لكم من الختبار والبتلء‪ ,‬لظهار السمك على ظهر الاء ف اليوم‬
‫الحرم عليهم صيده فيه‪ ,‬وإخفائه عليهم ف اليوم الحلل لم فيه صيده‪ ,‬كذلك نتبهم بسبب فسقهم‬
‫عن طاعة ال وخروجهم عنها‪.‬‬

‫ُمه‬
‫ُمه عَذَابا شَدِيدا قَالُوا َمعْ ِذ َرةً إِلَى َرّبك ْ‬
‫ُمهَأوْ ُمعَ ّذُبه ْ‬
‫ّهه ُمهِْل ُكه ْ‬
‫ُونه َقوْما الل ُ‬
‫ِمه َتعِظ َ‬
‫ُمه ل َ‬
‫َتهُأ ّم ٌة ِمنْه ْ‬
‫َوإِذْ قَال ْ‬
‫وََلعَّلهُ ْم َيتّقُونَ (‪)164‬‬

‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إذ قالت جاعة منهم لماعة أخرى كانت تعظ العتدين ف يوم السبت‪ ,‬وتنهاهم‬
‫عن معصية ال فيه‪ِ :‬لمَ تعظون قومًا ال مهلكهم ف الدنيا بعصيتهم إياه أو معذبم عذابا شديدًا ف‬
‫الخرة؟ قال الذين كانوا ين َهوْنم عن معصية ال‪َ :‬نعِظهم وننهاهم ِلُنعْذَر فيهم‪ ,‬ونؤدي فرض ال علينا ف‬
‫المر بالعروف والنهي عن النكر‪ ,‬ورجاء أن يتقوا ال‪ ,‬فيخافوه‪ ,‬ويتوبوا من معصيتهم ربم وتعذّيهم‬
‫على ما حرّم عليهم‪.‬‬

‫س بِمَا كَانُوا‬
‫جيْنَا الّذِي َن َيْن َهوْ نَ عَ ْن ال سّوءِ َوأَخَذْنَا الّذِي نَ ظََلمُوا ِبعَذَا بٍ َبئِي ٍ‬
‫فََلمّ ا نَ سُوا مَا ذُكّرُوا بِ هِ َأنْ َ‬
‫َيفْسُقُونَ (‪)165‬‬

‫فلما تركت الطائفة الت اعتدت ف يوم السبت ما ذُكّرت به‪ ,‬واستمرت على غيّها واعتدائها فيه‪ ,‬ول‬
‫تستجب لا َوعَ َظتْها به الطائفة الواعظة‪ ,‬أنى ال الذين ينهون عن معصيته‪ ,‬وأخذ الذين اعت َدوْا ف يوم‬
‫السبت بعذاب أليم شديد; بسبب مالفتهم أمر ال وخروجهم عن طاعته‪.‬‬

‫فََلمّا عََتوْا عَ ْن مَا ُنهُوا َعنْهُ قُ ْلنَا َلهُمْ كُونُوا قِ َر َدةً خَا ِسئِيَ (‪)166‬‬

‫فلما تردت تلك الطائفة‪ ,‬وتاوزت ما ناها ال عنه من عدم الصيد ف يوم السبت‪ ,‬قال لم ال‪ :‬كونوا‬
‫قردة خاسئي مبعدين من كل خي‪ ,‬فكانوا كذلك‪.‬‬

‫سرِي ُع اْلعِقَا بِ َوإِنّ هُ‬


‫َوإِ ْذ َتأَذّ نَ َربّ كَ َلَيْبعَثَنّ عََلْيهِ مْ إِلَى َيوْ مِ اْل ِقيَامَ ِة مَ ْن يَ سُو ُمهُمْ سُو َء اْلعَذَا بِ إِنّ َربّ كَ لَ َ‬
‫َل َغفُورٌ رَحِيمٌ (‪)167‬‬

‫‪290‬‬
‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إذ علم ذلك إعلمًا صريًا ليبعثن على اليهود مَن يذيقهم سوء العذاب والذلل‬
‫إل يوم القيامة‪ .‬إن ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لسريع العقاب لِمَن استحقه بسبب كفره ومعصيته‪ ,‬وإنه لغفور‬
‫عن ذنوب التائبي‪ ,‬رحيم بم‪.‬‬

‫سيّئَاتِ َلعَّلهُ مْ‬


‫ت وَال ّ‬
‫سنَا ِ‬
‫ك َوبََل ْونَاهُ ْم بِالْحَ َ‬
‫وَقَ ّط ْعنَاهُ مْ فِي الَرْ ضِ ُأمَما ِمْنهُ ْم ال صّالِحُو َن َومِْنهُ مْ دُو نَ ذَلِ َ‬
‫يَرْ ِجعُونَ (‪)168‬‬

‫وفرّقنا بن إسرائيل ف الرض جاعات‪ ,‬منهم القائمون بقوق ال وحقوق عباده‪ ,‬ومنهم القصّرون‬
‫سعَة ف الرزق‪ ,‬واختبناهم أيضًا بالشدة ف‬
‫الظالون لنفسهم‪ ,‬واختبنا هؤلء بالرخاء ف العيش وال ّ‬
‫العيش والصائب والرزايا; رجاء أن يرجعوا إل طاعة ربم ويتوبوا من معاصيه‪.‬‬

‫ض هَذَا الَ ْدنَى َوَيقُولُونَ َسُي ْغفَرُ َلنَا َويَقُولُونَ َسُي ْغفَ ُر‬
‫ب َيأْخُذُونَ عَرَ َ‬ ‫ف وَ ِرثُوا اْلكِتَا َ‬ ‫ف مِ ْن َبعْ ِدهِمْ َخلْ ٌ‬ ‫خلَ َ‬ ‫فَ َ‬
‫ح ّق وَدَ َرسُوا‬ ‫ض ِمثْلُ ُه يَأْ ُخذُوهُ أَلَ ْم ُيؤْخَ ْذ عََلْيهِ ْم مِيثَاقُ اْل ِكتَابِ َأنْ ل َيقُولُوا عَلَى اللّهِ إِلّ الْ َ‬
‫َلنَا َوِإ ْن يَ ْأِتهِ ْم عَ َر ٌ‬
‫مَا فِيهِ وَالدّارُ الخِ َرةُ َخيْرٌ ِللّذِي َن َيّتقُونَ أَفَل َت ْعقِلُونَ (‪)169‬‬

‫فجاء من بعد هؤلء الذين وصفناهم بَدَ ُل سوء أخذوا الكتاب من أسلفهم‪ ,‬فقرءوه وعلموه‪ ,‬وخالفوا‬
‫حكمه‪ ,‬يأخذون ما يعرض لم من متاع الدنيا من دنء الكاسب كالرشوة وغيها; وذلك لشدة‬
‫حرصهم وَنهَمهم‪ ,‬ويقولون مع ذلك‪ :‬إن ال سيغفر لنا ذنوبنا تنيًا على ال الباطيل‪ ,‬وإن يأت هؤلء‬
‫اليهو َد متاعٌ زائ ٌل من أنواع الرام يأخذوه ويستحلوه‪ ,‬مصرّين على ذنوبم وتناولم الرام‪ ,‬ألَمْ يؤخذ‬
‫على هؤلء العهود بإقامة التوراة والعمل با فيها‪ ,‬وأل يقولوا على ال إل الق وأل يكذبوا عليه‪ ,‬وعلموا‬
‫ما ف الكتاب فضيعوه‪ ,‬وتركوا العمل به‪ ,‬وخالفوا عهد ال إليهم ف ذلك؟ والدار الخرة خي للذين‬
‫يتقون ال‪ ,‬فيمتثلون أوامره‪ ,‬ويتنبون نواهيه‪ ,‬أفل يعقل هؤلء الذين يأخذون دنء الكاسب أن ما عند‬
‫ال خي وأبقى للمتقي؟‬

‫سكُونَ بِاْل ِكتَابِ َوأَقَامُوا الصّلةَ ِإنّا ل نُضِيعُ أَ ْج َر الْ ُمصْلِحِيَ (‪)170‬‬
‫وَالّذِينَ يُمَ ّ‬

‫‪291‬‬
‫والذين يتمسّكون بالكتاب‪ ,‬ويعملون با فيه من العقائد والحكام‪ ,‬ويافظون على الصلة بدودها‪ ,‬ول‬
‫يضيعون أوقاتا‪ ,‬فإن ال يثيبهم على أعمالم الصالة‪ ,‬ول يضيعها‪.‬‬

‫جبَلَ َفوَْقهُ مْ َكَأنّ ُه ظُّلةٌ وَ َظنّوا َأنّ ُه وَاقِ ٌع ِبهِ مْ خُذُوا مَا آَتْينَاكُ ْم ِب ُقوّ ٍة وَاذْكُرُوا مَا فِي هِ َل َعّلكُ مْ‬
‫َوإِ ْذ َنَتقْنَا الْ َ‬
‫َتتّقُونَ (‪)171‬‬

‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إذ رفعنا البل فوق بن إسرائيل كأنه سحابة تظلهم‪ ,‬وأيقنوا أنه واقع بم إن ل‬
‫يقبلوا أحكام التوراة‪ ,‬وقلنا لم‪ :‬خذوا ما آتيناكم بقوة‪ ,‬أي اعملوا با أعطيناكم باجتهاد منكم‪ ,‬واذكروا‬
‫ما ف كتابنا من العهود والواثيق الت أخذناها عليكم بالعمل با فيه; كي تتقوا ربكم فتنجوا من عقابه‪.‬‬

‫ستُ ِب َربّكُ مْ قَالُوا بَلَى َشهِ ْدنَا‬


‫سهِمْ أَلَ ْ‬
‫ك مِ ْن َبنِي آدَ َم مِ ْن ُظهُو ِرهِ مْ ذُ ّرّيَتهُ ْم َوَأ ْشهَ َدهُ ْم عَلَى أَنفُ ِ‬
‫َوإِذْ أَخَذَ َربّ َ‬
‫أَ ْن َتقُولُوا َيوْ َم اْلقِيَا َمةِ ِإنّا ُكنّا عَ ْن هَذَا غَافِلِيَ (‪)172‬‬

‫واذكر ‪-‬أيها النب‪ -‬إذ استخرج ربك أولد آدم مِن أصلب آبائهم‪ ,‬وقررهم بتوحيده با أودعه ف‬
‫فطرهم من أنه ربم وخالقهم ومليكهم‪ ,‬فأقروا له بذلك‪ ,‬خشية أن ينكروا يوم القيامة‪ ,‬فل يقروا بشيء‬
‫فيه‪ ,‬ويزعموا أن حجة ال ما قامت عليهم‪ ,‬ول عندهم علم با‪ ,‬بل كانوا عنها غافلي‪.‬‬

‫َأوْ َتقُولُوا ِإنّمَا َأشْ َر َك آبَاؤُنَا مِنْ َقبْ ُل وَ ُكنّا ذُ ّرّي ًة مِ ْن َبعْ ِدهِمْ أََفُتهِْلكُنَا بِمَا َفعَ َل الْ ُمبْطِلُونَ (‪)173‬‬

‫أو لئل تقولوا‪ :‬إنا أشرك آباؤنا من قبلنا ونقضوا العهد‪ ,‬فاقتدينا بم من بعدهم‪ ,‬أفتعذبنا با فعل الذين‬
‫أبطلوا أعمالم بعلهم مع ال شريكا ف العبادة؟‬

‫ك ُنفَصّ ُل اليَاتِ وََلعَّل ُه ْم يَرْ ِجعُونَ (‪)174‬‬


‫وَكَذَلِ َ‬

‫وكما َفصّلْنا اليات‪ ,‬وبيّنّا فيها ما فعلناه بالمم السابقة‪ ,‬كذلك نفصّل اليات ونبيّنها لقومك أيها‬
‫الرسول; رجاء أن يرجعوا عن شركهم‪ ,‬وينيبوا إل ربم‪.‬‬

‫‪292‬‬
‫وَاتْ ُل عََلْيهِ ْم َنَبأَ الّذِي آَتْينَا ُه آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِْنهَا َفَأتَْبعَهُ الشّيْطَانُ َفكَا َن مِ ْن اْلغَاوِينَ (‪)175‬‬

‫واقصص ‪-‬أيها الرسول‪ -‬على أمتك خب رجل من بن إسرائيل أعطيناه حججنا وأدلتنا‪ ,‬فتعلّمها‪ ,‬ث‬
‫كفر با‪ ,‬ونبذها وراء ظهره‪ ,‬فاستحوذ عليه الشيطان‪ ,‬فصار من الضالي الالكي; بسبب مالفته أمر ربه‬
‫وطاعته الشيطان‪.‬‬

‫ض وَاّتبَ َع َهوَا هُ فَ َمثَلُ هُ كَ َمثَ ِل اْلكَلْ بِ إِ ْن تَحْ ِم ْل عََليْ هِ يَ ْلهَ ثْ َأوْ‬


‫وََلوْ ِشْئنَا لَرََف ْعنَا هُ ِبهَا وََلكِنّ هُ أَ ْخلَدَ إِلَى الَرْ ِ‬
‫صصَ َل َعّلهُ ْم َيتَ َفكّرُونَ (‪)176‬‬ ‫ص اْلقَ َ‬ ‫ص ْ‬ ‫َتتْرُكْهُ َي ْلهَثْ ذَلِكَ مَثَ ُل اْل َق ْومِ الّذِينَ كَ ّذبُوا بِآيَاِتنَا فَا ْق ُ‬

‫ولو شئنا أن نرفع قدره با آتيناه من اليات لفعلنا‪ ,‬ولكنه رَ َكنَ إل الدنيا واتبع هواه‪ ,‬وآثر لَذّاته وشهواته‬
‫على الخرة‪ ,‬وامتنع عن طاعة ال وخالف أمره‪ .‬فَ َمثَلُ هذا الرجل مثل الكلب‪ ,‬إن تطرده أو تتركه‬
‫يُخْرج لسانه ف الالي لهثًا‪ ,‬فكذلك الذي انسلخ من آيات ال يظل على كفره إن اجتهدْتَ ف‬
‫دعوتك له أو أهلته‪ ,‬هذا الوصف ‪-‬أيها الرسول‪ -‬وصف هؤلء القوم الذين كانوا ضالي قبل أن تأتيهم‬
‫بالدى والرسالة‪ ,‬فاقصص ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أخبار المم الاضية‪ ,‬ففي إخبارك بذلك أعظم معجزة‪ ,‬لعل‬
‫قومك يتدبرون فيما جئتهم به فيؤمنوا لك‪.‬‬

‫سهُمْ كَانُوا يَ ْظلِمُونَ (‪)177‬‬


‫ل اْلقَ ْو ُم الّذِينَ كَ ّذبُوا بِآيَاتِنَا َوأَنفُ َ‬
‫سَا َء َمثَ ً‬

‫َقبُ َح مثل مث ُل القوم الذين كذّبوا بجج ال وأدلته‪ ,‬فجحدوها‪ ,‬وأنفسهم كانوا يظلمونا; بسبب‬
‫تكذيبهم بذه الجج والدلة‪.‬‬

‫مَ ْن َيهْدِ اللّهُ َف ُهوَ الْ ُمهْتَدِي َومَ ْن ُيضْلِلْ َفُأوَْلئِكَ هُ ْم الْخَاسِرُونَ (‪)178‬‬

‫من يوفقه ال لليان به وطاعته فهو الوفّق‪ ,‬ومن يذله فلم يوفقه فهو الاسر الالك‪ ,‬فالداية والضلل‬
‫من ال وحده‪.‬‬

‫ب ل َي ْفقَهُو َن ِبهَا َلهُ مْ قُلُو بٌ ل َي ْف َقهُو نَ ِبهَا وََلهُ مْ‬


‫جنّ وَالِن سِ َلهُ مْ ُقلُو ٌ‬
‫ج َهنّ مَ َكثِيا مِ ْن الْ ِ‬
‫وََلقَدْ ذَ َرْأنَا لِ َ‬

‫‪293‬‬
‫َأعْيُ نٌ ل ُيبْ صِرُو َن بِهَا وََلهُ مْ آذَا ٌن ل يَ سْ َمعُونَ بِهَا ُأوَْلئِ كَ كَا َلْنعَا ِم بَ ْل هُ مْ أَضَلّ ُأوَْلئِ كَ هُ ْم الْغَافِلُو نَ (‬
‫‪)179‬‬

‫ولقد خلقنا للنار ‪-‬الت يعذّب ال فيها مَن يستحق العذاب ف الخرة ‪ -‬كثيًا من الن والنس‪ ,‬لم‬
‫قلوب ل يعقلون با‪ ,‬فل يرجون ثوابًا ول يافون عقابًا‪ ,‬ولم أعي ل ينظرون با إل آيات ال وأدلته‪,‬‬
‫ولم آذان ل يسمعون با آيات كتاب ال فيتفكروا فيها‪ ,‬هؤلء كالبهائم الت ل َت ْفقَهُ ما يقال لا‪ ,‬ول‬
‫تفهم ما تبصره‪ ,‬ول تعقل بقلوبا الي والشر فتميز بينهما‪ ,‬بل هم أضل منها; لن البهائم تبصر منافعها‬
‫ومضارها وتتبع راعيها‪ ,‬وهم بلف ذلك‪ ,‬أولئك هم الغافلون عن اليان بال وطاعته‪.‬‬

‫سنَى فَا ْدعُو ُه ِبهَا َوذَرُوا الّذِي َن يُ ْلحِدُونَ فِي َأسْمَائِ ِه َسيُجْ َز ْو َن مَا كَانُوا َيعْمَلُونَ (‪)180‬‬
‫وَلِلّ ِه ا َلسْمَا ُء الْحُ ْ‬

‫ول سبحانه وتعال الساء السن‪ ,‬الدالة على كمال عظمته‪ ,‬وكل أسائه حسن‪ ,‬فاطلبوا منه بأسائه ما‬
‫تريدون‪ ,‬واتركوا الذين يُغيّرون ف أسائه بالزيادة أو النقصان أو التحريف‪ ,‬كأن يُسمّى با من ل‬
‫يستحقها‪ ,‬كتسمية الشركي با آلتهم‪ ,‬أو أن يعل لا معن ل يُردْه ال ول رسوله‪ ,‬فسوف يزون‬
‫جزاء أعمالم السيئة الت كانوا يعملونا ف الدنيا من الكفر بال‪ ,‬واللاد ف أسائه وتكذيب رسوله‪.‬‬

‫ح ّق َوبِهِ َيعْدِلُونَ (‪)181‬‬


‫َومِمّنْ َخَل ْقنَا ُأ ّم ٌة َيهْدُونَ بِالْ َ‬

‫ومن الذين خََلقْنا جاعة فاضلة يهتدون بالق ويَدْعون إليه‪ ,‬وبه يقضون وينصفون الناس‪ ,‬وهم أئمة‬
‫الدى من أنعم ال عليهم باليان والعمل الصال‪.‬‬

‫ث ل َيعْلَمُونَ (‪)182‬‬
‫وَالّذِينَ َك ّذبُوا بِآيَاِتنَا َسنَسْتَدْ ِر ُجهُ ْم مِنْ َحْي ُ‬

‫والذين كذّبوا بآياتنا‪ ,‬فجحدوها‪ ,‬ول يتذكروا با‪ ,‬سنفتح لم أبواب الرزق ووجوه العاش ف الدنيا‪,‬‬
‫استدراجًا لم حت يغتروا با هم فيه ويعتقدوا أنم على شيء‪ ,‬ث نعاقبهم على غِرّة من حيث ل يعلمون‪.‬‬
‫وهذه عقوبة من ال على التكذيب بجج ال وآياته‪.‬‬

‫‪294‬‬
‫َوُأمْلِي َلهُمْ ِإنّ َكيْدِي َمتِيٌ (‪)183‬‬

‫وأمهل هؤلء الذين كذبوا بآياتنا حت يظنوا أنم ل يعاقبون‪ ,‬فيزدادوا كفرًا وطغيانًا‪ ,‬وبذلك يتضاعف‬
‫لم العذاب‪ .‬إن كيدي متي‪ ,‬أي‪ :‬قوي شديد ل يُدْفع بقوة ول بيلة‪.‬‬

‫َأوَلَ ْم َيتَ َفكّرُوا مَا ِبصَا ِحِبهِ ْم مِنْ ِجّنةٍ ِإنْ ُهوَ إِ ّل نَذِي ٌر ُمبِيٌ (‪)184‬‬

‫أول يتفكر هؤلء الذين كذبوا بآياتنا فيتدبروا بعقولم‪ ,‬ويعلموا أنه ليس بحمد جنون؟ ما هو إل نذير‬
‫لم من عقاب ال على كفرهم به إن ل يؤمنوا‪ ,‬ناصح مبي‪.‬‬

‫ض وَمَا َخلَ قَ اللّ ُه مِ ْن َشيْءٍ َوأَ ْن عَ سَى أَ نْ َيكُو نَ قَ ْد ا ْقتَرَ بَ‬


‫ت وَالَرْ ِ‬
‫َأوَلَ ْم يَنظُرُوا فِي مََلكُو تِ ال سّ َموَا ِ‬
‫ث َبعْ َدهُ ُي ْؤ ِمنُونَ (‪)185‬‬
‫أَجَُلهُمْ َفِبأَيّ َحدِي ٍ‬

‫أول ينظر هؤلء الكذبون بآيات ال ف ملك ال العظيم وسلطانه القاهر ف السموات والرض‪ ,‬وما‬
‫خلق ال ‪-‬ج ّل ثناؤه‪ -‬من شيء فيهما‪ ,‬فيتدبروا ذلك ويعتبوا به‪ ,‬وينظروا ف آجالم الت عست أن‬
‫تكون َق ُرَبتْ فيهلكوا على كفرهم‪ ,‬ويصيوا إل عذاب ال وأليم عقابه؟ فبأي تويف وتذير بعد تذير‬
‫القرآن يصدقون ويعملون؟‬

‫مَ ْن ُيضْلِلْ اللّهُ فَل هَادِيَ لَ ُه َويَذَ ُرهُمْ فِي ُطغْيَاِنهِ ْم َيعْ َمهُونَ (‪)186‬‬

‫مَن يضلله ال عن طريق الرشاد فل هادي له‪ ,‬ويتركُهم ف كفرهم يتحيون ويترددون‪.‬‬

‫جلّيهَا ِلوَقِْتهَا إِ ّل ُهوَ َثقُلَتْ فِي السّ َموَا ِ‬


‫ت‬ ‫سأَلُونَكَ عَنْ السّا َعةِ َأيّا َن مُرْسَاهَا قُلْ ِإنّمَا عِلْ ُمهَا ِعنْدَ َربّي ل يُ َ‬
‫يَ ْ‬
‫سأَلُونَكَ َكَأنّ كَ َحفِيّ َعنْهَا قُلْ إِنّمَا عِ ْلمُهَا ِعنْدَ اللّ ِه وََلكِنّ أَ ْكثَ َر النّا سِ ل‬ ‫ض ل َتأْتِيكُ مْ إِلّ َب ْغَتةً يَ ْ‬
‫وَالَرْ ِ‬
‫َيعْلَمُونَ (‪)187‬‬

‫يسألك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كفار "مكة" عن الساعة مت قيامها؟ قل لم‪ :‬عِ ْل ُم قيامها عند ال ل يظهرها إل‬
‫هو‪َ ,‬ثقُلَ علمها‪ ,‬وخفي على أهل السموات والرض‪ ,‬فل يعلم وقت قيامها ملَك مقرّب ول نب مرسل‪,‬‬

‫‪295‬‬
‫ل تيء الساعة إل فجأة‪ ,‬يسألك هؤلء القوم عنها كأنك حريص على العلم با‪ ,‬مستقص بالسؤال‬
‫عنها‪ ,‬قل لم‪ :‬إنا علمها عند ال الذي يعلم غيب السموات والرض‪ ,‬ولكنّ أكثر الناس ل يعلمون أن‬
‫ذلك ل يعلمه إل ال‪.‬‬

‫خيْ ِر وَمَا‬
‫ت مِ ْن الْ َ‬
‫ضرّا إِلّ مَا شَاءَ اللّ ُه وََلوْ كُن تُ َأعْلَ ُم اْل َغيْ بَ ل سَْت ْكثَرْ ُ‬
‫قُلْ ل َأمْلِ كُ ِلَنفْ سِي َنفْعا وَل َ‬
‫سنِي السّوءُ ِإنْ أَنَا إِ ّل نَذِي ٌر َوبَشِيٌ ِل َق ْو ٍم ُي ْؤمِنُونَ (‪)188‬‬
‫مَ ّ‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬ل أقدرُ على َج ْلبِ خي لنفسي ول دفع شر يل با إل ما شاء ال‪ ,‬ولو كنت أعلم‬
‫ت ما يكون من الشر قبل أن يقع‪,‬‬
‫الغيب لفعلت السباب الت أعلم أنا تكثّر ل الصال والنافع‪ ,‬ولتّقي ُ‬
‫ما أنا إل رسول ال أرسلن إليكم‪ ,‬أخوّف من عقابه‪ ,‬وأبشر بثوابه قومًا يصدقون بأن رسول ال‪,‬‬
‫ويعملون بشرعه‪.‬‬

‫سكُنَ إِلَْيهَا فََلمّا َتغَشّاهَا َحمَلَ تْ َح ْملً َخفِيفا‬


‫ُهوَ الّذِي خََل َقكُ ْم مِ ْن َنفْ سٍ وَاحِ َد ٍة وَ َجعَ َل ِمْنهَا َزوْ َجهَا ِليَ ْ‬
‫ت بِهِ َفلَمّا َأْثقََلتْ َد َعوَا اللّهَ َرّبهُمَا َلئِ ْن آَتْيتَنَا صَالِحا َلنَكُونَ ّن مِنْ الشّاكِرِينَ (‪)189‬‬‫فَ َمرّ ْ‬

‫هو الذي خلقكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬من نفس واحدة‪ ,‬وهي آدم عليه السلم وخَلَق منها زوجها‪ ,‬وهي‬
‫حواء; ليأنس با ويطمئن‪ ,‬فلما جامعها ‪-‬والراد جنس الزوجي من ذرية آدم‪ -‬حلت ماءً خفيفًا‪,‬‬
‫فقامت به وقعدت وأتت المل‪ ,‬فلما َقرُبت ولدتا وأثقلت دعا الزوجان ربما‪ :‬لئن أعطيتنا بشرًا سويًا‬
‫صالًا لنكونن من يشكرك على ما وهبت لنا من الولد الصال‪.‬‬

‫شرِكُونَ (‪)190‬‬
‫فََلمّا آتَاهُمَا صَالِحا َج َعلَ لَ ُه شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا َفَتعَالَى اللّ ُه عَمّا يُ ْ‬

‫فلما رزق ال الزوجي ولدًا صالًا‪ ,‬جعل ل شركاء ف ذلك الولد الذي انفرد ال بلقه فعبّداه لغي ال‪,‬‬
‫فتعال ال وتنه عن كل شرك‪.‬‬

‫َأيُشْرِكُو َن مَا َل يَخُْل ُق َشيْئا َوهُ ْم يُخَْلقُونَ (‪)191‬‬

‫‪296‬‬
‫أيشرك هؤلء الشركون ف عبادة ال ملوقاته‪ ,‬وهي ل تقدر على خَلْق شيء‪ ,‬بل هي ملوقة؟‬

‫سهُ ْم يَنصُرُونَ (‪)192‬‬


‫ستَطِيعُونَ َلهُ ْم َنصْرًا وَلَ أَنفُ َ‬
‫وَلَ يَ ْ‬

‫ول تستطيع أن تنصر عابديها أو تدفع عن نفسها سوءًا‪ ,‬فإذا كانت ل تلق شيئًا‪ ,‬بل هي ملوقة‪ ,‬ول‬
‫تستطيع أن تدفع الكروه عمن يعبدها‪ ,‬ول عن نفسها‪ ,‬فكيف ُتتّخذ مع ال آلة؟ إ ْن هذا إل أظلم الظلم‬
‫سفَه‪.‬‬
‫وأسفه ال ّ‬

‫َوإِن تَ ْدعُوهُمْ إِلَى اْلهُدَى لَ َيّتِبعُوكُ ْم َسوَاء عََليْكُمْ أَ َد َع ْوتُمُوهُمْ َأمْ أَنتُمْ صَا ِمتُونَ (‪)193‬‬

‫وإن ندعوا ‪-‬أيها الشركون‪ -‬هذه الصنام الت عبدتوها من دون ال إل الدى‪ ,‬ل تسمع دعاءكم ول‬
‫تتبعكم; يستوي دعاؤكم لا وسكوتكم عنها; لنا ل تسمع ول تبصر ول تَهدِي ول تُهدى‪.‬‬

‫ستَجِيبُواْ َلكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِيَ (‪)194‬‬


‫ِإنّ الّذِي َن تَ ْدعُو َن مِن دُونِ اللّ ِه ِعبَادٌ َأ ْمثَالُكُمْ فَا ْدعُوهُمْ فَ ْليَ ْ‬

‫إن الذين تعبدون من غي ال ‪-‬أيها الشركون‪ -‬هم ملوكون لربم كما أنكم ملوكون لربكم‪ ,‬فإن كنتم‬
‫كما تزعمون صادقي ف أنا تستحق من العبادة شيئًا فادعوهم فليستجيبوا لكم‪ ,‬فإن استجابوا لكم‬
‫وحصّلوا مطلوبكم‪ ,‬وإل تبي أنكم كاذبون مفترون على ال أعظم الفرية‪.‬‬

‫أََلهُمْ أَ ْرجُ ٌل يَمْشُو َن ِبهَا أَمْ َلهُمْ َأيْدٍ يَبْطِشُو َن ِبهَا أَمْ َلهُمْ َأعْيُ ٌن ُيبْصِرُونَ ِبهَا أَمْ َل ُهمْ آذَانٌ يَسْ َمعُو َن ِبهَا قُلْ‬
‫ا ْدعُوا شُرَكَاءَكُ ْم ثُمّ كِيدُونِي فَل تُنظِرُونِ (‪)195‬‬

‫ألذه اللة والصنام أرجل يس َعوْن با معكم ف حوائجكم؟ أم لم أيدٍ يدفعون با عنكم وينصرونكم‬
‫على من يريد بكم شرًا ومكروهًا؟ أم لم أعي ينظرون با فيعرّفونكم ما عاينوا وأبصروا ما يغيب عنكم‬
‫فل ترونه؟ أم لم آذان يسمعون با فيخبونكم با ل تسمعوه؟ فإذا كانت آلتكم الت تعبدونا ليس فيها‬
‫شيء من هذه اللت‪ ,‬فما وجه عبادتكم إياها‪ ,‬وهي خالية من هذه الشياء الت با يتوصل إل جلب‬
‫النفع أو دفع الضر؟ قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي من عبدة الوثان‪ :‬ادعوا آلتكم الذين‬

‫‪297‬‬
‫جعلتموهم ل شركاء ف العبادة‪ ,‬ث اجتمعوا على إيقاع السوء والكروه ب‪ ,‬فل تؤخرون وعجّلوا‬
‫بذلك‪ ,‬فإن ل أبال بآلتكم; لعتمادي على حفظ ال وحده‪.‬‬

‫حيَ (‪)196‬‬
‫ب َوهُ َو َيَتوَلّى الصّالِ ِ‬
‫ِإنّ وَِليّي اللّ ُه الّذِي نَزّ َل الْ ِكتَا َ‬

‫إن ولّييَ ال‪ ,‬الذي يتول حفظي ونصري‪ ,‬هو الذي نزّل عل ّي القرآن بالق‪ ,‬وهو يتول الصالي مِن‬
‫عباده‪ ,‬وينصرهم على أعدائهم ول يذلم‪.‬‬

‫سهُ ْم يَنصُرُونَ (‪)197‬‬


‫وَالّذِينَ تَ ْدعُونَ مِنْ دُونِ ِه ل يَسْتَطِيعُو َن َنصْرَكُ ْم وَل أَنفُ َ‬

‫والذين تدعون ‪-‬أنتم أيها الشركون‪ -‬مِن غي ال من اللة ل يستطيعون نصركم‪ ,‬ول يقدرون على‬
‫نصرة أنفسهم‪.‬‬

‫َوإِ ْن تَ ْدعُوهُمْ إِلَى اْلهُدَى ل يَسْ َمعُوا َوتَرَاهُ ْم يَنظُرُونَ إَِليْكَ َوهُ ْم ل ُيبْصِرُونَ (‪)198‬‬

‫وإن تدعوا ‪-‬أيها الشركون‪ -‬آلتكم إل الستقامة والسداد ل يسمعوا دعاءكم‪ ,‬وترى ‪-‬أيها الرسول‪-‬‬
‫آلة هؤلء الشركي مِن عبدة الوثان يقابلونك كالناظر إليك وهم ل يبصرون; لنم ل أبصار لم ول‬
‫بصائر‪.‬‬

‫ض عَ ْن الْجَاهِلِيَ (‪)199‬‬
‫خُذْ الْ َع ْفوَ َوْأمُ ْر بِاْلعُرْفِ َوأَعْ ِر ْ‬

‫اقْبَ ْل ‪-‬أيها النب أنت وأمتك‪ -‬الفضل من أخلق الناس وأعمالم‪ ,‬ول تطلب منهم ما يشق عليهم حت‬
‫ل ينفروا‪ ,‬وأْمر بكل قول حسن وِفعْلٍ جيل‪ ,‬وأعرض عن منازعة السفهاء ومساواة الهلة الغبياء‪.‬‬

‫شيْطَانِ نَ ْزغٌ فَا ْسَتعِ ْذ بِاللّهِ ِإنّ ُه سَمِي ٌع عَلِيمٌ (‪)200‬‬


‫َوِإمّا يَ َن َغنّكَ مِنْ ال ّ‬

‫وإما يصيبنّك ‪-‬أيها النب‪ -‬من الشيطان غضب أو تُحِس منه بوسوسة وتثبيط عن الي أو حث على‬
‫الشرّ‪ ,‬فالأ إل ال مستعيذًا به‪ ,‬إنه سيع لكل قول‪ ,‬عليم بكل فعل‪.‬‬
‫‪298‬‬
‫شيْطَا ِن تَذَكّرُوا فَإِذَا هُ ْم ُمْبصِرُونَ (‪)201‬‬
‫ف مِنْ ال ّ‬
‫سهُ ْم طَائِ ٌ‬
‫ِإنّ الّذِي َن اتّ َقوْا ِإذَا مَ ّ‬

‫إن الذين اتقوا ال مِن خلقه‪ ,‬فخافوا عقابه بأداء فرائضه واجتناب نواهيه‪ ,‬إذا أصابم عارض من وسوسة‬
‫الشيطان تذكّروا ما أوجب ال عليهم من طاعته‪ ,‬والتوبة إليه‪ ,‬فإذا هم منتهون عن معصية ال على‬
‫بصية‪ ,‬آخذون بأمر ال‪ ,‬عاصون للشيطان‪.‬‬

‫َوإِ ْخوَاُنهُ ْم يَمُدّوَنهُمْ فِي الغَ ّي ثُ ّم ل ُيقْصِرُونَ (‪)202‬‬

‫وإخوان الشياطي‪ ,‬وهم الفجّار من ضلل النس تدهم الشياطي من الن ف الضللة والغَواية‪ ,‬ول‬
‫تدّخر شياطي الن ُو ْسعًا ف مدّهم شياطي النس ف الغيّ‪ ,‬ول تدّخر شياطي النس ُو ْسعًا ف عمل ما‬
‫توحي به شياطي الن‪.‬‬

‫َوإِذَا لَ ْم َتأِْتهِ ْم بِآَيةٍ قَالُوا َلوْل ا ْجتََبْيتَهَا قُلْ ِإنّمَا َأّتبِ ُع مَا يُوحَى إَِليّ مِ نْ َربّي هَذَا بَ صَائِرُ مِ نْ َرّبكُ مْ وَهُدًى‬
‫وَرَحْ َمةٌ ِل َق ْو ٍم ُي ْؤمِنُونَ (‪)203‬‬

‫وإذا ل تئ ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء الشركي بآية قالوا‪ :‬هل أح َدثْتها واختلقتها من عند نفسك‪ ,‬قل لم‬
‫ل من عنده‪,‬‬‫‪-‬أيها الرسول‪ : -‬إن هذا ليس ل‪ ,‬ول يوز ل ِفعْله; لن ال إنا أمرن باتباع ما يوحى إ ّ‬
‫وهو هذا القرآن الذي أتلوه عليكم حججًا وبراهي من ربكم‪ ,‬وبيانًا يهدي الؤمني إل الطريق الستقيم‪,‬‬
‫ورحة يرحم ال با عباده الؤمني‪.‬‬

‫صتُوا َلعَّلكُ ْم تُرْ َحمُونَ (‪)204‬‬


‫ئ اْلقُرْآنُ فَاسْتَ ِمعُوا لَهُ َوأَن ِ‬
‫َوإِذَا قُرِ َ‬

‫وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له أيها الناس وأنصتوا‪ ,‬لتعقلوه رجاء أن يرحكم ال به‪.‬‬

‫جهْرِ مِ ْن الْ َقوْ ِل بِاْلغُ ُد ّو وَال صَا ِل وَل َتكُ ْن مِ ْن اْلغَافِلِيَ (‬


‫وَاذْكُرْ َربّ كَ فِي َنفْ سِكَ َتضَرّعا وَخِي َفةً َودُو نَ الْ َ‬
‫‪)205‬‬

‫‪299‬‬
‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ربك ف نفسك تشعًا وتواضعًا ل خائفًا وجل القلب منه‪ ،‬وادعه متوسطًا بي‬
‫الهر والخافتة ف أول النهار وآخره‪ ,‬ول تكن من الذين َي ْغفُلون عن ذكر ال‪ ,‬ويلهون عنه ف سائر‬
‫أوقاتم‪.‬‬

‫ك ل يَسَْت ْكبِرُو َن عَ ْن ِعبَا َدتِهِ َويُسَبّحُونَ ُه وَلَ ُه يَسْجُدُونَ (‪)206‬‬


‫ِإنّ الّذِي َن ِعنْدَ َربّ َ‬

‫إن الذين عند ربك من اللئكة ل يستكبون عن عبادة ال‪ ,‬بل ينقادون لوامره‪ ,‬ويسبحونه بالليل‬
‫والنهار‪ ,‬وينهونه عما ل يليق به‪ ,‬وله وحده ل شريك له يسجدون‪.‬‬

‫‪ -8‬سورة النفال‬

‫ت بَْيِنكُ ْم َوأَطِيعُوا اللّ َه وَرَ سُولَهُ إِ نْ‬


‫يَ سْأَلُونَكَ عَ ْن ا َلْنفَالِ قُ ْل ا َلنْفَالُ ِللّ ِه وَالرّ سُولِ فَاّتقُوا اللّ َه َوأَ صِْلحُوا ذَا َ‬
‫كُنتُ ْم ُم ْؤ ِمنِيَ (‪)1‬‬

‫يسألك أصحابك ‪-‬أيها النب‪ -‬عن الغنائم يوم "بدر" كيف تقسمها بينهم؟ قل لم‪ :‬إنّ أمرها إل ال‬
‫ورسوله‪ ,‬فالرسول يتول قسمتها بأمر ربه‪ ,‬فاتقوا عقاب ال ول تُقَدموا على معصيته‪ ,‬واتركوا النازعة‬
‫والخاصمة بسبب هذه الموال‪ ,‬وأصلحوا الال بينكم‪ ,‬والتزموا طاعة ال ورسوله إن كنتم مؤمني; فإن‬
‫اليان يدعو إل طاعة ال ورسوله‪.‬‬

‫ِإنّمَا الْ ُم ْؤمِنُو نَ الّذِي نَ إِذَا ذُ ِكرَ اللّ ُه وَجِلَ تْ ُقلُوبُهُ ْم َوإِذَا تُِليَ تْ عََلْيهِ ْم آياتُ هُ زَا َدْتهُ مْ إِيَانَا َوعَلَى َرّبهِ مْ‬
‫َيتَوَكّلُونَ (‪)2‬‬

‫إنا الؤمنون بال حقًا هم الذين إذا ذُكِر ال فزعت قلوبم‪ ,‬وإذا تليت عليهم آيات القرآن زادتم إيانًا‬
‫مع إيانم‪ ,‬لتدبرهم لعانيه وعلى ال تعال يتوكلون‪ ,‬فل يرجون غيه‪ ,‬ول يرهبون سواه‪.‬‬
‫‪300‬‬
‫الّذِي َن ُيقِيمُونَ الصّل َة َومِمّا َرزَ ْقنَاهُ ْم يُن ِفقُونَ (‪)3‬‬

‫الذين يداومون على أداء الصلوات الفروضة ف أوقاتا‪ ,‬وما رزقناهم من الموال ينفقون فيما أمرناهم‬
‫به‪.‬‬

‫ت ِعنْدَ َرّبهِ ْم َو َم ْغفِ َرةٌ وَ ِر ْزقٌ َك ِريٌ (‪)4‬‬


‫ك هُ ْم الْ ُم ْؤ ِمنُونَ َحقّا َلهُمْ َدرَجَا ٌ‬
‫ُأوْلَئِ َ‬

‫هؤلء الذين يفعلون هذه الفعال هم الؤمنون حقًا ظاهرًا وباطنًا با أنزل ال عليهم‪ ,‬لم منازل عالية عند‬
‫ال‪ ,‬وعفو عن ذنوبم‪ ,‬ورزق كري‪ ,‬وهو النة‪.‬‬

‫ح ّق َوإِنّ فَرِيقا مِ ْن الْ ُم ْؤ ِمنِيَ َلكَا ِرهُونَ (‪)5‬‬


‫ك مِ ْن َبْيتِكَ بِالْ َ‬
‫كَمَا أَ ْخرَجَكَ َربّ َ‬

‫كما أنكم لا اختلفتم ف الغان فانتزعها ال منكم‪ ,‬وجعلها إل قَسْمه وقَسْم رسوله صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ,‬كذلك أمرك ربك ‪-‬أيها النب‪ -‬بالروج من "الدينة" للقاء ِعيْر قريش‪ ,‬وذلك بالوحي الذي أتاك‬
‫به جبيل مع كراهة فريق من الؤمني للخروج‪.‬‬

‫ت َوهُ ْم يَنظُرُونَ (‪)6‬‬


‫يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَ ّق َبعْ َد مَا َتبَيّنَ َكَأنّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْ َموْ ِ‬

‫يادلك ‪-‬أيها النب‪ -‬فريق من الؤمني ف القتال مِن بعد ما تبيّن لم أن ذلك واقع‪ ,‬كأنم يساقون إل‬
‫الوت‪ ,‬وهم ينظرون إليه عِيانًا‪.‬‬

‫شوْ َكةِ تَكُونُ َلكُ ْم َويُرِيدُ اللّهُ أَنْ يُحِقّ‬


‫َوإِ ْذ َيعِدُكُمْ اللّهُ إِحْدَى الطّائِ َفَتيْنِ َأّنهَا َلكُ ْم َوَتوَدّونَ َأنّ َغيْرَ ذَاتِ ال ّ‬
‫الْحَ ّق ِبكَلِمَاتِ ِه َوَيقْطَعَ دَابِ َر اْلكَافِرِينَ (‪)7‬‬

‫واذكروا ‪-‬أيها الجادلون‪َ -‬وعْدَ ال لكم بال ّظفْر بإحدى الطائفتي‪ :‬العي وما تمله مِن أرزاق‪ ,‬أو النفي‪,‬‬
‫وهو قتال العداء والنتصار عليهم‪ ,‬وأنتم تبون ال ّظفْر بالعي دون القتال‪ ,‬ويريد ال أن يق السلم‪,‬‬
‫ويُعْليه بأمره إياكم بقتال الكفار‪ ,‬ويستأصل الكافرين باللك‪.‬‬

‫‪301‬‬
‫ج ِرمُونَ (‪)8‬‬
‫ِليُحِ ّق الْحَقّ َويُبْطِ َل اْلبَاطِلَ وََلوْ كَ ِر َه الْمُ ْ‬

‫ليعزّ ال السلم وأهله‪ ,‬ويذهب الشرك وأهله‪ ,‬ولو كره الشركون ذلك‪.‬‬

‫ف مِ ْن الْمَلِئكَ ِة مُ ْردِفِيَ (‪)9‬‬


‫سَتغِيثُونَ َرّبكُمْ فَا ْستَجَابَ َلكُمْ َأنّي مُمِدّ ُك ْم بِأَلْ ٍ‬
‫إِ ْذ تَ ْ‬

‫اذكروا نعمة ال عليكم يوم "بدر" إذ تطلبون النصر على عدوكم‪ ,‬فاستجاب ال لدعائكم قائل إن‬
‫مدّكم بألف من اللئكة من السماء‪ ,‬يتبع بعضهم بعضًا‪.‬‬

‫َومَا َجعَلَهُ اللّهُ إِ ّل بُشْرَى وَِلتَطْ َمئِ ّن بِهِ قُلُوُبكُ ْم َومَا الّنصْرُ إِ ّل مِ ْن عِنْدِ اللّهِ ِإنّ اللّ َه عَزِيزٌ َحكِيمٌ (‪)10‬‬

‫وما جعل ال ذلك المداد إل بشارة لكم بالنصر‪ ,‬ولتسكن به قلوبكم‪ ,‬وتوقنوا بنصر ال لكم‪ ,‬وما‬
‫النصر إل من عند ال‪ ,‬ل بشدة بأسكم وقواكم‪ .‬إن ال عزيز ف ملكه‪ ,‬حكيم ف تدبيه وشرعه‪.‬‬

‫شيْطَا نِ‬
‫ب عَنكُ مْ ِرجْزَ ال ّ‬
‫إِ ْذ ُيغَشّيكُ ْم الّنعَا سَ َأ َمَنةً ِمنْ ُه َوُينَزّ ُل عََلْيكُ مْ مِ ْن ال سّمَا ِء مَاءً ِليُ َطهّرَكُ ْم بِ ِه َويُ ْذهِ َ‬
‫وَِليَ ْربِطَ عَلَى ُقلُوبِكُ ْم َوُيثَّبتَ بِهِ الَقْدَامَ (‪)11‬‬

‫إذ يُلْقي ال عليكم النعاس أمانًا منه لكم من خوف عدوكم أن يغلبكم‪ ,‬وينل عليكم من السحاب ماء‬
‫طهورًا‪ ,‬ليطهركم به من الحداث الظاهرة‪ ,‬ويزيل عنكم ف الباطن وساوس الشيطان وخواطره‪ ,‬وليشدّ‬
‫على قلوبكم بالصب عند القتال‪ ,‬ويثبت به أقدام الؤمني بتلبيد الرض الرملية بالطر حت ل تنلق فيها‬
‫القدام‪.‬‬

‫إِ ْذ يُوحِي َربّكَهإِلَى الْمَلئِ َكةِ َأنّيه َمعَكُم ْه َفَثّبتُوا الّذِينَه آ َمنُوا سَهأُْلقِي فِي قُلُوبِه الّذِينَه َكفَرُوا ال ّرعْبَه‬
‫ق وَاضْ ِربُوا ِمْنهُمْ كُ ّل َبنَانٍ (‪)12‬‬ ‫فَاضْ ِربُوا َف ْوقَ ا َلعْنَا ِ‬

‫‪302‬‬
‫إذ يوحي ربك ‪-‬أيها النب‪ -‬إل اللئكة الذين أمدّ ال بم السلمي ف غزوة "بدر" أن معكم أُعينكم‬
‫صغَار‪,‬‬
‫وأنصركم‪ ,‬فقوّوا عزائم الذين آمنوا‪ ,‬سألقي ف قلوب الذين كفروا الوف الشديد والذلة وال ّ‬
‫فاضربوا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬رؤوس الكفار‪ ,‬واضربوا منهم كل طرف و ِمفْصل‪.‬‬

‫ك ِبَأّنهُمْ شَاقّوا اللّ َه وَ َرسُولَهُ َومَ ْن يُشَاقِقْ اللّ َه َو َرسُولَهُ فَِإنّ اللّ َه شَدِي ُد اْلعِقَابِ (‪)13‬‬
‫ذَلِ َ‬

‫ضرْب رؤوسهم وأعناقهم وأطرافهم; بسبب مالفتهم لمر ال ورسوله‪,‬‬‫ذلك الذي حدث للكفار من َ‬
‫ومَن يالف أمر ال ورسوله‪ ,‬فإن ال شديد العقاب له ف الدنيا والخرة‪.‬‬

‫ذَِلكُمْ َفذُوقُو ُه َوأَنّ لِ ْلكَاِفرِينَ عَذَابَ النّارِ (‪)14‬‬

‫ذلكم العذاب الذي عجّلته لكم ‪-‬أيها الكافرون الخالفون لوامر ال ورسوله ف الدنيا‪ -‬فذوقوه ف‬
‫الياة الدنيا‪ ,‬ولكم ف الخرة عذاب النار‪.‬‬

‫يَا َأيّهَا الّذِينَ آ َمنُوا إِذَا َلقِيتُ ْم الّذِينَ َكفَرُوا زَحْفا فَل ُتوَلّوهُ ْم الَ ْدبَارَ (‪)15‬‬

‫يا أيها الذين صَدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬إذا قابلتم الذين كفروا ف القتال متقاربي منكم فل‬
‫ُتوَلّوهم ظهوركم‪ ,‬فتنهزموا عنهم‪ ,‬ولكن اثبتوا لم‪ ,‬فإن ال معكم وناصركم عليهم‪.‬‬

‫حيّزا إِلَى ِفَئةٍ َفقَ ْد بَا َء ِب َغضَبٍ مِنْ اللّهِ َومَ ْأوَاهُ َج َهنّ ُم َوِبئْسَ‬
‫حرّفا ِل ِقتَالٍ َأ ْو ُمتَ َ‬
‫َومَ ْن ُيوَّلهِ ْم َي ْو َمئِذٍ ُدبُرَهُ إِلّ ُمتَ َ‬
‫الْ َمصِيُ (‪)16‬‬

‫ومن ُيوَلّهم منكم ظهره وقت الزحف إل منعطفًا لكيدة الكفار أو منحازًا إل جاعة السلمي حاضري‬
‫الرب حيث كانوا‪ ,‬فقد استحق الغضب من ال‪ ,‬ومقامه جهنم‪ ,‬وبئس الصي والنقلب‪.‬‬

‫ت وََلكِنّ اللّ هَ َرمَى وَلُِيبْلِ يَ الْ ُم ْؤ ِمنِيَ ِمنْ هُ بَلءً حَ سَنا ِإنّ‬
‫فََل ْم َت ْقتُلُوهُ ْم وََلكِنّ اللّ هَ َقتََلهُ ْم َومَا َر َميْ تَ إِذْ َر َميْ َ‬
‫اللّ َه سَمِي ٌع عَلِيمٌ (‪)17‬‬

‫‪303‬‬
‫فلم تقتلوا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬الشركي يوم "بدر"‪ ,‬ولكن ال قتلهم‪ ,‬حيث أعانكم على ذلك‪ ,‬وما رميت‬
‫حي رميت ‪-‬أيها النب‪ -‬ولكن ال رمى‪ ,‬حيث أوصل الرمية الت رميتها إل وجوه الشركي; وليختب‬
‫الؤمني بال ورسوله ويوصلهم بالهاد إل أعلى الدرجات‪ ,‬ويعرّفهم نعمته عليهم‪ ,‬فيشكروا له سبحانه‬
‫على ذلك‪ .‬إن ال سيع لدعائكم وأقوالكم ما أسررت به وما أعلنتم‪ ,‬عليم با فيه صلح عباده‪.‬‬

‫ذَِلكُ ْم َوَأنّ اللّ َه مُوهِنُ َكيْ ِد الْكَافِرِينَ (‪)18‬‬

‫هذا الفعل مِن قتل الشركي ورميهم حي انزموا‪ ,‬والبلء السن بنصر الؤمني على أعدائهم‪ ,‬هو من‬
‫ال للمؤمني‪ ,‬وأن ال ‪-‬فيما يُسْتقبل‪ -‬مُضعِف ومُبطِل مكر الكافرين حت يَذِلّوا وينقادوا للحق أو‬
‫يهلكوا‪.‬‬

‫سَتفْتِحُوا َفقَدْ جَاءَ ُك ْم الْ َفتْ ُح َوإِ نْ تَنَتهُوا َف ُهوَ َخيْرٌ َلكُ ْم َوإِ ْن َتعُودُوا َنعُ ْد وَلَ ْن ُت ْغنِ َي عَنكُ مْ ِفَئُتكُ مْ َشيْئا‬
‫إِ نْ تَ ْ‬
‫ت َوَأنّ اللّ َه مَ َع الْ ُم ْؤمِنِيَ (‪)19‬‬ ‫وََلوْ َكثُرَ ْ‬

‫إن تطلبوا ‪-‬أيها الكفار‪ -‬من ال أن يوقع بأسه وعذابه على العتدين الظالي فقد أجاب ال طلبكم‪ ,‬حي‬
‫أوقع بكم مِن عقابه ما كان نكال لكم وعبة للمتقي‪ ,‬فإن تنتهوا ‪-‬أيها الكفار‪ -‬عن الكفر بال ورسوله‬
‫وقتال نبيه ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فهو خي لكم ف دنياكم وأخراكم‪ ,‬وإن تعودوا إل الرب وقتال‬
‫ممد صلى ال عليه وسلم وقتال أتباعه الؤمني َنعُ ْد بزيتكم كما هُزمتم يوم "بدر"‪ ,‬ولن تغن عنكم‬
‫جاعتكم شيئًا‪ ,‬كما ل تغن عنكم يوم "بدر" مع كثرة عددكم وعتادكم وقلة عدد الؤمني وعدتم‪ ,‬وأن‬
‫ال مع الؤمني بتأييده ونصره‪.‬‬

‫يَا َأيّهَا الّذِينَ آ َمنُوا أَطِيعُوا اللّ َه وَ َرسُولَهُ وَل َتوَّلوْا َعنْهُ َوأَْنتُ ْم تَسْ َمعُونَ (‪)20‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله أطيعوا ال ورسوله فيما أمركم به وناكم عنه‪ ,‬ول تتركوا طاعة ال‬
‫وطاعة رسوله‪ ,‬وأنتم تسمعون ما يتلى عليكم ف القرآن من الجج والباهي‪.‬‬

‫وَل تَكُونُوا كَالّذِينَ قَالُوا َس ِمعْنَا َوهُ ْم ل يَسْ َمعُونَ (‪)21‬‬

‫‪304‬‬
‫ول تكونوا أيها الؤمنون ف مالفة ال ورسوله ممد صلى ال عليه وسلم كالشركي والنافقي الذين إذا‬
‫سعوا كتاب ال يتلى عليهم قالوا‪ :‬سعنا بآذاننا‪ ,‬وهم ف القيقة ل يتدبرون ما سعوا‪ ,‬ول يفكرون فيه‪.‬‬

‫ب ِعنْدَ اللّ ِه الصّ ّم اْلبُكْ ُم الّذِي َن ل َي ْعقِلُونَ (‪)22‬‬


‫ِإنّ شَرّ ال ّدوَا ّ‬

‫إنّ شر ما دبّ على الرض ‪-‬مِنْ َخلْق ال‪ -‬عند ال الصمّ الذين انسدّت آذانم عن ساع الق فل‬
‫يسمعون‪ ,‬البكم الذين خرست ألسنتهم عن النطق به فل ينطقون‪ ,‬هؤلء هم الذين ل يعقلون عن ال‬
‫أمره ونيه‪.‬‬

‫وََلوْ عَِلمَ اللّهُ فِيهِمْ َخيْرا َلسْ َم َعهُ ْم وََلوْ َأسْ َم َعهُمْ َلَتوَلّوا َوهُ ْم ُمعْرِضُونَ (‪)23‬‬

‫ولو علم ال ف هؤلء خيًا لسعهم مواعظ القرآن وعبه حت يعقلوا عن ال عز وجل حججه وبراهينه‪,‬‬
‫ولكنه علم أنه ل خي فيهم وأنم ل يؤمنون‪ ,‬ولو أسعهم ‪-‬على الفرض والتقدير‪ -‬لتولّوا عن اليان‬
‫قصدًا وعنادًا بعد فهمهم له‪ ,‬وهم معرضون عنه‪ ,‬ل التفات لم إل الق بوجه من الوجوه‪.‬‬

‫حيِيكُ ْم وَاعْلَمُوا أَنّ اللّ َه يَحُو ُل َبيْ َن الْمَرْ ِء وََق ْلبِهِ‬


‫يَا َأيّهَا الّذِينَ آ َمنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّ ِه وَلِلرّسُولِ إِذَا َدعَاكُمْ ِلمَا يُ ْ‬
‫َوأَنّهُ إَِليْهِ ُتحْشَرُونَ (‪)24‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا بال ربًا وبحمد نبيًا ورسول استجيبوا ل وللرسول بالطاعة إذا دعاكم لا يييكم‬
‫من الق‪ ,‬ففي الستجابة إصلح حياتكم ف الدنيا والخرة‪ ,‬واعلموا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬أن ال تعال هو‬
‫التصرف ف جيع الشياء‪ ,‬والقادر على أن يول بي النسان وما يشتهيه قلبه‪ ,‬فهو سبحانه الذي ينبغي‬
‫أن يستجاب له إذا دعاكم; إذ بيده ملكوت كل شيء‪ ,‬واعلموا أنكم تُجمعون ليوم ل ريب فيه‪,‬‬
‫فيجازي كل با يستحق‪.‬‬

‫ص ًة وَاعَْلمُوا َأنّ اللّ َه َشدِي ُد الْ ِعقَابِ (‪)25‬‬


‫وَاّتقُوا ِفْتَنةً ل ُتصِيبَنّ الّذِي َن ظَلَمُوا ِمنْكُمْ خَا ّ‬

‫‪305‬‬
‫واحذروا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬اختبارًا ومنة ُيعَ ّم با السيء وغيه ل يُخَص با أهل العاعي ول مَن باشر‬
‫الذنب‪ ,‬بل تصيب الصالي معهم إذا قدروا على إنكار الظلم ول ينكروه‪ ,‬واعلموا أن ال شديد‬
‫العقاب لن خالف أمره ونيه‪.‬‬

‫ض تَخَافُو نَ أَ ْن َيتَخَ ّط َفكُ ْم النّا سُ فَآوَاكُ ْم َوَأيّدَكُ ْم بِنَ صْ ِرهِ‬


‫ض َعفُونَ فِي الَرْ ِ‬
‫ستَ ْ‬
‫وَاذْكُرُوا إِذْ َأنْتُ مْ َقلِي ٌل مُ ْ‬
‫شكُرُونَ (‪)26‬‬ ‫وَرَزََقكُ ْم مِنْ ال ّطّيبَاتِ َلعَّلكُ ْم تَ ْ‬

‫واذكروا أيها الؤمنون ِنعَم ال عليكم إذ أنتم به"مكة" قليلو العدد مقهورون‪ ,‬تافون أن يأخذكم‬
‫الكفار بسرعة‪ ,‬فجعل لكم مأوى تأوون إليه وهو "الدينة"‪ ,‬وقوّاكم بنصره عليهم يوم "بدر"‪ ,‬وأطعمكم‬
‫من الطيبات ‪-‬الت من جلتها الغنائم‪ ;-‬لكي تشكروا له على ما رزقكم وأنعم به عليكم‪.‬‬

‫يَا َأيّهَا الّذِينَ آ َمنُوا ل تَخُونُوا اللّ َه وَال ّرسُولَ َوتَخُونُوا َأمَانَاِتكُمْ َوأَْنتُ ْم َتعْلَمُونَ (‪)27‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه ل تونوا ال ورسوله بترك ما أوجبه ال عليكم وِفعْل ما‬
‫ناكم عنه‪ ,‬ول تفرطوا فيما ائتمنكم ال عليه‪ ,‬وأنتم تعلمون أنه أمانة يب الوفاء با‪.‬‬

‫وَاعَْلمُوا َأنّمَا َأ ْموَاُلكُ ْم َوَأوْلدُكُمْ ِفْتَنةٌ َوَأنّ اللّ َه ِعنْ َدهُ أَجْ ٌر عَظِيمٌ (‪)28‬‬

‫واعلموا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬أن أموالكم الت استخلفكم ال فيها‪ ,‬وأولدكم الذين وهبهم ال لكم اختبار‬
‫من ال وابتلء لعباده; ليعلم أيشكرونه عليها ويطيعونه فيها‪ ,‬أو ينشغلون با عنه؟ واعلموا أن ال عنده‬
‫خي وثواب عظيم لن اتقاه وأطاعه‪.‬‬

‫جعَلْ َلكُ مْ فُرْقَانا َوُيكَفّرْ عَنكُ مْ َسيّئَاِتكُ ْم َويَ ْغفِرْ َلكُ ْم وَاللّ هُ ذُو اْل َفضْلِ‬
‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا إِ ْن َتّتقُوا اللّ َه يَ ْ‬
‫الْعَظِيمِ (‪)29‬‬

‫‪306‬‬
‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه إن تتقوا ال بفعل أوامره واجتناب نواهيه يعل لكم‬
‫فصل بي الق والباطل‪ ,‬ويَم ُح عنكم ما سلف من ذنوبكم ويسترها عليكم‪ ,‬فل يؤاخذكم با‪ .‬وال ذو‬
‫الفضل العظيم‪.‬‬

‫َوإِ ْذ يَ ْمكُ ُر بِكَ الّذِينَ َكفَرُوا ِلُيْثبِتُوكَ َأوْ يَ ْقتُلُوكَ َأ ْو يُخْ ِرجُو َك َويَ ْمكُرُونَ َويَمْكُرُ اللّ ُه وَاللّهُ َخيْ ُر الْمَاكِرِينَ (‬
‫‪)30‬‬

‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬حي يكيد لك مشركو قومك به"مكّة"; ليحبسوك أو يقتلوك أو ينفوك من‬
‫بلدك‪ .‬ويكيدون لك‪ ,‬وردّ ال مكرهم عليهم جزاء لم‪ ,‬ويكر ال‪ ,‬وال خي الاكرين‪.‬‬

‫َوإِذَا ُتتْلَى عََلْيهِ ْم آيَاتُنَا قَالُوا َق ْد سَ ِم ْعنَا َلوْ نَشَاءُ َلقُ ْلنَا ِمثْ َل هَذَا ِإ ْن هَذَا إِلّ َأسَاطِ ُي ا َلوّلِيَ (‪)31‬‬

‫وإذا تتلى على هؤلء الذين كفروا بال آيات القرآن العزيز قالوا جهل منهم وعنادًا للحق‪ :‬قد سعنا هذا‬
‫من قبل‪ ,‬لو نشاء لقلنا مثل هذا القرآن‪ ,‬ما هذا القرآن الذي تتلوه علينا ‪-‬يا ممد‪ -‬إل أكاذيب الولي‪.‬‬

‫ح ّق مِ ْن ِعنْدِكَ َفَأمْطِ ْر عََلْينَا ِحجَا َرةً مِنْ السّمَاءِ َأوْ اْئتِنَا ِبعَذَابٍ أَلِيمٍ (‪)32‬‬
‫قَالُوا الّلهُمّ ِإنْ كَانَ هَذَا ُهوَ الْ َ‬

‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬قول الشركي من قومك داعي ال‪ :‬إن كان ما جاء به ممد هو الق مِن عندك‬
‫فأمطر علينا حجارة من السماء‪ ,‬أو ائتنا بعذاب شديد موجع‪.‬‬

‫سَت ْغفِرُونَ (‪)33‬‬


‫َومَا كَانَ اللّهُ ِلُيعَ ّذَبهُ ْم َوأَْنتَ فِيهِمْ َومَا كَانَ اللّ ُه ُمعَ ّذَبهُمْ َوهُ ْم يَ ْ‬

‫وما كان ال سبحانه وتعال ليعذّب هؤلء الشركي‪ ,‬وأنت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بي ظهرانَيْهم‪ ,‬وما كان ال‬
‫معذّبم‪ ,‬وهم يستغفرون من ذنوبم‪.‬‬

‫ج ِد الْحَرَا ِم َومَا كَانُوا َأوِْليَاءَ هُ إِ نْ َأوْلِيَاؤُ هُ إِ ّل الْ ُمتّقُو نَ‬


‫وَمَا َلهُ مْ أَلّ ُيعَ ّذَبهُ مْ اللّ ُه َوهُ ْم يَ صُدّو َن عَ ْن الْمَ سْ ِ‬
‫وََلكِنّ أَ ْكثَ َرهُ ْم ل َيعْلَمُونَ (‪)34‬‬

‫‪307‬‬
‫وكيف ل يستحقّون عذاب ال‪ ,‬وهم يصدون أولياءه الؤمني عن الطواف بالكعبة والصلة ف السجد‬
‫الرام؟ وما كانوا أولياء ال‪ ,‬إنْ أولياء ال إل الذين يتقونه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه‪ ,‬ولكن أكثر‬
‫الكفار ل يعلمون; فلذلك ادّعوا لنفسهم أمرًا‪ ,‬غيهم أول به‪.‬‬

‫َومَا كَانَ صَلُتهُ ْم ِعنْدَ اْلَبيْتِ إِ ّل مُكَا ًء َوَتصْ ِدَيةً َفذُوقُوا اْلعَذَابَ بِمَا كُنتُ ْم َتكْفُرُونَ (‪)35‬‬

‫وما كان صلتم عند السجد الرام إل صفيًا وتصفيقًا‪ .‬فذوقوا عذاب القتل والسر يوم "بدر" ;‬
‫بسبب جحودكم وأفعالكم الت ل ُيقْدم عليها إل الكفرة‪ ,‬الاحدون توحيد ربم ورسالة نبيهم‪.‬‬

‫سيُن ِفقُوَنهَا ثُمّ تَكُو نُ عََلْيهِ مْ حَ سْ َر ًة ثُمّ ُيغَْلبُو نَ‬


‫ِإنّ الّذِي نَ َكفَرُوا يُْن ِفقُو نَ َأ ْموَاَلهُ مْ ِليَ صُدّوا عَ نْ َسبِيلِ اللّ هِ فَ َ‬
‫وَالّذِينَ َكفَرُوا إِلَى َج َهنّمَ يُحْشَرُونَ (‪)36‬‬

‫إن الذين جحدوا وحدانية ال وعصوا رسوله ينفقون أموالم فيعطونا أمثالم من الشركي وأهل‬
‫الضلل‪ ,‬ليصدوا عن سبيل ال وينعوا الؤمني عن اليان بال ورسوله‪ ,‬فينفقون أموالم ف ذلك‪ ,‬ث‬
‫تكون عاقبة نفقتهم تلك ندامة وحسرة عليهم; لن أموالم تذهب‪ ,‬ول يظفرون با يأمُلون مِن إطفاء‬
‫نور ال والصد عن سبيله‪ ,‬ث يهزمهم الؤمنون آخر المر‪ .‬والذين كفروا إل جهنم يشرون فيعذبون‬
‫فيها‪.‬‬

‫جعَلَهُ فِي َج َهنّمَ ُأوْلَئِكَ‬


‫ث َبعْضَهُ عَلَى َبعْضٍ َفيَرْكُمَهُ جَمِيعا َفيَ ْ‬
‫خبِي َ‬
‫جعَ َل الْ َ‬
‫ث مِنْ الطّيّبِ َويَ ْ‬
‫خبِي َ‬
‫ِليَمِيزَ اللّ ُه الْ َ‬
‫هُ ْم الْخَاسِرُونَ (‪)37‬‬

‫يشر ال ويزي هؤلء الذين كفروا بربم‪ ,‬وأنفقوا أموالم لنع الناس عن اليان بال والصد عن سبيله;‬
‫ليميز ال تعال البيث من الطيب‪ ,‬ويعل ال الال الرام الذي أُنفق للصدّ عن دين ال بعضه فوق بعض‬
‫متراكمًا متراكبًا‪ ,‬فيجعله ف نار جهنم‪ ,‬هؤلء الكفار هم الاسرون ف الدنيا والخرة‪.‬‬

‫ضتْ ُسّن ُة ا َلوّلِيَ (‪)38‬‬


‫ف َوإِ ْن َيعُودُوا َفقَ ْد َم َ‬
‫قُلْ لِلّذِينَ َكفَرُوا ِإ ْن يَنَتهُوا ُي ْغفَرْ َلهُ ْم مَا قَ ْد سََل َ‬

‫‪308‬‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للذين جحدوا وحدانية ال مِن مشركي قومك‪ :‬إن ينجروا عن الكفر وعداوة النب‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ,‬ويرجعوا إل اليان بال وحده وعدم قتال الرسول والؤمني‪ ,‬يغفر ال لم ما سبق‬
‫من الذنوب‪ ,‬فالسلم ُيبّ ما قبله‪ .‬وإن َيعُ ْد هؤلء الشركون لقتالك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بعد الوقعة الت‬
‫أوقعتها بم يوم "بدر" فقد سبقت طريقة الولي‪ ,‬وهي أنم إذا كذبوا واستمروا على عنادهم أننا‬
‫نعاجلهم بالعذاب والعقوبة‪.‬‬

‫وَقَاتِلُوهُمْ َحتّى ل َتكُونَ ِفْتَنةٌ َوَيكُونَ الدّينُ كُلّهُ لِلّهِ فَِإ ْن انَت َهوْا فَِإنّ اللّ َه بِمَا َيعْمَلُو َن بَصِيٌ (‪)39‬‬

‫وقاتلوا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬الشركي حت ل يكون شِ ْركٌ وص ّد عن سبيل ال; ول ُي ْعبَدَ إل ال وحده ل‬
‫شريك له‪ ,‬فيتفع البلء عن عباد ال ف الرض‪ ,‬وحت يكون الدين والطاعة والعبادة كلها ل خالصة‬
‫دون غيه‪ ,‬فإن انزجروا عن قتنة الؤمني وعن الشرك بال وصاروا إل الدين الق معكم‪ ,‬فإن ال ل‬
‫يفى عليه ما يعملون مِن ترك الكفر والدخول ف السلم‪.‬‬

‫َوإِ ْن َتوَّلوْا فَاعْلَمُوا َأنّ اللّ َه َموْلكُ ْم ِنعْ َم الْ َموْلَى َوِنعْمَ الّنصِيُ (‪)40‬‬

‫وإن أعرض هؤلء الشركون عمّا دعوتوهم إليه ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬من اليان بال ورسوله وترك قتالكم‪,‬‬
‫وأَبوْا إل الصرار على الكفر وقتالكم‪ ,‬فأيقِنوا أن ال معينكم وناصركم عليهم‪ِ .‬نعْ َم العي والناصر لكم‬
‫ولوليائه على أعدائكم‪.‬‬

‫‪309‬‬
‫الزء العاشر ‪:‬‬

‫سبِي ِل‬
‫وَاعْلَمُوا َأنّمَا َغنِ ْمتُ مْ مِ ْن َشيْءٍ َفأَنّ ِللّ هِ ُخمُ سَ ُه وَلِلرّ سُولِ وَِلذِي الْقُ ْربَى وَاْليَتَامَى وَالْمَ سَاكِيِ وَابْ نِ ال ّ‬
‫إِ نْ كُنتُ مْ آمَْنتُ مْ بِاللّ ِه َومَا أَنزَْلنَا عَلَى َعبْ ِدنَا َيوْ َم اْلفُرْقَا ِن َيوْ َم الَْتقَى الْجَ ْمعَا نِ وَاللّ ُه عَلَى كُ ّل َشيْءٍ قَدِيرٌ (‬
‫‪)41‬‬

‫واعلموا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬أن ما َظفِرت به مِن عدوكم بالهاد ف سبيل ال فأربعة أخاسه للمقاتلي الذين‬
‫حضروا العركة‪ ,‬والمس الباقي ي ّزأُ خسة أقسام‪ :‬الول ل وللرسول‪ ,‬فيجعل ف مصال السلمي‬
‫العامة‪ ,‬والثان لذوي قرابة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وهم بنو هاشم وبنو الطلب‪ُ ,‬جعِل لم‬
‫المس مكان الصدقة فإنا ل ت ّل لم‪ ,‬والثالث لليتامى‪ ,‬والرابع للمساكي‪ ,‬والامس للمسافر الذي‬
‫انقطعت به النفقة‪ ,‬إن كنتم مقرّين بتوحيد ال مطيعي له‪ ,‬مؤمني با أنزل على عبده ممد صلى ال‬
‫عليه وسلم من اليات والدد والنصر يوم فَرَق بي الق والباطل به"بدر"‪ ,‬يوم التقى َجمْ ُع الؤمني‬
‫وجَ ْمعُ الشركي‪ .‬وال على كل شيء قدير ل يعجزه شيء‪.‬‬

‫صوَى وَالرّكْ بُ أَ سْفَ َل ِمْنكُ مْ وََلوْ َتوَاعَدتّ مْ ل ْخَتَلفْتُ مْ فِي الْمِيعَا ِد‬ ‫إِذْ َأْنتُ ْم بِاْلعُ ْدوَةِ ال ّدنْيَا َوهُ ْم بِاْلعُ ْد َوةِ اْلقُ ْ‬
‫حيَا مَ نْ َحيّ عَ ْن َبّيَنةٍ َوِإنّ اللّ هَ لَ سَمِيعٌ‬
‫ك عَ نْ بَّيَنةٍ َويَ ْ‬
‫ك مَ نْ هَلَ َ‬
‫وََلكِ نْ ِلَي ْقضِ يَ اللّ هُ َأمْرا كَا نَ َمفْعُولً ِليَهْلِ َ‬
‫عَلِيمٌ (‪)42‬‬

‫واذكروا حينما كنتم على جانب الوادي القرب إل "الدينة"‪ ,‬وعدوكم نازل بانب الوادي القصى‪,‬‬
‫وعِي التجارة ف مكان أسفل منكم إل ساحل "البحر الحر"‪ ,‬ولو حاولتم أن تضعوا موعدًا لذا اللقاء‬
‫لختلفتم‪ ,‬ولكنّ ال جعكم على غي ميعاد; ليقضي أمرًا كان مفعول بنصر أوليائه‪ ,‬وخِذْلن أعدائه‬
‫بالقتل والسر; وذلك ليهلك من هلك منهم عن حجة ل ثبتت له فعاينها وقطعت عذره‪ ,‬وليحيا مَن‬
‫حيّ عن حجة ل قد ثبتت وظهرت له‪ .‬وإن ال لسميع لقوال الفريقي‪ ,‬ل يفى عليه شيء‪ ,‬عليم‬
‫بنيّاتم‪.‬‬

‫ل وََلوْ أَرَا َكهُ مْ َكثِيا َلفَشِ ْلتُ ْم وََلَتنَا َز ْعتُ مْ فِي ا َلمْ ِر وََلكِنّ اللّ هَ سَلّمَ ِإنّ ُه عَلِي مٌ‬
‫إِ ْذ يُرِي َكهُ مْ اللّ هُ فِي َمنَامِ كَ قَلِي ً‬
‫‪310‬‬
‫بِذَاتِ الصّدُورِ (‪)43‬‬

‫واذكر ‪-‬أيها النب‪ -‬حينما أراك ال قلة عدد عدوك ف منامك‪ ,‬فأخبت الؤمني بذلك‪ ,‬فقوِيت قلوبم‪,‬‬
‫واجترؤوا على حربم‪ ,‬ولو أراك ربك كثرة عددهم لتردد أصحابك ف ملقاتم‪ ,‬و َجبُنتم واختلفتم ف‬
‫أمر القتال‪ ,‬ولكن ال سلّم من الفشل‪ ,‬ونّى من عاقبة ذلك‪ .‬إنه عليم بفايا القلوب وطبائع النفوس‪.‬‬

‫ل َوُيقَلُّلكُ مْ فِي أَ ْعُيِنهِ ْم َوُيقَلُّلكُ مْ فِي َأعُْيِنهِ مْ ِلَي ْقضِ يَ اللّ هُ َأمْرا‬
‫َوإِ ْذ يُرِيكُمُوهُ مْ إِ ْذ اْلَتقَْيتُ مْ فِي َأعُْينِكُ مْ قَلِي ً‬
‫كَانَ َم ْفعُولً َوإِلَى اللّ ِه ُترْجَ ُع ا ُلمُورُ (‪)44‬‬

‫واذكر أيضًا حينما برز العداء إل أرض العركة فرأيتموهم قليل فاجترأت عليهم‪ ,‬وقلّلكم ف أعينهم‪,‬‬
‫ليتركوا الستعداد لربكم; ليقضي ال أمرًا كان مفعول فيتحقق َوعْدُ ال لكم بالنصر والغلبة‪ ,‬فكانت‬
‫كلمة ال هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى‪ .‬وإل ال مصي المور كلها‪ ,‬فيجازي كل با يستحق‪.‬‬

‫يَا َأيّهَا الّذِينَ آ َمنُوا إِذَا َلقِيتُمْ ِفَئةً فَاْثبُتُوا وَاذْ ُكرُوا اللّهَ َكثِيا َلعَّلكُ ْم ُتفِْلحُونَ (‪)45‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬إذا لقيتم جاعة من أهل الكفر قد استعدوا لقتالكم‪,‬‬
‫فاثبتوا ول تنهزموا عنهم‪ ,‬واذكروا ال كثيًا داعي مبتهلي لنزال النصر عليكم وال ّظفَر بعدوكم; لكي‬
‫تفوزوا‪.‬‬

‫صبِرُوا إِنّ اللّ َه مَ َع الصّابِرِينَ (‪)46‬‬


‫َوأَطِيعُوا اللّ َه وَ َرسُولَهُ وَل َتنَا َزعُوا َفَتفْشَلُوا َوتَ ْذ َهبَ رِ ُيكُمْ وَا ْ‬

‫والتزموا طاعة ال وطاعة رسوله ف كل أحوالكم‪ ,‬ول تتلفوا فتتفرق كلمتكم وتتلف قلوبكم‪,‬‬
‫فتضعفوا وتذهب قوتكم ونصركم‪ ,‬واصبوا عند لقاه العدو‪ .‬إن ال مع الصابرين بالعون والنصر‬
‫والتأييد‪ ,‬ولن يذلم‪.‬‬

‫س َويَ صُدّونَ عَ نْ َسبِيلِ اللّ ِه وَاللّ ُه بِمَا َيعْمَلُو نَ‬


‫وَل تَكُونُوا كَالّذِي نَ خَ َرجُوا مِ نْ ِديَا ِرهِ ْم بَطَرا وَ ِرئَا َء النّا ِ‬
‫مُحِيطٌ (‪)47‬‬

‫‪311‬‬
‫ول تكونوا مثل الشركي الذين خرجوا من بلدهم كبًا ورياءً; ليمنعوا الناس عن الدخول ف دين ال‪.‬‬
‫وال با يعملون ميط ل يغيب عنه شيء‪.‬‬

‫ت الْ ِفَئتَا نِ‬


‫شيْطَا نُ َأعْمَاَلهُ ْم وَقَالَ ل غَالِ بَ َلكُ ْم الَْيوْ َم مِ نْ النّا سِ َوِإنّي جَارٌ َلكُ مْ فََلمّا َترَاءَ ْ‬
‫َوإِذْ َزيّ نَ َلهُ مْ ال ّ‬
‫ص عَلَى َع ِقَبيْهِ وَقَالَ ِإنّي َبرِي ٌء ِمنْكُمْ ِإنّي أَرَى مَا ل تَ َر ْونَ ِإنّي أَخَافُ اللّ َه وَاللّ ُه شَدِي ُد اْل ِعقَابِ (‪)48‬‬ ‫نَ َك َ‬

‫واذكروا حي حسّن الشيطان للمشركي ما جاؤوا له وما هّوا به‪ ,‬وقال لم‪ :‬لن يغلبكم أحد اليوم‪ ,‬فإن‬
‫ناصركم‪ ,‬فلما تقابل الفريقان‪ :‬الشركون ومعهم الشيطان‪ ,‬والسلمون ومعهم اللئكة‪ ,‬رجع الشيطان‬
‫مُدْبرًا‪ ,‬وقال للمشركي‪ :‬إن بريء منكم‪ ,‬إن أرى ما ل ترون من اللئكة الذين جاؤوا مددًا للمسلمي‪,‬‬
‫إن أخاف ال‪ ,‬فخذلم وتبأ منهم‪ .‬وال شديد العقاب لن عصاه ول يتب توبة نصوحًا‪.‬‬

‫إِ ْذ َيقُو ُل الْ ُمنَاِفقُو َن وَالّذِينَ فِي ُقلُوِبهِ ْم مَرَضٌ غَ ّر َهؤُلءِ دِيُنهُ ْم َومَ ْن َيَتوَكّلْ عَلَى اللّهِ فَِإنّ اللّ َه عَزِيزٌ َحكِيمٌ‬
‫(‪)49‬‬

‫واذكروا حي يقول أهل الشرك والنفاق ومرضى القلوب‪ ,‬وهم يرون قلة السلمي وكثرة عدوهم‪ :‬غرّ‬
‫هؤلء السلمي دينُهم‪ ,‬فأوردهم هذه الوارد‪ ,‬ول يدرك هؤلء النافقون أنه من يتوكل على ال ويثق‬
‫بوعده فإن ال لن يذله‪ ,‬فإن ال عزيز ل يعجزه شيء‪ ,‬حكيم ف تدبيه وصنعه‪.‬‬

‫حرِيقِ (‪)50‬‬
‫وََلوْ َترَى إِ ْذ َيَتوَفّى الّذِينَ َكفَرُوا الْمَلِئ َكةُ َيضْ ِربُونَ وُجُو َههُ ْم َوأَ ْدبَا َرهُ ْم وَذُوقُوا عَذَابَ الْ َ‬

‫ولو تعاين ‪-‬أيها الرسول‪ -‬حال قبض اللئكة أرواح الكفار وانتزاعها‪ ,‬وهم يضربون وجوههم ف حال‬
‫إقبالم‪ ,‬ويضربون ظهورهم ف حال فرارهم‪ ,‬ويقولون لم‪ :‬ذوقوا العذاب الحرق‪ ,‬لرأيت أمرًا عظيمًا‪،‬‬
‫وهذا السياق وإن كان سببه وقعة "بدر" ‪ ،‬ولكنه عام ف حق كلّ كافر‪.‬‬

‫لمٍ لِ ْل َعبِيدِ (‪)51‬‬


‫ك بِمَا َق ّد َمتْ َأيْدِيكُمْ َوأَنّ اللّهَ َلْيسَ بِ َظ ّ‬
‫ذَلِ َ‬

‫‪312‬‬
‫ذلك الزاء الذي أصاب الشركي فبسبب أعمالم السيئة ف حياتم الدنيا‪ ,‬ول يظلم ال أحدًا من خَلْقه‬
‫لكَمُ العدل الذي ل يور‪.‬‬
‫مثقال ذرة‪ ,‬بل هو ا َ‬

‫كَ َدأْبِ آلِ ِف ْرعَوْنَ وَالّذِي َن مِنْ َقبِْل ِهمْ َكفَرُوا بِآيَاتِ اللّهِ َفأَخَ َذهُمْ اللّ ُه بِ ُذنُوبِهِمْ ِإنّ اللّهَ َقوِيّ شَدِي ُد اْلعِقَابِ‬
‫(‪)52‬‬

‫إنّ ما نزل بالشركي يومئذ ُسنّة ال ف عقاب الطغاة من المم السابقة من أمثال فرعون والسابقي له‪,‬‬
‫عندما كذّبوا رسل ال وجحدوا آياته‪ ,‬فإن ال أنزل بم عقابه بسبب ذنوبم‪ .‬إن ال قوي ل ُيقْهر‪,‬‬
‫شديد العقاب لن عصاه ول يتب من ذنبه‪.‬‬

‫سهِ ْم َوَأنّ اللّ َه سَمِي ٌع عَلِيمٌ (‪)53‬‬


‫ك ُم َغيّرا ِنعْ َمةً َأنْعَ َمهَا عَلَى َق ْومٍ َحتّى ُي َغيّرُوا مَا ِبأَنفُ ِ‬
‫ك ِبَأنّ اللّهَ لَ ْم يَ ُ‬
‫ذَلِ َ‬

‫ذلك الزاء السيّئ بأن ال إذا أنعم على قوم نعمة ل يسلبها منهم حت يغيّروا حالم الطيبة إل حال‬
‫سيئة‪ ,‬وأن ال سيع لقوال خلقه‪ ,‬عليم بأحوالم‪ ،‬فيجري عليهم ما اقتضاه علمه ومشيئته‪.‬‬

‫كَ َدأْ بِ آلِ ِف ْرعَوْ نَ وَالّذِي َن مِ نْ َقبِْل ِه مْ كَ ّذبُوا بِآيَا تِ َرّبهِ مْ َفأَهَْل ْكنَاهُ مْ بِ ُذنُوِبهِ ْم َوَأغْرَ ْقنَا آلَ فِ ْر َعوْ نَ وَكُلّ‬
‫كَانُوا ظَالِمِيَ (‪)54‬‬

‫شأن هؤلء الكافرين ف ذلك كشأن آل فرعون الذين كذبوا موسى‪ ,‬وشأن الذين كذبوا رسلهم من‬
‫المم السابقة فأهلكهم ال بسبب ذنوبم‪ ,‬وأغرق آل فرعون ف البحر‪ ,‬وكل منهم كان فاعل ما ل‬
‫يكن له ِفعْلُه من تكذيبهم رسل ال وجحودهم آياته‪ ,‬وإشراكهم ف العبادة غيه‪.‬‬

‫ب عِنْدَ اللّ ِه الّذِينَ َكفَرُوا َفهُ ْم ل ُي ْؤمِنُونَ (‪)55‬‬


‫إِ ّن شَرّ ال ّدوَا ّ‬

‫إن شر ما دبّ على الرض عند ال الكفار الصرّون على الكفر‪ ,‬فهم ل يصدقون رسل ال‪ ,‬ول يُقرون‬
‫بوحدانيته‪ ,‬ول يتبعون شرعه‪.‬‬

‫‪313‬‬
‫ت ِمْنهُ ْم ثُ ّم يَنقُضُونَ َعهْ َدهُمْ فِي كُ ّل مَ ّر ٍة َوهُمْ ل َيّتقُونَ (‪)56‬‬
‫الّذِي َن عَاهَدْ َ‬

‫مِن أولئك الشرار اليهود الذين دخلوا معك ف العاهدات بأن ل ياربوك ول يظاهروا عليك أحدًا‪ ,‬ث‬
‫ينقضون عهدهم الرة تلو الرة‪ ,‬وهم ل يافون ال‪.‬‬

‫حرْبِ فَشَرّ ْد ِبهِ ْم مَنْ َخ ْل َفهُمْ َلعَّلهُ ْم يَذّكّرُونَ (‪)57‬‬


‫فَِإمّا َتثْ َق َفّنهُمْ فِي الْ َ‬

‫فإن واجهت هؤلء الناقضي للعهود والواثيق ف العركة‪ ,‬فأن ِزلْ بم من العذاب ما يُدْخل الرعب ف‬
‫قلوب الخرين‪ ,‬ويشتت جوعهم; لعلهم يذّكرون‪ ,‬فل يترئون على مثل الذي أقدم عليه السابقون‪.‬‬

‫ب الْخَاِئنِيَ (‪)58‬‬
‫ح ّ‬
‫َوِإمّا تَخَافَ ّن مِنْ َق ْومٍ ِخيَاَنةً فَاْنبِذْ إَِلْيهِ ْم عَلَى َسوَاءٍ إِنّ اللّ َه ل يُ ِ‬

‫وإن خفت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من قومٍ خيانة ظهرت بوادرها فألق إليهم عهدهم‪ ,‬كي يكون الطرفان‬
‫مستويي ف العلم بأنه ل عهد بعد اليوم‪ .‬إن ال ل يب الائني ف عهودهم الناقضي للعهد واليثاق‪.‬‬

‫جزُونَ (‪)59‬‬
‫سبَ ّن الّذِينَ َكفَرُوا َسَبقُوا ِإّنهُمْ ل ُيعْ ِ‬
‫وَل يَحْ َ‬

‫ول يظنن الذين جحدوا آيات ال أنم فاتوا و َنوْا‪ ,‬وأن ال ل يقدر عليهم‪ ,‬إنم لن ُيفْلِتوا من عذاب‬
‫ال‪.‬‬

‫خيْ ِل تُ ْر ِهبُو نَ بِ هِ عَ ُدوّ اللّ ِه َوعَ ُدوّكُ ْم وَآ َخرِي نَ مِ نْ دُوِنهِ مْ ل‬


‫ط الْ َ‬
‫َوأَعِدّوا َلهُ ْم مَا ا سْتَ َط ْعتُ ْم مِ نْ ُق ّوةٍ َومِ نْ ِربَا ِ‬
‫َتعْلَمُوَنهُمْ اللّ ُه َيعْلَ ُمهُ ْم َومَا تُن ِفقُوا مِ ْن َشيْءٍ فِي َسبِيلِ اللّ ِه ُيوَفّ إَِلْيكُ ْم َوَأنْتُ ْم ل تُظَْلمُونَ (‪)60‬‬

‫وأعدّوا ‪ -‬يا معشر السلمي ‪ -‬لواجهة أعدائكم كل ما تقدرون عليه مِن عدد وعدة‪ ,‬لتُدْخلوا بذلك‬
‫الرهبة ف قلوب أعداء ال وأعدائكم التربصي بكم‪ ,‬وتيفوا آخرين ل تظهر لكم عداوتم الن‪ ,‬لكن‬
‫ال يعلمهم ويعلم ما يضمرونه‪ .‬وما تبذلوا من مال وغيه ف سبيل ال قليل أو كثيًا يلفه ال عليكم ف‬
‫الدنيا‪ ,‬ويدخر لكم ثوابه إل يوم القيامة‪ ,‬وأنتم ل ُتنْقصون من أجر ذلك شيئًا‪.‬‬

‫‪314‬‬
‫َوإِنْ َجنَحُوا لِلسّلْمِ فَا ْجنَحْ َلهَا َوتَوَكّ ْل عَلَى اللّهِ ِإنّهُ ُهوَ السّمِي ُع الْعَلِيمُ (‪)61‬‬

‫وإن مالوا إل ترك الرب ورغبوا ف مسالتكم فمِلْ إل ذلك ‪-‬أيها النب‪ -‬وَف ّوضْ أمرك إل ال‪ ,‬وثق به‪.‬‬
‫إنه هو السميع لقوالم‪ ,‬العليم بنيّاتم‪.‬‬

‫سبَكَ اللّ ُه ُه َو الّذِي َأيّدَ َك ِبنَصْ ِرهِ َوبِالْ ُم ْؤ ِمنِيَ (‪َ )62‬وأَلّفَ بَيْنَ قُلُوِبهِمْ َلوْ‬
‫َوإِنْ ُيرِيدُوا أَ ْن يَخْ َدعُوكَ فَِإنّ حَ ْ‬
‫ف َبيَْنهُمْ ِإنّ ُه عَزِيزٌ َحكِيمٌ (‪)63‬‬‫أَن َف ْقتَ مَا فِي الَ ْرضِ جَمِيعا مَا أَّل ْفتَ بَيْنَ ُقلُوبِهِ ْم وََلكِنّ اللّهَ أَلّ َ‬

‫وإن أراد الذين عاهدوك الكر بك فإن ال سيكفيك خداعهم; إنه هو الذي أنزل عليك نصره وقوّاك‬
‫بالؤمني من الهاجرين والنصار‪ ,‬وجَمَع بي قلوبم بعد التفرق‪ ,‬لو أنفقت مال الدنيا على جع قلوبم‬
‫ما استطعت إل ذلك سبيل ولكن ال جع بينها على اليان فأصبحوا إخوانًا متحابي‪ ,‬إنه عزيز ف‬
‫مُلْكه‪ ,‬حكيم ف أمره وتدبيه‪.‬‬

‫سبُكَ اللّ ُه َومَنْ اّتَبعَكَ مِ ْن الْ ُم ْؤ ِمنِيَ (‪)64‬‬


‫يَا َأيّهَا النِّبيّ حَ ْ‬

‫يا أيها النب إن ال كافيك‪ ,‬وكاف الذين معك من الؤمني ش ّر أعدائكم‪.‬‬

‫ض الْ ُم ْؤ ِمنِيَ عَلَى اْل ِقتَالِ إِ نْ َيكُ ْن ِمنْكُ ْم عِشْرُو نَ صَابِرُونَ َيغِْلبُوا مِاَئَتيْ نِ َوإِ ْن يَكُ ْن ِمْنكُ مْ‬
‫يَا َأيّهَا النِّبيّ حَرّ ْ‬
‫مِاَئةٌ َيغِْلبُوا أَلْفا مِ ْن الّذِينَ َكفَرُوا ِبَأنّهُمْ َق ْو ٌم ل َي ْفقَهُونَ (‪)65‬‬

‫يا أيها النب ُحثّ الؤمني بك على القتال‪ ,‬إن يكن منكم عشرون صابرون عند لقاء العدو يغلبوا مائتي‬
‫منهم‪ ,‬فإن يكن منكم مائة ماهدة صابرة يغلبوا ألفًا من الكفار; لنم قوم ل عِلْم ول فهم عندهم لا‬
‫أعدّ ال للمجاهدين ف سبيله‪ ,‬فهم يقاتلون من أجل العلو ف الرض والفساد فيها‪.‬‬

‫ضعْفا فَإِ ْن َيكُ ْن ِمنْكُ ْم مِاَئةٌ صَابِ َرٌة َيغِْلبُوا مِاَئتَيْ نِ َوإِ نْ َيكُ ْن ِمْنكُ مْ‬
‫ال نَ َخفّ فَ اللّ هُ عَنكُ ْم َوعَلِ مَ َأنّ فِيكُ مْ َ‬
‫ف َيغِْلبُوا أَْلفَيْ ِن بِإِ ْذنِ اللّ ِه وَاللّ ُه مَ َع الصّابِرِينَ (‪)66‬‬
‫أَلْ ٌ‬

‫‪315‬‬
‫الن خفف ال عنكم أيها الؤمنون لا فيكم من الضعف‪ ,‬فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتي من‬
‫الكافرين‪ ,‬وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفي منهم بإذن ال تعال‪ .‬وال مع الصابرين بتأييده ونصره‪.‬‬

‫ض تُرِيدُو َن عَرَ ضَ ال ّدْنيَا وَاللّ ُه ُيرِيدُ الخِ َر َة وَاللّ هُ‬


‫مَا كَا نَ ِلَنِبيّ أَ نْ َيكُو نَ لَ هُ أَ سْرَى َحتّى ُيثْخِ نَ فِي الَرْ ِ‬
‫عَزِيزٌ َحكِيمٌ (‪)67‬‬

‫ل ينبغي لنب أن يكون له أسرى مِن أعدائه حت يبالغ ف القتل; لدخال الرعب ف قلوبم ويوطد دعائم‬
‫الدين‪ ,‬تريدون ‪-‬يا معشر السلمي‪ -‬بأخذكم الفداء من أسرى "بدر" متاع الدنيا‪ ,‬وال يريد إظهار دينه‬
‫الذي به تدرك الخرة‪ .‬وال عزيز ل يُقْهر‪ ,‬حكيم ف شرعه‪.‬‬

‫سكُمْ فِيمَا أَ َخ ْذتُ ْم عَذَابٌ عَظِيمٌ (‪)68‬‬


‫ب مِنْ اللّ ِه َسبَقَ لَمَ ّ‬
‫َلوْل ِكتَا ٌ‬

‫لول كتاب من ال سبق به القضاء والقدر بإباحة الغنيمة وفداء السرى لذه المة‪ ,‬لنالكم عذاب عظيم‬
‫بسبب أخْذكم الغنيمة والفداء قبل أن ينل بشأنما تشريع‪.‬‬

‫َفكُلُوا مِمّا غَنِ ْمتُمْ حَللً َطيّبا وَاتّقُوا اللّهَ ِإنّ اللّ َه َغفُورٌ رَحِيمٌ (‪)69‬‬

‫فكلوا من الغنائم وفداء السرى فهو حلل طيب‪ ,‬وحافظوا على أحكام دين ال وتشريعاته‪ .‬إن ال‬
‫غفور لعباده‪ ,‬رحيم بم‪.‬‬

‫يَا َأّيهَا النِّبيّ قُلْ ِلمَنْ فِي َأيْدِيكُمْ مِ ْن الَسْرَى إِنْ َيعْلَمْ اللّهُ فِي قُلُوِبكُمْ َخيْرا ُيؤِْتكُمْ َخيْرا مِمّا أُخِ َذ ِمْنكُمْ‬
‫َويَ ْغفِرْ َلكُ ْم وَاللّ ُه َغفُورٌ رَحِيمٌ (‪)70‬‬

‫يا أيها النب قل لن أسرتوهم ف "بدر"‪ :‬ل تأسوا على الفداء الذي أخذ منكم‪ ,‬إن يعلم ال تعال ف‬
‫قلوبكم خيًا يؤتكم خيًا ما أُخذ منكم من الال بأن ُييَسّر لكم من فضله خيًا كثيًا ‪-‬وقد أنز ال‬
‫وعده للعباس رضي ال عنه وغيه‪ ,-‬ويغفر لكم ذنوبكم‪ .‬وال سبحانه غفور لذنوب عباده إذا تابوا‪,‬‬
‫رحيم بم‪.‬‬

‫‪316‬‬
‫َوإِ ْن يُرِيدُوا ِخيَاَنتَكَ َفقَدْ خَانُوا اللّ َه مِنْ َقبْلُ َفَأمْكَ َن ِمْنهُ ْم وَاللّ ُه عَلِيمٌ َحكِيمٌ (‪)71‬‬

‫وإن يرد الذين َأطَْل ْقتَ صراحهم ‪-‬أيها النب‪ -‬من السرى الغدر بك مرة أخرى فل َتيْئسْ‪ ,‬فقد خانوا‬
‫ال من قبل وحاربوك‪ ,‬فنصرك ال عليهم‪ .‬وال عليم با تنطوي عليه الصدور‪ ,‬حكيم ف تدبي شؤون‬
‫عباده‪.‬‬

‫ضهُ ْم‬
‫سهِمْ فِي َسبِيلِ اللّ ِه وَالّذِي َن آوَوا َونَصَرُوا ُأوَْلئِكَ بَ ْع ُ‬
‫ِإنّ الّذِينَ آ َمنُوا َوهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا ِبَأ ْموَاِلهِ ْم َوأَنفُ ِ‬
‫ض وَالّذِينَ آ َمنُوا وَلَ ْم ُيهَا َجرُوا مَا َلكُ ْم مِ ْن وَليَِتهِمْ مِ ْن َشيْءٍ َحتّى ُيهَاجِرُوا َوإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي‬ ‫َأوْلِيَا ُء َبعْ ٍ‬
‫ق وَاللّ ُه بِمَا َتعْمَلُونَ َبصِيٌ (‪)72‬‬ ‫الدّينِ َفعََليْكُ ْم الّنصْرُ إِلّ عَلَى َق ْو ٍم َبيَْنكُ ْم َوبَْيَنهُ ْم مِيثَا ٌ‬

‫إن الذين صدّقوا ال‪ ,‬ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬وهاجروا إل دار السلم‪ ,‬أو بلد يتمكنون فيه من عبادة‬
‫ربم‪ ،‬وجاهدوا ف سبيل ال بالال والنفس‪ ,‬والذين أنزلوا الهاجرين ف دورهم‪ ,‬وواسوهم بأموالم‪,‬‬
‫ونصروا دين ال‪ ,‬أولئك بعضهم نصراء بعض‪ .‬أما الذين آمنوا ول يهاجروا من دار الكفر فلستم مكلفي‬
‫بمايتهم ونصرتم حت يهاجروا‪ ,‬وإن وقع عليهم ظلم من الكفار فطلبوا نصرتكم فاستجيبوا لم‪ ,‬إل‬
‫على قوم بينكم وبينهم عهد مؤكد ل ينقضوه‪ .‬وال بصي بأعمالكم‪ ,‬بزي كل على قدر نيته وعمله‪.‬‬

‫ض وَفَسَادٌ َكبِيٌ (‪)73‬‬


‫وَالّذِينَ َك َفرُوا َب ْعضُهُمْ َأوِْليَا ُء َبعْضٍ إِ ّل تَ ْفعَلُو ُه تَكُنْ ِفْتَنةٌ فِي الَ ْر ِ‬

‫والذين كفروا بعضهم نصراء بعض‪ ,‬وإن ل تكونوا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬نصراء بعض تكن ف الرض فتنة‬
‫للمؤمني عن دين ال‪ ,‬وفساد عريض بالصد عن سبيل ال وتقوية دعائم الكفر‪.‬‬

‫ك هُ ْم الْ ُم ْؤ ِمنُو نَ َحقّا َلهُ مْ‬


‫وَالّذِي نَ آ َمنُوا َوهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي َسبِيلِ اللّ ِه وَالّذِي َن آوَوا َونَ صَرُوا ُأوَْلئِ َ‬
‫َمغْفِ َرٌة وَرِ ْزقٌ َك ِريٌ (‪)74‬‬

‫والذين آمنوا بال ورسوله‪ ,‬وتركوا ديارهم قاصدين دار السلم أو بلدًا يتمكنون فيه من عبادة ربم‪,‬‬
‫وجاهدوا لعلء كلمة ال‪ ,‬والذين نصروا إخوانم الهاجرين وآووهم وواسوهم بالال والتأييد‪ ,‬أولئك‬
‫هم الؤمنون الصادقون حقًا‪ ,‬لم مغفرة لذنوبم‪ ,‬ورزق كري واسع ف جنات النعيم‪.‬‬

‫‪317‬‬
‫ضهُ مْ َأوْلَى ِبَبعْ ضٍ فِي‬
‫وَالّذِي نَ آ َمنُوا مِ ْن َبعْ ُد َوهَا َجرُوا وَجَاهَدُوا َمعَكُ مْ َفُأوْلَئِ كَ ِمْنكُ ْم َوُأوْلُوا الَرْحَا مِ َب ْع ُ‬
‫ِكتَابِ اللّهِ ِإنّ اللّ َه بِكُ ّل َشيْ ٍء عَلِيمٌ (‪)75‬‬

‫والذين آمنوا مِن بعد هؤلء الهاجرين والنصار‪ ,‬وهاجروا وجاهدوا معكم ف سبيل ال‪ ,‬فأولئك منكم‬
‫‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬لم ما لكم وعليهم ما عليكم‪ ,‬وأولو القرابة بعضهم أول ببعض ف التوارث ف حكم‬
‫ال من عامة السلمي‪ .‬إن ال بكل شيء عليم يعلم ما يصلح عباده مِن توريث بعضهم من بعض ف‬
‫القرابة والنسب دون التوارث بالِلْف‪ ,‬وغي ذلك ما كان ف أول السلم‪.‬‬

‫‪ -9‬سورة التوبة‬

‫بَرَا َءةٌ مِنْ اللّ ِه وَ َرسُولِهِ إِلَى الّذِي َن عَاهَدتّ ْم مِ ْن الْمُشْرِكِيَ (‪)1‬‬

‫هذه براءة من ال ورسوله‪ ,‬وإعلن بالتخلي عن العهود الت كانت بي السلمي والشركي‪.‬‬

‫جزِي اللّ ِه َوَأنّ اللّ َه ُمخْزِي اْلكَافِرِينَ (‪)2‬‬


‫فَسِيحُوا فِي الَ ْرضِ أَ ْرَبعَةَ َأ ْشهُ ٍر وَاعَْلمُوا َأّنكُ ْم غَيْ ُر ُمعْ ِ‬

‫فسيوا ‪-‬أيها الشركون‪ -‬ف الرض مدّة أربعة أشهر‪ ,‬تذهبون حيث شئتم آمني من الؤمني‪ ,‬واعلموا‬
‫أنكم لن ُتفْلِتوا من العقوبة‪ ,‬وأن ال مذل الكافرين ومورثهم العار ف الدنيا‪ ,‬والنار ف الخرة‪ .‬وهذه‬
‫الية لذوي العهود الطلقة غي الؤقتة‪ ,‬أو من له عهد دون أربعة أشهر‪ ,‬فيكمّل له أربعة أشهر‪ ،‬أو مَن‬
‫كان له عهد فنقضه‪.‬‬

‫شرِكِيَ وَرَ سُولُهُ فَإِ ْن ُتبْتُ مْ َف ُهوَ‬


‫س َيوْ َم الْحَجّ الَ ْكبَرِ َأنّ اللّ هَ بَرِي ٌء مِ ْن الْمُ ْ‬
‫َوأَذَا نٌ مِ نْ اللّ ِه وَرَ سُولِهِ إِلَى النّا ِ‬
‫َخيْرٌ َلكُ ْم َوِإنْ َتوَّلْيتُمْ فَاعْلَمُوا َأّنكُ ْم َغيْ ُر ُمعْجِزِي اللّ ِه َوبَشّ ْر الّذِينَ َكفَرُوا ِبعَذَابٍ أَلِيمٍ (‪)3‬‬

‫‪318‬‬
‫وإعلم من ال ورسوله وإنذار إل الناس يوم النحر أن ال بريء من الشركي‪ ,‬ورسوله بريء منهم‬
‫كذلك‪ .‬فإن رجعتم ‪-‬أيها الشركون‪ -‬إل الق وتركتم شرككم فهو خي لكم‪ ,‬وإن أعرضتم عن قَبول‬
‫الق وأبيتم الدخول ف دين ال فاعلموا أنكم لن تُفْلِتوا من عذاب ال‪ .‬وأنذر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء‬
‫العرضي عن السلم عذاب ال الوجع‪.‬‬

‫إِلّ الّذِي َن عَاهَدتّ ْم مِ ْن الْمُشْرِ ِكيَ ثُمّ لَ ْم يَنقُ صُوكُ ْم َشيْئا وَلَ ْم يُظَاهِرُوا عََلْيكُ مْ أَحَدا َفَأتِمّوا إَِلْيهِ ْم َعهْدَهُ مْ‬
‫حبّ الْ ُمّتقِيَ (‪)4‬‬ ‫إِلَى مُ ّدِتهِمْ ِإنّ اللّ َه ُي ِ‬

‫ويُستثن من الكم السابق الشركون الذين دخلوا معكم ف عهد مدد بدة‪ ,‬ول يونوا العهد‪ ,‬ول‬
‫يعاونوا عليكم أحدا من العداء‪ ,‬فأكملوا لم عهدهم إل نايته الحدودة‪ .‬إن ال يب التقي الذين أدّوا‬
‫ما أمروا به‪ ,‬واتقوا الشرك واليانة‪ ,‬وغي ذلك من العاصي‪.‬‬

‫ث وَ َج ْدتُمُوهُ ْم َوخُذُوهُ ْم وَاحْ صُرُوهُمْ وَا ْقعُدُوا َل ُه مْ كُلّ‬


‫فَإِذَا ان سَلَ َخ ا َل ْشهُ ُر الْحُرُ مُ فَا ْقتُلُوا الْمُشْرِكِيَ َحيْ ُ‬
‫مَرْصَدٍ َفِإنْ تَابُوا َوأَقَامُوا الصّلةَ وَآَتوْا الزّكَاةَ َفخَلّوا َسبِيَلهُمْ ِإنّ اللّهَ غَفُورٌ َرحِيمٌ (‪)5‬‬

‫فإذا انقضت الشهر الربعة الت أمّنتم فيها الشركي‪ ,‬فأعلنوا الرب على أعداء ال حيث كانوا‪,‬‬
‫واقصدوهم بالصار ف معاقلهم‪ ,‬وترصدوا لم ف طرقهم‪ ,‬فإن رجعوا عن كفرهم ودخلوا السلم‬
‫والتزموا شرائعه من إقام الصلة وإخراج الزكاة‪ ,‬فاتركوهم‪ ,‬فقد أصبحوا إخوانكم ف السلم‪ ,‬إن ال‬
‫غفور لن تاب وأناب‪ ,‬رحيم بم‪.‬‬

‫ك ِبأَّنهُ مْ َقوْ مٌ ل‬
‫َوإِ نْ َأحَ ٌد مِ نْ الْمُشْرِكِيَ ا ْستَجَا َركَ َفأَجِرْ هُ َحتّ ى يَ سْمَعَ كَل مَ اللّ ِه ثُمّ َأبِْلغْ هُ مَ ْأ َمنَ هُ ذَلِ َ‬
‫َيعْلَمُونَ (‪)6‬‬

‫وإذا طلب أحد من الشركي الذين استبيحت دماؤهم وأموالم الدخول ف جوارك ‪-‬أيها الرسول‪-‬‬
‫ورغب ف المان‪ ,‬فأجبه إل طلبه حت يسمع القرآن الكري ويطّلع على هدايته‪ ,‬ث أَعِدْه من حيث أتى‬
‫آمنًا; وذلك لقامة الجة عليه; ذلك بسبب أن الكفار قوم جاهلون بقائق السلم‪ ,‬فربا اختاروه إذا‬
‫زال الهل عنهم‪.‬‬

‫‪319‬‬
‫حرَامِ فَمَا ا ْستَقَامُوا‬
‫سجِ ِد الْ َ‬
‫ف َيكُونُ ِللْمُشْرِ ِكيَ َعهْ ٌد ِعنْدَ اللّ ِه َو ِعنْدَ رَسُولِهِ إِ ّل الّذِي َن عَاهَ ْدتُ ْم ِعنْ َد الْمَ ْ‬ ‫َكيْ َ‬
‫ب الْ ُمتّقِيَ (‪)7‬‬ ‫ح ّ‬ ‫َلكُمْ فَا ْستَقِيمُوا َلهُمْ إِنّ اللّ َه يُ ِ‬

‫ل ينبغي أن يكون للمشركي عهد عند ال وعند رسوله‪ ,‬إل الذين عاهدت عند السجد الرام ف صلح‬
‫(الديبية) فما أقاموا على الوفاء بعهدكم فأقيموا لم على مثل ذلك‪ .‬إن ال يب التقي الوفّي‬
‫بعهودهم‪.‬‬

‫ُمه‬
‫ُمه َوأَ ْكثَ ُره ْ‬
‫ِمه َوتَأْبَى ُقلُوُبه ْ‬
‫ُمهِبأَ ْفوَا ِهه ْ‬
‫ُمهإِ ّل وَل ِذ ّم ًة يُرْضُونَك ْ‬
‫ُمه ل يَرُْقبُوا فِيك ْ‬
‫ِنه يَ ْظهَرُوا عََلْيك ْ‬
‫ْفه َوإ ْ‬
‫َكي َ‬
‫فَا ِسقُونَ (‪)8‬‬

‫إن شأن الشركي أن يلتزموا بالعهود ما دامت الغلبة لغيهم‪ ,‬أما إذا شعروا بالقوة على الؤمني فإنم ل‬
‫يراعون القرابة ول العهد‪ ,‬فل يغرنكم منهم ما يعاملونكم به وقت الوف منكم‪ ,‬فإنم يقولون لكم‬
‫كلمًا بألسنتهم; لترضوا عنهم‪ ,‬ولكن قلوبم تأب ذلك‪ ,‬وأكثرهم متمردون على السلم ناقضون‬
‫للعهد‪.‬‬

‫اشْتَ َروْا بِآيَاتِ اللّ ِه ثَمَنا قَلِيلً َفصَدّوا عَ ْن َسبِيلِهِ ِإّنهُ ْم سَاءَ مَا كَانُوا يَعْ َملُونَ (‪)9‬‬

‫استبدلوا بآيات ال عرض الدنيا التافه‪ ,‬فأعرضوا عن الق ومنعوا الراغبي ف السلم عن الدخول فيه‪,‬‬
‫لقد َقبُح فعلهم‪ ,‬وساء صنيعهم‪.‬‬

‫ك هُ ْم الْ ُم ْعتَدُونَ (‪)10‬‬


‫ل يَرُْقبُونَ فِي ُمؤْمِنٍ إِ ّل وَل ِذ ّم ًة َوُأوْلَئِ َ‬

‫إن هؤلء الشركي حرب على اليان وأهله‪ ,‬فل يقيمون وزنًا لقرابة الؤمن ول لعهده‪ ,‬وشأنم العدوان‬
‫والظلم‪.‬‬

‫فَِإنْ تَابُوا َوأَقَامُوا الصّل َة وَآَتوْا الزّكَاةَ فَِإ ْخوَاُنكُمْ فِي الدّينِ َوُن َفصّ ُل اليَاتِ ِل َق ْومٍ َيعْلَمُونَ (‪)11‬‬

‫‪320‬‬
‫فإن أقلعوا عن عبادة غي ال‪ ,‬ونطقوا بكلمة التوحيد‪ ,‬والتزموا شرائع السلم من إقام الصلة وإيتاء‬
‫الزكاة‪ ,‬فإنم إخوانكم ف السلم‪ .‬ونبي اليات‪ ,‬ونوضحها لقوم ينتفعون با‪.‬‬

‫َوإِ ْن َنكَثُوا َأيْمَاَنهُ ْم مِ ْن َبعْ ِد َعهْ ِدهِ ْم َوطَ َعنُوا فِي دِيِنكُ مْ َفقَاتِلُوا َأئِ ّم َة الْ ُكفْرِ ِإّنهُ مْ ل َأيْمَا نَ َلهُ مْ َلعَّل ُه مْ‬
‫يَنَتهُونَ (‪)12‬‬

‫ض هؤلء الشركون العهود الت أبرمتموها معهم‪ ,‬وأظهروا الطعن ف دين السلم‪ ,‬فقاتلوهم‬
‫وإ ْن َنقَ َ‬
‫فإنم رؤساء الضلل‪ ,‬ل عهد لم ول ذمة‪ ,‬حت ينتهوا عن كفرهم وعداوتم للسلم‪.‬‬

‫ش ْوَنهُمْ فَاللّهُ أَحَقّ أَنْ‬


‫أَل ُتقَاتِلُونَ َقوْما نَ َكثُوا َأيْمَاَنهُ ْم َوهَمّوا بِإِخْرَاجِ الرّسُو ِل َوهُمْ بَدَءُوكُمْ َأوّ َل مَ ّرةٍ َأتَخْ َ‬
‫ش ْوهُ ِإنْ كُنتُ ْم ُم ْؤ ِمنِيَ (‪)13‬‬ ‫تَخْ َ‬

‫ل تترددوا ف قتال هؤلء القوم الذين نقضوا عهودهم‪ ,‬وعملوا على إخراج الرسول من (مكة)‪ ,‬وهم‬
‫الذين بدؤوا بإيذائكم أول المر‪ ,‬أتافونم أو تافون ملقاتم ف الرب؟ فال أحق أن تافوه إن كنتم‬
‫مؤمني حقًا‪.‬‬

‫صدُورَ َقوْ مٍ ُم ْؤ ِمنِيَ (‪َ )14‬ويُ ْذهِ بْ‬


‫خ ِزهِ ْم َوَينْ صُرْكُ ْم عََلْيهِ ْم َويَشْ فِ ُ‬
‫قَاتِلُوهُ ْم ُيعَ ّذْبهُ مْ اللّ ُه ِبَأيْدِيكُ ْم َويُ ْ‬
‫غَيْظَ ُقلُوبِهِ ْم َوَيتُوبُ اللّ ُه عَلَى مَ ْن يَشَا ُء وَاللّ ُه عَلِيمٌ َحكِيمٌ (‪)15‬‬

‫يا معشر الؤمني قاتلوا أعداء ال يعذبم عز وجل بأيديكم‪ ,‬ويذلم بالزية والزي‪ ,‬وينصركم عليهم‪,‬‬
‫ويُعْلِ كلمته‪ ,‬ويشف بزيتهم صدوركم الت طالا لق با الزن والغم من كيد هؤلء الشركي‪,‬‬
‫ويُ ْذهِب عن قلوب الؤمني الغيظ‪ .‬ومن تاب من هؤلء العاندين فإن ال يتوب على من يشاء‪ .‬وال عليم‬
‫بصدق توبة التائب‪ ,‬حكيم ف تدبيه وصنعه ووَضْع تشريعاته لعباده‪.‬‬

‫سْبتُمْ أَ ْن ُتتْرَكُوا وَلَمّ ا َيعْلَ مْ اللّ ُه الّذِي نَ جَاهَدُوا ِمْنكُ مْ وَلَ ْم َيتّخِذُوا مِ نْ دُو نِ اللّ ِه وَل رَ سُولِ ِه وَل‬
‫أَ مْ حَ ِ‬
‫ج ًة وَاللّهُ َخبِ ٌي بِمَا َتعْمَلُونَ (‪)16‬‬ ‫ي وَلِي َ‬ ‫الْ ُم ْؤمِنِ َ‬

‫‪321‬‬
‫مِن سنة ال البتلء‪ ,‬فل تظنوا يا معشر الؤمني أن يترككم ال دون اختبار; ليعلم ال علمًا ظاهرًا‬
‫للخلق الذين أخلصوا ف جهادهم‪ ,‬ول يتخذوا غي ال ورسوله والؤمني بطانة وأولياء‪ .‬وال خبي بميع‬
‫أعمالكم ومازيكم با‪.‬‬

‫سهِ ْم بِاْل ُكفْرِ ُأوْلَئِ كَ َحبِطَ تْ َأعْمَاُلهُ ْم وَفِي‬


‫مَا كَا نَ ِللْمُشْرِ ِكيَ أَ ْن َيعْمُرُوا مَ سَاجِدَ اللّ ِه شَاهِدِي َن عَلَى أَنفُ ِ‬
‫النّا ِر هُمْ خَالِدُونَ (‪)17‬‬

‫ليس من شأن الشركي إعمار بيوت ال‪ ,‬وهم يعلنون كفرهم بال ويعلون له شركاء‪ .‬هؤلء الشركون‬
‫بطلت أعمالم يوم القيامة‪ ,‬ومصيهم اللود ف النار‪.‬‬

‫ِإنّمَا َيعْمُ ُر مَ سَا ِجدَ اللّ ِه مَ نْ آمَ َن بِاللّ ِه وَالَْيوْ مِ ال ِخ ِر َوأَقَا مَ ال صّل َة وَآتَى الزّكَا َة وَلَ ْم يَخْ شَ إِلّ اللّ هَ َفعَ سَى‬
‫ُأوْلَئِكَ َأنْ َيكُونُوا مِ ْن الْ ُمهْتَدِينَ (‪)18‬‬

‫ل يعتن ببيوت ال ويعمرها إل الذين يؤمنون بال واليوم الخر‪ ,‬ويقيمون الصلة ويؤتون الزكاة‪ ,‬ول‬
‫يافون ف ال لومة لئم‪ ,‬هؤلء العُمّار هم الهتدون إل الق‪.‬‬

‫أَ َجعَ ْلتُ مْ ِسقَاَيةَ الْحَاجّ َوعِمَا َر َة الْمَ سْجِدِ الْحَرَا مِ َكمَ نْ آمَ َن بِاللّ ِه وَاْليَوْ مِ الخِ ِر وَجَاهَدَ فِي َسبِيلِ اللّ هِ ل‬
‫ستَوُونَ ِعنْدَ اللّ ِه وَاللّ ُه ل َيهْدِي الْ َق ْومَ الظّالِمِيَ (‪)19‬‬ ‫يَ ْ‬

‫أجعلتم ‪-‬أيها القوم‪ -‬ما تقومون به من سقي الجيج وعِمارة السجد الرام كإيان من آمن بال واليوم‬
‫الخر وجاهد ف سبيل ال؟ ل تتساوى حال الؤمني وحال الكافرين عند ال‪ ,‬لن ال ل يقبل عمل‬
‫بغي اليان‪ .‬وال سبحانه ل يوفق لعمال الي القوم الظالي لنفسهم بالكفر‪.‬‬

‫سهِمْ َأعْظَ مُ دَرَ َج ًة ِعنْدَ اللّ ِه َوُأوَْلئِ كَ هُ مْ‬


‫الّذِي نَ آ َمنُوا َوهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي َسبِيلِ اللّ ِه ِبَأمْوَاِلهِ ْم َوأَنفُ ِ‬
‫الْفَائِزُونَ (‪)20‬‬

‫‪322‬‬
‫الذين آمنوا بال وتركوا دار الكفر قاصدين دار السلم‪ ,‬وبذلوا أموالم وأنفسهم ف الهاد لعلء كلمة‬
‫ال‪ ,‬هؤلء أعظم درجه عند ال‪ ,‬وأولئك هم الفائزون برضوانه‪.‬‬

‫ضوَانٍ وَ َجنّاتٍ َلهُمْ فِيهَا َنعِي ٌم ُمقِيمٌ (‪)21‬‬


‫ُيبَشّ ُرهُمْ َرّبهُ ْم بِرَ ْح َم ٍة ِمنْهُ وَرِ ْ‬

‫إن هؤلء الؤمني الهاجرين لم البشرى من ربم بالرحة الواسعة والرضوان الذي ل سخط بعده‪,‬‬
‫ومصيهم إل جنات اللد والنعيم الدائم‪.‬‬

‫خَالِدِينَ فِيهَا َأبَدا ِإنّ اللّ َه ِعنْ َدهُ َأجْ ٌر عَظِيمٌ (‪)22‬‬

‫ماكثي ف تلك النان ل ناية لقامتهم وتنعمهم‪ ,‬وذلك ثواب ما قدّموه من الطاعات والعمل الصال ف‬
‫حياتم الدنيا‪ .‬إن ال تعال عنده أجر عظيم لن آمن وعمل صالا بامتثال أوامره واجتناب نواهيه‪.‬‬

‫حبّوا اْلكُفْ َر عَلَى الِيَانِ َومَ ْن يََتوَّلهُمْ ِمْنكُمْ‬


‫يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا ل َتتّخِذُوا آبَاءَكُ ْم َوإِ ْخوَانَكُمْ َأوْلِيَاءَ إِ ْن ا ْستَ َ‬
‫ك هُمْ الظّالِمُونَ (‪)23‬‬ ‫َفُأوْلَئِ َ‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه ل تتخذوا أقرباءكم ‪-‬من الباء والخوان وغيهم‪-‬‬
‫أولياء‪ ,‬تفشون إليهم أسرار السلمي‪ ,‬وتستشيونم ف أموركم‪ ,‬ما داموا على الكفر معادين للسلم‪.‬‬
‫ومن يتخذهم أولياء ويُلْ ِق إليهم الودة فقد عصى ال تعال‪ ,‬وظلم نفسه ظلمًا عظيمًا‪.‬‬

‫شوْ نَ‬‫قُلْ إِ نْ كَا َن آبَاؤُكُ ْم َوأَْبنَاؤُكُ ْم َوإِ ْخوَاُنكُ ْم َوأَ ْزوَاجُكُ ْم َوعَشِ َيتُكُ ْم َوَأ ْموَالٌ ا ْقتَرَ ْفتُمُوهَا َوتِجَا َرٌة تَخْ َ‬
‫ض ْوَنهَا أَ َحبّ إَِلْيكُ ْم مِنْ اللّ ِه وَرَسُولِهِ وَ ِجهَادٍ فِي َسبِيلِهِ َفتَ َربّصُوا َحتّى َيأْتِيَ اللّ ُه ِبَأمْرِهِ‬ ‫كَسَا َدهَا َومَسَاكِ ُن تَرْ َ‬
‫وَاللّهُ ل َيهْدِي اْل َق ْومَ اْلفَا ِسقِيَ (‪)24‬‬

‫قل ‪-‬يا أيها الرسول‪ -‬للمؤمني‪ :‬إن َفضّلتم الباء والبناء والخوان والزوجات والقرابات والموال الت‬
‫جعتموها والتجارة الت تافون عدم رواجها والبيوت الفارهة الت أقمتم فيها‪ ,‬إن َفضّلتم ذلك على حب‬
‫ال ورسوله والهاد ف سبيله فانتظروا عقاب ال ونكاله بكم‪ .‬وال ل يوفق الارجي عن طاعته‪.‬‬

‫‪323‬‬
‫ت عََليْكُمْ‬
‫جَبتْكُمْ َكثْ َرُتكُمْ فََل ْم ُتغْنِ عَْنكُ ْم َشيْئا وَضَاَق ْ‬
‫َلقَ ْد نَصَرَكُمْ اللّهُ فِي َموَاطِنَ َكثِ َي ٍة َويَ ْومَ ُحنَيْنٍ إِذْ َأعْ َ‬
‫الَ ْرضُ بِمَا رَ ُحَبتْ ثُ ّم وَّلْيتُ ْم مُ ْدبِرِينَ (‪)25‬‬

‫لقد أنزل ال َنصْرَه عليكم ف مواقع كثية عندما أخذت بالسباب وتوكلتم على ال‪ .‬ويوم غزوة (حني)‬
‫ب اليوم ‪ 0‬من قلة‪ ,‬فغرّتكم الكثرة فلم تنفعكم‪ ,‬وظهر عليكم العدو فلم تدوا ملجأً ف‬
‫قلتم‪ :‬لن ُنغَْل َ‬
‫الرض الواسعة ففررت منهزمي‪.‬‬

‫ثُمّ أَنزَلَ اللّ هُ َسكِيَنتَهُ عَلَى رَ سُولِ ِه َوعَلَى الْ ُمؤْ ِمنِيَ َوأَنزَلَ ُجنُودا لَ ْم تَ َروْهَا َوعَذّ بَ الّذِي نَ َكفَرُوا وَذَلِ كَ‬
‫َجزَاءُ اْلكَافِرِينَ (‪)26‬‬

‫ث أنزل ال الطمأنينة على رسوله وعلى الؤمني فثبتوا‪ ,‬وأمدّهم بنود من اللئكة ل يروها‪ ,‬فنصرهم‬
‫على عدوهم‪ ,‬وعذّب الذين كفروا‪ .‬وتلك عقوبة ال للصادّين عن دينه‪ ,‬الكذّبي لرسوله‪.‬‬

‫ثُ ّم َيتُوبُ اللّ ُه مِ ْن َبعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَ ْن يَشَا ُء وَاللّ ُه َغفُورٌ رَحِيمٌ (‪)27‬‬

‫ومن رجع عن كفره بعد ذلك ودخل السلم فإن ال يقبل توبة مَن يشاء منهم‪ ,‬فيغفر ذنبه‪ .‬وال غفور‬
‫رحيم‪.‬‬

‫حرَا َم َبعْ َد عَا ِمهِ مْ هَذَا َوإِ نْ ِخفْتُ ْم َعيَْلةً‬


‫سجِ َد الْ َ‬
‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ِإنّمَا الْمُشْرِكُو نَ نَجَ سٌ فَل َيقْ َربُوا الْمَ ْ‬
‫ف ُيغْنِيكُمْ اللّهُ مِنْ َفضْلِهِ ِإنْ شَاءَ ِإنّ اللّ َه عَلِيمٌ َحكِيمٌ (‪)28‬‬‫سوْ َ‬ ‫فَ َ‬

‫يا معشر الؤمني إنا الشركون رِجْس و َخبَث فل تكنوهم من القتراب من الرم بعد هذا العام التاسع‬
‫من الجرة‪ ,‬وإن خفتم فقرًا لنقطاع غارتم عنكم‪ ,‬فإن ال سيعوضكم عنها‪ ,‬ويكفيكم من فضله إن‬
‫شاء‪ ,‬إن ال عليم بالكم‪ ,‬حكيم ف تدبي شؤونكم‪.‬‬

‫قَاتِلُوا الّذِي َن ل ُيؤْ ِمنُو نَ بِاللّ ِه وَل بِاْلَيوْ مِ ال ِخ ِر وَل يُحَ ّرمُو َن مَا حَرّ مَ اللّ ُه وَرَ سُولُهُ وَل يَدِينُو نَ دِي َن الْحَقّ‬
‫ج ْزَيةَ عَ ْن يَ ٍد َوهُمْ صَاغِرُونَ (‪)29‬‬ ‫مِ ْن الّذِينَ أُوتُوا اْل ِكتَابَ َحتّى ُيعْطُوا الْ ِ‬
‫‪324‬‬
‫أيها السلمون قاتلوا الكفار الذين ل يؤمنون بال‪ ,‬ول يؤمنون بالبعث والزاء‪ ,‬ول يتنبون ما نى ال‬
‫عنه ورسوله‪ ,‬ول يلتزمون أحكام شريعة السلم من اليهود والنصارى‪ ,‬حت يدفعوا الزية الت تفرضونا‬
‫عليهم بأيديهم خاضعي أذلء‪.‬‬

‫وَقَالَتْ اْلَيهُو ُد عُ َزيْ ٌر ابْنُ اللّ ِه وَقَالَتْ النّصَارَى الْمَسِي ُح ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ َقوُْلهُ ْم ِبأَ ْفوَا ِههِ ْم ُيضَا ِهئُونَ َقوْ َل الّذِينَ‬
‫َكفَرُوا مِنْ َقبْلُ قَاَتَلهُمْ اللّهُ َأنّى ُيؤْفَكُونَ (‪)30‬‬

‫لقد أشرك اليهود بال عندما زعموا أن عزيرًا ابن ال‪ .‬وأشرك النصارى بال عندما ادّعوا أن السيح ابن‬
‫ال‪ .‬وهذا القول اختلقوه من عند أنفسهم‪ ,‬وهم بذلك ل يشابون قول الشركي من قبلهم‪ .‬قَاتَلَ ال‬
‫الشركي جيعًا كيف يعدلون عن الق إل الباطل؟‬

‫اتّخَذُوا أَ ْحبَا َرهُ ْم وَ ُر ْهبَانَهُ مْ أَ ْربَابا مِ نْ دُو نِ اللّ ِه وَالْمَ سِي َح ابْ َن مَ ْريَ َم َومَا ُأمِرُوا إِلّ ِلَي ْعبُدُوا إِلَها وَاحِدا ل‬
‫شرِكُونَ (‪)31‬‬ ‫إِلَهَ إِ ّل ُه َو ُسبْحَانَهُ عَمّا يُ ْ‬

‫اتذ اليهو ُد والنصارى العلما َء وال ُعبّا َد أربابًا يُشَرّعون لم الحكام‪ ,‬فيلتزمون با ويتركون شرائع ال‪,‬‬
‫واتذوا السيح عيسى ابن مري إلًا فعبدوه‪ ,‬وقد أمرهم ال بعبادته وحده دون غيه‪ ،‬فهو الله الق ل‬
‫إله إل هو‪ .‬تنّه وتقدّس عما يفتريه أهل الشرك والضلل‪.‬‬

‫يُرِيدُونَ َأ ْن يُ ْط ِفئُوا نُورَ اللّ ِه ِبأَ ْفوَا ِههِ ْم َويَ ْأبَى اللّهُ إِلّ َأنْ ُيتِ ّم نُو َرهُ وََلوْ كَ ِر َه اْلكَافِرُونَ (‪)32‬‬

‫يريد الكفار بتكذيبهم أن يبطلوا دين السلم‪ ,‬ويبطلوا حجج ال وبراهينه على توحيده الذي جاء به‬
‫ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬ويأب ال إل أن يتم دينه ويظهره‪ ,‬ويعلي كلمته‪ ,‬ولو كره ذلك الاحدون‪.‬‬

‫شرِكُونَ (‪)33‬‬
‫ُهوَ الّذِي أَ ْرسَلَ َرسُولَهُ بِاْلهُدَى َودِينِ الْحَقّ ِليُ ْظهِ َر ُه عَلَى الدّينِ كُلّهِ وََلوْ َك ِرهَ الْمُ ْ‬

‫هو الذي أرسل رسوله ممدًا صلى ال عليه وسلم بالقرآن ودين السلم; ليعليه على الديان كلها‪ ,‬ولو‬
‫كره الشركون دين الق ‪-‬السلم‪ -‬وظهوره على الديان‪.‬‬

‫‪325‬‬
‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا إِنّ َكثِيا مِ ْن الَ ْحبَا ِر وَال ّر ْهبَانِ َلَيأْكُلُونَ َأ ْموَا َل النّاسِ بِاْلبَاطِ ِل َويَصُدّو َن عَ نْ سَبِيلِ اللّهِ‬
‫وَالّذِينَ َي ْكنِزُونَ ال ّذ َهبَ وَاْل ِفضّ َة وَل يُن ِفقُونَهَا فِي َسبِيلِ اللّهِ َفبَشّ ْرهُ ْم ِبعَذَابٍ أَلِيمٍ (‪)34‬‬

‫يا أيها الذين صَدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬إن كثيًا من علماء أهل الكتاب و ُعبّادهم ليأخذون‬
‫أموال الناس بغي حق كالرشوة وغيها‪ ,‬وينعون الناس من الدخول ف السلم‪ ,‬ويصدون عن سبيل ال‪.‬‬
‫والذين يسكون الموال‪ ,‬ول يؤدون زكاتا‪ ,‬ول يُخْرجون منها القوق الواجبة‪ ,‬فبشّرهم بعذاب‬
‫موجع‪.‬‬

‫سكُمْ‬
‫َيوْ َم يُحْمَى عََليْهَا فِي نَارِ َج َهنّ مَ َفُت ْكوَى بِهَا ِجبَا ُههُ ْم وَ ُجنُوُبهُ ْم َو ُظهُو ُرهُ ْم هَذَا مَا َكنَ ْزتُ مْ لَنفُ ِ‬
‫فَذُوقُوا مَا كُنتُ ْم َتكْنِزُونَ (‪)35‬‬

‫يوم القيامة توضع قطع الذهب والفضة ف النار‪ ,‬فإذا اشتدت حرارتا أُحرقت با جباه أصحابا وجنوبم‬
‫وظهورهم‪ .‬وقيل لم توبيخًا‪ :‬هذا مالكم الذي أمسكتموه ومنعتم منه حقوق ال‪ ,‬فذوقوا العذاب‬
‫الوجع; بسبب كنكم وإمساككم‪.‬‬

‫ت وَالَرْ ضَ مِْنهَا أَ ْرَب َعةٌ ُحرُ ٌم‬


‫شهُو ِر عِنْدَ اللّ ِه اثْنَا عَشَرَ َشهْرا فِي ِكتَا بِ اللّ ِه َيوْ مَ خَلَ َق ال سّ َموَا ِ‬ ‫إِنّ عِ ّدةَ ال ّ‬
‫شرِكِيَ كَاّفةً َكمَا ُيقَاتِلُونَكُمْ كَاّف ًة وَاعَْلمُوا َأنّ اللّهَ‬ ‫سكُ ْم وَقَاتِلُوا الْمُ ْ‬
‫ذَلِكَ الدّي ُن اْلقَيّمُ فَل تَظْلِمُوا فِيهِنّ َأْنفُ َ‬
‫مَ َع الْ ُمّتقِيَ (‪)36‬‬

‫إ ّن عدة الشهور ف حكم ال وفيما كُتب ف اللوح الحفوظ اثنا عشر شهرًا‪ ,‬يوم خلق السموات‬
‫والرض‪ ,‬منها أربعة ُحرُم; حرّم ال فيهنّ القتال (هي‪ :‬ذو القعدة وذو الجة والحرم ورجب) ذلك هو‬
‫الدين الستقيم‪ ,‬فل تظلموا فيهن أنفسكم; لزيادة تريها‪ ,‬وكون الظلم فيها أشد منه ف غيها‪ ,‬ل أنّ‬
‫الظلم ف غيها جائز‪ .‬وقاتلوا الشركي جيعًا كما يقاتلونكم جيعًا‪ ,‬واعلموا أن ال مع أهل التقوى‬
‫بتأييده ونصره‪.‬‬

‫ح ّرمُونَ ُه عَاما ِلُيوَا ِطئُوا‬


‫حلّونَ ُه عَاما َويُ َ‬
‫حلّونَ ُه عَاما يُ ِ‬
‫ِإنّمَا النّ سِيءُ ِزيَا َدةٌ فِي الْ ُكفْ ِر ُيضَ ّل بِ ِه الّذِي نَ َكفَرُوا يُ ِ‬

‫‪326‬‬
‫عِ ّدةَ مَا حَ ّرمَ اللّهُ َفيُحِلّوا مَا َح ّرمَ اللّهُ ُزيّنَ َلهُ ْم سُوءُ أَعْمَاِلهِمْ وَاللّ ُه ل َيهْدِي اْل َق ْومَ اْلكَافِرِينَ (‪)37‬‬

‫إن الذي كانت تفعله العرب ف الاهلية من تري أربعة أشهر من السنة عددًا ل تديدًا بأساء الشهر‬
‫الت حرّمها ال‪ ,‬فيؤخرون بعضها أو يقدّمونه ويعلون مكانه من أشهر الل ما أرادوا حسب حاجتهم‬
‫للقتال‪ ,‬إن ذلك زيادة ف الكفر‪ ,‬يضل الشيطان به الذين كفروا‪ ,‬يلون الذي أخروا تريه من الشهر‬
‫الربعة عامًا‪ ,‬ويرمونه عاما; ليوافقوا عدد الشهور الربعة‪ ,‬فيحلوا ما حرّم ال منها‪َ .‬زيّن لم الشيطان‬
‫العمال السيئة‪ .‬وال ل يوفق القوم الكافرين إل الق والصواب‪.‬‬

‫حيَاةِ ال ّدنْيَا مِنْ‬


‫يَا َأيّهَا الّذِينَ آ َمنُوا مَا َلكُمْ إِذَا قِيلَ َلكُ ْم انفِرُوا فِي َسبِيلِ اللّ ِه اثّاقَ ْلتُمْ إِلَى الَرْضِ أَرَضِيتُ ْم بِالْ َ‬
‫حيَاةِ ال ّدْنيَا فِي الخِ َرةِ إِلّ َقلِيلٌ (‪)38‬‬‫الخِ َرةِ فَمَا َمتَاعُ الْ َ‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ،‬ما بالكم إذا قيل لكم‪ :‬اخرجوا إل الهاد ف سبيل ال‬
‫لقتال أعدائكم تكاسلتم ولزمتم مساكنكم؟ هل آثرت حظوظكم الدنيوية على نعيم الخرة؟ فما‬
‫تستمتعون به ف الدنيا قليل زائل‪ ,‬أما نعيم الخرة الذي أعده ال للمؤمني الجاهدين فكثي دائم‪.‬‬

‫ستَبْدِلْ َقوْما َغيْرَكُ ْم وَل َتضُرّوهُ َشيْئا وَاللّ ُه عَلَى كُ ّل َشيْءٍ َقدِيرٌ (‪)39‬‬
‫إِلّ تَنفِرُوا يُعَ ّذْبكُ ْم عَذَابا أَلِيما َويَ ْ‬

‫إن ل تنفروا أيها الؤمنون إل قتال عدوكم ينلِ ال عقوبته بكم‪ ,‬ويأت بقوم آخرين ينفرون إذ ا‬
‫اسُتنْفروا‪ ,‬ويطيعون ال ورسوله‪ ,‬ولن تضروا ال شيئًا بتولّيكم عن الهاد‪ ,‬فهو الغن عنكم وأنتم الفقراء‬
‫إليه‪ .‬وما يريده ال يكون ل مالة‪ .‬وال على كل شيء قدير من نصر دينه ونبيه دونكم‪.‬‬

‫حزَنْ‬ ‫إِلّ تَنصُرُوهُ َف َق ْد نَصَ َرهُ اللّهُ إِذْ َأخْرَجَ ُه الّذِينَ َكفَرُوا ثَانِ َي اثَْنيْنِ إِ ْذ هُمَا فِي اْلغَارِ إِ ْذ َيقُولُ لِصَا ِحبِهِ ل تَ ْ‬
‫سفْلَى وَكَلِ َمةُ اللّهِ‬
‫جنُودٍ لَ ْم َت َر ْوهَا وَ َجعَلَ َكلِ َم َة الّذِينَ َكفَرُوا ال ّ‬
‫إِنّ اللّ َه َم َعنَا َفأَنزَلَ اللّهُ َسكِينَتَ ُه عََليْ ِه َوأَيّدَ ُه بِ ُ‬
‫هِ َي اْلعُ ْليَا وَاللّ ُه عَزِيزٌ َحكِيمٌ (‪)40‬‬

‫يا معشر أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم إن ل تنفروا معه أيها الؤمنون إذا استَْنفَركم‪ ,‬وإن ل‬
‫تنصروه; فقد أيده ال ونصره يوم أخرجه الكفار من قريش من بلده (مكة)‪ ,‬وهو ثان اثني (هو وأبو‬
‫بكر الصديق رضي ال عنه) وألؤوها إل نقب ف جبل ثور "بكة"‪ ،‬فمكثا فيه ثلث ليال‪ ,‬إذ يقول‬
‫‪327‬‬
‫لصاحبه (أب بكر) لا رأى منه الوف عليه‪ :‬ل تزن إن ال معنا بنصره وتأييده‪ ,‬فأنزل ال الطمأنينة ف‬
‫قلب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وأعانه بنود ل يرها أحد من البشر وهم اللئكة‪ ,‬فأناه ال من‬
‫عدوه وأذل ال أعداءه‪ ,‬وجعل كلمة الذين كفروا السفلى‪ .‬وكلمةُ ال هي العليا‪ ,,‬ذلك بإعلء شأن‬
‫السلم‪ .‬وال عزيز ف ملكه‪ ,‬حكيم ف تدبي شؤون عباده‪ .‬وف هذه الية منقبة عظيمة لب بكر‬
‫الصديق رضي ال عنه‪.‬‬

‫انفِرُوا ِخفَافا َوِثقَالً وَجَاهِدُوا ِبأَ ْموَالِكُ ْم َوأَنفُسِكُمْ فِي َسبِيلِ اللّهِ ذَِلكُمْ َخيْرٌ َلكُمْ ِإنْ كُنتُ ْم َتعْلَمُونَ (‪)41‬‬

‫اخرجوا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬للجهاد ف سبيل ال شبابًا وشيوخًا ف العسر واليسر‪ ,‬على أي حال كنتم‪,‬‬
‫وأنفقوا أموالكم ف سبيل ال‪ ,‬وقاتلوا بأيديكم لعلء كلمة ال‪ ,‬ذلك الروج والبذل خي لكم ف‬
‫حالكم ومآلكم فافعلوا ذلك وانفروا واستجيبوا ل ورسوله‪.‬‬

‫حِلفُو َن بِاللّ هِ َل ْو ا ْستَ َطعْنَا‬


‫ش ّق ُة وَ سَيَ ْ‬
‫َلوْ كَا نَ عَرَضا َقرِيبا وَ َسفَرا قَا صِدا لتَّبعُو َك وََلكِ ْن َبعُدَ تْ عََلْيهِ مْ ال ّ‬
‫سهُ ْم وَاللّ ُه َيعَْلمُ ِإنّهُمْ َلكَا ِذبُونَ ( ‪)42‬‬
‫خرَ ْجنَا َمعَكُ ْم ُيهِْلكُونَ أَنفُ َ‬
‫لَ َ‬

‫وبّخ ال جلّ جلله جاعة من النافقي استأذنوا رسول ال صلى ال عليه وسلم ف التخلف عن غزوة‬
‫(تبوك) مبينًا أنه لو كان خروجهم إل غنيمة قريبة سهلة النال لتبعوك‪ ,‬ولكن لا دعوا إل قتال الروم ف‬
‫أطراف بلد (الشام) ف وقت الر تاذلوا‪ ,‬وتلفوا‪ ,‬وسيعتذرون لتخلفهم عن الروج حالفي بأنم ل‬
‫يستطيعون ذلك‪ ,‬يهلكون أنفسهم بالكذب والنفاق‪ ,‬وال يعلم إنم لكاذبون فيما يبدون لك من‬
‫العذار‪.‬‬

‫صدَقُوا َوَتعْلَ َم اْلكَا ِذبِيَ (‪)43‬‬


‫ك الّذِينَ َ‬
‫َعفَا اللّ ُه َعنْكَ لِمَ أَذِنتَ َل ُهمْ َحتّى َيَتبَيّنَ لَ َ‬

‫عفا ال عنك ‪-‬أيها النب‪ -‬عمّا وقع منك مِن َترْك الول والكمل‪ ,‬وهو إذنك للمنافقي ف القعود عن‬
‫الهاد‪ ,‬لي سبب أَ ِذْنتَ لؤلء بالتخلف عن الغزوة‪ ,‬حت يظهر لك الذين صدقوا ف اعتذارهم وتعلم‬
‫الكاذبي منهم ف ذلك؟‬

‫‪328‬‬
‫سهِ ْم وَاللّ ُه عَلِي ٌم بِالْ ُمّتقِيَ (‪)44‬‬
‫ك الّذِي َن ُيؤْ ِمنُو َن بِاللّ ِه وَاْلَيوْمِ الخِرِ َأنْ يُجَاهِدُوا ِبَأ ْموَاِلهِ ْم َوأَنفُ ِ‬
‫ستَأْ ِذنُ َ‬
‫ل يَ ْ‬

‫ليس من شأن الؤمني بال ورسوله واليوم الخر أن يستأذنوك ‪-‬أيها النب‪ -‬ف التخلف عن الهاد ف‬
‫سبيل ال بالنفس والال‪ ,‬وإنا هذا من شأن النافقي‪ .‬وال عليم بن خافه فاتقاه بأداء فرائضه واجتناب‬
‫نواهيه‪.‬‬

‫ك الّذِي َن ل ُيؤْ ِمنُو َن بِاللّ ِه وَاْليَ ْومِ الخِ ِر وَا ْرتَابَتْ قُلُوُبهُمْ َفهُمْ فِي َرْيِبهِ ْم َيتَرَدّدُونَ (‪)45‬‬
‫ستَأْ ِذنُ َ‬
‫ِإنّمَا يَ ْ‬

‫إنا يطلب الذن للتخلف عن الهاد الذين ل يصدّقون بال ول باليوم الخر‪ ,‬ول يعملون صالًا‪,‬‬
‫وش ّكتْ قلوبم ف صحة ما جئت به ‪-‬أيها النب‪ -‬من السلم وشرائعه‪ ,‬فهم ف شكهم يتحيّرون‪.‬‬

‫خرُوجَ َلعَدّوا لَ ُه عُ ّد ًة وََلكِنْ َك ِرهَ اللّ ُه اْنِبعَاَثهُمْ َفَثبّ َطهُ ْم وَقِي َل ا ْقعُدُوا مَ َع اْلقَاعِدِينَ (‪)46‬‬
‫وََلوْ أَرَادُوا الْ ُ‬

‫ولو أراد النافقون الروج معك ‪-‬أيها النب‪ -‬إل الهاد لتأهّبوا له بالزاد والراحلة‪ ,‬ولكن ال كره‬
‫خروجهم فَثقُلَ عليهم الروج قضاء وقدرًا‪ ,‬وإن كان أمرهم به شرعا‪ ,‬وقيل لم‪ :‬تلفوا مع القاعدين‬
‫من الرضى والضعفاء والنساء والصبيان‪.‬‬

‫ضعُوا خِللَكُ ْم َيبْغُونَكُ ْم اْلفِْتَنةَ وَفِيكُ مْ سَمّاعُونَ َلهُ ْم وَاللّ هُ‬


‫َلوْ خَ َرجُوا فِيكُ مْ مَا زَادُوكُ مْ إِلّ َخبَالً وَ َلوْ َ‬
‫عَلِي ٌم بِالظّالِمِيَ (‪)47‬‬

‫لو خرج النافقون معكم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬للجهاد لنشروا الضطراب ف الصفوف والشر والفساد‪,‬‬
‫ولسرعوا السي بينكم بالنميمة والبغضاء‪ ,‬يبغون فتنتكم بتثبيطكم عن الهاد ف سبيل ال‪ ,‬وفيكم ‪-‬أيها‬
‫الؤمنون‪ -‬عيون لم يسمعون أخباركم‪ ,‬وينقلونا إليهم‪ .‬وال عليم بؤلء النافقي الظالي‪ ,‬وسيجازيهم‬
‫على ذلك‪.‬‬

‫ك ا ُلمُورَ َحتّى جَا َء الْحَ ّق َو َظهَرَ َأمْرُ اللّ ِه َوهُمْ كَا ِرهُونَ (‪)48‬‬
‫َلقَ ْد ابَْت َغوْا اْلفِْتَن َة مِنْ َقبْ ُل وَقَّلبُوا لَ َ‬

‫‪329‬‬
‫لقد ابتغى النافقون فتنة الؤمني عن دينهم وصدهم عن سبيل ال من قبل غزوة (تبوك)‪ ,‬وكشف أمرهم‪,‬‬
‫وصرّفوا لك ‪-‬أيها النب‪ -‬المور ف إبطال ما جئت به‪ ,‬كما فعلوا يوم (أحد) ويوم (الندق)‪ ,‬ودبّروا‬
‫لك الكيد حت جاء النصر من عند ال‪ ,‬وأعز جنده ونصر دينه‪ ,‬وهم كارهون له‪.‬‬

‫َو ِمنْهُ ْم مَ ْن َيقُو ُل ائْ َذنْ لِي وَل َت ْفِتنّي أَل فِي اْل ِفتَْن ِة َسقَطُوا َوِإنّ َج َهنّمَ َلمُحِي َط ٌة بِاْلكَافِرِينَ (‪)49‬‬

‫ومِن هؤلء النافقي من يطلب الذن للقعود عن الهاد ويقول‪ :‬ل توقعْن ف البتلء با يعرض ل ف‬
‫حالة الروج من فتنة النساء‪ .‬لقد سقط هؤلء النافقون ف فتنة النفاق الكبى‪ .‬فإن جهنم لحيطة‬
‫بالكافرين بال واليوم الخر‪ ,‬فل ُيفْلِت منهم أحد‪.‬‬

‫ك ُمصِيَب ٌة َيقُولُوا َقدْ أَخَ ْذنَا َأمْ َرنَا مِنْ َقبْ ُل َوَيتَوَلّوا َوهُمْ َفرِحُونَ (‪)50‬‬
‫س ْؤهُ ْم َوإِ ْن ُتصِبْ َ‬
‫سَنةٌ تَ ُ‬
‫صبْكَ حَ َ‬
‫ِإنْ ُت ِ‬

‫إن يصبك ‪-‬أيها النب‪ -‬سرور وغنيمة يزن النافقون‪ ,‬وإن يلحق بك مكروه من هزية أو شدة يقولوا‪:‬‬
‫نن أصحاب رأي وتدبي قد احتطنا لنفسنا بتخلفنا عن ممد‪ ,‬وينصرفوا وهم مسرورون با صنعوا وبا‬
‫أصابك من السوء‪.‬‬

‫قُلْ لَ ْن ُيصِيبَنَا إِ ّل مَا َكَتبَ اللّهُ َلنَا ُه َو َموْلنَا َوعَلَى اللّهِ فَ ْلَيَتوَكّلْ الْ ُم ْؤ ِمنُونَ (‪)51‬‬

‫قل ‪-‬أيها النب‪ -‬لؤلء التخاذلي زجرًا لم وتوبيخًا‪ :‬لن يصيبنا إل ما قدّره ال علينا وكتبه ف اللوح‬
‫الحفوظ‪ ,‬هو ناصرنا على أعدائنا‪ ,‬وعلى ال‪ ,‬وحده فليعتمد الؤمنون به‪.‬‬

‫سَنَييْ ِن َونَحْ ُن َنتَ َربّصُ ِبكُمْ أَنْ يُصِيَبكُمْ اللّ ُه ِبعَذَابٍ مِ ْن ِعنْدِهِ َأوْ ِبَأيْدِينَا‬
‫قُ ْل هَ ْل َتتَربّصُو َن بِنَا إِلّ إِحْدَى الْحُ ْ‬
‫َفتَ َرّبصُوا ِإنّا َم َعكُ ْم ُمتَ َرّبصُونَ (‪)52‬‬

‫قل لم ‪-‬أيها النب‪ :-‬هل تنتظرون بنا إل شهادة أو ظفرًا بكم؟ ونن ننتظر بكم أن يصيبكم ال بعقوبة‬
‫مِن عنده عاجلة تلككم أو بأيدينا فنقتلكم‪ ,‬فانتظروا إنا معكم منتظرون ما ال فاعل بكل فريق منا‬
‫ومنكم‪.‬‬

‫‪330‬‬
‫قُلْ أَن ِفقُوا طَوْعا َأوْ َكرْها لَ ْن ُيَت َقبّلَ مِْنكُمْ ِإنّكُمْ كُنتُمْ َقوْما فَا ِسقِيَ (‪)53‬‬

‫قل ‪-‬أيها النب‪ -‬للمنافقي‪ :‬أنفقوا أموالكم كيف شئتم‪ ,‬وعلى أي حال شئتم طائعي أو كارهي‪ ,‬لن‬
‫يقبل ال منكم نفقاتكم; لنكم قوم خارجون عن دين ال وطاعته‪.‬‬

‫َومَا مََن َعهُ مْ أَ نْ ُت ْقبَ َل ِمنْهُ ْم َن َفقَاُتهُ مْ إِلّ َأّنهُ مْ َكفَرُوا بِاللّ ِه َوبِرَ سُولِهِ وَل َيأْتُو نَ ال صّلةَ إِ ّل وَهُ مْ كُ سَالَى وَل‬
‫يُن ِفقُونَ إِ ّل َوهُمْ كَا ِرهُونَ (‪)54‬‬

‫وسبب عدم قَبول نفقاتم أنم أضمروا الكفر بال عز وجل وتكذيب رسوله ممد صلى ال عليه وسلم‪,‬‬
‫ول يأتون الصلة إل وهم متثاقلون‪ ,‬ول ينفقون الموال إل وهم كارهون‪ ,‬فهم ل يرجون ثواب هذه‬
‫الفرائض‪ ,‬ول يشون على تركها عقابًا بسبب كفرهم‪.‬‬

‫سهُ ْم َوهُ مْ‬


‫حيَاةِ ال ّدنْيَا َوتَ ْزهَ قَ أَنفُ ُ‬
‫جبْ كَ َأ ْموَالُهُ ْم وَل َأوْل ُدهُ مْ ِإنّمَا يُرِيدُ اللّ هُ ِلُيعَ ّذَبهُ ْم بِهَا فِي الْ َ‬
‫فَل تُعْ ِ‬
‫كَافِرُونَ (‪)55‬‬

‫فل تعجبك ‪-‬أيها النب‪ -‬أموال هؤلء النافقي ول أولدهم‪ ,‬إنا يريد ال أن يعذبم با ف الياة الدنيا‬
‫بالتعب ف تصيلها وبالصائب الت تقع فيها‪ ,‬حيث ل يتسبون ذلك عند ال‪ ,‬وترج أنفسهم‪ ,‬فيموتوا‬
‫على كفرهم بال ورسوله‪.‬‬

‫َويَحِْلفُونَ بِاللّهِ ِإّنهُمْ لَ ِمْنكُ ْم َومَا هُ ْم ِمنْكُ ْم وََل ِكّنهُمْ َق ْو ٌم َيفْرَقُونَ (‪)56‬‬

‫ويلف هؤلء النافقون بال لكم أيها الؤمنون كذبًا وباطل إنم لنكم‪ ,‬وليسوا منكم‪ ,‬ولكنهم قوم‬
‫يافون فيحلفون َتقِيّة لكم‪.‬‬

‫جأً َأوْ َمغَارَاتٍ َأ ْو مُدّ َخلً َلوَّلوْا إَِليْهِ وَهُ ْم َيجْمَحُونَ (‪)57‬‬
‫َل ْو يَجِدُونَ مَلْ َ‬

‫‪331‬‬
‫لو يد هؤلء النافقون مأمنًا وحصنًا يفظهم‪ ,‬أو كهفًا ف جبل يؤويهم‪ ,‬أو نفقًا ف الرض ينجيهم‬
‫منكم‪ ,‬لنصرفوا إليه وهم يسرعون‪.‬‬

‫خطُونَ (‪)58‬‬
‫َو ِمنْهُ ْم مَ ْن يَ ْلمِ ُزكَ فِي الصّدَقَاتِ فَِإنْ ُأعْطُوا ِمْنهَا رَضُوا َوِإنْ َل ْم ُيعْ َطوْا ِمْنهَا ِإذَا هُ ْم يَسْ َ‬

‫ومن النافقي مَن يعيبك ف قسمة الصدقات‪ ,‬فإن نالم نصيب منها رضوا وسكتوا‪ ,‬وإن ل يصبهم حظ‬
‫منها سخطوا عليك وعابوك‪.‬‬

‫سُبنَا اللّ هُ َسُي ْؤتِينَا اللّ ُه مِ نْ َفضْلِ ِه وَرَ سُولُهُ ِإنّ ا إِلَى اللّ هِ‬
‫وََلوْ َأّنهُ مْ رَضُوا مَا آتَاهُ مْ اللّ هُ وَرَ سُولُهُ وَقَالُوا حَ ْ‬
‫رَاغِبُونَ (‪)59‬‬

‫ولو أن هؤلء الذين يعيبونك ف قسمة الصدقات رضوا با قسم ال ورسوله لم‪ ,‬وقالوا‪ :‬حسبنا ال‪,‬‬
‫سيؤتينا ال من فضله‪ ,‬ويعطينا رسوله ما آتاه ال‪ ,‬إنا نرغب أن يوسع ال علينا‪ ,‬فيغنينا عن الصدقة وعن‬
‫صدقات الناس‪ .‬لو فعلوا ذلك لكان خيًا لم وأجدى‪.‬‬

‫ب وَاْلغَا ِرمِيَ وَفِي َسبِيلِ‬


‫ي وَاْلعَامِِليَ عََلْيهَا وَالْ ُمؤَّل َفةِ قُلُوُبهُ ْم وَفِي الرّقَا ِ‬
‫ِإنّمَا ال صّدَقَاتُ ِل ْل ُفقَرَاءِ وَالْمَ سَاكِ ِ‬
‫ضةً مِنْ اللّ ِه وَاللّ ُه عَلِيمٌ َحكِيمٌ (‪)60‬‬ ‫سبِيلِ َفرِي َ‬ ‫اللّ ِه َواِبْنِ ال ّ‬

‫إنا تعطى الزكوات الواجبة للمحتاجي الذين ل يلكون شيئًا‪ ,‬وللمساكي الذين ل يلكون كفايتهم‪,‬‬
‫وللسعاة الذين يمعونا‪ ,‬وللذين تؤلّفون قلوبم با من يُرْجَى إسلمه أو قوة إيانه أو نفعه للمسلمي‪ ,‬أو‬
‫تدفعون با شرّ أحد عن السلمي‪ ,‬وتعطى ف عتق رقاب الرقاء والكاتبي‪ ,‬وتعطى للغارمي لصلح‬
‫ذات البي‪ ,‬ولن أثقَلتْهم الديون ف غي فساد ول تبذير فأعسروا‪ ,‬وللغزاة ف سبيل ال‪ ,‬وللمسافر الذي‬
‫انقطعت به النفقة‪ ,‬هذه القسمة فريضة فرضها ال وقدّرها‪ .‬وال عليم بصال عباده‪ ,‬حكيم ف تدبيه‬
‫وشرعه‪.‬‬

‫َو ِمنْهُ ْم الّذِي َن ُيؤْذُو َن النِّبيّ َوَيقُولُو َن ُهوَ ُأذُنٌ قُلْ أُذُنُ َخيْرٍ َلكُمْ ُي ْؤمِنُ بِاللّ ِه َوُي ْؤمِنُ لِ ْل ُم ْؤ ِمنِيَ وَرَ ْح َمةٌ لِلّذِينَ‬
‫آ َمنُوا مِْنكُ ْم وَالّذِي َن ُيؤْذُونَ َرسُولَ اللّهِ َلهُ ْم عَذَابٌ أَلِيمٌ (‪)61‬‬

‫‪332‬‬
‫ومن النافقي قوم يؤذون رسول ال صلى ال عليه وسلم بالكلم‪ ,‬ويقولون‪ :‬إنه يستمع لكل ما يقال له‬
‫فيصدقه‪ ,‬قل لم ‪-‬أيها النب‪ :-‬إن ممدًا هو أذن تستمع لكل خي‪ ,‬يؤمن بال ويصدق الؤمني فيما‬
‫يبونه‪ ,‬وهو رحة لن اتبعه واهتدى بداه‪ .‬والذين يؤذون رسول ال ممدًا صلى ال عليه وسلم بأي‬
‫نوع من أنواع اليذاء‪ ,‬لم عذاب مؤل موجع‪.‬‬

‫يَحِْلفُونَ بِاللّهِ َلكُمْ ِليُرْضُوكُ ْم وَاللّ ُه وَ َرسُولُهُ أَ َحقّ أَ ْن يُرْضُوهُ ِإنْ كَانُوا ُم ْؤ ِمنِيَ (‪)62‬‬

‫يلف النافقون اليان الكاذبة‪ ,‬ويقدمون العذار اللفقة; ليُرضُوا الؤمني‪ ,‬وال ورسوله أحق وأول أن‬
‫يُرضُوها باليان بما وطاعتهما‪ ,‬إن كانوا مؤمني حقًا‪.‬‬

‫ي اْلعَظِيمُ (‪)63‬‬
‫خزْ ُ‬
‫ك الْ ِ‬
‫أَلَ ْم َيعْلَمُوا أَنّ ُه مَ ْن يُحَادِدْ اللّ َه َو َرسُولَهُ َفَأنّ لَ ُه نَارَ َج َهنّمَ خَالِدا فِيهَا ذَلِ َ‬

‫أل يعلم هؤلء النافقون أن مصي الذين ياربون ال ورسوله نارُ جهنم لم العذاب الدائم فيها؟ ذلك‬
‫الصب هو الوان والذل العظيم‪ ,‬ومن الحاربة أ ِذيّة رسول ال صلى ال عليه وسلم بسبه والقدح فيه‪,‬‬
‫عياذًا بال من ذلك‪.‬‬

‫حذَرُونَ (‬
‫ج مَا تَ ْ‬
‫خرِ ٌ‬
‫يَحْ َذ ُر الْ ُمنَافِقُونَ أَ ْن ُتنَزّ َل عََلْيهِمْ سُو َرةٌ ُتَنبُّئهُ ْم بِمَا فِي قُلُوِبهِمْ قُلْ ا ْستَهْ ِزئُوا إِنّ اللّ َه مُ ْ‬
‫‪)64‬‬

‫ياف النافقون أن تنل ف شأنم سورة تبهم با يضمرونه ف قلوبم من الكفر‪ ,‬قل لم ‪-‬أيها النب‪:-‬‬
‫استمروا على ما أنتم عليه من الستهزاء والسخرية‪ ,‬إن ال مرج حقيقة ما تذرون‪.‬‬

‫وََلئِنْ سَأَْلَتهُمْ َلَيقُولُنّ ِإنّمَا ُكنّا نَخُوضُ َونَ ْلعَبُ قُلْ َأبِاللّ ِه وَآيَاتِهِ وَ َرسُولِهِ كُنتُ ْم تَسَْتهْ ِزئُونَ (‪)65‬‬

‫ولئن سألتهم ‪-‬أيها النب‪ -‬عما قالوا من القَدْح ف حقك وحق أصحابك َليَقولُنّ‪ :‬إنا كنا نتحدث بكلم‬
‫ل قصد لنا به‪ ,‬قل لم ‪-‬أيها النب‪ :-‬أبال عز وجل وآياته ورسوله كنتم تستهزئون؟‬

‫‪333‬‬
‫ل َتعْتَذِرُوا قَدْ َكفَ ْرتُ ْم َبعْدَ ِإيَانِكُمْ ِإ ْن َنعْفُ عَ ْن طَاِئ َفةٍ ِمْنكُ ْم ُنعَذّبْ طَاِئ َفةً ِبَأّنهُمْ كَانُوا مُجْ ِر ِميَ (‪)66‬‬

‫ل تعتذروا ‪-‬معشر النافقي‪ -‬فل جدوى مِن اعتذاركم‪ ,‬قد كفرت بذا القال الذي استهزأت به‪ ,‬إن نعف‬
‫عن جاعة منكم طلبت العفو وأخلصت ف توبتها‪ ,‬نعذب جاعة أخرى بسبب إجرامهم بذه القالة‬
‫الفاجرة الاطئة‪.‬‬

‫ف َويَ ْقِبضُو نَ َأيْ ِديَهُ ْم نَ سُوا‬


‫ضهُ ْم مِ ْن َبعْ ضٍ َي ْأمُرُو نَ بِالْ ُمْنكَ ِر َوَيْن َهوْ َن عَ نْ الْ َمعْرُو ِ‬
‫ت َبعْ ُ‬
‫الْ ُمنَاِفقُو نَ وَالْ ُمنَاِفقَا ُ‬
‫ي هُ ْم اْلفَا ِسقُونَ (‪)67‬‬ ‫سيَهُمْ ِإ ّن الْ ُمنَافِقِ َ‬
‫اللّهَ َفنَ ِ‬

‫النافقون والنافقات صنف واحد ف إعلنم اليان واستبطانم الكفر‪ ,‬يأمرون بالكفر بال ومعصية‬
‫رسوله وينهون عن اليان والطاعة‪ ,‬ويسكون أيديهم عن النفقة ف سبيل ال‪ ,‬نسوا ال فل يذكرونه‪,‬‬
‫فنسيهم من رحته‪ ,‬فلم يوفقهم إل خي‪ .‬إن النافقي هم الارجون عن اليان بال ورسوله‪.‬‬

‫سُبهُ ْم وََل َعَنهُ مْ اللّ ُه وََلهُ ْم عَذَا بٌ‬


‫ت وَالْ ُكفّا َر نَارَ َج َهنّ مَ خَالِدِي نَ فِيهَا هِ يَ حَ ْ‬
‫َوعَدَ اللّ ُه الْ ُمنَافِقِيَ وَالْ ُمنَاِفقَا ِ‬
‫ُمقِيمٌ (‪)68‬‬

‫وعد ال النافقي والنافقات والكفار بأن مصيهم إل نار جهنم خالدين فيها أبدًا‪ ,‬هي كافيتهم; عقابًا‬
‫على كفرهم بال‪ ,‬وطردهم ال مِن رحته‪ ,‬ولم عذاب دائم‪.‬‬

‫كَالّذِي َن مِ نْ َقبِْلكُ مْ كَانُوا َأشَ ّد ِمْنكُ مْ ُق ّو ًة َوأَ ْكثَرَ َأمْوَالً َوَأوْلدا فَا ْستَ ْمَتعُوا بِخَلِقهِ مْ فَا ْستَ ْمَت ْعتُمْ ِبخَلقِكُ ْم‬
‫ضتُ مْ كَالّذِي خَاضُوا ُأوَْلئِ كَ َحبِطَ تْ أَعْمَاُلهُ مْ فِي ال ّدنْيَا‬ ‫كَمَا ا ْستَ ْمتَعَ الّذِي َن مِ نْ َقبِْلكُ ْم بِخَلِقهِ ْم وَ ُخ ْ‬
‫وَال ِخ َرةِ َوُأوَْلئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ (‪)69‬‬

‫إن أفعالكم ‪-‬معشر النافقي‪ -‬من الستهزاء والكفر كأفعال المم السابقة الت كانت على جانب من‬
‫القوة والال والولد أشد منكم‪ ,‬فاطْمَأنوا إل الياة الدنيا‪ ,‬وتَمتّعوا با فيها من الظوظ واللذات‪,‬‬
‫فاستمعتم أيها النافقون بنصيبكم من الشهوات الفانية كاستمتاع الذين من قبلكم بظوظهم الفانية‪,‬‬
‫وخضتم بالكذب على ال كخوض تلك المم قبلكم‪ ,‬أولئك الوصوفون بذه الخلق هم الذين ذهبت‬
‫حسناتم ف الدنيا والخرة‪ ,‬وأولئك هم الاسرون ببيعهم نعيم الخرة بظوظهم من الدنيا‪.‬‬
‫‪334‬‬
‫ب مَ ْديَ َن وَالْ ُم ْؤتَ ِفكَا تِ َأَتْتهُ مْ‬
‫أَلَ ْم َي ْأِتهِ ْم َنبَُأ الّذِي نَ مِ نْ َقبِْلهِ مْ َقوْ ِم نُو حٍ وَعَا ٍد َوثَمُو َد وََقوْ مِ ِإبْرَاهِي مَ َوأَ صْحَا ِ‬
‫سهُ ْم يَ ْظلِمُونَ (‪)70‬‬ ‫ُرسُُلهُ ْم بِالَبّينَاتِ َفمَا كَانَ اللّهُ ِليَظِْل َمهُ ْم وََلكِنْ كَانُوا أَنفُ َ‬

‫أل يأت هؤلء النافقي خبُ الذين مضوا مِن قوم نوح وقبيلة عاد وقبيلة ثود وقوم إبراهيم وأصحاب‬
‫(مدين) وقوم لوط عندما جاءهم الرسلون بالوحي وبآيات ال فكذّبوهم؟ فأنزل ال بؤلء جيعًا عذابه;‬
‫انتقامًا منهم لسوء عملهم‪ ,‬فما كان ال ليظلمهم‪ ,‬ولكن كانوا هم الظالي لنفسهم بالتكذيب‬
‫والخالفة‪.‬‬

‫ف َوَيْن َهوْ َن عَ ْن الْمُنكَ ِر َوُيقِيمُو َن ال صّلةَ‬


‫ض َي ْأمُرُو َن بِالْ َمعْرُو ِ‬
‫ضهُ مْ َأوْلِيَا ُء َبعْ ٍ‬
‫وَالْ ُم ْؤمِنُو نَ وَالْ ُم ْؤ ِمنَا تُ َب ْع ُ‬
‫َوُيؤْتُونَ الزّكَا َة َويُطِيعُونَ اللّ َه وَ َرسُولَهُ ُأوَْلئِكَ َسيَرْ َح ُمهُمْ اللّهُ ِإنّ اللّ َه عَزِيزٌ َحكِيمٌ (‪)71‬‬

‫والؤمنون والؤمنات بال ورسوله بعضهم أنصار بعض‪ ,‬يأمرون الناس باليان والعمل الصال‪ ,‬وينهونم‬
‫عن الكفر والعاصي‪ ,‬ويؤدون الصلة‪ ,‬ويعطون الزكاة‪ ,‬ويطيعون ال ورسوله‪ ,‬وينتهون عما نُهوا عنه‪,‬‬
‫أولئك سيحهم ال فينقذهم من عذابه ويدخلهم جنته‪ .‬إن ال عزيز ف ملكه‪ ,‬حكيم ف تشريعاته‬
‫وأحكامه‪.‬‬

‫حِتهَا ا َلْنهَارُ خَالِدِي نَ فِيهَا َومَ سَاكِ َن َطّيبَةً فِي َجنّا تِ‬
‫َوعَدَ اللّ ُه الْ ُم ْؤ ِمنِيَ وَالْ ُم ْؤ ِمنَا تِ َجنّا تٍ َتجْرِي مِ ْن تَ ْ‬
‫ك ُهوَ اْل َفوْ ُز الْعَظِيمُ (‪)72‬‬
‫ضوَانٌ مِنْ اللّهِ أَ ْكبَرُ ذَلِ َ‬ ‫عَ ْدنٍ وَرِ ْ‬

‫وعد ال الؤمني والؤمنات بال ورسوله جنات تري من تتها النار ماكثي فيها أبدًا‪ ,‬ل يزول عنهم‬
‫نعيمها‪ ,‬ومساكن حسنة البناء طيبة القرار ف جنات إقامة‪ ,‬ورضوان من ال أكب وأعظم ما هم فيه من‬
‫النعيم‪ .‬ذلك الوعد بثواب الخرة هو الفلح العظيم‪.‬‬

‫ظ عََلْيهِ ْم َو َم ْأوَاهُمْ َج َهنّ ُم َوِبْئسَ الْ َمصِيُ (‪)73‬‬


‫ي وَاغْلُ ْ‬
‫يَا َأيّهَا النِّبيّ جَاهِ ْد اْلكُفّا َر وَالْ ُمنَاِفقِ َ‬

‫يا أيها النب جاهد الكفار بالسيف والنافقي باللسان والجة‪ ,‬واشدد على كل الفريقي‪ ,‬ومقرّهم‬
‫جهنم‪ ,‬وبئس الصي مصيهم‪.‬‬

‫‪335‬‬
‫يَحِْلفُونَ بِاللّ ِه مَا قَالُوا وََلقَدْ قَالُوا َكلِ َم َة اْلكُفْ ِر وَ َكفَرُوا َبعْدَ إِسْل ِمهِ ْم َوهَمّوا بِمَا َل ْم َينَالُوا َومَا َنقَمُوا إِلّ أَنْ‬
‫َأغْنَاهُ مْ اللّ ُه وَرَ سُولُ ُه مِ نْ َفضْلِ هِ فَإِ نْ َيتُوبُوا يَكُ نْ َخيْرا َلهُ ْم َوإِ ْن يََتوَّلوْا ُيعَ ّذْبهُ مْ اللّ ُه عَذَابا أَلِيما فِي ال ّدْنيَا‬
‫وَال ِخ َرةِ َومَا َلهُمْ فِي الَ ْرضِ مِ ْن وَلِ ّي وَل َنصِيٍ (‪)74‬‬

‫يلف النافقون بال أنم ما قالوا شيئًا يسيء إل الرسول وإل السلمي‪ ,‬إنم لكاذبون; فلقد قالوا كلمة‬
‫الكفر وارتدوا با عن السلم وحاولوا الضرار برسول ال ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فلم يكنهم ال‬
‫من ذلك‪ ,‬وما وجد النافقون شيئًا يعيبونه‪ ,‬وينتقدونه‪ ,‬إل أن ال ‪-‬تعال‪ -‬تفضل عليهم‪ ,‬فأغناهم با فتح‬
‫على نبيه صلى ال عليه وسلم من الي والبكة‪ ,‬فإن يرجع هؤلء الكفار إل اليان والتوبة فهو خي‬
‫لم‪ ,‬وإن يعرضوا‪ ,‬أو يستمروا على حالم‪ ,‬يعذبم ال العذاب الوجع ف الدنيا على أيدي الؤمني‪ ,‬وف‬
‫الخرة بنار جهنم‪ ,‬وليس لم منقذ ينقذهم ول ناصر يدفع عنهم سوء العذاب‪.‬‬

‫حيَ (‪)75‬‬
‫َو ِمنْهُ ْم مَ ْن عَاهَدَ اللّهَ َلئِ ْن آتَانَا مِنْ َفضْلِهِ َلنَصّدَّق ّن وََلنَكُونَنّ مِنْ الصّالِ ِ‬

‫ومن فقراء النافقي مَن يقطع العهد على نفسه‪ :‬لئن أعطاه ال الال ليصدّق ّن منه‪ ,‬وليعمَلنّ ما يعمل‬
‫الصالون ف أموالم‪ ,‬وليسيَنّ ف طريق الصلح‪.‬‬

‫فَلَمّا آتَاهُ ْم مِنْ َفضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ َوَتوَلّوا َوهُ ْم ُمعْرِضُونَ (‪)76‬‬

‫فلما أعطاهم ال من فضله بلوا بإعطاء الصدقة وبإنفاق الال ف الي‪ ,‬وتولّوا وهم معرضون عن‬
‫السلم‪.‬‬

‫َفأَ ْع َقَبهُمْ نِفَاقا فِي قُلُوِبهِمْ إِلَى َي ْو ِم يَ ْل َقوْنَ ُه بِمَا أَ ْخَلفُوا اللّ َه مَا َوعَدُوهُ َوبِمَا كَانُوا َيكْ ِذبُونَ (‪)77‬‬

‫فكان جزاء صنيعهم وعاقبتهم َأنْ زادهم نفاقًا على نفاقهم‪ ,‬ل يستطيعون التخلص منه إل يوم الساب;‬
‫وذلك بسبب إخلفهم الوعد الذي قطعوه على أنفسهم‪ ,‬وبسبب نفاقهم وكذبم‪.‬‬

‫لمُ اْل ُغيُوبِ (‪)78‬‬


‫جوَاهُ ْم َوأَنّ اللّ َه َع ّ‬
‫أَلَ ْم َيعْلَمُوا أَنّ اللّ َه َيعْلَ ُم سِ ّرهُ ْم َونَ ْ‬
‫‪336‬‬
‫أل يعلم هؤلء النافقون أن ال يعلم ما يفونه ف أنفسهم وما يتحدثون به ف مالسهم من الكيد والكر‪,‬‬
‫وأن ال علم الغيوب؟ فسيجازيهم على أعمالم الت أحصاها عليهم‪.‬‬

‫ت وَالّذِي َن ل يَجِدُو نَ إِلّ ُج ْه َدهُ مْ َفيَ سْخَرُو َن ِمنْهُ مْ‬


‫الّذِي َن يَلْ ِمزُو َن الْمُ ّط ّوعِيَ مِ ْن الْ ُم ْؤ ِمنِيَ فِي ال صّدَقَا ِ‬
‫سَخِرَ اللّهُ مِْنهُ ْم وََلهُ ْم عَذَابٌ أَلِيمٌ (‪)79‬‬

‫ومع بل النافغي ل يَسْلَم التصدقون من أذاهم; فإذا تصدق الغنياء بالال الكثي عابوهم واتموهم‬
‫بالرياء‪ ,‬وإذا تصدق الفقراء با ف طاقتهم استهزؤوا بم‪ ,‬وقالوا سخرية منهم‪ :‬ماذا تدي صدقتهم هذه؟‬
‫سخر ال من هؤلء النافقي‪ ,‬ولم عذاب مؤل موجع‪.‬‬

‫ك ِبأَّنهُ مْ َك َفرُوا بِاللّ هِ‬


‫ي مَ ّرةً فَلَ ْن َي ْغفِرَ اللّ هُ َلهُ مْ ذَلِ َ‬
‫سَت ْغفِرْ َلهُ مْ َسْبعِ َ‬
‫سَتغْفِرْ َل ُه مْ إِ ْن تَ ْ‬
‫ا ْستَ ْغفِرْ َلهُ مْ َأ ْو ل تَ ْ‬
‫وَ َرسُولِهِ وَاللّ ُه ل َيهْدِي اْل َقوْ َم اْلفَاسِقِيَ (‪)80‬‬

‫استغفر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للمنافقي أو ل تستغفر لم‪ ,‬فلن يغفر ال لم‪ ,‬مهما كثر استغفارك لم وتكرر;‬
‫لنم كفروا بال ورسوله‪ .‬وال سبحانه وتعال ل يوفق للهدى الارجي عن طاعته‪.‬‬

‫سهِمْ فِي َسبِيلِ اللّ هِ‬


‫ح الْ ُمخَّلفُو َن بِ َم ْقعَ ِدهِ مْ خِل فَ رَ سُولِ اللّ ِه وَكَ ِرهُوا أَ نْ يُجَاهِدُوا ِبأَ ْموَاِلهِ ْم َوأَنفُ ِ‬
‫فَ ِر َ‬
‫وَقَالُوا ل تَنفِرُوا فِي الْحَرّ ُق ْل نَارُ َج َهنّمَ َأشَدّ َحرّا َلوْ كَانُوا َيفْ َقهُونَ (‪)81‬‬

‫فرح الخلفون الذين تلفوا عن رسول ال صلى ال عليه وسلم بقعودهم ف (الدينة) مالفي لرسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وكرهوا أن ياهدوا معه بأموالم وأنفسهم ف سبيل ال‪ ,‬وقال بعضهم لبعض‪ :‬ل‬
‫تنفروا ف الرّ‪ ,‬وكانت غزوة (تبوك) ف وقت شدة الرّ‪ .‬قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬نار جهنم أشد حرًا‪,‬‬
‫لو كانوا يعلمون ذلك‪.‬‬

‫سبُونَ (‪)82‬‬
‫ل وَْلَيبْكُوا َكثِيا جَزَا ًء بِمَا كَانُوا َيكْ ِ‬
‫حكُوا َقلِي ً‬
‫فَ ْلَيضْ َ‬

‫‪337‬‬
‫فليضحك هؤلء النافقون الذين تلفوا عن رسول ال ف غزوة (تبوك) قليل ف حياتم الدنيا الفانية‪,‬‬
‫وليبكوا كثيًا ف نار جهنم; جزاءً با كانوا يكسبون ف الدنيا من النفاق والكفر‪.‬‬

‫خرُو جِ َفقُلْ َل ْن تَخْ ُرجُوا َمعِي َأبَدا وَلَ ْن ُتقَاتِلُوا َمعِي عَ ُدوّا‬
‫فَإِ نْ رَ َجعَ كَ اللّ هُ إِلَى طَاِئ َفةٍ ِمْنهُ مْ فَا ْستَأْ َذنُوكَ لِلْ ُ‬
‫ِإنّكُمْ رَضِيتُ ْم بِاْل ُقعُودِ َأوّ َل مَ ّرةٍ فَا ْقعُدُوا مَ َع الْخَاِلفِيَ (‪)83‬‬

‫فإنْ رَدّك ال ‪-‬أيها الرسول‪ -‬مِن غزوتك إل جاعة من النافقي الثابتي على النفاق‪ ,‬فاستأذنوك‬
‫للخروج معك إل غزوة أخرى بعد غزوة (تبوك) فقل لم‪ :‬لن ترجوا معي أبدًا ف غزوة من الغزوات‪,‬‬
‫ولن تقاتلوا معي عدوًا من العداء; إنكم رضيتم بالقعود أول مرة‪ ,‬فاقعدوا مع الذين تلفوا عن الهاد‬
‫مع رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫وَل تُ صَ ّل عَلَى أَحَ ٍد ِمْنهُ ْم مَا تَ َأبَدا وَل َتقُ ْم عَلَى َقبْرِ هِ ِإّنهُ مْ َك َفرُوا بِاللّ ِه وَرَ سُولِ ِه َومَاتُوا َوهُ مْ فَا ِسقُونَ (‬
‫‪)84‬‬

‫ول تص ّل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أبدًا على أحد مات من النافقي‪ ,‬ول تقم على قبه لتدعو له; لنم كفروا‬
‫بال تعال وبرسوله صلى ال عليه وسلم وماتوا وهم فاسقون‪ .‬وهذا حكم عام ف كل من عُلِمَ نفاقه‪.‬‬

‫سهُ ْم َوهُ مْ كَافِرُو نَ (‬


‫جبْ كَ َأ ْموَالُهُ ْم َوَأوْل ُدهُ مْ ِإنّمَا يُرِيدُ اللّ هُ أَ نْ يُعَ ّذَبهُ ْم ِبهَا فِي ال ّدنْيَا َوتَ ْزهَ قَ أَنفُ ُ‬
‫وَل تُعْ ِ‬
‫‪)85‬‬

‫ول تعجبك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أموال هؤلء النافقي وأولدهم‪ ,‬إنا يريد ال أن يعذبم با ف الدنيا‬
‫بكابدتم الشدائد ف شأنا‪ ,‬وبوتم على كفرهم بال ورسوله‪.‬‬

‫َوإِذَا أُنزِلَ تْ سُو َرةٌ أَ نْ آ ِمنُوا بِاللّ ِه وَجَاهِدُوا مَ عَ رَ سُولِهِ ا ْسَتأْ َذنَكَ ُأوْلُوا ال ّطوْ ِل ِمْنهُ ْم وَقَالُوا ذَ ْرنَا َنكُ نْ َم عَ‬
‫الْقَاعِدِينَ (‪)86‬‬

‫‪338‬‬
‫وإذا أنزلت سورة على ممد صلى ال عليه ول تأمر باليان بال والخلص له والهاد مع رسول ال‪,‬‬
‫طلب الذن منك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أولو اليسار من النافقي‪ ,‬وقالوا‪ :‬اتركنا مع القاعدين العاجزين عن‬
‫الروج‪.‬‬

‫خوَالِفِ َو ُطبِ َع عَلَى ُقلُوِبهِمْ َفهُ ْم ل َيفْ َقهُونَ (‪)87‬‬


‫رَضُوا بَِأنْ َيكُونُوا مَ َع الْ َ‬

‫رضي هؤلء النافقون لنفسهم بالعار‪ ,‬وهو أن يقعدوا ف البيوت مع النساء والصبيان وأصحاب‬
‫العذار‪ ,‬وختم ال على قلوبم; بسبب نفاقهم وتلفهم عن الهاد والروج مع رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ف سبيل ال‪ ,‬فهم ل يفقهون ما فيه صلحهم ورشادهم‪.‬‬

‫ت َوُأوْلَئِكَ هُ ْم الْ ُمفْلِحُونَ‬


‫خيْرَا ُ‬
‫َلكِنْ الرّسُولُ وَالّذِينَ آ َمنُوا َمعَهُ جَاهَدُوا ِبَأ ْموَاِلهِمْ َوأَنفُسِهِ ْم َوُأوَْلئِكَ َلهُمْ الْ َ‬
‫(‪)88‬‬

‫إنْ تلّف هؤلء النافقون عن الغزو‪ ,‬فقد جاهد رسول ال صلى ال عليه وسلم والؤمنون معه بأموالم‬
‫وأنفسهم‪ ,‬وأولئك لم النصر والغنيمة ف الدنيا‪ ,‬والنة والكرامة ف الخرة‪ ,‬وأولئك هم الفائزون‪.‬‬

‫ك اْلفَوْ ُز اْلعَظِيمُ (‪)89‬‬


‫حِتهَا الَْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا ذَلِ َ‬
‫جرِي مِ ْن تَ ْ‬
‫ت تَ ْ‬
‫َأعَدّ اللّهُ َلهُمْ َجنّا ٍ‬

‫أعدّ ال لم يوم القيامة جنات تري مِن تت أشجارها النار ماكثي فيها أبدًا‪ .‬وذلك هو الفلح‬
‫العظيم‪.‬‬

‫ب الّذِي نَ َكفَرُوا ِمْنهُ مْ‬


‫وَجَا َء الْ ُمعَذّرُو َن مِ ْن الَعْرَا بِ ِلُيؤْذَ نَ َل ُه ْم وََقعَ َد الّذِي نَ َك َذبُوا اللّ َه وَرَ سُولَهُ َسُيصِي ُ‬
‫عَذَابٌ أَلِيمٌ (‪)90‬‬

‫وجاء جاعة من أحياء العرب حول (الدينة) يعتذرون إل رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬ويبينون له ما‬
‫هم فيه من الضعف وعدم القدرة على الروج للغزو‪ ,‬وقعد قوم بغي عذر أظهروه جرأة على رسول ال‬

‫‪339‬‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ .‬سيصيب الذين كفروا من هؤلء عذاب أليم ف الدنيا بالقتل وغيه‪ ,‬وف الخرة‬
‫بالنار‪.‬‬

‫جدُونَ مَا يُن ِفقُونَ حَ َرجٌ إِذَا نَصَحُوا ِللّ ِه وَرَسُولِهِ‬


‫ض َعفَاءِ وَل عَلَى الْمَرْضَى وَل عَلَى الّذِي َن ل يَ ِ‬‫س عَلَى ال ّ‬‫َليْ َ‬
‫ي مِ ْن َسبِي ٍل وَاللّ ُه َغفُورٌ رَحِيمٌ (‪)91‬‬
‫سنِ َ‬
‫مَا عَلَى الْ ُمحْ ِ‬

‫ليس على أهل العذار مِن الضعفاء والرضى والفقراء الذين ل يلكون من الال ما يتجهزون به للخروج‬
‫إث ف القعود إذا أخلصوا ل ورسوله‪ ,‬وعملوا بشرعه‪ ,‬ما على مَن أحسن من منعه العذر عن الهاد مع‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وهو ناصح ل ولرسوله من طريق يعاقب مِن ِقبَلِه ويؤاخذ عليه‪ .‬وال‬
‫غفور للمحسني‪ ,‬رحيم بم‪.‬‬

‫وَل عَلَى الّذِينَ إِذَا مَا َأَتوْكَ ِلتَحْ ِمَلهُمْ قُلْتَ ل أَجِ ُد مَا أَ ْحمُِلكُ ْم عََليْ ِه َتوَلّوا َوأَ ْعُيُنهُمْ َتفِيضُ مِنْ ال ّدمْعِ حَزَنا‬
‫أَلّ َيجِدُوا مَا يُن ِفقُونَ ( ‪)92‬‬

‫وكذلك ل إث على الذين إذا ما جاؤوك يطلبون أن تعينهم بملهم إل الهاد قلت لم‪ :‬ل أجد ما‬
‫أحلكم عليه من الدوابّ‪ ,‬فانصرفوا عنك‪ ,‬وقد فاضت أعينهم دَمعًا أسفًا على ما فاتم من شرف الهاد‬
‫وثوابه; لنم ل يدوا ما ينفقون‪ ,‬وما يملهم لو خرجوا للجهاد ف سبيل ال‪.‬‬

‫خوَالِ فِ َو َطبَ عَ اللّ ُه عَلَى ُقلُوِبهِ مْ‬


‫ك َوهُ مْ َأغِْنيَاءُ رَضُوا بِأَ نْ َيكُونُوا مَ َع الْ َ‬
‫سَتأْ ِذنُونَ َ‬
‫ِإنّمَا ال سّبِي ُل عَلَى الّذِي نَ يَ ْ‬
‫َفهُ ْم ل َيعْلَمُونَ (‪)93‬‬

‫إنا الث واللوم على الغنياء الذين جاءوك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬يطلبون الذن بالتخلف‪ ,‬وهم النافقون‬
‫الغنياء اختاروا لنفسهم القعود مع النساء وأهل العذار‪ ,‬وختم ال على قلوبم بالنفاق‪ ,‬فل يدخلها‬
‫إيان‪ ,‬فهم ل يعلمون سوء عاقبتهم بتخلفهم عنك وتركهم الهاد معك‪.‬‬

‫‪340‬‬
‫الزء الادي عشر ‪:‬‬

‫َيعْتَذِرُو نَ إَِلْيكُ مْ إِذَا َر َج ْعتُ مْ إَِلْيهِ مْ قُ ْل ل َت ْعتَذِرُوا َل ْن ُن ْؤمِ نَ َلكُ مْ قَ ْد َنّبأَنَا اللّ ُه مِ نْ َأ ْخبَارِكُ ْم وَ َسيَرَى اللّ هُ‬
‫ب وَالشّهَا َدةِ َفُيَنبُّئكُ ْم بِمَا كُنتُ ْم َتعْمَلُونَ (‪)94‬‬ ‫عَمََلكُ ْم وَ َرسُولُ ُه ثُ ّم تُرَدّونَ إِلَى عَالِ ِم اْل َغيْ ِ‬

‫يعتذر إليكم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬هؤلء التخلفون عن جهاد الشركي بالكاذيب عندما تعودون مِن‬
‫جهادكم من غزوة (تبوك)‪ ,‬قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬ل تعتذروا لن نصدقكم فيما تقولون‪ ,‬قد نبأنا ال‬
‫من أمركم ما حقق لدينا كذبكم‪ ,‬وسيى ال عملكم ورسوله‪ ,‬إن كنتم تتوبون من نفاقكم‪ ,‬أو تقيمون‬
‫عليه‪ ,‬وسيُظهر للناس أعمالكم ف الدنيا‪ ,‬ث ترجعون بعد ماتكم إل الذي ل تفى عليه بواطن أموركم‬
‫وظواهرها‪ ,‬فيخبكم بأعمالكم كلها‪ ,‬ويازيكم عليها‪.‬‬

‫س َو َم ْأوَاهُ مْ َج َهنّ مُ جَزَاءً‬


‫حِلفُو َن بِاللّ هِ َلكُ مْ إِذَا انقََلْبتُ مْ إَِلْيهِ مْ ِلتُعْرِضُوا َعْنهُ مْ َفَأعْرِضُوا َعْنهُ مْ ِإّنهُ مْ رِجْ ٌ‬
‫َسيَ ْ‬
‫بِمَا كَانُوا َيكْسِبُونَ (‪)95‬‬

‫سيحلف لكم النافقون بال ‪-‬كاذبي معتذرين‪ -‬إذا رجعتم إليهم من الغزو; لتتركوهم دون مساءلة‪,‬‬
‫فاجتنبوهم وأعرضوا عنهم احتقارًا لم‪ ,‬إنم خبثاء البواطن‪ ,‬ومكانم الذي يأوون إليه ف الخرة نار‬
‫جهنم; جزاء با كانوا يكسبون من الثام والطايا‪.‬‬

‫ضوْا َعْنهُمْ فَِإنّ اللّ َه ل يَرْضَى عَ ْن اْل َقوْ ِم اْلفَا ِسقِيَ (‪)96‬‬
‫ضوْا َعْنهُمْ فَِإنْ تَ ْر َ‬
‫يَحِْلفُونَ َلكُمْ ِلَترْ َ‬

‫يلف لكم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬هؤلء النافقون كذبًا; لتَرضَوا عنهم‪ ,‬فإن رضيتم عنهم ‪-‬لنكم ل تعلمون‬
‫كذبم‪ -‬فإن ال ل يرضى عن هؤلء وغيهم من استمروا على الفسوق والروج عن طاعة ال‬
‫ورسوله‪.‬‬

‫الَعْرَابُ َأشَدّ ُكفْرا َوِنفَاقا َوأَ ْجدَرُ أَ ّل َيعْلَمُوا حُدُو َد مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى َرسُولِ ِه وَاللّ ُه عَلِيمٌ َحكِيمٌ (‪)97‬‬

‫‪341‬‬
‫العراب سكان البادية أشد كفرًا ونفاقًا من أهل الاضرة‪ ,‬وذلك لفائهم وقسوة قلوبم وبُعدهم عن‬
‫العلم والعلماء‪ ,‬ومالس الوعظ والذكر‪ ,‬فهم لذلك أحق بأن ل يعلموا حدود الدين‪ ,‬وما أنزل ال من‬
‫الشرائع والحكام‪ .‬وال عليم بال هؤلء جيعًا‪ ,‬حكيم ف تدبيه لمور عباده‪.‬‬

‫سوْ ِء وَاللّ ُه سَمِي ٌع عَلِيمٌ (‪)98‬‬


‫ب مَ ْن َيتّخِ ُذ مَا يُنفِقُ َمغْرَما َوَيتَ َرّبصُ ِبكُمْ ال ّدوَائِ َر عََلْيهِمْ دَائِ َرةُ ال ّ‬
‫َومِ ْن الَعْرَا ِ‬

‫ومن العراب مَن يتسب ما ينفق ف سبيل ال غرامة وخسارة ل يرجو له ثوابًا‪ ,‬ول يدفع عن نفسه‬
‫عقابًا‪ ,‬وينتظر بكم الوادث والفات‪ ,‬ولكن السوء دائر عليهم ل بالسلمي‪ .‬وال سيع لا يقولون عليم‬
‫بنياتم الفاسدة‪.‬‬

‫خ ُذ مَا يُنفِ قُ ُق ُربَا تٍ ِعنْدَ اللّ ِه وَ صََلوَاتِ الرّ سُولِ أَل إِّنهَا‬
‫ب مَ ْن ُي ْؤمِ نُ بِاللّ ِه وَالَْيوْ مِ ال ِخ ِر َويَتّ ِ‬
‫َومِ ْن الَعْرَا ِ‬
‫قُ ْرَبةٌ َلهُ ْم َسيُدْ ِخُلهُمْ اللّهُ فِي رَحْ َمتِهِ ِإنّ اللّ َه َغفُورٌ َرحِيمٌ (‪)99‬‬

‫ومن العراب مَن يؤمن بال ويقرّ بوحدانيته وبالبعث بعد الوت‪ ,‬والثواب والعقاب‪ ,‬ويتسب ما ينفق‬
‫من نفقة ف جهاد الشركي قاصدًا با رضا ال ومبته‪ ,‬ويعلها وسيلة إل دعاء الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم له‪ ,‬أل إن هذه العمال تقربم إل ال تعال‪ ,‬سيدخلهم ال ف جنته‪ .‬إن ال غفور لا فعلوا من‬
‫السيئات‪ ,‬رحيم بم‪.‬‬

‫وَالسّاِبقُونَ ا َلوّلُو َن مِ ْن الْ ُمهَا ِجرِي َن وَالَنصَا ِر وَالّذِي َن اتَّبعُوهُ ْم بِإِحْسَانٍ َرضِيَ اللّ ُه َعْنهُ ْم وَرَضُوا َعنْ ُه َوأَعَدّ‬
‫ك الْ َفوْ ُز اْلعَظِيمُ ( ‪)100‬‬
‫حَتهَا الَْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا َأبَدا ذَلِ َ‬ ‫جرِي تَ ْ‬ ‫ت تَ ْ‬
‫َلهُمْ َجنّا ٍ‬

‫والذين سبقوا الناس أول إل اليان بال ورسوله من الهاجرين الذين هجروا قومهم وعشيتم وانتقلوا‬
‫إل دار السلم‪ ,‬والنصار الذين نصروا رسول ال صلى ال عليه وسلم على أعدائه الكفار‪ ,‬والذين‬
‫اتبعوهم بإحسان ف العتقاد والقوال والعمال طلبًا لرضاة ال سبحانه وتعال‪ ,‬أولئك الذين رضي ال‬
‫عنهم لطاعتهم ال ورسوله‪ ,‬ورضوا عنه لا أجزل لم من الثواب على طاعتهم وإيانم‪ ,‬وأعدّ لم جنات‬
‫تري تتها النار خالدين فيها أبدًا‪ ,‬ذلك هو الفلح العظيم‪ .‬وف هذه الية تزكية للصحابة ‪-‬رضي ال‬
‫عنهم‪ -‬وتعديل لم‪ ,‬وثناء عليهم; ولذا فإن توقيهم من أصول اليان‪.‬‬

‫‪342‬‬
‫ح ُن َنعْلَ ُم ُه مْ‬
‫َومِمّ نْ َحوَْلكُ ْم مِ ْن الَعْرَا بِ ُمنَاِفقُو نَ َومِ نْ َأهْ ِل الْمَدِيَنةِ مَ َردُوا عَلَى النّفَا قِ ل َتعْلَ ُم ُه ْم نَ ْ‬
‫َسنُعَ ّذُبهُ ْم مَ ّرَتيْ ِن ثُ ّم يُ َردّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (‪)101‬‬

‫ومن القوم الذين حول (الدينة) أعراب منافقون‪ ,‬ومن أهل (الدينة) منافقون أقاموا على النفاق‪ ,‬وازدادوا‬
‫فيه طغيانًا‪ ,‬بيث يفى عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أمرهم‪ ,‬نن نعلمهم‪ ,‬سنعذبم مرتي‪ :‬بالقتل والسب‬
‫والفضيحة ف الدنيا‪ ,‬وبعذاب القب بعد الوت‪ ,‬ث ُيرَدّون يوم القيامة إل عذاب عظيم ف نار جهنم‪.‬‬

‫ب عََلْيهِ مْ إِنّ اللّ َه َغفُورٌ‬


‫وَآخَرُو نَ ا ْعتَرَفُوا بِ ُذنُوِبهِ مْ َخلَطُوا عَ َملً صَالِحا وَآ َخرَ َسيّئا عَ سَى اللّ هُ أَ نْ َيتُو َ‬
‫رَحِيمٌ (‪)102‬‬

‫وآخرون من أهل (الدينة) ومن حولا‪ ,‬اعترفوا بذنوبم وندموا عليها وتابوا منها‪ ,‬خلطوا العمل الصال‬
‫‪-‬وهو التوبة والندم والعتراف بالذنب وغي ذلك من العمال الصالة‪ -‬بآخر سيّئ‪ -‬وهو التخلف عن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم وغيه من العمال السيئة ‪-‬عسى ال أن يوفقهم للتوبة ويقبلها منهم‪ .‬إن‬
‫ال غفور لعباده‪ ,‬رحيم بم‪.‬‬

‫صدََق ًة تُ َطهّ ُرهُ ْم َوتُزَكّيهِ ْم ِبهَا وَ صَلّ عََلْيهِ مْ ِإنّ صَلتَكَ َسكَنٌ َلهُ ْم وَاللّ هُ سَمِي ٌع عَلِي مٌ (‬
‫خُذْ مِ نْ َأ ْموَاِلهِ مْ َ‬
‫‪)103‬‬

‫خذ ‪-‬أيها النب‪ -‬من أموال هؤلء التائبي الذين خلطوا عمل صالا وآخر سيئا صدقة تطهرهم مِن دنس‬
‫ذنوبم‪ ,‬وترفعهم عن منازل النافقي إل منازل الخلصي‪ ,‬وادع لم بالغفرة لذنوبم واستغفر لم منها‪,‬‬
‫إن دعاءك واستغفارك رحة وطمأنينة لم‪ .‬وال سيع لكل دعاء وقول‪ ,‬عليم بأحوال العباد ونياتم‪,‬‬
‫وسيجازي كلّ عامل بعمله‪.‬‬

‫ت َوَأنّ اللّهَ هُ َو الّتوّابُ الرّحِيمُ (‪)104‬‬


‫أَلَ ْم َيعْلَمُوا أَنّ اللّ َه ُهوَ َي ْقبَ ُل الّت ْوَبةَ عَ ْن ِعبَا ِد ِه َويَأْ ُخ ُذ الصّدَقَا ِ‬

‫أل يعلم هؤلء التخلفون عن الهاد وغيهم أن ال وحده هو الذي يقبل توبة عباده‪ ,‬ويأخذ الصدقات‬
‫ويثيب عليها‪ ,‬وأن ال هو التواب لعباده إذا رجعوا إل طاعته‪ ,‬الرحيم بم إذا أنابوا إل رضاه؟‬

‫‪343‬‬
‫شهَا َدةِ َفُيَنبُّئكُ ْم بِمَا‬
‫ب وَال ّ‬
‫سَيرَى اللّ ُه عَمََلكُ ْم وَرَ سُولُ ُه وَالْ ُمؤْ ِمنُو َن وَ َستُرَدّونَ إِلَى عَالِ ِم اْلغَيْ ِ‬
‫وَقُ ْل اعْمَلُوا فَ َ‬
‫كُنتُ ْم َتعْمَلُونَ (‪)105‬‬

‫وقل ‪-‬أيها النب‪ -‬لؤلء التخلّفي عن الهاد‪ :‬اعملوا ل با يرضيه من طاعته‪ ،‬وأداء فرائضه‪ ،‬واجتناب‬
‫العاصي‪ ,‬فسيى ال عملكم ورسوله والؤمنون‪ ,‬وسيتبي أمركم‪ ,‬وسترجعون يوم القيامة إل مَن يعلم‬
‫سركم وجهركم‪ ,‬فيخبكم با كنتم تعملون‪ .‬وف هذا تديد ووعيد لن استمر على باطله وطغيانه‪.‬‬

‫ب عََلْيهِ ْم وَاللّ ُه عَلِيمٌ َحكِيمٌ (‪)106‬‬


‫وَآخَرُو َن مُرْ َج ْونَ َلمْرِ اللّهِ ِإمّا ُيعَ ّذبُهُ ْم َوِإمّا َيتُو ُ‬

‫ومن هؤلء التخلفي عنكم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬ف غزوة (تبوك) آخرون مؤخرون; ليقضي ال فيهم ما هو‬
‫قاض‪ .‬وهؤلء هم الذين ندموا على ما فعلوا‪ ,‬وهم‪ :‬مُرارة بن الربيع‪ ,‬وكعب بن مالك‪ ,‬وهلل بن أُميّة‪,‬‬
‫إما يعذبم ال‪ ,‬وإما يعفو عنهم‪ .‬وال عليم بن يستحق العقوبة أو العفو‪ ,‬حكيم ف كل أقواله وأفعاله‪.‬‬

‫وَالّذِي َن اتّخَذُوا مَ سْجِدا ضِرَارا وَ ُكفْرا َوَتفْرِيقا َبيْ نَ الْ ُم ْؤ ِمنِيَ َوإِرْ صَادا ِلمَ نْ حَارَ بَ اللّ َه وَرَ سُولَهُ مِ نْ َقبْلُ‬
‫شهَدُ إِّنهُمْ َلكَا ِذبُونَ (‪)107‬‬ ‫سنَى وَاللّ ُه يَ ْ‬
‫وََليَحِْلفُنّ ِإنْ أَ َر ْدنَا إِلّ الْحُ ْ‬

‫والنافقون الذين بنوا مسجدًا; مضارة للمؤمني وكفرًا بال وتفريقًا بي الؤمني‪ ,‬ليصلي فيه بعضهم‬
‫ويترك مسجد (قباء) الذي يصلي فيه السلمون‪ ,‬فيختلف السلمون ويتفرقوا بسبب ذلك‪ ,‬وانتظارا لن‬
‫حارب ال ورسوله من قبل ‪-‬وهو أبو عامر الراهب الفاسق‪ -‬ليكون مكانًا للكيد للمسلمي‪ ,‬وليحلفنّ‬
‫هؤلء النافقون أنم ما أرادوا ببنائه إل الي والرفق بالسلمي والتوسعة على الضعفاء العاجزين عن السي‬
‫إل مسجد (قباء)‪ ,‬وال يشهد إنم لكاذبون فيما يلفون عليه‪ .‬وقد هُدِم السجد وأُحرِق‪.‬‬

‫حبّونَ أَنْ يَتَ َطهّرُوا‬


‫س عَلَى الّت ْقوَى مِنْ َأوّ ِل َيوْمٍ أَحَقّ أَنْ َتقُومَ فِيهِ فِيهِ ِرجَا ٌل يُ ِ‬
‫سجِدٌ أُ ّس َ‬
‫ل َتقُمْ فِيهِ َأبَدا لَمَ ْ‬
‫حبّ الْمُ ّطهّرِينَ (‪)108‬‬ ‫وَاللّهُ يُ ِ‬

‫ل تقم ‪-‬أيها النب‪ -‬للصلة ف ذلك السجد أبدًا; فإن السجد الذي ُأ ّسسَ على التقوى من أول يوم‬
‫‪-‬وهو مسجد (قباء)‪ -‬أول أن تقوم فيه للصلة‪ ,‬ففي هذا السجد رجال يبون أن يتطهروا بالاء من‬

‫‪344‬‬
‫النجاسات والقذار‪ ,‬كما يتطهرون بالتورع والستغفار من الذنوب والعاصي‪ .‬وال يب التطهرين‪.‬‬
‫وإذا كان مسجد (قباء) قد ُأ ّسسَ على التقوى من أول يوم‪ ,‬فمسجد رسول ال‪ ,‬صلى ال عليه وسلم‪,‬‬
‫كذلك بطريق الول والحرى‪.‬‬

‫ف هَارٍ فَاْنهَا َر بِ هِ‬


‫س بُْنيَانَ هُ عَلَى َشفَا ُجرُ ٍ‬
‫ضوَا نٍ َخيْرٌ أَ ْم مَ نْ أَ ّس َ‬
‫س ُبنْيَانَ هُ عَلَى َت ْقوَى مِ نْ اللّ ِه وَرِ ْ‬
‫أَفَمَ نْ أَ ّس َ‬
‫فِي نَارِ َج َهنّ َم وَاللّهُ ل َيهْدِي اْل َق ْومَ الظّالِ ِميَ (‪)109‬‬

‫ل يستوي مَن أسّس بنيانه على تقوى ال وطاعته ومرضاته‪ ,‬ومن أسّس بنيانه على طرف حفرة متداعية‬
‫للسقوط‪ ,‬فبن مسجدًا ضرارًا وكفرًا وتفريقًا بي السلمي‪ ,‬فأدّى به ذلك إل السقوط ف نار جهنم‪.‬‬
‫وال ل يهدي القوم الظالي التجاوزين حدوده‪.‬‬

‫ل يَزَا ُل ُبنْيَاُنهُ ْم الّذِي َبنَوْا رِيَبةً فِي قُلُوِبهِمْ إِلّ أَ ْن َتقَطّعَ قُلُوُبهُ ْم وَاللّ ُه عَلِيمٌ َحكِيمٌ (‪)110‬‬

‫ل يزال بنيان النافقي الذي بنوه مضارّة لسجد (قباء) شكًا ونفاقًا ماكثًا ف قلوبم‪ ,‬إل أن تتقطع قلوبم‬
‫بقتلهم أو موتم‪ ,‬أو بندمهم غاية الندم‪ ,‬وتوبتهم إل ربم‪ ,‬وخوفهم منه غاية الوف‪ .‬وال عليم با عليه‬
‫هؤلء النافقون من الشك وما قصدوا ف بنائهم‪ ,‬حكيم ف تدبي أمور خلقه‪.‬‬

‫جّنةَ ُيقَاتِلُو نَ فِي َسبِيلِ اللّ هِ َفيَ ْقتُلُو َن َوُيقْتَلُو نَ‬


‫ِإنّ اللّ َه ا ْشتَرَى مِ ْن الْ ُم ْؤ ِمنِيَ أَنفُ سَهُ ْم َوَأ ْموَالَهُ ْم ِبأَنّ َلهُ ْم الْ َ‬
‫َوعْدا عََليْهِ َحقّا فِي الّتوْرَاةِ وَالِنِي ِل وَاْلقُرْآ ِن َومَ نْ َأوْفَى ِب َعهْدِهِ مِ نْ اللّهِ فَا ْسَتبْشِرُوا ِبَبْيعِكُ ْم الّذِي بَاَيعْتُ ْم بِهِ‬
‫ك ُهوَ الْ َفوْ ُز اْلعَظِيمُ (‪)111‬‬ ‫وَذَلِ َ‬

‫إن ال اشترى من الؤمني أنفسهم بأن لم ف مقابل ذلك النة‪ ,‬وما أعد ال فيها من النعيم لبذلم‬
‫نفوسهم وأموالم ف جهاد أعدائه لعلء كلمته وإظهار دينه‪ ,‬فَيقْتلون ويُقتَلون‪ ,‬وعدًا عليه حقًا ف‬
‫التوراة النلة على موسى عليه السلم‪ ,‬والنيل النل على عيسى عليه السلم‪ ,‬والقرآن النل على ممد‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ .‬ول أحد أوف بعهده من ال لن وفّى با عاهد ال عليه‪ ,‬فأظهِروا السرور‪-‬أيها‬
‫الؤمنون‪ -‬ببيعكم الذي بايعتم ال به‪ ,‬وبا وعدكم به من النة والرضوان‪ ,‬وذلك البيع هو الفلح‬
‫العظيم‪.‬‬

‫‪345‬‬
‫ف وَالنّاهُو نَ عَ ْن الْمُنكَرِ‬
‫التّاِئبُو نَ اْلعَابِدُو نَ الْحَامِدُو َن ال سّائِحُونَ الرّا ِكعُو نَ ال سّاجِدُونَ المِرُو نَ بِالْ َمعْرُو ِ‬
‫وَالْحَافِظُونَ ِلحُدُودِ اللّ ِه َوبَشّرْ الْ ُمؤْ ِمنِيَ (‪)112‬‬

‫ومن صفات هؤلء الؤمني الذين لم البشارة بدخول النة أنم التائبون الراجعون عما كرهه ال إل ما‬
‫يبه ويرضاه‪ ,‬الذين أخلصوا العبادة ل وحده وجدوا ف طاعته‪ ,‬الذين يمدون ال على كل ما امتحنهم‬
‫به من خي أو شر‪ ,‬الصائمون‪ ,‬الراكعون ف صلتم‪ ,‬الساجدون فيها‪ ,‬الذين يأمرون الناس بكل ما أمر‬
‫ال ورسوله به‪ ,‬وينهونم عن كل ما نى ال عنه ورسوله‪ ,‬الؤدون فرائض ال النتهون إل أمره ونيه‪,‬‬
‫القائمون على طاعته‪ ,‬الواقفون عند حدوده‪ .‬وبشّر ‪-‬أيها النب‪ -‬هؤلء الؤمني التصفي بذه الصفات‬
‫برضوان ال وجنته‪.‬‬

‫سَت ْغفِرُوا ِللْمُشْرِكِيَ وََلوْ كَانُوا ُأوْلِي ُقرْبَى مِ ْن َبعْ ِد مَا َتَبيّ نَ َلهُ مْ َأّنهُ مْ‬
‫مَا كَا نَ لِلنّبِيّ وَالّذِي نَ آ َمنُوا أَ ْن يَ ْ‬
‫جحِيمِ ( ‪)113‬‬ ‫ب الْ َ‬ ‫أَصْحَا ُ‬

‫ما كان ينبغي للنب ممد صلى ال عليه وسلم والذين آمنوا أن يدعوا بالغفرة للمشركي‪ ,‬ولو كانوا‬
‫ذوي قرابة لم مِن بعد ما ماتوا على شركهم بال وعبادة الوثان‪ ,‬وتبي لم أنم أصحاب الحيم لوتم‬
‫على الشرك‪ ,‬وال ل يغفر للمشركي‪ ,‬كما قال تعال‪ِ( :‬إنّ الَ ل َي ْغفِرُ َأنْ يُشْ َركَ بِهِ) وكما قال سبحانه‪:‬‬
‫لّنةَ)‪.‬‬
‫ل عََليْ ِه ا َ‬
‫(ِإنّهُ مَن يُشْ ِر ْك بِالِ َف َقدْ حَ ّرمَ ا ُ‬

‫َومَا كَا َن ا ْستِ ْغفَارُ ِإبْرَاهِي مَ َلبِي هِ إِ ّل عَ ْن َم ْوعِ َدةٍ َوعَ َدهَا ِإيّا هُ فََلمّا َتبَيّ نَ لَ هُ َأنّ هُ عَ ُدوّ ِللّ ِه َتبَ ّرأَ ِمنْ هُ ِإنّ ِإبْرَاهِي مَ‬
‫َلوّاهٌ حَلِيمٌ (‪)114‬‬

‫وما كان استغفار إبراهيم عليه السلم لبيه الشرك‪ ,‬إل عن موعدة وعدها إياه‪ ,‬وهي قوله‪َ " :‬سأَ ْسَت ْغفِرُ‬
‫لَكَ َربّي ِإنّهُ كَانَ بِي َح ِفيّا" ‪ .‬فلما تبيّن لبراهيم أن أباه عدو ل ول ينفع فيه الوعظ والتذكي‪ ,‬وأنه‬
‫سيموت كافرًا‪ ,‬تركه وترك الستغفار له‪ ,‬وتبأ منه‪ .‬إن إبراهيم عليه السلم عظيم التضرع ل‪ ,‬كثي‬
‫الصفح عما يصدر مِن قومه من الزلت‪.‬‬

‫‪346‬‬
‫َومَا كَانَ اللّهُ ِلُيضِلّ َقوْما َبعْدَ إِ ْذ هَدَاهُمْ َحتّى يَُبيّنَ َلهُ ْم مَا َيّتقُونَ إِنّ اللّ َه ِبكُلّ َشيْ ٍء عَلِيمٌ (‪)115‬‬

‫وما كان ال ليض ّل قومًا بعد أن مَنّ عليهم بالداية والتوفيق حت يبيّن لم ما يتقونه به‪ ,‬وما يتاجون إليه‬
‫ف أصول الدين وفروعه‪ .‬إن ال بكل شيء عليم‪ ,‬فقد علّمكم ما ل تكونوا تعلمون‪ ,‬وبيّن لكم ما به‬
‫تنتفعون‪ ,‬وأقام الجة عليكم بإبلغكم رسالته‪.‬‬

‫ت َومَا َلكُ ْم مِنْ دُونِ اللّ ِه مِ ْن وَِليّ وَل َنصِيٍ (‪)116‬‬


‫ح ِي َويُمِي ُ‬
‫ض يُ ْ‬
‫ت وَالَ ْر ِ‬
‫ِإنّ اللّهَ لَ ُه مُلْكُ السّ َموَا ِ‬

‫إن ل مالك السموات والرض وما فيهن ل شريك له ف اللق والتدبي والعبادة والتشريع‪ ,‬ييي مَن‬
‫يشاء وييت مَن يشاء‪ ,‬وما لكم مِن أحد غي ال يتول أموركم‪ ,‬ول نصي ينصركم على عدوكم‪.‬‬

‫َلقَ ْد تَابَ اللّ ُه عَلَى الّنبِ ّي وَالْ ُمهَاجِرِي َن وَالَنصَا ِر الّذِي َن اّتبَعُوهُ فِي سَا َعةِ اْلعُسْ َر ِة مِ ْن َبعْ ِد مَا كَا َد يَزِيغُ ُقلُوبُ‬
‫ب عََلْيهِمْ ِإنّهُ ِبهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (‪)117‬‬ ‫فَرِي ٍق ِمْنهُ ْم ثُ ّم تَا َ‬

‫لقد وفّق ال نبيه ممدا صلى ال عليه وسلم إل النابة إليه وطاعته‪ ,‬وتاب ال على الهاجرين الذين‬
‫هجروا ديارهم وعشيتم إل دار السلم‪ ,‬وتاب على أنصار رسول ال صلى ال عليه وسلم الذين‬
‫خرجوا معه لقتال العداء ف غزوة (تبوك) ف حرّ شديد‪ ,‬وضيق من الزاد وال ّظهْر‪ ,‬لقد تاب ال عليهم‬
‫من بعد ما كاد يَميل قلوب بعضهم عن الق‪ ,‬فيميلون إل الدّعة والسكون‪ ,‬لكن ال ثبتهم وقوّاهم‬
‫وتاب عليهم‪ ,‬إنه بم رؤوف رحيم‪ .‬ومن رحته بم أنْ مَ ّن عليهم بالتوبة‪ ,‬وَقبِلَها منهم‪ ,‬وثبّتهم عليها‪.‬‬

‫سهُ ْم وَ َظنّوا أَ نْ‬


‫ض بِمَا رَ ُحبَ تْ وَضَاقَ تْ عََلْيهِ مْ أَنفُ ُ‬
‫ت عََلْيهِ ْم الَرْ ُ‬
‫َوعَلَى الثّلَث ِة الّذِي نَ خُّلفُوا َحتّى ِإذَا ضَاقَ ْ‬
‫ب عََلْيهِمْ ِلَيتُوبُوا ِإنّ اللّهَ هُ َو الّتوّابُ الرّحِيمُ (‪)118‬‬
‫جَأ مِنْ اللّهِ إِلّ إَِليْهِ ثُ ّم تَا َ‬
‫ل مَلْ َ‬

‫وكذلك تاب ال على الثلثة الذين ُخلّفوا من النصار ‪-‬وهم كعب بن مالك وهلل بن أُميّة و ُمرَارة بن‬
‫الربيع‪ -‬تلّفوا عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وحزنوا حزنًا شديدًا‪ ,‬حت إذا ضاقت عليهم الرض‬
‫سعَتها غمّا وندمًا بسبب تلفهم‪ ,‬وضاقت عليهم أنفسهم لِمَا أصابم من الم‪ ,‬وأيقنوا أن ل ملجأ من‬ ‫بَ‬
‫ال إل إليه‪ ,‬وفّقهم ال سبحانه وتعال إل الطاعة والرجوع إل ما يرضيه سبحانه‪ .‬إن ال هو التواب‬
‫على عباده‪ ,‬الرحيم بم‪.‬‬
‫‪347‬‬
‫يَا َأيّهَا الّذِينَ آ َمنُوا اّتقُوا اللّ َه وَكُونُوا مَ َع الصّادِقِيَ (‪)119‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ،‬امتثلوا أوامر ال واجتنبوا نواهيه ف كل ما تفعلون‬
‫وتتركون‪ ,‬وكونوا مع الصادقي ف أَيانم وعهودهم‪ ,‬وف كل شأن من شؤونم‪.‬‬

‫سهِمْ عَ ْن‬ ‫خّلفُوا عَ نْ رَ سُولِ اللّ ِه وَل يَ ْر َغبُوا بِأَنفُ ِ‬‫مَا كَا نَ َلهْ ِل الْمَدِيَنةِ َومَ نْ َحوَْلهُ ْم مِ َن الَعْرَا بِ أَ نْ َيتَ َ‬
‫ظ الْ ُكفّارَ‬
‫صةٌ فِي َسبِيلِ اللّ ِه وَل يَ َطئُو َن َموْطِئا َيغِي ُ‬ ‫ب وَل مَخْمَ َ‬ ‫ك بَِأّنهُ ْم ل يُ صِيُبهُ ْم ظَ َمأٌ وَل نَ صَ ٌ‬ ‫َنفْ سِهِ ذَلِ َ‬
‫سِنيَ (‪)120‬‬ ‫وَل َينَالُونَ مِ ْن عَ ُد ّو َنْيلً إِلّ ُكِتبَ َلهُ ْم بِ ِه عَمَلٌ صَاِلحٌ ِإنّ اللّ َه ل ُيضِيعُ َأجْ َر الْمُحْ ِ‬

‫ما كان ينبغي لهل مدينة رسول ال صلى ال عليه وسلم ومَن حولم من سكان البادية أن يتخلّفوا ف‬
‫أهلهم ودورهم عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬ول يرضوا لنفسهم بالراحة والرسول صلى ال‬
‫عليه وسلم ف تعب ومشقة; ذلك بأنم ل يصيبهم ف سفرهم وجهادهم عطش ول تعب ول ماعة ف‬
‫ضبُ الكفارَ وطؤهم إياها‪ ,‬ول يصيبون مِن عدو ال وعدوهم قتل أو‬‫سبيل ال‪ ,‬ول يطؤون أرضًا يُغ ِ‬
‫هزيةً إل ُكتِب لم بذلك كله ثواب عمل صال‪ .‬إن ال ل يضيع أجر الحسني‪.‬‬

‫صغِ َيةً وَل َكبِيَ ًة وَل َيقْ َطعُو نَ وَادِيا إِلّ ُكتِ بَ َلهُ مْ ِليَجْ ِزَيهُ مْ اللّهُهأَحْ سَ َن مَا كَانُوا‬
‫وَل يُن ِفقُو نَ َن َف َقةً َ‬
‫َيعْمَلُونَ (‪)121‬‬

‫ول ينفقون نفقة صغية ول كبية ف سبيل ال‪ ,‬ول يقطعون واديًا ف سيهم مع رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ف جهاده‪ ,‬إل ُكتِب لم أجر عملهم; ليجزيهم ال أحسن ما ُيجْزَون به على أعمالم‬
‫الصالة‪.‬‬

‫َومَا كَا َن الْ ُم ْؤ ِمنُو نَ ِليَنفِرُوا كَاّفةً فََلوْل َنفَ َر مِ نْ كُلّ فِرَْق ٍة ِمْنهُ مْ طَاِئ َفةٌ ِليََت َف ّقهُوا فِي الدّي ِن وَِليُنذِرُوا َق ْو َمهُ مْ‬
‫إِذَا رَ َجعُوا إَِلْيهِمْ َلعَّلهُ ْم َيحْذَرُونَ ( ‪)122‬‬

‫وما كان ينبغي للمؤمني أن يرجوا جيعًا لقتال عدوّهم‪ ,‬كما ل يستقيم لم أن يقعدوا جيعًا‪ ,‬فهل‬
‫خرج من كل فرقة جاعة تصل بم الكفاية والقصود; وذلك ليتفقه النافرون ف دين ال وما أنزل على‬

‫‪348‬‬
‫رسوله‪ ,‬وينذروا قومهم با تعلموه عند رجوعهم إليهم‪ ,‬لعلهم يذرون عذاب ال بامتثال أوامره‬
‫واجتناب نواهيه‪.‬‬

‫يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا قَاتِلُوا الّذِي َن يَلُوَنكُ ْم مِ ْن الْ ُكفّا ِر وَْليَجِدُوا فِيكُ ْم غِلْ َظ ًة وَاعْلَمُوا أَنّ اللّ َه مَ عَ الْ ُمتّقِيَ (‬
‫‪)123‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ،‬ابدؤوا بقتال القرب فالقرب إل دار السلم من‬
‫الكفار‪ ,‬وليجد الكفار فيكم غِلْظة وشدة‪ ,‬واعلموا أن ال مع التقي بتأييده ونصره‪.‬‬

‫َوإِذَا مَا أُنزِلَ تْ سُو َرةٌ فَ ِمْنهُ ْم مَ ْن َيقُولُ َأيّكُ مْ زَا َدتْ هُ هَذِ هِ ِإيَانا َفأَمّ ا الّذِي نَ آ َمنُوا فَزَا َدْتهُ مْ إِيَانا َوهُ مْ‬
‫ستَبْشِرُونَ (‪)124‬‬ ‫يَ ْ‬

‫وإذا ما أنزل ال سورة من سور القرآن على رسوله‪ ,‬فمِن هؤلء النافقي من يقول‪- :‬إنكارًا واستهزاءً‪-‬‬
‫أيّكم زادته هذه السورة تصديقًا بال وآياته؟ فأما الذين آمنوا بال ورسوله فزادهم نزول السورة إيانًا‬
‫بالعلم با وتدبرها واعتقادها والعمل با‪ ,‬وهم يفرحون با أعطاهم ال من اليان واليقي‪.‬‬

‫سهِ ْم َومَاتُوا َوهُمْ كَافِرُونَ (‪)125‬‬


‫َوَأمّا الّذِينَ فِي قُلُوِبهِ ْم مَ َرضٌ َفزَا َدْتهُمْ رِجْسا إِلَى رِجْ ِ‬

‫وأما الذين ف قلوبم نفاق وشك ف دين ال‪ ,‬فإن نزول السورة يزيدهم نفاقًا وشكًا إل ما هم عليه من‬
‫قبلُ من النفاق والشك‪ ,‬وهلك هؤلء وهم جاحدون بال وآياته‪.‬‬

‫َأوَل يَ َر ْونَ َأّنهُمْ يُ ْفَتنُونَ فِي كُلّ عَا ٍم مَ ّرةً َأ ْو مَ ّرَتيْنِ ثُ ّم ل يَتُوبُو َن وَل هُمْ يَذّكّرُونَ (‪)126‬‬

‫أول يرى النافقون أن ال يبتليهم بالقحط والشدة‪ ,‬وبإظهار ما يبطنون من النفاق مرة أو مرتي ف كل‬
‫عام؟ ث هم مع ذلك ل يتوبون مِن كفرهم ونفاقهم‪ ,‬ول هم يتعظون ول يتذكرون با يعاينون من آيات‬
‫ال‪.‬‬

‫‪349‬‬
‫صرَفَ اللّ هُ ُقلُوبَهُ ْم ِبَأّنهُ مْ‬
‫ض هَ ْل يَرَاكُ ْم مِ نْ أَحَ ٍد ثُمّ ان صَرَفُوا َ‬
‫َوإِذَا مَا أُنزِلَ تْ سُو َرةٌ نَ َظ َر َب ْعضُهُ مْ إِلَى َبعْ ٍ‬
‫َق ْومٌ ل َي ْف َقهُونَ (‪)127‬‬

‫وإذا ما أُنزلت سورة تغَامَ َز النافقون بالعيون إنكارًا لنولا وسخرية وغيظًا; ِلمَا نزل فيها مِن ذِكْر عيوبم‬
‫وأفعالم‪ ,‬ث يقولون‪ :‬هل يراكم من أحد إن قمتم من عند الرسول؟ فإن ل يرهم أحد قاموا وانصرفوا‬
‫من عنده عليه الصلة والسلم مافة الفضيحة‪ .‬صرف ال قلوبم عن اليان; بسبب أنم ل يفهمون ول‬
‫يتدبرون‪.‬‬

‫سكُ ْم عَزِي ٌز عََليْ ِه مَا َعنِتّمْ حَرِيصٌ عََليْكُ ْم بِالْ ُم ْؤ ِمنِيَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (‪)128‬‬
‫َلقَدْ جَاءَكُمْ َرسُو ٌل مِنْ أَنفُ ِ‬

‫لقد جاءكم أيها الؤمنون رسول من قومكم‪ ,‬يشق عليه ما تلقون من الكروه والعنت‪ ,‬حريص على‬
‫إيانكم وصلح شأنكم‪ ,‬وهو بالؤمني كثي الرأفة والرحة‪.‬‬

‫ب اْلعَ ْرشِ اْلعَظِيمِ (‪)129‬‬


‫سبِي اللّهُ ل إِلَهَ إِلّ ُه َو عََليْ ِه َتوَكّ ْلتُ َو ُهوَ رَ ّ‬
‫فَِإنْ َتوَّلوْا َفقُلْ حَ ْ‬

‫فإن أعرض الشركون والنافقون عن اليان بك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬فقل لم‪ :‬حسب ال‪ ,‬يكفين جيع ما‬
‫ضتُ جيع أموري; فإنه ناصري ومعين‪ ,‬وهو رب‬
‫أهّن‪ ,‬ل معبود بق إل هو‪ ,‬عليه اعتمدت‪ ,‬وإليه َفوّ ْ‬
‫العرش العظيم‪ ,‬الذي هو أعظم الخلوقات‪.‬‬

‫‪ -10‬سورة يونس‬

‫‪350‬‬
‫حكِيمِ (‪)1‬‬
‫ب الْ َ‬
‫ت الْ ِكتَا ِ‬
‫ك آيَا ُ‬
‫الر تِلْ َ‬

‫(الر) سبق الكلم على الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬

‫هذه آيات الكتاب الحكم الذي أحكمه ال وبيّنه لعباده‪.‬‬

‫ق ِعنْدَ‬
‫س عَجَبا أَ نْ َأوْ َحْينَا إِلَى َرجُ ٍل ِمْنهُ مْ أَ نْ َأنْذِ ْر النّا سَ َوبَشّرْ الّذِي نَ آ َمنُوا َأنّ َلهُ مْ قَدَ مَ صِ ْد ٍ‬
‫أَكَا نَ لِلنّا ِ‬
‫َرّبهِمْ قَا َل اْلكَافِرُونَ ِإ ّن هَذَا لَسَاحِ ٌر ُمبِيٌ (‪)2‬‬

‫أكان أمرًا عجبًا للناس إنزالنا الوحي بالقرآن على رجل منهم ينذرهم عقاب ال‪ ,‬ويبشّر الذين آمنوا بال‬
‫ورسله أن لم أجرًا حسنًا با قدّموا من صال العمال؟ فلما أتاهم رسول ال صلى ال عليه وسلم بوحي‬
‫ال وتله عليهم‪ ,‬قال النكرون‪ :‬إنّ ممدًا ساحر‪ ,‬وما جاء به سحر ظاهر البطلن‪.‬‬

‫ت وَالَرْضَ فِي ِسّتةِ َأيّا ٍم ثُمّ اسَْتوَى عَلَى اْلعَرْشِ يُ َدبّ ُر الَمْرَ مَا مِنْ َشفِيعٍ‬
‫ِإنّ َرّبكُمْ اللّهُ الّذِي خََل َق السّ َموَا ِ‬
‫إِلّ مِ ْن َبعْدِ ِإ ْذنِهِ ذَِلكُمْ اللّهُ َرّبكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَل تَذَكّرُونَ (‪)3‬‬

‫إن ربكم ال الذي أوجد السموات والرض ف ستة أيام‪ ,‬ث استوى ‪-‬أي عل وارتفع‪ -‬على العرش‬
‫استواء يليق بلله وعظمته‪ ,‬يدبر أمور خلقه‪ ,‬ل يضادّه ف قضائه أحد‪ ,‬ول يشفع عنده شافع يوم القيامة‬
‫إل من بعد أن يأذن له بالشفاعة‪ ,‬فاعبدوا ال ربكم التصف بذه الصفات‪ ,‬وأخلصوا له العبادة‪ .‬أفل‬
‫تتعظون وتعتبون بذه اليات والجج؟‬

‫ي الّذِي نَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ‬


‫إَِليْ هِ مَ ْر ِج ُعكُ مْ جَمِيعا َوعْدَ اللّ هِ َحقّا ِإنّ هُ َيبْ َدُأ الْخَلْ َق ثُمّ يُعِيدُ هُ ِليَجْزِ َ‬
‫ب مِنْ حَمِي ٍم َوعَذَابٌ أَلِي ٌم بِمَا كَانُوا َيكْفُرُونَ (‪)4‬‬ ‫بِاْلقِسْطِ وَالّذِينَ َكفَرُوا َلهُ ْم شَرَا ٌ‬

‫إل ربكم معادكم يوم القيامة جيعًا‪ ,‬وهذا وعد ال الق‪ ,‬هو الذي يبدأ إياد اللق ث يعيده بعد الوت‪,‬‬
‫صدّق ال ورسوله‪ ,‬وعمل العمال السنة أحسن الزاء بالعدل‪.‬‬ ‫فيوجده حيًا كهيئته الول‪ ,‬ليجزي مَن َ‬
‫والذين جحدوا وحدانية ال ورسالة رسوله لم شراب من ماء شديد الرارة يشوي الوجوه ويقطّع‬
‫المعاء‪ ,‬ولم عذاب موجع بسبب كفرهم وضللم‪.‬‬

‫‪351‬‬
‫ب مَا خََل قَ اللّ هُ‬
‫ي وَالْحِ سَا َ‬
‫سنِ َ‬
‫ضيَا ًء وَاْلقَمَ َر نُورا وَقَدّرَ هُ َمنَازِلَ ِلَتعْلَمُوا عَدَ َد ال ّ‬
‫ُهوَ الّذِي َجعَلَ الشّمْ سَ ِ‬
‫ذَلِكَ إِ ّل بِالْحَ ّق ُي َفصّ ُل اليَاتِ ِل َق ْومٍ َيعَْلمُونَ (‪)5‬‬

‫ال هو الذي جعل الشمس ضياء‪ ,‬وجعل القمر نورًا‪ ,‬وقدّر القمر منازل‪ ,‬فبالشمس تعرف اليام‪,‬‬
‫وبالقمر تعرف الشهور والعوام‪ ,‬ما خلق ال تعال الشمس والقمر إل لكمة عظيمة‪ ,‬ودللة على‬
‫كمال قدرة ال وعلمه‪ ,‬يبيّن الجج والدلة لقوم يعلمون الكمة ف إبداع اللق‪.‬‬

‫ض ليَاتٍ ِل َق ْو ٍم َيتّقُونَ (‪)6‬‬


‫ِإنّ فِي ا ْختِلفِ الّليْ ِل وَالّنهَارِ َومَا خَلَقَ اللّهُ فِي السّ َموَاتِ وَالَ ْر ِ‬

‫إن ف تعاقب الليل والنهار وما خلق ال ف السموات والرض من عجائب اللق وما فيهما من إبداع‬
‫ونظام‪ ,‬لدلة وحججًا واضحة لقوم يشون عقاب ال وسخطه وعذابه‪.‬‬

‫حيَاةِ ال ّدنْيَا وَاطْ َمَأنّوا ِبهَا وَالّذِي َن هُ ْم عَ ْن آيَاِتنَا غَافِلُونَ (‪)7‬‬


‫ِإنّ الّذِي َن ل يَرْجُونَ ِلقَا َءنَا وَ َرضُوا بِالْ َ‬

‫إن الذين ل يطمعون ف لقائنا ف الخرة للحساب‪ ,‬وما يتلوه من الزاء على العمال لنكارهم البعث‪,‬‬
‫ورضوا بالياة الدنيا عوضًا عن الخرة‪ ,‬وركنوا إليها‪ ,‬والذين هم عن آياتنا الكونية والشرعية ساهون‪.‬‬

‫سبُونَ (‪)8‬‬
‫ك َم ْأوَاهُ ْم النّا ُر بِمَا كَانُوا يَكْ ِ‬
‫ُأوْلَئِ َ‬

‫أولئك مقرّهم نار جهنم ف الخرة; جزاء با كانوا يكسبون ف دنياهم من الثام والطايا‪.‬‬

‫ت الّنعِي مِ (‬
‫حِتهِ مْ ا َلْنهَارُ فِي َجنّا ِ‬
‫ت َيهْدِيهِ مْ َرّبهُ ْم بِإِيَاِنهِ مْ َتجْرِي مِ ْن َت ْ‬
‫ِإنّ الّذِي نَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا ال صّالِحَا ِ‬
‫‪)9‬‬

‫إن الذين آمنوا بال ورسوله وعملوا الصالات يدلم ربم إل طريق النة ويوفقهم إل العمل الوصل‬
‫إليه؛ بسبب إيانم ‪ ،‬ث يثيبهم بدخول النة وإحلل رضوانه عليهم‪ ,‬تري من تتهم النار ف جنات‬
‫النعيم‪.‬‬

‫‪352‬‬
‫ب اْلعَالَمِيَ (‪)10‬‬
‫حّيُتهُمْ فِيهَا سَلمٌ وَآخِرُ َد ْعوَاهُمْ أَ ْن الْحَ ْمدُ لِلّهِ رَ ّ‬
‫َد ْعوَاهُمْ فِيهَا ُسبْحَانَكَ الّلهُ ّم َوتَ ِ‬

‫دعاؤهم ف النة التسبيح (سبحانك اللهم)‪ ،‬وتية ال وملئكته لم‪ ,‬وتية بعضهم بعضًا ف النة‬
‫(سلم)‪ ،‬وآخر دعائهم قولم‪" :‬المد ل رب العالي" أي‪ :‬الشكر والثناء ل خالق الخلوقات ومربّيها‬
‫بنعمه‪.‬‬

‫خيْرِ َل ُقضِ يَ إَِلْيهِ مْ أَجَُل ُه مْ َفنَذَرُ الّذِي َن ل يَرْجُو نَ ِلقَاءَنَا فِي‬


‫وََلوْ ُيعَجّلُ اللّ هُ لِلنّا سِ الشّ ّر ا ْسِتعْجَاَلهُ ْم بِالْ َ‬
‫طُ ْغيَاِنهِ ْم َيعْ َمهُونَ (‪)11‬‬

‫ولو يعجّل ال للناس إجابة دعائهم ف الشر كاستعجاله لم ف الي بالجابة للكوا‪ ,‬فنترك الذين ل‬
‫يافون عقابنا‪ ,‬ول يوقنون بالبعث والنشور ف ترّدهم وعتوّهم‪ ,‬يترددون حائرين‪.‬‬

‫ضرّ ُه مَرّ َكأَ نْ لَ ْم يَ ْدعُنَا إِلَى ضُرّ‬


‫ش ْفنَا َعنْ هُ ُ‬
‫جنْبِ هِ َأوْ قَاعِدا َأوْ قَائِما فََلمّا كَ َ‬
‫س الِنْ سَا َن الضّرّ َدعَانَا ِل َ‬ ‫َوإِذَا مَ ّ‬
‫ي مَا كَانُوا َيعْمَلُونَ (‪)12‬‬ ‫مَسّهُ كَذَلِكَ ُزيّنَ لِ ْلمُسْرِِف َ‬

‫وإذا أصاب النسانَ الشد ُة استغاث بنا ف كشف ذلك عنه مضطجعًا لنبه أو قاعدًا أو قائمًا‪ ,‬على‬
‫حسب الال الت يكون با عند نزول ذلك الضرّ به‪ .‬فلما كشفنا عنه الشدة الت أصابته استم ّر على‬
‫طريقته الول قبل أن يصيبه الضر‪ ,‬ونسي ما كان فيه من الشدة والبلء‪ ,‬وترك الشكر لربه الذي فرّج‬
‫عنه ما كان قد نزل به من البلء‪ ,‬كما ُزيّن لذا النسان استمراره على جحوده وعناده بعد كشف ال‬
‫عنه ما كان فيه من الضر‪ُ ,‬زيّن للذين أسرفوا ف الكذب على ال وعلى أنبيائه ما كانوا يعملون من‬
‫معاصي ال والشرك به‪.‬‬

‫ك َنجْزِي‬
‫ت َومَا كَانُوا ِلُي ْؤمِنُوا كَذَلِ َ‬
‫وََلقَدْ َأهَْلكْنَا اْلقُرُو َن مِ نْ َقبِْلكُ مْ لَمّا ظَلَمُوا َوجَا َءْتهُ مْ رُ سُُلهُ ْم بِاْلَبيّنَا ِ‬
‫الْ َق ْو َم الْمُجْ ِر ِميَ (‪)13‬‬

‫ولقد أهلكنا المم الت كذّبت رسل ال من قبلكم ‪-‬أيها الشركون بربم‪ -‬لهمّا أشركوا‪ ,‬وجاءتم‬
‫رسلهم من عند ال بالعجزات الواضحات والجج الت تبي صدق مَن جاء با‪ ,‬فلم تكن هذه المم الت‬

‫‪353‬‬
‫أهلكناها لتصدق رسلها وتنقاد لا‪ ,‬فاستحقوا اللك‪ ,‬ومثل ذلك الهلك نزي كل مرم متجاوز‬
‫حدود ال‪.‬‬

‫ف َتعْمَلُونَ (‪)14‬‬
‫ثُمّ َجعَ ْلنَاكُمْ خَلئِفَ فِي الَ ْرضِ مِ ْن َبعْدِهِمْ ِلَننْظُرَ َكيْ َ‬

‫ث جعلناكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬خََلفًا ف الرض من بعد القرون اله ُمهْلَكة‪ ,‬لننظر كيف تعملون‪ :‬أخيًا أم‬
‫شرًا‪ ,‬فنجازيكم بذلك حسب عملكم‪.‬‬

‫َوإِذَا تُتْلَى عََلْيهِ ْم آيَاُتنَا َبّينَاتٍ قَا َل الّذِينَ ل َيرْجُونَ ِلقَا َءنَا ائْتِ ِبقُرْآنٍ َغيْ ِر هَذَا َأوْ بَدّلْهُ قُ ْل مَا يَكُونُ لِي َأنْ‬
‫صْيتُ َربّي عَذَابَ َي ْو ٍم عَظِيمٍ ( ‪)15‬‬ ‫ُأبَدّلَهُ مِنْ تِ ْلقَاءِ نَفْسِي إِنْ َأّتبِعُ إِ ّل مَا يُوحَى إِلَيّ ِإنّي أَخَافُ ِإ ْن عَ َ‬

‫وإذا تتلى على الشركي آيات ال الت أنزلناها إليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬واضحات‪ ,‬قال الذين ل يافون‬
‫الساب‪ ,‬ول يرجون الثواب‪ ,‬ول يؤمنون بيوم البعث والنشور‪ :‬ائت بقرآن غي هذا‪ ,‬أو بدّل هذا‬
‫القرآن‪ :‬بأن تعل اللل حرامًا‪ ,‬والرام حلل والوعد وعيدًا‪ ,‬والوعيد وعدًا‪ ,‬وأن تُسْقط ما فيه مِن‬
‫عيب آلتنا وتسفيه أحلمنا‪ ,‬قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬إن ذلك ليس إلّ‪ ,‬وإنا أتبع ف كل ما آمركم به‬
‫وأناكم عنه ما ينله عليّ رب ويأمرن به‪ ,‬إن أخشى من ال ‪-‬إن خالفت أمره‪ -‬عذاب يوم عظيم وهو‬
‫يوم القيامة‪.‬‬

‫قُلْ َل ْو شَاءَ اللّ ُه مَا تََل ْوتُهُ عََلْيكُ ْم وَل أَدْرَاكُ ْم بِهِ َفقَدْ َلِبثْتُ فِيكُ ْم عُمُرا مِنْ َقبْلِهِ أَفَل َت ْعقِلُونَ (‪)16‬‬

‫قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬لو شاء ال ما تلوت هذا القرآن عليكم‪ ,‬ول أعلمكم ال به‪ ,‬فاعلموا أنه الق‬
‫من ال‪ ,‬فإنكم تعلمون أنن مكثت فيكم زمنًا طويل من قبل أن يوحيه إلّ رب‪ ,‬ومن قبل أن أتلوه‬
‫عليكم‪ ,‬أفل تستعملون عقولكم بالتدبر والتفكر؟‬

‫ج ِرمُونَ (‪)17‬‬
‫ب بِآيَاتِهِ ِإنّ ُه ل ُيفْلِ ُح الْمُ ْ‬
‫فَمَنْ َأظْلَ ُم ِممّ ْن ا ْفتَرَى عَلَى اللّهِ َكذِبا َأوْ كَذّ َ‬

‫‪354‬‬
‫ل أحد أشد ظلمًا من اختلق على ال الكذب أو كذّب بآياته إنه ل ينجح مَن كذّب أنبياء ال ورسله‪,‬‬
‫ول ينالون الفلح‪.‬‬

‫َوَيعْبُدُو َن مِنْ دُونِ اللّ ِه مَا ل َيضُ ّرهُ ْم وَل َينْ َف ُعهُمْ َوَيقُولُونَ َهؤُل ِء ُشفَعَا ُؤنَا ِعنْدَ اللّهِ ُقلْ َأتَُنّبئُونَ اللّهَ بِمَا ل‬
‫ض ُسبْحَانَ ُه َوتَعَالَى عَمّا يُشْرِكُونَ (‪)18‬‬ ‫ت وَل فِي الَ ْر ِ‬ ‫َيعْلَمُ فِي السّ َموَا ِ‬

‫ويعبد هؤلء الشركون من دون ال ما ل يضرهم شيئًا‪ ,‬ول ينفعهم ف الدنيا والخرة‪ ,‬ويقولون‪ :‬إنا‬
‫نعبدهم ليشفعوا لنا عند ال‪ ,‬قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬أتبون ال تعال بشيء ل يعلمه مِن أمر هؤلء‬
‫الشفعاء ف السموات أو ف الرض؟ فإنه لو كان فيهما شفعاء يشفعون لكم عنده لكان أعلم بم منكم‪,‬‬
‫فال تعال منّه عما يفعله هؤلء الشركون من إشراكهم ف عبادته ما ل يضر ول ينفع‪.‬‬

‫ختَِلفُو نَ (‬
‫ت مِ نْ َربّ كَ َل ُقضِ َي َبْينَهُ مْ فِيمَا فِي ِه يَ ْ‬
‫َومَا كَا َن النّا سُ إِلّ ُأ ّمةً وَا ِح َدةً فَا ْختََلفُوا وََلوْل كَلِ َمةٌ َسَبقَ ْ‬
‫‪)19‬‬

‫كان الناس على دين واحد وهو السلم‪ ,‬ث اختلفوا بعد ذلك‪ ,‬فكفر بعضهم‪ ,‬وثبت بعضهم على الق‪.‬‬
‫ولول كلمة سبقت من ال بإمهال العاصي وعدم معاجلتهم بذنوبم ل ُقضِ َي بينهم‪ :‬بأن ُيهْلك أهل الباطل‬
‫منهم‪ ,‬وينجي أهل الق‪.‬‬

‫َوَيقُولُونَ َلوْل ُأنْزِ َل عََليْ ِه آَيةٌ مِنْ َربّهِ َفقُلْ ِإنّمَا الْ َغْيبُ لِلّهِ فَانْتَ ِظرُوا ِإنّي َم َعكُ ْم مِ ْن الْ ُمْنتَظِرِينَ (‪)20‬‬

‫ويقول هؤلء الكفرة العاندون‪ :‬هلّ أُنزل على ممد علم ودليل‪ ,‬وآية حسية من ربه نعلم با أنه على‬
‫حق فيما يقول‪ ,‬فقل لم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬ل يعلم الغيب أحد إل ال‪ ,‬فإن شاء فعل وإن شاء ل يفعل‪,‬‬
‫فانتظروا ‪-‬أيها القوم‪ -‬قضاء ال بيننا وبينكم بتعجيل عقوبته للمبطل منا‪ ,‬ونصرة صاحب الق‪ ,‬إن‬
‫منتظر ذلك‪.‬‬

‫ع َمكْرا إِنّ رُ سَُلنَا‬


‫سْتهُمْ إِذَا َلهُ ْم َمكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلْ اللّ هُ أَ سْ َر ُ‬
‫َوإِذَا أَذَقْنَا النّا سَ َرحْ َم ًة مِ ْن َبعْدِ ضَرّا َء مَ ّ‬
‫يَ ْكُتبُو َن مَا تَ ْمكُرُونَ (‪)21‬‬

‫‪355‬‬
‫وإذا أذقنا الشركي يسرًا وفرجًا ورخاءً بعد عسر وشدة وكرب أصابم‪ ,‬إذا هم يكذّبون‪ ,‬ويستهزئون‬
‫بآيات ال‪ ,‬قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي الستهزئي‪ :‬ال أسرع مكرًا واستدراجًا وعقوبة لكم‪ .‬إن‬
‫َحفَ َظتَنا الذين نرسلهم إليكم يكتبون عليكم ما تكرون ف آياتنا‪ ,‬ث ناسبكم على ذلك‪.‬‬

‫ك َوجَ َريْ َن ِبهِ ْم بِرِي ٍح طَّيَب ٍة وَفَرِحُوا ِبهَا جَا َءْتهَا‬


‫حرِ َحتّى إِذَا ُكْنتُ مْ فِي اْلفُلْ ِ‬
‫سيّرُكُمْ فِي اْلبَ ّر وَالْبَ ْ‬
‫ُهوَ الّذِي يُ َ‬
‫ط ِبهِ مْ َد َعوْا اللّ َه ُمخْلِ صِيَ لَ هُ الدّي نَ َلئِ نْ‬ ‫ف وَجَا َءهُ ْم الْ َموْ جُ مِ نْ كُ ّل َمكَا ٍن َوظَنّوا َأّنهُ مْ أُحِي َ‬ ‫رِي ٌح عَا صِ ٌ‬
‫جيَْتنَا مِ ْن هَ ِذهِ َلَنكُونَنّ مِنْ الشّاكِرِينَ (‪)22‬‬ ‫َأنْ َ‬

‫سفُن‪ ,‬حت إذا كنتم فيها‬


‫هو الذي يسيّركم ‪-‬أيها الناس‪ -‬ف الب على الدواب وغيها‪ ,‬وف البحر ف ال ّ‬
‫وجرت بريح طيبة‪ ,‬وفرح ركاب السفن بالريح الطيبة‪ ,‬جاءت هذه السفنَ ري ٌح شديدة‪ ,‬وجاء الركابَ‬
‫ج (وهو ما ارتفع من الاء) من كل مكان‪ ,‬وأيقنوا أن اللك قد أحاط بم‪ ,‬أخلصوا الدعاء ل‬ ‫الو ُ‬
‫وحده‪ ,‬وتركوا ما كانوا يعبدون‪ ,‬وقالوا‪ :‬لئن أنيتنا من هذه الشدة الت نن فيها لنكونن من الشاكرين‬
‫لك على ِنعَمك‪.‬‬

‫حيَاةِ‬
‫ع الْ َ‬
‫فََلمّا َأنْجَاهُ مْ إِذَا هُ ْم َيْبغُو نَ فِي الَرْ ضِ ِب َغيْ ِر الْحَقّ يَا َأّيهَا النّا سُ ِإنّمَا َب ْغيُكُ ْم عَلَى أَْنفُ سِكُ ْم َمتَا َ‬
‫ال ّدنْيَا ثُمّ إَِلْينَا َمرْ ِج ُعكُمْ َفنَُنّبئُكُ ْم بِمَا ُكْنتُ ْم َتعْمَلُونَ (‪)23‬‬

‫فلما أناهم ال من الشدائد والهوال إذا هم يعملون ف الرض بالفساد وبالعاصي‪ .‬يا أيها الناس إنا‬
‫وَبا ُل بغيكم راجع على أنفسكم‪ ,‬لكم متاع ف الياة الدنيا الزائلة‪ ,‬ث إلينا مصيكم ومرجعكم‪,‬‬
‫فنخبكم بميع أعمالكم‪ ,‬وناسبكم عليها‪.‬‬

‫ت الَرْ ضِ مِمّا يَأْكُ ُل النّا سُ وَا َلنْعَا مُ َحتّى‬ ‫حيَاةِ ال ّدْنيَا كَمَاءٍ أَنْزَْلنَا ُه مِ ْن ال سّمَاءِ فَا ْختَلَ طَ بِ هِ َنبَا ُ‬
‫ِإنّمَا َمثَلُ الْ َ‬
‫جعَ ْلنَاهَا‬
‫ت الَرْ ضُ زُ ْخرَُفهَا وَا ّزيّنَ تْ َوظَنّ َأهُْلهَا َأّنهُ مْ قَادِرُو َن عََلْيهَا َأتَاهَا َأمْ ُرنَا َلْيلً َأوْ َنهَارا َف َ‬ ‫إِذَا أَخَذَ ْ‬
‫ك ُن َفصّ ُل اليَاتِ ِل َق ْومٍ َيَتفَكّرُونَ (‪)24‬‬ ‫َحصِيدا َكأَنْ لَ ْم َتغْ َن بِا َل ْمسِ كَذَلِ َ‬

‫إنا مثل الياة الدنيا وما تتفاخرون به فيها من زينة وأموال‪ ,‬كمثل مطر أنزلناه من السماء إل الرض‪,‬‬
‫فنبتت به أنواع من النبات متلط بعضها ببعض ما يقتات به الناس من الثمار‪ ,‬وما تأكله اليوانات من‬

‫‪356‬‬
‫النبات‪ ,‬حت إذا ظهر حُسْ ُن هذه الرض وباؤها‪ ,‬وظن أهل هذه الرض أنم قادرون على حصادها‬
‫والنتفاع با‪ ,‬جاءها أمرنا وقضاؤنا بلك ما عليها من النبات‪ ,‬والزينة إما ليل وإما نارًا‪ ,‬فجعلنا هذه‬
‫النباتات والشجار مصودة مقطوعة ل شيء فيها‪ ,‬كأن ل تكن تلك الزروع والنباتات قائمة قبل ذلك‬
‫على وجه الرض‪ ,‬فكذلك يأت الفناء على ما تتباهَون به من دنياكم وزخارفها فيفنيها ال ويهلكها‪.‬‬
‫وكما بيّنا لكم ‪-‬أيها الناس‪َ -‬مثَلَ هذه الدنيا وعرّفناكم بقيقتها‪ ,‬نبيّن حججنا وأدلتنا لقوم يتفكرون ف‬
‫آيات ال‪ ,‬ويتدبرون ما ينفعهم ف الدنيا والخرة‪.‬‬

‫صرَاطٍ مُسَْتقِيمٍ (‪)25‬‬


‫وَاللّ ُه يَ ْدعُو إِلَى دَارِ السّل ِم َوَيهْدِي مَ ْن يَشَاءُ إِلَى ِ‬

‫وال يدعوكم إل جناته الت أعدها لوليائه‪ ,‬ويهدي مَن يشاء مِن َخلْقه‪ ,‬فيوفقه لصابة الطريق الستقيم‪,‬‬
‫وهو السلم‪.‬‬

‫جّن ِة هُ مْ فِيهَا خَالِدُو نَ‬


‫ب الْ َ‬
‫سنَى وَ ِزيَا َدةٌ وَل يَ ْرهَ ُق وُجُو َههُ مْ َقتَ ٌر وَل ذِّلةٌ ُأوْلَئِ كَ أَ صْحَا ُ‬
‫سنُوا الْحُ ْ‬
‫لِلّذِي نَ أَحْ َ‬
‫(‪)26‬‬

‫للمؤمني الذين أحسنوا عبادة ال فأطاعوه فيما أمر ونى‪ ,‬النةُ‪ ,‬وزيادة عليها‪ ,‬وهي النظر إل وجه ال‬
‫تعال ف النة‪ ,‬والغفرةُ والرضوان‪ ,‬ول يغشى وجوههم غبار ول ذلة‪ ,‬كما يلحق أهل النار‪ .‬هؤلء‬
‫التصفون بذه الصفات هم أصحاب النة ماكثون فيها أبدًا‪.‬‬

‫شيَ تْ‬
‫سيّئَاتِ َجزَاءُ َسّيئَ ٍة بِ ِمثْلِهَا َوتَ ْرهَ ُقهُ مْ ذِّل ٌة مَا َلهُ ْم مِ نْ اللّ ِه مِ ْن عَا صِمٍ كََأنّمَا أُغْ ِ‬
‫سبُوا ال ّ‬
‫وَالّذِي نَ كَ َ‬
‫ب النّا ِر هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (‪)27‬‬ ‫وُجُو ُههُمْ قِطَعا مِنْ الّليْ ِل مُظْلِما ُأوَْلئِكَ أَصْحَا ُ‬

‫والذين عملوا السيئات ف الدنيا فكفروا وعصَوا ال لم جزاء أعمالم السيئة الت عملوها بثلها من‬
‫عقاب ال ف الخرة‪ ,‬وتغشاهم ذلّة وهوان‪ ,‬وليس لم مِن عذاب ال مِن مانع ينعهم إذا عاقبهم‪ ,‬كأنا‬
‫أُلبست وجوههم طائفة من سواد الليل الظلم‪ .‬هؤلء هم أهل النار ماكثون فيها أبدًا‪.‬‬

‫َوَيوْ مَ َنحْشُ ُرهُ مْ جَمِيعا ثُمّ َنقُولُ لِلّذِي نَ َأشْرَكُوا َمكَاَنكُ مْ َأْنتُ ْم َوشُرَكَاؤُكُ مْ فَ َزيّ ْلنَا بَْيَنهُ ْم وَقَالَ شُرَكَا ُؤهُ مْ‬

‫‪357‬‬
‫مَا ُكنْتُمْ ِإيّانَا تَ ْعبُدُونَ (‪)28‬‬

‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬يوم نشر اللق جيعا للحساب والزاء‪ ,‬ث نقول للذين أشركوا بال‪ :‬الزموا‬
‫مكانكم أنتم وشركاؤكم الذين كنتم تعبدونم من دون ال حت تنظروا ما ُيفْعل بكم‪َ ,‬ففَرّقْنا بي‬
‫الشركي ومعبوديهم‪ ,‬وتبّأ مَن ُعبِدُوا مِن دون ال من كانوا يعبدونم‪ ,‬وقالوا للمشركي‪ :‬ما كنتم إيانا‬
‫تعبدون ف الدنيا‪.‬‬

‫َف َكفَى بِاللّ ِه َشهِيدا بَْيَننَا َوَبْينَكُمْ ِإنْ ُكنّا عَ ْن ِعبَا َدِتكُمْ َلغَافِلِيَ (‪)29‬‬

‫فكفى بال شهيدًا بيننا وبينكم‪ ,‬إننا ل نكن نعلم ما كنتم تقولون وتفعلون‪ ,‬ولقد كنّا عن عبادتكم إيانا‬
‫غافلي‪ ,‬ل نشعر با‪.‬‬

‫ح ّق وَضَ ّل َعْنهُمْ مَا كَانُوا يَ ْفتَرُونَ (‪)30‬‬


‫ت وَرُدّوا إِلَى اللّ ِه َموْلهُمْ الْ َ‬
‫ُهنَالِكَ َتبْلُو كُ ّل َن ْفسٍ مَا َأسَْل َف ْ‬

‫ف ذلك الوقف للحساب تتفقد كل نفس أحوالا وأعمالا الت سلفت وتعاينها‪ ,‬وتازى بسبها‪ :‬إن‬
‫خيًا فخي‪ ,‬وإن شرًا فشر‪ ,‬ورُدّ الميع إل ال الكم العدل‪ ,‬فأُدخِلَ أهل النةِ النةَ وأهل النار النار‪,‬‬
‫وذهب عن الشركي ما كانوا يعبدون من دون ال افتراء عليه‪.‬‬

‫ت َويُخْ ِر جُ‬
‫حيّ مِ نْ الْ َميّ ِ‬
‫ج الْ َ‬
‫ك ال سّ ْم َع وَا َلبْ صَا َر َومَ نْ يُخْ ِر ُ‬
‫قُ ْل مَ ْن يَ ْرزُُقكُ ْم مِ ْن ال سّمَا ِء وَالَرْ ضِ َأمّ ْن يَمْلِ ُ‬
‫سيَقُولُونَ اللّهُ َفقُلْ أَفَل َتتّقُونَ (‪)31‬‬ ‫ح ّي َومَنْ يُ َدبّ ُر الَمْرَ فَ َ‬
‫ت مِ ْن الْ َ‬
‫الْ َميّ َ‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬مَن يرزقكم من السماء‪ ,‬با يُنله من الطر‪ ,‬ومن الرض با ينبته‬
‫فيها من أنواع النبات والشجر تأكلون منه أنتم وأنعامكم؟ ومَن يلك ما تتمتعون به أنتم وغيكم من‬
‫حواسّ السمع والبصار؟ ومن ذا الذي يلك الياة والوت ف الكون كلّه‪ ,‬فيخرج الحياء والموات‬
‫بعضها من بعض فيما تعرفون من الخلوقات‪ ,‬وفيما ل تعرفون؟ ومَن يدبّر أمر السماء والرض وما‬
‫فيهن‪ ,‬وأمركم وأمر الليقة جيعًا؟ فسوف ييبونك بأن الذي يفعل ذلك كله هو ال‪ ,‬فقل لم‪ :‬أفل‬
‫تافون عقاب ال إن عبدت معه غيه؟‬

‫‪358‬‬
‫فَذَِلكُمْ اللّهُ َرّبكُ ْم الْحَقّ َفمَاذَا َبعْ َد الْحَقّ إِ ّل الضّللُ َفَأنّا ُتصْرَفُونَ (‪)32‬‬

‫فذلكم ال ربكم هو الق الذي ل ريب فيه‪ ,‬الستَحِق للعبادة وحده ل شريك له‪ ,‬فأي شيء سوى الق‬
‫إل الضلل؟‪ ,‬فكيف تُصْرَفون عن عبادته إل عبادة ما سواه؟‬

‫سقُوا َأّنهُ ْم ل ُيؤْ ِمنُونَ (‪)33‬‬


‫كَذَلِكَ َح ّقتْ كَلِ َمةُ َربّكَ عَلَى الّذِينَ فَ َ‬

‫كما كفر هؤلء الشركون واستمرّوا على شركهم‪ ,‬حقت كلمة ربك وحكمه وقضاؤه على الذين‬
‫خرجوا عن طاعة ربم إل معصيته وكفروا به أنّهم ل يصدقون بوحدانية ال‪ ,‬ول بنبوة نبيّه ممد صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ,‬ول يعملون بديه‪.‬‬

‫خلْ َق ثُ ّم ُيعِي ُدهُ َفَأنّا ُتؤْفَكُونَ (‪)34‬‬


‫قُ ْل هَ ْل مِ ْن شُرَكَاِئكُ ْم مَ ْن َيبْ َدأُ الْخَلْ َق ثُ ّم ُيعِي ُدهُ ُقلْ اللّ ُه َيبْ َدأُ الْ َ‬

‫قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬هل من آلتكم ومعبوداتكم مَن يبدأ َخلْق أي شيء من غي أصل‪ ,‬ث يفنيه بعد‬
‫إنشائه‪ ,‬ث يعيده كهيئته قبل أن يفنيه؟ فإنم ل يقدرون على دعوى ذلك‪ ,‬قل ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬ال تعال‬
‫وحده هو الذي ينشئ اللق ث يفنيه ث يعيده‪ ,‬فكيف تنصرفون عن طريق الق إل الباطل‪ ,‬وهو عبادة‬
‫غي ال؟‬

‫حقّ قُلْ اللّ ُه َيهْدِي لِ ْلحَقّ أَفَ َم ْن َيهْدِي إِلَى الْحَقّ أَ َحقّ أَ ْن ُيّتبَعَ َأمّنْ‬
‫قُ ْل هَ ْل مِ ْن شُرَكَاِئكُ ْم مَ ْن َيهْدِي إِلَى الْ َ‬
‫حكُمُونَ (‪)35‬‬ ‫ف تَ ْ‬‫ل َيهِدّي إِلّ َأ ْن ُيهْدَى فَمَا َلكُمْ َكيْ َ‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬هل مِن شركائكم مَن يرشد إل الطريق الستقيم؟ فإنم ل يقدرون‬
‫على ذلك‪ ,‬قل لم‪ :‬ال وحده يهدي الضال عن الدى إل الق‪ .‬أيهما أحق بالتباع‪ :‬مَن يهدي وحده‬
‫للحق أم من ل يهتدي لعدم علمه ولضلله‪ ,‬وهي شركاؤكم الت ل تَهدي ول تَهتدي إل أن تُهدَى؟‬
‫فما بالكم كيف سوّيتم بي ال وخلقه؟ وهذا حكم باطل‪.‬‬

‫َومَا يَّتبِعُ أَ ْكثَ ُرهُمْ إِلّ َظنّا إِنّ الظّ ّن ل ُي ْغنِي مِ ْن الْحَ ّق َشيْئا ِإنّ اللّ َه عَلِي ٌم بِمَا َي ْفعَلُونَ (‪)36‬‬
‫‪359‬‬
‫وما يتبع أكثر هؤلء الشركي ف جعلهم الصنام آلة واعتقادهم بأنا تقرّب إل ال إل ترصًا وظنًا‪,‬‬
‫وهو ل يغن من اليقي شيئًا‪ .‬إن ال عليم با يفعل هؤلء الشركون من الكفر والتكذيب‪.‬‬

‫َومَا كَا َن هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ ُي ْفتَرَى مِنْ دُونِ اللّ ِه وََلكِ ْن تَصْدِي َق الّذِي َبيْ َن يَ َديْ ِه َوتَفْصِي َل الْ ِكتَابِ ل َريْبَ فِيهِ‬
‫ب اْلعَالَمِيَ (‪)37‬‬ ‫مِنْ رَ ّ‬

‫وما كان يتهيّأ لحد أن يأت بذا القرآن مِن عند غي ال‪ ,‬لنه ل يقدر على ذلك أحد من اللق‪ ,‬ولكن‬
‫ال أنزله مصدّقا للكتب الت أنزلا على أنبيائه; لن دين ال واحد‪ ,‬وف هذا القرآن بيان وتفصيل لا‬
‫شرعه ال لمة ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬ل شك ف أن هذا القرآن موحىً من رب العالي‪.‬‬

‫َأمْ َيقُولُو َن ا ْفتَرَاهُ قُلْ َف ْأتُوا بِسُو َرةٍ ِمثْلِ ِه وَا ْدعُوا مَ ْن ا ْستَ َط ْعتُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ إِنْ ُكْنتُمْ صَادِِقيَ (‪)38‬‬

‫بل أيقولون‪ :‬إن هذا القرآن افتراه ممد من عند نفسه؟ فإنم يعلمون أنه بشر مثلهم!! قل لم ‪-‬أيها‬
‫الرسول‪ :-‬فأتوا أنتم بسورة واحدة من جنس هذا القرآن ف نظمه وهدايته‪ ,‬واستعينوا على ذلك بكل‬
‫مَن قَدَرْت عليه من دون ال من إنس وجن‪ ,‬إن كنتم صادقي ف دعواكم‪.‬‬

‫بَلْ كَ ّذبُوا بِمَا َل ْم يُحِيطُوا ِبعِلْمِ ِه وََلمّا يَ ْأِتهِ ْم َتأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذّبَ الّذِينَ مِنْ َقْبِلهِمْ فَانْظُرْ َكيْفَ كَا َن عَاقَِبةُ‬
‫الظّالِمِيَ (‪)39‬‬

‫بل سارَعوا إل التكذيب بالقرآن أول ما سعوه‪ ,‬قبل أن يتدبروا آياته‪ ,‬وكفروا با ل ييطوا بعلمه من‬
‫ذكر البعث والزاء والنة والنار وغي ذلك‪ ,‬ول يأتم بع ُد حقيقة ما ُوعِدوا به ف الكتاب‪ .‬وكما كذّب‬
‫الشركون بوعيد ال كذّبت المم الت خلت قبلهم‪ ,‬فانظر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كيف كانت عاقبة الظالي؟‬
‫فقد أهلك ال بعضهم بالسف‪ ,‬وبعضهم بالغرق‪ ,‬وبعضهم بغي ذلك‪.‬‬

‫َو ِمنْهُ ْم مَ ْن ُي ْؤمِ ُن بِ ِه َومِْنهُ ْم مَ ْن ل ُي ْؤمِ ُن بِهِ وَ َربّكَ َأعْلَمُ بِالْ ُمفْسِدِينَ (‪)40‬‬

‫‪360‬‬
‫ومِن قومك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬مَن يصدّق بالقرآن‪ ,‬ومنهم من ل يصدّق به حت يوت على ذلك ويبعث‬
‫عليه‪ ,‬وربك أعلم بالفسدين الذين ل يؤمنون به على وجه الظلم والعناد والفساد‪ ,‬فيجازيهم على‬
‫فسادهم بأشد العذاب‪.‬‬

‫َوإِنْ كَ ّذبُوكَ َفقُلْ لِي عَمَلِي وََلكُ ْم عَمَُلكُمْ َأْنتُمْ بَرِيئُونَ ِممّا َأعْمَ ُل َوأَنَا بَرِي ٌء ِممّا َتعْمَلُونَ (‪)41‬‬

‫وإن كذّبك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء الشركون فقل لم‪ :‬ل دين وعملي‪ ,‬ولكم دينكم وعملكم‪ ,‬فأنتم ل‬
‫تؤاخَذون بعملي‪ ,‬وأنا ل أؤاخَذ بعملكم‪.‬‬

‫ستَ ِمعُونَ إَِليْكَ أَفََأْنتَ تُسْ ِم ُع الصّ ّم وََلوْ كَانُوا ل َي ْعقِلُونَ (‪)42‬‬
‫َو ِمنْهُ ْم مَ ْن يَ ْ‬

‫ومِ َن الكفار مَن يسمعون كلمك الق‪ ,‬وتلوتك القرآن‪ ,‬ولكنهم ل يهتدون‪ .‬أفأنت َتقْدر على إساع‬
‫الصم؟ فكذلك ل تقدر على هداية هؤلء إل أن يشاء ال هدايتهم; لنم صمّ عن ساع الق‪ ,‬ل‬
‫يعقلونه‪.‬‬

‫ت َتهْدِي الْعُ ْم َي وََلوْ كَانُوا ل يُْبصِرُونَ (‪)43‬‬


‫َو ِمنْهُ ْم مَ ْن َينْظُرُ إِلَيْكَ أََفأَْن َ‬

‫ومِ َن الكفار مَن ينظر إليك وإل أدلة نبوتك الصادقة‪ ,‬ولكنه ل يبصر ما آتاك ال من نور اليان‪ ,‬أفأنت‬
‫‪-‬أيها الرسول‪ -‬تقدر على أن تلق للعمي أبصارًا يهتدون با؟ فكذلك ل تقدر على هدايتهم إذا كانوا‬
‫فاقدي البصية‪ ,‬وإنا ذلك كلّه ل وحده‪.‬‬

‫سهُ ْم يَظْلِمُونَ (‪)44‬‬


‫س َشيْئا وََلكِ ّن النّاسَ َأْنفُ َ‬
‫ِإنّ اللّ َه ل يَظِْل ُم النّا َ‬

‫إن ال ل يظلم الناس شيئًا بزيادة ف سيئاتم أو نقص من حسناتم‪ ,‬ولكن الناس هم الذين يظلمون‬
‫أنفسهم بالكفر والعصية ومالفة أمر ال ونيه‪.‬‬

‫َوَيوْ مَ َيحْشُ ُرهُ مْ َكأَ نْ لَ ْم يَ ْلَبثُوا إِلّ سَا َعةً مِ ْن الّنهَارِ َيَتعَارَفُو َن َبيَْنهُ مْ قَدْ خَ سِ َر الّذِي نَ كَ ّذبُوا بِِلقَاءِ اللّ هِ َومَا‬

‫‪361‬‬
‫كَانُوا ُم ْهتَدِينَ (‪)45‬‬

‫ويوم يَحشر ال هؤلء الشركي يوم البعث والساب‪ ,‬كأنم قبل ذلك ل يكثوا ف الياة الدنيا إل قدر‬
‫ساعة من النهار‪ ,‬يعرف بعضهم بعضًا كحالم ف الدنيا‪ ,‬ث انقطعت تلك العرفة وانقضت تلك الساعة‪.‬‬
‫قد خسر الذين كفروا وكذّبوا بلقاء ال وثوابه وعقابه‪ ,‬وما كانوا موفّقي لصابة الرشد فيما فعلوا‪.‬‬

‫ض الّذِي َنعِ ُدهُمْ َأوْ َنَتوَّفيَنّكَ فَإَِلْينَا مَرْ ِج ُعهُ ْم ثُمّ اللّ ُه َشهِي ٌد عَلَى مَا َي ْفعَلُونَ (‪)46‬‬
‫ك َبعْ َ‬
‫َوِإمّا نُ ِرَينّ َ‬

‫وإمّا نرينّك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ف حياتك بعض الذي َنعِدُهم من العقاب ف الدنيا‪ ,‬أو نتوفينك قبل أن‬
‫نريك ذلك فيهم‪ ,‬فإلينا وحدنا يرجع أمرهم ف الالتي‪ ,‬ث ال شهيد على أفعالم الت كانوا يفعلونا ف‬
‫الدنيا‪ ,‬ل يفى عليه شيء منها‪ ,‬فيجازيهم با جزاءهم الذي يستحقونه‪.‬‬

‫ط َوهُ ْم ل يُظْلَمُونَ (‪)47‬‬


‫ضيَ َبْيَنهُمْ بِاْلقِسْ ِ‬
‫وَِلكُلّ ُأ ّمةٍ َرسُولٌ فَِإذَا جَاءَ َرسُوُلهُمْ ُق ِ‬

‫ولكل أمة َخَلتْ قبلكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬رسول أرسلتُه إليهم‪ ,‬كما أرسلت ممدًا إليكم يدعو إل دين ال‬
‫ضيَ حينئذ بينهم بالعدل‪ ,‬وهم ل يُظلمون مِن جزاء أعمالم شيئًا‪.‬‬
‫وطاعته‪ ,‬فإذا جاء رسولم ف الخرة ُق ِ‬

‫َوَيقُولُونَ َمتَى هَذَا اْلوَعْدُ ِإنْ ُكنْتُمْ صَادِقِيَ (‪)48‬‬

‫ويقول الشركون من قومك ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬مت قيام الساعة إن كنت أنت ومَن تبعك من الصادقي‬
‫فيما َتعِدوننا به؟‬

‫ستَأْ ِخرُونَ سَا َعةً‬


‫ضرّا وَل َنفْعا إِلّ مَا شَاءَ اللّ هُ ِلكُلّ ُأ ّمةٍ َأجَلٌ إِذَا جَاءَ أَ َجُلهُ مْ فَل يَ ْ‬
‫قُلْ ل َأمْلِ كُ ِلَنفْ سِي َ‬
‫سَتقْ ِدمُونَ (‪)49‬‬ ‫وَل يَ ْ‬

‫قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬ل أستطيع أن أدفع عن نفسي ضرًا‪ ,‬ول أجلب لا نفعًا‪ ,‬إل ما شاء ال أن يدفع‬
‫عن مِن ضرّ أو يلب ل من نفع‪ .‬لكل قوم وقت لنقضاء مدتم وأجلهم‪ ,‬إذا جاء وقت انقضاء أجلهم‬
‫وفناء أعمارهم‪ ,‬فل يستأخرون عنه ساعة فيُمْهلون‪ ,‬ول يتقدم أجلهم عن الوقت العلوم‪.‬‬

‫‪362‬‬
‫ج ِرمُونَ (‪)50‬‬
‫قُلْ أَ َرَأْيتُمْ إِنْ َأتَاكُ ْم عَذَابُ ُه َبيَاتا َأ ْو َنهَارا مَاذَا يَسَْتعْجِلُ مِنْ ُه الْمُ ْ‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬أخبون إن أتاكم عذاب ال ليل أو نارًا‪ ,‬فأي شيء تستعجلون‬
‫أيها الجرمون بنول العذاب؟‬

‫سَتعْجِلُونَ (‪)51‬‬
‫َأثُمّ إِذَا مَا وََقعَ آ َمنْتُ ْم بِهِ أَال َن وَقَدْ ُكْنتُمْ بِ ِه تَ ْ‬

‫أبعدما وقع عذاب ال بكم ‪-‬أيها الشركون‪ -‬آمنتم ف وقت ل ينفعكم فيه اليان؟ وقيل لكم حينئذ‪:‬‬
‫آلن تؤمنون به‪ ,‬وقد كنتم من قبل تستعجلون به؟‬

‫ب الْخُلْدِ هَلْ ُتجْ َز ْونَ إِلّ بِمَا ُكْنتُ ْم َتكْسِبُونَ (‪)52‬‬


‫ثُمّ قِيلَ لِلّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَا َ‬

‫ث قيل للذين ظلموا أنفسهم بكفرهم بال‪ :‬ترّعوا عذاب ال الدائم لكم أبدًا‪ ,‬فهل تُعاقَبون إل با كنتم‬
‫تعملون ف حياتكم من معاصي ال؟‬

‫َويَسَْتْنبِئُونَكَ أَحَ ّق ُهوَ ُقلْ إِي وَ َربّي ِإنّهُ لَحَ ّق َومَا َأْنتُ ْم بِ ُمعْجِزِينَ (‪)53‬‬

‫ويستخبك هؤلء الشركون من قومك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عن العذاب يوم القيامة‪ ,‬أحقّ هو؟ قل لم ‪-‬أيها‬
‫الرسول‪ :-‬نعم ورب إنه لق ل شك فيه‪ ,‬وما أنتم بعجزين ال أن يبعثكم ويازيكم‪ ,‬فأنتم ف قبضته‬
‫وسلطانه‪.‬‬

‫س ظَلَمَ تْ مَا فِي الَرْ ضِ ل ْفتَدَ تْ بِ ِه َوأَ سَرّوا النّدَا َمةَ َلمّ ا َرَأوْا اْلعَذَا بَ وَُقضِ يَ َبْيَنهُ مْ‬
‫وََلوْ أَنّ ِلكُ ّل َنفْ ٍ‬
‫بِاْلقِسْطِ َوهُ ْم ل يُظَْلمُونَ (‪)54‬‬

‫ولو أن لكل نفس أشركت وكفرت بال جيع ما ف الرض‪ ,‬وأمكنها أن تعله فداء لا من ذلك العذاب‬
‫لفتدت به‪ ,‬وأخفى الذين ظلموا حسرتم حي أبصروا عذاب ال واقعا بم جيعًا‪ ,‬وقضى ال عز وجل‬
‫بينهم بالعدل‪ ,‬وهم ل يُظلَمون؛ لن ال تعال ل يعاقب أحدا إل بذنبه‪.‬‬

‫‪363‬‬
‫أَل ِإنّ لِلّ ِه مَا فِي السّ َموَاتِ وَالَ ْرضِ أَل ِإنّ َوعْدَ اللّهِ حَ ّق وََلكِنّ أَكْثَ َرهُ ْم ل َيعْلَمُونَ (‪)55‬‬

‫أل إن كل ما ف السموات وما ف الرض ملك ل تعال‪ ,‬ل شيء من ذلك لحد سواه‪ .‬أل إن لقاء ال‬
‫تعال وعذابه للمشركي كائن‪ ,‬ولكن أكثرهم ل يعلمون حقيقة ذلك‪.‬‬

‫ح ِي َويُمِيتُ َوإَِليْهِ تُرْ َجعُونَ (‪)56‬‬


‫ُهوَ يُ ْ‬

‫إن ال هو الحيي والميت ل يتعذّر عليه إحياء الناس بعد موتم‪ ,‬كما ل تعجزه إماتتهم إذا أراد ذلك‪,‬‬
‫وهم إليه راجعون بعد موتم‪.‬‬

‫يَا َأيّهَا النّاسُ َقدْ جَا َءْتكُ ْم َم ْوعِ َظةٌ مِنْ َربّكُ ْم َو ِشفَاءٌ لِمَا فِي الصّدُورِ وَهُدًى َورَحْ َمةٌ ِللْ ُم ْؤ ِمنِيَ (‪)57‬‬

‫يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم تذكّركم عقاب ال وتوفكم وعيده‪ ,‬وهي القرآن وما‬
‫اشتمل عليه من اليات والعظات لصلح أخلقكم وأعمالكم‪ ,‬وفيه دواء لا ف القلوب من الهل‬
‫والشرك وسائر المراض‪ ,‬ورشد لن اتبعه من اللق فينجيه من اللك‪ ,‬جعله سبحانه وتعال نعمة ورحة‬
‫للمؤمني‪ ,‬وخصّهم بذلك; لنم النتفعون باليان‪ ,‬وأما الكافرون فهو عليهم عَمَى‪.‬‬

‫قُ ْل ِب َفضْلِ اللّهِ َوبِرَحْ َمتِهِ َفبِذَلِكَ فَ ْلَيفْ َرحُوا ُهوَ َخيْ ٌر مِمّا َيجْ َمعُونَ (‪)58‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لميع الناس‪ :‬بفضل ال وبرحته‪ ,‬وهو ما جاءهم من ال من الدى ودين الق وهو‬
‫السلم‪ ,‬فبذلك فليفرحوا; فإن السلم الذي دعاهم ال إليه‪ ,‬والقرآن الذي أنزله على ممد صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ,‬خي ما يمعون من حطام الدنيا وما فيها من الزهرة الفانية الذاهبة‪.‬‬

‫جعَ ْلتُ ْم ِمنْ هُ حَرَاما وَحَللً ُقلْ أَاللّ هُ أَذِ نَ َلكُ مْ أَ ْم عَلَى اللّ ِه َت ْفتَرُو نَ (‬
‫قُلْ أَ َرَأْيتُ ْم مَا َأنْ َزلَ اللّ هُ َلكُ ْم مِ نْ ِرزْ قٍ َف َ‬
‫‪)59‬‬

‫‪364‬‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الاحدين للوحي‪ :‬أخبون عن هذا الرزق الذي خلقه ال لكم من اليوان‬
‫والنبات واليات فحلّلتم بعض ذلك لنفسكم وحرّمتم بعضه‪ ,‬قل لم‪ :‬آل أذن لكم بذلك‪ ,‬أم تقولون‬
‫على ال الباطل وتكذبون؟ وإنم ليقولون على ال الباطل ويكذبون‪.‬‬

‫س وََلكِنّ أَ ْكثَ َرهُ مْ ل‬


‫ب َيوْ مَ اْل ِقيَا َمةِ إِنّ اللّ هَ َلذُو َفضْ ٍل عَلَى النّا ِ‬
‫وَمَا ظَنّ الّذِي َن َيفْتَرُو نَ عَلَى اللّ ِه اْلكَذِ َ‬
‫يَشْكُرُونَ (‪)60‬‬

‫وما ظ ّن هؤلء الذين يتخرصون على ال الكذب يوم الساب‪ ,‬فيضيفون إليه تري ما ل يرمه عليهم‬
‫من الرزاق والقوات‪ ,‬أن ال فاعل بم يوم القيامة بكذبم وفِ ْرَيتِهم عليه؟ أيسبون أنه يصفح عنهم‬
‫ويغفر لم؟ إن ال لذو فضل على خلقه; بتركه معاجلة مَن افترى عليه الكذب بالعقوبة ف الدنيا وإمهاله‬
‫إياه‪ ,‬ولكن أكثر الناس ل يشكرون ال على تفضله عليهم بذلك‪.‬‬

‫َومَا َتكُو نُ فِي َشأْ ٍن َومَا َتتْلُوا ِمنْ هُ مِ نْ قُرْآ نٍ وَل َتعْمَلُو نَ مِ ْن عَمَلٍ إِلّ ُكنّا عََلْيكُ ْم ُشهُودا إِ ْذ ُتفِيضُو نَ فِي ِه‬
‫صغَ َر مِ نْ ذَلِ كَ وَل أَ ْكبَرَ إِلّ فِي‬‫ب عَ نْ َربّ كَ مِ ْن ِمْثقَالِ ذَ ّرةٍ فِي الَرْ ضِ وَل فِي ال سّمَاءِ وَل أَ ْ‬ ‫وَمَا َيعْزُ ُ‬
‫ِكتَابٍ ُمبِيٍ (‪)61‬‬

‫وما تكون ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ف أمر مِن أمورك وما تتلو من كتاب ال من آيات‪ ,‬وما يعمل أحد من هذه‬
‫المة عمل من خي أو شر إل كنا عليكم شهودًا مُطّلِعي عليه‪ ,‬إذ تأخذون ف ذلك‪ ,‬وتعملونه‪ ,‬فنحفظه‬
‫عليكم ونزيكم به‪ ,‬وما يغيب عن علم ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من زنة نلة صغية ف الرض ول ف‬
‫السماء‪ ,‬ول أصغر الشياء ول أكبها‪ ,‬إل ف كتاب عند ال واضح جلي‪ ,‬أحاط به علمه وجرى به‬
‫قلمه‪.‬‬

‫ح َزنُونَ (‪)62‬‬
‫ف عََلْيهِ ْم وَل هُ ْم يَ ْ‬
‫أَل ِإنّ َأوْلِيَاءَ اللّهِ ل َخوْ ٌ‬

‫أل إن أولياء ال ل خوف عليهم ف الخرة من عقاب ال‪ ,‬ول هم يزنون على ما فاتم من حظوظ‬
‫الدنيا‪.‬‬

‫‪365‬‬
‫الّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا َيّتقُونَ (‪)63‬‬

‫وصفات هؤلء الولياء‪ ,‬أنم الذين صدّقوا ال واتبعوا رسوله وما جاء به من عند ال‪ ,‬وكانوا يتقون ال‬
‫بامتثال أوامره‪ ,‬واجتناب معاصيه‪.‬‬

‫ك ُهوَ الْ َفوْ ُز اْلعَظِيمُ ( ‪)64‬‬


‫حيَاةِ ال ّدنْيَا وَفِي الخِ َرةِ ل َتبْدِيلَ ِلكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِ َ‬
‫َلهُ ْم اْلبُشْرَى فِي الْ َ‬

‫لؤلء الولياء البشارة من ال ف الياة الدنيا با يسرّهم‪ ,‬وف الخرة بالنة‪ ,‬ل يلف ال وعده ول‬
‫يغيّره‪ ,‬ذلك هو الفوز العظيم; لنه اشتمل على النجاة مِن كل مذور‪ ,‬وال ّظفَر بكل مطلوب مبوب‪.‬‬

‫وَل يَحْ ُزنْكَ َقوُْلهُمْ ِإنّ اْلعِ ّزةَ لِلّهِ َجمِيعا ُهوَ السّمِي ُع الْعَلِيمُ (‪)65‬‬

‫ول يزنك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬قول الشركي ف ربم وافتراؤهم عليه وإشراكهم معه الوثان والصنام; فإن‬
‫ال تعال هو التفرد بالقوة الكاملة والقدرة التامة ف الدنيا والخرة‪ ,‬وهو السميع لقوالم‪ ,‬العليم بأفعالم‬
‫ونياتم‪.‬‬

‫أَل ِإنّ لِلّ ِه مَ نْ فِي ال سّ َموَاتِ َومَ نْ فِي الَرْ ضِ َومَا َيّتبِ عُ الّذِي نَ يَ ْدعُو نَ مِ نْ دُو نِ اللّ ِه ُشرَكَاءَ إِ ْن َيتِّبعُو نَ إِلّ‬
‫الظّ ّن َوإِ ْن هُمْ إِ ّل يَخْرُصُونَ (‪)66‬‬

‫أل إن ل كل مَن ف السموات ومن ف الرض من اللئكة‪ ,‬والنس‪ ,‬والن وغي ذلك‪ .‬وأي شيء يتّبع‬
‫مَن يدعو غي ال من الشركاء؟ ما يتّبعون إل الشك‪ ,‬وإن هم إل يكذبون فيما ينسبونه إل ال‪.‬‬

‫ك ليَاتٍ ِل َقوْ ٍم يَسْ َمعُونَ (‪)67‬‬


‫ُهوَ الّذِي َجعَلَ َلكُمْ الّليْلَ ِلتَسْ ُكنُوا فِي ِه وَالّنهَا َر ُمبْصِرا ِإنّ فِي ذَلِ َ‬

‫هو الذي جعل لكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬الليل لتسكنوا فيه وتدؤوا من عناء الركة ف طلب العاش‪ ,‬وجعل‬
‫لكم النهار; لتبصروا فيه‪ ,‬ولتسعَوْا لطلب رزقكم‪ .‬إن ف اختلف الليل والنهار وحال أهلهما فيهما‬
‫لَدللةً وحججًا على أن ال وحده هو الستحق للعبادة‪ ,‬لقوم يسمعون هذه الجج‪ ,‬ويتفكرون فيها‪.‬‬

‫‪366‬‬
‫ت َومَا فِي الَرْ ضِ إِ ْن ِعنْدَكُ ْم مِ نْ ُسلْطَانٍ ِبهَذَا‬
‫قَالُوا اتّخَذَ اللّ ُه وَلَدا سُبْحَانَهُ ُه َو اْلغَِنيّ لَ ُه مَا فِي ال سّ َموَا ِ‬
‫َأتَقُولُو َن عَلَى اللّ ِه مَا ل تَعَْلمُونَ (‪)68‬‬

‫قال الشركون‪ :‬اتذ ال ولدًا‪ ,‬كقولم‪ :‬اللئكة بنات ال‪ ,‬أو السيح ابن ال‪ .‬تقدّس ال عن ذلك كله‬
‫وتنّه‪ ,‬هو الغن عن كل ما سواه‪ ,‬له كل ما ف السموات والرض‪ ,‬فكيف يكون له ولد من خلق وكل‬
‫شيء ملوك له؟ وليس لديكم دليل على ما تفترونه من الكذب‪ ,‬أتقولون على ال ما ل تعلمون حقيقته‬
‫وصحته؟‬

‫ب ل ُيفِْلحُونَ (‪)69‬‬
‫قُلْ ِإنّ الّذِي َن َي ْفتَرُونَ عَلَى اللّ ِه الْكَذِ َ‬

‫قل‪ :‬إن الذين يفترون على ال الكذب باتاذ الولد وإضافة الشريك إليه‪ ,‬ل ينالون مطلوبم ف الدنيا ول‬
‫ف الخرة‪.‬‬

‫َمتَاعٌ فِي ال ّدنْيَا ثُمّ إَِلْينَا َمرْ ِج ُعهُ ْم ثُ ّم نُذِي ُقهُ ْم الْعَذَابَ الشّدِي َد بِمَا كَانُوا َي ْكفُرُونَ (‪)70‬‬

‫إنا يتمتعون ف الدنيا بكفرهم وكذبم متاعًا قصيًا‪ ,‬ث إذا انقضى أجلهم فإلينا مصيهم‪ ,‬ث نذيقهم‬
‫عذاب جهنم بسبب كفرهم بال وتكذيبهم رسل ال‪ ,‬وجحدهم آياته‪.‬‬

‫وَاتْ ُل عََلْيهِ ْم َنَبأَ نُو حٍ إِذْ قَالَ ِل َق ْومِ هِ يَا َقوْ مِ إِ نْ كَا نَ َكبُ َر عََليْكُ ْم َمقَامِي َوتَذْكِيِي بِآيَا تِ اللّ هِ َفعَلَى اللّ هِ‬
‫َتوَكّ ْلتُ َفأَجْ ِمعُوا َأمْرَكُ ْم َوشُرَكَاءَكُ ْم ثُ ّم ل َيكُنْ َأمْرُكُ ْم عََلْيكُ ْم غُ ّمةً ثُ ّم اقْضُوا إَِل ّي وَل ُتنْ ِظرُونِ (‪)71‬‬

‫واقصص ‪-‬أيها الرسول‪ -‬على كفار "مكة" خب نوح ‪-‬عليه السلم‪ -‬مع قومه حي قال لم‪ :‬إن كان‬
‫عَظُ َم عليكم مقامي فيكم وتذكيي إياكم بجج ال وبراهينه فعلى ال اعتمادي وبه ثقت‪ ,‬فأعدّوا‬
‫أمركم‪ ,‬وادعوا شركاءكم‪ ,‬ث ل تعلوا أمركم عليكم مستترًا بل ظاهرًا منكشفًا‪ ,‬ث اقضوا عليّ بالعقوبة‬
‫والسوء الذي ف إمكانكم‪ ,‬ول تهلون ساعة من نار‪.‬‬

‫فَِإنْ َتوَّلْيتُمْ فَمَا َسأَْلتُكُ ْم مِنْ أَ ْجرٍ ِإنْ أَ ْجرِي إِ ّل عَلَى اللّ ِه َوُأمِرْتُ َأنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْلِ ِميَ (‪)72‬‬

‫‪367‬‬
‫فإن أعرضتم عن دعوت فإنن ل أسألكم أجرًا; لن ثواب عند رب وأجري عليه سبحانه‪ ,‬وحده ل‬
‫شريك له‪ ,‬وأمرت أن أكون من النقادين لكمه‪.‬‬

‫ف َوَأغْرَ ْقنَا الّذِي نَ َك ّذبُوا بِآيَاِتنَا فَانْ ُظرْ َكيْ فَ كَا نَ‬
‫ك وَ َجعَ ْلنَاهُ مْ خَلئِ َ‬
‫جيْنَا هُ َومَ نْ َمعَ هُ فِي اْلفُلْ ِ‬
‫َفكَ ّذبُو هُ َفَن ّ‬
‫عَاِقبَ ُة الْ ُمنْذَرِينَ (‪)73‬‬

‫فكذب نوحًا قومُه فيما أخبهم به عن ال‪ ,‬فنجّيناه هو ومن معه ف السفينة‪ ,‬وجعلناهم يَخْلُفون‬
‫الكذبي ف الرض‪ ,‬وأغرقنا الذين جحدوا حججنا‪ ,‬فتأمل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كيف كان عاقبة القوم الذين‬
‫أنذرهم رسولم عذاب ال وبأسه؟‬

‫ثُمّ َبعَْثنَا مِ ْن َبعْدِ هِ رُ ُسلً إِلَى َق ْو ِمهِ مْ َفجَاءُوهُ ْم بِاْلبَّينَا تِ فَمَا كَانُوا ِلُي ْؤمِنُوا بِمَا كَ ّذبُوا بِ ِه مِ نْ َقبْلُ كَذَلِ كَ‬
‫ب الْ ُمعْتَدِينَ (‪)74‬‬ ‫نَ ْطبَ ُع عَلَى ُقلُو ِ‬

‫ث بعثنا من بعد نوح رسل إل أقوامهم (هودًا وصالًا وإبراهيم ولوطًا وشعيبًا وغيَهم) فجاء كل رسول‬
‫قومه بالعجزات الدالة على رسالته‪ ,‬وعلى صحة ما دعاهم إليه‪ ,‬فما كانوا ليصدّقوا ويعملوا با كذّب به‬
‫قوم نوح ومَن سبقهم من المم الالية‪ .‬وكما ختم ال على قلوب هؤلء القوام فلم يؤمنوا‪ ,‬كذلك‬
‫يتم على قلوب مَن شابهم من بعدهم من الذين تاوزوا حدود ال‪ ,‬وخالفوا ما دعاهم إليه رسلهم من‬
‫طاعته عقوبة لم على معاصيهم‪.‬‬

‫ثُ ّم َبعَْثنَا مِ ْن َبعْ ِدهِ ْم مُوسَى َوهَارُونَ إِلَى ِف ْر َعوْ َن َومََلئِهِ بِآيَاِتنَا فَا ْسَت ْكبَرُوا وَكَانُوا َقوْما مُجْ ِر ِميَ (‪)75‬‬

‫ث بعثنا مِن بعد أولئك الرسل موسى وهارون عليهما السلم إل فرعون وأشراف قومه بالعجزات الدالة‬
‫على صدقهما‪ ,‬فاستكبوا عن قَبول الق‪ ,‬وكانوا قومًا مشركي مرمي مكذبي‪.‬‬

‫سحْ ٌر ُمبِيٌ (‪)76‬‬


‫فََلمّا جَا َءهُ ْم الْحَ ّق مِنْ عِنْ ِدنَا قَالُوا ِإ ّن هَذَا لَ ِ‬

‫‪368‬‬
‫فلما أتى فرعونَ وقومَه القّ الذي جاء به موسى قالوا‪ :‬إن الذي جاء به موسى من اليات إنا هو سحر‬
‫ظاهر‪.‬‬

‫حقّ لَمّا جَاءَكُمْ َأسِحْ ٌر هَذَا وَل ُيفْلِحُ السّاحِرُونَ (‪)77‬‬


‫قَا َل مُوسَى َأَتقُولُونَ لِلْ َ‬

‫قال لم موسى متعجبًا مِن قولم‪ :‬أتقولون للحق لا جاءكم‪ :‬إنه سحر مبي؟ انظروا وَصْفَ ما جاءكم‬
‫وما اشتمل عليه تدوه الق‪ .‬ول يفلح الساحرون‪ ,‬ول يفوزون ف الدنيا ول ف الخرة‪.‬‬

‫قَالُوا أَ ِجْئَتنَا ِلتَ ْل ِفَتنَا عَمّا َوجَ ْدنَا عََليْ هِ آبَا َءنَا َوَتكُو نَ َلكُمَا اْلكِبْ ِريَاءُ فِي الَرْ ضِ َومَا َنحْ نُ َلكُمَا بِ ُم ْؤ ِمنِيَ (‬
‫‪)78‬‬

‫قال فرعون وملؤه لوسى‪ :‬أجئتنا لتصرفنا عما وجدنا عليه آباءنا من عبادة غي ال‪ ,‬وتكون لكما أنت‬
‫وهارون العظمة والسلطان ف أرض "مصر"؟ وما نن لكما بقرّين بأنكما رسولن أُرسلتما إلينا; لنعبد‬
‫ال وحده ل شريك له‪.‬‬

‫وَقَالَ ِف ْرعَ ْونُ اْئتُونِي بِكُ ّل سَا ِح ٍر عَلِيمٍ (‪)79‬‬

‫وقال فرعون‪ :‬جيئون بكل ساحر متقن للسحر‪.‬‬

‫ح َرةُ قَالَ َلهُ ْم مُوسَى أَْلقُوا مَا َأنْتُ ْم مُ ْلقُونَ (‪)80‬‬


‫فََلمّا جَاءَ السّ َ‬

‫فلما جاء السحرة فرعون قال لم موسى‪ :‬ألقوا على الرض ما معكم من حبالكم وعصيّكم‪.‬‬

‫فََلمّا أَْلقَوْا قَا َل مُوسَى مَا ِجْئتُ ْم بِهِ السّحْرُ ِإنّ اللّ َه َسيُبْطِلُهُ إِنّ اللّ َه ل ُيصْلِ ُح عَمَ َل الْ ُمفْسِدِينَ (‪)81‬‬

‫فلما ألقَوا حبالم وعصيّهم قال لم موسى‪ :‬إنّ الذي جئتم به وألقيتموه هو السحر‪ ,‬إن ال سيُذْهب ما‬
‫جئتم به وسيُبطله‪ ,‬إن ال ل يصلح عمل مَن سعى ف أرض ال با يكرهه‪ ,‬وأفسد فيها بعصيته‪.‬‬

‫‪369‬‬
‫ج ِرمُونَ (‪)82‬‬
‫َويُحِقّ اللّ ُه الْحَ ّق ِبكَلِمَاتِهِ وََلوْ كَ ِر َه الْمُ ْ‬

‫ويثبّت ال الق الذي جئتكم به من عنده فيُعليه على باطلكم بكلماته وأمره‪ ,‬ولو كره الجرمون‬
‫أصحاب العاصي مِن آل فرعون‪.‬‬

‫ف مِ نْ فِ ْر َعوْ نَ َومََلِئهِ مْ أَ نْ يَ ْفِتَنهُ مْ َوإِنّ فِ ْر َعوْ نَ َلعَالٍ فِي‬


‫فَمَا آمَ نَ ِلمُو سَى إِلّ ذُ ّرّي ٌة مِ نْ َق ْومِ ِه عَلَى َخوْ ٍ‬
‫الَ ْرضِ َوِإنّهُ لَمِ ْن الْمُسْرِِفيَ (‪)83‬‬

‫فما آمن لوسى عليه السلم مع ما أتاهم به من الجج والدلة إل ذرية من قومه من بن إسرائيل‪ ,‬وهم‬
‫خائفون من فرعون وملئه أن يفتنوهم بالعذاب‪ ,‬فيصدّوهم عن دينهم‪ ,‬وإن فرعون لَجبار مستكب ف‬
‫الرض‪ ,‬وإنه لن التجاوزين الد ف الكفر والفساد‪.‬‬

‫وَقَا َل مُوسَى يَا َق ْومِ إِنْ ُكْنتُمْ آ َمْنتُ ْم بِاللّهِ َفعََليْ ِه َتوَكّلُوا ِإنْ ُكنْتُ ْم مُسِْلمِيَ (‪)84‬‬

‫وقال موسى‪ :‬يا قومي إن صدقتم بال ‪-‬ج ّل وعل‪ -‬وامتثلتم شرعه فثقوا به‪ ,‬وسلّموا لمره‪ ,‬وعلى ال‬
‫توكلوا إن كنتم مذعني له بالطاعة‪.‬‬

‫جعَ ْلنَا ِفْتَنةً ِل ْل َق ْومِ الظّالِ ِميَ (‪)85‬‬


‫َفقَالُوا عَلَى اللّ ِه َتوَكّ ْلنَا َربّنَا ل تَ ْ‬

‫فقال قوم موسى له‪ :‬على ال وحده ل شريك له اعتمدنا‪ ,‬وإليه فوّضنا أمرنا‪ ,‬ربنا ل تنصرهم علينا‬
‫فيكون ذلك فتنة لنا عن الدين‪ ،‬أو يُفت الكفارُ بنصرهم‪ ،‬فيقولوا‪ :‬لو كانوا على حق لا غُلبوا‪.‬‬

‫ك مِ ْن اْل َق ْومِ اْلكَافِرِينَ (‪)86‬‬


‫جنَا بِرَحْ َمتِ َ‬
‫َونَ ّ‬

‫ونّنا برحتك من القوم الكافرين فرعون وملئه; لنم كانوا يأخذونم بالعمال الشاقة‪.‬‬

‫َوَأوْ َحيْنَا إِلَى مُو سَى َوأَخِي هِ أَ نْ َتَب ّوأَا ِل َق ْومِكُمَا بِمِ صْرَ بُيُوتا وَا ْجعَلُوا ُبيُوَتكُ مْ ِقبَْل ًة َوأَقِيمُوا ال صّلةَ َوبَشّرْ‬
‫‪370‬‬
‫الْ ُم ْؤمِنِيَ (‪)87‬‬

‫وأوحينا إل موسى وأخيه هارون أن اتذا لقومكما بيوتًا ف "مصر" تكون مساكن وملجئ تعتصمون‬
‫با‪ ,‬واجعلوا بيوتكم أماكن تصلّون فيها عند الوف‪ ,‬وأدّوا الصلة الفروضة ف أوقاتا‪ .‬وبشّر الؤمني‬
‫الطيعي ل بالنصر الؤزر‪ ,‬والثواب الزيل منه سبحانه وتعال‪.‬‬

‫حيَاةِ ال ّدنْيَا َربّنَا ِليُضِلّوا عَ نْ َسبِيلِكَ َربّنَا‬


‫ك آتَيْ تَ ِف ْر َعوْ نَ َو َملَ هُ زِيَنةً َوَأ ْموَالً فِي الْ َ‬
‫وَقَا َل مُو سَى َربّنَا ِإنّ َ‬
‫ب الَلِيمَ (‪)88‬‬ ‫س عَلَى َأ ْموَاِلهِ ْم وَاشْدُ ْد عَلَى قُلُوِبهِمْ فَل ُيؤْ ِمنُوا َحتّى يَ َروْا اْلعَذَا َ‬
‫اطْ ِم ْ‬

‫وقال موسى‪ :‬ربنا إنك أعطيت فرعون وأشراف قومه زينة من متاع الدنيا; فلم يشكروا لك‪ ,‬وإنا‬
‫استعانوا با على الضلل عن سبيلك‪ ,‬ربنا اطمس على أموالم‪ ,‬فل ينتفعوا با‪ ,‬واختم على قلوبم حت‬
‫ل تنشرح لليان‪ ,‬فل يؤمنوا حت يروا العذاب الشديد الوجع‪.‬‬

‫قَالَ َقدْ أُجِيبَتْ َد ْع َوتُكُمَا فَا ْسَتقِيمَا وَل تَّتِبعَا ِن َسبِيلَ الّذِي َن ل َيعْلَمُونَ (‪)89‬‬

‫قال ال تعال لما‪ :‬قد أجيبت دعوتكما ف فرعون وملئه وأموالم ‪-‬وكان موسى يدعو‪ ,‬وهارون يؤمّن‬
‫على دعائه‪ ,‬فمن هنا نسبت الدعوة إل الثني‪ -‬فاستقيما على دينكما‪ ,‬واستمرّا على دعوتكما فرعون‬
‫وقومه إل توحيد ال وطاعته‪ ,‬ول تسلكا طريق مَن ل يعلم حقيقة وعدي ووعيدي‪.‬‬

‫وَجَاوَ ْزنَا ِببَنِي إِ سْرَائِي َل اْلبَحْرَ َفَأْتبَ َعهُ مْ ِف ْرعَوْ نُ وَ ُجنُودُ هُ َبغْيا وَعَدْوا َحتّى إِذَا أَدْرَكَ ُه اْلغَرَ قُ قَالَ آ َمنْ تُ َأنّ هُ‬
‫ت بِ ِه َبنُو ِإسْرَائِي َل َوَأنَا مِ ْن الْمُسْلِ ِميَ (‪)90‬‬ ‫ل إِلَهَ إِ ّل الّذِي آ َمنَ ْ‬

‫وق َطعْنا ببن إسرائيل البحر حت جاوزوه‪ ,‬فأتبعهم فرعون وجنوده ظلمًا وعدوانًا‪ ,‬فسلكوا البحر وراءهم‪,‬‬
‫ت به بنو إسرائيل‪ ,‬وأنا من الوحدين‬‫ت أنه ل إله إل الذي آمن ْ‬
‫حت إذا أحاط بفرعون الغرق قال‪ :‬آمن ُ‬
‫الستسلمي بالنقياد والطاعة‪.‬‬

‫أَالنَ وَقَ ْد َعصَْيتَ َقبْ ُل وَ ُكْنتَ مِ ْن الْ ُمفْسِدِينَ (‪)91‬‬

‫‪371‬‬
‫آلن يا فرعون‪ ,‬وقد نزل بك الوت تقرّ ل بالعبودية‪ ,‬وقد عصيته قبل نزول عذابه بك‪ ,‬وكنت من‬
‫الفسدين الصادين عن سبيله!! فل تنفعك التوبة ساعة الحتضار ومشاهدة الوت والعذاب‪.‬‬

‫ك آَيةً َوِإنّ َكثِيا مِ ْن النّاسِ عَ ْن آيَاِتنَا َلغَاِفلُونَ (‪)92‬‬


‫ك ِببَ َدنِكَ ِلَتكُونَ لِمَنْ خَ ْلفَ َ‬
‫فَاْلَي ْومَ ُننَجّي َ‬

‫فاليوم نعلك على مرتفع من الرض ببدنك‪ ,‬ينظر إليك من كذّب بلكك; لتكون لن بعدك من الناس‬
‫عبة يعتبون بك‪ .‬فإن كثيًا من الناس عن حججنا وأدلتنا لَغافلون‪ ,‬ل يتفكرون فيها ول يعتبون‪.‬‬

‫ص ْدقٍ وَ َرزَ ْقنَاهُ ْم مِ نْ الطّّيبَا تِ فَمَا ا ْختََلفُوا َحتّ ى جَا َءهُ ْم الْعِ ْل مُ إِنّ َربّ كَ‬‫وََلقَ ْد َبوّأْنَا بَنِي إِ سْرَائِيلَ مَُب ّوأَ ِ‬
‫ختَِلفُونَ (‪)93‬‬ ‫َيقْضِي َبْيَنهُ ْم َيوْ َم اْلقِيَا َمةِ فِيمَا كَانُوا فِي ِه يَ ْ‬

‫ولقد أنزلنا بن إسرائيل منل صالًا متارًا ف بلد "الشام" و"مصر"‪ ,‬ورزقناهم الرزق اللل الطيب من‬
‫خيات الرض الباركة‪ ,‬فما اختلفوا ف أمر دينهم إل مِن بعد ما جاءهم العلم الوجب لجتماعهم‬
‫وائتلفهم‪ ,‬ومن ذلك ما اشتملت عليه التوراة من الخبار بنبوة ممد صلى ال عليه وسلم‪ .‬إن ربك‬
‫‪-‬أيها الرسول‪ -‬يقضي بينهم يوم القيامة‪ ,‬وَيفْصِل فيما كانوا يتلفون فيه من أمرك‪ ,‬فيدخل الكذبي‬
‫النار والؤمني النة‪.‬‬

‫ب مِ نْ َقبْلِ كَ َلقَدْ جَاءَ َك الْحَقّ مِ نْ َربّ كَ‬


‫فَإِ نْ ُكنْ تَ فِي شَكّ مِمّا َأنْزَْلنَا إَِليْ كَ فَا سْأَ ْل الّذِي نَ يَقْرَءُو نَ اْل ِكتَا َ‬
‫فَل تَكُونَ ّن مِنْ الُ ْمتَرِينَ (‪)94‬‬

‫فإن كنت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ف ريب من حقيقة ما أخبناك به فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك من‬
‫أهل التوراة والنيل‪ ,‬فإن ذلك ثابت ف كتبهم‪ ,‬لقد جاءك الق اليقي من ربك بأنك رسول ال‪ ,‬وأن‬
‫هؤلء اليهود والنصارى يعلمون صحة ذلك‪ ,‬ويدون صفتك ف كتبهم‪ ,‬ولكنهم ينكرون ذلك مع‬
‫علمهم به‪ ,‬فل تكوننّ من الشاكّي ف صحة ذلك وحقيقته‪.‬‬

‫وَل تَكُونَ ّن مِ ْن الّذِينَ كَ ّذبُوا بِآيَاتِ اللّهِ َفَتكُو َن مِ ْن الْخَاسِرِينَ (‪)95‬‬

‫‪372‬‬
‫ول تكونن ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من الذين كذّبوا بجج ال وأدلته فتكون من الاسرين الذين سخِطَ ال‬
‫عليهم ونالوا عقابه‪.‬‬

‫ك ل ُي ْؤ ِمنُونَ (‪)96‬‬
‫ت عََلْيهِمْ كَلِ َمةُ َربّ َ‬
‫ِإنّ الّذِينَ َح ّق ْ‬

‫إن الذين حقّت عليهم كلمة ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بطردهم من رحته وعذابه لم‪ ,‬ل يؤمنون بجج ال‪,‬‬
‫ول يقرّون بوحدانيته‪ ,‬ول يعملون بشرعه‪.‬‬

‫وََلوْ جَا َءْتهُمْ كُ ّل آَيةٍ َحتّى يَ َروْا اْلعَذَابَ الَلِيمَ (‪)97‬‬

‫ولو جاءتم كل موعظة وعبة حت يعاينوا العذاب الوجع‪ ,‬فحينئذ يؤمنون‪ ,‬ول ينفعهم إيانم‪.‬‬

‫حيَاةِ‬
‫ب الْخِزْ يِ فِي الْ َ‬
‫ش ْفنَا عَْنهُ ْم عَذَا َ‬
‫فََلوْل كَانَ تْ َق ْرَيةٌ آ َمنَ تْ َفَن َف َعهَا إِيَاُنهَا إِلّ َقوْ َم يُونُ سَ لَمّا آ َمنُوا كَ َ‬
‫ال ّدنْيَا َو َمّتعْنَاهُمْ إِلَى ِحيٍ (‪)98‬‬

‫ل ينفع اليان أهل قرية آمنوا عند معاينة العذاب إل أهل قرية يونس بن َمتّى‪ ,‬فإنم لهمّا أيقنوا أن‬
‫العذاب نازل بم تابوا إل ال تعال توبة نصوحا‪ ,‬فلمّا تبيّن منهم الصدق ف توبتهم كشف ال عنهم‬
‫عذاب الزي بعد أن اقترب منهم‪ ,‬وتركهم ف الدنيا يستمتعون إل وقت إناء آجالم‪.‬‬

‫ت ُتكْ ِرهُ النّاسَ َحتّى َيكُونُوا ُمؤْ ِمنِيَ (‪)99‬‬


‫وََلوْ شَاءَ َربّكَ لمَ َن مَنْ فِي الَ ْرضِ كُّلهُمْ َجمِيعا أََفَأنْ َ‬

‫ولو شاء ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬اليان لهل الرض كلهم لمنوا جيعًا با جئتهم به‪ ,‬ولكن له حكمة ف‬
‫ذلك; فإنه يهدي من يشاء ويضل من يشاء وَفْق حكمته‪ ,‬وليس ف استطاعتك أن ُتكْره الناس على‬
‫اليان‪.‬‬

‫س عَلَى الّذِي َن ل َيعْقِلُونَ (‪)100‬‬


‫جعَلُ الرّ ْج َ‬
‫َومَا كَانَ ِلَن ْفسٍ َأ ْن ُتؤْمِنَ إِ ّل بِإِ ْذنِ اللّ ِه َويَ ْ‬

‫‪373‬‬
‫وما كان لنفس أن تؤمن بال إل بإذنه وتوفيقه‪ ,‬فل تُجهد نفسك ف ذلك‪ ,‬فإن أمرهم إل ال‪ .‬ويعل‬
‫ال العذاب والزي على الذين ل يعقلون أمره ونيه‪.‬‬

‫ت وَالنّذُ ُر عَنْ َق ْو ٍم ل ُي ْؤمِنُونَ (‪)101‬‬


‫ض َومَا ُتغْنِي اليَا ُ‬
‫ت وَالَ ْر ِ‬
‫قُ ْل انْظُرُوا مَاذَا فِي السّ َموَا ِ‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لقومك‪ :‬تفكروا واعتبوا با ف السموات والرض من آيات ال البينات‪ ,‬ولكن‬
‫اليات والعب والرسل النذرة عباد ال عقابه‪ ,‬ل تنفع قومًا ل يؤمنون بشيء من ذلك؛ لعراضهم‬
‫وعنادهم‪.‬‬

‫َفهَ ْل َينْتَ ِظرُونَ إِ ّل ِمثْلَ أَيّا ِم الّذِينَ خََلوْا مِنْ َقبِْلهِمْ ُقلْ فَاْنتَظِرُوا ِإنّي َم َعكُ ْم مِ ْن الْ ُمْنتَظِرِينَ (‪)102‬‬

‫فهل ينتظر هؤلء إل يومًا يعاينون فيه عذاب ال مثل أيام أسلفهم الكذبي الذين مَضَوا قبلهم؟ قل لم‬
‫‪-‬أيها الرسول‪ :-‬فانتظروا عقاب ال إن معكم من النتظرين عقابكم‪.‬‬

‫ثُ ّم ُننَجّي ُرسَُلنَا وَالّذِينَ آ َمنُوا كَذَلِكَ َحقّا عََلْينَا ُننْ ِج الْ ُم ْؤمِنِيَ (‪)103‬‬

‫ث ننجّي رسلنا والذين آمنوا معهم‪ ,‬وكما نينا أولئك ننجّيك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ومن آمن بك تفضل منّا‬
‫ورحة‪.‬‬

‫قُ ْل يَا َأّيهَا النّاسُ إِ نْ ُكْنتُ مْ فِي شَكّ مِ نْ دِينِي فَل َأ ْعبُدُ الّذِي َن َتعْبُدُونَ مِ نْ دُونِ اللّ ِه وَلَكِ نْ َأعْبُدُ اللّ َه الّذِي‬
‫َيتَوَفّاكُ ْم َوُأمِرْتُ َأنْ أَكُونَ مِنْ الْ ُمؤْ ِمنِيَ (‪)104‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الناس‪ :‬إن كنتم ف شك من صحة دين الذي دعوتكم إليه‪ ,‬وهو السلم‬
‫ومن ثبات واستقامت عليه‪ ,‬وترجون تويلي عنه‪ ,‬فإن ل أعبد ف حال من الحوال أحدًا من الذين‬
‫تعبدونم ما اتذت من الصنام والوثان‪ ,‬ولكن أعبد ال وحده الذي ييتكم ويقبض أرواحكم‪ ,‬وأُمِرْت‬
‫أن أكون من الصدّقي به العاملي بشرعه‪.‬‬

‫‪374‬‬
‫شرِكِيَ (‪)105‬‬
‫َوأَنْ أَقِ ْم وَ ْجهَكَ لِلدّينِ َحنِيفا وَل َتكُونَ ّن مِ ْن الْمُ ْ‬

‫وأن أقم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬نفسك على دين السلم مستقيمًا عليه غي مائل عنه إل يهودية ول نصرانية‬
‫ول عبادة غيه‪ ,‬ول تكونن من يشرك ف عبادة ربه اللة والنداد‪ ,‬فتكون من الالكي‪ .‬وهذا وإن كان‬
‫خطابًا للرسول صلى ال عليه وسلّم فإنه موجّه لعموم المة ‪.‬‬

‫ك وَل َيضُ ّركَ فَِإنْ َفعَ ْلتَ فَِإنّكَ إِذا مِنْ الظّالِمِيَ (‪)106‬‬
‫ع مِنْ دُونِ اللّ ِه مَا ل َيْنفَعُ َ‬
‫وَل تَ ْد ُ‬

‫ع ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من دون ال شيئًا من الوثان والصنام; لنا ل تنفع ول تضرّ‪ ,‬فإن فعَلْت‬ ‫ول تَ ْد ُ‬
‫ذلك ودعوتا من دون ال فإنك إذًا من الشركي بال‪ ,‬الظالي لنفسهم بالشرك والعصية‪ .‬وهذا وإن‬
‫كان خطابًا للرسول صلى ال عليه وسلّم فإنه موجّه لعموم المة ‪.‬‬

‫خْيرٍ فَل رَادّ ِل َفضْلِ ِه يُ صِيبُ بِ ِه مَ ْن يَشَا ُء مِ نْ‬


‫َوإِ ْن يَمْ سَسْكَ اللّ ُه ِبضُرّ فَل كَاشِ فَ لَ هُ إِلّ ُه َو َوإِ ْن يُ ِردْ كَ بِ َ‬
‫عِبَا ِدهِ َو ُهوَ الْ َغفُورُ الرّحِيمُ (‪)107‬‬

‫وإن ي صبك ال ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬بشدة أو بلء فل كا شف لذلك إل هو ج ّل وعل وإن يُ ِردْك برخاء أو‬
‫نعمة ل ينعه عنك أحد‪ ,‬يصيب ال عز وجل بالسراء والضراء من يشاء من عباده‪ ,‬وهو الغفور لذنوب‬
‫مَن تاب‪ ,‬الرحيم بن آمن به وأطاعه‪.‬‬

‫ضلّ فَِإنّمَا َيضِ ّل عََلْيهَا‬


‫قُ ْل يَا َأّيهَا النّاسُ قَدْ جَاءَكُ ْم الْحَقّ مِنْ َرّبكُمْ فَ َمنْ ا ْهتَدَى فَِإنّمَا َي ْهتَدِي ِلَنفْسِهِ َومَنْ َ‬
‫َومَا َأنَا عََلْيكُ ْم ِبوَكِيلٍ (‪)108‬‬

‫قل ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬لؤلء الناس‪ :‬قد جاء كم ر سول ال بالقرآن الذي ف يه بيان هدايت كم‪ ,‬ف من اهتدى‬
‫بدي ال فإنا ثرة عمله راجعة إليه‪ ,‬ومن انرف عن الق وأص ّر على الضلل فإنا ضلله وضرره على‬
‫نفسه‪ ,‬وما أنا موكّل بكم حت تكونوا مؤمني‪ ,‬إنا أنا رسول مبلّغ أبلّغكم ما أُ ْرسِلْت به‪.‬‬

‫حكُمَ اللّ ُه َو ُهوَ َخيْ ُر الْحَا ِكمِيَ (‪)109‬‬


‫ك وَاصْبِرْ َحتّى يَ ْ‬
‫وَاّتبِ ْع مَا يُوحَى إَِليْ َ‬

‫‪375‬‬
‫واتبع ‪-‬أيها الرسول‪ -‬وحي ال الذي يوحيه إليك فاعمل به‪ ,‬واصب على طاعة ال تعال‪ ،‬وعن معصيته‪،‬‬
‫وعلى أذى مهن آذاك فه تبليهغ رسهالته‪ ,‬حته يقضهي ال فيههم وفيهك أمره‪ ,‬وههو ‪-‬عزّ وجهل‪ -‬خيه‬
‫الاكمي; فإن حكمه مشتمل على العدل التام‪.‬‬

‫‪ -11‬سورة هود‬

‫الر ِكتَابٌ ُأ ْحكِ َمتْ آيَاتُهُ ثُمّ ُفصَّلتْ مِنْ َل ُدنْ َحكِيمٍ َخبِيٍ (‪)1‬‬

‫(الر) سبق الكلم على الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬

‫هذا الكتاب الذي أنزله ال على ممد صلى ال عليه وسلم أُحكمت آياته من اللل والباطل‪ ,‬ث ُبيّنت‬
‫بالمر والنهي وبيان اللل والرام من عند ال‪ ,‬الكيم بتدبي المور‪ ,‬البي با تؤول إليه عواقبها‪.‬‬

‫أَلّ َت ْعبُدُوا إِلّ اللّهَ ِإّننِي َلكُ ْم ِمنْهُ نَذِي ٌر َوبَشِيٌ (‪)2‬‬

‫وإنزال القرآن وبيان أحكا مه وتف صيلها وإحكام ها; ل جل أن ل تعبدوا إل ال وحده ل شر يك له‪ .‬إن ن‬
‫لكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬من عند ال نذير ينذركم عقابه‪ ,‬وبشي يبشّركم بثوابه‪.‬‬

‫َوأَ ْن اسَْت ْغفِرُوا َربّكُ ْم ثُمّ تُوبُوا إَِليْهِ يُ َمتّ ْعكُ ْم َمتَاعا حَسَنا إِلَى أَجَ ٍل مُسَمّى َوُيؤْتِ كُلّ ذِي َفضْلٍ َفضْلَ ُه َوإِنْ‬
‫ب َيوْمٍ َكبِيٍ (‪)3‬‬ ‫ف عََلْيكُ ْم عَذَا َ‬ ‫َتوَلّوْا فَِإنّي أَخَا ُ‬

‫واسألوه أن يغفر لكم ذنوبكم‪ ,‬ث ارجعوا إليه نادمي يتعْكم ف دنياكم متاعًا حسنًا بالياة الطيبة فيها‪,‬‬
‫إل أن يي أجلكم‪ ,‬ويُع طِ كل ذي فضل من علم وعمل جزاء فضله كامل ل نقص فيه‪ ,‬وإن تعرضوا‬
‫عمّا أدعوكم إليه فإن أخشى عليكم عذاب يوم شديد‪ ,‬وهو يوم القيامة‪ .‬وهذا تديد شديد لن تولّى‬
‫عن أوامر ال تعال وكذّب رسله‪.‬‬

‫‪376‬‬
‫إِلَى اللّ ِه مَ ْر ِج ُعكُمْ َو ُه َو عَلَى ُك ّل شَيْءٍ قَدِيرٌ (‪)4‬‬

‫إل ال رجوعكم بعد موتكم جيعًا فاحذروا عقابه‪ ,‬وهو سبحانه قادر على بعثكم وحشركم وجزائكم‪.‬‬

‫سَتغْشُونَ ثِيَاَبهُ ْم َيعْلَ ُم مَا يُ سِرّو َن َومَا ُيعِْلنُو نَ ِإنّ ُه عَلِي مٌ‬
‫خفُوا ِمنْ هُ أَل حِيَ يَ ْ‬
‫ستَ ْ‬
‫أَل ِإّنهُ ْم َيْثنُو نَ صُدُو َرهُمْ ِليَ ْ‬
‫بِذَاتِ الصّدُورِ (‪)5‬‬

‫إن هؤلء الشركي يضمرون ف صدورهم الكفر; ظنًا منهم أنه يفى على ال ما تضمره نفوسهم‪ ,‬أل‬
‫يعلمون ح ي يغطّون أج سادهم بثياب م أن ال ل ي فى عل يه ِسرّهم وعلنيت هم؟ إ نه عل يم ب كل ما ُت ِكنّ ه‬
‫صدورهم من النيات والضمائر والسرائر‪.‬‬

‫‪377‬‬
‫الزء الثان عشر ‪:‬‬

‫ستَوْ َد َعهَا كُلّ فِي ِكتَابٍ ُمبِيٍ (‪)6‬‬


‫سَتقَ ّرهَا َومُ ْ‬
‫َومَا مِنْ دَاّبةٍ فِي الَ ْرضِ إِ ّل عَلَى اللّهِ رِزُْقهَا َوَيعْلَ ُم مُ ْ‬

‫لقد تكفّل ال برزق جيع ما دبّ على وجه الرض‪ ,‬تفضل منه‪ ,‬ويعلم مكان استقراره ف حياته وبعد‬
‫موته‪ ,‬ويعلم الوضع الذي يوت فيه‪ ,‬كل ذلك مكتوب ف كتاب عند ال مبي عن جيع ذلك‪.‬‬

‫س ُن عَ َملً‬
‫َو ُهوَ الّذِي َخلَقَ السّ َموَاتِ وَالَ ْرضَ فِي سِّتةِ َأيّامٍ وَكَا َن عَ ْرشُهُ عَلَى الْمَاءِ ِلَيبُْلوَكُمْ َأيّكُمْ أَحْ َ‬
‫ح ٌر ُمبِيٌ‬
‫وََلئِنْ ُق ْلتَ إِّنكُ ْم َمْبعُوثُو َن مِ ْن َبعْ ِد الْ َموْتِ َلَيقُولَ ّن الّذِينَ َكفَرُوا َليَقُولَ ّن الّذِينَ َكفَرُوا ِإ ْن هَذَا إِ ّل سِ ْ‬
‫(‪)7‬‬

‫وهو الذي خلق السموات والرض وما فيهن ف ستة أيام‪ ,‬وكان عرشه على الاء قبل ذلك; ليختبكم‬
‫أيكم أحسن له طاع ًة وعمل وهو ما كان خالصًا ل موافقًا لا كان عليه رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ .‬ولئن قلت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي من قومك‪ :‬إنكم مبعوثون أحيا ًء بعد موتكم‪,‬‬
‫لسارعوا إل التكذيب وقالوا‪ :‬ما هذا القرآن الذي تتلوه علينا إل سحر بيّن‪.‬‬

‫س َمصْرُوفا َعنْهُ ْم َوحَاقَ‬


‫حبِسُهُ أَل َي ْو َم يَ ْأتِيهِمْ َلْي َ‬
‫وََلئِنْ أَخّ ْرنَا َعْنهُمْ اْلعَذَابَ إِلَى ُأ ّمةٍ َمعْدُو َدةٍ َلَيقُولُ ّن مَا يَ ْ‬
‫سَتهْ ِزئُون (‪)8‬‬ ‫ِبهِ ْم مَا كَانُوا بِهِ يَ ْ‬

‫ولئن أخّرنا عن هؤلء الشركي العذاب إل أجل معلوم فاستبطؤوه‪ ,‬ليقولُ ّن استهزاء وتكذيبًا‪ :‬أي شيء‬
‫ينع هذا العذاب من الوقوع إن كان حقًا؟ أل يوم يأتيهم ذلك العذاب ل يستطيع أن يصرفه عنهم‬
‫صارف‪ ,‬ول يدفعه دافع‪ ,‬وأحاط بم من كل جانب عذاب ما كانوا يستهزئون به قبل وقوعه بم‪.‬‬

‫وََلئِنْ أَذَ ْقنَا الِنسَانَ ِمنّا َرحْ َم ًة ثُ ّم نَ َز ْعنَاهَا ِمنْهُ ِإنّهُ َلَيئُوسٌ َكفُورٌ (‪)9‬‬

‫‪378‬‬
‫ولئن أعطينا النسان ِمنّا نعمة من صحة وأمن وغيها‪ ,‬ث سلبناها منه‪ ,‬إنه لَشديد اليأس من رحة ال‪,‬‬
‫جَحود بالنعم الت أنعم ال با عليه‪.‬‬

‫ت َعنّي ِإنّهُ َلفَ ِرحٌ َفخُورٌ (‪)10‬‬


‫سيّئَا ُ‬
‫ستْهُ َلَيقُولَنّ َذهَبَ ال ّ‬
‫ضرّاءَ مَ ّ‬
‫وََلئِنْ أَذَ ْقنَاهُ َنعْمَا َء َبعْدَ َ‬

‫ولئن بسطنا للنسان ف دنياه ووسّعنا عليه ف رزقه بعد ضيق من العيش‪ ,‬ليقولَنّ عند ذلك‪ :‬ذهب الضيق‬
‫عن وزالت الشدائد‪ ,‬إنه لبَطِر بالنعم‪ ,‬مبالغ ف الفخر والتعال على الناس‪.‬‬

‫صَبرُوا َوعَمِلُوا الصّالِحَاتِ ُأوْلَئِكَ َلهُ ْم َم ْغفِ َرةٌ َوأَ ْجرٌ َكبِيٌ (‪)11‬‬
‫إِلّ الّذِينَ َ‬

‫لكن الذين صبوا على ما أصابم من الضراء إيانًا بال واحتسابًا للجر عنده‪ ,‬وعملوا الصالات شكرا‬
‫ل على نعمه‪ ,‬هؤلء لم مغفرة لذنوبم وأجر كبي ف الخرة‪.‬‬

‫ك وَضَائِ ٌق بِهِ صَدْ ُركَ َأنْ َيقُولُوا َلوْل أُنزِ َل عََليْهِ كَنٌ َأوْ جَا َء َمعَهُ مَلَكٌ إِنّمَا‬
‫ك تَا ِر ٌك َب ْعضَ مَا يُوحَى إِلَيْ َ‬
‫فََلعَلّ َ‬
‫ت نَذِي ٌر وَاللّ ُه عَلَى كُ ّل َشيْءٍ وَكِيلٌ (‪)12‬‬ ‫َأنْ َ‬

‫فلعلك ‪-‬أيها الرسول لعظم ما تراه منهم من الكفر والتكذيب‪ -‬تارك بعض ما يوحى إليك ما أنزله ال‬
‫عليك وأمرك بتبليغه‪ ,‬وضائق به صدرك; خشية أن يطلبوا منك بعض الطالب على وجه التعنت‪ ,‬كأن‬
‫يقولوا‪ :‬لول أُنزل عليه مال كثي‪ ,‬أو جاء معه ملك يصدقه ف رسالته‪ ,‬فبلغهم ما أوحيته إليك; فإنه ليس‬
‫عليك إل النذار با أُوحي إليك‪ .‬وال على كل شيء حفيظ ي َدبّر جيع شؤون خلقه‪.‬‬

‫َأمْ َيقُولُو َن ا ْفتَرَاهُ قُلْ َف ْأتُوا ِبعَشْ ِر ُسوَ ٍر ِمثْلِ ِه ُم ْفتَ َريَاتٍ وَا ْدعُوا مَ ْن ا ْستَ َط ْعتُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِِقيَ (‬
‫‪)13‬‬

‫بل أيقول هؤلء الشركون من أهل "مكة"‪ :‬إن ممدًا قد افترى هذا القرآن؟ قل لم‪ :‬إن كان المر كما‬
‫تزعمون فأتوا بعشر سور مثله مفتريات‪ ,‬وادعوا من استطعتم من جيع خلق ال ليساعدوكم على التيان‬
‫بذه السور العشر‪ ,‬إن كنتم صادقي ف دعواكم‪.‬‬

‫‪379‬‬
‫ستَجِيبُوا َلكُمْ فَاعْلَمُوا َأنّمَا أُنزِ َل ِبعِلْمِ اللّ ِه َوَأنْ ل إِلَهَ إِ ّل ُهوَ َفهَلْ َأْنتُ ْم مُسْلِمُونَ (‪)14‬‬
‫فَإِلّ ْم يَ ْ‬

‫فإن ل يستجب هؤلء الشركون لكم ‪-‬أيها الرسول ومَن آمن معك‪ -‬لا تدعونم إليه; ِلعَجْز الميع عن‬
‫ذلك‪ ,‬فاعلموا أن هذا القرآن إنا أنزله ال على رسوله بعلمه وليس من قول البشر‪ ,‬واعلموا أن ل إله‬
‫يُعبد بق إل ال‪ ,‬فهل أنتم ‪-‬بعد قيام هذه الجة عليكم‪ -‬مسلمون منقادون ل ورسوله؟‬

‫حيَاةَ ال ّدْنيَا وَزِيَنَتهَا ُنوَفّ إَِلْيهِمْ َأعْمَاَلهُمْ فِيهَا َوهُمْ فِيهَا ل ُيبْخَسُونَ (‪)15‬‬
‫مَنْ كَانَ ُيرِي ُد الْ َ‬

‫من كان يريد بعمله الياة الدنيا و ُمتَعها نعطهم ما قُسِم لم من ثواب أعمالم ف الياة الدنيا كامل غي‬
‫منقوص‪.‬‬

‫صَنعُوا فِيهَا َوبَاطِلٌ مَا كَانُوا َيعْ َملُونَ (‪)16‬‬


‫ك الّذِينَ َلْيسَ َل ُهمْ فِي ال ِخ َرةِ إِ ّل النّارُ َو َحبِطَ مَا َ‬
‫ُأوْلَئِ َ‬

‫أولئك ليس لم ف الخرة إل نار جهنم يقاسون حرّها‪ ,‬وذهب عنهم َنفْع ما عملوه‪ ,‬وكان عملهم‬
‫باطل لنه ل يكن لوجه ال‪.‬‬

‫ك ُي ْؤمِنُونَ بِ ِه‬
‫ب مُوسَى ِإمَاما وَرَ ْح َمةً ُأوْلَئِ َ‬ ‫أَفَمَنْ كَا َن عَلَى َبّيَنةٍ مِنْ َربّهِ َوَيتْلُوهُ شَاهِ ٌد ِمنْ ُه َومِنْ َقبْلِهِ ِكتَا ُ‬
‫ك وَلَكِنّ أَ ْكثَ َر النّاسِ ل‬ ‫َومَ ْن يَ ْكفُ ْر بِ ِه مِ ْن الَحْزَابِ فَالنّا ُر َم ْوعِ ُدهُ فَل َتكُنْ فِي ِم ْرَيةٍ ِمنْهُ ِإنّهُ الْحَقّ مِنْ َربّ َ‬
‫ُيؤْ ِمنُونَ (‪)17‬‬

‫أفمَن كان على حجة وبصية من ربه فيما يؤمن به‪ ,‬ويدعو إليه بالوحي الذي أنزل ال فيه هذه البينة‪,‬‬
‫ويتلوها برهان آخر شاهد منه‪ ,‬وهو جبيل أو ممد عليهما السلم‪ ,‬ويؤيد ذلك برهان ثالث من قبل‬
‫القرآن‪ ,‬وهو التوراة ‪-‬الكتاب الذي أنزل على موسى إمامًا ورحة لن آمن به‪ ,-‬كمن كان هه الياة‬
‫الفانية بزينتها؟ أولئك يصدّقون بذا القرآن ويعملون بأحكامه‪ ,‬ومن يكفر بذا القرآن من الذين تزّبوا‬
‫على رسول ال صلى ال عليه وسلم فجزاؤه النار‪ ,‬يَ ِردُها ل مالة‪ ,‬فل تك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ف شك من‬
‫أمر القرآن وكونه من عند ال تعال بعد ما شهدت بذلك الدلة والجج‪ ,‬واعلم أن هذا الدين هو الق‬

‫‪380‬‬
‫من ربك‪ ,‬ولكن أكثر الناس ل يصدّقون ول يعملون با أُمروا به‪ .‬وهذا توجيه عام لمة ممد صلى ال‬
‫عليه وسلم‪.‬‬

‫ك ُيعْرَضُونَ عَلَى َرّبهِ ْم َوَيقُو ُل الَ ْشهَا ُد َهؤُل ِء الّذِينَ َك َذبُوا‬


‫َومَنْ أَظَْل ُم مِمّ ْن ا ْفتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبا ُأوْلَئِ َ‬
‫عَلَى َرّبهِمْ أَل َل ْعَنةُ اللّهِ عَلَى الظّالِ ِميَ (‪)18‬‬

‫ول أحد أظلم من اختلق على ال كذبًا‪ ,‬أولئك سيعرضون على ربم يوم القيامة; ليحاسبهم على‬
‫أعمالم‪ ,‬ويقول الشهاد من اللئكة والنبيي وغيهم‪ :‬هؤلء الذين كذبوا على ربم ف الدنيا قد سخط‬
‫ال عليهم‪ ,‬ولعنهم لعنة ل تنقطع; لن ظلمهم صار وصفًا ملزمًا لم‪.‬‬

‫الّذِي َن يَصُدّو َن عَ ْن َسبِيلِ اللّ ِه َوَيبْغُوَنهَا ِعوَجا َوهُ ْم بِال ِخ َرةِ هُمْ كَاِفرُونَ (‪)19‬‬

‫هؤلء الظالون الذين ينعون الناس عن سبيل ال الوصلة إل عبادته‪ ,‬ويريدون أن تكون هذه السبيل‬
‫عوجاء بوافقتها لهوائهم‪ ,‬وهم كافرون بالخرة ل يؤمنون ببعث ول جزاء‪.‬‬

‫ب مَا‬
‫ُأوْلَئِكَ لَ ْم َيكُونُوا ُمعْجِزِينَ فِي الَ ْرضِ َومَا كَانَ َلهُ ْم مِنْ دُونِ اللّ ِه مِنْ َأوْلِيَا َء ُيضَاعَفُ َلهُمْ الْعَذَا ُ‬
‫ستَطِيعُونَ السّمْ َع َومَا كَانُوا ُيْبصِرُونَ (‪)20‬‬ ‫كَانُوا يَ ْ‬

‫أولئك الكافرون ل يكونوا ليفوتوا ال ف الدنيا هربًا‪ ,‬وما كان لم مِن أنصار ينعونم من عقابه‪.‬‬
‫يضاعَفُ لم العذاب ف جهنم; لنم كانوا ل يستطيعون أن يسمعوا القرآن ساع منتفع‪ ,‬أو يبصروا‬
‫آيات ال ف هذا الكون إبصار مهتد; لشتغالم بالكفر الذي كانوا عليه مقيمي‪.‬‬

‫سهُ ْم وَضَ ّل َعنْهُ ْم مَا كَانُوا َي ْفتَرُونَ (‪)21‬‬


‫سرُوا أَنفُ َ‬
‫ك الّذِينَ خَ ِ‬
‫ُأوْلَئِ َ‬

‫أولئك الذين خسروا أنفسهم بافترائهم على ال‪ ,‬وذهب عنهم ما كانوا يفترون من اللة الت يدّعون أنا‬
‫تشفع لم‪.‬‬

‫‪381‬‬
‫ل َج َرمَ َأّنهُمْ فِي الخِ َر ِة هُ ْم الَخْسَرُونَ (‪)22‬‬

‫حقًا أنم ف الخرة أخسر الناس صفقة; لنم استبدلوا الدركات بالدرجات‪ ,‬فكانوا ف جهنم‪ ,‬وذلك‬
‫هو السران البي‪.‬‬

‫جّن ِة هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (‪)23‬‬


‫ب الْ َ‬
‫ت َوأَ ْخَبتُوا إِلَى َرّبهِمْ ُأوْلَئِكَ أَصْحَا ُ‬
‫ِإنّ الّذِينَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا الصّالِحَا ِ‬

‫إن الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا العمال الصالة‪ ,‬وخضعوا ل ف كل ما أُمروا به ونُهوا عنه‪,‬‬
‫أولئك هم أهل النة‪ ,‬ل يوتون فيها‪ ,‬ول َيخْرجون منها أبدًا‪.‬‬

‫سَتوِيَانِ مََثلً أَفَل تَذَكّرُونَ (‪)24‬‬


‫َمثَلُ الْفَرِي َقيْنِ كَا َلعْمَى وَالَصَ ّم وَالَْبصِيِ وَالسّمِي ِع هَ ْل يَ ْ‬

‫مثل فريقَي الكفر واليان كمثل العمى الذي ل يرى والصم الذي ل يسمع والبصي والسميع‪ :‬ففريق‬
‫الكفر ل يبصر الق فيتبعه‪ ,‬ول يسمع داعي ال فيهتدي به‪ ,‬أما فريق اليان فقد أبصر حجج ال وسع‬
‫داعي ال فأجابه‪ ,‬هل يستوي هذان الفريقان؟ أفل تعتبون وتتفكرون؟‬

‫وََلقَدْ أَ ْرسَ ْلنَا نُوحا إِلَى َق ْومِهِ ِإنّي َلكُ ْم نَذِي ٌر ُمبِيٌ (‪)25‬‬

‫ولقد أرسلنا نوحًا إل قومه فقال لم‪ :‬إن نذير لكم من عذاب ال‪ ,‬مبيّن لكم ما أُرسلت به إليكم من‬
‫أمر ال ونيه‪.‬‬

‫ف عََلْيكُ ْم عَذَابَ َي ْومٍ أَلِيمٍ (‪)26‬‬


‫َأنْ ل َت ْعبُدُوا إِلّ اللّهَ ِإنّي أَخَا ُ‬

‫آمركم أل تعبدوا إل ال‪ ,‬إن أخاف عليكم ‪-‬إن ل تفردوا ال وحده بالعبادة‪ -‬عذاب يوم موجع‪.‬‬

‫َفقَا َل الْمَل الّذِينَ َك َفرُوا مِنْ َق ْومِ ِه مَا نَرَاكَ إِ ّل بَشَرا ِمثَْلنَا َومَا َنرَا َك اتَّبعَكَ إِلّ الّذِي َن هُمْ أَرَاذُِلنَا بَادِي‬
‫ي َومَا َنرَى َلكُ ْم عََليْنَا مِنْ َفضْ ٍل بَ ْل نَ ُظّنكُمْ كَا ِذبِيَ (‪)27‬‬ ‫ال ّرأْ ِ‬

‫‪382‬‬
‫فقال رؤساء الكفر من قومه‪ :‬إنك لست بَلَك ولكنك بشر‪ ,‬فكيف أُوحي إليك مِن دوننا؟ وما نراك‬
‫اتبعك إل الذين هم أسافلنا وإنا اتبعوك من غي تفكر ول رويّة‪ ,‬وما نرى لكم علينا من فضل ف رزق‬
‫ول مال لهمّا دخلتم ف دينكم هذا‪ ,‬بل نعتقد أنكم كاذبون فيما تدّعون‪.‬‬

‫ت عَلَى َبّيَنةٍ مِنْ َربّي وَآتَانِي رَ ْح َم ًة مِ ْن ِعنْ ِدهِ َفعُ ّمَيتْ عََليْكُمْ َأنُ ْل ِزمُكُمُوهَا َوَأنْتُمْ‬
‫قَا َل يَا َق ْومِ أَ َرَأيْتُمْ ِإنْ كُن ُ‬
‫َلهَا كَا ِرهُونَ (‪)28‬‬

‫قال نوح‪ :‬يا قومي أرأيتم إن كنتُ على حجة ظاهرة من رب فيما جئتكم به تبيّن لكم أنن على الق‬
‫من عنده‪ ,‬وآتان رحة من عنده‪ ,‬وهي النبوة والرسالة فأخفاها عليكم بسبب جهلكم وغروركم‪ ,‬فهل‬
‫يصح أن نُلْزمكم إياها بالكراه وأنتم جاحدون با؟ ل نفعل ذلك‪ ,‬ولكن َنكِل أمركم إل ال حت‬
‫يقضي ف أمركم ما يشاء‪.‬‬

‫َويَا َق ْومِ ل َأ ْسأَلُكُ ْم عََليْ ِه مَالً إِنْ أَجْرِي إِلّ عَلَى اللّ ِه َومَا َأنَا بِطَارِ ِد الّذِينَ آ َمنُوا ِإّنهُمْ مُلقُو َرّبهِ ْم وََل ِكنّي‬
‫ج َهلُونَ (‪)29‬‬ ‫أَرَاكُمْ َقوْما تَ ْ‬

‫قال نوح عليه السلم لقومه‪ :‬يا قوم ل أسألكم على دعوتكم لتوحيد ال وإخلص العبادة له مالً تؤدونه‬
‫إلّ بعد إيانكم‪ ,‬ولكن ثواب نصحي لكم على ال وحده‪ ,‬وليس من شأن أن أطرد الؤمني‪ ,‬فإنم‬
‫ملقو ربم يوم القيامة‪ ,‬ولكن أراكم قومًا تهلون; إذ تأمرونن بطرد أولياء ال وإبعادهم عن‪.‬‬

‫َويَا َق ْو ِم مَ ْن يَنصُ ُرنِي مِنْ اللّهِ ِإنْ طَ َر ْدُتهُمْ أَفَل تَذَكّرُونَ (‪)30‬‬

‫ويا قوم مَن ينعن من ال إن عاقبن على طردي الؤمني؟ أفل تتدبرون المور فتعلموا ما هو النفع لكم‬
‫والصلح؟‬

‫ك وَل أَقُولُ لِلّذِي َن َتزْدَرِي َأ ْعُينُكُمْ لَنْ‬


‫ب وَل أَقُولُ ِإنّي مَلَ ٌ‬
‫وَل أَقُولُ َلكُ ْم عِندِي َخزَائِنُ اللّهِ وَل َأعْلَ ُم اْل َغيْ َ‬
‫سهِمْ ِإنّي إِذا لَ ِمنْ الظّالِمِيَ (‪)31‬‬ ‫ُيؤِْتَيهُمْ اللّهُ َخيْرا اللّهُ َأعْلَ ُم بِمَا فِي أَنفُ ِ‬

‫‪383‬‬
‫ول أقول لكم‪ :‬إن أملك التصرف ف خزائن ال‪ ,‬ول أعلم الغيب‪ ,‬ولست بَلَك من اللئكة‪ ,‬ول أقول‬
‫لؤلء الذين تتقرون من ضعفاء الؤمني‪ :‬لن يؤتيكم ال ثوابًا على أعمالكم‪ ,‬فال وحده أعلم با ف‬
‫صدورهم وقلوبم‪ ,‬ولئن فعلتُ ذلك إن إذًا لن الظالي لنفسهم ولغيهم‪.‬‬

‫ت مِ ْن الصّادِقِيَ (‪)32‬‬
‫قَالُوا يَا نُوحُ َقدْ جَادَْلتَنَا َفأَ ْكثَرْتَ جِدَاَلنَا َفأِْتنَا بِمَا َتعِ ُدنَا ِإنْ كُن َ‬

‫قالوا‪ :‬يا نوح قد حاججتنا فأكثرت جدالنا‪ ,‬فأتنا با تعدنا من العذاب إن كنت من الصادقي ف دعواك‪.‬‬

‫جزِينَ (‪)33‬‬
‫قَالَ ِإنّمَا َي ْأتِيكُ ْم بِهِ اللّهُ ِإ ْن شَا َء َومَا َأْنتُ ْم بِ ُمعْ ِ‬

‫قال نوح لقومه‪ :‬إن ال وحده هو الذي يأتيكم بالعذاب إذا شاء‪ ,‬ولستم بفائتيه إذا أراد أن يعذبكم; لنه‬
‫سبحانه ل يعجزه شيء ف الرض ول ف السماء‪.‬‬

‫وَل يَن َفعُكُ ْم ُنصْحِي ِإنْ أَ َردْتُ َأنْ أَنصَحَ َلكُمْ إِنْ كَانَ اللّ ُه ُيرِيدُ أَ ْن ُي ْغوَِيكُ ْم ُهوَ َربّكُ ْم َوإَِليْهِ تُرْ َجعُونَ (‬
‫‪)34‬‬

‫ول ينفعكم نصحي واجتهادي ف دعوتكم لليان‪ ,‬إن كان ال يريد أن يضلّكم ويهلككم‪ ,‬هو سبحانه‬
‫مالككم‪ ,‬وإليه تُرجَعون ف الخرة للحساب والزاء‪.‬‬

‫ج ِرمُونَ (‪)35‬‬
‫َأمْ َيقُولُو َن ا ْفتَرَاهُ قُلْ ِإنْ افْتَ َرْيتُهُ َفعََليّ إِجْرَامِي َوَأنَا بَرِي ٌء مِمّا تُ ْ‬

‫بل أيقول هؤلء الشركون من قوم نوح‪ :‬افترى نوح هذا القول؟ قل لم‪ :‬إن كنتُ قد افتريتُ ذلك على‬
‫ال فعليّ وحدي إث ذلك‪ ,‬وإذا كنتُ صادقًا فأنتم الجرمون الثون‪ ,‬وأنا بريء مِن كفركم وتكذيبكم‬
‫وإجرامكم‪.‬‬

‫َوأُو ِحيَ إِلَى نُوحٍ َأنّهُ لَ ْن ُي ْؤمِ َن مِنْ َق ْومِكَ إِلّ مَنْ َقدْ آمَنَ فَل َتبَْتِئسْ بِمَا كَانُوا َيفْعَلُونَ (‪)36‬‬

‫‪384‬‬
‫وأوحى ال سبحانه وتعال إل نوح ‪-‬عليه السلم‪ -‬لهمّا حق على قومه العذاب‪ ,‬أنه لن يؤمن بال إل‬
‫مَن قد آمن مِن قبل‪ ,‬فل تزن يا نوح على ما كانوا يفعلون‪.‬‬

‫ك ِبأَ ْعُينِنَا َووَ ْحِينَا وَل تُخَاطِْبنِي فِي الّذِينَ ظَلَمُوا ِإّنهُ ْم ُمغْرَقُونَ (‪)37‬‬
‫وَاصْنَ ْع اْلفُلْ َ‬

‫واصنع السفينة برأى منّا وبأمرنا لك ومعونتنا‪ ،‬وأنت ف حفظنا وكلءتنا‪ ,‬ول تطلب من إمهال هؤلء‬
‫الذين ظلموا أنفسهم من قومك بكفرهم‪ ,‬فإنم مغرقون بالطوفان‪ .‬وف الية إثبات صفة العي ل تعال‬
‫على ما يليق به سبحانه‪.‬‬

‫خ ُر ِمنْكُمْ َكمَا‬
‫خرُوا ِمنْهُ قَالَ ِإنْ تَسْخَرُوا ِمنّا فَِإنّا نَسْ َ‬
‫ك وَكُلّمَا َم ّر عََليْهِ َمَلأٌ مِنْ َق ْومِ ِه سَ ِ‬
‫صنَ ُع اْلفُلْ َ‬
‫َويَ ْ‬
‫تَسْخَرُونَ (‪)38‬‬

‫ويصنع نوح السفينة‪ ,‬وكلّما مر عليه جاعة من كباء قومه سخروا منه‪ ,‬قال لم نوح‪ :‬إن تسخروا منا‬
‫اليوم لهلكم بصدق وعد ال‪ ,‬فإنا نسخر منكم غدًا عند الغرق كما تسخرون منا‪.‬‬

‫ب ُمقِيمٌ (‪)39‬‬
‫ب يُخْزِي ِه َويَحِلّ عََليْهِ عَذَا ٌ‬
‫ف َتعْلَمُونَ مَنْ يَ ْأتِيهِ عَذَا ٌ‬
‫سوْ َ‬
‫فَ َ‬

‫فسوف تعلمون إذا جاء أمر ال بذلك‪ :‬من الذي يأتيه ف الدنيا عذاب ال الذي يُهينه‪ ,‬وينل به ف‬
‫الخرة عذاب دائم ل انقطاع له؟‬

‫َحتّى ِإذَا جَاءَ َأمْ ُرنَا وَفَا َر التّنّورُ قُ ْلنَا احْ ِملْ فِيهَا مِنْ ُكلّ َزوْ َجيْ ِن اثَْنيْ ِن َوَأهْلَكَ إِلّ مَ ْن َسبَ َق عََليْ ِه اْلقَوْ ُل َومَنْ‬
‫آمَ َن َومَا آمَ َن َمعَهُ إِلّ قَلِيلٌ (‪)40‬‬

‫حت إذا جاء أمرنا بإهلكهم كما وَعدْنا نوحًا بذلك‪ ,‬ونبع الاء بقوة من التنور ‪-‬وهو الكان الذي يبز‬
‫فيه‪ -‬علمة على ميء العذاب‪ ,‬قلنا لنوح‪ :‬احل ف السفينة من كل نوع من أنواع اليوانات ذكرًا‬
‫وأنثى‪ ,‬واحل فيها أهل بيتك‪ ,‬إل مَن سبق عليهم القول من ل يؤمن بال كابنه وامرأته‪ ,‬واحل فيها من‬
‫آمن معك من قومك‪ ,‬وما آمن معه إل قليل مع طول الدة والقام فيهم‪.‬‬

‫‪385‬‬
‫وَقَالَ ارْ َكبُوا فِيهَا بِِاسْمِ اللّ ِه َمجْرَاهَا َومُ ْرسَاهَا ِإنّ َربّي َل َغفُورٌ رَحِيمٌ (‪)41‬‬

‫وقال نوح لن آمن معه‪ :‬اركبوا ف السفينة‪ ,‬باسم ال يكون جريها على وجه الاء‪ ,‬وباسم ال يكون‬
‫منتهى سيها ورُسوّها‪ .‬إن رب لَغفور ذنوب من تاب وأناب إليه من عباده‪ ,‬رحيم بم أن يعذبم بعد‬
‫التوبة‪.‬‬

‫ب َمعَنَا وَل َتكُنْ مَعَ‬


‫ح اْبنَهُ وَكَانَ فِي َمعْزِلٍ يَا ُبَنيّ ارْ َك ْ‬
‫جبَا ِل َونَادَى نُو ٌ‬
‫جرِي ِبهِمْ فِي َموْجٍ كَاْل ِ‬
‫َوهِ َي تَ ْ‬
‫الْكَافِرِينَ (‪)42‬‬

‫وهي تري بم ف موج يعلو ويرتفع حت يصي كالبال ف علوها‪ ,‬ونادى نوح ابنه ‪-‬وكان ف مكا ٍن‬
‫عَزَل فيه نفسه عن الؤمني‪ -‬فقال له‪ :‬يا بن اركب معنا ف السفينة‪ ,‬ول تكن مع الكافرين بال فتغرق‪.‬‬

‫قَا َل سَآوِي إِلَى َجبَ ٍل َيعْصِ ُمنِي مِ ْن الْمَاءِ قَا َل ل عَاصِ َم اْليَ ْو َم مِنْ َأمْرِ اللّهِ إِ ّل مَنْ رَ ِح َم وَحَا َل َبْيَنهُمَا‬
‫الْ َموْجُ َفكَانَ مِ ْن الْ ُمغْرَِقيَ (‪)43‬‬

‫قال ابن نوح‪ :‬سألأ إل جبل أتصّن به من الاء‪ ,‬فيمنعن من الغرق‪ ,‬فأجابه نوح‪ :‬ل مانع اليوم من أمر‬
‫ال وقضائه الذي قد نزل باللق من الغرق واللك إل مَن رحه ال تعال‪ ,‬فآمِنْ واركب ف السفينة‬
‫معنا‪ ,‬وحال الوج الرتفع بي نوح وابنه‪ ,‬فكان من الغرقي الالكي‪.‬‬

‫ي وَقِي َل ُبعْدا‬
‫ت عَلَى الْجُودِ ّ‬
‫ضيَ ا َلمْ ُر وَاسَْتوَ ْ‬
‫ض ابَْلعِي مَا َء ِك َويَاسَمَاءُ أَقِْلعِي َوغِيضَ الْمَا ُء وَُق ِ‬
‫وَقِي َل يَا أَ ْر ُ‬
‫لِ ْل َق ْومِ الظّاِلمِيَ (‪)44‬‬

‫وقال ال للرض ‪-‬بعد هلك قوم نوح ‪ :-‬يا أرض اشرب ماءك‪ ,‬ويا ساء أمسكي عن الطر‪ ,‬ونقص الاء‬
‫ونضب‪ ,‬وقُضي أمر ال بلك قوم نوح‪ ,‬ورست السفينة على جبل الوديّ‪ ,‬وقيل‪ :‬هلكًا وبعدًا للقوم‬
‫الظالي الذين تاوزوا حدود ال‪ ,‬ول يؤمنوا به‪.‬‬

‫َونَادَى نُوحٌ َربّهُ َفقَالَ رَبّ إِ ّن ابْنِي مِنْ أَهْلِي َوِإنّ َوعْ َد َك الْحَ ّق َوَأنْتَ أَ ْحكَ ُم الْحَاكِ ِميَ (‪)45‬‬
‫‪386‬‬
‫ونادى نوح ربه فقال‪ :‬رب إنك وعَدْتن أن تنجين وأهلي من الغرق واللك‪ ,‬وإن ابن هذا من أهلي‪,‬‬
‫وإن وعدك الق الذي ل ُخلْف فيه‪ ,‬وأنت أحكم الاكمي وأعدلم‪.‬‬

‫ك بِ ِه عِلْمٌ ِإنّي َأعِظُكَ َأنْ َتكُونَ‬


‫سأَلْنِي مَا َلْيسَ لَ َ‬
‫قَا َل يَا نُوحُ ِإنّهُ َلْيسَ مِنْ َأهْلِكَ ِإنّ ُه عَمَ ٌل َغيْرُ صَالِحٍ فَل تَ ْ‬
‫مِ ْن الْجَاهِلِيَ (‪)46‬‬

‫قال ال‪ :‬يا نوح إن ابنك الذي هلك ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنيهم; وذلك بسبب كفره‪,‬‬
‫وعمله عمل غي صال‪ ,‬وإن أناك أن تسألن أمرًا ل علم لك به‪ ,‬إن أعظك لئل تكون من الاهلي ف‬
‫مسألتك إياي عن ذلك‪.‬‬

‫قَالَ رَبّ إِنّي أَعُو ُذ بِكَ َأنْ َأ ْسأَلَكَ مَا َلْيسَ لِي بِهِ عِ ْل ٌم َوإِلّ َت ْغفِرْ لِي َوتَرْحَ ْمنِي أَكُنْ مِ ْن الْخَاسِرِينَ (‪)47‬‬

‫قال نوح‪ :‬يا رب إن أعتصم وأستجي بك أن أسألك ما ليس ل به علم‪ ,‬وإن ل تغفر ل ذنب‪ ,‬وترحن‬
‫برحتك‪ ,‬أكن من الذين َغبَنوا أنفسهم حظوظها وهلكوا‪.‬‬

‫سهُ ْم ِمنّا عَذَابٌ‬


‫ك َوُأمَمٌ َسنُ َمّت ُعهُ ْم ثُ ّم يَمَ ّ‬
‫ط بِسَل ٍم ِمنّا َوبَرَكَاتٍ عََليْكَ َوعَلَى ُأمَ ٍم مِمّ ْن َمعَ َ‬
‫قِي َل يَا نُوحُ ا ْهبِ ْ‬
‫أَلِيمٌ (‪)48‬‬

‫قال ال‪ :‬يا نوح اهبط من السفينة إل الرض بأمن وسلمة منّا وبركات عليك وعلى أمم من معك‪.‬‬
‫وهناك أمم وجاعات من أهل الشقاء سنمتعهم ف الياة الدنيا‪ ,‬إل أن يبلغوا آجالم‪ ,‬ث ينالم منا‬
‫العذاب الوجع يوم القيامة‪.‬‬

‫صِبرْ إِ ّن الْعاقَِبةَ‬
‫ت َتعْلَ ُمهَا َأْنتَ وَل َق ْومُكَ مِنْ َقبْ ِل هَذَا فَا ْ‬
‫ك مَا كُن َ‬
‫ب نُوحِيهَا إَِليْ َ‬
‫ك مِنْ َأْنبَاءِ اْل َغيْ ِ‬
‫تِلْ َ‬
‫لِلْ ُمّتقِيَ (‪)49‬‬

‫‪387‬‬
‫تلك القصة الت قصصناها عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عن نوح وقومه هي من أخبار الغيب السالفة‪ ،‬نوحيها‬
‫إليك‪ ,‬ما كنت تعلمها أنت ول قومك مِن قبل هذا البيان‪ ,‬فاصب على تكذيب قومك وإيذائهم لك‪,‬‬
‫كما صب النبياء من قبل‪ ,‬إن العاقبة الطيبة ف الدنيا والخرة للمتقي الذين يشون ال‪.‬‬

‫َوإِلَى عَادٍ أَخَاهُ ْم هُودا قَا َل يَا َق ْومِ ا ْعبُدُوا اللّ َه مَا َلكُ ْم مِنْ إِلَهٍ غَيْ ُرهُ ِإنْ َأْنتُمْ إِلّ ُم ْفتَرُونَ (‪)50‬‬

‫وأرسلنا إل عاد أخاهم هودًا‪ ،‬قال لم‪ :‬يا قوم اعبدوا ال وحده‪ ,‬ليس لكم من إله يستحق العبادة غيه‬
‫جل وعل‪ ،‬فأخلصوا له العبادة‪ ,‬فما أنتم إل كاذبون ف إشراككم بال‪.‬‬

‫يَا َق ْومِ ل َأ ْسأَلُكُ ْم عََليْهِ أَجْرا إِنْ أَجْرِي إِلّ عَلَى الّذِي فَ َط َرنِي أَفَل َتعْقِلُونَ (‪)51‬‬

‫يا قوم ل أسألكم على ما أدعوكم إليه من إخلص العبادة ل وترك عبادة الوثان أجرًا‪ ,‬ما أجري على‬
‫دعوت لكم إل على ال الذي خلقن‪ ،‬أفل تعقلون فتميّزوا بي الق والباطل؟‬

‫َويَا َق ْو ِم ا ْستَ ْغفِرُوا َرّبكُمْ ثُ ّم تُوبُوا إَِليْ ِه يُ ْرسِلْ السّمَا َء عََلْيكُ ْم مِدْرَارا َويَزِدْكُمْ ُقوّةً إِلَى ُق ّوِتكُ ْم وَل تََتوَّلوْا‬
‫مُجْ ِر ِميَ (‪)52‬‬

‫ويا قوم اطلبوا مغفرة ال واليان به‪ ,‬ث توبوا إليه من ذنوبكم‪ ,‬فإنكم إن فعلتم ذلك يرسل الطر عليكم‬
‫متتابعًا كثيًا‪ ,‬فتكثر خياتكم‪ ،‬ويزدكم قوة إل قوتكم بكثرة ذرياتكم وتتابع النّعم عليكم‪ ,‬ول تُعرضوا‬
‫عما دعوتكم إليه مصرّين على إجرامكم‪.‬‬

‫ك بِ ُم ْؤ ِمنِيَ (‪)53‬‬
‫حنُ لَ َ‬
‫قَالُوا يَا هُو ُد مَا ِجْئَتنَا بَِبّيَنةٍ َومَا نَحْ ُن ِبتَارِكِي آِلهَِتنَا عَنْ َقوْلِكَ َومَا نَ ْ‬

‫قالوا‪ :‬يا هود ما جئتنا بجة واضحة على صحة ما تدعونا إليه‪ ,‬وما نن بتاركي آلتنا الت نعبدها من‬
‫أجل قولك‪ ,‬وما نن بصدّقي لك فيما تدّعيه‪.‬‬

‫ِإنْ َنقُولُ إِلّ ا ْعتَرَا َك َب ْعضُ آِل َهِتنَا بِسُوءٍ قَالَ ِإنّي ُأ ْشهِدُ اللّ َه وَا ْشهَدُوا َأنّي بَرِي ٌء مِمّا تُشْرِكُونَ (‪ )54‬مِنْ‬

‫‪388‬‬
‫دُونِهِ َفكِيدُونِي جَمِيعا ثُ ّم ل ُتنْظِرُونِ (‪)55‬‬

‫ما نقول إل أن بعض آلتنا أصابك بنون بسبب نيك عن عبادتا‪ .‬قال لم‪ :‬إن أُشهد ال على ما أقول‪,‬‬
‫وأُشهدكم على أنن بريء ما تشركون‪ ,‬مِن دون ال من النداد والصنام‪ ,‬فانظروا واجتهدوا أنتم ومَن‬
‫زعمتم من آلتكم ف إلاق الضرر ب‪ ,‬ث ل تؤخروا ذلك طرفة عي؛ ذلك أن هودًا واثق كل الوثوق أنه‬
‫ل يصيبه منهم ول من آلتهم أذى‪.‬‬

‫ستَقِيمٍ (‪)56‬‬
‫ط مُ ْ‬
‫صرَا ٍ‬
‫صيَِتهَا إِنّ َربّي عَلَى ِ‬
‫ِإنّي َتوَكّ ْلتُ عَلَى اللّهِ َربّي وَ َربّكُ ْم مَا مِنْ دَابّةٍ إِ ّل ُهوَ آ ِخ ٌذ ِبنَا ِ‬

‫إن توكلت على ال رب وربكم مالك كل شيء والتصرف فيه‪ ,‬فل يصيبن شيء إل بأمره‪ ,‬وهو القادر‬
‫على كل شيء‪ ,‬فليس من شيء يدِبّ على هذه الرض إل وال مالكه‪ ,‬وهو ف سلطانه وتصرفه‪ .‬إن رب‬
‫على صراط مستقيم‪ ,‬أي عدل ف قضائه وشرعه وأمره‪ .‬يازي الحسن بإحسانه والسيء بإساءته‪.‬‬

‫خلِفُ َربّي َقوْما َغيْرَكُ ْم وَل َتضُرّونَهُ َشيْئا إِنّ َربّي عَلَى‬
‫فَِإنْ َتوَّلوْا َفقَدْ أَبَْل ْغُتكُ ْم مَا أُ ْرسِ ْلتُ بِهِ إَِلْيكُ ْم َويَسْتَ ْ‬
‫كُ ّل َشيْءٍ َحفِيظٌ (‪)57‬‬

‫فإن تُعرضوا عما أدعوكم إليه من توحيد ال وإخلص العبادة له فقد أبلغتكم رسالة رب إليكم‪ ,‬وقامت‬
‫عليكم الجة‪ ,‬وحيث ل تؤمنوا بال فسيهلككم ويأت بقوم آخرين يلفونكم ف دياركم وأموالكم‪,‬‬
‫ويلصون ل العبادة‪ ,‬ول تضرونه شيئًا‪ ,‬إن رب على كل شيء حفيظ‪ ,‬فهو الذي يفظن من أن تنالون‬
‫بسوء‪.‬‬

‫جْينَاهُ ْم مِ ْن عَذَابٍ غَلِيظٍ (‪)58‬‬


‫جيْنَا هُودا وَالّذِينَ آمَنُوا َمعَ ُه بِ َرحْ َم ٍة ِمنّا َونَ ّ‬
‫وَلَمّا جَاءَ َأمْ ُرنَا َن ّ‬

‫ولا جاء أمرنا بعذاب قوم هود نّينا منه هودًا والؤمني بفضل منّا عليهم ورحة‪ ,‬ونّيناهم من عذاب‬
‫شديد أحله ال بعادٍ فأصبحوا ل يُرى إل مساكنُهم‪.‬‬

‫صوْا ُرسُلَ ُه وَاّتبَعُوا َأمْرَ كُلّ َجبّا ٍر َعنِيدٍ (‪)59‬‬


‫ك عَادٌ َجحَدُوا بِآيَاتِ َرّبهِ ْم َو َع َ‬
‫َوتِلْ َ‬

‫‪389‬‬
‫وتلك عاد كفروا بآيات ال وعصَوا رسله‪ ,‬وأطاعوا أمر كل مستكب على ال ل يقبل الق ول يُذْعن‬
‫له‪.‬‬

‫َوُأتِْبعُوا فِي هَ ِذهِ ال ّدْنيَا َلعَْن ًة َوَيوْ َم اْلقِيَا َمةِ أَل ِإ ّن عَادا َكفَرُوا َرّبهُمْ أَل ُبعْدا ِلعَادٍ َق ْو ِم هُودٍ (‪)60‬‬

‫وأُتبعوا ف هذه الدنيا لعنة من ال وسخطًا منه يوم القيامة‪ .‬أل إن عادًا جحدوا ربم وكذّبوا رسله‪ .‬أل‬
‫ُبعْدًا وهلكًا لعاد قوم هود; بسبب شركهم وكفرهم نعمة ربم‪.‬‬

‫شأَكُ ْم مِ ْن الَ ْرضِ‬


‫َوإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحا قَا َل يَا َق ْو ِم اعْبُدُوا اللّ َه مَا َلكُ ْم مِنْ إِلَهٍ َغيْ ُر ُه ُهوَ أَن َ‬
‫ب مُجِيبٌ (‪)61‬‬ ‫وَا ْسَتعْمَرَكُمْ فِيهَا فَا ْسَت ْغفِرُو ُه ثُ ّم تُوبُوا إَِليْهِ ِإنّ َربّي َقرِي ٌ‬

‫وأرسلنا إل ثود أخاهم صالًا‪ ,‬فقال لم‪ :‬يا قوم اعبدوا ال وحده ليس لكم من إله يستحق العبادة غيه‬
‫جل وعل‪ ،‬فأخلصوا له العبادة‪ ,‬هو الذي بدأ خَلْقكم من الرض بلق أبيكم آدم منها‪ ,‬وجعلكم عُمّارا‬
‫لا‪ ,‬فاسألوه أن يغفر لكم ذنوبكم‪ ,‬وارجعوا إليه بالتوبة النصوح‪ .‬إن رب قريب لن أخلص له العبادة‪,‬‬
‫ورغب إليه ف التوبة‪ ,‬ميب له إذا دعاه‪.‬‬

‫قَالُوا يَا صَاِلحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْ ُجوّا َقبْ َل هَذَا َأتَْنهَانَا أَ ْن َنعْبُ َد مَا َي ْعبُ ُد آبَاؤُنَا َوِإّننَا َلفِي شَكّ مِمّا تَ ْدعُونَا‬
‫إَِليْهِ مُرِيبٍ (‪)62‬‬

‫قالت ثود لنبيّهم صال‪ :‬لقد كنا نرجو أن تكون فينا سيدًا مطاعًا قبل هذا القول الذي قلته لنا‪ ,‬أتنهانا‬
‫أن نعبد اللة الت كان يعبدها آباؤنا؟ وإننا لفي شكّ مريب مِن دعوتك لنا إل عبادة ال وحده‪.‬‬

‫صيْتُهُ فَمَا‬
‫ت عَلَى َبّيَنةٍ مِنْ َربّي وَآتَانِي ِمنْهُ رَحْ َمةً َفمَ ْن يَنصُ ُرنِي مِنْ اللّهِ ِإنْ َع َ‬
‫قَا َل يَا َق ْومِ أَ َرَأيْتُمْ ِإنْ كُن ُ‬
‫تَزِيدُوَننِي غَيْرَ تَخْسِيٍ (‪)63‬‬

‫‪390‬‬
‫قال صال لقومه‪ :‬يا قوم أخبون إن كنت على برهان من ال وآتان منه النبوة والكمة‪ ,‬فمن الذي‬
‫يدفع عن عقاب ال تعال إن عصيته فلم أبلّغ الرسالة وأنص ْح لكم؟ فما تزيدونن غي تضليل وإبعاد عن‬
‫الي‪.‬‬

‫َويَا َق ْو ِم هَ ِذ ِه نَاَقةُ اللّهِ َلكُ ْم آَيةً فَ َذرُوهَا َتأْكُلْ فِي أَ ْرضِ اللّ ِه وَل تَمَسّوهَا بِسُوءٍ َفَيأْخُذَكُ ْم عَذَابٌ قَرِيبٌ (‬
‫‪)64‬‬

‫ويا قوم هذه ناقة ال جعلها لكم حجة وعلمة تدلّ على صدقي فيما أدعوكم إليه‪ ,‬فاتركوها تأكل ف‬
‫أرض ال فليس عليكم رزقها‪ ,‬ول تسّوها بعَقْر‪ ,‬فإنكم إن فعلتم ذلك يأخذكم من ال عذاب قريب من‬
‫َعقْرها‪.‬‬

‫ك َوعْدٌ َغيْ ُر َمكْذُوبٍ (‪)65‬‬


‫َف َعقَرُوهَا َفقَالَ تَ َمتّعُوا فِي دَارِكُ ْم ثَلَثةَ َأيّامٍ ذَلِ َ‬

‫فكذّبوه ونروا الناقة‪ ,‬فقال لم صال‪ :‬استمتعوا بياتكم ف بلدكم ثلثة أيام‪ ,‬فإن العذاب نازل بكم‬
‫بعدها‪ ,‬وذلك وَعْدٌ من ال غي مكذوب‪ ,‬ل بد من وقوعه‪.‬‬

‫ي َي ْومِئِذٍ ِإنّ َربّكَ ُه َو اْل َقوِيّ اْلعَزِيزُ (‬


‫جْينَا صَالِحا وَالّذِينَ آ َمنُوا َمعَهُ ِبرَحْ َم ٍة ِمنّا َومِنْ ِخزْ ِ‬
‫فََلمّا جَاءَ َأمْ ُرنَا نَ ّ‬
‫‪)66‬‬

‫فلما جاء أمرنا بلك ثود نينا صالًا والذين آمنوا معه من اللك برحة منا‪ ,‬ونيناهم من هوان ذلك‬
‫اليوم وذلّته‪ .‬إن ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هو القوي العزيز‪ ,‬ومِن قوته وعزته أن أهلك المم الطاغية‪ ,‬ونّى‬
‫الرسل وأتباعهم‪.‬‬

‫صبَحُوا فِي ِديَا ِرهِمْ جَاثِمِيَ (‪)67‬‬


‫حةُ َفأَ ْ‬
‫صيْ َ‬
‫َوأَخَ َذ الّذِي َن ظَلَمُوا ال ّ‬

‫وأخذت الصيحة القوية ثود الظالي‪ ,‬فأصبحوا ف ديارهم موتى هامدين ساقطي على وجوههم ل‬
‫ِحرَاك لم‪.‬‬

‫‪391‬‬
‫َكأَنْ لَ ْم َي ْغنَوْا فِيهَا أَل ِإنّ ثَمُودَ َكفَرُوا َرّبهُمْ أَل ُبعْدا ِلثَمُودَ (‪)68‬‬

‫كأنم ف سرعة زوالم وفنائهم ل يعيشوا فيها‪ .‬أل إن ثود جحدوا بآيات ربم وحججه‪ .‬أل ُبعْدًا لثمود‬
‫وطردًا لم من رحة ال‪ ,‬فما أشقاهم وأذلّهم!!‬

‫وََلقَدْ جَاءَتْ ُر ُسُلنَا ِإبْرَاهِي َم بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلما قَا َل سَلمٌ َفمَا َلبِثَ َأنْ جَا َء ِبعِجْلٍ َحنِيذٍ (‪)69‬‬

‫ولقد جاءت اللئكة إبراهيم يبشرونه هو وزوجته بإسحاق‪ ,‬ويعقوبَ بعده‪ ,‬فقالوا‪ :‬سلمًا‪ ,‬قال ردّا على‬
‫تيتهم‪ :‬سلم‪ ,‬فذهب سريعًا وجاءهم بعجل سي مشويّ ليأكلوا منه‪.‬‬

‫س ِمْنهُمْ خِي َفةً قَالُوا ل تَخَفْ ِإنّا أُ ْرسِ ْلنَا إِلَى َق ْومِ لُوطٍ (‪)70‬‬
‫فَلَمّا َرأَى َأيْ ِدَيهُمْ ل َتصِلُ إَِليْهِ َنكِ َرهُ ْم َوَأوْ َج َ‬

‫فلما رأى إبراهيم أيديهم ل تَصِل إل العجل الذي أتاهم به ول يأكلون منه‪ ,‬أنكر ذلك منهم‪ ,‬وأحس ف‬
‫ف إنا ملئكة ربك‬
‫نفسه خيفة وأضمرها‪ ,‬قالت اللئكة ‪-‬لا رأت ما بإبراهيم من الوف‪ :-‬ل تَخَ ْ‬
‫أُرسلنا إل قوم لوط لهلكهم‪.‬‬

‫ح َكتْ َفبَشّ ْرنَاهَا بِِإسْحَ َق َومِ ْن وَرَاءِ ِإسْحَ َق َي ْعقُوبَ (‪)71‬‬


‫وَامْ َرَأتُهُ قَائِ َمةٌ َفضَ ِ‬

‫وامرأة إبراهيم ‪-‬سارة‪ -‬كانت قائمة من وراء الستر تسمع الكلم‪ ,‬فضحكت تعجبًا ما سعت‪,‬‬
‫فبشرناها على ألسنة اللئكة بأنا ستلد مِن زوجها إبراهيم ولدًا يسمى إسحاق‪ ,‬وسيعيش ولدها‪,‬‬
‫وسيكون لا بعد إسحاق حفيد منه‪ ,‬وهو يعقوب‪.‬‬

‫شيْ ٌء عَجِيبٌ (‪)72‬‬


‫قَاَلتْ يَا َويَْلتَا َأأَلِ ُد َوَأنَا عَجُوزٌ وَهَذَا َبعْلِي َشيْخا ِإ ّن هَذَا لَ َ‬

‫قالت سارة لا بُشّرت بإسحاق متعجبة‪ :‬يا ويلتا كيف يكون ل ولد وأنا عجوز‪ ,‬وهذا زوجي ف حال‬
‫الشيخوخة والكب؟ إن إناب الولد مِن مثلي ومثل زوجي مع كب السن لَشيء عجيب‪.‬‬

‫‪392‬‬
‫ي مِنْ َأمْرِ اللّهِ رَحْ َمةُ اللّ ِه َوبَرَكَاتُ ُه عََلْيكُمْ أَهْ َل اْلَبيْتِ ِإنّهُ حَمِي ٌد مَجِيدٌ (‪)73‬‬
‫جبِ َ‬
‫قَالُوا َأَتعْ َ‬

‫قالت الرسل لا‪ :‬أتعجبي من أمر ال وقضائه؟ رحة ال وبركاته عليكم معشر أهل بيت النبوة‪ .‬إنه‬
‫سبحانه وتعال حيد الصفات والفعال‪ ,‬ذو مَجْد وعظمة فيها‪.‬‬

‫فََلمّا َذ َهبَ عَنْ ِإبْرَاهِيمَ ال ّر ْوعُ وَجَا َءتْ ُه اْلبُشْرَى يُجَادُِلنَا فِي َق ْومِ لُوطٍ (‪)74‬‬

‫فلما ذهب عن إبراهيم الوف الذي انتابه لعدم أكل الضيوف الطعام‪ ,‬وجاءته البشرى بإسحاق‬
‫ويعقوب‪ ,‬ظلّ يادل رسلنا فيما أرسلناهم به من عقاب قوم لوط وإهلكهم‪.‬‬

‫ِإنّ ِإبْرَاهِيمَ َلحَلِيمٌ َأوّا ٌه ُمنِيبٌ (‪)75‬‬

‫إن إبراهيم كثي اللم ل يب العاجلة بالعقاب‪ ,‬كثي التضرع إل ال والدعاء له‪ ,‬تائب يرجع إل ال ف‬
‫أموره كلها‪.‬‬

‫ب َغيْ ُر مَ ْردُودٍ (‪)76‬‬


‫يَا ِإبْرَاهِيمُ َأعْ ِرضْ عَ ْن هَذَا ِإنّهُ َقدْ جَاءَ َأمْرُ َربّكَ َوِإّنهُ ْم آتِيهِمْ عَذَا ٌ‬

‫قالت رسل ال‪ :‬يا إبراهيم أعرض عن هذا الدال ف أمر قوم لوط والتماس الرحة لم; فإنه قد حق‬
‫عليهم العذاب‪ ,‬وجاء أمر ربك الذي قدّره عليهم بلكهم‪ ,‬وإنم نازل بم عذاب من ال غي مصروف‬
‫عنهم ول مدفوع‪.‬‬

‫ق ِبهِمْ ذَرْعا وَقَا َل هَذَا َي ْو ٌم َعصِيبٌ (‪)77‬‬


‫وَلَمّا جَاءَتْ ُرسُُلنَا لُوطا سِيءَ ِبهِمْ وَضَا َ‬

‫ولا جاءت ملئكتنا لوطًا ساءه ميئهم واغتمّ لذلك; وذلك لنه ل يكن يعلم أنم رسل ال‪ ,‬فخاف‬
‫عليهم من قومه‪ ,‬وقال‪ :‬هذا يوم بلء وشدة‪.‬‬

‫سّيئَاتِ قَا َل يَا َق ْومِ َهؤُل ِء بَنَاتِي هُنّ َأ ْطهَرُ َلكُمْ فَاّتقُوا‬
‫وَجَا َءهُ َق ْومُهُ ُيهْ َرعُونَ إَِليْ ِه َومِنْ َقبْلُ كَانُوا َيعْمَلُونَ ال ّ‬
‫ضْيفِي أََلْيسَ ِمْنكُمْ رَ ُجلٌ َرشِيدٌ (‪)78‬‬ ‫اللّ َه وَل ُتخْزُونِي فِي َ‬
‫‪393‬‬
‫وجاء قومُ لوط يسرعون الشي إليه لطلب الفاحشة‪ ,‬وكانوا مِن قبل ميئهم يأتون الرجال شهوة دون‬
‫النساء‪ ,‬فقال لوط لقومه‪ :‬هؤلء بنات تَ َزوّجوهن فهنّ أطهر لكم ما تريدون‪ ,‬وساهن بناته; لن نب المة‬
‫بنلة الب لم‪ ,‬فاخشوا ال واحذروا عقابه‪ ,‬ول تفضحون بالعتداء على ضيفي‪ ,‬أليس منكم رجل ذو‬
‫رشد‪ ,‬ينهى من أراد ركوب الفاحشة‪ ,‬فيحول بينهم وبي ذلك؟‬

‫ك مِنْ َح ّق َوإِنّكَ َلَتعْلَ ُم مَا نُرِيدُ (‪)79‬‬


‫قَالُوا َلقَ ْد عَِل ْمتَ مَا َلنَا فِي َبنَاتِ َ‬

‫قال قوم لوط له‪ :‬لقد علمتَ من قب ُل أنه ليس لنا ف النساء من حاجة أو رغبة‪ ,‬وإنك لتعلم ما نريد‪ ,‬أي‬
‫ل نريد إل الرجال ول رغبة لنا ف نكاح النساء‪.‬‬

‫قَالَ َلوْ َأنّ لِي ِبكُمْ ُق ّوةً َأ ْو آوِي إِلَى رُكْ ٍن َشدِيدٍ (‪)80‬‬

‫قال لم حي أبوا إل فعل الفاحشة‪ :‬لو أن ل بكم قوة وأنصارًا معي‪ ,‬أو أركَن إل عشية تنعن منكم‪,‬‬
‫ح ْلتُ بينكم وبي ما تريدون‪.‬‬
‫لَ ُ‬

‫ك ِبقِطْ ٍع مِنْ الّليْ ِل وَل يَ ْلَت ِفتْ ِمْنكُمْ أَحَدٌ إِلّ‬


‫قَالُوا يَا لُوطُ ِإنّا ُرسُلُ َربّكَ لَ ْن َيصِلُوا إِلَيْكَ َفَأسْ ِر ِبأَهْلِ َ‬
‫صبْ ُح ِبقَرِيبٍ (‪)81‬‬ ‫امْ َرأَتَكَ ِإنّهُ مُصِيُبهَا مَا أَصَاَبهُمْ ِإنّ َم ْوعِ َدهُ ْم الصّبْحُ أََلْيسَ ال ّ‬

‫قالت اللئكة‪ :‬يا لوط إنّا رسل ربك أَ ْر َسلَنا لهلك قومك‪ ,‬وإنم لن يصلوا إليك‪ ,‬فاخرج من هذه‬
‫القرية أنت وأهلك ببقية من الليل‪ ,‬ول يلتفت منكم أحد وراءه; لئل يرى العذاب فيصيبه‪ ,‬لكنّ امرأتك‬
‫الت خانتك بالكفر والنفاق سيصيبها ما أصاب قومك من اللك‪ ,‬إن موعد هلكهم الصبح‪ ,‬وهو موعد‬
‫قريب اللول‪.‬‬

‫س ّو َم ًة عِنْدَ َربّكَ‬
‫فََلمّا جَاءَ َأمْ ُرنَا َج َع ْلنَا عَاِلَيهَا سَافَِلهَا َوَأمْطَ ْرنَا عََلْيهَا حِجَا َرةً مِ ْن ِسجّي ٍل َمنْضُودٍ (‪ )82‬مُ َ‬
‫ي ِبَبعِيدٍ (‪)83‬‬ ‫َومَا ِه َي مِنْ الظّالِمِ َ‬

‫‪394‬‬
‫فلما جاء أمرنا بنول العذاب بم جعلنا عال قريتهم الت كانوا يعيشون فيها سافلها فقلبناها‪ ,‬وأمطرنا‬
‫ف بعضها إل بعض متتابعة‪ ,‬معلّمة عند ال بعلمة معروفة‬ ‫عليهم حجارة من طي متصلّب متي‪ ,‬قد صُ ّ‬
‫ل تشاكِل حجارة الرض‪ ,‬وما هذه الجارة الت أمطرها ال على قوم لوط من كفار قريش ببعيد أن‬
‫يُمْطَروا بثلها‪ .‬وف هذا تديد لكل عاص متمرّد على ال‪.‬‬

‫َوإِلَى مَ ْديَنَ أَخَاهُ ْم ُش َعيْبا قَالَ يَا َق ْو ِم اعْبُدُوا اللّ َه مَا َلكُمْ مِنْ إِلَهٍ َغيْ ُر ُه وَل تَن ُقصُوا الْ ِمكْيَا َل وَالْمِيزَانَ ِإنّي‬
‫ف عََلْيكُ ْم عَذَابَ َيوْ ٍم مُحِيطٍ (‪)84‬‬ ‫خيْ ٍر َوِإنّي أَخَا ُ‬ ‫أَرَاكُمْ بِ َ‬

‫وأرسلنا إل "مدين" أخاهم شعيبًا‪ ,‬فقال‪ :‬يا قوم اعبدوا ال وحده‪ ,‬ليس لكم مِن إله يستحق العبادة غيه‬
‫جل وعل‪ ،‬فأخلصوا له العبادة‪ ،‬ول تنقصوا الناس حقوقهم ف مكاييلهم وموازينهم‪ ,‬إن أراكم ف َسعَة‬
‫عيش‪ ,‬وإن أخاف عليكم ‪-‬بسبب إنقاص الكيال واليزان‪ -‬عذاب يوم ييط بكم‪.‬‬

‫َويَا َق ْومِ َأوْفُوا الْ ِم ْكيَا َل وَالْمِيزَا َن بِاْلقِسْطِ وَل َتبْخَسُوا النّاسَ َأشْيَا َءهُ ْم وَل َتعَْثوْا فِي الَ ْرضِ ُمفْسِدِينَ (‬
‫‪)85‬‬

‫ويا قوم أتهمّوا الكيال واليزان بالعدل‪ ,‬ول ُتْنقِصوا الناس حقهم ف عموم أشيائهم‪ ,‬ول تسيوا ف‬
‫الرض تعملون فيها بعاصي ال ونشر الفساد‪.‬‬

‫حفِيظٍ (‪)86‬‬
‫ي َومَا أَنَا عََلْيكُ ْم بِ َ‬
‫َبقِّيةُ اللّهِ َخيْرٌ َلكُمْ ِإنْ كُنتُ ْم ُم ْؤ ِمنِ َ‬

‫إن ما يبقى لكم بعد إيفاء الكيل واليزان من الربح اللل خي لكم مهمّا تأخذونه بالتطفيف ونوه من‬
‫الكسب الرام‪ ,‬إن كنتم تؤمنون بال حقا‪ ,‬فامتثلوا أمره‪ ,‬وما أنا عليكم برقيب أحصي عليكم أعمالكم‪.‬‬

‫حلِيمُ‬
‫قَالُوا يَا ُش َعيْبُ أَصَلتُكَ َت ْأمُ ُركَ َأ ْن َنتْ ُركَ مَا َي ْعبُ ُد آبَاؤُنَا َأوْ أَ ْن َن ْفعَلَ فِي َأ ْموَالِنَا مَا نَشَاءُ ِإنّكَ َلْنتَ الْ َ‬
‫ال ّرشِيدُ (‪)87‬‬

‫‪395‬‬
‫قالوا‪ :‬يا شعيب أهذه الصلة الت تداوم عليها تأمرك بأن نترك ما يعبده آباؤنا من الصنام والوثان‪ ,‬أو‬
‫أن نتنع عن التصرف ف كسب أموالنا با نستطيع من احتيال ومكر؟ وقالوا ‪-‬استهزا ًء به‪ :-‬إنك لنت‬
‫الليم الرشيد‪.‬‬

‫ت عَلَى َبّيَنةٍ مِنْ َربّي وَرَزََقنِي ِمنْهُ ِرزْقا حَسَنا َومَا أُرِيدُ أَنْ أُخَاِل َفكُمْ إِلَى مَا‬ ‫قَا َل يَا َق ْومِ أَ َرَأيْتُمْ ِإنْ كُن ُ‬
‫َأنْهَاكُ ْم َعنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِ ّل الِصْلحَ مَا ا ْستَ َط ْعتُ َومَا َتوْفِيقِي إِ ّل بِاللّ ِه عََليْ ِه َتوَكّ ْلتُ َوإَِليْهِ ُأنِيبُ (‪)88‬‬

‫قال شعيب‪ :‬يا قوم أرأيتم إن كنت على طريق واضح من رب فيما أدعوكم إليه من إخلص العبادة له‪,‬‬
‫وفيما أناكم عنه من إفساد الال‪ ,‬ورزقن منه رزقًا واسعًا حلل طيبًا؟ وما أريد أن أخالفكم فأرتكب‬
‫أمرًا نيتكم عنه‪ ,‬وما أريد فيما آمركم به وأناكم عنه إل إصلحكم َقدْر طاقت واستطاعت‪ ,‬وما توفيقي‬
‫‪-‬ف إصابة الق وماولة إصلحكم‪ -‬إل بال‪ ,‬على ال وحده توكلت وإليه أرجع بالتوبة والنابة‪.‬‬

‫ج ِر َمنّكُ ْم ِشقَاقِي َأ ْن ُيصِيبَكُ ْم ِمثْ ُل مَا أَصَابَ َق ْو َم نُوحٍ َأوْ َق ْو َم هُودٍ َأوْ َق ْومَ صَالِ ٍح َومَا َق ْومُ‬
‫َويَا َق ْو ِم ل يَ ْ‬
‫ط ِمنْكُ ْم ِبَبعِيدٍ (‪)89‬‬ ‫لُو ٍ‬

‫ويا قوم ل تملنّكم عداوت وبغضي وفراق الدين الذي أنا عليه على العناد والصرار على ما أنتم عليه‬
‫من الكفر بال‪ ,‬فيصيبكم مثلُ ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صال من اللك‪ ,‬وما قوم لوط وما‬
‫حلّ بم من العذاب ببعيدين عنكم ل ف الدار ول ف الزمان‪.‬‬

‫وَا ْسَت ْغفِرُوا َرّبكُ ْم ثُ ّم تُوبُوا إَِليْهِ ِإنّ َربّي َرحِي ٌم وَدُودٌ (‪)90‬‬

‫واطلبوا من ربّكم الغفرة لذنوبكم‪ ,‬ث ارجعوا إل طاعته واستمروا عليها‪ .‬إن ربّي رحيم كثي الودة‬
‫والحبة لن تاب إليه وأناب‪ ,‬يرحه ويقبل توبته‪ .‬وف الية إثبات صفة الرحة والودة ل تعال‪ ,‬كما يليق‬
‫به سبحانه‪.‬‬

‫ت عََلْينَا‬
‫ضعِيفا وََلوْل َرهْطُكَ لَرَ َج ْمنَا َك َومَا َأنْ َ‬
‫ب مَا َن ْفقَهُ َكثِيا ِممّا َتقُو ُل َوِإنّا َلنَرَاكَ فِينَا َ‬
‫قَالُوا يَا ُش َعيْ ُ‬
‫ِبعَزِيزٍ (‪)91‬‬

‫‪396‬‬
‫قالوا‪ :‬يا شعيب ما نفقه كثيًا ما تقول‪ ,‬وإننا لَنراك فينا ضعيفًا لست من الكباء ول من الرؤساء‪ ,‬ولول‬
‫مراعاة عشيتك لقتلناك َرجْما بالجارة ‪-‬وكان رهطه من أهل ملتهم‪ ،-‬وليس لك قَدْر واحترام ف‬
‫نفوسنا‪.‬‬

‫خ ْذتُمُوهُ وَرَاءَكُ ْم ِظهْ ِريّا ِإنّ َربّي بِمَا َتعْمَلُونَ ُمحِيطٌ (‪)92‬‬
‫قَا َل يَا َق ْومِ أَ َرهْطِي َأعَ ّز عََلْيكُ ْم مِنْ اللّ ِه وَاتّ َ‬

‫قال‪ :‬يا قوم أعشيت أعزّ وأكرم عليكم من ال؟ ونبذت أمر ربكم فجعلتموه خلف ظهوركم‪ ,‬ل تأترون‬
‫به ول تنتهون بنهيه‪ ,‬إن رب با تعملون ميط‪ ,‬ل يفى عليه من أعمالكم مثقال ذرة‪ ,‬وسيجازيكم عليها‬
‫عاجل وآجل‪.‬‬

‫ب وَا ْرتَ ِقبُوا‬


‫ف َتعْلَمُونَ مَ ْن َي ْأتِي ِه عَذَابٌ يُخْزِي ِه َومَ ْن ُهوَ كَاذِ ٌ‬
‫َويَا َق ْو ِم اعْمَلُوا عَلَى َمكَانَِتكُمْ ِإنّي عَامِ ٌل َسوْ َ‬
‫ِإنّي َمعَكُمْ رَقِيبٌ (‪)93‬‬

‫ويا قوم اعملوا كل ما تستطيعون على طريقتكم وحالتكم‪ ,‬إن عامل مثابر على طريقت وما وهبن رب‬
‫مِن دعوتكم إل التوحيد‪ ,‬سوف تعلمون مَن منا يأتيه عذاب يذلّه‪ ,‬ومَن منا كاذب ف قوله‪ ,‬أنا أم أنتم؟‬
‫وانتظروا ما سيحل بكم إن معكم من النتظرين‪ .‬وهذا تديد شديد لم‪.‬‬

‫صبَحُوا فِي‬
‫حةُ َفأَ ْ‬
‫صيْ َ‬
‫ت الّذِي َن ظَلَمُوا ال ّ‬
‫جيْنَا ُش َعيْبا وَالّذِينَ آمَنُوا َمعَ ُه بِ َرحْ َم ٍة ِمنّا َوأَ َخذَ ْ‬
‫وَلَمّا جَاءَ َأمْ ُرنَا َن ّ‬
‫ِديَا ِرهِمْ جَاثِمِيَ (‪)94‬‬

‫ولا جاء أمرنا بإهلك قوم شعيب نّينا رسولنا شعيبًا والذين آمنوا معه برحة منا‪ ,‬وأخذت الذين ظلموا‬
‫الصيحة من السماء‪ ,‬فأهلكتهم‪ ,‬فأصبحوا ف ديارهم باركي على رُكَبهم ميتي ل ِحرَاك بم‪.‬‬

‫َكأَنْ لَ ْم َي ْغَنوْا فِيهَا أَل ُبعْدا لِمَ ْديَنَ َكمَا َبعِدَتْ ثَمُودُ (‪)95‬‬

‫كأن ل يقيموا ف ديارهم وقتًا من الوقات‪ .‬أل بُعدًا له "مدين" ‪-‬إذ أهلكها ال وأخزاها‪ -‬كما َبعِدت‬
‫ثود‪ ,‬فقد اشتركت هاتان القبيلتان ف البعد واللك‪.‬‬

‫‪397‬‬
‫وََلقَدْ أَ ْرسَ ْلنَا مُوسَى بِآيَاِتنَا َوسُلْطَانٍ مُبِيٍ (‪)96‬‬

‫ولقد أرسلنا موسى بأدلتنا على توحيدنا وحجة تبي لن عاينها وتأملها ‪-‬بقلب صحيح‪ -‬أنا تدل على‬
‫وحدانية ال‪ ,‬وكَذِبِ كلّ من ادّعى الربوبية دونه سبحانه وتعال‪.‬‬

‫إِلَى ِف ْر َعوْ َن َومََلئِهِ فَاّتَبعُوا َأمْرَ ِف ْر َعوْ َن َومَا َأمْرُ ِف ْر َعوْ َن بِ َرشِيدٍ (‪)97‬‬

‫أرسلنا موسى إل فرعون وأكابر أتباعه وأشراف قومه‪ ,‬فكفر فرعون وأمر قومه أن يتبعوه‪ ,‬فأطاعوه‪,‬‬
‫وخالفوا أمر موسى‪ ,‬وليس ف أمر فرعون رشد ول هدى‪ ,‬وإنا هو جهل وضلل وكفر وعناد‪.‬‬

‫س اْلوِرْ ُد الْ َموْرُودُ (‪)98‬‬


‫َيقْ ُدمُ َق ْومَ ُه َي ْومَ اْل ِقيَا َمةِ َفَأوْرَ َدهُ ْم النّا َر َوِبئْ َ‬

‫َيقْدُم فرعون قومه يوم القيامة حت يدخلهم النار‪ ,‬وقبُح الدخل الذي يدخلونه‪.‬‬

‫َوُأتِْبعُوا فِي هَ ِذهِ َل ْعَنةً َويَ ْو َم الْ ِقيَا َمةِ ِبْئسَ الرّفْ ُد الْ َمرْفُودُ (‪)99‬‬

‫وأتبعهم ال ف هذه الدنيا مع العذاب الذي عجّله لم فيها من الغرق ف البحر لعنةً‪ ,‬ويوم القيامة كذلك‬
‫لعنة أخرى بإدخالم النار‪ ,‬وبئس ما اجتمع لم وترادَف عليهم من عذاب ال‪ ,‬ولعنة الدنيا والخرة‪.‬‬

‫ك مِنْ َأْنبَا ِء الْقُرَى نَ ُقصّ ُه عََليْكَ ِمْنهَا قَائِ ٌم وَ َحصِيدٌ (‪)100‬‬


‫ذَلِ َ‬

‫ذلك الذي ذكرناه لك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من أخبار القرى الت أهلكنا أهلها نبك به‪ ,‬ومن تلك القرى ما‬
‫حَيتْ آثاره‪ ,‬فلم َيبْق منه شيء‪.‬‬
‫له آثار باقية‪ ,‬ومنها ما قد مُ ِ‬

‫ت َعنْهُمْ آِل َهُتهُ ْم اّلتِي يَ ْدعُو َن مِنْ‬


‫َومَا ظَلَ ْمنَاهُمْ وَلَكِ ْن ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ َفمَا َأغَْنتْ عَْنهُمْ آِل َهُتهُمْ فَمَا َأ ْغنَ ْ‬
‫ك َومَا زَادُوهُ ْم َغيْ َر َتتْبِيبٍ (‪)101‬‬ ‫دُونِ اللّ ِه مِ ْن َشيْءٍ لَمّا جَاءَ َأمْرُ َربّ َ‬

‫‪398‬‬
‫وما كان إهلكهم بغي سبب وذنب يستحقونه‪ ,‬ولكن ظلموا أنفسهم بشركهم وإفسادهم ف الرض‪,‬‬
‫فما نفعتهم آلتهم الت كانوا يدعُونا ويطلبون منها أن تدفع عنهم الضر لهمّا جاء أمر ربك بعذابم‪,‬‬
‫وما زادتم آلتهم غي تدمي وإهلك وخسران‪.‬‬

‫وَكَذَلِكَ أَخْذُ َربّكَ ِإذَا أَ َخ َذ الْقُرَى َوهِ َي ظَالِ َمةٌ إِنّ أَخْ َذهُ أَلِي ٌم شَدِيدٌ (‪)102‬‬

‫وكما أخذتُ أهل القرى الظالة بالعذاب لخالفتهم أمري وتكذيبهم برسلي‪ ,‬آخذ غيهم مِن أهل القرى‬
‫إذا ظلموا أنفسهم بكفرهم بال ومعصيتهم له وتكذيبهم لرسله‪ .‬إنّ أَخْذه بالعقوبة لليم موجع شديد‪.‬‬

‫شهُودٌ ( ‪)103‬‬
‫ك َي ْومٌ مَ ْ‬
‫س وَذَلِ َ‬
‫ك َي ْومٌ َمجْمُوعٌ لَهُ النّا ُ‬
‫ف عَذَابَ ال ِخ َرةِ ذَلِ َ‬
‫ك لَيةً لِمَنْ خَا َ‬
‫إِنّ فِي ذَلِ َ‬

‫إن ف أخذنا لهل القرى السابقة الظالة لعبةً وعظة لن خاف عقاب ال وعذابه ف الخرة‪ ,‬ذلك اليوم‬
‫الذي يُجمع له الناس جيعًا للمحاسبة والزاء‪ ,‬ويشهده اللئق كلهم‪.‬‬

‫َومَا ُنؤَخّ ُرهُ إِلّ لَ َج ٍل َمعْدُودٍ (‪)104‬‬

‫وما نؤخر يوم القيامة عنكم إل لنتهاء مدة معدودة ف علمنا‪ ,‬ل تزيد ول تنقص عن تقديرنا لا‬
‫بكمتنا‪.‬‬

‫َي ْومَ َيأْتِ ل َتكَلّ ُم َن ْفسٌ إِ ّل بِإِ ْذنِهِ فَ ِمْنهُ ْم َشقِ ّي َو َسعِيدٌ (‪)105‬‬

‫يوم يأت يوم القيامة‪ ,‬ل تتكلم نفس إل بإذن ربا‪ ,‬فمنهم شقي متسحق للعذاب‪ ,‬وسعيد متفضّل عليه‬
‫بالنعيم‪.‬‬

‫ت وَالَ ْرضُ إِلّ‬


‫َفَأمّا الّذِي َن َشقُوا َففِي النّارِ َلهُمْ فِيهَا زَفِ ٌي َو َشهِيقٌ (‪)106‬خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَا َمتْ السّ َموَا ُ‬
‫مَا شَاءَ َربّكَ إِنّ َربّكَ َفعّالٌ لِمَا ُيرِيدُ (‪)107‬‬

‫‪399‬‬
‫فأما الذين َشقُوا ف الدنيا لفساد عقيدتم وسوء أعمالم‪ ,‬فالنار مستقرهم‪ ,‬لم فيها من شدة ما هم فيه‬
‫من العذاب زفي وشهيق‪ ,‬وها أشنع الصوات وأقبحها‪ ,‬ماكثي ف النار أبدًا ما دامت السموات‬
‫والرض‪ ,‬فل ينقطع عذابم ول ينتهي‪ ,‬بل هو دائم مؤكّد‪ ,‬إل ما شاء ربك من إخراج عصاة الوحدين‬
‫بعد مدّة من مكثهم ف النار‪ .‬إن ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬فعّال لا يريد‪.‬‬

‫جّنةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَا َمتْ السّ َموَاتُ وَالَ ْرضُ إِ ّل مَا شَاءَ َربّكَ عَطَا ًء َغيْرَ‬
‫َوَأمّا الّذِي َن ُسعِدُوا َففِي الْ َ‬
‫مَجْذُوذٍ (‪)108‬‬

‫وأما الذين رزقهم ال السعادة فيدخلون النة خالدين فيها ما دامت السموات والرض‪ ,‬إل الفريق الذي‬
‫شاء ال تأخيه‪ ,‬وهم عصاة الوحدين‪ ,‬فإنم يبقون ف النار فترة من الزمن‪ ,‬ث يرجون منها إل النة‬
‫بشيئة ال ورحته‪ ,‬ويعطي ربك هؤلء السعداء ف النة عطاء غي مقطوع عنهم‪.‬‬

‫فَل تَكُنْ فِي مِ ْرَي ٍة مِمّا َي ْعبُدُ هَؤُل ِء مَا َيعْبُدُونَ إِلّ كَمَا َيعْبُ ُد آبَا ُؤهُ ْم مِنْ َقبْ ُل َوإِنّا لَ ُموَفّوهُ ْم َنصِيَبهُ ْم َغيْرَ‬
‫مَنقُوصٍ (‪)109‬‬

‫فل تكن ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ف شك من بطلن ما يعبد هؤلء الشركون من قومك‪ ,‬ما يعبدون من الوثان‬
‫إل مثل ما يعبد آباؤهم من قبل‪ ,‬وإنا لوفوهم ما وعدناهم تاما غي منقوص‪ .‬وهذا توجيه لميع المة‪،‬‬
‫وإن كان لفظه موجهًا إل الرسول صلى ال عليه وسلّم‪.‬‬

‫ك ِمنْهُ‬
‫ضيَ َبْيَنهُمْ َوِإّنهُمْ َلفِي شَ ّ‬
‫وََلقَ ْد آتَْينَا مُوسَى الْ ِكتَابَ فَا ْختُلِفَ فِي ِه وََلوْل كَلِ َم ٌة َسَب َقتْ مِنْ َربّكَ َل ُق ِ‬
‫مُرِيبٍ (‪)110‬‬

‫ولقد آتينا موسى الكتاب وهو التوراة‪ ,‬فاختلف فيه قومه‪ ,‬فآمن به جاعة وكفر به آخرون كما فعل‬
‫قومك بالقرآن‪ .‬ولول كلمة سبقت من ربك بأنه ل يعجل للقه العذاب‪ ,‬للّ بم ف دنياهم قضاء ال‬
‫بإهلك الكذّبي وناة الؤمني‪ .‬وإن الكفار من اليهود والشركي ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لفي شك ‪-‬من هذا‬
‫القرآن‪ -‬مريب‪.‬‬

‫‪400‬‬
‫َوإِنّ ُكلّ لَمّا َلُيوَّفيَّنهُمْ َربّكَ َأعْمَاَلهُمْ ِإنّهُ بِمَا َيعْمَلُونَ َخبِيٌ (‪)111‬‬

‫وإن كل أولئك القوام الختلفي الذين ذكرنا لك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أخبارهم ليوفينهم ربك جزاء أعمالم‬
‫يوم القيامة‪ ,‬إن خيًا فخي‪ ,‬وإن شرًا فشر‪ ,‬إن ربك با يعمل هؤلء الشركون خبي‪ ,‬ل يفى عليه شيء‬
‫من عملهم‪ .‬وف هذا تديد ووعيد لم‪.‬‬

‫ب َمعَكَ وَل تَ ْط َغوْا ِإنّ ُه بِمَا َتعْمَلُونَ َبصِيٌ (‪)112‬‬


‫ت َومَ ْن تَا َ‬
‫فَا ْسَتقِمْ َكمَا ُأمِرْ َ‬

‫فاستقم ‪-‬أيها النب‪ -‬كما أمرك ربك أنت ومن تاب معك‪ ,‬ول تتجاوزوا ما حدّه ال لكم‪ ,‬إن ربّكم با‬
‫تعملون من العمال كلها بصي‪ ,‬ل يفى عليه شيء منها‪ ,‬وسيجازيكم عليها‪.‬‬

‫سكُ ْم النّا ُر َومَا َلكُ ْم مِنْ دُونِ اللّ ِه مِنْ َأوِْليَاءَ ثُ ّم ل تُنصَرُونَ (‪)113‬‬
‫وَل تَرْ َكنُوا إِلَى الّذِي َن ظَلَمُوا َفتَمَ ّ‬

‫ول تيلوا إل هؤلء الكفار الظلمة‪ ,‬فتصيبكم النار‪ ,‬وما لكم من دون ال من ناصر ينصركم‪ ,‬ويتول‬
‫أموركم‪.‬‬

‫سيّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذّاكِرِينَ (‪)114‬‬


‫سنَاتِ يُ ْذ ِهبْنَ ال ّ‬
‫َوأَقِ ْم الصّلةَ طَرَفِي الّنهَارِ َوزُلَفا مِنْ الّليْلِ ِإ ّن الْحَ َ‬

‫وأ ّد الصلة ‪-‬أيها النب‪ -‬على أتّ وجه طَرَفَي النهار ف الصباح والساء‪ ,‬وف ساعات من الليل‪ .‬إنّ ِفعْ َل‬
‫اليات يكفّر الذنوب السالفة ويحو آثارها‪ ,‬والمر بإقامة الصلة وبيان أن السنات يذهب السيئات‪,‬‬
‫موعظة لن اتعظ با وتذكر‪.‬‬

‫سنِيَ (‪)115‬‬
‫وَاصْبِرْ فَِإنّ اللّ َه ل ُيضِيعُ أَجْ َر الْ ُمحْ ِ‬

‫واصب ‪-‬أيها النب‪ -‬على الصلة‪ ,‬وعلى ما تَلْقى من الذى من مشركي قومك; فإن ال ل يضيع ثواب‬
‫الحسني ف أعمالم‪.‬‬

‫جْينَا ِمْنهُمْ‬
‫فََلوْل كَانَ مِنْ الْقُرُو ِن مِنْ َقبِْلكُمْ ُأوْلُوا َبقِّي ٍة َيْنهَ ْونَ عَنْ اْلفَسَادِ فِي الَ ْرضِ إِلّ َقلِيلً مِمّنْ أَنْ َ‬
‫‪401‬‬
‫وَاّتبَ َع الّذِي َن ظَلَمُوا مَا ُأتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا ُمجْ ِرمِيَ (‪)116‬‬

‫فهلّ وُجد من القرون الاضية بقايا من أهل الي والصلح‪ ,‬ينهون أهل الكفر عن كفرهم‪ ,‬وعن الفساد‬
‫ف الرض‪ ,‬ل يوجد من أولئك القوام إل قليل من آمن‪ ,‬فنجّاهم ال بسبب ذلك مِن عذابه حي أخذ‬
‫الظالي‪ .‬واتّبع عامتهم من الذين ظلموا أنفسهم ما ُمتّعوا فيه من لذات الدنيا ونعيمها‪ ,‬وكانوا مرمي‬
‫ظالي باتباعهم ما تنعموا فيه‪ ,‬فح ّق عليهم العذاب‪.‬‬

‫ك اْلقُرَى بِظُلْمٍ َوأَهُْلهَا ُمصْلِحُونَ (‪)117‬‬


‫َومَا كَانَ َربّكَ ِلُيهْلِ َ‬

‫وما كان ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ليهلك قرية من القرى وأهلها مصلحون ف الرض‪ ,‬متنبون للفساد‬
‫والظلم‪ ,‬وإنا يهلكهم بسبب ظلمهم وفسادهم‪.‬‬

‫ختَِلفِيَ (‪)118‬‬
‫جعَ َل النّاسَ ُأ ّم ًة وَاحِ َدةً وَل يَزَالُونَ ُم ْ‬
‫وََلوْ شَاءَ َربّكَ َل َ‬

‫ولو شاء ربك لعل الناس كلهم جاعة واحدة على دين واحد وهو دين السلم‪ ,‬ولكنه سبحانه ل يشأ‬
‫ذلك‪ ,‬فل يزال الناس متلفي ف أديانم; وذلك مقتضى حكمته‪.‬‬

‫جّنةِ وَالنّاسِ أَجْ َمعِيَ (‪)119‬‬


‫لنّ َج َهنّ َم مِ ْن الْ ِ‬
‫إِلّ مَنْ رَحِمَ َربّكَ وَلِذَلِكَ خََل َقهُ ْم َوتَ ّمتْ كَلِ َمةُ َربّكَ َل ْم َ‬

‫إل مَن رحم ربك فآمنوا به واتبعوا رسله‪ ,‬فإنم ل يتلفون ف توحيد ال وما جاءت به الرسل من عند‬
‫ال‪ ,‬وقد اقتضت حكمته سبحانه وتعال أنه َخلَقهم متلفي‪ :‬فريق شقيّ وفريق سعيد‪ ,‬وكل ميسر لا‬
‫خُلِق له‪ .‬وبذا يتحقق وعد ربك ف قضائه وقدره‪ :‬أنه سبحانه سيمل جهنم من الن والنس الذين‬
‫اتبعوا إبليس وجنده ول يهتدوا لليان‪.‬‬

‫ك مِنْ َأْنبَاءِ ال ّرسُ ِل مَا نَُثّبتُ بِهِ ُفؤَا َدكَ وَجَا َءكَ فِي هَ ِذ ِه الْحَ ّق َو َم ْوعِ َظةٌ َوذِكْرَى لِ ْل ُم ْؤ ِمنِيَ‬
‫وَ ُكلّ َن ُقصّ عََليْ َ‬
‫(‪)120‬‬

‫‪402‬‬
‫ص عليك ‪-‬أيها النب‪ -‬من أخبار الرسل الذين كانوا قبلك‪ ,‬كل ما تتاج إليه ما يقوّي قلبك للقيام‬
‫ونق ّ‬
‫بأعباء الرسالة‪ ,‬وقد جاءك ف هذه السورة وما اشتملت عليه من أخبار‪ ,‬بيان الق الذي أنت عليه‪,‬‬
‫وجاءك فيها موعظة يرتدع با الكافرون‪ ,‬وذكرى يتذكر با الؤمنون بال ورسله‪.‬‬

‫وَقُلْ لِلّذِي َن ل ُيؤْ ِمنُو َن اعْمَلُوا عَلَى َمكَانَِتكُمْ ِإنّا عَامِلُونَ (‪ )121‬وَانتَظِرُوا ِإنّا مُنتَظِرُونَ (‪)122‬‬

‫وقل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للكافرين الذين ل يقرّون بوحدانية ال‪ :‬اعملوا ما أنتم عاملون على حالتكم‬
‫وطريقتكم ف مقاومة الدعوة وإيذاء الرسول والستجيبي له‪ ,‬فإنّا عاملون على مكانتنا وطريقتنا من‬
‫الثبات على ديننا وتنفيذ أمر ال‪ .‬وانتظروا عاقبة أمرنا‪ ,‬فإنّا منتظرون عاقبة أمركم‪ .‬وف هذا تديد ووعيد‬
‫لم‪.‬‬

‫ك ِبغَافِ ٍل عَمّا َتعْمَلُونَ (‬


‫ض َوإِلَيْ ِه يُرْ َج ُع الَمْرُ كُلّهُ فَا ْعبُ ْدهُ َوَتوَكّ ْل عََليْهِ َومَا َربّ َ‬
‫وَلِلّ ِه َغيْبُ السّ َموَاتِ وَالَ ْر ِ‬
‫‪)123‬‬

‫ول سبحانه وتعال علم كل ما غاب ف السموات والرض‪ ,‬وإليه يُرْجَع المر كله يوم القيامة‪ ,‬فاعبده‬
‫‪-‬أيها النب‪ -‬وفوّض أمرك إليه‪ ,‬وما ربك بغافل عما تعملون من الي والشر‪ ,‬وسيجازي كلّ بعمله‪.‬‬

‫‪ – 12‬سورة يوسف‬

‫ب الْ ُمبِيِ (‪)1‬‬


‫ت الْ ِكتَا ِ‬
‫ك آيَا ُ‬
‫الر تِلْ َ‬

‫(الر) سبق الكلم على الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬

‫هذه آيات الكتاب البيّن الواضح ف معانيه وحلله وحرامه وهداه‪.‬‬

‫‪403‬‬
‫ِإنّا أَنزَْلنَاهُ قُرْآنا عَ َرِبيّا َلعَّلكُ ْم َت ْعقِلُونَ (‪)2‬‬

‫إنا أنزلنا هذا القرآن بلغة العرب‪ ,‬لعلكم ‪-‬أيها العرب‪ -‬تعقلون معانيه وتفهمونا‪ ,‬وتعملون بديه‪.‬‬

‫صصِ بِمَا َأوْ َحْينَا إَِليْكَ هَذَا اْلقُرْآنَ َوِإنْ كُنتَ مِنْ َقبْلِهِ لَمِ ْن اْلغَافِلِيَ (‪)3‬‬
‫س َن الْ َق َ‬
‫نَحْ ُن َن ُقصّ عََليْكَ أَحْ َ‬

‫ص عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أحسن القصص بوحينا إليك هذا القرآن‪ ,‬وإن كنت قبل إنزاله عليك‬ ‫نن نق ّ‬
‫لن الغافلي عن هذه الخبار‪ ,‬ل تدري عنها شيئًا‪.‬‬

‫س وَاْلقَمَرَ َرَأْيُتهُمْ لِي سَاجِدِينَ (‪)4‬‬


‫إِذْ قَالَ يُوسُفُ َلبِيهِ يَا َأَبتِ ِإنّي َرأَْيتُ أَحَ َد عَشَرَ َكوْكَبا وَالشّ ْم َ‬

‫اذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لقومك قول يوسف لبيه‪ :‬إن رأيت ف النام أحد عشر كوكبًا‪ ,‬والشمس والقمر‬
‫رأيتهم ل ساجدين‪ .‬فكانت هذه الرؤيا بشرى لِمَا وصل إليه يوسف عليه السلم من عل ّو النلة ف الدنيا‬
‫والخرة‪.‬‬

‫قَا َل يَا ُبنَ ّي ل َت ْقصُصْ ُر ْؤيَاكَ عَلَى إِ ْخ َوتِكَ َفيَكِيدُوا لَكَ َكيْدا ِإنّ الشّيْطَانَ ِللِنسَا ِن عَ ُدوّ ُمبِيٌ (‪)5‬‬

‫إذ قال إخوة يوسف من أبيه فيما بينهم‪ :‬إن يوسف وأخاه الشقيق أحب إل أبينا منا‪ ,‬يفضّلهما علينا‪,‬‬
‫ونن جاعة ذوو عدد‪ ,‬إن أبانا لفي خطأ بيّن حيث فضّلهما علينا من غي موجب نراه‪.‬‬

‫ك َوعَلَى آ ِل َي ْعقُوبَ كَمَا َأتَ ّمهَا‬


‫ث َوُيتِمّ ِنعْ َمتَ ُه عََليْ َ‬
‫ك مِ ْن َت ْأوِي ِل الَحَادِي ِ‬
‫ك َوُيعَلّمُ َ‬ ‫جَتبِيكَ َربّ َ‬ ‫ك يَ ْ‬
‫وَكَذَلِ َ‬
‫ك عَلِيمٌ َحكِيمٌ (‪)6‬‬ ‫حقَ ِإنّ َربّ َ‬ ‫عَلَى َأَب َويْكَ مِنْ َقبْلُ ِإبْرَاهِي َم َوإِسْ َ‬

‫وكما أراك ربك هذه الرؤيا فكذلك يصطفيك ويعلمك تفسي ما يراه الناس ف منامهم من الرؤى ما‬
‫تؤول إليه واقعًا‪ ,‬ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب بالنبوة والرسالة‪ ,‬كما أتها من قبل على أبويك‬
‫إبراهيم وإسحاق بالنبوة والرسالة‪ .‬إن ربك عليم بن يصطفيه من عباده‪ ,‬حكيم ف تدبي أمور خلقه‪.‬‬

‫‪404‬‬
‫َلقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ َوإِ ْخوَتِ ِه آيَاتٌ لِلسّائِِليَ (‪)7‬‬

‫لقد كان ف قصة يوسف وإخوته عب وأدلة تدل على قدرة ال وحكمته لن يسأل عن أخبارهم‪ ,‬ويرغب‬
‫ف معرفتها‪.‬‬

‫صَبةٌ ِإنّ َأبَانَا َلفِي ضَل ٍل ُمبِيٍ (‪)8‬‬


‫ف َوأَخُوهُ َأ َحبّ إِلَى أَبِينَا ِمنّا َونَحْ ُن ُع ْ‬
‫إِذْ قَالُوا َليُوسُ ُ‬

‫إذ قال إخوة يوسف من أبيه فيما بينهم‪ :‬إن يوسف وأخاه الشقيق أحب إل أبينا منا‪ ,‬يفضّلهما علينا‪,‬‬
‫ونن جاعة ذوو عدد‪ ,‬إن أبانا لفي خطأ بيّن حيث فضّلهما علينا من غي موجب نراه‪.‬‬

‫حيَ (‪)9‬‬
‫ا ْقتُلُوا يُوسُفَ َأ ْو اطْرَحُوهُ أَرْضا يَخْلُ َلكُ ْم وَجْهُ َأبِيكُمْ َوَتكُونُوا مِ ْن َبعْدِهِ َقوْما صَالِ ِ‬

‫اقتلوا يوسف أو ألقوا به ف أرض مهولة بعيدة عن العُمران يلُص لكم حب أبيكم وإقباله عليكم‪ ,‬ول‬
‫يلتفت عنكم إل غيكم‪ ,‬وتكونوا مِنْ بعد َقتْل يوسف أو إبعاده تائبي إل ال‪ ,‬مستغفرين له من بعد‬
‫ذنبكم‪.‬‬

‫سيّا َرةِ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِيَ (‪)10‬‬


‫جبّ َي ْلتَقِطْ ُه َب ْعضُ ال ّ‬
‫قَالَ قَائِ ٌل ِمْنهُ ْم ل َتقْتُلُوا يُوسُفَ َوأَْلقُوهُ فِي َغيَاَب ِة الْ ُ‬

‫قال قائل من إخوة يوسف‪ :‬ل تقتلوا يوسف وألقوه ف جوف البئر يلتقطه بعض الارّة من السافرين‬
‫فتستريوا منه‪ ,‬ول حاجة إل قتله‪ ,‬إن كنتم عازمي على فعل ما تقولون‪.‬‬

‫ف َوِإنّا لَهُ َلنَاصِحُونَ (‪)11‬‬


‫ك ل َت ْأمَنّا عَلَى يُوسُ َ‬
‫قَالُوا يَا َأبَانَا مَا لَ َ‬

‫قال إخوة يوسف ‪-‬بعد اتفاقهم على إبعاده‪ :-‬يا أبانا ما لك ل تعلنا أمناء على يوسف مع أنه أخونا‪,‬‬
‫ونن نريد له الي ونشفق عليه ونرعاه‪ ,‬ونصه بالص النصح؟‬

‫ب َوِإنّا لَهُ َلحَافِظُونَ (‪)12‬‬


‫أَ ْرسِلْ ُه َم َعنَا غَدا يَ ْرتَعْ َويَ ْلعَ ْ‬

‫‪405‬‬
‫أرسله معنا غدًا عندما نرج إل مراعينا يَسْ َع وينشط ويفرح‪ ,‬ويلعب بالستباق ونوه من اللعب الباح‪,‬‬
‫وإنا لافظون له من كل ما تاف عليه‪.‬‬

‫ب َوَأنْتُ ْم َعنْ ُه غَافِلُونَ (‪)13‬‬


‫ح ُزُننِي َأنْ تَ ْذ َهبُوا بِ ِه َوأَخَافُ َأنْ َيأْكُلَهُ ال ّذئْ ُ‬
‫قَالَ ِإنّي َليَ ْ‬

‫قال يعقوب‪ :‬إن لَيؤل نفسي مفارقته ل إذا ذهبتم به إل الراعي‪ ,‬وأخشى أن يأكله الذئب‪ ,‬وأنتم عنه‬
‫غافلون منشغلون‪.‬‬

‫ح ُن ُعصَْبةٌ ِإنّا إِذا لَخَاسِرُونَ (‪)14‬‬


‫قَالُوا َلئِنْ أَكَلَهُ ال ّذْئبُ َونَ ْ‬

‫قال إخوة يوسف لوالدهم‪ :‬لئن أكله الذئب‪ ,‬ونن جاعة قوية إنا إذًا لاسرون‪ ,‬ل خي فينا‪ ,‬ول نفع‬
‫يُرْجَى منا‪.‬‬

‫شعُرُونَ (‬
‫ب َوَأوْ َحيْنَا إَِليْهِ َلُتَنبَّئّنهُ ْم ِبأَمْ ِرهِ ْم هَذَا َوهُ ْم ل يَ ْ‬
‫ج ّ‬
‫جعَلُوهُ فِي َغيَابَ ِة الْ ُ‬
‫فََلمّا َذ َهبُوا بِ ِه َوأَجْ َمعُوا َأنْ يَ ْ‬
‫‪)15‬‬

‫فأ ْرسَلَهُ معهم‪ .‬فلما ذهبوا به وأجعوا على إلقائه ف جوف البئر‪ ,‬وأوحينا إل يوسف لتخب ّن إخوتك‬
‫مستقبل بفعلهم هذا الذي فعلوه بك‪ ,‬وهم ل يُحِسّون بذلك المر ول يشعرون به‪.‬‬

‫وَجَاءُوا أَبَاهُ ْم عِشَا ًء َيبْكُونَ (‪)16‬‬

‫وجاء إخوة يوسف إل أبيهم ف وقت العِشاء من أول الليل‪ ,‬يبكون ويظهرون السف والزع‪.‬‬

‫ت بِ ُم ْؤمِنٍ َلنَا وََلوْ ُكنّا‬


‫ب َومَا أَْن َ‬
‫ف ِعنْ َد َمتَا ِعنَا َفأَكَلَهُ ال ّذئْ ُ‬
‫قَالُوا يَا َأبَانَا ِإنّا َذهَْبنَا نَسَْتبِ ُق َوتَرَ ْكنَا يُوسُ َ‬
‫صَادِِقيَ (‪)17‬‬

‫‪406‬‬
‫قالوا‪ :‬يا أبانا إنا ذهبنا نتسابق ف الَرْي والرمي بالسهام‪ ,‬وتركنا يوسف عند زادنا وثيابنا‪ ,‬فلم نقصّر ف‬
‫حفظه‪ ,‬بل تركناه ف مأمننا‪ ,‬وما فارقناه إل وقتًا يسيًا‪ ,‬فأكله الذئب‪ ,‬وما أنت بصدّق لنا ولو كنا‬
‫موصوفي بالصدق; لشدة حبك ليوسف‪.‬‬

‫سَتعَا ُن عَلَى مَا‬


‫صبْرٌ جَمِي ٌل وَاللّ ُه الْمُ ْ‬
‫سكُمْ َأمْرا َف َ‬
‫وَجَاءُوا عَلَى َقمِيصِ ِه بِ َدمٍ كَذِبٍ قَا َل بَ ْل َسوَّلتْ َلكُمْ أَنفُ ُ‬
‫َتصِفُونَ (‪)18‬‬

‫وجاؤوا بقميصه ملطخًا بدم غي دم يوسف; ليشهد على صدقهم‪ ,‬فكان دليل على كذبم; لن القميص‬
‫ل يُ َم ّزقْ‪ .‬فقال لم أبوهم يعقوب عليه السلم‪ :‬ما المر كما تقولون‪ ,‬بل زيّنت لكم أنفسكم المّارة‬
‫بالسوء أمرًا قبيحًا ف يوسف‪ ,‬فرأيتموه حسنًا وفعلتموه‪ ,‬فصبي صب جيل ل شكوى معه لحد من‬
‫اللق‪ ,‬وأستعي بال على احتمال ما تصفون من الكذب‪ ,‬ل على حول وقوت‪.‬‬

‫ت َسيّا َرةٌ َفأَ ْرسَلُوا وَارِ َدهُمْ َفأَدْلَى دَْل َوهُ قَا َل يَا بُشْرَى هَذَا غُلمٌ َوَأسَرّوهُ ِبضَا َعةً وَاللّ ُه عَلِي ٌم بِمَا‬
‫وَجَاءَ ْ‬
‫َيعْمَلُونَ (‪)19‬‬

‫وجاءت جاعة من السافرين‪ ,‬فأرسلوا مَن يطلب لم الاء‪ ,‬فلما أرسل دلوه ف البئر تعلّق با يوسف‪,‬‬
‫ف من بقية السافرين فلم‬‫فقال واردهم‪ :‬يا بشراي هذا غلم نفيس‪ ,‬وأخفى الواردُ وأصحابه يوس َ‬
‫يظهروه لم‪ ,‬وقالوا‪ :‬إن هذه بضاعة استبضعناها‪ ,‬وال عليم با يعملونه بيوسف‪.‬‬

‫خسٍ دَرَاهِ َم َمعْدُو َد ٍة وَكَانُوا فِيهِ مِنْ الزّاهِدِينَ (‪)20‬‬


‫َوشَ َر ْوهُ ِبثَمَ ٍن َب ْ‬

‫وباعه إخوته للواردين من السافرين بثمن قليل من الدراهم‪ ,‬وكانوا زاهدين فيه راغبي ف التخلص منه;‬
‫وذلك أنم ل يعلمون منلته عند ال‪.‬‬

‫ك َم ّكنّا ِليُوسُفَ‬
‫خ َذهُ وَلَدا وَكَذَلِ َ‬
‫وَقَا َل الّذِي ا ْشتَرَا ُه مِ ْن ِمصْرَ لمْ َرَأتِهِ أَ ْك ِرمِي َمْثوَاهُ عَسَى أَ ْن يَنفَ َعنَا َأوْ َنتّ ِ‬
‫س ل َيعْلَمُونَ (‪)21‬‬ ‫ب عَلَى َأمْ ِر ِه وََلكِنّ أَ ْكثَ َر النّا ِ‬
‫ث وَاللّهُ غَالِ ٌ‬‫ض وَِلُنعَلّمَ ُه مِ ْن َت ْأوِي ِل الَحَادِي ِ‬‫فِي الَ ْر ِ‬

‫‪407‬‬
‫ولا ذهب السافرون بيوسف إل "مصر" اشتراه منهم عزيزها‪ ,‬وهو الوزير‪ ,‬وقال لمرأته‪ :‬أحسن‬
‫معاملته‪ ,‬واجعلي مقامه عندنا كريًا‪ ,‬لعلنا نستفيد من خدمته‪ ,‬أو نقيمه عندنا مقام الولد‪ ,‬وكما أنينا‬
‫يوسف وجعلنا عزيز "مصر" َيعْطِف عليه‪ ,‬فكذلك مكنّا له ف أرض "مصر"‪ ,‬وجعلناه على خزائنها‪,‬‬
‫ولنعلّمه تفسي الرؤى فيعرف منها ما سيقع مستقبل‪ .‬وال غالب على أمره‪ ,‬فحكمه نافذ ل يبطله‬
‫مبطل‪ ,‬ولكن أكثر الناس ل يعلمون أن المر كله بيد ال‪.‬‬

‫سِنيَ (‪)22‬‬
‫جزِي الْمُحْ ِ‬
‫ك نَ ْ‬
‫وَلَمّا بَلَغَ َأشُدّ ُه آَتيْنَاهُ ُحكْما َوعِلْما وَكَذَلِ َ‬

‫ولا بلغ يوسف منتهى قوته ف شبابه أعطيناه فهمًا وعلمًا‪ ,‬ومثل هذا الزاء الذي جزينا به يوسف على‬
‫إحسانه نزي الحسني على إحسانم‪ .‬وف هذا تسلية للرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫ب وَقَاَلتْ َهْيتَ لَكَ قَا َل َمعَاذَ اللّهِ ِإنّهُ َربّي أَحْسَنَ‬


‫وَرَاوَ َدتْهُ الّتِي ُهوَ فِي بَْيِتهَا عَنْ َنفْسِ ِه َوغَّل َقتْ ا َلْبوَا َ‬
‫َمثْوَايَ ِإنّهُ ل ُيفْلِحُ الظّالِمُونَ (‪)23‬‬

‫ودعت امرأة العزيز ‪-‬برفق ولي‪ -‬يوسف الذي هو ف بيتها إل نفسها; لبها الشديد له وحسن بائه‪,‬‬
‫وغلّقت البواب عليها وعلى يوسف‪ ,‬وقالت‪ :‬هلمّ إلّ‪ ,‬فقال‪ :‬معاذ ال أعتصم به‪ ,‬وأستجي مِن الذي‬
‫تدعينن إليه‪ ,‬من خيانة سيدي الذي أحسن منلت وأكرمن فل أخونه ف أهله‪ ,‬إنه ل يفلح مَن ظَلَم‬
‫َففَعل ما ليس له فعله‪.‬‬

‫ف َعنْهُ السّو َء وَاْلفَحْشَاءَ ِإنّهُ مِ ْن ِعبَا ِدنَا‬


‫وََلقَ ْد هَ ّمتْ بِ ِه َوهَ ّم ِبهَا َلوْل َأنْ َرأَى بُ ْرهَانَ َربّهِ كَذَلِكَ ِلَنصْرِ َ‬
‫صيَ (‪)24‬‬ ‫الْمُخَْل ِ‬

‫ف نفسُه حديث خطرات للستجابة‪ ,‬لول أن رأى آية‬ ‫ولقد مالت نفسها لفعل الفاحشة‪ ,‬وحدّثت يوس َ‬
‫من آيات ربه تزجره عمّا حدثته به نفسه‪ ,‬وإنا أريناه ذلك; لندفع عنه السوء والفاحشة ف جيع أموره‪,‬‬
‫إنه من عبادنا الطهرين الصطفَي للرسالة الذين أخلصوا ف عبادتم ل وتوحيده‪.‬‬

‫ك سُوءا إِلّ‬
‫وَا ْسَتَبقَا اْلبَابَ وَقَدّتْ قَمِيصَهُ مِنْ ُدبُ ٍر َوأَْل َفيَا َسيّ َدهَا لَدَى اْلبَابِ قَاَلتْ مَا جَزَا ُء مَنْ أَرَا َد ِبأَهْلِ َ‬

‫‪408‬‬
‫أَ ْن يُسْجَنَ َأوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( ‪)25‬‬

‫وأسرع يوسف إل الباب يريد الروج‪ ,‬وأسرعت تاول المساك به‪ ,‬وجذبت قميصه من خلفه; لتحول‬
‫بينه وبي الروج فشقّته‪ ,‬ووجدا زوجها عند الباب فقالت‪ :‬ما جزاء مَن أراد بامرأتك فاحشة إل أن‬
‫يسجن أو يعذب العذاب الوجع‪.‬‬

‫ت َو ُهوَ مِنْ‬
‫قَا َل ِهيَ رَاوَ َدتْنِي عَنْ نَفْسِي َو َشهِدَ شَاهِ ٌد مِنْ َأهِْلهَا ِإنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُ ّد مِنْ ُقبُلٍ َفصَدََق ْ‬
‫الْكَا ِذبِيَ (‪)26‬‬

‫قال يوسف‪ :‬هي الت طلبت من ذلك‪ ,‬فشهد صب ف الهد مِن أهلها فقال‪ :‬إن كان قميصه شُقّ من‬
‫المام فصدقت ف اتّهامها له‪ ,‬وهو من الكاذبي‪.‬‬

‫ت َوهُ َو مِ ْن الصّادِقِيَ (‪)27‬‬


‫َوإِنْ كَانَ َقمِيصُهُ ُق ّد مِنْ ُدبُرٍ َفكَ َذَب ْ‬

‫وإن كان قميصه شُقّ من اللف فكذبت ف قولا‪ ,‬وهو من الصادقي‪.‬‬

‫فََلمّا َرأَى قَمِيصَهُ قُ ّد مِنْ ُدبُرٍ قَالَ ِإنّ ُه مِنْ َكيْدِكُنّ ِإنّ َكيْدَكُ ّن عَظِيمٌ (‪)28‬‬

‫فلما رأى الزوج قميص يوسف شُقّ من خلفه علم براءة يوسف‪ ,‬وقال لزوجته‪ :‬إن هذا الكذب الذي‬
‫ت به هذا الشاب هو مِن جلة مكركن ‪-‬أيتها النساء‪ ,-‬إنّ مكركن عظيم‪.‬‬
‫اتم ِ‬

‫ت مِ ْن الْخَا ِطئِيَ (‪)29‬‬


‫ض عَ ْن هَذَا وَا ْسَتغْفِرِي ِل َذْنبِكِ ِإنّكِ كُن ِ‬
‫يُوسُفُ َأعْ ِر ْ‬

‫قال عزيز "مصر"‪ :‬يا يوسف اترك ذِكْر ما كان منها فل تذكره لحد‪ ,‬واطلب ‪-‬أيتها الرأة‪ -‬الغفرة‬
‫لذنبك؛ إنك كنتِ من الثي ف مراودة يوسف عن نفسه‪ ,‬وف افترائك عليه‪.‬‬

‫س َوةٌ فِي الْمَدِيَنةِ امْ َرَأ ُة الْعَزِي ِز تُرَاوِدُ َفتَاهَا عَ ْن َنفْسِهِ قَ ْد َش َغ َفهَا ُحبّا ِإنّا َلنَرَاهَا فِي ضَل ٍل ُمبِيٍ (‬
‫وَقَا َل نِ ْ‬
‫‪)30‬‬
‫‪409‬‬
‫ووصل الب إل نسوة ف الدينة فتحدثن به‪ ,‬وقلن منكرات على امرأة العزيز‪ :‬امرأة العزيز تاول غلمها‬
‫عن نفسه‪ ,‬وتدعوه إل نفسها‪ ,‬وقد بلغ حبها له َشغَاف قلبها (وهو غلفه)‪ ,‬إنا لَنراها ف هذا الفعل لفي‬
‫ضلل واضح‪.‬‬

‫فََلمّا سَ ِم َعتْ بِ َمكْ ِرهِنّ أَ ْرسََلتْ إَِلْيهِ ّن َوأَ ْعتَدَتْ َلهُ ّن ُمتّ َكأً وَآَتتْ كُ ّل وَاحِ َدةٍ مِْنهُ ّن ِسكّينا وَقَاَلتْ ا ْخرُجْ‬
‫عََلْيهِنّ فَلَمّا َرَأيْنَهُ أَ ْكبَ ْرنَهُ وَقَ ّطعْنَ أَيْ ِدَيهُ ّن وَقُ ْلنَ حَاشَ لِلّ ِه مَا هَذَا بَشَرا ِإنْ هَذَا إِ ّل مَلَكٌ كَ ِريٌ (‪)31‬‬

‫فلما سعت امرأة العزيز بغِيْبتهن إياها واحتيالن ف ذمّها‪ ,‬أرسلت إليهن تدعوهن لزيارتا‪ ,‬وهيّأت لن ما‬
‫يتكئن عليه من الوسائد‪ ,‬وما يأكلنه من الطعام‪ ,‬وأعطت كل واحدة منهن سكينًا ليُقَطّعن الطعام‪ ,‬ث‬
‫قالت ليوسف‪ :‬اخرج عليهن‪ ,‬فلما رأينه أعظمنه وأجللنه‪ ,‬وأخَذَهن حسنه وجاله‪ ,‬فجرحن أيديهن وهن‬
‫ُيقَطّعن الطعام من فرط الدهشة والذهول‪ ,‬وقلن متعجبات‪ :‬معاذ ال‪ ,‬ما هذا من جنس البشر; لن جاله‬
‫غي معهود ف البشر‪ ,‬ما هو إل َملَك كري من اللئكة‪.‬‬

‫جنَ ّن وََلَيكُونَ‬
‫قَاَلتْ َفذَِلكُ ّن الّذِي لُ ْمُتنّنِي فِيهِ وََلقَدْ رَاوَدتّ ُه عَ ْن َنفْسِهِ فَا ْستَ ْعصَ َم وََلئِنْ لَ ْم َي ْفعَلْ مَا آ ُم ُرهُ َليُسْ َ‬
‫مِ َن الصّاغِرِينَ (‪)32‬‬

‫قالت امرأة العزيز للنسوة اللت قطّعن أيديهن‪ :‬فهذا الذي أصابكن ف رؤيتكن إياه ما أصابكن هو الفت‬
‫الذي لُمُتنّن ف الفتتان به‪ ,‬ولقد طلبته وحاولت إغراءه; ليستجيب ل فامتنع وأب‪ ,‬ولئن ل يفعل ما‬
‫آمره به مستقبل لَيعاَقبَنّ بدخول السجن‪ ,‬ولَيكونن من الذلء‪.‬‬

‫صبُ إَِليْهِ ّن َوأَكُ ْن مِ ْن الْجَاهِِليَ‬


‫ف عَنّي َكيْدَهُنّ أَ ْ‬
‫قَالَ رَبّ السّجْنُ أَ َحبّ إِلَ ّي مِمّا يَ ْدعُونَنِي إِلَيْ ِه َوإِ ّل تَصْ ِر ْ‬
‫(‪)33‬‬

‫ل ما يدعونن إليه من عمل الفاحشة‪,‬‬


‫قال يوسف مستعيذًا مِن شرهن ومكرهن‪ :‬يا ربّ السجنُ أحب إ ّ‬
‫وإن ل تدفع عن مكرهن َأمِلْ إليهن‪ ,‬وأكن من السفهاء الذين يرتكبون الث لهلهم‪.‬‬

‫ف َعنْهُ َكيْ َدهُنّ ِإنّ ُه ُهوَ السّمِي ُع اْلعَلِيمُ (‪)34‬‬


‫فَا ْستَجَابَ لَهُ َربّهُ َفصَرَ َ‬

‫‪410‬‬
‫فاستجاب ال ليوسف دعاءه فصرف عنه ما أرادت منه امرأة العزيز وصواحباتا من معصية ال‪ .‬إن ال‬
‫هو السميع لدعاء يوسف‪ ,‬ودعاء كل داع مِن خلقه‪ ,‬العليم بطلبه وحاجته وما يصلحه‪ ,‬وباجة جيع‬
‫خلقه وما يصلحهم‪.‬‬

‫جُننّهُ َحتّى حِيٍ (‪)35‬‬


‫ثُ ّم بَدَا َلهُ ْم مِ ْن َبعْ ِد مَا َرَأوْا اليَاتِ َليَسْ ُ‬

‫ث ظهر للعزيز وأصحابه ‪-‬من بعد ما رأوا الدلة على براءة يوسف وعفته‪ -‬أن يسجنوه إل زمن يطول‬
‫أو يقصر; منعًا للفضيحة‪.‬‬

‫جنَ َفَتيَانِ قَالَ أَ َح ُدهُمَا ِإنّي أَرَانِي أَ ْعصِرُ خَمْرا وَقَالَ الخَرُ ِإنّي أَرَانِي أَحْ ِملُ َف ْوقَ َرْأسِي‬ ‫وَدَ َخ َل َمعَهُ السّ ْ‬
‫سنِيَ (‪)36‬‬ ‫ُخبْزا َتأْكُلُ ال ّطيْ ُر ِمنْهُ َنّبئْنَا ِبتَ ْأوِيلِهِ ِإنّا َنرَا َك مِ ْن الْمُحْ ِ‬

‫ودخل السجن مع يوسف َفتَيان‪ ,‬قال أحدها‪ :‬إن رأيت ف النام أن أعصر عنبًا ليصي خرًا‪ ,‬وقال‬
‫الخر‪ :‬إن رأيت أن أحل فوق رأسي خبزًا تأكل الطي منه‪ ,‬أخبنا ‪-‬يا يوسف ‪-‬بتفسي ما رأينا‪ ,‬إنا‬
‫نراك من الذين يسنون ف عبادتم ل‪ ,‬ومعاملتهم للقه‪.‬‬

‫قَا َل ل َي ْأتِيكُمَا َطعَا ٌم تُرْزَقَانِهِ إِ ّل َنبّ ْأُتكُمَا بَِت ْأوِيلِهِ َقبْلَ َأ ْن َيأِْتيَكُمَا ذَِلكُمَا مِمّا عَلّ َمنِي َربّي ِإنّي تَرَ ْكتُ مِّلةَ‬
‫َق ْومٍ ل ُي ْؤ ِمنُو َن بِاللّ ِه َوهُ ْم بِالخِ َر ِة هُمْ كَافِرُونَ (‪)37‬‬

‫قال لما يوسف‪ :‬ل يأتيكما طعام ترزقانه ف حال من الحوال إل أخبتكما بتفسيه قبل أن يأتيكما‪,‬‬
‫ذلكما التعبي الذي سأعبّره لكما ما علّمن رب; إن آمنت به‪ ,‬وأخلصت له العبادة‪ ,‬وابتعدت عن دين‬
‫قوم ل يؤمنون بال‪ ,‬وهم بالبعث والساب جاحدون‪.‬‬

‫ك مِنْ َفضْلِ اللّهِ‬


‫ت مِّل َة آبَائِي ِإبْرَاهِي َم َوِإسْحَ َق َوَي ْعقُوبَ مَا كَانَ َلنَا أَ ْن نُشْ ِر َك بِاللّ ِه مِ ْن َشيْءٍ ذَلِ َ‬
‫وَاّتَبعْ ُ‬
‫شكُرُونَ (‪)38‬‬ ‫س ل يَ ْ‬ ‫س وََلكِنّ أَكْثَرَ النّا ِ‬‫عََلْينَا َوعَلَى النّا ِ‬

‫‪411‬‬
‫واتبعت دين آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب فعبدت ال وحده‪ ,‬ما كان لنا أن نعل ل شريكًا ف‬
‫عبادته‪ ,‬ذلك التوحيد بإفراد ال بالعبادة‪ ,‬ما تفضل ال به علينا وعلى الناس‪ ,‬ولكن أكثر الناس ل‬
‫يشكرون ال على نعمة التوحيد واليان‪.‬‬

‫جنِ َأأَ ْربَابٌ ُمَتفَرّقُونَ َخيْرٌ َأمْ اللّ ُه الْوَاحِ ُد اْل َقهّارُ (‪)39‬‬
‫يَا صَا ِحَبيِ السّ ْ‬

‫وقال يوسف لل َفتَيي اللذين معه ف السجن‪ :‬أعبادةُ آلةٍ ملوقة شت خي أم عبادة ال الواحد القهار؟‬

‫حكْمُ إِلّ لِلّهِ‬


‫مَا َتعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلّ َأسْمَا ًء سَ ّمْيتُمُوهَا َأنْتُ ْم وَآبَاؤُكُ ْم مَا أَنزَلَ اللّ ُه ِبهَا مِ ْن سُلْطَانٍ ِإنْ الْ ُ‬
‫س ل َيعْلَمُونَ (‪)40‬‬ ‫َأمَرَ أَلّ َت ْعبُدُوا إِلّ ِإيّاهُ ذَلِكَ الدّينُ الْ َقيّ ُم وََلكِنّ أَكْثَ َر النّا ِ‬

‫ما تعبدون من دون ال إل أساءً ل معان وراءها‪ ,‬جعلتموها أنتم وآباؤكم أربابًا جهل منكم وضلل‪،‬‬
‫ما أنزل ال من حجة أو برهان على صحتها‪ ,‬ما الكم الق إل ل تعال وحده‪ ,‬ل شريك له‪ ,‬أمر أل‬
‫تنقادوا ول تضعوا لغيه‪ ,‬وأن تعبدوه وحده‪ ,‬وهذا هو الدين القيم الذي ل عوج فيه‪ ,‬ولكن أكثر الناس‬
‫يهلون ذلك‪ ,‬فل يعلمون حقيقته‪.‬‬

‫ضيَ ا َلمْرُ‬
‫سقِي َربّهُ خَمْرا َوَأمّا الخَرُ َفُيصَْلبُ َفتَأْكُلُ ال ّطيْ ُر مِنْ َرْأسِهِ ُق ِ‬
‫جنِ َأمّا َأحَدُكُمَا َفيَ ْ‬
‫يَا صَا ِحَبيِ السّ ْ‬
‫سَت ْفتِيَانِ (‪)41‬‬
‫الّذِي فِيهِ تَ ْ‬

‫يا صاحبّ ف السجن‪ ,‬إليكما تفسيَ رؤياكما‪ :‬أما الذي رأى أنه يعصر العنب ف رؤياه فإنه يرج من‬
‫السجن ويكون ساقي المر للملك‪ ,‬وأما الخر الذي رأى أنه يمل على رأسه خبزًا فإنه ُيصْلب وُيتْرك‪,‬‬
‫وتأكل الطي من رأسه‪ ,‬قُضي المر الذي فيه تستفتيان وفُرغ منه‪.‬‬

‫وَقَالَ لِلّذِي ظَنّ َأنّهُ نَاجٍ مِْنهُمَا اذْ ُك ْرنِي ِعنْدَ َربّكَ َفأَنسَاهُ الشّيْطَانُ ذِ ْكرَ َربّهِ فََلِبثَ فِي السّجْ ِن ِبضْ َع ِسنِيَ‬
‫(‪)42‬‬

‫‪412‬‬
‫وقال يوسف للذي علم أنه ناجٍ من صاحبيه‪ :‬اذكرن عند سيّدك اللك وأخبه بأن مظلوم مبوس بل‬
‫ذنب‪ ,‬فأنسى الشيطان ذلك الرجل أن يذكر للملك حال يوسف‪ ,‬فمكث يوسف بعد ذلك ف السجن‬
‫عدة سنوات‪.‬‬

‫ت يَا‬
‫ف َوسَبْ َع ُسْنبُلتٍ ُخضْ ٍر َوأُخَ َر يَابِسَا ٍ‬
‫ت سِمَا ٍن َيأْكُُلهُ ّن َسبْ ٌع عِجَا ٌ‬‫وَقَا َل الْمَلِكُ ِإنّي أَرَى َسبْعَ َبقَرَا ٍ‬
‫َأيّهَا الْمَل أَ ْفتُونِي فِي ُر ْؤيَاي ِإنْ كُنتُمْ لِل ّر ْؤيَا َت ْعبُرُونَ (‪)43‬‬
‫وقال اللك‪ :‬إن رأيت ف منامي سبع بقرات سان‪ ,‬يأكلهن سبع بقرات نيلت من الههُزال‪ ,‬ورأيت‬
‫سبع سنبلت خضر‪ ,‬وسبع سنبلت يابسات‪ ,‬يا أيها السادة والكباء أخبون عن هذه الرؤيا‪ ,‬إن كنتم‬
‫للرؤيا ُتفَسّرون‪.‬‬

‫ضغَاثُ أَحْل ٍم َومَا َنحْ ُن ِبتَ ْأوِي ِل الَحْل ِم ِبعَالِمِيَ (‪)44‬‬


‫قَالُوا أَ ْ‬

‫قالوا‪ :‬رؤياك هذه أخلط أحلم ل تأويل لا‪ ,‬وما نن بتفسي الحلم بعالي‪.‬‬

‫وَقَا َل الّذِي نَجَا ِمْنهُمَا َواِدّكَ َر َبعْدَ ُأ ّمةٍ َأنَا ُأَنّبئُكُ ْم ِبَتأْوِيلِهِ َفأَ ْرسِلُونِ (‪)45‬‬

‫وقال الذي نا من القتل من صاحبَي يوسف ف السجن وتذكر بعد مدة ما نسي من أمر يوسف‪ :‬أنا‬
‫أخبكم بتأويل هذه الرؤيا‪ ,‬فابعثون إل يوسف لتيكم بتفسيها‪.‬‬

‫ف َو َسبْ ِع ُسنْبُلتٍ ُخضْ ٍر َوأُ َخرَ‬


‫يُوسُفُ َأّيهَا الصّدّيقُ أَ ْفِتنَا فِي َسبْ ِع َبقَرَاتٍ ِسمَانٍ َيأْكُُلهُ ّن َسبْ ٌع عِجَا ٌ‬
‫يَابِسَاتٍ َلعَلّي أَرْ ِجعُ إِلَى النّاسِ َل َعّلهُ ْم َيعْلَمُونَ (‪)46‬‬

‫وعندما وصل الرجل إل يوسف قال له‪ :‬يوسف أيها الصديق فسّر لنا رؤيا مَن رأى سبع بقرات سان‬
‫يأكلهن سبع بقرات هزيلت‪ ,‬ورأى سبع سنبلت خضر وأخر يابسات; لعلي أرجع إل اللك وأصحابه‬
‫فأخبهم; ليعلموا تأويل ما سألتك عنه‪ ,‬وليعلموا مكانتك وفضلك‪.‬‬

‫قَا َل تَ ْز َرعُو َن َسبْعَ ِسنِيَ َدأَبا َفمَا َحصَ ْدتُمْ َفذَرُوهُ فِي ُسْنبُلِهِ إِلّ َقلِيلً مِمّا َتأْكُلُونَ (‪)47‬‬

‫‪413‬‬
‫قال يوسف لسائله عن رؤيا اللك‪ :‬تفسي هذه الرؤيا أنكم تزرعون سبع سني متتابعة جادّين لَيكْثُر‬
‫العطاء‪ ,‬فما حصدت منه ف كل مرة فادّخِروه‪ ,‬واتركوه ف سنبله; ليتمّ حفظه من التسوّس‪ ,‬وليكون‬
‫أبقى‪ ,‬إل قليل ما تأكلونه من البوب‪.‬‬

‫صنُونَ (‪)48‬‬
‫حِ‬‫ك َسبْ ٌع شِدَا ٌد َيأْكُلْ َن مَا قَ ّد ْمتُمْ َلهُنّ إِلّ قَلِيلً مِمّا تُ ْ‬
‫ثُ ّم َيأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِ َ‬

‫لصْبة سبع سني شديدة الَدْب‪ ,‬يأكل أهلها كل ما ادّخرت لن من قبل‪ ,‬إل‬ ‫ث يأت بعد هذه السني ا ِ‬
‫قليل ما تفظونه وتدّخرونه ليكون بذورًا للزراعة‪.‬‬

‫س وَفِي ِه َيعْصِرُونَ (‪)49‬‬


‫ث النّا ُ‬
‫ك عَامٌ فِي ِه ُيغَا ُ‬
‫ثُ ّم َيأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِ َ‬

‫ث يأت من بعد هذه السني الجدبة عام يغاث فيه الناس بالطر‪ ,‬فيفع ال تعال عنهم الشدة‪ ,‬ويعصرون‬
‫لصْب والنماء‪.‬‬
‫فيه الثمار من كثرة ا ِ‬

‫لتِي قَ ّطعْنَ َأيْ ِدَيهُنّ‬


‫ك اْئتُونِي بِهِ َفلَمّا جَا َءهُ ال ّرسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى َربّكَ فَاسْأَلْ ُه مَا بَا ُل النّسْ َوةِ ال ّ‬
‫وَقَا َل الْمَلِ ُ‬
‫إِنّ َربّي بِ َكيْ ِدهِ ّن عَلِيمٌ (‪)50‬‬

‫وقال اللك لعوانه‪ :‬أخرجوا الرجل العبّر للرؤيا من السجن وأحضروه ل‪ ,‬فلما جاءه رسول اللك‬
‫يدعوه قال يوسف للرسول‪ :‬ارجع إل سيدك اللك‪ ,‬واطلب منه أن يسأل النسوة اللت جرحن أيديهن‬
‫عن حقيقة أمرهن وشأنن معي; لتظهر القيقة للجميع‪ ,‬وتتضح براءت‪ ,‬إن رب عليم بصنيعهن وأفعالن‬
‫ل يفى عليه شيء من ذلك‪.‬‬

‫قَا َل مَا َخ ْطبُكُنّ ِإذْ رَاوَدتّ ّن يُوسُفَ عَ ْن َنفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلّ ِه مَا عَلِ ْمنَا عََليْ ِه مِ ْن سُوءٍ قَاَلتْ امْ َرَأ ُة الْعَزِيزِ‬
‫ص الْحَقّ َأنَا رَاوَدتّ ُه عَ ْن َنفْسِهِ َوِإنّهُ لَمِ ْن الصّادِقِيَ (‪)51‬‬ ‫ح َ‬ ‫النَ َحصْ َ‬

‫‪414‬‬
‫قال اللك للنسوة اللت جرحن أيديهن‪ :‬ما شأنكن حي راودت ّن يوسف عن نفسه يوم الضيافة؟ فهل‬
‫رأيت منه ما يريب؟ قلن‪ :‬معاذ ال ما علمنا عليه أدن شيء يَشينه‪ ,‬عند ذلك قالت امراة العزيز‪ :‬الن‬
‫ظهر الق بعد خفائه‪ ,‬فأنا الت حاولت فتنته بإغرائه فامتنع‪ ,‬وإنه لن الصادقي ف كل ما قاله‪.‬‬

‫ذَلِكَ ِلَيعْلَمَ َأنّي لَمْ أَ ُخنْ ُه بِاْلغَْيبِ َوَأنّ اللّ َه ل َيهْدِي َكيْدَ الْخَائِنِيَ (‪)52‬‬

‫ذلك القول الذي قلته ف تنيهه والقرار على نفسي ليعلم زوجي أن ل أخنه بالكذب عليه‪ ,‬ول تقع من‬
‫الفاحشة‪ ,‬وأنن راودته‪ ,‬واعترفت بذلك لظهار براءت وبراءته‪ ,‬وأن ال ل يوفق أهل اليانة‪ ,‬ول‬
‫يرشدهم ف خيانتهم‪.‬‬

‫‪415‬‬
‫الزء الثالث عشر ‪:‬‬

‫َومَا ُأبَرّئُ نَفْسِي إِ ّن النّ ْفسَ َلمّا َرةٌ بِالسّوءِ إِ ّل مَا رَ ِحمَ َربّي ِإنّ َربّي َغفُورٌ رَحِيمٌ (‪)53‬‬

‫قالت امرأة العزيز‪ :‬وما أزكي نفسي ول أبرئها‪ ,‬إن النفس لكثية المر لصاحبها بعمل العاصي طلبا‬
‫للذاتا‪ ,‬إل مَن عصمه ال‪ .‬إن ال غفور لذنوب مَن تاب مِن عباده‪ ,‬رحيم بم‪.‬‬

‫ك اْئتُونِي بِهِ َأ ْستَخِْلصْهُ ِلَنفْسِي فََلمّا كَلّمَهُ قَالَ ِإنّكَ الَْي ْومَ َل َديْنَا َمكِيٌ َأمِيٌ (‪)54‬‬
‫وَقَا َل الْمَلِ ُ‬

‫وقال اللك الاكم له "مصر" حي بلغته براءة يوسف‪ :‬جيئون به أجعله من خلصائي وأهل مشورت‪,‬‬
‫فلما جاء يوسف وكلّمه اللك‪ ,‬وعرف براءته‪ ,‬وعظيم أمانته‪ ,‬وحسن خلقه‪ ,‬قال له‪ :‬إنك اليوم عندنا‬
‫عظيم الكانة‪ ,‬ومؤتن على كل شيء‪.‬‬

‫قَالَ ا ْجعَ ْلنِي عَلَى خَزَائِ ِن الَ ْرضِ ِإنّي َحفِيظٌ عَلِيمٌ (‪)55‬‬

‫وأراد يوسف أن ينفع العباد‪ ,‬ويقيم العدل بينهم‪ ,‬فقال للملك‪ :‬اجعلن واليًا على خزائن "مصر"‪ ,‬فإن‬
‫خازن أمي‪ ,‬ذو علم وبصية با أتوله‪.‬‬

‫ب بِرَ ْح َمتِنَا مَ ْن نَشَا ُء وَل ُنضِي عُ أَ ْجرَ‬


‫ك َمكّنّ ا ِليُو سُفَ فِي الَرْ ضِ يََتَب ّوأُ ِمنْهَا َحيْ ثُ يَشَا ُء نُ صِي ُ‬
‫وَكَذَلِ َ‬
‫سنِيَ (‪)56‬‬ ‫الْمُحْ ِ‬

‫وكما أنعم ال على يوسف باللص من السجن مكّن له ف أرض "مصر" ينل منها أي منل شاءه‪.‬‬
‫يصيب ال برحته من يشاء من عباده التقي‪ ,‬ول يضيع أجر مَن أحسن شيئًا مِن العمل الصال‪.‬‬

‫وَلَجْرُ ال ِخ َرةِ َخيْرٌ لِلّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا َيّتقُونَ (‪)57‬‬

‫‪416‬‬
‫ولَثواب الخرة عند ال أعظم من ثواب الدنيا لهل اليان والتقوى الذين يافون عقاب ال‪ ,‬ويطيعونه‬
‫ف أمره ونيه‪.‬‬

‫وَجَاءَ إِ ْخ َو ُة يُوسُفَ فَ َدخَلُوا عََليْهِ َف َعرََفهُ ْم َوهُمْ لَ ُه مُنكِرُونَ (‪)58‬‬

‫وق ِدمَ إخوة يوسف إل "مصر" ‪-‬بعد أن ح ّل بم الدب ف أرضهم‪ ;-‬ليجلبوا منها الطعام‪ ,‬فدخلوا عليه‬
‫فعرفهم‪ ,‬ول يعرفوه لطول الدة وتغيّر هيئته‪.‬‬

‫جهَا ِزهِ مْ قَا َل اْئتُونِي بِأَ خٍ َلكُ ْم مِ نْ َأبِيكُ مْ أَل تَ َروْ نَ َأنّي أُوفِي اْلكَيْ َل َوَأنَا َخيْ ُر الْمُنِلِيَ (‬
‫وَلَمّا َجهّ َزهُ ْم بِ َ‬
‫‪)59‬‬

‫وقد أمر يوسف بإكرامهم وحسن ضيافتهم‪ ,‬ث أعطاهم من الطعام ما طلبوا‪ ,‬وكانوا قد أخبوه أن لم‬
‫أخًا من أبيهم ل يُحضروه معهم ‪-‬يريدون شقيقه‪ -‬فقال‪ :‬ائتون بأخيكم من أبيكم‪ ,‬أل تروا أن أوفيتُ‬
‫لكم الكيل وأكرمتكم ف الضيافة‪ ,‬وأنا خي الضيفي لكم؟‬

‫فَِإنْ َل ْم َتأْتُونِي بِهِ فَل َكيْلَ َلكُ ْم عِندِي وَل َتقْ َربُونِ (‪)60‬‬

‫فإن ل تأتون به فليس لكم عندي طعام أكيله لكم‪ ,‬ول تأتوا إلّ‪.‬‬

‫قَالُواْ َسنُرَاوِ ُد َعنْهُ أَبَا ُه َوإِنّا َلفَاعِلُونَ (‪)61‬‬

‫قالوا‪ :‬سنبذل جهدنا لقناع أبيه أن يرسله معنا‪ ,‬ولن نقصّر ف ذلك‪.‬‬

‫وَقَالَ ِل ِفْتيَانِهِ ا ْجعَلُواْ ِبضَا َعتَهُمْ فِي ِرحَاِلهِمْ َلعَّلهُ ْم َيعْرِفُوَنهَا إِذَا انقََلبُواْ إِلَى َأهِْلهِمْ َل َعّلهُ ْم يَرْ ِجعُونَ (‪)62‬‬

‫وقال يوسف لغلمانه‪ :‬اجعلوا ثن ما أخذوه ف أمتعتهم سرًا; رجاء أن يعرفوه إذا رجعوا إل أهلهم‪,‬‬
‫ويقدّروا إكرامنا لم؛ ليجعوا طمعًا ف عطائنا‪.‬‬

‫‪417‬‬
‫فََلمّا رَ ِجعُوا إِلَى َأبِيهِمْ قَالُوْا يَا أَبَانَا ُمنِ َع ِمنّا اْل َكيْلُ َفأَ ْرسِ ْل َم َعنَا أَخَانَا نَ ْكتَ ْل َوِإنّا لَهُ َلحَافِظُونَ (‪)63‬‬

‫فلما رجعوا إل أبيهم قصّوا عليه ما كان من إكرام العزيز لم‪ ,‬وقالوا‪ :‬إنه لن يعطينا مستقبَل إل إذا كان‬
‫معنا أخونا الذي أخبناه به‪ ,‬فأرسلْه معنا نضر الطعام وافيًا‪ ,‬ونتعهد لك بفظه‪.‬‬

‫قَا َل هَلْ آ َمُنكُمْ عََليْهِ إِلّ كَمَا َأمِنتُكُ ْم عَلَى أَخِيهِ مِن َقبْلُ فَاللّهُ َخْيرٌ حَافِظًا وَ ُهوَ أَرْ َحمُ الرّاحِمِيَ (‪)64‬‬

‫قال لم أبوهم‪ :‬كيف آمنكم على "بنيامي" وقد أمنتكم على أخيه يوسف من قبل‪ ,‬والتزمتم بفظه فلم‬
‫تفوا بذلك؟ فل أثق بالتزامكم وحفظكم‪ ,‬ولكن أثق بفظ ال‪ ,‬خي الافظي وأرحم الراحي‪ ,‬أرجو أن‬
‫يرحن فيحفظه ويرده عليّ‪.‬‬

‫وَلَمّا َفتَحُوا َمتَا َعهُ ْم وَ َجدُوا ِبضَاعََتهُ مْ ُردّ تْ إَِليْهِ مْ قَالُوا يَا َأبَانَا مَا َنْبغِي هَذِ هِ ِبضَاعَُتنَا ُردّ تْ إِلَْينَا َونَمِيُ‬
‫حفَظُ أَخَانَا َونَ ْزدَادُ َكيْ َل َبعِيٍ ذَلِكَ َكيْلٌ يَسِيٌ (‪)65‬‬ ‫َأهَْلنَا َونَ ْ‬

‫ولا فتحوا أوعيتهم وجدوا ثن بضاعتهم الذي دفعوه قد رُ ّد إليهم قالوا‪ :‬يا أبانا ماذا نطلب أكثر من‬
‫هذا؟ هذا ثن بضاعتنا ردّه العزيز إلينا‪ ,‬فكن مطمئنًا على أخينا‪ ,‬وأرسله معنا; لنجلب طعامًا وفيًا‬
‫لهلنا‪ ,‬ونفظ أخانا‪ ,‬ونزداد حِ ْم َل بعي له; فإن العزيز يكيل لكل واحد ِحمْ َل بعي‪ ,‬وذلك كيل يسي‬
‫عليه‪.‬‬

‫ط ِبكُ مْ فََلمّا آَتوْ ُه َم ْوِثقَهُ مْ قَالَ‬


‫قَالَ لَ نْ أُرْ ِسلَ ُه َمعَكُ مْ َحتّى ُت ْؤتُونِي َم ْوثِقا مِ نْ اللّ هِ َلَت ْأتُوَننِي بِ هِ إِلّ أَ ْن يُحَا َ‬
‫اللّ ُه عَلَى مَا َنقُو ُل وَكِيلٌ (‪)66‬‬

‫قال لم يعقوب‪ :‬لن أتركه يذهب معكم حت تتعهدوا وتلفوا ل بال أن تردوه إلّ‪ ,‬إل أن ُتغْلبوا عليه‬
‫فل تستطيعوا تليصه‪ ,‬فلما أع َطوْه عهد ال على ما طلب‪ ,‬قال يعقوب‪ :‬ال على ما نقول وكيل‪ ,‬أي‬
‫تكفينا شهادته علينا وحفظه لنا‪.‬‬

‫ب وَاحِ ٍد وَادْ ُخلُوا مِ نْ َأْبوَا بٍ ُمَتفَرَّق ٍة َومَا ُأ ْغنِي عَنكُ ْم مِ نْ اللّ ِه مِ ْن َشيْءٍ إِ نْ‬
‫وَقَا َل يَا َبنِي ل تَدْ ُخلُوا مِ ْن بَا ٍ‬
‫‪418‬‬
‫ت َوعََليْهِ فَ ْلَيَتوَكّ ْل الْ ُمَتوَكّلُونَ (‪)67‬‬
‫حكْمُ إِلّ ِللّ ِه عََليْهِ َتوَكّ ْل ُ‬
‫الْ ُ‬

‫وقال لم أبوهم‪ :‬يا أبنائي إذا دخلتم أرض "مصر" فل تدخلوا مِن باب واحد‪ ,‬ولكن ادخلوها من أبواب‬
‫متفرقة‪ ,‬حت ل تصيبكم العي‪ ,‬وإن إذ أوصيكم بذا ل أدفع عنكم شيئًا قضاه ال عليكم‪ ,‬فما الكم إل‬
‫ل وحده‪ ,‬عليه اعتمدت ووثقت‪ ,‬وعليه وحده يعتمد الؤمنون‪.‬‬

‫وَلَمّا دَخَلُوا مِ نْ َحيْ ثُ َأمَ َرهُ مْ أَبُوهُ ْم مَا كَا نَ ُي ْغنِي َعْنهُ مْ مِ نْ اللّ هِ مِ ْن شَيْءٍ إِلّ حَا َجةً فِي َنفْ سِ يَ ْعقُو بَ‬
‫س ل َيعْلَمُونَ (‪)68‬‬ ‫َقضَاهَا َوِإنّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلّ ْمنَاهُ وََلكِنّ أَ ْكثَ َر النّا ِ‬

‫ولا دخلوا من أبواب متفرقة كما أمرهم أبوهم‪ ,‬ما كان ذلك ليدفع قضاء ال عنهم‪ ,‬ولكن كان شفقة‬
‫ف نفس يعقوب عليهم أن تصيبهم العي‪ ,‬وإن يعقوب لصاحب عل ٍم عظيم بأمر دينه علّمه ال له و ْحيًا‪,‬‬
‫ولكن أكثر الناس ل يعلمون عواقب المور ودقائق الشياء‪ ,‬وما يعلمه يعقوب ‪-‬عليه السلم‪ -‬مِن أمر‬
‫دينه‪.‬‬

‫ف آوَى إَِليْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنّي َأنَا أَخُوكَ فَل تَْبَتِئسْ بِمَا كَانُوا يَعْ َملُونَ (‪)69‬‬
‫وَلَمّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُ َ‬

‫ولا دخل إخوة يوسف عليه ف منل ضيافته ومعهم شقيقه‪ ,‬ضم يوسف إليه شقيقه‪ ,‬وقال له سرًا‪ :‬إن‬
‫أنا أخوك فل تزن‪ ,‬ول تغتمّ با صنعوه ب فيما مضى‪ .‬وأمره بكتمان ذلك عنهم‪.‬‬

‫سقَاَيةَ فِي رَ ْحلِ أَخِيهِ ثُمّ أَ ّذنَ ُم َؤ ّذنٌ َأّيُتهَا اْلعِيُ ِإّنكُمْ لَسَارِقُونَ (‪)70‬‬
‫جهَا ِزهِمْ َجعَلَ ال ّ‬
‫فََلمّا َجهّ َزهُ ْم ِب َ‬

‫فلما جهزّهم يوسف‪ ,‬وحّل إبلهم بالطعام‪ ,‬أمر عماله‪ ,‬فوضعوا الناء الذي كان يكيل للناس به ف متاع‬
‫أخيه "بنيامي" من حيث ل يشعر أحد‪ ,‬ولا ركبوا ليسيوا نادى منادٍ قائل يا أصحاب هذه العي الحمّلة‬
‫بالطعام‪ ,‬إنكم لسارقون‪.‬‬

‫قَالُوا َوأَ ْقبَلُوا عََلْيهِ ْم مَاذَا َت ْفقِدُونَ (‪)71‬‬

‫قال أولد يعقوب مقبلي على النادي‪ :‬ما الذي تفقدونه؟‬

‫‪419‬‬
‫صوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَا َء بِهِ حِمْ ُل َبعِيٍ َوأَنَا بِهِ َزعِيمٌ (‪)72‬‬
‫قَالُوا َن ْفقِدُ ُ‬

‫قال النادي ومَن بضرته‪ :‬نفقد الكيال الذي يكيل اللك به‪ ,‬ومكافأة من يضره مقدار حِمْل بعي من‬
‫الطعام‪ ,‬وقال النادي‪ :‬وأنا ِبمْل البعي من الطعام ضامن وكفيل‪.‬‬

‫ض َومَا ُكنّا سَارِِقيَ (‪)73‬‬


‫قَالُوا تَاللّهِ َلقَدْ عَلِ ْمتُ ْم مَا ِجْئنَا ِلُنفْسِدَ فِي الَ ْر ِ‬

‫قال إخوة يوسف‪ :‬وال لقد تققتم ما شاهدتوه منا أننا ما جئنا أرض "مصر" من أجل الفساد فيها‪,‬‬
‫وليس من صفاتنا أن نكون سارقي‪.‬‬

‫قَالُوا َفمَا َجزَاؤُهُ إِنْ كُنتُمْ كَا ِذبِيَ (‪)74‬‬

‫قال الكلّفون بالبحث عن الكيال لخوة يوسف‪ :‬فما عقوبة السارق عندكم إن كنتم كاذبي ف‬
‫قولكم‪ :‬لسنا بسارقي؟‬

‫ك َنجْزِي الظّالِ ِميَ (‪)75‬‬


‫قَالُوا جَزَا ُؤهُ مَ ْن وُ ِجدَ فِي رَ ْحلِهِ َف ُهوَ جَزَا ُؤهُ كَذَلِ َ‬

‫قال إخوة يوسف‪ :‬جزاء السارق مَن ُوجِد السروق ف رحله فهو جزاؤه‪ .‬أي يسلّم بسرقته إل مَن سرق‬
‫منه حت يكون عبدًا عنده‪ ,‬مثل هذا الزاء ‪-‬وهو السترقاق‪ -‬نزي الظالي بالسرقة‪ ,‬وهذا ديننا وسنتنا‬
‫ف أهل السرقة‪.‬‬

‫َفبَ َدَأ بَِأ ْوعَِيِتهِ مْ َقبْ َل ِوعَاءِ أَخِي هِ ثُمّ ا ْستَخْ َر َجهَا مِ ْن ِوعَاءِ أَخِي هِ كَذَلِ كَ كِ ْدنَا ِليُو سُفَ مَا كَا نَ ِليَأْ ُخذَ أَخَا هُ‬
‫ت مَ ْن نَشَا ُء وََف ْوقَ كُلّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (‪)76‬‬ ‫فِي دِي ِن الْمَلِكِ إِلّ َأنْ يَشَاءَ اللّ ُه نَرَْفعُ دَ َرجَا ٍ‬

‫ورجعوا بإخوة يوسف إليه‪ ,‬فقام بنفسه يفتش أمتعتهم‪ ,‬فبدأ بأمتعتهم قبل متاع شقيقه; إحكامًا لا دبّره‬
‫لستبقاء أخيه معه‪ ,‬ث انتهى بوعاء أخيه‪ ,‬فاستخرج الناء منه‪ ,‬كذلك يسّرنا ليوسف هذا التدبي الذي‬
‫توصّل به لخذ أخيه‪ ,‬وما كان له أن يأخذ أخاه ف حكم مَلِك "مصر"; لنه ليس من دينه أن يتملك‬

‫‪420‬‬
‫السارق‪ ,‬إل أن مشيئة ال اقتضت هذا التدبي والحتكام إل شريعة إخوة يوسف القاضية ب ِرقّ السارق‪.‬‬
‫نرفع منازل مَن نشاء ف الدنيا على غيه كما رفعنا منلة يوسف‪ .‬وفوق كل ذي علمٍ من هو أعلم منه‪,‬‬
‫حت ينتهي العلم إل ال تعال عال الغيب والشهادة‪.‬‬

‫قَالُوا إِ ْن يَ سْ ِرقْ َفقَدْ سَ َرقَ أَ خٌ لَ ُه مِ نْ َقبْلُ َفأَ سَ ّرهَا يُو سُفُ فِي َنفْ سِهِ وَلَ ْم ُيبْدِهَا َلهُ مْ قَالَ َأنْتُ ْم شَرّ مَكَانا‬
‫وَاللّهُ أَعَْل ُم بِمَا َتصِفُونَ (‪)77‬‬

‫قال إخوة يوسف‪ :‬إنْ سرق هذا فقد سرق أخ شقيق له من قبل (يقصدون يوسف عليه السلم) فأخفى‬
‫يوسف ف نفسه ما سعه‪ ,‬وحدّث نفسه قائل أنتم أسوأ منلة من ذكرت‪ ,‬حيث دبّرت ل ما كان منكم‪,‬‬
‫وال أعلم با تصفون من الكذب والفتراء‪.‬‬

‫سِنيَ (‪)78‬‬
‫خذْ أَحَ َدنَا َمكَانَهُ ِإنّا نَرَا َك مِ ْن الْمُحْ ِ‬
‫قَالُوا يَا َأّيهَا الْعَزِيزُ إِنّ لَهُ أَبا َشيْخا َكبِيا فَ ُ‬

‫خذْ‬
‫قالوا مستعطفي ليوفوا بعهد أبيهم‪ :‬يا أيها العزيز إن له والدًا كبيًا ف السن يبه ول يطيق بُعده‪ ,‬ف ُ‬
‫أحدنا بدل من "بنيامي"‪ ,‬إنا نراك من الحسني ف معاملتك لنا ولغينا‪.‬‬

‫قَا َل َمعَاذَ اللّهِ َأ ْن نَأْ ُخذَ إِلّ مَ ْن َوجَ ْدنَا َمتَا َعنَا عِنْ َدهُ ِإنّا إِذا لَظَالِمُونَ (‪)79‬‬

‫قال يوسف‪ :‬نعتصم بال ونستجي به أن نأخذ أحدًا غي الذي وجدنا الكيال عنده ‪-‬كما حكمتم‬
‫أنتم‪ ,-‬فإننا إن فعلنا ما تطلبون نكون ف عداد الظالي‪.‬‬

‫جيّا قَالَ َكبِ ُيهُمْ أَلَ ْم َتعْلَمُوا َأنّ َأبَاكُمْ َقدْ أَخَ َذ عََلْيكُ ْم َم ْوثِقا مِنْ اللّ ِه َومِنْ َقبْلُ‬
‫فََلمّا اسَْتْيئَسُوا مِنْهُ َخَلصُوا نَ ِ‬
‫حكُمَ اللّهُ لِي َوهُوَ َخْي ُر الْحَاكِمِيَ (‪)80‬‬ ‫ح الَ ْرضَ َحتّى َيأْ َذنَ لِي َأبِي َأ ْو يَ ْ‬ ‫مَا فَرّطتُمْ فِي يُوسُفَ فََلنْ َأبْرَ َ‬

‫فلما يئسوا من إجابته إياهم لِمَا طلبوه انفردوا عن الناس‪ ,‬وأخذوا يتشاورون فيما بينهم‪ ,‬قال كبيهم ف‬
‫السن‪ :‬أل تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم العهد الؤكد لتر ّدنّ أخاكم إل أن تُغلبوا‪ ,‬ومن قبل هذا كان‬

‫‪421‬‬
‫تقصيكم ف يوسف وغدركم به; لذلك لن أفارق أرض "مصر" حت يأذن ل أب ف مفارقتها‪ ,‬أو يقضي‬
‫ل رب بالروج منها‪ ,‬وأتكن مِن أَخْذِ أخي‪ ,‬وال خيُ مَن َحكَمَ‪ ,‬وأعدل مَن َفصَلَ بي الناس‪.‬‬

‫ق َومَا َشهِ ْدنَا إِلّ بِمَا عَلِ ْمنَا َومَا ُكنّا لِ ْل َغْيبِ حافِ ِظيَ (‪)81‬‬
‫ارْ ِجعُوا إِلَى أَبِيكُمْ َفقُولُوا يَا َأبَانَا ِإنّ اْبنَكَ سَ َر َ‬

‫ارجعوا أنتم إل أبيكم‪ ,‬وأخبوه با جرى‪ ,‬وقولوا له‪ :‬إن ابنك "بنيامي" قد سرق‪ ,‬وما شهدنا بذلك إل‬
‫بعد أن َتيَ ّقنّا‪ ,‬فقد رأينا الكيال ف رحله‪ ,‬وما كان عندنا علم الغيب أنه سيسرق حي عاهدناك على‬
‫ردّه‪.‬‬

‫وَا ْسأَ ْل اْلقَ ْرَيةَ اّلتِي ُكنّا فِيهَا وَاْلعِيَ اّلتِي أَ ْقبَ ْلنَا فِيهَا َوإِنّا َلصَادِقُونَ (‪)82‬‬

‫واسأل ‪-‬يا أبانا‪ -‬أهل "مصر"‪ ,‬ومَن كان معنا ف القافلة الت كنا فيها‪ ,‬وإننا صادقون فيما أخبناك به‪.‬‬

‫حكِي مُ (‬
‫صبْرٌ جَمِي ٌل عَسَى اللّ هُ أَنْ َي ْأتَِينِي ِبهِ مْ َجمِيعا ِإنّهُ ُه َو الْعَلِي ُم الْ َ‬
‫سكُمْ َأمْرا فَ َ‬
‫قَا َل بَلْ َسوّلَتْ َلكُ مْ أَنفُ ُ‬
‫‪)83‬‬

‫ولا رجعوا وأخبوا أباهم قال لم‪ :‬بل َزّينَت لكم أنفسكم المّارة بالسوء مكيدة دبّرتوها كما فعلتم مِن‬
‫ل أبنائي الثلثة‬
‫قبل مع يوسف‪ ,‬فصبي صب جيل ل جزع فيه ول شكوى معه‪ ,‬عسى ال أن يردّ إ ّ‬
‫‪-‬وهم يوسف وشقيقه وأخوهم الكبي التخلف من أجل أخيه‪ -‬إنه هو العليم بال‪ ,‬الكيم ف تدبيه‪.‬‬

‫ح ْزنِ َف ُهوَ كَظِيمٌ (‪)84‬‬


‫ضتْ َعْينَاهُ مِ َن الْ ُ‬
‫َوَتوَلّى عَْنهُ ْم وَقَا َل يَا َأ َسفَى عَلَى يُوسُفَ وَاْبيَ ّ‬

‫ضتْ عيناه‪ ,‬بذهاب‬


‫وأعرض يعقوب عنهم‪ ,‬وقد ضاق صدره با قالوه‪ ،‬وقال‪ :‬يا حسرتا على يوسف وابي ّ‬
‫سوادها مِن شدة الزن فهو متلئ القلب حزنًا‪ ,‬ولكنه شديد الكتمان له‪.‬‬

‫قَالُوا تَاللّ ِه َت ْفَتأُ تَذْ ُك ُر يُوسُفَ َحتّى َتكُونَ حَرَضا َأ ْو َتكُو َن مِ ْن اْلهَالِكِيَ (‪)85‬‬

‫‪422‬‬
‫قال بنوه‪ :‬تال ما تزال تتذكر يوسف‪ ,‬ويشتدّ حزنك عليه حت تُشْرِف على اللك أو تلك فعل فخفف‬
‫عن نفسك‪.‬‬

‫قَالَ ِإنّمَا َأ ْشكُو َبثّي وَ ُح ْزنِي إِلَى اللّ ِه َوَأعْلَ ُم مِنْ اللّهِ مَا ل َتعَْلمُونَ (‪)86‬‬

‫قال يعقوب ميبًا لم‪ :‬ل أظهر هّي وحزن إل ل وحده‪ ,‬فهو كاشف الض ّر والبلء‪ ,‬وأعلم من رحة ال‬
‫وفرجه ما ل تعلمونه‪.‬‬

‫س مِ نْ َروْ حِ اللّ هِ إِلّ اْل َقوْ مُ‬


‫ف َوأَخِي هِ وَل َتْيئَ سُوا مِ نْ َروْ حِ اللّ هِ ِإنّ ُه ل َييْئَ ُ‬
‫يَا بَنِي ا ْذهَبُوا َفَتحَ سّسُوا مِ ْن يُو سُ َ‬
‫الكَافِرُونَ (‪)87‬‬

‫قال يعقوب‪ :‬يا أبنائي عودوا إل "مصر" فاستقصوا أخبار يوسف وأخيه‪ ,‬ول تقطعوا رجاءكم من رحة‬
‫ال‪ ,‬إنه ل يقطع الرجاء من رحة ال إل الاحدون لقدرته‪ ,‬الكافرون به‪.‬‬

‫سنَا َوَأهَْلنَا الضّ ّر وَ ِجْئنَا ِببِضَا َعةٍ مُزْجَاةٍ َفَأوْ فِ َلنَا اْل َكيْلَ َوتَ صَ ّدقْ‬
‫فََلمّ ا دَخَلُوا عََليْ هِ قَالُوا يَا َأيّهَا اْلعَزِي ُز مَ ّ‬
‫عََلْينَا ِإنّ اللّهَ يَجْزِي الْ ُمَتصَدّقِيَ (‪)88‬‬

‫فذهبوا إل "مصر"‪ ,‬فلما دخلوا على يوسف قالوا‪ :‬يا أيها العزيز أصابنا وأهلنا القحط والدب‪ ,‬وجئناك‬
‫ق علينا بقبض هذه الدراهم‬
‫بثمن رديء قليل‪ ,‬فأعطنا به ما كنت تعطينا من قبل بالثمن اليد‪ ,‬وتص ّد ْ‬
‫الزجاة وتوّز فيها‪ ,‬إن ال تعال يثيب التفضّلي على أهل الاجة بأموالم‪.‬‬

‫ف َوأَخِيهِ إِذْ َأنْتُمْ جَاهِلُونَ (‪)89‬‬


‫قَا َل هَ ْل عَلِ ْمتُمْ مَا َف َع ْلتُ ْم ِبيُوسُ َ‬

‫فلما سع مقالتهم رقّ لم‪ ,‬وعرّفهم بنفسه وقال‪ :‬هل تذكرون الذي فعلتموه بيوسف وأخيه من الذى‬
‫ف حال َجهْلكم بعاقبة ما تفعلون؟‬

‫صبِرْ فَِإنّ اللّ َه ل يُضِيعُ‬


‫ف وَهذَا أَخِي قَ ْد مَنّ اللّ ُه عََلْينَا ِإنّهُ مَ ْن َيتّ ِق َويَ ْ‬
‫ت يُوسُفُ قَالَ َأنَا يُوسُ ُ‬
‫قَالُوا َأِئنّكَ َلنْ َ‬

‫‪423‬‬
‫سنِيَ (‪)90‬‬
‫أَجْ َر الْ ُمحْ ِ‬

‫قالوا‪ :‬أإنّك لنت يوسف؟ قال‪ :‬نعم أنا يوسف‪ ,‬وهذا شقيقي‪ ,‬قد تفضّل ال علينا‪ ,‬فجمع بيننا بعد‬
‫الفرقة‪ ,‬إنه من يتق ال‪ ,‬ويصب على الحن‪ ,‬فإن ال ل يذهب ثواب إحسانه‪ ,‬وإنا يزيه أحسن الزاء‪.‬‬

‫قَالُوا تَاللّهِ َلقَدْ آثَ َركَ اللّ ُه عََلْينَا َوإِنْ ُكنّا لَخَا ِطئِيَ (‪)91‬‬

‫قالوا‪ :‬تال لقد َفضّلك ال علينا وأعزّك بالعلم واللم والفضل‪ ,‬وإن كنا لاطئي با فعلناه عمدًا بك‬
‫وبأخيك‪.‬‬

‫قَا َل ل َتثْرِيبَ عََلْيكُ ْم اْليَ ْو َم َيغْفِرُ اللّهُ َلكُمْ َو ُهوَ أَرْحَمُ الرّاحِمِيَ (‪)92‬‬

‫قال لم يوسف‪ :‬ل تأنيب عليكم اليوم‪ ,‬يغفر ال لكم‪ ,‬وهو أرحم الراحي لن تاب من ذنبه وأناب إل‬
‫طاعته‪.‬‬

‫ت َبصِيا َوْأتُونِي بَِأهِْلكُمْ أَجْ َمعِيَ (‪)93‬‬


‫ا ْذ َهبُوا ِبقَمِيصِي هَذَا َفأَْلقُو ُه عَلَى َوجْهِ َأبِي يَأْ ِ‬

‫ولا سألم عن أبيه أخبوه بذهاب بصره من البكاء عليه‪ ,‬فقال لم‪ :‬عودوا إل أبيكم ومعكم قميصي‬
‫هذا فاطرحوه على وجه أب َيعُ ْد إليه بصره‪ ,‬ث أحضروا إلّ جيع أهلكم‪.‬‬

‫ت اْلعِيُ قَالَ َأبُوهُمْ ِإنّي لَجِدُ رِي َح يُوسُفَ َلوْل َأنْ ُت َفنّدُونِ (‪)94‬‬
‫وَلَمّا َفصََل ْ‬

‫ولا خرجت القافلة من أرض "مصر"‪ ,‬ومعهم القميص قال يعقوب لن حضره‪ :‬إن لجد ريح يوسف‬
‫لول أن تسفهون وتسخروا من‪ ,‬وتزعموا أن هذا الكلم صدر من من غي شعور‪.‬‬

‫ك اْلقَ ِديِ (‪)95‬‬


‫قَالُوا تَاللّهِ ِإنّكَ َلفِي ضَللِ َ‬

‫قال الاضرون عنده‪ :‬تال إنك ل تزال ف خطئك القدي مِن حب يوسف‪ ,‬وأنك ل تنساه‪.‬‬

‫‪424‬‬
‫فََلمّا أَ نْ جَاءَ الْبَشِيُ أَْلقَا ُه عَلَى َو ْجهِ هِ فَا ْرتَ ّد بَ صِيا قَالَ أَلَ مْ أَقُلْ َلكُ مْ ِإنّي َأعْلَ ُم مِ نْ اللّ ِه مَا ل َتعْلَمُو نَ (‬
‫‪)96‬‬

‫فلما أن جاء من يُبشّر يعقوب بأن يوسف حيّ‪ ,‬وطرح قميص يوسف على وجهه فعاد يعقوب مبصرًا‪,‬‬
‫وعمّه السرور فقال لن عنده‪ :‬ألهمْ أخبكم أن أعلم من ال ما ل تعلمونه من فضل ال ورحته‬
‫وكرمه؟‬

‫قَالُوا يَا َأبَانَا ا ْسَتغْفِرْ َلنَا ُذنُوَبنَا ِإنّا ُكنّا خَا ِطئِيَ (‪)97‬‬

‫قال بنوه‪ :‬يا أبانا سل لنا ربك أن يعفو عنا ويستر علينا ذنوبنا‪ ,‬إنا كنا خاطئي فيما فعلناه بيوسف‬
‫وشقيقه‪.‬‬

‫قَا َل َسوْفَ َأ ْستَ ْغفِرُ َلكُمْ َربّي ِإنّهُ ُه َو اْلغَفُورُ الرّحِيمُ (‪)98‬‬

‫قال يعقوب‪ :‬سوف أسأل رب أن يغفر لكم ذنوبكم‪ ,‬إنه هو الغفور لذنوب عباده التائبي‪ ,‬الرحيم بم‪.‬‬

‫ف آوَى إِلَيْهِ َأَبوَيْ ِه وَقَالَ ا ْدخُلُوا مِصْرَ إِ ْن شَاءَ اللّهُ آ ِمنِيَ (‪)99‬‬
‫فََلمّا َدخَلُوا عَلَى يُوسُ َ‬

‫وخرج يعقوب وأهله إل "مصر" قاصدين يوسف‪ ,‬فلما وصلوا إليه ض ّم يوسف إليه أبويه‪ ,‬وقال لم‪:‬‬
‫ادخلوا "مصر" بشيئة ال‪ ,‬وأنتم آمنون من الهد والقحط‪ ,‬ومن كل مكروه‪.‬‬

‫ت هَذَا تَ ْأوِيلُ ُر ْؤيَاي مِ نْ َقبْلُ َقدْ َجعََلهَا َربّي َحقّا‬ ‫ش وَ َخرّوا لَ هُ سُجّدا وَقَا َل يَا َأبَ ِ‬ ‫وَرَفَ عَ َأَبوَيْ هِ عَلَى اْلعَرْ ِ‬
‫شيْطَانُ بَْينِي َوَبيْ نَ إِ ْخ َوتِي‬
‫ج ِن وَجَا َء ِبكُ ْم مِ ْن الْبَ ْد ِو مِ ْن َبعْدِ أَنْ َنزَغَ ال ّ‬‫وَقَدْ أَحْسَ َن بِي إِذْ أَ ْخرَ َجنِي مِ ْن السّ ْ‬
‫حكِيمُ (‪)100‬‬ ‫إِنّ َربّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ ِإنّهُ ُه َو اْلعَلِي ُم الْ َ‬

‫س أباه وأمه على سرير ملكه بانبه; إكرامًا لما‪ ,‬وحيّاه أبواه وإخوته الحد عشر بالسجود له تية‬
‫وأجَْل َ‬
‫وتكريًا‪ ,‬ل عبادة وخضوعًا‪ ,‬وكان ذلك جائزًا ف شريعتهم‪ ,‬وقد حَرُم ف شريعتنا; سدًا لذريعة الشرك‬

‫‪425‬‬
‫بال‪ .‬وقال يوسف لبيه‪ :‬هذا السجود هو تفسي رؤياي الت قصصتها عليك من قبل ف صغري‪ ,‬قد‬
‫جعلها رب صدقًا‪ ,‬وقد تفضّل عليّ حي أخرجن من السجن‪ ,‬وجاء بكم إلّ من البادية‪ ,‬من بعد أن‬
‫أفسد الشيطان رابطة الخوة بين وبي إخوت‪ .‬إن رب لطيف التدبي لا يشاء‪ ,‬إنه هو العليم بصال‬
‫عباده‪ ,‬الكيم ف أقواله وأفعاله‪.‬‬

‫ت وَالَرْ ضِ َأنْ تَ وَِليّ فِي ال ّدْنيَا‬


‫ك َوعَلّ ْمَتنِي مِ ْن َت ْأوِيلِ الَحَادِي ثِ فَاطِ َر ال سّ َموَا ِ‬‫رَبّ قَدْ آتَْيَتنِي مِ ْن الْمُلْ ِ‬
‫ح ْقنِي بِالصّالِحِيَ (‪)101‬‬ ‫وَال ِخ َرةِ َتوَّفنِي مُسْلِما َوأَلْ ِ‬

‫ث دعا يوسف ربه قائل ربّ قد أعطيتن من ملك "مصر"‪ ,‬وعلّمتن من تفسي الرؤى وغي ذلك من‬
‫العلم‪ ,‬يا خالق السموات والرض ومبدعهما‪ ,‬أنت متول جيع شأن ف الدنيا والخرة‪ ,‬توفن إليك‬
‫مسلمًا‪ ,‬وألقن بعبادك الصالي من النبياء البرار والصفياء الخيار‪.‬‬

‫ك مِنْ َأْنبَا ِء الْ َغْيبِ نُوحِيهِ إَِليْكَ َومَا كُنتَ لَ َدْيهِمْ ِإذْ أَجْ َمعُوا َأمْ َرهُ ْم َوهُ ْم يَ ْمكُرُونَ (‪)102‬‬
‫ذَلِ َ‬

‫ذلك الذكور من قصة يوسف هو من أخبار الغيب نبك به ‪-‬أيها الرسول‪ -‬وحيًا‪ ,‬وما كنت حاضرًا‬
‫مع إخوة يوسف حي دبّروا له اللقاء ف البئر‪ ,‬واحتالوا عليه وعلى أبيه‪ .‬وهذا يدل على صدقك‪ ,‬وأن‬
‫ال يُوحِي إليك‪.‬‬

‫ت بِ ُم ْؤ ِمنِيَ (‪)103‬‬
‫ص َ‬
‫س وََلوْ حَرَ ْ‬
‫َومَا أَكْثَ ُر النّا ِ‬

‫صتَ على إيانم‪ ,‬فل‬


‫وما أكثرُ الشركي من قومك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بصدّقيك ول متبعيك‪ ,‬ولو حَرَ ْ‬
‫تزن على ذلك‪.‬‬

‫َومَا تَسْأَُلهُ ْم عََليْ ِه مِنْ أَجْرٍ ِإ ْن ُهوَ إِلّ ذِ ْكرٌ لِ ْلعَالَ ِميَ (‪)104‬‬

‫وما تطلب من قومك أجرة على إرشادهم لليان‪ ,‬إن الذي أُرسلتَ به من القرآن والدى عظة للناس‬
‫أجعي يتذكرون به ويهتدون‪.‬‬

‫‪426‬‬
‫ض يَ ُمرّو َن عََلْيهَا َوهُمْ َعْنهَا ُمعْرِضُونَ (‪)105‬‬
‫ت وَالَ ْر ِ‬
‫وَ َكأَيّ ْن مِ ْن آَيةٍ فِي السّ َموَا ِ‬

‫وكثي من الدلئل الدالة على وحدانية ال وقدرته منتشرة ف السموات والرض‪ ,‬كالشمس والقمر‬
‫والبال والشجار‪ ,‬يشاهدونا وهم عنها معرضون‪ ,‬ل يفكرون فيها ول يعتبون‪.‬‬

‫َومَا ُيؤْمِنُ أَ ْكثَ ُرهُ ْم بِاللّهِ إِ ّل َوهُمْ مُشْرِكُونَ (‪)106‬‬

‫وما ُيقِ ّر هؤلء العرضون عن آيات ال بأن ال خالقهم ورازقهم وخالق كل شيء ومستحق للعبادة‬
‫وحده إل وهم مشركون ف عبادتم الوثان والصنام‪ .‬تعال ال عن ذلك علوّا كبيا‪.‬‬

‫شعُرُونَ (‪)107‬‬
‫أََفأَ ِمنُوا َأنْ َت ْأتَِيهُ ْم غَا ِشَيةٌ مِ ْن عَذَابِ اللّهِ َأ ْو تَ ْأِتَيهُمْ السّا َع ُة َبغَْت ًة َوهُمْ ل يَ ْ‬

‫فهل عندهم ما يعلهم آمني أن ينل بم عذاب من ال يعُمّهم‪ ,‬أو أن تأتيهم القيامة فجأة‪ ,‬وهم ل‬
‫يشعرون ول يُحِسّون بذلك‪.‬‬

‫قُ ْل هَ ِذ ِه َسبِيلِي أَ ْدعُو إِلَى اللّ ِه عَلَى بَصِ َيةٍ َأنَا َومَ ْن اتَّب َعنِي َو ُسبْحَانَ اللّ ِه َومَا َأنَا مِ ْن الْمُشْرِكِيَ (‪)108‬‬

‫قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬هذه طريقت‪ ,‬أدعو إل عبادة ال وحده‪ ,‬على حجة من ال ويقي‪ ,‬أنا ومن‬
‫اقتدى ب‪ ,‬وأنزّه ال سبحانه وتعال عن الشركاء‪ ,‬ولستُ من الشركي مع ال غيه‪.‬‬

‫َومَا أَرْسَ ْلنَا مِ نْ َقبْلِكَ إِلّ رِجَا ًل نُوحِي إِلَْيهِ ْم مِ نْ َأهْ ِل اْلقُرَى أَفَلَ ْم يَسِيُوا فِي الَرْضِ َفيَنْ ُظرُوا َكيْفَ كَانَ‬
‫عَاِقبَ ُة الّذِي َن مِنْ َقبِْلهِ ْم وَلَدَارُ ال ِخ َرةِ َخيْرٌ لِلّذِي َن اّت َقوْا أَفَل تَ ْعقِلُونَ (‪)109‬‬

‫وما أرسلنا من قبلك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للناس إل رجال منهم ننل عليهم وحينا‪ ,‬وهم من أهل الاضرة‪,‬‬
‫فهم أقدر على فهم الدعوة والرسالة‪ ,‬يصدقهم الهتدون للحق‪ ,‬ويكذبم الضالون عنه‪ ,‬أفلم يشوا ف‬
‫الرض‪ ,‬فيعاينوا كيف كان مآل الكذبي السابقي وما ح ّل بم من اللك؟ ولَثواب الدار الخرة أفضل‬
‫من الدنيا وما فيها للذين آمنوا وخافوا ربم‪ .‬أفل تتفكرون فتعتبوا؟‬

‫‪427‬‬
‫َحتّى إِذَا ا ْسَتيَْئسَ الرّ سُ ُل َو َظنّوا َأّنهُ مْ قَدْ ُك ِذبُوا جَا َءهُ ْم نَ صْ ُرنَا َفنُجّ َي مَ ْن نَشَاءُ وَل يُ َر ّد َبأْ ُسنَا عَ ْن اْلقَوْ مِ‬
‫ج ِرمِيَ (‪)110‬‬ ‫الْمُ ْ‬

‫ول تستعجل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬النصر على مكذبيك‪ ,‬فإن الرسل قبلك ما كان يأتيهم النصر عاجل‬
‫لكمة نعلمها‪ ,‬حت إذا يئس الرسل من قومهم‪ ,‬وأيقنوا أن قومهم قد كذبوهم ول أمل ف إيانم‪,‬‬
‫جاءهم نصرنا عند شدة الكرب‪ ,‬فننجي من نشاء من الرسل وأتباعهم‪ ,‬ول يُ َردّ عذابنا عمّن أجرم وترّأ‬
‫على ال‪ .‬وف هذا تسلية للنب صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫صهِ ْم عِبْ َرةٌ ُلوْلِي الَْلبَابِ مَا كَانَ َحدِيثا ُي ْفتَرَى وََلكِ نْ تَصْدِي َق الّذِي َبيْ َن يَ َديْهِ َوَتفْصِيلَ‬‫صِ‬ ‫َلقَدْ كَانَ فِي قَ َ‬
‫كُ ّل َشيْءٍ َوهُدًى وَ َرحْ َمةً ِل َق ْومٍ ُي ْؤ ِمنُونَ (‪)111‬‬

‫لقد كان ف نبأ الرسلي الذي قصصناه عليك وما حلّ بالكذبي عظة لهل العقول السليمة‪ .‬ما كان‬
‫هذا القرآن حديثًا مكذوبًا متَلقًا‪ ,‬ولكن أنزلناه مصدقًا لا سبقه من الكتب السماوية‪ ,‬وبيانًا لكل ما‬
‫يتاج إليه العباد من تليل وتري‪ ,‬ومبوب ومكروه وغي ذلك‪ ,‬وإرشادًا من الضلل‪ ,‬ورحة لهل‬
‫اليان تتدي به قلوبم‪ ,‬فيعملون با فيه من الوامر والنواهي‪.‬‬

‫‪ -13‬سورة الرعد‬

‫س ل ُي ْؤمِنُونَ (‪)1‬‬
‫ك الْحَ ّق وََلكِنّ أَ ْكثَ َر النّا ِ‬
‫ك مِنْ َربّ َ‬
‫ك آيَاتُ اْل ِكتَابِ وَالّذِي أُنزِلَ إَِليْ َ‬
‫الر ِتلْ َ‬

‫(الر) سبق الكلم على الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬

‫هذه آيات القرآن الرفيعة القدر‪ ,‬وهذا القرآن النل عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هو الق‪ ,‬ل كما يقول‬
‫الشركون‪ :‬إنك تأت به مِن عند نفسك‪ ,‬ومع هذا فأكثر الناس ل يصدّقون به ول يعملون‪.‬‬

‫‪428‬‬
‫جرِي‬
‫س وَالْقَ َمرَ كُ ّل يَ ْ‬
‫ش وَ سَخّرَ الشّمْ َ‬
‫اللّ ُه الّذِي رَفَ َع ال سّ َموَاتِ ِب َغيْ ِر عَمَ ٍد تَ َر ْونَهَا ثُمّ ا ْسَتوَى عَلَى اْلعَرْ ِ‬
‫لَجَ ٍل مُسَمّى يُ َدبّ ُر ا َلمْ َر ُي َفصّلُ اليَاتِ َلعَّلكُ ْم بِِلقَاءِ َرّبكُ ْم تُوقِنُونَ (‪)2‬‬

‫ال تعال هو الذي رفع السموات السبع بقدرته من غي عمد كما ترونا‪ ,‬ث استوى ‪-‬أي عل وارتفع‪-‬‬
‫على العرش استواء يليق بلله وعظمته‪ ,‬وذلّل الشمس والقمر لنافع العباد‪ ,‬ك ّل منهما يدور ف فلكه إل‬
‫يوم القيامة‪ .‬يدبّر سبحانه أمور الدنيا والخرة‪ ,‬يوضح لكم اليات الدالة على قدرته وأنه ل إله إل هو;‬
‫لتوقنوا بال والعاد إليه‪ ,‬فتصدقوا بوعده ووعيده وتُخْلصوا العبادة له وحده‪.‬‬

‫ض وَ َجعَلَ فِيهَا َروَا سِ َي َوَأنْهَارا َومِ نْ كُ ّل الثّمَرَا تِ َجعَلَ فِيهَا َزوْ َجيْ ِن اْثَنيْ نِ ُيغْشِي‬
‫َو ُهوَ الّذِي مَ ّد الَرْ َ‬
‫الّليْ َل الّنهَارَ ِإنّ فِي ذَلِكَ ليَاتٍ ِل َق ْومٍ يََت َفكّرُونَ (‪)3‬‬

‫وهو سبحانه الذي جعل الرض متسعة متدة‪ ,‬وهيأها لعاشكم‪ ,‬وجعل فيها جبال تُثّبتُها وأنارًا لشربكم‬
‫ومنافعكم‪ ,‬وجعل فيها من كل الثمرات صنفي اثني‪ ,‬فكان منها البيض والسود واللو والامض‪,‬‬
‫وجعل الليل يغطي النهار بظلمته‪ ,‬إن ف ذلك كله لَعظات لقوم يتفكرون فيها‪ ,‬فيتعظون‪.‬‬

‫سقَى بِمَا ٍء وَاحِدٍ‬


‫صْنوَا ٍن يُ ْ‬
‫صْنوَانٌ َو َغيْرُ ِ‬
‫ع َونَخِيلٌ ِ‬ ‫ت مِ نْ َأ ْعنَا بٍ َوزَرْ ٌ‬
‫وَفِي الَرْ ضِ قِطَ ٌع ُمتَجَا ِورَا تٌ وَ َجنّا ٌ‬
‫ك ليَاتٍ ِل َق ْو ٍم َيعْقِلُونَ (‪)4‬‬‫َونُ َفضّ ُل َب ْعضَهَا عَلَى َبعْضٍ فِي الُكُلِ ِإنّ فِي ذَلِ َ‬

‫ت ما ينفع الناس‪ ,‬ومنها َسبِخة مِلْحة ل تُنبت‬


‫وف الرض قطع ياور بعضها بعضًا‪ ,‬منها ما هو طيّب يُنب ُ‬
‫شيئًا‪ ,‬وف الرض الطيبة بساتي من أعناب‪ ,‬وجعل فيها زروعًا متلفة ونيل متمعًا ف منبت واحد‪,‬‬
‫وغي متمع فيه‪ ,‬كل ذلك ف تربة واحدة‪ ,‬ويشرب من ماء واحد‪ ,‬ولكنه يتلف ف الثمار والجم‬
‫والطعم وغي ذلك‪ ,‬فهذا حلو وهذا حامض‪ ,‬وبعضها أفضل من بعض ف الكل‪ ,‬إن ف ذلك لَعلمات‬
‫لن كان له قلب يعقل عن ال تعال أمره ونيه‪.‬‬

‫ك الّذِي نَ َكفَرُوا بِ َرّبهِ ْم َوُأوَْلئِ كَ‬


‫َوإِ ْن َتعْجَ بْ َفعَجَ بٌ َقوُْلهُ مْ َأئِذَا ُكنّ ا تُرَابا َأِئنّ ا لَفِي خَ ْل قٍ جَدِيدٍ ُأوَْلئِ َ‬
‫ب النّا ِر هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (‪)5‬‬ ‫الَغْللُ فِي َأ ْعنَاِقهِ ْم َوُأوْلَئِكَ أَصْحَا ُ‬

‫‪429‬‬
‫وإن تعجب ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من عدم إيانم بعد هذه الدلة فالعجب الشدّ من قول الكفار‪ :‬أإذا متنا‬
‫وكنا ترابا نُبعث من جديد؟ أولئك هم الاحدون بربم الذي أوجدهم من العدم‪ ,‬وأولئك تكون‬
‫السلسل من النار ف أعناقهم يوم القيامة‪ ,‬وأولئك يدخلون النار‪ ,‬ول يرجون منها أبدًا‪.‬‬

‫س عَلَى‬
‫ت َوإِنّ َربّ كَ لَذُو َم ْغفِ َرةٍ لِلنّا ِ‬
‫سَنةِ وََقدْ خَلَ تْ مِ نْ َقبِْلهِ ْم الْ َمثُل ُ‬
‫سّيَئةِ َقبْ َل الْحَ َ‬
‫ك بِال ّ‬
‫سَتعْجِلُونَ َ‬ ‫َويَ ْ‬
‫شدِي ُد الْ ِعقَابِ (‪)6‬‬ ‫ظُلْ ِمهِ ْم َوِإنّ َربّكَ لَ َ‬

‫ويستعجلك الكذّبون بالعقوبة الت ل أعاجلهم با قبل اليان الذي يرجى به المان والسنات‪ ,‬وقد‬
‫مضت عقوبات الكذبي مِن قبلهم‪ ,‬فكيف ل يعتبون بم؟ وإن ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لَذو مغفرة‬
‫لذنوبِ مَن تاب مِن ذنوبه من الناس على ظلمهم‪ ,‬يفتح لم باب الغفرة‪ ,‬ويدعوهم إليها‪ ,‬وهم يظلمون‬
‫أنفسهم بعصيانم ربم‪ ,‬وإن ربك لشديد العقاب على مَن أص ّر على الكفر والضلل ومعصية ال‪.‬‬

‫ت مُنذِ ٌر وَِلكُلّ َق ْومٍ هَادٍ (‪)7‬‬


‫َوَيقُو ُل الّذِينَ َكفَرُوا َلوْل أُنزِلَ عََليْهِ آَي ٌة مِنْ َربّهِ ِإنّمَا َأنْ َ‬

‫ويقول كفار "مكة"‪ :‬هل جاءته معجزة مسوسة كعصا موسى وناقة صال‪ ,‬وليس ذلك بيدك ‪-‬أيها‬
‫الرسول‪ -‬فما أنت إل مبلّغ لم‪ ,‬وموّف مِن بأس ال‪ .‬ولكل أمة رسول يرشدهم إل ال تعال‪.‬‬

‫اللّ ُه َيعْلَ ُم مَا تَحْ ِملُ كُلّ أُنثَى َومَا َتغِيضُ الَرْحَا ُم َومَا تَ ْزدَا ُد وَكُ ّل َشيْءٍ ِعنْ َدهُ بِ ِم ْقدَارٍ (‪)8‬‬

‫ال تعال يعلم ما تمل كلّ أنثى ف بطنها‪ ,‬أذكر هو أم أنثى؟ وشقي هو أم سعيد؟ ويعلم ما تنقصه‬
‫الرحام‪ ,‬فيسقط أو يولد قبل تسعة أشهر‪ ,‬وما يزيد حله عليها‪ .‬وكل شيء مقدّر عند ال بقدار من‬
‫النقصان أو الزيادة ل يتجاوزه‪.‬‬

‫شهَا َد ِة الْ َكبِيُ الْ ُمَتعَالِي (‪)9‬‬


‫عَالِ ُم اْلغَْيبِ وَال ّ‬

‫ال عال با خفي عن البصار‪ ,‬وبا هو مشاهَد‪ ,‬الكبي ف ذاته وأسائه وصفاته‪ ,‬التعال على جيع خلقه‬
‫بذاته وقدرته وقهره‪.‬‬

‫‪430‬‬
‫ب بِالّنهَارِ (‪)10‬‬
‫ف بِالّليْ ِل َوسَارِ ٌ‬
‫ستَخْ ٍ‬
‫َسوَا ٌء ِمْنكُمْ مَنْ َأسَ ّر الْ َقوْ َل َومَنْ َج َه َر بِهِ َومَ ْن ُه َو مُ ْ‬

‫يستوي ف علمه تعال مَن أخفى القول منكم ومَن جهر به‪ ,‬ويستوي عنده مَن استتر بأعماله ف ظلمة‬
‫الليل‪ ,‬ومن جهر با ف وضح النهار‪.‬‬

‫حفَظُونَ ُه مِ نْ َأمْرِ اللّ هِ إِنّ اللّ َه ل ُي َغيّ ُر مَا ِبقَوْ مٍ َحتّ ى ُي َغيّرُوا مَا‬
‫ت مِ ْن َبيْ ِن يَ َديْ هِ َومِ نْ خَ ْلفِ ِه يَ ْ‬
‫لَ ُه ُم َعقّبَا ٌ‬
‫سهِ ْم َوإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِ َق ْو ٍم سُوءا فَل مَ َردّ لَ ُه َومَا َلهُ ْم مِنْ دُونِ ِه مِ ْن وَالٍ (‪)11‬‬ ‫بِأَنفُ ِ‬

‫ل تعال ملئكة يتعاقبون على النسان من بي يديه ومن خلفه‪ ,‬يفظونه بأمر ال ويصون ما يصدر عنه‬
‫من خي أو شر‪ .‬إن ال سبحانه وتعال ل يغيّر نعمة أنعمها على قوم إل إذا غيّروا ما أمرهم به فعصوه‪.‬‬
‫وإذا أراد ال بماع ٍة بلءً فل مف ّر منه‪ ,‬وليس لم مِن دون ال مِن وال يتول أمورهم‪ ,‬فيجلب لم‬
‫الحبوب‪ ,‬ويدفع عنهم الكروه‪.‬‬

‫ب الّثقَالَ (‪)12‬‬
‫شئُ السّحَا َ‬
‫ُهوَ الّذِي يُرِيكُ ْم اْلبَ ْرقَ َخوْفا َوطَمَعا َوُينْ ِ‬

‫هو الذي يريكم من آياته البق ‪-‬وهو النور اللمع من خلل السحاب‪ -‬فتخافون أن تنل عليكم منه‬
‫الصواعق الحرقة‪ ,‬وتطمعون أن ينل معه الطر‪ ,‬وبقدرته سبحانه يوجد السحاب الحمّل بالاء الكثي‬
‫لنافعكم‪.‬‬

‫صوَاعِقَ َفيُ صِيبُ ِبهَا مَ ْن يَشَا ُء َوهُ ْم يُجَادِلُو نَ فِي‬


‫َويُ سَبّحُ ال ّرعْ ُد ِبحَمْدِ ِه وَالْمَلِئ َكةُ مِ نْ خِي َفتِ هِ َويُرْ سِ ُل ال ّ‬
‫اللّ ِه َوهُ َو شَدِي ُد الْ ِمحَالِ (‪)13‬‬

‫ويسبّح الرعد بمد ال تسبيحًا يدل على خضوعه لربه‪ ,‬وتنّه اللئكة ربا مِن خوفها من ال‪ ,‬ويرسل‬
‫ال الصواعق الهلكة فيهلك با مَن يشاء من خلقه‪ ,‬والكفار يادلون ف وحدانية ال وقدرته على البعث‪,‬‬
‫وهو شديد الول والقوة والبطش بن عصاه‪.‬‬

‫شيْءٍ إِلّ َكبَاسِطِ َكفّيْهِ إِلَى الْمَاءِ ِلَيبْلُغَ فَاهُ َومَا‬


‫ستَجِيبُونَ َلهُ ْم بِ َ‬
‫ح ّق وَالّذِينَ يَ ْدعُونَ مِنْ دُونِهِ ل يَ ْ‬
‫لَهُ َد ْع َوةُ الْ َ‬
‫‪431‬‬
‫ُهوَ ِببَاِلغِهِ َومَا ُدعَاءُ اْلكَافِرِينَ إِلّ فِي ضَللٍ (‪)14‬‬

‫ل سبحانه وتعال وحده دعوة التوحيد (ل إله إل ال)‪ ,‬فل يُعبد ول يُدعى إل هو‪ ,‬واللة الت يعبدونا‬
‫من دون ال ل تيب دعاء مَن دعاها‪ ,‬وحالم معها كحال عطشان يد يده إل الاء من بعيد; ليصل إل‬
‫فمه فل يصل إليه‪ ,‬وما سؤال الكافرين لا إل غاية ف البعد عن الصواب لشراكهم بال غيه‪.‬‬

‫ض َطوْعا وَكَرْها َوظِلُلهُ ْم بِاْلغُ ُد ّو وَالصَالِ (‪)15‬‬


‫ت وَالَ ْر ِ‬
‫وَلِلّ ِه يَسْجُدُ مَنْ فِي السّ َموَا ِ‬

‫ول وحده يسجد خاضعًا منقادًا كُ ّل مَن ف السموات والرض‪ ,‬فيسجد ويضع له الؤمنون طوعًا‬
‫واختيارًا‪ ،‬ويضع له الكافرون رغمًا عنهم; لنم يستكبون عن عبادته‪ ,‬وحالم وفطرتم تكذّبم ف‬
‫ذلك‪ ,‬وتنقاد لعظمته ظلل الخلوقات‪ ,‬فتتحرك بإرادته أول النهار وآخره‪.‬‬

‫سهِ ْم َنفْعا وَل ضَرّا‬ ‫ت وَالَرْضِ قُلْ اللّهُ قُلْ أَفَاتّخَ ْذتُ ْم مِنْ دُونِهِ َأوِْليَا َء ل يَمِْلكُونَ لَنفُ ِ‬
‫قُ ْل مَنْ رَبّ السّ َموَا ِ‬
‫خ ْلقِ هِ‬
‫ت وَالنّورُ أَ مْ َج َعلُوا لِلّ هِ شُرَكَاءَ َخَلقُوا كَ َ‬
‫سَتوِي الظّلُمَا ُ‬ ‫سَتوِي ا َلعْمَى وَاْلبَ صِيُ أَ مْ هَ ْل تَ ْ‬ ‫قُ ْل هَ ْل يَ ْ‬
‫خلْ ُق عََلْيهِمْ قُلْ اللّهُ خَالِقُ كُ ّل َشيْءٍ َو ُه َو اْلوَاحِ ُد اْل َقهّارُ (‪)16‬‬
‫َفتَشَابَهَ الْ َ‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للمشركي‪ :‬مَن خالق السّموات والرض ومدبّرها؟ قل‪ :‬ال هو الالق الدبر لما‪,‬‬
‫وأنتم تقرون بذلك‪ ,‬ث قل لم ملزمًا بالجة‪ :‬أجعلتم غيه معبودين لكم‪ ,‬وهم ل َيقْدرون على نفع‬
‫أنفسهم أو ضرها فضل عن نفعكم أو ضركم‪ ,‬وتركتم عبادة مالكها؟ قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬هل‬
‫يستوي عندكم الكافر ‪-‬وهو كالعمى‪ -‬والؤمن وهو كالبصي؟ أم هل يستوي عندكم الكفر ‪-‬وهو‬
‫كالظلمات‪ -‬واليان ‪-‬وهو كالنور؟ أم أن أولياءهم الذين جعلوهم شركاء ل يلقون مثل خَلْقه‪ ,‬فتشابه‬
‫عليهم خَلْق الشركاء بلق ال‪ ,‬فاعتقدوا استحقاقهم للعبادة؟ قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬ال تعال خالق‬
‫كل كائن من العدم‪ ,‬وهو الستحق للعبادة وحده‪ ,‬وهو الواحد القهار الذي يستحق اللوهية والعبادة‪ ,‬ل‬
‫الصنام والوثان الت ل تض ّر ول تنفع‪.‬‬

‫سيْلُ َزبَدا رَابِيا َومِمّا يُوقِدُو َن عََليْ هِ فِي النّا ِر ابِْتغَا َء‬ ‫أَنزَ َل مِ ْن ال سّمَا ِء مَاءً فَ سَاَلتْ َأوْ ِدَي ٌة ِبقَدَ ِرهَا فَا ْحتَمَ َل ال ّ‬
‫ك َيضْرِ بُ اللّ ُه الْحَقّ وَالْبَاطِلَ َفَأمّ ا ال ّزبَدُ َفيَ ْذهَ بُ ُجفَا ًء َوَأمّ ا مَا يَنفَ ُع النّا سَ‬ ‫حِ ْلَيةٍ َأ ْو َمتَا عٍ َزبَ ٌد ِمثْلُ هُ َكذَلِ َ‬

‫‪432‬‬
‫ك َيضْرِبُ اللّ ُه ا َل ْمثَالَ (‪)17‬‬
‫َفيَ ْمكُثُ فِي الَ ْرضِ كَذَلِ َ‬

‫جرَت به أودية الرض بقدر صغرها‬ ‫ث ضرب ال سبحانه مثل للحق والباطل باء أنزله من السماء‪ ,‬ف َ‬
‫وكبها‪ ,‬فحمل السيل غثاء طافيًا فوقه ل نفع فيه‪ .‬وضرب مثل آخر‪ :‬هو العادن يوقِدون عليها النار‬
‫لصهرها طلبًا للزينة كما ف الذهب والفضة‪ ,‬أو طلبًا لنافع ينتفعون با كما ف النحاس‪ ,‬فيخرج منها‬
‫خبثها ما ل فائدة فيه كالذي كان مع الاء‪ ,‬بثل هذا يضرب ال الثل للحق والباطل‪ :‬فالباطل كغثاء الاء‬
‫يتلشى أو يُرْمى إذ ل فائدة منه‪ ,‬والق كالاء الصاف‪ ,‬والعادن النقية تبقى ف الرض للنتفاع با‪ ,‬كما‬
‫بيّن لكم هذه المثال‪ ,‬كذلك يضربا للناس; ليتضح الق من الباطل والدى من الضلل‪.‬‬

‫ستَجِيبُوا لَ هُ َلوْ أَنّ َلهُ ْم مَا فِي الَرْ ضِ جَمِيعا َومِثْلَ ُه َمعَ هُ‬‫سنَى وَالّذِي نَ لَ ْم يَ ْ‬
‫لِلّذِي َن ا ْستَجَابُوا ِل َرّبهِ ْم الْحُ ْ‬
‫س الْ ِمهَادُ (‪)18‬‬ ‫ب َو َم ْأوَاهُمْ َج َهنّ ُم َوِبئْ َ‬
‫ل ْفتَ َدوْا بِهِ ُأوْلَئِكَ َلهُ ْم سُو ُء الْحِسَا ِ‬

‫للمؤمني الذين أطاعوا ال ورسوله النة‪ ,‬والذين ل يطيعوا وكفروا به لم النار‪ ,‬ولو كانوا يلكون كل‬
‫ضعْفه معه لبذلوه فداء لنفسهم من عذاب ال يوم القيامة‪ ,‬ولن يُتَقبل منهم‪ ,‬أولئك‬
‫ما ف الرض و ِ‬
‫ياسَبون على كل ما أسلفوه من عمل سيّئ‪ ,‬ومسكنهم ومقامهم جهنم تكون لم فراشًا‪ ,‬وبئس الفراش‬
‫الذي مهدوه لنفسهم‪.‬‬

‫ك الْحَقّ َكمَ ْن ُهوَ َأعْمَى ِإنّمَا َيتَذَكّرُ ُأوْلُوا الَلْبَابِ (‪ )19‬الّذِي َن يُوفُونَ‬
‫ك مِنْ َربّ َ‬
‫أَفَمَ ْن َيعْلَمُ َأنّمَا أُن ِزلَ إِلَيْ َ‬
‫ِبعَهْدِ اللّ ِه وَل يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ (‪)20‬‬

‫هل الذي يعلم أن ما جاءك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من عند ال هو الق فيؤمن به‪ ,‬كالعمى عن الق الذي ل‬
‫يؤمن؟ إنا يتعظ أصحاب العقول السليمة الذين يوفون بعهد ال الذي أمرهم به‪ ,‬ول ينكثون العهد‬
‫الؤكد الذي عاهدوا ال عليه‪.‬‬

‫شوْنَ َرّبهُ ْم َويَخَافُو َن سُوءَ الْحِسَابِ (‪)21‬‬


‫وَالّذِينَ َيصِلُو َن مَا َأمَرَ اللّ ُه بِهِ َأ ْن يُوصَ َل َويَخْ َ‬

‫وهم الذين َيصِلون ما أمرهم ال بوصله كالرحام والحتاجي‪ ,‬ويراقبون ربم‪ ,‬ويشون أن ياسبهم‬
‫على كل ذنوبم‪ ,‬ول يغفر لم منها شيئًا‪.‬‬
‫‪433‬‬
‫سَنةِ‬
‫صبَرُوا اْبتِغَا َء وَجْ هِ َرّبهِ مْ َوأَقَامُوا ال صّلةَ َوأَن َفقُوا مِمّ ا رَزَ ْقنَاهُ مْ سِرّا َوعَلِنَيةً َويَ ْدرَءُو نَ بِاْلحَ َ‬
‫وَالّذِي نَ َ‬
‫السّّيَئةَ ُأوْلَئِكَ َلهُ ْم ُعقْبَى الدّارِ (‪)22‬‬

‫وهم الذين صبوا على الذى وعلى الطاعة‪ ,‬وعن العصية طلبًا لرضا ربم‪ ,‬وأدّوا الصلة على أ ّت‬
‫وجوهها‪ ,‬وأدّوا من أموالم زكاتم الفروضة‪ ,‬والنفقات الستحبة ف الفاء والعلن‪ ,‬ويدفعون بالسنة‬
‫السيئة فتمحوها‪ ,‬أولئك الوصوفون بذه الصفات لم العاقبة الحمودة ف الخرة‪.‬‬

‫صلَ َح مِ ْن آبَاِئهِ ْم َوأَ ْزوَا ِجهِ ْم وَ ُذ ّريّاتِهِ ْم وَالْمَلِئ َكةُ يَ ْدخُلُو نَ عََلْيهِ مْ مِ نْ كُلّ‬
‫َجنّا تُ عَدْ نٍ يَ ْدخُلُوَنهَا َومَ نْ َ‬
‫بَابٍ (‪)23‬‬

‫تلك العاقبة هي جنات عدن يقيمون فيها ل يزولون عنها‪ ,‬ومعهم الصالون من الباء والزوجات‬
‫والذريات من الذكور والنات‪ ,‬وتدخل اللئكة عليهم من كل باب; لتهنئتهم بدخول النة‪.‬‬

‫صبَ ْرتُمْ َفِنعْ َم ُع ْقبَى الدّارِ (‪)24‬‬


‫سَلمٌ عََلْيكُ ْم بِمَا َ‬

‫تقول اللئكة لم‪ :‬سَلِمْتم من كل سوء بسبب صبكم على طاعة ال‪ ,‬فِنعْ َم عاقبة الدار النة‪.‬‬

‫وَالّذِي َن يَنقُضُو َن َعهْدَ اللّ ِه مِنْ بَعْ ِد مِيثَاقِ ِه َوَيقْ َطعُونَ مَا َأمَرَ اللّ ُه بِهِ أَنْ يُوصَ َل َوُيفْسِدُونَ فِي الَرْضِ ُأوَْلئِكَ‬
‫َلهُمُ الّل ْعَنةُ وََلهُ ْم سُوءُ الدّارِ ( ‪)25‬‬

‫أما الشقياء فقد وُصِفوا بضد صفات الؤمني‪ ,‬فهم الذين ل يوفون بعهد ال بإفراده سبحانه بالعبادة بعد‬
‫أن أكدوه على أنفسهم‪ ,‬وهم الذين يقطعون ما أمرهم ال بوصله مِن صلة الرحام وغيها‪ ,‬ويفسدون‬
‫ف الرض بعمل العاصي‪ ,‬أولئك الوصوفون بذه الصفات القبيحة لم الطرد من رحة ال‪ ,‬ولم ما‬
‫يسوءهم من العذاب الشديد ف الدار الخرة‪.‬‬

‫حيَاةُ ال ّدْنيَا فِي الخِ َرةِ إِ ّل مَتَاعٌ (‪)26‬‬


‫حيَاةِ ال ّدْنيَا َومَا الْ َ‬
‫اللّ ُه َيبْسُطُ الرّ ْزقَ ِلمَ ْن يَشَا ُء َوَيقْدِ ُر وَفَرِحُوا بِالْ َ‬

‫‪434‬‬
‫ال وحده يوسّع الرزق لن يشاء من عباده‪ ,‬ويضيّق على مَن يشاء منهم‪ ,‬وفرح الكفار بالسّعة ف الياة‬
‫الدنيا‪ ,‬وما هذه الياة الدنيا بالنسبة للخرة إل شيء قليل يتمتع به‪ ,‬سُرعان ما يزول‪.‬‬

‫َوَيقُو ُل الّذِينَ َكفَرُوا َلوْل أُنزِلَ عََليْهِ آَي ٌة مِنْ َربّهِ قُلْ ِإنّ اللّ َه يُضِ ّل مَ ْن يَشَا ُء َوَيهْدِي إَِليْهِ مَنْ أَنَابَ (‪)27‬‬

‫ويقول الكفار عنادًا‪ :‬هل أُنزل على ممد معجزة مسوسة كمعجزة موسى وعيسى‪ .‬قل لم‪ :‬إن ال‬
‫يضل مَن يشاء من العاندين عن الداية ول تنفعه العجزات‪ ,‬ويهدي إل دينه الق مَن رجع إليه وطلب‬
‫رضوانه‪.‬‬

‫الّذِينَ آمَنُوا َوتَ ْط َمئِنّ قُلُوُبهُ ْم بِذِكْرِ اللّهِ أَل بِذِكْرِ اللّ ِه تَطْ َمئِ ّن اْلقُلُوبُ (‪)28‬‬

‫ويهدي الذين تسكن قلوبم بتوحيد ال وذكره فتطمئن‪ ,‬أل بطاعة ال وذكره وثوابه تسكن القلوب‬
‫وتستأنس‪.‬‬

‫ت طُوبَى َلهُ ْم وَحُسْ ُن مَآبٍ (‪)29‬‬


‫الّذِينَ آمَنُوا َوعَ ِملُوا الصّالِحَا ِ‬

‫الذين صدّقوا بال ورسوله‪ ,‬وعملوا العمال الصالات لم فرح وقرة عي‪ ,‬وحال طيبة‪ ,‬ومرجع حسن‬
‫إل جنة ال ورضوانه‪.‬‬

‫ك َوهُ ْم يَ ْكفُرُو َن بِالرّحْ َم نِ‬


‫كَذَلِ كَ أَرْ سَ ْلنَاكَ فِي ُأ ّمةٍ قَدْ َخلَ تْ مِ نْ َقبِْلهَا ُأمَ مٌ ِلتَتُْل َو عََلْيهِ ْم الّذِي َأوْ َحْينَا إَِليْ َ‬
‫قُ ْل ُهوَ َربّي ل إِلَهَ إِلّ ُه َو عََليْ ِه َتوَكّ ْلتُ َوإَِليْهِ َمتَابِ (‪)30‬‬

‫كما أرسلنا الرسلي قبلك أرسلناك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ف أمة قد مضت مِن قبلها أمم الرسلي; لتتلو على‬
‫هذه المة القرآن النل عليك‪ ,‬وحال قومك الحود بوحدانية الرحن‪ ,‬قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬الرحن‬
‫الذي ل تتخذوه إلًا واحدًا هو رب وحده ل معبود بق سواه‪ ,‬عليه اعتمدت ووثقت‪ ,‬وإليه مرجعي‬
‫وإنابت‪.‬‬

‫‪435‬‬
‫جبَالُ َأوْ ُق ّطعَ تْ بِ ِه الَرْ ضُ َأوْ كُلّ َم بِ هِ الْ َم ْوتَى بَلْ ِللّ ِه ا َلمْرُ جَمِيعا أَفَلَ ْم َيْيئَ سْ‬
‫ت بِ ِه الْ ِ‬‫وََلوْ َأنّ قُرْآنا ُسيّرَ ْ‬
‫صنَعُوا قَا ِر َعةٌ َأ ْو تَحُلّ‬
‫الّذِينَ آمَنُوا أَنْ َلوْ يَشَاءُ اللّهُ َلهَدَى النّاسَ َجمِيعا وَل يَزَا ُل الّذِينَ َكفَرُوا تُصِيبُهُ ْم بِمَا َ‬
‫ف الْمِيعَادَ (‪)31‬‬ ‫قَرِيبا مِنْ دَا ِرهِمْ َحتّى يَ ْأِتيَ َوعْدُ اللّهِ ِإنّ اللّ َه ل ُيخْلِ ُ‬

‫يردّ ال ‪-‬تعال‪ -‬على الكافرين الذين طلبوا إنزال معجزات مسوسة على النب صلى ال عليه وسلم‬
‫فيقول لم‪ :‬ولو أن ثة قرآنًا يقرأ‪ ,‬فتزول به البال عن أماكنها‪ ,‬أو تتشقق به الرض أنارًا‪ ,‬أو ييا به‬
‫الوتى وُتكَلّم ‪-‬كما طلبوا منك‪ -‬لكان هذا القرآن هو التصف بذلك دون غيه‪ ,‬ولا آمنوا به‪ .‬بل ل‬
‫وحده المر كله ف العجزات وغيها‪ .‬أفلم يعلم الؤمنون أن ال لو يشاء لمن أهل الرض كلهم من‬
‫غي معجزة؟ ول يزال الكفار تنل بم مصيبة بسبب كفرهم كالقتل والسر ف غزوات السلمي‪ ,‬أو‬
‫تنل تلك الصيبة قريبًا من دارهم‪ ,‬حت يأت وعد ال بالنصر عليهم‪ ,‬إن ال ل يلف اليعاد‪.‬‬

‫ئ بِ ُرسُ ٍل مِنْ َقبْلِكَ َفَأمَْليْتُ لِلّذِينَ َك َفرُوا ثُمّ أَ َخ ْذُتهُمْ َف َكيْفَ كَانَ ِعقَابِ (‪)32‬‬
‫وََلقَ ْد اسُْتهْزِ َ‬

‫وإذا كانوا قد سخروا من دعوتك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬فلقد سَخِرَتْ أمم من قبلك برسلهم‪ ,‬فل تزن فقد‬
‫أمهلتُ الذين كفروا‪ ,‬ث أخذتُهم بعقاب‪ ,‬وكان عقابًا شديدًا‪.‬‬

‫سَبتْ َو َجعَلُوا ِللّ ِه شُرَكَاءَ قُلْ سَمّوهُمْ أَ ْم ُتنَّبئُونَ ُه بِمَا ل َيعْلَ مُ فِي‬‫أَفَمَ ْن ُهوَ قَائِ ٌم عَلَى كُ ّل َنفْ سٍ بِمَا كَ َ‬
‫سبِي ِل َومَ نْ يُضِْللْ اللّ هُ فَمَا لَ ُه مِ نْ‬
‫صدّوا عَ نْ ال ّ‬
‫الَرْ ضِ أَ ْم بِظَاهِ ٍر مِ نْ الْ َقوْ ِل بَلْ ُزيّ نَ لِلّذِي نَ َكفَرُوا َمكْ ُرهُ ْم وَ ُ‬
‫هَادٍ (‪)33‬‬

‫أفمن هو قائم على كل نفس يُحصي عليها ما تعمل‪ ,‬أحق أن يعبد‪ ,‬أم هذه الخلوقات العاجزة؟ وهم‬
‫‪-‬من جهلهم‪ -‬جعلوا ل شركاء مِن خَلْقه يعبدونم‪ ,‬قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬اذكروا أساءهم وصفاتم‪,‬‬
‫ولن يدوا من صفاتم ما يعلهم أهل للعبادة‪ ,‬أم تبون ال بشركاء ف أرضه ل يعلمهم‪ ,‬أم تسمونم‬
‫شركاء بظاهر من اللفظ من غي أن يكون لم حقيقة‪ .‬بل حسّن الشيطان للكفار قولم الباطل وصدّهم‬
‫عن سبيل ال‪ .‬ومَن ل يوفّقه ال لدايته فليس له أحد يهديه‪ ,‬ويوفقه إل الق والرشاد‪.‬‬

‫حيَاةِ ال ّدنْيَا وََلعَذَابُ ال ِخ َرةِ َأشَ ّق َومَا َلهُ ْم مِنْ اللّ ِه مِ ْن وَاقٍ (‪)34‬‬
‫َلهُ ْم عَذَابٌ فِي الْ َ‬

‫‪436‬‬
‫لؤلء الكفار الصادين عن سبيل ال عذاب شاق ف الياة الدنيا بالقتل والسر والزي‪ ,‬ولَعذابم ف‬
‫الخرة أثقل وأشد‪ ,‬وليس لم مانع ينعهم من عذاب ال‪.‬‬

‫ك ُعقْبَى الّذِي َن اّتقَوا َوعُ ْقبَى‬


‫حِتهَا ا َلْنهَارُ أُكُُلهَا دَائِ ٌم َوظِّلهَا تِلْ َ‬
‫جّنةِ اّلتِي وُعِ َد الْ ُمّتقُونَ تَجْرِي مِ ْن تَ ْ‬
‫َمثَلُ الْ َ‬
‫الْكَافِرِي َن النّارُ (‪)35‬‬

‫صفة النة الت وعد ال با الذين يشونه أنا تري من تت أشجارها وقصورها النار‪ ,‬ثرها ل ينقطع‪,‬‬
‫وظلها ل يزول ول ينقص‪ ,‬تلك الثوبة بالنة عاقبة الذين خافوا ال‪ ,‬فاجتنبوا معاصيه وأدّوا فرائضه‪,‬‬
‫وعاقبة الكافرين بال النار‪.‬‬

‫ب مَ ْن يُنكِ ُر َبعْضَ هُ ُقلْ ِإنّمَا ُأمِرْ تُ أَ نْ أَ ْعبُدَ‬


‫ك َومِ ْن الَ ْحزَا ِ‬
‫ب َيفْرَحُو َن بِمَا أُنزِلَ إَِليْ َ‬
‫وَالّذِي َن آَتيْنَاهُ مْ اْل ِكتَا َ‬
‫اللّ َه وَل ُأشْ ِر َك بِهِ إَِليْهِ َأ ْدعُو َوإَِليْهِ مَآبِ (‪)36‬‬

‫والذين أعطيناهم الكتاب من اليهود والنصارى مَن آمن منهم بك كعبد ال بن سلم والنجاشي‪,‬‬
‫يستبشرون بالقرآن النل عليك لوافقته ما عندهم‪ ,‬ومن التحزبي على الكفر ضدك‪ ,‬كالسّيد والعاقب‪,‬‬
‫ُأسْقفَي "نران"‪ ,‬وكعب بن الشرف‪ ,‬مَن ينكر بعض النل عليك‪ ,‬قل لم‪ :‬إنا أمرن ال أن أعبده‬
‫وحده‪ ,‬ول أشرك به شيئًا‪ ,‬إل عبادته أدعو الناس‪ ,‬وإليه مرجعي ومآب‪.‬‬

‫ك مِ نْ اللّ ِه مِ ْن وَِليّ وَل‬


‫وَكَذَلِ كَ أَنزَْلنَا هُ ُحكْما عَ َرِبيّا وََلئِ ْن اّتبَعْ تَ َأ ْهوَا َءهُ ْم َبعْ َدمَا جَاءَ َك مِ نْ الْعِ ْل ِم مَا لَ َ‬
‫وَاقٍ (‪)37‬‬

‫وكما أنزلنا الكتب على النبياء بلسانم أنزلنا إليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬القرآن بلغة العرب; لتحكم به‪ ,‬ولئن‬
‫اتبعت أهواء الشركي ف عبادة غي ال ‪-‬بعد الق الذي جاءك من ال‪ -‬ليس لك ناصر ينصرك وينعك‬
‫من عذابه‪.‬‬

‫ك وَ َجعَ ْلنَا َلهُمْ أَ ْزوَاجا وَ ُذ ّرّيةً َومَا كَانَ ِلرَسُولٍ أَنْ َي ْأتِ َي بِآيَةٍ إِ ّل بِإِذْنِ اللّهِ ِلكُلّ‬
‫وََلقَدْ أَرْسَ ْلنَا رُ ُسلً مِنْ َقبْلِ َ‬
‫أَجَلٍ ِكتَابٌ (‪)38‬‬

‫‪437‬‬
‫وإذا قالوا‪ :‬ما لك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬تتزوج النساء؟ فلقد بعثنا قبلك رسل من البشر وجعلنا لم أزواجًا‬
‫وذرية‪ ,‬وإذا قالوا‪ :‬لو كان رسول لتى با طلبنا من العجزات‪ ,‬فليس ف ُوسْع رسولٍ أن يأت بعجزةٍ‬
‫أرادها قومه إل بإذن ال‪ .‬لكل أمر قضاه ال كتاب وأجل قد كتبه ال عنده‪ ,‬ل يتقدم ول يتأخر‪.‬‬

‫ت َو ِعنْ َدهُ ُأ ّم الْ ِكتَابِ (‪)39‬‬


‫يَمْحُوا اللّ ُه مَا يَشَاءُ َويُْثبِ ُ‬

‫يحو ال ما يشاء من الحكام وغيها‪ ,‬وُيبْقي ما يشاء منها لكمة يعلمها‪ ,‬وعنده أمّ الكتاب‪ ,‬وهو‬
‫اللوح الحفوظ‪.‬‬

‫ك الْبَلغُ َوعََلْينَا الْحِسَابُ (‪)40‬‬


‫ض الّذِي َنعِدُهُمْ َأ ْو َنَتوَفَّينّكَ فَِإنّمَا عََليْ َ‬
‫َوإِ ْن مَا نُ ِرَينّكَ َب ْع َ‬

‫وإن أريناك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بعض العقاب الذي توعّدْنا به أعداءك من الزي والنّكال ف الدنيا فذلك‬
‫العجّل لم‪ ,‬وإن توفيناك قبل أن ترى ذلك‪ ,‬فما عليك إل تبليغ الدعوة‪ ,‬وعلينا الساب والزاء‪.‬‬

‫حكْمِ ِه َو ُهوَ سَرِي ُع الْحِ سَابِ (‬


‫حكُ مُ ل ُم َعقّ بَ لِ ُ‬
‫صهَا مِ نْ َأطْرَاِفهَا وَاللّ ُه يَ ْ‬
‫ض َنْنقُ ُ‬
‫َأوَلَ ْم يَ َروْا َأنّا َنأْتِي الَرْ َ‬
‫‪)41‬‬

‫أول يبصر هؤلء الكفار أنا نأت الرض ننقصها من أطرافها‪ ,‬وذلك بفتح السلمي بلد الشركي‬
‫وإلاقها ببلد السلمي؟ وال سبحانه يكم ل معقّب لكمه وقضائه‪ ,‬وهو سريع الساب‪ ,‬فل‬
‫يستعجلوا بالعذاب; فإن كل آت قريب‪.‬‬

‫س وَ َسَيعْلَ ُم اْل ُكفّارُ ِلمَ نْ عُ ْقبَى الدّارِ‬


‫وَقَ ْد َمكَ َر الّذِي َن مِ نْ َقبِْلهِ مْ فَلِلّ ِه الْ َمكْرُ َجمِيعا َيعْلَ ُم مَا َتكْ سِبُ كُ ّل َنفْ ٍ‬
‫(‪)42‬‬

‫ولقد دبّر الذين من قبلهم الكايد لرسلهم‪ ,‬كما فعل هؤلء معك‪ ,‬فلله الكر جيعًا‪ ,‬فيبطل مكرهم‪,‬‬
‫ويعيده عليهم باليبة والندم‪ ,‬يعلم سبحانه ما تكسب كل نفس من خي أو شر فتجازى عليه‪ .‬وسيعلم‬

‫‪438‬‬
‫الكفار ‪-‬إذا قدموا على ربم‪ -‬لن تكون العاقبة الحمودة بعد هذه الدنيا؟ إنا لتباع الرسل‪ .‬وف هذا‬
‫تديد ووعيد للكافرين‪.‬‬

‫ستَ مُ ْر َسلً قُلْ َكفَى بِاللّ ِه َشهِيدا َبْينِي َوَبيَْنكُ ْم َومَ ْن عِنْ َد ُه عِلْ ُم اْل ِكتَابِ (‪)43‬‬
‫َويَقُو ُل الّذِينَ َكفَرُوا لَ ْ‬

‫ويقول الذين كفروا لنب ال‪- :‬يا ممد‪ -‬ما أرسلك ال‪ ,‬قل لم‪ :‬كفى بال شهيدًا بصدقي وكذبكم‪,‬‬
‫ت به من عند ال‪,‬‬
‫و َكفَتْ شهادة مَن عنده علم الكتاب من اليهود والنصارى من آمن برسالت‪ ,‬وما جئ ُ‬
‫واتبع الق فصرّح بتلك الشهادة‪ ,‬ول يكتمها‪.‬‬

‫‪ -14‬سورة إبراهيم‬

‫ط اْلعَزِي ِز الْحَمِيدِ (‪)1‬‬


‫صرَا ِ‬
‫س مِ نْ الظّلُمَا تِ إِلَى النّورِ بِإِذْ نِ َرّبهِ مْ إِلَى ِ‬
‫ج النّا َ‬
‫الر ِكتَا بٌ أَنزَْلنَا هُ إَِليْ كَ ِلتُخْ ِر َ‬
‫ت َومَا فِي الَ ْرضِ َووَيْلٌ ِل ْلكَافِرِي َن مِ ْن عَذَابٍ شَدِيدٍ (‪)2‬‬ ‫اللّ ِه الّذِي لَ ُه مَا فِي السّ َموَا ِ‬

‫(الر) سبق الكلم على الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬

‫هذا القرآن كتاب أوحيناه إليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لتُخرج به البشر من الضلل والغيّ إل الدى والنور‬
‫‪-‬بإذن ربم وتوفيقه إياهم‪ -‬إل السلم الذي هو طريق ال الغالب الحمود ف كل حال‪ ,‬ال الذي له‬
‫ما ف السموات وما ف الرض‪ ,‬خلقًا وملكًا وتصرّفًا‪ ,‬فهو الذي يب أن تكون العبادة له وحده‪.‬‬
‫وسوف يصيب الذين ل يؤمنوا بال ول يتبعوا رسله يوم القيامة هلك وعذاب شديد‪.‬‬

‫حيَاةَ ال ّدْنيَا عَلَى الخِ َر ِة َوَيصُدّو َن عَ ْن َسبِيلِ اللّ ِه َوَيْبغُوَنهَا عِوَجا ُأوَْلئِكَ فِي ضَل ٍل َبعِيدٍ‬
‫حبّونَ الْ َ‬
‫الّذِي َن يَسْتَ ِ‬
‫(‪)3‬‬

‫‪439‬‬
‫وهؤلء الذين أعرضوا ول يؤمنوا بال ويتبعوا رسله هم الذين يتارون الياة الدنيا الفانية‪ ,‬ويتركون‬
‫الخرة الباقية‪ ,‬وينعون الناس عن اتباع دين ال‪ ,‬ويريدونه طريقًا معوجًا ليوافق أهواءهم‪ ,‬أولئك‬
‫الوصوفون بذه الصفات ف ضلل عن الق بعيد عن كل أسباب الداية‪.‬‬

‫وَمَا أَرْ َس ْلنَا مِ نْ رَ سُولٍ إِلّ بِلِ سَانِ َق ْومِ هِ ِلُيبَيّ نَ َلهُ مْ َفُيضِلّ اللّ ُه مَ ْن يَشَا ُء َوَيهْدِي مَ ْن يَشَاءُ وَ ُه َو اْلعَزِيزُ‬
‫حكِيمُ (‪)4‬‬ ‫الْ َ‬

‫وما أرسلنا مِن رسولٍ قبلك ‪-‬أيها النب‪ -‬إل بلُغة قومه; ليوضّح لم شريعة ال‪ ,‬فيضل ال من يشاء عن‬
‫الدى‪ ,‬ويهدي من يشاء إل الق‪ ,‬وهو العزيز ف ملكه‪ ,‬الكيم الذي يضع المور ف مواضعها وَفْق‬
‫الكمة‪.‬‬

‫ك مِ نْ الظّلُمَا تِ إِلَى النّو ِر َوذَكّ ْرهُ ْم ِبأَيّا مِ اللّ هِ إِنّ فِي ذَلِ كَ‬
‫وََلقَدْ أَرْ سَ ْلنَا مُو سَى بِآيَاتِنَا أَ نْ أَ ْخرِ جْ َق ْومَ َ‬
‫صبّا ٍر َشكُورٍ (‪)5‬‬ ‫ليَاتٍ ِلكُلّ َ‬

‫ولقد أرسلنا موسى إل بن إسرائيل وأيدناه بالعجزات الدالة على صدقه‪ ,‬وأمرناه بأن يدعوهم إل‬
‫اليان؛ ليخرجهم من الضلل إل الدى‪ ,‬ويذكّرهم بنعم ال ونقمه ف أيامه‪ ,‬إن ف هذا التذكي با‬
‫لَدللت لكل صبّار على طاعة ال‪ ،‬وعن مارمه‪ ،‬وعلى أقداره‪ ،‬شكور قائم بقوق ال‪ ،‬يشكر ال على‬
‫نعمه‪ ,‬وخصّهم بذلك؛ لنم هم الذين يعتبون با‪ ,‬ول َي ْغفُلون عنها‪.‬‬

‫َوإِذْ قَا َل مُو سَى ِل َق ْومِ هِ اذْكُرُوا ِنعْ َمةَ اللّ ِه عََلْيكُ مْ إِذْ أَنَاكُ ْم مِ نْ آلِ فِ ْر َعوْ َن يَ سُومُوَنكُمْ سُو َء اْلعَذَا بِ‬
‫حيُونَ نِسَاءَكُ ْم وَفِي ذَِلكُ ْم بَل ٌء مِنْ َرّبكُ ْم عَظِيمٌ (‪)6‬‬ ‫َويُ َذبّحُونَ َأْبنَاءَكُمْ َويَسْتَ ْ‬

‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لقومك قصة موسى حي قال لبن إسرائيل‪ :‬اذكروا نعمة ال عليكم حي أناكم‬
‫من فرعون وأتباعه يذيقونكم أشد العذاب‪ ,‬ويذبّحون أبناءكم الذكور‪ ,‬حت ل يأت منهم من يستول‬
‫على ُملْك فرعون‪ ,‬ويبقون الناث على قيد الياة ذليلت‪ ,‬وف ذلكم البلء والناء اختبار لكم من‬
‫ربكم عظيم‪.‬‬

‫‪440‬‬
‫َوإِ ْذ َتأَ ّذنَ َربّكُمْ َلئِ ْن َشكَ ْرتُمْ لَزِي َدّنكُ ْم وََلئِنْ َكفَ ْرتُمْ إِ ّن عَذَابِي لَشَدِيدٌ (‪)7‬‬

‫وقال لم موسى‪ :‬واذكروا حي أعلم ربكم إعلمًا مؤكّدًا‪ :‬لئن شكرتوه على نعمه ليزيدنكم من فضله‪,‬‬
‫ولئن جحدت نعمة ال ليعذبنّكم عذابًا شديدًا‪.‬‬

‫وَقَا َل مُوسَى ِإنْ َت ْكفُرُوا َأْنتُ ْم َومَنْ فِي الَ ْرضِ َجمِيعا فَِإنّ اللّهَ َل َغنِيّ حَمِيدٌ (‪)8‬‬

‫وقال لم‪ :‬إن تكفروا بال أنتم وجيع أهل الرض فلن تضروا ال شيئًا; فإن ال لغن عن خلقه‪ ,‬مستحق‬
‫للحمد والثناء‪ ,‬ممود ف كل حال‪.‬‬

‫ح َوعَا ٍد َوثَمُو َد وَالّذِي نَ مِ ْن َبعْ ِدهِ ْم ل َيعْلَ ُم ُه مْ إِلّ اللّ هُ جَا َءْتهُ ْم‬ ‫أَلَ ْم َي ْأتِكُ ْم َنبَُأ الّذِي َن مِ نْ َقبِْلكُ مْ َقوْ مِ نُو ٍ‬
‫رُ ُسُلهُ ْم بِاْلبَّينَاتِ َفرَدّوا َأيْ ِديَهُمْ فِي أَ ْفوَا ِههِمْ وَقَالُوا ِإنّا َكفَ ْرنَا بِمَا أُرْسِ ْلتُ ْم بِ ِه َوِإنّا َلفِي شَكّ مِمّا تَ ْدعُوَننَا إَِليْهِ‬
‫مُرِيبٍ (‪)9‬‬

‫أل يأتكم ‪-‬يا أمّة ممد‪ -‬خب المم الت سبقتكم‪ ,‬قوم نوح وقوم هود وقوم صال‪ ,‬والمم الت بعدهم‪,‬‬
‫ل يصي عددهم إل ال‪ ,‬جاءتم رسلهم بالباهي الواضحات‪ ,‬فعضّوا أيديهم غيظًا واستنكافًا عن قَبول‬
‫ك ما تدعوننا إليه من اليان والتوحيد‬ ‫اليان‪ ,‬وقالوا لرسلهم‪ :‬إنا ل نصدّق با جئتمونا به‪ ,‬وإنا لفي ش ّ‬
‫موجب للريبة‪.‬‬

‫ت وَالَ ْرضِ يَ ْدعُوكُمْ ِلَيغْفِرَ َلكُ ْم مِنْ ُذنُوبِكُ ْم َوُيؤَخّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ‬
‫قَاَلتْ ُرسُُلهُمْ أَفِي اللّ ِه شَكّ فَاطِرِ السّ َموَا ِ‬
‫ش ٌر ِمثُْلنَا ُترِيدُونَ َأنْ َتصُدّونَا عَمّا كَانَ َي ْعبُ ُد آبَاؤُنَا َف ْأتُونَا بِسُلْطَا ٍن ُمبِيٍ (‪)10‬‬
‫مُسَمّى قَالُوا ِإنْ َأْنتُمْ إِلّ بَ َ‬

‫قالت لم رسلهم‪ :‬أف ال وعبادته ‪-‬وحده‪ -‬ريب‪ ,‬وهو خالق السموات والرض‪ ,‬ومنشئهما من العدم‬
‫على غي مثال سابق‪ ,‬وهو يدعوكم إل اليان; ليغفر لكم ذنوبكم‪ ,‬ويؤخر بقاءكم ف الدنيا إل أجل‬
‫قدّره‪ ,‬وهو ناية آجالكم‪ ,‬فل يعذبكم ف الدنيا؟ فقالوا لرسلهم‪ :‬ما نراكم إل بشرًا صفاتكم كصفاتنا‪,‬‬
‫ل فضل لكم علينا يؤهلكم أن تكونوا رسل ‪ .‬تريدون أن تنعونا من عبادة ما كان يعبده آباونا من‬
‫الصنام والوثان‪ ,‬فأتونا بجة ظاهرة تشهد على صحة ما تقولون‪.‬‬

‫‪441‬‬
‫قَالَ تْ َلهُ مْ رُ ُسُلهُمْ إِ ْن نَحْ نُ إِلّ بَشَرٌ مِثُْلكُ ْم وََلكِنّ اللّ هَ يَمُنّ عَلَى مَ ْن يَشَاءُ مِ ْن ِعبَادِ ِه َومَا كَا نَ َلنَا أَ نْ‬
‫نَ ْأِتيَكُ ْم بِسُ ْلطَانٍ إِ ّل بِإِ ْذنِ اللّ ِه َوعَلَى اللّهِ َف ْلَيتَوَكّ ْل الْ ُم ْؤ ِمنُونَ (‪)11‬‬

‫ولا سع الرسل ما قاله أقوامهم قالوا لم‪ :‬حقًا ما نن إل بشر مثلكم كما قلتم‪ ,‬ولكن ال يتفضل بإنعامه‬
‫على مَن يشاء من عباده فيصطفيهم لرسالته‪ ,‬وما طلبتم من البهان البي‪ ,‬فل يكن لنا ول نستطيع أن‬
‫نأتيكم به إل بإذن ال وتوفيقه‪ ,‬وعلى ال وحده يعتمد الؤمنون ف كل أمورهم‪.‬‬

‫َومَا َلنَا أَ ّل َنَتوَكّ َل عَلَى اللّ ِه وََق ْد هَدَانَا ُسبَُلنَا وََلنَصْبِ َر ّن عَلَى مَا آ َذيْتُمُونَا َوعَلَى اللّ هِ َف ْلَيتَوَكّ ْل الْ ُمَتوَكّلُو نَ (‬
‫‪)12‬‬

‫وكيف ل نعتمد على ال‪ ,‬وهو الذي أرشدنا إل طريق النجاة من عذابه باتباع أحكام دينه؟ ولنصبنّ‬
‫على إيذائكم لنا بالكلم السيئ وغيه‪ ,‬وعلى ال وحده يب أن يعتمد الؤمنون ف نصرهم‪ ,‬وهزية‬
‫أعدائهم‪.‬‬

‫خرِ َجّنكُ ْم مِ نْ أَرْضِنَا َأوْ َلَتعُودُنّ فِي مِّلتِنَا َفَأوْحَى إَِلْيهِ مْ َرّبهُ مْ َلُنهِْلكَنّ‬
‫وَقَا َل الّذِي نَ َكفَرُوا لِرُ سُِلهِمْ َلنُ ْ‬
‫الظّالِمِيَ (‪)13‬‬

‫وضاقت صدور الكفار ما قاله الرسل فقالوا لم‪ :‬لنطردنكم من بلدنا حت تعودوا إل ديننا‪ ,‬فأوحى ال‬
‫إل رسله أنه سيهلك الاحدين الذين كفروا به وبرسله‪.‬‬

‫ف َوعِيدِ (‪)14‬‬
‫ف َمقَامِي وَخَا َ‬
‫ض مِ ْن َبعْ ِدهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَا َ‬
‫وََلنُسْ ِكَننّكُ ْم الَ ْر َ‬

‫ولنجعلن العاقبة السنة للرسل وأتباعهم بإسكانم أرض الكافرين بعد إهلكهم‪ ,‬ذلك الهلك للكفار‪,‬‬
‫ي يوم القيامة‪ ,‬وخشي وعيدي وعذاب‪.‬‬
‫وإسكان الؤمني أرضهم أمر مؤكد لن خاف مقامه بي يد ّ‬

‫وَا ْسَت ْفتَحُوا وَخَابَ كُلّ َجبّا ٍر َعنِيدٍ (‪)15‬‬

‫‪442‬‬
‫ولأ الرسل إل ربم وسألوه النصر على أعدائهم والكم بينهم‪ ،‬فاستجاب لم‪ ,‬وهلك كل متكب ل‬
‫يقبل الق ول يُذْعن له‪ ,‬ول يقر بتوحيد ال وإخلص العبادة له‪.‬‬

‫مِ ْن وَرَائِهِ َج َهنّمُ َويُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (‪)16‬‬

‫ومِن أمام هذا الكافر جهنم يَلْقى عذابا; ويُسقى فيها من القيح والدم الذي يَخْرج من أجسام أهل النار‪.‬‬

‫ب غَلِيظٌ (‪)17‬‬
‫ت َومِ ْن وَرَائِ ِه عَذَا ٌ‬
‫ت مِنْ كُ ّل َمكَانٍ َومَا ُهوَ بِ َمّي ٍ‬
‫َيتَجَ ّرعُ ُه وَل يَكَا ُد يُسِيغُ ُه َويَ ْأتِيهِ الْ َموْ ُ‬

‫ياول التكب ابتلع القيح والدم وغي ذلك ما يسيل من أهل النار مرة بعد مرة‪ ,‬فل يستطيع أن يبتلعه;‬
‫لقذارته وحرارته‪ ,‬ومرارته‪ ,‬ويأتيه العذاب الشديد من كل نوع ومن كل عضو من جسده‪ ,‬وما هو بيت‬
‫فيستريح‪ ,‬وله من بعد هذا العذاب عذاب آخر مؤل‪.‬‬

‫سبُوا عَلَى‬
‫ف ل َيقْدِرُو نَ مِمّا كَ َ‬
‫ت بِ هِ الرّي حُ فِي َيوْ ٍم عَا صِ ٍ‬
‫َمثَلُ الّذِي نَ َكفَرُوا ِب َرّبهِ مْ َأعْمَاُلهُ مْ َك َرمَا ٍد ا ْشتَدّ ْ‬
‫ك ُهوَ الضّللُ اْلَبعِيدُ (‪)18‬‬ ‫َشيْءٍ ذَلِ َ‬

‫صفة أعمال الكفار ف الدنيا كالب وصلة الرحام كصفة رماد اشتدت به الريح ف يوم ذي ريح شديدة‪,‬‬
‫فلم تترك له أثرًا‪ ,‬فكذلك أعمالم ل يدون منها ما ينفعهم عند ال‪ ,‬فقد أذهبها الكفر كما أذهبت‬
‫الريح الرماد‪ ,‬ذلك السعي والعمل على غي أساس‪ ,‬هو الضلل البعيد عن الطريق الستقيم‪.‬‬

‫ت بِخَ ْلقٍ جَدِيدٍ (‪)19‬‬


‫شأْ يُ ْذ ِهْبكُ ْم َويَأْ ِ‬
‫حقّ ِإنْ يَ َ‬
‫ت وَالَ ْرضَ بِالْ َ‬
‫أَلَ ْم تَرَى َأنّ اللّهَ خََلقَ السّ َموَا ِ‬

‫أل تعلم أيها الخاطب ‪-‬والراد عموم الناس‪ -‬أن ال أوجد السموات والرض على الوجه الصحيح‬
‫الدال على حكمته‪ ,‬وأنه ل يلقهما عبثًا‪ ,‬بل للستدلل بما على وحدانيته‪ ,‬وكمال قدرته‪ ,‬فيعبدوه‬
‫وحده‪ ,‬ول يشركوا به شيئًا؟ إن يشأ يذهبكم ويأت بقوم غيكم يطيعون ال ‪.‬‬

‫ك عَلَى اللّ ِه ِبعَزِيزٍ (‪)20‬‬


‫َومَا ذَلِ َ‬

‫‪443‬‬
‫وما إهلككم والتيان بغيكم بمتنع على ال‪ ,‬بل هو سهل يسي‪.‬‬

‫ض َعفَاءُ لِلّذِي َن ا ْستَ ْكبَرُوا إِنّا ُكنّا َلكُ ْم َتبَعا َفهَلْ أَْنتُ مْ ُمغْنُو َن عَنّا مِ ْن عَذَا بِ اللّ هِ‬ ‫َوبَرَزُوا لِلّ هِ جَمِيعا َفقَا َل ال ّ‬
‫صبَ ْرنَا مَا َلنَا مِ ْن مَحِيصٍ (‪)21‬‬ ‫مِ ْن َشيْءٍ قَالُوا َلوْ هَدَانَا اللّهُ َلهَ َدْينَاكُ ْم َسوَا ٌء عََلْينَا أَ َج ِز ْعنَا َأمْ َ‬

‫وخرجت اللئق من قبورهم‪ ,‬وظهروا كلهم يوم القيامة ل الواحد القهار; ليحكم بينهم‪ ,‬فيقول التباع‬
‫لقادتم‪ :‬إنّا كنّا لكم ف الدنيا أتباعًا‪ ,‬نأتر بأمركم‪ ,‬فهل أنتم ‪-‬اليوم‪ -‬دافعون عنا من عذاب ال شيئًا‬
‫كما كنتم َتعِدوننا؟ فيقول الرؤساء‪ :‬لو هدانا ال إل اليان لرشدناكم إليه‪ ,‬ولكنه ل يوفقنا‪ ,‬فضللنا‬
‫وأضللناكم‪ ,‬يستوي علينا وعليكم الهجَزَع والصب عليه‪ ,‬فليس لنا مهرب من العذاب ول منجى‪.‬‬

‫شيْطَانُ لَمّا ُقضِيَ ا َلمْرُ ِإنّ اللّ َه َوعَدَكُ ْم َوعْ َد الْحَقّ َووَعَ ْدُتكُمْ َفأَ ْخَل ْفتُكُ ْم َومَا كَانَ لِي عََلْيكُ ْم مِ ْن‬ ‫وَقَالَ ال ّ‬
‫صرِ ِخكُ ْم َومَا َأْنتُ ْم بِمُصْرِ ِخيّ‬
‫جْبتُمْ لِي فَل تَلُومُونِي وَلُومُوا َأنْفُسَكُ ْم مَا َأنَا بِمُ ْ‬ ‫سُ ْلطَانٍ إِلّ أَ نْ َد َع ْوتُكُمْ فَا ْستَ َ‬
‫ت بِمَا َأشْرَ ْكتُمُونِي مِنْ َقبْلُ ِإنّ الظّالِمِيَ َلهُ ْم عَذَابٌ أَلِيمٌ (‪)22‬‬ ‫ِإنّي َكفَرْ ُ‬

‫وقال الشيطان ‪-‬بعد أن قضى ال المر وحاسب َخلْقه‪ ,‬ودخل أه ُل النة النةَ وأه ُل النا ِر النارَ‪ :-‬إن ال‬
‫ث ول جزاء‪ ,‬فأخلفتكم وعدي‪ ,‬وما‬ ‫وعدكم وعدًا حقًا بالبعث والزاء‪ ,‬ووعدتكم وعدًا باطل أنه ل َبعْ َ‬
‫كان ل عليكم من قوة أقهركم با على اتباعي‪ ,‬ول كانت معي حجة‪ ,‬ولكن دعوتكم إل الكفر‬
‫والضلل فاتبعتمون‪ ,‬فل تلومون ولوموا أنفسكم‪ ,‬فالذنب ذنبكم‪ ,‬ما أنا بغيثكم ول أنتم بغيثيّ من‬
‫عذاب ال‪ ,‬إن تبّأت مِن َجعْلِكم ل شريكًا مع ال ف طاعته ف الدنيا‪ .‬إن الظالي ‪-‬ف إعراضهم عن‬
‫الق واتباعهم الباطل‪ -‬لم عذاب مؤل موجع‪.‬‬

‫حّيُتهُمْ‬
‫حِتهَا ا َلْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ َرّبهِ ْم تَ ِ‬
‫َوأُدْخِلَ الّذِينَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا الصّالِحَاتِ َجنّاتٍ َتجْرِي مِ ْن تَ ْ‬
‫فِيهَا سَلمٌ (‪)23‬‬

‫وأُدخل الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا الصالات جنات تري من تت أشجارها وقصورها النار‪,‬‬
‫حّيوْن فيها بسلم من ال وملئكته والؤمني‪.‬‬
‫ل يرجون منها أبدًا ‪-‬بإذن ربم وحوله وقوته‪ -‬يُ َ‬

‫‪444‬‬
‫ت وَفَ ْر ُعهَا فِي السّمَاءِ (‪)24‬‬
‫شجَ َر ٍة طَّيَبةٍ أَصُْلهَا ثَابِ ٌ‬
‫ضرَبَ اللّ ُه َمثَلً كَلِ َم ًة َطّيَبةً كَ َ‬
‫أَلَ ْم تَرَى َكيْفَ َ‬

‫أل تعلم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كيف ضرب ال مثل لكلمة التوحيد (ل إله إل ال) بشجرة عظيمة‪ ,‬وهي‬
‫النخلة‪ ,‬أصلها متمكن ف الرض‪ ,‬وأعلها مرتفع علوّا نو السماء؟‬

‫ي بِإِ ْذنِ َرّبهَا َوَيضْرِبُ اللّ ُه ا َلمْثَالَ لِلنّاسِ َلعَّلهُ ْم َيتَذَكّرُونَ (‪)25‬‬
‫ُتؤْتِي أُكَُلهَا كُلّ ِح ٍ‬

‫تعطي ثارها كل وقت بإذن ربا‪ ,‬وكذلك شجرة اليان أصلها ثابت ف قلب الؤمن علمًا واعتقادًا‪,‬‬
‫وفرعها من العمال الصالة والخلق الرضية يُرفع إل ال وينال ثوابه ف كل وقت‪ .‬ويضرب ال‬
‫المثال للناس; ليتذكروا ويتعظوا‪ ,‬فيعتبوا‪.‬‬

‫ق الَ ْرضِ مَا َلهَا مِنْ َقرَارٍ (‪)26‬‬


‫ت مِنْ َف ْو ِ‬
‫شجَ َرةٍ َخبِيَثةٍ ا ْجُتثّ ْ‬
‫َو َمثَلُ َكلِ َمةٍ َخبِيَثةٍ كَ َ‬

‫ومثل كلمة خبيثة ‪-‬وهي كلمة الكفر‪ -‬كشجرة خبيثة الأكل والطعم‪ ,‬وهي شجرة النظل‪ ,‬اقتلعت من‬
‫أعلى الرض؛ لن عروقها قريبة من سطح الرض ما لا أصل ثابت‪ ,‬ول فرع صاعد‪ ,‬وكذلك الكافر ل‬
‫ثبات له ول خي فيه‪ ,‬ول يُرْفَع له عمل صال إل ال‪.‬‬

‫حيَاةِ ال ّدنْيَا وَفِي الخِ َر ِة َويُضِلّ اللّ هُ الظّالِمِيَ َويَ ْفعَلُ اللّ هُ مَا‬
‫ُيثَبّ تُ اللّ ُه الّذِي نَ آ َمنُوا بِاْلقَوْ ِل الثّابِ تِ فِي الْ َ‬
‫يَشَاءُ (‪)27‬‬

‫يثبّت ال الذين آمنوا بالقول الق الراسخ‪ ,‬وهو شهادة أن ل إله إل ال وأن ممدًا رسول ال‪ ,‬وما جاء‬
‫به من الدين الق يثبتهم ال به ف الياة الدنيا‪ ,‬وعند ماتم بالاتة السنة‪ ,‬وف القب عند سؤال الَلَكي‬
‫بدايتهم إل الواب الصحيح‪ ,‬ويضل ال الظالي عن الصواب ف الدنيا والخرة‪ ,‬ويفعل ال ما يشاء من‬
‫توفيق أهل اليان وخِذْلن أهل الكفر والطغيان‪.‬‬

‫أَلَ ْم َترَى إِلَى الّذِي نَ بَدّلُوا ِنعْ َمةَ اللّ هِ ُكفْرا َوأَحَلّوا َق ْو َمهُ مْ دَا َر الَْبوَارِ (‪َ )28‬ج َهنّ َم يَ صَْل ْوَنهَا َوبِئْ سَ اْلقَرَارُ (‬
‫‪)29‬‬

‫‪445‬‬
‫أل تنظر أيها الخاطب ‪-‬والراد العموم‪ -‬إل حال الكذبي من كفار قريش الذين استبدلوا الكفر بال‬
‫بدل عن شكره على نعمة المن بالرم وبعثة النب ممد صلى ال عليه وسلم فيهم؟ وقد أنهزلوا‬
‫أتباعهم دار اللك حي تَسببوا بإخراجهم إل "بدر" ف ُقتِلوا وصار مصيهم دار البوار‪ ،‬وهي جهنم‪,‬‬
‫يدخلونا ويقاسون حرها‪ ,‬وَقبُ َح الستقر مستقرهم‪.‬‬

‫وَ َجعَلُوا لِلّهِ أَندَادا ِلُيضِلّوا عَ ْن َسبِيلِهِ ُق ْل تَ َمّتعُوا فَِإنّ َمصِيَكُمْ إِلَى النّارِ (‪)30‬‬

‫وجعل هؤلء الكفار ل شركاء عبدوهم معه; ليُبْعدوا الناس عن دينه‪ .‬قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬استمتعوا‬
‫ف الياة الدنيا; فإنا سريعة الزوال‪ ,‬وإن مردّكم ومرجعكم إل عذاب جهنم‪.‬‬

‫قُلْ ِل ِعبَادِي الّذِي نَ آ َمنُوا ُيقِيمُوا ال صّلةَ َويُنفِقُوا ِممّا رَزَ ْقنَاهُ مْ سِرّا َوعَلنَِي ًة مِ نْ َقبْلِ أَ نْ َي ْأتِ َي َيوْ ٌم ل َبيْ عٌ فِي هِ‬
‫وَل خِللٌ (‪)31‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لعبادي الذين آمنوا‪ :‬يؤدوا الصلة بدودها‪ ,‬ويرجوا بعض ما أعطيناهم من الال ف‬
‫وجوه الي الواجبة والستحبة مسرّين ذلك ومعلني‪ ,‬من قبل أن يأت يوم القيامة الذي ل ينفع فيه فداء‬
‫ول صداقة‪.‬‬

‫ج بِهِ مِ ْن الثّمَرَاتِ ِرزْقا َلكُ ْم وَسَخّرَ َلكُمْ‬


‫اللّ ُه الّذِي َخلَ َق السّ َموَاتِ وَالَرْضَ َوأَن َز َل مِ ْن السّمَا ِء مَاءً َفأَخْ َر َ‬
‫الْفُلْكَ ِلَتجْرِيَ فِي اْلبَحْ ِر ِبَأمْ ِرهِ َوسَخّرَ َلكُ ْم الَنَارَ (‪)32‬‬

‫ال تعال الذي خلق السموات والرض وأوجدها من العدم‪ ,‬وأنزل الطر من السحاب فأحيا به الرض‬
‫بعد موتا‪ ,‬وأخرج لكم منها أرزاقكم‪ ,‬وذلّل لكم السفن; لتسي ف البحر بأمره لنافعكم‪ ,‬وذلّل لكم‬
‫النار لسقياكم وسقيا دوابكم وزروعكم وسائر منافعكم‪.‬‬

‫س وَاْلقَمَرَ دَاِئَبيْنِ َوسَخّرَ َلكُمْ الّليْ َل وَالنّهَارَ (‪)33‬‬


‫َوسَخّرَ َلكُمْ الشّ ْم َ‬

‫‪446‬‬
‫وذلّل ال لكم الشمس والقمر ل َي ْفتُران عن حركتهما; لتتحقق الصال بما‪ ,‬وذلّل لكم الليل; لتسكنوا‬
‫فيه وتستريوا‪ ,‬والنهار; لتبتغوا من فضله‪ ,‬وتدبّروا معايشكم‪.‬‬

‫حصُوهَا ِإنّ الِنسَانَ لَ َظلُومٌ َكفّارٌ (‪)34‬‬


‫وَآتَاكُمْ مِنْ كُ ّل مَا سَأَْلتُمُوهُ َوِإنْ تَعُدّوا ِنعْ َمةَ اللّهِ ل ُت ْ‬

‫وأعطاكم من كل ما طلبتموه‪ ,‬وإن تعدّوا ِنعَم ال عليكم ل تطيقوا عدها ول إحصاءها ول القيام‬
‫بشكرها; لكثرتا وتنوّعها‪ .‬إن النسان لَكثي الظلم لنفسه‪ ,‬كثي الحود لنعم ربه‪.‬‬

‫صنَامَ (‪)35‬‬
‫َوإِذْ قَالَ ِإبْرَاهِيمُ رَبّ ا ْجعَ ْل هَذَا اْلبَلَدَ آمِنا وَا ْجنُْبنِي َوَبِنيّ َأنْ َن ْعبُ َد الَ ْ‬

‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬حي قال إبراهيم داعيًا ربه ‪-‬بعد أن أسكن ابنه إساعيل وأمه "هاجَر" وادي‬
‫"مكة" ‪ :-‬رب اجعل "مكة" بلدَ أم ٍن يأمن كل مَن فيها‪ ,‬وأبعِدن وأبنائي عن عبادة الصنام‪.‬‬

‫ك َغفُورٌ رَحِيمٌ (‪)36‬‬


‫رَبّ ِإّنهُنّ أَضْلَ ْلنَ َكثِيا مِ ْن النّاسِ َفمَ ْن َتِبعَنِي فَِإنّهُ ِمنّي َومَ ْن َعصَانِي فَِإنّ َ‬

‫ربّ إن الصنام تسبّبتْ ف إبعاد كثي من الناس عن طريق الق‪ ,‬فمن اقتدى ب ف التوحيد فهو على‬
‫دين و ُسنّت‪ ,‬ومَن خالفن فيما دون الشرك‪ ,‬فإنك غفور لذنوب الذنبي ‪-‬بفضلك‪ -‬رحيم بم‪ ,‬تعفو‬
‫عمن تشاء منهم‪.‬‬

‫حرّ مِ َرّبنَا ِليُقِيمُوا ال صّلةَ فَا ْجعَلْ أَ ْفئِ َد ًة مِ نْ‬


‫ت مِ نْ ذُ ّرّيتِي ِبوَادٍ غَيْرِ ذِي َزرْ عٍ ِعنْ َد َبْيتِ كَ الْمُ َ‬ ‫َرّبنَا إِنّي أَ سْكَن ُ‬
‫شكُرُونَ (‪)37‬‬ ‫س َت ْهوِي إِلَْيهِ ْم وَارْزُ ْقهُ ْم مِ ْن الثّمَرَاتِ َلعَّلهُ ْم يَ ْ‬
‫النّا ِ‬

‫ربنا إن أسكنت من ذريت بوا ٍد ليس فيه زرع ول ماء بوار بيتك الحرم‪ ,‬ربنا إنن فعلت ذلك بأمرك;‬
‫لكي يؤدوا الصلة بدودها‪ ,‬فاجعل قلوب بعض خلقك تَنع إليهم وتنّ‪ ,‬وارزقهم ف هذا الكان من‬
‫أنواع الثمار; لكي يشكروا لك على عظيم نعمك‪ .‬فاستجاب ال دعاءه‪.‬‬

‫خفَى عَلَى اللّ ِه مِ ْن َشيْءٍ فِي الَ ْرضِ وَل فِي السّمَاءِ (‪)38‬‬
‫خفِي َومَا نُعِْل ُن َومَا َي ْ‬
‫ك َتعْلَ ُم مَا نُ ْ‬
‫َرّبنَا إِنّ َ‬

‫‪447‬‬
‫ربنا إنك تعلم كل ما نفيه وما نظهره‪ .‬وما يغيب عن علم ال شيء من الكائنات ف الرض ول ف‬
‫السماء‪.‬‬

‫الْحَمْدُ لِلّ ِه الّذِي َوهَبَ لِي عَلَى اْل ِكبَرِ ِإسْمَاعِي َل َوِإسْحَقَ ِإنّ َربّي لَسَمِيعُ الدّعَاءِ (‪)39‬‬

‫ُيثْن إبراهيم على ال تعال‪ ,‬فيقول‪ :‬المد ل الذي رزقن على ِكبَر سن ولديّ إساعيل وإسحاق بعد‬
‫دعائي أن يهب ل من الصالي‪ ,‬إن رب لسميع الدعاء من دعاه‪ ,‬وقد دعوته ول ييّب رجائي‪.‬‬

‫رَبّ ا ْجعَ ْلنِي ُمقِي َم الصّل ِة َومِنْ ذُ ّرّيتِي َربّنَا َوَت َقبّلْ ُدعَاءِ (‪)40‬‬

‫رب اجعلن مداومًا على أداء الصلة على أت وجوهها‪ ,‬واجعل من ذريت مَن يافظ عليها‪ ,‬ربنا‬
‫واستجب دعائي وتقبّل عبادت‪.‬‬

‫ي َي ْو َم َيقُو ُم الْحِسَابُ (‪)41‬‬


‫ي وَلِ ْل ُم ْؤمِنِ َ‬
‫َرّبنَا ا ْغفِرْ لِي وَِلوَالِدَ ّ‬

‫ربنا اغفر ل ما وقع من ما ل يسلم منه البشر واغفر لوالديّ‪( ,‬وهذا قبل أن يتبيّن له أن والده عدو ل)‬
‫واغفر للمؤمني جيعًا يوم يقوم الناس للحساب والزاء‪.‬‬

‫خصُ فِي ِه ا َلبْصَارُ (‪)42‬‬


‫سبَنّ اللّ َه غَاِفلً عَمّا َيعْمَلُ الظّالِمُونَ ِإنّمَا ُيؤَخّ ُرهُمْ ِلَي ْومٍ تَشْ َ‬
‫وَل َتحْ َ‬

‫ول تسب ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أن ال غافل عما يعمله الظالون‪ :‬من التكذيب بك وبغيك من الرسل‪,‬‬
‫وإيذاء الؤمني وغي ذلك من العاصي‪ ,‬إنا يؤخّ ُر عقابم ليوم شديد ترتفع فيه عيونم ول َتغْمَض; مِن‬
‫هول ما تراه‪ .‬وف هذا تسلية لرسول ال ممد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫ي ُم ْقنِعِي رُءُو ِسهِمْ ل َي ْرتَدّ إَِليْهِ ْم طَرُْفهُمْ َوأَفْئِ َدُتهُ ْم َهوَاءٌ (‪)43‬‬
‫ُمهْ ِطعِ َ‬

‫يوم يقوم الظالون من قبورهم مسرعي لجابة الداعي رافعي رؤوسهم ل يبصرون شيئًا لول الوقف‪,‬‬
‫وقلوبم خالية ليس فيها شيء; لكثرة الوف والوجل من هول ما ترى‪.‬‬
‫‪448‬‬
‫ك َوَنتّبِ عْ‬
‫س َيوْ مَ َي ْأتِيهِ ْم اْلعَذَا بُ َفَيقُو ُل الّذِي َن ظَلَمُوا َربّنَا أَخّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِي بٍ ُنجِ بْ َد ْعوَتَ َ‬
‫َوأَنذِ ْر النّا َ‬
‫ال ّرسُلَ َأوَلَ ْم تَكُونُوا أَقْسَ ْمتُ ْم مِنْ َقبْ ُل مَا َلكُ ْم مِنْ َزوَالٍ (‪)44‬‬

‫وأنذر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬الناس الذين أرسلتُكَ إليهم عذاب ال يوم القيامة‪ ,‬وعند ذلك يقول الذين ظلموا‬
‫أنفسهم بالكفر‪ :‬ربنا َأ ْمهِلْنا إل وقت قريب نؤمن بك ونصدق رسلك‪ .‬فيقال لم توبيخًا‪ :‬أل تقسموا ف‬
‫حياتكم أنه ل زوال لكم عن الياة الدنيا إل الخرة‪ ,‬فلم تصدّقوا بذا البعث؟‬

‫ض َربْنَا َلكُ ْم ا َلمْثَالَ (‪)45‬‬


‫َوسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِ ِن الّذِي َن ظَلَمُوا أَنفُسَهُ ْم َوَتَبيّنَ َلكُمْ َكيْفَ َفعَ ْلنَا ِبهِ ْم وَ َ‬

‫وحللتم ف مساكن الكافرين السابقي الذين ظلموا أنفسهم كقوم هود وصال‪ ,‬وعلمتم ‪-‬با رأيتم‬
‫وأُخبت‪ -‬ما أنزلناه بم من اللك‪ ,‬وضربنا لكم المثال ف القرآن‪ ,‬فلم تعتبوا؟‬

‫جبَالُ (‪)46‬‬
‫وَقَ ْد َمكَرُوا َمكْ َرهُ ْم َو ِعنْدَ اللّ ِه مَكْ ُرهُ ْم َوِإنْ كَانَ َمكْ ُرهُمْ ِلتَزُو َل ِمنْ ُه الْ ِ‬

‫وقد دبّر الشركون الشرّ للرسول صلى ال عليه وسلم بقتله‪ ,‬وعند ال مكرهم فهو ميط به‪ ,‬وقد عاد‬
‫مكرهم عليهم‪ ,‬وما كان مكرهم لتزول منه البال ول غيها لضعفه و َوهَنه‪ ,‬ول يضرّوا ال شيئًا‪ ,‬وإنا‬
‫ضرّوا أنفسهم‪.‬‬

‫ف َوعْ ِدهِ ُر ُسلَهُ إِنّ اللّ َه عَزِيزٌ ذُو انِتقَامٍ (‪)47‬‬


‫سبَنّ اللّ َه مُخِْل َ‬
‫فَل تَحْ َ‬

‫فل تسب ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أن ال يلف رسله ما وعدهم به من النصر وإهلك مكذبيهم‪ .‬إن ال عزيز ل‬
‫يتنع عليه شيء‪ ,‬منتقم من أعدائه أشد انتقام‪.‬‬
‫والطاب وإن كان خاصّا بالنب صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فهو موجّه لعموم المة‪.‬‬

‫ض وَالسّ َموَاتُ َوبَرَزُوا لِلّ ِه اْلوَاحِ ِد اْل َقهّارِ (‪)48‬‬


‫ض غَيْ َر الَ ْر ِ‬
‫َي ْومَ ُتبَدّ ُل الَ ْر ُ‬

‫‪449‬‬
‫وانتقام ال تعال مِن أعدائه ف يوم القيامة يوم ُتبَدّل هذه الرض بأرض أخرى بيضاء نقيّة كالفضة‪,‬‬
‫وكذلك ُتبَدّل السموات بغيها‪ ,‬وترج اللئق من قبورها أحياء ظاهرين للقاء ال الواحد القهار‪,‬‬
‫التفرد بعظمته وأسائه وصفاته وأفعاله وقهره لكل شيء‪.‬‬

‫صفَادِ (‪)49‬‬
‫ي َي ْومَئِ ٍذ ُمقَ ّرنِيَ فِي الَ ْ‬
‫ج ِرمِ َ‬
‫َوتَرَى الْمُ ْ‬

‫وتُْبصِ ُر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬الجرمي يوم القيامة مقيدين بالقيود‪ ,‬قد ُقرِنت أيديهم وأرجلهم بالسلسل‪ ,‬وهم‬
‫ف ذُ ّل وهوان‪.‬‬

‫سَرَابِيُل ُه ْم مِنْ قَطِرَا ٍن َوتَغْشَى وُجُوهَهُ ْم النّارُ (‪)50‬‬

‫ثيابم من القَطِران الشديد الشتعال‪ ,‬وتلفح وجوههم النار فتحرقها‪.‬‬

‫سَبتْ ِإنّ اللّ َه َسرِي ُع الْحِسَابِ (‪)51‬‬


‫س مَا كَ َ‬
‫ِليَجْزِيَ اللّهُ ُك ّل َنفْ ٍ‬

‫َفعَل ال ذلك بم; جزاء لم با كسبوا من الثام ف الدنيا‪ ,‬وال يازي كل إنسان با عمل مِن خي أو‬
‫شر‪ ,‬إن ال سريع الساب‪.‬‬

‫س وَِليُنذَرُوا بِ ِه وَِليَعَْلمُوا َأنّمَا ُهوَ إِلَهٌ وَاحِ ٌد وَِليَذّكّرَ ُأوْلُوا الَْلبَابِ (‪)52‬‬
‫هَذَا بَلغٌ لِلنّا ِ‬

‫هذا القرآن الذي أنزلناه إليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بلغ وإعلم للناس; لنصحهم وتويفهم‪ ,‬ولكي يوقنوا أن‬
‫ال هو الله الواحد‪ ,‬فيعبدوه وحده ل شريك له‪ ,‬وليتعظ به أصحاب العقول السليمة‪.‬‬

‫‪450‬‬
‫الزء الرابع عشر ‪:‬‬

‫‪ -15‬سورة الجر‬

‫ب وَقُرْآنٍ ُمبِيٍ (‪)1‬‬


‫ت الْ ِكتَا ِ‬
‫ك آيَا ُ‬
‫الر تِلْ َ‬

‫(الر) سبق الكلم على الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬

‫تلك اليات العظيمة هي آيات الكتاب العزيز النل على ممد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وهي آيات قرآن‬
‫موضّح للحقائق بأحسن لفظ وأوضحه وأدلّه على القصود‪ .‬فالكتاب هو القرآن جع ال له بي السي‪.‬‬

‫ُربَمَا َيوَ ّد الّذِينَ َكفَرُوا َلوْ كَانُوا مُسْلِ ِميَ (‪)2‬‬

‫سيتمن الكفار حي يرون خروج عصاة الؤمني من النار أن لو كانوا موحدين؛ ليخرجوا كما خرجوا‪.‬‬

‫سوْفَ يَعَْلمُونَ (‪)3‬‬


‫َذ ْرهُمْ يَأْكُلُوا َويَتَ َمّتعُوا َويُ ْل ِههِ ْم ا َلمَلُ فَ َ‬

‫اترك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬الكفار يأكلوا‪ ,‬ويستمتعوا بدنياهم‪ ,‬ويشغلهم الطمع فيها عن طاعة ال‪ ,‬فسوف‬
‫يعلمون عاقبة أمرهم الاسرة ف الدنيا والخرة‪.‬‬

‫ب َمعْلُومٌ (‪)4‬‬
‫َومَا أَهَْل ْكنَا مِنْ قَ ْرَيةٍ إِ ّل وََلهَا ِكتَا ٌ‬

‫وإذا طلبوا نزول العذاب بم تكذيبًا لك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬فإنا ل ُنهْلك قرية إل ولهلكها أجل مقدّر‪ ,‬ل‬
‫ُنهْلكهم حت يبلغوه‪ ،‬مثل مَن سبقهم‪.‬‬

‫سَتأْخِرُونَ (‪)5‬‬
‫سبِقُ مِنْ ُأ ّمةٍ أَجََلهَا َومَا يَ ْ‬
‫مَا تَ ْ‬

‫‪451‬‬
‫ل تتجاوز أمة أجلها فتزيد عليه‪ ,‬ول تتقدم عليه‪ ,‬فتنقص منه‪.‬‬

‫جنُو نٌ (‪َ )6‬ل ْو مَا تَ ْأتِينَا بِالْمَلئِ َكةِ إِ نْ ُكنْ تَ مِ نْ ال صّادِِقيَ (‬


‫وَقَالُوا يَا َأّيهَا الّذِي ُنزّ َل عََليْ هِ الذّكْرُ ِإنّ كَ َلمَ ْ‬
‫‪)7‬‬

‫وقال الكذبون لحمد صلى ال عليه وسلم استهزاءً‪ :‬يا أيها الذي نُزّل عليه القرآن إنك لذاهب العقل‪,‬‬
‫هل تأتينا باللئكة ‪-‬إن كنت صادقًا‪ ;-‬لتشهد أن ال أرسلك‪.‬‬

‫مَا ُننَزّ ُل الْمَلئِ َكةَ إِلّ بِاْلحَ ّق َومَا كَانُوا إِذا ُمنْظَرِينَ (‪)8‬‬

‫وردّ ال عليهم‪ :‬إننا ل ننل اللئكة إل بالعذاب الذي ل إمهال فيه لن ل يؤمن‪ ,‬وما كانوا حي تنل‬
‫اللئكة بالعذاب بِ ُممْهلي‪.‬‬

‫ِإنّا َنحْ ُن نَزّْلنَا الذّكْ َر َوِإنّا لَهُ َلحَافِظُونَ (‪)9‬‬

‫إنّا نن نزّلنا القرآن على النب ممد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وإنّا نتعهد بفظه مِن أن يُزاد فيه أو ُيْنقَص‬
‫منه‪ ,‬أو يضيع منه شيء‪.‬‬

‫وََلقَدْ أَ ْرسَ ْلنَا مِنْ َقبْلِكَ فِي ِشيَعِ ا َلوّلِيَ (‪َ )10‬ومَا َيأْتِيهِ ْم مِنْ َرسُولٍ إِلّ كَانُوا بِ ِه يَسَْتهْ ِزئُونَ (‪)11‬‬

‫ولقد أرسلنا من قبلك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬رسل ف ِفرَق الولي‪ ,‬فما من رسولٍ جاءهم إل كانوا منه‬
‫يسخرون‪ .‬وف هذا تسلية للرسول صلى ال عليه وسلم‪ .‬فكما َفعَل بك هؤلء الشركون فكذلك ُفعِلَ‬
‫بن قبلك من الرسل‪.‬‬

‫ج ِرمِيَ (‪ )12‬ل ُيؤْ ِمنُو َن بِ ِه وَقَدْ َخَلتْ ُسّن ُة ا َلوّلِيَ (‪)13‬‬


‫ب الْمُ ْ‬
‫ك نَسُْلكُهُ فِي ُقلُو ِ‬
‫كَذَلِ َ‬

‫‪452‬‬
‫كما أدخلنا الكفر ف قلوب المم السابقة بالستهزاء بالرسل وتكذيبهم‪ ,‬كذلك نفعل ذلك ف قلوب‬
‫مشركي قومك الذين أجرموا بالكفر بال وتكذيب رسوله‪ ,‬ل ُيصَدّقون بالذكر الذي أُنزل إليك‪ ,‬وقد‬
‫مضت سنّة الولي بإهلك الكفار‪ ,‬وهؤلء ِمثْلهم‪َ ,‬سُيهْلك الستمرون منهم على الكفر والتكذيب‪.‬‬

‫وََلوْ َفَتحْنَا عََلْيهِ ْم بَابا مِ ْن ال سّمَاءِ فَ َظلّوا فِي هِ َيعْ ُرجُو نَ (‪َ)14‬لقَالُوا ِإنّمَا ُسكّرَتْ َأبْ صَا ُرنَا بَ ْل َنحْ نُ َقوْ مٌ‬
‫مَسْحُورُونَ (‪)15‬‬

‫ولو فتحنا على كفار "مكة" بابًا من السماء فاستمروا صاعدين فيه حت يشاهدوا ما ف السماء من‬
‫عجائب ملكوت ال‪ ,‬لا صدّقوا‪ ,‬ولقالوا‪ :‬سُحِرَتْ أبصارنا‪ ,‬حت رأينا ما ل نرَ‪ ,‬وما نن إل مسحورون‬
‫ف عقولنا من ممد‪.‬‬

‫وََلقَدْ َجعَ ْلنَا فِي السّمَا ِء بُرُوجا وَ َزّينّاهَا لِلنّاظِرِينَ (‪)16‬‬

‫ومن أدلة قدرتنا‪ :‬أنا جعلنا ف السماء الدنيا منازل للكواكب تنل فيها‪ ,‬ويستدل بذلك على الطرقات‬
‫والوقات والِصْب والَدْب‪ ,‬و َزّينّا هذه السماء بالنجوم لن ينظرون إليها‪ ,‬ويتأملون فيعتبون‪.‬‬

‫وَ َحفِ ْظنَاهَا مِنْ كُ ّل َشيْطَانٍ َرجِيمٍ (‪)17‬‬

‫وحفظنا السماء من كل شيطان مرجوم مطرود من رحة ال; كي ل يصل إليها‪.‬‬

‫ب ُمبِيٌ (‪)18‬‬
‫إِلّ مَنْ ا ْستَ َرقَ السّمْعَ َفَأْتبَعَ ُه ِشهَا ٌ‬

‫إل من اختلس السمع مِن كلم أهل الل العلى ف بعض الوقات‪ ,‬فأدركه ولقه كوكب مضيء‬
‫يرقه‪ .‬وقد يُلْقي الشيطان إل وليه بعض ما استرقَه قبل أن يرقه الشهاب‪.‬‬

‫وَالَ ْرضَ مَ َد ْدنَاهَا َوأَْل َقيْنَا فِيهَا َروَاسِ َي َوأَْنَبتْنَا فِيهَا مِنْ كُ ّل َشيْءٍ َموْزُونٍ (‪)19‬‬

‫‪453‬‬
‫والرض مددناها متسعة‪ ,‬وألقينا فيها جبال تثبتها‪ ,‬وأنبتنا فيها من كل أنواع النبات ما هو مقدّر معلوم‬
‫ما يتاج إليه العباد‪.‬‬

‫ستُمْ لَ ُه بِرَازِقِيَ (‪)20‬‬


‫ش َومَنْ لَ ْ‬
‫وَ َجعَ ْلنَا َلكُمْ فِيهَا َمعَاِي َ‬

‫وجعلنا لكم فيها ما به تعيشون من الَرْث‪ ،‬ومن الاشية‪ ،‬ومن أنواع الكاسب وغيها‪ ,‬وخلقنا لكم من‬
‫ب ما تنتفعون به‪ ,‬وليس رزقهم عليكم‪ ,‬وإنا هو على ال رب العالي تفضل منه‬
‫الذرية والدم والدوا ّ‬
‫وتكرمًا‪.‬‬

‫َوإِ ْن مِ ْن َشيْءٍ إِ ّل ِعنْ َدنَا خَزَاِئنُهُ َومَا ُننَزّلُهُ إِ ّل ِبقَدَ ٍر َمعْلُومٍ (‪)21‬‬

‫وما من شيء من منافع العباد إل عندنا خزائنه من جيع الصنوف‪ ,‬وما ننله إل بقدار مدد كما نشاء‬
‫وكما نريد‪ ,‬فالزائن بيد ال يعطي من يشاء وينع من يشاء‪ ,‬بسب رحته الواسعة‪ ,‬وحكمته البالغة‪.‬‬

‫َوأَ ْرسَ ْلنَا ال ّريَاحَ َلوَاقِحَ َفأَنْزَْلنَا مِنْ السّمَا ِء مَاءً َفَأ ْسقَْينَاكُمُوهُ َومَا َأْنتُمْ لَ ُه بِخَا ِزنِيَ (‪)22‬‬

‫وأرسلنا الرياح وسخرناها تَُلقّح السحاب‪ ,‬وتمل الطر والي والنفع‪ ,‬فأنزلنا من السحاب ماء أعددناه‬
‫لشرابكم وأرضكم ومواشيكم‪ ,‬وما أنتم بقادرين على خزنه وادّخاره‪ ،‬ولكن نزنه لكم رحة بكم‪،‬‬
‫وإحسانًا إليكم‪.‬‬

‫ت َونَحْ ُن اْلوَا ِرثُونَ (‪)23‬‬


‫حيِ َونُمِي ُ‬
‫ح ُن نُ ْ‬
‫َوِإنّا َلنَ ْ‬

‫وإنّا لنحن نيي مَن كان ميتًا بلقه من العدم‪ ,‬ونيت من كان حيًا بعد انقضاء أجله‪ ,‬ونن الوارثون‬
‫الرض ومَن عليها‪.‬‬

‫سَتأْخِرِينَ (‪)24‬‬
‫ي ِمنْكُ ْم وََلقَ ْد عَلِ ْمنَا الْمُ ْ‬
‫سَتقْ ِدمِ َ‬
‫وََلقَ ْد عَلِ ْمنَا الْمُ ْ‬

‫ولقد علمنا مَن هلك منكم مِن لدن آدم‪ ,‬ومَن هو حيّ‪ ,‬ومَن سيأت إل يوم القيامة‪.‬‬
‫‪454‬‬
‫ك ُهوَ َيحْشُ ُرهُمْ ِإنّهُ َحكِي ٌم عَلِيمٌ (‪)25‬‬
‫َوإِنّ َربّ َ‬

‫وإن ربك هو يشرهم للحساب والزاء‪ ,‬إنه حكيم ف تدبيه‪ ,‬عليم ل يفى عليه شيء‪.‬‬

‫سنُونٍ (‪)26‬‬
‫وََلقَدْ خََل ْقنَا ا ِلنْسَا َن مِنْ صَ ْلصَا ٍل مِنْ حَمٍَإ مَ ْ‬

‫ولقد خلقنا آدم مِن طي يابس إذا ُنقِر عليه سُمع له صوت‪ ,‬وهذا الطي اليابس من طي أسود متغيّر لونه‬
‫وريه; مِن طول مكثه‪.‬‬

‫وَالْجَانّ خََل ْقنَاهُ مِنْ َقبْ ُل مِ ْن نَارِ السّمُومِ (‪)27‬‬

‫وخلقنا أبا الن‪ ,‬وهو إبليس مِن َقبْل خلق آدم من نار شديدة الرارة ل دخان لا‪.‬‬

‫ص ْلصَا ٍل مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (‪)28‬‬


‫َوإِذْ قَالَ َربّكَ ِللْمَلِئكَةِ ِإنّي خَالِ ٌق بَشَرا مِنْ َ‬

‫واذكر ‪-‬أيها النب‪ -‬حي قال ربك للملئكة‪ :‬إن خالق إنسانًا من طي يابس‪ ,‬وهذا الطي اليابس من‬
‫طي أسود متغيّر اللون‪.‬‬

‫ختُ فِي ِه مِنْ رُوحِي َف َقعُوا لَ ُه سَاجِدِينَ (‪)29‬‬


‫فَإِذَا َس ّويْتُ ُه َوَنفَ ْ‬

‫فإذا سوّيته وأكملت صورته ونفخت فيه الروح‪ ,‬فخُرّوا له ساجدين سجود تية وتكري‪ ,‬ل سجود‬
‫عبادة‪.‬‬

‫ج َد الْمَلِئ َكةُ كُّلهُمْ أَجْ َمعُونَ (‪ )30‬إِلّ ِإبْلِيسَ َأبَى َأنْ َيكُو َن مَعَ السّاجِدِينَ (‪)31‬‬
‫فَسَ َ‬

‫فسجد اللئكة كلهم أجعون كما أمرهم ربم ل يتنع منهم أحد‪ ,‬لكن إبليس امتنع أن يسجد لدم مع‬
‫اللئكة الساجدين‪.‬‬

‫‪455‬‬
‫قَا َل يَا ِإبْلِيسُ مَا لَكَ أَ ّل َتكُو َن مَعَ السّاجِدِينَ (‪)32‬‬

‫قال ال لبليس‪ :‬ما لك أل تسجد مع اللئكة؟‬

‫سنُونٍ (‪)33‬‬
‫قَالَ لَمْ أَكُنْ َل ْسجُدَ ِلبَشَرٍ َخَل ْقتَهُ مِنْ صَ ْلصَا ٍل مِنْ َحمٍَإ مَ ْ‬

‫قال إبليس مظهرًا كبه وحسده‪ :‬ل يليق ب أن أسجد لنسان أَوج ْدتَهُ من طي يابس كان طينًا أسود‬
‫متغيًا‪.‬‬

‫ج ِمنْهَا فَِإنّكَ َرجِيمٌ (‪َ )34‬وإِ ّن عََليْكَ الّل ْعنَةَ إِلَى َي ْومِ الدّينِ (‪)35‬‬
‫قَالَ فَاخْ ُر ْ‬

‫قال ال تعال له‪ :‬فاخرج من النة‪ ,‬فإنك مطرود من كل خي‪ ,‬وإن عليك اللعنة والبعد من رحت إل‬
‫يوم ُيْبعَث الناس للحساب والزاء‪.‬‬

‫قَالَ رَبّ َفأَنْ ِظ ْرنِي إِلَى َي ْومِ يُْب َعثُونَ (‪)36‬‬

‫قال إبليس‪ :‬رب أخّرن ف الدنيا إل اليوم الذي َتْبعَث فيه عبادك‪ ,‬وهو يوم القيامة‪.‬‬

‫ت الْ َمعْلُومِ (‪)38‬‬


‫ك مِ ْن الْ ُمنْظَرِينَ (‪ )37‬إِلَى َيوْ ِم اْلوَقْ ِ‬
‫قَالَ فَِإنّ َ‬

‫ت هلكهم إل اليوم الذي يوت فيه كل اللق بعد النفخة الول‪ ,‬ل إل يوم‬ ‫قال ال له‪ :‬فإنك من أخّرْ ُ‬
‫البعث‪ ,‬وإنا أُجيبَ إل ذلك استدراجًا له وإمهال وفتنة للثقلي‪.‬‬

‫قَالَ رَبّ بِمَا َأغْ َوْيتَنِي ل َزّينَنّ َلهُ مْ فِي الَرْ ضِ وَل ْغوَِيّنهُ مْ أَ ْج َمعِيَ (‪ )39‬إِلّ ِعبَادَ كَ ِمْنهُ ْم الْمُخْلَ صِيَ (‬
‫‪)40‬‬

‫‪456‬‬
‫سنَنّ لذرية آدم معاصيك ف الرض‪ ,‬ولضلنهم أجعي‬
‫ب بسبب ما أغويتن وأضللتن لح ّ‬ ‫قال إبليس‪ :‬ر ّ‬
‫عن طريق الدى‪ ,‬إل عبادك الذين هديتهم فأخلصوا لك العبادة وحدك دون سائر خلقك‪.‬‬

‫ك مِ ْن اْلغَاوِينَ (‪)42‬‬
‫ك عََلْيهِ ْم سُ ْلطَانٌ إِ ّل مَ ْن اتَّبعَ َ‬
‫سَتقِيمٌ (‪ِ )41‬إ ّن عِبَادِي َلْيسَ لَ َ‬
‫ط عََل ّي مُ ْ‬
‫قَا َل هَذَا صِرَا ٌ‬

‫قال ال‪ :‬هذا طريق مستقيم معتدل موصل إلّ وإل دار كرامت‪ .‬إن عبادي الذين أخلصوا ل ل أجعل‬
‫لك سلطانًا على قلوبم تضلّهم به عن الصراط الستقيم‪ ,‬لكن سلطانك على مَنِ اتبعك مِنَ الضالي‬
‫الشركي الذين رضوا بوليتك وطاعتك بدل من طاعت‪.‬‬

‫َوإِنّ َج َهنّمَ لَ َم ْوعِ ُدهُمْ أَ ْج َمعِيَ (‪َ )43‬لهَا َسبْ َعةُ َأْبوَابٍ ِلكُ ّل بَابٍ ِمْنهُمْ ُجزْ ٌء َمقْسُومٌ (‪)44‬‬

‫وإن النار الشديدة لَموع ُد إبليس وأتباعه أجعي‪ ,‬لا سبعة أبواب كل باب أسفل من الخر‪ ,‬لكل بابٍ‬
‫مِن أتباع إبليس قسم ونصيب بسب أعمالم‪.‬‬

‫ت َوعُيُو نٍ (‪ )45‬ادْ ُخلُوهَا بِ سَلمٍ آ ِمنِيَ ( ‪َ )46‬ونَ َزعْنَا مَا فِي صُدُو ِرهِ ْم مِ ْن غِلّ‬
‫إِنّ الْ ُمتّقِيَ فِي َجنّا ٍ‬
‫صبٌ َومَا هُ ْم ِمْنهَا بِ ُمخْ َرجِيَ (‪)48‬‬
‫سهُمْ فِيهَا َن َ‬
‫إِ ْخوَانا عَلَى سُرُ ٍر ُمَتقَابِلِيَ (‪ )47‬ل يَمَ ّ‬

‫إن الذين اتقوا ال بامتثال ما أمر واجتناب ما نى ف بساتي وأنار جارية يقال لم‪ :‬ادخلوا هذه النات‬
‫سالي من كل سوء آمني من كل عذاب‪ .‬ونزعنا ما ف قلوبم من حقد وعداوة‪ ,‬يعيشون ف النة‬
‫إخوانًا متحابي‪ ,‬يلسون على أسرّة عظيمة‪ ,‬تتقابل وجوههم تواصل وتاببًا‪ ,‬ل يصيبهم فيها تعب ول‬
‫إعياء‪ ,‬وهم باقون فيها أبدًا‪.‬‬

‫ضيْفِ ِإبْرَاهِيمَ‬
‫ب الَلِيمُ ( ‪َ )50‬وَنّبئْهُ ْم عَنْ َ‬
‫َنبّ ْئ ِعبَادِي َأنّي َأنَا اْل َغفُورُ الرّحِيمُ (‪َ )49‬وَأنّ عَذَابِي ُه َو اْلعَذَا ُ‬
‫(‪)51‬‬

‫‪457‬‬
‫أخب ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عبادي أن أنا الغفور للمؤمني التائبي‪ ,‬الرحيم بم‪ ،‬وأن عذاب هو العذاب الؤل‬
‫الوجع لغي التائبي‪ .‬وأخبهم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عن ضيوف إبراهيم من اللئكة الذين بشّروه بالولد‪,‬‬
‫وبلك قوم لوط‪.‬‬

‫إِذْ دَخَلُوا عََليْهِ َفقَالُوا سَلما قَالَ ِإنّا ِمْنكُ ْم وَجِلُونَ (‪)52‬‬

‫حي دخلوا عليه فقالوا‪ :‬سلمًا; فرد عليهم السلم‪ ,‬ث قدّم لم الطعام فلم يأكلوا‪ ,‬قال‪ :‬إنا منكم‬
‫فزعون‪.‬‬

‫قَالُوا ل َتوْجَلْ ِإنّا ُنبَشّ ُركَ ِبغُلمٍ عَلِيمٍ (‪)53‬‬

‫قالت اللئكة له‪ :‬ل تفزع إنّا جئنا نبشرك بولد كثي العلم بالدين‪ ,‬هو إسحاق‪.‬‬

‫سنِي اْل ِكبَرُ َفبِ َم ُتبَشّرُونَ (‪)54‬‬


‫قَالَ َأبَشّ ْرتُمُونِي عَلَى َأنْ مَ ّ‬

‫قال إبراهيم متعجبًا‪ :‬أبشّرتون بالولد‪ ,‬وأنا كبي وزوجت كذلك‪ ,‬فبأي أعجوبة تبشّرونن؟‬

‫قَالُوا بَشّ ْرنَا َك بِالْحَقّ فَل َتكُ ْن مِ ْن اْلقَانِ ِطيَ (‪)55‬‬

‫قالوا‪ :‬بشّرناك بالق الذي أعلمَنا به ال‪ ,‬فل تكن من اليائسي أن يولد لك‪.‬‬

‫قَا َل َومَ ْن َي ْقنَطُ مِنْ رَحْ َمةِ َربّهِ إِ ّل الضّالّونَ (‪ )56‬قَالَ َفمَا خَ ْطُبكُمْ َأّيهَا الْ ُم ْرسَلُونَ (‪)57‬‬

‫قال‪ :‬ل ييئس من رحة ربه إل الاطئون النصرفون عن طريق الق‪ .‬قال‪ :‬فما المر الطي الذي جئتم‬
‫من أجله ‪-‬أيها الرسلون‪ -‬من عند ال؟‬

‫ج ِرمِيَ (‪ )58‬إِلّ آلَ لُو طٍ ِإنّا َل ُمنَجّوهُ مْ أَجْ َمعِيَ ( ‪ )59‬إِ ّل امْ َرَأتَ هُ َقدّ ْرنَا ِإنّهَا‬
‫قَالُوا ِإنّا أُرْ سِ ْلنَا إِلَى َقوْ ٍم مُ ْ‬

‫‪458‬‬
‫لَمِ ْن اْلغَابِرِينَ (‪)60‬‬

‫قالوا‪ :‬إن ال أرسلنا لهلك قوم لوط الشركي الضالي إل لوطًا وأهله الؤمني به‪ ,‬فلن نلكهم‬
‫وسننجيهم أجعي‪ ,‬لكن زوجته الكافرة قضينا بأمر ال بإهلكها مع الباقي ف العذاب‪.‬‬

‫فََلمّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُ ْرسَلُونَ (‪ )61‬قَالَ ِإنّكُمْ َق ْو ٌم ُمنْكَرُونَ (‪)62‬‬

‫فلما وصل اللئكة الرسلون إل لوط‪ ,‬قال لم‪ :‬إنكم قوم غي معروفي ل‪.‬‬

‫قَالُوا بَلْ ِجئْنَا َك بِمَا كَانُوا فِي ِه يَ ْمتَرُونَ (‪َ )63‬وَأَتيْنَا َك بِالْحَقّ َوِإنّا لَصَادِقُونَ (‪َ )64‬فأَسْ ِر ِبَأهْلِكَ بِقِ ْط ٍع مِنْ‬
‫ث ُت ْؤمَرُونَ (‪)65‬‬ ‫ت ِمنْكُمْ أَ َح ٌد وَامْضُوا َحيْ ُ‬ ‫الّليْ ِل وَاّتبِعْ أَ ْدبَا َرهُ ْم وَل يَ ْلَتفِ ْ‬

‫قالوا‪ :‬ل تَخَفْ‪ ,‬فإنّا جئنا بالعذاب الذي كان يشك فيه قومك ول ُيصَدّقون‪ ,‬وجئناك بالق من عند‬
‫ال‪ ,‬وإنا لصادقون‪ ,‬فاخرج مِن بينهم ومعك أهلك الؤمنون‪ ,‬بعد مرور جزء من الليل‪ ,‬وسر أنت‬
‫وراءهم; لئل يتخلف منهم أحد فيناله العذاب‪ ,‬واحذروا أن يلتفت منكم أحد‪ ,‬وأسرعوا إل حيث‬
‫أمركم ال; لتكونوا ف مكان أمي‪.‬‬

‫حيَ (‪)66‬‬
‫ع ُمصْبِ ِ‬
‫ك الَمْرَ َأنّ دَابِ َر َهؤُلءِ َمقْطُو ٌ‬
‫وََقضَْينَا إَِليْهِ ذَلِ َ‬

‫وأوحينا إل لوط أن قومك مستأصَلون باللك عن آخرهم عند طلوع الصبح‪.‬‬

‫سَتبْشِرُونَ (‪)67‬‬
‫وَجَاءَ َأهْ ُل الْمَدِيَنةِ يَ ْ‬

‫وجاء أهل مدينة لوط إل لوط حي علموا بن عنده من الضيوف‪ ,‬وهم فرحون يستبشرون بضيوفه;‬
‫ليأخذوهم ويفعلوا بم الفاحشة‪.‬‬

‫خزُونِ (‪)69‬‬
‫ضْيفِي فَل َتفْضَحُونِ (‪ )68‬وَاّتقُوا اللّ َه وَل تُ ْ‬
‫قَالَ ِإ ّن هَؤُلءِ َ‬

‫‪459‬‬
‫قال لم لوط‪ :‬إن هؤلء ضيفي وهم ف حايت فل تفضحون‪ ,‬وخافوا عقاب ال‪ ,‬ول تتعرضوا لم‪,‬‬
‫فتوقعون ف الذل والوان بإيذائكم لضيوف‪.‬‬

‫قَالُوا َأوَلَ ْم َنْنهَكَ عَ ْن اْلعَالَمِيَ (‪)70‬‬

‫قال قومه‪ :‬أول َننْهَكَ أن تضيّف أحدا من العالي; لنّا نريد منهم الفاحشة؟‬

‫قَا َل َهؤُلءِ بَنَاتِي ِإنْ ُكنْتُمْ فَاعِِليَ (‪)71‬‬

‫قال لوط لم‪ :‬هؤلء نساؤكم بنات فتزوّجوهن إن كنتم تريدون قضاء وطركم‪ ,‬وساهن بناته؛ لن نب‬
‫المة بنلة الب لم‪ ,‬ول تفعلوا ما حرّم ال عليكم من إتيان الرجال‪.‬‬

‫شرِقِيَ (‪)73‬‬
‫ح ُة مُ ْ‬
‫َلعَمْ ُركَ ِإّنهُمْ َلفِي َسكْ َرِتهِ ْم َيعْ َمهُونَ (‪َ )72‬فأَخَ َذْتهُ ْم الصّيْ َ‬

‫يقسم الالق بن يشاء وبا يشاء‪ ,‬أما الخلوق فل يوز له القسم إل بال‪ ,‬وقد أقسم ال تعال بياة ممد‬
‫صلى ال عليه وسلم تشريفًا له‪ .‬إن قوم لوط ف غفلة شديدة يترددون ويتمادون‪ ,‬حت حلّتْ بم صاعقة‬
‫العذاب وقت شروق الشمس‪.‬‬

‫جعَ ْلنَا عَاِلَيهَا سَافَِلهَا َوَأمْطَ ْرنَا عََلْيهِمْ حِجَا َرةً مِنْ سِجّيلٍ (‪)74‬‬
‫فَ َ‬

‫فقلبنا قُراهم فجعلنا عاليها سافلها‪ ,‬وأمطرنا عليهم حجارة من طي متصلب متي‪.‬‬

‫ك لَيةً لِلْ ُم ْؤ ِمنِيَ (‪)77‬‬


‫سبِي ٍل ُمقِيمٍ (‪ِ )76‬إنّ فِي ذَلِ َ‬
‫ك ليَاتٍ لِ ْل ُمَتوَسّ ِميَ (‪َ )75‬وِإنّهَا َلبِ َ‬
‫ِإنّ فِي ذَلِ َ‬

‫إن فيما أصابم لَعظاتٍ للناظرين العتبين‪ ,‬وإن قراهم لفي طريق ثابت يراها السافرون الارّون با‪ .‬إن ف‬
‫إهلكنا لم لَدلل ًة بيّنةً للمصدقي العاملي بشرع ال‪.‬‬

‫‪460‬‬
‫ب الَْي َكةِ لَظَالِمِيَ (‪ )78‬فَاْنتَقَ ْمنَا ِمْنهُ ْم َوِإنّهُمَا َلبِِإمَا ٍم ُمبِيٍ (‪)79‬‬
‫صحَا ُ‬
‫َوإِنْ كَانَ أَ ْ‬

‫و قد كان أ صحاب الدي نة اللت فة الش جر ‪-‬و هم قوم شع يب‪ -‬ظال ي لنف سهم لكفر هم بال ور سولم‬
‫الكري‪ ,‬فانتقمنا منهم بالرجفة وعذاب يوم الظلة‪ ,‬وإن مساكن قوم لوط وشعيب لفي طريق واضح يرّ‬
‫بما الناس ف سفرهم فيعتبون‪.‬‬

‫حجْرِ الْمُ ْرسَلِيَ (‪)80‬‬


‫ب الْ ِ‬
‫وََلقَدْ كَذّبَ أَصْحَا ُ‬

‫ولقد كذّب سكان "وادي الِجْر" صالًا عليه السلم‪ ,‬وهم ثود فكانوا بذلك مكذبي لكل الرسلي;‬
‫لن من كذّب نبيًا فقد كذّب النبياء كلهم; لنم على دين واحد‪.‬‬

‫وَآتَْينَاهُ ْم آيَاِتنَا َفكَانُوا عَْنهَا ُمعْرِضِيَ (‪)81‬‬

‫وآتينا قوم صال آياتنا الدالة على صحة ما جاءهم به صال من الق‪ ,‬ومن جلتها الناقة‪ ,‬فلم يعتبوا با‪,‬‬
‫وكانوا عنها مبتعدين معرضي‪.‬‬

‫جبَا ِل ُبيُوتا آ ِمنِيَ (‪)82‬‬


‫حتُو َن مِ ْن الْ ِ‬
‫وَكَانُوا َينْ ِ‬

‫وكانوا ينحتون البال‪ ,‬فيتخذون منها بيوتًا‪ ,‬وهم آمنون من أن تسقط عليهم أو ترب‪.‬‬

‫صبِحِيَ (‪َ )83‬فمَا َأغْنَى َعْنهُ ْم مَا كَانُوا َيكْسِبُونَ (‪)84‬‬


‫ح ُة ُم ْ‬
‫َفأَخَ َذْتهُ ْم الصّيْ َ‬

‫فأخذتم صاعقة العذاب وقت الصباح مبكرين‪ ,‬فما دفع عنهم عذا بَ ال الموا ُل والصونُ ف البال‪,‬‬
‫ول ما أُعطوه من قوة وجاه‪.‬‬

‫صفْ َح الْجَمِيلَ (‪)85‬‬


‫ص َف ْح ال ّ‬
‫ح ّق َوإِنّ السّا َعةَ لِتَيةٌ فَا ْ‬
‫َومَا خََل ْقنَا السّ َموَاتِ وَالَ ْرضَ َومَا َبْيَنهُمَا إِلّ بِالْ َ‬

‫و ما خَلقْ نا ال سموات والرض و ما بينه ما إل بال ق دالت ي على كمال خالقه ما واقتداره‪ ,‬وأ نه الذي ل‬

‫‪461‬‬
‫تنبغي العبادة إل له وحده ل شريك له‪ .‬وإن الساعة الت تقوم فيها القيامة لتية ل مالة; لتوفّى كل نفس‬
‫با عملت‪ ,‬فاعف ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عن الشركي‪ ,‬واصفح عنهم وتاوز عما يفعلونه‪.‬‬

‫لقُ اْلعَلِيمُ (‪)86‬‬


‫خّ‬‫ك ُه َو الْ َ‬
‫ِإنّ َربّ َ‬

‫إ ّن ربك هو اللّق لكل شيء‪ ,‬العليم به‪ ,‬فل يعجزه شيء ف الرض ول ف السماء‪ ,‬ول يفى عليه‪.‬‬

‫وََلقَ ْد آتَْينَاكَ َسبْعا مِ ْن الْ َمثَانِي وَاْلقُرْآ َن الْعَظِيمَ (‪)87‬‬

‫ولقد آتيناك ‪-‬أيها النب‪ -‬فاتة القرآن‪ ,‬وهي سبع آيات تكرر ف كل صلة‪ ,‬وآتيناك القرآن العظيم‪.‬‬

‫ل تَمُ ّد ّن عَْيَنيْكَ إِلَى مَا مَّت ْعنَا بِهِ أَ ْزوَاجا ِمْنهُ ْم وَل تَحْ َز ْن عََلْيهِ ْم وَا ْخفِضْ َجنَاحَكَ ِللْ ُم ْؤ ِمنِيَ (‪)88‬‬

‫ل تن ظر بعين يك وتتمنّ ما َمّتعْ نا به أ صنافًا من الكفار مِن مُتَع الدن يا‪ ,‬ول تزن على كفر هم‪ ,‬وتواضَ عْ‬
‫للمؤمني بال ورسوله‪.‬‬

‫وَقُلْ ِإنّي َأنَا النّذِي ُر الْ ُمبِيُ (‪ )89‬كَمَا َأنْزَْلنَا عَلَى الْ ُم ْقتَسِمِيَ (‪)90‬‬

‫وقهل‪ :‬إنه أنها النذر الوضّحه لاه يهتدي بهه الناس إل اليان بال رب العاليه‪ ,‬ومنذركهم أن يصهيبكم‬
‫العذاب‪ ,‬كمها أنزله ال على الذيهن قسهّموا القرآن‪ ,‬فآمنوا ببعضهه‪ ,‬وكفروا ببعضهه الخهر مهن اليهود‬
‫والنصارى وغيهم‪.‬‬

‫الّذِينَ َجعَلُوا الْقُرْآ َن ِعضِيَ (‪)91‬‬

‫وهم الذين جعلوا القرآن أقسامًا وأجزاء‪ ,‬فمنهم من يقول‪ :‬سحر‪ ,‬ومنهم من يقول َكهَانة‪ ,‬ومنهم من‬
‫يقول غي ذلك‪ ،‬يصرّفونه بسب أهوائهم; ليصدوا الناس عن الدى‪.‬‬

‫‪462‬‬
‫َفوَ َربّكَ َلنَسْأََلّنهُمْ أَجْ َمعِيَ (‪ )92‬عَمّا كَانُوا َيعْ َملُونَ (‪)93‬‬

‫فور بك لنحا سبنّهم يوم القيا مة ولنجزين هم أجع ي‪ ,‬عن تق سيمهم للقرآن بافتراءات م‪ ,‬وتري فه وتبديله‪,‬‬
‫وغ ي ذلك م ا كانوا يعملونه من عبادة الوثان‪ ,‬ومن العا صي والثام‪ .‬و ف هذا ترهيب وز جر ل م من‬
‫القامة على هذه الفعال القبيحة‪.‬‬

‫ض عَنْ الْمُشْرِكِيَ (‪)94‬‬


‫ع بِمَا ُت ْؤمَ ُر َوَأعْ ِر ْ‬
‫فَاصْ َد ْ‬

‫فاجهر بدعوة الق الت أمرك ال با‪ ,‬ول تبال بالشركي‪ ,‬فقد برّأك ال مّا يقولون‪.‬‬

‫سوْفَ يَعَْلمُونَ (‪)96‬‬


‫جعَلُو َن مَعَ اللّهِ إِلَها آخَرَ فَ َ‬
‫سَتهْ ِزئِيَ (‪ )95‬الّذِي َن يَ ْ‬
‫ِإنّا َك َفْينَا َك الْمُ ْ‬

‫إنّ ا َك َفيْناك ال ستهزئي ال ساخرين من زعماء قر يش‪ ,‬الذ ين اتذوا شريكًا مع ال من الوثان وغي ها‪,‬‬
‫فسوف يعلمون عاقبة عملهم ف الدنيا والخرة‪.‬‬

‫وََلقَ ْد َنعْلَمُ َأنّكَ َيضِيقُ صَدْ ُر َك بِمَا َيقُولُونَ (‪)97‬‬

‫ولقد نعلم بانقباض صدرك ‪-‬أيها الرسول‪ ;-‬بسبب ما يقوله الشركون فيك وف دعوتك‪.‬‬

‫ك وَكُ ْن مِنْ السّاجِدِينَ (‪)98‬‬


‫سبّ ْح بِحَ ْمدِ َربّ َ‬
‫فَ َ‬

‫فافزع إل ربك عند ضيق صدرك‪ ,‬و َسبّح بمده شاكرًا له مثنيا عليه‪ ,‬وكن من الصلّي ل العابدين له‪,‬‬
‫فإن ذلك يكفيك ما أهّك‪.‬‬

‫وَا ْعبُدْ َربّكَ َحتّى يَ ْأِتيَكَ اْلَيقِيُ (‪)99‬‬

‫وا ستمِرّ ف عبادة ر بك مدة حيا تك ح ت يأت يك اليق ي‪ ,‬و هو الوت‪ .‬وامت ثل ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم أمر ربه‪ ,‬فلم يزل دائبًا ف عبادة ال‪ ,‬حت أتاه اليقي من ربه‪.‬‬

‫‪463‬‬
‫‪ -16‬سورة النحل‬

‫جلُوهُ ُسبْحَانَ ُه َوَتعَالَى عَمّا يُشْرِكُونَ (‪)1‬‬


‫ستَعْ ِ‬
‫َأتَى َأمْرُ اللّهِ فَل تَ ْ‬

‫قَرُب قيام الساعة وقضاء ال بعذابكم ‪-‬أيها الكفار‪ -‬فل تستعجلوا العذاب استهزاء بوعيد الرسول لكم‪.‬‬
‫تنّه ال سبحانه وتعال عن الشرك والشركاء‪.‬‬

‫ح مِنْ َأمْ ِر ِه عَلَى مَ ْن يَشَا ُء مِ ْن ِعبَا ِدهِ َأنْ أَنذِرُوا َأنّهُ ل إِلَهَ إِلّ َأنَا فَاّتقُونِ (‪)2‬‬
‫ُينَزّ ُل الْمَلئِ َك َة بِالرّو ِ‬

‫ينّل ال اللئكة بالوحي مِن أمره على مَن يشاء من عباده الرسلي‪ :‬بأن خوّفوا الناس من الشرك‪ ,‬وأنه‬
‫ل معبود بق إل أنا‪ ,‬فاتقون بأداء فرائضي وإفرادي بالعبادة والخلص‪.‬‬

‫َخلَقَ السّ َموَاتِ وَالَ ْرضَ بِالْحَ ّق َتعَالَى عَمّا يُشْرِكُونَ (‪)3‬‬

‫خلق ال السهموات والرض بالقه; ليسهتدِل بمها العباد على عظمهة خالقهمها‪ ,‬وأنهه وحده السهتحق‬
‫للعبادة‪ ,‬تنّه ‪-‬سبحانه‪ -‬وتعاظم عن شركهم‪.‬‬

‫َخلَ َق الِنسَا َن مِ ْن نُ ْط َفةٍ فَِإذَا ُهوَ َخصِي ٌم ُمبِيٌ (‪)4‬‬

‫خَلَق النسان من ماء مهي فإذا به َيقْوى ويغترّ‪ ,‬فيصبح شديد الصومة والدال لربه ف إنكار البعث‪,‬‬
‫ح ِي اْلعِظَامَ َو ِهيَ َرمِيمٌ"‪ ،‬ونسي ال الذي خلقه من العدم‪.‬‬
‫وغي ذلك‪ ,‬كقوله‪" :‬مَن يُ ْ‬

‫وَالَْنعَامَ خََل َقهَا َلكُمْ فِيهَا دِفْ ٌء َو َمنَافِ ُع َو ِمْنهَا َتأْكُلُونَ (‪)5‬‬

‫والنعا مَ من ال بل والب قر والغ نم خلق ها ال ل كم ‪-‬أي ها الناس‪ -‬وج عل ف أ صوافها وأوبار ها الد فء‪,‬‬
‫ومنافع أُخر ف ألبانا وجلودها وركوبا‪ ,‬ومنها ما تأكلون‪.‬‬
‫‪464‬‬
‫ي تَسْ َرحُونَ (‪)6‬‬
‫ي تُرِيُونَ وَحِ َ‬
‫وََلكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِ َ‬

‫ولكم فيها زينة تُدْخل السرور عليكم عندما تَرُدّونا إل منازلا ف الساء‪ ,‬وعندما تُخْرجونا للمرعى ف‬
‫الصباح‪.‬‬

‫َوتَحْمِلُ َأْثقَاَلكُمْ إِلَى بَلَدٍ َل ْم َتكُونُوا بَاِلغِيهِ إِ ّل بِشِ ّق الَن ُفسِ إِنّ َرّبكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (‪)7‬‬

‫وتمل هذه النعام ما َثقُل من أمتعتكم إل بلد بعيد‪ ,‬ل تكونوا مستطيعي الوصول إليه إل بهد شديد‬
‫من أنفسكم ومشقة عظيمة‪ ,‬إن ربكم لَرؤوف رحيم بكم‪ ,‬حيث سخّر لكم ما تتاجون إليه‪ ,‬فله المد‬
‫وله الشكر‪.‬‬

‫خلُ ُق مَا ل َتعْلَمُونَ (‪)8‬‬


‫خيْ َل وَاْلِبغَا َل وَالْحَمِيَ ِلتَرْ َكبُوهَا وَزِيَنةً َويَ ْ‬
‫وَالْ َ‬

‫وخلق لكم اليل والبغال والمي; لكي تركبوها‪ ,‬ولتكون جَال لكم ومنظرًا حسنًا; ويلق لكم من‬
‫وسائل الركوب وغيها ما ل عِلْمَ لكم به; لتزدادوا إيانًا به وشكرا له‪.‬‬

‫سبِيلِ َومِْنهَا جَائِ ٌر وََل ْو شَاءَ َلهَدَاكُمْ أَجْ َم ِعيَ (‪)9‬‬


‫َوعَلَى اللّهِ َقصْدُ ال ّ‬

‫وعلى ال بيان الطريق الستقيم لِهدايتكم‪ ,‬وهو السلم‪ ,‬ومن الطرق ما هو مائل ل يُوصل إل الداية‪,‬‬
‫وهو كل ما خالف السلم من اللل والنحل‪ .‬ولو شاء ال هدايتكم لداكم جيعًا لليان‪.‬‬

‫جرٌ فِي ِه تُسِيمُونَ (‪)10‬‬


‫ب َو ِمنْهُ شَ َ‬
‫ُهوَ الّذِي أَنزَلَ مِنْ السّمَا ِء مَاءً َلكُمْ ِمنْ ُه شَرَا ٌ‬

‫هو الذي أنزل لكم من السحاب مطرًا‪ ,‬فجعل لكم منه ما ًء تشربونه‪ ,‬وأخرج لكم به شجرًا تَ ْر َعوْن فيه‬
‫دوابّكم‪ ,‬ويعود عليكم دَرّها ون ْفعُها‪.‬‬

‫ك لَيةً ِل َقوْ ٍم َيَتفَكّرُو نَ (‬


‫ب َومِ نْ كُ ّل الثّمَرَا تِ إِنّ فِي ذَلِ َ‬
‫ع وَال ّزْيتُو َن وَالنّخِي َل وَا َلعْنَا َ‬
‫ُينْبِ تُ َلكُ ْم بِ هِ الزّرْ َ‬
‫‪465‬‬
‫‪)11‬‬

‫يُخرج لكم من الرض بذا الاء الواحد الزروع الختلفة‪ ,‬ويُخرج به الزيتون والنخيل والعناب‪,‬‬
‫ويُخرج به كل أنواع الثمار والفواكه‪ .‬إن ف ذلك الخراج لدللةً واضحة لقوم يتأملون‪ ,‬فيعتبون‪.‬‬

‫ك ليَا تٍ ِل َقوْ ٍم َي ْعقِلُونَ (‬


‫س وَالْقَ َم َر وَالنّجُومُ مُسَخّرَاتٌ ِبَأمْرِ هِ ِإنّ فِي ذَلِ َ‬
‫وَ سَخّرَ َلكُ مْ الّليْ َل وَالّنهَارَ وَالشّمْ َ‬
‫‪)12‬‬

‫وسخّر لكم الليل لراحتكم‪ ,‬والنهار لعاشكم‪ ,‬وسخّر لكم الشمس ضياء‪ ,‬والقمر نورًا ولعرفة السني‬
‫والساب‪ ,‬وغي ذلك من النافع‪ ,‬والنجوم ف السماء مذللت لكم بأمر ال لعرفة الوقات‪ ,‬ونضج‬
‫الثمار والزروع‪ ,‬والهتداء با ف الظلمات‪ .‬إن ف ذلك التسخي لَدلئلَ واضح ًة لقوم سيعقلون عن ال‬
‫حججه وبراهينه‪.‬‬

‫ك لَيةً ِل َق ْومٍ يَذّكّرُونَ (‪)13‬‬


‫خَتلِفا أَْلوَانُهُ ِإنّ فِي ذَلِ َ‬
‫َومَا ذَ َرأَ َلكُمْ فِي الَ ْرضِ مُ ْ‬

‫وسخّر ما خلقه لكم ف الرض من الدوابّ والثمار والعادن‪ ,‬وغي ذلك ما تتلف ألوانه ومنافعه‪ .‬إن ف‬
‫ذلك الَلْق واختلف اللوان والنافع لَعبةً لقوم يتعظون‪ ,‬ويعلمون أنّ ف تسخي هذه الشياء علماتٍ‬
‫على وحدانية ال تعال وإفراده بالعبادة‪.‬‬

‫ك َموَاخِرَ فِي هِ‬


‫خرِجُوا ِمنْ هُ حِ ْلَي ًة تَ ْلبَ سُوَنهَا َوتَرَى اْلفُلْ َ‬
‫حرَ ِلتَأْكُلُوا ِمنْ هُ لَحْما طَ ِريّا َوتَ سْتَ ْ‬
‫َو ُهوَ الّذِي سَخّ َر اْلبَ ْ‬
‫شكُرُونَ (‪)14‬‬ ‫وَِلتَْبَتغُوا مِنْ َفضْلِ ِه وََلعَّلكُ ْم تَ ْ‬

‫وهو الذي سخّر لكم البحر; لتأكلوا ما تصطادون من سكه لمًا طريًا‪ ,‬وتستخرجوا منه زينة تَ ْلبَسونا‬
‫كاللؤلؤ والرجان‪ ,‬وترى السفن العظيمة تشق وجه الاء تذهب وتيء‪ ,‬وتركبونا; لتطلبوا رزق ال‬
‫بالتجارة والربح فيها‪ ,‬ولعلكم تشكرون ل تعال على عظيم إنعامه عليكم‪ ,‬فل تعبدون غيه‪.‬‬

‫َوأَْلقَى فِي الَ ْرضِ َروَاسِيَ َأنْ تَمِي َد ِبكُ ْم َوَأْنهَارا َو ُسُبلً ّلعَّلكُ ْم َتهْتَدُونَ (‪)15‬‬

‫‪466‬‬
‫وأرسى ف الرض جبال تثبتها حت ل تيل بكم‪ ,‬وجعل فيها أنارًا; لتشربوا منها‪ ,‬وجعل فيها طرقًا;‬
‫لتهتدوا با ف الوصول إل الماكن الت تقصدونا‪.‬‬

‫ت َوبِالنّجْ ِم هُ ْم َي ْهتَدُونَ (‪)16‬‬


‫َوعَلمَا ٍ‬

‫وجعل ف الرض معال تستدلّون با على الطرق نارًا‪ ,‬كما جعل النجوم للهتداء با ليل‪.‬‬

‫خلُقُ كَ َم ْن ل يَخْلُقُ أَفَل تَذَكّرُونَ (‪)17‬‬


‫أَفَمَ ْن يَ ْ‬

‫أتعلون ال الذي يلق كل هذه الشياء وغيها ف استحقاق العبادة كاللة الزعومة الت ل تلق شيئًا؟‬
‫أفل تتذكرون عظمة ال‪ ,‬فتفردوه بالعبادة؟‬

‫حصُوهَا ِإنّ اللّهَ َل َغفُورٌ َرحِيمٌ (‪)18‬‬


‫َوإِ ْن َتعُدّوا ِنعْ َمةَ اللّ ِه ل تُ ْ‬

‫ص َر ِنعَم ال عليكم ل َتفُوا َبصْرها; لكثرتا وتنوعها‪ .‬إن ال لَغفور لكم رحيم بكم؛ إذ‬
‫وإن تاولوا َح ْ‬
‫يتجاوز عن تقصيكم ف أداء شكر النعم‪ ,‬ول يقطعها عنكم لتفريطكم‪ ,‬ول يعاجلكم بالعقوبة‪.‬‬

‫وَاللّ ُه َيعْلَ ُم مَا تُسِرّونَ َومَا ُتعِْلنُونَ (‪)19‬‬

‫وال سبحانه يعلم كل أعمالكم‪ ,‬سواء ما تفونه منها ف نفوسكم وما تظهرونه لغيكم‪ ,‬وسيجازيكم‬
‫عليها‪.‬‬

‫خَلقُونَ (‪)20‬‬
‫وَالّذِينَ يَ ْدعُونَ مِنْ دُونِ اللّ ِه ل َيخُْلقُونَ َشيْئا َوهُ ْم يُ ْ‬

‫صغُر‪ ,‬فهي ملوقات صنعها الكفار بأيديهم‪ ,‬فكيف‬


‫واللة الت يعبدها الشركون ل تلق شيئًا وإن َ‬
‫يعبدونا؟‬

‫‪467‬‬
‫شعُرُونَ َأيّا َن ُيبْ َعثُونَ (‪)21‬‬
‫ت َغيْرُ أَ ْحيَاءٍ َومَا يَ ْ‬
‫َأ ْموَا ٌ‬

‫هم جيعًا جادات ل حياة فيها ول تشعر بالوقت الذي يبعث ال فيه عابديها‪ ,‬وهي معهم ليُلقى بم‬
‫جيعًا ف النار يوم القيامة‪.‬‬

‫سَتكْبِرُونَ (‪)22‬‬
‫إَِلهُكُمْ إِلَ ٌه وَاحِدٌ فَالّذِينَ ل ُي ْؤ ِمنُو َن بِالخِ َرةِ قُلُوُبهُ ْم مُنكِ َرةٌ َوهُ ْم مُ ْ‬

‫إلكم الستحق وحده للعبادة هو ال الله الواحد‪ ,‬فالذين ل يؤمنون بالبعث قلوبم جاحدة وحدانيته‬
‫سبحانه; لعدم خوفهم من عقابه‪ ,‬فهم متكبون عن قبول الق‪ ,‬وعبادة ال وحده‪.‬‬

‫سَت ْكبِرِينَ (‪)23‬‬


‫حبّ الْمُ ْ‬
‫ل َج َرمَ َأنّ اللّ َه َيعْلَ ُم مَا يُسِرّونَ َومَا ُيعِْلنُونَ ِإنّ ُه ل يُ ِ‬

‫حقًا أنّ ال يعلم ما يفونه مِن عقائد وأقوال وأفعال‪ ,‬وما يظهرونه منها‪ ,‬وسيجازيهم على ذلك‪ ,‬إنه عز‬
‫وجل ل يب الستكبين عن عبادته والنقياد له‪ ,‬وسيجازيهم على ذلك‪.‬‬

‫َوإِذَا قِيلَ َلهُ ْم مَاذَا أَنزَلَ َرّبكُمْ قَالُوا َأسَاطِيُ ا َلوّلِيَ (‪)24‬‬

‫وإذا ُسئِل هؤلء الشركون عمّا نزل على النب ممد صلى ال عليه وسلم قالوا كذبًا وزورًا‪ :‬ما أتى إل‬
‫بقصص السابقي وأباطيلهم‪.‬‬

‫ِليَحْ ِملُوا َأوْزَا َرهُمْ كَامَِل ًة َي ْومَ اْل ِقيَا َم ِة َومِنْ َأوْزَا ِر الّذِينَ ُيضِلّوَنهُ ْم ِب َغيْ ِر عِلْمٍ أَل سَا َء مَا يَزِرُونَ (‪)25‬‬

‫ستكون عاقبتهم أن يملوا آثامهم كاملة يوم القيامة ‪-‬ل ُي ْغفَر لم منها شيء ‪ -‬ويَحْملوا من آثام الذين‬
‫كذبوا عليهم; ليبعدوهم عن السلم من غي نقص من آثامهم‪ .‬أل َقبُحَ ما يملونه من آثام‪.‬‬

‫ب مِنْ‬
‫ف مِنْ َفوِْقهِ ْم َوَأتَاهُ ْم اْلعَذَا ُ‬
‫خ ّر عََلْيهِ ْم السّقْ ُ‬
‫قَ ْد َمكَ َر الّذِينَ مِنْ َقبِْلهِمْ َفَأتَى اللّ ُه ُبنْيَاَنهُ ْم مِ َن اْلقَوَاعِدِ فَ َ‬
‫شعُرُونَ (‪)26‬‬ ‫َحْيثُ ل يَ ْ‬

‫‪468‬‬
‫قد دبّر الكفار من َقبْل هؤلء الشركي الكايد لرسلهم‪ ,‬وما جاؤوا به من دعوة الق‪ ,‬فأتى ال بنيانم‬
‫من أساسه وقاعدته‪ ,‬فسقط عليهم السقف مِن فوقهم‪ ,‬وأتاهم اللك مِن مأمنهم‪ ,‬من حيث ل يتسبون‬
‫ول يتوقعون أنه يأتيهم منه‪.‬‬

‫خزْ َ‬
‫ي‬ ‫خزِيهِ مْ َويَقُولُ َأيْ َن شُرَكَائِي الّذِي نَ ُكْنتُ ْم تُشَاقّو نَ فِيهِ مْ قَا َل الّذِي نَ أُوتُوا الْعِ ْل مَ ِإنّ الْ ِ‬
‫ثُمّ َيوْ مَ اْل ِقيَا َم ِة يُ ْ‬
‫سهِمْ َفأَلْ َقوْا السّلَ َم مَا ُكنّا َنعْمَ ُل مِنْ‬‫الَْيوْ َم وَالسّو َء عَلَى اْلكَافِرِينَ (‪ )27‬الّذِي َن َتَتوَفّاهُ ْم الْمَلئِ َك ُة ظَالِمِي أَنفُ ِ‬
‫سُوءٍ بَلَى ِإنّ اللّ َه عَلِيمٌ بِمَا ُكنْتُ ْم َتعْمَلُونَ (‪)28‬‬

‫ث يوم القيامة يفضحهم ال بالعذاب ويذلّهم به‪ ,‬ويقول‪ :‬أين شركائي من اللة الت عبدتوها من دون;‬
‫ليدفعوا عنكم العذاب‪ ,‬وقد كنتم تاربون النبياء والؤمني وتعادونم لجلهم؟ قال العلماء الربانيون‪ :‬إن‬
‫الذل ف هذا اليوم والعذاب على الكافرين بال ورسله‪ ,‬الذين تقبض اللئكة أرواحهم ف حال ظلمهم‬
‫لنفسهم بالكفر‪ ,‬فاستسْلَموا لمر ال حي رأوا الوت‪ ,‬وأنكروا ما كانوا يعبدون من دون ال‪ ,‬وقالوا‪:‬‬
‫ما كنا نعمل شيئًا من العاصي‪ ,‬فيقال لم‪ :‬كَ َذبْتم‪ ,‬قد كنتم تعملونا‪ ,‬إن ال عليم بأعمالكم كلها‪,‬‬
‫وسيجازيكم عليها‪.‬‬

‫س َمْثوَى الْ ُمَت َكبّرِينَ (‪)29‬‬


‫فَا ْدخُلُوا َأبْوَابَ َج َهنّمَ خَالِدِينَ فِيهَا َفَلبِْئ َ‬

‫فادخلوا أبواب جهنم‪ ,‬ل ترجون منها أبدًا‪ ,‬فلبئست مقرًا للذين تكبّروا عن اليان بال وعن عبادته‬
‫وحده وطاعته‪.‬‬

‫سَنةٌ وََلدَارُ ال ِخ َرةِ َخيْرٌ‬


‫سنُوا فِي هَذِ هِ ال ّدنْيَا حَ َ‬
‫وَقِيلَ لِلّذِي َن اّت َقوْا مَاذَا َأنْزَلَ َرّبكُ مْ قَالُوا َخيْرا لِلّذِي نَ أَحْ َ‬
‫وََلنِعْمَ دَا ُر الْ ُمتّقِيَ (‪)30‬‬

‫وإذا قيل للمؤمني الائفي من ال‪ :‬ما الذي أنزل ال على النب ممد صلى ال عليه وسلم؟ قالوا‪ :‬أنزل‬
‫ال عليه الي والدى‪ .‬للذين آمنوا بال ورسوله ف هذه الدنيا‪ ,‬و َد َعوْا عباد ال إل اليان والعمل‬
‫الصال‪َ ,‬مكْ ُرمَة كبية من النصر لم ف الدنيا‪ ,‬و َسعَة الرزق‪ ,‬ولَدار الخرة لم خي وأعظم ما أُوتوه ف‬
‫الدنيا‪ ,‬وَلِنعْم دا ُر التقي الائفي من ال الخرةُ‪.‬‬

‫‪469‬‬
‫ك يَجْزِي اللّ ُه الْ ُمّتقِيَ (‪)31‬‬
‫حِتهَا الَْنهَارُ َلهُ مْ فِيهَا مَا يَشَاءُو نَ كَذَلِ َ‬
‫جرِي مِ نْ تَ ْ‬‫َجنّا تُ عَدْ نٍ يَ ْدخُلُوَنهَا تَ ْ‬
‫جّنةَ بِمَا كُنتُ ْم َتعْمَلُونَ (‪)32‬‬
‫ي َيقُولُونَ سَل ٌم عََلْيكُمْ ادْخُلُوا الْ َ‬‫الّذِينَ تََتوَفّاهُ ْم الْمَلئِ َك ُة طَّيبِ َ‬

‫جنات إقامة لم‪ ,‬يستقرون فيها‪ ,‬ل يرجون منها أبدًا‪ ,‬تري من تت أشجارها وقصورها النار‪ ,‬لم‬
‫فيها كل ما تشتهيه أنفسهم‪ ,‬بثل هذا الزاء الطيب يزي ال أهل خشيته وتقواه الذين تقبض اللئكةُ‬
‫أرواحَهم‪ ,‬وقلوبُهم طاهرة من الكفر‪ ,‬تقول اللئكة لم‪ :‬سلم عليكم‪ ,‬تية خاصة لكم وسلمة من كل‬
‫آفة‪ ,‬ادخلوا النة با كنتم تعملون من اليان بال والنقياد لمره‪.‬‬

‫هَ ْل يَنظُرُونَ إِلّ َأنْ َت ْأتَِيهُمْ الْمَلِئ َكةُ َأ ْو َيأِْتيَ َأمْرُ َربّكَ كَذَلِكَ َفعَ َل الّذِي َن مِنْ َقبِْل ِه ْم َومَا ظََل َمهُمْ اللّ ُه وََلكِنْ‬
‫سهُ ْم يَ ْظلِمُونَ (‪)33‬‬ ‫كَانُوا َأنْفُ َ‬

‫ما ينتظر الشركون إل أن تأتيهم اللئكة; لتقبض أرواحهم وهم على الكفر‪ ,‬أو يأت أمر ال بعذاب‬
‫عاجل يهلكهم‪ ,‬كما كذّب هؤلء كذّب الكفار مِن قبلهم‪ ,‬فأهلكهم ال‪ ,‬وما ظلمهم ال بإهلكهم‪,‬‬
‫وإنزال العذاب بم‪ ,‬ولكنهم هم الذين كانوا يظلمون أنفسهم با جعلهم أهل للعذاب‪.‬‬

‫سَتهْ ِزئُون (‪)34‬‬


‫ت مَا عَمِلُوا َوحَاقَ ِبهِمْ مَا كَانُوا بِ ِه يَ ْ‬
‫َفأَصَاَبهُمْ َسّيئَا ُ‬

‫فنلت بم عقوبة ذنوبم الت عملوها‪ ,‬وأحاط بم العذاب الذي كانوا يسخرون منه‪.‬‬

‫وَقَا َل الّذِي نَ َأشْرَكُوا َلوْ شَاءَ اللّ ُه مَا َعبَ ْدنَا مِ نْ دُونِ هِ مِ ْن َشيْءٍ َنحْ ُن وَل آبَا ُؤنَا وَل َح ّر ْمنَا مِ نْ دُونِ ِه مِ نْ‬
‫غ الْ ُمبِيُ (‪)35‬‬‫َشيْءٍ كَذَلِكَ َفعَ َل الّذِي َن مِنْ َقبِْل ِهمْ َفهَ ْل عَلَى ال ّرسُلِ إِلّ اْلبَل ُ‬

‫وقال الشركون‪ :‬لو شاء ال أن نعبده وحده ما عبدنا أحدًا غيه‪ ,‬ل نن ول آباؤنا مِن قبلنا‪ ,‬ول َح ّرمَنا‬
‫شيئًا ل يرمه‪ ,‬بثل هذا الحتجاج الباطل احتج الكفار السابقون‪ ,‬وهم كاذبون; فإن ال أمرهم وناهم‬
‫ومكّنهم من القيام با كلّفهم به‪ ,‬وجعل لم قوة ومشيئة تصدر عنها أفعالم‪ ,‬فاحتجاجهم بالقضاء‬
‫والقدر من أبطل الباطل من بعد إنذار الرسل لم‪ ,‬فليس على الرسل النذِرين لم إل التبليغ الواضح لا‬
‫كُلّفوا به‪.‬‬

‫‪470‬‬
‫وََلقَ ْد َبعَْثنَا فِي كُلّ ُأ ّمةٍ رَ سُولً أَ ْن ُاعْبُدُوا اللّ َه وَا ْجتَِنبُوا الطّاغُو تَ َف ِمْنهُ مْ مَ ْن هَدَى اللّ ُه َومِْنهُ ْم مَ نْ َحقّ تْ‬
‫عََليْهِ الضّلَلةُ فَسِيُوا فِي الَ ْرضِ فَانْظُرُوا َكيْفَ كَا َن عَاِقَبةُ الْ ُمكَ ّذبِيَ (‪)36‬‬

‫ت رسول آمرًا لم بعبادة ال وطاعته وحده وتَ ْركِ عبادة غيه من الشياطي‬
‫ولقد بعثنا ف كل أمة سب َق ْ‬
‫والوثان والموات وغي ذلك ما يتخذ من دون ال وليًا‪ ,‬فكان منهم مَن هدى ال‪ ,‬فاتبع الرسلي‪,‬‬
‫ومنهم العاند الذي اتبع سبيل الغيّ‪ ,‬فوجبت عليه الضللة‪ ,‬فلم يوفقه ال‪ .‬فامشوا ف الرض‪ ,‬وأبصروا‬
‫بأعينكم كيف كان مآل هؤلء الكذبي‪ ,‬وماذا ح ّل بم مِن دمار; لتعتبوا؟‬

‫ح ِرصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَِإنّ اللّ َه ل َيهْدِي مَ ْن ُيضِ ّل َومَا َلهُ ْم مِ ْن نَاصِرِينَ (‪)37‬‬
‫ِإنْ تَ ْ‬

‫إن تبذل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أقصى جهدك لداية هؤلء الشركي فاعلم أن ال ل يهدي مَن يضلّ‪ ,‬وليس‬
‫لم من دون ال أحد ينصرهم‪ ,‬وينع عنهم عذابه‪.‬‬

‫س ل يَعَْلمُونَ (‬
‫ت بَلَى َوعْدا عََليْهِ َحقّا وََلكِنّ أَ ْكثَ َر النّا ِ‬
‫َوأَقْسَمُوا بِاللّهِ َجهْدَ َأيْمَاِنهِ ْم ل يَْبعَثُ اللّ ُه مَ ْن يَمُو ُ‬
‫‪)38‬‬

‫وحلف هؤلء الشركون بال أيانًا مغلّظة أن ال ل يبعث مَن يوت بعدما بَِليَ وتفرّق‪ ,‬بلى سيبعثهم ال‬
‫حتمًا‪ ,‬وعدًا عليه حقًا‪ ,‬ولكن أكثر الناس ل يعلمون قدرة ال على البعث‪ ,‬فينكرونه‪.‬‬

‫ختَِلفُونَ فِيهِ وَِلَيعْلَ َم الّذِينَ َكفَرُوا َأّنهُمْ كَانُوا كَا ِذبِيَ (‪)39‬‬
‫ِلُيبَيّنَ َلهُ ْم الّذِي يَ ْ‬

‫يبعث ال جيع العباد; ليبي لم حقيقة البعث الذي اختلفوا فيه‪ ,‬ويعلم الكفار النكرون له أنم على‬
‫باطل‪ ,‬وأنم كاذبون حي حلفوا أنْ ل بعث‪.‬‬

‫شيْءٍ إِذَا أَرَ ْدنَاهُ أَ ْن َنقُولَ لَهُ كُنْ َفَيكُونُ (‪)40‬‬


‫ِإنّمَا َقوُْلنَا لِ َ‬

‫إنّ أمر البعث يسي علينا‪ ,‬فإنّا إذا أردنا شيئًا فإنا نقول له‪" :‬كن"‪ ،‬فإذا هو كائن موجود‪.‬‬

‫‪471‬‬
‫سَن ًة وَلَجْرُ ال ِخ َرةِ أَ ْكبَرُ َلوْ كَانُوا َيعْلَمُونَ‬
‫وَالّذِي َن هَاجَرُوا فِي اللّ ِه مِ ْن َبعْ ِد مَا ظُِلمُوا َلُنَبوَّئّنهُمْ فِي ال ّدنْيَا حَ َ‬
‫(‪)41‬‬

‫والذين تركوا ديارهم مِن أجل ال‪ ,‬فهاجروا بعدما وقع عليهم الظلم‪ ,‬لنسكننهم ف الدنيا دارًا حسنة‪,‬‬
‫ولجر الخرة أكب; لن ثوابم فيها النة‪ .‬لو كان التخلفون عن الجرة يعلمون علم يقي ما عند ال‬
‫من الجر والثواب للمهاجرين ف سبيله‪ ,‬ما تلّف منهم أحد عن ذلك‪.‬‬

‫صبَرُوا َوعَلَى َرّبهِ ْم َيَتوَكّلُونَ (‪)42‬‬


‫الّذِينَ َ‬

‫هؤلء الهاجرون ف سبيل ال هم الذين صبوا على أوامر ال وعن نواهيه وعلى أقداره الؤلة‪ ,‬وعلى‬
‫ربم وحده يعتمدون‪ ,‬فاستحقوا هذه النلة العظيمة‪.‬‬

‫َومَا أَ ْرسَ ْلنَا مِنْ َقبْلِكَ إِلّ رِجَا ًل نُوحِي إِلَْيهِمْ فَا ْسأَلُوا َأهْلَ الذّكْرِ ِإنْ ُكْنتُ ْم ل َتعْلَمُونَ (‪)43‬‬

‫وما أرسلنا ف السابقي قبلك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إل رسل من الرجال ل من اللئكة‪ ,‬نوحي إليهم‪ ,‬وإن‬
‫كنتم ‪-‬يا مشركي قريش‪ -‬ل تصدقون بذلك فاسألوا أهل الكتب السابقة‪ ,‬يبوكم أن النبياء كانوا‬
‫بشرًا‪ ,‬إن كنتم ل تعلمون أنم بشر‪ .‬والية عامة ف كل مسألة من مسائل الدين‪ ,‬إذا ل يكن عند‬
‫النسان علم منها أن يسأل من يعلمها من العلماء الراسخي ف العلم ‪.‬‬

‫س مَا نُزّلَ إَِليْهِ ْم وََلعَّلهُ ْم َيَت َفكّرُونَ (‪)44‬‬


‫ت وَال ّزُب ِر َوأَنزَْلنَا إَِليْكَ الذّكْرَ ِلُتبَيّنَ لِلنّا ِ‬
‫بِاْلبَّينَا ِ‬

‫وأَ ْرسَلْنا الرسل السابقي بالدلئل الواضحة وبالكتب السماوية‪ ,‬وأنزلنا إليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬القرآن;‬
‫لتوضح للناس ما خفي مِن معانيه وأحكامه‪ ,‬ولكي يتدبروه ويهتدوا به‪.‬‬

‫شعُرُونَ (‪)45‬‬
‫ث ل يَ ْ‬
‫سّيئَاتِ أَ ْن يَخْسِفَ اللّ ُه ِبهِ ْم الَرْضَ َأوْ َي ْأتَِيهُ ْم اْلعَذَابُ مِنْ َحيْ ُ‬‫أََفأَمِ َن الّذِي َن َمكَرُوا ال ّ‬
‫خوّفٍ فَِإنّ َربّكُمْ َلرَءُوفٌ رَحِيمٌ (‪)47‬‬
‫جزِينَ (‪َ )46‬أ ْو َيأْخُ َذهُ ْم عَلَى تَ َ‬ ‫َأوْ َيأْخُ َذهُمْ فِي َتقَّلِبهِمْ فَمَا هُ ْم بِ ُمعْ ِ‬

‫‪472‬‬
‫أفأمن الكفار الدبّرون للمكايد أن يسف ال بم الرض كما فعل بقارون‪ ,‬أو يأتيهم العذاب من مكان‬
‫ل يُحِسّونه ول يتوقعونه‪ ,‬أو يأخذهم العذاب‪ ,‬وهم يتقلبون ف أسفارهم وتصرفهم؟ فما هم بسابقي ال‬
‫ول فائتيه ول ناجي من عذابه; لنه القوي الذي ل يعجزه شيء‪ ,‬أو يأخذهم ال بنقص من الموال‬
‫والنفس والثمرات‪ ،‬أو ف حال خوفهم من أخذه لم‪ ,‬فإن ربكم لرؤوف بلقه‪ ,‬رحيم بم‪.‬‬

‫ي وَالشّمَائِلِ سُجّدا لِلّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (‪)48‬‬


‫َأوَلَ ْم يَ َروْا إِلَى مَا خََلقَ اللّ ُه مِ ْن َشيْءٍ َيَتفَّيُأ ظِللُ ُه عَ ْن الْيَ ِم ِ‬

‫َأعَمِ َي هؤلء الكفار‪ ,‬فلم ينظروا إل ما خلق ال من شيء له ظل‪ ,‬كالبال والشجار‪ ,‬تيل ظللا تارة‬
‫يينًا وتارة شال تبعًا لركة الشمس نارًا والقمر ليل كلها خاضعة لعظمة ربا وجلله‪ ,‬وهي تت‬
‫تسخيه وتدبيه وقهره؟‬

‫ستَ ْكبِرُونَ (‪)49‬‬


‫ج ُد مَا فِي السّ َموَاتِ َومَا فِي الَ ْرضِ مِنْ دَاّبةٍ وَالْمَلئِ َك ُة َوهُ ْم ل يَ ْ‬
‫وَلِلّ ِه يَسْ ُ‬

‫ول وحده يسجد كل ما ف السموات وما ف الرض مِن دابة‪ ,‬واللئكة يسجدون ل‪ ,‬وهم ل‬
‫يستكبون عن عبادته‪ .‬وخصّهم بالذكر بعد العموم ل َفضْلهم وشرفهم وكثرة عبادتم‪.‬‬

‫يَخَافُونَ َرّبهُ ْم مِنْ َفوِْقهِ ْم َوَيفْعَلُو َن مَا ُيؤْمَرُونَ (‪)50‬‬

‫ياف اللئكة ربم الذي هو فوقهم بالذات والقهر وكمال الصفات‪ ,‬ويفعلون ما ُيؤْمرون به من طاعة‬
‫ال‪ .‬وف الية‪ :‬إثبات صفة العلو والفوقية ل على جيع خلقه‪ ,‬كما يليق بلله وكماله‪.‬‬

‫وَقَالَ اللّ ُه ل َتتّخِذُوا إَِلهَيْ ِن اْثنَيْنِ ِإنّمَا ُهوَ إِلَ ٌه وَاحِدٌ فَِإيّايَ فَا ْرهَبُونِ (‪)51‬‬

‫وقال ال لعباده‪ :‬ل تعبدوا إلي اثني‪ ,‬إنا معبودكم إله واحد‪ ,‬فخافون دون سواي‪.‬‬

‫ض وَلَهُ الدّينُ وَاصِبا أََفغَيْرَ اللّهِ تَّتقُونَ (‪)52‬‬


‫وَلَ ُه مَا فِي السّ َموَاتِ وَالَ ْر ِ‬

‫‪473‬‬
‫ول كل ما ف السموات والرض خلقًا وملكًا وعبيدًا‪ ,‬وله وحده العبادة والطاعة والخلص دائمًا‪,‬‬
‫أيليق بكم أن تافوا غي ال وتعبدوه؟‬

‫جأَرُونَ (‪)53‬‬
‫سكُمْ الضّرّ فَإَِليْ ِه تَ ْ‬
‫َومَا بِكُ ْم مِ ْن ِنعْ َمةٍ فَ ِمنْ اللّ ِه ثُمّ إِذَا مَ ّ‬

‫ق وولد‪ ,‬وغي ذلك‪ ,‬فمِنَ ال وحده‪ ,‬فهو ا ُلنْعِم با‬


‫وما بكم مِن نعم ِة هدايةٍ‪ ,‬أو صحة جسم‪ ,‬و َسعَة رز ٍ‬
‫عليكم‪ ,‬ث إذا نزل بكم السقم والبلء والقحط فإل ال وحده َتضِجّون بالدعاء ‪.‬‬

‫ف الضّ ّر عَْنكُمْ إِذَا فَرِي ٌق ِمْنكُ ْم بِ َرّبهِ ْم يُشْرِكُونَ (‪)54‬‬


‫ثُمّ إِذَا كَشَ َ‬

‫ث إذا كشف عنكم البلء والسقم‪ ,‬إذا جاعة منكم بربم ا ُلْنعِم عليهم بالنجاة يتخذون معه الشركاء‬
‫والولياء‪.‬‬

‫ف َتعْلَمُونَ (‪)55‬‬
‫سوْ َ‬
‫ِليَ ْكفُرُوا بِمَا آَتيْنَاهُمْ َفتَ َمّتعُوا فَ َ‬

‫ف البلء عنهم‪ ,‬فاستمتعوا بدنياكم‪ ,‬ومصيها إل الزوال‪ ,‬فسوف‬


‫ليجحدوا نعمنا عليهم‪ ,‬ومنها كَشْ ُ‬
‫تعلمون عاقبة كفركم وعصيانكم‪.‬‬

‫جعَلُونَ ِلمَا ل َيعْلَمُونَ َنصِيبا مِمّا رَزَ ْقنَاهُمْ تَاللّهِ َلتُسْأَلُ ّن عَمّا ُكْنتُ ْم َتفْتَرُونَ (‪)56‬‬
‫َويَ ْ‬

‫ومِن قبيح أعمالم أنم يعلون للصنام الت اتذوها آلة‪ ,‬وهي ل تعلم شيئًا ول تنفع ول تضر‪ ,‬جزءًا‬
‫من أموالم الت رزقهم ال با تقربًا إليها‪ .‬تال لتسألُ ّن يوم القيامة عما كنتم تتلقونه من الكذب على‬
‫ال‪.‬‬

‫شَتهُونَ (‪)57‬‬
‫ت ُسبْحَانَهُ وََلهُمْ مَا يَ ْ‬
‫جعَلُونَ ِللّ ِه الَْبنَا ِ‬
‫َويَ ْ‬

‫ويعل الكفار ل البنات‪ ,‬فيقولون‪ :‬اللئكة بنات ال‪ ,‬تنّه ال عن قولم‪ ,‬ويعلون لنفسهم ما يبون من‬
‫البني‪.‬‬
‫‪474‬‬
‫سوَدّا َو ُهوَ كَظِيمٌ (‪)58‬‬
‫َوإِذَا بُشّرَ أَحَ ُدهُ ْم بِالُنثَى ظَ ّل وَ ْجهُ ُه مُ ْ‬

‫وإذا جاء مَن يب أحدهم بولدة أنثى اسودّ وجهه; كراهية لا سع‪ ,‬وامتل غمّا وحزنًا‪.‬‬

‫حكُمُو نَ (‬
‫سكُهُ عَلَى هُو نٍ أَ ْم يَدُ سّهُ فِي التّرَا بِ أَل سَا َء مَا يَ ْ‬
‫َيتَوَارَى مِ نْ الْ َقوْ ِم مِ نْ سُو ِء مَا بُشّ َر بِ هِ َأيُمْ ِ‬
‫‪)59‬‬

‫يستخفي مِن قومه كراهة أن يلقاهم متلبسًا با ساءه من الزن والعار؛ بسبب البنت الت وُلِدت له‪,‬‬
‫ومتحيًا ف أمر هذه الولودة‪ :‬أيبقيها حية على ذ ّل وهوان‪ ,‬أم يدفنها حية ف التراب؟ أل بئس الكم‬
‫الذي حكموه مِن َجعْل البنات ل والذكور لم‪.‬‬

‫حكِيمُ (‪)60‬‬
‫لِلّذِي َن ل ُي ْؤ ِمنُو َن بِالخِ َر ِة َمثَلُ السّوْ ِء وَلِلّ ِه الْ َمثَ ُل ا َلعْلَى َو ُهوَ اْلعَزِي ُز الْ َ‬

‫للذين ل يؤمنون بالخرة ول يعملون لا‪ ,‬الصفة القبيحة من العجز والاجة والهل والكفر‪ ,‬ول‬
‫الصفات العليا من الكمال والستغناء عن خلقه‪ ,‬وهو العزيز ف ملكه‪ ,‬الكيم ف تدبيه‪.‬‬

‫سمّى فَِإذَا جَاءَ أَجَُل ُهمْ ل‬


‫وََلوْ ُيؤَاخِذُ اللّ ُه النّاسَ بِظُلْ ِمهِ ْم مَا َترَكَ عََلْيهَا مِ نْ دَاّب ٍة وََلكِ نْ ُيؤَخّ ُرهُمْ إِلَى أَجَ ٍل مُ َ‬
‫سَتقْ ِدمُونَ (‪)61‬‬ ‫ستَأْخِرُو َن سَا َعةً وَل يَ ْ‬ ‫يَ ْ‬

‫ولو يؤاخذ ال الناس بكفرهم وافترائهم ما ترك على الرض مَن يتحرّك‪ ,‬ولكن يبقيهم إل وقت مدد‬
‫هو ناية آجالم‪ ,‬فإذا جاء أجلهم ل يتأخرون عنه وقتًا يسيًا‪ ,‬ول يتقدمون‪.‬‬

‫سنَى ل جَرَمَ َأنّ َلهُ ْم النّا َر َوَأّنهُمْ ُمفْ َرطُونَ‬


‫سنَُتهُ ْم اْلكَذِبَ أَنّ َلهُ ْم الْحُ ْ‬
‫جعَلُونَ ِللّ ِه مَا يَكْ َرهُونَ َوتَصِفُ أَلْ ِ‬
‫َويَ ْ‬
‫(‪)62‬‬

‫ومن قبائحهم‪ :‬أنم يعلون ل ما يكرهونه لنفسهم من البنات‪ ,‬وتقول ألسنتهم كذبًا‪ :‬إن لم حسن‬
‫العاقبة‪ ,‬حقًا أن لم النار‪ ,‬وأنم فيها َمتْروكون َمنْسيون‪.‬‬

‫‪475‬‬
‫شيْطَانُ َأعْمَاَلهُمْ َف ُه َو وَِلّيهُ ْم الَْي ْومَ وََلهُ ْم عَذَابٌ أَلِيمٌ (‪)63‬‬
‫تَاللّهِ َلقَدْ أَ ْرسَ ْلنَا إِلَى ُأمَ ٍم مِنْ َقبْلِكَ فَ َزيّنَ َلهُمْ ال ّ‬

‫تال لقد أرسلنا رسل إل أمم مِن قبلك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬فحسّن لم الشيطان ما عملوه من الكفر‬
‫والتكذيب وعبادة غي ال‪ ,‬فهو متو ّل إغواءهم ف الدنيا‪ ,‬ولم ف الخرة عذاب أليم موجع‪.‬‬

‫ك الْ ِكتَابَ إِلّ ِلُتَبيّنَ َلهُ ْم الّذِي ا ْختََلفُوا فِي ِه َوهُدًى وَرَ ْح َمةً ِل َقوْ ٍم ُي ْؤمِنُونَ (‪)64‬‬
‫َومَا أَنزَْلنَا عََليْ َ‬

‫وما أنزلنا عليك القرآن ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إل لتوضح للناس ما اختلفوا فيه من الدين والحكام; لتقوم‬
‫الجة عليهم ببيانك ورشدًا ورحة لقوم يؤمنون‪.‬‬

‫ك لَيةً ِل َق ْومٍ يَسْ َمعُونَ (‪)65‬‬


‫ض َبعْ َد َموِْتهَا ِإنّ فِي ذَلِ َ‬
‫وَاللّهُ أَن َز َل مِنْ السّمَا ِء مَاءً َفأَ ْحيَا بِهِ الَ ْر َ‬

‫وال أنزل من السحاب مطرًا‪ ,‬فأخرج به النبات من الرض بعد أن كانت قاحلة يابسة‪ ,‬إن ف إنزال‬
‫الطر وإنبات النبات لَدليل على قدرة ال على البعث وعلى الوحدانية‪ ,‬لقوم يسمعون‪ ,‬ويتدبرون‪,‬‬
‫ويطيعون ال‪ ,‬ويتقونه‪.‬‬

‫ث وَ َدمٍ َلبَنا خَالِصا سَائِغا لِلشّا ِربِيَ (‪)66‬‬


‫سقِيكُ ْم مِمّا فِي بُطُونِهِ مِ ْن َبيْنِ َفرْ ٍ‬
‫َوإِنّ َلكُمْ فِي ا َلْنعَامِ َل ِعبْ َر ًة نُ ْ‬

‫وإن لكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬ف النعام ‪-‬وهي البل والبقر والغنم‪ -‬لَعظة‪ ,‬فقد شاهدت أننا نسقيكم من‬
‫ضروعها لبنًا خارجًا من بي فَرْث ‪-‬وهو ما ف الكَرِش‪ -‬وبي دم خالصًا من كل الشوائب‪ ,‬لذيذًا ل‬
‫ص به مَن شَ ِربَه‪.‬‬
‫َيغَ ّ‬

‫ك لَيةً ِل َقوْ ٍم َي ْعقِلُونَ (‪)67‬‬


‫ت النّخِيلِ وَا َل ْعنَابِ َتتّخِذُو َن ِمنْهُ َسكَرا وَرِزْقا حَسَنا إِنّ فِي ذَلِ َ‬
‫َومِ ْن ثَمَرَا ِ‬

‫سكِرًا ‪-‬وهذا قبل تريها‪-‬‬


‫ومِن ِنعَمنا عليكم ما تأخذونه من ثرات النخيل والعناب‪ ,‬فتجعلونه خرًا مُ ْ‬
‫وطعامًا طيبًا‪ .‬إن فيما ذكر لَدليل على قدرة ال لِقومٍ يعقلون الباهي فيعتبون با‪.‬‬

‫‪476‬‬
‫ج ِر َومِمّا َيعْ ِرشُونَ (‪)68‬‬
‫جبَا ِل ُبيُوتا َومِنْ الشّ َ‬
‫َوَأوْحَى َربّكَ إِلَى النّحْلِ أَ ْن اتّخِذِي مِ ْن الْ ِ‬

‫وأْلهَمَ ربك ‪-‬أيها النب‪ -‬النحل بأن اجعلي لك بيوتًا ف البال‪ ,‬وف الشجر‪ ,‬وفيما يبن الناس من البيوت‬
‫والسّقُف‪.‬‬

‫ختَلِ فٌ أَْلوَانُ هُ فِي هِ ِشفَاءٌ‬


‫ب مُ ْ‬
‫ج مِ نْ بُطُوِنهَا َشرَا ٌ‬
‫خرُ ُ‬
‫ل يَ ْ‬
‫ثُمّ ُكلِي مِ نْ كُ ّل الثّمَرَا تِ فَا سُْلكِي ُسبُلَ َربّ كِ ذُُل ً‬
‫ك لَيةً ِل َق ْومٍ َيَتفَكّرُونَ (‪)69‬‬‫لِلنّاسِ ِإنّ فِي ذَلِ َ‬

‫ث كُلي مِن كل ثرة تشتهينها‪ ,‬فاسلكي طرق ربك مذللة لك; لطلب الرزق ف البال وخلل الشجر‪,‬‬
‫وقد جعلها سهلة عليكِ‪ ,‬ل تضلي ف ال َعوْد إليها وإن َبعُدَتْ‪ .‬يرج من بطون النحل عسل متلف‬
‫اللوان مِن بياض وصفرة وحرة وغي ذلك‪ ,‬فيه شفاء للناس من المراض‪ .‬إن فيما يصنعه النحل لَدللة‬
‫قوية على قدرة خالقها لقوم يتفكرون‪ ,‬فيعتبون‪.‬‬

‫وَاللّ هُ َخَل َقكُ ْم ثُمّ َيتَوَفّاكُ ْم َومِْنكُ مْ مَ ْن يُ َردّ إِلَى أَ ْرذَ ِل اْلعُمُرِ ِلكَ ْي ل َيعْلَ َم َبعْ َد عِ ْل ٍم َشيْئا ِإنّ اللّ َه عَلِي مٌ َقدِيرٌ‬
‫(‪)70‬‬

‫وال سجانه وتعال خلقكم ث ييتكم ف ناية أعماركم‪ ,‬ومنكم مَن يصي إل أردأ العمر وهو الرم‪ ,‬كما‬
‫كان ف طفولته ل يعلم شيئًا ما كان يعلمه‪ ,‬إن ال عليم قدير‪ ,‬أحاط علمه وقدرته بكل شيء‪ ,‬فال‬
‫الذي ردّ النسان إل هذه الالة قادر على أن ييته‪ ,‬ث يبعثه‪.‬‬

‫وَاللّ هُ َفضّ َل َب ْعضَكُ ْم عَلَى َبعْ ضٍ فِي الرّزْ قِ فَمَا الّذِي نَ ُفضّلُوا بِرَادّي ِرزِْقهِ ْم عَلَى مَا َمَلكَ تْ َأيْمَاُنهُ مْ َفهُ مْ‬
‫جحَدُونَ (‪)71‬‬ ‫فِيهِ َسوَاءٌ أََفبِِنعْ َمةِ اللّ ِه يَ ْ‬

‫وال َفضّل بعضكم على بعض فيما أعطاكم ف الدنيا من الرزق‪ ,‬فمنكم غن ومنكم فقي‪ ,‬ومنكم مالك‬
‫ومنكم ملوك‪ ,‬فل يعطي الالكون ملوكيهم ما أعطاهم ال ما يصيون به شركاء لم متساوين معهم ف‬
‫الال‪ ,‬فإذا ل يرضوا بذلك لنفسهم‪ ,‬فلماذا رضوا أن يعلوا ل شركاء من عبيده؟ إن هذا لَمن أعظم‬
‫الظلم والحود لِنعم ال عز وجل‪.‬‬

‫‪477‬‬
‫وَاللّ هُ َجعَلَ َلكُ ْم مِ نْ أَنفُ سِكُمْ أَ ْزوَاجا وَ َجعَلَ َلكُ ْم مِ نْ أَ ْزوَا ِجكُ مْ بَنِيَ وَ َحفَ َد ًة وَرَزََقكُ ْم مِ نْ ال ّطّيبَا تِ‬
‫أََفبِالْبَاطِ ِل ُيؤْ ِمنُو َن َوِبنِعْ َمةِ اللّ ِه هُ ْم َي ْكفُرُونَ (‪)72‬‬

‫وال سبحانه جعل مِن جنسكم أزواجا; لتستريح نفوسكم معهن‪ ,‬وجعل لكم منهن البناء ومِن نسلهنّ‬
‫الحفاد‪ ,‬ورزقكم من الطعمة الطيبة من الثمار والبوب واللحوم وغي ذلك‪ .‬أفبالباطل من ألوهية‬
‫شركائهم يؤمنون‪ ,‬وبنعم ال الت ل تصى يحدون‪ ,‬ول يشكرون له بإفراده جل وعل بالعبادة؟‬

‫ستَطِيعُونَ (‪)73‬‬
‫ت وَالَ ْرضِ َشيْئا وَل يَ ْ‬
‫َويَ ْعبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّ ِه مَا ل يَ ْملِكُ َلهُمْ رِزْقا مِنْ السّ َموَا ِ‬

‫ويعبد الشركون أصنامًا ل تلك أن تعطيهم شيئًا من الرزق من السماء كالطر‪ ,‬ول من الرض كالزرع‪,‬‬
‫فهم ل يلكون شيئًا‪ ,‬ول يتأتى منهم أن يلكوه; لنم ل يقدرون‪.‬‬

‫فَل تَضْ ِربُوا لِلّ ِه ا َلمْثَالَ ِإنّ اللّ َه َيعْلَ ُم َوَأنْتُ ْم ل َتعْلَمُونَ (‪)74‬‬

‫وإذا عَلِمتم أن الصنام والوثان ل تنفع‪ ,‬فل تعلوا ‪-‬أيها الناس‪ -‬ل أشباهًا ماثلي له مِن َخلْقه‬
‫تشركونم معه ف العبادة‪ .‬إن ال يعلم ما تفعلون‪ ,‬وأنتم غافلون ل تعلمون خطأكم وسوء عاقبتكم‪.‬‬

‫ل عَبْدا مَ ْملُوكا ل َيقْدِرُ عَلَى َشيْ ٍء َومَنْ َرزَ ْقنَاهُ ِمنّا رِزْقا حَسَنا َف ُهوَ يُنفِقُ ِمنْهُ سِرّا وَ َجهْرا‬ ‫ضَرَبَ اللّ ُه َمَث ً‬
‫حمْدُ لِلّ ِه بَلْ أَ ْكثَ ُرهُ ْم ل َيعْلَمُونَ (‪)75‬‬
‫هَ ْل يَسَْتوُونَ الْ َ‬

‫ضرب ال مثل بيّن فيه فساد عقيدة أهل الشرك‪ :‬رجل ملوكًا عاجزًا عن التصرف ل يلك شيئًا‪ ,‬ورجل‬
‫آخر حرًا‪ ,‬له مال حلل رزَقَه ال به‪ ,‬يلك التصرف فيه‪ ,‬ويعطي منه ف الفاء والعلن‪ ،‬فهل يقول عاقل‬
‫سوّون‬
‫بالتساوي بي الرجلي؟ فكذلك ال الالق الالك التصرف ل يستوي مع خلقه وعبيده‪ ,‬فكيف تُ َ‬
‫بينهما؟ المد ل وحده‪ ,‬فهو الستحق للحمد والثناء‪ ,‬بل أكثر الشركي ل يعلمون أن المد والنعمة‬
‫ل‪ ,‬وأنه وحده الستحق للعبادة‪.‬‬

‫وَضَرَ بَ اللّ ُه َمَثلً رَ ُجَليْ نِ أَحَ ُدهُمَا َأْبكَ ُم ل َيقْدِ ُر عَلَى شَيْ ٍء َو ُهوَ كَلّ عَلَى َموْل هُ َأيْنَمَا ُيوَجّهّ ل َيأْ تِ‬
‫‪478‬‬
‫سَتقِيمٍ (‪)76‬‬
‫ط مُ ْ‬
‫سَتوِي ُه َو َومَ ْن َيأْمُ ُر بِاْلعَدْ ِل َو ُه َو عَلَى صِرَا ٍ‬
‫خيْ ٍر هَ ْل يَ ْ‬
‫بِ َ‬

‫وضرب ال مثل آخر لبطلن الشرك رجلي‪ :‬أحدها أخرس أصم ل َي ْفهَم ول ُي ْفهِم‪ ,‬ل يقدر على منفعة‬
‫نفسه أو غيه‪ ,‬وهو عبء ثقيل على مَن يَلي أمره ويعوله‪ ,‬إذا أرسله لمر يقضيه ل ينجح‪ ,‬ول يعود عليه‬
‫بي‪ ,‬ورجل آخر سليم الواس‪ ,‬ينفع نفسه وغيه‪ ,‬يأمر بالنصاف‪ ,‬وهو على طريق واضح ل عوج فيه‪,‬‬
‫سوّون بي الصنم البكم الصمّ وبي ال القادر النعم‬ ‫فهل يستوي الرجلن ف نظر العقلء؟ فكيف تُ َ‬
‫بكل خي؟‬

‫ض َومَا َأمْ ُر السّا َعةِ إِلّ َكلَمْ ِح الْبَصَرِ َأوْ ُهوَ أَقْرَبُ إِنّ اللّ َه عَلَى كُ ّل َشيْءٍ َقدِيرٌ‬
‫ت وَالَرْ ِ‬
‫ب السّ َموَا ِ‬
‫وَلِلّهِ غَيْ ُ‬
‫(‪)77‬‬

‫ول سبحانه وتعال عِلْمُ ما غاب ف السموات والرض‪ ,‬وما شأن القيامة ف سرعة ميئها إل كنظرة‬
‫سريعة بالبصر‪ ,‬بل هو أسرع من ذلك‪ .‬إن ال على كل شيء قدير‪.‬‬

‫وَاللّهُهأَخْ َر َجكُم ْه مِن ْهبُطُونِهُأ ّمهَاتِكُم ْه ل َتعْلَمُونَه شَيْئا وَ َجعَلَ َلكُم ْه السّهمْ َع وَا َلبْصهَا َر وَالَ ْفئِدَةَ َلعَّلكُم ْه‬
‫تَشْكُرُونَ (‪)78‬‬

‫وال سبحانه وتعال أخرجكم مِن بطون أمهاتكم بعد مدة المل‪ ,‬ل تدركون شيئًا ما حولكم‪ ,‬وجعل‬
‫لكم وسائل الدراك من السمع والبصر والقلوب; لعلكم تشكرون ل تعال على تلك النعم‪ ,‬وتفردونه‬
‫عز وجل بالعبادة‪.‬‬

‫ك ليَا تٍ ِل َقوْ ٍم ُي ْؤمِنُو نَ (‬


‫س ُكهُنّ إِلّ اللّ هُ ِإنّ فِي ذَلِ َ‬
‫أَلَ ْم َي َروْا إِلَى ال ّطيْ ِر مُ سَخّرَاتٍ فِي َج ّو ال سّمَا ِء مَا يُمْ ِ‬
‫‪)79‬‬

‫أل ينظر الشركون إل الطي مذللت للطيان ف الواء بي السماء والرض بأمر ال؟ ما يسكهن عن‬
‫الوقوع إل هو سبحانه با خَلَقه لا‪ ,‬وأقدرها عليه‪ .‬إن ف ذلك التذليل والمساك لَدللت لقوم يؤمنون‬
‫با يرونه من الدلة على قدرة ال‪.‬‬

‫‪479‬‬
‫خفّوَنهَا َيوْ مَ َظ ْعنِكُ ْم َوَيوْ مَ‬
‫وَاللّ هُ َجعَلَ َلكُ ْم مِ نْ بُيُوتِكُ مْ َسكَنا َو َجعَلَ َلكُ ْم مِ نْ جُلُو ِد الَْنعَا مِ ُبيُوتا تَ سْتَ ِ‬
‫صوَافِهَا َوَأ ْوبَا ِرهَا َوَأ ْشعَا ِرهَا َأثَاثا َومَتَاعا إِلَى ِحيٍ (‪)80‬‬ ‫إِقَامَِتكُ ْم َومِنْ أَ ْ‬

‫وال سبحانه جعل لكم من بيوتكم راحة واستقرارًا مع أهلكم‪ ,‬وأنتم مقيمون ف الضر‪ ,‬وجعل لكم ف‬
‫ف عليكم حِمْلها وقت تَرْحالكم‪ ,‬ويف عليكم َنصْبها وقت‬ ‫سفركم خيامًا وقبابًا من جلود النعام‪َ ,‬يخِ ّ‬
‫إقامتكم بعد التّرْحال‪ ,‬وجعل لكم من أصواف الغنم‪ ,‬وأوبار البل‪ ,‬وأشعار العز أثاثًا لكم من أكسية‬
‫وألبسة وأغطية وفرش وزينة‪ ,‬تتمتعون با إل أجل مسمّى ووقت معلوم‪.‬‬

‫جبَالِ أَ ْكنَانا وَ َجعَلَ َلكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُ ْم الْحَ ّر وَسَرَابِيلَ‬


‫وَاللّهُ َجعَلَ َلكُ ْم مِمّا خَلَ َق ظِللً َو َجعَلَ َلكُ ْم مِ ْن الْ ِ‬
‫ك ُيتِ ّم ِنعْ َمتَهُ عََلْيكُمْ َلعَّلكُ ْم تُسْلِمُونَ (‪)81‬‬
‫َتقِيكُ ْم َبأْ َسكُمْ كَذَلِ َ‬

‫وال جعل لكم ما تستظلّون به من الشجار وغيها‪ ,‬وجعل لكم ف البال من الغارات والكهوف‬
‫أماكن تلجؤون إليها عند الاجة‪ ,‬وجعل لكم ثيابًا من القطن والصوف وغيها‪ ,‬تفظكم من الر‬
‫والبد‪ ,‬وجعل لكم من الديد ما ير ّد عنكم الطعن والذى ف حروبكم‪ ,‬كما أنعم ال عليكم بذه النعم‬
‫يتمّ نعمته عليكم ببيان الدين الق; لتستسلموا لمر ال وحده‪ ,‬ول تشركوا به شيئًا ف عبادته‪.‬‬

‫فَِإنْ َتوَّلوْا فَِإنّمَا عََليْكَ اْلبَلغُ الْ ُمبِيُ (‪)82‬‬

‫فإن أعرضوا عنك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بعدما رأوا من اليات فل تزن‪ ,‬فما عليك إل البلغ الواضح لا‬
‫أُ ْرسِ ْلتَ به‪ ,‬وأما الداية فإلينا‪.‬‬

‫َيعْرِفُونَ ِنعْ َمةَ اللّ ِه ثُ ّم يُنكِرُوَنهَا َوأَكْثَ ُرهُ ْم اْلكَافِرُونَ (‪)83‬‬

‫يعرف هؤلء الشركون نعمة ال عليهم بإرسال ممد صلى ال عليه وسلم إليهم‪ ,‬ث يحدون نبوته‪,‬‬
‫وأكثر قومه الاحدون لنبوته‪ ,‬ل القرون با‪.‬‬

‫ث مِنْ كُلّ ُأ ّمةٍ َشهِيدا ثُ ّم ل ُيؤْ َذنُ لِلّذِينَ َكفَرُوا وَل هُ ْم يُسَْت ْعَتبُونَ (‪)84‬‬
‫َوَيوْ َم َنْبعَ ُ‬
‫‪480‬‬
‫واذكر لم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ما يكون يوم القيامة‪ ,‬حي نبعث من كل أمة رسولا شاهدًا على إيان من‬
‫آمن منها‪ ,‬و ُكفْر مَن َكفَر‪ ,‬ث ل يُؤذن للذين كفروا بالعتذار عما وقع منهم‪ ,‬ول يُطْلب منهم إرضاءُ‬
‫ربم بالتوبة والعمل الصال‪ ,‬فقد مضى أوان ذلك‪.‬‬

‫خفّفُ عَْنهُ ْم وَل هُ ْم يُنظَرُونَ (‪)85‬‬


‫َوإِذَا َرأَى الّذِينَ ظَلَمُوا اْلعَذَابَ فَل ُي َ‬

‫وإذا شاهد الذين كفروا عذاب ال ف الخرة فل يفف عنهم منه شيء‪ ,‬ول يُمْهلون‪ ,‬ول يؤخر‬
‫عذابم‪.‬‬

‫َوإِذَا َرأَى الّذِي نَ َأشْرَكُوا شُرَكَا َءهُ مْ قَالُوا َربّنَا َهؤُلء شُرَكَاؤُنَا الّذِي نَ ُكنّا نَدْعُو مِ نْ دُونِ كَ َفأَلْ َقوْا إَِلْيهِ مْ‬
‫الْ َقوْلَ ِإّنكُمْ َلكَا ِذبُونَ (‪َ )86‬وأَْلقَوْا إِلَى اللّ ِه َي ْومَئِذٍ السّلَمَ وَضَ ّل َعنْهُ ْم مَا كَانُوا َي ْفتَرُونَ (‪)87‬‬

‫وإذا أبصر الشركون يوم القيامة آلتهم الت عبدوها مع ال‪ ,‬قالوا‪ :‬ربنا هؤلء شركاؤنا الذين كنا‬
‫ت اللة بتكذيب مَن عبدوها‪ ,‬وقالت‪ :‬إنكم ‪-‬أيها الشركون‪ -‬لَكاذبون‪ ,‬حي‬ ‫نعبدهم مِن دونك‪ ,‬فنط َق ِ‬
‫جعلتمونا شركاء ل وعبدتونا معه‪ ,‬فلم نأمركم بذلك‪ ,‬ول زعمنا أننا مستحقون لللوهية‪ ,‬فاللوم‬
‫عليكم ‪ ،‬وأظهر الشركون الستسلم والضوع ل يوم القيامة‪ ,‬وغاب عنهم ما كانوا يتلقونه من‬
‫الكاذيب‪ ,‬وأن آلتهم تشفع لم‪.‬‬

‫ب بِمَا كَانُوا ُيفْسِدُونَ (‪)88‬‬


‫ق العَذَا ِ‬
‫الّذِينَ َكفَرُوا وَصَدّوا عَ ْن َسبِيلِ اللّهِ زِ ْدنَاهُ ْم عَذَابا َف ْو َ‬

‫الذين جحدوا وحدانية ال ونبوتك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬وكذّبوك‪ ,‬ومنعوا غيهم عن اليان بال ورسوله‪,‬‬
‫زدناهم عذابا على كفرهم وعذابًا على صدّهم الناس عن اتباع الق; وهذا بسبب تعمّدهم الفساد‬
‫وإضلل العباد بالكفر والعصية‪.‬‬

‫سهِ ْم وَ ِجْئنَا بِ كَ َشهِيدا عَلَى َهؤُلء َونَزّْلنَا عََليْ كَ الْ ِكتَا بَ‬
‫َوَيوْ مَ َنْبعَ ثُ فِي كُلّ ُأ ّمةٍ َشهِيدا عََلْيهِ مْ مِ نْ أَنفُ ِ‬
‫سلِمِيَ (‪)89‬‬ ‫ِتبْيَانا ِلكُلّ َشيْ ٍء َوهُدًى وَرَحْ َم ًة َوبُشْرَى لِلْمُ ْ‬
‫‪481‬‬
‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬حي نبعث يوم القيامة ف كل أمة من المم شهيدًا عليهم‪ ,‬هو الرسول الذي بعثه‬
‫ال إليهم من أنفسهم وبلسانم‪ ,‬وجئنا بك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬شهيدًا على أمتك‪ ,‬وقد نَزّلْنا عليك القرآن‬
‫توضيحًا لكل أمر يتاج إل بيان‪ ,‬كأحكام اللل والرام‪ ,‬والثواب والعقاب‪ ,‬وغي ذلك‪ ,‬وليكون‬
‫هداية من الضلل‪ ,‬ورحة لن صدّق وعمل به‪ ,‬وبشارة طيبة للمؤمني بسن مصيهم‪.‬‬

‫إِنّ اللّ َه َي ْأمُ ُر بِاْلعَدْ ِل وَالِحْ سَانِ َوإِيتَاءِ ذِي اْلقُرْبَى َوَينْهَى عَ نْ اْلفَحْشَا ِء وَالْمُنكَ ِر وَالَْبغْ ِي َيعِ ُظكُ مْ َلعَّلكُ مْ‬
‫تَذَكّرُونَ (‪)90‬‬

‫إن ال سبحانه وتعال يأمر عباده ف هذا القرآن بالعدل والنصاف ف حقه بتوحيده وعدم الشراك به‪,‬‬
‫وف حق عباده بإعطاء كل ذي حق حقه‪ ,‬ويأمر بالحسان ف حقه بعبادته وأداء فرائضه على الوجه‬
‫الشروع‪ ,‬وإل اللق ف القوال والفعال‪ ,‬ويأمر بإعطاء ذوي القرابة ما به صلتهم وبرّهم‪ ,‬وينهى عن‬
‫كل ما َقبُ َح قول أو عمل وعما ينكره الشرع ول يرضاه من الكفر والعاصي‪ ,‬وعن ظلم الناس والتعدي‬
‫عليهم‪ ,‬وال ‪-‬بذا المر وهذا النهي‪َ -‬يعِظكم ويذكّركم العواقب; لكي تتذكروا أوامر ال وتنتفعوا با‪.‬‬

‫َوَأوْفُوا ِبعَهْدِ اللّ هِ إِذَا عَاهَ ْدتُ ْم وَل تَن ُقضُوا ا َليْمَا نَ بَعْ َد َتوْكِيدِهَا وَقَدْ َجعَ ْلتُ مْ اللّ َه عََلْيكُ مْ َكفِيلً إِنّ اللّ هَ‬
‫َيعْلَ ُم مَا َت ْفعَلُونَ (‪)91‬‬

‫والتزموا الوفاء بكل عهد أوجبتموه على أنفسكم بينكم وبي ال ‪-‬تعال‪ -‬أو بينكم وبي الناس فيما ل‬
‫يالف كتاب ال وسنة نبيه‪ ,‬ول ترجعوا ف اليان بعد أن أكّدْتوها‪ ,‬وقد جعلتم ال عليكم كفيل‬
‫وضامنًا حي عاهدتوه‪ .‬إن ال يعلم ما تفعلونه‪ ,‬وسيجزيكم عليه‪.‬‬

‫ل َبيَْنكُ مْ أَ ْن َتكُو نَ ُأ ّمةٌ هِ يَ‬


‫ت غَزْلَهَا مِ ْن َبعْدِ ُق ّوةٍ أَنكَاثا َتتّخِذُو نَ أَيْمَاَنكُ مْ دَ َخ ً‬ ‫وَل تَكُونُوا كَالّتِي َن َقضَ ْ‬
‫ختَِلفُونَ ( ‪)92‬‬ ‫أَ ْربَى مِنْ ُأ ّمةٍ ِإنّمَا يَبْلُوكُمْ اللّ ُه بِ ِه وََلُيبَّينَنّ َلكُ ْم َي ْومَ اْل ِقيَا َم ِة مَا ُكنْتُمْ فِي ِه تَ ْ‬

‫ول ترجعوا ف عهودكم‪ ,‬فيكون َمثَلكم مثل امرأة غزلت غَزْل وأحكمته‪ ,‬ث نقضته‪ ,‬تعلون أيانكم الت‬
‫حلفتموها عند التعاهد خديعة لن عاهدتوه‪ ,‬وتنقضون عهدكم إذا وجدت جاعة أكثر مال ومنفعة من‬

‫‪482‬‬
‫الذين عاهدتوهم‪ ,‬إنا يتبكم ال با أمركم به من الوفاء بالعهود وما ناكم عنه مِن نقضها‪ ,‬وليبيّن لكم‬
‫يوم القيامة ما كنتم فيه تتلفون ف الدنيا من اليان بال ونبوة ممد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫سأَلُنّ عَمّا كُنتُ ْم َتعْمَلُو نَ (‬


‫جعََلكُ مْ ُأ ّمةً وَا ِح َدةً وََلكِ نْ ُيضِ ّل مَ ْن يَشَاءُ َوَيهْدِي مَ ْن يَشَا ُء وََلتُ ْ‬
‫وََلوْ شَاءَ اللّ هُ لَ َ‬
‫‪)93‬‬

‫ولو شاء ال لوفّقكم كلكم‪ ,‬فجعلكم على ملة واحدة‪ ,‬وهي السلم واليان‪ ,‬وألزمكم به‪ ,‬ولكنه‬
‫سبحانه يُض ّل مَن يشاء من علم منه إيثار الضلل‪ ,‬فل يهديه عدل منه‪ ,‬ويهدي مَن يشاء مِمّن علم منه‬
‫إيثار الق‪ ,‬فيوفقه فضل منه‪ ,‬وليسألنّكم ال جيعًا يوم القيامة عما كنتم تعملون ف الدنيا فيما أمركم‬
‫به‪ ,‬وناكم عنه‪ ,‬وسيجازيكم على ذلك‪.‬‬

‫خذُوا َأيْمَاَنكُ مْ َد َخلً َبْينَكُ مْ َفَتزِلّ قَدَ ٌم َبعْ َد ُثبُوِتهَا َوتَذُوقُوا ال سّوءَ بِمَا صَدَ ْدتُ ْم عَ نْ َسبِيلِ اللّ ِه وََلكُ مْ‬
‫وَل تَتّ ِ‬
‫عَذَابٌ عَظِيمٌ (‪)94‬‬

‫ول تعلوا من اليان الت تلفونا خديعة لن حلفتم لم‪ ,‬فتهلكوا بعد أن كنتم آمني‪ ,‬كمن زلقت قدمه‬
‫بعد ثبوتا‪ ,‬وتذوقوا ما يسوؤكم من العذاب ف الدنيا; با تسببتم فيه مِن َمنْع غيكم عن هذا الدين لا‬
‫رأوه منكم من الغدر‪ ,‬ولكم ف الخرة عذاب عظيم‪.‬‬

‫وَل تَشْتَرُوا ِب َعهْدِ اللّهِ ثَمَنا َقلِيلً ِإنّمَا ِعنْدَ اللّ ِه ُهوَ َخيْرٌ َلكُمْ ِإنْ كُنتُ ْم َتعْلَمُونَ (‪)95‬‬

‫ول تنقضوا عهد ال; لتستبدلوا مكانه عرضًا قليل من متاع الدنيا‪ ,‬إن ما عند ال من الثواب على الوفاء‬
‫أفضل لكم من هذا الثمن القليل‪ ,‬إن كنتم من أهل العلم‪ ,‬فتدبّروا الفرق بي خيْرَي الدنيا والخرة‪.‬‬

‫صَبرُوا أَ ْج َرهُ ْم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْ َملُونَ (‪)96‬‬


‫ق وََلنَجْ ِزيَ ّن الّذِينَ َ‬
‫مَا عِنْدَكُمْ يَنفَ ُد َومَا ِعنْدَ اللّ ِه بَا ٍ‬

‫‪483‬‬
‫ما عندكم من حطام الدنيا يذهب‪ ,‬وما عند ال لكم من الرزق والثواب ل يزول‪ .‬ولُنثِيبّ الذين تمّلوا‬
‫مشاق التكاليف ‪-‬ومنها الوفاء بالعهد‪ -‬ثوابم بأحسن أعمالم‪ ,‬فنعطيهم على أدناها‪ ,‬كما نعطيهم على‬
‫أعلها تفضّل‪.‬‬

‫ج ِزَيّنهُ مْ أَ ْج َرهُ ْم ِبأَحْ سَ ِن مَا كَانُوا‬


‫حِيَينّ هُ َحيَا ًة طَّيَبةً وََلنَ ْ‬
‫مَ ْن عَ ِملَ صَالِحا مِ نْ ذَكَرٍ َأوْ أُنثَى َو ُهوَ ُمؤْمِ نٌ فََلنُ ْ‬
‫َيعْمَلُونَ (‪)97‬‬

‫مَن عمل عمل صالًا ذكرًا كان أم أنثى‪ ,‬وهو مؤمن بال ورسوله‪ ,‬فلنحيينه ف الدنيا حياة سعيدة‬
‫مطمئنة‪ ,‬ولو كان قليل الال‪ ,‬ولنجزينّهم ف الخرة ثوابم بأحسن ما عملوا ف الدنيا‪.‬‬

‫فَإِذَا َق َرأْتَ اْلقُرْآنَ فَا ْستَعِ ْذ بِاللّ ِه مِنْ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ (‪)98‬‬

‫فإذا أردت ‪-‬أيها الؤمن‪ -‬أن تقرأ شيئًا من القرآن فاستعذ بال مِن ش ّر الشيطان الطرود من رحة ال‬
‫قائل أعوذ بال من الشيطان الرجيم‪.‬‬

‫ِإنّ هُ َليْ سَ لَ هُ سُلْطَا ٌن عَلَى الّذِي نَ آ َمنُوا َوعَلَى َرّبهِ ْم َيَتوَكّلُو نَ ( ‪ِ )99‬إنّمَا سُلْطَانُ ُه عَلَى الّذِي نَ َيَتوَّل ْونَ هُ وَالّذِي نَ‬
‫شرِكُونَ (‪)100‬‬ ‫هُ ْم بِهِ مُ ْ‬

‫ط على الؤمني بال ورسوله‪ ,‬وعلى ربم وحده يعتمدون‪ .‬إنا تسلّطه على‬
‫إن الشيطان ليس له تسلّ ٌ‬
‫الذين جعلوه مُعينًا لم وأطاعوه‪ ,‬والذين هم ‪-‬بسبب طاعته‪ -‬مشركون بال تعال‪.‬‬

‫َوإِذَا بَدّْلنَا آَي ًة َمكَا َن آَيةٍ وَاللّهُ َأعْلَ ُم بِمَا يُنَزّلُ قَالُوا ِإنّمَا َأْنتَ ُم ْفتَ ٍر بَلْ أَ ْكثَ ُرهُ ْم ل َيعْلَمُونَ (‪)101‬‬

‫وإذا بدّلنا آية بآية أخرى‪ ,‬وال الالق أعلم بصلحة َخلْقه با ينله من الحكام ف الوقات الختلفة‪ ,‬قال‬
‫الكفار‪ :‬إنا أنت ‪-‬يا ممد‪ -‬كاذب متَلِق على ال ما ل َيقُلْه‪ .‬وممد صلى ال عليه وسلم ليس كما‬
‫يزعمون‪ .‬بل أكثرهم ل عِلْم لم بربم ول بشرعه وأحكامه‪.‬‬

‫‪484‬‬
‫سلِمِيَ (‪)102‬‬
‫ت الّذِينَ آمَنُوا َوهُدًى َوبُشْرَى لِلْمُ ْ‬
‫ك بِالْحَقّ ِلُيَثبّ َ‬
‫س مِنْ َربّ َ‬
‫ح اْلقُدُ ِ‬
‫قُ ْل نَزّلَهُ رُو ُ‬

‫قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬ليس القرآن متَلقًا مِن عندي‪ ,‬بل نَزّله جبيل مِن ربك بالصدق والعدل; تثبيتًا‬
‫للمؤمني‪ ,‬وهداية من الضلل‪ ,‬وبشارة طيبة لن أسلموا وخضعوا ل رب العالي‪.‬‬

‫شرٌ لِ سَانُ الّذِي يُ ْلحِدُو نَ إِلَيْ هِ َأعْجَمِيّ َوهَذَا لِ سَا ٌن عَ َربِيّ ُمبِيٌ (‬
‫وََلقَ ْد َنعْلَ مُ َأّنهُ ْم َيقُولُو نَ ِإنّمَا ُيعَلّمُ ُه بَ َ‬
‫‪)103‬‬

‫ولقد نعلم أن الشركي يقولون‪ :‬إن النب يتلقى القرآن مِن بشر مِن بن آدم‪ .‬كذبوا; فإن لسان الذي‬
‫نسبوا إليه تعليم النب صلى ال عليه وسلم أعجمي ل يُفصح‪ ,‬والقرآن عرب غاية ف الوضوح والبيان‪.‬‬

‫ِإنّ الّذِي َن ل ُي ْؤمِنُونَ بِآيَاتِ اللّ ِه ل َيهْدِيهِمْ اللّ ُه وََلهُ ْم عَذَابٌ أَلِيمٌ (‪)104‬‬

‫إن الكفار الذين ل يصدقون بالقرآن ل يوفقهم ال لصابة الق‪ ,‬ولم ف الخرة عذاب مؤل موجع‪.‬‬

‫ك هُ ْم الْكَا ِذبُونَ (‪)105‬‬


‫ب الّذِي َن ل ُيؤْ ِمنُو َن بِآيَاتِ اللّهِ َوأُوَْلئِ َ‬
‫ِإنّمَا َيفْتَرِي اْلكَذِ َ‬

‫ب مَن ل يؤمن بال وآياته‪ ,‬وأولئك هم الكاذبون ف قولم ذلك‪ .‬أما ممد صلى ال عليه‬
‫إنا يتلق الكذ َ‬
‫وسلم الؤمن بربه الاضع له فمحال أن يكذب على ال‪ ,‬ويقول عليه ما ل يقله‪.‬‬

‫ح بِاْل ُكفْرِ صَدْرا َفعََلْيهِ مْ‬


‫مَ نْ َكفَرَ بِاللّ ِه مِ ْن َبعْدِ إِيَانِ هِ إِ ّل مَ نْ أُ ْكرِ َه وَقَ ْلبُ ُه مُ ْط َمئِنّ بِالِيَا نِ وََلكِ نْ مَ ْن شَ َر َ‬
‫حيَاةَ ال ّدْنيَا عَلَى الخِ َر ِة َوَأنّ اللّ هَ ل‬
‫حبّوا الْ َ‬
‫ك ِبأَّنهُ ْم ا سْتَ َ‬
‫ب مِ نْ اللّ ِه وََلهُ ْم عَذَا بٌ عَظِي مٌ (‪ )106‬ذَلِ َ‬ ‫غَضَ ٌ‬
‫َيهْدِي الْ َق ْو َم الْكَافِرِينَ (‪)107‬‬

‫إنا يفتري الكذب مَن نطق بكلمة الكفر وارتدّ بعد إيانه‪ ,‬فعليهم غضب من ال‪ ,‬إل مَن أُرغم على‬
‫النطق بالكفر‪ ,‬فنطق به خوفًا من اللك وقلبه ثابت على اليان‪ ,‬فل لوم عليه‪ ,‬لكن من نطق بالكفر‬
‫واطمأن قلبه إليه‪ ,‬فعليهم غضب شديد من ال‪ ,‬ولم عذاب عظيم; وذلك بسبب إيثارهم الدنيا وزينتها‪,‬‬
‫وتفضيلهم إياها على الخرة وثوابا‪ ,‬وأن ال ل يهدي الكافرين‪ ,‬ول يوفقهم للحق والصواب‪.‬‬

‫‪485‬‬
‫ك الّذِي َن َطبَعَ اللّ ُه عَلَى ُقلُوبِهِ ْم َوسَ ْم ِعهِ ْم َوَأْبصَا ِرهِمْ َوُأوَْلئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ (‪)108‬‬
‫ُأوْلَئِ َ‬

‫أولئك هم الذين ختم ال على قلوبم بالكفر وإيثار الدنيا على الخرة‪ ,‬فل يصل إليها نور الداية‪ ,‬وأصم‬
‫سعهم عن آيات ال فل يسمعونا ساع تدبّر‪ ,‬وأعمى أبصارهم‪ ,‬فل يرون الباهي الدالة على ألوهية‬
‫ال‪ ,‬وأولئك هم الغافلون عمّا أعدّ ال لم من العذاب‪.‬‬

‫ل َج َرمَ َأّنهُمْ فِي الخِ َر ِة هُ ْم الْخَاسِرُونَ (‪)109‬‬

‫حقًا إنم ف الخرة هم الاسرون الالكون‪ ,‬الذين صرفوا حياتم إل ما فيه عذابم وهلكهم‪.‬‬

‫صَبرُوا ِإنّ َربّكَ مِ ْن َبعْ ِدهَا َل َغفُورٌ رَحِيمٌ (‪)110‬‬


‫ثُمّ ِإنّ َربّكَ ِللّذِي َن هَاجَرُوا مِ ْن َبعْ ِد مَا ُفِتنُوا ثُمّ جَاهَدُوا وَ َ‬

‫ث إن ربك للمستضعفي ف "مكة" الذين عذّبم الشركون‪ ,‬حت وافقوهم على ما هم عليه ظاهرًا‪,‬‬
‫ففتنوهم بالتلفظ با يرضيهم‪ ,‬وقلوبم مطمئنة باليان‪ ,‬ولّا أمكنهم اللص هاجروا إل "الدينة"‪ ,‬ث‬
‫جاهدوا ف سبيل ال‪ ,‬وصبوا على مشاق التكاليف‪ ,‬إن ربك ‪-‬من بعد توبتهم‪ -‬لَغفور لم‪ ,‬رحيم بم‬
‫‪.‬‬

‫سهَا َوُتوَفّى كُ ّل َن ْفسٍ مَا عَ ِمَلتْ َوهُ ْم ل يُظَْلمُونَ (‪)111‬‬


‫َي ْومَ َت ْأتِي كُ ّل َن ْفسٍ تُجَادِ ُل عَ ْن َنفْ ِ‬

‫وذكرهم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بيوم القيامة حي تأت كل نفس تاصم عن ذاتا‪ ,‬وتعتذر بكل العاذير‪ ,‬ويوف‬
‫ال كل نفس جزاء ما عَمَِلتْه من غي ظلم لا‪ ,‬فل يزيدهم ف العقاب‪ ,‬ول ينقصهم من الثواب‪.‬‬

‫ت ِبَأْنعُ مِ اللّ هِ َفَأذَاقَهَا‬


‫وَضَرَ بَ اللّ ُه َمَثلً قَ ْرَيةً كَانَ تْ آ ِمَنةً مُ ْط َمئِّن ًة َيأْتِيهَا رِزُْقهَا َرغَدا مِ نْ كُ ّل َمكَا نٍ َف َكفَرَ ْ‬
‫صَنعُونَ (‪)112‬‬ ‫ف بِمَا كَانُوا َي ْ‬ ‫خوْ ِ‬ ‫ع وَالْ َ‬ ‫اللّهُ ِلبَاسَ الْجُو ِ‬

‫وضرب ال مثل بلدة "مكة" كانت ف أمان من العتداء‪ ,‬واطمئنان مِن ضيق العيش‪ ,‬يأتيها رزقها هنيئًا‬
‫سهل من كل جهة‪ ,‬فجحد أهلُها ِنعَمَ ال عليهم‪ ,‬وأشركوا به‪ ,‬ول يشكروا له‪ ,‬فعاقبهم ال بالوع‪,‬‬

‫‪486‬‬
‫والوف من سرايا رسول ال صلى ال عليه وسلم وجيوشه‪ ,‬الت كانت تيفهم; وذلك بسبب كفرهم‬
‫وصنيعهم الباطل‪.‬‬

‫وََلقَدْ جَا َءهُمْ َرسُو ٌل ِمْنهُمْ َفكَ ّذبُوهُ َفأَخَ َذهُ ْم اْلعَذَابُ وَهُ ْم ظَالِمُونَ (‪)113‬‬

‫ولقد أرسل ال إل أهل "مكة" رسول منهم‪ ,‬هو النب ممد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬يعرفون نسبه وصدقه‬
‫وأمانته‪ ,‬فلم يقبلوا ما جاءهم به‪ ,‬ول يصدقوه‪ ,‬فأخذهم العذاب من الشدائد والوع والوف‪ ,‬وَقتْل‬
‫عظمائهم ف "بدر" وهم ظالون لنفسهم بالشرك بال‪ ,‬والصدّ عن سبيله‪.‬‬

‫َفكُلُوا مِمّا رَزََقكُمْ اللّهُ حَل ًل َطيّبا وَاشْكُرُوا ِنعْ َمةَ اللّهِ ِإنْ ُكنْتُمْ ِإيّاهُ تَ ْعبُدُونَ (‪)114‬‬

‫فكلوا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬ما رزقكم ال‪ ,‬وجعله لكم حلل مستطابًا‪ ,‬واشكروا نعمة ال عليكم بالعتراف‬
‫صرْفها ف طاعة ال‪ ,‬إن كنتم حقّا منقادين لمره سامعي مطيعي له‪ ،‬تعبدونه وحده ل شريك له‪.‬‬
‫با و َ‬

‫خنْزِي ِر َومَا أُهِلّ ِل َغيْرِ اللّ ِه بِ هِ فَمَ ْن اضْطُرّ غَيْ َر بَا غٍ وَل عَادٍ َفِإنّ اللّ هَ‬
‫ِإنّمَا حَرّ مَ عََلْيكُ مْ الْ َميَْت َة وَالدّ َم وَلَحْ َم الْ ِ‬
‫َغفُورٌ َرحِيمٌ (‪)115‬‬

‫إنا حرّم ال عليكم اليتة من اليوان‪ ,‬والدم السفوح من الذبيح عند ذبه‪ ,‬ولم النير‪ ,‬وما ذبح لغي‬
‫ال‪ ,‬لكن مَن ألأته ضرورة الوف من الوت إل أَكْ ِل شيء مِن هذه الحرمات وهو غي ظال‪ ,‬ول‬
‫متجاوزٍ ح ّد الضرورة‪ ,‬فإن ال غفور له‪ ,‬رحيم به‪ ,‬ل يعاقبه على ما فعل‪.‬‬

‫ب هَذَا حَل ٌل َوهَذَا َحرَا مٌ ِلَتفْتَرُوا عَلَى اللّ ِه اْلكَذِ بَ ِإنّ الّذِي َن َي ْفتَرُو نَ‬
‫وَل َتقُولُوا لِمَا تَ صِفُ أَلْ سَِنُتكُ ْم الْكَذِ َ‬
‫ب ل ُيفْلِحُونَ (‪)116‬‬ ‫عَلَى اللّ ِه اْلكَذِ َ‬

‫ول تقولوا ‪-‬أيها الشركون‪ -‬للكذب الذي تصفه ألسنتكم‪ :‬هذا حلل لِما حرّمه ال‪ ,‬وهذا حرام لِما‬
‫أحَلّه ال; لتختلقوا على ال الكذب بنسبة التحليل والتحري إليه‪ ,‬إن الذين يتلقون على ال الكذب ل‬
‫يفوزون بي ف الدنيا ول ف الخرة‪.‬‬

‫‪487‬‬
‫َمتَاعٌ َقلِيلٌ وََلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (‪)117‬‬

‫متاعهم ف الدنيا متاع زائل ضئيل‪ ,‬ولم ف الخرة عذاب موجع‪.‬‬

‫سهُ ْم يَظِْلمُونَ (‪)118‬‬


‫ك مِنْ َقبْ ُل َومَا ظَلَ ْمنَاهُ ْم وََلكِنْ كَانُوا أَنفُ َ‬
‫صنَا عََليْ َ‬
‫ص ْ‬
‫َوعَلَى الّذِي َن هَادُوا َح ّر ْمنَا مَا َق َ‬

‫وعلى اليهود حَرّمنا ما أخبناك به ‪-‬أيها الرسول‪ -‬مِن قبل‪ ,‬وهو كل ذي ُظفُر‪ ,‬وشحوم البقر والغنم‪,‬‬
‫إل ما حَمََلتْه ظهورها أو أمعاؤها أو كان متلطًا بعظم‪ ,‬وما ظلمناهم بتحري ذلك عليهم‪ ,‬ولكن كانوا‬
‫ظالي لنفسهم بالكفر والبغي‪ ,‬فاستحقوا التحري عقوبة لم‪.‬‬

‫ك مِ ْن َبعْ ِدهَا َلغَفُورٌ َرحِيمٌ‬


‫جهَاَل ٍة ثُمّ تَابُوا مِ ْن َبعْدِ ذَلِكَ َوأَصْلَحُوا إِنّ َربّ َ‬
‫ثُمّ ِإنّ َربّكَ ِللّذِي َن عَمِلُوا السّوءَ بِ َ‬
‫(‪)119‬‬

‫ث إن ربك للذين فعلوا العاصي ف حال جهلهم لعاقبتها وإيابا لسخط ال ‪-‬فكل عاص ل مطئًا أو‬
‫متعمدًا فهو جاهل بذا العتبار وإن كان عالًا بالتحري‪ ،-‬ث رجعوا إل ال عمّا كانوا عليه من الذنوب‪,‬‬
‫وأصلحوا نفوسهم وأعمالم‪ ,‬إن ربك ‪-‬مِن بعد توبتهم وإصلحهم‪ -‬لَغفور لم‪ ,‬رحيم بم‪.‬‬

‫ِإنّ ِإبْرَاهِي مَ كَا نَ ُأ ّمةً قَانِتا ِللّ هِ َحنِيفا وَلَ ْم َيكُ نْ مِ َن الْمُشْرِ ِكيَ (‪ )120‬شَاكِرا َلْنعُمِ هِ ا ْجَتبَا ُه َوهَدَا هُ إِلَى‬
‫سَن ًة َوِإنّهُ فِي الخِ َرةِ لَمِ ْن الصّالِحِيَ (‪)122‬‬
‫سَتقِيمٍ (‪ )121‬وَآَتْينَاهُ فِي ال ّدْنيَا حَ َ‬ ‫ط مُ ْ‬ ‫صِرَا ٍ‬

‫إن إبراهيم كان إمامًا ف الي‪ ,‬وكان طائعا خاضعًا ل‪ ,‬ل ييل عن دين السلم موحّدًا ل غي مشرك‬
‫به‪ ,‬وكان شاكرًا لنعم ال عليه‪ ,‬اختاره ال لرسالته‪ ,‬وأرشده إل الطريق الستقيم‪ ,‬وهو السلم‪ ,‬وآتيناه‬
‫ف الدنيا نعمة حسنة من الثناء عليه ف الخِرين والقدوة به‪ ,‬والولد الصال‪ ,‬وإنه عند ال ف الخرة لن‬
‫الصالي أصحاب النازل العالية‪.‬‬

‫ثُمّ َأوْ َحْينَا إَِليْكَ أَ ْن اتّبِ ْع ِمّلةَ إِبْرَاهِيمَ َحنِيفا َومَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِيَ (‪)123‬‬

‫‪488‬‬
‫حدْ عنه‪,‬‬
‫ث أوحينا إليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أن اتبع دين السلم كما اتبعه إبراهيم‪ ,‬وأن استقم عليه‪ ,‬ول تَ ِ‬
‫فإن إبراهيم ل يكن من الشركي مع ال غيه‪.‬‬

‫ختَِلفُو نَ (‬
‫حكُ ُم َبيَْنهُ ْم َيوْ مَ اْل ِقيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِي ِه يَ ْ‬
‫ت عَلَى الّذِي نَ ا ْختََلفُوا فِي هِ َوِإنّ َربّ كَ َليَ ْ‬
‫سبْ ُ‬
‫ِإنّمَا ُجعِ َل ال ّ‬
‫‪)124‬‬

‫إنا جعل ال تعظيم يوم السبت بالتفرغ للعبادة فيه على اليهود الذين اختلفوا فيه على نبيهم‪ ,‬واختاروه‬
‫بدل يوم المعة الذي ُأمِروا بتعظيمه‪ .‬فإن ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لَيحكم بي الختلفي يوم القيامة فيما‬
‫اختلفوا فيه على نبيهم‪ ,‬ويازي كل با يستحقه‪.‬‬

‫سَنةِ وَجَادِْلهُ ْم بِاّلتِي هِيَ أَحْسَنُ ِإنّ َربّكَ ُهوَ َأعْلَ ُم بِمَنْ ضَلّ‬
‫حكْ َم ِة وَالْ َم ْوعِ َظةِ الْحَ َ‬
‫ك بِالْ ِ‬
‫ادْعُ إِلَى َسبِيلِ َربّ َ‬
‫عَ ْن َسبِيلِ ِه َو ُهوَ أَعَْل ُم بِالْ ُم ْهتَدِينَ (‪)125‬‬

‫ادعُ ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أنت ومَنِ اتبعك إل دين ربك وطريقه الستقيم‪ ,‬بالطريقة الكيمة الت أوحاها ال‬
‫إليك ف الكتاب والسنة‪ ,‬وخاطِب الناس بالسلوب الناسب لم‪ ,‬وانصح لم نصحًا حسنًا‪ ,‬يرغبهم ف‬
‫الي‪ ,‬وينفرهم من الشر‪ ,‬وجادلم بأحسن طرق الجادلة من الرفق واللي‪ .‬فما عليك إل البلغ‪ ,‬وقد‬
‫بّل ْغتَ‪ ,‬أما هدايتهم فعلى ال وحده‪ ,‬فهو أعلم بن ض ّل عن سبيله‪ ,‬وهو أعلم بالهتدين‪.‬‬

‫صبَ ْرتُمْ َل ُهوَ َخيْرٌ لِلصّابِرِينَ (‪)126‬‬


‫َوإِ ْن عَاَقبْتُمْ َفعَاِقبُوا بِ ِمثْ ِل مَا عُوِقْبتُمْ بِ ِه وََلئِنْ َ‬

‫وإن أردت ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬القصاص من اعتدوا عليكم‪ ,‬فل تزيدوا عما فعلوه بكم‪ ,‬ولئن صبت لو خي‬
‫لكم ف الدنيا بالنصر‪ ,‬وف الخرة بالجر العظيم‪.‬‬

‫ضيْ ٍق مِمّا يَ ْم ُكرُونَ (‪)127‬‬


‫صْب ُركَ إِ ّل بِاللّ ِه وَل تَحْ َز ْن عََلْيهِ ْم وَل تَكُ فِي َ‬
‫وَاصْبِرْ َومَا َ‬

‫‪489‬‬
‫واصب ‪-‬أيها الرسول‪ -‬على ما أصابك مِن أذى ف ال حت يأتيك الفرج‪ ,‬وما صبك إل بال‪ ,‬فهو الذي‬
‫يعينك عليه ويثبتك‪ ,‬ول تزن على مَن خالفك ول يستجب لدعوتك‪ ,‬ول تغتم مِن مكرهم وكيدهم;‬
‫فإن ذلك عائد عليهم بالشر والوبال‪.‬‬

‫سنُونَ (‪)128‬‬‫ِإنّ اللّ َه مَ َع الّذِي َن اّتقَوْا وَالّذِي َن هُ ْم ُمحْ ِ‬


‫إن ال سبحانه وتعال مع الذين اتقوه بامتثال ما أمر واجتناب ما نى بالنصر والتأييد‪ ,‬ومع الذين يسنون‬
‫أداء فرائضه والقيام بقوقه ولزوم طاعته‪ ,‬بعونه وتوفيقه ونصره‪.‬‬

‫‪490‬‬
‫الزء الامس عشر ‪:‬‬

‫‪ -17‬سورة السراء‬

‫ج ِد الَقْ صَى الّذِي بَارَ ْكنَا َحوْلَ هُ ِلنُ ِريَ ُه مِ نْ‬


‫ج ِد الْحَرَا مِ إِلَى الْمَ سْ ِ‬
‫ل مِ ْن الْمَ سْ ِ‬
‫ُسبْحَانَ الّذِي أَ سْرَى ِب َعبْدِ هِ َليْ ً‬
‫آيَاتِنَا ِإنّه ُهوَ السّمِي ُع الَْبصِيُ (‪)1‬‬

‫يجّد ال نفسه ويعظم شأنه‪ ،‬لقدرته على ما ل يقدر عليه أحد سواه‪ ،‬ل إله غيه‪ ،‬ول رب سواه‪ ،‬فهو‬
‫الذي أسرى بعبده ممد صلى ال عليه وسلم زمنًا من الليل بسده وروحه‪ ،‬يقظة ل منامًا‪ ،‬من السجد‬
‫الرام به "مكة" إل السجد القصى به "بيت القدس" الذي بارك ال حوله ف الزروع والثمار وغي‬
‫ذلك‪ ،‬وجعله مل لكثي من النبياء؛ ليشاهد عجائب قدرة ال وأدلة وحدانيته‪ .‬إن ال سبحانه وتعال‬
‫هو السميع لميع الصوات‪ ،‬البصي بكل ُمبْصَر‪ ،‬فيعطي كُل ما يستحقه ف الدنيا والخرة‪.‬‬

‫ب وَ َجعَ ْلنَاهُ هُدًى ِلَبنِي ِإسْرَائِيلَ أَلّ َتتّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلً (‪)2‬‬
‫وَآتَْينَا مُوسَى الْ ِكتَا َ‬

‫وكما كرّم ال ممدًا صلى ال عليه وسلم بالسراء‪َ ،‬كرّم موسى عليه السلم بإعطائه التوراة‪ ،‬وجعلها‬
‫بيانًا للحق وإرشادًا لبن إسرائيل‪ ،‬متضمنة نيهم عن اتاذ غي ال تعال وليًا أو معبودًا يفوضون إليه‬
‫أمورهم‪.‬‬

‫ُذ ّرّيةَ مَنْ حَمَ ْلنَا مَ َع نُوحٍ ِإنّهُ كَانَ َعبْدا َشكُورا (‪)3‬‬

‫يا سللة الذين أنيناهم وحَ َملْناهم مع نوح ف السفينة ل تشركوا بال ف عبادته‪ ،‬وكونوا شاكرين‬
‫لنعمه‪ ،‬مقتدين بنوح عليه السلم؛ إنه كان عبدًا شكورًا ل بقلبه ولسانه وجوارحه‪.‬‬

‫وََقضَْينَا إِلَى َبنِي إسْرائِيلَ فِي اْلكِتَابِ َلُتفْسِ ُدنّ فِي الَ ْرضِ َم ّرتَيْ ِن وََلَتعْلُ ّن عُُلوّا َكبِيا (‪)4‬‬

‫‪491‬‬
‫وأخبنا بن إسرائيل ف التوراة الت أُنزلت عليهم بأنه ل بد أن يقع منهم إفساد مرتي ف "بيت القدس"‬
‫وما واله بالظلم‪ ،‬وَقتْل النبياء والتكب والطغيان والعدوان‪.‬‬

‫فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولهُمَا َبعَْثنَا عََلْيكُمْ ِعبَادا َلنَا أُولِي َبأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِللَ ال ّديَا ِر وَكَانَ َوعْدا َم ْفعُولً‬
‫(‪)5‬‬

‫فإذا وقع منهم الفساد الول سَلّطْنا عليهم عبادًا لنا ذوي شجاعة وقوة شديدة‪ ،‬يغلبونم ويقتلونم‬
‫ويشردونم‪ ،‬فطافوا بي ديارهم مفسدين‪ ،‬وكان ذلك وعدًا ل ب ّد مِن وقوعه؛ لوجود سببه منهم‪.‬‬

‫ي وَ َجعَ ْلنَاكُمْ أَ ْكثَ َر َنفِيا (‪)6‬‬


‫ثُمّ َردَ ْدنَا َلكُ ْم الْكَ ّر َة عََلْيهِ ْم َوَأمْدَ ْدنَاكُ ْم ِبَأ ْموَا ٍل َوَبنِ َ‬

‫ث رَ َددْنا لكم ‪-‬يا بن إسرائيل‪ -‬الغلبة والظهور على أعدائكم الذين سُلّطوا عليكم‪ ،‬وأكثرنا أرزاقكم‬
‫وأولدكم‪ ،‬وَقوّيناكم وجعلناكم أكثر عددًا من عدوكم؛ وذلك بسبب إحسانكم وخضوعكم ل‪.‬‬

‫ُمه وَِليَدْ ُخلُوا‬


‫َسهأْتُمْ َفلَهَا فَِإذَا جَا َء َوعْدُ الخِ َرةِ ِليَسهُوءُوا وُجُو َهك ْ‬
‫ِنه أ َ‬
‫ُسهكُ ْم َوإ ْ‬‫ْسهتُمْ لَنف ِ‬ ‫ْسهتُمْ أَح َن‬
‫إِن ْهأَح َن‬
‫الْمَسْجِدَ َكمَا َدخَلُوهُ َأوّلَ َم ّرةٍ وَِلُيَتبّرُوا مَا عََلوْا تَْتبِيا (‪)7‬‬

‫إن أحسنتم أفعالكم وأقوالكم فقد أحسنتم لنفسكم؛ لن ثواب ذلك عائد إليكم‪ ،‬وإن أسأت فعقاب‬
‫ذلك عائد عليكم‪ ،‬فإذا حان موعد الفساد الثان َسلّطْنا عليكم أعداءكم مرة أخرى؛ ليذلوكم‬
‫ويغلبوكم‪ ،‬فتظهر آثار الهانة والذلة على وجوهكم‪ ،‬وليدخلوا عليكم "بيت القدس" فيخرّبوه‪ ،‬كما‬
‫خرّبوه أول مرة‪ ،‬وليدمروا كل ما وقع تت أيديهم تدميًا كامل‪.‬‬

‫عَسَى َرّبكُمْ َأنْ يَ ْرحَ َمكُ ْم َوِإنْ عُ ْدتُ ْم عُ ْدنَا وَ َجعَ ْلنَا َج َهنّمَ ِل ْلكَافِرِينَ َحصِيا (‪)8‬‬

‫عسى ربكم ‪-‬يا بن إسرائيل‪ -‬أن يرحكم بعد انتقامه إن تبتم وأصلحتم‪ ،‬وإن عدت إل الفساد والظلم‬
‫عُدْنا إل عقابكم ومذلّتكم‪ .‬وجعلنا جهنم لكم وللكافرين عامة سجنًا ل خروج منه أبدا‪ .‬وف هذه الية‬

‫‪492‬‬
‫وما قبلها‪ ،‬تذير لذه المة من العمل بالعاصي؛ لئل يصيبها مثل ما أصاب بن إسرائيل‪ ،‬فسنن ال‬
‫واحدة ل تبدل ول تغي‪.‬‬

‫ِإنّ هَذَا الْقُرْآ َن َيهْدِي لِّلتِي هِ يَ أَ ْقوَ مُ َوُيبَشّ ُر الْ ُم ْؤ ِمنِيَ الّذِي نَ َيعْ َملُو َن ال صّالِحَاتِ َأنّ َلهُ مْ أَجْرا َكبِيا (‪)9‬‬
‫َوأَ ّن الّذِي َن ل ُيؤْ ِمنُو َن بِالخِ َرةِ َأ ْعتَ ْدنَا َلهُ ْم عَذَابا أَلِيما (‪)10‬‬

‫إن هذا القرآن الذي أنزلناه على عبدنا ممد يرشد الناس إل أحسن الطرق‪ ،‬وهي ملة السلم‪ ،‬ويبشر‬
‫الؤمني الذين يعملون با أمرهم ال به‪ ،‬وينتهون عمّا ناهم عنه‪ ،‬بأن لم ثوابًا عظيمًا‪ ،‬وأن الذين ل‬
‫يصدقون بالدار الخرة وما فيها من الزاء أعددنا لم عذابًا موجعًا ف النار‪.‬‬

‫خْي ِر وَكَا َن الِنسَا ُن عَجُولً (‪)11‬‬


‫َويَ ْدعُ الِنسَانُ بِالشّرّ ُدعَا َءهُ بِالْ َ‬

‫ويدعو النسان أحيانًا على نفسه أو ولده أو ماله بالشر‪ ،‬وذلك عند الغضب‪ ،‬مثل ما يدعو بالي‪ ،‬وهذا‬
‫من جهل النسان وعجلته‪ ،‬ومن رحة ال به أنه يستجيب له ف دعائه بالي دون الشر؛ لنه يعلم منه‬
‫عدم القصد إل إرادة ذلك‪ ،‬وكان النسان بطبعه عجول‪.‬‬

‫ضلً مِ نْ َرّبكُ مْ وَِلَتعْلَمُوا‬


‫حوْنَا آَيةَ الّليْ ِل َو َجعَلْنَا آَيةَ الّنهَارِ مُبْ صِ َرةً ِلَتبَْتغُوا َف ْ‬
‫وَ َجعَلْنَا الّليْ َل وَالّنهَا َر آَيَتيْ نِ َفمَ َ‬
‫ب وَكُ ّل َشيْءٍ َفصّ ْلنَا ُه َتفْصِيلً (‪)12‬‬ ‫ي وَالْحِسَا َ‬ ‫سنِ َ‬‫عَدَدَ ال ّ‬

‫حوْنا علمة الليل ‪-‬وهي القمر‪ -‬وجعلنا‬ ‫وجعلنا الليل والنهار علمتي دالّتي على وحدانيتنا وقدرتنا‪ ،‬ف َم َ‬
‫علمة النهار ‪-‬وهي الشمس‪ -‬مضيئة؛ ليبصر النسان ف ضوء النهار كيف يتصرف ف شؤون معاشه‪،‬‬
‫ويلد ف الليل إل السكن والراحة‪ ،‬وليعلم الناس ‪-‬من تعاقب الليل والنهار‪ -‬عدد السني وحساب‬
‫الشهر واليام‪ ،‬فيتبون عليها ما يشاؤون من مصالهم‪ .‬وكل شيء بيّناه تبيينًا كافيًا‪.‬‬

‫خرِجُ لَ ُه َي ْو َم اْلقِيَا َمةِ ِكتَابا يَ ْلقَاهُ مَنشُورا (‪)13‬‬


‫وَكُلّ إِنسَانٍ أَلْ َز ْمنَاهُ طَائِ َرهُ فِي ُعُنقِهِ َونُ ْ‬

‫‪493‬‬
‫وكل إنسان يعل ال ما عمله مِن خي أو شر ملزمًا له‪ ،‬فل ياسَب بعمل غيه‪ ،‬ول ياسَب غيه‬
‫بعمله‪ ،‬ويرج ال له يوم القيامة كتابًا قد سُجّلت فيه أعماله يراه مفتوحًا‪.‬‬

‫اقْ َرأْ ِكتَابَكَ َكفَى ِبَنفْسِكَ اْلَي ْومَ عََليْكَ حَسِيبا (‪)14‬‬

‫يقال له‪ :‬اقرأ كتاب أعمالك‪ ،‬فيقرأ‪ ،‬وإن ل يكن يعرف القراءة ف الدنيا‪ ،‬تكفيك نفسك اليوم مصية‬
‫عليك عملك‪ ،‬فتعرف ما عليها من جزاء‪ .‬وهذا من أعظم العدل والنصاف أن يقال للعبد‪ :‬حا ِسبْ‬
‫نفسك‪ ،‬كفى با حسيبًا عليك‪.‬‬

‫مَ ْن ا ْهتَدَى فَِإنّمَا َي ْهتَدِي ِلَنفْ سِ ِه َومَ نْ ضَلّ فَِإنّمَا يَضِ ّل عََلْيهَا وَل تَ ِز ُر وَازِ َرةٌ وِ ْزرَ أُخْرَى َومَا ُكنّا ُمعَ ّذبِيَ‬
‫َحتّى َنْب َعثَ َرسُولً (‪)15‬‬

‫من اهتدى فاتبع طريق الق فإنا يعود ثواب ذلك عليه وحده‪ ،‬ومن حاد واتبع طريق الباطل فإنا يعود‬
‫عقاب ذلك عليه وحده‪ ،‬ول تمل نفس مذنبة إث نفس مذنبة أخرى‪ .‬ول يعذب ال أحدًا إل بعد إقامة‬
‫الجة عليه بإرسال الرسل وإنزال الكتب‪.‬‬

‫سقُوا فِيهَا َفحَ ّق عََلْيهَا اْل َقوْلُ َف َدمّ ْرنَاهَا تَ ْدمِيا (‪)16‬‬
‫َوإِذَا أَرَ ْدنَا َأنْ ُنهْلِكَ َق ْرَيةً َأمَ ْرنَا ُمتْرَفِيهَا َففَ َ‬

‫وإذا أردنا إهلك أهل قرية لظلمهم َأمَرْنا مترفيهم بطاعة ال وتوحيده وتصديق رسله‪ ،‬وغيهم تبع لم‪،‬‬
‫فعصَوا أمر ربم وكذّبوا رسله‪ ،‬فحقّ عليهم القول بالعذاب الذي ل مردّ له‪ ،‬فاستأصلناهم باللك التام‪.‬‬

‫ب ِعبَا ِدهِ َخبِيا َبصِيا (‪)17‬‬


‫ح وَ َكفَى ِب َربّكَ بِ ُذنُو ِ‬
‫وَكَمْ َأهَْلكْنَا مِ ْن اْلقُرُونِ مِ ْن َبعْ ِد نُو ٍ‬

‫وكثيا أهلكنا من المم الكذبة رسلها مِن بعد نب ال نوح‪ .‬وكفى بربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أنه عال‬
‫بميع أعمال عباده‪ ،‬ل تفى عليه خافية‪.‬‬

‫مَ نْ كَا نَ ُيرِي ُد الْعَا ِجَل َة عَجّ ْلنَا لَ هُ فِيهَا مَا نَشَاءُ ِلمَ ْن نُرِي ُد ثُمّ َجعَ ْلنَا لَ هُ َج َهنّ َم يَ صْلهَا مَ ْذمُوما مَ ْدحُورا (‬

‫‪494‬‬
‫‪)18‬‬

‫من كان طلبه الدنيا العاجلة‪ ،‬وسعى لا وحدها‪ ،‬ول يصدّق بالخرة‪ ،‬ول يعمل لا‪ ،‬عجّل ال له فيها ما‬
‫يشاؤه اللّه ويريده ما كتبه له ف اللوح الحفوظ‪ ،‬ث يعل ال له ف الخرة جهنم‪ ،‬يدخلها ملومًا مطرودًا‬
‫من رحته عز وجل؛ وذلك بسبب إرادته الدنيا وسعيه لا دون الخرة‪.‬‬

‫شكُورا (‪)19‬‬
‫َومَنْ أَرَادَ الخِ َر َة َو َسعَى َلهَا َسعَْيهَا َو ُهوَ ُم ْؤمِنٌ َفُأوْلَئِكَ كَانَ َس ْعُيهُ ْم مَ ْ‬

‫ومَن قصد بعمله الصال ثواب الدار الخرة الباقية‪ ،‬وسعى لا بطاعة ال تعال‪ ،‬وهو مؤمن بال وثوابه‬
‫وعظيم جزائه‪ ،‬فأولئك كان عملهم مقبول مُدّخرًا لم عند ربم‪ ،‬وسيثابون عليه‪.‬‬

‫ك مَحْظُورا (‪)20‬‬
‫ُكلّ نُ ِم ّد َهؤُلء َو َهؤُلءِ مِ ْن عَطَاءِ َربّكَ َومَا كَا َن عَطَاءُ َربّ َ‬

‫كل فريق من العاملي للدنيا الفانية‪ ،‬والعاملي للخرة الباقية نزيده مِن رزقنا‪ ،‬فنرزق الؤمني والكافرين‬
‫ف الدنيا؛ فإن الرزق مِن عطاء ربك تفضل منه‪ ،‬وما كان عطاء ربك منوعا من أحد مؤمنًا كان أم‬
‫كافرًا‪.‬‬

‫ت َوأَ ْكبَ ُر َتفْضِيلً (‪)21‬‬


‫ض وَلَلخِ َرةُ أَ ْكبَرُ دَ َرجَا ٍ‬
‫ضهُ ْم عَلَى بَ ْع ٍ‬
‫انظُرْ َكيْفَ َفضّ ْلنَا بَ ْع َ‬

‫تأمل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ف كيفية تفضيل ال بعض الناس على بعض ف الدنيا ف الرزق والعمل‪ ،‬ولَلخرة‬
‫أكبُ درجات للمؤمني وأكب تفضيل‪.‬‬

‫جعَ ْل مَعَ اللّهِ إِلَها آخَرَ َفتَ ْقعُ َد مَ ْذمُوما مَخْذُولً (‪)22‬‬
‫ل تَ ْ‬

‫ل تعل ‪-‬أيها النسان‪ -‬مع ال شريكًا له ف عبادته‪ ،‬فتبوء بالذمة والِذْلن‪.‬‬

‫وََقضَى َربّ كَ أَ ّل َتعْبُدُوا إِلّ ِإيّا هُ َوبِاْلوَالِ َديْ نِ إِحْ سَانا ِإمّا َيبُْلغَنّ ِعنْدَ كَ اْلكِبَرَ أَحَ ُدهُمَا َأوْ كِلهُمَا فَل َتقُلْ‬
‫ف وَل َتنْهَ ْرهُمَا وَُقلْ َلهُمَا َقوْلً كَرِيا ( ‪)23‬‬ ‫َلهُمَا أُ ّ‬
‫‪495‬‬
‫وَأمَر ربك ‪-‬أيها النسان‪ -‬وألزم وأوجب أن يفرد سبحانه وتعال وحده بالعبادة‪ ،‬وأمر بالحسان إل‬
‫الب والم‪ ،‬وباصة حالةُ الشيخوخة‪ ،‬فل تضجر ول تستثقل شيئًا تراه من أحدها أو منهما‪ ،‬ول‬
‫تسمعهما قول سيئًا‪ ،‬حت ول التأفيف الذي هو أدن مراتب القول السيئ‪ ،‬ول يصدر منك إليهما فعل‬
‫قبيح‪ ،‬ولكن ارفق بما‪ ،‬وقل لما ‪-‬دائما‪ -‬قول لينًا لطيفًا‪.‬‬

‫صغِيا (‪)24‬‬
‫وَا ْخفِضْ َلهُمَا َجنَاحَ الذّ ّل مِنْ الرّحْ َم ِة وَقُلْ رّبّ ا ْرحَ ْمهُمَا كَمَا َرّبيَانِي َ‬

‫وكُنْ لمك وأبيك ذليل متواضعًا رحة بما‪ ،‬واطلب من ربك أن يرحهما برحته الواسعة أحياءً‬
‫وأمواتًا‪ ،‬كما صبا على تربيتك طفل ضعيف الول والقوة‪.‬‬

‫ي َغفُورا (‪)25‬‬
‫لوّابِ َ‬
‫َرّبكُمْ َأعْلَ ُم بِمَا فِي ُنفُو ِسكُمْ إِ ْن َتكُونُوا صَاِلحِيَ فَِإنّهُ كَانَ ِل َ‬

‫ربكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬أعلم با ف ضمائركم من خي وشر‪ .‬إن تكن إرادتكم ومقاصدكم مرضاة ال وما‬
‫يقربكم إليه‪ ،‬فإنه كان ‪-‬سبحانه‪ -‬للراجعي إليه ف جيع الوقات غفورًا‪ ،‬فمَن عَلِمَ ال أنه ليس ف قلبه‬
‫إل النابة إليه ومبته‪ ،‬فإنه يعفو عنه‪ ،‬ويغفر له ما يعرض من صغائر الذنوب‪ ،‬ما هو من مقتضى الطبائع‬
‫البشرية‪.‬‬

‫سبِيلِ وَل ُتبَذّ ْر َتبْذِيرا (‪)26‬‬


‫ي وَابْنَ ال ّ‬
‫سكِ َ‬
‫وَآتِ ذَا اْلقُ ْربَى َحقّ ُه وَالْمِ ْ‬

‫وأحسِنْ إل كل مَن له صلة قرابة بك‪ ،‬وأعطه حقه من الحسان والب‪ ،‬وأعط السكي الحتاج والسافر‬
‫النقطع عن أهله وماله‪ ،‬ول تنفق مالك ف غي طاعة ال‪ ،‬أو على وجه السراف والتبذير‪.‬‬

‫شيْطَانُ لِ َربّهِ َكفُورا (‪)27‬‬


‫شيَاطِيِ وَكَانَ ال ّ‬
‫إِ ّن الْ ُمبَذّرِينَ كَانُوا إِ ْخوَانَ ال ّ‬

‫إن السرفي والنفقي أموالم ف معاصي ال هم أشباه الشياطي ف الشر والفساد والعصية‪ ،‬وكان‬
‫الشيطان كثي الكفران شديدَ الحود لنعمة ربه‪.‬‬

‫‪496‬‬
‫ك تَرْجُوهَا َفقُلْ َلهُمْ َقوْ ًل َميْسُورا (‪)28‬‬
‫ض ّن عَْنهُ ْم اْبتِغَاءَ َرحْ َم ٍة مِنْ َربّ َ‬
‫َوِإمّا ُتعْرِ َ‬

‫وإن أعرضت عن إعطاء هؤلء الذين ُأمِرْت بإعطائهم؛ لعدم وجود ما تعطيهم منه طلبًا لرزق تنتظره من‬
‫عند ربك‪ ،‬فقل لم قول لّينًا لطيفًا‪ ،‬كالدعاء لم بالغن وسعة الرزق‪ ،‬وعِدْهم بأن ال إذا أيسر من فضله‬
‫رزقًا أنك تعطيهم منه‪.‬‬

‫جعَ ْل يَ َدكَ َمغْلُوَلةً إِلَى ُعُنقِكَ وَل َتبْسُ ْطهَا كُ ّل اْلبَسْطِ َفَت ْقعُ َد مَلُوما مَحْسُورا (‪)29‬‬
‫وَل تَ ْ‬

‫ول تسك يدك عن النفاق ف سبيل الي‪ ،‬مضّيقًا على نفسك وأهلك والحتاجي‪ ،‬ول تسرف ف‬
‫النفاق‪ ،‬فتعطي فوق طاقتك‪ ،‬فتقعد ملومًا يلومك الناس ويذمونك‪ ،‬نادمًا على تبذيرك وضياع مالك‪.‬‬

‫ك َيبْسُطُ الرّ ْزقَ لِمَ ْن يَشَا ُء َوَيقْدِرُ ِإنّهُ كَا َن ِب ِعبَا ِدهِ َخبِيا َبصِيا (‪)30‬‬
‫ِإنّ َربّ َ‬

‫إن ربك يوسّع الرزق على بعض الناس‪ ،‬ويضيّقه على بعضهم‪ ،‬وَفْق علمه وحكمته سبحانه وتعال‪ .‬إنه‬
‫هو الطّلِع على خفايا عباده‪ ،‬ل يغيب عن علمه شيء من أحوالم‪.‬‬

‫ق نَحْ ُن نَ ْرزُُقهُ ْم َوِإيّاكُمْ ِإنّ َقتَْلهُمْ كَانَ خِطْئا َكبِيا (‪)31‬‬


‫شَيةَ ِإمْل ٍ‬
‫وَل َت ْقتُلُوا َأوْلدَ ُكمْ خَ ْ‬

‫وإذا علمتم أن الرزق بيد ال سبحانه فل تقتلوا ‪-‬أيها الناس‪ -‬أولدكم خوفًا من الفقر؛ فإنه ‪-‬سبحانه‪-‬‬
‫هو الرزاق لعباده‪ ،‬يرزق البناء كما يرزق الباء‪ ،‬إنّ َقتْ َل الولد ذنب عظيم‪.‬‬

‫ش ًة َوسَا َء َسبِيلً (‪)32‬‬


‫وَل تَقْ َربُوا ال ّزنَى ِإنّهُ كَانَ فَاحِ َ‬

‫ول تقربوا الزن ودواعيه؛ كي ل تقعوا فيه‪ ،‬إنه كان فعل بالغ القبح‪ ،‬وبئس الطريق طريقه‪.‬‬

‫وَل تَ ْقتُلُوا الّنفْ سَ الّتِي حَرّ مَ اللّ هُ إِ ّل بِالْحَقّ َومَ نْ ُقتِ َل مَظْلُوما َفقَدْ َجعَلْنَا ِلوَلِيّ هِ سُلْطَانا فَل يُ سْرِفْ فِي‬
‫الْ َقتْلِ ِإنّهُ كَا َن مَنصُورا (‪)33‬‬

‫‪497‬‬
‫ول تقتلوا النفس الت حرم ال َقتْلها إل بالق الشرعي كالقصاص أو رجم الزان الحصن أو قتل الرتد‪.‬‬
‫ومن ُقتِل بغي حق شرعي فقد جعلنا لول أمره مِن وارث أو حاكم حجة ف طلب َقتْل قاتله أو الدية‪،‬‬
‫ول يصح لول أمر القتول أن ياوز حدّ ال ف القصاص كأن يقتل بالواحد اثني أو جاعة‪ ،‬أو يُ َمثّل‬
‫ل القتول على القاتل حت يتمكن مِن َقتْله قصاصًا‪.‬‬
‫بالقاتل‪ ،‬إن ال معي و ّ‬

‫سئُولً (‪)34‬‬
‫وَل تَقْ َربُوا مَا َل الَْيتِيمِ إِلّ بِاّلتِي ِهيَ أَحْسَنُ َحتّى َيبْلُغَ َأشُ ّدهُ َوَأوْفُوا بِاْل َعهْدِ ِإنّ اْل َعهْدَ كَانَ مَ ْ‬

‫ول تتصرّفوا ف أموال الطفال الذين مات آباؤهم‪ ،‬وصاروا ف كفالتكم‪ ،‬إل بالطريقة الت هي أحسن‬
‫لم‪ ،‬وهي التثمي والتنمية‪ ،‬حت يبلغ الطفل اليتيم س ّن البلوغ‪ ،‬وحسن التصرف ف الال‪ ،‬وأتوا الوفاء‬
‫بكل عهد التزمتم به‪ .‬إن العهد يسأل ال عنه صاحبه يوم القيامة‪ ،‬فيثيبه إذا أته ووفّاه‪ ،‬ويعاقبه إذا خان‬
‫فيه‪.‬‬

‫سَتقِيمِ ذَلِكَ َخيْرٌ َوأَحْسَ ُن َتأْوِيلً (‪)35‬‬


‫س الْمُ ْ‬
‫َوَأوْفُوا الْ َكيْلَ إِذَا كِ ْلتُ ْم وَ ِزنُوا بِاْلقِسْطَا ِ‬

‫وأتوا الكيل‪ ،‬ول تنقصوه إذا ِكلْتم لغيكم‪ ،‬وزِنوا باليزان السوي‪ ،‬إن العدل ف الكيل والوزن خي لكم‬
‫ف الدنيا‪ ،‬وأحسن عاقبة عند ال ف الخرة‪.‬‬

‫سئُولً (‪)36‬‬
‫ك بِهِ عِ ْلمٌ ِإنّ السّمْ َع وَاْلَبصَ َر وَالْ ُفؤَادَ كُلّ ُأوَْلئِكَ كَا َن عَنْ ُه مَ ْ‬
‫ف مَا َلْيسَ لَ َ‬
‫وَل تَقْ ُ‬

‫ول تتبع ‪-‬أيها النسان‪ -‬ما ل تعلم‪ ،‬بل تأكّد وتثبّت‪ .‬إن النسان مسؤول عما استعمَل فيه سعه وبصره‬
‫وفؤاده‪ ،‬فإذا استعمَلها ف الي نال الثواب‪ ،‬وإذا استعملها ف الشر نال العقاب‪.‬‬

‫جبَا َل طُولً (‪)37‬‬


‫ق الَ ْرضَ وَلَ ْن َتبْلُ َغ الْ ِ‬
‫خ ِر َ‬
‫ض مَرَحا ِإنّكَ لَ ْن تَ ْ‬
‫وَل تَ ْمشِ فِي الَ ْر ِ‬

‫خرِق الرض بالشي عليها‪ ،‬ولن تبلغ البال طول خيلء‬


‫ول تش ف الرض متال متكبا؛ فإنك لن تَ ْ‬
‫وتكبًا‪.‬‬

‫‪498‬‬
‫ك َمكْرُوها (‪)38‬‬
‫كُلّ ذَلِكَ كَا َن َسّيئُهُ ِعنْدَ َربّ َ‬

‫جيع ما تقدّم ذِ ْكرُه من أوامر ونواهٍ‪ ،‬يكره ال سّيئَه‪ ،‬ول يرضاه لعباده‪.‬‬

‫جعَلْ مَ عَ اللّ هِ إِلَها آخَرَ َفتُ ْلقَى فِي َج َهنّ َم مَلُوما مَدْحُورا (‬
‫حكْ َمةِ وَل تَ ْ‬
‫ك مِ ْن الْ ِ‬
‫ك مِمّا َأوْحَى إِلَيْ كَ َربّ َ‬
‫ذَلِ َ‬
‫‪)39‬‬

‫ذلك الذي بيّناه ووضّحناه من هذه الحكام الليلة‪ ،‬من المر بحاسن العمال‪ ،‬والنهي عن أراذل‬
‫الخلق ما أوحيناه إليك أيها النب‪ .‬ول تعل ‪-‬أيها النسان‪ -‬مع ال تعال شريكًا له ف عبادته‪،‬‬
‫فُتقْذف ف نار جهنم تلومك نفسك والناس‪ ،‬وتكون مطرودًا مبعدًا من كل خي‪.‬‬

‫خ َذ مِ ْن الْمَلئِ َكةِ ِإنَاثا ِإنّكُمْ َلَتقُولُونَ َقوْلً عَظِيما (‪)40‬‬


‫ي وَاتّ َ‬
‫أََفأَصْفَاكُمْ َربّكُ ْم بِاْلَبنِ َ‬

‫أفخصّكم ربكم ‪-‬أيها الشركون‪ -‬بإعطائكم البني‪ ،‬واتذ لنفسه اللئكة بنات؟ إن قولكم هذا بالغ‬
‫القبح والبشاعة‪ ،‬ل يليق بال سبحانه وتعال‪.‬‬

‫وََلقَدْ صَرّ ْفنَا فِي هَذَا اْلقُرْآنِ ِليَذّكّرُوا َومَا يَزِي ُدهُمْ إِ ّل ُنفُورا (‪)41‬‬

‫ولقد وضّحْنا ونوّعْنا ف هذا القرآن الحكام والمثال والواعظ؛ ليتعظ الناس ويتدبروا ما ينفعهم‬
‫فيأخذوه‪ ،‬وما يضرهم فيدَعوه‪ ،‬وما يزيد البيان والتوضيح الظالي إل تباعدًا عن الق‪ ،‬وغفلة عن النظر‬
‫والعتبار‪.‬‬

‫ش َسبِيلً (‪)42‬‬
‫قُلْ َلوْ كَانَ َمعَهُ آِل َهةٌ كَمَا َيقُولُونَ إِذا لْبتَ َغوْا إِلَى ذِي اْلعَ ْر ِ‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للمشركي‪ :‬لو أن مع ال آلة أخرى‪ ،‬إذًا لطلَبتْ تلك اللة طريقًا إل مغالبة ال ذي‬
‫العرش العظيم‪.‬‬

‫ُسبْحَانَهُ َوتَعَالَى عَمّا يَقُولُونَ عُُلوّا َكبِيا (‪)43‬‬


‫‪499‬‬
‫تنّه ال وتقدّس عَمّا يقوله الشركون وتعال علوًا كبيًا‪.‬‬

‫سبّ ُح بِحَمْدِ ِه وَلَكِ ْن ل َتفْ َقهُو نَ‬


‫سبْعُ وَالَرْ ضُ َومَ نْ فِيهِنّ َوإِ ْن مِ ْن َشيْءٍ إِلّ يُ َ‬
‫سبّحُ لَ هُ ال سّ َموَاتُ ال ّ‬
‫تُ َ‬
‫حهُمْ ِإنّهُ كَانَ حَلِيما َغفُورا (‪)44‬‬ ‫سبِي َ‬
‫تَ ْ‬

‫سبّح له ‪-‬سبحانه‪ -‬السموات السبع والرضون‪ ،‬ومَن فيهن مِن جيع الخلوقات‪ ،‬وكل شيء ف هذا‬ ‫تُ َ‬
‫الوجود ينه ال تعال تنيهًا مقرونًا بالثناء والمد له سبحانه‪ ،‬ولكن ل تدركون ‪-‬أيها الناس‪ -‬ذلك‪ .‬إنه‬
‫سبحانه كان حليمًا بعباده ل يعاجل مَن عصاه بالعقوبة‪ ،‬غفورًا لم‪.‬‬

‫ستُورا (‪)45‬‬
‫ت اْلقُرْآنَ َج َع ْلنَا َبْينَكَ َوبَيْ َن الّذِي َن ل ُي ْؤمِنُونَ بِال ِخ َرةِ حِجَابا مَ ْ‬
‫َوإِذَا قَ َرأْ َ‬

‫وإذا قرأت القرآن فسمعه هؤلء الشركون‪ ،‬جعلنا بينك وبي الذين ل يؤمنون بالخرة حجابًا ساترًا‬
‫يجب عقولم عن َفهْمِ القرآن؛ عقابًا لم على كفرهم وإنكارهم‪.‬‬

‫وَ َجعَ ْلنَا عَلَى قُلُوِبهِ مْ أَ ِكنّةً أَ نْ َي ْف َقهُو ُه وَفِي آذَانِهِ ْم وَقْرا َوإِذَا ذَكَرْ تَ َربّ كَ فِي اْلقُرْآ نِ وَ ْحدَ هُ وَّلوْا عَلَى‬
‫أَ ْدبَا ِرهِ ْم ُنفُورا (‪)46‬‬

‫وجعلنا على قلوب الشركي أغطية؛ لئل يفهموا القرآن‪ ،‬وجعلنا ف آذانم صممًا؛ لئل يسمعوه‪ ،‬وإذا‬
‫ذَ َكرْتَ ربك ف القرآن داعيًا لتوحيده ناهيًا عن الشرك به رجعوا على أعقابم نافرين من قولك؛‬
‫استكبارًا واستعظامًا من أن يوحّدوا ال تعال ف عبادته‪.‬‬

‫جوَى إِ ْذ َيقُولُ الظّالِمُو نَ إِ ْن َتتِّبعُو نَ إِلّ رَ ُجلً‬


‫ك َوإِ ْذ هُ ْم نَ ْ‬
‫نَحْ نُ َأعْلَ ُم بِمَا يَ سْتَ ِمعُونَ بِ هِ إِذْ يَ سْتَ ِمعُونَ إَِليْ َ‬
‫مَسْحُورا (‪)47‬‬

‫نن أعلم بالذي يستمعه رؤساء قريش‪ ،‬إذ يستمعون إليك‪ ،‬ومقاصدهم سيئة‪ ،‬فليس استماعهم لجل‬
‫السترشاد وقَبول الق‪ ،‬ونعلم تَناجيهم حي يقولون‪ :‬ما تتبعون إل رجل أصابه السحر فاختلط عقله‪.‬‬

‫‪500‬‬
‫ستَطِيعُونَ َسبِيلً (‪)48‬‬
‫ك ا َل ْمثَالَ َفضَلّوا فَل يَ ْ‬
‫انظُرْ َكيْفَ ضَ َربُوا لَ َ‬

‫تفكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬متعجبًا من قولم‪ :‬إن ممدًا ساحر شاعر منون!! فجاروا وانرفوا‪ ،‬ول يهتدوا إل‬
‫طريق الق والصواب‪.‬‬

‫وَقَالُوا َأئِذَا ُكنّا عِظَاما وَرُفَاتا َأئِنّا لَ َمْبعُوثُونَ خَلْقا جَدِيدا (‪)49‬‬

‫وقال الشركون منكرين أن يُخْلَقوا خَ ْلقًا جديدًا بعد أن تبلى عظامهم‪ ،‬وتصي فُتاتًا‪ :‬أئِنا لبعوثون يوم‬
‫القيامة بعثًا جديدًا؟‬

‫قُلْ كُونُوا ِحجَا َرةً َأوْ حَدِيدا (‪)50‬‬

‫قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬على جهة التعجيز‪ :‬كونوا حجارة أو حديدًا ف الشدة والقوة ‪-‬إن َقدَرْت على‬
‫ذلك‪ -‬فإن ال يُعيدكم كما بدأكم‪ ،‬وذلك هيّن عليه يسي‪.‬‬

‫سُيْن ِغضُونَ إَِليْ كَ‬


‫سَيقُولُو َن مَ ْن ُيعِيدُنَا قُ ْل الّذِي َفطَرَكُ مْ َأوّ َل َم ّرةٍ فَ َ‬
‫َأوْ خَلْقا مِمّ ا َي ْكبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَ َ‬
‫رُءُو َسهُ ْم َوَيقُولُونَ َمتَى ُهوَ قُ ْل عَسَى َأ ْن يَكُونَ َقرِيبا (‪)51‬‬

‫ستَْبعَد ف عقولكم قبوله للبعث‪ ،‬فال تعال قادر على إعادتكم وبعثكم‪ ،‬وحي‬‫أو كونوا خلقًا َيعْظُم ويُ ْ‬
‫تقوم عليهم الجة ف قدرة ال على البعث والحياء فسيقولون ‪-‬منكرين‪ :-‬مَن يردّنا إل الياة بعد‬
‫الوت؟ قل لم‪ :‬يعيدكم ويرجعكم ال الذي أنشأكم من العدم أول مرة‪ ،‬وعند ساعهم هذا الرد‬
‫فسَيهُزّون رؤوسهم ساخرين متعجبي ويقولون ‪-‬مستبعدين‪ :-‬مت يقع هذا البعث؟ قل‪ :‬هو قريب؛ فإن‬
‫كل آتٍ قريب‪.‬‬

‫ستَجِيبُونَ ِبحَمْ ِد ِه َوتَ ُظنّونَ إِنْ َلِبثْتُمْ إِلّ قَلِيلً (‪)52‬‬


‫َي ْومَ يَ ْدعُوكُمْ َفتَ ْ‬

‫يوم يناديكم خالقكم للخروج من قبوركم‪ ،‬فتستجيبون لمر ال‪ ،‬وتنقادون له‪ ،‬وله المد على كل‬
‫حال‪ ،‬وتظنون ‪-‬لول يوم القيامة‪ -‬أنكم ما أقمتم ف الدنيا إل زمنًا قليل؛ لطول لبثكم ف الخرة‪.‬‬

‫‪501‬‬
‫غ َبيَْنهُ مْ إِنّ الشّيْطَا نَ كَا نَ ِللِن سَا ِن عَ ُدوّا ُمبِينا (‬
‫سنُ إِنّ الشّيْطَا نَ يَنَ ُ‬
‫وَقُلْ ِل ِعبَادِي َيقُولُوا الّتِي هِ يَ أَحْ َ‬
‫‪)53‬‬

‫وقل لعبادي الؤمني يقولوا ف تاطبهم وتاورهم الكلم السن الطيب؛ فإنم إن ل يفعلوا ذلك ألقى‬
‫الشيطان بينهم العداوة والفساد والصام‪ .‬إن الشيطان كان للنسان عدوًا ظاهر العداوة‪.‬‬

‫شأْ ُيعَ ّذْبكُ ْم َومَا أَ ْرسَ ْلنَاكَ عََلْيهِ ْم وَكِيلً (‪)54‬‬


‫شأْ يَ ْرحَ ْمكُمْ َأوْ إِ ْن يَ َ‬
‫َرّبكُمْ َأعْلَ ُم ِبكُمْ إِ ْن يَ َ‬

‫ربكم أعلم بكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬إن يشأ يرحكم‪ ،‬فيوفقكم لليان‪ ،‬أو إن يشأ يتكم على الكفر‪،‬‬
‫فيعذبكم‪ ،‬وما أرسلناك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عليهم وكيل تدبّر أمرهم وتازيهم على أفعالم‪ ،‬وإنا مهمتك‬
‫تبليغ ما أُرْسلتَ به‪ ،‬وبيان الصراط الستقيم‪.‬‬

‫ي عَلَى َب ْعضٍ وَآَتْينَا دَاوُودَ َزبُورا (‪)55‬‬


‫وَ َربّكَ أَعَْل ُم بِمَنْ فِي السّ َموَاتِ وَالَ ْرضِ وََلقَدْ َفضّ ْلنَا َب ْعضَ الّنبِيّ َ‬

‫وربك ‪-‬أيها النب‪ -‬أعلم بَن ف السموات والرض‪ .‬ولقد َفضّلْنا بعض النبيي على بعض بالفضائل‬
‫وكثرة التباع وإنزال الكتب‪ ،‬وأعطينا داود الزبور‪.‬‬

‫حوِيلً (‪)56‬‬
‫ف الضّ ّر عَنكُ ْم وَل تَ ْ‬
‫قُلْ ا ْدعُوا الّذِينَ َزعَ ْمتُ ْم مِنْ دُونِهِ فَل يَ ْمِلكُونَ كَشْ َ‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لشركي قومك‪ :‬إن هذه العبودات الت تنادونا لكشف الض ّر عنكم ل تلك ذلك‪،‬‬
‫ول تقدر على تويله عنكم إل غيكم‪ ،‬ول تقدر على تويله من حال إل حال‪ ،‬فالقادر على ذلك هو‬
‫ال وحده‪ .‬وهذه الية عامة ف كل ما يُدْعى من دون ال‪ ،‬ميتًا كان أو غائبًا‪ ،‬من النبياء والصالي‬
‫وغيهم‪ ،‬بلفظ الستغاثة أو الدعاء أو غيها‪ ،‬فل معبود بق إل ال‪.‬‬

‫ب َويَرْجُو نَ َرحْ َمتَ ُه َويَخَافُو نَ عَذَابَ هُ ِإنّ عَذَا بَ‬


‫ُأوْلَئِ كَ الّذِي َن يَ ْدعُو نَ َيْبَتغُو نَ إِلَى َرّبهِ ْم اْلوَ سِيَلةَ َأيّهُ مْ أَقْرَ ُ‬
‫حذُورا (‪)57‬‬ ‫َربّكَ كَانَ مَ ْ‬

‫‪502‬‬
‫أولئك الذين يدعوهم الشركون من النبياء والصالي واللئكة مع ال‪ ،‬يتنافسون ف القرب من ربم با‬
‫يقدرون عليه من العمال الصالة‪ ،‬ويأمُلون رحته ويافون عذابه‪ ،‬إن عذاب ربك هو ما ينبغي أن‬
‫يذره العباد‪ ،‬ويافوا منه‪.‬‬

‫َوإِن ْه مِن ْه َق ْرَيةٍ إِ ّل نَحْنُه ُمهِْلكُوهَا َقبْلَ َيوْمِه اْلقِيَا َمةِ َأوْ ُمعَ ّذبُوهَا عَذَابا شَدِيدا كَانَه ذَلِكَه فِي اْل ِكتَابِه‬
‫مَسْطُورا (‪)58‬‬

‫ويتوعّد ال الكفار بأنه ما من قريةٍ كافرة مكذبة للرسل إل وسينل با عقابه باللك ف الدنيا قبل يوم‬
‫القيامة أو بالعذاب الشديد لهلها‪ ،‬كتاب كتبه ال وقضاء أبرمه ل بد مِن وقوعه‪ ،‬وهو مسطور ف اللوح‬
‫الحفوظ‪.‬‬

‫ب ِبهَا ا َلوّلُو نَ وَآَتْينَا ثَمُو َد النّاَق َة ُمبْ صِ َرةً َفظَلَمُوا ِبهَا َومَا نُرْ سِلُ‬
‫َومَا َمَنعَنَا أَ نْ ُنرْ سِ َل بِاليَا تِ إِلّ أَ نْ كَذّ َ‬
‫خوِيفا (‪)59‬‬ ‫بِاليَاتِ إِ ّل تَ ْ‬

‫وما منعَنا من إنزال العجزات الت سألا الشركون إل تكذيب مَن سبقهم من المم‪ ،‬فقد أجابم ال إل‬
‫ما طلبوا فكذّبوا وهلكوا‪ .‬وأعطينا ثود ‪-‬وهم قوم صال‪ -‬معجزة واضحة وهي الناقة‪ ،‬فكفروا با‬
‫فأهلكناهم‪ .‬وما إرسالنا الرسل باليات والعب والعجزات الت جعلناها على أيديهم إل تويف للعباد؛‬
‫ليعتبوا ويتذكروا‪.‬‬

‫ج َرةَ الْ َم ْلعُوَنةَ فِي‬


‫ط بِالنّا سِ َومَا َجعَ ْلنَا ال ّر ْؤيَا اّلتِي أَ َرْينَا كَ إِلّ ِفْتَنةً لِلنّا سِ وَالشّ َ‬
‫َوإِذْ قُ ْلنَا لَ كَ ِإنّ َربّ كَ أَحَا َ‬
‫خوُّفهُمْ فَمَا يَزِي ُدهُمْ إِلّ ُط ْغيَانا َكبِيا (‪)60‬‬ ‫الْقُرْآ ِن َونُ َ‬

‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬حي قلنا لك‪ :‬إن ربك أحاط بالناس علمًا وقدرة‪ .‬وما جعلنا الرؤيا الت أريناكها‬
‫عِيانًا ليلة السراء والعراج من عجائب الخلوقات إل اختبارًا للناس؛ ليتميز كافرهم من مؤمنهم‪ ،‬وما‬
‫جعلنا شجرة الزقوم اللعونة الت ذكرت ف القرآن إل ابتلء للناس‪ .‬ونوّف الشركي بأنواع العذاب‬
‫واليات‪ ،‬ول يزيدهم التخويف إل تاديًا ف الكفر والضلل‪.‬‬

‫‪503‬‬
‫جدُ لِمَنْ خََل ْقتَ طِينا (‪)61‬‬
‫جدُوا إِلّ ِإبْلِيسَ قَالَ َأأَسْ ُ‬
‫َوإِذْ قُ ْلنَا ِللْمَلئِ َك ِة اسْجُدُوا ل َدمَ فَسَ َ‬

‫واذكر قولنا للملئكة‪ :‬اسجدوا لدم تية وتكريًا‪ ،‬فسجدوا جيعًا إل إبليس‪ ،‬استكب وامتنع عن‬
‫السجود قائل على سبيل النكار والستكبار‪ :‬أأسجد لذا الضعيف‪ ،‬الخلوق من الطي؟‬

‫ت عََليّ َلئِنْ أَخّ ْرَتنِي إِلَى َي ْومِ الْ ِقيَا َمةِ لَ ْحَتِنكَنّ ذُ ّرّيتَهُ إِلّ قَلِيلً (‪)62‬‬
‫قَالَ أَ َرَأْيتَكَ هَذَا الّذِي كَ ّر ْم َ‬

‫وقال إبليس جراءة على ال وكفرًا به‪ :‬أرأيت هذا الخلوق الذي ميزته عليّ؟ لئن أبقيتن حيًا إل يوم‬
‫القيامة لستوليّ على ذريته بالغواء والفساد‪ ،‬إل الخلصي منهم ف اليان‪ ،‬وهم قليل‪.‬‬

‫قَالَ ا ْذ َهبْ فَمَ ْن َتِبعَكَ ِمْنهُمْ فَِإنّ َج َهنّمَ َجزَاؤُكُمْ جَزَا ًء َموْفُورا (‪)63‬‬

‫قال ال تعال مهددًا إبليس وأتباعه‪ :‬اذهب فمَن تبعك مِن ذرية آدم‪ ،‬فأطاعك‪ ،‬فإن عقابك وعقابم وافر‬
‫ف نار جهنم‪.‬‬

‫ك َوشَارِ ْكهُ مْ فِي ا َل ْموَا ِل وَالَولدِ‬


‫ك وَرَ ِجلِ َ‬
‫خيْلِ َ‬
‫ص ْوتِكَ َوأَجْلِ بْ عََلْيهِ مْ ِب َ‬
‫ت ِمْنهُ ْم بِ َ‬
‫وَا ْسَتفْزِ ْز مَ ْن ا ْستَ َطعْ َ‬
‫شيْطَانُ إِ ّل غُرُورا (‪)64‬‬ ‫َوعِ ْدهُمْ َومَا َيعِ ُدهُمْ ال ّ‬

‫خفِف كل مَن تستطيع استخفافه منهم بدعوتك إياه إل معصيت‪ ،‬واجع عليهم كل ما تقدر عليه‬ ‫واستَ ْ‬
‫مِن جنودك من كل راكب وراجل‪ ،‬واجعل لنفسك شِرْكة ف أموالم بأن يكسبوها من الرام‪ ،‬و ِشرْكة‬
‫ف الولد بتزيي الزن والعاصي‪ ،‬ومالفة أوامر ال حت يكثر الفجور والفساد‪ ،‬وعِ ْد أتباعك مِن ذرية‬
‫آدم الوعود الكاذبة‪ ،‬فكل وعود الشيطان باطلة وغرور‪.‬‬

‫ك وَكِيلً (‪)65‬‬
‫ك عََلْيهِ ْم سُلْطَا ٌن وَ َكفَى بِ َربّ َ‬
‫ِإنّ ِعبَادِي َلْيسَ لَ َ‬

‫إن عبادي الؤمني الخلصي الذين أطاعون ليس لك قدرة على إغوائهم‪ ،‬وكفى بربك ‪-‬أيها النب‪-‬‬
‫عاصمًا وحافظًا للمؤمني مِن كيد الشيطان وغروره‪.‬‬

‫‪504‬‬
‫َرّبكُ ْم الّذِي يُزْجِي َلكُ ْم اْلفُلْكَ فِي اْلبَحْرِ ِلَتْبَتغُوا مِنْ َفضْلِهِ ِإنّهُ كَا َن ِبكُمْ رَحِيما (‪)66‬‬

‫ربكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬هو الذي يُسَيّر لكم السفن ف البحر؛ لتطلبوا رزق ال ف أسفاركم وتاراتكم‪ .‬إن‬
‫ال سبحانه كان رحيمًا بعباده‪.‬‬

‫ضتُ ْم وَكَا َن الِنْسَانُ َكفُورا‬


‫حرِ ضَ ّل مَ ْن تَ ْدعُونَ إِلّ ِإيّاهُ فََلمّا نَجّا ُكمْ إِلَى الْبَرّ َأعْرَ ْ‬
‫سكُ ْم الضّرّ فِي الْبَ ْ‬
‫َوإِذَا مَ ّ‬
‫(‪)67‬‬

‫وإذا أصابتكم شدة ف البحر حت أشرفتم على الغرق واللك‪ ،‬غاب عن عقولكم الذين تعبدونم من‬
‫اللة‪ ،‬وتذكّرت ال القدير وحده؛ ليغيثكم وينقذكم‪ ،‬فأخلصتم له ف طلب العون والغاثة‪ ،‬فأغاثكم‬
‫ونّاكم‪ ،‬فلمّا ناكم إل الب أعرضتم عن اليان والخلص والعمل الصال‪ ،‬وهذا من جهل النسان‬
‫وكفره‪ .‬وكان النسان جحودًا لنعم ال ع ّز وجل‪.‬‬

‫ب الْبَرّ َأوْ يُ ْرسِ َل عََلْيكُمْ حَاصِبا ثُ ّم ل َتجِدُوا َلكُ ْم وَكِيلً (‪)68‬‬


‫ف ِبكُمْ جَاِن َ‬
‫أََفأَمِنتُمْ أَ ْن يَخْسِ َ‬

‫أغَفَلْتم ‪-‬أيها الناس‪ -‬عن عذاب ال‪ ،‬فأمنتم أن تنهار بكم الرض خسفًا‪ ،‬أو يُمْطركم ال بجارة من‬
‫السماء فتقتلكم‪ ،‬ث ل تدوا أحدًا يفظكم مِن عذابه؟‬

‫جدُوا‬
‫أَ مْ َأمِنتُ مْ أَ ْن ُيعِيدَكُ مْ فِي هِ تَا َرةً أُ ْخرَى َفيُرْ سِ َل عََلْيكُ مْ قَا صِفا مِ نْ الرّي حِ َفُيغْرَِقكُ ْم بِمَا َكفَ ْرتُ ْم ثُمّ ل تَ ِ‬
‫َلكُ ْم عََليْنَا بِ ِه َتبِيعا ( ‪)69‬‬

‫أم أمنتم ‪-‬أيها الناس‪ -‬ربكم‪ ،‬وقد كفرت به أن يعيدكم ف البحر مرة أخرى‪ ،‬فيسل عليكم ريًا‬
‫شديدة‪ ،‬تكسّر كل ما أتت عليه‪ ،‬فيغرقكم بسبب كفركم‪ ،‬ث ل تدوا لكم علينا أي تبعة ومطالبة؛ فإن‬
‫ال ل يظلمكم مثقال ذرة؟‬

‫ح ِر وَرَزَ ْقنَاهُ ْم مِ نْ ال ّطّيبَا تِ وََفضّ ْلنَاهُ ْم عَلَى َكثِيٍ مِمّ نْ خََل ْقنَا‬
‫وََلقَدْ كَ ّر ْمنَا بَنِي آدَ َم وَحَ َم ْلنَاهُ مْ فِي اْلبَ ّر وَالْبَ ْ‬
‫َتفْضِيلً (‪)70‬‬

‫‪505‬‬
‫ولقد كرّمنا ذرية آدم بالعقل وإرسال الرسل‪ ،‬وسَخّرنا لم جيع ما ف الكون‪ ،‬وسَخّرنا لم الدواب ف‬
‫الب والسفن ف البحر لملهم‪ ،‬ورزقناهم من طيبات الطاعم والشارب‪ ،‬وفضّلناهم على كثي من‬
‫الخلوقات تفضيل عظيمًا‪.‬‬

‫ك َيقْرَءُونَ ِكتَاَبهُ ْم وَل يُظْلَمُونَ َفتِيلً (‪)71‬‬


‫َي ْومَ نَ ْدعُو كُلّ ُأنَاسٍ بِِإمَا ِمهِمْ فَ َمنْ أُوِتيَ ِكتَابَ ُه ِبيَمِينِهِ َفُأوْلَئِ َ‬

‫اذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬يوم البعث مبشرًا وموفًا‪ ،‬حي يدعو ال عز وجل كل جاعة من الناس مع إمامهم‬
‫الذي كانوا يقتدون به ف الدنيا‪ ،‬فمن كان منهم صالًا‪ ،‬وأُعطي كتاب أعماله بيمينه‪ ،‬فهؤلء يقرؤون‬
‫كتاب حسناتم فرحي مستبشرين‪ ،‬ول ُيْنقَصون من ثواب أعمالم الصالة شيئًا‪ ،‬وإن كان مقدا َر اليط‬
‫الذي يكون ف شَ ّق النواة‪.‬‬

‫َومَنْ كَانَ فِي هَ ِذهِ َأعْمَى َف ُهوَ فِي الخِ َرةِ َأعْمَى َوأَضَ ّل َسبِيلً (‪)72‬‬

‫ومن كان ف هذه الدنيا أعمى القلب عن دلئل قدرة ال فلم يؤمن با جاء به الرسول ممد صلى ال‬
‫عليه وسلم فهو ف يوم القيامة أشدّ عمى عن سلوك طريق النة‪ ،‬وأضل طريقًا عن الداية والرشاد‪.‬‬

‫َوإِنْ كَادُوا َلَيفِْتنُونَكَ عَ ْن الّذِي َأوْ َحْينَا إَِليْكَ ِلَتفْتَرِي عََليْنَا َغيْ َرهُ َوإِذا لتّخَذُوكَ خَلِيلً (‪)73‬‬

‫ولقد قارب الشركون أن يصرفوك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عن القرآن الذي أنزله ال إليك؛ لتختلق علينا غي ما‬
‫أوحينا إليك‪ ،‬ولو فعلت ما أرادوه لتذوك حبيبًا خالصًا‪.‬‬

‫ت تَرْ َكنُ إِلَْيهِ ْم َشيْئا َقلِيلً (‪)74‬‬


‫وََلوْل َأنْ ثَّبْتنَاكَ َلقَدْ كِدْ َ‬

‫ولول أن ثبّتناك على الق‪ ،‬وعصمناك عن موافقتهم‪ ،‬لَقارْبتَ أن تيل إليهم ميل قليل من كثرة العالة‬
‫ورغبتك ف هدايتهم‪.‬‬

‫ك عََلْينَا نَصِيا (‪)75‬‬


‫ف الْمَمَاتِ ثُ ّم ل تَجِدُ لَ َ‬
‫ضعْ َ‬
‫حيَاةِ وَ ِ‬
‫ف الْ َ‬
‫ضعْ َ‬
‫إِذا لَذَ ْقنَاكَ ِ‬

‫‪506‬‬
‫ولو رَكَنت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إل هؤلء الشركي ركونًا قليل فيما سألوك‪ ،‬إذًا لذقناك ِمثْلَي عذاب الياة‬
‫ف الدنيا ومثْلَي عذاب المات ف الخرة؛ وذلك لكمال نعمة ال عليك وكمال معرفتك‪ ،‬ث ل تد أحدًا‬
‫ينصرك ويدفع عنك عذابنا‪.‬‬

‫ك مِ ْن الَ ْرضِ ِليُخْرِجُو َك ِمْنهَا َوإِذا ل يَ ْلَبثُونَ خِلفَكَ إِلّ قَلِيلً (‪)76‬‬
‫ستَفِزّونَ َ‬
‫َوإِنْ كَادُوا َليَ ْ‬

‫ولقد قارب الكفار أن يرجوك من "مكة" بإزعاجهم إيّاك‪ ،‬ولو أخرجوك منها ل يكثوا فيها بعدك إل‬
‫زمنًا قليل حت تل بم العقوبة العاجلة‪.‬‬

‫حوِيلً (‪)77‬‬
‫سنِّتنَا تَ ْ‬
‫ك مِنْ ُرسُِلنَا وَل تَجِدُ لِ ُ‬
‫ُسّنةَ مَنْ َقدْ أَ ْرسَ ْلنَا َقبْلَ َ‬

‫تلك سنة ال تعال ف إهلك المة الت تُخرج رسولا من بينها‪ ،‬ولن تد ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لسنتنا تغييًا‪،‬‬
‫فل خلف ف وعدنا‪.‬‬

‫شهُودا (‪)78‬‬
‫جرِ كَانَ مَ ْ‬
‫أَقِ ْم الصّلةَ لِدُلُوكِ الشّ ْمسِ إِلَى غَسَقِ الّليْ ِل وَُقرْآ َن اْلفَجْرِ ِإنّ قُرْآ َن الْفَ ْ‬

‫أقم الصلة تامة من وقت زوال الشمس عند الظهية إل وقت ظلمة الليل‪ ،‬ويدخل ف هذا صلة الظهر‬
‫والعصر والغرب والعشاء‪ ،‬وأقم صلة الفجر‪ ،‬وَأطِلِ القراءة فيها؛ إن صلة الفجر تضرها ملئكة الليل‬
‫وملئكة النهار‪.‬‬

‫ك عَسَى َأنْ يَْب َعثَكَ َربّكَ َمقَاما مَحْمُودا (‪)79‬‬


‫َومِنْ الّليْلِ َفَتهَجّ ْد بِ ِه نَافَِلةً لَ َ‬

‫وقم ‪-‬أيها النب‪ -‬من نومك بعض الليل‪ ،‬فاقرأ القرآن ف صلة الليل؛ لتكون صلة الليل زيادة لك ف‬
‫علو القدر ورفع الدرجات‪ ،‬عسى أن يبعثك ال شافعًا للناس يوم القيامة؛ ليحهم ال ما يكونون فيه‪،‬‬
‫وتقوم مقامًا يمدك فيه الولون والخرون‪.‬‬

‫ك سُلْطَانا َنصِيا (‪)80‬‬


‫ق وَا ْجعَلْ لِي مِنْ لَ ُدنْ َ‬
‫ق َوأَخْرِ ْجنِي مُخْ َرجَ صِ ْد ٍ‬
‫ص ْد ٍ‬
‫وَقُلْ رَبّ َأدْخِ ْلنِي مُدْخَلَ ِ‬

‫‪507‬‬
‫وقل‪ :‬ربّ أدخلن فيما هو خي ل مدخل صدق‪ ،‬وأخرجن ما هو شر ل مرج صدق‪ ،‬واجعل ل مِن‬
‫لدنك حجة ثابتة‪ ،‬تنصرن با على جيع مَن خالفن‪.‬‬

‫ح ّق وَ َزهَ َق الْبَاطِلُ ِإنّ اْلبَاطِلَ كَانَ َزهُوقا (‪)81‬‬


‫وَقُلْ جَا َء الْ َ‬

‫وقل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للمشركي‪ :‬جاء السلم وذهب الشرك‪ ،‬إن الباطل ل بقاء له ول ثبات‪ ،‬والق هو‬
‫الثابت الباقي الذي ل يزول‪.‬‬

‫ي وَل يَزِيدُ الظّالِ ِميَ إِلّ خَسَارا (‪)82‬‬


‫َونُنَزّ ُل مِ ْن اْلقُرْآنِ مَا ُهوَ ِشفَاءٌ وَ َرحْ َمةٌ لِ ْل ُم ْؤمِنِ َ‬

‫وننل من آيات القرآن العظيم ما يشفي القلوب مِ َن المراض‪ ،‬كالشك والنفاق والهالة‪ ،‬وما يشفي‬
‫البدان برُقْيتها به‪ ،‬وما يكون سببًا للفوز برحة ال با فيه من اليان‪ ،‬ول يزيد هذا القرآن الكفار عند‬
‫ساعه إل كفرًا وضلل؛ لتكذيبهم به وعدم إيانم‪.‬‬

‫ض َونَأَى بِجَاِنبِ ِه َوإِذَا مَسّهُ الشّرّ كَا َن َيئُوسا (‪)83‬‬


‫َوإِذَا َأْنعَ ْمنَا عَلَى الِنسَانِ َأعْ َر َ‬

‫وإذا أنعمنا على النسان من حيث هو بال وعافية ونوها‪ ،‬تولّى وتباعد عن طاعة ربه‪ ،‬وإذا أصابته‬
‫شدة مِن فقر أو مرض كان قنوطًا؛ لنه ل يثق بفضل ال تعال‪ ،‬إل من عصم ال ف حالت سرّائه‬
‫وضرّائه‪.‬‬

‫قُلْ كُ ّل َيعْمَ ُل عَلَى شَاكَِلتِهِ فَ َرّبكُمْ َأعْلَ ُم بِمَنْ هُوَ َأهْدَى َسبِيلً (‪)84‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للناس‪ :‬كل واحد منكم يعمل على ما يليق به من الحوال‪ ،‬فربكم أعلم بن هو‬
‫أهدى طريقًا إل الق‪.‬‬

‫ح مِنْ َأمْرِ َربّي َومَا أُوتِيتُ ْم مِ ْن اْلعِلْمِ إِلّ قَلِيلً (‪)85‬‬


‫َويَسْأَلُونَكَ عَنْ الرّوحِ قُلْ الرّو ُ‬

‫‪508‬‬
‫ويسألك الكفار عن حقيقة الروح تعنتًا‪ ،‬فأجبهم بأن حقيقة الروح وأحوالا من المور الت استأثر ال‬
‫بعلمها‪ ،‬وما أُعطيتم أنتم وجيع الناس من العلم إل شيئًا قليل‪.‬‬

‫ك بِ ِه عََليْنَا وَكِيلً (‪)86‬‬


‫جدُ لَ َ‬
‫وََلئِنْ شِْئنَا َلنَ ْذهَبَ ّن بِالّذِي َأوْ َحْينَا إَِليْكَ ثُ ّم ل تَ ِ‬

‫حوَ القرآن من قلبك لَق َدرْنا على ذلك‪ ،‬ث ل تد لنفسك ناصرًا ينعنا من فعل ذلك‪ ،‬أو يرد‬
‫ولئن شئنا مَ ْ‬
‫عليك القرآن‪.‬‬

‫إِلّ رَحْ َم ًة مِنْ َربّكَ ِإنّ َفضْلَهُ كَانَ عََليْكَ َكبِيا (‪)87‬‬

‫لكنّ ال رحك‪ ،‬فأثبت ذلك ف قلبك‪ ،‬إن فضله كان عليك عظيمًا؛ فقد أعطاك هذا القرآن العظيم‪،‬‬
‫والقام الحمود‪ ،‬وغي ذلك ما ل يؤته أحدًا من العالي‪.‬‬

‫ضهُ مْ ِلَبعْ ضٍ‬


‫جنّ عَلَى أَ ْن يَ ْأتُوا بِ ِمثْ ِل هَذَا الْقُرْآ ِن ل َيأْتُو نَ بِ ِمثْلِ ِه وََلوْ كَا نَ َب ْع ُ‬
‫قُلْ َلئِ نْ ا ْجتَ َمعَ تْ الِن سُ وَالْ ِ‬
‫َظهِيا (‪)88‬‬

‫قل‪ :‬لو اتفقت النس والن على ماولة التيان بثل هذا القرآن العجز ل يستطيعون التيان به‪ ،‬ولو‬
‫تعاونوا وتظاهروا على ذلك‪.‬‬

‫وََلقَدْ صَرّ ْفنَا لِلنّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآ ِن مِنْ كُ ّل َمثَلٍ َفَأبَى أَكْثَرُ النّاسِ إِلّ ُكفُورا (‪)89‬‬

‫ولقد بّينّا وَنوّعنا للناس ف هذا القرآن من كل مثل ينبغي العتبار به؛ احتجاجًا بذلك عليهم؛ ليتبعوه‬
‫ويعملوا به‪ ،‬فأب أكثر الناس إل جحودًا للحق وإنكارًا لجج ال وأدلته‪.‬‬

‫وَقَالُوا لَ ْن ُن ْؤمِنَ لَكَ َحتّى َتفْجُرَ َلنَا مِ ْن الَ ْرضِ َيْنبُوعا (‪)90‬‬

‫ولا أعجز القرآن الشركي وغلبهم أخذوا يطلبون معجزات وَفْق أهوائهم فقالوا‪ :‬لن نصدقك ‪-‬أيها‬
‫الرسول‪ -‬ونعمل با تقول حت تفجر لنا من أرض "مكة" عينًا جارية‪.‬‬
‫‪509‬‬
‫َأوْ َتكُونَ لَكَ َجّن ٌة مِ ْن نَخِي ٍل َو ِعَنبٍ َفُتفَجّ َر الَنَارَ خِلَلهَا َتفْجِيا (‪)91‬‬

‫أو تكون لك حديقة فيها أنواع النخيل والعناب‪ ،‬وتعل النار تري ف وسطها بغزارة‪.‬‬

‫سقِطَ السّمَاءَ كَمَا َزعَ ْمتَ عََلْينَا كِسَفا َأ ْو َتأِْت َي بِاللّ ِه وَالْمَلِئ َكةِ َقبِيلً (‪)92‬‬
‫َأوْ تُ ْ‬

‫أو تسقط السماء علينا قطعًا كما َزعَ ْمتَ‪ ،‬أو تأت لنا بال وملئكته‪ ،‬فنشاهدهم مقابلة وعِيانًا‪.‬‬

‫ك َبيْ تٌ مِ نْ ُزخْرُ فٍ َأوْ تَرْقَى فِي ال سّمَا ِء وَلَ ْن ُن ْؤمِ نَ ِلرُِقيّ كَ َحتّى ُتنَزّ َل عََلْينَا ِكتَابا َنقْ َرؤُه قُلْ‬
‫َأوْ َيكُو نَ لَ َ‬
‫ُسبْحَانَ َربّي هَلْ كُنتُ إِ ّل بَشَرا َرسُولً (‪)93‬‬

‫أو يكون لك بيت من ذهب‪ ،‬أو تصعد ف درج إل السماء‪ ،‬ولن نصدّقك ف صعودك حت تعود‪ ،‬ومعك‬
‫كتاب من ال منشور نقرأ فيه أنك رسول ال حقا‪ .‬قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬متعجبًا مِن تعنّت هؤلء الكفار‪:‬‬
‫سبحان رب!! هل أنا إل عبد من عباده مبلّغ رسالته؟ فكيف أقدر على فعل ما تطلبون؟‬

‫َومَا مَنَ َع النّاسَ أَ ْن ُي ْؤمِنُوا ِإذْ جَا َءهُ ْم اْلهُدَى إِلّ أَنْ قَالُوا أََب َعثَ اللّ ُه بَشَرا َرسُولً (‪)94‬‬

‫وما منع الكفارَ من اليان بال ورسوله وطاعتهما‪ ،‬حي جاءهم البيان الكاف من عند ال‪ ،‬إل قولم‬
‫جهل وإنكارًا‪ :‬أبعث ال رسول من جنس البشر؟‬

‫ض مَلِئ َكةٌ يَمْشُو َن مُطْ َمِئنّيَ َلنَزّْلنَا عََلْيهِ ْم مِنْ السّمَا ِء مَلَكا َرسُولً (‪)95‬‬
‫قُلْ َلوْ كَانَ فِي الَ ْر ِ‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ردّا على الشركي إنكارهم أن يكون الرسول من البشر‪ :‬لو كان ف الرض ملئكة‬
‫يشون عليها مطمئني‪ ،‬لرسلنا إليهم رسول من جنسهم‪ ،‬ولك ّن أهل الرض بشر‪ ،‬فالرسول إليهم ينبغي‬
‫أن يكون من جنسهم؛ ليمكنهم ماطبته وَفهْم كلمه‪.‬‬

‫قُلْ َكفَى بِاللّهِ َشهِيدا َبْينِي َوبَْيَنكُمْ ِإنّهُ كَا َن ِبعِبَا ِدهِ َخبِيا َبصِيا (‪)96‬‬
‫‪510‬‬
‫قل لم‪ :‬كفى بال شهيدًا بين وبينكم على صِدْقي وحقيقة نبوّت‪ .‬إنه سبحانه خبي بأحوال عباده‪ ،‬بصي‬
‫بأعمالم‪ ،‬وسيجازيهم عليها‪.‬‬

‫ش ُرهُم ْهَيوْمَه اْلقِيَا َم ِة عَلَى‬


‫َومَن ْهَيهْدِ اللّهُه َف ُهوَ الْ ُم ْهتَدِي َومَن ْهُيضْلِلْ َفلَن ْهتَجِدَ َلهُم ْهَأوْلِيَا َء مِن ْه دُونِهِه َونَحْ ُ‬
‫وَجُو ِههِمْ عُمْيا َوُبكْما وَصُمّا َم ْأوَاهُمْ َج َهنّمُ كُلّمَا َخَبتْ زِ ْدنَاهُ ْم َسعِيا (‪)97‬‬

‫ومن يهده ال فهو الهتدي إل الق‪ ،‬ومن يضلله فيخذلْه ويَكِلْه إل نفسه فل هادي له من دون ال‪،‬‬
‫وهؤلء الضّلل يبعثهم ال يوم القيامة‪ ،‬ويشرهم على وجوههم‪ ،‬وهم ل يرون ول ينطقون ول‬
‫يسمعون‪ ،‬مصيهم إل نار جهنم اللتهبة‪ ،‬كلما سكن ليبها‪ ،‬وخدت نارها‪ ،‬زدناهم نارًا ملتهبة‬
‫متأججة‪.‬‬

‫ذَلِكَ جَزَا ُؤهُمْ بَِأّنهُمْ َكفَرُوا بِآيَاِتنَا وَقَالُوا أَئِذَا ُكنّا عِظَاما وَرُفَاتا َأِئنّا لَ َمْبعُوثُونَ َخلْقا جَدِيدا (‪)98‬‬

‫هذا الذي وُصِف من العذاب عقاب للمشركي؛ بسبب كفرهم بآيات ال وحججه‪ ،‬وتكذيبهم رسله‬
‫الذين َد َعوْهم إل عبادته‪ ،‬وقولم استنكارًا ‪ -‬إذا أُمروا بالتصديق بالبعث ‪ :-‬أإذا متنا وصِرْنا عظامًا بالية‬
‫وأجزا ًء متفتتة نُبعث بعد ذلك خَ ْلقًا جديدًا؟‬

‫َأوَلَ ْم يَ َروْا َأنّ اللّ َه الّذِي خََل َق السّ َموَاتِ وَالَرْضَ قَادِ ٌر عَلَى أَنْ َيخْلُ َق ِمثَْلهُ ْم َو َجعَلَ َلهُمْ أَ َجلً ل َريْبَ فِيهِ‬
‫َفأَبَى الظّالِمُونَ إِلّ ُكفُورا (‪)99‬‬

‫َأغَفَل هؤلء الشركون‪ ،‬فلم يتبصروا ويعلموا أن ال الذي خلق السموات والرض وما فيهن من‬
‫الخلوقات على غي مثال سابق‪ ،‬قادر على أن يلق أمثالم بعد فنائهم؟ وقد جعل ال لؤلء الشركي‬
‫وقتًا مددًا لوتم وعذابم‪ ،‬ل شك أنه آتيهم‪ ،‬ومع وضوح الق ودلئله أب الكافرون إل جحودًا لدين‬
‫ال عزّ وجلّ‪.‬‬

‫ق وَكَانَ ا ِلنْسَانُ َقتُورا (‪)100‬‬


‫شَيةَ الِنفَا ِ‬
‫سكْتُمْ خَ ْ‬
‫قُلْ َلوْ أَنتُمْ تَ ْمِلكُونَ َخزَائِنَ رَحْ َمةِ َربّي إِذا َلمْ َ‬

‫‪511‬‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي ‪ :‬لو كنتم تلكون خزائن رحة رب الت ل تنفد ول تبيد إذًا لبخلتم‬
‫با‪ ،‬فلم تعطوا منها غيكم خوفًا مِن نفادها فتصبحوا فقراء‪ .‬ومن شأن النسان أنه بيل با ف يده إل‬
‫مَن عصم ال باليان‪.‬‬

‫ك يَا مُوسَى‬
‫ت بَّينَاتٍ فَاسْألْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَا َءهُمْ َفقَالَ لَهُ فِ ْر َعوْنُ ِإنّي َل ُظنّ َ‬
‫وََلقَ ْد آتَْينَا مُوسَى تِسْ َع آيَا ٍ‬
‫مَسْحُورا (‪)101‬‬

‫صدْق نبوته وهي‪ :‬العصا واليد والسنون‬


‫ولقد آتينا موسى تسع معجزات واضحات شاهدات على ِ‬
‫ونقص الثمرات والطوفان والراد والقمل والضفادع والدم‪ ،‬فاسأل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬اليهود سؤال تقرير‬
‫حي جاء موسى أسلفهم بعجزاته الواضحات‪ ،‬فقال فرعون لوسى‪ :‬إن لظنك ‪-‬يا موسى‪ -‬ساحرا‪،‬‬
‫مدوعًا مغلوبًا على عقلك با تأتيه من غرائب الفعال‪.‬‬

‫ك يَا فِ ْر َع ْونُ َمْثبُورا (‪)102‬‬


‫ت وَالَ ْرضِ َبصَائِ َر َوِإنّي َلظُنّ َ‬
‫قَالَ َلقَ ْد عَِل ْمتَ مَا أَنزَ َل َهؤُلء إِلّ رَبّ السّ َموَا ِ‬

‫فر ّد عليه موسى‪ :‬لقد تيقّنتَ ‪-‬يا فرعون‪ -‬أنه ما أنزل تلك العجزات التسع الشاهدة على صدق نبوت‬
‫إل رب السموات والرض؛ لتكون دللت يَستدِل با أولو البصائر على وحدانية ال تعال ف ربوبيته‬
‫وألوهيته‪ ،‬وإن لعلى يقي أنك ‪-‬يا فرعون‪ -‬هالك ملعون مغلوب‪.‬‬

‫سَتفِ ّزهُ ْم مِ ْن الَ ْرضِ َفَأغْرَ ْقنَاهُ َومَ ْن َمعَهُ َجمِيعا (‪)103‬‬
‫َفأَرَادَ َأنْ يَ ْ‬

‫فأراد فرعون أن يزعج موسى ويرجه مع بن إسرائيل مِن أرض "مصر"‪ ،‬فأغرقناه ومَن معه مِن جندٍ ف‬
‫البحر عقابًا لم‪.‬‬

‫وَقُ ْلنَا مِ ْن َبعْ ِدهِ ِلَبنِي ِإسْرَائِيلَ ا ْس ُكنُوا الَ ْرضَ فَِإذَا جَا َء َوعْدُ الخِ َرةِ ِجْئنَا ِبكُمْ َلفِيفا (‪)104‬‬

‫وقلنا من بعد هلك فرعون وجنده لبن إسرائيل‪ :‬اسكنوا أرض "الشام"‪ ،‬فإذا جاء يوم القيامة جئنا بكم‬
‫جيعًا مِن قبوركم إل موقف الساب‪.‬‬

‫‪512‬‬
‫ح ّق نَزَ َل َومَا أَ ْرسَ ْلنَاكَ إِلّ ُمبَشّرا َونَذِيرا (‪)105‬‬
‫َوبِالْحَقّ أَنزَْلنَاهُ َوبِالْ َ‬

‫وبالق أنزلنا هذا القرآن على ممد صلى ال عليه وسلم لمْ ِر العباد ونيهم وثوابم وعقابم‪ ،‬وبالصدق‬
‫والعدل وال فظ من التغي ي والتبد يل نزل‪ .‬و ما أر سلناك ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬إل مبشرًا بال نة ل ن أطاع‪،‬‬
‫وموفًا بالنار لن عصى وكفر‪.‬‬

‫ث َونَزّْلنَا ُه تَنِيلً (‪)106‬‬


‫س عَلَى مُ ْك ٍ‬
‫وَقُرْآنا فَرَ ْقنَاهُ ِلَتقْ َرأَ ُه عَلَى النّا ِ‬

‫وأنزلنا إل يك ‪-‬أيها الر سول‪ -‬قرآنًا بيّناه وأحكمناه وفَ صّلناه فارقًا ب ي الدى والضلل وال ق والبا طل؛‬
‫لتقرأه على الناس فه تؤدة وتهّله‪ ،‬ونَزّلْناه مفرّقًا‪ ،‬شيئًا بعهد شيهء‪ ،‬على حسهب الوادث ومقتضيات‬
‫الحوال‪.‬‬

‫خرّونَ ِللَذْقَانِ سُجّدا (‪)107‬‬


‫قُلْ آ ِمنُوا بِهِ َأوْ ل ُت ْؤ ِمنُوا إِ ّن الّذِينَ أُوتُوا الْعِ ْل َم مِنْ َقبْلِهِ إِذَا ُيتْلَى عََلْيهِ ْم يَ ِ‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الكذبي‪ :‬آمِنوا بالقرآن أو ل تؤمنوا؛ فإن إيانكم ل يزيده كمال وتكذيبكم‬
‫ل يُلْحِق به نقصًا‪ .‬إن العلماء الذين أوتوا الكتب السابقة مِن قبل القرآن‪ ،‬وعرفوا حقيقة الوحي‪ ،‬إذا قرئ‬
‫عليهم القرآن يشعون‪ ،‬فيسجدون على وجوههم ل سبحانه وتعال‪.‬‬

‫َوَيقُولُونَ ُسبْحَانَ َرّبنَا إِنْ كَانَ َوعْدُ َرّبنَا لَ َم ْفعُولً (‪)108‬‬

‫ويقول هؤلء الذين أوتوا العلم عند ساع القرآن‪ :‬تنيهًا لربنا وتبئة له ما يصفه الشركون به‪ ،‬ما كان‬
‫وعد ال تعال من ثواب وعقاب إل واقعًا حقًا ‪.‬‬

‫َويَخِرّونَ ِللَذْقَانِ َيْبكُو َن َويَزِي ُدهُمْ خُشُوعا (‪)109‬‬

‫ويقهع هؤلء سهاجدين على وجوهههم‪ ،‬يبكون تأثرًا بواعهظ القرآن‪ ،‬ويزيدههم سهاع القرآن ومواعظهه‬
‫خضوعًا لمر ال وعظيم قدرته‪.‬‬

‫‪513‬‬
‫ت ِبهَا‬
‫جهَ ْر بِ صَلتِكَ وَل تُخَافِ ْ‬
‫سنَى وَل تَ ْ‬
‫قُلْ ا ْدعُوا اللّ هَ َأوْ ا ْدعُوا الرّ ْحمَ نَ َأيّا مَا تَ ْدعُوا فَلَ ُه الَ سْمَا ُء الْحُ ْ‬
‫ك َسبِيلً (‪)110‬‬ ‫وَاْبتَ ِغ َبيْنَ ذَلِ َ‬

‫قل ‪-‬أيها الر سول‪ -‬لشركي قومك الذ ين أنكروا عليك الدعاء بقولك‪ :‬يا أل يا رحن‪ ،‬ادعوا ال‪ ،‬أو‬
‫ادعوا الرحن‪ ،‬فبأي أسائه دعوتوه فإنكم تدعون ربًا واحدًا؛ لن أساءه كلها حسن‪ .‬ول تهر بالقراءة‬
‫س ّر با فل يسمعك أصحابك‪ ،‬وكن وسطًا بي الهر والمس‪.‬‬ ‫ف صلتك‪ ،‬فيسمعك الشركون‪ ،‬ول تُ ِ‬

‫خ ْذ وَلَدا وَلَ ْم َيكُ نْ لَ هُ شَرِي كٌ فِي الْمُلْ كِ وَلَ ْم يَكُ نْ لَ ُه وَِليّ مِ نْ الذّ ّل وَ َكبّرْ هُ‬
‫وَقُ ْل الْحَ ْمدُ لِلّ ِه الّذِي لَ ْم َيتّ ِ‬
‫تَ ْكبِيا (‪)111‬‬

‫وقل ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬المد ل الذي له الكمال والثناء‪ ،‬الذي تنّه عن الولد والشريك ف ألوهيته‪ ،‬ول‬
‫يكون له سبحانه ولّ مِن خلقه فهو الغن القوي‪ ،‬وهم الفقراء الحتاجون إليه‪ ،‬وعظّمه تعظيمًا تامًا بالثناء‬
‫عليه وعبادته وحده ل شريك له‪ ،‬وإخلص الدين كله له‪.‬‬

‫‪ -18‬سورة الكهف‬

‫جعَلْ لَ ُه ِعوَجَا (‪)1‬‬


‫ب وَلَ ْم يَ ْ‬
‫الْحَمْدُ ِللّ ِه الّذِي أَنزَ َل عَلَى َعبْدِ ِه اْلكِتَا َ‬

‫الثناء على ال بصفاته الت كلّها أوصاف كمال‪ ،‬وبنعمه الظاهرة والباطنة‪ ،‬الدينية والدنيوية‪ ،‬الذي تفضّل‬
‫فأنزل على عبده ورسوله ممد صلى ال عليه وسلم القرآن‪ ،‬ول يعل فيه شيئًا من اليل عن الق‪.‬‬

‫َقيّما ِليُنذِ َر َبأْ سا شَدِيدا مِ نْ لَ ُدنْ ُه َوُيبَشّ َر الْ ُم ْؤمِنِيَ الّذِي َن َيعْمَلُو َن ال صّالِحَاتِ أَنّ َلهُ مْ أَجْرا حَ سَنا (‪)2‬‬
‫مَا ِكثِيَ فِيهِ َأبَدا (‪)3‬‬

‫جعله ال كتابًا مستقيمًا‪ ،‬ل اختلف فيه ول تناقض؛ لينذر الكافرين من عذاب شديد من عنده‪ ،‬ويبشر‬

‫‪514‬‬
‫الصدقي بال ورسوله الذين يعملون العمال الصالات‪ ،‬بأن لم ثوابًا جزيل هو النة‪ ،‬يقيمون ف هذا‬
‫النعيم ل يفارقونه أبدًا‪.‬‬

‫َويُن ِذ َر الّذِينَ قَالُوا اتّخَذَ اللّ ُه وَلَدا (‪)4‬‬

‫وينذر به الشركي الذين قالوا‪ :‬اتذ ال ولدا‪.‬‬

‫ج مِنْ أَ ْفوَاهِهِمْ ِإ ْن َيقُولُونَ إِلّ كَذِبا (‪)5‬‬


‫خرُ ُ‬
‫مَا َلهُ ْم بِ ِه مِ ْن عِلْ ٍم وَل لبَائِهِمْ َكبُرَتْ َكلِ َم ًة تَ ْ‬

‫ليس عند هؤلء الشركي شيء من العلم على ما يَدّعونه ل من اتاذ الولد‪ ،‬كما ل يكن عند أسلفهم‬
‫الذين قلّدوهم‪ ،‬عَظُمت هذه القالة الشنيعة الت ترج من أفواههم‪ ،‬ما يقولون إل قول كاذبًا‪.‬‬

‫ك بَاخِ ٌع َنفْسَكَ عَلَى آثَا ِرهِمْ ِإنْ َل ْم ُيؤْ ِمنُوا ِبهَذَا الْحَدِيثِ َأسَفا (‪)6‬‬
‫فََلعَلّ َ‬

‫فلعلك ‪-‬أيها الرسول‪ُ -‬مهْلِك نفسك غمّا وحزنًا على أثر تولّي قومك وإعراضهم عنك‪ ،‬إن ل يصدّقوا‬
‫بذا القرآن ويعملوا به‪.‬‬

‫ِإنّا َجعَ ْلنَا مَا عَلَى الَ ْرضِ زِيَنةً َلهَا ِلَنبُْل َوهُمْ َأّيهُمْ َأحْسَ ُن عَ َملً (‪)7‬‬

‫إنّا جعلنا ما على وجه الرض من الخلوقات جَمال لا‪ ،‬ومنفعة لهلها؛ لنختبهم‪ :‬أيّهم أحسن عمل‬
‫بطاعتنا‪ ،‬وأيهم أسوأ عمل بالعاصي‪ ،‬ونزي كل با يستحق‪.‬‬

‫صعِيدا جُرُزا (‪)8‬‬


‫َوإِنّا َلجَاعِلُو َن مَا عََلْيهَا َ‬

‫وإنّا لاعلون ما على الرض من تلك الزينة عند انقضاء الدنيا ترابًا‪ ،‬ل نبات فيه‪.‬‬

‫ف وَالرّقِيمِ كَانُوا مِ ْن آيَاِتنَا عَجَبا (‪)9‬‬


‫ب الْ َكهْ ِ‬
‫صحَا َ‬
‫سبْتَ َأنّ أَ ْ‬
‫َأمْ حَ ِ‬

‫‪515‬‬
‫ل تظن ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أن قصة أصحاب الكهف واللوح الذي ُكتِبت فيه أساؤهم من آياتنا عجيبة‬
‫وغريبة؛ فإن خلق السموات والرض وما فيهما أعجب من ذلك‪.‬‬

‫إِذْ َأوَى اْلفِْتَيةُ إِلَى الْ َكهْفِ َفقَالُوا َرّبنَا آِتنَا مِنْ َل ُدنْكَ رَحْ َم ًة َو َهّيئْ َلنَا مِنْ َأمْ ِرنَا َرشَدا (‪)10‬‬

‫اذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬حي لأ الشبّان الؤمنون إل الكهف؛ خشية من فتنة قومهم لم‪ ،‬وإرغامهم على‬
‫عبادة الصنام‪ ،‬فقالوا‪ :‬ربنا أعطنا مِن عندك رحة‪ ،‬تثبتنا با‪ ،‬وتفظنا من الشر‪ ،‬ويسّر لنا الطريق‬
‫الصواب الذي يوصلنا إل العمل الذي تب‪ ،‬فنكون راشدين غي ضالي‪.‬‬

‫ي عَدَدا (‪)11‬‬
‫ف ِسنِ َ‬
‫َفضَ َرْبنَا عَلَى آذَاِنهِمْ فِي الْ َكهْ ِ‬

‫فألقينا عليهم النوم العميق‪ ،‬فبقوا ف الكهف سني كثية‪.‬‬

‫ي الْحِ ْزَبيْنِ أَ ْحصَى ِلمَا َلِبثُوا َأمَدا (‪)12‬‬


‫ثُ ّم َبعَْثنَاهُمْ ِلَنعْلَمَ أَ ّ‬

‫ث أيقظناهم مِن نومهم؛ لنُظهر للناس ما علمناه ف الزل؛ فتتميّز أي الطائفتي التنازعتي ف مدة لبثهم‬
‫أضبط ف الحصاء‪ ،‬وهل لبثوا يومًا أو بعض يوم‪ ،‬أو مدة طويلة؟‬

‫حقّ ِإنّهُمْ ِفْتَيةٌ آمَنُوا ِب َرّبهِمْ وَزِ ْدنَاهُ ْم هُدًى (‪)13‬‬


‫ك َنَبأَهُ ْم بِالْ َ‬
‫نَحْ ُن َن ُقصّ عََليْ َ‬

‫ص عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬خبهم بالصدق‪ .‬إن أصحاب الكهف ُشبّان صدّقوا ربم وامتثلوا أمره‪،‬‬‫نن نق ّ‬
‫وزِدْناهم هدى وثباتًا على الق‪.‬‬

‫وَ َربَطْنَا عَلَى قُلُوِبهِ مْ ِإذْ قَامُوا َفقَالُوا َربّنَا رَبّ ال سّ َموَاتِ وَالَرْ ضِ لَ ْن نَ ْد ُعوَ مِ نْ دُونِ هِ إِلَها َلقَدْ ُقلْنَا إِذا‬
‫شَطَطا (‪)14‬‬

‫‪516‬‬
‫وقوّينا قلوبم باليان‪ ،‬وشددنا عزيتهم به‪ ،‬حي قاموا بي يدي اللك الكافر‪ ،‬وهو يلومهم على تَ ْر ِك‬
‫عبادة الصنام فقالوا له‪ :‬ربنا الذي نعبده هو رب السموات والرض‪ ،‬لن نعبد غيه من اللة‪ ،‬لو قلنا‬
‫غي هذا لكُنّا قد قلنا قول جائرًا بعيدًا عن الق‪.‬‬

‫خذُوا مِ نْ دُونِ هِ آِل َهةً َلوْل يَ ْأتُو َن عََلْيهِ ْم بِ سُلْطَا ٍن َبيّ نٍ فَمَ نْ َأظْلَ ُم مِمّ ْن افْتَرَى عَلَى اللّ هِ كَذِبا‬
‫َهؤُلءِ َق ْو ُمنَا اتّ َ‬
‫(‪)15‬‬

‫ث قال بعضهم لبعض‪ :‬هؤلء قومنا اتذوا لم آلة غي ال‪ ،‬فهل أَتوْا على عبادتم لا بدليل واضح‪ ،‬فل‬
‫أحد أشد ظلمًا من اختلق على ال الكذب بنسبة الشريك إليه ف عبادته‪.‬‬

‫ف يَنشُرْ َلكُ مْ َرّبكُ مْ مِ نْ رَحْ َمتِ ِه َوُي َهيّئْ َلكُ ْم مِ نْ‬


‫َوإِ ْذ اعْتَزَْلتُمُوهُ ْم وَمَا َيعْبُدُو نَ إِلّ اللّ هَ َف ْأوُوا إِلَى الْ َكهْ ِ‬
‫َأمْرِكُ ْم مِرفَقا (‪)16‬‬

‫وحي فارقتم قومكم بدينكم‪ ،‬وتركتم ما يعبدون من اللة إل عبادة ال‪ ،‬فالؤوا إل الكهف ف البل‬
‫لعبادة ربكم وحده‪َ ،‬يبْسطْ لكم ربكم من رحته ما يستركم به ف الدارين‪ ،‬ويسهل لكم من أمركم ما‬
‫تنتفعون به ف حياتكم من أسباب العيش‪.‬‬

‫ضهُ مْ ذَا تَ الشّمَا ِل َوهُ مْ فِي‬


‫ت َتقْرِ ُ‬
‫ت اْليَمِيِ َوإِذَا غَ َربَ ْ‬
‫ت َتتَزَاوَ ُر عَ نْ َك ْه ِفهِ مْ ذَا َ‬ ‫َوتَرَى الشّمْ سَ ِإذَا طََلعَ ْ‬
‫ك مِ ْن آيَاتِ اللّهِ مَ ْن َيهْدِ اللّهُ َف ُهوَ الْ ُم ْهتَدِي َومَ ْن ُيضْلِلْ َفلَ ْن تَجِدَ لَ ُه وَِليّا مُ ْرشِدا (‪)17‬‬‫ج َو ٍة ِمنْهُ ذَلِ َ‬
‫فَ ْ‬

‫فلما فعلوا ذلك ألقى ال عليهم النوم و َحفِظهم‪ .‬وترى ‪-‬أيها الشاهد لم‪ -‬الشمس إذا طلعت من‬
‫الشرق تيل عن مكانم إل جهة اليمي‪ ،‬وإذا غربت تتركهم إل جهة اليسار‪ ،‬وهم ف متسع من‬
‫الكهف‪ ،‬فل تؤذيهم حرارة الشمس ول ينقطع عنهم الواء‪ ،‬ذلك الذي فعلناه بؤلء الفتية من دلئل‬
‫قدرة ال‪ .‬من يوفقه ال للهتداء بآياته فهو الوفّق إل الق‪ ،‬ومن ل يوفقه لذلك فلن تد له معينًا يرشده‬
‫لصابة الق؛ لن التوفيق والِذْلن بيد ال وحده‪.‬‬

‫ت الْيَمِيِ َوذَا تَ الشّمَا ِل وَكَ ْلُبهُ مْ بَا سِطٌ ذِرَا َعيْ ِه بِاْلوَ صِيدِ َلوْ‬
‫سُبهُمْ َأْيقَاظا َوهُ مْ رُقُو ٌد َوُنقَّلُبهُ مْ ذَا َ‬
‫َوتَحْ َ‬

‫‪517‬‬
‫ت عََلْيهِمْ َلوَلّْيتَ مِْنهُمْ ِفرَارا وَلَمُِلْئتَ ِمْنهُمْ ُرعْبا (‪)18‬‬
‫اطَّل ْع َ‬

‫وتظن ‪-‬أيها الناظر‪ -‬أهل الكهف أيقاظًا‪ ،‬وهم ف الواقع نيام‪ ،‬ونتعهدهم بالرعاية‪ ،‬فنُقَلّبهم حال نومهم‬
‫مرة للجنب الين ومرة للجنب اليسر؛ لئل تأكلهم الرض‪ ،‬وكلبهم الذي صاحَبهم مادّ ذراعيه بفناء‬
‫الكهف‪ ،‬لو عاينتهم لدبرت عنهم هاربًا‪ ،‬وَلمُِلَئتْ نفسك منهم فزعًا‪.‬‬

‫ك َبعَْثنَاهُ مْ ِليَتَ سَاءَلُوا َبْيَنهُ مْ قَالَ قَائِ ٌل ِمْنهُ مْ كَ مْ َلِبثْتُ مْ قَالُوا َلِبثْنَا َيوْما َأ ْو َبعْ ضَ َيوْ مٍ قَالُوا َرّبكُ مْ َأعْلَ ُم‬
‫وَكَذَلِ َ‬
‫بِمَا َلِبْثتُ مْ فَاْب َعثُوا أَحَدَكُ ْم ِبوَرِِقكُ ْم هَذِ هِ إِلَى الْمَدِيَنةِ َف ْليَن ُظرْ َأّيهَا أَزْكَى طَعَاما فَ ْلَي ْأتِكُ ْم بِرِزْ قٍ ِمنْ هُ وَْلَيتَلَطّ فْ‬
‫شعِ َر ّن ِبكُمْ أَحَدا (‪)19‬‬ ‫وَل يُ ْ‬

‫وكما أنناهم وحفظناهم هذه الدة الطويلة أيقظناهم مِن نومهم على هيئتهم دون تغيّر؛ لكي يسأل‬
‫بعضهم بعضًا‪ :‬كم من الوقت مكثنا نائمي هنا؟ فقال بعضهم‪ :‬مكثنا يوما أو بعض يوم‪ ،‬وقال آخرون‬
‫التبس عليهم المر‪َ :‬فوّضوا عِلْم ذلك ل‪ ،‬فربكم أعلم بالوقت الذي مكثتموه‪ ،‬فأرسِلوا أحدكم بنقودكم‬
‫الفضية هذه إل مدينتنا فلينظر‪ :‬أيّ أهل الدينة أحلّ وأطيب طعامًا؟ فليأتكم بقوت منه‪ ،‬وليتلطف ف‬
‫شرائه مع البائع حت ل ننكشف‪ ،‬ويظهر أمرنا‪ ،‬ول يُعِْلمَنّ بكم أحدًا من الناس‪.‬‬

‫ِإّنهُمْ ِإ ْن يَ ْظهَرُوا عََليْكُ ْم يَ ْرجُمُوكُمْ َأ ْو ُيعِيدُوكُمْ فِي مِّلِتهِ ْم وَلَ ْن ُتفْلِحُوا إِذا َأبَدا (‪)20‬‬

‫إن قومكم إن يطّلعوا عليكم يرجوكم بالجارة‪ ،‬فيقتلوكم‪ ،‬أو يردوكم إل دينهم‪ ،‬فتصيوا كفارًا‪ ،‬ولن‬
‫تفوزوا بطلبكم مِن دخول النة ‪-‬إن فعلتم ذلك‪ -‬أبدًا‪.‬‬

‫وَكَذَلِكَ َأعْثَ ْرنَا عََلْيهِمْ ِلَيعْلَمُوا أَ ّن َوعْدَ اللّهِ حَ ّق َوَأنّ السّا َعةَ ل َرْيبَ فِيهَا إِ ْذ َيَتنَا َزعُو َن بَْيَنهُمْ َأمْ َرهُمْ َفقَالُوا‬
‫اْبنُوا عََلْيهِ ْم ُبْنيَانا َرّبهُمْ َأعْلَ ُم ِبهِمْ قَالَ الّذِينَ غََلبُوا عَلَى َأمْ ِرهِمْ َلَنتّخِ َذ ّن عََلْيهِ ْم مَسْجِدا (‪)21‬‬

‫وكما أنناهم سني كثية‪ ،‬وأيقظناهم بعدها‪ ،‬أطْلَعنا عليهم أهل ذلك الزمان‪ ،‬بعد أن كشف البائع نوع‬
‫الدراهم الت جاء با مبعوثهم؛ ليعلم الناس أنّ َوعْ َد ال بالبعث حق‪ ،‬وأن القيامة آتية ل شك فيها‪ ،‬إذ‬
‫ت لا ومِن ُمنْكِر‪ ،‬فجعل ال إطْلعهم‬
‫يتنازع الطّلِعون على أصحاب الكهف ف أمر القيامة‪ :‬فمِن ُمْثبِ ٍ‬
‫على أصحاب الكهف حجة للمؤمني على الكافرين‪ .‬وبعد أن انكشف أمرهم‪ ،‬وماتوا قال فريق من‬
‫‪518‬‬
‫الطّلِعي عليهم‪ :‬ابنوا على باب الكهف بناءً يجبهم‪ ،‬واتركوهم وشأنم‪ ،‬ربم أعلم بالم‪ ،‬وقال‬
‫أصحاب الكلمة والنفوذ فيهم‪ :‬لنتخذنّ على مكانم مسجدًا للعبادة‪ .‬وقد نى رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم عن اتاذ قبور النبياء والصالي مساجد‪ ،‬ولعن مَن َفعَلَ ذلك ف آخر وصاياه لمته‪ ،‬كما أنه نى‬
‫عن البناء على القبور مطلقًا‪ ،‬وعن تصيصها والكتابة عليها؛ لن ذلك من الغلو الذي قد يؤدي إل‬
‫عبادة مَن فيها‪.‬‬

‫سةٌ سَا ِد ُسهُمْ َك ْلُبهُ مْ رَجْما بِاْل َغيْ بِ َوَيقُولُو نَ َسبْ َع ٌة َوثَامُِنهُ ْم‬
‫َسيَقُولُونَ ثَلَثةٌ رَاِب ُعهُ مْ كَ ْلُبهُ ْم َوَيقُولُو نَ خَمْ َ‬
‫سَتفْتِ فِيهِ ْم ِمْنهُ مْ‬ ‫كَ ْلُبهُ مْ قُلْ َربّي َأعْلَ ُم ِبعِ ّدِتهِ ْم مَا يَعَْل ُمهُ مْ إِلّ قَلِيلٌ فَل تُمَارِ فِيهِ مْ إِ ّل مِرَا ًء ظَاهِرا وَل تَ ْ‬
‫أَحَدا (‪)22‬‬

‫سيقول بعض الائضي ف شأنم من أهل الكتاب‪ :‬هم ثلثةٌ‪ ،‬رابعهم كلبهم‪ ،‬ويقول فريق آخر‪ :‬هم‬
‫خسة‪ ،‬سادسهم كلبهم‪ ،‬وكلم الفريقي قول بالظن من غي دليل‪ ،‬وتقول جاعة ثالثة‪ :‬هم سبعة‪،‬‬
‫وثامنهم كلبهم‪ ،‬قل ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬رب هو العلم بعددهم‪ ،‬ما يعلم عددهم إل قليل من خلقه‪ .‬فل‬
‫تادل أهل الكتاب ف عددهم إل جدال ظاهرًا ل عمق فيه‪ ،‬بأن َت ُقصّ عليهم ما أخبك به الوحي‬
‫فحسب‪ ،‬ول تسألم عن عددهم وأحوالم؛ فإنم ل يعلمون ذلك‪.‬‬

‫ك غَدا (‪ )23‬إِلّ أَ نْ يَشَاءَ اللّ ُه وَاذْكُرْ َربّ كَ ِإذَا نَ سِيتَ وَقُلْ عَ سَى أَ نْ‬
‫شيْءٍ إِنّ ي فَاعِلٌ ذَلِ َ‬
‫وَل َتقُولَنّ لِ َ‬
‫َيهْ ِديَنِي َربّي لَقْرَبَ مِ ْن هَذَا َرشَدا (‪)24‬‬

‫ول تقولنّ لشيء تعزم على فعله‪ :‬إن فاعل ذلك الشيء غدًا إل أن ُتعَلّق قولك بالشيئة‪ ،‬فتقول‪ :‬إن شاء‬
‫ال‪ .‬واذكر ربك عند النسيان بقول‪ :‬إن شاء ال‪ ،‬وكلما نسيت فاذكر ال; فإن ذِكْرَ ال يُذهِب‬
‫النسيان‪ ،‬وقل‪ :‬عسى أن يهدين رب لقرب الطرق الوصلة إل الدى والرشاد‪.‬‬

‫ي وَازْدَادُوا تِسْعا (‪)25‬‬


‫وََلبِثُوا فِي َك ْه ِفهِ ْم ثَلثَ مِاَئ ٍة ِسنِ َ‬

‫ومكث الشّبّان نيامًا ف كهفهم ثلثائة سنة وتسع سني‪.‬‬

‫‪519‬‬
‫قُلْ اللّ هُ أَعَْل ُم بِمَا َلِبثُوا لَ ُه َغيْ بُ ال سّ َموَاتِ وَالَرْ ضِ َأبْ صِ ْر بِ ِه َوأَ سْمِ ْع مَا َلهُ ْم مِ نْ دُونِ هِ مِ ْن وَِليّ وَل يُشْرِ كُ‬
‫فِي ُحكْمِهِ أَحَدا (‪)26‬‬

‫وإذا سُئلت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عن مدة لبثهم ف الكهف‪ ،‬وليس عندك علم ف ذلك وتوقيف من ال‪ ،‬فل‬
‫تتقدم فيه بشيء‪ ،‬بل قل‪ :‬ال أعلم بدة لبثهم‪ ،‬له غيب السموات والرض‪َ ،‬أْبصِرْ به وأسع‪ ،‬أي‪ :‬تعجب‬
‫من كمال بصره وسعه وإحاطته بكل شيء‪ .‬ليس للخلق أحد غيه يتول أمورهم‪ ،‬وليس له شريك ف‬
‫حكمه وقضائه وتشريعه‪ ،‬سبحانه وتعال‪.‬‬

‫ج َد مِنْ دُونِ ِه مُ ْلتَحَدا (‪)27‬‬


‫وَاتْ ُل مَا أُو ِحيَ إَِليْكَ مِنْ ِكتَابِ َربّكَ ل ُمبَدّلَ ِلكَلِمَاتِ ِه وَلَ ْن تَ ِ‬

‫واتل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ما أوحاه ال إليك من القرآن‪ ،‬فإنه الكتاب الذي ل مبدّل لكلماته لصدقها‬
‫وعدلا‪ ،‬ولن تد من دون ربك ملجًأ تلجأ إليه‪ ،‬ول معاذًا تعوذ به‪.‬‬

‫ك مَ َع الّذِي َن يَ ْدعُو نَ َرّبهُ ْم بِاْلغَدَاةِ وَاْلعَشِيّ ُيرِيدُو نَ وَ ْجهَ ُه وَل َتعْ ُد عَْينَا َك َعنْهُ ْم تُرِيدُ زِيَنةَ‬ ‫صبِ ْر َنفْ سَ َ‬‫وَا ْ‬
‫حيَاةِ ال ّدْنيَا وَل تُطِعْ مَنْ أَ ْغفَ ْلنَا قَ ْلبَ ُه عَنْ ذِكْ ِرنَا وَاّتبَ َع َهوَاهُ وَكَانَ َأمْ ُرهُ فُرُطا (‪)28‬‬
‫الْ َ‬

‫واصب نفسك ‪-‬أيها النب‪ -‬مع أصحابك مِن فقراء الؤمني الذين يعبدون ربم وحده‪ ،‬ويدعونه ف‬
‫الصباح والساء‪ ،‬يريدون بذلك وجهه‪ ،‬واجلس معهم وخالطهم‪ ،‬ول تصرف نظرك عنهم إل غيهم من‬
‫الكفار لرادة التمتع بزينة الياة الدنيا‪ ،‬ول تُطِعْ من جعلنا قلبه غافل عن ذكرنا‪ ،‬وآثَ َر هواه على طاعة‬
‫موله‪ ،‬وصار أمره ف جيع أعماله ضياعًا وهلكًا‪.‬‬

‫ط ِبهِ مْ ُسرَادُِقهَا‬
‫وَقُ ْل الْحَقّ مِ نْ َربّكُ مْ َفمَ ْن شَاءَ فَ ْلُي ْؤمِ ْن َومَ ْن شَاءَ فَ ْلَي ْكفُرْ ِإنّ ا َأ ْعتَ ْدنَا لِلظّالِ ِميَ نَارا أَحَا َ‬
‫ب َوسَاءَتْ مُ ْرَتفَقا (‪)29‬‬ ‫شوِي الْوُجُو َه ِبْئسَ الشّرَا ُ‬ ‫ستَغِيثُوا ُيغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْ ُمهْ ِل يَ ْ‬
‫َوإِ ْن يَ ْ‬

‫وقل لؤلء الغافلي‪ :‬ما جئتكم به هو الق من ربكم‪ ،‬فمن أراد منكم أن يصدق ويعمل به‪ ،‬فليفعل فهو‬
‫خي له‪ ،‬ومن أراد أن يحد فليفعل‪ ،‬فما ظَلَم إل نفسه‪ .‬إنا أعتدنا للكافرين نارًا شديدة أحاط بم‬
‫سورها‪ ،‬وإن يستغث هؤلء الكفار ف النار بطلب الاء مِن شدة العطش‪ ،‬يُؤتَ لم باء كالزيت العَكِر‬
‫ت النار منل‬
‫ح ْ‬ ‫شديد الرارة يشوي وجوههم‪َ .‬قبُح هذا الشراب الذي ل يروي ظمأهم بل يزيده‪ ،‬وَقبُ َ‬
‫‪520‬‬
‫لم ومقامًا‪ .‬وف هذا وعيد وتديد شديد لن أعرض عن الق‪ ،‬فلم يؤمن برسالة ممد صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬ول يعمل بقتضاها‪.‬‬

‫ِإنّ الّذِينَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا الصّالِحَاتِ ِإنّا ل ُنضِيعُ أَ ْج َر مَنْ أَحْسَ َن عَ َملً (‪)30‬‬

‫إن الذين آمنوا بال ورسوله وعملوا العمال الصالات لم أعظم الثوبة‪ ،‬إنا ل نضيع أجورهم‪ ،‬ول‬
‫ننقصها على ما أحسنوه من العمل‪.‬‬

‫حّلوْ نَ فِيهَا مِ نْ أَ سَاوِ َر مِ نْ َذهَ بٍ َويَ ْلبَ سُونَ ثِيَابا‬


‫حِتهِ ْم الَْنهَا ُر يُ َ‬
‫جرِي مِ ْن تَ ْ‬
‫ُأوْلَئِ كَ َلهُ مْ َجنّا تُ عَدْ ٍن تَ ْ‬
‫ت مُ ْرَتفَقا (‪)31‬‬ ‫سَن ْ‬‫ك ِنعْمَ الّثوَابُ وَحَ ُ‬ ‫ق ُمّتكِئِيَ فِيهَا عَلَى الَرَائِ ِ‬ ‫س َوِإ ْستَبْ َر ٍ‬
‫ُخضْرا مِ ْن سُندُ ٍ‬

‫أولئك الذين آمنوا لم جنات يقيمون فيها دائمًا‪ ،‬تري من تت غرفهم ومنازلم النار العذبة‪ ،‬يُحَلّون‬
‫فيها بأساور الذهب‪ ،‬ويَ ْلبَسون ثيابًا ذات لون أخضر نسجت من رقيق الرير وغليظه‪ ،‬يتكئون فيها على‬
‫ت النة منل ومكانًا لم‪.‬‬
‫السِرّة الزدانة بالستائر الميلة‪ِ ،‬نعْ َم الثواب ثوابم‪ ،‬وحَسُن ِ‬

‫خ ٍل وَ َجعَ ْلنَا َبيَْنهُمَا زَرْعا (‬


‫ب وَ َح َف ْفنَاهُمَا بِنَ ْ‬
‫وَاضْرِ بْ َلهُ ْم َمَثلً رَجَُليْ نِ َجعَ ْلنَا لَحَ ِدهِمَا َجنَّتيْ ِن مِ نْ َأعْنَا ٍ‬
‫‪)32‬‬

‫واضرب ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لكفار قومك مثل رجلي من المم السابقة‪ :‬أحدها مؤمن‪ ،‬والخر كافر‪ ،‬وقد‬
‫جعلنا للكافر حديقتي من أعناب‪ ،‬وأحطناها بنخل كثي‪ ،‬وأنبتنا وسطهما زروعًا متلفة نافعة‪.‬‬

‫جّنتَيْ ِن آَتتْ أُكَُلهَا وََل ْم تَظْلِ ْم ِمنْ ُه َشيْئا وَفَجّ ْرنَا خِلَلهُمَا َنهَرا (‪)33‬‬
‫كِ ْلتَا الْ َ‬

‫وقد أثرت كل واحدة من الديقتي ثرها‪ ،‬ول ُتْنقِص منه شيئًا‪ ،‬وشققنا بينهما نرًا لسقيهما بسهولة‬
‫ويسر‪.‬‬

‫ك مَا ًل َوأَعَ ّز َنفَرا (‪)34‬‬


‫وَكَانَ لَ ُه ثَ َمرٌ َفقَالَ ِلصَا ِحبِ ِه َوهُ َو يُحَاوِ ُرهُ َأنَا أَكْثَ ُر ِمنْ َ‬

‫‪521‬‬
‫وكان لصاحب الديقتي ثر وأموال أخرى‪ ،‬فقال لصاحبه الؤمن‪ ،‬وهو ياوره ف الديث‪ ،‬والغرور‬
‫يلؤه‪ :‬أنا أكثر منك مال وأعز أنصارًا وأعوانًا‪.‬‬

‫وَدَ َخلَ َجّنتَ ُه َو ُهوَ ظَالِ مٌ ِلَنفْ سِهِ قَا َل مَا أَظُنّ أَ نْ َتبِي َد هَذِ هِ َأبَدا (‪َ )35‬ومَا أَظُنّ ال سّا َعةَ قَائِ َم ًة وََلئِ نْ رُ ِددْ تُ‬
‫إِلَى َربّي لَجِ َدنّ َخيْرا ِمْنهَا مُنقَلَبا (‪)36‬‬

‫ودخل حديقته‪ ،‬وهو ظال لنفسه بالكفر بالبعث‪ ،‬وشكه ف قيام الساعة‪ ،‬فأعجبته ثارها وقال‪ :‬ما أعتقد‬
‫أن َتهْلِك هذه الديقة مدى الياة‪ ،‬وما أعتقد أن القيامة واقعة‪ ،‬وإن ُف ِرضَ وقوعها ‪-‬كما تزعم أيها‬
‫الؤمن‪ -‬ورُجعتُ إل رب لجدنّ عنده أفضل من هذه الديقة مرجعًا ومردًا؛ لكرامت ومنلت عنده‪.‬‬

‫ت بِالّذِي َخَلقَكَ مِ ْن ُترَابٍ ثُ ّم مِ ْن نُ ْط َف ٍة ثُ ّم َسوّاكَ َر ُجلً (‪)37‬‬


‫قَالَ لَهُ صَا ِحبُهُ َو ُه َو يُحَاوِ ُرهُ أَ َكفَرْ َ‬

‫قال له صاحبه الؤمن‪ ،‬وهو ياوره واعظًا له‪ :‬كيف تكفر بال الذي خلقك مِن تراب‪ ،‬ث مِن نطفة‬
‫البوين‪ ،‬ث َسوّاك بشرًا معتدل القامة والَلْق؟ وف هذه الحاورة دليل على أن القادر على ابتداء اللق‪،‬‬
‫قادر على إعادتم‪.‬‬

‫َلكِنّا ُهوَ اللّهُ َربّي وَل ُأشْ ِركُ بِ َربّي أَحَدا (‪)38‬‬

‫لكن أنا ل أقول بقالتك الدالة على كفرك‪ ،‬وإنا أقول‪ :‬النعم التفضل هو ال رب وحده‪ ،‬ول أشرك ف‬
‫عبادت له أحدًا غيه‪.‬‬

‫وََلوْل ِإذْ دَ َخلْ تَ َجّنتَ كَ ُقلْ تَ مَا شَاءَ اللّ هُ ل ُق ّوةَ إِلّ بِاللّ هِ إِ ْن تُ َرنِي َأنَا أَقَ ّل ِمنْ كَ مَا ًل َووَلَدا (‪َ )39‬فعَ سَى‬
‫صعِيدا زَلَقا (‪َ )40‬أوْ يُ صْبِحَ‬
‫صبِحَ َ‬ ‫سبَانا مِ ْن ال سّمَاءِ َفتُ ْ‬ ‫ك َويُرْ سِ َل عََلْيهَا حُ ْ‬‫َربّي أَ ْن ُيؤِْتَينِي َخيْرا مِ نْ َجّنتِ َ‬
‫مَاؤُهَا َغوْرا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَ ُه طَلَبا (‪)41‬‬

‫وهل حي دخَ ْلتَ حديقتك فأعجبتك حَمِدت ال‪ ،‬وقلت‪ :‬هذا ما شاء ال ل‪ ،‬ل قوة ل على تصيله‬
‫إل بال‪ .‬إن كنت تران أقل منك مال وأولدًا‪ ،‬فعسى رب أن يعطين أفضل من حديقتك‪ ،‬ويسلبك‬

‫‪522‬‬
‫النعمة بكفرك‪ ،‬ويرسل على حديقتك عذابا من السماء‪ ،‬فتصبح أرضًا ملساء جرداء ل تثبت عليها قدم‪،‬‬
‫ول ينبت فيها نبات‪ ،‬أو يصي ماؤها الذي تُسقى منه غائرًا ف الرض‪ ،‬فل تقدر على إخراجه‪.‬‬

‫صبَ َح ُيقَلّبُ َكفّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا َوهِيَ خَا ِوَيةٌ عَلَى عُرُو ِشهَا َوَيقُولُ يَا َلْيتَنِي لَمْ ُأشْرِكْ‬
‫ط ِبثَمَرِهِ َفأَ ْ‬
‫َوأُحِي َ‬
‫بِ َربّي أَحَدا (‪)42‬‬

‫و َتقّقَ ما قاله الؤمن‪ ،‬ووقع الدمار بالديقة‪ ،‬فهلك كل ما فيها‪ ،‬فصار الكافر ُيقَلّب كفيه حسر ًة وندامة‬
‫على ما أنفق فيها‪ ،‬وهي خاوية قد سقط بعضها على بعض‪ ،‬ويقول‪ :‬يا ليتن عرفت ِنعَمَ ال وقدرته فلم‬
‫أشرك به أحدًا‪ .‬وهذا ندم منه حي ل ينفعه الندم‪.‬‬

‫وَلَ ْم َتكُنْ لَهُ ِفَئةٌ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللّ ِه َومَا كَانَ مُنَتصِرا (‪)43‬‬

‫ول تكن له جاعة من افتخر بم ينعونه مِن عقاب ال النازل به‪ ،‬وما كان متنعًا بنفسه وقوته‪.‬‬

‫ح ّق ُهوَ َخيْ ٌر َثوَابا وَ َخيْ ٌر ُعقْبا (‪)44‬‬


‫ُهنَالِكَ اْلوَلَيةُ لِلّ ِه الْ َ‬

‫ف مثل هذه الشدائد تكون الولية والنصرة ل الق‪ ،‬هو خي جزاءً‪ ،‬وخي عاقبة لن تولهم من عباده‬
‫الؤمني‪.‬‬

‫صبَ َح هَشِيما تَذْرُو هُ‬


‫ت الَرْ ضِ َفأَ ْ‬
‫ط بِ ِه نَبَا ُ‬
‫حيَاةِ ال ّدْنيَا كَمَاءٍ أَنزَْلنَا هُ مِ ْن ال سّمَاءِ فَا ْختَلَ َ‬
‫وَاضْرِ بْ َلهُ ْم َمثَ َل الْ َ‬
‫ح وَكَانَ اللّ ُه عَلَى كُ ّل َشيْ ٍء ُمقْتَدِرا (‪)45‬‬ ‫ال ّريَا ُ‬

‫واضرب أيها الرسول للناس ‪-‬وباصة ذوو الكِبْر منهم ‪ -‬صفة الدنيا الت اغترّوا با ف بجتها وسرعة‬
‫زوالا‪ ،‬فهي كماء أنزله ال من السماء فخرج به النبات بإذنه‪ ،‬وصار مُخْضرّا‪ ،‬وما هي إل مدة يسية‬
‫حت صار هذا النبات يابسًا متكسرًا تنسفه الرياح إل كل جهة‪ .‬وكان ال على كل شيء مقتدرًا‪ ،‬أي‪:‬‬
‫ذا قدرة عظيمة على كل شيء‪.‬‬

‫‪523‬‬
‫حيَاةِ ال ّدْنيَا وَاْلبَاِقيَاتُ الصّالِحَاتُ َخيْ ٌر ِعنْدَ َربّكَ َثوَابا وَ َخْيرٌ َأمَلً (‪)46‬‬
‫الْمَا ُل وَاْلبَنُونَ زِيَن ُة الْ َ‬

‫الموال والولد جَمال وقوة ف هذه الدنيا الفانية‪ ،‬والعمال الصالة ‪-‬وباصة التسبي ُح والتحميد‬
‫والتكبي والتهليل‪ -‬أفضل أجرًا عند ربك من الال والبني‪ ،‬وهذه العمال الصالة أفضل ما يرجو‬
‫النسان من الثواب عند ربه‪ ،‬فينال با ف الخرة ما كان يأمُله ف الدنيا‪.‬‬

‫جبَا َل َوتَرَى الَ ْرضَ بَارِ َزةً َوحَشَ ْرنَاهُمْ فََل ْم ُنغَادِ ْر ِمْنهُمْ أَحَدا (‪)47‬‬
‫سيّ ُر الْ ِ‬
‫َوَيوْ َم نُ َ‬

‫واذكر لم يوم نُزيل البال عن أماكنها‪ ،‬وتبصر الرض ظاهرة‪ ،‬ليس عليها ما يسترها ما كان عليها من‬
‫الخلوقات‪ ،‬وجعنا الولي والخِرين لوقف الساب‪ ،‬فلم نترك منهم أحدًا‪.‬‬

‫جعَلَ َلكُ ْم َموْعِدا (‪)48‬‬


‫صفّا َلقَدْ ِجْئتُمُونَا كَمَا َخَل ْقنَاكُمْ َأوّ َل َم ّرةٍ بَلْ َزعَ ْمتُمْ أَلّنْ نَ ْ‬
‫َوعُرِضُوا عَلَى َربّكَ َ‬

‫وعُرِضوا جيعًا على ربك مص َطفّي ل يُحجب منهم أحد‪ ،‬لقد بعثناكم‪ ،‬وجئتم إلينا فرادى ل مال معكم‬
‫ول ولد‪ ،‬كما خلقناكم أول مرة‪ ،‬بل ظننتم أن لن نعل لكم موعدًا نبعثكم فيه‪ ،‬ونازيكم على‬
‫أعمالكم‪.‬‬

‫صغِيَ ًة وَل‬
‫ي مِمّا فِي ِه َوَيقُولُونَ يَا َويَْلَتنَا مَا ِل هَذَا اْل ِكتَابِ ل ُيغَا ِدرُ َ‬
‫ش ِفقِ َ‬
‫ي مُ ْ‬
‫َووُضِ َع اْلكِتَابُ َفتَرَى الْ ُمجْ ِرمِ َ‬
‫َكبِيَةً إِلّ أَ ْحصَاهَا َووَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرا وَل يَ ْظلِمُ َربّكَ أَحَدا (‪)49‬‬

‫ووُضِع كتاب أعمال كل واحد ف يينه أو ف شاله‪ ،‬فتبصر العصاة خائفي ما فيه بسبب ما قدموه من‬
‫جرائمهم‪ ،‬ويقولون حي يعاينونه‪ :‬يا هلكنا! ما لذا الكتاب ل يترك صغية مِن أفعالنا ول كبية إل‬
‫أثبتها؟! ووجدوا كل ما عملوه ف الدنيا حاضرًا مثبتًا‪ .‬ول يظلم ربك أحدًا مثقال ذرة‪ ،‬فل يُنقَص طائع‬
‫من ثوابه‪ ،‬ول يُزاد عاص ف عقابه‪.‬‬

‫جدُوا إِلّ ِإبْلِيسَ كَا َن مِ ْن الْجِنّ َففَسَ َق عَنْ َأمْرِ َربّهِ أََفَتتّخِذُونَ ُه وَذُ ّرّيتَهُ‬
‫َوإِذْ قُ ْلنَا ِللْمَلئِ َك ِة اسْجُدُوا لدَمَ فَسَ َ‬
‫ي بَدَلً (‪)50‬‬ ‫َأوْلِيَا َء مِنْ دُونِي َوهُمْ َلكُمْ عَ ُدوّ ِبْئسَ لِلظّاِلمِ َ‬

‫‪524‬‬
‫واذكر حي أمرنا اللئكة بالسجود لدم‪ ،‬تية له ل عبادة‪ ،‬وأمرنا إبليس با ُأمِروا به‪ ،‬فسجد اللئكة‬
‫جيعًا‪ ،‬لكن إبليس الذي كان من الن خرج عن طاعة ربه‪ ،‬ول يسجد كِبًا وحسدًا‪ .‬أفتجعلونه ‪-‬أيها‬
‫حتْ طاعة الظالي للشيطان‬ ‫الناس‪ -‬وذريته أعوانًا لكم تطيعونم وتتركون طاعت‪ ،‬وهم ألد أعدائكم؟ َقبُ َ‬
‫بدل عن طاعة الرحن‪.‬‬

‫ي َعضُدا (‪)51‬‬
‫ض وَل َخلْقَ أَنفُسِهِ ْم َومَا كُنتُ ُمتّخِذَ الْ ُمضِلّ َ‬
‫ت وَالَ ْر ِ‬
‫مَا َأ ْشهَ ْدتُهُمْ خَلْقَ السّ َموَا ِ‬

‫ت إبليس وذريته ‪-‬الذين أطعتموهم‪َ -‬خلْ َق السموات والرض‪ ،‬فأستعي بم على خلقهما‪ ،‬ول‬
‫ما أحضر ُ‬
‫أشهدتُ بعضهم على خَلْق بعض‪ ،‬بل تفردتُ بلق جيع ذلك‪ ،‬بغي معي ول ظهي‪ ،‬وما كنت متخذ‬
‫الضلّي من الشياطي وغيهم أعوانًا‪ .‬فكيف تصرفون إليهم حقي‪ ،‬وتتخذونم أولياء من دون‪ ،‬وأنا‬
‫خالق كل شيء؟‬

‫ستَجِيبُوا َلهُ ْم وَ َج َع ْلنَا َبْيَنهُ ْم َموْبِقا (‪)52‬‬


‫َوَيوْ َم َيقُولُ نَادُوا ُشرَكَائِي الّذِينَ َزعَ ْمتُمْ فَ َد َع ْوهُمْ فَلَ ْم يَ ْ‬

‫واذكر لم إذ يقول ال للمشركي يوم القيامة‪ :‬نادوا شركائي الذين كنتم تزعمون أنم شركاء ل ف‬
‫العبادة؛ لينصروكم اليوم من‪ ،‬فاستغاثوا بم فلم يغيثوهم‪ ،‬وجعلنا بي العابدين والعبودين مهلكًا ف‬
‫جهنم يهلكون فيه جيعًا‪.‬‬

‫جدُوا َعْنهَا َمصْرِفا (‪)53‬‬


‫ج ِرمُو َن النّارَ َف َظنّوا َأّنهُمْ ُموَاِقعُوهَا وَلَ ْم يَ ِ‬
‫وَ َرأَى الْمُ ْ‬

‫وشاهد الجرمون النار‪ ،‬فأيقنوا أنم واقعون فيها ل مالة‪ ،‬ول يدوا عنها معدل للنصراف عنها إل‬
‫غيها‪.‬‬

‫س مِنْ كُ ّل َمثَ ٍل وَكَانَ الِنسَانُ أَ ْكثَ َر َشيْءٍ َجدَلً (‪)54‬‬


‫وََلقَدْ صَرّ ْفنَا فِي هَذَا اْلقُرْآنِ لِلنّا ِ‬

‫ولقد وضّحنا ونوّعنا ف هذا القرآن للناس أنواعًا كثية من المثال؛ ليتعظوا با ويؤمنوا‪ .‬وكان النسان‬
‫أكثر الخلوقات خصومة وجدل‪.‬‬

‫‪525‬‬
‫ستَ ْغفِرُوا َرّبهُمْ إِلّ أَ ْن َتأِْتَيهُمْ ُسّنةُ ا َلوّلِيَ َأ ْو َيأِْتَيهُ ْم اْلعَذَابُ‬
‫َومَا َمنَ َع النّاسَ أَ ْن ُي ْؤمِنُوا ِإذْ جَا َءهُ ْم اْلهُدَى َويَ ْ‬
‫ُقُبلً (‪)55‬‬

‫وما منع الناس من اليان ‪-‬حي جاءهم الرسول ممد صلى ال عليه وسلم ومعه القرآن‪ ، -‬واستغفار‬
‫ربم طالبي عفوه عنهم‪ ،‬إل تدّيهم للرسول‪ ،‬وطلبهم أن تصيبهم سنة ال ف إهلك السابقي عليهم‪ ،‬أو‬
‫يصيبهم عذاب ال عِيانًا‪.‬‬

‫وَمَا نُرْ سِ ُل الْمُرْ سَلِيَ إِ ّل ُمبَشّرِي َن َومُنذِرِي َن َويُجَا ِد ُل الّذِي نَ َكفَرُوا بِالْبَاطِلِ ِليُدْ ِحضُوا بِ هِ الْحَقّ وَاتّخَذُوا‬
‫آيَاتِي َومَا ُأنْذِرُوا هُزُوا (‪)56‬‬

‫وما نبعث الرسل إل الناس إل ليكونوا مبشرين بالنة لهل اليان والعمل الصال‪ ،‬وموّفي بالنار لهل‬
‫الكفر والعصيان‪ ،‬ومع وضوح الق ياصم الذين كفروا رسلهم بالباطل تعنتًا; ليزيلوا بباطلهم الق الذي‬
‫جاءهم به الرسول‪ ،‬واتذوا كتاب وحججي وما ُخوّفوا به من العذاب سخرية واستهزاء‪.‬‬

‫سيَ مَا َق ّدمَ تْ يَدَا هُ ِإنّ ا َج َعلْنَا عَلَى قُلُوِبهِ مْ أَ ِكّنةً أَ نْ‬
‫ض َعنْهَا َونَ ِ‬
‫َومَ نْ أَظَْل ُم مِمّ نْ ذُكّ َر بِآيَا تِ َربّ هِ َفأَعْرَ َ‬
‫َيفْ َقهُوهُ وَفِي آذَاِنهِ ْم وَقْرا َوِإنْ تَ ْد ُعهُمْ إِلَى اْلهُدَى َفلَ ْن َي ْهتَدُوا إِذا َأبَدا (‪)57‬‬

‫ول أحد أشد ظلمًا من ُوعِظ بآيات ربه الواضحة‪ ،‬فانصرف عنها إل باطله‪ ،‬ونسي ما قدّمته يداه من‬
‫الفعال القبيحة فلم يرجع عنها‪ ،‬إنّا جعلنا على قلوبم أغطية‪ ،‬فلم يفهموا القرآن‪ ،‬ول يدركوا ما فيه من‬
‫الي‪ ،‬وجعلنا ف آذانم ما يشبه الصمم‪ ،‬فلم يسمعوه ول ينتفعوا به‪ ،‬وإن تَ ْدعُهم إل اليان فلن‬
‫يستجيبوا لك‪ ،‬ولن يهتدوا إليه أبدًا‪.‬‬

‫سبُوا َلعَجّلَ َلهُ ْم اْلعَذَا بَ بَلْ َل ُه ْم َموْعِدٌ لَ ْن َيجِدُوا مِ نْ دُونِ هِ‬


‫وَ َربّ كَ الْ َغفُورُ ذُو الرّ ْح َمةِ َل ْو ُيؤَاخِ ُذهُ ْم بِمَا كَ َ‬
‫َموِْئلً (‪)58‬‬

‫‪526‬‬
‫وربك الغفور لذنوب عباده إذا تابوا‪ ،‬ذو الرحة بم‪ ،‬لو يعاقب هؤلء العرضي عن آياته با كسبوا من‬
‫الذنوب والثام لعجّل لم العذاب‪ ،‬ولكنه تعال حليم ل يعجل بالعقوبة‪ ،‬بل لم موعد يازون فيه‬
‫بأعمالم‪ ،‬ل مندوحة لم عنه ول ميد‪.‬‬

‫ك اْلقُرَى َأهَْلكْنَاهُمْ لَمّا ظَلَمُوا وَ َجعَ ْلنَا لِ َم ْهِل ِكهِمْ َم ْوعِدا (‪)59‬‬
‫َوتِلْ َ‬

‫وتلك القرى القريبة منكم ‪-‬كقرى قوم هود وصال ولوط وشعيب‪ -‬أهلكناها حي ظلم أهلها بالكفر‪،‬‬
‫وجعلنا للكهم ميقاتًا وأجل حي بلغوه جاءهم العذاب فأهلكهم ال به‪.‬‬

‫ضيَ ُحقُبا (‪)60‬‬


‫ح َريْنِ َأوْ َأمْ ِ‬
‫َوإِذْ قَا َل مُوسَى ِل َفتَاهُ ل َأبْ َرحُ َحتّى أَبُْل َغ مَجْ َم َع الْبَ ْ‬

‫واذكر حي قال موسى لادمه يوشع بن نون‪ :‬ل أزال أتابع السي حت أصل إل ملتقى البحرين‪ ،‬أو أسي‬
‫زمنًا طويل حت أصل إل العبد الصال؛ لتعلم منه ما ليس عندي من العلم‪.‬‬

‫ح ِر سَرَبا (‪)61‬‬
‫سيَا حُوَتهُمَا فَاتّخَ َذ َسبِيلَهُ فِي الْبَ ْ‬
‫فََلمّا بََلغَا مَجْ َم َع َبيِْنهِمَا نَ ِ‬

‫سيْر‪ ،‬فلما وصل ملتقى البحرين جلسا عند صخرة‪ ،‬ونسيا حوتما الذي أُمر موسى بأخذه‬ ‫وجَدّا ف ال ّ‬
‫معه قوتًا لما‪ ،‬وحله يوشع ف ِم ْكتَل‪ ،‬فإذا الوت يصبح حيّا وينحدر ف البحر‪ ،‬ويتخذ له فيه طريقًا‬
‫مفتوحًا‪.‬‬

‫فََلمّا جَاوَزَا قَالَ ِل َفتَاهُ آِتنَا غَدَاءَنَا َلقَدْ َلقِينَا مِ ْن َسفَ ِرنَا هَذَا َنصَبا (‪)62‬‬

‫فلما فارقا الكان الذي نسيا فيه الوت وشعر موسى بالوع‪ ،‬قال لادمه‪ :‬أحضر إلينا غداءنا‪ ،‬لقد لقينا‬
‫من سفرنا هذا تعبًا‪.‬‬

‫شيْطَا نُ أَ نْ أَذْكُرَ ُه وَاتّخَذَ َسبِيلَهُ‬


‫ت َومَا َأنْ سَانِي إِلّ ال ّ‬
‫قَالَ أَ َرَأيْ تَ ِإذْ َأوَْينَا إِلَى ال صّخْ َرةِ فَِإنّي نَ سِيتُ الْحُو َ‬
‫ح ِر عَجَبا (‪)63‬‬ ‫فِي اْلبَ ْ‬

‫‪527‬‬
‫قال له خادمه‪ :‬أتذكر حي لأنا إل الصخرة الت استرحنا عندها؟ فإن نسيت أن أخبك ما كان من‬
‫الوت‪ ،‬وما أنسان أن أذكر ذلك لك إل الشيطان‪ ،‬فإن الوت اليت دّبتْ فيه الياة‪ ،‬وقفز ف البحر‪،‬‬
‫جبُ منه‪.‬‬
‫واتذ له فيه طريقًا‪ ،‬وكان أمره ما ُيعْ َ‬

‫ك مَا ُكنّا َنبْغِ فَا ْرتَدّا عَلَى آثَا ِرهِمَا َقصَصا (‪)64‬‬
‫قَالَ ذَلِ َ‬

‫قال موسى‪ :‬ما حصل هو ما كنا نطلبه‪ ،‬فإنه علمة ل على مكان العبد الصال‪ ،‬فرجعا يقصان آثار‬
‫مشيهما حت انتهيا إل الصخرة‪.‬‬

‫َفوَجَدَا َعبْدا مِ ْن عِبَا ِدنَا آَتْينَاهُ َرحْ َم ًة مِ ْن ِعنْ ِدنَا َوعَلّ ْمنَا ُه مِنْ لَ ُدنّا عِلْما (‪)65‬‬

‫لضِر عليه السلم ‪-‬وهو نب من أنبياء ال توفاه ال‪ ، -‬آتيناه‬‫فوجدا هناك عبدًا صالًا من عبادنا هو ا َ‬
‫رحة من عندنا‪ ،‬وعَلّمْناه مِن لدنّا علمًا عظيمًا‪.‬‬

‫ك عَلَى أَ ْن ُتعَلّ َمنِي مِمّا عُلّ ْمتَ ُرشْدا (‪)66‬‬


‫قَالَ لَ ُه مُوسَى هَلْ َأّتبِعُ َ‬

‫فسلّم عليه موسى‪ ،‬وقال له‪ :‬أتأذن ل أن أتبعك؛ لتعلمن من العلم الذي علمك ال إياه ما أسترشد به‬
‫وأنتفع؟‬

‫صبْرا (‪)67‬‬
‫ستَطِي َع َمعِي َ‬
‫قَالَ ِإنّكَ لَ ْن تَ ْ‬

‫لضِر‪ :‬إنك ‪-‬يا موسى‪ -‬لن تطيق أن تصب على اتباعي وملزمت‪.‬‬
‫قال له ا َ‬

‫ط بِهِ ُخبْرا (‪)68‬‬


‫صبِ ُر عَلَى مَا لَ ْم تُحِ ْ‬
‫وَ َكيْفَ َت ْ‬

‫وكيف لك الصب على ما سأفعله من أمور تفى عليك ما علمنيه ال تعال؟‬

‫‪528‬‬
‫قَا َل َستَجِ ُدنِي ِإنْ شَاءَ اللّهُ صَابِرا وَل َأ ْعصِي لَكَ َأمْرا (‪)69‬‬

‫قال له موسى‪ :‬ستجدن إن شاء ال صابرًا على ما أراه منك‪ ،‬ول أخالف لك أمرًا تأمرن به‪.‬‬

‫ك ِمنْهُ ذِكْرا (‪)70‬‬


‫سأَْلنِي عَ ْن َشيْءٍ َحتّى أُحْدِثَ لَ َ‬
‫قَالَ فَِإ ْن اتَّب ْعتَنِي فَل تَ ْ‬

‫لضِر وقال له‪ :‬فإنْ صاحَبتن فل تسألن عن شيء تنكره‪ ،‬حت أبيّن لك من أمره ما خفي عليك‬
‫فوافق ا َ‬
‫دون سؤال منك‪.‬‬

‫سفِيَنةِ َخرََقهَا قَالَ أَ َخرَ ْقَتهَا ِلُتغْ ِرقَ َأهَْلهَا َلقَدْ ِجْئتَ شَيْئا ِإمْرا (‪)71‬‬
‫فَانطََلقَا َحتّى إِذَا رَ ِكبَا فِي ال ّ‬

‫لضِر‬‫فانطلقا يشيان على الساحل‪ ،‬فمرت بما سفينة‪ ،‬فطلبا من أهلها أن يركبا معهم‪ ،‬فلما ركبا قَلَعَ ا َ‬
‫لوحًا من السفينة فخرقها‪ ،‬فقال له موسى‪ :‬أَخَرَ ْقتَ السفينة؛ لتُغرِق أهلَها‪ ،‬وقد حلونا بغي أجر؟ لقد‬
‫فعلت أمرًا منكرًا‪.‬‬

‫صبْرا (‪)72‬‬
‫ستَطِي َع َمعِي َ‬
‫قَالَ أَلَمْ أَقُلْ ِإنّكَ لَ ْن تَ ْ‬

‫لضِر‪ :‬لقد قلت لك من أول المر‪ :‬إنك لن تستطيع الصب على صحبت‪.‬‬
‫قال له ا َ‬

‫قَا َل ل ُتؤَاخِ ْذنِي بِمَا نَسِيتُ وَل تُ ْر ِه ْقنِي مِنْ َأمْرِي عُسْرا (‪)73‬‬

‫قال موسى معتذرًا‪ :‬ل تؤاخذن بنسيان شرطك عليّ‪ ،‬ول تكلفن مشقةً ف تعلّمي منك‪ ،‬وعاملن بيسر‬
‫ورفق‪.‬‬

‫فَانطََلقَا َحتّى إِذَا َل ِقيَا غُلما َف َقتَلَهُ قَالَ أََقتَ ْلتَ َنفْسا زَ ِكّيةً ِب َغيْ ِر َن ْفسٍ َلقَدْ ِجْئتَ َشيْئا ُنكْرا (‪)74‬‬

‫‪529‬‬
‫لضِر عذره‪ ،‬ث خرجا من السفينة‪ ،‬فبينما ها يشيان على الساحل إذ أبصرا غلمًا يلعب مع‬ ‫فقبل ا َ‬
‫لضِر‪ ،‬فأنكر موسى عليه وقال‪ :‬كيف قتلت نفسًا طاهرة ل تبلغ ح ّد التكليف‪ ،‬ول تقتل‬ ‫الغلمان‪ ،‬فقتله ا َ‬
‫نفسًا‪ ،‬حت تستحق القتل با؟ لقد َفعَ ْلتَ أمرًا منكرًا عظيمًا‪.‬‬

‫الزء السادس عشر ‪:‬‬

‫صبْرا (‪)75‬‬
‫ستَطِي َع َمعِي َ‬
‫قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ ِإنّكَ لَ ْن تَ ْ‬

‫لضِر لوسى معاتبًا ومذكرًا‪ :‬أل أقل لك إنك لن تستطيع معي صبًا على ما ترى من أفعال ما ل‬ ‫قال ا َ‬
‫تط به ُخبْرًا؟‬

‫ت مِنْ لَ ُدنّي عُذْرا (‪)76‬‬


‫قَالَ ِإنْ سَأَْلتُكَ عَنْ َشيْ ٍء َبعْ َدهَا فَل ُتصَا ِحْبنِي قَ ْد بََل ْغ َ‬

‫قال موسى له‪ :‬إن سألتك عن شيء بعد هذه الرة فاتركن ول تصاحبن‪ ،‬قد بلغتَ العذر ف شأن ول‬
‫تقصر؛ حيث أخبتَن أن لن أستطيع معك صبًا‪.‬‬

‫ضيّفُوهُمَا َفوَجَدَا فِيهَا جِدَارا يُرِيدُ أَ ْن يَنقَضّ‬


‫فَانطَلَقَا َحتّ ى إِذَا َأتَيَا َأهْلَ قَ ْرَي ٍة ا سْتَ ْطعَمَا َأهْلَهَا َفَأَبوْا أَ نْ ُي َ‬
‫ت عََليْهِ أَجْرا (‪)77‬‬ ‫َفأَقَامَهُ قَالَ َلوْ ِشْئتَ لتّخَذْ َ‬

‫لضِر حت أتيا أهل قرية‪ ،‬فطلبا منهم طعامًا على سبيل الضيافة‪ ،‬فامتنع أهل القرية عن‬
‫فذهب موسى وا َ‬
‫ضيافتهما‪ ،‬فوجدا فيها حائطًا مائل يوشك أن يسقط‪ ،‬فعدّل الَضِر َميْلَه حت صار مستويًا‪ ،‬قال له‬
‫موسى‪ :‬لو شئت لخذت على هذا العمل أجرًا تصرفه ف تصيل طعامنا حيث ل يضيفونا‪.‬‬

‫صبْرا (‪)78‬‬
‫ستَطِ ْع عََليْهِ َ‬
‫ك ِبتَ ْأوِيلِ مَا َل ْم تَ ْ‬
‫ق َبيْنِي َوَبْينِكَ َسُأنَّبئُ َ‬
‫قَا َل هَذَا فِرَا ُ‬

‫لضِر لوسى‪ :‬هذا وقت الفراق بين وبينك‪ ،‬سأخبك با أنكرت عليّ من أفعال الت فعلتها‪ ،‬والت‬ ‫قال ا َ‬
‫ل تستطع صبًا على ترك السؤال عنها والنكار عليّ فيها‪.‬‬

‫‪530‬‬
‫ك َيأْخُذُ كُلّ َسفِيَنةٍ‬
‫ي َيعْمَلُو نَ فِي اْلبَحْرِ َفأَ َردْ تُ أَ نْ َأعِيَبهَا وَكَا َن وَرَا َءهُ ْم مَلِ ٌ‬
‫سفِينَةُ َفكَانَ تْ لِمَ سَا ِك َ‬
‫َأمّا ال ّ‬
‫غَصْبا (‪)79‬‬

‫أما السفينة الت خرقتها فإنا كانت لناس مساكي يعملون ف البحر عليها سعيًا وراء الرزق‪ ،‬فأردت أن‬
‫أعيبها بذلك الرق؛ لن أمامهم ملكًا يأخذ كل سفينة صالة غصبًا من أصحابا‪.‬‬

‫َوَأمّا اْلغُلمُ َفكَانَ َأَبوَا ُه ُم ْؤمَِنيْنِ فَخَشِينَا َأنْ يُ ْر ِه َقهُمَا ُطغْيَانا وَ ُكفْرا (‪)80‬‬

‫وأما الغلم الذي قتلته فكان ف علم ال كافرًا‪ ،‬وكان أبوه وأمه مؤ ِمنَيْن‪ ،‬فخشينا لو بقي الغلم حيًا‬
‫لَحمل والديه على الكفر والطغيان؛ لجل مبتهما إياه أو للحاجة إليه‪.‬‬

‫َفأَرَ ْدنَا َأنْ ُيبْدَِلهُمَا َرّبهُمَا َخيْرا ِمنْهُ زَكَاةً َوأَقْرَبَ رُحْما (‪)81‬‬

‫فأردنا أن ُيبْدِل ال أبويه بن هو خي منه صلحًا ودينًا وبرًا بما‪.‬‬

‫حتَهُ كَنٌ َل ُهمَا وَكَانَ َأبُوهُمَا صَالِحا َفأَرَادَ َربّكَ أَنْ‬ ‫جدَارُ َفكَانَ ِلغُل َميْ ِن َيتِي َميْنِ فِي الْمَدِيَنةِ وَكَا َن تَ ْ‬
‫َوَأمّا الْ ِ‬
‫ستَطِ ْع عََليْ هِ‬
‫ك َت ْأوِي ُل مَا لَ ْم تَ ْ‬
‫ك َومَا َف َع ْلتُ هُ عَ نْ َأمْرِي ذَلِ َ‬‫ستَخْ ِرجَا كَ َنهُمَا رَ ْح َم ًة مِ نْ َربّ َ‬ ‫َيبُْلغَا َأشُ ّدهُمَا َويَ ْ‬
‫صبْرا (‪)82‬‬ ‫َ‬

‫ت َميْلَه حت استوى فإنه كان لغلمي يتيمي ف القرية الت فيها الدار‪ ،‬وكان تته‬ ‫وأما الائط الذي عدّل ُ‬
‫كن لما من الذهب والفضة‪ ،‬وكان أبوها رجل صالًا‪ ،‬فأراد ربك أن يكبَرا ويبلغا قوتما‪ ،‬ويستخرجا‬
‫ت يا موسى جيع الذي رأيتَن فعلتُه عن أمري ومن تلقاء نفسي‪،‬‬
‫كنها رحة من ربك بما‪ ،‬وما فعل ُ‬
‫وإنا فعلته عن أمر ال‪ ،‬ذلك الذي بَّيْنتُ لك أسبابه هو عاقبة المور الت ل تستطع صبًا على ترك‬
‫السؤال عنها والنكار عل ّي فيها‪.‬‬

‫َويَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي اْلقَ ْرَنيْنِ ُق ْل َسأَتْلُو عََلْيكُ ْم ِمنْهُ ذِكْرا (‪)83‬‬

‫‪531‬‬
‫ويسألك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء الشركون من قومك عن خب ذي القرني اللك الصال‪ ،‬قل لم‪ :‬سأقصّ‬
‫عليكم منه ذِ ْكرًا تتذكرونه‪ ،‬وتعتبون به‪.‬‬

‫ض وَآتَْينَاهُ مِنْ كُ ّل َشيْ ٍء َسبَبا (‪)84‬‬


‫ِإنّا َم ّكنّا لَهُ فِي الَ ْر ِ‬

‫إنا م ّكنّا له ف الرض‪ ،‬وآتيناه من كل شيء أسبابًا وطرقًا‪ ،‬يتوصل با إل ما يريد مِن َفتْح الدائن وقهر‬
‫العداء وغي ذلك‪.‬‬

‫َفَأتْبَ َع َسبَبا (‪)85‬‬

‫فأخذ بتلك السباب والطرق بد واجتهاد‪.‬‬

‫س وَجَ َدهَا َتغْرُ بُ فِي عَيْ نٍ حَ ِمَئ ٍة َووَجَ َد ِعنْ َدهَا َقوْما قُ ْلنَا يَا ذَا اْلقَ ْرَنيْ نِ ِإمّا أَ نْ‬
‫َحتّى ِإذَا بََل َغ َمغْرِ بَ الشّمْ ِ‬
‫خذَ فِيهِمْ حُسْنا (‪)86‬‬ ‫ُتعَذّبَ َوإِمّا َأنْ َتتّ ِ‬

‫حت إذا وصل ذو القرني إل مغرب الشمس وجدها ف مرأى العي كأنا تغرب ف عي حارة ذات طي‬
‫أسود‪ ،‬ووجد عند مغربا قومًا‪ .‬قلنا‪ :‬يا ذا القرني إما أن تعذبم بالقتل أو غيه‪ ،‬إن ل يقروا بتوحيد ال‪،‬‬
‫وإما أن تسن إليهم‪ ،‬فتعلمهم الدى وتبصرهم الرشاد‪.‬‬

‫ف ُنعَ ّذبُ ُه ثُ ّم يُ َردّ إِلَى َربّهِ َفُيعَ ّذبُهُ عَذَابا ُنكْرا (‪)87‬‬
‫سوْ َ‬
‫قَالَ َأمّا مَ ْن ظَلَمَ فَ َ‬

‫قال ذو القرني‪ :‬أمّا مَن ظلم نفسه منهم فكفر بربه‪ ،‬فسوف نعذبه ف الدنيا‪ ،‬ث يرجع إل ربه‪ ،‬فيعذبه‬
‫عذابًا عظيمًا ف نار جهنم‪.‬‬

‫سنَى َو َسَنقُولُ لَ ُه مِنْ َأمْ ِرنَا يُسْرا (‪)88‬‬


‫َوَأمّا مَنْ آمَ َن َوعَمِلَ صَالِحا َفلَهُ جَزَا ًء الْحُ ْ‬

‫وأما مَن آمن منهم بربه فصدّق به ووحّده وعمل بطاعته فله النة ثوابًا من ال‪ ،‬وسنحسن إليه‪ ،‬ونلي له‬
‫ف القول ونيسّر له العاملة‪.‬‬
‫‪532‬‬
‫ثُمّ َأتْبَ َع َسبَبا (‪)89‬‬

‫ث رجع ذو القرني إل الشرق متبعًا السباب الت أعطاه ال إياها‪.‬‬

‫جعَلْ َل ُه ْم مِنْ دُوِنهَا ِستْرا (‪)90‬‬


‫َحتّى ِإذَا بََل َغ مَطِْلعَ الشّ ْمسِ وَجَ َدهَا تَطْلُعُ عَلَى َق ْومٍ لَ ْم نَ ْ‬

‫حت إذا وصل إل مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم ليس لم بناء يسترهم‪ ،‬ول شجر يظلهم من‬
‫الشمس‪.‬‬

‫ك وَقَدْ أَ َح ْطنَا بِمَا لَ َديْهِ ُخبْرا (‪)91‬‬


‫كَذَلِ َ‬

‫كذلك وقد أحاط عِلْمُنا با عنده من الي والسباب العظيمة‪ ،‬حيثما توجّه وسار‪.‬‬

‫ثُمّ َأتْبَ َع َسبَبا (‪)92‬‬

‫ث سار ذو القرني آخذًا بالطرق والسباب الت منحناها إياه‪.‬‬

‫َحتّى ِإذَا بََل َغ َبيْنَ السّ ّديْ ِن وَ َج َد مِنْ دُوِنهِمَا َقوْما ل َيكَادُونَ َي ْف َقهُونَ َقوْلً (‪)93‬‬

‫حت إذا وصل إل ما بي البلي الاجزين لا وراءها‪ ،‬وجد من دونما قومًا‪ ،‬ل يكادون يعرفون كلم‬
‫غيهم‪.‬‬

‫جعَ َل َبْينَنَا‬
‫جعَلُ لَ كَ خَرْجا عَلَى أَ ْن تَ ْ‬
‫ج ُمفْ سِدُونَ فِي الَرْ ضِ َفهَلْ نَ ْ‬
‫ج َو َمأْجُو َ‬
‫قَالُوا يَا ذَا اْلقَ ْرنَيْ نِ إِنّ يَأْجُو َ‬
‫َوبَْيَنهُ ْم سَدّا (‪)94‬‬

‫‪533‬‬
‫قالوا يا ذا القرني‪ :‬إنّ يأجوج ومأجوج ‪-‬وها أمّتان عظيمتان من بن آدم‪ -‬مفسدون ف الرض بإهلك‬
‫الرث والنسل‪ ،‬فهل نعل لك أجرًا‪ ،‬ونمع لك مال على أن تعل بيننا وبينهم حاجزًا يول بيننا‬
‫وبينهم؟‬

‫قَا َل مَا َم ّكنَنِي فِيهِ َربّي َخيْرٌ َفَأعِينُونِي ِب ُقوّةٍ أَ ْجعَ ْل َبْينَكُ ْم َوَبيَْنهُمْ َردْما (‪)95‬‬

‫قال ذو القرني‪ :‬ما أعطانيه رب من اللك والتمكي خي ل مِن مالكم‪ ،‬فأعينون بقوة منكم أجعل بينكم‬
‫وبينهم سدًا‪.‬‬

‫آتُونِي ُزبَرَ الْحَدِيدِ َحتّى إِذَا سَاوَى َبيْ نَ ال صّدََفيْنِ قَا َل انفُخُوا َحتّى إِذَا َج َعلَ ُه نَارا قَالَ آتُونِي أُفْرِ غْ عََليْ هِ‬
‫قِطْرا (‪)96‬‬

‫أعطون قطع الديد‪ ،‬حت إذا جاؤوا به ووضعوه وحاذوا به جانب البلي‪ ،‬قال للعمال‪ :‬أجّجوا النار‪،‬‬
‫حت إذا صار الديد كله نارًا‪ ،‬قال‪ :‬أعطون ناسًا أُفرغه عليه‪.‬‬

‫فَمَا ا ْستَطَاعُوا أَ ْن يَ ْظهَرُو ُه َومَا ا ْستَطَاعُوا لَ ُه َنقْبا (‪)97‬‬

‫فما استطاعت يأجوج ومأجوج أن تصعد فوق السد؛ لرتفاعه وملسته‪ ،‬وما استطاعوا أن ينقبوه من‬
‫أسفله لبعد عرضه وقوته‪.‬‬

‫قَا َل هَذَا رَ ْح َم ٌة مِنْ َربّي فَِإذَا جَا َء َوعْدُ َربّي َجعَلَهُ دَكّاءَ وَكَا َن َوعْدُ َربّي َحقّا (‪)98‬‬

‫قال ذو القرني‪ :‬هذا الذي بنيته حاجزًا عن فساد يأجوج ومأجوج رحة من رب بالناس‪ ،‬فإذا جاء وعد‬
‫رب بروج يأجوج ومأجوج جعله دكاء منهدمًا مستويًا بالرض‪ ،‬وكان وعد رب حقّا‪.‬‬

‫ضهُ ْم َي ْومَئِ ٍذ يَمُوجُ فِي َب ْعضٍ َوُنفِخَ فِي الصّورِ َفجَ َم ْعنَاهُمْ جَمْعا (‪)99‬‬
‫َوتَرَ ْكنَا َب ْع َ‬

‫‪534‬‬
‫وتركنا يأجوج ومأجوج ‪-‬يوم يأتيهم َوعْدُنا‪ -‬يوج بعضهم ف بعض متلطي؛ لكثرتم‪ ،‬ونفخ ف‬
‫"القرن" للبعث‪ ،‬فجمعنا اللق جيعًا للحساب والزاء‪.‬‬

‫ضنَا َج َهنّ َم َي ْومَئِذٍ ِل ْلكَافِرِي َن عَرْضا (‪)100‬‬


‫َوعَرَ ْ‬

‫وعرضنا جهنم للكافرين‪ ،‬وأبرزناها لم لنريهم سوء عاقبتهم‪.‬‬

‫ستَطِيعُو َن سَمْعا (‪)101‬‬


‫الّذِينَ كَانَتْ َأعُْيُنهُمْ فِي غِطَا ٍء عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا ل يَ ْ‬

‫الذين كانت أعينهم ف الدنيا ف غطاء عن ذكري فل تبصر آيات‪ ،‬وكانوا ل يطيقون ساع حججي‬
‫الوصلة إل اليان ب وبرسول‪.‬‬

‫خذُوا ِعبَادِي مِنْ دُونِي َأوِْليَاءَ ِإنّا َأعْتَ ْدنَا َج َهنّمَ ِل ْلكَافِرِي َن نُزُلً (‪)102‬‬
‫ب الّذِينَ َكفَرُوا َأنْ َيتّ ِ‬
‫س َ‬
‫أَفَحَ ِ‬

‫أفظن الذين كفروا ب أن يتخذوا عبادي آلة من غيي؛ ليكونوا أولياء لم؟ إنا أعتدنا نار جهنم‬
‫للكافرين منل‪.‬‬

‫قُ ْل هَ ْل ُنَنبُّئكُ ْم بِالَخْسَرِينَ َأعْمَالً (‪)103‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للناس مذرًا‪ :‬هل نُخبكم بأخسر الناس أعمال؟‬

‫صنْعا (‪)104‬‬
‫سنُونَ ُ‬
‫سبُونَ َأّنهُ ْم يُحْ ِ‬
‫حيَاةِ ال ّدنْيَا َوهُ ْم يَحْ َ‬
‫الّذِينَ ضَ ّل َس ْعُيهُمْ فِي الْ َ‬

‫إنم الذين ضلّ عملهم ف الياة الدنيا ‪-‬وهم مشركو قومك وغيهم من ض ّل سواء السبيل‪ ،‬فلم يكن‬
‫على هدى ول صواب‪ -‬وهم يظنون أنم مسنون ف أعمالم‪.‬‬

‫حبِ َطتْ أَعْمَاُلهُمْ فَل ُنقِيمُ َلهُ ْم َي ْومَ اْل ِقيَامَ ِة وَزْنا (‪)105‬‬
‫ك الّذِينَ َكفَرُوا بِآيَاتِ َرّبهِ ْم وَِلقَائِهِ َف َ‬
‫أُولَئِ َ‬

‫‪535‬‬
‫أولئك الخسرون أعمال هم الذين جحدوا بآيات ربم وكذّبوا با‪ ،‬وأنكروا لقاءه يوم القيامة‪ ،‬فبطلت‬
‫أعمالم؛ بسبب كفرهم‪ ،‬فل نقيم لم يوم القيامة قدرًا‪.‬‬

‫ذَلِكَ جَزَا ُؤهُمْ َج َهنّ ُم بِمَا َكفَرُوا وَاتّخَذُوا آيَاتِي وَ ُرسُلِي هُزُوا (‪)106‬‬

‫ذلك الذكور مِن حبوط أعمالم جزاؤهم نار جهنم؛ بسبب كفرهم بال واتاذهم آياته وحجج رسله‬
‫استهزاءً وسخرية‪.‬‬

‫س نُزُلً (‪)107‬‬
‫ت اْلفِرْ َدوْ ِ‬
‫ِإنّ الّذِينَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا الصّالِحَاتِ كَاَنتْ َلهُمْ َجنّا ُ‬

‫إن الذين آمنوا ب‪ ،‬وصدّقوا رسلي‪ ،‬وعملوا الصالات‪ ،‬لم أعلى النة وأفضلها منل‪.‬‬

‫خَالِدِينَ فِيهَا ل َيْبغُونَ عَْنهَا ِحوَلً (‪)108‬‬

‫خالدين فيها أبدًا‪ ،‬ل يريدون عنها توّل؛ لرغبتهم فيها وحبهم لا‪.‬‬

‫قُلْ َلوْ كَا َن اْلبَحْ ُر مِدَادا ِلكَِلمَا تِ َربّ ي َلَنفِ َد اْلبَحْرُ َقبْلَ أَ نْ تَنفَدَ كَلِمَا تُ َربّ ي وََلوْ ِجئْنَا بِ ِمثْلِ ِه مَدَدا (‬
‫‪)109‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬لو كان ماء البحر حبًا للقلم الت يكتب با كلم ال‪ ،‬لنفِد ماء البحر قبل أن تنفد‬
‫كلمات ال‪ ،‬ولو جئنا بثل البحر بارًا أخرى مددًا له‪ .‬وف الية إثبات صفة الكلم ل ‪-‬تعال‪ -‬حقيقة‬
‫كما يليق بلله وكماله‪.‬‬

‫قُلْ ِإنّمَا أَنَا بَشَ ٌر ِمثُْلكُ ْم يُوحَى إَِليّ َأنّمَا إَِل ُهكُ مْ إِلَ ٌه وَاحِدٌ فَمَ نْ كَا َن يَ ْرجُوا ِلقَاءَ َربّ هِ َف ْلَيعْمَ ْل عَ َملً صَالِحا‬
‫ش ِركْ ِب ِعبَا َدةِ َربّهِ أَحَدا (‪)110‬‬ ‫وَل يُ ْ‬

‫‪536‬‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬إنا أنا بشر مثلكم يوحى إلّ من رب أنا إلكم إله واحد‪ ،‬فمَن‬
‫كان ياف عذاب ربه ويرجو ثوابه يوم لقائه‪ ،‬فليعمل عمل صالًا لربه موافقًا لشرعه‪ ،‬ول يشرك ف‬
‫العبادة معه أحدًا غيه‪.‬‬

‫‪ -19‬سورة مري‬

‫كهيعص (‪)1‬‬

‫(كهيعص) سبق الكلم على الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬

‫ك عَبْ َدهُ زَكَ ِريّا (‪)2‬‬


‫ذِ ْكرُ رَ ْح َمةِ َربّ َ‬

‫هذا ذِكْر رحة ربك عبده زكريا‪ ,‬سنقصه عليك‪ ,‬فإن ف ذلك عبة للمعتبين‪.‬‬

‫إِ ْذ نَادَى َربّهُ نِدَاءً َخفِيّا (‪)3‬‬

‫إذ دعا ربه سرًا; ليكون أكمل وأت إخلصًا ل‪ ,‬وأرجى للجابة‪.‬‬

‫ب َش ِقيّا (‪)4‬‬
‫س َشيْبا وَلَمْ أَكُ ْن بِ ُدعَائِكَ رَ ّ‬
‫قَالَ رَبّ إِنّي َوهَنَ اْلعَظْ ُم ِمنّي وَا ْشتَعَلَ ال ّرأْ ُ‬

‫قال‪ :‬رب إن َكبِرْتُ‪ ,‬وضعف عظمي‪ ,‬وانتشر الشيب ف رأسي‪ ,‬ول أكن من قبل مرومًا من إجابة‬
‫الدعاء‪.‬‬

‫ك وَِليّا (‪)5‬‬
‫َوِإنّي ِخ ْفتُ الْ َموَاِليَ مِ ْن وَرَائِي وَكَاَنتْ امْ َرَأتِي عَاقِرا َفهَبْ لِي مِنْ لَ ُدنْ َ‬

‫‪537‬‬
‫وإن خفت أقارب وعصبت مِن بعد موت أن ل يقوموا بدينك حق القيام‪ ,‬ول يدعوا عبادك إليك‪,‬‬
‫وكانت زوجت عاقرًا ل تلد‪ ,‬فارزقن مِن عندك ولدًا وارثًا ومعينًا‪.‬‬

‫ضيّا (‪)6‬‬
‫ث مِنْ آ ِل َي ْعقُوبَ وَا ْجعَلْهُ رَبّ رَ ِ‬
‫يَ ِرُثنِي َويَرِ ُ‬

‫يرث نبوّت ونبوة آل يعقوب‪ ,‬واجعل هذا الولد مرضيًا منك ومن عبادك‪.‬‬

‫جعَلْ لَ ُه مِنْ َقبْ ُل سَ ِميّا (‪)7‬‬


‫حيَى َل ْم نَ ْ‬
‫يَا زَكَ ِريّا ِإنّا نُبَشّ ُر َك ِبغُلمٍ اسْمُ ُه يَ ْ‬

‫يا زكريا إنّا نبشرك بإجابة دعائك‪ ,‬قد وهبنا لك غلمًا اسه يي‪ ,‬ل نُسَمّ أحدًا قبله بذا السم‪.‬‬

‫ت مِ ْن اْلكِبَ ِر ِعِتيّا (‪)8‬‬


‫قَالَ رَبّ أَنّى يَكُونُ لِي غُل ٌم وَكَاَنتْ امْ َرَأتِي عَاقِرا وَقَ ْد َبَلغْ ُ‬

‫ب كيف يكون ل غلم‪ ,‬وكانت امرأت عاقرًا ل تلد‪ ,‬وأنا قد بلغت النهاية ف‬
‫قال زكريا متعجبًا‪ :‬ر ّ‬
‫الكب ورقة العظم؟‬

‫ك َشيْئا (‪)9‬‬
‫ك مِنْ َقبْ ُل وَلَ ْم تَ ُ‬
‫ك ُهوَ عََل ّي َهيّنٌ وَقَدْ َخَلقْتُ َ‬
‫قَالَ كَذَلِكَ قَالَ َربّ َ‬

‫قال الَلَك ميبًا زكريا عمّا تعجّب منه‪ :‬هكذا المر كما تقول مِن كون امرأتك عاقرًا‪ ,‬وبلوغك من‬
‫الكب عتيًا‪ ,‬ولكنّ ربك قال‪َ :‬خلْقُ يي على هذه الكيفية أمر سهل هيّن عليّ‪ ,‬ث ذكر ال سبحانه لزكريا‬
‫ك شيئًا مذكورًا ول موجودًا‪.‬‬
‫ما هو أعجب ما سأل عنه فقال‪ :‬وقد خلقتك أنت من قبل يي‪ ,‬ول ت ُ‬

‫قَالَ رَبّ ا ْجعَل لِي آَيةً قَا َل آَيتُكَ أَ ّل ُتكَلّ َم النّاسَ ثَلثَ َليَا ٍل َس ِويّا (‪)10‬‬

‫قال زكريا زيادة ف اطمئنانه‪ :‬ربّ اجعل ل علمة على تقّق ما بَشّ َرتْن به اللئكة‪ ,‬قال‪ :‬علمتك أن ل‬
‫تقدر على كلم الناس مدة ثلث ليال وأيامها‪ ,‬وأنت صحيح معاف‪.‬‬

‫‪538‬‬
‫شيّا (‪)11‬‬
‫حرَابِ َفَأوْحَى إَِليْهِمْ َأ ْن َسبّحُوا ُبكْ َرةً َوعَ ِ‬
‫ج عَلَى َق ْومِ ِه مِ ْن الْمِ ْ‬
‫خرَ َ‬
‫فَ َ‬

‫فخرج زكريا على قومه مِن مصله‪ ,‬وهو الكان الذي بُشّر فيه بالولد‪ ,‬فأشار إليهم‪ :‬أن َسبّحوا ال‬
‫صباحًا ومساءً شكرًا له تعال‪.‬‬

‫صِبيّا (‪)12‬‬
‫حكْمَ َ‬
‫ب ِب ُقوّ ٍة وَآتَْينَاهُ الْ ُ‬
‫حيَى ُخ ْذ الْ ِكتَا َ‬
‫يَا يَ ْ‬

‫فلما ولد يي‪ ،‬وبلغ مبلغًا يفهم فيه الطاب‪ ،‬أمره اللّه أن يأخذ التوراة بدّ واجتهاد بقوله‪ :‬يا يي خذ‬
‫التوراة بد واجتهاد بفظ ألفاظها‪ ,‬وفهم معانيها‪ ,‬والعمل با‪ ,‬وأعطيناه الكمة وحسن الفهم‪ ,‬وهو‬
‫صغي السن‪.‬‬

‫وَ َحنَانَا مِنْ لَ ُدنّا وَزَكَاةً وَكَا َن َتقِيّا (‪)13‬‬

‫وآتيناه رحة ومبة من عندنا وطهارة من الذنوب‪ ,‬وكان خائفًا مطيعًا ل تعال‪ ,‬مؤديًا فرائضه‪ ,‬متنبًا‬
‫مارمه‪.‬‬

‫َوبَرّا ِبوَالِ َديْ ِه وَلَ ْم َيكُنْ َجبّارا َعصِيّا (‪)14‬‬

‫وكان بارّا بوالديه مطيعًا لما‪ ,‬ول يكن متكبًا عن طاعة ربه‪ ,‬ول عن طاعة والديه‪ ,‬ول عاصيًا لربه‪ ,‬ول‬
‫لوالديه‪.‬‬

‫ت َوَي ْومَ ُيْب َعثُ َحيّا (‪)15‬‬


‫َوسَل ٌم عََليْ ِه َيوْ َم وُلِ َد َوَي ْومَ يَمُو ُ‬

‫وسلم من ال على يي وأمان له يوم وُلِد‪ ,‬ويوم يوت‪ ,‬ويوم يُبعث مِن قبه حيًا‪.‬‬

‫ت مِنْ َأهِْلهَا َمكَانا َشرِْقيّا (‪)16‬‬


‫ب مَ ْريَمَ إِ ْذ انتَبَذَ ْ‬
‫وَاذْكُرْ فِي الْ ِكتَا ِ‬

‫‪539‬‬
‫واذكر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬ف هذا القرآن خب مري إذ تباعدت عن أهلها‪ ,‬فاتذت لا مكانًا ما يلي‬
‫الشرق عنهم‪.‬‬

‫ت مِنْ دُوِنهِمْ ِحجَابا َفأَ ْرسَ ْلنَا إَِلْيهَا رُو َحنَا َفتَ َمثّلَ َلهَا بَشَرا َس ِويّا (‪)17‬‬
‫فَاتّخَذَ ْ‬

‫فجعلت مِن دون أهلها سترًا يسترها عنهم وعن الناس‪ ,‬فأرسلنا إليها اللَك جبيل‪ ,‬فتمثّل لا ف صورة‬
‫إنسان تام الَلْق‪.‬‬

‫قَاَلتْ ِإنّي أَعُو ُذ بِالرّحْمَ ِن ِمنْكَ ِإنْ كُنتَ َت ِقيّا (‪)18‬‬

‫قالت مري له‪ :‬إن أستجي بالرحن منك أن تنالن بسوء إن كنت من يتقي ال‪.‬‬

‫ك غُلما زَ ِكيّا (‪)19‬‬


‫قَالَ ِإنّمَا َأنَا َرسُولُ َربّكِ َلهَبَ لَ ِ‬

‫قال لا الَلَك‪ :‬إنا أنا رسول ربك بعثن إليك؛ لهب لك غلمًا طاهرًا من الذنوب‪.‬‬

‫ش ٌر وَلَمْ أَكُ ْن َبغِيّا (‪)20‬‬


‫سنِي بَ َ‬
‫قَاَلتْ َأنّى يَكُونُ لِي غُل ٌم وَلَ ْم يَمْسَ ْ‬

‫قالت مري للمَلَك‪ :‬كيف يكون ل غلم‪ ,‬ول يسسن بشر بنكاحٍ حلل‪ ,‬ول أكُ زانية؟‬

‫ج َعلَ ُه آَيةً لِلنّاسِ َورَحْ َم ًة ِمنّا وَكَانَ َأمْرا َم ْقضِيّا (‪)21‬‬


‫ك ُهوَ عََل ّي َهيّنٌ وَلِنَ ْ‬
‫قَالَ كَذَلِكِ قَالَ َربّ ِ‬

‫قال لا الَلَك‪ :‬هكذا المر كما تصفي من أنه ل يسسك بشر‪ ,‬ول تكون َب ِغيّا‪ ,‬ولكن ربك قال‪ :‬المر‬
‫عليّ سهل; وليكون هذا الغلم علمة للناس تدل على قدرة ال تعال‪ ,‬ورحة منّا به وبوالدته وبالناس‪,‬‬
‫وكان وجود عيسى على هذه الالة قضاء سابقًا مقدّرًا‪ ,‬مسطورًا ف اللوح الحفوظ‪ ,‬فل بد مِن نفوذه‪.‬‬

‫صيّا (‪)22‬‬
‫ت بِ ِه َمكَانا َق ِ‬
‫حمََلتْهُ فَانتَبَذَ ْ‬
‫فَ َ‬

‫‪540‬‬
‫فحملت مري بالغلم بعد أن نفخ جبيل ف َجيْب قميصها‪ ,‬فوصلت النفخة إل رَحِمِها‪ ,‬فوقع المل‬
‫بسبب ذلك‪ ,‬فتباعدت به إل مكان بعيد عن الناس‪.‬‬

‫سيّا (‪)23‬‬
‫ت نَسْيا َمنْ ِ‬
‫خَلةِ قَاَلتْ يَا َلْيَتنِي ِمتّ َقبْ َل هَذَا وَكُن ُ‬
‫ع النّ ْ‬
‫َفأَجَا َءهَا الْمَخَاضُ إِلَى ِج ْذ ِ‬

‫ت قبل هذا اليوم‪ ,‬وكنت شيئًا ل ُيعْرَف‪ ,‬ول‬


‫فألأها طَ ْلقُ المل إل جذع النخلة فقالت‪ :‬يا ليتن م ّ‬
‫يُذْكَر‪ ,‬ول يُدْرَى مَن أنا؟‬

‫ك سَ ِريّا (‪)24‬‬
‫حتَ ِ‬
‫ك تَ ْ‬
‫ح َزنِي قَدْ َجعَلَ َربّ ِ‬
‫حِتهَا أَ ّل تَ ْ‬
‫َفنَادَاهَا مِ ْن َت ْ‬

‫فناداها جبيل أو عيسى‪ :‬أن ل تَحزن‪ ,‬قد جعل ربك تتك َجدْول ماء‪.‬‬

‫ط عََليْكِ ُرطَبا َجِنيّا (‪)25‬‬


‫خَل ِة تُسَاقِ ْ‬
‫ع النّ ْ‬
‫ج ْذ ِ‬
‫َوهُزّي إَِليْكِ بِ ِ‬

‫ط عليك رطبًا غَضّا ُجِن َي مِن ساعته‪.‬‬


‫وحَرّكي جذع النخلة تُسَاقِ ْ‬

‫صوْما فَلَ نْ أُكَلّ َم الَْيوْ مَ‬


‫َفكُلِي وَاشْ َربِي وََقرّي َعيْنا فَِإمّا تَ َريْ َن مِ ْن اْلبَشَرِ أَحَدا َفقُولِي إِنّي نَذَرْ تُ لِلرّحْ َم نِ َ‬
‫إِنسِيّا (‪)26‬‬

‫فكلي من الرطب‪ ,‬واشرب من الاء وطيهب نفسًا بالولود‪ ,‬فإن رأيت من الناس أحدًا فسألك عن أمرك‬
‫فقول له‪ :‬إن َأوْ َجْبتُ على نفسي ل سكوتًا‪ ,‬فلن أكلم اليوم أحدًا من الناس‪ .‬والسكوت كان تعبدًا ف‬
‫شرعهم‪ ,‬دون شريعة ممد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫حمِلُهُ قَالُوا يَا َم ْريَمُ َلقَدْ ِجْئتِ َشيْئا فَ ِريّا (‪)27‬‬


‫ت بِهِ َق ْو َمهَا تَ ْ‬
‫َفَأتَ ْ‬

‫فأتت مري قومها تمل مولودها من الكان البعيد‪ ,‬فلما رأوها كذلك قالوا لا‪ :‬يا مري لقد جئت أمرًا‬
‫عظيمًا مفترى‪.‬‬

‫‪541‬‬
‫ك َب ِغيّا (‪)28‬‬
‫يَا أُ ْختَ هَارُو َن مَا كَانَ َأبُو ِك امْ َرَأ َسوْءٍ َومَا كَاَنتْ ُأمّ ِ‬

‫يا أخت الرجل الصال هارون ما كان أبوك رجل سوء يأت الفواحش‪ ,‬وما كانت أمك امرأة سوء تأت‬
‫البِغاء‪.‬‬

‫صِبيّا (‪)29‬‬
‫ف ُنكَلّ ُم مَنْ كَانَ فِي الْ َمهْدِ َ‬
‫َفَأشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا َكيْ َ‬

‫فأشارت مري إل مولودها عيسى ليسألوه ويكلموه‪ ,‬فقالوا منكرين عليها‪ :‬كيف نكلم مَن ل يزال ف‬
‫مهده طفل رضيعًا؟‬

‫ب وَ َجعََلنِي نَِبيّا (‪)30‬‬


‫قَالَ ِإنّي َعبْدُ اللّ ِه آتَانِي اْلكِتَا َ‬

‫قال عيسى وهو ف مهده يرضع‪ :‬إن عبد ال‪ ,‬قضى بإعطائي الكتاب‪ ,‬وهو النيل‪ ,‬وجعلن نبيًا‪.‬‬

‫وَ َجعََلنِي ُمبَارَكا َأيْ َن مَا كُنتُ َوَأوْصَانِي بِالصّلةِ وَالزّكَا ِة مَا ُد ْمتُ َحيّا (‪)31‬‬

‫وجعلن عظيم الي والنفع حيثما وُ ِجدْتُ‪ ,‬وأوصان بالحافظة على الصلة وإيتاء الزكاة ما بقيت حيًا‪.‬‬

‫جعَ ْلنِي َجبّارا َشقِيّا (‪)32‬‬


‫َوبَرّا ِبوَالِ َدتِي وََل ْم يَ ْ‬

‫وجعلن بارّا بوالدت‪ ,‬ول يعلن متكبًا ول شقيًا‪ ,‬عاصيًا لرب‪.‬‬

‫ت َوَيوْمَ َأمُوتُ َوَي ْومَ ُأبْ َعثُ َحيّا (‪)33‬‬


‫وَالسّل ُم عََليّ َي ْو َم وُلِدْ ُ‬

‫والسلمة والمان عليّ من ال يوم وُِلدْتُ‪ ,‬ويوم أموت‪ ,‬ويوم أُبعث حيًا يوم القيامة‪.‬‬

‫ح ّق الّذِي فِيهِ يَ ْمَترُونَ (‪)34‬‬


‫ك عِيسَى ابْ ُن مَ ْريَمَ َقوْ َل الْ َ‬
‫ذَلِ َ‬

‫‪542‬‬
‫ذلك الذي قصصنا عليك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬صفتَه وخبَه هو عيسى ابن مري‪ ,‬مِن غي شك ول مرية‪,‬‬
‫بل هو قولُ الق الذي شك فيه اليهود والنصارى‪.‬‬

‫مَا كَانَ ِللّهِ أَ ْن َيتّخِ َذ مِ ْن وَلَ ٍد ُسبْحَانَهُ إِذَا َقضَى َأمْرا َفِإنّمَا َيقُولُ لَهُ كُنْ َفَيكُونُ (‪)35‬‬

‫ما كان ل تعال ول يليق به أن يتخذ مِن عباده وخَلْقه ولدًا‪ ,‬تنّه وتقدّس عن ذلك‪ ,‬إذا قضى أمرًا من‬
‫المور وأراده‪ ,‬صغيًا أو كبيًا‪ ,‬ل يتنع عليه‪ ,‬وإنا يقول له‪" :‬كن"‪ ,‬فيكون كما شاءه وأراده‪.‬‬

‫صرَاطٌ مُسَْتقِيمٌ (‪)36‬‬


‫َوإِنّ اللّهَ َربّي وَ َربّكُمْ فَا ْعبُدُوهُ هَذَا ِ‬

‫وقال عيسى لقومه‪ :‬وإن ال الذي أدعوكم إليه هو وحده رب وربكم فاعبدوه وحده ل شريك له‪ ,‬فأنا‬
‫وأنتم سواء ف العبودية والضوع له‪ ،‬هذا هو الطريق الذي ل اعوجاج فيه‪.‬‬

‫شهَ ِد َي ْومٍ عَظِيمٍ (‪)37‬‬


‫فَا ْختَلَفَ الَ ْحزَابُ مِنْ بَْيِنهِمْ َف َويْلٌ لِلّذِينَ َكفَرُوا مِ ْن مَ ْ‬

‫فاختلفت الفِرَق من أهل الكتاب فيما بينهم ف أمر عيسى عليه السلم‪ ,‬فمنهم غال فيه وهم النصارى‪,‬‬
‫فمنهم من قال‪ :‬هو ال‪ ,‬ومنهم من قال‪ :‬هو ابن ال‪ ,‬ومنهم من قال‪ :‬ثالث ثلثة ‪ -‬تعال ال عما‬
‫ف عنه وهم اليهود‪ ,‬قالوا‪ :‬ساحر‪ ,‬وقالوا‪ :‬ابن يوسف النجار‪ ,‬فهلك للذين كفروا‬
‫يقولون ‪ ،-‬ومنهم جا ٍ‬
‫مِن شهود يوم عظيم الول‪ ,‬وهو يوم القيامة‪.‬‬

‫َأسْمِ ْع ِبهِ ْم َوَأبْصِ ْر َي ْو َم َيأْتُونَنَا َلكِنْ الظّالِمُونَ اْلَي ْومَ فِي ضَل ٍل ُمبِيٍ (‪)38‬‬

‫ما أشدّ سعَهم وبصرهم يوم القيامة‪ ,‬يوم َيقْدُمون على ال‪ ,‬حي ل ينفعهم ذلك!! لكنِ الظالون اليوم ف‬
‫ب بيّنٍ عن الق‪.‬‬
‫هذه الدنيا ف ذها ٍ‬

‫ض َي الَمْرُ وَهُمْ فِي َغفَْل ٍة َوهُ ْم ل ُيؤْ ِمنُونَ (‪)39‬‬


‫َوأَنذِ ْرهُ ْم َيوْ َم الْحَسْ َرةِ إِذْ ُق ِ‬

‫‪543‬‬
‫وأنذر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬الناس يوم الندامة حي يُقضى المر‪ ,‬ويُجَا ُء بالوت كأنّه كبش أملح‪ ,‬فيُ ْذبَح‪,‬‬
‫ويُفصل بي اللق‪ ,‬فيصي أهل اليان إل النة‪ ,‬وأهل الكفر إل النار‪ ,‬وهم اليوم ف هذه الدنيا ف غفلة‬
‫عمّا أُنذروا به‪ ,‬فهم ل يصدقون‪ ,‬ول يعملون العمل الصال‪.‬‬

‫ض َومَنْ عََلْيهَا َوإَِلْينَا يُ ْر َجعُونَ (‪)40‬‬


‫ث الَ ْر َ‬
‫ِإنّا َنحْ ُن نَرِ ُ‬

‫إنا نن الوارثون للرض ومَن عليها بفنائهم وبقائنا بعدهم و ُحكْمنا فيهم‪ ,‬وإلينا مصيهم وحسابم‪,‬‬
‫فنجازيهم على أعمالم‪.‬‬

‫وَاذْكُرْ فِي الْ ِكتَابِ ِإبْرَاهِيمَ ِإنّهُ كَانَ صِدّيقا َنبِيّا (‪)41‬‬

‫واذكر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬لقومك ف هذا القرآن قصة إبراهيم ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬إنه كان عظيم الصدق‪,‬‬
‫ومِن أرفع أنبياء ال تعال منلة‪.‬‬

‫ك َشيْئا (‪)42‬‬
‫إِذْ قَالَ َلبِي ِه يَا َأبَتِ لِ َم َت ْعبُدُ مَا ل يَسْ َم ُع وَل يُْبصِ ُر وَل ُيغْنِي عَنْ َ‬

‫إذ قال لبيه آزر‪ :‬يا أبت لي شيء تعبد من الصنام ما ل يسمع ول يبصر‪ ,‬ول يدفع عنك شيئًا من‬
‫دون ال؟‬

‫صرَاطا َس ِويّا (‪)43‬‬


‫يَا َأبَتِ ِإنّي قَدْ جَا َءنِي مِ ْن اْلعِلْ ِم مَا لَ ْم َي ْأتِكَ فَاّتِب ْعنِي َأهْ ِدكَ ِ‬

‫يا أبت‪ ,‬إن ال أعطان من العلم ما ل يعطك‪ ,‬فاقبل من‪ ,‬واتبعن إل ما أدعوك إليه‪ ,‬أرشدك إل الطريق‬
‫السوي الذي ل تض ّل فيه‪.‬‬

‫شيْطَانَ ِإنّ الشّيْطَانَ كَانَ لِلرّ ْحمَ ِن َعصِيّا (‪)44‬‬


‫ت ل َتعْبُدْ ال ّ‬
‫يَا َأبَ ِ‬

‫يا أبت‪ ,‬ل تطع الشيطان فتعبد هذه الصنام; إن الشيطان كان للرحن مالفًا مستكبًا عن طاعة ال‪.‬‬

‫‪544‬‬
‫شيْطَا ِن وَِليّا (‪)45‬‬
‫ك عَذَابٌ مِنْ الرّحْمَنِ َفَتكُونَ لِل ّ‬
‫يَا َأبَتِ ِإنّي أَخَافُ َأنْ يَمَسّ َ‬

‫يا أبت‪ ,‬إن أخاف أن توت على كفرك‪ ,‬فيمَسّك عذاب من الرحن‪ ,‬فتكون للشيطان قرينًا ف النار‪.‬‬

‫ج ْرنِي مَِليّا (‪)46‬‬


‫ك وَاهْ ُ‬
‫قَالَ أَرَاغِبٌ َأْنتَ عَنْ آِل َهتِي يَا ِإبْراهِيمُ َلئِنْ لَ ْم تَنتَهِ لَ ْرجُ َمنّ َ‬

‫قال أبو إبراهيم لبنه‪ :‬أمعرض أنت عن عبادة آلت يا إبراهيم؟ لئن ل تنته عن َسبّها لقتلنّك رميًا‬
‫بالجارة‪ ,‬واذهب عن فل تلقن‪ ,‬ول تكلمن زمانًا طويل من الدهر‪.‬‬

‫قَا َل سَلمٌ عََليْكَ َسَأ ْستَ ْغفِرُ لَكَ َربّي ِإنّهُ كَا َن بِي َح ِفيّا (‪)47‬‬

‫قال إبراهيم لبيه‪ :‬سلم عليك من فل ينالك من ما تكره‪ ,‬وسوف أدعو ال لك بالداية والغفرة‪ .‬إن‬
‫رب كان رحيمًا رؤوفًا بال ييبن إذا دعوته‪.‬‬

‫َوأَ ْعتَزُِلكُ ْم َومَا تَ ْدعُو َن مِنْ دُونِ اللّ ِه َوأَ ْدعُو َربّي عَسَى أَلّ أَكُو َن بِ ُدعَاءِ َربّي َش ِقيّا (‪)48‬‬

‫وأفارقكم وآلتكم الت تعبدونا من دون ال‪ ,‬وأدعو رب ملصًا‪ ,‬عسى أن ل أشقى بدعاء رب‪ ,‬فل‬
‫يعطين ما أسأله‪.‬‬

‫ب وَ ُكلّ َجعَ ْلنَا َنبِيّا (‪)49‬‬


‫فََلمّا ا ْعتَزََلهُ ْم َومَا َي ْعبُدُو َن مِنْ دُونِ اللّ ِه َوهَْبنَا لَهُ ِإسْحَ َق َوَي ْعقُو َ‬

‫فلما فارقهم وآلتهم الت يعبدونا من دون ال رزقناه من الولد‪ :‬إسحاق‪ ,‬ويعقوب بن إسحاق‪,‬‬
‫وجعلناها نبيّي‪.‬‬

‫ص ْدقٍ عَِليّا (‪)50‬‬


‫َو َوهَْبنَا َلهُ ْم مِنْ رَ ْح َمِتنَا وَ َج َع ْلنَا َلهُمْ لِسَانَ ِ‬

‫ووهبنا لم جيعا من رحتنا فضل ل يصى‪ ,‬وجعلنا لم ذكرًا حسنًا‪ ,‬وثنا ًء جيل باقيًا ف الناس‪.‬‬

‫‪545‬‬
‫ب مُوسَى ِإنّهُ كَا َن مُخْلَصا وَكَانَ َرسُولً َنِبيّا (‪)51‬‬
‫وَاذْكُرْ فِي الْ ِكتَا ِ‬

‫واذكر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬ف القرآن قصة موسى ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬إنه كان مصطفى متارًا‪ ,‬وكان رسول‬
‫نبيًا مِن أول العزم من الرسل‪.‬‬

‫جيّا (‪)52‬‬
‫َونَا َدْينَا ُه مِنْ جَاِنبِ الطّو ِر الَيْمَ ِن وََق ّرْبنَا ُه نَ ِ‬

‫ونادي نا مو سى من ناح ية ج بل طور " سيناء" اليم ن من مو سى‪ ,‬وقرّبناه فشرّفناه بناجات نا له‪ .‬و ف هذا‬
‫إثبات صفة الكلم ل ‪ -‬تعال ‪ -‬كما يليق بلله وكماله‪.‬‬

‫َو َوهَْبنَا لَهُ مِنْ رَ ْح َمتِنَا أَخَا ُه هَارُونَ َنِبيّا (‪)53‬‬

‫ووهبنا لوسى من رحتنا أخاه هارون نبيًا يؤيده ويؤازره‪.‬‬

‫ق اْلوَعْ ِد وَكَانَ َرسُولً َنِبيّا (‪)54‬‬


‫وَاذْكُرْ فِي الْ ِكتَابِ ِإسْمَاعِيلَ ِإنّهُ كَانَ صَا ِد َ‬

‫واذكر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬ف هذا القرآن خب إساعيل عليه السلم‪ ,‬إنه كان صادقًا ف وعده فلم َيعِد شيئًا‬
‫إل وفّى به‪ ,‬وكان رسول نبيًا‪.‬‬

‫ضيّا (‪)55‬‬
‫وَكَانَ َي ْأمُرُ َأهْلَهُ بِالصّلةِ وَالزّكَا ِة وَكَا َن ِعنْدَ َربّ ِه مَرْ ِ‬

‫وكان يأمر أهله بإقام الصلة وإيتاء الزكاة‪ ,‬وكان عند ربه عز وجل مرضيًا عنه‪.‬‬

‫وَاذْكُرْ فِي الْ ِكتَابِ إِدْرِيسَ ِإنّهُ كَانَ صِدّيقا َنبِيّا (‪)56‬‬

‫واذكر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬ف هذا القرآن خب إدريس عليه السلم‪ ,‬إنه كان عظيم الصدق ف قوله وعمله‪,‬‬
‫نبيًا يوحى إليه‪.‬‬

‫‪546‬‬
‫وَرََف ْعنَا ُه َمكَانا عَِليّا (‪)57‬‬

‫ورَفعْنا ذِكْره ف العالي‪ ,‬ومنلته بي القربي‪ ,‬فكان عال الذكر‪ ,‬عال النلة‪.‬‬

‫ح َومِنْ ذُ ّرّيةِ ِإبْرَاهِي َم َوإِسْرَائِيلَ‬


‫ُأوْلَئِكَ الّذِينَ َأْنعَمَ اللّ ُه عََلْيهِ ْم مِ ْن الّنبِيّيَ مِنْ ذُ ّرّيةِ آدَ َم َومِمّنْ حَ َم ْلنَا مَعَ نُو ٍ‬
‫َومِمّ ْن هَ َدْينَا وَا ْجَتَبيْنَا إِذَا ُتتْلَى عََلْيهِ ْم آيَاتُ الرّ ْحمَنِ َخرّوا ُسجّدا َوبُ ِكيّا (‪)58‬‬

‫هؤلء الذ ين قصصتُ عليك خبهم أيها الر سول‪ ,‬هم الذين أنعم ال عليهم بفضله وتوفي قه‪ ,‬فجعل هم‬
‫أنبياء من ذرية آدم‪ ,‬ومِن ذرية مَن حلنا مع نوح ف السفينة‪ ,‬ومن ذرية إبراهيم‪ ,‬ومن ذرية يعقوب‪ ,‬ومّن‬
‫هدي نا لليان وا صطفينا للر سالة والنُبوّة‪ ,‬إذا تتلى علي هم آيات الرح ن التضم نة لتوحيده وحج جه خرّوا‬
‫ساجدين ل خضوعًا‪ ,‬واستكانة‪ ,‬وب َكوْا من خشيته سبحانه وتعال‪.‬‬

‫ف يَ ْل َق ْونَ غَيّا (‪)59‬‬


‫سوْ َ‬
‫ش َهوَاتِ فَ َ‬
‫ف مِ ْن َبعْ ِدهِمْ َخلْفٌ أَضَاعُوا الصّلةَ وَاّتبَعُوا ال ّ‬
‫خلَ َ‬
‫فَ َ‬

‫فأ تى مِن ب عد هؤلء النعَم علي هم أتباع َسوْء تركوا ال صلة كل ها‪ ,‬أو فوتوا وقت ها‪ ,‬أو تركوا أركان ا‬
‫وواجباتا‪ ,‬واتبعوا ما يوافق شهواتم ويلئمها‪ ,‬فسوف يلقون شرًا وضلل وخيبة ف جهنم‪.‬‬

‫جّن َة وَل يُظْلَمُو َن َشيْئا (‪)60‬‬


‫ك يَدْ ُخلُونَ الْ َ‬
‫إِلّ مَنْ تَابَ وَآمَ َن َوعَمِلَ صَالِحا َفُأوْلَئِ َ‬

‫لكن مَن تاب منهم مِن ذنبه وآمن بربه وعمل صالًا تصديقًا لتوبته‪ ,‬فأولئك يقبل ال توبتهم‪ ,‬ويدخلون‬
‫النة مع الؤمني ول يُنقَصون شيئًا من أعمالم الصالة‪.‬‬

‫ت عَ ْدنٍ اّلتِي َوعَدَ الرّ ْحمَ ُن ِعبَا َد ُه بِاْلغَْيبِ ِإنّهُ كَانَ َوعْ ُد ُه َمأِْتيّا (‪)61‬‬
‫َجنّا ِ‬

‫جنات خلد وإقا مة دائ مة‪ ,‬و هي ال ت و عد الرح ن ب ا عباده بالغ يب فآمَنوا ب ا ول يرو ها‪ ,‬إن و عد ال‬
‫لعباده بذه النة آتٍ ل مالة‪.‬‬

‫‪547‬‬
‫ل يَسْ َمعُونَ فِيهَا َلغْوا إِ ّل سَلما وََلهُمْ ِرزُْقهُمْ فِيهَا ُبكْ َر ًة َوعَشِيّا (‪)62‬‬

‫ل ي سمع أ هل ال نة في ها كلمًا باطل ل كن ي سمعون سلما ت ية ل م‪ ,‬ول م رزق هم في ها من الطعام‬


‫والشراب دائمًا‪ ,‬كلما شاؤوا بكرة وعشيًا‪.‬‬

‫ث مِ ْن ِعبَا ِدنَا مَنْ كَا َن َتقِيّا (‪)63‬‬


‫جّن ُة الّتِي نُورِ ُ‬
‫ك الْ َ‬
‫تِلْ َ‬

‫تلك النة الوصوفة بتلك الصفات‪ ,‬هي الت نورثها ونعطيها عبادنا التقي لنا‪ ,‬بامتثال أوامرنا واجتناب‬
‫نواهينا‪.‬‬

‫سيّا (‪)64‬‬
‫ك نَ ِ‬
‫ك َومَا كَانَ َربّ َ‬
‫َومَا نََتنَزّلُ إِ ّل ِبَأمْرِ َربّكَ لَ ُه مَا بَيْنَ َأيْدِينَا َومَا خَ ْل َفنَا َومَا َبيْنَ ذَلِ َ‬

‫وقل ‪ -‬يا جبيل ‪ -‬لحمد‪ :‬وما نتنل ‪ -‬نن اللئكة ‪ -‬من السماء إل الرض إل بأمر ربك لنا‪ ,‬له ما‬
‫بي أيدينا ما يستقبل من أمر الخرة‪ ,‬وما خلفنا ما مضى من الدنيا‪ ,‬وما بي الدنيا والخرة‪ ,‬فله المر‬
‫كله ف الزمان والكان‪ ,‬وما كان ربك ناسيًا لشيء من الشياء‪.‬‬

‫ض َومَا بَْيَنهُمَا فَا ْعبُ ْدهُ وَاصْ َطبِرْ ِل ِعبَا َدتِ ِه هَ ْل َتعْلَمُ لَ ُه سَ ِميّا (‪)65‬‬
‫رَبّ السّ َموَاتِ وَالَ ْر ِ‬

‫فهو ال رب السموات والرض وما بينهما‪ ,‬ومالك ذلك كله وخالقه ومدبره‪ ,‬فاعبده وحده ‪ -‬أيها‬
‫النب ‪ -‬واصب على طاعته أنت ومَن تبعك‪ ,‬ليس كمثله شيء ف ذاته وأسائه وصفاته وأفعاله‪.‬‬

‫سوْفَ أُخْ َرجُ َحيّا (‪)66‬‬


‫َوَيقُو ُل الِنسَانُ َأئِذَا مَا ِمتّ لَ َ‬

‫ويقول النسان الكافر منكرًا للبعث بعد الوت‪ :‬أإذا ما ِمتّ وَفنِيتُ لسوف أُخرَج من قبي حيًا؟!‬

‫َأوَل يَذْ ُك ُر الِنسَانُ َأنّا َخَل ْقنَا ُه مِنْ َقبْ ُل وَلَ ْم َيكُ ْن َشيْئا (‪)67‬‬

‫ك شيئًا موجودًا؟‬
‫كيف نسي هذا النسان الكافر نفسه؟ أول يَذْكُر أنا خلقناه أول مرة‪ ,‬ول ي ُ‬

‫‪548‬‬
‫ض َرّنهُمْ َحوْلَ َج َهنّمَ ِجثِيّا (‪)68‬‬
‫حِ‬‫ي ثُمّ َلنُ ْ‬
‫شيَاطِ َ‬
‫َفوَ َربّكَ َلنَحْشُ َرّنهُ ْم وَال ّ‬

‫فوربك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬لنجمعن هؤلء النكرين للبعث يوم القيامة مع الشياطي‪ ,‬ث لنأتي بم أجعي‬
‫حول جهنم باركي على رُكَبهم; لشدة ما هم فيه من الول‪ ,‬ل يقدرون على القيام‪.‬‬

‫ثُمّ َلنَنِعَ ّن مِنْ كُ ّل شِي َعةٍ َأيّهُمْ َأشَ ّد عَلَى الرّ ْحمَ ِن ِعتِيّا (‪)69‬‬

‫ث لنأخذ ّن مِن كل طائفة أشدّهم تردًا وعصيانًا ل‪ ,‬فنبدأ بعذابم‪.‬‬

‫صِليّا (‪)70‬‬
‫ثُمّ َلنَحْنُ َأعْلَ ُم بِالّذِي َن هُمْ َأوْلَى ِبهَا ِ‬

‫ث لنحن أعلم بالذين هم َأوْل بدخول النار ومقاساة حرها‪.‬‬

‫ضيّا (‪)71‬‬
‫َوإِ ْن ِمنْكُمْ إِ ّل وَارِ ُدهَا كَانَ عَلَى َربّكَ َحتْما َم ْق ِ‬

‫وما منكم ‪ -‬أيها الناس ‪ -‬أحد إل وارد النار بالرور على الصراط النصوب على مت جهنم‪ ,‬كل بسب‬
‫عمله‪ ,‬كان ذلك أمرًا متومًا‪ ,‬قضى ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬وحكم أنه ل بد من وقوعه ل مالة‪.‬‬

‫ثُ ّم ُننَجّي الّذِي َن اّت َقوْا َونَذَرُ الظّالِمِيَ فِيهَا ِجِثيّا (‪)72‬‬

‫ث ننجي الذين اتقوا ربم بطاعته والبعد عن معصيته‪ ,‬ونترك الظالي لنفسهم بالكفر بال ف النار‬
‫باركي على رُكَبهم‪.‬‬

‫َوإِذَا تُتْلَى عََلْيهِ ْم آيَاتُنَا َبّينَاتٍ قَا َل الّذِينَ َك َفرُوا لِلّذِينَ آ َمنُوا أَيّ اْلفَرِي َقيْنِ َخيْ ٌر َمقَاما َوأَحْسَ ُن نَ ِديّا (‪)73‬‬

‫ي الفريقي منّا ومنكم‬


‫وإذا تتلى على الناس آياتنا النلت الواضحات قال الكفار بال للمؤمني به‪ :‬أ ّ‬
‫أفضل منل وأحسن ملسًا؟‬

‫‪549‬‬
‫وَكَمْ َأهَْلكْنَا َقبَْلهُ ْم مِنْ َق ْرنٍ هُمْ أَحْسَنُ َأثَاثا وَ ِرئْيا (‪)74‬‬

‫وكثيًا أهلكنا قبل كفار قومك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬من المم كانوا أحسن متاعًا منهم وأجل منظرًا‪.‬‬

‫قُ ْل مَ نْ كَا نَ فِي الضّلَلةِ َف ْليَمْدُدْ لَ هُ الرّحْمَ نُ مَدّا َحتّ ى ِإذَا َرَأوْا مَا يُوعَدُو نَ ِإمّ ا اْلعَذَا بَ َوِإمّ ا ال سّاعَةَ‬
‫ضعَفُ جُندا (‪)75‬‬ ‫سَيعْلَمُونَ مَ ْن ُه َو شَ ّر َمكَانا َوأَ ْ‬
‫فَ َ‬

‫قل ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬لم‪ :‬من كان ضال عن الق غي متبع طريق الدى‪ ,‬فال يهله ويلي له ف ضلله‪,‬‬
‫حت إذا رأى ‪ -‬يقينا ‪ -‬ما توعّده ال به‪ :‬إما العذاب العاجل ف الدنيا‪ ,‬وإما قيام الساعة‪ ,‬فسيعلم ‪-‬‬
‫حينئذ ‪ -‬مَن هو شر مكانًا ومستقرًا‪ ,‬وأضعف قوة وجندًا‪.‬‬

‫َويَزِيدُ اللّ ُه الّذِينَ ا ْهتَ َدوْا هُدًى وَاْلبَاِقيَاتُ الصّالِحَاتُ َخيْ ٌر ِعنْدَ َربّكَ َثوَابا وَ َخْي ٌر مَرَدّا (‪)76‬‬

‫ويزيد ال عباده الذين اهتدوا لدينه هدى على هداهم با يتجدد لم من اليان بفرائض ال‪ ,‬والعمل با‪.‬‬
‫والعما ُل الباقيات الصالات خي ثوابًا عند ال ف الخرة‪ ,‬وخي مرجعًا وعاقبة‪.‬‬

‫أَفَ َرَأْيتَ الّذِي َكفَ َر بِآيَاِتنَا وَقَا َل لوَتيَ ّن مَالً َووَلَدا (‪)77‬‬

‫أعَلِمْت ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬وعجبت من هذا الكافر "العاص بن وائل" وأمثاله؟ إذ كفر بآيات ال وكذّب‬
‫با وقال‪ :‬لعطيّ ف الخرة أموال وأولدًا‪.‬‬

‫خ َذ ِعنْدَ الرّحْمَ ِن َعهْدا (‪)78‬‬


‫أَاطّلَ َع اْل َغيْبَ َأمْ اتّ َ‬

‫أطّلَع الغيب‪ ,‬فرأى أن له مال وولدًا‪ ,‬أم له عند ال عهد بذلك؟‬

‫ب مَدّا (‪)79‬‬
‫ب مَا َيقُو ُل َونَمُدّ لَهُ مِ ْن الْعَذَا ِ‬
‫َكلّ َسَن ْكتُ ُ‬

‫‪550‬‬
‫ليس المر كما يزعم ذلك الكافر‪ ,‬فل علم له ول عهد عنده‪ ,‬سنكتب ما يقول مِن كذب وافتراء على‬
‫ال‪ ,‬ونزيده ف الخرة من أنواع العقوبات‪ ,‬كما ازداد من الغيّ والضلل‪.‬‬

‫َونَ ِرثُهُ مَا َيقُو ُل َوَيأْتِينَا َفرْدا (‪)80‬‬

‫ونرثه مالَه وولده‪ ,‬ويأتينا يوم القيامة فردًا وحده‪ ,‬ل مال معه ول ولد‪.‬‬

‫خذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ آِل َهةً ِلَيكُونُوا َلهُ ْم عِزّا (‪)81‬‬
‫وَاتّ َ‬

‫واتذ الشركون آلة يعبدونا من دون ال; لتنصرهم‪ ,‬ويعتزوا با‪.‬‬

‫َكلّ َسَي ْكفُرُونَ ِب ِعبَا َدِتهِ ْم َويَكُونُو َن عََلْيهِمْ ضِدّا (‪)82‬‬

‫ليس المر كما يزعمون‪ ,‬لن تكون لم اللة عزًا‪ ,‬بل ستكفر هذه اللة ف الخرة بعبادتم لا‪ ,‬وتكون‬
‫عليهم أعوانًا ف خصومتهم وتكذيبهم بلف ما ظنوه فيها‪.‬‬

‫ي عَلَى الْكَافِرِي َن َتؤُ ّزهُمْ أَزّا (‪)83‬‬


‫أَلَ ْم تَرَى َأنّا أَ ْرسَ ْلنَا الشّيَاطِ َ‬

‫أل تر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬أنّا سلّطْنا الشياطي على الكافرين بال ورسله; لتغويهم‪ ,‬وتدفعهم عن الطاعة‬
‫إل العصية؟‬

‫فَل َتعْجَ ْل عََلْيهِمْ ِإنّمَا َنعُدّ َلهُ ْم عَدّا (‪)84‬‬

‫فل تسهتعجل ‪ -‬أيهها الرسهول ‪ -‬بطلب العذاب على هؤلء الكافريهن‪ ,‬إناه نصهي أعمارههم وأعمالمه‬
‫إحصاءً ل تفريط فيه ول تأخي‪.‬‬

‫ش ُر الْ ُمّتقِيَ إِلَى الرّ ْحمَ ِن وَفْدا (‪َ )85‬ونَسُوقُ الْ ُمجْ ِرمِيَ إِلَى َج َهنّ َم وِرْدا (‪)86‬‬
‫َي ْومَ نَحْ ُ‬

‫‪551‬‬
‫يوم نمع التقي إل ربم الرحيم بم وفودًا مكرمي‪ .‬ونسوق الكافرين بال سوقًا شديدًا إل النار مشاة‬
‫عِطاشًا‪.‬‬

‫شفَاعَةَ إِ ّل مَ ْن اتّخَ َذ ِعنْدَ الرّحْ َم ِن َعهْدا (‪)87‬‬


‫ل يَمِْلكُونَ ال ّ‬

‫ل يلك هؤلء الكفار الشفاعة ل حد‪ ,‬إن ا يلكها مَ ِن ات ذ عند الرح ن عهدًا بذلك‪ ,‬وهم الؤمنون بال‬
‫ورسله‪.‬‬

‫وَقَالُوا اتّخَذَ الرّحْمَ ُن وَلَدا (‪)88‬‬

‫وقال هؤلء الكفار‪ :‬اتذ الرحن ولدًا‪.‬‬

‫َلقَدْ ِجْئتُ ْم َشيْئا إِدّا (‪)89‬‬

‫لقد جئتم ‪ -‬أيها القائلون ‪ -‬بذه القالة شيئا عظيمًا منكرًا‪.‬‬

‫جبَا ُل هَدّا (‪َ )90‬أنْ َد َعوْا لِلرّحْمَنِ وَلَدا (‪)91‬‬


‫ض َوتَخِرّ الْ ِ‬
‫ت َيَتفَطّ ْرنَ ِمنْ ُه َوتَنشَقّ الَ ْر ُ‬
‫َتكَادُ السّ َموَا ُ‬

‫تكاد السموات يتش ّققْ َن مِن فظاعة ذلكم القول‪ ,‬وتتصدع الرض‪ ,‬وتسقط البال سقوطًا شديدًا غضبًا‬
‫سَبتِهم له الولد‪ .‬تعال ال عن ذلك علوًا كبيًا‪.‬‬
‫ل ِلنِ ْ‬

‫َومَا َيْنَبغِي لِلرّحْ َمنِ أَ ْن َيتّخِ َذ وَلَدا (‪)92‬‬

‫وما يصلح للرحن‪ ,‬ول يليق بعظمته‪ ,‬أن يتخذ ولدًا; لن اتاذ الولد يدل على النقص والاجة‪ ,‬وال هو‬
‫الغن الميد البأ عن كل النقائص‪.‬‬

‫ِإنْ كُ ّل مَنْ فِي السّ َموَاتِ وَالَ ْرضِ إِلّ آتِي الرّحْ َم ِن عَبْدا (‪)93‬‬

‫‪552‬‬
‫ما كل مَن ف السموات من اللئكة‪ ,‬ومَن ف الرض من النس والن‪ ,‬إل سيأت ربه يوم القيامة عبدًا‬
‫ذليل خاضعًا مقرًا له بالعبودية‪.‬‬

‫َلقَدْ أَ ْحصَاهُ ْم َوعَ ّدهُمْ عَدّا (‪)94‬‬

‫لقد أحصى ال سبحانه وتعال َخ ْلقَه كلهم‪ ,‬وعلم عددهم‪ ,‬فل يفى عليه أحد منهم‪.‬‬

‫وَكُّلهُ ْم آتِيهِ َي ْو َم اْلقِيَا َمةِ فَرْدا (‪)95‬‬

‫وسوف يأت كل فرد من اللق ربه يوم القيامة وحده‪ ,‬ل مال له ول ولد معه‪.‬‬

‫جعَلُ َلهُمْ الرّحْمَ ُن ُودّا (‪)96‬‬


‫ت َسيَ ْ‬
‫ِإنّ الّذِينَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا الصّالِحَا ِ‬

‫إن الذ ين آمنوا بال واّتبَعوا ر سله وعملوا ال صالات وَفْق شر عه‪ ,‬سيجعل ل م الرح ن م بة ومودة ف‬
‫قلوب عباده‪.‬‬

‫ي َوتُنذِ َر بِهِ َقوْما لُدّا (‪)97‬‬


‫فَِإنّمَا يَسّ ْرنَا ُه بِلِسَانِكَ ِلتُبَشّ َر بِ ِه الْ ُمّتقِ َ‬

‫فإنا ي سّرنا هذا القرآن بلسانك العرب أيها الرسول؛ لتبشر به التقي من أتباعك‪ ,‬وتوّف به الكذبي‬
‫شديدي الصومة بالباطل‪.‬‬

‫س ِمنْهُ ْم مِنْ أَ َحدٍ َأوْ تَسْمَعُ َلهُمْ رِكْزا (‪)98‬‬


‫ح ّ‬
‫وَكَمْ َأهَْلكْنَا َقبَْلهُ ْم مِنْ َق ْرنٍ هَلْ ُت ِ‬

‫وكثيًا أهلكنا ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬من المم السابقة قبل قومك‪ ,‬ما ترى منهم أحدًا وما تسمع لم صوتًا‪,‬‬
‫فكذلك الكفار من قو مك‪ ,‬نلك هم ك ما أهلك نا ال سابقي من قبل هم‪ .‬و ف هذا تد يد ووع يد بإهلك‬
‫الكذبي العاندين‪.‬‬

‫‪553‬‬
‫‪ -20‬سورة طيه‬

‫طه (‪)1‬‬

‫(طه) سبق الكلم على الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬

‫شقَى (‪)2‬‬
‫ك اْلقُرْآنَ ِلتَ ْ‬
‫مَا َأنْزَْلنَا عََليْ َ‬

‫ما أنزلنا عليك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬القرآن; لتشقى با ل طاقة لك به من العمل‪.‬‬

‫إِلّ تَذْ ِك َرةً ِلمَ ْن يَخْشَى (‪)3‬‬

‫لكن أنزلناه موعظة; ليتذكر به مَن ياف عقاب ال‪ ,‬فيتقيه بأداء الفرائض واجتناب الحارم‪.‬‬

‫ت اْلعُل (‪)4‬‬
‫ض وَالسّ َموَا ِ‬
‫ل مِمّنْ خَلَ َق الَ ْر َ‬
‫تَنِي ً‬

‫هذا القرآن تنيل من ال الذي خلق الرض والسموات العلى‪.‬‬

‫ش ا ْستَوَى (‪)5‬‬
‫الرّحْ َم ُن عَلَى اْلعَ ْر ِ‬

‫الرحن على العرش استوى أي ارتفع وعل استواء يليق بلله وعظمته‪.‬‬

‫حتَ الثّرَى (‪)6‬‬


‫ض َومَا َبْيَنهُمَا َومَا َت ْ‬
‫ت َومَا فِي الَ ْر ِ‬
‫لَ ُه مَا فِي السّ َموَا ِ‬

‫له ما ف السموات وما ف الرض وما بينهما وما تت الرض‪ ,‬خَ ْلقًا ومُ ْلكًا وتدبيًا‪.‬‬

‫‪554‬‬
‫جهَرْ بِالْ َقوْلِ فَِإنّ ُه َيعْلَمُ السّ ّر َوأَ ْخفَى (‪)7‬‬
‫َوإِ ْن تَ ْ‬

‫وإن ت هر ‪ -‬أي ها الر سول ‪ -‬بالقول‪ ,‬فتعل نه أو ت فه‪ ,‬فإن ال ل ي فى عل يه ش يء‪ ,‬يعلم ال سر و ما هو‬
‫أخفى من السر ما تدّث به نفسك‪.‬‬

‫سنَى (‪)8‬‬
‫اللّهُ ل إِلَهَ إِ ّل ُهوَ لَ ُه الَسْمَا ُء الْحُ ْ‬

‫ال الذي ل معبود بق إل هو‪ ,‬له وحده الساء الكاملة ف السن‪.‬‬

‫ث مُوسَى (‪)9‬‬
‫َوهَلْ أَتَاكَ حَدِي ُ‬

‫وهل أتاك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬خب موسى بن عمران عليه السلم؟‬

‫ت نَارا َلعَلّي آتِيكُ ْم ِمْنهَا ِب َقَبسٍ َأوْ أَجِ ُد عَلَى النّا ِر هُدًى (‪)10‬‬
‫إِذْ َرأَى نَارا َفقَالَ َلهْلِ ِه ا ْمكُثُوا ِإنّي آنَسْ ُ‬

‫حي رأى ف الليل نارًا موقدة فقال لهله‪ :‬انتظروا لقد أبصرت نارًا‪ ,‬لعلي أجيئكم منها بشعلة تستدفئون‬
‫با‪ ,‬وتوقدون با نارًا أخرى‪ ,‬أو أجد عندها هاديًا يدلنا على الطريق‪.‬‬

‫س ُطوًى (‪)12‬‬
‫فََلمّا َأتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى (‪ِ )11‬إنّي َأنَا َربّكَ فَا ْخلَ ْع َنعَْليْكَ ِإنّكَ بِاْلوَادِي الْ ُمقَدّ ِ‬

‫فل ما أ تى مو سى تلك النار ناداه ال‪ :‬يا مو سى‪ ,‬إ ن أ نا ر بك فاخلع نعل يك‪ ,‬إ نك الن بوادي "طوى"‬
‫الذي باركته‪ ,‬وذلك استعدادًا لناجاة ربه‪.‬‬

‫َوَأنَا ا ْختَ ْرتُكَ فَا ْستَمِعْ ِلمَا يُوحَى (‪)13‬‬

‫وإن اخترتك يا موسى لرسالت‪ ,‬فاستمع لا يوحى إليك من‪.‬‬

‫ِإنّنِي أَنَا اللّهُ ل إِلَهَ إِلّ َأنَا فَا ْعبُ ْدنِي َوأَقِ ْم الصّلةَ لِذِكْرِي (‪)14‬‬
‫‪555‬‬
‫إنن أنا ال ل معبود بق إل أنا‪ ,‬ل شريك ل‪ ,‬فاعبدن وحدي‪ ,‬وأقم الصلة لتذكرن فيها‪.‬‬

‫سعَى (‪)15‬‬
‫س بِمَا تَ ْ‬
‫جزَى كُ ّل َن ْف ٍ‬
‫ِإنّ السّا َعةَ آِتَيةٌ أَكَادُ أُ ْخفِيهَا ِلتُ ْ‬

‫إن الساعة الت يُبعث فيها الناس آتية ل بد من وقوعها‪ ,‬أكاد أخفيها من نفسي‪ ,‬فكيف يعلمها أحد من‬
‫الخلوقي; لكي تُجزى كل نفس با عملت ف الدنيا من خي أو شر‪.‬‬

‫ك َعْنهَا مَ ْن ل ُي ْؤمِ ُن ِبهَا وَاّتبَ َع َهوَاهُ َفَترْدَى (‪)16‬‬


‫فَل يَصُ ّدنّ َ‬

‫فل يصرفنّك ‪ -‬يا موسى ‪ -‬عن اليان با والستعداد لا مَن ل يصدق بوقوعها ول يعمل لا‪ ،‬واتبع‬
‫هوى نفسه‪ ,‬فكذّب با‪ ,‬فتهلك‪.‬‬

‫ك يَا مُوسَى (‪)17‬‬


‫ك ِبيَمِينِ َ‬
‫َومَا تِلْ َ‬

‫وما هذه الت ف يينك يا موسى؟‬

‫ش ِبهَا عَلَى َغنَمِي وَِليَ فِيهَا مَآرِبُ أُ ْخرَى (‪)18‬‬


‫قَا َل ِهيَ َعصَايَ َأَتوَكُّأ عََلْيهَا َوَأ ُه ّ‬

‫قال موسى‪ :‬هي عصاي أعتمد عليها ف الشي‪ ,‬وأه ّز با الشجر; لترعى غنمي ما يتساقط من ورقه‪ ,‬ول‬
‫فيها منافع أخرى‪.‬‬

‫قَالَ أَْل ِقهَا يَا مُوسَى (‪)19‬‬

‫قال ال لوسى‪ :‬ألق عصاك‪.‬‬

‫سعَى (‪)20‬‬
‫َفأَْلقَاهَا فَإِذَا ِهيَ َحّيةٌ تَ ْ‬

‫فألقاها موسى على الرض‪ ,‬فانقلبت بإذن ال حية تسعى‪ ,‬فرأى موسى أمرًا عظيمًا وول هاربًا‪.‬‬
‫‪556‬‬
‫ج َبيْضَا َء مِ نْ غَيْرِ‬
‫خرُ ْ‬
‫ك تَ ْ‬
‫قَالَ خُ ْذهَا وَل تَخَ فْ َسُنعِي ُدهَا سِيََتهَا الُولَى (‪ )21‬وَاضْمُ مْ يَدَ كَ إِلَى َجنَاحِ َ‬
‫سُوءٍ آَيةً أُ ْخرَى (‪)22‬‬

‫ف منها‪ ,‬سوف نعيدها ع صًا كما كانت ف حالتها الول‪ .‬واضمم‬


‫قال ال لوسى‪ :‬خذ الية‪ ,‬ول تَخَ ْ‬
‫يدك إل جنبك تت العَضُد ترج بيضاء كالثلج من غي برص; لتكون لك علمة أخرى‪.‬‬

‫ك مِ ْن آيَاتِنَا الْ ُكبْرَى (‪)23‬‬


‫ِلنُ ِريَ َ‬

‫فعلنا ذلك; لكي نريك ‪ -‬يا موسى ‪ -‬من أدلتنا الكبى ما يدلّ على قدرتنا‪ ,‬وعظيم سلطاننا‪ ,‬وصحة‬
‫رسالتك‪.‬‬

‫ا ْذ َهبْ إِلَى ِف ْر َعوْنَ ِإنّهُ َطغَى (‪)24‬‬

‫اذهب ‪ -‬يا موسى ‪ -‬إل فرعون; إنه قد تاوز قدره وترّد على ربه‪ ,‬فادعه إل توحيد ال وعبادته‪.‬‬

‫قَالَ رَبّ اشْ َرحْ لِي صَدْرِي (‪َ )25‬ويَسّرْ لِي َأمْرِي (‪ )26‬وَاحْلُ ْل ُعقْ َد ًة مِنْ لِسَانِي (‪َ )27‬ي ْف َقهُوا َقوْلِي (‬
‫‪ )28‬وَا ْجعَلْ لِي وَزِيرا مِ نْ أَهْلِي ( ‪ )29‬هَارُونَ أَخِي ( ‪ )30‬اشْدُدْ بِهِ أَ ْزرِي ( ‪َ )31‬وَأشْرِكْهُ فِي َأمْرِي (‬
‫سبّحَكَ َكثِيا (‪َ )33‬ونَذْكُ َركَ َكثِيا (‪ِ )34‬إنّكَ ُكْنتَ ِبنَا َبصِيا (‪)35‬‬ ‫‪َ )32‬كيْ نُ َ‬

‫قال مو سى‪ :‬رب و سّع ل صدري‪ ,‬و َسهّل ل أمري‪ ,‬وأطلق ل سان بف صيح الن طق; ليفهموا كل مي‪.‬‬
‫واجعل ل معينا من أهلي‪ ,‬هارون أخي‪َ .‬قوّن به وشدّ به ظهري‪ ,‬وأشركه معي ف النبوة وتبليغ الرسالة;‬
‫كي نن هك بالت سبيح كثيًا‪ ,‬ونذكرك كثيا فنحمدك‪ .‬إنك ك نت ب نا ب صيًا‪ ,‬ل ي فى عل يك شيء من‬
‫أفعالنا‪.‬‬

‫ك يَا مُوسَى (‪)36‬‬


‫قَالَ قَدْ أُوتِيتَ ُسؤْلَ َ‬

‫قال ال‪ :‬قد أعطيتك كل ما سألت يا موسى‪.‬‬

‫‪557‬‬
‫ك مَ ّرةً أُخْرَى (‪)37‬‬
‫وََلقَ ْد َمنَنّا عََليْ َ‬

‫ولقد أنعمنا عليك ‪ -‬يا موسى ‪ -‬قبل هذه النعمة نعمة أخرى‪ ,‬حي كنت رضيعًا‪ ,‬فأنيناك مِن بطش‬
‫فرعون‪.‬‬

‫إِذْ َأوْ َحْينَا إِلَى ُأمّ كَ مَا يُوحَى (‪ )38‬أَ ْن اقْذِفِي هِ فِي التّابُو تِ فَاقْذِفِي هِ فِي الْيَمّ َف ْليُ ْلقِ هِ الْيَمّ بِال سّاحِلِ يَأْخُذْ هُ‬
‫حّب ًة ِمنّي وَِلُتصْنَ َع عَلَى َعيْنِي (‪)39‬‬ ‫ك مَ َ‬
‫عَ ُدوّ لِي َوعَ ُدوّ لَ ُه َوأَْلقَْيتُ عََليْ َ‬

‫وذلك حي ألمْنا أمّك‪ :‬أن ضعي ابنك موسى بعد ولدته ف التابوت‪ ,‬ث اطرحيه ف النيل‪ ,‬فسوف يلقيه‬
‫النيل على الساحل‪ ,‬فيأخذه فرعون عدوي وعدوه‪ .‬وألقيت عليك مبة من فصرت بذلك مبوبًا بي‬
‫العباد‪ ,‬ولِترب على عين وف حفظي‪ .‬وف الية إثبات صفة العي ل ‪ -‬سبحانه وتعال ‪ -‬كما يليق بلله‬
‫وكماله‪.‬‬

‫حزَ َن وََقتَلْ تَ‬


‫إِ ْذ تَمْشِي أُ ْختُ كَ َفَتقُو ُل هَلْ أَدُّلكُ ْم عَلَى مَ ْن َي ْكفُلُ هُ َفرَ َج ْعنَا كَ إِلَى ُأمّ كَ كَ ْي َتقَ ّر َعيُْنهَا وَل تَ ْ‬
‫ت عَلَى قَدَ ٍر يَا مُوسَى (‪)40‬‬ ‫ت ِسنِيَ فِي َأهْ ِل مَ ْديَ َن ثُمّ ِجئْ َ‬ ‫جْينَاكَ مِنْ الْغَ ّم وََفَتنّاكَ ُفتُونا َفَلِبثْ َ‬
‫َنفْسا َفنَ ّ‬

‫ومننّا عليك حي تشي أختك تتبعك ث تقول لن أخذوك‪ :‬هل أدلكم على من يكفُله‪ ,‬ويرضعه لكم؟‬
‫فرددناك إل أمّك بعد ما صرتَ ف أيدي فرعون؛ كي تطيب نفسها بسلمتك من الغرق والقتل‪ ,‬ول‬
‫تزن على َفقْدك‪ ,‬وقتلت الرجل القبطي خطأ فنجيناك من غَمّ ِفعْلك وخوف القتل‪ ,‬وابتليناك ابتلء‪,‬‬
‫فخرجت خائفًا إل أهل "مدين"‪ ,‬فمكثت سني فيهم‪ ,‬ث جئت من "مدين" ف الوعد الذي قدّرناه‬
‫لرسالك ميئًا موافقًا لقدر ال وإرادته‪ ,‬والمر كله ل تبارك وتعال‪.‬‬

‫وَاصْ َطنَ ْعتُكَ ِلَنفْسِي (‪)41‬‬

‫ت عليك ‪ -‬يا موسى ‪ -‬هذه النعم اجتباء من لك‪ ,‬واختيارًا لرسالت‪ ,‬والبلغ عن‪ ,‬والقيام بأمري‬
‫وأنعم ُ‬
‫ونيي‪.‬‬

‫‪558‬‬
‫ا ْذهَ بْ َأنْ تَ َوأَخُو َك بِآيَاتِي وَل َتِنيَا فِي ذِ ْكرِي (‪ )42‬ا ْذ َهبَا إِلَى فِ ْر َعوْ نَ ِإنّ ُه طَغَى ( ‪َ )43‬فقُول لَ هُ َقوْلً‬
‫َليّنا َلعَلّ ُه َيتَذَكّرُ َأ ْو يَخْشَى (‪)44‬‬

‫اذهب ‪ -‬يا موسى ‪ -‬أنت وأخوك هارون بآيات الدالة على ألوهيت وكمال قدرت وصدق رسالتك‪ ,‬ول‬
‫َتضْعُفا عن مداومة ذكري‪ .‬اذهبا معًا إل فرعون; إنه قد جاوز الد ف الكفر والظلم‪ ,‬فقول له قول‬
‫لطيفًا; لعله يتذكر أو ياف ربه‪.‬‬

‫ط عََلْينَا َأوْ َأنْ يَ ْطغَى (‪)45‬‬


‫قَال َرّبنَا إِّننَا نَخَافُ َأ ْن َيفْرُ َ‬

‫قال موسى وهارون‪ :‬ربنا إننا ناف أن يعاجلنا بالعقوبة‪ ,‬أو أن يتمرد على الق فل يقبله‪.‬‬

‫قَا َل ل تَخَافَا ِإّننِي َم َعكُمَا أَسْمَ ُع َوأَرَى (‪َ )46‬ف ْأتِيَاهُ َفقُول ِإنّا رَسُول َربّكَ َفأَرْسِ ْل َمعَنَا بَنِي إِسْرَائِي َل وَل‬
‫ك وَال سّلمُ عَلَى مَ ْن اّتبَ َع الْهُدَى (‪ِ )47‬إنّا َقدْ أُوحِ يَ إَِلْينَا أَنّ اْلعَذَا بَ عَلَى‬
‫ُتعَ ّذبْهُ مْ َقدْ ِجْئنَا كَ بِآَيةٍ مِ نْ َربّ َ‬
‫ب َوَتوَلّى (‪)48‬‬ ‫مَنْ كَذّ َ‬

‫قال ال لوسى وهارون‪ :‬ل تافا من فرعون; فإنن معكما أسع كلمكما وأرى أفعالكما‪ ,‬فاذهبا إليه‬
‫وقول له‪ :‬إننا رسولن إليك من ربك أن أطلق بن إسرائيل‪ ,‬ول تكلّفهم ما ل يطيقون من العمال‪ ,‬قد‬
‫أتيناك بدللة معجزة من ربك تدل على صدقنا ف دعوتنا‪ ,‬والسلمة من عذاب ال تعال لن اتبع هداه‪.‬‬
‫إن ربك قد أوحى إلينا أن عذابه على مَن كذّب وأعرض عن دعوته وشريعته‪.‬‬

‫قَالَ َفمَنْ َرّبكُمَا يَا مُوسَى (‪)49‬‬

‫قال فرعون لما‪ :‬فمَن ربكما يا موسى؟‬

‫قَالَ َرّبنَا الّذِي َأعْطَى كُ ّل َشيْءٍ َخ ْلقَهُ ثُ ّم هَدَى (‪)50‬‬

‫قال له موسى‪ :‬ربنا الذي أعطى كل شيء خَ ْلقَه اللئق به على حسن صنعه‪ ,‬ث هدى كل ملوق إل‬
‫النتفاع با خلقه ال له‪.‬‬

‫‪559‬‬
‫قَالَ َفمَا بَا ُل اْلقُرُو ِن الُولَى (‪)51‬‬

‫قال فرعون لوسى‪ :‬فما شأن المم السابقة؟ وما خب القرون الاضية‪ ,‬فقد سبقونا إل النكار والكفر؟‬

‫ب ل َيضِلّ َربّي وَل يَنسَى (‪)52‬‬


‫قَا َل عِ ْل ُمهَا عِنْدَ َربّي فِي ِكتَا ٍ‬

‫قال موسى لفرعون‪ :‬عِ ْلمُ تلك القرون فيما َفعَلَت من ذلك عند رب ف اللوح الحفوظ‪ ,‬ول عِ ْلمَ ل به‪,‬‬
‫ل يضل رب ف أفعاله وأحكامه‪ ,‬ول ينسى شيئًا مّا علمه منها‪.‬‬

‫ض َمهْدا وَ سَلَكَ َلكُ مْ فِيهَا ُسُبلً َوأَنزَلَ مِ ْن ال سّمَا ِء مَاءً َفأَخْرَجْنَا بِ هِ أَ ْزوَاجا مِ نْ‬
‫الّذِي َجعَلَ َلكُ ْم الَرْ َ‬
‫َنبَاتٍ َشتّى (‪)53‬‬

‫هو الذي جعل لكم الرض ميسّرة للنتفاع با‪ ,‬وجعل لكم فيها طرقًا كثية‪ ,‬وأنزل من السماء مطرًا‪,‬‬
‫فأخرج به أنواعًا متلفة من النبات‪.‬‬

‫ك ليَاتٍ ُلوْلِي الّنهَى (‪)54‬‬


‫كُلُوا وَا ْر َعوْا َأْنعَامَكُمْ ِإنّ فِي ذَلِ َ‬

‫كلوا ‪ -‬أيها الناس ‪ -‬من طيبات ما أنبتنا لكم‪ ,‬وارعوا حيواناتكم وبائمكم‪ .‬إن ف كل ما ذُكر‬
‫لَعلمات على قدرة ال‪ ,‬ودعوة لوحدانيته وإفراده بالعبادة‪ ,‬لذوي العقول السليمة‪.‬‬

‫خرِ ُجكُ ْم تَا َرةً أُخْرَى (‪)55‬‬


‫ِمْنهَا خََل ْقنَاكُ ْم وَفِيهَا ُنعِيدُكُ ْم َو ِمنْهَا نُ ْ‬

‫من الرض خََلقْناكم ‪ -‬أيها الناس ‪ ،-‬وفيها نعيدكم بعد الوت‪ ,‬ومنها نرجكم أحياء مرة أخرى‬
‫للحساب والزاء‪.‬‬

‫ب َوَأبَى (‪)56‬‬
‫وََلقَدْ أَ َرْينَا ُه آيَاتِنَا كُّلهَا َفكَذّ َ‬

‫‪560‬‬
‫ص ْدقِ رسالة موسى فكذّب با‪,‬‬
‫ولقد أرينا فرعون أدلتنا وحججنا جيعها‪ ,‬الدالة على ألوهيتنا وقدرتنا و ِ‬
‫وامتنع عن قَبول الق‪.‬‬

‫ح ِركَ يَا مُوسَى (‪)57‬‬


‫ضنَا بِسِ ْ‬
‫قَالَ أَ ِجْئَتنَا ِلُتخْرِ َجنَا مِنْ أَرْ ِ‬

‫قال فرعون‪ :‬هل جئتنا ‪ -‬يا موسى ‪ -‬لتخرجنا من ديارنا بسحرك هذا؟‬

‫ت مَكَانا ُسوًى (‪)58‬‬


‫ح ُن وَل أَْن َ‬
‫فََلَن ْأتَِينّكَ بِسِحْ ٍر ِمثْلِهِ فَا ْجعَ ْل َبيَْننَا َوبَْينَكَ َم ْوعِدا ل نُخِْلفُ ُه نَ ْ‬

‫فسوف نأتيك بسحر مثل سحرك‪ ,‬فاجعل بيننا وبينك موعدًا مددًا‪ ,‬ل نلفه نن ول تلفه أنت‪ ,‬ف‬
‫مكان مستوٍ معتدل بيننا وبينك‪.‬‬

‫قَا َل َم ْوعِدُكُ ْم َي ْومُ الزّيَن ِة َوأَ ْن يُحْشَرَ النّاسُ ضُحًى (‪)59‬‬

‫قال موسى لفرعون‪ :‬موعدكم للجتماع يوم العيد‪ ,‬حي يتزيّن الناس‪ ,‬ويتمعون من كل فج وناحية‬
‫وقت الضحى‪.‬‬

‫َفَتوَلّى فِ ْر َع ْونُ َفجَ َمعَ َكيْ َدهُ ثُمّ َأتَى (‪)60‬‬

‫فأدبر فرعون معرضًا عما أتاه به موسى من الق‪ ,‬فجمع سحرته‪ ,‬ث جاء بعد ذلك لوعد الجتماع‪.‬‬

‫ب مَ ْن ا ْفتَرَى (‪)61‬‬
‫حَتكُ ْم ِبعَذَابٍ وَقَدْ خَا َ‬
‫قَالَ َلهُ ْم مُوسَى َويَْلكُ ْم ل َت ْفتَرُوا عَلَى اللّهِ كَذِبا َفيُسْ ِ‬

‫قال موسى لسحرة فرعون يعظهم‪ :‬احذروا‪ ,‬ل تتلقوا على ال الكذب‪ ,‬فيستأصلكم بعذاب مِن عنده‬
‫ويُبيدكم‪ ,‬وقد خسر من اختلق على ال كذبًا‪.‬‬

‫ضكُمْ‬
‫جوَى (‪ )62‬قَالُوا إِ ْن هَذَانِ لَسَا ِحرَا ِن يُرِيدَانِ أَنْ ُيخْرِجَا ُك ْم مِنْ أَرْ ِ‬
‫َفَتنَا َزعُوا َأمْ َرهُ ْم َبْينَهُ ْم َوأَسَرّوا النّ ْ‬

‫‪561‬‬
‫صفّا وَقَدْ أَفْلَ َح اْلَيوْ َم مَ ْن ا ْستَعْلَى (‬
‫بِ سِحْ ِرهِمَا َويَ ْذ َهبَا بِطَرِي َقتِكُ ْم الْ ُمثْلَى (‪َ )63‬فأَ ْج ِمعُوا َكيْدَكُ ْم ثُمّ ائْتُوا َ‬
‫‪)64‬‬

‫فتجاذب السحرة أمرهم بينهم وتادثوا سرًا‪ ,‬قالوا‪ :‬إن موسى وهارون ساحران يريدان أن يرجاكم من‬
‫بلدكم بسحرها‪ ,‬ويذهبا بطريقة السحر العظيمة الت أنتم عليها‪ ,‬فأحكموا كيدكم‪ ,‬واعزموا عليه من‬
‫غي اختلف بينكم‪ ,‬ث ائتوا صفًا واحدًا‪ ,‬وألقوا ما ف أيديكم مرة واحدة; لَتْبهَروا البصار‪ ,‬وتغلبوا‬
‫سحر موسى وأخيه‪ ,‬وقد ظفر باجته اليوم مَن عل على صاحبه‪ ,‬فغلبه وقهره‪.‬‬

‫قَالُوا يَا مُوسَى ِإمّا َأنْ تُ ْل ِق َي َوإِمّا َأنْ َنكُونَ َأوّ َل مَنْ أَْلقَى (‪)65‬‬

‫قال السحرة‪ :‬يا موسى إما أن تلقي عصاك أول وإما أن نبدأ نن فنلقي ما معنا‪.‬‬

‫سعَى (‪َ )66‬فَأوْجَ سَ فِي َنفْ سِهِ خِي َفةً‬


‫ح ِرهِمْ أَّنهَا تَ ْ‬
‫خيّلُ إَِليْ ِه مِ نْ سِ ْ‬
‫صّيهُ ْم يُ َ‬
‫قَا َل بَلْ أَْلقُوا فَِإذَا ِحبَاُلهُ ْم َوعِ ِ‬
‫مُوسَى (‪)67‬‬

‫قال لم موسى‪ :‬بل ألقُوا أنتم ما معكم أول فألقَوا حبالم وعصيّهم‪ ,‬فتخيل موسى مِن قوة سحرهم أنا‬
‫حيات تسعى‪ ,‬فشعر موسى ف نفسه بالوف‪.‬‬

‫ت الَعْلَى (‪)68‬‬
‫قُ ْلنَا ل تَخَفْ ِإنّكَ َأنْ َ‬

‫قال ال لوسى حينئذ‪ :‬ل تَخَفْ من شيء‪ ,‬فإنك أنت العلى على هؤلء السحرة وعلى فرعون وجنوده‪,‬‬
‫وستغلبهم‪.‬‬

‫صَنعُوا َكيْدُ سَاحِ ٍر وَل ُيفْلِحُ السّا ِحرُ َحْيثُ َأتَى (‪)69‬‬
‫صَنعُوا ِإنّمَا َ‬
‫ف مَا َ‬
‫ك تَ ْلقَ ْ‬
‫َوأَلْ ِق مَا فِي يَمِينِ َ‬

‫حرٍ‪,‬‬
‫وألق عصاك الت ف يينك تبتلع حبالم وعصيهم‪ ,‬فما عملوه أمامك ما هو إل مكر ساح ٍر وتييل سِ ْ‬
‫ول يظفر الساحر بسحره أين كان‪.‬‬

‫‪562‬‬
‫ب هَارُو َن َومُوسَى (‪)70‬‬
‫َفأُْلقِيَ السّحَ َر ُة سُجّدا قَالُوا آ َمنّا ِبرَ ّ‬

‫فألقى موسى عصاه‪ ,‬فبلعت ما صنعوا‪ ,‬فظهر الق وقامت الجة عليهم‪ .‬فألقى السحرة أنفسهم على‬
‫الرض ساجدين وقالوا‪ :‬آمنا برب هارون وموسى‪ ,‬لو كان هذا سحرًا ما غُِلبْنا‪.‬‬

‫قَالَ آ َمْنتُمْ لَهُ َقبْلَ أَنْ آذَنَ َلكُمْ ِإنّهُ َل َكبِيُكُ ْم الّذِي عَلّ َمكُ ْم السّحْرَ فَلقَ ّطعَنّ َأيْ ِديَكُ ْم َوأَرْ ُجَلكُ ْم مِنْ خِلفٍ‬
‫وَلصَّلَبنّكُمْ فِي ُجذُوعِ النّخْ ِل وََلَتعْلَمُنّ َأّينَا َأشَ ّد عَذَابا َوَأبْقَى (‪)71‬‬

‫قال فرعون للسحرة‪ :‬أصدّقتم بوسى‪ ,‬واتبعتموه‪ ,‬وأقررت له قبل أن آذن لكم بذلك؟ إن موسى‬
‫لَعظيمكم الذي عَلّمكم السحر; فلذلك تابعتموه‪ ,‬فلقطعنّ أيديكم وأرجلكم مالفًا بينها‪ ,‬يدًا من جهة‬
‫ورِجْل من الهة الخرى‪ ,‬ولصلبنّكم ‪ -‬بربط أجسادكم ‪ -‬على جذوع النخل‪ ,‬ولتعلم ّن أيها السحرة‬
‫أينا‪ :‬أنا أو رب موسى أشد عذابًا من الخر‪ ,‬وأدوم له؟‬

‫ض مَا َأنْ تَ قَا ضٍ فَاقْ ضِ مَا َأنْ تَ قَا ضٍ ِإنّمَا‬


‫قَالُوا لَ نْ ُنؤْثِرَ َك عَلَى مَا جَا َءنَا مِ ْن الَْبّينَا تِ وَالّذِي َفطَ َرنَا فَاقْ ِ‬
‫حيَاةَ ال ّدْنيَا (‪)72‬‬‫َتقْضِي هَ ِذ ِه الْ َ‬

‫قال السحرة لفرعون‪ :‬لن نفضلك‪ ,‬فنطيعك‪ ,‬ونتبع دينك‪ ,‬على ما جاءنا به موسى من البينات الدالة‬
‫على صدقه ووجوب متابعته وطاعة ربه‪ ,‬ولن نُ َفضّل ربوبيتك الزعومة على ربوبية الِ الذي خلقنا‪,‬‬
‫فافعل ما أنت فاعل بنا‪ ,‬إنا سلطانك ف هذه الياة الدنيا‪ ,‬وما تفعله بنا‪ ,‬ما هو إل عذاب منت ٍه بانتهائها‪.‬‬

‫ِإنّا آ َمنّا بِ َرّبنَا ِليَ ْغفِرَ َلنَا َخطَايَانَا َومَا أَكْ َر ْهتَنَا عََليْ ِه مِنْ السّحْرِ وَاللّهُ َخيْ ٌر َوَأبْقَى (‪)73‬‬

‫إنّا آمنا بربنا وصدّقْنا رسوله وعملنا با جاء به; ليعفو ربّنا عن ذنوبنا‪ ,‬وما أكرهتنا عليه مِن عمل السحر‬
‫ف معارضة موسى‪ .‬وال خي لنا منك ‪ -‬يا فرعون ‪ -‬جزاء لن أطاعه‪ ,‬وأبقى عذابًا لن عصاه وخالف‬
‫أمره‪.‬‬

‫حيَا (‪)74‬‬
‫ِإنّهُ مَ ْن َيأْتِ َربّ ُه مُجْرِما فَِإنّ لَهُ َج َهنّ َم ل يَمُوتُ فِيهَا وَل َي ْ‬

‫‪563‬‬
‫إنه من يأت ربه كافرًا به فإن له نار جهنم ُيعَذّب با‪ ,‬ل يوت فيها فيستريح‪ ,‬ول ييا حياة يتلذذ با‪.‬‬

‫حِتهَا‬
‫جرِي مِ ْن تَ ْ‬
‫ت اْلعُل (‪َ )75‬جنّا تُ عَدْ ٍن تَ ْ‬
‫َومَ ْن يَ ْأتِ ِه ُم ْؤمِنا قَ ْد عَمِ َل ال صّالِحَاتِ َفُأوَْلئِ كَ َلهُ مْ الدّرَجَا ُ‬
‫الَْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا َوذَلِكَ َجزَاءُ مَ ْن تَزَكّى (‪)76‬‬

‫ومن يأت ربه مؤمنًا به قد عمل العمال الصالة فله النازل العالية ف جنات القامة الدائمة‪ ,‬تري من‬
‫تت أشجارها النار ماكثي فيها أبدًا‪ ,‬وذلك النعيم القيم ثواب من ال لن طهّر نفسه من الدنس‬
‫والبث والشرك‪ ,‬وعبد ال وحده فأطاعه واجتنب معاصيه‪ ,‬ولقي ربه ل يشرك بعبادته أحدًا من خلقه‪.‬‬

‫ح ِر َيبَسا ل َتخَافُ َدرَكا وَل تَخْشَى‬


‫وََلقَدْ َأوْ َحيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْ ِر ِبعِبَادِي فَاضْرِبْ َل ُه ْم طَرِيقا فِي الْبَ ْ‬
‫(‪)77‬‬

‫ولقد أوحينا إل موسى‪ :‬أن اخرُج ليل بعبادي من بن إسرائيل من "مصر"‪ ,‬فاتّخِذْ لم ف البحر طريقًا‬
‫يابسًا‪ ,‬ل تاف من فرعون وجنوده أن يلحقوكم فيدركوكم‪ ,‬ول تشى ف البحر غرقًا‪.‬‬

‫شَيهُمْ (‪)78‬‬
‫شَيهُ ْم مِ ْن الْيَ ّم مَا غَ ِ‬
‫جنُو ِدهِ َفغَ ِ‬
‫َفَأتَْب َعهُمْ فِ ْر َع ْونُ بِ ُ‬

‫فأسرى موسى ببن إسرائيل‪ ,‬وعب بم طريقًا ف البحر‪ ,‬فأتبعهم فرعون بنوده‪ ,‬فغمرهم من الاء ما ل‬
‫يعلم كنهه إل ال‪ ,‬فغرقوا جيعًا ونا موسى وقومه‪.‬‬

‫َوأَضَلّ فِ ْر َع ْونُ َق ْومَ ُه َومَا هَدَى (‪)79‬‬

‫وأضلّ فرعون قومه با زيّنه لم من الكفر والتكذيب‪ ,‬وما سلك بم طريق الداية‪.‬‬

‫يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَ َنْينَاكُمْ مِ ْن عَ ُدوّكُ ْم َووَاعَ ْدنَاكُمْ جَانِبَ الطّورِ ا َليْمَ َن َونَزّْلنَا عََلْيكُ ْم الْمَنّ وَالسّ ْلوَى (‬
‫‪)80‬‬

‫‪564‬‬
‫يا بن إسرائيل اذكروا حي أنيناكم مِن عدوكم فرعون‪ ,‬و َجعَلْنا موعدكم بانب جبل الطور الين‬
‫لنزال التوراة عليكم‪ ,‬ونزلنا عليكم ف التيه ما تأكلونه‪ ,‬ما يشبه الصّمغ طعمه كالعسل‪ ،‬والطي الذي‬
‫يشبه السّمَانَى‪.‬‬

‫ت مَا رَزَ ْقنَاكُ ْم وَل تَ ْط َغوْا فِي هِ َفيَحِ ّل عََلْيكُ ْم َغضَبِي َومَ ْن َيحْلِ ْل عََليْ ِه َغضَبِي َفقَ ْد َهوَى (‬
‫كُلُوا مِ ْن طَّيبَا ِ‬
‫‪)81‬‬

‫كلوا من رزقنا الطيب‪ ,‬ول تعتدوا فيه بأن يظلم بعضكم بعضًا‪ ,‬فينل بكم غضب‪ ,‬ومَن ينل به غضب‬
‫فقد هلك وخسر‪.‬‬

‫ب وَآمَ َن َوعَمِلَ صَالِحا ثُمّ ا ْهتَدَى (‪)82‬‬


‫َوِإنّي َل َغفّارٌ لِمَ ْن تَا َ‬

‫وإن لَغفار لن تاب من ذنبه وكفره‪ ,‬وآمن ب وعمل العمال الصالة‪ ,‬ث اهتدى إل الق واستقام عليه‪.‬‬

‫ك عَنْ َق ْومِكَ يَا مُوسَى (‪)83‬‬


‫جلَ َ‬
‫َومَا أَعْ َ‬

‫وأيّ شيء أعجلك عن قومك ‪ -‬يا موسى ‪ -‬فسبقتَهم إل جانب الطور الين‪ ,‬وخلّفتَهم وراءك؟‬

‫ج ْلتُ إَِليْكَ رَبّ ِلتَرْضَى (‪)84‬‬


‫قَا َل هُمْ أُول ِء عَلَى َأثَرِي َوعَ ِ‬

‫قال‪ :‬إنم خلفي سوف يلحقون ب‪ ,‬وسبقتُهم إليك ‪ -‬يا رب ‪ -‬لتزداد عن رضا‪.‬‬

‫ك مِ ْن َبعْ ِدكَ َوأَضَّلهُمْ السّامِرِيّ (‪)85‬‬


‫قَالَ فَِإنّا قَدْ َفتَنّا َق ْومَ َ‬

‫قال ال لوسى‪ :‬فإنا قد ابتلينا قومك بعد فراقك إياهم بعبادة العجل‪ ,‬وإن السامري قد أضلهم‪.‬‬

‫فَ َرجَ َع مُو سَى إِلَى َق ْومِ ِه َغضْبَا نَ أَ سِفا قَا َل يَا َقوْ مِ أَلَ ْم َيعِدْكُ مْ َرّبكُ ْم َوعْدا حَ سَنا أَفَطَا َل عََلْيكُ ْم اْلعَهْدُ أَ مْ‬

‫‪565‬‬
‫ب مِنْ َرّبكُمْ َفأَخَْل ْفتُ ْم َم ْوعِدِي ( ‪)86‬‬
‫أَرَ ْدتُمْ َأ ْن يَحِ ّل عََلْيكُ ْم َغضَ ٌ‬

‫فرجع موسى إل قومه غضبان عليهم حزينًا‪ ,‬وقال لم‪ :‬يا قوم أل َيعِدْكم ربكم وعدًا حسنًا بإنزال‬
‫التوراة؟ أفطال عليكم العهد واستبطأت الوعد‪ ,‬أم أردت أن تفعلوا فعل يل عليكم بسببه غضب من‬
‫ربكم‪ ,‬فأخلفتم موعدي وعبدت العجل‪ ,‬وتركتم اللتزام بأوامري؟‬

‫قَالُوا مَا أَ ْخَل ْفنَا َم ْوعِدَ كَ بِ َم ْل ِكنَا وََل ِكنّ ا حُمّ ْلنَا َأوْزَارا مِ نْ زِيَن ِة الْ َقوْ مِ َفقَذَ ْفنَاهَا َفكَذَلِ كَ أَْلقَى ال سّامِرِيّ (‬
‫‪)87‬‬

‫قالوا‪ :‬يا موسى ما أخلفنا موعدك باختيارنا‪ ,‬ولكنّا ُحمّلنا أثقال مِن حل ّي قوم فرعون‪ ,‬فألقيناها ف حفرة‬
‫فيها نار بأمر السامري‪ ,‬فكذلك ألقى السامري ما كان معه من تربة حافر فرس جبيل عليه السلم‪.‬‬

‫جلً جَسَدا لَهُ ُخوَارٌ َفقَالُوا هَذَا إَِل ُهكُ ْم َوإِلَهُ مُوسَى َفنَسِيَ (‪)88‬‬
‫َفأَخْ َرجَ َلهُ ْم عِ ْ‬

‫فصنع السامري لبن إسرائيل من الذهب عجل جسدًا يور خوار البقر‪ ,‬فقال الفتونون به منهم‬
‫للخرين‪ :‬هذا هو إلكم وإله موسى‪ ,‬نسيه و َغفَل عنه‪.‬‬

‫ضرّا وَل َنفْعا (‪)89‬‬


‫أَفَل َي َروْنَ أَ ّل يَرْجِعُ إِلَْيهِمْ َقوْ ًل وَل يَمْلِكُ َلهُمْ َ‬

‫أفل يرى الذين عبدوا العجل أنه ل يكلمهم ابتداء‪ ,‬ول ير ّد عليهم جوابًا‪ ,‬ول يقدر على دفع ض ّر عنهم‪,‬‬
‫ول جلب نفع لم؟‬

‫وََلقَدْ قَالَ َلهُ ْم هَارُو ُن مِنْ َقبْ ُل يَا َق ْومِ ِإنّمَا ُفتِنتُمْ بِهِ َوِإنّ َربّكُمْ الرّحْمَنُ فَاّتِبعُونِي َوأَطِيعُوا َأمْرِي (‪)90‬‬

‫ولقد قال هارون لبن إسرائيل من قبل رجوع موسى إليهم‪ :‬يا قوم إنا اختُبت بذا العجل؛ ليظهر الؤمن‬
‫منكم من الكافر‪ ,‬وإن ربكم الرحن ل غيه فاتبعون فيما أدعوكم إليه من عبادة ال‪ ,‬وأطيعوا أمري ف‬
‫اتباع شرعه‪.‬‬

‫‪566‬‬
‫ح عََليْ ِه عَاكِفِيَ َحتّى يَ ْرجِعَ إَِلْينَا مُوسَى (‪)91‬‬
‫قَالُوا لَنْ نَبْ َر َ‬

‫قال ُعبّاد العجل منهم‪ :‬لن نزال مقيمي على عبادة العجل حت يرجع إلينا موسى‪.‬‬

‫قَا َل يَا هَارُونُ مَا َمَنعَكَ إِذْ َرَأْيَتهُمْ ضَلّوا (‪ )92‬أَ ّل َتتِّب َعنِي أََف َعصَْيتَ َأمْرِي (‪)93‬‬

‫ي شيء منعك حي رأيتهم ضلّوا عن دينهم أن ل تتبعن‪ ,‬فتلحق ب‬


‫قال موسى لخيه هارون‪ :‬أ ّ‬
‫وتتركهم؟ أفعصيت أمري فيما أمرتك به من خلفت والصلح بعدي؟‬

‫حَيتِي وَل بِ َرأْ سِي ِإنّي خَشِي تُ أَ نْ تَقُولَ َفرّقْ تَ َبيْ َن َبنِي إِ سْرَائِي َل وَلَ ْم َترْقُ بْ َقوْلِي (‬
‫قَا َل َيْبَنؤُمّ ل َتأْخُ ْذ بِلِ ْ‬
‫‪)94‬‬

‫ث أخذ موسى بلحية هارون ورأسه يرّه إليه‪ ,‬فقال له هارون‪ :‬يا ابن أمي ل تسك بلحيت ول بشعر‬
‫رأسي‪ ,‬إن خفتُ ‪ -‬إن تركتهم ولقت بك ‪ -‬أن تقول‪ :‬فرّقت بي بن إسرائيل‪ ,‬ول تفظ وصيت‬
‫بسن رعايتهم‪.‬‬

‫ك يَا سَامِرِيّ (‪)95‬‬


‫قَالَ َفمَا خَ ْطبُ َ‬

‫قال موسى للسامري‪ :‬فما شأنك يا سامري؟ وما الذي دعاك إل ما فعلته؟‬

‫ك َسوّلَتْ لِي نَفْسِي (‪)96‬‬


‫ضةً مِنْ أَثَرِ ال ّرسُولِ َفَنبَ ْذُتهَا وَكَذَلِ َ‬
‫ضتُ َقْب َ‬
‫ت بِمَا َل ْم يَْبصُرُوا بِهِ َف َقَب ْ‬
‫قَا َل َبصُرْ ُ‬

‫قال السامري‪ :‬رأيت ما ل يروه ‪ -‬وهو جبيل عليه السلم ‪ -‬على فرس‪ ,‬وقت خروجهم من البحر‬
‫ت بكفي ترابا من أثر حافر فرس جبيل‪ ,‬فألقيته على الليّ الذي صنعت‬
‫وغرق فرعون وجنوده‪ ,‬فأخذ ُ‬
‫منه العجل‪ ,‬فكان عجل جسدًا له خوار؛ بلء وفتنة‪ ,‬وكذلك زيّنت ل نفسي المّارة بالسوء هذا‬
‫الصنيع‪.‬‬

‫ك الّذِي‬
‫ك َموْعِدا لَ ْن ُتخَْلفَ ُه وَان ُظرْ إِلَى إَِلهِ َ‬
‫حيَاةِ أَ نْ َتقُولَ ل مِ سَاسَ َوإِنّ لَ َ‬
‫قَالَ فَا ْذهَ بْ فَإِنّ لَ كَ فِي الْ َ‬
‫‪567‬‬
‫سفَنّهُ فِي الْيَ ّم نَسْفا (‪)97‬‬
‫ت عََليْهِ عَاكِفا َلنُحَرَّقنّ ُه ثُمّ َلنَن ِ‬
‫ظَلَ ْل َ‬

‫س ول ُأ َمسّ‪,‬‬
‫قال موسى للسامري‪ :‬فاذهب فإن لك ف حياتك أن تعيش منبوذًا تقول لكل أحد‪ :‬ل َأ َم ّ‬
‫وإن لك موعدا لعذابك وعقابك‪ ,‬لن يُخْلفك ال إياه‪ ,‬وسوف تلقاه‪ ,‬وانظر إل معبودك الذي أقمت‬
‫على عبادته لنُحرقنّه بالنار‪ ,‬ث لنُذرينّه ف الي ّم تذرية‪.‬‬

‫ِإنّمَا إَِلهُكُمْ اللّ ُه الّذِي ل إِلَهَ إِ ّل هُ َو َوسِعَ كُ ّل َشيْ ٍء عِلْما (‪)98‬‬

‫إنا إلكم ‪ -‬أيها الناس ‪ -‬هو ال الذي ل معبود بق إل هو‪ ,‬وسع علمه كل شيء‪.‬‬

‫ك مِنْ َأْنبَاءِ مَا قَدْ سَبَ َق وَقَدْ آتَْينَاكَ مِنْ َل ُدنّا ذِكْرا (‪)99‬‬
‫ك َن ُقصّ عََليْ َ‬
‫كَذَلِ َ‬

‫كما قصصنا عليك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬أنباء موسى وفرعون وقومهما‪ ,‬نبك بأنباء السابقي لك‪ .‬وقد‬
‫آتيناك مِن عندنا هذا القرآن ذكرى لن يتذكر‪.‬‬

‫مَنْ َأعْ َرضَ عَنْهُ فَِإنّ ُه يَحْمِلُ َيوْ َم اْلقِيَا َم ِة وِزْرا (‪)100‬‬

‫من أعرض عن هذا القرآن‪ ,‬ول يصدق به‪ ,‬ول يعمل با فيه‪ ,‬فإنه يأت ربه يوم القيامة يمل إثًا عظيمًا‪.‬‬

‫خَالِدِينَ فِي ِه َوسَاءَ َلهُ ْم َي ْومَ اْل ِقيَا َمةِ حِ ْملً (‪)101‬‬

‫خالدين ف العذاب‪ ,‬وساءهم ذلك المل الثقيل من الثام حيث أوردهم النار‪.‬‬

‫ي َي ْو َمئِذٍ زُرْقا (‪)102‬‬


‫َي ْومَ ُيْنفَخُ فِي الصّو ِر َونَحْشُ ُر الْ ُمجْ ِرمِ َ‬

‫يوم يَنفُخ اللَكُ ف "القرن" لصيحة البعث‪ ,‬ونسوق الكافرين ذلكم اليوم وهم زرق‪ ,‬تغيّرت ألوانم‬
‫وعيونم; من شدة الحداث والهوال‪.‬‬

‫‪568‬‬
‫َيتَخَاَفتُو َن َبيَْنهُمْ ِإنْ َلِبْثتُمْ إِلّ عَشْرا (‪)103‬‬

‫يتهامسون بينهم‪ ,‬يقول بعضهم لبعض‪ :‬ما لبثتم ف الياة الدنيا إل عشرة أيام‪.‬‬

‫نَحْنُ َأعْلَ ُم بِمَا َيقُولُونَ إِذْ يَقُولُ َأ ْمثَُلهُ ْم طَرِي َقةً ِإنْ َلبِْثتُمْ إِ ّل َيوْما (‪)104‬‬

‫نن أعلم با يقولون ويُسِرّون حي يقول أعلمهم وأوفاهم عقل ما لبثتم إل يومًا واحدًا; ل ِقصَر مدة الدنيا‬
‫ف أنفسهم يوم القيامة‪.‬‬

‫س ُفهَا َربّي نَسْفا (‪)105‬‬


‫جبَالِ َفقُ ْل يَن ِ‬
‫َويَسْأَلُونَكَ عَ ْن الْ ِ‬

‫ويسألك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬قومك عن مصي البال يوم القيامة‪ ،‬فقل لم‪ :‬يزيلها ربّي عن أماكنها‬
‫فيجعلها هباء منبثًا‪.‬‬

‫ص ْفصَفا (‪ )106‬ل تَرَى فِيهَا ِعوَجا وَل َأمْتا (‪)107‬‬


‫َفيَذَ ُرهَا قَاعا َ‬

‫فيترك الرض حينئذ منبسطة مستوية ملساء ل نبات فيها‪ ,‬ل يرى الناظر إليها مِن استوائها َميْل ول‬
‫ارتفاعًا ول انفاضًا‪.‬‬

‫صوَاتُ لِلرّحْمَنِ فَل تَسْمَعُ إِلّ هَمْسا (‪)108‬‬


‫ش َعتْ الَ ْ‬
‫َي ْومَئِ ٍذ َيّتبِعُونَ الدّاعِي ل ِعوَجَ لَ ُه وَخَ َ‬

‫ف ذلك اليوم يتبع الناس صوت الداعي إل موقف القيامة‪ ,‬ل ميد عن دعوة الداعي; لنا حق وصدق‬
‫لميع اللق‪ ,‬وسكنت الصوات خضوعًا للرحن‪ ,‬فل تسمع منها إل صوتًا خفيًا‪.‬‬

‫ضيَ لَهُ َقوْلً (‪)109‬‬


‫َي ْومَئِ ٍذ ل تَنفَعُ الشّفَا َعةُ إِ ّل مَنْ أَ ِذنَ لَهُ الرّ ْحمَ ُن وَرَ ِ‬

‫ف ذلك اليوم ل تنفع الشفاعة أحدًا من اللق‪ ,‬إل إذا أذن الرحن للشافع‪ ,‬ورضي عن الشفوع له‪ ,‬ول‬
‫يكون ذلك إل للمؤمن الخلص‪.‬‬

‫‪569‬‬
‫َيعْلَ ُم مَا َبيْنَ َأيْدِيهِ ْم َومَا َخ ْل َفهُ ْم وَل يُحِيطُو َن بِ ِه عِلْما (‪)110‬‬

‫يعلم ال ما بي أيدي الناس مِن أمر القيامة وما خلفهم من أمر الدنيا‪ ,‬ول ييط خلقه به علمًا سبحانه‬
‫وتعال‪.‬‬

‫حيّ اْل َقيّو ِم وَقَدْ خَابَ مَنْ حَ َم َل ظُلْما (‪)111‬‬


‫َوعََنتْ الْوُجُوهُ لِ ْل َ‬

‫وخضعت وجوه اللئق‪ ,‬وذلّت لالقها‪ ,‬الذي له جيع معان الياة الكاملة كما يليق بلله الذي ل‬
‫يوت‪ ,‬القائم على تدبي ك ّل شيء‪ ،‬الستغن عمّن سواه‪ .‬وقد خسر يوم القيامة مَن أشرك مع ال أحدًا‬
‫من خلقه‪.‬‬

‫ف ظُلْما وَل َهضْما (‪)112‬‬


‫ت َوهُ َو ُم ْؤمِنٌ فَل يَخَا ُ‬
‫َومَ ْن َيعْمَ ْل مِ ْن الصّالِحَا ِ‬

‫ومن يعمل صالات العمال وهو مؤمن بربه‪ ,‬فل ياف ظلمًا بزيادة سيئاته‪ ,‬ول هضمًا بنقص حسناته‪.‬‬

‫حدِثُ َلهُمْ ذِكْرا (‪)113‬‬


‫وَكَذَلِكَ أَنزَْلنَاهُ ُقرْآنا عَ َرِبيّا وَصَرّ ْفنَا فِي ِه مِ ْن اْلوَعِيدِ َلعَّلهُ ْم َيّتقُونَ َأوْ يُ ْ‬

‫وكما رغّبنا أهل اليان ف صالات العمال‪ ,‬وحذّرنا أهل الكفر من القام على معاصيهم وكفرهم‬
‫بآياتنا‪ ,‬أنزلنا هذا القرآن باللسان العرب; ليفهموه‪ ,‬وفصّلنا فيه أنواعًا من الوعيد; رجاء أن يتقوا ربم‪ ,‬أو‬
‫يُحدِث لم هذا القرآن تذكرة‪ ,‬فيتعظوا‪ ,‬ويعتبوا‪.‬‬

‫ك الْحَقّ وَل َتعْجَلْ بِالْقُرْآ ِن مِنْ َقبْلِ َأنْ ُي ْقضَى إَِليْكَ وَ ْحيُهُ وَُقلْ رَبّ ِز ْدنِي عِلْما (‪)114‬‬
‫َفَتعَالَى اللّ ُه الْمَلِ ُ‬

‫فتنّه ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬وارتفع‪ ,‬وتقدّس عن كل نقص‪ ,‬اللك الذي قهر سلطانه كل ملك وجبار‪,‬‬
‫التصرف بكل شيء‪ ,‬الذي هو حق‪ ,‬ووعده حق‪ ,‬ووعيده حق‪ ,‬وكل شيء منه حق‪ .‬ول تعجل ‪ -‬أيها‬
‫الرسول ‪ -‬بسابقة جبيل ف تََلقّي القرآن قبل أن َيفْرَغ منه‪ ,‬وقل‪ :‬ربّ زدن علمًا إل ما علمتن‪.‬‬

‫‪570‬‬
‫سيَ وَلَ ْم َنجِدْ لَ ُه عَزْما (‪)115‬‬
‫وََلقَ ْد َعهِ ْدنَا إِلَى آ َد َم مِنْ َقبْلُ َفنَ ِ‬

‫ولقد وصينا آدم مِن قَب ِل أن يأكل من الشجرة‪ ,‬أل يأكل منها‪ ,‬وقلنا له‪ :‬إن إبليس عدو لك ولزوجك‪,‬‬
‫فل يرجنكما من النة‪ ,‬فتشقى أنت وزوجك ف الدنيا‪ ,‬فوسوس إليه الشيطان فأطاعه‪ ,‬ونسي آدم‬
‫الوصية‪ ,‬ول ند له قوة ف العزم يفظ با ما أُمر به‪.‬‬

‫جدُوا إِلّ ِإبْلِيسَ َأبَى (‪)116‬‬


‫َوإِذْ قُ ْلنَا ِللْمَلئِ َك ِة اسْجُدُوا ل َدمَ فَسَ َ‬

‫واذكر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬إذ قلنا للملئكة‪ :‬اسجدوا لدم سجود تية وإكرام‪ ,‬فأطاعوا‪ ,‬وسجدوا‪ ,‬لكن‬
‫إبليس امتنع من السجود‪.‬‬

‫شقَى (‪)117‬‬
‫جّنةِ َفتَ ْ‬
‫خرِ َجّنكُمَا مِ ْن الْ َ‬
‫ك وَلِ َزوْجِكَ فَل يُ ْ‬
‫َفقُ ْلنَا يَا آ َدمُ ِإنّ هَذَا عَ ُدوّ لَ َ‬

‫فقلنا‪ :‬يا آدم إن إبليس هذا عدو لك ولزوجتك‪ ,‬فاحذرا منه‪ ,‬ول تطيعاه بعصيت‪ ,‬فيخرجكما من النة‪,‬‬
‫فتشقى إذا أُخرجت منها‪.‬‬

‫ِإنّ لَكَ أَ ّل تَجُوعَ فِيهَا وَل َتعْرَى (‪)118‬‬

‫إن لك ‪ -‬يا آدم ‪ -‬ف هذه النة أن تأكل فل توع‪ ,‬وأن تَ ْلبَس فل َتعْرى‪.‬‬

‫َوَأنّكَ ل تَظْ َمأُ فِيهَا وَل َتضْحَى (‪)119‬‬

‫وأن لك أل تعطش ف هذه النة ول يصيبك حر الشمس‪.‬‬

‫ك ل َيبْلَى (‪)120‬‬
‫ج َرةِ الْخُلْ ِد َومُلْ ٍ‬
‫ك عَلَى شَ َ‬
‫َف َو ْسوَسَ إَِليْهِ الشّيْطَانُ قَا َل يَا آ َد ُم هَلْ أَدُلّ َ‬

‫فوسوس الشيطان لدم وقال له‪ :‬هل أدلك على شجرة‪ ,‬إن أكلت منها خُلّدتَ فلم تت‪ ,‬وملكت مُ ْلكًا‬
‫ل ينقضي ول ينقطع؟‬

‫‪571‬‬
‫جّن ِة َوعَ صَى آدَ مُ َربّ هُ َف َغوَى (‬
‫ق الْ َ‬
‫صفَانِ عََلْيهِمَا مِ ْن وَرَ ِ‬
‫َفأَكَل ِمنْهَا َفبَدَ تْ َلهُمَا َسوْآُتهُمَا َو َطفِقَا يَخْ ِ‬
‫‪)121‬‬

‫فأكل آدم وحواء من الشجرة الت ناها ال عنها‪ ,‬فانكشفت لما عوراتما‪ ,‬وكانت مستورةً عن‬
‫أعينهما‪ ,‬فأخذا ينعان من ورق أشجار النة ويلصقانه عليهما; ليسترا ما انكشف من عوراتما‪,‬‬
‫وخالف آدم أمر ربه‪ ,‬فغوى بالكل من الشجرة الت ناه ال عن القتراب منها‪.‬‬

‫ب عََليْهِ َوهَدَى (‪)122‬‬


‫ثُمّ ا ْجَتبَاهُ َربّهُ َفتَا َ‬

‫ث اصطفى ال آدم‪ ,‬وقرّبه‪ ,‬وَقبِل توبته‪ ,‬وهداه رشده‪.‬‬

‫شقَى‬
‫قَا َل ا ْهبِطَا ِمْنهَا َجمِيعا َب ْعضُكُمْ ِلبَعْضٍ عَ ُدوّ فَِإمّا يَ ْأِتيَّنكُ ْم ِمنّي هُدًى فَ َم ْن اّتبَ َع هُدَايَ فَل َيضِ ّل وَل يَ ْ‬
‫(‪)123‬‬

‫قال ال تعال لدم وحواء‪ :‬اهبطا من النة إل الرض جيعًا مع إبليس‪ ,‬فأنتما وهو أعداء‪ ,‬فإن يأتكم‬
‫من هدى وبيان فمن اتبع هداي وبيان وعمل بما فإنه يرشد ف الدنيا‪ ,‬ويهتدي‪ ,‬ول يشقى ف الخرة‬
‫بعقاب ال‪.‬‬

‫شةً ضَنكا َونَحْشُ ُر ُه َيوْ َم اْلقِيَا َمةِ َأعْمَى (‪)124‬‬


‫َومَنْ َأعْ َرضَ عَنْ ذِكْرِي فَِإنّ لَ ُه َمعِي َ‬

‫ومن تولّى عن ذكري الذي أذكّره به فإن له ف الياة الول معيشة ضيّقة شاقة ‪-‬وإن ظهر أنه من أهل‬
‫الفضل واليسار‪ ،-‬ويُضيّق قبه عليه ويعذّب فيه‪ ،‬ونشره يوم القيامة أعمى عن الرؤية وعن الجة‪.‬‬

‫ش ْرَتنِي َأعْمَى وَقَدْ كُنتُ َبصِيا (‪)125‬‬


‫قَالَ رَبّ لِمَ حَ َ‬

‫شرْتن أعمى‪ ,‬وقد كنت بصيًا ف الدنيا؟‬


‫قال العرِض عن ذكر ال‪ :‬ربّ لِمَ حَ َ‬

‫‪572‬‬
‫ك الَْي ْومَ تُنسَى (‪)126‬‬
‫قَالَ كَذَلِكَ َأَتتْكَ آيَاُتنَا َفنَسِيَتهَا وَكَذَلِ َ‬

‫قال ال تعال له‪ :‬حشرتك أعمى; لنك أتتك آيات البينات‪ ,‬فأعرضت عنها‪ ,‬ول تؤمن با‪ ,‬وكما‬
‫تركتَها ف الدنيا فكذلك اليوم تُترك ف النار‪.‬‬

‫ف وَلَ ْم ُي ْؤمِ ْن بِآيَاتِ َربّ ِه وََلعَذَابُ الخِ َرةِ َأشَ ّد َوأَْبقَى (‪)127‬‬
‫ك نَجْزِي مَنْ َأسْرَ َ‬
‫وَكَذَلِ َ‬

‫وهكذا نعاقب مَن أسرف على نفسه فعصى ربه‪ ,‬ول يؤمن بآياته بعقوبات ف الدنيا‪ ,‬ولَعذاب الخرة‬
‫العدّ لم أشد ألًا وأدوم وأثبت; لنه ل ينقطع ول ينقضي‪.‬‬

‫ك ليَا تٍ ُلوْلِي الّنهَى (‬


‫أَفَلَ ْم َيهْدِ َلهُ مْ َك مْ َأهَْل ْكنَا َقبَْلهُ ْم مِ ْن اْلقُرُو ِن يَمْشُو نَ فِي مَ سَاكِِنهِمْ ِإنّ فِي ذَلِ َ‬
‫‪)128‬‬

‫أفلم يدل قومك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬على طريق الرشاد كثرة مَن أهلكنا من المم الكذبة قبلهم وهم‬
‫ت لهل‬
‫يشون ف ديارهم‪ ,‬ويرون آثار هلكهم؟ إن ف كثرة تلك المم وآثار عذابم لَعبًا وعظا ٍ‬
‫العقول الواعية‪.‬‬

‫ت مِنْ َربّكَ َلكَانَ لِزَاما َوأَجَ ٌل مُسَمّى (‪)129‬‬


‫وََلوْل َكلِ َم ٌة َسَبقَ ْ‬

‫ولول كلمة سبقت من ربك وأجل مسمى عنده للزمهم اللك عاجل‪ ،‬لنم يستحقونه؛ بسبب‬
‫كفرهم‪.‬‬

‫سبّحْ‬
‫س وََقبْ َل غُرُوبِهَا َومِ ْن آنَاءِ الّليْلِ فَ َ‬
‫حمْدِ َربّ كَ َقبْ َل طُلُو عِ الشّمْ ِ‬‫صِب ْر عَلَى مَا َيقُولُو َن وَ َسبّ ْح بِ َ‬
‫فَا ْ‬
‫ك تَرْضَى (‪)130‬‬ ‫ف الّنهَارِ َلعَلّ َ‬
‫َوأَطْرَا َ‬

‫فاصب ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬على ما يقوله الكذبون بك من أوصاف وأباطيل‪ ,‬وسبّح بمد ربك ف صلة‬
‫الفجر قبل طلوع الشمس‪ ,‬وصلة العصر قبل غروبا‪ ,‬وصلة العشاء ف ساعات الليل‪ ,‬وصلة الظهر‬
‫والغرب أطراف النهار; كي تثاب على هذه العمال با تَرْضى به‪.‬‬

‫‪573‬‬
‫حيَاةِ الدّنيَا ِلَن ْفِتنَهُ مْ فِي ِه وَرِزْ قُ َربّ كَ َخيْ ٌر َوَأبْقَى (‬
‫وَل تَمُ ّدنّ َعْيَنيْ كَ إِلَى مَا َمّت ْعنَا بِ هِ أَ ْزوَاجا ِمْنهُ مْ َزهْ َر َة الْ َ‬
‫‪)131‬‬

‫ول تنظر إل ما َمّتعْنا به هؤلء الشركي وأمثالم من أنواع التع‪ ,‬فإنا زينة زائلة ف هذه الياة الدنيا‪,‬‬
‫متعناهم با; لنبتليهم با‪ ,‬ورزق ربك وثوابه خي لك ما متعناهم به وأدوم; حيث ل انقطاع له ول نفاد‪.‬‬

‫ك وَالْعَاِقَبةُ لِلّت ْقوَى (‪)132‬‬


‫سأَلُكَ ِرزْقا نَحْ ُن نَ ْرزُقُ َ‬
‫َوْأمُرْ َأهْلَكَ بِالصّلةِ وَاصْ َطبِ ْر عََلْيهَا ل نَ ْ‬

‫َوْأمُرْ ‪ -‬أيها النب ‪ -‬أهلك بالصلة‪ ,‬واصطب على أدائها‪ ,‬ل نسألك مال ‪ ،‬نن نرزقك ونعطيك‪.‬‬
‫والعاقبة الصالة ف الدنيا والخرة لهل التقوى‪.‬‬

‫ف الُولَى (‪)133‬‬
‫وَقَالُوا َلوْل َيأْتِينَا بِآَيةٍ مِنْ َربّهِ َأوَلَمْ تَ ْأِتهِ ْم َبيَّن ُة مَا فِي الصّحُ ِ‬

‫وقال مكذبوك ‪ -‬أيها الرسول ‪ :-‬هل تأتينا بعلمة من ربك تدلّ على صدقك‪ ,‬أول يأتم هذا القرآن‬
‫الصدق لا ف الكتب السابقة من الق؟‬

‫ك مِ نْ َقبْلِ أَ نْ نَ ِذلّ‬
‫وََلوْ َأنّ ا َأهَْل ْكنَاهُ ْم ِبعَذَا بٍ مِ نْ َقبْلِ هِ َلقَالُوا َربّنَا َلوْل أَرْ َس ْلتَ إَِليْنَا رَ سُولً َفَنّتبِ عَ آيَاتِ َ‬
‫َونَخْزَى (‪)134‬‬

‫ولو أنّا أهلكنا هؤلء الكذبي بعذاب من قبل أن نرسل إليهم رسول وننل عليهم كتابًا لقالوا‪ :‬ربنا هل‬
‫أرسلت إلينا رسول من عندك‪ ,‬فنصدقه‪ ,‬ونتبع آياتك وشرعك‪ ,‬مِن قبل أن نَذ ّل ونَخزى بعذابك‪.‬‬

‫ي َومَنْ ا ْهتَدَى (‪)135‬‬


‫سوِ ّ‬
‫ب الصّرَاطِ ال ّ‬
‫صحَا ُ‬
‫سَتعْلَمُونَ مَنْ أَ ْ‬
‫قُلْ كُ ّل ُمتَ َرّبصٌ َفتَ َرّبصُوا فَ َ‬

‫قل ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬لؤلء الشركي بال‪ :‬كل منا ومنكم منتظر دوائر الزمان‪ ,‬ولن يكون النصر‬
‫والفلح‪ ,‬فانتظروا‪ ,‬فستعلمون‪ :‬مَن أهل الطريق الستقيم‪ ,‬ومَن الهتدي للحق منا ومنكم؟‬

‫‪574‬‬
575
‫الزء السابع عشر ‪:‬‬

‫‪ -21‬سورة النبياء‬

‫اقْتَرَبَ لِلنّاسِ حِسَاُبهُ ْم َوهُمْ فِي غَفَْل ٍة ُمعْرِضُونَ (‪)1‬‬

‫دنا وقت حساب الناس على ما قدّموا من عمل‪ ,‬ومع ذلك فالكفار يعيشون لهي عن هذه القيقة‪,‬‬
‫معرضي عن هذا النذار‪.‬‬

‫مَا يَ ْأتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ َرّبهِ ْم مُحْدَثٍ إِ ّل ا ْستَ َمعُو ُه َوهُمْ يَ ْل َعبُونَ (‪)2‬‬

‫ما من شيء ينل من القرآن يتلى عليهم مدّدًا لم التذكي‪ ,‬إل كان ساعهم له ساع لعب واستهزاء‪.‬‬

‫جوَى الّذِي َن ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِ ّل بَشَ ٌر ِمثُْلكُمْ أََفتَ ْأتُونَ السّحْرَ َوأَْنتُ ْم ُتبْصِرُونَ (‪)3‬‬
‫لهَِيةً قُلُوُبهُ ْم َوَأسَرّوا النّ ْ‬

‫قلوبم غافلة عن القرآن الكري‪ ,‬مشغولة بأباطيل الدنيا وشهواتا‪ ,‬ل يعقلون ما فيه‪ .‬بل إن الظالي من‬
‫قريش اجتمعوا على أمر َخ ِفيّ‪ :‬وهو إشاعة ما يصدّون به الناس عن اليان بحمد صلى ال عليه وسلم‬
‫من أنه بشر مثلهم‪ ,‬ل يتلف عنهم ف شيء‪ ,‬وأن ما جاء به من القرآن سحر‪ ,‬فكيف تيئون إليه‬
‫وتتبعونه‪ ,‬وأنتم تبصرون أنه بشر مثلكم؟‬

‫قَالَ َربّي َيعْلَ ُم اْل َقوْلَ فِي السّمَا ِء وَالَ ْرضِ َو ُهوَ السّمِي ُع الْعَلِيمُ (‪)4‬‬

‫رد النب صلى ال عليه وسلم المرَ إل ربه سبحانه وتعال فقال‪ :‬رب يعلم القول ف السماء والرض‪,‬‬
‫ويعلم ما أسررتوه من حديثكم‪ ,‬وهو السميع لقوالكم‪ ,‬العليم بأحوالكم‪ .‬وف هذا تديد لم ووعيد‪.‬‬

‫‪576‬‬
‫ضغَاثُ أَحْل ٍم بَ ْل افْتَرَا ُه بَ ْل ُهوَ شَاعِرٌ َف ْليَ ْأِتنَا بِآَيةٍ كَمَا أُ ْرسِ َل ا َلوّلُونَ (‪)5‬‬
‫بَلْ قَالُوا أَ ْ‬

‫بل جحد الكفار القرآن فمِن قائل‪ :‬إنه أخلط أحلم ل حقيقة لا‪ ,‬ومن قائل‪ :‬إنه اختلق وكذب وليس‬
‫وحيًا‪ ,‬ومن قائل‪ :‬إن ممدًا شاعر‪ ,‬وهذا الذي جاء به شعر‪ ,‬وإن أراد منا أن نصدّقه فليجئنا بعجزة‬
‫مسوسة كناقة صال‪ ,‬وآيات موسى وعيسى‪ ,‬وما جاء به الرسل من قبله‪.‬‬

‫مَا آ َمنَتْ َقبَْلهُ ْم مِنْ َق ْرَيةٍ َأهَْل ْكنَاهَا أََفهُ ْم ُي ْؤ ِمنُونَ (‪)6‬‬

‫ما آمنت قبل كفار "مكة" من قرية طلب أهلها العجزات مِن رسولم وتققت‪ ,‬بل كذّبوا‪ ,‬فأهلكناهم‪,‬‬
‫أفيؤمن كفار"مكة" إذا تققت العجزات الت طلبوها؟ كل إنم ل يؤمنون‪.‬‬

‫َومَا أَ ْرسَ ْلنَا َقبْلَكَ إِلّ رِجَا ًل نُوحِي إَِلْيهِمْ فَا ْسأَلُوا َأهْلَ الذّكْرِ ِإنْ كُنتُ ْم ل َتعْلَمُونَ (‪)7‬‬

‫وما أرسلنا قبلك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬إل رجال من البشر نوحي إليهم‪ ,‬ول نرسل ملئكة‪ ,‬فاسألوا ‪ -‬يا‬
‫كفار "مكة" ‪ -‬أهل العلم بالكتب النلة السابقة‪ ,‬إن كنتم تهلون ذلك‪.‬‬

‫َومَا َجعَ ْلنَاهُمْ جَسَدا ل َيأْكُلُونَ ال ّطعَا َم َومَا كَانُوا خَالِدِينَ (‪)8‬‬

‫وما جعلنا أولئك الرسلي قبلك خارجي عن طباع البشر ل يتاجون إل طعام وشراب‪ ,‬وما كانوا‬
‫خالدين ل يوتون‪.‬‬

‫ثُمّ صَدَ ْقنَاهُ ْم اْلوَعْدَ َفأَ َنْينَاهُ ْم َومَ ْن نَشَا ُء َوَأهَْلكْنَا الْمُسْرِِفيَ (‪)9‬‬

‫ث أنزنا للنبياء وأتباعم ما وعدناهم به من النصر والنجاة‪ ,‬وأهَلكْنا السرفي على أنفسهم بكفرهم‬
‫بربم‪.‬‬

‫َلقَدْ أَنزَْلنَا إِلَْيكُمْ ِكتَابا فِيهِ ذِ ْكرُكُمْ أَفَل َتعْقِلُونَ (‪)10‬‬

‫‪577‬‬
‫لقد أنزلنا إليكم هذا القرآن‪ ,‬فيه عزّكم وشرفكم ف الدنيا والخرة إن تذكرت به‪ ,‬أفل تعقلون ما‬
‫َفضّلْتكم به على غيكم؟‬

‫وَكَمْ َقصَ ْمنَا مِنْ قَ ْرَيةٍ كَاَنتْ ظَالِ َم ًة َوأَنشَ ْأنَا َبعْ َدهَا َقوْما آ َخرِينَ (‪)11‬‬

‫وكثي من القرى كان أهلها ظالي بكفرهم با جاءتم به رسلهم‪ ,‬فأهلكناهم بعذاب أبادهم جيعًا‪,‬‬
‫وأوجدنا بعدهم قومًا آخرين سواهم‪.‬‬

‫فََلمّا أَحَسّوا َب ْأسَنَا إِذَا هُ ْم ِمْنهَا َيرْ ُكضُونَ (‪)12‬‬

‫فلما رأى هؤلء الظالون عذابنا الشديد نازل بم‪ ,‬وشاهدوا بوادره‪ ,‬إذا هم من قريتهم يسرعون هاربي‪.‬‬

‫سأَلُونَ (‪)13‬‬
‫ل تَرْ ُكضُوا وَارْ ِجعُوا إِلَى مَا ُأتْرِ ْفتُمْ فِي ِه َومَسَا ِكنِكُمْ َلعَّلكُ ْم تُ ْ‬

‫فنودوا ف هذه الال‪ :‬ل تربوا وارجعوا إل لذاتكم وتنعّمكم ف دنياكم اللهية ومساكنكم الشيّدة‪,‬‬
‫لعلكم تُسألون من دنياكم شيئًا‪ ,‬وذلك على وجه السخرية والستهزاء بم‪.‬‬

‫قَالُوا يَا َويَْلنَا ِإنّا ُكنّا ظَالِمِيَ (‪)14‬‬

‫فلم يكن لم من جواب إل اعترافهم برمهم وقولم‪ :‬يا هلكنا‪ ,‬فقد ظلمنا أنفسنا بكفرنا‪.‬‬

‫ت تِلْكَ َد ْعوَاهُمْ َحتّى َج َع ْلنَاهُمْ َحصِيدا خَامِدِينَ (‪)15‬‬


‫فَمَا زَالَ ْ‬

‫فما زالت تلك القالة ‪ -‬وهي الدعاء على أنفسهم باللك‪ ,‬والعتراف بالظلم ‪َ -‬د ْع َوتَهم يرددونا حت‬
‫جعلناهم كالزرع الحصود‪ ,‬خامدين ل حياة فيهم‪ .‬فاحذروا ‪ -‬أيها الخاطبون ‪ -‬أن تستمروا على‬
‫تكذيب ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فيحلّ بكم ما حَلّ بالمم قبلكم‪.‬‬

‫‪578‬‬
‫َومَا خََل ْقنَا السّمَا َء وَالَ ْرضَ َومَا َبيَْنهُمَا ل ِعبِيَ (‪)16‬‬

‫وما خلقنا السماء والرض وما بينهما عبثًا وباطل بل لقامة الجة عليكم ‪ -‬أيها الناس ‪ -‬ولتعتبوا‬
‫بذلك كله‪ ,‬فتعلموا أن الذي خلق ذلك ل يشبهه شيء‪ ,‬ول تصلح العبادة إل له‪.‬‬

‫َلوْ أَرَ ْدنَا َأنْ َنتّخِذَ َلهْوا لتّخَ ْذنَا ُه مِنْ لَ ُدنّا ِإنْ ُكنّا فَاعِِليَ (‪)17‬‬

‫لو أردنا أن نتخذ لوًا من الولد أو الصاحبة لتذناه من عندنا ل من عندكم‪ ,‬ما كنا فاعلي ذلك;‬
‫لستحالة أن يكون لنا ولد أو صاحبة‪.‬‬

‫صفُونَ (‪)18‬‬
‫ف بِالْحَ ّق عَلَى اْلبَاطِلِ َفيَ ْد َمغُهُ فَإِذَا ُهوَ زَاهِ ٌق وََلكُ ْم اْلوَيْ ُل مِمّا َت ِ‬
‫بَ ْل َنقْذِ ُ‬

‫بل نقذف بالق ونبيّنه‪ ,‬فيدحض الباطل‪ ,‬فإذا هو ذاهب مضمحل‪ .‬ولكم العذاب ف الخرة ‪ -‬أيها‬
‫الشركون ‪ -‬مِن وَصْفكم ربكم بغي صفته اللئقة به‪.‬‬

‫ستَحْسِرُونَ (‪)19‬‬
‫سَتكْبِرُو َن عَنْ عِبَا َدتِ ِه وَل يَ ْ‬
‫ض َومَ ْن ِعنْ َدهُ ل يَ ْ‬
‫ت وَالَ ْر ِ‬
‫وَلَ ُه مَنْ فِي السّ َموَا ِ‬

‫ول سبحانه كل مَن ف السموات والرض‪ ,‬والذين عنده من اللئكة ل يأَنفُون عن عبادته ول يلّونا‪.‬‬
‫فكيف يوز أن يشرك به ما هو عبده وخلقه؟‬

‫سبّحُونَ الّليْ َل وَالّنهَا َر ل َي ْفتُرُونَ (‪)20‬‬


‫يُ َ‬

‫ضعُفون ول يسأمون‪.‬‬
‫يذكرون ال وينّهونه دائمًا‪ ,‬ل ي ْ‬

‫َأمْ اتّخَذُوا آِل َه ًة مِ ْن الَ ْرضِ هُ ْم يُنشِرُونَ (‪)21‬‬

‫كيف يصح للمشركي أن يتخذوا آلة عاجزة من الرض ل تقدر على إحياء الوتى؟‬

‫‪579‬‬
‫صفُونَ (‪)22‬‬
‫ش عَمّا َي ِ‬
‫ب اْلعَ ْر ِ‬
‫سبْحَانَ اللّهِ رَ ّ‬
‫َلوْ كَانَ فِيهِمَا آِل َهةٌ إِلّ اللّهُ َلفَسَ َدتَا فَ ُ‬

‫لو كان ف السموات والرض آلة غي ال سبحانه وتعال تدبر شؤونما‪ ,‬لختلّ نظامهما‪ ,‬فتنّه ال رب‬
‫العرش‪ ,‬وتقدّس عَمّا يصفه الاحدون الكافرون‪ ,‬من الكذب والفتراء وكل نقص‪.‬‬

‫ل يُسْأَ ُل عَمّا َي ْفعَ ُل َوهُ ْم يُسْأَلُونَ (‪)23‬‬

‫إن من دلئل تفرّده سبحانه باللق والعبادة أنه ل يُسأل عن قضائه ف خلقه‪ ,‬وجيع خلقه يُسألون عن‬
‫أفعالم‪.‬‬

‫أَ ْم اتّخَذُوا مِ نْ دُونِ هِ آِل َهةً ُق ْل هَاتُوا ُب ْرهَاَنكُ مْ هَذَا ذِكْ ُر مَ نْ مَعِي َوذِكْ ُر مَ نْ َقبْلِي بَلْ أَ ْكثَ ُرهُ مْ ل َيعَْلمُو نَ‬
‫الْحَقّ َفهُ ْم ُمعْرِضُونَ (‪)24‬‬

‫هل اتذ هؤلء الشركون مِن غي ال آلة تنفع وتضر وتيي وتيت؟ قل ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬لم‪ :‬هاتوا ما‬
‫ت به ول ف الكتب السابقة دليل على‬
‫لديكم من البهان على ما اتذتوه آلة‪ ,‬فليس ف القرآن الذي جئ ُ‬
‫ما ذهبتم إليه‪ ,‬وما أشركوا إل جهل وتقليدًا‪ ,‬فهم معرضون عن الق منكرون له‪.‬‬

‫ك مِنْ َرسُولٍ إِ ّل نُوحِي إَِليْهِ َأنّهُ ل إِلَهَ إِلّ َأنَا فَا ْعبُدُونِ (‪)25‬‬
‫َومَا أَ ْرسَ ْلنَا مِنْ َقبْلِ َ‬

‫وما أرسلنا من قبلك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬من رسول إل نوحي إليه أنه ل معبود بق إل ال‪ ,‬فأخْلصوا‬
‫العبادة له وحده‪.‬‬

‫سبِقُونَهُ بِاْل َقوْ ِل َوهُ ْم ِبأَمْرِ ِه َيعْمَلُو نَ (‬


‫وَقَالُوا اتّخَذَ الرّحْمَ ُن وَلَدا ُسبْحَانَ ُه بَ ْل ِعبَا ٌد ُمكْ َرمُو نَ (‪ )26‬ل يَ ْ‬
‫‪)27‬‬

‫وقال الشركون‪ :‬اتذ الرحن ولدًا بزعمهم أن اللئكة بنات ال‪ .‬تنّه ال عن ذلك; فاللئكة عباد ال‬
‫مقربون مصصون بالفضائل‪ ,‬وهم ف حسن طاعتهم ل يتكلمون إل با يأمرهم به ربم‪ ,‬ول يعملون‬
‫عمل حت يأذن لم‪.‬‬

‫‪580‬‬
‫ش ِفقُونَ (‪)28‬‬
‫شَيتِ ِه مُ ْ‬
‫َيعْلَ ُم مَا َبيْنَ َأيْدِيهِ ْم َومَا َخ ْل َفهُ ْم وَل يَشْ َفعُونَ إِلّ لِمَنْ ا ْرَتضَى َوهُ ْم مِنْ خَ ْ‬

‫وما من أعمال اللئكة عمل سابق أو لحق إل يعلمه ال سبحانه وتعال‪ ,‬ويصيه عليهم‪ ,‬ول يتقدمون‬
‫بالشفاعة إل لن ارتضى ال شفاعتهم له‪ ,‬وهم من خوف ال حذرون من مالفة أمره ونيه‪.‬‬

‫جزِي الظّالِ ِميَ (‪)29‬‬


‫ك نَ ْ‬
‫ك َنجْزِيهِ َج َهنّمَ كَذَلِ َ‬
‫َومَ ْن َيقُلْ ِمْنهُمْ ِإنّي إِلَ ٌه مِنْ دُونِهِ فَذَلِ َ‬

‫ومن يدّع من اللئكة أنه إله مع ال ‪ -‬على سبيل الفرض ‪ -‬فجزاؤه جهنم‪ ,‬مثل ذلك الزاء نزي كل‬
‫ظال مشرك‪.‬‬

‫َأوَلَ ْم يَرَى الّذِينَ َكفَرُوا َأنّ السّ َموَاتِ وَالَرْضَ كَاَنتَا َرتْقا َف َفتَ ْقنَاهُمَا وَ َجعَ ْلنَا مِ ْن الْمَاءِ كُ ّل َشيْءٍ َحيّ أَفَل‬
‫ُيؤْ ِمنُونَ (‪)30‬‬

‫أول يعلم هؤلء الذين كفروا أن السموات والرض كانتا ملتصقتي ل فاصل بينهما‪ ,‬فل مطر من‬
‫السماء ول نبات من الرض‪ ,‬ففصلناها بقدرتنا‪ ,‬وأنزلنا الطر من السماء‪ ,‬وأخرجنا النبات من الرض‪,‬‬
‫وجعلنا من الاء كل شيء حي‪ ,‬أفل يؤمن هؤلء الاحدون فيصدقوا با يشاهدونه‪ ,‬ويصّوا ال بالعبادة؟‬

‫وَ َجعَ ْلنَا فِي الَ ْرضِ َروَا ِسيَ َأنْ تَمِي َد ِبهِمْ وَ َجعَ ْلنَا فِيهَا ِفجَاجا ُسُبلً َلعَّلهُ ْم َي ْهتَدُونَ (‪)31‬‬

‫وخلقنا ف الرض جبال تثبتها حت ل تضطرب‪ ,‬وجعلنا فيها طرقًا واسعة; رجاء اهتداء اللق إل‬
‫معايشهم‪ ,‬وتوحيد خالقهم‪.‬‬

‫حفُوظا َوهُمْ عَنْ آيَاِتهَا ُمعْرِضُونَ (‪)32‬‬


‫وَ َجعَ ْلنَا السّمَا َء َسقْفا َم ْ‬

‫وجعلنا السماء سقفًا للرض ل يرفعها عماد‪ ,‬وهي مفوظة ل تسقط‪ ,‬ول تترقها الشياطي‪ ,‬والكفار‬
‫عن العتبار بآيات السماء (الشمس والقمر والنجوم)‪ ,‬غافلون لهون عن التفكي فيها‪.‬‬

‫‪581‬‬
‫سبَحُونَ (‪)33‬‬
‫ك يَ ْ‬
‫س وَاْلقَمَرَ كُلّ فِي فَلَ ٍ‬
‫َو ُهوَ الّذِي َخلَقَ الّليْ َل وَالنّهَا َر وَالشّ ْم َ‬

‫وال تعال هو الذي خلق الليل; ليسكن الناس فيه‪ ,‬والنهار; ليطلبوا فيه العايش‪ ,‬وخلق الشمس آية‬
‫للنهار‪ ,‬والقمر آية للّيل‪ ,‬ولكل منهما مدار يري فيه َويَسْبَح ل ييد عنه‪.‬‬

‫خلْدَ أَفَِإيْ ْن ِمتّ َف ُه ْم الْخَالِدُونَ (‪)34‬‬


‫ك الْ ُ‬
‫َومَا َجعَ ْلنَا ِلبَشَ ٍر مِنْ َقبْلِ َ‬

‫وما جعلنا لبشر من قبلك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬دوام البقاء ف الدنيا‪ ,‬أفإن مت فهم يُؤمّلون اللود بعدك؟ ل‬
‫يكون هذا‪ .‬وف هذه الية دليل على أن الضر عليه السلم قد مات; لنه بشر‪.‬‬

‫خْيرِ ِفتَْن ًة َوإَِليْنَا تُرْ َجعُونَ (‪)35‬‬


‫ت َونَبْلُوكُ ْم بِالشّرّ وَالْ َ‬
‫كُ ّل َن ْفسٍ ذَائِ َق ُة الْ َموْ ِ‬

‫كل نفس ذائقة الوت ل مالة مهما عُمّرت ف الدنيا‪ .‬وما وجودها ف الياة إل ابتلء بالتكاليف أمرًا‬
‫ونيًا‪ ,‬وبتقلب الحوال خيًا وشرًا‪ ,‬ث الآل والرجع بعد ذلك إل ال ‪ -‬وحده ‪ -‬للحساب والزاء‪.‬‬

‫َوإِذَا رَآكَ الّذِينَ َكفَرُوا إِنْ َيتّخِذُونَكَ إِ ّل هُزُوا َأهَذَا الّذِي يَذْكُرُ آِل َهَتكُمْ وَهُ ْم بِذِ ْكرِ الرّحْ َم ِن هُمْ كَافِرُونَ‬
‫(‪)36‬‬

‫وإذا رآك الكفار ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬أشاروا إليك ساخرين منك بقول بعضهم لبعض‪ :‬أهذا الرجل الذي‬
‫يسبّ آلتكم؟ وجحدوا بالرحن ونعمه‪ ,‬وبا أنزله من القرآن والدى‪.‬‬

‫سَتعْجِلُونِ (‪)37‬‬
‫ُخلِ َق الِنسَا ُن مِ ْن عَجَ ٍل َسأُرِيكُ ْم آيَاتِي فَل تَ ْ‬

‫خُلق النسان عجول يبادر الشياء ويستعجل وقوعها‪ .‬وقد استعجلت قريش العذاب واستبطأته‪,‬‬
‫فأنذرهم ال بأنه سييهم ما يستعجلونه من العذاب‪ ,‬فل يسألوا ال تعجيله وسرعته‪.‬‬

‫َوَيقُولُونَ َمتَى هَذَا اْلوَعْدُ ِإنْ كُنتُمْ صَادِقِيَ (‪)38‬‬

‫‪582‬‬
‫ويقول الكفار ‪ -‬مستعجلي العذاب مستهزئي ‪ : -‬مت حصول ما َتعِدُنا به يا ممد‪ ,‬إن كنت أنت ومَن‬
‫اتبعك من الصادقي؟‬

‫ي ل َي ُكفّونَ عَ ْن ُوجُو ِههِ ْم النّا َر وَل عَنْ ُظهُو ِرهِ ْم وَل هُ ْم يُْنصَرُونَ (‪)39‬‬
‫َل ْو َيعْلَ ُم الّذِينَ َكفَرُوا حِ َ‬

‫لو يعلم هؤلء الكفار ما يلقونه عندما ل يستطيعون أن يدفعوا عن وجوههم وظهورهم النار‪ ,‬ول‬
‫يدون لم ناصرًا ينصرهم‪ ,‬لا أقاموا على كفرهم‪ ,‬ولا استعجلوا عذابم‪.‬‬

‫بَ ْل َتأْتِيهِ ْم َبغَْتةً َفَتبْ َهُتهُمْ فَل يَسْتَطِيعُونَ َر ّدهَا وَل هُ ْم يُنظَرُونَ (‪)40‬‬

‫ولسوف تأتيهم الساعة فجأة‪ ,‬فيتحيّرون عند ذلك‪ ,‬ويافون خوفًا عظيمًا‪ ,‬ول يستطيعون دَفْ َع العذاب‬
‫عن أنفسهم‪ ,‬ول يُمْهلون لستدراك توبة واعتذار‪.‬‬

‫ستَهْ ِزئُون (‪)41‬‬


‫خرُوا ِمْنهُ ْم مَا كَانُوا بِ ِه يَ ْ‬
‫ق بِالّذِي َن سَ ِ‬
‫ئ بِ ُرسُ ٍل مِنْ َقبْلِكَ فَحَا َ‬
‫وََلقَ ْد اسُْتهْزِ َ‬

‫ولقد استهزئ برسل مِن قبلك أيها الرسول‪ ,‬فحلّ بالذين كانوا يستهزئون العذاب الذي كان مَثار‬
‫سخريتهم واستهزائهم‪.‬‬

‫قُ ْل مَ ْن َيكَْلؤُكُ ْم بِالّليْ ِل وَالنّهَا ِر مِنْ الرّحْمَ ِن بَ ْل هُ ْم عَنْ ذِكْرِ َرّبهِ ْم ُمعْرِضُونَ (‪)42‬‬

‫قل ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬لؤلء الستعجلي بالعذاب‪ :‬ل أحد يفظكم ويرسكم ف ليلكم أو ناركم‪ ,‬ف‬
‫نومكم أو يقظتكم‪ ,‬مِن بأس الرحن إذا نزل بكم‪ .‬بل هم عن القرآن ومواعظ ربم لهون غافلون‪.‬‬

‫حبُونَ (‪)43‬‬
‫سهِمْ وَل هُ ْم ِمنّا ُيصْ َ‬
‫ستَطِيعُونَ َنصْرَ أَنفُ ِ‬
‫َأمْ َلهُمْ آِل َهةٌ تَ ْمَن ُعهُ ْم مِنْ دُوِننَا ل يَ ْ‬

‫أََلهُ ْم آلة تنعهم من عذابنا؟ إنّ آلتهم ل يستطيعون أن ينصروا أنفسهم‪ ,‬فكيف ينصرون عابديهم؟ وهم‬
‫منا ل يُجارون‪.‬‬

‫‪583‬‬
‫صهَا مِ نْ َأطْرَافِهَا أََفهُ مْ‬
‫بَ ْل َمتّعْنَا َهؤُل ِء وَآبَاءَهُ مْ َحتّ ى طَا َل عََلْيهِ ْم اْلعُمُرُ أَفَل يَ َروْ نَ َأنّ ا َنأْتِي الَرْ ضَ نَنقُ ُ‬
‫الْغَاِلبُونَ (‪)44‬‬

‫لقد اغت ّر الكفار وآباؤهم بالمهال ِلمَا رأوه من الموال والبني وطول العمار‪ ,‬فأقاموا على كفرهم ل‬
‫َيبْرحونه‪ ,‬وظنوا أنم ل يُعذّبون وقد َغفَلوا عن ُسنّة ماضية‪ ,‬فال ينقص الرض من جوانبها با ينله‬
‫بالشركي مِن بأس ف كل ناحية ومِن هزية‪ ,‬أيكون بوسع كفار "مكة" الروج عن قدرة ال‪ ,‬أو‬
‫المتناع من الوت؟‬

‫قُلْ ِإنّمَا أُنذِرُكُ ْم بِاْلوَ ْح ِي وَل يَسْمَ ُع الصّمّ الدّعَاءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ (‪)45‬‬

‫قل ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬لن أُرسلتَ إليهم‪ :‬ما أُخوّفكم من العذاب إل بوحي من ال‪ ,‬وهو القرآن‪ ,‬ولكن‬
‫الكفار ل يسمعون ما يُلقى إليهم ساع تدبر إذا أُنذِورا‪ ,‬فل ينتفعون به‪.‬‬

‫ح ٌة مِ ْن عَذَابِ َربّكَ َلَيقُولُ ّن يَا َويَْلنَا ِإنّا ُكنّا ظَالِمِيَ (‪)46‬‬


‫وََلئِنْ مَسّْتهُ ْم َنفْ َ‬

‫لو أصاب الكفا َر نصيب من عذاب ال لعلموا عاقبة تكذيبهم‪ ,‬وقابلوا ذلك بالدعاء على أنفسهم‬
‫باللك; بسبب ظلمهم لنفسهم بعبادتم غي ال‪.‬‬

‫َونَضَ ُع الْ َموَازِي َن اْلقِسْطَ ِلَيوْمِ الْ ِقيَا َمةِ فَل تُظَْل ُم َنفْسٌ َشيْئا َوإِنْ كَانَ ِمْثقَالَ َحّب ٍة مِنْ َخرْدَلٍ َأَتْينَا ِبهَا وَ َكفَى‬
‫ِبنَا حَا ِسبِيَ (‪)47‬‬

‫ويضع ال تعال اليزان العادل للحساب ف يوم القيامة‪ ,‬ول يظلم هؤلء ول غيهم شيئًا‪ ,‬وإن كان هذا‬
‫العمل قدْرَ ذرة مِن خي أو شر اعتبت ف حساب صاحبها‪ .‬وكفى بال مصيًا أعمال عباده‪ ,‬ومازيًا لم‬
‫عليها‪.‬‬

‫شوْ نَ َرّبهُ ْم بِاْلغَيْ بِ َوهُ مْ مِ نْ‬


‫ضيَا ًء وَذِكْرا لِلْ ُمّتقِيَ (‪ )48‬الّذِي َن يَخْ َ‬
‫وََلقَ ْد آتَْينَا مُو سَى َوهَارُو نَ اْلفُرْقَا نَ وَ ِ‬
‫ش ِفقُونَ (‪)49‬‬‫السّا َع ِة مُ ْ‬
‫‪584‬‬
‫ولقد آتينا موسى وهارون حجة ونصرًا على عدوها‪ ,‬وكتابًا ‪ -‬وهو التوراة ‪َ -‬فرَقْنا به بي الق‬
‫والباطل‪ ,‬ونورًا يهتدي به التقون الذين يافون عقاب ربم‪ ,‬وهم من الساعة الت تقوم فيها القيامة‬
‫خائفون وجلون‪.‬‬

‫َوهَذَا ذِكْ ٌر ُمبَا َركٌ أَنزَْلنَاهُ أََفأَْنتُمْ لَ ُه مُنكِرُونَ (‪)50‬‬

‫وهذا القرآن الذي أنزله ال على رسوله ممد صلى ال عليه وسلم ذِكْرٌ لن تذكّر به‪ ,‬وعمل بأوامره‬
‫واجتنب نواهيه‪ ,‬كثي الي‪ ,‬عظيم النفع‪ ,‬أفتنكرونه وهو ف غاية اللء والظهور؟‬

‫وََلقَ ْد آتَْينَا ِإبْرَاهِيمَ ُرشْ َد ُه مِنْ َقبْ ُل وَ ُكنّا بِهِ عَالِ ِميَ (‪)51‬‬

‫ولقد آتينا إبراهيم هداه‪ ,‬الذي دعا الناس إليه من قبل موسى وهارون‪ ,‬وكنّا عالي أنه أهل لذلك‪.‬‬

‫إِذْ قَالَ َلبِي ِه وََق ْومِهِ مَا هَ ِذ ِه التّمَاثِي ُل اّلتِي َأنْتُمْ َلهَا عَا ِكفُونَ (‪)52‬‬

‫حي قال لبيه وقومه‪ :‬ما هذه الصنام الت صنعتموها‪ ,‬ث أقمتم على عبادتا ملزمي لا؟‬

‫قَالُوا وَ َج ْدنَا آبَاءَنَا َلهَا عَابِدِينَ (‪)53‬‬

‫قالوا‪ :‬وجدنا آباءنا عابدين لا‪ ,‬ونن نعبدها اقتداء بم‪.‬‬

‫قَالَ َلقَدْ كُنتُمْ َأنْتُ ْم وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَل ٍل ُمبِيٍ (‪)54‬‬

‫قال لم إبراهيم‪ :‬لقد كنتم أنتم وآباؤكم ف عبادتكم لذه الصنام ف ُبعْد واضح بيّن عن الق‪.‬‬

‫ت مِ ْن اللّ ِعبِيَ (‪)55‬‬


‫قَالُوا أَ ِجْئَتنَا بِالْحَقّ َأمْ َأنْ َ‬

‫قالوا‪ :‬أهذا القول الذي جئتنا به حق وَجِدّ‪ ,‬أم كلمك لنا كلم لعبٍ مستهزئ ل يدري ما يقول؟‬
‫‪585‬‬
‫ت وَالَ ْرضِ الّذِي فَ َط َرهُ ّن َوَأنَا عَلَى ذَِلكُ ْم مِنْ الشّاهِدِينَ (‪)56‬‬
‫قَا َل بَل َرّبكُمْ رَبّ السّ َموَا ِ‬

‫قال لم إبراهيم عليه الصلة والسلم‪ :‬بل ربكم الذي أدعوكم إل عبادته هو رب السموات والرض‬
‫الذي خلقهنّ‪ ,‬وأنا من الشاهدين على ذلك‪.‬‬

‫صنَامَكُ ْم َبعْدَ َأنْ ُتوَلّوا ُم ْدبِرِينَ (‪)57‬‬


‫َوتَاللّهِ لَكِيدَنّ أَ ْ‬

‫وتال لمكرنّ بأصنامكم وأكسّرها بعد أن تتولّوا عنها ذاهبي‪.‬‬

‫جعََل ُهمْ جُذَاذا إِلّ َكبِيا َل ُهمْ َلعَّلهُمْ إَِليْهِ َيرْ ِجعُونَ (‪)58‬‬
‫فَ َ‬

‫فحطم إبراهيم الصنام وجعلها قطعًا صغية‪ ,‬وترك كبيها; كي يرجع القوم إليه ويسألوه‪ ،‬فيتبي‬
‫عجزهم وضللم‪ ,‬وتقوم الجة عليهم‪.‬‬

‫قَالُوا مَنْ َفعَ َل هَذَا بِآِل َهتِنَا ِإنّهُ َلمِنْ الظّالِ ِميَ (‪)59‬‬

‫ورجع القوم‪ ,‬ورأوا أصنامهم مطمة مهانة‪ ,‬فسأل بعضهم بعضًا‪ :‬مَن فعل هذا بآلتنا؟ إنه لظال ف‬
‫اجترائه على اللة الستحقة للتعظيم والتوقي‪.‬‬

‫قَالُوا سَ ِم ْعنَا َفتًى يَذْ ُك ُرهُ ْم ُيقَالُ لَهُ ِإبْرَاهِيمُ (‪)60‬‬

‫قال مَن سع إبراهيم يلف بأنه سيكيد أصنامهم‪ :‬سعنا فت يقال له إبراهيم‪ ,‬يذكر الصنام بسوء‪.‬‬

‫شهَدُونَ (‪)61‬‬
‫قَالُوا َف ْأتُوا بِ ِه عَلَى َأ ْعيُ ِن النّاسِ َلعَّلهُ ْم يَ ْ‬

‫قال رؤساؤهم‪َ :‬فأْتوا بإبراهيم على مرأى من الناس; كي يشهدوا على اعترافه با قال; ليكون ذلك حجة‬
‫عليه‪.‬‬

‫‪586‬‬
‫ت هَذَا بِآلِ َهِتنَا يَا ِإبْرَاهِيمُ (‪)62‬‬
‫قَالُوا َأَأْنتَ َفعَ ْل َ‬

‫ت آلتنا؟ يعنون أصنامهم‪.‬‬


‫وجيء بإبراهيم وسألوه منكرين‪ :‬أأنت الذي كسّرْ َ‬

‫قَا َل بَلْ َفعَلَهُ َكبِ ُيهُ ْم هَذَا فَا ْسأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَن ِطقُونَ (‪)63‬‬

‫وتّ لبراهيم ما أراد من إظهار سفههم على مرأى منهم‪ .‬فقال متجًا عليهم معرّضًا بغباوتم‪ :‬بل الذي‬
‫كسّرها هذا الصنم الكبي‪ ,‬فاسألوا آلتكم الزعومة عن ذلك‪ ,‬إن كانت تتكلم أو تُحي جوابًا‪.‬‬

‫سهِمْ َفقَالُوا ِإنّكُمْ َأْنتُمْ الظّالِمُونَ (‪)64‬‬


‫فَ َر َجعُوا إِلَى أَنفُ ِ‬

‫فأُسقِط ف أيديهم‪ ,‬وبدا لم ضللم; كيف يعبدونا‪ ,‬وهي عاجزة عن أن تدفع عن نفسها شيئًا أو أن‬
‫تيب سائلها؟ وأقرّوا على أنفسهم بالظلم والشرك‪.‬‬

‫ثُ ّم ُنكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ َلقَ ْد عَِل ْمتَ مَا َهؤُل ِء يَن ِطقُونَ (‪)65‬‬

‫وسُرعان ما عاد إليهم عنادهم بعد إفحامهم‪ ,‬فانقلبوا إل الباطل‪ ,‬واحتجّوا على إبراهيم با هو حجة له‬
‫ت أنا ل تنطق؟‬ ‫عليهم‪ ,‬فقالوا‪ :‬كيف نسألا‪ ,‬وقد علم َ‬

‫قَالَ أََفَت ْعبُدُو َن مِ نْ دُو نِ اللّ ِه مَا ل يَن َف ُعكُ مْ َشيْئا وَل َيضُرّكُ مْ (‪ )66‬أُفّ َلكُ ْم وَلِمَا َت ْعبُدُو نَ مِ نْ دُو نِ اللّ هِ‬
‫أَفَل َت ْعقِلُونَ (‪)67‬‬

‫قال إبراهيم مقّرًا لشأن الصنام‪ :‬كيف تعبدون أصنامًا ل تنفع إذا عُبدت‪ ,‬ول تضرّ إذا تُركت؟ قبحًا‬
‫لكم وللتكم الت تعبدونا من دون ال تعال‪ ,‬أفل تعقلون فتدركون سوء ما أنتم عليه؟‬

‫قَالُوا حَرّقُو ُه وَانصُرُوا آِل َهَتكُمْ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِيَ (‪ُ )68‬ق ْلنَا يَا نَارُ كُونِي َبرْدا َوسَلما عَلَى ِإبْرَاهِيمَ (‪)69‬‬

‫‪587‬‬
‫لا بطلت حجتهم وظهر الق عدلوا إل استعمال سلطانم‪ ,‬وقالوا‪ :‬حَرّقوا إبراهيم بالنار; غضبًا للتكم‬
‫إن كنتم ناصرين لا‪ .‬فأ ْشعَلوا نارًا عظيمة وألقوه فيها‪ .‬فانتصر ال لرسوله وقال للنار‪ :‬كون بردًا وسلمًا‬
‫على إبراهيم‪ ,‬فلم َينَلْه فيها أذى‪ ,‬ول يصبه مكروه‪.‬‬

‫جعَ ْلنَاهُ ْم الَخْسَرِينَ (‪)70‬‬


‫َوأَرَادُوا بِهِ َكيْدا فَ َ‬

‫وأراد القوم بإبراهيم اللك فأبطل ال كيدهم‪ ,‬وجعلهم الغلوبي السفلي‪.‬‬

‫ض اّلتِي بَارَ ْكنَا فِيهَا لِ ْلعَالَ ِميَ (‪)71‬‬


‫جْينَا ُه وَلُوطا إِلَى الَ ْر ِ‬
‫َونَ ّ‬

‫ونينا إبراهيم ولوطًا الذي آمن به من "العراق"‪ ،‬وأخرجناها إل أرض "الشام" الت باركنا فيها بكثرة‬
‫اليات‪ ,‬وفيها أكثر النبياء عليهم الصلة والسلم‪.‬‬

‫حيَ (‪)72‬‬
‫ب نَافَِل ًة وَ ُكلّ َجعَ ْلنَا صَالِ ِ‬
‫َو َوهَْبنَا لَهُ ِإسْحَ َق َوَيعْقُو َ‬

‫وأنعم ال على إبراهيم‪ ,‬فوهب له ابنه إسحاق حي دعاه‪ ,‬ووهب له من إسحاق يعقوب زيادة على‬
‫ذلك‪ ,‬وك ّل من إبراهيم وإسحاق ويعقوب جعله ال صالًا مطيعًا له‪.‬‬

‫َاته َوإِقَا َمةِ الصهّل ِة َوإِيتَاءَ الزّكَا ِة وَكَانُوا لَنَا‬


‫خيْر ِ‬
‫ِمه ِفعْ َل الْ َ‬
‫ُونه ِبأَمْرِنَا َوَأوْ َحيْنَا إَِلْيه ْ‬
‫ُمهَأئِ ّم ًة َيهْد َ‬
‫وَ َجعَ ْلنَاه ْ‬
‫عَابِدِينَ (‪)73‬‬

‫وجعلنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب قدوة للناس يدعونم إل عبادته وطاعته بإذنه تعال‪ ,‬وأوحينا إليهم‬
‫ِفعْ َل اليات من العمل بشرائع النبياء‪ ,‬وإقام الصلة على وجهها‪ ,‬وإيتاء الزكاة‪ ,‬فامتثلوا لذلك‪ ,‬وكانوا‬
‫منقادين مطيعي ل وحده دون سواه‪.‬‬

‫خبَائِ ثَ ِإّنهُ مْ كَانُوا َقوْ مَ َسوْءٍ فَا ِسقِيَ (‬


‫ت َتعْمَ ُل الْ َ‬
‫جْينَا هُ مِ ْن اْلقَ ْرَي ِة الّتِي كَانَ ْ‬
‫وَلُوطا آَتيْنَا هُ ُحكْما َوعِلْما َونَ ّ‬
‫‪)74‬‬

‫‪588‬‬
‫وآتينا لوطًا النبوة وفصل القضاء بي الصوم وعلمًا بأمر ال ودينه‪ ,‬ونيناه من قريته "سدوم" الت كان‬
‫يعمل أهلها البائث‪ .‬إنم كانوا بسبب البائث والنكرات الت يأتونا أهل سوء وُقبْح‪ ,‬خارجي عن‬
‫طاعة ال‪.‬‬

‫حيَ (‪)75‬‬
‫َوأَدْ َخ ْلنَاهُ فِي رَ ْح َمتِنَا ِإنّ ُه مِ ْن الصّالِ ِ‬

‫وأتّ ال عليه النعمة فأدخله ف رحته بإنائه مّا ح ّل بقومه; لنه كان من الذين يعملون بطاعة ال‪.‬‬

‫جْينَاهُ َوَأهْلَ ُه مِ ْن الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (‪)76‬‬


‫جْبنَا لَهُ َفنَ ّ‬
‫َونُوحا إِ ْذ نَادَى مِنْ َقبْلُ فَا ْستَ َ‬

‫واذكر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬نوحا حي نادى ربه مِن قبلك ومِن قبل إبراهيم ولوط‪ ,‬فاستجبنا له دعاءه‪,‬‬
‫فنجيناه وأهله الؤمني به من الغم الشديد‪.‬‬

‫َونَصَ ْرنَا ُه مِ ْن اْل َقوْ ِم الّذِينَ كَ ّذبُوا بِآيَاتِنَا ِإّنهُمْ كَانُوا َق ْومَ َسوْءٍ َفَأغْرَ ْقنَاهُمْ َأجْ َمعِيَ (‪)77‬‬

‫ونصرناه مِن كيد القوم الذين كذّبوا بآياتنا الدالة على صدقه‪ ,‬إنم كانوا أهل ُقبْح‪ ,‬فأغرقناهم بالطوفان‬
‫أجعي‪.‬‬

‫حكْ ِمهِ ْم شَاهِدِينَ (‪)78‬‬


‫شتْ فِي ِه َغنَ ُم اْلقَ ْو ِم وَ ُكنّا ِل ُ‬
‫حرْثِ إِ ْذ َنفَ َ‬
‫حكُمَانِ فِي الْ َ‬
‫وَدَاوُو َد َوسَُليْمَانَ إِ ْذ يَ ْ‬

‫واذكر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬نب ال داود وابنه سليمان‪ ,‬إذ يكمان ف قضية عرَضَها خصمان‪ ,‬عَدَت غنم‬
‫أحدها على زرع الخر‪ ,‬وانتشرت فيه ليل فأتلفت الزرع‪ ,‬فحكم داود بأن تكون الغنم لصاحب الزرع‬
‫م ْلكًا با أتلفته‪ ,‬فقيمتهما سواء‪ ,‬وكنّا لكمهم شاهدين ل َي ِغبْ عنا‪.‬‬

‫سبّحْ َن وَال ّطيْ َر وَ ُكنّ ا فَاعِلِيَ (‬


‫جبَا َل يُ َ‬
‫ل آتَيْنَا ُحكْما َوعِلْما وَ سَخّ ْرنَا مَ عَ دَاوُو َد الْ ِ‬
‫َف َفهّ ْمنَاهَا سَُليْمَا َن وَ ُك ّ‬
‫‪)79‬‬

‫‪589‬‬
‫َف َفهّمنا سليمان مراعاة مصلحة الطرفي مع العدل‪ ,‬فحكم على صاحب الغنم بإصلح الزرع التالف ف‬
‫فترة يستفيد فيها صاحب الزرع بنافع الغنم من لب وصوف ونوها‪ ,‬ث تعود الغنم إل صاحبها والزرع‬
‫إل صاحبه; لساواة قيمة ما تلف من الزرع لنفعة الغنم‪ ,‬وكل من داود وسليمان أعطيناه حكمًا وعلمًا‪,‬‬
‫ومننّا على داود بتطويع البال تسبّح معه إذا سبّح‪ ,‬وكذلك الطي تسبّح‪ ,‬وكنا فاعلي ذلك‪.‬‬

‫صَنكُ ْم مِ ْن َبأْ ِسكُمْ َفهَلْ َأْنتُمْ شَا ِكرُونَ (‪)80‬‬


‫حِ‬‫صْن َعةَ َلبُوسٍ َلكُمْ ِلتُ ْ‬
‫َوعَلّ ْمنَاهُ َ‬

‫واختصّ ال داود عليه السلم بأن علّمه صناعة الدروع يعملها ِحَلقًا متشابكة‪ ,‬تسهّل حركة السم;‬
‫لتحمي الحاربي مِن وَقْع السلح فيهم‪ ,‬فهل أنتم شاكرون نعمة ال عليكم حيث أجراها على يد عبده‬
‫داود؟‬

‫ض اّلتِي بَارَ ْكنَا فِيهَا وَ ُكنّا بِكُ ّل َشيْ ٍء عَالِمِيَ (‪)81‬‬


‫جرِي ِبَأمْ ِرهِ إِلَى الَ ْر ِ‬
‫ص َفةً تَ ْ‬
‫وَلِسَُليْمَانَ الرّي َح عَا ِ‬

‫وسخّرنا لسليمان الريح شديدة البوب تمله ومَن معه‪ ,‬تري بأمره إل أرض "بيت القدس" به‬
‫"الشام" الت باركنا فيها باليات الكثية‪ ،‬وقد أحاط علمنا بميع الشياء‪.‬‬

‫ك وَ ُكنّا َلهُمْ حَاِفظِيَ (‪)82‬‬


‫ي مَ ْن َيغُوصُونَ لَ ُه َوَيعْمَلُونَ عَ َملً دُونَ ذَلِ َ‬
‫َومِنْ الشّيَاطِ ِ‬

‫وسخّرنا لسليمان من الشياطي شياطي يستخدمهم فيما َيعْجِز عنه غيهم‪ ,‬فكانوا يغوصون ف البحر‬
‫يستخرجون له الللئ والواهر‪ ,‬وكانوا يعملون كذلك ف صناعة ما يريده منهم‪ ,‬ل يقدرون على‬
‫المتناع ما يريده منهم‪ ,‬حفظهم ال له بقوته وعزه سبحانه وتعال‪.‬‬

‫سنِي الضّ ّر َوأَْنتَ أَرْحَمُ الرّا ِحمِيَ (‪)83‬‬


‫َوَأيّوبَ إِ ْذ نَادَى َربّهُ َأنّي مَ ّ‬

‫واذكر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬عبدنا أيوب‪ ,‬إذ ابتليناه بضر وسقم عظيم ف جسده‪ ,‬وفقد أهله وماله وولده‪,‬‬
‫فصب واحتسب‪ ,‬ونادى ربه عز وجل أن قد أصابن الضر‪ ,‬وأنت أرحم الراحي‪ ,‬فاكشفه عن‪.‬‬

‫‪590‬‬
‫ض ّر وَآتَْينَاهُ َأهْلَ ُه َو ِمثَْلهُ ْم َم َعهُمْ رَ ْح َم ًة مِ ْن ِعنْ ِدنَا َوذِكْرَى لِ ْلعَابِدِينَ (‪)84‬‬
‫ش ْفنَا مَا بِ ِه مِنْ ُ‬
‫جْبنَا لَهُ َفكَ َ‬
‫فَا ْستَ َ‬

‫فاستجبنا له دعاءه‪ ,‬ورفعنا عنه البلء‪ ,‬ورددنا عليه ما فقده من أهل وولد ومال مضاعفًا‪َ ,‬فعَلْنا به ذلك‬
‫رحة منّا‪ ,‬وليكون قدوة لكل صابر على البلء‪ ,‬راجٍ رحة ربه‪ ,‬عابد له‪.‬‬

‫س وَذَا اْلكِفْلِ كُ ّل مِنْ الصّابِرِينَ (‪)85‬‬


‫َوِإسْمَاعِي َل َوإِدْرِي َ‬

‫واذكر إساعيل وإدريس وذا الكفل‪ ,‬كل هؤلء من الصابرين على طاعة ال سبحانه وتعال‪ ,‬وعن‬
‫معاصيه‪ ,‬وعلى أقداره‪ ,‬فاستحقوا الذكر بالثناء الميل‪.‬‬

‫َوأَدْ َخ ْلنَاهُمْ فِي َرحْ َمِتنَا ِإّنهُ ْم مِ ْن الصّالِحِيَ (‪)86‬‬

‫وأدخلناهم ف رحتنا‪ ,‬إنم من صلح باطنه وظاهره‪ ,‬فأطاع ال وعمل با أمره به‪.‬‬

‫وَذَا النّو نِ ِإذْ َذهَ بَ ُمغَاضِبا فَظَنّ أَ نْ لَ ْن َنقْدِ َر عََليْ هِ َفنَادَى فِي الظّلُمَا تِ أَ نْ ل إِلَ هَ إِلّ َأنْ تَ ُسبْحَانَكَ ِإنّي‬
‫ت مِنْ الظّالِمِيَ (‪)87‬‬ ‫كُن ُ‬

‫واذكر قصة صاحب الوت‪ ,‬وهو يونس بن َمتّى عليه السلم‪ ,‬أرسله ال إل قومه فدعاهم فلم يؤمنوا‪,‬‬
‫فتوعّدهم بالعذاب فلم ينيبوا‪ ,‬ول يصب عليهم كما أمره ال‪ ,‬وخرج مِن بينهم غاضبًا عليهم‪ ,‬ضائقًا‬
‫صدره بعصيانم‪ ,‬وظن أن ال لن يضيّق عليه ويؤاخذه بذه الخالفة‪ ,‬فابتله ال بشدة الضيق والبس‪,‬‬
‫والتقمه الوت ف البحر‪ ,‬فنادى ربه ف ظلمات الليل والبحر وبطن الوت تائبًا معترفًا بظلمه; لتركه‬
‫الصب على قومه‪ ,‬قائل‪ :‬ل إله إل أنت سبحانك‪ ,‬إن كنت من الظالي‪.‬‬

‫ك ُننْجِي الْ ُم ْؤمِنِيَ (‪)88‬‬


‫جْينَاهُ مِ ْن اْلغَ ّم وَكَذَلِ َ‬
‫جْبنَا لَ ُه َونَ ّ‬
‫فَا ْستَ َ‬

‫فاستجبنا له دعاءه‪ ,‬وخلّصناه مِن غَم هذه الشدة‪ ,‬وكذلك ننجي الصدّقي العاملي بشرعنا‪.‬‬

‫ب ل تَذَ ْرنِي فَرْدا َوأَْنتَ َخيْ ُر اْلوَارِثِيَ (‪)89‬‬


‫وَزَكَ ِريّا إِ ْذ نَادَى َربّهُ رَ ّ‬
‫‪591‬‬
‫واذكر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬قصة عبد ال زكريا حي دعا ربه أن يرزقه الذرية لا َكبِرت سنّه قائل رب ل‬
‫تتركن وحيدًا ل عقب ل‪ ,‬هب ل وارثًا يقوم بأمر الدين ف الناس من بعدي‪ ,‬وأنت خي الباقي وخي‬
‫مَن خلفن بي‪.‬‬

‫ت َويَ ْدعُوَننَا َرغَبا وَ َرهَبا‬


‫خْيرَا ِ‬
‫حنَا لَهُ َزوْجَهُ ِإّنهُمْ كَانُوا يُسَا ِرعُونَ فِي الْ َ‬
‫حيَى َوأَصْلَ ْ‬
‫جْبنَا لَ ُه َو َو َهبْنَا لَ ُه يَ ْ‬
‫فَا ْستَ َ‬
‫وَكَانُوا َلنَا خَا ِشعِيَ (‪)90‬‬

‫فاستجبنا له دعاءه ووهبنا له على الكب ابنه يي‪ ,‬وجعلنا زوجته صالة ف أخلقها وصالة للحمل‬
‫والولدة بعد أن كانت عاقرًا‪ ,‬إنم كانوا يبادرون إل كل خي‪ ,‬ويدعوننا راغبي فيما عندنا‪ ,‬خائفي من‬
‫عقوبتنا‪ ,‬وكانوا لنا خاضعي متواضعي‪.‬‬

‫خنَا فِيهَا مِنْ رُو ِحنَا وَ َجعَ ْلنَاهَا وَابَْنهَا آَيةً ِل ْلعَالَمِيَ (‪)91‬‬
‫وَالّتِي َأ ْحصََنتْ فَرْ َجهَا َفَنفَ ْ‬

‫واذكر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬قصة مري ابنة عمران الت حفظت فرجها من الرام‪ ,‬ول تأتِ فاحشة ف‬
‫حياتا‪ ,‬فأرسل ال إليها جبيل عليه السلم‪ ,‬فنفخ ف جيب قميصها‪ ,‬فوصلت النفخة إل رحها‪ ,‬فخلق‬
‫ال بذلك النفخ السيح عيسى عليه السلم‪ ,‬فحملت به من غي زوج‪ ,‬فكانت هي وابنها بذلك علمة‬
‫على قدرة ال‪ ,‬وعبة للخلق إل قيام الساعة‪.‬‬

‫ِإنّ هَ ِذهِ ُأمُّتكُمْ ُأ ّمةً وَاحِ َد ًة َوَأنَا َرّبكُمْ فَاعْبُدُونِ (‪)92‬‬

‫هؤلء النبياء جيعًا دينهم واحد‪ ,‬السلم‪ ,‬وهو الستسلم ل بالطاعة وإفراده بالعبادة‪ ,‬وال سبحانه‬
‫وتعال رب اللق فاعبدوه ‪ -‬أيها الناس ‪ -‬وحده ل شريك له‪.‬‬

‫َوَتقَ ّطعُوا َأمْ َرهُمْ بَْيَنهُمْ كُلّ إَِليْنَا رَا ِجعُونَ (‪)93‬‬

‫لكن الناس اختلفوا على رسلهم‪ ,‬وتفرّق كثي من أتباعهم ف الدين شيعًا وأحزابًا‪ ,‬فعبدوا الخلوقي‬
‫والهواء‪ ,‬وكلهم راجعون إلينا وماسبون على ما فعلوا‪.‬‬

‫‪592‬‬
‫سعْيِ ِه َوِإنّا لَهُ كَاِتبُونَ (‪)94‬‬
‫ت َو ُه َو ُم ْؤمِنٌ فَل ُكفْرَانَ لِ َ‬
‫فَمَ ْن َيعْمَلْ مِ ْن الصّالِحَا ِ‬

‫فمن التزم اليان بال ورسله‪ ,‬وعمل ما يستطيع من صال العمال طاعةً ل وعبادة له فل يضيع ال‬
‫عمله ول يبطله‪ ،‬بل يضاعفه كله أضعافًا كثية‪ ,‬وسيجد ما عمله ف كتابه يوم ُيبْعث بعد موته‪.‬‬

‫وَحَرَا ٌم عَلَى قَ ْرَيةٍ َأهَْلكْنَاهَا أَّنهُ ْم ل يَ ْر ِجعُونَ (‪)95‬‬

‫ومتنع على أهل القرى الت أهلكناها بسبب كفرهم وظلمهم‪ ,‬رجوعهم إل الدنيا قبل يوم القيامة;‬
‫ليستدركوا ما فرطوا فيه‪.‬‬

‫ب اْلوَعْ ُد الْحَقّ فَِإذَا هِ يَ‬


‫ب يَن سِلُونَ (‪ )96‬وَاقْتَرَ َ‬
‫ج َوهُ مْ مِ نْ كُلّ حَدَ ٍ‬ ‫ج َومَأْجُو ُ‬ ‫َحتّى إِذَا ُفتِحَ تْ َيأْجُو ُ‬
‫صةٌ أَْبصَا ُر الّذِينَ َكفَرُوا يَا َويَْلنَا قَدْ ُكنّا فِي َغفَْلةٍ مِ ْن هَذَا بَلْ ُكنّا ظَالِمِيَ (‪)97‬‬
‫شَا ِخ َ‬

‫فإذا ُفتِح سد يأجوج ومأجوج‪ ,‬وانطلقوا من مرتفعات الرض وانتشروا ف جنباتا مسرعي‪ ,‬دنا يوم‬
‫ت أهواله فإذا أبصار الكفار مِن شدة الفزع مفتوحة ل تكاد تَطْرِف‪ ,‬يدعون على أنفسهم‬
‫القيامة وبدَ ْ‬
‫بالويل ف حسرة‪ :‬يا ويلنا قد كنا لهي غافلي عن هذا اليوم وعن العداد له‪ ,‬وكنا بذلك ظالي‪.‬‬

‫صبُ َج َهنّمَ َأنْتُمْ َلهَا وَارِدُونَ (‪)98‬‬


‫ِإنّكُ ْم َومَا َت ْعبُدُو َن مِنْ دُونِ اللّهِ َح َ‬

‫إنكم ‪ -‬أيها الكفار ‪ -‬وما كنتم تعبدون من دون ال من الصنام ومَن رضي بعبادتكم إياه من الن‬
‫والنس‪ ,‬وقود جهنم وحطبها‪ ,‬أنتم وهم فيها داخلون‪.‬‬

‫َلوْ كَانَ َهؤُلءِ آِل َه ًة مَا وَ َردُوهَا وَكُلّ فِيهَا خَاِلدُونَ (‪)99‬‬

‫لو كان هؤلء الذين عبدتوهم من دون ال تعال آلة تستحق العبادة ما دخلوا نار جهنم معكم أيها‬
‫الشركون‪ ,‬إنّ كل من العابدين والعبودين خالدون ف نار جهنم‪.‬‬

‫‪593‬‬
‫َلهُمْ فِيهَا زَفِ ٌي َوهُمْ فِيهَا ل يَسْ َمعُونَ (‪)100‬‬

‫لؤلء العذبي ف النار آلم ينبئ عنها زفيهم الذي تتردد فيه أنفاسهم‪ ,‬وهم ف النار ل يسمعون; من‬
‫هول عذابم‪.‬‬

‫سنَى ُأوَْلئِكَ َعْنهَا ُمْبعَدُونَ (‪)101‬‬


‫ِإنّ الّذِي َن َسَبقَتْ َلهُ ْم ِمنّا الْحُ ْ‬

‫إن الذين سبقت لم منا سابقة السعادة السنة ف علمنا بكونم من أهل النة‪ ,‬أولئك عن النار مبعدون‪,‬‬
‫فل يدخلونا ول يكونون قريبًا منها‪.‬‬

‫سهُمْ خَالِدُونَ (‪)102‬‬


‫سهَا َوهُمْ فِي مَا ا ْشَتهَتْ أَنفُ ُ‬
‫ل يَسْ َمعُونَ حَسِي َ‬

‫ل يسمعون صوت ليبها واحتراق الجساد فيها فقد سكنوا منازلم ف النة‪ ,‬وأصبحوا فيما تشتهيه‬
‫نفوسهم من نعيمها ولذاتا مقيمي إقامةً دائمة‪.‬‬

‫ع الَكْبَ ُر َوَتتََلقّاهُ ْم الْمَلِئ َكةُ هَذَا َيوْ ُمكُمْ الّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (‪َ )103‬ي ْومَ نَ ْطوِي السّمَاءَ‬ ‫ل يَحْ ُزُنهُ ْم اْلفَزَ ُ‬
‫جلّ لِ ْل ُكتُبِ كَمَا بَ َدْأنَا َأوّلَ َخلْ ٍق ُنعِيدُ ُه َوعْدا عََلْينَا ِإنّا ُكنّا فَاعِلِيَ (‪)104‬‬
‫كَ َطيّ السّ ِ‬

‫ل ييفهم الول العظيم يوم القيامة‪ ,‬بل تبشرهم اللئكة‪ :‬هذا يومكم الذي ُوعِدتُم فيه الكرامة من ال‬
‫وجزيل الثواب‪ .‬يوم نطوي السماء كما تُطْوى الصحيفة على ما كُتب فيها‪ ,‬ونبعث فيه اللق على هيئة‬
‫خَلْقنا لم أول مرة كما ولدتم أمهاتم‪ ,‬ذلك وعد ال الذي ل يتخلّف‪َ ,‬وعَدْنا بذلك وعدًا حقًا علينا‪,‬‬
‫إنا كنا فاعلي دائمًا ما َنعِدُ به‪.‬‬

‫وََلقَدْ َكتَْبنَا فِي ال ّزبُو ِر مِ ْن َبعْدِ الذّكْرِ َأ ّن الَ ْرضَ يَ ِرُثهَا ِعبَادِي الصّالِحُونَ (‪)105‬‬

‫ولقد كتبنا ف الكتب النلة من بعد ما ُكتِب ف اللوح الحفوظ‪ :‬أن الرض يرثها عباد ال الصالون‬
‫الذين قاموا با أُمروا به‪ ,‬واجتنبوا ما نُهوا عنه‪ ,‬وهم أمة ممد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫‪594‬‬
‫ِإنّ فِي هَذَا َلبَلغا ِل َق ْو ٍم عَابِدِينَ (‪)106‬‬

‫إن ف هذا التلوّ من الوعظة لَعبة كافية لقوم عابدين ال با شرعه لم ورضيه منهم‪.‬‬

‫َومَا أَ ْرسَ ْلنَاكَ إِلّ رَ ْح َمةً لِ ْلعَالَ ِميَ (‪)107‬‬

‫وما أرسلناك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬إل رحة لميع الناس‪ ,‬فمن آمن بك َسعِد ونا‪ ,‬ومن ل يؤمن خاب‬
‫وخسر‪.‬‬

‫قُلْ ِإنّمَا يُوحَى إِلَيّ َأنّمَا إَِلهُكُمْ إِلَ ٌه وَاحِدٌ َفهَلْ َأْنتُ ْم مُسْلِمُونَ (‪)108‬‬

‫ل وُبعِثت به‪ :‬أن إلكم الذي يستحق العبادة وحده هو ال‪ ,‬فأسلموا له‪ ,‬وانقادوا‬
‫قل‪ :‬إن الذي أُوحي إ ّ‬
‫لعبادته‪.‬‬

‫فَِإنْ َتوَّلوْا َفقُلْ آ َذْنتُكُ ْم عَلَى َسوَاءٍ َوِإنْ َأدْرِي أَقَرِيبٌ َأمْ َبعِي ٌد مَا تُوعَدُونَ (‪)109‬‬

‫فإن أعرض هؤلء عن السلم فقل لم‪ :‬أبلغكم جيعًا ما أوحاه ال تعال إلّ‪ ,‬فأنا وأنتم مستوون ف‬
‫العلم لّا أنذرتكم وحذرتكم‪ ,‬ولستُ أعلم ‪ -‬بعد ذلك ‪ -‬مت يل بكم ما ُوعِ ْدتُم به من العذاب؟‬

‫جهْ َر مِ ْن اْل َقوْلِ َوَيعْلَمُ مَا َت ْكتُمُونَ (‪)110‬‬


‫ِإنّهُ َيعْلَمُ الْ َ‬

‫إن ال يعلم ما تهرون به من أقوالكم‪ ,‬وما تكتمونه ف سرائركم‪ ,‬وسيحاسبكم عليه‪.‬‬

‫َوإِنْ أَدْرِي َلعَلّهُ ِفْتَنةٌ َلكُ ْم َو َمتَاعٌ إِلَى حِيٍ (‪)111‬‬

‫ولست أدري لعل تأخي العذاب الذي استعجلتموه استدراج لكم وابتلء‪ ,‬وأن تتمتعوا ف الدنيا إل‬
‫حي; لتزدادوا كفرًا‪ ,‬ث يكون أعظم لعقوبتكم‪.‬‬

‫‪595‬‬
‫سَتعَانُ عَلَى مَا َتصِفُونَ (‪)112‬‬
‫ح ّق وَ َرّبنَا الرّحْمَ ُن الْمُ ْ‬
‫قَالَ رَبّ ا ْحكُمْ بِالْ َ‬

‫ب افصل بيننا وبي قومنا الكذبي بالقضاء الق‪ .‬ونسأل ربنا الرحن‪,‬‬‫قال النب صلى ال عليه وسلم‪ :‬ر ّ‬
‫ونستعي به على ما َتصِفونه ‪ -‬أيها الكفار ‪ -‬من الشرك والتكذيب والفتراء عليه‪ ،‬وما تتوعدونا به من‬
‫الظهور والغلبة ‪.‬‬

‫‪ -22‬سورة اليج‬

‫يَا أَّيهَا النّاسُ اّتقُوا َرّبكُمْ إِنّ زَْلزََلةَ السّا َع ِة َشيْءٌ عَظِيمٌ (‪)1‬‬

‫يا أيها الناس احذروا عقاب ال بامتثال أوامره واجتناب نواهيه‪ ,‬إن ما يدث عند قيام الساعة من أهوال‬
‫وحركة شديدة للرض‪ ,‬تتصدع منها كل جوانبها‪ ,‬شيء عظيم‪ ,‬ل ُيقْدر قدره ول ُيبْلغ كنهه‪ ،‬ول يعلم‬
‫كيفيّته إل رب العالي‪.‬‬

‫ضعَتْ َوتَضَعُ كُلّ ذَاتِ حَمْلٍ حَ ْمَلهَا َوتَرَى النّاسَ ُسكَارَى َومَا هُمْ‬
‫ض َع ٍة عَمّا أَرْ َ‬
‫َيوْمَ تَ َر ْوَنهَا تَ ْذهَلُ كُ ّل مُرْ ِ‬
‫بِسُكَارَى وََلكِ ّن عَذَابَ اللّ ِه شَدِيدٌ (‪)2‬‬

‫يوم ترون قيام الساعة تنسى الوالدةُ رضيعَها الذي ألقمته ثديها؛ لِمَا نزل با من الكرب‪ ,‬وتُسْقط الامل‬
‫حلها من الرعب‪ ,‬وتغيب عقول للناس‪ ,‬فهم كالسكارى من شدة الول والفزع‪ ,‬وليسوا بسكارى من‬
‫المر‪ ,‬ولكن شدة العذاب أفقدتم عقولم وإدراكهم‪.‬‬

‫س مَ ْن يُجَادِلُ فِي اللّ ِه ِبغَيْرِ عِلْ ٍم َوَيتّبِعُ كُ ّل َشيْطَا ٍن مَرِيدٍ (‪)3‬‬


‫َومِ ْن النّا ِ‬

‫وبعض رؤوس الكفر من الناس ياصمون ويشككون ف قدرة ال على البعث; جهل منهم بقيقة هذه‬
‫القدرة‪ ,‬واتباعًا لئمة الضلل من كل شيطان متمرد على ال ورسله‪.‬‬

‫‪596‬‬
‫سعِيِ (‪)4‬‬
‫ب عََليْهِ َأنّهُ مَ ْن َتوَ ّلهُ َفَأنّ ُه يُضِلّ ُه َوَيهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ ال ّ‬
‫ُكتِ َ‬

‫قضى ال وقدّر على هذا الشيطان أنه يُضِل كل من اتبعه‪ ,‬ول يهديه إل الق‪ ,‬بل يسوقه إل عذاب‬
‫جهنم الوقدة جزاء اتباعه إياه‪.‬‬

‫يَا َأيّهَا النّا سُ إِ نْ ُكنْتُ مْ فِي َريْ بٍ مِ ْن الَْبعْ ثِ فَِإنّا َخَل ْقنَاكُ ْم مِ ْن تُرَا بٍ ثُمّ مِ ْن نُ ْط َفةٍ ثُمّ مِ نْ عََل َقةٍ ثُمّ مِ ْن‬
‫خرِ ُجكُ ْم ِط ْفلً ثُمّ‬ ‫سمّى ثُمّ نُ ْ‬ ‫خّل َقةٍ ِلُنَبيّ نَ َلكُ مْ َونُقِرّ فِي الَرْحَا ِم مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَ ٍل مُ َ‬‫خّل َقةٍ َو َغيْ ِر مُ َ‬‫ُمضْ َغ ٍة مُ َ‬
‫ِلتَبُْلغُوا َأشُدّكُ ْم َومِْنكُ ْم مَ ْن ُيَتوَفّ ى َو ِمنْكُ ْم مَ ْن يُ َردّ إِلَى أَ ْرذَ ِل اْلعُمُرِ ِل َكيْل َيعْلَ مَ مِ ْن َبعْدِ عِ ْل ٍم َشيْئا َوتَرَى‬
‫ج َبهِيجٍ (‪)5‬‬ ‫ت َوَأنَْبَتتْ مِنْ كُلّ َزوْ ٍ‬ ‫ت وَ َربَ ْ‬
‫الَ ْرضَ هَامِ َدةً فَإِذَا أَنزَْلنَا عََلْيهَا الْمَا َء ا ْهتَزّ ْ‬

‫يا أيها الناس إن كنتم ف شك من أن ال يُحيي الوتى فإنّا خلقنا أباكم آدم من تراب‪ ,‬ث تناسلت ذريته‬
‫من نطفة‪ ,‬هي النّ يقذفه الرجل ف رحم الرأة‪ ,‬فيتحول بقدرة ال إل علقة‪ ,‬وهي الدم الحر الغليظ‪ ,‬ث‬
‫إل مضغة‪ ,‬وهي قطعة لم صغية قَدْر ما يُ ْمضَغ‪ ,‬فتكون تارة ملّقة‪ ,‬أي تامة اللق تنتهي إل خروح‬
‫الني حيًا‪ ,‬وغي تامة اللق تارة أخرى‪ ,‬فتسقط لغي تام؛ لنبيّن لكم تام قدرتنا بتصريف أطوار اللق‪,‬‬
‫ونبقي ف الرحام ما نشاء‪ ,‬وهو الخلّق إل وقت ولدته‪ ,‬وتكتمل الطوار بولدة الجنّة أطفال صغارًا‬
‫تكبَرُ حت تبلغ الشد‪ ,‬وهو وقت الشباب والقوة واكتمال العقل‪ ,‬وبعض الطفال قد يوت قبل ذلك‪,‬‬
‫ضعْف العقل; فل يعلم هذا العمّر شيئًا ما كان يعلمه قبل ذلك‪.‬‬‫وبعضهم يكبَرُ حت يبلغ سن الرم و َ‬
‫وترى الرض يابس ًة ميتة ل نبات فيها‪ ,‬فإذا أنزلنا عليها الاء تركت بالنبات تتفتح عنه‪ ,‬وارتفعت‬
‫وزادت لرتوائها‪ ,‬وأنبتت من كل نوع من أنواع النبات السن الذي يَسُرّ الناظرين‪.‬‬

‫ح ِي الْ َم ْوتَى َوَأنّهُ عَلَى كُ ّل َشيْءٍ قَدِيرٌ (‪)6‬‬


‫ك ِبَأنّ اللّ َه ُه َو الْحَ ّق َوَأنّهُ يُ ْ‬
‫ذَلِ َ‬

‫ذلك الذكور ما تقدّم من آيات قدرة ال تعال‪ ,‬فيه دللة قاطعة على أن ال سبحانه وتعال هو الرب‬
‫العبود بق‪ ,‬الذي ل تنبغي العبادة إل له‪ ,‬وهو يُحيي الوتى‪ ,‬وهو قادر على كل شيء‪.‬‬

‫َوأَنّ السّا َعةَ آِتَيةٌ ل َريْبَ فِيهَا َوأَنّ اللّ َه َيبْ َعثُ مَنْ فِي اْل ُقبُورِ (‪)7‬‬

‫‪597‬‬
‫وأن ساعة البعث آتية‪ ,‬ل شك ف ذلك‪ ,‬وأن ال يبعث الوتى مِن قبورهم لسابم وجزائهم‪.‬‬

‫س مَ ْن يُجَادِلُ فِي اللّ ِه ِبغَيْرِ عِلْ ٍم وَل هُدًى وَل ِكتَابٍ ُمنِيٍ (‪ )8‬ثَانِيَ عِ ْطفِهِ ِلُيضِ ّل عَ نْ سَبِيلِ اللّهِ‬ ‫َومِ ْن النّا ِ‬
‫ب الْحَرِيقِ (‪)9‬‬
‫ي َونُذِيقُ ُه َي ْومَ اْل ِقيَا َمةِ عَذَا َ‬
‫لَهُ فِي ال ّدْنيَا ِخزْ ٌ‬

‫ومن الكفار مَن يادل بالباطل ف ال وتوحيده واختياره رسوله صلى ال عليه وسلم وإنزاله القرآن‪،‬‬
‫وذلك الدال بغي علم‪ ،‬ول بيان‪ ،‬ول كتاب من ال فيه برهان وحجة واضحة‪ ،‬لويًا عنقه ف تكب‪،‬‬
‫معرضًا عن الق ؛ ليصد غيه عن الدخول ف دين ال‪ ،‬فسوف يلقى خزيًا ف الدنيا باندحاره وافتضاح‬
‫أمره‪ ،‬ونرقه يوم القيامة بالنار‪.‬‬

‫لمٍ لِ ْل َعبِيدِ (‪)10‬‬


‫ك بِمَا َق ّد َمتْ يَدَاكَ َوَأنّ اللّهَ َلْيسَ بِ َظ ّ‬
‫ذَلِ َ‬

‫ت من العاصي واكتسبت من الثام‪ ،‬وال ل يعذب أحدًا بغي‬


‫ويقال له‪ :‬ذلك العذاب بسبب ما َفعَ ْل َ‬
‫ذنب‪.‬‬

‫س مَ ْن َيعْبُدُ اللّ َه عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ َخيْرٌ اطْ َمَأنّ بِ ِه َوإِنْ أَصَاَبتْهُ ِفتَْن ٌة انقَلَبَ عَلَى وَ ْجهِهِ خَسِرَ‬ ‫َومِ ْن النّا ِ‬
‫ك ُهوَ‬
‫ك ُه َو الْخُ سْرَانُ الْ ُمبِيُ (‪ )11‬يَ ْدعُوا مِ نْ دُو نِ اللّ ِه مَا ل َيضُرّ ُه َومَا ل َيْن َفعُ هُ ذَلِ َ‬ ‫ال ّدنْيَا وَالخِ َرةَ ذَلِ َ‬
‫س اْلعَشِيُ (‪)13‬‬ ‫س الْ َموْلَى وََلبِْئ َ‬‫ب مِ ْن َن ْفعِهِ َلِبْئ َ‬
‫الضّل ُل اْلبَعِيدُ (‪ )12‬يَ ْدعُوا لَمَنْ ضَ ّرهُ أَقْرَ ُ‬

‫ومن الناس مَن يدخل ف السلم على ضعف وشكّ‪ ،‬فيعبد ال على تردده‪ ،‬كالذي يقف على طرف‬
‫جبل أو حائط ل يتماسك ف وقفته‪ ،‬ويربط إيانه بدنياه‪ ,‬فإن عاش ف صحة و َسعَة استمر على عبادته‪,‬‬
‫وإن حصل له ابتلء بكروه وشدة عزا شؤم ذلك إل دينه‪ ,‬فرجع عنه كمن ينقلب على وجهه بعد‬
‫استقامة‪ ،‬فهو بذلك قد خسر الدنيا؛ إذ ل يغيّر كفرُه ما ُقدّر له ف دنياه‪ ,‬وخسر الخرة بدخوله النار‪،‬‬
‫وذلك خسران بيّن واضح‪ .‬يعبد ذلك الاسر من دون ال ما ل يضره إن تركه‪ ،‬ول ينفعه إذا عبده‪،‬‬
‫ذلك هو الضلل البعيد عن الق‪ .‬يدعو مَن ضررُه الحقق أقرب من نفعه‪ ،‬قبح ذلك العبود نصيًا‪ ،‬وقبح‬
‫عشيًا‪.‬‬

‫‪598‬‬
‫حِتهَا الَْنهَارُ ِإنّ اللّ هَ يَ ْفعَ ُل مَا يُرِيدُ (‬
‫جرِي مِ ْن تَ ْ‬
‫ت تَ ْ‬
‫ِإنّ اللّ َه يُدْ ِخ ُل الّذِي نَ آمَنُوا َوعَ ِملُوا ال صّالِحَاتِ َجنّا ٍ‬
‫‪)14‬‬

‫إن ال يدخل الذين آمنوا بال ورسوله‪ ،‬وثبتوا على ذلك‪ ،‬وعملوا الصالات‪ ،‬جنات تري من تت‬
‫أشجارها النار‪ ،‬إن ال يفعل ما يريد من ثواب أهل طاعته تفضل وعقاب أهل معصيته عدل‪.‬‬

‫سَببٍ إِلَى ال سّمَا ِء ثُمّ ِلَيقْطَ عْ َف ْليَنظُ ْر هَلْ‬


‫مَ نْ كَا نَ يَظُنّ أَ نْ لَ ْن يَن صُ َرهُ اللّ هُ فِي ال ّدنْيَا وَالخِ َرةِ فَ ْليَمْ ُد ْد بِ َ‬
‫يُ ْذهِبَنّ َكيْ ُد ُه مَا َيغِيظُ (‪)15‬‬

‫من كان يعتقد أن ال تعال لن يؤيد رسوله ممدًا بالنصر ف الدنيا بإظهار دينه‪ ,‬وف الخرة بإعلء‬
‫ب مَن كذّبه‪ ،‬ف ْليَمدُ ْد حبل إل سقف بيته وليخنق به نفسه‪ ,‬ث ليقطع ذلك البل‪ ،‬ث لينظر‪:‬‬
‫درجته‪ ,‬وعذا ِ‬
‫هل يُ ْذهِبّ ذلك ما يد ف نفسه من الغيظ؟ فإن ال تعال ناص ٌر نبيه ممدًا صلى ال عليه وسلم ل مالة‪.‬‬

‫ت َوَأنّ اللّ َه َيهْدِي مَ ْن يُرِيدُ (‪)16‬‬


‫ت َبيّنَا ٍ‬
‫وَكَذَلِكَ أَنزَْلنَا ُه آيَا ٍ‬

‫وكما أقام ال الجة من دلئل قدرته على الكافرين بالبعث أنزل القرآن‪ ،‬آياته واضحة ف لفظها‬
‫ومعناها‪ ,‬يهدي با ال مَن أراد هدايته؛ لنه ل هادي سواه‪.‬‬

‫س وَالّذِي نَ َأشْرَكُوا ِإنّ اللّ َه َيفْ صِ ُل َبْينَهُ ْم َيوْ مَ‬


‫ي وَالنّ صَارَى وَالْمَجُو َ‬
‫ِإنّ الّذِي نَ آ َمنُوا وَالّذِي َن هَادُوا وَال صّاِبئِ َ‬
‫الْ ِقيَا َمةِ ِإنّ اللّ َه عَلَى ُك ّل شَيْ ٍء َشهِيدٌ (‪)17‬‬

‫إن الذين آمنوا بال ورسوله ممدٍ صلى ال عليه وسلم واليهود والصابئي وهم‪( :‬قوم باقون على فطرتم‬
‫ول دين مقرر لم يتبعونه) والنصارى والجوس (وهم عبدة النار) والذين أشركوا وهم‪ :‬عبدة الوثان‪،‬‬
‫إنّ ال يفصل بينهم جيعًا يوم القيامة فيدخل الؤمني النة‪ ،‬ويدخل الكافرين النار‪ ،‬إن ال على كل شيء‬
‫شهيد‪ ،‬شهد أعمال العباد كلّها‪ ،‬وأحصاها وحفظها‪ ،‬وسيجازي كل با يستحق جزاء وفاقًا للعمال‬
‫الت عملوها‪.‬‬

‫‪599‬‬
‫جبَا ُل‬
‫س وَاْلقَمَ ُر وَالنّجُو ُم وَالْ ِ‬ ‫ض وَالشّمْ ُ‬ ‫أَلَ ْم َترَى أَنّ اللّ َه يَ سْجُدُ لَ ُه مَ نْ فِي ال سّ َموَاتِ َومَ نْ فِي الَرْ ِ‬
‫ب َومَ ْن ُيهِ نْ اللّهُ فَمَا لَ ُه مِ ْن ُمكْرِمٍ ِإنّ اللّ َه َي ْفعَلُ‬
‫س وَ َكثِيٌ حَقّ عََليْ ِه الْعَذَا ُ‬
‫وَالشّجَ ُر وَال ّدوَابّ وَ َكثِيٌ مِ ْن النّا ِ‬
‫مَا يَشَاءُ (‪)18‬‬

‫أل تعلم‪ -‬أيها النب‪ -‬أن ال سبحانه يسجد له خاضعًا منقادًا مَن ف السموات من اللئكة ومَن ف‬
‫الرض من الخلوقات والشمس والقمر والنجوم والبال والشجر والدواب؟ ول يسجد طاعة واختيارًا‬
‫ي إنسان يهنه ال فليس‬‫كثي من الناس‪ ،‬وهم الؤمنون‪ ،‬وكثي من الناس حق عليه العذاب فهو مهي‪ ،‬وأ ّ‬
‫له أحد يكرمه‪ .‬إن ال يفعل ف خلقه ما يشاء وَفْقَ حكمته‪.‬‬

‫صبّ مِ نْ َفوْ قِ رُءُو ِسهِ ْم‬


‫ب مِ ْن نَا ٍر يُ َ‬
‫هَذَا نِ خَ صْمَانِ ا ْختَ صَمُوا فِي َرّبهِ مْ فَالّذِي نَ َكفَرُوا قُ ّطعَ تْ َلهُ مْ ثِيَا ٌ‬
‫صهَ ُر بِ ِه مَا فِي بُطُوِنهِ ْم وَالْجُلُودُ ( ‪ )20‬وََلهُ ْم َمقَامِ عُ مِ نْ حَدِيدٍ ( ‪ُ )21‬كلّمَا أَرَادُوا أَ نْ‬ ‫الْحَمِي مُ (‪ )19‬يُ ْ‬
‫حرِيقِ (‪)22‬‬ ‫يَخْ ُرجُوا ِمْنهَا مِ ْن غَمّ ُأعِيدُوا فِيهَا َوذُوقُوا عَذَابَ الْ َ‬

‫هذان فريقان اختلفوا ف ربم‪ :‬أهل اليان وأهل الكفر‪ ,‬كل يدّعي أنه مقّ‪ ،‬فالذين كفروا ييط بم‬
‫ب على رؤوسهم الاء‬
‫العذاب ف هيئة ثياب جُعلت لم من نار يَ ْلبَسونا‪ ,‬فتشوي أجسادهم‪ ،‬ويُص ّ‬
‫التناهي ف حره‪ ،‬ويَنِل إل أجوافهم فيذيب ما فيها‪ ،‬حت ينفُذ إل جلودهم فيشويها فتسقط‪ ،‬وتضربم‬
‫اللئكة على رؤوسهم بطارق من حديد‪ .‬كلما حاولوا الروج من النار ‪-‬لشدة غمّهم وكربم‪ -‬أعيدوا‬
‫للعذاب فيها‪ ,‬وقيل لم‪ :‬ذوقوا عذاب النار الحرق‪.‬‬

‫حِتهَا ا َلْنهَا ُر يُحَّلوْ نَ فِيهَا مِ نْ أَ سَاوِرَ‬


‫ت تَجْرِي مِ ْن تَ ْ‬
‫ِإنّ اللّ َه يُدْ ِخ ُل الّذِي نَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ َجنّا ٍ‬
‫مِنْ َذ َهبٍ وَُلؤْلُؤا وَِلبَاسُهُمْ فِيهَا َحرِيرٌ (‪)23‬‬

‫إن ال تعال يدخل أهل اليان والعمل الصال جنات نعيمها دائم‪ ،‬تري مِن تت أشجارها النار‪،‬‬
‫يُ َزيّنون فيها بأساور الذهب وباللؤلؤ‪ ،‬ولباسهم العتاد ف النة الرير رجال ونساءً‪.‬‬

‫ط الْحَمِيدِ (‪)24‬‬
‫َوهُدُوا إِلَى ال ّطّيبِ مِنْ الْ َقوْ ِل َوهُدُوا إِلَى صِرَا ِ‬

‫‪600‬‬
‫لقد هداهم ال ف الدنيا إل طيب القول‪ :‬من كلمة التوحيد و َحمْد ال والثناء عليه‪ ،‬وف الخرة إل حده‬
‫على حسن العاقبة‪ ,‬كما هداهم من قبل إل طريق السلم الحمود الوصل إل النة‪.‬‬

‫حرَا مِ الّذِي َجعَ ْلنَا هُ لِلنّا سِ َسوَا ًء الْعَاكِ فُ فِي هِ‬


‫إِنّ الّذِي نَ َكفَرُوا َويَ صُدّونَ عَ نْ َسبِيلِ اللّ ِه وَالْمَ سْجِ ِد الْ َ‬
‫وَالْبَادِي َومَ ْن ُيرِدْ فِي ِه بِإِلْحَا ٍد بِظُلْ ٍم نُذِقْهُ مِ ْن عَذَابٍ أَلِيمٍ (‪)25‬‬

‫إن الذين كفروا بال‪ ,‬وكذبوا با جاءهم به ممد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وينعون غيهم من الدخول ف‬
‫دين ال‪ ،‬ويصدون رسول ال صلى ال عليه وسلم والؤمني ف عام "الديبية" عن السجد الرام‪ ,‬الذي‬
‫جعلناه لميع الؤمني‪ ،‬سواء القيم فيه والقادم إليه‪ ,‬لم عذاب أليم موجع‪ ،‬ومن يرد ف السجد الرام‬
‫اليْ َل عن الق ظلمًا فَيعْصِ ال فيه‪ ,‬نُذِقْه مِن عذاب أليم موجع‪.‬‬

‫َوإِ ْذ َب ّوأْنَا ِلبْرَاهِي َم َمكَا َن الَْبيْ تِ أَ ْن ل تُشْرِ ْك بِي َشيْئا َو َطهّ ْر بَْيتِي لِلطّاِئفِيَ وَالْقَائِمِيَ وَالرّكّ ِع ال سّجُودِ (‬
‫‪)26‬‬

‫واذكر‪ -‬أيها النب‪ -‬إذ َبيّنا لبراهيم ‪ -‬عليه السلم‪ -‬مكان البيت‪ ،‬وهيّأناه له وقد كان غي معروف‪،‬‬
‫وأمرناه ببنائه على تقوى من ال وتوحيده وتطهيه من الكفر والبدع والنجاسات ؛ ليكون رحابًا‬
‫للطائفي به‪ ,‬والقائمي الصلي عنده‪.‬‬

‫شهَدُوا مَنَافِعَ َلهُ ْم‬ ‫ي مِنْ كُلّ َفجّ عَمِيقٍ (‪ِ )27‬ليَ ْ‬ ‫س بِالْحَ ّج َيأْتُوكَ ِرجَالً وَعَلَى كُلّ ضَا ِم ٍر يَ ْأتِ َ‬ ‫َوأَذّنْ فِي النّا ِ‬
‫س اْلفَقِيَ (‬ ‫ت عَلَى مَا رَزََقهُ ْم مِ ْن َبهِي َم ِة الَْنعَامِ َفكُلُوا ِمْنهَا َوَأ ْطعِمُوا اْلبَاِئ َ‬
‫َويَذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ فِي َأيّامٍ َمعْلُومَا ٍ‬
‫‪)28‬‬

‫وأعِلمْ‪ -‬يا إبراهيم‪ -‬الناس بوجوب الج عليهم يأتوك على متلف أحوالم مشا ًة وركبانًا على كل‬
‫سيْر والعمال ل من الُزال)‪ ،‬يأتي من كل طريق بعيد;‬ ‫ضامر من البل‪ ،‬وهو‪( :‬الفيف اللحم من ال ّ‬
‫سبِهم ف تاراتم‪ ،‬وغي‬ ‫ليحضروا منافع لم من‪ :‬مغفرة ذنوبم‪ ،‬وثواب أداء نسكهم وطاعتهم‪ ،‬وتكَ ّ‬
‫ذلك؛ وليذكروا اسم ال على َذبْح ما يتقربون به من البل والبقر والغنم ف أيام معيّنة هي‪ :‬عاشر ذي‬

‫‪601‬‬
‫الجة وثلثة أيام بعده; شكرًا ل على نعمه‪ ،‬وهم مأمورون أن يأكلوا مِن هذه الذبائح استحبابًا‪،‬‬
‫ويُطعموا منها الفقي الذي اشتد فقره‪.‬‬

‫ثُمّ ِلَيقْضُوا َت َفَثهُ ْم وَْليُوفُوا نُذُو َرهُمْ وَلْيَ ّطوّفُوا بِالَْبْيتِ اْل َعتِيقِ (‪)29‬‬

‫ث ليكمل الجاج ما بقي عليهم من النّسُك‪ ،‬بإحللم وخروجهم من إحرامهم‪ ،‬وذلك بإزالة ما تراكم‬
‫مِن وسخ ف أبدانم‪ ،‬وقص أظفارهم‪ ،‬وحلق شعرهم‪ ،‬وليوفوا با أوجبوه على أنفسهم من الج والعمرة‬
‫والدايا‪ ،‬وليطوفوا بالبيت العتيق القدي‪ ،‬الذي أعتقه ال مِن تسلّط البارين عليه‪ ،‬وهو الكعبة‪.‬‬

‫ك َومَ ْن ُيعَظّ مْ ُح ُرمَا تِ اللّ هِ َف ُهوَ َخيْرٌ لَ ُه ِعنْدَ َربّ هِ َوأُحِلّ تْ َلكُ مْ ا َلْنعَا مُ إِلّ مَا ُيتْلَى عََلْيكُ مْ فَا ْجَتنِبُوا‬
‫ذَلِ َ‬
‫س مِ ْن ا َل ْوثَا ِن وَا ْجتَِنبُوا َقوْلَ الزّورِ (‪)30‬‬ ‫الرّ ْج َ‬

‫ذلك الذي أمر ال به مِن قضاء التفث والوفاء بالنذور والطواف بالبيت‪ ،‬هو ما أوجبه ال عليكم‬
‫فعظّموه‪ ،‬ومن يعظم حرمات ال‪ ،‬ومنها مناسكه بأدائها كاملة خالصة ل‪ ،‬فهو خي له ف الدنيا‬
‫والخرة‪ .‬وأحلّ ال لكم أَكْ َل النعام إل ما حرّمه فيما يتلى عليكم ف القرآن من اليتة وغيها فاجتنبوه‪،‬‬
‫وف ذلك إبطال ما كانت العرب ترّمه من بعض النعام‪ ،‬وابتعِدوا عن القذارة الت هي الوثان‪ ،‬وعن‬
‫الكذب الذي هو الفتراء على ال‪.‬‬

‫شرِكِيَ بِ ِه َومَ ْن يُشْرِكْ بِاللّهِ َف َكَأنّمَا َخ ّر مِنْ السّمَاءِ َفتَخْ َطفُهُ ال ّطيْرُ َأوْ َت ْهوِي بِهِ الرّيحُ فِي‬
‫ُحَنفَاءَ لِلّ ِه غَيْ َر مُ ْ‬
‫َمكَا ٍن سَحِيقٍ (‪)31‬‬

‫مستقيمي ل على إخلص العمل له‪ ،‬مقبلي عليه بعبادته وحده وإفراده بالطاعة‪ ،‬معرضي عما سواه بنبذ‬
‫الشرك‪ ،‬فإنّه من يشرك بال شيئًا‪ ،‬فمثله‪ -‬ف ُبعْده عن الدى‪ ،‬وف هلكه وسقوطه من رفيع اليان بل‬
‫حضيض الكفر‪ ،‬وتطّف الشياطي له من كل جانب‪ -‬كمثل مَن سقط من السماء‪ :‬فإما أن تطفه الطي‬
‫فتقطع أعضاءه‪ ،‬وإما أن تأخذه عاصفة شديدة من الريح‪ ،‬فتقذفه ف مكان بعيد‪.‬‬

‫ك َومَ ْن ُيعَظّ ْم َشعَائِرَ اللّهِ فَِإّنهَا مِ ْن َت ْقوَى اْلقُلُوبِ (‪)32‬‬


‫ذَلِ َ‬

‫‪602‬‬
‫ذلك ما أمر ال به مِن توحيده وإخلص العبادة له‪ .‬ومن يتثل أمر ال ويُعَظّم معال الدين‪ ،‬ومنها أعمال‬
‫الج وأماكنه‪ ،‬والذبائح الت تُ ْذبَح فيه‪ ،‬وذلك باستحسانا واستسمانا‪ ،‬فهذا التعظيم مِن أفعال أصحاب‬
‫القلوب التصفة بتقوى ال وخشيته‪.‬‬

‫حّلهَا إِلَى اْلبَْيتِ اْل َعتِيقِ (‪)33‬‬


‫َلكُمْ فِيهَا َمنَافِعُ إِلَى أَجَ ٍل مُسَمّى ثُ ّم مَ ِ‬

‫لكم ف هذه الدايا منافع تنتفعون با من الصوف واللب والركوب‪ ،‬وغي ذلك ما ل يضرها إل وقت‬
‫ذبها عند البيت العتيق‪ ،‬وهو الرم كله‪.‬‬

‫وَِلكُلّ ُأ ّمةٍ َجعَ ْلنَا َمنْسَكا ِليَذْ ُكرُوا اسْمَ اللّ ِه عَلَى مَا رَزََق ُه ْم مِ ْن َبهِي َم ِة ا َلْنعَامِ فَإَِلهُكُمْ إِلَ ٌه وَاحِدٌ َفلَهُ أَسْلِمُوا‬
‫خِبتِيَ (‪)34‬‬ ‫َوبَشّ ْر الْمُ ْ‬

‫ولكل جاعة مؤمنة سلفت‪ ،‬جعلنا لا مناسك مِنَ الذبح وإراقة الدماء؛ وذلك ليذكروا اسم ال تعال عند‬
‫ذبح ما رزقهم مِن هذه النعام ويشكروا له‪ .‬فإلكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬إله واحد هو ال فانقادوا لمره وأمر‬
‫رسوله‪ .‬وبشّر ‪ -‬أيها النب‪ -‬التواضعي الاضعي لربم بيَي الدنيا والخرة‪.‬‬

‫الّذِي نَ إِذَا ذُكِرَ اللّ ُه َوجِلَ تْ ُقلُوبُهُ ْم وَال صّابِرِي َن عَلَى مَا أَ صَاَبهُ ْم وَالْ ُمقِي ِم ال صّلةِ َومِمّا رَزَ ْقنَاهُ مْ ُيْن ِفقُو نَ (‬
‫‪)35‬‬

‫هؤلء التواضعون الاشعون مِن صفاتم أنم إذا ذُكِر ال وحده خافوا عقابه‪ ,‬وحَذِروا مالفته‪ ،‬وإذا‬
‫أصابم بأس وشدة صبوا على ذلك مؤملي الثواب من ال عز وجل‪ ،‬وأ ّدوْا الصلة تامة‪ ،‬وهم مع ذلك‬
‫ينفقون ما رزقهم ال ف الواجب عليهم مِن زكاة ونفقة عيال‪ ،‬ومَن وَ َجَبتْ عليهم نفقته‪ ,‬وف سبيل ال‪,‬‬
‫والنفقات الستحبة‪.‬‬

‫صوَافّ فَِإذَا وَ َجبَ تْ ُجنُوُبهَا‬


‫وَالْبُدْ نَ َجعَ ْلنَاهَا َلكُ ْم مِ ْن َشعَائِرِ اللّ هِ َلكُ مْ فِيهَا َخْيرٌ فَاذْ ُكرُوا ا سْمَ اللّ ِه عََلْيهَا َ‬
‫شكُرُونَ (‪)36‬‬ ‫َفكُلُوا ِمْنهَا َوأَ ْطعِمُوا اْلقَانِ َع وَالْ ُمعْتَرّ َكذَلِكَ سَخّ ْرنَاهَا َلكُمْ َلعَّلكُ ْم تَ ْ‬

‫‪603‬‬
‫وجعلنا لكم نَحْرَ البُدْن من شعائر الدين وأعلمه؛ لتتقربوا با إل ال‪ ،‬لكم فيها‪ -‬أيها التقربون ‪-‬خي ف‬
‫ص ّفتْ‬
‫منافعها من الكل والصدقة والثواب والجر‪ ،‬فقولوا عند ذبها‪ :‬بسم ال‪ .‬وُتنْحَر البل واقفة قد ُ‬
‫ثلث من قوائمها وُقيّدت الرابعة‪ ،‬فإذا سقطت على الرض جنوبا فقد حلّ أكلها‪ ،‬فليأكل منها‬
‫مقربوها تعبدًا ويُ ْطعِمُوا منها القانع ‪-‬وهو الفقي الذي ل يسأل تعففًا‪ -‬والعترّ الذي يسأل لاجته‪ ,‬هكذا‬
‫سخّر ال البُدْن لكم‪ ،‬لعلكم تشكرون ال على تسخيها لكم‪.‬‬

‫لَ ْن َينَالَ اللّ هَ لُحُومُهَا وَل ِدمَاؤُهَا وََلكِ ْن َينَالُ هُ الّت ْقوَى ِمْنكُ مْ كَذَلِ كَ سَخّ َرهَا َلكُ مْ ِلُت َكبّرُوا اللّ َه عَلَى مَا‬
‫سنِيَ (‪)37‬‬ ‫هَدَاكُمْ َوبَشّرْ الْمُحْ ِ‬

‫ل مِن لوم هذه الذبائح ول من دمائها شيء‪ ،‬ولكن يناله الخلص فيها‪ ،‬وأن يكون القصد با‬
‫لن ينال ا َ‬
‫وجه ال وحده‪ ،‬كذلك ذللها لكم ‪-‬أيها التقربون‪-‬؛ لتعظموا ال‪ ،‬وتشكروا له على ما هداكم من‬
‫الق‪ ،‬فإنه أهلٌ لذلك‪ .‬وبشّر‪ -‬أيها النب‪ -‬الحسني بعبادة ال وحده والحسني إل خلقه بكل خي‬
‫وفلح‪.‬‬

‫حبّ كُلّ َخوّانٍ َكفُورٍ (‪)38‬‬


‫ِإنّ اللّ َه يُدَافِ ُع عَ ْن الّذِينَ آ َمنُوا إِنّ اللّ َه ل يُ ِ‬

‫إن ال تعال يدفع عن الؤمني عدوان الكفار‪ ،‬وكيد الشرار; لنه عز وجل ل يب كل خوّان لمانة‬
‫ربه‪ ،‬جحود لنعمته‪.‬‬

‫أُ ِذنَ لِلّذِي َن ُيقَاتَلُونَ ِبَأّنهُمْ ظُِلمُوا َوِإنّ اللّ َه عَلَى َنصْ ِرهِمْ َلقَدِيرٌ (‪)39‬‬

‫(كان السلمون ف أول أمرهم منوعي من قتال الكفار‪ ،‬مأمورين بالصب على أذاهم‪ ،‬فلما بلغ أذى‬
‫الشركي مداه وخرج النب صلى ال عليه وسلم من "مكة" مهاجرًا إل "الدينة"‪ ،‬وأصبح للسلم قوة)‬
‫أَ ِذنَ ال للمسلمي ف القتال؛ بسبب ما وقع عليهم من الظلم والعدوان‪ ،‬وإن ال تعال قادر على نصرهم‬
‫وإذلل عدوّهم‪.‬‬

‫ضهُ مْ ِبَبعْ ضٍ َلهُ ّدمَ تْ‬


‫س َب ْع َ‬
‫الّذِي نَ أُخْ ِرجُوا مِ نْ ِديَا ِرهِ ْم ِبغَيْرِ حَقّ إِلّ أَ ْن َيقُولُوا َرّبنَا اللّ ُه وََلوْل دَ ْف عُ اللّ ِه النّا َ‬

‫‪604‬‬
‫صَلوَاتٌ َومَسَاجِ ُد يُذْ َكرُ فِيهَا اسْمُ اللّهِ َكثِيا وََليَنصُ َرنّ اللّ ُه مَ ْن يَنصُ ُرهُ ِإنّ اللّهَ َل َقوِيّ َعزِيزٌ (‬
‫صوَامِ ُع َوِبيَ ٌع وَ َ‬
‫َ‬
‫‪)40‬‬

‫الذين أُلئوا إل الروج من ديارهم‪ ،‬ل لشيء فعلوه إل لنم أسلموا وقالوا‪ :‬ربنا ال وحده‪ .‬ولول ما‬
‫شرعه ال من دَفْع الظلم والباطل بالقتال َلهُزِم القّ ف كل أمة ولربت الرض‪ ،‬وهُدّمت فيها أماكن‬
‫العبادة من صوامع الرهبان‪ ،‬وكنائس النصارى‪ ،‬ومعابد اليهود‪ ،‬ومساجد السلمي الت يصلّون فيها‪،‬‬
‫ويذكرون اسم ال فيها كثيًا‪ .‬ومن اجتهد ف نصرة دين ال‪ ،‬فإن ال ناصره على عدوه‪ .‬إن ال لَقوي ل‬
‫يغالَب‪ ،‬عزيز ل يرام‪ ،‬قد قهر اللئق وأخذ بنواصيهم‪.‬‬

‫ف َوَن َهوْا عَ ْن الْ ُمنْكَ ِر وَِللّ ِه عَاِقبَةُ‬


‫الّذِي نَ إِ ْن َمكّنّاهُمْ فِي الَرْضِ أَقَامُوا الصّل َة وَآَتوْا الزّكَاةَ َوَأمَرُوا بِالْ َمعْرُو ِ‬
‫الُمُورِ (‪)41‬‬

‫الذين وعدناهم بنصرنا هم الذين إنْ م ّكنّاهم ف الرض‪ ،‬واستخلفناهم فيها بإظهارهم على عدوهم‪،‬‬
‫أقاموا الصلة بأدائها ف أوقاتا بدودها‪ ،‬وأخرجوا زكاة أموالم إل أهلها‪ ،‬وأمروا بكل ما أمر ال به مِن‬
‫حقوقه وحقوق عباده‪ ،‬وَنهَوْا عن كل ما نى ال عنه ورسوله‪ .‬ول وحده مصي المور كلها‪ ،‬والعاقبة‬
‫للتقوى‪.‬‬

‫ح َوعَادٌ َوثَمُودُ (‪ )42‬وََقوْمُ ِإبْرَاهِيمَ وََقوْمُ لُوطٍ (‪َ )43‬وأَصْحَابُ‬


‫َوإِ ْن ُيكَ ّذبُوكَ َفقَدْ كَ ّذبَتْ َقبَْل ُهمْ َقوْمُ نُو ٍ‬
‫ب مُوسَى َفَأمَْليْتُ لِ ْلكَافِرِي َن ثُمّ أَخَ ْذُتهُمْ َف َكيْفَ كَا َن َنكِيِ (‪)44‬‬ ‫مَ ْديَ َن وَكُذّ َ‬

‫وإن يكذبك قومك‪ -‬أيها الرسول‪ -‬فقد سبقهم ف تكذيب رسلهم قوم نوح‪ ,‬وعاد‪ ،‬وثود‪ ،‬وقوم‬
‫إبراهيم‪ ،‬وقوم لوط‪ ،‬وأصحاب "مدين" الذين كذبوا شعيبًا‪ ,‬وكذّب فرعون وقومه موسى‪ ،‬فلم أعاجل‬
‫ت كل منهم بالعذاب‪ ،‬فكيف كان إنكاري عليهم كفرهم‬ ‫هذه المم بالعقوبة‪ ،‬بل أمهلتها‪ ،‬ث أخذ ُ‬
‫وتكذيبهم‪ ،‬وتبديل ما كان بم مِن نعمة بالعذاب واللك؟‬

‫َفكََأيّ ْن مِنْ َق ْرَيةٍ َأهَْل ْكنَاهَا َو ِهيَ ظَالِ َمةٌ َف ِهيَ خَا ِوَيةٌ عَلَى عُرُو ِشهَا َوبِئْ ٍر ُمعَطَّل ٍة وََقصْ ٍر مَشِيدٍ (‪)45‬‬

‫‪605‬‬
‫فكثيًا من القرى الظالة بكفرها أهلكنا أهلها‪ ،‬فديارهم مهدّمة َخَلتْ مِن سكانا‪ ،‬وآبارها ل يُستقى‬
‫منها‪ ،‬وقصورها العالية الزخرفة ل تدفع عن أهلها سوء العذاب‪.‬‬

‫ب َي ْعقِلُو َن بِهَا َأوْ آذَا ٌن يَ سْ َمعُونَ بِهَا َفِإنّهَا ل َتعْمَى ا َلبْ صَارُ‬
‫أَفَلَ ْم يَ سِيُوا فِي الَرْ ضِ َفتَكُو نَ َلهُ مْ ُقلُو ٌ‬
‫وََلكِنْ َتعْمَى اْلقُلُوبُ اّلتِي فِي الصّدُورِ (‪)46‬‬

‫أفلم يَسِر الكذبون من قريش ف الرض ليشاهدوا آثار الهلكي‪ ،‬فيتفكروا بعقولم‪ ،‬فيعتبوا‪ ،‬ويسمعوا‬
‫أخبارهم ساع تدبّر فيتعظوا؟ فإن العمى ليس عمى البصر‪ ،‬وإنا العمى ا ُلهْلِك هو عمى البصية عن‬
‫إدراك الق والعتبار‪.‬‬

‫ف َسَنةٍ مِمّا َتعُدّونَ (‪)47‬‬


‫ب وَلَ ْن يُخْلِفَ اللّهُ وَعْ َد ُه َوِإنّ َيوْما ِعنْدَ َربّكَ َكأَلْ ِ‬
‫جلُونَكَ بِاْلعَذَا ِ‬
‫َويَسَْتعْ ِ‬

‫ويستعجلك‪ -‬أيها الرسول‪ -‬كفار قريش ‪-‬لشدة جهلهم‪ -‬بالعذاب الذي أنذرتم به لهمّا أصروا على‬
‫الكفر‪ ،‬ولن يلف ال ما وعدهم به من العذاب فل بدّ من وقوعه‪ ،‬وقد عجّل لم ف الدينا ذلك ف يوم‬
‫"بدر"‪ .‬وإن يومًا من اليام عند ال ‪ -‬وهو يوم القيامة‪ -‬كألف سنة ما َتعُدّون من سن الدنيا‪.‬‬

‫وَ َكأَيّ ْن مِنْ َق ْرَيةٍ َأمَْلْيتُ َلهَا َو ِهيَ ظَالِ َمةٌ ثُمّ َأخَ ْذُتهَا َوإِلَ ّي الْ َمصِيُ (‪)48‬‬

‫وكثي من القرى كانت ظالة بإصرار أهلها على الكفر‪ ،‬فأمهلتهم ول أعاجلهم بالعقوبة فاغتروا‪ ،‬ث‬
‫ل مرجعهم بعد هلكهم‪ ،‬فأعذبم با يستحقون‪.‬‬ ‫أخَ ْذتُهم بعذاب ف الدنيا‪ ،‬وإ ّ‬

‫قُ ْل يَا َأّيهَا النّاسُ ِإنّمَا َأنَا َلكُ ْم نَذِي ٌر ُمبِيٌ (‪ )49‬فَالّذِي نَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا الصّالِحَاتِ َلهُ ْم َمغْفِ َرٌة وَرِزْقٌ كَ ِريٌ‬
‫جحِيمِ (‪)51‬‬ ‫ب الْ َ‬‫(‪ )50‬وَالّذِينَ َس َعوْا فِي آيَاِتنَا ُمعَا ِجزِينَ ُأوْلَئِكَ أَصْحَا ُ‬

‫قل ‪ -‬أيها الرسول ‪ : -‬يا أيها الناس ما أنا إل منذر لكم مبلّغ عن ال رسالته‪ .‬فالذين آمنوا بال‬
‫ورسوله‪ ،‬واستقر ذلك ف قلوبم‪ ،‬وعملوا العمال الصالة‪ ،‬لم عند ال عفو عن ذنوبم ومغفرة يستر‬

‫‪606‬‬
‫با ما صدر عنهم من معصية‪ ،‬ورزق حسن ل ينقطع وهو النة‪ .‬والذين اجتهدوا ف الكيد لبطال آيات‬
‫القرآن بالتكذيب مشاقي مغالبي‪ ،‬أولئك هم أهل النار الوقدة‪ ،‬يدخلونا ويبقون فيها أبدًا‪.‬‬

‫ك مِ نْ رَ سُو ٍل وَل َنبِيّ إِلّ ِإذَا تَ َمنّ ى أَلْقَى الشّيْطَا نُ فِي ُأمِْنّيتِ هِ َفَينْ سَخُ اللّ ُه مَا يُلْقِي‬
‫وَمَا أَرْ سَ ْلنَا مِ نْ َقبْلِ َ‬
‫حكِمُ اللّ ُه آيَاتِهِ وَاللّ ُه عَلِيمٌ َحكِيمٌ (‪)52‬‬
‫الشّيْطَا ُن ثُ ّم يُ ْ‬

‫وما أرسلنا من قبلك‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬من رسول ول نب إل إذا قرأ كتاب ال ألقى الشيطان ف قراءته‬
‫الوساوس والشبهات؛ ليصدّ الناس عن اتباع ما يقرؤه ويتلوه‪ ،‬لكن ال يبطل كيد الشيطان‪ ،‬فيزيل‬
‫وساوسه‪ ،‬ويثبت آياته الواضحات‪ .‬وال عليم با كان ويكون‪ ,‬ل تفى عليه خافية‪ ,‬حكيم ف تقديره‬
‫وأمره‪.‬‬

‫ق َبعِيدٍ (‬
‫شيْطَا نُ ِفْتَنةً لِلّذِي نَ فِي ُقلُوبِهِ ْم َمرَ ضٌ وَاْلقَا سَِيةِ قُلُوُبهُ ْم َوِإنّ الظّالِ ِميَ َلفِي ِشقَا ٍ‬
‫جعَ َل مَا يُ ْلقِي ال ّ‬‫ِليَ ْ‬
‫‪)53‬‬

‫وما كان هذا الفعل مِنَ الشيطان إل ليجعله ال اختبارًا للذين ف قلوبم شك ونفاق‪ ،‬ولقساة القلوب من‬
‫الشركي الذين ل يؤثّرُ فيهم زجر‪ .‬وإن الظالي مِن هؤلء وأولئك ف عداوة شديدة ل ورسوله‬
‫وخلفٍ للحق بعيد عن الصواب‪.‬‬

‫خبِ تَ لَ هُ قُلُوُبهُ ْم َوِإنّ اللّ هَ َلهَا ِد الّذِي نَ آمَنُوا إِلَى‬


‫وَِليَعَْل َم الّذِي نَ أُوتُوا اْلعِلْ مَ َأنّ ُه الْحَقّ مِ نْ َربّ كَ َفُي ْؤ ِمنُوا بِ هِ َفتُ ْ‬
‫سَتقِيمٍ (‪)54‬‬ ‫ط مُ ْ‬ ‫صِرَا ٍ‬

‫وليعلم أهل العلم الذين يفرقون بعلمهم بي الق والباطل أن القرآن الكري هو الق النازل من عند ال‬
‫عليك أيها الرسول‪ ،‬ل شبهة فيه‪ ،‬ول سبيل للشيطان إليه‪ ،‬فيزداد به إيانم‪ ،‬وتضع له قلوبم‪ .‬وإن ال‬
‫لادي الذين آمنوا به وبرسوله إل طريق الق الواضح‪ ،‬وهو السلم ينقذهم به من الضلل‪.‬‬

‫ب َي ْومٍ َعقِيمٍ (‪)55‬‬


‫وَل يَزَا ُل الّذِينَ َك َفرُوا فِي مِ ْرَي ٍة ِمنْهُ َحتّى َتأِْتَيهُمْ السّا َع ُة َبغَْتةً َأوْ يَ ْأِتيَهُ ْم عَذَا ُ‬

‫‪607‬‬
‫ول يزال الكافرون الكذبون ف شك ما جئتهم به من القرآن إل أن تأتيهم الساعة فجأة‪ ،‬وهم على‬
‫تكذيبهم‪ ،‬أو يأتيهم عذاب يوم ل خي فيه‪ ،‬وهو يوم القيامة‪.‬‬

‫ت الّنعِي مِ (‪ )56‬وَالّذِي نَ َكفَرُوا‬


‫حكُ ُم َبْينَهُ مْ فَالّذِي نَ آمَنُوا َوعَ ِملُوا ال صّالِحَاتِ فِي َجنّا ِ‬
‫ك َي ْو َمئِذٍ ِللّ ِه يَ ْ‬
‫الْمُلْ ُ‬
‫ب ُمهِيٌ (‪)57‬‬ ‫وَكَ ّذبُوا بِآيَاِتنَا َفُأوْلَئِكَ َلهُ ْم عَذَا ٌ‬

‫الُلك والسلطان ف هذا اليوم ل وحده‪ ،‬وهو سبحانه يقضي بي الؤمني والكافرين‪ .‬فالذين آمنوا بال‬
‫ورسوله وعملوا العمال الصالة‪ ،‬لم النعيم الدائم ف النات‪ .‬والذين جحدوا وحدانية ال وكذبوا‬
‫رسوله وأنكروا آيات القرآن‪ ،‬فأولئك لم عذاب يزيهم ويهينهم ف جهنم‪.‬‬

‫وَالّذِي َن هَاجَرُوا فِي َسبِيلِ اللّ هِ ثُمّ ُقتِلُوا َأوْ مَاتُوا َليَ ْرزَُقّنهُ مْ اللّ هُ رِزْقا حَ سَنا َوإِنّ اللّ هَ َل ُهوَ َخيْرُ الرّازِقِيَ (‬
‫‪)58‬‬

‫والذين خرجوا من ديارهم طلبًا لرضا ال‪ ،‬ونصرة لدينه‪ ،‬من قُتل منهم وهو ياهد الكفار‪ ،‬ومن مات‬
‫منهم مِن غي قتال‪ ،‬لَيزَقنّهم ال النة ونعيمها الذي ل ينقطع ول يزول‪ ،‬وإن ال سبحانه وتعال لو خي‬
‫الرازقي‪.‬‬

‫ض ْونَهُ َوِإنّ اللّهَ َلعَلِيمٌ َحلِيمٌ (‪)59‬‬


‫ل يَرْ َ‬
‫َليُدْخَِلّنهُ ْم مُ ْد َخ ً‬

‫ليُدخلنّهم ال الُدْخل الذي يبونه وهو النة‪ .‬وإن ال لَعليم بن يرج ف سبيله‪ ،‬ومن يرج طلبًا للدنيا‪،‬‬
‫حليم عمن عصاه‪ ،‬فل يعاجلهم بالعقوبة‪.‬‬

‫ك َومَ ْن عَاَقبَ بِ ِمثْلِ مَا عُوِقبَ بِهِ ثُ ّم ُب ِغيَ عََليْهِ َليَنصُ َرنّهُ اللّهُ ِإنّ اللّهَ َل َعفُ ّو َغفُورٌ (‪)60‬‬
‫ذَلِ َ‬

‫ذلك المر الذي قصصنا عليك من إدخال الهاجرين النة‪ ،‬ومن اعتُدِي عليه وظُلم فقد أُذِن له أن يقابل‬
‫الان بثل فعلته‪ ،‬ول حرج عليه‪ ،‬فإذا عاد الان إل إيذائه وبغى‪ ،‬فإن ال ينصر الظلوم العتدى عليه; إذ‬

‫‪608‬‬
‫ل يوز أن ُي ْعتَدى عليه بسبب انتصافه لنفسه‪ .‬إن ال لعفوٌ غفور‪ ،‬يعفو عن الذنبي فل يعاجلهم‬
‫بالعقوبة‪ ,‬ويغفر ذنوبم‪.‬‬

‫ك ِبَأنّ اللّ َه يُولِجُ الّليْلَ فِي الّنهَا ِر َويُولِ ُج الّنهَارَ فِي الّليْ ِل َوأَنّ اللّ َه سَمِي ٌع َبصِيٌ (‪)61‬‬
‫ذَلِ َ‬

‫ذلك الذي شرع لكم تلك الحكام العادلة هو الق‪ ،‬وهو القادر على ما يشاء‪ ,‬ومِن قدرته أنه يدخل ما‬
‫ينقص من ساعات الليل ف ساعات النهار‪ ،‬ويدخل ما انتقص من ساعات النهار ف ساعات الليل‪ ،‬وأن‬
‫ال سيع لكل صوت‪ ،‬بصي بكل فعل‪ ،‬ل يفى عليه شيء‪.‬‬

‫ك ِبَأنّ اللّ َه ُه َو الْحَ ّق َوَأنّ مَا يَ ْدعُو َن مِنْ دُونِهِ ُه َو الْبَاطِ ُل َوأَنّ اللّ َه ُهوَ اْلعَِل ّي الْ َكبِيُ (‪)62‬‬
‫ذَلِ َ‬

‫ذلك بأن ال هو الله الق الذي ل تنبغي العبادة إل له‪ ،‬وأن ما يعبده الشركون من دونه من الصنام‬
‫والنداد هو الباطل الذي ل ينفع ول يضرّ‪ ،‬وأن ال هو العليّ على خلقه ذاتًا وقدرًا وقهرًا‪ ،‬التعال عن‬
‫الشباه والنداد‪ ،‬الكبي ف ذاته وأسائه فهو أكب من ك ّل شيء‪.‬‬

‫خضَ ّرةً ِإنّ اللّهَ لَطِيفٌ َخبِيٌ (‪)63‬‬


‫ض مُ ْ‬
‫أَلَ ْم تَرَى َأنّ اللّهَ أَن َز َل مِنْ السّمَا ِء مَاءً َفُتصْبِ ُح الَ ْر ُ‬

‫أل ترَ‪ -‬أيها النب‪ -‬أن ال أنزل من السماء مطرًا‪ ،‬فتصبح الرض مضرة با ينبت فيها من النبات؟ إن ال‬
‫لطيف بعباده باستخراج النبات من الرض بذلك الاء‪ ،‬خبي بصالهم‪.‬‬

‫ض َوإِنّ اللّهَ َل ُهوَ اْل َغنِ ّي الْحَمِيدُ (‪)64‬‬


‫ت َومَا فِي الَ ْر ِ‬
‫لَ ُه مَا فِي السّ َموَا ِ‬

‫ل سبحانه وتعال ما ف السموات والرض خلقًا وملكًا وعبودية‪ ،‬كلّ متاج إل تدبيه وإفضاله‪ .‬إن ال‬
‫لو الغن الذي ل يتاج إل شيء‪ ،‬الحمود ف كل حال‪.‬‬

‫ك ال سّمَاءَ أَ نْ َتقَ َع عَلَى‬


‫ح ِر بَِأمْرِ ِه َويُمْ سِ ُ‬
‫جرِي فِي اْلبَ ْ‬
‫ك تَ ْ‬
‫أَلَ ْم تَرَى َأنّ اللّ هَ سَخّرَ َلكُ ْم مَا فِي الَرْ ضِ وَاْلفُلْ َ‬
‫الَ ْرضِ إِ ّل بِإِ ْذنِهِ ِإنّ اللّ َه بِالنّاسِ لَرَءُوفٌ َرحِيمٌ (‪)65‬‬

‫‪609‬‬
‫أل تر أن ال تعال ذلّل لكم ما ف الرض من الدواب والبهائم والزروع والثمار والماد لركوبكم‬
‫وطعامكم وكل منافعكم‪ ،‬كما ذلّل لكم السفن تري ف البحر بقدرته وأمره فتحملكم مع أمتعتكم إل‬
‫حيث تشاؤون من البلد والماكن‪ ،‬وهو الذي يسك السماء فيحفظها؛ حت ل تقع على الرض فيهلك‬
‫مَن عليها إل بإذنه سبحانه بذلك؟ إن ال بالناس لرؤوف رحيم فيما سخر لم من هذه الشياء وغيها؛‬
‫تفضل منه عليهم‪.‬‬

‫حيِيكُمْ ِإنّ الِنسَانَ َل َكفُورٌ (‪)66‬‬


‫َو ُهوَ الّذِي أَ ْحيَاكُ ْم ثُ ّم يُمِيُتكُ ْم ثُ ّم يُ ْ‬

‫وهو ال تعال الذي أحياكم بأن أوجدكم من العدم‪ ،‬ث ييتكم عند انقضاء أعماركم‪ ،‬ث يييكم بالبعث‬
‫لحاسبتكم على أعمالكم‪ .‬إن النسان لَجحود لا ظهر من اليات الدالة على قدرة ال ووحدانيته‪.‬‬

‫ستَقِيمٍ (‬
‫ِلكُلّ ُأ ّمةٍ َج َع ْلنَا مَن سَكا هُ مْ نَا سِكُوهُ فَل ُينَا ِزعُنّ كَ فِي الَمْ ِر وَادْ عُ إِلَى َربّ كَ ِإنّ كَ َلعَلَى هُدًى مُ ْ‬
‫‪)67‬‬

‫لكل أمة من المم الاضية جعلنا شريعة وعبادة أمرناهم با‪ ،‬فهم عاملون با‪ ،‬فل ينازعنك‪ -‬أيها‬
‫الرسول‪ -‬مشركو قريش ف شريعتك‪ ،‬وما أمرك ال به ف الناسك وأنواع العبادات كلها‪ ,‬وادع إل‬
‫توحيد ربك وإخلص العبادة له واتباع أمره‪ ,‬إنك لعلى دين قوي‪ ،‬ل اعوجاج فيه‪.‬‬

‫َوإِنْ جَادَلُوكَ َفقُلْ اللّهُ َأعْلَمُ بِمَا َتعْمَلُونَ (‪)68‬‬

‫وإن أصرّوا على مادلتك بالباطل فيما تدعوهم إليه فل تادلم‪ ،‬بل قل لم‪ :‬ال أعلم با تعملونه من‬
‫الكفر والتكذيب‪ ،‬فهم معاندون مكابرون‪.‬‬

‫ختَِلفُونَ (‪)69‬‬
‫حكُ ُم َبيَْنكُ ْم َي ْومَ اْل ِقيَامَةِ فِيمَا ُكْنتُمْ فِيهِ تَ ْ‬
‫اللّ ُه يَ ْ‬

‫ال تعال يكم بي السلمي والكافرين يوم القيامة ف أمر اختلفهم ف الدين‪ .‬وف هذه الية أدب حسن‬
‫ف الرد على مَن جادل تعنتًا واستكبارًا‪.‬‬

‫‪610‬‬
‫ك عَلَى اللّ ِه يَسِيٌ (‪)70‬‬
‫أَلَ ْم َتعْلَمْ َأنّ اللّ َه َيعَْل ُم مَا فِي السّمَا ِء وَالَ ْرضِ إِنّ ذَلِكَ فِي ِكتَابٍ ِإنّ ذَلِ َ‬

‫أل تعلم‪ -‬أيها النب‪ -‬أن ال يعلم ما ف السماء والرض علما كامل قد أثبته ف اللوح الحفوظ؟ إن‬
‫ذلك العلم أمر سهل على ال‪ ،‬الذي ل يعجزه شيء‪.‬‬

‫ي مِ ْن َنصِيٍ (‪)71‬‬
‫َوَيعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّ ِه مَا َل ْم ُينَزّ ْل بِ ِه سُلْطَانا َومَا َلْيسَ َلهُ ْم بِ ِه عِلْمٌ َومَا لِلظّالِ ِم َ‬

‫ويصر كفار قريش على الشرك بال مع ظهور بطلن ما هم عليه‪ ،‬فهم يعبدون آلة‪ ،‬ل َينْزِل ف كتاب‬
‫مِن كتب ال برهان بأنا تصلح للعبادة‪ ،‬ول علم لم فيما اختلقوه‪ ،‬وافتروه على ال‪ ،‬وإنا هو أمر اتبعوا‬
‫فيه آباءَهم بل دليل‪ .‬فإذا جاء وقت الساب ف الخرة فليس للمشركي ناصر ينصرهم‪ ،‬أو يدفع عنهم‬
‫العذاب‪.‬‬

‫ت َتعْرِفُ فِي وُجُو ِه الّذِينَ َكفَرُوا الْ ُمنْكَ َر َيكَادُو َن يَسْطُو َن بِالّذِي َن َيتْلُو َن عََلْيهِمْ‬ ‫َوإِذَا تُتْلَى عََلْيهِ ْم آيَاُتنَا َبّينَا ٍ‬
‫س الْ َمصِيُ (‪)72‬‬ ‫آيَاتِنَا قُلْ أََفُأنَّبُئكُمْ بِشَ ّر مِنْ ذَِلكُ ْم النّا ُر َوعَ َدهَا اللّ ُه الّذِينَ َكفَرُوا َوبِْئ َ‬

‫وإذا تتلى آيات القرآن الواضحة على هؤلء الشركي ترى الكراهة ظاهرة على وجوههم‪ ،‬يكادون‬
‫يبطشون بالؤمني الذين يدعونم إل ال تعال‪ ،‬ويتلون عليهم آياته‪ .‬قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬أفل‬
‫أخبكم با هو أشد كراهة إليكم من ساع الق ورؤية الداعي إليه؟ النار أعدّها ال للكافرين ف‬
‫الخرة‪ ،‬وبئس الكان الذي يصيون إليه‪.‬‬

‫خُلقُوا ُذبَابا وََلوْ ا ْجتَ َمعُوا لَ ُه َوِإنْ‬


‫ب َمثَلٌ فَا ْستَ ِمعُوا لَهُ ِإنّ الّذِي َن تَ ْدعُو َن مِنْ دُونِ اللّهِ لَ ْن يَ ْ‬
‫ضرِ َ‬
‫يَا َأيّهَا النّاسُ ُ‬
‫ب وَالْمَطْلُوبُ (‪)73‬‬ ‫ضعُفَ الطّالِ ُ‬ ‫ستَنقِذُو ُه ِمنْهُ َ‬ ‫يَسُْلْبهُمْ ال ّذبَابُ َشيْئا ل يَ ْ‬

‫ضرِب مثل فاستمعوا له وتدبروه‪ :‬إن الصنام والنداد الت تعبدونا من دون ال لن تقدر‬
‫يا أيها الناس ُ‬
‫متمعة على َخلْق ذبابة واحدة‪ ،‬فكيف بلق ما هو أكب؟ ول تقدر أن تستخلص ما يسلبه الذباب منها‪،‬‬
‫ضعُفَ الطالب الذي هو العبود من دون ال أن يستنقذ ما‬
‫فهل بعد ذلك مِن عَجْز؟ فهما ضعيفان معًا‪َ :‬‬

‫‪611‬‬
‫ضعُفَ الطلوب الذي هو الذباب‪ ،‬فكيف ُتتّخذ هذه الصنام والنداد آلة‪ ,‬وهي‬
‫أخذه الذباب منه‪ ,‬و َ‬
‫بذا الوان؟‬

‫ي عَزِيزٌ (‪)74‬‬
‫مَا قَدَرُوا اللّهَ حَقّ َقدْ ِرهِ إِنّ اللّهَ َل َقوِ ّ‬

‫هؤلء الشركون ل يعظّموا ال حق تعظيمه‪ ,‬إذ جعلوا له شركاء‪ ،‬وهو القوي الذي خلق كل شيء‪،‬‬
‫العزيز الذي ل يغالَب‪.‬‬

‫اللّ ُه يَ صْ َطفِي مِ ْن الْمَلئِ َكةِ رُ ُسلً َومِ نْ النّا سِ ِإنّ اللّ هَ سَمِي ٌع بَ صِيٌ (‪َ )75‬يعْلَ ُم مَا َبيْ نَ َأيْدِيهِ ْم َومَا َخ ْل َفهُ مْ‬
‫َوإِلَى اللّ ِه تُرْ َج ُع الُمُورُ (‪)76‬‬

‫ال سبحانه وتعال يتار من اللئكة رسل إل أنبيائه‪ ,‬ويتار من الناس رسل لتبليغ رسالته إل اللق‪،‬‬
‫إن ال سيع لقوال عباده‪ ،‬بصي بميع الشياء‪ ،‬وبن يتاره للرسالة مِن خلقه‪ .‬وهو سبحانه يعلم ما بي‬
‫أيدي ملئكته ورسله من قبل أن يلقهم‪ ،‬ويعلم ما هو كائن بعد فنائهم‪ .‬وإل ال وحده ترجع المور‪.‬‬

‫خيْرَ َلعَّلكُ ْم ُتفْلِحُو نَ (‪ )77‬وَجَاهِدُوا فِي‬ ‫جدُوا وَاعْبُدُوا َرّبكُ مْ وَا ْفعَلُوا الْ َ‬
‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ارْ َكعُوا وَا سْ ُ‬
‫ج مِّلةَ َأبِيكُ مْ ِإبْرَاهِي َم ُهوَ سَمّاكُمْ‬
‫اللّ هِ حَقّ ِجهَادِ هِ ُهوَ ا ْجَتبَاكُ ْم وَمَا َجعَلَ عََليْكُ مْ فِي الدّي ِن مِ نْ َحرَ ٍ‬
‫ي مِ نْ َقبْ ُل وَفِي هَذَا ِلَيكُو نَ الرّ سُولُ َشهِيدا عََلْيكُ ْم َوتَكُونُوا ُشهَدَاءَ عَلَى النّا سِ َفأَقِيمُوا ال صّلةَ‬ ‫الْمُ سْلِم َ‬
‫وَآتُوا الزّكَاةَ وَاعَْتصِمُوا بِاللّهِ هُ َو َموْلكُمْ َفِنعْمَ الْ َموْلَى َوِنعْمَ الّنصِيُ (‪)78‬‬

‫يا أيها الذين آمنوا بال ورسوله ممد صلى ال عليه وسلم اركعوا واسجدوا ف صلتكم‪ ،‬واعبدوا ربكم‬
‫وحده ل شريك له‪ ,‬وافعلوا الي; لتفلحوا‪ ،‬وجاهدوا أنفسكم‪ ،‬وقوموا قيامًا تامّا بأمر ال‪ ،‬وادعوا اللق‬
‫إل سبيله‪ ،‬وجاهدوا بأموالكم وألسنتكم وأنفسكم‪ ,‬ملصي فيه النية ل عز وجل‪ ،‬مسلمي له قلوبكم‬
‫وجوارحكم‪ ،‬هو اصطفاكم لمل هذا الدين‪ ،‬وقد منّ عليكم بأن جعل شريعتكم سحة‪ ,‬ليس فيها‬
‫تضييق ول تشديد ف تكاليفها وأحكامها‪ ,‬كما كان ف بعض المم قبلكم‪ ,‬هذه اللة السمحة هي ملة‬
‫أبيكم إبراهيم‪ ،‬وقد سَمّاكم ال السلمي مِن قبلُ ف الكتب النلة السابقة‪ ,‬وف هذا القرآن‪ ،‬وقد‬
‫اختصّكم بذا الختيار ; ليكون خات الرسل ممد صلى ال عليه وسلم شاهدًا عليكم بأنه بلّغكم رسالة‬

‫‪612‬‬
‫ربه‪ ,‬وتكونوا شهداء على المم أن رسلهم قد بلّغتهم با أخبكم ال به ف كتابه‪ ،‬فعليكم أن تعرفوا لذه‬
‫النعمة قدرها‪ ،‬فتشكروها‪ ,‬وتافظوا على معال دين ال بأداء الصلة بأركانا وشروطها‪ ,‬وإخراج الزكاة‬
‫الفروضة‪ ,‬وأن تلجؤوا إل ال سبحانه وتعال‪ ,‬وتتوكلوا عليه‪ ,‬فهو نِعْ َم الول لن توله‪ ,‬ونعم النصي لن‬
‫استنصره‪.‬‬

‫‪613‬‬
‫الزء الثامن عشر ‪:‬‬

‫‪ -23‬سورة الؤمنون‬

‫قَدْ أَفَْل َح الْ ُم ْؤمِنُونَ (‪)1‬‬

‫قد فاز الصدّقون بال وبرسوله العاملون بشرعه‪.‬‬

‫الّذِي َن هُمْ فِي صَلِتهِمْ خَا ِشعُونَ (‪)2‬‬

‫غ لا قلوبم‪ ,‬وتسكن جوارحهم‪.‬‬


‫الذين من صفاتم أنم ف صلتم خاشعون‪َ ,‬تفْ ُر ُ‬

‫وَالّذِينَ هُ ْم عَنْ الّل ْغ ِو ُمعْرِضُونَ (‪)3‬‬

‫والذين هم تاركون لكل ما ل خي فيه من القوال والفعال‪.‬‬

‫وَالّذِينَ هُمْ لِلزّكَاةِ فَاعِلُونَ (‪)4‬‬

‫والذين هم مُ َطهّرون لنفوسهم وأموالم بأداء زكاة أموالم على اختلف أجناسها‪.‬‬

‫وَالّذِينَ هُمْ ِل ُفرُو ِجهِمْ حَاِفظُونَ (‪)5‬‬

‫والذين هم لفروجهم حافظون ما حرّم ال من الزن واللواط وكل الفواحش‪.‬‬

‫إِلّ عَلَى أَ ْزوَا ِجهِ ْم أ ْو مَا مََل َكتْ َأيْمَاُنهُمْ فَِإّنهُ ْم َغيْ ُر مَلُومِيَ (‪)6‬‬

‫‪614‬‬
‫إل على زوجاتم أو ما ملكت أيانم من الماء‪ ,‬فل لوم عليهم ول حرج ف جاعهن والستمتاع بن;‬
‫لن ال تعال أحلّهن‪.‬‬

‫فَمَ ْن اْبَتغَى وَرَاءَ ذَلِكَ َفُأوَْلئِكَ هُ ْم اْلعَادُونَ (‪)7‬‬

‫فمن طلب التمتع بغي زوجته أو أمَتِه فهو من الجاوزين اللل إل الرام‪ ,‬وقد عرّض نفسه لعقاب ال‬
‫وسخطه‪.‬‬

‫وَالّذِينَ هُمْ َلمَانَاِتهِ ْم َو َعهْدِهِمْ رَاعُونَ (‪)8‬‬

‫والذين هم حافظون لكل ما اؤتنوا عليه‪ ,‬موفّون بكل عهودهم‪.‬‬

‫صَلوَاِتهِ ْم يُحَافِظُونَ (‪)9‬‬


‫وَالّذِينَ هُ ْم عَلَى َ‬

‫والذين هم يداومون على أداء صلتم ف أوقاتا على هيئتها الشروعة‪ ,‬الواردة عن النب صلى ال عليه‬
‫وسلم‪.‬‬

‫ك هُ ْم اْلوَا ِرثُونَ (‪)10‬‬


‫ُأوْلَئِ َ‬

‫هؤلء الؤمنون هم الوارثون النة‪.‬‬

‫س هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (‪)11‬‬


‫الّذِي َن يَ ِرثُو َن اْلفِرْ َدوْ َ‬

‫الذين يرثون أعلى منازل النة وأوسطها‪ ,‬هم فيها خالدون‪ ,‬ل ينقطع نعيمهم ول يزول‪.‬‬

‫وََلقَدْ خََل ْقنَا الِنسَا َن مِ ْن سُلَلةٍ مِ ْن طِيٍ (‪)12‬‬

‫ولقد خلقنا آدم من طي مأخوذ من جيع الرض‪.‬‬


‫‪615‬‬
‫ثُمّ َجعَ ْلنَا ُه نُ ْط َفةً فِي َقرَارٍ مَكِيٍ (‪)13‬‬

‫ث خلقنا بنيه متناسلي مِن نطفة‪ :‬هي من الرجال ترج من أصلبم‪ ,‬فتستقر متمكنة ف أرحام النساء‪.‬‬

‫س ْونَا اْلعِظَامَ َلحْما ثُمّ أَنشَ ْأنَاهُ خَلْقا‬


‫خَل ْقنَا الْ ُمضْ َغ َة عِظَاما َفكَ َ‬
‫ض َغةً فَ َ‬
‫ثُمّ خََل ْقنَا النّ ْط َفةَ عََل َقةً َفخََل ْقنَا اْلعََل َقةَ مُ ْ‬
‫آخَرَ َفتَبَا َركَ اللّهُ أَحْسَ ُن الْخَاِلقِيَ (‪)14‬‬

‫ث خلقنا النطفة علقة أي‪ :‬دمًا أحر‪ ,‬فخلقنا العلقة بعد أربعي يومًا مضغة أي‪ :‬قطعة لم قَدْر ما يُمْضغ‪,‬‬
‫فخلق نا الض غة اللي نة عظامًا‪ ,‬فك سونا العظام لمًا‪ ,‬ث أنشأناه خلقًا آ خر بن فخ الروح ف يه‪ ,‬فتبارك ال‪,‬‬
‫الذي أحسن كل شيء خلقه‪.‬‬

‫ثُمّ ِإنّكُ ْم َبعْدَ ذَلِكَ لَ َمّيتُونَ (‪)15‬‬

‫ث إنكم أيها البشر بعد أطوار الياة وانقضاء العمار لَميتون‪.‬‬

‫ثُمّ ِإنّكُ ْم َي ْو َم الْ ِقيَا َمةِ ُتْب َعثُونَ (‪)16‬‬

‫ث إنكم بعد الوت وانقضاء الدنيا تُبْعثون يوم القيامة أحياء من قبوركم للحساب والزاء‪.‬‬

‫وََلقَدْ خََل ْقنَا َفوَْقكُ ْم َسبْ َع طَرَائِ َق َومَا ُكنّا عَ ْن الْخَلْ ِق غَافِِليَ (‪)17‬‬

‫ول قد خلق نا فوق كم سبع سوات بعض ها فوق ب عض‪ ,‬و ما ك نا عن اللق غافل ي‪ ,‬فل ُن ْغفِلُ ملوقًا‪ ,‬ول‬
‫ننساه‪.‬‬

‫ب بِهِ َلقَادِرُونَ (‪)18‬‬


‫ض َوِإنّا عَلَى َذهَا ٍ‬
‫َوأَنزَْلنَا مِنْ السّمَا ِء مَا ًء ِبقَدَرٍ َفَأ ْسكَنّاهُ فِي الَ ْر ِ‬

‫‪616‬‬
‫وأنزلنا من السماء ماء بقدر حاجة اللئق‪ ,‬وجعلنا الرض مستقرًا لذا الاء‪ ,‬وإنا على ذَهاب بالاء‬
‫الستقر لَقادرون‪ .‬وف هذا تديد ووعيد للظالي‪.‬‬

‫ت مِ ْن َنخِيلٍ َوأَ ْعنَابٍ َلكُمْ فِيهَا َفوَاكِهُ َكثِ َيةٌ َو ِمْنهَا تَأْكُلُونَ (‪)19‬‬
‫َفأَنشَ ْأنَا َلكُ ْم بِهِ َجنّا ٍ‬

‫فأنشأنا بذا الاء لكم بساتي النخيل والعناب‪ ,‬لكم فيها فواكه كثية النواع والشكال‪ ,‬ومنها‬
‫تأكلون‪.‬‬

‫صبْغٍ لِلكِلِيَ (‪)20‬‬


‫ت بِال ّدهْ ِن وَ ِ‬
‫ج مِ ْن طُو ِر َسْينَاءَ َتْنبُ ُ‬
‫خرُ ُ‬
‫َوشَجَ َر ًة تَ ْ‬

‫وأنشأنا لكم به شجرة الزيتون الت ترج حول جبل طور "سيناء"‪ ,‬يعصر منها الزيت‪ ,‬فيدّهن ويؤتدم‬
‫به‪.‬‬

‫َوإِنّ َلكُمْ فِي ا َلْنعَامِ َل ِعبْ َر ًة نُسقِيكُ ْم مِمّا فِي بُطُوِنهَا وََلكُمْ فِيهَا َمنَافِعُ َكثِ َيةٌ َومِْنهَا َتأْكُلُونَ (‪)21‬‬

‫وإن لكم‪ -‬أيها الناس‪ -‬ف البل والبقر والغنم لَعبة تعتبون بلقها‪ ,‬نسقيكم ما ف بطونا من اللب‪,‬‬
‫ولكم فيها منافع أخرى كثية كالصوف واللود‪ ,‬ونوها‪ ,‬ومنها تأكلون‪.‬‬

‫َوعََلْيهَا َوعَلَى اْلفُلْكِ تُحْمَلُونَ (‪)22‬‬

‫حمَلون‪.‬‬
‫وعلى البل والسفن ف الب والبحر تُ ْ‬

‫وََلقَدْ أَ ْرسَ ْلنَا نُوحا إِلَى َق ْومِهِ َفقَا َل يَا َق ْومِ ا ْعبُدُوا اللّ َه مَا َلكُ ْم مِنْ إِلَ ٍه غَيْ ُرهُ أَفَل تَّتقُونَ (‪)23‬‬

‫ولقد أرسلنا نوحًا إل قومه‪ ,‬بدعوة التوحيد فقال لم‪ :‬اعبدوا ال وحده‪ ,‬ليس لكم من إله يستحق‬
‫العبادة غيه جل وعل‪ ،‬فأخلصوا له العبادة‪ ،‬أفل تشون عذابه؟‬

‫‪617‬‬
‫َفقَا َل الْمَل الّذِي نَ َكفَرُوا مِ نْ َق ْومِ هِ مَا هَذَا إِ ّل بَشَ ٌر ِمثُْلكُ مْ ُيرِيدُ أَ نْ يََت َفضّ َل عََليْكُ ْم وََلوْ شَاءَ اللّ هُ لَنزَلَ‬
‫مَلِئ َكةً مَا سَ ِم ْعنَا ِبهَذَا فِي آبَاِئنَا ا َلوّلِيَ (‪ِ )24‬إ ْن ُهوَ إِلّ رَ ُج ٌل بِهِ ِجّنةٌ َفَت َربّصُوا بِهِ َحتّى ِحيٍ (‪)25‬‬

‫فكذّبه أشراف قومه‪ ,‬وقالوا لعامتهم‪ :‬إنه إنسان مثلكم ل يتميّز عنكم بشيء‪ ,‬ول يريد بقوله إل رئاسة‬
‫وفضل عليكم‪ ،‬ولو شاء ال أن يرسل إلينا رسول لرسله من اللئكة‪ ,‬ما سعنا بثل هذا فيمَن سبقنا من‬
‫س من النون‪ ,‬فانتظروا حت يُفيق‪ ،‬فيترك دعوته‪ ,‬أو يوت‪,‬‬
‫آباء وأجداد‪ .‬وما نوح إل رجل به َم ّ‬
‫فتستريوا منه‪.‬‬

‫قَالَ رَبّ انصُ ْرنِي بِمَا َك ّذبُونِ (‪)26‬‬

‫قال نوح‪ :‬رب انصرن على قومي; بسبب تكذيبهم إياي فيما بلّغتهم من رسالتك‪.‬‬

‫ك ِبَأعُْيِننَا َووَ ْحِينَا فَإِذَا جَاءَ َأمْ ُرنَا وَفَا َر الّتنّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلّ َزوْ َجيْ ِن اْثنَيْنِ‬
‫صنَعْ الْفُلْ َ‬
‫َفَأوْ َحيْنَا إَِليْهِ أَ ْن ا ْ‬
‫َوأَهْلَكَ إِ ّل مَ ْن َسبَ َق عََليْ ِه الْ َقوْ ُل ِمْنهُ ْم وَل ُتخَاطِْبنِي فِي الّذِي َن ظَلَمُوا ِإّنهُ ْم ُمغْرَقُونَ (‪)27‬‬

‫فأوحينا إليه أن اصنع السفينة برأى منا وبأمرنا لك ومعونتنا‪ ,‬وأنت ف حفظنا وكلءتنا‪ ،‬فإذا جاء أمرنا‬
‫بعذاب قومك بالغرق‪ ،‬وبدأ الطوفان‪ ،‬فنبع الاء بقوة من التنور ‪-‬وهو الكان الذي يبز فيه‪ -‬علمة على‬
‫ميء العذاب‪ ,‬فأدخِلْ ف السفينة من كل الحياء ذكرًا وأنثى; ليبقى النسل‪ ،‬وأدخل أهلك إل مَنِ‬
‫استحق العذاب لكفره كزوجتك وابنك‪ ,‬ول تسألن ناة قومك الظالي‪ ،‬فإنم مغرقون ل مالة‪ .‬وف‬
‫هذه الية إثبات صفة العي ل سبحانه با يليق به تعال دون تشبيه ول تكييف‪.‬‬

‫حمْدُ لِلّ ِه الّذِي َنجّانَا مِ ْن الْ َق ْومِ الظّالِمِيَ (‪)28‬‬


‫ك عَلَى اْلفُلْكِ َفقُ ْل الْ َ‬
‫فَإِذَا ا ْستَ َوْيتَ َأْنتَ َومَ ْن َمعَ َ‬

‫فإذا علوت السفينة مستقرًا عليها أنت ومن معك آمني من الغرق‪ ،‬فقل‪ :‬المد ل الذي نّانا من القوم‬
‫الكافرين‪.‬‬

‫وَقُلْ رَبّ أَنزِْلنِي ُمنْزَ ًل ُمبَارَكا َوَأنْتَ َخيْ ُر الْمُنِلِيَ (‪)29‬‬

‫‪618‬‬
‫وقل‪ :‬رب يسّر ل النول البارك المن‪ ،‬وأنت خي النلي‪ .‬وف هذا تعليم من ال عز وجل لعباده إذا‬
‫نزلوا أن يقولوا هذا‪.‬‬

‫ت َوِإنْ ُكنّا لَ ُمْبتَلِيَ (‪)30‬‬


‫ك ليَا ٍ‬
‫ِإنّ فِي ذَلِ َ‬

‫إن ف إناء الؤمني وإهلك الكافرين لَدللت واضحات على صدق رسل ال فيما جاؤوا به من ال‪،‬‬
‫وإن كنا لختبين المم بإرسال الرسل إليهم قبل وقوع العقوبة بم‪.‬‬

‫ثُمّ أَنشَ ْأنَا مِ ْن َبعْ ِدهِمْ قَرْنا آ َخرِينَ (‪)31‬‬

‫ث أنشأنا من بعد قوم نوح جيل آخر هم قوم عاد‪.‬‬

‫َفأَ ْرسَ ْلنَا فِيهِمْ َرسُولً ِمْنهُمْ َأنْ ا ْعبُدُوا اللّ َه مَا َلكُ ْم مِنْ إِلَ ٍه غَيْ ُرهُ أَفَل تَّتقُونَ (‪)32‬‬

‫فأرسلنا فيهم رسول منهم هو هود عليه السلم‪ ،‬فقال لم‪ :‬اعبدوا ال وحده ليس لكم معبود بق غيه‪،‬‬
‫أفل تافون عقابه إذا عبدت غيه؟‬

‫حيَاةِ ال ّدنْيَا مَا هَذَا إِ ّل بَشَرٌ‬


‫ُمه فِي الْ َ‬
‫ِينه َكفَرُوا وَكَ ّذبُوا بِِلقَاءِ الخِ َر ِة َوَأتْرَ ْفنَاه ْ‬
‫ِهه الّذ َ‬ ‫ِنه َق ْوم ِ‬
‫وَقَا َل الْمَل م ْ‬
‫ب مِمّا تَشْ َربُونَ (‪)33‬‬ ‫ِمثُْلكُمْ يَأْكُ ُل مِمّا َتأْكُلُونَ ِمنْ ُه َويَشْرَ ُ‬

‫وقال الشراف والوجهاء من قومه الذين كفروا بال‪ ,‬وأنكروا الياة الخرة‪ ,‬وأطغاهم ما أُنعم به عليهم‬
‫ف الدنيا من ترف العيش‪ :‬ما هذا الذي يدعوكم إل توحيد ال تعال إل بشر مثلكم يأكل من جنس‬
‫طعامكم‪ ,‬ويشرب من جنس شرابكم‪.‬‬

‫وََلئِنْ أَ َط ْعتُ ْم بَشَرا ِمثَْلكُمْ ِإنّكُمْ إِذا َلخَاسِرُونَ (‪)34‬‬

‫ولئن اتبعتم فردًا مثلكم إنكم إذًا لاسرون بترككم آلتكم واتباعكم إياه‪.‬‬

‫‪619‬‬
‫َأيَعِدُكُمْ أَّنكُمْ إِذَا ِمتّ ْم وَكُنتُ ْم تُرَابا َوعِظَاما َأّنكُ ْم مُخْ َرجُونَ (‪)35‬‬

‫كيف ُتصَدّقون ما َيعِدُكم به من أنكم إذا متّم‪ ،‬وصرت ترابًا وعظامًا مفتتة‪ ،‬تُخْرَجون من قبوركم أحياء؟‬

‫ت َهْيهَاتَ ِلمَا تُوعَدُونَ (‪)36‬‬


‫َهيْهَا َ‬

‫خرَجون أحياء من قبوركم‪.‬‬


‫بعيد حقًا ما توعدون به أيها القوم من أنكم بعد موتكم تُ ْ‬

‫حيَا َومَا َنحْ ُن بِ َمْبعُوثِيَ (‪)37‬‬


‫ت َونَ ْ‬
‫ِإنْ ِهيَ إِلّ َحيَاُتنَا ال ّدنْيَا نَمُو ُ‬

‫ما حياتنا إل ف هذه الدنيا‪ ،‬يوت الباء منا وييا البناء‪ ،‬وما نن بخرجي أحياء مرة أخرى‪.‬‬

‫ِإنْ ُهوَ إِلّ رَجُ ٌل ا ْفتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبا َومَا َنحْنُ لَ ُه بِ ُم ْؤ ِمنِيَ (‪)38‬‬

‫وما هذا الداعي لكم إل اليان إل رجل اختلق على ال كذبًا‪ ,‬ولسنا بصدقي ما قاله لنا‪.‬‬

‫قَالَ رَبّ انصُ ْرنِي بِمَا َك ّذبُونِ (‪)39‬‬

‫فدعا رسولم ربه قائل رب انصرن عليهم بسبب تكذيبهم ل‪.‬‬

‫صبِحُ ّن نَا ِدمِيَ (‪)40‬‬


‫قَا َل عَمّا َقلِيلٍ َليُ ْ‬

‫وقال ال ميبًا لدعوته‪ :‬عمّا قليل ليصبحُنّ نادمي‪ ,‬أي‪ :‬بعد زمن قريب سيصي هؤلء الكذبون نادمي‪.‬‬

‫جعَ ْلنَاهُ ْم ُغثَاءً َفُبعْدا ِل ْل َق ْومِ الظّالِ ِميَ (‪)41‬‬


‫حقّ فَ َ‬
‫ح ُة بِالْ َ‬
‫َفأَخَ َذْتهُ ْم الصّيْ َ‬

‫‪620‬‬
‫ول يلبثوا أن جاءتم صيحة شديدة مع ريح‪ ،‬أهلكهم ال با‪ ،‬فماتوا جيعًا‪ ،‬وأصبحوا كغثاء السيل الذي‬
‫يطفو على الاء‪ ،‬فهلكًا لؤلء الظالي وُبعْدًا لم من رحة ال‪ ,‬فليحذر السامعون أن يكذبوا رسولم‪،‬‬
‫فيحل بم ما حل بسابقيهم‪.‬‬

‫ثُمّ أَنشَ ْأنَا مِ ْن َبعْ ِدهِمْ قُرُونا آخَرِينَ (‪)42‬‬

‫ث أنشأنا من بعد هؤلء الكذبي أمًا وخلئق آخرين كأقوام‪ :‬لوط وشعيب وأيوب ويونس صلوات ال‬
‫وسلمه عليهم أجعي‪.‬‬

‫سَتأْخِرُونَ (‪)43‬‬
‫سبِقُ مِنْ ُأ ّمةٍ أَجََلهَا َومَا يَ ْ‬
‫مَا تَ ْ‬

‫ما تتقدم أي أمة من هذه المم الكذبة الوقت الحدد للكها‪ ،‬ول تتأخر عنه‪.‬‬

‫ضهُ ْم َبعْضا وَ َج َع ْلنَاهُ مْ أَحَادِي ثَ َفُبعْدا‬


‫ثُمّ أَرْ سَ ْلنَا رُ سَُلنَا تَتْرَى كُ ّل مَا جَاءَ ُأ ّمةً رَ سُوُلهَا َك ّذبُو هُ َفَأْتبَ ْعنَا َب ْع َ‬
‫ِل َقوْ ٍم ل ُي ْؤمِنُونَ (‪)44‬‬

‫ث أرسلنا رسلنا إل تلك المم يتبع بعضهم بعضًا‪ ،‬كلما دعا رسول أمته كذبوه‪ ,‬فأتبعنا بعضهم بعضًا‬
‫باللك والدمار‪ ،‬ول َيبْقَ إل أخبار هلكهم‪ ،‬وجعلناها أحاديث لن بعدهم‪ ,‬يتخذونا عبة‪ ،‬فهلكًا‬
‫حقًا لقوم ل يصدقون الرسل ول يطيعونم‪.‬‬‫وسُ ْ‬

‫ثُمّ أَرْ سَ ْلنَا مُو سَى َوأَخَا هُ هَارُو نَ بِآيَاِتنَا وَ سُ ْلطَانٍ ُمبِيٍ (‪ )45‬إِلَى ِف ْر َعوْ نَ َومََلئِ هِ فَا ْستَ ْكبَرُوا وَكَانُوا َقوْما‬
‫عَالِيَ (‪)46‬‬

‫ث أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا التسع وهي‪ :‬العصا واليد والراد والقُمّل والضفادع والدم‬
‫والطوفان والسنون ونقص من الثمرات‪ ,‬حج ًة بيّنة تقهر القلوب فتنقاد لا قلوب الؤمني‪ ,‬وتقوم الجة‬
‫على العاندين‪ ,‬أرسلناها إل فرعون حاكم "مصر" وأشراف قومه‪ ،‬فاستكبوا عن اليان بوسى وأخيه‪،‬‬
‫وكانوا قومًا متطاولي على الناس قاهرين لم بالظلم‪.‬‬

‫‪621‬‬
‫َفقَالُوا َأُن ْؤمِنُ ِلبَشَ َريْ ِن ِمثِْلنَا وََق ْو ُمهُمَا َلنَا عَابِدُونَ (‪)47‬‬

‫فقالوا‪ :‬أنصدّق َفرْ َديْن مثلنا‪ ،‬وقومهما من بن إسرائيل تت إمرتنا مطيعون متذللون لنا؟‬

‫َفكَ ّذبُوهُمَا َفكَانُوا مِ ْن الْ ُمهَْلكِيَ (‪)48‬‬

‫فكذبوها فيما جاءا به‪ ،‬فكانوا من الهلكي بالغرق ف البحر‪.‬‬

‫وََلقَ ْد آتَْينَا مُوسَى الْ ِكتَابَ َلعَّلهُ ْم َي ْهتَدُونَ (‪)49‬‬

‫ولقد آتينا موسى التوراة؛ ليهتدي با قومه إل الق‪.‬‬

‫وَ َجعَ ْلنَا ابْنَ مَ ْريَ َم َوُأمّهُ آَي ًة وَآ َويْنَاهُمَا إِلَى َرْبوَةٍ ذَاتِ قَرَا ٍر َو َمعِيٍ (‪)50‬‬

‫وجعلنا عيسى بن مري وأمه علمة دالة على قدرتنا؛ إذ خلقناه من غي أب‪ ،‬وجعلنا لما مأوى ف مكان‬
‫مرتفع من الرض‪ ،‬متس ٍو للستقرار عليه‪ ،‬فيه خصوبة وماء جار ظاهر للعيون‪.‬‬

‫يَا َأيّهَا ال ّرسُلُ كُلُوا مِنْ ال ّطّيبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحا ِإنّي بِمَا َتعْ َملُو َن عَلِيمٌ (‪)51‬‬

‫يا أيها الرسل كلوا من طيب الرزق اللل‪ ،‬واعملوا العمال الصالة‪ ,‬إن با تعملون عليم‪ ,‬ل يفى‬
‫عليّ شيء من أعمالكم‪ .‬والطاب ف الية عام للرسل‪ -‬عليهم السلم‪ -‬وأتباعهم‪ ،‬وف الية دليل على‬
‫أن أكل اللل عون على العمل الصال‪ ،‬وأن عاقبة الرام وخيمة‪ ,‬ومنها رد الدعاء‪.‬‬

‫َوإِ ّن هَ ِذهِ ُأمُّتكُمْ ُأ ّمةً وَاحِ َد ًة َوَأنَا َربّكُمْ فَاّتقُونِ (‪)52‬‬

‫وإنّ دينكم‪ -‬يا معشر النبياء‪ -‬دين واحد وهو السلم‪ ,‬وأنا ربكم فاتقون بامتثال أوامري واجتناب‬
‫زواجري‪.‬‬

‫‪622‬‬
‫ب بِمَا لَ َدْيهِمْ فَ ِرحُونَ (‪)53‬‬
‫َفَتقَ ّطعُوا َأمْ َرهُ ْم َبيَْنهُمْ ُزبُرا كُلّ حِزْ ٍ‬

‫فتفرّق التباع ف الدين إل أحزاب وشيع‪ ،‬جعلوا دينهم أديانًا بعدما أُمروا بالجتماع‪ ،‬كل حزب‬
‫معجب برأيه زاعم أنه على الق وغيه على الباطل‪ .‬وف هذا تذير من التحزب والتفرق ف الدين‪.‬‬

‫فَذَ ْرهُمْ فِي غَمْ َرِتهِمْ َحتّى ِحيٍ (‪)54‬‬

‫فاتركهم ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬ف ضللتهم وجهلهم بالق إل أن ينل العذاب بم‪.‬‬

‫شعُرُونَ (‪)56‬‬
‫خْيرَاتِ بَل ل يَ ْ‬
‫سبُونَ َأنّمَا نُمِ ّدهُ ْم بِ ِه مِ ْن مَا ٍل َوَبنِيَ (‪ )55‬نُسَا ِرعُ َلهُمْ فِي الْ َ‬
‫َأيَحْ َ‬

‫أيظن هؤلء الكفار أن ما ندّهم به من أموال وأولد ف الدنيا هو تعجيلُ خيٍ لم يستحقونه؟ إنا نعجل‬
‫لم الي فتنة لم واستدراجًا‪ ,‬ولكنهم ل ُيحِسّون بذلك‪.‬‬

‫ش ِفقُونَ (‪)57‬‬
‫شَيةِ َرّبهِ ْم مُ ْ‬
‫ِإنّ الّذِي َن هُ ْم مِنْ خَ ْ‬

‫إنّ الذين هم من خشية ربم مشفقون وَجِلون ما خوّفهم ال تعال به‪.‬‬

‫وَالّذِينَ هُ ْم بِآيَاتِ َرّبهِ ْم ُي ْؤ ِمنُونَ (‪)58‬‬

‫والذين هم يصدّقون بآيات ال ف القرآن‪ ،‬ويعملون با‪.‬‬

‫شرِكُونَ (‪)59‬‬
‫وَالّذِينَ هُ ْم ِب َرّبهِمْ ل يُ ْ‬

‫والذين هم يلصون العبادة ل وحده‪ ،‬ول يشركون به غيه‪.‬‬

‫وَالّذِينَ ُي ْؤتُو َن مَا آتَوا وَقُلُوُبهُ ْم وَ ِجَلةٌ َأنّهُمْ إِلَى َرّبهِمْ رَا ِجعُونَ (‪)60‬‬

‫‪623‬‬
‫والذين يتهدون ف أعمال الي والب‪ ,‬وقلوبم خائفة أل تُقبل أعمالم‪ ،‬وأل تنجيهم من عذاب ربم إذا‬
‫رجعوا إليه للحساب‪.‬‬

‫خيْرَاتِ وَهُمْ َلهَا سَاِبقُونَ (‪)61‬‬


‫ك يُسَا ِرعُونَ فِي الْ َ‬
‫ُأوْلَئِ َ‬

‫أولئك الجتهدون ف الطاعة‪ ,‬دأبم السارعة إل كل عمل صال‪ ،‬وهم إل اليات سابقون‪.‬‬

‫ح ّق َوهُمْ ل يُ ْظلَمُونَ (‪)62‬‬


‫ف َنفْسا إِ ّل ُوسْ َعهَا وَلَ َدْينَا ِكتَابٌ يَنطِ ُق بِالْ َ‬
‫وَل نُكَلّ ُ‬

‫ول نكلف عبدًا من عبادنا إل با يسعه العمل به‪ ,‬وأعمالم مسطورة عندنا ف كتاب إحصاء العمال‬
‫الذي ترفعه اللئكة ينطق بالق عليهم‪ ،‬ول يُظْلم أحد منهم‪.‬‬

‫ك هُمْ َلهَا عَامِلُونَ (‪)63‬‬


‫بَلْ قُلُوُبهُمْ فِي غَمْ َر ٍة مِ ْن هَذَا وََلهُمْ َأعْمَا ٌل مِنْ دُونِ ذَلِ َ‬

‫لكن قلوب الكفار ف ضلل غامر عن هذا القرآن وما فيه‪ ،‬ولم مع شركهم أعمال سيئة‪ ،‬يُمْهلهم ال‬
‫ليعملوها‪ ،‬فينالوا غضب ال وعقابه‪.‬‬

‫جأَرُونَ (‪)64‬‬
‫َحتّى ِإذَا أَ َخ ْذنَا ُمتْرَفِيهِمْ بِاْلعَذَابِ إِذَا هُ ْم يَ ْ‬

‫حت إذا أخذنا الترفي وأهل البطر منهم بعذابنا‪ ,‬إذا هم يرفعون أصواتم يتضرعون مستغيثي‪.‬‬

‫جأَرُوا اْلَيوْمَ ِإّنكُمْ ِمنّا ل تُنصَرُونَ (‪)65‬‬


‫ل تَ ْ‬

‫فيقال لم‪ :‬ل تصرخوا‪ ،‬ول تستغيثوا اليوم‪ ،‬إنكم ل تستطيعون نصر أنفسكم‪ ،‬ول ينصركم أحد من‬
‫عذاب ال‪.‬‬

‫قَدْ كَاَنتْ آيَاتِي ُتتْلَى عََلْيكُمْ َفكُنتُ ْم عَلَى أَ ْعقَابِكُ ْم تَنكِصُونَ (‪)66‬‬

‫‪624‬‬
‫قد كانت آيات القرآن تُقرأ عليكم؛ لتؤمنوا با‪ ،‬فكنتم تنفرون من ساعها والتصديق با‪ ،‬والعمل با كما‬
‫يفعل الناكص على عقبيه برجوعه إل الوراء‪.‬‬

‫ستَ ْكبِرِي َن بِ ِه سَامِرا َتهْجُرُونَ (‪)67‬‬


‫مُ ْ‬

‫تفعلون ذلك مستكبين على الناس بغي الق بسبب بيت ال الرام‪ ,‬تقولون‪ :‬نن أهله ل ُنغْلَب فيه‪،‬‬
‫وتتسامرون حوله بالسيّئ من القول‪.‬‬

‫ت آبَا َءهُ ْم الَوّلِيَ (‪)68‬‬


‫أَفَلَ ْم يَ ّدبّرُوا اْل َقوْلَ َأمْ جَا َءهُ ْم مَا َل ْم يَأْ ِ‬

‫أفلم يتفكروا ف القرآن فيعرفوا صدقه‪ ،‬أم منعهم من اليان أنه جاءهم رسول وكتاب ل يأت أباءهم‬
‫الولي مثله‪ ،‬فأنكروه وأعرضوا عنه؟‬

‫َأمْ َل ْم َيعْرِفُوا َرسُوَلهُمْ َفهُمْ لَ ُه مُنكِرُونَ (‪)69‬‬

‫أم منعهم من اتباع الق أن رسولم ممدًا صلى ال عليه وسلم غي معروف عندهم‪ ،‬فهم منكرون له؟‬

‫ح ّق َوأَكْثَ ُرهُمْ ِللْحَقّ كَا ِرهُونَ (‪)70‬‬


‫َأمْ َيقُولُو َن بِهِ ِجّن ٌة بَلْ جَا َءهُ ْم بِالْ َ‬

‫بل أحسبوه منونًا؟ لقد كذَبوا؛ فإنا جاءهم بالقرآن والتوحيد والدين الق‪ ,‬وأكثرهم كارهون للحق‬
‫حسدًا وبغيًا‪.‬‬

‫ض َومَ نْ فِيهِنّ بَلْ َأَتْينَاهُ ْم بِذِ ْك ِرهِ مْ َفهُ ْم عَ نْ ذِ ْك ِرهِ مْ‬


‫ت ال سّ َموَاتُ وَالَرْ ُ‬
‫وََلوْ اّتبَ َع الْحَقّ َأ ْهوَا َءهُ مْ َلفَ سَدَ ْ‬
‫ُمعْرِضُونَ (‪)71‬‬

‫ولو شرع ال لم ما يوافق أهواءهم لفسدت السموات والرض ومَن فيهن‪ ،‬بل أتيناهم با فيه عزهم‬
‫وشرفهم‪ ،‬وهو القرآن‪ ،‬فهم عنه معرضون‪.‬‬

‫‪625‬‬
‫سأَُلهُمْ َخرْجا َفخَرَاجُ َربّكَ َخيْ ٌر َو ُهوَ َخْيرُ الرّازِقِيَ (‪)72‬‬
‫َأمْ تَ ْ‬

‫بل َأمَنعهم من اليان أنك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬تسألم أجرًا على دعوتك لم فبخلوا؟ ل تفعل ذلك‪ ،‬فإن‬
‫ما عند ال من الثواب والعطاء خي‪ ،‬وهو خي الرازقي‪ ،‬فل يَقدر أحد أن يَرزق مثل رزقه سبحانه‬
‫وتعال‪.‬‬

‫سَتقِيمٍ (‪)73‬‬
‫ط مُ ْ‬
‫َوِإنّكَ َلتَ ْدعُوهُمْ إِلَى صِرَا ٍ‬

‫وإنك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬لتدعو قومك وغيهم إل دي ٍن قوي‪ ،‬وهو دين السلم‪.‬‬

‫َوإِ ّن الّذِي َن ل ُيؤْ ِمنُو َن بِالخِ َر ِة عَ ْن الصّرَاطِ َلنَاكِبُونَ (‪)74‬‬

‫وإن الذين ل يُصَدّقون بالبعث والساب‪ ،‬ول يعملون لما‪ ،‬عن طريق الدين القوي لائلون إل غيه‪.‬‬

‫ضرّ لََلجّوا فِي ُطغْيَاِنهِ ْم َيعْ َمهُونَ (‪)75‬‬


‫ش ْفنَا مَا ِبهِ ْم مِنْ ُ‬
‫وََلوْ رَحِ ْمنَاهُ ْم وَكَ َ‬

‫ولو رحناهم وكشفنا عنهم ما بم مِن قحط وجوع لَتمادوا ف الكفر والعناد‪ ،‬يتحيّرون ويتخبطون‪.‬‬

‫وََلقَدْ أَخَ ْذنَاهُ ْم بِاْلعَذَابِ َفمَا اسَْتكَانُوا لِ َرّبهِ ْم َومَا َيتَضَ ّرعُونَ (‪)76‬‬

‫ولقد ابتليناهم بصنوف الصائب فما خضعوا لربم‪ ,‬وما دعوه خاشعي عند نزولا‪.‬‬

‫حنَا عََلْيهِ ْم بَابا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ ُمبْلِسُونَ (‪)77‬‬
‫َحتّى ِإذَا َفَت ْ‬

‫حت إذا فتحنا عليهم بابًا من العذاب الشديد ف الخرة‪ ،‬إذا هم فيه آيسون من كل خي‪ ،‬متحيون ل‬
‫يدرون ما يصنعون‪.‬‬

‫‪626‬‬
‫شكُرُونَ (‪)78‬‬
‫شأَ َلكُمْ السّمْ َع وَا َلبْصَا َر وَالَ ْفئِ َدةَ َقلِيلً مَا تَ ْ‬
‫َو ُهوَ الّذِي أَن َ‬

‫وهو الذي أنشأ لكم السمع لدراك السموعات‪ ،‬والبصار لدراك الرئيات‪ ،‬والفئدة لتفقهوا با‪ ,‬ومع‬
‫ذلك فشكركم لذه النعم التوالية عليكم قليل ل يُذْكَر‪.‬‬

‫شرُونَ (‪)79‬‬
‫ض َوإَِليْهِ تُحْ َ‬
‫َو ُهوَ الّذِي ذَ َرأَكُمْ فِي الَ ْر ِ‬

‫وهو الذي خلق جيع الناس ف الرض‪ ،‬وإليه تُحشرون بعد موتكم‪ ،‬فيجازيكم با عملتم من خي أو‬
‫شر‪.‬‬

‫ح ِي َويُمِيتُ وَلَهُ ا ْختِلفُ الّليْلِ وَالّنهَارِ أَفَل َت ْعقِلُونَ (‪)80‬‬


‫َو ُهوَ الّذِي يُ ْ‬

‫وهو وحده الذي ييي من العدم‪ ،‬وييت بعد الياة‪ ,‬وله تعاقب الليل والنهار وتفاوتما‪ ,‬أفل تعقلون‬
‫قدرته ووحدانيته؟‬

‫بَلْ قَالُوا ِمثْ َل مَا قَا َل ا َلوّلُونَ (‪)81‬‬

‫لكن الكفار ل يصدقوا بالبعث‪ ،‬بل ردّدوا مقولة أسلفهم النكرين‪.‬‬

‫قَالُوا َأئِذَا ِمتْنَا وَ ُكنّا ُترَابا َوعِظَاما أَِئنّا لَ َمْبعُوثُونَ (‪)82‬‬

‫قالوا‪ :‬أإذا متنا وتللت أجسامنا وعظامنا ف تراب الرض نيا مرة أُخرى؟ هذا ل يكون ول يُتصور‪.‬‬

‫َلقَ ْد ُوعِ ْدنَا َنحْ ُن وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ َقبْلُ ِإنْ هَذَا إِلّ َأسَاطِيُ ا َلوّلِيَ (‪)83‬‬

‫لقد قيل هذا الكلم لبائنا من قبل‪ ,‬كما تقوله لنا يا ممد‪ ،‬فلم نره حقيقة‪ ,‬ما هذا إل أباطيل الولي‪.‬‬

‫قُلْ لِ َم ْن الَ ْرضُ َومَنْ فِيهَا ِإنْ كُنتُ ْم َتعْلَمُونَ (‪)84‬‬


‫‪627‬‬
‫قل لم‪ :‬لن هذه الرض ومَن فيها إن كان لديكم علم؟‬

‫َسيَقُولُونَ لِلّهِ قُلْ أَفَل تَذَكّرُونَ (‪)85‬‬

‫سيعترفون حتمًا بأنا ل‪ ،‬هو خالقها ومالكها‪ ،‬قل لم‪ :‬أل يكون لكم ف ذلك تذكّر بأنه قادر على‬
‫البعث والنشور؟‬

‫ش اْلعَظِيمِ (‪)86‬‬
‫ب الْعَ ْر ِ‬
‫سبْعِ َورَ ّ‬
‫قُ ْل مَنْ رَبّ السّ َموَاتِ ال ّ‬

‫قل مَن رب السموات السبع ورب العرش العظيم‪ ,‬الذي هو أعظم الخلوقات وأعلها؟‬

‫َسيَقُولُونَ لِلّهِ قُلْ أَفَل َتّتقُونَ (‪)87‬‬

‫سيقولون حتمًا‪ :‬هو ال‪ ،‬فقل لم‪ :‬أفل تافون عذابه إذا عبدت غيه؟‬

‫قُ ْل مَ ْن ِبيَ ِدهِ مََلكُوتُ كُ ّل َشيْ ٍء َو ُهوَ يُجِ ُي وَل يُجَارُ عََليْهِ ِإنْ كُنتُ ْم َتعْلَمُونَ (‪)88‬‬

‫قل ‪ :‬مَن مالك كل شيء ومَن بيده خزائن كل شيء‪ ،‬ومَن يي مَنِ استجار به‪ ،‬ول يقدر أحد أن يُجي‬
‫ويمي مَن أراد ال إهلكه‪ ،‬ول يدفع الشر الذي قدّره ال‪ ،‬إن كنتم تعلمون ذلك؟‬

‫حرُونَ (‪)89‬‬
‫َسيَقُولُونَ لِلّهِ قُلْ َفَأنّا تُسْ َ‬

‫خدَعون وتُصْرفون عن توحيد ال‬


‫سيجيبون‪ :‬بأن ذلك كلّه ل‪ ,‬قل لم‪ :‬كيف تذهب عقولكم وتُ ْ‬
‫وطاعته‪ ،‬وتصديق أمر البعث والنشور؟‬

‫بَلْ َأتَْينَاهُ ْم بِالْحَ ّق َوِإّنهُمْ َلكَا ِذبُونَ (‪)90‬‬

‫‪628‬‬
‫بل أتينا هؤلء النكرين بالق فيما أرسلنا به ممدًا صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وإنم لَكاذبون ف شركهم‬
‫وإنكارهم البعث‪.‬‬

‫مَا اتّخَذَ اللّ ُه مِ ْن وََل ٍد َومَا كَا َن َمعَ ُه مِنْ إِلَهٍ إِذا لَ َذهَبَ كُلّ إِلَهٍ بِمَا َخلَ َق وََلعَل َب ْعضُهُ ْم عَلَى بَعْضٍ ُسبْحَانَ‬
‫اللّ ِه عَمّا َيصِفُونَ (‪)91‬‬

‫ل يعل ال لنفسه ولدًا‪ ،‬ول يكن معه من معبود آخر; لنه لو كان ثة أكثر مِن معبود لنفرد كل معبود‬
‫بخلوقاته‪ ،‬ولكان بينهم مغالبة كشأن ملوك الدنيا‪ ،‬فيخت ّل نظام الكون‪ ،‬تنّه ال سبحانه وتعال وتقدّس‬
‫عن وصفهم له بأن له شريكًا أو ولدًا‪.‬‬

‫شهَا َدةِ َفَتعَالَى عَمّا يُشْرِكُونَ (‪)92‬‬


‫عَالِ ِم اْلغَْيبِ وَال ّ‬

‫هو وحده يعلم ما غاب عن خلقه وما شاهدوه‪ ،‬فتنّه ال تعال عن الشريك الذي يزعمون‪.‬‬

‫جعَ ْلنِي فِي اْلقَ ْومِ الظّالِمِيَ (‪)94‬‬


‫قُلْ رَبّ ِإمّا تُ ِرَينّي مَا يُوعَدُونَ (‪ )93‬رَبّ فَل َت ْ‬

‫قل ‪ -‬أيها الرسول ‪ :-‬ربّ إما ترينّي ف هؤلء الشركي ما َتعِدُهم مِن عذابك فل تلكن با تلكهم به‪،‬‬
‫ونن من عذابك وسخطك‪ ،‬فل تعلن ف القوم الشركي الظالي‪ ،‬ولكن اجعلن من رضيتَ عنهم‪.‬‬

‫ك مَا َنعِ ُدهُمْ َلقَادِرُونَ (‪)95‬‬


‫َوِإنّا عَلَى َأنْ نُ ِريَ َ‬

‫وإننا لَقادرون على أن نريك ما نَعِدُهم من العذاب‪.‬‬

‫صفُونَ (‪)96‬‬
‫سيَّئ َة نَحْنُ َأعْلَ ُم بِمَا يَ ِ‬
‫ادْفَ ْع بِاّلتِي ِهيَ أَحْسَنُ ال ّ‬

‫إذا أساء إليك أعداؤك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬بالقول أو الفعل فل تقابلهم بالساءة‪ ،‬ولكن ادفع إساءتم‬
‫بالحسان منك إليهم‪ ،‬نن أعلم با يصفه هؤلء الشركون من الشرك والتكذيب‪ ،‬وسنجازيهم عليه‬
‫أسوأ الزاء‪.‬‬
‫‪629‬‬
‫ضرُونِ (‪)98‬‬
‫حُ‬‫شيَاطِيِ (‪َ )97‬وَأعُو ُذ بِكَ رَبّ َأنْ يَ ْ‬
‫ك مِ ْن هَمَزَاتِ ال ّ‬
‫وَقُلْ رَبّ َأعُو ُذ بِ َ‬

‫وقل ‪ -‬أيها النب ‪ :-‬رب أستجي بك من إغواء الشياطي ووسوستها‪ ,‬الغرية على الباطل والفساد‬
‫والصد عن الق‪ ،‬وأستجي بك‪ -‬يا رب‪ -‬مِن حضورهم ف شيء من أموري‪.‬‬

‫َحتّى ِإذَا جَاءَ أَحَ َدهُ ْم الْ َموْتُ قَالَ رَبّ ارْ ِجعُونِ (‪)99‬‬

‫يب ال تعال عن حال الحتضر من الكافرين أو الفرطي ف أمره تعال‪ ،‬حت إذا أشرف على الوت‪،‬‬
‫وشاهد ما ُأعِدّ له من العذاب قال‪ :‬رب ردّون إل الدنيا‪.‬‬

‫َلعَلّي أَعْمَلُ صَالِحا فِيمَا َترَكْتُ َكلّ ِإنّهَا كَِل َم ٌة ُهوَ قَائُِلهَا َومِ ْن وَرَاِئهِ ْم بَرْ َزخٌ إِلَى َي ْومِ يُْب َعثُونَ (‪)100‬‬

‫لعلي أستدرك ما ضّيعْتُ من اليان والطاعة‪ .‬ليس له ذلك‪ ،‬فل ياب إل ما طلب ول يُ ْمهَل‪ .‬فإنا هي‬
‫كلمة هو قائلها قول ل ينفعه‪ ،‬وهو فيه غي صادق‪ ،‬فلو ُردّ إل الدنيا لعاد إل ما نُهي عنه‪ ،‬وسيبقى‬
‫التوفّون ف الاجز والبَرْزخ الذي بي الدنيا والخرة إل يوم البعث والنشور‪.‬‬

‫فَإِذَا ُنفِخَ فِي الصّورِ فَل أَنسَابَ َبْيَنهُمْ َيوْ َمئِ ٍذ وَل يَتَسَاءَلُونَ (‪)101‬‬

‫فإذا كان يوم القيامة‪ ،‬ونفخ الَلَك الكلّف ف "القرن"‪ ،‬وُب ِعثَ الناس من قبورهم‪ ،‬فل تَفاخُرَ بالنساب‬
‫حينئذ كما كانوا يفتخرون با ف الدنيا‪ ,‬ول يسأل أحد أحدًا‪.‬‬

‫ك هُ ْم الْ ُمفْلِحُونَ (‪)102‬‬


‫ت َموَازِينُهُ َفُأوْلَئِ َ‬
‫فَمَ ْن َثقَُل ْ‬

‫ت با موازين أعماله عند الساب‪ ،‬فأولئك هم الفائزون بالنة‪.‬‬


‫فمن كثرت حسناته وَثقَُل ْ‬

‫سهُمْ فِي َج َهنّمَ خَاِلدُونَ (‪)103‬‬


‫َومَنْ َخ ّفتْ َموَازِينُهُ َفُأوَْلئِكَ الّذِينَ خَسِرُوا أَنفُ َ‬

‫‪630‬‬
‫ومن قَّلتْ حسناته ف اليزان‪ ،‬ورجحت سيئاته‪ ،‬وأعظمها الشرك‪ ،‬فأولئك هم الذين خابوا وخسروا‬
‫أنفسهم‪ ،‬ف نار جهنم خالدون‪.‬‬

‫تَ ْلفَ ُح وُجُو َههُ ْم النّارُ َوهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (‪)104‬‬

‫ت شفاههم‪ ،‬وبرزت أسنانم‪.‬‬


‫ق النار وجوههم‪ ،‬وهم فيها عابسون َتقَّلصَ ْ‬
‫تَحْر ُ‬

‫أَلَ ْم َتكُنْ آيَاتِي ُتتْلَى عََلْيكُمْ َفكُنتُ ْم ِبهَا تُكَ ّذبُونَ (‪)105‬‬

‫يقال لم‪ :‬أل تكن آيات القرآن تتلى عليكم ف الدنيا‪ ،‬فكنتم با تكذبون؟‬

‫قَالُوا َربّنَا غََلَبتْ عََلْينَا ِش ْقوَُتنَا وَ ُكنّا َقوْما ضَالّيَ (‪)106‬‬

‫لا بلّغتهم رسلهم وأنذرتم قالوا يوم القيامة‪ :‬ربنا غلبت علينا لذاتنا وأهواؤنا القدّرة علينا ف سابق‬
‫علمك‪ ،‬وكنا ف فعلنا ضالي عن الدى‪.‬‬

‫َرّبنَا أَخْرِ ْجنَا ِمْنهَا فَِإنْ عُ ْدنَا فَِإنّا ظَالِمُونَ (‪)107‬‬

‫ربنا أخرجنا من النار‪ ،‬وأعدنا إل الدنيا‪ ،‬فإن رجعنا إل الضلل فإنا ظالون نستحق العقوبة‪.‬‬

‫سئُوا فِيهَا وَل تُكَلّمُونِ (‪)108‬‬


‫قَالَ اخْ َ‬

‫قال ال عز وجل لم‪ :‬امكثوا ف النار أذلء ول تاطبون‪ .‬فانقطع عند ذلك دعاؤهم ورجاؤهم‪.‬‬

‫ِإنّهُ كَانَ فَرِي ٌق مِ ْن ِعبَادِي َيقُولُونَ َرّبنَا آ َمنّا فَا ْغفِرْ َلنَا وَارْحَ ْمنَا َوَأنْتَ َخْيرُ الرّاحِمِيَ (‪)109‬‬

‫إنه كان فريق من عبادي‪ -‬وهم الؤمنون‪ -‬يَدْعون‪ :‬ربنا آمنا فاستر ذنوبنا‪ ،‬وارحنا‪ ،‬وأنت خي الراحي‪.‬‬

‫‪631‬‬
‫حكُونَ (‪)110‬‬
‫سوْكُمْ ذِ ْكرِي وَكُنتُ ْم ِمْنهُ ْم َتضْ َ‬
‫خ ِريّا َحتّى أَن َ‬
‫فَاتّخَ ْذتُمُوهُ ْم سِ ْ‬

‫فاشتغلتم بالستهزاء بم حت نسيتم ذكر ال‪ ,‬فبقيتم على تكذيبكم‪ ،‬وقد كنتم تضحكون منهم سخرية‬
‫واستهزاء‪.‬‬

‫صَبرُوا َأّنهُ ْم هُ ْم الْفَائِزُونَ (‪)111‬‬


‫ِإنّي َج َزْيتُهُ ْم اْلَي ْومَ بِمَا َ‬

‫إن جزيت هذا الفريق من عبادي الؤمني الفوز بالنة؛ بسبب صبهم على الذى وطاعة ال‪.‬‬

‫ض عَدَ َد ِسنِيَ (‪)112‬‬


‫قَالَ كَمْ َلِبْثتُمْ فِي الَ ْر ِ‬

‫ويُسْأ ُل الشقياء ف النار‪ :‬كم بقيتم ف الدنيا من السني؟ وكم ضيّعتم فيها من طاعة ال؟‬

‫قَالُوا َلِبْثنَا َيوْما َأوْ َب ْعضَ َيوْمٍ فَا ْسأَ ْل الْعَادّينَ (‪)113‬‬

‫قالوا لِهول الوقف وشدة العذاب‪ :‬بقينا فيها يومًا أو بعض يوم‪ ،‬فاسأل الُسّاب الذين يعدّون الشهور‬
‫واليام‪.‬‬

‫قَالَ ِإنْ َلبِْثتُمْ إِلّ قَلِيلً َلوْ َأّنكُمْ كُنتُ ْم َتعْلَمُونَ (‪)114‬‬

‫قال لم‪ :‬ما لبثتم إل وقتًا قليل لو صبت فيه على طاعة ال لفزت بالنة‪ ،‬لو كان عندكم علم بذلك؛‬
‫وذلك لن مدة مكثهم ف الدنيا قليلة جدا بالنسبة إل طول مدتم خالدين ف النار‪.‬‬

‫سْبتُمْ َأنّمَا خََل ْقنَاكُ ْم َعبَثا َوَأّنكُمْ إَِلْينَا ل تُرْ َجعُونَ (‪)115‬‬
‫أَفَحَ ِ‬

‫أفحسبتم‪ -‬أيها اللق‪ -‬أنا خلقناكم مهملي‪ ,‬ل أمر ول ني ول ثواب ول عقاب‪ ،‬وأنكم إلينا ل‬
‫ترجعون ف الخرة للحساب والزاء؟‬

‫‪632‬‬
‫ش اْلكَ ِريِ (‪)116‬‬
‫ب الْعَ ْر ِ‬
‫ك الْحَقّ ل إِلَهَ إِ ّل ُهوَ رَ ّ‬
‫َفَتعَالَى اللّ ُه الْمَلِ ُ‬

‫فتعال ال اللك التصرف ف كل شيء‪ ،‬الذي هو حق‪ ،‬ووعده حق‪ ،‬ووعيده حق‪ ،‬وكل شيء منه حق‪،‬‬
‫وتَقَدّس عن أن يلق شيئًا عبثًا أو سفهًا‪ ،‬ل إله غيه ربّ العرشِ الكريِ‪ ،‬الذي هو أعظم الخلوقات‪.‬‬

‫َومَ ْن يَ ْدعُ مَعَ اللّهِ إِلَها آخَ َر ل بُ ْرهَانَ لَ ُه بِهِ فَِإنّمَا حِسَابُ ُه عِنْدَ َربّهِ ِإنّ ُه ل ُيفْلِ ُح اْلكَافِرُونَ (‪)117‬‬

‫ومن يعبد مع ال الواحد إلًا آخر‪ ،‬ل حجة له على استحقاقه العبادة‪ ،‬فإنا جزاؤه على عمله السيّئ عند‬
‫ربه ف الخرة‪ .‬إنه ل فلح ول ناة للكافرين يوم القيامة‪.‬‬

‫ب ا ْغفِ ْر وَارْحَ ْم َوَأْنتَ َخْيرُ الرّاحِمِيَ (‪)118‬‬


‫وَقُلْ رَ ّ‬

‫وقل‪ -‬أيها النب‪ :-‬ربّ تاوَ ْز عن الذنوب وارحم؛ وأنت خي من رحم ذا ذنب‪ ،‬فقبل توبته ول يعاقبه‬
‫على ذنبه‪.‬‬

‫‪ -24‬سورة النييور‬

‫ضنَاهَا َوأَنزَْلنَا فِيهَا آيَاتٍ َبّينَاتٍ َلعَّلكُ ْم تَذَكّرُونَ (‪)1‬‬


‫سُو َرةٌ أَنزَْلنَاهَا وَفَرَ ْ‬

‫هذه سورة عظيمة من القرآن أنزلناها‪ ,‬وأوجبنا العمل بأحكامها‪ ,‬وأنزلنا فيها دللت واضحات؛‬
‫لتتذكروا‪ -‬أيها الؤمنون‪ -‬بذه اليات البينات‪ ,‬وتعملوا با‪.‬‬

‫الزّانَِي ُة وَالزّانِي فَاجِْلدُوا كُ ّل وَاحِ ٍد ِمْنهُمَا مِاَئةَ جَ ْل َدةٍ وَل َتأْخُذْكُ ْم ِبهِمَا َرأَْفةٌ فِي دِينِ اللّهِ إِنْ كُنتُمْ ُت ْؤ ِمنُونَ‬
‫شهَدْ عَذَاَبهُمَا طَاِئفَ ٌة مِ ْن الْ ُم ْؤ ِمنِيَ (‪)2‬‬
‫بِاللّ ِه وَالَْي ْومِ ال ِخ ِر وَْليَ ْ‬

‫‪633‬‬
‫الزانية والزان اللذان ل يسبق لما الزواج‪ ,‬عقوبةُ كل منهما مائة جلدة بالسوط‪ ,‬وثبت ف السنة مع هذا‬
‫اللد التغريب لدة عام‪ .‬ول تملكم الرأفة بما على ترك العقوبة أو تفيفها‪ ,‬إن كنتم مصدقي بال‬
‫واليوم الخر عاملي بأحكام السلم‪ ،‬وليحضر العقوبةَ عدد من الؤمني; تشنيعًا وزجرًا وعظة واعتبارًا‪.‬‬

‫ك عَلَى الْ ُم ْؤ ِمنِيَ (‪)3‬‬


‫ش ِركٌ وَ ُح ّرمَ ذَلِ َ‬
‫حهَا إِلّ زَانٍ َأوْ مُ ْ‬
‫شرِ َكةً وَالزّاِنَيةُ ل يَنكِ ُ‬
‫الزّانِي ل يَنكِحُ إلّ زَانَِيةً َأوْ مُ ْ‬

‫الزان ل يرضى إل بنكاح زانية أو مشركة ل ُتقِرّ برمة الزن‪ ،‬والزانية ل ترضى إل بنكاح زان أو‬
‫مشرك ل يُقِرّ برمة الزن‪ ,‬أما العفيفون والعفيفات فإنم ل يرضون بذلك‪ ،‬وحُرّم ذلك النكاح على‬
‫الؤمني‪ .‬وهذا دليل صريح على تري نكاح الزانية حت تتوب‪ ,‬وكذلك تري إنكاح الزان حت يتوب‪.‬‬

‫ت ثُمّ لَ ْم َيأْتُوا ِبأَ ْرَب َعةِ ُشهَدَاءَ فَا ْجلِدُوهُ ْم ثَمَانِيَ جَلْ َد ًة وَل َتقْبَلُوا َلهُ ْم َشهَا َدةً َأبَدا‬
‫صنَا ِ‬
‫وَالّذِينَ َي ْرمُو َن الْمُحْ َ‬
‫ك هُ ْم اْلفَا ِسقُونَ (‪)4‬‬ ‫َوُأوْلَئِ َ‬

‫والذين يتهمون بالفاحشة أنفسًا عفيفة من النساء والرجال مِن دون أن يشهد معهم أربعة شهود عدول‪,‬‬
‫فاجلدوهم بالسوط ثاني جلدة‪ ,‬ول تقبلوا لم شهادة أبدًا‪ ,‬وأولئك هم الارجون عن طاعة ال‪.‬‬

‫ك َوأَصْلَحُوا فَِإنّ اللّ َه َغفُورٌ رَحِيمٌ (‪)5‬‬


‫إِلّ الّذِي َن تَابُوا مِ ْن َبعْدِ ذَلِ َ‬

‫لكن مَن تاب ونَدم ورجع عن اتامه وأصلح عمله‪ ,‬فإن ال يغفر ذنبه ويرحه‪ ,‬ويقبل توبته‪.‬‬

‫ت بِاللّ هِ ِإنّ هُ َلمِ نْ‬


‫شهَا َدةُ أَحَ ِدهِ مْ أَ ْربَ ُع َشهَادَا ٍ‬
‫سهُمْ فَ َ‬
‫وَالّذِي َن يَ ْرمُو نَ أَ ْزوَا َجهُ ْم وَلَ ْم َيكُ نْ َلهُ ْم ُشهَدَاءُ إِلّ أَنفُ ُ‬
‫سةُ َأنّ َل ْعَنةَ اللّ ِه عََليْهِ ِإنْ كَا َن مِ ْن الْكَا ِذِبيَ (‪)7‬‬
‫الصّادِِقيَ (‪ )6‬وَالْخَامِ َ‬

‫والذين يرمون زوجاتم بالزن‪ ,‬ول يكن لم شهداء على اتامهم لنّ إل أنفسهم‪ ,‬فعلى الواحد منهم أن‬
‫يشهد أمام القاضي أربع مرات بقوله‪ :‬أشهد بال أن صادق فيما رميتها به من الزن‪ ,‬ويزيد ف الشهادة‬
‫الامسة الدعوة على نفسه باستحقاقه لعنة ال إن كان كاذبًا ف قوله‪.‬‬

‫‪634‬‬
‫سةَ َأنّ َغضَبَ اللّ ِه عََلْيهَا‬
‫ت بِاللّهِ إِنّهُ لَمِ ْن الْكَا ِذبِيَ (‪ )8‬وَالْخَامِ َ‬
‫شهَدَ أَ ْربَعَ َشهَادَا ٍ‬
‫َويَدْ َرُأ عَْنهَا اْلعَذَابَ أَ ْن تَ ْ‬
‫إِنْ كَانَ مِ ْن الصّادِِقيَ (‪)9‬‬

‫وبشهادته تستوجب الزوجة عقوبة الزن‪ ،‬وهي الرجم حت الوت‪ ،‬ول يدفع عنها هذه العقوبة إل أن‬
‫تشهد ف مقابل شهادته أربع شهادات بال إنه لكاذب ف اتامه لا بالزن‪ ،‬وتزيد ف الشهادة الامسة‬
‫الدعوة على نفسها باستحقاقها غضب ال‪ ،‬إن كان زوجها صادقًا ف اتامه لا‪ ،‬وف هذه الال يفرق‬
‫بينهما‪.‬‬

‫وََلوْل َفضْلُ اللّ ِه عََلْيكُ ْم وَرَ ْح َمتُهُ َوَأنّ اللّ َه َتوّابٌ َحكِيمٌ (‪)10‬‬

‫ولول تفضّل ال عليكم ورحته‪ -‬أيها الؤمنون‪ -‬بذا التشريع للزواج والزوجات‪ ،‬لحلّ بالكاذب من‬
‫التلعني ما دعا به على نفسه‪ ،‬وأن ال تواب لن تاب مِن عباده‪ ،‬حكيم ف شرعه وتدبيه‪.‬‬

‫ئ ِمْنهُ ْم مَا اكْتَسَبَ‬


‫سبُوهُ شَرّا َلكُ ْم بَ ْل ُهوَ َخيْرٌ َلكُمْ ِلكُ ّل امْرِ ٍ‬
‫صَبةٌ ِمْنكُ ْم ل تَحْ َ‬
‫ك عُ ْ‬ ‫ِإنّ الّذِينَ جَاءُوا بِالِفْ ِ‬
‫مِ ْن الِثْ ِم وَالّذِي َتوَلّى ِكبْ َر ُه ِمْنهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (‪)11‬‬

‫إن الذين جاؤوا بأشنع الكذب‪ ،‬وهو اتام أم الؤمني عائشة رضي ال عنها بالفاحشة‪ ،‬جاعة منتسبون‬
‫إليكم ‪ -‬معشر السلمي‪ -‬ل تسبوا قولم شرّا لكم‪ ,‬بل هو خي لكم‪ ،‬لا تضمن ذلك مِن تبئة أم‬
‫الؤمني ونزاهتها والتنويه بذكرها‪ ,‬ورفع الدرجات‪ ،‬وتكفي السيئات‪ ،‬وتحيص الؤمني‪ .‬لكل فرد تكلم‬
‫بالفك جزاء فعله من الذنب‪ ،‬والذي تمّل معظمه‪ ،‬وهو عبد ال بن أُبّ بن سلول كبي النافقي‪ -‬لعنه‬
‫ال‪ -‬له عذاب عظيم ف الخرة‪ ،‬وهو اللود ف الدرك السفل من النار‪.‬‬

‫ك ُمبِيٌ (‪)12‬‬
‫سهِمْ َخيْرا وَقَالُوا هَذَا إِفْ ٌ‬
‫َلوْل ِإ ْذ سَ ِم ْعتُمُوهُ ظَ ّن الْ ُم ْؤ ِمنُونَ وَالْ ُم ْؤ ِمنَاتُ بِأَنفُ ِ‬

‫هل ظن الؤمنون والؤمنات بعضهم ببعض خيًا عند ساعهم ذلك الفك‪ ،‬وهو السلمة ما رموا به‪،‬‬
‫وقالوا‪ :‬هذا كذب ظاهر على عائشة رضي ال عنها‪.‬‬

‫‪635‬‬
‫ك عِنْدَ اللّ ِه هُ ْم اْلكَا ِذبُونَ (‪)13‬‬
‫شهَدَاءِ َفأُوَْلئِ َ‬
‫َلوْل جَاءُوا عََليْ ِه ِبأَ ْرَبعَ ِة ُشهَدَاءَ فَإِذْ َل ْم يَ ْأتُوا بِال ّ‬

‫هل أتى القاذفون بأربعة شهود عدول على قولم‪ ،‬فحي ل يفعلوا ذلك فأولئك هم الكاذبون عند ال‪.‬‬

‫ب عَظِيمٌ (‪)14‬‬
‫ضتُمْ فِيهِ عَذَا ٌ‬
‫سكُمْ فِي مَا أََف ْ‬
‫وََلوْل َفضْلُ اللّ ِه عََلْيكُ ْم وَرَ ْح َمتُهُ فِي ال ّدْنيَا وَال ِخ َرةِ لَمَ ّ‬

‫ولول َفضْلُ ال عليكم ورحته لكم بيث شلكم إحسانه ف دينكم ودنياكم فلم يعجّل عقوبتكم‪ ،‬وتاب‬
‫على مَن تاب منكم‪ ,‬لصابكم بسبب ما خضتم فيه عذاب عظيم‪.‬‬

‫سبُونَهُ هَيّنا وَ ُه َو ِعنْدَ اللّهِ عَظِيمٌ (‪)15‬‬


‫سَنتِكُ ْم َوَتقُولُونَ ِبأَ ْفوَا ِهكُ ْم مَا َلْيسَ َلكُ ْم بِ ِه عِلْ ٌم َوتَحْ َ‬
‫إِ ْذ تََل ّق ْونَهُ بِأَلْ ِ‬

‫حي تتلقفون الفك وتتناقلونه بأفواهكم‪ ،‬وهو قول باطل‪ ،‬وليس عندكم به علم‪ ،‬وها مظوران‪ :‬التكلم‬
‫بالباطل‪ ،‬والقول بل علم‪ ،‬وتظنون ذلك شيئًا هّينًا‪ ،‬وهو عند ال عظيم‪ .‬وف هذا زجر بليغ عن التهاون‬
‫ف إشاعة الباطل‪.‬‬

‫ك هَذَا ُبهْتَانٌ عَظِيمٌ (‪)16‬‬


‫وََلوْل ِإ ْذ سَ ِم ْعتُمُوهُ قُ ْلتُ ْم مَا َيكُونُ َلنَا َأنْ َنَتكَلّ َم ِبهَذَا ُسبْحَانَ َ‬

‫وهل قلتم عند ساعكم إياه‪ :‬ما َيحِ ّل لنا الكلم بذا الكذب‪ ,‬تنيهًا لك ‪ -‬يارب ‪ -‬مِن قول ذلك على‬
‫زوجة رسولك ممد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فهو كذب عظيم ف الوزر واستحقاق الذنب‪.‬‬

‫َيعِ ُظكُمْ اللّهُ َأ ْن َتعُودُوا لِ ِمثْلِهِ َأبَدا ِإنْ كُنتُ ْم ُم ْؤ ِمنِيَ (‪)17‬‬

‫يذكّركم ال وينهاكم أن تعودوا أبدًا لثل هذا الفعل من التام الكاذب‪ ،‬إن كنتم مؤمني به‪.‬‬

‫ت وَاللّ ُه عَلِيمٌ َحكِيمٌ (‪)18‬‬


‫َويَُبيّنُ اللّهُ َلكُ ْم اليَا ِ‬

‫ويبي ال لكم اليات الشتملة على الحكام الشرعية والواعظ‪ ،‬وال عليم بأفعالكم‪ ،‬حكيم ف شرعه‬
‫وتدبيه‪.‬‬

‫‪636‬‬
‫شةُ فِي الّذِي نَ آ َمنُوا َلهُ ْم عَذَا بٌ أَلِي مٌ فِي ال ّدْنيَا وَالخِ َرةِ وَاللّ ُه َيعْلَ ُم َوأَْنتُ مْ‬
‫حبّو نَ أَ نْ تَشِي َع اْلفَاحِ َ‬
‫ِإنّ الّذِي َن يُ ِ‬
‫ل َتعْلَمُونَ (‪)19‬‬

‫إن الذين يبون شيوع الفاحشة ف السلمي من قَذْف بالزن أو أي قول سيّئ لم عذاب أليم ف الدنيا‬
‫بإقامة الد عليهم‪ ،‬وغيه من البليا الدنيوية‪ ,‬ولم ف الخرة عذاب النار إن ل يتوبوا‪ ،‬وال‪ -‬وحده‪-‬‬
‫يعلم كذبم‪ ,‬ويعلم مصال عباده‪ ،‬وعواقب المور‪ ،‬وأنتم ل تعلمون ذلك‪.‬‬

‫وََلوْل َفضْلُ اللّ ِه عََلْيكُ ْم وَرَ ْح َمتُهُ َوَأنّ اللّهَ رَءُوفٌ َرحِيمٌ (‪)20‬‬

‫ولول َفضْلُ ال على مَن وقع ف حديث الفك ورحته بم‪ ,‬وأن ال يرحم عباده الؤمني رحة واسعة ف‬
‫عاجلهم وآجلهم‪ ,‬لا بيّن هذه الحكام والواعظ‪ ،‬ولَعاجل مَن خالف أمره بالعقوبة‪.‬‬

‫شيْطَا نِ فَِإنّ هُ َي ْأمُ ُر بِاْلفَحْشَا ِء وَالْ ُمنْكَ ِر‬


‫شيْطَا نِ َومَ ْن َيتّبِ عْ خُ ُطوَا تِ ال ّ‬
‫يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ل َتّتبِعُوا خُ ُطوَا تِ ال ّ‬
‫وََلوْل َفضْلُ اللّ ِه عََلْيكُ ْم وَرَ ْح َمتُهُ مَا زَكَا مِْنكُ ْم مِ نْ أَحَدٍ أَبَدا وََلكِنّ اللّ َه يُزَكّي مَ ْن يَشَاءُ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ‬
‫(‪)21‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه ل تسلكوا طرق الشيطان‪ ،‬ومَن يسلك طرق الشيطان‬
‫فإنه يأمره بقبيح الفعال ومنكراتا‪ ،‬ولول َفضْلُ ال على الؤمني ورحته بم ما طَهُ َر منهم أحد أبدًا مِن‬
‫دنس ذنبه‪ ،‬ولكن ال‪ -‬بفضله‪ -‬يطهر من يشاء‪ .‬وال سيع لقوالكم‪ ،‬عليم بنياتكم وأفعالكم‪.‬‬

‫ي وَالْ ُمهَا ِجرِينَ فِي َسبِيلِ اللّ ِه وَْلَيعْفُوا‬


‫س َعةِ أَنْ ُي ْؤتُوا ُأوْلِي اْلقُ ْربَى وَالْمَسَاكِ َ‬
‫وَل يَ ْأتَلِ ُأوْلُوا اْلفَضْ ِل ِمْنكُ ْم وَال ّ‬
‫حبّونَ َأ ْن َيغْفِرَ اللّهُ َلكُمْ وَاللّ ُه َغفُورٌ رَحِيمٌ (‪)22‬‬ ‫صفَحُوا أَل تُ ِ‬ ‫وَْليَ ْ‬

‫سعَة ف الال على ترك صلة أقربائهم الفقراء والحتاجي والهاجرين‪،‬‬


‫ول يلف أهل الفضل ف الدين وال ّ‬
‫ومنعهم النفقة؛ بسبب ذنب فعلوه‪ ,‬ولْيتجاوزوا عن إساءتم‪ ،‬ول يعاقبوهم‪ .‬أل تبون أن يتجاوز ال‬
‫عنكم؟ فتجاوزوا عنهم‪ .‬وال غفور لعباده‪ ،‬رحيم بم‪ .‬وف هذا الثّ على العفو والصفح‪ ،‬ولو قوبل‬
‫بالساءة‪.‬‬

‫‪637‬‬
‫ب عَظِيمٌ (‪)23‬‬
‫ت اْلغَافِلتِ الْ ُم ْؤ ِمنَاتِ ُلعِنُوا فِي ال ّدْنيَا وَالخِ َر ِة وََلهُ ْم عَذَا ٌ‬
‫حصَنَا ِ‬
‫ِإنّ الّذِي َن يَ ْرمُونَ الْ ُم ْ‬

‫إن الذين يقذفون بالزن العفيفات الغافلت الؤمنات اللت ل يطر ذلك بقلوبن‪ ،‬مطرودون من رحة‬
‫ال ف الدنيا والخرة‪ ,‬ولم عذاب عظيم ف نار جهنم‪ .‬وف هذه الية دليل على كفر من سبّ‪ ،‬أو اتم‬
‫زوجة من زوجات النب صلى ال عليه وسلم بسوء‪.‬‬

‫سنَُتهُ ْم َوَأيْدِيهِ ْم َوأَرْجُُلهُمْ بِمَا كَانُوا َيعْمَلُونَ (‪)24‬‬


‫شهَ ُد عََلْيهِمْ أَلْ ِ‬
‫َي ْومَ تَ ْ‬

‫ذلك العذاب يوم القيامة يوم تشهد عليهم ألسنتهم با نطقت‪ ،‬وتتكلم أيديهم وأرجلهم با عملت‪.‬‬

‫َي ْومَئِ ٍذ ُيوَفّيهِمْ اللّهُ دِيَنهُ ْم الْحَ ّق َوَيعْلَمُونَ َأنّ اللّ َه ُهوَ الْحَقّ الْ ُمبِيُ (‪)25‬‬

‫ف هذا اليوم يوفيهم ال جزاءهم كامل على أعمالم بالعدل‪ ،‬ويعلمون ف ذلك الوقف العظيم أن ال هو‬
‫الق البي الذي هو حق‪ ,‬ووعده حق‪ ،‬ووعيده حق‪ ،‬وكل شيء منه حق‪ ،‬الذي ل يظلم أحدًا مثقال‬
‫ذرة‪.‬‬

‫خبِيثَاتِ وَال ّطّيبَاتُ لِل ّطّيبِيَ وَال ّطيّبُونَ لِل ّطّيبَاتِ ُأوَْلئِكَ ُمبَرّءُو َن مِمّا َيقُولُونَ‬
‫خبِيثُونَ لِ ْل َ‬
‫خبِيثِيَ وَالْ َ‬
‫خبِيثَاتُ ِللْ َ‬
‫الْ َ‬
‫َلهُ ْم َم ْغفِ َرةٌ وَ ِر ْزقٌ َك ِريٌ (‪)26‬‬

‫كل خبيث من الرجال والنساء والقوال والفعال مناسب للخبيث وموافق له‪ ,‬وكل طيّب من الرجال‬
‫والنساء والقوال والفعال مناسب للطيب وموافق له‪ ,‬والطيبون والطيبات مبؤون ما يرميهم به البيثون‬
‫من السوء‪ ،‬لم من ال مغفرة تستغرق الذنوب‪ ،‬ورزق كري ف النة‪.‬‬

‫سَتأْنِسُوا َوتُ سَلّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَِلكُ مْ َخيْرٌ َلكُ مْ‬


‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ل تَدْخُلُوا ُبيُوتا َغيْ َر بُيُوِتكُ مْ َحتّ ى تَ ْ‬
‫َلعَّلكُ ْم تَذَكّرُونَ ( ‪)27‬‬

‫‪638‬‬
‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ،‬ل تدخلوا بيوتًا غي بيوتكم حت تستأذنوا أهلها ف‬
‫الدخول وتسلموا عليهم وصيغة ذلك من السنة‪ :‬السلم عليكم أأدخل؟ ذلكم الستئذان خي لكم ؛‬
‫لعلكم تتذكرون‪ -‬بفعلكم له‪ -‬أوامر ال‪ ،‬فتطيعوه‪.‬‬

‫فَإِ نْ َل ْم تَجِدُوا فِيهَا َأحَدا فَل تَدْخُلُوهَا َحتّى ُيؤْذَ نَ َلكُ ْم َوإِ نْ قِيلَ َلكُ مْ ارْ ِجعُوا فَارْ ِجعُوا ُهوَ أَزْكَى َلكُ مْ‬
‫وَاللّهُ بِمَا َتعْمَلُونَ عَلِيمٌ (‪)28‬‬

‫فإن ل تدوا ف بيوت الخرين أحدًا فل تدخلوها حت يوجد مَن يأذن لكم‪ ،‬فإن ل يأذن‪ ،‬بل قال لكم‪:‬‬
‫ارجعوا فارجعوا‪ ،‬ول تُلحّوا‪ ,‬فإن الرجوع عندئذ أطهر لكم؛ لن للنسان أحوال يكره اطلع أحد‬
‫عليها‪ .‬وال با تعملون عليم‪ ،‬فيجازي كل عامل بعمله‪.‬‬

‫س عََلْيكُ مْ ُجنَا حٌ أَ ْن تَدْ ُخلُوا ُبيُوتا َغيْ َر مَ سْكُوَنةٍ فِيهَا مَتَا عٌ َلكُ ْم وَاللّ ُه َيعْلَ ُم مَا ُتبْدُو َن َومَا َت ْكتُمُو نَ (‬
‫َليْ َ‬
‫‪)29‬‬

‫لكن ل حرج عليكم أن تدخلوا بغي استئذان بيوتًا ليست مصصة لسكن أناس بذاتم‪ ,‬بل ليتمتع با مَن‬
‫يتاج إليها كالبيوت ا ُلعَدّة صدقة لبن السبيل ف طرق السافرين وغيها من الرافق‪ ,‬ففيها منافع وحاجة‬
‫لن يدخلها‪ ،‬وف الستئذان مشقة‪ .‬وال يعلم أحوالكم الظاهرة والفية‪.‬‬

‫صَنعُونَ (‪)30‬‬
‫حفَظُوا ُفرُو َجهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى َلهُمْ ِإنّ اللّهَ َخبِيٌ بِمَا يَ ْ‬
‫قُلْ لِ ْل ُم ْؤ ِمنِيَ يَ ُغضّوا مِنْ َأْبصَا ِرهِ ْم َويَ ْ‬

‫قل ‪ -‬أيها النب ‪ -‬للمؤمني َي ُغضّوا مِن أبصارهم عمّا ل يلّ لم من النساء والعورات‪ ،‬ويفظوا فروجهم‬
‫عمّا َحرّم ال من الزن واللواط‪ ،‬وكشف العورات‪ ،‬ونو ذلك‪ ،‬ذلك أطهر لم‪ .‬إن ال خبي با يصنعون‬
‫فيما يأمرهم به وينهاهم عنه‪.‬‬

‫حفَظْ نَ ُفرُو َجهُنّ وَل ُيبْدِي نَ زِينََتهُنّ إِلّ مَا ظَهَرَ مِْنهَا وَْلَيضْ ِربْ نَ‬ ‫ضضْ َن مِ نْ َأبْ صَا ِرهِ ّن َويَ ْ‬
‫وَقُلْ لِ ْل ُم ْؤمِنَا تِ يَ ْغ ُ‬
‫بِخُ ُم ِرهِنّ عَلَى ُجيُوِبهِنّ وَل ُيبْدِي نَ زِيَنتَهُنّ إِلّ ِلُبعُوَلِتهِنّ َأوْ آبَاِئهِنّ َأوْ آبَا ِء ُبعُولَِتهِنّ َأوْ َأْبنَاِئهِنّ َأوْ َأْبنَاءِ‬
‫ُبعُوَلِتهِنّ َأوْ إِ ْخوَانِهِنّ َأوْ َبنِي إِ ْخوَانِهِنّ َأوْ َبنِي أَ َخوَاتِهِنّ َأوْ نِ سَاِئهِنّ َأ ْو مَا مََلكَ تْ َأيْمَاُنهُنّ َأوْ التّابِعِيَ َغيْرِ‬

‫‪639‬‬
‫ُأوْلِي الِ ْرَبةِ مِ نْ الرّجَالِ َأوْ ال ّطفْلِ الّذِي نَ َل ْم يَ ْظهَرُوا عَلَى َعوْرَا تِ النّ سَا ِء وَل يَضْ ِربْ َن ِبأَرْ ُجِلهِنّ ِلُيعْلَ َم مَا‬
‫ي مِنْ زِيَنِتهِ ّن َوتُوبُوا إِلَى اللّهِ جَمِيعا َأيّهَا الْ ُم ْؤ ِمنُونَ َلعَّلكُ ْم ُتفْلِحُونَ (‪)31‬‬
‫خفِ َ‬
‫يُ ْ‬

‫وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن عمّا ل يلّ لن من العورات‪ ،‬ويفظن فروجهن عمّا َحرّم ال‪،‬‬
‫ول يُظهرن زينتهن للرجال‪ ،‬بل يتهدن ف إخفائها إل الثياب الظاهرة الت جرت العادة بُلبْسها‪ ،‬إذا ل‬
‫يكن ف ذلك ما يدعو إل الفتنة با‪ ،‬وليلقي بأغطية رؤوسهن على فتحات صدورهن مغطيات‬
‫وجوههن؛ ليكمل سترهن‪ ،‬ول يُ ْظهِ ْرنَ الزينة الفية إل لزواجهن ؛ إذ يرون منهن ما ل يرى غيهم‪.‬‬
‫وبعضها‪ ،‬كالوجه‪ ،‬والعنق‪ ،‬واليدين‪ ،‬والساعدين يباح رؤيته لبائهن أو آباء أزواجهن أو أبنائهن أو أبناء‬
‫أزواجهن أو إخوانن أو أبناء إخوانن أو أبناء أخواتن أو نسائهن السلمات دون الكافرات‪ ,‬أو ما ملكن‬
‫مِ َن العبيد‪ ،‬أو التابعي من الرجال الذين ل غرض ول حاجة لم ف النساء‪ ،‬مثل البُلْه الذين يتبعون غيهم‬
‫للطعام والشراب فحسب‪ ،‬أو الطفال الصغار الذين ليس لم علم بأمور عورات النساء‪ ،‬ول توجد فيهم‬
‫الشهوة بعد‪ ،‬ول يضرب النساء عند َسيْرهن بأرجلهن ليُسْ ِمعْن صوت ما خفي من زينتهن كاللخال‬
‫ونوه‪ ،‬وارجعوا‪ -‬أيها الؤمنون‪ -‬إل طاعة ال فيما أمركم به من هذه الصفات الميلة والخلق‬
‫الميدة‪ ،‬واتركوا ما كان عليه أهل الاهلية من الخلق والصفات الرذيلة؛ رجاء أن تفوزوا بيي‬
‫الدنيا والخرة‪.‬‬

‫ي مِ ْن عِبَادِكُ ْم َوِإمَائِكُ مْ إِ ْن يَكُونُوا ُفقَرَا َء ُيغِْنهِ مْ اللّ ُه مِ نْ َفضْلِ ِه وَاللّ هُ‬


‫َوأَنكِحُوا الَيَامَى ِمنْكُ ْم وَال صّالِحِ َ‬
‫وَاسِ ٌع عَلِيمٌ (‪)32‬‬

‫وزوّجوا‪ -‬أيها الؤمنون‪ -‬مَن ل زوج له من الحرار والرائر والصالي مِن عبيدكم وجواريكم‪ ،‬إن‬
‫يكن الراغب ف الزواج للعفة فقيًا يغنه ال من واسع رزقه‪ .‬وال واسع كثي الي عظيم الفضل‪ ،‬عليم‬
‫بأحوال عباده‪.‬‬

‫ب مِمّ ا مََلكَ تْ‬ ‫ف الّذِي نَ ل َيجِدُو نَ ِنكَاحا َحتّ ى ُيغِْنَيهُ مْ اللّ ُه مِ نْ َفضْلِ ِه وَالّذِي َن يَْبَتغُو َن الْ ِكتَا َ‬ ‫وَْليَ سَْت ْعفِ ْ‬
‫َأيْمَانُكُمْ َفكَاِتبُوهُمْ ِإنْ عَِل ْمتُمْ فِيهِمْ َخيْرا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللّ ِه الّذِي آتَاكُ ْم وَل ُتكْ ِرهُوا َفَتيَاتِكُ ْم عَلَى اْلبِغَاءِ‬
‫حيَاةِ ال ّدْنيَا َومَنْ ُيكْ ِرهّنّ فَِإنّ اللّ َه مِ ْن َبعْدِ إِكْرَا ِههِ ّن َغفُورٌ رَحِيمٌ (‪)33‬‬ ‫ض الْ َ‬
‫حصّنا ِلتَْبَتغُوا عَ َر َ‬
‫إِنْ أَ َر ْدنَ تَ َ‬

‫‪640‬‬
‫والذين ل يستطيعون الزواج لفقرهم أو غيه فليطلبوا العفة عمّا حَ ّرمَ ال حت يغنيهم ال من فضله‪,‬‬
‫وييسر لم الزواج‪ .‬والذين يريدون أن يتحرروا من العبيد والماء بكاتبة أسيادهم على بعض الال يؤدونه‬
‫إليهم‪ ،‬فعلى مالكيهم أن يكاتبوهم على ذلك إن علموا فيهم خيًا‪ :‬مِن رشد وقدرة على الكسب‬
‫وصلح ف الدين‪ ،‬وعليهم أن يعطوهم شيئًا من الال أو أن يطوا عنهم ما كُوتبوا عليه‪ .‬ول يوز لكم‬
‫إكراه جواريكم على الزن طلبًا للمال‪ ،‬وكيف يقع منكم ذلك وهن يُ ِردْن العفة وأنتم تأبونا؟ وف هذا‬
‫غاية التشنيع لفعلهم القبيح‪ .‬ومن يكرههنّ على الزن فإن ال تعال من بعد إكراههن غفور لن رحيم‬
‫بن‪ ،‬والث على مَن أكْرههن‪.‬‬

‫وََلقَدْ أَنزَْلنَا إَِلْيكُ ْم آيَاتٍ ُمَبّينَاتٍ َو َمَثلً مِنْ الّذِينَ خََلوْا مِنْ َقبِْلكُ ْم َو َموْعِ َظةً لِ ْل ُمّتقِيَ (‪)34‬‬

‫ولقد أنزلنا إليكم‪ -‬أيها الناس‪ -‬آيات القرآن دللت واضحات على الق‪ ,‬ومثل من أخبار المم‬
‫السابقة الؤمني منهم والكافرين‪ ،‬وما جرى لم وعليهم ما يكون مثل وعبة لكم‪ ,‬وموعظة يتعظ با من‬
‫يتقي ال ويَحْذَ ُر عذابه‪.‬‬

‫صبَاحُ فِي زُجَا َجةٍ الزّجَا َجةُ َكأَنّهَا‬ ‫ح الْمِ ْ‬ ‫شكَاةٍ فِيهَا مِ صْبَا ٌ‬ ‫ض َمثَلُ نُورِ هِ َكمِ ْ‬ ‫ت وَالَرْ ِ‬ ‫اللّ ُه نُو ُر ال سّ َموَا ِ‬
‫َكوْكَ بٌ دُرّيّ يُوقَ ُد مِ ْن َشجَ َر ٍة ُمبَارَ َكةٍ َزيْتُوِنةٍ ل َشرِْقّيةٍ وَل غَ ْرِبّيةٍ َيكَادُ َزيُْتهَا ُيضِيءُ وََلوْ لَ ْم تَمْ سَسْ ُه نَارٌ‬
‫نُورٌ عَلَى نُو ٍر َيهْدِي اللّهُ ِلنُو ِرهِ مَ ْن يَشَا ُء َوَيضْرِبُ اللّ ُه ا َلمْثَالَ لِلنّاسِ وَاللّ ُه ِبكُ ّل َشيْءٍ عَلِيمٌ (‪)35‬‬

‫ال نور السموات والرض يدبر المر فيهما ويهدي أهلهما‪ ،‬فهو‪ -‬سبحانه‪ -‬نور‪ ،‬وحجابه نور‪ ،‬به‬
‫استنارت السموات والرض وما فيهما‪ ،‬وكتاب ال وهدايته نور منه سبحانه‪ ،‬فلول نوره تعال‬
‫لتراكمت الظلمات بعضها فوق بعض‪ .‬مثل نوره الذي يهدي إليه‪ ,‬وهو اليان والقرآن ف قلب الؤمن‬
‫كمشكاة‪ ,‬وهي ال ُكوّة ف الائط غي النافذة‪ ،‬فيها مصباح‪ ،‬حيث تمع الكوّة نور الصباح فل يتفرق‪،‬‬
‫وذلك الصباح ف زجاجة‪ ،‬كأنا ‪-‬لصفائها‪ -‬كوكب مضيء كالدّر‪ ،‬يوقَد الصباح من زيت شجرة‬
‫مباركة‪ ،‬وهي شجرة الزيتون‪ ،‬ل شرقية فقط‪ ،‬فل تصيبها الشمس آخر النهار‪ ،‬ول غربية فقط فل‬
‫تصيبها الشمس أول النهار‪ ،‬بل هي متوسطة ف مكان من الرض ل إل الشرق ول إل الغرب‪ ،‬يكاد‬
‫ستْه النار أضاء إضاءة بليغة‪ ،‬نور على نور‪،‬‬
‫زيتها ‪-‬لصفائه‪ -‬يضيء من نفسه قبل أن تسه النار‪ ،‬فإذا مَ ّ‬
‫فهو نور من إشراق الزيت على نور من إشعال النار‪ ،‬فذلك مثل الدى يضيء ف قلب الؤمن‪ .‬وال‬

‫‪641‬‬
‫يهدي ويوفق لتباع القرآن مَن يشاء‪ ،‬ويضرب المثال للناس؛ ليعقلوا عنه أمثاله وحكمه‪ .‬وال بكل‬
‫شيء عليم‪ ,‬ل يفى عليه شيء‪.‬‬

‫سبّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُ ُد ّو وَالصَالِ (‪)36‬‬


‫فِي ُبيُوتٍ أَ ِذنَ اللّهُ أَ ْن تُرْفَ َع َويُذْ َكرَ فِيهَا اسْمُ ُه يُ َ‬

‫هذا النور الضيء ف مساجد َأمَرَ ال أن يُرْفع شأنا وبناؤها‪ ،‬ويُذْكر فيها اسه بتلوة كتابه والتسبيح‬
‫والتهليل‪ ،‬وغي ذلك من أنواع الذكر‪ ،‬يُصلّي فيها ل ف الصباح والساء‪.‬‬

‫رِجَا ٌل ل تُ ْلهِيهِمْ تِجَا َرٌة وَل َبيْ ٌع عَنْ ذِكْرِ اللّ ِه َوإِقَامِ الصّلةِ َوإِيتَاءِ الزّكَا ِة يَخَافُونَ َيوْما َتتَقَّلبُ فِي ِه الْقُلُوبُ‬
‫وَا َلْبصَارُ (‪)37‬‬

‫رجال ل تشغلهم تارة ول بيع عن ذِ ْكرِ ال‪ ،‬وإقام الصلة‪ ،‬وإيتاء الزكاة لستحقيها‪ ,‬يافون يوم القيامة‬
‫الذي تتقلب فيه القلوب بي الرجاء ف النجاة والوف من اللك‪ ،‬وتتقلب فيه البصار تنظر إل أي‬
‫مصي تكون؟‬

‫ق مَ ْن يَشَا ُء ِبغَيْرِ حِسَابٍ (‪)38‬‬


‫س َن مَا عَمِلُوا َويَزِي َدهُ ْم مِنْ َفضْلِ ِه وَاللّهُ يَرْ ُز ُ‬
‫ِليَجْ ِزَيهُمْ اللّهُ أَحْ َ‬

‫ليعطيهم ال ثواب أحسن أعمالم‪ ،‬ويزيدهم من فضله بضاعفة حسناتم‪ .‬وال يرزق مَن يشاء بغي‬
‫حساب‪ ،‬بل يعطيه مِنَ الجر ما ل يبلغه عمله‪ ،‬وبل عدّ ول كيل‪.‬‬

‫ج ْدهُ َشيْئا َووَجَدَ اللّ َه ِعنْ َدهُ‬


‫سبُهُ الظّمْآنُ مَاءً َحتّى إِذَا جَا َءهُ لَ ْم يَ ِ‬
‫ب ِبقِي َع ٍة يَحْ َ‬
‫وَالّذِينَ َك َفرُوا َأعْمَاُلهُمْ كَسَرَا ٍ‬
‫َفوَفّاهُ حِسَابَهُ وَاللّ ُه َسرِي ُع الْحِسَابِ (‪)39‬‬

‫والذين كفروا بربم وكذّبوا رسله‪ ،‬أعمالم الت ظنوها نافعة لم ف الخرة‪ ،‬كصلة الرحام وفك‬
‫السرى وغيها‪ ،‬كسراب‪ ،‬وهو ما يشاهَد كالاء على الرض الستوية ف الظهية‪ ،‬يظنه العطشان ماء‪،‬‬
‫فإذا أتاه ل يده ماء‪ .‬فالكافر يظن أن أعماله تنفعه‪ ,‬فإذا كان يوم القيامة ل يد لا ثوابًا‪ ،‬ووجد ال‬

‫‪642‬‬
‫سبحانه وتعال له بالرصاد فوفّاه جزاء عمله كامل‪ .‬وال سريع الساب‪ ،‬فل يستبطئ الاهلون ذلك‬
‫الوعد‪ ،‬فإنه ل ب ّد مِن إتيانه‪.‬‬

‫ق َبعْ ضٍ إِذَا‬
‫ضهَا َفوْ َ‬
‫ت َب ْع ُ‬
‫ب ظُُلمَا ٌ‬
‫ج مِ نْ َفوْقِ هِ سَحَا ٌ‬
‫ج مِ نْ َفوْقِ ِه َموْ ٌ‬
‫جيّ َيغْشَا هُ َموْ ٌ‬ ‫حرٍ لُ ّ‬
‫َأوْ َكظُلُمَا تٍ فِي بَ ْ‬
‫جعَلْ اللّهُ لَهُ نُورا َفمَا لَ ُه مِ ْن نُورٍ (‪)40‬‬ ‫ج يَ َدهُ لَ ْم َيكَدْ يَرَاهَا َومَنْ لَ ْم يَ ْ‬
‫أَخْ َر َ‬

‫أو تكون أعمالم مثل ظلمات ف بر عميق يعلوه موج‪ ,‬من فوق الوج موج آخر‪ ،‬ومِن فوقه سحاب‬
‫كثيف‪ ،‬ظلمات شديدة بعضها فوق بعض‪ ،‬إذا أخرج الناظر يده ل يقارب رؤيتها من شدة الظلمات‪،‬‬
‫فالكفار تراكمت عليهم ظلمات الشرك والضلل وفساد العمال‪ .‬ومن ل يعل ال له نورًا من كتابه‬
‫وسنة نبيه يهتدي به فما له مِن هاد‪.‬‬

‫سبِيحَ ُه وَاللّ هُ‬


‫أَلَ ْم َترَى أَنّ اللّ َه يُ سَبّحُ لَ ُه مَ نْ فِي ال سّ َموَاتِ وَالَرْ ضِ وَال ّطيْرُ صَافّاتٍ كُلّ قَ ْد عَِل مَ صَلتَهُ َوتَ ْ‬
‫عَلِي ٌم بِمَا َي ْفعَلُونَ (‪)41‬‬

‫أل تعلم ‪ -‬أيها النب ‪ -‬أن ال يُسَبّح له مَن ف السموات والرض من الخلوقات‪ ،‬والطي صافات‬
‫أجنحتها ف السماء تسبح ربا؟ كل ملوق قد أرشده ال كيف يصلي له ويسبحه‪ .‬وهو سبحانه عليم‪،‬‬
‫مُطّلِع على ما يفعله كل عابد ومسبّح‪ ،‬ل يفى عليه منها شيء‪ ،‬وسيجازيهم بذلك‪.‬‬

‫ض َوإِلَى اللّ ِه الْ َمصِيُ (‪)42‬‬


‫ت وَالَ ْر ِ‬
‫وَلِلّ ِه مُلْكُ السّ َموَا ِ‬

‫ول وحده ملك السموات والرض‪ ،‬له السلطان فيهما‪ ،‬وإليه الرجع يوم القيامة‪.‬‬

‫ج مِ نْ خِللِ هِ َويُنَزّلُ مِ ْن‬ ‫ق يَخْ ُر ُ‬


‫ج َعلُ هُ رُكَاما َفتَرَى اْلوَدْ َ‬ ‫ف َبْينَ ُه ثُمّ يَ ْ‬
‫أَلَ ْم َترَى أَنّ اللّ َه يُ ْزجِي سَحَابا ثُمّ ُيؤَلّ ُ‬
‫ب بِالَبْصَارِ‬ ‫السّمَا ِء مِنْ ِجبَالٍ فِيهَا مِ ْن بَ َردٍ َفيُصِيبُ بِ ِه مَ ْن يَشَا ُء َويَصْرِفُ ُه عَ ْن مَ ْن يَشَا ُء يَكَادُ سَنَا بَرْقِ ِه يَ ْذهَ ُ‬
‫(‪)43‬‬

‫‪643‬‬
‫أل تشاهد أن ال سبحانه وتعال يسوق السحاب إل حيث يشاء‪ ،‬ث يمعه بعد تفرقه‪ ،‬ث يعله متراكمًا‪،‬‬
‫فينل مِن بينه الطر؟ وينل من السحاب الذي يشبه البال ف عظمته َبرَدًا‪ ،‬فيصيب به مَن يشاء من‬
‫عباده ويصرفه عمّن يشاء منهم بسب حكمته وتقديره‪ ,‬يكاد ضوء ذلك البق ف السحاب مِن شدته‬
‫يذهب بأبصار الناظرين إليه‪.‬‬

‫ُيقَّلبُ اللّهُ الّليْ َل وَالّنهَارَ ِإنّ فِي ذَلِكَ َل ِعبْ َرةً ُلوْلِي الَْبصَارِ (‪)44‬‬

‫ومن دلئل قدرة ال سبحانه وتعال أنه يقلب الليل والنهار بجيء أحدها بعد الخر‪ ,‬واختلفهما طول‬
‫وِقصَرًا‪ ,‬إن ف ذلك لَدللة يعتب با كل مَن له بصية‪.‬‬

‫وَاللّهُ َخلَقَ كُلّ دَاّب ٍة مِ ْن مَاءٍ فَ ِمْنهُ ْم مَ ْن يَمْشِي عَلَى بَ ْطنِهِ َو ِمْنهُمْ مَ ْن يَمْشِي عَلَى رِ ْجَليْ ِن َو ِمْنهُ ْم مَ ْن يَمْشِي‬
‫عَلَى أَ ْربَ ٍع َيخْلُقُ اللّ ُه مَا يَشَاءُ ِإنّ اللّ َه عَلَى كُ ّل َشيْءٍ قَدِيرٌ (‪)45‬‬

‫وال تعال خلق كل ما يدِب على الرض مِن ماء‪ ،‬فالاء أصل خلقه‪ ،‬فمن هذه الدواب‪ :‬مَن يشي زحفًا‬
‫على بطنه كاليّات ونوها‪ ,‬ومنهم مَن يشي على رجلي كالنسان‪ ،‬ومنهم من يشي على أربع‬
‫كالبهائم ونوها‪ .‬وال سبحانه وتعال يلق ما يشاء‪ ،‬وهو قادر على كل شيء‪.‬‬

‫ستَقِيمٍ (‪)46‬‬
‫ط مُ ْ‬
‫صرَا ٍ‬
‫َلقَدْ أَنزَْلنَا آيَاتٍ ُمَبّينَاتٍ وَاللّ ُه َيهْدِي مَ ْن يَشَاءُ إِلَى ِ‬

‫لقد أنزلنا ف القرآن علمات واضحات مرشدات إل الق‪ .‬وال يهدي ويوفق مَن يشاء مِن عباده إل‬
‫الطريق الستقيم‪ ،‬وهو السلم‪.‬‬

‫ك بِالْ ُم ْؤ ِمنِيَ (‪)47‬‬


‫ك َومَا ُأوْلَئِ َ‬
‫َوَيقُولُونَ آ َمنّا بِاللّ ِه َوبِال ّرسُو ِل َوأَ َط ْعنَا ثُمّ يََتوَلّى َفرِي ٌق ِمْنهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِ َ‬

‫صدّقنا بال وبا جاء به الرسول‪ ،‬وأطعنا أمرها‪ ،‬ث ُتعْ ِرضُ طوائف منهم من بعد ذلك‬
‫ويقول النافقون‪َ :‬‬
‫فل تقبل حكم الرسول‪ ،‬وما أولئك بالؤمني‪.‬‬

‫‪644‬‬
‫حكُ َم َبْيَنهُمْ ِإذَا َفرِي ٌق ِمْنهُمْ ُمعْرِضُونَ (‪)48‬‬
‫َوإِذَا ُدعُوا إِلَى اللّ ِه َو َرسُولِهِ ِليَ ْ‬

‫وإذا دُعوا ف خصوماتم إل ما ف كتاب ال وإل رسوله؛ ليَحكُم بينهم‪ ،‬إذا فريق منهم معرض ل يقبل‬
‫حكم ال وحكم رسوله‪ ,‬مع أنه الق الذي ل شك فيه‪.‬‬

‫َوإِ ْن َيكُنْ َلهُ ْم الْحَ ّق َيأْتُوا إَِليْ ِه مُ ْذ ِعنِيَ (‪)49‬‬

‫وإن يكن الق ف جانبهم فإنم يأتون إل النب عليه الصلة والسلم طائعي منقادين لكمه ؛ لعلمهم أنه‬
‫يقضي بالق‪.‬‬

‫أَفِي ُقلُوبِهِ ْم َم َرضٌ َأمْ ا ْرتَابُوا َأمْ َيخَافُونَ َأنْ َيحِيفَ اللّ ُه عََلْيهِ ْم وَ َرسُولُ ُه بَلْ ُأوَْلئِكَ هُمْ الظّالِمُونَ (‪)50‬‬

‫أسََببُ العراض ما ف قلوبم من مرض النفاق‪ ,‬أم شكّوا ف نبوة ممد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أم السبب‬
‫خوفهم أن يكون حكم ال ورسوله جائرًا؟ كل إنم ل يافون جورًا‪ ،‬بل السبب أنم هم الظالون‬
‫الفجرة‪.‬‬

‫حكُ مَ بَْيَنهُ مْ أَ نْ َيقُولُوا سَ ِم ْعنَا َوَأ َطعْنَا َوُأوَْلئِ كَ هُ مْ‬


‫ِإنّمَا كَا نَ َقوْ َل الْ ُم ْؤ ِمنِيَ إِذَا ُدعُوا إِلَى اللّ ِه وَرَ سُولِهِ ِلَي ْ‬
‫الْ ُمفْلِحُونَ (‪)51‬‬

‫أما الؤمنون حقا فدأبم إذا دعوا إل التحاكم ف خصوماتم إل كتاب ال وحكم رسوله‪ ،‬أن يقبلوا‬
‫الكم ويقولوا‪ :‬سعنا ما قيل لنا وأطعنا مَن دعانا إل ذلك‪ ،‬وأولئك هم الفلحون الفائزون بطلوبم ف‬
‫جنات النعيم‪.‬‬

‫خشَ اللّ َه َويَّتقِيهِ َفُأوَْلئِكَ هُ ْم اْلفَائِزُونَ (‪)52‬‬


‫َومَ ْن يُطِعْ اللّ َه وَ َرسُولَ ُه َويَ ْ‬

‫ف عواقب العصيان‪ ،‬ويْذَر عذاب ال‪ ،‬فهؤلء هم الفائزون‬


‫ومن يطع ال ورسوله ف المر والنهي‪ ،‬ويَخَ ْ‬
‫بالنعيم ف النة‪.‬‬

‫‪645‬‬
‫َوأَقْ سَمُوا بِاللّ هِ َجهْدَ َأيْمَاِنهِ مْ َلئِ نْ َأمَ ْرَتهُ مْ َليَخْرُ ُجنّ قُ ْل ل ُتقْ سِمُوا طَا َعةٌ َمعْرُوَفةٌ ِإنّ اللّ هَ َخبِيٌ بِمَا َتعْمَلُو نَ‬
‫(‪)53‬‬

‫وأقسم النافقون بال تعال غاية اجتهادهم ف اليان الغلّظة‪ :‬لئن أمرتنا ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬بالروج‬
‫للجهاد معك لنخرجن‪ ،‬قل لم‪ :‬ل تلفوا كذبًا‪ ،‬فطاعتكم معروفة بأنا باللسان فحسب‪ ،‬إن ال خبي با‬
‫تعملونه‪ ،‬وسيجازيكم عليه‪.‬‬

‫قُلْ َأطِيعُوا اللّ َه َوَأطِيعُوا الرّسُولَ فَإِ ْن َتوَلّوا فَِإنّمَا عََليْ ِه مَا حُمّ َل َوعََليْكُ ْم مَا ُحمّ ْلتُ ْم َوإِنْ تُطِيعُوهُ َت ْهتَدُوا َومَا‬
‫غ الْ ُمبِيُ (‪)54‬‬ ‫عَلَى ال ّرسُولِ إِ ّل اْلبَل ُ‬

‫قل ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬للناس‪ :‬أطيعوا ال وأطيعوا الرسول‪ ،‬فإن تعرضوا فإنا على الرسول ِفعْلُ ما أُمر به‬
‫من تبليغ الرسالة‪ ،‬وعلى الميع ِفعْلُ ما كُلّفوه من المتثال‪ ،‬وإن تطيعوه ترشدوا إل الق‪ ،‬وليس على‬
‫الرسول إل أن يبلغ رسالة ربه بلغًا بينًا‪.‬‬

‫ف الّذِي نَ مِ نْ َقبِْلهِ ْم‬


‫خِل َفّنهُم فِي الَرْ ضِ كَمَا ا ْستَخْلَ َ‬
‫َوعَدَ اللّ ُه الّذِي نَ آ َمنُوا ِمْنكُ ْم َوعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ َليَ سْتَ ْ‬
‫وََليُ َمكّنَنّ َلهُ مْ دِينَهُ ْم الّذِي ا ْرتَضَى َلهُ ْم وََلُيبَدَّلّنهُ مْ مِ ْن َبعْدِ َخوِْفهِ مْ َأمْنا َي ْعبُدُونَنِي ل يُشْرِكُو َن بِي َشيْئا‬
‫َومَنْ َكفَ َر َبعْدَ ذَلِكَ َفُأوَْلئِكَ هُ ْم اْلفَا ِسقُونَ (‪)55‬‬

‫وعد ال بالنصر الذين آمنوا منكم وعملوا العمال الصالة‪ ،‬بأن يورثهم أرض الشركي‪ ،‬ويعلهم‬
‫خلفاء فيها‪ ،‬مثلما فعل مع أسلفهم من الؤمني بال ورسله‪ ,‬وأن يعل دينهم الذي ارتضاه لم‪ -‬وهو‬
‫السلم‪ -‬دينًا عزيزًا مكينًا‪ ،‬وأن يبدل حالم من الوف إل المن‪ ،‬إذا عبدوا ال وحده‪ ،‬واستقاموا على‬
‫طاعته‪ ،‬ول يشركوا معه شيئًا‪ ،‬ومن كفر بعد ذلك الستخلف والمن والتمكي والسلطنة التامة‪،‬‬
‫وجحد ِنعَم ال‪ ،‬فأولئك هم الارجون عن طاعة ال‪.‬‬

‫َوأَقِيمُوا الصّلةَ وَآتُوا الزّكَا َة َوَأطِيعُوا ال ّرسُولَ َلعَّلكُ ْم تُرْ َحمُونَ (‪)56‬‬

‫وأقيموا الصلة تامة‪ ،‬وآتوا الزكاة لستحقيها‪ ,‬وأطيعوا الرسول صلى ال عليه وسلم؛ رجاء أن يرحكم‬
‫ال‪.‬‬
‫‪646‬‬
‫ض َو َمأْوَاهُمْ النّا ُر وََلِبْئسَ الْ َمصِيُ (‪)57‬‬
‫جزِينَ فِي الَ ْر ِ‬
‫سبَ ّن الّذِينَ َكفَرُوا ُمعْ ِ‬
‫ل تَحْ َ‬

‫ل تظن ّن الذين كفروا معجزين ال ف الرض‪ ،‬بل هو قادر على إهلكهم‪ ،‬ومرجعهم ف الخرة إل‬
‫النار‪ ،‬وقبُح هذا الرجع والصي‪.‬وهو توجيه عام للمّة‪ ،‬وإن كان الطاب فيه للرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم‪.‬‬

‫ت مِنْ َقبْ ِل‬ ‫حلُ َم ِمْنكُ ْم ثَلثَ مَرّا ٍ‬ ‫يَا َأيّهَا الّذِينَ آ َمنُوا ِليَسَْتأْ ِذْنكُ ْم الّذِينَ مََلكَتْ َأيْمَاُنكُمْ وَالّذِينَ لَ ْم َيبُْلغُوا الْ ُ‬
‫س عََلْيكُ مْ‬ ‫ضعُو َن ِثيَاَبكُ ْم مِ نْ ال ّظهِيَ ِة َومِ ْن َبعْدِ صَلةِ اْلعِشَا ِء ثَل ثُ َعوْرَا تٍ َلكُ مْ َليْ َ‬ ‫صَلةِ اْلفَجْرِ وَحِيَ َت َ‬
‫ك ُيبَيّ نُ اللّ هُ َلكُ ْم اليَا تِ وَاللّ ُه عَلِي مٌ‬
‫ضكُ ْم عَلَى َبعْ ضٍ كَذَلِ َ‬ ‫ح َبعْ َدهُنّ َطوّافُو َن عََلْيكُ ْم َبعْ ُ‬ ‫وَل عََلْيهِ مْ ُجنَا ٌ‬
‫َحكِيمٌ (‪)58‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه مُروا عبيدكم وإماءكم‪ ,‬والطفال الحرار دون سن‬
‫الحتلم أن يستأذنوا عند الدخول عليكم ف أوقات عوراتكم الثلثة‪ :‬من قبل صلة الفجر؛ لنه وقت‬
‫الروج من ثياب النوم ولبس ثياب اليقظة‪ ,‬ووقت خلع الثياب للقيلولة ف الظهية‪ ،‬ومن بعد صلة‬
‫العشاء؛ لنه وقت للنوم‪ ،‬وهذه الوقات الثلثة عورات لكم‪ ،‬يقل فيها التستر‪ ،‬أما فيما سواها فل حرج‬
‫إذا دخلوا بغي إذن؛ لاجتهم ف الدخول عليكم‪ ,‬طوافون عليكم للخدمة‪ ،‬وكما بيّن ال لكم أحكام‬
‫الستئذان يبيّن لكم آياته وأحكامه وحججه وشرائع دينه‪ .‬وال عليم با يصلح خلقه‪ ،‬حكيم ف تدبيه‬
‫أمورهم‪.‬‬

‫ك ُيبَيّ نُ اللّ هُ َلكُ مْ آيَاتِ هِ وَاللّ هُ‬


‫ستَأْ ِذنُوا َكمَا ا سَْتأْ َذنَ الّذِي َن مِ نْ َقبِْل ِه مْ كَذَلِ َ‬
‫َوإِذَا بَلَ غَ ا َل ْطفَا ُل ِمنْكُ مْ الْحُلُ مَ فَ ْليَ ْ‬
‫عَلِيمٌ َحكِيمٌ (‪)59‬‬

‫وإذا بلغ الطفال منكم سن الحتلم والتكليف بالحكام الشرعية‪ ،‬فعليهم أن يستأذنوا إذا أرادوا‬
‫الدخول ف كل الوقات كما يستأذن الكبار‪ ،‬وكما يبيّن ال آداب الستئذان يبيّن ال تعال لكم آياته‪.‬‬
‫وال عليم با يصلح عباده‪ ،‬حكيم ف تشريعه‪.‬‬

‫‪647‬‬
‫ت ِبزِيَنةٍ‬
‫س عََلْيهِنّ ُجنَا حٌ أَ ْن َيضَعْ َن ِثيَاَبهُنّ َغيْ َر ُمَتبَرّجَا ٍ‬
‫لتِي ل يَ ْرجُو نَ ِنكَاحا فََليْ َ‬ ‫وَالْ َقوَاعِ ُد مِ ْن النّ سَا ِء ال ّ‬
‫ستَ ْع ِففْنَ َخيْرٌ َلهُ ّن وَاللّ ُه سَمِي ٌع عَلِيمٌ (‪)60‬‬
‫َوأَ ْن يَ ْ‬

‫والعجائز من النساء اللت قعدن عن الستمتاع والشهوة لكبهن‪ ،‬فل يطمعن ف الرجال للزواج‪ ،‬ول‬
‫يطمع فيهن الرجال كذلك‪ ،‬فهؤلء ل حرج عليهن أن يضعن بعض ثيابن كالرداء الذي يكون فوق‬
‫الثياب غي مظهرات ول متعرضات للزينة‪ ،‬وُلبْسهن هذه الثياب ‪ -‬سترًا وتعففًا‪ -‬أحسن لن‪ .‬وال سيع‬
‫لقوالكم‪ ،‬عليم بنياتكم وأعمالكم‪.‬‬

‫سكُمْ أَ ْن َتأْكُلُوا‬ ‫ج وَل عَلَى أَنفُ ِ‬ ‫ج وَل عَلَى الْمَرِي ضِ حَ َر ٌ‬ ‫ج وَل عَلَى الَعْ َر جِ َحرَ ٌ‬ ‫َليْ سَ عَلَى ا َلعْمَى َحرَ ٌ‬
‫ت آبَائِكُمْ َأوْ بُيُوتِ ُأ ّمهَاتِكُمْ َأوْ بُيُوتِ إِ ْخوَاِنكُمْ َأ ْو بُيُوتِ أَ َخوَاِتكُمْ َأ ْو ُبيُوتِ َأعْمَا ِمكُمْ‬ ‫مِ ْن ُبيُوتِكُمْ َأوْ ُبيُو ِ‬
‫س عََلْيكُ مْ‬‫صدِيقِكُمْ َليْ َ‬ ‫ت عَمّاتِكُ مْ َأ ْو ُبيُو تِ أَ ْخوَاِلكُ مْ َأوْ ُبيُو تِ خَالِتكُ مْ َأ ْو مَا مََل ْكتُ ْم َمفَاتِحَ هُ َأوْ َ‬ ‫َأوْ ُبيُو ِ‬
‫حّي ًة مِ ْن ِعنْدِ اللّ ِه ُمبَارَ َكةً َطّيَبةً‬
‫ُجنَا حٌ أَ ْن تَأْكُلُوا جَمِيعا َأوْ َأشْتَاتا فَإِذَا َدخَ ْلتُ ْم ُبيُوتا فَ سَلّمُوا عَلَى أَنفُ سِكُ ْم تَ ِ‬
‫ك ُيبَيّنُ اللّهُ َلكُ ْم اليَاتِ َلعَّلكُ ْم َت ْعقِلُونَ (‪)61‬‬ ‫كَذَلِ َ‬

‫ليس على أصحاب العذار من العُمْيان وذوي العرج والرضى إث ف ترك المور الواجبة الت ل يقدرون‬
‫على القيام با‪ ,‬كالهاد ونوه‪ ،‬ما يتوقف على بصر العمى أو سلمة العرج أو صحة الريض‪ ،‬وليس‬
‫على أنفسكم‪ -‬أيها الؤمنون‪ -‬حرج ف أن تأكلوا من بيوت أولدكم‪ ،‬أو من بيوت آبائكم‪ ،‬أو‬
‫أمهاتكم‪ ،‬أو إخوانكم‪ ،‬أو أخواتكم‪ ،‬أو أعمامكم‪ ،‬أو عماتكم‪ ,‬أو أخوالكم‪ ,‬أو خالتكم‪ ,‬أو من‬
‫البيوت الت وُكّلْتم بفظها ف غيبة أصحابا بإذنم‪ ،‬أو من بيوت الصدقاء‪ ,‬ول حرج عليكم أن تأكلوا‬
‫متمعي أو متفرقي‪ ،‬فإذا دخلتم بيوتًا مسكونة أو غي مسكونة فليسلّم بعضكم على بعض بتحية‬
‫السلم‪ ،‬وهي‪ :‬السلم عليكم ورحة ال وبركاته‪ ,‬أو السلم علينا وعلى عباد ال الصالي‪ ،‬إذا ل‬
‫يوجد أحد‪ ،‬وهذه التحية شرعها ال‪ ،‬وهي مباركة ُتنْمِي الودة والحبة‪ ,‬طيبة مبوبة للسامع‪ ،‬وبثل هذا‬
‫التبيي يبيّن ال لكم معال دينه وآياته؛ لتعقلوها‪ ،‬وتعملوا با‪.‬‬

‫سَتأْ ِذنُوهُ إِنّ‬


‫ِإنّمَا الْ ُم ْؤ ِمنُو نَ الّذِي نَ آمَنُوا بِاللّ ِه وَرَ سُولِهِ َوإِذَا كَانُوا َمعَ هُ عَلَى َأمْرٍ جَامِ عٍ لَ ْم يَ ْذ َهبُوا َحتّ ى يَ ْ‬
‫ت ِمنْهُمْ‬
‫ض َش ْأنِهِمْ َفأْذَنْ لِمَ نْ شِئْ َ‬ ‫الّذِي نَ يَسَْتأْ ِذنُونَكَ ُأوَْلئِكَ الّذِي َن ُي ْؤ ِمنُو َن بِاللّ ِه وَرَسُولِهِ َفإِذَا اسَْتأْ َذنُوكَ ِلَبعْ ِ‬
‫وَا ْسَت ْغفِرْ َلهُمْ اللّهَ ِإنّ اللّ َه َغفُورٌ رَحِيمٌ (‪)62‬‬

‫‪648‬‬
‫إنا الؤمنون حقًا هم الذين صدّقوا ال ورسوله‪ ،‬وعملوا بشرعه‪ ،‬وإذا كانوا مع النب صلى ال عليه وسلم‬
‫على أمر جعهم له ف مصلحة السلمي‪ ،‬ل ينصرف أحد منهم حت يستأذنه‪ ،‬إن الذين يستأذنونك ‪-‬‬
‫أي ها ال نب ‪ -‬هم الذ ين يؤمنون بال ور سوله حقًا‪ ،‬فإذا ا ستأذنوك لب عض حاجت هم َفأْذَن ل ن شئت م ن‬
‫طلب الذن ف الن صراف لعذر‪ ،‬واطلب ل م الغفرة من ال‪ .‬إن ال غفور لذنوب عباده التائب ي‪ ،‬رح يم‬
‫بم‪.‬‬

‫ضكُ ْم َبعْضا َق ْد َيعْلَ مُ اللّ ُه الّذِي نَ َيتَ سَلّلُونَ ِمْنكُ مْ ِلوَاذا َف ْليَحْذَرْ‬
‫جعَلُوا ُدعَاءَ الرّ سُو ِل َبْينَكُ مْ كَ ُدعَا ِء َبعْ ِ‬
‫ل تَ ْ‬
‫الّذِينَ يُخَاِلفُو َن عَنْ َأمْ ِرهِ َأ ْن ُتصِيَبهُمْ ِفْتنَةٌ َأ ْو ُيصِيَبهُ ْم عَذَابٌ أَلِيمٌ (‪)63‬‬

‫ل تقولوا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬عند ندائكم رسول ال‪ :‬يا ممد‪ ،‬ول يا ممد بن عبد ال‪ ،‬كما يقول ذلك‬
‫بعضكم لبعض‪ ,‬ولكن شرّفوه‪ ،‬وقولوا‪ :‬يا نب ال‪ ,‬يا رسول ال‪ .‬قد يعلم ال النافقي الذين يرجون من‬
‫ملس النب صلى ال عليه وسلم خفية بغي إذنه‪ ،‬يلوذ بعضهم ببعض‪ ،‬فلَيحْذَر الذين يالفون أمر رسول‬
‫ال أن تنل بم منة وشر‪ ،‬أو يصيبهم عذاب مؤل موجع ف الخرة‪.‬‬

‫ت وَالَرْ ضِ َق ْد َيعْلَ ُم مَا َأْنتُ ْم عََليْ هِ َوَيوْ َم يُرْ َجعُو نَ إَِليْ هِ َفُيَنبُّئهُ مْ بِمَا عَمِلُوا وَاللّ هُ‬
‫أَل ِإنّ ِللّ ِه مَا فِي ال سّ َموَا ِ‬
‫بِكُ ّل َشيْ ٍء عَلِيمٌ (‪)64‬‬

‫أل إن ل ما ف السموات والرض خلقًا وملكًا وعبادة‪ ,‬قد أحاط علمه بميع ما أنتم عليه‪ ,‬ويوم يرجع‬
‫العباد إل يه ف الخرة‪ ,‬ي بهم بعمل هم‪ ,‬ويازي هم عل يه‪ ،‬وال ب كل ش يء عل يم‪ ،‬ل ت فى عل يه أعمال م‬
‫وأحوالم‪.‬‬

‫‪ -25‬سورة الفرقان‬

‫ي نَذِيرا (‪)1‬‬
‫َتبَارَ َك الّذِي نَزّلَ الْفُرْقَا َن عَلَى عَبْ ِدهِ ِلَيكُونَ ِل ْلعَالَمِ َ‬

‫عَظُمَتْ بركات ال‪ ,‬وكثرت خياته‪ ,‬وكملت أوصافه سبحانه وتعال الذي نزّل القرآن الفارق بي الق‬

‫‪649‬‬
‫والباطل على عبده ممد صلى ال عليه وسلم؛ ليكون رسول للنس والن‪ ,‬موّفًا لم من عذاب ال‪.‬‬

‫ك وَ َخلَقَ كُ ّل َشيْءٍ َف َقدّرَهُ‬


‫ض وَلَ ْم َيتّخِ ْذ وَلَدا وَلَ ْم َيكُنْ لَ ُه شَرِيكٌ فِي الْمُلْ ِ‬
‫ك السّ َموَاتِ وَالَرْ ِ‬
‫الّذِي لَ ُه مُلْ ُ‬
‫َتقْدِيرا (‪)2‬‬

‫الذي له ملك ال سموات والرض‪ ,‬ول يت خذ ولدًا‪ ,‬ول ي كن له شر يك ف مل كه‪ ,‬و هو الذي خلق كل‬
‫شيء‪ ,‬فسوّاه على ما يناسبه من اللق وَفْق ما تقتضيه حكمته دون نقص أو خلل‪.‬‬

‫ضرّا وَل َنفْعا وَل يَ ْمِلكُونَ‬


‫سهِمْ َ‬
‫خُلقُو َن َشيْئا َوهُ ْم يُخَْلقُونَ وَل يَ ْمِلكُونَ لَنفُ ِ‬
‫خذُوا مِنْ دُونِهِ آِل َه ًة ل يَ ْ‬
‫وَاتّ َ‬
‫َموْتا وَل َحيَاةً وَل نُشُورا (‪)3‬‬

‫واتذ مشركو العرب معبودات من دون ال ل تستطيع َخلْق شيء‪ ،‬وال خلقها وخلقهم‪ ,‬ول تلك‬
‫لنفسها دَفْعَ ضر أو جلب نفع‪ ,‬ول تستطيع إماتة حي أو إحياء ميت‪ ,‬أو بعث أحد من الموات حيًا من‬
‫قبه‪.‬‬

‫ك ا ْفتَرَا ُه َوَأعَانَ ُه عََليْهِ َق ْومٌ آخَرُونَ َف َقدْ جَاءُوا ظُلْما وَزُورا (‪)4‬‬
‫وَقَا َل الّذِينَ َكفَرُوا ِإ ْن هَذَا إِلّ إِفْ ٌ‬

‫وقال الكافرون بال‪ :‬ما هذا القرآن إل كذب وبتان اختلقه ممد‪ ,‬وأعانه على ذلك أناس آخرون‪ ,‬فقد‬
‫ارتكبوا ظلمًا فظيعًا‪ ,‬وأتوا زورًا شنيعًا؛ فالقرآن ليس ما يكن لبشر أن يتلقه‪.‬‬

‫ي اكَْتَتَبهَا َف ِه َي تُمْلَى عََليْهِ بُكْ َر ًة َوأَصِيلً (‪)5‬‬


‫وَقَالُوا َأسَاطِيُ ا َلوّلِ َ‬

‫وقالوا عن القرآن‪ :‬هو أحاديث الولي السطرة ف كتبهم‪ ،‬استنسخها ممد‪ ،‬فهي ُتقْرَأ عليه صباحًا‬
‫ومساء‪.‬‬

‫قُلْ أَنزَلَ ُه الّذِي َيعْلَمُ السّرّ فِي السّ َموَاتِ وَالَ ْرضِ ِإنّهُ كَا َن َغفُورا َرحِيما (‪)6‬‬

‫‪650‬‬
‫قل ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬لؤلء الكفار‪ :‬إن الذي أنزل القرآن هو ال الذي أحاط علمه با ف السموات‬
‫والرض‪ ،‬إنه كان غفورًا لن تاب من الذنوب والعاصي‪ ،‬رحيمًا بم حيث ل يعاجلهم بالعقوبة‪.‬‬

‫وَقَالُوا مَا ِل هَذَا الرّسُو ِل َيأْكُلُ ال ّطعَا َم َويَمْشِي فِي الَ ْسوَاقِ َلوْل أُنزِلَ إَِليْهِ مَلَكٌ َفَيكُونَ َمعَ ُه نَذِيرا (‪َ )7‬أوْ‬
‫ل مَسْحُورا (‪)8‬‬ ‫يُ ْلقَى إَِليْهِ كَنٌ َأ ْو َتكُونُ لَهُ َجّن ٌة يَأْكُ ُل ِمْنهَا وَقَالَ الظّالِمُونَ ِإ ْن تَّتِبعُونَ إِلّ رَ ُج ً‬

‫وقال الشركون‪ :‬ما لذا الذي يزعم أنه رسول ال (يعنون ممدًا صلى ال عليه وسلم) يأكل الطعام‬
‫مثلنا‪ ،‬ويشي ف السواق لطلب الرزق؟ فهل أرسل ال معه مََلكًا يشهد على صدقه‪ ،‬أو يهبط عليه من‬
‫السماء كن من مال‪ ,‬أو تكون له حديقة عظيمة يأكل من ثرها‪ ,‬وقال هؤلء الظالون الكذبون‪ :‬ما‬
‫تتبعون أيها الؤمنون إل رجل به سحر غلب على عقله‪.‬‬

‫ستَطِيعُونَ َسبِيلً (‪)9‬‬


‫ك ا َل ْمثَالَ َفضَلّوا فَل يَ ْ‬
‫انظُرْ َكيْفَ ضَ َربُوا لَ َ‬

‫انظر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬كيف قال الكذبون ف حقك تلك القوال العجيبة الت تشبه ‪-‬لغرابتها‪ -‬المثال؛‬
‫ليتوصلوا إل تكذيبك؟ فَبعُدوا بذلك عن الق‪ ,‬فل يدون سبيل إليه؛ ليصححوا ما قالوه فيك من‬
‫الكذب والفتراء‪.‬‬

‫جعَلْ لَ كَ قُ صُورا (‬
‫حتِهَا الَْنهَا ُر َويَ ْ‬
‫جرِي مِ ْن َت ْ‬
‫ت تَ ْ‬
‫َتبَارَ َك الّذِي إِ نْ شَاءَ َجعَلَ لَ كَ َخيْرا مِ نْ ذَلِ كَ َجنّا ٍ‬
‫‪)10‬‬

‫عَظُ َمتْ بركات ال‪ ,‬و َكثُرَتْ خياته‪ ,‬الذي إن شاء جعل لك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬خيًا ما تنّوه لك‪،‬‬
‫فجعل لك ف الدنيا حدائق كثية تتخللها النار‪ ،‬وجعل لك فيها قصورًا عظيمة‪.‬‬

‫ب بِالسّا َع ِة َسعِيا (‪)11‬‬


‫بَلْ كَ ّذبُوا بِالسّا َعةِ َوَأ ْعتَ ْدنَا ِلمَنْ كَذّ َ‬

‫وما كذبوك؛ لنك تأكل الطعام‪ ,‬وتشي ف السواق‪ ،‬بل كذّبوا بيوم القيامة وما فيه من جزاء‪ ،‬وأعتدنا‬
‫سعّر بم‪.‬‬
‫لن كذب بالساعة نارًا حارة تُ َ‬

‫‪651‬‬
‫إِذَا َرَأْتهُم مِ ْن َمكَا ٍن َبعِي ٍد سَ ِمعُوا َلهَا َت َغيّظا وَزَفِيا (‪)12‬‬

‫إذا رأت النار هؤلء الكذبي يوم القيامة من مكان بعيد‪ ،‬سعوا صوت غليانا وزفيها‪ ،‬من شدة تغيظها‬
‫منهم‪.‬‬

‫ك ُثبُورا (‪)13‬‬
‫ضيّقا ُمقَ ّرنِيَ َد َعوْا ُهنَالِ َ‬
‫َوإِذَا أُلْقُوا ِمْنهَا َمكَانا َ‬

‫وإذا أُلقوا ف مكان شديد الضيق من جهنم‪ -‬وقد قُرِنت أيديهم بالسلسل إل أعناقهم‪َ -‬د َعوْا على‬
‫أنفسهم باللك للخلص منها‪.‬‬

‫ل تَ ْدعُوا الَْي ْو َم ثُبُورا وَاحِدا وَا ْدعُوا ُثبُورا َكثِيا (‪)14‬‬

‫فيقال لم تيئيسًا‪ ،‬ل تَدْعوا اليوم باللك مرة واحدة‪ ،‬بل مرات كثية‪ ،‬فلن يزيدكم ذلك إل غمّا‪ ،‬فل‬
‫خلص لكم‪.‬‬

‫قُلْ أَذَلِكَ َخيْرٌ َأمْ َجّنةُ الْخُلْ ِد اّلتِي ُوعِ َد الْ ُمّتقُونَ كَانَتْ َلهُمْ َجزَا ًء َومَصِيا (‪)15‬‬

‫قل لم ‪ -‬أيها الرسول ‪ :-‬أهذه النار الت وُصِفتْ لكم خيٌ أم جنة النعيم الدائم الت ُوعِد با الائفون‬
‫من عذاب ربم‪ ،‬كانت لم ثوابًا على عملهم‪ ،‬ومآل يرجعون إليه ف الخرة؟‬

‫سئُولً (‪)16‬‬
‫َلهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَا َن عَلَى َربّكَ وَعْدا مَ ْ‬

‫لؤلء الطيعي ف النة ما يشتهون من مل ّذ النعيم‪ ,‬متاعهم فيه دائم‪ ،‬كان دخولم إياها على ربك ‪-‬‬
‫أيها الرسول ‪ -‬وعدًا مسؤول يسأله عباد ال التقون‪ ،‬وال ل يلف وعده‪.‬‬

‫ش ُرهُ ْم َومَا َي ْعبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ َفَيقُولُ َأأَْنتُمْ أَضَْل ْلتُ ْم ِعبَادِي َهؤُلءِ َأ ْم هُمْ ضَلّوا السّبِيلَ (‪)17‬‬
‫َوَيوْ َم يَحْ ُ‬

‫‪652‬‬
‫ويوم القيامة يشر ال الشركي وما كانوا يعبدونه من دونه‪ ,‬فيقول لؤلء العبودين‪ :‬أأنتم أضللتم‬
‫عبادي هؤلء عن طريق الق‪ ،‬وأمرتوهم بعبادتكم‪ ،‬أم هم ضلوا السبيل‪ ،‬فعبدوكم مِن تلقاء أنفسهم؟‬

‫قَالُوا ُسبْحَانَكَ مَا كَا َن َينَْبغِي َلنَا أَ ْن َنتّخِ َذ مِنْ دُونِكَ مِنْ َأوِْليَاءَ وََلكِنْ َمّت ْعَتهُ ْم وَآبَا َءهُمْ َحتّى نَسُوا الذّكْرَ‬
‫وَكَانُوا َقوْما بُورا (‪)18‬‬

‫قال العبودون من دون ال‪ :‬تنيهًا لك‪ -‬يا ربنا‪ -‬عَمّا فعل هؤلء‪ ،‬فما يصحّ أن َنتّخِذ سواك أولياء‬
‫نواليهم‪ ,‬ولكن متعتَ هؤلء الشركي وآباءهم بالال والعافية ف الدنيا‪ ،‬حت نسوا ذكرك فأشركوا بك‪،‬‬
‫وكانوا قومًا هلكى غلب عليهم الشقاء والِذْلن ‪.‬‬

‫ستَطِيعُونَ صَرْفا وَل َنصْرا َومَ ْن يَظْلِ ْم ِمْنكُ ْم نُذِقْ ُه عَذَابا َكبِيا (‪)19‬‬
‫َفقَدْ كَ ّذبُوكُ ْم بِمَا َتقُولُونَ فَمَا تَ ْ‬

‫فيقال للمشركي‪ :‬لقد كذّبكم هؤلء الذين عبدتوهم ف ادّعائكم عليهم‪ ،‬فها أنتم أولء ل تستطيعون‬
‫دَ ْفعًا للعذاب عن أنفسكم‪ ،‬ول نصرًا لا‪ ،‬ومَن يشرك بال فيظلم نفسه ويعبد غي ال‪ ،‬ويت على ذلك‪،‬‬
‫يعذبه ال عذابًا شديدًا‪.‬‬

‫ضكُ مْ ِلَبعْ ضٍ‬


‫ق وَ َجعَ ْلنَا َبعْ َ‬
‫ك مِ ْن الْمُرْ سَِليَ إِلّ ِإّنهُ مْ َلَيأْكُلُو نَ ال ّطعَا مَ َويَمْشُو نَ فِي الَ ْسوَا ِ‬
‫وَما أَرْ سَ ْلنَا َقبْلَ َ‬
‫ك َبصِيا (‪)20‬‬ ‫ِفْتنَةً َأَتصْبِرُو َن وَكَانَ َربّ َ‬

‫وما أرسلنا قبلك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬أحدًا مِن رسلنا إل كانوا بشرًا‪ ،‬يأكلون الطعام‪ ،‬ويشون ف‬
‫السواق‪ .‬وجعلنا بعضكم‪ -‬أيها الناس‪ -‬لبعض ابتلء واختبارًا بالدى والضلل‪ ،‬والغن والفقر‪ ،‬والصحة‬
‫والرض‪ ،‬هل تصبون‪ ،‬فتقوموا با أوجبه ال عليكم‪ ،‬وتشكروا له‪ ،‬فيثيبكم مولكم‪ ،‬أو ل تصبون‬
‫فتستحقوا العقوبة؟ وكان ربك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬بصيًا بن يزع أو يصب‪ ،‬وبن يكفر أو يشكر‪.‬‬

‫‪653‬‬
‫الزء التاسع عشر‪:‬‬

‫سهِ ْم َوعََتوْا ُعُتوّا‬


‫وَقَا َل الّذِي َن ل يَرْجُو نَ ِلقَا َءنَا َلوْل أُنزِ َل عََلْينَا الْمَلِئ َكةُ َأ ْو نَرَى َرّبنَا َلقَ ْد ا ْستَ ْكبَرُوا فِي أَنفُ ِ‬
‫َكبِيا (‪)21‬‬

‫خبِرنا بأن ممدًا‬


‫وقال الذين ل يؤمّلون لقاء ربم بعد موتم لنكارهم له‪ :‬هل أُنزل علينا اللئكة‪ ,‬فتُ ْ‬
‫صادق‪ ،‬أو نرى ربنا عِيانًا‪ ،‬فيخبنا بصدقه ف رسالته‪ .‬لقد أُعجِبوا بأنفسهم واستعَلوْا حيث اجترؤوا على‬
‫هذا القول‪ ,‬وتاوزوا ال ّد ف طغيانم وكفرهم‪.‬‬

‫حجُورا (‪)22‬‬
‫ي َوَيقُولُونَ حِجْرا مَ ْ‬
‫ج ِرمِ َ‬
‫شرَى َي ْومَئِذٍ لِ ْلمُ ْ‬
‫َي ْومَ يَ َر ْو َن الْمَلِئ َكةَ ل بُ ْ‬

‫يوم يرون اللئكة عند الحتضار‪ ،‬وف القب‪ ،‬ويوم القيامة‪ ،‬على غي الصورة الت اقترحوها ل لتبشرهم‬
‫بالنة‪ ,‬ولكن لتقول لم‪ :‬جعل ال النة مكانًا مرمًا عليكم‪.‬‬

‫ج َع ْلنَا ُه َهبَاءً َمْنثُورا (‪)23‬‬


‫وَقَ ِد ْمنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِ ْن عَمَلٍ فَ َ‬

‫وقَ ِدمْنا إل ما عملوه مِن مظاهر الي والب‪ ،‬فجعلناه باطل مضمحل ل ينفعهم كالباء النثور‪ ،‬وهو ما‬
‫يُرى ف ضوء الشمس من خفيف الغبار؛ وذلك أن العمل ل ينفع ف الخرة إل إذا توفر ف صاحبه‪:‬‬
‫اليان بال‪ ،‬والخلص له‪ ،‬والتابعة لرسوله ممد‪ ،‬صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫سَتقَرّا َوأَحْسَ ُن َمقِيلً (‪)24‬‬


‫جّن ِة َي ْومَئِذٍ َخيْ ٌر مُ ْ‬
‫ب الْ َ‬
‫أَصْحَا ُ‬

‫أصحاب النة يوم القيامة خي مستقرًا من أهل النار وأحسن منازل ف النة‪ ,‬فراحتهم تامة‪ ،‬ونعيمهم ل‬
‫يشوبه كدر‪.‬‬

‫‪654‬‬
‫شقّقُ السّمَا ُء بِاْلغَمَامِ َونُزّ َل الْمَلِئ َكةُ تَنِيلً (‪)25‬‬
‫َوَيوْ َم تَ َ‬

‫واذكر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬ذلك اليوم الذي تتشقق فيه السماء‪ ،‬ويظهر من فتحاتا السحاب البيض‬
‫الرقيق‪ ،‬وينل ال ملئكة السموات يومئذ‪ ،‬فيحيطون باللئق ف الحشر‪ ،‬ويأت ال تبارك وتعال لفصل‬
‫القضاء بي العباد‪ ،‬إتيانًا يليق بلله‪.‬‬

‫حقّ لِلرّحْ َم ِن وَكَا َن َيوْما عَلَى اْلكَافِرِي َن عَسِيا (‪)26‬‬


‫ك َي ْو َمئِذٍ الْ َ‬
‫الْمُلْ ُ‬

‫الُلْك الق ف هذا اليوم للرحن وحده دون مَن سواه‪ ،‬وكان هذا اليوم صعبًا شديدًا على الكافرين‪ ،‬لا‬
‫ينالم من العقاب والعذاب الليم‪.‬‬

‫ت مَ عَ الرّ سُولِ َسبِيلً (‪ )27‬يَا َويَْلتِي َلْيتَنِي لَ مْ َأتّخِذْ‬


‫خذْ ُ‬ ‫َوَيوْ مَ َي َعضّ الظّالِ ُم عَلَى يَ َديْ ِه َيقُو ُل يَا َليَْتنِي اتّ َ‬
‫شيْطَانُ ِللِنسَانِ خَذُولً (‪)29‬‬ ‫ضّلنِي عَنْ الذّكْ ِر َبعْدَ إِذْ جَا َءنِي وَكَانَ ال ّ‬ ‫فُلنا خَلِيلً (‪َ )28‬لقَدْ أَ َ‬

‫واذكر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬يوم يَ َعضّ الظال لنفسه على يديه ندمًا وتسرًا قائل يا ليتن صاحبت رسول ال‬
‫ممدًا صلى ال عليه وسلم واتبعته ف اتاذ السلم طريقًا إل النة‪ ،‬ويتحسّر قائل يا ليتن ل أتذ الكافر‬
‫فلنًا صديقًا أتبعه وأوده‪ .‬لقد أضلّن هذا الصديق عن القرآن بعد إذ جاءن‪ .‬وكان الشيطان الرجيم‬
‫خذول للنسان دائمًا‪ .‬وف هذه اليات التحذير من مصاحبة قرين السوء؛ فإنه قد يكون سببًا لدخال‬
‫قرينه النار‪.‬‬

‫خذُوا هَذَا اْلقُرْآنَ َمهْجُورا (‪)30‬‬


‫وَقَالَ ال ّرسُو ُل يَا رَبّ ِإنّ َق ْومِي اتّ َ‬

‫ب إن قومي تركوا هذا القرآن وهجروه‪ ،‬متمادين ف إعراضهم‬


‫وقال الرسول شاكيًا ما صنع قومه‪ :‬يا ر ّ‬
‫عنه وتَ ْر ِك تدبّره والعمل به وتبليغه‪ .‬وف الية تويف عظيم لن هجر القرآن فلم يعمل به‪.‬‬

‫ك هَادِيا َونَصِيا (‪)31‬‬


‫ي وَ َكفَى بِ َربّ َ‬
‫ج ِرمِ َ‬
‫وَكَذَلِكَ َجعَ ْلنَا ِلكُ ّل َنبِ ّي عَ ُدوّا مِ ْن الْمُ ْ‬

‫‪655‬‬
‫وكما جعلنا لك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬أعداء من مرمي قومك‪ ،‬جعلنا لكل نبّ من النبياء عدوًا من مرمي‬
‫قومه‪ ،‬فاصب كما صبوا‪ .‬وكفى بربك هاديًا ومرشدًا ومعينًا يعينك على أعدائك‪ .‬وف هذا تسلية لنبيه‬
‫ممد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫وَقَا َل الّذِينَ َكفَرُوا َلوْل نُزّ َل عََليْهِ اْلقُرْآنُ جُ ْمَل ًة وَاحِ َدةً َكذَلِكَ ِلنَُثّبتَ بِهِ ُفؤَا َدكَ وَ َرتّ ْلنَاهُ تَ ْرتِيلً (‪)32‬‬

‫وقال الذين كفروا‪ :‬هل أنزل القرآن على ممد جلة واحدة كالتوراة والنيل والزبور! قال ال سبحانه‬
‫وتعال‪ :‬كذلك أنزلناه مفرقًا؛ لنقوّي به قلبك وتزداد به طمأنينة‪ ،‬فتعيه وتمله‪ ،‬وبيّنّاه ف تثبت و ُمهْلَة‪.‬‬

‫ح ّق َوأَحْسَ َن َتفْسِيا (‪)33‬‬


‫ك بِ َمثَلٍ إِلّ ِجْئنَاكَ بِالْ َ‬
‫وَل يَ ْأتُونَ َ‬

‫ول يأتيك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬الشركون بجة أو شبهة إل جئناك بالواب الق وبأحسن بيان له‪.‬‬

‫ك شَ ّر َمكَانا َوأَضَ ّل سَبِيلً (‪)34‬‬


‫الّذِي َن يُحْشَرُو َن عَلَى ُوجُو ِههِمْ إِلَى َج َهنّمَ ُأوْلَئِ َ‬

‫أولئك الكفار هم الذين يُسحبون على وجوههم إل جهنم‪ ,‬وأولئك هم شر الناس منلة‪ ،‬وأبعدهم طريقًا‬
‫عن الق‪.‬‬

‫ب وَ َجعَلْنَا َمعَ هُ َأخَا هُ هَارُو َن وَزِيرا (‪َ )35‬فقُلْنَا ا ْذهَبَا إِلَى اْل َقوْ ِم الّذِي نَ كَ ّذبُوا‬
‫وََلقَ ْد آتَيْنَا مُو سَى الْ ِكتَا َ‬
‫بِآيَاِتنَا فَ َدمّ ْرنَاهُ ْم تَ ْدمِيا (‪)36‬‬

‫ولقد آتينا موسى التوراة‪ ،‬وجعلنا معه أخاه هارون معينًا له‪ ،‬فقلنا لما‪ :‬اذهبا إل فرعون وقومه الذين‬
‫كذّبوا بدلئل ربوبيتنا وألوهيتنا‪ ,‬فذهبا إليهم‪ ،‬ف َدعَواهم إل اليان بال وطاعته وعدم الشراك به‪،‬‬
‫فكذّبوها‪ ،‬فأهلكناهم إهلكًا عظيمًا‪.‬‬

‫ي عَذَابا أَلِيما (‪)37‬‬


‫س آَي ًة َوأَ ْعتَ ْدنَا لِلظّاِلمِ َ‬
‫وََق ْومَ نُوحٍ َلمّا كَ ّذبُوا ال ّرسُلَ َأغْرَ ْقنَاهُ ْم وَ َجعَ ْلنَاهُمْ لِلنّا ِ‬

‫‪656‬‬
‫وأغرقنا قوم نوح بالطوفان حي كذّبوه‪ .‬ومن كذب رسول فقد كذب الرسل جيعًا‪ .‬وجعلنا إغراقهم‬
‫للناس عبة‪ ،‬وجعلنا لم ولن سلك سبيلهم ف التكذيب يوم القيامة عذابًا موجعًا‪.‬‬

‫س وَُقرُونا َبيْنَ ذَلِكَ َكثِيا (‪)38‬‬


‫َوعَادا َوثَمُو َد َوأَصْحَابَ الرّ ّ‬

‫وأهلكنا عادًا قوم هود‪ ،‬وثود قوم صال‪ ،‬وأصحاب البئر وأمًا كثية بي قوم نوح وعاد وثود وأصحاب‬
‫الرسّ‪ ،‬ل يعلمهم إل ال‪.‬‬

‫ض َرْبنَا لَ ُه ا َل ْمثَا َل وَ ُكلّ َتبّ ْرنَا َتتْبِيا (‪)39‬‬


‫وَ ُكلّ َ‬

‫وكل المم بّينّا لم الجج‪ ،‬ووضّحنا لم الدلة‪ ,‬وأزحنا العذار عنهم‪ ،‬ومع ذلك ل يؤمنوا‪ ،‬فأهلكناهم‬
‫بالعذاب إهلكًا‪.‬‬

‫سوْءِ أَفَلَ ْم َيكُونُوا يَ َر ْوَنهَا بَلْ كَانُوا ل َيرْجُونَ نُشُورا (‪)40‬‬


‫ت مَطَرَ ال ّ‬
‫وََلقَدْ َأتَوْا عَلَى اْلقَ ْرَي ِة الّتِي ُأمْطِرَ ْ‬

‫ولقد كان مشركو "مكة" يرون ف أسفارهم على قرية قوم لوط‪ ،‬وهي قرية "سدوم" الت أُهلِكت‬
‫بالجارة من السماء‪ ،‬فلم يعتبوا با‪ ،‬بل كانوا ل يرجون معادًا يوم القيامة يازون فيه‪.‬‬

‫خذُونَ كَ إِلّ هُزُوا َأهَذَا الّذِي بَعَ ثَ اللّ هُ رَ سُولً (‪ )41‬إِ نْ كَادَ َليُضِّلنَا عَ نْ آِل َهِتنَا َلوْل أَ نْ‬‫َوإِذَا َرَأوْ كَ إِ نْ َيتّ ِ‬
‫ض ّل َسبِيلً (‪)42‬‬
‫ف َيعْلَمُونَ حِيَ يَ َر ْونَ اْلعَذَابَ مَنْ أَ َ‬
‫صبَ ْرنَا عََلْيهَا َو َسوْ َ‬ ‫َ‬

‫وإذا رآك هؤلء الكذبون ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬استهزؤوا بك قائلي‪ :‬أهذا الذي يزعم أن ال بعثه رسول‬
‫إلينا؟ إنه قارب أن يصرفنا عن عبادة أصنامنا بقوة حجته وبيانه‪ ,‬لول أن َثَبتْنا على عبادتا‪ ،‬وسوف‬
‫يعلمون حي يرون ما يستحقون من العذاب‪ :‬مَن أضل دينًا أهم أم ممد؟‬

‫ت َتكُو ُن عََليْهِ وَكِيلً (‪)43‬‬


‫ت مَ ْن اتّخَذَ إَِلهَ ُه َهوَاهُ أََفَأنْ َ‬
‫أَ َرَأيْ َ‬

‫‪657‬‬
‫انظر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬متعجبًا إل مَن أطاع هواه كطاعة ال‪ ،‬أفأنت تكون عليه حفيظًا حت تردّه إل‬
‫اليان؟‬

‫سبُ َأنّ أَكْثَ َرهُ ْم يَسْ َمعُونَ َأ ْو َي ْعقِلُونَ ِإنْ هُمْ إِلّ كَا َلْنعَامِ بَ ْل هُمْ أَضَ ّل َسبِيلً (‪)44‬‬
‫َأمْ َتحْ َ‬

‫أم تظن أن أكثرهم يسمعون آيات ال ساع تدبر‪ ،‬أو يفهمون ما فيها؟ ما هم إل كالبهائم ف عدم‬
‫النتفاع با يسمعونه‪ ،‬بل هم أضل طريقًا منها‪.‬‬

‫ضنَاهُ‬
‫جعَلَهُ سَاكِنا ثُمّ َجعَ ْلنَا الشّمْسَ عََليْهِ دَلِيلً (‪ )45‬ثُمّ َقَب ْ‬
‫أَلَ ْم تَرَى إِلَى َربّكَ َكيْفَ مَدّ الظّلّ وََلوْ شَاءَ َل َ‬
‫إَِليْنَا َقبْضا يَسِيا (‪)46‬‬

‫أل تر كيف مدّ ال الظل من طلوع الفجر إل طلوع الشمس؟ ولو شاء لعله ثابتًا مستقرًا ل تزيله‬
‫الشمس‪ ،‬ث جعلنا الشمس علمة يُستَدَ ّل بأحوالا على أحواله‪ ،‬ث َتقَّلصَ الظل يسيًا يسيًا‪ ،‬فكلما ازداد‬
‫ارتفاع الشمس ازداد نقصانه‪ .‬وذلك من الدلة على قدرة ال وعظمته‪ ،‬وأنه وحده الستحق للعبادة دون‬
‫سواه‪.‬‬

‫َو ُهوَ الّذِي َجعَلَ َلكُمْ الّليْلَ ِلبَاسا وَالّن ْومَ سُبَاتا وَ َجعَ َل الّنهَارَ نُشُورا (‪)47‬‬

‫وال تعال هو الذي جعل لكم الليل ساترًا لكم بظلمه كما يستركم اللباس‪ ،‬وجعل النوم راحة‬
‫لبدانكم‪ ،‬وجعل لكم النهار؛ لتنتشروا ف الرض‪ ،‬وتطلبوا معايشكم‪.‬‬

‫حيِيَ بِ ِه بَلْ َد ًة َميْتا‬


‫َو ُهوَ الّذِي أَرْسَلَ ال ّريَاحَ بُشْرا َبيْنَ يَدَيْ رَحْ َمتِ ِه َوأَنزَْلنَا مِ ْن السّمَا ِء مَا ًء َطهُورا (‪ِ )48‬لنُ ْ‬
‫َونُسْ ِقيَ ُه مِمّا َخَل ْقنَا َأْنعَاما َوَأنَا ِسيّ َكثِيا (‪)49‬‬

‫وهو الذي أرسل الرياح الت تمل السحاب‪ ،‬تبشر الناس بالطر رحة منه‪ ،‬وأنزلنا من السماء ماء ُيتَ َطهّر‬
‫به ؛ لنخرج به النبات ف مكان ل نبات فيه ‪ ،‬فيحيا البلد الدب بعد موات‪ ،‬ونُسْقي ذلك الاء مِن‬
‫خَ ْلقِنا كثيًا من النعام والناس‪.‬‬

‫‪658‬‬
‫وََلقَدْ صَرّ ْفنَا ُه َبيَْنهُمْ ِليَذّكّرُوا َفأَبَى أَكْثَ ُر النّاسِ إِلّ ُكفُورا (‪)50‬‬

‫ولقد أنزلنا الطر على أرض دون أخرى؛ ليذكر الذين أنزلنا عليهم الطر نعمة ال عليهم‪ ،‬فيشكروا له‪،‬‬
‫وليذكر الذين مُنعوا منه‪ ،‬فيسارعوا بالتوبة إل ال ‪ -‬جل وعل‪ -‬ليحهم ويسقيهم‪ ،‬فأب أكثر الناس إل‬
‫جحودًا لنعمنا عليهم‪ ،‬كقولم‪ :‬مطرنا بَنوْء كذا وكذا‪.‬‬

‫وََلوْ ِشْئنَا َلَبعَْثنَا فِي كُلّ َق ْرَيةٍ نَذِيرا (‪ )51‬فَل تُطِ ْع اْلكَافِرِي َن وَجَاهِ ْدهُ ْم بِهِ ِجهَادا َكبِيا (‪)52‬‬

‫ولو شئنا لبعثنا ف كل قرية نذيرًا‪ ،‬يدعوهم إل ال عز وجل‪ ،‬وينذرهم عذابه‪ ،‬ولكنا جعلناك ‪ -‬أيها‬
‫الرسول ‪ -‬مبعوثًا إل جيع أهل الرض‪ ،‬وأمرناك أن تبلغهم هذا القرآن‪ ،‬فل تطع الكافرين ف ترك شيء‬
‫ما أرسلتَ به‪ ،‬بل ابذل جهدك ف تبليغ الرسالة‪ ,‬وجاهد الكافرين بذا القرآن جهادًا كبيًا‪ ،‬ل يالطه‬
‫فتور‪.‬‬

‫حجُورا (‬
‫ج وَ َجعَ َل َبيَْنهُمَا بَ ْرزَخا وَ ِحجْرا مَ ْ‬
‫ت َوهَذَا مِ ْل حٌ أُجَا ٌ‬
‫ج اْلبَحْ َريْ ِن هَذَا عَذْ بٌ فُرَا ٌ‬
‫َو ُهوَ الّذِي مَ َر َ‬
‫‪)53‬‬

‫وال هو الذي خلط البحرين‪ :‬العذب السائغ الشراب‪ ،‬واللح الشديد اللوحة‪ ،‬وجعل بينهما حاجزًا ينع‬
‫كل واحدٍ منهما من إفساد الخر‪ ،‬ومانعًا مِن أن يصل أحدها إل الخر‪.‬‬

‫صهْرا وَكَانَ َربّكَ َقدِيرا (‪)54‬‬


‫جعَلَ ُه نَسَبا وَ ِ‬
‫َو ُهوَ الّذِي َخلَ َق مِ ْن الْمَا ِء بَشَرا َف َ‬

‫وهو الذي خلق مِن منّ الرجل والرأة ذرية ذكورًا وإناثًا‪ ،‬فنشأ من هذا قرابة النسب وقرابة الصاهرة‪.‬‬
‫وكان ربك قديرًا على خلق ما يشاء‪.‬‬

‫َوَيعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّ ِه مَا ل يَن َفعُهُ ْم وَل َيضُ ّرهُ ْم وَكَانَ اْلكَافِ ُر عَلَى َربّ ِه َظهِيا (‪)55‬‬

‫‪659‬‬
‫ومع كل هذه الدلئل على قدرة ال وإنعامه على خلقه يَعب ُد الكفار مِن دون ال ما ل ينفعهم إن عبدوه‪,‬‬
‫ول يضرهم إن تركوا عبادته‪ ,‬وكان الكافر عونًا للشيطان على ربه بالشرك ف عبادة ال‪ ,‬مُظَاهِرًا له على‬
‫معصيته‪.‬‬

‫َومَا أَ ْرسَ ْلنَاكَ إِ ّل ُمبَشّرا َونَذِيرا (‪)56‬‬

‫وما أرسلناك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬إل مبشرًا للمؤمني بالنة ومنذرًا للكافرين بالنار‪.‬‬

‫خذَ إِلَى َربّ ِه َسبِيلً (‪)57‬‬


‫قُ ْل مَا َأ ْسأَلُكُ ْم عََليْ ِه مِنْ أَجْرٍ إِلّ مَ ْن شَاءَ َأنْ يَتّ ِ‬

‫قل لم‪ :‬ل أطلب منكم على تبليغ الرسالة أيّ أجر‪ ،‬لكنْ من أراد أن يهتدي ويسلك سبيل الق إل ربه‬
‫وينفق ف مرضاته‪ ،‬فلست أُجبكم عليه‪ ,‬وإنا هو خي لنفسكم‪.‬‬

‫ب ِعبَا ِدهِ َخبِيا (‪)58‬‬


‫حمْ ِد ِه وَ َكفَى بِهِ بِ ُذنُو ِ‬
‫ح ّي الّذِي ل يَمُوتُ َو َسبّ ْح بِ َ‬
‫َوَتوَكّ ْل عَلَى الْ َ‬

‫وتوكل على ال الذي له جيع معان الياة الكاملة كما يليق بلله الذي ل يوت‪ ،‬ونزّهه عن صفات‬
‫النقصان‪ .‬وكفى بال خبيًا بذنوب خلقه‪ ,‬ل يفى عليه شيء منها‪ ،‬وسيحاسبهم عليها ويازيهم با‪.‬‬

‫ض َومَا َبْيَنهُمَا فِي ِسّتةِ َأيّا ٍم ثُمّ ا ْستَوَى عَلَى اْلعَرْشِ الرّ ْحمَنُ فَا ْسأَ ْل بِهِ َخبِيا (‬
‫الّذِي َخلَقَ السّ َموَاتِ وَالَرْ َ‬
‫‪)59‬‬

‫الذي خلق السموات والرض وما بينهما ف ستة أيام‪ ،‬ث استوى على العرش‪ -‬أي عل وارتفع‪ -‬استواءً‬
‫يليق بلله‪ ،‬هو الرحن‪ ،‬فاسأل ‪ -‬أيها النب ‪ -‬به خبيًا‪ ،‬يعن بذلك سبحانه نفسه الكرية‪ ،‬فهو الذي‬
‫يعلم صفاته وعظمته وجلله‪ .‬ول أحد من البشر أعلم بال ول أخب به من عبده ورسوله ممد صلى ال‬
‫عليه وسلم‪.‬‬

‫جدُ لِمَا َت ْأمُ ُرنَا وَزَا َدهُ ْم ُنفُورا (‪)60‬‬


‫َوإِذَا قِيلَ َلهُ ْم اسْجُدُوا لِلرّحْمَنِ قَالُوا َومَا الرّحْمَنُ َأنَسْ ُ‬

‫‪660‬‬
‫وإذا قيل للكافرين‪ :‬اسجدوا للرحن واعبدوه قالوا‪ :‬ما نعرف الرحن‪ ،‬أنسجد لا تأمرنا بالسجود له‬
‫طاعة لمرك؟ وزادهم دعاؤهم إل السجود للرحن ُبعْدا عن اليان ونفورًا منه‪.‬‬

‫َتبَا َركَ الّذِي َجعَلَ فِي السّمَا ِء بُرُوجا وَ َجعَلَ فِيهَا سِرَاجا وَقَمَرا ُمنِيا (‪)61‬‬

‫عَظُ َمتْ بركات الرحن وكثر خيه‪ ،‬الذي جعل ف السماء النجوم الكبار بنازلا‪ ،‬وجعل فيها شسًا‬
‫تضيء وقمرًا يني‪.‬‬

‫َو ُهوَ الّذِي َجعَلَ الّليْلَ وَالّنهَارَ خِ ْل َفةً لِ َمنْ أَرَادَ َأنْ يَذّكّرَ َأوْ أَرَادَ شُكُورا (‪)62‬‬

‫وهو الذي جعل الليل والنهار متعاقَبيْن يَخْلُف أحدها الخر لن أراد أن يعتب با ف ذلك إيانًا بالدبّر‬
‫الالق‪ ،‬أو أراد أن يشكر ل تعال على نعمه وآلئه‪.‬‬

‫ض َهوْنا َوإِذَا خَا َطَبهُ ْم الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلما (‪)63‬‬


‫َوعِبَادُ الرّحْمَنِ الّذِينَ يَمْشُو َن عَلَى الَ ْر ِ‬

‫وعباد الرحن الصالون يشون على الرض بسكينة متواضعي‪ ,‬وإذا خاطبهم الهلة السفهاء بالذى‬
‫أجابوهم بالعروف من القول‪ ,‬وخاطبوهم خطابًا يَسْلَمون فيه من الث‪ ،‬ومن مقابلة الاهل بهله‪.‬‬

‫وَالّذِينَ َيبِيتُونَ لِ َرّبهِ ْم سُجّدا وَِقيَاما (‪)64‬‬

‫والذين يكثرون من صلة الليل ملصي فيها لربم‪ ،‬متذللي له بالسجود والقيام‪.‬‬

‫ستَقَرّا َو ُمقَاما (‬
‫ت مُ ْ‬
‫ف َعنّا عَذَابَ َج َهنّمَ ِإنّ عَذَاَبهَا كَانَ َغرَاما (‪ِ )65‬إّنهَا سَاءَ ْ‬
‫وَالّذِي َن َيقُولُونَ َرّبنَا اصْرِ ْ‬
‫‪)66‬‬

‫والذين هم مع اجتهادهم ف العبادة يافون ال فيدعونه أن ينجيهم من عذاب جهنم‪ ،‬إن عذابا يلزم‬
‫صاحبه‪ .‬إن جهنم شر قرار وإقامة‪.‬‬

‫‪661‬‬
‫وَالّذِينَ ِإذَا أَن َفقُوا لَ ْم يُسْرِفُوا وَلَ ْم َي ْقتُرُوا وَكَانَ َبيْنَ ذَلِكَ َقوَاما (‪)67‬‬

‫والذين إذا أنفقوا من أموالم ل يتجاوزوا الد ف العطاء‪ ،‬ول يضيّقوا ف النفقة‪ ،‬وكان إنفاقهم وسطًا بي‬
‫التبذير والتضييق‪.‬‬

‫حقّ وَل يَ ْزنُو َن َومَ ْن َي ْفعَ ْل‬


‫وَالّذِي َن ل يَ ْدعُو نَ مَ عَ اللّ هِ إِلَها آ َخ َر وَل َيقْتُلُو نَ الّنفْ سَ الّتِي َحرّ مَ اللّ هُ إِلّ بِالْ َ‬
‫خلُدْ فِي هِ ُمهَانا ( ‪ )69‬إِلّ مَ ْن تَا بَ وَآمَ َن َوعَمِلَ‬ ‫ب َيوْ َم الْ ِقيَا َمةِ َويَ ْ‬
‫ك يَلْ قَ َأثَاما (‪ُ )68‬يضَاعَ فْ لَ ُه اْلعَذَا ُ‬ ‫ذَلِ َ‬
‫ب َوعَمِلَ‬ ‫ت وَكَا نَ اللّ ُه َغفُورا رَحِيما (‪َ )70‬ومَ ْن تَا َ‬ ‫سنَا ٍ‬ ‫عَ َملً صَالِحا َفُأوَْلئِ كَ ُيبَدّلُ اللّ هُ َسّيئَاتِهِمْ حَ َ‬
‫صَالِحا فَِإنّ ُه َيتُوبُ إِلَى اللّ ِه َمتَابا (‪)71‬‬

‫والذين يوحدون ال‪ ،‬ول يدعون ول يعبدون إلًا غيه‪ ،‬ول يقتلون النفس الت حرّم ال قتلها إل با يق‬
‫قتلها به‪ :‬من كفر بعد إيان‪ ،‬أو زن بعد زواج‪ ،‬أو قتل نفس عدوانًا‪ ،‬ول يزنون‪ ،‬بل يفظون فروجهم‪,‬‬
‫إل على أزواجهم أو ما ملكت أيانم‪ ،‬ومن يفعل شيئًا من هذه الكبائر يَلْقَ ف الخرة عقابًا‪ .‬يُضاعَفْ له‬
‫العذاب يوم القيامة‪ ،‬ويَخُْلدْ فيه ذليل حقيًا‪( .‬والوعيد باللود لن فعلها كلّها‪ ،‬أو لن أشرك بال)‪ .‬لكن‬
‫مَن تاب مِن هذه الذنوب توبة نصوحًا وآمن إيانًا جازمًا مقرونًا بالعمل الصال‪ ،‬فأولئك يحو ال عنهم‬
‫سيئاتم ويعل مكانا حسنات ؛ بسبب توبتهم وندمهم ‪ .‬وكان ال غفورًا لن تاب‪ ،‬رحيمًا بعباده حيث‬
‫دعاهم إل التوبة بعد مبارزته بأكب العاصي‪ .‬ومن تاب عمّا ارتكب من الذنوب‪ ،‬وعمل عمل صالا‬
‫فإنه بذلك يرجع إل ال رجوعًا صحيحًا‪ ،‬فيقبل ال توبته ويكفر ذنوبه‪.‬‬

‫شهَدُونَ الزّو َر َوإِذَا مَرّوا بِالّل ْغ ِو مَرّوا كِرَاما (‪)72‬‬


‫وَالّذِينَ ل يَ ْ‬

‫والذين ل يشهدون بالكذب ول يضرون مالسه‪ ،‬وإذا مروا بأهل الباطل واللغو من غي قصد مرّوا‬
‫معرضي منكرين يتنهون عنه‪ ،‬ول يرضونه لغيهم‪.‬‬

‫وَالّذِينَ ِإذَا ذُكّرُوا بِآيَاتِ َرّبهِمْ َل ْم يَخِرّوا عََلْيهَا صُمّا َوعُ ْميَانا (‪)73‬‬

‫‪662‬‬
‫والذين إذا ُوعِظُوا بآيات القرآن ودلئل وحدانية ال ل يتغافلوا عنها‪ ،‬كأنم صمّ ل يسمعوها‪ ،‬وعُ ْميٌ ل‬
‫يبصروها‪ ،‬بل َوعَتْها قلوبم‪ ،‬وتفتّحت لا بصائرهم‪ ،‬فخرّوا ل ساجدين مطيعي‪.‬‬

‫وَالّذِينَ َيقُولُونَ َرّبنَا هَبْ َلنَا مِنْ أَ ْزوَا ِجنَا َوذُ ّريّاِتنَا ُق ّرةَ َأ ْعيُ ٍن وَا ْجعَ ْلنَا لِلْ ُمّتقِيَ ِإمَاما (‪)74‬‬

‫والذين يسألون ال تعال قائلي‪ :‬ربنا هب لنا مِن أزواجنا وذريّاتنا ما َتقَ ّر به أعيننا‪ ،‬وفيه أنسنا وسرورنا‪،‬‬
‫واجعلنا قدوة يُقتدى بنا ف الي‪.‬‬

‫سَتقَرّا َو ُمقَاما‬
‫ت مُ ْ‬
‫سَن ْ‬
‫حّيةً وَسَلما (‪ )75‬خَالِدِينَ فِيهَا حَ ُ‬
‫صبَرُوا َويَُل ّقوْنَ فِيهَا تَ ِ‬
‫ُأوْلَئِكَ يُجْ َزوْنَ اْلغُرَْف َة بِمَا َ‬
‫(‪)76‬‬

‫أولئك الذين اتصفوا بالصفات السابقة من عباد الرحن‪ ،‬يثابون أعلى منازل النة ؛ برحة ال وبسبب‬
‫صبهم على الطاعات‪ ,‬و َسيَُل ّقوْن ف النة التحية والتسليم من اللئكة‪ ,‬والياة الطيبة والسلمة مِنَ‬
‫سنَتْ مستقرًا َيقِرّون فيه ومقامًا يقيمون به‪ ،‬ل يبغون عنها‬
‫الفات‪ ،‬خالدين فيها أبدًا مِن غي موت‪ ،‬حَ ُ‬
‫تول‪.‬‬

‫ف َيكُونُ لِزَاما (‪)77‬‬


‫سوْ َ‬
‫قُ ْل مَا َي ْعبَُأ ِبكُمْ َربّي َلوْل ُدعَاؤُكُمْ َفقَدْ كَ ّذْبتُمْ فَ َ‬

‫أخب ال تعال أنه ل يبال ول يعبأ بالناس‪ ،‬لول دعاؤهم إياه دعاء العبادة ودعاء السألة‪ ،‬فقد كَذّبتم‪-‬أيها‬
‫ضيًا لعذاب يلزمكم لزوم الغري لغريه‪ ,‬ويهلككم ف الدنيا‬ ‫الكافرون‪ -‬فسوف يكون تكذيبكم ُم ْف ِ‬
‫والخرة‪.‬‬

‫‪ -26‬سورة الشعراء‬

‫طسم (‪)1‬‬
‫‪663‬‬
‫(طسم) سبق الكلم على الروف القطعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬

‫ب الْ ُمبِيِ (‪)2‬‬


‫ت الْ ِكتَا ِ‬
‫ك آيَا ُ‬
‫تِلْ َ‬

‫هذه آيات القرآن الوضّح لكل شيء الفاصل بي الدى والضلل‪.‬‬

‫ك بَاخِ ٌع َنفْسَكَ أَ ّل يَكُونُوا ُم ْؤمِنِيَ (‪)3‬‬


‫َلعَلّ َ‬

‫لعلك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬من شدة حرصك على هدايتهم ُمهْلِك نفسك ؛ لنم ل يصدّقوا بك ول يعملوا‬
‫بديك ‪ ،‬فل تفعل ذلك‪.‬‬

‫ضعِيَ (‪)4‬‬
‫شأْ ُننَزّ ْل عََلْيهِمْ مِنْ السّمَا ِء آَيةً فَ َظّلتْ أَ ْعنَاُقهُمْ َلهَا خَا ِ‬
‫ِإنْ نَ َ‬

‫إن نشأ ننل على الكذبي من قومك من السماء معجزة موّفة لم تلجئهم إل اليان ‪ ،‬فتصي أعناقهم‬
‫خاضعة ذليلة ‪ ،‬ولكننا ل نشأ ذلك; فإن اليان النافع هو اليان بالغيب اختيارًا‪.‬‬

‫ضيَ (‪)5‬‬
‫َومَا يَ ْأتِيهِ ْم مِنْ ذِكْ ٍر مِنْ الرّحْمَ ِن ُمحْدَثٍ إِلّ كَانُوا َعنْهُ ُمعْرِ ِ‬

‫وما ييء هؤلء الشركي الكذبي مِن ذِكْرٍ من الرحن ُمحْدَث إنزاله ‪ ،‬شيئًا بعد شيء ‪ ،‬يأمرهم‬
‫وينهاهم ‪ ،‬ويذكرهم بالدين الق إل أعرضوا عنه‪ ,‬ول يقبلوه‪.‬‬

‫سَتهْ ِزئُون (‪)6‬‬


‫سَي ْأتِيهِمْ َأْنبَاءُ مَا كَانُوا بِ ِه يَ ْ‬
‫َفقَدْ كَ ّذبُوا فَ َ‬

‫فقد كذّبوا بالقرآن واستهزؤوا به‪ ,‬فسيأتيهم أخبار المر الذي كانوا يستهزئون به ويسخرون منه‪,‬‬
‫وسيح ّل بم العذاب جزاء تردهم على ربم‪.‬‬

‫ك لَي ًة َومَا كَانَ أَ ْكثَ ُرهُ ْم ُم ْؤ ِمنِيَ‬


‫َأوَلَ ْم يَ َروْا إِلَى الَرْضِ كَمْ َأْنبَْتنَا فِيهَا مِنْ كُلّ َز ْوجٍ كَ ِريٍ (‪ِ )7‬إنّ فِي ذَلِ َ‬

‫‪664‬‬
‫(‪َ )8‬وإِنّ َربّكَ َل ُه َو الْعَزِيزُ الرّحِيمُ (‪)9‬‬

‫أكذبوا ول ينظروا إل الرض الت أنبتنا فيها من كل نوع حسن نافع من النبات‪ ,‬ل يقدر على إنباته إل‬
‫رب العالي؟ إن ف إخراج النبات من الرض لَدللة واضحة على كمال قدرة ال‪ ,‬وما كان أكثر القوم‬
‫مؤمني‪ .‬وإن ربك لو العزيز على كل ملوق‪ ,‬الرحيم الذي وسعت رحته كل شيء‪.‬‬

‫ت الْ َق ْومَ الظّالِمِيَ (‪َ )10‬ق ْومَ فِ ْر َع ْونَ أَل َيّتقُونَ (‪)11‬‬
‫َوإِ ْذ نَادَى َربّكَ مُوسَى َأنْ اْئ ِ‬

‫واذكر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬لقومك إذ نادى ربك موسى‪ :‬أن ائت القوم الظالي‪ ,‬قوم فرعون‪ ،‬وقل لم‪:‬‬
‫أل يافون عقاب ال تعال‪ ،‬ويتركون ما هم عليه من الكفر والضلل؟‬

‫قَالَ رَبّ إِنّي أَخَا فُ أَ نْ ُيكَ ّذبُو نِ (‪َ )12‬ويَضِي قُ صَ ْدرِي وَل يَنْ َطلِ قُ لِ سَانِي َفأَرْ سِلْ إِلَى هَارُو نَ ( ‪)13‬‬
‫وََلهُ ْم عََليّ َذْنبٌ َفأَخَافُ َأ ْن َيقْتُلُونِ (‪)14‬‬

‫قال موسى‪ :‬رب إن أخاف أن يكذبون ف الرسالة‪ ,‬ويل صدري الغ ّم لتكذيبهم إياي‪ ،‬ول ينطلق لسان‬
‫بالدعوة فأرسِلْ جبيل بالوحي إل أخي هارون ؛ ليعاونن‪ .‬ولم علي ذنب ف قتل رجل منهم‪ ,‬وهو‬
‫القبطي‪ ,‬فأخاف أن يقتلون به‪.‬‬

‫ستَ ِمعُونَ (‪َ )15‬ف ْأتِيَا فِ ْر َعوْ نَ َفقُول ِإنّا رَ سُولُ رَبّ اْلعَالَمِيَ ( ‪ )16‬أَ نْ‬
‫قَالَ َكلّ فَا ْذ َهبَا بِآيَاِتنَا ِإنّا َم َعكُ ْم مُ ْ‬
‫أَ ْرسِ ْل َمعَنَا َبنِي ِإسْرَائِيلَ (‪)17‬‬

‫قال ال لوسى‪ :‬كل لن يقتلوك‪ ,‬وقد أجبت طلبك ف هارون‪ ,‬فاذهبا بالعجزات الدالة على صدقكما‪،‬‬
‫إنا معكم بالعلم والفظ والنصرة مستمعون‪ .‬فأتِيَا فرعون فقول له‪ :‬إنا مرسَلن إليك وإل قومك من‬
‫رب العالي‪ :‬أن اترك بن إسرائيل ؛ ليذهبوا معنا‪.‬‬

‫ت مِ نْ‬
‫ت َوَأنْ َ‬
‫قَالَ أَلَ ْم نُ َربّ كَ فِينَا وَلِيدا وََلِبثْ تَ فِينَا مِ ْن عُمُرِ كَ ِسنِيَ (‪ )18‬وََفعَلْ تَ َف ْعَلتَ كَ الّتِي َفعَلْ َ‬
‫الْكَافِرِينَ (‪)19‬‬

‫‪665‬‬
‫قال فرعون لوسى متنًا عليه‪ :‬أل نُ َربّك ف منازلنا صغيًا‪ ،‬ومكثت ف رعايتنا سني من عُمُرك وارتكبت‬
‫جنايةً بقتلك رجل من قومي حي ضربته ودفعته‪ ,‬وأنت من الاحدين نعمت النكرين ربوبيت؟‬

‫ت ِمنْكُ مْ َلمّا ِخ ْفُتكُ مْ َف َوهَ بَ لِي َربّي ُحكْما وَ َجعََلنِي مِ نْ‬


‫قَالَ َفعَ ْلُتهَا إِذا َوَأنَا مِ ْن الضّالّيَ (‪َ )20‬ف َفرَرْ ُ‬
‫ت َبنِي ِإسْرَائِيلَ (‪)22‬‬ ‫ك ِنعْ َمةٌ تَ ُمّنهَا عََليّ َأنْ َعبّدْ َ‬
‫الْمُ ْرسَِليَ (‪َ )21‬وتِلْ َ‬

‫قال موسى ميبًا لفرعون‪ :‬فعل تُ ما ذكر تَ قبل أن يوحي ال إل‪ ،‬ويبعثن رسول فخرجت من بينكم‬
‫فارّا إل "مد ين"‪ ،‬ل همّا خ فت أن تقتلو ن ب ا فعل تُ من غ ي عَمْد‪ ،‬فو هب ل ر ب تفضل م نه النبوة‬
‫والعلم‪ ,‬وجعل ن من الرسلي‪ .‬وتلك التربية ف بيتك َتعُدّ ها نع مة منك عليّ‪ ،‬و قد جعلت ب ن إ سرائيل‬
‫عبيدًا تذبح أبناءهم وتستحيي نساءهم؟‬

‫ب اْلعَالَمِيَ (‪)23‬‬
‫قَالَ ِف ْر َعوْ ُن َومَا رَ ّ‬

‫قال فرعون لوسى‪ :‬وما رب العالي الذي تدّعي أنك رسوله؟‬

‫ت وَالَ ْرضِ َومَا َبيَْنهُمَا إنْ كُنتُ ْم مُوِقنِيَ (‪)24‬‬


‫قَالَ رَبّ السّ َموَا ِ‬

‫قال موسى‪ :‬هو مالك ومدبر السموات والرض وما بينهما‪ ،‬إن كنتم موقني بذلك‪ ،‬فآمِنوا‪.‬‬

‫قَالَ لِ َمنْ َحوْلَهُ أَل تَسْتَ ِمعُونَ (‪)25‬‬

‫قال فرعون لن حوله مِن أشراف قومه‪ :‬أل تسمعون مقالة موسى العجيبة بوجود رب سواي؟‬

‫ب آبَاِئكُ ْم الَوّلِيَ (‪)26‬‬


‫قَالَ َرّبكُ ْم وَرَ ّ‬

‫قال موسى‪ :‬الرب الذي أدعوكم إليه هو الذي خلقكم وخلق آباءكم الولي‪ ,‬فكيف تعبدون مَن هو‬
‫ملوق مثلكم‪ ,‬وله آباء قد فنوا كآبائكم؟‬

‫‪666‬‬
‫جنُونٌ (‪)27‬‬
‫قَالَ ِإنّ َرسُولَكُ ْم الّذِي أُ ْرسِلَ إَِلْيكُمْ لَمَ ْ‬

‫قال فرعون لا صته ي ستثي غضب هم ؛ لتكذ يب مو سى إياه‪ :‬إن ر سولكم الذي أر سل إلي كم لجنون‪,‬‬
‫يتكلم كلمًا ل ُي ْعقَل!‬

‫ب َومَا َبْيَنهُمَا ِإنْ ُكْنتُ ْم َتعْقِلُونَ (‪)28‬‬


‫ق وَالْ َمغْرِ ِ‬
‫قَالَ رَبّ الْمَشْ ِر ِ‬

‫قال موسى‪ :‬رب الشرق والغرب وما بينهما وما يكون فيهما من نور وظلمة‪ ,‬وهذا يستوجب اليان به‬
‫وحده إن كنتم من أهل العقل والتدبر!‬

‫ك مِ ْن الْمَسْجُونِيَ (‪)29‬‬
‫قَالَ َلئِ ْن اتّخَذْتَ إَِلهَا َغيْرِي لَ ْجعََلنّ َ‬

‫قال فرعون لوسى مهددًا له‪ :‬لئن اتذت إلًا غيي لسجننك مع مَن سجنت‪.‬‬

‫شيْ ٍء ُمبِيٍ (‪)30‬‬


‫قَالَ َأوََلوْ ِجْئتُكَ بِ َ‬

‫قال موسى‪ :‬أتعلن من السجوني‪ ,‬ولو جئتك ببهان قاطع يتبي منه صدقي؟‬

‫ت بِهِ إِنْ ُكْنتَ مِ ْن الصّادِقِيَ (‪)31‬‬


‫قَالَ َفأْ ِ‬

‫قال فرعون‪ :‬فأت به إن كنت من الصادقي ف دعواك‪.‬‬

‫ع يَ َدهُ فَِإذَا هِ َي َبيْضَاءُ لِلنّاظِرِينَ (‪)33‬‬


‫َفأَْلقَى عَصَاهُ فَإِذَا ِهيَ ُث ْعبَا ٌن ُمبِيٌ (‪َ )32‬ونَ َز َ‬

‫فألقى موسى عصاه فتحولت ثعبانًا حقيقيًا‪ ,‬ليس تويهًا كما يفعل السحرة‪ ,‬وأخرج يده مِن جيبه فإذا‬
‫هي بيضاء كالثلج من غي برص‪َ ،‬تْبهَر الناظرين‪.‬‬

‫‪667‬‬
‫ضكُمْ بِسِحْ ِرهِ فَمَاذَا َت ْأمُرُونَ (‪)35‬‬
‫قَالَ ِللْ َملٍ َحوْلَهُ ِإنّ هَذَا لَسَا ِح ٌر عَلِيمٌ (‪ )34‬يُرِيدُ َأنْ ُيخْرِ َجكُ ْم مِنْ أَ ْر ِ‬

‫قال فرعون لشراف قو مه خش ية أن يؤمنوا‪ :‬إن مو سى لَ ساحر ما هر‪ ،‬ير يد أن يرج كم ب سحره من‬
‫أرضكم‪ ،‬فأي شيء تشيون به ف شأنه أتبع رأيكم فيه؟‬

‫قَالُوا أَ ْرجِ ِه َوأَخَاهُ وَاْبعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (‪َ )36‬يأْتُوكَ ِبكُ ّل سَحّا ٍر عَلِيمٍ (‪)37‬‬

‫قال له قومه‪ :‬أخّر أمر موسى وهارون‪ ,‬وأر سِلْ ف الدائن جندًا جامعي للسحرة‪ ,‬يأتوك بك ّل مَن أجاد‬
‫السحر‪ ،‬وتفوّق ف معرفته‪.‬‬

‫جتَ ِمعُونَ (‪)39‬‬


‫س هَلْ َأنْتُ ْم مُ ْ‬
‫ت َي ْومٍ َمعْلُومٍ (‪ )38‬وَقِيلَ لِلنّا ِ‬
‫ح َرةُ لِمِيقَا ِ‬
‫جمِعَ السّ َ‬
‫فَ ُ‬

‫فَجُمع السحرة‪ ،‬و ُحدّد لم وقت معلوم‪ ،‬هو وقت الضحى من يوم الزينة الذي يتفرغون فيه من أشغالم‪،‬‬
‫ويتمعون ويتزيّنون؛ وذلك للجتماع بوسهى‪ .‬وحُث ّ الناس على الجتماع; أمل فه أن تكون الغلبهة‬
‫للسحرة‪.‬‬

‫ح َرةَ ِإنْ كَانُوا هُ ْم الْغَاِلبِيَ (‪)40‬‬


‫َلعَّلنَا َنتّبِعُ السّ َ‬

‫إننا نطمع أن تكون الغلبة للسحرة‪ ،‬فنثبت على ديننا‪.‬‬

‫ح ُن الْغَاِلبِيَ (‪)41‬‬
‫ح َرةُ قَالُوا ِلفِ ْر َعوْنَ َأئِنّ َلنَا لَجْرا ِإنْ ُكنّا نَ ْ‬
‫فََلمّا جَاءَ السّ َ‬

‫فلما جاء السحرة فرعون قالوا له‪ :‬أإن لنا لجرًا مِن مال أو جاه‪ ،‬إ ْن كنا نن الغالبي لوسى؟‬

‫قَا َل َنعَ ْم َوِإنّكُمْ إِذا لَمِ ْن الْ ُمقَ ّربِيَ (‪)42‬‬

‫قال فرعون‪ :‬نعم لكم عندي ما طلبتم مِن أجر‪ ،‬وإنكم حينئذ لن القربي لديّ‪.‬‬

‫‪668‬‬
‫قَالَ َلهُ ْم مُوسَى أَْلقُوا مَا َأْنتُ ْم مُ ْلقُونَ (‪)43‬‬

‫قال موسى للسحرة مريدًا إبطال سحرهم وإظهار أن ما جاء به ليس سحرًا‪ :‬ألقوا ما تريدون إلقاءه من‬
‫السحر‪.‬‬

‫صّيهُ ْم وَقَالُوا ِبعِ ّزةِ فِ ْر َع ْونَ ِإنّا َلنَحْ ُن اْلغَاِلبُونَ (‪)44‬‬


‫َفأَْلقَوْا ِحبَاَلهُ ْم َوعِ ِ‬

‫فألقَوا حبالمه وعصهيّهم‪ ,‬و ُخيّله للناس أناه حيّات تسهعى‪ ,‬وأقسهموا بعزة فرعون قائليه‪ :‬إننها لنحهن‬
‫الغالبون‪.‬‬

‫ف مَا َيأِْفكُونَ (‪)45‬‬


‫َفأَْلقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا ِهيَ تَ ْلقَ ُ‬

‫فألقى موسى عصاه‪ ,‬فإذا هي حية عظيمة‪ ,‬تبتلع ما صدر منهم من إفك وتزوير‪.‬‬

‫ب مُوسَى َوهَارُونَ (‪)48‬‬


‫َفأُْلقِيَ السّحَ َر ُة سَاجِدِينَ (‪ )46‬قَالُوا آ َمنّا بِرَبّ الْعَالَ ِميَ (‪ )47‬رَ ّ‬

‫فلما شاهدوا ذلك‪ ،‬وعلموا أنه ليس من تويه السحرة‪ ,‬آمنوا بال وسجدوا له‪ ،‬وقالوا‪ :‬آمنّا برب العالي‬
‫رب موسى وهارون‪.‬‬

‫ف َتعْلَمُو نَ لقَ ّطعَنّ َأيْ ِديَكُ مْ‬


‫سوْ َ‬
‫حرَ فَلَ َ‬
‫قَالَ آ َمْنتُ مْ لَ هُ َقبْلَ أَ نْ آذَ نَ َلكُ مْ ِإنّ هُ َل َكبِيُكُ ْم الّذِي عَلّ َمكُ ْم ال سّ ْ‬
‫ف وَلصَّلَبنّكُمْ أَ ْج َمعِيَ (‪)49‬‬ ‫َوأَرْجَُلكُ ْم مِنْ خِل ٍ‬

‫قال فرعون لل سحرة م ستنكرًا‪ :‬آمن تم لو سى بغ ي إذن م ن‪ ،‬وقال موهًا أنّ فِعْل مو سى سحر‪ :‬إ نه‬
‫لكبيكم الذي علّمكم السحر‪ ،‬فلسوف تعلمون ما ينل بكم من عقاب‪ :‬لقطعنّ أيديكم وأرجلكم من‬
‫خلف‪ :‬بقطع اليد اليمن والرجل اليسرى أو عكس ذلك‪ ،‬ولصلبنّكم أجعي‪.‬‬

‫ضيْرَ إِنّا إِلَى َرّبنَا ُمْنقَِلبُونَ (‪ِ )50‬إنّا نَ ْطمَعُ َأنْ َي ْغفِرَ َلنَا َرّبنَا خَطَايَانَا َأنْ ُكنّا َأوّ َل الْ ُم ْؤمِنِيَ (‪)51‬‬
‫قَالُوا ل َ‬

‫‪669‬‬
‫قال ال سحرة لفرعون‪ :‬ل ضرر علي نا في ما يلحق نا من عقاب الدن يا‪ ,‬إ نا راجعون إل رب نا فيعطي نا النع يم‬
‫القيم‪ .‬إنا نرجو أن يغفر لنا ربنا خطايانا من الشرك وغيه; لكوننا أول الؤمني ف قومك‪.‬‬

‫َوَأوْ َحيْنَا إِلَى مُوسَى َأنْ َأسْ ِر ِبعِبَادِي ِإنّكُ ْم ُمّتبَعُونَ (‪)52‬‬

‫وأوحى ال إل موسى عليه السلم‪ :‬أَ نْ سِرْ ليل بن آمن من بن إسرائيل؛ لن فرعون وجنوده متبعوكم‬
‫حت ل يدركوكم قبل وصولكم إل البحر‪.‬‬

‫َفأَ ْرسَلَ فِ ْر َع ْونُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (‪)53‬‬

‫فأرسل فرعون جنده‪ -‬حي بلغه مسي بن إسرائيل‪ -‬يمعون جيشه من مدائن ملكته‪.‬‬

‫شرْ ِذ َمةٌ َقلِيلُونَ (‪َ )54‬وِإّنهُمْ َلنَا َلغَائِظُونَ (‪َ )55‬وِإنّا َلجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (‪)56‬‬
‫ِإنّ َهؤُلءِ لَ ِ‬

‫قال فرعون‪ :‬إن بنه إسهرائيل الذيهن فرّوا مهع موسهى لَطائفهة حقية قليلة العدد‪ ،‬وإنمه لالئون صهدورنا‬
‫غيظًا؛ حيث خالفوا ديننا‪ ,‬وخرجوا بغي إذننا‪ ,‬وإنا لميع متيقظون مستعدون لم‪.‬‬

‫ك َوَأوْ َرثْنَاهَا َبنِي ِإسْرَائِيلَ (‪)59‬‬


‫َفأَخْ َر ْجنَاهُ ْم مِنْ َجنّاتٍ وَ ُعيُونٍ (‪ )57‬وَ ُكنُو ٍز َو َمقَامٍ كَ ِريٍ (‪ )58‬كَذَلِ َ‬

‫فأخرج ال فرعون وقومهه مهن أرض "مصهر" ذات البسهاتي وعيون الاء وخزائن الال والنازل السهان‪.‬‬
‫وكما أخرجناهم‪ ،‬جعلنا هذه الديار من بعدهم لبن إسرائيل‪.‬‬

‫شرِقِيَ (‪)60‬‬
‫َفَأتَْبعُوهُ ْم مُ ْ‬

‫فلحق فرعون وجنده موسى ومَن معه وقت شروق الشمس‪.‬‬

‫ب مُوسَى ِإنّا لَمُ ْدرَكُونَ (‪)61‬‬


‫فََلمّا تَرَاءَى الْجَ ْمعَانِ قَالَ أَصْحَا ُ‬

‫‪670‬‬
‫فلما رأى كل واحد من الفريقي الخر قال أصحاب موسى‪ :‬إنّ جَمْعَ فرعون مُدْرِكنا ومهلكنا‪.‬‬

‫قَالَ َكلّ ِإنّ َمعِي َربّي َسَيهْدِينِ (‪)62‬‬

‫قال مو سى ل م‪ :‬كل ليس ال مر ك ما ذكرت فلن تُدْرَكوا; إن م عي ر ب بالن صر‪ ،‬سيهدين ل ا ف يه نا ت‬


‫وناتكم‪.‬‬

‫حرَ فَانفَلَقَ َفكَانَ كُلّ فِ ْرقٍ كَال ّطوْدِ الْعَظِيمِ (‪)63‬‬


‫ب ِب َعصَا َك الْبَ ْ‬
‫َفَأوْ َحيْنَا إِلَى مُوسَى َأ ْن اضْرِ ْ‬

‫فأوحينا إل موسى أن اضرب بعصاك البحر‪ ،‬فضرب‪ ،‬فانفلق البحر إل اثن عشر طريقًا بعدد قبائل بن‬
‫إسرائيل‪ ،‬فكانت كل قطعة انفصلت من البحر كالبل العظيم‪.‬‬

‫جْينَا مُوسَى َومَنْ َمعَهُ أَجْ َم ِعيَ (‪ )65‬ثُمّ َأغْرَ ْقنَا ال َخرِينَ (‪)66‬‬
‫َوأَزَْلفْنَا ثَمّ الخَرِينَ (‪َ )64‬وَأنْ َ‬

‫وق ّربْنا هناك فرعون وقومه حت دخلوا البحر‪ ,‬وأنينا موسى ومَن معه أجعي‪ .‬فاستمر البحر على انفلقه‬
‫ح ت عبوا إل الب‪ ،‬ث أغرق نا فرعون و من م عه بإطباق الب حر علي هم ب عد أن دخلوا ف يه متبع ي مو سى‬
‫وقومه‪.‬‬

‫ك لَي ًة َومَا كَانَ أَ ْكثَ ُرهُ ْم ُم ْؤمِنِيَ (‪)67‬‬


‫ِإنّ فِي ذَلِ َ‬

‫إن ف ذلك الذي حدث لَ عبة عجي بة دالة على قدرة ال‪ ،‬و ما صار أك ثر أتباع فرعون مؤمن ي مع هذه‬
‫العلمة الباهرة‪.‬‬

‫َوإِنّ َربّكَ َل ُه َو الْعَزِيزُ الرّحِيمُ (‪)68‬‬

‫وإن ربك لو العزيز الرحيم‪ ,‬بعزته أهلك الكافرين الكذبي‪ ،‬وبرحته نّى موسى ومَن معه أجعي‪.‬‬

‫‪671‬‬
‫وَاتْ ُل عََلْيهِ ْم َنَبأَ ِإبْرَاهِيمَ (‪ِ )69‬إذْ قَالَ َلبِيهِ وََق ْومِ ِه مَا َتعْبُدُونَ (‪)70‬‬

‫واقصص على الكافرين ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬خب إبراهيم حي قال لبيه وقومه‪ :‬أي شيء تعبدونه؟‬

‫صنَاما َفنَظَلّ َلهَا عَا ِكفِيَ (‪)71‬‬


‫قَالُوا َن ْعبُدُ أَ ْ‬

‫قالوا‪ :‬نعبد أصنامًا‪ ،‬فَن ْعكُف على عبادتا‪.‬‬

‫قَا َل هَ ْل يَسْ َمعُونَكُمْ ِإ ْذ تَ ْدعُونَ (‪َ )72‬أوْ َيْن َفعُوَنكُمْ َأوْ َيضُرّونَ (‪)73‬‬

‫قال إبراه يم منبهًا على ف ساد مذهب هم‪ :‬هل ي سمعون دعاء كم إذ تدعون م‪ ,‬أو يقدّمون ل كم نفعًا إذا‬
‫عبدتوهم‪ ،‬أو يصيبونكم بضر إذا تركتم عبادتم؟‬

‫ك َي ْفعَلُونَ (‪)74‬‬
‫قَالُوا بَ ْل وَ َج ْدنَا آبَاءَنَا كَذَلِ َ‬

‫قالوا‪ :‬ل يكون منهم شيء من ذلك‪ ،‬ولكننا وجدنا آباءنا يعبدونم‪ ,‬فقلّدناهم فيما كانوا يفعلون‪.‬‬

‫قَالَ أَفَ َرَأْيتُ مْ مَا ُكْنتُ ْم َت ْعبُدُو نَ (‪َ )75‬أْنتُ ْم وَآبَاؤُكُ ْم الَقْ َدمُو نَ ( ‪ )76‬فَِإّنهُ ْم عَ ُدوّ لِي إِلّ رَبّ الْعَالَ ِميَ (‬
‫شفِيِ (‪)80‬‬ ‫سقِيِ (‪َ )79‬وإِذَا مَرِضْتُ َف ُه َو يَ ْ‬ ‫‪ )77‬الّذِي َخَلقَنِي َف ُه َو َيهْدِينِ (‪ )78‬وَالّذِي ُهوَ يُ ْطعِ ُمنِي َويَ ْ‬
‫حِييِ (‪ )81‬وَالّذِي أَطْ َمعُ أَ ْن َي ْغفِرَ لِي خَطِيئَتِي َيوْمَ الدّينِ (‪)82‬‬ ‫وَالّذِي يُمِيُتنِي ثُ ّم يُ ْ‬

‫قال إبراهيم‪ :‬أفأبصرت بتدبر ما كنتم تعبدون من الصنام الت ل تسمع ول تنفع ول تضر‪ ،‬أنتم وآباؤكم‬
‫القدمون من قبلكم؟ فإن ما تعبدونم من دون ال أعداء ل‪ ،‬لكن رب العالي ومالك أمرهم هو وحده‬
‫الذي أعبده‪ .‬هو الذي خلقن ف أحسن صورة فهو يرشدن إل مصال الدنيا والخرة‪ ،‬وهو الذي ينعم‬
‫عليّ بالطعام والشراب‪ ،‬وإذا أ صابن مرض ف هو الذي يَشْفي ن ويعافي ن م نه‪ ،‬و هو الذي ييت ن ف الدي نا‬
‫بق بض رو حي‪ ,‬ث ييي ن يوم القيا مة‪ ,‬ل يقدر على ذلك أ حد سواه‪ ,‬والذي أط مع أن يتجاوز عن ذ نب‬
‫يوم الزاء‪.‬‬

‫‪672‬‬
‫حيَ (‪)83‬‬
‫ح ْقنِي بِالصّالِ ِ‬
‫ب َهبْ لِي ُحكْما َوأَلْ ِ‬
‫رَ ّ‬

‫قال إبراهيم داعيًا ربه‪ :‬ربّ امنحن العلم والفهم‪ ،‬وألقن بالصالي‪ ،‬واجع بين وبينهم ف النة‪.‬‬

‫وَا ْجعَلْ لِي لِسَانَ صِ ْدقٍ فِي الخِرِينَ (‪)84‬‬

‫واجعل ل ثناء حسنًا وذكرًا جيل ف الذين يأتون بعدي إل يوم القيامة‪.‬‬

‫وَا ْجعَ ْلنِي مِ ْن وَ َرَثةِ َجّن ِة النّعِيمِ (‪)85‬‬

‫واجعلن من عبادك الذين تورثهم نعيم النة‪.‬‬

‫وَا ْغفِرْ َلبِي ِإنّهُ كَانَ مِ ْن الضّالّيَ (‪)86‬‬

‫وهذا دعاء من إبراهيم عليه السلم أن ينقذ ال أباه من الضلل إل الدى‪ ،‬فيغفر له ويتجاوز عنه‪ ،‬كما‬
‫وعد إبراهيم أباه بالدعاء له‪ ،‬فلما تبيّن له أنه مستمر ف الكفر والشرك إل أن يوت تبّأ منه ‪.‬‬

‫وَل تُخْ ِزنِي َيوْ َم ُيبْ َعثُونَ (‪َ )87‬ي ْو َم ل يَْنفَ ُع مَا ٌل وَل َبنُونَ (‪ )88‬إِلّ مَنْ أَتَى اللّ َه ِبقَ ْلبٍ سَلِيمٍ (‪)89‬‬

‫ول ُتلْحهق به الذل‪ ،‬يوم يرج الناس مهن القبور للحسهاب والزاء‪ ،‬يوم ل ينفهع الال والبنون أحدًا مهن‬
‫العباد‪ ،‬إل مَن أتى ال بقلب سليم من الكفر والنفاق والرذيلة‪.‬‬

‫جّنةُ لِلْ ُمّتقِيَ (‪)90‬‬


‫ت الْ َ‬
‫َوأُزِْلفَ ْ‬

‫وقُرّبت النة للذين اجتنبوا الكفر والعاصي‪ ،‬وأقبلوا على ال بالطاعة‪.‬‬

‫جحِيمُ لِ ْلغَاوِينَ (‪)91‬‬


‫ت الْ َ‬
‫َوبُرّزَ ْ‬

‫‪673‬‬
‫ضلّوا عن الدى‪ ،‬وترّؤوا على مارم ال وكذّبوا رسله‪.‬‬
‫وأُظهرت النار للكافرين الذين َ‬

‫وَقِيلَ َلهُمْ َأيْنَ مَا ُكْنتُ ْم َت ْعبُدُونَ (‪ )92‬مِنْ دُونِ اللّ ِه هَ ْل َينْصُرُوَنكُمْ َأوْ َيْنَتصِرُونَ (‪)93‬‬

‫وق يل ل م توبيخًا‪ :‬أ ين آلت كم ال ت كن تم تعبدون ا مِن دون ال‪ ،‬وتزعمون أن ا تش فع ل كم اليوم؟ هل‬
‫ينصرونكم‪ ,‬فيدفعون العذاب عنكم‪ ,‬أو ينتصرون بدفع العذاب عن أنفسهم؟ ل شيء من ذلك‪.‬‬

‫َف ُكبْ ِكبُوا فِيهَا هُ ْم وَاْلغَاوُونَ (‪ )94‬وَ ُجنُودُ ِإبْلِيسَ أَجْ َمعُونَ (‪)95‬‬

‫جمِعوا وألقُوا ف جهنم‪ ،‬هم والذين أضلوهم وأعوان إبليس الذين زيّنوا لم الشر‪ ,‬ل ُيفْلِت منهم أحد‪.‬‬
‫فُ‬

‫سوّيكُ ْم بِرَبّ الْعَالَ ِميَ ( ‪)98‬‬


‫ختَصِمُونَ (‪ )96‬تَاللّهِ إِنْ ُكنّا َلفِي ضَل ٍل ُمبِيٍ ( ‪ )97‬إِ ْذ نُ َ‬
‫قَالُوا َوهُمْ فِيهَا يَ ْ‬
‫ضّلنَا إِلّ الْ ُمجْ ِرمُونَ (‪)99‬‬
‫َومَا أَ َ‬

‫قالوا معترفي بطئهم‪ ،‬وهم يتنازعون ف جهنم مع مَن أضلوهم‪ ،‬تال إننا كنا ف الدنيا ف ضلل واضح‬
‫هّئ إل‬
‫ه أوقعنها فه هذا الصهي الس ي‬
‫ل خفاء فيهه; إذ نسهويكم برب العاليه السهتحق للعبادة وحده‪ .‬وم ا‬
‫الجرمون الذين دعونا إل عبادة غي ال فاتبعناهم‪.‬‬

‫فَمَا َلنَا مِ ْن شَاِفعِيَ (‪ )100‬وَل صَدِيقٍ حَمِيمٍ (‪)101‬‬

‫فل أحدَ يشفع لنا‪ ،‬ويلّصنا من العذاب‪ ،‬ول مَن َيصْدُق ف مودتنا ويشفق علينا‪.‬‬

‫فََلوْ َأنّ َلنَا َك ّرةً َفَنكُو َن مِ ْن الْ ُم ْؤ ِمنِيَ (‪)102‬‬

‫فليت لنا رجعة إل الدنيا‪ ,‬فنصي من جلة الؤمني الناجي‪.‬‬

‫ك لَي ًة َومَا كَانَ أَ ْكثَ ُرهُ ْم ُم ْؤمِنِيَ (‪َ )103‬وِإنّ َربّكَ َل ُه َو اْلعَزِيزُ الرّحِيمُ (‪)104‬‬
‫ِإنّ فِي ذَلِ َ‬

‫‪674‬‬
‫إن ف نبأ إبراهيم السابق لَعبة لِمن يعتب‪ ,‬وما صار أكثر الذين سعوا هذا النبأ مؤمني‪ .‬وإن ربك لو‬
‫العزيز القادر على النتقام من الكذبي‪ ,‬الرحيم بعباده الؤمني‪.‬‬

‫ح الْمُرْ َسلِيَ (‪ِ )105‬إذْ قَالَ َلهُمْ أَخُوهُ ْم نُوحٌ أَل َتتّقُونَ ( ‪ِ )106‬إنّي َلكُمْ رَسُولٌ َأمِيٌ (‬ ‫كَ ّذبَتْ َقوْ ُم نُو ٍ‬
‫‪ )107‬فَاّتقُوا اللّ َه َوَأطِيعُونِ ( ‪َ )108‬ومَا أَسْأَُلكُمْ عََليْ ِه مِنْ أَ ْجرٍ إِنْ أَجْرِي إِلّ عَلَى رَبّ اْلعَالَمِيَ ( ‪)109‬‬
‫فَاّتقُوا اللّ َه َوأَطِيعُونِ (‪)110‬‬

‫كَذّبت قوم نوح رسالة نبيهم‪ ،‬فكانوا بذا مكذب ي لم يع الرسل; لن كل رسول يأمر بتصديق جيع‬
‫الر سل‪ .‬إذ قال ل م أخو هم نوح‪ :‬أل تشون ال بترك عبادة غيه؟ إ ن ل كم ر سول أم ي في ما أبلغ كم‪،‬‬
‫فاجعلوا اليان وقاية لكم من عذاب ال وأطيعون فيما آمركم به من عبادته وحده‪ .‬وما أطلب منكم‬
‫أجرًا على تبليغ الرسالة‪ ،‬ما أجري إل على رب العالي‪ ،‬التصرف ف خلقه‪ ،‬فاحذروا عقابه‪ ,‬وأطيعون‬
‫بامتثال أوامره‪ ،‬واجتناب نواهيه‪.‬‬

‫ك وَاّتَبعَكَ الَرْذَلُونَ (‪)111‬‬


‫قَالُوا َأُن ْؤمِنُ لَ َ‬

‫قال له قومه‪ :‬كيف نصدّقك ونتبعك‪ ,‬والذين اتبعوك أراذل الناس وأسافلهم؟‬

‫قَا َل َومَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا َيعْمَلُونَ (‪)112‬‬

‫فأجابمه نوح عليهه السهلم بقوله‪ :‬لسهت مكلفًا بعرفهة أعمالمه‪ ,‬إناه كُلفهت أن أدعوههم إل اليان‪.‬‬
‫والعتبار باليان ل بالسب والنسب والِرف والصنائع‪.‬‬

‫شعُرُونَ (‪)113‬‬
‫ِإنْ حِسَاُبهُمْ إِ ّل عَلَى َربّي َل ْو تَ ْ‬

‫ما حسابم للجزاء على أعمالم وبواطنهم إل على رب الطّلِع على السرائر‪ .‬لو كنتم تشعرون بذلك لا‬
‫قلتم هذا الكلم‪.‬‬

‫‪675‬‬
‫َومَا أَنَا بِطَا ِر ِد الْ ُم ْؤ ِمنِيَ (‪ِ )114‬إنْ َأنَا إِ ّل نَذِي ٌر ُمبِيٌ (‪)115‬‬

‫وما أنا بطارد الذين يؤمنون بدعوت‪ ,‬مهما تكن حالم؛ تلبية لرغبتكم كي تؤمنوا ب‪ .‬ما أنا إل نذير بيّن‬
‫النذار‪.‬‬

‫قَالُوا َلئِنْ لَمْ تَْنتَ ِه يَا نُوحُ َلتَكُونَ ّن مِ ْن الْمَرْجُومِيَ (‪)116‬‬

‫عدل قوم نوح عن الحاورة إل التهد يد‪ ,‬فقالوا له‪ :‬لئن ل تر جع‪ -‬يا نوح‪ -‬عن دعو تك لتكوننّ مِ نَ‬
‫القتولي رميًا بالجارة‪.‬‬

‫جنِي َومَ ْن َمعِي مِ ْن الْ ُم ْؤ ِمنِيَ (‪)118‬‬


‫قَالَ رَبّ إِنّ َق ْومِي كَ ّذبُونِ (‪ )117‬فَا ْفتَ ْح َبيْنِي َوبَْيَنهُمْ َفتْحا َونَ ّ‬

‫فل ما سع نوح قول م هذا د عا ر به بقوله‪ :‬رب إن قو مي أ صروا على تكذي هب‪ ،‬فاح كم بي ن وبين هم‬
‫حكمًا تُهلك بهه مَن جحهد توحيدك وكذّب رسهولك‪ ،‬وننه ومَن معهي مهن الؤمنيه ماه تعذب بهه‬
‫الكافرين‪.‬‬

‫شحُونِ (‪)119‬‬
‫ك الْمَ ْ‬
‫َفأَنَْينَاهُ َومَ ْن َمعَهُ فِي اْلفُلْ ِ‬

‫فأنيناه ومَن معه ف السفينة الملوءة بصنوف الخلوقات الت حلها معه‪.‬‬

‫ثُمّ َأغْرَ ْقنَا بَعْ ُد اْلبَاقِيَ (‪)120‬‬

‫ث أغرقنا بعد إناء نوح ومن معه الباقي‪ ،‬الذين ل يؤمنوا مِن قومه وردّوا عليه النصيحة‪.‬‬

‫ك لَي ًة َومَا كَانَ أَ ْكثَ ُرهُ ْم ُم ْؤمِنِيَ (‪)121‬‬


‫ِإنّ فِي ذَلِ َ‬

‫إن ف نبأ نوح وما كان من إناء الؤمني وإهلك الكذبي لَعلمة وعب ًة عظيمة لن بعدهم‪ ,‬وما كان‬
‫أكثر الذين سعوا هذه القصة مؤمني بال وبرسوله وشرعه‪.‬‬

‫‪676‬‬
‫َوإِنّ َربّكَ َل ُه َو الْعَزِيزُ الرّحِيمُ (‪)122‬‬

‫وإن ربك لو العزيز ف انتقامه من كفر به وخالف أمره‪ ,‬الرحيم بعباده الؤمني‪.‬‬

‫كَ ّذَبتْ عَادٌ الْمُ ْرسَلِيَ (‪)123‬‬

‫كذّ بت قبيلة عاد ر سولم هودًا‪ -‬عل يه ال سلم‪ -‬فكانوا بذا مكذّب ي لم يع الر سل؛ لتاد دعوت م ف‬
‫أصولا وغايتها‪.‬‬

‫إِذْ قَالَ َلهُ مْ أَخُوهُ ْم هُودٌ أَل َتّتقُونَ (‪ِ )124‬إنّي َلكُ مْ رَ سُولٌ َأمِيٌ ( ‪ )125‬فَاّتقُوا اللّ َه َوَأطِيعُو نِ ( ‪)126‬‬
‫ب الْعَالَ ِميَ (‪)127‬‬ ‫َومَا َأ ْسأَُلكُمْ عََليْ ِه مِنْ أَ ْجرٍ ِإنْ أَ ْجرِي إِ ّل عَلَى رَ ّ‬

‫إذ قال ل م أخو هم هود‪ :‬أل تشون ال فتخل صوا له العبادة؟ إ ن مر سَل إلي كم لدايت كم وإرشاد كم‪،‬‬
‫حفيظ على رسالة ال‪ ،‬أبلّغها لكم كما أمرن رب‪ ،‬فخافوا عقاب ال وأطيعون فيما جئتكم به من عند‬
‫ال‪ .‬و ما أطلب من كم على إرشاد كم إل التوح يد أيّ نوع من أنواع ال جر‪ ،‬ما أجري إل على رب‬
‫العالي‪.‬‬

‫شتُ مْ‬
‫شتُ ْم بَطَ ْ‬
‫خذُو نَ مَ صَانِعَ َلعَّلكُ ْم تَخُْلدُو نَ ( ‪َ )129‬وإِذَا بَطَ ْ‬
‫َأتَْبنُو َن ِبكُلّ رِي ٍع آَيةً َت ْعَبثُو نَ (‪َ )128‬وتَتّ ِ‬
‫َجبّارِينَ (‪)130‬‬

‫أتبنون ب كل مكان مرت فع بناء عاليًا تشرفون م نه فت سخرون مِ نَ الارة؟ وذلك ع بث وإ سراف ل يعود‬
‫عليكم بفائدة ف الدين أو الدنيا‪ ,‬وتتخذون قصورًا منيعة وحصونًا مشيّدة‪ ،‬كأنكم تلدون ف الدنيا ول‬
‫توتون‪ ،‬وإذا بطشتم بأحد من اللق قتل أو ضربًا‪ ،‬فعلتم ذلك قاهرين ظالي‪.‬‬

‫فَاّتقُوا اللّ َه َوأَطِيعُو نِ (‪ )131‬وَاّتقُوا الّذِي َأمَدّكُ ْم بِمَا َتعْلَمُو نَ ( ‪َ )132‬أمَدّكُ ْم ِبأَْنعَا مٍ َوَبنِيَ ( ‪)133‬‬
‫ت َوعُيُونٍ (‪)134‬‬ ‫وَ َجنّا ٍ‬

‫‪677‬‬
‫فخافوا ال‪ ،‬وامتثلوا ما أدعو كم إل يه فإ نه أن فع ل كم‪ ،‬واخشوا ال الذي أعطا كم من أنواع الن عم ما ل‬
‫خفاء ف يه علي كم‪ ،‬أعطا كم النعام‪ :‬من ال بل والب قر والغ نم‪ ،‬وأعطا كم الولد‪ ،‬وأعطا كم الب ساتي‬
‫الثمرة‪ ,‬وفجّر لكم الاء من العيون الارية‪.‬‬

‫ف عََلْيكُ ْم عَذَابَ َيوْ ٍم عَظِيمٍ (‪)135‬‬


‫ِإنّي أَخَا ُ‬

‫قال هود‪ -‬عليه ال سّلم‪ -‬مذرًا لم‪ :‬إن أخاف إن أصررت على ما أنتم عليه من التكذيب والظلم و ُكفْر‬
‫النّعم‪ ،‬أن ينل ال بكم عذابًا ف يوم تعظم شدته من هول عذابه‪.‬‬

‫قَالُوا َسوَاءٌ عََليْنَا َأ َوعَ ْظتَ َأمْ لَ ْم َتكُ ْن مِ ْن اْلوَاعِظِيَ (‪)136‬‬

‫قالوا له‪ :‬يستوي عندنا تذكيك وتويفك لنا وتركه‪ ,‬فلن نؤمن لك‪.‬‬

‫ِإنْ هَذَا إِلّ خُلُ ُق ا َلوّلِيَ (‪َ )137‬ومَا نَحْنُ بِ ُمعَ ّذبِيَ (‪)138‬‬

‫وقالوا‪ :‬ما هذا الذي نن عليه إل دين الولي وعاداتم‪ ،‬وما نن بعذبي على ما نفعل ما حَذّرْتنا منه‬
‫من العذاب‪.‬‬

‫ك لَي ًة َومَا كَا نَ أَ ْكثَ ُرهُ ْم ُم ْؤمِنِيَ (‪َ )139‬وإِنّ َربّ كَ َل ُه َو الْعَزِيزُ الرّحِي مُ (‬
‫َفكَ ّذبُو هُ َفَأهَْلكْنَاهُ مْ ِإنّ فِي ذَلِ َ‬
‫‪)140‬‬

‫فاستمَرّوا على تكذيبه‪ ،‬فأهلكهم ال بريح باردة شديدة‪ .‬إن ف ذلك الهلك لَعبة لن بعدهم‪ ,‬وما كان‬
‫أكثر الذين سعوا قصتهم مؤمني بك‪ .‬وإن ربك لو العزيز الغالب على ما يريده من إهلك الكذبي‪,‬‬
‫الرحيم بالؤمني‪.‬‬

‫كَ ّذَبتْ ثَمُو ُد الْمُ ْرسَِليَ (‪)141‬‬

‫‪678‬‬
‫كذّبت قبيلة ثود أخاهم صالًا ف رسالته ودعوته إل توحيد ال‪ ،‬فكانوا بذا مكذّبي لميع الرسل;‬
‫لنم جيعًا يدعون إل توحيد ال‪.‬‬

‫إِذْ قَالَ َلهُ مْ أَخُوهُ مْ صَالِحٌ أَل َتتّقُو نَ (‪ِ )142‬إنّ ي َلكُ مْ رَ سُولٌ َأمِيٌ ( ‪ )143‬فَاّتقُوا اللّ َه َوَأطِيعُو نِ (‬
‫ب اْلعَالَمِيَ (‪)145‬‬ ‫‪َ )144‬ومَا َأسْأَُلكُمْ عََليْهِ مِنْ أَ ْجرٍ ِإنْ أَ ْجرِي إِ ّل عَلَى رَ ّ‬

‫إذ قال لم أخوهم صال‪ :‬أل تشون عقاب ال‪ ،‬فتُفرِدونه بالعبادة؟ إن مرسَل من ال إليكم‪ ,‬حفيظ على‬
‫هذه الرسالة كما تلقيتها عن ال‪ ،‬فاحذروا عقابه تعال‪ ,‬وامتثلوا ما دعوتكم إليه‪ .‬وما أطلب منكم على‬
‫نصحي وإرشادي لكم أي جزاء‪ ،‬ما جزائي إل على رب العالي‪.‬‬

‫ع َونَخْ ٍل طَ ْل ُعهَا َهضِي مٌ ( ‪)148‬‬


‫ت َو ُعيُو نٍ ( ‪ )147‬وَزُرُو ٍ‬
‫َأتُتْرَكُو نَ فِي مَا هَا ُهنَا آ ِمنِيَ (‪ )146‬فِي َجنّا ٍ‬
‫جبَا ِل بُيُوتا فَا ِرهِيَ (‪)149‬‬
‫حتُونَ مِنْ الْ ِ‬
‫َوتَنْ ِ‬

‫أيترككم ربكم فيما أنتم فيه من النعيم مستقرين ف هذه الدنيا آمني من العذاب والزوال والوت؟ ف‬
‫حدائق مثمرة وعيون جارية وزروع كثية ونل ثرها يانع لي نضيج‪ ،‬وتنحتون من البال بيوتًا ماهرين‬
‫بنحتها‪َ ,‬أشِرين بَطِرين‪.‬‬

‫فَاّتقُوا اللّهَه َوَأطِيعُونِه (‪ )150‬وَل تُطِيعُوا َأمْ َر الْمُس ْهرِفِيَ ( ‪ )151‬الّذِي َن ُيفْسِهدُونَ فِي الَرْ ضِ وَل‬
‫ُيصْلِحُونَ (‪)152‬‬

‫فخافوا عقوبة ال‪ ,‬واقبلوا نصحي‪ ،‬ول تنقادوا لمر السرفي على أنفسهم التمادين ف معصية ال الذين‬
‫دأبوا على الفساد ف الرض إفسادًا ل إصلح فيه‪.‬‬

‫سحّرِينَ (‪ )153‬مَا َأْنتَ إِ ّل بَشَ ٌر ِمثُْلنَا َفأْتِ بِآَيةٍ ِإنْ ُكْنتَ مِ ْن الصّادِِقيَ (‪)154‬‬
‫قَالُوا ِإنّمَا َأْنتَ مِ ْن الْمُ َ‬

‫‪679‬‬
‫حرًا كثيًا‪ ،‬حت غلب السحر على عقلك‪ .‬ما‬ ‫قالت ثود لنبيها صال‪ :‬ما أنت إل من الذين سُحروا سِ ْ‬
‫أنت إل فرد ماثل لنا ف البشرية من بن آدم‪ ،‬فكيف تتميز علينا بالرسالة؟ فأت بجة واضحة تدل على‬
‫ثبوت رسالتك‪ ,‬إن كنت صادقًا ف دعواك أن ال أرسلك إلينا‪.‬‬

‫ب َيوْمٍ َمعْلُومٍ (‪ )155‬وَل تَمَسّوهَا بِسُوءٍ َفيَأْ ُخذَكُ ْم عَذَابُ َيوْمٍ عَظِيمٍ‬
‫ب وََلكُمْ شِرْ ُ‬
‫قَا َل هَذِهِ نَاَقةٌ َلهَا ِشرْ ٌ‬
‫(‪)156‬‬

‫قال لم صال‪ -‬وقد أتاهم بناقة أخرجها ال له من الصخرة‪ :-‬هذه ناقة ال لا نصيب من الاء ف يوم‬
‫معلوم‪ ،‬ولكم نصيب منه ف يوم آخر‪ .‬ليس لكم أن تشربوا ف اليوم الذي هو نصيبها‪ ،‬ول هي تشرب‬
‫ف اليوم الذي هو نصيبكم‪ ،‬ول تنالوها بشيء ما يسوءها كضَرْبٍ أو قتل أو نو ذلك‪ ،‬فيهلككم ال‬
‫بعذابِ يومٍ تعظم شدته؛ بسبب ما يقع فيه من الول والشدة‪.‬‬

‫صبَحُوا نَا ِدمِيَ (‪)157‬‬


‫َف َعقَرُوهَا َفأَ ْ‬

‫فنحروا الناقة‪ ,‬فأصبحوا متحسرين على ما فعلوا لَمّا أيقنوا بالعذاب‪ ،‬فلم ينفعهم ندمهم‪.‬‬

‫ك لَيةً َومَا كَانَ أَكْثَ ُرهُ ْم ُم ْؤ ِمنِيَ (‪)158‬‬


‫َفأَخَ َذهُ ْم اْلعَذَابُ ِإنّ فِي ذَلِ َ‬

‫فنل بم عذاب ال الذي توعدهم به صال عليه السلم‪ ،‬فأهلكهم‪ .‬إن ف إهلك ثود لَعبة لن اعتب بذا‬
‫الصي‪ ,‬وما كان أكثرهم مؤمني‪.‬‬

‫َوإِنّ َربّكَ َل ُه َو الْعَزِيزُ الرّحِيمُ (‪)159‬‬

‫وإن ربك لو العزيز القاهر النتقم من أعدائه الكذبي‪ ،‬الرحيم بن آمن من خلقه‪.‬‬

‫ط الْمُ ْر َسلِيَ (‪)160‬‬


‫كَ ّذَبتْ َق ْومُ لُو ٍ‬

‫كَذّ بت قوم لوط بر سالته‪ ,‬فكانوا بذا مكذب ي ل سائر ر سل ال؛ لن ما جاؤوا به من التوح يد وأ صول‬
‫‪680‬‬
‫الشرائع واحد‪.‬‬

‫إِذْ قَالَ َلهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَل َتتّقُونَ (‪ِ )161‬إنّي َلكُمْ رَسُولٌ َأمِيٌ (‪ )162‬فَاّتقُوا اللّ َه َوَأطِيعُونِ ( ‪)163‬‬
‫ب الْعَالَ ِميَ (‪)164‬‬ ‫َومَا َأ ْسأَُلكُمْ عََليْ ِه مِنْ أَ ْجرٍ ِإنْ أَ ْجرِي إِ ّل عَلَى رَ ّ‬

‫إذ قال ل م أخو هم لوط‪ :‬أل تشون عذاب ال؟ إ ن ر سول من رب كم‪ ،‬أم ي على تبل يغ ر سالته إلي كم‪،‬‬
‫فاحذروا عقاب ال على تكذيبكم رسوله‪ ،‬واتبعون فيما دعوتكم إليه‪ ،‬وما أسألكم على دعوت لدايتكم‬
‫أيّ أجر‪ ،‬ما أجري إل على رب العالي‪.‬‬

‫َأتَ ْأتُو نَ الذّ ْكرَا نَ مِ ْن اْلعَالَمِيَ (‪َ )165‬وتَذَرُو َن مَا خَلَ قَ َلكُ مْ َرّبكُ ْم مِ نْ أَ ْزوَا ِجكُ مْ بَلْ َأْنتُ مْ َقوْ ٌم عَادُو نَ (‬
‫‪)166‬‬

‫أتنكحون الذكور مِن بن آدم‪ ،‬وتتركون ما خلق ال لستمتاعكم وتناسلكم مِن أزواجكم؟ بل أنتم قوم‬
‫‪ -‬بذه العصية‪ -‬متجاوزون ما أباحه ال لكم من اللل إل الرام‪.‬‬

‫قَالُوا َلئِنْ لَمْ تَْنتَ ِه يَا لُوطُ َلتَكُونَ ّن مِ ْن الْمُخْ َرجِيَ (‪)167‬‬

‫قال قوم لوط‪ :‬لئن ل تترك يا لوط َنهْيَنا عن إتيان الذكور وتقبيح فعله‪ ،‬لتكونن من الطرودين من بلدنا‪.‬‬

‫قَالَ ِإنّي ِلعَ َمِلكُ ْم مِ ْن اْلقَالِيَ (‪)168‬‬

‫قال لوط لم‪ :‬إن لِعملكم الذي تعملونه من إتيان الذكور‪ ،‬لَمن البغضي له بغضًا شديدًا‪.‬‬

‫جنِي َوأَهْلِي مِمّا َيعْمَلُونَ (‪)169‬‬


‫ب نَ ّ‬
‫رَ ّ‬

‫ث د عا لوط ر به حين ما يئس من ا ستجابتهم له قائل ربّ أنقذ ن وأن قذ أهلي م ا يعمله قو مي مِن هذه‬
‫العصية القبيحة‪ ,‬ومِن عقوبتك الت ستصيبهم‪.‬‬

‫‪681‬‬
‫جْينَا ُه َوَأهْلَهُ أَجْ َمعِيَ (‪ )170‬إِ ّل عَجُوزا فِي اْلغَابِرِينَ (‪)171‬‬
‫َفنَ ّ‬

‫فنجيناه وأهل بيته والستجيبي لدعوته أجعي إل عجوزًا من أهله‪ ،‬وهي امرأته‪ ،‬ل تشاركهم ف اليان‪،‬‬
‫فكانت من الباقي ف العذاب واللك‪.‬‬

‫ثُمّ َدمّ ْرنَا ال َخرِينَ (‪َ )172‬وَأمْطَ ْرنَا عََلْيهِ ْم مَطَرا فَسَا َء مَ َط ُر الْمُنذَرِينَ (‪)173‬‬

‫ث أهلكنا مَن عداهم من الكفرة أشدّ إهلك‪ ،‬وأنزلنا عليهم حجارة من السماء كالطر أهلكتهم‪ ,‬ف َقبُ حَ‬
‫مطرُ من أنذرهم رسلهم ول يستجيبوا لم؛ فقد أُنزل بم أشدّ أنواع اللك والتدمي‪.‬‬

‫ك لَي ًة َومَا كَانَ أَ ْكثَ ُرهُ ْم ُم ْؤمِنِيَ (‪)174‬‬


‫ِإنّ فِي ذَلِ َ‬

‫إن ف ذلك العقاب الذي نزل بقوم لوط لَعبة وموعظة‪ ,‬يتعظ با الكذبون‪ .‬وما كان أكثرهم مؤمني‪.‬‬

‫َوإِنّ َربّكَ َل ُه َو الْعَزِيزُ الرّحِيمُ (‪)175‬‬

‫وإن ربك لو العزيز الغالب الذي يقهر الكذبي‪ ,‬الرحيم بعباده الؤمني‪.‬‬

‫كَذّبَ أَصْحَابُ ا َلْي َكةِ الْ ُمرْسَِليَ (‪ )176‬إِذْ قَالَ َلهُ ْم ُش َعيْبٌ أَل َتّتقُونَ ( ‪ِ )177‬إنّي َلكُمْ رَسُولٌ َأمِيٌ (‬
‫ب اْلعَالَمِيَ (‪)180‬‬ ‫‪ )178‬فَاّتقُوا اللّ َه َوأَطِيعُونِ (‪َ )179‬ومَا َأسْأَُلكُمْ عََليْهِ مِنْ أَ ْجرٍ ِإنْ أَ ْجرِي إِ ّل عَلَى رَ ّ‬

‫كذّب أصهحاب الرض ذات الشجهر اللتهف رسهولم شعيبًا فه رسهالته‪ ،‬فكانوا بذا مكذّبيه لميهع‬
‫الرسالت‪ .‬إذ قال لم شعيب‪ :‬أل تشون عقاب ال على شرككم ومعاصيكم؟ إن مرسَل إليكم مِنَ ال‬
‫لدايتكم‪ ،‬حفيظ على ما أوحى ال به إلّ من الرسالة‪ ,‬فخافوا عقاب ال‪ ,‬واتبعوا ما دعوتكم إليه مِن‬
‫هداية ال؛ لترشدوا‪ ,‬وما أطلب منكم على دعائي لكم إل اليان بال أيّ جزاء‪ ،‬ما جزائي إل على رب‬
‫العالي‪.‬‬

‫‪682‬‬
‫سَتقِيمِ ( ‪ )182‬وَل تَبْخَسُوا النّاسَ‬
‫س الْمُ ْ‬
‫سرِينَ (‪ )181‬وَ ِزنُوا بِالْقِسْطَا ِ‬
‫َأوْفُوا الْ َكيْ َل وَل تَكُونُوا مِ ْن الْمُخْ ِ‬
‫َأشْيَا َءهُ ْم وَل َتعَْثوْا فِي الَ ْرضِ ُمفْسِدِينَ (‪)183‬‬

‫قال ل م شع يب‪ -‬و قد كانوا ُيْنقِ صون الك يل واليزان‪ :-‬أتّوا الك يل للناس وافيًا ل م‪ ،‬ول تكونوا م ن‬
‫ُينْقِصون الناس حقوقهم‪ ,‬وَزِنوا باليزان العدل الستقيم‪ ،‬ول تنقصوا الناس شيئًا مِن حقوقهم ف كيل أو‬
‫وزن أو غيه ذلك‪ ،‬ول تكثروا فه الرض الفسهاد‪ ،‬بالشرك والقتهل والنههب وتويهف الناس وارتكاب‬
‫العاصي‪.‬‬

‫جِبّلةَ ا َلوّلِيَ (‪)184‬‬


‫وَاّتقُوا الّذِي َخَل َقكُ ْم وَالْ ِ‬

‫واحذروا عقوبة ال الذي خلقكم وخلق المم التقدمة عليكم‪.‬‬

‫سحّرِينَ (‪َ )185‬ومَا َأْنتَ إِ ّل بَشَ ٌر ِمثُْلنَا َوإِ ْن نَ ُظنّكَ لَمِ ْن اْلكَا ِذبِيَ (‪َ )186‬فَأ ْسقِطْ‬
‫قَالُوا ِإنّمَا َأْنتَ مِ ْن الْمُ َ‬
‫عََلْينَا كِسَفا مِنْ السّمَاءِ ِإنْ ُكْنتَ مِنْ الصّادِِقيَ (‪)187‬‬

‫قالوا‪ :‬إنا أنت‪ -‬يا شعيب‪ -‬مِنَ الذين أصابم السحر إصابة شديدة‪ ،‬فذهب بعقولم‪ ،‬وما أنت إل واحد‬
‫مثلنا ف البشرية‪ ،‬فكيف تتص دوننا بالرسالة؟ وإن أكب ظننا أنك من الكاذبي فيما تدّعيه من الرسالة‪.‬‬
‫فإن كنت صادقًا ف دعوى النبوة‪ ،‬فادع ال أن يسقط علينا قطع عذاب من السماء تستأصلنا‪.‬‬

‫قَالَ َربّي َأعْلَ ُم بِمَا َتعْمَلُونَ (‪)188‬‬

‫قال لم شعيب‪ :‬رب أعلم با تعملونه مِنَ الشرك والعاصي‪ ،‬وبا تستوجبونه من العقاب‪.‬‬

‫ب َي ْومٍ عَظِيمٍ (‪)189‬‬


‫ب َيوْمِ الظّّلةِ ِإنّهُ كَانَ عَذَا َ‬
‫َفكَ ّذبُوهُ َفأَخَ َذهُ ْم عَذَا ُ‬

‫فاست َمرّوا على تكذيبه‪ ،‬فأصابم الر الشديد‪ ،‬وصاروا يبحثون عن ملذ يستظلون به‪ ،‬فأظلتهم سحابة‪،‬‬
‫وجدوا لا بردًا ونسيمًا‪ ،‬فلما اجتمعوا تتها‪ ،‬التهبت عليهم نارًا فأحرقتهم‪ ،‬فكان هلكهم جيعًا ف يوم‬
‫شديد الول‪.‬‬

‫‪683‬‬
‫ك لَي ًة َومَا كَانَ أَ ْكثَ ُرهُ ْم ُم ْؤمِنِيَ (‪)190‬‬
‫ِإنّ فِي ذَلِ َ‬

‫إن ف ذلك العقاب الذي نزل بم‪ ،‬لَدللة واضحة على قدرة ال ف مؤاخذة الكذبي‪ ،‬وعبة لن يعتب‪،‬‬
‫وما كان أكثرهم مؤمني متعظي بذلك‪.‬‬

‫َوإِنّ َربّكَ َل ُه َو الْعَزِيزُ الرّحِيمُ (‪)191‬‬

‫وإن ربك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬لو العزيز ف نقمته من انتقم منه من أعدائه‪ ،‬الرحيم بعباده الوحدين‪.‬‬

‫ح ا َلمِيُ ( ‪ )193‬عَلَى قَ ْلبِ كَ ِلَتكُو َن مِ ْن الْمُنذِرِي نَ (‬


‫َوِإنّ هُ َلَتنْزِيلُ رَبّ اْلعَالَمِيَ (‪ )192‬نَ َز َل بِ هِ الرّو ُ‬
‫‪ )194‬بِلِسَانٍ عَ َربِ ّي ُمبِيٍ (‪)195‬‬

‫وإن هذا القرآن الذي ذُ ِكرَ تْ فيه هذه القصص الصادقة‪ ،‬لَمنّل مِن خالق اللق‪ ,‬ومالك المر كله‪ ،‬نزل‬
‫به جبيل المي‪ ,‬فتله عليك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬حت وعيته بقلبك حفظًا وفهمًا؛ لتكون مِن رسل ال‬
‫الذين يوّفون قومهم عقاب ال‪ ،‬فتنذر بذا التنيل النس والن أجعي‪ .‬نزل به جبيل عليك بلغة عربية‬
‫واضحة العن‪ ،‬ظاهرة الدللة‪ ،‬فيما يتاجون إليه ف إصلح شؤون دينهم ودنياهم‪.‬‬

‫َوِإنّهُ َلفِي ُزبُ ِر ا َلوّلِيَ (‪)196‬‬

‫ت به وصَدَّقتْه‪.‬‬
‫ت ف كتب النبياء السابقي‪ ,‬قد بَشّرَ ْ‬
‫وإنّ ذِ ْكرَ هذا القرآن لَمثب ٌ‬

‫َأوَلَ ْم يَكُنْ َلهُ ْم آَيةً َأنْ َيعَْلمَ ُه عُلَمَا ُء َبنِي ِإسْرَائِيلَ (‪)197‬‬

‫ف هؤلء‪ -‬ف الدللة على أ نك ر سول ال‪ ,‬وأن القرآن حق‪ -‬عِلْ ُم علماء ب ن إ سرائيل صحة‬
‫أول يَكْ ِ‬
‫ذلك‪ ،‬ومَن آمن منهم كعبد ال بن سلم؟‬

‫جمِيَ (‪َ )198‬ف َق َرأَ ُه عََلْيهِ ْم مَا كَانُوا بِ ِه ُمؤْ ِمنِيَ ( ‪ )199‬كَذَلِ كَ سََل ْكنَاهُ فِي‬
‫ض الَعْ َ‬
‫وََلوْ َنزّْلنَا ُه عَلَى َبعْ ِ‬
‫‪684‬‬
‫ب الَلِيمَ (‪)201‬‬
‫ج ِرمِيَ (‪ )200‬ل ُي ْؤ ِمنُونَ بِهِ َحتّى يَ َروْا الْعَذَا َ‬
‫ب الْمُ ْ‬
‫قُلُو ِ‬

‫ولو َنزّل نا القرآن على ب عض الذ ين ل يتكلمون بالعرب ية‪ ,‬فقرأه على كفار قر يش قراءة عرب ية صحيحة‪,‬‬
‫لكفروا به أيضًا‪ ،‬وانتحلوا لحود هم عذرًا‪ .‬كذلك أدخل نا ف قلوب الجرم ي جحود القرآن‪ ،‬و صار‬
‫متمكنًا فيها؛ وذلك بسبب ظلمهم وإجرامهم‪ ،‬فل سبيل إل أن يتغيوا عمّا هم عليه من إنكار القرآن‪،‬‬
‫حت يعاينوا العذاب الشديد الذي ُوعِدوا به‪.‬‬

‫شعُرُونَ (‪َ )202‬فَيقُولُوا هَ ْل َنحْ ُن مُنظَرُونَ (‪)203‬‬


‫َفَيأِْتَيهُ ْم َبغَْت ًة َوهُمْ ل يَ ْ‬

‫فينل بم العذاب فجأة‪ ،‬وهم ل يعلمون قبل ذلك بجيئه‪ ,‬فيقولون عند مفاجأتم به تسّرًا على ما فاتم‬
‫من اليان‪ :‬هل نن ُم ْمهَلون مُؤخّرون؛ لنتوب إل ال مِن شركنا‪ ،‬ونستدرك ما فاتنا؟‬

‫سَتعْجِلُونَ (‪)204‬‬
‫أََفبِعَذَاِبنَا يَ ْ‬

‫َأغَ ّر هؤلء إمهال‪ ،‬فيستعجلون نزول العذاب عليهم من السماء؟‬

‫أَفَ َرَأْيتَ ِإنْ َمّت ْعنَاهُ ْم ِسنِيَ (‪ )205‬ثُمّ جَا َءهُ ْم مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (‪)206‬‬

‫أفعلمت ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬إن َمتّعناهم بالياة سني طويلة بتأخي آجالم‪ ،‬ث نزل بم العذاب الوعود؟‬

‫مَا َأغْنَى َعْنهُ ْم مَا كَانُوا يُ َمّتعُونَ (‪)207‬‬

‫ما أغن عنهم تتعهم بطول العمر‪ ،‬وطيب العيش‪ ،‬إذا ل يتوبوا من شركهم؟ فعذاب ال واقع بم عاجل‬
‫أم آجل‪.‬‬

‫َومَا أَهَْل ْكنَا مِنْ قَ ْرَيةٍ إِلّ َلهَا مُن ِذرُونَ (‪ )208‬ذِ ْكرَى َومَا ُكنّا ظَالِمِيَ (‪)209‬‬

‫‪685‬‬
‫وما أهلكنا مِن قرية من القرى ف المم جيعًا‪ ,‬إل بعد أن نرسل إليهم رسل ينذرونم‪ ,‬تذكرة لم‬
‫وتنبيهًا على ما فيه ناتم‪ ,‬وما كنا ظالي فنعذب أمة قبل أن نرسل إليها رسول‪.‬‬

‫ستَطِيعُونَ ( ‪ِ )211‬إّنهُ مْ عَ ْن ال سّ ْمعِ لَ َمعْزُولُو نَ (‬


‫شيَاطِيُ (‪َ )210‬ومَا َيْنبَغِي َلهُ ْم َومَا يَ ْ‬
‫ت بِ هِ ال ّ‬
‫َومَا َتنَزّلَ ْ‬
‫‪)212‬‬

‫وما َتنَزَّلتْ بالقرآن على ممد الشياطي‪ -‬كما يزعم الكفرة‪ -‬ول يصح منهم ذلك‪ ،‬وما يستطيعونه؛‬
‫لنم عن استماع القرآن من السماء مجوبون مرجومون بالشهب‪.‬‬

‫فَل تَ ْدعُ َمعَ اللّهِ إِلَها آ َخرَ َفَتكُو َن مِ ْن الْ ُمعَ ّذبِيَ (‪)213‬‬

‫فل تعبد مع ال معبودًا غيه‪ ,‬فينل بك من العذاب ما نزل بؤلء الذين عبدوا مع ال غيه‪.‬‬

‫ك الَقْ َربِيَ (‪)214‬‬


‫َوأَنذِ ْر عَشِيَتَ َ‬

‫وحذّر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬القرب فالقرب مِن قومك‪ ،‬مِن عذابنا‪ ،‬أن ينل بم‪.‬‬

‫ك مِ ْن الْ ُم ْؤ ِمنِيَ (‪)215‬‬


‫وَا ْخفِضْ َجنَاحَكَ لِمَ ْن اّتبَعَ َ‬

‫وأَلِنْ جانبك وكلمك تواضعًا ورحة لن ظهر لك منه إجابة دعوتك‪.‬‬

‫ص ْوكَ َفقُلْ ِإنّي َبرِي ٌء مِمّا َتعْمَلُونَ (‪)216‬‬


‫فَِإنْ َع َ‬

‫فإن خالفوا أمرك ول يتبعوك‪ ،‬فتبّأ من أعمالم‪ ،‬وما هم عليه من الشرك والضلل‪.‬‬

‫َوَتوَكّ ْل عَلَى اْلعَزِيزِ الرّحِي مِ (‪ )217‬الّذِي يَرَا كَ حِيَ تَقُو مُ ( ‪َ )218‬وَتقَّلبَ كَ فِي ال سّا ِجدِينَ ( ‪ِ )219‬إنّ هُ‬
‫ُهوَ السّمِي ُع اْلعَلِيمُ (‪)220‬‬

‫‪686‬‬
‫وَف ّوضْ أمرك إل ال العزيز الذي ل يغالَب ول ُي ْقهَر‪ ,‬الرحيم الذي ل يذل أولياءه‪ ،‬وهو الذي يراك‬
‫حي تقوم للصلة وحدك ف جوف الليل‪ ،‬ويرى تقلّبك مع الساجدين ف صلتم معك قائمًا وراكعًا‬
‫وساجدًا وجالسًا‪ ,‬إنه‪ -‬سبحانه‪ -‬هو السميع لتلوتك وذكرك‪ ,‬العليم بنيتك وعملك‪.‬‬

‫شيَاطِيُ (‪َ )221‬تنَزّ ُل عَلَى كُلّ أَفّا كٍ َأثِي مٍ ( ‪ )222‬يُ ْلقُو َن ال سّمْ َع َوأَكْثَ ُرهُ مْ‬
‫هَلْ ُأنَّبُئكُ ْم عَلَى مَ ْن َتنَزّلُ ال ّ‬
‫كَا ِذبُونَ (‪)223‬‬

‫هل أخبكم‪ -‬أيها الناس‪ -‬على مَن تنهزّل الشياطي؟ تتنل على كل كذّاب كثي الثام من الكهنة‪,‬‬
‫ستَ ِرقُ الشياطي السمع‪ ,‬يتخطفونه من الل العلى‪ ,‬فيلقونه إل الكهان‪ ,‬ومَن جرى مراهم مِ َن الفسقة‪,‬‬
‫يَ ْ‬
‫وأكثر هؤلء كاذبون‪َ ,‬يصْدُق أحدهم ف كلمة‪ ,‬فيزيد فيها أكثر مِن مائة كذبة‪.‬‬

‫وَالشّعَرَا ُء َيّتبِ ُعهُ ْم اْلغَاوُو نَ (‪ )224‬أَلَ ْم تَرَى َأّنهُ مْ فِي كُ ّل وَا ٍد َيهِيمُو نَ ( ‪َ )225‬وَأنّهُ ْم َيقُولُو َن مَا ل‬
‫َيفْعَلُونَ (‪)226‬‬

‫والشعراء يقوم شعرهم على الباطل والكذب‪ ,‬وياريهم الضالون الزائغون مِن أمثالم‪ .‬أل تر ‪ -‬أيها النب‬
‫‪ -‬أنم يذهبون كالائم على وجهه‪ ,‬يوضون ف كل فن مِن فنون الكذب والزور وتزيق العراض‬
‫والطعن ف النساب وتريح النساء العفائف‪ ،‬وأنم يقولون ما ل يفعلون‪ ,‬يبالغون ف مدح أهل الباطل‪,‬‬
‫وينتقصون أهل الق؟‬

‫ت وَذَكَرُوا اللّ هَ َكثِيا وَانتَ صَرُوا مِ ْن َبعْدِ مَا ظُِلمُوا وَ َسَيعْلَ ُم الّذِي َن ظَلَمُوا‬
‫إِلّ الّذِي نَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا ال صّالِحَا ِ‬
‫ب يَنقَِلبُونَ (‪)227‬‬ ‫ي مُنقََل ٍ‬ ‫أَ ّ‬

‫استثن ال من الشعرا ِء الشعراءَ الذين اهت َدوْا باليان وعملوا الصالات‪ ,‬وأكثروا مِن ذِكْر ال فقالوا‬
‫الشعر ف توحيد ال ‪ -‬سبحانه‪ -‬والثناء عليه جلّ ذكره‪ ,‬والدفاع عن رسوله ممد صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫وتكلموا بالكمة والوعظة والداب السنة‪ ،‬وانتصروا للسلم‪ ،‬يهجون مَن يهجوه أو يهجو رسوله‪,‬‬
‫ردّا على الشعراء الكافرين‪ .‬وسيعلم الذين ظلموا أنفسهم بالشرك والعاصي‪ ،‬وظلموا غيهم بغمط‬
‫حقوقهم‪ ,‬أو العتداء عليهم‪ ,‬أو بالتّهم الباطلة‪ ,‬أي مرجع من مراجع الشر واللك يرجعون إليه؟ إنّه‬
‫منقلب سوء‪ ,‬نسأل ال السلمة والعافية‪.‬‬

‫‪687‬‬
‫‪ -27‬سورة النمل‬

‫ب ُمبِيٍ (‪)1‬‬
‫ت اْلقُرْآنِ وَ ِكتَا ٍ‬
‫ك آيَا ُ‬
‫طس تِلْ َ‬

‫الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬

‫هذه آيات القرآن وهي آيات الكتاب العزيز بينة العن‪ ,‬واضحة الدللة‪ ,‬على ما فيه من العلوم والكم‬
‫والشرائع‪ .‬فالقرآن هو الكتاب‪ ،‬جع ال له بي السي‪.‬‬

‫هُدًى َوبُشْرَى لِ ْل ُم ْؤمِنِيَ (‪ )2‬الّذِي َن ُيقِيمُو َن الصّلةَ َويُ ْؤتُونَ الزّكَاةَ وَهُ ْم بِال ِخ َرةِ هُ ْم يُوِقنُونَ (‪)3‬‬

‫صدّقوا با‪,‬‬
‫وهي آيات ترشد إل طريق الفوز ف الدنيا والخرة‪ ,‬وتبشر بسن الثواب للمؤمني الذين َ‬
‫واهت َدوْا بديها‪ ,‬الذين يقيمون الصلوات المس كاملة الركان‪ ,‬مستوفية الشروط‪ ,‬ويؤدون الزكاة‬
‫الفروضة لستحقيها‪ ,‬وهم يوقنون بالياة الخرة‪ ,‬وما فيها مِن ثواب وعقاب‪.‬‬

‫ب َوهُ مْ‬
‫ك الّذِي نَ َلهُ مْ سُوءُ اْلعَذَا ِ‬
‫ِإنّ الّذِي َن ل ُي ْؤمِنُو َن بِالخِ َرةِ َزّينّا َلهُ مْ َأعْمَاَلهُ مْ َفهُ ْم َيعْ َمهُو نَ (‪ُ )4‬أوَْلئِ َ‬
‫سرُونَ (‪)5‬‬ ‫فِي ال ِخ َرةِ هُ ْم الَخْ َ‬

‫سنّا لم أعمالم السيئة‪ ,‬فرأوها حسنة‪ ,‬فهم‬ ‫إن الذين ل ُيصَدّقون بالدار الخرة‪ ,‬ول يعملون لا ح ّ‬
‫يترددون فيها متحيّرين‪ .‬أولئك الذين لم العذاب السيّئ ف الدنيا قتل وأَسْرًا وذُل وهزيةً‪ ,‬وهم ف‬
‫الخرة أشد الناس خسرانًا‪.‬‬

‫َوِإنّكَ َلتَُلقّى الْقُرْآ َن مِنْ لَ ُدنْ َحكِي ٍم عَلِيمٍ (‪)6‬‬

‫وإنك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لتتلقى القرآن من عند ال‪ ,‬الكيم ف خلقه وتدبيه الذي أحاط بكل شيء علمًا‪.‬‬

‫‪688‬‬
‫شهَابٍ َقَبسٍ َلعَّلكُ ْم َتصْطَلُونَ (‪)7‬‬
‫خَبرٍ َأوْ آتِيكُ ْم بِ ِ‬
‫ت نَارا سَآتِيكُ ْم ِمْنهَا بِ َ‬
‫إِذْ قَالَ مُوسَى لَهْلِهِ ِإنّي آنَسْ ُ‬

‫اذكر قصة موسى حي قال لهله ف مسيه من "مدين" إل "مصر"‪ :‬إن أبصَرْتُ نارًا سآتيكم منها بب‬
‫يدلنا على الطريق‪ ,‬أو آتيكم بشعلة نار; كي تستدفئوا با من البد‪.‬‬

‫فََلمّا جَا َءهَا نُودِ يَ أَ نْ بُورِ َك مَ نْ فِي النّا ِر َومَ نْ َحوَْلهَا وَ ُسبْحَانَ اللّ هِ رَبّ اْلعَالَمِيَ (‪ )8‬يَا مُو سَى ِإنّ هُ َأنَا‬
‫ب يَا مُو سَى ل‬ ‫حكِي مُ (‪َ )9‬وأَلْ ِق عَ صَاكَ فَلَمّ ا رَآهَا َت ْهتَزّ َكَأنّهَا جَانّ وَلّى مُ ْدبِرا وَلَ ْم ُيعَقّ ْ‬ ‫اللّ ُه اْلعَزِي ُز الْ َ‬
‫ي الْمُ ْر َسلُونَ (‪ )10‬إِ ّل مَ ْن ظَلَ َم ثُ ّم بَدّلَ حُسْنا َبعْ َد سُوءٍ فَِإنّي َغفُورٌ رَحِيمٌ (‪)11‬‬ ‫تَخَفْ ِإنّي ل يَخَافُ لَدَ ّ‬
‫ج َبيْضَا َء مِ ْن َغيْرِ سُوءٍ فِي تِ سْ ِع آيَا تٍ إِلَى ِف ْر َعوْ َن وََق ْومِ هِ ِإّنهُ مْ كَانُوا َقوْما‬
‫َوأَدْخِ ْل يَدَ كَ فِي َجْيبِ كَ تَخْ ُر ْ‬
‫فَا ِسقِيَ (‪)12‬‬

‫فلما جاء موسى النارَ ناداه ال وأخبه أن هذا مكانٌ قدّسه ال وباركه فجعله موضعًا لتكليم موسى‬
‫وإرساله‪ ,‬وأن ال بارك مَن ف النار ومَن حولا مِنَ اللئكة‪ ,‬وتنيهًا ل رب اللئق عما ل يليق به‪ .‬يا‬
‫موسى إنه أنا ال الستحق للعبادة وحدي‪ ,‬العزيز الغالب ف انتقامي من أعدائي‪ ,‬الكيم ف تدبي خلقي‪.‬‬
‫ح ّركَ الية السريعة ولّى هاربًا ول يرجع‬
‫وألق عصاك فألقاها فصارت حية‪ ,‬فلما رآها تتحرك ف خفة تَ َ‬
‫إليها‪ ,‬فطمأنه ال بقوله‪ :‬يا موسى ل تَخَفْ‪ ,‬إن ل ياف لديّ من أرسلتهم برسالت‪ ,‬لكن مَن تاوز‬
‫الدّ بذنب‪ ,‬ث تاب فبدّل حُسْن التوبة بعد قبح الذنب‪ ,‬فإن غفور له رحيم به‪ ,‬فل ييئس أحدٌ من رحة‬
‫ال ومغفرته‪ .‬وأدخل يدك ف جيبك ترج بيضاء كالثلج من غي بَرَص ف جلة تسع معجزات‪ ،‬وهي مع‬
‫اليد‪ :‬العصا‪ ،‬والسنون‪ ،‬ونقص الثمرات‪ ،‬والطوفان‪ ،‬والراد‪ ،‬والقُمّل‪ ،‬والضفادع‪ ،‬والدم؛ لتأييدك ف‬
‫رسالتك إل فرعون وقومه‪ ,‬إنم كانوا قومًا خارجي عن أمر ال كافرين به‪.‬‬

‫فََلمّا جَا َءْتهُ ْم آيَاُتنَا ُمْبصِ َرةً قَالُوا هَذَا سِحْ ٌر ُمبِيٌ (‪)13‬‬

‫فلما جاءتم هذه العجزات ظاهرة بيّنة يبصر با مَن نظر إليها حقيقةَ ما دلت عليه‪ ,‬قالوا‪ :‬هذا سحرٌ‬
‫واضحٌ بيّن‪.‬‬

‫سهُ ْم ظُلْما َوعُُلوّا فَانظُرْ َكيْفَ كَا َن عَاِقَبةُ الْ ُمفْسِدِينَ (‪)14‬‬
‫حدُوا ِبهَا وَاسَْتْيقََنْتهَا أَْنفُ ُ‬
‫وَجَ َ‬

‫‪689‬‬
‫وكذّبوا بالعجزات التسع الواضحة الدللة على صدق موسى ف نبوته وصدق دعوته‪ ,‬وأنكروا بألسنتهم‬
‫أن تكون من عند ال‪ ,‬وقد استيقنوها ف قلوبم اعتداءً على الق وتكبًا على العتراف به‪ ,‬فانظر ‪-‬أيها‬
‫الرسول‪ -‬كيف كان مصي الذين كفروا بآيات ال وأفسدوا ف الرض‪ ,‬إذ أغرقهم ال ف البحر؟ وف‬
‫ذلك عبة لن يعتب‪.‬‬

‫وََلقَ ْد آتَْينَا دَاوُو َد َوسَُليْمَا َن عِلْما وَقَال الْحَ ْمدُ لِلّ ِه الّذِي َفضَّلنَا عَلَى َكثِيٍ مِ ْن ِعبَا ِد ِه الْ ُم ْؤمِنِيَ (‪)15‬‬

‫ولقد آتينا داود وسليمان علمًا فعمل به‪ ,‬وقال المد ل الذي فضّلنا بذا على كثي من عباده الؤمني‪.‬‬
‫وف الية دليل على شرف العلم‪ ,‬وارتفاع أهله‪.‬‬

‫َووَرِ ثَ سَُليْمَانُ دَاوُو َد وَقَا َل يَا أَّيهَا النّا سُ عُلّ ْمنَا مَنطِ قَ ال ّطيْ ِر َوأُوتِينَا مِ نْ كُ ّل َشيْءٍ إِنّ هَذَا َل ُه َو اْلفَضْلُ‬
‫الْ ُمبِيُ (‪)16‬‬

‫وورث سليمان أباه داود ف النبوة والعلم واللك‪ ,‬وقال سليمان لقومه‪ :‬يا أيها الناس عُلّمنا وُفهّمنا كلم‬
‫الطي‪ ,‬وأُعطينا مِن كل شيء تدعو إليه الاجة‪ ,‬إن هذا الذي أعطانا ال تعال إياه لو الفضل الواضح‬
‫الذي يُ َميّزنا على مَن سوانا‪.‬‬

‫س وَال ّطيْرِ َفهُ ْم يُو َزعُونَ (‪)17‬‬


‫وَحُشِرَ لِسَُليْمَانَ ُجنُو ُدهُ مِ ْن الْجِ ّن وَالِْن ِ‬

‫وجُمِع لسليمان جنوده من الن والنس والطي ف مسية لم‪ ,‬فهم على كثرتم ل يكونوا مهمَلي‪ ,‬بل‬
‫كان على كل جنس من يَ ُردّ أولم على آخرهم; كي يقفوا جيعًا منتظمي‪.‬‬

‫َحتّى ِإذَا َأَتوْا عَلَى وَادِي النّمْلِ قَالَتْ نَمَْل ٌة يَا َأّيهَا النّمْلُ ادْ ُخلُوا مَسَا ِكَنكُ ْم ل يَحْطِ َمّنكُمْ سَُليْمَا ُن وَ ُجنُودُ ُه‬
‫ت عََليّ‬ ‫ك اّلتِي َأنْعَمْ َ‬‫شعُرُونَ (‪َ )18‬فَتبَسّمَ ضَاحِكا مِ نْ َقوِْلهَا وَقَالَ رَبّ َأوْ ِزعْنِي أَنْ َأشْكُ َر ِنعْ َمتَ َ‬ ‫َوهُمْ ل يَ ْ‬
‫حيَ (‪)19‬‬ ‫ي َوَأنْ َأعْمَلَ صَالِحا تَرْضَا ُه َوأَدْ ِخ ْلنِي بِ َرحْ َمتِكَ فِي ِعبَا ِد َك الصّالِ ِ‬
‫َوعَلَى وَالِدَ ّ‬

‫‪690‬‬
‫حت إذا بلغوا وادي النمل قالت نلة‪ :‬يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم ل يهلكنّكم سليمان وجنوده‪ ,‬وهم‬
‫ل يعلمون بذلك‪ .‬فتبسم ضاحكًا من قول هذه النملة لفهمها واهتدائها إل تذير النمل‪ ,‬واستشعر نعمة‬
‫ال عليه‪ ,‬فتوجّه إليه داعيًا‪ :‬ربّ أْلهِمْن‪ ,‬ووفقن‪ ,‬أن أشكر نعمتك الت أنعمت عل ّي وعلى والديّ‪ ,‬وأن‬
‫أعمل عمل صالًا ترضاه من‪ ,‬وأدخلن برحتك ف نعيم جنتك مع عبادك الصالي الذين ارتضيت‬
‫أعمالم‪.‬‬

‫حنّهُ َأوْ‬
‫َوَتفَقّدَ ال ّطيْرَ َفقَا َل مَا لِي ل أَرَى اْلهُ ْدهُدَ أَمْ كَانَ مِ ْن اْلغَاِئبِيَ (‪ )20‬لعَ ّذَبنّ ُه عَذَابا شَدِيدا َأوْ لَ ْذبَ َ‬
‫َليَ ْأِتيَنِي بِسُلْطَانٍ مُبِيٍ (‪)21‬‬

‫وتفقد سليمان حال الطي السخرة له وحال ما غاب منها‪ ,‬وكان عنده هدهد متميز معروف فلم يده‪,‬‬
‫فقال‪ :‬ما ل ل أرى الدهد الذي أعهده؟ أ َستَره ساتر عن‪ ,‬أم أنه كان من الغائبي عن‪ ,‬فلم أره لغيبته؟‬
‫فلما ظهر أنه غائب قال‪ :‬لعذب ّن هذا الدهد عذابًا شديدًا لغيابه تأديبًا له‪ ,‬أو لذبنّه عقوبة على ما فعل‬
‫حيث أخلّ با ُسخّر له‪ ,‬أو ليأتينّي بجة ظاهرة‪ ,‬فيها عذر لغيبته‪.‬‬

‫ك مِ ْن َسبٍَإ ِبنَبٍَإ َيقِيٍ (‪)22‬‬


‫ط بِهِ َو ِجئْتُ َ‬
‫ت بِمَا لَ ْم ُتحِ ْ‬
‫فَ َم َكثَ َغيْ َر َبعِيدٍ َفقَالَ أَحَط ُ‬

‫فمكث الدهد زمنًا غي بعيد ث حضر فعاتبه سليمان على مغيبه وتلّفه‪ ,‬فقال له الدهد‪ :‬علمت ما ل‬
‫تعلمه من المر على وجه الحاطة‪ ,‬وجئتك من مدينة "سبأ" به "اليمن" بب خطي الشأن‪ ,‬وأنا على‬
‫يقي منه‪.‬‬

‫ش عَظِيمٌ (‪)23‬‬
‫ت امْ َرَأ ًة تَمِْل ُكهُ ْم َوأُوتَِيتْ مِنْ ُك ّل شَيْ ٍء وََلهَا عَ ْر ٌ‬
‫ِإنّي وَجَد ّ‬

‫إن وجدت امرأ ًة تكم أهل "سبأ"‪ ,‬وأوتيت من كل شيء من أسباب الدنيا‪ ,‬ولا سرير عظيم القدر‪,‬‬
‫تلس عليه لدارة ملكها‪.‬‬

‫سبِيلِ َفهُ مْ‬


‫شيْطَا نُ َأعْمَاَلهُ مْ فَ صَ ّدهُ ْم عَ ْن ال ّ‬
‫س مِ نْ دُو نِ اللّ ِه وَ َزيّ نَ َلهُ مْ ال ّ‬
‫سجُدُونَ لِلشّمْ ِ‬
‫وَجَ ْدُتهَا وََق ْو َمهَا يَ ْ‬
‫ل َيهْتَدُونَ (‪)24‬‬

‫‪691‬‬
‫وجدتُها هي وقومها يعبدون الشمس معرضي عن عبادة ال‪ ,‬وحسّن لم الشيطان أعمالم السيئة الت‬
‫كانوا يعملونا‪ ,‬فصرفهم عن اليان بال وتوحيده‪ ,‬فهم ل يهتدون إل ال وتوحيده وعبادته وحده‪.‬‬

‫خفُو َن َومَا ُتعِْلنُونَ (‪ )25‬اللّهُ ل‬


‫خبْءَ فِي السّ َموَاتِ وَالَرْضِ َوَيعْلَ ُم مَا تُ ْ‬‫ج الْ َ‬
‫خرِ ُ‬
‫أَلّ يَسْجُدُوا لِلّ ِه الّذِي يُ ْ‬
‫ب اْلعَ ْرشِ الْعَظِيمِ (‪)26‬‬ ‫إِلَهَ إِ ّل ُهوَ رَ ّ‬

‫حسّن لم الشيطان ذلك; لئل يسجدوا ل الذي يُخرج الخبوء الستور ف السموات والرض من الطر‬
‫والنبات وغي ذلك‪ ,‬ويعلم ما تُسرّون وما تظهرون‪ .‬ال الذي ل معبود يستحق العبادة سواه‪ ,‬رب العرش‬
‫العظيم‪.‬‬

‫ت مِ ْن اْلكَا ِذبِيَ (‪ )27‬ا ْذهَب ِب ِكتَابِي هَذَا َفأَلْقِ هِ إَِلْيهِ مْ ثُمّ َتوَ ّل َعنْهُ مْ فَانظُرْ‬
‫قَالَ َسنَن ُظرُ أَ صَدَ ْقتَ أَ مْ كُن َ‬
‫مَاذَا يَرْ ِجعُونَ (‪)28‬‬

‫قال سليمان للهدهد‪ :‬سنتأمل فيما جئتنا به من الب أصدقت ف ذلك أم كنت من الكاذبي فيه؟ اذهب‬
‫بكتاب هذا إل أهل "سبأ" فأعطهم إياه‪ ,‬ث تن ّح عنهم قريبًا منهم بيث تسمع كلمهم‪ ,‬فتأمل ما يتردد‬
‫بينهم من الكلم‪.‬‬

‫قَاَلتْ يَا َأّيهَا الَل ِإنّي أُْلقِيَ إَِليّ ِكتَابٌ كَ ِريٌ (‪)29‬‬

‫ذهب الدهد وألقى الكتاب إل اللكة فقرأته‪ ,‬فجمعت أشراف قومها‪ ,‬وسعها تقول لم‪ :‬إن وصل إلّ‬
‫كتاب جليل القدار من شخص عظيم الشأن‪.‬‬

‫سلِمِيَ (‪)31‬‬
‫ِإنّهُ مِ ْن ُسَليْمَانَ َوِإنّهُ بِسْمِ اللّهِ الرّحْ َمنِ الرّحِيمِ (‪ )30‬أَ ّل َتعْلُوا عََل ّي َوْأتُونِي مُ ْ‬

‫ث بيّنت ما فيه فقالت‪ :‬إنه من سليمان‪ ,‬وإنه مفتتح به "بسم ال الرحن الرحيم" أل تتكبوا ول‬
‫ل منقادين ل بالوحدانية والطاعة مسلمي له‪.‬‬
‫تتعاظموا عما دعوتكم إليه‪ ,‬وأ ْقبِلوا إ ّ‬

‫‪692‬‬
‫شهَدُونِ (‪)32‬‬
‫قَاَلتْ يَا َأّيهَا الَل أَ ْفتُونِي فِي َأمْرِي مَا كُنتُ قَا ِط َعةً َأمْرا َحتّى تَ ْ‬

‫قالت‪ :‬يا أيها الشراف أشيوا عليّ ف هذا المر‪ ,‬ما كنت لفصل ف أمر إل بحضركم ومشورتكم‪.‬‬

‫حنُ ُأوْلُوا ُق ّوةٍ َوأُولُوا َبأْسٍ َشدِي ٍد وَا َلمْرُ إَِليْكِ فَانظُرِي مَاذَا َت ْأمُرِينَ (‪)33‬‬
‫قَالُوا نَ ْ‬

‫قالوا ميبي لا‪ :‬نن أصحاب قوة ف العدد والعُدّة وأصحاب النجدة والشجاعة ف شدة الرب‪ ,‬والمر‬
‫موكول إليكِ‪ ,‬وأنتِ صاحبة الرأي‪ ,‬فتأملي ماذا تأمريننا به؟ فنحن سامعون لمرك مطيعون لك‪.‬‬

‫ك َي ْفعَلُو نَ (‪َ )34‬وِإنّي مُرْ ِسَلةٌ‬


‫قَالَ تْ ِإنّ الْمُلُو كَ إِذَا َدخَلُوا قَ ْرَيةً أَفْ سَدُوهَا وَ َجعَلُوا َأعِ ّزةَ َأهِْلهَا أَذِّل ًة وَكَذَلِ َ‬
‫إَِليْهِ ْم ِبهَ ِدّيةٍ َفنَاظِ َرةٌ بِ َم يَ ْرجِ ُع الْ ُم ْرسَلُونَ (‪)35‬‬

‫قالت مذرةً لم من مواجهة سليمان بالعداوة‪ ,‬ومبيّنة لم سوء مغبّة القتال‪ :‬إن اللوك إذا دخلوا بيوشهم‬
‫قري ًة عنوةً وقهرًا خرّبوها وصيّروا أعزّة أهلها أذلة‪ ,‬وقتلوا وأسروا‪ ,‬وهذه عادتم الستمرة الثابتة لمل‬
‫الناس على أن يهابوهم‪ .‬وإن مرسلة إل سليمان وقومه بديّة مشتملة على نفائس الموال أصانعه با‪,‬‬
‫ومنتظرة ما يرجع به الرسل‪.‬‬

‫فََلمّا جَا َء سَُليْمَانَ قَالَ َأتُ ِمدّونَنِي بِمَالٍ فَمَا آتَانِي اللّهُ َخيْ ٌر مِمّا آتَاكُ ْم بَلْ َأْنتُمْ ِبهَ ِديِّتكُ ْم َتفْرَحُونَ (‪)36‬‬

‫فلمّا جاء رسول اللكة بالديّة إل سليمان‪ ,‬قال مستنكرًا ذلك متحدثًا بأَْنعُمِ ال عليه‪ :‬أتدونن با ٍل‬
‫تَرْضيةً ل؟ فما أعطان ال من النبوة واللك والموال الكثية خي وأفضل ما أعطاكم‪ ،‬بل أنتم الذين‬
‫تفرحون بالدية الت تُهدى إليكم; لنكم أهل مفاخرة بالدنيا ومكاثرة با‪.‬‬

‫جنُودٍ ل ِقبَلَ َلهُ ْم ِبهَا وََلنُخْ ِر َجّنهُمْ مِْنهَا أَذِّل ًة َوهُمْ صَاغِرُونَ (‪)37‬‬
‫ارْجِعْ إَِلْيهِمْ فََلَن ْأتَِيّنهُ ْم بِ ُ‬

‫وقال سليمان عليه السلم لرسول أهل "سبأ"‪ :‬ارجع إليهم‪ ,‬فوال لنأتينّهم بنود ل طاقة لم بقاومتها‬
‫ومقابلتها‪ ,‬ولنخرجنّهم مِن أرضهم أذلة وهم صاغرون مهانون‪ ,‬إن ل ينقادوا لدين ال وحده‪ ,‬ويتركوا‬
‫عبادة من سواه‪.‬‬

‫‪693‬‬
‫قَا َل يَا َأّيهَا الَل َأّيكُ ْم َيأْتِينِي ِبعَ ْر ِشهَا َقبْلَ َأ ْن َيأْتُونِي مُسْلِ ِميَ (‪)38‬‬

‫قال سليمان ماطبًا من َسخّرهم ال له من الن والنس‪ :‬أيّكم يأتين بسرير ملكها العظيم قبل أن يأتون‬
‫منقادين طائعي؟‬

‫ك بِهِ َقبْلَ َأ ْن َتقُو َم مِ ْن َمقَامِكَ َوِإنّي عََليْهِ َل َقوِيّ َأمِيٌ (‪)39‬‬


‫جنّ َأنَا آتِي َ‬
‫قَا َل ِعفْريتٌ مِ ْن الْ ِ‬

‫قال مارد قويّ شديد من الن‪ :‬أنا آتيك به قبل أن تقوم من ملسك هذا‪ ,‬وإن لقويّ على حَمْله‪ ,‬أمي‬
‫على ما فيه‪ ,‬آت به كما هو ل أُنقِص منه شيئًا ول أبدله‪.‬‬

‫سَتقِرّا ِعنْدَ هُ قَا َل هَذَا‬


‫ك بِ هِ َقبْلَ أَ ْن يَ ْرتَدّ إَِليْ كَ طَرْفُ كَ فَلَمّا رَآ هُ مُ ْ‬
‫قَا َل الّذِي ِعنْدَ هُ عِ ْل ٌم مِ ْن اْلكِتَا بِ َأنَا آتِي َ‬
‫شكُرُ ِلَنفْسِهِ َومَنْ َكفَرَ فَِإنّ َربّي َغنِيّ كَ ِريٌ (‪)40‬‬ ‫مِنْ َفضْلِ َربّي ِلَيبُْل َونِي َأَأ ْشكُرُ َأمْ أَ ْكفُ ُر َومَ ْن َشكَرَ فَِإنّمَا يَ ْ‬

‫قال الذي عنده علم من الكتاب‪ :‬أنا آتيك بذا العرش قبل ارتداد أجفانك إذا ترّ َكتْ للنظر ف شيء‪.‬‬
‫فأذن له سليمان فدعا ال‪ ,‬فأتى بالعرش‪ .‬فلما رآه سليمان حاضرًا لديه ثابتًا عنده قال‪ :‬هذا مِن فضل‬
‫رب الذي خلقن وخلق الكون كله؛ ليختبن‪ :‬أأشكر بذلك اعترافًا بنعمته تعال عليّ أم أكفر بترك‬
‫الشكر؟ ومن شكر ل على نعمه فإنّ َنفْعَ ذلك يرجع إليه‪ ,‬ومن جحد النعمة وترك الشكر فإن رب غن‬
‫عن شكره‪ ,‬كري يعم بيه ف الدنيا الشاكر والكافر‪ ,‬ث ياسبهم ويازيهم ف الخرة‪.‬‬

‫قَا َل َنكّرُوا َلهَا عَ ْر َشهَا نَنظُرْ َأَت ْهتَدِي َأمْ َتكُو ُن مِ ْن الّذِي َن ل َي ْهتَدُونَ (‪)41‬‬

‫قال سليمان لن عنده‪ :‬غيّروا سرير ملكها الذي تلس عليه إل حال تنكره إذا رأته; لنرى أتتدي إل‬
‫معرفته أم تكون من الذين ل يهتدون؟‬

‫فََلمّا جَاءَتْ قِيلَ َأ َهكَذَا عَ ْرشُكِ قَاَلتْ َكأَنّ ُه ُهوَ َوأُوتِينَا اْلعِلْ َم مِنْ َقبِْلهَا وَ ُكنّا مُسْلِ ِميَ (‪)42‬‬

‫‪694‬‬
‫فلما جاءت ملكة "سبأ" إل سليمان ف ملسه قيل لا‪ :‬أهكذا عرشك؟ قالت‪ :‬إنه يشبهه‪ .‬فظهر لسليمان‬
‫أنا أصابت ف جوابا‪ ,‬وقد علمت قدرة ال وصحة نبوة سليمان عليه السلم‪ ,‬فقال‪ :‬وأوتينا العلم بال‬
‫وبقدرته مِن قبلها‪ ,‬وكنا منقادين لمر ال متبعي لدين السلم‪.‬‬

‫ت َت ْعبُدُ مِنْ دُونِ اللّهِ ِإّنهَا كَاَنتْ مِنْ َق ْومٍ كَافِرِينَ (‪)43‬‬
‫وَصَ ّدهَا مَا كَانَ ْ‬

‫ومََنعَها عن عبادة ال وحده ما كانت تعبده مِن دون ال تعال‪ ,‬إنا كانت كافرة ونشأت بي قوم‬
‫كافرين‪ ,‬واستمرت على دينهم‪ ,‬وإل فلها من الذكاء والفطنة ما تعرف به الق من الباطل‪ ,‬ولكن‬
‫العقائد الباطلة تُذهب بصية القلب‪.‬‬

‫ح مُمَرّ ٌد مِنْ َقوَارِيرَ قَالَتْ‬


‫شفَتْ عَنْ سَاَقْيهَا قَالَ ِإنّهُ صَ ْر ٌ‬
‫ج ًة وَكَ َ‬‫سَبتْهُ ُل ّ‬
‫قِيلَ َلهَا ا ْدخُلِي الصّرْحَ َفلَمّا َرَأتْهُ حَ ِ‬
‫ب الْعَالَ ِميَ (‪)44‬‬
‫ت مَ َع سَُليْمَانَ لِلّهِ رَ ّ‬‫ت َنفْسِي َوَأسْلَ ْم ُ‬ ‫رَبّ ِإنّي ظَلَ ْم ُ‬

‫قيل لا‪ :‬ادخلي القصر‪ ,‬وكان صحنه مِن زجاج تته ماء‪ ,‬فلما رأته ظنته ماء تتردد أمواجه‪ ,‬وكشفت‬
‫عن ساقيها لتخوض الاء‪ ,‬فقال لا سليمان‪ :‬إنه صحن أملس من زجاج صاف والاء تته‪ .‬فأدركت‬
‫ت متابعة لسليمان‬
‫عظمة ملك سليمان‪ ,‬وقالت‪ :‬رب إن ظلمت نفسي با كنت عليه من الشرك‪ ,‬وانقد ُ‬
‫داخلة ف دين رب العالي أجعي‪.‬‬

‫خَتصِمُونَ (‪)45‬‬
‫وََلقَدْ أَ ْرسَ ْلنَا إِلَى ثَمُودَ َأخَاهُمْ صَالِحا َأنْ ا ْعبُدُوا اللّهَ فَِإذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَ ْ‬

‫ولقد أرسلنا إل ثود أخاهم صالًا‪ :‬أن وحّدوا ال‪ ,‬ول تعلوا معه إلًا آخر‪ ,‬فلما أتاهم صالٌ داعيًا إل‬
‫توحيد ال وعبادته وحده صار قومه فريقي‪ :‬أحدها مؤمن به‪ ,‬والخر كافر بدعوته‪ ,‬وكل منهم يزعم‬
‫أن الق معه‪.‬‬

‫ستَ ْغفِرُونَ اللّهَ َلعَّلكُ ْم تُرْحَمُونَ (‪)46‬‬


‫سَنةِ َلوْل تَ ْ‬
‫سّيَئةِ َقبْ َل الْحَ َ‬
‫سَتعْجِلُونَ بِال ّ‬
‫قَا َل يَا َق ْومِ لِ َم تَ ْ‬

‫‪695‬‬
‫قال صال للفريق الكافر‪ِ :‬لمَ تبادرون الكفر وعمل السيئات الذي يلب لكم العذاب‪ ,‬وتؤخرون اليان‬
‫وِفعْل السنات الذي يلب لكم الثواب؟ هل تطلبون الغفرة من ال ابتداء‪ ,‬وتتوبون إليه؛ رجاء أن‬
‫ترحوا‪.‬‬

‫ك َوبِمَ ْن َمعَكَ قَا َل طَائِرُكُ ْم ِعنْدَ اللّ ِه بَلْ َأْنتُمْ َق ْو ٌم ُت ْفتَنُونَ (‪)47‬‬
‫قَالُوا ا ّطيّ ْرنَا بِ َ‬

‫قال قوم صال له‪ :‬تَشا َءمْنا بك وبن معك من دخل ف دينك‪ ,‬قال لم صال‪ :‬ما أصابكم ال مِن خي أو‬
‫ختَبون بالسراء والضراء والي والشر‪.‬‬
‫شر فهو مقدّره عليكم ومازيكم به‪ ,‬بل أنتم قوم تُ ْ‬

‫ض وَل ُيصْلِحُونَ (‪)48‬‬


‫ط ُيفْسِدُونَ فِي الَ ْر ِ‬
‫س َعةُ َرهْ ٍ‬
‫وَكَانَ فِي الْمَدِيَنةِ تِ ْ‬

‫وكان ف مدينة صال ‪-‬وهي "الِجْر" الواقعة ف شال غرب جزيرة العرب‪ -‬تسعة رجال‪ ,‬شأنم الفساد‬
‫ف الرض‪ ,‬الذي ل يالطه شيء من الصلح‪.‬‬

‫قَالُوا َتقَاسَمُوا بِاللّهِ َلنَُبّيتَنّ ُه َوَأهْلَهُ ثُمّ َلنَقُولَنّ ِلوَِليّهِ مَا َشهِ ْدنَا َمهْلِكَ َأهْلِ ِه َوِإنّا َلصَادِقُونَ (‪)49‬‬

‫قال هؤلء التسعة بعضهم لبعض‪ :‬تقاسوا بال بأن يلف كل واحد للخرين‪ :‬لنأتيّ صالًا بغتة ف الليل‬
‫فنقتله ونقتل أهله‪ ,‬ث لنقولَنّ لولّ الدم مِن قرابته‪ :‬ما حضرنا قتلهم‪ ,‬وإنا لصادقون فيما قلناه‪.‬‬

‫شعُرُونَ (‪)50‬‬
‫َومَكَرُوا َمكْرا َومَكَ ْرنَا َمكْرا َوهُ ْم ل يَ ْ‬

‫ودبّروا هذه اليلة لهلك صال وأهله مكرًا منهم‪ ,‬فنصرنا نبينا صالًا عليه السلم‪ ,‬وأخذناهم بالعقوبة‬
‫على غِرّة‪ ,‬وهم ل يتوقعون كيدنا لم جزاءً على كيدهم‪.‬‬

‫فَانظُرْ َكيْفَ كَا َن عَاقَِب ُة َمكْ ِرهِمْ َأنّا َدمّ ْرنَاهُ ْم وََق ْو َمهُمْ أَجْ َمعِيَ (‪)51‬‬

‫فانظر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬نظرة اعتبار إل عاقبة غَدْر هؤلء الرهط بنبيهم صال؟ أنا أهلكناهم وقومهم‬
‫أجعي‪.‬‬
‫‪696‬‬
‫ك لَيةً ِل َق ْومٍ َيعْلَمُونَ (‪)52‬‬
‫ك ُبيُوُتهُمْ خَا ِوَي ًة بِمَا ظَلَمُوا ِإنّ فِي ذَلِ َ‬
‫َفتِلْ َ‬

‫فتلك مساكنهم خالية ليس فيها منهم أحد‪ ,‬أهلكهم ال; بسبب ظلمهم لنفسهم بالشرك‪ ,‬وتكذيب‬
‫نبيهم‪ .‬إن ف ذلك التدمي والهلك لَعظة لقوم يعلمون ما فعلناه بم‪ ,‬وهذه سنتنا فيمن يكذب الرسلي‪.‬‬

‫َوأَنَْينَا الّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا َيّتقُونَ (‪)53‬‬

‫وأنينا ما حلّ بثمود من اللك صالًا والؤمني به‪ ,‬الذين كانوا يتقون بإيانم عذاب ال‪.‬‬

‫ش َة َوأَْنتُ ْم ُتبْ صِرُونَ (‪َ )54‬أِئنّكُ مْ َلَت ْأتُو نَ الرّجَا َل َش ْه َوةً مِ نْ دُو نِ النّ سَاءِ‬
‫وَلُوطا إِذْ قَالَ ِل َقوْمِ هِ َأتَ ْأتُو َن اْلفَاحِ َ‬
‫جهَلُونَ (‪)55‬‬ ‫بَلْ َأنْتُمْ َق ْو ٌم تَ ْ‬

‫واذكر لوطًا إذ قال لقومه‪ :‬أتأتون الفعلة التناهية ف القبح‪ ,‬وأنتم تعلمون قبحها؟ أإنكم لتأتون الرجال ف‬
‫أدبارهم للشهوة عوضًا عن النساء؟ بل أنتم قوم تهلون حقّ ال عليكم‪ ,‬فخالفتم بذلك أمره‪ ,‬و َعصَْيتُم‬
‫رسوله بفعلتكم القبيحة الت ل يسبقكم با أحد من العالي‪.‬‬

‫‪697‬‬
‫الزء العشرون ‪:‬‬

‫س يَتَ َطهّرُونَ (‪)56‬‬


‫ط مِنْ قَ ْرَيتِكُمْ ِإّنهُمْ ُأنَا ٌ‬
‫فَمَا كَانَ َجوَابَ َق ْومِهِ إِلّ َأنْ قَالُوا أَخْ ِرجُوا آلَ لُو ٍ‬

‫فما كان لقوم لوط جواب له إل قول بعضهم لبعض‪ :‬أَخْرجوا آل لوط من قريتكم‪ ,‬إنم أناس يتنهون‬
‫عن إتيان الذكران‪ .‬قالوا لم ذلك استهزاءً بم‪.‬‬

‫َفأَنَْينَاهُ َوَأهْلَهُ إِلّ امْ َرَأتَهُ قَدّ ْرنَاهَا مِ ْن اْلغَابِرِينَ (‪)57‬‬

‫فأنينا لوطًا وأهله من العذاب الذي سيقع بقوم لوط‪ ,‬إل امرأته قدّرناها من الباقي ف العذاب حت تلك‬
‫مع الالكي; لنا كانت عونًا لقومها على أفعالم القبيحة راضية با‪.‬‬

‫َوَأمْطَ ْرنَا عََلْيهِ ْم مَطَرا فَسَا َء مَ َط ُر الْمُنذَرِينَ (‪)58‬‬

‫وأمطرنا عليهم من السماء حجارة مِن طي مهلكة‪ ,‬ف َقبُحَ مطر النذَرين‪ ,‬الذين قامت عليهم الجة‪.‬‬

‫قُ ْل الْحَ ْمدُ لِلّ ِه َوسَلمٌ عَلَى ِعبَا ِد ِه الّذِينَ اصْ َطفَى أَاللّهُ َخيْرٌ َأمّا يُشْرِكُونَ (‪)59‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬الثناء والشكر ل‪ ,‬وسلم منه‪ ,‬وَأمََنةٌ على عباده الذين تيهم لرسالته‪ ,‬ث اسأل‬
‫مشركي قومك هل ال الذي يلك النفع والضر خي أو الذي يشركون من دونه‪ ,‬من ل يلك لنفسه ول‬
‫لغيه نفعًا ول ضرًا؟‬

‫ج ٍة مَا كَا نَ َلكُ مْ أَ نْ‬


‫َأمّ نْ َخلَ َق ال سّ َموَاتِ وَالَرْ ضَ َوأَنزَلَ َلكُ ْم مِ ْن ال سّمَا ِء مَاءً َفَأنَْبْتنَا بِ هِ َحدَائِ قَ ذَا تَ َبهْ َ‬
‫ج َرهَا َأئِلَ ٌه مَعَ اللّ ِه بَ ْل هُمْ َق ْو ٌم َيعْدِلُونَ (‪)60‬‬
‫ُتنِْبتُوا شَ َ‬

‫‪698‬‬
‫واسألم مَن خلق السموات والرض‪ ,‬وأنزل لكم من السماء ماء‪ ,‬فأنبت به حدائق ذات منظر حسن؟‬
‫ما كان لكم أن تنبتوا شجرها‪ ,‬لول أن ال أنزل عليكم الاء من السماء‪ .‬إن عبادته سبحانه هي الق‪,‬‬
‫وعبادة ما سواه هي الباطل‪ .‬أمعبود مع ال فعل هذه الفعال حت يُعبد معه ويُشرك به؟ بل هؤلء‬
‫الشركون قوم ينحرفون عن طريق الق واليان‪ ,‬فيسوون بال غيه ف العبادة والتعظيم‪.‬‬

‫َأمّنْ َجعَلَ الَرْضَ قَرَارا وَ َجعَلَ خِلَلهَا َأنْهَارا وَ َجعَلَ َلهَا َروَا ِسيَ َو َجعَ َل َبيْ َن اْلبَحْ َريْنِ حَاجِزا َأئِلَ ٌه مَعَ اللّهِ‬
‫بَلْ أَكْثَ ُرهُ ْم ل َيعَْلمُونَ (‪)61‬‬

‫أعبادة ما تشركون بربكم خي أم الذي جعل لكم الرض مستقرًا وجعل وسطها أنارًا‪ ,‬وجعل لا البال‬
‫ثوابت‪ ,‬وجعل بي البحرين العذب واللح حاجزًا حت ل يُفسد أحدها الخر؟ أمعبود مع ال َفعَلَ ذلك‬
‫حت تشركوه معه ف عبادتكم؟ بل أكثر هؤلء الشركي ل يعلمون قَدْر عظمة ال‪ ,‬فهم يشركون به‬
‫تقليدًا وظلمًا‪.‬‬

‫جعَُلكُ مْ ُخَلفَا َء الَرْ ضِ َأئِلَ ٌه مَ عَ اللّ هِ َقلِيلً مَا تَذَكّرُو نَ (‬


‫َأمّ ْن يُجِي بُ الْمُضطَرّ ِإذَا َدعَا هُ َوَيكْشِ فُ ال سّو َء َويَ ْ‬
‫‪)62‬‬

‫أعبادة ما تشركون بال خي أم الذي ييب الكروب إذا دعاه‪ ,‬ويكشف السوء النازل به‪ ,‬ويعلكم‬
‫خلفاء لن سبقكم ف الرض؟ أمعبود مع ال ينعم عليكم هذه النعم؟ قليل ما تذكرون وتعتبون‪ ,‬فلذلك‬
‫أشركتم بال غيه ف عبادته‪.‬‬

‫ح بُشْرا َبيْ نَ يَدَ يْ َرحْ َمتِ هِ َأئِلَ ٌه مَ عَ اللّ ِه َتعَالَى اللّ هُ‬
‫ح ِر َومَ نْ ُيرْ سِلُ ال ّريَا َ‬
‫ت اْلبَ ّر وَالْبَ ْ‬
‫َأمّ ْن َيهْدِيكُ مْ فِي ظُُلمَا ِ‬
‫عَمّا يُشْرِكُونَ (‪)63‬‬

‫أعبادة ما تشركون بال خي أم الذي يرشدكم ف ظلمات الب والبحر إذا ضللتم فأظلمت عليكم السبل‪,‬‬
‫والذي يرسل الرياح مبشرات با يرحم به عباده مِن غيث ييي موات الرض؟ أمعبود مع ال يفعل بكم‬
‫شيئًا من ذلك فتدعونه من دونه؟ تنّه ال وتقدّس عما يشركون به غيه‪.‬‬

‫‪699‬‬
‫خلْ َق ثُمّ ُيعِيدُ ُه َومَ ْن يَرْزُُقكُ ْم مِ ْن ال سّمَا ِء وَالَرْ ضِ َأئِلَ ٌه مَ عَ اللّ هِ قُ ْل هَاتُوا بُ ْرهَاَنكُ مْ إِ نْ كُنتُ مْ‬
‫َأمّ ْن يَبْ َدُأ الْ َ‬
‫صَادِِقيَ (‪)64‬‬

‫واسألم من الذي ينشئ اللق ث يفنيه إذا شاء‪ ,‬ث يعيده‪ ,‬ومَن الذي يرزقكم من السماء بإنزال الطر‪,‬‬
‫ومن الرض بإنبات الزرع وغيه؟ أمعبود سوى ال يفعل ذلك؟ قل‪ :‬هاتوا حجتكم إن كنتم صادقي ف‬
‫زعمكم أن ل تعال شريكًا ف ملكه وعبادته‪.‬‬

‫شعُرُو نَ أَيّا نَ ُيْبعَثُو نَ (‪ )65‬بَلْ ادّارَ َك عِلْ ُمهُ مْ‬


‫قُ ْل ل َيعْلَ ُم مَ نْ فِي ال سّ َموَاتِ وَالَرْ ضِ اْل َغيْ بَ إِلّ اللّ ُه َومَا يَ ْ‬
‫ك ِمْنهَا بَ ْل هُ ْم ِمْنهَا عَمِيَ (‪)66‬‬ ‫فِي ال ِخ َرةِ بَ ْل هُمْ فِي شَ ّ‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لم‪ :‬ل يعلم أحد ف السموات ول ف الرض ما استأثر ال بعلمه من الغيّبات‪ ,‬ول‬
‫يدرون مت هم مبعوثون مِن قبورهم عند قيام الساعة؟ بل تكامل علمهم ف الخرة‪ ,‬فأيقنوا بالدار‬
‫الخرة‪ ,‬وما فيها مِن أهوال حي عاينوها‪ ,‬وقد كانوا ف الدنيا ف شك منها‪ ,‬بل عميت عنها بصائرهم‪.‬‬

‫خرَجُونَ (‪)67‬‬
‫وَقَا َل الّذِينَ َكفَرُوا َأئِذَا ُكنّا تُرَابا وَآبَا ُؤنَا َأِئنّا َلمُ ْ‬

‫وقال الذين جحدوا وحدانية ال‪ :‬أنن وآباؤنا مبعوثون أحياء كهيئتنا من بعد ماتنا بعد أن صرنا ترابًا؟‬

‫َلقَ ْد ُوعِ ْدنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَا ُؤنَا مِنْ َقبْلُ ِإنْ هَذَا إِلّ َأسَاطِيُ ا َلوّلِيَ (‪)68‬‬

‫لقد وُعدنا هذا البعث نن وآباؤنا مِن قبل‪ ,‬فلم نر لذلك حقيقة ول نؤمن به‪ ,‬ما هذا الوعد إل ما سطّره‬
‫الولون من الكاذيب ف كتبهم وافتروه‪.‬‬

‫ج ِرمِيَ (‪)69‬‬
‫قُ ْل سِيُوا فِي الَ ْرضِ فَان ُظرُوا َكيْفَ كَا َن عَاقَِب ُة الْمُ ْ‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الكذبي‪ :‬سيوا ف الرض‪ ,‬فانظروا إل ديار مَن كان قبلكم من الجرمي‪,‬‬
‫كيف كان عاقبة الكذبي للرسل؟ أهلكهم ال بتكذيبهم‪ ,‬وال فاعل بكم مثلهم إن ل تؤمنوا‪.‬‬

‫‪700‬‬
‫ضيْ ٍق مِمّا يَ ْمكُرُونَ (‪)70‬‬
‫وَل تَحْ َز ْن عََلْيهِ ْم وَل َتكُنْ فِي َ‬

‫ول تزن على إعراض الشركي عنك وتكذيبهم لك‪ ,‬ول َيضِقْ صدرك مِن مكرهم بك‪ ,‬فإن ال‬
‫ناصرك عليهم‪.‬‬

‫َوَيقُولُونَ َمتَى هَذَا اْلوَعْدُ ِإنْ كُنتُمْ صَادِقِيَ (‪)71‬‬

‫ويقول مشركو قومك ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬مت يكون هذا الوعد بالعذاب الذي َتعِدُنا به أنت وأتباعك إن‬
‫كنتم صادقي فيما تعدوننا به؟‬

‫سَتعْجِلُونَ (‪)72‬‬
‫قُ ْل عَسَى َأ ْن يَكُونَ رَدِفَ َلكُ ْم َب ْعضُ الّذِي تَ ْ‬

‫قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬عسى أن يكون قد اقترب لكم بعض الذي تستعجلون من عذاب ال‪.‬‬

‫شكُرُونَ (‪)73‬‬
‫س وََلكِنّ أَ ْكثَ َرهُمْ ل يَ ْ‬
‫َوإِنّ َربّكَ لَذُو َفضْ ٍل عَلَى النّا ِ‬

‫وإنّ ربك لذو فضل على الناس; بتركه معاجلتهم بالعقوبة على معصيتهم إياه وكفرهم به‪ ,‬ولكن‬
‫أكثرهم ل يشكرون له على ذلك‪ ,‬فيؤمنوا به ويلصوا له العبادة‪.‬‬

‫َوإِنّ َربّكَ َلَيعْلَ ُم مَا ُتكِنّ صُدُو ُرهُ ْم َومَا ُيعِْلنُونَ (‪)74‬‬

‫وإن ربك لَيعلم ما تفيه صدور خلقه وما يظهرونه‪.‬‬

‫ب ُمبِيٍ (‪)75‬‬
‫َومَا مِ ْن غَاِئَبةٍ فِي السّمَا ِء وَالَ ْرضِ إِلّ فِي ِكتَا ٍ‬

‫وما مِن شيء غائب عن أبصار اللق ف السماء والرض إل ف كتاب واضح عند ال‪ .‬قد أحاط ذلك‬
‫الكتاب بميع ما كان وما يكون‪.‬‬

‫‪701‬‬
‫ختَِلفُونَ (‪)76‬‬
‫ِإنّ هَذَا الْقُرْآ َن َي ُقصّ عَلَى َبنِي ِإسْرَائِيلَ أَ ْكثَ َر الّذِي هُمْ فِي ِه يَ ْ‬

‫إن هذا القرآن يقصّ على بن إسرائيل الق ف أكثر الشياء الت اختلفوا فيها‪.‬‬

‫َوِإنّهُ َلهُدًى وَ َرحْ َمةٌ لِ ْل ُم ْؤ ِمنِيَ (‪)77‬‬

‫وإن هذا القرآن لداية من الضلل ورحة من العذاب‪ ,‬لن صدّق به واهتدى بداه‪.‬‬

‫حكْمِ ِه َو ُه َو الْعَزِي ُز الْعَلِيمُ (‪)78‬‬


‫ك َي ْقضِي َبيَْنهُ ْم بِ ُ‬
‫ِإنّ َربّ َ‬

‫إن ربك يقضي بي الختلفي من بن إسرائيل وغيهم بكمه فيهم‪ ,‬فينتقم من البطل‪ ,‬ويازي الحسن‪.‬‬
‫وهو العزيز الغالب‪ ,‬فل يُرَدّ قضاؤه‪ ,‬العليم‪ ,‬فل يلتبس عليه حق بباطل‪.‬‬

‫ح ّق الْ ُمبِيِ (‪)79‬‬


‫ك عَلَى الْ َ‬
‫َفَتوَكّلْ عَلَى اللّهِ ِإنّ َ‬

‫فاعتمد ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ف كل أمورك على ال‪ ,‬وثق به; فإنه كافيك‪ ,‬إنك على الق الواضح الذي ل‬
‫شك فيه‪.‬‬

‫ِإنّكَ ل تُسْ ِم ُع الْ َموْتَى وَل تُسْ ِم ُع الصّمّ ال ّدعَاءَ إِذَا وَّلوْا مُ ْدبِرِينَ (‪)80‬‬

‫إنك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ل تقدر أن تُسمع الق مَن طبع ال على قلبه فأماته‪ ,‬ول تُسمع دعوتك مَن أص ّم‬
‫ال سعه عن ساع الق عند إدبارهم معرضي عنك‪ ،‬فإن الصم ل يسمع الدعاء إذا كان مقبل‪ ،‬فكيف‬
‫إذا كان معرضًا عنه موليًا مدبرًا؟‬

‫ت ِبهَادِي اْلعُ ْميِ عَنْ ضَلَلِتهِمْ إِ ْن تُسْمِعُ إِ ّل مَ ْن ُي ْؤمِ ُن بِآيَاِتنَا َفهُ ْم مُسْلِمُونَ (‪)81‬‬
‫َومَا أَْن َ‬

‫وما أنت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬با ٍد عن الضللة مَن أعماه ال عن الدى والرشاد‪ ,‬ول يكنك أن تُسمع إل‬
‫مَن يصدّق بآياتنا‪ ,‬فهم مسلمون مطيعون‪ ,‬مستجيبون لا دعوتم إليه‪.‬‬

‫‪702‬‬
‫َوإِذَا وَقَ َع اْلقَوْ ُل عََلْيهِمْ أَ ْخرَ ْجنَا َلهُمْ دَاّب ًة مِ ْن الَ ْرضِ ُتكَلّ ُم ُهمْ أَ ّن النّاسَ كَانُوا بِآيَاِتنَا ل يُوِقنُونَ (‪)82‬‬

‫وإذا وجب العذاب عليهم; لتماديهم ف العاصي والطغيان‪ ,‬وإعراضهم عن شرع ال وحكمه‪ ,‬حت‬
‫صاروا من شرار خلقه‪ ,‬أخرجنا لم من الرض ف آخر الزمان علمة من علمات الساعة الكبى‪ ,‬وهي‬
‫"الدابة"‪ ,‬تدثهم أن الناس النكرين للبعث كانوا بالقرآن وممد صلى ال عليه وسلم ودينه ل يصدقون‬
‫ول يعملون‪.‬‬

‫ب بِآيَاِتنَا َفهُ ْم يُو َزعُونَ (‪)83‬‬


‫ش ُر مِنْ كُلّ ُأ ّمةٍ َفوْجا مِمّ ْن ُيكَذّ ُ‬
‫َوَيوْ َم نَحْ ُ‬

‫حبَس أولم على آخرهم;‬


‫ويوم نمع يوم الشر من كل أمة جاعة‪ ,‬من يكذب بأدلتنا وحججنا‪ ,‬يُ ْ‬
‫ليجتمعوا كلهم‪ ,‬ث يساقون إل الساب‪.‬‬

‫َحتّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَ ّذْبتُ ْم بِآيَاتِي وَلَ ْم تُحِيطُوا ِبهَا عِلْما َأمّاذَا كُنتُ ْم َتعْمَلُو نَ (‪َ )84‬ووَقَ َع اْلقَوْ ُل عََلْيهِ مْ‬
‫بِمَا ظَلَمُوا َفهُ ْم ل يَن ِطقُونَ (‪)85‬‬

‫حت إذا جاء من كل أمة فوج من يكذب بآياتنا فاجتمعوا قال ال‪ :‬أك ّذبْتم بآيات الت أنزلتها على‬
‫رسلي‪ ,‬وباليات الت أقمتها دللة على توحيدي واستحقاقي وحدي للعبادة ول تيطوا علمًا ببطلنا‪,‬‬
‫حت تُعرضوا عنها وُتكَذّبوا با‪ ,‬أم أي شيء كنتم تعملون؟ وحقت عليهم كلمة العذاب بسبب ظلمهم‬
‫وتكذيبهم‪ ,‬فهم ل ينطقون بجة يدفعون با عن أنفسهم ما حلّ بم من سوء العذاب‪.‬‬

‫ك ليَاتٍ ِل َق ْو ٍم ُي ْؤمِنُونَ (‪)86‬‬


‫س ُكنُوا فِيهِ وَالّنهَا َر ُمبْصِرا ِإنّ فِي ذَلِ َ‬
‫أَلَ ْم يَ َروْا أَنّا َج َع ْلنَا الّليْلَ ِليَ ْ‬

‫أل ير هؤلء الكذبون بآياتنا أنا جعلنا الليل يستقرّون فيه وينامون‪ ,‬والنهار يبصرون فيه للسعي ف‬
‫معاشهم؟ إن ف تصريفهما لَدللة لقوم يؤمنون بكمال قدرة ال ووحدانيّته وعظيم نعمه‪.‬‬

‫ت َومَ نْ فِي الَرْ ضِ إِ ّل مَ ْن شَاءَ اللّ ُه وَكُلّ َأَتوْ هُ دَاخِرِي نَ (‬


‫ع مَ نْ فِي ال سّ َموَا ِ‬
‫َوَيوْ مَ يُنفَ خُ فِي ال صّورِ َف َفزِ َ‬
‫‪)87‬‬
‫‪703‬‬
‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬يوم يَنفخ اللَك ف "القرن" ففزع مَن ف السموات ومَن ف الرض فزعًا شديدًا‬
‫مِن هول النفخة‪ ,‬إل مَ ِن استثناه ال من أكرمه وحفظه من الفزع‪ ,‬وكل الخلوقات يأتون إل ربم‬
‫صاغرين مطيعي‪.‬‬

‫ّهه َخبِيٌ بِمَا‬


‫َنه كُ ّل َشيْءٍ ِإن ُ‬
‫ّهه الّذِي َأْتق َ‬
‫صهعَ الل ِ‬
‫السهحَابِ ُنْ‬
‫ِيه تَ ُم ّر مَرّ ّ‬
‫ْسههَا جَامِ َدةً وَه َ‬
‫جبَا َل تَح َُب‬
‫َوتَرَى الْ ِ‬
‫َتفْعَلُونَ (‪)88‬‬

‫وترى البال تظنها واقفة مستقرة‪ ,‬وهي تسي سيًا حثيثًا كسي السحاب الذي تسيّره الرياح‪ ,‬وهذا مِن‬
‫صنع ال الذي أحسن كل شيء خلقه وأتقنه‪ .‬إن ال خبي با يفعل عباده من خي وشر‪ ,‬وسيجازيهم‬
‫على ذلك‪.‬‬

‫ع َي ْومَئِذٍ آ ِمنُونَ (‪)89‬‬


‫سَنةِ َفلَهُ َخيْ ٌر ِمْنهَا َوهُمْ مِنْ فَ َز ٍ‬
‫مَنْ جَا َء بِاْلحَ َ‬

‫من جاء بتوح يد ال واليان به وعباد ته وحده‪ ,‬والعمال ال صالة يوم القيا مة‪ ,‬فله ع ند ال من ال جر‬
‫العظيم ما هو خي منها وأفضل‪ ,‬وهو النة‪ ,‬وهم يوم الفزع الكب آمنون‪.‬‬

‫ج َز ْونَ إِ ّل مَا كُنتُ ْم َتعْ َملُونَ (‪)90‬‬


‫سّيَئةِ َف ُكّبتْ وُجُو ُههُمْ فِي النّا ِر هَ ْل تُ ْ‬
‫َومَنْ جَا َء بِال ّ‬

‫ومن جاء بالشرك والعمال السيئة النكرة‪ ,‬فجزاؤهم أن يكبّهم ال على وجوههم ف النار يوم القيامة‪,‬‬
‫ويقال لم توبيخًا‪ :‬هل تزون إل ما كنتم تعملون ف الدنيا؟‬

‫سلِمِيَ (‪)91‬‬
‫ِإنّمَا ُأمِرْ تُ أَ نْ َأ ْعبُدَ رَبّ هَذِ هِ اْلبَلْ َد ِة الّذِي َح ّر َمهَا وَلَ هُ ُك ّل شَيْ ٍء َوُأمِرْ تُ أَ نْ أَكُو نَ مِ ْن الْمُ ْ‬
‫َوأَنْ َأتُْل َو الْقُرْآنَ فَمَنْ ا ْهتَدَى فَِإنّمَا َي ْهتَدِي ِلَنفْسِهِ َومَنْ ضَلّ َفقُلْ ِإنّمَا أَنَا مِ ْن الْمُنذِرِينَ (‪)92‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للناس‪ :‬إنا أُمرت أن أعبد رب هذه البلدة‪ ,‬وهي "مكة"‪ ,‬الذي َحرّمها على خلقه أن‬
‫يسفكوا فيها دمًا حرامًا‪ ,‬أو يظلموا فيها أحدًا‪ ,‬أو يصيدوا صيدها‪ ,‬أو يقطعوا شجرها‪ ,‬وله سبحانه كل‬
‫ش يء‪ ,‬وأُمرت أن أعبده وحده دون مَن سواه‪ ,‬وأُمرت أن أكون من النقاد ين لمره‪ ,‬البادر ين لطاع ته‪,‬‬

‫‪704‬‬
‫وأن أتلو القرآن على الناس‪ ,‬فمن اهتدى با فيه واتبع ما جئت به‪ ,‬فإنا خي ذلك وجزاؤه لنفسه‪ ,‬ومن‬
‫ضلّ عن الق فقل ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬إنا أنا نذير لكم من عذاب ال وعقابه إن ل تؤمنوا‪ ،‬فأنا واحد من‬
‫الرسل الذين أنذروا قومهم‪ ,‬وليس بيدي من الداية شيء‪.‬‬

‫وَقُ ْل الْحَ ْمدُ لِلّ ِه َسيُرِيكُ ْم آيَاتِهِ َفَتعْرِفُوَنهَا َومَا َربّكَ ِبغَافِ ٍل عَمّا َتعْمَلُونَ (‪)93‬‬

‫وقل ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬الثناء الميل ل‪ ,‬سييكم آياته ف أنفسكم وف السماء والرض‪ ,‬فتعرفونا معرفة‬
‫تدلكم على الق‪ ،‬وتبيّن لكم الباطل‪ ,‬وما ربك بغافل عما تعملون‪ ,‬وسيجازيكم على ذلك‪.‬‬

‫‪ -28‬سورة القصص‬

‫طسم (‪)1‬‬

‫الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬

‫ب الْ ُمبِيِ (‪)2‬‬


‫ت الْ ِكتَا ِ‬
‫ك آيَا ُ‬
‫تِلْ َ‬

‫هذه آيات القرآن الذي أنزلته إليك ‪-‬أيها الرسول‪ ,-‬مبينًا لكل ما يتاج إليه العباد ف دنياهم وأخراهم‪.‬‬

‫حقّ ِل َقوْ ٍم ُي ْؤمِنُونَ (‪)3‬‬


‫ك مِ ْن َنبَِإ مُوسَى وَفِ ْر َع ْونَ بِالْ َ‬
‫َنتْلُو عََليْ َ‬

‫نق صّ عل يك من خب مو سى وفرعون بال صدق لقوم يؤمنون بذا القرآن‪ ,‬وي صدّقون بأ نه من ع ند ال‪,‬‬
‫ويعملون بديه‪.‬‬

‫‪705‬‬
‫ح ِي نِسَا َءهُمْ ِإنّهُ‬
‫ستَ ْ‬
‫ضعِفُ طَاِئ َفةً ِمْنهُ ْم يُ َذبّحُ َأْبنَاءَهُ ْم َويَ ْ‬
‫سَت ْ‬
‫ِإنّ فِ ْر َعوْ َن عَل فِي الَرْضِ وَ َجعَلَ َأهَْلهَا ِشيَعا يَ ْ‬
‫كَانَ مِ ْن الْ ُمفْسِدِينَ (‪)4‬‬

‫إن فرعون ت كب وط غى ف الرض‪ ,‬وج عل أهل ها طوائف متفر قة‪ ,‬ي ستضعف طائ فة من هم‪ ,‬و هم ب نو‬
‫إسرائيل‪ ,‬يذبّح أبناءهم‪ ,‬ويستعبد نساءهم‪ ,‬إنه كان من الفسدين ف الرض‪.‬‬

‫جعََلهُ ْم اْلوَا ِرثِيَ (‪)5‬‬


‫جعََلهُمْ َأئِ ّم ًة َونَ ْ‬
‫ض َونَ ْ‬
‫ض ِعفُوا فِي الَ ْر ِ‬
‫َونُرِيدُ َأنْ نَمُنّ عَلَى الّذِي َن ا ْستُ ْ‬

‫ونريد أن نتفضل على الذين استضعفهم فرعون ف الرض‪ ,‬ونعلهم قادةً ف الي ودعاةً إليه‪ ,‬ونعلهم‬
‫يرثون الرض بعد هلك فرعون وقومه‪.‬‬

‫ض َونُرِي ِف ْرعَ ْونَ وَهَامَانَ َو ُجنُو َدهُمَا ِمنْهُ ْم مَا كَانُوا َيحْذَرُونَ (‪)6‬‬
‫َونُ َمكّنَ َلهُمْ فِي الَ ْر ِ‬

‫ونكن لم ف الرض‪ ,‬ونعل فرعون وهامان وجنودها يرون من هذه الطائفة الستضعفة ما كانوا‬
‫يافونه مِن هلكهم وذهاب ملكهم‪ ,‬وإخراجهم من ديارهم على يد مولود من بن إسرائيل‪.‬‬

‫ت عََليْهِ َفأَْلقِيهِ فِي الْيَمّ وَل تَخَافِي وَل تَحْ َزنِي ِإنّا رَادّوهُ إَِليْ ِ‬
‫ك‬ ‫ضعِيهِ فَِإذَا ِخفْ ِ‬ ‫َوَأوْ َحيْنَا إِلَى ُأمّ مُوسَى أَنْ أَرْ ِ‬
‫وَجَاعِلُو ُه مِ نْ الْمُرْ َسلِيَ (‪ )7‬فَاْلَتقَطَ هُ آلُ فِ ْر َعوْ نَ ِليَكُو نَ َلهُ مْ عَ ُدوّا وَ َحزَنا إِنّ فِ ْر َعوْ نَ وَهَامَا َن وَ ُجنُو َدهُمَا‬
‫كَانُوا خَا ِطئِيَ (‪)8‬‬

‫وألْهمنا أم موسى حي ولدته وخشيت عليه أن يذبه فرعون كما يذبح أبناء بن إسرائيل‪ :‬أن أرضعيه‬
‫مطمئنة‪ ,‬فإذا خشيت أن يُعرف أمره فضعيه ف صندوق وألقيه ف النيل‪ ,‬دون خوف من فرعون وقومه‬
‫أن يقتلوه‪ ,‬ودون حزن على فراقه‪ ,‬إنا رادّو ولدك إليك وباعثوه رسول‪ .‬فوضعته ف صندوق وألقته ف‬
‫النيل‪ ,‬فعثر عليه أعوان فرعون وأخذوه‪ ,‬فكانت عاقبةُ ذلك أن جعله ال لم عدوّا وحزنًا‪ ,‬فكان‬
‫إهلكُهم على يده‪ .‬إن فرعون وهامان وأعوانما كانوا آثي مشركي‪.‬‬

‫شعُرُونَ (‪)9‬‬
‫ك ل َت ْقتُلُوهُ عَسَى َأ ْن يَن َف َعنَا َأ ْو َنتّخِ َذ ُه وَلَدا َوهُ ْم ل يَ ْ‬
‫وَقَاَلتْ امْ َرَأةُ فِ ْر َعوْنَ ُق ّرةُ َعيْنٍ لِي وَلَ َ‬

‫‪706‬‬
‫وقالت امرأة فرعون لفرعون‪ :‬هذا الطفل سيكون مصدر سرور ل ولك‪ ,‬ل تقتلوه; فقد نصيب منه خيًا‬
‫أو نتخذه ولدا‪ ,‬وفرعون وآله ل يدركون أن هلكهم على يديه‪.‬‬

‫صبَحَ ُفؤَادُ ُأمّ مُوسَى فَارِغا ِإنْ كَادَتْ َلُتبْدِي بِهِ َلوْل َأنْ َربَ ْطنَا عَلَى َق ْلِبهَا ِلَتكُو َن مِ ْن الْ ُم ْؤمِنِيَ (‪)10‬‬
‫َوأَ ْ‬

‫وأصبح فؤاد أم موسى خاليًا من كل شيء ف الدنيا إل من ه ّم موسى وذكره‪ ,‬وقاربت أن تُظهِر أنه ابنها‬
‫لول أن ثبتناها‪ ,‬فصبت ول ُتبْدِ به; لتكون من الؤمني بوعد ال الوقني به‪.‬‬

‫شعُرُونَ (‪)11‬‬
‫ب َوهُ ْم ل يَ ْ‬
‫وَقَاَلتْ لُ ْختِهِ ُقصّيهِ َفبَصُرَتْ بِهِ عَنْ ُجنُ ٍ‬

‫وقالت أم موسى لخته حي ألقته ف اليم‪ :‬اتّبِعي أثر موسى كيف ُيصْنَع به؟ فتتبعت أثره فأبصرته عن‬
‫ُبعْد‪ ,‬وقوم فرعون ل يعرفون أنا أخته‪ ,‬وأنا تتبع خبه‪.‬‬

‫ت هَلْ أَدُّلكُ ْم عَلَى َأهْ ِل َبْيتٍ َي ْكفُلُونَهُ َلكُ ْم َوهُمْ لَ ُه نَاصِحُونَ (‪)12‬‬
‫وَحَ ّر ْمنَا عََليْ ِه الْمَرَاضِ َع مِنْ َقبْلُ َفقَاَل ْ‬

‫وحرمنا على موسى الراضع أن يرتضع منهن مِن قبل أن نردّه إل أمه‪ ,‬فقالت أخته‪ :‬هل أدلكم على أهل‬
‫بيت يسنون تربيته وإرضاعه‪ ,‬وهم مشفقون عليه؟ فأجابوها إل ذلك‪.‬‬

‫فَ َردَ ْدنَاهُ إِلَى ُأمّهِ َكيْ َتقَ ّر َعْينُهَا وَل تَحْ َز َن وَِلَتعْلَمَ َأنّ َوعْدَ اللّهِ حَ ّق وََلكِنّ أَكْثَ َرهُ ْم ل َيعْلَمُونَ (‪)13‬‬

‫فرددنا موسى إل أمه; كي تقرّ عينها به‪ ,‬ووفينا إليها بالوعد; إذ رجع إليها سليمًا مِن قتل فرعون‪ ,‬ول‬
‫تزنَ على فراقه‪ ,‬ولتعلم أن وعد ال حق فيما وعدها مِن ردّه إليها وجعله من الرسلي‪ .‬إن ال ل يلف‬
‫وعده‪ ,‬ولكن أكثر الشركي ل يعلمون أن وعد ال حق‪.‬‬

‫سنِيَ (‪)14‬‬
‫جزِي الْمُحْ ِ‬
‫ك نَ ْ‬
‫وَلَمّا بَلَغَ َأشُدّ ُه وَاسَْتوَى آَتيْنَاهُ ُحكْما َوعِلْما وَكَذَلِ َ‬

‫ولا بلغ موسى أشد قوته وتكامل عقله‪ ,‬آتيناه حكمًا وعلمًا يعرف بما الحكام الشرعية‪ ,‬وكما جزينا‬
‫موسى على طاعته وإحسانه نزي مَن أحسن مِن عبادنا‪.‬‬
‫‪707‬‬
‫وَدَ َخ َل الْمَدِيَنةَ عَلَى حِيِ َغفَْل ٍة مِ نْ أَهْلِهَا َفوَجَدَ فِيهَا رَ ُجَليْ ِن َي ْقتَتِل ِن هَذَا مِ ْن شِيعَتِ هِ َوهَذَا مِ ْن عَ ُدوّ هِ‬
‫شيْطَا نِ ِإنّ هُ‬
‫فَا ْستَغَاثَ ُه الّذِي مِ ْن شِيعَتِ ِه عَلَى الّذِي مِ نْ عَ ُدوّ هِ َفوَكَزَ ُه مُو سَى َف َقضَى عََليْ هِ قَا َل هَذَا مِ ْن عَمَلِ ال ّ‬
‫عَ ُد ّو مُضِ ّل ُمبِيٌ (‪)15‬‬

‫ودخل موسى الدينة مستخفيًا وقت غفلة أهلها‪ ,‬فوجد فيها رجلي يقتتلن‪ :‬أحدها من قوم موسى من‬
‫بن إسرائيل‪ ,‬والخر من قوم فرعون‪ ,‬فطلب الذي من قوم موسى النصر على الذي من عدوه‪ ,‬فضربه‬
‫موسى بُمْع كفّه فمات‪ ,‬قال موسى حي قتله‪ :‬هذا من نزغ الشيطان‪ ,‬بأن هيّج غضب‪ ,‬حت ضربت‬
‫هذا فهلك‪ ,‬إن الشيطان عدو لبن آدم‪ ,‬مضل عن سبيل الرشاد‪ ,‬ظاهر العداوة‪ .‬وهذا العمل من موسى‬
‫عليه السلم كان قبل النبوة‪.‬‬

‫قَالَ رَبّ إِنّي ظَلَ ْمتُ نَفْسِي فَا ْغفِرْ لِي َف َغفَرَ لَهُ ِإنّ ُه ُهوَ اْل َغفُورُ الرّحِيمُ (‪)16‬‬

‫قال موسى‪ :‬رب إن ظلمت نفسي بقتل النفس الت ل تأمرن بقتلها فاغفر ل ذلك الذنب‪ ,‬فغفر ال له‪.‬‬
‫إن ال غفور لذنوب عباده‪ ,‬رحيم بم‪.‬‬

‫ت عََليّ فَلَنْ أَكُونَ َظهِيا ِللْ ُمجْ ِرمِيَ (‪)17‬‬


‫قَالَ رَبّ بِمَا َأنْعَ ْم َ‬

‫قال موسى‪ :‬ربّ با أنعمت عل ّي بالتوبة والغفرة والنعم الكثية‪ ,‬فلن أكون معينًا لحد على معصيته‬
‫وإجرامه‪.‬‬

‫سَتصْرِخُهُ قَالَ لَ ُه مُو سَى إِنّ كَ َل َغوِيّ ُمبِيٌ‬


‫س يَ ْ‬
‫صبَحَ فِي الْمَدِيَنةِ خَائِفا يَتَرَقّ بُ فَإِذَا الّذِي ا ْستَنصَ َر ُه بِا َلمْ ِ‬
‫َفأَ ْ‬
‫(‪)18‬‬

‫فأصبح موسى ف مدينة فرعون خائفًا يترقب الخبار ما يتحدث به الناس ف أمره وأمر قتيله‪ ,‬فرأى‬
‫صاحبه بالمس يقاتل قبطيًا آخر‪ ,‬ويطلب منه النصر‪ ,‬قال له موسى‪ :‬إنك لكثي الغَواية ظاهر الضلل‪.‬‬

‫ش بِالّذِي ُه َو عَ ُدوّ َلهُمَا قَا َل يَا مُوسَى َأتُرِيدُ أَنْ َت ْقتَُلنِي كَمَا َقتَلْتَ َنفْسا بِا َلمْسِ إِنْ‬
‫فََلمّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِ َ‬
‫‪708‬‬
‫تُرِيدُ إِلّ أَ ْن َتكُونَ َجبّارا فِي الَ ْرضِ َومَا تُرِيدُ َأنْ َتكُونَ مِ ْن الْ ُمصِْلحِيَ (‪)19‬‬

‫فلما أن أراد موسى أن يبطش بالقبطي‪ ,‬قال‪ :‬أتريد أن تقتلن كما قتلت نفسًا بالمس؟ ما تريد إل أن‬
‫تكون طاغية ف الرض‪ ,‬وما تريد أن تكون من الذين يصلحون بي الناس‪.‬‬

‫ك مِ نْ‬
‫ل َيأْتَ ِمرُو نَ بِ كَ ِلَيقْتُلُو كَ فَا ْخرُ جْ ِإنّي لَ َ‬
‫سعَى قَا َل يَا مُو سَى ِإنّ الْ َم َ‬
‫وَجَاءَ َرجُ ٌل مِ نْ أَقْ صَى الْمَدِيَن ِة يَ ْ‬
‫صحِيَ (‪)20‬‬ ‫النّا ِ‬

‫وجاء رجل من آخر الدينة يسعى‪ ,‬قال يا موسى‪ :‬إن أشراف قوم فرعون يتآمرون بقتلك‪ ,‬ويتشاورون‪,‬‬
‫فاخرج من هذه الدينة‪ ,‬إن لك من الناصحي الشفقي عليك‪.‬‬

‫جنِي مِنْ الْ َق ْومِ الظّاِلمِيَ (‪)21‬‬


‫ب نَ ّ‬
‫ج ِمْنهَا خَائِفا َيتَرَّقبُ قَالَ رَ ّ‬
‫خرَ َ‬
‫فَ َ‬

‫فخرج موسى من مدينة فرعون خائفًا ينتظر الطلب أن يدركه فيأخذه‪ ,‬فدعا ال أن ينقذه من القوم‬
‫الظالي‪.‬‬

‫وَلَمّا َتوَجّ َه تِ ْلقَا َء مَ ْديَنَ قَا َل عَسَى َربّي َأ ْن َيهْ ِديَنِي َسوَاءَ السّبِيلِ (‪)22‬‬

‫ولا قصد موسى بلد "مدين" وخرج من سلطان فرعون قال‪ :‬عسى رب أن يرشدن خي طريق إل‬
‫"مدين"‪.‬‬

‫سقُو َن َووَجَ َد مِنْ دُوِنهِمْ امْرَأَتيْ ِن تَذُودَانِ قَا َل مَا خَ ْطُبكُمَا‬


‫س يَ ْ‬
‫وَلَمّا وَ َر َد مَا َء مَ ْديَ َن وَجَ َد عََليْهِ ُأ ّمةً مِ ْن النّا ِ‬
‫سقِي َحتّى ُيصْدِرَ ال ّرعَا ُء َوَأبُونَا َشيْخٌ َكبِيٌ (‪)23‬‬ ‫قَاَلتَا ل نَ ْ‬

‫ولا وصل ماء "مدين" وجد عليه جاعة من الناس يسقون مواشيهم‪ ,‬ووجد من دون تلك الماعة‬
‫امرأتي منفردتي عن الناس‪ ,‬تبسان غنمهما عن الاء; لعجزها وضعفهما عن مزاحة الرجال‪ ,‬وتنتظران‬
‫حت تَصْدُر عنه مواشي الناس‪ ,‬ث تسقيان ماشيتهما‪ ,‬فلما رآها موسى ‪-‬عليه السلم‪ -‬رقّ لما‪ ,‬ث قال‪:‬‬

‫‪709‬‬
‫ما شأنكما؟ قالتا‪ :‬ل نستطيع مزاحة الرجال‪ ,‬ول نسقي حت يسقي الناس‪ ,‬وأبونا شيخ كبي‪ ,‬ل‬
‫يستطيع أن يسقي ماشيته؛ لضعفه وكبه‪.‬‬

‫سقَى َلهُمَا ثُمّ َتوَلّى إِلَى الظّلّ َفقَالَ رَبّ إِنّي لِمَا أَنزَْلتَ إِلَ ّي مِنْ َخيْرٍ َفقِيٌ (‪)24‬‬
‫فَ َ‬

‫فسقى موسى للمرأتي ماشيتهما‪ ,‬ث تول إل ظل شجرة فاستظ ّل با وقال‪ :‬رب إن مفتقر إل ما تسوقه‬
‫ل مِن أي خي كان‪ ,‬كالطعام‪ .‬وكان قد اشتد به الوع‪.‬‬
‫إّ‬

‫ج ِزيَكَ أَ ْج َر مَا َس َقيْتَ َلنَا فَلَمّا جَاءَهُ وَقَصّ‬


‫حيَاءٍ قَالَتْ إِنّ َأبِي يَ ْدعُوكَ ِليَ ْ‬
‫فَجَا َءتْهُ إِ ْحدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى ا ْستِ ْ‬
‫ت مِ ْن اْل َقوْمِ الظّالِمِيَ (‪)25‬‬ ‫جوْ َ‬ ‫ف نَ َ‬
‫صصَ قَالَ ل َتخَ ْ‬ ‫عََليْهِ اْل َق َ‬

‫فجاءت إحدى الرأتي اللتي سقى لما تسي إليه ف حياء‪ ,‬قالت‪ :‬إن أب يدعوك ليعطيك أجر ما سقيت‬
‫لنا‪ ,‬فمضى موسى معها إل أبيها‪ ,‬فلما جاء أباها وقصّ عليه قصصه مع فرعون وقومه‪ ,‬قال له أبوها‪ :‬ل‬
‫تَخَفْ نوت من القوم الظالي‪ ,‬وهم فرعون وقومه؛ إذ ل سلطان لم بأرضنا‪.‬‬

‫ت اْل َقوِيّ ا َلمِيُ (‪)26‬‬


‫قَاَلتْ ِإحْدَاهُمَا يَا َأَبتِ ا ْسَتأْجِ ْرهُ إِنّ َخيْ َر مَنْ ا ْسَتأْجَرْ َ‬

‫قالت إحدى الرأتي لبيها‪ :‬يا أبت استأجره ليعى لك ماشيتك; إنّ خي من تستأجره للرعي القوي‬
‫على حفظ ماشيتك‪ ,‬المي الذي ل تاف خيانته فيما تأمنه عليه‪.‬‬

‫ت عَشْرا فَ ِم نْ‬
‫قَالَ ِإنّ ي أُرِيدُ أَ نْ أُنكِحَ كَ إِ ْحدَى ابَْنتَيّ هَاَتيْ نِ عَلَى أَ نْ َتأْ ُجرَنِي ثَمَاِنَيةَ حِجَ جٍ فَإِ نْ َأتْمَمْ َ‬
‫حيَ (‪)27‬‬ ‫ك َستَجِ ُدنِي ِإ ْن شَاءَ اللّهُ مِ ْن الصّالِ ِ‬ ‫عِنْ ِد َك َومَا أُرِيدُ َأنْ َأشُ ّق عََليْ َ‬

‫ت هاتي‪ ,‬على أن تكون أجيًا ل ف رعي ماشيت ثان‬ ‫قال الشيخ لوسى‪ :‬إن أريد أن أزوّجك إحدى ابن ّ‬
‫سني مقابل ذلك‪ ,‬فإن أكملت عشر سني فإحسان من عندك‪ ,‬وما أريد أن أشق عليك بعلها عشرا‪,‬‬
‫ستجدن إن شاء ال من الصالي ف حسن الصحبة والوفاء با قلتُ‪.‬‬

‫‪710‬‬
‫ضْيتُ فَل عُ ْدوَانَ عََل ّي وَاللّ ُه عَلَى مَا َنقُو ُل وَكِيلٌ (‪)28‬‬
‫ك َبيْنِي َوَبْينَكَ َأيّمَا الَجََليْنِ َق َ‬
‫قَالَ ذَلِ َ‬

‫قال موسى‪ :‬ذلك الذي قلته قائم بين وبينك‪ ,‬أي الدتي أَ ْقضِها ف العمل أكن قد وفيتك‪ ,‬فل أُطالَب‬
‫بزيادة عليها‪ ,‬وال على ما نقول وكيل حافظ يراقبنا‪ ,‬ويعلم ما تعاقدنا عليه‪.‬‬

‫ت نَارا َلعَلّي‬
‫س مِنْ جَانِبِ الطّو ِر نَارا قَالَ َلهْلِهِ ا ْم ُكثُوا ِإنّي آنَسْ ُ‬
‫فََلمّا َقضَى مُوسَى الَ َج َل وَسَا َر ِبأَهْلِ ِه آنَ َ‬
‫خبَرٍ َأوْ جَ ْذ َو ٍة مِ ْن النّارِ َلعَّلكُ ْم َتصْطَلُونَ (‪)29‬‬
‫آتِيكُ ْم ِمْنهَا ِب َ‬

‫فلما وف نب ال موسى ‪-‬عليه السلم‪ -‬صاحبه الدة عشر سني‪ ,‬وهي أكمل الدتي‪ ,‬وسار بأهله إل‬
‫"مصر" أبصر من جانب الطور نارًا‪ ,‬قال موسى لهله‪ :‬تهلوا وانتظروا إن أبصرت نارًا; لعلي آتيكم‬
‫منها بنبأ‪ ,‬أو آتيكم بشعلة من النار لعلكم تستدفئون با‪.‬‬

‫فََلمّا َأتَاهَا نُودِي مِ ْن شَاطِ ِئ اْلوَادِي ا َليْمَنِ فِي الُْب ْق َعةِ الْ ُمبَارَ َك ِة مِنْ الشّجَ َرةِ أَ ْن يَا مُوسَى ِإنّي َأنَا اللّهُ رَبّ‬
‫الْعَالَ ِميَ (‪َ )30‬وأَ نْ أَلْ ِق عَ صَاكَ فََلمّا رَآهَا َتهْتَزّ كََأّنهَا جَانّ وَلّى مُ ْدبِرا وَلَ ْم ُي َعقّ بْ يَا مُو سَى أَ ْقبِ ْل وَل‬
‫ك مِ ْن ال ِمنِيَ (‪)31‬‬ ‫تَخَفْ ِإنّ َ‬

‫فلما أتى موسى النار ناداه ال من جانب الوادي الين لوسى ف البقعة الباركة من جانب الشجرة‪ :‬أن‬
‫يا موسى إن أنا ال رب العالي‪ ,‬وأن ألق عصاك‪ ,‬فألقاها موسى‪ ,‬فصارت حية تسعى‪ ,‬فلما رآها موسى‬
‫تضطرب كأنا جا ّن من اليات ولّى هاربًا منها‪ ,‬ول يلتفت من الوف‪ ,‬فناداه ربه‪ :‬يا موسى أقبل إلّ‬
‫ول َتخَفْ; إنك من المني من كل مكروه‪.‬‬

‫ك بُ ْرهَانَا ِن مِنْ‬
‫ك مِنْ ال ّرهْبِ َفذَانِ َ‬
‫ج َبيْضَا َء مِ ْن َغيْرِ سُو ٍء وَاضْمُمْ إَِليْكَ َجنَاحَ َ‬
‫ك تَخْ ُر ْ‬
‫ك يَدَكَ فِي َجْيبِ َ‬
‫اسْلُ ْ‬
‫َربّكَ إِلَى ِف ْرعَ ْونَ َومََلئِهِ ِإّنهُمْ كَانُوا َقوْما فَا ِسقِيَ (‪)32‬‬

‫أدخل يدك ف فتحة قميصك وأخرجها ترج بيضاء كالثلج مِن غي مرض ول برص‪ ,‬واضمم إليك يدك‬
‫لتأمن من الوف‪ ,‬فهاتان اللتان أريتُكَهما يا موسى‪ :‬مِن توّل العصا حية‪ ,‬و َجعْ ِل يدك بيضاء تلمع من‬
‫غي مرض ول برص‪ ,‬آيتان من ربك إل فرعون وأشراف قومه‪ .‬إن فرعون ومله كانوا قومًا كافرين‪.‬‬

‫‪711‬‬
‫قَالَ رَبّ إِنّي َقتَلْ تُ ِمْنهُ ْم َنفْسا َفأَخَا فُ أَ نْ َي ْقتُلُو نِ (‪َ )33‬وأَخِي هَارُو نُ ُهوَ أَفْ صَحُ مِنّي لِ سَانا َفأَرْ سِلْهُ‬
‫َمعِي ِردْءا يُصَدُّقنِي ِإنّي أَخَافُ َأنْ ُيكَ ّذبُونِ (‪)34‬‬

‫قال موسى‪ :‬ربّ إن قتلت من قوم فرعون نفسًا فأخاف أن يقتلون‪ ,‬وأخي هارون هو أفصح من نطقًا‪,‬‬
‫فأرسله معي عونًا يصدقن‪ ,‬ويبي لم عن ما أخاطبهم به‪ ,‬إن أخاف أن يكذبون ف قول لم‪ :‬إن‬
‫أُرسلت إليهم‪.‬‬

‫جعَلُ َلكُمَا سُ ْلطَانا فَل يَصِلُونَ إَِليْكُمَا بِآيَاِتنَا َأْنتُمَا َومَ ْن اتَّب َعكُمَا اْلغَالِبُونَ (‬
‫قَالَ َسنَشُ ّد عَضُدَكَ ِبأَخِيكَ َونَ ْ‬
‫‪)35‬‬

‫قال ال لوسى‪ :‬سنقوّيك بأخيك‪ ,‬ونعل لكما حجة على فرعون وقومه فل يصلون إليكما بسوء‪ .‬أنتما‬
‫‪-‬يا موسى وهارون‪ -‬ومَن آمن بكما النتصرون على فرعون وقومه; بسبب آياتنا وما دّلتْ عليه من‬
‫الق‪.‬‬

‫ح ٌر ُمفْتَرًى َومَا سَ ِم ْعنَا ِبهَذَا فِي آبَاِئنَا ا َلوّلِيَ (‪)36‬‬


‫فََلمّا جَا َءهُ ْم مُوسَى بِآيَاتِنَا َبّينَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِ ّل سِ ْ‬

‫فلما جاء موسى فرعون ومله بأدلتنا وحججنا شاهدة بقيقة ما جاء به موسى مِن عند ربه‪ ,‬قالوا‬
‫لوسى‪ :‬ما هذا الذي جئتنا به إل سحر افتريته كذبًا وباطل وما سعنا بذا الذي تدعونا إليه ف أسلفنا‬
‫الذين مضوا قبلنا‪.‬‬

‫وَقَا َل مُو سَى َربّي أَعَْل ُم بِ َم نْ جَا َء بِاْلهُدَى مِ ْن ِعنْدِ ِه َومَ ْن َتكُو نُ لَ ُه عَاِقَبةُ الدّارِ ِإنّ هُ ل ُيفْلِ حُ الظّالِمُو نَ (‬
‫‪)37‬‬

‫وقال موسى لفرعون‪ :‬رب أعلم بالح ّق منّا الذي جاء بالرشاد من عنده‪ ,‬ومَن الذي له العقب الحمودة‬
‫ف الدار الخرة‪ ,‬إنه ل يظفر الظالون بطلوبم‪.‬‬

‫صرْحا‬
‫وَقَالَ ِف ْرعَوْنُ يَا َأّيهَا الْمَل مَا عَِلمْتُ َلكُ ْم مِنْ إِلَ ٍه َغيْرِي َفَأوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطّيِ فَا ْجعَل لِي َ‬
‫‪712‬‬
‫َلعَلّي َأطّلِعُ إِلَى إِلَ ِه مُوسَى َوإِنّي لَ ُظنّ ُه مِ ْن الْكَا ِذبِيَ ( ‪)38‬‬

‫وقال فرعون لشراف قومه‪ :‬يا أيها الل ما علمت لكم من إله غيي يستحق العبادة‪ ,‬فأشْعِل ل ‪-‬يا‬
‫هامان‪ -‬على الطي نارًا‪ ,‬حت يشتد‪ ,‬وابْنِ ل بناء عاليًا; لعلي أنظر إل معبود موسى الذي يعبده ويدعو‬
‫إل عبادته‪ ,‬وإن لظنه فيما يقول من الكاذبي‪.‬‬

‫ض ِب َغيْ ِر الْحَ ّق َوظَنّوا َأّنهُمْ إَِلْينَا ل يُ ْر َجعُونَ (‪)39‬‬


‫وَا ْسَتكْبَ َر ُه َو وَ ُجنُو ُدهُ فِي الَ ْر ِ‬

‫واستعلى فرعون وجنوده ف أرض "مصر" بغي الق عن تصديق موسى واتّباعه على ما دعاهم إليه‪,‬‬
‫وحسبوا أنم بعد ماتم ل يبعثون‪.‬‬

‫َفأَخَ ْذنَاهُ َو ُجنُو َدهُ َفَنبَ ْذنَاهُمْ فِي اْليَمّ فَانظُرْ َكيْفَ كَا َن عَاِقَبةُ الظّالِ ِميَ (‪)40‬‬

‫فأخذنا فرعون وجنوده‪ ,‬فألقيناهم جيعًا ف البحر وأغرقناهم‪ ,‬فانظر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كيف كان ناية‬
‫هؤلء الذين ظلموا أنفسهم‪ ,‬فكفروا بربم؟‬

‫وَ َجعَ ْلنَاهُمْ َأئِ ّم ًة يَ ْدعُونَ إِلَى النّارِ َويَ ْو َم الْ ِقيَا َمةِ ل يُنصَرُونَ (‪)41‬‬

‫وجعلنا فرعون وقومه قادة إل النار‪ ,‬يَقتدي بم أهل الكفر والفسق‪ ,‬ويوم القيامة ل ينصرون; وذلك‬
‫بسبب كفرهم وتكذيبهم رسول ربم وإصرارهم على ذلك‪.‬‬

‫َوَأتَْب ْعنَاهُمْ فِي هَ ِذهِ ال ّدْنيَا َل ْعَنةً َوَي ْومَ اْل ِقيَامَ ِة هُ ْم مِ ْن الْ َم ْقبُوحِيَ (‪)42‬‬

‫وأتبعنا فرعون وقومه ف هذه الدنيا خزيًا وغضبًا منا عليهم‪ ,‬ويوم القيامة هم من الستقذرة أفعالم‪,‬‬
‫البعدين عن رحة ال‪.‬‬

‫س َوهُدًى وَرَ ْح َمةً َلعَّلهُمْ يَتَذَكّرُونَ‬


‫وََلقَ ْد آتَْينَا مُوسَى الْ ِكتَابَ مِ ْن َبعْ ِد مَا َأهَْل ْكنَا الْقُرُونَ الُولَى َبصَائِرَ لِلنّا ِ‬
‫(‪)43‬‬
‫‪713‬‬
‫ولقد آتينا موسى التوراة من بعد ما أهلكنا المم الت كانت من قبله ‪-‬كقوم نوح وعاد وثود وقوم لوط‬
‫وأصحاب "مدين"‪ -‬فيها بصائر لبن إسرائيل‪ ,‬يبصرون با ما ينفعهم وما يضرهم‪ ,‬وفيها رحة لن عمل‬
‫با منهم; لعلهم يتذكرون ِنعَم ال عليهم‪ ,‬فيشكروه عليها‪ ,‬ول يكفروه‪.‬‬

‫ت مِنْ الشّاهِدِينَ (‪)44‬‬


‫ضيْنَا إِلَى مُوسَى ا َلمْ َر َومَا كُن َ‬
‫ت بِجَاِنبِ اْلغَ ْرِبيّ ِإذْ َق َ‬
‫َومَا كُن َ‬

‫وما كنت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بانب البل الغرب من موسى إذ كلّفناه َأمْرنا وَنهْينا‪ ,‬وما كنت من‬
‫الشاهدين لذلك‪ ,‬حت يقال‪ :‬إنه وصل إليك من هذا الطريق‪.‬‬

‫شأْنَا قُرُونا َفتَطَاوَ َل عََلْيهِ مْ اْلعُ ُم ُر وَمَا كُن تَ ثَاوِيا فِي َأهْ ِل مَ ْديَ َن َتتْلُوا عََلْيهِ ْم آيَاتِنَا وَلَ ِكنّ ا ُكنّ ا‬
‫وََلكِنّ ا أَن َ‬
‫مُ ْرسِِليَ (‪)45‬‬

‫ولكنا خلقنا أمًا من بعد موسى‪ ,‬فمكثوا زمنًا طويل فنسوا عهد ال‪ ,‬وتركوا أمره‪ ,‬وما كنت مقيمًا ف‬
‫أهل "مدين" تقرأ عليهم كتابنا‪ ,‬فتعرف قصتهم وتب با‪ ,‬ولكن ذلك الب الذي جئت به عن موسى‬
‫وحي‪ ,‬وشاهد على رسالتك‪.‬‬

‫ت بِجَانِ بِ الطّورِ إِذْ نَا َدْينَا وََلكِ نْ َرحْ َم ًة مِ نْ َربّ كَ ِلتُنذِرَ َقوْما مَا َأتَاهُ ْم مِ ْن نَذِي ٍر مِ نْ َقبْلِ كَ َلعَّلهُ مْ‬
‫َومَا كُن َ‬
‫َيتَذَكّرُونَ (‪)46‬‬

‫وما كنت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بانب جبل الطور حي نادينا موسى‪ ,‬ول تشهد شيئًا من ذلك فتعلمه‪ ,‬ولكنا‬
‫ت به‬
‫أرسلناك رحة من ربك; لتنذر قومًا ل يأتم مِن قبلك من نذير; لعلهم يتذكرون الي الذي جئ َ‬
‫فيفعلوه‪ ,‬والشرّ الذي نَهيتَ عنه فيجتنبوه‪.‬‬

‫وََلوْل َأ ْن تُصِيَبهُمْ مُصِيَبةٌ بِمَا َق ّد َمتْ َأيْدِيهِمْ َفَيقُولُوا َرّبنَا َلوْل أَ ْرسَ ْلتَ إَِليْنَا َرسُولً َفَنتّبِ َع آيَاتِكَ َونَكُو َن مِنْ‬
‫الْ ُم ْؤمِنِيَ (‪)47‬‬

‫‪714‬‬
‫ولول أن ينل بؤلء الكفار عذاب بسبب كفرهم بربم‪ ,‬فيقولوا‪ :‬ربنا هل أرسلت إلينا رسول من قبل‪,‬‬
‫فنتبع آياتك النلة ف كتابك‪ ,‬ونكون من الؤمني بك‪.‬‬

‫فََلمّا جَا َءهُ ْم الْحَقّ مِ نْ عِنْ ِدنَا قَالُوا َلوْل أُوتِ َي ِمثْ َل مَا أُوتِ َي مُو سَى َأوَلَ مْ يَ ْكفُرُوا بِمَا أُوتِ َي مُو سَى مِ نْ َقبْلُ‬
‫حرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا ِإنّا ِبكُلّ كَاِفرُونَ (‪)48‬‬ ‫قَالُوا سِ ْ‬

‫فلما جاء ممد هؤلء القوم نذيرًا لم‪ ,‬قالوا‪ :‬هل أوت هذا الذي أُرسل إلينا مثل ما أوت موسى من‬
‫معجزات حسية‪ ,‬وكتابٍ نزل جلة واحدة! قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لم‪ :‬أول يكفر اليهود با أوت موسى‬
‫من قبل؟ قالوا‪ :‬ف التوراة والقرآن سحران تعاونا ف سحرها‪ ,‬وقالوا‪ :‬نن بكل منهما كافرون‪.‬‬

‫ب مِ ْن ِعنْدِ اللّ ِه ُهوَ َأهْدَى ِمْنهُمَا َأتِّبعْهُ إِنْ كُنتُمْ صَادِِقيَ (‪)49‬‬
‫قُلْ َف ْأتُوا ِبكِتَا ٍ‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء‪ :‬فأتوا بكتاب من عند ال هو أقوم من التوراة والقرآن أتبعه‪ ,‬إن كنتم صادقي‬
‫ف زعمكم‪.‬‬

‫ستَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ َأنّمَا َيتِّبعُونَ َأ ْهوَا َءهُ ْم َومَنْ أَضَ ّل مِمّ ْن اّتبَ َع َهوَاهُ ِب َغيْ ِر هُدًى مِنْ اللّهِ ِإنّ اللّهَ ل‬
‫فَإِنْ َل ْم يَ ْ‬
‫َيهْدِي الْ َق ْومَ الظّالِمِيَ (‪)50‬‬

‫فإن ل يستجيبوا لك بالتيان بالكتاب‪ ,‬ول تبق لم حجة‪ ,‬فاعلم أنا يتبعون أهواءهم‪ ,‬ول أحد أكثر‬
‫ضلل من اتبع هواه بغي هدى من ال‪ .‬إن ال ل يوفّق لصابة الق القوم الظالي الذين خالفوا أمر ال‪,‬‬
‫وتاوزوا حدوده‪.‬‬

‫وََلقَ ْد وَصّ ْلنَا َلهُ ْم اْل َقوْلَ َل َعّلهُ ْم َيتَذَكّرُونَ (‪)51‬‬

‫ولقد فصّلنا وبيّنا القرآن رحة بقومك أيها الرسول؛ لعلهم يتذكرون‪ ,‬فيتعظوا به‪.‬‬

‫الّذِي َن آتَْينَاهُ ْم الْ ِكتَابَ مِنْ َقبْلِ ِه هُ ْم بِهِ ُيؤْ ِمنُونَ (‪)52‬‬

‫‪715‬‬
‫الذين آتيناهم الكتاب من قبل القرآن ‪-‬وهم اليهود والنصارى الذين ل يبدّلوا‪ -‬يؤمنون بالقرآن وبحمد‬
‫عليه الصلة والسلم‪.‬‬

‫َوإِذَا يُتْلَى عََلْيهِمْ قَالُوا آ َمنّا بِهِ ِإنّهُ الْحَ ّق مِنْ َرّبنَا ِإنّا ُكنّا مِنْ َقبْلِ ِه مُسْلِ ِميَ (‪)53‬‬

‫وإذا يتلى هذا القرآن على الذين آتيناهم الكتاب‪ ,‬قالوا‪ :‬صدّقنا به‪ ,‬وعملنا با فيه‪ ,‬إنه الق من عند ربنا‪,‬‬
‫إنا كنا من قبل نزوله مسلمي موحدين‪ ،‬فدين ال واحد‪ ,‬وهو السلم‪.‬‬

‫سّيَئةَ َومِمّ ا رَزَ ْقنَاهُ مْ يُن ِفقُو نَ (‪َ )54‬وإِذَا‬


‫سَنةِ ال ّ‬
‫صَبرُوا َويَدْرَءُو نَ بِالْحَ َ‬
‫ك ُي ْؤَتوْ نَ أَجْ َرهُ ْم مَ ّرَتيْ ِن بِمَا َ‬
‫ُأوْلَئِ َ‬
‫سَ ِمعُوا الّل ْغوَ أَعْ َرضُوا َعنْهُ وَقَالُوا َلنَا َأعْمَاُلنَا وََلكُمْ َأعْمَالُكُ ْم سَل ٌم عََليْكُ ْم ل َنْبَتغِي الْجَاهِلِيَ (‪)55‬‬

‫ت صفتُهم يُؤَتوْن ثواب عملهم مرتي‪ :‬على اليان بكتابم‪ ,‬وعلى إيانم بالقرآن با‬ ‫هؤلء الذين تق ّدمَ ْ‬
‫صبوا‪ ,‬ومن أوصافهم أنم يدفعون السيئة بالسنة‪ ,‬وما رزقناهم ينفقون ف سبيل الي والب‪ .‬وإذا سع‬
‫هؤلء القوم الباطل من القول ل ُيصْغوا إليه‪ ,‬وقالوا‪ :‬لنا أعمالنا ل نيد عنها‪ ,‬ولكم أعمالكم ووزرها‬
‫عليكم‪ ,‬فنحن ل نشغل أنفسنا بالرد عليكم‪ ,‬ول تسمعون منّا إل الي‪ ,‬ول ناطبهم بقتضى جهلكم;‬
‫لننا ل نريد طريق الاهلي ول نبها‪ .‬وهذا من خي ما يقوله الدعاة إل ال‪.‬‬

‫ِإنّكَ ل َتهْدِي مَنْ أَ ْحَبْبتَ وََلكِنّ اللّ َه َيهْدِي مَ ْن يَشَا ُء َو ُهوَ َأعْلَ ُم بِالْ ُم ْهتَدِينَ (‪)56‬‬

‫إنك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ل تدي هداية توفيق مَن أحببت هدايته‪ ,‬ولكن ذلك بيد ال يهدي مَن يشاء أن‬
‫يهديه لليان‪ ,‬ويوفقه إليه‪ ,‬وهو أعلم بن يصلح للهداية فيهديه‪.‬‬

‫جبَى إَِليْ ِه ثَمَرَاتُ كُ ّل َشيْءٍ‬


‫ضنَا َأوَلَمْ نُ َمكّ نْ َل ُهمْ حَرَما آمِنا يُ ْ‬
‫ف مِ نْ أَرْ ِ‬
‫وَقَالُوا إِنْ َنّتبِ ْع اْلهُدَى َمعَكَ ُنتَخَطّ ْ‬
‫رِزْقا مِنْ َل ُدنّا وََلكِنّ أَ ْكثَ َرهُ ْم ل َيعْلَمُونَ (‪)57‬‬

‫وقال كفار "مكة"‪ :‬إن نتبع الق الذي جئتنا به‪ ,‬ونتبأ من الولياء واللة‪ُ ,‬نتَخَطّفْ من أرضنا بالقتل‬
‫والسر ونب الموال‪ ,‬أول نعلهم متمكني ف بلد آمن‪ ,‬حرّمنا على الناس سفك الدماء فيه‪ ,‬يُجلب‬

‫‪716‬‬
‫إليه ثرات كل شيء رزقًا مِن لدنا؟ ولكن أكثر هؤلء الشركي ل يعلمون قَدْر هذه النعم عليهم‪,‬‬
‫فيشكروا مَن أنعم عليهم با ويطيعوه‪.‬‬

‫ح ُن اْلوَا ِرثِيَ‬
‫ل وَ ُكنّا نَ ْ‬
‫ك مَسَا ِكنُهُمْ َل ْم تُسْكَ ْن مِ ْن َبعْ ِدهِمْ إِلّ قَلِي ً‬
‫شَتهَا َفتِلْ َ‬
‫ت َمعِي َ‬
‫وَكَمْ َأهَْلكْنَا مِنْ َق ْرَيةٍ بَ ِطرَ ْ‬
‫(‪)58‬‬

‫وكثي من أهل القرى أهلكناهم حي أَْلهَتهم معيشتهم عن اليان بالرسل‪ ,‬فكفروا وط َغوْا‪ ,‬فتلك‬
‫مساكنهم ل تُسكن من بعدهم إل قليل منها‪ ,‬وكنا نن الوارثي للعباد نيتهم‪ ,‬ث يرجعون إلينا‪,‬‬
‫فنجازيهم بأعمالم‪.‬‬

‫ك اْلقُرَى َحتّى َيْبعَ ثَ فِي ُأمّهَا رَ سُو ًل َيتْلُوا عََلْيهِ مْ آيَاِتنَا َومَا ُكنّا ُمهِْلكِي اْلقُرَى إِلّ‬
‫َومَا كَا نَ َربّ كَ ُمهْلِ َ‬
‫َوأَهُْلهَا ظَالِمُونَ (‪)59‬‬

‫وما كان ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬مهلك القرى الت حول "مكة" ف زمانك حت يبعث ف أمها ‪-‬وهي‬
‫"مكة"‪ -‬رسول يتلو عليهم آياتنا‪ ,‬وما كنا مهلكي القرى إل وأهلها ظالون لنفسهم بكفرهم بال‬
‫ومعصيته‪ ,‬فهم بذلك مستحقون للعقوبة والنكال‪.‬‬

‫حيَاةِ ال ّدْنيَا وَزِينَُتهَا َومَا عِنْدَ اللّهِ َخيْ ٌر َوَأبْقَى أَفَل َت ْعقِلُونَ (‪)60‬‬
‫ع الْ َ‬
‫َومَا أُوتِيتُمْ مِ ْن شَيْءٍ فَ َمتَا ُ‬

‫وما أُعطيتم ‪-‬أيها الناس‪ -‬من شيء من الموال والولد‪ ,‬فإنا هو متاع تتمتعون به ف هذه الياة الدنيا‪,‬‬
‫وزينة يُتزيّن با‪ ,‬وما عند ال لهل طاعته ووليته خي وأبقى; لنه دائم ل نفاد له‪ ,‬أفل تكون لكم‬
‫عقول ‪-‬أيها القوم‪ -‬تتدبرون با‪ ,‬فتعرفون الي من الشر؟‬

‫حضَرِي نَ (‬
‫حيَاةِ ال ّدْنيَا ثُمّ ُهوَ َيوْ َم الْ ِقيَا َمةِ مِ ْن الْ ُم ْ‬
‫ع الْ َ‬
‫أَفَمَ ْن َوعَ ْدنَاهُ َوعْدا حَسَنا َف ُهوَ لقِيهِ كَمَ ْن َمّتعْنَا ُه َمتَا َ‬
‫‪)61‬‬

‫‪717‬‬
‫ق ما ُوعِدَ‪ ,‬وصائر إليه‪ ,‬كمن متعناه ف الياة‬
‫أفمَن وعدناه مِن خَلْقنا على طاعته إيانا النة‪ ,‬فهو مل ٍ‬
‫الدنيا متاعها‪ ,‬فتمتع به‪ ,‬وآثر لذة عاجلة على آجلة‪ ,‬ث هو يوم القيامة من الحضرين للحساب والزاء؟‬
‫ل يستوي الفريقان‪ ,‬فليختر العاقل لنفسه ما هو أول بالختيار‪ ,‬وهو طاعة ال وابتغاء مرضاته‪.‬‬

‫َوَيوْ َم ُينَادِيهِمْ َفَيقُولُ َأيْ َن شُرَكَائِي الّذِينَ كُنتُ ْم تَ ْزعُمُونَ (‪)62‬‬

‫ويوم ينادي ال عز وجل الذين أشركوا به الولياء والوثان ف الدنيا‪ ,‬فيقول لم‪ :‬أين شركائي الذين‬
‫كنتم تزعمون أنم ل شركاء؟‬

‫قَا َل الّذِي نَ حَقّ عََلْيهِ ْم الْ َقوْلُ َربّنَا َهؤُلءِ الّذِي نَ َأ ْغوَيْنَا أَ ْغ َوْينَاهُ مْ كَمَا غَ َويْنَا َتبَ ّرأْنَا إَِليْ كَ مَا كَانُوا ِإيّانَا‬
‫َيعْبُدُونَ (‪)63‬‬

‫قال الذين ح ّق عليهم العذاب‪ ,‬وهم دعاة الكفر‪ :‬ربنا هؤلء الذين أضللنا‪ ,‬أضللناهم كما ضللنا‪ ,‬تبأنا‬
‫إليك مِن وليتهم ونصرتم‪ ,‬ما كانوا إيانا يعبدون‪ ,‬وإنا كانوا يعبدون الشياطي‪.‬‬

‫ستَجِيبُوا َل ُه ْم وَ َرَأوْا اْلعَذَابَ َلوْ َأّنهُمْ كَانُوا َيهْتَدُونَ (‪)64‬‬


‫وَقِيلَ ا ْدعُوا شُرَكَاءَكُمْ َف َدعَ ْوهُمْ فََل ْم يَ ْ‬

‫وقيل للمشركي بال يوم القيامة‪ :‬ادعوا شركاءكم الذين كنتم تعبدونم من دون ال‪ ,‬فدعوهم فلم‬
‫يستجيبوا لم‪ ,‬وعاينوا العذاب‪ ,‬لو أنم كانوا ف الدنيا مهتدين للحق لا عُذّبوا‪.‬‬

‫َوَيوْ َم ُينَادِيهِمْ َفَيقُولُ مَاذَا أَ َجْبتُ ْم الْ ُم ْرسَلِيَ (‪)65‬‬

‫ويوم ينادي ال هؤلء الشركي‪ ,‬فيقول‪ :‬بأيّ شيء أجبتم الرسلي فيما أرسلناهم به إليكم؟‬

‫َفعَ ِمَيتْ عََلْيهِ ْم ا َلنْبَا ُء َي ْومَئِذٍ َف ُه ْم ل يَتَسَاءَلُونَ (‪)66‬‬

‫فخفيت عليهم الجج‪ ,‬فلم يَدْروا ما يتجون به‪ ,‬فهم ل يسأل بعضهم بعضًا عما يتجون به سؤال‬
‫انتفاع‪.‬‬
‫‪718‬‬
‫ب وَآمَ َن َوعَمِلَ صَالِحا َفعَسَى َأنْ يَكُونَ مِ ْن الْ ُمفِْلحِيَ (‪)67‬‬
‫َفَأمّا مَ ْن تَا َ‬

‫فأما من تاب من الشركي‪ ,‬وأخلص ل العبادة‪ ,‬وعمل با أمره ال به ورسوله‪ ,‬فهو من الفائزين ف‬
‫الدارين‪.‬‬

‫شرِكُونَ (‪)68‬‬
‫خيَ َر ُة ُسبْحَانَ اللّ ِه َوَتعَالَى عَمّا يُ ْ‬
‫ختَا ُر مَا كَانَ َلهُ ْم الْ ِ‬
‫ك يَخْلُقُ مَا يَشَا ُء َويَ ْ‬
‫وَ َربّ َ‬

‫وربك يلق ما يشاء أن يلقه‪ ,‬ويصطفي لوليته مَن يشاء من خلقه‪ ,‬وليس لحد من المر والختيار‬
‫شيء‪ ,‬وإنا ذلك ل وحده سبحانه‪ ,‬تعال وتنّه عن شركهم‪.‬‬

‫صدُو ُرهُ ْم َومَا ُيعِْلنُونَ (‪)69‬‬


‫ك َيعْلَ ُم مَا ُتكِنّ ُ‬
‫وَ َربّ َ‬

‫وربك يعلم ما تُخفي صدور خلقه وما يظهرونه‪.‬‬

‫حكْ ُم َوإِلَيْ ِه تُ ْر َجعُونَ (‪)70‬‬


‫َو ُهوَ اللّهُ ل إِلَهَ إِلّ ُهوَ لَ ُه الْحَ ْمدُ فِي الُولَى وَالخِ َر ِة وَلَ ُه الْ ُ‬

‫وهو ال الذي ل معبود بق سواه‪ ,‬له الثناء الميل والشكر ف الدنيا والخرة‪ ,‬وله الكم بي خلقه‪,‬‬
‫وإليه تُ َردّون بعد ماتكم للحساب والزاء‪.‬‬

‫قُلْ أَ َرَأْيتُمْ إِنْ َجعَلَ اللّ ُه عََلْيكُمْ الّليْ َل سَ ْرمَدا إِلَى َيوْ ِم اْلقِيَا َم ِة مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللّ ِه َي ْأتِيكُ ْم ِبضِيَاءٍ أَفَل تَسْ َمعُونَ (‬
‫‪)71‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬أخبون ‪-‬أيها الناس‪ -‬إن جعل ال عليكم الليل دائمًا إل يوم القيامة‪ ,‬مَن إله غي‬
‫ال يأتيكم بضياء تستضيئون به؟ أفل تسمعون ساع فهم وقَبول؟‬

‫سكُنُونَ فِي هِ‬


‫قُلْ أَ َرَأْيتُ مْ إِ نْ َجعَلَ اللّ ُه عََلْيكُ ْم الّنهَارَ سَ ْرمَدا إِلَى َيوْ مِ اْل ِقيَا َمةِ مَ نْ إِلَ ٌه َغيْرُ اللّ ِه َي ْأتِيكُ مْ ِبَليْلٍ تَ ْ‬
‫أَفَل ُتْبصِرُونَ (‪)72‬‬
‫‪719‬‬
‫قل لم‪ :‬أخبون إن جعل ال عليكم النهار دائمًا إل يوم القيامة‪ ,‬مَن إله غي ال يأتيكم بليل تستقرون‬
‫وتدؤون فيه؟ أفل ترون بأبصاركم اختلف الليل والنهار؟‬

‫شكُرُونَ (‪)73‬‬
‫سكُنُوا فِي ِه وَِلَتبَْتغُوا مِنْ َفضْلِ ِه وََلعَّلكُ ْم تَ ْ‬
‫َومِنْ رَ ْح َمتِهِ َجعَلَ َلكُمْ الّليْ َل وَالّنهَارَ ِلتَ ْ‬

‫ومن رحته بكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬أن جعل لكم الليل والنهار فخالف بينهما‪ ,‬فجعل هذا الليل ظلمًا؛‬
‫لتستقروا فيه وترتاح أبدانكم‪ ,‬وجعل لكم النهار ضياءً; لتطلبوا فيه معايشكم‪ ,‬ولتشكروا له على إنعامه‬
‫عليكم بذلك‪.‬‬

‫َوَيوْ َم ُينَادِيهِمْ َفَيقُولُ َأيْ َن شُرَكَائِي الّذِينَ كُنتُ ْم تَ ْزعُمُونَ (‪)74‬‬

‫ويوم ينادي ال هؤلء الشركي‪ ,‬فيقول لم‪ :‬أين شركائي الذين كنتم تزعمون ف الدنيا أنم شركائي؟‬

‫َونَ َز ْعنَا مِنْ كُلّ ُأ ّم ٍة َشهِيدا َفقُ ْلنَا هَاتُوا ُب ْرهَاَنكُمْ َفعَلِمُوا َأنّ الْحَقّ لِلّ ِه وَضَ ّل َعْنهُ ْم مَا كَانُوا َيفْتَرُونَ (‪)75‬‬

‫ونزعنا من كل أمة من المم الكذبة شهيدا ‪-‬وهو نبيّهم‪ ,-‬يشهد على ما جرى ف الدنيا من شركهم‬
‫وتكذيبهم لرسلهم‪ ,‬فقلنا لتلك المم الت كذبت رسلها وما جاءت به من عند ال‪ :‬هاتوا حجتكم على‬
‫ما أشركتم مع ال‪ ,‬فعلموا حينئذ أن الجة البالغة ل عليهم‪ ,‬وأن الق ل‪ ,‬وذهب عنهم ما كانوا‬
‫يفترون على ربم‪ ,‬فلم ينفعهم ذلك‪ ,‬بل ضرّهم وأوردهم نار جهنم‪.‬‬

‫صَبةِ أُولِي اْلقُ ّوةِ إِذْ‬


‫ِإنّ قَارُونَ كَانَ مِنْ َقوْ ِم مُوسَى َفَبغَى عََلْيهِ ْم وَآَتيْنَا ُه مِ ْن الْ ُكنُو ِز مَا إِنّ َمفَاتِحَهُ َلتَنُو ُء بِاْلعُ ْ‬
‫حبّ اْلفَرِ ِحيَ (‪)76‬‬ ‫قَالَ لَهُ َق ْومُ ُه ل َتفْرَحْ ِإنّ اللّهَ ل ُي ِ‬

‫إن قارون كان من قوم موسى ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬فتجاوز حدّه ف ال ِكبْر والتجب عليهم‪ ,‬وآتينا‬
‫قارون من كنوز الموال شيئًا عظيمًا‪ ,‬حت إنّ مفاته لَيثقل حلها على العدد الكثي من القوياء‪ ,‬إذ قال‬
‫له قومه‪ :‬ل تبطر فرحًا با أنت فيه من الال‪ ,‬إن ال ل يب مِن خلقه البَطِرين الذين ل يشكرون ل‬
‫تعال ما أعطاهم‪.‬‬

‫‪720‬‬
‫ك مِ نْ ال ّدنْيَا َوأَحْ سِنْ كَمَا أَحْ سَنَ اللّ هُ إَِليْ كَ وَل َتبْ غِ‬
‫س نَ صِيبَ َ‬
‫وَاْبتَ غِ فِيمَا آتَا كَ اللّ هُ الدّارَ الخِ َر َة وَل تَن َ‬
‫ب الْ ُمفْسِدِينَ (‪)77‬‬
‫ح ّ‬ ‫الْفَسَادَ فِي الَ ْرضِ ِإنّ اللّ َه ل يُ ِ‬

‫والتمس فيما أتاك ال من الموال ثواب الدار الخرة‪ ,‬بالعمل فيها بطاعة ال ف الدنيا‪ ,‬ول تترك حظك‬
‫من الدنيا‪ ,‬بأن تتمتع فيها باللل دون إسراف‪ ,‬وأحسن إل الناس بالصدقة‪ ,‬كما أحسن ال إليك بذه‬
‫الموال الكثية‪ ,‬ول تلتمس ما حرّم ال عليك من البغي على قومك‪ ,‬إن ال ل يب الفسدين‪.‬‬

‫ك مِ نْ َقبْلِ ِه مِ ْن القُرُو ِن مَ ْن ُهوَ َأشَ ّد ِمنْ هُ ُق ّوةً‬


‫قَالَ ِإنّمَا أُوتِيتُ ُه عَلَى عِ ْل ٍم عِندِي َأوَلَ مْ يَعَْل مْ َأنّ اللّ هَ قَدْ َأهْلَ َ‬
‫ج ِرمُونَ (‪)78‬‬ ‫َوأَكْثَرُ جَمْعا وَل يُسْأَ ُل عَنْ ُذنُوِبهِ ْم الْمُ ْ‬

‫قال قارون لقومه الذين وعظوه‪ :‬إنا أُعطيتُ هذه الكنوز با عندي من العلم والقدرة‪ ,‬أول يعلم قارون‬
‫أن ال قد أهلك مِن قبله من المم مَن هو أشد منه بطشًا‪ ,‬وأكثر جعًا للموال؟ ول يُسأل عن ذنوبم‬
‫الجرمون; لعلم ال تعال با‪ ,‬إنا يُسْألون سؤال توبيخ وتقرير‪ ,‬ويعاقبهم ال على ما علمه منهم‪.‬‬

‫حيَاةَ الدّنيَا يَا َليْ تَ َلنَا ِمثْ َل مَا أُوتِ يَ قَارُو نُ ِإنّ هُ لَذُو َحظّ‬
‫ج عَلَى َق ْومِ هِ فِي زِيَنتِ هِ قَا َل الّذِي نَ ُيرِيدُو نَ الْ َ‬
‫خرَ َ‬
‫فَ َ‬
‫عَظِيمٍ (‪)79‬‬

‫فخرج قارون على قومه ف زينته‪ ,‬مريدًا بذلك إظهار عظمته وكثرة أمواله‪ ,‬وحي رآه الذين يريدون‬
‫زينة الياة الدنيا قالوا‪ :‬يا ليت لنا مثل ما أُعطي قارون من الال والزينة والاه‪ ,‬إن قارون لذو نصيب‬
‫عظيم من الدنيا‪.‬‬

‫وَقَا َل الّذِينَ أُوتُوا الْعِ ْل َم َويَْلكُ ْم َثوَابُ اللّهِ َخيْرٌ ِلمَنْ آمَ َن َوعَمِلَ صَالِحا وَل ُيَلقّاهَا إِ ّل الصّابِرُونَ (‪)80‬‬

‫وقال الذين أوتوا العلم بال وشرعه وعرفوا حقائق المور للذين قالوا‪ :‬يا ليت لنا مثل ما أوت قارون‪:‬‬
‫ويلكم اتقوا ال وأطيعوه‪ ,‬ثوابُ ال لن آمن به وبرسله‪ ,‬وعمل العمال الصالة‪ ,‬خيٌ ما أوت قارون‪,‬‬
‫ول َيَت َقبّل هذه النصيحة ويوفّق إليها ويعمل با إل مَن ياهد نفسه‪ ,‬ويصب على طاعة ربه‪ ,‬ويتنب‬
‫معاصيه‪.‬‬

‫‪721‬‬
‫س ْفنَا بِ ِه َوبِدَارِ ِه الَ ْرضَ َفمَا كَانَ لَ ُه مِنْ ِفَئةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللّ ِه َومَا كَانَ مِنْ ا ُلْنتَصِرِينَ (‪)81‬‬
‫فَخَ َ‬

‫فخسفنا بقارون وبداره الرض‪ ,‬فما كان له من جند ينصرونه من دون ال‪ ,‬وما كان متنعًا من ال إذا‬
‫أح ّل به نقمته‪.‬‬

‫س َيقُولُونَ َوْيكََأنّ اللّ َه َيبْسُطُ الرّزْ قَ لِمَ ْن يَشَا ُء مِ ْن ِعبَادِهِ َوَيقْدِرُ َلوْل أَ نْ‬
‫صبَ َح الّذِي نَ تَ َمّنوْا مَكَانَهُ بِا َلمْ ِ‬
‫َوأَ ْ‬
‫ف ِبنَا َوْي َكأَنّ ُه ل ُيفْلِ ُح اْلكَافِرُونَ (‪)82‬‬ ‫مَنّ اللّ ُه عََلْينَا َلخَسَ َ‬

‫وصار الذين تنوا حاله بالمس يقولون متوجعي ومعتبين وخائفي من وقوع العذاب بم‪ :‬إن ال يوسّع‬
‫الرزق لن يشاء من عباده‪ ,‬ويضيّق على مَن يشاء منهم‪ ,‬لول أن ال م ّن علينا فلم يعاقبنا على ما قلنا‬
‫لَخسف بنا كما فعل بقارون‪ ,‬أل تعلم أنه ل يفلح الكافرون‪ ,‬ل ف الدنيا ول ف الخرة؟‬

‫جعَُلهَا لِلّذِي َن ل يُرِيدُونَ عُُلوّا فِي الَ ْرضِ وَل فَسَادا وَاْلعَاِقَبةُ ِللْ ُمّتقِيَ (‪)83‬‬
‫تِلْكَ الدّارُ الخِ َر ُة نَ ْ‬

‫تلك الدار الخرة نعل نعيمها للذين ل يريدون تكبًا عن الق ف الرض ول فسادًا فيها‪ .‬والعاقبة‬
‫الحمودة ‪-‬وهي النة‪ -‬لن اتقى عذاب ال وعمل الطاعات‪ ,‬وترك الحرمات‪.‬‬

‫سّيئَاتِ إِ ّل مَا كَانُوا َيعْمَلُو نَ‬


‫جزَى الّذِي َن عَمِلُوا ال ّ‬
‫سّيَئةِ فَل يُ ْ‬
‫سَنةِ َفلَ هُ َخيْ ٌر ِمْنهَا َومَ نْ جَا َء بِال ّ‬
‫مَ نْ جَا َء بِاْلحَ َ‬
‫(‪)84‬‬

‫من جاء يوم القيامة بإخلص التوحيد ل وبالعمال الصالة وَفْق ما شرع ال‪ ,‬فله أجر عظيم خي من‬
‫ذلك‪ ,‬وذلك الي هو النة والنعيم الدائم‪ ,‬ومن جاء بالعمال السيئة‪ ,‬فل يُجْزى الذين عملوا السيئات‬
‫على أعمالم إل با كانوا يعملون‪.‬‬

‫ك اْلقُرْآ نَ َلرَادّ كَ إِلَى َمعَادٍ قُلْ َربّي َأعْلَ ُم مَ نْ جَا َء بِاْلهُدَى َومَ ْن ُهوَ فِي ضَل ٍل ُمبِيٍ (‬
‫ِإنّ الّذِي َفرَ ضَ عََليْ َ‬
‫‪)85‬‬

‫‪722‬‬
‫إن الذي أنزل عل يك ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬القرآن‪ ,‬وفرض عل يك تبلي غه والتم سّك به‪ ,‬لرج عك إل الو ضع‬
‫الذي خرجت منه‪ ,‬وهو "مكة"‪ ,‬قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬رب أعلم مَن جاء بالدى‪ ,‬ومن‬
‫هو ف ذهابٍ واضحٍ عن الق‪.‬‬

‫ك اْلكِتَابُ إِلّ رَحْ َم ًة مِنْ َربّكَ فَل َتكُونَنّ َظهِيا لِ ْلكَافِرِينَ (‪)86‬‬
‫ت تَرْجُوا أَ ْن يُ ْلقَى إِلَيْ َ‬
‫َومَا كُن َ‬

‫و ما ك نت ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬تؤمّ ل نزول القرآن عل يك‪ ,‬ل كن ال سبحانه وتعال رح ك فأنزله عل يك‪,‬‬
‫فاشكر ل تعال على ِنعَمه‪ ,‬ول تكون ّن عونًا لهل الشرك والضلل‪.‬‬

‫ك وَل تَكُونَ ّن مِ ْن الْمُشْرِكِيَ (‪)87‬‬


‫ك وَا ْدعُ إِلَى َربّ َ‬
‫ك عَ ْن آيَاتِ اللّ ِه َبعْدَ ِإذْ أُنزَِلتْ إَِليْ َ‬
‫وَل يَصُ ّدنّ َ‬

‫ول ي صرَفنّك هؤلء الشركون عن تبل يغ آيات ر بك وحج جه‪ ,‬ب عد أن أنزل ا إليك‪ ,‬وبلّغ ر سالة ربك‪,‬‬
‫ول تكونن من الشركي ف شيء‪.‬‬

‫حكْ ُم َوإِلَيْ ِه تُ ْر َجعُونَ (‪)88‬‬


‫وَل تَ ْدعُ مَعَ اللّهِ إِلَها آ َخرَ ل إِلَهَ إِلّ ُهوَ كُ ّل َشيْءٍ هَالِكٌ إِ ّل وَ ْجهَهُ لَ ُه الْ ُ‬

‫ول تعبد مع ال معبودًا أخر; فل معبود بق إل ال‪ ,‬كل شيء هالك وفا نٍ إل وجهه‪ ,‬له الكم‪ ,‬وإليه‬
‫ترجعون من بعد موتكم للحساب والزاء‪ .‬وف هذه الية إثبات صفة الوجه ل تعال كما يليق بكماله‬
‫وعظمة جلله‪.‬‬

‫‪ -29‬سورة العنكبوت‬

‫ال (‪)1‬‬
‫الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬

‫سبَ النّاسُ َأنْ ُيتْرَكُوا َأ ْن َيقُولُوا آ َمنّا َوهُ ْم ل ُيفَْتنُونَ (‪)2‬‬


‫أَحَ ِ‬
‫‪723‬‬
‫أظَنّ الناس إذ قالوا‪ :‬آمنا‪ ,‬أن ال يتركهم بل ابتلء ول اختبار؟‬

‫صدَقُوا وََلَيعْلَمَ ّن اْلكَا ِذبِيَ (‪)3‬‬


‫وََلقَدْ َفَتنّا الّذِي َن مِنْ َقبِْلهِمْ َفَلَيعْلَمَنّ اللّ ُه الّذِينَ َ‬

‫ولقد فتنّا الذين من قبلهم من المم واختبناهم‪ ,‬من أرسلنا إليهم رسلنا‪ ,‬فليعلمنّ ال علمًا ظاهرًا للخلق‬
‫صدق الصادقي ف إيانم‪ ،‬وكذب الكاذبي؛ ليميز كلّ فريق من الخر‪.‬‬

‫حكُمُونَ (‪)4‬‬
‫سِبقُونَا سَا َء مَا يَ ْ‬
‫سبَ الّذِي َن َيعْمَلُونَ السّّيئَاتِ َأنْ يَ ْ‬
‫َأمْ حَ ِ‬

‫بل أظنّ الذ ين يعملون العا صي مِن شرك وغيه أن يعجزو نا‪ ,‬فيفوتو نا بأنف سهم فل نقدر علي هم؟ بئس‬
‫حكمهم الذي يكمون به‪.‬‬

‫ت َوهُوَ السّمِي ُع اْلعَلِيمُ (‪)5‬‬


‫مَنْ كَانَ َيرْجُو ِلقَاءَ اللّهِ فَِإنّ أَ َجلَ اللّهِ ل ٍ‬

‫من كان ير جو لقاء ال‪ ,‬ويط مع ف ثوا به‪ ,‬فإن أ جل ال الذي أجّله لب عث خل قه للجزاء والعقاب ل تٍ‬
‫قريبًا‪ ,‬وهو السميع للقوال‪ ,‬العليم بالفعال‪.‬‬

‫َومَنْ جَاهَدَ فَِإنّمَا ُيجَاهِدُ ِلنَفْسِهِ ِإنّ اللّهَ َل َغِنيّ عَ ْن اْلعَالَمِيَ (‪)6‬‬

‫ومن جاهد ف سبيل إعلء كلمة ال تعال‪ ,‬وجاهد نفسه بملها على الطاعة‪ ,‬فإنا ياهد لنفسه؛ لنه‬
‫يفعل ذلك ابتغاء الثواب على جهاده‪ .‬إن ال لغن عن أعمال جيع خلقه‪ ,‬له اللك واللق والمر‪.‬‬

‫س َن الّذِي كَانُوا َيعْمَلُونَ (‪)7‬‬


‫ج ِزَينّهُمْ أَحْ َ‬
‫وَالّذِينَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا الصّالِحَاتِ َلنُ َكفّ َر ّن َعنْهُ ْم َسّيئَاتِهِ ْم وََلنَ ْ‬

‫والذين صدّقوا ال ورسوله‪ ,‬وعملوا الصالات لنمحو ّن عنهم خطيئاتم‪ ,‬ولنثيبنّهم على أعمالم الصالة‬
‫أحسن ما كانوا يعملون‪.‬‬

‫‪724‬‬
‫ك بِ ِه عِلْ مٌ فَل تُ ِط ْعهُمَا إَِليّ مَ ْر ِج ُعكُ مْ‬
‫صْينَا ا ِلنْ سَا َن ِبوَالِ َديْ هِ حُ سْنا َوإِ نْ جَاهَدَا كَ ِلتُشْرِ َك بِي مَا َليْ سَ لَ َ‬
‫َووَ ّ‬
‫َفأَُنّبئُكُ ْم بِمَا ُكْنتُ ْم َتعْمَلُونَ (‪)8‬‬

‫ووصينا النسان بوالديه أن يبها‪ ,‬ويسن إليهما بالقول والعمل‪ ,‬وإن جاهداك ‪-‬أيها النسان‪ -‬على أن‬
‫تشرك معي ف عبادت‪ ,‬فل تتثل أمرها‪ .‬ويلحق بطلب الشراك بال‪ ,‬سائر العاصي‪ ,‬فل طاعة لخلوق‬
‫ل مصيكم‬ ‫كائنًا من كان ف معصية ال سبحانه‪ ,‬كما ثبت ذلك عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬إ ّ‬
‫يوم القيامة‪ ,‬فأخبكم با كنتم تعملون ف الدنيا من صال العمال وسيئها‪ ,‬وأجازيكم عليها‪.‬‬

‫وَالّذِينَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا الصّالِحَاتِ َلنُدْخَِلّنهُمْ فِي الصّالِحِيَ (‪)9‬‬

‫والذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا الصالات من العمال‪ ,‬لندخلنهم النة ف جلة عباد ال الصالي‪.‬‬

‫س مَ ْن َيقُولُ آ َمنّا بِاللّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللّهِ َجعَلَ ِفْتَنةَ النّاسِ َكعَذَابِ اللّ ِه وََلئِنْ جَا َء نَصْ ٌر مِنْ َربّكَ‬
‫َومِ ْن النّا ِ‬
‫َلَيقُولُنّ ِإنّا ُكنّا َم َعكُمْ َأوََليْسَ اللّ ُه ِبأَعَْل َم بِمَا فِي صُدُو ِر اْلعَالَمِيَ (‪)10‬‬

‫ومن الناس من يقول‪ :‬آمنا بال‪ ,‬فإذا آذاه الشركون جزع من عذابم وأذاهم‪ ,‬كما يزع من عذاب ال‬
‫ول يصب على الذيّة منه‪ ,‬فارتدّ عن إيانه‪ ,‬ولئن جاء نصر من ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهل اليان به‬
‫ليقولَ ّن هؤلء الرتدون عن إيانم‪ :‬إنّا كنا معكم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬ننصركم على أعدائكم‪ ,‬أوليس ال‬
‫بأعلم من كل أحد با ف صدور جيع خلقه؟‬

‫وََليَعَْلمَنّ اللّ ُه الّذِينَ آ َمنُوا وََليَعَْلمَ ّن الْ ُمنَاِفقِيَ (‪)11‬‬

‫وليعلمنّ ال علمًا ظاهرًا للخلق الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ،‬وليعلم ّن النافقي; ليميز كل‬
‫فريق من الخر‪.‬‬

‫حمِلْ َخطَايَاكُ ْم َومَا هُ ْم ِبحَامِلِيَ مِ نْ خَطَايَاهُ ْم مِ ْن َشيْءٍ‬


‫وَقَا َل الّذِي نَ َكفَرُوا ِللّذِي نَ آ َمنُوا اتِّبعُوا َسبِيَلنَا وَْلنَ ْ‬
‫ِإنّهُمْ َلكَا ِذبُونَ ( ‪)12‬‬

‫‪725‬‬
‫وقال الذين جحدوا وحدانية ال من قريش‪ ,‬ول يؤمنوا بوعيد ال ووعده‪ ,‬للذين صدّقوا ال منهم‬
‫وعملوا بشرعه‪ :‬اتركوا دين ممد‪ ,‬واتبعوا ديننا‪ ,‬فإنا نتحمل آثام خطاياكم‪ ,‬وليسوا باملي من آثامهم‬
‫من شيء‪ ,‬إنم لكاذبون فيما قالوا‪.‬‬

‫وََليَحْمُِلنّ َأثْقَاَلهُ ْم َوَأْثقَالً مَعَ َأْثقَاِلهِ ْم وََليُسْأَلُ ّن َي ْومَ اْل ِقيَا َمةِ عَمّا كَانُوا َي ْفتَرُونَ (‪)13‬‬

‫وليحمَل ّن هؤلء الشركون أوزار أنفسهم وآثامها‪ ,‬وأوزار مَن أضلوا وصدّوا عن سبيل ال مع أوزارهم‪,‬‬
‫دون أن ينقص من أوزار تابعيهم شيء‪ ,‬وليُسألُنّ يوم القيامة عما كانوا يتلقونه من الكاذيب‪.‬‬

‫ي عَاما َفأَ َخ َذهُ مْ الطّوفَا ُن َوهُ ْم ظَالِمُو نَ (‬


‫س َ‬
‫وََلقَدْ أَرْ سَ ْلنَا نُوحا إِلَى َق ْومِ هِ فََلبِ ثَ فِيهِ مْ أَلْ فَ َسَنةٍ إِلّ خَمْ ِ‬
‫‪)14‬‬

‫ولقد أرسلنا نوحًا إل قومه فمكث فيهم ألف سنة إل خسي عامًا‪ ,‬يدعوهم إل التوحيد وينهاهم عن‬
‫الشرك‪ ,‬فلم يستجيبوا له‪ ,‬فأهلكهم ال بالطوفان‪ ,‬وهم ظالون لنفسهم بكفرهم وطغيانم‪.‬‬

‫َفأَنَْينَاهُ َوأَصْحَابَ السّفِيَنةِ وَ َج َع ْلنَاهَا آَيةً لِ ْلعَالَمِيَ (‪)15‬‬

‫فأنينا نوحًا ومَن تبعه من كان معه ف السفينة‪ ,‬وجعلنا ذلك عبة وعظة للعالي‪.‬‬

‫َوِإبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ ِل َقوْمِ ِه اعْبُدُوا اللّهَ وَاّتقُوهُ ذَِلكُمْ َخيْرٌ َلكُمْ ِإنْ ُكْنتُ ْم َتعْلَمُونَ (‪)16‬‬

‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إبراهيم عليه السلم حي دعا قومه‪ :‬أن أخلصوا العبادة ل وحده‪ ,‬واتقوا سخطه‬
‫بأداء فرائضه واجتناب معاصيه‪ ,‬ذلكم خي لكم‪ ,‬إن كنتم تعلمون ما هو خي لكم ما هو شر لكم‪.‬‬

‫ِإنّمَا َتعْبُدُو نَ مِ نْ دُو نِ اللّ هِ َأوْثَانا َوتَخُْلقُو نَ إِفْكا إِنّ الّذِي َن َتعْبُدُو َن مِ نْ دُو نِ اللّ ِه ل يَمِْلكُو نَ َلكُ مْ رِزْقا‬
‫ق وَاعْبُدُو ُه وَا ْشكُرُوا لَهُ إَِليْ ِه تُرْ َجعُونَ (‪)17‬‬ ‫فَاْبتَغُوا ِعنْدَ اللّهِ الرّ ْز َ‬

‫‪726‬‬
‫ما تعبدون ‪-‬أيها القوم‪ -‬مِن دون ال إل أصنامًا‪ ,‬وتفترون كذبًا بتسميتكم إياها آلة‪ ,‬إ ّن أوثانكم الت‬
‫تعبدونا من دون ال ل تقدر أن ترزقكم شيئًا‪ ,‬فالتمسوا عند ال الرزق ل من عند أوثانكم‪ ,‬وأخلصوا‬
‫له العبادة والشكر على رزقه إياكم‪ ,‬إل ال تُردّون من بعد ماتكم‪ ,‬فيجازيكم على ما عملتم‪.‬‬

‫غ الْ ُمبِيُ (‪)18‬‬


‫َوإِ ْن ُتكَ ّذبُوا َفقَدْ كَذّبَ ُأمَ ٌم مِنْ َقبِْلكُ ْم َومَا عَلَى ال ّرسُولِ إِلّ اْلبَل ُ‬

‫وإن تكذّبوا ‪ -‬أيها الناس‪ -‬رسولنا ممدًا صلى ال عليه وسلم فيما دعاكم إليه من عبادة ال وحده‪ ,‬فقد‬
‫كذبت جاعات من قبلكم رسلها فيما دعتهم إليه من الق‪ ,‬فحل بم سخط ال‪ ,‬وما على الرّسول‬
‫ممد إل أن يبلغكم عن ال رسالته البلغ الواضح‪ ,‬وقد َفعَل‪.‬‬

‫ك عَلَى اللّ ِه يَسِيٌ (‪)19‬‬


‫ف ُيبْدِئُ اللّ ُه الْخَ ْل َق ثُ ّم ُيعِي ُدهُ ِإنّ ذَلِ َ‬
‫َأوَلَ ْم يَ َروْا َكيْ َ‬

‫أول يعلم هؤلء كيف ينشئ ال اللق من العدم‪ ,‬ث يعيده من بعد فنائه‪ ,‬كما بدأه أول مرة خلقًا‬
‫جديدًا‪ ,‬ل يتعذر عليه ذلك؟ إن ذلك على ال يسي‪ ,‬كما كان يسيًا عليه إنشاؤه‪.‬‬

‫شأَةَ الخِ َرةَ إِنّ اللّ َه عَلَى كُ ّل َشيْءٍ َقدِيرٌ‬


‫شئُ النّ ْ‬
‫ف بَ َدَأ الْخَ ْل َق ثُمّ اللّ ُه يُن ِ‬
‫قُلْ سِيُوا فِي الَرْ ضِ فَانْظُرُوا َكيْ َ‬
‫(‪)20‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لنكري البعث بعد المات‪ :‬سيوا ف الرض‪ ,‬فانظروا كيف أنشأ ال اللق‪ ,‬ول‬
‫يتعذر عليه إنشاؤه مبت َدأً؟ فكذلك ل يتعذر عليه إعادة إنشائه النشأة الخرة‪ .‬إن ال على كل شيء قدير‪,‬‬
‫ل يعجزه شيء أراده‪.‬‬

‫ب مَ ْن يَشَاءُ َويَرْحَ ُم مَ ْن يَشَا ُء َوإَِليْهِ ُتقَْلبُونَ (‪)21‬‬


‫ُيعَذّ ُ‬

‫يعذب مَن يشاء مِن خلقه على ما أسلف مِن جرمه ف أيام حياته‪ ,‬ويرحم مَن يشاء منهم من تاب وآمن‬
‫وعمل صالًا‪ ,‬وإليه ترجعون‪ ,‬فيجازيكم با عملتم‪.‬‬

‫‪727‬‬
‫ض وَل فِي السّمَا ِء َومَا َلكُ ْم مِنْ دُونِ اللّ ِه مِ ْن وَِل ّي وَل َنصِيٍ (‪)22‬‬
‫جزِينَ فِي الَ ْر ِ‬
‫َومَا أَْنتُ ْم بِ ُمعْ ِ‬

‫وما أنتم ‪-‬أيها الناس‪ -‬بعجزي ال ف الرض ول ف السماء إن عصيتموه‪ ,‬وما كان لكم من دون ال‬
‫مِن ولّ يلي أموركم‪ ,‬ول نصي ينصركم من ال إن أراد بكم سوءًا‪.‬‬

‫وَالّذِينَ َك َفرُوا بِآيَاتِ اللّهِ وَِلقَائِهِ ُأوَْلئِكَ َيئِسُوا مِنْ َرحْ َمتِي َوُأوَْلئِكَ َلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (‪)23‬‬

‫والذين جحدوا حُجج ال وأنكروا أدلته‪ ,‬ولقاءه يوم القيامة‪ ,‬أولئك ليس لم مطمع ف رحت لَمّا عاينوا‬
‫ما أُعِ ّد لم من العذاب‪ ,‬وأولئك لم عذاب مؤل موجع‪.‬‬

‫ك ليَاتٍ ِل َقوْمٍ ُي ْؤ ِمنُونَ‬


‫فَمَا كَانَ َجوَابَ َق ْومِهِ إِلّ أَنْ قَالُوا ا ْقتُلُوهُ َأوْ حَرّقُوهُ َفأَنَاهُ اللّ ُه مِ ْن النّارِ ِإنّ فِي ذَلِ َ‬
‫(‪)24‬‬

‫فلم يكن جواب قوم إبراهيم له إل أن قال بعضهم لبعض‪ :‬اقتلوه أو حرّقوه بالنار‪ ,‬فألقوه فيها‪ ,‬فأناه ال‬
‫منها‪ ,‬وجعلها عليه بردًا وسلمًا‪ ,‬إن ف إنائنا لبراهيم من النار لدلة وحججًا لقوم يصدّقون ال‬
‫ويعملون بشرعه‪.‬‬

‫حيَاةِ ال ّدنْيَا ثُمّ َيوْ َم اْلقِيَا َمةِ يَ ْكفُ ُر َب ْعضُكُ ْم ِببَعْ ضٍ‬
‫خ ْذتُ ْم مِ نْ دُو نِ اللّ هِ َأوْثَانا َموَ ّدةَ َبْيِنكُ مْ فِي الْ َ‬
‫وَقَالَ ِإنّمَا اتّ َ‬
‫ضكُمْ َبعْضا َومَ ْأوَاكُمْ النّا ُر َومَا َلكُ ْم مِ ْن نَاصِرِينَ (‪)25‬‬ ‫ضكُمْ بَِب ْعضٍ َويَ ْلعَ ُن َب ْع ُ‬ ‫ثُ ّم َي ْومَ اْل ِقيَا َم ِة َيكْفُ ُر َب ْع ُ‬

‫وقال إبراهيم لقومه‪ :‬يا قوم إنا عبدت من دون ال آلة باطلة‪ ,‬اتذتوها مودة بينكم ف الياة الدنيا‪,‬‬
‫تتحابون على عبادتا‪ ,‬وتتوادون على خدمتها‪ ,‬ث يوم القيامة‪ ,‬يتبأ بعضكم من بعض‪ ,‬ويلعن بعضكم‬
‫بعضًا‪ ,‬ومصيكم جيعًا النار‪ ,‬وليس لكم ناصر ينعكم من دخولا‪.‬‬

‫حكِيمُ (‪)26‬‬
‫ط وَقَالَ ِإنّي ُمهَا ِجرٌ إِلَى َربّي ِإنّهُ ُه َو اْلعَزِي ُز الْ َ‬
‫فَآمَنَ لَهُ لُو ٌ‬

‫فصدّق لوطٌ إبراهي َم وتبع ملته‪ .‬وقال إبراهيم‪ :‬إن تارك دار قومي إل الرض الباركة وهي "الشام"‪ ،‬إن‬
‫ال هو العزيز الذي ل ُيغَالَب‪ ,‬الكيم ف تدبيه‪.‬‬

‫‪728‬‬
‫ب وَآتَْينَاهُ أَجْرَهُ فِي ال ّدنْيَا َوإِنّهُ فِي الخِ َرةِ لَمِنْ‬
‫ب وَ َجعَ ْلنَا فِي ذُ ّرّيتِهِ الّنبُ ّو َة وَاْل ِكتَا َ‬
‫َو َوهَْبنَا لَهُ إِسْحَ َق َوَي ْعقُو َ‬
‫حيَ (‪)27‬‬ ‫الصّالِ ِ‬

‫ووهبنا له إسحاق ولدًا‪ ,‬ويعقوب من بعده وَلَ َد وَلَدٍ‪ ,‬وجعلنا ف ذريته النبياء والكتب‪ ,‬وأعطيناه ثواب‬
‫بلئه فينا‪ ,‬ف الدنيا الذكر السن والولد الصال‪ ,‬وإنه ف الخرة لن الصالي‪.‬‬

‫ش َة مَا َسبَ َقكُ ْم بِهَا مِ نْ أَحَ ٍد مِ ْن الْعَالَمِيَ (‪َ )28‬أِئنّكُ مْ َلَتأْتُو َن‬ ‫وَلُوطا إِذْ قَالَ ِل َقوْمِ هِ ِإّنكُ مْ َلَت ْأتُو نَ اْلفَاحِ َ‬
‫سبِي َل َوَت ْأتُو نَ فِي نَادِيكُ ْم الْمُنكَرَ فَمَا كَا نَ َجوَا بَ َق ْومِ هِ إِلّ أَ نْ قَالُوا اْئِتنَا ِبعَذَا بِ اللّ هِ‬‫الرّجَا َل َوَتقْ َطعُو نَ ال ّ‬
‫إِنْ كُنتَ مِ ْن الصّادِقِيَ ( ‪)29‬‬

‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لوطًا حي قال لقومه‪ :‬إنكم لتأتون الفعلة القبيحة‪ ,‬ما َتقَدّمكم بفعلها أحد من‬
‫العالي‪ ,‬أإنكم لتأتون الرجال ف أدبارهم‪ ,‬وتقطعون على السافرين طرقهم بفعلكم البيث‪ ,‬وتأتون ف‬
‫مالسكم العمال النكرة كالسخرية من الناس‪ ,‬وحذف الارة‪ ,‬وإيذائهم با ل يليق من القوال‬
‫والفعال؟ وف هذا إعلم بأنه ل يوز أن يتمع الناس على النكر ما نى ال ورسوله عنه‪ .‬فلم يكن‬
‫جواب قوم لوط له إل أن قالوا‪ :‬جئنا بعذاب ال إن كنت من الصادقي فيما تقول‪ ,‬والنجزين لا َتعِد‪.‬‬

‫قَالَ رَبّ انصُ ْرنِي عَلَى اْل َقوْ ِم الْ ُمفْسِدِينَ (‪)30‬‬

‫قال‪ :‬رب انصرن على القوم الفسدين بإنزال العذاب عليهم; حيث ابتدعوا الفاحشة وأصرّوا عليها‪,‬‬
‫فاستجاب ال دعاءه‪.‬‬

‫وَلَمّا جَاءَتْ ُرسُُلنَا ِإبْرَاهِي َم بِاْلبُشْرَى قَالُوا ِإنّا ُمهِْلكُو أَهْ ِل هَ ِذ ِه اْلقَ ْرَيةِ ِإنّ أَهَْلهَا كَانُوا ظَالِ ِميَ (‪)31‬‬

‫ولا جاءت اللئكة إبراهيم بالب السارّ من ال بإسحاق‪ ,‬ومن وراء إسحاق ولده يعقوب‪ ,‬قالت‬
‫اللئكة لبراهيم‪ :‬إنا مهلكو أهل قرية قوم لوط‪ ,‬وهي "سدوم"; إنّ أهلها كانوا ظالي أنفسهم بعصيتهم‬
‫ل‪.‬‬

‫‪729‬‬
‫ت مِ ْن اْلغَابِرِينَ (‪)32‬‬
‫جَينّ ُه َوَأهْلَهُ إِلّ امْ َرَأتَهُ كَانَ ْ‬
‫قَالَ ِإنّ فِيهَا لُوطا قَالُوا نَحْنُ أَعَْل ُم بِمَنْ فِيهَا َلنُنَ ّ‬

‫قال إبراهيم للملئكة‪ :‬إنّ فيها لوطًا وليس من الظالي‪ ,‬فقالت اللئكة له‪ :‬نن أعلم بن فيها‪ ,‬لننجّينّه‬
‫وأهله من اللك الذي سينل بأهل قريته إل امرأته كانت من الباقي الالكي‪.‬‬

‫حزَ نْ ِإنّا ُمنَجّو َك َوأَهْلَ كَ‬


‫ف وَل تَ ْ‬
‫خ ْ‬
‫ق ِبهِ مْ ذَرْعا وَقَالُوا ل تَ َ‬
‫وَلَمّا أَ نْ جَاءَ تْ رُ سُُلنَا لُوطا سِيءَ ِبهِ ْم وَضَا َ‬
‫ت مِ ْن اْلغَابِرِينَ ( ‪)33‬‬
‫إِلّ امْ َرَأتَكَ كَانَ ْ‬

‫ولا جاءت اللئكة لوطًا ساءه ذلك; لنه ظنهم ضيوفًا من البشر‪ ,‬وحزن بسبب وجودهم; لعلمه خبث‬
‫ف علينا لن يصل إلينا قومك‪ ,‬ول تزن ما أخبناك مِن أنا مهلكوهم‪ ,‬إنّا‬
‫فعل قومه‪ ,‬وقالوا له‪ :‬ل تَخَ ْ‬
‫منجّوك من العذاب النازل بقومك ومنجّو أهلك معك إل أمرأتك‪ ,‬فإنا هالكة فيمن يهلك مِن قومها‪.‬‬

‫سقُونَ (‪)34‬‬
‫ِإنّا مُنِلُونَ عَلَى َأهْ ِل هَ ِذهِ اْلقَ ْرَيةِ رِجْزا مِنْ السّمَا ِء بِمَا كَانُوا َيفْ ُ‬

‫إنا منلون على أهل هذه القرية عذابًا من السماء; بسبب معصيتهم ل وارتكابم الفاحشة‪.‬‬

‫وََلقَد تَرَ ْكنَا مِْنهَا آَيةً بَّيَنةً ِل َقوْ ٍم َي ْعقِلُونَ (‪)35‬‬

‫ولقد أبقينا مِن ديار قوم لوط آثارًا بينة لقوم يعقلون العب‪ ,‬فينتفعون با‪.‬‬

‫ض ُمفْ سِدِينَ (‬
‫َوإِلَى مَ ْديَ نَ أَخَاهُ ْم ُش َعيْبا َفقَا َل يَا َقوْ مِ ا ْعبُدُوا اللّ َه وَارْجُوا اْلَيوْ مَ الخِ َر وَل َتعَْثوْا فِي الَرْ ِ‬
‫‪)36‬‬

‫وأرسلنا إل "مدين" أخاهم شعيبًا‪ ,‬فقال لم‪ :‬يا قوم اعبدوا ال وحده‪ ,‬وأخلصوا له العبادة‪ ,‬ما لكم من‬
‫إله غيه‪ ,‬وارجوا بعبادتكم جزاء اليوم الخر‪ ,‬ول تكثروا ف الرض الفساد والعاصي‪ ,‬ول تقيموا عليها‪,‬‬
‫ولكن توبوا إل ال منها وأنيبوا‪.‬‬

‫صبَحُوا فِي دَا ِرهِمْ جَاثِمِيَ (‪)37‬‬


‫َفكَ ّذبُوهُ َفأَخَ َذْتهُمْ الرّ ْج َفةُ َفأَ ْ‬
‫‪730‬‬
‫فكذّب أهل "مدين" شعيبًا فيما جاءهم به عن ال من الرسالة‪ ,‬فأخذتم الزلزلة الشديدة‪ ,‬فأصبحوا ف‬
‫صرْعى هالكي‪.‬‬
‫دارهم َ‬

‫سبِي ِل وَكَانُوا‬
‫شيْطَا نُ َأعْمَاَلهُ مْ فَ صَ ّدهُ ْم عَ ْن ال ّ‬
‫َوعَادا َوثَمُو َد وَقَ ْد َتَبيّ نَ َلكُ مْ مِ ْن مَ سَاكِِنهِ ْم وَ َزيّ نَ َلهُ مْ ال ّ‬
‫ستَْبصِرِينَ (‪)38‬‬ ‫مُ ْ‬

‫وأهلكنا عادًا وثود‪ ,‬وقد تبي لكم من مساكنهم خَرابُها وخلؤها منهم‪ ,‬وحلول نقمتنا بم جيعًا‪,‬‬
‫وحسّن لم الشيطان أعمالم القبيحة‪ ,‬فصدّهم عن سبيل ال وعن طريق اليان به وبرسله‪ ,‬وكانوا‬
‫مستبصرين ف كفرهم وضللم‪ ,‬معجبي به‪ ,‬يسبون أنم على هدى وصواب‪ ,‬بينما هم ف الضلل‬
‫غارقون‪.‬‬

‫ض َومَا كَانُوا سَابِقِيَ (‪)39‬‬


‫وَقَارُونَ وَِف ْر َعوْ َن َوهَامَا َن وََلقَدْ جَا َءهُ ْم مُوسَى بِاْلبَّينَاتِ فَا ْستَ ْكبَرُوا فِي الَ ْر ِ‬

‫وأهلكنا قارون وفرعون وهامان‪ ,‬ولقد جاءهم جيعًا موسى بالدلة الواضحة‪ ,‬فتعاظموا ف الرض‪,‬‬
‫واستكبوا فيها‪ ,‬ول يكونوا ليفوتوننا‪ ,‬بل كنا مقتدرين عليهم‪.‬‬

‫ح ُة‬
‫صيْ َ‬
‫ح ُة َو ِمنْهُ ْم مَ نْ أَ َخ َذتْ ُه ال ّ‬
‫صيْ َ‬
‫َف ُكلّ أَ َخ ْذنَا بِ َذْنبِ هِ فَ ِمْنهُ ْم مَ نْ أَرْ سَ ْلنَا عََليْ هِ حَا صِبا َومِْنهُ ْم مَ نْ أَ َخ َذتْ ُه ال ّ‬
‫سهُ ْم يَظِْلمُو نَ (‬ ‫ض َو ِمْنهُ ْم مَ نْ أَغْرَ ْقنَا َومَا كَا نَ اللّ هُ ِليَ ْظلِ َمهُ ْم وََلكِ نْ كَانُوا َأْنفُ َ‬ ‫س ْفنَا بِ ِه الَرْ َ‬ ‫َومِْنهُ ْم مَ نْ خَ َ‬
‫‪)40‬‬

‫فأخذنا كل من هؤلء الذكورين بعذابنا بسبب ذنبه‪ :‬فمنهم الذين أرسلنا عليهم حجارة من طي‬
‫منضود‪ ,‬وهم قوم لوط‪ ,‬ومنهم مَن أخذته الصيحة‪ ,‬وهم قوم صال وقوم شعيب‪ ,‬ومنهم مَن خسفنا به‬
‫الرض كقارون‪ ,‬ومنهم مَن أغرقنا‪ ,‬وهم قومُ نوح وفرعو ُن وقومُه‪ ,‬ول يكن ال ليهلك هؤلء بذنوب‬
‫غيهم‪ ,‬فيظلمهم بإهلكه إياهم بغي استحقاق‪ ,‬ولكنهم كانوا أنفسهم يظلمون بتنعمهم ف ِنعَم ربم‬
‫وعبادتم غيه‪.‬‬

‫ت َبيْتا َوإِنّ َأ ْوهَ نَ اْلُبيُو تِ َلَبيْ تُ اْل َعنْ َكبُو تِ‬


‫خذَ ْ‬
‫َمثَلُ الّذِي نَ اتّخَذُوا مِ نْ دُو نِ اللّ هِ َأوِْليَاءَ كَ َمثَ ِل اْلعَن َكبُو تِ اتّ َ‬

‫‪731‬‬
‫َلوْ كَانُوا َيعْلَمُونَ (‪)41‬‬

‫مثل الذين جعلوا الوثان من دون ال أولياء يرجون نصرها‪ ,‬كمثل العنكبوت الت عملت بيتًا لنفسها‬
‫ليحفظها‪ ,‬فلم يُغن عنها شيئًا عند حاجتها إليه‪ ,‬فكذلك هؤلء الشركون ل ُيغْن عنهم أولياؤهم الذين‬
‫اتذوهم من دون ال شيئًا‪ ,‬وإن أضعف البيوت لَبيت العنكبوت‪ ,‬لو كانوا يعلمون ذلك ما اتذوهم‬
‫أولياء‪ ,‬فهم ل ينفعونم ول يضرونم‪.‬‬

‫حكِيمُ (‪)42‬‬
‫ِإنّ اللّ َه َيعْلَ ُم مَا يَ ْدعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْ ٍء َو ُهوَ اْلعَزِي ُز الْ َ‬

‫إن ال يعلم ما يشركون به من النداد‪ ,‬وأنا ليست بشيء ف القيقة‪ ,‬بل هي مرد أساء سَمّوها‪ ,‬ل‬
‫تنفع ول تضر‪ .‬وهو العزيز ف انتقامه من كفر به‪ ,‬الكيم ف تدبيه وصنعه‪.‬‬

‫س َومَا َي ْعقُِلهَا إِ ّل الْعَالِمُونَ (‪)43‬‬


‫ك الَ ْمثَا ُل َنضْ ِرُبهَا لِلنّا ِ‬
‫َوتِلْ َ‬

‫وهذه المثال نضربا للناس; لينتفعوا با ويتعلموا منها‪ ,‬وما يعقلها إل العالون بال وآياته وشرعه‪.‬‬

‫َخلَقَ اللّهُ السّ َموَاتِ وَالَ ْرضَ بِالْحَقّ ِإنّ فِي ذَلِكَ ليَةً لِ ْل ُم ْؤمِنِيَ (‪)44‬‬

‫خلق ال السموات والرض بالعدل والقسط‪ ,‬إن ف خلقه ذلك لدللة عظيمة على قدرته‪ ،‬وتفرده‬
‫باللية‪ ،‬و َخصّ الؤمني؛ لنم الذين ينتفعون بذلك‪.‬‬

‫اتْلُ مَا أُوحِ يَ إَِليْ كَ مِ ْن اْل ِكتَا بِ َوأَقِ ْم ال صّلةَ ِإنّ ال صّل َة َتنْهَى عَ نْ الْفَحْشَا ِء وَالْ ُمْنكَ ِر وَلَذِكْرُ اللّ هِ أَ ْكبَرُ‬
‫وَاللّهُ يَعَْل ُم مَا َتصَْنعُونَ (‪)45‬‬

‫اتل ما أُنزل إليك من هذا القرآن‪ ,‬واعمل به‪ ,‬وأ ّد الصلة بدودها‪ ,‬إن الحافظة على الصلة تنهى‬
‫صاحبها عن الوقوع ف العاصي والنكرات; وذلك لن القيم لا‪ ,‬التمم لركانا وشروطها‪ ,‬يستني قلبه‪,‬‬
‫ويزداد إيانه‪ ,‬وتقوى رغبته ف الي‪ ,‬وتقل أو تنعدم رغبته ف الشر‪ ,‬ولَذكر ال ف الصلة وغيها أعظم‬

‫‪732‬‬
‫وأكب وأفضل من كل شيء‪ .‬وال يعلم ما تصنعون مِن خيٍ وشر‪ ,‬فيجازيكم على ذلك أكمل الزاء‬
‫وأوفاه‪.‬‬

‫‪733‬‬
‫الزء الادي والعشرون ‪:‬‬

‫وَل ُتجَادِلُوا أَهْ َل اْل ِكتَا بِ إِ ّل بِاّلتِي هِ يَ أَحْ سَنُ إِلّ الّذِي َن ظَلَمُوا ِمْنهُ مْ وَقُولُوا آمَنّا بِالّذِي ُأنْزِلَ إَِلْينَا َوأُنْ ِزلَ‬
‫إَِليْكُ ْم َوإَِل ُهنَا َوإَِل ُهكُمْ وَا ِح ٌد َونَحْنُ لَ ُه مُسِْلمُونَ (‪)46‬‬

‫ول تجادلوا ‪-‬أيهييا المؤمنون‪ -‬اليهو َد والنصييارى إل بالسييلوب الحسيين‪ ,‬والقول الجميييل‪,‬‬
‫والدعوة إلى الحيق بأيسير طرييق موصيل لذلك‪ ,‬إل الذيين حادوا عين وجيه الحيق وعاندوا‬
‫وكابروا وأعلنوا الحرب عليكيم فجالدوهيم بالسييف حتيى يؤمنوا‪ ,‬أو يعطوا الجزيية عين يدٍ‬
‫وهييم صيياغرون‪ ,‬وقولوا‪ :‬آمنييا بالقرآن الذي أُنزل إلينييا‪ ,‬وآمنييا بالتوراة والنجيييل اللذَيْن‬
‫أُنزل إليكم‪ ,‬وإلهنا وإلهكم واحد ل شريك له في ألوهيته‪ ,‬ول في ربوبيته‪ ,‬ول في أسمائه‬
‫وصفاته‪ ,‬ونحن له خاضعون متذللون بالطاعة فيما أمرنا به‪ ,‬ونهانا عنه‪.‬‬

‫حدُ‬
‫وَكَذَلِ كَ َأنْزَلْنَا إَِليْ كَ اْل ِكتَا بَ فَالّذِي َن آتَْينَاهُ ْم اْلكِتَا بَ ُيؤْ ِمنُو نَ بِ ِه َومِ ْن َهؤُلء مَ ْن ُي ْؤمِ ُن بِ هِ وَمَا يَجْ َ‬
‫بِآيَاِتنَا إِلّ اْلكَافِرُونَ (‪)47‬‬

‫وكميا أنزلنيا ‪-‬أيهيا الرسيول‪ -‬الكتيب على مَن قبلك مين الرسيل‪ ,‬أنزلنيا إلييك هذا الكتاب‬
‫المصيدق للكتيب السيابقة‪ ,‬فالذيين آتيناهيم الكتاب مين بنيي إسيرائيل فعرفوه حيق معرفتيه‬
‫يؤمنون بالقرآن‪ ,‬ومِن هؤلء العرب مين قرييش وغيرهيم مَن يؤمين بيه‪ ,‬ول ينكير القرآن‬
‫أو يتشكك في دلئله وبراهينه البينة إل الكافرون الذين َدأْبُهم الجحود والعناد‪.‬‬

‫ب الْ ُمبْطِلُونَ (‪)48‬‬


‫خطّ ُه بِيَمِينِكَ إِذا ل ْرتَا َ‬
‫ت َتتْلُو مِنْ َقْبلِ ِه مِنْ ِكتَابٍ وَل تَ ُ‬
‫َومَا ُكنْ َ‬

‫من معجزاتك البينة ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أنك لم تقرأ كتابًا ولم تكتب حروفًا بيمينك قبل نزول‬
‫القرآن عليك‪ ,‬وهم يعرفون ذلك‪ ,‬ولو كنت قارئًا أو كاتبًا من قبل أن يوحى إليك لشك في‬
‫ذلك المبطلون‪ ,‬وقالوا‪ :‬تعلّمه من الكتب السابقة أو استنسخه منها‪.‬‬

‫جحَ ُد بِآيَاتِنَا إِلّ الظّالِمُونَ (‪)49‬‬


‫ت َبّينَاتٌ فِي صُدُو ِر الّذِينَ أُوتُوا اْلعِلْ َم َومَا يَ ْ‬
‫بَ ْل ُهوَ آيَا ٌ‬

‫بيل القرآن آيات بينات واضحية فيي الدللة على الحيق يحفظيه العلماء‪ ,‬وميا يكذّب بآياتنيا‬
‫ويردها إل الظالمون المعاندون الذين يعلمون الحق ويحيدون عنه‪.‬‬
‫‪734‬‬
‫ت ِعنْدَ اللّ ِه َوِإنّمَا أَنَا نَذِي ٌر ُمبِيٌ (‪)50‬‬
‫وَقَالُوا َلوْل ُأنْزِ َل عََليْ ِه آيَاتٌ مِنْ َربّهِ قُلْ ِإنّمَا اليَا ُ‬

‫وقال المشركون‪ :‬هل أُنزل على محمييد دلئل وحجييج ميين ربييه نشاهدهييا كناقيية صييالح‪,‬‬
‫وعصا موسى! قل لهم‪ :‬إن أمر هذه اليات ل‪ ,‬إن شاء أنزلها‪ ,‬وإن شاء منعها‪ ,‬وإنما أنا‬
‫لكم نذير أحذركم شدة بأسه وعقابه‪ ,‬مبيّن طريق الحق من الباطل‪.‬‬

‫ب ُيتْلَى عََلْيهِمْ ِإنّ فِي ذَلِكَ لَرَ ْح َم ًة وَذِكْرَى ِل َقوْ ٍم ُي ْؤمِنُونَ (‪)51‬‬
‫ك اْلكِتَا َ‬
‫َأوَلَ ْم يَ ْك ِفهِمْ َأنّا أَنْزَْلنَا عََليْ َ‬

‫أولم يكيف هؤلء المشركيين فيي علمهيم بصيدقك ‪-‬أيهيا الرسيول‪ -‬أنّاي أنزلنيا علييك القرآن‬
‫يتلى عليهم؟ إن في هذا القرآن لَرحمة للمؤمنين في الدنيا والخرة‪ ,‬وذكرى يتذكرون بما‬
‫فيه من عبرة وعظة‪.‬‬

‫ت وَالَرْ ضِ وَالّذِي نَ آ َمنُوا بِالْبَاطِ ِل وَ َكفَرُوا بِاللّ هِ‬


‫قُلْ َكفَى بِاللّ هِ بَْينِي َوَبْينَكُ ْم َشهِيدا َيعْلَ ُم مَا فِي ال سّ َموَا ِ‬
‫ك هُ ْم الْخَاسِرُونَ ( ‪)52‬‬ ‫ُأوْلَئِ َ‬

‫قيل‪ :‬كفيى بال بينيي وبينكيم شاهدًا على صيدقي أنيي رسيوله‪ ,‬وعلى تكذيبكيم لي وردكيم‬
‫الحيق الذي جئتُي بيه مين عنيد ال‪ ,‬يعلم ميا فيي السيموات والرض‪ ,‬فل يخفيى علييه شييء‬
‫فيهميييا‪ .‬والذيييين آمنوا بالباطيييل وكفروا بال ‪-‬ميييع هذه الدلئل الواضحييية‪ -‬أولئك هيييم‬
‫الخاسرون في الدنيا والخرة‪.‬‬

‫شعُرُونَ (‪)53‬‬
‫ب وََلَيأِْتَينّهُ ْم َب ْغَتةً َوهُ ْم ل يَ ْ‬
‫ب وََلوْل أَجَلٌ مُسَمّى َلجَا َءهُ ْم اْلعَذَا ُ‬
‫جلُونَكَ بِاْلعَذَا ِ‬
‫َويَسَْتعْ ِ‬

‫ويسيتعجلك ‪-‬أيهيا الرسيول‪ -‬هؤلء المشركون مين قوميك بالعذاب اسيتهزاء‪ ,‬ولول أن ال‬
‫جعيل لعذابهيم فيي الدنييا وقتًا ل يتقدم ول يتأخير‪ ,‬لجاءهيم العذاب حيين طلبوه‪ ,‬وليأتينهيم‬
‫فجأة‪ ,‬وهم ل يشعرون به ول ُيحِسّون‪.‬‬

‫ب َوإِنّ َج َهنّمَ لَ ُمحِي َط ٌة بِاْلكَافِرِينَ (‪)54‬‬


‫جلُونَكَ بِاْلعَذَا ِ‬
‫ستَعْ ِ‬
‫يَ ْ‬

‫يسيتعجلونك بالعذاب فيي الدنييا‪ ,‬وهيو آتيهيم ل محالة إمّاي فيي الدنييا وإميا فيي الخرة‪ ,‬وإن‬
‫عذاب جهنم في الخرة لمحيط بهم‪ ,‬ل مفرّ لهم منه‪.‬‬

‫‪735‬‬
‫حتِ أَرْ ُجِلهِ ْم َوَيقُولُ ذُوقُوا مَا ُكْنتُمْ تَعْ َملُونَ (‪)55‬‬
‫ب مِنْ َفوِْقهِ ْم َومِ ْن تَ ْ‬
‫َي ْومَ َيغْشَاهُ ْم الْعَذَا ُ‬

‫يوم القيامية يغشيى الكافريين عذاب جهنيم مين فوق رؤوسيهم‪ ,‬ومِن تحيت أقدامهيم‪ ,‬فالنار‬
‫تغشاهيم من سيائر جهاتهيم‪ ,‬ويقول ال لهيم حينئذ‪ :‬ذوقوا جزاء ميا كنتيم تعملونيه فيي الدنييا‪:‬‬
‫من الشراك بال‪ ,‬وارتكاب الجرائم والثام‪.‬‬

‫يَا عِبَادِي الّذِينَ آ َمنُوا ِإنّ أَرْضِي وَا ِس َعةٌ فَِإيّايَ فَا ْعبُدُونِ (‪)56‬‬

‫ييا عبادي الذيين آمنوا إن كنتيم فيي ضييق مين إظهار اليمان وعبادة ال وحده‪ ,‬فهاجِروا‬
‫إلى أرض ال الواسعة‪ ,‬وأخلصوا العبادة لي وحدي‪.‬‬

‫ت ثُمّ إَِليْنَا تُرْ َجعُونَ (‪)57‬‬


‫كُ ّل َن ْفسٍ ذَائِ َق ُة الْ َموْ ِ‬

‫كل نفس حيه ذائقة الموت‪ ,‬ثم إلينا ترجعون للحساب والجزاء‪.‬‬

‫حِتهَا ا َلْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ِنعْمَ أَجْرُ‬


‫جّنةِ غُرَفا َتجْرِي مِ ْن تَ ْ‬
‫وَالّذِينَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا الصّالِحَاتِ َلُنبَ ّوَئّنهُمْ مِنْ الْ َ‬
‫الْعَامِِليَ (‪)58‬‬

‫والذين صدّقوا بال ورسوله وعملوا ما أُمروا به من الصالحات لننزلنّهم من الجنة غرفًا‬
‫عالييية تجري ميين تحتهييا النهار‪ ،‬ماكثييين فيهييا أبدًا‪ ,‬نِعْمَي جزاء العاملييين بطاعيية ال هذه‬
‫الغرف في جنات النعيم‪.‬‬

‫صبَرُوا َوعَلَى َرّبهِ ْم َيَتوَكّلُونَ (‪)59‬‬


‫الّذِينَ َ‬

‫إن تلك الجنات المذكورة للمؤمنين الذين صبروا على عبادة ال‪ ,‬وتمسكوا بدينهم‪ ,‬وعلى‬
‫ال يعتمدون في أرزاقهم وجهاد أعدائهم‪.‬‬

‫وَ َكأَيّن مِنْ دَاّب ٍة ل تَحْ ِملُ رِزَْقهَا اللّ ُه يَ ْرزُُقهَا َوإِيّاكُ ْم َو ُهوَ السّمِي ُع اْلعَلِيمُ (‪)60‬‬

‫‪736‬‬
‫وكيم مين دابية ل تدّخير غذاءهيا لغيد‪ ,‬كميا يفعيل ابين آدم‪ ,‬فال سيبحانه وتعالى يرزفهيا كميا‬
‫يرزقكم‪ ,‬وهو السميع لقوالكم‪ ,‬العليم بأفعالكم وخطرات قلوبكم‪.‬‬

‫س وَاْلقَمَرَ َلَيقُولُنّ اللّهُ َفَأنّا ُيؤْفَكُونَ (‪)61‬‬


‫وََلئِنْ سَأَْلَتهُ ْم مَنْ َخلَقَ السّ َموَاتِ وَالَ ْرضَ َوسَخّرَ الشّ ْم َ‬

‫ولئن سألت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬المشركين‪ :‬من الذي خلق السموات والرض على هذا النظام‬
‫البديع‪ ,‬وذلّل الشمس والقمر؟ ليقولُنّ‪ :‬خلقهن ال وحده‪ ,‬فكيف يصرفون عن اليمان بال‬
‫خالق كل شيء ومدبره‪ ,‬ويعبدون معه غيره؟ فاعجب من إفكهم وكذبهم!!‬

‫اللّ ُه َيبْسُطُ الرّ ْزقَ ِلمَ ْن يَشَا ُء مِ ْن ِعبَا ِدهِ َوَيقْدِرُ لَهُ ِإنّ اللّ َه بِكُ ّل َشيْ ٍء عَلِيمٌ (‪)62‬‬

‫ال سيبحانه وتعالى يوسيع الرزق لمين يشاء مين خلقيه‪ ,‬ويضييق على آخريين منهيم; لعلميه‬
‫بما يصلح عباده‪ ,‬إن ال بكل شيء من أحوالكم وأموركم عليم‪ ,‬ل يخفى عليه شيء‪.‬‬

‫حمْدُ لِلّ ِه بَلْ‬


‫وََلئِ نْ سَأَْلَتهُ ْم مَ ْن نَزّ َل مِ ْن ال سّمَا ِء مَاءً َفأَحْيَا بِ هِ الَرْ ضَ مِ ْن َبعْ ِد َموْتِهَا َلَيقُولُنّ اللّ هُ قُ ْل الْ َ‬
‫أَكْثَ ُرهُ ْم ل َي ْعقِلُونَ (‪)63‬‬

‫ولئن سألت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬المشركين‪ :‬مَ نِ الذي نزّل من السحاب ماء فأنبت به الرض‬
‫مين بعيد جفافهيا؟ ليقولُنّ لك معترفيين‪ :‬ال وحده هيو الذي نزّل ذلك‪ ,‬قيل‪ :‬الحميد ل الذي‬
‫عقَلوا مييا‬
‫أظهيير حجتييك عليهييم‪ ,‬بييل أكثرهييم ل يعقلون مييا ينفعهييم ول مييا يضرهييم‪ ,‬ولو َ‬
‫أشركوا مع ال غيره‪.‬‬

‫حَيوَانُ َلوْ كَانُوا َيعْلَمُونَ (‪)64‬‬


‫حيَاةُ ال ّدنْيَا إِلّ َل ْهوٌ وََل ِعبٌ َوِإنّ الدّارَ ال ِخ َرةَ َل ِه َي الْ َ‬
‫َومَا هَ ِذهِ الْ َ‬

‫و ما هذه الياة الدن يا إل ل و ول عب‪ ,‬تل هو ب ا القلوب وتل عب ب ا البدان; ب سبب ما في ها من الزي نة‬
‫والشهوات‪ ,‬ث تزول سريعًا‪ ,‬وإن الدار الخرة ل ي الياة القيق ية الدائ مة ال ت ل موت في ها‪ ,‬لو كان‬
‫الناس يعلمون ذلك لا آثروا دار الفناء على دار البقاء‪.‬‬

‫فَإِذَا رَ ِكبُوا فِي اْلفُلْ كِ َد َعوْا اللّ َه ُمخْلِ صِيَ لَ هُ الدّي نَ فََلمّا نَجّاهُ مْ إِلَى اْلبَرّ إِذَا هُ ْم يُشْرِكُو نَ (‪ِ )65‬ليَ ْكفُرُوا‬
‫ف َيعْلَمُونَ (‪)66‬‬ ‫سوْ َ‬ ‫بِمَا آَتيْنَاهُ ْم وَِليَتَ َمّتعُوا فَ َ‬
‫‪737‬‬
‫فإذا ركب الكفار السفن ف البحر‪ ,‬وخافوا الغرق‪ ,‬وحّدوا ال‪ ,‬وأخلصوا له ف الدعاء حال شدتم‪ ,‬فلما‬
‫نّاهم إل الب‪ ,‬وزالت عنهم الشدة‪ ,‬عادوا إل شركهم‪ ,‬إنم بذا يتناقضون‪ ,‬يوحّدون ال ساعة الشدة‪,‬‬
‫ويشركون به ساعة الرخاء‪ .‬وشِرْكهم بعد نعمتنا عليهم بالنجاة من البحر; ليكو َن عاقبته الكفر با أنعمنا‬
‫عليهم ف أنفسهم وأموالم‪ ,‬وليكملوا تتعهم ف هذه الدنيا‪ ,‬فسوف يعلمون فساد عملهم‪ ,‬وما أعدّه ال‬
‫لم من عذاب أليم يوم القيامة‪ .‬وف ذلك تديد ووعيد لم‪.‬‬

‫س مِنْ َحوِْلهِمْ أََفبِاْلبَاطِ ِل ُي ْؤ ِمنُو َن َوبِِنعْ َمةِ اللّ ِه َيكْفُرُونَ (‪)67‬‬


‫َأوَلَ ْم يَ َروْا َأنّا َجعَ ْلنَا حَرَما آمِنا َوُيتَخَطّفُ النّا ُ‬

‫أول يشاهد كفار "مكة" أن ال جعل "مكة" لم َح َرمًا آمنًا يأمن فيه أهله على أنفسهم وأموالم‪ ,‬والنا ُ‬
‫س‬
‫مِن حولم خارج الرم‪ُ ,‬يتَخَطّفون غي آمني؟ أفبالشرك يؤمنون‪ ,‬وبنعمة ال الت خ صّهم با يكفرون‪,‬‬
‫فل يعبدونه وحده دون سواه؟‬

‫ب بِالْحَقّ لَمّا جَا َءهُ أَلَْيسَ فِي َج َهنّ َم َمْثوًى ِل ْلكَافِرِينَ (‪)68‬‬
‫َومَنْ أَظَْل ُم مِمّ ْن ا ْفتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبا َأوْ َكذّ َ‬

‫ل أحد أشد ظلمًا من كذَب على ال‪ ,‬فنسب ما هو عليه من الضلل والباطل إل ال‪ ,‬أو كذّب بالق‬
‫الذي بعث ال به رسوله ممدًا صلى ال عليه وسلم‪ ،‬إن ف النار لسكنًا لن كفر بال‪ ,‬وجحد توحيده‬
‫وكذّب رسوله ممدًا صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫سنِيَ (‪)69‬‬
‫وَالّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا َلَنهْ ِديَّنهُ ْم ُسبَُلنَا َوإِنّ اللّهَ لَ َم َع الْمُحْ ِ‬

‫والؤمنون الذيهن جاهدوا أعداء ال‪ ,‬والنفهس‪ ,‬والشيطان‪ ,‬وصهبوا على الفته والذى فه سهبيل ال‪,‬‬
‫سيهديهم ال سبل الي‪ ,‬ويثبتهم على الصراط الستقيم‪ ,‬ومَن هذه صفته فهو مسن إل نفسه وإل غيه‪.‬‬
‫وإن ال سبحانه وتعال لع مَن أحسن مِن خَ ْلقِه بالنصرة والتأييد والفظ والداية‪.‬‬

‫‪ -30‬سورة الروم‬

‫‪738‬‬
‫ال (‪)1‬‬
‫الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬

‫ض َوهُ ْم مِ ْن َبعْ ِد غََلِبهِ مْ َسيَغِْلبُونَ ( ‪ )3‬فِي ِبضْ عِ ِسنِيَ لِلّ هِ ا َلمْ ُر مِ نْ َقبْلُ‬ ‫غُِلبَ تْ الرّو مُ (‪ )2‬فِي أَ ْدنَى الَرْ ِ‬
‫ح الْ ُم ْؤ ِمنُونَ (‪ِ )4‬بنَصْرِ اللّ ِه يَنصُ ُر مَ ْن يَشَا ُء َو ُهوَ اْلعَزِيزُ الرّحِيمُ (‪)5‬‬
‫َومِ ْن َبعْدُ َوَي ْو َمئِ ٍذ َيفْرَ ُ‬

‫غَلَبت فار سُ الرومَ ف أدن أرض "الشام" إل "فارس"‪ ,‬وسوف َيغْلِب الرو مُ الفر سَ ف مدة من الزمن‪ ,‬ل‬
‫تز يد على ع شر سنوات ول تن قص عن ثلث‪ .‬ل سبحانه وتعال ال مر كله ق بل انت صار الروم وبعده‪,‬‬
‫ويوم ينتصر الروم على الفرس يفرح الؤمنون بنصر ال للروم على الفرس‪ .‬وال سبحانه وتعال ينصر من‬
‫يشاء‪ ,‬ويذل من يشاء‪ ,‬وهو العزيز الذي ل يغالَب‪ ,‬الرحيم بن شاء من خلقه‪ .‬وقد تقق ذلك فغََلبَت‬
‫الرومُ الفرسَ بعد سبع سني‪ ,‬وفرح السلمون بذلك; لكون الروم أهل كتاب وإن حرّفوه‪.‬‬

‫حيَاةِ ال ّدنْيَا َوهُ مْ‬


‫س ل يَعَْلمُو نَ (‪َ )6‬يعْلَمُو َن ظَاهِرا مِ ْن الْ َ‬
‫خلِ فُ اللّ ُه َوعْدَ ُه وََلكِنّ أَ ْكثَ َر النّا ِ‬
‫َوعْدَ اللّ ِه ل يُ ْ‬
‫عَنْ الخِ َرةِ هُمْ غَافِلُونَ (‪)7‬‬

‫وعيد ال المؤمنيين وعدًا جازمًا ل يتخلف‪ ,‬بنصير الروم النصيارى على الفرس الوثنييين‪,‬‬
‫ولكين أكثير كفار "مكية" ل يعلمون أن ميا وعيد ال بيه حيق‪ ,‬وإنميا يعلمون ظواهير الدنييا‬
‫وزخرفها‪ ,‬وهم عن أمور الخرة وما ينفعهم فيها غافلون‪ ,‬ل يفكرون فيها‪.‬‬

‫ت وَالَرْضَ َومَا َبيَْنهُمَا إِ ّل بِالْحَقّ َوأَ َج ٍل مُسَمّى َوِإنّ َكثِيا‬


‫سهِمْ مَا خَلَقَ اللّ ُه السّ َموَا ِ‬
‫َأوَلَ ْم َيتَ َفكّرُوا فِي أَنفُ ِ‬
‫س بِِلقَاءِ َرّبهِمْ َلكَافِرُونَ (‪)8‬‬
‫مِ ْن النّا ِ‬

‫أولم يتفكير هؤلء المكذّبون برسيل ال ولقائه فيي خلق ال إياهيم‪ ,‬وأنيه خلقهيم‪ ,‬ولم يكونوا‬
‫شيئًا‪ .‬مييا خلق ال السييموات والرض ومييا بينهمييا إل لقاميية العدل والثواب والعقاب‪,‬‬
‫والدللة على توحيده وقدرتيه‪ ,‬وأجيل مسيمى تنتهيي إلييه وهيو يوم القيامية؟ وإن كثيرًا مين‬
‫الناس بلقاء ربهيم لجاحدون منكرون; جهل منهيم بأن معادهيم إلى ال بعيد فنائهيم‪ ,‬وغفلةً‬
‫منهم عن الخرة‪.‬‬

‫َأوَلَ ْم يَ سِيُوا فِي الَرْ ضِ َفيَنظُرُوا َكيْ فَ كَا َن عَاِقبَ ُة الّذِي َن مِ نْ َقبِْلهِ مْ كَانُوا َأشَ ّد ِمْنهُ مْ ُق ّوةً َوَأثَارُوا الَرْ ضَ‬

‫‪739‬‬
‫َوعَمَرُوهَا أَ ْكثَ َر مِمّ ا عَمَرُوهَا وَجَا َءْتهُ مْ رُ سُُلهُ ْم بِاْلبَّينَا تِ فَمَا كَا نَ اللّ هُ ِليَظْلِ َم ُه ْم وََلكِ نْ كَانُوا أَنفُ سَهُمْ‬
‫يَظْلِمُونَ (‪)9‬‬

‫أولم يَسييِرْ هؤلء المكذبون بال الغافلون عيين الخرة فييي الرض سييَيْ َر تأمييل واعتبار‪,‬‬
‫فيشاهدوا كيف كان جزاء المم الذين كذّبوا برسل ال كعاد وثمود؟ وقد كانوا أقوى منهم‬
‫أجسيييامًا‪ ,‬وأقدر على التمتيييع بالحياة حييييث حرثوا الرض وزرعوهيييا‪ ,‬وب َنوْا القصيييور‬
‫وسيكنوها‪ ,‬فعَمَروا دنياهيم أكثير مميا عَمَر أهيل "مكية" دنياهيم‪ ,‬فلم تنفعهيم عِمارتهيم ول‬
‫طول مدتهيم‪ ,‬وجاءتهيم رسيلهم بالحجيج الظاهرة والبراهيين السياطعة‪ ,‬فكذّبوهيم فأهلكهيم‬
‫ال‪ ,‬ولم يظلمهم ال بذلك الهلك‪ ,‬وإنما ظلموا أنفسهم بالشرك والعصيان‪.‬‬

‫سَتهْ ِزئُون (‪)10‬‬


‫ثُمّ كَانَ عَاِقَب َة الّذِينَ َأسَاءُوا السّوءَى َأنْ َك ّذبُوا بِآيَاتِ اللّ ِه وَكَانُوا ِبهَا يَ ْ‬

‫ثيم كانيت عاقبية أهيل السيوء مين الطغاة والكفرة أسيوأ العواقيب وأقبحهيا; لتكذيبهيم بال‬
‫وسخريتهم بآياته التي أنزلها على رسله‪.‬‬

‫خلْ َق ثُ ّم ُيعِي ُدهُ ثُمّ إَِليْ ِه تُرْ َجعُونَ (‪)11‬‬


‫اللّ ُه َيبْ َدأُ الْ َ‬

‫ال وحده هو المتفرد بإنشاء المخلوقات كلها‪ ,‬وهو القادر وحده على إعادتها مرة أخرى‪,‬‬
‫ثم إليه يرجع جميع الخلق‪ ,‬فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته‪.‬‬

‫ج ِرمُونَ (‪)12‬‬
‫س الْمُ ْ‬
‫َوَيوْ َم َتقُومُ السّا َعةُ ُيبِْل ُ‬

‫ويوم تقوم السيياعة ييئس المجرمون ميين النجاة ميين العذاب‪ ,‬وتصيييبهم الحَيْرة فتنقطييع‬
‫حجتهم‪.‬‬

‫وَلَ ْم َيكُنْ َلهُ ْم مِ ْن شُرَكَاِئهِ ْم ُش َفعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَاِئهِمْ كَاِفرِينَ (‪)13‬‬

‫ولم يكن للمشركين في ذلك اليوم من آلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون ال شفعاء‪ ,‬بل‬
‫إنها تتبرأ منهم‪ ,‬ويتبرؤون منها‪ .‬فالشفاعة ل وحده‪ ,‬ول تُطلَب من غيره‪.‬‬

‫حبَرُو نَ (‬
‫ضةٍ يُ ْ‬
‫َوَيوْمَ َتقُو ُم السّا َع ُة َيوْ َمئِ ٍذ َيَتفَرّقُونَ (‪َ )14‬فَأمّا الّذِي نَ آمَنُوا َوعَ ِملُوا ال صّالِحَاتِ َف ُهمْ فِي َروْ َ‬
‫‪740‬‬
‫‪)15‬‬

‫ويوم تقوم السيياعة يفترق أهييل اليمان بييه وأهييل الكفيير‪ ,‬فأمييا المؤمنون بال ورسييوله‪,‬‬
‫العاملون الصالحات فهم في الجنة‪ ,‬يكرّمون ويسرّون وينعّمون‪.‬‬

‫حضَرُونَ (‪)16‬‬
‫َوَأمّا الّذِينَ َكفَرُوا وَكَ ّذبُوا بِآيَاِتنَا وَِلقَاءِ ال ِخ َرةِ َفُأوَْلئِكَ فِي اْلعَذَابِ ُم ْ‬

‫وأما الذين كفروا بال وكذّبوا بما جاءت به الرسل وأنكروا البعث بعد الموت‪ ,‬فأولئك في‬
‫العذاب مقيمون; جزاء ما كذّبوا به في الدنيا‪.‬‬

‫ض َوعَشِيّا وَحِيَ‬
‫ت وَالَرْ ِ‬
‫صبِحُونَ (‪ )17‬وَلَ ُه الْحَ ْمدُ فِي ال سّ َموَا ِ‬
‫سبْحَانَ اللّ هِ حِيَ تُمْ سُو َن وَحِيَ تُ ْ‬
‫فَ ُ‬
‫تُ ْظهِرُونَ (‪)18‬‬

‫فييا أيهيا المؤمنون سيبّحوا ال ونزّهوه عين الشرييك والصياحبة والولد‪ ,‬وَصيِفوه بصيفات‬
‫الكمال بألسيينتكم‪ ,‬وحقّقوا ذلك بجوارحكييم كلهيا حيين تمسييون‪ ,‬وحييين تصيبحون‪ ,‬ووقييت‬
‫العشيي‪ ,‬ووقيت الظهيرة‪ .‬وله ‪-‬سيبحانه‪ -‬الحميد والثناء فيي السيموات والرض وفيي اللييل‬
‫والنهار‪.‬‬

‫خرَجُونَ (‪)19‬‬
‫ك تُ ْ‬
‫ح ِي الَ ْرضَ َبعْ َد َم ْوِتهَا وَكَذَلِ َ‬
‫ح ّي َويُ ْ‬
‫ج الْ َمّيتَ مِ ْن الْ َ‬
‫ت َويُخْ ِر ُ‬
‫ح ّي مِ ْن الْ َميّ ِ‬
‫ج الْ َ‬
‫يُخْ ِر ُ‬

‫يخرج ال الحيي من المييت كالنسيان من النطفة والطير مين البيضة‪ ,‬ويخرج الميت من‬
‫الحييي‪ ,‬كالنطفيية ميين النسييان والبيضيية ميين الطييير‪ .‬ويحيييي الرض بالنبات بعييد يُبْسييها‬
‫وجفافها‪ ,‬ومثل هذا الحياء تخرجون ‪-‬أيها الناس‪ -‬من قبوركم أحياء للحساب والجزاء‪.‬‬

‫ش ٌر تَنتَشِرُونَ (‪)20‬‬
‫ب ثُمّ إِذَا َأنْتُ ْم بَ َ‬
‫َومِ ْن آيَاتِهِ َأنْ خََل َقكُ ْم مِ ْن تُرَا ٍ‬

‫ومن آيات ال الدالة على عظمته وكمال قدرته أن خلق أباكم آدم من تراب‪ ,‬ثم أنتم بشر‬
‫تتناسلون منتشرين في الرض‪ ,‬تبتغون من فضل ال‪.‬‬

‫َومِ ْن آيَاتِ هِ أَ نْ َخلَ قَ َلكُ ْم مِ نْ أَنفُ سِكُمْ أَ ْزوَاجا ِلتَ سْ ُكنُوا إَِليْهَا وَ َجعَ َل َبيَْنكُ مْ َم َو ّدةً وَ َرحْ َمةً إِنّ فِي ذَلِ كَ‬
‫ليَاتٍ ِل َق ْو ٍم َيتَ َفكّرُونَ (‪)21‬‬
‫‪741‬‬
‫ومين آياتيه الدالة على عظمتيه وكمال قدرتيه أن خلق لجلكيم مين جنسيكم ‪-‬أيهيا الرجال‪-‬‬
‫أزواجًا; لتطمئن نفوسيكم إليهيا وتسيكن‪ ,‬وجعيل بيين المرأة وزوجهيا محبية وشفقية‪ ,‬إن فيي‬
‫خلق ال ذلك ليات دالة على قدرة ال ووحدانيته لقوم يتفكرون‪ ,‬ويتدبرون‪.‬‬

‫ك ليَاتٍ لِ ْلعَالِ ِميَ (‪)22‬‬


‫سَنتِكُ ْم َوأَْلوَاِنكُمْ ِإنّ فِي ذَلِ َ‬
‫ض وَا ْختِلفُ أَلْ ِ‬
‫َومِ ْن آيَاتِهِ َخلْقُ السّ َموَاتِ وَالَ ْر ِ‬

‫خلْقيُ الرض مييع‬


‫خلْقُي السييموات وارتفاعهييا بغييير عمييد‪ ,‬و َ‬ ‫وميين دلئل القدرة الربانييية‪َ :‬‬
‫اتسيياعها وامتدادهييا‪ ,‬واختلفُي لغاتكييم وتباينُي ألوانكييم‪ ,‬إن فييي هذا لَعييبرة لكييل ذي علم‬
‫وبصيرة‪.‬‬

‫ك ليَاتٍ ِل َق ْومٍ يَسْ َمعُونَ (‪)23‬‬


‫ضلِهِ إِنّ فِي ذَلِ َ‬
‫َومِ ْن آيَاتِهِ َمنَامُكُ ْم بِالّليْ ِل وَالّنهَا ِر وَاْبِتغَاؤُكُ ْم مِنْ َف ْ‬

‫وميين دلئل هذه القدرة أن جعييل ال النوم راحيية لكييم فييي الليييل أو النهار; إذ فييي النوم‬
‫حصول الراحة وذهاب التعب‪ ,‬وجعل لكم النهار تنتشرون فيه لطلب الرزق‪ ,‬إن في ذلك‬
‫لدلئل على كمال قدرة ال ونفوذ مشيئتييه لقوم يسييمعون المواعييظ سييماع تأمييل وتفكيير‬
‫واعتبار‪.‬‬

‫ض َبعْ َد َموِْتهَا ِإنّ فِي ذَلِ كَ‬


‫َومِ ْن آيَاتِ هِ يُرِيكُ مْ اْلبَرْ قَ َخوْفا َوطَمَعا َوُينَزّ ُل مِ ْن ال سّمَا ِء مَاءً َفيُحْ يِ بِ ِه الَرْ َ‬
‫ليَاتٍ ِل َق ْو ٍم َيعْقِلُونَ (‪)24‬‬

‫وميين دلئل قدرتييه سييبحانه أن يريكييم البرق‪ ,‬فتخافون ميين الصييواعق‪ ,‬وتطمعون فييي‬
‫الغيث‪ ,‬وينزل من السحاب مطرًا فيحيي به الرض بعد جدبها وجفافها‪ ,‬إن في هذا لدليل‬
‫على كمال قدرة ال وعظيم حكمته وإحسانه لكل مَن لديه عقل يهتدي به‪.‬‬

‫خرُجُونَ (‪)25‬‬
‫ض ِبأَمْ ِر ِه ثُمّ إِذَا َدعَاكُمْ َد ْعوَ ًة مِ ْن الَ ْرضِ إِذَا أَْنتُ ْم تَ ْ‬
‫َومِ ْن آيَاتِهِ َأنْ َتقُومَ السّمَاءُ وَالَ ْر ُ‬

‫وميين آياتييه الدالة على قدرتييه قيام السييماء والرض واسييتقرارهما وثباتهمييا بأمره‪ ,‬فلم‬
‫تتزلزل ولم تسيقط السيماء على الرض‪ ,‬ثيم إذا دعاكيم ال إلى البعيث يوم القيامية‪ ,‬إذا أنتيم‬
‫تخرجون من القبور مسرعين‪.‬‬

‫ت وَالَ ْرضِ كُلّ لَهُ قَاِنتُونَ (‪)26‬‬


‫وَلَ ُه مَنْ فِي السّ َموَا ِ‬
‫‪742‬‬
‫ول وحده كل مَن في السموات والرض من الملئكة والنس والجن والحيوان والنبات‬
‫والجماد‪ ,‬كل هؤلء منقادون لمره خاضعون لكماله‪.‬‬

‫ض َو ُهوَ اْلعَزِيزُ‬
‫َو ُهوَ الّذِي َيبْ َدُأ الْخَلْ َق ثُمّ ُيعِيدُ ُه َو ُهوَ َأ ْهوَ ُن عََليْ ِه وَلَ ُه الْ َمثَ ُل ا َلعْلَى فِي ال سّ َموَاتِ وَالَرْ ِ‬
‫حكِيمُ (‪)27‬‬ ‫الْ َ‬

‫وال وحده الذي يبدأ الخلق ميين العدم ثييم يعيده حيًيا بعييد الموت‪ ,‬وإعادة الخلق حيًيا بعييد‬
‫الموت أهون على ال من ابتداء خلقهم‪ ,‬وكلهما عليه هيّن‪ .‬وله سبحانه الوصف العلى‬
‫فيي كيل ميا يوصيف بيه‪ ,‬لييس كمثله شييء‪ ,‬وهيو السيميع البصيير‪ .‬وهيو العزييز الذي ل‬
‫يغالَب‪ ,‬الحكيم في أقواله وأفعاله‪ ,‬وتدبير أمور خلقه‪.‬‬

‫سكُ ْم هَلْ َلكُ ْم مِ ْن مَا مََل َكتْ َأيْمَاُنكُ ْم مِ ْن شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَ ْقنَاكُمْ َفأَْنتُمْ فِيهِ َسوَاءٌ‬
‫ل مِنْ َأْنفُ ِ‬
‫ضَرَبَ َلكُ ْم َمَث ً‬
‫ك ُن َفصّ ُل اليَاتِ ِل َق ْومٍ َي ْعقِلُونَ (‪)28‬‬ ‫تَخَافُوَنهُمْ كَخِي َفتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِ َ‬

‫ضرب ال مثل لكييم ‪-‬أيهييا المشركون ‪-‬ميين أنفسييكم‪ :‬هييل لكييم ميين عييبيدكم وإمائكييم مَن‬
‫يشارككيم فيي رزقكيم‪ ,‬وترون أنكيم وإياهيم متسياوون فييه‪ ,‬تخافونهيم كميا تخافون الحرار‬
‫الشركاء فيي مقاسيمة أموالكيم؟ إنكيم لن ترضوا بذلك‪ ,‬فكييف ترضون بذلك فيي جنيب ال‬
‫بأن تجعلوا له شريكًا ميين خلقييه؟ وبمثييل هذا البيان نييبيّن البراهييين والحجييج لصييحاب‬
‫العقول السليمة الذين ينتفعون بها‪.‬‬

‫صرِينَ (‪)29‬‬
‫بَ ْل اتّبَ َع الّذِي َن ظَلَمُوا َأهْوَا َءهُمْ ِب َغيْ ِر عِلْمٍ فَمَ ْن َيهْدِي مَنْ أَضَلّ اللّ ُه َومَا َلهُ ْم مِ ْن نَا ِ‬

‫بل اتبع المشركون أهواءهم بتقليد آبائهم بغير علم‪ ,‬فشاركوهم في الجهل والضللة‪ ،‬ول‬
‫أحيد يقدر على هدايية مَن أضلّه ال بسيبب تمادييه فيي الكفير والعناد‪ ,‬ولييس لهؤلء مِن‬
‫خلّصونهم من عذاب ال‪.‬‬ ‫أنصار ُي َ‬

‫خلْ قِ اللّ هِ ذَلِ كَ الدّي ُن اْل َقيّ مُ وَلَكِنّ‬


‫َفأَقِ ْم وَ ْجهَ كَ لِلدّي نِ َحنِيفا فِ ْط َرةَ اللّ ِه اّلتِي َفطَ َر النّا سَ عََلْيهَا ل َتبْدِيلَ لِ َ‬
‫س ل َيعْلَمُونَ (‪)30‬‬ ‫أَكْثَرَ النّا ِ‬

‫فأقيم ‪-‬أيهيا الرسيول أنيت ومين اتبعيك‪ -‬وجهيك‪ ,‬واسيتمر على الديين الذي شرعيه ال لك‪,‬‬
‫وهو السلم الذي فطر ال الناس عليه‪ ,‬فبقاؤكم عليه‪ ,‬وتمسككم به‪ ,‬تمسك بفطرة ال من‬

‫‪743‬‬
‫اليمان بال وحده‪ ,‬ل تبديل لخلق ال ودينه‪ ,‬فهو الطريق المستقيم الموصل إلى رضا ال‬
‫رب العالمين وجنته‪ ,‬ولكن أكثر الناس ل يعلمون أن الذي أمرتك به ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هو‬
‫الدين الحق دون سواه‪.‬‬

‫ُمنِيبِيَ إَِليْهِ وَاّتقُو ُه َوأَقِيمُوا الصّلةَ وَل َتكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِيَ (‪)31‬‬

‫وكونوا راجعيييين إلى ال بالتوبييية وإخلص العميييل له‪ ,‬واتقوه بفعيييل الوامييير واجتناب‬
‫النواهي‪ ,‬وأقيموا الصلة تامة بأركانها وواجباتها وشروطها‪ ,‬ول تكونوا من المشركين‬
‫مع ال غيره في العبادة‪.‬‬

‫ب بِمَا لَ َدْيهِمْ َفرِحُونَ (‪)32‬‬


‫مِ ْن الّذِينَ فَرّقُوا دِيَنهُ ْم وَكَانُوا ِشيَعا كُلّ ِحزْ ٍ‬

‫ول تكونوا ميين المشركييين وأهييل الهواء والبدع الذييين بدّلوا دينهييم‪ ,‬وغيّروه‪ ,‬فأخذوا‬
‫بعضييه‪ ,‬وتركوا بعضييه; تبعًيا لهوائهييم‪ ,‬فصيياروا فرقًيا وأحزابًيا‪ ,‬يتشيعون لرؤسييائهم‬
‫وأحزابهييم وآرائهييم‪ ,‬يعييين بعضهييم بعضًيا على الباطييل‪ ,‬كييل حزب بمييا لديهييم فرحون‬
‫مسرورون‪ ,‬يحكمون لنفسهم بأنهم على الحق وغيرهم على الباطل‪.‬‬

‫س النّا سَ ضُرّ َد َعوْا َرّبهُ مْ مُنِيبِيَ إَِليْ هِ ثُمّ إِذَا أَذَاَقهُ ْم ِمنْ هُ رَحْ َمةً إِذَا َفرِي ٌق ِمْنهُ ْم بِ َرّبهِ ْم يُشْرِكُو نَ (‬
‫َوإِذَا مَ ّ‬
‫‪)33‬‬

‫وإذا أصيياب الناسييَ شدة وبلء دعَوا ربهييم مخلصييين له أن يكشييف عنهييم الضيير‪ ,‬فإذا‬
‫رحمهيم وكشيف عنهيم ضرهيم إذا فرييق منهيم يعودون إلى الشرك مرة أخرى‪ ,‬فيعبدون‬
‫مع ال غيره‪.‬‬

‫ف َتعْلَمُونَ (‪)34‬‬
‫سوْ َ‬
‫ِليَ ْكفُرُوا بِمَا آَتيْنَاهُمْ َفتَ َمّتعُوا فَ َ‬

‫ليكفروا بميا آتيناهيم ومننّاي بيه عليهيم مين كشيف الضير‪ ,‬وزوال الشدة عنهيم‪ ,‬فتمتعوا ‪-‬أيهيا‬
‫المشركون‪ -‬بالرخاء والسييّعَة فييي هذه الدنيييا‪ ,‬فسييوف تعلمون مييا تلقونييه ميين العذاب‬
‫والعقاب‪.‬‬

‫َأمْ أَنزَْلنَا عََلْيهِ ْم سُلْطَانا َف ُه َو َيتَكَلّ ُم بِمَا كَانُوا بِ ِه يُشْرِكُونَ (‪)35‬‬


‫‪744‬‬
‫أم أنزلنييا على هؤلء المشركييين برهانًا سيياطعًا وكتابًا قاطعًا‪ ,‬ينطييق بصييحة شركهييم‬
‫وكفرهم بال وآياته‪.‬‬

‫صبْهُ ْم َسّيَئةٌ بِمَا قَ ّد َمتْ َأيْدِيهِمْ إِذَا هُ ْم َيقْنَطُونَ (‪)36‬‬


‫َوإِذَا أَذَ ْقنَا النّاسَ َرحْ َمةً فَ ِرحُوا ِبهَا َوإِ ْن ُت ِ‬

‫وإذا أذقنييا الناس منييا نعميية مِن صييحة وعافييية ورخاء‪ ,‬فرحوا بذلك فرح بط ٍر وأَشَرٍ‪ ,‬ل‬
‫فرح شكير‪ ,‬وإن يصيبهم مرض وفقير وخوف وضييق بسيبب ذنوبهيم ومعاصييهم‪ ,‬إذا هيم‬
‫يَيْئَسون من زوال ذلك‪ ,‬وهذا طبيعة أكثر الناس في الرخاء والشدة‪.‬‬

‫ك ليَاتٍ ِل َق ْومٍ ُي ْؤ ِمنُونَ (‪)37‬‬


‫َأوَلَ ْم يَ َروْا َأنّ اللّ َه َيبْسُطُ الرّ ْزقَ ِلمَ ْن يَشَا ُء َويَقْ ِدرُ إِنّ فِي ذَلِ َ‬

‫أولم يعلموا أن ال يوسع الرزق لمن يشاء امتحانًا‪ ,‬هل يشكر أو يكفر؟ ويضيّقه على من‬
‫يشاء اختبارًا‪ ,‬هيل يصيبر أو يجزع؟ إن فيي ذلك التوسييع والتضيييق ليات لقوم يؤمنون‬
‫بال ويعرفون حكمة ال ورحمته‪.‬‬

‫سبِيلِ ذَلِكَ َخيْرٌ ِللّذِي َن ُيرِيدُونَ َوجْهَ اللّ ِه َوُأوْلَئِكَ هُ ْم الْ ُمفْلِحُونَ (‬
‫ي وَابْ َن ال ّ‬
‫سكِ َ‬
‫فَآتِ ذَا الْقُ ْربَى َحقّ ُه وَالْمِ ْ‬
‫‪)38‬‬

‫فأعيط ‪-‬أيهيا المؤمين‪ -‬قريبيك حقيه مين الصيلة والصيدقة وسيائر أعمال البر‪ ,‬وأعيط الفقيير‬
‫والمحتاج الذي انقطيع بيه السيبيل مين الزكاة والصيدقة‪ ,‬ذلك العطاء خيير للذيين يريدون‬
‫بعملهييم وجييه ال‪ ,‬والذييين يعملون هذه العمال وغيرهييا ميين أعمال الخييير‪ ,‬أولئك هييم‬
‫الفائزون بثواب ال الناجون مِن عقابه‪.‬‬

‫َومَا آَتيْتُ ْم مِنْ رِبا ِلَي ْرُبوَا فِي َأ ْموَا ِل النّاسِ فَل يَ ْربُوا ِعنْدَ اللّ ِه َومَا آتَْيتُ ْم مِنْ زَكَا ٍة تُرِيدُو َن وَجْهَ اللّهِ َفُأوَْلئِكَ‬
‫هُ ْم الْ ُمضْ ِعفُونَ (‪)39‬‬

‫وميا أعطيتيم قرضًا مين المال بقصيد الربيا‪ ,‬وطلب زيادة ذلك القرض; ليزييد وينميو فيي‬
‫أموال الناس‪ ,‬فل يزيييد عنييد ال‪ ,‬بييل يمحقييه ويبطله‪ .‬ومييا أعطيتييم ميين زكاة وصييدقة‬
‫للمستحقين ابتغاء مرضاة ال وطلبًا لثوابه‪ ,‬فهذا هو الذي يقبله ال ويضاعفه لكم أضعافًا‬
‫كثيرة‪.‬‬

‫‪745‬‬
‫حيِيكُ ْم هَ ْل مِ ْن شُرَكَاِئكُ ْم مَ ْن َيفْعَ ُل مِ نْ ذَِلكُ ْم مِ ْن َشيْءٍ‬
‫اللّ ُه الّذِي َخَلقَكُ ْم ثُمّ رَزََقكُ ْم ثُمّ يُمِيتُكُ ْم ثُمّ ُي ْ‬
‫شرِكُونَ (‪)40‬‬ ‫ُسبْحَانَهُ َوَتعَالَى عَمّا يُ ْ‬

‫ال وحده هو الذي خلقكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬ثم رزقكم في هذه الحياة‪ ,‬ثم يميتكم بانتهاء آجالكم‪,‬‬
‫ثيم يبعثكيم مين القبور أحياء للحسياب والجزاء‪ ,‬هيل مين شركائكيم مَن يفعيل مين ذلكيم مين‬
‫شيء؟ تنزّه ال وتقدّس عن شرك هؤلء المشركين به‪.‬‬

‫سَبتْ َأيْدِي النّاسِ ِليُذِيقَهُ ْم َب ْعضَ الّذِي عَ ِملُوا َلعَّل ُه ْم يَرْ ِجعُونَ (‪)41‬‬
‫َظهَ َر الْفَسَادُ فِي اْلبَ ّر وَاْلبَحْ ِر بِمَا كَ َ‬

‫ظهيير الفسيياد فييي البر والبحيير‪ ,‬كالجدب وقلة المطار وكثرة المراض والوبئة; وذلك‬
‫بسيبب المعاصيي التيي يقترفهيا البشير; ليصييبهم بعقوبية بعيض أعمالهيم التيي عملوهيا فيي‬
‫الدنييا; كيي يتوبوا إلى ال ‪-‬سيبحانه‪ -‬ويرجعوا عين المعاصيي‪ ,‬فتصيلح أحوالهيم‪ ,‬وتسيتقيم‬
‫أمورهم‪.‬‬

‫قُ ْل سِيُوا فِي الَ ْرضِ فَان ُظرُوا َكيْفَ كَا َن عَاقَِب ُة الّذِي َن مِنْ َقبْلُ كَانَ أَ ْكثَ ُرهُ ْم مُشْرِ ِكيَ (‪)42‬‬

‫قيل ‪-‬أيهيا الرسيول‪ -‬للمكذبيين بميا جئت بيه‪ :‬سييروا فيي أنحاء الرض سيير اعتبار وتأميل‪,‬‬
‫فانظروا كييف كان عاقبية الميم السيابقة المكذبية كقوم نوح‪ ,‬وعاد وثمود‪ ,‬تجدوا عاقبتهيم‬
‫شر العواقب ومآلهم شر مآل؟ فقد كان أكثرهم مشركين بال‪.‬‬

‫َفأَقِ ْم وَ ْجهَكَ لِلدّينِ الْ َقيّ ِم مِنْ َقبْلِ َأنْ َي ْأتِ َي َي ْومٌ ل مَ َردّ لَ ُه مِنْ اللّ ِه َي ْومَئِ ٍذ َيصّ ّدعُونَ (‪)43‬‬

‫فوجّهي وجهيك ‪-‬أيهيا الرسيول‪ -‬نحيو الديين المسيتقيم‪ ,‬وهيو السيلم‪ ,‬منفذًا أوامره مجتنبًا‬
‫نواهييه‪ ,‬واسيتمسك بيه مين قبيل مجييء يوم القيامية‪ ,‬فإذا جاء ذلك اليوم الذي ل يقدر أحيد‬
‫على ردّه تفرقت الخلئق أشتاتًا متفاوتين; ليُروا أعمالهم‪.‬‬

‫سهِ ْم يَ ْمهَدُونَ (‪)44‬‬


‫مَنْ َكفَرَ َفعََليْهِ ُكفْ ُر ُه َومَ ْن عَمِلَ صَالِحا َفلَنفُ ِ‬

‫مين كفير فعلييه عقوبية كفره‪ ,‬وهيي خلوده فيي النار‪ ,‬ومين آمين وعميل صيالحًا فلنفسيهم‬
‫يهيئون منازل الجنة; بسبب تمسكهم بطاعة ربهم‪.‬‬

‫‪746‬‬
‫حبّ اْلكَافِرِينَ (‪)45‬‬
‫ت مِنْ َفضْلِهِ ِإنّهُ ل ُي ِ‬
‫ِليَجْزِيَ الّذِينَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا الصّالِحَا ِ‬

‫ليجزي ال الذين آمنوا بال ورسوله وعملوا الصالحات من فضله وإحسانه‪ .‬إنه ل يحب‬
‫الكافرين لسخطه وغضبه عليهم‪.‬‬

‫ك ِبأَمْرِ ِه وَِلَتبَْتغُوا مِ نْ َفضْلِ هِ‬


‫ي اْلفُلْ ُ‬
‫جرِ َ‬
‫ت وَِليُذِي َقكُ ْم مِ نْ رَ ْح َمتِ هِ وَلِتَ ْ‬
‫ح ُمبَشّرَا ٍ‬
‫َومِ ْن آيَاتِ هِ أَ نْ ُيرْ سِلَ ال ّريَا َ‬
‫وََلعَّلكُ ْم تَشْكُرُونَ (‪)46‬‬

‫ومين آيات ال الدالة على أنيه الله الحيق وحده ل شرييك له وعلى عظييم قدرتيه إرسيال‬
‫الرياح أمام المطيير مبشرات بإثارتهييا للسييحاب‪ ,‬فتسييتبشر بذلك النفوس; وليذيقكييم ميين‬
‫رحمتيه بإنزاله المطير الذي تحييا بيه البلد والعباد‪ ,‬ولتجري السيفن فيي البحير بأمير ال‬
‫ومشيئته‪ ,‬ولتبتغوا من فضله بالتجارة وغيرها; فعل ال ذلك من أجل أن تشكروا له نعمه‬
‫وتعبدوه وحده‪.‬‬

‫وََلقَدْ أَرْ سَ ْلنَا مِ نْ َقبْلِ كَ رُ ُسلً إِلَى َق ْو ِمهِ مْ فَجَاءُوهُ ْم بِاْلَبّينَا تِ فَانَتقَ ْمنَا مِ ْن الّذِي نَ َأجْ َرمُوا وَكَا نَ َحقّا عََلْينَا‬
‫َنصْ ُر الْ ُم ْؤمِنِيَ (‪)47‬‬

‫ولقيد أرسيلنا مِن قبلك ‪-‬أيهيا الرسيول‪ -‬رسيل إلى قومهيم مبشريين ومنذريين يدعونهيم إلى‬
‫التوحيد‪ ,‬ويحذرونهم من الشرك‪ ,‬فجاؤوهم بالمعجزات والبراهين الساطعة‪ ,‬فكفر أكثرهم‬
‫بربهيم‪ ,‬فانتقمنيا مين الذيين اكتسيبوا السييئات منهيم‪ ,‬فأهلكناهيم‪ ,‬ونصيرنا المؤمنيين أتباع‬
‫الرسل‪ ,‬وكذلك نفعل بالمكذبين بك إن استمروا على تكذيبك‪ ,‬ولم يؤمنوا‪.‬‬

‫جعَلُ هُ كِ سَفا َفتَرَى اْلوَدْ قَ يَخْ ُر جُ‬


‫ف يَشَا ُء َويَ ْ‬
‫اللّ ُه الّذِي يُرْ سِلُ ال ّريَا حَ َفُتثِيُ سَحَابا َفَيبْ سُطُهُ فِي ال سّمَاءِ َكيْ َ‬
‫سَتبْشِرُونَ (‪)48‬‬ ‫ب بِ ِه مَ ْن يَشَا ُء مِ ْن ِعبَا ِدهِ ِإذَا هُ ْم يَ ْ‬
‫مِنْ خِللِهِ فَإِذَا أَصَا َ‬

‫ال ‪-‬سيبحانه‪ -‬هييو الذي يرسييل الرياح فتثيير سييحابًا مثقل بالماء‪ ,‬فينشره ال فيي السييماء‬
‫كيف يشاء‪ ,‬ويجعله قطعًا متفرقة‪ ,‬فترى المطر يخرج من بين السحاب‪ ,‬فإذا ساقه ال إلى‬
‫عباده إذا هم يستبشرون ويفرحون بأن ال صرف ذلك إليهم‪.‬‬

‫سيَ (‪)49‬‬
‫َوإِنْ كَانُوا مِنْ َقبْلِ َأنْ ُينَزّ َل عََلْيهِمْ مِنْ َقبْلِهِ لَ ُمبْلِ ِ‬

‫‪747‬‬
‫وإنْ كانوا من قبل نزول المطر لفي يأس وقنوط; بسبب احتباسه عنهم‪.‬‬

‫حيِي الْ َم ْوتَى َوهُ َو عَلَى كُ ّل َشيْءٍ‬


‫ض َبعْدَ َموِْتهَا ِإنّ ذَلِ كَ لَمُ ْ‬
‫فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَ ْح َمةِ اللّ هِ َكيْ فَ ُيحْ يِ الَرْ َ‬
‫قَدِيرٌ (‪)50‬‬

‫فانظير ‪-‬أيهيا المشاهيد‪ -‬نظير تأميل وتدبر إلى آثار المطير فيي النبات والزروع والشجير‪,‬‬
‫كيييف يحيييي بييه ال الرض بعييد موتهييا‪ ,‬فينبتهييا ويعشبهييا؟ إن الذي قَدَر على إحياء هذه‬
‫الرض لمحيي الموتى‪ ,‬وهو على كل شيء قدير ل يعجزه شيء‪.‬‬

‫صفَرّا لَ َظلّوا مِ ْن َبعْ ِد ِه يَ ْكفُرُونَ (‪)51‬‬


‫وََلئِنْ أَ ْرسَ ْلنَا رِيا فَ َرَأ ْوهُ ُم ْ‬

‫ولئن أرسلنا على زروعهم ونباتهم ريحًا مفسدة‪ ,‬فرأوا نباتهم قد فسد بتلك الريح‪ ,‬فصار‬
‫من بعد خضرته مصفرًا‪ ,‬لمكثوا من بعد رؤيتهم له يكفرون بال ويجحدون نعمه‪.‬‬

‫ك ل تُسْمِ ُع الْ َم ْوتَى وَل تُسْمِ ُع الصّمّ ال ّدعَاءَ ِإذَا وَّلوْا ُم ْدبِرِينَ (‪)52‬‬
‫فَِإنّ َ‬

‫فإنك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ل تسمع من مات قلبه‪ ,‬أو سدّ أذنه عن سماع الحق‪ ,‬فل تجزع ول‬
‫تحزن على عدم إيمان هؤلء المشركييين بييك‪ ,‬فإنهييم كالصييم والموتييى ل يسييمعون‪ ,‬ول‬
‫يشعرون ولو كانوا حاضرين‪ ,‬فكيف إذا كانوا غائبين عنك مدبرين؟‬

‫ت ِبهَادِي اْلعُ ْميِ عَنْ ضَلَلِتهِمْ إِ ْن تُسْمِعُ إِ ّل مَ ْن ُي ْؤمِ ُن بِآيَاِتنَا َفهُ ْم مُسْلِمُونَ (‪)53‬‬
‫َومَا أَْن َ‬

‫وميا أنيت ‪-‬أيهيا الرسيول‪ -‬بمرشيد مَن أعماه ال عين طرييق الهدى‪ ,‬ميا تُسيمع سيماع انتفاع‬
‫إل مَن يؤمن بآياتنا‪ ,‬فهم خاضعون ممتثلون لمر ال‪.‬‬

‫ضعْفا َوشَْيَبةً َيخْلُ ُق مَا‬


‫ضعْ فٍ ُق ّو ًة ثُمّ َجعَ َل مِ نْ بَعْدِ ُق ّوةٍ َ‬
‫ف ثُمّ َجعَ َل مِ ْن َبعْدِ َ‬
‫ضعْ ٍ‬
‫اللّ ُه الّذِي خََل َقكُ ْم مِ نْ َ‬
‫يَشَاءُ وَ ُه َو اْلعَلِي ُم الْقَدِيرُ (‪)54‬‬

‫ال تعالى هيو الذي خلقكيم مين ماء ضعييف مهيين‪ ,‬وهيو النطفية‪ ,‬ثيم جعيل مين بعيد ضعيف‬
‫الطفولة قوة الرجولة‪ ,‬ثم جعل من بعد هذه القوة ضعف الكبر والهرم‪ ,‬يخلق ال ما يشاء‬
‫من الضعف والقوة‪ ,‬وهو العليم بخلقه‪ ,‬القادر على كل شيء‪.‬‬
‫‪748‬‬
‫ج ِرمُو َن مَا َلِبثُوا غَيْرَ سَا َعةٍ كَذَلِكَ كَانُوا ُيؤَْفكُونَ (‪)55‬‬
‫َوَيوْ َم َتقُومُ السّا َعةُ ُيقْسِ ُم الْمُ ْ‬

‫ويوم تجييء القيامية ويبعيث ال الخلق مين قبورهيم يقسيم المشركون ميا مكثوا فيي الدنييا‬
‫غيير فترة قصييرة مين الزمين‪ ,‬كذبوا فيي قسيمهم‪ ,‬كميا كانوا يكذبون فيي الدنييا‪ ,‬وينكرون‬
‫الحق الذي جاءت به الرسل‪.‬‬

‫ث وََلكِّنكُ مْ كُنتُ مْ‬


‫وَقَا َل الّذِي نَ أُوتُوا الْعِ ْل َم وَالِيَا نَ َلقَدْ َلِبْثتُ مْ فِي ِكتَا بِ اللّ هِ إِلَى َيوْ مِ الَْبعْ ثِ َفهَذَا َيوْ مُ اْلَبعْ ِ‬
‫ل َتعْلَمُونَ (‪)56‬‬

‫وقال الذيين أوتوا العلم واليمان بال مين الملئكية والنيبياء والمؤمنيين‪ :‬لقيد مكثتيم فيميا‬
‫كتب ال مما سبق في علمه من يوم خُلقتم إلى أن بُعثتم‪ ,‬فهذا يوم البعث‪ ,‬ولكنكم كنتم ل‬
‫تعلمون‪ ,‬فأنكرتموه في الدنيا‪ ,‬وكذّبتم به‪.‬‬

‫ستَ ْعَتبُونَ (‪)57‬‬


‫َفَي ْومَئِ ٍذ ل يَنفَعُ الّذِينَ ظََلمُوا َمعْذِ َرُتهُ ْم وَل هُ ْم يُ ْ‬

‫فيوم القيامية ل ينفيع الظالميين ميا يقدمونيه مين أعذار‪ ,‬ول يُطلب منهيم إرضاء ال تعالى‬
‫بالتوبة والطاعة‪ ,‬بل يُعاقبون بسيئاتهم ومعاصيهم‪.‬‬

‫وََلقَدْ ضَ َرْبنَا لِلنّاسِ فِي هَذَا اْلقُرْآنِ مِنْ كُ ّل َمثَلٍ وََلئِنْ ِجئَْتهُ ْم بِآَيةٍ َلَيقُولَنّ الّذِينَ َكفَرُوا إِنْ َأنْتُمْ إِ ّل ُمبْطِلُونَ‬
‫(‪)58‬‬

‫ولقد بينّا للناس في هذا القرآن مِن كل مثل من أجل إقامة الحجة عليهم وإثبات وحدانية‬
‫ال جييل وعل ‪ ،‬ولئن جئتهييم ‪-‬أيهييا الرسييول‪ -‬بأي حجيية تدل على صييدقك ليقولَنّ الذييين‬
‫كفروا بك‪ :‬ما أنتم ‪-‬أيها الرسول وأتباعك‪ -‬إل مبطلون فيما تجيئوننا به من المور‪.‬‬

‫ب الّذِي َن ل َيعْلَمُونَ (‪)59‬‬


‫ك يَ ْطبَعُ اللّ ُه عَلَى قُلُو ِ‬
‫كَذَلِ َ‬

‫ومثل ذلك الختم يختم ال على قلوب الذين ل يعلمون حقيقة ما تأتيهم به ‪-‬أيها الرسول‪-‬‬
‫من عند ال من هذه العبر واليات البينات‪.‬‬

‫‪749‬‬
‫خ ّفنّكَ الّذِي َن ل يُوِقنُونَ (‪)60‬‬
‫ستَ ِ‬
‫صبِرْ ِإ ّن وَعْدَ اللّهِ حَ ّق وَل يَ ْ‬
‫فَا ْ‬

‫فاصبر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬على ما ينالك مِن أذى قومك وتكذيبهم لك‪ ,‬إن ما وعدك ال به من‬
‫نصير وتمكيين وثواب حيق ل شيك فييه‪ ,‬ول يسيتفزّنّك عين دينيك الذيين ل يوقنون بالميعاد‪,‬‬
‫ول يصدّقون بالبعث والجزاء‪.‬‬

‫‪ -31‬سورة لقمان‬

‫ال (‪)1‬‬
‫الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬

‫حكِيمِ (‪)2‬‬
‫ب الْ َ‬
‫ت الْ ِكتَا ِ‬
‫ك آيَا ُ‬
‫تِلْ َ‬

‫هذه اليات آيات القرآن ذي الحكمة البالغة‪.‬‬

‫سنِيَ (‪)3‬‬
‫هُدًى وَرَ ْح َمةً لِلْ ُمحْ ِ‬

‫هذه اليات هدى ورحمية للذيين أحسينوا العميل بميا أنزل ال فيي القرآن‪ ,‬وميا أمرهيم بيه‬
‫رسوله محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫الّذِي َن ُيقِيمُونَ الصّل َة َوُي ْؤتُونَ الزّكَا َة َوهُ ْم بِالخِ َر ِة هُ ْم يُوِقنُونَ (‪)4‬‬

‫الذين يؤدون الصلة كاملة في أوقاتها ويؤتون الزكاة المفروضة عليهم لمستحقيها‪ ,‬وهم‬
‫بالبعث والجزاء في الدار الخرة يوقنون‪.‬‬

‫ك عَلَى هُدًى مِنْ َرّبهِ ْم َوُأوَْلئِكَ هُ ْم الْ ُمفِْلحُونَ (‪)5‬‬


‫ُأوْلَئِ َ‬

‫أولئك المتصيفون بالصيفات السيابقة على بيان مِن ربهيم ونور‪ ,‬وأولئك هيم الفائزون فيي‬
‫الدنيا والخرة‪.‬‬

‫‪750‬‬
‫حدِي ثِ ِلُيضِ ّل عَ نْ َسبِيلِ اللّ ِه ِبغَيْرِ عِلْ ٍم َوَيتّخِ َذهَا هُزُوا أُولَئِ كَ َلهُ ْم عَذَا بٌ‬
‫س مَ ْن يَشْتَرِي َل ْهوَ الْ َ‬
‫َومِ ْن النّا ِ‬
‫ُمهِيٌ (‪)6‬‬

‫ومين الناس مَن يشتري لَهْو الحدييث ‪ -‬وهييو كيل مييا يُلهيي عين طاعية ال ويصيد عين‬
‫مرضاتيه‪ -‬ليضلّ الناس عين طرييق الهدى إلى طرييق الهوى‪ ,‬ويتخيذ آيات ال سيخرية‪,‬‬
‫أولئك لهم عذاب يهينهم ويخزيهم‪.‬‬

‫سَتكْبِرا َكَأنْ َل ْم يَسْ َم ْعهَا كََأنّ فِي أُ ُذَنيْ ِه وَقْرا َفبَشّ ْر ُه ِبعَذَابٍ أَلِيمٍ (‪)7‬‬
‫َوإِذَا تُتْلَى عََليْ ِه آيَاتُنَا وَلّى مُ ْ‬

‫وإذا تتلى عليييه آيات القرآن أعرض عيين طاعيية ال‪ ,‬وتكبّر غييير معتييبر‪ ,‬كأنييه لم يسييمع‬
‫شيئًا‪ ,‬كأَنّ فيي أذنيه صممًا‪ ,‬ومَن هذه حاله فبشّره ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بعذاب مؤلم موجع في‬
‫النار يوم القيامة‪.‬‬

‫ت الّنعِيمِ (‪)8‬‬
‫ِإنّ الّذِينَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا الصّالِحَاتِ َلهُمْ َجنّا ُ‬

‫إن الذين آمنوا بال ورسوله وعملوا الصالحات التي أُمروا بها‪ ,‬أولئك لهم نعيم مقيم في‬
‫الجنات‪.‬‬

‫حكِيمُ (‪)9‬‬
‫خَالِدِينَ فِيهَا َوعْدَ اللّهِ َحقّا َو ُهوَ اْلعَزِي ُز الْ َ‬

‫وحياتهم في تلك الجنات حياة أبديةٌ ل تنقطع ول تزول‪ ,‬وعدهم ال بذلك وعدًا حقًا‪ .‬وهو‬
‫سبحانه ل يُخلف وعده‪ ,‬وهو العزيز في أمره‪ ,‬الحكيم في تدبيره‪.‬‬

‫َخلَ َق السّ َموَاتِ ِب َغيْ ِر عَمَ ٍد تَ َر ْوَنهَا َوأَْلقَى فِي الَرْضِ َروَا ِسيَ أَنْ تَمِي َد ِبكُ ْم َوبَثّ فِيهَا مِنْ كُلّ دَاّب ٍة َوأَنزَْلنَا‬
‫مِنْ السّمَا ِء مَاءً َفأَْنَبتْنَا فِيهَا مِنْ كُلّ َز ْوجٍ كَ ِريٍ (‪)10‬‬

‫خلق ال السموات‪ ,‬ورفعها بغير عمد كما تشاهدونها‪ ,‬وألقى في الرض جبال ثابتة؛ لئل‬
‫تضطرب وتتحرك فتفسيد حياتكيم‪ ,‬ونشير فيي الرض مختلف أنواع الدواب‪ ,‬وأنزلنيا مين‬
‫السحاب مطرًا‪ ,‬فأنبتنا به من الرض من كل زوج بهيج نافع حسن المنظر‪.‬‬

‫‪751‬‬
‫هَذَا خَلْقُ اللّهِ َفأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلْ الظّالِمُونَ فِي ضَل ٍل ُمبِيٍ (‪)11‬‬

‫وكييل مييا تشاهدونييه هييو خلق ال‪ ,‬فأرونييي‪ -‬أيهييا المشركون‪ :-‬ماذا خلقييت آلهتكييم التييي‬
‫تعبدونها من دون ال؟ بل المشركون في ذهاب بيّن عن الحق والستقامة‪.‬‬

‫حكْ َمةَ أَ ْن اشْكُرْ ِللّ ِه َومَ نْ يَشْكُرْ فَِإنّمَا يَشْكُرُ ِلَنفْ سِ ِه َومَ نْ َكفَرَ فَِإنّ اللّ َه غَِنيّ حَمِيدٌ (‬
‫وََلقَ ْد آتَْينَا ُلقْمَا نَ الْ ِ‬
‫‪)12‬‬

‫ولقد أعطينا عبدًا صالحًا من عبادنا (وهو لقمان) الحكمة‪ ,‬وهي الفقه في الدين وسلمة‬
‫العقل والصابة في القول‪ ,‬وقلنا له‪ :‬اشكر ل ِنعَمَه عليك‪ ,‬ومَن يشكر لربه فإنما يعود َنفْع‬
‫ذلك علييه‪ ,‬ومين جحيد نِعَمَه فإن ال غنيي عين شكره‪ ,‬غيير محتاج إلييه‪ ,‬له الحميد والثناء‬
‫على كل حال‪.‬‬

‫َوإِذْ قَالَ ُلقْمَا ُن لْبنِهِ َو ُه َو َيعِظُهُ يَا ُبَنيّ ل تُشْ ِر ْك بِاللّهِ ِإنّ الشّ ْركَ لَ ُظلْ ٌم عَظِيمٌ (‪)13‬‬

‫واذكير ‪-‬أيهيا الرسيول‪ -‬نصييحة لقمان لبنيه حيين قال له واعظًا‪ :‬ييا بنيّ ل تشرك بال‬
‫فتظلم نفسك؛ إن الشرك لعظم الكبائر وأبشعها‪.‬‬

‫صيْنَا الِن سَا َن ِبوَالِ َديْ هِ َحمََلتْ هُ ُأمّ هُ َوهْنا عَلَى َوهْ ٍن وَفِ صَالُهُ فِي عَا َميْ نِ أَ ْن اشْكُرْ لِي وَِلوَالِ َديْ كَ إِلَيّ‬
‫َووَ ّ‬
‫الْ َمصِيُ (‪)14‬‬

‫وأَمَرْنيا النسيان بيبرّ والدييه والحسيان إليهميا‪ ,‬حَ َملَتْه أميه ضعفًا على ضعيف‪ ,‬وحمله‬
‫وفِطامه عن الرضاعة في مدة عامين‪ ,‬وقلنا له‪ :‬اشكر ل‪ ,‬ثم اشكر لوالديك‪ ,‬إليّ المرجع‬
‫فأُجازي كُل بما يستحق‪.‬‬

‫ك بِ ِه عِلْ مٌ فَل تُ ِط ْعهُمَا وَ صَا ِحْبهُمَا فِي ال ّدْنيَا َمعْرُوفا وَاّتبِ عْ‬
‫َوإِ نْ جَاهَدَا كَ عَلى أَ نْ تُشْرِ كَ بِي مَا َليْ سَ لَ َ‬
‫َسبِي َل مَنْ َأنَابَ إَِليّ ثُمّ إَِل ّي مَرْ ِج ُعكُمْ َفُأنَّبُئكُمْ بِمَا كُنتُ ْم َتعْمَلُونَ (‪)15‬‬

‫وإن جاهدك‪ -‬أيهيا الولد المؤمين‪ -‬والداك على أن تشرك بيي غيري فيي عبادتيك إياي مميا‬
‫لييس لك به عِلم‪ ,‬أو أمراك بمعصيية مِن معاصيي ال فل تطعهميا؛ لنيه ل طاعية لمخلوق‬
‫فيي معصيية الخالق‪ ,‬وصياحبهما فيي الدنييا بالمعروف فيميا ل إثيم فييه‪ ,‬واسيلك‪ -‬أيهيا البين‬

‫‪752‬‬
‫المؤمن‪ -‬طريق مَن تاب من ذنبه‪ ,‬ورجع إليّ وآمن برسولي محمد صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫ثم إليّ مرجعكم‪ ,‬فأخبركم بما كنتم تعملونه في الدنيا‪ ,‬وأجازي كلّ عامل بعمله‪.‬‬

‫صخْ َرةٍ َأوْ فِي السّ َموَاتِ َأوْ فِي الَرْضِ َيأْتِ ِبهَا اللّهُ‬
‫ك ِمثْقَالَ َحّبةٍ مِنْ َخرْدَلٍ َفَتكُنْ فِي َ‬
‫يَا ُبَنيّ ِإنّهَا إِنْ تَ ُ‬
‫إِنّ اللّهَ لَطِيفٌ َخبِيٌ (‪)16‬‬

‫ييا بنيّ اعلم أن السييئة أو الحسينة إن كانيت قَدْر حبية خردل‪ -‬وهيي المتناهيية فيي الصيغر‪-‬‬
‫فييي باطيين جبييل‪ ،‬أو فييي أي مكان فييي السييموات أو فييي الرض‪ ,‬فإن ال يأتييي بهييا يوم‬
‫القيامة‪ ,‬ويحاسِب عليها‪ .‬إن ال لطيف بعباده خبير بأعمالهم‪.‬‬

‫ك مِ ْن عَزْ ِم ا ُلمُورِ (‬
‫صبِ ْر عَلَى مَا أَ صَابَكَ ِإنّ ذَلِ َ‬
‫ف وَانْ َه عَ ْن الْمُنكَ ِر وَا ْ‬
‫يَا ُبَنيّ أَقِ ْم ال صّلةَ َوْأمُ ْر بِالْ َم ْعرُو ِ‬
‫‪)17‬‬

‫يا بنيّ أقم الصلة تامة بأركانها وشروطها وواجباتها‪ ,‬وأْمر بالمعروف‪ ,‬وانْه عن المنكر‬
‫بلطفٍ ولي نٍ وحكمة بحسب جهدك‪ ,‬وتحمّل ما يصيبك من الذى مقابل أمرك بالمعروف‬
‫ونهيييك عيين المنكيير‪ ,‬واعلم أن هذه الوصييايا ممييا أميير ال بييه ميين المور التييي ينبغييي‬
‫الحرص عليها‪.‬‬

‫ختَالٍ فَخُورٍ (‪)18‬‬


‫حبّ كُلّ مُ ْ‬
‫ض مَرَحا ِإنّ اللّ َه ل يُ ِ‬
‫س وَل تَ ْمشِ فِي الَ ْر ِ‬
‫صعّرْ خَ ّدكَ لِلنّا ِ‬
‫وَل تُ َ‬

‫ول تُ ِملْ وجهك عن الناس إذا كلّمتهم أو كلموك؛ احتقارًا منك لهم واستكبارًا عليهم‪ ,‬ول‬
‫تميش فيي الرض بيين الناس مختال متبخترًا‪ ,‬إن ال ل يحيب كيل متكيبر متباه فيي نفسيه‬
‫وهيئته وقوله‪.‬‬

‫ت الْحَمِيِ (‪)19‬‬
‫صوَاتِ َلصَوْ ُ‬
‫ص ْوتِكَ إِنّ أَنكَرَ الَ ْ‬
‫ض مِنْ َ‬
‫شيِكَ وَا ْغضُ ْ‬
‫وَاقْصِدْ فِي مَ ْ‬

‫وتواضييع فييي مشيييك‪ ,‬واخفييض ميين صييوتك فل ترفعييه‪ ,‬إن أقبييح الصييوات وأبغضهييا‬
‫لصوت الحمير المعروفة ببلدتها وأصواتها المرتفعة‪.‬‬

‫ض َوأَ ْسبَ َغ عََلْيكُ ْم ِنعَمَ ُه ظَاهِ َر ًة َوبَا ِطَنةً َومِ نْ‬


‫أَلَ ْم َت َروْا َأنّ اللّ هَ سَخّرَ َلكُ ْم مَا فِي ال سّ َموَاتِ َومَا فِي الَرْ ِ‬

‫‪753‬‬
‫س مَ ْن يُجَادِلُ فِي اللّ ِه ِبغَيْرِ عِلْ ٍم وَل هُدًى وَل ِكتَابٍ ُمنِيٍ (‪)20‬‬
‫النّا ِ‬

‫ألم تروا‪ -‬أيها الناس‪ -‬أن ال ذلّل لكم ما في السموات من الشمس والقمر والسحاب وغير‬
‫ذلك‪ ,‬وميا فيي الرض مين الدوابّ والشجير والماء‪ ,‬وغيير ذلك مميا ل يحصيى‪ ,‬وعمّكيم‬
‫بنعمه الظاهرة على البدان والجوارح‪ ,‬والباطنة في العقول والقلوب‪ ,‬وما ادّخره لكم مما‬
‫ل تعلمونييه؟ وميين الناس مَن يجادل فييي توحيييد ال وإخلص العبادة له بغييير حجيية ول‬
‫بيان‪ ,‬ول كتاب مبين يبيّن حقيقة دعواه‪.‬‬

‫شيْطَا نُ يَ ْدعُوهُ مْ إِلَى‬


‫َوإِذَا قِيلَ َلهُ مْ اّتِبعُوا مَا أَنزَلَ اللّ هُ قَالُوا بَلْ نَّتبِ ُع مَا وَجَدْنَا عََليْ ِه آبَاءَنَا َأوََلوْ كَا نَ ال ّ‬
‫سعِيِ (‪)21‬‬ ‫عَذَابِ ال ّ‬

‫وإذا قييل لهؤلء المجادليين فيي توحييد ال وإفراده بالعبادة‪ :‬اتبعوا ميا أنزل ال على نيبيه‬
‫محمد صلى ال عليه وسلم قالوا‪ :‬بل نتبع ما كان عليه آباؤنا من الشرك وعبادة الصنام‪,‬‬
‫أيفعلون ذلك‪ ,‬ولو كان الشيطان يدعوهييم؛ بتزيينييه لهييم سييوء أعمالهييم‪ ,‬وكفرهييم بال إلى‬
‫عذاب النار المستعرة؟‬

‫ك بِاْلعُ ْر َوةِ الْ ُوْثقَى َوإِلَى اللّ ِه عَاِقَبةُ ا ُلمُورِ (‪)22‬‬


‫َومَ ْن يُسْلِ ْم وَ ْجهَهُ إِلَى اللّ ِه َوهُ َو مُحْسِنٌ َفقَ ِد اسْتَمْسَ َ‬

‫ومن ُيخْلص عبادته ل وقصده إلى ربه تعالى‪ ,‬وهو محسن في أقواله‪ ,‬متقن لعماله‪ ,‬فقد‬
‫أخييذ بأوثييق سييبب موصييل إلى رضوان ال وجنتييه‪ .‬وإلى ال وحده تصييير كييل المور‪,‬‬
‫فيجازي المحسن على إحسانه‪ ,‬والمسيء على إساءته‪.‬‬

‫ت الصّدُورِ (‪)23‬‬
‫َومَنْ َكفَرَ فَل يَحْ ُزنْكَ ُكفْ ُرهُ إَِليْنَا مَ ْر ِج ُعهُمْ َفنَُنّبُئهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنّ اللّ َه عَلِي ٌم بِذَا ِ‬

‫ومين كفير فل تأسَي علييه ‪-‬أيهيا الرسيول‪ -‬ول تحزن؛ لنيك أدّييت ميا علييك مين الدعوة‬
‫والبلغ‪ ,‬إلينيا مرجعهيم ومصييرهم يوم القيامية‪ ,‬فنخيبرهم بأعمالهيم الخبيثية التيي عملوهيا‬
‫في الدنيا‪ ,‬ثم نجازيهم عليها‪ ,‬إن ال عليم بما تُكِنّه صدورهم من الكفر بال وإيثار طاعة‬
‫الشيطان‪.‬‬

‫نُ َمّت ُعهُمْ َقلِيلً ثُ ّم َنضْ َط ّرهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ (‪)24‬‬

‫‪754‬‬
‫نمتعهيم فيي هذه الدنييا الفانيية مدة قليلة‪ ,‬ثيم يوم القيامية نُلجئهيم ونسيوقهم إلى عذاب فظييع‪,‬‬
‫وهو عذاب جهنم‪.‬‬

‫حمْدُ لِلّ ِه بَلْ أَ ْكثَ ُرهُ ْم ل َيعْلَمُونَ (‪)25‬‬


‫وََلئِنْ سَأَْلَتهُ ْم مَنْ َخلَقَ السّ َموَاتِ وَالَ ْرضَ َليَقُولُنّ اللّهُ قُ ْل الْ َ‬

‫ولئن سيألت ‪-‬أيهيا الرسيول‪ -‬هؤلء المشركيين بال‪ :‬مَن خلق السيموات والرض؟ ليقولُنّ‬
‫ال‪ ,‬فإذا قالوا ذلك فقيل لهيم‪ :‬الحميد ل الذي أظهير السيتدلل عليكيم مين أنفسيكم‪ ,‬بيل أكثير‬
‫هؤلء المشركين ل ينظرون ول يتدبرون مَن الذي له الحمد والشكر‪ ,‬فلذلك أشركوا معه‬
‫غيره‪.‬‬

‫لِلّ ِه مَا فِي السّ َموَاتِ وَالَ ْرضِ ِإنّ اللّ َه ُهوَ اْل َغنِ ّي الْحَمِيدُ (‪)26‬‬

‫ل‪ -‬سيبحانه‪ -‬كيل ميا فيي السيموات والرض ملكًا وعيبيدًا وإيجادًا وتقديرًا‪ ,‬فل يسيتحق‬
‫العبادة أحد غيره‪ .‬إن ال هو الغني عن خلقه‪ ,‬له الحمد والثناء على كل حال‪.‬‬

‫ح ٍر مَا نَفِدَ تْ َكلِمَا تُ اللّ هِ ِإنّ اللّ هَ‬


‫وََلوْ َأنّمَا فِي الَرْ ضِ مِ ْن شَجَ َرةٍ أَقْل مٌ وَاْلبَحْ ُر يَ ُمدّ هُ مِ نْ بَعْدِ هِ َسْب َعةُ َأبْ ُ‬
‫عَزِيزٌ َحكِيمٌ (‪)27‬‬

‫ولو أن أشجار الرض كلهيا بُرييت أقلمًا والبحير مداد لهيا‪ ,‬ويُمَد بسيبعة أبحير أخرى‪,‬‬
‫وكُتِيب بتلك القلم وذلك المداد كلمات ال‪ ,‬لتكسييرت تلك القلم‪ ,‬ولنفِيد ذلك المداد‪ ,‬ولم‬
‫تنفيد كلمات ال التامية التيي ل يحييط بهيا أحيد‪ .‬إن ال عزييز فيي انتقاميه ممين أشرك بيه‪,‬‬
‫حكييم فيي تدبيير خلقيه‪ .‬وفيي اليية إثبات صيفة الكلم ل‪ -‬تعالى‪ -‬حقيقية كميا يلييق بجلله‬
‫وكماله سبحانه‪.‬‬

‫س وَاحِ َدةٍ إِنّ اللّ َه سَمِي ٌع َبصِيٌ (‪)28‬‬


‫مَا خَ ْل ُقكُ ْم وَل َب ْعثُكُمْ إِلّ َكنَ ْف ٍ‬

‫خلْق نفيس واحدة‬


‫خ ْلقُكيم‪ -‬أيهيا الناس‪ -‬ول َبعْثُكيم يوم القيامية فيي السيهولة واليسير إل ك َ‬
‫ميا َ‬
‫وبَعْثها‪ ,‬إن ال سميع لقوالكم‪ ,‬بصير بأعمالكم‪ ,‬وسيجازيكم عليها‪.‬‬

‫أَلَ ْم تَرَى َأنّ اللّهَ يُولِجُ الّليْلَ فِي النّهَا ِر َويُولِ ُج الّنهَارَ فِي الّليْ ِل َوسَخّرَ الشّ ْمسَ وَاْلقَمَرَ كُ ّل يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ‬
‫مُسَمّى َوَأنّ اللّ َه بِمَا َتعْمَلُونَ َخبِيٌ (‪)29‬‬
‫‪755‬‬
‫ألم تير أن ال يأخيذ مين سياعات اللييل‪ ,‬فيطول النهار‪ ,‬ويقصير اللييل‪ ,‬ويأخيذ مين سياعات‬
‫النهار‪ ,‬فيطول اللييل‪ ,‬ويقصير النهار‪ ,‬وذلّل لكييم الشميس والقميير‪ ,‬يجري كييل منهمييا فييي‬
‫مداره إلى أجييل معلوم محدد‪ ,‬وأن ال مُطّلع على كييل أعمال الخلق مِن خييير أو شيير‪ ,‬ل‬
‫يخفى عليه منها شيء؟‬

‫ك ِبأَنّ اللّ َه ُهوَ الْحَ ّق َوأَ ّن مَا يَ ْدعُو َن مِنْ دُونِهِ اْلبَاطِ ُل َوَأنّ اللّ َه ُه َو اْلعَِليّ اْلكَبِيُ (‪)30‬‬
‫ذَلِ َ‬

‫ذلك كله مين عظييم قدرتيي ; لتعلموا وتقروا أن ال هيو الحيق فيي ذاتيه وصيفاته‪ ,‬وأفعاله‪,‬‬
‫وأن مييا يدعون ميين دونييه الباطييل‪ ,‬وأن ال هييو العلي بذاتييه وقَدْره وقهره فوق جميييع‬
‫مخلوقاتيه‪ ,‬الكيبير على كيل شييء‪ ,‬وكيل ميا عداه خاضيع له‪ ,‬فهيو وحده المسيتحق أن يُعبيد‬
‫دون مَن سواه‪.‬‬

‫صبّا ٍر َشكُورٍ (‬
‫ك ليَاتٍ ِلكُلّ َ‬
‫ح ِر ِبِنعْ َمةِ اللّهِ ِلُي ِريَكُ ْم مِ ْن آيَاتِهِ إِنّ فِي ذَلِ َ‬
‫جرِي فِي الْبَ ْ‬
‫ك تَ ْ‬
‫أَلَ ْم تَرَى َأنّ الْفُلْ َ‬
‫‪)31‬‬

‫ألم تير‪ -‬أيهيا المشاهيد‪ -‬أن السيفن تجري فيي البحير بأمير ال نعمية منيه على خلقيه؛ ليريكيم‬
‫مين عيبره وحججيه عليكيم ميا تعتيبرون بيه؟ إن فيي جرْي السيفن فيي البحير لَدللت لكيل‬
‫صبّار عن محارم ال‪ ,‬شكور لنعمه‪.‬‬

‫حدُ‬
‫َوإِذَا غَشَِيهُ ْم َموْ جٌ كَالظّلَلِ َدعَوْا اللّ َه مُخْلِ صِيَ لَ هُ الدّي نَ َفلَمّا نَجّاهُ مْ إِلَى الْبَرّ فَ ِمْنهُ ْم ُمقْتَ صِ ٌد َومَا يَجْ َ‬
‫بِآيَاِتنَا إِلّ كُلّ َختّارٍ َكفُورٍ (‪)32‬‬

‫علَتْهييم المواج مِن حولهييم كالسييحب والجبال‪ ,‬أصييابهم‬ ‫وإذا ركييب المشركون السييفن و َ‬
‫الخوف والذعير مين الغرق ففزعوا إلى ال‪ ،‬وأخلصيوا دعاءهيم له‪ ،‬فلميا نجاهيم إلى البر‬
‫فمنهيم متوسيط لم يقيم بشكير ال على وجيه الكمال‪ ,‬ومنهيم كافير بنعمية ال جاحيد لهيا‪ ,‬وميا‬
‫يكفيير بآياتنييا وحججنييا الدالة على كمال قدرتنييا ووحدانيتنييا إل كييل غدّار ناقييض للعهييد‪,‬‬
‫جحود لنعم ال عليه‪.‬‬

‫جزِي وَالِ ٌد عَ ْن وَلَدِ هِ وَل َموْلُو ٌد ُهوَ جَا ٍز عَ ْن وَالِدِ ِه َشيْئا ِإنّ‬
‫شوْا َيوْما ل يَ ْ‬ ‫يَا َأيّهَا النّا سُ اّتقُوا َرّبكُ ْم وَاخْ َ‬
‫حيَاةُ ال ّدْنيَا وَل َيغُ ّرّنكُ ْم بِاللّ ِه اْلغَرُورُ (‪)33‬‬
‫َوعْدَ اللّهِ حَقّ فَل َتغُ ّرّنكُ ْم الْ َ‬

‫‪756‬‬
‫ييا أيهيا الناس اتقوا ربكيم‪ ,‬وأطيعوه بامتثال أوامره واجتناب نواهييه‪ ,‬واحذروا يوم القيامية‬
‫الذي ل يغنيي فييه والد عين ولده ول مولود عين أبييه شيئًا‪ ,‬إن وعيد ال حيق ل رييب فييه‪,‬‬
‫فل تنخدعوا بالحياة الدنييييا وزخرفهيييا فتنسييييكم الخرى‪ ,‬ول يخدعنكيييم بال خادع مييين‬
‫شياطين الجن والنس‪.‬‬

‫سبُ غَدا َومَا‬


‫س مَاذَا تَكْ ِ‬
‫إِنّ اللّ َه ِعنْدَ ُه عِلْ ُم ال سّا َعةِ َوُينَزّ ُل اْل َغيْ ثَ َويَعَْل ُم مَا فِي الَرْحَا ِم َومَا تَ ْدرِي َنفْ ٌ‬
‫ض تَمُوتُ إِنّ اللّ َه عَلِيمٌ َخبِيٌ (‪)34‬‬ ‫تَدْرِي َن ْفسٌ بِأَيّ أَ ْر ٍ‬

‫إن ال‪ -‬وحده ل غيره‪ -‬يعلم متيى تقوم السياعة؟ وهيو الذي ينزل المطير مين السيحاب‪ ,‬ل‬
‫يقدر على ذلك أحد غيره‪ ,‬ويعلم ما في أرحام الناث‪ ,‬ويعلم ما تكسبه كل نفس في غدها‪,‬‬
‫وما تعلم نفس بأيّ أرض تموت‪ .‬بل ال تعالى هو المختص بعلم ذلك جميعه‪ .‬إن ال عليم‬
‫خبير محيط بالظواهر والبواطن‪ ,‬ل يخفى عليه شيء منها‪.‬‬

‫‪ -32‬سورة السجدة‬

‫ال (‪)1‬‬
‫الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬

‫ب اْلعَالَمِيَ (‪)2‬‬
‫تَنِي ُل اْل ِكتَابِ ل َرْيبَ فِيهِ مِنْ رَ ّ‬

‫هذا القرآن الذي جاء بيه محميد صيلى ال علييه وسيلم ل شيك أنيه منزل مين عنيد ال‪ ،‬رب‬
‫الخلئق أجمعين‪.‬‬

‫ح ّق مِنْ َربّكَ ِلتُنذِرَ َقوْما مَا َأتَاهُ ْم مِ ْن نَذِي ٍر مِنْ َقبْلِكَ َل َعّلهُ ْم َيهْتَدُونَ (‪)3‬‬
‫َأمْ َيقُولُو َن ا ْفتَرَا ُه بَ ْل ُهوَ الْ َ‬

‫بيل أيقول المشركون‪ :‬اختلق محميد صيلى ال علييه وسيلم القرآن؟ كذَبوا‪ ,‬بيل هيو الحيق‬
‫الثابيت المنزل علييك ‪-‬أيهيا الرسيول‪ -‬مين ربيك; لتنذر بيه أناسيًا لم يأتهيم نذيير مين قبلك‪,‬‬
‫لعلهم يهتدون‪ ,‬فيعرفوا الحق ويؤمنوا به ويؤثروه‪ ,‬ويؤمنوا بك‪.‬‬

‫‪757‬‬
‫اللّ ُه الّذِي َخلَ َق السّ َموَاتِ وَالَرْضَ َومَا َبْيَنهُمَا فِي ِسّتةِ َأيّا ٍم ثُمّ ا ْستَوَى عَلَى اْلعَرْشِ مَا َلكُ ْم مِ نْ دُونِهِ مِن‬
‫وَِليّ وَل َشفِيعٍ أَفَل َتتَذَكّرُونَ (‪)4‬‬

‫ال الذي خلق السيموات والرض وميا بينهميا فيي سيتة أيام لحكمية يعلمهيا‪ ,‬وهيو قادر أن‬
‫يخلقهيا بكلمية "كين" فتكون‪ ,‬ثيم اسيتوى سيبحانه وتعالى ‪-‬أي عل وارتفيع‪ -‬على عرشيه‬
‫اسيتواء يلييق بجلله‪ ,‬ل يكيّفي‪ ,‬ول يشبّهي باسيتواء المخلوقيين‪ .‬لييس لكيم ‪-‬أيهيا الناس‪ -‬مين‬
‫وليّ يلي أموركم‪ ,‬أو شفيع يشفع لكم عند ال؛ لتنجوا من عذابه‪ ,‬أفل تتعظون وتتفكرون‬
‫‪-‬أيها الناس‪ ,-‬فتُفردوا ال باللوهية وتُخلصوا له العبادة؟‬

‫ض ثُ ّم َيعْرُجُ إَِليْهِ فِي َي ْومٍ كَانَ ِمقْدَا ُرهُ أَلْفَ َسَن ٍة مِمّا َتعُدّونَ (‪)5‬‬
‫يُ َدبّ ُر ا َلمْ َر مِنْ السّمَاءِ إِلَى الَ ْر ِ‬

‫يدبر ال تعالى أَمْر المخلوقات من السماء إلى الرض‪ ,‬ثم يصعد ذلك المر والتدبير إلى‬
‫ال في يوم مقداره ألف سنة من أيام الدنيا التي تعدّونها‪.‬‬

‫شهَا َدةِ اْلعَزِيزُ الرّحِيمُ (‪)6‬‬


‫ب وَال ّ‬
‫ك عَالِ ُم اْل َغيْ ِ‬
‫ذَلِ َ‬

‫ذلك الخالق المدبّر لشؤون العالمين‪ ,‬عالم بكل ما يغيب عن البصار‪ ,‬مما تُكِنّه الصدور‬
‫وتخفيه النفوس‪ ,‬وعالم بما شاهدته البصار‪ ,‬وهو القويّ الظاهر الذي ل يغالَب‪ ,‬الرحيم‬
‫بعباده المؤمنين‪.‬‬

‫الّذِي أَحْسَنَ كُ ّل َشيْءٍ َخَلقَهُ َوبَ َدأَ َخلْ َق الِنسَا ِن مِ ْن طِيٍ (‪)7‬‬

‫خلْقَ النسان‪ ,‬وهو آدم عليه السلم من طين‪.‬‬


‫ال الذي أحكم خلق كل شيء‪ ,‬وبدأ َ‬

‫ثُمّ َجعَ َل نَسْلَ ُه مِنْ سُلَل ٍة مِ ْن مَا ٍء َمهِيٍ (‪)8‬‬

‫ثم جعل ذرية آدم متناسلة من نطفة ضعيفة رقيقة مهينة‪.‬‬

‫شكُرُونَ (‪)9‬‬
‫ل مَا تَ ْ‬
‫ثُ ّم َسوّا ُه َونَفَخَ فِي ِه مِنْ رُوحِ ِه وَ َجعَلَ َلكُمْ السّمْ َع وَا َلبْصَا َر وَالَ ْفئِدَةَ قَلِي ً‬

‫‪758‬‬
‫ثم أتم خلق النسان وأبدعه‪ ,‬وأحسن خلقته‪ ,‬ونفخ فيه مِن روحه بإرسال الملك له؛ لينفخ‬
‫فييه الروح‪ ,‬وجعيل لكيم ‪-‬أيهيا الناس‪ -‬نعمية السيمع والبصيار يُميّزي بهيا بيين الصيوات‬
‫واللوان والذوات والشخاص‪ ,‬ونعمة العقل يُميّز بها بين الخير والشر والنافع والضار‪.‬‬
‫قليل ما تشكرون ربكم على ما أنعم به عليكم‪.‬‬

‫وَقَالُوا َأئِذَا ضَلَ ْلنَا فِي الَ ْرضِ َأِئنّا َلفِي َخلْقٍ َجدِي ٍد بَ ْل هُ ْم بِِلقَاءِ َرّبهِمْ كَافِرُونَ (‪)10‬‬

‫وقال المشركون بال المكذبون بالبعيث‪ :‬أإذا صيارت لحومنيا وعظامنيا ترابًا فيي الرض‬
‫أنُبعَث خلقًا جديدًا؟ يسيتبعدون ذلك غيير طالبيين الوصيول إلى الحيق‪ ,‬وإنميا هيو منهيم ظلم‬
‫وعناد؛ لنهم بلقاء ربهم ‪-‬يوم القيامة‪ -‬كافرون‪.‬‬

‫ت الّذِي وُكّ َل بِكُ ْم ثُمّ إِلَى َرّبكُ ْم تُرْ َجعُونَ (‪)11‬‬


‫ك الْ َموْ ِ‬
‫قُ ْل َيَتوَفّاكُ ْم مَلَ ُ‬

‫قييل ‪-‬أيهييا الرسييول‪ -‬لهؤلء المشركييين‪ :‬يتوفاكييم ملك الموت الذي وُكّليي بكييم‪ ,‬فيقبييض‬
‫أرواحكيم إذا انتهيت آجالكيم‪ ,‬ولن تتأخروا لحظية واحدة‪ ,‬ثيم تُردّون إلى ربكيم‪ ,‬فيجازيكيم‬
‫على جميع أعمالكم‪ :‬إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر‪.‬‬

‫ج ِرمُو نَ نَاكِ سُوا رُءُو ِسهِ ْم عِنْدَ َرّبهِ مْ َربّنَا َأبْ صَ ْرنَا وَ سَ ِم ْعنَا فَارْ ِجعْنَا َنعْمَلْ صَالِحا ِإنّ ا‬
‫وََلوْ َترَى إِ ْذ الْمُ ْ‬
‫مُوقِنُونَ (‪)12‬‬

‫ولو ترى ‪-‬أيهيا المخاطيب‪ -‬إذ المجرمون الذيين أنكروا البعيث قيد خفضوا رؤوسيهم عنيد‬
‫ربهيم مين الخزي والعار قائليين‪ :‬ربنيا أبصيرنا قبائحنيا‪ ,‬وسيمعنا منيك تصيديق ميا كانيت‬
‫رسلك تأمرنا به في الدنيا‪ ,‬وقد تُبْنا إليك‪ ,‬فارجعنا إلى الدنيا لنعمل فيها بطاعتك‪ ,‬إنا قد‬
‫أيقنّا الن ما كنا به في الدنيا مكذبين من وحدانيتك‪ ,‬وأنك تبعث من في القبور‪ .‬ولو رأيت‬
‫‪-‬أيها الخاطب‪ -‬ذلك كله‪ ,‬لرأيت أمرًا عظيمًا‪ ,‬وخطبًا جسيمًا‪.‬‬

‫جّنةِ وَالنّاسِ َأجْ َمعِيَ (‪)13‬‬


‫لنّ َج َهنّمَ مِ ْن الْ ِ‬
‫وََلوْ ِشْئنَا لتَْينَا كُ ّل َن ْفسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَ ّق اْلقَوْ ُل ِمنّي َل ْم َ‬

‫ولو شئنيا لتينيا هؤلء المشركيين بال رشدهيم وتوفيقهيم لليمان‪ ,‬ولكين حيق القول منيي‬
‫ووجييب لملنّ جهنييم ميين أهييل الكفيير والمعاصييي‪ ,‬ميين الجِنّةي والناس أجمعييين؛ وذلك‬
‫لختيارهم الضللة على الهدى‪.‬‬

‫‪759‬‬
‫ب الْخُ ْل ِد بِمَا ُكْنتُمْ َتعْ َملُونَ (‪)14‬‬
‫فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ ِلقَا َء َي ْومِكُ ْم هَذَا ِإنّا نَسِينَاكُ ْم وَذُوقُوا عَذَا َ‬

‫يقال لهؤلء المشركيين ‪-‬عنيد دخولهيم النار‪ :-‬فذوقوا العذاب؛ بسيبب غفلتكيم عين الخرة‬
‫وانغماسييكم فييي لذائذ الدنيييا‪ ,‬إنييا تركناكييم اليوم فييي العذاب‪ ,‬وذوقوا عذاب جهنييم الذي ل‬
‫ينقطع؛ بما كنتم تعملون في الدنيا من الكفر بال ومعاصيه‪.‬‬

‫ستَ ْكبِرُونَ (‪)15‬‬


‫حمْدِ َرّبهِ ْم َوهُ ْم ل يَ ْ‬
‫ِإنّمَا ُيؤْمِ ُن بِآيَاِتنَا الّذِينَ إِذَا ذُكّرُوا ِبهَا َخرّوا ُسجّدا َو َسبّحُوا بِ َ‬

‫إنميا يصيدق بآيات القرآن ويعميل بهيا الذيين إذا ُوعِظوا بهيا أو تُلييت عليهيم سيجدوا لربهيم‬
‫خاشعييين مطيعييين‪ ,‬وسيبّحوا ال فييي سييجودهم بحمده‪ ,‬وهييم ل يسييتكبرون عيين السييجود‬
‫والتسبيح له‪ ,‬وعبادته وحده ل شريك له‪.‬‬

‫َتتَجَافَى ُجنُوُبهُ ْم عَ ْن الْ َمضَاجِ ِع يَ ْدعُونَ َرّبهُمْ َخوْفا َوطَمَعا َومِمّا رَزَ ْقنَاهُ ْم يُن ِفقُونَ (‪)16‬‬

‫ترتفع جنوب هؤلء الذين يؤمنون بآيات ال عن فراش النوم‪ ,‬يتهجدون لربهم في صلة‬
‫الليل‪ ,‬يدعون ربهم خوفًا من العذاب وطمعًا في الثواب‪ ,‬ومما رزقناهم ينفقون في طاعة‬
‫ال وفي سبيله‪.‬‬

‫فَل تَعَْل ُم َن ْفسٌ مَا أُ ْخ ِفيَ َلهُ ْم مِنْ قُ ّرةِ َأ ْعيُنٍ جَزَا ًء بِمَا كَانُوا َيعْمَلُونَ (‪)17‬‬

‫فل تعلم نفس ما ادّخر ال لهؤلء المؤمنين مما َتقَرّ به العين‪ ,‬وينشرح له الصدر؛ جزاء‬
‫لهم على أعمالهم الصالحة‪.‬‬

‫سَتوُونَ (‪)18‬‬
‫أَفَمَنْ كَا َن ُم ْؤمِنا كَمَنْ كَانَ فَاسِقا ل يَ ْ‬

‫أفمين كان مطيعًا ل ورسيوله مصيدقًا بوعده ووعيده‪ ,‬مثيل مين كفير بال ورسيله وكذب‬
‫باليوم الخر؟ ل يستوون عند ال‪.‬‬

‫َأمّا الّذِينَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا الصّالِحَاتِ فََلهُمْ َجنّاتُ الْ َم ْأوَى نُزُ ًل بِمَا كَانُوا َيعْمَلُونَ (‪)19‬‬

‫‪760‬‬
‫أمييا الذييين آمنوا بال وعملوا بمييا أُمِروا بييه فجزاؤهييم جنات يأوون إليهييا‪ ,‬ويقيمون فييي‬
‫نعيمها ضيافة لهم؛ جزاءً لهم بما كانوا يعملون في الدنيا بطاعته‪.‬‬

‫ب النّارِ‬
‫خرُجُوا ِمْنهَا ُأعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ َلهُ مْ ذُوقُوا عَذَا َ‬
‫سقُوا َف َم ْأوَاهُ ْم النّارُ ُكلّمَا أَرَادُوا أَ ْن يَ ْ‬
‫َوَأمّا الّذِي نَ فَ َ‬
‫الّذِي ُكنْتُ ْم بِ ِه ُتكَ ّذبُونَ (‪)20‬‬

‫وأمييا الذييين خرجوا عيين طاعيية ال وعملوا بمعاصيييه فمسييتقرهم جهنييم‪ ,‬كلمييا أرادوا أن‬
‫يخرجوا منهيا أعيدوا فيهيا‪ ,‬وقييل لهيم ‪-‬توبيخيا وتقريعيا‪ :-‬ذوقوا عذاب النار الذي كنتيم بيه‬
‫تكذبون في الدنيا‪.‬‬

‫ب الَ ْكبَرِ َلعَّلهُ ْم َيرْ ِجعُونَ (‪)21‬‬


‫وََلنُذِي َقّنهُ ْم مِ ْن اْلعَذَابِ الَ ْدنَى دُونَ اْلعَذَا ِ‬

‫ولنذيقين هؤلء الفاسيقين المكذبيين مين العذاب الدنيى مين البلء والمحين والمصيائب فيي‬
‫الدنيييا قبييل العذاب الكييبر يوم القياميية‪ ,‬حيييث يُعذّبون فييي نار جهنييم؛ لعلهييم يرجعون‬
‫ويتوبون من ذنوبهم‪.‬‬

‫ي مُنَتقِمُونَ (‪)22‬‬
‫َومَنْ أَظَْل ُم مِمّنْ ذُكّ َر بِآيَاتِ َربّ ِه ثُمّ َأعْ َرضَ َعْنهَا ِإنّا مِ ْن الْ ُمجْ ِرمِ َ‬

‫ول أحييد أشييد ظلمًيا لنفسييه مميين وعييظ بدلئل ال‪ ,‬ثييم أعرض عيين ذلك كله‪ ,‬فلم يتعييظ‬
‫بمواعظه‪ ,‬ولكنه استكبر عنها‪ ,‬إنا من المجرمين الذين أعرضوا عن آيات ال وحججه‪,‬‬
‫ولم ينتفعوا بها‪ ,‬منتقمون‪.‬‬

‫وََلقَ ْد آتَْينَا مُوسَى الْ ِكتَابَ فَل تَكُنْ فِي مِ ْرَي ٍة مِنْ ِلقَائِهِ وَ َج َع ْلنَا ُه هُدًى ِلَبنِي ِإسْرَائِيلَ (‪)23‬‬

‫ولقيد آتينيا موسيى التوراة كميا آتيناك ‪-‬أيهيا الرسيول‪ -‬القرآن‪ ,‬فل تكين فيي شيك مين لقاء‬
‫موسيى ليلة السيراء والمعراج‪ ,‬وجعلنيا التوراة هدايية لبنيي إسيرائيل‪ ,‬تدعوهيم إلى الحيق‬
‫وإلى طريق مستقيم‪.‬‬

‫صَبرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوِقنُونَ (‪)24‬‬


‫وَ َجعَ ْلنَا ِمْنهُمْ َأئِ ّمةً َيهْدُو َن بَِأمْ ِرنَا لَمّا َ‬

‫‪761‬‬
‫وجعلنيا مين بنيي إسيرائيل هداة ودعاة إلى الخيير‪ ,‬يأتمّ بهيم الناس‪ ,‬ويدعونهيم إلى التوحييد‬
‫وعبادة ال وحده وطاعتيه‪ ,‬وإنميا نالوا هذه الدرجية العاليية حيين صيبروا على أوامير ال‪,‬‬
‫وترك زواجره‪ ,‬والدعوة إلييييه‪ ,‬وتحمّلييي الذى فيييي سيييبيله‪ ,‬وكانوا بآيات ال وحججيييه‬
‫يوقنون‪.‬‬

‫ختَِلفُونَ (‪)25‬‬
‫ك ُه َو َيفْصِ ُل َبْينَهُ ْم َي ْو َم الْ ِقيَا َمةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ َي ْ‬
‫ِإنّ َربّ َ‬

‫إن ربيك ‪-‬أيهيا الرسيول‪ -‬يقضيي بيين المؤمنيين والكافريين مين بنيي إسيرائيل وغيرهيم يوم‬
‫القيامية بالعدل فيميا اختلفوا فييه مين أمور الديين‪ ,‬ويجازي كيل إنسيان بعمله بإدخال أهلِ‬
‫ل النارِ النارَ‪.‬‬
‫الجن ِة الجن َة وأه ِ‬

‫ك ليَاتٍ أَفَل يَسْ َمعُونَ‬


‫َأوَلَ ْم َيهْدِ َلهُمْ كَمْ َأهَْل ْكنَا مِ نْ َقبِْل ِه ْم مِ ْن الْقُرُو ِن يَمْشُونَ فِي مَسَا ِكِنهِمْ إِنّ فِي ذَلِ َ‬
‫(‪)26‬‬

‫أولم يتيبين لهؤلء المكذبيين للرسيول‪ :‬كيم أهلكنيا مين قبلهيم مين الميم السيابقة يمشون فيي‬
‫مسياكنهم‪ ,‬فيشاهدونهيا عِيانًا كقوم هود وصيالح ولوط؟ إن فيي ذلك ليات وعظات يُسيت َدلّ‬
‫بهيا على صيدق الرسيل التيي جاءتهيم‪ ,‬وبطلن ميا هيم علييه مين الشرك‪ ,‬أفل يسيمع هؤلء‬
‫المكذبون بالرسل مواعظ ال وحججه‪ ,‬فينتفعون بها؟‬

‫سهُمْ أَفَل ُيبْ صِرُونَ‬


‫ج بِ هِ زَرْعا َتأْكُلُ مِنْ هُ َأْنعَامُهُ ْم َوأَنفُ ُ‬
‫خرِ ُ‬
‫جرُزِ َفنُ ْ‬
‫َأوَلَ ْم يَ َروْا َأنّا نَ سُوقُ الْمَاءَ إِلَى الَرْ ضِ الْ ُ‬
‫(‪)27‬‬

‫أولم ير المكذبون بالبعث بعد الموت أننا نسوق الماء إلى الرض اليابسة الغليظة التي ل‬
‫نبات فيها‪ ,‬فنخرج به زرعًا مختلفًا ألوانه تأكل منه أنعامهم‪ ,‬وتتغذى به أبدانهم فيعيشون‬
‫به؟ أفل يرون هذه النعم بأعينهم‪ ,‬فيعلموا أن ال الذي فعل ذلك قادر على إحياء الموات‬
‫و َنشْرهم من قبورهم؟‬

‫َوَيقُولُونَ َمتَى هَذَا اْلفَتْحُ ِإنْ ُكنْتُمْ صَادِقِيَ (‪)28‬‬

‫يسييتعجل هؤلء المشركون بال العذاب‪ ,‬فيقولون‪ :‬متيييى هذا الحكيييم الذي يقضييي بيننيييا‬
‫وبينكم بتعذيبنا على زعمكم إن كنتم صادقين في دعواكم؟‬

‫‪762‬‬
‫قُ ْل َي ْومَ اْل َفتْ ِح ل يَنفَ ُع الّذِينَ َكفَرُوا إِيَاُنهُ ْم وَل هُ ْم يُنْ َظرُونَ (‪)29‬‬

‫قيل لهيم ‪-‬أيهيا الرسيول‪ :-‬يوم القضاء الذي يقيع فييه عقابكيم‪ ,‬وتعاينون فييه الموت ل ينفيع‬
‫الكفار إيمانهم‪ ,‬ول هم يؤخرون للتوبة والمراجعة‪.‬‬

‫ض َعْنهُ ْم وَاْنتَظِرْ ِإّنهُ ْم مُنتَظِرُونَ (‪)30‬‬


‫َفأَعْ ِر ْ‬

‫فأعرض ‪-‬أيهيا الرسيول‪ -‬عين هؤلء المشركيين‪ ,‬ول تبال بتكذيبهيم‪ ,‬وانتظير ميا ال صيانع‬
‫بهيم‪ ,‬إنهيم منتظرون ومتربصيون بكيم دوائر السيوء‪ ،‬فسييخزيهم ال ويذلهيم‪ ،‬وينصيرك‬
‫عليهم‪ .‬وقد فعل فله الحمد والمنة‪.‬‬

‫‪ -33‬سورة الحزاب‬

‫يَا أَّيهَا النِّبيّ اتّقِ اللّ َه وَل تُطِ ْع اْلكَافِرِي َن وَالْ ُمنَافِقِيَ ِإنّ اللّهَ كَانَ عَلِيما َحكِيما (‪)1‬‬

‫ييا أيهيا النيبي دُم على تقوى ال بالعميل بأوامره واجتناب محارميه‪ ,‬وليقتيد بيك المؤمنون؛‬
‫لنهم أحوج إلى ذلك منك‪ ,‬ول تطع الكافرين وأهل النفاق‪ .‬إن ال كان عليمًا بكل شيء‪,‬‬
‫حكيمًا في خلقه وأمره وتدبيره‪.‬‬

‫ك مِنْ َربّكَ ِإنّ اللّهَ كَا َن بِمَا َتعْمَلُونَ َخبِيا (‪)2‬‬


‫وَاّتبِ ْع مَا يُوحَى إَِليْ َ‬

‫طلِع على كييل مييا تعملون‬


‫واتبييع مييا يوحييى إليييك ميين ربييك ميين القرآن والسيينة‪ ,‬إن ال م ّ‬
‫ومجازيكم به‪ ,‬ل يخفى عليه شيء من ذلك‪.‬‬

‫َوَتوَكّ ْل عَلَى اللّ ِه وَ َكفَى بِاللّ ِه وَكِيلً (‪)3‬‬

‫ض جميع أمورك إليه‪ ,‬وحسبك به حافظًا لمن توكل عليه وأناب‬


‫واعتمد على ربك‪ ,‬وفَوّ ْ‬
‫إليه‪.‬‬

‫‪763‬‬
‫لئِي تُظَاهِرُو نَ ِمْنهُنّ ُأ ّمهَاِتكُ ْم َومَا َجعَلَ‬
‫مَا َجعَلَ اللّ هُ ِلرَجُ ٍل مِ نْ َق ْلَبيْ نِ فِي َجوْفِ ِه َومَا َجعَلَ أَ ْزوَا َجكُ ْم ال ّ‬
‫سبِيلَ (‪)4‬‬ ‫أَ ْد ِعيَاءَكُمْ أَْبنَاءَكُمْ ذَِلكُمْ َقوُْلكُ ْم ِبأَ ْفوَاهِكُ ْم وَاللّ ُه َيقُو ُل الْحَ ّق َو ُهوَ َيهْدِي ال ّ‬

‫ميا جعيل ال لحيد مين البشير مين قلبيين فيي صيدره‪ ,‬وميا جعيل زوجاتكيم اللتيي تظاهرون‬
‫منهن (في الحرمة) كحرمة أمهاتكم (والظهار أن يقول الرجل لمرأته‪ :‬أنت عليّ كظهر‬
‫أمي‪ ,‬وقد كان هذا طلقًا في الجاهلية‪ ,‬فبيّن ال أن الزوجة ل تصير أُمّا بحال) وما جعل‬
‫ال الولد المتَبَنّيْنَي أبناء فيي الشرع‪ ,‬بيل إن الظهار والتبنيي ل حقيقية لهميا فيي التحرييم‬
‫البدي‪ ,‬فل تكون الزوجية المظاهَر منهيا كالم فيي الحرمية‪ ,‬ول يثبيت النسيب بالتبنيي مين‬
‫قول الشخيص للدّعِيّ‪ :‬هذا ابنيي‪ ,‬فهيو كلم بالفيم ل حقيقية له‪ ,‬ول يُعتَدّ بيه‪ ,‬وال سيبحانه‬
‫يقول الحق ويبيّن لعباده سبيله‪ ,‬ويرشدهم إلى طريق الرشاد‪.‬‬

‫ط ِعنْدَ اللّ هِ فَإِ نْ لَ ْم َتعْلَمُوا آبَاءَهُ مْ فَِإ ْخوَاُنكُ مْ فِي الدّي ِن َو َموَالِيكُ ْم وََليْ سَ عََلْيكُ مْ‬
‫ا ْدعُوهُ ْم لبَاِئهِ ْم ُهوَ أَقْ سَ ُ‬
‫ُجنَاحٌ فِيمَا أَخْ َط ْأتُمْ بِهِ وََلكِ ْن مَا َتعَمّدَتْ قُلُوُبكُ ْم وَكَانَ اللّ ُه َغفُورا رَحِيما (‪)5‬‬

‫انسييبوا أدعياءكييم لبائهييم‪ ,‬هييو أعدل وأقوم عنييد ال‪ ,‬فإن لم تعلموا آباءهييم الحقيقيييين‬
‫فادعوهم إذًا بأخوّة الدين التي تجمعكم بهم‪ ,‬فإنهم إخوانكم في الدين ومواليكم فيه‪ ,‬وليس‬
‫عليكيم إثيم فيميا وقعتيم فييه مين خطيأ لم تتعمدوه‪ ,‬وإنميا يؤاخذكيم ال إذا تعمدتيم ذلك‪ .‬وكان‬
‫ال غفورًا لمن أخطأ‪ ,‬رحيمًا لمن تاب من ذنبه‪.‬‬

‫ضهُ مْ َأوْلَى ِبَبعْ ضٍ فِي ِكتَا بِ اللّ هِ‬


‫سهِ ْم َوأَ ْزوَاجُ هُ ُأ ّمهَاُتهُ ْم َوُأوْلُو الَرْحَا مِ َب ْع ُ‬
‫الّنِبيّ َأوْلَى بِالْ ُم ْؤ ِمنِيَ مِ نْ َأنْفُ ِ‬
‫ب مَسْطُورا (‪)6‬‬ ‫ي وَالْ ُمهَا ِجرِينَ إِلّ َأ ْن َتفْعَلُوا إِلَى َأوِْليَائِكُ ْم َمعْرُوفا كَانَ ذَلِكَ فِي الْ ِكتَا ِ‬ ‫مِ ْن الْ ُم ْؤمِنِ َ‬

‫النبي محمد صلى ال عليه وسلم أولى بالمؤمنين‪ ,‬وأقرب لهم من أنفسهم في أمور الدين‬
‫والدنييا‪ ,‬وحرمية أزواج النيبي صيلى ال علييه وسيلم على أُمّتيه كحرمية أمهاتهيم‪ ,‬فل يجوز‬
‫نكاح زوجات الرسول صلى ال عليه وسلم من بعده‪ .‬وذوو القرابة من المسلمين بعضهم‬
‫أحيق بميراث بعض فيي حكيم ال وشرعه من الرث باليمان والهجرة (وكان المسيلمون‬
‫في أول السلم يتوارثون بالهجرة واليمان دون الرحم‪ ,‬ثم نُسخ ذلك بآية المواريث) إل‬
‫أن تفعلوا ‪-‬أيهيا المسيلمون‪ -‬إلى غيير الورثية معروفًا بالنصير والبر والصيلة والحسيان‬
‫والوصية‪ ,‬كان هذا الحكم المذكور مقدّرًا مكتوبًا في اللوح المحفوظ‪ ,‬فيجب عليكم العمل‬
‫به‪ .‬وفي الية وجوب كون النبي صلى ال عليه وسلم أحبّ إلى العبد من نفسه‪ ,‬ووجوب‬
‫كمال النقياد له‪ ,‬وفيهيا وجوب احترام أمهات المؤمنيين‪ ,‬زوجاتيه صيلى ال علييه وسيلم‪،‬‬
‫وأن من سبّهن فقد باء بالخسران‪.‬‬
‫‪764‬‬
‫ح َوِإبْرَاهِي َم َومُو سَى َوعِي سَى ابْ ِن مَ ْريَ مَ َوأَخَ ْذنَا ِمنْهُ ْم مِيثَاقا‬
‫ك َومِ ْن نُو ٍ‬
‫َوإِذْ أَخَ ْذنَا مِ ْن الّنبِيّيَ مِيثَاَقهُ ْم َومِنْ َ‬
‫غَلِيظا (‪)7‬‬

‫واذكير ‪-‬أيهيا النيبي‪ -‬حيين أخذنيا مين النيبيين العهيد المؤكيد بتبلييغ الرسيالة‪ ,‬وأخذنيا الميثاق‬
‫منيك ومين نوح وإبراهييم وموسيى وعيسيى ابين مرييم (وهيم أولو العزم مين الرسيل على‬
‫المشهور)‪ ,‬وأخذنيا منهيم عهدًا مؤكدًا بتبلييغ الرسيالة وأداء المانية‪ ,‬وأن يُصَيدّق بعضهيم‬
‫بعضًا‪.‬‬

‫ِليَسْأَ َل الصّادِقِيَ عَنْ صِدِْقهِ ْم َوَأعَدّ لِ ْلكَافِرِي َن عَذَابا أَلِيما (‪)8‬‬

‫(أخذ ال ذلك العهد من أولئك الرسل) ليسأل المرسلين عمّا أجابتهم به أممهم‪ ,‬فيجزي ال‬
‫المؤمنين الجنة‪ ,‬وأعد للكافرين يوم القيامة عذابًا شديدًا في جهنم‪.‬‬

‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا اذْ ُكرُوا ِنعْ َمةَ اللّ ِه عََلْيكُ مْ إِذْ جَا َءْتكُ مْ ُجنُودٌ َفأَرْ سَ ْلنَا عََلْيهِ مْ رِيا وَ ُجنُودا لَ ْم تَ َروْهَا‬
‫وَكَانَ اللّ ُه بِمَا َتعْمَلُو َن َبصِيا (‪)9‬‬

‫ييا معشير المؤمنيين اذكروا نعمية ال تعالى التيي أنعمهيا عليكيم فيي "المدينية" أيام غزوة‬
‫الحزاب ‪-‬وهييي غزوة الخندق‪ ,-‬حييين اجتمييع عليكييم المشركون ميين خارج "المدينيية"‪,‬‬
‫واليهود والمنافقون من "المدينة" وما حولها‪ ,‬فأحاطوا بكم‪ ,‬فأرسلنا على الحزاب ريحًا‬
‫شديدة اقتلعييت خيامهييم ورمييت قدورهييم‪ ,‬وأرسييلنا ملئكيية ميين السييماء لم تروهييا‪ ,‬فوقييع‬
‫الرعب في قلوبهم‪ .‬وكان ال بما تعملون بصيرًا‪ ,‬ل يخفى عليه من ذلك شيء‪.‬‬

‫حنَاجِ َر َوتَ ُظنّو نَ بِاللّ هِ‬


‫ب الْ َ‬
‫ت الَبْ صَا ُر َوبََلغَ تْ اْلقُلُو ُ‬
‫إِذْ جَاءُوكُ ْم مِ نْ َفوِْقكُ مْ َومِ نْ أَ ْسفَ َل ِمْنكُ مْ َوِإذْ زَاغَ ْ‬
‫ال ّظنُونَ (‪)10‬‬

‫اذكروا إذ جاؤوكيم مِن فوقكيم مين أعلى الوادي مين جهية المشرق‪ ,‬ومين أسيفل منكيم مين‬
‫بطن الوادي من جهة المغرب‪ ,‬وإذ شخصيت البصيار من شدة الحَيْرة والدهشة‪ ,‬وبلغيت‬
‫القلوب الحناجر من شدة الرعب‪ ,‬وغلب اليأس المنافقين‪ ,‬وكثرت القاويل‪ ,‬وتظنون بال‬
‫الظنون السيئة أنه ل ينصر دينه‪ ,‬ول يعلي كلمته‪.‬‬

‫‪765‬‬
‫ُهنَالِكَ اْبتُِليَ الْ ُم ْؤ ِمنُو َن وَزُلْزِلُوا زِلْزَا ًل شَدِيدا (‪)11‬‬

‫فييي ذلك الموقييف العصيييب اختُبر إيمان المؤمنيين و ُمحّصي القوم‪ ,‬وعُرف المؤميين مين‬
‫المنافق‪ ,‬واضطربوا اضطرابًا شديدًا بالخوف والقلق; ليتبين إيمانهم ويزيد يقينهم‪.‬‬

‫ض مَا َوعَ َدنَا اللّ ُه وَ َرسُولُهُ إِ ّل غُرُورا (‪)12‬‬


‫َوإِ ْذ َيقُولُ الْ ُمنَافِقُونَ وَالّذِينَ فِي قُلُوِبهِ ْم مَ َر ٌ‬

‫وإذ يقول المنافقون والذيين فيي قلوبهيم شيك‪ ,‬وهيم ضعفاء اليمان‪ :‬ميا وعدنيا ال ورسيوله‬
‫من النصر والتمكين إل باطل من القول وغرورًا‪ ,‬فل تصدقوه‪.‬‬

‫سَتأْ ِذنُ َفرِي ٌق ِمْنهُ ْم الّنبِيّ َيقُولُو نَ ِإنّ ُبيُوتَنَا‬


‫َوإِذْ قَالَ تْ طَاِئ َفةٌ ِمْنهُ ْم يَا أَهْ َل َيثْرِ بَ ل ُمقَا مَ َلكُ مْ فَا ْر ِجعُوا َويَ ْ‬
‫َعوْرَ ٌة َومَا هِ َي ِب َعوْ َرةٍ ِإنْ يُرِيدُونَ إِلّ فِرَارا (‪)13‬‬

‫واذكر ‪-‬أيها النبي‪ -‬قول طائفة من المنافقين منادين المؤمنين من أهل "المدينة"‪ :‬يا أهل‬
‫"يثرب" (وهيو السيم القدييم "للمدينية") ل إقامية لكيم فيي معركية خاسيرة‪ ,‬فارجعوا إلى‬
‫منازلكم داخل "المدينة"‪ ,‬ويستأذن فريق آخر من المنافقين الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫بالعودة إلى منازلهيم بحجية أنهيا غيير محصينة‪ ,‬فيخشون عليهيا‪ ,‬والحيق أنهيا ليسيت كذلك‪,‬‬
‫وما قصدوا بذلك إل الفرار من القتال‪.‬‬

‫وََلوْ دُ ِخَلتْ عََلْيهِ ْم مِنْ أَقْطَا ِرهَا ثُمّ سُئِلُوا اْلفِْتَنةَ لَت ْوهَا َومَا تََلّبثُوا ِبهَا إِ ّل يَسِيا (‪)14‬‬

‫ولو دخيل جييش الحزاب "المدينية" مين جوانبهيا‪ ,‬ثيم سيئل هؤلء المنافقون الشرك بال‬
‫والرجوع عن السلم‪ ,‬لجابوا إلى ذلك مبادرين‪ ,‬وما تأخروا عن الشرك إل يسيرًا‪.‬‬

‫سئُولً (‪)15‬‬
‫وََلقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللّ َه مِنْ َقبْ ُل ل ُيوَلّو َن الَ ْدبَا َر وَكَا َن َعهْدُ اللّ ِه مَ ْ‬

‫ولقيد كان هؤلء المنافقون عاهدوا ال على ييد رسيوله مين قبيل غزوة الخندق‪ ,‬ل يفرّون‬
‫إن شهدوا الحرب‪ ,‬ول يتأخرون إذا دعوا إلى الجهاد‪ ,‬ولكنهيم خانوا عهدهيم‪ ,‬وسييحاسبهم‬
‫ال على ذلك‪ ,‬ويسألهم عن ذلك العهد‪ ,‬وكان عهد ال مسؤول عنه‪ ,‬محاسَبًا عليه‪.‬‬

‫قُلْ لَ ْن َيْن َفعَكُ ْم اْلفِرَارُ ِإنْ َفرَ ْرتُ ْم مِ ْن الْ َموْتِ َأوْ الْ َقتْ ِل َوإِذا ل تُ َمّتعُونَ إِلّ َقلِيلً (‪)16‬‬
‫‪766‬‬
‫قيل ‪-‬أيهيا النيبي‪ -‬لهؤلء المنافقيين‪ :‬لن ينفعكيم الفرار مين المعركية خوفًا مين الموت أو‬
‫القتيل; فإن ذلك ل يؤخير آجالكيم‪ ,‬وإن فررتيم فلن تتمتعوا فيي هذه الدنييا إل بقدر أعماركيم‬
‫المحدودة‪ ,‬وهو زمن يسير جدًا بالنسبة إلى الخرة‪.‬‬

‫قُ ْل مَ نْ ذَا الّذِي َيعْ صِ ُمكُ ْم مِ نْ اللّ هِ إِ نْ أَرَا َد ِبكُ مْ سُوءا َأوْ أَرَا َد ِبكُ مْ َرحْ َم ًة وَل يَجِدُو نَ َلهُ ْم مِ نْ دُو نِ اللّ هِ‬
‫وَِليّا وَل َنصِيا (‪)17‬‬

‫قيل ‪-‬أيهيا النيبي‪ -‬لهيم‪ :‬مَن ذا الذي يمنعكيم مين ال‪ ,‬أو يجيركيم مِن عذابيه‪ ,‬إن أراد بكيم‬
‫سيوءًا‪ ,‬أو أراد بكيم رحمية‪ ,‬فإنيه المعطيي المانيع الضا ّر النافيع؟ ول يجيد هؤلء المنافقون‬
‫لهم من دون ال وليّا يواليهم‪ ,‬ول نصيرًا ينصرهم‪.‬‬

‫ي ِمْنكُ ْم وَالْقَائِلِيَ لِ ْخوَاِنهِ ْم هَلُمّ إَِلْينَا وَل َي ْأتُو َن الَْبأْسَ إِلّ َقلِيلً (‪)18‬‬
‫قَ ْد َيعْلَمُ اللّ ُه الْ ُم َعوّقِ َ‬

‫إن ال يعلم المثبطين عن الجهاد في سبيل ال‪ ,‬والقائلين لخوانهم‪ :‬تعالوا وانضموا إلينا‪,‬‬
‫واتركوا محمدًا‪ ,‬فل تشهدوا معه قتال؛ فإنا نخاف عليكم الهلك بهلكه‪ ,‬وهم مع تخذيلهم‬
‫هذا ل يأتون القتال إل نادرًا؛ رياء وسمعة وخوف الفضيحة‪.‬‬

‫ك تَدُورُ َأعُْيُنهُ مْ كَالّذِي ُيغْشَى عََليْ ِه مِ ْن الْ َموْ تِ فَإِذَا‬ ‫خوْ فُ َرأَْيَتهُ ْم َينْظُرُو نَ إَِليْ َ‬
‫ح ًة عََلْيكُ مْ َفإِذَا جَا َء الْ َ‬
‫َأشِ ّ‬
‫خيْرِ ُأوَْلئِكَ لَ ْم ُيؤْ ِمنُوا َفأَ ْحبَطَ اللّهُ َأعْمَاَلهُ ْم وَكَانَ ذَلِكَ‬
‫ح ًة عَلَى الْ َ‬
‫سَنةٍ حِدَادٍ َأشِ ّ‬ ‫خوْفُ سََلقُوكُ ْم ِبأَلْ ِ‬ ‫ب الْ َ‬‫َذهَ َ‬
‫عَلَى اللّ ِه يَسِيا (‪)19‬‬

‫ُبخَلء عليكم ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬بالمال والنفس والجهد والمودة لما في نفوسهم من العداوة‬
‫والحقد؛ حبًا في الحياة وكراهة للموت‪ ,‬فإذا حضر القتال خافوا الهلك ورأيتهم ينظرون‬
‫إليك‪ ,‬تدور أعينهم لذهاب عقولهم؛ خوفًا من القتل وفرارًا منه كدوران عين مَن حضره‬
‫الموت‪ ,‬فإذا انتهت الحرب وذهب الرعب رموكم بألسنة حداد مؤذية‪ ,‬وتراهم عند قسمة‬
‫الغنائم بخلء وحسييدة‪ ,‬أولئك لم يؤمنوا بقلوبهييم‪ ,‬فأذهييب ال ثواب أعمالهييم‪ ,‬وكان ذلك‬
‫على ال يسيرًا‪.‬‬

‫سأَلُونَ عَنْ َأْنبَائِكُمْ‬


‫ب يَ ْ‬
‫سبُو َن الَحْزَابَ لَ ْم يَ ْذ َهبُوا َوإِنْ َيأْتِ الَ ْحزَابُ َيوَدّوا َلوْ َأّنهُمْ بَادُونَ فِي الَعْرَا ِ‬
‫يَحْ َ‬
‫وََلوْ كَانُوا فِيكُ ْم مَا قَاتَلُوا إِلّ َقلِيلً (‪)20‬‬

‫‪767‬‬
‫يظين المنافقون أن الحزاب الذيين هزمهيم ال تعالى شير هزيمية لم يذهبوا؛ ذلك مين شدة‬
‫الخوف والجبييين‪ ,‬ولو عاد الحزاب إلى "المدينييية" لتمنّىييي أولئك المنافقون أنهيييم كانوا‬
‫غائبين عن "المدينة" بين أعراب البادية‪ ,‬يستخبرون عن أخباركم ويسألون عن أنبائكم‪,‬‬
‫ولو كانوا فيكم ما قاتلوا معكم إل قليل لكثرة جبنهم وذلتهم وضعف يقينهم‪.‬‬

‫سَنةٌ لِ َمنْ كَانَ يَ ْرجُو اللّ َه وَاْلَي ْومَ ال ِخ َر وَذَكَرَ اللّهَ َكثِيا (‪)21‬‬
‫َلقَدْ كَانَ َلكُمْ فِي َرسُولِ اللّهِ ُأ ْس َوةٌ حَ َ‬

‫لقيد كان لكيم ‪-‬أيهيا المؤمنون‪ -‬فيي أقوال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وأفعاله وأحواله‬
‫قدوة حسنة تتأسون بها‪ ,‬فالزموا سنته‪ ,‬فإنما يسلكها ويتأسى بها مَن كان يرجو ال واليوم‬
‫الخر‪ ,‬وأكثرَ مِن ذكر ال واستغفاره‪ ,‬وشكره في كل حال‪.‬‬

‫وَلَمّا َرأَى الْ ُم ْؤمِنُو َن الَحْزَا بَ قَالُوا هَذَا مَا َوعَ َدنَا اللّ ُه وَرَسُولُهُ وَصَ َدقَ اللّ ُه َورَ سُولُ ُه َومَا زَا َدهُمْ إِلّ ِإيَانا‬
‫َوتَسْلِيما (‪)22‬‬

‫ولمّاي شاهييد المؤمنون الحزاب الذييين تحزّبوا حول "المدينيية" وأحاطوا بهييا‪ ,‬تذكروا أن‬
‫موعد النصر قد قرب‪ ,‬فقالوا‪ :‬هذا ما وعدنا ال ورسوله‪ ,‬من البتلء والمحنة والنصر‪,‬‬
‫فأنجيز ال وعده‪ ,‬وصيدق رسيوله فيميا بشّري بيه‪ ,‬وميا زادهيم النظير إلى الحزاب إل إيمانًا‬
‫بال وتسليمًا لقضائه وانقيادًا لمره‪.‬‬

‫حبَ ُه َومِْنهُ ْم مَ ْن َيْنتَظِ ُر َومَا بَدّلُوا َتبْدِيلً‬


‫مِ ْن الْ ُم ْؤ ِمنِيَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللّ َه عََليْهِ فَ ِمْنهُ ْم مَنْ َقضَى نَ ْ‬
‫(‪)23‬‬

‫من المؤمنين رجال أوفوا بعهودهم مع ال تعالى‪ ,‬وصبروا على البأساء والضراء وحين‬
‫البأس‪ :‬فمنهييم ميين َوفّى ي بنذره‪ ،‬فاسييتشهد فييي سييبيل ال‪ ،‬أو مات على الصييدق والوفاء‪,‬‬
‫ومنهيم مَن ينتظير إحدى الحسينيين‪ :‬النصير أو الشهادة‪ ,‬وميا غيّروا عهيد ال‪ ,‬ول نقضوه‬
‫ول بدّلوه‪ ,‬كما غيّر المنافقون‪.‬‬

‫ب الْ ُمنَاِفقِيَ إِ ْن شَاءَ َأ ْو يَتُو بَ عََلْيهِ مْ ِإنّ اللّ هَ كَا نَ َغفُورا رَحِيما (‬
‫ي بِ صِدِْقهِ ْم َويُعَذّ َ‬
‫ِليَجْزِ يَ اللّ هُ ال صّادِقِ َ‬
‫‪)24‬‬

‫‪768‬‬
‫ليثييب ال أهيل الصيدق بسيبب صيدقهم وبلئهيم وهيم المؤمنون‪ ,‬ويعذب المنافقيين إن شاء‬
‫تعذيبهم‪ ,‬بأن ل يوفقهم للتوبة النصوح قبل الموت‪ ,‬فيموتوا على الكفر‪ ,‬فيستوجبوا النار‪,‬‬
‫أو يتوب عليهييم بأن يوفقهييم للتوبيية والنابيية‪ ,‬إن ال كان غفورًا لذنوب المسييرفين على‬
‫أنفسهم إذا تابوا‪ ,‬رحيمًا بهم; حيث وفقهم للتوبة النصوح‪.‬‬

‫ي اْلقِتَا َل وَكَانَ اللّهُ َق ِويّا عَزِيزا (‪)25‬‬


‫وَرَدّ اللّ ُه الّذِينَ َكفَرُوا ِبغَيْ ِظهِمْ َل ْم َينَالُوا َخيْرا وَ َكفَى اللّ ُه الْ ُم ْؤ ِمنِ َ‬

‫ور ّد ال أحزاب الكفر عن "المدينة" خائبين خاسرين مغتاظين‪ ,‬لم ينالوا خيرًا في الدنيا‬
‫ول فيي الخرة‪ ،‬وكفيى ال المؤمنيين القتال بميا أيدهيم بيه مين السيباب‪ .‬وكان ال قويًا ل‬
‫يُغالَب ول ُيقْهَر‪ ,‬عزيزًا في ملكه وسلطانه‪.‬‬

‫صيَاصِيهِ ْم وَقَذَ فَ فِي قُلُوِبهِ مْ ال ّرعْ بَ وَقَ َذ فَ فِي ُقلُوِبهِ مْ‬


‫ب مِ نْ َ‬
‫َوَأنْزَ َل الّذِي َن ظَاهَرُوهُ ْم مِ نْ َأهْلِ اْل ِكتَا ِ‬
‫ال ّرعْبَ فَرِيقا َت ْقتُلُو َن َوتَ ْأسِرُونَ فَرِيقا (‪)26‬‬

‫وأنزل ال يهود بنيي قريظية مين حصيونهم; لعانتهيم الحزاب فيي قتال المسيلمين‪ ,‬وألقيى‬
‫في قلوبهم الخوف فهُزموا‪ ,‬تقتلون منهم فريقًا‪ ,‬وتأسرون فريقًا آخر‪.‬‬

‫ضهُ ْم َو ِديَا َرهُ ْم َوَأمْوَاَلهُ ْم َوأَرْضا لَ ْم تَ َطئُوهَا وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُ ّل َشيْءٍ قَدِيرا (‪)27‬‬
‫َوَأوْ َرثَكُمْ أَرْ َ‬

‫وملّككييم ال ‪-‬أيهييا المؤمنون‪ -‬أرضهييم ومسيياكنهم وأموالهييم المنقولة كالحليّي والسييلح‬


‫والمواشييي‪ ,‬وغييير المنقولة كالمزارع والبيوت والحصييون المنيعيية‪ ,‬وأورثكييم أرضًا لم‬
‫تتمكنوا مِن وطئها من قبل؛ لمنعتها وعزتها عند أهلها‪ .‬وكان ال على كل شيء قديرًا‪ ,‬ل‬
‫يعجزه شيء‪.‬‬

‫حيَاةَ ال ّدنْيَا وَزِينَتَهَا َفَتعَالَيْ نَ ُأ َمّتعْكُنّ َوأُ سَرّ ْحكُنّ سَرَاحا‬


‫يَا َأيّهَا النّبِيّ قُلْ لَ ْزوَاجِ كَ إِ نْ ُكْنتُنّ تُرِدْ َن الْ َ‬
‫جَمِيلً (‪)28‬‬

‫يا أيها النبي قل لزواجك اللتي اجتمعن عليك‪ ,‬يطلبن منك زيادة النفقة‪ :‬إن كنتنّ تردن‬
‫الحياة الدنييا وزينتهيا فأق ِبلْنَي أمتعكنّ شيئًا مميا عندي مين الدنييا‪ ,‬وأفارقكنّ دون ضرر أو‬
‫إيذاء‪.‬‬

‫‪769‬‬
‫ت ِمْنكُنّ أَجْرا عَظِيما (‪)29‬‬
‫سنَا ِ‬
‫َوإِنْ ُكْنتُنّ ُترِ ْدنَ اللّ َه وَ َرسُولَهُ وَالدّارَ الخِ َرةَ فَِإنّ اللّهَ أَعَدّ ِللْمُحْ ِ‬

‫وإن كنتين تردْنَي رضيا ال ورضيا رسيوله وميا أع ّد ال لكُنّ فيي الدار الخرة‪ ,‬فاصيبرْ َ‬
‫ن‬
‫على ما أنتُنّ عليه‪ ,‬وأطعن ال ورسوله‪ ,‬فإن ال أعد للمحسنات منكنّ ثوابًا عظيمًا‪( .‬وقد‬
‫اخترن ال ورسوله‪ ,‬وما أع ّد ال لهن في الدار الخرة)‪.‬‬

‫ك عَلَى اللّ ِه يَ سِيا (‬


‫ض ْعفَيْ ِن وَكَا نَ ذَلِ َ‬
‫شةٍ ُمَبّيَنةٍ ُيضَاعَ فْ َلهَا اْلعَذَا بُ ِ‬
‫يَا نِ سَاءَ الّنبِيّ مَ ْن َيأْ تِ ِمْنكُنّ ِبفَاحِ َ‬
‫‪)30‬‬

‫ييا نسياء النيبي مَن يأت منكين بمعصيية ظاهرة يُضاعَف لهيا العذاب مرتيين‪ .‬فلميا كانيت‬
‫مكانتهين رفيعية ناسيب أن يجعيل ال الذنيب الواقيع منهين عقوبتيه مغلظية؛ صييانة لجنابهين‬
‫وجناب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬وكان ذلك العقاب على ال يسيرًا‪.‬‬

‫‪770‬‬
‫الزء الثان والعشرون ‪:‬‬

‫َومَ ْن َيقُْنتْ ِمْنكُنّ لِلّ ِه وَ َرسُولِ ِه َوَتعْمَلْ صَالِحا ُن ْؤِتهَا أَجْ َرهَا مَ ّرَتيْ ِن َوأَ ْعتَ ْدنَا َلهَا رِزْقا َكرِيا (‪)31‬‬

‫ومن تطع منكن ال ورسوله‪ ,‬وتعمل بما أمر ال به‪ ,‬نُعْطها ثواب عملها مثلَي ثواب عمل‬
‫غيرها من سائر النساء‪ ,‬وأعددنا لها رزقًا كريمًا‪ ,‬وهو الجنة‪.‬‬

‫ض وَقُلْ نَ‬
‫ضعْ َن بِاْلقَوْلِ َفيَ ْطمَ َع الّذِي فِي قَ ْلبِ هِ َمرَ ٌ‬
‫خَ‬‫ستُنّ َكأَحَ ٍد مِ ْن النّ سَاءِ إِ نْ اّتقَْيتُنّ فَل تَ ْ‬
‫يَا نِ سَاءَ الّنبِيّ لَ ْ‬
‫َقوْلً َمعْرُوفا (‪)32‬‬

‫ن فيي الفضل والمنزلة كغيركنّ من النسياء‪ ,‬إن عملتن بطاعة‬ ‫ييا نساء النبيّ ‪-‬محميد‪ -‬لسيت ّ‬
‫ال وابتعدتين عين معاصييه‪ ،‬فل تتحدثين ميع الجانيب بصيوت لَيّني يُطميع الذي فيي قلبيه‬
‫فجور ومرض فييي الشهوة الحرام‪ ،‬وهذا أدب واجييب على كييل امرأة تؤميين بال واليوم‬
‫الخر‪ ,‬وقُلن قول بعيدًا عن الريبة‪ ,‬ل تنكره الشريعة‪.‬‬

‫ج الْجَاهِِلّيةِ الُولَى َوأَقِ ْم َن الصّلةَ وَآتِيَ الزّكَا َة َوأَ ِطعْنَ اللّ َه وَرَسُولَهُ إِنّمَا‬‫وَقَرْنَ فِي ُبيُوتِكُنّ وَل َتبَرّجْ َن َتبَرّ َ‬
‫ت َويُ َطهّرَكُ ْم تَ ْطهِيا (‪)33‬‬ ‫يُرِيدُ اللّهُ ِليُ ْذ ِهبَ َعنْكُمْ الرّ ْجسَ َأهْلَ اْلَبيْ ِ‬

‫والْزَمْنَ بيوتكن‪ ,‬ول تخرجن منها إل لحاجة‪ ,‬ول تُظهرن محاسنكن‪ ,‬كما كان يفعل نساء‬
‫الجاهلية الولى في الزمنة السابقة على السلم‪ ,‬وهو خطاب للنساء المؤمنات في كل‬
‫عصر‪ .‬وأدّين ‪ -‬يا نساء النبي‪ -‬الصلة كاملة في أوقاتها‪ ,‬وأعطين الزكاة كما شرع ال‪,‬‬
‫وأطعن ال ورسوله في أمرهما ونهيهما‪ ,‬إنما أوصاكن ال بهذا؛ ليزكيكنّ‪ ,‬ويبعد عنكنّ‬
‫الذى والسوء والشر يا أهل بيت النبي ‪-‬ومنهم زوجاته وذريته عليه الصلة والسلم‪,-‬‬
‫ويطهّر نفوسكم غاية الطهارة‪.‬‬

‫حكْ َمةِ ِإنّ اللّهَ كَانَ لَطِيفا َخبِيا (‪)34‬‬


‫وَاذْكُ ْر َن مَا يُتْلَى فِي بُيُوِتكُنّ مِ ْن آيَاتِ اللّ ِه وَالْ ِ‬

‫واذكرن ميا يتلى فيي بيوتكين مين القرآن وحدييث الرسيول صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬واعملن‬
‫بيه‪ ,‬واقدُرْنيه حقّ َقدْره‪ ,‬فهيو مين نِعَم ال عليكين‪ ,‬إن ال كان لطيفًا بكنّ؛ إذ جعلكنّ فيي‬
‫البيوت التي تتلى فيها آيات ال والسنة‪ ,‬خبيرًا بكنّ إذ اختاركنّ لرسوله أزواجًا‪.‬‬
‫‪771‬‬
‫ت وَال صّابِرِي َن‬
‫ي وَال صّادِقَا ِ‬
‫ت وَال صّادِقِ َ‬
‫ت وَالْ ُم ْؤمِنِيَ وَالْ ُم ْؤ ِمنَا تِ وَاْلقَانِتِيَ وَاْلقَانِتَا ِ‬
‫ي وَالْمُ سِْلمَا ِ‬
‫ِإنّ الْمُ سِْلمِ َ‬
‫ت وَالْحَافِظِيَ‬ ‫ي وَالصهّائِمَا ِ‬‫هئِمِ َ‬‫ت وَالصّا‬ ‫ي وَالْ ُمتَصَهدّقَا ِ‬ ‫ت وَالْخَا ِشعِيَ وَالْخَا ِشعَاتِه وَالْ ُمتَصَهدّقِ َ‬ ‫وَالصهّابِرَا ِ‬
‫ت وَالذّاكِرِينَ اللّهَ َكثِيا وَالذّاكِرَاتِ َأعَدّ اللّهُ َلهُ ْم َم ْغفِ َرةً َوأَجْرا عَظِيما (‪)35‬‬ ‫فُرُو َج ُه ْم وَالْحَافِظَا ِ‬

‫إن المنقادييين لواميير ال والمنقادات‪ ,‬والمصيَدّقين والمصيدّقات والمطيعييين ل ورسييوله‬


‫والمطيعات‪ ,‬والصييادقين فييي أقوالهييم والصييادقات‪ ,‬والصييابرين عيين الشهوات وعلى‬
‫الطاعات وعلى المكاره والصييييابرات‪ ,‬والخائفييييين ميييين ال والخائفات‪ ,‬والمتصييييدقين‬
‫بالفرض والنّفْل والمتصيدقات‪ ,‬والصيائمين فيي الفرض والنّفْل والصيائمات‪ ,‬والحافظيين‬
‫فروجهيم عين الزنيى ومقدماتيه‪ ,‬وعين كشيف العورات والحافظات‪ ,‬والذاكريين ال كثيرًا‬
‫بقلوبهم وألسنتهم والذاكرات‪ ,‬أعدّ ال لهؤلء مغفرة لذنوبهم وثوابًا عظيمًا‪ ,‬وهو الجنة‪.‬‬

‫خيَ َرةُ مِ نْ َأمْ ِرهِ ْم َومَ ْن َيعْ صِ اللّ هَ‬


‫َومَا كَا نَ لِ ُم ْؤمِ ٍن وَل ُم ْؤ ِمَنةٍ ِإذَا َقضَى اللّ ُه وَرَ سُولُهُ َأمْرا أَ ْن يَكُو نَ َلهُ مْ الْ ِ‬
‫وَ َرسُولَهُ َفقَدْ ضَلّ ضَل ًل ُمبِينا (‪)36‬‬

‫ول ينبغيي لمؤمين ول مؤمنية إذا حكيم ال ورسيوله فيهيم حُكمًا أن يخالفوه‪ ,‬بأن يختاروا‬
‫غير الذي قضى فيهم‪ .‬ومن يعص ال ورسوله فقد بَعُدَ عن طريق الصواب بُعْدًا ظاهرًا‪.‬‬

‫خفِي فِي َنفْ سِكَ مَا اللّ ُه‬


‫ك وَاتّ قِ اللّ َه َوتُ ْ‬
‫ك عََليْ كَ َزوْجَ َ‬
‫ت عََليْ هِ َأمْ سِ ْ‬
‫َوإِ ْذ َتقُولُ لِلّذِي َأْنعَ مَ اللّ ُه عََليْ ِه َوأَْنعَمْ َ‬
‫ُمبْدِي هِ َوتَخْشَى النّا سَ وَاللّ هُ أَحَقّ أَ ْن تَخْشَا هُ فَلَمّا قَضَى َزيْ ٌد ِمْنهَا َوطَرا َزوّ ْجنَاكَهَا ِلكَ ْي ل يَكُو نَ عَلَى‬
‫ضوْا ِمْنهُ ّن وَطَرا وَكَانَ َأمْرُ اللّ ِه َم ْفعُولً (‪)37‬‬ ‫الْ ُم ْؤمِنِيَ حَ َرجٌ فِي أَ ْزوَاجِ َأ ْدعِيَاِئهِمْ إِذَا َق َ‬

‫وإذ تقول ‪-‬أيها النبي‪ -‬للذي أنعم ال عليه بالسلم ‪-‬وهو زيد بن حارثة الذي أعتقه وتبنّاه‬
‫النيبيّ صيلى ال علييه وسيلم‪ -‬وأنعميت علييه بالعتيق‪ :‬أَبْقِي زوجيك زينيب بنيت جحيش ول‬
‫تطلقها‪ ,‬واتق ال يا زيد‪ ,‬وتخفي ‪-‬يا محمد‪ -‬في نفسك ما أوحى ال به إليك من طلق زيد‬
‫لزوجيه وزواجيك منهيا‪ ,‬وال تعالى مظهير ميا أخفييت‪ ,‬وتخاف المنافقيين أن يقولوا‪ :‬تزوج‬
‫محميد مطلقية متبناه‪ ,‬وال تعالى أحيق أن تخافيه‪ ,‬فلميا قضيى زييد منهيا حاجتيه‪ ,‬وطلقهيا‪,‬‬
‫وانقضيت عدتهيا‪ ,‬زوجناكهيا; لتكون أسيوة فيي إبطال عادة تحرييم الزواج بزوجية المتبنيى‬
‫بعيد طلقهيا‪ ,‬ول يكون على المؤمنيين إثيم وذنيب فيي أن يتزوجوا مين زوجات مين كانوا‬
‫يتبنّوْنهييم بعييد طلقهيين إذا قضوا منهيين حاجتهييم‪ .‬وكان أميير ال مفعول ل عائق له ول‬
‫مانع‪.‬‬

‫‪772‬‬
‫مَا كَا نَ عَلَى النِّبيّ مِ نْ حَ َر جٍ فِيمَا َفرَ ضَ اللّ هُ لَ هُ ُسّنةَ اللّ هِ فِي الّذِي نَ خََلوْا مِ نْ َقبْ ُل وَكَا نَ َأمْرُ اللّ هِ قَدَرا‬
‫َمقْدُورا (‪)38‬‬

‫ميا كان على النيبيّ محميد صيلى ال علييه وسيلم مين ذنيب فيميا أحلّ ال له مين زواج امرأة‬
‫خلَوا من قبل‪ ,‬وكان أمر‬
‫مَن تبنّاه بعد طلقها‪ ,‬كما أباحه للنبياء قبله‪ ,‬سنة ال في الذين َ‬
‫ال قدرًا مقدورًا ل بد من وقوعه‪.‬‬

‫ش ْونَ َأحَدا إِلّ اللّهَ وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيبا (‪)39‬‬


‫ش ْونَهُ وَل يَخْ َ‬
‫الّذِي َن يُبَّلغُونَ ِرسَالتِ اللّهِ َويَخْ َ‬

‫ت ال إلى‬
‫ثيم ذكير سيبحانه النيبياء الماضيين وأثنيى عليهيم بأنهيم‪ :‬الذيين يُ َبلّغون رسيال ِ‬
‫الناس‪ ,‬ويخافون ال وحده‪ ,‬ول يخافون أحدًا سيواه‪ .‬وكفيى بال محاسيبًا عباده على جمييع‬
‫أعمالهم ومراقبًا لها‪.‬‬

‫ي وَكَانَ اللّ ُه ِبكُ ّل َشيْءٍ عَلِيما (‪)40‬‬


‫حمّدٌ َأبَا أَحَ ٍد مِنْ رِجَاِلكُ ْم وََلكِنْ َرسُولَ اللّ ِه وَخَاتَ َم النِّبيّ َ‬
‫مَا كَانَ مُ َ‬

‫ما كان محمد أبًا لحد من رجالكم‪ ,‬ولكنه رسول ال وخاتم النبيين‪ ,‬فل نبوة بعده إلى يوم‬
‫القيامة‪ .‬وكان ال بكل شيء من أعمالكم عليمًا‪ ,‬ل يخفى عليه شيء‪.‬‬

‫يَا َأيّهَا الّذِينَ آ َمنُوا اذْكُرُوا اللّهَ ذِكْرا َكثِيا (‪َ )41‬و َسبّحُو ُه ُبكْ َرةً َوأَصِيلً (‪)42‬‬

‫ييييا أيهيييا الذيييين صييَدّقوا ال ورسيييوله وعملوا بشرعيييه‪ ,‬اذكروا ال بقلوبكيييم وألسييينتكم‬
‫وجوارحكيم ذِكْرًا كثيرًا‪ ,‬واشغلوا أوقاتكيم بذكير ال تعالى عنيد الصيباح والمسياء‪ ,‬وأدبار‬
‫الصيلوات المفروضات‪ ,‬وعند العوارض والسيباب‪ ,‬فإن ذلك عبادة مشروعية‪ ,‬تدعيو إلى‬
‫محبة ال‪ ,‬وكف اللسان عن الثام‪ ,‬وتعين على كل خير‪.‬‬

‫ُهوَ الّذِي ُيصَلّي عََليْكُ ْم َومَلئِ َكتُهُ ِليُخْ ِر َجكُ ْم مِنْ الظّلُمَاتِ إِلَى النّو ِر وَكَانَ بِالْ ُم ْؤ ِمنِيَ َرحِيما (‪)43‬‬

‫هييو الذي يرحمكييم ويثنييي عليكييم وتدعييو لكييم ملئكتييه؛ ليخرجكييم ميين ظلمات الجهييل‬
‫والضلل إلى نور السييلم‪ ,‬وكان بالمؤمنييين رحيمًا فييي الدنيييا والخرة‪ ,‬ل يعذبهييم مييا‬
‫داموا مطيعين مخلصين له‪.‬‬

‫‪773‬‬
‫حّيُتهُمْ َيوْ َم يَ ْل َق ْونَهُ سَل ٌم َوأَعَدّ َلهُمْ أَجْرا كَرِيا (‪)44‬‬
‫تَ ِ‬

‫تحيية هؤلء المؤمنيين مين ال فيي الجنية يوم يلقونيه سيلم‪ ,‬وأمان لهيم مين عذاب ال‪ ,‬وقيد‬
‫أعدّ لهم ثوابًا حسنًا‪ ,‬وهو الجنة‪.‬‬

‫يَا َأيّهَا النِّبيّ إِنّا أَ ْرسَ ْلنَا َك شَاهِدا َو ُمبَشّرا َونَذِيرا (‪َ )45‬ودَاعِيا إِلَى اللّ ِه بِإِ ْذنِ ِه َوسِرَاجا ُمنِيا (‪)46‬‬

‫ييا أيهيا النيبي إنّاي أرسيلناك شاهدًا على أمتيك بإبلغهيم الرسيالة‪ ,‬ومبشرًا المؤمنيين منهيم‬
‫بالرحمية والجنيية‪ ,‬ونذيرًا للعصيياة والمكذبيين مين النار‪ ,‬وداعيًا إلى توحيييد ال وعبادتيه‬
‫وحده بأمره إياك‪ ,‬وسيراجًا منيرًا لمين اسيتنار بيك‪ ,‬فأمْرك ظاهير فيميا جئتَي بيه مين الحيق‬
‫كالشمس في إشراقها وإضاءتها‪ ,‬ل يجحدها إل معاند‪.‬‬

‫ي ِبَأنّ َلهُ ْم مِنْ اللّهِ َفضْلً َكبِيا (‪)47‬‬


‫َوبَشّ ْر الْ ُم ْؤمِنِ َ‬

‫و َبشّر ‪-‬أيها النبي‪ -‬أهل اليمان بأن لهم من ال ثوابًا عظيمًا‪ ,‬وهو روضات الجنات‪.‬‬

‫ي َو َدعْ َأذَاهُ ْم َوَتوَكّ ْل عَلَى اللّ ِه وَ َكفَى بِاللّ ِه وَكِيلً (‪)48‬‬


‫وَل تُطِ ْع الْكَاِفرِينَ وَالْ ُمنَاِفقِ َ‬

‫ول تطيع ‪-‬أيهيا الرسيول‪ -‬قول كافيير أو منافييق واترك أذاهيم‪ ,‬ول يمنعيك ذلك مين تبليييغ‬
‫الرسالة‪ ,‬وثق بال في كل أمورك واعتمد عليه؛ فإنه يكفيك ما أهمّك من كل أمور الدنيا‬
‫والخرة‪.‬‬

‫حتُ ْم الْ ُم ْؤ ِمنَا تِ ثُمّ طَّل ْقتُمُوهُنّ مِ نْ َقبْلِ أَ نْ تَمَ سّوهُنّ َفمَا َلكُ ْم عََلْيهِنّ مِ ْن عِ ّدةٍ‬
‫يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا إِذَا َنكَ ْ‬
‫َتعْتَدّوَنهَا فَ َمّتعُوهُ ّن َوسَرّحُوهُ ّن َسرَاحا جَمِيلً (‪)49‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬إذا عقدتم على النساء ولم تدخلوا بهن‬
‫ثييم طلقتموهيين مِين قبييل أن تجامعوهيين‪ ,‬فمييا لكييم عليهيين مِين عدّة تحصييونها عليهيين‪,‬‬
‫فأعطوهن من أموالكم متعة يتمتعن بها بحسب الوسع جبرًا لخواطرهن‪ ,‬وخلّوا سبيلهن‬
‫مع الستر الجميل‪ ,‬دون أذى أو ضرر‪.‬‬

‫‪774‬‬
‫ك َوبَنَا ِ‬
‫ت‬ ‫ك مِمّا أَفَاءَ اللّ ُه عََليْ َ‬‫لتِي آَتيْتَ أُجُو َرهُنّ َومَا مََلكَتْ يَمِينُ َ‬ ‫ك ال ّ‬‫يَا َأيّهَا النِّبيّ إِنّا أَ ْحلَ ْلنَا لَكَ أَ ْزوَاجَ َ‬
‫سهَا‬
‫ك اللّتِي هَا َجرْنَ َمعَكَ وَامْ َرَأةً ُم ْؤ ِمَنةً إِنْ وَ َهبَتْ َنفْ َ‬ ‫ك َوبَنَاتِ خَالِكَ َوبَنَاتِ خَالتِ َ‬ ‫ت عَمّاتِ َ‬ ‫ك َوبَنَا ِ‬ ‫عَمّ َ‬
‫ضنَا عََلْيهِمْ فِي أَ ْزوَا ِجهِمْ‬ ‫ك مِ نْ دُونِ الْ ُم ْؤ ِمنِيَ قَ ْد عَِل ْمنَا مَا فَرَ ْ‬
‫صةً لَ َ‬
‫حهَا خَالِ َ‬
‫ستَنكِ َ‬ ‫لِلّنبِيّ إِنْ أَرَادَ الّنبِيّ أَنْ يَ ْ‬
‫ج وَكَانَ اللّ ُه َغفُورا َرحِيما (‪)50‬‬ ‫َومَا َمَلكَتْ َأيْمَاُنهُمْ ِلكَيْل يَكُونَ عََليْكَ َحرَ ٌ‬

‫يا أيها النبي إنّا أ َبحْنا لك أزواجك اللتي أعطيتهن مهورهن‪ ,‬وأ َبحْنا لك ما َملَكَ تْ يمينك‬
‫من الماء‪ ,‬مما أنعم ال به عليك‪ ,‬وأبحنا لك الزواج من بنات عمك وبنات عماتك وبنات‬
‫خالك وبنات خالتيك اللتيي هاجرن معيك‪ ,‬وأبحنيا لك امرأة مؤمنية مَ َنحَتْي نفسيها لك مين‬
‫غيير مهير‪ ,‬إن كنيت ترييد الزواج منهيا خالصية لك‪ ,‬ولييس لغيرك أن يتزوج امرأة بالهِبَة‪.‬‬
‫قد علمنا ما أوجبنا على المؤمنين في أزواجهم وإمائهم بأل يتزوجوا إل أربع نسوة‪ ,‬وما‬
‫شاؤوا مين الماء‪ ,‬واشتراط الوليّ والمهير والشهود عليهيم‪ ,‬ولكنيا رخصينا لك فيي ذلك‪,‬‬
‫ووسّيعْنا علييك ميا لم يُوسيّع على غيرك؛ لئل يضييق صيدرك فيي نكاح مَن نكحيت مِن‬
‫هؤلء الصناف‪ .‬وكان ال غفورًا لذنوب عباده المؤمنين‪ ,‬رحيمًا بالتوسعة عليهم‪.‬‬

‫ح عََليْ كَ ذَلِ كَ أَ ْدنَى أَ ْن‬


‫ت مِمّ ْن َعزَلْ تَ فَل ُجنَا َ‬
‫تُرْجِي مَ ْن تَشَا ُء ِمْنهُنّ َوُت ْؤوِي إَِليْ كَ مَ ْن تَشَا ُء َومَ ْن ابَْت َغيْ َ‬
‫ضوْ َن بِمَا آَتْيتَهُنّ ُكّلهُنّ وَاللّ هُ يَعَْل ُم مَا فِي ُقلُوبِكُ ْم وَكَا نَ اللّ ُه عَلِيما حَلِيما (‬‫ح َزنّ َويَرْ َ‬ ‫َتقَرّ َأعُْيُنهُنّ وَل يَ ْ‬
‫‪)51‬‬

‫طلَبْ َ‬
‫ت‬ ‫تؤخر مَن تشاء مِن نسائك في القَسْم في المبيت‪ ,‬وتضم إليك مَن تشاء منهن‪ ,‬ومَن َ‬
‫ممين أخّرت قَسيْمها‪ ,‬فل إثيم علييك فيي هذا‪ ,‬ذلك التخييير أقرب إلى أن يفرحين ول يحزنّ‪,‬‬
‫ويرضيين كلهين بميا قسيمت لهنّ‪ ,‬وال يعلم ميا فيي قلوب الرجال مِن مَيْلهيا إلى بعيض‬
‫النسياء دون بعيض‪ .‬وكان ال عليمًا بميا فيي القلوب‪ ,‬حليمًا ل يعجيل بالعقوبية على مين‬
‫عصاه‪.‬‬

‫سُنهُنّ إِ ّل مَا َمَلكَ تْ يَمِينُ كَ‬


‫جبَ كَ حُ ْ‬
‫ج وََلوْ أَعْ َ‬
‫ك النّ سَاءُ مِ ْن َبعْ ُد وَل أَ نْ تَبَدّلَ ِبهِنّ مِ نْ أَ ْزوَا ٍ‬
‫ل يَحِلّ لَ َ‬
‫وَكَانَ اللّ ُه عَلَى كُ ّل َشيْءٍ رَقِيبا (‪)52‬‬

‫ل يباح لك النسيياء ميين بعييد نسييائك اللتييي فييى عصييمتك‪ ,‬واللتييي أبحناهنّ لك (وهنّ‬
‫المذكورات فيي اليية السيابقة رقيم [‪ ]50‬مين هذه السيورة)‪ ,‬ومين كانيت فيي عصيمتك مين‬
‫النسياء المذكورات ل يحيل لك أن تطلّقهيا مسيتقبَل وتأتيي بغيرهيا بدل منهيا‪ ,‬ولو أعجبيك‬
‫جمالهيا‪ ,‬وأميا الزيادة على زوجاتيك مين غيير تطلييق إحداهين فل حرج علييك‪ ,‬وأميا ميا‬

‫‪775‬‬
‫ملكيت يمينيك مين الماء‪ ,‬فحلل لك منهين مين شئت‪ .‬وكان ال على كيل شييء رقيبًا‪ ,‬ل‬
‫يغيب عنه علم شيء‪.‬‬

‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ل تَدْخُلُوا ُبيُو تَ النِّبيّ إِلّ أَ ْن ُيؤْذَ نَ َلكُ مْ إِلَى َطعَا ٍم غَيْ َر نَاظِرِي نَ ِإنَا هُ وََلكِ نْ إِذَا ُدعِيتُ ْم‬
‫حيِ ِمْنكُ ْم وَاللّ هُ ل‬ ‫ستَ ْ‬ ‫حدِي ثٍ ِإنّ ذَِلكُ مْ كَا نَ ُيؤْذِي الّنبِيّ َفيَ ْ‬ ‫ستَ ْأنِسِيَ لِ َ‬
‫فَا ْدخُلُوا فَإِذَا َطعِ ْمتُ مْ فَانْتَشِرُوا وَل مُ ْ‬
‫حقّ َوإِذَا َسأَْلتُمُوهُنّ َمتَاعا فَا ْسأَلُوهُ ّن مِ ْن وَرَاءِ حِجَا بٍ ذَِلكُ مْ َأطْهَرُ ِلقُلُوبِكُ ْم وَقُلُوِبهِنّ َومَا‬ ‫ح ِي مِ ْن الْ َ‬
‫ستَ ْ‬
‫يَ ْ‬
‫كَا نَ َلكُ مْ أَ ْن ُتؤْذُوا رَ سُولَ اللّ ِه وَل أَ نْ َتْنكِحُوا أَ ْزوَاجَ هُ مِ ْن َبعْدِ هِ َأبَدا إِنّ ذَِلكُ مْ كَا نَ ِعنْدَ اللّ ِه عَظِيما (‬
‫‪)53‬‬

‫ييا أيهيا الذيين صيدّقوا ال ورسيوله وعملوا بشرعيه ل تدخلوا بيوت النيبي إل بإذنيه لتناول‬
‫طعام غييير منتظرييين نضجييه‪ ,‬ولكيين إذا دعيتييم فادخلوا‪ ,‬فإذا أكلتييم فانصييرفوا غييير‬
‫مسيتأنسين لحدييث بينكيم؛ فإن انتظاركيم واسيتئناسكم يؤذي النيبي‪ ,‬فيسيتحيي مين إخراجكيم‬
‫من البيوت مع أن ذلك حق له‪ ,‬وال ل يستحيي من بيان الحق وإظهاره‪ .‬وإذا سألتم نساء‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم حاجة من أواني البيت ونحوها فاسألوهن من وراء ستر؛‬
‫ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن من الخواطر التي تعرض للرجال في أمر النساء‪ ,‬وللنساء‬
‫فييي أميير الرجال؛ فالرؤييية سييبب الفتنيية‪ ,‬ومييا ينبغييي لكييم أن تؤذوا رسييول ال‪ ,‬ول أن‬
‫تتزوجوا أزواجيه مين بعيد موتيه أبدًا؛ لنهين أمهاتكيم‪ ,‬ول يحلّ للرجيل أن يتزوج أمّهي‪ ,‬إنّ‬
‫أذاكم رسول ال صلى ال عليه وسلم ونكاحكم أزواجه من بعده إثم عظيم عند ال‪( .‬وقد‬
‫امتثلت هذه المة هذا المر‪ ,‬واجتنبت ما نهى ال عنه منه)‪.‬‬

‫خفُوهُ فَِإنّ اللّهَ كَا َن بِكُ ّل َشيْ ٍء عَلِيما (‪)54‬‬


‫ِإنْ ُتبْدُوا َشيْئا َأ ْو تُ ْ‬

‫إن تُظْهِروا شيئًا على ألسينتكم ‪-‬أيهيا الناس‪ -‬مميا يؤذي رسيول ال مميا نهاكيم ال عنيه‪ ,‬أو‬
‫تخفوه فيي نفوسيكم‪ ,‬فإن ال تعالى يعلم ميا فيي قلوبكيم وميا أظهرتموه‪ ,‬وسييجازيكم على‬
‫ذلك‪.‬‬

‫ح عََلْيهِنّ فِي آبَاِئهِنّ وَل َأْبنَاِئهِنّ وَل إِ ْخوَاِنهِنّ وَل َأْبنَاءِ إِ ْخوَاِنهِنّ وَل َأبْنَاءِ أَ َخوَاِتهِنّ وَل نِ سَاِئهِنّ‬
‫ل ُجنَا َ‬
‫وَل مَا َمَلكَتْ َأيْمَاُنهُنّ وَاّتقِيَ اللّهَ ِإنّ اللّهَ كَا َن عَلَى كُ ّل َشيْ ٍء َشهِيدا (‪)55‬‬

‫ل إثييم على النسيياء فيي عدم الحتجاب مين آبائهين وأبنائهيين وإخوانهين وأبناء إخوانهيين‬
‫وأبناء أخواتهن والنساء المؤمنات والعبيد المملوكين لهن؛ لشدة الحاجة إليهم في الخدمة‪.‬‬

‫‪776‬‬
‫وخفن ال ‪-‬أيتها النساء‪ -‬أن تتعدّيْن ما حَدّ لكنّ‪ ,‬فتبدين من زينتكن ما ليس لكُنّ أن تبدينه‪,‬‬
‫أو تتركيين الحجاب أمام مَين يجييب عليكيين الحتجاب منييه‪ .‬إن ال كان على كييل شيييء‬
‫شهيدًا‪ ,‬يشهد أعمال العباد ظاهرها وباطنها‪ ,‬وسيجزيهم عليها‪.‬‬

‫ِإنّ اللّ َه َومَلئِ َكتَهُ ُيصَلّو َن عَلَى الّنبِ ّي يَا َأيّهَا الّذِينَ آ َمنُوا صَلّوا عََليْهِ َوسَلّمُوا تَسْلِيما (‪)56‬‬

‫إن ال تعالى يثنيي على النيبي صيلى ال علييه وسيلم عنيد الملئكية المقربيين‪ ,‬وملئكتيه‬
‫يثنون على النيبي ويدعون له‪ ,‬ييا أيهيا الذيين صيدّقوا ال ورسيوله وعملوا بشرعيه‪ ,‬صيلّوا‬
‫على رسيول ل‪ ,‬وسيلّموا تسيليمًا‪ ,‬تحيية وتعظيمًا له‪ .‬وصيفة الصيلة على النيبي صيلى ال‬
‫عليه وسلم ثبتت في السنة على أنواع‪ ,‬منها‪" :‬اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد‪ ,‬كما‬
‫صيليت على آل إبراهييم‪ ,‬إنيك حمييد مجييد‪ ,‬اللهيم بارك على محميد وعلى آل محميد‪ ,‬كميا‬
‫باركت على آل إبراهيم‪ ,‬إنك حميد مجيد"‪.‬‬

‫ِإنّ الّذِي َن ُيؤْذُونَ اللّ َه وَ َرسُولَهُ َل َعَنهُمْ اللّهُ فِي ال ّدْنيَا وَال ِخ َرةِ َوَأعَدّ َلهُ ْم عَذَابا ُمهِينا (‪)57‬‬

‫إن الذيييين يؤذون ال بالشرك أو غيره مييين المعاصيييي‪ ,‬ويؤذون رسيييول ال بالقوال أو‬
‫الفعال‪ ,‬أبعدهم ال وطردهم مِن كل خير في الدنيا والخرة‪ ,‬وأع ّد لهم في الخرة عذابًا‬
‫يذلهم ويهينهم‪.‬‬

‫ي وَالْ ُم ْؤ ِمنَاتِ بِ َغيْ ِر مَا ا ْكتَسَبُوا َفقَدِ ا ْحتَمَلُوا ُب ْهتَانا َوِإثْما ُمبِينا (‪)58‬‬
‫وَالّذِينَ ُيؤْذُو َن الْ ُم ْؤمِنِ َ‬

‫والذييين يؤذون المؤمنييين والمؤمنات بقول أو فعييل ميين غييير ذنييب عملوه‪ ,‬فقييد ارتكبوا‬
‫أفحش الكذب والزور‪ ,‬وأتوا ذنبًا ظاهر القبح يستحقون به العذاب في الخرة‪.‬‬

‫ك َونِسَاءِ الْ ُم ْؤ ِمنِيَ يُ ْدنِيَ عََلْيهِنّ مِ نْ جَلبِيِبهِنّ ذَلِكَ أَ ْدنَى أَ ْن ُيعْرَفْ نَ فَل‬
‫ك َوبَنَاتِ َ‬
‫يَا َأيّهَا النِّبيّ قُلْ لَ ْزوَاجِ َ‬
‫ُيؤْ َذيْ َن وَكَانَ اللّ ُه َغفُورا رَحِيما (‪)59‬‬

‫يا أيها النبي قل لزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يرخين على رؤوسهن ووجوههن من‬
‫أرديتهيين وملحفهيين؛ لسييتر وجوههيين وصييدورهن ورؤوسييهن; ذلك أقرب أن يميّزن‬
‫بالسيتر والصييانة‪ ,‬فل يُتعَرّض لهين بمكروه أو أذى‪ .‬وكان ال غفورًا رحيمًا حييث غفير‬
‫لكم ما سلف‪ ,‬ورحمكم بما أوضح لكم من الحلل والحرام‪.‬‬

‫‪777‬‬
‫َلئِ نْ لَ ْم َيْنتَ هِ الْ ُمنَاِفقُو َن وَالّذِي نَ فِي ُقلُوبِهِ ْم َمرَ ضٌ وَالْ ُمرْ ِجفُو نَ فِي الْمَدِيَنةِ َلُنغْ ِرَينّ كَ ِبهِ مْ ثُمّ ل ُيجَاوِرُونَ كَ‬
‫فِيهَا إِلّ قَلِيلً (‪ )60‬مَ ْلعُونِيَ َأيْنَمَا ُث ِقفُوا أُخِذُوا وَُقتّلُوا َت ْقتِيلً (‪)61‬‬

‫لئن لم يكفّ الذييين يضمرون الكفيير ويظهرون اليمان والذييين فييي قلوبهييم شييك وريبيية‪,‬‬
‫والذيين ينشرون الخبار الكاذبية فيي مدينية الرسيول صيلى ال علييه وسيلم عين قبائحهيم‬
‫وشرورهم‪ ,‬لنسلّطنّك عليهم‪ ,‬ثم ل يسكنون معك فيها إل زمنًا قليل‪ .‬مطرودين من رحمة‬
‫ال‪ ,‬فييي أي مكان ُوجِدوا فيييه أُسييِروا و ُقتّلوا تقتيل مييا داموا مقيمييين على النفاق ونشيير‬
‫الخبار الكاذبة بين المسلمين بغرض الفتنة والفساد‪.‬‬

‫سّنةِ اللّ ِه َتبْدِيلً (‪)62‬‬


‫جدَ لِ ُ‬
‫ُسّنةَ اللّهِ فِي الّذِينَ خََلوْا مِنْ َقبْ ُل وَلَ ْن تَ ِ‬

‫سنة ال وطريقته في منافقي المم السابقة أن يؤ سَروا و ُيقَتّلوا أينما كانوا‪ ,‬ولن تجد ‪-‬أيها‬
‫النبي‪ -‬لطريقة ال تحويل ول تغييرًا‪.‬‬

‫ك النّاسُ عَنْ السّا َعةِ ُقلْ ِإنّمَا عِلْ ُمهَا ِعنْدَ اللّ ِه َومَا يُ ْدرِيكَ َلعَلّ السّا َع َة تَكُونُ َقرِيبا (‪)63‬‬
‫سأَلُ َ‬
‫يَ ْ‬

‫يسألك الناس ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عن وقت القيامة استبعادًا وتكذيبًا‪ ,‬قل لهم‪ :‬إنما علم الساعة‬
‫عند ال‪ ,‬وما يدريك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لعل زمانها قريب؟‬

‫ِإنّ اللّ هَ َلعَ َن اْلكَافِرِي َن َوأَعَدّ َلهُ مْ َسعِيا (‪ )64‬خَالِدِي نَ فِيهَا َأبَدا ل يَجِدُو َن وَِليّا وَل نَ صِيا ( ‪َ )65‬يوْ مَ‬
‫ُتقَّلبُ وُجُو ُههُمْ فِي النّا ِر َيقُولُو َن يَا َليَْتنَا َأطَ ْعنَا اللّ َه َوأَ َط ْعنَا ال ّرسُولَ (‪)66‬‬

‫إن ال طرد الكافرييين ميين رحمتييه فييي الدنيييا والخرة‪ ,‬وأع ّد لهييم فييي الخرة نارًا موقدة‬
‫شديدة الحرارة‪ ,‬ماكثييين فيهييا أبدًا‪ ,‬ل يجدون وليّايي يتولهييم ويدافييع عنهييم‪ ,‬ول نصيييرًا‬
‫ينصيييرهم‪ ,‬فيخرجهيييم مييين النار‪ .‬يوم ُت َقلّب وجوه الكافريييين فيييي النار يقولون نادميييين‬
‫متحيّرين‪ :‬يا ليتنا أطعنا ال وأطعنا رسوله في الدنيا‪ ,‬فكنا من أهل الجنة‪.‬‬

‫ب وَالْ َعْنهُ مْ َلعْنا‬


‫ض ْع َفيْ نِ مِ ْن اْلعَذَا ِ‬
‫وَقَالُوا َرّبنَا ِإنّا َأ َط ْعنَا سَا َدتَنَا وَ ُكبَرَا َءنَا َفأَضَلّونَا ال سّبِيلَ (‪َ )67‬رّبنَا آِتهِ مْ ِ‬
‫َكبِيا (‪)68‬‬

‫‪778‬‬
‫وقال الكافرون يوم القياميية‪ :‬ربنييا إنييا أطَعْنييا أئمتنييا فييي الضلل وكبراءنييا فييي الشرك‪,‬‬
‫فأزالونا عن طريق الهُدى واليمان‪ .‬ربنا عذّبهم من العذاب مثلَ يْ عذابنا الذي تعذبنا به‪,‬‬
‫واطردهيم مين رحمتيك طردًا شديدًا‪ .‬وفيي هذا دلييل على أن طاعية غيير ال فيي مخالفية‬
‫أمره وأمييير رسيييوله‪ ,‬موجبييية لسيييخط ال وعقابيييه‪ ,‬وأن التابيييع والمتبوع فيييي العذاب‬
‫مشتركون‪ ,‬فليحذر المسلم ذلك‪.‬‬

‫يَا َأيّهَا الّذِينَ آ َمنُوا ل تَكُونُوا كَالّذِينَ آ َذوْا مُوسَى َفبَ ّرَأهُ اللّهُ مِمّا قَالُوا وَكَا َن عِنْدَ اللّ ِه وَجِيها (‪)69‬‬

‫ييا أيهيا الذيين صيدّقوا ال ورسيوله وعملوا بشرعيه ل تؤذوا رسيول ال بقول أو فعيل‪ ,‬ول‬
‫ي ال موسى‪ ,‬فبرّأه ال مما قالوا فيه من الكذب والزور‪ ,‬وكان‬
‫تكونوا أمثال الذين آذوا نب ّ‬
‫عند ال عظيم القدر والجاه‪.‬‬

‫يَا َأيّهَا الّذِينَ آ َمنُوا اّتقُوا اللّ َه وَقُولُوا َقوْ ًل سَدِيدا (‪)70‬‬

‫ييا أيهيا الذيين صيدّقوا ال ورسيوله وعملوا بشرعيه‪ ,‬اعملوا بطاعتيه‪ ،‬واجتنبوا معصييته؛‬
‫لئل تسييتحقوا بذلك العقاب‪ ,‬وقولوا فييي جميييع أحوالكييم وشؤونكييم قول مسييتقيمًا موافقًيا‬
‫للصواب خاليًا من الكذب والباطل‪.‬‬

‫ُيصْلِحْ َلكُمْ َأعْمَاَلكُمْ َويَ ْغفِرْ َلكُمْ ُذنُوَبكُ ْم َومَ ْن يُطِعْ اللّ َه وَ َرسُولَهُ َفقَدْ فَازَ َفوْزا عَظِيما (‪)71‬‬

‫إذا اتقيتييم ال وقلتييم قول سييديدًا أصييلح ال لكييم أعمالكييم‪ ,‬وغفيير ذنوبكييم‪ .‬وميين يطييع ال‬
‫ورسوله فيما أمر ونهى فقد فاز بالكرامة العظمى في الدنيا والخرة‪.‬‬

‫حمِ ْلَنهَا َوَأشْ َفقْ َن ِمْنهَا وَ َحمََلهَا ا ِلنْسَانُ ِإنّهُ‬


‫جبَالِ َفأََبيْنَ أَنْ يَ ْ‬
‫ض وَالْ ِ‬
‫ضنَا ا َلمَاَنةَ عَلَى السّ َموَاتِ وَالَرْ ِ‬
‫ِإنّا عَ َر ْ‬
‫كَانَ ظَلُوما َجهُولً (‪)72‬‬

‫إنا عرضنا المانة ‪-‬التي ائتمن ال عليها المكلّفين من امتثال الوامر واجتناب النواهي‪-‬‬
‫على السيموات والرض والجبال‪ ,‬فأبيين أن يحملنهيا‪ ,‬وخفين أن ل يقمين بأدائهيا‪ ,‬وحملهيا‬
‫النسان والتزم بها على ضعفه‪ ,‬إنه كان شديد الظلم والجهل لنفسه‪.‬‬

‫ت وَكَانَ‬
‫ت َوَيتُوبَ اللّ ُه عَلَى الْ ُم ْؤ ِمنِيَ وَالْ ُم ْؤ ِمنَا ِ‬
‫ت وَالْمُشْرِكِيَ وَالْمُشْرِكَا ِ‬
‫ِلُيعَذّبَ اللّهُ الْ ُمنَافِقِيَ وَالْ ُمنَاِفقَا ِ‬
‫‪779‬‬
‫اللّ ُه َغفُورا َرحِيما (‪)73‬‬

‫(وحميل النسيان المانية) ليعذب ال المنافقيين الذيين يُظهرون السيلم ويُخفون الكفير‪,‬‬
‫والمنافقات‪ ,‬والمشركيييين فيييي عبادة ال غيره‪ ,‬والمشركات‪ ,‬ويتوب ال على المؤمنيييين‬
‫والمؤمنات بستر ذنوبهم وترك عقابهم‪ .‬وكان ال غفورًا للتائبين من عباده‪ ,‬رحيمًا بهم‪.‬‬

‫‪ -34‬سورة سبأ‬

‫خبِيُ (‪)1‬‬
‫حكِي ُم الْ َ‬
‫ض وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الخِ َر ِة َو ُهوَ الْ َ‬
‫ت َومَا فِي الَ ْر ِ‬
‫الْحَمْدُ ِللّ ِه الّذِي لَ ُه مَا فِي السّ َموَا ِ‬

‫الثناء على ال بصييفاته التييي كلّهييا أوصيياف كمال‪ ،‬وبنعمييه الظاهرة والباطنيية‪ ،‬الدينييية‬
‫والدنيويية‪ ،‬الذي له ملك ميا فيي السيموات وميا فيي الرض‪ ,‬وله الثناء التام فيي الخرة‪,‬‬
‫وهو الحكيم في فعله‪ ,‬الخبير بشؤون خلقه‪.‬‬

‫ج ِمنْهَا َومَا يَنِ ُل مِنْ السّمَا ِء َومَا َيعْ ُرجُ فِيهَا َوهُوَ الرّحِي ُم اْل َغفُورُ (‪)2‬‬
‫ض َومَا َيخْ ُر ُ‬
‫َيعْلَ ُم مَا يَلِجُ فِي الَ ْر ِ‬

‫يعلم كيل ميا يدخيل فيي الرض مين قطرات الماء‪ ,‬وميا يخرج منهيا مين النبات والمعادن‬
‫والمياه‪ ,‬ومييا ينزل ميين السييماء ميين المطار والملئكيية والكتييب‪ ,‬ومييا يصييعد إليهييا ميين‬
‫الملئكية وأفعال الخلق‪ .‬وهيو الرحييم بعباده فل يعاجيل عصياتهم بالعقوبية‪ ,‬الغفور لذنوب‬
‫التائبين إليه المتوكلين عليه‪.‬‬

‫ب َعنْ ُه ِمْثقَالُ ذَ ّرةٍ فِي‬


‫ب ل َيعْزُ ُ‬
‫وَقَا َل الّذِي نَ َكفَرُوا ل َتأْتِينَا ال سّا َعةُ ُق ْل بَلَى وَ َربّ ي َلَت ْأتَِيّنكُ ْم عَالِ ِم الْ َغيْ ِ‬
‫جزِ يَ الّذِي نَ آ َمنُوا‬
‫ب ُمبِيٍ (‪ِ )3‬ليَ ْ‬
‫ك وَل أَ ْكبَرُ إِلّ فِي ِكتَا ٍ‬ ‫صغَ ُر مِ نْ ذَلِ َ‬ ‫ال سّ َموَاتِ وَل فِي الَرْ ضِ وَل أَ ْ‬
‫َوعَمِلُوا الصّالِحَاتِ ُأوَْلئِكَ َل ُه ْم َمغْفِ َرٌة وَرِ ْزقٌ َك ِريٌ (‪)4‬‬

‫وقال الكافرون المنكرون للبعيث‪ :‬ل تأتينيا القيامية‪ ,‬قيل لهيم ‪-‬أيهيا الرسيول‪ :-‬بلى وربيي‬
‫لتأتينّكم‪ ,‬ولكن ل يعلم وقت مجيئها أحد سوى ال علم الغيوب‪ ,‬الذي ل يغيب عنه وزن‬
‫نملة صيغيرة فيي السيموات والرض‪ ,‬ول أصيغر مين ذلك ول أكيبر إل هيو مسيطور فيي‬
‫كتاب واضيح‪ ,‬وهيو اللوح المحفوظ; ليثييب الذيين صيدّقوا بال‪ ,‬واتّبَعوا رسيوله‪ ,‬وعملوا‬
‫الصالحات‪ .‬أولئك لهم مغفرة لذنوبهم ورزق كريم‪ ,‬وهو الجنة‪.‬‬
‫‪780‬‬
‫ب مِنْ رِ ْجزٍ أَلِيمٌ (‪)5‬‬
‫وَالّذِينَ َس َعوْا فِي آيَاِتنَا ُمعَا ِجزِينَ ُأوْلَئِكَ َلهُ ْم عَذَا ٌ‬

‫والذيين سيعوا فيي الصيدّ عين سيبيل ال وتكذييب رسيله وإبطال آياتنيا مشاقيين ال مغالبيين‬
‫أمره‪ ,‬أولئك لهم أسوأ العذاب وأشده ألمًا‪.‬‬

‫ط اْلعَزِي ِز الْحَمِيدِ (‪)6‬‬


‫صرَا ِ‬
‫َويَرَى الّذِينَ أُوتُوا الْعِ ْل َم الّذِي أُنزِلَ إَِليْكَ مِنْ َربّكَ ُه َو الْحَ ّق َوَيهْدِي إِلَى ِ‬

‫ويعلم الذين أُعطوا العلم أن القرآن الذي أُنزل إليك من ربك هو الحق‪ ,‬ويرشد إلى طريق‬
‫ال‪ ,‬العزيييز الذي ل يغالَب ول يمانييع‪ ,‬بييل قهيير كييل شيييء وغلبييه‪ ,‬المحمود فييي أقواله‬
‫وأفعاله وشرعه‪.‬‬

‫وَقَا َل الّذِينَ َكفَرُوا هَ ْل نَدُّلكُ ْم عَلَى رَ ُج ٍل ُينَّبُئكُمْ ِإذَا ُمزّ ْقتُمْ كُ ّل مُمَ ّزقٍ ِإّنكُمْ َلفِي َخلْقٍ َجدِيدٍ (‪)7‬‬

‫وقال الذيين كفروا بعضهيم لبعيض اسيتهزاء‪ :‬هيل ندلكيم على رجيل (يريدون محمدًا صيلى‬
‫ال عليه وسلم) يخبركم أنكم إذا متم وتفرقت أجسامكم كل تفرّق‪ ,‬إنكم ستُحيون وتُبعثون‬
‫من قبوركم؟ قالوا ذلك مِن فرط إنكارهم‪.‬‬

‫أَافْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبا َأ ْم بِهِ ِجّنةٌ بَ ْل الّذِي َن ل ُي ْؤ ِمنُونَ بِال ِخ َرةِ فِي اْلعَذَابِ وَالضّللِ الَْبعِيدِ (‪)8‬‬

‫هذا الرجل أختلق على ال كذبًا أم به جنون‪ ,‬فهو يتكلم بما ل يدري؟ ليس المر كما قال‬
‫الكفار‪ ,‬بل محمد أصدق الصادقين‪ .‬والذين ل يصدقون بالبعث ول يعملون من أجله في‬
‫العذاب الدائم في الخرة‪ ,‬والضلل البعيد عن الصواب في الدنيا‪.‬‬

‫سقِطْ‬
‫ف ِبهِ مْ الَرْ ضَ َأ ْو نُ ْ‬
‫شأْ نَخْ سِ ْ‬
‫أَفَلَ ْم يَ َروْا إِلَى مَا َبيْ نَ َأيْدِيهِ مْ وَمَا َخ ْل َفهُ ْم مِ ْن ال سّمَا ِء وَالَرْ ضِ إِ ْن نَ َ‬
‫ك لَيةً ِلكُ ّل َعبْ ٍد ُمنِيبٍ (‪)9‬‬ ‫عََلْيهِمْ كِسَفا مِنْ السّمَاءِ ِإنّ فِي ذَلِ َ‬

‫أفلم ير هؤلء الكفار الذين ل يؤمنون بالخرة عظيم قدرة ال فيما بين أيديهم وما خلفهم‬
‫ميين السييماء والرض ممييا يبهيير العقول‪ ,‬وأنهمييا قييد أحاطتييا بهييم؟ إن نشييأ نخسييف بهييم‬
‫الرض‪ ,‬كميا فعلنيا بقارون‪ ,‬أو ننزل عليهيم قطعًا مين العذاب‪ ,‬كميا فعلنيا بقوم شعييب‪ ,‬فقيد‬
‫أمطرت السيماء عليهيم نارًا فأحرقتهيم‪ .‬إن فيي ذلك الذي ذكرنيا مين قدرتنيا لَدللة ظاهرة‬
‫لكل عبد راجع إلى ربه بالتوبة‪ ,‬ومقر له بتوحيده‪ ,‬ومخلص له في العبادة‪.‬‬
‫‪781‬‬
‫ضلً يَا ِجبَالُ َأ ّوبِي َمعَ ُه وَال ّطيْ َر َوأَلَنّا لَ ُه الْحَدِيدَ (‪)10‬‬
‫وََلقَ ْد آتَْينَا دَاوُو َد ِمنّا َف ْ‬

‫ولقيد آتينيا داود نبوة‪ ,‬وكتابًا وعلمًا‪ ,‬وقلنيا للجبال والطيير‪ :‬سيبّحي معيه‪ ,‬وألنّاي له الحدييد‪,‬‬
‫فكان كالعجين يتصرف فيه كيف يشاء‪.‬‬

‫َأنْ اعْمَ ْل سَاِبغَاتٍ وََقدّرْ فِي السّرْ ِد وَاعْمَلُوا صَالِحا ِإنّي بِمَا َتعْمَلُو َن َبصِيٌ (‪)11‬‬

‫حلَق الدروع‪ ,‬فل تعمييل الحلقيية‬


‫أن اعمييل دروعًيا تامات واسييعات وقدّر المسييامير فييي ِ‬
‫صيغيرة ف َتضْعُف‪ ,‬فل تقوى الدروع على الدفاع‪ ,‬ول تجعلهيا كيبيرة فتثقُل على لبسيها‪,‬‬
‫واعمل يا داود أنت وأهلك بطاعة ال‪ ,‬إني بما تعملون بصير ل يخفى عليّ شيء منها‪.‬‬

‫وَلِ سَُليْمَانَ الرّي َح غُ ُد ّوهَا َشهْ ٌر وَ َروَا ُحهَا َشهْ ٌر َوأَ سَ ْلنَا لَ ُه َعيْ َن اْلقِطْ ِر َومِ نْ الْجِنّ مَ ْن َيعْمَ ُل َبيْ َن يَ َديْ هِ بِِإذْ نِ‬
‫سعِيِ (‪)12‬‬ ‫غ ِمنْهُ ْم عَنْ َأمْ ِرنَا نُذِقْ ُه مِ ْن عَذَابِ ال ّ‬
‫َربّ ِه َومَ ْن يَ ِز ْ‬

‫وسيخّرنا لسيليمان الرييح تجري مين أول النهار إلى انتصيافه مسييرة شهير‪ ,‬ومين منتصيف‬
‫النهار إلى الليل مسيرة شهر بالسير المعتاد‪ ,‬وأسلنا له النحاس كما يسيل الماء‪ ,‬يعمل به‬
‫ما يشاء‪ ,‬وسخّرنا له من الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه‪ ,‬ومن يعدل منهم عن أمرنا‬
‫الذي أمرناه به من طاعة سليمان نذقه من عذاب النار المستعرة‪.‬‬

‫ت اعْمَلُوا آلَ دَاوُو َد ُشكْرا‬


‫جوَا بِ وَقُدُورٍ رَا سِيَا ٍ‬
‫َيعْمَلُو نَ لَ ُه مَا يَشَا ُء مِ ْن مَحَارِي بَ َوتَمَاثِي َل وَ ِجفَا نٍ كَاْل َ‬
‫شكُورُ (‪)13‬‬ ‫وَقَلِي ٌل مِ ْن ِعبَادِي ال ّ‬

‫يعميل الجين لسيليمان ميا يشاء مين مسياجد للعبادة‪ ,‬وصيور مين نحاس وزجاج‪ ,‬وقِصيَاع‬
‫كبيرة كالحواض التي يجتمع فيها الماء‪ ,‬وقدور ثابتات ل تتحرك من أماكنها لعظمهن‪,‬‬
‫وقلنيا ييا آل داود‪ :‬اعملوا شكرًا ل على ميا أعطاكيم‪ ,‬وذلك بطاعتيه وامتثال أمره‪ ,‬وقلييل‬
‫من عبادي من يشكر ال كثيرًا‪ ,‬وكان داود وآله من القليل‪.‬‬

‫سأَتَهُ فََلمّا َخ ّر َتبَّينَ تْ الْجِنّ أَ نْ َلوْ‬


‫ض َتأْكُ ُل مِن َ‬
‫ضيْنَا عََليْ ِه الْ َموْ تَ مَا دَّلهُ ْم عَلَى َموْتِ هِ إِلّ دَاّبةُ الَرْ ِ‬
‫فََلمّا َق َ‬
‫ب مَا َلِبثُوا فِي اْلعَذَابِ الْ ُمهِيِ (‪)14‬‬ ‫كَانُوا َيعْلَمُونَ اْل َغيْ َ‬

‫‪782‬‬
‫ل الجين على موتيه إل ال َرضَ ُة تأكيل عصياه التيي‬
‫فلميا قضينيا على سيليمان بالموت ميا د ّ‬
‫كان متكئًا عليها‪ ,‬فوقع سليمان على الرض‪ ,‬عند ذلك علمت الجن أنهم لو كانوا يعلمون‬
‫الغيب ما أقاموا في العذاب المذلّ والعمل الشاق لسليمان؛ ظنا منهم أنه من الحياء‪ .‬وفي‬
‫الييية إبطال لعتقاد بعييض الناس أن الجيين يعلمون الغيييب; إذ لو كانوا يعلمون الغيييب‬
‫لعلموا وفاة سليمان عليه السلم‪ ,‬ولما أقاموا في العذاب المهين‪.‬‬

‫سكَِنهِ ْم آَيةٌ َجّنتَا ِن عَ ْن يَمِيٍ َوشِمَالٍ كُلُوا مِ نْ رِزْ قِ َرّبكُ ْم وَا ْشكُرُوا لَ هُ بَلْ َدٌة طَّيَبةٌ‬
‫سبَإٍ فِي مَ ْ‬
‫َلقَدْ كَا نَ لِ َ‬
‫ب َغفُورٌ (‪)15‬‬ ‫وَرَ ّ‬

‫لقيد كان لقيبيلة سيبأ بيي "اليمين" فيي مسيكنهم دللة على قدرتنيا‪ :‬بسيتانان عين يميين وشمال‪,‬‬
‫كلوا مين رزق ربكيم‪ ,‬واشكروا له نعميه عليكيم; فإن بلدتكيم كريمية التربية حسينة الهواء‪,‬‬
‫وربكم غفور لكم‪.‬‬

‫ط َوأَثْ ٍل َو َشيْءٍ مِ نْ سِدْرٍ‬


‫جّنتَْيهِ مْ َجّنَتيْ نِ َذوَاتَى أُكُلٍ َخمْ ٍ‬
‫َفأَعْ َرضُوا َفأَرْ سَ ْلنَا عََلْيهِ مْ َسيْلَ الْعَرِ ِم َوبَدّْلنَاهُ ْم بِ َ‬
‫قَلِيلٍ (‪ )16‬ذَلِكَ َج َزيْنَاهُ ْم بِمَا َكفَرُوا َوهَلْ نُجَازِي إِ ّل الْ َكفُورَ (‪)17‬‬

‫فأعرضوا عن أمر ال وشكره وكذبوا الرسل‪ ,‬فأرسلنا عليهم السيل الجارف الشديد الذي‬
‫ي أكل خمط‪ ,‬وهو‬ ‫خرّب السد وأغرق البساتين‪ ,‬وبدّلناهم بجنتيهم المثمرتين جنتين ذواتَ ْ‬
‫الثمير المير الكرييه الطعيم‪ ,‬وأثْل وهيو شجير شيبيه بالطّرْفاء ل ثمير له‪ ,‬وقلييل مين شجير‬
‫النّبْق كثيير الشوك‪ .‬ذلك التبدييل مين خيير إلى شير بسيبب كفرهيم‪ ,‬وعدم شكرهيم نِعَمَي ال‪,‬‬
‫وما نعاقب بهذا العقاب الشديد إل الجَحود المبالغ في الكفر‪ ,‬يجازى بفعله مثل بمثل‪.‬‬

‫وَ َجعَ ْلنَا َبيَْنهُ ْم َوَبيْ َن الْقُرَى الّتِي بَارَ ْكنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِ َر ًة وَقَدّ ْرنَا فِيهَا السّيْرَ سِيُوا فِيهَا َليَالِي َوَأيّاما آمِنِيَ‬
‫(‪)18‬‬

‫وجعلنيا بيين أهيل "سيبأ" ‪-‬وهيم "باليمين"‪ -‬والقرى التيي باركنيا فيهيا ‪-‬وهيي "الشام"‪ -‬مُدنًا‬
‫متصيلة يُرى بعضهيا مين بعيض‪ ,‬وجعلنيا السيير فيهيا سييرًا مقدّرًا مين منزل إلى منزل ل‬
‫مشقة فيه‪ ,‬وقلنا لهم‪ :‬سيروا في تلك القرى في أيّ وقت شئتم من ليل أو نهار‪ ,‬آمنين ل‬
‫تخافون عدوّا‪ ,‬ول جوعًا ول عطشًا‪.‬‬

‫ث َومَزّ ْقنَاهُ مْ كُ ّل مُ َمزّ قٍ إِنّ فِي ذَلِ كَ‬


‫جعَ ْلنَاهُ مْ أَحَادِي َ‬
‫سهُمْ فَ َ‬
‫َفقَالُوا َربّنَا بَاعِدْ بَيْ نَ أَ ْسفَا ِرنَا وَظََلمُوا أَنفُ َ‬
‫‪783‬‬
‫صبّا ٍر َشكُورٍ (‪)19‬‬
‫ليَاتٍ ِلكُلّ َ‬

‫فبطغيانهيم ملّوا الراحية والمين ورغيد العييش‪ ,‬وقالوا‪ :‬ربنيا اجعيل قُرانيا متباعدة; ليبعيد‬
‫سييفرنا بينهييا‪ ,‬فل نجييد قرى عامرة فييي طريقنييا‪ ,‬وظلموا أنفسييهم بكفرهييم فأهلكناهييم‪,‬‬
‫وجعلناهم عبرًا وأحاديث لمن يأتي بعدهم‪ ,‬وفَرّقناهم كل تفريق وخربت بلدهم‪ ,‬إن فيما‬
‫حل "بسبأ" لَعبرة لكل صبّار على المكاره والشدائد‪ ,‬شكور لنعم ال تعالى‪.‬‬

‫ق عََلْيهِمْ ِإبْلِيسُ َظنّهُ فَاّتبَعُوهُ إِلّ فَرِيقا مِ ْن الْ ُم ْؤ ِمنِيَ (‪)20‬‬


‫وََلقَدْ صَ ّد َ‬

‫ولقيد ظين إبلييس ظنًا غيير يقيين أنيه سييضل بنيي آدم‪ ,‬وأنهيم سييطيعونه فيي معصيية ال‪,‬‬
‫فصدّق ظنه عليهم‪ ,‬فأطاعوه وعصوا ربهم إل فريقًا من المؤمنين بال‪ ,‬فإنهم ثبتوا على‬
‫طاعة ال‪.‬‬

‫َومَا كَانَ لَهُ عََلْيهِ ْم مِنْ سُلْطَانٍ إِلّ ِلَنعْلَ َم مَ ْن ُي ْؤمِ ُن بِال ِخ َرةِ مِمّ ْن ُه َو ِمنْهَا فِي شَكّ وَ َربّكَ عَلَى كُ ّل َشيْءٍ‬
‫َحفِيظٌ (‪)21‬‬

‫وما كان لبليس على هؤلء الكفار مِن قهر على الكفر‪ ,‬ولكن حكمة ال اقتضت تسويله‬
‫لبني آدم; ليظهر ما علمه سبحانه في الزل؛ لنميز مَن يصدّق بالبعث والثواب والعقاب‬
‫ممن هو في شك من ذلك‪ .‬وربك على كل شيء حفيظ‪ ,‬يحفظه ويجازي عليه‪.‬‬

‫ض َومَا َلهُمْ فِيهِمَا‬


‫ت وَل فِي الَرْ ِ‬
‫قُلْ ا ْدعُوا الّذِينَ َزعَ ْمتُ ْم مِنْ دُونِ اللّ ِه ل يَ ْمِلكُو َن ِمثْقَالَ ذَ ّرةٍ فِي السّ َموَا ِ‬
‫مِ ْن شِ ْر ٍك َومَا لَ ُه ِمْنهُ ْم مِ ْن َظهِيٍ (‪)22‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للمشركين‪ :‬ادعوا الذين زعمتموهم شركاء ل فعبدتموهم من دونه من‬
‫الصينام والملئكية والبشير‪ ,‬واقصيدوهم فيي حوائجكيم‪ ,‬فإنهيم لن يجيبوكيم‪ ,‬فهيم ل يملكون‬
‫وزن نملة صيغيرة فيي السيموات ول فيي الرض‪ ,‬ولييس لهيم شِرْكية فيهميا‪ ,‬ولييس ل مين‬
‫هؤلء المشركيين معيين على خلق شييء‪ ,‬بيل ال ‪-‬سيبحانه وتعالى‪ -‬هيو المتفرد باليجاد‪,‬‬
‫فهو الذي يُعْبَدُ وحده‪ ,‬ول يستحق العبادة أحد سواه‪.‬‬

‫ع عَ نْ ُقلُوبِهِ مْ قَالُوا مَاذَا قَالَ َرّبكُ مْ قَالُوا الْحَقّ َو ُهوَ‬


‫شفَا َع ُة ِعنْدَ هُ إِلّ لِمَ نْ َأذِ نَ لَ هُ َحتّى إِذَا فُزّ َ‬
‫وَل تَنفَ عُ ال ّ‬
‫الْعَِل ّي اْلكَبِيُ (‪)23‬‬
‫‪784‬‬
‫ول تنفع شفاعة الشافع عند ال تعالى إل لمن أذن له‪ .‬ومن عظمته وجلله عز وجل أنه‬
‫إذا تكلم سبحانه بالوحي فسمع أهل السموات كلمه أُرعدوا من الهيبة‪ ,‬حتى يلحقهم مثل‬
‫الغشيي‪ ,‬فإذا زال الفزع عين قلوبهيم سيأل بعضهيم بعضًا‪ :‬ماذا قال ربكيم؟ قالت الملئكية‪:‬‬
‫قال الحق‪ ,‬وهو العليّ بذاته وقهره وعلوّ قدْره‪ ,‬الكبير على كل شيء‪.‬‬

‫ت وَالَ ْرضِ ُقلْ اللّ ُه َوإِنّا َأوْ ِإيّاكُمْ َلعَلَى هُدًى َأوْ فِي ضَل ٍل ُمبِيٍ (‪)24‬‬
‫قُ ْل مَ ْن يَ ْرزُُقكُ ْم مِنْ السّ َموَا ِ‬

‫قيل ‪-‬أيهيا الرسيول‪ -‬للمشركيين‪ :‬مَن يرزقكيم مين السيموات بالمطير‪ ,‬ومين الرض بالنبات‬
‫والمعادن وغيير ذلك؟ فإنهيم ل بدّ أن ُيقِرّوا بأنيه ال‪ ,‬وإن لم ُيقِرّوا بذلك فقيل لهيم‪ :‬ال هيو‬
‫الرزاق‪ ,‬وإنّ أحيد الفريقيين منيا ومنكيم لعلى هدى متمكين منه‪ ,‬أو فيي ضلل بيّن منغميس‬
‫فيه‪.‬‬

‫سأَلُو َن عَمّا أَجْ َر ْمنَا وَل نُسْأَ ُل عَمّا َتعْمَلُونَ (‪)25‬‬


‫قُ ْل ل تُ ْ‬

‫قل‪ :‬ل تُسألون عن ذنوبنا‪ ,‬ول نُسأل عن أعمالكم; لننا بريئون منكم ومِن كفركم‪.‬‬

‫ح اْلعَلِيمُ (‪)26‬‬
‫جمَ ُع َبْينَنَا َرّبنَا ثُ ّم َيفْتَ ُح َبْينَنَا بِالْحَقّ وَ ُه َو اْلفَتّا ُ‬
‫قُ ْل يَ ْ‬

‫قيل‪ :‬ربنيا يجميع بيننيا وبينكيم يوم القيامية‪ ,‬ثيم يقضيي بيننيا بالعدل‪ ,‬وهيو الفتّاح الحاكيم بيين‬
‫خلقه‪ ,‬العليم بما ينبغي أن ُيقْضى به‪ ,‬وبأحوال خلقه‪ ,‬ل تخفى عليه خافية‪.‬‬

‫حكِيمُ (‪)27‬‬
‫ل بَ ْل ُهوَ اللّ ُه اْلعَزِي ُز الْ َ‬
‫ح ْقتُ ْم بِ ِه شُرَكَاءَ َك ّ‬
‫قُلْ أَرُونِي الّذِينَ أَلْ َ‬

‫قيل‪ :‬أرونيي بالحجية والدلييل الذيين ألحقتموهيم بال وجعلتموهيم شركاء له فيي العبادة‪ ,‬هيل‬
‫خلقوا شيئًا؟ ليس المير كما وصفوا‪ ,‬بل هو المعبود بحيق الذي ل شريك له‪ ,‬العزييز فيي‬
‫انتقامه ممن أشرك به‪ ،‬الحكيم في أقواله وأفعاله وتدبير أمور خلقه‪.‬‬

‫س بَشِيا َونَذِيرا وََلكِنّ أَ ْكثَ َر النّاسِ ل َيعْلَمُونَ (‪)28‬‬


‫َومَا أَ ْرسَ ْلنَاكَ إِلّ كَاّفةً لِلنّا ِ‬

‫وميا أرسيلناك ‪-‬أيهيا الرسيول‪ -‬إل للناس أجمعيين مبشرًا بثواب ال‪ ,‬ومنذرًا عقابيه‪ ,‬ولكين‬
‫أكثر الناس ل يعلمون الحق‪ ,‬فهم معرضون عنه‪.‬‬

‫‪785‬‬
‫َوَيقُولُونَ َمتَى هَذَا اْلوَعْدُ ِإنْ كُنتُمْ صَادِقِيَ (‪)29‬‬

‫ويقول هؤلء المشركون مسيتهزئين‪ :‬متيى هذا الوعيد الذي تَعِدوننيا أن يجمعنيا ال فييه‪ ,‬ثيم‬
‫يقضي بيننا‪ ,‬إن كنتم صادقين فيما تعدوننا به؟‬

‫ستَقْ ِدمُونَ (‪)30‬‬


‫سَتأْخِرُونَ َعنْ ُه سَاعَ ًة وَل تَ ْ‬
‫قُلْ َلكُ ْم مِيعَا ُد َي ْومٍ ل تَ ْ‬

‫قييل لهييم ‪-‬أيهييا الرسييول‪ :-‬لكييم ميعاد هييو آتيكييم ل محالة‪ ,‬وهييو ميعاد يوم القياميية‪ ,‬ل‬
‫تسييتأخرون عنييه سيياعة للتوبيية‪ ,‬ول تسييتقدمون سيياع ًة قبله للعذاب‪ .‬فاحذروا ذلك اليوم‪,‬‬
‫وأَعِدّوا له عدته‪.‬‬

‫وَقَا َل الّذِي نَ َكفَرُوا َل ْن ُنؤْمِ َن ِبهَذَا اْلقُرْآ ِن وَل بِالّذِي َبيْ َن يَ َديْ هِ وََل ْو تَرَى ِإذْ الظّالِمُو نَ َموْقُوفُو َن ِعنْدَ َرّبهِ مْ‬
‫ض ِعفُوا لِلّذِينَ ا ْسَتكْبَرُوا َلوْل أَْنتُمْ َل ُكنّا ُم ْؤ ِمنِيَ (‪)31‬‬‫ضهُمْ إِلَى َب ْعضٍ اْل َقوْ َل َيقُولُ الّذِي َن ا ْستُ ْ‬
‫يَرْ ِج ُع َبعْ ُ‬

‫وقال الذيييين كفروا‪ :‬لن نصيييدّق بهذا القرآن ول بالذي َتقَدّمَييه مييين التوراة والنجييييل‬
‫والزبور‪ ,‬فقييد كذّبوا بجميييع كتييب ال‪ .‬ولو ترى ‪-‬أيهييا الرسييول‪ -‬إذ الظالمون محبوسييون‬
‫عنيد ربهيم للحسياب‪ ,‬يتراجعون الكلم فيميا بينهيم‪ ,‬كيل ُيلْقيي بالعتاب على الخير‪ ,‬لرأييت‬
‫شيئًا فظيعيييا‪ ,‬يقول المسيييتضعفون للذيييين اسيييتكبروا ‪-‬وهيييم القادة والرؤسييياء الضالون‬
‫المضلون‪ :-‬لول أنتم أضللتمونا عن الهدى لكنا مؤمنين بال ورسوله‪.‬‬

‫ج ِرمِيَ (‬
‫ض ِعفُوا َأنَحْ نُ صَ َد ْدنَاكُ ْم عَ ْن اْلهُدَى بَعْدَ ِإذْ جَاءَكُ ْم بَلْ كُنتُ ْم مُ ْ‬
‫قَا َل الّذِي َن ا ْستَ ْكبَرُوا ِللّذِي َن ا سُْت ْ‬
‫‪)32‬‬

‫قال الرؤساء للذين استُضعِفوا‪ :‬أنحن منعناكم من الهدى بعد إذ جاءكم؟ بل كنتم مجرمين‬
‫إذ دخلتم في الكفر بإرادتكم مختارين‪.‬‬

‫جعَلَ لَ هُ أَندَادا‬
‫ض ِعفُوا لِلّذِي َن ا ْستَ ْكبَرُوا بَ ْل َمكْرُ الّليْ ِل وَالّنهَارِ إِ ْذ َتأْمُرُوَننَا أَ ْن َن ْكفُ َر بِاللّ ِه َونَ ْ‬
‫وَقَا َل الّذِي َن ا سُْت ْ‬
‫ج َزوْنَ إِ ّل مَا كَانُوا َيعْمَلُونَ‬ ‫ق الّذِينَ َكفَرُوا هَ ْل يُ ْ‬ ‫ب وَ َجعَ ْلنَا ا َلغْللَ فِي َأعْنَا ِ‬ ‫َوأَسَرّوا النّدَا َمةَ لَمّا َرَأوْا اْلعَذَا َ‬
‫(‪)33‬‬

‫‪786‬‬
‫وقال المسيتضعفون لرؤسيائهم فيي الضلل‪ :‬بيل تدبيركيم الشير لنيا فيي اللييل والنهار هيو‬
‫الذي أوقعنيا فيي التهلكية‪ ,‬فكنتيم تطلبون منيا أن نكفير بال‪ ,‬ونجعيل له شركاء فيي العبادة‪,‬‬
‫ل ميين الفريقييين الحسييرة حييين رأوا العذاب الذي أُع ّد لهييم‪ ,‬وجعلنييا الغلل فييي‬
‫وأسيرّ ُك ّ‬
‫أعناق الذيين كفروا‪ ,‬ل يعاقَبون بهذا العقاب إل بسيبب كفرهيم بال وعملهيم السييئات فيي‬
‫الدنيا‪ .‬وفي الية تحذير شديد من متابعة دعاة الضلل وأئمة الطغيان‪.‬‬

‫َومَا أَ ْر َس ْلنَا فِي َق ْرَيةٍ مِ ْن نَذِيرٍ إِلّ قَا َل ُمتْرَفُوهَا ِإنّا بِمَا أُ ْرسِ ْلتُ ْم بِهِ كَافِرُونَ (‪)34‬‬

‫وما أرسلنا في قرية من رسول يدعو الى توحيد ال وإفراده بالعبادة‪ ,‬إل قال المنغمسون‬
‫في اللذات والشهوات من أهلها‪ :‬إنّا بالذي جئتم به ‪-‬أيها الرسل‪ -‬جاحدون‪.‬‬

‫حنُ أَكْثَرُ َأ ْموَالً َوَأوْلدا َومَا نَحْ ُن بِ ُمعَ ّذبِيَ (‪)35‬‬


‫وَقَالُوا نَ ْ‬

‫وقالوا‪ :‬نحن أكثر منكم أموال وأولدًا‪ ,‬وال لم يعطنا هذه النعم إل لرضاه عنا‪ ,‬وما نحن‬
‫بمعذّبين في الدنيا ول في الخرة‪.‬‬

‫س ل َيعْلَمُونَ (‪)36‬‬
‫قُلْ ِإنّ َربّي َيبْسُطُ الرّ ْزقَ لِمَ ْن يَشَا ُء َوَيقْدِ ُر وََلكِنّ أَكْثَ َر النّا ِ‬

‫قيل لهيم ‪-‬أيهيا الرسيول‪ :-‬إن ربيي يوسيّع الرزق فيي الدنييا لمين يشاء مِن عباده‪ ,‬ويضيّقي‬
‫على مَين يشاء‪ ,‬ل لمحبيية ول لبغييض‪ ,‬ولكيين يفعييل ذلك اختبارًا‪ ,‬ولكيين أكثيير الناس ل‬
‫يعلمون أن ذلك اختبار لعباده؛ لنهم ل يتأملون‪.‬‬

‫وَمَا َأ ْموَاُلكُ ْم وَل َأوْلدُكُ ْم بِالّتِي ُتقَ ّرُبكُ ْم ِعنْدَنَا زُلْفَى إِ ّل مَ نْ آمَ َن َوعَمِلَ صَالِحا َفُأوَْلئِ كَ َلهُ مْ جَزَاءُ‬
‫ف بِمَا عَمِلُوا َوهُمْ فِي اْلغُرُفَاتِ آ ِمنُونَ (‪)37‬‬ ‫ضعْ ِ‬ ‫ال ّ‬

‫وليست أموالكم ول أولدكم بالتي تقربكم عندنا قربى‪ ,‬وترفع درجاتكم‪ ,‬لكن مَن آمن بال‬
‫وعميل صيالحًا فهؤلء لهيم ثواب الضعيف مين الحسينات‪ ,‬فالحسينة بعشير أمثالهيا إلى ميا‬
‫يشاء ال من الزيادة‪ ,‬وهم في أعالي الجنة آمنون من العذاب والموت والحزان‪.‬‬

‫حضَرُونَ (‪)38‬‬
‫ب مُ ْ‬
‫س َع ْونَ فِي آيَاتِنَا ُمعَا ِجزِينَ ُأوْلَئِكَ فِي اْلعَذَا ِ‬
‫وَالّذِينَ يَ ْ‬

‫‪787‬‬
‫والذيين يسيعون فيي إبطال حججنيا‪ ,‬ويصيدون عين سيبيل ال مشاقيين مغالبيين‪ ,‬هؤلء فيي‬
‫عذاب جهنم يوم القيامة‪ ,‬تحضرهم الزبانية‪ ,‬فل يخرجون منها‪.‬‬

‫خِلفُ ُه َو ُهوَ َخيْرُ‬


‫قُلْ إِنّ َربّ ي َيبْ سُطُ الرّزْ قَ لِمَ ْن يَشَاءُ مِ ْن ِعبَادِ ِه َوَيقْدِرُ لَ هُ وَمَا أَن َف ْقتُ ْم مِ ْن َشيْءٍ َف ُه َو يُ ْ‬
‫الرّازِقِيَ (‪)39‬‬

‫قيل ‪-‬أيهيا الرسيول‪ -‬لهؤلء المغتريين بالموال والولد‪ :‬إن ربيي يوسيّع الرزق على مَن‬
‫عطَيتيم مين شييء فيميا‬
‫يشاء مين عباده‪ ,‬ويضيّقيه على مَن يشاء؛ لحكمية يعلمهيا‪ ,‬ومهميا أَ ْ‬
‫أمركيم بيه فهيو يعوضيه لكيم فيي الدنييا بالبدل‪ ,‬وفيي الخرة بالثواب‪ ,‬وهيو ‪-‬سيبحانه‪ -‬خيير‬
‫الرازقين‪ ,‬فاطلبوا الرزق منه وحده‪ ,‬واسعَوا في السباب التي أمركم بها‪.‬‬

‫ش ُرهُمْ جَمِيعا ثُ ّم َيقُولُ ِللْمَلِئ َكةِ َأ َهؤُلءِ ِإيّاكُمْ كَانُوا َي ْعبُدُونَ (‪)40‬‬
‫َوَيوْ َم يَحْ ُ‬

‫واذكير ‪-‬أيهيا الرسيول‪ -‬يوم يحشير ال المشركيين والمعبوديين مين دونيه مين الملئكية‪ ,‬ثيم‬
‫يقول للملئكة على وجه التوبيخ لمن عبدهم‪ :‬أهؤلء إياكم كانوا يعبدون مِن دوننا؟‬

‫قَالُوا ُسبْحَانَكَ َأْنتَ وَِلّينَا مِنْ دُوِنهِ ْم بَلْ كَانُوا َيعْبُدُو َن الْجِنّ أَ ْكثَ ُرهُ ْم ِبهِ ْم ُمؤْ ِمنُونَ (‪)41‬‬

‫قالت الملئكية‪ :‬ننزهيك ييا أل عين أن يكون لك شرييك فيي العبادة‪ ,‬أنيت وليّنيا الذي نطيعيه‬
‫ونعبده وحده‪ ,‬بل كان هؤلء يعبدون الشياطين‪ ,‬أكثرهم بهم مصدقون ومطيعون‪.‬‬

‫ض َنفْعا وَل ضَرّا َوَنقُولُ لِلّذِي َن ظََلمُوا ذُوقُوا عَذَا بَ النّا ِر الّتِي كُنتُ مْ بِهَا‬
‫ضكُ مْ ِلبَعْ ٍ‬
‫فَاْلَيوْ مَ ل يَمْلِ كُ بَ ْع ُ‬
‫تُكَ ّذبُونَ (‪)42‬‬

‫ففيي يوم الحشير ل يملك المعبودون للعابديين نفعًا ول ضرّا‪ ,‬ونقول للذيين ظلموا أنفسيهم‬
‫بالشرك والمعاصي‪ :‬ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون‪.‬‬

‫َوإِذَا تُتْلَى عََلْيهِ ْم آيَاتُنَا َبّينَا تٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلّ رَ ُج ٌل يُرِيدُ أَ نْ يَ صُدّكُ ْم عَمّ ا كَا َن َيعْبُ ُد آبَاؤُكُ ْم وَقَالُوا مَا‬
‫ح ٌر ُمبِيٌ (‪)43‬‬ ‫ك ُمفْتَرًى وَقَا َل الّذِينَ َكفَرُوا ِللْحَقّ َلمّا جَا َءهُمْ ِإ ْن هَذَا إِ ّل سِ ْ‬ ‫هَذَا إِلّ إِفْ ٌ‬

‫‪788‬‬
‫وإذا تتلى على كفار "مكيية" آيات ال واضحات قالوا‪ :‬مييا محميييد إل رجيييل يرغييب أن‬
‫يمنعكيم عين عبادة اللهية التيي كان يعبدهيا آباؤكيم‪ ,‬وقالوا‪ :‬ميا هذا القرآن الذي تتلوه علينيا‬
‫‪-‬يا محمد‪ -‬إل كذب مختلق‪ ,‬جئتَ به من عند نفسك‪ ,‬وليس مِن عند ال‪ ,‬وقال الكفار عن‬
‫القرآن لما جاءهم‪ :‬ما هذا إل سحر واضح‪.‬‬

‫ك مِ ْن نَذِيرٍ (‪)44‬‬
‫ب يَدْ ُرسُوَنهَا َومَا أَ ْرسَ ْلنَا إَِلْيهِمْ َقبْلَ َ‬
‫َومَا آتَْينَاهُمْ مِنْ ُكتُ ٍ‬

‫وما أنزلنا على الكفار مِن كُتُب يقرؤونهيا قبل القرآن فتدلهيم على ما يزعمون من أن ميا‬
‫جاءهم به محمد سحر‪ ,‬وما أرسلنا إليهم قبلك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من رسول ينذرهم بأسنا‪.‬‬

‫ب الّذِي َن مِنْ َقبِْلهِ ْم َومَا بََلغُوا ِمعْشَا َر مَا آَتيْنَاهُمْ َفكَ ّذبُوا ُر ُسلِي َف َكيْفَ كَانَ َنكِيِ (‪)45‬‬
‫وَكَذّ َ‬

‫وكذّب الذين من قبلهم كعاد وثمود رسلنا‪ ,‬وما بلغ أهل "مكة" عُشرَ ما آتينا المم السابقة‬
‫من القوة‪ ,‬وكثرة المال‪ ,‬وطول العمر وغير ذلك من النعم‪ ,‬فكذبوا رسلي فيما جاؤوهم به‬
‫فأهلكناهم‪ ,‬فانظر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كيف كان إنكاري عليهم وعقوبتي إياهم؟‬

‫قُلْ ِإنّمَا َأعِ ُظكُ ْم ِبوَاحِ َدةٍ أَ نْ َتقُومُوا لِلّ ِه َمْثنَى وَفُرَادَى ثُمّ َتتَ َفكّرُوا مَا بِ صَا ِحِبكُ ْم مِ نْ ِجّنةٍ إِ نْ ُهوَ إِلّ نَذِيرٌ‬
‫ب شَدِيدٍ (‪)46‬‬ ‫ي عَذَا ٍ‬ ‫َلكُ ْم بَيْ َن يَدَ ْ‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهؤلء المكذبين المعاندين‪ :‬إنما أنصح لكم بخصلة واحدة أن تنهضوا‬
‫فيي طاعية ال اثنيين اثنيين وواحدًا واحدًا‪ ,‬ثيم تتفكروا فيي حال صياحبكم رسيول ال صيلى‬
‫ال علييه وسيلم وفيميا نسيب إلييه‪ ,‬فميا بيه مين جنون‪ ,‬وميا هيو إل مخوّف لكيم‪ ,‬ونذيير مين‬
‫عذاب جهنم قبل أن تقاسوا حرها‪.‬‬

‫قُ ْل مَا َسأَلُْتكُ ْم مِنْ أَ ْجرٍ َف ُهوَ َلكُمْ ِإنْ أَجْرِي إِ ّل عَلَى اللّ ِه َو ُهوَ عَلَى كُ ّل َشيْءٍ َشهِيدٌ (‪)47‬‬

‫قيل ‪-‬أيهيا الرسيول‪ -‬للكفار‪ :‬ميا سيألتكم على الخيير الذي جئتكيم بيه مين أجير فهيو لكيم‪ ,‬ميا‬
‫طلِع على أعمالي وأعمالكيم‪ ,‬ل يخفيى علييه شييء فهيو‬ ‫أجري الذي أنتظره إل على ال الم ّ‬
‫يجازي الجميع‪ ,‬كلّ بما يستحقه‪.‬‬

‫ل ُم الْ ُغيُوبِ (‪)48‬‬


‫ف بِالْحَقّ عَ ّ‬
‫قُلْ ِإنّ َربّي َيقْذِ ُ‬
‫‪789‬‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لمن أنكر التوحيد ورسالة السلم‪ :‬إن ربي يقذف الباطل بحجج من‬
‫الحيق‪ ,‬فيفضحيه ويهلكيه‪ ,‬وال علم الغيوب‪ ,‬ل يخفيى علييه شيييء فيي الرض ول فيي‬
‫السماء‪.‬‬

‫قُلْ جَا َء الْحَ ّق َومَا ُيبْدِئُ الْبَاطِ ُل َومَا ُيعِيدُ (‪)49‬‬

‫قل ‪-‬أي ها الر سول‪ :-‬جاء ال ق والشرع العظ يم من ال‪ ,‬وذ هب البا طل واضمحلّ سلطانه‪ ,‬فلم ي بق‬
‫للباطل شيء يبدؤه ويعيده‪.‬‬

‫قُلْ ِإنْ ضَلَ ْلتُ فَِإنّمَا أَضِ ّل عَلَى َنفْسِي َوِإنْ ا ْهتَ َديْتُ َفبِمَا يُوحِي إِلَيّ َربّي ِإنّ ُه سَمِيعٌ َقرِيبٌ (‪)50‬‬

‫قل‪ :‬إن ِملْت عن الق فإث ضلل على نفسي‪ ,‬وإن استقمت عليه فبوحي ال الذي يوحيه إلّ‪ ,‬إن رب‬
‫سيع لا أقول لكم‪ ,‬قريب من دعاه وسأله‪.‬‬

‫وََلوْ َترَى إِذْ َف ِزعُوا فَل َفوْتَ َوأُ ِخذُوا مِ ْن َمكَانٍ َقرِيبٍ (‪)51‬‬

‫ولو ترى ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إذ َفزِ عَ الكفار حي معاينتهم عذاب ال‪ ,‬لرأيت أمرًا عظيمًا‪ ,‬فل ناة لم ول‬
‫مهرب‪ ,‬وأُخذوا إل النار من موضع قريب التناول‪.‬‬

‫ش مِ ْن َمكَانٍ َبعِيدٍ (‪)52‬‬


‫وَقَالُوا آ َمنّا بِهِ َوَأنّى َلهُ ْم الّتنَاوُ ُ‬

‫وقال الكفار ‪-‬عند ما رأوا العذاب ف الخرة‪ :-‬آم نا بال وكت به ور سله‪ ,‬وك يف ل م تناول اليان ف‬
‫الخرة ووصولم له من مكان بعيد؟ قد حيل بينهم وبينه‪ ,‬فمكانه الدنيا‪ ,‬وقد كفروا فيها‪.‬‬

‫وَقَدْ َكفَرُوا بِهِ مِنْ َقبْ ُل َوَيقْذِفُونَ بِاْل َغْيبِ مِ ْن َمكَانٍ َبعِيدٍ (‪)53‬‬

‫وقد كفروا بالق ف الدنيا‪ ,‬وكذبوا الرسل‪ ,‬ويرمون بالظن من جهة بعيدة عن إصابة الق‪ ,‬ليس لم فيها‬
‫مستند لظنهم الباطل‪ ,‬فل سبيل لصابتهم الق‪ ,‬كما ل سبيل للرامي إل إصابة الغرض من مكان بعيد‪.‬‬

‫‪790‬‬
‫ك مُرِيبٍ (‪)54‬‬
‫وَحِي َل َبيَْنهُ ْم َوَبيْ َن مَا يَشَْتهُونَ كَمَا ُفعِ َل بَِأ ْشيَا ِعهِ ْم مِنْ َقبْلُ ِإّنهُمْ كَانُوا فِي شَ ّ‬

‫وحيل بي الكفار وما يشتهون من التوبة والعودة إل الدنيا ليؤمنوا‪ ,‬كما فعل ال بأمثالم من كفرة المم‬
‫السابقة‪ ,‬إنم كانوا ف الدنيا ف شَكّ من أمر الرسل والبعث والساب‪ُ ,‬محْدِث للريبة والقلق‪ ,‬فلذلك ل‬
‫يؤمنوا‪.‬‬

‫‪ -35‬سورة فاطر‬

‫ع يَزِيدُ فِي‬
‫ح ٍة َمثْنَى َوثُل ثَ وَ ُربَا َ‬
‫الْحَمْدُ ِللّ هِ فَاطِ ِر ال سّ َموَاتِ وَالَرْ ضِ جَاعِ ِل الْمَلئِ َكةِ رُ ُسلً أُولِي أَ ْجنِ َ‬
‫الْخَلْ ِق مَا يَشَاءُ ِإنّ اللّهَ عَلَى كُ ّل َشيْءٍ قَدِيرٌ (‪)1‬‬

‫الثناء على ال بصهفاته الته كلّهها أوصهاف كمال‪ ،‬وبنعمهه الظاهرة والباطنهة‪ ،‬الدينيهة والدنيويهة‪ ،‬خالق‬
‫السموات والرض ومبدعهما‪ ,‬جاعل اللئكة رسل إل مَن يشاء من عباده‪ ,‬وفيما شاء من أمره ونيه‪,‬‬
‫ومِن عظيم قدرة ال أن جعل اللئكة أصحاب أجنحة مثن وثلث ورباع تطي با؛ لتبليغ ما أمر ال به‪,‬‬
‫يزيد ال ف خلقه ما يشاء‪ .‬إن ال على كل شيء قدير‪ ,‬ل يستعصي عليه شيء‪.‬‬

‫حكِي مُ (‬
‫مَا َيفْتَ حْ اللّ هُ لِلنّا سِ مِ نْ رَحْ َمةٍ فَل مُمْ سِكَ َلهَا َومَا يُمْ سِكْ فَل مُرْ سِلَ لَ ُه مِ ْن َبعْدِ ِه َو ُهوَ اْلعَزِي ُز الْ َ‬
‫‪)2‬‬

‫ما يف تح ال للناس من رزق وم طر و صحة وعلم وغ ي ذلك من الن عم‪ ,‬فل أ حد يقدر أن ي سك هذه‬
‫الرحة‪ ,‬وما يسك منها فل أحد يستطيع أن يرسلها بعده سبحانه وتعال‪ .‬وهو العزيز القاهر لكل شيء‪,‬‬
‫الكيم الذي يرسل الرحة ويسكها وَفْق حكمته‪.‬‬

‫يَا َأيّهَا النّا سُ اذْ ُكرُوا ِنعْ َمةَ اللّ ِه عََلْيكُ ْم هَ ْل مِ نْ خَالِ ٍق َغيْرُ اللّ ِه يَ ْرزُُقكُ ْم مِ ْن ال سّمَا ِء وَالَرْ ضِ ل إِلَ هَ إِلّ ُهوَ‬
‫َفأَنّى ُتؤْفَكُونَ (‪)3‬‬

‫‪791‬‬
‫يا أيها الناس اذكروا نعمة ال عليكم بقلوبكم وألسنتكم وجوارحكم‪ ,‬فل خالق لكم غي ال يرزقكم‬
‫من ال سماء بال طر‪ ,‬و من الرض بالاء والعادن وغ ي ذلك‪ .‬ل إله إل هو وحده ل شر يك له‪ ,‬فك يف‬
‫ُتصْرَفون عن توحيده وعبادته؟‬

‫ك َوإِلَى اللّ ِه تُ ْرجَ ُع ا ُلمُورُ (‪)4‬‬


‫َوإِ ْن ُيكَ ّذبُوكَ َفقَدْ كُ ّذَبتْ ُرسُ ٌل مِنْ َقبْلِ َ‬

‫وإن يكذبيك قوميك ‪-‬أيهيا الرسيول‪ -‬فقيد كُذّب رسيل مِن قبلك‪ ,‬وإلى ال تصيير المور فيي‬
‫الخرة‪ ,‬فيجازي كل بما يستحق‪ .‬وفي هذا تسلية للرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫شيْطَا نَ َلكُ مْ‬


‫حيَاةُ ال ّدنْيَا وَل َيغُ ّرّنكُ ْم بِاللّ ِه اْلغَرُورُ (‪ِ )5‬إنّ ال ّ‬
‫يَا َأّيهَا النّا سُ ِإنّ َوعْدَ اللّ هِ َحقّ فَل َتغُ ّرّنكُ ْم الْ َ‬
‫سعِيِ (‪)6‬‬ ‫عَ ُدوّ فَاتّخِذُو ُه عَ ُدوّا ِإنّمَا يَ ْدعُو ِح ْزبَهُ ِلَيكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ ال ّ‬

‫ييا أيهيا الناس إن وعيد ال بالبعيث والثواب والعقاب حيق ثابيت‪ ,‬فل تخدعنّكيم الحياة الدنييا‬
‫بشهواتهييا ومطالبهييا‪ ,‬ول يخدعنّكييم بال الشيطان‪ .‬إن الشيطان لبنييي آدم عدو‪ ,‬فاتخذوه‬
‫عدوّا ول تطيعوه‪ ,‬إنما يدعو أتباعه إلى الضلل؛ ليكونوا من أصحاب النار الموقدة‪.‬‬

‫ب شَدِي ٌد وَالّذِينَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا الصّالِحَاتِ َلهُ ْم َم ْغفِ َرٌة َوأَجْرٌ َكبِيٌ (‪)7‬‬
‫الّذِينَ َكفَرُوا َلهُ ْم عَذَا ٌ‬

‫الذين جحدوا أن ال هو وحده الله الحق وجحدوا ما جاءت به رسله لهم عذاب شديد في‬
‫الخرة‪ ,‬والذيين صيدّقوا ال ورسيوله وعملوا الصيالحات لهيم عفيو مين ربهيم وتجاوز عين‬
‫ذنوبهم بعد سترها عليهم‪ ،‬ولهم أجر كبير‪ ,‬وهو الجنة‪.‬‬

‫ب َنفْ سُكَ عََلْيهِ مْ‬


‫أَفَمَ نْ ُزيّ نَ لَ هُ سُو ُء عَمَلِ هِ فَرَآ هُ حَ سَنا فَِإنّ اللّ َه ُيضِ ّل مَ ْن يَشَا ُء َوَيهْدِي مَ ْن يَشَاءُ فَل تَ ْذهَ ْ‬
‫سرَاتٍ ِإنّ اللّهَ عَلِي ٌم بِمَا َيصَْنعُونَ (‪)8‬‬ ‫حَ َ‬

‫أفمن ح سّن له الشيطان أعماله السيئة من معاصي ال والكفر وعبادة ما دونه من اللهة‬
‫والوثان فرآه حسينًا جميل كمَن هداه ال تعالى‪ ,‬فرأى الحسين حسينًا والسييئ سييئًا؟ فإن‬
‫ال يضيل مين يشاء مين عباده‪ ,‬ويهدي مين يشاء‪ ,‬فل تُهْلك نفسيك حزنًا على كفير هؤلء‬
‫الضالين‪ ,‬إن ال عليم بقبائحهم وسيجازيهم عليها أسوأ الجزاء‪.‬‬

‫‪792‬‬
‫س ْقنَاهُ إِلَى بََل ٍد َميّ تٍ َفأَ ْحَيْينَا بِ هِ الَرْ ضَ َبعْ َد َم ْوِتهَا كَذَلِ كَ النّشُورُ‬
‫وَاللّ ُه الّذِي أَرْ سَلَ ال ّريَا حَ َفتُثِيُ َسحَابا فَ ُ‬
‫(‪)9‬‬

‫والُ هيو الذي أرسيل الرياح فتحرك سيحابًا‪ ,‬فسيقناه إلى بلد جدب‪ ,‬فينزل الماء فأحيينيا بيه‬
‫الرض بعد يُبْسها فتخضر بالنبات‪ ,‬مثل ذلك الحياء يحيي ال الموتى يوم القيامة‪.‬‬

‫ب وَاْلعَمَ ُل ال صّالِ ُح يَرَْفعُ ُه وَالّذِي نَ يَ ْم ُكرُو نَ‬


‫صعَ ُد اْلكَلِ مُ ال ّطيّ ُ‬
‫مَ نْ كَا نَ ُيرِي ُد الْعِ ّزةَ فَِللّ ِه اْلعِ ّزةُ َجمِيعا إَِليْ ِه يَ ْ‬
‫ك ُهوَ َيبُورُ (‪)10‬‬ ‫السّّيئَاتِ َلهُ ْم عَذَابٌ َشدِي ٌد َومَكْرُ ُأوَْلئِ َ‬

‫من كان يطلب عزة في الدنيا أو الخرة فليطلبها من ال‪ ,‬ول تُنال إل بطاعته‪ ,‬فلله العزة‬
‫جميعًا‪ ,‬فمين اعتيز بالمخلوق أذلّه ال‪ ,‬ومين اعتيز بالخالق أعزه ال‪ ,‬إلييه سيبحانه يصيعد‬
‫ذكره والعميل الصيالح يرفعيه‪ .‬والذيين يكتسيبون السييئات لهيم عذاب شدييد‪ ,‬ومكير أولئك‬
‫يَهْلك و َيفْسُد‪ ,‬ول يفيدهم شيئًا‪.‬‬

‫ب ثُمّ مِ ْن نُ ْط َف ٍة ثُمّ َجعََلكُمْ أَ ْزوَاجا َومَا َتحْمِ ُل مِنْ ُأنْثَى وَل َتضَعُ إِ ّل ِبعِلْمِهِ َومَا ُيعَمّرُ‬
‫وَاللّهُ َخَل َقكُ ْم مِ ْن تُرَا ٍ‬
‫ك عَلَى اللّ ِه يَسِيٌ (‪)11‬‬ ‫ص مِ ْن عُمُ ِرهِ إِلّ فِي ِكتَابٍ ِإنّ ذَلِ َ‬ ‫مِ ْن ُمعَمّ ٍر وَل ُيْنقَ ُ‬

‫والُ خلق أباكيم آدم مين تراب‪ ,‬ثيم جعيل نسيله مين سيللة مين ماء مهيين‪ ,‬ثيم جعلكيم رجال‬
‫ونساءً‪ .‬وما تحمل من أنثى ول تضع إل بعلمه‪ ,‬وما يعمّر من مُعَمّر‪ ,‬فيطول عمره‪ ,‬ول‬
‫يُ ْنقَص من عمره إل في كتاب عنده‪ ,‬وهو اللوح المحفوظ‪ ,‬قبل أن تحمل به أمّه وقبل أن‬
‫تضعه‪ .‬قد أحصى ال ذلك كله‪ ,‬وعلمه قبل أن يخلقه‪ ,‬ل يُزاد فيما كتب له ول يُ ْنقَص‪ .‬إن‬
‫علْم أحوالكم وكتابتها في اللوح المحفوظ سهل يسير على ال‪.‬‬ ‫خلْقكم و ِ‬
‫َ‬

‫ج َومِ نْ كُ ّل َتأْكُلُو نَ لَحْما طَ ِريّا‬ ‫وَمَا يَ سَْتوِي اْلبَحْرَا ِن هَذَا عَذْ بٌ فُرَا تٌ سَائِ ٌغ شَرَابُ ُه َوهَذَا ِملْ حٌ ُأجَا ٌ‬
‫ستَخْ ِرجُونَ حِ ْلَي ًة تَ ْلبَ سُوَنهَا َوتَرَى اْلفُلْ كَ فِي هِ َموَا ِخرَ ِلتَْبَتغُوا مِ نْ َفضْلِ هِ‬
‫خرِجُونَ حِ ْلَي ًة تَ ْلبَ سُوَنهَا َوتَ ْ‬
‫َوتَ سْتَ ْ‬
‫وََلعَّلكُ ْم تَشْكُرُونَ (‪)12‬‬

‫وميا يسيتوي البحران‪ :‬هذا عذب شدييد العذوبية‪ ,‬سَي ْهلٌ مروره فيي الحلق يزييل العطيش‪,‬‬
‫وهذا ملح شديييد الملوحيية‪ ,‬وميين كييل ميين البحرييين تأكلون سييمكًا طريّا ي شهيّي الطّعييم‪,‬‬
‫وتسييتخرجون زينيية هييي اللؤلؤ والمَرْجان َتلْبَسييونها‪ ,‬وترى السييفن فيييه شاقات المياه؛‬

‫‪793‬‬
‫لتبتغوا مين فضله مين التجارة وغيرهيا‪ .‬وفيي هذا دللة على قدرة ال ووحدانيتيه; ولعلكيم‬
‫تشكرون ل على هذه النعم التي أنعم بها عليكم‪.‬‬

‫جرِي لَجَ ٍل مُ سَمّى ذَِلكُ مْ اللّ هُ‬


‫س وَالْقَ َمرَ كُ ّل يَ ْ‬
‫يُولِ جُ الّليْلَ فِي الّنهَا ِر َويُولِ ُج الّنهَارَ فِي الّليْ ِل وَ سَخّرَ الشّمْ َ‬
‫ك وَالّذِي َن تَ ْدعُو َن مِنْ دُونِ ِه مَا يَمِْلكُونَ مِنْ قِ ْطمِيٍ (‪)13‬‬ ‫َرّبكُمْ لَ ُه الْمُلْ ُ‬

‫والُ يدخل من ساعات الليل في النهار‪ ,‬فيزيد النهار بقَدْر ما نقص من الليل‪ ,‬ويُدخل من‬
‫سياعات النهار فيي اللييل‪ ,‬فيزييد اللييل بقَدْر ميا نقيص مين النهار‪ ,‬وذلل الشميس والقمير‪,‬‬
‫يجريان لوقيت معلوم‪ ,‬ذلكيم الذي فعيل هذا هيو ال ربكيم له الملك كله‪ ,‬والذيين تعبدون مين‬
‫دون ال ما يملكون مِن قطمير‪ ,‬وهي القشرة الرقيقة البيضاء تكون على النّواة‪.‬‬

‫إِ ْن تَ ْدعُوهُمْ ل يَسْ َمعُوا ُدعَاءَكُ ْم وََلوْ سَ ِمعُوا مَا ا ْستَجَابُوا َلكُ ْم َوَيوْمَ اْل ِقيَا َمةِ َي ْكفُرُونَ بِشِرْ ِككُ ْم وَل ُينَّبئُكَ‬
‫ِمثْلُ َخبِيٍ (‪)14‬‬

‫إن تدعوا ‪-‬أيهيا الناس‪ -‬هذه المعبودات مين دون ال ل يسيمعوا دعاءكيم‪ ,‬ولو سيمعوا على‬
‫سيبيل الفرض ميا أجابوكيم‪ ,‬ويوم القيامية يتيبرؤون منكيم‪ ,‬ول أحيد يخيبرك ‪-‬أيهيا الرسيول‪-‬‬
‫أصدق من ال العليم الخبير‪.‬‬

‫حمِيدُ (‪)15‬‬
‫يَا َأيّهَا النّاسُ َأْنتُ ْم اْلفُقَرَاءُ إِلَى اللّ ِه وَاللّ ُه ُه َو الْ َغِنيّ الْ َ‬

‫ييا أيهيا الناس أنتيم المحتاجون إلى ال فيي كيل شييء‪ ,‬ل تسيتغنون عنيه طرفية عيين‪ ,‬وهيو‬
‫سبحانه الغنيّ عن الناس وعن كل شيء من مخلوقاته‪ ,‬الحميد في ذاته وأسمائه وصفاته‪،‬‬
‫ل حال‪.‬‬‫المحمود على نعمه؛ فإن كل نعمة بالناس فمنه‪ ،‬فله الحمد والشكر على ك ّ‬

‫ت بِخَ ْلقٍ جَدِيدٍ (‪)16‬‬


‫شأْ يُ ْذ ِهْبكُ ْم َويَأْ ِ‬
‫ِإنْ يَ َ‬

‫إن يشأ ال يهلكّم أيها الناس‪ ,‬ويأت بقوم آخرين يطيعونه ويعبدونه وحده‪.‬‬

‫ك عَلَى اللّ ِه ِبعَزِيزٍ (‪)17‬‬


‫َومَا ذَلِ َ‬

‫وما إهلككم والتيان بخلق سواكم على ال بممتنع‪ ,‬بل ذلك على ال سهل يسير‪.‬‬
‫‪794‬‬
‫حمَ ْل ِمنْ ُه َشيْءٌ وََلوْ كَا نَ ذَا ُقرْبَى ِإنّمَا ُتنْذِرُ‬
‫ع ُمثْقََلةٌ إِلَى حِ ْملِهَا ل يُ ْ‬
‫وَل تَزِ ُر وَازِ َرٌة وِزْرَ أُ ْخرَى َوإِ نْ تَدْ ُ‬
‫ب َوأَقَامُوا الصّلةَ َومَنْ َتزَكّى فَِإنّمَا َيتَزَكّى ِلَنفْسِهِ َوإِلَى اللّ ِه الْ َمصِيُ (‪)18‬‬ ‫ش ْونَ َرّبهُ ْم بِال َغيْ ِ‬
‫الّذِينَ يَخْ َ‬

‫ول تحميل نفيس مذنبية ذنيب نفيس أخرى‪ ,‬وإن تَسيْأل نفسٌي مث َقلَة بالخطاييا مَن يحميل عنهيا‬
‫من ذنوبها لم تجد من يَحمل عنها شيئًا‪ ,‬ولو كان الذي سألتْه ذا قرابة منها من أب أو أخ‬
‫ونحوهميا‪ .‬إنميا تحذّر ‪-‬أيهيا الرسيول‪ -‬الذيين يخافون عذاب ربهيم بالغييب‪ ,‬وأدّوا الصيلة‬
‫حيق أدائهيا‪ .‬ومين تطهير مين الشرك وغيره مين المعاصيي فإنميا يتطهير لنفسيه‪ .‬وإلى ال‬
‫سبحانه مآل الخلئق ومصيرهم‪ ,‬فيجازي كل بما يستحق‪.‬‬

‫حرُورُ ( ‪َ )21‬ومَا‬ ‫ت وَل النّورُ ( ‪ )20‬وَل الظّ ّل وَل الْ َ‬ ‫َومَا يَ سَْتوِي الَعْمَى وَاْلبَ صِيُ (‪ )19‬وَل الظُّلمَا ُ‬
‫ستَوِي الَ ْحيَا ُء وَل ا َل ْموَا تُ ِإنّ اللّ َه يُ سْ ِم ُع مَ ْن يَشَا ُء َومَا َأنْ تَ بِمُ سْمِ ٍع مَ نْ فِي اْلقُبُورِ (‪ )22‬إِ نْ َأنْ تَ إِلّ‬
‫يَ ْ‬
‫نَذِيرٌ (‪ِ )23‬إنّا أَ ْرسَ ْلنَاكَ بِاْلحَ ّق بَشِيا َونَذِيرا َوِإ ْن مِنْ ُأ ّمةٍ إِلّ خل فِيهَا نَذِيرٌ (‪)24‬‬

‫وما يستوي العمى عن دين ال‪ ,‬والبصير الذي أبصر طريق الحق واتبعه‪ ,‬وما تستوي‬
‫ظلمات الكفيير ونور اليمان‪ ,‬ول الظييل ول الريييح الحارة‪ ,‬ومييا يسييتوي أحياء القلوب‬
‫باليمان‪ ,‬وأموات القلوب بالكفر‪ .‬إن ال يسمع مَن يشاء سماع فَهْم وقَبول‪ ,‬وما أنت ‪-‬أيها‬
‫الرسول‪ -‬بمسمع مَن في القبور‪ ,‬فكما ل تُسمع الموتى في قبورهم فكذلك ل تُسمع هؤلء‬
‫الكفار لموت قلوبهيم‪ ,‬إن أنيت إل نذيير لهيم غضيب ال وعقابيه‪ .‬إنيا أرسيلناك بالحيق‪ ,‬وهيو‬
‫اليمان بال وشرائع الديين‪ ,‬مبشرًا بالجنية مَن صيدّقك وعميل بهدييك‪ ,‬ومحذرًا مَن كذّبيك‬
‫وعصاك النار‪ .‬وما من أمة من المم إل جاءها نذير يحذرها عاقبة كفرها وضللها‪.‬‬

‫ب الّذِي َن مِنْ َقبِْلهِمْ جَا َءْتهُمْ ُرسُُلهُ ْم بِاْلَبّينَاتِ َوبِال ّزبُ ِر َوبِاْل ِكتَابِ الْ ُمنِيِ (‪)25‬‬
‫َوإِ ْن ُيكَ ّذبُوكَ َفقَدْ كَذّ َ‬

‫وإن يكذبك هؤلء المشركون فقد كذّب الذين مِن قبلهم رسلهم الذين جاؤوهم بالمعجزات‬
‫الواضحات الدالة على نبوتهييم‪ ,‬وجاؤوهييم بالكتييب المجموع فيهييا كثييير ميين الحكام‪,‬‬
‫وبالكتاب المنير الموضح لطريق الخير والشر‪.‬‬

‫ت الّذِينَ َكفَرُوا َف َكيْفَ كَا َن َنكِيِ (‪)26‬‬


‫ثُمّ أَخَذْ ُ‬

‫ثيم أخَذْت الذيين كفروا بأنواع العذاب‪ ,‬فانظير كييف كان إنكاري لعملهيم وحلول عقوبتيي‬
‫بهم؟‬
‫‪795‬‬
‫ض وَ ُحمْرٌ‬
‫جبَالِ جُدَ ٌد بِي ٌ‬
‫ختَلِفا أَْلوَاُنهَا َومِ ْن الْ ِ‬
‫أَلَ ْم َترَى أَنّ اللّ هَ َأنْزَ َل مِ ْن ال سّمَا ِء مَاءً َفأَ ْخرَ ْجنَا بِ ِه ثَمَرَا تٍ ُم ْ‬
‫ختَلِفٌ أَْلوَانُهَا َوغَرَابِيبُ سُودٌ (‪)27‬‬ ‫مُ ْ‬

‫ألم تيير أن ال أنزل ميين السييماء ماء‪ ,‬فسييقينا بييه أشجارًا فييي الرض‪ ,‬فأخرجنييا ميين تلك‬
‫خلَقْنا‬
‫الشجار ثمرات مختلفًا ألوانها‪ ,‬منها الحمر ومنها السود والصفر وغير ذلك؟ و َ‬
‫من الجبال طرائق بيضًا وحمرًا مختلفًا ألوانها‪ ,‬وخلقنا من الجبال جبال شديدة السواد‪.‬‬

‫ختَلِ فٌ أَْلوَانُ هُ كَذَلِ كَ ِإنّمَا يَخْشَى اللّ َه مِ ْن عِبَادِ ِه الْعَُلمَاءُ إِنّ اللّ َه عَزِيزٌ‬
‫س وَال ّدوَابّ وَا َلْنعَا ِم مُ ْ‬
‫َومِ ْن النّا ِ‬
‫َغفُورٌ (‪)28‬‬

‫وخلقنيا مين الناس والدواب والبيل والبقير والغنيم ميا هيو مختلف ألوانيه كذلك‪ ,‬فمين ذلك‬
‫الحمير والبييض والسيود وغيير ذلك كاختلف ألوان الثمار والجبال‪ .‬إنميا يخشيى الَ‬
‫ويتقي عقابه بطاعته واجتناب معصيته العلماءُ به سبحانه‪ ,‬وبصفاته‪ ,‬وبشرعه‪ ,‬وقدرته‬
‫على كيل شييء‪ ,‬ومنهيا اختلف هذه المخلوقات ميع اتحاد سيببها‪ ,‬ويتدبرون ميا فيهيا مين‬
‫ي ل يغالَب‪ ,‬غفور يثيب أهل الطاعة‪ ,‬ويعفو عنهم‪.‬‬ ‫عظات وعبر‪ .‬إن ال عزيز قو ّ‬

‫إِنّ الّذِي َن َيتْلُو نَ ِكتَا بَ اللّ ِه َوأَقَامُوا ال صّلةَ َوَأْنفَقُوا ِممّا َرزَ ْقنَاهُ مْ ِسرّا َوعَلِنَيةً يَ ْرجُو َن تِجَا َرةً لَ نْ تَبُورَ (‬
‫‪ِ )29‬لُيوَفَّيهُمْ أُجُو َرهُ ْم َويَزِي َدهُ ْم مِنْ َفضْلِهِ إِنّ ُه َغفُورٌ شَكُورٌ (‪)30‬‬

‫إن الذييين يقرؤون القرآن‪ ,‬ويعملون بييه‪ ,‬وداوموا على الصييلة فييي أوقاتهييا‪ ,‬وأنفقوا ممييا‬
‫رزقناهيم مين أنواع النفقات الواجبية والمسيتحبة سيرّا وجهرًا‪ ,‬هؤلء يرجون بذلك تجارة‬
‫لن تكسيد ولن تهلك‪ ,‬أل وهيي رضيا ربهيم‪ ,‬والفوز بجزييل ثوابيه؛ ليوفيهيم ال تعالى ثواب‬
‫أعمالهم كامل غير منقوص‪ ,‬ويضاعف لهم الحسنات من فضله‪ ,‬إن ال غفور لسيئاتهم‪,‬‬
‫شكور لحسناتهم‪ ,‬يثيبهم عليها الجزيل من الثواب‪.‬‬

‫خبِ ٌي بَصِيٌ (‪)31‬‬


‫وَالّذِي َأوْ َحيْنَا إَِليْكَ مِنْ الْ ِكتَابِ ُه َو الْحَ ّق ُمصَدّقا لِمَا بَيْ َن يَ َديْهِ ِإنّ اللّ َه ِب ِعبَا ِدهِ لَ َ‬

‫والذي أنزلناه إلييك ‪-‬أيهيا الرسيول‪ -‬مين القرآن هيو الحيق المصيدّق للكتيب التيي أنزلهيا ال‬
‫على رسله قبلك‪ .‬إن ال لخبير بشؤون عباده‪ ،‬بصير بأعمالهم‪ ،‬وسيجازيهم عليها‪.‬‬

‫‪796‬‬
‫خيْرَا تِ‬
‫ب الّذِي َن ا صْ َط َفْينَا مِ ْن ِعبَا ِدنَا َف ِمْنهُ ْم ظَالِ مٌ ِلنَفْ سِهِ َو ِمْنهُ مْ ُم ْقتَ صِ ٌد َو ِمْنهُ مْ سَابِقٌ بِالْ َ‬
‫ثُمّ َأوْ َرْثنَا اْلكِتَا َ‬
‫ك ُهوَ الْ َفضْ ُل الْ َكبِيُ (‪)32‬‬ ‫بِإِ ْذنِ اللّهِ ذَلِ َ‬

‫ثيم أعطينيا ‪-‬بعيد هلك الميم‪ -‬القرآن مَن اخترناهيم مين أمية محميد صيلى ال علييه وسيلم‪:‬‬
‫فمنهم ظالم لنفسه بفعل بعض المعاصي‪ ,‬ومنهم مقتصد‪ ,‬وهو المؤدي للواجبات المجتنب‬
‫للمحرمات‪ ,‬ومنهيم سيابق بالخيرات بإذن ال‪ ,‬أي مسيارع مجتهيد فيي العمال الصيالحة‪,‬‬
‫فَ ْرضِها ونفلها‪ ,‬ذلك العطاء للكتاب واصطفاء هذه المة هو الفضل الكبير‪.‬‬

‫حّلوْنَ فِيهَا مِنْ َأسَاوِ َر مِنْ َذهَبٍ وَُلؤْلُؤا وَِلبَا ُسهُمْ فِيهَا َحرِيرٌ (‪ )33‬وَقَالُوا الْحَمْ ُد‬ ‫َجنّاتُ عَ ْدنٍ يَ ْدخُلُوَنهَا يُ َ‬
‫سنَا فِيهَا‬
‫حزَنَ ِإنّ َرّبنَا َل َغفُو ٌر َشكُورٌ (‪ )34‬الّذِي أَ َحّلنَا دَا َر الْ ُمقَا َمةِ مِنْ َفضْلِ ِه ل يَمَ ّ‬‫ب عَنّا الْ َ‬
‫لِلّ ِه الّذِي أَ ْذهَ َ‬
‫سنَا فِيهَا ُلغُوبٌ (‪)35‬‬ ‫ب وَل يَمَ ّ‬ ‫َنصَ ٌ‬

‫جنات إقاميية دائميية للذييين أورثهييم ال كتابييه يُحلّون فيهييا السيياور ميين الذهييب واللؤلؤ‪,‬‬
‫ولباسيهم المعتاد فيي الجنية حريير أي‪ :‬ثياب رقيقية‪ .‬وقالوا حيين دخلوا الجنية‪ :‬الحميد ل‬
‫الذي أذهيب عنيا كيل حَزَن‪ ,‬إن ربنيا لغفور; حييث غفير لنيا الزلت‪ ,‬شكور; حييث قبيل منيا‬
‫الحسنات وضاعفها‪ .‬وهو الذي أنزلَنا دار الجنة من فضله‪ ,‬ل يمسنا فيها تعب ول إعياء‪.‬‬

‫جزِي كُلّ‬
‫ك نَ ْ‬
‫ف َعْنهُ ْم مِ ْن عَذَاِبهَا كَذَلِ َ‬
‫خفّ ُ‬
‫وَالّذِي نَ َكفَرُوا َلهُ ْم نَارُ َج َهنّ َم ل ُي ْقضَى عََلْيهِ مْ َفيَمُوتُوا وَل ُي َ‬
‫َكفُورٍ (‪)36‬‬

‫والذييين كفروا بال ورسييوله لهييم نار جهنييم الموقدة‪ ,‬ل ُيقْضييى عليهييم بالموت‪ ,‬فيموتوا‬
‫خفّف ي عنهييم مِن عذابهييا‪ ,‬ومثييل ذلك الجزاء يجزي ال كلّ متما ٍد فييي‬
‫ويسييتريحوا‪ ,‬ول ُي َ‬
‫الكفر ُمصِرّ عليه‪.‬‬

‫َوهُ ْم يَ صْ َطرِخُونَ فِيهَا َرّبنَا أَخْ ِر ْجنَا َنعْمَلْ صَالِحا َغيْ َر الّذِي ُكنّا َنعْمَلُ َأوَلَ ْم ُنعَمّرْكُ ْم مَا َيتَذَكّرُ فِي ِه مَ نْ‬
‫ي مِ ْن َنصِيٍ (‪)37‬‬ ‫تَذَكّ َر وَجَاءَ ُك ْم النّذِيرُ َفذُوقُوا فَمَا لِلظّالِ ِم َ‬

‫وهؤلء الكفار يَ صْرُخون من شدة العذاب في نار جهنم مستغيثين‪ :‬ربنا أخرجنا من نار‬
‫جهنيم‪ ,‬وردّنيا إلى الدنييا نعميل صيالحًا غيير الذي كنيا نعمله فيي حياتنيا الدنييا‪ ,‬فنؤمين بدل‬
‫الكفيير‪ ,‬فيقول لهييم‪ :‬أولم نُمْهلكييم فييي الحياة قَدْرًا وافيًا مين العُمُر‪ ,‬يتعييظ فيييه مين اتعييظ‪,‬‬

‫‪797‬‬
‫وجاءكييم النييبي صييلى ال عليييه وسييلم‪ ،‬ومييع ذلك لم تتذكروا ولم تتعظوا؟ فذوقوا عذاب‬
‫جهنم‪ ,‬فليس للكافرين من ناصر ينصرهم من عذاب ال‪.‬‬

‫ت الصّدُورِ (‪)38‬‬
‫ِإنّ اللّ َه عَالِ ُم َغيْبِ السّ َموَاتِ وَالَ ْرضِ ِإنّهُ عَلِي ٌم بِذَا ِ‬

‫إن ال مطّلع على كل غائب في السموات والرض‪ ,‬وإنه عليم بخفايا الصدور‪ ,‬فاتقوه أن‬
‫يطّلع عليكيم‪ ,‬وأنتيم ُتضْمِرون الشيك أو الشرك فيي وحدانيتيه‪ ,‬أو فيي نبوة محميد صيلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ،‬أو أن تَعْصوه بما دون ذلك‪.‬‬

‫ُهوَ الّذِي َجعََلكُ مْ خَلئِ فَ فِي الَرْ ضِ فَ َم نْ َكفَرَ َفعََليْ هِ ُكفْرُ ُه وَل يَزِي ُد اْلكَافِرِي نَ ُكفْ ُرهُ ْم عِنْدَ َرّبهِ مْ إِلّ‬
‫َمقْتا وَل يَزِي ُد اْلكَافِرِينَ ُكفْ ُرهُمْ إِلّ خَسَارا (‪)39‬‬

‫خلُف بعضكيم بعضًا فيي الرض‪ ,‬فمين جحيد وحدانيية‬ ‫ال هيو الذي جعلكيم ‪-‬أيهيا الناس‪َ -‬ي ْ‬
‫ال منكييم فعلى نفسييه ضرره وكفره ول يزيييد الكافرييين كفرهييم عنييد ربهييم إل بغضًيا‬
‫وغضبًا‪ ,‬ول يزيدهم كفرهم بال إل ضلل وهلكًا‪.‬‬

‫قُلْ أَ َرَأْيتُ ْم شُرَكَاءَكُ ْم الّذِي نَ تَ ْدعُو َن مِ نْ دُو نِ اللّ هِ أَرُونِي مَاذَا َخَلقُوا مِ ْن الَرْ ضِ أَ مْ َلهُ ْم ِشرْ كٌ فِي‬
‫السّ َموَاتِ َأ ْم آتَْينَاهُمْ ِكتَابا َفهُ ْم عَلَى َبيَّن ٍة ِمنْهُ بَلْ ِإ ْن َيعِدُ الظّالِمُو َن َب ْعضُهُ ْم َبعْضا إِلّ غُرُورا (‪)40‬‬

‫خلَق شركاؤكيم مين الرض‪ ,‬أم أن‬ ‫قيل ‪-‬أيهيا الرسيول‪ -‬للمشركيين‪ :‬أخيبروني أيّ شييء َ‬
‫لشركائكم الذين تعبدونهم من دون ال شركًا مع ال في خلق السموات‪ ,‬أم أعطيناهم كتابًا‬
‫فهم على حجة منه؟ بل ما يَعِدُ الكافرون بعضهم بعضًا إل غرورًا وخداعًا‪.‬‬

‫ك ال سّ َموَاتِ وَالَرْ ضَ أَ نْ تَزُول وََلئِ نْ زَالَتَا إِ نْ َأمْ سَ َكهُمَا مِ نْ أَحَ ٍد مِ ْن َبعْدِ هِ ِإنّ هُ كَا نَ َحلِيما‬
‫ِإنّ اللّ َه يُمْ سِ ُ‬
‫َغفُورا (‪)41‬‬

‫إن ال يمسيك السيموات والرض أن تزول عين مكانهميا‪ ,‬ولئن زالت السيموات والرض‬
‫عين مكانهميا ميا يمسيكهما مين أحيد مين بعده‪ .‬إن ال كان حليمًا فيي تأخيير العقوبية عين‬
‫الكافرين والعصاة‪ ,‬غفورًا لمن تاب من ذنبه ورجع إليه‪.‬‬

‫‪798‬‬
‫َوأَقْ سَمُوا بِاللّ هِ َجهْدَ َأيْمَاِنهِ مْ َلئِ نْ جَا َءهُ مْ نَذِيرٌ َليَكُونُنّ َأهْدَى مِ نْ إِحْدَى ا ُلمَ مِ َفلَمّ ا جَا َءهُ ْم نَذِي ٌر مَا‬
‫زَا َدهُمْ إِ ّل ُنفُورا (‪)42‬‬

‫وأقسيم كفار قرييش بال أشيد الَيْمان‪ :‬لئن جاءهيم رسيول مين عنيد ال يخوّفهيم عقاب ال‬
‫ليكونُنّ أكثير اسيتقامة واتباعًا للحيق مين اليهود والنصيارى وغيرهيم‪ ,‬فلميا جاءهيم محميد‬
‫صلى ال عليه وسلم ما زادهم ذلك إل بُعْدًا عن الحق ونفورًا منه‪.‬‬

‫سيّئُ إِ ّل بَِأهْلِ هِ َفهَ ْل َينْظُرُو نَ إِلّ ُسّن َة الَوّلِيَ َفلَ نْ‬


‫سّيئِ وَل يَحِي ُق الْ َمكْ ُر ال ّ‬ ‫ا سِْت ْكبَارا فِي الَرْ ضِ َومَكْ َر ال ّ‬
‫حوِيلً (‪)43‬‬ ‫سّنةِ اللّ ِه تَ ْ‬
‫جدَ لِ ُ‬
‫ل وَلَ ْن تَ ِ‬
‫سّنةِ اللّ ِه َتبْدِي ً‬
‫تَجِدَ لِ ُ‬

‫ليييس إقسييامهم لقَصيْد حسيين وطلبًا للحييق‪ ,‬وإنمييا هييو اسييتكبار فييي الرض على الخلق‪,‬‬
‫يريدون به المكر السيّئ والخداع والباطل‪ ,‬ول يحيق المكر السيّئ إل بأهله‪ ,‬فهل ينتظر‬
‫المستكبرون الماكرون إل العذاب الذي نزل بأمثالهم الذين سبقوهم‪ ,‬فلن تجد لطريقة ال‬
‫تبديل ول تحويل فل يستطيع أحد أن يُبَدّل‪ ,‬ول أن ُيحَوّل العذاب عن نفسه أو غيره‪.‬‬

‫َأوَلَ ْم يَ سِيُوا فِي الَرْ ضِ َفَينْظُرُوا َكيْ فَ كَا َن عَاِقبَ ُة الّذِي َن مِ نْ َقبِْلهِ ْم وَكَانُوا َأشَ ّد ِمْنهُ مْ ُق ّوةً َومَا كَا نَ اللّ هُ‬
‫ِلُيعْجِ َز ُه مِ ْن َشيْءٍ فِي السّ َموَاتِ وَل فِي الَ ْرضِ ِإنّهُ كَانَ عَلِيما َقدِيرا ( ‪)44‬‬

‫أولم يَ سِ ْر كفار "مكة" في الرض‪ ,‬فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كعاد وثمود‬
‫وأمثالهم‪ ,‬وما حلّ بهم من الدمار‪ ,‬وبديارهم من الخراب‪ ,‬حين كذبوا الرسل‪ ,‬وكان أولئك‬
‫الكفرة أشد قوة وبطشًا من كفار "مكة"؟ وما كان ال تعالى ليعجزه ويفوته من شيء في‬
‫السموات ول في الرض‪ ,‬إنه كان عليمًا بأفعالهم‪ ,‬قديرًا على إهلكهم‪.‬‬

‫سبُوا مَا تَرَكَ عَلَى َظهْ ِرهَا مِنْ دَاّب ٍة وَلَكِ ْن ُيؤَخّ ُرهُمْ إِلَى أَجَ ٍل مُسَمّى فَِإذَا جَاءَ‬
‫س بِمَا كَ َ‬
‫وََلوْ ُيؤَاخِذُ اللّ ُه النّا َ‬
‫أَجَُلهُمْ َفِإنّ اللّهَ كَا َن ِبعِبَا ِد ِه َبصِيا (‪)45‬‬

‫ولو يعا قب ال الناس ب ا عملوا من الذنوب والعا صي ما ترك على ظ هر الرض من دا بة تَدِبّ علي ها‪,‬‬
‫ولكن يُمْهلهم ويؤخر عقابم إل وقت معلوم عنده‪ ,‬فإذا جاء وقت عقابم فإن ال كان بعباده بصيًا‪ ,‬ل‬
‫يفى عليه أحد منهم‪ ,‬ول يعزب عنه علم شيء من أمورهم‪ ,‬وسيجازيهم با عملوا من خي أو شر‪.‬‬

‫‪799‬‬
‫‪ -36‬سورة يييس‬

‫يس (‪)1‬‬
‫الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬

‫سَتقِيمٍ (‪)4‬‬
‫ط مُ ْ‬
‫حكِيمِ (‪ِ )2‬إنّكَ َلمِ ْن الْمُ ْرسَِليَ (‪ )3‬عَلَى صِرَا ٍ‬
‫وَالْقُرْآ ِن الْ َ‬

‫يقسم ال تعال بالقرآن الحكم با فيه من الحكام والكم والجج‪ ,‬إنك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لن الرسلي‬
‫بوحي ال إل عباده‪ ,‬على طريق مستقيم معتدل‪ ,‬وهو السلم‪.‬‬

‫تَنِي َل اْلعَزِيزِ الرّحِيمِ (‪)5‬‬

‫هذا القرآن تنيل العزيز ف انتقامه من أهل الكفر والعاصي‪ ,‬الرحيم بن تاب من عباده وعمل صالًا‪.‬‬

‫ِلتُنذِرَ َقوْما مَا أُنذِ َر آبَا ُؤهُمْ َفهُ ْم غَافِلُونَ (‪)6‬‬

‫أنزلناه عليهك ‪-‬أيهها الرسهول‪ -‬لتحذر بهه قومًا ل ُينْذَ ْر آباؤههم مهن قبلك‪ ,‬وههم العرب‪ ,‬فهؤلء القوم‬
‫ساهون عن اليان والستقامة على العمل الصال‪ .‬وكل أمة ينقطع عنها النذار تقع ف الغفلة‪ ,‬وف هذا‬
‫دليل على وجوب الدعوة والتذكي على العلماء بال وشرعه; ليقاظ السلمي من غفلتهم‪.‬‬

‫َلقَدْ حَقّ الْ َقوْ ُل عَلَى أَكْثَ ِرهِمْ َف ُه ْم ل ُيؤْ ِمنُونَ (‪)7‬‬

‫لقد وجب العذاب على أكثر هؤلء الكافرين‪ ,‬بعد أن عُرِض عليهم الق فرفضوه‪ ,‬فهم ل يصدقون بال‬
‫ول برسوله‪ ,‬ول يعملون بشرعه‪.‬‬

‫ِإنّا َجعَ ْلنَا فِي َأ ْعنَاِقهِمْ َأغْللً َف ِهيَ إِلَى الَذْقَانِ َفهُ ْم ُمقْ َمحُونَ (‪)8‬‬

‫‪800‬‬
‫إنا جعلنا هؤلء الكفار الذين عُرض عليهم الق فردّوه‪ ,‬وأصرّوا على الكفر وعدم اليان‪ ,‬كمن ُجعِل ف‬
‫أعناقهم أغلل‪ ,‬فجمعت أيديهم مع أعناقهم تت أذقانم‪ ,‬فاضطروا إل رفع رؤوسهم إل السماء‪ ,‬فهم‬
‫مغلولون عن كل خي‪ ,‬ل يبصرون الق ول يهتدون إليه‪.‬‬

‫شيْنَاهُمْ َفهُ ْم ل ُيبْصِرُونَ (‪)9‬‬


‫وَ َجعَ ْلنَا مِ ْن َبيْنِ َأيْدِيهِ ْم سَدّا َومِنْ خَ ْل ِفهِ ْم سَدّا َفَأغْ َ‬

‫وجعلنا من أمام الكافرين سدّا ومن ورائهم سدّا‪ ,‬فهم بنلة من سُدّ طريقه من بي يديه ومن خلفه‪,‬‬
‫فأعمي نا أب صارهم; ب سبب كفر هم وا ستكبارهم‪ ,‬ف هم ل يب صرون رشدًا‪ ,‬ول يهتدون‪ .‬و كل من قا بل‬
‫دعوة السلم بالعراض والعناد‪ ,‬فهو حقيق بذا العقاب‪.‬‬

‫َو َسوَا ٌء عََلْيهِمْ َأأَن َذ ْرَتهُمْ َأمْ لَ ْم تُنذِ ْرهُ ْم ل ُي ْؤ ِمنُونَ (‪)10‬‬

‫ي ستوي ع ند هؤلء الكفار العاند ين تذيرك ل م ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬وعدم تذيرك‪ ,‬ف هم ل ي صدّقون ول‬
‫يعملون‪.‬‬

‫شيَ الرّحْمَ َن بِاْل َغيْبِ َفبَشّ ْر ُه بِ َم ْغفِ َرةٍ َوأَ ْجرٍ كَ ِريٍ (‪)11‬‬
‫ِإنّمَا تُنذِ ُر مَ ْن اتّبَعَ الذّكْ َر َوخَ ِ‬

‫إنا ينفع تذيرك مَن آمن بالقرآن‪ ,‬واتبع ما فيه من أحكام ال‪ ,‬وخاف الرحن‪ ,‬حيث ل يراه أحد إل‬
‫ال‪ ,‬فبشّره بغفرة من ال لذنوبه‪ ,‬وثواب منه ف الخرة على أعماله الصالة‪ ,‬وهو دخوله النة‪.‬‬

‫صيْنَاهُ فِي ِإمَا ٍم ُمبِيٍ (‪)12‬‬


‫ح ِي الْ َم ْوتَى َونَ ْكُتبُ مَا قَ ّدمُوا وَآثَارَهُ ْم وَكُ ّل َشيْءٍ أ ْح َ‬
‫ِإنّا َنحْ ُن نُ ْ‬

‫إنا نن نيي الموات جيعًا ببعثهم يوم القيامة‪ ,‬ونكتب ما عملوا من الي والشر‪ ,‬وآثارهم الت كانوا‬
‫سببًا فيها ف حياتم وبعد ماتم من خ ي‪ ,‬كالولد الصال‪ ,‬والعلم النافع‪ ,‬والصدقة الارية‪ ,‬و من شر‪,‬‬
‫كالشرك والع صيان‪ ,‬وك ّل ش يء أح صيناه ف كتاب وا ضح هو أمّ الك تب‪ ,‬وإل يه مرجع ها‪ ,‬و هو اللوح‬
‫الحفوظ‪ .‬فعلى العاقل ماسبة نفسه; ليكون قدوة ف الي ف حياته وبعد ماته‪.‬‬

‫‪801‬‬
‫ب اْلقَ ْرَيةِ إِذْ جَا َءهَا الْمُرْ سَلُونَ (‪ِ )13‬إذْ أَرْ سَ ْلنَا إَِلْيهِ ْم اْثنَيْ نِ َفكَ ّذبُوهُمَا َفعَزّ ْزنَا‬
‫وَاضْرِ بْ َلهُ ْم َمَثلً أَ صْحَا َ‬
‫ِبثَالِثٍ َفقَالُوا ِإنّا إِلَْيكُ ْم مُ ْرسَلُونَ (‪)14‬‬

‫واضرب ‪-‬أيهيا الرسيول‪ -‬لمشركيي قوميك الرادّيين لدعوتيك مثل يعتيبرون بيه‪ ,‬وهيو قصية‬
‫أهيل القريية‪ ,‬حيين ذهيب إليهيم المرسيلون‪ ,‬إذ أرسيلنا إليهيم رسيولين لدعوتهيم إلى اليمان‬
‫بال وترك عبادة غيره‪ ,‬فكذّب أهل القرية الرسولين‪ ,‬فعزّزناهما وقويناهما برسول ثالث‪,‬‬
‫فقال الثلثة لهل القرية‪ :‬إنا إليكم ‪-‬أيها القوم‪ -‬مرسلون‪.‬‬

‫ش ٌر ِمثُْلنَا َومَا أَنزَلَ الرّحْمَ ُن مِ ْن َشيْءٍ ِإنْ َأْنتُمْ إِلّ َتكْ ِذبُونَ (‪)15‬‬
‫قَالُوا مَا َأْنتُمْ إِلّ بَ َ‬

‫قال أهل القرية للمرسلين‪ :‬ما أنتم إل أناس مثلنا‪ ،‬وما أنزل الرحمن شيئًا من الوحي‪ ,‬وما‬
‫أنتم ‪-‬أيها الرسل‪ -‬إل تكذبون‪.‬‬

‫قَالُوا َربّنَا َيعْلَمُ ِإنّا إَِليْكُمْ لَ ُم ْرسَلُونَ (‪َ )16‬ومَا عََليْنَا إِ ّل الْبَلغُ الْ ُمبِيُ (‪)17‬‬

‫قال المرسيلون مؤكديين‪ :‬ربّنيا الذي أرسيلنا يعلم إنيا إليكيم لمرسيلون‪ ,‬وميا علينيا إل تبلييغ‬
‫الرسالة بوضوح‪ ,‬ول نملك هدايتكم‪ ,‬فالهداية بيد ال وحده‪.‬‬

‫سّنكُ ْم ِمنّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (‪)18‬‬


‫قَالُوا ِإنّا تَ َطيّ ْرنَا ِبكُمْ َلئِنْ َل ْم تَنَتهُوا َلنَرْ ُج َمّنكُمْ وََليَمَ ّ‬

‫قال أهيل القريية‪ :‬إنيا َتشَاءَمْنيا بكيم‪ ,‬لئن لم ت ُكفّوا عين دعوتكيم لنيا لنقتلنكيم رميًا بالحجارة‪,‬‬
‫وليصيبنكم منّا عذاب أليم موجع‪.‬‬

‫قَالُوا طَائِرُكُ ْم َم َعكُمْ َأئِنْ ذُكّ ْرتُ ْم بَلْ َأْنتُمْ َق ْو ٌم مُسْرِفُونَ (‪)19‬‬

‫قال المرسيلون‪ :‬شؤمكيم وأعمالكيم مين الشرك والشير معكيم ومردودة عليكيم‪ ,‬أإن وُعظتيم‬
‫بما فيه خيركم تشاءمتم وتوعدتمونا بالرجم والتعذيب؟ بل أنتم قوم عادتكم السراف في‬
‫العصيان والتكذيب‪.‬‬

‫سأَُلكُمْ أَجْرا َوهُمْ‬


‫سعَى قَا َل يَا َقوْمِ اّتبِعُوا الْ ُمرْسَِليَ (‪ )20‬اّتبِعُوا مَ ْن ل يَ ْ‬
‫وَجَا َء مِنْ أَقْصَى الْمَدِيَنةِ رَ ُج ٌل يَ ْ‬
‫ُمهْتَدُونَ (‪)21‬‬
‫‪802‬‬
‫وجاء من مكان بعيد في المدينة رجل مسرع (وذلك حين علم أن أهل القرية هَمّوا بقتل‬
‫الرسيل أو تعذيبهيم)‪ ,‬قال‪ :‬ييا قوم اتبعوا المرسيلين إليكيم مين ال‪ ,‬اتبعوا الذيين ل يطلبون‬
‫منكييم أموال على إبلغ الرسييالة‪ ,‬وهييم مهتدون فيمييا يدعونكييم إليييه ميين عبادة ال وحده‪.‬‬
‫وفي هذا بيان فضل مَن سعى إلى المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬

‫َومَا لِي ل َأ ْعبُدُ الّذِي َفطَ َرنِي َوإِلَيْ ِه تُرْ َجعُونَ (‪)22‬‬

‫وأيّ شيء يمنعني مِن أن أعبد ال الذي خلقني‪ ,‬وإليه تصيرون جميعًا؟‬

‫خ ُذ مِنْ دُونِهِ آِل َهةً إِنْ يُرِ ْدنِي الرّ ْحمَنُ بِضُ ّر ل ُتغْ ِن عَنّي َشفَاعَُتهُ ْم َشيْئا وَل يُنقِذُونِ (‪ِ )23‬إنّي إِذا َلفِي‬
‫َأأَتّ ِ‬
‫ت بِ َرّبكُمْ فَاسْ َمعُونِ (‪)25‬‬ ‫ضَل ٍل ُمبِيٍ (‪ِ )24‬إنّي آ َمنْ ُ‬

‫أأعبيد مين دون ال آلهية أخرى ل تملك مين المير شيئًا‪ ,‬إن يردنيي الرحمين بسيوء فهذه‬
‫اللهة ل تملك دفع ذلك ول منعه‪ ,‬ول تستطيع إنقاذي مما أنا فيه؟ إني إن فعلت ذلك لفي‬
‫خطأ واضح ظاهر‪ .‬إني آمنت بربكم فاستمعوا إلى ما ُقلْته لكم‪ ,‬وأطيعوني باليمان‪ .‬فلما‬
‫قال ذلك وثب إليه قومه وقتلوه‪ ,‬فأدخله ال الجنة‪.‬‬

‫جّنةَ قَا َل يَا َلْيتَ َق ْومِي َيعْلَمُونَ (‪)26‬‬


‫قِيلَ ادْخُلْ الْ َ‬

‫قيل له بعد قتله‪ :‬ادخل الجنة‪ ,‬إكرامًا له‪.‬‬

‫بِمَا َغفَرَ لِي َربّي وَ َجعََلنِي مِ ْن الْ ُمكْ َرمِيَ (‪)27‬‬

‫قال وهيو فيي النعييم والكرامية‪ :‬يييا ليييت قومييي يعلمون بغفران ربيي لي وإكرامييه إياي;‬
‫بسيبب إيمانيي بال وصيبري على طاعتيه‪ ,‬واتباع رسيله حتيى قُتِلت‪ ,‬فيؤمنوا بال فيدخلوا‬
‫الجنة مثلي‪.‬‬

‫‪803‬‬
‫الزءالثالث والعشرون ‪:‬‬

‫َومَا أَنزَْلنَا عَلَى َق ْومِهِ مِنْ بَعْ ِد ِه مِنْ جُن ٍد مِنْ السّمَاءِ َومَا ُكنّا مُنِلِيَ (‪)28‬‬

‫وما احتاج المر إل إنزال جند من السماء لعذابم بعد قتلهم الرجل الناصح لم وتكذيبهم رسلهم‪ ,‬فهم‬
‫أضعف من ذلك وأهون‪ ,‬وما كنا منلي اللئكة على المم إذا أهلكناهم‪ ,‬بل نبعث عليهم عذابًا‬
‫يدمرهم‪.‬‬

‫ح ًة وَاحِ َدةً فَِإذَا هُمْ خَامِدُونَ (‪)29‬‬


‫صيْ َ‬
‫ِإنْ كَاَنتْ إِلّ َ‬

‫ما كان هلكهم إل بصيحة واحدة‪ ,‬فإذا هم ميتون ل تَبْ َق منهم باقية‪.‬‬

‫سَتهْ ِزئُون (‪)30‬‬


‫يَا حَسْ َر ًة عَلَى اْلعِبَا ِد مَا َي ْأتِيهِ ْم مِنْ َرسُولٍ إِلّ كَانُوا بِ ِه يَ ْ‬

‫يا حسرة العباد وندامتهم يوم القيامة إذا عاينوا العذاب‪ ,‬ما يأتيهم من رسول من ال تعال إل كانوا به‬
‫يستهزئون ويسخرون‪.‬‬

‫أَلَ ْم يَ َروْا كَمْ َأهَْلكْنَا َقبَْلهُ ْم مِ ْن اْلقُرُونِ أَّنهُمْ إَِلْيهِ ْم ل يَرْ ِجعُونَ (‪)31‬‬

‫أل ير هؤلء الستهزئون ويعتبوا بن قبلهم من القرون الت أهلكناها أنم ل يرجعون إل هذه الدينا؟‬

‫حضَرُونَ (‪)32‬‬
‫َوإِنْ كُلّ لَمّا جَمِيعٌ َل َديْنَا مُ ْ‬

‫وما كل هذه القرون الت أهلكناها وغيهم‪ ,‬إل مضرون جيعًا عندنا يوم القيامة للحساب والزاء‪.‬‬

‫ض الْ َمْيتَةُ أَ ْحَيْينَاهَا َوأَخْ َر ْجنَا مِْنهَا َحبّا فَ ِمنْ ُه َيأْكُلُونَ (‪)33‬‬
‫وَآَيةٌ َلهُ ْم الَ ْر ُ‬

‫‪804‬‬
‫ودللة لؤلء الشركي على قدرة ال على البعث والنشور‪ :‬هذه الرض اليتة الت ل نبات فيها‪ ,‬أحييناها‬
‫بإنزال الاء‪ ,‬وأخرجنا منها أنواع النبات ما يأكل الناس والنعام‪ ,‬ومن أحيا الرض بالنبات أحيا اللق‬
‫بعد المات‪.‬‬

‫ب وَفَجّ ْرنَا فِيهَا مِ ْن اْل ُعيُونِ (‪)34‬‬


‫ت مِ ْن نَخِي ٍل َوَأعْنَا ٍ‬
‫وَ َجعَ ْلنَا فِيهَا َجنّا ٍ‬

‫وجعلنا ف هذه الرض بساتي من نيل وأعناب‪ ,‬وفجّرنا فيها من عيون الياه ما يسقيها‪.‬‬

‫شكُرُونَ (‪)35‬‬
‫ِليَأْكُلُوا مِ ْن ثَمَ ِر ِه َومَا عَمَِلتْهُ َأيْدِيهِمْ أَفَل يَ ْ‬

‫كل ذلك; ليأكل العباد من ثره‪ ,‬وما ذلك إل من رحة ال بم ل بسعيهم ول بكدّهم‪ ,‬ول بولم‬
‫وبقوتم‪ ,‬أفل يشكرون ال على ما أنعم به عليهم من هذه النعم الت ل تعدّ ول تصى؟‬

‫سهِ ْم َومِمّا ل َيعْلَمُونَ (‪)36‬‬


‫ض َومِنْ أَنفُ ِ‬
‫ُسبْحَانَ الّذِي خَلَ َق الَ ْزوَاجَ كُّلهَا مِمّا تُْنِبتُ الَ ْر ُ‬

‫تنّه ال العظيم الذي خلق الصناف جيعها من أنواع نبات الرض‪ ,‬ومن أنفسهم ذكورًا وإناثًا‪ ,‬وما ل‬
‫يعلمون من ملوقات ال الخرى‪ .‬قد انفرد سبحانه باللق‪ ,‬فل ينبغي أن يُشْرَك به غيه‪.‬‬

‫وَآَيةٌ َلهُمْ الّليْ ُل نَسَْل ُخ ِمنْهُ الّنهَارَ فَإِذَا هُ ْم مُظِْلمُونَ (‪)37‬‬

‫وعلمة لم دالة على توحيد ال وكمال قدرته‪ :‬هذا الليل ننع منه النهار‪ ,‬فإذا الناس مظلمون‪.‬‬

‫ك َتقْدِي ُر اْلعَزِي ِز اْلعَلِيمِ (‪)38‬‬


‫ستَقَرّ َلهَا ذَلِ َ‬
‫وَالشّ ْمسُ َتجْرِي ِلمُ ْ‬

‫وآية لم الشمس تري لستقر لا‪ ,‬قدّره ال لا ل تتعداه ول تقصر عنه‪ ,‬ذلك تقدير العزيز الذي ل‬
‫يغالَب‪ ,‬العليم الذي ل يغيب عن علمه شيء‪.‬‬

‫وَالْقَ َمرَ قَدّ ْرنَا ُه َمنَازِلَ َحتّى عَادَ كَاْلعُرْجُو ِن الْقَ ِديِ (‪)39‬‬

‫‪805‬‬
‫والقم َر آية ف خلقه‪ ,‬قدّرناه منازل كل ليلة‪ ,‬يبدأ هلل ضئيل حت يكمل قمرًا مستديرًا‪ ,‬ث يرجع ضئيل‬
‫مثل عِذْق النخلة التقوس ف الرقة والنناء والصفرة؛ لقدمه وُيبْسه‪.‬‬

‫سبَحُونَ (‪)40‬‬
‫ك يَ ْ‬
‫ل الشّ ْمسُ يَْنَبغِي َلهَا َأنْ تُدْ ِر َك اْلقَمَ َر وَل الّليْ ُل سَابِ ُق الّنهَا ِر وَكُلّ فِي فَلَ ٍ‬

‫لكل من الشمس والقمر والليل والنهار وقت قدّره ال له ل يتعدّاه‪ ,‬فل يكن للشمس أن تلحق القمر‬
‫فتمحو نوره‪ ,‬أو تغي مراه‪ ,‬ول يكن للّيل أن يسبق النهار‪ ,‬فيدخل عليه قبل انقضاء وقته‪ ,‬وكل من‬
‫الشمس والقمر والكواكب ف فلك َيجْرون‪.‬‬

‫ك الْمَشْحُونِ (‪)41‬‬
‫وَآَيةٌ َلهُمْ َأنّا َحمَ ْلنَا ُذ ّريَّتهُمْ فِي اْلفُلْ ِ‬

‫ودليل لم وبرهان على أن ال وحده الستحق للعبادة‪ ,‬النعم بالنعم‪ ,‬أنّا حلنا مَن نا مِن ولد آدم ف‬
‫سفينة نوح الملوءة بأجناس الخلوقات; لستمرار الياة بعد الطوفان‪.‬‬

‫وَخََل ْقنَا َلهُ ْم مِ ْن ِمثْلِ ِه مَا يَرْ َكبُونَ (‪)42‬‬

‫وخلقنا لؤلء الشركي وغيهم مثل سفينة نوح من السفن وغيها من الراكب الت يركبونا وتبلّغهم‬
‫أوطانم‪.‬‬

‫صرِيخَ َلهُ ْم وَل هُ ْم يُنقَذُونَ (‪)43‬‬


‫شأْ ُنغْرِ ْقهُمْ فَل َ‬
‫َوإِ ْن نَ َ‬

‫وإن نشأ نغرقهم‪ ,‬فل يدون مغيثًا لم مِن غرقهم‪ ,‬ول هم يلصون من الغرق‪.‬‬

‫إِلّ رَحْ َم ًة ِمنّا َو َمتَاعا إِلَى حِيٍ (‪)44‬‬

‫إل أن نرحهم فننجيهم ونتعهم إل أجل؛ لعلهم يرجعون ويستدركون ما فرّطوا فيه‪.‬‬

‫‪806‬‬
‫َوإِذَا قِيلَ َلهُمْ اّتقُوا مَا َبيْنَ َأيْدِيكُ ْم َومَا َخ ْل َفكُمْ َل َعّلكُمْ تُرْحَمُونَ (‪)45‬‬

‫وإذا قيل للمشركي‪ :‬احذروا أمر الخرة وأهوالا وأحوال الدنيا وعقابا; رجاء رحة ال لكم‪ ,‬أعرضوا‪,‬‬
‫ول ييبوا إل ذلك‪.‬‬

‫ضيَ (‪)46‬‬
‫َومَا تَ ْأتِيهِ ْم مِ ْن آَي ٍة مِ ْن آيَاتِ َرّبهِمْ إِلّ كَانُوا َعنْهَا ُمعْرِ ِ‬

‫وما تيء هؤلء الشركي من علمة واضحة من عند ربم؛ لتهديهم للحق‪ ,‬وتبيّن لم صدق الرسول‪,‬‬
‫إل أعرضوا عنها‪ ,‬ول ينتفعوا با‪.‬‬

‫َوإِذَا قِيلَ َلهُمْ أَن ِفقُوا مِمّا رَزََقكُمْ اللّهُ قَا َل الّذِينَ َكفَرُوا ِللّذِينَ آ َمنُوا َأنُ ْطعِمُ مَنْ َل ْو يَشَاءُ اللّهُ َأ ْطعَمَهُ إِنْ َأْنتُمْ‬
‫إِلّ فِي ضَل ٍل ُمبِيٍ (‪)47‬‬

‫وإذا قيل للكافرين‪ :‬أنفقوا من الرزق الذي مَ ّن به ال عليكم‪ ,‬قالوا للمؤمني مُحْتجّي‪ :‬أنطعم من لو شاء‬
‫ال أطعمه؟ ما أنتم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬إل ف ُبعْدٍ واضح عن الق‪ ,‬إذ تأمروننا بذلك‪.‬‬

‫َوَيقُولُونَ َمتَى هَذَا اْلوَعْدُ ِإنْ كُنتُمْ صَادِقِيَ (‪)48‬‬

‫ويقول هؤلء الكفار على وجه التكذيب والستعجال‪ :‬مت يكون البعث إن كنتم صادقي فيما تقولونه‬
‫عنه؟‬

‫خصّمُونَ (‪)49‬‬
‫ح ًة وَاحِ َد ًة َتأْخُ ُذهُ ْم َوهُ ْم يَ ِ‬
‫صيْ َ‬
‫مَا يَنظُرُونَ إِلّ َ‬

‫ما ينتظر هؤلء الشركون الذين يستعجلون بوعيد ال إياهم إل نفخة الفَزَع عند قيام الساعة‪ ,‬تأخذهم‬
‫فجأة‪ ,‬وهم يتصمون ف شؤون حياتم‪.‬‬

‫صَيةً وَل إِلَى َأهِْلهِ ْم َيرْ ِجعُونَ (‪)50‬‬


‫فَل يَسْتَطِيعُو َن َتوْ ِ‬

‫‪807‬‬
‫فل يستطيع هؤلء الشركون عند النفخ ف "القرن" أن يوصوا أحدًا بشيء‪ ,‬ول يستطيعون الرجوع إل‬
‫أهلهم‪ ,‬بل يوتون ف أسواقهم ومواضعهم‪.‬‬

‫َوُنفِخَ فِي الصّورِ َفإِذَا هُ ْم مِ ْن الَجْدَاثِ إِلَى َرّبهِ ْم يَنسِلُونَ (‪)51‬‬

‫ونُفِخ ف "القرن" النفخ ُة الثانية‪ ,‬فتُ َردّ أرواحهم إل أجسادهم‪ ,‬فإذا هم من قبورهم يرجون إل ربم‬
‫سراعًا‪.‬‬

‫ق الْمُ ْرسَلُونَ (‪)52‬‬


‫قَالُوا يَا َويَْلنَا مَ ْن َب َعثَنَا مِ ْن مَرَْق ِدنَا هَذَا مَا َوعَدَ الرّحْ َم ُن وَصَ َد َ‬

‫قال الكذبون بالبعث نادمي‪ :‬يا هلكنا مَن أخرجنا مِن قبورنا؟ فيجابون ويقال لم‪ :‬هذا ما وعد به‬
‫الرحن‪ ,‬وأخب عنه الرسلون الصادقون‪.‬‬

‫حضَرُونَ (‪)53‬‬
‫ح ًة وَاحِ َدةً فَِإذَا هُمْ جَمِيعٌ لَ َدْينَا مُ ْ‬
‫صيْ َ‬
‫ِإنْ كَاَنتْ إِلّ َ‬

‫ما كان البعث من القبور إل نتيجة نفخة واحدة ف "القرن"‪ ,‬فإذا جيع اللق لدينا ماثلون للحساب‬
‫والزاء‪.‬‬

‫ج َز ْونَ إِ ّل مَا كُنتُ ْم َتعْ َملُونَ (‪)54‬‬


‫فَاْلَي ْومَ ل تُظَْل ُم َن ْفسٌ َشيْئا وَل تُ ْ‬

‫ف ذلك اليوم يتم الساب بالعدل‪ ,‬فل تُظْلم نفس شيئًا بنقص حسناتا أو زيادة سيئاتا‪ ,‬ول ُتجْزون إل‬
‫با كنتم تعملونه ف الدنيا‪.‬‬

‫جّنةِ اْلَي ْومَ فِي ُشغُلٍ فَا ِكهُونَ (‪)55‬‬


‫ب الْ َ‬
‫ِإنّ أَصْحَا َ‬

‫إن أهل النة ف ذلك اليوم مشغولون عن غيهم بأنواع النعيم الت يتفكهون با‪.‬‬

‫‪808‬‬
‫هُ ْم َوأَ ْزوَا ُجهُمْ فِي ظِل ٍل عَلَى الَرَائِكِ مُّت ِكئُونَ (‪)56‬‬

‫هم وأزواجهم متنعمون باللوس على السرّة الزيّنة‪ ,‬تت الظلل الوارفة‪.‬‬

‫َلهُمْ فِيهَا فَا ِك َهةٌ وََلهُ ْم مَا يَ ّدعُونَ (‪)57‬‬

‫لم ف النة أنواع الفواكه اللذيذة‪ ,‬ولم كل ما يطلبون من أنواع النعيم‪.‬‬

‫سَلمٌ َقوْ ًل مِنْ رَبّ رَحِيمٍ (‪)58‬‬

‫ولم نعيم آخر أكب حي يكلمهم ربم‪ ,‬الرحيم بم بالسلم عليهم‪ .‬وعند ذلك تصل لم السلمة التامة‬
‫من جيع الوجوه‪.‬‬

‫ج ِرمُونَ (‪)59‬‬
‫وَا ْمتَازُوا اْلَي ْومَ َأّيهَا الْمُ ْ‬

‫ويقال للكفار ف ذلك اليوم‪ :‬تيّزوا عن الؤمني‪ ,‬وانفصلوا عنهم‪.‬‬

‫شيْطَانَ ِإنّهُ َلكُمْ عَ ُدوّ ُمبِيٌ (‪)60‬‬


‫أَلَمْ َأ ْعهَدْ إَِلْيكُ ْم يَا بَنِي آ َدمَ َأنْ ل َت ْعبُدُوا ال ّ‬

‫ويقول ال لم توبيخًا وتذكيًا‪ :‬أل أوصكم على ألسنة رسلي أن ل تعبدوا الشيطان ول تطيعوه؟ إنه لكم‬
‫عدو ظاهر العداوة‪.‬‬

‫سَتقِيمٌ (‪)61‬‬
‫ط مُ ْ‬
‫َوأَ ْن اعْبُدُونِي هَذَا صِرَا ٌ‬

‫وأمرتكم بعبادت وحدي‪ ,‬فعبادت وطاعت ومعصية الشيطان هي الدين القوي الوصل لرضات وجنّات‪.‬‬

‫وََلقَدْ أَضَ ّل ِمنْكُمْ ِجِبلّ َكثِيا أََفلَ ْم َتكُونُوا َت ْعقِلُونَ (‪)62‬‬

‫‪809‬‬
‫ولقد أض ّل الشيطان عن الق منكم خلقًا كثيًا‪ ,‬أفما كان لكم عقل ‪-‬أيها الشركون‪ -‬ينهاكم عن‬
‫اتباعه؟‬

‫هَ ِذهِ َج َهنّ ُم الّتِي كُنتُ ْم تُوعَدُونَ (‪)63‬‬

‫هذه جهنم الت كنتم توعدون با ف الدنيا على كفركم بال وتكذيبكم رسله‪.‬‬

‫اصَْل ْوهَا اْلَي ْومَ بِمَا كُنتُ ْم َت ْكفُرُونَ (‪)64‬‬

‫ادخلوها اليوم وقاسوا حرّها; بسبب كفركم‪.‬‬

‫شهَدُ أَرْجُُل ُه ْم بِمَا كَانُوا َيكْسِبُونَ (‪)65‬‬


‫ختِ ُم عَلَى أَ ْفوَا ِههِمْ َوتُكَلّ ُمنَا َأيْدِيهِ ْم َوتَ ْ‬
‫الَْي ْو َم نَ ْ‬

‫اليوم نطبع على أفواه الشركي فل ينطقون‪ ,‬وتُكلّمنا أيديهم با بطشت به‪ ,‬وتشهد أرجلهم با سعت‬
‫إليه ف الدنيا‪ ،‬وكسبت من الثام‪.‬‬

‫سنَا عَلَى َأ ْعيُِنهِمْ فَا ْسَتَبقُوا الصّرَاطَ َفَأنّى ُيْبصِرُونَ (‪)66‬‬


‫وََلوْ نَشَاءُ لَ َطمَ ْ‬

‫ولو نشاء لطمسنا على أعينهم بأن نُذْهب أبصارهم‪ ,‬كما ختمنا على أفواههم‪ ,‬فبادَروا إل الصراط‬
‫ليجوزوه‪ ,‬فكيف يتحقق لم ذلك وقد طُمِست أبصارهم؟‬

‫ضيّا وَل يَ ْر ِجعُونَ (‪)67‬‬


‫خنَاهُ ْم عَلَى َمكَاَنِتهِمْ َفمَا اسْتَطَاعُوا ُم ِ‬
‫وََلوْ نَشَاءُ َلمَسَ ْ‬

‫ولو شئنا َلغَيّرنا خلقهم وأقعدناهم ف أماكنهم‪ ,‬فل يستطيعون أن يَمْضوا أمامهم‪ ,‬ول يرجعوا وراءهم‪.‬‬

‫خلْقِ أَفَل َيعْقِلُونَ (‪)68‬‬


‫َومَ ْن ُنعَمّ ْر ُه نَُنكّسْهُ فِي الْ َ‬

‫‪810‬‬
‫ومن نُطِلْ عمره حت يهرم ُنعِدْه إل الالة الت ابتدأ منها حالة ضعف العقل وضعف السد‪ ,‬أفل يعقلون‬
‫أ ّن مَن فعل مثل هذا بم قادر على بعثهم؟‬

‫شعْ َر َومَا َيْنَبغِي لَهُ إِ ْن ُهوَ إِلّ ذِ ْك ٌر وَقُرْآ ٌن ُمبِيٌ (‪ِ )69‬لُينْذِ َر مَنْ كَانَ َحيّا َويَحِقّ الْ َقوْ ُل عَلَى‬
‫َومَا عَلّ ْمنَاهُ ال ّ‬
‫الْكَافِرِينَ (‪)70‬‬

‫وما علّمنا رسولنا ممدًا الشعر‪ ,‬وما ينبغي له أن يكون شاعرًا‪ ,‬ما هذا الذي جاء به إل ذكر يتذكر به‬
‫أولو اللباب‪ ,‬وقرآن بيّن الدللة على الق والباطل‪ ،‬واضحة أحكامه و ِحكَمه ومواعظه; لينذر مَن كان‬
‫ح ّي القلب مستني البصية‪ ,‬ويق العذاب على الكافرين بال; لنم قامت عليهم بالقرآن حجة ال‬
‫البالغة‪.‬‬

‫َأوَلَ ْم يَ َروْا َأنّا َخَل ْقنَا َلهُ ْم ِممّا عَمَِلتْ َأيْدِينَا َأْنعَاما َفهُمْ َلهَا مَاِلكُونَ (‪)71‬‬

‫أول ير اللق أنا خلقنا لجلهم أنعامًا ذللناها لم‪ ,‬فهم مالكون أمرها؟‬

‫وَذَلّ ْلنَاهَا َلهُمْ فَ ِمْنهَا رَكُوُبهُ ْم َو ِمْنهَا َيأْكُلُونَ (‪)72‬‬

‫وسخّرناها لم‪ ,‬فمنها ما يركبون ف السفار‪ ,‬ويملون عليها الثقال‪ ,‬ومنها ما يأكلون‪.‬‬

‫شكُرُونَ (‪)73‬‬
‫وََلهُمْ فِيهَا َمنَافِ ُع َومَشَارِبُ أَفَل يَ ْ‬

‫ولم فيها منافع أخرى ينتفعون با‪ ,‬كالنتفاع بأصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثًا ولباسًا‪ ,‬وغي ذلك‪,‬‬
‫ويشربون ألبانا‪ ,‬أفل يشكرون ال الذي أنعم عليهم بذه النعم‪ ,‬ويلصون له العبادة؟‬

‫خذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ آِل َهةً َلعَّلهُ ْم يُنصَرُونَ (‪)74‬‬


‫وَاتّ َ‬

‫واتذ الشركون من دون ال آلة يعبدونا; طمعًا ف نصرها لم وإنقاذهم من عذاب ال‪.‬‬

‫‪811‬‬
‫حضَرُونَ (‪)75‬‬
‫ستَطِيعُونَ َنصْ َرهُ ْم َوهُمْ َلهُمْ جُن ٌد ُم ْ‬
‫ل يَ ْ‬

‫ل تستطيع تلك اللة نصر عابديها ول أنفسهم ينصرون‪ ,‬والشركون وآلتهم جيعًا مضرون ف‬
‫العذاب‪ ,‬متبئ بعضهم من بعض‪.‬‬

‫فَل يَحْ ُزنْكَ َقوُْلهُمْ ِإنّا َنعْلَ ُم مَا يُسِرّونَ َومَا ُيعِْلنُونَ (‪)76‬‬

‫فل يَحْزُنك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كفرهم بال وتكذيبهم لك واستهزاؤهم بك; إنا نعلم ما يفون‪ ,‬وما‬
‫يظهرون‪ ,‬وسنجازيهم على ذلك‪.‬‬

‫َأوَلَ ْم يَ َر الِنسَانُ َأنّا خََل ْقنَاهُ مِ ْن نُ ْط َفةٍ فَِإذَا ُهوَ َخصِي ٌم ُمبِيٌ (‪)77‬‬

‫أول ير النسان النكر للبعث ابتداء خلقه فيستدل به على معاده‪ ,‬أنا خلقناه من نطفة مرّت بأطوار حت‬
‫َكبِر‪ ,‬فإذا هو كثي الصام واضح الدال؟‬

‫حيِ اْلعِظَا َم َوهِيَ َرمِيمٌ (‪)78‬‬


‫سيَ خَ ْلقَهُ قَا َل مَنْ يُ ْ‬
‫وَضَرَبَ َلنَا َمَثلً َونَ ِ‬

‫وضرب لنا النكر للبعث مثل ل ينبغي ضربه‪ ,‬وهو قياس قدرة الالق بقدرة الخلوق‪ ,‬ونسي ابتداء‬
‫خلقه‪ ,‬قال‪ :‬مَن ييي العظام البالية التفتتة؟‬

‫حيِيهَا الّذِي أَنشََأهَا َأوّ َل َم ّرةٍ َو ُهوَ بِكُلّ َخلْ ٍق عَلِيمٌ (‪)79‬‬
‫قُ ْل يُ ْ‬

‫قل له‪ :‬يييها الذي خلقها أول مرة‪ ,‬وهو بميع خلقه عليم‪ ,‬ل يفى عليه شيء‪.‬‬

‫ج ِر الَ ْخضَ ِر نَارا فَإِذَا َأْنتُمْ مِنْ ُه تُوقِدُونَ (‪)80‬‬


‫الّذِي َجعَلَ َلكُ ْم مِنْ الشّ َ‬

‫‪812‬‬
‫الذي أخرج لكم من الشجر الخضر الرطب نارًا مرقة‪ ,‬فإذا أنتم من الشجر توقدون النار‪ ,‬فهو القادر‬
‫على إخراج الضد من الضد‪ .‬وف ذلك دليل على وحدانية ال وكمال قدرته‪ ,‬ومن ذلك إخراج الوتى‬
‫من قبورهم أحياء‪.‬‬

‫ق الْعَلِيمُ (‪)81‬‬
‫لُ‬‫خّ‬
‫خلُ َق ِمثَْلهُ ْم بَلَى َو ُهوَ الْ َ‬
‫ض ِبقَادِ ٍر عَلَى أَ ْن يَ ْ‬
‫س الّذِي َخلَقَ السّ َموَاتِ وَالَ ْر َ‬
‫َأوَلَْي َ‬

‫أوليس الذي خلق السموات والرض وما فيهما بقادر على أن يلق مثلهم‪ ,‬فيعيدهم كما بدأهم؟ بلى‪,‬‬
‫خلُقُ‪ ,‬ل يفى عليه شيء‪.‬‬
‫إنه قادر على ذلك‪ ,‬وهو اللق لميع الخلوقات‪ ,‬العليم بكل ما خلق ويَ ْ‬

‫ِإنّمَا َأمْ ُرهُ ِإذَا أَرَا َد َشيْئا أَ ْن َيقُولَ لَهُ كُنْ َفيَكُونُ (‪)82‬‬

‫إنا أمره سبحانه وتعال إذا أراد شيئًا أن يقول له‪" :‬كن" فيكون‪ ,‬ومن ذلك الماتة والحياء‪ ,‬والبعث‬
‫والنشور‪.‬‬

‫سبْحَا َن الّذِي بِيَ ِد ِه مََلكُوتُ كُ ّل َشيْءٍ َوإَِليْهِ ُترْ َجعُونَ (‪)83‬‬


‫فَ ُ‬

‫فتنه ال تعال وتقدس عن العجز والشرك‪ ,‬فهو الالك لكل شيء‪ ,‬التصرف ف شؤون خلقه بل منازع‬
‫أو مانع‪ ,‬وقد ظهرت دلئل قدرته‪ ,‬وتام نعمته‪ ,‬وإليه تُرجعون للحساب والزاء‪.‬‬

‫‪ -37‬سورة الصافات‬

‫صفّا (‪ )1‬فَالزّا ِجرَاتِ زَجْرا (‪ )2‬فَالتّاِليَاتِ ذِكْرا (‪ِ )3‬إنّ إَِل َهكُمْ َلوَا ِحدٌ (‪)4‬‬
‫وَالصّافّاتِ َ‬

‫أقسم ال تعال باللئكة تصف ف عبادتا صفوفًا متراصة‪ ,‬وباللئكة تزجر السحاب وتسوقه بأمر ال‪,‬‬
‫وباللئ كة تتلو ذ كر ال وكل مه تعال‪ .‬إن معبود كم ‪-‬أي ها الناس‪ -‬لوا حد ل شر يك له‪ ,‬فأخل صوا له‬
‫العبادة والطاعة‪ .‬ويقسم ال با شاء مِن خلقه‪ ,‬أما الخلوق فل يوز له القسم إل بال‪ ,‬فاللف بغي ال‬

‫‪813‬‬
‫شرك‪.‬‬

‫ب الْمَشَا ِرقِ (‪)5‬‬


‫ض َومَا بَْيَنهُمَا وَرَ ّ‬
‫رَبّ السّ َموَاتِ وَالَ ْر ِ‬

‫هو خالق السموات والرض وما بينهما‪ ,‬ومدبّر الشمس ف مطالعها ومغاربا‪.‬‬

‫ِإنّا َزيّنّا السّمَاءَ ال ّدْنيَا ِبزِيَن ٍة اْلكَوَاكِبِ (‪)6‬‬

‫إنّا زينّا السماء الدنيا بزينة هي النجوم‪.‬‬

‫وَ ِحفْظا مِنْ كُ ّل َشيْطَا ٍن مَارِدٍ (‪)7‬‬

‫وحفظنا السماء بالنجوم مِن كل شيطان متمرّد عاتٍ رجيم‪.‬‬

‫صبٌ (‪)9‬‬
‫ل الَعْلَى َوُيقْذَفُو َن مِنْ كُلّ جَانِبٍ (‪ُ )8‬دحُورا وََلهُ ْم عَذَابٌ وَا ِ‬
‫ل يَسّ ّمعُونَ إِلَى الْ َم ٍ‬

‫ل تستطيع الشياطي أن تصل إل الل العلى‪ ,‬وهي السموات ومَن فيها مِن اللئكة‪ ,‬فتستمع إليهم إذا‬
‫تكلموا با يوحيه ال تعال مِن شرعه وقدره‪ ,‬ويُرْجَمون بالشهب من كل جهة; طردًا لم عن الستماع‪,‬‬
‫ولم ف الدار الخرة عذاب دائم موجع‪.‬‬

‫ب ثَاِقبٌ (‪)10‬‬
‫خ ْط َفةَ َفَأْتَبعَهُ ِشهَا ٌ‬
‫ف الْ َ‬
‫إِلّ مَنْ خَطِ َ‬

‫إل مَ ِن اختطف من الشياطي الطفة‪ ,‬وهي الكلمة يسمعها من السماء بسرعة‪ ,‬فيلقيها إل الذي تته‪,‬‬
‫ويلقيها الخر إل الذي تته‪ ,‬فربا أدركه الشهاب الضيء قبل أن يلقيها‪ ,‬وربا ألقاها بقَدَر ال تعال قبل‬
‫أن يأتيه الشهاب‪ ,‬فيحرقه فيذهب با الخر إل الكهنة‪ ,‬فيكذبون معها مائة كذبة‪.‬‬

‫فَا ْسَتفِْتهِمْ َأهُمْ َأشَدّ خَلْقا َأ ْم مَنْ َخَل ْقنَا ِإنّا َخَلقْنَاهُ ْم مِ ْن طِيٍ لزِبٍ (‪)11‬‬

‫‪814‬‬
‫فاسأل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬منكري البعث َأهُم أشد خلقًا أم من خلقنا من هذه الخلوقات؟ إنا خلقنا أباهم‬
‫آدم من طي لزج‪ ,‬يلتصق بعضه ببعض‪.‬‬

‫خرُونَ (‪)12‬‬
‫جْبتَ َويَسْ َ‬
‫بَ ْل عَ ِ‬

‫بل عجب تَ ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من تكذيبهم وإنكارهم البعث‪ ,‬وأعجب من إنكارهم وأبلغ أنم يستهزئون‬
‫بك‪ ,‬ويسخرون من قولك‪.‬‬

‫َوإِذَا ذُكّرُوا ل يَذْكُرُونَ (‪)13‬‬

‫وإذا ذكّروا با نسوه أو َغفَلوا عنه ل ينتفعون بذا الذكر ول يتدبّرون‪.‬‬

‫خرُونَ (‪)14‬‬
‫َوإِذَا َرَأوْا آَي ًة يَسْتَسْ ِ‬

‫وإذا رأوا معجزة دالّة على نبوّتك يسخرون منها ويعجبون‪.‬‬

‫وَقَالُوا إِ ْن هَذَا إِلّ سِحْرٌ مُبِيٌ (‪َ )15‬أئِذَا ِمْتنَا وَ ُكنّا تُرَابا َوعِظَاما َأِئنّا لَ َمْبعُوثُونَ ( ‪َ )16‬أوَآبَا ُؤنَا الَوّلُونَ (‬
‫‪)17‬‬

‫وقالوا‪ :‬ما هذا الذي جئت به إل سحر ظاهر بيّن‪ .‬أإذا متنا و صِرْنا ترابًا وعظامًا بالية أإنا لبعوثون من‬
‫قبورنا أحياء‪ ,‬أو يُبعث آباؤنا الذين مضوا من قبلنا؟‬

‫قُ ْل َنعَ ْم َوَأنْتُمْ دَاخِرُونَ (‪)18‬‬

‫قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬نعم سوف تُبعثون‪ ,‬وأنتم أذلء صاغرون‪.‬‬

‫فَِإنّمَا ِهيَ زَجْ َرٌة وَاحِ َدةٌ فَإِذَا هُ ْم يَنظُرُونَ (‪)19‬‬

‫‪815‬‬
‫فإنا هي نفخة واحدة‪ ,‬فإذا هم قائمون من قبورهم ينظرون أهوال يوم القيامة‪.‬‬

‫وَقَالُوا يَا َويَْلنَا هَذَا َي ْومُ الدّينِ (‪)20‬‬

‫وقالوا‪ :‬يا هلكنا هذا يوم الساب والزاء‪.‬‬

‫هَذَا َي ْو ُم الْ َفصْ ِل الّذِي كُنتُمْ بِهِ ُتكَ ّذبُونَ (‪)21‬‬

‫فيقال لم‪ :‬هذا يوم القضاء بي اللق بالعدل الذي كنتم تكذبون به ف الدنيا وتنكرونه‪.‬‬

‫جحِيمِ (‬
‫صرَاطِ الْ َ‬
‫احْشُرُوا الّذِي َن ظَلَمُوا َوأَ ْزوَا َجهُ ْم َومَا كَانُوا َي ْعبُدُونَ (‪ )22‬مِنْ دُونِ اللّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى ِ‬
‫‪)23‬‬

‫جعُوا الذين كفروا بال ونظراءهم وآلتهم الت كانوا يعبدونا من دون ال‪ ,‬فسوقوهم‬
‫ويقال للملئكة‪ :‬ا َ‬
‫سوقًا عنيفًا إل جهنم‪.‬‬

‫سئُولُونَ (‪)24‬‬
‫وَِقفُوهُمْ ِإّنهُ ْم مَ ْ‬

‫واحبسوهم قبل أن يصلوا إل جهنم؛ إنم مسؤولون عن أعمالم وأقوالم الت صدرت عنهم ف الدنيا‪,‬‬
‫مساءلة إنكار عليهم وتبكيت لم‪.‬‬

‫مَا َلكُ ْم ل يََتنَاصَرُونَ (‪)25‬‬

‫ويقال لم توبيخًا‪ :‬ما لكم ل ينصر بعضكم بعضًا؟‬

‫ستَسْلِمُونَ (‪)26‬‬
‫بَ ْل هُ ْم الَْي ْو َم مُ ْ‬

‫بل هم اليوم منقادون لمر ال‪ ,‬ل يالفونه ول ييدون عنه‪ ,‬غي منتصرين لنفسهم‪.‬‬
‫‪816‬‬
‫ضهُ ْم عَلَى َب ْعضٍ يَتَسَاءَلُونَ (‪)27‬‬
‫َوأَ ْقبَلَ َب ْع ُ‬

‫وأقبل بعض الكفار على بعض يتلومون ويتخاصمون‪.‬‬

‫قَالُوا ِإّنكُمْ كُنتُ ْم َت ْأتُوَننَا عَنْ اْليَمِيِ (‪)28‬‬

‫قال التباع للمتبوعي‪ :‬إنكم كنتم تأتوننا من ِقبَل الدين والق‪ ,‬فتهوّنون علينا أمر الشريعة‪ ,‬وتَُنفّروننا‬
‫عنها‪ ,‬وتزينون لنا الضلل‪.‬‬

‫قَالُوا بَلْ َل ْم تَكُونُوا ُم ْؤمِنِيَ (‪)29‬‬

‫قال التبوعون للتابعي‪ :‬ما المر كما تزعمون‪ ,‬بل كانت قلوبكم منكرة لليان‪ ,‬قابلة للكفر والعصيان‪.‬‬

‫َومَا كَانَ َلنَا عََلْيكُمْ مِنْ سُلْطَا ٍن بَلْ كُنتُمْ َقوْما طَاغِيَ (‪)30‬‬

‫وما كان لنا عليكم من حجة أو قوّة‪ ,‬فنصدكم با عن اليان‪ ,‬بل كنتم ‪-‬أيها الشركون‪ -‬قومًا طاغي‬
‫متجاوزين للحق‪.‬‬

‫ح ّق عََليْنَا َقوْلُ َربّنَا ِإنّا لَذَائِقُونَ (‪)31‬‬


‫فَ َ‬

‫فل ِزمَنا جيعًا وعيد ربنا‪ ,‬إنا لذائقو العذاب‪ ,‬نن وأنتم‪ ,‬با قدمنا من ذنوبنا ومعاصينا ف الدنيا‪.‬‬

‫َفأَ ْغ َوْينَاكُمْ ِإنّا ُكنّا غَاوِينَ (‪)32‬‬

‫فأضللناكم عن سبيل ال واليان به‪ ,‬إنا كنا ضالي من قبلكم‪ ,‬فهلكنا; بسبب كفرنا‪ ,‬وأهلكناكم معنا‪.‬‬

‫شتَرِكُونَ (‪)33‬‬
‫ب مُ ْ‬
‫فَِإّنهُ ْم َي ْومَئِذٍ فِي اْلعَذَا ِ‬

‫‪817‬‬
‫فإن التباع والتبوعي مشتركون يوم القيامة ف العذاب‪ ,‬كما اشتركوا ف الدنيا ف معصية ال‪.‬‬

‫ِإنّا َكذَلِكَ نَ ْفعَ ُل بِالْ ُمجْ ِرمِيَ (‪)34‬‬

‫إنا هكذا نفعل بالذين اختاروا معاصي ال ف الدنيا على طاعته‪ ,‬فنذيقهم العذاب الليم‪.‬‬

‫ستَ ْكبِرُونَ (‪)35‬‬


‫ِإّنهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ َل ُهمْ ل إِلَهَ إِلّ اللّ ُه يَ ْ‬

‫إن أولئك الشرك ي كانوا ف الدن يا إذا ق يل ل م‪ :‬ل إله إل ال‪ ,‬ودعوا إلي ها‪ ,‬وأُمروا بترك ما ينافي ها‪,‬‬
‫يستكبون عنها وعلى من جاء با‪.‬‬

‫جنُونٍ (‪)36‬‬
‫َوَيقُولُونَ َأِئنّا َلتَارِكُوا آِل َهتِنَا لِشَاعِ ٍر مَ ْ‬

‫ويقولون‪ :‬أنترك عبادة آلتنا لقول رجل شاعر منون؟ يعنون رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫ق الْمُ ْرسَِليَ (‪)37‬‬


‫ح ّق وَصَ ّد َ‬
‫بَلْ جَا َء بِالْ َ‬

‫كذَبوا‪ ,‬ما ممد كما وصفوه به‪ ,‬بل جاء بالقرآن والتوحيد‪ ,‬وصدّق الرسلي فيما أخبوا به عنه من‬
‫شرع ال وتوحيده‪.‬‬

‫ب الَلِيمِ (‪)38‬‬
‫ِإنّكُمْ لَذَاِئقُو اْلعَذَا ِ‬

‫إنكم ‪-‬أيها الشركون‪ -‬بقولكم وكفركم وتكذيبكم لذائقو العذاب الليم الوجع‪.‬‬

‫َومَا تُجْ َز ْونَ إِلّ مَا كُنتُ ْم َتعْمَلُونَ (‪)39‬‬

‫وما تزون ف الخرة إل با كنتم تعملونه ف الدنيا من العاصي‪.‬‬

‫‪818‬‬
‫إِلّ ِعبَادَ اللّ ِه الْ ُمخَْلصِيَ (‪)40‬‬

‫إل عباد ال تعال الذ ين أخل صوا له ف عباد ته‪ ,‬فأخل صهم واخت صهم برح ته؛ فإن م ناجون من العذاب‬
‫الليم‪.‬‬

‫ُأوْلَئِكَ َلهُمْ ِر ْزقٌ َمعْلُومٌ (‪)41‬‬

‫أولئك الخلصون لم ف النة رزق معلوم ل ينقطع‪.‬‬

‫ت الّنعِيمِ (‪)43‬‬
‫َفوَاكِهُ َوهُ ْم ُمكْ َرمُونَ (‪ )42‬فِي َجنّا ِ‬

‫ذلك الرزق فواكه متنوعة‪ ,‬وهم مكرمون بكرامة ال لم ف جنات النعيم الدائم‪.‬‬

‫عَلَى ُسرُ ٍر ُمَتقَابِِليَ (‪)44‬‬

‫ومن كرامتهم عند ربم وإكرام بعضهم بعضًا أنم على سرر متقابلي فيما بينهم‪.‬‬

‫س مِ ْن َمعِيٍ (‪َ )45‬بْيضَاءَ َل ّذةٍ لِلشّا ِربِيَ ( ‪ )46‬ل فِيهَا َغوْ ٌل وَل هُ ْم َعْنهَا يُنَفُو نَ (‬
‫ف عََلْيهِ ْم ِبكَأْ ٍ‬
‫يُطَا ُ‬
‫‪)47‬‬

‫يدار علي هم ف مال سهم بكؤوس خ ر من أنار جار ية‪ ,‬ل يافون انقطاع ها‪ ,‬بيضاء ف لون ا‪ ,‬لذيذة ف‬
‫شربا‪ ,‬ليس فيها أذى للجسم ول للعقل‪.‬‬

‫ض مَ ْكنُونٌ (‪)49‬‬
‫ف عِيٌ (‪َ )48‬كَأّنهُ ّن بَْي ٌ‬
‫صرَاتُ الطّرْ ِ‬
‫َوعِنْ َدهُمْ قَا ِ‬

‫وعندهم ف مالسهم نساء عفيفات‪ ,‬ل ينظرن إل غي أزواجهن حسان العي‪ ,‬كأنن َبيْض مصون ل‬
‫تسه اليدي‪.‬‬

‫‪819‬‬
‫ضهُ ْم عَلَى َب ْعضٍ يَتَسَاءَلُونَ (‪)50‬‬
‫َفأَ ْقبَلَ َب ْع ُ‬

‫فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون عن أحوالم ف الدنيا وما كانوا يعانون فيها‪ ,‬وما أنعم ال به عليهم‬
‫ف النة‪ ,‬وهذا من تام النس‪.‬‬

‫قَالَ قَائِ ٌل ِمْنهُمْ ِإنّي كَانَ لِي َقرِينٌ (‪)51‬‬

‫قال قائل من أهل النة‪ :‬لقد كان ل ف الدنيا صاحب ملزم ل‪.‬‬

‫َيقُولُ َأِئنّكَ لَمِ ْن الْ ُمصَدّقِيَ (‪َ )52‬أئِذَا ِمتْنَا وَ ُكنّا ُترَابا َوعِظَاما أَِئنّا لَمَدِينُونَ (‪)53‬‬

‫يقول‪ :‬كيف تصدّق بالبعث الذي هو ف غاية الستغراب؟ أإذا متنا وتزقنا وصرنا ترابًا وعظامًا‪ ,‬نُبعث‬
‫ونُحاسب ونُجازى بأعمالنا؟‬

‫قَا َل هَلْ َأْنتُ ْم مُطِّلعُونَ (‪ )54‬فَاطَّلعَ فَرَآهُ فِي َسوَا ِء الْجَحِيمِ (‪)55‬‬

‫قال هذا الؤ من الذي أُد خل ال نة ل صحابه‪ :‬هل أن تم مُطّلعون لنرى م صي ذلك القر ين؟ فاطلع فرأى‬
‫قرينه ف وسط النار‪.‬‬

‫حضَرِينَ (‪)57‬‬
‫قَا َل تَاللّهِ ِإنْ كِدْتَ َلتُ ْردِينِ (‪ )56‬وََلوْل ِنعْ َمةُ َربّي َلكُنتُ مِنْ الْمُ ْ‬

‫قال الؤمن لقرينه النكر للبعث‪ :‬لقد قاربت أن تلكن بصدك إياي عن اليان لو أطعتك‪ .‬ولول فضل‬
‫رب بدايت إل اليان وتثبيت عليه‪ ,‬لكنت من الحضرين ف العذاب معك‪.‬‬

‫ح ُن بِ ُمعَ ّذبِيَ (‪ِ )59‬إ ّن هَذَا َل ُه َو اْلفَوْ ُز اْلعَظِيمُ (‪)60‬‬


‫أَفَمَا نَحْنُ بِ َميّتِيَ (‪ )58‬إِ ّل َم ْوتََتنَا الُولَى َومَا نَ ْ‬

‫أحقًا أننا ملّدون منعّمون‪ ,‬فما نن بيتي إل موتتنا الول ف الدنيا‪ ,‬وما نن بعذّبي بعد دخولنا النة؟‬

‫‪820‬‬
‫إنّ ما نن فيه من نعيم ُلوَ ال ّظفَر العظيم‪.‬‬

‫لِ ِمثْ ِل هَذَا فَ ْلَيعْمَ ْل اْلعَامِلُونَ (‪)61‬‬

‫ل ثل هذا النع يم الكا مل‪ ,‬واللود الدائم‪ ,‬والفوز العظ يم‪ ,‬فليع مل العاملون ف الدن يا; لي صيوا إل يه ف‬
‫الخرة‪.‬‬

‫أَذَلِكَ َخْي ٌر نُزُلً َأمْ َشجَ َرةُ الزّقّومِ (‪)62‬‬

‫أذلك الذي سبق وصفه مِن نعيم النة خي ضيافة وعطاء من ال‪ ,‬أم شجرة الزقوم البيثة اللعونة‪ ,‬طعام‬
‫أهل النار؟‬

‫ِإنّا َجعَ ْلنَاهَا ِفْتَنةً لِلظّاِلمِيَ (‪)63‬‬

‫إنا جعلناها فتنة افتت با الظالون لنفسهم بالكفر والعاصي‪ ,‬وقالوا مستنكرين‪ :‬إن صاحبكم ينبئكم أن‬
‫ف النار شجرة‪ ,‬والنار تأكل الشجر‪.‬‬

‫شيَاطِيِ ( ‪ )65‬فَِإّنهُ مْ لكِلُو نَ ِمنْهَا‬ ‫ج َرٌة تَخْ ُر جُ فِي أَ صْ ِل الْجَحِي مِ (‪ )64‬طَ ْلعُهَا َكَأنّ هُ رُءُو سُ ال ّ‬ ‫ِإّنهَا شَ َ‬
‫جحِي مِ (‬‫شوْبا مِ نْ َحمِي مٍ ( ‪ )67‬ثُمّ ِإنّ مَرْ ِج َعهُ مْ لٍلَى الْ َ‬ ‫فَمَاِلئُو َن ِمنْهَا الْبُطُو نَ (‪ )66‬ثُمّ ِإنّ َلهُ ْم عََلْيهَا لَ َ‬
‫‪)68‬‬

‫إنا شجرة تنبت ف قعر جهنم‪ ,‬ثرها قبيح النظر كأنه رؤوس الشياطي‪ ,‬فإذا كانت كذلك فل تَ سْأ ْل‬
‫بعد هذا عن طعمها‪ ,‬فإن الشركي لكلون من تلك الشجرة فمالئون منها بطونم‪ .‬ث إنم بعد الكل‬
‫منها لشاربون شرابًا خليطًا قبيحًا حارّا‪ ,‬ث إن مردّهم بعد هذا العذاب إل عذاب النار‪.‬‬

‫ِإّنهُمْ أَْل َفوْا آبَا َءهُمْ ضَالّيَ (‪َ )69‬فهُ ْم عَلَى آثَا ِرهِ ْم ُيهْ َرعُونَ (‪)70‬‬

‫إنم وجدوا آباءهم على الشرك والضلل‪ ,‬فسارعوا إل متابعتهم على ذلك‪.‬‬
‫‪821‬‬
‫وََلقَدْ ضَلّ َقبَْلهُمْ أَ ْكثَ ُر ا َلوّلِيَ (‪)71‬‬

‫ولقد ضلّ عن الق قبل قومك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أكثر المم السابقة‪.‬‬

‫وََلقَدْ أَ ْرسَ ْلنَا فِيهِ ْم مُنذِرِينَ (‪)72‬‬

‫ولقد أرسلنا ف تلك المم مرسلي أنذروهم بالعذاب فكفروا‪.‬‬

‫فَانظُرْ َكيْفَ كَا َن عَاقَِب ُة الْمُنذَرِينَ (‪)73‬‬

‫فتأمّل كيف كانت ناية تلك المم الت أنذرت‪ ,‬فكفرت؟ فقد عُذّبت‪ ,‬وصارت للناس عبة‪.‬‬

‫إِلّ ِعبَادَ اللّ ِه الْ ُمخَْلصِيَ (‪)74‬‬

‫إل عباد ال الذين أخلصهم ال‪ ,‬وخصّهم برحته لخلصهم له‪.‬‬

‫وََلقَ ْد نَادَانَا نُوحٌ َفَلِنعْ َم الْمُجِيبُونَ (‪)75‬‬

‫ولقد نادانا نبينا نوح; لننصره على قومه‪ ,‬فلنعم الجيبون له نن‪.‬‬

‫ب اْلعَظِيمِ (‪)76‬‬
‫جْينَا ُه َوَأهْلَهُ مِ ْن الْكَرْ ِ‬
‫َونَ ّ‬

‫ونيناه وأهله والؤمني معه مِن أذى الشركي‪ ,‬ومن الغرق بالطوفان العظيم‪.‬‬

‫وَ َجعَ ْلنَا ُذ ّرّيتَهُ هُ ْم اْلبَاقِيَ (‪)77‬‬

‫وجعلنا ذرية نوح هم الباقي بعد غرق قومه‪.‬‬

‫‪822‬‬
‫َوتَرَ ْكنَا عََليْهِ فِي الخِرِينَ (‪)78‬‬

‫وأبقينا له ذِكْرًا جيل وثناءً حسنًا فيمن جاء بعده من الناس يذكرونه به‪.‬‬

‫سَلمٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَ ِميَ (‪)79‬‬

‫أمان لنوح وسلمة له من أن يُذْكر بسوء ف الخِرين‪ ,‬بل تُثن عليه الجيال من بعده‪.‬‬

‫سنِيَ (‪)80‬‬
‫ِإنّا َكذَلِكَ نَجْزِي الْ ُمحْ ِ‬

‫مثل جزاء نوح نزي ك ّل مَن أحسن من العباد ف طاعة ال‪.‬‬

‫ِإنّهُ مِ ْن ِعبَا ِدنَا الْ ُم ْؤ ِمنِيَ (‪)81‬‬

‫إن نوحًا من عبادنا الصدقي الخلصي العاملي بأوامر ال‪.‬‬

‫ثُمّ َأغْرَ ْقنَا ال َخرِينَ (‪)82‬‬

‫ث أغرقنا الخرين الكذبي من قومه بالطوفان‪ ,‬فلم تبق منهم عي تَطْرِف‪.‬‬

‫َوإِنّ مِ ْن شِيعَتِ هِ ٍلبْرَاهِي مَ (‪ِ )83‬إذْ جَاءَ َربّ ُه ِبقَلْ بٍ سَلِيمٍ ( ‪ِ )84‬إذْ قَالَ َلبِي ِه وََق ْومِ ِه مَاذَا َتعْبُدُو نَ ( ‪)85‬‬
‫ب اْلعَالَمِيَ (‪)87‬‬
‫َأئِفْكا آِل َهةً دُونَ اللّ ِه تُرِيدُونَ (‪َ )86‬فمَا ظَّنكُ ْم بِرَ ّ‬

‫وإنّ من أشياع نوح على منهاجه وملّته نبّ ال إبراهيم‪ ,‬حي جاء ربه بقلب بريء من كل اعتقاد باطل‬
‫وخُلُق ذم يم‪ ,‬ح ي قال لب يه وقو مه منكرًا علي هم‪ :‬ما الذي تعبدو نه من دون ال؟ أتريدون آل ة متلَقَة‬
‫تعبدونا‪ ,‬وتتركون عبادة ال الستحق للعبادة وحده؟ فما ظنكم برب العالي أنه فاعل بكم إذا أشركتم‬
‫به وعبدت معه غيه؟‬

‫‪823‬‬
‫َفنَظَ َر نَ ْظ َرةً فِي النّجُومِ (‪َ )88‬فقَالَ ِإنّي َسقِيمٌ (‪َ )89‬فَتوَّلوْا َعنْهُ مُ ْدبِرِينَ (‪)90‬‬

‫فن ظر إبراهيهم نظرة ف النجوم متفكرًا فيمها يعتذر به عن الروج معههم إل أعياد هم‪ ,‬فقال ل م‪ :‬إنه‬
‫مريض‪ .‬وهذا تعريض منه‪ .‬فتركوه وراء ظهورهم‪.‬‬

‫فَرَاغَ إِلَى آِل َهِتهِمْ َفقَالَ أَل َتأْكُلُونَ (‪ )91‬مَا َلكُ ْم ل تَن ِطقُونَ (‪)92‬‬

‫فمال م سرعًا إل أ صنام قو مه فقال م ستهزئًا ب ا‪ :‬أل تاكلون هذا الطعام الذي يقد مه ل كم سدنتكم؟ ما‬
‫لكم ل تنطقون ول تيبون مَن يسألكم؟‬

‫غ عََلْيهِمْ ضَرْبا بِاْليَمِيِ (‪)93‬‬


‫فَرَا َ‬

‫فأقبل على آلتهم يضربا ويكسّرها بيده اليمن; ليثبت لقومه خطأ عبادتم لا‪.‬‬

‫َفأَ ْقبَلُوا إَِليْهِ َيزِفّونَ (‪)94‬‬

‫فأقبلوا إليه َيعْدُون مسرعي غاضبي‪.‬‬

‫حتُونَ (‪ )95‬وَاللّهُ خََل َقكُ ْم َومَا َتعْمَلُونَ (‪)96‬‬


‫قَالَ َأَت ْعبُدُو َن مَا َتنْ ِ‬

‫فلقي هم إبراه يم بثبات قائل ك يف تعبدون أ صنامًا تنحتون ا أن تم‪ ,‬وت صنعونا بأيدي كم‪ ,‬وتتركون عبادة‬
‫ربكم الذي خلقكم‪ ,‬وخلق عملكم؟‬

‫قَالُوا اْبنُوا لَ ُه ُبنْيَانا َفأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (‪)97‬‬

‫(فلما قامت عليهم الجة لؤوا إل القوة) وقالوا‪ :‬ابنوا له بنيانًا واملؤوه حطبًا‪ ,‬ث ألقوه فيه‪.‬‬

‫‪824‬‬
‫جعَ ْلنَاهُ ْم ا َل ْسفَلِيَ (‪)98‬‬
‫َفأَرَادُوا بِهِ َكيْدا فَ َ‬

‫فأراد قوم إبراهيم به كيدًا لهلكه‪ ,‬فجعلناهم القهورين الغلوبي‪ ،‬وردّ ال كيدهم ف نورهم‪ ،‬وجعل‬
‫النار على إبراهيم بردًا وسلمًا ‪.‬‬

‫ب َهبْ لِي مِ ْن الصّالِحِيَ (‪)100‬‬


‫وَقَالَ ِإنّي ذَا ِهبٌ إِلَى َربّي َسَيهْدِينِ (‪ )99‬رَ ّ‬

‫وقال إبراهيم‪ :‬إن مهاجر إل رب من بلد قومي إل حيث أتكن من عبادة رب; فإنه سيدلن على الي ف‬
‫دين ودنياي‪ .‬رب أعطن ولدًا صالًا‪.‬‬

‫َفبَشّ ْرنَاهُ ِبغُلمٍ حَلِيمٍ (‪)101‬‬

‫فأجبنا له دعوته‪ ,‬وبشّرناه بغلم حليم‪ ,‬أي‪ :‬يكون حليمًا ف كبه‪ ,‬وهو إساعيل‪.‬‬

‫ت افْعَ ْل مَا‬
‫سعْيَ قَا َل يَا ُبَنيّ ِإنّي أَرَى فِي الْ َمنَا مِ َأنّي َأ ْذبَحُ كَ فَان ُظ ْر مَاذَا تَرَى قَا َل يَا َأبَ ِ‬
‫فََلمّا بََل َغ َمعَ هُ ال ّ‬
‫ج ُدنِي ِإنْ شَاءَ اللّ ُه مِ ْن الصّابِرِينَ (‪)102‬‬ ‫ُتؤْمَرُ سَتَ ِ‬

‫فلما َكبِر إساعيل ومشى مع أبيه قال له أبوه‪ :‬إن أرى ف النام أن أذبك‪ ,‬فما رأيك؟ (ورؤيا النبياء‬
‫حق) فقال إ ساعيل ُمرْضيًا ر به‪ ,‬بارّا بوالده‪ ,‬معينًا له على طا عة ال‪ :‬أ مض ما أمرك ال به مِن ذب ي‪,‬‬
‫ستجدن ‪-‬إن شاء ال‪ -‬صابرًا طائعًا متسبًا‪.‬‬

‫جبِيِ (‪)103‬‬
‫فََلمّا َأسْلَمَا َوتَلّهُ لِ ْل َ‬

‫فل ما ا ستسلما ل مر ال وانقادا له‪ ,‬وأل قى إبراه يم اب نه على جبينه ‪-‬و هو جا نب الب هة‪ -‬على الرض؛‬
‫ليذبه‪.‬‬

‫سنِيَ (‪)105‬‬
‫جزِي الْمُحْ ِ‬
‫ك نَ ْ‬
‫َونَا َدْينَاهُ َأنْ يَا ِإبْرَاهِيمُ (‪َ )104‬قدْ صَدّ ْقتَ ال ّر ْؤيَا ِإنّا كَذَلِ َ‬

‫‪825‬‬
‫ت رؤياك‪ ,‬إنا كما‬
‫ونادينا إبراهيم ف تلك الالة العصيبة‪ :‬أن يا إبراهيم‪ ,‬قد فعل تَ ما أُمرت به و صَدّ ْق َ‬
‫جزيناك على تصديقك نزي الذين أحسنوا مثلك‪ ,‬فنخلّصهم من الشدائد ف الدنيا والخرة‪.‬‬

‫ِإنّ هَذَا َل ُهوَ اْلبَلءُ الْ ُمبِيُ (‪)106‬‬

‫إن المر بذبح ابنك هو البتلء الشاق الذي أبان عن صدق إيانك‪.‬‬

‫وَفَ َدْينَا ُه بِ ِذبْ ٍح عَظِيمٍ (‪)107‬‬

‫واستنقذنا إساعيل‪ ,‬فجعلنا بديل عنه كبشًا عظيمًا‪.‬‬

‫َوتَرَ ْكنَا عََليْهِ فِي الخِرِينَ (‪)108‬‬

‫وأبقينا لبراهيم ثناءً حسنًا ف المم بعده‪.‬‬

‫سَلمٌ عَلَى ِإبْرَاهِيمَ (‪)109‬‬

‫تيةٌ لبراهيم من عند ال‪ ,‬ودعاءٌ له بالسلمة من كل آفة‪.‬‬

‫سنِيَ (‪)110‬‬
‫جزِي الْمُحْ ِ‬
‫ك نَ ْ‬
‫كَذَلِ َ‬

‫كما جزينا إبراهيم على طاعته لنا وامتثاله أمرنا‪ ,‬نزي الحسني من عبادنا‪.‬‬

‫ِإنّهُ مِ ْن ِعبَا ِدنَا الْ ُم ْؤ ِمنِيَ (‪)111‬‬

‫إنه من عبادنا الؤمني الذين أعطَوا العبودية حقها‪.‬‬

‫‪826‬‬
‫حيَ (‪)112‬‬
‫َوبَشّ ْرنَاهُ بِِإسْحَقَ نَِبيّا مِ ْن الصّالِ ِ‬

‫وبشّرنا إبراهيم بولده إسحاق نبيّا من الصالي; جزاء له على صبه ورضاه بأمر ربه‪ ,‬وطاعته له‪.‬‬

‫س ٌن َوظَالِمٌ ِلنَفْسِ ِه ُمبِيٌ (‪)113‬‬


‫َوبَارَ ْكنَا عََليْ ِه َوعَلَى ِإسْحَ َق َومِنْ ُذ ّريِّتهِمَا مُحْ ِ‬

‫وأنزلنا عليهما البكة‪ .‬ومِن ذريتهما من هو مطيع لربه‪ ,‬مسن لنفسه‪ ,‬ومَن هو ظال لا ظلمًا بّينًا بكفره‬
‫ومعصيته‪.‬‬

‫ب اْلعَظِيمِ (‪)115‬‬
‫جْينَاهُمَا وََق ْو َمهُمَا مِ ْن الْكَرْ ِ‬
‫وََلقَ ْد َمنَنّا عَلَى مُوسَى َوهَارُونَ (‪َ )114‬ونَ ّ‬

‫ولقد مننّا على موسى وهارون بالنبوة والرسالة‪ ,‬ونيناها وقومهما من الغرق‪ ,‬وما كانوا فيه من عبودية‬
‫ومَذلّة‪.‬‬

‫َونَصَ ْرنَاهُمْ َفكَانُوا هُ ْم اْلغَالِبِيَ (‪)116‬‬

‫ونصرناهم‪ ,‬فكانت لم العزة والنصرة والغلبة على فرعون وآله‪.‬‬

‫سَتقِيمَ ( ‪َ )118‬وتَرَ ْكنَا عََلْيهِمَا فِي الخِرِي نَ‬


‫ط الْمُ ْ‬
‫ستَبِيَ (‪َ )117‬وهَ َدْينَاهُمَا ال صّرَا َ‬
‫ب الْمُ ْ‬
‫وَآتَْينَاهُمَا الْ ِكتَا َ‬
‫(‪)119‬‬

‫وآتيناه ا التوراة البي نة‪ ,‬وهديناه ا الطر يق ال ستقيم الذي ل اعوجاج ف يه‪ ,‬و هو ال سلم د ين ال الذي‬
‫ابتعث به أنبياءه‪ ,‬وأبقينا لما ثناءً حسنًا وذكرًا جيل فيمن بعدها‪.‬‬

‫سنِيَ ( ‪ِ )121‬إّنهُمَا مِ ْن عِبَا ِدنَا الْ ُم ْؤ ِمنِيَ (‬


‫سَلمٌ عَلَى مُو سَى َوهَارُو نَ (‪ِ )120‬إنّا َكذَلِ كَ نَجْزِي الْ ُمحْ ِ‬
‫‪)122‬‬

‫تيةٌ لوسى وهارون من عند ال‪ ,‬وثناءٌ ودعا ٌء لما بالسلمة من كل آفة‪ ,‬كما جزيناها الزاء السن‬

‫‪827‬‬
‫نزي الحسني من عبادنا الخلصي لنا بالصدق واليان والعمل‪ .‬إنما من عبادنا الراسخي ف اليان‪.‬‬

‫َوإِنّ إِْليَا سَ َلمِ ْن الْمُرْ َسلِيَ (‪ )123‬إِذْ قَالَ ِل َقوْمِ هِ أَل تَّتقُو نَ ( ‪َ )124‬أتَ ْدعُو َن َب ْعلً َوتَذَرُو نَ أَحْ سَنَ‬
‫ب آبَائِكُ ْم ا َلوّلِيَ (‪)126‬‬ ‫الْخَاِلقِيَ (‪ )125‬اللّهَ َرّبكُ ْم وَرَ ّ‬

‫وإن عبد نا إلياس ل ن الذ ين أكرمنا هم بالنبوة والر سالة‪ ,‬إذ قال لقو مه من ب ن إ سرائيل‪ :‬اتقوا ال وحده‬
‫وخافوه‪ ,‬ول تشركوا م عه غيه‪ ,‬ك يف تعبدون صنمًا‪ ,‬وتتركون عبادة ال أح سن الالق ي‪ ,‬وهو ربكم‬
‫الذي خلقكم‪ ,‬وخلق آباءكم الاضي قبلكم؟‬

‫خَلصِيَ (‪)128‬‬
‫حضَرُونَ (‪ )127‬إِ ّل ِعبَادَ اللّ ِه الْمُ ْ‬
‫َفكَ ّذبُوهُ فَِإّنهُمْ لَ ُم ْ‬

‫فكذب قوم إلياس نهبيهم‪ ,‬فليجمعنههم ال يوم القيامهة للحسهاب والعقاب‪ ,‬إل عباد ال الذيهن أخلصهوا‬
‫دينهم ل‪ ,‬فإنم ناجون من عذابه‪.‬‬

‫سنِيَ ( ‪)131‬‬
‫جزِي الْمُحْ ِ‬
‫ك نَ ْ‬
‫َوتَرَ ْكنَا عََليْ هِ فِي ال ِخرِي نَ (‪ )129‬سَلمٌ عَلَى إِ ْل يَا سِيَ ( ‪ِ )130‬إنّا َكذَلِ َ‬
‫ِإنّهُ مِ ْن ِعبَا ِدنَا الْ ُم ْؤ ِمنِيَ ( ‪)132‬‬

‫وجعلنا للياس ثناءً جيل ف المم بعده‪ .‬تية من ال‪ ,‬وثناءٌ على إلياس‪ .‬وكما جزينا إلياس الزاء السن‬
‫على طاعته‪ ,‬نزي الحسني من عبادنا الؤمني‪ .‬إنه من عباد ال الؤمني الخلصي له العاملي بأوامره‪.‬‬

‫جْينَاهُ َوَأهْلَهُ أَجْ َم ِعيَ (‪ )134‬إِلّ َعجُوزا فِي اْلغَابِرِينَ (‪)135‬‬


‫َوإِنّ لُوطا َلمِ ْن الْمُ ْرسَِليَ (‪ )133‬إِ ْذ نَ ّ‬

‫وإن عبدنا لوطًا اصطفيناه‪ ,‬فجعلناه من الرسلي‪ ,‬إذ نيناه وأهله أجعي من العذاب‪ ,‬إل عجوزًا هَرِمة‪,‬‬
‫هي زوجته‪ ,‬هلكت مع الذين هلكوا من قومها لكفرها‪.‬‬

‫ثُمّ َدمّ ْرنَا ال َخرِينَ (‪)136‬‬

‫ث أهلكنا الباقي الكذبي من قومه‪.‬‬


‫‪828‬‬
‫حيَ (‪َ )137‬وبِالّليْلِ أَفَل َت ْعقِلُونَ (‪)138‬‬
‫َوِإنّكُمْ َلتَمُرّو َن عََلْيهِ ْم ُمصْبِ ِ‬

‫وإن كم ‪ -‬يا أ هل "م كة"‪ -‬لتمرون ف أ سفاركم على منازل قوم لوط وآثار هم و قت ال صباح‪ ,‬وترون‬
‫عليها ليل‪ .‬أفل تعقلون‪ ,‬فتخافوا أن يصيبكم مثل ما أصابم؟‬

‫ك الْمَشْحُونِ (‪)140‬‬
‫َوإِ ّن يُوُنسَ لَ ِم ْن الْمُ ْرسَِليَ (‪ )139‬إِذْ َأبَقَ إِلَى اْلفُلْ ِ‬

‫وإن عبد نا يو نس ا صطفيناه وجعلناه من الر سلي‪ ,‬إذ هرب من بلده غاضبًا على قو مه‪ ,‬ور كب سفينة‬
‫ملوءة ركابًا وأمتعة‪.‬‬

‫فَسَاهَمَ َفكَانَ مِ ْن الْمُ ْد َحضِيَ (‪)141‬‬

‫وأحاطت با المواج العظيمة‪ ,‬فاقترع ركاب السفينة لتخفيف المولة خوف الغرق‪ ,‬فكان يونس من‬
‫الغلوبي‪.‬‬

‫فَاْلَتقَمَ ُه الْحُوتُ وَ ُه َو مُلِيمٌ (‪)142‬‬

‫فأُلقي ف البحر‪ ,‬فابتلعه الوت‪ ,‬ويونس عليه السلم آتٍ با يُلم عليه‪.‬‬

‫سبّحِيَ (‪ )143‬لََلِبثَ فِي بَ ْطنِهِ إِلَى َي ْومِ ُيْب َعثُونَ (‪)144‬‬


‫فََلوْل َأنّهُ كَا َن مِ ْن الْمُ َ‬

‫فلول ما تقدّم له من كثرة العبادة والعمل الصال قبل وقوعه ف بطن الوت‪ ,‬وتسبيحه‪ ,‬وهو ف بطن‬
‫الوت بقوله‪ :‬ل اله ال أنت سبحانك أن كنت من الظالي ‪ ،‬لكث ف بطن الوت‪ ,‬وصار له قبًا إل‬
‫يوم القيامة‪.‬‬

‫َفَنبَ ْذنَا ُه بِاْلعَرَاءِ َو ُه َو َسقِيمٌ (‪)145‬‬

‫‪829‬‬
‫فطرحناه من بطن الوت‪ ,‬وألقيناه ف أرض خالية عارية من الشجر والبناء‪ ,‬وهو ضعيف البدن‪.‬‬

‫ج َرةً مِ ْن َيقْ ِطيٍ (‪)146‬‬


‫َوَأنَْبْتنَا عََليْ ِه شَ َ‬

‫وأنبتنا عليه شجرة من القَرْع تظلّه‪ ,‬وينتفع با‪.‬‬

‫َوأَ ْرسَ ْلنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ َأ ْو يَزِيدُونَ (‪ )147‬فَآ َمنُوا َف َمتّ ْعنَاهُمْ إِلَى ِحيٍ (‪)148‬‬

‫وأرسلناه إل مائة ألف من قومه بل يزيدون‪ ,‬فصدّقوا وعملوا با جاء به‪ ,‬فمتعناهم بياتم إل وقت بلوغ‬
‫آجالم‪.‬‬

‫ت وََلهُ ْم اْلبَنُونَ (‪)149‬‬


‫ك اْلبَنَا ُ‬
‫فَا ْسَتفِْتهِمْ أَلِ َربّ َ‬

‫فاسهأل ‪-‬أيهها الرسهول‪ -‬قومهك‪ :‬كيهف جعلوا ل البنات اللته يكرهوننّ‪ ,‬ولنفسههم البنيه الذيهن‬
‫يريدونم؟‬

‫َأمْ خََل ْقنَا الْمَلِئ َكةَ إِنَاثا َوهُ ْم شَاهِدُونَ (‪)150‬‬

‫واسألم أخََلقْنا اللئكة إناثًا‪ ,‬وهم حاضرون؟‬

‫أَل ِإّنهُ ْم مِنْ إِ ْف ِكهِمْ َلَيقُولُونَ (‪ )151‬وَلَدَ اللّ ُه َوِإّنهُمْ َلكَا ِذبُونَ (‪)152‬‬

‫وإ ّن مِن كذبم قولم‪ :‬ولَد ال‪ ,‬وإنم لكاذبون; لنم يقولون ما ل يعلمون‪.‬‬

‫ت عَلَى الَْبنِيَ (‪)153‬‬


‫أَاصْ َطفَى اْلبَنَا ِ‬

‫لي شيء يتار ال البنات دون البني؟‬

‫‪830‬‬
‫حكُمُونَ (‪)154‬‬
‫مَا َلكُمْ َكيْفَ َت ْ‬

‫بئس الكهم مها تكمونهه ‪-‬أيهها القوم‪ -‬أن يكون ل البنات ولكهم البنون‪ ,‬وأنتهم ل ترضون البنات‬
‫لنفسكم‪.‬‬

‫أَفَل تَذَكّرُونَ (‪)155‬‬

‫أفل تذكرون أنه ل يوز ول ينبغي أن يكون له ولد؟ تعال ال عن ذلك علوّا كبيًا‪.‬‬

‫َأمْ َلكُ ْم سُ ْلطَانٌ ُمبِيٌ (‪)156‬‬

‫بل ألكم حجة بيّنة على قولكم وافترائكم؟‬

‫َف ْأتُوا بِ ِكتَابِكُمْ ِإنْ كُنتُمْ صَادِقِيَ (‪)157‬‬

‫إن كانت لكم حجة ف كتاب من عند ال فأتوا با‪ ,‬إن كنتم صادقي ف قولكم؟‬

‫حضَرُونَ (‪)158‬‬
‫جّنةُ ِإّنهُمْ لَمُ ْ‬
‫جّن ِة نَسَبا وََلقَ ْد عَِل َمتْ الْ ِ‬
‫وَ َجعَلُوا بَْينَ ُه َوبَيْ َن الْ ِ‬

‫وجعل الشركون بي ال واللئكة قرابة ونسبًا‪ ,‬ولقد علمت اللئكة أن الشركي مضرون للعذاب يوم‬
‫القيامة‪.‬‬

‫صفُونَ (‪)159‬‬
‫ُسبْحَانَ اللّ ِه عَمّا َي ِ‬

‫تنّه ال عن كل ما ل يليق به مّا يصفه به الكافرون‪.‬‬

‫إِلّ ِعبَادَ اللّ ِه الْ ُمخَْلصِيَ (‪)160‬‬

‫‪831‬‬
‫لكن عباد ال الخلصي له ف عبادته ل يصفونه إل با يليق بلله سبحانه‪.‬‬

‫فَِإّنكُمْ َومَا َت ْعبُدُونَ (‪ )161‬مَا َأْنتُ ْم عََليْهِ ِبفَاِتنِيَ (‪ )162‬إِلّ مَنْ هُوَ صَالِي الْجَحِيمِ (‪)163‬‬

‫فإنكم ‪-‬أيها الشركون بال‪ -‬وما تعبدون من دون ال من آلة‪ ,‬ما أنتم بضلّي أحدًا إل مَن قدّر ال عز‬
‫وجل عليه أن َيصْلَى الحيم؛ لكفره وظلمه‪.‬‬

‫سبّحُونَ (‪)166‬‬
‫ح ُن الصّافّونَ (‪َ )165‬وِإنّا َلنَحْ ُن الْمُ َ‬
‫َومَا مِنّا إِلّ لَ ُه َمقَامٌ َمعْلُومٌ (‪َ )164‬وِإنّا َلنَ ْ‬

‫قالت اللئكهة‪ :‬ومها منها أحدٌ إل له مقام ف السهماء معلوم‪ ,‬وإنها لنحهن الواقفون صهفوفًا ف عبادة ال‬
‫وطاعته‪ ,‬وإنا لنحن النّهون ال عن كل ما ل يليق به‪.‬‬

‫خَلصِيَ (‪)169‬‬
‫َوإِنْ كَانُوا َلَيقُولُونَ (‪َ )167‬لوْ أَ ّن ِعنْ َدنَا ذِكْرا مِ ْن ا َلوّلِيَ (‪َ )168‬لكُنّا ِعبَادَ اللّ ِه الْمُ ْ‬

‫وإن كفار "م كة" ليقولون ق بل بعث تك ‪-‬أي ها الر سول‪ :-‬لو جاء نا من الك تب وال نبياء ما جاء الول ي‬
‫قبلنا‪ ,‬لكنا عباد ال الصادقي ف اليان‪ ,‬الخلَصي ف العبادة‪.‬‬

‫ف َيعْلَمُونَ (‪)170‬‬
‫سوْ َ‬
‫َف َكفَرُوا بِهِ فَ َ‬

‫فلما جاءهم ذكر الولي‪ ,‬وعلم الخرين‪ ,‬وأكمل الكتب‪ ,‬وأفضل الرسل‪ ,‬وهو ممد صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ,‬كفروا به‪ ,‬فسوف يعلمون ما لم من العذاب ف الخرة‪.‬‬

‫وََلقَدْ َسبَ َقتْ كَلِ َمُتنَا ِلعِبَا ِدنَا الْ ُمرْسَلِيَ (‪ِ )171‬إّنهُمْ َل ُه ْم الْمَنصُورُونَ (‪َ )172‬وإِنّ جُن َدنَا َلهُم اْلغَاِلبُونَ (‬
‫‪)173‬‬

‫ولقد سبقت كلمتنا ‪-‬الت ل مر ّد لا‪ -‬لعبادنا الرسلي‪ ,‬أن لم النصرة على أعدائهم بالجة والقوة‪ ,‬وأن‬
‫جندنا الجاهدين ف سبيلنا لم الغالبون لعدائهم ف كل مقام باعتبار العاقبة والآل‪.‬‬

‫‪832‬‬
‫ف ُيْبصِرُونَ (‪)175‬‬
‫سوْ َ‬
‫َفَتوَ ّل عَْنهُمْ َحتّى حِي ٍ (‪َ )174‬وَأبْصِ ْرهُم فَ َ‬

‫فأعرض ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عَمّن عاند‪ ,‬ول يقبل الق حت تنقضي الدة الت أمهلهم فيها‪ ,‬ويأت أمر ال‬
‫بعذابم‪ ,‬وأنظرهم وارتقب ماذا يل بم من العذاب بخالفتك؟ فسوف يرون ما يل بم من عذاب ال‪.‬‬

‫ح الْمُنذَرِينَ (‪)177‬‬
‫صبَا ُ‬
‫سَتعْجِلُونَ (‪ )176‬فَإِذَا نَزَلَ بِسَا َحِتهِمْ فَسَاءَ َ‬
‫أََفبِعَذَاِبنَا يَ ْ‬

‫أفبنول عذابنا بم يستعجلونك أيها الرسول؟ فإذا نزل عذابنا بم‪ ,‬فبئس الصباح صباحهم‪.‬‬

‫ف ُيبْصِرُونَ (‪)179‬‬
‫سوْ َ‬
‫َوَتوَلّ َعْنهُمْ َحتّى حِيٍ (‪َ )178‬وَأْبصِرْ فَ َ‬

‫وأعرض عنهم حت يأذن ال بعذابم‪ ,‬وأنظرهم فسوف يرون ما يل بم من العذاب والنكال‪.‬‬

‫صفُون َ (‪)180‬‬
‫ب الْعِ ّز ِة عَمّا َي ِ‬
‫ُسبْحَانَ َربّكَ رَ ّ‬

‫تنّه ال وتعال رب العزة عما يصفه هؤلء الفترون عليه‪.‬‬

‫َوسَل ٌم عَلَى الْمُ ْرسَِليَ (‪)181‬‬

‫وتية ال الدائمة وثناؤه وأمانه لميع الرسلي‪.‬‬

‫ب اْلعَالَمِيَ (‪)182‬‬
‫وَالْحَمْدُ ِللّهِ رَ ّ‬

‫والمد ل رب العالي ف الول والخرة‪ ,‬فهو الستحق لذلك وحده ل شريك له‪.‬‬

‫‪833‬‬
‫‪ -38‬سورة ص‬

‫ص وَاْلقُرْآنِ ذِي الذّكْرِ (‪ )1‬بَ ْل الّذِينَ َكفَرُوا فِي عِ ّز ٍة َو ِشقَاقٍ (‪)2‬‬

‫( ص ) سبق الكلم على الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬

‫يقسم ال سبحانه بالقرآن الشتمل على تذكي الناس با هم عنه غافلون‪ .‬ولكن الكافرين متكبون على‬
‫الق مالفون له‪.‬‬

‫ي َمنَاصٍ (‪)3‬‬
‫كَمْ َأهَْل ْكنَا مِنْ َقبِْل ِه ْم مِنْ قَ ْرنٍ َفنَا َدوْا وَلتَ حِ َ‬

‫كثيًا من المم أهلكناها قبل هؤلء الشركي‪ ،‬فاستغاثوا حي جاءهم العذاب ونادوا بالتوبة‪ ,‬وليس‬
‫الوقت وقت قَبول توبة‪ ,‬ول وقت فرار وخلص ما أصابم‪.‬‬

‫جبُوا أَ نْ جَا َءهُ ْم ُمنْذِ ٌر ِمنْهُ ْم وَقَا َل الْكَافِرُو َن هَذَا سَا ِحرٌ كَذّا بٌ (‪ )4‬أَ َجعَ َل الِل َهةَ إِلَها وَاحِدا ِإنّ هَذَا‬
‫َوعَ ِ‬
‫شيْءٌ عُجَابٌ ( ‪)5‬‬ ‫لَ َ‬

‫وعجِب هؤلء الكفار مِن بعث ال إليهم بشرا منهم؛ ليدعوهم إل ال ويوّفهم عذابه‪ ,‬وقالوا‪ :‬إنه ليس‬
‫رسول بل هو كاذب ف قوله‪ ,‬ساحر لقومه‪ ،‬كيف يصيّر اللة الكثية إلًا واحدًا؟ إنّ هذا الذي جاء به‬
‫ودعا إليه لَشيء عجيب‪.‬‬

‫شيْ ٌء يُرَادُ (‪ )6‬مَا سَ ِم ْعنَا ِبهَذَا فِي الْمِّلةِ‬


‫صبِرُوا عَلَى آِل َهِتكُ مْ إِنّ هَذَا لَ َ‬
‫وَان َطلَ َق الْمَل مِْنهُ مْ أَ نْ امْشُوا وَا ْ‬
‫الخِ َرةِ إِ ْن هَذَا إِلّ ا ْختِلقٌ (‪)7‬‬

‫وانطلق رؤساء القوم وكباؤهم يرّضون قومهم على الستمرار على الشرك والصب على تعدد اللة‪,‬‬
‫ويقولون إن ما جاء به هذا الرسول شيء مدبّر يقصد منه الرئاسة والسيادة‪ ,‬ما سعنا با يدعو إليه ف دين‬
‫آبائنا من قريش‪ ،‬ول ف النصرانية‪ ،‬ما هذا إل كذب وافتراء‪.‬‬

‫‪834‬‬
‫ك مِنْ ذِكْرِي بَلْ َلمّا يَذُوقُوا عَذَابِ (‪)8‬‬
‫َأؤُنزِ َل عََليْهِ الذّكْ ُر مِ ْن َبيِْننَا بَ ْل هُمْ فِي شَ ّ‬

‫أخُص ممد بنول القرآن عليه من دوننا؟ بل هم ف ريب من وحيي إليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬وإرسال لك‪،‬‬
‫بل قالوا ذلك؛ لنم ل يذوقوا عذاب ال‪ ،‬فلو ذاقوا عذابه لا ترؤوا على ما قالوا‪.‬‬

‫َأمْ ِعنْ َدهُمْ َخزَائِنُ رَحْ َمةِ َربّكَ اْلعَزِي ِز اْل َوهّابِ (‪)9‬‬

‫أم هم يلكون خزائن فضل ربك العزيز ف سلطانه‪ ,‬الوهاب ما يشاء من رزقه وفضله لن يشاء من‬
‫خلقه؟‬

‫َأمْ َلهُمْ مُلْكُ السّ َموَاتِ وَالَ ْرضِ َومَا َبْيَنهُمَا فَ ْليَ ْرَتقُوا فِي الَ ْسبَابِ (‪)10‬‬

‫أم لؤلء الشركي مُلْك السموات والرض وما بينهما‪ ،‬فُيعْطوا ويَمْنعوا؟ فليأخذوا بالسباب الوصلة لم‬
‫إل السماء‪ ,‬حت يكموا با يريدون من عطاء ومنع‪.‬‬

‫ح َوعَا ٌد وَِف ْر َعوْ نُ ذُو الَ ْوتَادِ ( ‪)12‬‬


‫جُن ٌد مَا هُنَالِ كَ َم ْهزُو ٌم مِ ْن الَ ْحزَا بِ (‪ )11‬كَ ّذبَ تْ َقبَْلهُ مْ َقوْ ُم نُو ٍ‬
‫ك الَحْزَابُ (‪ِ )13‬إنْ كُلّ إِلّ كَذّبَ ال ّرسُلَ َفحَ ّق ِعقَابِ (‪)14‬‬ ‫ب الَْي َكةِ ُأوْلَئِ َ‬
‫َوثَمُو ُد وََق ْومُ لُوطٍ َوأَصْحَا ُ‬

‫هؤلء الند الكذّبون جند مهزومون‪ ،‬كما هُزم غيهم من الحزاب قبلهم‪ ،‬كذّبت قبلهم قوم نوح‬
‫وعاد وفرعون صاحب القوة العظيمة‪ ,‬وثود وقوم لوط وأصحاب الشجار والبساتي وهم قوم شعيب‪.‬‬
‫أولئك المم الذين تزّبوا على الكفر والتكذيب واجتمعوا عليه‪ .‬إنْ ك ّل مِن هؤلء إل كذّب الرسل‪,‬‬
‫فاستحقوا عذاب ال‪ ,‬وح ّل بم عقابه‪.‬‬

‫ح ًة وَاحِ َد ًة مَا َلهَا مِنْ َفوَاقٍ (‪)15‬‬


‫صيْ َ‬
‫َومَا يَن ُظ ُر َهؤُلءِ إِلّ َ‬

‫وما ينتظر هؤلء الشركون للول العذاب عليهم إن بقوا على شركهم‪ ,‬إل نفخة واحدة ما لا من‬
‫رجوع‪.‬‬

‫‪835‬‬
‫وَقَالُوا َرّبنَا عَجّلْ َلنَا قِ ّطنَا َقبْ َل َي ْومِ الْحِسَابِ (‪)16‬‬

‫وقالوا‪ :‬ربنا عجّل لنا نصيبنا من العذاب ف الدينا قبل يوم القيامة‪ ,‬وكان هذا استهزا ًء منهم‪.‬‬

‫صبِ ْر عَلَى مَا َيقُولُو َن وَاذْكُ ْر َعبْ َدنَا دَاوُودَ ذَا ا َليْدِ ِإنّهُ َأوّابٌ (‪)17‬‬
‫ا ْ‬

‫اصب ‪-‬أيها الرسول‪ -‬على ما يقولونه ما تكره‪ ،‬واذكر عبدنا داود صاحب القوة على أعداء ال والصب‬
‫على طاعته‪ ,‬إنه توّاب كثي الرجوع إل ما يرضي ال‪( .‬وف هذا تسلية للرسول صلى ال عليه وسلم)‪.‬‬

‫ح َن بِاْلعَشِ ّي وَالِشْرَاقِ (‪ )18‬وَال ّطيْ َر مَحْشُو َرةً كُلّ لَهُ َأوّابٌ (‪)19‬‬
‫جبَا َل َمعَ ُه يُسَبّ ْ‬
‫ِإنّا َسخّ ْرنَا الْ ِ‬

‫إنا سخّرنا البال مع داود يسبّحن بتسبيحه أول النهار وآخره‪ ،‬وسخرنا الطي معه مموعة تسبّح‪ ،‬وتطيع‬
‫تبعًا له‪.‬‬

‫حكْ َم َة وََفصْ َل الْخِطَابِ (‪)20‬‬


‫َوشَدَ ْدنَا مُ ْلكَ ُه وَآتَْينَاهُ الْ ِ‬

‫وقوّينا له ملكه باليبة والقوة والنصر‪ ,‬وآتيناه النبوة‪ ,‬والفصل ف الكلم والكم‪.‬‬

‫ع ِمْنهُ مْ قَالُوا ل تَخَ فْ‬


‫سوّرُوا الْ ِمحْرَا بَ (‪ )21‬إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ َففَزِ َ‬ ‫َوهَلْ أَتَا َك َنبَُأ الْخَ صْمِ إِ ْذ تَ َ‬
‫ط وَاهْ ِدنَا إِلَى َسوَا ِء الصّرَاطِ (‪)22‬‬ ‫ضنَا عَلَى َب ْعضٍ فَا ْحكُ ْم َبيَْننَا بِالْحَ ّق وَل تُشْطِ ْ‬‫َخصْمَا ِن َبغَى َبعْ ُ‬

‫صمَي اللذَين تسوّرا على داود ف مكان عبادته‪ ,‬فارتاع من‬


‫وهل جاءك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬خب التخا ِ‬
‫دخولما عليه؟ قالوا له‪ :‬ل َتخَفْ‪ ،‬فنحن خصمان ظلم أحدنا الخر‪ ،‬فاقض بيننا بالعدل‪ ،‬ول تَجُ ْر علينا‬
‫ف الكم‪ ,‬وأرشِدنا إل سواء السبيل‪.‬‬

‫خطَابِ (‪)23‬‬
‫ج ٌة وَا ِح َدةٌ َفقَالَ أَ ْكفِ ْلنِيهَا َوعَ ّزنِي فِي الْ ِ‬
‫ج ًة وَِليَ نَعْ َ‬
‫ِإنّ هَذَا أَخِي لَ ُه تِسْعٌ َوتِسْعُونَ َنعْ َ‬

‫‪836‬‬
‫قال أحدها‪ :‬إن هذا أخي له تسع وتسعون من النعاج‪ ,‬وليس عندي إل نعجة واحدة‪ ,‬فطمع فيها‪،‬‬
‫وقال‪ :‬أعطنيها‪ ,‬وغلبن بجته‪.‬‬

‫ضهُ ْم عَلَى َبعْ ضٍ إِلّ الّذِي نَ‬


‫جتِ كَ إِلَى نِعَاجِ ِه َوِإنّ َكثِيا مِ نْ الْخُلَطَاءِ َلَيْبغِي بَ ْع ُ‬ ‫سؤَا ِل َنعْ َ‬
‫ك بِ ُ‬
‫قَالَ َلقَ ْد ظََلمَ َ‬
‫ت وَقَلِي ٌل مَا هُ ْم َوظَنّ دَاوُودُ َأنّمَا َفَتنّاهُ فَا ْسَت ْغفَرَ َربّ ُه وَخَرّ رَاكِعا َوَأنَابَ (‪)24‬‬
‫آ َمنُوا وَعَ ِملُوا الصّالِحَا ِ‬

‫قال داود‪ :‬لقد ظلمك أخوك بسؤاله ضم نعجتك إل نعاجه‪ ,‬وإن كثيًا من الشركاء ليعتدي بعضهم‬
‫على بعض‪ ،‬ويظلمه بأخذ حقه وعدم إنصافه مِن نفسه إل الؤمني الصالي‪ ,‬فل يبغي بعضهم على‬
‫بعض‪ ،‬وهم قليل‪ .‬وأيقن داود أننا فتنّاه بذه الصومة‪ ,‬فاستغفر ربه‪ ,‬وسجد تقربًا ل‪ ،‬ورجع إليه وتاب‪.‬‬

‫ك َوِإنّ لَ ُه ِعنْ َدنَا لَزُْلفَى َوحُسْ َن مَآبٍ (‪)25‬‬


‫َف َغفَ ْرنَا لَهُ ذَلِ َ‬

‫فغفرنا له ذلك‪ ،‬وجعلناه من القرّبي عندنا‪ ,‬وأعددنا له حسن الصي ف الخرة‪.‬‬

‫ك عَ نْ َسبِيلِ اللّ هِ‬


‫حقّ وَل َتّتبِ ْع اْل َهوَى َفُيضِلّ َ‬
‫يَا دَاوُودُ ِإنّا َجعَ ْلنَا كَ خَلِي َفةً فِي الَرْ ضِ فَا ْحكُ ْم َبيْ َن النّا سِ بِالْ َ‬
‫إِ ّن الّذِي َن َيضِلّو َن عَ ْن َسبِيلِ اللّهِ َلهُمْ عَذَابٌ شَدِي ٌد بِمَا نَسُوا َيوْ َم الْحِسَابِ (‪)26‬‬

‫يا داود إنا استخلفناك ف الرض وملّكناك فيها‪ ,‬فاحكم بي الناس بالعدل والنصاف‪ ،‬ول تتبع الوى ف‬
‫الحكام‪ ،‬فيُضلك ذلك عن دين ال وشرعه‪ ,‬إن الذين َيضِلّون عن سبيل ال لم عذاب أليم ف النار ؛‬
‫بغفلتهم عن يوم الزاء والساب‪ .‬وف هذا توصية لولة المر أن يكموا بالق النل من ال‪ ،‬تبارك‬
‫وتعال‪ ,‬ول يعدلوا عنه‪ ،‬فيضلوا عن سبيله‪.‬‬

‫ك ظَ ّن الّذِينَ َكفَرُوا َف َويْلٌ لِلّذِينَ َكفَرُوا مِ ْن النّارِ (‪)27‬‬


‫َومَا خََل ْقنَا السّمَا َء وَالَ ْرضَ َومَا َبيَْنهُمَا بَا ِطلً ذَلِ َ‬

‫وما خلقنا السماء والرض وما بينهما عبثًا ولوًا‪ ،‬ذلك ظنّ الذين كفروا‪ ،‬فويل لم من النار يوم القيامة؛‬
‫لظنهم الباطل‪ ,‬وكفرهم بال‪.‬‬

‫‪837‬‬
‫جعَ ُل الْ ُمّتقِيَ كَاْلفُجّارِ (‪)28‬‬
‫جعَ ُل الّذِينَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا الصّالِحَاتِ كَالْ ُمفْسِدِينَ فِي الَ ْرضِ َأ ْم نَ ْ‬
‫َأمْ َن ْ‬

‫أنعل الذين آمنوا وعملوا الصالات كالفسدين ف الرض‪ ,‬أم نعل أهل التقوى الؤمني كأصحاب‬
‫الفجور الكافرين؟ هذه التسوية غي لئقة بكمة ال و ُحكْمه‪ ,‬فل يستوون عند ال‪ ،‬بل يثيب ال الؤمني‬
‫التقياء‪ ،‬ويعاقب الفسدين الشقاء‪.‬‬

‫ِكتَابٌ أَنزَْلنَاهُ إَِليْكَ ُمبَا َركٌ ِليَ ّدبّرُوا آيَاتِهِ وَلَِيتَذَكّرَ ُأوْلُوا الَْلبَابِ (‪)29‬‬

‫هذا الوحى به إليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كتاب أنزلناه إليك مبارك؛ ليتفكروا ف آياته‪ ,‬ويعملوا بداياته‬
‫ودللته‪ ,‬وليتذكر أصحاب العقول السليمة ما كلفهم ال به‪.‬‬

‫َو َوهَْبنَا لِدَاوُو َد سَُليْمَانَ ِنعْ َم اْل َعبْدُ ِإنّهُ َأوّابٌ (‪)30‬‬

‫ووهبنا لداود ابنه سليمان‪ ,‬فأنعمنا به عليه‪ ,‬وأقررنا به عينه‪ِ ,‬نعْم العبد سليمان‪ ,‬إنه كان كثي الرجوع‬
‫إل ال والنابة إليه‪.‬‬

‫جيَادُ (‪)31‬‬
‫ت الْ ِ‬
‫ض عََليْ ِه بِاْلعَشِ ّي الصّافِنَا ُ‬
‫إِ ْذ عُ ِر َ‬

‫اذكر حي عُرِضت عليه عصرًا اليول الصيلة السريعة‪ ،‬تقف على ثلث قوائم وترفع الرابعة؛ لنجابتها‬
‫وخفتها‪ ,‬فما زالت تُعرض عليه حت غابت الشمس‪.‬‬

‫خيْ ِر عَ نْ ذِكْرِ َربّي َحتّى َتوَارَ تْ بِاْلحِجَا بِ (‪ُ )32‬ردّوهَا عََليّ فَ َطفِ َق مَ سْحا‬
‫َفقَالَ ِإنّي أَ ْحبَبْ تُ ُحبّ الْ َ‬
‫ق وَالَ ْعنَاقِ (‪)33‬‬‫بِالسّو ِ‬

‫فقال‪ :‬إنن آثرت حب الال عن ذكر رب حت غابت الشمس عن عينيه‪ ,‬رُدّوا عليّ اليل الت عُرضت‬
‫من قبل‪ ،‬فشرع يسح سوقها وأعناقها‪.‬‬

‫وََلقَدْ َفَتنّا سَُليْمَا َن َوأَْلقَْينَا عَلَى كُرْ ِسيّهِ جَسَدا ثُمّ َأنَابَ (‪ )34‬قَالَ رَبّ اغْفِرْ لِي َوهَبْ لِي مُلْكا ل َيْنبَغِي‬
‫‪838‬‬
‫ت اْلوَهّابُ (‪ )35‬فَسَخّ ْرنَا لَهُ الرّي َح تَجْرِي بَِأمْ ِرهِ رُخَاءً َحْيثُ أَصَابَ (‪)36‬‬
‫لَحَ ٍد مِ ْن َبعْدِي ِإنّكَ َأنْ َ‬

‫ولقد ابتلينا سليمان وألقينا على كرسيه شق وَلَد‪ ,‬وُلِد له حي أقسم ليطوف ّن على نسائه‪ ,‬وكلهن تأت‬
‫بفارس ياهد ف سبيل ال‪ ,‬ول يقل‪ :‬إن شاء ال‪ ،‬فطاف عليهن جيعًا‪ ،‬فلم تمل منهن إل امرأة واحدة‬
‫جاءت بشق ولد‪ ,‬ث رجع سيمان إل ربه وتاب‪ ،‬قال‪ :‬رب اغفر ل ذنب‪ ,‬وأعطن ملكًا عظيمًا خاصًا ل‬
‫يكون مثله لحد من البشر بعدي‪ ،‬إنك‪ -‬سبحانك‪ -‬كثي الود والعطاء‪ .‬فاستجبنا له‪ ,‬وذللنا الريح‬
‫تري بأمره طيّعة مع قوتا وشدتا حيث أراد‪.‬‬

‫وَالشّيَاطِيَ كُ ّل َبنّاءٍ وَ َغوّا صٍ (‪ )37‬وَآ َخرِي َن ُمقَ ّرنِيَ فِي الَ صْفَادِ ( ‪ )38‬هَذَا عَطَا ُؤنَا فَا ْمنُ نْ َأوْ َأمْ سِكْ‬
‫ِبغَيْرِ حِسَابٍ (‪)39‬‬

‫وسخّرنا له الشياطي يستعملهم ف أعماله‪ :‬فمنهم البناؤون والغوّاصون ف البحار‪ ،‬وآخرون‪ ,‬وهم مردة‬
‫الشياطي‪ ,‬موثوقون ف الغلل‪ .‬هذا الُلْك العظيم والتسخي الاص عطاؤنا لك يا سليمان‪ ,‬فأعط مَن‬
‫شئت وامنع مَن شئت‪ ,‬ل حساب عليك‪.‬‬

‫س َن مَآبٍ (‪)40‬‬
‫َوإِنّ لَ ُه ِعنْ َدنَا َلزُْلفَى وَحُ ْ‬

‫وإن لسليمان عندنا ف الدار الخرة لَقربةً وحسن مرجع‪.‬‬

‫صبٍ وَعَذَابٍ (‪)41‬‬


‫سنِي الشّيْطَا ُن ِبنُ ْ‬
‫وَاذْكُ ْر َعبْ َدنَا أَيّوبَ إِ ْذ نَادَى َربّهُ َأنّي مَ ّ‬

‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عبدنا أيوب‪ ،‬حي دعا ربه أن الشيطان تسبب ل بتعب ومشقة‪ ،‬وأل ف جسدي‬
‫ومال وأهلي‪.‬‬

‫ك هَذَا ُمغْتَسَ ٌل بَا ِر ٌد َوشَرَابٌ (‪)42‬‬


‫ارْ ُكضْ بِ ِرجْلِ َ‬

‫فقلنا له‪ :‬اضرب برجلك الرض ينبع لك منها ماء بارد‪ ،‬فاشرب منه‪ ,‬واغتسِلْ فيذهب عنك الضر‬
‫والذى‪.‬‬

‫‪839‬‬
‫َو َوهَْبنَا لَهُ أَهْلَ ُه َو ِمثَْلهُ ْم َم َعهُمْ َرحْ َم ًة ِمنّا وَذِكْرَى ُلوْلِي الَْلبَابِ (‪)43‬‬

‫فكشفنا عنه ضره وأكرمناه ووهبنا له أهله من زوجة وولد‪ ,‬وزدناه مثلهم بني وحفدة‪ ,‬كل ذلك رحة‬
‫منّا به وإكرامًا له على صبه‪ ،‬وعبة وذكرى لصحاب العقول السليمة؛ ليعلموا أن عاقبة الصب الفرج‬
‫وكشف الضر‪.‬‬

‫حنَثْ ِإنّا وَجَ ْدنَاهُ صَابِرا ِنعْ َم الْ َعبْدُ ِإنّهُ َأوّابٌ (‪)44‬‬
‫ب بِ ِه وَل تَ ْ‬
‫ضرِ ْ‬
‫ضغْثا فَا ْ‬
‫وَخُ ْذ ِبيَ ِدكَ ِ‬

‫وقلنا له‪ :‬خذ بيدك حُزمة شاريخ‪ ،‬فاضرب با زوجك إبرارًا بيمينك‪ ،‬فل تنث؛ إذ أقسم ليضربنّها مائة‬
‫جلدة إذا شفاه ال‪ ،‬لهمّا غضب عليها من أمر يسي أثناء مرضه‪ ،‬وكانت امرأة صالة‪ ،‬فرحها ال‬
‫ورحه بذه الفتوى‪ .‬إنا وجدنا أيوب صابرًا على البلء‪ ،‬نِعم العبد هو‪ ،‬إنه رجّاع إل طاعة ال‪.‬‬

‫وَاذْكُ ْر ِعبَا َدنَا إبْرَاهِي َم َوِإسْحَ َق َوَي ْعقُوبَ ُأوْلِي ا َليْدِي وَالَْبصَارِ (‪)45‬‬

‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عبادنا وأنبياءنا‪ :‬إبراهيم وإسحاق ويعقوب؛ فإنم أصحاب قوة ف طاعة ال‪,‬‬
‫وبصية ف دينه‪.‬‬

‫صةٍ ذِكْرَى الدّارِ (‪َ )46‬وِإنّهُ ْم ِعنْ َدنَا لَمِ ْن الْ ُمصْ َط َفيْ َن الَ ْخيَارِ (‪)47‬‬
‫صنَاهُ ْم بِخَاِل َ‬
‫ِإنّا أَ ْخَل ْ‬

‫إنا خصصناهم باصة عظيمة‪ ,‬حيث جعلنا ذكرى الدار الخرة ف قلوبم‪ ،‬فعملوا لا بطاعتنا‪ ,‬ودعوا‬
‫الناس إليها‪ ,‬وذكّروهم با‪ .‬وإنم عندنا لن الذين اخترناهم لطاعتنا‪ ,‬واصطفيناهم لرسالتنا‪.‬‬

‫وَاذْكُرْ ِإسْمَاعِي َل وَاْليَسَ َع وَذَا اْلكِفْ ِل وَكُ ّل مِ ْن الَ ْخيَارِ (‪)48‬‬

‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عبادنا‪ :‬إساعيل‪ ,‬واليسع‪ ،‬وذا الكفل‪ ،‬بأحسن الذكر; إن كل منهم من الخيار‬
‫الذين اختارهم ال من اللق‪ ,‬واختار لم أكمل الحوال والصفات‪.‬‬

‫‪840‬‬
‫حةً َلهُ ْم ا َلْبوَابُ ( ‪ُ )50‬مّتكِئِيَ فِيهَا يَ ْدعُو نَ‬
‫ت عَدْ ٍن ُم َفتّ َ‬
‫هَذَا ذِكْ ٌر َوِإنّ لِ ْل ُمّتقِيَ لَحُسْ َن مَآبٍ (‪َ )49‬جنّا ِ‬
‫فِيهَا ِبفَا ِك َهةٍ َكثِ َيةٍ َوشَرَابٍ (‪)51‬‬

‫هذا القرآن ذِكْر وشرف لك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ولقومك‪ .‬وإن لهل تقوى ال وطاعته لَحس َن مصي عندنا‬
‫ف جنات إقامة‪ ،‬مفتّحة لم أبوابا‪ ,‬متكئي فيها على الرائك الزيّنات‪ ,‬يطلبون ما يشتهون من أنواع‬
‫الفواكه الكثية والشراب‪ ،‬من كل ما تشتهيه نفوسهم‪ ,‬وتلذه أعينهم‪.‬‬

‫صرَاتُ الطّرْفِ َأتْرَابٌ (‪)52‬‬


‫َوعِنْ َدهُمْ قَا ِ‬

‫وعندهم نساء قاصرات أبصارهن على أزواجهن متساويات ف السن‪.‬‬

‫هَذَا مَا تُوعَدُونَ ِلَي ْومِ الْحِسَابِ (‪ِ )53‬إنّ هَذَا لَرِزُْقنَا مَا لَ ُه مِ ْن َنفَادٍ (‪)54‬‬

‫هذا النعيم هو ما توعدون به‪ -‬أيها التقون‪ -‬يوم القيامة‪ ,‬إنه لَرزقنا لكم‪ ،‬ليس له فناء ول انقطاع‪.‬‬

‫س الْ ِمهَادُ (‪)56‬‬


‫ش ّر مَآبٍ (‪َ )55‬ج َهنّ َم َيصَْل ْوَنهَا َفِبْئ َ‬
‫هَذَا َوِإنّ لِلطّاغِيَ لَ َ‬

‫هذا الذي سبق وصفه للمتقي‪ .‬وأما التجاوزون الدّ ف الكفر والعاصي‪ ،‬فلهم شر مرجع ومصي‪ ,‬وهو‬
‫النار يُعذّبون فيها‪ ,‬تغمرهم من جيع جوانبهم‪ ,‬فبئس الفراش فراشهم‪.‬‬

‫هَذَا َف ْليَذُوقُوهُ َحمِي ٌم َوغَسّاقٌ (‪ )57‬وَآ َخ ُر مِ ْن َشكْلِهِ أَ ْزوَاجٌ (‪)58‬‬

‫هذا العذاب ماء شديد الرارة‪ ,‬وصديد سائل من أجساد أهل النار فليشربوه‪ ,‬ولم عذاب آخر من هذا‬
‫القبيل أصناف وألوان‪.‬‬

‫ح ٌم َمعَكُمْ ل َمرْحَبا ِبهِمْ إِّنهُمْ صَالُوا النّارِ (‪)59‬‬


‫ج ُمقْتَ ِ‬
‫هَذَا َف ْو ٌ‬

‫‪841‬‬
‫وعند توارد الطاغي على النار يَشْتم بعضهم بعضًا‪ ,‬ويقول بعضهم لبعض‪ :‬هذه جاعة من أهل النار‬
‫داخلة معكم‪ ,‬فيجيبون‪ :‬ل مرحبًا بم‪ ،‬ول اتسعت منازلم ف النار‪ ,‬إنم مقاسون حرّ النار كما‬
‫قاسيناها‪.‬‬

‫س اْلقَرَارُ (‪)60‬‬
‫قَالُوا بَلْ َأْنتُمْ ل مَرْحَبا ِبكُمْ َأنْتُمْ َق ّدمْتُمُوهُ َلنَا َفبِْئ َ‬

‫قال فوج التباع للطاغي‪ :‬بل أنتم ل مرحبًا بكم؛ لنكم قدّمتم لنا سكن النار لضللكم لنا ف الدنيا‪,‬‬
‫فبئس دار الستقرار جهنم‪.‬‬

‫ضعْفا فِي النّارِ (‪)61‬‬


‫قَالُوا َربّنَا مَنْ قَ ّدمَ َلنَا هَذَا فَ ِز ْدهُ عَذَابا ِ‬

‫قال فوج التباع‪ :‬ربنا مَن أضلّنا ف الدنيا عن الدى فضاعِف عذابه ف النار‪.‬‬

‫ت َعْنهُمْ ا َلبْصَارُ (‬
‫خ ِريّا أَمْ زَاغَ ْ‬
‫وَقَالُوا مَا َلنَا ل نَرَى ِرجَالً ُكنّا َنعُ ّدهُ ْم مِ ْن ا َلشْرَارِ (‪ )62‬أَاتّخَ ْذنَاهُمْ سِ ْ‬
‫‪)63‬‬

‫وقال الطاغون‪ :‬ما بالنا ل نرى معنا ف النار رجال كنا نعدهم ف الدنيا من الشرار الشقياء؟ هل تقينا‬
‫لم واستهزاؤنا بم خطأ‪ ,‬أو أنم معنا ف النار‪ ,‬لكن ل تقع عليهم البصار؟‬

‫ِإنّ ذَلِكَ لَحَ ّق َتخَاصُمُ َأهْ ِل النّارِ (‪)64‬‬

‫إن ذلك من جدال أهل النار وخصامهم حق واقع ل مرية فيه‪.‬‬

‫قُلْ ِإنّمَا َأنَا مُنذِ ٌر َومَا مِنْ إِلَهٍ إِلّ اللّ ُه اْلوَا ِح ُد الْ َقهّارُ (‪)65‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لقومك‪ :‬إنا أنا منذر لكم من عذاب ال أن يل بكم; بسبب كفركم به‪ ,‬ليس هناك‬
‫إله م ستحق للعبادة إل ال وحده‪ ,‬ف هو التفردُ بعظم ته وأ سائه و صفاته وأفعاله‪ ,‬القهّارُ الذي ق هر كل‬
‫شيء وغلبه‪.‬‬
‫‪842‬‬
‫ض َومَا بَْيَنهُمَا اْلعَزِي ُز اْلغَفّارُ (‪)66‬‬
‫رَبّ السّ َموَاتِ وَالَ ْر ِ‬

‫مالك السموات والرض وما بينهما العزيز ف انتقامه‪ ,‬الغفار لذنوب مَن تاب وأناب إل مرضاته‪.‬‬

‫قُ ْل ُه َو نََبٌأ عَظِيمٌ (‪َ )67‬أنْتُ ْم َعنْ ُه ُمعْرِضُونَ (‪)68‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لقومك‪ :‬إن هذا القرآن خب عظيم النفع‪ .‬أنتم عنه غافلون منصرفون‪ ,‬ل تعملون به‪.‬‬

‫خَتصِمُونَ (‪)69‬‬
‫ل ا َلعْلَى إِذْ يَ ْ‬
‫مَا كَانَ لِي مِ ْن عِلْ ٍم بِالْ َم ٍ‬

‫ليس ل علم باختصام ملئكة السماء ف شأن خلق آدم‪ ,‬لول تعليم ال إياي‪ ،‬وإياؤه إلّ‪.‬‬

‫ِإنْ يُوحَى إِلَيّ إِلّ َأنّمَا أَنَا نَذِي ٌر ُمبِيٌ (‪)70‬‬

‫ل مِن عِلْم ما ل علم ل به إل لن نذير لكم من عذابه‪ ،‬مبيّن لكم شرعه‪.‬‬


‫ما يوحي ال إ ّ‬

‫إِذْ قَالَ َربّ كَ لِلْمَلِئ َكةِ ِإنّ ي خَالِ ٌق بَشَرا مِ ْن طِيٍ (‪ )71‬فَِإذَا َسوّْيتُهُ َونَفَخْ تُ فِي ِه مِ نْ رُوحِي َف َقعُوا لَ هُ‬
‫سَاجِدِينَ (‪)72‬‬

‫اذ كر ل م ‪-‬أي ها الر سول‪ : -‬ح ي قال ر بك للملئ كة‪ :‬إ ن خالق بشرًا من ط ي‪ .‬فإذا سوّيت ج سده‬
‫وخلقه ونفخت فيه الروح‪ ،‬فدبت فيه الياة‪ ,‬فاسجدوا له سجود تية وإكرام‪ ,‬ل سجود عبادة وتعظيم؛‬
‫فالعبادة ل تكون إل ل وحده‪ .‬وقد حرّم ال ف شريعة السلم السجود للتحية‪.‬‬

‫س اسَْت ْكبَ َر وَكَانَ مِ ْن اْلكَافِرِينَ (‪)74‬‬


‫ج َد الْمَلِئ َكةُ كُّلهُمْ أَجْ َمعُونَ (‪ )73‬إِلّ ِإبْلِي َ‬
‫فَسَ َ‬

‫فسجد اللئكة كلهم أجعون طاعة وامتثال غي إبليس; فإنه ل يسجد أَن َفةً وتكبًا‪ ،‬وكان من الكافرين‬
‫ف علم ال تعال‪.‬‬

‫‪843‬‬
‫جدَ لِمَا َخَل ْقتُ ِبيَدَيّ أَاسَْت ْكبَرْتَ َأمْ كُنتَ مِ ْن اْلعَالِيَ (‪)75‬‬
‫قَا َل يَا ِإبْلِيسُ مَا َمَنعَكَ أَ ْن تَسْ ُ‬

‫قال ال لبليس‪ :‬ما الذي منعك من السجود لن أكرمتُه فخلقتُه بيديّ؟ أستكبت على آدم‪ ،‬أم كنت من‬
‫التكبين على ربك؟ وف الية إثبات صفة اليدين ل تبارك وتعال‪ ,‬على الوجه اللئق به سبحانه‪.‬‬

‫قَالَ َأنَا َخيْ ٌر ِمنْهُ َخَل ْقتَنِي مِ ْن نَارٍ وَخََل ْقتَ ُه مِ ْن طِيٍ (‪)76‬‬

‫قال إبليس معارضًا لربه‪ :‬ل أسجد له؛ لنن أفضل منه‪ ,‬حيث خلقتن من نارٍ‪ ،‬وخلقته من طي‪( .‬والنار‬
‫خي من الطي)‪.‬‬

‫ج ِمنْهَا فَِإنّكَ َرجِيمٌ (‪َ )77‬وإِ ّن عََليْكَ َل ْعنَتِي إِلَى َيوْمِ الدّينِ (‪)78‬‬
‫قَالَ فَاخْ ُر ْ‬

‫قال ال له‪ :‬فاخرج من ال نة فإ نك مرجوم بالقول‪ ،‬مدحور ملعون‪ ,‬وإن عل يك طردي وإبعادي إل يوم‬
‫القيامة‪.‬‬

‫قَالَ رَبّ َفأَن ِظ ْرنِي إِلَى َي ْومِ يُْب َعثُونَ (‪)79‬‬

‫قال إبليس‪ :‬ربّ فأخّر أجلي‪ ،‬ول تلكن إل حي تَبعث اللق من قبورهم‪.‬‬

‫ت الْ َمعْلُومِ (‪)81‬‬


‫ك مِ ْن الْمُنظَرِينَ (‪ )80‬إِلَى َيوْ ِم اْلوَقْ ِ‬
‫قَالَ فَِإنّ َ‬

‫قال ال له‪ :‬فإنك من الؤخّرين إل يوم الوقت العلوم‪ ,‬وهو يوم النفخة الول عندما توت اللئق‪.‬‬

‫خَلصِيَ (‪)83‬‬
‫ك ل ْغوَِيّنهُمْ أَجْ َمعِيَ (‪ )82‬إِ ّل ِعبَا َدكَ ِمْنهُ ْم الْمُ ْ‬
‫قَالَ َفِبعِ ّزتِ َ‬

‫قال إبل يس‪ :‬فبعز تك‪ -‬يا رب‪ -‬وعظم تك لضلنّ ب ن آدم أجع ي‪ ,‬إل مَن أخل صتَه من هم لعباد تك‪،‬‬
‫وعصمتَه من إضلل‪ ,‬فلم تعل ل عليهم سبيل‪.‬‬

‫‪844‬‬
‫ك َومِمّ ْن َتِبعَكَ ِمْنهُمْ أَجْ َم ِعيَ (‪)85‬‬
‫لنّ َج َهنّمَ ِمنْ َ‬
‫قَالَ فَاْلحَ ّق وَالْحَقّ أَقُولُ (‪َ )84‬ل ْم َ‬

‫قال ال‪ :‬فالقّ من‪ ،‬ول أقول إل الق‪ ,‬لملن جهنم منك ومن ذريتك ومن تبعك من بن آدم أجعي‪.‬‬

‫قُ ْل مَا َأ ْسأَلُكُ ْم عََليْ ِه مِنْ أَجْرٍ َومَا َأنَا مِ ْن الْ ُمَتكَّلفِيَ (‪)86‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي من قومك‪ :‬ل أطلب منكم أجرًا أو جزاءً على دعوتكم وهدايتكم‪,‬‬
‫ول أدّعي أمرًا ليس ل‪ ,‬بل أتبع ما يوحى إلّ‪ ،‬ول أتكلف ترّصًا وافتراءً‪.‬‬

‫ِإنْ ُهوَ إِلّ ذِكْرٌ ِل ْلعَالَمِيَ (‪)87‬‬

‫ما هذا القرآن إل تذكي للعالي من الن والنس‪ ،‬يتذكرون به ما ينفعهم من مصال دينهم ودنياهم‪.‬‬

‫وََلتَعَْلمُ ّن َنبََأ ُه َبعْدَ حِيٍ (‪)88‬‬

‫ولتعل من‪ -‬أي ها الشركون‪ -‬خب هذا القرآن و صدقه‪ ،‬ح ي َيغْلب ال سلم‪ ،‬ويد خل الناس ف يه أفواجًا‪,‬‬
‫وكذلك حي يقع عليكم العذاب‪ ,‬وتنقطع عنكم السباب‪.‬‬

‫‪ -39‬سورة الزمر‬

‫حكِيمِ (‪)1‬‬
‫َتنْزِيلُ الْ ِكتَابِ مِنْ اللّهِ الْعَزِيزِ الْ َ‬

‫تنيل القرآن إنا هو من ال العزيز ف قدرته وانتقامه‪ ,‬الكيم ف تدبيه وأحكامه‪.‬‬

‫ِإنّا أَنزَْلنَا إَِليْكَ اْل ِكتَابَ بِاْلحَقّ فَا ْعبُدْ اللّ َه مُخْلِصا لَهُ الدّينَ (‪)2‬‬

‫‪845‬‬
‫إنا أنزلنا إليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬القرآن يأمر بالق والعدل‪ ,‬فاعبد ال وحده‪ ,‬وأخلص له جيع دينك‪.‬‬

‫حكُمُ‬
‫ص وَالّذِي َن اتّخَذُوا مِنْ دُونِهِ َأوِْليَاءَ مَا َنعْبُ ُدهُمْ إِلّ ِلُيقَ ّربُونَا إِلَى اللّهِ زُْلفَى ِإنّ اللّ َه يَ ْ‬
‫أَل ِللّهِ الدّي ُن الْخَالِ ُ‬
‫خَتِلفُونَ إِنّ اللّ َه ل َيهْدِي مَ ْن ُهوَ كَاذِبٌ َكفّارٌ (‪)3‬‬ ‫َبيَْنهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَ ْ‬

‫أل ل وحده الطاعة التامة السالة من الشرك‪ ,‬والذين أشركوا مع ال غيه واتذوا من دونه أولياء‪ ,‬قالوا‪:‬‬
‫مها نعبهد تلك اللةه مهع ال إل لتشفهع لنها عنهد ال‪ ,‬وتقربنها عنده منلة‪ ,‬فكفروا بذلك؛ لن العبادة‬
‫والشفاعة ل وحده‪ ,‬إن ال يفصل بي الؤمني الخلصي والشركي مع ال غيه يوم القيامة فيما يتلفون‬
‫فيه من عبادتم‪ ,‬فيجازي كل با يستحق‪ .‬إن ال ل يوفق للهداية إل الصراط الستقيم من هو مفت ٍر على‬
‫ال‪َ ,‬كفّار بآياته وحججه‪.‬‬

‫خلُ ُق مَا يَشَا ُء ُسبْحَانَ ُه ُهوَ اللّ ُه اْلوَاحِ ُد اْلقَهّارُ (‪)4‬‬


‫ص َطفَى مِمّا يَ ْ‬
‫َلوْ أَرَادَ اللّهُ َأنْ َيتّخِ َذ وَلَدا ل ْ‬

‫لو أراد ال أن يتخهذ ولدًا لختار مهن ملوقاتهه مها يشاء‪ ,‬تنّه ال وتقدّس عهن أن يكون له ولد‪ ,‬فإنهه‬
‫الواحد الحد‪ ,‬الفرد الصمد‪ ,‬القهّار الذي قهر خلقه بقدرته‪ ,‬فكل شيء له متذلل خاضع‪.‬‬

‫س وَاْلقَمَرَ‬
‫ض بِالْحَقّ ُي َكوّرُ الّليْ َل عَلَى الّنهَارِ َوُي َكوّ ُر الّنهَا َر عَلَى الّليْ ِل وَ سَخّرَ الشّمْ َ‬
‫َخلَ َق ال سّ َموَاتِ وَالَرْ َ‬
‫جرِي لَجَ ٍل مُسَمّى أَل ُهوَ اْلعَزِي ُز اْل َغفّارُ (‪)5‬‬ ‫كُ ّل يَ ْ‬

‫خلق ال ال سموات والرض و ما فيه ما بال ق‪ ,‬ي يء بالل يل ويذ هب بالنهار‪ ,‬وي يء بالنهار ويذ هب‬
‫بالليل‪ ,‬وذلّل الشمس والقمر بانتظام لنافع العباد‪ ,‬كل منهما يري ف مداره إل حي قيام الساعة‪ .‬أل‬
‫إن ال الذي ف عل هذه الفعال‪ ,‬وأن عم على خل قه بذه الن عم هو العز يز على خل قه‪ ,‬الغفار لذنوب عباده‬
‫التائبي‪.‬‬

‫خُل ُقكُ مْ فِي بُطُو نِ‬


‫ج يَ ْ‬
‫س وَاحِ َدةٍ ثُمّ َجعَ َل ِمْنهَا َزوْ َجهَا َوَأنْزَلَ َلكُ ْم مِ ْن ا َلنْعَا ِم ثَمَاِنَيةَ أَ ْزوَا ٍ‬
‫َخَلقَكُ ْم مِ ْن َنفْ ٍ‬
‫ت ثَل ثٍ ذَِلكُ مْ اللّ هُ َربّكُ مْ لَ ُه الْ ُملْ كُ ل إِلَ هَ إِ ّل ُهوَ َفَأنّى تُ صْرَفُونَ (‬ ‫ُأ ّمهَاِتكُ مْ َخلْقا مِ ْن َبعْدِ خَلْ قٍ فِي ظُلُمَا ٍ‬
‫‪)6‬‬

‫‪846‬‬
‫خلقكم ربكم‪ -‬أيها الناس‪ -‬من آدم‪ ,‬وخلق منه زوجه‪ ,‬وخلق لكم من النعام ثانية أنواع ذكر‌ًا وأنثى‬
‫من البل والبقر والضأن والعز‪ ،‬يلقكم ف بطون أمهاتكم طورًا بعد طور من اللق ف ظلمات البطن‪,‬‬
‫والرحم‪ ,‬والَشِيمَة‪ ,‬ذلكم ال الذي خلق هذه الشياء‪ ,‬ربكم التفرد باللك التوحد باللوهية الستحق‬
‫للعبادة وحده‪ ,‬فكيف تعدلون عن عبادته إل عبادة غيه مِن خلقه؟‬

‫شكُرُوا يَرْضَ هُ َلكُ ْم وَل تَزِرُ وَازِ َرٌة وِزْرَ‬


‫إِ ْن تَ ْكفُرُوا فَإِنّ اللّ َه َغنِيّ عَْنكُ مْ وَل يَرْضَى ِلعِبَادِ ِه الْ ُكفْ َر َوإِ ْن تَ ْ‬
‫أُخْرَى ثُمّ إِلَى َرّبكُ ْم مَرْ ِج ُعكُمْ َفُيَنبُّئكُ ْم بِمَا ُكْنتُمْ تَعْ َملُونَ ِإنّ ُه عَلِي ٌم بِذَاتِ الصّدُورِ ( ‪)7‬‬

‫إن تكفروا‪ -‬أيها الناس‪ -‬بربكم ول تؤمنوا به‪ ,‬ول تتبعوا رسله‪ ,‬فإنه غنّ عنكم‪ ,‬ليس باجة إليكم‪,‬‬
‫وأنتم الفقراء إليه‪ ,‬ول يرضى لعباده الكفر‪ ,‬ول يأمرهم به‪ ,‬وإنا يرضى لم شكر نعمه عليهم‪ .‬ول تمل‬
‫نفس إث نفس أخرى‪ ,‬ث إل ربكم مصيكم‪ ,‬فيخبكم بعملكم‪ ,‬وياسبكم عليه‪ .‬إنه عليم بأسرار‬
‫النفوس وما تفي الصدور‪.‬‬

‫ضرّ َدعَا َربّ ُه ُمنِيبا إَِليْ هِ ثُمّ ِإذَا َخوّلَ هُ ِنعْ َم ًة ِمنْ ُه نَ سِ َي مَا كَا نَ يَ ْدعُو إَِليْ هِ مِ نْ َقبْ ُل َو َجعَلَ‬ ‫َوإِذَا مَ سّ ا ِلنْ سَانَ ُ‬
‫ب النّارِ (‪)8‬‬‫ك مِنْ أَصْحَا ِ‬ ‫لِلّهِ َأنْدَادا ِلُيضِ ّل عَنْ َسبِيلِهِ قُ ْل تَ َمتّ ْع ِب ُكفْ ِركَ قَلِيلً إِنّ َ‬

‫وإذا أصاب النسانَ بلءٌ وشدة ومرض تَذكّر ربه‪ ,‬فاستغاث به ودعاه‪ ,‬ث إذا أجابه وكشف عنه ضرّه‪,‬‬
‫ومنحه نِعَمه‪ ,‬نسي دعاءه لربه عند حاجته إليه‪ ,‬وأشرك معه غيه؛ ليُضل غيه عن اليان بال وطاعته‪,‬‬
‫قل له ‪-‬أيها الرسول‪ -‬متوعدًا‪ :‬تتع بكفرك قليل حت موتك وانتهاء أجلك‪ ,‬إنك من أهل النار الخلّدين‬
‫فيها‪.‬‬

‫سَتوِي الّذِي نَ يَعَْلمُو نَ‬


‫حذَرُ الخِ َر َة َويَرْجُو رَ ْح َمةَ َربّ هِ قُ ْل هَ ْل يَ ْ‬
‫َأمّ ْن ُهوَ قَانِ تٌ آنَاءَ الّليْلِ سَاجِدا وَقَائِما يَ ْ‬
‫وَالّذِينَ ل َيعْلَمُونَ ِإنّمَا َيتَذَكّرُ ُأوْلُوا الَلْبَابِ (‪)9‬‬

‫أهذا الكافر التمتع بكفره خي‪ ,‬أم من هو عابد لربه طائع له‪ ,‬يقضي ساعات الليل ف القيام والسجود‬
‫ل‪ ,‬ياف عذاب الخرة‪ ,‬ويأمُل رحة ربه؟ قل ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬هل يستوي الذين يعلمون ربم ودينهم‬
‫الق والذين ل يعلمون شيئًا من ذلك؟ ل يستوون‪ .‬إنا يتذكر ويعرف الفرق أصحاب العقول السليمة‪.‬‬

‫‪847‬‬
‫سَن ٌة َوأَرْ ضُ اللّ ِه وَا ِسعَةٌ ِإنّمَا ُيوَفّى‬
‫سنُوا فِي هَذِ هِ ال ّدنْيَا حَ َ‬
‫قُ ْل يَا ِعبَا ِد الّذِي نَ آ َمنُوا اّتقُوا َرّبكُ مْ ِللّذِي نَ أَحْ َ‬
‫الصّابِرُونَ أَجْ َرهُ ْم ِب َغيْرِ حِسَابٍ (‪)10‬‬

‫قل ‪-‬أيها النب‪ -‬لعبادي الؤمني بال ورسوله‪ :‬اتقوا ربكم بطاعته واجتناب معصيته‪ .‬للذين أحسنوا ف‬
‫هذه الدينا بعبادة ربم وطاعته حسنة ف الخرة‪ ,‬وهي النة‪ ,‬وحسنة ف الدنيا من صحة ورزق ونصر‬
‫وغي ذلك‪ .‬وأرض ال واسعة‪ ,‬فهاجِروا فيها إل حيث تعبدون ربكم‪ ,‬وتتمكنون من إقامة دينكم‪ .‬إنا‬
‫يُعطَى الصابرون ثوابم ف الخرة بغي حدّ ول عدّ ول مقدار‪ ،‬وهذا تعظيم لزاء الصابرين وثوابم‪.‬‬

‫خلِصا لَهُ الدّينَ (‪َ )11‬وُأمِرْتُ َلنْ أَكُونَ َأوّ َل الْمُسِْلمِيَ (‪)12‬‬
‫قُلْ ِإنّي ُأمِرْتُ َأنْ أَ ْعبُدَ اللّ َه مُ ْ‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للناس‪ :‬إن ال أمرن ومن تبعن بإخلص العبادة له وحده دون سواه‪ ,‬وأمرن بأن‬
‫أكون أول من أسلم من أمت‪ ,‬فخضع له بالتوحيد‪ ,‬وأخلص له العبادة‪ ,‬وبرئ مِن كل ما دونه من اللة‪.‬‬

‫ب َيوْ ٍم عَظِيمٍ (‪)13‬‬


‫قُلْ ِإنّي أَخَافُ إِ ْن َعصَْيتُ َربّي عَذَا َ‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للناس‪ :‬إن أخاف إن عصيت رب فيما أمرن به من عبادته والخلص ف طاعته‬
‫عذاب يوم القيامة‪ ,‬ذلك اليوم الذي يعظم هوله‪.‬‬

‫سهُمْ‬
‫سرُوا َأْنفُ َ‬
‫خلِصا لَ هُ دِينِي (‪ )14‬فَا ْعبُدُوا مَا ِشئْتُ ْم مِ نْ دُونِ هِ قُلْ ِإنّ الْخَاسِرِي َن الّذِي نَ خَ ِ‬‫قُلْ اللّهَ أَ ْعبُ ُد مُ ْ‬
‫ك ُه َو الْخُسْرَا ُن الْ ُمبِيُ (‪)15‬‬
‫َوأَهْلِيهِ ْم َي ْومَ الْ ِقيَا َمةِ أَل ذَلِ َ‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬إن أعبد ال وحده ل شريك له ملصًا له عبادت وطاعت‪ ,‬فاعبدوا أنتم‪ -‬أيها‬
‫الشركون‪ -‬ما شئتم من دون ال من الوثان والصنام وغي ذلك من ملوقاته‪ ,‬فل يضرن ذلك شيئًا‪.‬‬
‫وهذا تديد ووعيد لن عبد غي ال‪ ,‬وأشرك معه غيه‪ .‬قل ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬إن الاسرين‪ -‬حقًا‪ -‬هم‬
‫الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة‪ ,‬وذلك بإغوائهم ف الدنيا وإضللم عن اليان‪ .‬أل إن‬
‫خسران هؤلء الشركي أنفسهم وأهليهم يوم القيامة هو السران البيّن الواضح‪.‬‬

‫‪848‬‬
‫خوّفُ اللّ ُه بِ ِه ِعبَا َدهُ يَا ِعبَادِ فَاّتقُونِ (‪)16‬‬
‫ك يُ َ‬
‫حِتهِ ْم ظُلَلٌ ذَلِ َ‬
‫َلهُ ْم مِنْ َفوِْقهِ ْم ظُلَ ٌل مِ ْن النّا ِر َومِ ْن تَ ْ‬

‫أولئك الاسرون لم يوم القيامة ف جهنم مِن فوقهم قطع عذاب من النار كهيئة الظّلل البنية‪ ,‬ومن‬
‫حذَروه‪ .‬يا عباد فاتقون بامتثال أوامري‬
‫تتهم كذلك‪ .‬ذلك العذاب الوصوف يوّف ال به عباده; لي ْ‬
‫واجتناب معاصيّ‪.‬‬

‫وَالّذِي نَ ا ْجَتَنبُوا الطّاغُو تَ أَ نْ يَ ْعبُدُوهَا َوأَنَابُوا إِلَى اللّ هِ َلهُ مْ الْبُشْرَى َفبَشّ ْر عِبَادِي (‪ )17‬الّذِي َن يَ سْتَ ِمعُونَ‬
‫ك هُمْ ُأوْلُوا الَلْبَابِ (‪)18‬‬ ‫سنَهُ ُأوَْلئِكَ الّذِي َن هَدَاهُمْ اللّ ُه َوُأوْلَئِ َ‬
‫الْ َقوْلَ َفَيّتبِعُونَ أَحْ َ‬

‫والذين اجتنبوا طاعة الشيطان وعبادة غي ال‪ ,‬وتابوا إل ال بعبادته وإخلص الدين له‪ ,‬لم البشرى ف‬
‫الياة الدنيا بالثناء السن والتوفيق من ال‪ ,‬وف الخرة رضوان ال والنعيم الدائم ف النة‪ .‬فبشّر ‪-‬أيها‬
‫النب‪ -‬عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أرشده‪ .‬وأحسن الكلم وأرشده كلم ال ث كلم رسوله‪.‬‬
‫أولئك هم الذين وفقهم ال للرشاد والسداد‪ ,‬وهداهم لحسن الخلق والعمال‪ ,‬وأولئك هم أصحاب‬
‫العقول السليمة‪.‬‬

‫أَفَمَنْ حَ ّق عََليْهِ كَلِ َم ُة اْلعَذَابِ أََفَأْنتَ تُنقِ ُذ مَنْ فِي النّارِ (‪)19‬‬

‫أفمن وجبت عليه كلمة العذاب؛ باستمراره على غيّه وعناده‪ ,‬فإنه ل حيلة لك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ف‬
‫هدايته‪ ,‬أفتقدر أن تنقذ مَن ف النار؟ لست بقادر على ذلك‪.‬‬

‫خلِفُ اللّهُ‬
‫حِتهَا ا َلْنهَا ُر َوعْدَ اللّ ِه ل يُ ْ‬
‫ف َمبِْنّي ٌة تَجْرِي مِ ْن تَ ْ‬
‫ف مِنْ َفوِْقهَا غُرَ ٌ‬
‫َلكِ ْن الّذِينَ اّت َقوْا َرّبهُمْ َلهُ ْم غُ َر ٌ‬
‫الْمِيعَادَ (‪)20‬‬

‫لكن الذين اتقوا ربم‪ -‬بطاعته وإخلص عبادته‪ -‬لم ف النة غرف مبنية بعضها فوق بعض‪ ,‬تري مِن‬
‫تت أشجارها النار‪ ,‬وعدها ال عباده التقي وعدًا متحققًا‪ ,‬ل يلف ال اليعاد‪.‬‬

‫ختَلِفا أَْلوَانُهُ ثُمّ َيهِيجُ‬


‫ج بِهِ َزرْعا ُم ْ‬
‫خرِ ُ‬
‫أَلَ ْم تَرَى َأنّ اللّهَ َأنْ َز َل مِ ْن السّمَا ِء مَاءً فَسََلكَ ُه َينَابِيعَ فِي الَرْضِ ثُمّ يُ ْ‬

‫‪849‬‬
‫جعَلُهُ حُطَاما ِإنّ فِي ذَلِكَ َلذِكْرَى ُلوْلِي الَْلبَابِ (‪)21‬‬
‫صفَرّا ثُ ّم يَ ْ‬
‫َفتَرَاهُ ُم ْ‬

‫أل تر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أن ال أنزل من السحاب مطرًا فأدخله ف الرض‪ ,‬وجعله عيونًا نابعة ومياهًا‬
‫جارية‪ ,‬ث يُخْرج بذا الاء زرعًا متلفًا ألوانه وأنواعه‪ ,‬ث ييبس بعد خضرته ونضارته‪ ,‬فتراه مصفرًا لونه‪,‬‬
‫ث يعله حطامًا متكسّرًا متفتتًا؟ إن ف ِفعْل ال ذلك لَذكرى وموعظة لصحاب العقول السليمة‪.‬‬

‫أَفَمَ ْن شَ َر حَ اللّ هُ صَ ْد َرهُ ِللِ سْلمِ َف ُه َو عَلَى نُو ٍر مِ نْ َربّ هِ َف َويْلٌ لِ ْلقَا ِسَيةِ ُقلُوبُهُ ْم مِ نْ ذِكْرِ اللّ هِ ُأوَْلئِ كَ فِي‬
‫ضَل ٍل ُمبِيٍ (‪)22‬‬

‫أفمن وسّع ال صدره‪ ,‬فسعد بقبول السلم والنقياد له واليان به‪ ,‬فهو على بصية من أمره وهدى‬
‫ستْ قلوبم‪ ,‬وأعرضت عن ذكر ال‪,‬‬ ‫من ربه‪ ,‬كمن ليس كذلك؟ ل يستوون‪ .‬فويل وهلك للذين قَ َ‬
‫أولئك ف ضلل بيّن عن الق‪.‬‬

‫شوْ نَ َرّبهُ ْم ثُمّ تَِليُ جُلُو ُدهُ مْ‬


‫س َن الْحَدِي ثِ ِكتَابا ُمتَشَابِها َمثَانِ َي َتقْشَعِ ّر ِمنْ هُ جُلُودُ الّذِي َن يَخْ َ‬ ‫اللّ ُه نَزّلَ أَحْ َ‬
‫ك هُدَى اللّهِ َيهْدِي بِهِ مَ ْن يَشَا ُء َومَ ْن ُيضْلِلْ اللّهُ َفمَا لَ ُه مِ ْن هَادٍ (‪)23‬‬ ‫وَقُلُوُبهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللّهِ ذَلِ َ‬

‫ال تعال هو الذي نزل أحسن الديث‪ ,‬وهو القرآن العظيم‪ ,‬متشابًا ف حسنه وإحكامه وعدم اختلفه‪,‬‬
‫تثن فيه القصص والحكام‪ ,‬والجج والبينات‪ ,‬تقشعر من ساعه‪ ,‬وتضطرب جلود الذين يافون ربم؛‬
‫تأئرًا با فيه مِن ترهيب ووعيد‪ ,‬ث تلي جلودهم وقلوبم; استبشارًا با فيه من وعد وترغيب‪ ,‬ذلك التأثر‬
‫بالقرآن هداية من ال لعباده‪ .‬وال يهدي بالقرآن من يشاء مِن عباده‪ .‬ومن يضلله ال عن اليان بذا‬
‫القرآن؛ لكفره وعناده‪ ,‬فما له مِن هاد يهديه ويوفقه‪.‬‬

‫سبُونَ (‪)24‬‬
‫ب َيوْ َم اْلقِيَا َم ِة وَقِيلَ لِلظّالِ ِميَ ذُوقُوا مَا ُكنْتُ ْم َتكْ ِ‬
‫أَفَمَ ْن َيّتقِي ِبوَ ْجهِ ِه سُوءَ اْلعَذَا ِ‬

‫أفمن يُلْقى ف النار مغلول‪ -‬فل يتهيأ له أن يتقي النار إل بوجهه؛ لكفره وضلله‪ -‬خي أم من ينعم ف‬
‫النة؛ لن ال هداه؟ وقيل يومئذ للظالي‪ :‬ذوقوا وبال ما كنتم ف الدنيا تكسبون من معاصي ال‪.‬‬

‫‪850‬‬
‫حيَاةِ ال ّدْنيَا‬
‫ث ل يَشْعُرُونَ (‪َ )25‬فأَذَاَقهُمْ اللّ ُه الْخِزْيَ فِي الْ َ‬
‫ب مِنْ َحيْ ُ‬
‫كَذّبَ الّذِي َن مِنْ َقْبِلهِمْ َفَأتَاهُ ْم اْلعَذَا ُ‬
‫وََلعَذَابُ الخِ َرةِ أَ ْكبَرُ َلوْ كَانُوا َيعْلَمُونَ (‪)26‬‬

‫كذّب الذين مِن قبل قومك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬رسلهم‪ ,‬فجاءهم العذاب من حيث ل يشعرون بجيئه‪,‬‬
‫فأذاق ال المم الكذبة العذاب والوان ف الدنيا‪ ,‬وأعد لم عذابًا أشد وأشق ف الخرة‪ ،‬لو كان هؤلء‬
‫الشركون يعلمون أن ما حلّ بم؛ بسب كفرهم وتكذيبهم لتّعظوا‪.‬‬

‫وََلقَدْ ضَ َرْبنَا لِلنّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُ ّل َمثَلٍ َلعَّلهُ ْم َيتَذَكّرُونَ (‪ )27‬قُرآنا َع َربِيّا َغيْرَ ذِي ِعوَجٍ َلعَّلهُمْ‬
‫َيتّقُونَ (‪)28‬‬

‫ولقد ضربنا لؤلء الشركي بال ف هذا القرآن من كل مثل من أمثال القرون الالية تويفًا وتذيرًا;‬
‫ليتذكروا فينجروا عما هم عليه مقيمون من الكفر بال‪ .‬وجعلنا هذا القرآن عربيًا واضح اللفاظ سهل‬
‫العان‪ ,‬ل َلبْس فيه ول انراف; لعلهم يتقون ال بامتثال أوامره واجتناب نواهيه‪.‬‬

‫حمْدُ ِللّهِه بَلْ‬


‫ه ِويَانِ َمَثلً الْ َ‬
‫ل سَهلَما لِرَ ُج ٍل هَ ْل يَس ْتَ‬
‫ضَرَبَه اللّهُه َمَثلً رَ ُجلً فِيهِه شُرَكَا ُء ُمتَشَاكِسهُو َن وَرَ ُج ً‬
‫أَكْثَ ُرهُ ْم ل َيعَْلمُونَ (‪)29‬‬

‫ضرب ال مثل عبدًا ملوكًا لشركاء متنازعي‪ ,‬فهو حيان ف إرضائهم‪ ,‬وعبدًا خالصًا لالك واحد‬
‫يعرف مراده وما يرضيه‪ ,‬هل يستويان مثل؟ ل يستويان‪ ,‬كذلك الشرك هو ف َحيْرة وشك‪ ,‬والؤمن ف‬
‫راحة واطمئنان‪ .‬فالثناء الكامل التام ل وحده‪ ,‬بل الشركون ل يعلمون الق فيتبعونه‪.‬‬

‫ختَصِمُونَ (‪)31‬‬
‫ِإنّكَ َمّيتٌ َوِإّنهُ ْم َميّتُونَ (‪ )30‬ثُمّ ِإّنكُ ْم َي ْومَ اْل ِقيَا َم ِة ِعنْدَ َرّبكُمْ َت ْ‬

‫إنك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ميت وإنم ميتون‪ ,‬ث إنكم جيعًا‪ -‬أيها الناس‪ -‬يوم القيامة عند ربكم تتنازعون‪,‬‬
‫فيحكم بينكم بالعدل والنصاف‪.‬‬

‫‪851‬‬
‫الزء الرابع والعشرون ‪:‬‬

‫ب بِالصّ ْدقِ ِإذْ جَا َءهُ أََلْيسَ فِي َج َهنّ َم َمْثوًى ِل ْلكَافِرِينَ (‪)32‬‬
‫ب عَلَى اللّ ِه وَكَذّ َ‬
‫فَمَنْ َأظْلَ ُم ِممّنْ كَذَ َ‬

‫ل أحد أظلم من افترى على ال الكذب‪ :‬بأن نسب إليه ما ل يليق به كالشريك والولد‪ ,‬أو قال‪ :‬أوحي‬
‫ح إليه شيء‪ ,‬ول أحد أظلم من كذّب بالق الذي نزل على ممد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫إلّ‪ ,‬ول يو َ‬
‫أليس ف النار مأوى ومسكن لن كفر بال‪ ,‬ول يصدق ممدًا صلى ال عليه وسلم ول يعمل با جاء به؟‬
‫بَلَى‪.‬‬

‫ك هُ ْم الْ ُمتّقُونَ (‪)33‬‬


‫ق بِهِ ُأوَْلئِ َ‬
‫ق وَصَ ّد َ‬
‫وَالّذِي جَا َء بِالصّ ْد ِ‬

‫والذي جاء بالصدق ف قوله وعمله من النبياء وأتباعهم‪ ,‬وصدّق به إيانًا وعمل أولئك هم الذين جعوا‬
‫خصال التقوى‪ ,‬وف مقدمة هؤلء خات النبياء والرسلي ممد صلى ال عليه وسلم والؤمنون به‪,‬‬
‫العاملون بشريعته من الصحابة‪ ,‬رضي ال عنهم‪ ,‬فمَن بعدهم إل يوم الدين‪.‬‬

‫سنِيَ (‪)34‬‬
‫َلهُ ْم مَا يَشَاءُو َن ِعنْدَ َرّبهِمْ ذَلِكَ جَزَا ُء الْمُحْ ِ‬

‫لم ما يشاؤون عند ربم من أصناف اللذات الشتهيات؛ ذلك جزاء مَن أطاع ربه حق الطاعة‪ ,‬وعبده‬
‫حق العبادة‪.‬‬

‫ِليُ َكفّرَ اللّ ُه َعْنهُمْ َأ ْسوََأ الّذِي عَمِلُوا َويَجْ ِزَيهُمْ أَ ْج َرهُ ْم ِبأَحْسَ ِن الّذِي كَانُوا َيعْمَلُونَ (‪)35‬‬

‫ليكفّر ال عنهم أسوأ الذي عملوا ف الدنيا من العمال؛ بسبب ما كان منهم مِن توبة وإنابة ما اجترحوا‬
‫من السيئات فيها‪ ,‬ويثيبهم ال على طاعتهم ف الدنيا بأحسن ما كانوا يعملون‪ ,‬وهو النة‪.‬‬

‫خوّفُونَكَ بِالّذِي َن مِنْ دُونِهِ َومَنْ ُيضْلِلْ اللّهُ فَمَا لَ ُه مِ ْن هَادٍ (‪)36‬‬
‫ف عَبْ َد ُه َويُ َ‬
‫أََلْيسَ اللّ ُه ِبكَا ٍ‬

‫‪852‬‬
‫أليس ال بكاف عبده ممدًا وعيد الشركي وكيدهم من أن ينالوه بسوء؟ بلى إنه سيكفيه ف أمر دينه‬
‫ودنياه‪ ,‬ويدفع عنه مَن أراده بسوء‪ ,‬ويوّفونك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بآلتهم الت زعموا أنا ستؤذيك‪ .‬ومن‬
‫يذله ال فيضله عن طريق الق‪ ,‬فما له مِن هاد يهديه إليه‪.‬‬

‫َومَ ْن َيهْدِ اللّهُ فَمَا لَ ُه مِ ْن ُمضِلّ أََلْيسَ اللّ ُه ِبعَزِيزٍ ذِي اْنتِقَامٍ (‪)37‬‬

‫ومن يوفقه ال لليان به والعمل بكتابه واتباع رسوله فما له مِن مضل عن الق الذي هو عليه‪ .‬أليس‬
‫ال بعزيز ف انتقامه مِن كفرة خلقه‪ ,‬ومن عصاه؟‬

‫وََلئِ نْ سَأَْلَتهُ ْم مَ نْ َخلَ َق السّ َموَاتِ وَالَرْضَ َليَقُولُنّ اللّهُ قُلْ أََف َرأَْيتُ ْم مَا تَ ْدعُو َن مِ نْ دُونِ اللّهِ إِنْ أَرَا َدنِي اللّ ُه‬
‫سبِي اللّ هُ عََليْ هِ َيَتوَكّلُ‬ ‫سكَاتُ رَ ْح َمتِ هِ قُلْ حَ ْ‬ ‫ضرّ هِ َأوْ أَرَادَنِي ِبرَحْ َم ٍة هَ ْل هُنّ مُمْ ِ‬‫ِبضُ ّر هَلْ هُنّ كَا ِشفَا تُ ُ‬
‫الْ ُمَتوَكّلُونَ (‪)38‬‬

‫ولئن سألت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء الشركي الذين يعبدون غي ال‪ :‬مَن خلق هذه السموات والرض؟‬
‫ليقولُنّ‪ :‬خلقهنّ ال‪ ,‬فهم ُيقِرّون بالالق‪ .‬قل لم‪ :‬هل تستطيع هذه اللة الت تشركونا مع ال أن ُتبْعِدَ‬
‫عن أذى قدّره ال عليّ‪ ,‬أو تزي َل مكروهًا لَحِق ب؟ وهل تستطيع أن تنع نفعَا يسّره ال ل‪ ,‬أو تبس‬
‫رحة ال عن؟ إنم سيقولون ‪ :‬ل تستطيع ذلك‪ .‬قل لم‪ :‬حسب ال وكاِفيّ‪ ,‬عليه يعتمد العتمدون ف‬
‫جلب مصالهم ودفع مضارهم‪ ,‬فالذي بيده وحده الكفاية هو حسب‪ ,‬وسيكفين كل ما أهن‪.‬‬

‫ب يُخْزِي ِه َويَحِ ّل عََليْ هِ‬


‫ف َتعَْلمُو نَ (‪ )39‬مَ ْن َي ْأتِي ِه عَذَا ٌ‬
‫سوْ َ‬
‫قُ ْل يَا َقوْ مِ اعْ َملُوا عَلَى َمكَاَنِتكُ مْ ِإنّي عَامِلٌ فَ َ‬
‫عَذَابٌ ُمقِيمٌ (‪)40‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لقومك العاندين‪ :‬اعملوا على حالتكم الت رضيتموها لنفسكم‪ ,‬حيث عبدت مَن ل‬
‫يستحق العبادة‪ ,‬وليس له من المر شيء‪ ,‬إن عامل على ما أُمرت به من التوجه ل وحده ف أقوال‬
‫وأفعال‪ ,‬فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يهينه ف الياة الدنيا‪ ,‬ويل عليه ف الخرة عذاب دائم؟ ل‬
‫يول عنه ول يزول‪.‬‬

‫‪853‬‬
‫ِإنّا َأنْزَْلنَا عََليْ كَ اْل ِكتَا بَ لِلنّا سِ بِاْلحَقّ َفمَ نْ ا ْهتَدَى فَِلَنفْ سِهِ َومَ نْ ضَلّ فَِإنّمَا َيضِ ّل عََلْيهَا َومَا َأنْ تَ عََلْيهِ مْ‬
‫ِبوَكِيلٍ (‪)41‬‬

‫إنا أنزلنا عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬القرآن بالق هداية للعالي‪ ,‬إل طريق الرشاد‪ ,‬فمن اهتدى بنوره‪ ,‬وعمل‬
‫با فيه‪ ,‬واستقام على منهجه‪ ,‬فنفعُ ذلك يعود على نفسه‪ ,‬ومَن ض ّل بعد ما تبي له الدى‪ ,‬فإنا يعود‬
‫ضرره على نفسه‪ ,‬ولن يضرّ ال شيئا‪ ,‬وما أنت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عليهم بوكيل تفظ أعمالم‪ ,‬وتاسبهم‬
‫عليها‪ ,‬وتبهم على ما تشاء‪ ,‬ما عليك إل البلغ‪.‬‬

‫ك الّتِي قَضَى عََليْهَا الْ َموْ تَ َويُرْ سِلُ‬


‫اللّ ُه َيَتوَفّ ى الَْنفُ سَ حِيَ َم ْوتِهَا وَالّتِي لَ ْم تَمُ تْ فِي َمنَامِهَا َفيُمْ سِ ُ‬
‫ك ليَاتٍ ِل َق ْومٍ َيَتفَكّرُونَ (‪)42‬‬ ‫الُخْرَى إِلَى َأجَ ٍل مُسَمّى إِنّ فِي ذَلِ َ‬

‫ال‪ -‬سبحانه وتعال‪ -‬هو الذي يقبض النفس حي موتا‪ ,‬وهذه الوفاة الكبى‪ ,‬وفاة الوت بانقضاء‬
‫الجل‪ ,‬ويقبض الت ل تت ف منامها‪ ,‬وهي الوتة الصغرى‪ ,‬فيحبس من هاتي النفسي النفس الت قضى‬
‫عليها الوت‪ ,‬وهي نفس مَن مات‪ ,‬ويرسل النفس الخرى إل استكمال أجلها ورزقها‪ ,‬وذلك بإعادتا‬
‫إل جسم صاحبها‪ ,‬إن ف قبض ال نفس اليت والنائم وإرساله نفس النائم‪ ,‬وحبسه نفس اليت لَدلئل‬
‫واضحة على قدرة ال لن تفكر وتدبر‪.‬‬

‫َأمْ اتّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّ ِه ُش َفعَاءَ ُقلْ َأوََلوْ كَانُوا ل يَ ْمِلكُونَ شَيْئا وَل َي ْعقِلُونَ (‪)43‬‬

‫أم اتذ هؤلء الشركون بال من دونه آلتهم الت يعبدونا شفعاء‪ ,‬تشفع لم عند ال ف حاجاتم؟ قل‬
‫‪-‬أيها الرسول‪ -‬لم‪ :‬أتتخذونا شفعاء كما تزعمون‪ ,‬ولو كانت اللة ل تلك شيئا‪ ,‬ول تعقل عبادتكم‬
‫لا؟‬

‫قُلْ لِلّهِ الشّفَا َعةُ جَمِيعا لَ ُه مُلْكُ السّ َموَاتِ وَالَ ْرضِ ثُمّ إِلَيْ ِه تُ ْر َجعُونَ (‪)44‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬ل الشفاعة جيعًا‪ ,‬له ملك السموات والرض وما فيهما‪ ,‬فالمر‬
‫كله ل وحده‪ ,‬ول يشفع أحد عنده إل بإذنه‪ ,‬فهو الذي يلك السموات والرض ويتصرف فيهما‪,‬‬

‫‪854‬‬
‫فالواجب أن تُطلب الشفاعة من يلكها‪ ,‬وأن تُخلص له العبادة‪ ,‬ول تُطلب من هذه اللة الت ل تضر‬
‫ول تنفع‪ ,‬ث إليه تُرجَعون بعد ماتكم للحساب والزاء‪.‬‬

‫ُمه‬
‫ِههِإذَا ه ْ‬
‫ِنه دُون ِ‬
‫ِينه م ْ‬
‫ُونه بِالخِ َر ِة َوإِذَا ذُكِ َر الّذ َ‬
‫ِينه ل ُي ْؤ ِمن َ‬
‫ُوبه الّذ َ‬
‫ّته ُقل ُ‬
‫َهه اشْ َمأَز ْ‬
‫ّهه َوحْد ُ‬
‫َوإِذَا ذُكِرَ الل ُ‬
‫ستَبْشِرُونَ (‪)45‬‬ ‫يَ ْ‬

‫وإذا ذُكِر ال وحده نفرت قلوب الذين ل يؤمنون بالعاد والبعث بعد المات‪ ,‬وإذا ذُكِر الذين مِن دونه‬
‫من الصنام والوثان والولياء إذا هم يفرحون؛ لكون الشرك موافقًا لهوائهم‪.‬‬

‫حكُ ُم َبيْ َن ِعبَادِ كَ فِي مَا كَانُوا فِي هِ‬


‫شهَا َدةِ َأنْ تَ تَ ْ‬
‫ض عَالِ َم اْل َغيْ بِ وَال ّ‬
‫ت وَالَرْ ِ‬
‫قُلْ الّلهُمّ فَاطِ َر ال سّ َموَا ِ‬
‫ختَِلفُونَ (‪)46‬‬ ‫يَ ْ‬

‫قل‪ :‬اللهم يا خالق السموات والرض ومبدعهما على غي مثال سبق‪ ,‬عال السر والعلنية‪ ,‬أنت تفصل‬
‫بي عبادك يوم القيامة فيما كانوا فيه يتلفون من القول فيك‪ ,‬وف عظمتك وسلطانك واليان بك‬
‫وبرسولك‪ ,‬اهدن لا اختُلِف فيه من الق بإذنك‪ ,‬إنك تدي مَن تشاء إل صراط مستقيم‪ .‬وكان هذا‬
‫مِن دعائه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وهو تعليم للعباد باللتجاء إل ال تعال‪ ,‬ودعائه بأسائه السن وصفاته‬
‫العلى‪.‬‬

‫ب َيوْ مَ اْل ِقيَا َم ِة َوبَدَا َل ُه مْ‬


‫وََلوْ َأنّ لِلّذِي َن ظََلمُوا مَا فِي الَرْ ضِ جَمِيعا َو ِمثْلَ ُه َمعَ هُ ل ْفتَ َدوْا بِ ِه مِ نْ سُو ِء الْعَذَا ِ‬
‫سبُونَ (‪)47‬‬‫حتَ ِ‬
‫مِنْ اللّ ِه مَا لَ ْم َيكُونُوا يَ ْ‬

‫ولو أن لؤلء الشركي بال ما ف الرض جيعا مِن مال وذخائر‪ ,‬ومثله معه مضاعفًا‪ ,‬لَبذلوه يوم‬
‫القيامة؛ ليفتدوا به من سوء العذاب‪ ,‬ولو بذلوا وافتدوا به ما ُقبِل منهم‪ ,‬ول أغن عنهم من عذاب ال‬
‫شيئًا‪ ,‬وظهر لم يومئذٍ من أمر ال وعذابه ما ل يكونوا يتسبون ف الدنيا أنه نازل بم‪.‬‬

‫سَتهْ ِزئُون (‪)48‬‬


‫ق ِبهِ ْم مَا كَانُوا بِهِ يَ ْ‬
‫سبُوا وَحَا َ‬
‫ت مَا كَ َ‬
‫َوبَدَا َلهُ ْم َسّيئَا ُ‬

‫‪855‬‬
‫وظهر لؤلء الكذبي يوم الساب جزاء سيئاتم الت اقترفوها‪ ,‬حيث نسبوا إل ال ما ل يليق به‪,‬‬
‫وارتكبوا العاصي ف حياتم‪ ,‬وأحاط بم من كل جانب عذاب أليم؛ عقابًا لم على استهزائهم بالنذار‬
‫بالعذاب الذي كان الرسول يَعِدُهم به‪ ,‬ول يأبون له‪.‬‬

‫فَإِذَا مَسّ ا ِلنْسَانَ ضُرّ َدعَانَا ثُمّ ِإذَا َخوّلْنَاهُ ِنعْ َم ًة ِمنّا قَالَ ِإنّمَا أُوتِيتُ ُه عَلَى عِلْ ٍم بَ ْل هِيَ ِفْتَن ٌة وََلكِنّ أَ ْكثَ َرهُمْ‬
‫ل َيعْلَمُونَ (‪)49‬‬

‫ضرّ‪ ,‬طلب من ربه أن يُفرّج عنه‪ ,‬فإذا كشفنا عنه ما أصابه وأعطيناه نعمة منا‬‫فإذا أصاب النسان شدة و ُ‬
‫عاد بربه كافرًا‪ ,‬ولفضله منكرًا‪ ,‬وقال‪ :‬إن الذي أوتيتُه إنا هو على علم من ال أن له أهل ومستحق‪ ,‬بل‬
‫ذلك فتنة يبتلي ال با عباده؛ لينظر مَن يشكره من يكفره‪ ,‬ولكن أكثرهم‪ -‬لهلهم وسوء ظنهم‬
‫وقولم‪ -‬ل يعلمون؛ فلذلك يعدّون الفتنة منحة‪.‬‬

‫سبُونَ (‪)50‬‬
‫قَدْ قَاَلهَا الّذِي َن مِنْ َقبِْلهِمْ َفمَا َأغْنَى عَْنهُ ْم مَا كَانُوا َيكْ ِ‬

‫قد قال مقالتهم هذه مَن قبلهم من المم الالية الكذبة‪ ،‬فما أغن عنهم حي جاءهم العذاب ما كانوا‬
‫يكسبونه من الموال والولد‪.‬‬

‫جزِي نَ (‬
‫سبُوا َومَا هُ ْم بِ ُمعْ ِ‬
‫سبُوا وَالّذِي َن ظَلَمُوا مِ ْن َهؤُلءِ َسُيصِيُبهُمْ َسّيئَاتُ مَا كَ َ‬
‫ت مَا كَ َ‬
‫َفأَ صَاَبهُمْ َسّيئَا ُ‬
‫‪)51‬‬

‫فأصاب الذين قالوا هذه القالة من المم الالية وبال سيئات ما كسبوا من العمال‪ ,‬فعوجلوا بالزي ف‬
‫الياة الدنيا‪ ,‬والذين ظلموا أنفسهم من قومك ‪-‬أيها الرسول‪ ،-‬وقالوا هذه القالة‪ ,‬سيصيبهم أيضًا وبال‬
‫سيئات ما كسبوا‪ ,‬كما أصاب الذين من قبلهم‪ ,‬وما هم بفائتي ال ول سابقيه‪.‬‬

‫ك ليَاتٍ ِل َق ْومٍ ُي ْؤ ِمنُونَ (‪)52‬‬


‫َأوَلَ ْم َيعْلَمُوا َأنّ اللّ َه َيبْسُطُ الرّ ْزقَ ِلمَ ْن يَشَا ُء َويَقْ ِدرُ إِنّ فِي ذَلِ َ‬

‫‪856‬‬
‫أول يعلم هؤلء أن رزق ال للنسان ل يدل على حسن حال صاحبه‪ ,‬فإن ال لبالغ حكمته يوسّع‬
‫الرزق لن يشاء مِن عباده‪ ,‬صالًا كان أو طالًا‪ ,‬ويضيّقه على مَن يشاء منهم؟ إن ف ذلك التوسيع‬
‫والتضييق ف الرزق لَدللت واضحات لقوم يُصدّقون أمر ال ويعملون به‪.‬‬

‫قُ ْل يَا ِعبَادِي الّذِي نَ أَ سْرَفُوا عَلَى َأْنفُ سِهِ ْم ل َت ْقنَطُوا مِ نْ رَ ْح َمةِ اللّ هِ إِنّ اللّ َه َي ْغفِرُ ال ّذنُو بَ َجمِيعا ِإنّ هُ ُهوَ‬
‫الْ َغفُورُ الرّحِيمُ (‪)53‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لعبادي الذين تادَوا ف العاصي‪ ,‬وأسرفوا على أنفسهم بإتيان ما تدعوهم إليه‬
‫نفوسهم من الذنوب‪ :‬ل َتيْئسوا من رحة ال؛ لكثرة ذنوبكم‪ ,‬إن ال يغفر الذنوب جيعًا لن تاب منها‬
‫ورجع عنها مهما كانت‪ ,‬إنه هو الغفور لذنوب التائبي من عباده‪ ,‬الرحيم بم‪.‬‬

‫ب ثُ ّم ل ُتنْصَرُونَ (‪)54‬‬
‫َوَأنِيبُوا إِلَى َرّبكُ ْم َوَأسْلِمُوا لَ ُه مِنْ َقبْلِ َأنْ َي ْأتَِيكُ ْم الْعَذَا ُ‬

‫وارجعوا إل ربكم‪ -‬أيها الناس‪ -‬بالطاعة والتوبة‪ ,‬واخضعوا له من قبل أن يقع بكم عقابه‪ ,‬ث ل‬
‫ينصركم أحد من دون ال‪.‬‬

‫شعُرُونَ (‪)55‬‬
‫ب َب ْغتَ ًة َوَأنْتُ ْم ل تَ ْ‬
‫وَاّتِبعُوا أَحْسَ َن مَا ُأنْزِلَ إَِلْيكُ ْم مِنْ َرّبكُ ْم مِنْ َقبْلِ َأنْ َي ْأتَِيكُ ْم العَذَا ُ‬

‫واتبعوا أحسن ما أُنزل إليكم من ربكم‪ ,‬وهو القرآن العظيم‪ ,‬وكله حسن‪ ,‬فامتثلوا أوامره‪ ,‬واجتنبوا‬
‫نواهية من قبل أن يأتيكم العذاب فجأة‪ ,‬وأنتم ل تعلمون به‪.‬‬

‫س َرتَا عَلَى مَا َف ّرطْتُ فِي َجْنبِ اللّ ِه َوِإنْ ُكْنتُ لَمِنْ السّا ِخرِينَ (‪)56‬‬
‫َأنْ َتقُو َل َن ْفسٌ يَا حَ ْ‬

‫وأطيعوا ربكم وتوبوا إليه حت ل تندم نفس وتقول‪ :‬يا حسرتى على ما ضيّعت ف الدنيا من العمل با‬
‫أمر ال به‪ ,‬وقصّرت ف طاعته وحقه‪ ,‬وإن كنت ف الدنيا لن الستهزئي بأمر ال وكتابه ورسوله‬
‫والؤمني به‪.‬‬

‫‪857‬‬
‫ت مِ ْن الْ ُمّتقِيَ (‪)57‬‬
‫َأوْ َتقُولَ َلوْ َأنّ اللّ َه هَدَانِي َل ُكنْ ُ‬

‫أو تقول‪ :‬لو أن ال أرشدن إل دينه لكنت من التقي الشرك والعاصي‪.‬‬

‫سِنيَ (‪)58‬‬
‫ي تَرَى اْلعَذَابَ َلوْ َأنّ لِي َك ّرةً َفأَكُو َن مِ ْن الْمُحْ ِ‬
‫َأوْ َتقُولَ ِح َ‬

‫أو تقول حي ترى عقاب ال قد أحاط با يوم الساب‪ :‬ليت ل رجعة إل الياة الدنيا‪ ،‬فأكون فيها من‬
‫الذين أحسنوا بطاعة ربم‪ ،‬والعمل با أمَ َرتْهم به الرسل‪.‬‬

‫ت مِ ْن الْكَافِرِينَ (‪)59‬‬
‫ت وَ ُكنْ َ‬
‫ك آيَاتِي َفكَ ّذْبتَ ِبهَا وَاسَْت ْكبَرْ َ‬
‫بَلَى قَدْ جَا َءتْ َ‬

‫ما القول كما تقول‪ ,‬قد جاءتك آيات الواضحة الدالة على الق‪ ,‬فكذّبت با‪ ,‬واستكبت عن قَبولا‬
‫واتباعها‪ ,‬وكنت من الكافرين بال ورسله‪.‬‬

‫سوَ ّدةٌ أََلْيسَ فِي َج َهنّ َم َمثْوًى لِ ْل ُمَتكَبّرِينَ (‪)60‬‬


‫َوَيوْ َم اْلقِيَا َم ِة تَرَى الّذِينَ كَ َذبُوا عَلَى اللّ ِه وُجُو ُههُ ْم مُ ْ‬

‫ويوم القيامة ترى هؤلء الكذبي الذين وصفوا ربم با ل يليق به‪ ,‬ونسبوا إليه الشريك والولد وجوههم‬
‫مسودة‪ .‬أليس ف جهنم مأوى ومسكن لن تكب على ال‪ ,‬فامتنع من توحيده وطاعته؟ بلى‪.‬‬

‫س ُهمْ السّو ُء وَل هُ ْم يَحْ َزنُونَ (‪)61‬‬


‫َويُنَجّي اللّ ُه الّذِي َن اتّقَوا بِ َمفَا َزِتهِمْ ل يَمَ ّ‬

‫وينجي ال من جهنم وعذابا الذين اتقوا ربم بأداء فرائضه واجتناب نواهيه بفوزهم وتقق أمنيتهم‪,‬‬
‫وهي ال ّظفَر بالنة‪ ,‬ل يسهم من عذاب جهنم شيء‪ ,‬ول هم يزنون على ما فاتم من حظوظ الدنيا‪.‬‬

‫اللّهُ خَالِقُ ُك ّل شَيْ ٍء َو ُهوَ عَلَى كُ ّل َشيْ ٍء وَكِيلٌ (‪)62‬‬

‫ال تعال هو خالق الشياء كلها‪ ,‬وربا ومليكها والتصرف فيها‪ ,‬وهو على كل شيء حفيظ ي َدبّر جيع‬
‫شؤون خلقه‪.‬‬

‫‪858‬‬
‫ك هُ ْم الْخَاسِرُونَ (‪)63‬‬
‫ض وَالّذِينَ َكفَرُوا بِآيَاتِ اللّهِ ُأوْلَئِ َ‬
‫ت وَالَ ْر ِ‬
‫لَ ُه َمقَالِيدُ السّ َموَا ِ‬

‫ل مفاتيح خزائن السموات والرض‪ ,‬يعطي منها خَ ْلقَه كيف يشاء‪ .‬والذين جحدوا بآيات القرآن وما‬
‫فيها من الدلئل الواضحة‪ ,‬أولئك هم الاسرون ف الدنيا بِذْلنم عن اليان‪ ,‬وف الخرة بلودهم ف‬
‫النار‪.‬‬

‫قُلْ أََف َغيْرَ اللّ ِه َتأْمُرُوَننِي َأ ْعبُدُ َأيّهَا الْجَاهِلُونَ (‪)64‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لشركي قومك‪ :‬أفغي ال أيها الاهلون بال تأمرونّي أن أعبد‪ ,‬ول تصلح العبادة‬
‫لشيء سواه؟‬

‫ك وََلَتكُونَ ّن مِ ْن الْخَاسِرِينَ (‪)65‬‬


‫حبَ َط ّن عَمَلُ َ‬
‫ك َوإِلَى الّذِي َن مِنْ َقبْلِكَ َلئِنْ َأشْرَ ْكتَ َليَ ْ‬
‫وََلقَدْ أُو ِحيَ إَِليْ َ‬

‫ولقد أوحي إليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬وإل من قبلك من الرسل‪ :‬لئن أشركت بال غيه ليبطل ّن عملك‪,‬‬
‫ولتكوننّ من الالكي الاسرين دينك وآخرتك؛ لنه ل يُقبل مع الشرك عمل صال‪.‬‬

‫بَلْ اللّهَ فَا ْعبُدْ وَكُنْ مِنْ الشّاكِرِينَ (‪)66‬‬

‫بل ال فاعبد ‪-‬أيها النب‪ -‬ملصًا له العبادة وحده ل شريك له‪ ,‬وكن من الشاكرين ل نعمه‪.‬‬

‫ضتُ هُ َيوْ َم اْلقِيَا َم ِة وَال سّموَاتُ مَ ْط ِويّا تٌ بِيَمِينِ هِ ُسبْحَانَهُ َوَتعَالَى‬


‫َومَا قَ َدرُوا اللّ هَ حَقّ قَدْرِ هِ وَالَرْ ضُ جَمِيعا َقبْ َ‬
‫عَمّا يُشْرِكُونَ (‪)67‬‬

‫وما عظّم هؤلء الشركون الَ حق تعظيمه; إذ عبدوا معه غيه ما ل ينفع ول يضر‪ ,‬فسوّوا الخلوق مع‬
‫عجزه بالالق العظيم‪ ,‬الذي من عظيم قدرته أن جيع الرض ف قبضته يوم القيامة‪ ,‬والسموات مطويات‬
‫بيمينه‪ ,‬تنه وتعاظم سبحانه وتعال عما يشرك به هؤلء الشركون‪ ،‬وف الية دليل على إثبات القبضة‪,‬‬
‫واليمي‪ ,‬والطيّ‪ ,‬ل كما يليق بلله وعظمته‪ ,‬من غي تكييف ول تشبيه‪.‬‬

‫‪859‬‬
‫ت َومَ نْ فِي الَرْ ضِ إِ ّل مَ ْن شَاءَ اللّ ُه ثُمّ ُنفِ خَ فِي هِ أُ ْخرَى فَِإذَا هُ مْ‬
‫صعِ َق مَ نْ فِي ال سّ َموَا ِ‬
‫َوُنفِ خَ فِي ال صّورِ فَ َ‬
‫ِقيَامٌ َينْظُرُونَ (‪)68‬‬

‫ونُفِخ ف "القرن" فمات ك ّل مَن ف السموات والرض‪ ,‬إل مَن شاء ال عدم موته‪ ,‬ث نفخ الَلَك فيه‬
‫نفخة ثانية مؤذنًا بإحياء جيع اللئق للحساب أمام ربم‪ ,‬فإذا هم قيام من قبورهم ينظرون ماذا يفعل‬
‫ال بم؟‬

‫شهَدَاءِ وَُقضِ يَ َبْينَهُ ْم بِالْحَقّ َوهُ مْ ل‬


‫ب وَجِي َء بِالّنِبيّيَ وَال ّ‬
‫ض ِبنُورِ َربّهَا َووُضِ َع اْل ِكتَا ُ‬
‫ت الَرْ ُ‬
‫َوَأشْرَقَ ْ‬
‫يُظْلَمُونَ (‪)69‬‬

‫وأضاءت الرض يوم القيامة إذا تلى الق جل وعل للخلئق لفصل القضاء‪ ,‬ونشرت اللئكة صحيفة‬
‫كل فرد‪ ,‬وجيء بالنبيي والشهود على المم؛ ليسأل ال النبيي عن التبليغ وعما أجابتهم به أمهم‪ ,‬كما‬
‫تأت أمة ممد صلى ال عليه وسلم؛ لتشهد بتبليغ الرسل السابقي لمهم إذا أنكرت هذا التبليغ‪ ,‬فتقوم‬
‫الجة على المم‪ ,‬وقضى ربّ العالي بي العباد بالعدل التام‪ ,‬وهم ل يُظلمون شيئًا بنقص ثواب أو‬
‫زيادة عقاب‪.‬‬

‫َووُّفيَتْ كُ ّل َن ْفسٍ مَا عَ ِمَلتْ َو ُهوَ أَعَْل ُم بِمَا َي ْفعَلُونَ (‪)70‬‬

‫ووفّى ال كلّ نفس جزاء عملها من خي وشر‪ ,‬وهو سبحانه وتعال أعلم با يفعلون ف الدنيا من طاعة‬
‫أو معصية‪.‬‬

‫وَ سِيقَ الّذِي نَ َكفَرُوا إِلَى َج َهنّ مَ ُزمَرا َحتّى إِذَا جَاءُوهَا ُفِتحَ تْ َأْبوَاُبهَا وَقَالَ َلهُ مْ خَ َزَنُتهَا أَلَ ْم َي ْأتِكُ مْ رُ سُ ٌل‬
‫ب عَلَى‬ ‫ِمنْكُ ْم يَتْلُو نَ عََلْيكُ مْ آيَا تِ َرّبكُ ْم َوُينْذِرُونَكُ مْ ِلقَا َء َيوْ ِمكُ مْ هَذَا قَالُوا بَلَى وََلكِ نْ َحقّ تْ كَلِ َم ُة اْلعَذَا ِ‬
‫الْكَافِرِينَ (‪)71‬‬

‫وسيق الذين كفروا بال ورسله إل جهنم جاعات‪ ,‬حت إذا جاؤوها فتح الزنة الوكّلون با أبوابا‬
‫السبعة‪ ,‬وزجروهم قائلي‪ :‬كيف تعصون ال وتحدون أنه الله الق وحده؟ أل يرسل إليكم رسل‬

‫‪860‬‬
‫منكم يتلون عليكم آيات ربكم‪ ,‬ويذّرونكم أهوال هذا اليوم؟ قالوا مقرين بذنبهم‪ :‬بلى قد جاءت رسل‬
‫ربنا بالق‪ ,‬وحذّرونا هذا اليوم‪ ,‬ولكن وجبت كلمة ال أن عذابه لهل الكفر به‪.‬‬

‫س َمْثوَى الْ ُمَت َكبّرِينَ (‪)72‬‬


‫قِيلَ ادْ ُخلُوا َأْبوَابَ َج َهنّمَ خَالِدِينَ فِيهَا َفبِْئ َ‬

‫قيل للجاحدين أن ال هو الله الق إهانة لم وإذلل‪ :‬ادخلوا أبواب جهنم ماكثي فيها أبدًا‪ ,‬ف َقبُح‬
‫مصي التعالي على اليان بال والعمل بشرعه‪.‬‬

‫جّنةِ ُزمَرا َحتّى إِذَا جَاءُوهَا وَُفتِحَتْ َأبْوَابُهَا وَقَالَ َلهُمْ خَ َزَنُتهَا سَل ٌم عََلْيكُمْ‬
‫وَسِيقَ الّذِي َن اّت َقوْا َرّبهُمْ إِلَى الْ َ‬
‫طِْبتُمْ فَادْخُلُوهَا خَاِلدِينَ (‪)73‬‬

‫وسيق الذين اتقوا ربم بتوحيده والعمل بطاعته إل النة جاعات‪ ,‬حت إذا جاؤوها وشُفع لم بدخولا‪،‬‬
‫حيّونم بالبِشر والسرور; لطهارتم من آثار‬
‫فتحت أبوابا‪ ,‬فترحّب بم اللئكة الوكّلون بالنة‪ ,‬ويُ َ‬
‫العاصي قائلي لم‪ :‬سلم عليكم من كل آفة‪ ,‬طابت أحوالكم‪ ,‬فادخلوا النة خالدين فيها‪.‬‬

‫ث نَشَاءُ َفنِعْ مَ أَ ْج ُر اْلعَامِلِيَ (‬


‫جّنةِ َحيْ ُ‬
‫ض نََتَب ّوأُ مِ ْن الْ َ‬
‫صدََقنَا وَعْدَ ُه َوَأوْ َرثَنَا الَرْ َ‬
‫وَقَالُوا الْحَ ْمدُ لِلّ ِه الّذِي َ‬
‫‪)74‬‬

‫وقال الؤمنون‪ :‬المد ل الذي صدَقنا وعده الذي وعدَنا إياه على ألسنة رسله‪ ,‬وأورثَنا أرض النة َننْزِل‬
‫منها ف أيّ مكان شئنا‪ ,‬فنِعم ثواب الحسني الذين اجتهدوا ف طاعة ربم‪.‬‬

‫حمْدِ َرّبهِ ْم وَُقضِيَ َبْيَنهُ ْم بِالْحَقّ وَقِي َل الْحَ ْمدُ لِلّهِ رَبّ‬
‫سبّحُونَ بِ َ‬
‫ش يُ َ‬
‫َوتَرَى الْمَلئِ َكةَ حَافّيَ مِنْ َحوْ ِل اْلعَرْ ِ‬
‫الْعَالَ ِميَ إِلّ (‪)75‬‬

‫وترى‪-‬أيها النب‪ -‬اللئكة ميطي بعرش الرحن‪ ,‬ينهون ربم عن كل ما ل يليق به‪ ,‬وقضى ال سبحانه‬
‫وتعال ب ي اللئق بال ق والعدل‪ ,‬فأ سكن أ هل اليان ال نة‪ ,‬وأ هل الك فر النار‪ ,‬وق يل‪ :‬ال مد ل رب‬
‫العالي على ما قضى به بي أهل النة وأهل النار‪ ,‬حَ ْمدَ فضل وإحسان‪ ,‬وحَمْدَ عدل وحكمة‪.‬‬

‫‪861‬‬
‫‪ -40‬سورة غافر‬

‫حم (‪)1‬‬

‫( حم ) سبق الكلم على الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬

‫تَنِي ُل اْل ِكتَابِ مِنْ اللّ ِه اْلعَزِي ِز اْلعَلِيمِ (‪)2‬‬

‫تنيل القرآن على النب ممد صلى ال عليه وسلم من عند ال‪ -‬ع ّز وجل‪ -‬العزيز الذي قهر بعزته كل‬
‫ملوق‪ ,‬العليم بكل شيء‪.‬‬

‫غَافِرِ ال ّذْنبِ وَقَابِ ِل الّتوْبِ شَدِي ِد اْل ِعقَابِ ذِي ال ّطوْلِ ل إِلَهَ إِلّ ُهوَ إَِليْهِ الْ َمصِيُ (‪)3‬‬

‫غا فر الذ نب للمذ نبي‪ ,‬وقا بل التوب من التائب ي‪ ,‬شد يد العقاب على مَن ت ّرأَ على الذنوب‪ ,‬ول ي تب‬
‫منهها‪ ,‬وههو سهبحانه وتعال صهاحب النعام والتفضّله على عباده الطائعيه‪ ,‬ل معبود تصهلح العبادة له‬
‫سواه‪ ,‬إليه مصي جيع اللئق يوم الساب‪ ,‬فيجازي كل با يستحق‪.‬‬

‫مَا يُجَا ِدلُ فِي آيَاتِ اللّهِ إِ ّل الّذِينَ َكفَرُوا فَل َيغْرُ ْر َك َتقَّلُبهُمْ فِي اْلبِلدِ (‪)4‬‬

‫ما يا صم ف آيات القرآن وأدل ته على وحدان ية ال‪ ,‬ويقابل ها بالبا طل إل الاحدون الذ ين جحدوا أ نه‬
‫الله القه السهتحق للعبادة وحده‪ ,‬فل يغررك ‪-‬أيهها الرسهول‪ -‬ترددههم فه البلد بأنواع التجارات‬
‫والكاسب‪ ,‬ونعيم الدنيا وزهرتا‪.‬‬

‫ب مِ ْن َبعْ ِدهِ مْ َوهَمّ تْ كُلّ ُأمّ ٍة بِرَ سُوِلهِمْ ِلَيأْخُذُو هُ وَجَادَلُوا بِاْلبَاطِلِ‬
‫ح وَالَحْزَا ُ‬
‫كَ ّذبَ تْ َقبَْلهُ مْ َقوْ ُم نُو ٍ‬
‫ِليُدْ ِحضُوا بِ ِه الْحَقّ َفأَخَ ْذُتهُمْ َف َكيْفَ كَانَ ِعقَابِ (‪)5‬‬

‫‪862‬‬
‫كذّ بت ق بل هؤلء الكفار قو ُم نوح ومَن تل هم من ال مم ال ت أعل نت حرب ا على الر سل كعاد وثود‪,‬‬
‫ح يث عزموا على إيذائ هم وتمّعوا علي هم بالتعذ يب أو الق تل‪ ,‬وهّ ت كل أ مة من هذه ال مم الكذ بة‬
‫بر سولم ليقتلوه‪ ,‬وخا صموا بالبا طل؛ ليبطلوا بدال م ال ق فعاَقبْتُ هم‪ ,‬فك يف كان عقا ب إيا هم عبة‬
‫للخلق‪ ,‬وعظة لن يأت بعدهم؟‬

‫ب النّارِ (‪)6‬‬
‫ك عَلَى الّذِينَ َكفَرُوا َأّنهُمْ أَصْحَا ُ‬
‫وَكَذَلِكَ َح ّقتْ كَلِ َمةُ َربّ َ‬

‫وكما حق العقاب على المم السابقة الت كذّبت رسلها‪ ,‬حق على الذين كفروا أنم أصحاب النار‪.‬‬

‫ستَ ْغفِرُونَ ِللّذِي نَ آ َمنُوا َربّنَا‬


‫الّذِي َن يَحْ ِملُو َن اْلعَرْ شَ َومَ نْ َحوْلَ ُه يُ سَبّحُو َن بِحَ ْمدِ َرّبهِ ْم َوُي ْؤمِنُو نَ بِ ِه َويَ ْ‬
‫جحِيمِ (‪)7‬‬ ‫ك وَِقهِ ْم عَذَابَ الْ َ‬ ‫َو ِسعْتَ كُ ّل َشيْءٍ رَحْ َم ًة َوعِلْما فَاغْفِرْ ِللّذِي َن تَابُوا وَاتَّبعُوا َسبِيلَ َ‬

‫الذين يملون عرش الرحن من اللئكة ومَن حول العرش من يف به منهم‪ ,‬ينّهون ال عن كل نقص‪,‬‬
‫ويمَدو نه ب ا هو أ هل له‪ ,‬ويؤمنون به حق اليان‪ ,‬ويطلبون م نه أن يع فو عن الؤمن ي‪ ,‬قائل ي‪ :‬رب نا‬
‫وسعت كل شيء رحة وعلمًا‪ ,‬فاغفر للذين تابوا من الشرك والعاصي‪ ,‬وسلكوا الطريق الذي أمرتم أن‬
‫يسلكوه وهو السلم‪ ,‬و َجّنبْهم عذاب النار وأهوالا‪.‬‬

‫ت اْلعَزِيزُ‬
‫ت عَدْ نٍ اّلتِي َوعَ ْدَتهُم َومَ نْ صََل َح مِ ْن آبَائِهِ ْم َوأَ ْزوَا ِجهِ ْم وَ ُذ ّريّاتِهِ مْ ِإنّ كَ َأنْ َ‬
‫َرّبنَا َوأَدْخِ ْل ُه مْ َجنّا ِ‬
‫حكِيمُ (‪)8‬‬ ‫الْ َ‬

‫ربنا وأدخل الؤمني جنات عدن الت وعدتم‪ ,‬ومَن صلح باليان والعمل الصال من آبائهم وأزواجهم‬
‫وأولدهم‪ .‬إنك أنت العزيز القاهر لكل شيء‪ ,‬الكيم ف تدبيه وصنعه‪.‬‬

‫ك ُه َو اْلفَوْ ُز اْلعَظِيمُ (‪)9‬‬


‫ت َي ْومَئِذٍ َفقَدْ رَحِ ْمتَ ُه وَذَلِ َ‬
‫ت َومَ ْن تَقِ السّّيئَا ِ‬
‫سيّئَا ِ‬
‫وَِقهِمْ ال ّ‬

‫واصرف عنهم سوء عاقبة سيئاتم‪ ,‬فل تؤاخذهم با‪ ,‬ومن تصْرِف عنه السيئات يوم الساب فقد‬
‫رحته‪ ,‬وأنعمت عليه بالنجاة من عذابك‪ ,‬وذلك هو ال ّظفَر العظيم الذي ل فوز مثله‪.‬‬

‫‪863‬‬
‫سكُمْ إِ ْذ تُ ْد َع ْونَ إِلَى الِيَانِ َفَت ْكفُرُونَ (‪)10‬‬
‫ِإنّ الّذِينَ َكفَرُوا يُنَا َد ْونَ لَ َم ْقتُ اللّهِ أَكْبَ ُر مِ ْن َم ْقِتكُمْ َأنْفُ َ‬

‫إن الذين جحدوا أن ال هو الله الق وصرفوا العبادة لغيه عندما يعاينون أهوال النار بأنفسهم‪ ,‬يَ ْمقُتون‬
‫أنفسهم أشد القت‪ ,‬وعند ذلك يناديهم خزنة جهنم‪ :‬لَمقت ال لكم ف الدنيا‪ -‬حي طلب منكم اليان‬
‫به واتباع رسله‪ ,‬فأبيتم‪ -‬أكب من بغضكم لنفسكم الن‪ ,‬بعد أن أدركتم أنكم تستحقون سخط ال‬
‫وعذابه‪.‬‬

‫ج مِ ْن َسبِيلٍ (‪)11‬‬
‫قَالُوا َربّنَا َأ َمتّنَا اثَْنَتيْ ِن َوأَ ْحيَْيَتنَا اْثنََتيْنِ فَا ْعتَرَ ْفنَا بِ ُذنُوِبنَا َفهَلْ إِلَى ُخرُو ٍ‬

‫قال الكافرون‪ :‬ربنا أمتّنا مرتي‪ :‬حي كنا ف بطون أمهاتنا نُ َطفًا قبل نفخ الروح‪ ,‬وحي انقضى أجلُنا ف‬
‫الياة الدنيا‪ ,‬وأحييتنا مرتي‪ :‬ف دار الدنيا‪ ,‬يوم وُلِدْنا‪ ,‬ويوم ُبعِثنا من قبورنا‪ ,‬فنحن الن ُنقِ ّر بأخطائنا‬
‫السابقة‪ ،‬فهل لنا من طريق نرج به من النار‪ ,‬وتعيدنا به إل الدنيا؛ لنعمل بطاعتك؟ ولكن هيهات أن‬
‫ينفعهم هذا العتراف‪.‬‬

‫حكْمُ لِلّ ِه اْلعَِل ّي الْ َكبِيِ (‪)12‬‬


‫ش َركْ بِ ِه ُت ْؤمِنُوا فَاْل ُ‬
‫ذَِلكُ ْم ِبَأنّهُ إِذَا ُدعِيَ اللّ ُه وَحْ َدهُ َكفَ ْرتُ ْم َوِإنْ يُ ْ‬

‫ذلكم العذاب الذي لكم‪ -‬أيها الكافرون‪ -‬بسبب أنكم كنتم إذا دُعيتم لتوحيد ال وإخلص العمل له‬
‫كفرت به‪ ,‬وإن يُجْعل ل شريك ُتصَدّقوا به وتتبعوه‪ .‬فال سبحانه وتعال هو الاكم ف خلقه‪ ,‬العادل‬
‫الذي ل يور‪ ,‬يهدي من يشاء ويضل من يشاء‪ ،‬ويرحم مَن يشاء ويعذب مَن يشاء‪ ,‬ل إله إل هو الذي‬
‫له علو الذات والقَدْر والقهر‪ ,‬وله الكبياء والعظمة‪.‬‬

‫ُهوَ الّذِي يُرِيكُ ْم آيَاتِهِ َويُنَزّلُ َلكُمْ مِنْ السّمَاءِ رِزْقا َومَا َيتَذَكّرُ إِ ّل مَ ْن ُينِيبُ (‪)13‬‬

‫هو الذي يُ ْظهِر لكم‪ -‬أيها الناس‪ -‬قدرته با تشاهدونه من اليات العظيمة الدالة على كمال خالقها‬
‫ومبدعها‪ ,‬وُينَزّل لكم من السماء مطرًا تُرزَقون به‪ ,‬وما يتذكر بذه اليات إل مَن يرجع إل طاعة ال‪,‬‬
‫ويلص له العبادة‪.‬‬

‫‪864‬‬
‫فَا ْدعُوا اللّ َه ُمخِْلصِيَ لَهُ الدّي َن وََلوْ كَ ِر َه الْكَافِرُونَ (‪)14‬‬

‫فأخلصوا‪ -‬أيها الؤمنون‪ -‬ل وحده العبادة والدعاء‪ ,‬وخالفوا الشركي ف مسلكهم‪ ,‬ولو أغضبهم‬
‫ذلك‪ ,‬فل تبالوا بم‪.‬‬

‫ح مِنْ َأمْ ِرهِ عَلَى مَ ْن يَشَا ُء مِ ْن ِعبَا ِدهِ ِليُنْذِ َر َي ْو َم التّلقِي (‪)15‬‬
‫ش يُ ْلقِي الرّو َ‬
‫رَفِيعُ الدّ َرجَاتِ ذُو اْلعَ ْر ِ‬

‫إن ال هو العل ّي العلى الذي ارتفعت درجاته ارتفاعًا باين به ملوقاته‪ ,‬وارتفع به َقدْره‪ ,‬وهو صاحب‬
‫العرش العظيم‪ ,‬ومن رحته بعباده أن يرسل إليهم رسل يلقي إليهم الوحي الذي ييون به‪ ,‬فيكونون على‬
‫بصية من أمرهم؛ لتخوّف الرسل عباد ال‪ ,‬وتنذرهم يوم القيامة الذي يلتقي فيه الولون والخرون‪.‬‬

‫ك اْليَ ْومَ لِلّ ِه اْلوَاحِ ِد اْلقَهّارِ (‪)16‬‬


‫خفَى عَلَى اللّ ِه ِمْنهُ ْم شَيْءٌ لِ َم ْن الْمُلْ ُ‬
‫َي ْومَ هُ ْم بَارِزُو َن ل يَ ْ‬

‫يوم القيامة تظهر اللئق أمام ربم‪ ,‬ل يفى على ال منهم ول مِن أعمالم الت عملوها ف الدنيا شيء‪,‬‬
‫يقول ال سبحانه‪ :‬لن اللك والتصرف ف هذا اليوم؟ فيجيب نفسه‪ :‬ل التفرد بأسائه وصفاته وأفعاله‪,‬‬
‫القهّار الذي قهر جيع اللئق بقدرته وعزته‪.‬‬

‫سَبتْ ل ظُ ْل َم الَْي ْومَ ِإنّ اللّ َه سَرِي ُع الْحِسَابِ (‪)17‬‬


‫س بِمَا كَ َ‬
‫الَْي ْو َم تُجْزَى ُك ّل َنفْ ٍ‬

‫اليوم تثاب كل نفس با كسبت ف الدنيا من خي وشر‪ ,‬ل ظلم لحد اليوم بزيادة ف سيئاته أو نقص‬
‫من حسناته‪ .‬إن ال سبحانه وتعال سريع الساب‪ ,‬فل تستبطئوا ذلك اليوم؛ فإنه قريب‪.‬‬

‫ي مِنْ حَمِي ٍم وَل َشفِي ٍع يُطَاعُ (‪)18‬‬


‫ي مَا لِلظّاِلمِ َ‬
‫حنَا ِجرِ كَاظِمِ َ‬
‫َوأَنذِ ْرهُ ْم َيوْمَ الزَِفةِ إِ ْذ اْلقُلُوبُ لَدَى الْ َ‬

‫وحذّر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬الناس من يوم القيامة القريب‪ ,‬وإن استبعدوه‪ ,‬إذ قلوب العباد مِن مافة عقاب ال‬
‫قد ارتفعت من صدورهم‪ ,‬فتعلقت بلوقهم‪ ,‬وهم متلئون غمّا وحزنًا‪ .‬ما للظالي من قريب ول‬
‫صاحب‪ ,‬ول شفيع يشفع لم عند ربم‪ ,‬فيستجاب له‪.‬‬

‫‪865‬‬
‫خفِي الصّدُورُ (‪)19‬‬
‫َيعْلَمُ خَاِئَن َة الَ ْعيُ ِن َومَا تُ ْ‬

‫يعلم ال سبحانه ما تتلسه العيون من نظرات‪ ,‬وما يضمره النسان ف نفسه من خي أو شر‪.‬‬

‫شيْءٍ ِإنّ اللّ َه ُهوَ السّمِي ُع اْلَبصِيُ (‪)20‬‬


‫وَاللّ ُه َيقْضِي بِاْلحَ ّق وَالّذِينَ يَ ْدعُونَ مِنْ دُونِ ِه ل َيقْضُونَ بِ َ‬

‫وال سبحانه يقضي بي الناس بالعدل فيما يستحقونه‪ ,‬والذين يُعبدون من دون ال من اللة ل يقضون‬
‫بشيء؛ لعجزهم عن ذلك‪ .‬إن ال هو السميع لا تنطق به ألسنتكم‪ ,‬البصي بأفعالكم وأعمالكم‪،‬‬
‫وسيجازيكم عليها‪.‬‬

‫َأوَ َل ْم يَ سِيُوا فِي الَرْ ضِ َفيَنظُرُوا َكيْ فَ كَا َن عَاِقَبةُ الّذِي نَ كَانُوا مِ نْ َقبِْلهِ مْ كَانُوا هُ مْ َأشَدّ ِمْنهُ مْ ُق ّوةً‬
‫وَآثَارا فِي الَ ْرضِ َفأَخَ َذهُمْ اللّ ُه بِ ُذنُوبِهِ ْم َومَا كَانَ َلهُ ْم مِنْ اللّ ِه مِ ْن وَاقٍ (‪)21‬‬

‫أول يَسِ ْر هؤلء الكذبون برسالتك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ف الرض‪ ،‬فينظروا كيف كان خاتة المم السابقة‬
‫قبلهم؟ كانوا أشد منهم بطشًا‪ ,‬وأبقى ف الرض آثارًا‪ ,‬فلم تنفعهم شدة قواهم وعِظَم أجسامهم‪,‬‬
‫فأخذهم ال بعقوبته؛ بسبب كفرهم واكتسابم الثام‪ ,‬وما كان لم من عذاب ال من واق يقيهم منه‪,‬‬
‫فيدفعه عنهم‪.‬‬

‫ي شَدِي ُد اْل ِعقَابِ (‪)22‬‬


‫ت تَ ْأتِيهِمْ ُرسُُلهُ ْم بِاْلَبيّنَاتِ َف َكفَرُوا َفأَ َخ َذهُمْ اللّهُ ِإنّهُ َقوِ ّ‬
‫ك ِبَأّنهُمْ كَاَن ْ‬
‫ذَلِ َ‬

‫ذلك العذاب الذي حلّ بالكذبي السابقي‪ ,‬كان بسبب موقفهم من رسل ال الذين جاؤوا بالدلئل‬
‫القاطعة على صدق دعواهم‪ ,‬فكفروا بم‪ ,‬وكذّبوهم‪ ,‬فأخذهم ال بعقابه‪ ,‬إنه سبحانه قوي ل يغلبه‬
‫أحد‪ ,‬شديد العقاب لن كفر به وعصاه‪.‬‬

‫وََلقَدْ أَ ْرسَ ْلنَا مُوسَى بِآيَاِتنَا َوسُلْطَانٍ مُبِيٍ (‪)23‬‬

‫ولقد أرسلنا موسى بآياتنا العظيمة الدالة على حقيقة ما أُرسل به‪ ,‬وحجة واضحة بيّنة على صدقه ف‬
‫دعوته‪ ,‬وبطلن ما كان عليه مَن أُرسل إليهم‪.‬‬

‫‪866‬‬
‫إِلَى ِف ْر َعوْ َن َوهَامَانَ وَقَارُونَ َفقَالُوا سَاحِرٌ كَذّابٌ (‪)24‬‬

‫إل فرعون ملك "مصر"‪ ,‬وهامان وزيره‪ ,‬وقارون صاحب الموال والكنوز‪ ,‬فأنكروا رسالته واستكبوا‪,‬‬
‫وقالوا عنه‪ :‬إنه ساحر كذاب‪ ,‬فكيف يزعم أنه أُرسِل للناس رسول؟‬

‫حيُوا نِ سَا َءهُ ْم َومَا َكيْ ُد اْلكَافِرِي نَ إِلّ‬


‫حقّ مِ ْن عِنْ ِدنَا قَالُوا ا ْقتُلُوا َأْبنَاءَ الّذِي نَ آ َمنُوا َمعَ ُه وَا ْستَ ْ‬
‫فََلمّا جَا َءهُ ْم بِالْ َ‬
‫فِي ضَللٍ (‪)25‬‬

‫فلما جاء موسى فرعون وهامان وقارون بالعجزات الظاهرة مِن عندنا‪ ,‬ل يكتفوا بعارضتها وإنكارها‪,‬‬
‫بل قالوا‪ :‬اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه‪ ,‬واستبقوا نساءهم للخدمة والسترقاق‪ .‬وما تدبي أهل الكفر إل ف‬
‫ذَهاب وهلك‪.‬‬

‫ض اْلفَ سَادَ‬
‫وَقَالَ ِف ْرعَوْ نُ ذَرُونِي أَ ْقتُ ْل مُو سَى وَْليَدْ عُ َربّ هُ ِإنّي أَخَا فُ أَ ْن يُبَدّلَ دِيَنكُ مْ َأوْ أَ نْ يُ ْظ ِهرَ فِي الَرْ ِ‬
‫(‪)26‬‬

‫وقال فرعون لشراف قومه‪ :‬اتركون أقتل موسى‪ ,‬وليدع ربه الذي يزعم أنه أرسله إلينا‪ ,‬فيمنعه منا‪ ,‬إن‬
‫أخاف أن ُيبَدّل دينكم الذي أنتم عليه‪ ,‬أو أن يُ ْظهِر ف أرض "مصر" الفساد‪.‬‬

‫ت بِ َربّي وَ َربّكُ ْم مِنْ ُك ّل ُمتَ َكبّ ٍر ل ُي ْؤمِنُ ِبَي ْومِ الْحِسَابِ (‪)27‬‬
‫وَقَا َل مُوسَى ِإنّي عُذْ ُ‬

‫وقال موسى لفرعون وملئه‪ :‬إن استجرت برب وربكم‪ -‬أيها القوم‪ -‬من كل مستكب عن توحيد ال‬
‫وطاعته‪ ,‬ل يؤمن بيوم ياسب ال فيه خلقه‪.‬‬

‫ت مِ ْن‬‫وَقَالَ َرجُ ٌل ُم ْؤمِ ٌن مِ نْ آلِ فِ ْر َعوْ َن َيكْتُ مُ إِيَانَ هُ َأَت ْقتُلُو نَ رَ ُجلً أَ ْن َيقُولَ َربّي اللّ ُه وَقَدْ جَاءَكُ ْم بِاْلَبّينَا ِ‬
‫َرّبكُ ْم َوإِ ْن يَ كُ كَاذِبا َفعََليْ هِ كَ ِذبُ ُه َوإِ ْن يَ كُ صَادِقا يُ صِْبكُ ْم َبعْ ضُ الّذِي َيعِدُكُ مْ ِإنّ اللّ َه ل َيهْدِي مَ ْن ُهوَ‬
‫مُسْرِفٌ كَذّابٌ (‪)28‬‬

‫‪867‬‬
‫وقال رجل مؤمن بال من آل فرعون‪ ,‬يكتم إيانه منكرًا على قومه‪ :‬كيف تستحلون َقتْلَ رجل ل جرم‬
‫له عندكم إل أن يقول رب ال‪ ,‬وقد جاءكم بالباهي القاطعة مِن ربكم على صِدْق ما يقول؟ فإن يك‬
‫موسى كاذبًا فإنّ وبالَ كذبه عائد عليه وحده‪ ,‬وإن يك صادقًا لقكم بعض الذي يتوعّدكم به‪ ,‬إن ال‬
‫ل يوفق للحق مَن هو متجاوز للحد‪ ,‬بترك الق والقبال على الباطل‪ ,‬كذّاب بنسبته ما أسرف فيه إل‬
‫ال‪.‬‬

‫يَا َقوْ مِ َلكُ ْم الْمُلْ كُ الَْيوْ َم ظَاهِرِي نَ فِي الَرْ ضِ َفمَ ْن يَن صُ ُرنَا مِ ْن َبأْ سِ اللّ هِ إِ نْ جَا َءنَا قَالَ ِف ْر َعوْ نُ مَا أُرِيكُ مْ‬
‫إِلّ مَا أَرَى َومَا َأهْدِيكُمْ إِلّ َسبِيلَ ال ّرشَادِ (‪)29‬‬

‫يا قوم لكم السلطان اليوم ظاهرين ف أرض "مصر " على رعيتكم من بن إسرائيل وغيهم‪ ,‬فمَن يدفع‬
‫عنا عذاب ال إن حلّ بنا؟ قال فرعون لقومه ميبًا‪ :‬ما أريكم‪ -‬أيها الناس‪ -‬من الرأي والنصيحة إل ما‬
‫أرى لنفسي ولكم صلحًا وصوابًا‪ ,‬وما أدعوكم إل إل طريق الق والصواب‪.‬‬

‫ف عََلْيكُ ْم ِمثْلَ َي ْو ِم الَحْزَابِ (‪)30‬‬


‫وَقَا َل الّذِي آمَ َن يَا َق ْومِ ِإنّي أَخَا ُ‬

‫وقال الرجل الؤمن من آل فرعون لفرعون وملئه واعظًا ومذرًا‪ :‬إن أخاف عليكم إن قتلتم موسى‪ ,‬مثل‬
‫يوم الحزاب الذين تزّبوا على أنبيائهم‪.‬‬

‫ح َوعَا ٍد َوثَمُو َد وَالّذِي َن مِ ْن َبعْ ِدهِمْ َومَا اللّ ُه يُرِي ُد ظُلْما لِ ْل ِعبَادِ (‪)31‬‬
‫ِمثْلَ َدأْبِ َق ْومِ نُو ٍ‬

‫مثلَ عادة قوم نوح وعاد وثود ومَن جاء بعدهم ف الكفر والتكذيب‪ ,‬أهلكهم ال بسبب ذلك‪ .‬وما ال‬
‫سبحانه يريد ظلمًا للعباد‪ ,‬فيعذبم بغي ذنب أذنبوه‪ .‬تعال ال عن الظلم والنقص علوًا كبيًا‪.‬‬

‫ف عََليْكُ ْم َي ْو َم الّتنَادِ (‪)32‬‬


‫َويَا َق ْومِ ِإنّي أَخَا ُ‬

‫ويا قوم إن أخاف عليكم عقاب يوم القيامة‪ ،‬يوم ينادي فيه بعض الناس بعضًا; من هول الوقف ذلك‬
‫اليوم‪.‬‬

‫‪868‬‬
‫َي ْومَ ُتوَلّو َن مُ ْدبِرِي َن مَا َلكُ ْم مِنْ اللّ ِه مِ ْن عَاصِ ٍم َومَ ْن ُيضْلِلْ اللّهُ َفمَا لَ ُه مِ ْن هَادٍ (‪)33‬‬

‫يوم تولون ذاهبي هاربي‪ ,‬ما لكم من ال من مانع ينعكم وناصر ينصركم‪ .‬ومَن يذله ال ول يوفقه إل‬
‫رشده‪ ,‬فما له من هاد يهديه إل الق والصواب‪.‬‬

‫ف مِ نْ َقبْ ُل بِاْلبَّينَا تِ فَمَا زِْلتُ مْ فِي شَكّ مِمّا جَاءَكُ ْم بِ هِ َحتّى ِإذَا هَلَ كَ ُق ْلتُ مْ لَ ْن َيْبعَ ثَ‬
‫وََلقَدْ جَاءَكُ ْم يُو سُ ُ‬
‫ف مُ ْرتَابٌ (‪)34‬‬
‫سرِ ٌ‬‫ك ُيضِلّ اللّ ُه مَ ْن ُهوَ مُ ْ‬ ‫اللّ ُه مِ ْن َبعْ ِدهِ َرسُولً كَذَلِ َ‬

‫ولقد أرسل ال إليكم النبّ الكري يوسف بن يعقوب عليهما السلم من قبل موسى‪ ,‬بالدلئل الواضحة‬
‫على صدقه‪ ,‬وأمركم بعبادة ال وحده ل شريك له‪ ,‬فما زلتم مرتابي ما جاءكم به ف حياته‪ ,‬حت إذا‬
‫مات ازداد شككم وشرككم‪ ,‬وقلتم ‪ :‬إن ال لن يرسل من بعده رسول ‪ ،‬مثل ذلك الضلل يُضِلّ ال‬
‫كل متجاوز للحق‪ ,‬شاكّ ف وحدانية ال تعال‪ ,‬فل يوفقه إل الدى والرشاد‪.‬‬

‫ك يَ ْطبَ عُ اللّ هُ‬


‫الّذِي َن يُجَادِلُو نَ فِي آيَا تِ اللّ ِه ِب َغيْرِ سُلْطَانٍ َأتَاهُ مْ َكبُ َر َمقْتا عِنْدَ اللّ ِه َو ِعنْ َد الّذِي نَ آ َمنُوا كَذَلِ َ‬
‫ب ُمتَ َكبّرٍ َجبّارٍ (‪)35‬‬ ‫عَلَى كُلّ قَ ْل ِ‬

‫الذين ياصمون ف آيات ال وحججه لدفعها من غي أن يكون لديهم حجة مقبولة‪َ ,‬كبُر ذلك الدال‬
‫جبَ عن الدى قلوب هؤلء الخاصمي‪ ,‬يتم‬ ‫مقتًا عند ال وعند الذين آمنوا‪ ,‬كما َختَم بالضلل و َح َ‬
‫ال على قلب كل مستكب عن توحيد ال وطاعته‪ ,‬جبار بكثرة ظلمه وعدوانه‪.‬‬

‫ب السّ َموَاتِ َفَأطّلِعَ إِلَى إِلَ ِه مُوسَى‬‫وَقَالَ ِف ْرعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْ نِ لِي صَرْحا َلعَلّي َأبُْل ُغ الَ ْسبَابَ (‪ )36‬أَ ْسبَا َ‬
‫ص ّد عَ ْن ال سّبِي ِل َومَا َكيْدُ ِف ْر َعوْ نَ إِلّ فِي َتبَا بٍ (‬
‫َوإِنّي لَ ُظنّ هُ كَاذِبا وَكَذَلِ كَ ُزيّ نَ ِلفِ ْر َعوْ نَ سُو ُء عَمَلِ ِه وَ ُ‬
‫‪)37‬‬

‫وقال فرعون مك ّذبًا لوسى ف دعوته إل القرار برب العالي والتسليم له‪ :‬يا هامان ابْنِ ل بنًاء عظيمًا;‬
‫لعلي أبلغ أبواب السموات وما يوصلن إليها‪ ,‬فأنظر إل إله موسى بنفسي‪ ,‬وإن لظن موسى كاذبًا ف‬
‫ص ّد عن سبيل‬‫دعواه أن لنا ربًا‪ ,‬وأنه فوق السموات‪ ,‬وهكذا ُزيّن لفرعون عمله السيّئ فرآه حسنًا‪ ,‬و ُ‬

‫‪869‬‬
‫الق؛ بسبب الباطل الذي ُزيّن له‪ ,‬وما احتيال فرعون وتدبيه ليهام الناس أنه مق‪ ,‬وموسى مبطل إل‬
‫ف خسار وبوار‪ ,‬ل يفيده إل الشقاء ف الدنيا والخرة‪.‬‬

‫وَقَا َل الّذِي آمَ َن يَا َق ْومِ اّتِبعُونِي َأهْدِكُ ْم َسبِيلَ ال ّرشَادِ (‪)38‬‬

‫وقال الذي آمن معيدًا نصيحته لقومه ‪ :‬يا قوم اتبعون أهدكم طريق الرشد والصواب‪.‬‬

‫ع َوإِنّ الخِ َر َة ِهيَ دَا ُر الْقَرَارِ (‪)39‬‬


‫حيَاةُ ال ّدْنيَا مَتَا ٌ‬
‫يَا َق ْومِ ِإنّمَا هَ ِذ ِه الْ َ‬

‫يا قوم إن هذه الياة الدنيا حياة يتنعّم الناس فيها قليل ث تنقطع وتزول‪ ,‬فينبغي أل تَرْكَنوا إليها‪ ,‬وإن‬
‫الدار الخرة با فيها من النعيم القيم هي مل القامة الت تستقرون فيها‪ ,‬فينبغي لكم أن تؤثروها‪,‬‬
‫وتعملوا لا العمل الصال الذي يُسعِدكم فيها‪.‬‬

‫جزَى إِ ّل مِثْلَهَا َومَ ْن عَمِلَ صَالِحا مِ نْ ذَكَرٍ َأوْ ُأنْثَى َو ُهوَ ُم ْؤمِ نٌ َفُأوَْلئِ كَ يَ ْدخُلُو نَ‬
‫مَ ْن عَ ِملَ َسّيَئةً فَل يُ ْ‬
‫جّنةَ ُيرْزَقُونَ فِيهَا ِبغَيْرِ حِسَابٍ (‪)40‬‬ ‫الْ َ‬

‫من عصى ال ف حياته وانرف عن طريق الدى‪ ,‬فل يُجْزى ف الخرة إل عقابًا يساوي معصيته‪ ,‬ومَن‬
‫أطاع ال وعمل صالًا بامتثال أوامره واجتناب نواهيه‪ ,‬ذكرًا كان أو أنثى‪ ,‬وهو مؤمن بال موحد له‪,‬‬
‫فأولئك يدخلون النة‪ ,‬يرزقهم ال فيها من ثارها ونعيمها ولذاتا بغي حساب‪.‬‬

‫َويَا َق ْو ِم مَا لِي أَ ْدعُوكُمْ إِلَى النّجَاةِ َوتَ ْدعُونَنِي إِلَى النّارِ (‪)41‬‬

‫ويا قوم كيف أدعوكم إل اليان بال واتباع رسوله موسى‪ ,‬وهي دعوة تنتهي بكم إل النة والبعد عن‬
‫أهوال النار‪ ,‬وأنتم تدعونن إل عمل يؤدي إل عذاب ال وعقوبته ف النار؟‬

‫تَ ْدعُوَننِي لَ ْكفُ َر بِاللّ ِه َوُأشْ ِر َك بِ ِه مَا َلْيسَ لِي بِهِ عِ ْل ٌم َوَأنَا َأ ْدعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْ َغفّارِ (‪)42‬‬

‫‪870‬‬
‫تدعونن لكفر بال‪ ,‬وأشرك به ما ليس ل به علم أنه يستحق العبادة من دونه‪ -‬وهذا من أكب الذنوب‬
‫وأقبحها‪ -‬وأنا أدعوكم إل الطريق الوصل إل ال العزيز ف انتقامه‪ ,‬الغفار لن تاب إليه بعد معصيته‪.‬‬

‫ي هُ مْ‬
‫ل َجرَ مَ َأنّمَا تَ ْدعُوَننِي إَِليْ هِ َليْ سَ لَ هُ َد ْع َوةٌ فِي ال ّدْنيَا وَل فِي الخِ َر ِة َوأَنّ مَ َر ّدنَا إِلَى اللّ ِه َوأَنّ الْمُ سْرِِف َ‬
‫ب النّارِ (‪)43‬‬ ‫أَصْحَا ُ‬

‫حقًا أن ما تدعونن إل العتقاد به ل يستحق الدعوة إليه‪ ,‬ول يُلجأ إليه ف الدنيا ول ف الخرة لعجزه‬
‫ونقصه‪ ,‬واعلموا أن مصي اللئق كلها إل ال سبحانه‪ ,‬وهو يازي كل عامل بعمله‪ ,‬وأن الذين تعدّوا‬
‫حدوده بالعاصي وسفك الدماء والكفر هم أهل النار‪.‬‬

‫ستَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ َلكُ ْم َوأَُف ّوضُ َأمْرِي إِلَى اللّهِ ِإنّ اللّ َه َبصِ ٌي بِاْلعِبَادِ (‪)44‬‬
‫فَ َ‬

‫فلما نصحهم ول يطيعوه قال لم‪ :‬فستذكرون أن نصحت لكم وذكّرتكم‪ ,‬وسوف تندمون حيث ل‬
‫ينفع الندم‪ ,‬وألأ إل ال‪ ,‬وأعتصم به‪ ,‬وأتوكل عليه‪ .‬إن ال سبحانه وتعال بصي بأحوال العباد‪ ,‬وما‬
‫يستحقونه من جزاء‪ ,‬ل يفى عليه شيء منها‪.‬‬

‫ق بِآلِ فِ ْر َع ْونَ سُو ُء اْلعَذَابِ (‪)45‬‬


‫ت مَا مَكَرُوا وَحَا َ‬
‫َفوَقَاهُ اللّ ُه َسّيئَا ِ‬

‫فوقى ال سبحانه ذلك الرجل الؤمن الوفّق عقوبات مكر فرعون وآله‪ ,‬وح ّل بم سوء العذاب حيث‬
‫أغرقهم ال عن آخرهم‪.‬‬

‫شيّا َوَي ْومَ تَقُومُ السّا َعةُ أَدْ ِخلُوا آلَ فِ ْر َعوْنَ َأشَ ّد اْلعَذَابِ (‪)46‬‬ ‫النّا ُر ُيعْرَضُو َن عََلْيهَا غُ ُدوّا َوعَ ِ‬
‫ر‬
‫ض َعفَاءُ ِللّذِي َن ا سَْت ْكبَرُوا ِإنّا ُكنّا َلكُ ْم َتبَعا َفهَلْ َأنْتُ ْم ُم ْغنُو َن َعنّا نَ صِيبا مِ نْ‬
‫َوإِ ْذ َيتَحَاجّو نَ فِي النّارِ َفَيقُولُ ال ّ‬
‫النّارِ (‪)47‬‬

‫‪871‬‬
‫وإذ يتخاصم أهل النار‪ ,‬ويعاتب بعضهم بعضًا‪ ,‬فيحت ّج التباع القلدون على رؤسائهم الستكبين الذين‬
‫أضلّوهم‪ ,‬وزيّنوا لم طريق الشقاء‪ ,‬قائلي لم‪ :‬هل أنتم مغنون عنا نصيبًا من النار بتحملكم قسطًا من‬
‫عذابنا؟‬

‫قَا َل الّذِي َن ا ْستَ ْكبَرُوا ِإنّا كُلّ فِيهَا إِنّ اللّهَ قَدْ َحكَ َم َبيْنَ اْل ِعبَادِ (‪)48‬‬

‫قال الرؤساء الستكبون مبيّني عجزهم‪ :‬ل نتحمل عنكم شيئًا من عذاب النار‪ ,‬وكلّنا فيها‪ ,‬ل خلصَ‬
‫لنا منها‪ ,‬إن ال قد قسم بيننا العذاب بقَدْر ما يستحق ك ّل منا بقضائه العادل‪.‬‬

‫ف َعنّا َيوْما مِ ْن اْلعَذَابِ (‪)49‬‬


‫خفّ ْ‬
‫وَقَا َل الّذِينَ فِي النّارِ ِلخَ َزَنةِ َج َهنّمَ ا ْدعُوا َرّبكُ ْم يُ َ‬

‫ف عنا يومًا واحدًا من‬


‫خفّ ْ‬
‫وقال الذين ف النار من الستكبين والضعفاء لزنة جهنم‪ :‬ادعوا ربكم يُ َ‬
‫العذاب؛ كي تصل لنا بعض الراحة‪.‬‬

‫ك َتأْتِيكُمْ ُرسُُلكُ ْم بِاْلَبيّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَا ْدعُوا َومَا ُدعَاءُ اْلكَافِرِينَ إِلّ فِي ضَللٍ (‪)50‬‬
‫قَالُوا َأوَ لَ ْم تَ ُ‬

‫قال خزنة جهنم لم توبيخًا‪ :‬هذا الدعاء ل ينفعكم ف شيء‪ ,‬أول تأتكم رسلكم بالجج الواضحة من‬
‫ال فكذبتموهم؟ فاعترف الاحدون بذلك وقالوا‪ :‬بلى‪ .‬فتبأ خزنة جهنم منهم وقالوا‪ :‬نن ل ندعو‬
‫لكم‪ ,‬ول نشفع فيكم‪ ,‬فادعوا أنتم‪ ,‬ولكن هذا الدعاء ل يغن شيئًا؛ لنكم كافرون‪ .‬وما دعاء الكافرين‬
‫إل ف ضياع ل يُقبل‪ ,‬ول يُستجاب‪.‬‬

‫حيَاةِ ال ّدنْيَا َوَي ْومَ َيقُومُ ا َل ْشهَادُ (‪)51‬‬


‫ِإنّا َلنَنصُرُ ُرسَُلنَا وَالّذِينَ آ َمنُوا فِي الْ َ‬

‫إنّا لننصر رسلنا ومَن تبعهم من الؤمني‪ ,‬ونؤيدهم على مَن آذاهم ف حياتم الدنيا‪ ,‬ويوم القيامة‪ ,‬يوم‬
‫تشهد فيه اللئكة والنبياء والؤمنون على المم الت كذّبت رسلها‪ ,‬فتشهد بأن الرسل قد بلّغوا‬
‫رسالت ربم‪ ,‬وأن المم كذّبتهم‪.‬‬

‫‪872‬‬
‫ي َمعْذِ َرُتهُ ْم وََلهُمْ الّل ْعَنةُ وََلهُ ْم سُوءُ الدّارِ (‪)52‬‬
‫َي ْومَ ل يَنفَعُ الظّالِمِ َ‬

‫يوم الساب ل ينتفع الكافرون الذين تعدّوا حدود ال با يقدّمونه من عذر لتكذيبهم رسل ال‪ ,‬ولم‬
‫الطرد من رحة ال‪ ,‬ولم الدار السيئة ف الخرة‪ ,‬وهي النار‪.‬‬

‫وََلقَ ْد آتَْينَا مُوسَى اْلهُدَى َوَأوْرَْثنَا َبنِي ِإسْرَائِي َل اْلكِتَابَ (‪ )53‬هُدًى وَذِ ْكرَى لُولِي الَلْبَابِ (‪)54‬‬

‫ولقد آتينا موسى ما يهدي إل الق من التوراة والعجزات‪ ,‬وجعلنا بن إسرائيل يتوارثون التوراة خلفًا‬
‫عن سلف‪ ,‬هادية إل سبيل الرشاد‪ ,‬وموعظة لصحاب العقول السليمة‪.‬‬

‫شيّ وَا ِلبْكَارِ (‪)55‬‬


‫ك بِاْلعَ ِ‬
‫حمْدِ َربّ َ‬
‫ك َوسَبّ ْح بِ َ‬
‫صبِرْ ِإ ّن وَعْدَ اللّهِ حَ ّق وَاسَْت ْغفِرْ لِ َذْنبِ َ‬
‫فَا ْ‬

‫فاصب ‪-‬أيها الرسول‪ -‬على أذى الشركي‪ ,‬فقد وعدناك بإعلء كلمتك‪ ,‬ووعْدُنا حق ل يتخلف‪,‬‬
‫واستغفر لذنبك‪ ,‬و ُدمْ على تنيه ربك عمّا ل يليق به‪ ,‬ف آخر النهار وأوله‪.‬‬

‫صدُو ِرهِمْ إِلّ ِكبْ ٌر مَا هُ ْم ِببَاِلغِيهِ فَا ْسَتعِ ْذ بِاللّهِ‬


‫ِإنّ الّذِي َن يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللّ ِه ِب َغيْرِ سُلْطَانٍ َأتَاهُمْ إِنْ فِي ُ‬
‫ِإنّهُ ُهوَ السّمِي ُع الَْبصِيُ (‪)56‬‬

‫شبَه الفاسدة بل برهان ول حجة من ال‪،‬‬ ‫إن الذين يدفعون الق بالباطل‪ ،‬ويردّون الجج الصحيحة بال ّ‬
‫ليس ف صدور هؤلء إل تكب عن الق؛ حسدًا منهم على الفضل الذي آتاه ال نبيه‪ ،‬وكرامة النبوة الت‬
‫أكرمه با‪ ،‬وهو أمر ليسوا بدركيه ول نائليه‪ ,‬فاعتصم بال من شرهم؛ إنه هو السميع لقوالم‪ ,‬البصي‬
‫بأفعالم‪ ،‬وسيجازيهم عليها‪.‬‬

‫س ل َيعْلَمُونَ (‪)57‬‬
‫س وََلكِنّ أَكْثَ َر النّا ِ‬
‫خلْقُ السّ َموَاتِ وَالَ ْرضِ أَكْبَ ُر مِنْ خَ ْل ِق النّا ِ‬
‫لَ َ‬

‫خلْق ال السموات والرض أكب من خَلْق الناس وإعادتم بعد موتم‪ ,‬ولكن أكثر الناس ل يعلمون أن‬
‫لَ َ‬
‫خلق جيع ذلك هيّن على ال‪.‬‬

‫‪873‬‬
‫ل مَا تَتَذَكّرُونَ (‪)58‬‬
‫ت وَل الْمُسِيءُ قَلِي ً‬
‫َومَا يَسَْتوِي الَعْمَى وَالَْبصِيُ وَالّذِينَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا الصّالِحَا ِ‬

‫وما يستوي العمى والبصي‪ ,‬وكذلك ل يستوي الؤمنون الذين ُيقِرّون بأن ال هو الله الق ل شريك‬
‫له‪ ،‬ويستجيبون لرسله ويعملون بشرعه‪ ,‬والاحدون الذين ينكرون أن ال هو الله الق‪ ،‬ويكذبون‬
‫رسله ول يعملون بشرعه‪ .‬قليل ما تتذكرون ‪-‬أيها الناس‪ -‬حجج ال‪ ,‬فتعتبون‪ ,‬وتتعظون با‪.‬‬

‫ِإنّ السّا َعةَ لِتَيةٌ ل َريْبَ فِيهَا وَلَكِنّ أَ ْكثَ َر النّاسِ ل ُي ْؤ ِمنُونَ (‪)59‬‬

‫إن الساعة لتية ل شك فيها‪ ,‬فأيقنوا بجيئها‪ ,‬كما أخبتْ بذلك الرسل‪ ,‬ولكن أكثر الناس ل ُيصَدّقون‬
‫بجيئها‪ ,‬ول يعملون لا‪.‬‬

‫سَتكْبِرُو َن عَ ْن عِبَا َدتِي َسيَدْخُلُونَ َج َهنّمَ دَا ِخرِينَ (‪)60‬‬


‫جبْ َلكُمْ ِإنّ الّذِي َن يَ ْ‬
‫وَقَالَ َرّبكُمْ ا ْدعُونِي َأسْتَ ِ‬

‫وقال ربكم‪ -‬أيها العباد‪ :-‬ادعون وحدي وخصّون بالعبادة أستجب لكم‪ ,‬إن الذين يتكبون عن‬
‫إفرادي بالعبودية واللوهية‪ ,‬سيدخلون جهنم صاغرين حقيين‪.‬‬

‫سكُنُوا فِي ِه وَالنّهَا َر ُمبْصِرا ِإنّ اللّهَ َلذُو َفضْ ٍل عَلَى النّاسِ وََلكِنّ أَ ْكثَ َر النّاسِ ل‬
‫اللّ ُه الّذِي َجعَلَ َلكُمْ الّليْلَ ِلتَ ْ‬
‫يَشْكُرُونَ (‪)61‬‬

‫ال وحده هو الذي جعل لكم الليل؛ لتسكنوا فيه‪ ,‬وتققوا راحتكم‪ ,‬والنهار مضيئًا؛ لتُصَرّفوا فيه أمور‬
‫معاشكم‪ .‬إن ال لذو فضل عظيم على الناس‪ ,‬ولكن أكثرهم ل يشكرون له بالطاعة وإخلص العبادة‪.‬‬

‫ذَِلكُمْ اللّهُ َرّبكُمْ خَالِقُ كُ ّل َشيْءٍ ل إِلَهَ إِ ّل ُهوَ َفَأنّا ُتؤْفَكُونَ (‪)62‬‬

‫الذي أنعم عليكم بذه النعم إنا هو ربكم خالق الشياء كلها‪ ,‬ل إله يستحق العبادة غيه‪ ,‬فكيف‬
‫تعدلون عن اليان به‪ ,‬وتعبدون غيه من الوثان‪ ,‬بعد أن تبينت لكم دلئله؟‬

‫جحَدُونَ (‪)63‬‬
‫ك ُيؤْفَكُ الّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللّ ِه يَ ْ‬
‫كَذَلِ َ‬
‫‪874‬‬
‫كما كذّبتم بالق ‪-‬يا كفار قريش‪ -‬وأعرضتم عنه إل الباطل‪ ،‬يُصرف عن الق واليان به الذين كانوا‬
‫بجج ال وأدلته يحدون ‪.‬‬

‫صوَرَكُ ْم وَ َرزََقكُمْ مِنْ ال ّطيّبَاتِ ذَِلكُمْ‬


‫صوّرَكُمْ َفأَحْسَنَ ُ‬
‫اللّ ُه الّذِي َجعَلَ َلكُ ْم الَرْضَ قَرَارا وَالسّمَا َء ِبنَاءً وَ َ‬
‫ب اْلعَالَمِيَ (‪)64‬‬
‫اللّهُ َرّبكُمْ َفتَبَا َركَ اللّهُ رَ ّ‬

‫ال الذي جعل لكم الرض؛ لتستقروا فيها‪ ,‬ويسّر لكم القامة عليها‪ ,‬وجعل السماء سقفًا للرض‪,‬‬
‫ث فيها من العلمات الادية‪ ,‬وخلقكم ف أكمل هيئة وأحسن تقوي‪ ,‬وأنعم عليكم بلل الرزق‬ ‫وب ّ‬
‫ولذيذ الطاعم والشارب‪ ,‬ذلكم الذي أنعم عليكم بذه النعم هو ربكم‪ ,‬فتكاثر خيه وفضله وبركته‪,‬‬
‫ب اللئق أجعي‪.‬‬ ‫وتنّه عمّا ل يليق به‪ ,‬وهو ر ّ‬

‫ب الْعَالَ ِميَ (‪)65‬‬


‫حيّ ل إِلَهَ إِلّ ُهوَ فَا ْدعُوهُ ُمخِْلصِيَ لَهُ الدّي َن الْحَ ْمدُ لِلّهِ رَ ّ‬
‫ُهوَ الْ َ‬

‫هو ال سبحانه الي الذي له الياة الكاملة التامة ل إله غيه‪ ,‬فاسألوه واصرفوا عبادتكم له وحده‪,‬‬
‫ملصي له دينكم وطاعتكم‪ .‬فالمد ل والثناء الكامل له رب اللئق أجعي‪.‬‬

‫قُلْ ِإنّي ُنهِي تُ أَ نْ َأ ْعبُ َد الّذِي َن تَ ْدعُو َن مِ نْ دُو نِ اللّ هِ لَمّا جَا َءنِي الَْبّينَا تُ مِ نْ َربّي َوُأمِرْ تُ أَ نْ أُ سِْلمَ لِرَبّ‬
‫الْعَالَ ِميَ (‪)66‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لشركي قومك‪ :‬إن نُهيت أن أعبد الذين تدعون من دون ال‪ ,‬لهمّا جاءن اليات‬
‫الواضحات من عند رب‪ ,‬وأمرن أن أخضع وأنقاد بالطاعة التامة له‪ ,‬سبحانه رب العالي‪.‬‬

‫ل ثُمّ ِلتَبُْلغُوا َأشُدّكُ ْم ثُمّ ِلتَكُونُوا‬


‫ب ثُمّ مِ ْن نُ ْط َفةٍ ثُمّ مِ ْن عََل َقةٍ ثُمّ يُخْ ِر ُجكُ مْ طِ ْف ً‬ ‫ُهوَ الّذِي خََل َقكُ ْم مِ ْن تُرَا ٍ‬
‫ل مُسَمّى وََلعَّلكُ ْم َت ْعقِلُونَ (‪)67‬‬ ‫ُشيُوخا َو ِمْنكُ ْم مَ ْن ُيتَوَفّى مِنْ َقبْ ُل وَِلتَبُْلغُوا أَ َج ً‬

‫هو ال الذي خلق أباكم آدم من تراب‪ ,‬ث أوجدكم من النّ بقدرته‪ ,‬وبعد ذلك تنتقلون إل طور الدم‬
‫الغليظ الحر‪ ,‬ث تري عليكم أطوار متعددة ف الرحام‪ ,‬إل أن تولدوا أطفال صغارًا‪ ,‬ث تقوى ِبْنيَتُكم‬

‫‪875‬‬
‫إل أن تصيوا شيوخًا‪ ,‬ومنكم من يوت قبل ذلك‪ ,‬ولتبلغوا بذه الطوار القدّرة أجل مسمى تنتهي‬
‫عنده أعماركم‪ ,‬ولعلكم تعقلون حجج ال عليكم بذلك‪ ,‬وتتدبرون آياته‪ ,‬فتعرفون أنه ل إله غيه يفعل‬
‫ذلك‪ ,‬وأنه الذي ل تنبغي العبادة إل له‪.‬‬

‫ح ِي َويُمِيتُ فَِإذَا َقضَى َأمْرا فَِإنّمَا َيقُولُ لَهُ كُنْ َفَيكُونُ (‪)68‬‬
‫ُهوَ الّذِي يُ ْ‬

‫هو سبحانه التفرد بالحياء والماتة‪ ,‬فإذا قضى أمرًا فإنا يقول له‪" :‬كن"‪ ,‬فيكون‪ ,‬ل را ّد لقضائه‪.‬‬

‫أَلَ ْم تَرَى إِلَى الّذِينَ ُيجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللّهِ َأنّى ُيصْرَفُونَ (‪)69‬‬

‫أل تعجب ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من هؤلء الكذّبي بآيات ال ياصمون فيها‪ ,‬وهي واضحة الدللة على‬
‫ي شيء يذهبون بعد البيان التام؟‬
‫توحيد ال وقدرته‪ ,‬كيف يعدلون عنها مع صحتها؟ وإل أ ّ‬

‫ف َيعْلَمُو نَ (‪ )70‬إِ ْذ ا َلغْللُ فِي َأ ْعنَاِقهِ ْم وَال سّلسِلُ‬


‫سوْ َ‬
‫ب َوبِمَا أَرْ سَ ْلنَا بِ هِ رُ سَُلنَا فَ َ‬
‫الّذِي نَ كَ ّذبُوا بِاْل ِكتَا ِ‬
‫جرُونَ (‪)72‬‬ ‫حمِي ِم ثُمّ فِي النّا ِر يُسْ َ‬ ‫حبُونَ (‪ )71‬فِي الْ َ‬ ‫يُسْ َ‬

‫هؤلء الشركون الذين كذّبوا بالقرآن والكتب السماوية الت أنزلا ال على رسله لداية الناس‪ ,‬فسوف‬
‫يعلم هؤلء الكذبون عاقبة تكذيبهم حي تُجعل الغلل ف أعناقهم‪ ,‬والسلسل ف أرجلهم‪ ,‬وتسحبهم‬
‫زبانية العذاب ف الاء الار الذي اشت ّد غليانه وحرّه‪ ,‬ث ف نار جهنم يوقد بم‪.‬‬

‫ضلّوا َعنّا بَلْ لَ ْم َنكُ ْن نَ ْدعُو مِ نْ َقبْ ُل َشيْئا‬


‫ثُمّ قِيلَ َلهُ مْ َأيْ َن مَا ُكنْتُ ْم تُشْرِكُو نَ (‪ )73‬مِ نْ دُو نِ اللّ هِ قَالُوا َ‬
‫ك ُيضِلّ اللّهُ الْكَافِرِينَ (‪)74‬‬ ‫كَذَلِ َ‬

‫ث قيل لم توبيخًا‪ ,‬وهم ف هذه الال التعيسة‪ :‬أين اللة الت كنتم تعبدونا من دون ال؟ هل ينصرونكم‬
‫اليوم؟ فادعوهم؛ لينقذوكم من هذا البلء الذي ح ّل بكم إن استطاعوا‪ ,‬قال الكذبون‪ :‬غابوا عن عيوننا‪,‬‬
‫فلم ينفعونا بشيء‪ ,‬ويعترفون بأنم كانوا ف جهالة من أمرهم‪ ,‬وأن عبادتم لم كانت باطلة ل تساوي‬

‫‪876‬‬
‫شيئًا‪ ,‬كما أضل ال هؤلء الذين ضلّ عنهم ف جهنم ما كانوا يعبدون ف الدنيا من دون ال‪ ,‬يضل ال‬
‫الكافرين به‪.‬‬

‫ح ّق َوبِمَا ُكنْتُ ْم تَ ْمرَحُونَ (‪)75‬‬


‫ض ِبغَيْ ِر الْ َ‬
‫ذَِلكُ ْم بِمَا ُكْنتُ ْم َتفْرَحُونَ فِي الَ ْر ِ‬

‫ذلكم العذاب الذي أصابكم إنا هو بسبب ما كنتم عليه ف حياتكم الدنيا من غفلة‪ ,‬حيث كنتم‬
‫تفرحون با تقترفونه من العاصي والثام‪ ,‬وبا أنتم عليه من الشَر والبَطَر والبغي على عباد ال‪.‬‬

‫س َمْثوَى الْ ُمَت َكبّرِينَ (‪)76‬‬


‫ادْ ُخلُوا َأْبوَابَ َج َهنّمَ خَالِدِينَ فِيهَا َفبِْئ َ‬

‫ادخلوا أبواب جهنم عقوبة لكم على كفركم بال ومعصيتكم له خالدين فيها‪ ,‬فبئست جهنم نزل‬
‫للمتكبين ف الدنيا على ال‪.‬‬

‫ض الّذِي َنعِ ُدهُمْ َأوْ َنَتوَّفيَنّكَ فَإَِلْينَا يُ ْر َجعُونَ (‪)77‬‬


‫ك َبعْ َ‬
‫صبِرْ ِإ ّن وَعْدَ اللّهِ حَقّ فَِإمّا نُ ِرَينّ َ‬
‫فَا ْ‬

‫فاصب أيها الرسول‪ ,‬وامض ف طريق الدعوة‪ ,‬إن وعد ال حق‪ ,‬وسُينْجِز لك ما وعدك‪ ,‬فإما نرينّك ف‬
‫حياتك بعض الذي نعد هؤلء الشركي من العذاب‪ ,‬أو نتوفينّك قبل أن يلّ ذلك بم‪ ,‬فإلينا مصيهم‬
‫يوم القيامة‪ ,‬وسنذيقهم العذاب الشديد با كانوا يكفرون‪.‬‬

‫صصْ عََليْكَ َومَا كَا نَ لِرَسُولٍ أَنْ‬


‫صنَا عََليْكَ َو ِمْنهُمْ مَ نْ لَ ْم َنقْ ُ‬
‫ص ْ‬‫ك ِمْنهُ ْم مَ نْ قَ َ‬‫وََلقَدْ أَرْ سَ ْلنَا رُ ُسلً مِ نْ َقبْلِ َ‬
‫ك الْ ُمبْطِلُونَ (‪)78‬‬‫ح ّق وَخَسِرَ هُنَالِ َ‬ ‫ضيَ بِالْ َ‬
‫يَ ْأِتيَ بِآَيةٍ إِلّ بِِإ ْذنِ اللّهِ فَِإذَا جَاءَ َأمْرُ اللّهِ ُق ِ‬

‫ولقد أرسلنا مِن قبلك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬رسل كثيين إل قومهم يدعونم‪ ,‬ويصبون على أذاهم‪ :‬منهم‬
‫مَن قصصنا عليك خبهم‪ ,‬ومنهم مَن ل نقصص عليك‪ ,‬وكلهم مأمورون بتبليغ وحي ال إليهم‪ .‬وما‬
‫كان لحد منهم أن يأت بآية من اليات السية أو العقلية إل بإذن ال ومشيئته‪ ,‬فإذا جاء أمر ال بعذاب‬
‫الكذبي ُقضِي بالعدل بي الرسل ومكذبيهم‪ ,‬وخسر هنالك البطلون؛ لفترائهم على ال الكذب‪,‬‬
‫وعبادتم غيه‪.‬‬

‫‪877‬‬
‫اللّ ُه الّذِي َجعَلَ َلكُ ْم ا َلنْعَامَ ِلتَرْ َكبُوا ِمْنهَا َو ِمْنهَا تَأْكُلُونَ (‪ )79‬وََلكُمْ فِيهَا َمنَافِ ُع وَِلتَبُْلغُوا عََلْيهَا حَا َجةً فِي‬
‫حمَلُونَ (‪)80‬‬ ‫ك تُ ْ‬ ‫صُدُورِكُ ْم َوعََلْيهَا َوعَلَى اْلفُلْ ِ‬

‫ال سبحانه هو الذي جعل لكم النعام؛ لتنتفعوا با‪ :‬من منافع الركوب والكل وغيها من أنواع‬
‫النافع‪ ,‬ولتبلغوا بالمولة على بعضها حاجةً ف صدوركم من الوصول إل القطار البعيدة‪ ,‬وعلى هذه‬
‫النعام ُتحْمَلون ف البية‪ ,‬وعلى الفلك ف البحر ُتحْمَلون كذلك‪.‬‬

‫ي آيَاتِ اللّ ِه تُنكِرُونَ (‪)81‬‬


‫َويُرِيكُمْ آيَاتِهِ َفأَ ّ‬

‫ويريكم ال تعال دلئله الكثية الواضحة الدالة على قدرته وتدبيه ف خلقه‪ ,‬فأي آية من آياته تنكرونا‪,‬‬
‫ول تعترفون با؟‬

‫أَفَلَ ْم يَسِيُوا فِي الَرْضِ َفيَن ُظرُوا َكيْفَ كَانَ عَاِقَب ُة الّذِينَ مِنْ َقبِْلهِمْ كَانُوا أَ ْكثَ َر ِمْنهُمْ َوأَشَدّ ُق ّو ًة وَآثَارا فِي‬
‫الَ ْرضِ َفمَا َأغْنَى َعْنهُ ْم مَا كَانُوا َيكْسِبُونَ (‪)82‬‬

‫أفلم يَسِرْ هؤلء الكذبون ف الرض ويتفكروا ف مصارع المم الكذبة من قبلهم‪ ,‬كيف كانت‬
‫عاقبتهم؟ وكانت هذه المم السابقة أكثر منهم عددًا وعدة وآثارًا ف الرض من البنية والصانع‬
‫والغراس وغي ذلك‪ ,‬فما أغن عنهم ما كانوا يكسبونه حي حلّ بم بأس ال‪.‬‬

‫ق ِبهِ ْم مَا كَانُوا بِهِ يَسَْتهْ ِزئُون (‪)83‬‬


‫فََلمّا جَا َءْتهُمْ ُرسُُل ُه ْم بِاْلبَّينَاتِ فَرِحُوا بِمَا ِعنْ َدهُ ْم مِ ْن الْعِ ْل ِم وَحَا َ‬

‫فلما جاءت هؤلء المم الكذبة رسلُها بالدلئل الواضحات‪ ,‬فرحوا جهل منهم با عندهم من العلم‬
‫الناقض لا جاءت به الرسل‪ ,‬وحلّ بم من العذاب ما كانوا يستعجلون به رسلَهم على سبيل السخرية‬
‫والستهزاء‪ .‬وف الية دليل على أن كل علم يناقض السلم‪ ,‬أو يقدح فيه‪ ,‬أو يشكك ف صحته‪ ,‬فإنه‬
‫مذموم مقوت‪ ,‬ومعتقده ليس من أتباع ممد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫فََلمّا َرَأوْا َب ْأسَنَا قَالُوا آمَنّا بِاللّ ِه وَ ْح َدهُ وَ َكفَ ْرنَا بِمَا ُكنّا بِ ِه مُشْرِكِيَ (‪)84‬‬
‫‪878‬‬
‫فلما رأوا عذابنا أقرّوا حي ل ينفع القرار‪ ,‬وقالوا‪ :‬آمنا بال وحده‪ ,‬وكفرنا با كنا به مشركي ف عبادة‬
‫ال‪.‬‬

‫ك الْكَافِرُونَ (‪)85‬‬
‫فََل ْم يَكُ َيْن َف ُعهُمْ ِإيَاُنهُمْ لَمّا َرَأوْا بَ ْأ َسنَا ُسّنةَ اللّ ِه اّلتِي قَدْ َخَلتْ فِي ِعبَا ِد ِه وَخَسِ َر ُهنَالِ َ‬

‫فلم يك ينفعهم إيانم هذا حي رأوا عذابنا; وذلك لنه إيان قد اضطروا إليه‪ ,‬ل إيان اختيار ورغبة‪,‬‬
‫سنة ال وطريقته الت سنّها ف المم كلها أن ل ينفعها اليان إذا رأوا العذاب‪ ,‬وهلك عند ميء بأس ال‬
‫الكافرون بربم‪ ,‬الاحدون توحيده وطاعته‪.‬‬

‫‪ -41‬سورة فصلت‬

‫حم (‪)1‬‬

‫( حم ) سبق الكلم على الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬

‫تَنِي ٌل مِنْ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ (‪)2‬‬

‫هذا القرآن الكري تنيل من الرحن الرحيم‪ ,‬نزّله على نبيه ممد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫ِكتَابٌ ُفصَّلتْ آيَاتُهُ قُرْآنا عَ َرِبيّا ِل َق ْو ٍم َيعْلَمُونَ (‪)3‬‬

‫كتاب ُبيّنت آياته تام البيان‪َ ،‬ووُضّحت معانيه وأحكامه‪ ,‬قرآنًا عربيًا ميسّرًا فهمه لقوم يعلمون اللسان‬
‫العرب‪.‬‬

‫بَشِيا َونَذِيرا َفَأعْ َرضَ أَ ْكثَ ُرهُمْ َفهُ ْم ل يَسْ َمعُونَ (‪)4‬‬

‫‪879‬‬
‫بشيًا بالثواب العاجل والجل لن آمن به وعمل بقتضاه‪ ,‬ونذيرًا بالعقاب العاجل والجل لن كفر به‪,‬‬
‫فأعرض عنه أكثر الناس‪ ,‬فهم ل يسمعون له ساع قَبول وإجابة‪.‬‬

‫وَقَالُوا ُقلُوبُنَا فِي أَكِّن ٍة مِمّا تَ ْدعُونَا إَِليْ ِه وَفِي آذَاِننَا وَقْ ٌر َومِ ْن َبْينِنَا َوَبيْنِكَ ِحجَابٌ فَاعْمَلْ ِإّننَا عَامِلُونَ (‪)5‬‬

‫وقال هؤلء العرضون الكافرون للنب ممد صلى ال عليه وسلم‪ :‬قلوبنا ف أغطية مانعة لنا من فهم ما‬
‫تدعونا إليه‪ ,‬وف آذاننا صمم فل نسمع‪ ,‬ومن بيننا وبينك‪ -‬يا ممد‪ -‬ساتر يجبنا عن إجابة دعوتك‪,‬‬
‫فاعمل على وَفْق دينك‪ ,‬كما أننا عاملون على وَفْق ديننا‪.‬‬

‫قُلْ ِإنّمَا َأنَا بَشَ ٌر ِمثُْلكُ ْم يُوحَى إَِليّ أَنّمَا إَِل ُهكُمْ إِلَ ٌه وَاحِدٌ فَا ْسَتقِيمُوا إِلَيْ ِه وَاسَْت ْغفِرُوهُ َو َويْلٌ لِ ْلمُشْرِكِيَ (‪)6‬‬
‫الّذِينَ ل ُي ْؤتُونَ الزّكَا َة َوهُمْ بِال ِخ َرةِ هُمْ كَافِرُونَ (‪)7‬‬

‫قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬إنا أنا بشر مثلكم يوحي ال إلّ أنا إلكم الذي يستحق العبادة‪ ،‬إله واحد ل‬
‫شريك له‪ ,‬فاسلكوا الطريق الوصل إليه‪ ,‬واطلبوا مغفرته‪ .‬وعذاب للمشركي الذين عبدوا من دون ال‬
‫أوثانًا ل تنفع ول تضر‪ ,‬والذين ل يطهروا أنفسهم بتوحيد ربم‪ ,‬والخلص له‪ ,‬ول يصلّوا ول يزكّوا‪,‬‬
‫فل إخلص منهم للخالق ول نفع فيهم للخلق‪ ,‬وهم ل يؤمنون بالبعث‪ ,‬ول بالنة والنار‪ ,‬ول ينفقون‬
‫ف طاعة ال‪.‬‬

‫ِإنّ الّذِينَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا الصّالِحَاتِ َلهُمْ َأجْ ٌر َغيْ ُر مَ ْمنُونٍ (‪)8‬‬

‫إن الذين آمنوا بال ورسوله وكتابه وعملوا العمال الصالة ملصي ل فيها‪ ,‬لم ثواب عظيم غي‬
‫مقطوع ول منوع‪.‬‬

‫ب اْلعَالَمِيَ (‪)9‬‬
‫جعَلُونَ لَهُ أَندَادا ذَلِكَ رَ ّ‬
‫قُلْ َأِئنّكُمْ َلَت ْكفُرُو َن بِالّذِي خَلَ َق الَ ْرضَ فِي َي ْو َميْ ِن َوتَ ْ‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي موبًا لم ومتعجبًا من فعلهم‪ :‬أإنكم لتكفرون بال الذي خلق‬
‫الرض ف يومي اثني‪ ,‬وتعلون له نظراء وشركاء تعبدونم معه؟ ذلك الالق هو رب العالي كلهم‪.‬‬

‫‪880‬‬
‫وَ َجعَلَ فِيهَا َروَاسِ َي مِنْ َفوِْقهَا َوبَا َركَ فِيهَا وَقَدّرَ فِيهَا أَ ْقوَاَتهَا فِي أَ ْربَ َعةِ َأيّامٍ َسوَاءً لِلسّائِلِيَ (‪)10‬‬

‫وجعل سبحانه ف الرض جبال ثوابت من فوقها‪ ,‬وبارك فيها فجعلها دائمة الي لهلها‪ ,‬وقدّر فيها‬
‫أرزاق أهلها من الغذاء‪ ,‬وما يصلحهم من العاش ف تام أربعة أيام‪ :‬يومان خلق فيهما الرض‪ ,‬ويومان‬
‫جعل فيها رواسي وقدر فيها أقواتا‪ ,‬سواء للسائلي أي‪ :‬لن أراد السؤال عن ذلك؛ ليعلمه‪.‬‬

‫ض ِائِْتيَا َطوْعا َأوْ كَرْها‬


‫ض ِائِْتيَا َطوْعا َفقَالَ َلهَا وَِللَرْ ِ‬
‫ثُمّ اسَْتوَى إِلَى السّمَا ِء َوهِيَ دُخَانٌ َفقَالَ َلهَا وَِللَرْ ِ‬
‫قَاَلتَا أََتْينَا طَاِئعِيَ (‪)11‬‬

‫ث استوى سبحانه وتعال‪ ,‬أي قصد إل السماء وكانت دخانًا من قبلُ‪ ,‬فقال للسماء وللرض‪ :‬انقادا‬
‫لمري متارتي أو مبتي‪ .‬قالتا‪ :‬أتينا مذعني لك‪ ,‬ليس لنا إرادة تالف إرادتك‪.‬‬

‫َف َقضَاهُنّ َسبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي َي ْو َميْ ِن َوَأوْحَى فِي كُلّ سَمَاءٍ َأمْ َرهَا وَ َزّينّا ال سّمَاءَ ال ّدْنيَا بِمَ صَابِي َح وَ ِحفْظا‬
‫ك َتقْدِي ُر اْلعَزِي ِز اْلعَلِيمِ (‪)12‬‬
‫ذَلِ َ‬

‫فقضى ال خلق السموات السبع وتسويتهن ف يومي‪ ,‬فتم بذلك خلق السموات والرض ف ستة أيام‪,‬‬
‫لكمة يعلمها ال‪ ,‬مع قدرته سبحانه على خلقهما ف لظة واحدة‪ ,‬وأوحى ف كل ساء ما أراده وما‬
‫أمر به فيها‪ ,‬وزيّنا السماء الدنيا بالنجوم الضيئة‪ ,‬وحفظًا لا من الشياطي الذين يسترقون السمع‪ ,‬ذلك‬
‫اللق البديع تقدير العزيز ف ملكه‪ ,‬العليم الذي أحاط علمه بكل شيء‪.‬‬

‫فَِإنْ َأعْرَضُوا َفقُلْ أَنذَ ْرُتكُمْ صَا ِع َقةً ِمثْلَ صَا ِع َقةِ عَا ٍد َوثَمُودَ (‪)13‬‬

‫فإن أعرض هؤلء الكذبون بعدما ُبيّن لم من أوصاف القرآن الميدة‪ ,‬ومن صفات ال العظيم‪ ,‬فقل‬
‫لم‪ :‬قد أنذرتكم عذابًا يستأصلكم مثل عذاب عاد وثود حي كفروا بربم وعصوا رسله‪.‬‬

‫إِذْ جَا َءْتهُمْ الرّسُلُ مِ ْن بَيْنِ َأيْدِيهِ ْم َومِنْ َخ ْل ِفهِمْ أَلّ َت ْعبُدُوا إِلّ اللّهَ قَالُوا َل ْو شَاءَ َرّبنَا لَنزَ َل مَلئِ َكةً فَِإنّا بِمَا‬
‫أُ ْرسِ ْلتُ ْم بِهِ كَافِرُونَ ( ‪)14‬‬
‫‪881‬‬
‫حي جاءت الرسل عادًا وثود‪ ,‬يتبع بعضهم بعضًا متوالي‪ ,‬يأمرونم بعبادة ال وحده ل شريك له‪ ,‬قالوا‬
‫لرسلهم‪ :‬لو شاء ربنا أن نوحده ول نعبد من دونه شيئًا غيه‪ ,‬لنزل إلينا ملئكة من السماء رسل با‬
‫تدعوننا إليه‪ ,‬ول يرسلكم وأنتم بشر مثلنا‪ ,‬فإنا با أرسلكم ال به إلينا من اليان بال وحده جاحدون‪.‬‬

‫َفَأمّا عَادٌ فَا ْستَ ْكبَرُوا فِي الَرْ ضِ ِب َغيْ ِر الْحَقّ وَقَالُوا مَ نْ َأشَ ّد ِمنّ ا ُق ّوةً َأوَلَ ْم يَ َروْا َأنّ اللّ َه الّذِي َخَل َقهُ ْم ُهوَ‬
‫حدُونَ (‪)15‬‬ ‫َأشَ ّد ِمنْهُمْ ُق ّو ًة وَكَانُوا بِآيَاِتنَا يَجْ َ‬

‫فأما عاد قوم هود فقد استعلَوا ف الرض على العباد بغي حق‪ ,‬وقالوا ف غرور‪ :‬مَن أشد منا قوة؟ أول‬
‫يروا أن ال تعال الذي خلقهم هو أش ّد منهم قوة وبطشًا؟ وكانوا بأدلتنا وحججنا يحدون‪.‬‬

‫حيَاةِ ال ّدْنيَا وََلعَذَا بُ الخِ َرةِ‬


‫خزْ يِ فِي الْ َ‬
‫َفأَرْ سَ ْلنَا عََلْيهِ مْ رِيا صَرْصَرا فِي أَيّا ٍم نَحِ سَاتٍ ِلنُذِي َقهُ ْم عَذَا بَ الْ ِ‬
‫أَخْزَى َوهُ ْم ل ُيْنصَرُونَ (‪)16‬‬

‫فأرسلنا عليهم ريًا شديدة البودة عالية الصوت ف أيام مشؤومات عليهم؛ لنذيقهم عذاب الذل والوان‬
‫ف الياة الدنيا‪ ,‬ولَعذاب الخرة أشد ذل وهوانًا‪ ,‬وهم ل يُْنصَرون بنع العذاب عنهم‪.‬‬

‫سبُونَ (‬
‫ب الْهُو ِن بِمَا كَانُوا يَكْ ِ‬
‫حبّوا اْلعَمَى عَلَى اْلهُدَى َفأَخَ َذْتهُمْ صَاعِ َق ُة اْلعَذَا ِ‬
‫َوَأمّا ثَمُودُ َفهَ َدْينَاهُ مْ فَا ْستَ َ‬
‫‪)17‬‬

‫وأما ثود قوم صال فقد بينّا لم سبيل الق وطريق الرشد‪ ,‬فاختاروا العمى على الدى‪ ,‬فأهلكتهم‬
‫صاعقة العذاب الهي؛ بسبب ما كانوا يقترفون من الثام بكفرهم بال وتكذيبهم رسله‪.‬‬

‫جْينَا الّذِينَ آ َمنُوا وَكَانُوا َيتّقُونَ (‪)18‬‬


‫َونَ ّ‬

‫ونّينا الذين آمنوا من العذاب الذي أخذ عادًا وثود‪ ,‬وكان هؤلء الناجون يافون ال ويتقونه‪.‬‬

‫سه ْم ُعهُمْ‬
‫ِمه َ‬
‫ُونه (‪َ )19‬حتّىه إِذَا مَا جَاءُوهَا َشهِ َد عََلْيه ْ‬
‫ُمه يُو َزع َ‬
‫ّههإِلَى النّارِ َفه ْ‬
‫ْمه ُيحْشَرُ َأعْدَاءُ الل ِ‬
‫َوَيو َ‬

‫‪882‬‬
‫َوأَْبصَا ُرهُ ْم وَ ُجلُو ُدهُ ْم بِمَا كَانُوا َيعْمَلُونَ (‪)20‬‬

‫ويوم يُحشر أعداء ال إل نار جهنم‪ ,‬تَرُدّ زبانية العذاب أولَهم على آخرهم‪ ,‬حت إذا ما جاؤوا النار‪,‬‬
‫وأنكروا جرائمهم شهد عليهم سعهم وأبصارهم وجلودهم با كانوا يعملون ف الدنيا من الذنوب‬
‫والثام‪.‬‬

‫وَقَالُوا ِلجُلُو ِدهِ مْ لِ َم َشهِ ْدتُ ْم عََليْنَا قَالُوا أَن َطقَنَا اللّ ُه الّذِي أَنطَ قَ كُلّ شَيْ ٍء َو ُهوَ خََل َقكُ مْ َأوّ َل مَ ّر ٍة َوإَِليْ هِ‬
‫تُرْ َجعُونَ (‪)21‬‬

‫وقال هؤلء الذين يُحْشرون إل النار من أعداء ال للودهم معاتبي‪ :‬لِ َم شهدت علينا؟ فأجابتهم‬
‫جلودهم‪ :‬أنطقنا ال الذي أنطق كل شيء‪ ,‬وهو الذي خلقكم أول مرة ول تكونوا شيئًا‪ ,‬وإليه مصيكم‬
‫بعد الوت للحساب والزاء‪.‬‬

‫شهَ َد عََلْيكُ مْ سَ ْم ُعكُ ْم وَل أَبْ صَارُكُ ْم وَل ُجلُودُكُ ْم وََلكِ ْن َظنَْنتُ مْ َأنّ اللّ َه ل َيعْلَ مُ‬ ‫سَتتِرُونَ أَ نْ يَ ْ‬
‫َومَا ُكنْتُ ْم تَ ْ‬
‫حتُ ْم مِ ْن الْخَا ِسرِينَ (‪)23‬‬ ‫صبَ ْ‬
‫َكثِيا مِمّا َتعْمَلُونَ (‪ )22‬وَذَِلكُ ْم َظنّكُ ْم الّذِي َظنَنتُ ْم بِ َرّبكُمْ أَرْدَاكُمْ َفأَ ْ‬

‫ستَخْفون عند ارتكابكم العاصي؛ خوفًا من أن يشهد عليكم سعكم ول أبصاركم ول‬ ‫وما كنتم تَ ْ‬
‫جلودكم يوم القيامة‪ ,‬ولكن ظننتم بارتكابكم العاصي أن ال ل يعلم كثيًا من أعمالكم الت تعصون ال‬
‫با‪ .‬وذلكم ظنكم السيّئ الذي ظننتموه بربكم أهلككم‪ ,‬فأوردكم النار‪ ,‬فأصبحتم اليوم من الاسرين‬
‫الذين خسروا أنفسهم وأهليهم‪.‬‬

‫سَت ْعتِبُوا َفمَا هُ ْم مِ ْن الْ ُم ْعتَبِيَ (‪)24‬‬


‫صبِرُوا فَالنّارُ مَْثوًى َلهُ ْم َوِإنْ يَ ْ‬
‫فَِإنْ َي ْ‬

‫فإن يصبوا على العذاب فالنار مأواهم‪ ,‬وإن يسألوا الرجوع إل الدنيا؛ ليستأنفوا العمل الصال ل يُجابوا‬
‫إل ذلك‪ ,‬ول تُقبل لم أعذار‪.‬‬

‫ضنَا َلهُ مْ قُ َرنَاءَ َف َزّينُوا َلهُ ْم مَا َبيْ نَ َأيْدِيهِ ْم َومَا خَ ْل َفهُ مْ وَحَقّ عََلْيهِ ْم اْل َقوْلُ فِي ُأمَ مٍ قَدْ خَلَ تْ مِ نْ َقبِْلهِ مْ‬
‫وََقيّ ْ‬

‫‪883‬‬
‫مِ ْن الْجِ ّن وَالِنسِ ِإّنهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (‪)25‬‬

‫وهيأنا لؤلء الظالي الاحدين قرناء فاسدين من شياطي النس والن‪ ,‬فزينوا لم قبائح أعمالم ف‬
‫الدنيا‪ ,‬ودعَوهم إل لذاتا وشهواتا الحرمة‪ ,‬و َزيّنوا لم ما خَلْفهم من أمور الخرة‪ ,‬فأنسوهم ذِكرها‪,‬‬
‫ودعَوهم إل التكذيب بالعاد‪ ,‬وبذلك استحقوا دخول النار ف جلة أمم سابقة من كفرة الن والنس‪,‬‬
‫إنم كانوا خاسرين أعمالم ف الدنيا وأنفسهم وأهليهم يوم القيامة‪.‬‬

‫وَقَا َل الّذِينَ َكفَرُوا ل تَسْ َمعُوا ِلهَذَا اْلقُرْآ ِن وَاْل َغوْا فِيهِ َلعَّلكُ ْم َتغِْلبُونَ (‪)26‬‬

‫وقال الكافرون بعضهم لبعض متواصي فيما بينهم‪ :‬ل تسمعوا لذا القرآن‪ ,‬ول تطيعوه‪ ،‬ول تنقادوا‬
‫لوامره‪ ,‬وارفعوا أصواتكم بالصياح والصفي والتخليط على ممد إذا قرأ القرآن؛ لعلكم تغلبونه‪ ,‬فيترك‬
‫القراءة‪ ,‬وننتصر عليه‪.‬‬

‫فََلنُذِيقَ ّن الّذِينَ َكفَرُوا عَذَابا شَدِيدا وََلنَجْ ِزَيّنهُمْ َأ ْسوََأ الّذِي كَانُوا َيعْمَلُونَ (‪)27‬‬

‫فلنذيقن الذين قالوا هذا القول عذابًا شديدًا ف الدنيا والخرة‪ ,‬ولنجزينهم أسوأ ما كانوا يعملون من‬
‫السيئات‪.‬‬

‫ذَلِكَ جَزَاءُ َأعْدَاءِ اللّ ِه النّارُ َلهُمْ فِيهَا دَا ُر الْخُ ْلدِ َجزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاِتنَا َيجْحَدُونَ (‪)28‬‬

‫هذا الزاء الذي يُجزى به هؤلء الذين كفروا جزاء أعداء ال النار‪ ,‬لم فيها دار اللود الدائم؛ جزاء با‬
‫كانوا بججنا وأدلتنا يحدون ف الدنيا‪ .‬والية دالة على عظم جرية من صرف الناس عن القرآن‬
‫العظيم‪ ,‬وصدهم عن تدبره وهدايته بأيّ وسيلة كانت‪.‬‬

‫جعَ ْلهُمَا تَحْتَ أَقْدَا ِمنَا ِلَيكُونَا مِ ْن الَ ْسفَلِيَ‬


‫س نَ ْ‬
‫جنّ وَا ِلنْ ِ‬
‫لنَا مِ ْن الْ ِ‬
‫ضّ‬‫وَقَا َل الّذِينَ َكفَرُوا َرّبنَا أَ ِرنَا الّ َذيْ نِ أَ َ‬
‫(‪)29‬‬

‫‪884‬‬
‫وقال الذين كفروا بال ورسوله‪ ,‬وهم ف النار‪ :‬ربنا أرنا اللذَين أضلنا من خلقك من الن والنس‬
‫نعلهما تت أقدامنا؛ ليكونا ف الدرك السفل من النار‪.‬‬

‫جّنةِ الّتِي‬
‫إِنّ الّذِي نَ قَالُوا َربّنَا اللّ ُه ثُمّ ا ْسَتقَامُوا َتَتنَزّ ُل عََلْيهِ ْم الْمَلِئ َكةُ أَ ّل تَخَافُوا وَل تَحْ َزنُوا َوَأبْشِرُوا بِالْ َ‬
‫ُكنْتُ ْم تُوعَدُونَ (‪)30‬‬

‫إن الذين قالوا ربنا ال تعال وحده ل شريك له‪ ,‬ث استقاموا على شريعته‪ ,‬تتنل عليهم اللئكة عند‬
‫الوت قائلي لم‪ :‬ل تافوا من الوت وما بعده‪ ,‬ول تزنوا على ما تلفونه وراءكم من أمور الدنيا‪,‬‬
‫وأبشروا بالنة الت كنتم توعدون با‪.‬‬

‫سكُ ْم وََلكُمْ فِيهَا مَا تَ ّدعُونَ (‪)31‬‬


‫شتَهِي أَنفُ ُ‬
‫حيَاةِ ال ّدنْيَا وَفِي ال ِخ َرةِ وََلكُمْ فِيهَا مَا تَ ْ‬
‫نَحْنُ َأوِْليَاؤُكُمْ فِي الْ َ‬
‫نُزُ ًل مِ ْن َغفُورٍ رَحِيمٍ (‪)32‬‬

‫وتقول لم اللئكة‪ :‬نن أنصاركم ف الياة الدنيا‪ ،‬نسددكم ونفظكم بأمر ال‪ ,‬وكذلك نكون معكم‬
‫ف الخرة‪ ,‬ولكم ف النة كل ما تشتهيه أنفسكم ما تتارونه‪ ,‬وَتقَ ّر به أعينكم‪ ,‬ومهما طلبتم من شيء‬
‫وجدتوه بي أيديكم ضيافة وإنعامًا لكم مِن غفور لذنوبكم‪ ,‬رحيم بكم‪.‬‬

‫َومَنْ أَحْسَنُ َقوْ ًل مِمّنْ َدعَا إِلَى اللّ ِه َوعَمِلَ صَالِحا وَقَالَ ِإنّنِي مِ ْن الْمُسْلِ ِميَ (‪)33‬‬

‫ل أحد أحسن قول من دعا إل توحيد ال وعبادته وحده وعمل صالًا وقال‪ :‬إنن من السلمي النقادين‬
‫لمر ال وشرعه‪ .‬وف الية حث على الدعوة إل ال سبحانه‪ ,‬وبيان فضل العلماء الداعي إليه على‬
‫بصية‪ ,‬وَفْق ما جاء عن رسول ال ممد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫ك َوبَْينَ هُ عَدَا َوةٌ كََأنّ ُه وَِليّ َحمِي مٌ (‬


‫سّيَئةُ ادَْف ْع بِالّتِي هِ يَ أَحْ سَنُ فَِإذَا الّذِي بَْينَ َ‬
‫سَنةُ وَل ال ّ‬
‫وَل تَ سَْتوِي الْحَ َ‬
‫ظ عَظِيمٍ (‪)35‬‬ ‫صبَرُوا َومَا يَُلقّاهَا إِلّ ذُو حَ ّ‬ ‫‪َ )34‬ومَا يَُلقّاهَا إِ ّل الّذِينَ َ‬

‫‪885‬‬
‫ول تستوي حسنة الذين آمنوا بال‪ ,‬واستقاموا على شرعه‪ ,‬وأحسنوا إل خلقه‪ ,‬وسيئة الذين كفروا به‬
‫وخالفوا أمره‪ ,‬وأساؤوا إل خلقه‪ .‬ادفع بعفوك وحلمك وإحسانك مَن أساء إليك‪ ,‬وقابل إساءته لك‬
‫بالحسان إليه‪ ,‬فبذلك يصي السيء إليك الذي بينك وبينه عداوة كأنه قريب لك شفيق عليك‪ .‬وما‬
‫يُوفّق لذه الصلة الميدة إل الذين صبوا أنفسهم على ما تكره‪ ,‬وأجبوها على ما يبه ال‪ ,‬وما يُوفّق‬
‫لا إل ذو نصيب وافر من السعادة ف الدنيا والخرة‪.‬‬

‫َوِإمّا َينْ َز َغنّكَ مِنْ الشّيْطَا ِن نَ ْزغٌ فَا ْستَعِ ْذ بِاللّهِ ِإنّ ُه ُهوَ السّمِي ُع اْلعَلِيمُ (‪)36‬‬

‫وإما يلقيّ الشيطان ف نفسك وسوسة من حديث النفس لملك على مازاة السيء بالساءة‪ ,‬فاستجر‬
‫بال واعتصم به‪ ,‬إن ال هو السميع لستعاذتك به‪ ,‬العليم بأمور خلقه جيعها‪.‬‬

‫س وَل لِ ْلقَ َم ِر وَا سْجُدُوا لِلّ ِه الّذِي خََل َقهُنّ إِ نْ‬


‫َومِ ْن آيَاتِ هِ الّليْ ُل وَالنّهَا ُر وَالشّمْ سُ وَاْلقَمَ ُر ل تَ سْجُدُوا لِلشّمْ ِ‬
‫ُكنْتُمْ ِإيّاهُ َت ْعبُدُونَ (‪)37‬‬

‫ومِن حجج ال على خلقه‪ ,‬ودلئله على وحدانيته وكمال قدرته اختلف الليل والنهار‪ ,‬وتعاقبهما‪,‬‬
‫واختلف الشمس والقمر وتعاقبهما‪ ,‬كل ذلك تت تسخيه وقهره‪ .‬ل تسجدوا للشمس ول للقمر‪-‬‬
‫فإنما م َدبّران ملوقان‪ -‬واسجدوا ل الذي خلقهن‪ ,‬إن كنتم حقّا منقادين لمره سامعي مطيعي له‪،‬‬
‫تعبدونه وحده ل شريك له‪.‬‬

‫سَأمُونَ (‪)38‬‬
‫سبّحُونَ لَ ُه بِالّليْ ِل وَالنّهَا ِر َوهُ ْم ل يَ ْ‬
‫ك يُ َ‬
‫فَِإنْ ا ْسَتكْبَرُوا فَالّذِي َن ِعنْدَ َربّ َ‬

‫فإن استكب هؤلء الشركون عن السجود ل‪ ,‬فإن اللئكة الذين عند ربك ل يستكبون عن ذلك‪ ,‬بل‬
‫يسبحون له‪ ,‬وينّهونه عن كل نقص بالليل والنهار‪ ,‬وهم ل َيفْتُرون عن ذلك‪ ,‬ول يلون‪.‬‬

‫ت وَ َربَ تْ إِنّ الّذِي أَ ْحيَاهَا لَمُحْيِي‬


‫َومِ ْن آيَاتِ هِ َأنّ كَ تَرَى الَرْ ضَ خَا ِش َعةً فَِإذَا أَنزَلْنَا عََليْهَا الْمَا َء اهْتَزّ ْ‬
‫الْ َم ْوتَى ِإنّهُ عَلَى كُ ّل َشيْءٍ َقدِيرٌ (‪)39‬‬

‫‪886‬‬
‫ومن علمات وحدانية ال وقدرته‪ :‬أنك ترى الرض يابسة ل نبات فيها‪ ،‬فإذا أنزلنا عليها الطر دبّت‬
‫فيها الياة‪ ,‬وتركت بالنبات‪ ,‬وانتفخت وعلت‪ ,‬إن الذي أحيا هذه الرض بعد هودها‪ ,‬قادر على‬
‫إحياء اللق بعد موتم‪ ,‬إنه على كل شيء قدير‪ ,‬فكما ل تعجز قدرته عن إحياء الرض بعد موتا‪,‬‬
‫فكذلك ل تعجز عن إحياء الوتى‪.‬‬

‫خ َفوْنَ عََلْينَا أَفَ َم ْن يُ ْلقَى فِي النّارِ َخْيرٌ أَ ْم مَ ْن َي ْأتِي آمِنا َيوْ َم الْ ِقيَا َمةِ اعْمَلُوا‬
‫ِإنّ الّذِي َن يُ ْلحِدُونَ فِي آيَاتِنَا ل يَ ْ‬
‫مَا ِشئْتُمْ ِإنّ ُه بِمَا َتعْمَلُونَ َبصِيٌ (‪)40‬‬

‫خفَون علينا‪ ,‬بل نن مُطّلعون عليهم‪ .‬أفهذا‬


‫إن الذين ييلون عن الق‪ ,‬فيكفرون بالقرآن ويرفونه‪ ,‬ل َي ْ‬
‫اللحد ف آيات ال الذي يُلقى ف النار خي‪ ,‬أم الذي يأت يوم القيامة آمنًا من عذاب ال‪ ,‬مستحقًا‬
‫لثوابه; ليانه به وتصديقه بآياته؟ اعملوا‪ -‬أيها اللحدون‪ -‬ما شئتم‪ ,‬فإن ال تعال بأعمالكم بصي‪ ,‬ل‬
‫يفى عليه شيء منها‪ ,‬وسيجازيكم على ذلك‪ .‬وف هذا وعيد وتديد لم‪.‬‬

‫ِإنّ الّذِي نَ َكفَرُوا بِالذّكْرِ لَمّا جَا َءهُ ْم َوِإنّ هُ َلكِتَابٌ َعزِيزٌ (‪ )41‬ل َي ْأتِيهِ اْلبَاطِلُ مِ ْن َبيْ ِن يَ َديْهِ وَل مِ نْ َخ ْلفِ هِ‬
‫تَنِي ٌل مِنْ َحكِيمٍ حَمِيدٍ (‪)42‬‬

‫إن الذين جحدوا بذا القرآن وكذّبوا به حي جاءهم هالكون ومعذّبون‪ ,‬وإن هذا القرآن لكتاب عزيز‬
‫بإعزاز ال إياه وحفظه له من كل تغيي أو تبديل‪ ,‬ل يأتيه الباطل من أي ناحية من نواحيه ول يبطله‬
‫شيء‪ ,‬فهو مفوظ من أن يُنقص منه‪ ,‬أو يزاد فيه‪ ,‬تنيل من حكيم بتدبي أمور عباده‪ ,‬ممود على ما له‬
‫من صفات الكمال‪.‬‬

‫مَا ُيقَالُ لَكَ إِلّ مَا قَدْ قِيلَ لِل ّرسُ ِل مِنْ َقبْلِكَ إِنّ َربّكَ لَذُو َم ْغفِ َر ٍة وَذُو ِعقَابٍ أَلِيمٍ (‪)43‬‬

‫ما يقول لك هؤلء الشركون ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إل ما قد قاله مَن قبلهم مِنَ المم لرسلهم‪ ,‬فاصب على ما‬
‫ينالك ف سبيل الدعوة إل ال‪ .‬إن ربك لذو مغفرة لذنوب التائبي‪ ,‬وذو عقاب لن أصرّ على كفره‬
‫وتكذيبه‪.‬‬

‫‪887‬‬
‫ِينه آ َمنُوا هُدًى َو ِشفَاءٌ‬
‫ُههَأَأعْجَمِيّ َوعَ َربِيّ ُق ْل ُهوَ لِلّذ َ‬ ‫ت آيَات ُ‬
‫ُصهَل ْ‬
‫ج ِميّا َلقَالُوا َلوْل ف ّ‬ ‫َاهه ُقرْآنا أَعْ َ‬
‫وََلوْ َجعَ ْلن ُ‬
‫ك ُينَا َدوْ َن مِ ْن َمكَانٍ َبعِيدٍ (‪)44‬‬
‫وَالّذِينَ ل ُي ْؤ ِمنُونَ فِي آذَاِنهِ ْم وَ ْق ٌر َوهُ َو عََلْيهِ ْم عَمًى ُأوَْلئِ َ‬

‫ت آياته‪,‬‬‫ولو جعلنا هذا القرآن الذي أنزلناه عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أعجميًا‪ ,‬لقال الشركون‪ :‬هل ُبيّن ْ‬
‫فنفقهه ونعلمه‪ ,‬أأعجمي هذا القرآن‪ ,‬ولسان الذي أنزل عليه عرب؟ هذا ل يكون‪ .‬قل لم ‪-‬أيها‬
‫الرسول‪ : -‬هذا القرآن للذين آمنوا بال ورسوله هدى من الضللة‪ ,‬وشفاء لا ف الصدور من الشكوك‬
‫والمراض‪ ,‬والذين ل يؤمنون بالقرآن ف آذانم صمم من ساعه وتدبره‪ ,‬وهو على قلوبم عَمًى‪ ,‬فل‬
‫يهتدون به‪ ,‬أولئك الشركون كمن يُنادى‪ ,‬وهو ف مكان بعيد ل يسمع داعيًا‪ ,‬ول ييب مناديًا‪.‬‬

‫وََلقَ ْد آتَْينَا مُو سَى الْ ِكتَا بَ فَا ْختُلِ فَ فِي ِه وََلوْل كَِل َمةٌ َسَب َقتْ مِ نْ َربّ كَ َل ُقضِ َي َبيَْنهُ مْ َوِإّنهُ مْ َلفِي شَكّ ِمنْ هُ‬
‫مُرِيبٍ (‪)45‬‬

‫ولقد آتينا موسى التوراة كما آتيناك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬القرآن فاختلف فيها قومه‪ :‬فمنهم مَن آمن‪ ,‬ومنهم‬
‫مَن كذّب‪ .‬ولول كلمة سبقت من ربك بتأجيل العذاب عن قومك ل ُفصِل بينهم بإهلك الكافرين ف‬
‫الال‪ ,‬وإن الشركي لفي شك من القرآن شديد الريبة‪.‬‬

‫لمٍ ِل ْل َعبِيدِ (‪)46‬‬


‫ك بِ َظ ّ‬
‫مَ ْن عَمِلَ صَالِحا فَِلَنفْسِ ِه َومَنْ َأسَاءَ َفعََلْيهَا َومَا َربّ َ‬

‫من عمل صالًا فأطاع ال ورسوله فلنفسه ثواب عمله‪ ,‬ومن أساء فعصى ال ورسوله فعلى نفسه وزر‬
‫عمله‪ .‬وما ربك بظلم للعبيد‪ ,‬بنقص حسنة أو زيادة سيّئة‪.‬‬

‫‪888‬‬
‫الزء الامس والعشرون ‪:‬‬

‫حمِ ُل مِ نْ أُنثَى وَل َتضَ عُ إِ ّل ِبعِلْمِ ِه َوَيوْ مَ‬


‫ت مِ نْ أَكْمَا ِمهَا َومَا تَ ْ‬
‫ج مِ نْ ثَمَرَا ٍ‬
‫خرُ ُ‬
‫إَِليْ هِ يُ َر ّد عِلْ ُم ال سّا َعةِ َومَا تَ ْ‬
‫ُينَادِيهِمْ أَيْ َن ُشرَكَائِي قَالُوا آ َذنّاكَ مَا ِمنّا مِ ْن َشهِيدٍ (‪)47‬‬

‫إل ال تعال وحده ل شريك له ُيرْجَع علم الساعة‪ ,‬فإنه ل يعلم أحد مت قيامها غيه‪ ,‬وما ترج من‬
‫ثرات من أوعيتها‪ ,‬وما تمل مِن أنثى ول تضع حَمْلها إل بعلم من ال‪ ,‬ل يفى عليه شيء من ذلك‪.‬‬
‫ويوم ينادي ال تعال الشركي يوم القيامة توبيخًا لم وإظهارًا لكذبم‪ :‬أين شركائي الذين كنتم‬
‫تشركونم ف عبادت؟ قالوا‪ :‬أعلمناك الن ما منا من أحد يشهد اليوم أن معك شريكًا‪.‬‬

‫وَضَ ّل َعْنهُمْ مَا كَانُوا يَ ْدعُونَ مِنْ َقبْ ُل وَ َظنّوا مَا َلهُ ْم مِ ْن َمحِيصٍ (‪)48‬‬

‫وذهب عن هؤلء الشركي شركاؤهم الذين كانوا يعبدونم من دون ال‪ ,‬فلم ينفعوهم‪ ,‬وأيقنوا أن ل‬
‫ملجأ لم من عذاب ال‪ ,‬ول ميد عنه‪.‬‬

‫خيْ ِر َوِإنْ مَسّهُ الشّرّ َفَيئُوسٌ َقنُوطٌ (‪)49‬‬


‫ل يَسَْأ ُم الِنْسَانُ مِنْ ُدعَا ِء الْ َ‬

‫ل ي ّل النسان من دعاء ربه طالبًا الي الدنيوي‪ ,‬وإن أصابه فقر وشدة فهو يؤوس من رحة ال‪ ,‬قنوط‬
‫بسوء الظن بربه‪.‬‬

‫ستْهُ َلَيقُولَنّ هَذَا لِي َومَا َأظُنّ ال سّا َعةَ قَائِ َم ًة وََلئِ نْ رُ ِجعْ تُ إِلَى َربّي‬ ‫وََلئِ نْ أَذَ ْقنَا هُ َرحْ َم ًة ِمنّا مِ ْن َبعْدِ ضَرّا َء مَ ّ‬
‫ب غَلِيظٍ (‪)50‬‬ ‫سنَى فََلُنَنّبئَنّ الّذِينَ َكفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وََلنُذِيقَّنهُ ْم مِ ْن عَذَا ٍ‬
‫إِنّ لِي عِنْ َدهُ لَ ْلحُ ْ‬

‫ولئن أذقنا النسان نعمة منا من بعد شدة وبلء ل يشكر ال تعال‪ ,‬بل يطغى ويقول‪ :‬أتان هذا؛ لن‬
‫مستحق له‪ ,‬وما أعتقد أن الساعة آتية‪ ,‬وذلك إنكار منه للبعث‪ ,‬وعلى تقدير إتيان الساعة وأن سأرجع‬

‫‪889‬‬
‫إل رب‪ ,‬فإن ل عنده النة‪ ,‬فلنخبن الذين كفروا يوم القيامة با عملوا من سيئات‪ ,‬ولنذيقنهم من‬
‫العذاب الشديد‪.‬‬

‫ض َونَأى بِجَاِنبِ ِه َوإِذَا مَسّهُ الشّرّ فَذُو ُدعَا ٍء عَرِيضٍ (‪)51‬‬


‫َوإِذَا أَْنعَ ْمنَا عَلَى ا ِلنْسَانِ َأعْ َر َ‬

‫وإذا أنعمنا على النسان بصحة أو رزق أو غيها أعرض وترفّع عن النقياد إل الق‪ ،‬فإن أصابه ضر‬
‫فهو ذو دعاء كثي بأن يكشف ال ضرّه‪ ,‬فهو يعرف ربه ف الشدة‪ ,‬ول يعرفه ف الرخاء‪.‬‬

‫قُلْ أَ َرَأْيتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللّ ِه ثُمّ َكفَ ْرتُ ْم بِ ِه مَنْ أَضَ ّل ِممّ ْن ُهوَ فِي ِشقَاقٍ َبعِيدٍ (‪)52‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الكذبي‪ :‬أخبون إن كان هذا القرآن من عند ال ث جحدت وكذّبتم به‪ ,‬ل‬
‫أحد أضل منكم؛ لنكم ف خلف بعيد عن الق بكفركم بالقرآن وتكذيبكم به‪.‬‬

‫سهِمْ َحتّى َيتََبيّ نَ َلهُ مْ َأنّ ُه الْحَقّ َأوَلَ ْم َيكْ فِ بِ َربّ كَ َأنّ ُه عَلَى كُلّ شَيْءٍ‬
‫ق وَفِي َأنْفُ ِ‬
‫َسنُرِيهِ ْم آيَاِتنَا فِي الفَا ِ‬
‫َشهِيدٌ (‪)53‬‬

‫َسنُري هؤلء الكذبي آياتنا من الفتوحات وظهور السلم على القاليم وسائر الديان‪ ،‬وف أقطار‬
‫السموات والرض‪ ,‬وما يدثه ال فيهما من الوادث العظيمة‪ ,‬وف أنفسهم وما اشتملت عليه من بديع‬
‫آيات ال وعجائب صنعه‪ ,‬حت يتبي لم من تلك اليات بيان ل يقبل الشك أن القرآن الكري هو الق‬
‫الوحَى به من رب العالي‪ .‬أول يكفهم دليل على أن القرآن حق‪ ,‬ومَن جاء به صادق‪ ,‬شهادة ال‬
‫تعال؟ فإنه قد شهد له بالتصديق‪ ,‬وهو على كل شيء شهيد‪ ,‬ول شيء أكب شهادة من شهادته سبحانه‬
‫وتعال‪.‬‬

‫أَل ِإّنهُمْ فِي مِ ْرَي ٍة مِنْ ِلقَاءِ َرّبهِمْ أَل ِإنّ ُه ِبكُ ّل شَيْ ٍء مُحِيطٌ (‪)54‬‬

‫أل إن هؤلء الكافرين ف شك عظيم من البعث بعد المات‪ .‬أل إن ال‪ -‬ج ّل وعل‪ -‬بكل شيء ميط‬
‫علمًا وقدرة وعزةً‪ ,‬ل يفى عليه شيء ف الرض ول ف السماء‪.‬‬

‫‪890‬‬
‫‪ -42‬سورة الشورى‬

‫حم (‪ )1‬عسق (‪)2‬‬

‫( حم عسق ) سبق الكلم على الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬

‫حكِيمُ (‪)3‬‬
‫ك َوإِلَى الّذِي َن مِنْ َقبْلِكَ اللّ ُه اْلعَزِي ُز الْ َ‬
‫ك يُوحِي إَِليْ َ‬
‫كَذَلِ َ‬

‫كما أنزل ال إليك ‪-‬أيها النب‪ -‬هذا القرآن أنزل الكتب والصحف على النبياء من قبلك‪ ،‬وهو العزيز‬
‫ف انتقامه‪ ،‬الكيم ف أقواله وأفعاله‪.‬‬

‫ض َوهُ َو اْلعَِليّ اْلعَظِيمُ (‪)4‬‬


‫ت َومَا فِي الَ ْر ِ‬
‫لَ ُه مَا فِي السّ َموَا ِ‬

‫ل وحده ما ف السموات وما ف الرض‪ ،‬وهو العل ّي بذاته وقدره وقهره‪ ،‬العظيم الذي له العظمة‬
‫والكبياء‪.‬‬

‫ستَ ْغفِرُونَ لِمَنْ فِي الَرْضِ أَل إِنّ‬


‫سبّحُو َن بِحَ ْمدِ َرّبهِمْ َويَ ْ‬
‫َتكَا ُد السّ َموَاتُ يََتفَطّرْنَ مِنْ َفوِْقهِنّ وَالْمَلِئ َكةُ يُ َ‬
‫اللّ َه ُهوَ اْل َغفُورُ الرّحِيمُ (‪)5‬‬

‫تكاد السموات يتشقّقْنَ‪ ،‬كل واحدة فوق الت تليها؛ من عظمة الرحن وجلله تبارك وتعال‪ ,‬واللئكة‬
‫يسبحون بمد ربم‪ ,‬وينهونه عما ل يليق به‪ ،‬ويسألون ربم الغفرة لذنوب مَن ف الرض مِن أهل‬
‫اليان به‪ .‬أل إن ال هو الغفور لذنوب مؤمن عباده‪ ,‬الرحيم بم‪.‬‬

‫ت عََلْيهِ ْم ِبوَكِيلٍ (‪)6‬‬


‫خذُوا مِنْ دُونِهِ أَوِليَاءَ اللّهُ َحفِيظٌ عََلْيهِمْ اللّهُ َحفِيظٌ عََلْيهِ ْم َومَا َأنْ َ‬
‫وَالّذِينَ اتّ َ‬

‫‪891‬‬
‫والذين اتذوا غي ال آلة مِن دونه يتولّونا‪ ,‬ويعبدونا‪ ،‬ال تعال يفظ عليهم أفعالم؛ ليجازيهم با يوم‬
‫القيامة‪ ،‬وما أنت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بالوكيل عليهم بفظ أعمالم‪ ,‬إنا أنت منذر‪ ,‬فعليك البلغ وعلينا‬
‫الساب‪.‬‬

‫جمْ عِ ل َريْ بَ فِي هِ فَرِي قٌ فِي‬


‫وَكَذَلِ كَ َأوْ َحْينَا إَِليْ كَ ُقرْآنا عَ َرِبيّا ِلُتنْذِرَ ُأمّ اْلقُرَى َومَ نْ َحوَْلهَا َوتُنْذِرَ َيوْ مَ الْ َ‬
‫سعِيِ (‪)7‬‬ ‫جّنةِ وََفرِيقٌ فِي ال ّ‬ ‫الْ َ‬

‫وكما أوحينا إل النبياء قبلك أو َحيْنا إليك قرآنا عربيّا؛ لتنذر أهل "مكة" ومَن حولا مِن سائر الناس‪،‬‬
‫وتنذر عذاب يوم المع‪ ،‬وهو يوم القيامة‪ ,‬ل شك ف ميئه‪ .‬الناس فيه فريقان‪ :‬فريق ف النة‪ ,‬وهم الذين‬
‫آمنوا بال واتبعوا ما جاءهم به رسوله ممد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ومنهم فريق ف النار الستعرة‪ ,‬وهم‬
‫الذين كفروا بال‪ ,‬وخالفوا ما جاءهم به رسوله ممد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫جعََلهُمْ ُأ ّم ًة وَاحِ َدةً وََلكِ ْن يُدْ ِخ ُل مَ ْن يَشَاءُ فِي رَحْ َمتِ ِه وَالظّالِمُونَ مَا َلهُ ْم مِنْ وَلِيّ وَل نَصِيٍ‬
‫وََلوْ شَاءَ اللّهُ َل َ‬
‫(‪)8‬‬

‫ولو شاء ال أن يمع خَ ْلقَه على الدى ويعلهم على ملة واحدة مهتدية لفعل‪ ,‬ولكنه أراد أن يُدخل ف‬
‫ل يتول أمورهم يوم القيامة‪،‬‬
‫رحته مَن يشاء مِن خواص خلقه‪ .‬والظالون أنفسهم بالشرك ما لم من و ّ‬
‫ول نصي ينصرهم من عقاب ال تعال‪.‬‬

‫حيِ ا َل ْوتَى َو ُهوَ عَلَى كُ ّل َشيْءٍ َقدِيرٌ (‪)9‬‬


‫َأمْ اتّخَذُوا مِنْ دُونِهِ َأوِْليَاءَ فَاللّ ُه ُهوَ اْلوَِليّ َو ُه َو يُ ْ‬

‫ل يتوله َعبْدُه بالعبادة والطاعة‪،‬‬


‫بل اتذ هؤلء الشركون أولياء من دون ال يتولونم‪ ,‬فال وحده هو الو ّ‬
‫ويتولّى عباده الؤمني بإخراجهم من الظلمات إل النور وإعانتهم ف جيع أمورهم‪ ,‬وهو ييي الوتى عند‬
‫البعث‪ ،‬وهو على كل شيء قدير‪ ,‬ل يعجزه شيء ‪.‬‬

‫ت َوإِلَيْهِ ُأنِيبُ (‪)10‬‬


‫حكْمُهُ إِلَى اللّهِ ذَِلكُمْ اللّهُ َربّي عََليْ ِه َتوَكّ ْل ُ‬
‫َومَا ا ْختََلفْتُمْ فِي ِه مِ ْن َشيْءٍ فَ ُ‬

‫‪892‬‬
‫وما اختلفتم فيه‪ -‬أيها الناس‪ -‬من شيء من أمور دينكم‪ ,‬فالكم فيه مردّه إل ال ف كتابه وسنة رسوله‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ .‬ذلكم ال رب وربكم‪ ،‬عليه وحده توكلت ف أموري‪ ،‬وإليه أرجع ف جيع‬
‫شؤون‪.‬‬

‫سكُمْ أَ ْزوَاجا َومِ ْن ا َلنْعَا مِ أَ ْزوَاجا يَذْ َرؤُكُ مْ فِي هِ َليْ سَ كَ ِمثْلِ هِ‬
‫ت وَالَرْ ضِ َجعَلَ َلكُ مْ مِ نْ َأْنفُ ِ‬
‫فَاطِ ُر ال سّ َموَا ِ‬
‫َشيْءٌ َو ُهوَ السّمِي ُع الَبصِيُ (‪)11‬‬

‫ال سبحانه وتعال هو خالق السموات والرض ومبدعهما بقدرته ومشيئته وحكمته‪ ,‬جعل لكم من‬
‫أنفسكم أزواجًا؛ لتسكنوا إليها‪ ,‬وجعل لكم من النعام أزواجًا ذكورًا وإناثًا‪ ,‬يكثركم بسببه بالتوالد‪,‬‬
‫ليس يشبهه تعال ول ياثله شيء من ملوقاته‪ ,‬ل ف ذاته ول ف أسائه ول ف صفاته ول ف أفعاله؛ لن‬
‫أساءه كلّها حسن‪ ,‬وصفاتِه صفات كمال وعظمة‪ ,‬وأفعالَه تعال أوجد با الخلوقات العظيمة من غي‬
‫مشارك‪ ،‬وهو السميع البصي‪ ,‬ل يفى عليه مِن أعمال خلقه وأقوالم شيء‪ ,‬وسيجازيهم على ذلك‪.‬‬

‫ض َيبْسُطُ الرّ ْزقَ لِمَ ْن يَشَا ُء َوَيقْدِرُ ِإنّهُ ِبكُ ّل َشيْءٍ عَلِيمٌ (‪)12‬‬
‫ت وَالَ ْر ِ‬
‫لَ ُه َمقَالِيدُ السّ َموَا ِ‬

‫له سبحانه وتعال ملك السموات والرض‪ ،‬وبيده مفاتيح الرحة والرزاق‪ ،‬يوسّع رزقه على مَن يشاء‬
‫مِن عباده ويضيّقه على مَن يشاء‪ ,‬إنه تبارك وتعال بكل شيء عليم‪ ,‬ل يفى عليه شيء من أمور خلقه‪.‬‬

‫صْينَا بِ هِ ِإبْرَاهِي َم َومُو سَى َوعِي سَى أَ نْ‬ ‫ك َومَا وَ ّ‬ ‫شَرَ عَ َلكُ ْم مِ نْ الدّي ِن مَا وَ صّى بِ هِ نُوحا وَالّذِي َأوْ َحْينَا إَِليْ َ‬
‫جَتبِي إَِليْ ِه مَ ْن يَشَا ُء َوَيهْدِي إَِليْ هِ‬
‫أَقِيمُوا الدّي َن وَل َتَتفَرّقُوا فِي هِ َكبُ َر عَلَى الْمُشْرِ ِكيَ مَا تَ ْدعُوهُ مْ إِلَيْ هِ اللّ ُه يَ ْ‬
‫مَ ْن ُينِيبُ (‪)13‬‬

‫شرع ال لكم‪ -‬أيها الناس‪ -‬من الدّين الذي أوحيناه إليك ‪-‬أيها الرسول‪ ،‬وهو السلم‪ -‬ما وصّى به‬
‫نوحًا أن يعمله ويبلغه‪ ,‬وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى (هؤلء المسة هم أولو العزم من الرسل‬
‫على الشهور) أن أقيموا الدين بالتوحيد وطاعة ال وعبادته دون مَن سواه‪ ،‬ول تتلفوا ف الدين الذي‬
‫أمرتكم به‪ ,‬عَظُمَ على الشركي ما تدعوهم إليه من توحيد ال وإخلص العبادة له‪ ,‬ال يصطفي للتوحيد‬
‫مَن يشاء مِن خلقه‪ ،‬ويوفّق للعمل بطاعته مَن يرجع إليه‪.‬‬

‫‪893‬‬
‫ت مِ نْ َربّ كَ إِلَى أَ َج ٍل مُ سَمّى َل ُقضِ يَ‬
‫َومَا َتفَرّقُوا إِ ّل مِ ْن َبعْدِ مَا جَا َءهُ ْم اْلعِلْ ُم َبغْيا بَْيَنهُ ْم وََلوْل كَلِ َمةٌ َسَبقَ ْ‬
‫ك ِمنْهُ ُمرِيبٍ (‪)14‬‬ ‫ب مِ ْن َبعْ ِدهِمْ َلفِي شَ ّ‬ ‫َبيَْنهُ ْم َوِإنّ الّذِينَ أُو ِرثُوا اْلكِتَا َ‬

‫وما تفرّق الشركون بال ف أديانم فصاروا شيعًا وأحزابًا إل مِن بعدما جاءهم العلم وقامت الجة‬
‫عليهم‪ ,‬وما حلهم على ذلك إل البغي والعناد‪ ,‬ولول كلمة سبقت من ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بتأخي‬
‫العذاب عنهم إل أجل مسمى وهو يوم القيامة‪ ,‬لقضي بينهم بتعجيل عذاب الكافرين منهم‪ .‬وإن الذين‬
‫أورثوا التوراة والنيل من بعد هؤلء الختلفي ف الق لفي شك من الدين واليان موقعٍ ف الريبة‬
‫والختلف الذموم‪.‬‬

‫ب َوأُمِرْ تُ لَعْ ِد َل‬ ‫ت وَل َتّتبِ عْ أَ ْهوَاءَهُ ْم وَقُلْ آ َمنْ تُ بِمَا َأنْزَلَ اللّ ُه مِ نْ ِكتَا ٍ‬ ‫ع وَا سَْتقِمْ كَمَا ُأمِرْ َ‬ ‫فَِلذَلِ كَ فَادْ ُ‬
‫ج َة بَْيَننَا َوَبيَْنكُ مْ اللّ ُه يَجْ َم ُع َبْينَنَا َوإِلَيْ هِ الْمَ صِيُ (‬
‫َبيَْنكُ مْ اللّ هُ َرّبنَا وَ َرّبكُ مْ َلنَا َأعْمَاُلنَا وََلكُ مْ َأعْمَالُكُ مْ ل ُح ّ‬
‫‪)15‬‬

‫فإل ذلك الدين القيّم الذي شرعه ال للنبياء ووصّاهم به‪ ,‬فادع ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عباد ال‪ ,‬واستقم كما‬
‫أمرك ال‪ ،‬ول تتبع أهواء الذين شكّوا ف الق وانرفوا عن الدين‪ ,‬وقل‪ :‬صدّقت بميع الكتب النلة من‬
‫السماء على النبياء‪ ,‬وأمرن رب أن أعدل بينكم ف الكم‪ ,‬ال ربنا وربكم‪ ،‬لنا ثواب أعمالنا الصالة‪,‬‬
‫ولكم جزاء أعمالكم السيئة‪ ,‬ل خصومة ول جدال بيننا وبينكم بعدما تبي الق‪ ,‬ال يمع بيننا وبينكم‬
‫يوم القيامة‪ ,‬فيقضي بيننا بالق فيما اختلفنا فيه‪ ,‬وإليه الرجع والآب‪ ,‬فيجازي كل با يستحق‪.‬‬

‫ضةٌ ِعنْدَ َرّبهِمْ َوعََلْيهِ ْم غَضَبٌ وََلهُ ْم عَذَابٌ‬


‫جُتهُمْ دَا ِح َ‬
‫وَالّذِي َن يُحَاجّونَ فِي اللّ ِه مِ ْن َبعْدِ مَا ا ْستُجِيبَ لَهُ ُح ّ‬
‫شَدِيدٌ (‪)16‬‬

‫والذين يادلون ف دين ال الذي أرسلتُ به ممدًا صلى ال عليه وسلم‪ ،‬مِن بعد ما استجاب الناس له‬
‫وأسلموا‪ ,‬حجتهم ومادلتهم باطلة ذاهبة عند ربم‪ ,‬وعليهم من ال غضب ف الدنيا‪ ,‬ولم ف الخرة‬
‫عذاب شديد‪ ,‬وهو النار‪.‬‬

‫‪894‬‬
‫ب بِالْحَ ّق وَالْمِيزَانَ َومَا يُدْرِيكَ َلعَلّ السّا َعةَ َقرِيبٌ (‪)17‬‬
‫اللّ ُه الّذِي َأنْزَ َل اْلكِتَا َ‬

‫ال الذي أنزل القرآن وسائر الكتب النلة بالصدق‪ ,‬وأنزل اليزان وهو العدل؛ ليحكم بي الناس‬
‫بالنصاف‪ .‬وأي شيء يدريك وُيعْلمك لعل الساعة الت تقوم فيها القيامة قريب؟‬

‫شفِقُو َن ِمْنهَا َويَعَْلمُو نَ َأنّهَا الْحَقّ أَل ِإنّ الّذِي َن يُمَارُونَ‬


‫سَتعْجِ ُل ِبهَا الّذِي َن ل ُيؤْ ِمنُونَ ِبهَا وَالّذِي نَ آ َمنُوا مُ ْ‬
‫يَ ْ‬
‫فِي السّا َعةِ َلفِي ضَل ٍل َبعِيدٍ (‪)18‬‬

‫يستعجل بجيء الساعة الذين ل يؤمنون با؛ تكمًا واستهزاءً‪ ،‬والذين آمنوا با خائفون من قيامها‪,‬‬
‫ويعلمون أنا الق الذي ل شك فيه‪ .‬أل إن الذين ياصمون ف قيام الساعة لفي ضلل بعيد عن الق‪.‬‬

‫ي العَزِيزُ (‪)19‬‬
‫ف ِبعِبَا ِدهِ يَ ْر ُزقُ مَنْ يَشَاءُ َو ُه َو الْ َقوِ ّ‬
‫اللّهُ لَطِي ٌ‬

‫ال لطيف بعباده‪ ،‬يوسّع الرزق على مَن يشاء‪ ,‬ويضيّقه على مَن يشاء وَفْق حكمته سبحانه‪ ,‬وهو القوي‬
‫الذي له القوة كلها‪ ,‬العزيز ف انتقامه من أهل معاصيه‪.‬‬

‫مَ نْ كَا نَ ُيرِيدُ حَرْ ثَ ال ِخ َرةِ َنزِدْ لَ هُ فِي َح ْرثِ هِ َومَ نْ كَا َن يُرِيدُ َحرْ ثَ ال ّدْنيَا نُؤتِ ِه ِمنْهَا َومَا لَ هُ فِي ال ِخ َرةِ‬
‫مِ ْن َنصِيبٍ (‪)20‬‬

‫من كان يريد بعمله ثواب الخرة فأدى حقوق ال وأنفق ف الدعوة إل الدين‪ ،‬نزد له ف عمله السن‪،‬‬
‫فنضاعف له ثواب السنة إل عشر أمثالا إل ما شاء ال من الزيادة‪ ,‬ومن كان يريد بعمله الدنيا‬
‫وحدها‪ ،‬نؤته منها ما قسمناه له‪ ,‬وليس له ف الخرة شيء من الثواب‪.‬‬

‫أَ مْ َلهُ مْ شُرَكَا ُء شَ َرعُوا َلهُ ْم مِ نْ الدّي ِن مَا لَ ْم َيأْذَ ْن بِ هِ اللّ هُ وََلوْل كَِل َم ُة الْفَ صْلِ َل ُقضِ َي َبيَْنهُ ْم َوإِنّ الظّالِ ِميَ‬
‫َلهُ ْم عَذَابٌ أَلِيمٌ (‪)21‬‬

‫‪895‬‬
‫بل ألؤلء الشركي بال شركاء ف شركهم وضللتهم‪ ,‬ابتدعوا لم من الدين والشرك ما ل يأذن به‬
‫ال؟ ولول قضاء ال وقدره بإمهالم‪ ,‬وأن ل يعجل لم العذاب ف الدنيا‪ ,‬لقضي بينهم بتعجيل العذاب‬
‫لم‪ .‬وإن الكافرين بال لم يوم القيامة عذاب مؤل موجع‪.‬‬

‫جنّاتِ‬
‫ت الْ َ‬
‫سبُوا َوهُ َو وَاقِ ٌع ِبهِ ْم وَالّذِينَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا الصّالِحَاتِ فِي َروْضَا ِ‬
‫شفِقِيَ ِممّا كَ َ‬ ‫تَرَى الظّالِ ِميَ مُ ْ‬
‫ك ُه َو اْلفَضْ ُل الكَبِيُ ( ‪)22‬‬ ‫َلهُ ْم مَا يَشَاءُو َن ِعنْدَ َرّبهِمْ ذَلِ َ‬

‫ترى ‪-‬أيها الرسول‪ -‬الكافرين يوم القيامة خائفي من عقاب ال على ما كسبوا ف الدنيا من أعمال‬
‫خبيثة‪ ،‬والعذاب نازل بم‪ ،‬وهم ذائقوه ل مالة‪ ،‬والذين آمنوا بال وأطاعوه ف بساتي النات وقصورها‬
‫ونعيم الخرة‪ ،‬لم ما تشتهيه أنفسهم عند ربم‪ ,‬ذلك الذي أعطاه ال لم من الفضل والكرامة هو‬
‫الفضل الذي ل يوصف‪ ،‬ول تتدي إليه العقول‪.‬‬

‫ك الّذِي ُيبَشّرُ اللّ ُه ِعبَادَ ُه الّذِي نَ آمَنُوا َوعَ ِملُوا ال صّالِحَاتِ قُلْ ل أَ ْسأَلُكُ ْم عََليْ هِ أَجْرا إِ ّل الْ َموَ ّدةَ فِي‬
‫ذَلِ َ‬
‫سَنةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنا ِإنّ اللّ َه َغفُو ٌر َشكُورٌ (‪)23‬‬
‫الْقُ ْربَى َومَ ْن َيقْتَرِفْ حَ َ‬

‫ذلك الذي أخبتكم به‪ -‬أيها الناس‪ -‬من النعيم والكرامة ف الخرة هو البشرى الت يبشر ال با عباده‬
‫الذين آمنوا به ف الدنيا وأطاعوه‪ .‬قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للذين يشكون ف الساعة من مشركي قومك‪ :‬ل‬
‫أسألكم على ما أدعوكم إليه من الق الذي جئتكم به عوضًا من أموالكم‪ ,‬إل أن َتوَدّون ف قرابت‬
‫منكم‪ ,‬وَتصِلوا الرحم الت بين وبينكم‪ .‬ومن يكتسب حسنة نضاعفها له بعشر فصاعدًا‪ .‬إن ال غفور‬
‫لذنوب عباده‪ ,‬شكور لسناتم وطاعتهم إياه‪.‬‬

‫ختِ ْم عَلَى َق ْلبِ كَ َويَمْ حُ اللّ ُه الْبَاطِ َل َويُحِقّ الْحَقّ بِكَِلمَاتِ هِ‬
‫شأْ اللّ ُه َي ْ‬
‫أَ مْ َيقُولُو َن ا ْفتَرَى عَلَى اللّ هِ كَذِبا َفإِ نْ يَ َ‬
‫ت الصّدُورِ (‪)24‬‬ ‫ِإنّهُ عَلِي ٌم بِذَا ِ‬

‫بل أيقول هؤلء الشركون‪ :‬اختلق ممد الكذب على ال‪ ,‬فجاء بالذي يتلوه علينا اختلقًا من عند‬
‫ب ال الباطل فيمحقه‪ ،‬ويق‬‫نفسه؟ فإن يشأ ال يطبع على قلبك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لو فعلت ذلك‪ .‬ويُ ْذهِ ُ‬

‫‪896‬‬
‫الق بكلماته الت ل تتبدل ول تتغيّر‪ ،‬وبوعده الصادق الذي ل يتخلف‪ .‬إن ال عليم با ف قلوب العباد‪،‬‬
‫ل يفى عليه شيء منه‪.‬‬

‫سّيئَاتِ َوَيعْلَمُ مَا َت ْفعَلُونَ (‪)25‬‬


‫َو ُهوَ الّذِي َي ْقبَلُ الّت ْوَبةَ عَ ْن ِعبَا ِد ِه َويَ ْعفُو عَنْ ال ّ‬

‫وال سبحانه وتعال هو الذي يقبل التوبة عن عباده إذا رجعوا إل توحيد ال وطاعته‪ ،‬ويعفو عن‬
‫السيئات‪ ،‬ويعلم ما تصنعون من خي وشر‪ ،‬ل يفى عليه شيء من ذلك‪ ،‬وهو مازيكم به‪.‬‬

‫ب شَدِيدٌ (‪)26‬‬
‫ت َويَزِي ُدهُ ْم مِنْ َفضْلِ ِه وَاْلكَافِرُونَ َلهُ ْم عَذَا ٌ‬
‫ب الّذِينَ آمَنُوا َوعَ ِملُوا الصّالِحَا ِ‬
‫َويَسْتَجِي ُ‬

‫ويستجيب الذين آمنوا بال ورسوله لربم لِمَا دعاهم إليه وينقادون له‪ ،‬ويزيدهم من فضله توفيقًا‬
‫ومضاعفة ف الجر والثواب‪ .‬والكافرون بال ورسوله لم يوم القيامة عذاب شديد موجع مؤل‪.‬‬

‫ض وََلكِ ْن يُنَزّ ُل ِبقَدَ ٍر مَا يَشَاءُ ِإنّهُ ِب ِعبَا ِدهِ َخبِيٌ َبصِيٌ (‪)27‬‬
‫وََلوْ بَسَطَ اللّهُ الرّ ْزقَ ِل ِعبَا ِدهِ َلَب َغوْا فِي الَ ْر ِ‬

‫ولو بسط ال الرزق لعباده فوسّعه عليهم‪ ،‬لبغوا ف الرض أشَرًا وبطرًا‪ ،‬ولطغى بعضهم على بعض‪،‬‬
‫ولكن ال ينل أرزاقهم بقدر ما يشاء لكفايتهم‪ .‬إنه بعباده خبي با يصلحهم‪ ,‬بصي بتدبيهم وتصريف‬
‫أحوالم‪.‬‬

‫ث مِ ْن َبعْ ِد مَا َقنَطُوا َويَنشُرُ رَ ْح َمتَهُ وَ ُه َو اْلوَلِ ّي الْحَمِيدُ (‪)28‬‬


‫َو ُهوَ الّذِي ُينَزّ ُل اْل َغيْ َ‬

‫وال وحده هو الذي ينل الطر من السماء‪ ،‬فيغيثهم به من بعد ما يئسوا من نزوله‪ ،‬وينشر رحته ف‬
‫خلقه‪ ,‬فيعمهم بالغيث‪ ،‬وهو الولّ الذي يتول عباده بإحسانه وفضله‪ ,‬الميد ف وليته وتدبيه‪.‬‬

‫ض َومَا بَثّ فِيهِمَا مِنْ دَاّب ٍة َو ُهوَ عَلَى جَ ْم ِعهِمْ ِإذَا يَشَاءُ َقدِيرٌ (‪)29‬‬
‫َومِ ْن آيَاتِهِ َخلْقُ السّ َموَاتِ وَالَ ْر ِ‬

‫‪897‬‬
‫ومن آياته الدالة على عظمته وقدرته وسلطانه‪ ,‬خَلْ ُق السموات والرض على غي مثال سابق‪ ،‬وما نشر‬
‫فيهما من أصناف الدواب‪ ،‬وهو على َجمْع اللق بعد موتم لوقف القيامة إذا يشاء قدير‪ ,‬ل يتعذر عليه‬
‫شيء‪.‬‬

‫سَبتْ َأيْدِيكُ ْم َويَ ْعفُو عَنْ َكثِيٍ (‪)30‬‬


‫َومَا أَصَابَكُ ْم مِ ْن ُمصِيَبةٍ َفبِمَا كَ َ‬

‫وما أصابكم‪ -‬أيها الناس‪ -‬من مصيبة ف دينكم ودنياكم فبما كسبتم من الذنوب والثام‪ ،‬ويعفو لكم‬
‫ربكم عن كثي من السيئات‪ ،‬فل يؤاخذكم با‪.‬‬

‫ض َومَا َلكُ ْم مِنْ دُونِ اللّ ِه مِ ْن وَِليّ وَل َنصِيٍ (‪)31‬‬


‫جزِينَ فِي الَ ْر ِ‬
‫َومَا أَْنتُ ْم بِ ُمعْ ِ‬

‫ل يتول‬
‫وما أنتم‪ -‬أيها الناس‪ -‬بعجزين قدرة ال عليكم‪ ،‬ول فائتيه‪ ,‬وما لكم من دون ال مِن و ّ‬
‫أموركم‪ ،‬فيوصل لكم النافع‪ ،‬ول نصي يدفع عنكم الضارّ‪.‬‬

‫سكِنْ الرّي حَ َفيَظَْللْ نَ َروَاكِ َد عَلَى َظهْرِ هِ ِإنّ فِي‬


‫شأْ يُ ْ‬
‫جوَارِي فِي اْلبَحْرِ كَا َلعْل مِ (‪ )32‬إِ نْ يَ َ‬
‫َومِ ْن آيَاتِ هِ الْ َ‬
‫صبّا ٍر َشكُورٍ (‪)33‬‬ ‫ك ليَاتٍ ِلكُلّ َ‬ ‫ذَلِ َ‬

‫ومن آياته الدالة على قدرته الباهرة وسلطانه القاهر السفن العظيمة كالبال تري ف البحر‪ .‬إن يشأ ال‬
‫الذي أجرى هذه السفن ف البحر يُسكن الريح‪ ,‬فَتبْ َق السفن سواكن على ظهر البحر ل تري‪ ،‬إن ف‬
‫َجرْي هذه السفن ووقوفها ف البحر بقدرة ال لَعظات وحججًا بيّنة على قدرة ال لكل صبار على طاعة‬
‫ال‪ ,‬شكور لنعمه وأفضاله‪.‬‬

‫ف عَنْ َكثِيٍ (‪)34‬‬


‫سبُوا َويَعْ ُ‬
‫َأوْ يُوِب ْقهُ ّن بِمَا كَ َ‬

‫ف عن كثي من الذنوب فل يعاقب عليها‪.‬‬


‫أو يهلكِ السفن بالغرق بسبب ذنوب أهلها‪ ،‬ويع ُ‬

‫َوَيعْلَ َم الّذِي َن يُجَادِلُونَ فِي آيَاِتنَا مَا َلهُ ْم مِ ْن مَحِيصٍ (‪)35‬‬

‫‪898‬‬
‫ويَعْلَم الذين يادلون بالباطل ف آياتنا الدالة على توحيدنا‪ ,‬ما لم من ميد ول ملجأ من عقاب ال‪ ,‬إذا‬
‫عاقبهم على ذنوبم وكفرهم به‪.‬‬

‫حيَاةِ ال ّدنْيَا َومَا ِعنْدَ اللّ هِ َخيْ ٌر َوَأبْقَى لِلّذِي نَ آ َمنُوا َوعَلَى َرّبهِ ْم َيَتوَكّلُو نَ (‬
‫ع الْ َ‬
‫فَمَا أُوتِيتُ ْم مِ ْن َشيْءٍ َف َمتَا ُ‬
‫‪)36‬‬

‫فما أوتيتم‪ -‬أيها الناس‪ -‬من شيء من الال أو البني وغي ذلك فهو متاع لكم ف الياة الدنيا‪ ,‬سُرعان‬
‫ما يزول‪ ،‬وما عند ال تعال من نعيم النة القيم خي وأبقى للذين آمنوا بال ورسله‪ ,‬وعلى ربم‬
‫يتوكلون‪.‬‬

‫ش َوإِذَا مَا َغضِبُوا هُ ْم َي ْغفِرُونَ (‪)37‬‬


‫جتَِنبُونَ َكبَائِ َر الِثْ ِم وَاْل َفوَا ِح َ‬
‫وَالّذِينَ َي ْ‬

‫والذين يتنبون كبائر ما نى ال عنه‪ ،‬وما فَحُش وَقبُح من أنواع العاصي‪ ،‬وإذا ما غضبوا على مَن أساء‬
‫إليهم هم يغفرون الساءة‪ ،‬ويصفحون عن عقوبة السيء؛ طلبًا لثواب ال تعال وعفوه‪ ،‬وهذا من ماسن‬
‫الخلق‪.‬‬

‫وَالّذِينَ ا ْستَجَابُوا ِل َرّبهِمْ َوأَقَامُوا الصّل َة َوَأمْ ُرهُ ْم شُورَى َبيَْنهُ ْم َومِمّا َرزَ ْقنَاهُمْ ُيْن ِفقُونَ (‪)38‬‬

‫والذين استجابوا لربم حي دعاهم إل توحيده وطاعته‪ ,‬وأقاموا الصلة الفروضة بدودها ف أوقاتا‪,‬‬
‫وإذا أرادوا أمرًا تشاوروا فيه‪ ،‬وما أعطيناهم من الموال يتصدقون ف سبيل ال‪ ,‬ويؤدون ما فرض ال‬
‫عليهم من القوق لهلها من زكاة ونفقة وغي ذلك من وجوه النفاق‪.‬‬

‫وَالّذِينَ ِإذَا أَصَاَبهُ ْم اْلَبغْ ُي هُ ْم َينَْتصِرُونَ (‪)39‬‬

‫والذين إذا أصابم الظلم هم ينتصرون من بغى عليهم مِن غي أن يعتدوا‪ ,‬وإن صبوا ففي عاقبة صبهم‬
‫خي كثي‪.‬‬

‫‪899‬‬
‫حبّ الظّالِمِيَ (‪)40‬‬
‫وَجَزَا ُء َسّيَئةٍ َسّيَئةٌ ِمثُْلهَا فَ َم ْن َعفَا َوأَصَْلحَ َفأَجْ ُر ُه عَلَى اللّهِ ِإنّ ُه ل يُ ِ‬

‫وجزاء سيئة السيء عقوبته بسيئة مثلها من غي زيادة‪ ,‬فمن عفا عن السيء‪ ,‬وترك عقابه‪ ,‬وأصلح الودّ‬
‫بينه وبي العفو عنه ابتغاء وجه ال‪ ،‬فأَجْ ُر عفوه ذلك على ال‪ .‬إن ال ل يب الظالي الذين يبدؤون‬
‫بالعدوان على الناس‪ ،‬ويسيئون إليهم‪.‬‬

‫ك مَا عََلْيهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (‪)41‬‬


‫وَلَمَ ْن انتَصَ َر َبعْ َد ظُلْمِهِ َفأُوَْلئِ َ‬

‫ولن انتصر من ظلمه من بعد ظلمه له فأولئك ما عليهم من مؤاخذة‪.‬‬

‫س َويَْبغُونَ فِي الَ ْرضِ ِب َغيْ ِر الْحَقّ ُأوَْلئِكَ َلهُ ْم عَذَابٌ أَلِيمٌ (‪)42‬‬
‫ِإنّمَا السّبِي ُل عَلَى الّذِينَ يَ ْظلِمُونَ النّا َ‬

‫إنا الؤاخذة على الذين يتعدّون على الناس ظلمًا وعدوانًا‪ ,‬ويتجاوزون الدّ الذي أباحه لم ربم إل ما‬
‫ل يأذن لم فيه‪ ،‬فيفسدون ف الرض بغي الق‪ ,‬أولئك لم يوم القيامة عذاب مؤل موجع‪.‬‬

‫صبَرَ وَ َغفَرَ ِإنّ ذَلِكَ لَ ِم ْن عَ ْز ِم الُمُورِ (‪)43‬‬


‫وَلَمَنْ َ‬

‫ولن صب على الذى‪ ،‬وقابل الساءة بالعفو والصفح والسّتر‪ ,‬إن ذلك من عزائم المور الشكورة‬
‫والفعال الميدة الت أمر ال با‪ ،‬ورتّب لا ثوابًا جريل وثناءً حيدًا‪.‬‬

‫ب َيقُولُو َن هَلْ إِلَى مَ َر ّد مِنْ َسبِيلٍ‬


‫َومَ ْن ُيضْلِلْ اللّهُ فَمَا لَ ُه مِ ْن وَِليّ مِ ْن َبعْدِهِ َوتَرَى الظّاِلمِيَ لَمّا َرَأوْا اْلعَذَا َ‬
‫(‪)44‬‬

‫ومن يضلله ال عن الرشاد بسبب ظلمه فليس له من ناصر يهديه سبيل الرشاد‪ .‬وترى ‪-‬أيها الرسول‪-‬‬
‫الكافرين بال يوم القيامة ‪ -‬حي رأوا العذاب‪ -‬يقولون لربم‪ :‬هل لنا من سبيل إل الرجوع إل الدنيا؛‬
‫لنعمل بطاعتك؟ فل يابون إل ذلك‪.‬‬

‫َوتَرَاهُ ْم ُيعْرَضُو َن عََلْيهَا خَا ِشعِيَ مِنْ الذّ ّل يَنْ ُظرُو َن مِ ْن طَرْفٍ َخ ِفيّ وَقَا َل الّذِينَ آ َمنُوا إِنّ الْخَاسِرِي َن الّذِينَ‬
‫‪900‬‬
‫ب ُمقِيمٍ (‪)45‬‬
‫سهُمْ َوَأهْلِيهِ ْم َي ْومَ اْل ِقيَامَةِ أَل إِنّ الظّالِ ِميَ فِي عَذَا ٍ‬
‫سرُوا أَنفُ َ‬
‫خَ ِ‬

‫وترى ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء الظالي ُيعْرَضون على النار خاضعي متذللي ينظرون إل النار مِن طرْف‬
‫ذليل ضعيف من الوف والوان‪ .‬وقال الذين آمنوا بال ورسوله ف النة‪ ,‬لا عاينوا ما حلّ بالكفار من‬
‫خسران‪ :‬إن الاسرين حقًا هم الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة بدخول النار‪ .‬أل إن الظالي‪-‬‬
‫يوم القيامة‪ -‬ف عذاب دائم‪ ,‬ل ينقطع عنهم‪ ,‬ول يزول‪.‬‬

‫َومَا كَانَ َلهُ ْم مِنْ َأوِْليَا َء يَنصُرُوَنهُ ْم مِنْ دُونِ اللّ ِه َومَ ْن ُيضْلِلْ اللّهُ فَمَا لَ ُه مِ ْن َسبِيلٍ (‪)46‬‬

‫وما كان لؤلء الكافرين حي يعذبم ال يوم القيامة من أعوان ونصراء ينصرونم من عذاب ال‪ .‬ومن‬
‫يضلله ال بسبب كفره وظلمه‪ ,‬فما له من طريق يصل به إل الق ف الدنيا‪ ،‬وإل النة ف الخرة؛ لنه‬
‫قد سدّت عليه طرق النجاة‪ ,‬فالداية والضلل بيده سبحانه وتعال دون سواه‪.‬‬

‫ا سْتَجِيبُوا ِل َربّكُ ْم مِ نْ َقبْلِ أَ ْن يَ ْأتِ يَ َيوْ مٌ ل َمرَدّ لَ ُه مِ نْ اللّ ِه مَا َلكُ ْم مِ ْن مَ ْلجٍَإ َي ْو َمئِذٍ َومَا َلكُ ْم مِ ْن َنكِيٍ (‬
‫‪)47‬‬

‫استجيبوا لربكم‪ -‬أيها الكافرون‪ -‬باليان والطاعة من قبل أن يأت يوم القيامة‪ ,‬الذي ل يكن رده‪ ,‬ما‬
‫لكم من ملجأ يومئذ ينجيكم من العذاب‪ ،‬ول مكان يستركم‪ ،‬وتتنكرون فيه‪ .‬وف الية دليل على ذم‬
‫التسويف‪ ،‬وفيها المر بالبادرة إل كل عمل صال يعرض للعبد‪ ,‬فإن للتأخي آفات وموانع‪.‬‬

‫ح ِبهَا‬
‫غ َوِإنّا إِذَا أَذَ ْقنَا ا ِلنْ سَا َن ِمنّا رَ ْح َمةً فَ ِر َ‬
‫فَإِ نْ َأعْرَضُوا َفمَا أَرْ سَ ْلنَاكَ عََلْيهِ مْ َحفِيظا إِ ْن عََليْ كَ إِ ّل الْبَل ُ‬
‫َوإِ ْن ُتصِْبهُ ْم َسّيَئةٌ بِمَا َق ّد َمتْ َأيْدِيهِمْ فَِإنّ الِنسَانَ َكفُورٌ (‪)48‬‬

‫فإن أعرض هؤلء الشركون ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عن اليان بال فما أرسلناك عليهم حافظًا لعمالم حت‬
‫تاسبهم عليها‪ ،‬ما عليك إل البلغ‪ .‬وإنّا إذا أعطينا النسان منا رحة مِن غن و َسعَة ف الال وغي ذلك‪،‬‬
‫فَرِح وسُرّ‪ ،‬وإن تصبهم مصيبة مِن فقر ومرض وغي ذلك بسبب ما قدمته أيديهم من معاصي ال‪ ,‬فإن‬
‫النسان جحود يعدّد الصائب‪ ,‬وينسى النعم‪.‬‬

‫‪901‬‬
‫خلُ ُق مَا يَشَا ُء َيهَ بُ لِمَ نْ يَشَاءُ ِإنَاثا َويَهَ بُ لِمَ ْن يَشَاءُ الذّكُورَ (‪َ )49‬أوْ‬
‫ت وَالَرْ ضِ يَ ْ‬
‫ك ال سّ َموَا ِ‬ ‫لِلّ ِه مُلْ ُ‬
‫جعَ ُل مَ ْن يَشَاءُ عَقِيما ِإنّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (‪)50‬‬ ‫يُ َزوّ ُجهُمْ ذُكْرَانا َوِإنَاثا َويَ ْ‬

‫ل سبحانه وتعال ملك السموات والرض وما فيهما‪ ,‬يلق ما يشاء من اللق‪ ,‬يهب لن يشاء من عباده‬
‫إناثًا ل ذكور معهن‪ ،‬ويهب لن يشاء الذكور ل إناث معهم‪ ،‬ويعطي سبحانه وتعال لن يشاء من الناس‬
‫الذكر والنثى‪ ,‬ويعل مَن يشاء عقيمًا ل يولد له‪ ,‬إنه عليم با َيخْلُق‪ ,‬قدير على خَلْق ما يشاء‪ ,‬ل يعجزه‬
‫شيء أراد خلقه‪.‬‬

‫َومَا كَا نَ ِلبَشَرٍ أَ ْن ُيكَلّمَ هُ اللّ هُ إِ ّل وَحْيا َأوْ مِ ْن وَرَاءِ ِحجَا بٍ َأ ْو يُرْ سِلَ رَ سُولً َفيُوحِ َي بِإِ ْذنِ هِ مَا يَشَاءُ ِإنّ هُ‬
‫عَِليّ َحكِيمٌ (‪)51‬‬

‫وما ينبغي لبشر من بن آدم أن يكلمه ال إل وحيًا يوحيه ال إليه‪ ،‬أو يكلمه من وراء حجاب‪ ،‬كما كلّم‬
‫سبحانه موسى عليه السلم‪ ,‬أو يرسل رسول كما ينل جبيل عليه السلم إل الرسل إليه‪ ,‬فيوحي بإذن‬
‫ربه ل بجرد هواه ما يشاء ال إياءه‪ ،‬إنه تعال عل ّي بذاته وأسائه وصفاته وأفعاله‪ ,‬قد قهر كل شيء‬
‫ودانت له الخلوقات‪ ،‬حكيم ف تدبي أمور خلقه‪ .‬وف الية إثبات صفة الكلم ل تعال على الوجه‬
‫اللئق بلله وعظيم سلطانه‪.‬‬

‫ت تَدْرِي مَا اْل ِكتَابُ وَل الِيَا ُن وَلَكِنْ َجعَ ْلنَاهُ نُورا َنهْدِي بِ ِه‬
‫وَكَذَلِكَ َأوْ َحيْنَا إَِليْكَ رُوحا مِنْ َأمْ ِرنَا مَا ُكنْ َ‬
‫صرَاطِ اللّ ِه الّذِي لَ ُه مَا فِي السّ َموَاتِ َومَا فِي‬‫سَتقِيمٍ (‪ِ )52‬‬ ‫ط مُ ْ‬
‫مَ ْن نَشَا ُء مِ ْن عِبَا ِدنَا َوِإنّكَ َلَتهْدِي إِلَى صِرَا ٍ‬
‫الَ ْرضِ أَل إِلَى اللّ ِه َتصِيُ ا ُلمُورُ (‪)53‬‬

‫وكما أوحينا إل النبياء من قبلك ‪-‬أيها النب‪ -‬أوحينا إليك قرآنًا من عندنا‪ ،‬ما ك نت تدري قبله ما‬
‫الك تب ال سابقة ول اليان ول الشرائع الل ية؟ ول كن جعل نا القرآن ضياء للناس ندي به مَن نشاء مِن‬
‫عباد نا إل ال صراط ال ستقيم‪ .‬وإ نك ‪-‬أي ها الر سول‪َ -‬لتَدُلّ َوتُ ْرشِدُ بإذن ال إل صراط م ستقيم‪ -‬و هو‬
‫السلم‪ -‬صراط ال الذي له ملك جيع ما ف السموات وما ف الرض‪ ،‬ل شريك له ف ذلك‪ .‬أل إل‬
‫ال‪ -‬أي ها الناس‪ -‬تر جع ج يع أمور كم من ال ي وال شر‪ ,‬فيجازي كل بعمله‪ :‬إن خيًا فخ ي‪ ،‬وإن شرًا‬
‫فشر‪.‬‬
‫‪902‬‬
‫‪ -43‬سورة الزخرف‬

‫حم (‪)1‬‬

‫( حم ) سبق الكلم على الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬

‫وَالْ ِكتَابِ الْ ُمبِيِ (‪)2‬‬

‫أقسم ال تعال بالقرآن الواضح لفظًا ومعن‪.‬‬

‫ِإنّا َجعَ ْلنَاهُ ُقرْآنا َع َربِيّا َلعَّلكُ ْم َت ْعقِلُونَ (‪َ )3‬وِإنّهُ فِي ُأ ّم الْ ِكتَابِ لَ َدْينَا َلعَِليّ َحكِيمٌ (‪)4‬‬

‫إنّاه أنزلنها القرآن على ممهد صهلى ال عليهه وسهلم بلسهان العرب؛ لعلكهم تفهمون‪ ,‬وتتدبرون معانيهه‬
‫وحججه‪ .‬وإنه ف اللوح الحفوظ لدينا لعليّ ف قَدْره وشرفه‪ ,‬مكم ل اختلف فيه ول تناقض‪.‬‬

‫صفْحا َأنْ كُنتُمْ َقوْما مُسْرِِفيَ (‪)5‬‬


‫ب عَنكُمْ الذّكْرَ َ‬
‫أََفنَضْرِ ُ‬

‫أفنُعْرِض عن كم‪ ,‬ونترك إنزال القرآن إلي كم ل جل إعراض كم وعدم انقياد كم‪ ,‬وإ سرافكم ف عدم اليان‬
‫به؟‬

‫سَتهْ ِزئُون ( ‪َ )7‬فَأهَْل ْكنَا َأشَ ّد ِمنْهُمْ‬


‫وَكَمْ أَرْسَ ْلنَا مِ ْن َنِبيّ فِي ا َلوّلِيَ (‪َ )6‬ومَا َيأْتِيهِ ْم مِ ْن َنبِيّ إِلّ كَانُوا بِهِ يَ ْ‬
‫بَطْشا َومَضَى َمثَلُ ا َلوّلِيَ (‪)8‬‬

‫كثيًا من النبياء أرسلنا ف القرون الول الت مضت قبل قومك أيها النب‪ .‬وما يأتيهم من نب إل كانوا‬
‫به ي ستهزئون كا ستهزاء قو مك بك‪ ,‬فأهلك نا مَن كذّبوا ر سلنا‪ ,‬وكانوا أ شد قوة وبأ سًا من قو مك يا‬
‫ممد‪ ,‬ومضت عقوبة الولي بأن أهلِكوا؛ بسبب كفرهم وطغيانم واستهزائهم بأنبيائهم‪ .‬وف هذا تسلية‬
‫‪903‬‬
‫للنب صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫وََلئِنْ سَأَْلَتهُ ْم مَنْ َخلَقَ السّ َموَاتِ وَالَ ْرضَ َليَقُولُنّ َخَل َقهُ ّن الْعَزِي ُز الْعَلِيمُ (‪)9‬‬

‫ولئن سألت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء الشركي من قومك مَن خلق السموات والرض؟ ليقولُنّ‪ :‬خلقهنّ‬
‫العزيز ف سلطانه‪ ,‬العليم بن وما فيهن من الشياء‪ ,‬ل يفى عليه شيء‪.‬‬

‫ض َمهْدا وَ َجعَلَ َلكُمْ فِيهَا ُسُبلً َلعَّلكُ ْم َتهْتَدُونَ (‪)10‬‬


‫الّذِي َجعَلَ َلكُ ْم الَ ْر َ‬

‫الذي جعل لكم الرض فراشًا وبساطًا‪ ,‬وسهّل لكم فيها طرقًا لعاشكم ومتاجركم ; لكي تتدوا بتلك‬
‫السبل إل مصالكم الدينية والدنيوية‪.‬‬

‫خرَجُونَ (‪)11‬‬
‫ك تُ ْ‬
‫وَالّذِي نَزّ َل مِنْ السّمَا ِء مَا ًء ِبقَدَرٍ َفأَنشَ ْرنَا بِهِ بَلْ َد ًة َميْتا كَذَلِ َ‬

‫والذي نزل من السماء مطرًا بقدر‪ ,‬ليس طوفانًا مغرقًا ول قاصرًا عن الاجة؛ حت يكون معاشًا لكم‬
‫ولنعامكم‪ ,‬فأحيينا بالاء بلدة ُم ْقفِرَة من النبات‪ ،‬كما أخرجنا بذا الاء الذي نزلناه من السماء من هذه‬
‫البلدة اليتة النبات والزرع‪ ,‬تُخْرَجون‪ -‬أيها الناس‪ -‬من قبوركم بعد فنائكم‪.‬‬

‫ك وَا َلْنعَامِ مَا تَرْ َكبُونَ (‪)12‬‬


‫وَالّذِي خََل َق الَ ْزوَاجَ ُكّلهَا وَ َجعَلَ َلكُ ْم مِ ْن اْلفُلْ ِ‬

‫والذي خلق الصناف كلها من حيوان ونبات‪ ,‬وجعل لكم من السفن ما تركبون ف البحر‪ ,‬ومن البهائم‬
‫كالبل واليل والبغال والمي ما تركبون ف الب‪.‬‬

‫سَتوُوا عَلَى ظُهُورِ هِ ثُمّ تَذْكُرُوا نِعْ َمةَ َربّكُ مْ إِذَا ا ْستَ َوْيتُ ْم عََليْ ِه َوَتقُولُوا ُسبْحانَ الّذِي سَخّرَ َلنَا هَذَا َومَا‬
‫ِلتَ ْ‬
‫ُكنّا لَ ُه ُمقْ ِرنِيَ (‪َ )13‬وِإنّا إِلَى َرّبنَا َلمُنقَِلبُونَ (‪)14‬‬

‫‪904‬‬
‫لكي تستووا على ظهور ما تركبون‪ ,‬ث تذكروا نعمة ربكم إذا ركبتم عليه‪ ,‬وتقولوا‪ :‬المد ل الذي‬
‫سخر لنا هذا‪ ,‬وما كنا له مطيقي‪ ,‬ولتقولوا أيضًا‪ :‬وإنا إل ربنا بعد ماتنا لصائرون إليه راجعون‪ .‬وف‬
‫هذا بيان أن ال النعم على عباده بشتّى النعم‪ ,‬هو الستحق للعبادة ف كل حال ‪.‬‬

‫وَ َجعَلُوا لَ ُه مِ ْن عِبَا ِدهِ جُزْءا ِإنّ الِنسَانَ َل َكفُورٌ مُبِيٌ (‪)15‬‬

‫وجعل هؤلء الشركون ل مِن خلقه نصيًبا‪ ,‬وذلك قولم للملئكة‪ :‬بنات ال‪ .‬إن النسان لحود لنعم‬
‫ربه الت أنعم با عليه‪ ,‬مظهر لحوده وكفره يعدّد الصائب‪ ,‬وينسى النعم‪.‬‬

‫صفَاكُ ْم بِاْلبَنِيَ (‪)16‬‬


‫َأمْ اتّخَذَ مِمّا يَخُْل ُق َبنَاتٍ َوأَ ْ‬

‫بل أتزعمون‪ -‬أيها الاهلون‪ -‬أن ربكم اتذ ما يلق بنات وأنتم ل ترضون ذلك لنفسكم‪ ,‬وخصّكم‬
‫بالبني فجعلهم لكم؟ وف هذا توبيخ لم‪.‬‬

‫سوَدّا َو ُهوَ َكظِيمٌ (‪)17‬‬


‫ضرَبَ لِلرّ ْحمَ ِن َمَثلً ظَ ّل وَ ْجهُ ُه مُ ْ‬
‫َوإِذَا بُشّرَ أَحَ ُدهُ ْم بِمَا َ‬

‫سوَدّا من سوء‬
‫وإذا بُشّر أحدهم بالنثى الت نسبها للرحن حي زعم أن اللئكة بنات ال صار وجهه مُ ْ‬
‫البشارة بالنثى‪ ,‬وهو حزين ملوء من الم والكرب‪( .‬فكيف يرضون ل ما ل يرضونه لنفسهم؟ تعال‬
‫ال وتقدّس عما يقول الكافرون علوًا كبيًا)‪.‬‬

‫خصَا ِم َغيْ ُر ُمبِيٍ (‪)18‬‬


‫ح ْلَيةِ َو ُهوَ فِي الْ ِ‬
‫شأُ فِي الْ ِ‬
‫َأ َومَنْ ُينَ ّ‬

‫أتترئون وتنسبون إل ال تعال مَن ُي َربّى ف الزينة‪ ,‬وهو ف الدال غي مبي لجته; لنوثته؟‬

‫ب َشهَا َدُتهُ ْم َويُسْأَلُونَ (‪)19‬‬


‫وَ َجعَلُوا الْمَلِئ َكةَ الّذِي َن هُ ْم ِعبَادُ الرّحْمَنِ ِإنَاثا َأ َشهِدُوا خَ ْل َقهُ ْم َسُت ْكتَ ُ‬

‫وجعل هؤلء الشركون بال اللئكة الذين هم عباد الرحن إناثًا‪ ,‬أ َحضَروا حالة خَلْقهم حت يكموا‬
‫بأنم إناث؟ ستُكتب شهادتم‪ ,‬ويُسألون عنها ف الخرة‪.‬‬
‫‪905‬‬
‫ك مِ ْن عِ ْلمٍ إِ ْن هُمْ إِ ّل يَخْرُصُونَ (‪)20‬‬
‫وَقَالُوا َل ْو شَاءَ الرّ ْحمَ ُن مَا َعبَ ْدنَاهُ ْم مَا َلهُ ْم بِذَلِ َ‬

‫وقال هؤلء الشركون من قريش‪ :‬لو شاء الرحن ما عبدنا أحدًا من دونه‪ ,‬وهذه حجة باطلة‪ ,‬فقد أقام‬
‫ال الجة على العباد بإرسال الرسل وإنزال الكتب‪ ,‬فاحتجاجهم بالقضاء والقَدَر مِن أبطل الباطل مِن‬
‫بعد إنذار الرسل لم‪ .‬ما لم بقيقة ما يقولون مِن ذلك مِن علم‪ ,‬وإنا يقولونه ترّصًا وكذبًا؛ لنه ل‬
‫خب عندهم من ال بذلك ول برهان‪.‬‬

‫سكُونَ (‪)21‬‬
‫ستَمْ ِ‬
‫َأمْ آَتْينَاهُمْ ِكتَابا مِنْ َقبْلِهِ َفهُ ْم بِ ِه مُ ْ‬

‫أَ َحضَروا خَلْق اللئكة‪ ,‬أم أعطيناهم كتابًا من قبل القرآن الذي أنزلناه‪ ,‬فهم به مستمسكون يعملون با‬
‫فيه‪ ,‬ويتجون به عليك أيها الرسول؟‬

‫بَلْ قَالُوا ِإنّا وَجَ ْدنَا آبَا َءنَا عَلَى ُأ ّم ٍة َوِإنّا عَلَى آثَا ِرهِ ْم ُم ْهتَدُونَ (‪)22‬‬

‫بل قالوا‪ :‬إنا وجدنا آباءنا على طريقة ومذهب ودين‪ ,‬وإنا على آثار آبائنا فيما كانوا عليه متبعون لم‪,‬‬
‫ومقتدون بم‪.‬‬

‫ك مَا أَرْ سَ ْلنَا مِ نْ َقبْلِ كَ فِي قَ ْرَي ٍة مِ ْن نَذِيرٍ إِلّ قَا َل ُمتْرَفُوهَا ِإنّ ا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى ُأ ّم ٍة َوِإنّ ا عَلَى‬
‫وَكَذَلِ َ‬
‫آثَا ِرهِ ْم ُمقْتَدُونَ (‪)23‬‬

‫وكذلك ما أرسلنا من قبلك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ف قرية مِن نذير ينذرهم عقابنا على كفرهم بنا‪ ,‬فأنذروهم‬
‫وحذّروهم سخَطنا وحلول عقوبتنا‪ ,‬إل قال الذين أبطرتم النعمة من الرؤساء والكباء‪ :‬إنّا وجدنا آباءنا‬
‫على ملة ودين‪ ,‬وإنا على منهاجهم وطريقتهم مقتدون‪.‬‬

‫قَالَ َأوََلوْ ِجْئتُكُ ْم ِبَأهْدَى مِمّا وَجَ ْدتُ ْم عََليْ ِه آبَاءَكُمْ قَالُوا ِإنّا بِمَا أُ ْر ِس ْلتُ ْم بِهِ كَاِفرُونَ (‪)24‬‬

‫‪906‬‬
‫قال ممد صلى ال عليه وسلم ومَن سبقه من الرسل لن عارضه بذه الشبهة الباطلة‪ :‬أتتبعون آباءكم‪,‬‬
‫ولو جئتكم مِن عند ربكم بأهدى إل طريق الق وأد ّل على سبيل الرشاد ما وجدت عليه آباءكم من‬
‫الدين واللة؟ قالوا ف عناد‪ :‬إنا با أرسلتم به جاحدون كافرون‪.‬‬

‫فَانتَقَ ْمنَا ِمْنهُمْ فَانظُرْ َكيْفَ كَا َن عَاقَِب ُة الْ ُمكَ ّذبِيَ (‪)25‬‬

‫سفًا وغرقًا وغي ذلك‪ ,‬فانظر ‪-‬أيها‬


‫فانتقمنا من هذه المم الكذبة رسلها بإحللنا العقوبة بم خَ ْ‬
‫الرسول‪ -‬كيف كان عاقبة أمرهم إذ كذبوا بآيات ال ورسله؟ وليحْذَر قومك أن يستمروا على‬
‫تكذيبهم‪ ,‬فيصيبهم مثل ما أصابم‪.‬‬

‫َوإِذْ قَالَ ِإبْرَاهِيمُ َلبِي ِه وََق ْومِهِ ِإّننِي بَرَا ٌء مِمّا َت ْعبُدُونَ (‪)26‬‬

‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إذ قال إبراهيم لبيه وقومه الذين كانوا يعبدون ما يعبده قومك‪ :‬إنن براء ما‬
‫تعبدون من دون ال‪.‬‬

‫إِلّ الّذِي َفطَ َرنِي فَِإنّهُ َسَيهْدِينِ (‪)27‬‬

‫إل الذي خلقن‪ ,‬فإنه سيوفقن لتباع سبيل الرشاد‪.‬‬

‫وَ َجعََلهَا كَِل َم ًة بَاِقَيةً فِي َعقِبِهِ َلعَّلهُ ْم يَ ْر ِجعُونَ (‪)28‬‬

‫وجعل إبراهيم عليه السلم كلمة التوحيد (ل إله إل ال) باقية ف مَن بعده؛ لعلهم يرجعون إل طاعة‬
‫ربم وتوحيده‪ ,‬ويتوبون من كفرهم وذنوبم‪.‬‬

‫ت َهؤُل ِء وَآبَا َءهُمْ َحتّى جَا َءهُمْ الْحَ ّق وَ َرسُو ٌل ُمبِيٌ (‪)29‬‬
‫بَ ْل َمتّ ْع ُ‬

‫بل متعتُ ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء الشركي من قومك وآباءهم مِن قبلهم بالياة‪ ,‬فلم أعاجلهم بالعقوبة‬
‫على كفرهم‪ ,‬حت جاءهم القرآن ورسول يبيّن لم ما يتاجون إليه من أمور دينهم‪.‬‬
‫‪907‬‬
‫ح ٌر َوإِنّا بِهِ كَافِرُونَ (‪)30‬‬
‫حقّ قَالُوا هَذَا سِ ْ‬
‫وَلَمّا جَا َءهُ ْم الْ َ‬

‫ولا جاءهم القرآن من عند ال قالوا‪ :‬هذا الذي جاءنا به هذا الرسول سح ٌر يسحرنا به‪ ,‬وليس بوحي مِن‬
‫عند ال‪ ,‬وإنا به مكذّبون‪.‬‬

‫وَقَالُوا َلوْل نُزّ َل هَذَا اْلقُرْآنُ عَلَى رَ ُج ٍل مِ ْن اْلقَ ْريََتيْ ِن عَظِيمٍ (‪)31‬‬

‫وقال هؤلء الشركون مِن قريش‪ :‬إنْ كان هذا القرآن مِن عند ال حقًا‪ ,‬فهل نُزّل على رجل عظيم من‬
‫إحدى هاتي القريتي "مكة" أو "الطائف"‪.‬‬

‫ق َبعْ ضٍ‬
‫ضهُ مْ َفوْ َ‬
‫حيَاةِ ال ّدنْيَا وَرََفعْنَا َبعْ َ‬
‫شَتهُ مْ فِي الْ َ‬
‫ح نُ قَ سَ ْمنَا َبيَْنهُ مْ َمعِي َ‬
‫ك نَ ْ‬
‫َأهُ ْم َيقْ سِمُونَ رَ ْح َمةَ َربّ َ‬
‫ضهُمْ َبعْضا سُخْ ِريّا وَ َرحْ َمةُ َربّكَ َخيْ ٌر ِممّا يَجْ َمعُونَ (‪)32‬‬ ‫دَ َرجَاتٍ ِلَيتّخِ َذ َب ْع ُ‬

‫أهم يقسمون النبوة فيضعونا حيث شاؤوا؟ نن قسمنا بينهم معيشتهم ف حياتم الدنيا من الرزاق‬
‫ي وهذا ضعيف؛ ليكون‬ ‫ن وهذا فقي‪ ,‬وهذا قو ّ‬
‫والقوات‪ ,‬ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات‪ :‬هذا غ ّ‬
‫بعضهم مُسَخّرًا لبعض ف العاش‪ .‬ورحة ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بإدخالم النة خي ما يمعون من حطام‬
‫الدنيا الفان‪.‬‬

‫ج عََليْهَا‬
‫ض ٍة َو َمعَارِ َ‬
‫جعَلْنَا ِلمَ ْن َيكْفُ ُر بِالرّحْ َم نِ ِلبُيُوِتهِ مْ ُسقُفا مِ نْ َف ّ‬
‫وََلوْل أَ ْن يَكُو نَ النّا سُ ُأ ّمةً وَاحِ َدةً لَ َ‬
‫يَ ْظهَرُونَ (‪)33‬‬

‫ولول أن يكون الناس جاعة واحدة على الكفر‪ ,‬لعلنا لن يكفر بالرحن لبيوتم ُسقُفا من فضة وسلل‬
‫عليها يصعدون‪.‬‬

‫حيَاةِ ال ّدْنيَا وَال ِخ َرةُ ِعنْدَ‬


‫ع الْ َ‬
‫وَِلبُيُوِتهِمْ َأبْوَابا وَسُرُرا عََلْيهَا َيّتكِئُونَ (‪ )34‬وَ ُزخْرُفا َوإِنْ ُكلّ ذَلِكَ لَمّا مَتَا ُ‬
‫َربّكَ لِلْ ُمّتقِيَ (‪)35‬‬

‫‪908‬‬
‫وجعلنا لبيوتم أبوابًا من فضة‪ ,‬وجعلنا لم سررًا عليها يتكئون‪ ,‬وجعلنا لم ذهبًا‪ ,‬وما كل ذلك إل متاع‬
‫الياة الدنيا‪ ,‬وهو متاع قليل زائل‪ ,‬ونعيم الخرة مدّخر عند ربك للمتقي ليس لغيهم‪.‬‬

‫َومَ ْن َي ْعشُ عَنْ ذِكْرِ الرّ ْحمَ ِن ُن َقيّضْ لَ ُه َشيْطَانا َف ُهوَ لَهُ َقرِينٌ (‪)36‬‬

‫ف عقابه‪ ,‬ول يهتد بدايته‪ ,‬نعل له شيطانًا ف الدنيا‬


‫ومن ُيعْرِض عن ذكر الرحن‪ ,‬وهو القرآن‪ ,‬فلم َيخَ ْ‬
‫يغويه; جزاء له على إعراضه عن ذكر ال‪ ,‬فهو له ملزم ومصاحب ينعه اللل‪ ,‬ويبعثه على الرام‪.‬‬

‫سبُونَ َأّنهُمْ ُم ْهتَدُونَ (‪)37‬‬


‫َوِإنّهُمْ َلَيصُدّوَنهُ ْم عَنْ السّبِي ِل َويَحْ َ‬

‫وإن الشياطي ليصدون عن سبيل الق هؤلء الذين يعرضون عن ذكر ال‪ ,‬فيزيّنون لم الضللة‪,‬‬
‫ويكرّهون لم اليان بال والعمل بطاعته‪ ,‬ويظن هؤلء العرضون بتحسي الشياطي لم ما هم عليه من‬
‫الضلل أنم على الق والدى‪.‬‬

‫ك ُبعْدَ الْمَشْرَِقيْنِ َفِبْئسَ اْلقَرِينُ (‪)38‬‬


‫َحتّى ِإذَا جَا َءنَا قَا َل يَا َلْيتَ َبْينِي َوبَْينَ َ‬

‫حت إذا جاءنا الذي أعرض عن ذكر الرحن وقرينُه من الشياطي للحساب والزاء‪ ,‬قال العرض عن‬
‫ذكر ال لقرينه‪ :‬وددت أن بين وبينك ُبعْدَ ما بي الشرق والغرب‪ ,‬فبئس القرين ل حيث أغويتن‪.‬‬

‫وَلَ ْن يَن َف َعكُ ْم الَْي ْومَ إِ ْذ ظَلَ ْمتُمْ َأّنكُمْ فِي اْلعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (‪)39‬‬

‫ولن ينفعكم اليوم‪ -‬أيها العرضون‪ -‬عن ذكر ال إذ أشركتم ف الدنيا أنكم ف العذاب مشتركون أنتم‬
‫وقرناؤكم‪ ,‬فلكل واحد نصيبه الوفر من العذاب‪ ,‬كما اشتركتم ف الكفر‪.‬‬

‫أََفأَْنتَ تُسْ ِم ُع الصّمّ َأ ْو َتهْدِي اْلعُ ْميَ َومَنْ كَانَ فِي ضَل ٍل ُمبِيٍ (‪)40‬‬

‫‪909‬‬
‫أفأنت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬تُسمع مَن أصمّه ال عن ساع الق‪ ,‬أو تدي إل طريق الدى مَن أعمى قلبه عن‬
‫إبصاره‪ ,‬أو تدي مَن كان ف ضلل عن الق بيّن واضح؟ ليس ذلك إليك‪ ,‬إنا عليك البلغ‪ ,‬وليس‬
‫عليك هداهم‪ ,‬ولكن ال يهدي مَن يشاء‪ ,‬ويض ّل مَن يشاء‪.‬‬

‫فَِإمّا نَ ْذ َهبَنّ بِكَ فَِإنّا ِمْنهُ ْم ُمنَْتقِمُونَ (‪َ )41‬أ ْو نُ ِرَينّكَ الّذِي وَعَ ْدنَاهُمْ فَِإنّا عََلْيهِ ْم ُم ْقتَدِرُونَ (‪)42‬‬

‫فإن توفيناك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬قبل نصرك على الكذبي من قومك‪ ,‬فإنّا منهم منتقمون ف الخرة‪ ,‬أو‬
‫نرينك الذي وعدناهم من العذاب النازل بم كيوم "بدر"‪ ,‬فإنا عليهم مقتدرون نُظهِرك عليهم‪ ,‬ونزيهم‬
‫بيدك وأيدي الؤمني بك‪.‬‬

‫صرَاطٍ مُسَْتقِيمٍ (‪)43‬‬


‫ك بِالّذِي أُو ِحيَ إَِليْكَ ِإنّكَ عَلَى ِ‬
‫فَا ْستَمْسِ ْ‬

‫فاستمسك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬با يأمرك به ال ف هذا القرآن الذي أوحاه إليك؛ إنك على صراط مستقيم‪,‬‬
‫وذلك هو دين ال الذي أمر به‪ ,‬وهو السلم‪ .‬وف هذا تثبيت للرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وثناء عليه‪.‬‬

‫ف تُسْأَلُونَ (‪)44‬‬
‫ك َو َسوْ َ‬
‫ك وَِل َقوْمِ َ‬
‫َوِإنّهُ لَذِ ْكرٌ لَ َ‬

‫وإن هذا القرآن لَشرف لك ولقومك من قريش؛ حيث أُنزل بلغتهم‪ ,‬فهم أفهم الناس له‪ ,‬فينبغي أن‬
‫يكونوا أقوم الناس به‪ ,‬وأعملهم بقتضاه‪ ,‬وسوف تُسألون أنت ومَن معك عن الشكر ل عليه والعمل‬
‫به‪.‬‬

‫ك مِنْ ُرسُِلنَا أَ َجعَ ْلنَا مِنْ دُونِ الرّحْ َمنِ آِل َهةً ُي ْعبَدُونَ (‪)45‬‬
‫وَا ْسأَ ْل مَنْ أَ ْرسَ ْلنَا مِنْ َقبْلِ َ‬

‫واسأل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أتباع مَن أرسلنا مِن قبلك من رسلنا وحلة شرائعهم‪ :‬أجاءت رسلهم بعبادة غي‬
‫ت الناس إليه من عبادة ال وحده‪,‬‬
‫ال؟ فإنم يبونك أن ذلك ل يقع; فإن جيع الرسل َد َعوْا إل ما دعو َ‬
‫ل شريك له‪ ,‬ونَوْا عن عبادة ما سوى ال‪.‬‬

‫‪910‬‬
‫وََلقَدْ أَرْسَ ْلنَا مُوسَى بِآيَاِتنَا إِلَى فِ ْر َعوْنَ َومََلئِهِ َفقَالَ ِإنّي رَسُولُ رَبّ اْلعَالَمِيَ (‪َ )46‬فلَمّا جَا َءهُ ْم بِآيَاِتنَا إِذَا‬
‫حكُونَ (‪)47‬‬ ‫هُ ْم ِمنْهَا َيضْ َ‬

‫ولقد أرسلنا موسى بججنا إل فرعون وأشراف قومه‪ ,‬كما أرسلناك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إل هؤلء‬
‫الشركي من قومك‪ ,‬فقال لم موسى‪ :‬إن رسول رب العالي‪ ,‬فلما جاءهم بالبينات الواضحات الدالة‬
‫على صدقه ف دعوته‪ ,‬إذا فرعون وملؤه ما جاءهم به موسى من اليات والعب يضحكون‪.‬‬

‫َومَا نُرِيهِ ْم مِ ْن آَيةٍ إِ ّل ِهيَ أَ ْكبَ ُر مِنْ أُ ْخِتهَا َوأَخَ ْذنَاهُ ْم بِاْلعَذَابِ َلعَّل ُه ْم يَرْ ِجعُونَ (‪)48‬‬

‫وما نُري فرعون ومله من حجة إل هي أعظم من الت قبلها‪ ,‬وأدل على صحة ما يدعوهم موسى عليه‪,‬‬
‫وأخذناهم بصنوف العذاب كالراد والقُمّل والضفادع والطوفان‪ ,‬وغي ذلك; لعلهم يرجعون عن‬
‫كفرهم بال إل توحيده وطاعته‪.‬‬

‫وَقَالُوا يَا َأّيهَا السّا ِحرُ ا ْدعُ َلنَا َربّكَ بِمَا َعهِدَ عِنْ َدكَ ِإنّنَا لَ ُم ْهتَدُونَ (‪)49‬‬

‫وقال فرعون وملؤه لوسى‪ :‬يا أيها العال (وكان الساحر فيهم عظيمًا ُيوَقّرونه ول يكن السحر صفة ذم)‬
‫ادع لنا ربك بعهده الذي عهد إليك وما خصّك به من الفضائل أن يكشف عنا العذاب‪ ,‬فإن كشف عنا‬
‫العذاب فإننا لهتدون مؤمنون با جئتنا به‪.‬‬

‫شفْنَا َعْنهُ ْم الْعَذَابَ إِذَا هُ ْم يَن ُكثُونَ (‪)50‬‬


‫فََلمّا كَ َ‬

‫فلما دعا موسى برفع العذاب عنهم‪ ,‬ورفعناه عنهم إذا هم يغدرون‪ ,‬ويصرّون على ضللم‪.‬‬

‫حتِي أَفَل ُتبْ صِرُونَ (‬


‫ك مِ صْ َر َوهَذِ هِ ا َلْنهَا ُر تَجْرِي مِ ْن تَ ْ‬
‫َونَادَى ِف ْرعَوْ نُ فِي َق ْومِ هِ قَا َل يَا َقوْ مِ أََليْ سَ لِي مُلْ ُ‬
‫‪)51‬‬

‫ونادى فرعون ف عظماء قومه متبجحًا مفتخرًا بُلْك "مصر" ‪ :‬أليس ل مُلْك "مصر" وهذه النار تري‬
‫مِن تت؟ أفل تبصرون عظمت وقوت‪ ,‬وضعف موسى وفقره؟‬

‫‪911‬‬
‫ي وَل يَكَا ُد ُيبِيُ (‪)52‬‬
‫َأمْ َأنَا َخيْرٌ مِ ْن هَذَا الّذِي ُه َو َمهِ ٌ‬

‫بل أنا خي من هذا الذي ل عزّ معه‪ ,‬فهو يتهن نفسه ف حاجاته لضعفه وحقارته‪ ,‬ول يكاد يُبي الكلم‬
‫لعِيّ لسانه‪ ,‬وقد حل فرعونَ على هذا القول الكفرُ والعنا ُد والص ّد عن سبيل ال‪.‬‬

‫فََلوْل أُْلقِ َي عََليْهِ َأ ْسوِرَ ٌة مِنْ َذهَبٍ َأوْ جَا َء َمعَ ُه الْمَلِئ َكةُ ُم ْقتَ ِرنِيَ (‪)53‬‬

‫فهل أُلقِي على موسى‪ -‬إن كان صادقًا أنه رسول رب العالي‪ -‬أ ْسوِرَة من ذهب‪ ,‬أو جاء معه اللئكة‬
‫قد اقترن بعضهم ببعض‪ ,‬فتتابعوا يشهدون له بأنه رسول ال إلينا‪.‬‬

‫فَا ْستَخَفّ َق ْومَهُ َفأَطَاعُوهُ ِإّنهُمْ كَانُوا َقوْما فَا ِسقِيَ (‪)54‬‬

‫فا ْستَخَفّ فرعون عقول قومه فدعاهم إل الضللة‪ ,‬فأطاعوه وكذبوا موسى‪ ,‬إنم كانوا قومًا خارجي‬
‫عن طاعة ال وصراطه الستقيم‪.‬‬

‫فََلمّا آ َسفُونَا انَتقَ ْمنَا ِمنْهُمْ َفَأغْرَ ْقنَاهُمْ أَجْ َمعِيَ (‪)55‬‬

‫فلما أغضبونا‪ -‬بعصياننا‪ ,‬وتكذيب موسى وما جاء به من اليات‪ -‬انتقمنا منهم بعاجل العذاب الذي‬
‫عَجّلناه لم‪ ,‬فأغرقناهم أجعي ف البحر‪.‬‬

‫جعَ ْلنَاهُ ْم سَلَفا َو َمَثلً لِل ِخرِينَ (‪)56‬‬


‫فَ َ‬

‫فجعلنا هؤلء الذين أغرقناهم ف البحر سلفًا لن يعمل مثل عملهم من يأت بعدهم ف استحقاق العذاب‪,‬‬
‫وعبة وعظة للخرين‪.‬‬

‫ضرِبَ ابْ ُن َم ْريَ َم َمثَلً إِذَا َق ْومُكَ ِمنْ ُه َيصِدّونَ (‪)57‬‬


‫وَلَمّا ُ‬

‫‪912‬‬
‫ولا ضرب الشركون عيسى ابن مري مثل حي خاصموا ممدا صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وحاجّوه بعبادة‬
‫النصارى إياه‪ ,‬إذا قومك من ذلك ولجله يرتفع لم َجلَبة وضجيج فرحًا وسرورًا‪ ,‬وذلك عندما نزل‬
‫قوله تعال ( إنكم وما تعبدون من دون ال حصب جهنم أنتم لا واردون ) ‪ ،‬وقال الشركون‪ :‬رضينا‬
‫أن تكون آلتنا بنلة عيسى‪ ,‬فأنزل ال قوله‪ ( :‬إن الذين سبقت لم منا السنا أولئك عنها مبعدون ) ‪،‬‬
‫فالذي يُلْقى ف النار من آلة الشركي من رضي بعبادتم إياه‪.‬‬

‫وَقَالُوا أَآِل َهتُنَا َخْيرٌ َأمْ ُه َو مَا ضَ َربُوهُ لَكَ إِلّ َجدَ ًل بَ ْل هُمْ َق ْومٌ َخصِمُونَ (‪)58‬‬

‫وقال مشركو قومك ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬أآلتنا الت نعبدها خي أم عيسى الذي يعبده قومه؟ فإذا كان‬
‫عيسى ف النار‪ ,‬فلنكن نن وآلتنا معه‪ ,‬ما ضربوا لك هذا الثل إل جدل بل هم قوم ماصمون بالباطل‪.‬‬

‫ِإنْ ُهوَ إِلّ َعبْدٌ َأْنعَ ْمنَا عََليْ ِه وَ َجعَ ْلنَا ُه َمثَلً ِلَبنِي ِإسْرَائِيلَ (‪)59‬‬

‫ما عيسى ابن مري إل عبد أنعمنا عليه بالنبوة‪ ,‬وجعلناه آية وعبة لبن إسرائيل يُستدل با على قدرتا‪.‬‬

‫خُلفُونَ (‪)60‬‬
‫ض يَ ْ‬
‫جعَ ْلنَا ِمنْكُ ْم مَلئِ َكةً فِي الَ ْر ِ‬
‫وََلوْ نَشَاءُ َل َ‬

‫خلُف بعضهم بعضًا بدل من بن آدم‪.‬‬


‫ولو نشاء لعلنا بدل منكم ملئكة يَ ْ‬

‫ستَقِيمٌ (‪)61‬‬
‫ط مُ ْ‬
‫صرَا ٌ‬
‫َوِإنّهُ َلعِ ْلمٌ لِلسّا َعةِ فَل تَ ْمَت ُرنّ ِبهَا وَاّتِبعُونِي هَذَا ِ‬

‫شكّوا أنا واقعة ل‬‫وإن نزول عيسى عليه السلم قبل يوم القيامة لدليل على قُرْبِ‪ ,‬وقوع الساعة‪ ,‬فل ت ُ‬
‫مالة‪ ,‬واتبعون فيما أخبكم به عن ال تعال‪ ,‬هذا طريق قوي إل النة‪ ,‬ل اعوجاج فيه‪.‬‬

‫شيْطَانُ ِإنّهُ َلكُ ْم عَ ُد ّو ُمبِيٌ (‪)62‬‬


‫وَل يَصُ ّدّنكُمْ ال ّ‬

‫ول يصدّنكم الشيطان بوساوسه عن طاعت فيما آمركم به وأناكم عنه‪ ,‬إنه لكم عدو بيّن العداوة‪.‬‬

‫‪913‬‬
‫خَتِلفُو نَ فِي هِ فَاتّقُوا اللّ هَ‬
‫حكْ َم ِة وَ ُلبَيّ نَ َلكُ ْم َبعْ ضَ الّذِي تَ ْ‬
‫وَلَمّ ا جَاءَ عِي سَى بِاْلَبّينَا تِ قَالَ قَدْ ِجْئُتكُ ْم بِالْ ِ‬
‫َوأَطِيعُونِ (‪)63‬‬

‫ولا جاء عيسى بن إسرائيل بالبينات الواضحات من الدلة قال‪ :‬قد جئتكم بالنبوة‪ ,‬ولبيّن لكم بعض‬
‫الذي تتلفون فيه من أمور الدين‪ ,‬فاتقوا ال بامتثال أوامره واجتناب نواهيه‪ ,‬وأطيعون فيما أمرتكم به‬
‫من تقوى ال وطاعته‪.‬‬

‫سَتقِيمٌ (‪)64‬‬
‫ط مُ ْ‬
‫ِإنّ اللّ َه ُهوَ َربّي وَ َرّبكُمْ فَا ْعبُدُوهُ هَذَا صِرَا ٌ‬

‫إن ال سبحانه وتعال هو رب وربكم جيعًا فاعبدوه وحده‪ ,‬ول تشركوا به شيئًا‪ ,‬هذا الذي أمرتكم به‬
‫من تقوى ال وإفراده باللوهية هو الطريق الستقيم‪ ,‬وهو دين ال الق الذي ل يقبل من أحد سواه‪.‬‬

‫ب َيوْمٍ أَلِيمٍ (‪)65‬‬


‫فَا ْختَلَفَ الَ ْحزَابُ مِنْ بَْيِنهِمْ َف َويْلٌ لِلّذِي َن ظََلمُوا مِ ْن عَذَا ِ‬

‫فاختلفت الفرق ف أمر عيسى عليه السلم‪ ,‬وصاروا فيه شيعًا‪ :‬منهم مَن ُيقِ ّر بأنه عبد ال ورسوله‪ ,‬وهو‬
‫الق‪ ,‬ومنهم مَن يزعم أنه ابن ال‪ ,‬ومنهم مَن يقول‪ :‬إنه ال‪ ,‬تعال ال عن قولم علوًا كبيًا‪ ,‬فهلك‬
‫ودمار وعذاب أليم يوم القيامة لن وصفوا عيسى بغي ما وصفه ال به‪.‬‬

‫شعُرُونَ (‪)66‬‬
‫هَ ْل يَنظُرُونَ إِلّ السّاعَةَ َأنْ َت ْأتَِيهُ ْم َب ْغَتةً َوهُ ْم ل يَ ْ‬

‫هل ينتظر هؤلء الحزاب الختلفون ف عيسى ابن مري إل الساعة أن تأتيهم فجأة‪ ,‬وهم ل يشعرون ول‬
‫يفطنون؟‬

‫ضهُمْ ِلَب ْعضٍ عَ ُدوّ إِ ّل الْ ُمتّقِيَ (‪)67‬‬


‫الَ ِخلّءُ َي ْو َمئِ ٍذ َبعْ ُ‬

‫الصدقاء على معاصي ال ف الدنيا يتبأ بعضهم من بعض يوم القيامة‪ ,‬لكن الذين تصادقوا على تقوى‬
‫ال‪ ,‬فإن صداقتهم دائمة ف الدنيا والخرة‪.‬‬

‫‪914‬‬
‫ف عََلْيكُمْ الَْي ْومَ وَل َأْنتُ ْم تَحْ َزنُونَ (‪)68‬‬
‫يَا عِبَادِ ل َخوْ ٌ‬

‫يقال لؤلء التقي‪ :‬يا عبادي ل خوف عليكم اليوم من عقاب‪ ,‬ول أنتم تزنون على ما فاتكم مِن‬
‫حظوظ الدنيا‪.‬‬

‫حبَرُونَ (‪)70‬‬
‫جّنةَ َأْنتُ ْم َوأَ ْزوَاجُكُ ْم ُت ْ‬
‫الّذِينَ آمَنُوا بِآيَاِتنَا وَكَانُوا مُسِْلمِيَ (‪ )69‬ا ْدخُلُوا الْ َ‬

‫ب العالي بقلوبم وجوارحهم‪,‬‬


‫الذين آمنوا بآياتنا وعملوا با جاءتم به رسلهم‪ ,‬وكانوا منقادين ل ر ّ‬
‫يقال لم‪ :‬ادخلوا النة أنتم وقرناؤكم الؤمنون تَُنعّمون وتُسَرّون‪.‬‬

‫س َوتَلَ ّذ ا َل ْعيُ نُ َوَأْنتُ مْ فِيهَا خَالِدُو نَ (‬


‫شَتهِي هِ الَنفُ ُ‬
‫ب وَفِيهَا مَا تَ ْ‬
‫ب َوأَ ْكوَا ٍ‬
‫ف مِ نْ َذهَ ٍ‬
‫ف عََلْيهِ ْم بِ صِحَا ٍ‬
‫يُطَا ُ‬
‫‪)71‬‬

‫يطاف على هؤلء الذين آمنوا بال ورسله ف النة بالطعام ف أوانٍ من ذهب‪ ,‬وبالشراب ف أكواب من‬
‫ذهب‪ ,‬وفيها لم ما تشتهي أنفسهم وتلذه أعينهم‪ ,‬وهم ماكثون فيها أبدًا‪.‬‬

‫جّنةُ اّلتِي أُو ِرْثتُمُوهَا بِمَا كُنتُ ْم َتعْمَلُونَ (‪)72‬‬


‫ك الْ َ‬
‫َوتِلْ َ‬

‫وهذه النة الت أورثكم ال إياها؛ بسبب ما كنتم تعملون ف الدنيا من اليات والعمال الصالات‪,‬‬
‫وجعلها مِن فضله ورحته جزاء لكم‪.‬‬

‫َلكُمْ فِيهَا فَا ِك َهةٌ َكثِ َيةٌ ِمْنهَا تَأْكُلُونَ (‪)73‬‬

‫لكم ف النة فاكهة كثية من كل نوع منها تأكلون‪.‬‬

‫ج ِرمِيَ فِي عَذَا بِ َج َهنّ مَ خَالِدُو نَ (‪ )74‬ل ُيفَتّ ُر َعْنهُ ْم َوهُ مْ فِي هِ ُمبْلِ سُونَ ( ‪َ )75‬ومَا ظَلَ ْمنَاهُ مْ‬
‫ِإنّ الْمُ ْ‬
‫وََلكِنْ كَانُوا هُمْ الظّاِلمِيَ (‪)76‬‬
‫‪915‬‬
‫إن الذين اكتسبوا الذنوب بكفرهم‪ ,‬ف عذاب جهنم ماكثون‪ ,‬ل يفف عنهم‪ ,‬وهم فيه آيسون من‬
‫رحة ال‪ ,‬وما ظلمْنا هؤلء الجرمي بالعذاب‪ ,‬ولكن كانوا هم الظالي أنفسهم بشركهم وجحودهم أن‬
‫ال هو الله الق وحده ل شريك له‪ ،‬وترك اتباعهم لرسل ربم‪.‬‬

‫حقّ‬
‫َونَا َدوْا يَا مَالِ كُ ِلَيقْ ضِ عََلْينَا َربّ كَ قَالَ ِإّنكُ مْ مَا ِكثُو نَ (‪َ )77‬لقَدْ ِجْئنَاكُ ْم بِاْلحَقّ وََلكِنّ أَكْثَرَكُ مْ لِلْ َ‬
‫كَا ِرهُونَ (‪)78‬‬

‫ونادى هؤلء الجرمون بعد أن أدخلهم ال جهنم "مالكًا" خازن جهنم‪ :‬يا مالك ِليُمِتنا ربك‪ ,‬فنستريح‬
‫مّا نن فيه‪ ,‬فأجابم مالكٌ‪ :‬إنكم ماكثون‪ ,‬ل خروج لكم منها‪ ,‬ول ميد لكم عنها‪ ,‬لقد جئناكم بالق‬
‫ووضحناه لكم‪ ,‬ولكن أكثركم لا جاء به الرسل من الق كارهون‪.‬‬

‫َأمْ َأبْ َرمُوا َأمْرا فَِإنّا ُمبْ ِرمُونَ (‪)79‬‬

‫بل أأحْكمَ هؤلء الشركون أمرًا يكيدون به الق الذي جئناهم به؟ فإنا مدبّرون لم ما يزيهم من‬
‫العذاب والنكال‪.‬‬

‫جوَاهُ ْم بَلَى وَ ُرسُُلنَا لَ َدْيهِ ْم َي ْكتُبُونَ (‪)80‬‬


‫سبُونَ َأنّا ل نَسْمَعُ سِ ّرهُ ْم َونَ ْ‬
‫َأمْ َيحْ َ‬

‫أم يظن هؤلء الشركون بال أنّا ل نسمع ما يسرونه ف أنفسهم‪ ,‬ويتناجون به بينهم؟ بلى نسمع ونعلم‪,‬‬
‫ورسلنا اللئكة الكرام الفظة يكتبون عليهم كل ما عملوا‪.‬‬

‫قُلْ ِإنْ كَانَ لِلرّحْ َم ِن وَلَدٌ َفَأنَا َأوّ ُل اْلعَابِدِينَ (‪)81‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لشركي قومك الزاعمي أن اللئكة بنات ال‪ :‬إن كان للرحن ولد كما تزعمون‪,‬‬
‫فأنا أول العابدين لذا الولد الذي تزعمونه‪ ,‬ولكن هذا ل يكن ول يكون‪ ،‬فتقدّس ال عن الصاحبة‬
‫والولد‪.‬‬

‫‪916‬‬
‫صفُونَ (‪)82‬‬
‫ش عَمّا َي ِ‬
‫ب الْعَ ْر ِ‬
‫ت وَالَ ْرضِ رَ ّ‬
‫ُسبْحَانَ رَبّ السّ َموَا ِ‬

‫تنيهًا وتقديسًا لرب السموات والرض رب العرش العظيم عما يصفون من الكذب والفتراء من نسبة‬
‫الشركي الولد إل ال‪ ,‬وغي ذلك ما يزعمون من الباطل‪.‬‬

‫فَذَ ْرهُ ْم َيخُوضُوا َويَ ْل َعبُوا َحتّى يُلقُوا َي ْو َمهُ ْم الّذِي يُوعَدُونَ (‪)83‬‬

‫فاترك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء الفترين على ال يوضوا ف باطلهم‪ ,‬ويلعبوا ف دنياهم‪ ,‬حت يلقوا يومهم‬
‫الذي فيه يوعدون بالعذاب‪ :‬إما ف الدنيا وإما ف الخرة وإما فيهما معًا‪.‬‬

‫حكِي ُم اْلعَلِيمُ (‪)84‬‬


‫َو ُهوَ الّذِي فِي السّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الَ ْرضِ إِلَهٌ َو ُه َو الْ َ‬

‫وهو ال وحده العبود بق ف السماء وف الرض‪ ,‬وهو الكيم الذي أحكم خَ ْلقَه‪ ,‬وأتقن شرعه‪ ,‬العليم‬
‫بكل شيء من أحوال خلقه‪ ,‬ل يفى عليه شيء منها‪.‬‬

‫ض َومَا بَْيَنهُمَا َو ِعنْدَ ُه عِلْمُ السّا َع ِة َوإِلَيْ ِه تُرْ َجعُونَ (‪)85‬‬


‫َوتَبَا َر َك الّذِي لَ ُه مُلْكُ السّ َموَاتِ وَالَ ْر ِ‬

‫وتكاثرت بركة ال‪ ,‬و َكثُر خيه‪ ,‬وعَظُم ملكه‪ ,‬الذي له وحده سلطان السموات السبع والرضي السبع‬
‫وما بينهما من الشياء كلها‪ ,‬وعنده علم الساعة الت تقوم فيها القيامة‪ ,‬ويُحشر فيها اللق من قبورهم‬
‫لوقف الساب‪ ,‬وإليه تُ َردّون ‪ -‬أيها الناس‪ -‬بعد ماتكم‪ ,‬فيجازي كل با يستحق‪.‬‬

‫شفَا َعةَ إِ ّل مَ ْن َشهِ َد بِالْحَ ّق َوهُ ْم َيعْلَمُونَ (‪)86‬‬


‫ك الّذِي َن يَ ْدعُو َن مِنْ دُونِهِ ال ّ‬
‫وَل يَمْلِ ُ‬

‫ول يلك الذين يعبدهم الشركون الشفاعة عنده لحد إل مَن شهد بالق‪ ,‬وأقر بتوحيد ال وبنبوة ممد‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وهم يعلمون حقيقة ما أقروا وشهدوا به‪.‬‬

‫وََلئِنْ سَأَْلَتهُ ْم مَنْ َخَل َقهُمْ َليَقُولُنّ اللّهُ َفَأنّى ُيؤْفَكُونَ (‪)87‬‬

‫‪917‬‬
‫ولئن سألت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء الشركي من قومك مَن خلقهم؟ ليقولُنّ‪ :‬ال خلقنا‪ ,‬فكيف ينقلبون‬
‫وينصرفون عن عبادة ال‪ ,‬ويشركون به غيه؟‬

‫وَقِيلِ ِه يَا رَبّ ِإنّ َهؤُلءِ َق ْومٌ ل ُي ْؤ ِمنُونَ (‪)88‬‬

‫وقال ممد صلى ال عليه وسلم شاكيًا إل ربه قومه الذين كذّبوه‪ :‬يا ربّ إن هؤلء قوم ل يؤمنون بك‬
‫وبا أرسلتن به إليهم‪.‬‬

‫ف َيعْلَمُونَ (‪)89‬‬
‫سوْ َ‬
‫صفَ ْح َعْنهُ ْم وَقُ ْل سَلمٌ فَ َ‬
‫فَا ْ‬

‫فاصفح ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عنهم‪ ,‬وأعرض عن أذاهم‪ ,‬ول يَبْدُر منك إل السلم لم الذي يقوله أولو‬
‫اللباب والبصائر للجاهلي‪ ,‬فهم ل يسافهونم ول يعاملونم بثل أعمالم السيئة‪ ,‬فسوف يعلمون ما‬
‫يل َقوْنه من البلء والنكال‪ .‬وف هذا تديد ووعيد شديد لؤلء الكافرين العاندين وأمثالم‪.‬‬

‫‪ -44‬سورة الدخان‬

‫حم (‪)1‬‬

‫( حم ) سبق الكلم على الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬

‫ب الْ ُمبِيِ (‪ِ )2‬إنّا أَنزَْلنَاهُ فِي َليَْل ٍة ُمبَارَ َكةٍ ِإنّا ُكنّا مُنذِرِينَ (‪ )3‬فِيهَا ُيفْرَقُ كُلّ َأمْرٍ َحكِيمٍ (‪َ )4‬أمْرا‬
‫وَالْ ِكتَا ِ‬
‫ض َومَا‬‫مِ ْن ِعنْ ِدنَا ِإنّا ُكنّا ُمرْ سِلِيَ (‪ )5‬رَ ْح َم ًة مِ نْ َربّ كَ ِإنّ هُ ُه َو ال سّمِي ُع الْعَلِي مُ (‪ )6‬رَبّ ال سّ َموَاتِ وَالَرْ ِ‬
‫ب آبَاِئكُمْ ا َلوّلِيَ (‪)8‬‬‫ح ِي َويُمِيتُ َرّبكُ ْم وَرَ ّ‬ ‫َبيَْنهُمَا ِإنْ ُكْنتُ ْم مُوِقنِيَ (‪ )7‬ل إِلَهَ إِ ّل ُهوَ يُ ْ‬

‫أقسم ال تعال بالقرآن الواضح لفظًا ومعن ‪ .‬إنا أنزلناه ف ليلة القدر الباركة كثية اليات‪ ,‬وهي ف‬
‫رمضان‪ .‬إنا كنا منذرين الناس با ينفعهم ويضرهم‪ ,‬وذلك بإرسال الرسل وإنزال الكتب؛ لتقوم حجة‬

‫‪918‬‬
‫ال على عباده‪ .‬فيها يُقضى ويُفصل من اللوح الحفوظ إل الكتبة من اللئكة كلّ أمر مكم من الجال‬
‫والرزاق ف تلك السنة‪ ,‬وغي ذلك ما يكون فيها إل آخرها‪ ,‬ل يبدّل ول يغيّر‪ .‬هذا المر الكيم أمر‬
‫مِن عندنا‪ ,‬فجميع ما يكون ويقدره ال تعال وما يوحيه فبأمره وإذنه وعلمه‪ .‬إنا كنا مرسلي إل الناس‬
‫الرسل ممدًا ومن قبله؛ رحة من ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بالرسل إليهم‪ .‬إنه هو السميع يسمع جيع‬
‫الصوات‪ ,‬العليم بميع أمور خلقه الظاهرة والباطنة‪ .‬خالق السموات والرض وما بينهما من الشياء‬
‫كلها‪ ,‬إن كنتم موقني بذلك فاعلموا أن رب الخلوقات هو إلها الق ‪ .‬ل إله يستحق العبادة إل هو‬
‫وحده ل شريك له‪ ,‬ييي وييت‪ ,‬ربكم ورب آبائكم الولي‪ ,‬فاعبدوه دون آلتكم الت ل تقدر على‬
‫ضر ول نفع‪.‬‬

‫ك يَ ْل َعبُونَ (‪)9‬‬
‫بَ ْل هُمْ فِي شَ ّ‬

‫بل هؤلء الشركون ف شك من الق‪ ,‬فهم يلهون ويلعبون‪ ,‬ول يصدقون به‪.‬‬

‫ف عَنّ ا‬
‫س هَذَا عَذَا بٌ أَلِي مٌ ( ‪َ )11‬ربّنَا اكْشِ ْ‬
‫ب َيوْ مَ تَأْتِي ال سّمَا ُء بِدُخَا ٍن ُمبِيٍ (‪َ )10‬يغْشَى النّا َ‬
‫فَا ْرَتقِ ْ‬
‫الْعَذَابَ ِإنّا ُمؤْ ِمنُونَ (‪)12‬‬

‫فانتظر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بؤلء الشركي يوم تأت السماء بدخان مبي واضح يع ّم الناس‪ ,‬ويقال لم‪ :‬هذا‬
‫عذاب مؤل موجع‪ ,‬ث يقولون سائلي رفعه وكشفه عنهم‪ :‬ربنا اكشف عنا العذاب‪ ,‬فإن كشفته عنا فإنا‬
‫مؤمنون بك‪.‬‬

‫جنُونٌ (‪)14‬‬
‫َأنّى َلهُمْ الذّكْرَى وََقدْ جَا َءهُمْ َرسُو ٌل ُمبِيٌ (‪ )13‬ثُ ّم َتوَّلوْا َعنْ ُه وَقَالُوا ُمعَلّ ٌم َم ْ‬

‫كيف يكون لم التذكر والتعاظ بعد نزول العذاب بم‪ ,‬وقد جاءهم رسول مبي‪ ,‬وهو ممد عليه‬
‫الصلة والسلم‪ ,‬ث أعرضوا عنه وقالوا‪ :‬علّمه بشر أو الكهنة أو الشياطي‪ ,‬هو منون وليس برسول؟‬

‫ِإنّا كَا ِشفُوا اْلعَذَابِ قَلِيلً ِإّنكُ ْم عَائِدُونَ (‪)15‬‬

‫‪919‬‬
‫سنرفع عنكم العذاب قليل‪ ،‬وسترون أنكم تعودون إل ما كنتم فيه من الكفر والضلل والتكذيب‪ ،‬وأننا‬
‫سنعاقبكم على ذلك‪.‬‬

‫ش َة اْلكُبْرَى إِنّا مُنتَقِمُونَ (‪)16‬‬


‫ش الْبَطْ َ‬
‫َي ْومَ َنبْ ِط ُ‬

‫يوم نعذب جيع الكفار العذاب الكب يوم القيامة وهو يوم انتقامنا منهم‪.‬‬

‫وََلقَدْ َفَتنّا َقبَْلهُمْ َق ْومَ ِف ْر َعوْ َن وَجَا َءهُمْ َرسُولٌ كَ ِريٌ (‪)17‬‬

‫ولقد اختبنا وابتلينا قبل هؤلء الشركي قوم فرعون‪ ,‬وجاءهم رسول كري‪ ,‬وهو موسى عليه السلم‪,‬‬
‫فكذبوه فهلكوا‪ ,‬فهكذا نفعل بأعدائك أيها الرسول‪ ,‬إن ل يؤمنوا‪.‬‬

‫َأنْ أَدّوا إَِليّ ِعبَادَ اللّهِ ِإنّي َلكُمْ َرسُولٌ َأمِيٌ (‪)18‬‬

‫وقال لم موسى‪ :‬أن سلّموا إلّ عباد ال من بن إسرائيل وأرسلوهم معي؛ ليعبدوا ال وحده ل شريك‬
‫له‪ ,‬إن لكم رسول أمي على وحيه ورسالته‪.‬‬

‫ت بِ َربّي وَ َرّبكُمْ أَنْ تَ ْرجُمُونِ (‪َ )20‬وإِنْ‬


‫َوأَ ْن ل َتعْلُوا عَلَى اللّهِ ِإنّي آتِيكُ ْم بِسُ ْلطَانٍ ُمبِيٍ (‪َ )19‬وِإنّي عُذْ ُ‬
‫لَ ْم ُت ْؤمِنُوا لِي فَا ْعتَزِلُونِ (‪)21‬‬

‫وأل تتكبوا على ال بتكذيب رسله‪ ,‬إن آتيكم ببهان واضح على صدق رسالت‪ ,‬إن استجرت بال‬
‫ر ب ورب كم أن تقتلو ن رجًا بالجارة‪ ,‬وإن ل ت صدقون على ما جئت كم به فخلّوا سبيلي‪ ,‬وكفّوا عن‬
‫أذاي‪.‬‬

‫ج ِرمُونَ (‪)22‬‬
‫فَ َدعَا َربّهُ َأنّ َهؤُلءِ َق ْومٌ مُ ْ‬

‫فدعا موسى ربه‪ -‬حي كذبه فرعون وقومه ول يؤمنوا به‪ -‬قائل إن هؤلء قوم مشركون بال كافرون‪.‬‬

‫‪920‬‬
‫َفَأسْ ِر ِبعِبَادِي َليْلً ِإنّكُ ْم ُمّتَبعُونَ (‪)23‬‬

‫فأَ سْر‪ -‬يا موسى‪ -‬بعبادي‪ -‬الذين صَدّقوك‪ ,‬وآمنوا بك‪ ,‬واتبعوك‪ ,‬دون الذين كذبوك منهم‪ -‬ليل إنكم‬
‫متبعون من فرعون وجنوده فتنجون‪ ,‬ويغرق فرعون وجنوده‪.‬‬

‫وَاتْ ُر ْك اْلبَحْرَ َرهْوا ِإّنهُمْ جُن ٌد ُمغْرَقُونَ (‪)24‬‬

‫واترك البحر كما هو على حالته الت كان عليها حي سلكته‪ ,‬ساكنًا غي مضطرب‪ ,‬إن فرعون وجنوده‬
‫مغرقون ف البحر‪.‬‬

‫ت َوعُيُونٍ (‪ )25‬وَ ُزرُوعٍ َو َمقَامٍ كَ ِريٍ (‪َ )26‬وَنعْ َمةٍ كَانُوا فِيهَا فَا ِكهِيَ (‪)27‬‬
‫كَ ْم تَرَكُوا مِنْ َجنّا ٍ‬

‫كهم ترك فرعون وقومهه بعهد مهلكههم وإغراق ال إياههم مهن بسهاتي وجنات ناضرة‪ ,‬وعيون مهن الاء‬
‫جارية‪ ,‬وزروع ومنازل جيلة‪ ,‬وعيشة كانوا فيها متنعمي مترفي‪.‬‬

‫ك َوَأوْ َرثْنَاهَا َقوْما آخَرِينَ (‪)28‬‬


‫كَذَلِ َ‬

‫مثل ذلك العقاب يعاقب ال مَن كذّب وبدّل نعمة ال كفرًا‪ ,‬وأورثنا تلك النعم من بعد فرعون وقومه‬
‫قومًا آخرين خلفوهم من بن إسرائيل‪.‬‬

‫فَمَا َب َكتْ عََلْيهِمْ السّمَا ُء وَالَ ْرضُ َومَا كَانُوا مُنظَرِينَ (‪)29‬‬

‫فما بكت السماء والرض حزنًا على فرعون وقومه‪ ,‬وما كانوا مؤخّرين عن العقوبة الت حلّت بم‪.‬‬

‫ب الْ ُمهِيِ (‪)30‬‬


‫جْينَا َبنِي ِإسْرَائِي َل مِ ْن الْعَذَا ِ‬
‫وََلقَ ْد نَ ّ‬

‫ولقد نّينا بن إسرائيل من العذاب الُذلّ لم بقتل أبنائهم واستخدام نسائهم‪.‬‬

‫‪921‬‬
‫مِنْ فِ ْر َع ْونَ ِإنّهُ كَانَ عَالِيا مِ ْن الْمُسْرِِفيَ (‪)31‬‬

‫من فرعون‪ ,‬إنه كان جبارًا من الشركي‪ ,‬مسرفًا ف العلو والتكب على عباد ال‪.‬‬

‫وََلقَدْ ا ْختَ ْرنَاهُمْ عَلَى عِ ْل ٍم عَلَى اْلعَالَمِيَ (‪)32‬‬

‫ولقد اصطفينا بن إسرائيل على عِلْم منا بم على عالي زمانم‪.‬‬

‫ت مَا فِي ِه بَلءٌ ُمبِيٌ (‪)33‬‬


‫وَآتَْينَاهُ ْم مِ ْن اليَا ِ‬

‫وآتيناهم من العجزات على يد موسى ما فيه ابتلؤهم واختبارهم رخاء وشدة‪.‬‬

‫ِإنّ َهؤُلءِ َلَيقُولُونَ (‪ِ )34‬إنْ ِهيَ إِ ّل َم ْوتَُتنَا الُولَى َومَا َنحْ ُن بِمُنشَرِينَ (‪)35‬‬

‫إن هؤلء الشركي مِن قومك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ليقولون‪ :‬ما هي إل موتتنا الت نوتا‪ ,‬وهي الوتة الول‬
‫والخية‪ ,‬وما نن بعد ماتنا ببعوثي للحساب والثواب والعقاب‪.‬‬

‫َف ْأتُوا بِآبَاِئنَا ِإنْ كُنتُمْ صَادِقِيَ (‪)36‬‬

‫ويقولون أيضًا‪َ :‬فأْ تِ‪ -‬يا م مد أ نت ومَن م عك‪ -‬بآبائ نا الذ ين قد ماتوا‪ ,‬إن كن تم صادقي ف أن ال‬
‫يبعث مَن ف القبور أحياء‪.‬‬

‫ج ِرمِيَ (‪)37‬‬
‫َأهُمْ َخيْرٌ َأمْ َق ْومُ ُتبّ ٍع وَالّذِي َن مِنْ َقبِْلهِمْ َأهَْل ْكنَاهُمْ ِإّنهُمْ كَانُوا مُ ْ‬

‫أهؤلء الشركون خي أم قوم ُتبّع الِ ْميَري والذين مِن قبلهم من المم الكافرة بربا؟ أهلكناهم لجرامهم‬
‫وكفرهم‪ ,‬ليس هؤلء الشركون بي مِن أولئكم فنصفح عنهم‪ ,‬ول نلكهم‪ ,‬وهم بال كافرون‪.‬‬

‫‪922‬‬
‫ت وَالَرْ ضَ وَمَا َبيَْنهُمَا لعِبِيَ (‪ )38‬مَا خََل ْقنَاهُمَا إِلّ بِالْحَقّ وََلكِنّ أَ ْكثَ َرهُ مْ ل‬
‫وَمَا َخَلقْنَا ال سّ َموَا ِ‬
‫َيعْلَمُونَ (‪)39‬‬

‫وما خلقنا السموات والرض وبينهما لعبًا‪ ,‬ما خلقناها إل بالق الذي هو سنة ال ف خَ ْلقِه وتدبيُه‪,‬‬
‫ولكن أكثر هؤلء الشركي ل يعلمون ذلك‪ ,‬فلهذا ل يتفكروا فيهما; لنم ل يرجون ثوابًا ول يافون‬
‫عقابًا‪.‬‬

‫ِإنّ َي ْومَ اْل َفصْ ِل مِيقَاُتهُمْ أَجْ َمعِيَ (‪)40‬‬

‫إن يوم القضاء بي اللق با قدّموا ف دنياهم من خي أو شر هو ميقاتم أجعي‪.‬‬

‫َي ْومَ ل ُي ْغنِي َموْلًى عَ ْن َموْلًى َشيْئا وَل هُ ْم يُنصَرُونَ (‪ )41‬إِلّ مَنْ رَحِمَ اللّهُ إِنّ ُه ُهوَ الْعَزِيزُ الرّحِيمُ (‪)42‬‬

‫يوم ل يدفع صاحب عن صاحبه شيئًا‪ ،‬ول ينصر بعضهم بعضًا‪ ,‬إل مَن رحم ال من الؤمني‪ ,‬فإنه قد‬
‫يشفع له عند ربه بعد إذن ال له‪ .‬إن ال هو العزيز ف انتقامه مِن أعدائه‪ ,‬الرحيم بأوليائه وأهل طاعته‪.‬‬

‫ج َرةَ الزّقّومِ (‪َ )43‬طعَامُ ا َلثِيمِ (‪)44‬‬


‫ِإنّ شَ َ‬

‫إن شجرة الزقوم الت ترج ف أصل الحيم‪ ,‬ثرها طعام صاحب الثام الكثية‪ ,‬وأكب الثام الشرك بال‪.‬‬

‫كَالْ ُمهْ ِل َيغْلِي فِي اْلبُطُونِ (‪َ )45‬كغَ ْل ِي الْحَمِيمِ (‪)46‬‬

‫ثر شجرة الزقوم كا َلعْدِن الذاب يغلي ف بطون الشركي‪ ,‬كغلي الاء الذي بلغ الغاية ف الرارة‪.‬‬

‫خُذُوهُ فَا ْعتِلُوهُ إِلَى َسوَا ِء الْجَحِيمِ (‪)47‬‬

‫خذوا هذا الثيم الفاجر فادفعوه‪ ,‬وسوقوه بعنف إل وسط الحيم يوم القيامة‪.‬‬

‫‪923‬‬
‫حمِيمِ (‪)48‬‬
‫صبّوا َف ْوقَ َرْأسِ ِه مِ ْن عَذَابِ الْ َ‬
‫ثُمّ ُ‬

‫ث صبّوا فوق رأس هذا الثيم الاء الذي تناهت شدة حرارته‪ ,‬فل يفارقه العذاب‪.‬‬

‫ت الْعَزِي ُز الْكَ ِريُ (‪)49‬‬


‫ُذقْ ِإنّكَ َأنْ َ‬

‫يقال لذا الثيهم الشقيّ‪ :‬ذق هذا العذاب الذي تعذّب بهه اليوم‪ ,‬إنهك أنهت العز يز فه قومهك‪ ,‬الكريه‬
‫عليهم‪ .‬وف هذا تكم به وتوبيخ له‪.‬‬

‫ِإنّ هَذَا مَا كُنتُ ْم بِ ِه تَ ْمتَرُونَ (‪)50‬‬

‫إن هذا العذاب الذي تعذّبون به اليوم هو العذاب الذي كنتم تشكّون فيه ف الدنيا‪ ,‬ول توقنون به‪.‬‬

‫ِإنّ الْ ُمّتقِيَ فِي َمقَامٍ َأمِيٍ (‪)51‬‬

‫إن الذين اتقوا ال بامتثال أوامره‪ ,‬واجتناب نواهيه ف الدنيا ف موضع إقامة آمني من الفات والحزان‬
‫وغي ذلك‪.‬‬

‫ت َوعُيُونٍ (‪)52‬‬
‫فِي َجنّا ٍ‬

‫ف جنات وعيون جارية‪.‬‬

‫ق ُمَتقَابِِليَ (‪)53‬‬
‫س َوِإسَْتبْ َر ٍ‬
‫يَ ْلبَسُو َن مِ ْن سُندُ ٍ‬

‫ظ منه‪ ,‬يقابل بعضهم بعضًا بالوجوه‪ ,‬ول ينظر بعضهم ف قفا بعض‪,‬‬
‫يَ ْلبَسون ما َرقّ من الديباج وما غَلُ َ‬
‫يدور بم ملسهم حيث داروا‪.‬‬

‫ك وَ َزوّ ْجنَاهُ ْم بِحُو ٍر عِيٍ (‪)54‬‬


‫كَذَلِ َ‬
‫‪924‬‬
‫ك ما أعطي نا هؤلء التق ي ف الخرة من الكرا مة بإدخال م النات وإلبا سهم في ها ال سندس وال ستبق‪,‬‬
‫كذلك أكرمناهم بأن زوّجناهم بالسان من النساء واسعات العي جيلتا‪.‬‬

‫يَ ْدعُونَ فِيهَا ِبكُلّ فَا ِك َهةٍ آ ِمنِيَ (‪)55‬‬

‫يطلب هؤلء التقون ف النة كل نوع من فواكه النة اشتهوه‪ ,‬آمني من انقطاع ذلك عنهم وفنائه‪.‬‬

‫ك ُهوَ اْل َفوْزُ‬


‫ضلً مِ نْ َربّكَ ذَلِ َ‬
‫ل يَذُوقُونَ فِيهَا الْ َموْتَ إِ ّل الْ َم ْوَتةَ الُولَى َووَقَاهُ ْم عَذَابَ الْجَحِيمِ (‪َ )56‬ف ْ‬
‫الْعَظِيمُ (‪ )57‬فَِإنّمَا يَسّ ْرنَاهُ بِلِسَانِكَ َلعَّلهُ ْم َيتَذَكّرُونَ (‪)58‬‬

‫ل يذوق هؤلء التقون ف ال نة الوت ب عد الو تة الول ال ت ذاقو ها ف الدن يا‪ ,‬وو قى ال هؤلء التق ي‬
‫عذاب الحيم؛ تفضل وإحسانًا منه سبحانه وتعال‪ ,‬هذا الذي أعطيناه التقي ف الخرة من الكرامات‬
‫هو الفوز العظيم الذي ل فوز بعده‪ .‬فإنا سهّلنا لفظ القرآن ومعناه بلغتك أيها الرسول; لعلهم يتعظون‬
‫وينجرون‪.‬‬

‫فَا ْرَت ِقبْ ِإّنهُ ْم مُ ْرَت ِقبُونَ (‪)59‬‬

‫فانتظر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ما وعدتك من النصر على هؤلء الشركي بال‪ ,‬وما ي ّل بم من العقاب‪ ,‬إنم‬
‫منتظرون مو تك وقهرك‪ ,‬سيعلمون ل ن تكون الن صرة والظّفَر وعلو الكل مة ف الدن يا والخرة‪ ,‬إن ا لك‬
‫‪-‬أيها الرسول‪ -‬ولن اتبعك من الؤمني‪.‬‬

‫‪ -45‬سورة الاثية‬

‫حم (‪)1‬‬

‫( حم ) سبق الكلم على الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬

‫‪925‬‬
‫حكِيمِ (‪)2‬‬
‫تَنِي ُل اْل ِكتَابِ مِنْ اللّ ِه اْلعَزِي ِز الْ َ‬

‫هذا القرآن منل من ال العزيز ف انتقامه من أعدائه‪ ,‬الكيم ف تدبي أمور خلقه‪.‬‬

‫ِإنّ فِي السّ َموَاتِ وَالَ ْرضِ ليَاتٍ لِ ْل ُم ْؤ ِمنِيَ (‪)3‬‬

‫إن ف السموات السبع‪ ,‬والرض الت منها خروج اللق‪ ,‬وما فيهما من الخلوقات الختلفة الجناس‬
‫والنواع‪ ،‬لدلة وحججًا للمؤمني با‪.‬‬

‫ث مِنْ دَاّبةٍ آيَاتٌ ِل َق ْومٍ يُوِقنُونَ (‪)4‬‬


‫وَفِي خَ ْل ِقكُ ْم َومَا يَُب ّ‬

‫ب عليها‪ ,‬حجج وأدلة لقوم يوقنون بال‬


‫وف َخلْقكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬وخلق ما تفرق ف الرض من دابة تَدِ ّ‬
‫وشرعه‪.‬‬

‫ض َبعْ َد َموِْتهَا َوتَ صْرِيفِ ال ّريَا حِ‬


‫وَا ْختِل فِ الّليْ ِل وَالنّهَا ِر َومَا أَنزَلَ اللّ ُه مِ ْن ال سّمَا ِء مِ نْ رِزْ قٍ َفأَ ْحيَا بِ هِ الَرْ َ‬
‫آيَاتٌ ِل َق ْو ٍم َيعْقِلُونَ (‪)5‬‬

‫وف اختلف الليل والنار وتعاقبهما عليكم وما أنزل ال من السماء من مطر‪ ,‬فأحيا به الرض بعد‬
‫ُيبْسها‪ ,‬فاهتزت بالنبات والزرع‪ ,‬وف تصريف الرياح لكم من جيع الهات وتصريفها لنافعكم‪ ,‬أدلةٌ‬
‫وحج ٌج لقوم يعقلون عن ال حججه وأدلته‪.‬‬

‫ث َبعْدَ اللّهِ وَآيَاتِ ِه ُي ْؤمِنُونَ (‪)6‬‬


‫ك بِالْحَقّ َفِبأَيّ حَدِي ٍ‬
‫ك آيَاتُ اللّ ِه َنتْلُوهَا عََليْ َ‬
‫تِلْ َ‬

‫هذه اليات والجج نتلوها عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بالق‪ ,‬فبأي حديث بعد ال وآياته وأدلته على أنه‬
‫الله الق وحده ل شريك له يؤمنون ويصدقون ويعملون؟‬

‫َويْلٌ ِلكُلّ أَفّاكٍ َأثِيمٍ (‪)7‬‬


‫‪926‬‬
‫هلك شديد ودمار لكل كذاب كثي الثام‪.‬‬

‫سَتكْبِرا َكَأنْ َل ْم يَسْ َم ْعهَا َفبَشّ ْرهُ ِبعَذَابٍ أَلِيمٍ (‪)8‬‬


‫يَسْمَ ُع آيَاتِ اللّ ِه ُتتْلَى عََليْ ِه ثُ ّم ُيصِ ّر مُ ْ‬

‫يسمع آيات كتاب ال ُتقْرأ عليه‪ ,‬ث يتمادى ف كفره متعاليًا ف نفسه عن النقياد ل ورسوله‪ ,‬كأنه ل‬
‫يسمع ما تُلي عليه من آيات ال‪ ,‬فبشر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هذا الفاك الثيم بعذاب مؤل مؤجع ف نار‬
‫جهنم يوم القيامة‪.‬‬

‫َوإِذَا عَلِ َم مِ ْن آيَاِتنَا َشيْئا اتّخَ َذهَا هُزُوا ُأوَْلئِكَ َلهُمْ عَذَابٌ ُمهِيٌ (‪)9‬‬

‫وإذا علم هذا الفاك الثيم من آياتا شيئًا اتذها هزوًا وسُخْرية‪ ,‬أولئك لم عذاب يهينهم‪ ,‬ويزيهم يوم‬
‫القيامة؛ جزاء استهزائهم بالقرآن‪.‬‬

‫خذُوا مِ نْ دُو نِ اللّهِ َأوْلِيَا َء وََلهُ ْم عَذَابٌ عَظِيمٌ‬


‫سبُوا َشيْئا وَل مَا اتّ َ‬
‫مِ ْن وَرَاِئهِمْ َج َهنّ ُم وَل ُي ْغنِي َعْنهُ ْم مَا كَ َ‬
‫(‪)10‬‬

‫مِن أمام هؤلء الستهزئي بآيات ال جهنم‪ ,‬ول يغن عنهم ما كسبوا شيئًا من الال والولد‪ ,‬ول آلتُهم‬
‫الت عبدوها مِن دون ال‪ ,‬ولم عذاب عظيم مؤل‪.‬‬

‫هَذَا هُدًى وَالّذِينَ َكفَرُوا بِآيَاتِ َرّبهِمْ َلهُمْ عَذَابٌ مِنْ ِرجْزٍ أَلِيمٌ (‪)11‬‬

‫هذا القرآن الذي أنزلناه عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هدى من الضللة‪ ,‬ودليل على الق‪ ,‬يهدي إل طريق‬
‫مستقيم مَن اتبعه وعمل به‪ ,‬والذين جحدوا با ف القرآن من اليات الدالة على الق ول يُصَدّقوا با‪ ,‬لم‬
‫عذابٌ مِن أسوأ أنواع العذاب يوم القيامة‪ ,‬مؤل موجع‪.‬‬

‫شكُرُونَ (‪)12‬‬
‫حرَ ِلتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِي ِه ِبَأمْ ِرهِ وَِلَتبَْتغُوا مِنْ َفضْلِ ِه وََلعَّلكُ ْم تَ ْ‬
‫اللّ ُه الّذِي سَخّرَ َلكُمْ الْبَ ْ‬

‫‪927‬‬
‫ال سبحانه وتعال هو الذي سخّر لكم البحر; لتجري السفن فيه بأمره‪ ,‬ولتبتغوا من فضله بأنواع‬
‫التجارات والكاسب‪ ,‬ولعلكم تشكرون ربكم على تسخيه ذلك لكم‪ ,‬فتعبدوه وحده‪ ,‬وتطيعوه فيما‬
‫يأمركم به‪ ,‬وينهاكم عنه‪.‬‬

‫ك ليَاتٍ ِل َق ْومٍ َيَت َفكّرُونَ (‪)13‬‬


‫َوسَخّرَ َلكُ ْم مَا فِي السّ َموَاتِ َومَا فِي الَ ْرضِ جَمِيعا ِمنْهُ ِإنّ فِي ذَلِ َ‬

‫وسخّر لكم كل ما ف السموات من شس وقمر ونوم‪ ,‬وكل ما ف الرض من دابة وشجر وسفن وغي‬
‫ذلك لنافعكم‪ ,‬جيع هذه النعم منة من ال وحده أنعم با عليكم‪ ,‬وفضل منه تَفضّل به‪ ,‬فإياه فاعبدوا‪,‬‬
‫ول تعلوا له شريكًا‪ .‬إنّ فيما سخره ال لكم لعلمات ودللت على وحدانية ال لقوم يتفكرون ف‬
‫آيات ال وحججه وأدلته‪ ,‬فيعتبون با‪.‬‬

‫سبُونَ (‪)14‬‬
‫قُلْ لِلّذِينَ آ َمنُوا َيغْفِرُوا لِلّذِي َن ل َيرْجُونَ َأيّامَ اللّهِ ِليَجْزِيَ َقوْما بِمَا كَانُوا َيكْ ِ‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للذين صدّقوا بال واتّبَعوا رسله يعفوا‪ ,‬ويتجاوزوا عن الذين ل يرجون ثواب ال‪,‬‬
‫ول يافون بأسه إذا هم نالوا الذين آمنوا بالذى والكروه; ليجزي ال هؤلء الشركي با كانوا‬
‫يكسبون ف الدنيا من الثام وإيذاء الؤمني‪.‬‬

‫مَ ْن عَمِلَ صَالِحا فَِلَنفْسِ ِه َومَنْ َأسَاءَ َفعََلْيهَا ثُمّ إِلَى َرّبكُمْ ُترْ َجعُونَ (‪)15‬‬

‫من عمل مِن عباد ال بطاعته فلنفسه عمل‪ ,‬ومن أساء عمله ف الدنيا بعصية ال فعلى نفسه جن‪ ,‬ث‬
‫إنكم ‪ -‬أيها الناس ‪ -‬إل ربكم تصيون بعد موتكم‪ ,‬فيجازي الحسن بإحسانه‪ ,‬والسيء بإساءته‪.‬‬

‫حكْ َم وَالّنُبوّ َة وَرَزَ ْقنَاهُ ْم مِنْ ال ّطّيبَاتِ وََفضّ ْلنَاهُ ْم عَلَى الْعَالَ ِميَ (‪)16‬‬
‫ب وَالْ ُ‬
‫وََلقَ ْد آتَْينَا َبنِي ِإسْرَائِي َل اْلكِتَا َ‬

‫ولقد آتينا بن إسرائيل التوراة والنيل والكم با فيهما‪ ,‬وجعلنا أكثر النبياء من ذرية إبراهيم عليه‬
‫السلم فيهم‪ ,‬ورزقناهم من الطيبات من القوات والثمار والطعمة‪ ,‬وفضّلناهم على عالي زمانم‪.‬‬

‫‪928‬‬
‫ك َيقْضِي َبيَْنهُ ْم َيوْ مَ‬
‫ت مِ ْن ا َلمْرِ فَمَا ا ْختََلفُوا إِ ّل مِ ْن َبعْدِ مَا جَا َءهُ ْم اْلعِلْ ُم َبغْيا بَْيَنهُ مْ ِإنّ َربّ َ‬
‫وَآتَْينَاهُ ْم َبّينَا ٍ‬
‫ختَِلفُونَ (‪)17‬‬ ‫الْ ِقيَا َمةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ َي ْ‬

‫وآتينا بن إسرائيل شرائع واضحات ف اللل والرام‪ ,‬ودللت تبي الق من الباطل‪ ,‬فما اختلفوا إل‬
‫من بعد ما جاءهم العلم‪ ,‬وقامت الجة عليهم‪ ,‬وإنا حَمَلهم على ذلك َبغْ ُي بعضهم على بعض؛ طلبًا‬
‫للرفعة والرئاسة‪ ,‬إن ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬يكم بي الختلفي من بن إسرائيل يوم القيامة فيما كانوا فيه‬
‫يتلفون ف الدنيا‪ .‬وف هذا تذير لذه المة أن تسلك مسلكهم‪.‬‬

‫َعَ ْلنَاكَ عَلَى شَرِي َع ٍة مِ ْن الَمْرِ فَاتِّب ْعهَا وَل َتّتبِعْ َأهْوَا َء الّذِينَ ل َيعَْلمُونَ (‪)18‬‬

‫ث جعلناك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬على منهاج واضح من أمر الدين‪ ,‬فاتبع الشريعة الت جعلناك عليها‪ ,‬ول تتبع‬
‫أهواء الاهلي بشرع ال الذين ل يعلمون الق‪ .‬وف الية دللة عظيمة على كمال هذا الدين وشرفه‪,‬‬
‫ووجوب النقياد لكمه‪ ,‬وعدم اليل إل أهواء الكفرة واللحدين‪.‬‬

‫ضهُمْ َأوِْليَاءُ َب ْعضٍ وَاللّ ُه وَِل ّي الْ ُمتّقِيَ (‪)19‬‬


‫ي َبعْ ُ‬
‫ك مِنْ اللّ ِه َشيْئا َوإِنّ الظّالِ ِم َ‬
‫ِإّنهُمْ َل ْن ُيغْنُوا عَن َ‬

‫إن هؤلء الشركي بربم الذين يدعونك إل اتباع أهوائهم لن يغنوا عنك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من عقاب ال‬
‫شيئًا إن اتبعت أهواءهم‪ ,‬وإن الظالي التجاوزين حدود ال من النافقي واليهود وغيهم بعضهم أنصار‬
‫بعض على الؤمني بال وأهل طاعته‪ ,‬وال ناصر التقي ربّهم بأداء فرائضه واجتناب نواهيه‪.‬‬

‫س َوهُدًى وَ َرحْ َمةٌ ِل َق ْومٍ يُوِقنُونَ (‪)20‬‬


‫هَذَا َبصَائِرُ لِلنّا ِ‬

‫هذا القرآن الذي أنزلناه إليك أيها الرسول بصائر يبصر به الناس الق من الباطل‪ ,‬ويعرفون به سبيل‬
‫الرشاد‪ ,‬وهدى ورحةٌ لقوم يوقنون بقيقة صحته‪ ,‬وأنه تنيل من ال العزيز الكيم‪.‬‬

‫حيَاهُ ْم َومَمَاُتهُمْ‬
‫جعََلهُمْ كَالّذِينَ آ َمنُوا وَعَ ِملُوا الصّالِحَاتِ َسوَاءً َم ْ‬
‫سيّئَاتِ أَ ْن نَ ْ‬
‫سبَ الّذِينَ ا ْجتَرَحُوا ال ّ‬ ‫أَمْ حَ ِ‬
‫حكُمُونَ (‪)21‬‬ ‫سَا َء مَا يَ ْ‬

‫‪929‬‬
‫بل أظ ّن الذين اكتسبوا السيئات‪ ,‬وكذّبوا رسل ال‪ ,‬وخالفوا أمر ربم‪ ,‬وعبدوا غيه‪ ,‬أن نعلهم كالذين‬
‫آمنوا بال‪ ,‬وصدقوا رسله وعملوا الصالات‪ ,‬وأخلصوا له العبادة دون سواه‪ ,‬ونساويَهم بم ف الدنيا‬
‫والخرة؟ ساء حكمهم بالساواة بي الفجار والبرار ف الخرة‪.‬‬

‫سَبتْ َوهُ ْم ل يُظَْلمُونَ (‪)22‬‬


‫س بِمَا كَ َ‬
‫ت وَالَ ْرضَ بِاْلحَ ّق وَِلتُجْزَى ُك ّل َنفْ ٍ‬
‫وَخََلقَ اللّهُ السّ َموَا ِ‬

‫وخَلَق ال السموات والرض بالق والعدل والكمة; ولكي تزى كل نفس ف الخرة با كسبت مِن‬
‫خي أو شر‪ ,‬وهم ل يُظْلمون جزاء أعمالم‪.‬‬

‫ت مَ ْن اتّخَذَ إَِلهَهُ َهوَا ُه َوأَضَلّهُ اللّ ُه عَلَى عِ ْل ٍم َو َختَ َم عَلَى سَ ْمعِ ِه وَقَ ْلبِ ِه وَ َجعَ َل عَلَى بَصَ ِر ِه غِشَاوَةً فَمَنْ‬
‫أَفَ َرَأيْ َ‬
‫َيهْدِيهِ مِ ْن َبعْدِ اللّهِ أَفَل تَذَكّرُونَ (‪)23‬‬

‫أفرأيت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من اتذ هواه إلًا له‪ ,‬فل يهوى شيئًا إل َفعَله‪ ,‬وأضلّه ال بعد بلوغ العلم إليه‬
‫وقيام الجة عليه‪ ,‬فل يسمع مواعظ ال‪ ,‬ول يعتب با‪ ,‬وطبع على قلبه‪ ,‬فل يعقل به شيئًا‪ ,‬وجعل على‬
‫بصره غطاء‪ ,‬فل يبصر به حجج ال؟ فمن يوفقه لصابة الق والرشد بعد إضلل ال إياه؟ أفل تذكرون‬
‫‪-‬أيها الناس‪ -‬فتعلموا أنّ مَن َفعَل ال به ذلك فلن يهتدي أبدًا‪ ,‬ولن يد لنفسه وليًا مرشدًا؟ والية أصل‬
‫ف التحذير من أن يكون الوى هو الباعث للمؤمني على أعمالم‪.‬‬

‫ك مِ ْن عِ ْل مٍ إِ نْ هُ مْ إِلّ‬
‫حيَا َومَا ُيهِْل ُكنَا إِلّ ال ّدهْ ُر َومَا َلهُ ْم بِذَلِ َ‬
‫ت َونَ ْ‬
‫وَقَالُوا مَا هِ يَ إِلّ َحيَاُتنَا ال ّدْنيَا نَمُو ُ‬
‫يَ ُظنّونَ (‪)24‬‬

‫وقال هؤلء الشركون‪ :‬ما الياة إل حياتنا الدنيا الت نن فيها‪ ,‬ل حياة سواها; تكذيبا منهم بالبعث بعد‬
‫المات‪ ,‬وما يهلكنا إل مرّ الليال واليام وطول العمر؛ إنكارًا منهم أن يكون لم رب يفنيهم ويهلكهم‪,‬‬
‫وما لؤلء الشركي من علم بذلك‪ ,‬ما هم إل يتكلمون بالظن والوهم واليال‪.‬‬

‫جَتهُمْ إِلّ َأنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَاِئنَا ِإنْ كُنتُمْ صَادِقِيَ (‪)25‬‬
‫َوإِذَا تُتْلَى عََلْيهِ ْم آيَاتُنَا َبّينَاتٍ مَا كَانَ حُ ّ‬

‫‪930‬‬
‫إذا تتلى على هؤلء الشركي الكذبي بالبعث آياتنا واضحات‪ ,‬ل يكن لم حجة إل قولم للرسول‬
‫ممد‪ :‬أحْي أنت والؤمنون معك آباءنا الذين قد هلكوا‪ ,‬إن كنتم صادقي فيما تقولون‪.‬‬

‫س ل َيعْلَمُونَ (‪)26‬‬
‫ج َمعُكُمْ إِلَى َيوْ ِم اْلقِيَا َمةِ ل َرْيبَ فِي ِه وََلكِنّ أَكْثَرَ النّا ِ‬
‫حيِيكُ ْم ثُ ّم يُمِيتُكُ ْم ثُ ّم يَ ْ‬
‫قُلْ اللّ ُه يُ ْ‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي الكذبي بالبعث‪ :‬ال سبحانه وتعال يييكم ف الدنيا ما شاء لكم‬
‫الياة‪ ,‬ث ييتكم فيها‪ ,‬ث يمعكم جيعا أحياء إل يوم القيامة ل شك فيه‪ ,‬ولكن أكثر الناس ل يعلمون‬
‫قدرة ال على إماتتهم ث بعثهم يوم القيامة‪.‬‬

‫ض َوَي ْومَ َتقُومُ السّا َعةُ َي ْو َمئِ ٍذ يَخْسَ ُر الْ ُمبْ ِطلُونَ (‪)27‬‬
‫ت وَالَ ْر ِ‬
‫وَلِلّ ِه مُلْكُ السّ َموَا ِ‬

‫ول سبحانه سلطان السموات السبع والرض خَ ْلقًا ومُ ْلكًا وعبودية‪ .‬ويوم تيء الساعة الت يبعث فيها‬
‫الوتى من قبورهم وياسبون‪ ,‬يسر الكافرون بال الاحدون با أنزله على رسوله من اليات البينات‬
‫والدلئل الواضحات‪.‬‬

‫َوتَرَى كُلّ ُأ ّمةٍ جَاِثَيةً كُلّ ُأمّ ٍة تُ ْدعَى إِلَى ِكتَاِبهَا اْليَ ْو َم تُجْ َز ْو َن مَا كُنتُ ْم َتعْمَلُونَ (‪)28‬‬

‫وترى ‪-‬أيها الرسول‪ -‬يوم تقوم الساعة أهل كل ملة ودين جاثي على رُكَبهم‪ ,‬كل أمة تُدْعى إل‬
‫كتاب أعمالا‪ ,‬ويقال لم‪ :‬اليوم تُجزون ما كنتم تعملون من خي أو شر ‪.‬‬

‫ستَنسِ ُخ مَا كُنتُ ْم َتعْمَلُونَ (‪)29‬‬


‫هَذَا ِكتَاُبنَا يَنطِ ُق عََلْيكُ ْم بِالْحَقّ إِنّا ُكنّا نَ ْ‬

‫هذا كتابنا ينطق عليكم بميع أعمالكم من غي زيادة ول نقص‪ ,‬إنّا كنا نأمر الفظة أن تكتب أعمالكم‬
‫عليكم‪.‬‬

‫ك ُه َو اْل َفوْزُ الْ ُمبِيُ (‪)30‬‬


‫َفَأمّا الّذِينَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا الصّالِحَاتِ َفيُ ْدخُِلهُمْ َرّبهُمْ فِي رَحْ َمتِهِ ذَلِ َ‬

‫‪931‬‬
‫فأما الذين آمنوا بال ورسوله ف الدنيا‪ ,‬وامتثلوا أوامره واجتنبوا نواهيه‪ ,‬فيدخلهم ربم ف جنته برحته‪,‬‬
‫ذلك الدخول هو الفوز البي الذي ل فوز بعده‪.‬‬

‫َوَأمّا الّذِينَ َكفَرُوا أَفَلَ ْم َتكُ ْن آيَاتِي ُتتْلَى عََلْيكُمْ فَا ْسَتكْبَ ْرتُ ْم وَكُنتُمْ َقوْما ُمجْ ِرمِيَ (‪)31‬‬

‫وأما الذين جحدوا أن ال هو الله الق وكذّبوا رسله ول يعملوا بشرعه‪ ,‬فيقال لم تقريعًا وتوبيخًا‪:‬‬
‫أفلم تكن آيات ف الدنيا تتلى عليكم‪ ,‬فاستكبت عن استماعها واليان با‪ ,‬وكنتم قومًا مشركي‬
‫تكسِبون العاصي ول تؤمنون بثواب ول عقاب؟‬

‫ح نُ‬
‫َوإِذَا قِيلَ إِنّ َوعْدَ اللّ هِ حَقّ وَال سّا َعةُ ل َريْ بَ فِيهَا قُ ْلتُ مْ مَا نَدْرِي مَا ال سّا َعةُ إِ نْ نَظُنّ إِ ّل ظَنّا َومَا نَ ْ‬
‫سَتيْ ِقنِيَ (‪)32‬‬‫بِمُ ْ‬

‫وإذا قيل لكم‪ :‬إن وعد ال ببعث الناس من قبورهم حق‪ ,‬والساعة ل شك فيها‪ ,‬قلتم‪ :‬ما ندري ما‬
‫الساعة؟ وما نتوقع وقوعها إل توهًا‪ ,‬وما نن بتحققي أن الساعة آتية‪.‬‬

‫‪932‬‬
‫الزء السادس والعشرون ‪:‬‬

‫سَتهْ ِزئُون (‪)33‬‬


‫ت مَا عَمِلُوا َوحَاقَ ِبهِ ْم مَا كَانُوا بِ ِه يَ ْ‬
‫َوبَدَا َلهُ ْم َسّيئَا ُ‬

‫وظ هر لؤلء الذ ين كانوا يكذّبون بآيات ال ما عملوا ف الدن يا من العمال القبي حة‪ ,‬ونزل ب م من‬
‫عذاب ال جزاء ما كانوا به يستهزئون‪.‬‬

‫وَقِي َل الَْي ْومَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ ِلقَا َء َيوْ ِمكُ ْم هَذَا َومَ ْأوَاكُ ْم النّا ُر َومَا َلكُ ْم مِ ْن نَاصِرِينَ (‪)34‬‬

‫وقيل لؤلء الكفرة‪ :‬اليوم نترككم ف عذاب جهنم‪ ,‬كما تركتم اليان بربكم والعمل للقاء يومكم هذا‪,‬‬
‫ومسكنكم نار جهنم‪ ,‬وما لكم من ناصرين ينصرونكم من عذاب ال‪.‬‬

‫سَتعَْتبُونَ (‬
‫حيَاةُ ال ّدْنيَا فَاْلَيوْ َم ل يُخْ َرجُو َن ِمْنهَا وَل هُ ْم يُ ْ‬
‫ذَِلكُ ْم ِبَأنّكُ ْم اتّخَ ْذتُ ْم آيَاتِ اللّ ِه هُزُوا َوغَ ّرْتكُمْ الْ َ‬
‫‪)35‬‬

‫هذا الذي ح ّل بكم مِن عذاب ال ; بسبب أنكم اتذت آيات ال وحججه هزوًا ولعبًا‪ ,‬وخدعتكم زينة‬
‫الياة الدنيا‪ ,‬فاليوم ل يُخرجون من النار‪ ,‬ول هم يُ َردّون إل الدنيا؛ ليتوبوا ويعملوا صالًا‪.‬‬

‫ب اْلعَالَمِيَ (‪)36‬‬
‫ب الَ ْرضِ رَ ّ‬
‫فَِللّ ِه الْحَمْدُ رَبّ السّ َموَاتِ وَرَ ّ‬

‫فلله سبحانه وتعال وحده المد على نعمه الت ل تصى على خلقه‪ ,‬رب السموات والرض وخالقهما‬
‫ومدبرها‪ ,‬رب اللئق أجعي‪.‬‬

‫حكِيمُ (‪)37‬‬
‫ض َو ُهوَ اْلعَزِي ُز الْ َ‬
‫ت وَالَ ْر ِ‬
‫وَلَ ُه الْ ِكبْ ِريَاءُ فِي السّ َموَا ِ‬

‫وله وحده سبحانه العظ مة واللل وال كبياء وال سّلْطان والقدرة والكمال ف ال سموات والرض‪ ,‬و هو‬
‫العزيز الذي ل يغالَب‪ ,‬الكيم ف أقواله وأفعاله وقدره وشرعه‪ ,‬تعال وتقدّس‪ ,‬ل إله إل هو‪.‬‬
‫‪933‬‬
‫‪ -46‬سورة الحقاف‬

‫حم (‪)1‬‬

‫( حم ) سبق الكلم على الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬

‫حكِيمِ (‪)2‬‬
‫َتنْزِي ُل الْ ِكتَابِ مِنْ اللّ ِه الْعَزِي ِز الْ َ‬

‫هذا القرآن تنيل من ال العزيز الذي ل يغالَب‪ ,‬الكيم ف تدبيه وصنعه‪.‬‬

‫ض َومَا َبْيَنهُمَا إِلّ بِاْلحَقّ َوأَجَ ٍل مُ سَمّى وَالّذِي نَ َكفَرُوا عَمّا ُأنْذِرُوا ُمعْرِضُو نَ (‬
‫مَا خََل ْقنَا ال سّ َموَاتِ وَالَرْ َ‬
‫‪)3‬‬

‫ما خلقنا السموات والرض وما بينهما إل بالق‪ ,‬ل عبثًا ول سدى؛ بل ليعرف العباد عظمة خالقهما‬
‫فيعبدوه وحده‪ ,‬ويعلموا أ نه قادر على أن يع يد العباد ب عد موت م‪ ,‬وليقيموا ال ق والعدل فيما بين هم وإل‬
‫أجل معلوم عنده‪ .‬والذين جحدوا أن ال هو الله الق‪ ,‬عما أنذرهم به القرآن معرضون‪ ,‬ل يتعظون ول‬
‫يتفكرون‪.‬‬

‫ت ِائْتُونِي‬
‫قُلْ أَ َرَأْيتُ ْم مَا تَ ْدعُو َن مِ نْ دُو نِ اللّ هِ أَرُونِي مَاذَا خََلقُوا مِ ْن الَرْ ضِ أَ مْ َلهُ مْ شِرْ كٌ فِي ال سّ َموَا ِ‬
‫ب مِنْ َقبْ ِل هَذَا َأوْ َأثَا َرةٍ مِ ْن عِلْمٍ ِإنْ ُكْنتُمْ صَادِقِيَ (‪)4‬‬
‫بِ ِكتَا ٍ‬

‫قل ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬لؤلء الكفار‪ :‬أرأي تم الل ة‪ ,‬والوثان ال ت تعبدون ا من دون ال‪ ,‬أرو ن أيّ ش يء‬
‫خلقوا من الرض‪ ,‬أم ل م مع ال ن صيب من خلق ال سموات؟ ائتو ن بكتاب من ع ند ال من ق بل هذا‬
‫القرآن أو ببقيّة من علم‪ ,‬إن كنتم صادقي فيما تزعمون‪.‬‬

‫‪934‬‬
‫ستَجِيبُ لَهُ إِلَى َي ْو ِم الْ ِقيَا َمةِ َوهُ ْم عَنْ ُدعَاِئهِ ْم غَافِلُونَ (‪)5‬‬
‫َومَنْ أَضَ ّل مِمّ ْن يَ ْدعُو مِنْ دُونِ اللّ ِه مَ ْن ل يَ ْ‬

‫ل أحد أضلّ وأجهل من يدعو من دون ال آلة ل تستجيب دعاءه أبدًا؛ لنا من الموات أو الحجار‬
‫والشجار ونوها‪ ,‬وهي غافلة عن دعاء مَن يعبدها‪ ,‬عاجزة عن نفعه أو ضره‪.‬‬

‫َوإِذَا حُشِ َر النّاسُ كَانُوا َلهُمْ َأعْدَاءً وَكَانُوا ِب ِعبَا َدِتهِمْ كَافِرِينَ (‪)6‬‬

‫وإذا حُشر الناس يوم القيامة للحساب والزاء كانت اللة الت يدعونا ف الدنيا لم أعداء‪ ,‬تلعنهم وتتبأ‬
‫منهم‪ ,‬وتنكر علمها بعبادتم إياها‪.‬‬

‫َوإِذَا تُتْلَى عََلْيهِ ْم آيَاتُنَا َبّينَاتٍ قَا َل الّذِينَ َك َفرُوا لِ ْلحَقّ لَمّا جَا َءهُ ْم هَذَا سِحْ ٌر ُمبِيٌ (‪)7‬‬

‫وإذا تتلى على هؤلء الشركي آياتنا واضحات‪ ,‬قال الذين كفروا حي جاءهم القرآن‪ :‬هذا سحر‬
‫ظاهر‪.‬‬

‫أَ مْ َيقُولُو َن ا ْفتَرَا هُ قُلْ إِ ْن افْتَ َرْيتُ هُ فَل تَمِْلكُو نَ لِي مِ نْ اللّ ِه َشيْئا ُهوَ َأعْلَ مُ بِمَا ُتفِيضُو نَ فِي هِ َكفَى بِ ِه َشهِيدا‬
‫َبيْنِي َوَبْينَكُ ْم َو ُهوَ الْ َغفُورُ الرّحِيمُ (‪)8‬‬

‫بل أيقول هؤلء الشركون‪ :‬إن ممدًا اختلق هذا القرآن؟ قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬إن اختلقته على ال‬
‫فإنكم ل تقدرون أن تدفعوا عن من عقاب ال شيئًا‪ ,‬إن عاقبن على ذلك‪ .‬هو سبحانه أعلم من كل‬
‫شيء سواه با تقولون ف هذا القرآن‪ ,‬كفى بال شاهدًا عليّ وعليكم‪ ,‬وهو الغفور لن تاب إليه‪ ,‬الرحيم‬
‫بعباده الؤمني‪.‬‬

‫قُ ْل مَا ُكنْ تُ بِدْعا مِ نْ الرّ سُ ِل َومَا َأدْرِي مَا ُي ْفعَ ُل بِي وَل ِبكُ مْ إِ نْ َأّتبِ عُ إِ ّل مَا يُوحَى إِلَيّ َومَا َأنَا إِلّ نَذِيرٌ‬
‫ُمبِيٌ (‪)9‬‬

‫‪935‬‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لشركي قومك‪ :‬ما كنتُ أول رسل ال إل خلقه‪ ,‬وما أدري ما يفعل ال ب ول‬
‫بكم ف الدنيا‪ ,‬ما أتبع فيما آمركم به وفيما أفعله إل وحي ال الذي يوحيه إلّ‪ ,‬وما أنا إل نذير بيّن‬
‫النذار‪.‬‬

‫قُلْ أَ َرَأْيتُمْ إِنْ كَا َن مِ نْ عِنْدِ اللّ ِه وَ َكفَ ْرتُ ْم بِهِ َو َشهِ َد شَاهِ ٌد مِ ْن َبنِي إِسْرَائِي َل عَلَى ِمثْلِهِ فَآمَ َن وَاسَْت ْكبَ ْرتُمْ ِإنّ‬
‫اللّ َه ل َيهْدِي الْ َق ْومَ الظّالِمِيَ (‪)10‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لشركي قومك‪ :‬أخبون إن كان هذا القرآن من عند ال وكفرت به‪ ,‬وشهد شاهد‬
‫من بن إسرائيل كعبد ال بن سلم على مثل هذا القرآن‪ ,‬وهو ما ف التوراة من التصديق بنبوة ممد‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فصدّق وعمل با جاء ف القرآن‪ ,‬وجحدت ذلك استكبارًا‪ ,‬فهل هذا إل أعظم‬
‫الظلم وأشد الكفر؟ إن ال ل يوفّق إل السلم وإصابة الق القوم الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم بال‪.‬‬

‫سَيقُولُو َن هَذَا إِفْكٌ َق ِديٌ (‬


‫وَقَا َل الّذِينَ َكفَرُوا ِللّذِينَ آ َمنُوا َلوْ كَانَ َخيْرا مَا َسبَقُونَا إِلَيْ ِه َوإِذْ لَ ْم َي ْهتَدُوا بِهِ فَ َ‬
‫‪)11‬‬

‫وقال الذين جحدوا نبوة ممد صلى ال عليه وسلم للذين آمنوا به‪ :‬لو كان تصديقكم ممدًا على ما‬
‫جاء به خيًا ما سبقتمونا إل التصديق به‪ ,‬وإذ ل يهتدوا بالقرآن ول ينتفعوا با فيه من الق فسيقولون‪:‬‬
‫هذا كذب‪ ,‬مأثور عن الناس القدمي‪.‬‬

‫ب مُ صَ ّدقٌ لِ سَانا عَ َرِبيّا ِليُنْذِرَ الّذِي نَ ظََلمُوا َوبُشْرَى‬


‫َومِ نْ َقبْلِ هِ ِكتَا بُ مُو سَى ِإمَاما وَرَ ْح َم ًة َوهَذَا ِكتَا ٌ‬
‫سنِيَ (‪)12‬‬ ‫لِلْ ُمحْ ِ‬

‫ومن قبل هذا القرآن أنزلنا التوراة إمامًا لبن إسرائيل يقتدون با‪ ,‬ورحة لن آمن با وعمل با فيها‪ ,‬وهذا‬
‫القرآن مصدق لا قبله من الكتب‪ ,‬أنزلناه بلسان عرب؛ لينذر الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والعصية‪,‬‬
‫وبشرى للذين أطاعوا ال‪ ,‬فأحسنوا ف إيانم وطاعتهم ف الدنيا‪.‬‬

‫ح َزنُونَ (‪)13‬‬
‫ف عََلْيهِمْ وَل هُ ْم يَ ْ‬
‫ِإنّ الّذِينَ قَالُوا َرّبنَا اللّ ُه ثُ ّم ا ْسَتقَامُوا فَل َخوْ ٌ‬

‫‪936‬‬
‫إن الذين قالوا‪ :‬ربنا ال‪ ,‬ث استقاموا على اليان به‪ ,‬فل خوف عليهم من فزع يوم القيامة وأهواله‪ ,‬ول‬
‫هم يزنون على ما خلّفوا وراءهم بعد ماتم من حظوظ الدنيا‪.‬‬

‫جّنةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَا ًء بِمَا كَانُوا َيعْمَلُونَ (‪)14‬‬


‫ُأوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْ َ‬

‫أولئك أهل النة ماكثي فيها أبدًا برحة ال تعال لم‪ ,‬وبا قدّموا من عمل صال ف دنياهم‪.‬‬

‫ض َعتْهُ ُكرْها َوحَمْلُ ُه وَفِصَالُ ُه ثَلثُونَ َشهْرا َحتّى ِإذَا‬ ‫صيْنَا الِنسَا َن ِبوَالِ َديْهِ إِحْسَانا حَ َمَلتْهُ ُأمّهُ ُكرْها َووَ َ‬ ‫َووَ ّ‬
‫ك اّلتِي‬
‫بَلَ غَ َأشُدّ ُه َوبَلَ غَ أَ ْربَعِيَ َسَنةً قَالَ رَبّ َأوْ ِز ْعنِي أَ نْ َأ ْشكُ َر ِنعْ َمتَ كَ قَالَ رَبّ َأوْ ِز ْعنِي أَ نْ َأ ْشكُ َر ِنعْ َمتَ َ‬
‫ك َوإِنّ ي مِ نْ‬
‫ت عَلَيّ وَعَلَى وَالِدَيّ َوأَ نْ َأعْمَلَ صَالِحا تَرْضَا ُه َوأَ صْلِحْ لِي فِي ذُ ّريّتِي ِإنّ ي ُتبْ تُ إَِليْ َ‬ ‫َأنْعَمْ َ‬
‫الْمُسْلِ ِميَ (‪)15‬‬

‫ووصينا النسان أن يسن ف صحبته لوالديه بِرّا بما ف حياتما وبعد ماتما‪ ,‬فقد حلته أمه جنينًا ف‬
‫بطنها على مشقة وتعب‪ ,‬وولدته على مشقة وتعب أيضًا‪ ,‬ومدة حله وفطامه ثلثون شهرًا‪ .‬وف ذكر‬
‫هذه الشاق الت تتحملها الم دون الب‪ ,‬دليل على أن حقها على ولدها أعظم من حق الب‪ .‬حت إذا‬
‫بلغ هذا النسان ناية قوته البدنية والعقلية‪ ,‬وبلغ أربعي سنة دعا ربه قائل‪ :‬رب ألمن أن أشكر نعمتك‬
‫الت أنعمتها عل ّي وعلى والديّ‪ ,‬واجعلن أعمل صالًا ترضاه‪ ,‬وأصلح ل ف ذريت‪ ,‬إن تبت إليك من‬
‫ذنوب‪ ,‬وإن من الاضعي لك بالطاعة والستسلمي لمرك ونيك‪ ,‬النقادين لكمك‪.‬‬

‫جّن ِة َوعْ َد ال صّ ْدقِ الّذِي‬


‫ب الْ َ‬
‫ُأوْلَئِ كَ الّذِي َن َنتَ َقبّ ُل َعْنهُ مْ أَحْ سَ َن مَا عَ ِملُوا َوَنتَجاوَ ُز عَ نْ َسّيئَاِتهِمْ فِي أَ صْحَا ِ‬
‫كَانُوا يُوعَدُونَ (‪)16‬‬

‫أولئك الذين نتقبل منهم أحسن ما عملوا من صالات العمال‪ ,‬ونصفح عن سيئاتم‪ ,‬ف جلة أصحاب‬
‫النة‪ ,‬هذا الوعد الذي وعدناهم به هو وعد الصدق الق الذي ل شك فيه‪.‬‬

‫سَتغِيثَانِ اللّ َه َويْلَ كَ‬


‫ت اْلقُرُو ُن مِ نْ َقبْلِي َوهُمَا يَ ْ‬
‫ج وَقَدْ خَلَ ْ‬
‫وَالّذِي قَالَ ِلوَالِ َديْ هِ أُفّ َلكُمَا َأَتعِدَاِننِي أَ نْ أُ ْخرَ َ‬
‫آمِنْ إِ ّن َوعْدَ اللّهِ حَقّ َفيَقُو ُل مَا هَذَا إِلّ َأسَاطِيُ ا َلوّلِيَ (‪)17‬‬

‫‪937‬‬
‫والذي قال لوالديه إذ دعواه إل اليان بال والقرار بالبعث‪ :‬قبحًا لكما أتعِدانن أن ُأخْرج من قبي‬
‫حيًا‪ ,‬وقد مضت القرون من المم من قبلي‪ ,‬فهلكوا فلم يُبعث منهم أحد؟ ووالداه يسألن ال هدايته‬
‫قائلَي له‪ :‬ويلك‪ ,‬آمن وصدّق واعمل صالًا‪ ,‬إن وعد ال بالبعث حق ل شك فيه‪ ,‬فيقول لما‪ :‬ما هذا‬
‫الذي تقولنه إل ما سطّره الولون من الباطيل‪ ,‬منقول من كتبهم‪.‬‬

‫ك الّذِي نَ حَقّ عََلْيهِ مْ اْل َقوْلُ فِي ُأمَ مٍ َقدْ َخلَ تْ مِ نْ َقبِْل ِه ْم مِ ْن الْجِنّ وَالِن سِ ِإّنهُ مْ كَانُوا خَا سِرِينَ (‬
‫ُأوْلَئِ َ‬
‫‪)18‬‬

‫أولئك الذين هذه صفتهم وجب عليهم عذاب ال‪ ,‬وحلّت بم عقوبته وسخطه ف جلة أمم مضت مِن‬
‫قبلهم مِ َن الن والنس على الكفر والتكذيب‪ ,‬إنم كانوا خاسرين ببيعهم الدى بالضلل‪ ,‬والنعيم‬
‫بالعذاب‪.‬‬

‫ت مِمّا عَمِلُوا وَِلُيوَفَّيهُمْ َأعْمَاَلهُ ْم َوهُ ْم ل يُظْلَمُونَ (‪)19‬‬


‫وَِلكُلّ دَ َرجَا ٌ‬

‫ولكل فريق من أهل الي وأهل الشر منازل عند ال يوم القيمة; بأعمالم الت عملوها ف الدنيا‪ ,‬كل‬
‫على وَفْق مرتبته؛ وليوفيهم ال جزاء أعمالم‪ ,‬وهم ل يُظلمون بزيادة ف سيئاتم‪ ,‬ول بنقص من‬
‫حسناتم‪.‬‬

‫ض الّذِي نَ َكفَرُوا عَلَى النّارِ أَ ْذ َهْبتُ ْم َطيّبَاِتكُ مْ فِي َحيَاِتكُ مْ ال ّدْنيَا وَا ْستَ ْمَت ْعتُمْ ِبهَا فَاْلَيوْ مَ ُتجْ َزوْ نَ‬ ‫َوَيوْ مَ ُيعْرَ ُ‬
‫سقُونَ (‪)20‬‬ ‫ستَ ْكبِرُونَ فِي الَ ْرضِ ِب َغيْ ِر الْحَ ّق َوبِمَا ُكْنتُ ْم َتفْ ُ‬‫عَذَابَ اْلهُو ِن بِمَا ُكْنتُ ْم تَ ْ‬

‫ويوم يعرض الذين كفروا على النار للعذاب‪ ,‬فيقال لم توبيخًا‪ :‬لقد أذهبتم طيباتكم ف حياتكم الدنيا‬
‫جزَون عذاب الزي والوان ف النار؛ با كنتم تتكبون ف‬ ‫واستمتعتم با‪ ,‬فاليوم ‪ -‬أيها الكفار‪ -‬تُ ْ‬
‫الرض بغي الق‪ ,‬وبا كنتم ترجون عن طاعة ال‪.‬‬

‫ف وَقَدْ خَلَتْ النّذُ ُر مِ ْن َبيْ ِن يَ َديْ ِه َومِنْ خَ ْلفِهِ أَلّ َت ْعبُدُوا إِلّ اللّهَ ِإنّي‬
‫وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ َأنْذَرَ َق ْومَ ُه بِالَ ْحقَا ِ‬
‫ف عََلْيكُ ْم عَذَابَ َي ْو ٍم عَظِيمٍ (‪)21‬‬ ‫أَخَا ُ‬

‫‪938‬‬
‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬نبّ ال هودًا أخا عاد ف النّسب ل ف الدين‪ ,‬حي أنذر قومه أن يل بم عقاب‬
‫ال‪ ,‬وهم ف منازلم العروفة به "الحقاف"‪ ,‬وهي الرمال الكثية جنوب الزيرة العربية‪ ,‬وقد مضت‬
‫الرسل بإنذار قومها قبل هود وبعده‪ :‬بأن ل تشركوا مع ال شيئًا ف عبادتكم له‪ ,‬إن أخاف عليكم‬
‫عذاب ال ف يوم َيعْظُم هوله‪ ,‬وهو يوم القيامة‪.‬‬

‫قَالُوا أَ ِجْئَتنَا ِلتَأِْفكَنَا عَنْ آِل َهِتنَا َف ْأِتنَا بِمَا َتعِ ُدنَا ِإنْ ُكْنتَ مِ ْن الصّادِِقيَ (‪)22‬‬

‫قالوا‪ :‬أجئتنا بدعوتك ؛ لتصرفنا عن عبادة آلتنا؟ فأتنا با تعدنا به من العذاب‪ ,‬إن كنت من أهل الصدق‬
‫ف قولك ووعدك‪.‬‬

‫جهَلُونَ (‪)23‬‬
‫ت بِ ِه وََلكِنّي أَرَاكُمْ َقوْما تَ ْ‬
‫قَالَ ِإنّمَا اْلعِلْ ُم ِعنْدَ اللّ ِه َوُأبَّلغُكُ ْم مَا أُ ْرسِ ْل ُ‬

‫قال هود عليه السلم‪ :‬إنا العلم بوقت ميء ما وُعدت به من العذاب عند ال‪ ,‬وإنا أنا رسول ال إليكم‪,‬‬
‫أبلغكم عنه ما أرسلن به‪ ,‬ولكن أراكم قومًا تهلون ف استعجالكم العذاب‪ ,‬وجرأتكم على ال‪.‬‬

‫ج ْلتُ ْم بِ هِ رِي حٌ فِيهَا عَذَا بٌ‬


‫ستَ ْقبِلَ َأوْ ِدَيِتهِ مْ قَالُوا هَذَا عَارِ ضٌ ُممْطِ ُرنَا بَ ْل ُهوَ مَا ا ْستَعْ َ‬
‫فََلمّا َرَأوْ هُ عَارِضا مُ ْ‬
‫أَلِيمٌ (‪)24‬‬

‫فلما رأوا العذاب الذي استعجلوه عارضًا ف السماء متجهًا إل أوديتهم قالوا‪ :‬هذا سحاب مطر لنا‪,‬‬
‫فقال لم هود عليه السلم‪ :‬ليس هو بعارض غيث ورحة كما ظننتم‪ ,‬بل هو عارض العذاب الذي‬
‫استعجلتموه‪ ,‬فهو ريح فيها عذاب مؤل موجع‪.‬‬

‫ج ِرمِيَ (‪)25‬‬
‫جزِي اْل َقوْ َم الْمُ ْ‬
‫ك نَ ْ‬
‫صبَحُوا ل ُيرَى إِلّ مَسَا ِكُنهُمْ كَذَلِ َ‬
‫تُ َدمّرُ كُ ّل َشيْ ٍء بَِأمْرِ َرّبهَا َفأَ ْ‬

‫تدمّر كل شيء تر به ما أُرسلت بلكه بأمر ربا ومشيئته‪ ,‬فأصبحوا ل يُرى ف بلدهم شيء إل‬
‫مساكنهم الت كانوا يسكنونا‪ ,‬مثل هذا الزاء نزي القوم الجرمي؛ بسبب جرمهم وطغيانم‪.‬‬

‫‪939‬‬
‫وََلقَ ْد َمكّنّاهُ مْ فِيمَا إِ ْن َمكّنّاكُ مْ فِي ِه وَ َجعَلْنَا َلهُ مْ سَمْعا َوأَبْ صَارا َوأَ ْفئِ َدةً فَمَا أَغْنَى َعنْهُ مْ سَ ْم ُعهُ ْم وَل‬
‫سَتهْ ِزئُون (‪)26‬‬ ‫َأبْصَا ُرهُ ْم وَل أَ ْفئِ َدُتهُمْ مِ ْن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا َيجْحَدُو َن بِآيَاتِ اللّ ِه َوحَاقَ ِبهِ ْم مَا كَانُوا بِ ِه يَ ْ‬

‫ولقد يسّرنا لعاد أسباب التمكي ف الدنيا على نوٍ ل نكنكم فيه معشر كفار قريش‪ ,‬وجعلنا لم سعًا‬
‫يسمعون به‪ ,‬وأبصارًا يبصرون با‪ ,‬وأفئدة يعقلون با‪ ,‬فاستعملوها فيما يسخط ال عليهم‪ ,‬فلم تغن‬
‫عنهم شيئًا إذ كانوا يكذّبون بجج ال‪ ,‬ونزل بم من العذاب ما سخروا به واستعجلوه‪ .‬وهذا وعيد من‬
‫ال جل شأنه‪ ,‬وتذير للكافرين‪.‬‬

‫وََلقَدْ َأهَْلكْنَا مَا َحوَْلكُ ْم مِ ْن اْلقُرَى وَصَرّ ْفنَا اليَاتِ َلعَّل ُه ْم يَرْ ِجعُونَ (‪)27‬‬

‫ولقد أهلكنا ما حولكم يا أهل "مكة" من القرى كعاد وثود‪ ,‬فجعلناها خاوية على عروشها‪ ,‬وبيّنّا لم‬
‫أنواع الجج والدللت ؛ لعلهم يرجعون عما كانوا عليه من الكفر بال وآياته‪.‬‬

‫خذُوا مِ نْ دُو نِ اللّ هِ ُق ْربَانا آِل َه ًة بَلْ ضَلّوا َعنْهُ ْم َوذَلِ كَ إِ ْفكُهُ ْم َومَا كَانُوا َي ْفتَرُو نَ (‬
‫فََلوْل نَ صَ َرهُ ْم الّذِي نَ اتّ َ‬
‫‪)28‬‬

‫فهل نصر هؤلء الذين أهلكناهم من المم الالية آلتُهم الت اتذوا عبادتا قربانًا يتقربون با إل ربم;‬
‫لتشفع لم عنده‪ ,‬بل ضلّت عنهم آلتهم‪ ,‬فلم ييبوهم‪ ,‬ول دافعوا عنهم‪ ,‬وذلك كذبم وما كانوا‬
‫َيفْتَرون ف اتاذهم إياهم آلة‪.‬‬

‫جنّ يَ سْتَ ِمعُونَ اْلقُرْآ نَ َفلَمّا َحضَرُو هُ قَالُوا َأنْ صِتُوا َفلَمّا ُقضِ َي وَّلوْا إِلَى َق ْو ِمهِ مْ‬
‫ك َنفَرا مِ ْن الْ ِ‬
‫َوإِذْ صَرَ ْفنَا إَِليْ َ‬
‫ُمنْذِرِينَ (‪)29‬‬

‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬حي بعثنا إليك‪ ,‬طائفة من الن يستمعون منك القرآن‪ ,‬فلما حضروا‪ ,‬ورسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم يقرأ‪ ,‬قال بعضهم لبعض‪ :‬أنصتوا; لنستمع القرآن‪ ,‬فلما فرغ الرسول من تلوة‬
‫القرآن‪ ,‬وقد وعَوه وأثّر فيهم‪ ,‬رجعوا إل قومهم منذرين ومذرين لم بأس ال‪ ,‬إن ل يؤمنوا به‪.‬‬

‫‪940‬‬
‫حقّ َوإِلَى طَرِي قٍ‬
‫قَالُوا يَا َق ْو َمنَا إِنّا سَ ِم ْعنَا ِكتَابا ُأنْزِ َل مِ ْن َبعْ ِد مُو سَى مُ صَدّقا لِمَا بَيْ َن يَ َديْ ِه َيهْدِي إِلَى الْ َ‬
‫ستَقِيمٍ (‪)30‬‬ ‫مُ ْ‬

‫قالوا‪ :‬يا قومنا إنا سعنا كتابًا أنزل من بعد موسى‪ ,‬مصدقًا لا قبله من كتب ال الت أنزلا على رسله‪,‬‬
‫يهدي إل الق والصواب‪ ,‬وإل طريق صحيح مستقيم‪.‬‬

‫جرْكُ ْم مِ ْن عَذَابٍ أَلِيمٍ (‪)31‬‬


‫يَا َق ْومَنَا أَجِيبُوا دَاعِي اللّ ِه وَآ ِمنُوا بِ ِه َيغْفِرْ َلكُ ْم مِنْ ُذنُوبِكُ ْم َويُ ِ‬

‫يا قومنا أجيبوا رسول ال ممدًا إل ما يدعوكم إليه‪ ,‬وصدّقوه واعملوا با جاءكم به‪ ,‬يغفر ال لكم من‬
‫ذنوبكم وينقذكم من عذاب مؤل موجع‪.‬‬

‫ض وََلْيسَ لَ ُه مِنْ دُونِهِ أَوِليَاءُ ُأوْلَئِكَ فِي ضَل ٍل ُمبِيٍ (‪)32‬‬


‫جزٍ فِي الَ ْر ِ‬
‫س بِ ُمعْ ِ‬
‫جبْ دَاعِي اللّهِ فََلْي َ‬
‫َومَ ْن ل يُ ِ‬

‫جبْ رسول ال إل ما دعا إليه فليس بعجز ال ف الرض إذا أراد عقوبته‪ ,‬وليس له من دون‬
‫ومن ل يُ ِ‬
‫ال أنصار ينعونه من عذابه‪ ,‬أولئك ف ذَهاب واضح عن الق‪.‬‬

‫حيِ يَ الْ َموْتَى بَلَى ِإنّ هُ‬


‫ت وَالَرْ ضَ وََل ْم َيعْ َي بِخَ ْل ِقهِنّ ِبقَادِ ٍر عَلَى أَ نْ يُ ْ‬
‫َأوَلَ ْم يَ َروْا َأنّ اللّ َه الّذِي خَلَ َق ال سّ َموَا ِ‬
‫عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (‪)33‬‬

‫أغَفَلوا ول يعلموا أنّ ال الذي خلق السموات والرض على غي مثال سبق‪ ,‬ول يعجز عن خلقهن‪ ,‬قادر‬
‫على إحياء الوتى الذين خلقهم أوّل؟ بلى‪ ,‬ذلك أمر يسي على ال تعال الذي ل يعجزه شيء‪ ,‬إنه على‬
‫كل شيء قدير‪.‬‬

‫ب بِمَا ُكْنتُ مْ‬


‫س هَذَا بِالْحَقّ قَالُوا بَلَى وَ َربّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَا َ‬
‫ض الّذِي نَ َكفَرُوا عَلَى النّارِ أََليْ َ‬
‫َوَيوْ َم ُيعْرَ ُ‬
‫تَ ْكفُرُونَ (‪)34‬‬

‫ويوم القيامة ُيعْرَض الذين كفروا على نار جهنم للعذاب فيقال لم‪ :‬أليس هذا العذاب بالق؟ فيجيبون‬
‫قائلي‪ :‬بلى وربنا هو الق‪ ,‬فيقال لم‪ :‬فذوقوا العذاب با كنتم تحدون عذاب النار وتنكرونه ف الدنيا‪.‬‬

‫‪941‬‬
‫جلْ َلهُ مْ َكَأّنهُ ْم َيوْ مَ يَ َروْ نَ مَا يُوعَدُو نَ لَ ْم يَ ْلَبثُوا إِلّ‬
‫ستَعْ ِ‬
‫صبَرَ ُأوْلُوا اْلعَزْ مِ مِ نْ الرّ سُ ِل وَل تَ ْ‬
‫صِبرْ كَمَا َ‬
‫فَا ْ‬
‫سَا َعةً مِ ْن َنهَا ٍر بَلغٌ َفهَلْ ُيهْلَكُ إِلّ اْل َق ْومُ اْلفَاسِقُونَ (‪)35‬‬

‫فاصب ‪-‬أيها الرسول‪ -‬على ما أصابك مِن أذى قومك الكذبي لك‪ ,‬كما صب أولو العزم من الرسل من‬
‫قبلك‪ -‬وهم‪ ،‬على الشهور‪ :‬نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وأنت منهم‪ -‬ول تستعجل لقومك العذاب;‬
‫ك بعذاب‬‫فحي يقع ويرونه كأنم ل يكثوا ف الدنيا إل ساعة من نار‪ ,‬هذا بلغ لم ولغيهم‪ .‬ول ُيهْلَ ُ‬
‫ال إل القوم الارجون عن أمره وطاعته‪.‬‬

‫‪ -47‬سورة ممد‬

‫الّذِينَ َكفَرُوا وَصَدّوا عَ ْن َسبِيلِ اللّهِ أَضَلّ َأعْمَاَلهُمْ (‪)1‬‬

‫الذين جحدوا أن ال هو الله الق وحده ل شريك له‪ ,‬وصدوا الناس عن دينه‪َ ,‬أ ْذهَبَ ال أعمالم‪,‬‬
‫وأبطلها‪ ,‬وأشقاهم بسببها‪.‬‬

‫ت وَآمَنُوا بِمَا نُزّ َل عَلَى مُحَمّ ٍد َو ُهوَ الْحَقّ مِ نْ َرّبهِ مْ َكفّ َر َعنْهُ مْ َسّيئَاِتهِمْ‬
‫وَالّذِي نَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا ال صّالِحَا ِ‬
‫َوأَصْلَ َح بَاَلهُمْ (‪)2‬‬

‫والذين صدّقوا ال واّتبَعوا شرعه وصدّقوا بالكتاب الذي أنزل على ممد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وهو الق‬
‫الذي ل شك فيه من ربم‪ ,‬عفا عنهم وستر عليهم ما عملوا من السيئات‪ ,‬فلم يعاقبهم عليها‪ ,‬وأصلح‬
‫شأنم ف الدينا والخرة‪.‬‬

‫ك ِبَأنّ الّذِي نَ َكفَرُوا اّتَبعُوا الْبَاطِ َل َوأَنّ الّذِي نَ آ َمنُوا اّتَبعُوا الْحَقّ مِ نْ َرّبهِ مْ َكذَلِ كَ يَضْرِ بُ اللّ هُ لِلنّا سِ‬
‫ذَلِ َ‬
‫َأمْثَاَلهُمْ (‪)3‬‬

‫‪942‬‬
‫ذلك الضلل والدى سببه أن الذين كفروا اّتبَعوا الشيطان فأطاعوه‪ ,‬وأن الذين آمنوا اتّبَعوا الرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم وما جاء به من النور والدى‪ ,‬كما بيّن ال تعال ِفعْلَه بالفريقي أهل الكفر وأهل‬
‫اليان با يستحقان يضرب سبحانه للناس أمثالم‪ ,‬فيلحق بكل قوم من المثال والشكال ما يناسبه‪.‬‬

‫شدّوا اْل َوثَا قَ فَِإمّا َمنّا بَعْ ُد َوِإمّا فِدَاءً َحتّى‬ ‫فَإِذا َلقِيتُ مْ الّذِي نَ َكفَرُوا َفضَرْ بَ الرّقَا بِ َحتّى إِذَا َأثْخَنتُمُوهُ مْ فَ ُ‬
‫ض وَالّذِينَ ُقتِلُوا فِي َسبِيلِ‬ ‫ضكُ ْم ِبَبعْ ٍ‬ ‫ك وََل ْو يَشَاءُ اللّ ُه لنتَصَ َر ِمْنهُ ْم وََلكِنْ ِلَيبُْل َو َبعْ َ‬
‫َتضَ َع الْحَرْبُ َأوْزَا َرهَا ذَلِ َ‬
‫جّنةَ عَرَّفهَا َلهُمْ (‪)6‬‬ ‫اللّهِ فَلَ ْن ُيضِلّ َأعْمَاَلهُمْ (‪َ )4‬سَيهْدِيهِ ْم َويُصِْل ُح بَاَلهُمْ (‪َ )5‬ويُدْخُِل ُه ْم الْ َ‬

‫فإذا لقيتم‪ -‬أيها الؤمنون‪ -‬الذين كفروا ف ساحات الرب فاصدقوهم القتال‪ ,‬واضربوا منهم العناق‪,‬‬
‫حت إذا أضعفتموهم بكثرة القتل‪ ,‬وكسرت شوكتهم‪ ,‬فأحكموا قيد السرى‪ :‬فإما أن تَ ُمنّوا عليهم بفك‬
‫ستَرَقّوا أو ُي ْقتَلوا‪ ,‬واستمِرّوا على‬
‫أسرهم بغي عوض‪ ,‬وإما أن يفادوا أنفسهم بالال أو غيه‪ ,‬وإما أن يُ ْ‬
‫ذلك حت تنتهي الرب‪ .‬ذلك الكم الذكور ف ابتلء الؤمني بالكافرين ومداولة اليام بينهم‪ ,‬ولو‬
‫يشاء ال لنتصر للمؤمني من الكافرين بغي قتال‪ ,‬ولكن جعل عقوبتهم على أيديكم‪ ,‬فشرع الهاد؛‬
‫ليختبكم بم‪ ,‬ولينصر بكم دينه‪ .‬والذين قُتلوا ف سبيل ال من الؤمني فلن يُبْطِل ال ثواب أعمالم‪,‬‬
‫سيوفقهم أيام حياتم ف الدنيا إل طاعته ومرضاته‪ ,‬ويُصْلح حالم وأمورهم وثوابم ف الدنيا والخرة‪,‬‬
‫ويدخلهم النة‪ ,‬عرّفهم با ونعتها لم‪ ،‬ووفقهم للقيام با أمرهم به ‪-‬ومن جلته الشهادة ف سبيله‪ ،-‬ث‬
‫عرّفهم إذا دخلوا النة منازلم با‪.‬‬

‫يَا َأيّهَا الّذِينَ آ َمنُوا إِ ْن تَنصُرُوا اللّ َه يَنصُرْكُ ْم َويَُثّبتْ أَقْدَا َمكُمْ (‪)7‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬إن تنصروا دين ال بالهاد ف سبيله‪ ,‬والكم بكتابه‪,‬‬
‫وامتثال أوامره‪ ,‬واجتناب نواهيه‪ ,‬ينصركم ال على أعدائكم‪ ,‬ويثبت أقدامكم عند القتال‪.‬‬

‫ك ِبَأّنهُمْ َك ِرهُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ َفأَ ْحبَطَ َأعْمَاَلهُمْ (‪)9‬‬


‫وَالّذِينَ َك َفرُوا َفَتعْسا َلهُ ْم َوأَضَلّ َأعْمَاَلهُمْ (‪ )8‬ذَلِ َ‬

‫والذين كفروا فهلكًا لم‪ ,‬وأذهب ال ثواب أعمالم؛ ذلك بسبب أنم كرهوا كتاب ال النل على نبيه‬
‫ممد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فكذبوا به‪ ,‬فأبطل أعمالم; لنا كانت ف طاعة الشيطان‪.‬‬

‫‪943‬‬
‫أَفَلَ ْم يَ سِيُوا فِي الَرْ ضِ َفيَن ُظرُوا َكيْ فَ كَا نَ عَاِقَب ُة الّذِي نَ مِ نْ َقبِْلهِ مْ َدمّرَ اللّ ُه عََلْيهِ ْم وَلِ ْلكَافِرِي نَ َأ ْمثَاُلهَا (‬
‫‪)10‬‬

‫أفلم يَسِرْ هؤلء الكفار ف أرض ال معتبين با حلّ بالمم الكذبة قبلهم من العقاب؟ دمّر ال عليهم‬
‫ديارهم‪ ,‬وللكافرين أمثال تلك العاقبة الت حلت بتلك المم‪.‬‬

‫ك ِبَأنّ اللّ َه َموْلَى الّذِينَ آ َمنُوا َوَأنّ اْلكَافِرِينَ ل َموْلَى َلهُمْ (‪)11‬‬
‫ذَلِ َ‬

‫ذلك الذي فعلناه بالفريقي فريق اليان وفريق الكفر; بسبب أن ال ولّ الؤمني ونصيهم‪ ,‬وأن‬
‫ل لم ول نصي‪.‬‬ ‫الكافرين ل و ّ‬

‫حِتهَا ا َلْنهَا ُر وَالّذِي نَ َكفَرُوا َيتَ َمّتعُو نَ‬


‫ت تَجْرِي مِ ْن تَ ْ‬
‫ِإنّ اللّ َه يُدْ ِخ ُل الّذِي نَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ َجنّا ٍ‬
‫َويَأْكُلُونَ َكمَا َتأْكُ ُل ا َلْنعَا ُم وَالنّا ُر َمْثوًى َلهُمْ (‪)12‬‬

‫إن ال يدخل الذين آمنوا بال ورسوله وعملوا الصالات جنات تري من تت أشجارها النار َتكْ ِر َمةً‬
‫لم‪ ,‬ومثل الذين كفروا ف أكلهم وتتعهم بالدنيا‪ ,‬كمثل النعام من البهائم الت ل همّ لا إل ف‬
‫العتلف دون غيه‪ ,‬ونار جهنم مسكن لم ومأوى‪.‬‬

‫صرَ َلهُمْ (‪)13‬‬


‫ك اّلتِي أَخْ َر َجتْكَ َأهَْل ْكنَاهُمْ فَل نَا ِ‬
‫وَ َكأَيّ ْن مِنْ َق ْرَيةٍ ِهيَ َأشَدّ ُق ّو ًة مِنْ َق ْريَتِ َ‬

‫وكثي من أهل قرى كانوا أشد بأسًا من أهل قريتك ‪-‬أيها الرسول‪ ,‬وهي "مكة"‪ -‬الت أخرجتك‪,‬‬
‫دمّرناهم بأنواع من العذاب‪ ,‬فلم يكن لم نصي ينصرهم من عذاب ال‪.‬‬

‫أَفَمَنْ كَا َن عَلَى َبّيَنةٍ مِنْ َربّهِ َكمَنْ ُزيّنَ لَ ُه سُو ُء عَمَلِ ِه وَاّتبَعُوا َأ ْهوَاءَهُمْ (‪)14‬‬

‫أفمن كان على برهان واضح من ربه والعلم بوحدانيته‪ ,‬كمن حسّن له الشيطان قبيح عمله‪ ,‬واتبع ما‬
‫دعته إليه نفسه من معصية ال وعبادة غيه مِن غي حجة ول برهان؟ ل يستوون‪.‬‬

‫‪944‬‬
‫جّنةِ اّلتِي وُعِ َد الْ ُمّتقُونَ فِيهَا َأنْهَا ٌر مِ ْن مَا ٍء َغيْرِ آسِ ٍن َوَأْنهَا ٌر مِنْ َلبَنٍ لَمْ يََت َغيّ ْر َطعْمُ ُه َوَأْنهَارٌ مِنْ َخمْ ٍر‬
‫َمثَلُ الْ َ‬
‫صفّى وََلهُ مْ فِيهَا مِ نْ كُ ّل الثّ َمرَا تِ َو َم ْغفِ َرٌة مِ نْ َرّبهِ مْ كَمَ ْن ُهوَ خَاِلدٌ فِي‬ ‫لَ ّذةٍ لِلشّا ِربِيَ َوَأْنهَا ٌر مِ ْن عَ سَ ٍل مُ َ‬
‫النّا ِر َو ُسقُوا مَاءً َحمِيما َفقَطّعَ َأ ْمعَا َءهُمْ (‪)15‬‬

‫صفة النة الت وعدها ال التقي‪ :‬فيها أنارٌ عظيمة من ماء غي متغيّر‪ ,‬وأنار من لب ل يتغيّر طعمه‪,‬‬
‫صفّي من القذى‪ ,‬ولؤلء التقي ف هذه النة‬ ‫وأنار من خر يتلذذ به الشاربون‪ ,‬وأنار من عسل قد ُ‬
‫جيع الثمرات من متلف الفواكه وغيها‪ ,‬وأعظم من ذلك السّتر والتجاو ُز عن ذنوبم‪ ,‬هل مَن هو ف‬
‫هذه النة كمَن هو ماكث ف النار ل يرج منها‪ ,‬وسُقوا ماء تناهى ف شدة حره فقطّع أمعاءهم؟‬

‫ستَمِعُ إَِليْ كَ َحتّى إِذَا خَ َرجُوا مِ ْن ِعنْدِ كَ قَالُوا لِلّذِي نَ أُوتُوا اْلعِلْ َم مَاذَا قَا َل آنِفا ُأوَْلئِ كَ الّذِي نَ‬ ‫َو ِمنْهُ ْم مَ ْن يَ ْ‬
‫طَبَعَ اللّ ُه عَلَى قُلُوِبهِ ْم وَاتَّبعُوا َأ ْهوَا َءهُمْ (‪)16‬‬

‫ومن هؤلء النافقي مَن يستمع إليك ‪-‬أيها النب‪ -‬بغي فهم؛ تاونًا منهم واستخفافًا‪ ,‬حت إذا انصرفوا‬
‫من ملسك قالوا لن حضروا ملسك من أهل العلم بكتاب ال على سبيل الستهزاء‪ :‬ماذا قال ممد‬
‫الن؟ أولئك الذين ختم ال على قلوبم‪ ,‬فل تفقه الق ول تتدي إليه‪ ,‬واتبعوا أهواءهم ف الكفر‬
‫والضلل‪.‬‬

‫وَالّذِينَ ا ْهتَ َدوْا زَا َدهُ ْم هُدًى وَآتَاهُ ْم َتقْواهُمْ (‪)17‬‬

‫والذين اهتدوا لتّباع الق زادهم ال هدى‪ ,‬فقوي بذلك هداهم‪ ,‬ووفقهم للتقوى‪ ,‬ويسّرها لم‪.‬‬

‫َفهَ ْل َينْظُرُونَ إِلّ السّا َعةَ َأ ْن تَ ْأِتَيهُمْ َب ْغَتةً َفقَدْ جَاءَ َأشْرَا ُطهَا َفَأنّى َلهُمْ ِإذَا جَا َءْتهُمْ ذِكْرَاهُمْ (‪)18‬‬

‫ما ينتظر هؤلء الكذبون إل الساعة الت وُعدوا با أن تيئهم فجأةً‪ ,‬فقد ظهرت علماتا ول ينتفعوا‬
‫بذلك‪ ,‬فمن أين لم التذكر إذا جاءتم الساعة؟‬

‫ت وَاللّ ُه َيعْلَ ُم ُمَتقَّلبَكُ ْم َو َمْثوَاكُمْ (‪)19‬‬


‫ي وَالْ ُم ْؤمِنَا ِ‬
‫ك وَلِلْ ُم ْؤ ِمنِ َ‬
‫فَاعْلَمْ َأنّهُ ل إِلَهَ إِلّ اللّ ُه وَاسَْت ْغفِرْ لِ َذْنبِ َ‬
‫‪945‬‬
‫فاعلم ‪-‬أيها النب‪ -‬أنه ل معبود بق إل ال‪ ,‬واستغفر لذنبك‪ ,‬واستغفر للمؤمني والؤمنات‪ .‬وال يعلم‬
‫تصرفكم ف يقظتكم نارًا‪ ,‬ومستقركم ف نومكم ليل‪.‬‬

‫ت الّذِي نَ فِي‬‫حكَ َم ٌة وَذُكِرَ فِيهَا الْ ِقتَالُ َرَأيْ َ‬


‫َوَيقُو ُل الّذِي نَ آمَنُوا َلوْل نُزّلَ تْ سُو َرةٌ فَِإذَا أُنزِلَ تْ سُو َرةٌ مُ ْ‬
‫شيّ عََليْ هِ مِ ْن الْ َموْ تِ َفَأوْلَى َلهُ مْ (‪ )20‬طَا َع ٌة وََقوْ ٌل َمعْرُو فٌ فَِإذَا‬
‫ك نَظَ َر الْ َمغْ ِ‬
‫ض يَنظُرُو نَ إَِليْ َ‬
‫قُلُوِبهِ ْم مَرَ ٌ‬
‫عَ َز َم الَمْرُ َفَلوْ صَدَقُوا اللّهَ َلكَانَ َخيْرا َلهُمْ (‪)21‬‬

‫ويقول الذين آمنوا بال ورسوله‪ :‬هل نُزّلت سورة من ال تأمرنا بهاد الكفار‪ ,‬فإذا أُنزِلت سورة مكمة‬
‫بالبيان والفرائض وذُكر فيها الهاد‪ ,‬رأيت الذين ف قلوبم شك ف دين ال ونفاق ينظرون إليك ‪-‬أيها‬
‫شيَ عليه خوفَ الوت‪ ,‬فأول لؤلء الذين ف قلوبم مرض أن يطيعوا ال‪ ,‬وأن‬ ‫النب‪ -‬نظر الذي قد غُ ِ‬
‫يقولوا قول موافقًا للشرع‪ .‬فإذا وجب القتال وجاء أمر ال ِبفَرْضه كره هؤلء النافقون ذلك‪ ,‬فلو صدقوا‬
‫ال ف اليان والعمل لكان خيًا لم من العصية والخالفة‪.‬‬

‫سيْتُمْ ِإ ْن َتوَلّْيتُمْ َأنْ ُتفْسِدُوا فِي الَ ْرضِ َوتُقَ ّطعُوا أَ ْرحَا َمكُمْ (‪)22‬‬
‫َفهَ ْل عَ َ‬

‫فلعلكم إن أعرضتم عن كتاب ال وسنة نبيه ممد صلى ال عليه وسلم أن تعصوا ال ف الرض‪,‬‬
‫فتكفروا به وتسفكوا الدماء وتُقَطّعوا أرحامكم‪.‬‬

‫ك الّذِينَ َل َعَنهُمْ اللّهُ َفأَصَ ّم ُه ْم َوأَعْمَى َأبْصَا َرهُمْ (‪)23‬‬


‫ُأوْلَئِ َ‬

‫أولئك الذين أبعدهم ال من رحته‪ ,‬فجعلهم ل يسمعون ما ينفعهم ول يبصرونه‪ ,‬فلم يتبينوا حجج ال‬
‫مع كثرتا‪.‬‬

‫أَفَل َيتَ َدبّرُو َن الْقُرْآنَ َأمْ عَلَى ُقلُوبٍ أَ ْقفَاُلهَا (‪)24‬‬

‫أفل يتدبر هؤلء النافقون مواعظ القرآن ويتفكرون ف حججه؟ بل هذه القلوب مغلَقة ل يصل إليها‬
‫شيء من هذا القرآن‪ ,‬فل تتدبر مواعظ ال وعبه‪.‬‬

‫‪946‬‬
‫شيْطَانُ َسوّلَ َلهُمْ َوأَمْلَى َلهُمْ (‪)25‬‬
‫ِإنّ الّذِينَ ا ْرتَدّوا عَلَى أَ ْدبَا ِرهِ ْم مِ ْن َبعْ ِد مَا َتَبيّنَ َلهُمْ الْهُدَى ال ّ‬

‫إن الذين ارتدّوا عن الدى واليان‪ ,‬ورجعوا على أعقابم كفارًا بال من بعد ما وَضَح لم الق‪,‬‬
‫الشيطان زيّن لم خطاياهم‪ ,‬ومدّ لم ف المل‪.‬‬

‫ك ِبَأّنهُمْ قَالُوا لِلّذِينَ كَ ِرهُوا مَا نَزّلَ اللّ ُه َسنُطِي ُعكُمْ فِي َب ْعضِ ا َلمْ ِر وَاللّ ُه َيعْلَمُ ِإسْرَا َرهُمْ (‪)26‬‬
‫ذَلِ َ‬

‫ذلك المداد لم حت يتمادوا ف الكفر ; بسبب أنم قالوا لليهود الذين كرهوا ما نزل ال‪ :‬سنطيعكم ف‬
‫بعض المر الذي هو خلف لمر ال وأمر رسوله‪ ,‬وال تعال يعلم ما يفيه هؤلء ويسرونه‪ ,‬فليحذر‬
‫السلم من طاعة غي ال فيما يالف أمر ال سبحانه‪ ,‬وأمر رسوله ممد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫َف َكيْفَ ِإذَا َتوَّفْتهُ ْم الْمَلِئ َكةُ َيضْ ِربُونَ ُوجُو َههُ ْم َوأَ ْدبَا َرهُمْ (‪)27‬‬

‫فكيف حالم إذا قبضت اللئكة أرواحهم وهم يضربون وجوههم وأدبارهم؟‬

‫ضوَانَهُ َفأَ ْحبَطَ َأعْمَاَلهُمْ (‪)28‬‬


‫ك ِبَأّنهُمْ اّتَبعُوا مَا َأسْخَطَ اللّ َه وَكَ ِرهُوا رِ ْ‬
‫ذَلِ َ‬

‫ذلك العذاب الذي استحقوه ونالوه؛ بسبب أنم اتبعوا ما أسخط ال عليهم من طاعة الشيطان‪ ,‬وكرهوا‬
‫ما يرضيه عنهم من العمل الصال‪ ,‬ومنه قتال الكفار بعدما افترضه عليهم‪ ,‬فأبطل ال ثواب أعمالم من‬
‫صدقة وصلة رحم وغي ذلك‪.‬‬

‫ضغَاَنهُمْ (‪)29‬‬
‫سبَ الّذِينَ فِي قُلُوِبهِ ْم مَ َرضٌ َأنْ َل ْن يُخْ ِرجَ اللّهُ أَ ْ‬
‫َأمْ حَ ِ‬

‫خرِج ما ف قلوبم من السد والقد للسلم وأهله؟ بلى فإن ال ييز‬


‫بل أظ ّن النافقون أن ال لن يُ ْ‬
‫الصادق من الكاذب‪.‬‬

‫وََلوْ نَشَاءُ لَ َرْينَا َكهُمْ فََل َعرَ ْفَتهُمْ بِسِيمَاهُ ْم وََلَتعْرَِفّنهُمْ فِي َلحْ ِن اْل َقوْ ِل وَاللّ ُه َيعَْلمُ َأعْمَالَكُمْ (‪)30‬‬
‫‪947‬‬
‫ولو نشاء ‪-‬أيها النب‪ -‬لريناك أشخاصهم‪ ,‬فلعرفتهم بعلمات ظاهرة فيهم‪ ,‬ولتعرفنّهم فيما يبدو من‬
‫كلمهم الدال على مقاصدهم‪ .‬وال تعال ل تفى عليه أعمال مَن أطاعه ول أعمال من عصاه‪,‬‬
‫وسيجازي كل با يستحق‪.‬‬

‫وََلنَبُْل َوّنكُمْ َحتّى َنعَْل َم الْمُجَاهِدِي َن ِمْنكُمْ وَالصّابِرِي َن َونَبُْلوَ أَ ْخبَارَكُمْ (‪)31‬‬

‫ولنختبنكم‪ -‬أيها الؤمنون‪ -‬بالقتال والهاد لعداء ال حت يظهر ما علمه سبحانه ف الزل؛ لنميز أهل‬
‫الهاد منكم والصب على قتال أعداء ال‪ ,‬ونتب أقوالكم وأفعالكم‪ ,‬فيظهر الصادق منكم من الكاذب‪.‬‬

‫ِإنّ الّذِي نَ َكفَرُوا وَ صَدّوا عَ نْ َسبِيلِ اللّ ِه َوشَاقّوا الرّ سُو َل مِ ْن َبعْ ِد مَا َتَبيّ نَ َلهُ مْ الُدَى َل ْن َيضُرّوا اللّ َه َشيْئا‬
‫حبِطُ َأعْمَاَلهُمْ (‪)32‬‬ ‫َوسَيُ ْ‬

‫إن الذين جحدوا أن ال هو الله الق وحده ل شريك له‪ ,‬وصدوا الناس عن دينه‪ ,‬وخالفوا رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فحاربوه من بعد ما جاءتم الجج واليات أنه نب من عند ال‪ ,‬لن يضروا دين‬
‫ال شيئًا‪ ,‬وسُيبْطِل ثواب أعمالم الت عملوها ف الدنيا؛ لنم ل يريدوا با وجه ال تعال‪.‬‬

‫يَا َأيّهَا الّذِينَ آ َمنُوا أَطِيعُوا اللّ َه َوأَطِيعُوا ال ّرسُو َل وَل تُبْ ِطلُوا َأعْمَاَلكُمْ (‪)33‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه أطيعوا ال وأطيعوا الرسول ف أمرها ونيهما‪ ,‬ول‬
‫تبطلوا ثواب أعمالكم بالكفر والعاصي‪.‬‬

‫ِإنّ الّذِينَ َكفَرُوا وَصَدّوا عَ ْن َسبِيلِ اللّ ِه ثُ ّم مَاتُوا َوهُمْ ُكفّارٌ فَلَ ْن َي ْغفِرَ اللّهُ َلهُمْ (‪)34‬‬

‫إن الذين جحدوا أن ال هو الله الق وحده ل شريك له وصدّوا الناس عن دينه‪ ,‬ث ماتوا على ذلك‪,‬‬
‫فلن يغفر ال لم‪ ,‬وسيعذبم عقابًا لم على كفرهم‪ ,‬ويفضحهم على رؤوس الشهاد‪.‬‬

‫فَل َتهِنُوا َوتَ ْدعُوا إِلَى السّلْ ِم َوَأنْتُ ْم ا َلعَْلوْ َن وَاللّ ُه َمعَكُ ْم وَلَ ْن َيتِرَكُمْ أَعْمَاَلكُمْ (‪)35‬‬

‫‪948‬‬
‫فل تضعفوا ‪-‬أيها الؤمنون بال ورسوله‪ -‬عن جهاد الشركي‪ ,‬وتْبُنوا عن قتالم‪ ,‬وتدعوهم إل الصلح‬
‫والسالة‪ ,‬وأنتم القاهرون لم والعالون عليهم‪ ,‬وال تعال معكم بنصره وتأييده‪ .‬وف ذلك بشارة عظيمة‬
‫بالنصر وال ّظفَر على العداء‪ .‬ولن ُينْقصكم ال ثواب أعمالكم‪.‬‬

‫ِنه‬
‫ُمه (‪ )36‬إ ْ‬
‫َسهأَلْكُمْ َأ ْموَاَلك ْ‬
‫ُمه وَل ي ْ‬
‫ُمه أُجُورَك ْ‬
‫ِنه ُت ْؤمِنُوا َوَتّتقُوا ُيؤِْتك ْ‬
‫ِبه وََل ْه ٌو َوإ ْ‬
‫ِإنّمَا الَيَاةُ ال ّدنْيَا َلع ٌ‬
‫ضغَاَنكُمْ (‪)37‬‬ ‫خرِجْ أَ ْ‬ ‫خلُوا َويُ ْ‬ ‫حفِكُ ْم َتبْ َ‬
‫يَسْأَْلكُمُوهَا َفُي ْ‬

‫إنا الياة الدنيا لعب وغرور‪ .‬وإن تؤمنوا بال ورسوله‪ ,‬وتتقوا ال بأداء فرائضه واجتناب معاصيه‪ ,‬يؤتكم‬
‫ثواب أعمالكم‪ ,‬ول يسألْكم إخراج أموالكم جيعها ف الزكاة‪ ,‬بل يسألكم إخراج بعضها‪ .‬إن يسألكم‬
‫أموالكم‪ ,‬فيُلِحّ عليكم ويهدكم‪ ,‬تبخلوا با وتنعوه إياها‪ ,‬ويظهر ما ف قلوبكم من القد إذا طلب‬
‫منكم ما تكرهون بذله‪.‬‬

‫هَاأَْنتُمْ َهؤُل ِء تُ ْد َعوْنَ ِلتُن ِفقُوا فِي َسبِيلِ اللّهِ فَ ِمْنكُ ْم مَ ْن َيبْخَ ُل َومَ ْن َيبْخَلْ فَِإنّمَا َيبْخَ ُل عَ ْن َنفْسِهِ وَاللّ ُه الْ َغِنيّ‬
‫ستَبْ ِدلْ َقوْما َغيْرَكُ ْم ثُ ّم ل َيكُونُوا َأمْثَاَلكُمْ (‪)38‬‬ ‫َوأَْنتُ ْم اْل ُفقَرَاءُ َوِإنْ َتَتوَّلوْا يَ ْ‬

‫ها أنتم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬تُ ْدعَون إل النفقة ف جهاد أعداء ال ونصرة دينه‪ ,‬فمنكم مَن َيبْخَ ُل بالنفقة ف‬
‫ن عنكم وأنتم الفقراء إليه‪ ,‬وإن تتولوا عن‬ ‫سبيل ال‪ ,‬ومَن َيبْخَلْ فإنا يبخل عن نفسه‪ ,‬وال تعال هو الغ ّ‬
‫اليان بال وامتثال أمره يهلكّم‪ ,‬ويأت بقوم آخرين‪ ,‬ث ل يكونوا أمثالكم ف التول عن أمر ال‪ ,‬بل‬
‫يطيعونه ويطيعون رسوله‪ ,‬وياهدون ف سبيله بأموالم وأنفسهم‪.‬‬

‫‪ -48‬سورة الفتح‬

‫حنَا لَكَ َفتْحا مُبِينا (‪)1‬‬


‫ِإنّا َفتَ ْ‬

‫إنا فتحنا لك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬فتحًا مبينًا‪ ,‬يظهر ال فيه دينك‪ ,‬وينصرك على عدوك‪ ,‬وهو هدنة‬
‫"الديبية" الت أمن الناس بسببها بعضهم بعضًا‪ ,‬فاتسعت دائرة الدعوة لدين ال‪ ,‬وتكن من يريد الوقوف‬

‫‪949‬‬
‫على حقيقة السلم مِن معرفته‪ ,‬فدخل الناس تلك الدة ف دين ال أفواجًا؛ ولذلك سّاه ال فتحًا مبينًا‪،‬‬
‫أي ظاهرًا جليّا‪.‬‬

‫سَتقِيما (‪َ )2‬ويَنْ صُ َركَ‬


‫صرَاطا مُ ْ‬
‫ك َوَيهْ ِديَ كَ ِ‬
‫ك َومَا َتأَخّ َر َوُيتِمّ ِنعْ َمتَ هُ عََليْ َ‬
‫ِلَيغْفِرَ لَ كَ اللّ ُه مَا َتقَدّ َم مِ نْ َذْنبِ َ‬
‫اللّ ُه َنصْرا عَزِيزا (‪)3‬‬

‫فتحنا لك ذلك الفتح‪ ,‬ويسّرناه لك؛ ليغفر ال لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؛ بسبب ما حصل من‬
‫هذا الفتح من الطاعات الكثية وبا تملته من الشقات‪ ,‬ويتم نعمته عليك بإظهار دينك ونصرك على‬
‫ضعُف فيه السلم‪.‬‬
‫أعدائك‪ ,‬ويرشدك طريقًا مستقيمًا من الدين ل عوج فيه‪ ،‬وينصرك ال نصرًا قويّا ل َي ْ‬

‫سكِيَنةَ فِي قُلُو بِ الْ ُم ْؤ ِمنِيَ ِليَزْدَادُوا إِيَانا مَ عَ ِإيَاِنهِ ْم وَلِلّ هِ ُجنُو ُد ال سّ َموَاتِ وَالَرْ ضِ‬
‫ُهوَ الّذِي َأنْزَلَ ال ّ‬
‫وَكَانَ اللّ ُه عَلِيما َحكِيما (‪)4‬‬

‫هو ال الذي أنزل الطمأنينة ف قلوب الؤمني بال ورسوله يوم "الديبية" فسكنت‪ ,‬ورسخ اليقي فيها؛‬
‫ليزدادوا تصديقًا ل واتباعًا لرسوله مع تصديقهم واتباعهم‪ .‬ول سبحانه وتعال جنود السموات والرض‬
‫ينصر بم عباده الؤمني‪ .‬وكان ال عليمًا بصال خلقه‪ ,‬حكيمًا ف تدبيه وصنعه‪.‬‬

‫حِتهَا ا َلنْهَارُ خَالِدِي نَ فِيهَا َويُ َكفّ َر َعْنهُ مْ سَّيئَاِتهِ ْم وَكَا نَ‬
‫جرِي مِ ْن تَ ْ‬
‫ت تَ ْ‬
‫ِليُدْخِ َل الْ ُم ْؤ ِمنِيَ وَالْ ُم ْؤمِنَا تِ َجنّا ٍ‬
‫ك ِعنْدَ اللّهِ َفوْزا عَظِيما (‪)5‬‬ ‫ذَلِ َ‬

‫ليدخل ال الؤمني والؤمنات جنات تري مِن تت أشجارها وقصورها النار‪ ,‬ماكثي فيها أبدًا‪,‬‬
‫ويحو عنهم سيّئ ما عملوا‪ ,‬فل يعاقبهم عليه‪ ,‬وكان ذلك الزاء عند ال ناة من كل غم‪ ,‬وظَفَرًا بكل‬
‫مطلوب‪.‬‬

‫سوْءِ‬
‫سوْءِ عََلْيهِ مْ دَائِ َرةُ ال ّ‬
‫ت وَالْمُشْرِكِيَ وَالْمُشْرِكَا تِ الظّانّيَ بِاللّ ِه ظَنّ ال ّ‬
‫ب الْ ُمنَاِفقِيَ وَالْ ُمنَاِفقَا ِ‬ ‫َوُيعَذّ َ‬
‫ضبَ اللّ ُه عََلْيهِ ْم وََل َعَنهُ ْم َوأَعَدّ َلهُمْ َج َهنّ َم َوسَاءَتْ مَصِيا (‪)6‬‬
‫َوغَ ِ‬

‫‪950‬‬
‫ويعذب ال النافقي والنافقات والشركي والشركات الذين يظنون ظنًا سيئًا بال أنه لن ينصر نبيه‬
‫والؤمني معه على أعدائهم‪ ,‬ولن يُظهر دينه‪ ,‬فعلى هؤلء تدور دائرة العذاب وكل ما يسوءهم‪ ,‬وغضب‬
‫ال عليهم‪ ,‬وطردهم من رحته‪ ,‬وأعدّ لم نار جهنم‪ ,‬وساءت منل يصيون إليه‪.‬‬

‫ت وَالَ ْرضِ وَكَانَ اللّ ُه َعزِيزا َحكِيما (‪)7‬‬


‫وَلِلّهِ ُجنُودُ السّ َموَا ِ‬

‫ول سبحانه وتعال جنود السموات والرض يؤيد بم عباده الؤمني‪ .‬وكان ال عزيزًا على خلقه‪,‬‬
‫حكيمًا ف تدبي أمورهم‪.‬‬

‫ِإنّا أَ ْر َس ْلنَا َك شَاهِدا َومُبَشّرا َونَذِيرا (‪)8‬‬

‫إنا أرسلناك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬شاهدًا على أمتك بالبلغ‪ ,‬مبينًا لم ما أرسلناك به إليهم‪ ,‬ومبشرًا لن‬
‫أطاعك بالنة‪ ,‬ونذيرًا لن عصاك بالعقاب العاجل والجل؛ لتؤمنوا بال ورسوله‪ ,‬وتنصروا ال بنصر‬
‫دينه‪ ,‬وتعظموه‪ ,‬وتسبحوه أول النهار وآخره‪.‬‬

‫ِلُتؤْ ِمنُوا بِاللّ ِه وَ َرسُولِ ِه َوُتعَزّرُوهُ َوُتوَقّرُو ُه َوتُسَبّحُو ُه ُبكْ َرةً َوأَصِيلً (‪)9‬‬

‫إن الذين يبايعونك ‪-‬أيها النب‪ -‬به "الديبية" على القتال إنا يبايعون ال‪ ,‬ويعقدون العقد معه ابتغاء‬
‫جنته ورضوانه‪ ,‬يد ال فوق أيديهم‪ ,‬فهو معهم يسمع أقوالم‪ ,‬ويرى مكانم‪ ,‬ويعلم ضمائرهم‬
‫وظواهرهم‪ ,‬فمن نقض بيعته فإنا يعود وبال ذلك على نفسه‪ ,‬ومن أوف با عاهد ال عليه من الصب عند‬
‫لقاء العدو ف سبيل ال ونصرة نبيه ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فسيعطيه ال ثوابًا جزيل وهو النة‪ .‬وف‬
‫الية إثبات صفة اليد ل تعال با يليق به سبحانه‪ ,‬دون تشبيه ول تكييف‪.‬‬

‫ث عَلَى نَفْ سِهِ َومَ نْ َأوْفَى‬ ‫ِإنّ الّذِي َن ُيبَايِعُونَ كَ ِإنّمَا ُيبَاِيعُو نَ اللّ هَ يَدُ اللّ هِ َفوْ قَ َأيْدِيهِ مْ َفمَ ْن نَكَ ثَ فَِإنّمَا َينْكُ ُ‬
‫ب َشغََلتْنَا َأ ْموَالُنَا‬
‫ك الْمُخَّلفُو نَ مِ ْن الَعْرَا ِ‬ ‫سُي ْؤتِيهِ أَجْرا عَظِيما (‪َ )10‬سَيقُولُ لَ َ‬ ‫بِمَا عَاهَدَ عََليْ هُ اللّ هَ فَ َ‬
‫سنَِتهِ ْم مَا َليْ سَ فِي قُلُوِبهِ مْ ُقلْ فَمَ ْن يَمْلِ كُ َلكُ ْم مِ نْ اللّ ِه َشيْئا إِ نْ أَرَا َد بِكُ مْ‬ ‫َوأَهْلُونَا فَا ْسَتغْفِرْ َلنَا َيقُولُو َن ِبأَلْ ِ‬
‫ضَرّا َأوْ أَرَا َد ِبكُ ْم َنفْعا بَلْ كَانَ اللّهُ بِمَا َتعْمَلُونَ َخبِيا (‪)11‬‬

‫‪951‬‬
‫سيقول لك ‪-‬أيها النب‪ -‬الذين تلّفوا من العراب عن الروج معك إل "مكة" إذا عاتبتهم‪ :‬شغلتنا‬
‫أموالنا وأهلونا‪ ,‬فاسأل ربك أن يغفر لنا تلّفنا‪ ,‬يقولون ذلك بألسنتهم‪ ,‬ول حقيقة له ف قلوبم‪ ,‬قل لم‪:‬‬
‫فمن يلك لكم من ال شيئًا إن أراد بكم شرًا أو خيًا؟ ليس المر كما ظن هؤلء النافقون أن ال ل‬
‫يعلم ما انطوت عليه بواطنهم من النفاق‪ ,‬بل إنه سبحانه كان با يعملون خبيًا‪ ,‬ل يفى عليه شيء من‬
‫أعمال خلقه‪.‬‬

‫سوْءِ‬
‫بَ ْل ظََنْنتُ مْ أَ نْ لَ ْن َيْنقَلِ بَ الرّ سُو ُل وَالْ ُم ْؤ ِمنُو نَ إِلَى َأهْلِيهِ مْ َأبَدا َو ُزيّ نَ ذَلِ كَ فِي قُلُوِبكُ ْم وَ َظَننْتُ ْم ظَنّ ال ّ‬
‫وَ ُكنْتُمْ َقوْما بُورا (‪)12‬‬

‫وليس المر كما زعمتم من انشغالكم بالموال والهل‪ ,‬بل إنكم ظننتم أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ومن معه من أصحابه سَيهْلكون‪ ,‬ول يَرْجعون إليكم أبدًا‪ ,‬وحسّن الشيطان ذلك ف قلوبكم‪,‬‬
‫وظننتم ظنًا سيئًا أن ال لن ينصر نبيه ممدًا صلى ال عليه وسلم وأصحابه على أعدائهم‪ ,‬وكنتم قومًا‬
‫هَلْكى ل خي فيكم‪.‬‬

‫َومَنْ لَ ْم ُي ْؤمِ ْن بِاللّ ِه وَ َرسُولِهِ َفِإنّا َأ ْعتَ ْدنَا لِ ْلكَافِرِي َن َسعِيا (‪)13‬‬

‫ومن ل يصدّق بال وبا جاء به رسوله صلى ال عليه وسلم ويعمل بشرعه‪ ,‬فإنه كافر مستحق للعقاب‪,‬‬
‫فإنا أعددنا للكافرين عذاب السعي ف النار‪.‬‬

‫ب مَ ْن يَشَا ُء وَكَانَ اللّ ُه َغفُورا رَحِيما (‪)14‬‬


‫ض َي ْغفِرُ لِمَ ْن يَشَا ُء َوُيعَذّ ُ‬
‫ت وَالَ ْر ِ‬
‫وَلِلّ ِه مُلْكُ السّ َموَا ِ‬

‫ول ملك السموات والرض وما فيهما‪ ,‬يتجاوز برحته عمن يشاء فيستر ذنبه‪ ,‬ويعذّب بعدله من يشاء‪.‬‬
‫وكان ال سبحانه وتعال غفورًا لن تاب إليه‪ ,‬رحيمًا به‪.‬‬

‫َسَيقُو ُل الْمُخَّلفُو نَ إِذَا انطََل ْقتُ مْ إِلَى َمغَانِ مَ ِلتَأْ ُخذُوهَا ذَرُونَا نَّتِبعْكُ ْم يُرِيدُو نَ أَ ْن ُيبَدّلُوا كَل مَ اللّ هِ قُلْ لَ نْ‬
‫سدُونَنَا بَلْ كَانُوا ل َي ْف َقهُونَ إِلّ َقلِيلً (‪)15‬‬ ‫سَيقُولُونَ بَ ْل تَحْ ُ‬ ‫َتتِّبعُونَا كَذَِلكُمْ قَالَ اللّ ُه مِنْ َقبْلُ فَ َ‬

‫‪952‬‬
‫سيقول الخلّفون‪ ,‬إذا انطلقت ‪-‬أيها النب‪ -‬أنت وأصحابك إل غنائم "خيب" الت وعدكم ال با‪,‬‬
‫اتركونا نذهب معكم إل "خيب"‪ ,‬يريدون أن يغيّروا بذلك وعد ال لكم‪ .‬قل لم‪ :‬لن ترجوا معنا إل‬
‫"خيب"؛ لن ال تعال قال لنا من قبل رجوعنا إل "الدينة"‪ :‬إن غنائم "خيب" هي لن شهد "الديبية"‬
‫معنا‪ ,‬فسيقولون‪ :‬ليس المر كما تقولون‪ ,‬إن ال ل يأمركم بذا‪ ,‬إنكم تنعوننا من الروج معكم حسدًا‬
‫منكم؛ لئل نصيب معكم الغنيمة‪ ,‬وليس المر كما زعموا‪ ,‬بل كانوا ل يفقهون عن ال ما لم وما‬
‫عليهم من أمر الدين إل يسيًا‪.‬‬

‫خّلفِيَ مِ ْن ا َلعْرَا بِ َستُ ْد َعوْنَ إِلَى َقوْ مٍ ُأوْلِي بَأْ سٍ َشدِي ٍد ُتقَاتِلُوَنهُ مْ َأ ْو يُ سْلِمُونَ َفإِ ْن تُطِيعُوا ُي ْؤِتكُ مْ‬
‫قُلْ لِ ْلمُ َ‬
‫اللّهُ أَجْرا حَسَنا َوِإنْ تََتوَّلوْا كَمَا َتوَّلْيتُ ْم مِنْ َقبْ ُل ُيعَ ّذبْكُ ْم عَذَابا أَلِيما (‪)16‬‬

‫قل للذين تلّفوا من العراب (وهم البدو) عن القتال‪ :‬ستُدْعون إل قتال قوم أصحاب بأس شديد ف‬
‫القتال‪ ,‬تقاتلونم أو يسلمون من غي قتال‪ ,‬فإن تطيعوا ال فيما دعاكم إليه مِن قتال هؤلء القوم يؤتكم‬
‫النة‪ ,‬وإن تعصوه كما فعلتم حي تلفتم عن السي مع رسول ال صلى ال عليه وسلم إل "مكة"‪,‬‬
‫يعذبكم عذابًا موجعًا‪.‬‬

‫ج َومَ ْن يُطِ عْ اللّ َه وَرَ سُولَ ُه يُدْ ِخلْ هُ‬


‫ج وَل عَلَى الْمَرِي ضِ حَ َر ٌ‬
‫ج وَل عَلَى الَعْ َر جِ َحرَ ٌ‬ ‫َليْ سَ عَلَى ا َلعْمَى َحرَ ٌ‬
‫حِتهَا الَْنهَا ُر َومَ ْن َيَتوَلّ ُيعَ ّذبْ ُه عَذَابا أَلِيما (‪)17‬‬
‫جرِي مِ ْن تَ ْ‬
‫ت تَ ْ‬
‫َجنّا ٍ‬

‫ليس على العمى منكم‪ -‬أيها الناس‪ -‬إث‪ ,‬ول على العرج إث‪ ,‬ول على الريض إث‪ ,‬ف أن يتخلّفوا عن‬
‫الهاد مع الؤمني؛ لعدم استطاعتهم‪ .‬ومن يطع ال ورسوله يدخله جنات تري مِن تت أشجارها‬
‫وقصورها النار‪ ,‬ومن يعص ال ورسوله‪ ,‬فيتخلّف عن الهاد مع الؤمني‪ ,‬يعذبه عذابًا مؤلًا موجعًا‪.‬‬

‫سكِيَنةَ عََلْيهِ مْ‬


‫ك تَحْ تَ الشّجَ َرةِ َفعَِل َم مَا فِي قُلُوِبهِ مْ َفَأنْزَلَ ال ّ‬
‫َلقَدْ رَضِ يَ اللّ ُه عَ ْن الْ ُم ْؤ ِمنِيَ ِإ ْذ ُيبَاِيعُونَ َ‬
‫َوأَثَاَبهُمْ َفتْحا َقرِيبا (‪َ )18‬و َمغَانِمَ َكثِيَ ًة َيأْخُذُوَنهَا وَكَانَ اللّهُ عَزِيزا َحكِيما (‪)19‬‬

‫لقد رضي ال عن الؤمني حي بايعوك ‪-‬أيها النب‪ -‬تت الشجرة (وهذه هي بيعة الرضوان ف‬
‫"الديبية") فعلم ال ما ف قلوب هؤلء الؤمني من اليان والصدق والوفاء‪ ,‬فأنزل ال الطمأنينة عليهم‬

‫‪953‬‬
‫وثبّت قلوبم‪ ,‬وعوّضهم عمّا فاتم بصلح "الديبية" فتحًا قريبًا‪ ,‬وهو فتح "خيب"‪ ,‬ومغان كثية تأخذونا‬
‫من أموال يهود "خيب"‪ .‬وكان ال عزيزًا ف انتقامه من أعدائه‪ ,‬حكيمًا ف تدبي أمور خلقه‪.‬‬

‫س َعنْكُ ْم وَِلَتكُو َن آَيةً ِللْ ُم ْؤ ِمنِيَ‬


‫ي النّا ِ‬
‫َوعَدَكُ مْ اللّ ُه َمغَانِ مَ َكثِ َيةً َتأْخُذُونَهَا َفعَجّلَ َلكُ ْم هَذِ ِه وَكَفّ َأيْدِ َ‬
‫ستَقِيما (‪َ )20‬وأُ ْخرَى لَ ْم َتقْدِرُوا عََلْيهَا َقدْ أَحَا طَ اللّ ُه ِبهَا وَكَا نَ اللّ ُه عَلَى كُ ّل َشيْءٍ‬ ‫صرَاطا مُ ْ‬ ‫َوَيهْ ِديَكُ مْ ِ‬
‫قَدِيرا (‪ )21‬وََلوْ قَاتََلكُ ْم الّذِينَ َكفَرُوا َلوَّلوْا الَ ْدبَا َر ثُ ّم ل يَجِدُو َن وَِليّا وَل َنصِيا (‪)22‬‬

‫وعدكم ال مغان كثية تأخذونا ف أوقاتا الت قدّرها ال لكم فعجّل لكم غنائم "خيب"‪ ,‬وكفّ أيدي‬
‫الناس عنكم‪ ,‬فلم ينلكم سوء ما كان أعداؤكم أضمروه لكم من الحاربة والقتال‪ ,‬ومن أن ينالوا من‬
‫تركتموهم وراءكم ف "الدينة"‪ ,‬ولتكون هزيتهم وسلمتكم وغنيمتكم علمة تعتبون با‪ ,‬وتستدلون‬
‫على أن ال حافظكم وناصركم‪ ,‬ويرشدكم طريقا مستقيما ل اعوجاج فيه‪ .‬وقد وعدكم ال غنيمة‬
‫أخرى ل تقدروا عليها‪ ,‬ال سبحانه وتعال قادر عليها‪ ,‬وهي تت تدبيه وملكه‪ ,‬وقد وعدكموها‪ ,‬ول‬
‫بد مِن وقوع ما وعد به‪ .‬وكان ال على كل شيء قديرًا ل يعجزه شيء‪ .‬ولو قاتلكم كفار قريش به‬
‫"مكة" لنزموا عنكم وولوكم ظهورهم‪ ,‬كما يفعل النهزم ف القتال‪ ,‬ث ل يدون لم من دون ال وليًا‬
‫يواليهم على حربكم‪ ,‬ول نصيًا يعينهم على قتالكم‪.‬‬

‫سّنةِ اللّ ِه َتبْدِيلً (‪)23‬‬


‫جدَ لِ ُ‬
‫ت مِنْ َقبْ ُل وَلَ ْن تَ ِ‬
‫ُسّنةَ اللّ ِه اّلتِي قَدْ خََل ْ‬

‫سنة ال الت سنّها ف خلقه من قبل بنصر جنده وهزية أعدائه‪ ,‬ولن تد ‪-‬أيها النب‪ -‬لسنة ال تغييًا‪.‬‬

‫َو ُهوَ الّذِي كَفّ َأيْ ِديَهُ ْم َعنْكُ ْم َوأَيْ ِدَيكُ ْم َعْنهُ ْم ِببَطْ ِن َم ّكةَ مِ ْن َبعْدِ أَ نْ َأ ْظفَرَكُ ْم عََلْيهِ ْم وَكَا نَ اللّ ُه بِمَا‬
‫َتعْمَلُونَ َبصِيا (‪)24‬‬

‫وهو الذي كفّ أيدي الشركي عنكم‪ ,‬وأيديكم عنهم ببطن "مكة" من بعد ما قَ َدرْت عليهم‪ ,‬فصاروا‬
‫تت سلطانكم (وهؤلء الشركون هم الذين خرجوا على عسكر رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫به"الديبية"‪ ,‬فأمسكهم السلمون ث تركوهم ول يقتلوهم‪ ,‬وكانوا نو ثاني رجل) وكان ال‬
‫بأعمالكم بصيًا‪ ,‬ل تفى عليه خافية‪.‬‬

‫‪954‬‬
‫ي َمعْكُوفا أَ نْ َيبْلُ َغ َمحِلّ ُه وََلوْل رِجَالٌ ُمؤْ ِمنُو َن‬ ‫حرَا مِ وَاْلهَدْ َ‬‫سجِ ِد الْ َ‬ ‫هُ ْم الّذِي نَ َكفَرُوا وَ صَدّوكُمْ عَ نْ الْمَ ْ‬
‫َونِ سَاءٌ ُم ْؤ ِمنَا تٌ لَ ْم َتعْلَمُوهُ مْ أَ نْ تَ َطئُوهُ مْ َفتُ صِيبَكُ ْم ِمْنهُ ْم َمعَ ّرٌة ِبغَيْ ِر عِ ْل مٍ ِليُدْخِلَ اللّ هُ فِي َرحْ َمتِ ِه مَ ْن يَشَاءُ‬
‫َلوْ تَ َزيّلُوا َلعَ ّذْبنَا الّذِينَ َكفَرُوا ِمْنهُ ْم عَذَابا أَلِيما (‪)25‬‬

‫كفار قريش هم الذين جحدوا توحيد ال‪ ,‬وصدّوكم يوم "الديبية" عن دخول السجد الرام‪ ,‬ومنعوا‬
‫الدي‪ ,‬وحبسوه أن يبلغ مل نره‪ ,‬وهو الرم‪ .‬ولول رجال مؤمنون مستضعفون ونساء مؤمنات بي‬
‫أظهر هؤلء الكافرين به "مكة"‪ ,‬يكتمون إيانم خيفة على أنفسهم ل تعرفوهم؛ خشية أن تطؤوهم‬
‫بيشكم فتقتلوهم‪ ,‬فيصيبكم بذلك القتل إث وعيب وغرامة بغي علم‪ ,‬لكنّا سلّطناكم عليهم؛ ليدخل ال‬
‫ف رحته من يشاء فيَمُنّ عليهم باليان بعد الكفر‪ ,‬لو تيّز هؤلء الؤمنون والؤمنات عن مشركي "مكة"‬
‫وخرجوا من بينهم‪ ,‬لعذّبنا الذين كفروا وكذّبوا منهم عذابًا مؤلًا موجعًا‪.‬‬

‫ح ِمّيةَ حَ ِمّي َة الْجَاهِِلّيةِ َفَأنْزَلَ اللّ هُ َسكِينَتَ ُه عَلَى رَ سُولِ ِه َوعَلَى الْ ُم ْؤ ِمنِيَ‬
‫إِذْ َجعَلَ الّذِي نَ َكفَرُوا فِي قُلُوِبهِ ْم الْ َ‬
‫َوأَلْ َز َمهُمْ كَلِ َم َة الّت ْقوَى وَكَانُوا أَحَقّ ِبهَا َوَأهَْلهَا وَكَانَ اللّ ُه ِبكُ ّل َشيْءٍ عَلِيما (‪)26‬‬

‫إذ جعل الذين كفروا ف قلوبم الَنفَة أَنفَة الاهلية؛ لئل يقروا برسالة ممد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ومن‬
‫ذلك امتناعهم أن يكتبوا ف صلح "الديبية" "بسم ال الرحن الرحيم" وأبوا أن يكتبوا "هذا ما قاضى‬
‫عليه ممد رسول ال"‪ ,‬فأنزل ال الطمأنينة على رسوله وعلى الؤمني معه‪ ,‬وألزمهم قول "ل إله إل ال"‬
‫الت هي رأس كل تقوى‪ ,‬وكان الرسول صلى ال عليه وسلم والؤمنون معه أحق بكلمة التقوى من‬
‫الشركي‪ ,‬وكانوا كذلك أهل هذه الكلمة دون الشركي‪ .‬وكان ال بكل شيء عليمًا ل يفى عليه‬
‫شيء‪.‬‬

‫حرَا مَ إِ ْن شَاءَ اللّ هُ آ ِمنِيَ ُمحَّلقِيَ رُءُو سَكُمْ‬


‫ص َدقَ اللّ هُ رَ سُولَهُ ال ّرؤْيَا بِالْحَقّ َلتَدْخُلُنّ الْمَ سْجِ َد الْ َ‬
‫َلقَدْ َ‬
‫جعَ َل مِنْ دُونِ ذَلِكَ َفتْحا قَرِيبا (‪)27‬‬ ‫َو ُمقَصّرِي َن ل تَخَافُونَ َفعَلِ َم مَا َل ْم َتعْلَمُوا َف َ‬

‫لقد صدق ال رسوله ممدًا رؤياه الت أراها إياه بالق أنه يدخل هو وأصحابه بيت ال الرام آمني‪ ,‬ل‬
‫تافون أهل الشرك‪ ,‬ملّقي رؤوسكم ومقصّرين‪ ,‬فعلم ال من الي والصلحة (ف صرفكم عن "مكة"‬

‫‪955‬‬
‫عامكم ذلك ودخولكم إليها فيما بعد) ما ل تعلموا أنتم‪ ,‬فجعل مِن دون دخولكم "مكة" الذي وعدت‬
‫به‪ ,‬فتحًا قريبًا‪ ,‬وهو هدنة "الديبية" وفتح "خيب"‪.‬‬

‫ُهوَ الّذِي أَ ْرسَلَ َرسُولَهُ بِاْلهُدَى َودِينِ الْحَقّ ِليُ ْظهِ َر ُه عَلَى الدّينِ كُلّهِ وَكَفَى بِاللّ ِه َشهِيدا (‪)28‬‬

‫هو الذي أرسل رسوله ممدًا صلى ال عليه وسلم‪ ،‬بالبيان الواضح ودين السلم؛ لُيعْليه على اللل‬
‫كلها‪ ,‬وحسبك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بال شاهدًا على أنه ناصرك ومظهر دينك على كل دين‪.‬‬

‫ل مِنْ اللّ ِه‬


‫ضً‬ ‫مُحَمّدٌ َرسُولُ اللّ ِه وَالّذِي َن َمعَهُ َأشِدّا ُء عَلَى اْل ُكفّارِ رُ َحمَا ُء َبيَْنهُمْ َترَاهُمْ رُكّعا سُجّدا َيبَْتغُونَ َف ْ‬
‫ك َمثَُلهُ مْ فِي الّتوْرَا ِة َومَثَُلهُ مْ فِي ا ِلنْجِيلِ كَزَرْ عٍ‬ ‫ضوَانا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِ ْم مِ نْ َأثَ ِر ال سّجُودِ ذَلِ َ‬ ‫وَرِ ْ‬
‫ظ ِبهِ ْم اْل ُكفّارَ وَعَدَ اللّ ُه الّذِي نَ آ َمنُوا‬
‫ج شَ ْطأَ هُ فَآ َزرَ هُ فَا ْسَتغْلَظَ فَا ْستَوَى عَلَى سُوقِ ِه ُيعْجِ بُ الزّرّا عَ ِلَيغِي َ‬
‫أَخْ َر َ‬
‫ت ِمْنهُ ْم َم ْغفِ َرةً َوأَجْرا عَظِيما (‪)29‬‬ ‫َوعَمِلُوا الصّالِحَا ِ‬

‫ممد رسول ال‪ ,‬والذين معه على دينه أشداء على الكفار‪ ,‬رحاء فيما بينهم‪ ,‬تراهم ركعًا سُجّدًا ل ف‬
‫صلتم‪ ,‬يرجون رب م أن يتفضل علي هم‪ ,‬فيدخل هم ال نة‪ ,‬وير ضى عن هم‪ ,‬عل مة طاعتهم ل ظاهرة ف‬
‫وجههم من أثر السجود والعبادة‪ ,‬هذه صفتهم ف التوراة‪ .‬وصفتهم ف النيل كصفة زرع أخرج ساقه‬
‫وفر عه‪ ,‬ث تكاثرت فرو عه ب عد ذلك‪ ,‬وشدت الزرع‪ ,‬فقوي وا ستوى قائمًا على سيقانه جيل منظره‪,‬‬
‫يع جب الزّرّاع؛ لَيغِ يظ بؤلء الؤمن ي ف كثرت م وجال منظر هم الكفار‪ .‬و ف هذا دل يل على ك فر من‬
‫أبغض الصحابة ‪-‬رضي ال عنهم‪ ;-‬لن من غاظه ال بالصحابة‪ ,‬فقد وُجد ف حقه موجِب ذاك‪ ,‬وهو‬
‫الكفر‪ .‬وعد ال الذين آمنوا منهم بال ورسوله وعملوا ما أمرهم ال به‪ ,‬واجتنبوا ما ناهم عنه‪ ,‬مغفرة‬
‫لذنوب م‪ ,‬وثوابًا جزيل ل ينق طع‪ ,‬و هو ال نة‪( .‬وو عد ال حق م صدّق ل يُخْلَف‪ ,‬و كل من اقت فى أ ثر‬
‫ال صحابة ر ضي ال عن هم ف هو ف حكم هم ف ا ستحقاق الغفرة وال جر العظ يم‪ ,‬ول م الف ضل وال سبق‬
‫والكمال الذي ل يلحقهم فيه أحد من هذه المة‪ ,‬رضي ال عنهم وأرضاهم)‪.‬‬

‫‪956‬‬
‫‪ -49‬سورة الجرات‬

‫يَا أَّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا ل تُقَ ّدمُوا بَيْ َن يَدَيْ اللّ ِه وَ َرسُولِ ِه وَاتّقُوا اللّهَ ِإنّ اللّ َه سَمِي ٌع عَلِيمٌ (‪)1‬‬

‫يا أيها الذين آمنوا بال ورسوله ل تقضوا أمرًا دون أمر ال ورسوله من شرائع دينكم فتبتدعوا‪ ,‬وخافوا‬
‫ال ف قولكم وفعلكم أن يالَف أمر ال ورسوله‪ ,‬إن ال سيع لقوالكم‪ ,‬عليم بنياتكم وأفعالكم‪ .‬وف‬
‫هذا تذير للمؤمني أن يبتدعوا ف الدين‪ ,‬أو يشرعوا ما ل يأذن به ال‪.‬‬

‫جهْ ِر َب ْعضِكُ مْ ِلَبعْ ضٍ‬


‫جهَرُوا لَ ُه بِاْل َقوْلِ َك َ‬
‫ت الّنِبيّ وَل َت ْ‬
‫صوْ ِ‬
‫صوَاَتكُمْ َفوْ قَ َ‬
‫يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ل تَرَْفعُوا أَ ْ‬
‫شعُرُونَ (‪)2‬‬ ‫حبَطَ َأعْمَاُلكُ ْم َوأَْنتُ ْم ل تَ ْ‬
‫أَ ْن تَ ْ‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬ل ترفعوا أصواتكم فوق صوت النب عند ماطبتكم له‪,‬‬
‫ول تهروا بناداته كما يهر بعضكم لبعض‪ ,‬وميّزوه ف خطابه كما تيّز عن غيه ف اصطفائه لمل‬
‫رسهالة ربهه‪ ,‬ووجوب اليان بهه‪ ,‬ومبتهه وطاعتهه والقتداء بهه؛ خشيهة أن تبطهل أعمالكهم‪ ,‬وأنتهم ل‬
‫تشعرون‪ ,‬ول تُحِسّون بذلك‪.‬‬

‫صوَاَتهُ ْم عِنْدَ رَ سُولِ اللّ هِ ُأوَْلئِ كَ الّذِي نَ ا ْمتَحَ نَ اللّ هُ ُقلُوَبهُ مْ لِلّت ْقوَى َلهُ ْم َم ْغفِ َرٌة َوأَجْرٌ‬
‫ِإنّ الّذِي َن َي ُغضّو نَ أَ ْ‬
‫عَظِيمٌ (‪)3‬‬

‫خفِضون أصواتم عند رسول ال أولئك الذين اختب ال قلوبم‪ ,‬وأخلصها لتقواه‪ ,‬لم من ال‬‫إن الذين يَ ْ‬
‫مغفرة لذنوبم وثواب جزيل‪ ,‬وهو النة‪.‬‬

‫حجُرَاتِ أَ ْكثَ ُرهُ ْم ل َيعْقِلُونَ (‪)4‬‬


‫ِإنّ الّذِي َن ُينَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْ ُ‬

‫إن الذين ينادونك ‪-‬أيها النب‪ -‬من وراء حجراتك بصوت مرتفع‪ ,‬أكثرهم ليس لم من العقل ما يملهم‬
‫على حسن الدب مع رسول ال صلى ال عليه وسلّم‪ ,‬وتوقيه‪.‬‬

‫‪957‬‬
‫صبَرُوا َحتّى تَخْ ُرجَ إَِليْهِمْ َلكَانَ َخيْرا َلهُ ْم وَاللّ ُه َغفُورٌ رَحِيمٌ (‪)5‬‬
‫وََلوْ َأّنهُمْ َ‬

‫ولو أنم صبوا حت ترج إليهم لكان خيًا لم عند ال; لن ال قد أمرهم بتوقيك‪ ,‬وال غفور لا صدر‬
‫عنهم جهل منهم من الذنوب والخلل بالداب‪ ,‬رحيم بم حيث ل يعاجلهم بالعقوبة‪.‬‬

‫جهَاَلةٍ َفتُصْبِحُوا عَلَى مَا َفعَ ْلتُ ْم نَا ِدمِيَ (‬


‫يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا إِنْ جَاءَ ُكمْ فَاسِ ٌق ِبنَبَإٍ َفَتَبيّنُوا أَ ْن تُصِيبُوا َقوْما ِب َ‬
‫‪)6‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬إن جاءكم فاسق بب فتثبّتوا من خبه قبل تصديقه‬
‫ونقله حت تعرفوا صحته؛ خشية أن تصيبوا قومًا برآء بناية منكم‪ ,‬فتندموا على ذلك‪.‬‬

‫وَاعَْلمُوا َأنّ فِيكُ مْ رَ سُولَ اللّ هِ َل ْو يُطِيعُكُ مْ فِي َكثِيٍ مِ نْ ا َلمْرِ َل َعِنتّ ْم وََلكِنّ اللّ هَ َحبّ بَ إَِليْكُ ْم الِيَا َن وَ َزّينَ هُ‬
‫ك هُمْ الرّاشِدُونَ (‪)7‬‬ ‫صيَانَ ُأوْلَئِ َ‬
‫ق وَاْل ِع ْ‬
‫فِي ُقلُوبِكُ ْم وَكَ ّرهَ إَِلْيكُمْ اْل ُكفْ َر وَالْفُسُو َ‬

‫واعلموا أن بي أظهركم رسولَ ال فتأدبوا معه؛ فإنه أعلم منكم با يصلح لكم‪ ,‬يريد بكم الي‪ ,‬وقد‬
‫تريدون لنفسكم من الشر والضرة ما ل يوافقكم الرسول عليه‪ ,‬لو يطيعكم ف كثي من المر ما‬
‫تتارونه لدى ذلك إل مشقتكم‪ ,‬ولكن ال حبب إليكم اليان وحسّنه ف قلوبكم‪ ,‬فآمنتم‪ ,‬وكرّه‬
‫ج عن طاعته‪ ,‬ومعصيتَه‪ ,‬أولئك التصفون بذه الصفات هم الراشدون السالكون‬ ‫إليكم الكف َر بال والرو َ‬
‫طريق الق‪.‬‬

‫ضلً مِنْ اللّ ِه َوِنعْ َم ًة وَاللّ ُه عَلِيمٌ َحكِيمٌ (‪)8‬‬


‫َف ْ‬

‫وهذا الي الذي حصل لم فضل من ال عليهم ونعمة‪ .‬وال عليم بن يشكر نعمه‪ ,‬حكيم ف تدبي أمور‬
‫خلقه‪.‬‬

‫َوإِ نْ طَاِئ َفتَا نِ مِ ْن الْ ُم ْؤمِنِيَ ا ْقتَتَلُوا َفأَ صِْلحُوا َبْيَنهُمَا فَإِ نْ َبغَ تْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الُخْرَى َفقَاتِلُوا الّتِي َتبْغِي‬
‫ب الْ ُمقْسِطِيَ (‪)9‬‬ ‫ح ّ‬‫َحتّى َتفِيءَ إِلَى َأمْرِ اللّهِ فَِإنْ فَاءَتْ َفأَصْلِحُوا َبيَْنهُمَا بِاْلعَدْ ِل َوأَقْسِطُوا إِنّ اللّ َه يُ ِ‬

‫‪958‬‬
‫وإن طائفتان من أهل اليان اقتتلوا فأصلحوا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬بينهما بدعوتما إل الحتكام إل كتب‬
‫ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم‪ ،‬والرضا بكمهما‪ ,‬فإن اعتدت إحدى الطائفتي وأبت الجابة إل‬
‫ذلك‪ ,‬فقاتلوها حت ترجع إل حكم ال ورسوله‪ ,‬فإن رجعت فأصلحوا بينهما بالنصاف‪ ,‬واعدلوا ف‬
‫حكمكم بأن ل تتجاوزوا ف أحكامكم حكم ال وحكم رسوله‪ ,‬إن ال يب العادلي ف أحكامهم‬
‫القاضي بي خلقه بالقسط‪ .‬وف الية إثبات صفة الحبة ل على القيقة‪ ,‬كما يليق بلله سبحانه‪.‬‬

‫ِإنّمَا الْ ُم ْؤمِنُونَ إِ ْخ َوةٌ َفأَصْلِحُوا َبيْنَ أَ َخ َويْكُ ْم وَاتّقُوا اللّهَ َل َعّلكُمْ تُرْحَمُونَ (‪)10‬‬

‫إنا الؤمنون إخوة ف الدين‪ ,‬فأصلحوا بي أخويكم إذا اقتتل وخافوا ال ف جيع أموركم؛ رجاء أن‬
‫تُرحوا‪.‬‬

‫يَا َأيّهَا الّذِينَ آ َمنُوا ل يَسْخَرْ قَو ٌم مِنْ َقوْ ٍم عَسَى أَنْ َيكُونُوا َخيْرا ِمْنهُ ْم وَل نِسَاءٌ مِ ْن نِسَا ٍء عَسَى أَ ْن َيكُنّ‬
‫س الِ سْ ُم اْلفُ سُوقُ َبعْ َد الِيَا نِ َومَ نْ لَ ْم َيتُ بْ‬‫ب ِبئْ َ‬
‫َخيْرا ِمْنهُنّ وَل تَلْ ِمزُوا أَنفُ سَكُ ْم وَل َتنَابَزُوا بِالَْلقَا ِ‬
‫ك هُمْ الظّالِمُونَ (‪)11‬‬ ‫َفُأوْلَئِ َ‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشريعته ل يهزأ قوم مؤمنون من قوم مؤمني؛ عسى أن يكون‬
‫الهزوء به منهم خيًا من الازئي‪ ,‬ول يهزأ نساء مؤمنات من نساء مؤمنات; عسى أن يكون الهزوء به‬
‫ب بعضكم بعضًا‪ ,‬ول يَ ْدعُ بعضكم بعضًا با يكره من اللقاب‪ ,‬بئس‬‫منهنّ خيًا من الازئات‪ ,‬ول يَ ِع ْ‬
‫الصفة والسم الفسوق‪ ,‬وهو السخرية واللمز والتنابز باللقاب‪ ,‬بعد ما دخلتم ف السلم وعقلتموه‪,‬‬
‫ومن ل يتب من هذه السخرية واللمز والتنابز والفسوق فأولئك هم الذين ظلموا أنفسهم بارتكاب هذه‬
‫الناهي‪.‬‬

‫ضكُ ْم َبعْضا‬
‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ا ْجَتِنبُوا َكثِيا مِ نْ الظّنّ ِإنّ َبعْ ضَ الظّنّ ِإثْ مٌ وَل تَجَ سّسُوا وَل َي ْغتَ بْ َب ْع ُ‬
‫حبّ أَ َحدُكُمْ َأنْ َيأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ َميْتا َفكَ ِرهْتُمُو ُه وَاّتقُوا اللّهَ ِإنّ اللّ َه َتوّابٌ رَحِيمٌ (‪)12‬‬
‫َأيُ ِ‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه اجتنبوا كثيًا من ظن السوء بالؤمني; إن بعض ذلك‬
‫الظن إث‪ ,‬ول ُتفَتّشوا عن عورات السلمي‪ ,‬ول يقل بعضكم ف بعضٍ بظهر الغيب ما يكره‪ .‬أيب‬

‫‪959‬‬
‫أحدكم أكل لم أخيه وهو ميت؟ فأنتم تكرهون ذلك‪ ,‬فاكرهوا اغتيابه‪ .‬وخافوا ال فيما أمركم به‬
‫وناكم عنه‪ .‬إن ال تواب على عباده الؤمني‪ ,‬رحيم بم‪.‬‬

‫يَا َأّيهَا النّاسُ ِإنّا َخَل ْقنَاكُ ْم مِنْ ذَكَ ٍر َوأُنثَى وَ َجعَ ْلنَاكُ ْم ُشعُوبا وََقبَائِلَ ِلَتعَارَفُوا ِإنّ أَكْ َر َمكُ ْم ِعنْدَ اللّهِ أَْتقَاكُمْ‬
‫إِنّ اللّ َه عَلِيمٌ َخبِيٌ (‪)13‬‬

‫يا أيها الناس إنّا خلقناكم من أب واحد هو آدم‪ ,‬وأُم واحدة هي حواء‪ ،‬فل تفاضل بينكم ف النسب‪,‬‬
‫وجعلناكم بالتناسل شعوبًا وقبائل متعددة؛ ليعرف بعضكم بعضًا‪ ,‬إن أكرمكم عند ال أشدكم اتقاءً له‪.‬‬
‫إن ال عليم بالتقي‪ ,‬خبي بم‪.‬‬

‫ت الَعْرَا بُ آمَنّا قُلْ لَ ْم ُت ْؤمِنُوا وََلكِ نْ قُولُوا أَ سْلَ ْمنَا وَلَمّا يَدْ ُخ ْل الِيَا نُ فِي قُلُوِبكُ ْم َوإِ ْن تُطِيعُوا اللّ هَ‬
‫قَالَ ْ‬
‫وَ َرسُولَهُ ل يَِلْتكُ ْم مِنْ َأعْمَاِلكُ ْم َشيْئا ِإنّ اللّ َه َغفُورٌ رَحِيمٌ (‪)14‬‬

‫قالت العراب (وهم البدو)‪ :‬آمنا بال ورسوله إيانًا كامل قل لم ‪-‬أيها النب‪ :-‬ل تدّعوا لنفسكم‬
‫اليان الكامل‪ ,‬ولكن قولوا‪ :‬أسلمنا‪ ,‬ول يدخل بعدُ اليان ف قلوبكم‪ ,‬وإن تطيعوا ال ورسوله ل‬
‫ينقصكم من ثواب أعمالكم شيئًا‪ .‬إن ال غفور لن تاب مِن ذنوبه‪ ,‬رحيم به‪ .‬وف الية زجر لن يُظهر‬
‫اليان‪ ,‬ومتابعة السنة‪ ,‬وأعماله تشهد بلف ذلك‪.‬‬

‫سهِمْ فِي َسبِيلِ اللّهِ ُأوْلَئِكَ‬


‫ِإنّمَا الْ ُم ْؤمِنُونَ الّذِي نَ آ َمنُوا بِاللّ ِه وَرَسُولِ ِه ثُمّ لَ ْم يَ ْرتَابُوا وَجَاهَدُوا ِبأَ ْموَاِلهِمْ َوأَنفُ ِ‬
‫هُ ْم الصّادِقُونَ (‪)15‬‬

‫إنا الؤمنون الذين صدّقوا بال وبرسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬ث ل يرتابوا ف إيانم‪ ,‬وبذلوا نفائس أموالم‬
‫وأرواحهم ف الهاد ف سبيل ال وطاعته ورضوانه‪ ,‬أولئك هم الصادقون ف إيانم‪.‬‬

‫ض وَاللّهُ بِكُ ّل َشيْءٍ عَلِيمٌ (‪)16‬‬


‫ت َومَا فِي الَ ْر ِ‬
‫قُلْ َأُتعَلّمُونَ اللّ َه بِدِيِنكُ ْم وَاللّ ُه َيعْلَ ُم مَا فِي السّ َموَا ِ‬

‫‪960‬‬
‫خبّرون ال بدينكم وبا ف ضمائركم‪ ,‬وال يعلم ما ف السموات وما‬ ‫قل ‪-‬أيها النب‪ -‬لؤلء العراب‪ :‬أتُ َ‬
‫ف الرض؟ وال بكل شيء عليم‪ ,‬ل يفى عليه ما ف قلوبكم من اليان أو الكفر‪ ,‬والب أو الفجور‪.‬‬

‫ليَا نِ إِ نْ كُنتُ مْ‬


‫يَ ُمنّو نَ عََليْ كَ أَ نْ أَ سْلَمُوا قُ ْل ل تَ ُمنّوا عَلَيّ إِ سْل َمكُ ْم بَلْ اللّ ُه يَمُنّ عََلْيكُ مْ أَ نْ هَدَاكُ مْ ِل ِ‬
‫صَادِِقيَ (‪)17‬‬

‫يَمُ ّن هؤلء العراب عليك ‪-‬أيها النب‪ -‬بإسلمهم ومتابعتهم ونصرتم لك‪ ,‬قل لم‪ :‬ل تَ ُمنّوا عليّ‬
‫دخولكم ف السلم ; فإ ّن نفع ذلك إنا يعود عليكم‪ ,‬ول النة عليكم فيه أ ْن وفقكم لليان به‬
‫وبرسوله‪ ,‬إن كنتم صادقي ف إيانكم‪.‬‬

‫ض وَاللّ ُه َبصِ ٌي بِمَا َتعْمَلُونَ (‪)18‬‬


‫ت وَالَ ْر ِ‬
‫ِإنّ اللّ َه َيعْلَ ُم َغْيبَ السّ َموَا ِ‬

‫إن ال يعلم غيب السموات والرض‪ ,‬ل يفى عليه شيء من ذلك‪ ,‬وال بصي بأعمالكم وسيجازيكم‬
‫عليها‪ ,‬إن خيًا فخي‪ ,‬وإن شرًا فشر‪.‬‬

‫‪ -50‬سورة ق‬

‫ق وَاْلقُرْآ ِن الْمَجِيدِ (‪)1‬‬

‫( ق ) سبق الكلم على الروف القطّعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬

‫أقسم ال تعال بالقرآن الكري ذي الجد والشرف‪.‬‬

‫جبُوا َأنْ جَا َءهُ ْم ُمنْذِ ٌر ِمْنهُمْ َفقَا َل الْكَافِرُو َن هَذَا َشيْ ٌء عَجِيبٌ (‪)2‬‬
‫بَ ْل عَ ِ‬

‫بل عجب الكذبون للرسول صلى ال عليه وسلم أن جاءهم منذر منهم ينذرهم عقاب ال‪ ,‬فقال‬
‫الكافرون بال ورسوله‪ :‬هذا شيء مستغرب يتعجب منه‪.‬‬
‫‪961‬‬
‫َأئِذَا ِمْتنَا وَ ُكنّا تُرَابا ذَلِكَ َرجْ ٌع َبعِيدٌ (‪)3‬‬

‫أإذا متنا وصِرْنا ترابًا‪ ,‬كيف يكن الرجوع بعد ذلك إل ما كنا عليه؟ ذلك رجع بعيد الوقوع‪.‬‬

‫ض ِمنْهُ ْم َو ِعنْ َدنَا ِكتَابٌ َحفِيظٌ (‪)4‬‬


‫قَ ْد عَِل ْمنَا مَا َتْن ُقصُ الَ ْر ُ‬

‫قد علمنا ما تنقص الرض وتُفن من أجسامهم‪ ,‬وعندنا كتاب مفوظ من التغيي والتبديل‪ ,‬بكل ما يري‬
‫عليهم ف حياتم وبعد ماتم‪.‬‬

‫حقّ لَمّا جَا َءهُمْ َف ُهمْ فِي َأمْ ٍر َمرِيجٍ (‪)5‬‬


‫بَلْ كَ ّذبُوا بِالْ َ‬

‫بل كذّب هؤلء الشركون بالقرآن حي جاءهم‪ ,‬فهم ف أمر مضطرب متلط‪ ,‬ل يثبتون على شيء‪ ,‬ول‬
‫يستقر لم قرار‪.‬‬

‫ف َبَنيْنَاهَا وَ َزّينّاهَا َومَا َلهَا مِنْ فُرُوجٍ (‪)6‬‬


‫أَفَلَ ْم َينْظُرُوا إِلَى السّمَاءِ َفوَْقهُمْ َكيْ َ‬

‫أغَفَلوا حي كفروا بالبعث‪ ,‬فلم ينظروا إل السماء فوقهم‪ ,‬كيف بنيناها مستوية الرجاء‪ ,‬ثابتة البناء‪,‬‬
‫وزيناها بالنجوم‪ ,‬وما لا من شقوق وفتوق‪ ,‬فهي سليمة من التفاوت والعيوب؟‬

‫ج َبهِيجٍ (‪)7‬‬
‫وَالَ ْرضَ مَ َد ْدنَاهَا َوأَْل َقيْنَا فِيهَا َروَاسِ َي َوأَْنَبتْنَا فِيهَا مِنْ كُلّ َز ْو ٍ‬

‫والرض و ّسعْناها وفرشناها‪ ,‬وجعلنا فيها جبال ثوابت; لئل تيل بأهلها‪ ,‬وأنبتنا فيها من كل نوع حسن‬
‫النظر نافع‪ ,‬يَسُ ّر ويبهج الناظر إليه‪.‬‬

‫َتبْصِ َر ًة وَذِ ْكرَى ِلكُ ّل عَبْ ٍد ُمنِيبٍ (‪)8‬‬

‫‪962‬‬
‫خلق ال السموات والرض وما فيهما من اليات العظيمة عبة يُتبصر با مِن عمى الهل‪ ,‬وذكرى لكل‬
‫عبد خاضع خائف وَجِل‪ ,‬رجّاع إل ال عز وجل‪.‬‬

‫حصِيدِ (‪)9‬‬
‫َونَزّْلنَا مِنْ السّمَا ِء مَاءً مُبَارَكا َفَأْنبَْتنَا بِهِ َجنّاتٍ وَ َحبّ الْ َ‬

‫ونزّلنا من السماء مطرًا كثي النافع‪ ,‬فأنبتنا به بساتي كثية الشجار‪ ,‬وحب الزرع الحصود‪.‬‬

‫خ َل بَاسِقَاتٍ َلهَا طَلْ ٌع َنضِيدٌ (‪)10‬‬


‫وَالنّ ْ‬

‫وأنبتنا النخل طِوال لا طلع متراكب بعضه فوق بعضٍ‪.‬‬

‫خرُوجُ (‪)11‬‬
‫ك الْ ُ‬
‫رِزْقا ِل ْل ِعبَا ِد َوأَ ْحَييْنَا بِ ِه بَلْ َد ًة َميْتا كَذَلِ َ‬

‫أنبتنا ذلك رزقًا للعباد يقتاتون به حسب حاجاتم‪ ,‬وأحيينا بذا الاء الذي أنزلناه من السماء بلدة قد‬
‫أجدبت وقحطت‪ ,‬فل زرع فيها ول نبات‪ ,‬كما أحيينا بذلك الاء الرض اليتة نرجكم يوم القيامة‬
‫أحياء بعد الوت‪.‬‬

‫س َوثَمُودُ (‪َ )12‬وعَا ٌد وَفِ ْر َعوْ ُن َوإِ ْخوَا نُ لُو طٍ ( ‪َ )13‬وأَ صْحَابُ‬
‫ح َوأَ صْحَابُ الرّ ّ‬
‫كَ ّذبَ تْ َقبَْلهُ مْ َقوْ ُم نُو ٍ‬
‫الَْي َكةِ وََق ْو ُم ُتبّعٍ كُلّ كَذّبَ ال ّرسُلَ َفحَ ّق َوعِيدِ (‪)14‬‬

‫كذّبت قبل هؤلء الشركي من قريش قومُ نوح وأصحاب البئر وثود‪ ,‬وعاد وفرعون وقوم لوط‪,‬‬
‫وأصحاب اليكة قومُ شعيب‪ ,‬وقوم ُتبّع الِ ْميَري‪ ,‬كل هؤلء القوام كذّبوا رسلهم‪ ,‬فحق عليهم الوعيد‬
‫الذي توعدهم ال به على كفرهم‪.‬‬

‫أََفعَيِينَا بِاْلخَلْ ِق ا َلوّ ِل بَ ْل هُمْ فِي َلْبسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (‪)15‬‬

‫أَفعَجَزْنا عن ابتداع اللق الول الذي خلقناه ول يكن شيئًا‪ ,‬فنعجز عن إعادتم خلقًا جديدًا بعد‬
‫فنائهم؟ ل يعجزنا ذلك‪ ,‬بل نن عليه قادرون‪ ,‬ولكنهم ف َحيْرة وشك من أمر البعث والنشور‪.‬‬
‫‪963‬‬
‫س بِ ِه َنفْسُهُ َونَحْنُ أَقْرَبُ إَِليْهِ مِنْ َحبْ ِل اْلوَرِيدِ (‪)16‬‬
‫وََلقَدْ خََل ْقنَا ا ِلنْسَا َن َوَنعْلَ ُم مَا ُت َوسْوِ ُ‬

‫ولقد خلقنا النسان‪ ,‬ونعلم ما تُحَدّث به نفسه‪ ,‬ونن أقرب إليه من حبل الوريد (وهو عِرْق ف العنق‬
‫متصل بالقلب)‪.‬‬

‫ي َوعَنْ الشّمَالِ َقعِيدٌ (‪)17‬‬


‫إِ ْذ َيتََلقّى الْ ُمتََل ّقيَانِ عَ ْن اْليَمِ ِ‬

‫حي يكتب الَلَكان الترصدان عن يينه وعن شاله أعماله‪ .‬فالذي عن اليم ي يكتب ال سنات‪ ,‬والذي‬
‫عن الشمال يكتب السيئات‪.‬‬

‫ظ مِنْ َقوْلٍ إِلّ لَ َديْهِ رَقِيبٌ َعتِيدٌ (‪)18‬‬


‫مَا يَ ْلفِ ُ‬

‫ما يلفظ من قول فيتكلم به إل لديه مَلَك يرقب قوله‪ ,‬ويكتبه‪ ,‬وهو مَلَك حاضر ُمعَدّ لذلك‪.‬‬

‫ك مَا ُكْنتَ ِمنْ ُه تَحِيدُ (‪)19‬‬


‫ت َسكْ َر ُة الْ َموْتِ بِاْلحَقّ ذَلِ َ‬
‫وَجَاءَ ْ‬

‫وجاءت شدة الوت وغَمْر ته بال ق الذي ل مر ّد له ول مناص‪ ,‬ذلك ما ك نت م نه ‪ -‬أي ها الن سان ‪-‬‬
‫ترب وتروغ‪.‬‬

‫ك َي ْومُ اْل َوعِيدِ (‪)20‬‬


‫َوُنفِخَ فِي الصّورِ ذَلِ َ‬

‫ونُفخ ف "القرن" نفخة البعث الثانية‪ ,‬ذلك النفخ ف يوم وقوع الوعيد الذي توعّد ال به الكفار‪.‬‬

‫س َم َعهَا سَائِ ٌق َو َشهِيدٌ (‪)21‬‬


‫وَجَاءَتْ كُ ّل َن ْف ٍ‬

‫وجاءت كل نفس معها مَلَكان‪ ,‬أحدها يسوقها إل الحشر‪ ,‬والخر يشهد عليها با عملت ف الدنيا من‬
‫خي وشر‪.‬‬

‫‪964‬‬
‫ك غِطَا َءكَ َفَبصَ ُر َك الَْي ْومَ حَدِيدٌ (‪)22‬‬
‫ش ْفنَا َعنْ َ‬
‫َلقَدْ ُكنْتَ فِي َغفَْلةٍ مِنْ هَذَا َفكَ َ‬

‫ل قد كنت ف غفلة من هذا الذي عاينت اليوم أيها النسان‪ ,‬فكشفنا ع نك غطاءك الذي غطّى قلبك‪,‬‬
‫فزالت الغفلة عنك‪ ,‬فبصرك اليوم فيما تشهد قوي شديد‪.‬‬

‫ي َعتِيدٌ (‪)23‬‬
‫وَقَالَ َقرِينُ ُه هَذَا مَا َلدَ ّ‬

‫ي ُمعَدّ مفوظ حاضر‪.‬‬


‫وقال الَلَك الكاتب الشهيد عليه‪ :‬هذا ما عندي من ديوان عمله‪ ,‬وهو لد ّ‬

‫خْي ِر ُمعْتَ ٍد ُمرِي بٍ ( ‪ )25‬الّذِي َجعَ َل مَ عَ اللّ هِ إِلَها آخَرَ‬


‫أَْلقِيَا فِي َج َهنّ مَ ُكلّ َكفّا ٍر عَنِيدٍ (‪َ )24‬منّا عٍ لِلْ َ‬
‫َفأَلْ ِقيَاهُ فِي اْلعَذَابِ الشّدِيدِ (‪)26‬‬

‫يقول ال لل َملَكي السائق والشهيد بعد أن يفصل بي اللئق‪ :‬ألقيا ف جهنم كل جاحد أن ال هو اللهُ‬
‫القّ‪ ،‬كثيَ الك فر والتكذيب معا ند للحق‪ ,‬منّاع لداء ما عليه من القوق ف ماله‪ُ ,‬معْتدٍ على عباد ال‬
‫وعلى حدوده‪ ,‬شاكّ ف وعده ووعيده‪ ,‬الذي أشرك بال‪ ,‬فع بد م عه معبودًا آ خر مِن خل قه‪ ,‬فألقياه ف‬
‫عذاب جهنم الشديد‪.‬‬

‫قَالَ َقرِينُهُ َرّبنَا مَا َأطْ َغْيتُهُ وََلكِنْ كَانَ فِي ضَل ٍل َبعِيدٍ (‪)27‬‬

‫قال شيطانه الذي كان معه ف الدنيا‪ :‬ربنا ما أضللته‪ ,‬ولكن كان ف طريق بعيد عن سبيل الدى‪.‬‬

‫ي وَقَدْ قَ ّد ْمتُ إَِليْكُ ْم بِاْل َوعِيدِ (‪)28‬‬


‫خَتصِمُوا َلدَ ّ‬
‫قَا َل ل تَ ْ‬

‫قال ال تعال‪ :‬ل تت صموا لديّ اليوم ف مو قف الزاء وال ساب; إذ ل فائدة من ذلك‪ ,‬و قد َق ّدمْ تُ‬
‫إليكم ف الدنيا بالوعيد لن كفر ب وعصان‪.‬‬

‫لمٍ ِل ْل َعبِيدِ (‪)29‬‬


‫مَا ُيبَدّ ُل الْ َقوْلُ لَدَيّ َومَا َأنَا بِ َظ ّ‬
‫‪965‬‬
‫ما يُغيّر القول لديّ‪ ,‬ولست أعذّب أحدًا بذنب أحد‪ ,‬فل أعذّب أحدًا إل بذنبه بعد قيام الجة عليه‪.‬‬

‫ت َوَتقُو ُل هَ ْل مِ ْن مَزِيدٍ (‪)30‬‬


‫ج َهنّ َم هَ ْل امَْتلْ ِ‬
‫َي ْومَ َنقُولُ لِ َ‬

‫اذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لقومك يوم نقول لهنم يوم القيامة‪ :‬هل امتلت؟ وتقول جهنم‪ :‬هل من زيادة من‬
‫الن والنس؟ فيضع الرب ‪-‬جل جلله‪ -‬قدمه فيها‪ ,‬فينوي بعضها على بعض‪ ,‬وتقول‪ :‬قط‪ ,‬قط‪.‬‬

‫ي َغيْ َر َبعِيدٍ (‪)31‬‬


‫جّنةُ لِلْ ُمّتقِ َ‬
‫ت الْ َ‬
‫َوأُزِْلفَ ْ‬

‫وقُرّبت النة للمتقي مكانًا غي بعيد منهم‪ ,‬فهم يشاهدونا زيادة ف السرّة لم‪.‬‬

‫ب ُمنِيبٍ (‪)33‬‬
‫شيَ الرّحْمَ َن بِاْل َغْيبِ وَجَا َء ِبقَ ْل ٍ‬
‫هَذَا مَا تُوعَدُونَ ِلكُلّ َأوّابٍ َحفِيظٍ (‪ )32‬مَنْ خَ ِ‬

‫يقال ل م‪ :‬هذا الذي كنتم توعدون به ‪ -‬أيها التقون ‪ -‬لكل تائب مِن ذنو به‪ ,‬حافظ لكل ما قَرّبه إل‬
‫ربه‪ ,‬من الفرائض والطاعات‪ ,‬مَن خاف ال ف الدنيا ولقيه يوم القيامة بقلب تائب من ذنوبه‪.‬‬

‫خلُودِ (‪)34‬‬
‫ك َي ْومُ الْ ُ‬
‫ادْ ُخلُوهَا بِسَلمٍ ذَلِ َ‬

‫ويقال لؤلء الؤمنيه‪ :‬ادخلوا النهة دخول مقرونًا بالسهلمة مهن الفات والشرور‪ ,‬مأمونًا فيهه جيهع‬
‫الكاره‪ ,‬ذلك هو يوم اللود بل انقطاع‪.‬‬

‫َلهُ ْم مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَ َدْينَا َمزِيدٌ (‪)35‬‬

‫لؤلء الؤمن ي ف ال نة ما يريدون‪ ,‬ولدي نا على ما أعطينا هم زيادة نع يم‪ ,‬أعظَمُه الن ظر إل و جه ال‬
‫الكري‪.‬‬

‫وَكَمْ َأهَْلكْنَا َقبَْلهُ ْم مِنْ َق ْرنٍ هُمْ َأشَدّ ِمْنهُ ْم بَطْشا َفَن ّقبُوا فِي اْلبِل ِد هَ ْل مِ ْن مَحِيصٍ (‪)36‬‬

‫‪966‬‬
‫وأهلك نا ق بل هؤلء الشرك ي من قر يش أمًا كثية‪ ,‬كانوا أ شد من هم قوة و سطوة‪ ,‬فطوّفوا ف البلد‬
‫وعمّروا ودمّروا فيها‪ ,‬هل من مهرب من عذاب ال حي جاءهم؟‬

‫ِإنّ فِي ذَلِكَ َلذِكْرَى لِ َمنْ كَانَ لَهُ َق ْلبٌ َأوْ أَْلقَى السّمْ َع َو ُهوَ َشهِيدٌ (‪)37‬‬

‫إن ف إهلك القرون الاضية لعبة لن كان له قلب يعقل به‪ ,‬أو أصغى السمع‪ ,‬وهو حاضر بقلبه‪ ,‬غي‬
‫غافل ول ساهٍ‪.‬‬

‫سنَا مِنْ ُلغُوبٍ (‪)38‬‬


‫ض َومَا َبْيَنهُمَا فِي ِسّتةِ َأيّامٍ َومَا مَ ّ‬
‫وََلقَدْ خََل ْقنَا السّ َموَاتِ وَالَ ْر َ‬

‫ول قد خلقنا ال سموات ال سبع والرض وما بينه ما من أ صناف الخلوقات ف ستة أيام‪ ,‬وما أصابنا من‬
‫ذلك اللق تعب ول نَصَب‪ .‬وف هذه القدرة العظيمة دليل على قدرته ‪-‬سبحانه ‪ -‬على إحياء الوتى من‬
‫باب أول‪.‬‬

‫سبّحْهُ‬
‫س وََقبْ َل الْغُرُو بِ (‪َ )39‬ومِ نْ الّليْلِ فَ َ‬
‫حمْدِ َربّ كَ َقبْ َل طُلُو عِ الشّمْ ِ‬
‫صِب ْر عَلَى مَا َيقُولُو َن وَ َسبّ ْح بِ َ‬
‫فَا ْ‬
‫َوأَ ْدبَارَ السّجُودِ (‪)40‬‬

‫فاصب ‪-‬أيها الرسول‪ -‬على ما يقوله الكذبون‪ ,‬فإن ال لم بالرصاد‪ ,‬وصلّ لربك حامدًا له صلة الصبح‬
‫قبل طلوع الشمس وصلة العصر قبل الغروب‪ ,‬وصلّ من الليل‪ ,‬وسبّحْ بمد ربك عقب الصلوات‪.‬‬

‫ك َيوْ ُم الْخُرُوجِ (‪)42‬‬


‫ح َة بِالْحَقّ ذَلِ َ‬
‫صيْ َ‬
‫وَا ْستَمِ ْع َي ْو َم ُينَا ِد الْ ُمنَا ِد مِ ْن َمكَانٍ قَرِيبٍ (‪َ )41‬ي ْومَ يَسْ َمعُونَ ال ّ‬

‫واستمع ‪-‬أيها الرسول‪ -‬يوم ينادي الَلَك بنفخه ف "القرن" من مكان قريب‪ ,‬يوم يسمعون صيحة البعث‬
‫بالق الذي ل شك فيه ول امتراء‪ ,‬ذلك يوم خروج أهل القبور من قبورهم‪.‬‬

‫ش ٌر عََلْينَا يَ سِيٌ (‬
‫شقّ ُق الَرْ ضُ َعْنهُ مْ سِرَاعا ذَلِ كَ حَ ْ‬
‫حيِي َونُمِي تُ َوإِلَْينَا الْمَ صِيُ (‪َ )43‬يوْ مَ تَ َ‬
‫ِإنّا َنحْ ُن نُ ْ‬
‫‪)44‬‬

‫‪967‬‬
‫إنّ ا ن ن نيي اللق ونيت هم ف الدنيا‪ ,‬وإلينا مصيهم جيعًا يوم القيا مة للح ساب والزاء‪ ,‬يوم تتصدع‬
‫الرض عن الوتى القبورين با‪ ,‬فيخرجون مسرعي إل الداعي‪ ,‬ذلك المع ف موقف الساب علينا‬
‫سهل يسي‪.‬‬

‫ف َوعِيدِ (‪)45‬‬
‫جبّارٍ َفذَكّ ْر بِاْلقُرْآنِ مَ ْن َيخَا ُ‬
‫ت عََلْيهِ ْم بِ َ‬
‫نَحْنُ َأعْلَ ُم بِمَا َيقُولُونَ َومَا َأنْ َ‬

‫نن أعلم با يقول هؤلء الشركون مِن افتراء على ال وتكذيب بآياته‪ ,‬وما أنت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عليهم‬
‫بسلّط; لت جبهم على ال سلم‪ ,‬وإنا ُبعِثْ تَ مبلّغًا‪ ,‬فذكّ ر بالقرآن من يشى وعيدي; لن مَن ل ياف‬
‫الوعيد ل يذّكر‪.‬‬

‫‪ -51‬سورة الذاريات‬

‫ت وِقْرا ( ‪ )2‬فَاْلجَا ِريَا تِ يُ سْرا ( ‪ )3‬فَالْ ُمقَ سّمَاتِ َأمْرا ( ‪ِ )4‬إنّمَا تُوعَدُو نَ‬
‫وَالذّا ِريَا تِ ذَرْوا (‪ )1‬فَاْلحَامِل ِ‬
‫َلصَا ِدقٌ ( ‪َ )5‬وإِنّ الدّينَ َلوَاقِعٌ (‪)6‬‬

‫أقسم ال تعال بالرياح الثيات للتراب‪ ,‬فالسحب الاملت ثقل عظيمًا من الاء‪ ,‬فالسفن الت تري ف‬
‫البحار جريًا ذا يسر وسهولة‪ ,‬فاللئكة الت ُتقَ سّم أمر ال ف خلقه‪ .‬إن الذي توعدون به‪ -‬أيها الناس‪-‬‬
‫من البعث والساب لكائن حق يقي‪ ,‬وإن الساب والثواب على العمال لكائن ل مالة‪.‬‬

‫ك َعنْهُ مَنْ أُفِكَ (‪)9‬‬


‫ختَلِفٍ (‪ُ )8‬يؤْفَ ُ‬
‫حبُكِ (‪ِ )7‬إنّكُمْ َلفِي َقوْ ٍل مُ ْ‬
‫ت الْ ُ‬
‫وَالسّمَاءِ ذَا ِ‬

‫وأقسم ال تعال بالسماء ذات الَلْق السن‪ ,‬إنكم‪ -‬أيها الكذبون‪ -‬لفي قول مضطرب ف هذا القرآن‪,‬‬
‫و ف الرسول صلى ال عليه وسلم‪ .‬يُصرف عن القرآن والرسول صلى ال عليه وسلم مَن صُرف عن‬
‫اليان بما؛ لعراضه عن أدلة ال وبراهينه اليقينية فلم يوفّق إل الي‪.‬‬

‫ُقتِ َل الْخَرّاصُونَ (‪ )10‬الّذِي َن هُمْ فِي غَمْ َر ٍة سَاهُونَ (‪)11‬‬


‫‪968‬‬
‫ُلعِن الكذابون الظانون غي الق‪ ,‬الذين هم ف لُهجّة من الكفر والضللة غافلون متمادون‪.‬‬

‫سأَلُونَ َأيّانَ َي ْومُ الدّينِ (‪)12‬‬


‫يَ ْ‬

‫يسأل هؤلء الكذابون سؤال استبعاد وتكذيب‪ :‬مت يوم الساب والزاء؟‬

‫جلُونَ (‪)14‬‬
‫َي ْومَ هُ ْم عَلَى النّا ِر ُي ْفَتنُونَ (‪ )13‬ذُوقُوا ِفتَْنَتكُ ْم هَذَا الّذِي كُنتُ ْم بِهِ تَسَْتعْ ِ‬

‫يوم الزاء‪ ,‬يوم يُعذّبون بالحراق بالنار‪ ,‬ويقال لم‪ :‬ذوقوا عذابكم الذي كنتم به تستعجلون ف الدنيا‪.‬‬

‫سنِيَ (‪)16‬‬
‫ك مُحْ ِ‬
‫ت َوعُيُونٍ (‪ )15‬آخِذِي َن مَا آتَاهُمْ َرّبهُمْ ِإنّهُمْ كَانُوا َقبْلَ ذَلِ َ‬
‫ِإنّ الْ ُمّتقِيَ فِي َجنّا ٍ‬

‫إن الذ ين اتقوا ال ف جنات عظي مة‪ ,‬وعيون ماء جار ية‪ ,‬أعطا هم ال ج يع مُنا هم من أ صناف النع يم‪,‬‬
‫فأخذوا ذلك راض ي به‪َ ,‬فرِ حة به نفو سهم‪ ,‬إن م كانوا ق بل ذلك النع يم م سني ف الدن يا بأعمال م‬
‫الصالة‪.‬‬

‫ستَ ْغفِرُونَ (‪)18‬‬


‫جعُونَ (‪َ )17‬وبِالَسْحَا ِر هُ ْم يَ ْ‬
‫ل مِنْ الّليْ ِل مَا َيهْ َ‬
‫كَانُوا قَلِي ً‬

‫كان هؤلء الح سنون قليل من الل يل ما ينامون‪ ,‬يُ صَلّون لرب م قانت ي له‪ ,‬و ف أوا خر الل يل قب يل الف جر‬
‫يستغفرون ال من ذنوبم‪.‬‬

‫وَفِي َأ ْموَالِهِمْ حَقّ لِلسّائِ ِل وَالْ َمحْرُومِ (‪)19‬‬

‫وف أموالم حق واجب ومستحب للمحتاجي الذين يسألون الناس‪ ,‬والذين ل يسألونم حياء‪.‬‬

‫ض آيَاتٌ لِلْمُوِقنِيَ (‪)20‬‬


‫وَفِي الَ ْر ِ‬

‫وف الرض عب ودلئل واضحة على قدرة خلقها لهل اليقي بأن ال هو الله الق وحده ل شريك له‪،‬‬
‫‪969‬‬
‫والصدّقي لرسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫سكُمْ أَفَل ُتْبصِرُونَ (‪)21‬‬


‫وَفِي أَنفُ ِ‬

‫وفه خلق أنفسهكم دلئل على قدرة ال تعال‪ ,‬وعهب تدلكهم على وحدانيهة خالقكهم‪ ,‬وأنهه ل إله لكهم‬
‫يستحق العبادة سواه‪ ,‬أغَفَلتم عنها‪ ,‬فل تبصرون ذلك‪ ,‬فتعتبون به؟‬

‫وَفِي السّمَاءِ رِزُْقكُ ْم َومَا تُوعَدُونَ (‪)22‬‬

‫وف السماء رزقكم وما توعدون من الي والشر والثواب والعقاب‪ ,‬وغي ذلك كله مكتوب مقدّر‪.‬‬

‫َفوَرَبّ السّمَا ِء وَالَ ْرضِ ِإنّهُ لَحَقّ مِثْ َل مَا َأّنكُ ْم تَن ِطقُونَ (‪)23‬‬

‫شكّوا فيه كما ل تَشُكّون ف نطقكم‪.‬‬


‫أقسم ال تعال بنفسه الكرية أنّ ما وعدكم به حق‪ ,‬فل تَ ُ‬

‫ضيْ فِ ِإبْرَاهِي َم الْ ُمكْ َرمِيَ (‪ )24‬إِذْ دَخَلُوا عََليْ هِ َفقَالُوا سَلما قَالَ سَلمٌ َقوْ ٌم مُنكَرُو نَ (‬
‫هَلْ َأتَاكَ حَدِي ثُ َ‬
‫‪)25‬‬

‫هل أتاك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬حديث ضيف إبراهيم الذين أكرمهم‪ -‬وكانوا من اللئكة الكرام‪ -‬حي دخلوا‬
‫عليه ف بيته‪ ,‬فحيّوه قائلي له‪ :‬سلمًا‪ ,‬فر ّد عليهم التحية قائل سلم عليكم‪ ,‬أنتم قوم غرباء ل نعرفكم‪.‬‬

‫ج ٍل سَمِيٍ (‪َ )26‬ف َق ّربَهُ إَِلْيهِمْ قَالَ أَل َتأْكُلُونَ (‪)27‬‬


‫فَرَاغَ إِلَى َأهْلِهِ فَجَاءَ بِعِ ْ‬

‫فعَدَلَ ومال خف ية إل أهله‪ ,‬فع مد إل ع جل سي فذب ه‪ ,‬وشواه بالنار‪ ،‬ث وض عه أمام هم‪ ,‬وتلّ طف ف‬
‫دعوتم إل الطعام قائل أل تأكلون؟‬

‫ف َوبَشّرُوهُ ِبغُلمٍ عَلِيمٍ (‪)28‬‬


‫َفَأوْ َجسَ مِْنهُمْ خِي َفةً قَالُوا ل َتخَ ْ‬

‫‪970‬‬
‫خ فْ إنا رسل ال‪ ,‬وبشروه بأن زوجته‬
‫فلما رآهم ل يأكلون أح سّ ف نفسه خوفًا منهم‪ ,‬قالوا له‪ :‬ل تَ َ‬
‫"سَا َرةَ" ستلد له ولدًا‪ ,‬سيكون من أهل العلم بال وبدينه‪ ,‬وهو إسحاق عليه السلم‪.‬‬

‫ت عَجُو ٌز َعقِيمٌ (‪)29‬‬


‫ص ّكتْ وَ ْج َههَا وَقَاَل ْ‬
‫ص ّرةٍ َف َ‬
‫َفأَ ْقبََلتْ امْ َرَأتُهُ فِي َ‬

‫فلما سعت زوجة إبراهيم مقالة هؤلء اللئكة بالبشارة أقبلت نوهم ف صيحة‪ ,‬فلطمت وجهها تعجبًا‬
‫من هذا المر‪ ,‬وقالت‪ :‬كيف ألد وأنا عجوز عقيم ل ألد؟‬

‫حكِيمُ الْعَلِيمُ (‪)30‬‬


‫قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ َربّكِ ِإنّهُ ُه َو الْ َ‬

‫قالت لا ملئكة ال‪ :‬هكذا قال ربك كما أخبناك‪ ,‬وهو القادر على ذلك‪ ,‬فل عجب من قدرته‪ .‬إنه‬
‫سبحانه وتعال هو الكيم الذي يضع الشياء مواضعها‪ ,‬العليم بصال عباده‪.‬‬

‫‪971‬‬
‫الزء السابع والعشرون ‪:‬‬

‫قَالَ فَمَا خَ ْطُبكُمْ َأّيهَا الْ ُمرْسَلُونَ (‪ )31‬قَالُوا ِإنّا أُرْ ِس ْلنَا إِلَى َقوْمٍ ُمجْ ِرمِيَ (‪ِ )32‬لنُرْسِ َل عََلْيهِمْ حِجَا َرةً مِنْ‬
‫سرِفِيَ (‪)34‬‬ ‫س ّو َمةً ِعنْدَ َربّكَ لِلْمُ ْ‬
‫طِيٍ (‪ )33‬مُ َ‬

‫قال إبراهيم عليه السلم‪ ,‬للئكة ال‪ :‬ما شأنكم وفيم أُرسلتم؟ قالوا‪ :‬إن ال أرسلنا إل قوم قد أجرموا‬
‫لكفر هم بال; لنهلك هم بجارة من ط ي متحجّ ر‪ ,‬معلّ مة ع ند ر بك لؤلء التجاوز ين الدّ ف الفجور‬
‫والعصيان‪.‬‬

‫َفأَخْ َر ْجنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِ ْن الْ ُم ْؤمِنِيَ (‪)35‬‬

‫فأخرجنا مَن كان ف قرية قوم لوط من أهل اليان‪.‬‬

‫فَمَا وَ َج ْدنَا فِيهَا َغيْ َر َبْيتٍ مِ ْن الْمُسِْلمِيَ (‪)36‬‬

‫فما وجدنا ف تلك القرية غي بيت من السلمي‪ ,‬وهو بيت لوط عليه السلم‪.‬‬

‫َوتَرَ ْكنَا فِيهَا آَيةً لِلّذِي َن َيخَافُو َن اْلعَذَابَ الَلِيمَ (‪)37‬‬

‫وترك نا ف القر ية الذكورة أثرًا من العذاب باقيًا عل مة على قدرة ال تعال وانتقا مه من الكفرة‪ ,‬وذلك‬
‫عبة لن يافون عذاب ال الؤل الوجع‪.‬‬

‫جنُونٌ (‪)39‬‬
‫وَفِي مُوسَى ِإذْ أَ ْرسَ ْلنَاهُ إِلَى فِ ْر َعوْ َن بِسُلْطَا ٍن ُمبِيٍ (‪َ )38‬فَتوَلّى بِرُ ْكنِ ِه وَقَا َل سَا ِحرٌ َأوْ َم ْ‬

‫وفه إرسهالنا موسهى إل فرعون وملئه باليات والعجزات الظاهرة آيهة للذيهن يافون العذاب الليهم‪.‬‬
‫فأعْ َرضَ فرعون مغترّا بقوته وجانبه‪ ,‬وقال عن موسى‪ :‬إنه ساحر أو منون‪.‬‬

‫‪972‬‬
‫َفأَخَ ْذنَاهُ َو ُجنُو َدهُ َفَنبَ ْذنَاهُمْ فِي اْليَ ّم َو ُهوَ مُلِيمٌ (‪)40‬‬

‫ت ما يلم عليه; بسبب كفره وجحوده وفجوره‪.‬‬


‫فأخذنا فرعون وجنوده‪ ,‬فطرحناهم ف البحر‪ ,‬وهو آ ٍ‬

‫ت عََليْهِ إِلّ َج َعَلتْهُ كَال ّرمِيمِ (‪)42‬‬


‫وَفِي عَادٍ إِذْ أَ ْرسَ ْلنَا عََلْيهِمْ الرّي َح اْلعَقِيمَ (‪ )41‬مَا تَذَ ُر مِ ْن َشيْءٍ أََت ْ‬

‫وف شأن عاد وإهلكهم آيات وعب لن تأمل‪ ,‬إذ أرسلنا عليهم الريح الت ل بركة فيها ول تأت بي‪ ,‬ما‬
‫تَ َدعُ شيئًا مرّت عليه إل صيّرته كالشيء البال‪.‬‬

‫وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ َلهُ ْم تَ َمّتعُوا َحتّى حِيٍ (‪َ )43‬ف َعَتوْا عَ نْ َأمْرِ َرّبهِ مْ َفأَخَ َذْتهُ مْ ال صّا ِع َق ُة َوهُ ْم يَنظُرُو نَ (‬
‫‪)44‬‬

‫وف شأن ثود وإهلكهم آيات وعب‪ ,‬إذ قيل لم‪ :‬انتفعوا بياتكم حت تنتهي آجالكم‪ .‬فعصوا أمر ربم‪,‬‬
‫فأخذتم صاعقة العذاب‪ ,‬وهم ينظرون إل عقوبتهم بأعينهم‪.‬‬

‫فَمَا ا ْستَطَاعُوا مِنْ ِقيَامٍ َومَا كَانُوا مُنتَصِرِينَ (‪)45‬‬

‫فما أمكنهم الرب ول النهوض ما هم فيه من العذاب‪ ,‬وما كانوا منتصرين لنفسهم‪.‬‬

‫ح مِنْ َقبْلُ ِإّنهُمْ كَانُوا َقوْما فَا ِسقِيَ (‪)46‬‬


‫وََق ْومَ نُو ٍ‬

‫وأهلكنا قوم نوح من قبل هؤلء‪ ,‬إنم كانوا قومًا مالفي لمر ال‪ ,‬خارجي عن طاعته‪.‬‬

‫وَالسّمَا َء بََنْينَاهَا ِبَأيْي ٍد َوِإنّا لَمُو ِسعُونَ (‪)47‬‬

‫والسماء خلقناها وأتقناها‪ ,‬وجعلناها َس ْقفًا للرض بقوة وقدرة عظيمة‪ ,‬وإنا لوسعون لرجائها وأنائها‪.‬‬

‫‪973‬‬
‫وَالَ ْرضَ َف َر ْشنَاهَا َفِنعْ َم الْمَاهِدُونَ (‪)48‬‬

‫والرض جعناها فراشًا للخلق للستقرار عليها‪ ,‬فنعم الاهدون نن‪.‬‬

‫َومِنْ كُ ّل َشيْءٍ خََل ْقنَا َزوْ َجيْنِ َلعَّلكُ ْم تَذَكّرُونَ (‪)49‬‬

‫ومن كل شيء من أجناس الوجودات خلقنا نوعي متلفي; لكي تتذكروا قدرة ال‪ ,‬وتعتبوا‪.‬‬

‫َففِرّوا إِلَى اللّهِ ِإنّي َلكُ ْم ِمنْهُ نَذِي ٌر ُمبِيٌ (‪)50‬‬

‫ففروا‪-‬أيها الناس‪ -‬من عقاب ال إل رحته باليان به وبرسوله‪ ,‬واتباع أمره والعمل بطاعته‪ ,‬إن لكم‬
‫نذير بيّن النذار‪ .‬وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا حزبه أمر‪ ,‬فزع إل الصلة‪ ,‬وهذا فرار إل‬
‫ال‪.‬‬

‫جعَلُوا مَعَ اللّهِ إِلَها آ َخرَ ِإنّي َلكُ ْم ِمنْهُ نَذِي ٌر ُمبِيٌ (‪)51‬‬
‫وَل تَ ْ‬

‫ول تعلوا مع ال معبودًا آخر‪ ,‬إن لكم من ال نذير بيّن النذار‪.‬‬

‫جنُونٌ (‪)52‬‬
‫ك مَا َأتَى الّذِي َن مِنْ َقبِْلهِ ْم مِنْ َرسُولٍ إِلّ قَالُوا سَاحِرٌ َأ ْو مَ ْ‬
‫كَذَلِ َ‬

‫كما كذبت قريش نبيّها ممدًا صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وقالوا‪ :‬هو شاعر أو ساحر أو منون‪ ,‬فعلت المم‬
‫الكذبة رسلها من قبل قريش‪ ,‬فأحلّ ال بم نقمته‪.‬‬

‫صوْا بِ ِه بَ ْل هُمْ َق ْو ٌم طَاغُونَ (‪)53‬‬


‫َأَتوَا َ‬

‫أتواصى الولون والخرون بالتكذيب بالرسول حي قالوا ذلك جيعًا؟ بل هم قوم طغاة تشابت قلوبم‬
‫وأعمالم بالكفر والطغيان‪ ,‬فقال متأخروهم ذلك‪ ,‬كما قاله متقدموهم‪.‬‬

‫‪974‬‬
‫ت بِمَلُومٍ (‪)54‬‬
‫َفَتوَ ّل عَْنهُمْ فَمَا َأنْ َ‬

‫ض ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عن الشركي حت يأتيك فيهم أمر ال‪ ,‬فما أنت بلوم من أحد‪ ,‬فقد بلّغت ما‬‫فأعر ْ‬
‫أُرسلت به‪.‬‬

‫وَذَكّرْ فَِإنّ الذّكْرَى تَنفَ ُع الْ ُم ْؤ ِمنِيَ (‪)55‬‬

‫ومهع إعراضهك ‪-‬أيهها الرسهول‪ -‬عنههم‪ ,‬وعدم اللتفات إل تذيلههم‪ ,‬داوم على الدعوة إل ال‪ ,‬وعلى‬
‫وعظ من أُرسلتَ إليهم; فإن التذكي والوعظة ينتفع بما أهل القلوب الؤمنة‪ ,‬وفيهما إقامة الجة على‬
‫العرضي‪.‬‬

‫ت الْجِ ّن وَالِنسَ إِلّ ِليَ ْعبُدُونِ (‪)56‬‬


‫َومَا خََل ْق ُ‬

‫وما خلقت الن والنس وبعثت جيع الرسل إل لغاية سامية‪ ,‬هي عبادت وحدي دون مَن سواي‪.‬‬

‫ق َومَا أُرِيدُ أَ ْن يُ ْطعِمُونِ (‪)57‬‬


‫مَا أُرِي ُد ِمْنهُمْ مِنْ رِ ْز ٍ‬

‫ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون‪ ,‬فأنا الرزاق العطي‪ .‬فهو سبحانه غي متاج إل اللق‪ ,‬بل‬
‫هم الفقراء إليه ف جيع أحوالم‪ ,‬فهو خالقهم ورازقهم والغن عنهم‪.‬‬

‫ِإنّ اللّ َه ُهوَ الرّزّاقُ ذُو الْ ُق ّوةِ الْ َمتِيُ (‪)58‬‬

‫إن ال وحده هو الرزاق للقه‪ ,‬التكفل بأقواتم‪ ,‬ذو القوة التي‪ ,‬ل ُيقْهَر ول يغالَب‪ ,‬فله القدرة والقوة‬
‫كلها‪.‬‬

‫جلُونِ (‪)59‬‬
‫صحَاِبهِمْ فَل يَسَْتعْ ِ‬
‫فَِإنّ ِللّذِي َن ظَلَمُوا َذنُوبا ِمثْلَ َذنُوبِ أَ ْ‬

‫فإن للذ ين ظلموا بتكذيب هم الر سول ممدًا صلى ال عل يه و سلم ن صيبًا من عذاب ال نازل ب م م ثل‬

‫‪975‬‬
‫نصيب أصحابم الذين مضَوْا من قبلهم‪ ,‬فل يستعجلون بالعذاب‪ ,‬فهو آتيهم ل مالة‪.‬‬

‫َف َويْلٌ لِلّذِينَ َكفَرُوا مِ ْن َي ْو ِمهِمْ الّذِي يُوعَدُونَ (‪)60‬‬

‫فهلك وشقاء للذيهن كفروا بال ورسهوله مهن يومههم الذي يوعدون فيهه بنول العذاب بمه‪ ,‬وههو يوم‬
‫القيامة‪.‬‬

‫‪ -52‬سورة الطور‬

‫ف الْمَرْفُو عِ ( ‪)5‬‬
‫ب مَ سْطُورٍ ( ‪ )2‬فِي َرقّ َمنْشُورٍ ( ‪ )3‬وَالَْبيْ تِ الْ َمعْمُورِ ( ‪ )4‬وَال سّقْ ِ‬
‫وَالطّورِ (‪ )1‬وَ ِكتَا ٍ‬
‫ح ِر الْمَسْجُورِ (‪)6‬‬
‫وَالْبَ ْ‬

‫أقسم ال بالطور‪ ,‬وهو البل الذي كلّم ال سبحانه وتعال موسى عليه‪ ,‬وبكتاب مكتوب‪ ,‬وهو القرآن‬
‫ف صحف منشورة‪ ،‬وبالب يت العمور ف ال سماء باللئ كة الكرام الذ ين يطوفون به دائمًا‪ ,‬وبال سقف‬
‫الرفوع وهو السماء الدنيا‪ ,‬وبالبحر السجور الملوء بالياه‪.‬‬

‫جبَا ُل َسيْرا (‪)10‬‬


‫ِإنّ عَذَابَ َربّكَ َلوَاقِعٌ (‪ )7‬مَا لَ ُه مِنْ دَافِعٍ (‪َ )8‬ي ْومَ تَمُورُ السّمَا ُء َموْرا (‪َ )9‬وتَسِ ُي الْ ِ‬

‫إن عذاب ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بالكفار لَواقع‪ ،‬ليس له مِن مانع ينعه حي وقوعه‪ ,‬يوم تتحرك السماء‬
‫فيختلّ نظام ها وتضطرب أجزاؤ ها‪ ,‬وذلك ع ند نا ية الياة الدن يا‪ ,‬وتزول البال عن أماكن ها‪ ,‬وت سي‬
‫كسي السحاب‪.‬‬

‫ض يَ ْل َعبُونَ (‪)12‬‬
‫َف َويْ ٌل َيوْ َمئِذٍ لِ ْل ُمكَ ّذبِيَ (‪ )11‬الّذِي َن هُمْ فِي َخ ْو ٍ‬

‫فهلك ف هذا اليوم واقع بالكذبي الذين هم ف خوض بالباطل يلعبون به‪ ,‬ويتخذون دينهم هزوًا ولعبًا‪.‬‬

‫‪976‬‬
‫َي ْومَ يُ َدعّونَ إِلَى نَارِ َج َهنّمَ َدعّا (‪ )13‬هَ ِذهِ النّا ُر اّلتِي كُنتُ ْم ِبهَا ُتكَ ّذبُونَ (‪)14‬‬

‫يوم يُدْفَع هؤلء الكذبون دفعًا بعنف ومَهانة إل نار جهنم‪ ،‬ويقال توبيخًا لم‪ :‬هذه هي النار الت كنتم‬
‫با تكذّبون‪.‬‬

‫صبِرُوا َأ ْو ل تَصْبِرُوا َسوَاءٌ عََلْيكُمْ ِإنّمَا تُجْ َزوْ َن مَا كُنتُمْ‬


‫ح ٌر هَذَا أَمْ َأنْتُ ْم ل ُتبْصِرُونَ (‪ )15‬اصَْل ْوهَا فَا ْ‬
‫أَفَسِ ْ‬
‫َتعْمَلُونَ (‪)16‬‬

‫أفسحر ما تشاهدونه من العذاب أم أنتم ل تنظرون؟ ذوقوا حرّ هذه النار‪ ,‬فاصبوا على ألها وشدتا‪ ,‬أو‬
‫خفّف عنكم العذاب‪ ،‬ولن ترجوا منها‪ ,‬سواء عليكم صبت أم ل تصبوا‪,‬‬ ‫ل تصبوا على ذلك‪ ،‬فلن يُ َ‬
‫إنا تُجزون ما كنتم تعملون ف الدنيا‪.‬‬

‫جحِيمِ (‪)18‬‬
‫ب الْ َ‬
‫ت َونَعِيمٍ (‪ )17‬فَا ِكهِيَ بِمَا آتَاهُمْ َرّبهُمْ َووَقَاهُمْ َرّبهُمْ عَذَا َ‬
‫ِإنّ الْ ُمّتقِيَ فِي َجنّا ٍ‬

‫إن التقي ف جنات ونعيم عظيم‪ ,‬يتفكهون با آتاهم ال من النعيم من أصناف اللذّ الختلفة‪ ,‬ونّاهم‬
‫ال من عذاب النار‪.‬‬

‫ي عَلَى سُ ُر ٍر َمصْفُوَف ٍة وَ َزوّ ْجنَاهُ ْم بِحُو ٍر عِيٍ (‪)20‬‬


‫كُلُوا وَاشْ َربُوا َهنِيئا بِمَا كُنتُ ْم َتعْمَلُونَ (‪ُ )19‬مّتكِئِ َ‬

‫كلوا طعامًا هنيئًا‪ ,‬واشربوا شرابًا سائغًا؛ جزاء با عملتم من أعمال صالة ف الدنيا‪ .‬وهم متكئون على‬
‫سرر متقابلة‪ ,‬وزوّجناهم بنساء بيض واسعات العيون حساننّ‪.‬‬

‫ئ بِمَا‬
‫ح ْقنَا ِبهِمْ ذُ ّرّيَتهُ ْم َومَا أََلتْنَاهُ ْم مِ ْن عَمَِلهِ ْم مِ نْ شَيْءٍ كُ ّل امْرِ ٍ‬
‫وَالّذِي نَ آ َمنُوا وَاّتبَ َعْتهُمْ ذُ ّرّيُتهُ ْم بِإِيَانٍ أَلْ َ‬
‫سبَ َرهِيٌ (‪)21‬‬ ‫كَ َ‬

‫والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم ف اليان‪ ,‬وألقنا بم ذريتهم ف منلتهم ف النة‪ ,‬وإن ل يبلغوا عمل‬
‫آبائهم; لتَقَ ّر أعي الباء بالبناء عندهم ف منازلم‪ ،‬فيُجْمَع بينهم على أحسن الحوال‪ ,‬وما نقصناهم‬
‫شيئًا من ثواب أعمالم‪ .‬كل إنسان مرهون بعمله‪ ,‬ل يمل ذنب غيه من الناس‪.‬‬

‫‪977‬‬
‫شتَهُونَ (‪َ )22‬يَتنَا َزعُونَ فِيهَا َكأْسا ل َل ْغوٌ فِيهَا وَل َت ْأثِيمٌ (‪)23‬‬
‫َوَأمْدَ ْدنَاهُ ْم ِبفَاكِ َه ٍة وَلَحْمٍ مِمّا يَ ْ‬

‫وزدناهم على ما ذُكر من النعيم فواكه ولومًا ما يستطاب ويُشتهى‪ ،‬ومن هذا النعيم أنم يتعا َطوْن ف‬
‫النة كأسًا من المر‪ ,‬يناول أحدهم صاحبه؛ ليتم بذلك سرورهم‪ ،‬وهذا الشراب مالف لمر الدنيا‪،‬‬
‫فل يزول به عقل صاحبه‪ ,‬ول يصل بسببه لغو‪ ،‬ول كلم فيه إث أو معصية‪.‬‬

‫ف عََلْيهِمْ غِلْمَانٌ َلهُمْ َكأَّنهُمْ ُلؤُْل ٌؤ مَ ْكنُونٌ (‪)24‬‬


‫َويَطُو ُ‬

‫ويطوف عليهم غلمان ُمعَدّون لدمتهم‪ ,‬كأنم ف الصفاء والبياض والتناسق لؤلؤ مصون ف أصدافه‪.‬‬

‫ش ِفقِيَ ( ‪َ )26‬فمَنّ اللّ ُه عََليْنَا‬


‫ضهُ ْم عَلَى َبعْ ضٍ يَتَ سَاءَلُونَ (‪ )25‬قَالُوا ِإنّ ا ُكنّ ا َقبْلُ فِي َأهْلِنَا مُ ْ‬
‫َوأَ ْقبَلَ َب ْع ُ‬
‫َووَقَانَا عَذَابَ السّمُومِ (‪ِ )27‬إنّا ُكنّا مِنْ َقبْ ُل نَ ْدعُوهُ ِإنّهُ ُه َو الْبَرّ الرّحِيمُ (‪)28‬‬

‫وأقبل أهل النة‪ ,‬يسأل بعضهم بعضًا عن عظيم ما هم فيه وسببه‪ ,‬قالوا‪ :‬إنا كنا قبل ف الدنيا‪ -‬ونن بي‬
‫أهلينا‪ -‬خائفي ربنا‪ ،‬مشفقي من عذابه وعقابه يوم القيامة‪ .‬فم ّن ال علينا بالداية والتوفيق‪ ،‬ووقانا‬
‫عذاب سوم جهنم‪ ,‬وهو نارها وحرارتا‪ .‬إنا كنا من قب ُل نضرع إليه وحده ل نشرك معه غيه أن يقينا‬
‫عذاب السّموم ويوصلنا إل النعيم‪ ،‬فاستجاب لنا وأعطانا سؤالنا‪ ,‬إنه هو البَرّ الرحيم‪ .‬فمن بِره ورحته‬
‫إيانا أنالنا رضاه والنة‪ ,‬ووقانا مِن سخطه والنار‪.‬‬

‫جنُونٍ (‪)29‬‬
‫فَذَكّرْ فَمَا َأْنتَ ِبِنعْ َمةِ َربّكَ بِكَاهِ ٍن وَل مَ ْ‬

‫فذكّر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬مَن أُرسلت إليهم بالقرآن‪ ،‬فما أنت بإنعام ال عليك بالنبوة ورجاحة العقل‬
‫بكاهن يب بالغيب دون علم‪ ،‬ول منون ل يعقل ما يقول كما يَدّعون‪.‬‬

‫َأمْ َيقُولُو َن شَاعِ ٌر َنتَ َرّبصُ بِهِ َرْيبَ الْ َمنُونِ (‪ُ )30‬ق ْل تَ َرّبصُوا فَِإنّي َم َعكُمْ مِ ْن الْ ُمتَ َربّصِيَ (‪)31‬‬

‫‪978‬‬
‫أم يقول الشركون لك ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬هو شاعر ننتظر به نزول الوت؟ قل لم‪ :‬انتظروا موت فإن‬
‫معكم من النتظرين بكم العذاب‪ ،‬وسترون لن تكون العاقبة‪.‬‬

‫َأمْ َت ْأمُ ُرهُمْ أَحْل ُمهُ ْم ِبهَذَا َأ ْم هُمْ َق ْومٌ طَاغُونَ (‪)32‬‬

‫بل أتأمر هؤلء الكذبي عقولم بذا القول التناقض (ذلك أن صفات الكهانة والشعر والنون ل يكن‬
‫اجتماعها ف آن واحد)‪ ،‬بل هم قوم متجاوزون الدّ ف الطغيان‪.‬‬

‫َأمْ َيقُولُو َن َت َقوّلَهُ بَل ل ُي ْؤ ِمنُونَ (‪)33‬‬

‫بل أيقول هؤلء الشركون‪ ,‬اختلق م مد القرآن من تلقاء نف سه؟ بل هم ل يؤمنون‪ ,‬فلو آمنوا ل يقولوا‬
‫ما قالوه‪.‬‬

‫فَ ْلَي ْأتُوا بِحَدِيثٍ ِمثْلِهِ ِإنْ كَانُوا صَادِِقيَ (‪)34‬‬

‫فليأتوا بكلم مثل القرآن‪ ،‬إن كانوا صادقي‪ -‬ف زعمهم‪ -‬أن ممدًا اختلقه‪.‬‬

‫َأمْ خُِلقُوا مِ ْن َغيْ ِر َشيْءٍ َأمْ هُ ْم الْخَاِلقُونَ (‪)35‬‬

‫أخُلِق هؤلء الشركون مهن غيه خالق لمه وموجهد‪ ,‬أم ههم الالقون لنفسههم؟ وكل المريهن باطهل‬
‫ومستحيل‪ .‬وبذا يتعيّن أن ال سبحانه هو الذي خلقهم‪ ،‬وهو وحده الذي ل تنبغي العبادة ول تصلح إل‬
‫له‪.‬‬

‫ض بَل ل يُوِقنُونَ (‪)36‬‬


‫ت وَالَ ْر َ‬
‫َأمْ خََلقُوا السّ َموَا ِ‬

‫أم خَلَقوا السموات والرض على هذا الصنع البديع؟ بل هم ل يوقنون بعذاب ال‪ ,‬فهم مشركون‪.‬‬

‫‪979‬‬
‫سيْطِرُونَ (‪)37‬‬
‫َأمْ ِعنْ َدهُمْ َخزَائِنُ َربّكَ َأ ْم هُ ْم الْمُ َ‬

‫أم عند هم خزائن ر بك يت صرفون في ها‪ ,‬أم هم البارون الت سلطون على خلق ال بالق هر والغل بة؟ ل يس‬
‫المر كذلك‪ ،‬بل هم العاجزون الضعفاء‪.‬‬

‫ستَ ِم ُعهُ ْم بِسُ ْلطَانٍ ُمبِيٍ (‪)38‬‬


‫ستَ ِمعُونَ فِيهِ فَ ْلَيأْتِ مُ ْ‬
‫َأمْ َلهُمْ سُلّ ٌم يَ ْ‬

‫أم لم مصعد إل السماء يستمعون فيه الوحي بأن الذي هم عليه حق؟ فليأت مَن يزعم أنه استمع ذلك‬
‫بجة بينة تصدّق دعواه‪.‬‬

‫َأمْ لَ ُه اْلَبنَاتُ وََلكُ ْم اْلبَنُونَ (‪)39‬‬

‫ألِل ِه سبحانه البنات ولكم البنون كما تزعمون افتراء وكذبًا؟‬

‫سأَُلهُمْ أَجْرا َف ُه ْم مِ ْن َمغْ َرمٍ مُْثقَلُونَ (‪)40‬‬


‫َأمْ تَ ْ‬

‫بل أت سأل ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬هؤلء الشركون أجرًا على تبل يغ الر سالة‪ ,‬ف هم ف ج هد ومش قة من التزام‬
‫غرامة تطلبها منهم؟‬

‫َأمْ ِعنْ َدهُ ْم اْلغَْيبُ َفهُ ْم َيكُْتبُونَ (‪)41‬‬

‫أم عند هم علم الغ يب ف هم يكتبو نه للناس وي بونم به؟ ل يس ال مر كذلك; فإ نه ل يعلم الغ يب ف‬
‫السموات والرض إل ال‪.‬‬

‫َأمْ ُيرِيدُونَ َكيْدا فَالّذِينَ َكفَرُوا هُ ْم الْ َمكِيدُونَ (‪)42‬‬

‫بل يريدون برسول ال وبالؤمني مكرًا‪ ،‬فالذين كفروا يرجع كيدهم ومكرهم على أنفسهم‪.‬‬

‫‪980‬‬
‫َأمْ َلهُمْ إِلَهٌ َغيْرُ اللّ ِه ُسبْحَانَ اللّ ِه عَمّا يُشْرِكُونَ (‪)43‬‬

‫أم لم معبود يستحق العبادة غي ال؟ تنّه وتعال عما يشركون‪ ،‬فليس له شريك ف اللك‪ ،‬ول شريك‬
‫ف الوحدانية والعبادة‪.‬‬

‫ب مَرْكُومٌ (‪)44‬‬
‫َوإِ ْن يَ َروْا كِسْفا مِنْ السّمَا ِء سَاقِطا يَقُولُوا سَحَا ٌ‬

‫وإن ير هؤلء الشركون قطعًا من السماء ساقطًا عليهم عذابًا لم ل ينتقلوا عما هم عليه من التكذيب‪,‬‬
‫ولقالوا‪ :‬هذا سحاب متراكم بعضه فوق بعض‪.‬‬

‫ص َعقُونَ (‪)45‬‬
‫فَذَ ْرهُمْ َحتّى يُلقُوا َي ْو َمهُمْ الّذِي فِي ِه ُي ْ‬

‫فدع ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء الشركي حت يلقوا يومهم الذي فيه ُيهْلكون‪ ،‬وهو يوم القيامة‪.‬‬

‫َي ْومَ ل ُي ْغنِي َعنْهُمْ َكيْ ُدهُ ْم َشيْئا وَل هُ ْم يُنصَرُونَ (‪)46‬‬

‫وف ذلك اليوم ل يَدْفع عنهم كيدهم من عذاب ال شيئًا‪ ،‬ول ينصرهم ناصر من عذاب ال‪.‬‬

‫ك وََلكِنّ أَكْثَ َرهُ ْم ل َيعَْلمُونَ (‪)47‬‬


‫َوإِنّ لِلّذِي َن ظَلَمُوا عَذَابا دُونَ ذَلِ َ‬

‫وإن لؤلء الظلمة عذابًا يلقونه ف الدنيا قبل عذاب يوم القيامة من القتل والسب وعذاب البزخ وغي‬
‫ذلك‪ ،‬ولكن أكثرهم ل يعلمون ذلك‪.‬‬

‫سبّحْ ُه َوإِ ْدبَا َر النّجُو مِ‬


‫ك ِبأَ ْعيُِننَا وَ َسبّحْ ِبحَمْدِ َربّ كَ حِيَ َتقُو مُ (‪َ )48‬ومِ نْ الّليْلِ فَ َ‬
‫حكْ مِ َربّ كَ فَِإنّ َ‬
‫وَا صْبِرْ لِ ُ‬
‫(‪)49‬‬

‫واصب ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لكم ربك وأمره فيما حَمّلك من الرسالة‪ ،‬وعلى ما يلحقك من أذى قومك‪،‬‬
‫فإنك برأى منا وحفظ واعتناء‪ ،‬وسبّح بمد ربك حي تقوم إل الصلة‪ ،‬وحي تقوم من نومك‪ ،‬ومن‬

‫‪981‬‬
‫الليل فسبّح بمد ربك وعظّمه‪ ,‬وصلّ له‪ ،‬وافعل ذلك عند صلة الصبح وقت إدبار النجوم‪ .‬وف هذه‬
‫الية إثبات لصفة العيني ل تعال با يليق به‪ ،‬دون تشبيه بلقه أو تكييف لذاته‪ ,‬سبحانه وبمده‪ ,‬كما‬
‫ثبت ذلك بالسنة‪ ,‬وأجع عليه سلف المة‪ ،‬واللفظ ورد هنا بصيغة المع للتعظيم‪.‬‬

‫‪ -53‬سورة النجم‬

‫ضلّ صَا ِحبُكُ ْم وَمَا غَوَى ( ‪ )2‬وَمَا يَنْطِ ُق عَ ْن اْل َهوَى ( ‪ )3‬إِ نْ ُهوَ إِلّ وَحْ يٌ‬
‫ج مِ إِذَا َهوَى (‪ )1‬مَا َ‬
‫وَالنّ ْ‬
‫يُوحَى (‪)4‬‬

‫أقسم ال تعال بالنجوم إذا غابت‪ ,‬ما حاد ممد صلى ال عليه وسلم عن طريق الداية والق‪ ,‬وما خرج‬
‫عن الرشاد‪ ,‬بل هو ف غاية الستقامة والعتدال والسداد‪ ,‬وليس نطقه صادرًا عن هوى نفسه‪ .‬ما القرآن‬
‫وما السنة إل وحي من ال إل نبيه ممد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫عَلّمَ ُه شَدِي ُد اْلقُوَى (‪ )5‬ذُو مِ ّرةٍ فَا ْسَتوَى ( ‪َ )6‬و ُهوَ بِالُفُ قِ ا َلعْلَى ( ‪ )7‬ثُمّ َدنَا َفتَدَلّى ( ‪َ )8‬فكَا نَ قَا بَ‬
‫ب اْل ُفؤَا ُد مَا َرأَى (‪)11‬‬‫َق ْوسَيْنِ َأوْ أَ ْدنَى (‪َ )9‬فَأوْحَى إِلَى عَبْ ِد ِه مَا َأوْحَى (‪ )10‬مَا كَذَ َ‬

‫علّم ممدًا صلى ال عليه وسلم مَلَك شديد القوة‪ ,‬ذو منظر حسن‪ ,‬وهو جبيل عليه السلم‪ ,‬الذي ظهر‬
‫واستوى على صورته القيقية للرسول صلى ال عليه وسلم ف الفق العلى‪ ,‬وهو أفق الشمس عند‬
‫مطلعها‪ ,‬ث دنا جبيل من الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فزاد ف القرب‪ ,‬فكان دنوّه مقدار قوسي أو‬
‫أقرب من ذلك‪ .‬فأوحى ال سبحانه وتعال إل عبده ممد صلى ال عليه وسلم ما أوحى بواسطة جبيل‬
‫عليه السلم‪ .‬ما كذب قلب ممد صلى ال عليه وسلم ما رآه بصره‪.‬‬

‫أََفتُمَارُونَ هُ عَلَى مَا يَرَى (‪ )12‬وََلقَدْ رَآ ُه نَزَْلةً أُ ْخرَى ( ‪ِ )13‬عنْدَ ِسدْ َرةِ الْ ُمْنتَهَى ( ‪ِ )14‬عنْدَهَا َجّن ُة‬
‫غ اْلبَصَ ُر َومَا َطغَى ( ‪َ )17‬لقَدْ َرأَى مِ ْن آيَاتِ َربّهِ‬
‫الْ َمأْوَى (‪ِ )15‬إ ْذ َيغْشَى السّدْ َرةَ مَا َيغْشَى ( ‪ )16‬مَا زَا َ‬
‫الْ ُكبْرَى (‪)18‬‬

‫‪982‬‬
‫أتُكذّبون ممدًا صلى ال عليه وسلم‪ ,‬فتجادلونه على ما يراه ويشاهده من آيات ربه؟ ولقد رأى ممد‬
‫صلى ال عليه وسلم جبيل على صورته القيقية مرة أخرى عند سدرة النتهى‪ -‬شجرة َنبْق‪ -‬وهي ف‬
‫السماء السابعة‪ ,‬ينتهي إليها ما ُيعْرَج به من الرض‪ ,‬وينتهي إليها ما ُي ْهبَط به من فوقها‪ ,‬عندها جنة‬
‫الأوى الت وُعِد با التقون‪ .‬إذ يغشى السدرة من أمر ال شيء عظيم‪ ,‬ل يعلم وصفه إل ال عز وجل‪.‬‬
‫وكان النب صلى ال عليه وسلم على صفة عظيمة من الثبات والطاعة‪ ,‬فما مال بصره يينًا ول شال ول‬
‫جاوز ما ُأمِر برؤيته‪ .‬لقد رأى ممد صلى ال عليه وسلم ليلة العراج من آيات ربه الكبى الدالة على‬
‫قدرة ال وعظمته من النة والنار وغي ذلك‪.‬‬

‫ت وَالْعُزّى (‪َ )19‬و َمنَا َة الثّاِلَث َة الُخْرَى (‪)20‬‬


‫أَفَ َرَأْيتُمْ اللّ َ‬

‫أفرأيتم‪ -‬أيها الشركون‪ -‬هذه اللة الت تعبدونا‪ :‬اللت والعزّى ومناة الثالثة الخرى‪ ,‬هل نفعت أو‬
‫ضرّت حت تكون شركاء ل؟‬

‫أََلكُ مْ الذّكَ ُر وَلَهُ الُنثَى (‪ )21‬تِلْكَ إِذا قِسْ َمةٌ ضِيزَى ( ‪ )22‬إِ ْن هِيَ إِلّ أَسْمَاءٌ سَ ّمْيتُمُوهَا َأْنتُ ْم وَآبَاؤُكُمْ‬
‫س وََلقَدْ جَا َءهُ ْم مِنْ َرّبهِ ْم الْهُدَى (‪)23‬‬ ‫مَا أَنزَلَ اللّ ُه ِبهَا مِ ْن سُلْطَانٍ إِ ْن َيّتبِعُونَ إِلّ الظّ ّن َومَا َت ْهوَى ا َلْنفُ ُ‬

‫أتعلون لكم الذّكر الذي ترضونه‪ ,‬وتعلون ل بزعمكم النثى الت ل ترضونا لنفسكم؟ تلك إذًا‬
‫قسمة جائرة‪ .‬ما هذه الوثان إل أساء ليس لا من أوصاف الكمال شيء‪ ,‬إنا هي أساء سيتموها أنتم‬
‫وآباؤكم بقتضى أهوائكم الباطلة‪ ,‬ما أنزل ال با مِن حجة تصدق دعواكم فيها‪ .‬ما يتبع هؤلء‬
‫الشركون إل الظن‪ ,‬وهوى أنفسهم النحرفة عن الفطرة السليمة‪ ,‬ولقد جاءهم من ربم على لسان النب‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ,‬ما فيه هدايتهم‪ ,‬فما انتفعوا به‪.‬‬

‫َأمْ ِللِنسَانِ مَا تَ َمنّى (‪ )24‬فَِللّهِ الخِ َر ُة وَالُولَى (‪)25‬‬

‫ليس للنسان ما تناه من شفاعة هذه العبودات أو غيها ما تواه نفسه‪ ,‬فلله أمر الدنيا والخرة‪.‬‬

‫وَكَ ْم مِ ْن مَلَكٍ فِي السّ َموَاتِ ل ُت ْغنِي َشفَاعَُتهُ ْم َشيْئا إِ ّل مِ ْن َبعْدِ أَ ْن َيأْ َذنَ اللّهُ ِلمَ ْن يَشَا ُء َويَرْضَى (‪)26‬‬

‫‪983‬‬
‫وكثي من اللئكة ف السموات مع علوّ منلتهم‪ ,‬ل تنفع شفاعتهم شيئًا إل من بعد أن يأذن ال لم‬
‫بالشفاعة‪ ,‬ويرضى عن الشفوع له‪.‬‬

‫ِإنّ الّذِي َن ل ُي ْؤمِنُو َن بِالخِ َرةِ َليُ سَمّو َن الْمَلِئ َكةَ تَ سْ ِمَي َة الُْنثَى (‪َ )27‬ومَا َلهُ ْم بِ ِه مِ نْ عِلْ مٍ إِ نْ َيّتِبعُو نَ إِلّ‬
‫الظّ ّن َوإِنّ الظّ ّن ل ُي ْغنِي مِ ْن الْحَ ّق َشيْئا (‪)28‬‬

‫إن الذين ل يصدّقون بالياة الخرة من كفار العرب ول يعملون لا ليسمّون اللئكة تسمية الناث؛‬
‫لعتقادهم جهل أن اللئكة إناث‪ ,‬وأنم بنات ال‪ .‬وما لم بذلك من علم صحيح يصدّق ما قالوه‪ ,‬ما‬
‫يتبعون إل الظن الذي ل يدي شيئًا‪ ,‬ول يقوم أبدًا مقام الق‪.‬‬

‫ك ُهوَ‬
‫ك َمبَْل ُغهُ ْم مِ ْن الْعِ ْل مِ ِإنّ َربّ َ‬
‫حيَاةَ ال ّدْنيَا (‪ )29‬ذَلِ َ‬
‫ض عَ ْن مَ ْن َتوَلّى عَ نْ ذِكْ ِرنَا وَلَ ْم يُ ِردْ إِ ّل الْ َ‬
‫َفأَعْرِ ْ‬
‫ض ّل عَنْ سَبِيلِ ِه َو ُهوَ َأعَْل ُم بِمَ ْن اهْتَدَى (‪)30‬‬ ‫َأعْلَ ُم بِمَنْ َ‬

‫فأعْ ِرضْ عمّن تول عن ذكرنا‪ ,‬وهو القرآن‪ ,‬ول يُ ِردْ إل الياة الدنيا‪ .‬ذلك الذي هم عليه هو منتهى‬
‫علمهم وغايتهم‪ .‬إن ربك هو أعلم بن حادَ عن طريق الدى‪ ,‬وهو أعلم بن اهتدى وسلك طريق‬
‫السلم‪ .‬وف هذا إنذار شديد للعصاة العرضي عن العمل بكتاب ال‪ ,‬وسنة رسوله صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬الؤثرين لوى النفس وحظوظ الدنيا على الخرة‪.‬‬

‫سنَى (‬ ‫سنُوا بِالْحُ ْ‬‫ي الّذِينَ أَحْ َ‬ ‫جزِ َ‬ ‫ي الّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَ ِملُوا َويَ ْ‬ ‫جزِ َ‬
‫ت َومَا فِي الَ ْرضِ ِليَ ْ‬ ‫وَلِلّهِ مَا فِي السّ َموَا ِ‬
‫جَتِنبُو نَ َكبَائِ َر ا ِلثْ ِم وَاْلفَوَاحِ شَ إِلّ اللّ َم مَ ِإنّ َربّ كَ وَا سِ ُع الْ َمغْفِ َر ِة ُهوَ أَعَْل ُم ِبكُ مْ ِإذْ أَنشَأَكُ مْ‬
‫‪ )31‬الّذِي َن يَ ْ‬
‫مِ ْن الَ ْرضِ َوإِذْ َأْنتُمْ أَ ِجّنةٌ فِي بُطُونِ ُأ ّمهَاِتكُمْ فَل تُزَكّوا أَنفُسَكُ ْم ُهوَ َأعْلَ ُم بِمَ ْن اّتقَى (‪)32‬‬

‫وال سبحانه وتعال ملك ما ف السموات وما ف الرض؛ ليجزي الذين أساؤوا بعقابم على ما عملوا‬
‫من السوء‪ ,‬ويزي الذي أحسنوا بالنة‪ ,‬وهم الذين يبتعدون عن كبائر الذنوب والفواحش إل اللمم‪,‬‬
‫وهي الذنوب الصغار الت ل يُصِرّ صاحبها عليها‪ ,‬أو يل ّم با العبد على وجه الندرة‪ ,‬فإن هذه مع التيان‬
‫بالواجبات وترك الحرمات‪ ,‬يغفرها ال لم ويسترها عليهم‪ ,‬إن ربك واسع الغفرة‪ ,‬هو أعلم بأحوالكم‬

‫‪984‬‬
‫حي خلق أباكم آدم من تراب‪ ,‬وحي أنتم أجنّة ف بطون أمهاتكم‪ ,‬فل تزكّوا أنفسكم فتمدحوها‬
‫صفُوها بالتقوى‪ ,‬هو أعلم بن اتقى عقابه فاجتنب معاصيه من عباده‪.‬‬
‫وتَ ِ‬

‫أَفَ َرَأْيتَ الّذِي َتوَلّى (‪َ )33‬وَأعْطَى َقلِيلً َوأَكْدَى (‪)34‬‬

‫أفرأيت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬الذي أعرض عن طاعة ال وأعطى قليل مِن ماله‪ ,‬ث توقف عن العطاء وقطع‬
‫معروفه؟‬

‫َأعِنْ َد ُه عِلْ ُم اْل َغيْبِ َف ُهوَ يَرَى (‪)35‬‬

‫أعند هذا الذي قطع عطاءه علم الغيب أنه سينفَد ما ف يده حت أمسك معروفه‪ ,‬فهو يرى ذلك عِيانًا؟‬
‫ليس المر كذلك‪ ,‬وإنا أمسك عن الصدقة والعروف والب والصلة; بل وشُحّا‪.‬‬

‫ف مُوسَى (‪َ )36‬وِإبْرَاهِي َم الّذِي وَفّى (‪)37‬‬


‫صحُ ِ‬
‫َأمْ َل ْم ُينَّبأْ بِمَا فِي ُ‬

‫خبّر با جاء ف أسفار التوراة وصحف إبراهيم الذي وفّى ما أُمر به وبلّغه؟‬
‫أم ل يُ َ‬

‫أَلّ َتزِ ُر وَازِ َرةٌ وِزْرَ أُ ْخرَى (‪َ )38‬وأَنْ َلْيسَ ِللِنسَانِ إِلّ مَا َسعَى (‪)39‬‬

‫أنه ل تؤخذ نفس بأث غيها‪ ،‬ووزرها ل يمله عنها أحد‪ ,‬وأنه ل يصل للنسان من الجر إل ما‬
‫كسب هو لنفسه بسعيه‪.‬‬

‫ف يُرَى (‪)40‬‬
‫َوأَ ّن َس ْعيَهُ َسوْ َ‬

‫وأن سعيه سوف يُرى ف الخرة‪ ,‬فيميّز حَسَنه من سيئه؛ تشريفًا للمحسن وتوبيخًا للمسيء‪.‬‬

‫جزَا ُه الْجَزَا َء ا َلوْفَى (‪َ )41‬وأَنّ إِلَى َربّكَ الْ ُمْنَتهَى (‪)42‬‬
‫ثُ ّم يُ ْ‬

‫‪985‬‬
‫ث يُجزى النسان على سعيه الزاء الستكمل لميع عمله‪ ,‬وأنّ إل ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬انتهاء جيع‬
‫خلقه يوم القيامة‪.‬‬

‫ك َوَأبْكَى (‪)43‬‬
‫َوَأنّهُ ُهوَ أَضْحَ َ‬

‫وأنه سبحانه وتعال أضحك مَن شاء ف الدنيا بأن سرّه‪ ,‬وأبكى من شاء بأن غَمّه‪.‬‬

‫َوَأنّهُ ُهوَ َأمَاتَ َوأَ ْحيَا (‪)44‬‬

‫وأنه سبحانه أمات مَن أراد موته مِن خلقه‪ ,‬وأحيا مَن أراد حياته منهم‪ ,‬فهو التفرّد سبحانه بالحياء‬
‫والماتة‪.‬‬

‫َوَأنّهُ َخلَقَ ال ّزوْ َجيْنِ الذّ َك َر وَا ُلْنثَى (‪ )45‬مِ ْن نُ ْط َفةٍ إِذَا تُ ْمنَى (‪)46‬‬

‫وأنه خلق الزوجي‪ :‬الذكر والنثى من النسان واليوان‪ ,‬من نطفة ُتصَبّ ف الرحم‪.‬‬

‫شَأةَ الُخْرَى (‪)47‬‬


‫َوأَ ّن عََليْ ِه النّ ْ‬

‫وأن على ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إعادة خلقهم بعد ماتم‪ ,‬وهي النشأة الخرى يوم القيامة‪.‬‬

‫َوَأنّهُ ُهوَ أَ ْغنَى َوأَ ْقنَى (‪)48‬‬

‫وأنه هو أغن مَن شاء مِن خلقه بالال‪ ,‬وملّكه لم وأرضاهم به‪.‬‬

‫شعْرَى (‪)49‬‬
‫َوَأنّهُ ُهوَ رَبّ ال ّ‬

‫وأنه سبحانه وتعال هو رب الشّعْرى‪ ,‬وهو نم مضيء‪ ,‬كان بعض أهل الاهلية يعبدونه من دون ال‪.‬‬

‫‪986‬‬
‫ح مِنْ َقبْلُ ِإّنهُمْ كَانُوا هُمْ أَظَْل َم َوأَ ْطغَى (‬
‫ك عَادا الُولَى (‪َ )50‬وثَمُودَ فَمَا أَْبقَى (‪ )51‬وََقوْ َم نُو ٍ‬ ‫َوَأنّهُ َأهْلَ َ‬
‫‪ )52‬وَالْ ُمؤَْت ِف َكةَ َأ ْهوَى (‪َ )53‬فغَشّاهَا مَا غَشّى (‪)54‬‬

‫وأنهه سهبحانه وتعال أهلك عادًا الول‪ ,‬وههم قوم هود‪ ,‬وأهلك ثود‪ ,‬وههم قوم صهال‪ ,‬فلم يُبْقِه منههم‬
‫أحدًا‪ ,‬وأهلك قوم نوح قبلُ‪ .‬هؤلء كانوا أشد تردًا وأع ظم كفرًا من الذ ين جاؤوا من بعد هم‪ .‬ومدائن‬
‫قوم لوط قلبها ال عليهم‪ ,‬وجعل عاليها سافلها‪ ,‬فألبسها ما ألبسها من الجارة‪.‬‬

‫ك َتتَمَارَى (‪)55‬‬
‫َفِبأَيّ آلءِ َربّ َ‬

‫ي نعم ربك عليك‪ -‬أيها النسان الكذب‪ -‬تَشُك؟‬


‫فبأ ّ‬

‫هَذَا نَذِي ٌر مِ ْن النّذُرِ الُولَى (‪)56‬‬

‫هذا ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬نذير بالق الذي أنذر به النبياء قبله‪ ,‬فليس ببدع من الرسل‪.‬‬

‫أَزَِفتْ الزَِفةُ (‪َ )57‬لْيسَ َلهَا مِنْ دُونِ اللّهِ كَا ِش َفةٌ (‪)58‬‬

‫قربت القيامة ودنا وقتها‪ ,‬ل يدفعها إذًا من دون ال أحد‪ ,‬ول يَطّلِع على وقت وقوعها إل ال‪.‬‬

‫حكُو َن وَل َتبْكُو نَ ( ‪َ )60‬وَأنْتُ مْ سَامِدُونَ ( ‪ )61‬فَا ْسجُدُوا ِللّ هِ‬


‫جبُو نَ (‪َ )59‬وتَضْ َ‬
‫حدِي ثِ َتعْ َ‬
‫أَفَمِ ْن هَذَا الْ َ‬
‫وَا ْعبُدُوا (‪)62‬‬

‫أفمِن هذا القرآن تعجبون ‪-‬أيها الشركون‪ -‬من أن يكون صحيحًا‪ ,‬وتضحكون منه سخرية واستهزاءً‪,‬‬
‫ول تبكون خوف ًا مهن وعيده‪ ,‬وأنتهم لهون معرضون عنهه؟ فاسهجدوا ل وأخلصهوا العبادة له وحده‪,‬‬
‫وسلّموا له أموركم‪.‬‬

‫‪987‬‬
‫‪ -54‬سورة القمر‬

‫اقْتَ َرَبتْ السّا َع ُة وَانْشَقّ اْلقَمَرُ (‪)1‬‬

‫دنت القيامة‪ ,‬وانفلق القمر فلقتي‪ ,‬حي سأل كفار "مكة" النب صلى ال عليه وسلم أن يريهم آية‪ ,‬فدعا‬
‫ال‪ ,‬فأراهم تلك الية‪.‬‬

‫ستَمِرّ (‪)2‬‬
‫ح ٌر مُ ْ‬
‫َوإِ ْن يَ َروْا آَيةً ُيعْرِضُوا َويَقُولُوا سِ ْ‬

‫وإن ير الشركون دليل وبرهانًا على صدق الرسول ممد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬يُعرضوا عن اليان به‬
‫وتصديقه مكذبي منكرين‪ ,‬ويقولوا بعد ظهور الدليل‪ :‬هذا سحر باطل ذاهب مضمحل ل دوام له‪.‬‬

‫ستَقِرّ (‪)3‬‬
‫وَكَ ّذبُوا وَاتَّبعُوا َأ ْهوَا َءهُ ْم وَكُلّ َأمْ ٍر مُ ْ‬

‫وكذّبوا النب صلى ال عليه وسلم‪ ،‬واتبعوا ضللتهم وما دعتهم إليه أهواؤهم من التكذيب‪ ,‬وكلّ أمر‬
‫من خي أو شر واقع بأهله يوم القيامة عند ظهور الثواب والعقاب‪.‬‬

‫وََلقَدْ جَا َءهُ ْم مِ ْن ا َلنْبَا ِء مَا فِي ِه مُ ْزدَجَرٌ (‪)4‬‬

‫ولقد جاء كفار قريش من أنباء المم الكذبة برسلها‪ ,‬وما ح ّل با من العذاب‪ ,‬ما فيه كفاية لردعهم عن‬
‫كفرهم وضللم‪.‬‬

‫ِحكْ َم ٌة بَاِل َغةٌ َفمَا ُتغْ ِن النّذُرُ (‪)5‬‬

‫هذا القرآن الذي جاءهم حكمة عظيمة بالغة غايتها‪ ,‬فأي شيء تغن النذر عن قوم أعرضوا وكذّبوا با؟‬

‫َفَتوَ ّل عَْنهُ ْم َي ْومَ يَ ْدعُ الدّاعِي إِلَى َشيْ ٍء نُكُرٍ (‪)6‬‬

‫‪988‬‬
‫فأعرض ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عنهم‪ ,‬وانتظر بم يومًا عظيمًا‪ .‬يوم يدعو اللك بنفخه ف "القرن" إل أمر فظيع‬
‫منكر‪ ,‬وهو موقف الساب‪.‬‬

‫خرُجُو َن مِ ْن الَجْدَا ثِ َكأَّنهُ مْ جَرَا ٌد مُنتَشِرٌ (‪ُ )7‬مهْ ِطعِيَ إِلَى الدّاعِي َيقُولُ اْلكَافِرُو نَ‬
‫خُشّعا َأبْ صَا ُرهُ ْم يَ ْ‬
‫هَذَا َي ْو ٌم عَسِرٌ (‪)8‬‬

‫ذليلة أبصارهم يرجون من القبور كأنم ف انتشارهم وسرعة سيهم للحساب جرا ٌد منتشر ف الفاق‪,‬‬
‫مسرعي إل ما ُدعُوا إليه‪ ,‬يقول الكافرون‪ :‬هذا يوم عسر شديد الول‪.‬‬

‫جنُونٌ وَا ْزدُ ِجرَ (‪)9‬‬


‫كَ ّذَبتْ َقبَْل ُهمْ َق ْومُ نُوحٍ َفكَ ّذبُوا َعبْ َدنَا وَقَالُوا مَ ْ‬

‫كذّبت قبل قومك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬قوم نوح فكذّبوا عبدنا نوحًا‪ ,‬وقالوا‪ :‬هو منون‪ ,‬وانتهروه متوعدين‬
‫إياه بأنواع الذى‪ ,‬إن ل ينته عن دعوته‪.‬‬

‫فَ َدعَا َربّهُ َأنّي َمغْلُوبٌ فَاْنتَصِرْ (‪)10‬‬

‫فدعا نوح ربه أنّي ضعيف عن مقاومة هؤلء‪ ,‬فانتصر ل بعقاب من عندك على كفرهم بك‪.‬‬

‫حنَا أَْبوَابَ السّمَا ِء بِمَا ٍء ُمنْهَ ِمرٍ (‪ )11‬وََفجّ ْرنَا الَ ْرضَ ُعيُونا فَاْلَتقَى الْمَا ُء عَلَى َأمْرٍ قَدْ قُدِرَ (‪)12‬‬
‫َف َفتَ ْ‬

‫فأجب نا دعاءه‪ ,‬ففتح نا أبواب ال سماء باء كث ي متد فق‪ ,‬وشقق نا الرض عيونًا متفجرة بالاء‪ ,‬فالت قى ماء‬
‫السماء وماء الرض على إهلكهم الذي قدّره ال لم؛ جزاء شركهم‪.‬‬

‫جرِي ِبأَ ْعُينِنَا َجزَاءً لِمَنْ كَانَ ُكفِرَ (‪)14‬‬


‫ح وَ ُدسُرٍ (‪ )13‬تَ ْ‬
‫وَحَ َم ْلنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَْلوَا ٍ‬

‫وحل نا نوحًا ومَن م عه على سفينة ذات ألواح وم سامي شُدّت ب ا‪ ,‬تري برأى م نا وح فظ‪ ,‬وأغرق نا‬
‫الكذبي؛ جزاء لم على كفرهم وانتصارًا لنوح عليه السلم‪ .‬وف هذا دليل على إثبات صفة العيني ل‬
‫سبحانه وتعال‪ ,‬كما يليق به‪.‬‬
‫‪989‬‬
‫وََلقَ ْد تَرَ ْكنَاهَا آَيةً َفهَ ْل مِ ْن مُدّكِرٍ (‪َ )15‬ف َكيْفَ كَا َن عَذَابِي َونُذُرِ (‪)16‬‬

‫ولقد أبقينا قصة نوح مع قومه عبة ودليل على قدرتنا لن بعد نوح ؛ ليعتبوا ويتعظوا با ح ّل بذه المة‬
‫الت كفرت بربا‪ ,‬فهل من متعظ يتعظ؟ فكيف كان عذاب ونذري لن كفر ب وكذب رسلي‪ ,‬ول يتعظ‬
‫با جاءت به؟ إنه كان عظيمًا مؤلًا‪.‬‬

‫وََلقَ ْد يَسّ ْرنَا الْقُرْآنَ لِلذّكْرِ َفهَ ْل مِ ْن مُدّ ِكرٍ (‪)17‬‬

‫ول قد َسهّلْنا ل فظ القرآن للتلوة وال فظ‪ ,‬ومعان يه للف هم والتدبر‪ ,‬ل ن أراد أن يتذ كر ويع تب‪ ,‬ف هل من‬
‫متعظ به؟‬

‫كَ ّذَبتْ عَادٌ َفكَيْفَ كَانَ عَذَابِي َونُذُرِ (‪)18‬‬

‫كذبت عاد هودًا فعاقبناهم‪ ,‬فكيف كان عذاب لم على كفرهم‪ ,‬ونذري على تكذيب رسولم‪ ,‬وعدم‬
‫اليان به؟ إنه كان عظيمًا مؤلًا‪.‬‬

‫ستَمِرّ (‪ )19‬تَنِ عُ النّا سَ َكَأنّهُ مْ َأعْجَا ُز نَخْلٍ مُْن َقعِرٍ (‬


‫س مُ ْ‬
‫ِإنّا أَرْ َس ْلنَا عََلْيهِ مْ رِيا صَرْصَرا فِي َيوْ ِم نَحْ ٍ‬
‫‪)20‬‬

‫إنّاه أرسهلنا عليههم ريًا شديدة البد‪ ,‬فه يوم شؤم مسهتمر عليههم بالعذاب واللك‪ ,‬تقتلع الناس مهن‬
‫مواضع هم على الرض فتر مي ب م على رؤو سهم‪ ,‬فتدق أعناق هم‪ ,‬ويف صل رؤو سهم عن أج سادهم‪,‬‬
‫فتتركهم كالنخل النقلع من أصله‪.‬‬

‫َف َكيْفَ كَا َن عَذَابِي َونُذُرِ (‪)21‬‬

‫فكيف كان عذاب ونذري لن كفر ب‪ ,‬وكذّب رسلي ول يؤمن بم؟ إنه كان عظيمًا مؤلًا‪.‬‬

‫‪990‬‬
‫وََلقَ ْد يَسّ ْرنَا الْقُرْآنَ لِلذّكْرِ َفهَ ْل مِ ْن مُدّ ِكرٍ (‪)22‬‬

‫ول قد َسهّلنا ل فظ القرآن للتلوة وال فظ‪ ,‬ومعان يه للف هم وللتدبر‪ ,‬ل ن أراد أن يتذ كر ويع تب‪ ,‬ف هل من‬
‫ث على الستكثار من تلوة القرآن وتعلمه وتعليمه‪.‬‬ ‫متعظ به؟ وف هذا ح ّ‬

‫كَ ّذَبتْ ثَمُو ُد بِالنّذُرِ (‪َ )23‬فقَالُوا َأبَشَرا ِمنّا وَاحِدا نَّتِبعُهُ ِإنّا إِذا َلفِي ضَل ٍل َو ُسعُرٍ (‪)24‬‬

‫كذ بت ثود ‪-‬و هم قوم صال‪ -‬باليات ال ت أُنذرِوا ب ا‪ ,‬فقالوا‪ :‬أبشرًا م نا واحدًا نتب عه ن ن الما عة‬
‫الكثية وهو واحد؟ إنا إذا لفي ُبعْ ٍد عن الصواب وجنون‪.‬‬

‫ب الَشِرُ (‪)26‬‬
‫َأؤُْلقِيَ الذّكْ ُر عََليْ ِه مِ ْن َبيِْننَا بَ ْل ُهوَ كَذّابٌ َأشِرٌ (‪َ )25‬سَيعْلَمُو َن غَدا مَ ْن الْكَذّا ُ‬

‫ص بالنبوة مِن بيننا‪ ,‬وهو واحد منا؟ بل هو كثي الكذب والتجب‪َ .‬سيَرون عند‬
‫أأُنزل عليه الوحي وخُ ّ‬
‫نزول العذاب بم ف الدنيا ويوم القيامة مَ ِن الكذاب التجب؟‬

‫ِإنّا ُم ْرسِلُو النّاَقةِ ِفْتَنةً َلهُمْ فَا ْرَتقِْبهُ ْم وَاصْ َطبِرْ (‪)27‬‬

‫إ نا مر جو النا قة ال ت سألوها من ال صخرة؛ اختبارًا ل م‪ ,‬فانت ظر‪ -‬يا صال‪ -‬ما ي ّل ب م من العذاب‪,‬‬
‫واصطب على دعوتك إياهم وأذاهم لك‪.‬‬

‫حتَضَرٌ (‪)28‬‬
‫ب ُم ْ‬
‫س َمةٌ بَْيَنهُمْ كُ ّل شِرْ ٍ‬
‫َونَّبْئهُمْ َأنّ الْمَاءَ قِ ْ‬

‫وأخبهم أن الاء مقسوم بي قومك والناقة‪ :‬للناقة يوم‪ ,‬ولم يوم‪ ,‬كل شِرْب يضره مَن كانت قسمته‪,‬‬
‫ويُحظر على من ليس بقسمة له‪.‬‬

‫َفنَا َدوْا صَا ِحَبهُمْ َفَتعَاطَى َف َعقَرَ (‪َ )29‬ف َكيْفَ كَا َن عَذَابِي َونُذُرِ (‪)30‬‬

‫فنادوا صاحبهم بال ض على عقر ها‪ ,‬فتناول النا قة بيده‪ ,‬فنحرها فعاَقْبتُ هم‪ ,‬فكيف كان عقا ب ل م على‬

‫‪991‬‬
‫كفرهم‪ ,‬وإنذاري لن عصى رسلي؟‬

‫حتَ ِظرِ (‪)31‬‬


‫حةً وَا ِح َدةً َفكَانُوا َكهَشِي ِم الْمُ ْ‬
‫صْي َ‬
‫ِإنّا أَ ْر َس ْلنَا عََلْيهِمْ َ‬

‫إ نا أر سلنا علي هم جب يل‪ ,‬ف صاح ب م صيحة واحدة‪ ,‬فبادوا عن آخر هم‪ ,‬فكانوا كالزرع اليا بس الذي‬
‫يُجْعل حِظارًا على البل والواشي‪.‬‬

‫وََلقَ ْد يَسّ ْرنَا الْقُرْآنَ لِلذّكْرِ َفهَ ْل مِ ْن مُدّ ِكرٍ (‪)32‬‬

‫ولقد َسهّلْنا لفظ القرآن للتلوة والفظ‪ ,‬ومعانيه للفهم والتدبر لن أراد أن يتذكر ويعتب‪ ,‬فهل مِن متعظ‬
‫به؟‬

‫ط بِالنّذُرِ (‪)33‬‬
‫كَ ّذَبتْ َق ْومُ لُو ٍ‬

‫كذّبت قوم لوط بآيات ال الت أنذِروا با‪.‬‬

‫ك نَجْزِي مَ ْن شَكَرَ (‬
‫حرٍ (‪ِ )34‬نعْ َم ًة مِ ْن ِعنْ ِدنَا كَذَلِ َ‬
‫جْينَاهُ ْم بِ سَ َ‬
‫ِإنّا أَرْ َس ْلنَا عََلْيهِ مْ حَا صِبا إِلّ آلَ لُو طٍ نَ ّ‬
‫‪)35‬‬

‫إنا أرسلنا عليهم حجارةً إل آل لوط‪ ,‬نّيناهم من العذاب ف آخر الليل‪ ,‬نعمة من عندنا عليهم‪ ,‬كما‬
‫أثبنا لوطًا وآله وأنعمنا عليهم‪ ,‬فأنيناهم مِن عذابنا‪ ,‬نُثيب مَن آمن بنا وشكرنا‪.‬‬

‫شتَنَا َفتَمَا َروْا بِالنّذُرِ (‪)36‬‬


‫وََلقَدْ أَنذَ َرهُ ْم بَطْ َ‬

‫ولقد خوّف لوط قومه بأس ال وعذابه‪ ,‬فلم يسمعوا له‪ ,‬بل شكّوا ف ذلك‪ ,‬وكذّبوه‪.‬‬

‫سنَا َأ ْعيَُنهُمْ َفذُوقُوا عَذَابِي َونُذُرِ (‪)37‬‬


‫ضْيفِهِ فَطَمَ ْ‬
‫وََلقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ َ‬

‫‪992‬‬
‫ول قد طلبوا م نه أن يفعلوا الفاح شة بضيو فه من اللئ كة‪ ,‬فطم سنا أعين هم فلم يُب صروا شيئًا‪ ,‬فق يل ل م‪:‬‬
‫ذوقوا عذاب وإنذاري الذي أنذركم به لوط عليه السلم‪.‬‬

‫سَتقِرّ (‪ )38‬فَذُوقُوا عَذَابِي َونُذُرِ (‪)39‬‬


‫حهُ ْم ُبكْ َر ًة عَذَابٌ مُ ْ‬
‫صبّ َ‬
‫وََلقَدْ َ‬

‫ول قد جاء هم و قت ال صباح عذاب دائم ا ستقر في هم ح ت يُف ضي ب م إل عذاب الخرة‪ ,‬وذلك العذاب‬
‫هو رج هم بالجارة وقلب قُرا هم وج عل أعل ها أ سفلها‪ ,‬فق يل ل م‪ :‬ذوقوا عذا ب الذي أنزل ته ب كم ؛‬
‫لكفركم وتكذيبكم‪ ,‬وإنذاري الذي أنذركم به لوط عليه السلم‪.‬‬

‫وََلقَ ْد يَسّ ْرنَا الْقُرْآنَ لِلذّكْرِ َفهَ ْل مِ ْن مُدّ ِكرٍ (‪)40‬‬

‫ولقد َسهّلْنا لفظ القرآن للتلوة والفظ‪ ,‬ومعانيه للفهم والتدبر لن أراد أن يتذكر‪ ,‬فهل مِن متعظ به؟‬

‫وََلقَدْ جَاءَ آلَ ِف ْر َعوْ َن النّذُرُ (‪)41‬‬

‫ولقد جاء أتباعَ فرعون وقومَه إنذارُنا بالعقوبة لم على كفرهم‪.‬‬

‫كَ ّذبُوا بِآيَاتِنَا كُّلهَا َفأَ َخ ْذنَاهُمْ أَ ْخ َذ عَزِي ٍز ُم ْقتَدِرٍ (‪)42‬‬

‫كذّبوا بأدلتنا كلها الدالة على وحدانيتنا ونبوة أنبيائنا‪ ,‬فعاقبناهم بالعذاب عقوبة عزيز ل يغالَب‪ ,‬مقتدر‬
‫على ما يشاء‪.‬‬

‫أَ ُكفّارُكُمْ َخيْ ٌر مِنْ ُأوَْلِئكُمْ َأمْ َلكُ ْم بَرَا َءةٌ فِي ال ّزبُرِ (‪)43‬‬

‫أكفاركم‪ -‬يا معشر قريش‪ -‬خي مِ نَ الذين تقدّم ذكرهم من هلكوا بسبب تكذيبهم‪ ,‬أم لكم براءة مِن‬
‫عقاب ال ف الكتب النلة على النبياء بالسلمة من العقوبة؟‬

‫‪993‬‬
‫َأمْ َيقُولُو َن نَحْنُ جَمِي ٌع ُمْنتَصِرٌ (‪)44‬‬

‫بل أيقول كفار "م كة"‪ :‬ن ن أولو حزم ورأي وأمر نا مت مع‪ ,‬فن حن جا عة منت صرة ل يغلب نا من أراد نا‬
‫بسوء؟‬

‫جمْ ُع َوُيوَلّونَ ال ّدبُرَ (‪)45‬‬


‫َسُيهْ َزمُ الْ َ‬

‫سيهزم جع كفار "مكة" أمام الؤمني‪ ,‬ويولّون الدبار‪ ,‬وقد حدث هذا يوم "بدر"‪.‬‬

‫بَلْ السّا َع ُة َم ْوعِ ُدهُمْ وَالسّا َعةُ َأ ْدهَى َوَأمَرّ (‪)46‬‬

‫وال ساعة موعد هم الذي يُجازون ف يه ب ا ي ستحقون‪ ,‬وال ساعة أع ظم وأق سى م ا لق هم من العذاب يوم‬
‫"بدر"‪.‬‬

‫س َسقَرَ (‪)48‬‬
‫حبُونَ فِي النّا ِر عَلَى وُجُو ِههِمْ ذُوقُوا َم ّ‬
‫ج ِرمِيَ فِي ضَل ٍل َو ُسعُرٍ (‪َ )47‬ي ْومَ يُسْ َ‬
‫ِإنّ الْمُ ْ‬

‫إن الجرمي ف تيه عن الق وعناء وعذاب‪ .‬يوم يُجرّون ف النار على وجوههم‪ ,‬ويقال لم‪ :‬ذوقوا شدة‬
‫عذاب جهنم‪.‬‬

‫ِإنّا كُلّ شَيْءٍ َخَل ْقنَا ُه ِبقَدَرٍ (‪)49‬‬

‫إنّا كل شيء خلقناه بقدار قدرناه وقضيناه‪ ,‬وسبق علمنا به‪ ،‬وكتابتنا له ف اللوح الحفوظ‪.‬‬

‫َومَا َأمْ ُرنَا إِ ّل وَاحِ َدةٌ كَلَ ْم ٍح بِاْلبَصَرِ (‪)50‬‬

‫وما أمرنا للشيء إذا أردناه إل أن نقول قولة واحدة وهي "كن"‪ ,‬فيكون كلمح البصر‪ ,‬ل يتأخر طرفة‬
‫عي‪.‬‬

‫‪994‬‬
‫وََلقَدْ َأهَْلكْنَا َأ ْشيَا َعكُمْ َفهَ ْل مِ ْن مُدّكِرٍ (‪)51‬‬

‫ولقد أهلكنا أشباهكم ف الكفر من المم الالية‪ ,‬فهل من متعظ با حلّ بم من النّكال والعذاب؟‬

‫وَكُ ّل َشيْءٍ َفعَلُوهُ فِي ال ّزبُرِ (‪)52‬‬

‫وكل شيء فعله أشباهكم الاضون من خي أو ش ّر مكتوب ف الكتب الت كتبتها الفظة‪.‬‬

‫ستَطَرٌ (‪)53‬‬
‫صغِيٍ وَكَبِ ٍي مُ ْ‬
‫وَكُلّ َ‬

‫وكل صغي وكبي من أعمالم مُسَطّر ف صحائفهم‪ ,‬وسيجازون به‪.‬‬

‫ت َوَنهَرٍ (‪)54‬‬
‫ِإنّ الْ ُمّتقِيَ فِي َجنّا ٍ‬

‫إن التقي ف بساتي عظيمة‪ ,‬وأنار واسعة يوم القيامة‪.‬‬

‫ك ُم ْقتَدِرٍ (‪)55‬‬
‫ص ْدقٍ ِعنْ َد مَلِي ٍ‬
‫فِي َم ْقعَدِ ِ‬

‫ف ملس حق‪ ,‬ل لغو فيه ول تأثيم عند ال الَلِك العظيم‪ ,‬الالق للشياء كلها‪ ,‬القتدر على كل شيء‬
‫تبارك وتعال‪.‬‬

‫‪ -55‬سورة الرحن‬

‫الرّحْ َمنُ (‪ )1‬عَلّ َم اْلقُرْآنَ (‪)2‬‬

‫الرحن علّم النسان القرآن؛ بتيسي تلوته وحفظه وفهم معانيه‪.‬‬

‫‪995‬‬
‫َخلَ َق الِنسَانَ (‪ )3‬عَلّمَ ُه اْلَبيَانَ (‪)4‬‬

‫خلق النسان‪ ,‬علّمه البيان عمّا ف نفسه تييزًا له عن غيه‪.‬‬

‫سبَانٍ (‪)5‬‬
‫س وَاْلقَ َم ُر بِحُ ْ‬
‫الشّ ْم ُ‬

‫الشمس والقمر يريان متعاقبَي بساب متقن‪ ,‬ل يتلف ول يضطرب‪.‬‬

‫جدَانِ (‪)6‬‬
‫ج ُم وَالشّجَ ُر يَسْ ُ‬
‫وَالنّ ْ‬

‫والنجم الذي ف السماء وأشجار الرض‪ ,‬تعرف ربا وتسجد له‪ ,‬وتنقاد لا سخرّها له مِن مصال عباده‬
‫ومنافعهم‪.‬‬

‫وَالسّمَاءَ رََف َعهَا َووَضَ َع الْمِيزَانَ (‪)7‬‬

‫والسماء رفعها فوق الرض‪ ,‬ووضع ف الرض العدل الذي أمر به وشرعه لعباده‪.‬‬

‫سرُوا الْمِيزَانَ (‪)9‬‬


‫ط وَل تُخْ ِ‬
‫أَلّ تَ ْط َغوْا فِي الْمِيزَانِ (‪َ )8‬وأَقِيمُوا اْلوَ ْزنَ بِالْقِسْ ِ‬

‫لئل تعتدوا وتونوا مَن وَزَنتم له‪ ,‬وأقيموا الوزن بالعدل‪ ,‬ول ُتنْقِصوا اليزان إذا وَزَنتم للناس‪.‬‬

‫ف وَال ّريْحَانُ (‬
‫حبّ ذُو الْعَصْ ِ‬
‫لنَامِ (‪ )10‬فِيهَا فَا ِك َهةٌ وَالنّخْلُ ذَاتُ الَكْمَامِ ( ‪ )11‬وَالْ َ‬
‫ض َعهَا ِل َ‬
‫وَالَرْضَ وَ َ‬
‫‪)12‬‬

‫والرض وضعها ومهّدها؛ ليستقر عليها اللق‪ .‬فيها فاكهة النخل ذات الوعية الت يكون منها الثمر‪,‬‬
‫وفيها الب ذو القشر؛ رزقًا لكم ولنعامكم‪ ,‬وفيها كل نبت طيب الرائحة‪.‬‬

‫‪996‬‬
‫َفِبأَيّ آلءِ َرّبكُمَا ُتكَ ّذبَانِ (‪)13‬‬

‫فبأي ِنعَم ربكما الدينية والدنيوية‪ -‬يا معشر الن والنس‪ -‬تكذّبان؟ وما أحسن جواب الن حي تل‬
‫عليهم النب صلى ال عليه وسلم هذه السورة‪ ,‬فكلما مر بذه الية‪ ,‬قالوا‪" :‬ول بشيء من آلئك ربّنا‬
‫نكذب‪ ,‬فلك المد"‪ ,‬وهكذا ينبغي للعبد إذا تليت عليه نعم ال وآلؤه‪ ,‬أن يُق ّر با‪ ,‬ويشكر ال ويمده‬
‫عليها‪.‬‬

‫ج مِ ْن نَارٍ (‪)15‬‬
‫َخلَ َق الِنسَا َن مِنْ صَ ْلصَالٍ كَاْلفَخّارِ (‪ )14‬وَخََل َق الْجَانّ مِ ْن مَارِ ٍ‬

‫خلق أبا النسان‪ ,‬وهو آدم من طي يابس كالفَخّار‪ ,‬وخلق إبليس‪ ,‬وهو من الن من لب النار الختلط‬
‫بعضه ببعض‪.‬‬

‫َفِبأَيّ آلءِ َرّبكُمَا ُتكَ ّذبَانِ (‪)16‬‬

‫فبأي ِنعَم ربكما‪ -‬يا معشر النس والن‪ -‬تكذّبان؟‬

‫ب الْ َمغْ ِرَبيْنِ (‪)17‬‬


‫ب الْمَشْرَِقيْ ِن َورَ ّ‬
‫رَ ّ‬

‫هو سبحانه وتعال ربّ مشرقَي الشمس ف الشتاء والصيف‪ ،‬ورب مغربَيها فيهما‪ ,‬فالميع تت تدبيه‬
‫وربوبيته‪.‬‬

‫َفِبأَيّ آلءِ َرّبكُمَا ُتكَ ّذبَانِ (‪)18‬‬

‫فبأي ِنعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬

‫خ ل َيْبغِيَانِ (‪)20‬‬
‫ح َريْ ِن يَ ْلَتقِيَانِ (‪َ )19‬بيَْنهُمَا بَ ْرزَ ٌ‬
‫ج الْبَ ْ‬
‫مَ َر َ‬

‫خلط ال ماء البحرين ‪ -‬العذب واللح‪ -‬يلتقيان‪ .‬بينهما حاجز‪ ,‬فل يطغى أحدها على الخر‪ ,‬ويذهب‬

‫‪997‬‬
‫بصائصه‪ ,‬بل يبقى العذب عذبًا‪ ,‬واللح ملحًا مع تلقيهما‪.‬‬

‫َفِبأَيّ آلءِ َرّبكُمَا ُتكَ ّذبَانِ (‪)21‬‬

‫فبأي ِنعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬

‫ج ِمْنهُمَا الّلؤُْلؤُ وَالْ َمرْجَانُ (‪)22‬‬


‫يَخْ ُر ُ‬

‫يرج من البحرين بقدرة ال اللؤلؤ والَرْجان‪.‬‬

‫َفِبأَيّ آلءِ َرّبكُمَا ُتكَ ّذبَانِ (‪)23‬‬

‫فبأي ِنعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬

‫حرِ كَا َلعْلمِ (‪)24‬‬


‫جوَارِي الْمُنشَآتُ فِي الْبَ ْ‬
‫وَلَ ُه الْ َ‬

‫وله سبحانه وتعال السفن الضخمة الت تري ف البحر بنافع الناس‪ ,‬رافعة قلعها وأشرعتها كالبال‪.‬‬

‫َفِبأَيّ آلءِ َرّبكُمَا ُتكَ ّذبَانِ (‪)25‬‬

‫فبأي ِنعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬

‫كُ ّل مَ ْن عََلْيهَا فَانٍ (‪َ )26‬وَيْبقَى وَجْهُ َربّكَ ذُو الْجَل ِل وَالِكْرَامِ (‪)27‬‬

‫كل مَن على وجه الرض مِن اللق هالك‪ ,‬ويبقى وجه ربك ذو العظمة والكبياء والفضل والود‪ .‬وف‬
‫الية إثبات صفة الوجه ل تعال با يليق به سبحانه‪ ,‬دون تشبيه ول تكييف‪.‬‬

‫‪998‬‬
‫َفِبأَيّ آلءِ َرّبكُمَا ُتكَ ّذبَانِ (‪)28‬‬

‫فبأي ِنعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬

‫سأَلُ ُه مَنْ فِي السّ َموَاتِ وَالَ ْرضِ ُك ّل َيوْ ٍم ُهوَ فِي َشأْنٍ (‪)29‬‬
‫يَ ْ‬

‫يسأله مَن ف السموات والرض حاجاتم‪ ,‬فل غن لحد منهم عنه سبحانه‪ .‬كل يوم هو ف شأن ‪ :‬يُعِزّ‬
‫ويُذِلّ‪ ,‬ويعطي ويَمْنع‪.‬‬

‫َفِبأَيّ آلءِ َرّبكُمَا ُتكَ ّذبَانِ (‪)30‬‬

‫فبأي ِنعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬

‫َسنَفْ ُرغُ َلكُمْ َأّيهَا الّثقَلنِ (‪)31‬‬

‫سنفرُغ لسابكم ومازاتكم بأعمالكما الت عملتموها ف الدنيا‪ ,‬أيها الثقلن‪ -‬النس والن‪ ,-‬فنعاقب‬
‫أهل العاصي‪ ,‬ونُثيب أهل الطاعة‪.‬‬

‫َفِبأَيّ آلءِ َرّبكُمَا ُتكَ ّذبَانِ (‪)32‬‬

‫فبأي ِنعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬

‫يَا َمعْشَ َر الْجِنّ وَالِن سِ إِ نْ ا سْتَ َط ْعتُمْ أَ ْن تَنفُذُوا مِ نْ أَقْطَا ِر ال سّ َموَاتِ وَالَرْ ضِ فَانفُذُوا ل تَنفُذُو نَ إِلّ‬
‫بِسُلْطَانٍ (‪َ )33‬فِبأَيّ آلءِ َرّبكُمَا تُكَ ّذبَانِ (‪)34‬‬

‫يا معشر الن والنس‪ ,‬إن قَدَرْت على النفاذ من أمر ال وحكمه هاربي من أطراف السموات والرض‬
‫فافعلوا‪ ,‬ولستم قادرين على ذلك إل بقوة وحجة‪ ,‬وأمر من ال تعال (وأنّى لكم ذلك وأنتم ل تلكون‬
‫لنفسكم نفعًا ول ضرًا؟)‪ .‬فبأي ِنعَم ربكما ‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬

‫‪999‬‬
‫ظ مِ ْن نَا ٍر َونُحَاسٌ فَل تَنَتصِرَانِ (‪َ )35‬فِبأَيّ آلءِ َرّبكُمَا ُتكَ ّذبَانِ (‪)36‬‬
‫يُ ْرسَ ُل عََلْيكُمَا ُشوَا ٌ‬

‫يُرْ سَل عليكم لب من نار‪ ,‬وناس مذاب يُ صَبّ على رؤوسكم‪ ,‬فل ينصر بعضكم بعضًا يا معشر الن‬
‫والنس‪ .‬فبأي ِنعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬

‫ت وَرْ َدةً كَال ّدهَانِ (‪)37‬‬


‫شقّتْ السّمَاءُ َفكَانَ ْ‬
‫فَإِذَا ان َ‬

‫فإذا انشقهت السهماء وتفطرت يوم القيامهة‪ ,‬فكانهت حراء كلون الورد‪ ,‬وكالزيهت الغلي والرصهاص‬
‫الذاب؛ من شدة المر وهول يوم القيامة‪.‬‬

‫َفِبأَيّ آلءِ َرّبكُمَا ُتكَ ّذبَانِ (‪)38‬‬

‫فبأي ِنعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬

‫س وَل جَانّ (‪)39‬‬


‫سأَ ُل عَنْ َذْنبِهِ إِن ٌ‬
‫َفَي ْومَئِ ٍذ ل يُ ْ‬

‫ففي ذلك اليوم ل تسأل اللئكة الجرمي من النس والن عن ذنوبم‪.‬‬

‫َفِبأَيّ آلءِ َرّبكُمَا ُتكَ ّذبَانِ (‪)40‬‬

‫فبأي ِنعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬

‫ج ِرمُو َن بِسِيمَاهُمْ َفُيؤْخَ ُذ بِالّنوَاصِي وَالَقْدَامِ (‪)41‬‬


‫ف الْمُ ْ‬
‫ُيعْرَ ُ‬

‫تَعرِف اللئكة الجرمي بعلماتم‪ ,‬فتأخذهم بقدمة رؤوسهم وبأقدامهم‪ ,‬فترميهم ف النار‪.‬‬

‫َفِبأَيّ آلءِ َرّبكُمَا ُتكَ ّذبَانِ (‪)42‬‬

‫‪1000‬‬
‫فبأي ِنعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬

‫ج ِرمُونَ (‪ )43‬يَطُوفُو َن َبيَْنهَا َوَبيْنَ حَمِي ٍم آنٍ (‪)44‬‬


‫ب ِبهَا الْمُ ْ‬
‫هَ ِذهِ َج َهنّ ُم الّتِي ُيكَذّ ُ‬

‫يقال لؤلء الجرمي ‪-‬توبيخًا وتقيًا لم‪ :-‬هذه جهنم الت يكذّب با الجرمون ف الدنيا‪ :‬تارة يُعذّبون‬
‫ف الحيم‪ ,‬وتارة يُسقون من الميم‪ ,‬وهو شراب بلغ منتهى الرارة‪ ,‬يقطّع المعاء والحشاء‪.‬‬

‫َفِبأَيّ آلءِ َرّبكُمَا ُتكَ ّذبَانِ (‪)45‬‬

‫فبأي ِنعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬

‫ف َمقَامَ َربّهِ َجنّتَانِ (‪)46‬‬


‫وَلِمَنْ خَا َ‬

‫ولن اتقى ال من عباده من النس والن‪ ,‬فخاف مقامه بي يديه‪ ,‬فأطاعه‪ ,‬وترك معاصيه‪ ,‬جنتان‪.‬‬

‫َفِبأَيّ آلءِ َرّبكُمَا ُتكَ ّذبَانِ (‪)47‬‬

‫فبأي ِنعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬

‫َذوَاتَى أَ ْفنَانٍ (‪)48‬‬

‫النتان ذواتا أغصان نضرة من الفواكه والثمار‪.‬‬

‫َفِبأَيّ آلءِ َرّبكُمَا ُتكَ ّذبَانِ (‪)49‬‬

‫فبأي ِنعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬

‫‪1001‬‬
‫فِيهِمَا َعيْنَانِ َتجْ ِريَانِ (‪)50‬‬

‫ف هاتي النتي عينان من الاء تريان خللما‪.‬‬

‫َفِبأَيّ آلءِ َرّبكُمَا ُتكَ ّذبَانِ (‪)51‬‬

‫فبأي ِنعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬

‫فِيهِمَا مِنْ كُلّ فَا ِك َهةٍ َزوْجَانِ (‪)52‬‬

‫ف هاتي النتي من كل نوع من الفواكه صنفان‪.‬‬

‫َفِبأَيّ آلءِ َرّبكُمَا ُتكَ ّذبَانِ (‪)53‬‬

‫فبأي ِنعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬

‫جّنَتيْنِ دَانٍ (‪)54‬‬


‫ش بَطَاِئُنهَا مِنْ ِإ ْسَتبْ َرقٍ وَ َجنَى الْ َ‬
‫ي عَلَى فُ ُر ٍ‬
‫ُمتّ ِكئِ َ‬

‫وللذين خافوا مقام ربم جنتان يتنعمون فيهما‪ ,‬متكئي على فرش مبطّنة من غليظ الديباج‪ ,‬وثر النتي‬
‫قريب إليهم‪.‬‬

‫َفِبأَيّ آلءِ َرّبكُمَا ُتكَ ّذبَانِ (‪)55‬‬

‫فبأي ِنعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬

‫فِيهِنّ قَاصِرَاتُ الطّرْفِ َل ْم يَطْ ِمْثهُنّ ِإْنسٌ َقبَْل ُه ْم وَل جَانّ (‪)56‬‬

‫ف هذه الفرش زوجات قاصرات أبصارهن على أزواجهن‪ ,‬ل ينظرن إل غيهم متعلقات بم‪ ,‬ل يطأهن‬

‫‪1002‬‬
‫إنس قبلهم ول جان‪.‬‬

‫َفِبأَيّ آلءِ َرّبكُمَا ُتكَ ّذبَانِ (‪)57‬‬

‫فبأي ِنعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬

‫َكأَّنهُ ّن اْليَاقُوتُ وَالْمَ ْرجَانُ (‪)58‬‬

‫ت من الور الياقوتُ والَرْجانُ ف صفائهن وجالن‪.‬‬


‫كأن هؤلء الزوجا ِ‬

‫َفِبأَيّ آلءِ َرّبكُمَا ُتكَ ّذبَانِ (‪)59‬‬

‫فبأي ِنعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬

‫هَلْ َجزَاءُ الِحْسَانِ إِلّ الِحْسَانُ (‪َ )60‬فِبأَيّ آلءِ َرّبكُمَا ُتكَ ّذبَانِ (‪)61‬‬

‫هل جزاء مَن أحسن بعمله ف الدنيا إل الحسان إليه بالنة ف الخرة؟ فبأي ِنعَم ربكما ‪-‬أيها الثقلن‪-‬‬
‫تكذّبان؟‬

‫َومِنْ دُوِنهِمَا َجّنتَانِ (‪َ )62‬فِبأَيّ آلءِ َرّبكُمَا تُكَ ّذبَانِ (‪)63‬‬

‫ومن دون النتي السابقتي جنتان أخريان‪ .‬فبأي نِعَم ربكما ‪-‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬

‫مُ ْدهَامّتَانِ (‪َ )64‬فِبأَيّ آلءِ َرّبكُمَا ُتكَ ّذبَانِ (‪)65‬‬

‫هاتان النتان خضراوان‪ ,‬قد اشتدّت خضرتما حت مالت إل السواد‪ .‬فبأي ِنعَم ربكما ‪-‬أيها الثقلن‪-‬‬
‫تكذّبان؟‬

‫‪1003‬‬
‫فِيهِمَا َعيْنَانِ َنضّا َختَانِ (‪َ )66‬فِبأَيّ آلءِ َرّبكُمَا تُكَ ّذبَانِ (‪)67‬‬

‫فيهما عينان فوّارتان بالاء ل تنقطعان‪ .‬فبأي ِنعَم ربكما ‪-‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬

‫فِيهِمَا فَا ِك َهةٌ َونَخْ ٌل وَ ُرمّانٌ (‪)68‬‬

‫ف هاتي النتي أنواع الفواكه ونل ورمان‪.‬‬

‫َفِبأَيّ آلءِ َرّبكُمَا ُتكَ ّذبَانِ (‪)69‬‬

‫فبأي ِنعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬

‫فِيهِنّ َخيْرَاتٌ حِسَانٌ (‪)70‬‬

‫ف هذه النان الربع زوجات طيبات الخلق حسان الوجوه‪.‬‬

‫َفِبأَيّ آلءِ َرّبكُمَا ُتكَ ّذبَانِ (‪)71‬‬

‫فبأي ِنعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬

‫خيَامِ (‪)72‬‬
‫حُو ٌر َم ْقصُورَاتٌ فِي الْ ِ‬

‫حور مستورات مصونات ف اليام‪.‬‬

‫َفِبأَيّ آلءِ َرّبكُمَا ُتكَ ّذبَانِ (‪)73‬‬

‫فبأي ِنعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬

‫‪1004‬‬
‫لَ ْم يَطْ ِمْثهُنّ إِنسٌ َقبَْلهُ ْم وَل جَانّ (‪)74‬‬

‫ل يطأ هؤلء الور إنس قبل أزواجهن ول جان‪.‬‬

‫َفِبأَيّ آلءِ َرّبكُمَا ُتكَ ّذبَانِ (‪)75‬‬

‫فبأي ِنعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬

‫ي عَلَى رَفْ َرفٍ ُخضْ ٍر َو َعْبقَرِيّ حِسَانٍ (‪)76‬‬


‫ُمتّ ِكئِ َ‬

‫متكئي على وسائد ذوات أغطية خضر وفرش حسان‪.‬‬

‫َفِبأَيّ آلءِ َرّبكُمَا ُتكَ ّذبَانِ (‪)77‬‬

‫فبأي ِنعَم ربكما‪ -‬أيها الثقلن‪ -‬تكذّبان؟‬

‫َتبَا َركَ اسْمُ َربّكَ ذِي الْجَل ِل وَالِكْرَامِ (‪)78‬‬

‫تكاثرت بركة اسم ربك وكثر خيه‪ ,‬ذي اللل الباهر‪ ,‬والجد الكامل‪ ,‬والكرام لوليائه‪.‬‬

‫‪ -56‬سورة الواقعة‬

‫ضةٌ رَاِف َعةٌ (‪)3‬‬


‫ت اْلوَاِق َعةُ ( ‪َ )1‬لْيسَ ِلوَ ْق َعِتهَا كَا ِذَبةٌ (‪ )2‬خَاِف َ‬
‫إِذَا وََقعَ ْ‬

‫إذا قامت القيامة‪ ,‬ليس لقيامها أحد يكذّب به‪ ,‬هي خافضة لعداء ال ف النار‪ ,‬رافعة لوليائه ف النة‪.‬‬

‫‪1005‬‬
‫جبَالُ بَسّا (‪َ )5‬فكَاَنتْ َهبَا ًء ُمنَْبثّا (‪)6‬‬
‫ستْ الْ ِ‬
‫ت الَ ْرضُ رَجّا (‪َ )4‬وبُ ّ‬
‫إِذَا رُ ّج ْ‬

‫إذا حُرّ كت الرض تريكًا شديدًا‪ ,‬وُفتّ تت البال تفتيتًا دقيقًا‪ ,‬فصارت غبارًا متطايرًا ف ال و قد ذَ َرتْه‬
‫الريح‪.‬‬

‫وَكُنتُمْ أَ ْزوَاجا ثَلَثةً (‪)7‬‬

‫وكنتم‪ -‬أيها اللق‪ -‬أصنافًا ثلثة‪:‬‬

‫شئَ َمةِ (‪)9‬‬


‫ب الْمَ ْ‬
‫شئَ َم ِة مَا أَصْحَا ُ‬
‫ب الْمَ ْ‬
‫ب الْ َميْ َمَنةِ (‪َ )8‬وأَصْحَا ُ‬
‫ب الْ َميْ َمَن ِة مَا أَصْحَا ُ‬
‫َفأَصْحَا ُ‬

‫فأ صحاب اليم ي‪ ,‬أ هل النلة العال ية‪ ,‬ما أع ظم مكانت هم !! وأ صحاب الشمال‪ ,‬أ هل النلة الدنيئة‪ ,‬ما‬
‫أسوأ حالم !!‬

‫ت الّنعِيمِ (‪)12‬‬
‫وَالسّاِبقُونَ السّاِبقُونَ (‪ُ )10‬أوَْلئِكَ الْ ُمقَ ّربُونَ (‪ )11‬فِي َجنّا ِ‬

‫وال سابقون إل اليات ف الدن يا هم ال سابقون إل الدرجات ف الخرة‪ ,‬أولئك هم القربون ع ند ال‪,‬‬
‫يُدْخلهم ربم ف جنات النعيم‪.‬‬

‫ي عََلْيهَا ُمتَقَابِلِيَ (‪)16‬‬


‫ثُّل ٌة مِ ْن ا َلوّلِيَ (‪ )13‬وَقَلِي ٌل مِنْ الخِرِينَ (‪ )14‬عَلَى سُرُرٍ َموْضُوَنةٍ (‪ُ )15‬متّ ِكئِ َ‬

‫يدخلها جاعة كثية من صدر هذه المة‪ ,‬وغيهم من المم الخرى‪ ,‬وقليل من آخر هذه المة على‬
‫سرر منسوجة بالذهب‪ ,‬متكئي عليها يقابل بعضهم بعضًا‪.‬‬

‫خلّدُو نَ (‪ِ )17‬بأَ ْكوَا بٍ َوَأبَارِي َق وَ َكأْ سٍ مِ ْن َمعِيٍ ( ‪ )18‬ل يُ صَ ّدعُو َن َعنْهَا وَل‬
‫ف عََلْيهِ ْم وِلْدَا ٌن مُ َ‬
‫يَطُو ُ‬
‫يُنِفُونَ (‪)19‬‬

‫يطوف علي هم لدمت هم غلمان ل يهرمون ول يوتون‪ ,‬بأقداح وأبار يق وكأس من ع ي خ ر جار ية ف‬

‫‪1006‬‬
‫ع منها رؤوسهم‪ ,‬ول تذهب بعقولم‪.‬‬
‫النة‪ ,‬ل تُصَ ّد ُ‬

‫شَتهُونَ ( ‪ )21‬وَحُو ٌر عِيٌ ( ‪َ )22‬كأَ ْمثَالِ الّلؤُْل ِؤ الْ َمكْنُونِ‬


‫خيّرُونَ (‪ )20‬وَلَحْ ِم َطيْ ٍر مِمّا يَ ْ‬ ‫وَفَا ِك َهةٍ مِمّا يَتَ َ‬
‫(‪َ )23‬جزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْ َملُونَ (‪)24‬‬

‫ويطوف عليهم الغلمان با يتخيون من الفواكه‪ ,‬وبلحم طي مّا ترغب فيه نفوسهم‪ .‬ولم نساء ذوات‬
‫عيون واسعة‪ ,‬كأمثال اللؤلؤ الصون ف أصدافه صفاءً وجال؛ جزاء لم با كانوا يعملون من الصالات‬
‫ف الدنيا‪.‬‬

‫ل سَلما سَلما (‪)26‬‬


‫ل يَسْ َمعُونَ فِيهَا َلغْوا وَل َتأْثِيما (‪ )25‬إِلّ قِي ً‬

‫ل يسمعون ف النة باطل ول ما يتأثون بسماعه‪ ,‬إل قول سالًا من هذه العيوب‪ ,‬وتسليم بعضهم على‬
‫بعض‪.‬‬

‫خضُودٍ (‪َ )28‬وطَلْ ٍح َمْنضُودٍ (‪َ )29‬وظِ ّل مَمْدُودٍ‬ ‫ب اْليَمِيِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِيِ (‪ )27‬فِي ِسدْ ٍر مَ ْ‬
‫َوأَصْحَا ُ‬
‫(‪َ )30‬ومَاءٍ مَسْكُوبٍ (‪ )31‬وَفَا ِك َهةٍ َكثِ َيةٍ (‪ )32‬ل َمقْطُو َعةٍ وَل مَ ْمنُو َعةٍ (‪ )33‬وَُف ُرشٍ َمرْفُو َعةٍ (‪)34‬‬

‫وأصحاب اليمي‪ ,‬ما أعظم مكانتهم وجزاءهم!! هم ف سِدْر ل شوك فيه‪ ,‬وموز متراكب بعضه على‬
‫بعض‪ ,‬وظلّ دائم ل يزول‪ ,‬وماء جار ل ينقطع‪ ,‬وفاكهة كثية ل تنفَد ول تنقطع عنهم‪ ,‬ول ينعهم منها‬
‫مانع‪ ,‬وفرشٍ مرفوعة على السرر‪.‬‬

‫ب اْليَمِيِ (‪)38‬‬
‫صحَا ِ‬
‫جعَ ْلنَاهُنّ َأْبكَارا (‪ )36‬عُرُبا َأتْرَابا (‪ )37‬لَ ْ‬
‫ش ْأنَاهُنّ إِنشَاءً (‪ )35‬فَ َ‬
‫ِإنّا أَن َ‬

‫إنا أنشأنا نساء أهل النة نشأة غي النشأة الت كانت ف الدنيا‪ ,‬نشأة كاملة ل تقبل الفناء‪ ,‬فجعلناهن‬
‫أبكارًا‪ ,‬متحببات إل أزواجهن‪ ,‬ف سنّ واحدة‪ ,‬خلقناهن لصحاب اليمي‪.‬‬

‫ثُّل ٌة مِ ْن ا َلوّلِيَ (‪َ )39‬وثُّل ٌة مِنْ الخِرِينَ (‪)40‬‬

‫‪1007‬‬
‫وهم جاعة كثية من الولي‪ ,‬وجاعة كثية من الخرين‪.‬‬

‫حمُومٍ (‪ )43‬ل بَارِدٍ‬


‫َوأَصْحَابُ الشّمَا ِل مَا أَصْحَابُ الشّمَالِ (‪ )41‬فِي َسمُومٍ وَ َحمِيمٍ (‪َ )42‬وظِلّ مِ ْن يَ ْ‬
‫وَل َك ِريٍ (‪)44‬‬

‫وأصحاب الشمال ما أسوأ حالم جزاءهم !! ف ريح حارة من َحرّ نار جهنم تأخذ بأنفاسهم‪ ,‬وماء حار‬
‫يغلي‪ ,‬وظلّ من دخان شديد السواد‪ ,‬ل بارد النل‪ ,‬ول كري النظر‪.‬‬

‫ك ُمتْرَفِيَ (‪)45‬‬
‫ِإّنهُمْ كَانُوا َقبْلَ ذَلِ َ‬

‫إنم كانوا ف الدنيا متنعّمي بالرام‪ ,‬معرِضي عما جاءتم به الرسل‪.‬‬

‫ث اْلعَظِيمِ (‪)46‬‬
‫وَكَانُوا ُيصِرّو َن عَلَى الْحِن ِ‬

‫وكانوا يقيمون على الكفر بال والشراك به ومعصيته‪ ,‬ول ينوون التوبة من ذلك‪.‬‬

‫وَكَانُوا َيقُولُونَ َأئِذَا ِمتْنَا وَ ُكنّا ُترَابا َوعِظَاما أَِئنّا لَ َمْبعُوثُونَ (‪)47‬‬

‫وكانوا يقولون إنكارًا للبعث‪ :‬أنُبعث إذا متنا وصرنا ترابًا وعظامًا بالية؟ وهذا استبعاد منهم لمر البعث‬
‫وتكذيب له‪.‬‬

‫َأوْ آبَا ُؤنَا ا َلوّلُونَ (‪)48‬‬

‫أنُبعث نن وآبناؤنا القدمون الذين صاروا ترابًا‪ ,‬قد تفرّق ف الرض؟‬

‫ت َي ْومٍ َمعْلُومٍ (‪)50‬‬


‫ي وَالخِرِينَ (‪َ )49‬لمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَا ِ‬
‫قُلْ ِإنّ ا َلوّلِ َ‬

‫قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬إن الولي والخرين من بن آدم سيُجمَعون ف يوم مؤقت بوقت مدد‪ ,‬وهو‬
‫‪1008‬‬
‫يوم القيامة‪.‬‬

‫ج ٍر مِنْ زَقّومٍ ( ‪َ )52‬فمَاِلئُونَ ِمْنهَا اْلبُطُونَ (‪)53‬‬


‫ثُمّ ِإّنكُمْ َأّيهَا الضّالّونَ الْ ُمكَ ّذبُونَ (‪ )51‬لكِلُونَ مِ ْن شَ َ‬
‫ب اْلهِيمِ (‪)55‬‬ ‫فَشَا ِربُونَ عََليْ ِه مِ ْن الْحَمِيمِ (‪ )54‬فَشَا ِربُو َن شُرْ َ‬

‫ث إنكم أيها الضالون عن طريق الدى الكذبون بوعيد ال ووعده‪ ,‬لكلون من ش جر من زقوم‪ ,‬وهو‬
‫من أق بح الش جر‪ ,‬فمالئون من ها بطون كم ; لشدة الوع‪ ,‬فشاربون عل يه ماء متناهيًا ف الرارة ل يَرْوي‬
‫ظمأ‪ ,‬فشاربون منه بكثرة‪ ,‬كشرب البل العطاش الت ل َترْوى لداء يصيبها‪.‬‬

‫هَذَا ُنزُُلهُ ْم َيوْمَ الدّينِ (‪)56‬‬

‫هذا الذي يلقونه من العذاب هو ما أُعدّ لم من الزاد يوم القيامة‪ .‬وف هذا توبيخ لم وتكّم بم‪.‬‬

‫نَحْنُ خََل ْقنَاكُمْ فََلوْل ُتصَدّقُونَ (‪)57‬‬

‫نن خلقناكم‪ -‬أيها الناس‪ -‬ول تكونوا شيئًا‪ ,‬فهل تصدّقون بالبعث‪.‬‬

‫خُلقُونَهُ َأمْ نَحْ ُن الْخَاِلقُونَ (‪)59‬‬


‫أَفَ َرَأْيتُمْ مَا تُ ْمنُونَ (‪َ )58‬أأَْنتُ ْم تَ ْ‬

‫أفرأيتم النّطَف الت تقذفونا ف أرحام نسائكم‪ ,‬هل أنتم تلقون ذلك بشرًا أم نن الالقون؟‬

‫شئَكُمْ فِي مَا ل َتعْلَمُونَ‬


‫سبُوقِيَ (‪ )60‬عَلَى أَ ْن ُنبَدّلَ َأمْثَاَلكُمْ َوُننْ ِ‬
‫نَحْنُ قَدّ ْرنَا َبيَْنكُ ْم الْ َموْتَ َومَا نَحْ ُن بِمَ ْ‬
‫(‪)61‬‬

‫نن َقدّرنا بينكم الوت‪ ,‬وما نن بعاجزين عن أن نغيّر خلقكم يوم القيامة‪ ,‬وننشئكم فيما ل تعلمونه من‬
‫الصفات والحوال‪.‬‬

‫‪1009‬‬
‫وََلقَ ْد عَلِ ْمتُ ْم النّشَْأةَ الُولَى َفَلوْل تَذكّرُونَ (‪)62‬‬

‫ولقهد علمتهم أن ال أنشأكهم النشأة الول ول تكونوا شيئًا‪ ,‬فهل تذكّرون قدرة ال على إنشائكهم مرة‬
‫أخرى‪.‬‬

‫جعَ ْلنَا هُ ُحطَاما َفظََل ْلتُ مْ‬


‫أَفَ َرَأْيتُ ْم مَا َتحْ ُرثُو نَ (‪َ )63‬أأَْنتُ مْ تَزْ َرعُونَ هُ أَ ْم نَحْ نُ الزّا ِرعُو نَ ( ‪َ )64‬ل ْو نَشَاءُ َل َ‬
‫َتتَ َف ّكهُونَ (‪ِ )65‬إنّا لَ ُمغْ َرمُونَ (‪ )66‬بَ ْل نَحْ ُن َمحْرُومُونَ (‪)67‬‬

‫أفرأي تم الرث الذي ترثو نه هل أن تم تُنبتو نه ف الرض؟ بل ن ن ُنقِرّ قراره وننب ته ف الرض‪ .‬لو نشاء‬
‫لعل نا ذلك الزرع هشيمًا‪ ,‬ل يُنت فع به ف مط عم‪ ,‬فأ صبحتم تتعجبون م ا نزل بزرع كم‪ ,‬وتقولون‪ :‬إ نا‬
‫لاسرون معذّبون‪ ,‬بل نن مرومون من الرزق‪.‬‬

‫أَفَ َرَأْيتُمْ الْمَاءَ الّذِي تَشْ َربُونَ (‪َ )68‬أأَْنتُمْ أَنزَْلتُمُوهُ مِ ْن الْ ُم ْزنِ َأ ْم نَحْ ُن الْمُنِلُونَ (‪)69‬‬

‫حيَوا به‪ ,‬أأنتم أنزلتموه من السحاب إل قرار الرض‪ ,‬أم نن الذين أنزلناه‬
‫أفرأيتم الاء الذي تشربونه لت ْ‬
‫رحة بكم؟‬

‫شكُرُونَ (‪)70‬‬
‫َل ْو نَشَاءُ َجعَ ْلنَاهُ أُجَاجا فََلوْل تَ ْ‬

‫لو نشاء جعلنا هذا الاء شديد اللوحة‪ ,‬ل يُنتفع به ف شرب ول زرع‪ ,‬فهل تشكرون ربكم على إنزال‬
‫الاء العذب لنفعكم‪.‬‬

‫شئُونَ (‪)72‬‬
‫ش ْأتُ ْم شَجَ َرَتهَا َأ ْم نَحْ ُن الْمُن ِ‬
‫أَفَ َرَأْيتُمْ النّا َر اّلتِي تُورُونَ (‪َ )71‬أَأْنتُمْ أَن َ‬

‫أفرأيتم النار الت توقدون‪ ,‬أأنتم أوجدت شجرتا الت تقدح منها النار‪ ,‬أم نن الوجدون لا؟‬

‫نَحْنُ َجعَ ْلنَاهَا تَذْ ِك َرةً َو َمتَاعا ِللْ ُم ْقوِينَ (‪)73‬‬

‫‪1010‬‬
‫نن جعلنا ناركم الت توقدون تذكيًا لكم بنار جهنم ومنفعة للمسافرين‪.‬‬

‫ك اْلعَظِيمِ (‪)74‬‬
‫سبّ ْح بِاسْمِ َربّ َ‬
‫فَ َ‬

‫فنّه ‪-‬أيها النب‪ -‬ربك العظيم كامل الساء والصفات‪ ,‬كثي الحسان واليات‪.‬‬

‫فَل أُقْسِ ُم بِ َموَاقِ ِع النّجُومِ (‪َ )75‬وِإنّهُ َلقَسَمٌ َل ْو َتعْلَمُو َن عَظِيمٌ (‪)76‬‬

‫أقسم ال تعال بساقط النجوم ف مغاربا ف السماء‪ ,‬وإنه َلقَسم لو تعلمون قَدَره عظيم‪.‬‬

‫ب َم ْكنُونٍ (‪ )78‬ل يَمَسّهُ إِلّ الْ ُم َطهّرُونَ (‪)79‬‬


‫ِإنّهُ َلقُرْآنٌ كَ ِريٌ (‪ )77‬فِي ِكتَا ٍ‬

‫إن هذا القرآن الذي نزل على ممهد لقرآن عظيهم النافهع‪ ,‬كثيه اليه‪ ,‬غزيهر العلم‪ ,‬فه كتاب مَصهُون‬
‫م ستور عن أع ي اللق‪ ,‬و هو الكتاب الذي بأيدي اللئ كة‪ .‬ل يَمَ سّ القرآن إل اللئ كة الكرام الذ ين‬
‫طهرهم ال من الفات والذنوب‪ ,‬ول يَمَسّه أيضًا إل التطهرون من الشرك والنابة والدث‪.‬‬

‫ب الْعَالَ ِميَ (‪)80‬‬


‫تَنِي ٌل مِنْ رَ ّ‬

‫وهذا القرآن الكري منل من رب العالي‪ ,‬فهو الق الذي ل مرية فيه‪.‬‬

‫أََفِبهَذَا الْحَدِيثِ َأنْتُ ْم مُ ْد ِهنُونَ (‪)81‬‬

‫أفبهذا القرآن أنتم ‪-‬أيها الشركون‪ -‬مكذّبون؟‬

‫جعَلُونَ رِزَْقكُمْ َأنّكُ ْم ُتكَ ّذبُونَ (‪)82‬‬


‫َوتَ ْ‬

‫وتعلون شكر كم لن عم ال علي كم أن كم تكذّبون ب ا وتكفرون؟ و ف هذا إنكار على من يتهاون بأ مر‬
‫القرآن ول يبال بدعوته‪.‬‬
‫‪1011‬‬
‫ت الْحُ ْلقُومَ (‪َ )83‬وَأْنتُمْ حِيَنئِ ٍذ تَنظُرُونَ ( ‪َ )84‬ونَحْنُ أَقْرَبُ إَِليْهِ ِمْنكُ ْم وََلكِنْ ل ُتبْصِرُونَ (‬
‫فََلوْل إِذَا بََلغَ ْ‬
‫‪)85‬‬

‫فهل تستطيعون إذا بلغت نفس أحدكم اللقوم عند النع‪ ,‬وأنتم حضور تنظرون إليه‪ ,‬أن تسكوا روحه‬
‫ف جسده؟ لن تستطيعوا ذلك‪ ,‬ونن أقرب إليه منكم بلئكتنا‪ ,‬ولكنكم ل ترونم‪.‬‬

‫فََلوْل ِإنْ كُنتُ ْم َغيْ َر مَدِينِيَ (‪ )86‬تَرْ ِجعُوَنهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِِقيَ (‪)87‬‬

‫وههل تسهتطيعون إن كنتهم غيه ماسهبي ول مزييه بأعمالكهم أن تعيدوا الروح إل السهد‪ ,‬إن كنتهم‬
‫صادقي؟ لن ترجعوها‪.‬‬

‫ح وَ َريْحَانٌ وَ َجّن ُة َنعِيمٍ (‪)89‬‬


‫َفَأمّا ِإنْ كَانَ مِ ْن الْ ُمقَ ّربِيَ (‪َ )88‬ف َروْ ٌ‬

‫فأما إن كان اليت من السابقي القربي‪ ,‬فله عند موته الرحة الواسعة والفرح وما تطيب به نفسه‪ ,‬وله‬
‫جنة النعيم ف الخرة‪.‬‬

‫ب اْليَمِيِ (‪)91‬‬
‫صحَا ِ‬
‫ك مِنْ أَ ْ‬
‫ب الْيَ ِميِ (‪ )90‬فَسَلمٌ لَ َ‬
‫صحَا ِ‬
‫َوَأمّا ِإنْ كَانَ مِنْ أَ ْ‬

‫وأما إن كان اليت من أصحاب اليمي‪ ,‬فيقال له‪ :‬سلمة لك وأمن; لكونك من أصحاب اليمي‪.‬‬

‫ي الضّالّيَ (‪َ )92‬فنُزُ ٌل مِنْ حَمِيمٍ (‪َ )93‬وَتصِْلَيةُ جَحِيمٍ (‪)94‬‬


‫َوَأمّا ِإنْ كَانَ مِ ْن الْ ُمكَ ّذبِ َ‬

‫وأما إن كان اليت من الكذبي بالبعث‪ ,‬الضالي عن الدى‪ ,‬فله ضيافة من شراب جهنم الغلي التناهي‬
‫الرارة‪ ,‬والنار يرق با‪ ,‬ويقاسي عذابا الشديد‪.‬‬

‫سبّ ْح بِاسْمِ َربّكَ اْلعَظِيمِ (‪)96‬‬


‫ِإنّ هَذَا َل ُهوَ حَ ّق اْليَقِيِ (‪ )95‬فَ َ‬

‫‪1012‬‬
‫إن هذا الذي قصصناه عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لو حق اليقي الذي ل مرية فيه‪ ,‬فسبّح باسم ربك العظيم‪,‬‬
‫ونزّهه عما يقول الظالون والاحدون‪ ,‬تعال ال عما يقولون علوًا كبيًا‪.‬‬

‫‪ -57‬سورة الديد‬

‫حكِيمُ (‪)1‬‬
‫ت وَالَ ْرضِ َو ُهوَ الْعَزِيزُ الْ َ‬
‫َسبّحَ لِلّ ِه مَا فِي السّ َموَا ِ‬

‫نزّه ال عن السوء كلّ ما ف السموات والرض من جيع ملوفاته‪ ,‬وهو العزيز على خلقه‪ ,‬الكيم ف‬
‫تدبي أمورهم‪.‬‬

‫ت َوهُ َو عَلَى كُ ّل َشيْءٍ َقدِيرٌ (‪)2‬‬


‫حيِ َويُمِي ُ‬
‫ض يُ ْ‬
‫لَ ُه مُلْكُ السّ َموَاتِ وَالَ ْر ِ‬

‫له ملك السموات والرض وما فيهما‪ ,‬فهو الالك التصرف ف خلقه‪ ,‬ييي وييت‪ ,‬وهو على كل شيء‬
‫قدير‪ ,‬ل يتعذّر عليه شيء أراده‪ ,‬فما شاءه كان‪ ,‬وما ل يشأ ل يكن‪.‬‬

‫ُهوَ ا َلوّ ُل وَالخِ ُر وَالظّاهِ ُر وَالْبَاطِ ُن َو ُهوَ ِبكُ ّل َشيْءٍ عَلِيمٌ (‪)3‬‬

‫هو الول الذي ليس قبله شيء‪ ,‬والخر الذي ليس بعده شيء‪ ,‬والظاهر الذي ليس فوقه شيء‪ ,‬والباطن‬
‫الذي ليس دونه شيء‪ ,‬ول تفى عليه خافية ف الرض ول ف السماء‪ ,‬وهو بكل شيء عليم‪.‬‬

‫ض وَمَا‬
‫ش َيعْلَ ُم مَا َيلِ جُ فِي الَرْ ِ‬ ‫ت وَالَرْ ضَ فِي ِسّتةِ َأيّا مٍ ثُمّ ا ْسَتوَى عَلَى اْلعَرْ ِ‬ ‫ُهوَ الّذِي خَلَ َق ال سّ َموَا ِ‬
‫ج ِمْنهَا َومَا َينْزِ ُل مِنْ السّمَا ِء َومَا َيعْ ُرجُ فِيهَا َو ُه َو َمعَكُمْ َأيْ َن مَا ُكنْتُ ْم وَاللّ ُه بِمَا َتعْ َملُو َن َبصِيٌ (‪)4‬‬
‫يَخْ ُر ُ‬

‫هو الذي خلق السموات والرض وما بينهما ف ستة أيام‪ ,‬ث استوى ‪-‬أي عل وارتفع‪ -‬على عرشه فوق‬
‫جيع خلقه استواء يليق بلله‪ ,‬يعلم ما يدخل ف الرض من حب ومطر وغي ذلك‪ ,‬وما يرج منها من‬

‫‪1013‬‬
‫نبات وزرع وثار‪ ,‬وما ينل من السماء من مطر وغيه‪ ,‬وما يعرج فيها من اللئكة والعمال‪ ,‬وهو‬
‫سبحانه معكم بعلمه أينما كنتم‪ ,‬وال بصي بأعمالكم الت تعملونا‪ ,‬وسيجازيكم عليها‪.‬‬

‫ض َوإِلَى اللّ ِه تُرْ َج ُع الُمُورُ (‪)5‬‬


‫لَ ُه مُلْكُ السّ َموَاتِ وَالَ ْر ِ‬

‫له ملك السموات والرض‪ ,‬وإل ال مصي أمور اللئق ف الخرة‪ ,‬وسيجازيهم على أعمالم‪.‬‬

‫يُولِجُ الّليْلَ فِي الّنهَا ِر َويُولِ ُج الّنهَارَ فِي الّليْ ِل َو ُه َو عَلِي ٌم بِذَاتِ الصّدُورِ (‪)6‬‬

‫يُدْخِل ما نقص من ساعات الليل ف النهار فيزيد النهار‪ ,‬ويُدْخِل ما نقص من ساعات النهار ف الليل‬
‫فيزيد الليل‪ ,‬وهو سبحانه عليم با ف صدور خلقه‪.‬‬

‫خَلفِيَ فِيهِ فَالّذِينَ آ َمنُوا ِمنْكُ ْم َوَأْن َفقُوا َلهُمْ أَجْرٌ َكبِيٌ (‪)7‬‬
‫ستَ ْ‬
‫آ ِمنُوا بِاللّ ِه وَ َرسُولِهِ َوَأْن ِفقُوا مِمّا َجعََلكُ ْم مُ ْ‬

‫آمنوا بال ورسوله ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وأنفقوا ما رزقكم ال من الال واستخلفكم فيه‪ ,‬فالذين‬
‫آمنوا منكم أيها الناس‪ ,‬وأنفقوا من مالم‪ ,‬لم ثواب عظيم‪.‬‬

‫َومَا َلكُمْ ل ُت ْؤ ِمنُو َن بِاللّ ِه وَال ّرسُو ُل يَ ْدعُوكُمْ ِلُت ْؤ ِمنُوا بِ َرّبكُمْ وََقدْ أَخَ َذ مِيثَاقَكُمْ ِإنْ ُكنْتُ ْم ُم ْؤ ِمنِيَ (‪)8‬‬

‫وأيّ عذر لكم ف أن ل تصدقوا بوحدانية ال وتعملوا بشرعه‪ ,‬والرسول يدعوكم إل ذلك‪ ,‬وقد أخذ‬
‫ال ميثاقكم على ذلك‪ ,‬إن كنتم مؤمني بال خالقكم؟‬

‫ت َبّينَا تٍ ِليُخْ ِر َجكُ ْم مِ نْ الظّلُمَا تِ إِلَى النّو ِر َوإِنّ اللّ َه ِبكُ مْ لَرَءُو فٌ َرحِي مٌ (‬
‫ُهوَ الّذِي ُينَزّ ُل عَلَى َعبْدِ ِه آيَا ٍ‬
‫‪)9‬‬

‫هو الذي ينل على عبده ممد صلى ال عليه وسلم آيات مفصلت واضحات من القرآن؛ ليخرجكم‬
‫بذلك من ظلمة الكفر إل نور اليان‪ ,‬إن ال بكم ف إخراجكم من الظلمات إل النور َليَرْحكم رحة‬
‫واسعة ف عاجلكم وآجلكم‪ ،‬فيجازيكم أحسن الزاء‪.‬‬
‫‪1014‬‬
‫ض ل يَ سَْتوِي ِمنْكُ ْم مَ نْ َأْنفَ َق مِ نْ َقبْ ِل‬ ‫ث ال سّ َموَاتِ وَالَرْ ِ‬ ‫وَمَا َلكُ مْ أَ ّل ُتْنفِقُوا فِي َسبِيلِ اللّ هِ وَلِلّ ِه مِيَا ُ‬
‫سنَى وَاللّ هُ بِمَا‬ ‫ل وَعَدَ اللّ ُه الْحُ ْ‬‫الْ َفتْ ِح وَقَاتَلَ ُأوَْلئِ كَ َأعْظَ مُ دَرَ َج ًة مِ ْن الّذِي نَ َأْن َفقُوا مِ ْن َبعْدُ وَقَاتَلُوا وَ ُك ّ‬
‫َتعْمَلُونَ َخبِيٌ (‪)10‬‬

‫وأيّ شيء ينعكم من النفاق ف سبيل ال؟ ول مياث السموات والرض يرث كلّ ما فيهما‪ ,‬ول يبقى‬
‫أحد مالكًا لشيء فيهما‪ .‬ل يستوي ف الجر والثوبة منكم مَن أنفق من قبل فتح "مكة" وقاتل الكفار‪,‬‬
‫أولئك أعظم درجة عند ال من الذين أنفقوا ف سبيل ال من بعد الفتح وقاتلوا الكفار‪ ,‬وكل من‬
‫الفريقي وعد ال النة‪ ,‬وال بأعمالكم خبي ل يفى عليه شيء منها‪ ,‬وسيجازيكم عليها‪.‬‬

‫مَنْ ذَا الّذِي ُيقْ ِرضُ اللّهَ قَرْضا حَسَنا َفيُضَا ِعفَهُ لَ ُه وَلَهُ أَ ْجرٌ كَ ِريٌ (‪)11‬‬

‫من ذا الذي ينفق ف سبيل ال متسبًا من قلبه بل مَ ّن ول أذى‪ ,‬فيضاعف له ربه الجر والثواب‪ ,‬وله‬
‫جزاء كري‪ ,‬وهو النة؟‬

‫شرَاكُ ْم اْلَيوْ مَ َجنّا تٌ َتجْرِي مِ نْ‬


‫سعَى نُو ُرهُ ْم َبيْ نَ َأيْدِيهِ ْم َوِبَأيْمَانِهِ ْم بُ ْ‬
‫ت يَ ْ‬
‫َيوْ مَ تَرَى الْ ُم ْؤ ِمنِيَ وَالْ ُم ْؤمِنَا ِ‬
‫ك ُهوَ اْل َفوْ ُز الْعَظِيمُ (‪)12‬‬ ‫حِتهَا ا َلْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا ذَلِ َ‬ ‫تَ ْ‬

‫يوم ترى الؤمني والؤمنات يسعى نورهم على الصراط بي أيديهم وعن أيانم‪ ,‬بقدر أعمالم‪ ,‬ويقال‬
‫لم‪ :‬بشراكم اليوم دخول جنات واسعة تري من تت أشجارها النار‪ ,‬ل ترجون منها أبدًا‪ ,‬ذلك‬
‫الزاء هو الفوز العظيم لكم ف الخرة‪.‬‬

‫س مِ ْن نُورِكُ مْ قِيلَ ارْ ِجعُوا وَرَاءَكُ مْ فَاْلتَمِ سُوا‬


‫َيوْ مَ َيقُو ُل الْ ُمنَاِفقُو نَ وَالْ ُمنَاِفقَا تُ لِلّذِي نَ آ َمنُوا انْظُرُونَا َن ْقتَبِ ْ‬
‫ب بَا ِطنُهُ فِيهِ الرّحْ َم ُة َوظَاهِ ُرهُ مِنْ ِقبَلِ ِه اْلعَذَابُ (‪)13‬‬
‫ب َبيَْنهُ ْم بِسُورٍ لَ ُه بَا ٌ‬‫ضرِ َ‬ ‫نُورا َف ُ‬

‫يوم يقول النافقون والنافقات للذين آمنوا‪ ,‬وهم على الصراط‪ :‬انتظرونا نستضئْ من نوركم‪ ,‬فتقول لم‬
‫اللئكة‪ :‬ارجعوا وراءكم فاطلبوا نورًا (سخرية منهم)‪َ ,‬ف ُفصِل بينهم بسور له باب‪ ,‬باطنه ما يلي الؤمني‬
‫فيه الرحة‪ ,‬وظاهره ما يلي النافقي من جهته العذاب‪.‬‬

‫‪1015‬‬
‫صتُ ْم وَا ْرتَْبتُ ْم َوغَ ّرْتكُ مْ ا َلمَانِيّ َحتّى جَاءَ‬
‫ُينَادُونَهُ مْ أَلَ ْم َنكُ ْن َم َعكُ مْ قَالُوا بَلَى وََلكِّنكُ مْ َفَتنْتُ مْ َأْنفُ سَكُ ْم َوتَ َربّ ْ‬
‫َأمْرُ اللّ ِه َوغَرّكُ ْم بِاللّ ِه اْلغَرُورُ (‪)14‬‬

‫ينادي النافقون الؤمني قائلي‪ :‬أل نكن معكم ف الدنيا‪ ,‬نؤدي شعائر الدين مثلكم؟ قال الؤمنون لم‪:‬‬
‫بلى قد كنتم معنا ف الظاهر‪ ,‬ولكنكم أهلكتم أنفسكم بالنفاق والعاصي‪ ,‬وتربصتم بالنب الوت‬
‫وبالؤمني الدوائر‪ ,‬وشككتم ف البعث بعد الوت‪ ,‬وخدعتكم أمانيكم الباطلة‪ ,‬وبقيتم على ذلك حت‬
‫جاءكم الوت وخدعكم بال الشيطان‪.‬‬

‫س الْ َمصِيُ (‪)15‬‬


‫فَاْلَي ْومَ ل ُيؤْخَ ُذ ِمْنكُمْ فِ ْدَي ٌة وَل مِنْ الّذِينَ َكفَرُوا َم ْأوَاكُ ْم النّارُ هِ َي َموْلكُمْ َوِبْئ َ‬

‫فاليوم ل يُقبل من أحد منكم أيها النافقون عوض؛ ليفتدي به من عذاب ال‪ ,‬ول من الذين كفروا بال‬
‫ورسوله‪ ,‬مصيكم جيعًا النار‪ ,‬هي أول بكم من كل منل‪ ,‬وبئس الصي هي‪.‬‬

‫أَلَ ْم َيأْ نِ لِلّذِي نَ آ َمنُوا أَ نْ تَخْشَ عَ قُلُوُبهُ مْ ِلذِكْرِ اللّ ِه َومَا نَزَ َل مِ ْن الْحَقّ وَل َيكُونُوا كَالّذِي نَ أُوتُوا اْلكِتَا بَ‬
‫ستْ ُقلُوُبهُمْ وَكَثِ ٌي ِمْنهُمْ فَا ِسقُونَ (‪)16‬‬ ‫مِنْ َقبْلُ فَطَا َل عََلْيهِ ْم ا َلمَدُ َفقَ َ‬

‫أل ين الوقت للذين صدّقوا ال ورسوله واّتبَعوا هديه‪ ,‬أن تلي قلوبم عند ذكر ال وساع القرآن‪ ,‬ول‬
‫يكونوا ف قسوة القلوب كالذين أوتوا الكتاب من قبلهم‪ -‬من اليهود والنصارى‪ -‬الذين طال عليهم‬
‫الزمان فبدّلوا كلم ال‪ ,‬فقست قلوبم‪ ,‬وكثي منهم خارجون عن طاعة ال؟ وف الية الث على الرقة‬
‫والشوع ل سبحانه عند ساع ما أنزله من الكتاب والكمة‪ ,‬والذر من التشبه باليهود والنصارى‪ ,‬ف‬
‫قسوة قلوبم‪ ,‬وخروجهم عن طاعة ال‪.‬‬

‫ض َبعْ َد َموِْتهَا قَ ْد َبّينّا َلكُمْ اليَاتِ َلعَّلكُ ْم َتعْقِلُونَ (‪)17‬‬


‫حيِ الَ ْر َ‬
‫اعَْلمُوا َأنّ اللّهَ يُ ْ‬

‫اعلموا أن ال سبحانه وتعال ييي الرض بالطر بعد موتا‪ ,‬فتُخرِج النبات‪ ,‬فكذلك ال قادر على إحياء‬
‫الوتى يوم القيامة‪ ,‬وهو القادر على تليي القلوب بعد قسوتا‪ .‬قد بينّا لكم دلئل قدرتنا؛ لعلكم تعقلونا‬
‫فتتعظوا‪.‬‬

‫‪1016‬‬
‫ت َوأَقْرَضُوا اللّهَ قَرْضا حَسَنا ُيضَاعَفُ َلهُ ْم وََلهُمْ أَ ْجرٌ كَ ِريٌ (‪)18‬‬
‫ي وَالْ ُمصّدّقَا ِ‬
‫ِإنّ الْ ُمصّدّقِ َ‬

‫إن التصدتقي من أموالم والتصدقات‪ ,‬وأنفقوا ف سبيل ال نفقات طيبة با نفوسهم؛ ابتغاء وجه ال‬
‫تعال‪ ,‬يضاعف لم ثواب ذلك‪ ,‬ولم فوق ذلك ثواب جزيل‪ ,‬وهو النة‪.‬‬

‫شهَدَاءُ عِنْدَ َرّبهِمْ َلهُمْ أَجْ ُرهُ ْم َونُو ُرهُ ْم وَالّذِينَ َكفَرُوا‬
‫ك هُ ْم الصّدّيقُونَ وَال ّ‬
‫وَالّذِينَ آ َمنُوا بِاللّ ِه َورُسُلِهِ ُأوْلَئِ َ‬
‫وَكَ ّذبُوا بِآيَاِتنَا ُأوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (‪)19‬‬

‫والذين آمنوا بال ورسله ول يفرّقوا بي أحد منهم‪ ,‬أولئك هم الصديقون الذين كمُل تصديقهم با‬
‫جاءت به الرسل‪ ،‬اعتقادًا وقول وعمل‪ ،‬والشهداء عند ربم لم ثوابم الزيل عند ال‪ ,‬ونورهم العظيم‬
‫يوم القيامة‪ ,‬والذين كفروا وكذّبوا بأدلتنا وحججنا أولئك أصحاب الحيم‪ ,‬فل أجر لم‪ ,‬ول نور‪.‬‬

‫ْثه‬
‫ُمه َوَتكَاثُرٌ فِي ا َل ْموَالِ وَا َلوْلدِ كَ َمثَ ِل َغي ٍ‬ ‫ِبه وََل ْه ٌو وَزِيَنةٌ َوَتفَاخُ ٌر َبْينَك ْ‬
‫حيَاةُ ال ّدنْيَا َلع ٌ‬
‫اعَْلمُوا َأنّمَا الْ َ‬
‫ب شَدِي ٌد َو َمغْفِ َرٌة مِ نْ اللّ هِ‬
‫ب الْ ُكفّا َر َنبَاتُ ُه ثُمّ َيهِي جُ َفتَرَا هُ مُ صْفَرّا ثُمّ َيكُو نُ ُحطَاما وَفِي الخِ َرةِ عَذَا ٌ‬
‫َأعْجَ َ‬
‫حيَاةُ ال ّدْنيَا إِ ّل َمتَاعُ اْلغُرُورِ (‪)20‬‬ ‫ضوَا ٌن َومَا الْ َ‬
‫وَرِ ْ‬

‫اعلموا ‪-‬أيها الناس‪ -‬أنا الياة الدنيا لعب ولو‪ ,‬تلعب با البدان وتلهو با القلوب‪ ,‬وزينة تتزينون با‪,‬‬
‫وتفاخر بينكم بتاعها‪ ,‬وتكاثر بالعدد ف الموال والولد‪ ,‬مثلها كمثل مطر أعجب الزّرّاع نباته‪ ,‬ث‬
‫يهيج هذا النبات فييبس‪ ,‬فتراه مصفرًا بعد خضرته‪ ,‬ث يكون فُتاتًا يابسًا متهشمًا‪ ,‬وف الخرة عذاب‬
‫شديد للكفار ومغفرة من ال ورضوان لهل اليان‪ .‬وما الياة الدنيا لن عمل لا ناسيًا آخرته إل متاع‬
‫الغرور‪.‬‬

‫ض ال سّمَا ِء وَالَرْ ضِ أُعِدّ تْ ِللّذِي نَ آ َمنُوا بِاللّ ِه وَرُ سُلِهِ‬


‫سَاِبقُوا إِلَى َم ْغفِ َرةٍ مِ نْ َربّكُ ْم وَ َجّن ٍة عَرْضُهَا َكعَرْ ِ‬
‫ذَلِكَ َفضْلُ اللّ ِه ُي ْؤتِيهِ مَ ْن يَشَا ُء وَاللّهُ ذُو اْل َفضْلِ الْعَظِيمِ (‪)21‬‬

‫سابقوا ‪-‬أيها الناس‪ -‬ف السعي إل أسباب الغفرة من التوبة النصوح والبتعاد عن العاصي؛ ِلتُجْ َزوْا‬
‫مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والرض‪ ,‬وهي ُمعَدّة للذين وحّدوا ال واّتبَعوا رسله‪,‬‬

‫‪1017‬‬
‫ذلك فضل ال الذي يؤتيه مَن يشاء مِن خلقه‪ ,‬فالنة ل تُنال إل برحة ال وفضله‪ ,‬والعمل الصال‪ .‬وال‬
‫ذو الفضل العظيم على عباده الؤمني‪.‬‬

‫ك عَلَى اللّ هِ‬


‫ض وَل فِي َأنْفُ سِكُمْ إِلّ فِي ِكتَا بٍ مِ نْ َقبْلِ أَ ْن َنبْ َرأَهَا إِنّ ذَلِ َ‬
‫ب مِ ْن مُ صِيَبةٍ فِي الَرْ ِ‬
‫مَا أَ صَا َ‬
‫يَسِيٌ (‪)22‬‬

‫ما أصابكم‪ -‬أيها الناس‪ -‬من مصيبة ف الرض ول ف أنفسكم من المراض والوع والسقام إل هو‬
‫مكتوب ف اللوح الحفوظ من قبل أن تُخْلَق الليقة‪ .‬إن ذلك على ال تعال يسي‪.‬‬

‫ِينه‬
‫ختَالٍ فَخُورٍ (‪ )23‬الّذ َ‬
‫ّهه ل يُحِبّ كُ ّل ُم ْ‬
‫ُمه وَالل ُ‬ ‫ُمه وَل َتفْرَحُوا بِمَا آتَاك ْ‬ ‫ْسهوْا عَلَى مَا فَاَتك ْ‬ ‫ِلكَيْل َتأ َ‬
‫خ ِل َومَنْ يََتوَلّ فَِإنّ اللّ َه ُهوَ اْل َغنِ ّي الْحَمِيدُ (‪)24‬‬
‫َيبْخَلُونَ َوَي ْأمُرُونَ النّاسَ بِاْلبُ ْ‬

‫ح بطر وأشر‪ .‬وال ل يب كل متكب‬ ‫لكي ل تزنوا على ما فاتكم من الدنيا‪ ,‬ول تفرحوا با آتاكم فر َ‬
‫با أوت من الدنيا فخور به على غيه‪ .‬هؤلء التكبون هم الذين يبخلون بالم‪ ,‬ول ينفقونه ف سبيل‬
‫ال‪ ,‬ويأمرون الناس بالبخل بتحسينه لم‪ .‬ومن يتو ّل عن طاعة ال ل يضر إل نفسه‪ ,‬ولن يضر ال شيئًا‪,‬‬
‫فإن ال هو الغن عن خلقه‪ ,‬الميد الذي له كل وصف حسن كامل‪ ,‬وفعل جيل يستحق أن يمد‬
‫عليه‪.‬‬

‫ط َوَأنْزَْلنَا الْحَدِيدَ فِي ِه بَأْ سٌ‬


‫س بِاْلقِ سْ ِ‬
‫ب وَالْمِيزَا نَ ِليَقُو مَ النّا ُ‬
‫َلقَدْ أَرْ َس ْلنَا رُ سَُلنَا بِاْلَبيّنَا تِ َوَأنْزَْلنَا َم َعهُ ْم الْ ِكتَا َ‬
‫ي َعزِيزٌ (‪)25‬‬ ‫س وَِليَعَْلمَ اللّ ُه مَ ْن َينْصُ ُر ُه وَ ُرسُلَ ُه بِاْل َغْيبِ ِإنّ اللّهَ َقوِ ّ‬
‫شَدِي ٌد َو َمنَافِعُ لِلنّا ِ‬

‫لقد أرسلنا رسلنا بالجج الواضحات‪ ,‬وأنزلنا معهم الكتاب بالحكام والشرائع‪ ,‬وأنزلنا اليزان؛ ليتعامل‬
‫الناس بينهم بالعدل‪ ,‬وأنزلنا لم الديد‪ ,‬فيه قوة شديدة‪ ,‬ومنافع للناس متعددة‪ ,‬وليعلم ال علمًا ظاهرًا‬
‫للخلق من ينصر دينه ورسله بالغيب‪ .‬إن ال قوي ل ُي ْقهَر‪ ,‬عزيز ل يغالَب‪.‬‬

‫وََلقَدْ أَ ْرسَ ْلنَا نُوحا َوإِبْرَاهِي َم وَ َجعَ ْلنَا فِي ذُ ّرّيِتهِمَا النُّب ّوةَ وَاْلكِتَابَ فَ ِمْنهُ ْم ُم ْهتَ ٍد وَ َكثِيٌ ِمْنهُمْ فَا ِسقُونَ (‪)26‬‬

‫‪1018‬‬
‫ولقد أرسلنا نوحًا وإبراهيم إل قومهما‪ ,‬وجعلنا ف ذريتهما النبوة والكتب النلة‪ ,‬فمِن ذريتهما مهتدٍ إل‬
‫الق‪ ,‬وكثي منهم خارجون عن طاعة ال‪.‬‬

‫ثُمّ َق ّفْينَا عَلَى آثَا ِرهِ ْم بِرُ سُِلنَا وََق ّفيْنَا ِبعِي سَى ابْ ِن مَ ْريَ َم وَآتَْينَا ُه الِنِي َل وَ َجعَ ْلنَا فِي قُلُو بِ الّذِي َن اتَّبعُو هُ َرأَْفةً‬
‫ضوَا نِ اللّ هِ فَمَا َر َعوْهَا حَقّ ِرعَايَِتهَا فَآَتيْنَا الّذِي نَ‬ ‫وَرَحْ َم ًة َو َرهْبَاِنّيةً اْبتَ َدعُوهَامَا َكَتبْنَاهَا عََلْيهِ مْ إِلّ اْبتِغَاءَ رِ ْ‬
‫آ َمنُوا مِْنهُمْ أَ ْج َرهُ ْم وَ َكثِ ٌي ِمْنهُمْ فَا ِسقُونَ (‪)27‬‬

‫ث أتبعنا على آثار نوح وإبراهيم برسلنا الذين أرسلناهم بالبينات‪ ,‬وقفّينا بعيسى بن مري‪ ,‬وآتيناه النيل‪,‬‬
‫وجعلنا ف قلوب الذين اتبعوه على دينه لينًا وشفقة‪ ,‬فكانوا متوادّين فيما بينهم‪ ,‬وابتدعوا رهبانية بالغلوّ‬
‫ف العبادة ما فرضناها عليهم‪ ,‬بل هم الذين التزموا با من تلقاء أنفسهم‪َ ,‬قصْدُهم بذلك رضا ال‪ ,‬فما‬
‫قاموا با حق القيام‪ ،‬فآتينا الذين آمنوا منهم بال ورسله أجرهم حسب إيانم‪ ,‬وكثي منهم خارجون عن‬
‫طاعة ال مكذبون بنيه ممد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫جعَلْ َلكُ مْ نُورا تَمْشُو نَ بِ هِ‬


‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا اّتقُوا اللّ َه وَآ ِمنُوا بِرَ سُولِهِ ُي ْؤتِكُ مْ ِكفَْليْ ِن مِ نْ رَ ْح َمتِ ِه َويَ ْ‬
‫َويَ ْغفِرْ َلكُ ْم وَاللّ ُه َغفُورٌ رَحِيمٌ (‪)28‬‬

‫يا أيها الذين آمنوا‪ ,‬امتثلوا أوامر ال واجتنبوا نواهيه وآمنوا برسوله‪ ,‬يؤتكم ضعفي من رحته‪ ,‬ويعل‬
‫لكم نورًا تتدون به‪ ,‬ويغفر لكم ذنوبكم‪ ,‬وال غفور لعباده‪ ,‬رحيم بم‪.‬‬

‫لَ ّل يَعَْلمَ َأهْلُ اْل ِكتَابِ أَ ّل َيقْدِرُونَ عَلَى َشيْءٍ مِ نْ َفضْلِ اللّ ِه َوأَنّ اْلفَضْ َل ِبيَدِ اللّ ِه ُيؤْتِي ِه مَ ْن يَشَا ُء وَاللّهُ ذُو‬
‫الْ َفضْ ِل اْلعَظِيمِ (‪)29‬‬

‫أعطاكم ال تعال ذلك كله؛ ليعلم أهل الكتاب الذين ل يؤمنوا بحمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أنم ل‬
‫يقدرون على شيء مِن فضل ال يكسبونه لنفسهم أو ينحونه لغيهم‪ ,‬وأن الفضل كله بيد ال وحده‬
‫يؤتيه مَن يشاء من عباده‪ ,‬وال ذو الفضل العظيم على خلقه‪.‬‬

‫‪1019‬‬
1020
‫الزء الثامن والعشرون ‪:‬‬

‫‪ -58‬سورة الجادلة‬

‫شَتكِي إِلَى اللّ ِه وَاللّ ُه يَسْمَ ُع َتحَاوُرَكُمَا ِإنّ اللّهَ َسمِي ٌع بَصِيٌ‬
‫قَدْ سَ ِمعَ اللّهُ َقوْ َل الّتِي تُجَادِلُكَ فِي َزوْ ِجهَا َوتَ ْ‬
‫(‪)1‬‬

‫قد سع ال قول خولة بنت ثعلبة الت تراجعت ف شأن زوجها أوس بن الصامت‪ ,‬وفيما صدر عنه ف‬
‫حقها من الظّهار‪ ،‬وهو قوله لا‪" :‬أنت عليّ كظهر أمي"‪ ،‬أي‪ :‬ف حرمة النكاح‪ ،‬وهي تتضرع إل ال‬
‫تعال; لتفريج كربتها‪ ،‬وال يسمع تاطبكما ومراجعتكما‪ .‬إن ال سيع لكل قول‪ ،‬بصي بكل شيء‪ ،‬ل‬
‫تفى عليه خافية‪.‬‬

‫الّذِي َن يُظَاهِرُو نَ ِمْنكُ ْم مِ ْن نِ سَاِئهِ ْم مَا هُنّ ُأمّهَاِتهِ مْ إِ نْ ُأ ّمهَاُتهُ مْ إِ ّل اللّئِي وَلَ ْدَنهُ ْم َوِإنّهُ مْ َلَيقُولُو َن ُمنْكَرا‬
‫مِ ْن اْلقَوْ ِل وَزُورا َوِإنّ اللّهَ َلعَ ُف ّو َغفُورٌ (‪)2‬‬

‫الذين يُظاهرون منكم من نسائهم‪ ،‬فيقول الرجل منهم لزوجته‪" :‬أنت عليّ كظهر أمي" ‪-‬أي ف حرمة‬
‫النكاح‪ -‬قد عصوا ال وخالفوا الشرع‪ ،‬ونساؤهم لَسْنَ ف القيقة أمهاتم‪ ,‬إنا هن زوجاتم‪ ,‬ما أمهاتم‬
‫إل اللئي ولدنم‪ .‬وإن هؤلء الظاهِرين ليقولون قول كاذبًا فظيعًا ل تُعرف صحته‪ .‬وإن ال لعفو غفور‬
‫عمّن صدر منه بعض الخالفات‪ ،‬فتداركها بالتوبة النصوح‪.‬‬

‫وَالّذِي َن يُظَاهِرُو َن مِ نْ نِ سَاِئهِ ْم ثُمّ َيعُودُو نَ لِمَا قَالُوا َفَتحْرِيرُ رََقَبةٍ مِ نْ َقبْلِ أَ ْن يَتَمَا سّا ذَِلكُ ْم تُوعَظُو َن بِ هِ‬
‫وَاللّهُ بِمَا َتعْمَلُونَ َخبِيٌ (‪)3‬‬

‫والذين يرّمون نساءهم على أنفسهم بالظاهَرة منهن‪ ,‬ث يرجعون عن قولم ويعزمون على وطء‬
‫نسائهم‪ ،‬فعلى الزوج الظاهِر‪ -‬والالة هذه‪ -‬كفارة التحري‪ ،‬وهي عتق رقبة مؤمنة عبد أو أمة قبل أن‬

‫‪1021‬‬
‫يطأ زوجته الت ظاهر منها‪ ،‬ذلكم هو حكم ال فيمن ظاهر مِن زوجته توعظون به‪ ،‬أيها الؤمنون; لكي‬
‫ل تقعوا ف الظهار وقول الزور‪ ،‬وُتكَفّروا إن وقعتم فيه‪ ،‬ولكي ل تعودوا إليه‪ ،‬وال ل يفى عليه شيء‬
‫من أعمالكم‪ ،‬وهو مازيكم عليها‪.‬‬

‫ي مِ سْكِينا ذَلِ كَ‬


‫ستَطِعْ فَِإ ْطعَا مُ ِستّ َ‬
‫صيَامُ َشهْ َريْ ِن ُمتَتَاِبعَيْ ِن مِ نْ َقبْلِ أَ نْ َيتَمَا سّا َفمَ نْ لَ ْم يَ ْ‬
‫فَمَ نْ لَ ْم يَجِدْ فَ ِ‬
‫ِلُتؤْ ِمنُوا بِاللّ ِه وَ َرسُولِ ِه َوتِلْكَ ُحدُودُ اللّ ِه وَلِ ْلكَافِرِي َن عَذَابٌ أَلِيمٌ ( ‪)4‬‬

‫فمن ل يد رقبة يُعتقها‪ ،‬فالواجب عليه صيام شهرين متتاليي من قبل أن يطأ زوجه‪ ,‬فمن ل يستطع‬
‫صيام الشهرين لعذر شرعي‪ ,‬فعليه أن يطعم ستي مسكينًا ما يشبعهم‪ ،‬ذلك الذي بينّاه لكم من أحكام‬
‫الظهار; من أجل أن تصدّقوا بال وتتبعوا رسوله وتعملوا با شرعه ال‪ ,‬وتتركوا ما كنتم عليه ف‬
‫جاهليتكم‪ ,‬وتلك الحكام الذكورة هي أوامر ال وحدوده فل تتجاوزوها‪ ,‬وللجاحدين با عذاب‬
‫موجع‪.‬‬

‫ت َبيّنَا تٍ وَلِ ْلكَافِرِي نَ‬


‫إِنّ الّذِي َن يُحَادّو نَ اللّ َه وَرَ سُولَهُ ُكِبتُوا كَمَا ُكبِ تَ الّذِي َن مِ نْ َقبِْل ِه ْم وَقَدْ َأنْزَلْنَا آيَا ٍ‬
‫عَذَابٌ ُمهِيٌ (‪)5‬‬

‫إن الذين يشاقون ال ورسوله ويالفون أمرها خُذِلوا وأُهينوا‪ ،‬كما ُخذِل الذين من قبلهم من المم‬
‫الذين حادّوا ال ورسله‪ ,‬وقد أنزلنا آيات واضحات الُجّة تدل على أن شرع ال وحدوده حق‪،‬‬
‫ولاحدي تلك اليات عذاب مُذلّ ف جهنم‪.‬‬

‫َي ْومَ َيْبعَُثهُمْ اللّهُ َجمِيعا َفُيَنبُّئهُ ْم بِمَا عَ ِملُوا أَ ْحصَاهُ اللّ ُه َونَسُو ُه وَاللّهُ عَلَى كُ ّل َشيْ ٍء َشهِيدٌ (‪)6‬‬

‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬يوم القيامة‪ ,‬يوم ييي ال الوتى جيعًا‪ ,‬ويمع الولي والخرين ف صعيد واحد‪،‬‬
‫فيخبهم با عملوا من خي وشر‪ ،‬أحصاه ال وكتبه ف اللوح الحفوظ‪ ،‬وحفظه عليهم ف صحائف‬
‫أعمالم‪ ،‬وهم قد نسوه‪ .‬وال على كل شيء شهيد‪ ،‬ل يفى عليه شيء‪.‬‬

‫جوَى ثَلثَةٍ إِ ّل ُهوَ رَاِب ُعهُ ْم وَل‬


‫ض مَا َيكُو نُ مِ ْن نَ ْ‬
‫أَلَ ْم َترَى أَنّ اللّ َه َيعْلَ ُم مَا فِي ال سّ َموَاتِ َومَا فِي الَرْ ِ‬

‫‪1022‬‬
‫ك وَل أَ ْكثَرَ إِ ّل هُ َو َم َعهُ مْ َأيْ نَ مَا كَانُوا ثُمّ يَُنّبُئهُ ْم بِمَا عَمِلُوا َيوْمَ‬
‫سةٍ إِ ّل هُوَ سَا ِد ُسهُ ْم وَل أَ ْدنَى مِ نْ ذَلِ َ‬
‫خَمْ َ‬
‫الْ ِقيَا َمةِ ِإنّ اللّ َه ِبكُلّ َشيْ ٍء عَلِيمٌ (‪)7‬‬

‫أل تعلم أن ال تعال يعلم كل شيء ف السموات والرض؟ ما يتناجى ثلثة مِن خلقه بديث سرّ إل هو‬
‫رابعهم بعلمه وإحاطته‪ ,‬ول خسة إل هو سادسهم‪ ،‬ول أق ّل من هذه العداد الذكورة ول أكث ُر منها إل‬
‫ي مكان كانوا‪ ,‬ل يفى عليه شيء من أمرهم‪ ,‬ث يبهم تعال يوم القيامة با عملوا‬ ‫هو معهم بعلمه ف أ ّ‬
‫من خي وشر ويازيهم عليه‪ .‬إن ال بكل شيء عليم‪.‬‬

‫جوَى ثُمّ َيعُودُو نَ لِمَا ُنهُوا عَنْ هُ َوَيَتنَا َجوْ َن بِالِثْ ِم وَالْعُ ْدوَا ِن َو َمعْ صَِي ِة‬ ‫أَلَ ْم َترَى إِلَى الّذِي نَ ُنهُوا عَ ْن النّ ْ‬
‫سُبهُمْ‬
‫سهِمْ َلوْل ُيعَ ّذبُنَا اللّ ُه بِمَا نَقُولُ حَ ْ‬ ‫ك بِهِ اللّ ُه َوَيقُولُونَ فِي أَنفُ ِ‬
‫حيّ َ‬
‫الرّسُو ِل َوإِذَا جَاءُوكَ َحّيوْكَ بِمَا لَ ْم يُ َ‬
‫َج َهنّ ُم َيصَْل ْوَنهَا َفِبْئسَ الْ َمصِيُ (‪)8‬‬

‫أل تر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إل اليهود الذين نُهوا عن الديث سرّا با يثي الشك ف نفوس الؤمني‪ ,‬ث‬
‫يرجعون إل ما نُهوا عنه‪ ،‬ويتحدثون سرّا با هو إث وعدوان ومالفة لمر الرسول؟ وإذا جاءك ‪-‬أيها‬
‫الرسول‪ -‬هؤلء اليهود لمر من المور حيّوك بغي التحية الت جعلها ال لك تية‪ ،‬فقالوا‪( :‬السام عليك)‬
‫أي‪ :‬الوت لك‪ ,‬ويقولون فيما بينهم‪ :‬هل يعاقبنا ال با نقول لحمد إن كان رسول حقًا‪ ,‬تكفيهم جهنم‬
‫يدخلونا‪ ,‬ويقاسون حرها‪ ،‬فبئس الرجع هي‪.‬‬

‫صَيةِ الرّ سُولِ َوتَنَا َجوْا بِالْبِرّ وَالّت ْقوَى‬


‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا إِذَا َتنَا َجْيتُم ْه فَل َتتَنَا َجوْا بِا ِلثْمِه وَاْلعُ ْدوَانِه َو َمعْ ِ‬
‫وَاّتقُوا اللّ َه الّذِي إَِليْهِ ُتحْشَرُونَ (‪)9‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬إذا تدثتم فيما بينكم سرًا‪ ،‬فل تتحدثوا با فيه إث من‬
‫القول‪ ،‬أو با هو عدوان على غيكم‪ ,‬أو مالفة لمر الرسول‪ ،‬وتدثوا با فيه خي وطاعة وإحسان‪،‬‬
‫وخافوا ال بامتثالكم أوامره واجتنابكم نواهيه‪ ،‬فإليه وحده مرجعكم بميع أعمالكم وأقوالكم الت‬
‫أحصاها عليكم‪ ,‬وسيجازيكم با‪.‬‬

‫س ِبضَا ّرهِ ْم َشيْئا إِ ّل بِإِذْ نِ اللّ ِه َوعَلَى اللّ هِ فَ ْلَيَتوَكّلْ‬


‫حزُ َن الّذِي نَ آ َمنُوا وََليْ َ‬
‫شيْطَا نِ ِليَ ْ‬
‫جوَى مِ نْ ال ّ‬
‫ِإنّمَا النّ ْ‬

‫‪1023‬‬
‫الْ ُم ْؤمِنُونَ (‪)10‬‬

‫إنا التحدث خفية بالث والعدوان من وسوسة للشيطان‪ ،‬فهو الزيّن لا‪ ,‬والامل عليها; ليُ ْدخِل الزن‬
‫على قلوب الؤمني‪ ،‬وليس ذلك بؤذي الؤمني شيئًا إل بشيئة ال تعال وإرادته‪ .‬وعلى ال وحده‬
‫فليعتمد الؤمنون به‪.‬‬

‫سحُوا َيفْ سَحْ اللّ هُ َلكُ ْم َوإِذَا قِي َل انشُزُوا‬


‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا إِذَا قِيلَ َلكُ مْ تَفَ سّحُوا فِي الْمَجَالِ سِ فَافْ َ‬
‫ت وَاللّ ُه بِمَا َتعْمَلُونَ َخبِيٌ (‪)11‬‬‫فَانشُزُوا َيرْفَعْ اللّ ُه الّذِينَ آ َمنُوا ِمنْكُ ْم وَالّذِينَ أُوتُوا الْعِ ْلمَ دَ َرجَا ٍ‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬إذا طُلب منكم أن يوسع بعضكم لبعض الجالس‬
‫فأوسعوا‪ ،‬يوسع ال عليكم ف الدنيا والخرة‪ ،‬وإذا طلب منكم‪ -‬أيها الؤمنون‪ -‬أن تقوموا من مالسكم‬
‫لمر من المور الت يكون فيها خي لكم فقوموا‪ ،‬يرفع ال مكانة الؤمني الخلصي منكم‪ ،‬ويرفع مكانة‬
‫أهل العلم درجات كثية ف الثواب ومراتب الرضوان‪ ,‬وال تعال خبي بأعمالكم ل يفى عليه شيء‬
‫منها‪ ,‬وهو مازيكم عليها‪ .‬وف الية تنويه بكانة العلماء وفضلهم‪ ،‬ورفع درجاتم‪.‬‬

‫صدََقةً ذَلِ كَ َخيْرٌ َلكُ ْم َوأَ ْطهَرُ فَإِ نْ لَ مْ‬


‫جوَاكُ مْ َ‬
‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا إِذَا نَا َجْيتُ مْ الرّ سُولَ َفقَ ّدمُوا َبيْ نَ يَدَ يْ نَ ْ‬
‫تَجِدُوا فَِإنّ اللّ َه َغفُورٌ رَحِيمٌ (‪)12‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬إذا أردت أن تُكلّموا رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫سرّا بينكم وبينه‪ ،‬فقدّموا قبل ذلك صدقة لهل الاجة‪ ,‬ذلك خي لكم لا فيه من الثواب‪ ,‬وأزكى‬
‫لقلوبكم من الآث‪ ،‬فإن ل تدوا ما تتصدقون به فل حرج عليكم؛ فإن ال غفور لعباده الؤمني‪ ,‬رحيم‬
‫بم‪.‬‬

‫جوَاكُ مْ صَدَقَاتٍ فَِإذْ لَ ْم َت ْفعَلُوا َوتَا بَ اللّ ُه عََلْيكُ مْ َفأَقِيمُوا ال صّلةَ وَآتُوا‬
‫ي نَ ْ‬
‫َأَأشْ َف ْقتُ مْ أَ ْن ُتقَ ّدمُوا َبيْ َن يَدَ ْ‬
‫الزّكَاةَ َوَأطِيعُوا اللّ َه وَ َرسُولَ ُه وَاللّهُ َخبِ ٌي بِمَا َتعْمَلُونَ (‪)13‬‬

‫‪1024‬‬
‫أخشيتم الفقر إذا قدّمتم صدقة قبل مناجاتكم رسول ال؟ فإذْ ل تفعلوا ما أُمرت به‪ ،‬وتاب ال عليكم‪,‬‬
‫ورخّص لكم ف أل تفعلوه‪ ،‬فاثبتوا وداوموا على إقام الصلة وإيتاء الزكاة وطاعة ال ورسوله ف كل ما‬
‫أُمرت به‪ ,‬وال سبحانه خبي بأعمالكم‪ ,‬ومازيكم عليها‪.‬‬

‫ب َوهُ مْ‬
‫أَلَ ْم تَرَى إِلَى الّذِي نَ َتوَّلوْا َقوْما َغضِ بَ اللّ ُه عََلْيهِ ْم مَا هُ ْم ِمنْكُ ْم وَل ِمْنهُ مْ َويَحِْلفُو نَ عَلَى الْكَذِ ِ‬
‫َيعْلَمُونَ (‪)14‬‬

‫أل تر إل النافقي الذين اتذوا اليهود أصدقاء ووالوهم؟ والنافقون ف القيقة ليسوا من السلمي ول من‬
‫اليهود‪ ،‬ويلفون كذبًا أنم مسلمون‪ ،‬وأنك رسول ال‪ ,‬وهم يعلمون أنم كاذبون فيما حلفوا عليه‪.‬‬

‫َأعَدّ اللّهُ َلهُ ْم عَذَابا شَدِيدا ِإّنهُ ْم سَا َء مَا كَانُوا َيعْمَلُونَ (‪)15‬‬

‫أعدّ ال لؤلء النافقي عذابًا بالغ الشدة والل‪ ,‬إنم ساء ما كانوا يعملون من النفاق واللف على‬
‫الكذب‪.‬‬

‫اتّخَذُوا َأيْمَاَنهُمْ ُجّنةً َفصَدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ فََل ُه ْم عَذَابٌ ُمهِيٌ (‪)16‬‬

‫اتذ النافقون أيانم الكاذبة وقاية لم من القتل بسبب كفرهم‪ ,‬ولنع السلمي عن قتالم وأخذ أموالم‪,‬‬
‫فبسبب ذلك صدّوا أنفسهم وغيهم عن سبيل ال وهو السلم‪ ،‬فلهم عذاب مُذلّ ف النار؛‬
‫لستكبارهم عن اليان بال ورسوله وصدّهم عن سبيله‪.‬‬

‫ب النّا ِر هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (‪)17‬‬


‫لَ ْن ُت ْغنِ َي َعنْهُمْ َأ ْموَالُهُ ْم وَل َأوْل ُدهُ ْم مِنْ اللّ ِه َشيْئا ُأوَْلئِكَ أَصْحَا ُ‬

‫لن تدفع عن النافقي أموالم ول أولدهم مِن عذاب ال شيئًا‪ ،‬أولئك أهل النار يدخلونا فيبقون فيها‬
‫أبدا‪ ,‬ل يرجون منها‪ .‬وهذا الزاء يعم كلّ من صدّ عن دين ال بقوله أو فعله‪.‬‬

‫سبُونَ َأنّهُ ْم عَلَى َشيْءٍ أَل إِّنهُ ْم هُ ْم اْلكَا ِذبُونَ‬


‫َيوْ َم يَْب َعُثهُمْ اللّهُ جَمِيعا َفيَحِْلفُونَ لَهُ كَمَا َيحِْلفُونَ َلكُ ْم َويَحْ َ‬

‫‪1025‬‬
‫(‪)18‬‬

‫يوم القيامة يبعث ال النافقي جيعًا من قبورهم أحياء‪ ,‬فيحلفون له أنم كانوا مؤمني‪ ،‬كما كانوا‬
‫يلفون لكم‪ -‬أيها الؤمنون‪ -‬ف الدنيا‪ ,‬ويعتقدون أن ذلك ينفعهم عند ال كما كان ينفعهم ف الدنيا‬
‫عند السلمي‪ ,‬أل إنم هم البالغون ف الكذب حدًا ل يبلغه غيهم‪.‬‬

‫شيْطَا ِن هُ ْم الْخَاسِرُونَ‬
‫حوَ َذ عََلْيهِمْ الشّيْطَانُ َفأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللّهِ ُأوَْلئِكَ حِزْبُ الشّيْطَانِ أَل ِإنّ ِحزْبَ ال ّ‬
‫ا ْستَ ْ‬
‫(‪)19‬‬

‫غلب عليهم الشيطان‪ ،‬واستول عليهم‪ ,‬حت تركوا أوامر ال والعمل بطاعته‪ ,‬أولئك حزب الشيطان‬
‫وأتباعه‪ .‬أل إن حزب الشيطان هم الاسرون ف الدنيا والخرة‪.‬‬

‫ِإنّ الّذِي َن يُحَادّونَ اللّ َه وَ َرسُولَهُ ُأوْلَئِكَ فِي الَذَلّيَ (‪)20‬‬

‫إن الذين يالفون أمر ال ورسوله‪ ،‬أولئك من جلة الذلء الغلوبي الهاني ف الدنيا والخرة‪.‬‬

‫ي عَزِيزٌ (‪)21‬‬
‫َكتَبَ اللّهُ َلغِْلبَنّ َأنَا وَ ُر ُسلِي ِإنّ اللّهَ َقوِ ّ‬

‫كتب ال ف اللوح الحفوظ و َحكَم بأن النصرة له ولكتابه ورسله وعباده الؤمني‪ .‬إن ال سبحانه قوي‬
‫ل يعجزه شيء‪ ,‬عزيز على خلقه‪.‬‬

‫ل تَجِدُ َقوْما ُي ْؤمِنُو نَ بِاللّ ِه وَاْلَيوْ مِ الخِ ِر ُيوَادّو نَ مَ نْ حَادّ اللّ هَ وَرَ سُولَهُ وََلوْ كَانُوا آبَا َءهُ مْ َأوْ َأْبنَا َءهُ مْ َأ ْو‬
‫ت تَجْرِي مِ نْ‬ ‫ح ِمنْ ُه َويُدْخُِلهُ مْ َجنّا ٍ‬ ‫إِ ْخوَاَنهُ مْ َأ ْو عَشِيََتهُ مْ ُأوَْلئِ كَ َكتَ بَ فِي ُقلُوبِهِ ْم الِيَا َن َوَأيّ َدهُ مْ بِرُو ٍ‬
‫حتِهَا ا َلْنهَارُ خَاِلدِي نَ فِيهَا َرضِ يَ اللّ ُه َعْنهُ ْم وَرَضُوا َعنْ هُ ُأوْلَئِ كَ ِحزْ بُ اللّ هِ أَل إِنّ ِحزْ بَ اللّ ِه هُ مْ‬ ‫تَ ْ‬
‫الْ ُمفْلِحُونَ (‪)22‬‬

‫ل تد ‪-‬أيها الرسول‪ -‬قومًا يصدّقون بال واليوم الخر‪ ،‬ويعملون با شرع ال لم‪ ,‬يبون ويوالون مَن‬
‫عادى ال ورسوله وخالف أمرها‪ ,‬ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانم أو أقرباءهم‪ ،‬أولئك الوالون‬

‫‪1026‬‬
‫ف ال والعادون فيه َثبّتَ ف قلوبم اليان‪ ,‬وقوّاهم بنصر منه وتأييد على عدوهم ف الدنيا‪ ،‬ويدخلهم ف‬
‫الخرة جنات تري مهن تته أشجارهها النار‪ ,‬ماكثيه فيهها زمانًا متدًا ل ينقطهع‪ ،‬أح ّل ال عليههم‬
‫رضوانه فل يسخط عليهم‪ ,‬ورضوا عن ربم با أعطاهم من الكرامات ورفيع الدرجات‪ ,‬أولئك حزب‬
‫ال وأولياؤه‪ ,‬وأولئك هم الفائزون بسعادة الدنيا والخرة‪.‬‬

‫‪ -59‬سورة الشر‬

‫حكِيمُ (‪)1‬‬
‫ض َو ُهوَ اْلعَزِي ُز الْ َ‬
‫ت َومَا فِي الَ ْر ِ‬
‫َسبّحَ لِلّ ِه مَا فِي السّ َموَا ِ‬

‫نزّه ال عن كل ما ل يليق به كلّ ما ف السموات وما ف الرض‪ ,‬وهو العزيز الذي ل يغالَب‪ ,‬الكيم‬
‫ف َقدَره وتدبيه وصنعه وتشريعه‪ ,‬يضع المور ف مواضعها‪.‬‬

‫خرُجُوا َو َظنّوا‬
‫ش ِر مَا ظََنْنتُ مْ أَ ْن يَ ْ‬
‫ج الّذِي نَ َكفَرُوا مِ نْ َأهْ ِل الْ ِكتَا بِ مِ نْ ِديَا ِرهِ مْ َلوّ ِل الْحَ ْ‬ ‫ُهوَ الّذِي أَ ْخرَ َ‬
‫ب يُخْ ِربُو نَ‬
‫سبُوا وَقَ َذ فَ فِي ُقلُوِبهِ مْ ال ّرعْ َ‬ ‫حتَ ِ‬
‫َأنّهُ ْم مَاِنعَُتهُ مْ حُ صُوُنهُ ْم مِ نْ اللّ هِ َفَأتَاهُ مْ اللّ ُه مِ نْ َحيْ ثُ لَ ْم يَ ْ‬
‫ُبيُوَتهُ ْم ِبأَيْدِيهِ ْم َوَأيْدِي الْ ُم ْؤمِنِيَ فَا ْعَتبِرُوا يَا أُولِي ا َلْبصَارِ (‪)2‬‬

‫هو‪ -‬سبحانه‪ -‬الذي أخرج الذين جحدوا نبوة ممد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬من أهل الكتاب‪ ,‬وهم يهود‬
‫بن النضي‪ ,‬من مساكنهم الت جاوروا با السلمي حول "الدينة"‪ ,‬وذلك أول إخراج لم من "جزيرة‬
‫العرب" إل "الشام"‪ ,‬ما ظننتم‪ -‬أيها السلمون ‪ -‬أن يرجوا من ديارهم بذا الذل والوان; لشدة بأسهم‬
‫وقوة منعتهم‪ ,‬وظن اليهود أن حصونم تدفع عنهم بأس ال ول يقدر عليها أحد‪ ,‬فأتاهم ال من حيث‬
‫ل ي طر ل م ببال‪ ,‬وأل قى ف قلوب م الوف والفزع الشد يد‪ ,‬يُخْربون بيوت م بأيدي هم وأيدي الؤمن ي‪,‬‬
‫فاتعظوا يا أصحاب البصائر السليمة والعقول الراجحة با جرى لم‪.‬‬

‫ب النّارِ (‪)3‬‬
‫وََلوْل َأنْ َكتَبَ اللّ ُه عََلْيهِ ْم الْجَلءَ َلعَ ّذَبهُمْ فِي ال ّدْنيَا وََلهُمْ فِي الخِ َر ِة عَذَا ُ‬

‫ولول أن كتب ال عليهم الروج مِن ديارهم وقضاه‪ ,‬لَعذّبم ف الدنيا بالقتل والسب‪ ,‬ولم ف الخرة‬

‫‪1027‬‬
‫عذاب النار‪.‬‬

‫ك ِبَأّنهُمْ شَاقّوا اللّ َه وَ َرسُولَهُ َومَ ْن يُشَاقّ اللّهَ فَِإنّ اللّ َه شَدِي ُد اْلعِقَابِ (‪)4‬‬
‫ذَلِ َ‬

‫ذلك‪ -‬الذي أصاب اليهود ف الدنيا وما ينتظرهم ف الخرة‪ -‬لنم خالفوا أمر ال وأمر رسوله أشدّ‬
‫الخالفة‪ ,‬وحاربوها وسعَوا ف معصيتهما‪ ,‬ومن يالف ال ورسوله فإن ال شديد العقاب له‪.‬‬

‫ي اْلفَاسِقِيَ (‪)5‬‬
‫خزِ َ‬
‫مَا قَ َط ْعتُ ْم مِنْ لِيَنةٍ َأ ْو تَرَ ْكتُمُوهَا قَائِ َم ًة عَلَى أُصُوِلهَا َفبِإِ ْذنِ اللّهِ وَلِيُ ْ‬

‫ما قطعتم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬من نلة أو تركتموها قائمة على ساقها‪ ,‬من غي أن تتعرضوا لا‪ ,‬فبإذن ال‬
‫وأمره؛ وليُذلّ بذلك الارجي عن طاعته الخالفي أمره ونيه‪ ,‬حيث سلّطكم على قطع نيلهم‬
‫وتريقها‪.‬‬

‫َومَا أَفَاءَ اللّ ُه عَلَى رَ سُولِهِ ِمْنهُ مْ فَمَا َأوْ َجفْتُ ْم عََليْ ِه مِ نْ َخيْ ٍل وَل رِكَا بٍ وَلَكِنّ اللّ َه يُ سَلّطُ رُ سُلَ ُه عَلَى مَ نْ‬
‫يَشَاءُ وَاللّ ُه عَلَى كُ ّل َشيْءٍ قَدِيرٌ (‪)6‬‬

‫وما أفاءه ال على رسوله من أموال يهود بن النضي‪ ,‬فلم تركبوا لتحصيله خيل ول إبل ولكن ال يسلّط‬
‫رسله على مَن يشاء مِن أعدائه‪ ,‬فيستسلمون لم بل قتال‪ ,‬والفيء ما أُخذ من أموال الكفار بق من غي‬
‫قتال‪ .‬وال على كل شيء قدير ل يعجزه شيء‪.‬‬

‫ي وَابْ ِن ال سّبِي ِل‬‫مَا أَفَاءَ اللّ ُه عَلَى رَ سُولِ ِه مِ نْ َأهْ ِل اْلقُرَى فَِللّ ِه وَلِلرّ سُو ِل وَلِذِي الْقُ ْربَى وَاْليَتَامَى وَالْمَ سَاكِ ِ‬
‫خذُو هُ َومَا َنهَاكُ ْم َعنْ هُ فَاْنَتهُوا وَاّتقُوا اللّ هَ إِنّ‬
‫كَ ْي ل يَكُو نَ دُوَل ًة َبيْ َن ا َلغِْنيَا ِء ِمنْكُ ْم َومَا آتَاكُ مْ الرّ سُولُ فَ ُ‬
‫اللّ َه شَدِي ُد اْلعِقَابِ (‪)7‬‬

‫ما أفاءه ال على رسوله من أموال مشركي أهل القرى من غي ركوب خيل ول إبل فلله ولرسوله‪,‬‬
‫ُيصْرف ف مصال السلمي العامة‪ ,‬ولذي قرابة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬واليتامى‪ ,‬وهم الطفال‬
‫الفقراء الذين مات آباؤهم‪ ,‬والساكي‪ ,‬وهم أهل الاجة والفقر‪ ,‬وابن السبيل‪ ,‬وهو الغريب السافر‬

‫‪1028‬‬
‫الذي َنفِدت نفقته وانقطع عنه ماله؛ وذلك حت ل يكون الال ملكًا متداول بي الغنياء وحدهم‪ ,‬ويرم‬
‫منه الفقراء والساكي‪ .‬وما أعطاكم الرسول من مال‪ ,‬أو شرعه لكم مِن شرع‪ ,‬فخذوه‪ ,‬وما ناكم عن‬
‫أَخْذه أو ِفعْله فانتهوا عنه‪ ,‬واتقوا ال بامتثال أوامره وترك نواهيه‪ .‬إن ال شديد العقاب لن عصاه‬
‫وخالف أمره ونيه‪ .‬والية أصل ف وجوب العمل بالسنة‪ :‬قول أو فعل أو تقريرًا‪.‬‬

‫ضوَانا َوَينْ صُرُونَ اللّ هَ‬


‫ل مِ نْ اللّ ِه وَرِ ْ‬
‫ضً‬‫لِ ْل ُفقَرَا ِء الْ ُمهَاجِرِي َن الّذِي نَ أُ ْخرِجُوا مِ نْ دِيا ِرهِ ْم َوَأ ْموَاِلهِ ْم َيْبتَغُو نَ َف ْ‬
‫ك هُ ْم الصّادِقُونَ (‪)8‬‬ ‫وَ َرسُولَهُ ُأوَْلئِ َ‬

‫وكذلك يُعطى من الال الذي أفاءه ال على رسوله الفقراء الهاجرون‪ ,‬الذين اضطرهم كفار "مكة" إل‬
‫الروج من ديارهم وأموالم يطلبون من ال أن يتفضل عليهم بالرزق ف الدنيا والرضوان ف الخرة‪,‬‬
‫وينصرون دين ال ورسوله بالهاد ف سبيل ال‪ ,‬أولئك هم الصادقون الذين صدّقوا قولم بفعلهم‪.‬‬

‫حبّو َن مَ ْن هَا َجرَ إِلَْيهِ ْم وَل يَجِدُو نَ فِي صُدُو ِرهِمْ حَا َج ًة مِمّ ا‬ ‫وَالّذِي نَ َتَبوّءُوا الدّا َر وَالِيَا نَ مِ نْ َقبِْل ِه ْم يُ ِ‬
‫ك هُ ْم الْ ُمفْلِحُونَ ( ‪)9‬‬
‫ق شُ ّح َنفْسِهِ َفُأوَْلئِ َ‬
‫ص ٌة َومَ ْن يُو َ‬
‫سهِمْ وََلوْ كَا َن ِبهِمْ َخصَا َ‬ ‫أُوتُوا َوُي ْؤثِرُونَ عَلَى َأْنفُ ِ‬

‫والذين استوطنوا "الدينة"‪ ,‬وآمنوا من قبل هجرة الهاجرين ‪-‬وهم النصار‪ -‬يبون الهاجرين‪,‬‬
‫ويواسونم بأموالم‪ ,‬ول يدون ف أنفسهم حسدًا لم ما ُأعْطوا من مال الفيء وغيه‪ ,‬وُيقَدّمون‬
‫الهاجرين وذوي الاجة على أنفسهم‪ ,‬ولو كان بم حاجة وفقر‪ ,‬ومن سَلِم من البخل و َمنْ ِع الفضل من‬
‫الال فأولئك هم الفائزون الذين فازوا بطلوبم‪.‬‬

‫جعَلْ فِي ُقلُوبِنَا غِلّ‬


‫وَالّذِي نَ جَاءُوا مِ ْن َبعْ ِدهِ ْم َيقُولُونَ َرّبنَا اغْفِرْ َلنَا وَلِ ْخوَاِننَا الّذِينَ َسَبقُونَا بِالِيَانِ وَل تَ ْ‬
‫لِلّذِينَ آ َمنُوا َرّبنَا ِإنّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (‪)10‬‬

‫والذين جاؤوا من الؤمني من بعد النصار والهاجرين الولي يقولون‪ :‬ربنا اغفر لنا ذنوبنا‪ ,‬واغفر‬
‫لخواننا ف الدين الذين سبقونا باليان‪ ,‬ول تعل ف قلوبنا حسدًا وحقدًا لحد من أهل اليان‪ ,‬ربنا‬
‫إنك رؤوف بعبادك‪ ,‬رحيم بم‪ .‬وف الية دللة على أنه ينبغي للمسلم أن يذكر سلفه بي‪ ,‬ويدعو لم‪,‬‬
‫وأن يب صحابة رسول ال‪ ,‬صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ويذكرهم بي‪ ,‬ويترضى عنهم‪.‬‬

‫‪1029‬‬
‫أَلَ ْم تَرى إِلَى الّذِي نَ نَاَفقُوا َيقُولُو نَ لِ ْخوَاِنهِ مْ الّذِي نَ َكفَرُوا مِ نْ َأهْ ِل الْ ِكتَا بِ َلئِ نْ ُأخْرِ ْجتُ مْ َلَنخْرُ َجنّ َمعَكُ مْ‬
‫شهَدُ ِإّنهُمْ َلكَا ِذبُونَ (‪)11‬‬ ‫وَل نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدا أَبَدا َوِإنْ قُوتِ ْلتُمْ َلَنْنصُ َرّنكُمْ وَاللّ ُه يَ ْ‬

‫أل تنظر إل النافقي‪ ,‬يقولون لخوانم ف الكفر من يهود بن النضي‪ :‬لئن أخرجكم ممد ومَن معه مِن‬
‫منازلكم لنخرجن معكم‪ ,‬ول نطيع فيكم أحدًا أبدًا سألَنا ِخذْلنكم أو ترك الروج معكم‪ ,‬ولئن‬
‫قاتلوكم لنعاوننكم عليهم؟ وال يشهد إن النافقي لكاذبون فيما وعدوا به يهود بن النضي‪.‬‬

‫خرُجُو نَ َم َعهُ ْم وََلئِ نْ قُوتِلُوا ل َينْ صُرُوَنهُمْ وَلَئِ ْن نَ صَرُوهُمْ َلُيوَلّنّ الَ ْدبَا َر ثُمّ ل يُنْ صَرُونَ (‬
‫َلئِ نْ أُخْ ِرجُوا ل يَ ْ‬
‫‪)12‬‬

‫لئن أُخرج اليهود من "الدينة" ل يرج النافقون معهم‪ ,‬ولئن قوتلوا ل يقاتلون معهم كما َوعَدوا‪ ,‬ولئن‬
‫قاتلوا معهم ليولُنّ الدبار فرارًا منهزمي‪ ,‬ث ل ينصرهم ال‪ ,‬بل يذلم‪ ,‬ويُذِلّهم‪.‬‬

‫َلنْتُمْ َأشَدّ َرهَْبةً فِي صُدُو ِرهِ ْم مِنْ اللّهِ ذَلِكَ بَِأّنهُمْ َق ْومٌ ل َي ْف َقهُونَ (‪)13‬‬

‫ف النافقي وخشيتهم إياكم‪ -‬أيها الؤمنون‪ -‬أعظم وأشد ف صدورهم من خوفهم وخشيتهم من‬
‫لَخو ُ‬
‫ال؛ وذلك بسبب أنم قوم ل يفقهون عظمة ال واليان به‪ ,‬ول يرهبون عقابه‪.‬‬

‫ْسهُبهُمْ جَمِيعا‬
‫ُمه شَدِي ٌد تَح َ‬
‫ْسههُ ْم َبيَْنه ْ‬
‫ِنه وَرَاءِ ُجدُ ٍر َبأ ُ‬
‫َصهنَةٍ َأ ْو م ْ‬
‫ُمه جَمِيعا إِلّ ف ِي ُقرًى مُح ّ‬ ‫ل ُيقَاتِلُوَنك ْ‬
‫ك ِبَأّنهُمْ َق ْو ٌم ل َي ْعقِلُونَ (‪)14‬‬
‫وَقُلُوُبهُ ْم َشتّى ذَلِ َ‬

‫ل يواجهكم اليهود بقتال متمعي إل ف قرى مصنة بالسوار والنادق‪ ,‬أو من خلف اليطان‪ ,‬عداوتم‬
‫فيما بينهم شديدة‪ ,‬تظن أنم متمعون على كلمة واحدة‪ ,‬ولكن قلوبم متفرقة؛ وذلك بسبب أنم قوم‬
‫ل يعقلون أمر ال ول يتدبرون آياته‪.‬‬

‫كَ َمثَ ِل الّذِي َن مِنْ َقبِْلهِمْ َقرِيبا ذَاقُوا َوبَالَ َأمْ ِرهِ ْم وََلهُ ْم عَذَابٌ أَلِيمٌ (‪)15‬‬

‫‪1030‬‬
‫مثل هؤلء اليهود فيما ح ّل بم من عقوبة ال كمثل كفار قريش يوم "بدر"‪ ,‬ويهود بن قينقاع‪ ,‬حيث‬
‫ذاقوا سوء عاقبة كفرهم وعداوتم لرسول ال صلى ال عليه وسلم ف الدنيا‪ ,‬ولم ف الخرة عذاب أليم‬
‫موجع‪.‬‬

‫ب اْلعَالَمِيَ (‪)16‬‬
‫شيْطَانِ إِذْ قَالَ ِللِنسَا ِن اكْفُرْ فَلَمّا َك َفرَ قَالَ ِإنّي بَرِي ٌء ِمنْكَ ِإنّي أَخَافُ اللّهَ رَ ّ‬
‫كَ َمثَلِ ال ّ‬

‫ومثل هؤلء النافقي ف إغراء اليهود على القتال و َوعْدهم بالنصر على رسول ال صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫كمثل الشيطان حي زيّن للنسان الكفر ودعاه إليه‪ ,‬فلما كفر قال‪ :‬إن بريء منك‪ ,‬إن أخاف ال رب‬
‫اللق أجعي‪.‬‬

‫َفكَا َن عَاِقَبتَهُمَا َأّنهُمَا فِي النّارِ خَالِ َديْنِ فِيهَا وَذَلِكَ َجزَاءُ الظّالِمِيَ (‪)17‬‬

‫فكان عاقبة أمر الشيطان والنسان الذي أطاعه فكفر‪ ,‬أنما ف النار‪ ,‬ماكثَيْن فيها أبدًا‪ ,‬وذلك جزاء‬
‫العتدين التجاوزين حدود ال‪.‬‬

‫يَا َأيّهَا الّذِينَ آ َمنُوا اّتقُوا اللّ َه وَْلَتنْظُ ْر َن ْفسٌ مَا َق ّد َمتْ ِلغَ ٍد وَاّتقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ َخبِ ٌي بِمَا َتعْمَلُونَ (‪)18‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬خافوا ال‪ ,‬واحذروا عقابه بفعل ما أمركم به وترك ما‬
‫ناكم عنه‪ ,‬ولتتدبر كل نفس ما قدمت من العمال ليوم القيامة‪ ,‬وخافوا ال ف كل ما تأتون وما‬
‫تَذَرون‪ ,‬إن ال سبحانه خبي با تعملون‪ ,‬ل يفى عليه شيء من أعمالكم‪ ,‬وهو مازيكم عليها‪.‬‬

‫سهُمْ ُأوَْلئِكَ هُ ْم اْلفَاسِقُونَ (‪)19‬‬


‫وَل تَكُونُوا كَالّذِي َن نَسُوا اللّهَ َفَأنْسَاهُمْ َأْنفُ َ‬

‫ول تكونوا‪ -‬أيها الؤمنون‪ -‬كالذين تركوا أداء حق ال الذي أوجبه عليهم‪ ,‬فأنساهم بسبب ذلك‬
‫حظوظ أنفسهم من اليات الت تنجيهم من عذاب يوم القيامة‪ ,‬أولئك هم الوصوفون بالفسق‪,‬‬
‫الارجون عن طاعة ال طاعة ورسوله‪.‬‬

‫‪1031‬‬
‫جّنةِ هُ ْم اْلفَائِزُونَ (‪)20‬‬
‫ب الْ َ‬
‫جّنةِ أَصْحَا ُ‬
‫ب الْ َ‬
‫ستَوِي أَصْحَابُ النّا ِر َوأَصْحَا ُ‬
‫ل يَ ْ‬

‫ل يستوي أصحاب النار العذّبون‪ ,‬وأصحاب النة النعّمون‪ ,‬أصحاب النة هم الظافرون بكل مطلوب‪,‬‬
‫الناجون من كل مكروه‪.‬‬

‫ك ا َل ْمثَا ُل نَضْ ِرُبهَا لِلنّاسِ َلعَّل ُهمْ‬


‫شَيةِ اللّ ِه َوتِلْ َ‬
‫َلوْ َأنْزَْلنَا هَذَا اْلقُرْآنَ عَلَى َجبَلٍ َل َرأَْيتَهُ خَاشِعا ُمتَصَدّعا مِ نْ خَ ْ‬
‫َيتَ َفكّرُونَ (‪)21‬‬

‫لو أنزلنا هذا القرآن على جبل من البال‪ ,‬ففهم ما فيه مِن وعد ووعيد‪ ,‬لبصَرْته على قوته وشدة‬
‫صلبته وضخامته‪ ،‬خاضعًا ذليل متشققًا من خشية ال تعال‪ .‬وتلك المثال نضربا‪ ,‬ونوضحها للناس ؛‬
‫لعلهم يتفكرون ف قدرة ال وعظمته‪ .‬وف الية حث على تدبر القرآن‪ ,‬وتفهم معانيه‪ ,‬والعمل به‪.‬‬

‫ب وَالشّهَا َد ِة ُهوَ الرّحْ َمنُ الرّحِيمُ (‪)22‬‬


‫ُهوَ اللّ ُه الّذِي ل إِلَهَ إِ ّل ُهوَ عَالِ ُم اْل َغيْ ِ‬

‫هو ال سبحانه وتعال العبود بق الذي ل إله سواه‪ ,‬عال السر والعلن‪ ,‬يعلم ما غاب وما حضر‪ ,‬هو‬
‫الرحن الذي وسعت رحته كل شيء‪ ,‬الرحيم بأهل اليان به‪.‬‬

‫جبّا ُر الْ ُمتَ َكبّرُ ُسبْحَانَ اللّ هِ‬


‫س ال سّل ُم الْ ُم ْؤمِ ُن الْ ُم َهيْمِ ُن اْلعَزِي ُز الْ َ‬
‫ك اْلقُدّو ُ‬
‫ُهوَ اللّ ُه الّذِي ل إِلَ هَ إِ ّل ُهوَ الْمَلِ ُ‬
‫عَمّا يُشْرِكُونَ (‪)23‬‬

‫هو ال العبود بق‪ ,‬الذي ل إله إل هو‪ ,‬اللك لميع الشياء‪ ,‬التصرف فيها بل مانعة ول مدافعة‪ ,‬النّه‬
‫عن كل نقص‪ ,‬الذي سلِم من كل عيب‪ ,‬الصدّق رسله وأنبياءه با ترسلهم به من اليات البينات‪,‬‬
‫الرقيب على كل خلقه ف أعمالم‪ ,‬العزيز الذي ل يغالَب‪ ,‬البار الذي قهر جيع العباد‪ ,‬وأذعن له سائر‬
‫اللق‪ ,‬التكبّر الذي له الكبياء والعظمة‪ .‬تنّه ال تعال عن كل ما يشركونه به ف عبادته‪.‬‬

‫ض َو ُهوَ اْلعَزِيزُ‬
‫سبّحُ لَ ُه مَا فِي ال سّ َموَاتِ وَالَرْ ِ‬
‫سنَى يُ َ‬
‫صوّرُ لَ ُه الَ سْمَا ُء الْحُ ْ‬
‫ئ الْمُ َ‬
‫ُهوَ اللّ ُه الْخَالِ ُق الْبَارِ ُ‬
‫حكِيمُ ْبِ (‪)24‬‬ ‫الْ َ‬

‫‪1032‬‬
‫هو ال سبحانه وتعال الالق القدر للخلق‪ ،‬البارئ النشئ الوجد لم على مقتضى حكمته‪ ,‬الصوّر‬
‫خلقه كيف يشاء‪ ,‬له سبحانه الساء السن والصفات العلى‪ ,‬يسبّح له جيع ما ف السموات والرض‪,‬‬
‫وهو العزيز شديد النتقام مِن أعدائه‪ ,‬الكيم ف تدبيه أمور خلقه‪.‬‬

‫‪ -60‬سورة المتحنة‬

‫خذُوا عَ ُدوّي َوعَ ُدوّكُ مْ َأوِْليَاءَ تُ ْلقُو نَ إِلَْيهِ ْم بِالْ َموَ ّد ِة وَقَدْ َكفَرُوا بِمَا جَاءَكُ ْم مِ ْن‬ ‫يَا أَيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ل تَتّ ِ‬
‫خرِجُونَ الرّسُو َل َوِإيّاكُمْ أَنْ ُت ْؤ ِمنُوا بِاللّهِ َرّبكُمْ إِنْ كُنتُمْ َخرَ ْجتُمْ ِجهَادا فِي َسبِيلِي وَاْبِتغَاءَ مَ ْرضَاتِي‬ ‫الْحَقّ يُ ْ‬
‫سبِيلِ (‪)1‬‬ ‫تُسِرّونَ إَِلْيهِ ْم بِالْ َموَ ّد ِة َوَأنَا َأعْلَ ُم بِمَا أَ ْخ َفيْتُ ْم َومَا َأعْلَنتُمْ َومَ ْن َي ْفعَلْ ُه ِمْنكُمْ َف َقدْ ضَ ّل َسوَاءَ ال ّ‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬ل تتخذوا عدوي وعدوكم خلصاء وأحباء‪ُ ,‬تفْضون‬
‫إليهم بالودة‪ ,‬فتخبونم بأخبار الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وسائر السلمي‪ ,‬وهم قد كفروا با‬
‫جاءكم من الق من اليان بال ورسوله وما نزل عليه من القرآن‪ ,‬يرجون الرسول ويرجونكم‪ -‬أيها‬
‫الؤمنون‪ -‬من "مكة"؛ لنكم تصدقون بال ربكم‪ ,‬وتوحدونه‪ ,‬إن كنتم‪ -‬أيها الؤمنون‪ -‬هاجرت‬
‫ماهدين ف سبيلي‪ ,‬طالبي مرضات عنكم‪ ,‬فل توالوا أعدائي وأعداءكم‪ُ ,‬تفْضون إليهم بالودة سرّا‪ ,‬وأنا‬
‫أعلم با أخفيتم وما أظهرت‪ ,‬ومن يفعل ذلك منكم فقد أخطأ طريق الق والصواب‪ ,‬وضلّ عن قصد‬
‫السبيل‪.‬‬

‫سَنَتهُمْ بِالسّوءِ َووَدّوا َل ْو تَ ْكفُرُونَ (‪)2‬‬


‫ِإنْ َيْثقَفُوكُ ْم َيكُونُوا َلكُمْ َأعْدَاءً َويَبْسُطُوا إَِلْيكُمْ َأيْ ِدَيهُمْ َوأَلْ ِ‬

‫إن يظفر بكم هؤلء الذين تُسرّون إليهم بالودة يكونوا حربًا عليكم‪ ,‬ويدوا إليكم أيديهم بالقتل‬
‫والسب‪ ,‬وألسنتهم بالسب والشتم‪ ,‬وهم قد تّنوْا‪ -‬على كل حال‪ -‬لو تكفرون مثلهم‪.‬‬

‫لَ ْن تَنفَ َعكُمْ أَرْحَا ُمكُ ْم وَل َأوْلدُكُ ْم َي ْومَ اْل ِقيَامَ ِة َي ْفصِلُ َبْيَنكُمْ وَاللّ ُه بِمَا َتعْ َملُو َن َبصِيٌ (‪)3‬‬

‫‪1033‬‬
‫لن تنفعكم قراباتكم ول أولدكم شيئًا حي توالون الكفار مِن أجلهم‪ ,‬يوم القيامة يفرق ال بينكم‪,‬‬
‫فيُدْخل أهل طاعته النة‪ ,‬وأهل معصيته النار‪ .‬وال با تعملون بصي‪ ,‬ل يفى عليه شيء من أقوالكم‬
‫وأعمالكم‪.‬‬

‫سَنةٌ فِي إِبْرَاهِي َم وَالّذِي نَ َمعَ هُ ِإذْ قَالُوا ِل َق ْو ِمهِ مْ ِإنّا ُبرَآءُ مِْنكُ مْ َومِمّا َت ْعبُدُو نَ مِ ْن‬‫قَدْ كَانَ تْ َلكُ مْ أُ ْسوَةٌ حَ َ‬
‫دُو نِ اللّ هِ َكفَرْنَا بِكُ ْم َوبَدَا َبيْنَنَا َوبَْينَكُ ْم اْلعَدَاوَ ُة وَاْلبَ ْغضَاءُ َأبَدا َحتّ ى ُت ْؤمِنُوا بِاللّ ِه وَحْدَ هُ إِلّ َق ْولَ ِإبْرَاهِي مَ‬
‫ك الْ َمصِيُ (‪)4‬‬ ‫ك َتوَكّ ْلنَا َوإَِليْكَ َأَنْبنَا َوإَِليْ َ‬
‫ك َومَا َأمْلِكُ لَكَ مِنْ اللّ ِه مِ ْن َشيْءٍ َرّبنَا عََليْ َ‬ ‫َلبِيهِ َل ْستَ ْغفِ َرنّ لَ َ‬

‫قد كانت لكم‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬قدوة حسنة ف إبراهيم عليه السلم والذين معه من الؤمني‪ ,‬حي قالوا‬
‫لقومهم الكافرين بال‪ :‬إنا بريئون منكم ومّا تعبدون من دون ال من اللة والنداد‪ ,‬كفرنا بكم‪,‬‬
‫وأنكرنا ما أنتم عليه من الكفر‪ ,‬وظهر بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدًا ما دمتم على كفركم‪ ,‬حت‬
‫تؤمنوا بال وحده‪ ,‬لكن ل يدخل ف القتداء استغفار إبراهيم لبيه; فإن ذلك إنا كان قبل أن يتبي‬
‫لبراهيم أن أباه عدو ل‪ ,‬فلما تبي له أنه عدو ل تبأ منه‪ ,‬ربنا عليك اعتمدنا‪ ,‬وإليك رجعنا بالتوبة‪,‬‬
‫وإليك الرجع يوم القيامة‪.‬‬

‫حكِيمُ (‪)5‬‬
‫ت الْعَزِي ُز الْ َ‬
‫جعَ ْلنَا ِفتَْنةً لِلّذِينَ َكفَرُوا وَاغْفِرْ َلنَا َربّنَا ِإنّكَ أَْن َ‬
‫َرّبنَا ل َت ْ‬

‫ربنا ل تعلنا فتنة للذين كفروا بعذابك لنا أو تسلط الكافرين علينا فيفتنونا عن ديننا‪ ،‬أو يظهروا علينا‬
‫فيُفتنوا بذلك‪ ،‬ويقولوا‪ :‬لو كان هؤلء على حق‪ ,‬ما أصابم هذا العذاب‪ ,‬فيزدادوا كفرًا‪ ,‬واستر علينا‬
‫ذنوبنا بعفوك عنها ربنا‪ ,‬إنك أنت العزيز الذي ل يغالَب‪ ,‬الكيم ف أقواله وأفعاله‪.‬‬

‫سَنةٌ لِمَنْ كَا َن يَرْجُوا اللّ َه وَاْلَيوْمَ ال ِخ َر َومَن َيَتوَلّ فَِإنّ اللّ َه ُه َو اْلغَِنيّ الْحَمِيدُ‬
‫َلقَدْ كَانَ َلكُمْ فِيهِمْ أُ ْس َوةٌ حَ َ‬
‫(‪)6‬‬

‫لقد كان لكم‪ -‬أيها الؤمنون‪ -‬ف إبراهيم عليه السلم والذين معه قدوة حيدة لن يطمع ف الي من ال‬
‫ف الدنيا والخرة‪ ,‬ومن ُيعْرِض عما ندبه ال إليه من التأسي بأنبيائه‪ ,‬ويوال أعداء ال‪ ,‬فإن ال هو الغنّ‬
‫عن عباده‪ ,‬الميد ف ذاته وصفاته‪ ,‬الحمود على كل حال‪.‬‬

‫‪1034‬‬
‫جعَ َل بَْيَنكُ ْم َوبَيْ َن الّذِي َن عَا َدْيتُ ْم ِمْنهُمْ َموَ ّدةً وَاللّهُ قَدِي ٌر وَاللّهُ غَفُورٌ َرحِيمٌ (‪)7‬‬
‫عَسَى اللّهُ َأنْ َي ْ‬

‫عسى ال أن يعل بينكم‪ -‬أيها الؤمنون‪ -‬وبي الذين عاديتموهم من أقاربكم من الشركي مبة بعد‬
‫البغضاء‪ ,‬وألفة بعد الشحناء بانشراح صدورهم للسلم‪ ,‬وال قدير على كل شيء‪ ,‬وال غفور لعباده‪,‬‬
‫رحيم بم‪.‬‬

‫ل َينْهَاكُمْ اللّ ُه عَ ْن الّذِينَ لَ ْم ُيقَاتِلُوكُمْ فِي الدّينِ وََل ْم يُخْ ِرجُوكُ ْم مِنْ ِديَارِكُمْ أَ ْن َتبَرّوهُمْ َوتُقْسِطُوا إِلَْيهِمْ‬
‫ب الْ ُمقْسِطِيَ (‪)8‬‬ ‫ح ّ‬ ‫إِنّ اللّ َه يُ ِ‬

‫ل ينهاكم ال ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬عن الذين ‪ 550‬ل يقاتلوكم من الكفار بسبب الدين‪ ,‬ول يرجوكم من‬
‫دياركم أن تكرموهم بالي‪ ,‬وتعدلوا فيهم بإحسانكم إليهم وبرّكم بم‪ .‬إن ال يب الذين يعدلون ف‬
‫أقوالم وأفعالم‪.‬‬

‫ِإنّمَا َينْهَاكُ مْ اللّ ُه عَ ْن الّذِي نَ قَاتَلُوكُ مْ فِي الدّي ِن َوأَخْرَجُوكُ مْ مِ نْ ِديَارِكُ ْم َوظَاهَرُوا عَلَى إِ ْخرَا ِجكُ مْ أَ نْ‬
‫َتوَلّ ْوهُ ْم َومَ ْن َيَتوَّلهُمْ َفُأوَْلئِكَ هُمْ الظّالِمُونَ (‪)9‬‬

‫إنا ينهاكم ال عن الذين قاتلوكم بسبب الدين وأخرجوكم من دياركم‪ ,‬وعاونوا الكفار على إخراجكم‬
‫أن تولوهم بالنصرة والودة‪ ,‬ومن يتخذهم أنصارًا على الؤمني وأحبابًا‪ ,‬فأولئك هم الظالون لنفسهم‪,‬‬
‫الارجون عن حدود ال‪.‬‬

‫حنُوهُنّ اللّ هُ َأعْلَ ُم بِإِيَاِنهِنّ َفإِ ْن عَلِ ْمتُمُوهُنّ‬ ‫ت ُمهَا ِجرَا تٍ فَا ْمتَ ِ‬
‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا إِذَا جَاءَكُ ْم الْ ُم ْؤ ِمنَا ُ‬
‫ُم ْؤمِنَا تٍ فَل تَرْ ِجعُوهُنّ إِلَى اْلكُفّا ِر ل هُنّ ِحلّ َلهُ ْم وَل هُ ْم يَحِلّو نَ َلهُنّ وَآتُوهُ ْم مَا أَنفَقُوا وَل ُجنَا حَ‬
‫سأَلُوا مَا‬
‫سكُوا ِبعِ صَ ِم اْل َكوَافِ ِر وَا ْسأَلُوا مَا أَن َفقْتُ ْم وَْليَ ْ‬ ‫عََليْكُ مْ أَ ْن تَنكِحُوهُنّ إِذَا آَتيْتُمُوهُنّ أُجُو َرهُنّ وَل تُمْ ِ‬
‫حكُ ُم َبْينَكُ ْم وَاللّ ُه عَلِيمٌ َحكِيمٌ (‪)10‬‬ ‫أَن َفقُوا ذَِلكُمْ ُحكْمُ اللّ ِه يَ ْ‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬إذا جاءكم النساء الؤمنات مهاجرات من دار الكفر‬
‫إل دار السلم‪ ,‬فاختبوهن؛ لتعلموا صدق إيانن‪ ,‬ال أعلم بقيقة إيانن‪ ,‬فإن علمتموهن مؤمنات‬

‫‪1035‬‬
‫بسب ما يظهر لكم من العلمات والبينات‪ ,‬فل تردّوهن إل أزواجهن الكافرين‪ ,‬فالنساء الؤمنات ل‬
‫يلّ لن أن يتزوجن الكفار‪ ,‬ول يلّ للكفار أن يتزوجوا الؤمنات‪ ,‬وأعطوا أزواج اللت أسلمن مثل ما‬
‫أنفقوا عليهن من الهور‪ ,‬ول إث عليكم أن تتزوجوهن إذا دفعتم لنّ مهورهن‪ .‬ول تسكوا بنكاح‬
‫أزواجكم الكافرات‪ ,‬واطلبوا من الشركي ما أنفقتم من مهور نسائكم اللت ارتددن عن السلم‬
‫ولقن بم‪ ,‬وليطلبوا هم ما أنفقوا من مهور نسائهم السلمات اللت أسلمن ولقن بكم‪ ,‬ذلكم الكم‬
‫الذكور ف الية هو حكم ال يكم به بينكم فل تالفوه‪ .‬وال عليم ل يفى عليه شيء‪ ,‬حكيم ف أقواله‬
‫وأفعاله‪.‬‬

‫َوإِنْ فَاَتكُ ْم َشيْءٌ مِ نْ أَ ْزوَا ِجكُمْ إِلَى اْل ُكفّارِ َفعَاَقبْتُمْ فَآتُوا الّذِي نَ َذهَبَتْ أَ ْزوَا ُجهُمْ مِثْ َل مَا أَن َفقُوا وَاّتقُوا اللّهَ‬
‫الّذِي َأنْتُ ْم بِ ِه ُم ْؤمِنُونَ (‪)11‬‬

‫وإن لقت بعض زوجاتكم مرتدات إل الكفار‪ ,‬ول يعطكم الكفار مهورهن الت دفعتموها لن‪ ,‬ث‬
‫ظَفِرت بؤلء الكفار أو غيهم وانتصرت عليهم‪ ,‬فأعطوا الذين ذهبت أزواجهم من السلمي من الغنائم‬
‫أو غيها مثل ما أعطوهن من الهور قبل ذلك‪ ,‬وخافوا ال الذي أنتم به مؤمنون‪.‬‬

‫ت ُيبَاِي ْعنَكَ عَلَى أَنْ ل يُشْرِ ْك َن بِاللّ ِه َشيْئا وَل يَسْرِقْ َن وَل يَ ْزنِيَ وَل َي ْقتُلْ َن‬
‫يَا َأيّهَا النِّبيّ إِذَا جَاءَكَ الْ ُمؤْ ِمنَا ُ‬
‫َأوْل َدهُنّ وَل َي ْأتِيَ ِببُ ْهتَا نٍ َي ْفتَرِينَ هُ َبيْ نَ َأيْدِيهِنّ َوأَ ْرجُِلهِنّ وَل َيعْ صِينَكَ فِي َمعْرُو فٍ َفبَاِي ْعهُنّ وَا ْسَتغْفِرْ َلهُنّ‬
‫اللّهَ إِنّ اللّ َه َغفُورٌ رَحِيمٌ (‪)12‬‬

‫يا أيها النب إذا جاءك النساء الؤمنات بال ورسوله يعاهدنك على أل يعلن مع ال شريكًا ف عبادته‪,‬‬
‫ول يسرقن شيئًا‪ ,‬ول يزني‪ ,‬ول يقتلن أولدهن بعد الولدة أو قبلها‪ ,‬ول يُلحقن بأزواجهن أولدًا ليسوا‬
‫من هم‪ ,‬ول يالف نك ف معروف تأمر هن به‪ ,‬فعاهد هن على ذلك‪ ,‬واطلب ل ن الغفرة من ال‪ .‬إن ال‬
‫غفور لذنوب عباده التائبي‪ ,‬رحيم بم‪.‬‬

‫س الْ ُكفّا ُر مِنْ أَصْحَابِ‬


‫يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا ل َتَتوَّلوْا َقوْما َغضِبَ اللّ ُه عََلْيهِمْ قَ ْد َيئِسُوا مِنْ الخِ َرةِ كَمَا َيئِ َ‬
‫الْ ُقبُورِ (‪)13‬‬

‫‪1036‬‬
‫يا أيها الذين آمنوا بال ورسوله‪ ,‬ل تتخذوا الذين غضب ال عليهم; لكفرهم أصدقاء وأخلء‪ ,‬قد يئسوا‬
‫من ثواب ال ف الخرة‪ ,‬ك ما يئس الكفار القبورون‪ ,‬من رح ة ال ف الخرة؛ ح ي شاهدوا حقي قة‬
‫ال مر‪ ,‬وعلموا علم اليق ي أن م ل ن صيب ل م من ها‪ ،‬أو ك ما يئس الكفار مِن بَعْث موتا هم ‪-‬أ صحاب‬
‫القبور‪-‬؛ لعتقادهم عدم البعث ‪.‬‬

‫‪ -61‬سورة الصف‬

‫حكِيمُ (‪)1‬‬
‫ض َو ُهوَ اْلعَزِي ُز الْ َ‬
‫ت َومَا فِي الَ ْر ِ‬
‫َسبّحَ لِلّ ِه مَا فِي السّ َموَا ِ‬

‫نزّه ال عن كل ما ل يليق به كلّ ما ف السموات وما ف الرض‪ ,‬وهو العزيز الذي ل يغالَب‪ ,‬الكيم‬
‫ف أقواله وأفعاله‪.‬‬

‫يَا َأيّهَا الّذِينَ َآ َمنُوا لِ َم َتقُولُو َن مَا ل َت ْفعَلُونَ (‪)2‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬لِ َم َتعِدون وعدًا‪ ,‬أو تقولون قول ول تفون به؟! وهذا‬
‫إنكار على مَن يالف فعلُه قولَه‪.‬‬

‫َكبُ َر َمقْتا ِعنْدَ اللّهِ َأنْ َتقُولُوا مَا ل َتفْعَلُونَ (‪)3‬‬

‫عَظُم بغضًا عند ال أن تقولوا بألسنتكم ما ل تفعلونه‪.‬‬

‫صفّا َكَأنّهُ ْم بُنيَا ٌن مَرْصُوصٌ (‪)4‬‬


‫ب الّذِي َن ُيقَاتِلُونَ فِي َسبِيلِهِ َ‬
‫ح ّ‬
‫ِإنّ اللّ َه يُ ِ‬

‫إن ال ي ب الذ ين يقاتلون ف سبيله صفًا كأن م بنيان متراص م كم ل ين فذ م نه العدو‪ .‬و ف ال ية بيان‬
‫فضل الهاد والجاهدين؛ لحبة ال سبحانه لعباده الؤمني إذا صفّوا مواجهي لعداء ال‪ ,‬يقاتلونم ف‬
‫سبيله‪.‬‬

‫‪1037‬‬
‫َوإِذْ قَا َل مُوسَى ِل َق ْومِ ِه يَا َقوْمِ لِ َم ُتؤْذُوَننِي وََق ْد َتعْلَمُونَ َأنّي رَسُولُ اللّهِ إَِلْيكُمْ َفلَمّا زَاغُوا أَزَاغَ اللّهُ قُلُوَبهُمْ‬
‫وَاللّهُ ل َيهْدِي اْل َق ْومَ اْلفَا ِسقِيَ (‪)5‬‬

‫واذكر لقومك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬حي قال نب ال موسى عليه السلم لقومه‪ :‬لِ َم تؤذونن بالقول والفعل‪,‬‬
‫وأنتم تعلمون أن رسول ال إليكم؟ فلما عدلوا عن الق مع علمهم به‪ ,‬وأصرّوا على ذلك‪ ،‬صرف ال‬
‫قلوبم عن قَبول الداية؛ عقوبة لم على زيغهم الذي اختاروه لنفسهم‪ .‬وال ل يهدي القوم الارجي‬
‫عن الطاعة ومنهاج الق‪.‬‬

‫َوإِذْ قَا َل عِيسَى ابْ ُن مَ ْريَ َم يَا َبنِي إِسْرَائِيلَ ِإنّي رَسُولُ اللّهِ إِلَْيكُ ْم مُصَدّقا لِمَا َبيْ َن يَدَيّ مِ َن الّتوْرَاةِ َومُبَشّرا‬
‫ح ٌر ُمبِيٌ (‪)6‬‬ ‫بِ َرسُو ٍل َيأْتِي مِ ْن َبعْدِي اسْمُهُ أَ ْحمَدُ فََلمّا جَا َءهُ ْم بِاْلَبيّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِ ْ‬

‫واذكر ‪-‬أيها الرسول لقومك‪ -‬حي قال عيسى ابن مري لقومه‪ :‬إن رسول ال إليكم‪ ,‬مصدّقًا لا جاء‬
‫قبلي من التوراة‪ ,‬وشاهدًا بصدق رسول يأت من بعدي اسه "أحد"‪ ,‬وهو ممد صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫وداعيًا إل التصديق به‪ ,‬فلما جاءهم ممد صلى ال عليه وسلم باليات الواضحات‪ ,‬قالوا‪ :‬ههذا الذي‬
‫جئتنا به سحر بيّن‪.‬‬

‫ب َو ُه َو يُ ْدعَى إِلَى ا ِلسْل ِم وَاللّ ُه ل َيهْدِي الْ َق ْومَ الظّالِمِيَ (‪)7‬‬


‫َومَنْ أَظَْل ُم مِمّ ْن ا ْفتَرَى عَلَى اللّ ِه الْكَذِ َ‬

‫ول أحد أشد ظلمًا وعدونًا من اختلق على ال الكذب‪ ,‬وجعل له شركاء ف عبادته‪ ,‬وهو يُدعى إل‬
‫الدخول ف السلم وإخلص العبادة ل وحده‪ .‬وال ل يوفّق الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والشرك‪ ,‬إل‬
‫ما فيه فلحهم‪.‬‬

‫يُرِيدُونَ ِليُ ْط ِفئُوا نُورَ اللّ ِه ِبأَ ْفوَا ِههِمْ وَاللّ ُه ُمتِ ّم نُو ِرهِ وََلوْ َك ِرهَ اْلكَافِرُونَ (‪)8‬‬

‫ث به ممد صلى ال عليه وسلم‪ -‬وهو القرآن‪ -‬بأقوالم‬‫يريد هؤلء الظالون أن يبطلوا الق الذي ُبعِ َ‬
‫الكاذبة‪ ,‬وال مظهر الق بإتام دينه ولو كره الاحدون الكذّبون‪.‬‬

‫‪1038‬‬
‫شرِكُونَ (‪)9‬‬
‫ُهوَ الّذِي أَ ْرسَلَ َرسُولَهُ بِاْلهُدَى َودِينِ الْحَقّ ِليُ ْظهِ َر ُه عَلَى الدّينِ كُلّهِ وََلوْ َك ِرهَ الْمُ ْ‬

‫ال هو الذي أرسل رسوله ممدًا بالقرآن ودين السلم؛ ليعليه على كل الديان الخالفة له‪ ,‬ولو كره‬
‫الشركون ذلك‪.‬‬

‫يَا َأيّهَا الّذِينَ َآ َمنُوا هَلْ أَدُّلكُ ْم عَلَى ِتجَا َر ٍة تُنجِيكُ ْم مِ ْن عَذَابٍ أَلِيمٍ (‪)10‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬هل أُرشِدكم إل تارة عظيمة الشأن تنجيكم من‬
‫عذاب موجع؟‬

‫سكُمْ ذَِلكُ مْ َخيْرٌ َلكُ مْ إِ نْ كُنتُ ْم َتعْلَمُو نَ (‬


‫ُت ْؤمِنُو نَ بِاللّ ِه وَرَ سُولِ ِه َوتُجَاهِدُو نَ فِي َسبِيلِ اللّ ِه ِبَأ ْموَاِلكُ ْم َوأَنفُ ِ‬
‫‪)11‬‬

‫تداومون على إيانكم بال ورسوله‪ ,‬وتاهدون ف سبيل ال؛ لنصرة دينه با تلكون من الموال‬
‫والنفس‪ ,‬ذلك خي لكم من تارة الدنيا‪ ,‬إن كنتم تعلمون مضا ّر الشياء ومنافعها‪ ,‬فامتثلوا ذلك‪.‬‬

‫ك اْل َفوْزُ‬
‫حِتهَا الَْنهَا ُر َومَسَاكِ َن طَّيَبةً فِي َجنّاتِ عَ ْدنٍ ذَلِ َ‬
‫جرِي مِ ْن تَ ْ‬ ‫ت تَ ْ‬
‫َيغْفِرْ َلكُمْ ُذنُوبَكُ ْم َويُدْ ِخ ْلكُمْ َجنّا ٍ‬
‫ب َوبَشّ ْر الْ ُم ْؤ ِمنِيَ (‪)13‬‬ ‫حبّوَنهَا َنصْ ٌر مِنَ اللّ ِه وََفتْحٌ َقرِي ٌ‬
‫الْعَظِيمُ (‪َ )12‬وأُ ْخرَى تُ ِ‬

‫إن فعلتم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬ما أمركم ال به يستر عليكم ذنوبكم‪ ,‬ويدخلكم جنات تري من تت‬
‫أشجارها النار‪ ,‬ومساكن طاهرة زكية ف جنات إقامة دائمة ل تنقطع‪ ,‬ذلك هو الفوز الذي ل فوز‬
‫بعده‪ .‬ونعمة أخرى لكم‪ -‬أيها الؤمنون‪ -‬تبونا هي نصر من ال يأتيكم‪ ,‬وفتح عاجل يتم على أيديكم‪.‬‬
‫وبشّر الؤمني ‪-‬أيها النب‪ -‬بالنصر والفتح ف الدنيا‪ ,‬والنة ف الخرة‪.‬‬

‫حوَا ِريّيَ مَ نْ أَن صَارِي إِلَى اللّ هِ قَا َل‬ ‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ َآ َمنُوا كُونوا أَن صَارَ اللّ هِ كَمَا قَا َل عِي سَى ابْ ُن َم ْريَ مَ لِلْ َ‬
‫ت طَاِئ َفةٌ َفَأيّ ْدنَا الّذِينَ َآمَنُوا عَلَى عَ ُد ّوهِمْ‬
‫ت طَاِئفَ ٌة مِ ْن بَنِي إِسْرَائِي َل وَ َكفَرَ ْ‬
‫حوَا ِريّو َن نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ فَ َآ َمنَ ْ‬‫الْ َ‬
‫صبَحُوا ظَاهِرِينَ (‪)14‬‬ ‫َفأَ ْ‬

‫‪1039‬‬
‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬كونوا أنصارًا لدين ال‪ ,‬كما كان أصفياء عيسى‬
‫أنصارًا لدين ال حي قال لم عيسى‪ :‬مَن يتول منكم نصري وإعانت فيما يُقرّب إل ال؟ قالوا‪ :‬نن‬
‫أنصار دين ال‪ ,‬فاهتدت طائفة من بن إسرائيل‪ ,‬وضلّت طائفة‪ ,‬فأيدنا الذين آمنوا بال ورسوله‪,‬‬
‫ونصرناهم على مَن عاداهم مِن فرق النصارى‪ ,‬فأصبحوا ظاهرين عليهم؛ وذلك ببعثة ممد صلى ال‬
‫عليه وسلم‪.‬‬

‫‪ -62‬سورة المعة‬

‫حكِيمِ (‪)1‬‬
‫ك اْلقُدّوسِ الْعَزِيزِ الْ َ‬
‫ض الْمَلِ ِ‬
‫ت َومَا فِي الَ ْر ِ‬
‫سبّحُ ِللّ ِه مَا فِي السّ َموَا ِ‬
‫يُ َ‬

‫ينّه ال تعال عن كل ما ل يليق به كلّ ما ف السموات وما ف الرض‪ ,‬وهو وحده الالك لكل شيء‪,‬‬
‫التصرف فيه بل منازع‪ ,‬النّه عن كل نقص‪ ,‬العزيز الذي ل يغالَب‪ ,‬الكيم ف تدبيه وصنعه‪.‬‬

‫حكْ َمةَ َوِإنْ كَانُوا‬


‫ب وَالْ ِ‬
‫ُهوَ الّذِي َبعَثَ فِي ا ُلمّيّيَ َرسُولً ِمْنهُ ْم َيتْلُو عََلْيهِ ْم آيَاتِهِ َويُزَكّيهِمْ َويُعَلّ ُمهُ ْم اْل ِكتَا َ‬
‫حكِيمُ (‪)3‬‬ ‫حقُوا ِبهِ ْم َوهُ َو اْلعَزِي ُز الْ َ‬‫مِنْ َقبْلُ َلفِي ضَل ٍل ُمبِيٍ (‪ )2‬وَآ َخرِي َن ِمْنهُمْ لَمّا يَ ْل َ‬

‫ال سبحانه هو الذي أرسل ف العرب الذين ل يقرؤون‪ ,‬ول كتاب عندهم ول أثر رسالة لديهم‪ ,‬رسول‬
‫منهم إل الناس جيعًا‪ ,‬يقرأ عليهم القرآن‪ ,‬ويطهرهم من العقائد الفاسدة والخلق السيئة‪ ,‬ويعلّمهم‬
‫القرآن والسنة‪ ,‬إنم كانوا من قبل بعثته لفي انراف واضح عن الق‪ .‬وأرسله سبحانه إل قوم آخرين ل‬
‫ييئوا بعدُ‪ ,‬وسيجيئون من العرب ومن غيهم‪ .‬وال تعال‪ -‬وحده‪ -‬هو العزيز الغالب على كل شيء‪,‬‬
‫الكيم ف أقواله وأفعاله‪.‬‬

‫ذَلِكَ َفضْلُ اللّ ِه ُي ْؤتِيهِ مَ ْن يَشَا ُء وَاللّهُ ذُو اْل َفضْ ِل الْعَظِيمِ (‪)4‬‬

‫ذلك البعث للرسول صلى ال عليه وسلم‪ ,‬ف أمة العرب وغيهم‪ ,‬فضل من ال‪ ,‬يعطيه مَن يشاء من‬
‫عباده‪ .‬وهو ‪ -‬وحده‪ -‬ذو الحسان والعطاء الزيل‪.‬‬

‫‪1040‬‬
‫س َمثَ ُل اْلقَوْ ِم الّذِي نَ كَ ّذبُوا‬
‫حمِلُ أَ ْسفَارا ِبئْ َ‬
‫َمثَلُ الّذِي نَ حُمّلُوا التّوْرَاةَ ثُمّ لَ ْم يَحْ ِملُوهَا َك َمثَلِ الْحِمَا ِر يَ ْ‬
‫بِآيَاتِ اللّ ِه وَاللّ ُه ل َيهْدِي اْل َقوْمَ الظّالِمِيَ (‪)5‬‬

‫َشبَهُ اليهود الذين ُكلّفوا العمل بالتوراة ث ل يعملوا با‪ ,‬كشَبه المار الذي يمل كتبًا ل يدري ما فيها‪,‬‬
‫َقبُ َح َمثَلُ القوم الذين كذّبوا بآيات ال‪ ,‬ول ينتفعوا با‪ ,‬وال ل يوفّق القوم الظالي الذين يتجاوزون‬
‫حدوده‪ ,‬ويرجون عن طاعته‪.‬‬

‫قُ ْل يَا َأّيهَا الّذِي َن هَادُوا ِإنْ َزعَ ْمتُمْ َأّنكُمْ َأوِْليَاءُ ِللّ ِه مِنْ دُو ِن النّاسِ َفتَ َمّنوْا الْ َموْتَ ِإنْ كُنتُمْ صَادِِقيَ (‪)6‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للذين تسكوا باللة اليهودية الحرّفة‪ :‬إن ادّعيتم‪ -‬كذبًا‪ -‬أنكم أحباء ال دون غيكم‬
‫من الناس‪ ,‬فتمنّوا الوت إن كنتم صادقي ف ادّعائكم حب ال لكم‪.‬‬

‫وَل يَتَ َمّن ْونَهُ َأبَدا بِمَا َق ّد َمتْ َأيْدِيهِ ْم وَاللّ ُه عَلِي ٌم بِالظّالِمِيَ (‪)7‬‬

‫ول يتمن هؤلء اليهود الوت أبدًا إيثارًا للحياة الدنيا على الخرة‪ ,‬وخوفًا من عقاب ال لم؛ بسبب ما‬
‫قدّموه من الكفر وسوء الفعال‪ .‬وال عليم بالظالي‪ ,‬ل يفى عليه من ظلمهم شيء‪.‬‬

‫شهَا َدةِ َفيَُنّبئُكُ ْم بِمَا كُنتُ مْ‬


‫ت الّذِي َتفِرّو نَ مِنْ هُ فَِإنّ ُه مُلقِيكُ ْم ثُمّ تُ َردّو نَ إِلَى عَالِ مِ الْ َغيْ بِ وَال ّ‬
‫قُلْ إِنّ الْ َموْ َ‬
‫َتعْمَلُونَ (‪)8‬‬

‫ت إليكم عند ميء آجالكم‪ ,‬ث ترجعون يوم البعث‬


‫قل‪ :‬إن الوت الذي تربون منه ل مف ّر منه‪ ,‬فإنه آ ٍ‬
‫إل ال العال با غاب وما حضر‪ ,‬فيخبكم بأعمالكم‪ ,‬وسيجازيكم عليها‪.‬‬

‫يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا إِذَا نُودِي لِل صّلةِ مِ ْن َيوْ ِم الْجُ ُم َعةِ فَا ْس َعوْا إِلَى ذِكْرِ اللّ ِه وَ َذرُوا اْلبَيْ عَ ذَِلكُ مْ َخيْرٌ َلكُ مْ‬
‫إِنْ كُنتُ ْم َتعْلَمُونَ (‪)9‬‬

‫يا أي ها الذ ين صدّقوا ال ور سوله وعملوا بشر عه‪ ,‬إذا نادى الؤذن لل صلة ف يوم الم عة‪ ,‬فامضوا إل‬

‫‪1041‬‬
‫شغَلُكم عنها‪ ,‬ذلك الذي أُمرت به‬
‫ساع الطبة وأداء الصلة‪ ,‬واتركوا البيع‪ ,‬وكذلك الشراء وجيع ما يَ ْ‬
‫خي لكم؛ لا فيه من غفران ذنوبكم ومثوبة ال لكم‪ ,‬إن كنتم تعلمون مصال أنفسكم فافعلوا ذلك‪ .‬وف‬
‫الية دليل على وجوب حضور المعة واستماع الطبة‪.‬‬

‫ت الصّلةُ فَانتَشِرُوا فِي الَ ْرضِ وَابَْتغُوا مِنْ َفضْلِ اللّ ِه وَاذْ ُكرُوا اللّهَ َكثِيا َلعَّلكُ ْم ُتفِْلحُونَ (‪)10‬‬
‫ضيَ ْ‬
‫فَإِذَا ُق ِ‬

‫فإذا سعتم الطبهة‪ ,‬وأدّي تم الصهلة‪ ,‬فانتشروا ف الرض‪ ,‬واطلبوا من رزق ال بسهعيكم‪ ,‬واذكروا ال‬
‫كثيًا ف جيع أحوالكم؛ لعلكم تفوزون بيي الدنيا والخرة‪.‬‬

‫َوإِذَا َرَأوْا تِجَا َرةً َأوْ َلهْوا ان َفضّوا إِلَيْهَا َوتَرَكُو كَ قَائِما ُق ْل مَا عِنْدَ اللّ هِ َخيْ ٌر مِ نْ الّل ْه ِو َومِ ْن التّجَا َرةِ وَاللّ هُ‬
‫َخيْرُ الرّازِِقيَ (‪)11‬‬

‫إذا رأى بعض السلمي تارة أو شيئًا مِن لو الدنيا وزينتها تفرّقوا إليها‪ ,‬وتركوك ‪-‬أيها النب‪ -‬قائمًا على‬
‫النب تطب‪ ,‬قل لم‪-‬أيها النب‪ :-‬ما عند ال من الثواب والنعيم أنفع لكم من اللهو ومن التجارة‪ ,‬وال‪-‬‬
‫وحده‪ -‬خيه مَن رزق وأعطهى‪ ,‬فاطلبوا منهه‪ ,‬واسهتعينوا بطاعتهه على نيهل مها عنده مهن خيي الدنيها‬
‫والخرة‪.‬‬

‫‪ -63‬سورة النافقون‬

‫شهَدُ إِنّ الْ ُمنَاِفقِيَ‬


‫شهَدُ ِإنّ كَ َلرَ سُولُ اللّ ِه وَاللّ هُ يَعَْل مُ ِإنّ كَ َلرَ سُولُهُ وَاللّ ُه يَ ْ‬
‫إِذَا جَاءَ َك الْ ُمنَاِفقُو نَ قَالُوا نَ ْ‬
‫َلكَا ِذبُونَ (‪)1‬‬

‫إذا ح ضر مل سك النافقون ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬قالوا بأل سنتهم‪ ,‬نش هد إ نك لر سول ال‪ ,‬وال يعلم إ نك‬
‫لر سول ال‪ ,‬وال يش هد إن النافق ي لكاذبون في ما أظهروه من شهادت م لك‪ ,‬وحلفوا عل يه بأل سنتهم‪,‬‬
‫وأضمروا الكفر به‪.‬‬

‫‪1042‬‬
‫ك ِبأَّنهُ مْ آ َمنُوا ثُمّ َكفَرُوا‬
‫اتّخَذُوا َأيْمَاَنهُ مْ ُجّنةً فَ صَدّوا عَ نْ سَبِيلِ اللّ هِ ِإّنهُ مْ سَا َء مَا كَانُوا يَعْ َملُو نَ (‪ )2‬ذَلِ َ‬
‫فَ ُطبِ َع عَلَى قُلُوِبهِمْ َفهُ ْم ل َي ْف َقهُونَ (‪)3‬‬

‫إنا جعل النافقون أيانم الت أقسموها سترة ووقاية لم من الؤاخذة والعذاب‪ ,‬ومنعوا أنفسهم‪ ,‬ومنعوا‬
‫الناس عن طر يق ال ال ستقيم‪ ,‬إن م بئس ما كانوا يعملون؛ ذلك لن م آمنوا ف الظا هر‪ ,‬ث كفروا ف‬
‫الباطن‪ ,‬فختم ال على قلوبم بسبب كفرهم‪ ,‬فهم ل يفهمون ما فيه صلحهم‪.‬‬

‫حةٍ‬
‫صيْ َ‬
‫سبُونَ كُلّ َ‬
‫سنّ َدٌة يَحْ َ‬
‫جبُ كَ أَجْ سَا ُمهُ ْم َوإِ نْ َيقُولُوا تَ سْمَعْ ِل َقوِْلهِ مْ َكأَّنهُ مْ خُشُ بٌ مُ َ‬
‫َوإِذَا َرَأيَْتهُ ْم ُتعْ ِ‬
‫عََلْيهِ ْم هُ ْم الْعَ ُدوّ فَاحْذَ ْرهُمْ قَاتََلهُمْ اللّهُ أَنّى ُيؤْفَكُونَ (‪)4‬‬

‫وإذا نظرت إل هؤلء النافقيه تعجبهك هيئاتمه ومناظرههم‪ ,‬وإن يتحدثوا تسهمع لديثههم ; لفصهاحة‬
‫ألسنتهم‪ ,‬وهم لفراغ قلوبم من اليان‪ ,‬وعقولم من الفهم والعلم النافع كالخشاب اللقاة على الائط‪,‬‬
‫الت ل حياة فيها‪ ,‬يظنون كل صوت عال واقعًا عليهم وضارًا بم؛ لعلمهم بقيقة حالم‪ ,‬ولفرط جبنهم‪,‬‬
‫والرعهب الذي تكّنه مهن قلوبمه‪ ,‬ههم العداء القيقيون شديدو العداوة لك وللمؤمنيه‪ ,‬فخهذ حذرك‬
‫منهم‪ ,‬أخزاهم ال وطردهم من رحته‪ ,‬كيف ينصرفون عن الق إل ما هم فيه من النفاق والضلل؟‬

‫ستَ ْكبِرُونَ (‪)5‬‬


‫َوإِذَا قِيلَ َلهُ ْم َتعَالَوْا يَسَْت ْغفِرْ َلكُمْ َرسُولُ اللّهِ َل ّووْا رُءُو َسهُمْ َو َرأَْيَتهُ ْم َيصُدّو َن َوهُ ْم مُ ْ‬

‫وإذا قيل لؤلء النافقي‪ :‬أقبلوا تائبي معتذرين عمّا بدر منكم من سيّئ القول وسفه الديث‪ ,‬يستغفر‬
‫لكم رسول ال ويسأل ال لكم الغفرة والعفو عن ذنوبكم‪ ,‬أمالوا رؤوسهم وحركوها استهزاءً‬
‫واستكبارًا‪ ,‬وأبصرتم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬يعرضون عنك‪ ,‬وهم مستكبون عن المتثال لا طُلِب منهم‪.‬‬

‫سَت ْغفِرْ َلهُمْ لَ ْن َي ْغفِرَ اللّهُ َلهُمْ ِإنّ اللّ َه ل َيهْدِي اْل َق ْومَ اْلفَا ِسقِيَ (‪)6‬‬
‫َسوَا ٌء عََلْيهِمْ َأ ْستَ ْغفَرْتَ َلهُمْ َأمْ لَ ْم تَ ْ‬

‫سواء على هؤلء النافقي أطلبت لم الغفرة من ال ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أم ل تطلب لم‪ ,‬إن ال لن يصفح‬
‫عن ذنوبم أبدًا ; لصرارهم على الفسق ورسوخهم ف الكفر‪ .‬إن ال ل يوفّق لليان القوم الكافرين به‪,‬‬
‫الارجي عن طاعته‪.‬‬

‫‪1043‬‬
‫ض وََلكِنّ‬
‫ت وَالَرْ ِ‬
‫هُ ْم الّذِي َن َيقُولُو َن ل تُْن ِفقُوا عَلَى مَ ْن ِعنْدَ رَسُولِ اللّهِ َحتّى َيْنفَضّوا وَِللّهِ خَزَائِ ُن السّ َموَا ِ‬
‫الْ ُمنَاِفقِيَ ل َي ْف َقهُونَ (‪)7‬‬

‫هؤلء النافقون هم الذين يقولون لهل "الدينة"‪ :‬ل تنفقوا على أصحاب رسول ال من الهاجرين حت‬
‫يتفرقوا عنه‪ .‬ول وحده خزائن السموات والرض وما فيهما من أرزاق‪ ,‬يعطيها من يشاء وينعها عمّن‬
‫يشاء‪ ,‬ولكن النافقي ليس لديهم فقه ول ينفعهم ذلك‪.‬‬

‫َيقُولُونَ َلئِنْ رَ َج ْعنَا إِلَى الْمَدِيَنةِ َليُخْ ِرجَنّ ا َلعَ ّز ِمْنهَا الَذَ ّل وَلِلّ ِه اْلعِ ّزةُ وَِلرَسُولِ ِه وَلِلْ ُم ْؤ ِمنِيَ وَلَكِنّ الْ ُمنَاِفقِيَ‬
‫ل َيعْلَمُونَ (‪)8‬‬

‫يقول هؤلء النافقون‪ :‬لئن عُدْنا إل "الدينة" ليخرجنّ فريقنا الع ّز منها فريق الؤمني الذل‪ ,‬ول تعال‬
‫العزة ولرسوله صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وللمؤمني بال ورسوله ل لغيهم‪ ,‬ولكن النافقي ل يعلمون ذلك؛‬
‫لفرط جهلهم‪.‬‬

‫ك هُ ْم الْخَاسِرُونَ‬
‫يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا ل تُ ْل ِهكُمْ َأمْوَالُكُ ْم وَل َأوْلدُكُ ْم عَنْ ذِ ْكرِ اللّ ِه َومَنْ يَ ْفعَلْ ذَلِكَ َفُأوَْلئِ َ‬
‫(‪)9‬‬

‫شغَلْكم أموالكم ول أولدكم عن عبادة ال‬


‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬ل تَ ْ‬
‫وطاعته‪ ,‬ومن تشغَله أمواله وأولده عن ذلك‪ ,‬فأولئك هم الغبونون حظوظهم من كرامة ال ورحته‪.‬‬

‫َوَأنْ ِفقُوا مِ ْن مَا َرزَ ْقنَاكُ مْ مِ نْ َقبْلِ أَ ْن َيأْتِ يَ أَحَدَكُ ْم الْ َموْ تُ َفَيقُولَ رَبّ َلوْل أَخّ ْرتَنِي إِلَى َأجَلٍ قَرِي بٍ‬
‫َفأَصّ ّدقَ َوأَكُ ْن مِ ْن الصّالِحِيَ (‪)10‬‬

‫وأنفقوا ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬بال ورسوله بعض ما أعطيناكم ف طرق الي‪ ,‬مبادرين بذلك من قبل أن ييء‬
‫ب هل أمهلتن‪ ,‬وأجّلت موت إل وقت قصي‪,‬‬‫أحدكم الوت‪ ,‬ويرى دلئله وعلماته‪ ,‬فيقول نادمًا‪ :‬ر ّ‬
‫فأتصدق من مال‪ ,‬وأكن من الصالي التقياء‪.‬‬

‫‪1044‬‬
‫وَلَ ْن ُيؤَخّرَ اللّ ُه َنفْسا إِذَا جَاءَ أَ َجُلهَا وَاللّهُ َخبِيٌ بِمَا َتعْمَلُونَ (‪)11‬‬

‫ولن يؤخر ال نفسًا إذا جاء وقت موتا‪ ,‬وانقضى عمرها‪ ,‬وال سبحانه خبي بالذي تعملونه من خي‬
‫وشر‪ ,‬وسيجازيكم على ذلك‪.‬‬

‫‪ -64‬سورة التغابن‬

‫ك وَلَ ُه الْحَ ْم ُد َوهُ َو عَلَى كُ ّل َشيْءٍ َقدِيرٌ (‪)1‬‬


‫ت َومَا فِي الَ ْرضِ لَ ُه الْمُلْ ُ‬
‫سبّحُ ِللّ ِه مَا فِي السّ َموَا ِ‬
‫يُ َ‬

‫ينّه ال عما ل يليق به كل ما ف السموات وما ف الرض‪ ,‬له سبحانه التصرف الطلق ف كل شيء‪,‬‬
‫وله الثناء السن الميل‪ ,‬وهو على كل شيء قدير‪.‬‬

‫ُهوَ الّذِي خََل َقكُمْ فَ ِمْنكُمْ كَافِ ٌر َو ِمْنكُمْ ُمؤْمِ ٌن وَاللّ ُه بِمَا َتعْمَلُو َن َبصِيٌ (‪)2‬‬

‫ال هو الذي أوجدكم من العدم‪ ,‬فبعضكم جاحد للوهيته‪ ,‬وبعضكم مصدّق به عامل بشرعه‪ ,‬وهو‬
‫سبحانه بصي بأعمالكم ل يفى عليه شيء منها‪ ,‬وسيجازيكم با‪.‬‬

‫صوَرَكُ ْم َوإَِليْهِ الْ َمصِيُ (‪)3‬‬


‫صوّرَكُمْ َفأَحْسَنَ ُ‬
‫َخلَقَ السّ َموَاتِ وَالَ ْرضَ بِالْحَ ّق وَ َ‬

‫خلق ال السموات والرض بالكمة البالغة‪ ,‬وخلقكم ف أحسن صورة‪ ,‬إليه الرجع يوم القيامة‪,‬‬
‫فيجازي كل بعمله‪.‬‬

‫ت الصّدُورِ (‪)4‬‬
‫ت وَالَ ْرضِ َوَيعْلَ ُم مَا تُسِرّو َن َومَا ُتعِْلنُونَ وَاللّ ُه عَلِي ٌم بِذَا ِ‬
‫َيعْلَ ُم مَا فِي السّ َموَا ِ‬

‫يعلم سبحانه وتعال كل ما ف السموات والرض‪ ,‬ويعلم ما تفونه ‪-‬أيها الناس‪ -‬فيما بينكم وما‬
‫تظهرونه‪ .‬وال عليم با تضمره الصدور وما تفيه النفوس‪.‬‬

‫‪1045‬‬
‫أَلَ ْم َيأِْتكُ ْم َنبَُأ الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ َقبْلُ َفذَاقُوا َوبَالَ َأمْ ِرهِ ْم وََلهُ ْم عَذَابٌ أَلِيمٌ (‪)5‬‬

‫أل يأتكم‪ -‬أيها الشركون‪ -‬خب الذين كفروا من المم الاضية قبلكم‪ ,‬إذ ح ّل بم سوء عاقبة كفرهم‬
‫وسوء أفعالم ف الدنيا‪ ,‬ولم ف الخرة عذاب أليم موجع؟‬

‫ت َتأْتِيهِ مْ رُ سُُلهُمْ بِالَْبّينَا تِ َفقَالُوا َأبَشَ ٌر َيهْدُونَنَا َف َكفَرُوا َوَتوَّلوْا وَا ْستَ ْغنَى اللّ ُه وَاللّ ُه َغنِيّ‬
‫ك ِبأَنّ هُ كَانَ ْ‬
‫ذَلِ َ‬
‫حَمِيدٌ (‪)6‬‬

‫ذلك الذي أصابم ف الدنيا‪ ,‬وما يصيبهم ف الخرة؛ بسبب أنم كانت تأتيهم رسل ال باليات البينات‬
‫والعجزات الواضحات‪ ,‬فقالوا منكرين‪ :‬أبشر مثلنا يرشدوننا؟ فكفروا بال وجحدوا رسالة رسله‪,‬‬
‫وأعرضوا عن الق فلم يقبلوه‪ .‬واستغن ال‪ ,‬وال غن‪ ,‬له الغن التام الطلق‪ ,‬حيد ف أقواله وأفعاله‬
‫وصفاته ل يبال بم‪ ,‬ول يضره ضللم شيئًا‪.‬‬

‫ك عَلَى اللّ ِه يَسِيٌ (‪)7‬‬


‫َزعَ َم الّذِينَ َكفَرُوا َأنْ لَ ْن ُيْبعَثُوا ُق ْل بَلَى وَ َربّي َلُتبْ َعثُ ّن ثُمّ َلُتنَّب ُؤنّ بِمَا عَ ِم ْلتُ ْم وَذَلِ َ‬

‫خرَجوا من قبورهم بعد الوت‪ ,‬قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬بلى‬ ‫ادّعى الذين كفروا بال باطل أنم لن يُ ْ‬
‫خبَ ُرنّ بالذي عملتم ف الدنيا‪ ,‬وذلك على ال يسي هيّن‪.‬‬
‫خرَ ُجنّ من قبوركم أحياء‪ ,‬ث لتُ ْ‬
‫ورب لتُ ْ‬

‫فَآ ِمنُوا بِاللّ ِه وَ َرسُولِهِ وَالنّو ِر الّذِي أَنزَْلنَا وَاللّ ُه بِمَا َتعْ َملُونَ َخبِيٌ (‪)8‬‬

‫فآمنوا بال ورسوله‪ -‬أيها الشركون‪ -‬واهتدوا بالقرآن الذي أنزله على رسوله‪ ,‬وال با تفعلون خبي ل‬
‫يفى عليه شيء من أعمالكم وأقوالكم‪ ,‬وهو مازيكم عليها يوم القيامة‪.‬‬

‫ك َيوْ مُ الّتغَابُ ِن َومَ ْن ُي ْؤمِ ْن بِاللّ ِه َوَيعْمَلْ صَالِحا ُي َكفّ ْر َعنْ هُ َسّيئَاتِهِ َويُدْ ِخلْ هُ‬
‫ج َمعُكُ مْ ِلَيوْ ِم الْجَمْ عِ ذَلِ َ‬
‫َيوْ مَ يَ ْ‬
‫حِتهَا الَْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا َأبَدا ذَلِكَ الْ َفوْ ُز اْلعَظِيمُ (‪)9‬‬ ‫جرِي مِ ْن تَ ْ‬ ‫ت تَ ْ‬‫َجنّا ٍ‬

‫‪1046‬‬
‫اذكروا يوم الشر الذي يشر ال فيه الولي والخرين‪ ,‬ذلك اليوم الذي يظهر فيه ال ُغبْن والتفاوت بي‬
‫اللق‪ ،‬فيغب الؤمنون الكفار والفاسقي‪ :‬فأهل اليان يدخلون النة برحة ال‪ ،‬وأهل الكفر يدخلون‬
‫النار بعدل ال‪ .‬ومن يؤمن بال ويعمل بطاعته‪ ,‬يح عنه ذنوبه‪ ,‬ويدخله جنات تري من تت قصورها‬
‫النار‪ ,‬خالدين فيها أبدًا‪ ,‬ذلك اللود ف النات هو الفوز العظيم الذي ل فوز بعده‪.‬‬

‫س الْ َمصِيُ (‪)10‬‬


‫ب النّارِ خَالِدِينَ فِيهَا َوبِْئ َ‬
‫صحَا ُ‬
‫وَالّذِينَ َك َفرُوا وَكَ ّذبُوا بِآيَاتِنَا ُأوَْلئِكَ أَ ْ‬

‫والذين جحدوا أن ال هو الله الق وكذّبوا بدلئل ربوبيته وبراهي ألوهيته الت أرسل با رسله‪ ,‬أولئك‬
‫أهل النار ماكثي فيها أبدًا‪ ,‬وساء الرجع الذي صاروا إليه‪ ,‬وهو جهنم‪.‬‬

‫ب مِ ْن ُمصِيَبةٍ إِلّ بِإِ ْذنِ اللّ ِه َومَ ْن ُي ْؤمِنْ بِاللّ ِه َيهْدِ قَ ْلبَ ُه وَاللّ ُه بِكُ ّل َشيْ ٍء عَلِيمٌ (‪)11‬‬
‫مَا أَصَا َ‬

‫ما أصاب أحدًا شيءٌ من مكروه يَحُ ّل به إل بإذن ال وقضائه وقدره‪ .‬ومَن يؤمن بال يهد قلبه للتسليم‬
‫بأمره والرضا بقضائه‪ ،‬ويهده لحسن القوال والفعال والحوال؛ لن أصل الداية للقلب‪ ،‬والوارح‬
‫تبع ‪ .‬وال بكل شيء عليم‪ ,‬ل يفى عليه شيء من ذلك‪.‬‬

‫غ الْ ُمبِيُ (‪)12‬‬


‫َوأَطِيعُوا اللّ َه َوأَطِيعُوا ال ّرسُولَ فَِإنْ َتوَّلْيتُمْ فَِإنّمَا عَلَى َرسُولِنَا اْلبَل ُ‬

‫وأطيعوا ال ‪-‬أيها الناس‪ -‬وانقادوا إليه فيما أمر به ونى عنه‪ ,‬وأطيعوا الرسول صلى ال عليه وسلم‪,‬‬
‫فيما بلّغكم به عن ربه‪ ,‬فإن أعرضتم عن طاعة ال ورسوله‪ ,‬فليس على رسولنا ضرر ف إعراضكم‪ ,‬وإنا‬
‫عليه أن يبلغكم ما أرسل به بلغًا واضح البيان‪.‬‬

‫اللّهُ ل إِلَهَ إِ ّل ُه َو َوعَلَى اللّهِ َف ْليََتوَكّ ْل الْ ُم ْؤمِنُونَ (‪)13‬‬

‫ال وحده ل معبود بق سواه‪ ,‬وعلى ال فليعتمد الؤمنون بوحدانيته ف كل أمورهم‪.‬‬

‫صفَحُوا َوتَ ْغفِرُوا فَِإنّ‬


‫يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا ِإنّ مِنْ أَ ْزوَاجِكُ ْم َوَأوْلدِكُ ْم عَ ُدوّا َلكُمْ فَاحْ َذرُوهُ ْم َوإِنْ تَ ْعفُوا َوتَ ْ‬

‫‪1047‬‬
‫اللّ َه َغفُورٌ َرحِيمٌ (‪)14‬‬

‫يا أيها الذين آمنوا بال ورسوله‪ ,‬إ ّن مِن أزواجكم وأولدكم أعداء لكم يصدونكم عن سبيل ال‪,‬‬
‫ويثبطونكم عن طاعته‪ ,‬فكونوا منهم على حذر‪ ,‬ول تطيعوهم‪ ,‬وإن تتجاوزوا عن سيئاتم وتعرضوا‬
‫عنها‪ ,‬وتستروها عليهم‪ ,‬فإن ال غفور رحيم‪ ,‬يغفر لكم ذنوبكم؛ لنه سبحانه عظيم الغفران واسع‬
‫الرحة‪.‬‬

‫ِإنّمَا َأ ْموَاُلكُمْ َوأَوْلدُكُمْ ِفتَْن ٌة وَاللّ ُه عِنْ َدهُ أَ ْج ٌر عَظِيمٌ (‪)15‬‬

‫ما أموالكم ول أولدكم إل بلء واختبار لكم‪ .‬وال عنده ثواب عظيم لن آثر طاعته على طاعة غيه‪,‬‬
‫وأدّى حق ال ف ماله‪.‬‬

‫فَاّتقُوا اللّ َه مَا ا ْستَ َطعْتُ ْم وَا سْ َمعُوا َوأَطِيعُوا َوأَن ِفقُوا َخيْرا َلْنفُ سِكُ ْم َومَ نْ يُو قَ شُحّ َنفْ سِهِ َفُأوْلَئِ كَ هُ مْ‬
‫الْ ُمفْلِحُونَ (‪)16‬‬

‫فابذلوا‪ -‬أيها الؤمنون‪ -‬ف تقوى ال جهدكم وطاقتكم‪ ,‬واسعوا لرسول ال صلى ال عليه وسلم ساع‬
‫تدبّر وتفكر‪ ,‬وأطيعوا أوامره واجتنبوا نواهيه‪ ,‬وأنفقوا ما رزقكم ال يكن خيًا لكم‪ .‬ومن سَلِم من‬
‫البخل ومَنْعِ الفضل من الال‪ ,‬فأولئك هم الظافرون بكل خي‪ ,‬الفائزون بكل مطلب‪.‬‬

‫ِإنْ ُتقْرِضُوا اللّهَ قَرْضا حَسَنا ُيضَا ِعفْهُ َلكُ ْم َوَي ْغفِرْ َلكُ ْم وَاللّ ُه َشكُورٌ َحلِيمٌ (‪)17‬‬

‫إن تنفقوا أموالكم ف سبيل ال بإخلص وطيب نفس‪ ,‬يضاعف ال ثواب ما أنفقتم‪ ,‬ويغفر لكم‬
‫ذنوبكم‪ .‬وال شكور لهل النفاق بسن الزاء على ما أنفقوا‪ ,‬حليم ل يعجل بالعقوبة على مَن عصاه‪.‬‬

‫حكِيمُ (‪)18‬‬
‫شهَا َد ِة اْلعَزِي ُز الْ َ‬
‫عَالِ ُم اْلغَْيبِ وَال ّ‬

‫وهو سبحانه العال بكل ما غاب وما حضر‪ ,‬العزيز الذي ل يغالَب‪ ,‬الكيم ف أقواله وأفعاله‪.‬‬

‫‪1048‬‬
‫‪ -65‬سورة الطلق‬

‫خرِجُوهُ ّن مِ ْن ُبيُوِتهِ ّن‬


‫يا أيها النِّبيّ ِإذَا طَّل ْقتُ ْم النّسَاءَ َفطَّلقُوهُنّ ِلعِ ّدِتهِنّ َوأَ ْحصُوا الْعِ ّد َة وَاّتقُوا اللّهَ َرّبكُ ْم ل تُ ْ‬
‫ش ٍة ُمَبيَّن ٍة َوتِلْ كَ حُدُودُ اللّ ِه َومَ ْن َيتَعَدّ حُدُودَ اللّ هِ َفقَدْ ظَلَ َم َنفْ سَهُ ل تَ ْدرِي‬
‫وَل َيخْرُ ْج نَ إِلّ أَ ْن َيأْتِيَ ِبفَاحِ َ‬
‫ث َبعْدَ ذَلِكَ َأمْرا ( ‪)1‬‬ ‫َلعَلّ اللّ َه يُحْدِ ُ‬

‫يا أيها النب إذا أردت‪ -‬أنت والؤمنون‪ -‬أن تطلّقوا نساءكم فطلقوهن مستقبلت لعدتن ‪-‬أي ف طهر ل‬
‫يقع فيه جاع‪ ،‬أو ف َحمْل ظاهر‪ -‬واحفظوا العدة؛ لتعلموا وقت الرجعة إن أردت أن تراجعوهن‪,‬‬
‫وخافوا ال ربكم‪ ,‬ل ترجوا الطلقات من البيوت الت يسك ّن فيها إل أن تنقضي عدتن‪ ,‬وهي ثلث‬
‫حيضات لغي الصغية واليسة والامل‪ ,‬ول يوز لن الروج منها بأنفسهن‪ ،‬إل إذا فعلن فعلة منكرة‬
‫ظاهرة كالزن‪ ,‬وتلك أحكام ال الت شرعها لعباده‪ ,‬ومن يتجاوز أحكام ال فقد ظلم نفسه‪ ,‬وأوردها‬
‫مورد اللك‪ .‬ل تدري‪ -‬أيها الطلّق‪ :-‬لعل ال يدث بعد ذلك الطلق أمرًا ل تتوقعه فتراجعها‪.‬‬

‫ُمه َوأَقِيمُوا‬
‫ُوفه َوَأ ْشهِدُوا َذوَى عَ ْد ٍل ِمنْك ْ‬ ‫ُوفه َأوْ فَارِقُوهُنّ بِ َمعْر ٍ‬ ‫ْسهكُوهُ ّن بِ َمعْر ٍ‬ ‫ْنه أَ َجَلهُنّ َفَأم ِ‬
‫فَإِذَا بََلغ َ‬
‫جعَلْ لَ ُه َمخْرَجا (‪َ )2‬ويَرْزُقْهُ‬ ‫شهَا َدةَ ِللّهِ ذَِلكُ ْم يُوعَظُ بِ ِه مَنْ كَا َن ُيؤْمِ ُن بِاللّ ِه وَاْلَيوْمِ الخِ ِر َومَ ْن َيتّقِ اللّ َه يَ ْ‬
‫ال ّ‬
‫سبُهُ إِنّ اللّ َه بَالِ غُ َأمْرِ هِ قَدْ َجعَلَ اللّ هُ ِلكُ ّل َشيْءٍ َقدْرا (‬
‫سبُ َومَ ْن َيتَوَكّ ْل عَلَى اللّ هِ َف ُهوَ حَ ْ‬‫حتَ ِ‬‫مِ نْ َحيْ ثُ ل َي ْ‬
‫‪)3‬‬

‫فإذا قاربت الطلقات ناية عدتن فراجعوهن مع حسن العاشرة‪ ,‬والنفاق عليهن‪ ,‬أو فارقوهن مع إيفاء‬
‫حقهن‪ ,‬دون الضارّة لن‪ ,‬وأشهدوا على الرجعة أو الفارقة رجلي عدلي منكم‪ ,‬وأدّوا‪ -‬أيها الشهود‪-‬‬
‫الشهادة خالصة ل ل لشيء آخر‪ ,‬ذلك الذي أمركم ال به يوعظ به مَن كان يؤمن بال واليوم الخر‪.‬‬
‫ومن يف ال فيعمل با أمره به‪ ,‬ويتنب ما ناه عنه‪ ,‬يعل له مرجًا من كل ضيق‪ ,‬وييسّر له أسباب‬
‫الرزق من حيث ل يطر على باله‪ ,‬ول يكون ف حسبانه‪ .‬ومن يتوكل على ال فهو كافيه ما أهّه ف‬
‫جيع أموره‪ .‬إن ال بالغ أمره‪ ,‬ل يفوته شيء‪ ,‬ول يعجزه مطلوب‪ ,‬قد جعل ال لكل شيء أجل ينتهي‬
‫إليه‪ ,‬وتقديرًا ل ياوزه‪.‬‬

‫‪1049‬‬
‫حضْ َن َوُأوْل تُ‬
‫لئِي لَ ْم يَ ِ‬
‫لئِي َيئِ سْنَ مِ ْن الْمَحِي ضِ مِ ْن نِ سَاِئكُمْ إِ نْ ا ْرتَْبتُ مْ َفعِ ّدُتهُنّ ثَلَثةُ َأ ْشهُ ٍر وَال ّ‬ ‫وَال ّ‬
‫جعَلْ لَ ُه مِنْ َأمْ ِرهِ يُسْرا (‪)4‬‬ ‫ضعْنَ حَ ْمَلهُ ّن َومَ ْن َيتّقِ اللّ َه َي ْ‬
‫الَحْمَالِ أَ َجُلهُنّ َأنْ َي َ‬

‫والنساء الطلقات اللت انقطع عنهنّ دم اليض؛ لكب سنهنّ‪ ,‬إن شككتم فلم تدروا ما الكم فيهنّ؟‬
‫فعدّت ّن ثلثة أشهر‪ ,‬والصغيات اللت ل يضن‪ ,‬فعدتن ثلثة أشهر كذلك‪ .‬وذوات الَمْل من النساء‬
‫ف ال‪ ,‬فينفذ أحكامه‪ ,‬يعل له من أمره يسرًا ف الدنيا والخرة‪.‬‬
‫عدتن أن يضعن حَمْلهن‪ .‬ومن َيخَ ِ‬

‫ذَلِكَ َأمْرُ اللّهِ أَنزَلَهُ إَِلْيكُ ْم َومَنْ يَتّقِ اللّ َه ُي َكفّ ْر َعنْهُ َسّيئَاتِ ِه َوُيعْظِمْ لَهُ أَجْرا (‪)5‬‬

‫ذلك الذي ذُكِر من أمر الطلق والعدة أمر ال الذي أنزله إليكم‪ -‬أيها الناس‪-‬؛ لتعملوا به‪ .‬ومن يَخَفِ‬
‫ال فيتقه باجتناب معاصيه‪ ,‬وأداء فرائضه‪ ,‬يح عنه ذنوبه‪ ,‬ويزل له الثواب ف الخرة‪ ,‬ويدخله النة‪.‬‬

‫ضّيقُوا عََلْيهِنّ َوإِ نْ كُنّ أُول تِ حَمْلٍ َفَأْن ِفقُوا‬ ‫أَ ْس ِكنُوهُ ّن مِ نْ َحيْ ثُ َسكَنتُ ْم مِ ْن وُجْدِكُ ْم وَل ُتضَارّوهُنّ ِلتُ َ‬
‫ضعْ نَ َلكُ مْ فَآتُوهُنّ أُجُو َرهُنّ َوأْتَ ِمرُوا َبْينَكُ ْم بِ َمعْرُو فٍ َوإِ نْ َتعَا سَ ْرتُمْ‬
‫ضعْ نَ َحمَْلهُنّ فَإِ نْ أَرْ َ‬
‫عََلْيهِنّ َحتّى َي َ‬
‫ستُرْضِعُ لَهُ أُ ْخرَى (‪)6‬‬
‫فَ َ‬

‫أسكنوا الطلقات من نسائكم ف أثناء عدتن مثل سكناكم على قدر َسعَتكم وطاقتكم‪ ,‬ول تلحقوا بن‬
‫ضررًا؛ لتضيّقوا عليهن ف السكن‪ ,‬إن كان نساؤكم الطلقات ذوات حَمْل‪ ,‬فأنفقوا عليهن ف عدتن‬
‫حت يضعن َحمْلهن‪ ,‬فإن أرضعن لكم أولدهن منكم بأجرة‪ ,‬فوفوهن أجورهن‪ ,‬وليأمر بعضكم بعضًا با‬
‫عرف من ساحة وطيب نفس‪ ,‬وإن ل تتفقوا على إرضاع الم‪ ,‬فستُرضع للب مرضعة أخرى غي الم‬
‫الطلقة‪.‬‬

‫ِليُنفِ قْ ذُو َسعَ ٍة مِ نْ َس َعتِهِ َومَ نْ ُقدِ َر عََليْ هِ رِزْقُ هُ َف ْليُنفِ ْق مِمّ ا آتَا هُ اللّ ُه ل يُكَلّ فُ اللّ هُ نَفْ سا إِ ّل مَا آتَاهَا‬
‫جعَلُ اللّ ُه َبعْدَ عُسْ ٍر يُسْرا (‪)7‬‬‫َسيَ ْ‬

‫لينفق الزوج ما وسّع ال عليه على زوجته الطلقة‪ ,‬وعلى ولده إذا كان الزوج ذا َسعَة ف الرزق‪ ,‬ومن‬
‫ضيّق عليه ف الرزق وهو الفقي‪ ,‬فلينفق ما أعطاه ال من الرزق‪ ,‬ل ُيكَلّف الفقي مثل ما ُيكَلّف الغن‪,‬‬
‫ُ‬
‫سيجعل ال بعد ضيق وشدة َسعَة وغن‪.‬‬
‫‪1050‬‬
‫ت عَ نْ َأمْرِ َرّبهَا وَرُ سُلِهِ َفحَا سَْبنَاهَا حِ سَابا شَدِيدا َوعَ ّذْبنَاهَا عَذَابا ُنكْرا (‪َ )8‬فذَاقَ تْ‬
‫وَ َكأَيّ نْ مِ نْ َق ْرَيةٍ َعتَ ْ‬
‫َوبَالَ َأمْ ِرهَا وَكَا َن عَاِقبَةُ َأمْ ِرهَا خُسْرا (‪)9‬‬

‫وكثي من القرى عصى أهلها أمر ال وأمر رسوله وتادَوا ف طغيانم وكفرهم‪ ,‬فحاسبناهم على أعمالم‬
‫ف الدنيا حسابًا شديدًا‪ ,‬وعذّبناهم عذابًا عظيمًا منكرًا‪ ,‬فتجرّعوا سوء عاقبة عتوهم وكفرهم‪ ,‬وكان‬
‫عاقبة كفرهم هلكًا وخسرانًا ل خسران بعده‪.‬‬

‫ّههإَِليْكُم ْه ذِكْرا (‪)10‬‬ ‫ِينه آ َمنُوا قَدْ أَنزَلَ الل ُ‬


‫َابه الّذ َ‬
‫ّههَلهُم ْه عَذَابا شَدِيدا فَاّتقُوا اللّهَه يَا أُولِي الَْلب ِ‬ ‫َأعَدّ الل ُ‬
‫ت مِنْ الظّلُمَاتِ إِلَى النّو ِر َومَنْ‬ ‫ج الّذِينَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا الصّالِحَا ِ‬
‫خرِ َ‬‫رَسُو ًل َيتْلُو عََليْكُ ْم آيَاتِ اللّهِ مَُبّينَاتٍ ِليُ ْ‬
‫حِتهَا الَْنهَارُ خَالِدِي نَ فِيهَا َأبَدا َقدْ أَحْ سَنَ اللّ هُ لَ هُ‬
‫جرِي مِ ْن تَ ْ‬
‫ت تَ ْ‬
‫ُيؤْمِ ْن بِاللّ ِه َوَيعْمَلْ صَالِحا يُدْ ِخلْ هُ َجنّا ٍ‬
‫رِزْقا (‪)11‬‬

‫أعدّ ال لؤلء القوم الذين طغَوا‪ ,‬وخالفوا أمره وأمر رسله‪ ,‬عذابًا بالغ الشدة‪ ,‬فخافوا ال واحذروا‬
‫سخطه يا أصحاب العقول الراجحة الذين صدّقوا ال ورسله وعملوا بشرعه‪ .‬قد أنزل ال إليكم‪ -‬أيها‬
‫الؤمنون‪ -‬ذكرًا يذكركم به‪ ,‬وينبهكم على حظكم من اليان بال والعمل بطاعته‪ .‬وهذا الذكر هو‬
‫الرسول يقرأ عليكم آيات ال موضحات لكم الق من الباطل؛ كي يرج الذين صدقوا ال ورسوله‪,‬‬
‫وعملوا با أمرهم ال به وأطاعوه من ظلمات الكفر إل نور اليان‪ ,‬ومن يؤمن بال ويعمل عمل صالًا‪,‬‬
‫يدخله جنات تري من تت أشجارها النار‪ ,‬ماكثي فيها ابدًا‪ ,‬قد أحسن ال للمؤمن الصال رزقه ف‬
‫النة‪.‬‬

‫ض ِمثَْلهُنّ َيتَنَزّ ُل الَمْ ُر َبْيَنهُنّ ِلتَعَْلمُوا َأنّ اللّ َه عَلَى كُ ّل َشيْءٍ قَدِيرٌ‬
‫اللّ ُه الّذِي َخلَقَ َسبْعَ سَمَاوَاتٍ َومِ ْن الَرْ ِ‬
‫ط ِبكُلّ َشيْ ٍء عِلْما (‪)12‬‬ ‫َوأَنّ اللّهَ قَدْ أَحَا َ‬

‫ال وحده هو الذي خلق سبع سوات‪ ,‬وخلق سبعًا من الرَضي‪ ,‬وأنزل المر ما أوحاه ال إل رسله‬
‫وما يدبّر به خلقه بي السموات والرض؛ لتعلموا‪ -‬أيها الناس‪ -‬أن ال على كل شيء قدير ل يعجزه‬
‫شيء‪ ,‬وأن ال قد أحاط بكل شيء علمًا‪ ,‬فل يرج شيء عن علمه وقدرته‪.‬‬

‫‪1051‬‬
‫‪ -66‬سورة التحري‬

‫ك وَاللّ ُه َغفُورٌ رَحِيمٌ (‪)1‬‬


‫ك تَْبَتغِي مَرْضَاةَ أَ ْزوَاجِ َ‬
‫يَا أَّيهَا النِّبيّ ِل َم تُحَ ّر ُم مَا أَ َحلّ اللّهُ لَ َ‬

‫يا أيها النب لِمَ تنع نفسك عن اللل الذي أحله ال لك‪ ،‬تبتغي إرضاء زوجاتك؟ وال غفور لك‪,‬‬
‫رحيم بك‪.‬‬

‫حكِيمُ (‪)2‬‬
‫قَدْ َف َرضَ اللّهُ َلكُمْ َتحِّلةَ َأيْمَاِنكُمْ وَاللّ ُه َموْلكُ ْم َو ُهوَ اْلعَلِي ُم الْ َ‬

‫قد شرع ال لكم ‪-‬أيها الؤمنون‪ -‬تليل أيانكم بأداء الكفارة عنها‪ ,‬وهي‪ :‬إطعام عشرة مساكي‪ ,‬أو‬
‫كسوتم‪ ,‬أو ترير رقبة‪ ,‬فمن ل يد فصيام ثلثة أيام‪ .‬وال ناصركم ومتول أموركم‪ ,‬وهو العليم با‬
‫يصلحكم فيشرعه لكم‪ ,‬الكيم ف أقواله وأفعاله‪.‬‬

‫ض عَ ْن َبعْ ضٍ‬
‫ف َب ْعضَ ُه َوَأعْرَ َ‬
‫ت بِ ِه َوَأ ْظهَرَ هُ اللّ ُه عََليْ هِ َعرّ َ‬
‫َوإِذْ أَ سَرّ الّنبِيّ إِلَى َبعْ ضِ أَ ْزوَاجِ هِ َحدِيثا فََلمّا َنّبأَ ْ‬
‫خبِيُ (‪)3‬‬ ‫ت مَنْ َأنَْبَأكَ هَذَا قَا َل َنّبأَنِي اْلعَلِي ُم الْ َ‬
‫فَلَمّا نَّبَأهَا بِهِ قَاَل ْ‬

‫وإذ أسرّ النب إل زوجته حفصة ‪ -‬رضي ال عنها‪ -‬حديثا‪ ,‬فلما أخبت به عائشة رضي ال عنها‪,‬‬
‫وأطلعه ال على إفشائها سرّه‪ ,‬أعلم حفصة بعض ما أخبت به‪ ,‬وأعرض عن إعلمها بعضه تكرما‪ ,‬فلما‬
‫أخبها با أفشت من الديث‪ ,‬قالت‪ :‬مَن أخبك بذا؟ قال‪ :‬أخبن به ال العليم البي‪ ,‬الذي ل تفى‬
‫عليه خافية‪.‬‬

‫ص َغتْ ُقلُوبُكُمَا َوإِ نْ تَظَاهَرَا عََليْ هِ فَإِنّ اللّ َه ُهوَ َموْل ُه وَ ِجبْرِي ُل وَ صَالِ ُح الْ ُم ْؤ ِمنِيَ‬
‫إِ ْن تَتُوبَا إِلَى اللّ هِ َفقَدْ َ‬
‫ك َظهِيٌ (‪)4‬‬ ‫وَالْمَلِئ َكةُ َبعْدَ ذَلِ َ‬

‫‪1052‬‬
‫إن ترجعا (حفصة وعائشة) إل ال فقد وُجد منكما ما يوجب التوبة حيث مالت قلوبكما إل مبة ما‬
‫كرهه رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ,‬من إفشاء سرّه‪ ,‬وإن تتعاونا عليه با يسوءه‪ ,‬فإن ال وليه‬
‫وناصره‪ ,‬وجبيل وصال الؤمني‪ ,‬واللئكة بعد نصرة ال أعوان له ونصراء على مَن يؤذيه ويعاديه‪.‬‬

‫ت عَابِدَا تٍ سَائِحَاتٍ‬
‫ت تَاِئبَا ٍ‬
‫ت ُم ْؤ ِمنَا تٍ قَاِنتَا ٍ‬
‫عَ سَى َربّ هُ إِ ْن طَّل َقكُنّ أَ ْن ُيبْدِلَ هُ أَ ْزوَاجا َخيْرا ِمْنكُنّ مُسْلِمَا ٍ‬
‫ت َوَأبْكَارا (‪)5‬‬ ‫َثيّبَا ٍ‬

‫عسى ربّه إن طلقكنّ‪ -‬أيتها الزوجات‪ -‬أن يزوّجه بدل منكن زوجات خاضعات ل بالطاعة‪ ,‬مؤمنات‬
‫بال ورسوله‪ ،‬مطيعات ل‪ ,‬راجعات إل ما يبه ال مِن طاعته‪ ,‬كثيات العبادة له‪ ,‬صائمات‪ ,‬منهنّ‬
‫الثيّبات‪ ,‬ومنهن البكار‪.‬‬

‫ظ شِدَادٌ ل‬
‫حجَا َر ُة عََليْهَا مَلئِ َك ٌة غِل ٌ‬
‫يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا قُوا أَنفُ سَكُ ْم َوَأهْلِيكُ ْم نَارا وَقُودُهَا النّا سُ وَالْ ِ‬
‫َيعْصُونَ اللّ َه مَا َأمَ َرهُ ْم َوَي ْفعَلُو َن مَا ُي ْؤمَرُونَ (‪)6‬‬

‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬احفظوا أنفسكم بفعل ما أمركم ال به وترك ما ناكم‬
‫عنه‪ ,‬واحفظوا أهليكم با تفظون به أنفسكم من نار وقودها الناس والجارة‪ ,‬يقوم على تعذيب أهلها‬
‫ملئكة أقوياء قساة ف معاملتم‪ ,‬ل يالفون ال ف أمره‪ ,‬وينفذون ما يؤمرون به‪.‬‬

‫ج َز ْونَ مَا كُنتُ ْم َتعْمَلُونَ (‪)7‬‬


‫يَا َأيّهَا الّذِينَ َكفَرُوا ل َت ْعتَذِرُوا الَْي ْومَ ِإنّمَا تُ ْ‬

‫ويقال للذين جحدوا أن ال هو الله الق وكفروا به عند إدخالم النار‪ :‬ل تلتمسوا العاذير ف هذا‬
‫اليوم؛ إنا تعطون جزاء الذي كنتم تعملونه ف الدنيا‪.‬‬

‫يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا تُوبُوا إِلَى اللّ ِه َتوَْب ًة نَ صُوحا عَ سَى َرّبكُ مْ أَ ْن ُيكَفّرَ عَْنكُ مْ َسيّئَاِتكُ ْم َويُدْخَِلكُ مْ َجنّا تٍ‬
‫سعَى َبيْ نَ َأيْدِيهِ ْم َوِبأَيْمَاِنهِ مْ‬
‫حِتهَا ا َلْنهَا ُر َيوْ َم ل يُخْزِي اللّ ُه النِّبيّ وَالّذِي نَ آ َمنُوا َمعَ ُه نُو ُرهُ ْم يَ ْ‬
‫تَجْرِي مِ ْن تَ ْ‬
‫َيقُولُونَ َربّنَا َأتْمِمْ َلنَا نُو َرنَا وَا ْغفِرْ َلنَا ِإنّكَ عَلَى كُ ّل َشيْءٍ َقدِيرٌ (‪)8‬‬

‫‪1053‬‬
‫يا أيها الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬ارجعوا عن ذنوبكم إل طاعة ال رجوعا ل معصية‬
‫بعده‪ ,‬عسى ربكم أن يحو عنكم سيئات أعمالكم‪ ,‬وأن يدخلكم جنات تري من تت قصورها‬
‫النار‪ ,‬يوم ل يزي ال النب والذين آمنوا معه‪ ,‬ول يعذبم‪ ,‬بل يُعلي شأنم‪ ,‬نور هؤلء يسي أمامهم‬
‫وبأيانم‪ ,‬يقولون‪ :‬ربنا أتم لنا نورنا حت نوز الصراط‪ ,‬ونتدي إل النة‪ ,‬واعف عنّا وتاوز عن ذنوبنا‬
‫واسترها علينا‪ ,‬إنك على كل شيء قدير‪.‬‬

‫ظ عََلْيهِ ْم َو َم ْأوَاهُمْ َج َهنّ ُم َوِبْئسَ الْ َمصِيُ (‪)9‬‬


‫ي وَاغْلُ ْ‬
‫يَا َأيّهَا النِّبيّ جَاهِ ْد اْلكُفّا َر وَالْ ُمنَاِفقِ َ‬

‫يا أيها النب جاهد الذين أظهروا الكفر وأعلنوه‪ ,‬وقاتلهم بالسيف‪ ,‬وجاهد الذين أبطنوا الكفر وأخفوه‬
‫بالجة وإقامة الدود وشعائر الدين‪ ,‬واستعمل مع الفريقي الشدة والشونة ف جهادها‪ ,‬ومسكنهم‬
‫الذي يصيون إليه ف الخرة جهنم‪ ,‬وَقبُح ذلك الرجع الذي يرجعون إليه‪.‬‬

‫حيْنِ َفخَاَنتَاهُمَا‬
‫ح َوِامْ َرَأةَ لُو طٍ كَاَنتَا تَحْ تَ َعبْ َديْ ِن مِ ْن ِعبَا ِدنَا صَالِ َ‬
‫ضَرَ بَ اللّ ُه َمَثلً لِلّذِي نَ َكفَرُوا ِامْ َرَأ َة نُو ٍ‬
‫فَلَمْ يُ ْغِنيَا َعْنهُمَا مِنْ اللّ ِه َشيْئا وَقِيلَ ا ْدخُل النّا َر مَعَ الدّاخِِليَ (‪)10‬‬

‫ضرب ال مثل لال الكفرة ‪ -‬ف مالطتهم السلمي وقربم منهم ومعاشرتم لم‪ ,‬وأن ذلك ل ينفعهم‬
‫لكفرهم بال‪ -‬بال زوجة نب ال نوح‪ ,‬وزوجة نب ال لوط‪ :‬حيث كانتا ف عصمة عبدَين من عبادنا‬
‫صالي‪ ,‬فوقعت منهما اليانة لما ف الدين‪ ,‬فقد كانتا كافرتي‪ ,‬فلم يدفع هذان الرسولن عن‬
‫زوجتيهما من عذاب ال شيئًا‪ ,‬وقيل للزوجتي‪ :‬ادخل النار مع الداخلي فيها‪ .‬وف ضرب هذا الثل دليل‬
‫على أن القرب من النبياء‪ ,‬والصالي‪ ,‬ل يفيد شيئا مع العمل السيّئ‪.‬‬

‫جنِي مِنْ فِ ْر َعوْنَ‬


‫جّنةِ َونَ ّ‬
‫وَضَرَبَ اللّ ُه َمَثلً لِلّذِينَ آ َمنُوا اِمْ َرَأةَ فِ ْر َعوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبّ ابْ نِ لِي ِعنْدَكَ بَيْتا فِي الْ َ‬
‫جنِي مِ ْن اْل َق ْومِ الظّالِ ِميَ (‪)11‬‬ ‫َوعَمَلِ ِه َونَ ّ‬

‫وضرب ال مثل لال الؤمني‪ -‬الذين صدّقوا ال‪ ,‬وعبدوه وحده‪ ,‬وعملوا بشرعه‪ ,‬وأنم ل تضرهم‬
‫مالطة الكافرين ف معاملتهم‪ -‬بال زوجة فرعون الت كانت ف عصمة أشد الكافرين بال‪ ,‬وهي مؤمنة‬

‫‪1054‬‬
‫بال‪ ,‬حي قالت‪ :‬رب ابْنِ ل دارًا عندك ف النة‪ ,‬وأنقذن من سلطان فرعون وفتنته‪ ,‬وما يصدر عنه من‬
‫أعمال الشر‪ ,‬وأنقذن من القوم التابعي له ف الظلم والضلل‪ ,‬ومن عذابم‪.‬‬

‫ت ِبكَلِمَا تِ َرّبهَا وَ ُكُتبِ ِه وَكَانَ تْ‬


‫خنَا فِي هِ مِ نْ رُو ِحنَا وَ صَدَّق ْ‬
‫َومَ ْريَ َم اْبنَ تَ عِمْرَا َن الّتِي أَحْ صََنتْ فَرْ َجهَا َفَنفَ ْ‬
‫مِ ْن اْلقَاِنتِيَ (‪)12‬‬

‫وضرب ال مثل للذين آمنوا مري بنت عمران الت حفظت فرجها‪ ,‬وصانته عن الزن‪ ,‬فأمر ال تعال‬
‫جبيل عليه السلم أن ينفخ ف جيب قميصها‪ ,‬فوصلت النفخة إل رحها‪ ,‬فحملت بعيسى عليه السلم‪,‬‬
‫وصدّقت بكلمات ربا‪ ,‬وعملت بشرائعه الت شرعها لعباده‪ ,‬وكتبه النلة على رسله‪ ,‬وكانت من‬
‫الطيعي له‪.‬‬

‫الزء التاسع والعشرون ‪:‬‬

‫‪ -67‬سورة اللك‬

‫ك َوهُ َو عَلَى كُ ّل َشيْءٍ َقدِيرٌ (‪)1‬‬


‫َتبَارَ َك الّذِي ِبيَ ِدهِ الْ ُملْ ُ‬

‫تكاثر خي ال وبرّه على جيع خلقه‪ ,‬الذي بيده مُلك الدنيا والخرة وسلطانما‪ ,‬نافذ فيهما أمره‬
‫وقضاؤه‪ ,‬وهو على كل شيء قدير‪ .‬ويستفاد من الية ثبوت صفة اليد ل سبحانه وتعال على ما يليق‬
‫بلله‪.‬‬

‫ل َو ُهوَ الْعَزِيزُ الْ َغفُورُ (‪)2‬‬


‫حيَاةَ ِلَيبُْلوَكُمْ َأيّكُمْ أَحْسَ ُن عَ َم ً‬
‫ت وَالْ َ‬
‫الّذِي َخلَ َق الْ َموْ َ‬

‫‪1055‬‬
‫الذي خلق الوت والياة؛ ليختبكم ‪ -‬أيها الناس‪ :-‬أيكم خ ٌي عمل وأخلصه؟ وهو العزيز الذي ل‬
‫يعجزه شيء‪ ,‬الغفور لن تاب من عباده‪ .‬وف الية ترغيب ف فعل الطاعات‪ ,‬وزجر عن اقتراف العاصي‪.‬‬

‫ت ِطبَاقا مَا تَرَى فِي َخلْ قِ الرّحْ َم ِن مِ ْن َتفَاوُ تٍ فَارْ ِج ْع اْلبَ صَ َر هَ ْل تَرَى مِ نْ فُطُورٍ‬
‫الّذِي َخلَ قَ َسبْعَ سَمَاوَا ٍ‬
‫(‪)3‬‬

‫الذي خلق سبع سوات متناسقة‪ ,‬بعضها فوق بعض‪ ,‬ما ترى ف خلق الرحن‪ -‬أيها الناظر‪ -‬من اختلف‬
‫ول تباين‪ ,‬فأعد النظر إل السماء‪ :‬هل ترى فيها مِن شقوق أو صدوع؟‬

‫ثُمّ ارْجِ ْع اْلَبصَرَ كَ ّرَتيْ ِن يَنقَِلبْ إَِليْكَ اْلَبصَرُ خَاسِئا َو ُهوَ حَسِيٌ (‪)4‬‬

‫ث أعد النظر مرة بعد مرة‪ ,‬يرجع إليك البصر ذليل صاغرًا عن أن يرى نقصًا‪ ,‬وهو متعب كليل‪.‬‬

‫سعِيِ (‪)5‬‬
‫ي َوَأ ْعتَ ْدنَا َل ُه ْم عَذَابَ ال ّ‬
‫شيَاطِ ِ‬
‫وََلقَدْ َزّينّا السّمَاءَ ال ّدْنيَا بِ َمصَابِي َح وَ َج َع ْلنَاهَا ُرجُوما لِل ّ‬

‫ولقد زيّنا السماء القريبة الت تراها العيون بنجوم عظيمة مضيئة‪ ,‬وجعلناها شهبًا مرقة لسترقي السمع‬
‫من الشياطي‪ ,‬وأعتدنا لم ف الخرة عذاب النار الوقدة يقاسون حرها‪.‬‬

‫س الْ َمصِيُ (‪)6‬‬


‫وَلِلّذِينَ َكفَرُوا بِ َرّبهِ ْم عَذَابُ َج َهنّ َم َوبِْئ َ‬

‫وللكافرين بالقهم عذاب جهنم‪ ,‬وساء الرجع لم جهنم‪.‬‬

‫إِذَا أُْلقُوا فِيهَا سَ ِمعُوا َلهَا َشهِيقا َوهِ َي َتفُورُ (‪)7‬‬

‫إذا طُرح هؤلء الكافرون ف جهنم سعوا لا صوتًا شديدًا منكرًا‪ ,‬وهي تغلي غليانًا شديدًا‪.‬‬

‫ج َسأََلهُمْ خَ َزَنُتهَا أَلَ ْم َيأِْتكُ ْم نَذِيرٌ (‪)8‬‬


‫َتكَا ُد تَ َميّ ُز مِ ْن اْلغَيْظِ كُلّمَا أُْلقِيَ فِيهَا َفوْ ٌ‬

‫‪1056‬‬
‫تكاد جهنم تتمزق مِن شدة غضبها على الكفار‪ ,‬كلما طُرح فيها جاعة من الناس سألم الوكلون‬
‫بأمرها على سبيل التوبيخ‪ :‬أل يأتكم ف الدنيا رسول يذركم هذا العذاب الذي أنتم فيه؟‬

‫قَالُوا بَلَى قَدْ جَا َءنَا نَذِيرٌ َفكَ ّذْبنَا وَُق ْلنَا مَا َنزّلَ اللّ ُه مِ ْن َشيْءٍ ِإنْ َأنْتُمْ إِلّ فِي ضَللٍ َكبِيٍ (‪)9‬‬

‫أجابوهم قائلي‪ :‬بلى قد جاءنا رسول مِن عند ال وحذّرنا‪ ,‬فكذّبناه‪ ,‬وقلنا فيما جاء به من اليات‪ :‬ما‬
‫نزّل ال على أحد من البشر شيئًا‪ ,‬ما أنتم ‪ -‬أيها الرسل‪ -‬إل ف ذهاب بعيد عن الق‪.‬‬

‫سعِيِ (‪)10‬‬
‫صحَابِ ال ّ‬
‫وَقَالُوا َلوْ ُكنّا نَسْمَعُ َأ ْو َنعْقِ ُل مَا ُكنّا فِي أَ ْ‬

‫وقالوا معترفي‪ :‬لو كنا نسمع ساع مَن يطلب الق‪ ,‬أو نفكر فيما نُدْعى إليه‪ ,‬ما كنا ف عداد أهل النار‪.‬‬

‫فَا ْعتَرَفُوا بِ َذْنِبهِمْ فَسُحْقا لَصْحَابِ السّعِيِ (‪)11‬‬

‫فاعترفوا بتكذيبهم وكفرهم الذي استحقوا به عذاب النار‪ ,‬فبعدًا لهل النار عن رحة ال‪.‬‬

‫ش ْونَ َرّبهُ ْم بِاْلغَْيبِ َل ُه ْم َمغْفِ َرٌة َوأَجْرٌ َكبِيٌ (‪)12‬‬


‫ِإنّ الّذِي َن يَخْ َ‬

‫إن الذين يافون ربم‪ ,‬فيعبدونه‪ ,‬ول يعصونه وهم غائبون عن أعي الناس‪ ,‬ويشون العذاب ف الخرة‬
‫قبل معاينته‪ ,‬لم عفو من ال عن ذنوبم‪ ,‬وثواب عظيم وهو النة‪.‬‬

‫َوَأسِرّوا َقوَْلكُمْ َأوْ ا ْجهَرُوا بِهِ ِإنّهُ عَلِي ٌم بِذَاتِ الصّدُورِ (‪)13‬‬

‫وأخفوا قولكم‪ -‬أيها الناس‪ -‬ف أي أمر من أموركم أو أعلنوه‪ ,‬فهما عند ال سواء‪ ,‬إنه سبحانه عليم‬
‫بضمرات الصدور‪ ,‬فكيف تفى عليه أقوالكم وأعمالكم؟‬

‫خبِيُ (‪)14‬‬
‫ف الْ َ‬
‫أَل َيعَْل ُم مَنْ َخلَ َق َو ُهوَ اللّطِي ُ‬

‫‪1057‬‬
‫ب العالي خَلْقه وشؤونم‪ ،‬وهو الذي خَلَقهم وأتقن خَ ْل َقهُمْ وأحسنه؟ وهو اللطيف بعباده‪,‬‬
‫أل يعلم ر ّ‬
‫البي بم وبأعمالم‪.‬‬

‫ُهوَ الّذِي َجعَلَ َلكُ ْم الَ ْرضَ ذَلُولً فَامْشُوا فِي َمنَا ِكِبهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ َوإِلَيْ ِه النّشُورُ (‪)15‬‬

‫ال وحده هو الذي جعل لكم الرض سهلة مهدة تستقرون عليها‪ ,‬فامشوا ف نواحيها وجوانبها‪ ,‬وكلوا‬
‫من رزق ال الذي يرجه لكم منها‪ ,‬وإليه وحده البعث من قبوركم للحساب والزاء‪ .‬وف الية إياء إل‬
‫طلب الرزق والكاسب‪ ,‬وفيها دللة على أن ال هو الله الق وحده ل شريك له‪ ،‬وعلى قدرته‪,‬‬
‫والتذكي بنعمه‪ ,‬والتحذير من الركون إل الدنيا‪.‬‬

‫ف ِبكُ مْ الَرْ ضَ َفإِذَا هِ يَ تَمُورُ (‪ )16‬أَ مْ َأمِنتُ ْم مَ نْ فِي ال سّمَاءِ أَ ْن يُرْ سِلَ‬
‫َأَأمِنتُ ْم مَ نْ فِي ال سّمَاءِ أَ نْ َيخْ سِ َ‬
‫ف نَذِيرِ (‪)17‬‬ ‫سَتعْلَمُونَ َكيْ َ‬ ‫عََليْكُمْ حَاصِبا فَ َ‬

‫هل أمنتم‪ -‬يا كفار "مكة"‪ -‬ال الذي فوق السماء أن يسف بكم الرض‪ ,‬فإذا هي تضطرب بكم حت‬
‫تلكوا؟ هل أمنتم ال الذي فوق السماء أن يرسل عليكم ريا ترجكم بالجارة الصغية‪ ,‬فستعلمون‪-‬‬
‫أيها الكافرون‪ -‬كيف تذيري لكم إذا عاينتم العذاب؟ ول ينفعكم العلم حي ذلك‪ .‬وف الية إثبات‬
‫العلو ل تعال‪ ,‬كما يليق بلله سبحانه‪.‬‬

‫ب الّذِي َن مِنْ َقبِْلهِمْ َف َكيْفَ كَانَ َنكِيِ (‪)18‬‬


‫وََلقَدْ كَذّ َ‬

‫ولقد كذّب الذين كانوا قبل كفار "مكة" كقوم نوح وعاد وثود رسلهم‪ ,‬فكيف كان إنكاري عليهم‪,‬‬
‫وتغييي ما بم من نعمة بإنزال العذاب بم وإهلكهم؟‬

‫س ُكهُنّ إِلّ الرّحْمَ نُ ِإنّ ُه ِبكُلّ َشيْ ٍء بَ صِيٌ (‪َ )19‬أمّ نْ‬
‫ت َويَ ْقِبضْ َن مَا يُمْ ِ‬
‫َأوَلَ ْم يَ َروْا إِلَى ال ّطيْرِ َفوَْقهُ مْ صَافّا ٍ‬
‫هَذَا الّذِي ُهوَ جُندٌ َلكُ ْم يَن صُرُكُ ْم مِ نْ دُو نِ الرّ ْحمَ نِ إِ نْ اْلكَافِرُو نَ إِلّ فِي غُرُورٍ (‪َ )20‬أمّ ْن هَذَا الّذِي‬
‫يَرْزُُقكُمْ ِإنْ َأمْسَكَ ِرزْقَ ُه بَلْ لَجّوا فِي ُعُتوّ َوُنفُورٍ (‪)21‬‬

‫‪1058‬‬
‫أغَفَل هؤلء الكافرون‪ ,‬ول ينظروا إل الطي فوقهم‪ ,‬باسطات أجنحتها عند طيانا ف الواء‪ ,‬ويضممنها‬
‫إل جُنوبا أحيانًا؟ ما يفظها من الوقوع عند ذلك إل الرحن‪ .‬إنه بكل شيء بصي ل يُرى ف خلقه‬
‫نقص ول تفاوت‪ .‬بل مَن هذا الذي هو ف زعمكم‪ -‬أيها الكافرون‪ -‬حزب لكم ينصركم من غي‬
‫الرحن‪ ,‬إن أراد بكم سوءًا؟ ما الكافرون ف زعمهم هذا إل ف خداع وضلل من الشيطان‪ .‬بل مَن هذا‬
‫الرازق الزعوم الذي يرزقكم إن أمسك ال رزقه ومنعه عنكم؟ بل استمر الكافرون ف طغيانم وضللم‬
‫ف معاندة واستكبار ونفور عن الق‪ ,‬ل يسمعون له‪ ,‬ول يتبعونه‪.‬‬

‫صرَاطٍ مُسَْتقِيمٍ (‪)22‬‬


‫أَفَمَ ْن يَمْشِي ُمكِبّا عَلَى وَ ْجهِهِ َأهْدَى َأمّنْ يَمْشِي َس ِويّا عَلَى ِ‬

‫أفمن يشي منكّسًا على وجهه ل يدري أين يسلك ول كيف يذهب‪ ,‬أشد استقامة على الطريق‬
‫وأهدى‪ ,‬أم مَن يشي مستويًا منتصب القمة سالًا على طريق واضح ل اعوجاج فيه؟ وهذا مثل ضربه ال‬
‫للكافر والؤمن‪.‬‬

‫قُ ْل ُه َو الّذِي أَنشَأَكُ ْم َو َجعَلَ َلكُ ْم ال سّمْ َع وَالَبْ صَا َر وَالَ ْفئِ َدةَ َقلِيلً مَا تَشْكُرُو نَ (‪ )23‬قُ ْل ُه َو الّذِي‬
‫شرُونَ (‪)24‬‬ ‫ض َوإِلَيْ ِه تُحْ َ‬
‫ذَ َرأَكُمْ فِي الَ ْر ِ‬

‫قل لم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬ال هو الذي أوجدكم من العدم‪ ,‬وجعل لكم السمع لتسمعوا به‪ ,‬والبصار‬
‫لتبصروا با‪ ,‬والقلوب لتعقلوا با‪ ,‬قليل‪ -‬أيها الكافرون‪ -‬ما تؤدون شكر هذه النعم لربكم الذي أنعم با‬
‫عليكم‪ .‬قل لم‪ :‬ال هو الذي خلقكم ونشركم ف الرض‪ ,‬وإليه وحده تُجمعون بعد هذا التفرق‬
‫للحساب والزاء‪.‬‬

‫َوَيقُولُونَ َمتَى هَذَا اْلوَعْدُ ِإنْ كُنتُمْ صَادِقِيَ (‪ُ )25‬قلْ ِإنّمَا الْعِ ْل ُم عِنْدَ اللّ ِه َوِإنّمَا َأنَا نَذِي ٌر ُمبِيٌ (‪)26‬‬

‫ويقول الكافرون‪ :‬مت يتحقق هذا الوعد بالشر يا ممد؟ أخبونا بزمانه أيها الؤمنون‪ ,‬إن كنتم صادقي‬
‫فيما تدّعون‪ ,‬قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء‪ :‬إن العلم بوقت قيام الساعة اختصّ ال به‪ ,‬وإنا أنا نذير لكم‬
‫أخوّفكم عاقبة كفركم‪ ,‬وأبيّن لكم ما أمرن ال ببيانه غاية البيان‪.‬‬

‫‪1059‬‬
‫ت وُجُوهُ الّذِينَ َكفَرُوا وَقِي َل هَذَا الّذِي كُنتُ ْم بِ ِه تَ ّدعُونَ (‪)27‬‬
‫فََلمّا َرَأ ْوهُ زُْل َف ًة سِيئَ ْ‬

‫فلما رأى الكفار عذاب ال قريبًا منهم وعاينوه‪ ،‬ظهرت الذلة والكآبة على وجوههم‪ ،‬وقيل توبيخًا لم‪:‬‬
‫هذا الذي كنتم تطلبون تعجيله ف الدنيا‪.‬‬

‫قُلْ أَ َرَأْيتُمْ إِنْ َأهَْلكَنِي اللّ ُه َومَنْ َمعِي َأوْ رَحِ َمنَا فَ َم ْن يُجِ ُي الْكَاِفرِينَ مِ ْن عَذَابٍ أَلِيمٍ (‪)28‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الكافرين‪ :‬أخبون إن أماتن ال ومَن معي من الؤمني كما تتمنون‪ ،‬أو رحنا‬
‫فأخّر آجالنا‪ ،‬وعافانا مِن عذابه‪ ،‬فمَن هذا الذي يميكم‪ ،‬وينعكم من عذاب أليم موجع؟‬

‫سَتعْلَمُو َن مَ ْن ُهوَ فِي ضَل ٍل ُمبِيٍ (‪)29‬‬


‫قُ ْل ُهوَ الرّحْ َمنُ آمَنّا بِ ِه َوعََليْهِ َتوَكّ ْلنَا فَ َ‬

‫قل‪ :‬ال هو الرحن صدّقنا به وعملنا بشرعه‪ ،‬وأطعناه‪ ،‬وعليه وحده اعتمدنا ف كل أمورنا‪ ،‬فستعلمون‪-‬‬
‫ي الفريقي منا ومنكم ف ُبعْدٍ واضح عن صراط ال الستقيم؟‬
‫أيها الكافرون‪ -‬إذا نزل العذاب‪ :‬أ ّ‬

‫صبَ َح مَاؤُكُ ْم َغوْرا َفمَ ْن َي ْأتِيكُ ْم بِمَا ٍء َمعِيٍ (‪)30‬‬


‫قُلْ أَ َرَأْيتُمْ إِنْ أَ ْ‬

‫قل ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬لؤلء الشرك ي‪ :‬أ خبون إن صار ماؤ كم الذي تشربون م نه ذاهبًا ف الرض ل‬
‫تصلون إليه بوسيلة‪ ،‬فمَن غي ال ييئكم باء جارٍ على وجه الرض ظاهر للعيون؟‬

‫‪ -68‬سورة القلم‬

‫جنُو نٍ (‪َ )2‬وإِنّ لَ كَ لَجْرا غَيْ َر َم ْمنُو نٍ (‪َ )3‬وِإنّ كَ‬


‫ك بِ َم ْ‬
‫ن وَاْلقَلَ ِم َومَا يَ سْ ُطرُونَ (‪ )1‬مَا َأنْ تَ ِبِنعْ َمةِ َربّ َ‬
‫َلعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (‪)4‬‬

‫( ن ) سبق الكلم على الروف القطعة ف أول سورة البقرة‪.‬‬

‫‪1060‬‬
‫أق سم ال بالقلم الذي يك تب به اللئ كة والناس‪ ،‬وب ا يكتبون من ال ي والن فع والعلوم‪ .‬ما أ نت ‪-‬أي ها‬
‫الرسول‪ -‬بسبب نعمة ال عليك بالنبوة والرسالة بضعيف العقل‪ ،‬ول سفيه الرأي‪ ،‬وإن لك على ما تلقاه‬
‫من شدائد على تبليغ الرسالة لَثوابًا عظيمًا غي منقوص ول مقطوع‪ ،‬وإنك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لعلى خلق‬
‫عظ يم‪ ،‬و هو ما اشت مل عل يه القرآن من مكارم الخلق؛ ف قد كان امتثال القرآن سجية له يأت ر بأمره‪،‬‬
‫وينتهي عما ينهى عنه‪.‬‬

‫سُتبْصِ ُر َوُيْبصِرُونَ (‪ِ )5‬بَأيّيكُ ْم الْ َم ْفتُونُ (‪)6‬‬


‫فَ َ‬

‫فعن قريب سترى أيها الرسول‪ ،‬ويرى الكافرون ف أيكم الفتنة والنون؟‬

‫ك ُهوَ أَعَْل ُم بِمَنْ ضَلّ عَنْ َسبِيلِ ِه َو ُهوَ َأعْلَمُ بِالْ ُم ْهتَدِينَ (‪)7‬‬
‫ِإنّ َربّ َ‬

‫إن ربك‪ -‬سبحانه‪ -‬هو أعلم بالشقي النحرف عن دين ال وطريق الدى‪ ،‬وهو أعلم بالتقي الهتدي إل‬
‫دين الق‪.‬‬

‫فَل تُطِ ْع الْ ُمكَ ّذبِيَ (‪)8‬‬

‫فاثبت على ما أنت عليه ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من مالفة الكذبي ول تطعهم‪.‬‬

‫وَدّوا َلوْ تُ ْدهِنُ َفيُ ْد ِهنُونَ (‪)9‬‬

‫تنّوا وأحبوا لو تلينهم‪ ،‬وتصانعهم على بعض ما هم عليه‪ ،‬فيلينون لك‪.‬‬

‫خْي ِر ُمعْتَدٍ َأثِيمٍ ( ‪ُ )12‬عتُ ّل َبعْدَ ذَلِكَ‬


‫ف َمهِيٍ (‪ )10‬هَمّا ٍز مَشّا ٍء ِبنَمِيمٍ ( ‪َ )11‬منّاعٍ لِلْ َ‬ ‫وَل تُطِعْ كُلّ َحلّ ٍ‬
‫َزنِيمٍ (‪َ )13‬أنْ كَانَ ذَا مَا ٍل َوَبنِيَ (‪ )14‬إِذَا ُتتْلَى عََليْ ِه آيَاتُنَا قَالَ َأسَاطِيُ ا َلوّلِيَ (‪)15‬‬

‫ول ت طع ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬ك ّل إن سا ٍن كث ي اللف كذاب حق ي‪ ،‬مغتاب للناس‪ ،‬ي شي بين هم بالنمي مة‪،‬‬
‫وين قل حديث بعضهم إل بعض على وجه الفساد بينهم‪ ،‬بيل بالال ضني به عن الق‪ ،‬شديد النع‬
‫‪1061‬‬
‫للخي‪ ،‬متجاوز حدّه ف العدوان على الناس وتناول الحرمات‪ ،‬كثي الثام‪ ،‬شديد ف كفره‪ ،‬فاحش لئيم‪،‬‬
‫منسوب لغي أبيه‪ .‬ومن أجل أنه كان صاحب مال وبني طغى وتكب عن الق‪ ،‬فإذا قرأ عليه أحد آيات‬
‫القرآن كذّب ب ا‪ ،‬وقال‪ :‬هذا أباط يل الول ي وخرافات م‪ .‬وهذه اليات وإن نزلت ف ب عض الشرك ي‬
‫كالوليد بن الغية‪ ،‬إل أن فيها تذيرًا للمسلم من موافقة من اتصف بذه الصفات الذميمة‪.‬‬

‫خ ْرطُومِ (‪)16‬‬
‫َسنَسِمُهُ عَلَى الْ ُ‬

‫سنجعل على أنفه علمة لزمة ل تفارقه عقوبة له; ليكون مفتضحًا با أمام الناس‪.‬‬

‫سَتثْنُونَ (‪)18‬‬
‫صبِحِيَ (‪ )17‬وَل يَ ْ‬
‫جّنةِ ِإذْ أَقْسَمُوا َلَيصْ ِر ُمّنهَا ُم ْ‬
‫ب الْ َ‬
‫ِإنّا بََل ْونَاهُمْ كَمَا بََل ْونَا أَصْحَا َ‬

‫إنا اختبنا أهل "مكة" بالوع والقحط‪ ،‬كما اختبنا أصحاب الديقة حي حلفوا فيما بينهم‪ ,‬ليقطعُنّ‬
‫ثار حديقتهم مبكّرين ف الصباح‪ ,‬فل يَ ْطعَم منها غيهم من الساكي ونوهم‪ ,‬ول يقولوا‪ :‬إن شاء ال‪.‬‬

‫حتْ كَالصّ ِريِ (‪)20‬‬


‫صبَ َ‬
‫ك َوهُمْ نَائِمُونَ (‪َ )19‬فأَ ْ‬
‫ف عََلْيهَا طَائِفٌ مِنْ َربّ َ‬
‫فَطَا َ‬

‫فأنزل ال عليها نارًا أحرقتها ليل وهم نائمون‪ ,‬فأصبحت مترقة سوداء كالليل الظلم‪.‬‬

‫صبِحِيَ (‪َ )21‬أنْ اغْدُوا عَلَى حَ ْرِثكُمْ ِإنْ كُنتُمْ صَا ِرمِيَ (‪)22‬‬
‫َفَتنَادَوا ُم ْ‬

‫فنادى بعضهم بعضًا وقت الصباح‪ :‬أن اذهبوا مبكرين إل زرعكم‪ ،‬إن كنتم مصرّين على قطع الثمار‪.‬‬

‫سكِيٌ (‪)24‬‬
‫فَانطََلقُوا َوهُ ْم َيتَخَاَفتُونَ (‪َ )23‬أ ْن ل يَدْخَُلّنهَا اْليَ ْو َم عََلْيكُمْ مِ ْ‬

‫فاندفعوا مسرعي‪ ،‬وهم يتسارّون بالديث فيما بينهم‪ :‬بأن ل تكّنوا اليوم أحدا من الساكي من دخول‬
‫حديقتكم‪.‬‬

‫‪1062‬‬
‫َوغَ َدوْا عَلَى َحرْدٍ قَادِرِينَ (‪)25‬‬

‫وساروا ف أول النهار إل حديقتهم على قصدهم السيّئ ف منع الساكي من ثار الديقة‪ ,‬وهم ف غاية‬
‫القدرة على تنفيذه ف زعمهم‪.‬‬

‫سبّحُو َن‬ ‫حرُومُونَ ( ‪ )27‬قَالَ َأوْسَ ُطهُمْ أَلَمْ أَقُلْ َلكُمْ َلوْل تُ َ‬ ‫فََلمّا َرَأ ْوهَا قَالُوا ِإنّا َلضَالّونَ (‪ )26‬بَ ْل نَحْ ُن مَ ْ‬
‫ضهُ ْم عَلَى َبعْ ضٍ يَتَل َومُو نَ ( ‪ )30‬قَالُوا يَا َويَْلنَا‬ ‫(‪ )28‬قَالُوا ُسبْحَانَ َربّنَا ِإنّا ُكنّا ظَالِمِيَ ( ‪َ )29‬فأَ ْقبَلَ َب ْع ُ‬
‫ك اْلعَذَابُ وََلعَذَابُ‬ ‫ِإنّا ُكنّا طَاغِيَ ( ‪ )31‬عَسَى َرّبنَا أَ ْن يُبْدَِلنَا َخيْرا ِمْنهَا ِإنّا إِلَى َربّنَا رَاغِبُونَ ( ‪ )32‬كَذَلِ َ‬
‫الخِ َرةِ أَكْبَرُ َلوْ كَانُوا َيعَْلمُونَ (‪)33‬‬

‫فلما رأوا حديقتهم مترقة أنكروها‪ ,‬وقالوا‪ :‬لقد أخطأنا الطريق إليها‪ ,‬فلما عرفوا أنا هي جنتهم‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫بل ن ن مرومون خي ها; ب سبب عزم نا على الب خل وم نع ال ساكي‪ .‬قال أعدل م‪ :‬أل أ قل ل كم هل‬
‫تستثنون وتقولون‪ :‬إن شاء ال؟ قالوا بعد أن عادوا إل رشدهم‪ :‬تنّه ال ربنا عن الظلم فيما أصابنا‪ ,‬بل‬
‫نن كنا الظالي لنفسنا بترك الستثناء وقصدنا السيّئ‪ .‬فأقبل بعضهم على بعض‪ ,‬يلوم كل منهم الخر‬
‫على ترك هم ال ستثناء وعلى ق صدهم ال سيّئ‪ ,‬قالوا‪ :‬يا ويل نا إنّ ا ك نا متجاوز ين ال د ف منع نا الفقراء‬
‫ومالفة أمر ال‪ ،‬عسى ربنا أن يعطينا أفضل من حديقتنا; بسبب توبتنا واعترافنا بطيئتنا‪ .‬إنا إل ربنا‬
‫وحده راغبون‪ ,‬راجون العفو‪ ,‬طالبون الي‪ .‬مثل ذلك العقاب الذي عاقبنا به أهل الديقة يكون عقابنا‬
‫ف الدنيا لكل مَن خالف أمر ال‪ ,‬وبل با آتاه ال من النعم فلم يؤدّ حق ال فيها‪ ,‬ولَعذاب الخرة أعظم‬
‫وأشد مِن عذاب الدنيا‪ ,‬لو كانوا يعلمون لنزجروا عن كل سبب يوجب العقاب‪.‬‬

‫ت الّنعِيمِ (‪)34‬‬
‫ي عِنْدَ َرّبهِمْ َجنّا ِ‬
‫ِإنّ لِ ْل ُمّتقِ َ‬

‫إن الذين اتقوا عقاب ال بفعل ما أمر هم به وتَرْك ما نا هم ع نه‪ ,‬ل م عند رب م ف الخرة جنات في ها‬
‫النعيم القيم‪.‬‬

‫حكُمُونَ (‪)36‬‬
‫ف تَ ْ‬
‫جعَ ُل الْمُسْلِ ِميَ كَالْ ُمجْ ِرمِيَ (‪ )35‬مَا َلكُمْ َكيْ َ‬
‫أََفنَ ْ‬

‫أفنجعل الاضعي ل بالطاعة كالكافرين؟ ما لكم كيف حكمتم هذا الكم الائر‪ ،‬فساويتم بينهم ف‬
‫‪1063‬‬
‫الثواب؟‬

‫خيّرُونَ (‪)38‬‬
‫َأمْ َلكُمْ ِكتَابٌ فِي ِه تَدْ ُرسُونَ (‪ِ )37‬إنّ َلكُمْ فِيهِ َلمَا َيتَ َ‬

‫أم لكم كتاب منل من السماء تدون فيه الطيع كالعاصي‪ ,‬فأنتم تدرسون فيه ما تقولون؟ إن لكم ف‬
‫هذا الكتاب إذًا ما تشتهون‪ ,‬ليس لكم ذلك‪.‬‬

‫حكُمُونَ (‪)39‬‬
‫َأمْ َلكُمْ َأيْمَا ٌن عََلْينَا بَاِل َغةٌ إِلَى َي ْومِ اْل ِقيَامَةِ ِإنّ َلكُمْ َلمَا تَ ْ‬

‫أم لكم عهود ومواثيق علينا ف أنه سيحصل لكم ما تريدون وتشتهون؟‬

‫سَ ْلهُم َأّيهُ ْم بِذَلِكَ َزعِيمٌ (‪َ )40‬أمْ َلهُمْ شُرَكَاءُ فَ ْلَي ْأتُوا بِشُرَكَاِئهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِيَ (‪)41‬‬

‫سل الشركي ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬أيهم بذلك الكم كفيل وضامن بأن يكون له ذلك؟ أم لم آلة تكفُل‬
‫لم ما يقولون ‪ ،‬وتعينهم على إدراك ما طلبوا‪ ،‬فليأتوا با إن كانوا صادقي ف دعواهم؟‬

‫ف عَنْ سَاقٍ َويُ ْد َعوْنَ إِلَى السّجُودِ فَل يَسْتَطِيعُونَ (‪)42‬‬


‫َي ْومَ ُيكْشَ ُ‬

‫يوم القيا مة يش تد ال مر وي صعب هوله‪ ,‬ويأ ت ال تعال لف صل القضاء ب ي اللئق‪ ،‬فيك شف عن ساقه‬
‫الكرية الت ل يشبهها شيء‪ ,‬قال صلى ال عليه وسلم‪" :‬يكشف ربنا عن ساقه‪ ,‬فيسجد له كل مؤمن‬
‫ومؤمنة‪ ,‬ويبقى مَن كان يسجد ف الدنيا؛ رياء وسعة‪ ,‬فيذهب ليسجد‪ ,‬فيعود ظهره طبقًا واحدًا" رواه‬
‫البخاري ومسلم‪.‬‬

‫خَا ِش َعةً َأبْصَا ُرهُ ْم تَ ْر َه ُقهُمْ ذِّل ٌة وَقَدْ كَانُوا يُ ْد َعوْنَ إِلَى السّجُو ِد َوهُ ْم سَالِمُونَ (‪)43‬‬

‫منكسهرة أبصهارهم ل يرفعوناه‪ ،‬تغشاههم ذلة شديدة مِن عذاب ال‪ ,‬وقهد كانوا فه الدنيها يُ ْدعَون إل‬
‫الصلة ل وعبادته‪ ,‬وهم أصحّاء قادرون عليها فل يسجدون; تعظّمًا واستكبارًا‪.‬‬

‫‪1064‬‬
‫ستَدْرِ ُج ُه ْم مِنْ َحيْثُ ل َيعَْلمُونَ (‪َ )44‬وُأمْلِي َلهُمْ ِإنّ َكيْدِي َمتِيٌ‬
‫ب ِبهَذَا الْحَدِيثِ َسنَ ْ‬
‫فَذَ ْرنِي َومَ ْن يُكَذّ ُ‬
‫(‪)45‬‬

‫فذر ن ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬ومَن يكذّب بذا القرآن‪ ,‬فإن عليّ جزاء هم والنتقام من هم‪ ,‬سنمدهم بالموال‬
‫والولد والنعم؛ استدراجًا لم من حيث ل يشعرون أنه سبب لهلكهم‪ ,‬وأُمهلهم وأُطيل أعمارهم;‬
‫ليزدادوا إثًا‪ .‬إن كيدي بأهل الكفر قويّ شديد‪.‬‬

‫سأَُلهُمْ أَجْرا َف ُه ْم مِ ْن َمغْ َرمٍ مُْثقَلُونَ (‪َ )46‬أمْ ِعنْ َدهُ ْم اْلغَْيبُ َفهُ ْم َيكُْتبُونَ (‪)47‬‬
‫َأمْ تَ ْ‬

‫أم تسأل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء الشركي أجرا دنيويا على تبليغ الرسالة فهم مِن غرا مة ذلك مكلّفون‬
‫حِمْل ثقيل؟ بل أعندهم علم الغيب‪ ,‬فهم يكتبون عنه ما يكمون به لنفسهم مِن أنم أفضل منلة عند‬
‫ال مِن أهل اليان به؟‬

‫ب الْحُو تِ ِإ ْذ نَادَى َو ُهوَ مَكْظُو مٌ (‪َ )48‬لوْل أَ ْن تَدَارَكَ ُه ِنعْ َم ٌة مِ نْ‬ ‫ك وَل َتكُ نْ كَ صَا ِح ِ‬ ‫حكْ مِ َربّ َ‬ ‫صِبرْ لِ ُ‬ ‫فَا ْ‬
‫جعَلَ ُه مِ ْن الصّالِحِيَ (‪)50‬‬ ‫َربّهِ َلنُبِ َذ بِاْلعَرَا ِء َو ُهوَ مَ ْذمُومٌ (‪ )49‬فَا ْجَتبَاهُ َربّهُ َف َ‬

‫فاصب ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لا حكم به ربك وقضاه‪ ,‬ومن ذلك إمهالم وتأخي نصرتك عليهم‪ ,‬ول تكن‬
‫كصاحب الوت‪ ,‬وهو يونس ‪-‬عليه السلم‪ -‬ف غضبه وعدم صبه على قومه‪ ,‬حي نادى ربه‪ ,‬وهو‬
‫ملوء غمّا طالبًا تعجيل العذاب لم‪ ,‬لول أن تداركه نعمة مِن ربه بتوفيقه للتوبة وقَبولا لَطُرِح مِن بطن‬
‫الوت بالرض الفضاء الهل كة‪ ,‬و هو آ تٍ ب ا يلم عل يه‪ ,‬فا صطفاه ر به لر سالته‪ ,‬فجعله من ال صالي‬
‫الذين صلحت نياتم وأعمالم وأقوالم‪.‬‬

‫جنُونٌ (‪)51‬‬
‫ك بَِأْبصَا ِرهِمْ لَمّا سَ ِمعُوا الذّكْرَ َويَقُولُونَ ِإنّهُ َلمَ ْ‬
‫َوإِ ْن َيكَا ُد الّذِينَ َكفَرُوا َليُزِْلقُونَ َ‬

‫وإن يكاد الكفار ح ي سعوا القرآن لي صيبونك ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬بالع ي؛ لبغض هم إياك‪ ،‬لول وقا ية ال‬
‫وحايته لك‪ ،‬ويقولون‪- :‬حسب أهوائهم‪ -‬إنه لجنون‪.‬‬

‫‪1065‬‬
‫َومَا هُوَ إِلّ ذِ ْكرٌ لِ ْلعَالَمِيَ (‪)52‬‬

‫وما القرآن إل موعظة وتذكي للعالي من النس والن‪.‬‬

‫‪ -69‬سورة الاقة‬

‫الْحَاّقةُ (‪ )1‬مَا الْحَاّقةُ (‪َ )2‬ومَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاّقةُ (‪)3‬‬

‫القيامة الواقعة حقّا الت يتحقق فيها الوعد والوعيد‪ ,‬ما القيامة الواقعة حقّا ف صفتها وحالا؟ وأي شيء‬
‫صوّر لك هولا وشدتا؟‬ ‫أدراك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬وعَرّفك حقيقة القيامة‪ ,‬و َ‬

‫كَ ّذَبتْ ثَمُو ُد َوعَا ٌد بِاْلقَا ِر َعةِ (‪)4‬‬

‫كذّبت ثود‪ ،‬وهم قوم صال‪ ,‬وعاد‪ ،‬وهم قوم هود بالقيامة الت تقرع القلوب بأهوالا‪.‬‬

‫ص ٍر عَاتَِيةٍ ( ‪ )6‬سَخّ َرهَا عََلْيهِ مْ َسبْعَ َليَا ٍل‬‫َفَأمّا ثَمُودُ َفأُهِْلكُوا بِالطّا ِغَيةِ (‪َ )5‬وَأمّا عَادٌ َفأُهِْلكُوا بِرِي حٍ صَرْ َ‬
‫َوثَمَانَِيةَ َأيّا مٍ حُ سُوما َفتَرَى الْ َقوْ مَ فِيهَا صَ ْرعَى كََأّنهُ مْ َأعْجَا ُز نَخْلٍ خَا ِويَةٍ (‪َ )7‬فهَ ْل َترَى َلهُ ْم مِ ْن بَاِقَيةٍ (‬
‫‪)8‬‬

‫فأما ثود فأهلكوا بالصيحة العظيمة الت جاوزت الد ف شدتا‪ ,‬وأمّا عاد فأُهلِكوا بريح باردة شديدة‬
‫البوب‪ ,‬سلّطها ال علي هم سبع ليال وثانية أيام متتابعة‪ ,‬ل َتفْتُر ول تنق طع‪ ,‬فترى القوم ف تلك الليال‬
‫واليام مو تى كأن م أ صول ن ل َخرِ بة متآكلة الجواف‪ .‬ف هل ترى لؤلء القوم مِن ن فس باق ية دون‬
‫هلك؟‬

‫صوْا َرسُولَ َرّبهِمْ َفأَخَ َذهُمْ أَ ْخ َذةً رَاِبَيةً (‪)10‬‬


‫وَجَاءَ ِف ْر َعوْ ُن َومَنْ َقبْلَ ُه وَالْ ُمؤَْت ِفكَاتُ بِاْلخَاطَِئةِ (‪َ )9‬ف َع َ‬

‫‪1066‬‬
‫وجاء الطاغية فرعون‪ ,‬ومَن سبقه من المم الت كفرت برسلها‪ ,‬وأهل قرى قوم لوط الذين انقلبت بم‬
‫ديارهم بسبب الفعلة النكرة من الكفر والشرك والفواحش‪ ,‬فعصت كل أمة منهم رسول ربم الذي‬
‫أرسله إليهم‪ ,‬فأخذهم ال أخذة بالغة ف الشدة‪.‬‬

‫جعََلهَا َلكُ ْم تَذْكِ َر ًة َوَتعَِيهَا أُ ُذ ٌن وَا ِعَيةٌ (‪)12‬‬


‫ِإنّا َلمّا َطغَى الْمَاءُ حَ َم ْلنَاكُمْ فِي الْجَا ِرَيةِ (‪ِ )11‬لنَ ْ‬

‫إنّا لا جاوز الاء حدّه‪ ,‬حت عل وارتفع فوق كل شيء‪ ,‬حلنا أصولكم مع نوح ف السفينة الت تري ف‬
‫الاء؛ لنجعل الواقعة الت كان فيها ناة الؤمني وإغراق الكافرين عبة وعظة‪ ,‬وتفظها كل أذن مِن شأنا‬
‫أن تفظ‪ ,‬وتعقل عن ال ما سعت‪.‬‬

‫جبَالُ َفدُكّتَا دَ ّك ًة وَاحِ َدةً ( ‪َ )14‬فَي ْو َمئِ ٍذ‬


‫خ ٌة وَاحِ َدةٌ (‪ )13‬وَ ُحمِلَ تْ الَرْ ضُ وَالْ ِ‬ ‫فَإِذَا ُنفِ خَ فِي ال صّورِ َنفْ َ‬
‫حمِ ُل عَ ْرشَ َربّكَ‬ ‫ك عَلَى أَرْجَاِئهَا َويَ ْ‬ ‫ش ّقتْ السّمَاءُ َف ِه َي َي ْومَئِ ٍذ وَاهَِيةٌ (‪ )16‬وَالْمَلَ ُ‬
‫ت اْلوَاِق َعةُ (‪ )15‬وَان َ‬‫وََقعَ ْ‬
‫خفَى ِمْنكُمْ خَاِفَيةٌ (‪)18‬‬ ‫َفوَْقهُ ْم َي ْومَئِ ٍذ ثَمَاِنَيةٌ (‪َ )17‬ي ْومَئِ ٍذ ُتعْرَضُونَ ل َت ْ‬

‫فإذا نفخ الَلَك ف "القرن" نفخة واحدة‪ ,‬وهي النفخة الول الت يكون عندها هلك العال‪ ,‬ورُفعت‬
‫الرض والبال عن أماكنها فكُسّرتا‪ ,‬ودُقّتا دقة واحدة‪ .‬ففي ذلك الي قامت القيامة‪ ,‬وانصدعت‬
‫السماء‪ ,‬فهي يومئذ ضعيفة مسترخية‪ ,‬ل تاسُك فيها ول صلبة‪ ,‬واللئكة على جوانبها وأطرافها‪,‬‬
‫ويمل عرش ربك فوقهم يوم القيامة ثانية من اللئكة العظام‪ .‬ف ذلك اليوم تُعرضون على ال‪ -‬أيها‬
‫الناس‪ -‬للحساب والزاء‪ ,‬ل يفى عليه شيء من أسراركم‪.‬‬

‫َفَأمّا مَنْ أُوِتيَ ِكتَابَ ُه بِيَمِينِهِ َفَيقُو ُل هَا ُؤ ْم اقْرَءُوا ِكتَاِبيَهْ (‪ِ )19‬إنّي َظنَنتُ َأنّي مُلقٍ حِسَاِبيَهْ (‪َ )20‬ف ُهوَ فِي‬
‫ضَيةٍ (‪ )21‬فِي َجّن ٍة عَاِلَيةٍ ( ‪ )22‬قُطُوُفهَا دَانَِيةٌ ( ‪ )23‬كُلُوا وَاشْ َربُوا َهنِيئا بِمَا أَ سَْل ْفتُمْ فِي ا َليّا مِ‬ ‫شةٍ رَا ِ‬‫عِي َ‬
‫الْخَاِلَيةِ (‪)24‬‬

‫فأمّا من أُعطي كتاب أعماله بيمينه‪ ,‬فيقول ابتهاجًا وسرورًا‪ :‬خذوا اقرؤوا كتاب‪ ,‬إن أيقنت ف الدنيا‬
‫بأن سألقى جزائي يوم القيامة‪ ,‬فأعددت له العدة من اليان والعمل الصال‪ ,‬فهو ف عيشة هنيئة مرضية‪,‬‬
‫ف جنة مرتفعة الكان والدرجات‪ ,‬ثارها قريبة يتناولا القائم والقاعد والضطجع‪ .‬يقال لم‪ :‬كلوا أكل‬

‫‪1067‬‬
‫واشربوا شربًا بعيدًا عن كل أذى‪ ,‬سالي من كل مكروه؛ بسبب ما قدّمتم من العمال الصالة ف أيام‬
‫الدنيا الاضية‪.‬‬

‫َوَأمّا مَ نْ أُوتِ يَ ِكتَابَ ُه بِشِمَالِ هِ َفَيقُو ُل يَا َلْيَتنِي لَ مْ أُو تَ ِكتَاِبيَ هْ (‪ )25‬وَلَ مْ َأدْ ِر مَا حِ سَاِبيَهْ ( ‪ )26‬يَا َلْيَتهَا‬
‫ك َعنّي سُ ْلطَاِنيَهْ (‪)29‬‬ ‫ضيَةَ (‪ )27‬مَا َأ ْغنَى َعنّي مَاِليَهْ (‪ )28‬هَلَ َ‬ ‫ت اْلقَا ِ‬
‫كَانَ ْ‬

‫وَأمّا من أعطي كتاب أعماله بشماله‪ ,‬فيقول نادمًا متحسرًا‪ :‬يا ليتن ل أُعط كتاب‪ ,‬ول أعلم ما جزائي؟‬
‫يا ليت الوتة الت متّها ف الدنيا كانت القاطعة لمري‪ ,‬ول أُبعث بعدها‪ ,‬ما نفعن مال الذي جعته ف‬
‫الدنيا‪ ,‬ذهبت عن حجت‪ ,‬ول َيعُدْ ل حجة أحتج با‪.‬‬

‫جحِي مَ صَلّوهُ ( ‪ )31‬ثُمّ فِي سِلْسَِلةٍ ذَ ْر ُعهَا َسْبعُونَ ذِرَاعا فَا سُْلكُوهُ ( ‪ِ )32‬إنّ هُ‬‫خُذُو هُ َفغُلّو هُ (‪ )30‬ثُمّ الْ َ‬
‫سكِيِ (‪)34‬‬ ‫ض عَلَى طَعَا ِم الْمِ ْ‬
‫ح ّ‬
‫كَانَ ل ُي ْؤمِ ُن بِاللّ ِه اْلعَظِيمِ (‪ )33‬وَل يَ ُ‬

‫يقال لزنة جهنم‪ :‬خذوا هذا الجرم الثيم‪ ,‬فاجعوا يديه إل عنقه بالغلل‪ ,‬ث أدخلوه الحيم ليقاسي‬
‫حرها‪ ,‬ث ف سلسلة من حديد طولا سبعون ذراعًا فأدخلوه فيها؛ إنه كان ل يصدّق بأن ال هو الله‬
‫الق وحده ل شريك له‪ ,‬ول يعمل بديه‪ ,‬ول يث الناس ف الدنيا على إطعام أهل الاجة من الساكي‬
‫وغيهم‪.‬‬

‫فََلْيسَ لَ ُه اْليَ ْو َم هَا ُهنَا حَمِيمٌ (‪ )35‬وَل طَعَامٌ إِلّ مِ ْن غِسِْليٍ (‪ )36‬ل يَأْكُلُهُ إِ ّل الْخَا ِطئُونَ (‪)37‬‬

‫فليس لذا الكافر يوم القيامة قريب يدفع عنه العذاب‪ ,‬وليس له طعام إل مِن صديد أهل النار‪ ,‬ل يأكله‬
‫إل الذنبون الصرّون على الكفر بال‪.‬‬

‫فَل أُقْ سِ ُم بِمَا ُتبْ صِرُونَ (‪َ )38‬ومَا ل ُتبْ صِرُونَ ( ‪ِ )39‬إنّ هُ َل َقوْلُ رَ سُولٍ َك ِريٍ ( ‪َ )40‬ومَا هُ َو ِب َقوْ ِل شَاعِرٍ‬
‫ب الْعَالَ ِميَ (‪)43‬‬‫ل مَا تَذَكّرُونَ (‪ )42‬تَنِي ٌل مِنْ رَ ّ‬ ‫ل مَا ُتؤْ ِمنُونَ (‪ )41‬وَل بِ َقوْلِ كَاهِنٍ قَلِي ً‬‫قَلِي ً‬

‫فل أقسم با تبصرون من الرئيات‪ ,‬وما ل تبصرون ما غاب عنكم‪ ,‬إن القرآن َلكَلم ال‪ ,‬يتلوه رسول‬

‫‪1068‬‬
‫ه تؤمنون‪ ,‬وليهس بسهجع كسهجع‬ ‫عظيهم الشرف والفضهل‪ ,‬وليهس بقول شاعهر كمها تزعمون‪ ,‬قليل م ا‬
‫الكهان‪ ,‬قليل مها يكون منكهم تذكّره وتأمّله للفرق بينهمها‪ ,‬ولكنهه كلم رب العاليه الذي أنزله على‬
‫رسوله ممد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫ض الَقَاوِيلِ (‪ )44‬لَ َخ ْذنَا ِمنْ هُ بِاْليَمِيِ ( ‪ )45‬ثُمّ َلقَ َط ْعنَا ِمنْ هُ اْل َوتِيَ ( ‪َ )46‬فمَا ِمْنكُ مْ‬
‫وََلوْ َت َقوّ َل عََلْينَا َبعْ َ‬
‫مِنْ أَحَ ٍد َعنْهُ حَا ِجزِينَ (‪َ )47‬وِإنّهُ َلتَذْكِ َرةٌ لِ ْل ُمّتقِيَ (‪)48‬‬

‫ولو ادّعى ممد علينا شيئًا ل نقله‪ ,‬لنتقمنا وأخذنا منه باليمي‪ ,‬ث لقطعنا منه نياط قلبه‪ ,‬فل يقدر أحد‬
‫منكم أن يجز عنه عقابنا‪ .‬إن هذا القرآن لعظة للمتقي الذين يتثلون أوامر ال ويتنبون نواهيه‪.‬‬

‫سبّحْ‬
‫س َرةٌ عَلَى الْكَاِفرِي نَ ( ‪َ )50‬وِإنّ هُ َلحَقّ اْلَيقِيِ ( ‪ )51‬فَ َ‬
‫َوِإنّا َلَنعْلَ مُ َأنّ ِمْنكُ ْم ُمكَ ّذبِيَ (‪َ )49‬وِإنّ هُ َلحَ ْ‬
‫ك الْعَظِيمِ (‪)52‬‬ ‫بِاسْمِ َربّ َ‬

‫إنا لَنعلم أنّ مِنكم مَن يكذّب بذا القرآن مع وضوح آياته‪ ,‬وإن التكذيب به لندامة عظيمة على الكافرين‬
‫به حي يرون عذابم ويرون نعيم الؤمني به‪ ,‬وإنه لق ثابت ويقي ل شك فيه‪ .‬فنّه ال سبحانه عما ل‬
‫يليق بلله‪ ,‬واذكره باسه العظيم‪.‬‬

‫‪ -70‬سورة العارج‬

‫ج الْمَلِئ َكةُ‬
‫َسأَلَ سَائِ ٌل ِبعَذَا بٍ وَاقِ عٍ (‪ِ )1‬ل ْلكَافِري نَ َليْ سَ لَ هُ دَافِ عٌ ( ‪ )2‬مِ نْ اللّ هِ ذِي الْ َمعَارِ جِ ( ‪َ )3‬تعْ ُر ُ‬
‫ف َسَنةٍ (‪)4‬‬ ‫وَالرّوحُ إَِليْهِ فِي َي ْومٍ كَا َن ِمقْدَا ُرهُ خَمْسِيَ أَلْ َ‬

‫دعا داع من الشركي على نفسه وقومه بنول العذاب عليهم‪ ,‬وهو واقع بم يوم القيامة ل مالة‪ ,‬ليس‬
‫له ما نع ين عه من ال ذي العلو واللل‪ ,‬ت صعد اللئ كة وجب يل إل يه تعال ف يوم كان مقداره خ سي‬
‫ألف سنة من سن الدنيا‪ ,‬وهو على الؤمن مثل صلة مكتوبة‪.‬‬

‫‪1069‬‬
‫صبْرا جَمِيلً (‪)5‬‬
‫صبِرْ َ‬
‫فَا ْ‬

‫فا صب ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬على ا ستهزائهم وا ستعجالم العذاب‪ ,‬صبًا ل جزع ف يه‪ ,‬ول شكوى م نه لغ ي‬
‫ال‪.‬‬

‫ِإّنهُمْ َي َر ْونَهُ َبعِيدا (‪َ )6‬ونَرَاهُ َقرِيبا (‪)7‬‬

‫إن الكافرين يستبعدون العذاب ويرونه غي واقع‪ ,‬ونن نراه واقعًا قريبًا ل مالة‪.‬‬

‫جبَالُ كَاْل ِعهْنِ (‪)9‬‬


‫َي ْومَ َتكُونُ السّمَاءُ كَالْ ُمهْلِ (‪َ )8‬وَتكُو ُن الْ ِ‬

‫يوم تكون السماء سائلة مثل حُثالة الزيت‪ ,‬وتكون البال كالصوف الصبوغ النفوش الذي ذَ َرتْه الريح‪.‬‬

‫وَل يَسْأَلُ َحمِيمٌ َحمِيما (‪)10‬‬

‫ول يسأل قريب قريبه عن شأنه؛ لن كل واحدٍ منهما مشغول بنفسه‪.‬‬

‫ب َي ْومِئِ ٍذ ِبَبنِي هِ (‪ )11‬وَ صَا ِحبَتِ ِه َوأَخِي هِ ( ‪ )12‬وَفَ صِيَلتِ ِه الّتِي‬


‫جرِ مُ َل ْو َيفْتَدِي مِ ْن عَذَا ِ‬
‫ُيبَ صّرُوَنهُ ْم َيوَ ّد الْمُ ْ‬
‫ُتؤْويهِ (‪َ )13‬ومَنْ فِي الَ ْرضِ َجمِيعا ثُ ّم يُنجِيهِ (‪)14‬‬

‫يرونم ويعرفونم‪ ,‬ول يستطيع أحد أن ينفع أحدًا‪ .‬يتمن الكافر لو يفدي نفسه من عذاب يوم القيامة‬
‫بأبنائه‪ ,‬وزوجه وأخيه‪ ،‬وعشيته الت تضمه وينتمي إليها ف القرابة‪ ,‬وبميع مَن ف الرض مِنَ البشر‬
‫وغيهم‪ ,‬ث ينجو من عذاب ال‪.‬‬

‫شوَى (‪ )16‬تَ ْدعُوا مَنْ َأ ْدبَ َر َوَتوَلّى (‪ )17‬وَجَ َمعَ َفَأوْعَى (‪)18‬‬
‫َكلّ ِإّنهَا لَظَى (‪ )15‬نَزّا َعةً لِل ّ‬

‫‪1070‬‬
‫ليس المر كما تتمناه‪ -‬أيها الكافر‪ -‬من الفتداء‪ ,‬إنا جهنم تتلظى نارها وتلتهب‪ ,‬تنع بشدة حرها‬
‫جلدة الرأس وسائر أطراف البدن‪ ,‬تنادي مَن أعرض عن الق ف الدنيا‪ ,‬وترك طاعة ال ورسوله‪ ,‬وجع‬
‫الال‪ ,‬فوضعه ف خزائنه‪ ,‬ول يؤدّ حق ال فيه‪.‬‬

‫خْي ُر َمنُوعا ( ‪ )21‬إِ ّل الْمُصَلّ َ‬


‫ي‬ ‫ِإنّ الِنسَانَ ُخلِ َق هَلُوعا (‪ِ )19‬إذَا مَسّهُ الشّرّ َجزُوعا ( ‪َ )20‬وإِذَا مَسّهُ الْ َ‬
‫حرُومِ (‬ ‫(‪ )22‬الّذِي َن هُ ْم عَلَى صَلِتهِمْ دَائِمُونَ ( ‪ )23‬وَالّذِينَ فِي َأمْوَاِلهِمْ حَقّ َمعْلُومٌ (‪ )24‬لِلسّائِ ِل وَالْمَ ْ‬
‫ش ِفقُو نَ ( ‪ِ )27‬إنّ عَذَا بَ َرّبهِ مْ‬ ‫‪ )25‬وَالّذِي َن يُ صَدّقُونَ بَِيوْ مِ الدّي نِ ( ‪ )26‬وَالّذِي َن هُ ْم مِ ْن عَذَا بِ َرّبهِ ْم مُ ْ‬
‫غَيْرُ مَ ْأمُو نٍ (‪ )28‬وَالّذِي َن هُ مْ ِل ُفرُو ِجهِ مْ حَافِظُو نَ ( ‪ )29‬إِ ّل عَلَى أَ ْزوَا ِجهِ مْ َأ ْو مَا مََلكَ تْ َأيْمَاُنهُ مْ فَِإّنهُ مْ‬
‫غَيْرُ مَلُومِيَ (‪)30‬‬

‫إن النسان ُجبِلَ على الزع وشدة الرص‪ ,‬إذا أصابه الكروه والعسر فهو كثي الزع والسى‪ ،‬وإذا‬
‫أصابه الي واليسر فهو كثي النع والمساك‪ ،‬إل القيمي للصلة الذين يافظون على أدائها ف جيع‬
‫شغَلهم عنها شاغل‪ ،‬والذين ف أموالم نصيب معيّن فرضه ال عليهم‪ ،‬وهو الزكاة لن‬
‫الوقات‪ ،‬ول يَ ْ‬
‫يسألم العونة‪ ,‬ولن يتعفف عن سؤالا‪ ،‬والذين يؤمنون بيوم الساب والزاء فيستعدون له بالعمال‬
‫الصالة‪ ,‬والذين هم خائفون من عذاب ال‪ .‬إن عذاب ربم ل ينبغي أن يأمنه أحد‪ .‬والذين هم حافظون‬
‫لفروجهم عن كل ما حرّم ال عليهم‪ ,‬إل على أزواجهم وإمائهم‪ ,‬فإنم غي مؤاخذين‪.‬‬

‫فَمَ ْن اْبَتغَى وَرَاءَ ذَلِ كَ َفُأوَْلئِ كَ هُ ْم اْلعَادُو نَ (‪ )31‬وَالّذِي َن هُ مْ َلمَانَاتِهِ ْم َو َعهْ ِدهِ مْ رَاعُو نَ ( ‪ )32‬وَالّذِي نَ‬
‫شهَادَاِتهِ مْ قَائِمُو نَ (‪ )33‬وَالّذِي نَ هُ ْم عَلَى صَلِتهِ ْم يُحَافِظُو نَ ( ‪ُ )34‬أوْلَئِ كَ فِي َجنّا تٍ ُمكْ َرمُو نَ (‬ ‫هُ ْم بِ َ‬
‫‪)35‬‬

‫فمن طلب لقضاء شهوته غي الزوجات والملوكات‪ ،‬فأولئك هم التجاوزون اللل إل الرام‪ .‬والذين‬
‫هم حافظون لمانات ال‪ ,‬وأمانات العباد‪ ,‬وحافظون لعهودهم مع ال تعال ومع العباد‪ ,‬والذين يؤدّون‬
‫شهاداتم بالق دون تغيي أو كتمان‪ ،‬والذين يافظون على أداء الصلة ول يلّون بشيء من واجباتا‪.‬‬
‫أولئك التصفون بتلك الوصاف الليلة مستقرّون ف جنات النعيم‪ ،‬مكرمون فيها بكل أنواع التكري‪.‬‬

‫ئ ِمْنهُ مْ‬
‫ك ُمهْ ِطعِيَ (‪ )36‬عَ ْن اْليَمِيِ َوعَ نْ الشّمَا ِل عِزِي نَ ( ‪َ )37‬أيَطْمَ عُ كُ ّل امْرِ ٍ‬
‫فَمَالِ الّذِي نَ َكفَرُوا ِقَبلَ َ‬
‫‪1071‬‬
‫أَ ْن يُدْ َخلَ َجّن َة َنعِيمٍ (‪َ )38‬كلّ ِإنّا َخَل ْقنَاهُ ْم مِمّا يَعَْلمُونَ (‪)39‬‬

‫فأيّ دافع دفع هؤلء الكفرة إل أن يسيوا نوك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬مسرعي‪ ،‬وقد مدّوا أعناقهم إليك‬
‫مقبلي بأبصارهم عليك‪ ،‬يتجمعون عن يينك وعن شالك حلقًا متعددة وجاعات متفرقة يتحدثون‬
‫ويتعجبون؟ أيطمع كل واحد من هؤلء الكفار أن يدخله ال جنة النعيم الدائم؟ ليس المر كما‬
‫يطمعون‪ ،‬فإنم ل يدخلونا أبدًا‪ .‬إنّا خلقناهم ما يعلمون مِن ماء مهي كغيهم‪ ،‬فلم يؤمنوا‪ ،‬فمن أين‬
‫يتشرفون بدخول جنة النعيم؟‬

‫سبُوقِيَ (‬
‫ح ُن بِمَ ْ‬
‫فَل أُقْسِ ُم بِرَبّ الْمَشَارِقِ وَالْ َمغَارِبِ ِإنّا َلقَادِرُونَ (‪ )40‬عَلَى أَنْ ُنبَدّلَ َخيْرا ِمْنهُ ْم َومَا نَ ْ‬
‫‪)41‬‬

‫فل أقسم برب مشارق الشمس والكواكب ومغاربا‪ ,‬إنا لقادرون على أن نستبدل بم قومًا أفضل منهم‬
‫وأطوع ل‪ ،‬وما أحد يسبقنا ويفوتنا ويعجزنا إذا أردنا أن نعيده‪.‬‬

‫خرُجُو نَ مِ ْن الَجْدَا ثِ ِسرَاعا‬


‫فَذَ ْرهُ ْم َيخُوضُوا َويَ ْل َعبُوا َحتّ ى يُلقُوا َي ْو َمهُ ْم الّذِي يُوعَدُو نَ (‪َ )42‬يوْ مَ يَ ْ‬
‫ك الَْي ْو ُم الّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (‪)44‬‬
‫صبٍ يُوِفضُونَ (‪ )43‬خَا ِش َعةً َأبْصَا ُرهُ ْم تَ ْر َه ُقهُمْ ذِّلةٌ ذَلِ َ‬
‫َكأَّنهُمْ إِلَى ُن ُ‬

‫فاتركهم يوضوا ف باطلهم‪ ،‬ويلعبوا ف دنياهم حت يلقوا يوم القيامة الذي يوعدون فيه بالعذاب‪ ،‬يوم‬
‫يرجون من القبور مسرعي‪ ,‬كما كانوا ف الدنيا يذهبون إل آلتهم الت اختلقوها للعبادة مِن دون ال‪,‬‬
‫يهرولون ويسرعون‪ ،‬ذليلة أبصارهم منكسرة إل الرض‪ ،‬تغشاهم القارة والهانة‪ ,‬ذلك هو اليوم الذي‬
‫وعدوا به ف الدنيا‪ ,‬وكانوا به يهزؤون ويُكَذّبون‪.‬‬

‫‪ -71‬سورة نوح‬

‫ك مِ نْ َقبْلِ أَ نْ َي ْأتَِيهُ مْ عَذَا بٌ أَلِي مٌ ( ‪ )1‬قَا َل يَا َقوْ مِ ِإنّي َلكُ ْم نَذِي ٌر‬
‫ِإنّا أَرْ سَ ْلنَا نُوحا إِلَى َق ْومِ هِ أَ نْ أَن ِذرْ َق ْومَ َ‬
‫ُمبِيٌ (‪َ )2‬أنْ اعْبُدُوا اللّ َه وَاّتقُوهُ َوَأطِيعُونِ (‪َ )3‬يغْفِرْ َلكُمْ مِنْ ُذنُوبِكُ ْم َوُيؤَخّرْ ُكمْ إِلَى أَجَ ٍل مُسَمّى ِإنّ َأجَلَ‬

‫‪1072‬‬
‫اللّهِ إِذَا جَا َء ل ُيؤَخّرُ َلوْ كُنتُ ْم َتعْلَمُونَ (‪)4‬‬

‫إنا بعثنا نوحا إل قومه‪ ,‬وقلنا له‪ :‬حذّر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب موجع‪ .‬قال نوح‪ :‬يا قومي إن‬
‫نذير لكم بيّن النذار من عذاب ال إن عصيتموه‪ ,‬وإن رسول ال إليكم فاعبدوه وحده‪ ,‬وخافوا عقابه‪,‬‬
‫وأطيعون فيما آمركم به‪ ,‬وأناكم عنه‪ ,‬فإن أطعتمون واستجبتم ل يصفح ال عن ذنوبكم ويغفر لكم‪،‬‬
‫ويُمدد ف أعماركم إل وقت مقدر ف علم ال تعال‪ ,‬إن الوت إذا جاء ل يؤخر أبدًا‪ ,‬لو كنتم تعلمون‬
‫ذلك لسارعتم إل اليان والطاعة‪.‬‬

‫قَالَ رَبّ إِنّي َد َعوْ تُ َق ْومِي َلْيلً َوَنهَارا (‪َ )5‬فلَ ْم يَ ِز ْدهُ مْ ُدعَائِي إِلّ فِرَارا ( ‪َ )6‬وِإنّي كُلّمَا َد َع ْوُتهُ مْ ِلَتغْفِ َر‬
‫صرّوا وَا سَْت ْكبَرُوا ا ْستِ ْكبَارا ( ‪ )7‬ثُمّ ِإنّ ي َد َع ْوتُهُ مْ‬ ‫شوْا ِثيَاَبهُ مْ َوأَ َ‬‫َلهُ مْ َجعَلُوا أَ صَاِب َعهُمْ فِي آذَاِنهِ ْم وَا سَْتغْ َ‬
‫ِجهَارا (‪ )8‬ثُمّ ِإنّي َأعْلَنتُ َلهُ ْم َوَأسْرَرْتُ َلهُمْ ِإسْرَارا (‪َ )9‬فقُ ْلتُ ا ْسَت ْغفِرُوا َرّبكُمْ ِإنّهُ كَا َن َغفّارا (‪)10‬‬

‫قال نوح‪ :‬رب إ ن دعوت قو مي إل اليان بك وطاع تك ف الل يل والنهار‪ ,‬فلم يزد هم دعائي ل م إل‬
‫اليان إل هربًا وإعراضًا عنه‪ ,‬وإن كلما دعوتم إل اليان بك؛ ليكون سببًا ف غفرانك ذنوبم‪ ,‬وضعوا‬
‫أصابعهم ف آذانم ; كي ل يسمعوا دعوة الق‪ ,‬وتغطّوا بثيابم؛ كي ل يرون‪ ,‬وأقاموا على كفرهم‪,‬‬
‫واستكبوا عن قَبول اليان استكبارًا شديدًا‪ ,‬ث إن دعوتم إل اليان ظاهرًا علنًا ف غي خفاء‪ ,‬ث إن‬
‫أعلنت لم الدعوة بصوت مرتفع ف حال‪ ,‬وأسررت با بصوت خفيّ ف حال أخرى‪ ,‬فقلت لقومي‪:‬‬
‫سلوا ربكم غفران ذنوبكم‪ ,‬وتوبوا إليه من كفركم‪ ,‬إنه تعال كان غفارًا لن تاب من عباده ورجع إليه‪.‬‬

‫جعَلْ َلكُ مْ َأْنهَارا (‬


‫ت َويَ ْ‬
‫جعَلْ َلكُ مْ َجنّا ٍ‬
‫يُرْ سِ ْل ال سّمَا َء عََلْيكُ ْم مِدْرَارا (‪َ )11‬ويُمْ ِددْكُ ْم ِبَأ ْموَا ٍل َوَبنِيَ َويَ ْ‬
‫‪ )12‬مَا َلكُ ْم ل تَرْجُو نَ ِللّ ِه وَقَارا ( ‪ )13‬وَقَدْ َخَل َقكُ مْ أَ ْطوَارا ( ‪ )14‬أَلَ ْم َت َروْا َكيْ فَ َخلَ قَ اللّ هُ َسبْعَ‬
‫س سِرَاجا (‪)16‬‬ ‫سَمَاوَاتٍ ِطبَاقا (‪ )15‬وَ َجعَ َل اْلقَمَرَ فِيهِ ّن نُورا وَ َجعَلَ الشّ ْم َ‬

‫إن تتوبوا وتستغفروا ُينْزِلِ ال عليكم الطر غزيرًا متتابعًا‪ ,‬ويكث ْر أموالكم وأولدكم‪ ,‬ويع ْل لكم حدائق‬
‫َتنْعَمون بثمارها وجالا‪ ,‬ويعل لكم النار الت تسقون منها زرعكم ومواشيكم‪ .‬مالكم ‪-‬أيها القوم‪-‬‬
‫ل تافون عظمة ال وسلطانه‪ ,‬وقد خلقكم ف أطوار متدرجة‪ :‬نطفة ث علقة ث مضغة ث عظامًا ولمًا؟‬

‫‪1073‬‬
‫أل تنظروا كيف خلق ال سبع سوات متطابقة بعضها فوق بعض‪ ,‬وجعل القمر ف هذه السموات نورًا‪,‬‬
‫وجعل الشمس مصباحًا مضيئًا يستضيء به أهل الرض؟‬

‫خرِ ُجكُمْ إِخْرَاجا ( ‪ )18‬وَاللّهُ َجعَلَ َلكُمْ الَرْضَ‬


‫ض َنبَاتا (‪ )17‬ثُمّ ُيعِيدُكُمْ فِيهَا َويُ ْ‬
‫وَاللّهُ َأْنبََتكُ ْم مِ ْن الَرْ ِ‬
‫بِسَاطا (‪ِ )19‬لتَسُْلكُوا ِمْنهَا ُسُبلً فِجَاجا (‪)20‬‬

‫وال أنشأ أصلكم من الرض إنشاء‪ ,‬ث يعيدكم ف الرض بعد الوت‪ ,‬ويرجكم يوم البعث إخراجًا‬
‫مققًا‪ .‬وال جعل لكم الرض مهدة كالبساط؛ لتسلكوا فيها طرقًا واسعة‪.‬‬

‫ص ْونِي وَاّتَبعُوا مَ نْ لَ ْم يَ ِزدْ هُ مَالُ ُه َووَلَدُ هُ إِلّ خَ سَارا (‪َ )21‬و َمكَرُوا َمكْرا ُكبّارا (‬
‫قَا َل نُو حٌ رَبّ ِإنّهُ ْم عَ َ‬
‫ق َونَ سْرا ( ‪ )23‬وَقَدْ أَضَلّوا‬ ‫‪ )22‬وَقَالُوا ل تَذَ ُرنّ آِل َهَتكُ ْم وَل تَذَ ُرنّ َودّا وَل ُسوَاعا وَل َيغُو ثَ َوَيعُو َ‬
‫َكثِيا وَل تَزِدْ الظّالِمِيَ إِلّ ضَللً (‪ )24‬مِمّا َخطِيئَاِتهِمْ ُأغْرِقُوا َفأُدْ ِخلُوا نَارا َفلَ ْم َيجِدُوا َل ُه ْم مِنْ دُونِ اللّهِ‬
‫َأنْصَارا (‪)25‬‬

‫قال نوح‪ :‬ربّ إن قومي بالغوا ف عصيان وتكذيب‪ ,‬واتبع الضعفاء منهم الرؤساء الضالي الذين ل‬
‫تزدهم أموالم وأولدهم إل ضلل ف الدنيا وعقابًا ف الخرة‪ ,‬ومكر رؤساء الضلل بتابعيهم من‬
‫الضعفاء مكرًا عظيمًا‪ ,‬وقالوا لم‪ :‬ل تتركوا عبادة آلتكم إل عبادة ال وحده‪ ,‬الت يدعو إليها نوح‪ ,‬ول‬
‫تتركوا وَدّا ول سُواعًا ول يغوث ويعوق ونَسْرا ‪ -‬وهذه أساء أصنامهم الت كانوا يعبدونا من دون ال‪,‬‬
‫وكانت أساء رجال صالي‪ ,‬لا ماتوا أوحى الشيطان إل قومهم أن يقيموا لم التماثيل والصور;‬
‫لينشطوا‪ -‬بزعمهم‪ -‬على الطاعة إذا رأوها‪ ,‬فلما ذهب هؤلء القوم وطال المد‪ ,‬وخَلَفهم غيهم‪,‬‬
‫وسوس لم الشيطان بأن أسلفهم كانوا يعبدون التماثيل والصور‪ ,‬ويتوسلون با‪ ,‬وهذه هي الكمة من‬
‫تري التماثيل‪ ,‬وتري بناء القباب على القبور; لنا تصي مع تطاول الزمن معبودة للجهال‪ .‬وقد أضلّ‬
‫هؤلء التبوعون كثيًا من الناس با زيّنوا لم من طرق الغَواية والضلل‪ .‬ث قال نوح ‪-‬عليه السلم‪:-‬‬
‫ول تزد‪ -‬يا ربنا‪ -‬هؤلء الظالي لنفسهم بالكفر والعناد إل ُبعْدا عن الق‪ .‬فبسبب ذنوبم وإصرارهم‬
‫على الكفر والطغيان أُغرقوا بالطوفان‪ ,‬وأُدخلوا عقب الغراق نارًا عظيمة اللهب والحراق‪ ,‬فلم يدوا‬
‫من دون ال مَن ينصرهم‪ ,‬أو يدفع عنهم عذاب ال‪.‬‬

‫‪1074‬‬
‫وَقَا َل نُو حٌ رَبّ ل تَ َذ ْر عَلَى الَرْ ضِ مِ ْن اْلكَافِرِي نَ َديّارا (‪ِ )26‬إنّ كَ إِ ْن تَذَ ْرهُ ْم ُيضِلّوا عِبَادَ َك وَل يَِلدُوا‬
‫إِلّ فَاجِرا َكفّارا (‪ )27‬رَبّ ا ْغفِرْ لِي وَِلوَالِدَيّ وَلِمَ نْ َدخَ َل َبيْتِي ُم ْؤمِنا وَلِ ْل ُم ْؤمِنِيَ وَالْ ُم ْؤمِنَا تِ وَل تَ ِزدْ‬
‫الظّالِمِيَ إِ ّل َتبَارا (‪)28‬‬

‫وقال نوح ‪-‬عليه السلم‪ -‬بعد يأسه من فهمه‪ :‬ربّ ل تترك من الكافرين بك أحدًا حيّا على الرض‬
‫يدور ويتحرك‪ .‬إنك إن تتركهم دون إهلك يُضلوا عبادك الذين قد آمنوا بك عن طريق الق‪ ,‬ول يأت‬
‫من أصلبم وأرحامهم إل مائل عن الق شديد الكفر بك والعصيان لك‪ .‬ربّ اغفر ل ولوالديّ ولن‬
‫دخل بيت مؤمنًا‪ ,‬وللمؤمني والؤمنات بك‪ ,‬ول تزد الكافرين إل هلكًا وخسرانًا ف الدنيا والخرة‪.‬‬

‫‪ -72‬سورة الن‬

‫قُلْ أُوحِ يَ إَِليّ َأنّ ُه ا ْستَمَ َع َنفَ ٌر مِ ْن الْجِنّ َفقَالُوا ِإنّا َس ِمعْنَا ُقرْآنا عَجَبا (‪َ )1‬يهْدِي إِلَى ال ّرشْدِ فَآ َمنّا بِ ِه وَلَ نْ‬
‫نُشْ ِركَ بِ َرّبنَا أَحَدا (‪)2‬‬

‫ل أنّ جاعة من الن قد استمعوا لتلوت للقرآن‪ ،‬فلما سعوه قالوا‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬أوحى ال إ ّ‬
‫لقومهم‪ :‬إنا سعنا قرآنًا بديعًا ف بلغته وفصاحته وحكمه وأحكامه وأخباره‪ ,‬يدعو إل الق والدى‪،‬‬
‫فصدّقنا بذا القرآن وعملنا به‪ ,‬ولن نشرك بربنا الذي خلقنا أحدًا ف عبادته‪.‬‬

‫خذَ صَا ِحَب ًة وَل وَلَدا (‪)3‬‬


‫َوَأنّهُ َتعَالَى جَدّ َرّبنَا مَا اتّ َ‬

‫وأنه تعاَلتْ عظمة ربنا وجلله‪ ,‬ما اتذ زوجة ول ولدًا‪.‬‬

‫َوَأنّهُ كَا َن َيقُو ُل َسفِيهُنَا عَلَى اللّ ِه شَطَطا (‪)4‬‬

‫وأن سفيهنا‪ -‬وهو إبليس‪ -‬كان يقول على ال تعال قول بعيدًا عن الق والصواب‪ ،‬مِن دعوى الصاحبة‬
‫والولد‪.‬‬

‫‪1075‬‬
‫ج ّن عَلَى اللّهِ كَذِبا (‪)5‬‬
‫َوَأنّا َظَننّا َأنْ لَ ْن َتقُولَ الِنسُ وَالْ ِ‬

‫سبْنا أن أحدًا لن يكذب على ال تعال‪ ،‬ل من النس ول من الن ف نسبة الصاحبة والولد إليه‪.‬‬
‫وأنّا حَ ِ‬

‫س َيعُوذُو َن بِرِجَا ٍل مِ ْن الْجِنّ َفزَادُوهُمْ َرهَقا (‪)6‬‬


‫َوَأنّهُ كَانَ رِجَا ٌل مِ ْن الِن ِ‬

‫س باستعاذتم بم خوفًا‬
‫وأنه كان رجال من النس يستجيون برجال من الن‪ ,‬فزاد رجالُ ال ّن الن َ‬
‫وإرهابًا ورعبًا‪ .‬وهذه الستعاذة بغي ال‪ ,‬الت نعاها ال على أهل الاهلية‪ ,‬من الشرك الكب‪ ،‬الذي ل‬
‫يغفره ال إل بالتوبة النصوح منه‪ .‬وف الية تذير شديد من اللجوء إل السحرة والشعوذين وأشباههم‪.‬‬

‫َوَأنّهُ ْم َظنّوا كَمَا َظنَنتُمْ َأنْ لَ ْن َيبْ َعثَ اللّهُ أَحَدا (‪)7‬‬

‫وأن كفار النس حسبوا كما حسبتم‪ -‬يا معشر الن‪ -‬أن ال تعال لن يبعث أحدًا بعد الوت‪.‬‬

‫سنَا السّمَاءَ َفوَ َج ْدنَاهَا مُِلَئتْ َحرَسا َشدِيدا َوشُهُبا (‪)8‬‬


‫َوَأنّا لَمَ ْ‬

‫وأنّا‪ -‬معشر الن‪ -‬طلبنا بلوغ السماء؛ لستماع كلم أهلها‪ ,‬فوجدناها مُلئت باللئكة الكثيين الذين‬
‫يرسونا‪ ,‬وبالشهب الحرقة الت يُرمى با مَن يقترب منها‪.‬‬

‫جدْ لَ ُه ِشهَابا رَصَدا (‪)9‬‬


‫ستَمِ ْع النَ يَ ِ‬
‫َوَأنّا ُكنّا َن ْقعُدُ ِمْنهَا َمقَاعِدَ لِلسّمْعِ فَمَ ْن يَ ْ‬

‫وأنا كنا قبل ذلك نتخذ من السماء مواضع; لنستمع إل أخبارها‪ ,‬فمن ياول الن استراق السمع يد له‬
‫شهابًا بالرصاد‪ ,‬يُحرقه ويهلكه‪ .‬وف هاتي اليتي إبطال مزاعم السحرة والشعوذين‪ ,‬الذين يدّعون علم‬
‫الغيب‪ ،‬ويغررون بضعفة العقول؛ بكذبم وافترائهم‪.‬‬

‫َوَأنّا ل نَدْرِي َأشَرّ أُرِي َد بِمَنْ فِي الَ ْرضِ َأمْ أَرَا َد ِبهِمْ َرّبهُمْ َرشَدا (‪)10‬‬

‫‪1076‬‬
‫وأننا معشر الن‪ -‬ل نعلم‪ :‬أشرًا أراد ال أن ينله بأهل الرض‪ ،‬أم أراد بم خيًا وهدى؟‬

‫َوَأنّا ِمنّا الصّالِحُو َن َو ِمنّا دُونَ ذَلِكَ ُكنّا طَرَائِقَ قِدَدا (‪)11‬‬

‫وأنا منا البرار التقون‪ ،‬ومنا قوم دون ذلك كفار وفساق‪ ,‬كنا فرقًا ومذاهب متلفة‪.‬‬

‫ج َز ُه هَرَبا (‪)12‬‬
‫َوَأنّا َظَننّا َأنْ لَ ْن نُعجِزَ اللّهَ فِي الَ ْرضِ وَلَنْ نُعْ ِ‬

‫وأنا أيقنا أن ال قادر علينا‪ ،‬وأننا ف قبضته وسلطانه‪ ,‬فلن نفوته إذا أراد بنا أمرًا أينما كنا‪ ,‬ولن نستطيع‬
‫أن ُنفْلِت مِن عقابه هربًا إل السماء‪ ،‬إن أراد بنا سوءًا‪.‬‬

‫ف بَخْسا وَل َرهَقا (‪)13‬‬


‫َوَأنّا لَمّا سَ ِم ْعنَا اْلهُدَى آ َمنّا بِهِ َفمَ ْن ُي ْؤمِ ْن بِ َربّهِ فَل َيخَا ُ‬

‫وإنا لا سعنا القرآن آمنّا به‪ ,‬وأقررنا أنه حق مِن عند ال‪ ،‬فمن يؤمن بربه‪ ،‬فإنه ل يشى نقصانًا من‬
‫حسناته‪ ،‬ول ظلمًا يلحقه بزيادة ف سيئاته‪.‬‬

‫ح ّروْا َرشَدا (‪َ )14‬وَأمّ ا اْلقَا سِطُونَ َفكَانُوا‬


‫ك تَ َ‬
‫سلِمُونَ َو ِمنّ ا اْلقَا سِطُونَ َفمَ نْ أَ سْلَمَ َفُأوَْلئِ َ‬
‫َوَأنّ ا ِمنّ ا الْمُ ْ‬
‫ج َهنّمَ َحطَبا (‪)15‬‬ ‫لِ َ‬

‫وأنا منا الاضعون ل بالطاعة‪ ,‬ومنا الائرون الظالون الذين حادوا عن طريق الق‪ ،‬فمن أسلم وخضع‬
‫ل بالطاعة‪ ,‬فأؤلئك الذين قصدوا طريق الق والصواب‪ ,‬واجتهدوا ف اختياره فهداهم ال إليه‪ ,‬وأما‬
‫الائرون عن طريق السلم فكانوا وَقودًا لهنم‪.‬‬

‫سُلكْهُ‬
‫ض عَ نْ ذِكْرِ َربّ ِه يَ ْ‬
‫َوأَّلوْ ا سَْتقَامُوا عَلَى الطّرِي َقةِ لَ سْ َقْينَاهُ ْم مَا ًء غَدَقا (‪ِ )16‬لَنفِْتَنهُ مْ فِي هِ َومَ ْن ُيعْرِ ْ‬
‫صعَدا (‪)17‬‬ ‫عَذَابا َ‬

‫‪1077‬‬
‫وأنه لو سار الكفار من النس والن على طريقة السلم‪ ،‬ول ييدوا عنها لنزلنا عليهم ما ًء كثيًا‪،‬‬
‫ولوسّعنا عليهم الرزق ف الدنيا؛ لنختبهم‪ :‬كيف يشكرون نعم ال عليهم؟ ومن يُعرض عن طاعة ربه‬
‫واستماع القرآن وتدبره‪ ,‬والعمل به يدخله عذابًا شديدًا شاقّا‪.‬‬

‫َوأَ ّن الْمَسَا ِجدَ لِلّهِ فَل تَ ْدعُوا مَعَ اللّهِ أَحَدا (‪)18‬‬

‫وأن الساجد لعبادة ال وحده‪ ,‬فل تعبدوا فيها غيه‪ ،‬وأخلصوا له الدعاء والعبادة فيها؛ فإن الساجد ل‬
‫ُتبْنَ إل ليُعبَدَ الُ وحده فيها‪ ,‬دون من سواه‪ ،‬وف هذا وجوب تنيه الساجد من كل ما يشوب‬
‫الخلص ل‪ ,‬ومتابعة رسوله ممد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫َوَأنّهُ لَمّا قَامَ َعبْدُ اللّ ِه يَ ْدعُوهُ كَادُوا َيكُونُونَ عََليْهِ ِلبَدا (‪)19‬‬

‫وأنه لا قام ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬يعبد ربه‪ ،‬كاد الن يكونون عليه جاعات متراكمة‪ ,‬بعضها فوق‬
‫بعض ; مِن شدة ازدحامهم لسماع القرآن منه‪.‬‬

‫قُلْ ِإنّمَا أَ ْدعُو َربّي وَل ُأشْ ِر ُك بِهِ أَحَدا (‪)20‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الكفار‪ :‬إنا أعبد رب وحده‪ ،‬ول أشرك معه ف العبادة أحدًا‪.‬‬

‫ضرّا وَل َرشَدا (‪ُ )21‬قلْ ِإنّي لَ ْن يُجِ َينِي مِنْ اللّهِ أَ َح ٌد وَلَنْ أَجِ َد مِنْ دُونِ ِه مُ ْلتَحَدا‬ ‫قُلْ ِإنّي ل َأمْلِكُ َلكُمْ َ‬
‫(‪ )22‬إِلّ بَلغا مِنْ اللّ ِه وَ ِرسَالتِهِ َومَ ْن َي ْعصِ اللّ َه وَ َرسُولَهُ فَِإنّ لَهُ نَارَ َج َهنّمَ خَاِلدِينَ فِيهَا َأبَدا (‪)23‬‬

‫قل‪ -‬أيها الرسول‪ -‬لم‪ :‬إن ل أقدر أن أدفع عنكم ضرًا‪ ،‬ول أجلب لكم نفعًا‪ ،‬قل‪ :‬إن لن ينقذن من‬
‫عذاب ال أحد إن عصيته‪ ,‬ولن أجد من دونه ملجأ أف ّر إليه مِن عذابه‪ ,‬لكن أملك أن أبلغكم عن ال ما‬
‫أمرن بتبليغه لكم‪ ,‬ورسالتَه الت أرسلن با إليكم‪ .‬ومَن يعص ال ورسوله‪ ,‬ويُعرض عن دين ال‪ ,‬فإن‬
‫جزاءه نار جهنم ل يرج منها أبدًا‪.‬‬

‫‪1078‬‬
‫ف نَاصِرا َوأَقَ ّل عَدَدا (‪)24‬‬
‫ضعَ ُ‬
‫سَيعْلَمُونَ مَنْ أَ ْ‬
‫َحتّى ِإذَا َرَأوْا مَا يُوعَدُونَ فَ َ‬

‫حت إذا أبصر الشركون ما يوعدون به من العذاب‪ ،‬فسيعلمون عند حلوله بم‪ :‬مَن أضعف ناصرًا ومعينًا‬
‫وأقل جندًا؟‬

‫جعَلُ لَ هُ َربّي َأمَدا (‪ )25‬عَالِ ُم اْلغَيْ بِ فَل يُ ْظهِرُ عَلَى َغْيبِ هِ أَحَدا (‬ ‫ب مَا تُوعَدُو نَ أَ ْم يَ ْ‬ ‫قُلْ إِ نْ َأدْرِي أَقَرِي ٌ‬
‫ك مِ ْن َبيْ نِ يَ َديْ ِه َومِ نْ َخ ْلفِ هِ رَ صَدا ( ‪ِ )27‬لَيعْلَ مَ أَ نْ َقدْ َأبَْلغُوا‬
‫سلُ ُ‬
‫‪ )26‬إِلّ مَ نْ ا ْرتَضَى مِ نْ رَ سُولٍ فَِإنّ هُ يَ ْ‬
‫ط بِمَا َل َدْيهِمْ َوأَ ْحصَى كُ ّل َشيْءٍ عَدَدا (‪)28‬‬ ‫ِرسَالتِ َرّبهِ ْم َوأَحَا َ‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لؤلء الشركي‪ :‬ما أدري أهذا العذاب الذي وُعدت به قريب زمنه‪ ,‬أم يعل له رب‬
‫مدة طويلة؟ وهو سبحانه عال با غاب عن البصار‪ ,‬فل يظهر على غيبه أحدًا من خلقه‪ ،‬إل من اختاره‬
‫ال لرسالته وارتضاه‪ ،‬فإنه يُطلعهم على بعض الغيب‪ ،‬ويرسل من أمام الرسول ومن خلفه ملئكة‬
‫يفظونه من الن; لئل يسترقوه ويهمسوا به إل الكهنة; ليعلم الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ,‬أن الرسل‬
‫قبله كانوا على مثل حاله من التبليغ بالق والصدق‪ ،‬وأنه حُفظ كما حُفظوا من الن‪ ,‬وأن ال سبحانه‬
‫أحاط علمه با عندهم ظاهرًا وباطنًا من الشرائع والحكام وغيها‪ ,‬ل يفوته منها شيء‪ ,‬وأنه تعال‬
‫ف عليه منه شيء‪.‬‬
‫أحصى كل شيء عددًا‪ ،‬فلم يَخْ َ‬

‫‪ -73‬سورة الزمل‬

‫ص ِمنْهُ َقلِيلً ( ‪َ )3‬أوْ زِ ْد عََليْ ِه وَ َرتّ ْل اْلقُرْآنَ َت ْرتِيلً‬


‫صفَهُ َأ ْو اْنقُ ْ‬
‫يَا أَّيهَا الْمُ ّزمّلُ (‪ )1‬قُمْ الّليْلَ إِلّ قَلِيلً ( ‪ )2‬نِ ْ‬
‫(‪)4‬‬

‫يا أيها التغطي بثيابه‪ ،‬قم للصلة ف الليل إل يسيًا منه‪ .‬قم نصف الليل أو انقص من النصف قليل حت‬
‫َتصِلَ إل الثلث‪ ،‬أو زد على النصف حت تصل إل الثلثي‪ ,‬واقرأ القرآن بُتؤَدَة وتهّ ٍل مبّينًا الروف‬
‫والوقوف‪.‬‬

‫‪1079‬‬
‫ِإنّا َسنُ ْلقِي عََليْكَ َقوْ ًل َثقِيلً (‪)5‬‬

‫إنا سننل عليك ‪-‬أيها النب‪ -‬قرآنًا عظيمًا مشتمل على الوامر والنواهي والحكام الشرعية‪.‬‬

‫ِإنّ نَا ِشَئةَ الّليْ ِل ِهيَ َأشَ ّد َوطْئا َوأَ ْق َومُ قِيلً (‪)6‬‬

‫إن العبادة الت تنشأ ف جوف الليل هي أشد تأثيًا ف القلب‪ ,‬وأبي قول لفراغ القلب مِن مشاغل الدنيا‪.‬‬

‫ِإنّ لَكَ فِي اَلّنهَا ِر َسبْحا َطوِيلً (‪)7‬‬

‫إن لك ف النهار تصرفًا وتقلبًا ف مصالك‪ ,‬واشتغال واسعًا بأمور الرسالة‪ ,‬فف ّرغْ نفسك ليل لعبادة‬
‫ربك‪.‬‬

‫خ ْذهُ وَكِيلً (‪)9‬‬


‫ق وَالْ َمغْرِبِ ل إِلَهَ إِ ّل ُهوَ فَاتّ ِ‬
‫ب الْمَشْ ِر ِ‬
‫ك َوَتبَتّلْ إَِليْهِ َتْبتِيلً (‪ )8‬رَ ّ‬
‫وَاذْكُ ْر اسْمَ َربّ َ‬

‫واذكر ‪-‬أيها النب‪ -‬اسم ربك‪ ,‬فادعه به‪ ,‬وانقطع إليه انقطاعًا تامًا ف عبادتك‪ ,‬وتوكل عليه‪ .‬هو مالك‬
‫الشرق والغرب ل معبود بق إل هو‪ ,‬فاعتمد عليه‪ ,‬وفوّض أمورك إليه‪.‬‬

‫ج ْرهُ ْم هَجْرا جَمِيلً (‪)10‬‬


‫وَاصْبِرْ عَلَى مَا َيقُولُو َن وَاهْ ُ‬

‫واصب على ما يقوله الشركون فيك وف دينك‪ ,‬وخالفهم ف أفعالم الباطلة‪ ,‬مع العراض عنهم‪ ,‬وترك‬
‫النتقام منهم‪.‬‬

‫وَذَ ْرنِي وَالْمُكَ ّذبِيَ أُولِي الّنعْ َم ِة َو َمهّ ْلهُمْ قَلِيلً (‪)11‬‬

‫دعن ‪-‬أيها الرسول‪ -‬وهؤلء الكذبي بآيات أصحاب النعيم والترف ف الدنيا‪ ,‬ومهّلهم زمنًا قليل‬
‫بتأخي العذاب عنهم حت يبلغ الكتاب أجله بعذابم‪.‬‬

‫‪1080‬‬
‫صةٍ َوعَذَابا أَلِيما (‪)13‬‬
‫ِإنّ لَ َدْينَا أَنكَا ًل وَ َجحِيما (‪َ )12‬وطَعَاما ذَا ُغ ّ‬

‫إن لم عندنا ف الخرة قيودًا ثقيلة ونارًا مستعرة يُحرقون با‪ ,‬وطعامًا كريهًا ينشَب ف اللوق ل‬
‫يستساغ‪ ,‬وعذابًا موجعًا‪.‬‬

‫جبَالُ َكثِيبا َمهِيلً (‪)14‬‬


‫جبَا ُل وَكَاَنتْ الْ ِ‬
‫ف الَ ْرضُ وَالْ ِ‬
‫َي ْومَ تَ ْرجُ ُ‬

‫يوم تضطرب الرض والبال وتتزلزل حت تصي البال تَل من الرمل سائل متناثرًا‪ ,‬بعد أن كانت صُلبة‬
‫جامدة‪.‬‬

‫ِإنّ ا أَرْ َس ْلنَا إَِلْيكُ مْ رَ سُولً شَاهِدا عََلْيكُ مْ كَمَا أَرْ سَ ْلنَا إِلَى ِف ْرعَوْ نَ رَ سُولً (‪َ )15‬فعَ صَى فِ ْر َعوْ نُ الرّ سُولَ‬
‫َفأَخَ ْذنَاهُ أَخْذا َوبِيلً (‪)16‬‬

‫إنا أرسلنا إليكم‪ -‬يا أهل "مكة"‪ -‬ممدًا رسول شاهدًا عليكم با صدر منكم من الكفر والعصيان‪ ,‬كما‬
‫أرسلنا موسى رسول إل الطاغية فرعون‪ ،‬فكذّب فرعون بوسى‪ ,‬ول يؤمن برسالته‪ ,‬وعصى أمره‪,‬‬
‫فأهلكناه إهلكًا شديدًا‪ .‬وف هذا تذير من معصية الرسول ممد‪ ,‬صلى ال عليه وسلم؛ خشية أن‬
‫يصيب العاصي مثل ما أصاب فرعون وقومه‪.‬‬

‫جعَ ُل اْلوِلْدَا َن شِيبا (‪)17‬‬


‫َف َكيْفَ َتّتقُونَ ِإنْ َكفَ ْرتُ ْم َيوْما يَ ْ‬

‫فكيف َتقُون أنفسكم‪ -‬إن كفرت‪ -‬عذاب يوم القيامة الذي يشيب فيه الولدان الصغار; مِن شدة هوله‬
‫وكربه؟‬

‫السّمَا ُء ُمنْفَ ِط ٌر بِهِ كَا َن َوعْ ُدهُ َم ْفعُولً (‪)18‬‬

‫السماء متصدعة ف ذلك اليوم; لشدة هوله‪ ,‬كان وعد ال تعال بجيء ذلك اليوم واقعًا ل مالة‪.‬‬

‫ِإنّ هَ ِذ ِه تَذْكِ َرةٌ فَمَ ْن شَا َء اتّخَذَ إِلَى َربّ ِه َسبِيلً (‪)19‬‬
‫‪1081‬‬
‫إن هذه اليات الخوفة الت فيها القوارع والزواجر عظة وعبة للناس‪ ,‬فمن أراد التعاظ والنتفاع با‬
‫اتذ الطاعة والتقوى طريقًا توصله إل رضوان ربه الذي خلقه وربّاه‪.‬‬

‫صفَهُ َوثُُلثَ ُه وَطَاِئ َفةٌ مِ ْن الّذِي نَ َمعَ كَ وَاللّ ُه ُيقَدّرُ الّليْ َل‬
‫ك َتقُو مُ َأدْنَى مِ ْن ثُلُثَي الّليْ ِل َونِ ْ‬
‫ك َيعْلَ مُ َأنّ َ‬
‫إِنّ َربّ َ‬
‫ب عََلْيكُ مْ فَاقْرَءُوا مَا َتيَ سّ َر مِ ْن اْلقُرْآ ِن عَلِ مَ أَ نْ َسيَكُونُ ِمْنكُ ْم مَرْضَى‬ ‫وَالّنهَا َر عَلِ مَ أَ نْ لَ ْن تُحْ صُوهُ َفتَا َ‬
‫ض َيبَْتغُو َن مِ نْ َفضْلِ اللّ ِه وَآ َخرُو َن ُيقَاتِلُو نَ فِي َسبِيلِ اللّ هِ فَا ْقرَءُوا مَا َتيَ سّ َر ِمنْ هُ‬ ‫وَآخَرُو َن َيضْ ِربُو نَ فِي الَرْ ِ‬
‫سكُ ْم مِنْ َخيْ ٍر تَجِدُوهُ ِعنْدَ اللّ ِه ُهوَ‬ ‫َوأَقِيمُوا الصّل َة وَآتُوا الزّكَاةَ َوأَقْ ِرضُوا اللّهَ قَرْضا حَسَنا َومَا ُتقَ ّدمُوا َلْنفُ ِ‬
‫َخيْرا َوَأعْظَمَ أَجْرا وَا ْسَتغْفِرُوا اللّهَ ِإنّ اللّ َه َغفُورٌ رَحِيمٌ (‪)20‬‬

‫إن ربك ‪-‬أيها النب‪ -‬يعلم أنك تقوم للتهجد من الليل أقل من ثلثيه حينًا‪ ,‬وتقوم نصفه حينًا‪ ,‬وتقوم ثلثه‬
‫حينًا آخر‪ ,‬ويقوم معك طائفة من أصحابك‪ .‬وال وحده هو الذي يقدّر الليل والنهار‪ ,‬ويعلم مقاديرها‪,‬‬
‫وما يضي ويبقى منهما‪ ,‬علم ال أنه ل يكنكم قيام الليل كله‪ ,‬فخفّف عليكم‪ ,‬فاقرؤوا ف الصلة بالليل‬
‫ما تيسر لكم قراءته من القرآن‪ ,‬علم ال أنه سيوجد فيكم مَن يُعجزه الرض عن قيام الليل‪ ,‬ويوجد قوم‬
‫آخرون يتنقّلون ف الرض للتجارة والعمل يطلبون من رزق ال اللل‪ ,‬وقوم آخرون ياهدون ف سبيل‬
‫ال؛ لعلء كلم ته ون شر دي نه‪ ,‬فاقرؤوا ف صلتكم ما تي سّر ل كم من القرآن‪ ,‬وواظبوا على فرائض‬
‫الصلة‪ ,‬وأعطوا الزكاة الواجبة عليكم‪ ,‬وتصدّقوا ف وجوه الب والحسان مِن أموالكم؛ ابتغاء وجه ال‪,‬‬
‫وما تفعلوا مِن وجوه الب والي وعمل الطاعات‪ ,‬تلقَوا أجره وثوابه عند ال يوم القيامة خيًا ما قدّمتم‬
‫ف الدنيا‪ ,‬وأعظم منه ثوابًا‪ ,‬واطلبوا مغفرة ال ف جيع أحوالكم‪ ,‬إن ال غفور لكم رحيم بكم‪.‬‬

‫‪ -74‬سورة الدثر‬

‫جرْ ( ‪ )5‬وَل تَ ْمنُ نْ‬


‫يَا أَّيهَا الْمُ ّدثّرُ (‪ )1‬قُ مْ َفأَنذِرْ ( ‪ )2‬وَ َربّ كَ َف َكبّرْ ( ‪َ )3‬وثِيَابَ كَ فَ َطهّرْ ( ‪ )4‬وَالرّ ْجزَ فَاهْ ُ‬
‫صِبرْ (‪)7‬‬‫ستَ ْكثِرُ (‪ )6‬وَِل َربّكَ فَا ْ‬ ‫تَ ْ‬

‫يا أي ها التغ طي بثيا به‪ ,‬قم مِن مضج عك‪ ,‬فحذّر الناس من عذاب ال‪ ,‬وخُ صّ ر بك وحده بالتعظ يم‬
‫والتوح يد والعبادة‪َ ,‬و َطهّ ر ثيا بك من النجا سات؛ فإن طهارة الظا هر من تام طهارة البا طن‪ ,‬ودُ مْ على‬
‫‪1082‬‬
‫هَجْر ال صنام والوثان وأعمال الشرك كل ها‪ ,‬فل تقرب ا‪ ,‬ول تُ عط العطيّ ة؛ كي تلت مس أك ثر من ها‪,‬‬
‫ولرضاة ربك فاصب على الوامر والنواهي‪.‬‬

‫ك َيوْ َمئِ ٍذ َي ْومٌ عَسِيٌ (‪ )9‬عَلَى اْلكَافِرِي َن َغيْ ُر يَسِيٍ (‪)10‬‬


‫فَإِذَا ُنقِرَ فِي النّاقُورِ (‪َ )8‬فذَلِ َ‬

‫فإذا نُ فخ ف "القرن" نف خة الب عث والنشور‪ ,‬فذلك الو قت يومئذ شد يد على الكافر ين‪ ,‬غ ي سهل أن‬
‫يلصوا ما هم فيه من مناقشة الساب وغيه من الهوال‪.‬‬

‫َذرْنِي َومَ نْ َخَلقْ تُ َوحِيدا (‪ )11‬وَ َج َعلْ تُ لَ ُه مَا ًل مَمْدُودا ( ‪َ )12‬وَبنِيَ ُشهُودا ( ‪َ )13‬و َمهّدْ تُ لَ هُ‬
‫صعُودا (‪)17‬‬ ‫تَ ْمهِيدا (‪ )14‬ثُ ّم يَ ْطمَعُ َأنْ أَزِيدَ (‪َ )15‬كلّ ِإنّهُ كَا َن ليَاتِنَا َعنِيدا (‪َ )16‬سأُ ْر ِهقُهُ َ‬

‫دع ن ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬أ نا والذي خلق ته ف ب طن أ مه وحيدًا فريدًا ل مال له ول ولد‪ ,‬وجعلت له مال‬
‫مبسوطًا واسعًا وأولدًا حضورًا معه ف "مكة" ل يغيبون عنه‪ ،‬وي سّرت له سبل العيش تيسيًا‪ ,‬ث يأمُل‬
‫ب عد هذا العطاء أن أز يد له ف ماله وولده‪ ,‬و قد ك فر ب‪ .‬ل يس ال مر ك ما يز عم هذا الفا جر الث يم‪ ,‬ل‬
‫أزيده على ذلك؛ إنهه كان للقرآن وحجهج ال على خلقهه معاندًا مكذبًا‪ ,‬سهأكلفه مشقهة مهن العذاب‬
‫والرهاق ل راحة له منها‪( .‬والراد به الوليد بن الغية العاند للحق البارز ل ولرسوله بالحاربة‪ ،‬وهذا‬
‫جزاء ك ّل من عاند الق ونابذه)‪.‬‬

‫ِإنّهُ َفكّ َر وََقدّرَ (‪َ )18‬ف ُقتِلَ َكيْفَ َقدّرَ ( ‪ )19‬ثُمّ ُقتِلَ َكيْفَ قَدّرَ ( ‪ )20‬ثُمّ نَظَرَ ( ‪ )21‬ثُمّ َعبَسَ َوبَسَرَ (‬
‫ح ٌر ُي ْؤثَرُ (‪ِ )24‬إنْ هَذَا إِلّ َقوْلُ الْبَشَرِ (‪)25‬‬
‫‪ )22‬ثُمّ أَ ْدبَ َر وَا ْستَ ْكبَرَ (‪َ )23‬فقَالَ ِإ ْن هَذَا إِ ّل سِ ْ‬

‫إنه فكّر ف نفسه‪ ,‬وهيّأ ما يقوله من الطعن ف ممد والقرآن‪ ,‬فَُلعِن‪ ،‬واستحق بذلك اللك‪ ,‬كيف أعدّ‬
‫ف نفسه هذا الطعن؟ ث ُلعِن كذلك‪ ,‬ث تأمّل فيما قدّر وهيّأ من الطعن ف القرآن‪ ,‬ث قطّب وجهه‪,‬‬
‫واشتدّ ف العبوس والكُلُوح لهمّا ضاقت عليه اليل‪ ,‬ول يد مطعنًا يطعن به ف القرآن‪ ,‬ث رجع معرضًا‬
‫عن الق‪ ,‬وتعاظم أن يعترف به‪ ,‬فقال عن القرآن‪ :‬ما هذا الذي يقوله ممد إل سحر يُنْقل عن الولي‪,‬‬
‫ما هذا إل كلم الخلوقي تعلّمه ممد منهم‪ ,‬ث ادّعى أنه من عند ال‪.‬‬

‫‪1083‬‬
‫س َعةَ‬
‫َسأُصْلِيهِ َسقَرَ (‪َ )26‬ومَا أَدْرَاكَ مَا َسقَرُ ( ‪ )27‬ل ُتبْقِي وَل تَذَرُ ( ‪َ )28‬لوّا َحةٌ لِ ْلبَشَرِ ( ‪ )29‬عََلْيهَا تِ ْ‬
‫عَشَرَ (‪)30‬‬

‫ي شيء جهنم؟ ل تبقي لمًا ول تترك‬ ‫سأدخله جهنم؛ كي يصلى حرّها ويترق بنارها وما أعلمك أ ّ‬
‫عظمًا إل أحرقته‪ ,‬مغيّرة للبشرة‪ ,‬مسوّدة للجلود‪ ,‬مرقة لا‪ ,‬يلي أمرها ويتسلط على أهلها بالعذاب تسعة‬
‫عشر ملكًا من الزبانية الشداء‪.‬‬

‫ب النّارِ إِ ّل مَلئِ َك ًة َومَا َج َع ْلنَا عِ ّدَتهُمْ إِلّ ِفْتَنةً ِللّذِينَ َك َفرُوا ِليَسَْتْيقِنَ الّذِينَ أُوتُوا الْ ِكتَا َ‬
‫ب‬ ‫صحَا َ‬ ‫َومَا َج َع ْلنَا أَ ْ‬
‫ب الّذِي نَ أُوتُوا اْل ِكتَا بَ وَالْ ُم ْؤ ِمنُو َن وَِليَقُو َل الّذِي نَ فِي قُلُوِبهِ ْم مَرَ ضٌ‬ ‫َويَزْدَا َد الّذِي نَ آ َمنُوا إِيَانا وَل يَ ْرتَا َ‬
‫ك ُيضِلّ اللّ ُه مَ ْن يَشَا ُء َوَيهْدِي مَ ْن يَشَا ُء َومَا َيعْلَ مُ ُجنُودَ َربّ كَ إِلّ‬ ‫وَالْكَافِرُو َن مَاذَا أَرَادَ اللّ ُه ِبهَذَا َمَثلً كَذَلِ َ‬
‫ُهوَ َومَا ِهيَ إِلّ ذِ ْكرَى لِ ْلبَشَرِ (‪)31‬‬

‫وما جعلنا خزنة النار إل من اللئكة الغلظ‪ ,‬وما جعلنا ذلك العدد إل اختبارًا للذين كفروا بال؛‬
‫وليحصل اليقي للذين أُعطوا الكتاب من اليهود والنصارى بأنّ ما جاء ف القرآن عن خزنة جهنم إنا هو‬
‫حق من ال تعال‪ ,‬حيث وافق ذلك كتبهم‪ ,‬ويزداد الؤمنون تصديقًا بال ورسوله وعمل بشرعه‪ ,‬ول‬
‫يشك ف ذلك الذين أُعطوا الكتاب من اليهود والنصارى ول الؤمنون بال ورسوله؛ وليقول الذين ف‬
‫قلوبم نفاق والكافرون‪ :‬ما الذي أراده ال بذا العدد الستغرب؟ بثل ذلك الذي ذُكر يضلّ ال من أراد‬
‫إضلله‪ ,‬ويهدي مَن أراد هدايته‪ ,‬وما يعلم عدد جنود ربك ‪ -‬ومنهم اللئكة‪ -‬إل ال وحده‪ .‬وما النار‬
‫إل تذكرة وموعظة للناس‪.‬‬

‫صبْحِ إِذَا أَ ْسفَرَ (‪ِ )34‬إّنهَا لٍ ْحدَى الْ ُكبَرِ (‪ )35‬نَذِيرا ِل ْلبَشَرِ‬
‫َكلّ وَاْلقَمَرِ (‪ )32‬وَالّليْلِ إِذْ َأ ْدبَرَ ( ‪ )33‬وَال ّ‬
‫(‪ )36‬لِمَ ْن شَا َء ِمْنكُمْ أَ ْن َيَتقَ ّدمَ َأ ْو َيتَأَخّرَ (‪)37‬‬

‫ليس المر كما ذكروا من التكذيب للرسول فيما جاء به‪ ,‬أقسم ال سبحانه بالقمر‪ ,‬وبالليل إذ ول‬
‫وذهب‪ ,‬وبالصبح إذا أضاء وانكشف‪ .‬إن النار لحدى العظائم؛ إنذارًا وتويفًا للناس‪ ,‬لن أراد منكم أن‬
‫يتقرّب إل ربه بفعل الطاعات‪ ,‬أو يتأخر بفعل العاصي‪.‬‬

‫‪1084‬‬
‫ب اْليَمِيِ ( ‪ )39‬فِي َجنّاتٍهيَتَسهَاءَلُونَ ( ‪ )40‬عَن ْه‬ ‫هتْ َرهِيَنةٌ (‪ )38‬إِلّ أَص ْهحَا َ‬ ‫كُ ّل َنفْسٍه بِمَا كَسََب‬
‫سكِيَ (‬‫ك نُ ْطعِ ُم الْمِ ْ‬
‫ك مِ َن الْمُصَلّيَ (‪ )43‬وَلَ ْم نَ ُ‬
‫ج ِرمِيَ (‪ )41‬مَا سََل َككُمْ فِي َسقَرَ (‪ )42‬قَالُوا لَ ْم نَ ُ‬ ‫الْمُ ْ‬
‫ض مَ َع الْخَاِئضِيَ (‪ )45‬وَ ُكنّا ُنكَذّبُ ِبَي ْومِ الدّينِ (‪َ )46‬حتّى َأتَانَا اْلَيقِيُ (‪)47‬‬ ‫‪ )44‬وَ ُكنّا نَخُو ُ‬

‫كل نفس با كسبت من أعمال الشر والسوء مبوسة مرهونة بكسبها‪ ,‬ل ُتفَكّ حت تؤدي ما عليها من‬
‫القوق والعقوبات‪ ,‬إل السلمي الخلصي أصحاب اليمي الذين فكّوا رقابم بالطاعة‪ ,‬هم ف جنات ل‬
‫يُدْرَك وصفها‪ ,‬يسأل بعضهم بعضًا عن الكافرين الذين أجرموا ف حق أنفسهم‪ :‬ما الذي أدخلكم‬
‫جهنم‪ ,‬وجعلكم تذوقون سعيها؟ قال الجرمون‪ :‬ل نكن من الصلّي ف الدنيا‪ ,‬ول نكن نتصدق‬
‫ونسن للفقراء والساكي‪ ,‬وكنا نتحدث بالباطل مع أهل الغَواية والضللة‪ ,‬وكنا نكذب بيوم الساب‬
‫والزاء‪ ,‬حت جاءنا الوت‪ ,‬ونن ف تلك الضللت والنكرات‪.‬‬

‫فَمَا َتْن َفعُهُ ْم َشفَا َعةُ الشّافِعِيَ (‪)48‬‬

‫فما تنفعهم شفاعة الشافعي جيعًا من اللئكة والنبيي وغيهم; لن الشفاعة إنا تكون لن ارتضاه ال‪,‬‬
‫وأذن لشفيعه‪.‬‬

‫س َو َرةٍ (‪)51‬‬
‫ت مِنْ قَ ْ‬
‫ستَْنفِ َرةٌ (‪ )50‬فَرّ ْ‬
‫فَمَا َلهُ ْم عَ ْن التّذْكِ َر ِة ُمعْرِضِيَ (‪َ )49‬كَأّنهُمْ حُ ُم ٌر مُ ْ‬

‫فما لؤلء الشركي عن القرآن وما فيه من الواعظ منصرفي؟ كأنم حر وحشية شديدة النّفار‪ ,‬فرّت‬
‫من أسد كاسر‪.‬‬

‫ل بَ ْل ل يَخَافُونَ ال ِخ َرةَ (‪)53‬‬


‫صحُفا ُمنَشّ َرةً (‪َ )52‬ك ّ‬
‫ئ ِمْنهُمْ َأنْ ُي ْؤتَى ُ‬
‫بَ ْل يُرِيدُ كُ ّل امْرِ ٍ‬

‫بل يط مع كل وا حد من هؤلء الشرك ي أن يُنل ال عل يه كتابًا من ال سماء منشورًا‪ ,‬ك ما أنزل على‬
‫م مد صلى ال عل يه و سلم‪ .‬ل يس ال مر ك ما زعموا‪ ,‬بل القي قة أن م ل يافون الخرة‪ ,‬ول ي صدّقون‬
‫بالبعث والزاء‪.‬‬

‫‪1085‬‬
‫َكلّ ِإنّ ُه تَذْكِ َرةٌ (‪ )54‬فَمَ ْن شَاءَ ذَكَرَ هُ ( ‪ )55‬وَمَا يَذْكُرُو نَ إِلّ أَ ْن يَشَاءَ اللّ ُه ُهوَ َأهْ ُل الّت ْقوَى َوأَهْلُ‬
‫الْ َم ْغفِ َرةِ (‪)56‬‬

‫حقّا أنّ القرآن موعظة بليغة كافية لتّعاظهم‪ ,‬فمن أراد التعاظ اتعظ با فيه وانتفع بداه‪ ,‬وما يتعظون به‬
‫إل أن يشاء ال لم الدى‪ .‬هو سبحانه أهلٌ لن يُتقى ويطاع‪ ,‬وأهلٌ لن يغفر لن آمن به وأطاعه‪.‬‬

‫‪ -75‬سورة القيامة‬

‫ب الِن سَانُ أَلّ ْن نَجْمَ عَ عِظَامَ هُ ( ‪ )3‬بَلَى‬


‫س ُ‬
‫ل أُقْ سِ ُم ِبيَوْ ِم اْلقِيَا َمةِ (‪ )1‬وَل أُقْ سِ ُم بِالّنفْ سِ الّلوّا َمةِ ( ‪َ )2‬أيَحْ َ‬
‫سوّيَ َبنَانَهُ (‪)4‬‬
‫قَا ِدرِينَ عَلَى َأنْ نُ َ‬

‫أقسهم ال سهبحانه بيوم السهاب والزاء‪ ,‬وأقسهم بالنفهس الؤمنهة التقيهة الته تلوم صهاحبها على ترك‬
‫الطاعات وِفعْل الوبقات‪ ،‬أن الناس يبعثون‪ .‬أيظنّ هذا النسان الكافر أن لن نقدر على َجمْع عظامه بعد‬
‫تفرقها؟ بلى سنجمعها‪ ،‬قادرين على أن نعل أصابعه أو أنامله ‪-‬بعد جعها وتأليفها‪ -‬خَ ْلقًا سويّا‪ ،‬كما‬
‫كانت قبل الوت ‪.‬‬

‫سأَلُ َأيّانَ َي ْو ُم اْلقِيَا َمةِ (‪)6‬‬


‫بَ ْل يُرِي ُد الِنسَانُ ِلَيفْجُرَ َأمَامَهُ (‪ )5‬يَ ْ‬

‫بل ين كر الن سان الب عث‪ ،‬ير يد أن يب قى على الفجور في ما ي ستقبل من أيام عمره‪ ,‬ي سأل هذا الكا فر‬
‫مستبعدًا قيام الساعة‪ :‬مت يكون يوم القيامة؟‬

‫ف الْقَ َمرُ ( ‪ )8‬وَجُ ِمعَ الشّمْسُ وَاْلقَمَرُ ( ‪َ )9‬يقُو ُل الِنسَانُ َي ْو َمئِذٍ َأيْ َن الْ َمفَرّ (‬
‫س َ‬
‫فَإِذَا بَرِقَ الْبَ صَرُ (‪ )7‬وَخَ َ‬
‫‪)10‬‬

‫فإذا تيّ ر الب صر ودُ هش فزعًا م ا رأى من أهوال يوم القيا مة‪ ،‬وذ هب نور الق مر‪ ,‬وجُمِع ب ي الش مس‬
‫والقمر ف ذهاب الضوء‪ ،‬فل ضوء لواحد منهما‪ ،‬يقول النسان وقتها‪ :‬أين الهرب من العذاب؟‬

‫‪1086‬‬
‫سَتقَرّ (‪)12‬‬
‫ك َيوْ َمئِ ٍذ الْمُ ْ‬
‫َكلّ ل وَ َزرَ (‪ )11‬إِلَى َربّ َ‬

‫ل يس ال مر ك ما تتمناه‪ -‬أي ها الن سان‪ -‬مِن طلب الفرار‪ ،‬ل مل جأ لك ول من جى‪ .‬إل ال وحده م صي‬
‫اللئق يوم القيامة ومستقرهم‪ ،‬فيجازي كل با يستحق‪.‬‬

‫ُينَّبأُ الِنسَانُ َي ْو َمئِذٍ بِمَا قَ ّد َم َوأَخّرَ (‪)13‬‬

‫خبّر النسان ف ذلك اليوم بميع أعماله‪ :‬من خي وشر‪ ،‬ما قدّمه منها ف حياته وما أخّره‪.‬‬
‫يُ َ‬

‫بَ ْل الِنسَانُ عَلَى َنفْسِ ِه َبصِ َيةٌ (‪ )14‬وََلوْ أَْلقَى َمعَاذِي َرهُ (‪)15‬‬

‫بل النسان حجة واضحة على نفسه تلزمه با فعل أو ترك‪ ،‬ولو جاء بكل معذرة يعتذر با عن إجرامه‪،‬‬
‫فإنه ل ينفعه ذلك‪.‬‬

‫ج َل بِ هِ (‪ِ )16‬إنّ عََلْينَا جَ ْمعَ ُه وَقُرْآنَ هُ ( ‪ )17‬فَِإذَا قَ َرْأنَا هُ فَاّتبِ عْ ُقرْآنَ هُ ( ‪ )18‬ثُمّ ِإنّ‬
‫ل تُحَرّ ْك بِ هِ لِ سَانَكَ ِلتَعْ َ‬
‫عََلْينَا َبيَانَهُ (‪)19‬‬

‫ل ترك ‪-‬أيها النب‪ -‬بالقرآن لسانك حي نزول الوحي؛ لجل أن تتعجل بفظه‪ ,‬مافة أن يتفلّت منك‪.‬‬
‫إن علينا جَمْعه ف صدرك‪ ،‬ث أن تقرأه بلسانك مت شئت‪ .‬فإذا قرأه عليك رسولنا جبيل فاستمِعْ لقراءته‬
‫وأنصت له‪ ،‬ث اقرأه كما أقرأك إياه‪ ,‬ث إن علينا توضيح ما أشكل عليك فهمه من معانيه وأحكامه‪.‬‬

‫حبّو َن الْعَا ِجَلةَ (‪َ )20‬وتَذَرُونَ ال ِخ َرةَ (‪)21‬‬


‫َكلّ بَ ْل ُت ِ‬

‫ليس المر كما زعمتم‪ -‬يا معشر الشركي‪ -‬أن ل بعث ول جزاء‪ ،‬بل أنتم قوم تبون الدنيا وزينتها‪،‬‬
‫وتتركون الخرة ونعيمها‪.‬‬

‫وُجُوهٌ َي ْو َمئِ ٍذ نَاضِ َرةٌ (‪ )22‬إِلَى َرّبهَا نَاظِ َرةٌ (‪)23‬‬


‫‪1087‬‬
‫وجوه أهل السعادة يوم القيامة مشرقة حسنة ناعمة‪ ,‬ترى خالقها ومالك أمرها‪ ,‬فتتمتع بذلك‪.‬‬

‫َووُجُوهٌ َي ْو َمئِ ٍذ بَاسِ َرةٌ (‪ )24‬تَظُنّ أَ ْن ُي ْفعَلَ ِبهَا فَاِق َرةٌ (‪)25‬‬

‫ووجوه الشقياء يوم القيامة عابسة كالة‪ ,‬تتوقع أن تنل با مصيبة عظيمة‪ ,‬تقصم َفقَار ال ّظهْر‪.‬‬

‫ق بِالسّاقِ (‪)29‬‬
‫ت التّرَاقِي (‪ )26‬وَقِي َل مَنْ رَاقٍ (‪َ )27‬وظَنّ َأنّ ُه اْلفِرَاقُ (‪ )28‬وَالَْتفّتْ السّا ُ‬
‫َكلّ ِإذَا بََلغَ ْ‬
‫ك َي ْومَئِ ٍذ الْمَسَاقُ (‪)30‬‬
‫إِلَى َربّ َ‬

‫حقّا إذا وصلت الروح إل أعال الصدر‪ ،‬وقال بعض الاضرين لبعض‪ :‬هل مِن راق يَرْقيه ويَشْفيه ما هو‬
‫فيه؟ وأيقن الحتضر أنّ الذي نزل به هو فراق الدنيا؛ لعاينته ملئكة الوت‪ ،‬واتصلت شدة آخر الدنيا‬
‫بشدة أول الخرة‪ ,‬إل ال تعال مساق العباد يوم القيامة‪ :‬إما إل النة وإما إل النار‪.‬‬

‫ب َوَتوَلّى ( ‪ )32‬ثُمّ َذهَ بَ إِلَى َأهْلِ ِه َيتَمَطّ ى ( ‪َ )33‬أوْلَى لَ كَ‬


‫ق وَل صَلّى (‪ )31‬وََلكِ نْ كَذّ َ‬ ‫فَل صَ ّد َ‬
‫َفَأوْلَى (‪ )34‬ثُمّ َأوْلَى لَكَ َفَأوْلَى (‪)35‬‬

‫فل آمن الكافر بالرسول والقرآن‪ ،‬ول أدّى ل تعال فرائض الصلة‪ ,‬ولكن كذّب بالقرآن‪ ،‬وأعرض عن‬
‫اليان‪ ،‬ث مضى إل أهله يتبختر متال ف مشيته‪ .‬هلك لك فهلك‪ ،‬ث هلك لك فهلك‪.‬‬

‫سوّى‬
‫ك نُ ْط َف ًة مِ ْن َمنِيّ يُ ْمنَى ( ‪ )37‬ثُمّ كَانَ عََل َقةً َفخَلَقَ فَ َ‬ ‫سبُ الِنسَانُ أَنْ ُيتْرَكَ سُدًى (‪ )36‬أَلَ ْم يَ ُ‬ ‫َأيَحْ َ‬
‫حِييَ الْ َم ْوتَى (‪)40‬‬ ‫ك ِبقَادِ ٍر عَلَى أَ ْن يُ ْ‬
‫جعَ َل ِمنْهُ ال ّزوْ َجيْنِ الذّكَ َر وَالُنثَى (‪ )39‬أََلْيسَ ذَلِ َ‬
‫(‪ )38‬فَ َ‬

‫أيظنّ هذا النسان النكر للبعث أن يُترك هَمَل ل يُؤمر ول ُينْهى‪ ،‬ول ياسب ول يعاقب؟ أل يك هذا‬
‫الن سان نطفة ضعيفة من ماء مه ي يراق وي صب ف الرحام‪ ،‬ث صار قطعة من دم جا مد‪ ،‬فخل قه ال‬
‫بقدرته وسوّى صورته ف أحسن تقوي؟ فجعل من هذا النسان الصنفي‪ :‬الذكر والنثى‪ ،‬أليس ذلك‬
‫الله الالق لذه الشياء بقادر على إعادة اللق بعهد فنائههم؟ بلى إنهه ‪ -‬سهبحانه وتعال‪ -‬لقادر على‬
‫ذلك‪.‬‬

‫‪1088‬‬
‫‪ -76‬سورة النسان‬

‫ي مِنَ ال ّدهْرِ لَ ْم َيكُ ْن َشيْئا مَذْكُورا (‪)1‬‬


‫هَلْ َأتَى عَلَى الِنسَانِ ِح ٌ‬

‫قد مضى على النسان وقت طويل من الزمان قبل أن تُنفَخ فيه الروح‪ ,‬ل يكن شيئا يُذكر‪ ,‬ول يُعرف له‬
‫أثر‪.‬‬

‫سبِيلَ ِإمّا شَاكِرا َوِإمّا‬


‫جعَ ْلنَا هُ سَمِيعا بَ صِيا (‪ِ )2‬إنّا هَ َدْينَا ُه ال ّ‬
‫ج َنبْتَلِي هِ فَ َ‬
‫ِإنّا َخَل ْقنَا الِن سَا َن مِ نْ نُ ْط َفةٍ َأمْشَا ٍ‬
‫َكفُورا (‪)3‬‬

‫إ نا خلق نا الن سان من نط فة متل طة من ماء الر جل وماء الرأة‪ ,‬ن تبه بالتكال يف الشرع ية في ما ب عد‪,‬‬
‫فجعلناه من أجل ذلك ذا سع وذا بصر؛ ليسمع اليات‪ ,‬ويرى الدلئل‪ ,‬إنا بينّا له وعرّفناه طريق الدى‬
‫والضلل والي والشر; ليكون إما مؤمنًا شاكرًا‪ ,‬وإما كفورًا جاحدًا‪.‬‬

‫ِإنّا َأ ْعتَ ْدنَا لِ ْلكَافِرِي َن سَل ِسلً َوَأغْل ًل َو َسعِيا (‪)4‬‬

‫إنا أعتدنا للكافرين قيودًا من حديد تُشَ ّد با أرجلهم‪ ,‬وأغلل تُغلّ با أيديهم إل أعناقهم‪ ,‬ونارًا يُحرقون‬
‫با‪.‬‬

‫ِإنّ ا َلبْرَا َر يَشْ َربُو َن مِنْ َكأْسٍ كَا َن مِزَا ُجهَا كَافُورا (‪)5‬‬

‫إن أهل الطاعة والخلص الذين يؤدون حق ال‪ ,‬يشربون يوم القيامة مِن كأس فيها خر مزوجة بأحسن‬
‫أنواع الطيب‪ ,‬وهو ماء الكافور‪.‬‬

‫ستَطِيا ( ‪)7‬‬
‫ب ِبهَا عِبَادُ اللّ ِه ُيفَجّرُوَنهَا تَفْجِيا (‪ )6‬يُوفُو نَ بِالنّذْ ِر َويَخَافُو َن َيوْما كَا نَ شَرّ هُ مُ ْ‬
‫َعيْنا يَشْرَ ُ‬

‫‪1089‬‬
‫سكِينا َوَيتِيما َوأَ سِيا (‪ِ )8‬إنّمَا نُ ْطعِ ُمكُ مْ ِلوَجْ هِ اللّ ِه ل نُرِي ُد ِمْنكُ مْ جَزَا ًء وَل‬
‫َويُ ْطعِمُو نَ ال ّطعَا مَ عَلَى ُحبّ ِه مِ ْ‬
‫ف مِنْ َرّبنَا َيوْما عَبُوسا َقمْ َطرِيرا (‪)10‬‬ ‫ُشكُورا (‪ِ )9‬إنّا نَخَا ُ‬

‫هذا الشراب الذي مزج من الكافور هو عي يشرب منها عباد ال‪ ,‬يتصرفون فيها‪ ,‬ويُجْرونا حيث‬
‫شاؤوا إجرا ًء سهل‪ .‬هؤلء كانوا ف الدنيا يوفون با أوجبوا على أنفسهم من طاعة ال‪ ,‬ويافون عقاب‬
‫ال ف يوم القيامة الذي يكون ضرره خطيًا‪ ,‬وشره فاشيًا منتشرًا على الناس‪ ,‬إل مَن رحم ال‪,‬‬
‫ويُ ْطعِمون الطعام مع حبهم له وحاجتهم إليه‪ ,‬فقيًا عاجزًا عن الكسب ل يلك من حطام الدنيا شيئًا‪,‬‬
‫وطفل مات أبوه ول مال له‪ ,‬وأسيًا أُسر ف الرب من الشركي وغيهم‪ ,‬ويقولون ف أنفسهم‪ :‬إنا‬
‫نسن إليكم ابتغاء مرضاة ال‪ ,‬وطلب ثوابه‪ ,‬ل نبتغي عوضًا ول نقصد حدًا ول ثناءً منكم‪ .‬إنا ناف‬
‫من ربنا يومًا شديدًا َتعْبِس فيه الوجوه‪ ,‬وتتق ّطبُ الباه مِن فظاعة أمره وشدة هوله‪.‬‬

‫صبَرُوا َجّنةً َوحَرِيرا ( ‪)12‬‬ ‫ك اْلَيوْ مِ وََلقّاهُ مْ َنضْ َر ًة وَ ُسرُورا (‪ )11‬وَجَزَاهُ مْ بِمَا َ‬
‫َفوَقَاهُ مْ اللّ ُه شَرّ ذَلِ َ‬
‫ُمتّ ِكئِيَ فِيهَا عَلَى الَرَائِ كِ ل يَ َروْ نَ فِيهَا شَمْسا وَل َز ْمهَرِيرا (‪ )13‬وَدَاِنيَ ًة عََلْيهِ ْم ظِللُهَا وَذُلّلَ تْ ُقطُوُفهَا‬
‫تَذْلِيلً (‪)14‬‬

‫فوقاهم ال من شدائد ذلك اليوم‪ ,‬وأعطاهم حسنًا ونورًا ف وجوههم‪ ,‬وبجة وفرحًا ف قلوبم‪ ,‬وأثابم‬
‫بصبهم ف الدنيا على الطاعة جنة عظيمة يأكلون منها ما شاؤوا‪ ,‬ويَ ْلبَسون فيها الرير الناعم‪ ,‬متكئي‬
‫فيها على السرّة الزينة بفاخر الثياب والستور‪ ,‬ل يرون فيها حر شس ول شدة برد‪ ,‬وقريبة منهم‬
‫أشجار النة مظللة عليهم‪ ,‬و ُسهّل لم أَخْذُ ثارها تسهيل‪.‬‬

‫ضةٍ َقدّرُوهَا َتقْدِيرا ( ‪)16‬‬


‫ضةٍ َوأَ ْكوَا بٍ كَانَ تْ َقوَارِيرَ (‪َ )15‬قوَارِي َر مِ نْ ِف ّ‬
‫ف عََلْيهِ ْم بِآنَِي ٍة مِ نْ ِف ّ‬
‫َويُطَا ُ‬
‫سبِيلً (‪)18‬‬ ‫َويُسْ َق ْونَ فِيهَا َكأْسا كَا َن مِزَا ُجهَا زَ َنبِيلً (‪َ )17‬عيْنا فِيهَا تُسَمّى سَلْ َ‬

‫ويدور عليهم الدم بأوان الطعام الفضيّة‪ ,‬وأكواب الشراب من الزجاج‪ ,‬زجاج من فضة‪ ,‬قدّرها السقاة‬
‫على مقدار ما يشتهي الشاربون ل تزيد ول تنقص‪ ,‬ويُسْقَى هؤلء البرار ف النة كأسًا ملوءة خرًا‬
‫مزجت بالزنبيل‪ ,‬يشربون مِن عيٍ ف النة تسمى سلسبيل؛ لسلمة شرابا وسهولة مساغه وطيبه‪.‬‬

‫‪1090‬‬
‫سْبَتهُمْ ُلؤْلُؤا مَنثُورا (‪)19‬‬
‫ف عََلْيهِمْ وِلْدَا ٌن مُخَلّدُونَ إِذَا َرَأْيَتهُمْ حَ ِ‬
‫َويَطُو ُ‬

‫ويدور على هؤلء البرار لدمتهم غلمان دائمون على حالم‪ ,‬إذا أبصرتم ظننتهم‪ -‬لسنهم وصفاء‬
‫ألوانم إشراق وجوههم‪ -‬اللؤلؤ الفرّق الضيء‪.‬‬

‫ت ثَمّ َرَأْيتَ َنعِيما َومُلْكا َكبِيا (‪)20‬‬


‫َوإِذَا َرَأيْ َ‬

‫ي مكان ف النة رأيت فيه نعيمًا ل يُدْركه الوصف‪ ،‬ومُلْكا عظيمًا واسعًا ل غاية له‪.‬‬
‫وإذا أبصرت أ ّ‬

‫ض ٍة َو َسقَاهُمْ َرّبهُ ْم َشرَابا َطهُورا (‪)21‬‬


‫ق وَ ُحلّوا َأسَاوِ َر مِنْ ِف ّ‬
‫ب سُندُسٍ ُخضْ ٌر َوِإ ْستَبْ َر ٌ‬
‫عَاِليَهُ ْم ِثيَا ُ‬

‫يعلوهم ويمل أبدانم ثياب بطائنها من الرير الرقيق الخضر‪ ,‬وظاهرها من الرير الغليظ‪ ,‬ويُحَلّون من‬
‫الليّ بأساور من الفضة‪ ,‬وسقاهم ربم فوق ذلك النعيم شرابًا ل رجس فيه ول دنس‪.‬‬

‫شكُورا (‪)22‬‬
‫ِإنّ هَذَا كَانَ َلكُمْ َجزَا ًء وَكَا َن َس ْعيُكُ ْم مَ ْ‬

‫ويقال لم‪ :‬إن هذا أُعِدّ لكم مقابل أعمالكم الصالة‪ ,‬وكان عملكم ف الدنيا عند ال مرضيًا مقبول‪.‬‬

‫ِإنّا َنحْ ُن نَزّْلنَا عََليْكَ الْقُرْآ َن َتنْزِيلً (‪)23‬‬

‫إنا نن َنزّلْنا عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬القرآن تنيل من عندنا؛ لتذكر الناس با فيه من الوعد والوعيد‬
‫والثواب والعقاب‪.‬‬

‫ك ُبكْ َرةً َوأَصِيلً (‪)25‬‬


‫ك وَل تُ ِط ْع ِمنْهُ ْم آثِما َأوْ َكفُورا (‪ )24‬وَاذْكُ ْر اسْمَ َربّ َ‬
‫حكْمِ َربّ َ‬
‫صبِرْ ِل ُ‬
‫فَا ْ‬

‫فاصب لكم ربك القدري واقبله‪ ,‬ولكمه الدين فامض عليه‪ ,‬ول تطع من الشركي من كان منغمسًا‬
‫ف الشهوات أو مبالغًا ف الكفر والضلل‪ ,‬وداوم على ذكر اسم ربك ودعائه ف أول النهار وآخره‪.‬‬

‫‪1091‬‬
‫َومِنْ الّليْلِ فَاسْجُدْ لَ ُه َو َسبّحْهُ َلْيلً طَوِيلً (‪)26‬‬

‫ومن الليل فاخضع لربك‪ ,‬وصَلّ له‪ ,‬وتجّد له زمنًا طويل فيه‪.‬‬

‫حبّو َن الْعَا ِجَل َة َويَذَرُونَ وَرَا َءهُ ْم َيوْما َثقِيلً (‪)27‬‬


‫ِإنّ َهؤُلءِ ُي ِ‬

‫إن هؤلء الشركي يبون الدنيا‪ ,‬وينشغلون با‪ ,‬ويتركون خلف ظهورهم العمل للخرة‪ ,‬ولا فيه ناتم‬
‫ف يوم عظيم الشدائد‪.‬‬

‫نَحْنُ خََل ْقنَاهُمْ َوشَدَ ْدنَا َأسْ َرهُ ْم َوإِذَا شِْئنَا بَدّْلنَا َأمْثَاَلهُ ْم َتبْدِيلً (‪)28‬‬

‫نن خلقناهم‪ ,‬وأحكمنا خلقهم‪ ,‬وإذا شئنا أهلكناهم‪ ,‬وجئنا بقوم مطيعي متثلي لوامر ربم‪.‬‬

‫ِإنّ هَذِ ِه تَذْكِ َرةٌ فَمَ ْن شَا َء اتّخَذَ إِلَى َربّ هِ َسبِيلً (‪َ )29‬ومَا تَشَاءُو نَ إِلّ أَ ْن يَشَاءَ اللّ هُ ِإنّ اللّ هَ كَا نَ عَلِيما‬
‫َحكِيما (‪ )30‬يُدْخِ ُل مَنْ يَشَاءُ فِي َرحْ َمتِ ِه وَالظّالِمِيَ َأعَدّ َلهُ ْم عَذَابا أَلِيما (‪)31‬‬

‫إن هذه السورة عظة للعالي‪ ,‬فمن أراد الي لنفسه ف الدنيا والخرة اتذ باليان والتقوى طريقًا يوصله‬
‫إل مغفرة ال ورضوانه‪ .‬و ما تريدون أمرًا من المور إل بتقد ير ال ومشيئ ته‪ .‬إن ال كان عليمًا بأحوال‬
‫خل قه‪ ,‬حكيمًا ف تدبيه و صنعه‪ .‬يُدْ خل مَن يشاء مِن عباده ف رح ته ورضوا نه‪ ,‬و هم الؤمنون‪ ,‬وأعدّ‬
‫للظالي التجاوزين حدود ال عذابًا موجعًا‪.‬‬

‫‪ -77‬سورة الرسلت‬

‫ت عَ صْفا ( ‪ )2‬وَالنّاشِرَا تِ نَشْرا ( ‪ )3‬فَاْلفَارِقَا تِ َفرْقا ( ‪ )4‬فَاْلمُ ْل ِقيَا تِ‬ ‫صفَا ِ‬ ‫وَالْمُرْ سَلتِ ُعرْفا (‪ )1‬فَاْلعَا ِ‬
‫ذِكْرا (‪ )5‬عُذْرا َأ ْو نُذْرا (‪ِ )6‬إنّمَا تُوعَدُونَ َلوَاقِعٌ (‪)7‬‬

‫أقسهم ال تعال بالرياح حيه تبه متتابعهة يقفهو بعضهها بعض ًا‪ ,‬وبالرياح الشديدة البوب الهلكهة‪,‬‬
‫‪1092‬‬
‫وباللئكة الوكلي بالسحب يسوقونا حيث شاء ال‪ ,‬وباللئكة الت تنل من عند ال با يفرق بي الق‬
‫والباطل واللل والرام‪ ,‬وباللئكة الت تتلقى الوحي من عند ال وتنل به على أنبيائه; إعذارًا من ال‬
‫إل خلقه وإنذارًا منه إليهم ; لئل يكون لم حجة‪ .‬إن الذي توعدون به مِن أمر يوم القيامة وما فيه من‬
‫حساب وجزاء لناز ٌل بكم ل مالة‪.‬‬

‫س َفتْ ( ‪َ )10‬وإِذَا الرّسُ ُل وُّقتَتْ ( ‪)11‬‬ ‫جبَا ُل نُ ِ‬


‫ستْ (‪َ )8‬وإِذَا السّمَاءُ فُرِجَتْ ( ‪َ )9‬وإِذَا الْ ِ‬ ‫فَإِذَا النّجُومُ طُمِ َ‬
‫ي َيوْمٍ أُجَّلتْ (‪ِ )12‬لَي ْومِ الْ َفصْلِ (‪َ )13‬ومَا أَدْرَاكَ مَا َي ْومُ الْ َفصْلِ (‪َ )14‬ويْ ٌل َيوْ َمئِذٍ لِ ْل ُمكَ ّذبِيَ (‪)15‬‬
‫لَ ّ‬

‫فإذا النجوم طُمست وذهب ضياؤها‪ ,‬وإذا السماء تصدّعت‪ ,‬وإذا البال تطايرت وتناثرت وصارت هباء‬
‫تَذْروه الرياح‪ ,‬وإذا الرسل ُعيّن لم وقت وأجل للفصل بينهم وبي المم‪ ,‬يقال‪ :‬ليّ يوم عظيم أخّرت‬
‫الرسل؟ أخّرت ليوم القضاء والفصل بي اللئق‪ .‬وما أعلمك ‪-‬أيها النسان‪ -‬أيّ شيء هو يوم الفصل‬
‫وشدته وهوله؟ هلك عظيم ف ذلك اليوم للمكذبي بذا اليوم الوعود‪.‬‬

‫ج ِرمِيَ (‪)18‬‬
‫ك َن ْفعَ ُل بِالْمُ ْ‬
‫ك ا َلوّلِيَ (‪ )16‬ثُ ّم ُنتِْب ُعهُمْ الخِرِينَ (‪ )17‬كَذَلِ َ‬
‫أَلَ ْم ُنهْلِ ْ‬

‫أل نلك السابقي من المم الاضية; بتكذيبهم للرسل كقوم نوح وعاد وثود؟ ث نلحق بم التأخرين من‬
‫كانوا مثلهم ف التكذيب والعصيان‪ .‬مِثل ذلك الهلك الفظيع نفعل بؤلء الجرمي من كفار "مكة"؛‬
‫لتكذيبهم الرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫َويْ ٌل َيوْ َمئِذٍ لِ ْل ُمكَ ّذبِيَ (‪)19‬‬

‫هلك وعذاب شديد يوم القيامة لكل مكذّب بأن ال هو الله الق وحده ل شريك له‪ ،‬والنبو ِة والبعث‬
‫والساب‪.‬‬

‫جعَ ْلنَا هُ فِي قَرَا ٍر َمكِيٍ ( ‪ )21‬إِلَى قَ َد ٍر َمعْلُو مٍ ( ‪َ )22‬فقَدَ ْرنَا َفِنعْ مَ‬
‫أَلَ ْم نَخُْل ْقكُ ْم مِ ْن مَا ٍء َمهِيٍ (‪ )20‬فَ َ‬
‫الْقَادِرُونَ (‪)23‬‬

‫‪1093‬‬
‫أل نلق كم‪ -‬يا مع شر الكفار‪ -‬من ماء ضع يف حق ي و هو النط فة‪ ,‬فجعل نا هذا الاء ف مكان ح صي‪,‬‬
‫و هو ر حم الرأة‪ ,‬إل و قت مدود ومعلوم ع ند ال تعال؟ فقدر نا على خل قه وت صويره وإخرا جه‪ ,‬فن عم‬
‫القادرون نن‪.‬‬

‫َويْ ٌل َيوْ َمئِذٍ لِ ْل ُمكَ ّذبِيَ (‪)24‬‬

‫هلك وعذاب شديد يوم القيامة للمكذبي بقدرتنا‪.‬‬

‫ت َوأَ ْسقَْينَاكُ ْم مَاءً فُرَاتا‬


‫جعَ ْل الَرْضَ ِكفَاتا (‪ )25‬أَ ْحيَاءً َوَأ ْموَاتا (‪ )26‬وَ َجعَ ْلنَا فِيهَا َروَاسِ َي شَامِخَا ٍ‬
‫أَلَ ْم نَ ْ‬
‫(‪)27‬‬

‫أل نعهل هذه الرض الته تعيشون عليهها‪ ,‬تضهم على ظهرهها أحياء ل يصهون‪ ,‬وفه بطنهها أمواتًا ل‬
‫يصرون‪ ,‬وجعلنا فيها جبال ثوابت عاليات؛ لئل تضطرب بكم‪ ,‬وأسقيناكم ما ًء عذبًا سائغًا؟‬

‫َويْ ٌل يوْ َمئِذٍ لِ ْل ُمكَ ّذبِيَ (‪)28‬‬

‫هلك ودمار يوم القيامة للمكذبي بذه النعم‪.‬‬

‫ث ُشعَ بٍ ( ‪ )30‬ل ظَلِي ٍل وَل ُي ْغنِي مِ نْ‬


‫َانطَِلقُوا إِلَى مَا كُنتُ ْم بِ ِه ُتكَ ّذبُو نَ (‪ )29‬انطَِلقُوا إِلَى ظِلّ ذِي ثَل ِ‬
‫صفْرٌ (‪)33‬‬
‫الّل َهبِ (‪ِ )31‬إّنهَا تَ ْرمِي بِشَ َررٍ كَاْل َقصْرِ (‪َ )32‬كأَنّهُ ِجمَاَلةٌ ُ‬

‫يقال للكافرين يوم القيامة‪ :‬سيوا إل عذاب جهنم الذي كنتم به تكذبون ف الدنيا‪ ,‬سيوا‪ ,‬فاستظلوا‬
‫بدخان جه نم يتفرع م نه ثلث ق طع‪ ,‬ل يُظِل ذلك ال ظل من حر ذلك اليوم‪ ,‬ول يد فع من حر اللهب‬
‫شيئًا‪ .‬إن جه نم تقذف من النار بشرر عظ يم‪ ,‬كل شرارة م نه كالبناء الش يد ف العِ ظم والرتفاع‪ .‬كأن‬
‫صفْرة‪.‬‬
‫شرر جهنم التطاير منها إبل سود ييل لونا إل ال ّ‬

‫َويْ ٌل َيوْ َمئِذٍ لِ ْل ُمكَ ّذبِيَ (‪)34‬‬

‫‪1094‬‬
‫هلك وعذاب شديد يوم القيامة للمكذبي بوعيد ال‪.‬‬

‫هَذَا َي ْو ُم ل يَن ِطقُونَ (‪ )35‬وَل ُيؤْ َذنُ َلهُمْ َفَيعْتَذِرُونَ (‪)36‬‬

‫هذا يوم القيامة الذي ل ينطق فيه الكذبون بكلم ينفعهم‪ ,‬ول يكون لم إذن ف الكلم فيعتذرون؛ لنه‬
‫ل عذر لم‪.‬‬

‫َويْ ٌل َيوْ َمئِذٍ لِ ْل ُمكَ ّذبِيَ (‪)37‬‬

‫هلك وعذاب شديد يومئذ للمكذبي بذا اليوم وما فيه‪.‬‬

‫هَذَا َي ْو ُم الْ َفصْلِ َج َم ْعنَاكُ ْم وَا َلوّلِيَ (‪ )38‬فَِإنْ كَانَ َلكُمْ َكيْدٌ َفكِيدُونِ (‪)39‬‬

‫هذا يوم يف صل ال ف يه ب ي اللئق‪ ,‬ويتم يز ف يه ال ق من البا طل‪ ,‬جعنا كم ف يه ‪ -‬يا مع شر كفار هذه‬
‫المهة‪ -‬مهع الكفار الوليه مهن المهم الاضيهة‪ ,‬فإن كان لكهم حيلة فه اللص مهن العذاب فاحتالوا‪,‬‬
‫وأنقذوا أنفسكم مِن بطش ال وانتقامه‪.‬‬

‫َويْ ٌل َيوْ َمئِذٍ لِ ْل ُمكَ ّذبِيَ (‪)40‬‬

‫هلك ودمار يوم القيامة للمكذبي بيوم القيامة‪.‬‬

‫شتَهُونَ (‪ )42‬كُلُوا وَاشْ َربُوا َهنِيئا بِمَا كُنتُ ْم َتعْمَلُونَ (‬ ‫ِإنّ الْ ُمّتقِيَ فِي ظِل ٍل َو ُعيُونٍ (‪ )41‬وََفوَاكِهَ ِممّا يَ ْ‬
‫‪ِ )43‬إنّا َكذَلِكَ نَجْزِي الْ ُمحْسِنيَ (‪َ )44‬ويْ ٌل َيوْ َمئِذٍ لِ ْل ُمكَ ّذبِيَ (‪)45‬‬

‫إن الذ ين خافوا رب م ف الدن يا‪ ,‬واتقوا عذا به بامتثال أوامره واجتناب نواه يه‪ ,‬هم يوم القيا مة ف ظلل‬
‫الشجار الوار فة وعيون الاء الار ية‪ ,‬وفوا كه كثية م ا تشته يه أنف سهم يتنعمون‪ .‬يقال ل م‪ :‬كلوا أكل‬
‫لذيذًا‪ ,‬واشربوا شربًا هنيئًا؛ ب سبب ما قدم تم ف الدن يا من صال العمال‪ .‬إ نا ب ثل ذلك الزاء العظ يم‬
‫نزي أ هل الح سان ف أعمال م وطاعت هم ل نا‪ .‬هلك وعذاب شد يد يوم القيا مة للمكذب ي بيوم الزاء‬
‫‪1095‬‬
‫والساب وما فيه من النعيم والعذاب‪.‬‬

‫كُلُوا َوتَ َمتّعُوا َقلِيلً ِإّنكُ ْم مُجْ ِرمُونَ (‪)46‬‬

‫ث هدّد ال الكافرين فقال ‪ :‬كلوا من لذائذ الدنيا‪ ,‬واستمتعوا بشهواتا الفانية زمنًا قليل؛ إنكم مرمون‬
‫بإشراككم بال‪.‬‬

‫َويْ ٌل َيوْ َمئِذٍ لِ ْل ُمكَ ّذبِيَ (‪)47‬‬

‫هلك وعذاب شديد يوم القيامة للمكذبي بيوم الساب والزاء‪.‬‬

‫َوإِذَا قِيلَ َلهُمْ ارْ َكعُوا ل يَرْ َكعُونَ (‪)48‬‬

‫وإذا قيل لؤلء الشركي‪ :‬صلّوا ل‪ ,‬واخشعوا له‪ ,‬ل يشعون ول يصلّون‪ ,‬بل يصرّون على استكبارهم‪.‬‬

‫َويْ ٌل َيوْ َمئِذٍ لِ ْل ُمكَ ّذبِيَ (‪َ )49‬فِبأَيّ حَدِيثٍ َبعْ َد ُه ُيؤْ ِمنُونَ (‪)50‬‬

‫هلك وعذاب شديد يوم القيامة للمكذبي بآيات ال‪ ،‬إن ل يؤمنوا بذا القرآن‪ ،‬فبأي كتاب وكلم بعده‬
‫يؤمنون؟ وهو البيّن لكل شيء‪ ،‬الواضح ف حكمه وأحكامه وأخباره‪ ،‬العجز ف ألفاظه ومعانيه‪.‬‬

‫‪1096‬‬
‫الزء الثلثون ‪:‬‬

‫‪ -78‬سورة النبأ‬

‫ختَِلفُونَ (‪)3‬‬
‫عَ ّم َيتَسَاءَلُونَ (‪ )1‬عَ ْن الّنبَإِ اْلعَظِيمِ (‪ )2‬الّذِي هُمْ فِيهِ مُ ْ‬

‫عن أيّ ش يء ي سأل ب عض كفار قر يش بع ضا؟ يت ساءلون عن ال ب العظ يم الشأن‪ ،‬و هو القرآن العظ يم‬
‫الذي ينبئ عن البعث الذي شك فيه كفار قريش وكذّبوا به ‪.‬‬

‫ل سََيعْلَمُونَ (‪)5‬‬
‫َكلّ َسَيعْلَمُونَ (‪ )4‬ثُمّ َك ّ‬

‫ما المر كما يزعم هؤلء الشركون‪ ,‬سيعلم هؤلء الشركون عاقبة تكذيبهم‪ ،‬ويظهر لم ما ال فاعل‬
‫ب م يوم القيا مة‪ ,‬ث سيتأكد ل م ذلك‪ ,‬ويتأ كد ل م صدق ما جاء به م مد صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬من‬
‫القرآن والبعث‪ .‬وهذا تديد ووعيد لم‪.‬‬

‫ض ِمهَادا (‪)6‬‬
‫جعَ ْل الَ ْر َ‬
‫أَلَ ْم نَ ْ‬

‫أل نعل الرض مهدة لكم كالفراش؟‬

‫جبَالَ َأوْتَادا (‪)7‬‬


‫وَالْ ِ‬

‫والبال رواسي؛ كي ل تتحرك بكم الرض؟‬

‫وَخََل ْقنَاكُمْ أَ ْزوَاجا (‪)8‬‬

‫وخلقناكم أصنافا ذكرا وأنثى؟‬

‫‪1097‬‬
‫وَ َجعَ ْلنَا َن ْومَكُ ْم ُسبَاتا (‪)9‬‬

‫وجعلنا نومكم راحة لبدانكم‪ ،‬فيه تدؤون وتسكنون؟‬

‫وَ َجعَ ْلنَا الّليْلَ ِلبَاسا (‪)10‬‬

‫وجعلنا الليل لباسًا تَ ْلبَسكم ظلمته وتغشاكم‪ ,‬كما يستر الثوب لبسه؟‬

‫وَ َجعَ ْلنَا النّهَا َر َمعَاشا (‪)11‬‬

‫وجعلنا النهار معاشا تنتشرون فيه لعاشكم‪ ,‬وتسعَون فيه لصالكم؟‬

‫َوبََنْينَا َفوَْقكُ ْم َسبْعا شِدَادا (‪)12‬‬

‫وبنينا فوقكم سبع سوات متينة البناء مكمة اللق‪ ,‬ل صدوع لا ول فطور؟‬

‫وَ َجعَ ْلنَا سِرَاجا َوهّاجا (‪)13‬‬

‫وجعلنا الشمس سراجًا وقّادًا مضيئًا؟‬

‫ج بِهِ َحبّا َوَنبَاتا (‪ )15‬وَ َجنّاتٍ أَْلفَافا (‪)16‬‬


‫خرِ َ‬
‫ت مَا ًء ثَجّاجا (‪ِ )14‬لنُ ْ‬
‫َوأَنزَْلنَا مِ ْن الْ ُم ْعصِرَا ِ‬

‫صبّا بكثرة‪ ,‬لنخرج به حبًا م ا يقتات به الناس وحشائش م ا تأكله‬


‫وأنزل نا من ال سحب المطرة ماء من َ‬
‫الدّواب‪ ،‬وبساتي ملتفة بعضها ببعض لتشعب أغصانا؟‬

‫ِإنّ َي ْومَ اْل َفصْلِ كَانَ مِيقَاتا (‪َ )17‬ي ْو َم يُنفَخُ فِي الصّورِ َفَت ْأتُونَ أَ ْفوَاجا (‪)18‬‬

‫‪1098‬‬
‫إن يوم الفصل بي اللق‪ ,‬وهو يوم القيامة‪ ,‬كان وقتًا وميعادًا مددًا للولي والخرين‪ ,‬يوم ينفخ الَلَك‬
‫ف "القرن" إيذانًا بالبعث فتأتون أمًا‪ ,‬كل أمة مع إمامهم‪.‬‬

‫حتْ السّمَاءُ َفكَاَنتْ َأْبوَابا (‪)19‬‬


‫وَُفتِ َ‬

‫وفُتحت السماء‪ ،‬فكانت ذات أبواب كثية لنول اللئكة‪.‬‬

‫ت سَرَابا (‪)20‬‬
‫جبَالُ َفكَانَ ْ‬
‫ت الْ ِ‬
‫َو ُسيّرَ ْ‬

‫ونسفت البال بعد ثبوتا‪ ,‬فكانت كالسراب‪.‬‬

‫ِإنّ َج َهنّمَ كَانَتْ مِرْصَادا (‪ )21‬لِلْطّاغِيَ مَآبا (‪ )22‬لبِثِيَ فِيهَا أَ ْحقَابا (‪ )23‬ل يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدا وَل‬
‫شَرَابا (‪ )24‬إِلّ َحمِيما َوغَسّاقا (‪ )25‬جَزَا ًء وِفَاقا (‪)26‬‬

‫إن جهنم كانت يومئذ ترصد أهل الكفر الذين ُأعِدّت لم‪ ,‬للكافرين مرجعًا‪ ,‬ماكثي فيها دهورًا متعاقبة‬
‫ل تنق طع‪ ،‬ل يَ ْطعَمون في ها ما ُيبْرد ح ّر ال سعي عن هم‪ ،‬ول شرابًا يروي هم‪ ,‬إل ماءً حارًا‪ ،‬و صديد أ هل‬
‫النار‪ ،‬يازَون بذلك جزاء عادل موافقًا لعمالم الت كانوا يعملونا ف الدنيا‪.‬‬

‫صْينَاهُ ِكتَابا ( ‪)29‬‬


‫ِإّنهُ مْ كَانُوا ل َيرْجُو نَ حِ سَابا (‪ )27‬وَكَ ّذبُوا بِآيَاتِنَا كِذّابا ( ‪ )28‬وَكُ ّل َشيْءٍ أَحْ َ‬
‫فَذُوقُوا َفلَ ْن نَزِيدَكُمْ إِلّ عَذَابا (‪)30‬‬

‫إنم كانوا ل يافون يوم الساب فلم يعملوا له‪ ,‬وكذّبوا با جاءتم به الرسل تكذيبا‪ ,‬وك ّل شيء علمناه‬
‫وكتبناه فه اللوح الحفوظ‪ ,‬فذوقوا ‪-‬أيهها الكافرون‪ -‬جزاء أعمالكهم‪ ,‬فلن نزيدكهم إل عذابًها فوق‬
‫عذابكم‪.‬‬

‫ِإنّ لِ ْل ُمّتقِيَ َمفَازا (‪ )31‬حَدَائِ َق َوَأعْنَابا ( ‪ )32‬وَ َكوَاعِبَ َأتْرَابا ( ‪ )33‬وَ َكأْسا ِدهَاقا ( ‪ )34‬ل يَسْ َمعُونَ‬
‫فِيهَا َلغْوا وَل كِذّابا (‪)35‬‬

‫‪1099‬‬
‫إن للذيهن يافون ربمه ويعملون صهالًا‪ ,‬فوزًا بدخولمه النهة‪ .‬إن لمه بسهاتي عظيمهة وأعنابًا‪ ,‬ولمه‬
‫زوجات حديثات السن‪ ،‬نواهد مستويات ف سن واحدة‪ ,‬ولم كأس ملوءة خرًا‪ .‬ل يسمعون ف هذه‬
‫النة باطل من القول‪ ،‬ول يكذب بعضهم بعضًا‪.‬‬

‫ض َومَا بَْيَنهُمَا الرّ ْحمَ ِن ل يَمِْلكُو نَ ِمنْ هُ خِطَابا‬


‫َجزَاءً مِ نْ َربّ كَ عَطَاءً حِ سَابا (‪ )36‬رَبّ ال سّ َموَاتِ وَالَرْ ِ‬
‫صوَابا (‪ )38‬ذَلِ كَ‬ ‫صفّا ل َيَتكَلّمُو نَ إِ ّل مَ نْ أَذِ نَ لَ هُ الرّحْ َم ُن وَقَالَ َ‬
‫ح وَالْمَلِئ َكةُ َ‬‫(‪َ )37‬يوْ مَ َيقُو مُ الرّو ُ‬
‫خذَ إِلَى َربّ ِه مَآبًا (‪)39‬‬
‫الَْي ْومُ الْحَقّ فَمَن شَاء اتّ َ‬

‫لم كل ذلك جزاء ومنّة من ال وعطاءً كثيًا كافيًا لم‪ ،‬ربّ السموات والرض وما بينهما‪ ،‬رح ِن الدنيا‬
‫والخرة‪ ,‬ل يلكون أن يسألوه إل فيما أذن لم فيه‪ ,‬يوم يقوم جبيل عليه السلم واللئكة مصطفّي‪ ،‬ل‬
‫يشفعون إل لن أذن له الرحن ف الشفاعة‪ ,‬وقال حقًا وسدادًا‪ .‬ذلك اليوم الق الذي ل ريب ف وقوعه‪,‬‬
‫فمن شاء النجاة مِن أهواله فليتخذ إل ربه مرجعًا بالعمل الصال‪.‬‬

‫ِإنّا أَنذَ ْرنَاكُ ْم عَذَابًا قَرِيبًا َيوْ َم يَنظُ ُر الْ َمرْ ُء مَا قَ ّد َمتْ يَدَاهُ َويَقُو ُل اْلكَافِ ُر يَا َليَْتنِي كُنتُ تُرَابًا (‪)40‬‬

‫إنّا حذّرناكم عذاب يوم الخرة القريب الذي يرى فيه كل امرئ ما عمل من خي أو اكتسب من إث‪,‬‬
‫ويقول الكافر من هول الساب‪ :‬يا ليتن كنت ترابًا فلم أُبعث‪.‬‬

‫‪ -79‬سورة النازعات‬

‫ت نَشْطا ( ‪ )2‬وَال سّابِحَاتِ سَبْحا ( ‪ )3‬فَال سّاِبقَاتِ َسبْقا ( ‪ )4‬فَالْمُ َدبّرَا تِ‬ ‫وَالنّا ِزعَا تِ غَرْقا (‪ )1‬وَالنّاشِطَا ِ‬
‫َأمْرا (‪َ )5‬ي ْو َم تَرْجُفُ الرّا ِج َفةُ (‪َ )6‬تْتَبعُهَا الرّادَِفةُ (‪)7‬‬

‫أقسم ال تعال باللئكة الت تنع أرواح الكفار نزعا شديدا‪ ،‬واللئكة الت تقبض أرواح الؤمني بنشاط‬
‫سبَح ف نزولا من السماء وصعودها إليها‪ ,‬فاللئكة الت تسبق وتسارع إل تنفيذ‬
‫ورفق‪ ،‬واللئكة الت تَ ْ‬
‫أ مر ال‪ ,‬فاللئ كة النفذات أ مر رب ا في ما أو كل إلي ها تدبيه من شؤون الكون ‪-‬ول يوز للمخلوق أن‬

‫‪1100‬‬
‫يقسم بغي خالقه‪ ،‬فإن فعل فقد أشرك‪ -‬لتُبعثَنّ اللئق وتُحَا سَب‪ ,‬يوم تضطرب الرض بالنفخة الول‬
‫نفخة الماتة‪ ,‬تتبعها نفخة أخرى للحياء‪.‬‬

‫ب َي ْو َمئِذٍ وَا ِج َفةٌ (‪َ )8‬أبْصَا ُرهَا خَا ِش َعةٌ (‪)9‬‬


‫قُلُو ٌ‬

‫قلوب الكفار يومئذ مضطربة من شدة الوف‪ ,‬أبصار أصحابا ذليلة من هول ما ترى‪.‬‬

‫َيقُولُونَ َأِئنّا لَمَ ْردُودُونَ فِي الْحَاِف َرةِ (‪َ )10‬أئِذَا ُكنّا عِظَاما نَخِ َرةً (‪ )11‬قَالُوا تِلْكَ إِذا َك ّرةٌ خَاسِ َرةٌ (‪)12‬‬

‫يقول هؤلء الكذبون بالبعث‪ :‬أنُ َر ّد بعد موتنا إل ما كنا عليه أحياء ف الرض؟ أنر ّد وقد صرنا عظامًا‬
‫بالية؟ قالوا‪ :‬رجعتنا تلك ستكون إذًا خائبة كاذبة‪.‬‬

‫فَِإنّمَا ِهيَ زَجْ َرٌة وَاحِ َدةٌ (‪ )13‬فَإِذَا هُ ْم بِالسّاهِ َرةِ (‪)14‬‬

‫فإنا هي نفخة واحدة‪ ,‬فإذا هم أحياء على وجه الرض بعد أن كانوا ف بطنها‪.‬‬

‫ث مُوسَى (‪)15‬‬
‫هَ ْل أتَاكَ َحدِي ُ‬

‫هل أتاك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬خب موسى؟‬

‫س ُطوًى (‪ )16‬ا ْذهَ بْ إِلَى ِف ْر َعوْ نَ ِإنّ هُ طَغَى ( ‪َ )17‬فقُ ْل هَلْ لَ كَ إِلَى أَ نْ‬
‫إِ ْذ نَادَا هُ َربّ ُه بِاْلوَادِي الْ ُمقَدّ ِ‬
‫تَزَكّى (‪َ )18‬وأَهْ ِديَكَ إِلَى َربّكَ َفَتخْشَى (‪)19‬‬

‫ح ي ناداه ر به بالوادي الطهّ ر البارك "طوى"‪ ،‬فقال له‪ :‬اذ هب إل فرعون‪ ،‬إ نه قد أفرط ف الع صيان‪،‬‬
‫فقل له‪ :‬أتودّ أن تطهّر نفسك من النقائص وتليها باليان‪ ,‬وأُرشدك إل طاعة ربك‪ ،‬فتخشاه وتتقيه؟‬

‫سعَى (‪)22‬‬
‫ب َو َعصَى (‪ )21‬ثُمّ َأ ْدبَ َر يَ ْ‬
‫َفأَرَا ُه الَي َة اْلكُبْرَى (‪َ )20‬فكَذّ َ‬

‫‪1101‬‬
‫فأرى موسى فرعو نَ العلمة العظمى‪ :‬العصا واليد‪ ,‬فكذب فرعون نبّ ال موسى عليه السلم‪ ,‬وعصى‬
‫ربه عزّ وجلّ‪ ،‬ث ولّى معرضًا عن اليان متهدًا ف معارضة موسى‪.‬‬

‫شرَ َفنَادَى (‪َ )23‬فقَالَ َأنَا َرّبكُ ْم الَعْلَى ( ‪َ )24‬فأَ َخذَهُ اللّ ُه َنكَالَ الخِ َر ِة وَالُولَى ( ‪ِ )25‬إنّ فِي ذَلِكَ‬
‫فَحَ َ‬
‫َل ِعبْ َرةً لِ َم ْن يَخْشَى ( ‪)26‬‬

‫فج مع أ هل ملك ته ونادا هم‪ ،‬فقال‪ :‬أ نا رب كم الذي ل ربّ فو قه‪ ،‬فانت قم ال م نه بالعذاب ف الدن يا‬
‫والخرة‪ ،‬وجعله عبة ونكال لمثاله من التمرد ين‪ .‬إن ف فرعون و ما نزل به من العذاب لوعظ ًة ل ن‬
‫يتعظ وينجر‪.‬‬

‫سوّاهَا ( ‪َ )28‬وأَغْطَ شَ َليَْلهَا َوأَ ْخرَ جَ ضُحَاهَا (‬ ‫َأأَْنتُ مْ َأشَدّ خَلْقا أَ مْ ال سّمَا ُء بَنَاهَا (‪ )27‬رَفَ عَ سَ ْم َكهَا فَ َ‬
‫جبَالَ أَرْ سَاهَا ( ‪َ )32‬متَاعا‬ ‫ج ِمْنهَا مَا َءهَا َو َم ْرعَاهَا ( ‪ )31‬وَالْ ِ‬
‫‪ )29‬وَالَرْ ضَ َبعْدَ ذَلِ كَ دَحَاهَا ( ‪ )30‬أَ ْخرَ َ‬
‫َلكُ ْم وَلَْنعَا ِمكُمْ ( ‪)33‬‬

‫أبَ ْعثُكم أيها الناس‪ -‬بعد الوت أشد ف تقديركم أم خلق السماء؟ رفعها فوقكم كالبناء‪ ,‬وأعلى سقفها‬
‫ف الواء ل تفاوت في ها ول فطور‪ ،‬وأظلم ليل ها بغروب ش سها‪ ,‬وأبرز نار ها بشروق ها‪ .‬والرض ب عد‬
‫خلق ال سماء ب سطها‪ ,‬وأودع في ها منافع ها‪ ،‬وفجّ ر في ها عيون الاء‪ ,‬وأن بت في ها ما يُر عى من النباتات‪,‬‬
‫وأثبت فيها البال أوتادًا لا‪ .‬خلق سبحانه كل هذه النعم منفعة لكم ولنعامكم‪( .‬إن إعادة خلقكم يوم‬
‫القيامة أهون على ال من خلق هذه الشياء‪ ،‬وكله على ال هي يسي)‪.‬‬

‫ت الْجَحِيمُ لِ َم ْن يَرَى (‪)36‬‬


‫فَإِذَا جَاءَتْ الطّا ّمةُ اْلكُبْرَى (‪َ )34‬ي ْومَ َيتَذَكّ ُر الِنسَا ُن مَا َسعَى (‪َ )35‬وبُرّزَ ْ‬

‫فإذا جاءت القيا مة ال كبى والشدة العظ مى و هي النف خة الثان ية‪ ,‬عندئذ ُيعْرَض على الن سان كل عمله‬
‫من خي وشر‪ ،‬فيتذكره ويعترف به‪ ،‬وأُظهرت جهنم لكل ُمبْصِر تُرى عِيانًا‪.‬‬

‫حيَاةَ ال ّدنْيَا (‪ )38‬فَِإ ّن الْجَحِيمَ هِ َي الْ َم ْأوَى (‪)39‬‬


‫َفَأمّا مَ ْن َطغَى (‪ )37‬وَآثَ َر الْ َ‬

‫‪1102‬‬
‫فأمّا مَن ترد على أمر ال‪ ,‬وفضل الياة الدنيا على الخرة‪ ,‬فإن مصيه إل النار‪.‬‬

‫جّن َة ِهيَ الْ َم ْأوَى (‪)41‬‬


‫ف َمقَامَ َربّهِ َوَنهَى الّن ْفسَ عَ ْن اْل َهوَى (‪ )40‬فَِإنّ الْ َ‬
‫َوَأمّا مَنْ خَا َ‬

‫وأمّا مَنْ خاف القيام بي يدي ال للحساب‪ ،‬ونى النفس عن الهواء الفاسدة‪ ,‬فإن النة هي مسكنه‪.‬‬

‫ك مُنَتهَاهَا (‪ِ )44‬إنّمَا َأنْتَ‬


‫ت مِنْ ذِكْرَاهَا (‪ )43‬إِلَى َربّ َ‬ ‫سأَلُونَكَ عَنْ السّا َعةِ َأيّا َن مُرْسَاهَا (‪ )42‬فِيمَ َأنْ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ضحَاهَا (‪)46‬‬ ‫شّيةً َأوْ ُ‬
‫مُنذِ ُر مَ ْن يَخْشَاهَا (‪َ )45‬كأَّنهُ ْم َي ْومَ َي َر ْونَهَا لَ ْم َي ْلبَثُوا إِ ّل عَ ِ‬

‫يسألك الشركون أيها الرسول‪ -‬استخفافا‪ -‬عن وقت حلول الساعة الت تتوعدهم با‪ .‬لستَ ف شيء‬
‫مِن علمها‪ ،‬بل مرد ذلك إل ال عز وجل‪ ،‬وإنا شأنك ف أمر الساعة أن تذر منها مَن يافها‪ .‬كأنم‬
‫يوم يرون قيام الساعة ل يلبثوا ف الياة الدنيا؛ لول الساعة إل ما بي الظهر إل غروب الشمس‪ ،‬أو ما‬
‫بي طلوع الشمس إل نصف النهار‪.‬‬

‫‪ -80‬سورة عبس‬

‫س َوَتوَلّى (‪َ )1‬أنْ جَا َءهُ ا َلعْمَى (‪)2‬‬


‫عََب َ‬

‫ظ هر التغ ي والعبوس ف و جه الر سول صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬وأعرض ل جل أن الع مى ع بد ال بن أم‬


‫مكتوم جاءه مسترشدا‪ ,‬وكان الرسول صلى ال عليه وسلم منشغل بدعوة كبار قريش إل السلم‪.‬‬

‫َومَا يُدْرِيكَ َلعَلّ ُه يَزّكّى (‪َ )3‬أ ْو يَذّكّرُ َفَتْن َفعَهُ الذّكْرَى (‪)4‬‬

‫وأيّ ش يء يعلك عالًا بقي قة أمره؟ لعله ب سؤاله تز كو نف سه وتط هر‪ ,‬أو ي صل له الز يد من العتبار‬
‫والزدجار‪.‬‬

‫‪1103‬‬
‫َأمّا مَنْ ا ْسَتغْنَى (‪َ )5‬فَأنْتَ لَ ُه َتصَدّى (‪َ )6‬ومَا عََليْكَ أَ ّل يَزّكّى (‪)7‬‬

‫أما مَن استغن عن هديك‪ ,‬فأنت تتعرض له وتصغي لكلمه‪ ,‬وأي شيء عليك أل يتطهر من كفره؟‬

‫سعَى (‪َ )8‬و ُه َو يَخْشَى ( ‪َ )9‬فَأنْ تَ َعنْ ُه تََلهّى ( ‪َ )10‬كلّ ِإّنهَا تَذْكِ َرةٌ ( ‪َ )11‬فمَ ْن شَاءَ‬ ‫َوَأمّا مَ نْ جَاءَ َك يَ ْ‬
‫ف ُمكَ ّر َمةٍ (‪َ )13‬مرْفُو َع ٍة مُ َطهّ َرةٍ (‪ِ )14‬بأَيْدِي َسفَ َرةٍ (‪ )15‬كِرَامٍ بَرَ َرةٍ (‪)16‬‬
‫صحُ ٍ‬‫ذَ َك َرهُ (‪ )12‬فِي ُ‬

‫وأمّا من كان حريصا على لقائك‪ ,‬وهو يشى ال من التقصي ف السترشاد‪ ,‬فأنت عنه تتشاغل‪ .‬ليس‬
‫المر كما فعلت أيها الرسول‪ ,‬إن هذه السورة موعظة لك ولكل من شاء التعاظ‪ .‬فمن شاء ذكر ال‬
‫َوأْتَمّ بوحيه‪ .‬هذا الوحي‪ ,‬وهو القرآن ف صحف معظمة‪ ,‬موقرة‪ ,‬عالية القدر مطهرة من الدنس والزيادة‬
‫والنقص‪ ,‬بأيدي ملئكة كتبة‪ ,‬سفراء بي ال وخلقه‪ ,‬كرام اللق‪ ,‬أخلقهم وأفعالم بارة طاهرة‪.‬‬

‫سبِي َل يَسّ َرهُ (‬


‫ُقتِ َل الِنْسَانُ مَا أَ ْكفَرَهُ (‪ )17‬مِنْ أَيّ َشيْءٍ خََلقَهُ (‪ )18‬مِ ْن نُ ْط َفةٍ َخَلقَهُ َفقَدّرَهُ ( ‪ )19‬ثُمّ ال ّ‬
‫‪ )20‬ثُمّ َأمَاتَهُ َفأَ ْقبَ َرهُ (‪ )21‬ثُمّ إِذَا شَاءَ َأنْشَ َرهُ (‪َ )22‬كلّ لَمّا َي ْقضِ مَا َأمَ َرهُ (‪)23‬‬

‫ُلعِ َن النسان الكافر وعُذّب‪ ,‬ما أشدّ كفره بربه!! أل ير مِن أيّ شيء خلقه ال أول مرة؟ خلقه ال من‬
‫ماء قليل‪ -‬وهو ا َلنِيّ‪ -‬فقدّره أطوارا‪ ,‬ث بي له طريق الي والشر‪ ,‬ث أماته فجعل له مكانًا يُقب فيه‪ ,‬ث‬
‫إذا شاء سبحانه أحياه‪ ,‬وبعثه بعد موته للحساب والزاء‪ .‬ليس المر كما يقول الكافر ويفعل‪ ,‬فلم ُيؤَدّ‬
‫ما أمره ال به من اليان والعمل بطاعته‪.‬‬

‫صبّا ( ‪ )25‬ثُمّ َش َققْنَا الَرْ ضَ َشقّا ( ‪َ )26‬فَأْنبَْتنَا فِيهَا‬


‫صَببْنَا الْمَاءَ َ‬
‫فَ ْلَينْظُ ْر الِن سَانُ إِلَى َطعَامِ هِ (‪َ )24‬أنّا َ‬
‫خلً ( ‪ )29‬وَحَدَائِ َق غُلْبا ( ‪ )30‬وَفَا ِك َهةً َوَأبّا ( ‪َ )31‬متَاعا‬ ‫َحبّا (‪َ )27‬وعِنَبا وََقضْبا ( ‪ )28‬وَ َزْيتُونا َونَ ْ‬
‫َلكُ ْم وَلَْنعَا ِمكُمْ ( ‪)32‬‬

‫صبّا‪ ,‬ث شققناها‬


‫فليتدبر النسان‪ :‬كيف خلق ال طعامه الذي هو قوام حياته؟ أنّا صببنا الاء على الرض َ‬
‫با أخرجنا منها من نبات شت‪ ,‬فأنبتنا فيها حبًا‪ ,‬وعنبًا وعلفًا للدواب‪ ,‬وزيتونًا ونل وحدائق عظيمة‬
‫الشجار‪ ,‬وثارًا وكل تَْنعَمون با أنتم وأنعامكم‪.‬‬

‫‪1104‬‬
‫فَإِذَا جَاءَتْ الصّا ّخةُ (‪َ )33‬يوْمَ َيفِ ّر الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ( ‪َ )34‬وُأمّهِ َوَأبِيهِ (‪ )35‬وَصَا ِحَبتِهِ َوبَنِيهِ (‪ِ )36‬لكُلّ‬
‫ئ ِمنْهُ ْم َي ْو َمئِ ٍذ َشأْ ٌن ُيغْنِيهِ (‪)37‬‬
‫امْرِ ٍ‬

‫فإذا جاءت صيحة يوم القيامة الت تص ّم مِن هولا الساع‪ ,‬يوم يفرّ الرء لول ذلك اليوم من أخيه‪ ,‬وأمه‬
‫وأبيه‪ ,‬وزوجه وبنيه‪ .‬لكل واحد منهم يومئذٍ أمر يشغله وينعه من النشغال بغيه‪.‬‬

‫ستَبْشِ َرةٌ ( ‪َ )39‬ووُجُو ٌه َي ْومَئِ ٍذ عََلْيهَا َغبَ َرةٌ ( ‪ )40‬تَ ْر َه ُقهَا َقتَ َرةٌ (‬
‫سفِ َرةٌ (‪ )38‬ضَا ِح َك ٌة مُ ْ‬ ‫وُجُو هٌ َي ْو َمئِ ٍذ مُ ْ‬
‫ك هُ ْم اْلكَفَ َر ُة اْلفَجَ َرةُ (‪)42‬‬
‫‪ُ )41‬أوْلَئِ َ‬

‫وجوه أهل النعيم ف ذلك اليوم مستنية‪ ،‬مسرورة فرحة‪ ,‬ووجوه أهل الحيم مظلمة مسودّة‪ ,‬تغشاها‬
‫ذلّة‪ .‬أولئك الوصهوفون بذا الوصهف ههم الذيهن كفروا بنعهم ال وكذّبوا بآياتهه‪ ,‬وترؤوا على مارمهه‬
‫بالفجور والطغيان‪.‬‬

‫‪ -81‬سورة التكوير‬

‫جبَالُ ُسيّرَتْ ( ‪َ )3‬وإِذَا اْلعِشَا ُر عُطّلَ تْ ( ‪)4‬‬ ‫إِذَا الشّمْ سُ ُكوّرَ تْ (‪َ )1‬وإِذَا النّجُو مُ انكَدَرَ تْ ( ‪َ )2‬وإِذَا الْ ِ‬
‫َوإِذَا اْلوُحُو شُ حُشِرَ تْ (‪َ )5‬وإِذَا الْبِحَارُ سُجّرَتْ ( ‪َ )6‬وإِذَا النّفُو سُ ُزوّجَ تْ ( ‪َ )7‬وإِذَا الْ َموْءُو َدةُ ُسئَِلتْ (‬
‫شرَتْ ( ‪َ )10‬وإِذَا السّمَاءُ كُشِطَتْ ( ‪َ )11‬وإِذَا الْجَحِيمُ ُسعّرَتْ‬ ‫ف نُ ِ‬
‫‪ِ )8‬بأَيّ َذنْبٍ ُقتِلَتْ (‪َ )9‬وإِذَا الصّحُ ُ‬
‫ت َن ْفسٌ مَا أَ ْحضَرَتْ (‪)14‬‬ ‫جّنةُ أُزِْل َفتْ (‪ )13‬عَلِ َم ْ‬
‫(‪َ )12‬وإِذَا الْ َ‬

‫ضوْءُها‪ ,‬وإذا النجوم تناثرت‪ ,‬فذهب نورها‪ ,‬وإذا البال سيّرت عن وجه‬ ‫إذا الشمس ُلفّت وذهب َ‬
‫الرض فصارت هبا ًء منبثًا‪ ,‬وإذا النوق الوامل تُركت وأهلت‪ ,‬وإذا اليوانات الوحشية جُمعت‬
‫واختلطت؛ ليقتصّ ال من بعضها لبعض‪ ,‬وإذا البحار أوقدت‪ ،‬فصارت على عِظَمها نارًا تتوقد‪ ,‬وإذا‬
‫النفوس قُرنت بأمثالا ونظائرها‪ ,‬وإذا الطفلة الدفونة حية سُئلت يوم القيامة سؤالَ تطييب لا وتبكيت‬
‫لوائدها ‪ :‬بأيّ ذنب كان دفنها؟ وإذا صحف العمال عُرضت‪ ,‬وإذا السماء قُلعت وأزيلت من مكانا‪,‬‬

‫‪1105‬‬
‫وإذا النار أوقدت فأضرِمت‪ ,‬وإذا النة دار النعيم قُرّبت من أهلها التقي‪ ,‬إذا وقع ذلك‪ ,‬تيقنتْ ووجدتْ‬
‫ك ّل نفس ما قدّمت من خي أو شر‪.‬‬

‫صبْحِ إِذَا َتنَ ّفسَ (‪ِ )18‬إنّهُ‬


‫س َعسَ (‪ )17‬وَال ّ‬‫جوَارِي الْ ُكّنسِ (‪ )16‬وَالّليْلِ إِذَا عَ ْ‬ ‫خّنسِ (‪ )15‬الْ َ‬‫فَل أُقْسِ ُم بِالْ ُ‬
‫ع ثَمّ َأمِيٍ (‪)21‬‬
‫ش َمكِيٍ (‪ )20‬مُطَا ٍ‬ ‫َل َقوْلُ َرسُولٍ كَ ِريٍ ( ‪ )19‬ذِي ُق ّو ٍة ِعنْدَ ذِي اْلعَ ْر ِ‬

‫أقسم ال تعال بالنجوم الختفية أنوارها نارًا‪ ,‬الارية والستترة ف أبراجها‪ ,‬والليل إذا أقبل بظلمه‪,‬‬
‫والصبح إذا ظهر ضياؤه‪ ,‬إن القرآن لَتبليغ رسول كري‪ -‬هو جبيل عليه السلم‪ ,-‬ذِي قوة ف تنفيذ ما‬
‫يؤمر به‪ ,‬صاحبِ مكانة رفيعة عند ال‪ ,‬تطيعه اللئكة‪ ,‬مؤتن على الوحي الذي ينل به‪.‬‬

‫ضنِيٍ ( ‪َ )24‬ومَا ُهوَ‬


‫جنُونٍ (‪ )22‬وََلقَدْ رَآ ُه بِالُفُ ِق الْ ُمبِيِ ( ‪َ )23‬ومَا هُ َو عَلَى الْ َغيْبِ ِب َ‬
‫َومَا صَا ِحُبكُ ْم بِمَ ْ‬
‫ِبقَوْ ِل َشيْطَانٍ رَجِيمٍ (‪)25‬‬

‫وما ممد الذي تعرفونه بجنون‪ ,‬ولقد رأى ممد جبيل الذي يأتيه بالرسالة ف الفق العظيم‪ ,‬وما هو‬
‫ببخيل ف تبليغ الوحي‪ .‬وما هذا القرآن بقول شيطان رجيم‪ ,‬مطرود من رحة ال‪ ,‬ولكنه كلم ال‬
‫ووحيه‪.‬‬

‫َفَأيْ نَ تَ ْذ َهبُو نَ (‪ )26‬إِ ْن ُهوَ إِلّ ذِ ْكرٌ لِ ْلعَالَ ِميَ ( ‪ِ )27‬لمَ ْن شَا َء ِمنْكُ مْ أَ نْ يَ سَْتقِيمَ ( ‪َ )28‬ومَا تَشَاءُو نَ إِلّ‬
‫ب اْلعَالَمِيَ (‪)29‬‬‫أَ ْن يَشَاءَ اللّهُ رَ ّ‬

‫فأين تذهب بكم عقولكم ف التكذيب بالقرآن بعد هذه الجج القاطعة؟ ما هو إل موعظة من ال‬
‫لميع الناس‪ ,‬لن شاء منكم أن يستقيم على الق واليان‪ ,‬وما تشاؤون الستقامة‪ ,‬ول تقدرون على‬
‫ذلك‪ ,‬إل بشيئة ال رب اللئق أجعي‪.‬‬

‫‪ -82‬سورة النفطار‬

‫‪1106‬‬
‫إِذَا ال سّمَا ُء انفَطَرَ تْ (‪َ )1‬وإِذَا اْلكَوَاكِ بُ انَتثَرَ تْ (‪َ )2‬وإِذَا الْبِحَارُ فُجّرَ تْ (‪َ )3‬وإِذَا اْلقُبُو ُر ُب ْعثِرَ تْ (‪)4‬‬
‫ت َوأَخّرَتْ (‪)5‬‬ ‫ت َن ْفسٌ مَا َق ّدمَ ْ‬
‫عَلِ َم ْ‬

‫إذا ال سماء انش قت‪ ,‬واختلّ نظام ها‪ ,‬وإذا الكوا كب ت ساقطت‪ ,‬وإذا البحار فجّ ر ال بعض ها ف ب عض‪،‬‬
‫فذهب ماؤها‪ ,‬وإذا القبور قُلِبت ببعث مَن كان فيها‪ ,‬حينئذ تعلم ك ّل نفس جيع أعمالا‪ ,‬ما تقدّم منها‪,‬‬
‫وما تأخر‪ ,‬وجوزيت با‪.‬‬

‫سوّاكَ َف َعدَلَ كَ (‪ )7‬فِي أَيّ صُو َر ٍة مَا شَاءَ‬


‫يَا َأيّهَا الِن سَانُ مَا غَرّ َك بِ َربّ كَ اْلكَرِيِ (‪ )6‬الّذِي َخَلقَ كَ فَ َ‬
‫رَ ّكبَكَ (‪)8‬‬

‫يا أي ها الن سان الن كر للب عث‪ ,‬ما الذي جعلك تغتَرّ بر بك الواد كث ي ال ي الق يق بالش كر والطا عة‪,‬‬
‫ي صورة شاءها خلقك؟‬ ‫أليس هو الذي خلقك فسوّى خلقك فعَدَلك‪ ,‬وركّبك لداء وظائفك‪ ,‬ف أ ّ‬

‫َكلّ بَ ْل ُتكَ ّذبُونَ بِالدّينِ (‪َ )9‬وِإنّ عََلْيكُمْ َلحَافِظِيَ (‪ِ )10‬كرَاما كَاِتبِيَ (‪َ )11‬يعْلَمُو َن مَا َتفْعَلُونَ (‪)12‬‬

‫ليس المر كما تقولون من أنكم ف عبادتكم غي ال مُحِقون‪ ,‬بل تكذّبون بيوم الساب والزاء‪ .‬وإن‬
‫عليكم للئكة رقباء كراما على ال كاتبي لا وُكّلوا بإحصائه‪ ,‬ل يفوتم من أعمالكم وأسراركم شيء‪,‬‬
‫يعلمون ما تفعلون من خي أو شر‪.‬‬

‫ِإنّ ا َلبْرَارَ َلفِي َنعِيمٍ (‪)13‬‬

‫إن التقياء القائمي بقوق ال وحقوق عباده لفي نعيم‪.‬‬

‫َوإِ ّن اْلفُجّارَ َلفِي جَحِيمٍ (‪َ )14‬يصَْل ْوَنهَا َيوْمَ الدّينِ (‪َ )15‬ومَا هُمْ عَْنهَا ِبغَاِئبِيَ (‪)16‬‬

‫وإن الفُجّار الذين قَصّروا ف حقوق ال وحقوق عباده لفي جحيم‪ ,‬يصيبهم لبها يوم الزاء‪ ,‬وما هم عن‬
‫عذاب جهنم بغائبي ل بروج ول بوت‪.‬‬

‫‪1107‬‬
‫س َشيْئا وَالَمْرُ‬
‫ك َنفْ سٌ ِلَنفْ ٍ‬
‫َومَا أَ ْدرَاكَ مَا َيوْمُ الدّي نِ (‪ )17‬ثُمّ مَا أَدْرَا َك مَا َيوْمُ الدّي نِ ( ‪َ )18‬يوْمَ ل تَمْلِ ُ‬
‫َيوْ َمئِذٍ لِلّهِ (‪)19‬‬

‫وما أدراك ما عظمة يوم الساب‪ ,‬ث ما أدراك ما عظم ُة يوم الساب؟ يوم الساب ل يقدر أحد على‬
‫نفع أحد‪ ,‬والمر ف ذلك اليوم ل وحده الذي ل يغلبه غالب‪ ,‬ول يقهره قاهر‪ ,‬ول ينازعه أحد‪.‬‬

‫‪ -83‬سورة الطففي‬

‫سرُونَ ( ‪)3‬‬
‫س يَ سَْتوْفُونَ ( ‪َ )2‬وإِذَا كَالُوهُ مْ َأوْ وَ َزنُوهُ ْم يُخْ ِ‬
‫َويْلٌ لِلْمُ َط ّففِيَ (‪ )1‬الّذِي نَ إِذَا ا ْكتَالُوا عَلَى النّا ِ‬
‫أَل يَ ُظنّ أُولَئِكَ َأّنهُمْ مَْبعُوثُونَ (‪ِ )4‬لَي ْومٍ عَظِيمٍ (‪َ )5‬ي ْو َم َيقُو ُم النّاسُ لِرَبّ الْعَالَ ِميَ (‪)6‬‬

‫عذابه شديهد للذيهن يبخسهون الكيال واليزان‪ ,‬الذيهن إذا اشتروا مهن الناس مكيل أو موزونًا يوفون‬
‫ٌ‬
‫لنفسههم‪ ,‬وإذا باعوا الناس مكيل أو موزونًا ُينْقصهون فه الكيال واليزان‪ ,‬فكيهف بال مهن يسهرقهما‬
‫ويتل سهما‪ ,‬ويب خس الناس أشياء هم؟ إ نه أول بالوع يد من مطف في الكيال واليزان‪ .‬أل يعت قد أولئك‬
‫الطففون أن ال تعال باعثهم وماسبهم على أعمالم ف يوم عظيم الول؟ يوم يقوم الناس بي يدي ال‪,‬‬
‫فيحاسبهم على القليل والكثي‪ ,‬وهم فيه خاضعون ل رب العالي‪.‬‬

‫َكلّ ِإنّ ِكتَابَ الفُجّارِ َلفِي سِجّيٍ (‪َ )7‬ومَا أَدْرَاكَ مَا سِجّيٌ (‪ِ )8‬كتَابٌ َمرْقُومٌ (‪)9‬‬

‫حقا إن مصي الفُجّار ومأواهم لفي ضيق‪ ,‬وما أدراك ما هذا الضيق؟ إنه سجن مقيم وعذاب أليم‪ ،‬وهو‬
‫ما كتب لم الصي إليه‪ ،‬مكتوب مفروغ منه‪ ،‬ل يزاد فيه ول يُنقص‪.‬‬

‫ب بِ هِ إِلّ كُ ّل ُمعْتَدٍ َأثِي مٍ ( ‪)12‬‬ ‫َويْ ٌل َيوْ َمئِذٍ لِ ْل ُمكَ ّذبِيَ (‪ )10‬الّذِي َن يُكَ ّذبُو َن ِبيَوْ مِ الدّي نِ ( ‪َ )11‬ومَا يُكَذّ ُ‬
‫سبُونَ ( ‪َ )14‬كلّ‬ ‫ل بَلْ رَا َن عَلَى قُلُوِبهِ ْم مَا كَانُوا يَكْ ِ‬
‫إِذَا تُتْلَى عََليْ هِ آيَاُتنَا قَالَ أَ سَاطِ ُي ا َلوّلِيَ (‪َ )13‬ك ّ‬
‫جحِي مِ ( ‪ )16‬ثُمّ ُيقَا ُل هَذَا الّذِي كُنتُ ْم بِ هِ‬ ‫حجُوبُو نَ ( ‪ )15‬ثُمّ ِإّنهُ مْ لَ صَالُوا الْ َ‬ ‫ِإنّهُ ْم عَ نْ َرّبهِ ْم َي ْومَئِذٍ َلمَ ْ‬
‫تُكَ ّذبُونَ (‪)17‬‬

‫‪1108‬‬
‫عذاب شديد يومئذ للمكذبي‪ ،‬الذين يكذبون بوقوع يوم الزاء‪ ,‬وما يكذّب به إل كل ظال كثي الث‪,‬‬
‫إذا تتلى عليه آيات القرآن قال‪ :‬هذه أباطيل الولي‪ .‬ليس المر كما زعموا‪ ,‬بل هو كلم ال ووحيه إل‬
‫نبيه‪ ,‬وإنا حجب قلوبم عن التصديق به ما غشاها من كثرة ما يرتكبون من الذنوب‪ .‬ليس المر كما‬
‫زعم الكفار‪ ,‬بل إنم يوم القيامة عن رؤية ربم‪ -‬جل وعل‪ -‬لحجوبون‪( ،‬وف هذه الية دللة على‬
‫رؤية الؤمني ربّهم ف النة ) ث إنم لداخلو النار يقاسون حرها‪ ,‬ث يقال لم‪ :‬هذا الزاء الذي كنتم به‬
‫تكذبون‪.‬‬

‫شهَدُ هُ‬
‫ب مَرْقُو مٌ ( ‪ )20‬يَ ْ‬
‫َكلّ إِنّ ِكتَا بَ ا َلبْرَارِ لَفِي عِّليّيَ (‪ )18‬وَمَا أَدْرَا َك مَا عِّليّو نَ ( ‪ِ )19‬كتَا ٌ‬
‫الْ ُمقَ ّربُونَ (‪)21‬‬

‫حقا إن كتاب البرار ‪-‬وهم التقون‪ -‬لفي الراتب العالية ف النة‪ .‬وما أدراك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ما هذه‬
‫الراتب العالية؟ كتاب البرار مكتوب مفروغ منه‪ ,‬ل يزاد فيه ول يُنقص‪ ،‬يَطّلِع عليه القربون من ملئكة‬
‫كل ساء‪.‬‬

‫س َق ْونَ‬
‫ك يَنظُرُونَ (‪َ )23‬تعْرِفُ فِي وُجُو ِههِمْ َنضْ َر َة النّعِيمِ (‪ )24‬يُ ْ‬ ‫ِإنّ الَبْرَارَ َلفِي َنعِيمٍ (‪ )22‬عَلَى الَرَائِ ِ‬
‫سنِيمٍ ( ‪)27‬‬ ‫ك وَفِي ذَلِ كَ فَ ْلَيَتنَافَ سْ الْ ُمتَنَافِ سُونَ ( ‪َ )26‬ومِزَاجُ ُه مِ ْن تَ ْ‬
‫ختُو مٍ (‪ِ )25‬ختَامُ هُ مِ سْ ٌ‬ ‫مِ نْ رَحِي ٍق َم ْ‬
‫ب ِبهَا الْ ُمقَ ّربُونَ (‪)28‬‬
‫عَيْنا يَشْرَ ُ‬

‫إن أهل الصدق والطاعة لفي النة يتنعمون‪ ,‬على السرّة ينظرون إل ربم‪ ,‬وإل ما أعدّ لم من خيات‪،‬‬
‫ترى ف وجوههم بجة النعيم‪ ,‬يُسْقَون من خر صافية مكم إناؤها‪ ,‬آخره رائحة مسك‪ ,‬وف ذلك النعيم‬
‫القيم فليتسابق التسابقون‪ .‬وهذا الشراب مزاجه وخلطه من عي ف النة ُتعْرَف لعلوها به "تسنيم"‪,‬‬
‫عي أعدت ; ليشرب منها القربون‪ ,‬ويتلذذوا با‪.‬‬

‫حكُونَ (‪َ )29‬وإِذَا مَرّوا ِبهِ ْم َيتَغَامَزُونَ (‪َ )30‬وإِذَا انقََلبُوا إِلَى‬
‫ِإنّ الّذِينَ أَ ْج َرمُوا كَانُوا مِ ْن الّذِينَ آ َمنُوا يَضْ َ‬
‫َأهِْلهِمْ انقََلبُوا َف ِكهِيَ (‪َ )31‬وإِذَا َرَأ ْوهُمْ قَالُوا ِإنّ َهؤُلءِ َلضَالّونَ ( ‪َ )32‬ومَا أُرْسِلُوا عََلْيهِمْ حَافِ ِظيَ (‪)33‬‬
‫حكُونَ (‪)34‬‬ ‫فَاْلَيوْ َم الّذِينَ آ َمنُوا مِ ْن الْ ُكفّا ِر َيضْ َ‬

‫‪1109‬‬
‫إن الذين أجرموا كانوا ف الدنيا يستهزئون بالؤمني‪ ,‬وإذا مروا بم يتغامزون سخرية بم‪ ,‬وإذا رجع‬
‫الذين أجرموا إل أهلهم وذويهم تفكهوا معهم بالسخرية من الؤمني‪ .‬وإذا رأى هؤلء الكفار أصحاب‬
‫ممد صلى ال عليه وسلم‪ ,‬وقد اتبعوا الدى قالوا‪ :‬إن هؤلء لتائهون ف اتباعهم ممدًا صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ,‬وما بُعث هؤلء الجرمون رقباء على أصحاب ممد صلى ال عليه وسلم‪ .‬فيوم القيامة يسخر‬
‫الذين صدقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه من الكفار‪ ,‬كما سخر الكافرون منهم ف الدنيا‪.‬‬

‫عَلَى الَرَائِكِ يَن ُظرُونَ (‪ )35‬هَ ْل ُثوّبَ اْل ُكفّارُ مَا كَانُوا يَ ْفعَلُونَ (‪)36‬‬

‫على الجالس الفاخرة ين ظر الؤمنون إل ما أعطا هم ال من الكرا مة والنع يم ف ال نة‪ ,‬و من أع ظم ذلك‬
‫النظر إل وجه ال الكري‪ .‬هل جوزي الكفار ‪ -‬إذ فُعل بم ذلك‪ -‬جزاءً وفاق ما كانوا يفعلونه ف الدنيا‬
‫من الشرور والثام؟‬

‫‪ -84‬سورة النشقاق‬

‫شقّتْ (‪َ )1‬وأَ ِذنَتْ ِل َرّبهَا وَ ُحقّتْ (‪َ )2‬وإِذَا الَرْضُ مُدّتْ ( ‪َ )3‬وأَْلقَتْ مَا فِيهَا َوتَخَلّتْ ( ‪)4‬‬ ‫إِذَا السّمَاءُ ان َ‬
‫َوأَ ِذَنتْ ِل َرّبهَا وَ ُح ّقتْ (‪)5‬‬

‫إذا السماء تصدّعت‪ ,‬وتفطّرت بالغمام يوم القيامة‪ ,‬وأطاعت أمر ربا فيما أمرها به من النشقاق‪ ,‬وحُقّ‬
‫لا أن تنقاد لمره‪ .‬وإذا الرض بُسطت َووُسّعت‪ ,‬ودكت جبالا ف ذلك اليوم‪ ,‬وقذفت ما ف بطنها من‬
‫ت عنهم‪ ,‬وانقادت لربا فيما أمرها به‪ ,‬وحُ ّق لا أن تنقاد لمره‪.‬‬
‫الموات‪ ,‬وتّل ْ‬

‫يَا َأيّهَا الِنسَانُ ِإنّكَ كَادِحٌ إِلَى َربّكَ كَدْحا َفمُلقِيهِ (‪)6‬‬

‫يا أيها النسان إنك ساعٍ إل ال‪ ,‬وعامل أعمال من خي أو شر‪ ,‬ث تلقي ال يوم القيامة‪ ,‬فيجازيك‬
‫بعملك بفضله أو عدله‪.‬‬

‫‪1110‬‬
‫سرُورا (‪)9‬‬
‫ف يُحَا َسبُ حِسَابا يَسِيا (‪َ )8‬ويَنقَِلبُ إِلَى أَهْلِ ِه مَ ْ‬
‫سوْ َ‬
‫َفَأمّا مَنْ أُوِتيَ ِكتَابَ ُه بِيَمِينِهِ (‪ )7‬فَ َ‬

‫فأما من أعطي صحيفة أعماله بيمينه‪ ,‬وهو مؤمن بربه‪ ,‬فسوف ياسب حسابًا سهل ويرجع إل أهله ف‬
‫النة مسرورًا‪.‬‬

‫ف يَ ْدعُو ُثبُورا ( ‪َ )11‬ويَ صْلَى َسعِيا ( ‪ِ )12‬إنّ هُ كَا نَ فِي‬ ‫سوْ َ‬


‫َوَأمّا مَ نْ أُوتِ يَ ِكتَابَ ُه وَرَاءَ َظهْرِ هِ (‪ )10‬فَ َ‬
‫َأهْلِهِ مَسْرُورا (‪ِ )13‬إنّ ُه ظَنّ أَنْ لَ ْن يَحُورَ (‪ )14‬بَلَى إِنّ َربّهُ كَانَ بِ ِه َبصِيا (‪)15‬‬

‫وأمّا مَن أُعطي صحيفة أعماله من وراء ظهره‪ ,‬وهو الكافر بال‪ ,‬فسوف يدعو باللك والثبور‪ ,‬ويدخل‬
‫النار مقاسيًا حرها‪ .‬إنه كان ف أهله ف الدنيا مسرورًا مغرورًا‪ ,‬ل يفكر ف العواقب‪ ,‬إنه ظنّ أن لن يرجع‬
‫إل خال قه ح يا للح ساب‪ .‬بلى سيعيده ال ك ما بدأه وياز يه على أعماله‪ ,‬إن ر به كان به ب صيًا عليمًا‬
‫باله من يوم خلقه إل أن بعثه‪.‬‬

‫شفَقِ (‪ )16‬وَالّليْلِ َومَا َوسَقَ (‪ )17‬وَاْلقَمَرِ ِإذَا اتّسَقَ (‪َ )18‬لتَرْ َكبُ ّن طَبَقا عَ ْن طَبَقٍ (‪)19‬‬
‫فَل أُقْسِ ُم بِال ّ‬

‫أقسم ال تعال باحرار الفق عند الغروب‪ ,‬وبالليل وما جع من الدواب والشرات والوام وغي ذلك‪,‬‬
‫وبالقمر إذا تكامل نوره‪ ،‬لتركبُنّ‪ -‬أيها الناس‪ -‬أطوارا متعددة وأحوال متباينة‪ :‬من النطفة إل العلقة إل‬
‫الض غة إل ن فخ الروح إل الوت إل الب عث والنشور‪ .‬ول يوز للمخلوق أن يق سم بغ ي ال‪ ,‬ولو ف عل‬
‫ذلك لشرك‪.‬‬

‫جدُونَ ( ‪ )21‬بَ ْل الّذِينَ َكفَرُوا ُيكَ ّذبُونَ ( ‪)22‬‬ ‫ئ عََلْيهِ ْم اْلقُرْآ ُن ل يَسْ ُ‬
‫فَمَا َلهُ ْم ل ُي ْؤ ِمنُونَ (‪َ )20‬وإِذَا ُقرِ َ‬
‫وَاللّ هُ أَعَْل ُم بِمَا يُوعُو نَ (‪َ )23‬فبَشّ ْرهُ ْم ِبعَذَا بٍ أَلِي مٍ ( ‪ )24‬إِلّ الّذِي نَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ َلهُ مْ أَجْرٌ‬
‫غَيْرُ مَ ْمنُونٍ (‪)25‬‬

‫فأيّ ش يء ينع هم من اليان بال واليوم ال خر ب عد ما وُضّ حت ل م اليات؟ و ما ل م إذا قرئ علي هم‬
‫القرآن ل يسجدون ل‪ ,‬ول يسلّمُون با جاء فيه؟ إنا سجية الذين كفروا التكذيب ومالفة الق‪ .‬وال‬
‫أعلم با يكتمون ف صدورهم من العناد مع علمهم بأن ما جاء به القرآن حق‪ ,‬فبشرهم ‪-‬أيها الرسول‪-‬‬
‫بأن ال‪ -‬عز وجل‪ -‬قد أع ّد لم عذابًا موجعًا‪ ,‬لكن الذين آمنوا بال ورسوله وأدّوا ما فرضه ال عليهم‪,‬‬
‫‪1111‬‬
‫لم أجر ف الخرة غي مقطوع ول منقوص‪.‬‬

‫‪ -85‬سورة البوج‬

‫ب الُخْدُودِ (‪ )4‬النّا ِر‬ ‫صحَا ُ‬


‫شهُودٍ (‪ُ )3‬قتِلَ أَ ْ‬ ‫ت الْبُرُو جِ (‪ )1‬وَاْلَيوْ مِ الْ َم ْوعُودِ (‪َ )2‬وشَاهِ ٍد َومَ ْ‬
‫وَال سّمَاءِ ذَا ِ‬
‫ت اْلوَقُودِ (‪ )5‬إِ ْذ هُ ْم عََلْيهَا ُقعُودٌ (‪َ )6‬وهُ ْم عَلَى مَا َيفْعَلُو َن بِالْ ُم ْؤمِنِيَ ُشهُودٌ (‪َ )7‬ومَا نَقَمُوا ِمْنهُ مْ إِلّ‬ ‫ذَا ِ‬
‫ت وَالَ ْرضِ وَاللّ ُه عَلَى كُ ّل َشيْءٍ َشهِيدٌ (‪)9‬‬ ‫أَ ْن ُي ْؤمِنُوا بِاللّ ِه الْعَزِي ِز الْحَمِيدِ (‪ )8‬الّذِي لَ ُه مُلْكُ السّ َموَا ِ‬

‫أقسم ال تعال بالسماء ذات النازل الت تر با الشمس والقمر‪ ,‬وبيوم القيامة الذي وعد ال اللق أن‬
‫يمعهم فيه‪ ,‬وشاهد يشهد‪ ,‬ومشهود يشهد عليه‪ .‬ويقسم ال‪ -‬سبحانه‪ -‬با يشاء من ملوقاته‪ ,‬أما‬
‫الخلوق فل يوز له أن يقسم بغي ال‪ ,‬فإن القسم بغي ال شرك‪ .‬لُعن الذين َشقّوا ف الرض شقًا‬
‫عظيمًا؛ لتعذيب الؤمني‪ ,‬وأوقدوا النار الشديدة ذات الوَقود‪ ,‬إذ هم قعود على الخدود ملزمون له‪,‬‬
‫وهم على ما يفعلون بالؤمني من تنكيل وتعذيب حضورٌ‪ .‬وما أخذوهم بثل هذا العقاب الشديد إل أن‬
‫كانوا مؤمني بال العزيز الذي ل يغالَب‪ ,‬الميد ف أقواله وأفعاله وأوصافه‪ ,‬الذي له ملك السموات‬
‫والرض‪ ,‬وهو‪ -‬سبحانه‪ -‬على كل شيء شهيد‪ ,‬ل يفى عليه شيء‪.‬‬

‫حرِيقِ (‪)10‬‬
‫ي وَالْ ُم ْؤ ِمنَاتِ ثُمّ لَ ْم َيتُوبُوا َفَلهُ ْم عَذَابُ َج َهنّ َم وََلهُ ْم عَذَابُ الْ َ‬
‫ِإنّ الّذِينَ َفَتنُوا الْ ُم ْؤمِنِ َ‬

‫إن الذين حرقوا الؤمني والؤمنات بالنار؛ ليصرفوهم عن دين ال‪ ,‬ث ل يتوبوا‪ ,‬فلهم ف الخرة عذاب‬
‫جهنم‪ ,‬ولم العذاب الشديد الحرق‪.‬‬

‫ك اْل َفوْ ُز الْ َكبِيُ (‪)11‬‬


‫حِتهَا ا َلْنهَارُ ذَلِ َ‬
‫ت تَجْرِي مِنْ تَ ْ‬
‫ِإنّ الّذِينَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا الصّالِحَاتِ َلهُمْ َجنّا ٌ‬

‫إن الذين صدّقوا ال ورسوله وعملوا العمال الصالات‪ ,‬لم جنات تري من تت قصورها النار‪,‬‬
‫ذلك الفوز العظيم‪.‬‬

‫‪1112‬‬
‫ش الْمَجِيدُ (‬
‫ئ َوُيعِيدُ ( ‪َ )13‬و ُه َو الْ َغفُو ُر اْلوَدُودُ ( ‪ )14‬ذُو اْلعَرْ ِ‬
‫ِإنّ بَطْشَ َربّكَ لَشَدِيدٌ (‪ِ )12‬إنّ ُه ُهوَ ُيبْدِ ُ‬
‫‪َ )15‬فعّالٌ لِمَا ُيرِيدُ (‪)16‬‬

‫إن انتقام ربك من أعدائه وعذابه لم لَعظيم شديد‪ ,‬إنه هو يُبدئ اللق ث يعيده‪ ,‬وهو الغفور لن تاب‪,‬‬
‫كثي الودة والحبة لوليائه‪ ,‬صاحب العرشِ الجيدُ الذي بلغ النتهى ف الفضل والكرم‪َ ,‬فعّال لا يريد‪ ,‬ل‬
‫يتنع عليه شيء يريده‪.‬‬

‫جنُودِ (‪ )17‬فِ ْر َعوْ َن َوثَمُودَ ( ‪ )18‬بَ ْل الّذِي نَ َكفَرُوا فِي َتكْذِي بٍ ( ‪ )19‬وَاللّ ُه مِ نْ‬ ‫ث الْ ُ‬
‫هَلْ َأتَا كَ حَدِي ُ‬
‫حفُوظٍ (‪)22‬‬ ‫ح َم ْ‬ ‫وَرَائِهِ ْم ُمحِيطٌ (‪ )20‬بَ ْل ُهوَ قُرْآ ٌن مَجِيدٌ (‪ )21‬فِي َلوْ ٍ‬

‫هل بلغك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬خب الموع الكافرة الكذبة لنبيائها‪ ,‬فرعون وثود‪ ,‬وما حلّ بم من العذاب‬
‫والنكال‪ ,‬ل يعتب القوم بذلك‪ ,‬بل الذين كفروا ف تكذيب متواصل كدأب مَن قبلهم‪ ,‬وال قد أحاط‬
‫بم علما وقدرة‪ ,‬ل يفى عليه منهم ومن أعمالم شيء‪ .‬وليس القرآن كما زعم الكذبون الشركون‬
‫بأنه شعر وسحر‪ ,‬فكذّبوا به‪ ,‬بل هو قرآن عظيم كري‪ ,‬ف لوح مفوظ‪ ,‬ل يناله تبديل ول تريف‪.‬‬

‫‪ -86‬سورة الطارق‬

‫ج ُم الثّاقِبُ (‪ِ )3‬إنْ كُ ّل َن ْفسٍ لَمّا عََلْيهَا حَافِظٌ (‪)4‬‬


‫وَالسّمَاءِ وَالطّا ِرقِ (‪َ )1‬ومَا أَ ْدرَا َك مَا الطّا ِرقُ (‪ )2‬النّ ْ‬

‫أق سم ال سبحانه بال سماء والن جم الذي يطرق ليل و ما أدراك ما عِظَ ُم هذا الن جم؟ هو الن جم الض يء‬
‫التوهّج‪ .‬ما كل نفس إل أوكل با مَلَك رقيب يفظ عليها أعمالا لتحاسب عليها يوم القيامة‪.‬‬

‫ب وَالتّرَائِ بِ ( ‪ِ )7‬إنّ ُه عَلَى‬


‫ج مِ ْن َبيْ ِن ال صّ ْل ِ‬
‫فَ ْليَنظُ ْر الِن سَانُ مِمّ خُلِ قَ (‪ )5‬خُلِ َق مِ ْن مَاءٍ دَافِ قٍ ( ‪ )6‬يَخْ ُر ُ‬
‫رَ ْجعِهِ َلقَا ِدرٌ (‪)8‬‬

‫فلينظر النسان النكر للبعث ِممّ خُِل قَ؟ ليعلم أن إعادة خلق النسان ليست أصعب من خلقه أوّل خلق‬

‫‪1113‬‬
‫من منّ منصبّ بسرعة ف الرحم‪ ,‬يرج من بي صلب الرجل وصدر الرأة‪ .‬إن الذي خلق النسان من‬
‫هذا الاء لَقادر على رجعه إل الياة بعد الوت‪.‬‬

‫َي ْومَ ُتبْلَى السّرَائِرُ (‪َ )9‬فمَا لَ ُه مِنْ ُق ّوةٍ وَل نَاصِرٍ (‪)10‬‬

‫ختَب السرائر فيما أخفته‪ ,‬ويُ َميّز الصال منها من الفاسد‪ ,‬فما للنسان من قوة يدفع با عن نفسه‪,‬‬
‫يوم تُ ْ‬
‫وما له من ناصر يدفع عنه عذاب ال‪.‬‬

‫ت الصّ ْدعِ (‪ِ )12‬إنّهُ َل َقوْلٌ َفصْلٌ (‪َ )13‬ومَا هُ َو بِاْلهَزْلِ (‪)14‬‬
‫وَالسّمَاءِ ذَاتِ الرّجْعِ (‪ )11‬وَالَ ْرضِ ذَا ِ‬

‫والسماء ذات الطر التكرر‪ ,‬والرض ذات التشقق با يتخللها من نبات‪ ,‬إن القرآن لقول فصل بَيْ َن الق‬
‫والباطل‪ ,‬وما هو بالزل‪ .‬ول يوز للمخلوق أن يقسم بغي ال‪ ,‬وإل فقد أشرك‪.‬‬

‫ِإّنهُمْ َيكِيدُونَ َكيْدا (‪َ )15‬وأَكِيدُ َكيْدا (‪َ )16‬ف َمهّ ْل الْكَافِرِينَ َأ ْمهِ ْلهُمْ ُر َويْدا (‪)17‬‬

‫إن الكذب ي للر سول صلى ال عل يه و سلم‪ ,‬وللقرآن‪ ,‬يكيدون ويدبرون؛ ليدفعوا بكيد هم ال ق ويؤيدوا‬
‫البا طل‪ ,‬وأك يد كيدًا لظهار ال ق‪ ,‬ولو كره الكافرون‪ ,‬فل ت ستعجل ل م ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬بطلب إنزال‬
‫العقاب ب م‪ ,‬بل أمهل هم وأنظر هم قليل ول ت ستعجل ل م‪ ,‬و سترى ما ي ّل ب م من العذاب والنكال‬
‫والعقوبة واللك‪.‬‬

‫‪ -87‬سورة العلى‬

‫ج الْ َم ْرعَى ( ‪)4‬‬


‫سوّى ( ‪ )2‬وَالّذِي قَدّرَ َفهَدَى ( ‪ )3‬وَالّذِي أَ ْخرَ َ‬
‫َسبّحْ اسْمَ َربّكَ ا َلعْلَى (‪ )1‬الّذِي خَلَ قَ فَ َ‬
‫جعَلَ ُه ُغثَاءً أَ ْحوَى (‪)5‬‬
‫فَ َ‬

‫نَزّه اسم ربك العلى عن الشريك والنقائص تنيهًا يليق بعظمته سبحانه‪ ,‬الذي خلق الخلوقات‪ ,‬فأتقن‬

‫‪1114‬‬
‫خلقهها‪ ,‬وأحسهنه‪ ,‬والذي قدّر جيهع القدرات‪ ,‬فهدى كهل خلق إل مها يناسهبه‪ ,‬والذي أنبهت الكل‬
‫الخضر‪ ,‬فجعله بعد ذلك هشيمًا جافًا متغيًا‪.‬‬

‫خفَى (‪)7‬‬
‫جهْ َر َومَا يَ ْ‬
‫َسنُقْ ِرئُكَ فَل تَنسَى (‪ )6‬إِ ّل مَا شَاءَ اللّهُ ِإنّهُ َيعْلَمُ الْ َ‬

‫سهنقرئك ‪-‬أيهها الرسهول‪ -‬هذا القرآن قراءة ل تنسهاها‪ ,‬إل مها شاء ال ماه اقتضهت حكمتهه أن ينسهيه‬
‫لصلحة يعلمها‪ .‬إنه ‪ -‬سبحانه‪ -‬يعلم الهر من القول والعمل‪ ,‬وما يفى منهما‪.‬‬

‫سرَى (‪)8‬‬
‫َونُيَسّ ُركَ لِ ْليُ ْ‬

‫ونيسرك لليسرى ف جيع أمورك‪ ,‬ومن ذلك تسهيل تََلقّي أعباء الرسالة‪ ,‬وجعل دينك يسرًا ل عسر فيه‪.‬‬

‫فَذَكّرْ إِ ْن َن َفعَتْ الذّكْرَى (‪)9‬‬

‫فعظ قومك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬حسبما يسرناه لك با يوحى إليك‪ ،‬واهدهم إل ما فيه خيهم‪ .‬وخُ صّ‬
‫بالتذكي من يرجى منه التذكّر‪ ،‬ول تتعب نفسك ف تذكي من ل يورثه التذكر إل عتوّا ونفورًا ‪.‬‬

‫جّنُبهَا الَ ْشقَى ( ‪ )11‬الّذِي يَ صْلَى النّا َر اْل ُكبْرَى ( ‪ )12‬ثُمّ ل يَمُو تُ فِيهَا‬
‫َسيَذّكّ ُر مَ ْن يَخْشَى (‪َ )10‬وَيتَ َ‬
‫حيَا (‪)13‬‬ ‫وَل َي ْ‬

‫سيتعظ الذي ياف ر به‪ ,‬ويبت عد عن الذكرى الش قى الذي ل ي شى ر به‪ ,‬الذي سيدخل نار جه نم‬
‫العظمى يقاسي حرّها‪ ,‬ث ل يوت فيها فيستريح‪ ,‬ول ييا حياة تنفعه‪.‬‬

‫قَدْ أَفَْل َح مَ ْن تَزَكّى (‪ )14‬وَذَكَرَ اسْمَ َربّهِ َفصَلّى (‪)15‬‬

‫قد فاز مَن طهر نفسه من الخلق السيئة‪ ،‬وذكر ال‪ ,‬فوحّده ودعاه وعمل با يرضيه‪ ,‬وأقام الصلة ف‬
‫أوقاتا؛ ابتغاء رضوان ال وامتثال لشرعه‪.‬‬

‫‪1115‬‬
‫حيَاةَ ال ّدْنيَا (‪)16‬‬
‫بَ ْل ُتؤْثِرُو َن الْ َ‬

‫إنكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬تفضّلون زينة الياة الدنيا على نعيم الخرة‪.‬‬

‫وَالخِ َرةُ َخيْ ٌر َوَأْبقَى (‪)17‬‬

‫والدار الخرة با فيها من النعيم القيم‪ ,‬خي من الدنيا وأبقى‪.‬‬

‫حفِ ِإبْرَاهِي َم َومُوسَى (‪)19‬‬


‫ف الُولَى (‪ )18‬صُ ُ‬
‫ِإنّ هَذَا َلفِي الصّحُ ِ‬

‫إن ما أ خبت به ف هذه ال سورة هو م ا ث بت معناه ف ال صّحف ال ت أنزلت ق بل القرآن‪ ،‬و هي صُحف‬
‫إبراهيم وموسى عليهما السلم‪.‬‬

‫‪ -88‬سورة الغاشية‬

‫ث اْلغَا ِشَيةِ (‪)1‬‬


‫هَلْ َأتَاكَ حَدِي ُ‬

‫هل أتاك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬خب القيامة الت تغشى الناس بأهوالا؟‬

‫سقَى مِ ْن َعيْ ٍن آِنَيةٍ ( ‪َ )5‬ليْ سَ َلهُ مْ‬


‫صَبةٌ ( ‪ )3‬تَ صْلَى نَارا حَا ِميَةً ( ‪ )4‬تُ ْ‬
‫وُجُو ٌه َي ْومَئِذٍ خَا ِش َعةٌ (‪ )2‬عَامَِل ٌة نَا ِ‬
‫طَعَامٌ إِ ّل مِنْ ضَرِيعٍ (‪ )6‬ل يُسْمِنُ وَل ُي ْغنِي مِنْ جُوعٍ (‪)7‬‬

‫وجوه الكفار يومئذ ذليلة بالعذاب‪ ,‬مهدة بالع مل متع بة‪ ,‬ت صيبها نار شديدة التو هج‪ ,‬تُ سقى من ع ي‬
‫شديدة الرارة‪ .‬ل يس ل صحاب النار طعام إل من ن بت ذي شوك ل صق بالرض‪ ,‬و هو مِن شر الطعام‬
‫وأخبثه‪ ,‬ل يُسْمن بدن صاحبه من الُزال‪ ,‬ول يسدّ جوعه ورمقه‪.‬‬

‫‪1116‬‬
‫ضَيةٌ ( ‪ )9‬فِي َجّنةٍ عَاِلَيةٍ ( ‪ )10‬ل تَ سْ َمعُ فِيهَا لغَِيةً ( ‪ )11‬فِيهَا َعيْ نٌ‬ ‫س ْعِيهَا رَا ِ‬
‫وُجُو ٌه َي ْومَئِ ٍذ نَاعِ َمةٌ (‪ )8‬لِ َ‬
‫صفُوَفةٌ (‪ )15‬وَ َزرَاِبيّ َمْبثُوَثةٌ‬
‫ق مَ ْ‬
‫ب َموْضُو َعةٌ ( ‪َ )14‬ونَمَارِ ُ‬
‫جَا ِرَيةٌ (‪ )12‬فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُو َعةٌ ( ‪َ )13‬وأَ ْكوَا ٌ‬
‫(‪)16‬‬

‫وجوه الؤمني يوم القيامة ذات نعمة؛ لسعيها ف الدنيا بالطاعات راضية ف الخرة‪ ,‬ف جنة رفيعة الكان‬
‫والكا نة‪ ,‬ل ت سمع في ها كل مة ل غو واحدة‪ ,‬في ها ع ي تتد فق مياه ها‪ ,‬في ها سرر عال ية وأكواب معدة‬
‫للشاربي‪ ,‬ووسائد مصفوفة‪ ,‬الواحدة جنب الخرى‪ ,‬وبُسُط كثية مفروشة‪.‬‬

‫صبَتْ‬
‫ف نُ ِ‬
‫جبَالِ َكيْ َ‬
‫أَفَل َينْظُرُونَ إِلَى الِبِلِ َكيْفَ خُِلقَتْ (‪َ )17‬وإِلَى السّمَاءِ َكيْفَ رُِفعَتْ (‪َ )18‬وإِلَى الْ ِ‬
‫حتْ (‪)20‬‬ ‫ف سُ ِط َ‬
‫(‪َ )19‬وإِلَى الَ ْرضِ َكيْ َ‬

‫أفل ينظر الكافرون الكذّبون إل البل‪ :‬كيف خُِلقَت هذا اللق العجيب؟ وإل السماء كيف رُِفعَت هذا‬
‫الرّفهع البديهع؟ وإل البال كيهف نُصهبت‪ ,‬فحصهل باه الثبات للرض والسهتقرار؟ وإل الرض كيهف‬
‫بُسِطت و ُمهّدت؟‬

‫سيْطِرٍ (‪)22‬‬
‫ت عََلْيهِ ْم بِمُ َ‬
‫س َ‬
‫فَذَكّرْ إِنّمَا َأْنتَ مُذَكّرٌ (‪ )21‬لَ ْ‬

‫ظ ‪-‬أيها الرسول‪ -‬العرضي با أُرْ سِ ْلتَ به إليهم‪ ,‬ول تزن على إعراضهم‪ ,‬إنا أنت واعظ لم‪ ,‬ليس‬
‫فعِ ْ‬
‫عليك إكراههم على اليان‪.‬‬

‫إِلّ مَنْ َتوَلّى وَ َكفَرَ (‪َ )23‬فُيعَ ّذبُهُ اللّ ُه اْلعَذَابَ الَ ْكبَرَ (‪)24‬‬

‫لكن الذي أعرض عن التذكي والوعظة وأصرّ على كفره‪ ,‬فيعذبه ال العذاب الشديد ف النار‪.‬‬

‫ِإنّ إَِلْينَا ِإيَاَبهُمْ (‪ )25‬ثُمّ ِإنّ عََلْينَا حِسَاَبهُمْ (‪)26‬‬

‫إ ّن إلينا مرجعهم بعد الوت‪ ,‬ث إن علينا جزاءهم على ما عملوا‪.‬‬

‫‪1117‬‬
‫‪ -89‬سورة الفجر‬

‫جرٍ (‬
‫سمٌ لِذِي حِ ْ‬
‫شفْ ِع وَاْل َوتْرِ ( ‪ )3‬وَالّليْلِ إِذَا يَ سْرِ ( ‪ )4‬هَلْ فِي ذَلِ كَ قَ َ‬
‫جرِ (‪ )1‬وََليَا ٍل عَشْرٍ ( ‪ )2‬وَال ّ‬
‫وَالْفَ ْ‬
‫‪)5‬‬

‫أقسم ال سبحانه بوقت الفجر‪ ,‬والليال العشر الوَل من ذي الجة وما شرفت به‪ ,‬وبكل شفع وفرد‪,‬‬
‫وبالليل إذا يَسْري بظلمه‪ ,‬أليس ف القسام الذكورة َمقْنَع لذي عقل؟‬

‫خلَ ْق ِمثُْلهَا فِي اْلبِلدِ (‪)8‬‬


‫ك ِبعَادٍ (‪ )6‬إِ َرمَ ذَاتِ اْلعِمَادِ (‪ )7‬الّتِي لَ ْم يُ ْ‬
‫أَلَ ْم تَرَى َكيْفَ َفعَلَ َربّ َ‬

‫أل تر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كيف فعل ربّك بقوم عاد‪ ,‬قبيلة إرم‪ ,‬ذات القوة والبنية الرفوعة على العمدة‪,‬‬
‫الت ل يُخلق مثلها ف البلد ف عِظَم الجساد وقوة البأس؟‬

‫خ َر بِاْلوَادِي (‪)9‬‬
‫َوثَمُو َد الّذِينَ جَابُوا الصّ ْ‬

‫وكيف فعل بثمود قوم صال الذين قطعوا الصخر بالوادي واتذوا منه بيوتًا؟‬

‫وَفِ ْر َع ْونَ ذِي ا َلوْتَادِ (‪)10‬‬

‫وكيف فعل بفرعون مَلِك "مصر"‪ ,‬صاحب النود الذين ثبّتوا ُملْكه‪ ,‬وقوّوا له أمره؟‬

‫ط عَذَا بٍ ( ‪ِ )13‬إنّ‬
‫ب عََلْيهِ مْ َربّ كَ َسوْ َ‬
‫ص ّ‬
‫الّذِي َن َط َغوْا فِي اْلبِلدِ (‪َ )11‬فأَكْثَرُوا فِيهَا اْلفَ سَادَ ( ‪ )12‬فَ َ‬
‫َربّكَ َلبِالْمِرْصَادِ (‪)14‬‬

‫هؤلء الذين استبدّوا‪ ,‬وظلموا ف بلد ال‪ ,‬فأكثروا فيها بظلمهم الفساد‪ ,‬فصب عليهم ربّك عذابا‬
‫شديدا‪ .‬إنّ ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لبالرصاد لن يعصيه‪ ,‬يهله قليل ث يأخذه أخْذَ عزيز مقتدر‪.‬‬
‫‪1118‬‬
‫َفَأمّا الِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلهُ َربّهُ َفأَكْ َرمَ ُه َوَنعّمَهُ َفَيقُولُ َربّي أَكْ َرمَنِ (‪)15‬‬

‫فأما النسان إذا ما اختبه ربه بالنعمة‪ ,‬وبسط له رزقه‪ ,‬وجعله ف أطيب عيش‪ ,‬فيظن أن ذلك لكرامته‬
‫عند ربه‪ ,‬فيقول‪ :‬رب أكرمن‪.‬‬

‫َوَأمّا ِإذَا مَا اْبتَلهُ َف َقدَ َر عََليْهِ رِزْقَهُ َفَيقُولُ َربّي َأهَانَنِ (‪)16‬‬

‫وأما إذا ما اختبه‪ ,‬فضيّق عليه رزقه‪ ,‬فيظن أن ذلك لوانه على ال‪ ,‬فيقول‪ :‬رب أهانن‪.‬‬

‫سكِيِ ( ‪َ )18‬وتَأْكُلُو َن التّرَاثَ أَ ْكلً َلمّا (‬


‫َكلّ بَل ل ُتكْ ِرمُونَ اْلَيتِيمَ (‪ )17‬وَل تَحَاضّو َن عَلَى َطعَامِ الْمِ ْ‬
‫حبّو َن الْمَالَ ُحبّا جَمّا (‪)20‬‬ ‫‪َ )19‬وتُ ِ‬

‫ليس المر كما يظن هذا النسان‪ ,‬بل الكرام بطاعة ال‪ ,‬والهانة بعصيته‪ ,‬وأنتم ل تكرمون اليتيم‪ ,‬ول‬
‫ث بعضكم بعضًا على إطعام السكي‪ ,‬وتأكلون حقوق الخرين ف الياث‬ ‫ح ّ‬
‫تسنون معاملته‪ ,‬ول يَ ُ‬
‫أكل شديدًا‪ ,‬وتبون الال حبًا مفرطًا‪.‬‬

‫ج َهنّ مَ‬
‫صفّا ( ‪ )22‬وَجِي َء َي ْو َمئِذٍ ِب َ‬
‫صفّا َ‬
‫ك وَالْمَلَ كُ َ‬
‫ت الَرْ ضُ دَكّا دَكّا (‪ )21‬وَجَاءَ َربّ َ‬ ‫َكلّ ِإذَا دُكّ ْ‬
‫َيوْ َمئِ ٍذ َيتَذَكّ ُر ا ِلنْسَا ُن َوَأنّى لَهُ الذّكْرَى (‪)23‬‬

‫ما هكذا ينبغي أن يكون حالكم‪ .‬فإذا زلزلت الرض وكَسّر بعضُها بعضًا‪ ,‬وجاء ربّك لفصل القضاء‬
‫بي خلقه‪ ,‬واللئكة صفوفًا صفوفًا‪ ,‬وجيء ف ذلك اليوم العظيم بهنم‪ ,‬يومئذ يتعظ الكافر ويتوب‪,‬‬
‫وكيف ينفعه التعاظ والتوبة‪ ,‬وقد فرّط فيهما ف الدنيا‪ ,‬وفات أوانما؟‬

‫حيَاتِي (‪)24‬‬
‫َيقُولُ يَا َلْيَتنِي قَ ّد ْمتُ لِ َ‬

‫يقول‪ :‬يا ليتن قدّمتُ ف الدنيا من العمال ما ينفعن ليات ف الخرة‪.‬‬

‫‪1119‬‬
‫ب عَذَابَهُ أَ َحدٌ (‪ )25‬وَل يُوثِ ُق َوثَاقَهُ أَحَدٌ (‪)26‬‬
‫َفَي ْومَئِ ٍذ ل ُيعَذّ ُ‬

‫ب م ثل تعذ يب ال من ع صاه‪ ,‬ول ي ستطيع‬


‫ف في ذلك اليوم الع صيب ل ي ستطيع أحدٌ ول يقدر أن يُعذّ َ‬
‫أحد أن يوثِ َق مثل وثاق ال‪ ,‬ول يبلغ أحدٌ مبلغه ف ذلك‪.‬‬

‫ضّيةً ( ‪ )28‬فَا ْدخُلِي فِي ِعبَادِي ( ‪)29‬‬


‫ضَي ًة مَرْ ِ‬
‫س الْمُطْ َمِئّنةُ (‪ )27‬ارْجِعِي إِلَى َربّ كِ رَا ِ‬
‫يَا َأيّتُهَا الّنفْ ُ‬
‫وَادْخُلِي َجّنتِي (‪)30‬‬

‫يا أيتها النفس الطمئنة إل ذِكر ال واليان به‪ ,‬وبا أعدّه من النعيم للمؤمني‪ ,‬ارجعي إل ربك راضية‬
‫بإكرام ال لك‪ ,‬وال سبحانه قد رضي عنك‪ ,‬فادخلي ف عداد عباد ال الصالي‪ ,‬وادخلي معهم جنت‪.‬‬

‫‪ -90‬سورة البلد‬

‫ل أُقْسِ ُم ِبهَذَا اْلبَلَدِ (‪َ )1‬وَأْنتَ حِ ّل ِبهَذَا اْلبَلَدِ (‪َ )2‬ووَالِ ٍد َومَا وَلَدَ (‪َ )3‬لقَدْ َخَل ْقنَا الِنسَانَ فِي َكبَدٍ (‪)4‬‬

‫أق سم ال بذا البلد الرام‪ ,‬و هو "م كة"‪ ,‬وأ نت ‪-‬أي ها ال نب‪ -‬مق يم ف هذا "البلد الرام"‪ ,‬وأق سم بوالد‬
‫البشرية‪ -‬وهو آدم عليه السلم‪ -‬وما تناسل منه من ولد‪ ,‬لقد خلقنا النسان ف شدة وعناء من مكابدة‬
‫الدنيا‪.‬‬

‫سبُ َأنْ لَ ْن َيقْدِ َر عََليْهِ أَحَدٌ (‪)5‬‬


‫َأيَحْ َ‬

‫أيظنّ با جعه من مال أن ال لن يقدر عليه؟‬

‫سبُ َأنْ لَمْ يَ َرهُ أَ َحدٌ (‪)7‬‬


‫َيقُولُ َأهَْل ْكتُ مَالً ُلبَدا (‪َ )6‬أيَحْ َ‬

‫يقول متباهيًا‪ :‬أنف قت مال كثيًا‪ .‬أيظنّ ف فعله هذا أن ال عز و جل ل يراه‪ ,‬ول يا سبه على ال صغي‬
‫والكبي؟‬
‫‪1120‬‬
‫ج َديْنِ (‪)10‬‬
‫جعَلْ لَ ُه َعْينَيْنِ (‪ )8‬وَلِسَانا َو َشفََتيْنِ (‪َ )9‬وهَ َديْنَا ُه النّ ْ‬
‫أَلَ ْم نَ ْ‬

‫أل نعل له عيني يبصر بما‪ ,‬ولسانًا وشفتي ينطق با‪ ,‬وبينّا له سبيلَي الي والشر؟‬

‫ح َم اْلعَ َقَبةَ (‪)11‬‬


‫فَل اقْتَ َ‬

‫فهل تاوز مشقة الخرة بإنفاق ماله‪ ,‬فيأمن‪.‬‬

‫َومَا أَدْرَاكَ مَا اْل َعقََبةُ (‪)12‬‬

‫وأيّ شيء أعلمك‪ :‬ما مشقة الخرة‪ ,‬وما يعي على تاوزها؟‬

‫فَكّ رََقَبةٍ (‪)13‬‬

‫إنه عتق رقبة مؤمنة من أسر الرّق‪.‬‬

‫سكِينا ذَا َمتْ َرَبةٍ (‪)16‬‬


‫س َغَبةٍ (‪َ )14‬يتِيما ذَا َمقْ َرَبةٍ (‪َ )15‬أوْ مِ ْ‬
‫َأوْ ِإ ْطعَامٌ فِي َي ْومٍ ذِي مَ ْ‬

‫أو إطعام ف يوم ذي ماعة شديدة‪ ,‬يتيمًا من ذوي القرابة يتمع فيه فضل الصدقة وصلة الرحم‪ ,‬أو فقيًا‬
‫معدمًا ل شيء عنده‪.‬‬

‫صوْا بِالْمَ ْرحَ َمةِ (‪)17‬‬


‫صبْ ِر َوَتوَا َ‬
‫ثُمّ كَانَ مِ ْن الّذِينَ آ َمنُوا َوَتوَاصَوْا بِال ّ‬

‫ث كان مع ِفعْل ما ذُكر من أعمال الي من الذين أخلصوا اليان ل‪ ,‬وأوصى بعضهم بعضًا بالصب على‬
‫طاعة ال وعن معاصيه‪ ,‬وتواصوا بالرحة باللق‪.‬‬

‫ُأوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْ َميْ َمنَةِ (‪)18‬‬

‫‪1121‬‬
‫الذين فعلوا هذه الفعال‪ ,‬هم أصحاب اليمي‪ ,‬الذين يؤخذ بم يوم القيامة ذات اليمي إل النة‪.‬‬

‫شَأ َمةِ (‪)19‬‬


‫ب الْمَ ْ‬
‫وَالّذِينَ َك َفرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَا ُ‬

‫والذين كفروا بالقرآن هم الذين يؤخذ بم يوم القيامة ذات الشمال إل النار‪.‬‬

‫عََلْيهِ ْم نَا ٌر ُمؤْصَ َدةٌ (‪)20‬‬

‫جزاؤهم جهنم مطبَقةٌ مغلقة عليهم‪.‬‬

‫‪ -91‬سورة الشمس‬

‫لهَا ( ‪ )3‬وَالّليْلِ إِذَا َيغْشَاهَا ( ‪ )4‬وَال سّمَا ِء‬ ‫ضحَاهَا (‪ )1‬وَاْلقَمَرِ ِإذَا تَلهَا ( ‪ )2‬وَالّنهَارِ إِذَا َج ّ‬‫وَالشّمْ سِ وَ ُ‬
‫ض َومَا طَحَاهَا ( ‪َ )6‬وَنفْسٍ َومَا َسوّاهَا ( ‪َ )7‬فأَْلهَ َمهَا فُجُو َرهَا َوَت ْقوَاهَا ( ‪ )8‬قَدْ أَفَْلحَ‬ ‫َومَا َبنَاهَا (‪ )5‬وَالَرْ ِ‬
‫مَنْ زَكّاهَا (‪ )9‬وَقَدْ خَابَ مَنْ َدسّاهَا (‪)10‬‬

‫أق سم ال بالش مس ونار ها وإشراق ها ض حى‪ ,‬وبالق مر إذا تبع ها ف الطلوع والفول‪ ,‬وبالنهار إذا جلّى‬
‫الظل مة وكشف ها‪ ,‬وبالل يل عند ما يغ طي الرض فيكون ما علي ها مظلمًا‪ ,‬وبال سماء وبنائ ها الح كم‪,‬‬
‫وبالرض وبَ سْطها‪ ,‬وبكل نفس وإكمال ال خلقها لداء مهمتها‪ ,‬فبيّن لا طريق الشر وطريق الي‪ ,‬قد‬
‫فاز مَن طهّرها ونّاها بالي‪ ,‬وقد خسر مَن أخفى نفسه ف العاصي‪.‬‬

‫ت ثَمُو ُد بِ َط ْغوَاهَا (‪ )11‬إِ ْذ اْنبَعَ ثَ َأ ْشقَاهَا ( ‪َ )12‬فقَالَ َلهُ مْ رَ سُولُ اللّ ِه نَاَقةَ اللّ ِه وَ سُ ْقيَاهَا ( ‪)13‬‬ ‫كَ ّذبَ ْ‬
‫سوّاهَا (‪ )14‬وَل يَخَافُ عُ ْقبَاهَا (‪)15‬‬ ‫َفكَ ّذبُوهُ َف َعقَرُوهَا َف َدمْ َد َم عََلْيهِمْ َرّبهُ ْم بِ َذْنبِهِمْ فَ َ‬

‫كذّبت ثود نبيها ببلوغها الغاية ف العصيان‪ ,‬إذ نض أكثر القبيلة شقاوة لعقر الناقة‪ ,‬فقال لم رسول ال‬
‫صال عليه السلم‪ :‬احذروا أن تسوا الناقة بسوء؛ فإنا آية أرسلها ال إليكم‪ ,‬تدل على صدق نبيكم‪،‬‬

‫‪1122‬‬
‫واحذروا أن تعتدوا على سقيها‪ ,‬فإن ل ا ِشرْب يوم ول كم شِرْب يوم معلوم‪ .‬ف شق علي هم ذلك‪ ,‬فكذبوه‬
‫في ما توعّد هم به فنحرو ها‪ ,‬فأط بق علي هم رب م العقو بة برم هم‪ ,‬فجعل ها علي هم على ال سواء فلم ُيفْلِت‬
‫منهم أحد‪ .‬ول ياف‪ -‬جلت قدرته‪ -‬تبعة ما أنزله بم من شديد العقاب‪.‬‬

‫‪ -92‬سورة الليل‬

‫شتّى (‪)4‬‬
‫وَالّليْلِ ِإذَا َيغْشَى (‪ )1‬وَالّنهَارِ إِذَا َتجَلّى (‪َ )2‬ومَا خََلقَ الذّكَ َر وَالُْنثَى (‪ِ )3‬إ ّن َسعَْيكُمْ لَ َ‬

‫أق سم ال سبحانه بالل يل عند ما يغ طي بظل مه الرض و ما علي ها‪ ,‬وبالنهار إذا انك شف عن ظلم الل يل‬
‫بضيائه‪ ,‬وبلق الزوجي‪ :‬الذكر والنثى‪ .‬إن عملكم لختلف بي عامل للدنيا وعامل للخرة‪.‬‬

‫سُنيَسّ ُرهُ ِل ْليُسْرَى (‪)7‬‬


‫سنَى (‪ )6‬فَ َ‬
‫ص ّدقَ بِاْلحُ ْ‬
‫َفَأمّا مَنْ َأعْطَى وَاّتقَى (‪ )5‬وَ َ‬

‫فأمّا من بذل من ماله واتقى ال ف ذلك‪ ,‬وصدّق به"ل إله إل ال" وما دلت عليه‪ ،‬وما ترتب عليها من‬
‫الزاء‪ ,‬فسنرشده ونوفقه إل أسباب الي والصلح ونيسّر له أموره‪.‬‬

‫سُنيَسّ ُرهُ لِ ْلعُ سْرَى ( ‪ )10‬وَمَا ُيغْنِي َعنْ هُ مَالُ هُ إِذَا‬


‫سنَى ( ‪ )9‬فَ َ‬
‫ب بِاْلحُ ْ‬
‫خ َل وَا ْسَت ْغنَى (‪ )8‬وَكَذّ َ‬
‫َوَأمّ ا مَ ْن بَ ِ‬
‫تَرَدّى (‪)11‬‬

‫وأما مَن بل باله واستغن عن جزاء ربه‪ ,‬وكذّب به"ل إله إل ال" وما دلت عليه‪ ،‬وما ترتب عليها من‬
‫الزاء‪ ,‬فسُنيَسّر له أسباب الشقاء‪ ,‬ول ينفعه ماله الذي بل به إذا وقع ف النار‪.‬‬

‫ِإنّ عََلْينَا لَ ْلهُدَى (‪َ )12‬وِإنّ َلنَا لَل ِخ َرةَ وَالُولَى (‪)13‬‬

‫إن علينا بفضلنا وحكمتنا أن نبيّن طريق الدى الوصل إل ال وجنته من طريق الضلل‪ ,‬وإن لنا ملك‬
‫الياة الخرة والياة الدنيا‪.‬‬

‫‪1123‬‬
‫َفَأنْذَ ْرتُكُ ْم نَارا تََلظّى (‪)14‬‬

‫فحذّرتكم‪ -‬أيها الناس‪ -‬وخوّفتكم نارًا تتوهج‪ ,‬وهي نار جهنم‪.‬‬

‫ب َوَتوَلّى (‪)16‬‬
‫ل َيصْلهَا إِلّ ا َل ْشقَى (‪ )15‬الّذِي كَذّ َ‬

‫ل يدخل ها إل مَن كان شد يد الشقاء‪ ,‬الذي كذّب نب ال ممدًا صلى ال عل يه و سلم‪ ،‬وأعرض عن‬
‫اليان بال ورسوله‪ ,‬وطاعتهما‪.‬‬

‫جّنُبهَا ا َلْتقَى (‪ )17‬الّذِي ُي ْؤتِي مَالَ ُه َيتَزَكّى (‪َ )18‬ومَا لَ َح ٍد عِنْ َدهُ مِ ْن ِنعْ َم ٍة تُجْزَى (‪ )19‬إِلّ اْبِتغَاءَ‬
‫وَ َسيُ َ‬
‫ف يَرْضَى (‪)21‬‬ ‫سوْ َ‬
‫وَجْهِ َربّ ِه الَعْلَى (‪ )20‬وَلَ َ‬

‫و سيُزحزَح عن ها شد يد التقوى‪ ,‬الذي يبذل ماله ابتغاء الز يد من ال ي‪ .‬ول يس إنفا قه ذاك مكافأة ل ن‬
‫أسدى إليه معروفا‪ ,‬لكنه يبتغي بذلك وجه ربه العلى ورضاه‪ ,‬ولسوف يعطيه ال ف النة ما يرضى به‪.‬‬

‫‪ -93‬سورة الضحى‬

‫ك َومَا قَلَى (‪)3‬‬


‫وَالضّحَى (‪ )1‬وَالّليْلِ إِذَا َسجَى (‪ )2‬مَا َو ّدعَكَ َربّ َ‬

‫أق سم ال بو قت الض حى‪ ،‬والراد به النهار كله‪ ,‬وبالل يل إذا سكن باللق واش تد ظلمه‪ .‬ويق سم ال ب ا‬
‫يشاء من ملوقاته‪ ,‬أما الخلوق فل يوز له أن يقسم بغي خالقه‪ ،‬فإن القسم بغي ال شرك‪ .‬ما تركك‬
‫‪-‬أيها النب‪ -‬ربك‪ ,‬وما أبغضك بإبطاء الوحي عنك‪.‬‬

‫ف ُيعْطِيكَ َربّكَ َفتَرْضَى (‪)5‬‬


‫سوْ َ‬
‫وَلَلخِ َرةُ َخيْرٌ لَكَ مِ ْن الُولَى (‪ )4‬وَلَ َ‬

‫ولَلدّار الخرة خي لك من دار الدنيا‪ ,‬ولسوف يعطيك ربك ‪-‬أيها النب‪ -‬مِن أنواع النعام ف الخرة‪,‬‬
‫‪1124‬‬
‫فترضى بذلك‪.‬‬

‫أَلَ ْم يَجِ ْد َك َيتِيما فَآوَى (‪َ )6‬ووَ َج َدكَ ضَالّ َف َهدَى (‪َ )7‬ووَجَ َد َك عَائِلً َفَأغْنَى (‪)8‬‬

‫أل يَجِدْك من قب ُل يتيمًا‪ ,‬فآواك ورعاك؟ ووجدك ل تدري ما الكتاب ول اليان‪ ,‬فعلّ مك ما ل ت كن‬
‫تعلم‪ ,‬ووفقك لحسن العمال؟ ووجدك فقيًا‪ ,‬فساق لك رزقك‪ ,‬وأغن نفسك بالقناعة والصب؟‬

‫َفَأمّا اْلَيتِيمَ فَل َت ْقهَرْ (‪َ )9‬وَأمّا السّائِلَ فَل َتنْهَرْ (‪َ )10‬وَأمّا ِبنِعْ َمةِ َربّكَ َفحَدّثْ (‪)11‬‬

‫سئْ معاملته‪ ,‬وأما السائل فل تزجره‪ ,‬بل أطعمه‪ ,‬واقض حاجته‪ ,‬وأما بنعمة ربك الت‬
‫فأما اليتيم فل تُ ِ‬
‫أسبغها عليك فتحدث با‪.‬‬

‫‪ -94‬سورة الشرح‬

‫ض َظهْ َركَ (‪ )3‬وَرََف ْعنَا لَكَ ذِ ْك َركَ (‪)4‬‬


‫ك وِزْ َركَ (‪ )2‬الّذِي أَن َق َ‬
‫ض ْعنَا عَن َ‬
‫أَلَ ْم نَشْرَحْ لَكَ صَدْ َركَ (‪َ )1‬ووَ َ‬

‫أل نوسهع ‪-‬أيهها النهب‪ -‬لك صهدرك لشرائع الديهن‪ ،‬والدعوة إل ال‪ ،‬والتصهاف بكارم الخلق‪،‬‬
‫وحططنا عنك بذلك حِمْلك الذي أثقل ظهرك‪ ,‬وجعلناك ‪-‬با أنعمنا عليك من الكارم‪ -‬ف منلة رفيعة‬
‫عالية؟‬

‫فَِإنّ َم َع الْعُسْ ِر يُسْرا (‪ِ )5‬إنّ مَ َع اْلعُسْ ِر يُسْرا (‪)6‬‬

‫فل يثنك أذى أعدائك عن نشر الرسالة؛ فإن مع الضيق فرجًا‪ ,‬إن مع الضيق فرجًا‪.‬‬

‫فَإِذَا َف َرغْتَ فَانصَبْ (‪َ )7‬وإِلَى َربّكَ فَا ْر َغبْ (‪)8‬‬

‫‪1125‬‬
‫جدّ ف العبادة‪ ,‬وإل ربك وحده فارغب فيما عنده‪.‬‬
‫فإذا فرغت من أمور الدنيا وأشغالا فَ ِ‬

‫‪ -95‬سورة التي‬

‫وَالتّيِ وَال ّزيْتُو نِ (‪َ )1‬وطُورِ سِينِيَ ( ‪َ )2‬وهَذَا اْلبَلَ ِد ا َلمِيِ ( ‪َ )3‬لقَدْ خََل ْقنَا الِن سَانَ فِي أَحْ سَنِ تَ ْق ِويٍ ( ‪)4‬‬
‫ثُمّ َردَ ْدنَاهُ َأ ْسفَ َل سَافِِليَ (‪ )5‬إِلّ الّذِينَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا الصّالِحَاتِ فََلهُمْ أَ ْج ٌر َغيْ ُر مَ ْمنُونٍ (‪)6‬‬

‫أَقْسم ال بالتي والزيتون‪ ,‬وها من الثمار الشهورة‪ ,‬وأقسم ببل "طور سيناء" الذي كلّم ال عليه موسى‬
‫تكليمًا‪ ,‬وأق سم بذا البلد الم ي من كل خوف و هو "م كة" مه بط ال سلم‪ .‬ل قد خلق نا الن سان ف‬
‫أحسهن صهورة‪ ,‬ثه رددناه إل النار إن ل يطهع ال‪ ,‬ويتبهع الرسهل‪ ,‬لكهن الذيهن آمنوا وعملوا العمال‬
‫الصالة لم أجر عظيم غي مقطوع ول منقوص‪.‬‬

‫ك َبعْدُ بِالدّينِ (‪)7‬‬


‫فَمَا ُيكَ ّذبُ َ‬

‫أيّ شيء يملك ‪-‬أيها النسان‪ -‬على أن تكذّب بالبعث والزاء مع وضوح الدلة على قدرة ال تعال‬
‫على ذلك؟‬

‫أََلْيسَ اللّ ُه ِبأَ ْحكَ ِم الْحَاكِمِيَ (‪)8‬‬

‫أل يس ال الذي ج عل هذا اليوم للف صل ب ي الناس بأح كم الاكم ي ف كل ما خلق؟ بلى‪ .‬ف هل يُترك‬
‫اللق سدى ل يؤمرون ول يُنهون‪ ,‬ول يثابون ول يعاقبون؟ ل يصحّ ذلك ول يكون‪.‬‬

‫‪ -96‬سورة العلق‬

‫‪1126‬‬
‫اقْ َرْأ بِا سْمِ َربّ كَ الّذِي خََل قَ (‪ )1‬خَلَ َق الِن سَانَ مِ ْن عَلَ قٍ ( ‪ )2‬اقْ َرْأ وَ َربّ كَ الَكْرَ مُ ( ‪ )3‬الّذِي عَلّ َم بِاْلقَلَ مِ (‬
‫‪ )4‬عَلّ َم الِنسَا َن مَا لَ ْم َيعْلَمْ (‪)5‬‬

‫اقرأ ‪-‬أيها النب‪ -‬ما أُنزل إليك من القرآن ُم ْفتَتِحًا باسم ربك التفرد باللق‪ ،‬الذي خلق كل إنسان من‬
‫قطعة دم غليظ أحر‪ .‬اقرأ ‪-‬أيها النب‪ -‬ما أُنزل إليك‪ ,‬وإن ربك لكثي الحسان واسع الود‪ ،‬الذي علّم‬
‫خلقه الكتابة بالقلم‪ ،‬علّم النسان ما ل يكن يعلم‪ ,‬ونقله من ظلمة الهل إل نور العلم‪.‬‬

‫َكلّ ِإ ّن الِنسَانَ َليَ ْطغَى (‪َ )6‬أنْ رَآ ُه اسَْت ْغنَى (‪ِ )7‬إنّ إِلَى َربّكَ الرّ ْجعَى (‪)8‬‬

‫حقًا إن الن سان ليتجاوز حدود ال إذا أبطره الغ ن‪ ,‬فليعلم كل طاغ ية أن ال صي إل ال‪ ،‬فيجازي كلّ‬
‫إنسان بعمله‪.‬‬

‫صلّى ( ‪ )10‬أَ َرَأيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى اْلهُدَى ( ‪َ )11‬أوْ َأمَ َر بِالّتقْوَى ( ‪)12‬‬ ‫أَ َرَأيْتَ الّذِي َيْنهَى (‪َ )9‬عبْدا إِذَا َ‬
‫صَيةِ ( ‪)15‬‬
‫سفَعَ بِالنّا ِ‬‫ب َوَتوَلّى (‪ )13‬أَلَ ْم َيعْلَ ْم ِبأَنّ اللّ َه يَرَى ( ‪َ )14‬كلّ َلئِ نْ َل ْم َينْتَ هِ َلنَ ْ‬‫أَ َرَأيْ تَ إِ نْ كَذّ َ‬
‫ج ْد وَاقْتَرِبْ (‪)19‬‬‫ل ل تُ ِطعْ ُه وَاسْ ُ‬ ‫صَيةٍ كَا ِذَبةٍ خَاطَِئةٍ (‪َ )16‬ف ْليَ ْدعُ نَا ِديَه (‪َ )17‬سنَ ْدعُ ال ّزبَاِنَيةَ (‪َ )18‬ك ّ‬
‫نَا ِ‬

‫أرأ يت أع جب مِن طغيان هذا الر جل (و هو أ بو ج هل) الذي ين هى عبدًا ل نا إذا صلّى لر به (و هو م مد‬
‫صلى ال عليه وسلم)؟ أرأيت إن كان النهي عن الصلة على الدى فكيف ينهاه؟ أو إن كان آمرًا غيه‬
‫بالتقوى أينهاه عن ذلك؟ أرأيت إن كذّب هذا الناهي با يُدعى إليه‪ ,‬وأعرض عنه‪ ,‬أل يعلم بأن ال يرى‬
‫كل ما يفعل؟ ليس المر كما يزعم أبو جهل‪ ،‬لئن ل يرجع هذا عن شقاقه وأذاه لنأخذنّ بقدّم رأسه‬
‫حضِر هذا الطاغية أهل‬ ‫أخذًا عنيفًا‪ ,‬ويُطرح ف النار‪ ,‬ناصيته ناصية كاذبة ف مقالا‪ ,‬خاطئة ف أفعالا‪ .‬فليُ ْ‬
‫ناديه الذين يستنصر بم‪ ,‬سندعو ملئكة العذاب‪ .‬ليس المر على ما يظن أبو جهل‪ ,‬إنه لن ينالك ‪-‬أيها‬
‫الر سول‪ -‬ب سوء‪ ،‬فل تط عه في ما دعاك إل يه مِن تَرْك ال صلة‪ ,‬وا سجد لر بك واقترب م نه بالتح بب إل يه‬
‫بطاعته‪.‬‬

‫‪1127‬‬
‫‪ -97‬سورة القدر‬

‫ِإنّا أَنزَْلنَاهُ فِي َليَْل ِة اْلقَدْرِ (‪)1‬‬

‫إنا أنزلنا القرآن ف ليلة الشرف والفضل‪ ,‬وهي إحدى ليال شهر رمضان‪.‬‬

‫َومَا أَدْرَاكَ مَا َليَْل ُة اْلقَدْرِ (‪)2‬‬

‫وما أدراك ‪-‬أيها النب‪ -‬ما ليلة القدر والشرف؟‬

‫ف َشهْرٍ (‪)3‬‬
‫َليَْل ُة اْلقَدْرِ َخيْ ٌر مِنْ أَلْ ِ‬

‫ليلة القدر ليلة مباركة‪َ ,‬فضْلُها خي من فضل ألف شهر ليس فيها ليلة قدر‪.‬‬

‫َتنَزّ ُل الْمَلئِ َك ُة وَالرّوحُ فِيهَا بِإِ ْذنِ َرّبهِ ْم مِنْ كُلّ َأمْرٍ (‪)4‬‬

‫يكثر نزول اللئكة وجبيل عليه السلم فيها‪ ,‬بإذن ربم من كل أمر قضاه ف تلك السنة‪.‬‬

‫سَلمٌ ِهيَ َحتّى مَطَْل ِع اْلفَجْرِ (‪)5‬‬

‫هي أمن كلها‪ ,‬ل شرّ فيها إل مطلع الفجر‪.‬‬

‫‪ -98‬سورة البينة‬

‫ي مُنفَكّيَ َحتّى َت ْأتَِيهُ ْم اْلبَّيَنةُ (‪)1‬‬


‫ب وَالْمُشْرِكِ َ‬
‫لَ ْم َيكُ ْن الّذِينَ َك َفرُوا مِنْ َأهْ ِل الْ ِكتَا ِ‬

‫‪1128‬‬
‫ل يكن الذين كفروا من اليهود والنصارى والشركي تاركي كفرهم حت تأتيهم العلمة الت وُعِدوا با‬
‫ف الكتب السابقة‪.‬‬

‫صحُفا مُ َطهّ َرةً (‪)2‬‬


‫َرسُو ٌل مِنْ اللّ ِه َيتْلُوا ُ‬

‫وهي رسول ال ممد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬يتلو قرآنًا ف صحف مطهرة‪.‬‬

‫فِيهَا ُكُتبٌ َقيّ َمةٌ (‪)3‬‬

‫ف تلك الصحف أخبار صادقة وأوامر عادلة‪ ،‬تدي إل الق وإل صراط مستقيم‪.‬‬

‫ق الّذِينَ أُوتُوا الْ ِكتَابَ إِلّ مِنْ بَعْ ِد مَا جَا َءْتهُ ْم الَْبّيَنةُ (‪)4‬‬
‫َومَا تَفَ ّر َ‬

‫وما اختلف الذين أوتوا الكتاب من اليهود والنصارى ف كون ممد صلى ال عليه وسلم رسول حقًا؛ لا‬
‫يدو نه من نع ته ف كتاب م‪ ,‬إل مِن ب عد ما تبينوا أ نه ال نب الذي ُوعِدوا به ف التوراة والن يل‪ ,‬فكانوا‬
‫متمعي على صحة نبوته‪ ,‬فلما ُبعِث جحدوها وتفرّقوا‪.‬‬

‫َومَا ُأمِرُوا إِلّ ِلَيعْبُدُوا اللّهَ مُخِْلصِيَ لَهُ الدّينَ ُحنَفَا َء َوُيقِيمُوا الصّلةَ َوُي ْؤتُوا الزّكَاةَ وَذَلِكَ دِي ُن اْل َقيّ َمةِ (‪)5‬‬

‫وما أمروا ف سائر الشرائع إل ليعبدوا ال وحده قاصدين بعبادتم وجهه‪ ,‬مائلي عن الشرك إل اليان‪,‬‬
‫ويقيموا الصلة‪ ،‬وُيؤَدّوا الزكاة‪ ,‬وذلك هو دين الستقامة‪ ,‬وهو السلم‪.‬‬

‫ِإنّ الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ أَهْ ِل اْل ِكتَابِ وَالْمُشْرِ ِكيَ فِي نَارِ َج َهنّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ُأوَْلئِكَ هُ ْم َش ّر الْبَ ِرّيةِ (‪)6‬‬

‫إن الذين كفروا من اليهود والنصارى والشركي عقابم نار جهنم خالدين فيها‪ ,‬أولئك هم أشد الليقة‬
‫شرا‪.‬‬

‫‪1129‬‬
‫ِإنّ الّذِينَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا الصّالِحَاتِ ُأوَْلئِكَ هُمْ َخيْ ُر اْلبَ ِرّيةِ (‪)7‬‬

‫إن الذين صَدّقوا ال واتبعوا رسوله وعملوا الصالات‪ ,‬أولئك هم خي اللق‪.‬‬

‫حِتهَا ا َلْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا َأبَدا رَضِيَ اللّ ُه عَْنهُ ْم وَرَضُوا َعنْهُ‬
‫ت عَدْنٍ تَجْرِي مِ ْن َت ْ‬
‫َجزَاؤُهُ ْم ِعنْدَ َرّبهِمْ َجنّا ُ‬
‫شيَ َربّهُ (‪)8‬‬ ‫ذَلِكَ لِ َمنْ خَ ِ‬

‫جزاؤهم عند ربم يوم القيامة جنات إقامة واستقرار ف منتهى السن‪ ,‬تري من تت قصورها النار‪,‬‬
‫خالدين فيها أبدًا‪ ,‬رضي ال عنهم فقبل أعمالم الصالة‪ ,‬ورضوا عنه با أع ّد لم من أنواع الكرامات‪,‬‬
‫ذلك الزاء السن لن خاف ال واجتنب معاصيه‪.‬‬

‫‪ -99‬سورة الزلزلة‬

‫ت الَ ْرضُ زِلْزَاَلهَا ( ‪َ )1‬وأَخْ َر َجتْ الَ ْرضُ َأثْقَاَلهَا (‪ )2‬وَقَا َل الِنسَا ُن مَا َلهَا (‪)3‬‬
‫إِذَا زُلْزَِل ْ‬

‫إذا رُجّت الرض رجّا شديدًا‪ ,‬وأخرجت ما ف بطنها من موتى وكنوز‪ ,‬وتساءل النسان فزعًا‪ :‬ما الذي‬
‫حدث لا؟‬

‫حدّثُ أَ ْخبَا َرهَا (‪ِ )4‬بأَنّ َربّكَ َأوْحَى َلهَا (‪)5‬‬


‫َي ْومَئِ ٍذ تُ َ‬

‫يوم القيامة تب الرض با عُمل عليها من خي أو شر‪ ,‬وبأن ال سبحانه وتعال أمرها بأن تب با عُمل‬
‫عليها‪.‬‬

‫َي ْومَئِ ٍذ َيصْدُ ُر النّاسُ َأ ْشتَاتا ِلُي َروْا َأعْمَاَلهُمْ (‪)6‬‬

‫يومئذ ير جع الناس عن موقف الساب أصنافًا متفرق ي؛ لييهم ال ما عملوا من ال سيئات وال سنات‪,‬‬
‫ويازيهم عليها‪.‬‬
‫‪1130‬‬
‫فَمَ ْن َيعْمَلْ مِْثقَالَ ذَ ّرةٍ َخيْرا يَرَه (‪َ )7‬ومَ ْن َيعْمَ ْل ِمثْقَالَ ذَ ّر ٍة شَرّا يَرَه (‪)8‬‬

‫ف من يع مل وزن نلة صغية خيًا‪ ،‬ير ثوا به ف الخرة‪ ,‬و من يع مل وزن نلة صغية شرًا‪ ,‬ير عقا به ف‬
‫الخرة‪.‬‬

‫‪ -100‬سورة العاديات‬

‫ضبْحا (‪)1‬‬
‫وَالْعَا ِديَاتِ َ‬

‫أق سم ال تعال بال يل الاريات ف سبيله ن و العدوّ‪ ,‬ح ي يظ هر صوتا من سرعة عَ ْدوِ ها‪ .‬ول يوز‬
‫للمخلوق أن يقسم إل بال‪ ,‬فإن القسم بغي ال شرك‪.‬‬

‫فَالْمُو ِريَاتِ قَدْحا (‪)2‬‬

‫فاليل اللت تنقدح النار من صلبة حوافرها؛ من شدّة عَدْوها‪.‬‬

‫صبْحا (‪)3‬‬
‫فَالْ ُمغِيَاتِ ُ‬

‫فالغيات على العداء عند الصبح‪.‬‬

‫َفَأثَ ْرنَ بِ ِه َنقْعا (‪)4‬‬

‫فهيّجْ َن بذا العَدْو غبارًا‪.‬‬

‫َف َوسَطْ َن بِهِ جَمْعا (‪)5‬‬

‫‪1131‬‬
‫فتوسّطن بركبانن جوع العداء‪.‬‬

‫خيْرِ لَشَدِيدٌ (‪)8‬‬


‫ب الْ َ‬
‫ح ّ‬
‫شهِيدٌ (‪َ )7‬وِإنّهُ لِ ُ‬
‫ِإنّ الِنسَانَ لِ َربّهِ َل َكنُودٌ (‪َ )6‬وِإنّهُ عَلَى ذَلِكَ لَ َ‬

‫إن النسان لِنعم ربه لَجحود‪ ,‬وإنه بحوده ذلك لقر‪ .‬وإنه لب الال لشديد‪.‬‬

‫أَفَل َيعَْلمُ إِذَا بُ ْعثِ َر مَا فِي اْلقُبُورِ (‪)9‬‬

‫أفل يعلم النسان ما ينتظره إذا أخرج ال الموات من القبور للحساب والزاء؟‬

‫وَ ُحصّ َل مَا فِي الصّدُورِ (‪)10‬‬

‫واستُخرج ما استتر ف الصدور من خي أو شر‪.‬‬

‫خبِيٌ (‪)11‬‬
‫ِإنّ َرّبهُ ْم ِبهِ ْم َي ْو َمئِذٍ لَ َ‬

‫إن ربم بم وبأعمالم يومئذ لبي‪ ,‬ل يفى عليه شيء من ذلك‪.‬‬

‫‪ -101‬سورة القارعة‬

‫الْقَا ِر َعةُ (‪)1‬‬

‫الساعة الت تقرع قلوب الناس بأهوالا‪.‬‬

‫مَا الْقَا ِر َعةُ (‪)2‬‬

‫‪1132‬‬
‫أيّ شيء هذه القارعة؟‬

‫َومَا أَدْرَاكَ مَا اْلقَا ِر َعةُ (‪)3‬‬

‫وأيّ شيء أعلمك با؟‬

‫ش الْ َمبْثُوثِ (‪)4‬‬


‫َي ْومَ َيكُو ُن النّاسُ كَاْلفَرَا ِ‬

‫ف ذلك اليوم يكون الناس ف كثرتم وتفرقهم وحركتهم كالفراش النتشر‪ ،‬وهو الذي يتساقط ف النار‪.‬‬

‫جبَالُ كَاْل ِعهْ ِن الْمَنفُوشِ (‪)5‬‬


‫َوتَكُونُ الْ ِ‬

‫وتكون البال كالصوف متعدد اللوان الذي يُْنفَش باليد‪ ,‬فيصي هباء ويزول‪.‬‬

‫ضيَةٍ (‪)7‬‬
‫شةٍ رَا ِ‬
‫ت َموَازِينُهُ (‪َ )6‬ف ُهوَ فِي عِي َ‬
‫َفَأمّا مَ ْن َثقَُل ْ‬

‫فأما من رجحت موازين حسناته‪ ,‬فهو ف حياة مرضية ف النة‪.‬‬

‫َوَأمّا مَنْ َخ ّفتْ َموَازِينُهُ (‪َ )8‬فُأمّهُ هَا ِوَيةٌ (‪)9‬‬

‫وأما من خفت موازين حسناته‪ ,‬ورجحت موازين سيئاته‪ ,‬فمأواه جهنم‪.‬‬

‫َومَا أَدْرَاكَ مَا ِهيَهْ (‪)10‬‬

‫وما أدراك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ما هذه الاوية؟‬

‫نَارٌ حَا ِمَيةٌ (‪)11‬‬

‫‪1133‬‬
‫إنا نار قد حَمِيت من الوقود عليها‪.‬‬

‫‪ -102‬سورة التكاثر‬

‫أَْلهَاكُمْ الّتكَاثُرُ (‪)1‬‬

‫شغلكم عن طاعة ال التفاخر بكثرة الموال والولد‪.‬‬

‫َحتّى زُ ْرتُ ْم الْ َمقَابِرَ (‪)2‬‬

‫واستمر اشتغالكم بذلك إل أن صرت إل القابر‪ ,‬ودُفنتم فيها‪.‬‬

‫ف َتعْلَمُونَ (‪)3‬‬
‫َكلّ َسوْ َ‬

‫ما هكذا ينبغي أن يُلْهيكم التكاثر بالموال‪ ,‬سوف تتبيّنون أن الدار الخرة خي لكم‪.‬‬

‫ل َسوْفَ َتعَْلمُونَ (‪)4‬‬


‫ثُمّ َك ّ‬

‫ث احذروا سوف تعلمون سوء عاقبة انشغالكم عنها‪.‬‬

‫سأَلُ ّن َي ْومَئِ ٍذ عَ نْ‬


‫جحِي مَ ( ‪ )6‬ثُمّ َلتَ َر ْوَنهَا َعيْ نَ الَْيقِيِ ( ‪ )7‬ثُمّ َلتُ ْ‬
‫َكلّ َل ْو َتعْلَمُو نَ عِ ْل َم اْلَيقِيِ (‪َ )5‬لتَ َروْ نَ الْ َ‬
‫الّنعِيمِ (‪)8‬‬

‫ما هكذا ينبغي أن يلهيكم التكاثر بالموال‪ ,‬لو تعلمون حق العلم لنزجرت‪ ,‬ولبادرت إل إنقاذ أنفسكم‬
‫من اللك‪ .‬لتبص ُرنّ الحيم‪ ,‬ث لتبص ُرنّها دون ريب‪ ,‬ث لتسألُ ّن يوم القيامة عن كل أنواع النعيم‪.‬‬

‫‪1134‬‬
‫‪ -103‬سورة العصر‬

‫سرٍ (‪)2‬‬
‫وَالْ َعصْرِ (‪ِ )1‬إ ّن الِنسَانَ َلفِي خُ ْ‬

‫أقسم ال بالدهر على أن بن آدم لفي هلكة ونقصان‪ .‬ول يوز للعبد أن يقسم إل بال‪ ,‬فإن القسم بغي‬
‫ال شرك‪.‬‬

‫صبْرِ (‪)3‬‬
‫صوْا بِال ّ‬
‫ح ّق َوتَوَا َ‬
‫صوْا بِالْ َ‬
‫ت َوتَوَا َ‬
‫إِلّ الّذِينَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا الصّالِحَا ِ‬

‫إل الذين آمنوا بال وعملوا عمل صالًا‪ ,‬وأوصى بعضهم بعضًا بالستمساك بالق‪ ,‬والعمل بطاعة ال‪,‬‬
‫والصب على ذلك‪.‬‬

‫‪ -104‬سورة المزة‬

‫َويْلٌ ِلكُلّ هُ َم َزةٍ ُلمَ َزةٍ (‪)1‬‬

‫شر وهلك لكل مغتاب للناس‪ ,‬طعان فيهم‪.‬‬

‫الّذِي جَ َم َع مَا ًل َوعَدّ َدهُ (‪)2‬‬

‫الذي كان هّه جع الال وتعداده‪.‬‬

‫سبُ أَ ّن مَالَهُ أَخَْل َدهُ (‪)3‬‬


‫يَحْ َ‬

‫يظن أنه ضَمِنَ لنفسه بذا الال الذي جعه‪ ,‬اللود ف الدنيا والفلت من الساب‪.‬‬

‫‪1135‬‬
‫َكلّ َلُيْنبَ َذنّ فِي الْحُ َط َمةِ (‪)4‬‬

‫ليس المر كما ظن‪ ,‬ليُطرحنّ ف النار الت تشم كل ما يُلْقى فيها‪.‬‬

‫َومَا أَدْرَاكَ مَا الْحُ َط َمةُ (‪)5‬‬

‫وما أدراك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ما حقيقة النار؟‬

‫نَارُ اللّ ِه الْمُوقَ َدةُ (‪ )6‬الّتِي تَطّلِ ُع عَلَى الَ ْفئِ َدةِ (‪)7‬‬

‫إنا نار ال الوقدة الت من شدتا تنفُذ من الجسام إل القلوب‪.‬‬

‫ِإّنهَا عََلْيهِ ْم مُوصَ َدةٌ (‪ )8‬فِي عَ َم ٍد مُمَدّ َدةٍ (‪)9‬‬

‫إنا عليهم مطبَقة ف سلسل وأغلل مطوّلة؛ لئل يرجوا منها‪.‬‬

‫‪ -105‬سورة الفيل‬

‫ب اْلفِيلِ (‪)1‬‬
‫ك ِبأَصْحَا ِ‬
‫أَلَ ْم تَرَى َكيْفَ َفعَلَ َربّ َ‬

‫أل تعلم ‪-‬أي ها الر سول‪ -‬ك يف ف عل ر بك بأ صحاب الف يل‪ :‬أبر هة الب شي وجي شه الذ ين أرادوا تدم ي‬
‫الكعبة الباركة؟‬

‫جعَلْ َكيْ َدهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (‪)2‬‬


‫أَلَ ْم يَ ْ‬

‫أل يعل ما دبّروه من شر ف إبطال وتضييع؟‬

‫‪1136‬‬
‫حجَا َر ٍة مِ ْن سِجّيلٍ (‪)4‬‬
‫َوأَ ْرسَ َل عََلْيهِ ْم طَيْرا َأبَابِيلَ (‪ )3‬تَ ْرمِيهِ ْم بِ ِ‬

‫وبعث عليهم طيًا ف جاعات متتابعة‪ ,‬تقذفهم بجارة من طي متحجّر‪.‬‬

‫ف َمأْكُولٍ (‪)5‬‬
‫جعََل ُهمْ َكعَصْ ٍ‬
‫فَ َ‬

‫فجعلهم به مطمي كأوراق الزرع اليابسة الت أكلتها البهائم ث رمت با‪.‬‬

‫‪ -106‬سورة قريش‬

‫لِيلفِ ُق َرْيشٍ (‪ )1‬إِيلِفهِمْ رِ ْحَلةَ الشّتَا ِء وَالصّيْفِ (‪)2‬‬

‫اعْجَبوا للف قريش‪ ,‬وأمنهم‪ ,‬واستقامة مصالهم‪ ,‬وانتظام رحلتيهم ف الشتاء إل "اليمن"‪ ,‬وف الصيف‬
‫إل "الشام"‪ ،‬وتيسي ذلك; للب ما يتاجون إليه‪.‬‬

‫ب هَذَا اْلبَْيتِ (‪)3‬‬


‫فَ ْلَي ْعبُدُوا رَ ّ‬

‫فليشكروا‪ ,‬وليعبدوا رب هذا البيت ‪-‬وهو الكعبة‪ -‬الذي شرفوا به‪ ,‬وليوحدوه ويلصوا له العبادة‪.‬‬

‫الّذِي َأطْعَ َمهُ ْم مِنْ جُوعٍ وَآ َمَنهُ ْم مِنْ َخوْفٍ (‪)4‬‬

‫الذي أطعمهم من جوع شديد‪ ,‬وآمنهم من فزع وخوف عظيم‪.‬‬

‫‪1137‬‬
‫‪ -107‬سورة الاعون‬

‫ت الّذِي ُيكَذّبُ بِالدّينِ (‪)1‬‬


‫أَ َرَأيْ َ‬

‫أرأيت حال ذلك الذي يكذّب بالبعث والزاء؟‬

‫ع اْليَتِيمَ (‪)2‬‬
‫ك الّذِي يَ ُد ّ‬
‫فَذَلِ َ‬

‫فذلك الذي يدفع اليتيم بعنف وشدة عن حقه؛ لقساوة قلبه‪.‬‬

‫سكِيِ (‪)3‬‬
‫حضّ عَلَى َطعَامِ الْمِ ْ‬
‫وَل يَ ُ‬

‫ض غيه على إطعام السكي‪ ,‬فكيف له أن يطعمه بنفسه؟‬


‫ول ي ّ‬

‫َف َويْلٌ لِلْ ُمصَلّيَ (‪ )4‬الّذِي َن هُ ْم عَنْ صَلتِهِ ْم سَاهُونَ (‪)5‬‬

‫فعذاب شديد للمصلي الذين هم عن صلتم لهون‪ ,‬ل يقيمونا على وجهها‪ ,‬ول يؤدونا ف وقتها‪.‬‬

‫الّذِي َن هُ ْم يُرَاءُونَ (‪)6‬‬

‫الذين هم يتظاهرون بأعمال الي مراءاة للناس‪.‬‬

‫َويَ ْمَنعُونَ الْمَاعُونَ (‪)7‬‬

‫وينعون إعارة ما ل ت ضر إعار ته من الن ية وغي ها‪ ,‬فل هم أح سنوا عبادة رب م‪ ,‬ول هم أح سنوا إل‬
‫خلقه‪.‬‬

‫‪1138‬‬
‫‪ -108‬سورة الكوثر‬

‫ِإنّا َأعْ َطْينَا َك اْلكَ ْوثَرَ (‪)1‬‬

‫إنا أعطيناك ‪-‬أيها النب‪ -‬الي الكثي ف الدنيا والخرة‪ ,‬ومن ذلك نر الكوثر ف النة الذي حافتاه خيام‬
‫اللؤلؤ الجوّف‪ ,‬وطينه السك‪.‬‬

‫ك وَانْحَرْ (‪)2‬‬
‫َفصَلّ لِ َربّ َ‬

‫فأخلص لربك صلتك كلها‪ ,‬واذبح ذبيحتك له وعلى اسه وحده‪.‬‬

‫ِإنّ شَاِنئَكَ ُه َو الَْبتَرُ (‪)3‬‬

‫إن مبغضك ومبغض ما جئت به من الدى والنور‪ ,‬هو النقطع أثره‪ ,‬القطوع من كل خي‪.‬‬

‫‪ -109‬سورة الكافرون‬

‫قُ ْل يَا َأّيهَا اْلكَافِرُونَ (‪)1‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للذين كفروا بال ورسوله‪ :‬يا أيها الكافرون بال‪.‬‬

‫ل َأعْبُ ُد مَا َت ْعبُدُونَ (‪)2‬‬

‫ل أعبد ما تعبدون من الصنام واللة الزائفة‪.‬‬

‫وَل أَْنتُ ْم عَابِدُونَ مَا َأ ْعبُدُ (‪)3‬‬

‫‪1139‬‬
‫ول أنتم عابدون ما أعبد من إله واحد‪ ,‬هو ال رب العالي الستحق وحده للعبادة‪.‬‬

‫وَل أَنَا عَابِ ٌد مَا َعبَدتّمْ (‪)4‬‬

‫ول أنا عابد ما عبدت من الصنام واللة الباطلة‪.‬‬

‫وَل أَْنتُ ْم عَابِدُونَ مَا َأ ْعبُدُ (‪)5‬‬

‫ول أنتم عابدون مستقبل ما أعبد‪ .‬وهذه الية نزلت ف أشخاص بأعيانم من الشركي‪ ،‬قد علم ال أنم‬
‫ل يؤمنون أبدًا‪.‬‬

‫َلكُمْ دِيُنكُمْ وَلِيَ دِينِ (‪)6‬‬

‫لكم دينكم الذي أصررت على اتباعه‪ ,‬ول دين الذي ل أبغي غيه‪.‬‬

‫‪ -110‬سورة النصر‬

‫إِذَا جَا َء َنصْرُ اللّ ِه وَاْلفَتْحُ (‪)1‬‬

‫إذا تّ لك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬النصر على كفار قريش‪ ,‬وت لك فتح "مكة"‪.‬‬

‫ت النّاسَ يَ ْدخُلُونَ فِي دِينِ اللّهِ أَ ْفوَاجا (‪)2‬‬


‫وَ َرَأيْ َ‬

‫ورأيت الكثي من الناس يدخلون ف السلم جاعات جاعات‪.‬‬

‫ك وَا ْسَت ْغفِ ْرهُ ِإنّهُ كَانَ َتوّابا (‪)3‬‬


‫سبّ ْح بِحَ ْمدِ َربّ َ‬
‫فَ َ‬

‫‪1140‬‬
‫إذا و قع ذلك فته يأ للقاء ر بك بالكثار من الت سبيح بمده والكثار من ا ستغفاره‪ ,‬إ نه كان توابًا على‬
‫السبحي والستغفرين‪ ,‬يتوب عليهم ويرحهم ويقبل توبتهم‪.‬‬

‫‪ -111‬سورة السد‬

‫ب َوتَبّ (‪)1‬‬
‫ت يَدَا َأبِي َل َه ٍ‬
‫َتبّ ْ‬

‫خسرت يدا أب لب وشقي بإيذائه رسول ال ممدا صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وقد تقق خسران أب لب‪.‬‬

‫سبَ (‪)2‬‬
‫مَا َأغْنَى َعنْ ُه مَالُهُ َومَا كَ َ‬

‫ما أغن عنه ماله وولده‪ ,‬فلن يَ ُردّا عنه شيئًا من عذاب ال إذا نزل به‪.‬‬

‫َسيَصْلَى نَارا ذَاتَ َل َهبٍ (‪ )3‬وَامْ َرَأتُهُ َحمّاَل َة الْحَ َطبِ (‪)4‬‬

‫سيدخل نارًا متأججة‪ ,‬هو وامرأته الت كانت تمل الشوك‪ ,‬فتطرحه ف طريق النب صلى ال عليه وسلم؛‬
‫لذيّته‪.‬‬

‫فِي جِي ِدهَا َحبْ ٌل مِ ْن مَسَدٍ (‪)5‬‬

‫ف عنقها حبل مكم ال َفتْ ِل مِن ليف شديد خشن‪ُ ,‬ترْفَع به ف نار جهنم‪ ,‬ث تُرْمى إل أسفلها‪.‬‬

‫‪ -112‬سورة الخلص‬

‫‪1141‬‬
‫قُ ْل ُهوَ اللّهُ أَحَدٌ (‪)1‬‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬هو ال التفرد باللوهية والربوبية والساء والصفات‪ ،‬ل يشاركه أحد فيها‪.‬‬

‫اللّ ُه الصّ َمدُ (‪)2‬‬

‫ال وحده القصود ف قضاء الوائج والرغائب‪.‬‬

‫لَ ْم يَِل ْد وَلَ ْم يُولَدْ (‪)3‬‬

‫ليس له ولد ول والد ول صاحبة‪.‬‬

‫وَلَ ْم َيكُنْ لَهُ ُكفُوا أَحَدٌ (‪)4‬‬

‫ول ي كن له ماثل ول مشابًا أ حد من خل قه‪ ,‬ل ف أ سائه ول ف صفاته‪ ,‬ول ف أفعاله‪ ,‬تبارك وتعال‬
‫وتقدّس‪.‬‬

‫‪ -113‬سورة الفلق‬

‫ب اْلفَلَقِ (‪)1‬‬
‫قُلْ َأعُو ُذ بِرَ ّ‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬أعوذ وأعتصم برب الفلق‪ ,‬وهو الصبح‪.‬‬

‫مِ ْن شَ ّر مَا َخلَقَ (‪)2‬‬

‫من شر جيع الخلوقات وأذاها‪.‬‬

‫‪1142‬‬
‫َومِ ْن شَ ّر غَاسِقٍ إِذَا وََقبَ (‪)3‬‬

‫ومن شر ليل شديد الظلمة إذا دخل وتغلغل‪ ,‬وما فيه من الشرور والؤذيات‪.‬‬

‫َومِ ْن شَ ّر النّفّاثَاتِ فِي الْ ُعقَدِ (‪)4‬‬

‫ومن شر الساحرات اللت ينفخن فيما يعقدن من ُعقَد بقصد السحر‪.‬‬

‫َومِ ْن شَرّ حَا ِسدٍ إِذَا حَسَدَ (‪)5‬‬

‫ومن شر حاسد مبغض للناس إذا حسدهم على ما وهبهم ال من نعم‪ ,‬وأراد زوالا عنهم‪ ،‬وإيقاع الذى‬
‫بم‪.‬‬

‫‪ -114‬سورة الناس‬

‫ب النّاسِ (‪)1‬‬
‫قُلْ َأعُو ُذ بِرَ ّ‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬أعوذ وأعتصم برب الناس‪ ,‬القادر وحده على ردّ شر الوسواس‪.‬‬

‫ك النّاسِ (‪)2‬‬
‫مَلِ ِ‬

‫ملك الناس التصرف ف كل شؤونم‪ ,‬الغنّ عنهم‪.‬‬

‫إِلَهِ النّاسِ (‪)3‬‬

‫إله الناس الذي ل معبود بق سواه‪.‬‬

‫‪1143‬‬
‫خنّاسِ (‪)4‬‬
‫س الْ َ‬
‫مِ ْن شَ ّر اْل َو ْسوَا ِ‬

‫من أذى الشيطان الذي يوسوس عند الغفلة‪ ,‬ويتفي عند ذكر ال‪.‬‬

‫الّذِي ُي َوسْوِسُ فِي صُدُو ِر النّاسِ (‪)5‬‬

‫الذي يبثّ الشر والشكوك ف صدور الناس‪.‬‬

‫جّنةِ وَالنّاسِ (‪)6‬‬


‫مِ ْن الْ ِ‬

‫من شياطي الن والنس‪.‬‬

‫ت بمد ال ومنته ف شهر صفر من عام ‪ 1425‬نقل هذا التفسي من موقع ممع اللك فهد لطباعة‬
‫الصحف نقله أخوكم تركي ( حي اللك فهد )‬
‫فل تنسون من دعائكم ول تنسوا من كان سببا ف ذلك‬
‫جعلن ال وإياكم من أهل القرآن حقا‬

‫‪1144‬‬

You might also like