Professional Documents
Culture Documents
---------------
هناك صعوبات عديدة يعرفها أي باحث يتصدى لتناول التيار الشتراكي – الماركسي – بوجه عام ,
وموقف هذا التيار من مفهوم المواطنة بصورة أخص ,فمن ناحية اتسمت الحركة الماركسية المصرية
بالسرية والتكتم ,وتمثلت في تنظيمات غير علنية ومن ثم فإن الكثير من أدبياتها السياسية والفكرية ل
يزال الكثير منها غير معروف حتى اليوم ,كما عانت الحركة الماركسية منذ بداياتها ,ول تزال حركة
انقسام وتشظي ل ينتهي ,وهذا يؤدي إلي حيرة الباحث تجاه موقف هذا الفصيل أو ذاك في هذه اللحظة
التاريخية أو غيرها .من ناحية ثالثة ,فقد تعرضت الحركة الماركسية ,لنوع من التشويه المتعمد من قبل
()127
القوي السياسية المناوئة ,حتى تدفع الجماهير للعزوف عنها والتخلي عن برامجها من أجل إضعافها
.وتزداد هذه الصعوبة تفاقما حين يحاول المرء استجلء موقف هذه التيارات من مبدأ المواطنة – إذا أن
الموقف الماركسي التقليدي من المواطنة هو الفتور و السلبية ,علي اعتبار أنه مفهوم ليبرالي بورجوازي
– نشأ مع الدولة القومية – وتوقف عند تأكيد الحقوق المدنية والسياسية دون القتصادية الجتماعية
والذي لم يكن يعني في التطبيق العملي سوي حماية حقوق الطبقات التي تملك بأكثر مما يحمي مصالح
الذين ل يملكون – فضلً عن تعارضه مع التجاه العام للماركسية في النحياز للممية علي حساب
القومية ,وأنه في أفضل الحوال حلقة من حلقات التطور السياسي لكن التوقف عنده تجميد لحركة التطور
التي تفتح الباب من أجل إيجاد المجتمع الشيوعي الل طبقي .ولعل تلك العوامل السابقة يمكن أن تدفع
الباحث إلي التخلي عن محاولة تحديد موقف التيار الماركسي من مسألة المواطنة ,هذا إذا وضعنا كذلك
في العتبار أن ثمة فقر نظري للحركة الماركسية المصرية تجاه هذه المسألة لرتباطها كذلك بالديمقراطية
وحقوق النسان ,وهي المفاهيم التي كانت موضع عدم اعتناء من التيار الماركسي ,إل أنه وبالرغم من
كل ذلك ,فإن التيار الماركسي له في الواقع أهمية فريدة ل تغري بذلك التجاوز ,بل علي العكس تدفع
إلي أخذ موقف إيجابي نحو جلء القسمات الفكرية والنضالية لهذا التيار ,وتحديد ملمحه علي الخريطة
الفكرية المصرية بما هو جدير به .حيث يتميز التيار الماركسي ( برؤيته الموضوعية العلمية والعملية
للواقع السياسي تاريخيا وطبقيا ,والتي تتجسد في برامج تتسم بالفاق الستراتيجية ,والجراءات
التكتيكيتة والخصوصية الوطنية والبعد الدولي النساني ) والخطاب الماركسي خطاب صاغته القوي
الوطنية المنحازة لصالح الجماهير الشعبية ,ويتسع مفهومه ليشمل مختلف المواقف السياسة والطبقية
واليديولوجية المعادية للمبريالية والستغلل والتخلف ,والستبداد ,والجمود الفكري ,ولهذا تصوغه
مصطلحات الستقلل والتحرر الوطني والقتصادي ,والتقدم الجتماعي والزدهار الديمقراطي والتفتح
الثقافي .وقد اعتمد هذا الخطاب منهج الفكر العلمي كبديل للفكر المثالي ,ورفض التعصب الثني
والقومي والمناداة بتأمين المساواة في الجور ,وفصل الدين عن سلطة الدولة ,والتحرر من الستبداد
والبؤس أو بتعبير شبلي شميلي " وضع نظام يكبح جماح الجبابرة الظالمين ,ويخفف العناء عن الضعفاء
والمظلومين "
()128
69
وكان تأليف الحزب الشتراكي المصري في ذلك الحين ,وفي ظل الظروف شبه القطاعية والرأسمالية
السائدة ,حدثا ثوريا بكل المعايير وقد جاء برنامجه مزيجا من المبادئ الماركسية ومبادئ الشتراكية
الفابية ,وقد قسم الحزب برنامجه إلي ثلثة أقسام -:
فهو سياسيا " :يطالب بتحرير مصر من نير الستعمار عن وادي النيل " ويؤيد حرية الشعوب واختيار
المصير " والتآخي بين جميع المم علي قاعدة المساواة والمنفعة المتبادلة ,ومجابهة الستعمار أينما وجد
وإلغاء المعاهدات السرّية -:
( والملحظ أن تلك هي المبادئ التي اعتنقتها ثورة يوليو بعد نصف قرن ,وأعطتها وجهها التقدمي أمام
العالم) واقتصاديا " يعلن الحزب عزمة علي إنشاء مجتمع اقتصادي يقوم علي توحيد الثروة الطبيعية ,
ومصادر النتاج لمجموع المة والخذ بالتوزيع العادل للثمرات علي العامليين طبقا لقانون النتاج والكفائة
الشخصية .واجتماعيا " طالب بتحسين أجور العمال وتقرير المكافآت والمعاشات لهم حين يعجزون ,
والعطلة القهرية ,كما طالب بتحرير المرآة الشرقية وتربيتها تربية سليمة منتجة ,وتحرير حقـوق النيابة
والنتخاب من القيود المالية وغيرها وحق العمل لجميع أفراد المة نســاء ورجــال " .وقد أعلن
الحزب عزمه علي إتباع الوسائل السلمية والصراع الحزبي وإنشاء النقابات الزراعية والصناعية الحرة
ونقابات النتاج والستهلك........الخ لكن لم يلبث أن حدث انشقاق في قيادة الحزب لسباب أيديولوجية
,ليتم إعلن تكوين الحزب الشيوعي المصري ,بديلً عن الحزب الشتراكي سنه .)130( " 1922وقد
أسس الحزب روزنتال في السكندرية ,وكان للحزب نفوذ واسع علي عدد كبير من النقابات مثل نقابات
عمال الغاز وعمال النصر وشركة الغزل والنسيج ونقابة عمال الترام ........,الخ .وقد هاجم الحزب
دستور 1923
وطالب بإلغاء الدين العمومي ,وإلغاء المتيازات الجنبية ,وجعل قناة السويس مرفقا أهليا أي تأميمها .
وكان أهم ما فعله الحزب وضع برنامج للفلحين يتضمن مصادره جميع الراضي المملوكة للفراد التي
تزيد عن مائة فدان بدون تعويض ,وتوزيع ما يزيد منها علي الفلحين المعدمين ,وقد وجه الحزب
خطابا إلي سعد زغلول زعيم المة يطالبه بالعتراف بنقابات العمال والفلحين وحقها في الدفاع عن
حقوقها القتصادية والجتماعية والسياسية
-والعتراف بالحكومة السوفيتية أسوة بالمم المتمدنة
(-ملحظة هامة :قام عبد الناصر فيما بعد بتأميم القناة /اعترف الوفد بالنقابات ) ولم يلبث
الحزب أن دخل في صدام عنيف مع الوفد أدي إلي حله .
فترة الثلثينات والربعينات -:
-في الثلثينات عاودت التيارات الماركسية الظهور مرة أخري ,في إطار العمل الثقافي تارة ,
ومن خلل الجمعيات المعادية للفاشية تارة أخري ومع ظهور التناقضات الجتماعية والقتصادية
في الربعينيات ,شهدت الحركة الشيوعية صحوة تنظيمية ,وإن من خلل عدد من السماء
الجنبية " أهمهم هليل شوارتز الذي قام بتأسيس تنظيم شيوعي باسم ( اسكرا " الشرارة ) هنري
كوربيل ( الحركة المصرية للتحرر الوطني ) مارسيل كولومب ( تحرير الشعب ) ,وفي أعقاب
70
الحرب العالمية الثانية تصاعد مد الخطاب الماركسي نتيجة تصاعد المواجهة مع الستعمار ,
وتبلور وعي الطبقة العاملة المصرية ,وتنامي أيديولوجيتها ,وظهور المنابر السياسية المعبرة
عنها وقد ساعد عليه صدور لئحة العمل سنه ( )1939والعتراف باتحادات العمال الصناعيين
,واستقللها عن الطبقة العاملة الجنبية وأحزاب البورجوازية المصرية ,وانتشار حركة تكوين
النقابات ودخول الرأسمالية المصرية إلي ميدان الستغلل القتصادي إلي جانب الرأسمالية
الجنبية ,مما ترتب عليه أن أصبح العمل الوطني بالنسبة للعمال يعني التحرر الوطني والتحرر
الجتماعي في آن واحد في مواجهة قوي الستغلل والسيطرة الجنبية المحلية والجنبية (.)131
-ومن الملحظ تحمس الكثير من الشباب الوطني للماركسية في صيغتها اللينينية ,ولقد ساعد علي
انتشار اللينينية تفاعلها مع الظروف الموضوعية لتطور الحركة المصرية ,فقد كانت هي الصيغة الوحيدة
التي تقدم تبريرا ,نظريا للمهام التية -:
-طرحت علي الشيوعيين استكمال مهام الثورة البورجوازية التي عجزت عن استكمالها
-خصصت لحركات التحرر الوطني دورا رئيسيا في التخلص من النظام الرأسمالي في العالم كله
()132
-جعلت المثقفين الثوريين يلعبون الدور المركزي في عملية الصراع الطبقي في المجتمع "
-ومن الجدير بالذكر أن خلل الربعينيات نشأت بالضافة إلي التنظيمات الماركسية السابقة التي يقودها
الجانب ,العديد من الجماعات والحركات الصغيرة ,كعصبة الماركسين ,طليعه العمال – جماعة الخبز
والحرية ,وصدرت العديد من الجرائد والمجلت المعبرة عن هذه التنظيمات كما تكونت بعض دور النشر
مثل مركز البحاث العلمية ودار القرن العشرين ,لجنة نشر الثقافة الجديدة وساهمت تلك التنظيمات ,في
مظاهرات 1946وفي الكفاح ضد حكم صدقي الديكتاتوري وفي إنشاء لجنة الطلبة والعمال ,وقد لعب
الشيوعيون دورا مؤثرا في الحركة الوطنية المصرية بسبب من قدراتهم التنظيمية وجاذبية الشعارات التي
يرفعونها ,وانخراطهم في الكفاح الوطني ,وأقام الشيوعيون صلت وثيقة مع حزب الوفد فيما عرف
بالطليعة الوفدية ,ولعل أهم ما تمخضت عنه الربعينيات هو ظهور الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني
( حديتو ) التي نتجت عن اتحاد الحركة الوطنية للتحرر الوطني ,و اسكرا .بينما اتحدت باقي التنظيمات
في تنظيم أخر ,وقد تميزت (حديتو) باهتمامها بالعمل في صفوف الجيش ,وبنشاط هام وسط القلية
النوبية والطلبة السودانيين والعرب عموما بهدف خلق تكوينات من الكوادر تستطيع إقامة منظمات شيوعية
في الوطن الم .وعندما انتهت الحرب العالمية ,انطلق الشيوعيون في تأسيس اللجان الوطنية للعمال
والطلبة التي توحدت في إطار منظمة ذات نفوذ جماهيري عارم هي اللجنة الوطنية للعمال والطلبة سنه
1946والتي هزّت أركان الحكم وأركان الستعمار معا ,وقادت مظاهرات عارمة ,ونجحت في تنظيم
إضراب عام لجميع هيئات الشعب في 21فبراير 1946وفي مارس أعلنت اللجنة الحداد العام علي
شهداء 21فبراير فأغلقت المدارس والمتاجر ,و احتجبت الصحف ووقعت في السكندرية حوادث دامية "
(. )133
71
-وقد وضعت حديتو برنامجها السياسي 1950الذي تضمن ( طرد الستعمار وتحقيق الجلء والكفاح
المسلح وعدم دخول مصر في أية أحلف عسكرية مع دول الغرب ,وعقد معاهدة صداقة مع التحاد
السوفيتي المطالبة بتأميم القناة – توسيع الحريات الديمقراطية بإلغاء القيود التشريعية التي تحد من
حرية الصحافة والجتماع وتكوين الحزاب مع الفراج عن المسجونين السياسيين وطالبت الحركة
..ولقد دعا البرنامج إلي إقامة جبهة ()134
الديمقراطية بتحديد الملكية الزراعية والقضاء علي القطاع"
شعبية في شكل تحالف بين العمال والفلحين والفئات الدنيا من الطبقة الوسطي والمثقفين
والديمقراطيين وإقامة حكومة ديمقراطية تتشكل من فئات الجبهة الشعبية تحت قيادة الطبقة العاملة
وبذلك تكون هذه هي دكتاتورية الشعب في مواجهة الستعمار وحلفائه وخططه ,كما أن هذه الحكومة
سوف تمنح الشعب حرياته الديمقراطية كاملة " ( .)135كذلك تكون تنظيم " الحزب الشيوعي المصري
من بعض القياديين العائدين ,من بعثات دراسية في فرنسا وأهمهم د .فؤاد مرسي ,د .إسماعيل
صبري عبدال وغيرهم " وقد تم نشر برنامج الحزب كاملً في صحيفة روزا اليوسف في 17إبريل
العدد 1192سنه , 1951تحت عنوان برنامج الحزب الشيوعي المصري لعل من أهم ما تضمنه :
-الستقلل والتحرر من الستعمار الجنبي ,النجليزي والمريكي ,وجلء القوات البريطانية عن
مصر والسودان .
-القضاء عل نظام كبار ملك الراضي الزراعية ,والرأسماليين والحتكاريين ,الذي يستند إلي قوة
الستعمار المسلح .
-إقامة الديمقراطية التي يكون فيها الحكم للشعب من العمال والفلحين والوطنيين الديمقراطيين
مصادرة الملكيات الزراعية الكبيرة ما يزيد عن 50فدانا وإعادة توزيعها علي الفلحين الفقراء
-إطلق الحريات السياسية بجميع أنواعها " حرية الكتابة ,النشر والكلم ,العقيدة ,التظاهر ,الحزاب
والجتماع وحرية الطبقات الشعبية ,في تكوين الهيئات والنقابات والحزاب التي تدافع عن مصالحها .
-بناء جيش شعبي ديمقراطي من جميع أبناء الشعب ,يصون مصالح الشعب ويدعم السلم العالمي
-تحسين مستوي معيشة العمال وفئات الشعب الخرى وبخاصة الفلحين والموظفين ,وتأمين العمال
ضد البطالة والمرض والشيخوخة ,وجعل ساعات العمل 40ساعة في السبوع .
-فرض الضرائب التصاعدية علي الدخل والرباح غير العادية والتركات ,وإعفاء العمال وفقراء
الفلحين وصغار الموظفين من الضرائب غير المباشرة التي تصيب المستهلكين الفقراء .
تحرير المرآة من قيود الحريم الستبدادية المتأخرة ,ومساواتها بالرجل في جميع المور .
جعل التعليم بجميع مراحله حقا لكل مصري بغير مقابل مع توفيره لجميع أبناء الشعب وتحرير العلوم ,
والثقافة من الفكار الستعمارية " ( ..)136ومع قيام ثورة يوليو 1952تفاوتت مواقف الفصائل الماركسية
منها بين النقد والتأييد والتحفظ ,غير أن حديتو لعبت دورا في صفوف الضباط الحرار ,فقد طبعت
منشوراتهم وقامت بتوزيعها ,إل أنها ما لبثت أن اصطدمت بعبد الناصر الذي زج بكل الفصائل الشيوعية
في السجن ,ونتيجة لضغوط عديدة مارسها النظام الناصري ,ولعدم قدرة التيارات الماركسية الرئيسية
72
علي اتخاذ موقف واضح ومحدد من ثورة يوليو ,فقد قامت معظم القيادات الماركسية بحل تنظيماتها
والنضمام فرادي إلي النظام الناصري ,بدعوى أنه يتحرك صوب تحقيق الشتراكية – وإن كان الواقع
كما يقول د .فؤاد زكريا أن عبد الناصر قد نجح في استقطاب اليسار ناحية مشروعة القومي ,بدون أن
.وفي مطلع السبعينيات بدأت الموجه الثالثة من الحركة الماركسية ,وتركزت بصفة يحدث العكس "
()137
خاصة في الجامعات وسط الطلب وظهرت تنظيمات " حزب العمال الشيوعي – الحزب الشيوعي
المصري – 8يناير – الحزب الشيوعي المصري – قادت مظاهرات حاشدة في عامي 1973 , 1972
وأشعلت إضرابات في المحلة وحلوان وشبرا وشاركت في أحداث 19 , 18يناير 1977غير أنها
تعرضت للكثير من البطش والتنكيل مما أفقدها الكثير من فعاليتها السياسية .
التيار الماركسي وقضايا المواطنة :
()1النحياز للطبقات الشعبية والمطالبة بالعدالة الجتماعية :
لعل أهم ملمح يمكن رصده في موقف التيار الماركسي من قضايا المواطنة المصرية هو ذلك النحياز
الواضح من جانبه للطبقات الشعبية عموما والطبقة العاملة بوجه خاص بالدفاع عن مصالحها المباشرة
والمساهمة في بناء منظمات سياسية لتلك الطبقات ويتضح ذلك ,خلفا لمعظم الحزاب والتيارات
السياسية الخرى التي قامت أيديولوجيتها علي التوجه نحو المجتمع عموما ولم يكن لديها ذلك النحياز
المحدد لطبقات أو فئات اجتماعية بعينها اللهم سوي الحزاب ذات البني الطبقية المحددة ,والمثير للدهشة
أنه علي الرغم أن جماهير الشعب المصري قد اشتركت في جميع الثورات والنتفاضات الوطنية وكانت
العامل الحاسم في نجاحها ,وكان الدور الذي تلعبه هو المؤثر دائما وهو الذي يدفع علي مر العصور
بتغليب الجانب الذي ينحاز لمصالحها وطموحاتها فقد غاب عن الفكر المصري أن ينظر لهذا الدور
الجماهيري ,وأن يعترف بأهميتة ويؤمن بأن مصلحة الجماهير هي الغاية من أي نضال وطني – "
وتظهر الوقائع التاريخية أن القادة الجتماعيين من مشايخ وتجار و أعيان ومفكرين كانوا يقودون
الجماهير دونما إيمان حقيقي بحقهم في السلطة وقدرتهم علي الحكم من هنا جاءت أوصاف " الحرافيش "
أو " الزعر" أو "الغوغاء" او "العامة" بحق هذه الجماهير ,وببروز الفكر الشتراكي تأخذ هذه الجزئية بعدا
جديدا ,إذا يسند لهذه الجماهير الشعبية دور هائل بضغط من الفكار الجديدة التي لم تعط فقط دورا لهذه
الجماهير ,بل طالبت بأن تمارس هذه الجماهير الشعبية بنفسها مسئوليات السلطة والحكم والنتخاب مما
كان له الثر الكبير في آن تعترف الفئات العليا في المجتمع بدور لهذه الجماهير العريضة حتى تقطع
الطريق علي الفكار الشتراكية الراديكالية ( .)138هذا وقد عكست معظم وثائق الحركة الشيوعية منذ
ظهور الحزب الشتراكي المصري 1921عطف واضح علي فقراء الفلحين وعمال الزراعة واهتماما
بالمسألة الزراعية ,هذا العطف والهتمام الذي بلغ ذروته في إصدار مجلت حزبية خاصة بالريف
وقضاياه مثل " صوت الفلحين " التي أصدرتها الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني ,ومجلة الفلح "
التي أصدرها الحزب الشيوعي المصري – " الراية " وكتاب مشكلة الفلح الذي أصدرته مجموعة الفجر
الجديد التي أسست فيما بعد منظمة طليعة العمال والفلحين ( .)139كذلك كان الشيوعيين القوي السياسية
المصرية المنظمة ذات أطول نفس في العمل في صفوف الطبقة العاملة المصرية فمنهم " السياسيون الذين
73
استمروا منذ بداية مرحلة ما بعد الحرب العالمية الولي ينخرطون في صفوف الطبقة العاملة المصرية
النامية حينذاك – محاولين تنظيمها في نقابات ,وبالنسبة للشيوعيين – خلفا لكل القوي الوطنية – سواء
الحزب الوطني في عهد " محمد فريد "خاصه أو الوفد فيما بعد ,فقد كان تشكيل النقابات عملً استراتيجيا
سواء امتلكوا حق التنظيم ( ) 1924 – 1921أو أجبروا علي العمل السري ( بعد حل الحزب عام
) 1924مما دفع القوي السياسية للنخراط في صفوف الطبقة العاملة لمحاولة تشكيل نقابات ,لكن استمر
نجاح الشيوعيين وفشلت القوي السياسية الخرى ,ويعود السبب في النجاح هنا والفشل هناك إلي أن
الشيوعيين لم يكن في ذهنهم استخدام الحركة العمال النقابية ,بل هدفهم هو تنظيمها وتعبئتها بغرض بناء
نقابات عمالية قوية ,في حين أن القوي السياسية الخرى أرادتها أداه في الصراع السياسي القائم بين هذا
الحزب أو ذاك في المعارك النتخابية البرلمانية المتعددة .
إنه عندما توجه الشيوعيون إلي الطبقة العاملة سعوا دائما إلي توحيدها تنظيميا في المصانع ثانيا ً :
وعلي مستوي الحرف وعلي مستوي الوطن .لذلك توجهوا دائما إلي استكمال بنائها وصولً إلي اتحادها
العام – عكس القوي السياسية الخرى التي بالرغم من اعترافها بحق العمال في تشكيل نقاباتهم سنه
1942إل أنها وقفت معارضه لتاسيس التحاد العام لعمال مصر .
إذا تابعنا نوعية عمل و نشاط الشيوعيين في صفوف الطبقة العاملة المصرية ,فنلحظ أنهم ثالثا ً :
ربطوا بين المطالب الحياتية للعمال والمطالب الوطنية ( رفع شعارات الجور وساعات العمل و مكافأة
نهاية الخدمة وعلوة الغلء في الوقت نفسه خروج المستعمر ورفض اتفاقية صدقي بيفن " ولم يكن لي
من القوي السياسية الخري تلك القدرة علي عمل هذا التوازن الدقيق بين الشعار المطلبي والخر الوطني
العام " (.)140
هذا وقد جاء ذلك التوجه نحو الطبقات الشعبية من عمال وفلحين من زاوية أساسية ,وهي أن تلك
الطبقات كانت من أكثر الطبقات الجتماعية ظلما وحرمان علي مر التاريخ ,بالرغم أنها هي الطبقات
الرئيسية المنتجة في المجتمع ,والمتأمل لفكرة العدالة في المجتمع المصري ,يري أنها قد ارتبطت
بالحاكم أساسا فهو الذي يقيم العدل ,ويستقيم العدل تبعا لمشيئة وإرادته ,وبما أن هذا الحاكم ليس مسئولً
أمام أحد سوي ال ,فإن هذا العدل غالبا ما يتحول علي يديه إلي ظلم فادح واستبداد بالسلطة وتتحول
أجهزة الدولة إلي أدوات لشباع نهمة ورغباته .كذلك فإن هذا العدل الذي طالما رفعت راية الجماهير
الشعبية في أكثر من فترة تاريخية – نذكر منها علي سبيل المثال " هبة الشعب المصري وعزلة لخورشيد
باشا من منصبة كوالي علي مصر وتوليه محمد علي بدلً منه " – إل أن الحقيقة أننا حين نتمعن في
طبيعة هذا العدل المطلوب فسنجده في الغالب دفعا للظلم ,أي أن العدل لم يكن مطلوبا كهدف في ذاته ,
ولكن للتصدي لظلم وقهر واستبداد الحكام ولم يكن العدل مقرونا بالطبقات الجتماعية ,و أول مرة يعرف
فيها الفكر المصري الحديث العدل الجتماعي " كان مع تفاعله بالنظريات الشتراكية المختلفة حيث أصبح
()141
العدل الجتماعي هدفا رئيسيا للنضال السياسي والجتماعي للطبقات الشعبية "
74
والواقع أن اليمان بالشعب هو أحد المنطلقات الساسية في الفكر الماركسي :حيث ينظر إلي الشعب
العامل علي أنه القوي المحركة الرئيسية في الثورة الشتراكية " ,وأنه خلفا للثورات السابقة ,حيث لم
يتعدد دور الشعب تحطيم النظام الجتماعي القديم ,فإن الشعب في مجري الثورة الشتراكية ل يقوم
بتحطيم النظام الرأسمالي القديم فحسب " ,وإنما يخلق أيضا المجتمع الشتراكي الجديد .
-إن نشاط الشعب ودوره في الحياة الجتماعية علي درجة كبيرة من الهمية في المجتمع الشتراكي .
فالشتراكية تتفق مع المصالح الحيوية للشعب العامل وتعتمد علي حماسة في بنائها ولقد كتب لنين " إن
الشتراكية الحية الخلقة هي نتاج للجماهير نفسها " وإن النشاط المتنامي للشعب هو بناء الحياة الجديدة
وهو قانون تطور الشتراكية " ()142والملحظ أن ذلك التقليد الراسخ في النحياز للقوي الجتماعية من
عمال وفلحين ظل توجهها رئيسيا لدي جميع فصائل اليسار المصري ونحن نلمس ذلك بوضوح من
خلل البرنامج العام لحزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي – حيث يتم التأكيد علي أن التوجه
الجتماعي هو الذي يشكل المرجعية الساسية للسياسات التي يدعوا إليها الحزب ,وتلك التي يقاومها اشد
مقاومة ,و بالتالي المحك الحاسم في قول أو رفض أي اتجاه أو إجراء " (.)143
وأن الحزب قد تأسس لتأمين مستقبل مصر من خلل الدفاع عن مصالحها الوطنية وضمان استقرارها
استنادا إلي الديمقراطية والتنمية الوطنية المستقلة والدفاع عن مصالح القوي والطبقات الكادحة والمنتجة
هذا ويهاجم الحزب السياسات القتصادية والجتماعية التي انتهجها النظام الحاكم في مصر والتي ادت "
إلي تعميق الفوارق الطبقية واتساع نطاق البطالة والفقر ,والفئات الجتماعية المهمشة وما أفرزه ذلك من
ظواهر اجتماعية وثقافية سلبية كالتعصب الديني والعنف السياسي والجتماعي والرهاب " ونتيجة لذلك "
فإن الحزب يضع فكرة ونضاله في خدمة المليين الكثيرة ,التي تعاني من الوضاع الحالية للمجتمع
المصري وهم :
-1عمال الصناعة والخدمات الذين يواجهون فقدان فرص العمل بعد الخصخصة و المعاش
المبكر دون تعيين جديد .
-2فقراء الريف الفلحون الذين ل تزيد ملكيتهم عن ثلثة أفدنه وصغار المستأجرين والعمال
الزراعيين .
-3صغار النجار وجمهور الحرفين .
-4غالبية الطبقة الوسطي التي تضم الكتلة الساسية للمهنيين وموظفي الحكومة والتي تعاني
حاليا من انخفاض مستو المعيشة وضيق فرص الصعود إلي صفوف الطبقات العليا .
-5المحرومون و المهمشون الذين ل ضمان لحصولهم بشكل منتظم علي أبسط مقومات الحياة
-6الفقراء الذين يحصلون بالكاد علي خبزهم اليومي – حيث يعيش 4.5مليون مصري علي
دخل ل يتجاوز دولر واحد في اليوم
75
-7مئات اللوف من العاطلين ويقدر عددهم بأكثر من ثلثة مليين فرد وهم في تقدير البنك
الدولي 3.4مليون ( ) 1995ويقترح الحزب العديد من السياسات القتصادية لرفع الظلم
()144
الجتماعي عن تلك الطبقات والفئات الجتماعية سالف الذكر
يمكن الوقوف عليها بالتفصيل في برنامج الحزب المشار إليه .
()2المسألة الديمقراطية وحقوق وحريات المواطنين -:
تقوم الديمقراطية الشتراكية كما سبقت الشارة عند الحديث عن الماركسية وتطور مفهوم المواطنة في
الفكر الغربي الحديث ,علي أن التحرر الساسي للنسان هو تحرره من الستغلل القتصادي – وأنه
حينما يتحرر من الستغلل القتصادي ,يمكن أن يمارس بقية الحريات علي شكل أوفي وأكمل ,ومن
هنا أعطي البعد الجتماعي أسبقية علي البعد السياسي .أن الديمقراطية السياسية ستظل وفقا علي طبقة
معينة إذا لم تتحقق المساواة الجتماعية ,ويقول ماركس في هذا الصدد " جوهر التصور البوروجوازي
لحقوق النسان يقوم علي حماية الدولة لحق الملكية الخاصة ,ويشكل النقطة المحورية لبقية الحقوق ,
فالدساتير الليبرالية في البلدان الحديثة عندما تقتصر علي ذلك فإنها بذلك تحول نفسها إلي أداة بيد الطبقات
()145
المالكة "
وقد وصل لينين هذا المفهوم بالقول " نلحظ في البلدان الرأسمالية ,ديمقراطية هشة ,مزيفة ,ديمقراطية
الغنياء ,أما دكتاتورية البروليتاريا فستوفر لول مرة الديمقراطية للشعب ,للغلبية ,وفي الوقت عينه
()146
ستقمع القلية المستغلة إذا ما استدعت الضرورة ذلك "
وبالنظر لتعاطي الماركسيين المصرين للفكرة الديمقراطية ,فإننا نجد أنهم نتيجة لتعرضهم لكل صنوف
البطش والتنكيل من قبل النظمة السياسية الحاكمة ,فقد ثمٌن أغلبهم الديمقراطية تثمينا عاليا .وشكل
النضال من أجل الديمقراطية أهم البنود في برامجهم السياسية ,جنبا إلي جنب مع لنضال من أجل القضايا
الوطنية والجتماعية ,لكن ثمة ملحظة علي درجة كبيرة من الهمية يسوقها د .محمد السيد السعيد أل
وهي أن النسجام بين الماركسية العربية من ناحية ,والفكرة الديمقراطية والحقوقية من ناحية أخري ,
مقيد بشدة بثلثة اعتبارات جوهرية :
هو أن الماركسين العرب ,مثلهم مثل غيرهم علي المستوي العالمي ,قد ورثوا نظرة العتبار الول :
لينين المزدرية للديمقراطية كمجرد مرحلة عابرة من الثورة العمالية التي يجب أن تمضي في طريقها إلي
اطلق ثورة اشتراكية .
قيام الماركسيين العرب ,وبعض أحزابهم الشيوعية بدور ملموس في إطار الجهاز العتبار الثاني :
اليديولوجي الذي اضطلع بتبرير النتهاكات الخطيرة لحقوق النسان وللقانون عموما في أكثر من بلد
عربي خلل الفترات التي شاركوا فيها في السلطة ولو بصورة اسمية وصورة عامة ,ظهر في تلك
الفترات الزمنية تفضيل الماركسين لفرض أولوية المكتسبات الجتماعية علي المبادئ العامة للديمقراطية
وحكم القانون وحقوق النسان ,وهو تفضيل كائن في نسيج الفكر الماركسي اللينيني.
76
العتبار الثالث :ويتصل بالدور الثقافي للتيارات الماركسية ,ونشير هنا تحديدا إلي التناقض المحتدم في
الفكر والخطاب الماركسي بين النضال الحقيقي والصيل من أجل الديمقراطية وإشاعة روح تحقيرها في
()147
الوقت نفسه " .
وعموما وبغض النظر عن تلك الملحظة الهامة ,فقد ناضل اليسار المصري طويلً من أجل تمتع الشعب
بحقوقه وحرياته الساسية .
ودعا إلي تحقيق تحولت ديمقراطية عميقة في المجتمع المصري ,ويتضح ذلك عند التعرض للمسيرة
التاريخية لتطور الفكر الماركسي في مصر ,وقد كان لسقوط النموذج السوفيتي في التسعينات أثره الكبير
في قيام الكثير من الحزاب والتنظيمات في تجاوز المفهوم السابق للديمقراطية ,وبلورتة رؤية جديدة تقوم
علي الركان التالية :
-1عدم تجاهل المقومات الساسية للديمقراطية البورجوازية لنها توفر بالفعل الحد الدنى
للديمقراطية ,وضرورة النطلق في بناء الديمقراطية من التعددية السياسية والتداول السلمي
للسلطة وتوافر مجتمع مدني قوي واحترام حقوق النسان وحرياته الساسية .
-2أهمية تجاوز البرلمانية التمثيلية التي تتيحها الديمقراطية البورجوازية إلي صور من
الديمقراطية المباشرة لتوسيع نطاق المشاركة الشعبية لمختلف الجماعات الجتماعية مثل
الدارة الذاتية لمنشآت النتاج والخدمات والمرافق العامة من خلل مجالس منتخبة بواسطة
العاملين والمستفيدين من الخدمة ,بالضافة إلي قيام حكم محلي شعبي حقيقي.
-3توافر حد أدني من الحقوق القتصادية والجتماعية والثقافية لضمان إشباع الحتياجات
الساسية للطبقات الكادحة بمستويات مناسبة وخاصة الغذاء والصحة التعليم والسكن .
-4إنهاء كافة القيود التي تحول دون تواجد مجتمع مدني قوي يتكون من منظمات مستقلة
لمختلف فئات الشعب – منظمات سياسية ونقابية واجتماعية وثقافية .
-5الديمقراطية بهذا المفهوم ليست مطلوبة فقط في ظل النظم الحالية بل هي ضرورية لفترة
()148
النتقال إلي الشتراكية وفي المجتمع الشتراكي نفسه
وبهذا المفهوم ننتقل من ديمقراطية تمثيلية محدودة إلي ديمقراطية المشاركة وتصبح المجالس الشعبية
المنتخبة والمنظمات السياسية والنقابية والجتماعية والثقافية التي تكفل الديمقراطية حرية تأسيسها بمثابة
البنية التحية لنظام ديمقراطي فاعل هي في الحقيقة ضمان استمرار التراكم في اتجاه بناء المجتمع
الشتراكي وحماية منجزاته دون خشية من تداول السلطة بين مختلف القوي السياسة سواء في مرحلة
النتقال أو في المجتمع الشتراكي .وإذا ما انتقلتا إلي تأكيد لهذه النقلة علي مستوي برامج الحزاب
اليسارية ,فإننا نجد حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي يطرح قضية الديمقراطية في برنامجه
السياسي العام التي سبقت الشارة إليه علي أنها أفضل نظام سياسي لتطور النضال المصري الن وأنها
قاعدة أساسية في المجتمع الشتراكي الذي يكافح الحزب من أجل تحقيقه ويؤكد أن الديمقراطية النيابية لم
77
تمنحها الرأسمالية تعطفا منها مع الجماهير ,وإنما جاءت نتيجة للنضال الجماهيري وأن هذه الديمقراطية
توفر ثلثة عناصر جوهرية :
:إحترام حقوق النسان بما فيها حرية التعبير عن الرأي وحرية التنظيم .
أولهما
وثانيهما -:حرية إنشاء الحزاب دون قيد أو شرط وحرية نشاطها .
ثالثهما :تداول السلطة بين الحزاب عن طريق النتخابات الحرة النزيهة ,وهذا التداول أمر بالغ
الهمية لنه يعني تمكين المواطنين من تغيير الحكام ,وأن هذا النظام قد مكن القوي الشعبية من التنظيم
السياسي في أحزاب وفي نقابات وجمعيات .....الخ ويسر انتشار الفكر الشتراكي بما في ذلك الحزاب
الشيوعية في أغلب الدول " ( .)149ويؤكد الحزب أنه سيقيم الديمقراطية علي هذه الركان الثلثة .ولما
كانت هذه المقومات في المجتمعات الرأسمالية غير كافية لستفادة الطبقات العاملة الكادحة منها استفادة
()150
كاملة ,فإنه يطرح أسلوب المشاركة الشعبية كعامل تصحيح متجدد في الممارسة الديمقراطية "
ويؤكد الحزب أن المشاركة الشعبية هي جوهريا اشتراك الجماهير في اتخاذ القرارت علي كل المستويات
,وهذا ما يمكنها من إدارة شئونها بنفسها وفرض مصالحها في معظم الحوال ,وهذه المشاركة تضمن
()151
تسارع عمليات التنمية والتوزيع العادل لثمارها وتصحيح أخطاء صانعي القرار
ويركز الحزب علي ان أهم أشكال المشاركة الشعبية هي :
-حكم محلي ديمقراطي /مشاركة العمال في إدارة الوحدات النتاجية /مشاركة ممثلي المستفيدين في
وحدات الخدمات/إطلق الحرية الكاملة للقطاع الهلي/حرية وتعددية وسائل العلم/التنمية الشعبية(. )152
ويؤكد البرنامج العام لحزب التجمع أن ما يستهدفه تحقيق أكثر من مجرد تحقيق الديمقراطية اللبرالية ,
وأن الديمقراطية التي يتطلع إليها تستوعب الحريات السياسية وتتجاوزها بالضافة إليها وتعميقها ,لن
الديمقراطية الليبرالية ل تؤدي دورها بفاعلية كالية لدارة الختلف والصراع الجتماعي ما لم تستند إلي
قاعدة تلتزم بحقوق النسان السياسية والقتصادية والجتماعية وتحقيق العدالة الجتماعية وما لم تمتد
لتكفل فرص المشاركة في صنع القرار أمام مختلف القوي الجتماعية علي كل المستويات في شتي
المجالت " ( .)153وأخيرا يؤكد الحزب أن الديمقراطية هي أساس نضالة من أجل الوصول إلي الشتراكية
.,وهي شرط ضروري لمرحلة النتقال إلي الشتراكية وكذلك في مرحلة الشتراكية نفسها ,حيث يجب
أن تكون أساس استمرار النظام الشتراكي وإعادة تجديد ثقة الشعب به علي أساس إنجازاته ( .)154ويطرح
برنامجا للصلح الديمقراطي يتضمن الجراءات المحققة لهذا المفهوم .
هذا وقد طرحت الحزاب السياسية اليسارية رؤى مختلفة للمسألة الديمقراطية ل تخرج في الجوهر عن
الطرح السابق مما يجعلنا نشعر بالفعل أننا أمام تطور حقيقي في موقف الفكر الشتراكي من قضية
الديمقراطية أساسه القبول بأسس الديمقراطية البورجوازية وتجاوزها في صيغة أرقي تكفل إشكال متنوعة
من المشاركة الديمقراطية المباشرة وضمان الحقوق القتصادية والجتماعية للمواطن بما يمكن الطبقات
الكادحة من امتلك قدرة اقتصادية تتيح لها قدرا من القوة السياسية يضمن لها إمكانية المنافسة السياسية .
التوحيد بين القضايا الوطنية والمسألة الجتماعية :
78
يتمثل السهام الرئيسي للحركة الشيوعية المصرية في تزويد الحركة الوطنية للمرة الولي بأيديولوجيا
متماسكة تربط بين العلقات السياسية والقتصادية والثقافية ,كما منحتها ,عن طريق الربط بين
الستعمار والعلقات الطبقية المحلية ,دفعه راديكالية ووجهت نضالها من أجل التحرر الوطني إلي كل
من البريطانيين والطبقات الداخلية الحاكمة التي اعتبرت متحالفة مع المصالح الجنبية الستعمارية ,
وزادت جاذبية اليديولوجيا الشيوعية بفعل تصورها الغائي للتاريخ والذي يقول بأن التاريخ يتحرك وفقا
لنمط ديالكتيكي نحو مرحلة أعلي يمكن فيها التوصل إلي الستقلل وتحقيق الذات وستحل هذه المرحلة
الحديثة " محل مراحل التاريخ الدنى المتأخرة التي ارتبطت بالقطاع وسيادة الستعمار ,وتشكل الطبقية
العاملة في هذا المفهوم للتاريخ طليعة الحركة الوطنية ,وستنجح بالتحالف مع طبقات ثورية أخري في
دفع تاريخ مصر الوطني إلي مرحلة اعلي من مراحل التطور وبسبب هذه اليديولوجيا كانت الحركة
الشيوعية الكثر حماسا لخلق مؤسسات مستقلة ,والشد معارضة للنظام السياسي التقليدي القائم علي
الوصاية والموالة " ( .)155والحقيقة أن الجرائد والمجلت الشيوعية قد طرحت عددا من الفكار والمفاهيم
الهامة ,قدر لها أن تنتشر فيما بعد وتصبح جزءا من المناخ العام للمجتمع وتياراته الفكرية المختلفة ,
وبينما ناقشت العديد من الحزاب الخرى قضيتي الستقلل والديمقراطية بشكل مجرد طرحت جرائد
الحركة الشيوعية كل الموضوعيين من الزاوية الجتماعية فأكدت الهداف القتصادية للستعمار كما
أكدت المضمون الجتماعي للستغلل ,وربطت التحرر السياسي بالتحرر القتصادي ,وكشفت عن
الساس القتصادي للمواقف السياسية للطبقات المختلفة .وفي هذا الطار دعت هذه الجرائد إلي تحرير
القتصاد المصري ,وتأميم البنوك ,وتحديد الملكية الزراعية وإنشاء بنك مركزي ,وتمصير المؤسسات
والملكية العامة لمرافق الدولة ,والخدمة العسكرية الجبارية للجميع
ولقد جاء في كتاب " أهدافنا الوطنية " أن الشعب المصري اليوم يدرك أن الستقلل السياسي يظل مبتورا
منقوصا ما لم يتخلص من الستعمار القتصادي والمالي المتمثل في رؤوس الموال الحتكارية
والمستثمرة في مصر ,وفي دين بريطانيا الذي يطوقنا اقتصاديا وتجاريا وكل تسوية سياسية ل تقوم علي
أساس حل هذه المسالة الجوهرية لن تخرج عن أن تكون مجرد حل سطحي يتناول مظهر الستقلل دون
. ()156
أن يحقق جوهره "
-هذا ولم يقف الطرح الماركسي المصري عند مجرد ربط النضال السياسي بالنضال الجتماعي ,بل إنه
وسع من أفق الستقلل الوطني ,بحيث جعله جزءا من حركة – التحرر الوطني في العالم – باعتبار أن
العدو واحد وهو المبريالية ومن ثم أوجب ان " يضع الشعب المصري يده في يد سائر الشعوب التي
تكافح جميعها في سبيل الحرية والستقلل " ( .)157وهذا المر كما يقول طارق البشري " كان له أثره في
إنضاج الفكر السياسي المصري ,فيما تل الربعينيات من أعوام ,عندما رسمت مصر المستقلة سياستها
الخارجية في ضوء ارتباطها بحركات التحرر الوطني ضد الستعمار ووصلها الستقلل السياسي
. ()158
بالتحرر القتصادي والتنمية القتصادية المستقلة
79
-هذا وقد التحم اليسار المصري بالقضايا الوطنية التحاما مؤثرا ,وبلغ خلل نصف القرن
العشرين مستوي عاليا من التأثير في الحداث ,خلل فترات ثلث :
ل في إحباط اتفاقية صدقي –
-1الولي فترة 1946 – 1945حين لعب اليسار دورا فعا ً
بيفن وتأجيج الصراع ضد الستعمار البريطاني والحكم الرجعي في الداخل .
-2وكانت الثانية أيام الكفاح المسلح في القنال عامي 1952 – 1951حين قامت
الحكومة بتوزيع السلح علي الشعب ,وأتاحت بذلك لقوي اليسار أن تشارك مشاركة
فعالة في نضال وطني ضد الستعمار .
-3وكانت الفترة الثالثة هي أحداث مارس , 1954والتي لعبت فيها قوي اليسار داخل
الجيش وخارجه دورا يستحيل تجاهلة من اجل الديمقراطية ,وكان من الممكن أن
يشكل هذا الدور منعطفا حاسما في مسيرة لشعب المصري نحو الستقلل والعدالة
الجتماعية في إطار ديمقراطي لول تحرك القوي المناوئة ,
-وخلل تلك الفترات الثلث كان اليسار المصري فاعلً ,وكان التحامه بالقواعد الجماهيرية ,حقيقة
واقعة ,وكانت الصورة الشعبية لليسار ,حتى في نظر الجموع التي تفتقر إلي الوعي السياسي ,ول تملك
فهما واضحا لمعاني الشتراكية أو الماركسية إيجابية إلي حد بعيد (.)159
وبالضافة إلي ما سبق يذكر لليسار المصري انحيازه إلي الحداثة والعلمانية وتعميقه لمفهوم الديمقراطية
الجتماعية وتصدية بحزم للفاشية والنازية والحرب ,ومساهمته في نشر الدعوة إلي السلم الجتماعي ,
فضلً عن عنايته بقضية التقدم الجتماعي واليمان بالنسان علي انه قادر علي تفسير العالم وتغييره
لصالحه .
80
المراجع
.127د .علي الدين هلل :السياسة و الحكم في مصر -القاهرة -مكتبة نهضة الشرق - 1977-صـ
. 142وكذلك د .عبد الوهاب بكر :أضواء علي النشاط الشيوعي في مصر -1950-1921 :
القاهرة -دار المعارف -الطبعة الولي – -1983صـ . 4
.128د .محمد حافظ دياب/سيد قطب ":الخطاب واليدولوجيا"–القاهرة-دار الثقافة الجديدة - 1987 -
صـ61
.129د .رؤوف عباس :الحركة العمالية في مصر (– )1952 –1899القاهرة -دار الكاتب العربي
للطباعة والشر - 1967 -صـ.233 – 232
.130د .علي الدين هلل :مرجع سابق -صـ. 43
.131عبد العظيم رمضان :تاريخ مصر الجتماعي -صـ. 284
.132د .أنور مغيث :الماركسية المصرية والفلسفة ( عرض نقدي ) – بيروت -مجلة الطريق -العدد
الرابع -السنة الثامنة والخمسون - 1999 -صـ.64
.133د .علي الدين هلل :مرجع سابق – صـ . 244
.134طارق البشري:الحركة السياسية في مصر– القاهرة – دار الشروق– – 1983طـ – 2صـ 421
أنظر كذلك :رفعت السعيد :التيارات السياسية في مصر ( رؤية نقدية ) – القاهرة -الهيئة المصرية العامة
للكتاب - 2002 -صــ86
.135رؤوف عباس :مرجع سابق -صــ. 276
.136طارق البشري :مرجع سابق -صـ. 447 – 446
.137د .فؤاد زكريا :عبد الناصر واليسار المصري-القاهرة–كتاب روزاليوسف – دار روزا اليوسف
-صـ9-7
.138د .مجدي عبد الحافظ :الشتراكية والفكر المصري الحديث (متضمن ) – القاهرة -قضايا فكرية -
الكتاب الحادي عشر يوليو - 1992 -صـ. 63
.139د.عماد صيام:اليسار والحركة الفلحيه -رؤية نقدية -قضايا فكرية -المرجع السابق -صـ.218
.140أمينة شفيق :ملحظات عن العلقة بين الحركة الشيوعية و الحركة النقابية -قضايا فكرية -
المرجع السابق -صـ. 207 –206
.141د .مجدي عبد الحافظ :مرجع سابق -صـ. 63
.142ف .ج ,أفانا سييف :اصول الفلسفة الماركسية -ترجمة /حمدي عبد الجواد -القاهرة -دار
الثقافة الجديدة - 1975 -صــ. 206
81
.143بناء مجتمع المشاركة الشعبية :البرنامج العام لحزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي – مصر-
حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدي -كتاب الهالي رقم - 64أكتوبر . 1999
.144بناء مجتمع المشاركة الشعبية :مرجع سابق – صـ .29
.145كارل ماركس " :المختارات " نقل عن /يحي علوان – -بيروت – مجلة الطريق -العدد
الخامس لسنه 1997صـ. 81
.146لينين :العمال الكاملة – المختارات – مرجع سابق – صـ . 87
.147د .محمد السيد سعيد :الحزاب العربية وحقوق النسان ( متضمن ) في حقوق النسان في الفكر
العربي -دراسات في النصوص -مرجع سابق -صـ. 972 – 971
.148عبد الغفار شكر :تطور الفكر الشتراكي في مصر ( ) 2000 – 1970 ( -متضمن في ) (الفكر
السياسي المصري المعاصر ) -تحرير /د .عل أبو زيد – القاهرة -مركز البحوث والدراسات
السياسية -جامعة القاهرة – 2003 -صـ. 11
.149حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي :البرنامج السياسي العام ( الثاني ) -بناء مجتمع المشاركة
الشعبية -مرجع سابق -صـ. 51
.150المرجع السابق :صــ. 52
.151المرجع السابق :صـــ.53
.152المرجع السابق :صــ. 59 -53
.153المرجع السابق :صـــ. 59 -53
.154المرجع السابق :صــ.35
.155رول ماير :البحث عن الحداثة -الفكر السياسي العلماني الليبرالي اليساري في مصر -القاهرة -
– 1958 – 1945ترجمة /شريف يونس -مريت للنشر والمعلومات – - 2000صـ. 144
.156شهدي عطيه الشافعي /محمد عبد المعبود الجبلي :أهدافنا الوطنية ( متضمن ) في عبد العظيم
رمضان :تاريخ مصر الجتماعي -جامعة السكندرية - 1984 -صــ350 – 340
.157يواقيم رزق مرقص :الخطاب السياسي الحزبي ( -متضمن ) الحزاب المصرية – القاهرة( -
– ) 1953 – 1922مركز الدراسات السياسية والستراتيجية بالهرام - 1995 -تحرير /رؤوف
عباس حامد -صــ. 199 – 198
.158طارق البشري :المسلمون والقباط -مرجع سابق -صـــ. 629
.159فؤاد زكريا :الزمة الراهنة لليسار المصري – القاهرة -كتاب الهلل– دار الهلل – أغسطس
- 1989صــ. 91 – 90
82