Professional Documents
Culture Documents
في القرن
العشرين
( الزء الثان )
علـم النفــس
في القرن العشرين
دراســة
( الزء الثان )
القسم الخامس
المقدمات الساسية لظهور علم النفس
في روسيا
شهد القرن السابع عشر بداية ظهور السلعية ـ النقدية ونشوء سوق
مركزية عامة في روسيا .ونجم عن ذلك فيما بعد توحيد القطاعات والمارات
الذي أدى ،بدوره ،إلى زيادة النتاج الزراعي والهتمام بالحرف التي كانت
تستجيب لمتطلبات هذا القطاع .وفي النصف الثاني من القرن نفسه عرفت
الصناعة في هذا البلد بعض التقدم .وظهرت الحاجة إلى وجود مستوى من
المعارف والمهارات لدى العمال أفضل وأعلى مما كانوا عليه في السابق.
وتمشيا مع تلك التغيرات الطارئة واستجابة لما ترتب عنها من شروط
ومتطلبات أقيمت المدارس والمعاهد العليا .وقد عرفت هذه المؤسسات التعليمية
خلل النصف الول من القرن الثامن عشر تطورا ملحوظا .وتخرج منها في
تلك الفترة علماء ومفكرون ومهندسون وأدباء ،كان أبرزهم لومونوسوف.
لومونوسوف
ولد م .ف .لومونوسوف ( 1711ـ )1765في أسرة فقيرة .فقد كان والده
يعمل في صيد السمك في محافظة أرخا نغلسك الواقعة في أقصى الشمال
الروسي .ويروى أن لومونوسوف قطع المسافة بين أرخانغلسك وموسكو مشيا
على قدميه ليلتحق بالمعهد العالي للغات السلفية واليونانية واللتينية ،ولما
يتجاوز بعد التاسعة عشرة من العمر .وكان ميله الشديد إلى المعرفة ،وموهبته
الفذّة أقوى من الفقر والبؤس اللذين كابدهما عبر سنوات دراسته .وبعد تخرجه
من معهد اللغات انتقل إلى بطرسبورغ ليتابع تحصيله العلمي في أكاديمية
العلوم.
راديشيف
وخلل القرن الثامن عشر برزت في روسيا أسماء كثيرة عرف أصحاب
مجموعة منها بالمنورين .فقد حمل هؤلء لواء الدعوة إلى العدالة الجتماعية
والمساواة بين الناس في زمن ازدادت فيه شراسة نظام القنانة .ولقت أفكارهم
صدى إيجابيا ،واسعا وقويا في صفوف الطلبة والمثقفين والفلحين .وتحت
تأثيرها تحركت جموع الفلحين الفقراء في العديد من المدن والرياف
الروسية ،وقامت بسلسلة من النتفاضات ضد ظلم الطبقة الحاكمة واستبدادها.
وكان اسم راديشيف أكثر هذه السماء شهرة ،وأشدها تأثيرا على حركة النضال
الشعبي في روسيا القيصرية عبر عقود طويلة من الزمن.
ولد أ .ن .راديشيف ( 1749ـ )1802في موسكو .وتلقى تعليمه في
المدرسة الثانوية التابعة لجامعتها .ثم سافر إلى ل يبزغ ،حيث درس في
جامعتها وتخرج منها .وأثناء وجوده هناك اطلع على أعمال المنورين الفرنسيين
وتأثر بها كثيرا .وبعد عودته إلى بلده تقليد مناصب حكومية عديدة .وخلل
السنوات التي كان يزاول فيها مهامه الوظيفية اطلع على معاناة الفلحين والظلم
الذي كان يلحقه بهم ملك الراضي .وإزاء تلك المشاهدات التي تعكس بؤس
النسان الروسي حدد راديشيف مهمته المركزية في التخلص من الحكم
القيصري المطلق باعتباره علة هذا البؤس.
وتعد قصيدته "الحرية" دعوة صريحة ومباشرة للقيام بالثورة الشعبية
والطاحة بالقيصر .أما كتابه "رحلة من بطرسبورغ إلى موسكو" الذي نشره
عام ،1790فإنه يشكل إدانة مدعومة بالوقائع والحداث للنظام القائم ،فقد فضح
راديشيف من خلله ظلم الطبقات الحاكمة ،وصوّر فيه اللم المريرة التي
يكابدها الفلحون المحرومون من أبسط حقوق البشر .ويجمع المؤرخون
السوفيت على اعتبار هذا الكتاب صرخة غاضبة في وجه عبودية النسان
للنسان ،ونداء من أجل الخلص من سلطة القيصر والطبقة المستبدة وإقامة
الجمهورية في روسيا (إبيغانوف وفيدوسوف ،بل تاريخ )273 ،إلى مصادرته
ف الحكم إلى النفي.خفِ َ
وألقت القبض على صاحبه وحكمت عليه بالعدام ثم ُ
وأثناء سنيّ المنفى وضع راديشيف كتابا في أربعة أجزاء سمّاه "النسان :موته
الديمقراطيون الثوريون
في العقد الرابع من القرن التاسع عشر بدأت تظهر أفكار من عرفوا
بالديمقراطيين الثوريين أمثال غيرتسن وبيلينسكي ودوبرلوبوف وبيساريف .وقد
لقت تلك الفكار على امتداد أكثر من نصف قرن صدى واسعا في صفوف
المثقفين والطلبة والجماهير الشعبية .حيث أنها كانت تعبر بجرأة وصدق عن
تطلعات الغالبية من أبناء الشعب الروسي في العيش الحر الكريم من خلل
تصديها لواقع الظلم والفساد الذي عرفه المجتمع ،ولسيما بعد سلسلة الهزائم
والخفاقات التي مُنيت بها النتفاضات الفلحية ،والتي كانت حركة
() ـ الديسمبيون :هم جاعة من اللك الثوري ي الروس ،حاولت القيام بانتفاضة ضد نظام الفنانة 1
والكـم القيصـري الطلق فـ 14ديسـمب (كانون الول) عام .1825وهكذا صـارت تعرف بذا
السم نسبة إل الشهر الذي جرت فيه هذه الحاولة.
الرغم من أن النمط الفيزيائي لنسان ما يبقى دونما تغيير طوال حياته ،وهو ما
ينتقل عاد ًة من الباء إلى البناء ،فإن السمات العقلية والمعنوية ..تغيّرها
ظروف الحياة ما لم تفعل تلك الظروف في نفس التجاه ،حيث يحتفظ ارتباط
تلك السمات به (أي بالنمط ـ ب .ع) بقوته" (المرجع السابق ،ج .)887 ،10
ويواصل تشيرنيشيفسكي عرض فكرته فيرى أن النسان ل يولد طيبا أو
شريرا ،بل يصير طيبا في ظروف معينة ،أو شريرا في ظروف أخرى مختلفة.
ومن هذا المنظور يرفض فكرة التفاوت الفطري أو الطبيعي في القدرات العقلية
بين البشر .فلون البشرة أو العرق أو السللة ل تحدد ،في اعتقاده ،مستوى
- 273 -
الفصل الثاني والثلثون
الدراسات الفيزيولوجية والطبيعية
في روسيا القيصرية
شمل التقدم الذي عرفته روسيا إبان القرنين الثامن عشر والتاسع عشر،
بالضافة إلى الفكر والدب ،العلوم الطبيعية ،ومنها الحياء والتشريح
والفيزيولوجيا بوجه خاص .ويعتبر إ .موخين ( 1766ـ )1850وإ.
ديادكوفسكي ( 1784ـ .)1841وأ .فيلومافيتسكي ( 1807ـ )1849أبرز
من أسهم في تنشيط البحث العلمي في ميدان الفيزيولوجيا خلل تلك المرحلة.
فقد تناول موخين الحياة النفسية بوصفها النشاط الذي يقوم به الجهاز
العصبي .وفي ضوء ذلك وجد أن أداء هذه الوظيفة بصورة دائمة يؤول حتما
إلى غنى النفس وزيادة فعاليتها .ولما كانت بنية الدماغ تختلف من نوع حيواني
إلى نوع آخر ،فإن مستوى النشاط النفسي للكائنات الحية يتفاوت بتفاوت حجم
ومضمون النشاط الذي يقوم به هذا العضو .فكلما كان دماغ الكائن الحي
متطورا وبنيته معقدة ،كان حجم نشاطه كبيرا ومضمونه غنيا ،ومستواه النفسي
عاليا .وفي هذا الصدد يقول موخين" :كلما كانت طبقة أو نوع الحيوان أكثر
كمالً ،كان دماغه أشد تعقيدا ،وامتلك أجزاء من تشكيل عقل أكثر كمالً .وبقدر
ما تكون الجزاء في دماغ الحيوان غير مكتملة بوجه عام ،يكون هذا الحيوان
أضعف عقلً" (مباحث في تاريخ علم النفس الروسي.)6 ،1957 ،
وذهب موخين إلى مقارنة النسان بالحيوانات ،فرأى أن الحيوانات وإن
امتلكت من أعضاء الحس وما يملكه النسان ،فإنها ل تتمتع بنفس القدر الذي
يتمتع به من الحساسية والقدرة على إدراك الواقع ،فهي ليست قادرة على
الحساس بجمال الشياء وانتظامها وانسجامها مثلما يحس النسان .وعلى هذا
إن تكرار هذا الفعل يجعل من أي سمة من السمات المتشابهة قادر ًة على
استدعاء السمات الخرى التي يتألف منها الموضوع ،وبالتالي استدعاء الموضوع
بأكمله .وهنا تلعب الحركات المتمثلة في "انتقال أعضاء الحس في المكان" دورا
هاما .إذ أن الحركة التي يقوم بها النسان ـ تترافق بإشارة أو علمة حسية
خاصة تمثل الحس العضلي الذي يستمر أثره في الذاكرة كما هو الشأن بالنسبة
لثار بقية الحساسات .ويعتبر التصور الذي يحمله المرء عن الموضوع النواة
الدائمة للنطباعات التي تنشأ بفعل تكرارها وبسبب بقاء آثارها في الذاكرة.
ولما كان نشاط التذكر هو الشرط الضروري لنشوء النطباعات
وتطورها ،فقد أوله سيجينيف اهتماما خاصا ،واعتبره "حجر الزاوية في
التطور النفسي" .ووجد أنه يحمل عند الطفل طابعا مغايرا لما يحمله عند
الراشد .فإذا كان الثراء العقلي لدى الكبار ينتشر في ذاكرتهم بصورة منتظمة،
وعلى أساس منطقي ،فإن النطباعات التي تتشكل عند الطفال عن العالم
الخارجي تتوضع عشوائيا ،ول يخضع الحتفاظ بها واسترجاعها إلى قواعد
منطقية ثابتة ،ويشبه سيجينيف الذاكرة بالمكتبة التي تضم عددا كبيرا من
المطبوعات ذات الحجام والمقاييس والموضوعات المختلفة .فترتيب هذه
عاش إيفان بتروفيتش بافلوف بين عامي 1849و .1936وقد عانى في
المراحل الولى من حياته الفاقة والحرمان .فهو سليل أسرة فلحية متواضعة،
استقرت في مدينة ديزان .وعاش حياته للعلم وحده ،فكان مثال البساطة
والحيوية في آن معا .وتوفي إثر التهاب رئوي حاد.
كان بافلوف الب يرغب في أن يصبح ابنه رجل دين .ولكن رغبته هذه
اصطدمت بميل البن إلى دراسة علوم الطبيعة .وقد نشأ هذا الميل وتنامى تحت
تأثير النجاحات التي أحرزتها هذه العلوم ،وانتشار الفكار المشحونة باليمان
بقدرة العقل البشري على الكتشاف والبداع .فعلى الصعيد العالمي وجدت
نظريات النشوء والرتقاء طريقها إلى أذهان شرائح المثقفين والمتعلمين في
مختلف أنحاء العالم .ووضعت الكتشافات الجديدة في ميادين الفيزياء والكيمياء
والطب والتشريح المجتمع الغربي على أعتاب مرحلة نوعية جديدة من مراحل
تطوره الحضاري .وعلى الصعيد الروسي عرفت الحركة الجتماعية والوضع
القتصادي خلل النصف الثاني من القرن التاسع عشر انتعاشا ،ملحوظا،
واكبته ونجمت عنه نهضة علمية وفكرية .ففي تلك الفترة صدرت قوانين
تحرير الفلحين سنة .1861وظهرت بعدئذ التجمعات والحركات الفكرية
والسياسية المختلفة إلى جانب انتشار الفكار الديمقراطية الثورية ونظريات
سيجينيف ومندليف وتيمريازيف وغيرهم.
ومع أن بافلوف انتسب إلى كلية الحقوق في جامعة بطرسبورغ عقب
انتهاء دراسته الثانوية ،فإن ميله القوي نحو علوم الحياء والفيزيولوجيا دفعه
إلى تغيير اختصاصه واللتحاق بقسم العلوم الطبيعية في كلية الرياضيات
والفيزياء .وقد تحدث بافلوف عن تأثير الفكر الديمقراطي الثوري في توجيهه
() تنبع هذه العصاب من البصلة السيسائية ،وتتد إل الصدر ،وتنتهي ف التجويف البطن .وتعصب 1
ل= اللحاء
ل غ= التمثيل اللحائي للمركز الغذائي
م ب= المركز البصري
م غ= المركز الغذائي
غ ل= الغدة اللعابية
ويبيّن الشكل رقم 2تشكل قوس النعكاس الشرطي نتيجة اقتران
النعكاسين :الغذائي والتوجّهي (البصر) عددا من المرات .كما يبرز العلقة
العصبية المؤقتة (الخط المنقط) التي تنشا بين ممثل المركز والمركز البصري
في القشرة المخية ،مما يجعل الطريق بين المركز البصري والمركز الغذائي
في البصلة السيسائية (الخط المنقط والخط المتصل الممتد من ل غ حتى م غ)
سالكا أمام التنبيهات العصبية البصرية .ولقد أشار بافلوف إلى تلك اللية بقوله:
"إن الدارة العصبية هي اللية العصبية الولى التي نصادفها أثناء دراسة نشاط
لحاء نصفي الكرتين المخيتين" (بافلوف ،1951 ،ج .)46 ،4
وهكذا أضحى النعكاس بالنسبة لبافلوف وسيلة الحياء للتكيف مع العالم
لم يكن تفسير بافلوف لتشكل السلوك الحيواني وتطوره ردا على آراء
أنصار المدرسة السلوكية فحسب ،وإنما جاء ليبرهن على خطأ تصورات ممثلي
المدرسة الغشتالتية أيضا .فقد زعم هؤلء أن المهارات تولد فجأة وبشكل كامل
بفعل ما يحمله الحيوان منذ البداية من تصورات ومحاكمات واستبصارات
تجعله قادرا على حلّ ما يعترضه من مشكلت .وفي معرض رده على
استنتاجات كيولر يقول" :إنه لم يرَ شيئا مما أظهرته القردة في الواقع" (بيئات
بافلوف ،1949 ،ج .)429 ،2
ولعل أثر التعاليم الداروينية يبدو واضحا في تصورات بافلوف عن سلوك
القردة في الشروط التجريبية والشروط الحياتية .فقد رأى هذا العالم أن
المهارات المعززة أو المنطفئة ،القوية أو الضعيفة ،المعقدة أو البسيطة التي
نجدها عند القردة تخضع لقانون النشاط النعكاسي الشرطي .ويتبدى ذلك عبر
وصفه للمكانات الولية الستثنائية التي تتمتع بها هذه الحيوانات ،ومنها على
وجه الخصوص مرونة أيديها والصابع الخمسة التي تملكها كل واحدة منها مما
يجعلها قادرةً على التقاط الشياء والمساك بها وقذفها بصور ٍة شبيهةٍ بما نراه
عند البشر .وفي هذا الصدد يقول" :ومرة أخرى إذا أردنا أن نناقش ونقول :أين
يكمن نجاح القرد بالمقارنة مع الحيوانات الخرى؟ ولماذا هو قريب من
-قوة النعكاس الستكشافي عند القرد التي تبرز في قضاء وقت طويل
مع الشياء المجهولة والهتمام بها ،وإمعان النظر فيها وتفحصها
وتقليبها..
-قدرة القرد على المحاكاة والتقليد ،أي على تكوين علقات عصبية
مؤقتة جديدة على أساس العلقات المتوافرة وغير المعزّزة في اللحظة
الراهنة.
-الدراك الذاتي لعضاء الحركة المتحرر من "الحقل البصري" ،خلفا
لعتقاد كيولر.
-قدرة القرد على نقل التجربة واستخدام المهارات الحركية في مواقف
قريبة من الموقف الذي تمّ اكتسابها فيه.
ومن شأن هذه الخصائص أن تجعل سلوك الشمبانزي أعلى مستوى وأكثر
تعقيدا من سلوك الكلب ،وتقرّبه من النشاط العملي النساني .ويقرر بافلوف أن
الكائن الحي في هذا المستوى من التطور يملك معارف عن الشروط البيئية التي
يحيا فيها .ويرجع ظهور هذه المعارف إلى علقة الحيوان المباشرة بتلك
ضعفاء أقوياء
خمولون نشيطون
() منذ العام 1911أدخل تعديل على اسم الجلة فأصبح "بشي علم النفس والنتروبولوجيا النائية 1
والبيدالوجيا".
() ظ هر العدد الول من الجلة عام .1920وتوق فت عن ال صدور عام .1923ث عادت إل قرائ ها 2
من جديد عام .1926وب عد ست سنوات من هذا التاريخ ،أي ف عام ،1932توقفت نائيا عن
الصدور.
() عقدت هذه الؤترات فـ مدينـة بطرسـبورغ فـ العوام 1906و 1909و 1910و 1913و 1
.1916وخ صص الؤت ر الول والثا ن لناق شة قضا يا علم الن فس التربوي ،والثل ثة التال ية لناق شة
مسـائل التربيـة التجريبيـة .وكانـت هذه الؤترات مسـرحا لصـراع حاد بيـ الثالييـ والطـبيعيي
والبيي.
وفي الطرف المقابل كان جيلبانوف في تلك السنوات يواصل دفاعه عن
الفكر الكانتي الجديد تحت شعار تصحيح الفهم الخاطئ للماركسية وتطوير
مبادئها تارة ،وضرورة العتماد على التجريب السيكولوجي واللتزام بما يسفر
عنه هذا النشاط من نتائج تارة ثانية .ولقد اتخذ موقفه من تعاليم الماركسية طابع
النتقائية .وكان هذا يتجلى على وجه الخصوص لدى مقاربته المادية الجدلية
وأفكار بعض علماء الطبيعة ممن عرفوا بتفسيراتهم المثالية من مثل فيدينسكي.
ولعل هدفه من وراء ذلك هو فصل الجدلية والمادية بعضهما عن بعض.
ولخفاء هذا الهدف أعلن عن استعداده للدفاع عن ماركس وانغلز وحماية
أفكارهما من مخاطر سوء فهمها وتشويهها.
ومن واقع انتمائه الفكري كان جيلبانوف يشدد على ضرورة أن يكون علم
النفس علما خبريا (امبيريقيا) خالصا ومتحررا من كل فلسفة (جيلبانوف،
.)12 ،1926وقد أرجع النقاد والمؤرخون دعوته "التحررية" هذه إلى معاداته
للفلسفة التي كان الجدل وقتها حاميا بين أنصارها والمناهضين لها حول إدخالها
إلى مجال علم النفس.
وبعد الجدل الذي أثاره جيلبانوف حول دور الفلسفة في علم النفس
وإصراره على عدم إقحام علم النفس في المناظرات الفلسفية ودفاعه عن حياده
يتراجع عن هذا الموقف ويتحدث عن أواصر التعاون بين الفلسفة وعلم النفس
وأهمية العتماد على الفكر الفلسفي في إصلح علم النفس وتطويره .كتب
يقول" :لقد فهمت على الدوام أن الفلسفة هي مصدر المقدمات بالنسبة لعلم
النفس" (المرجع السابق .)15 ،وإذا وضعنا احتمال تناقض جيلبانوف مع نفسه
جانبا ،فإننا نعرف دون عناء يذكر تلك الفلسفة التي نادى بإبعاد علم النفس
- 373 -
عنها ،وتلك التي لم يكن بمقدوره الستغناء عنها في وضع مقدماته ومنطلقاته.
وقد تصدى قسطنطين نيكوليفتيش كارنيلوف ( )1957-1879لطروحات
جيلبانوف المثالية المبطنة من خلل كتاباته ومداخلته في المؤتمرات والندوات.
ففي كلمته "علم النفس المعاصر والماركسية" التي ألقاها في المؤتمر الول
للسيكونيرولوجيا( )1أبرز الجوهر المادي للوعي .وذهب إلى أن العمليات النفسية
ليست سوى خاصية المادة التي بلغت مستوى رفيعا من التنظيم .ومن منطلقه
هذا دعا إلى استخدام مناهج وطرائق في علم النفس مبنية على المادية الجدلية،
مشيرا إلى أن هذا العلم ينبغي أن يتجاوز بحدوده إطار علم النفس الفردي
ويشمل علم النفس الجتماعي القائم على النظرية المادية التاريخية.
ومن خلل منطلق كارنيلوف ومطاليبه يخيل للقارئ أنه أمام محاولة جادة
لقامة علم نفس جديد على أسس الماركسية ،ويتكون لديه انطباع بأن صاحبها
استطاع أن يمسك بالخيوط اللزمة للنسيج النظري السيكولوجي الماركسي
الكامل .إل أن المر في الحقيقة ليس كذلك .فكارنيلوف لم يقدم من الوجهة التي
دعانا لننظر عبرها إلى موضوعات اهتمامنا تفسيرا صحيحا .وكان فهمه للنفس
فهما آليا .وحين نتتبع رأيه في الظواهر النفسية من خلل كلمته ،فإننا نسمع ما
كان يردده الماديون الفرنسيون قبل قرنين من الزمن .وما يقوله الن ليس سوى
تكرار لما قاله من قبل ،حيث يرى أن النفس ما هي إل عمليات من النوع
الطاقي المحض ،وأن علم النفس ليس أكثر من جزء من الفيزياء ،لن ما ندعوه
بالعمليات النفسية ل يتعدى كونه نوعا خاصا من الطاقة الفيزيائية.
وقد أحس كارنيلوف بقصور فهمه للمادية ،فسعى إلى تطويره والرتقاء به
إلى مستوى يجعله قادرا على معالجة مسألة الوعي في ضوء النظرية اللينينية
في النعكاس .ولكنه لم يفلح في ذلك .وظل حواره مع دعاة إصلح علم النفس
على أسس الفلسفة الماركسية قائما وصراعه مع المثاليين حادا.
() ع قد هذا الؤت ر ب ي العا شر والا مس ع شر من كانون الثا ن (ينا ير) عام ،1923وحضره علماء 1
قلنا في الفصل السابق أن علم النفس النعكاسي تمكن خلل العقد الثالث من
القرن العشرين ،وفي مجرى الصراع من أجل تجاوز أزمة علم النفس العالمية
والمحلية ،أن يستقطب عددا من النصار والمؤيدين ممن كانت تستهويهم
المنطلقات المادية (العضوية) التي بنى في ضوئها بختيرف وأتباعه تصوراتهم
حول السلوك البشري والحيواني .ولقد غدا هذا التجاه حتى وفاة زعيمه عام
1927أقوى التجاهات السيكولوجية في روسيا .ومع ذلك فإنه لم يكن بمقدوره أن
يحسم الصراع الدائر بين التجاهات والتيارات المختلفة لصالحه ،بل ولم يستطع
ل أمام انتقادات معارضيه من ممثلي علم النفس الذاتي والفلسفة
أن يصمد طوي ً
المثالية من ناحية ،وذوي النزعة المادية من الناحية الخرى.
ولعلّ أهم ما أخذه الفريق الول على علم النفس النعكاسي هو معارضته
الستبطان واستخدامه الطريقة الموضوعية في دراسة الخصائص النفسية
للنسان والحيوانات .وفي هذا الصدد يجد أ.شربيني ،أحد أتباع علم النفس
الذاتي ،أنه من المستحيل أن نتصور وجود علم نفس من غير الملحظة الذاتية.
بينما تركزت انتقادات الفريق الثاني حول نفي النعكاسية للوعي .ويُع ّد
ل.س .فيغوتسكي من ابرز المتحمسين لموضوعة الوعي في علم النفس ،وأحد
الذين تصدوا للمادية اللية التي طبعت علم النفس النعكاسي .ففي مقاله تحت
عنوان "الوعي بوصفه مشكلة علم نفس السلوك" حاول التدليل على وجود
الوعي وأهميته بالنسبة للنشاط النساني مستعينا بمقطع من أعمال ماركس
يتضمن مقارنة عمل النحل بنشاط النسان تنتهي باستنتاج يبرز تفوق النسان
() ناقش هذا الؤتر القضايا التعلقة بسلوك النسان وطرائق دراسته .وفيه تعرض التاه النعكاسي 1
() عقدت هاتان اللستان ف 28تشرين الثان "نوفمب" و 5كانون الول "ديسمب" عام .1934 1
واستعراض نشاطه بدقة وأناة بهدف وضع الرجل في المكان الذي يستحقه
أسفرت عن الملحظات التالية:
-إن القدرة على الستجابة في نظرية كارنيلوف هي خاصية الكائنات
الحية (الدنيا والعليا) وغير الحية .وما الختلف القائم بين الستجابات
سوى نتيجة تباين المنبهات والمثيرات (البيولوجية والجتماعية).
-التركيز على المنبهات البيولوجية وأثرها في سلوك النسان وإهمال
المنبهات الجتماعية التي تمد النفس عند النسان بأسباب اختلفها عن
النفس الحيوانية اختلفا نوعيا ،وتؤدي إلى ظهور الفروق الفردية بين
البشر.
-عجز كارنيلوف عن تخطي النسق التقليدي الذي وضعه علم النفس
الفردي الخبري للتفريق بين "الفطري" و"المكتسب" في النفس ،وعدم
قدرته على إدراك الوحدة الجدلية بينهما.
-الطابع البيولوجي الذي ميز تفسير كارنيلوف للنشاط النفسي عند
النسان ،المر الذي يدلل عليه قولـه بوجود أساس غريزي للعواطف
والنفعالت (غريزة القطيع هي أصل النزعة إلى تجمع البشر
والتعاون فيما بينهم).
-إن الخطأ الفادح الذي ارتكبه كارنيلوف يكمن في فكرته عن الوحدة
العضوية لعلم النفس المثالي والسلوكي ،واعتقاده بأن التوفيق بينهما هو
التدبير السليم لجدلنة علم النفس .فالحالة الشعورية التي يعتبرها علم
النفس المثالي مادة له تعتبر في نظره ،الطروحة ،والنعكاس الذي
تتخذه السلوكية موضوعا له هو الطباق ،والستجابة هي التركيب.
ويشير بتروفسكي هنا إلى أن الثالوث الهيغلي هو واحد من المور
بلونسكي
واصل بلونسكي نشاطه في نفس التجاه الذي أشرنا إليه في فصل سابق،
ونشر في الثلثينيات عدة مؤلفات ،أهمها "التذكّر والتفكير" ( )1935و"تطور
التفكير عند التلميذ" .ويعتبر النقاد هذين الكتابين من أكثر الكتب التي صدرت
في العقد الرابع من القرن العشرين نضجا وأهمية.
فقط بوصفه تاريخا للسلوك" يحدد الفكرة المركزية لكتابه "التذكر والتفكير"
ل مشكلة "التذكير والتفكير" على أرضية النظرة الديالكتيكية بقولـه ..." :تح ّ
إليها فقط ..مشكلة بالمكان أن تحل على أرضية المادية الجدلية فقط .ومن
الضروري استخدام ما هو متوفر من إشارات ماركس وانغلز ولينين بصدد هذا
السؤال .ويتعّين على المؤلف أن يتجه في دراسته على الدوام نحو العمال
الفلسفية لمؤسسي الماركسية ليجد فيها مفتاحا للجابة على السؤال المطروح.
وخلفا للنشاءات المثالية الخاطئة وغير المجدية للعمليات السيكولوجية تعد
النظرية اللينينية في النعكاس أساسا للكيفية التي ينبغي دراسة المشكلة
المطروحة وفقها" (بلونسكي .)24 ،1935 ،والحق أن هذا التقديم يجسد رؤية
جديدة تقوم على سند محدد .كما يؤلف مضمون عمله ككل إحدى العلمات على
طريق إعادة بناء علم النفس السوفيتي .وهذا ما تدلل عليه تعليقات العلماء
وملحظاتهم عقب صدور الكتاب.
فقد كتب ب .دوسيف ،للمثال ،يقول" :يبرهن عمل بلونسكي بصورة قاطعة
ليس على أهمية الفلسفة الماركسية في حل مشكلت علم النفس وحسب ،بل
وعلى دور علم النفس في معالجة مجموعة السئلة ذات الصلة بالنظرية
والمعرفة ،وأهمية علم النفس على صعيد التطبيق" (دوسيف ،1926 ،العدد ،4
.)31وأشار بتروفسكي فيما بعد إلى التطور الفكري عند بلونسكي وقدرته على
توظيف ما َتمَثّله من الفلسفة الماركسية في معالجة قضايا علم النفس.
ويتبدى ذلك بوضوح عبر المقارنة التي عقدها بين أعمال بلونسكي في
العشرينيات وأعماله في الثلثينيات .ومما خلص إليه هو أن الساس الذي بنى
لقد صاغ باسوف نظريته في تطور النفس على أساس العلقة المعقدة
والوثيقة بين الجانبين :البيولوجي والبيئي ،الموروث والمكتسب ،واعتبر أن
الوراثة والبيئة هما العاملن اللذان يحددان تطور الكائنات الحية العليا عامة،
والنسان خاصة .ووجد أن من غير الممكن فهم عملية التطور فهما سليما ما لم
يؤخذ هذان العاملن معا بعين العتبار ،ويتحدد دور كل منهما فيها.
وعندما طرح باسوف مسألة العلقة بين الوراثة والبيئة ،فإنّ تصوره لها لم
- 399 -
يقف عند حدود التوفيق بين النظريتين المتصارعتين :الوراثية والبيئية .ومثل
هذا التصور كان مرفوضا من قبله ،لنّ العلقة بين العامل الوراثي والعامل
البيئي هي ،في اعتقاده ،أعقد من مجرّد جمعهما على نحو ميكانيكي ،أو تحديد
نسبة ما يسهم كل منهما في بناء الشخصية مثلما فعل شتيرن وأتباعه .إن
الوصف الصحيح لتلك العلقة يتطلب ،من وجهة نظر باسوف ،التمييز بين
المسارين الرئيسيين لتطور النسان :المسار البيولوجي للجسم الحي ،والمسار
النفسي للنسان ككائن اجتماعي .وهذان المساران مرتبطان بعضهما ببعض.
فالتطور البيولوجي مرهون بالشروط الحياتية للنسان .والتطور النفسي ل
يمكن تصوره من غير أساس بيولوجي .وفي هذا السياق يشير باسوف إلى
الختلف النوعي بين تطور السلوك الحيواني والوعي النساني .فإذا كنا نعبّر
عن ارتباط تطور السلوك الحيواني بالبيئة ،فإنه ليس بوسعنا أن نستخدم هذا
المفهوم أو نعتمد عليه للتعبير عن ارتباط تطور الوعي عند النسان .وآية ذلك
أن التطور على هذا المستوى ل يحقق للنسان إمكانية التكيف مع البيئة فقط،
وإنما يساعد على تغيير الظروف الخارجية بصورة تستجيب لمتطلباته وغاياته،
أي أنه يكيّف البيئة معه بفضل فعاليته وقدرته على التأثير المباشر وغير
المباشر في المحيط الخارجي.
ويمضي باسوف إلى أن النشاط العملي هو الشرط الساسي لتشكل فعالية
النسان وقدرته على تشكيل بيئته وتكييفها لهدافه .فبالعمل يصير المرء عضوا
فاعلً في المجتمع .ومن خلله أيضا تتكون علقته المعقدة ببيئته .وفي هذا
يقول" :إن العمل المبني على استخدام الدوات وإنتاجها يعيد في مجرى التطور
تشكيل الحياة الجتماعية للناس وسيكولوجيتهم الفردية ،بل وإلى حد ما تكوينهم
الفيزيائي ...فتطور الدوات وشكل العمل ل يؤدي إلى تغيرات شكل النظام
الجتماعي فحسب ،بل وإلى تغيرات في التكوين الفردي لكل إنسان ،وفي
مقدمتها سيكولوجيته ...بل وجسمه أيضا إلى درجة معينة" (المرجع السابق،
.)166
وهكذا فالبيئة المحيطة بالنسان والتي تؤثر فيه ل تقتصر ،في نظر
باسوف ،على ظواهر الطبيعة ،بل إنها تشمل الشروط الجتماعية أيضا .وربما
وجد تأثير المجتمع البشري في سلوك الفرد أقوى بكثير من تأثيرات الظروف
الطبيعية .ولهذا نراه يعرف النسان بأنه كائن اجتماعي بلغ شأوا عظيما في
()-إم يل هينيك ي )E. HENNEKEN (1858 –1888صحاف ونا قد فرن سي .اقترح أن يتناول 1
النقد العلمي بالتحليل جوانب ثلثة من العمل الفن أو الدب :الانب المال والانب الجتماعي
والانب السيكولوجي.
ومحاولة لوضع البديل الذي يكفل لعلم النفس خروجه من أزمته التي ما انفكت
تتعقد وتتفاقم مثيرة حولها النقسام والتشرذم في صفوف علماء النفس .ومما
لحظه فيغوتسكي على علم النفس التقليدي هو غياب البعد التاريخي
والجتماعي في تناولـه للوظائف النفسية العليا ،ودراساته للوقائع كعمليات
وتشكيلت طبيعية ،وخلط الطبيعي بالثقافي ،والبيولوجي بالجتماعي في نظرته
إلى التطور النفسي.
ويسوق فيغوتسكي عددا غير قليل من المثلة ليظهر عجز النظريات
السيكولوجية بمختلف أشكالها وتعدد مشاربها عن تفسير الوظائف النفسية
المعقدة تفسيرا يراعي الجانب الثقافي التاريخي في نشأتها وتطورها .وفي هذا
السياق يشير إلى الدراسات التي تناولت جوانب ومشكلت محددة من تطور
الوظائف النفسية العليا عند الطفل ،كالكلم والرسم والقراءة والكتابة والستدلل
والتصور ونشوء مفهوم العدد والعمليات الحسابية .ويرى أن جميع هذه
العمليات النفسية لم تدرس إل من جانبها الطبيعي ومن زاوية العمليات التي
تتألف منها .بينما بقيت خصائص بنيتها وكيفية أدائها لوظائفها ومراحل تطورها
منذ ظهورها حتى نضجها وقوانينها الخالصة التي تخضع لها في حركتها خارج
دائرة الهتمام.
وعلى غرار ما يفعل عالم الحياء عند دراسته للجسم الحي يلجأ
السيكولوجي في كثير من الحيان إلى تفكيك العمليات المعقدة إلى أجزاء
وعناصر .ويرى فيغوتسكي أن هذا الجراء يلغي وجود تلك العمليات كبنيات
أو كليات ،ويفسح المجال أمام دراستها كظواهر بسيطة .ويُرجع سبب هذا
الخطأ إلى التصور اللي لظهور العملية النفسية المعقدة ،واعتبارها مجرد
حاصل جمع أجزائها وعناصرها.
وعلى هذا النحو بقيت عملية تطور الشكال العليا والمعقدة للسلوك بعيدة
بفيغوتسكي إلى أن يأخذ على عاتقه تصحيح هذا الوضع عن طريق تناول
موضوعات هذا العلم على قاعدة التمييز بين الخطين واستقللية كل منهما عن
الخر.
ومن الوقائع التاريخية والثقافية التي يتراءى عبر موضوعيتها ودقتها أن
التطور الثقافي للنسانية يتحقق في ظل النمط البيولوجي الثابت نسبيا ،وفي
فترة السكون النسبي للعمليات النشوئية وضمن شروط الستمرارية التي يعرف
بها النمط البيولوجي للنسان البدائي homo sapiensيجد فيغوتسكي أن ما
يميز التطور الثقافي للطفل المعاصر هو أنه يحدث في ظل التغيرات الدينامية
للنمط العضوي ،ويتجسد في عمليات التطور والنضج العضوي ويؤلف معهما
وحدة متكاملة .ويعتبر هذه الحقيقة سببا في رؤيتنا لـه من خلل تشابكه
وتضافره معهما ،وعدم قدرتنا على فصله أو عزله عنهما وتتبع مساره إل عن
طريق التجريد فقط.
إن تطور الطفل العادي في ظلّ الحضارة يؤلف مع عمليات نضجه
العضوي وحدة ل تنفصم وإن خطيّ تطوره الطبيعي والثقافي يتضافران
ويتطابقان .ويتخلل كل منهما الخر مكوّنا معه نوعا من التشكيل البيولوجي –
الجتماعي لشخصيته .وبالقدر الذي يتم فيه النمو العضوي في البيئة الثقافية
يتحول إلى عملية بيولوجية تاريخية .وفي الوقت ذاته يكتسي التطور الثقافي
طابعا يتميز عن أي طابع آخر بأنه يحدث بالتضافر والتزامن مع النضج
العضوي .ويمكن أن يكون تطور الكلم عند الطفل مثالً طيبا وجليا على اتحاد
هذين الخطين.
وهنا يذكر فيغوتسكي بمفهوم فعالية الحيوان الذي طرحه هـ .جينينغز.
ومنظومة الشارات الموجهة للسلوك التي ظهرت عبر التطور التاريخي ثانيا.
وهنا يشير فيغوتسكي إلى مسألتين هامتين :الشرطية الجتماعية ،وتشوير المبدأ
الجديد لتنظيم الوظائف النفسية العليا.
ويتوقف فيغوتسكي أمام الدور الحاسم الذي يقوم به التاريخ الجتماعي في
التطور النفسي .ويجده متمثلً في ما ينتجه المجتمع ويحسنه ويطوره من أدوات
–إشارات ،مثل اللغة والكتابة والعدّ والحساب .كتب يقول" :ليست الطبيعة،
وإنما المجتمع هو الذي يجب أن ينظر إليه في المقام الول كعامل محدد لسلوك
النسان .وفي هذا تتجسد فكرة التطور الثقافي للطفل بأكملها" (المرجع السابق،
.)85ونظرا لهمية هذه المشكلة فقد خصّها بعد ٍد من أعماله .ففي عام 1929
نشر مقالً بعنوان "تطور الشكال العليا للنتباه في سن الطفولة" .وفي عام
1930أعقبه بمقال آخر حول "الداة والشارة" .وخلل عامي 1930و 1931
كتب مؤلفه "تاريخ تطور الوظائف النفسية العليا" الذي لم ينشر إل بعد وفاته
بأكثر من عقدين .وفي عام 1931ظهر كتابه "التفكير واللغة" (.)1
()-نقـل هذا الكتاب إل العربيـة الدكتور طلعـت منصـور .وصـدر عـن مكتبـة النلو الصـرية عام 1
.1976
العمليات النفسية عند النسان هي منذ البداية اجتماعية المنشأ والشكل .وثانيتهما
أن هذه العمليات تكتسب في مجرى التطور شكل العمليات الفردية الداخلية ،
وبهذا انتقل إلى صياغة فرضية حول الستدخال بوصفه الساس الذي يقوم
عليه انتقال العمليات الشارية الجتماعية الخارجية إلى عمليات إشارية ذاتية
داخلية.
وبفضل المعطيات التجريبية استطاع فيغوتسكي أن يقارن العمليات النفسية
الدنيا والعمليات النفسية العليا ويحدّد خصائص كل منها .ووجد أنه إذا كانت
العمليات الدنيا بدائية وطبيعية ،وتشترطها الخصائص البيولوجية للنسان
بصورة رئيسية ،فإن العمليات العليا تنشأ في سياق التطور الثقافي الذي أضعف
الرابطة المباشرة بين المنبه والستجابة وقاد إلى انحللها ،وجاء بعنصر جديد
وهام يتوسط تلك الرابطة ،ويضفي على الواقعة النفسية طابعا غير مباشر .وبذا
أضحى النسان قادرا على التحكم بأفعاله الخاصة التي كانت من قبل طبيعية،
وصار سيد سلوكه بعد أن كان سلوكه رهن التغيرات الخارجية.
وهكذا أصبحت مشكلة تطور الوظائف النفسية العليا تعني بالنسبة
() -س .تولي هو أستاذ الفلسفة ف جامعة شيكاغو .كتب عدة مقالت حول السس النهجية لعلم 1
النفس .ومن بي تلك القالت مقاله حول فيغوتسكي .وقد نشر هذا القال تت عنوان "موزارت ف
علم النفس "ف ملة" نيويورك ريفيو" ،العدد التاسع ،أيلول (سبتمب) 1973م.
والنشاط .ومما جاء فيه بشأن هذا المبدأ قوله" :وهكذا فالذات ل تتكشف وتتجلى
في أعمالها ،وفي وقائع نشاطها الذاتي المبدع فحسب ،بل تتكون وتتحدد فيها.
ولذا فإن بالمكان تعيين ما هي عليه بما تفعله ،وتحديدها وتشكيلها لذاتها باتجاه
نشاطها" (روبنشتين.)1986 ،
لقد استأثر مفهوم النشاط باهتمام روبنشتين وجهده على امتداد مراحل
حياته العلمية .وما كان يعنيه هذا المفهوم بالنسبة له في بداية المر هو:
-أنه نشاط الذات حصرا ،وبه يتميز النسان عن الحيوان واللة ويتفوق
عليهما.
-أنه تفاعل الذات والموضوع ،ولذا فهو ،بالضرورة ،مادي وواقعي وذو
محتوى ،وليس رمزيا أو صوريا أو متوهما.
-أنه نشاط مبدع دوما.
-أنه نشاط مستقل ،ولكن استقلليته ل تتعارض أبدا مع تعاون الذات
والغير ،ول تتنافى مع النشاط المشترك لفراد المجتمع.
ومما يلحظ عبر هذه المعاني التي حملها روبنشتين لمفهوم النشاط هو
حرصه على إبراز الرتباط الوثيق بين الفرد وأفعاله وأهمية ذلك في حياة
الشخصية.
ولعلّ هذا التصور يحمل في طياته نقدا موجها إلى أصحاب النزعة المثالية
الذين يرفضون وحدة الشخصية .فموقف الفيلسوف النكليزي هيوم ومن سار
في ركابه قاد إلى ظهور علم النفس الوظيفي الذي يرى أن النفس تتكون من
مجموعة من الجهزة أو الوظائف التي تنفصل إلى هذا القدر أو ذاك عن
الذات ،وينفصل ،بالتالي بعضها عن بعض .ويتساءل روبنشتين عما إذا كان
بمقدورنا أن نتصور حدوث الفعال والتصرفات عن جانب أو جزء من
() -يذهب دور كهاي إل أن ما هو اجتماعي يستمد وجوده من التصورات .ويقرر ليفي برول أن 1
اللحقة ،ويجعل منها مركز اهتمامه ونشاطه .وطبقا لما جاء في تقرير ب.
تيبلوف ول .شفارتس حول "أسس علم النفس العام" فإن روبنشتين استطاع أن
يعرض عناصر الديالكتيك في عملية التطور النفسي بالعتماد على المعطيات
العلمية .ولكنه لم يوفق في معالجته للموضوع المطروح ،فجاءت آراؤه في
أغلب المواقع أقرب إلى النشاء الدبي منها إلى التركيز على الجوهر ومعاينته
وفحصه.
ومما ل شك فيه هو أن روبنشتين واحد من أبرز رواد مدخل النشاط في
دراسة النفس النسانية .وأنه بذل جهدا كبيرا من أجل إرساء قواعد هذا
المدخل .ومع ذلك فإن النقاد والمؤرخين السوفيت ،وفي مقدمتهم صاحبا التقرير
لم يعثروا في أعماله على الحل المناسب لمشكلة تجاوز المذهب الوظيفي.
ورغم دفاعه عن جدلية العلقة بين الوعي والنشاط ،ومساعيه الحثيثة لثبات
ل مقنعا ،المر الذي أضفى على وحدتهما ،فإنه ،حسب تصورهم ،لم يقدم بدي ً
حملته ضد علم النفس الوظيفي طابعا إعلميا أكثر منه علميا.
تعد مدرسة جورجيا السوفيتية (سابقا) ،إحدى المدارس التي تمحور نشاط
ممثليها حول تفسير الوعي بالعتماد على مفهوم واحد .وهذا المفهوم هو الحالة
أو الموقف .SEATوبصورة مبسطة يمكن القول بأن الموقف هو ما توطّن في
نفس الفرد و ما استقر عليه حاله إزاء الوقائع الخارجية أو الداخلية دونما تدخل
من جانب إرادته أو وعيه.
ويرجع الفضل في النهوض بهذه المدرسة إلى نشاط ديمتري نيكوليفيتش
اوزنادزي ( 1886ـ .)1950فقد عمل هذا العالم منذ شبابه في مخبر علم
النفس الذي تأسس في تفليس (تبيليسي) عاصمة جمهورية جورجيا بعد قيام
السلطة السوفيتية .وفي نهاية العشرينيات بدأ يفكر بوضع نظرية جديدة اعتمادا
على المعطيات التجريبية التي كانت تعكس حالت خداع الدراك المختلفة.
ولتحقيق هذا الهدف وضع برنامجا لدراساته اللحقة .وحرص على تنفيذ ماجاء
فيه بدقة وتطبيق ما تضمنه من محاور .وساعده في ذلك فريق من الباحثين
الذين انضموا إلى هيئة العاملين في معهد علم النفس التابع لكاديمية العلوم في
جمهورية جورجيا .وكان من أبرزهم أ.س .برانفيشفيلي ور.غ .ناتادزي
وإ.ك.أباشيدزي ود.إ.راميشفيلي وهـ.ل.إليافا وز.إ.خوجافا وغيرهم ،وبهذا
تمكن اوزنادزي من صياغة نظريته وتقديمها بقد ٍر كبيرٍ من الوضوح قبل
وفاته .واستمر أتباعه بتطويرها من خلل البحوث التي تناولوا فيها مختلف
الظواهر النفسية كالتفكير والتذكر والدوافع عند النسان في مراحل عمرية
مختلفة.
لقد وقف بعض العلماء على الظاهرة ـ الموقف قبل اوزنادزي بوقت غير
() ــ قـد يكون القال الذي نشرتـه ف.أ.كالتسـوفا فـ العدد السـادس لعام ،1988مـن "الجلة 1
السيكولوجية السوفيتية" ،تت عنوان "منظومة آراء مكارينكو السيكوتربوية" بناسبة مرور مئة عام
على ولدة مكارينكـو هـو الحاولة الول التـ تنظـر إل أفكار هذا الربـ وتصـوراته كمنظومـة
سيكوتربوية.
وبالمقابل فقد أظهرت معطيات الدراسات التي أجراها لوريا وغيره من
الباحثين على أبناء المجتمعات الحضرية الذين يستخدمون الدوات والوسائل
المتقدمة في نشاطهم النتاجي والجتماعي أن أفراد عينات هذه الدراسات
يتمتعون بقدرات عالية على التعميم والتجريد والستدلل المنطقي .وبناء على
هذه المعطيات وجد لوريا أن الخصائص النفسية النسانية تتكوّن في ظل
الشروط الجتماعية ومن خلل النشاط الذي يمارسه الناس .وأنه ليس ثمة ما
يحمل على العتقاد بأن العوامل البيولوجية هي التي تقرر مستوى تلك
الخصائص عند أفراد هذه السللة أو تلك ،أو لدى أبناء هذا العرق أو ذاك.
وللحصول على مزيد من المعطيات التي تعزز صحة هذا التجاه عاد لوريا إلى
تلك الرياف الوزبكية بعد التغيرات التي شهدتها الحياة القتصادية
والجتماعية والثقافية فيها وطبق اختباراته على مجموعة من سكانها .فوجد أن
مستوى القدرات الذهنية عند أفراد هذه المجموعة أعلى بكثير مما كان عليه
حالها عند أسلفهم ،وأنه ليس أقل من المستوى الذي يتمتع به أترابهم
الوربيون.
ولئن كان الهدف من نشاط لوريا خلل العوام مابين 1925و 1931هو
إبراز الدور الحاسم للدوات والشارات في الحياة النفسية للنسان ،وتطور هذه
الخيرة تبعا لتطور تلك الدوات والشارات عبر النشاط المادي والثقافي
والروحي للجيال المتعاقبة ،فإن دراسته التي أجراها مع مساعديه على التوائم
ل تبتعد عن ذلك الهدف المركزي الذي كرس له نشاطه العلمي ،وبقي يسعى
إليه من جوانب شتى حتى وفاته.
لقد أراد لوريا من دراسته للتوائم أن يقف على دور العوامل الوراثية
والبيئية في التطور النفسي عند الطفال .ولهذا اختار طريقة التوائم ،وأدخل
() ـ تول هذا العهد عام 1932إل أكاديية علم النفس لعموم أوكرانيا .وعندما التحق ليونتيف به 1
شغل منصب رئيس قسم علم النفس التكوين ف د ائرة علم النفس.
واللول الت قدمها لعدد من السائل الت تضمنتها الادة الساسية لطروحته الت ناقشها ف جامعة
ليننغراد عام .1940ومنحته لنة الناقشة الؤلفة من ل.أ.اوربيلي وس.ل .روبنشتي وب.م.تيبلوف
لقب دكتوراه ف العلوم النفسية.
() ـ سوف نعرض أ هم النتقادات ال ت تناولت مفهوم النشاط ومركبا ته ع ند ليونت يف ،ف الف صل 1
الشكل (رقم " )3النسان الدماغ" ،ويبيّن "توضع أعضاء الحركة في المنطقة
الحركية من القشرة الدماغية حسب بينفيلد"
() ـ ت الك شف عن مر كز ال صور الركيـة للكلمات من ق بل النتروبولو جي الراح الفرن سي 1
ب.برو كا عام ،1861وأ صبح يعرف با سه .وي تل هذا الر كز الثلث الل في من التلف يف الب هي
ال سفلي من الق سم الي سر للكرة الخ ية .و ف عام 1874ت الك شف عن مر كز ال صور ال سية
للكلمات من قبل طبيب المراض العصبية والنفسية اللانية ك.فرنيكيه .وصار يعرف باسه .ويشغل
هذا الركز الثلث اللفي من التلفيف الصدغي العلوي من النصف اليسر للكرة الخية.
مبدأ الحتمية
أسفرت المناقشات والمناظرات التي شهدها علم النفس في التحاد
السوفيتي (سابقا) خلل العقد الثالث ،وكذلك الدراسات والبحوث السيكولوجية
التي أجراها زعماء المدارس التي تحدثنا عنها في الفصول الخيرة ومن حذا
حذوهم وسار في ركابهم خلل العقد الرابع من القرن العشرين عن تحديد
ملمح ما عُرف فيما بعد بعلم النفس السوفيتي .وفي نهاية هذه الفترة تبلورت
مبادئ هذا العلم وأسسه العامة.
وعلى الرغم من الختلفات بين تعاليم أصحاب تلك المدارس وروادها،
فإن المبادئ التي انطلقوا منها في صياغة نظرياتهم ،والسس التي بنوا عليها
آراءهم لم تكن موضوع خلف بينهم .فقد أجمعوا على أن النفس هي نتاج
تطور الكائنات الحية وتفاعلها مع العالم الخارجي ،وأن الوعي هو شكلها
الرقى الذي يميّز النسان عن سواه من الحياء .وهذا يعني أن ما يحدّد النفس
هو نمط الحياة التي يحياها الكائن الحيّ .فالنفس الحيوانية تخضع في نشأتها
وتطورها إلى القوانين البيولوجية التي تتمثل في عملية التكيف مع الشروط
الطبيعية المحيطة بالحيوان .أما النفس النسانية فإن ما يحددها ليس قانون
الصطفاء الطبيعي أو عملية التكيف مع الوسط الطبيعي المادي ،وإنما قوانين
تطور نمط إنتاج الخيرات المادية والروحية التي تلّبي الحاجات المتنامية لفراد
المجتمع .وبعبارة أخرى إنّ ما يحدّد وعي النسان هو الوجود الجتماعي .من
هنا جاءت دعوة علماء النفس السوفيت إلى ضرورة فهم الطبيعة الجتماعية ـ
التاريخية للوعي النساني.
()-عقـد الؤترـ الدول الادي عشـر لعلماء النفـس فـ باريـس عام .1937وعلى الرغـم مـن أن 2
الؤترات الدولية لعلماء النفس تعقد مرة كل ثلث سنوات ،فإن الؤتر الثان عشر ل يعقد إل بعد
أن وضعـت الرب العاليـة الثانيـة أوزارهـا ،وبالتحديـد فـ مدينـة أدنـبة عام .1948ومنـذ الؤترـ
العشر ين الذي ع قد ف طوك يو عام 1972أ صبحت هذه الؤترات تع قد مرة كل أر بع سنوات،
حيث عقد الؤتر الادي والعشرون ف باريس عام .1976وعقد الؤتر الثان والعشرون ف مدينة
ليبزيغ عام 1980احتفاءً بالذكرى الئوية لنشاء أول مب للبحوث النفسية.
()-صدر هذا الكتاب للمرة الول عام .1964ث صدر ثانية بالتعاون مع باحثي آخرين وبضمون 1
صاحب هذه النظرية هو بيتر ياكو فليفيتش غالبيرن الذي وُلد عام 1902
ب عمل طبيبا للمراض وتوفي عام .1988فبعد أن أنهى دراسته في معهد الط ّ
النفسية –العصبية ،ومن ثم نفسانيا في المؤسسات التربوية والطبية في جمهورية
أوكرانيا .وفي مطلع الثلثينيات قدم إلى خاركوف لينضم إلى مجموعة
ليونتيف .وهناك تعرف على زابا روجيتس وبوجوفيتش وفيغوتسكي.
ويعد غالبيرن واحدا من الذين أسهموا في وضع نظرية النشاط المادي ،بما
يتضمنه هذا السهام من نقد للنظريات التي كانت سائدة في الساحة الدولية لعلم
النفس آنذاك .وكان منطلقه في ذلك المبادئ التي كان قد وضعها فيغوتسكي من
أجل إنشاء علم نفس جديد.
لقد قلنا أن فيغوتسكي ذهب إلى أن النسان كائن اجتماعي يولد في عالم
الشياء والموضوعات التي صنعها المجتمع .وخلفا لنشاط جميع الحيوانات
يقوم نشاط المجتمع البشري أساسا على العمل الذي يستخدم فيه بنو البشر
الدوات المتعددة المناسبة .وهذه الدوات يمكن أن تكون أية إشارة يؤدي
استخدامها من قبل الفرد إلى إعادة بناء نشاطه النفسي بصورة جذرية .وبفضل
هذه الدوات تظهر الوظائف النفسية العليا غير المباشرة والرادية (الجتماعية
– التاريخية) على أرضية الوظائف النفسية الدنيا المباشرة (الطبيعية،
الحيوانية) .ولعل بالمكان ملحظة هذا النتقال عند الفرد ،مثلما يمكن الوقوف
عليه لدى متابعتنا للمراحل المتعاقبة التي قطعتها البشرية خلل تاريخها المديد.
فالطفل النسان يتعلم استخدام الدوات الجتماعية بصورة تدريجية .ومع
()-ب .ي .غالبين .تطور الدرا سات حول تش كل الفعال العقل ية ،ف كتاب علم الن فس ف التاد 1
السوفيت ،الزء الول .منشورات أكاديية العلوم التربوية ف روسيا التادية ،موسكو .1959 ،ص
.443وعلى هذا القال الامع اعتمدنا ف عرض نظرية غالبين ف التش كل الرحلي للفعال العقل ية
والفاهيم.
()-جاء إعلن غالبين عن نظريته مت صرا ،وذلك عب مداخلته ف ملت قى علم النفس ف روسيا عام 1
.1952وعاد ف اللتقى الذي عقد عام 1953ليخصص مداخلته لعرض هذه النظرية.
عرف علم النفس في دول أوربة الشرقية تحولً جذريا بعد الحرب العالمية
ل من المبادئ الفنومنولوجية والوضعية والستبطان صارت الثانية .فبد ً
الدراسات النفسية هناك تعتمد على أُسس الفلسفة المادية الجدلية والتاريخية.
وفي تلك السنوات كان علم النفس في التحاد السوفيتي قد قطع شوطا كبيرا في
إنشاءاته النظرية على قاعدة تلك الفلسفة ،المر الذي سهل مهمة علماء النفس
في تلك البلدان .ولذا فقد اتجهوا نحو زملئهم السوفيت يأخذون عنهم وينقلون
خبرتهم ويعملون معهم في اختبار نظرياتهم وتطويرها .وقاموا بترجمة أهم
المؤلفات من الروسية إلى لغاتهم ،وأنشأوا المعاهد ومراكز البحث النفسي
والمخابر والعيادات النفسية التي تحاكي بشكلها ووظيفتها واتجاهها المؤسسات
العلمية القائمة في التحاد السوفيتي .فأصبحت أعمال سيجينيف وبافلوف
وتلميذه وفيغوتسكي وروبنشتين وليونتيف ولوريا وتيبلوف وغالبيرن وإلكونين
تدرس في معاهد وكليات وأقسام علم النفس والتربية في تلك البلدان.
وفي ظل التعاون بين التحاد السوفيتي وبلدان أوربة الشرقية ضمن إطار
ما عُرف بالمنظومة الشتراكية كانت المؤتمرات والندوات في علم النفس،
الطار الفعّال الذي مكّن علماء النفس في هذه المنظومة من تبادل الراء
والخبرات حول قضايا هذا العلم ومناهجه .كما كانت المؤسسات العلمية
والتعليمية في التحاد السوفيتي تستقبل الباحثين الشباب والطلب من الدول
الشتراكية الُخرى.
يُضاف إلى ذلك إتاحة الفرص أمام العلماء والباحثين لنشر مقالتهم في
المجلت والنشريات التي تصدر في أي بلد من بلدان المنظومة غير بلدهم.
ترجت أعمال أ .ر .لوريا إل النكليزية عام ،1974وإل السبانية عام .1978 *
المراجع
أولً-بالعربية
-1إبيغانوف ب .فيدوسـوف إ ،تار يخ التحاد ال سوفيتي ،ترجمـة خيري الضامـن ونقول
الطويل ،دار التقدم ،موسكو ،بل تاريخ.
-2عاقل فاخر ،التعلم ونظرياته ،ط ،5دار العلم للمليين ،بيروت( 1981 ،أ) .
-3فيغوتسكي ل .س ،التفكير واللغة ،ترجمة د .طلعت منصور ،مكتبة النجلو المصرية،
القاهرة .1976
-4هايمان راي ،طبيعة البحث العلمي في علم النفس ،ترجمة د .سعد جلل ،دار المعارف
بمصر ،القاهرة ،بل تاريخ.
آ-بالروسية:
-5المكانيات المتنامية في استيعاب المعارف ،بإشراف د .إلكونين وف .دافيدوف،
بروسفيشينيه.1966 ،
-6التراث التربوي ،بيلينسكي ،غيرتسن ،تشيرنيشيفسكي ،دوبرولوبوف ،بيداغوغيكا.
موسكو.1988 ،
-7أستراتيان أ .إيفان بتروفيتش بافلوف ،ناؤكا ،موسكو.1974 ،
-8أفلطون ،المؤلفات الكاملة ،موسكو.1971 ،
-9إلكونين د ،.علم نفس الطفل ،أوجبيدغيز ،موسكو.1960 ،
-10أنانيف ب ،التنظيم الثنائي كآلية للسلوك ،مجلة "مسائل علم النفس" ،1963 ،العدد .5
-11أوشينسكي ك .المؤلفات الكاملة ،أكاديمية العلوم التربوية في روسيا التحادية ،موسكو،
.1950
بلغات أخرى.ب
86- Boring E. G A History of experimental psychology, 2nd
ed. N. Y. 1950.
87- Janet P., I’intelligence avant le langage, paris, 1936.
88- Roback A., a History of American psychology, N. Y.,
1952.
- 569 -
أسماء العلم
إنغلز ف.662 ،640 ،621 : أسنين ف .إ.766 ،720 -719 :
أنغيرا م.802 : أش ن.665 -664 :
أنوخين أ .ب.696 : أغاريف.508 -507 :
أنوخين ب ك.747 : إغوروفا م .س.696 :
أوربيلي ل.721 : أفانانسيف م.546 :