Professional Documents
Culture Documents
مجــــــــدي الهــــــــللي
www.alemanawalan.com
جميع الحقوق محفوظة
الطبعة الولى
1 4 2 8هـ 2 0 0 7 -م
م
رقم اليداع2 5 1 2 1 / 2 0 0 6 :
قدم
ة الترقيم الدوليI.S.B.N :
2 – 009 – 441 – 977
مؤسسة اقرأ
للنشر والتوزيع والترجمة
10ش أحمد عمارة -بجوار حديقة الفسطاط
القاهرة ت 5326610 :محمول-0102327302:
0101175447
www.iqraakotob.com
Email:info@iqraakotob.com
بالله أستعين
المقدمـــــــــــــة
الحمد لله حمدًا كثيًرا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا
ويرضى ،والصلة والسلم على الحبيب المصطفى محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد..
الحب – كما نعلم – جزء أصيل من مشاعر النسان ،وهو
معاملة قلبية يشعر من خللها المرء بميله وانجذابه إلى
الخر.
والواقع المشاهد يخبرنا بأنه عندما يتمكن الحب في القلب
بين شخصين فإننا نجد آثار هذا الحب بادية في تعامل أحدهما
مع الخر ،فتجد كل ً منهما يكثر من ذكر محبوبه ،ويشتاق دو ً
ما
إلى رؤيته ،ويرغب في الخلوة به ،ويأنس بقربه ،ويغضب من
أجله ،ويغار عليه ..يُقََرب من يحبه محبوبه ،ويُبعد من يبعده,
يطيع أوامره بسعادة وحبور ،ويضحي من أجله ،ويفرح بهداياه
مهما صغرت.
فهذه وغيرها بعض آثار الحب عندما يتمكن من قلوب
البشر تجاه بعضهم البعض.
فكيف ينبغي أن تكون هذه الثار عندما يصبح المحبوب هو
المحبوب العظم؟!
كيف يكون حال من يتمكن حب الله من قلبه؟!
بل شك أن آثاًرا عظيمة ستظهر على هذا المحب الصادق
ما يكثر من ذكره ويأنس لموله سبحانه وتعالى ,ستراه دو ً
بقربه ،ويستوحش مما سواه ،ويحب الخلوة به ومناجاته,
ما على رضاه ,يغار على محارمه، يسارع في طاعته ويعمل دو ً
ما عليها ,يضحي ويغضب من أجله ,يفرح بعطاياه ويشكره دو ً
بالغالي والرخيص من أجله ،يرضى بكل ما يقضيه له ،ويبذل
ما إلى رؤيته.
غاية جهده في خدمته ،ويشتاق دو ً
ولكننا نحب الله !
فإن قال قائل :ولكننا نحب الله ومع ذلك ل نشعر بكل
3
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
هذه العلمات.
نعم ،في القلوب حب لله عز وجل ،ولكنه في الغالب لم
يصل للدرجة التي تهمين وتسيطر على المشاعر وتحتل
الجزء الكبر منها ،فمع وجود قدر من حب الله في القلب إل
أن هناك محاب أخرى تشوش عليه ،وتنازعه المكان مثل حب
المال والزوجة والولد والنفس و...
وليس معنى هذا أن المطلوب هو تجريد مشاعر الحب من
هذه المور ،بل المطلوب أن يكون حب الله أكبر منها جميعًا كما
قال تعالى :وَالّذِينَ آ َمنُوا أَشَدّ ُحبّا لِ [البقرة ]165 :فإن لم يحدث هذا
فلن تظهر تلك العلمات ،وهذا ما أكده بقوله« :ثلث من كن فيه
وجد حلوة اليان :أن يكون ال ورسوله أحب إليه ما سواها»( ..)1الحديث.
فلكي يجد المؤمن حلوة اليمان ل بد أن تكون مساحة
حب الله في قلبه أكبر من مساحة حبه لما سواه من المحاب
الخرى مجتمعة.
المعرفة طريق المحبة
المحبة ما هي إل صورة من صور المعاملة التي ينبغي أن
يعامل بها العبد ربه ،وأكبر عامل يؤثر ويحدد درجة المعاملة
هو المعرفة.
فكلما ازدادت المعرفة بالله تحسنت درجة معاملة العبد
له ،وازداد له حبًا وإجلل وهيبة وخشية ،وفي المقابل عندما
يجهل النسان ربه ،ول يعرف قدره فإن ذلك من شأنه أن
يؤدي إلى أن يعامله معاملة ل تليق بجلله وكماله ،فيخشى
الناس أكثر مما يخشاه ،ويحب نفسه وماله وعقاراته أكثر مما
يحب ربه ،ويجتهد في التزيَُن للخرين دون أن يبالي بربه.
فالسبب الول لعراض الناس عن الله ،واستهانتهم
ش َهدَ عَ َليْ ُكمْ
بأوامره هو جهلهم بقدره سبحانه ..وَمَا كُنُْتمْ تَسَْتتِرُونَ أَن يَ ْ
1
() متفق عليه.
4
المقدمـــــــــــــة
َس ْمعُ ُكمْ وَلَ أَْبصَارُ ُكمْ وَلَ ُجلُودُ ُكمْ وَلَكِن ظَنَنُْتمْ أَنّ الَ لَ َيعْ َلمُ َكِثيًا ّممّا َت ْعمَلُو َن وَذَلِ ُكمْ
حتُم ّمنَ اْلخَاسِرِينَ [فصلت.]22،23 : ظَنّ ُكمُ اّلذِي َظنَنُْتمْ بِرَبّ ُكمْ أَرْدَا ُكمْ َفَأصْبَ ْ
ويؤكد الحافظ ابن رجب على أن المعاملة على قدر
المعرفة بقوله:
ل قوت للقلب والروح ،ول غذاء لهما سوى معرفة الله
تعالى ،ومعرفة عظمته وجلله وكبريائه .فيترتب على هذه
المعرفة :خشيته ،وتعظيمه ،وإجلله ،والنس به ،والمحبة له،
والشوق إلى لقائه ،والرضا بقضائه(.)1
المعرفة النافعة
المعرفة المؤثرة النافعة ليست تلك التي تخاطب العقل
فقط ،فالكثير من الناس يتحدث عن الله حديثًا جميل ومبهًرا،
فإذا ما نظرت لواقعه وجدت فعله بعيدًا عن قوله فل خشية
سمَاءِ وَالَرْضِ َأمّن ول تقوى ول مهابة ول إجلل لله قُلْ مَن َيرْزُقُكُم ّمنَ ال ّ
سمْعَ وَالَْبصَارَ َومَن يّخْ ِرجُ اْلحَ ّي ِمنَ اْلمَيّتِ وَيُخْ ِرجُ اْلمَيّتَ ِمنَ الْحَيّ َومَن ّيدَبّرُ
َيمْ ِلكُ ال ّ
المْرَ َفسََيقُولُونَ الُ َفقُلْ أَ َفلَ تَّتقُونَ [يونس.]31 :
فإن أردنا معرفة تؤثر في المعاملة فل بد أن يتم مخاطبة
العقل والقلب معًا ،وأن تستمر تلك المخاطبة حتى يستقر
ما إيمانيًا
مدلولها في قلب ومشاعر النسان فتُشكل مقا ً
مستقًرا في القلب يظهر أثره في سلوك العبد وأعماله وَلَِيعْ َلمَ
حقّ مِن رّّبكَ فَُي ْؤمِنُوا ِبهِ َفتُخْبِتَ َلهُ قُلُوبُ ُهمْ [الحج.]54 :
اّلذِينَ أُوتُوا اْلعِ ْلمَ أَّنهُ الْ َ
..معنى ذلك أن الطريق الساسي لرحلة المحبة يبدأ من
بوابة المعرفة الحقة بالله عز وجل ،على أن تخاطب تلك
المعرفة :الفكر والوجدان.
يقول ابن تيمية :وأصل المحبة هو معرفة الله سبحانه
1
() مجموعة رسائل ابن رجب .2/467
5
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
وتعالى( ).
2
2
() التحفة العراقية في العمال القلبية لبن تيمية .61/
6
حول علقة المحبة
بالعبودية
والتحذير من التركيز
عليها
دون غيرها من ألوان
العبودية
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
تكامل العبودية
العبودية الحقة لله عز وجل تعني في حقيقتها اتجاه الجزء
الكبر من مشاعر العبد نحوه سبحانه ،حتى ينعكس ذلك على
معاملته له بمقتضى الحال التي يعيشها والحداث التي يمر
بها ،ليتمثل فيه قوله « :عجبًا لمر الؤمن ،إن أمره كله له خي ،وليس ذلك
لحد إل للمؤمن ،إن أصابته سراء شكر فكان خيًا له ،وإن أصابته ضراء صب فكان خيًا
له»(.)1
هذه هي العبودية الحقة من المؤمن لله عز وجل ,أن
يعبده سبحانه ،وتتجه مشاعره نحوه حسب الحالة التي يمر
بها ،فتجده يتقلب بين الخوف والرجاء والرضا والفرح
والنكسار و ...
أما العبودية الناقصة فهي تتمثل في التركيز على جانب أو
جوانب بعينها وترك أخرى ،فهذا المر له أضرار كثيرة،
ومنزلقات خطيرة.
يقول ابن رجب :وقد ع ُلم أن العبادة إنما تنبني على ثلثة
أصول :الخوف والرجاء والمحبة ،وكل منها فرض لزم،
والجمع بين الثلثة حتم واجب ،فلهذا كان السلف يذمون من
تعبد بواحد منها وأهمل الخَرين.
فإن بدع الخوارج ومن أشبههم إنما حدثت من التشديد
في الخوف والعراض عن المحبة والرجاء.
وبدع المرجئة نشأت من التعلق بالرجاء وحده ،والعراض
عن الخوف .وبدع كثير من أهل الباحة والحلول – ممن
ينسب إلى التعبد – نشأت من إفراد المحبة والعراض عن
الخوف والرجاء(.)2
سياج المحبة
1
() رواه مسلم.
2
() استنشاق نسيم النس لبن رجب.21 -18 /
8
تمهيــــــــــــد
9
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
10
تمهيــــــــــــد
1
() المصدر السابق.77 /
11
الفصل الول
أهمية المحبة
الصادقة
من العبد لربه
الفصـــــل الول
13
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
الثمار الحلوة
كلما تعرف العبد على مظاهر حب ربه له ،وسيطرت هذه
المعرفة على مشاعره انعكس ذلك على علقته به سبحانه
فيزداد له حبًا وشوقًا.
وعندما يمل هذا الحب القلب ستكون له بل شك ثمار
عظيمة تظهر في سلوك العبد وأعماله ،هذه الثمار من
الصعب الحصول عليها من أي شجرة أخرى غير شجرة
ن للعبودية ل يخرجهاالحب ،فالحب يُخرج من القلب معا ٍ
غيره.
يقول ابن تيمية :فمن ل يحب الشيء ل يمكن أن يحب
التقرب إليه ،إذ التقرب إليه وسيلة ،ومحبة الوسيلة تبع لمحبة
المقصود( ). 1
14
الفصـــــل الول
15
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
الدنيا ،وهو يبه ،كما تمون مريضكم الطعام والشراب تافون عليه» ( ).
1
16
الفصـــــل الول
ي( ).
إلى الله أحبه إل َ
1
17
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
وتلح عليه في طلب رؤيته ،ليأتي العِلم فيخبره بأنه ل رؤية ول
لقاء لله في الحياة الدنيا ،بل بعد الموت ،فيزداد الشوق إلى
هذا اللقاء ،وأي لقاء:
لقاء المحبوب العظم الذي ناجاه لسنوات
طويلة ،وسكب الدمع في محرابه.
لقاء من دعاه في أوقات عصيبة فوجده منه
قريبًا ،ولدعائه مجيبًا.
لقاء من كفاه وحماه وأعانه على نفسه وعدوه.
لقاء من أعطاه وأكرمه وحفظه ورعاه وبكل بلء
حسن أبله.
يقول الحسن البصري :إن أحباء الله هم الذين ورثوا الحياة
الطيبة وذاقوا نعيمها بما وصلوا إليه من مناجاة حبيبهم ،وبما وجدوا
من حلوة في قلوبهم ،لسيما إذا خطر على بالهم ذكر مشافهته
وكشف ستور الحجب عنه في المقام المين والسرور ،وأراهم
جلله وأسمعهم لذة كلمه ورد عليهم جواب ما ناجوه به أيام
حياتهم(.)1
فالشوق إلى الله – إذن – ثمرة من ثمار تمكن حبه في
قلب العبد ،ويؤكد ابن رجب على ذلك بقوله:
الشوق إلى الله درجة عالية رفيعة تنشأ من قوة محبة
2
الله عز وجل ،وقد كان يسأل الله هذه الدرجة( ).
ففي دعائه «اللهم إن أسألك الرضى بعد القضاء ،وبرد العيش بعد الوت،
ولذة النظر إل وجهك ،والشوق إل لقائك من غي ضراء مضرة ول فتنة مضلة» ( )3فهو
يسأل ربه الشوق إلى لقائه دون وجود أسباب ضاغطة
1
() شرح حديث لبيك اللهم لبيك لبن رجب ص – 89دار عالم الفوائد.
2
() استنشاق نسيم النس .93/
3
() أخرجه الطبراني.
18
الفصـــــل الول
1
() المحبة لله سبحانه للجنيد .111/
2
() سير أعلم النبلء للذهبي .1/112
19
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
إل هذا الرجل الذي قد نور ال قلبه ،ولقد رأيته بي أبوين يغذيانه بأطيب الطعام والشراب
فدعاه حب ال ورسوله إل ما ترون»(.)1
فالتضحية والجهاد من أعظم دلئل المحبة.
سا :الرجاء والطمع فيما عند الله
خام ً
فكلما اشتد الحب اشتد الرجاء في الله وحسن الظن فيه
أل يلقي حبيبه في النار ،فالمحب ل يعذب حبيبه كما جاء الرد
حنُ أَبْنَاءُ الِ وَأَحِبّاؤُهُ قُلْ َف ِلمَ ُي َعذّبُكُم
اللهي على اليهود عندما قالوا :نَ ْ
ِبذُنُوبِكُم [المائدة.]18 :
قال« :وال ،ل يلقي ال حبيبه ف النار» (.)2 وفي الحديث أنه
مرض أعرابي فقيل له :إنك تموت .قال :وأين أذهب؟
قالوا :إلى الله .قال :فما كراهتى أن أذهب إلى من ل أرى
الخير إل منه(.)3
وكان سفيان الثوري يقول :ما أُحب أن حسابي جعل إلى
والديََ ،ربي خير لي من والدي(.)4
وقال ابن المبارك :أتيت سفيان الثوري عشية عرفة وهو
جاث على ركبته وعيناه تهملن فبكيت ،فالتفت إلى فقال :ما
شأنك؟ فقلت :من أسوأ أهل الجمع حال؟ قال :الذي يظن أن
الله ل يغفر له(.)5
سا :الحياء من الله
ساد ً
1
() رواه أبو نعيم في الحلية.
2
() صحيح الجامع (.)7095
3
() حسن الظن بالله لبن أبي الدنيا برقم (.)40
4
() المصدر السابق برقم (.)27
5
() المصدر السابق برقم (.)77
20
الفصـــــل الول
1
() لك أن تعاتبني حتى ترضى.
2
() استنشاق نسيم النس لبن رجب .37 /
21
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
يقول :يَا َق ْومِ اعُْبدُوا الَ مَا لَكُم مّنْ إَِلهٍ غَيْرُهُ إِنّي أَخَافُ عَ َليْ ُكمْ َعذَابَ َي ْومٍ عَظِيمٍ
[العراف.]59 :
..يستخدم في ذلك كل الطرق والوسائل الممكنة ،ول
يرتاح له بال حتى يُعيد الشاردين إلى حظيرة العبودية لربهم.
ومن المثلة العظيمة التي تبين تلك الشفقة على العصاة
ما فعله مؤمن آل فرعون مع قومه ,تأمل أقواله الذي جاء
ذكرها في سورة غافر يَا َق ْومِ اتِّبعُونِ َأ ْهدِ ُكمْ سَبِيلَ الرّشَادِ [غافر .]38:يَا
َق ْومِ إِنّي أَخَافُ عَلَيْكُم مّثْلَ َي ْومِ الَحْزَابِ [غافر ,]30:وَيَا َق ْومِ مَا لِي َأ ْدعُو ُكمْ ِإلَى
النّجَاةِ وََت ْدعُونَنِي إِلَى النّارِ [غافر .]41:وَأَنَا َأ ْدعُو ُكمْ ِإلَى اْلعَزِيزِ اْلغَفّارِ [غافر.]42:
هذه الثمرة العظيمة من ثمار المحبة من شأنها أن تجعلنا
نقوم بتعديل خطابنا الدعوي ،فنستوعب الجميع ونبشرهم
ونطمئنهم تجاه ربهم قبل تخويفهم وترهيبهم.
ثامنًا :الغيرة لله
عندما يستبد حب الله في قلب العبد فإن هذا من شأنه أن
يجعله يغار لموله ،وعلى محارمه أن تنتهك ،وحدوده أن
تُتجاوز ،وأوامره أن تخالف.
فمع شفقته على العصاة ،إل َ أن هذا ل يمنعه من بغضه
لتصرفاتهم التي تغضب ربه ،ولو كانت من أقرب الناس إليه
سَنةٌ فِي إِْبرَاهِيمَ وَاّلذِينَ مَ َعهُ إِذْ قَالُوا ِل َقوْمِ ِهمْ إِنّا ُب َرءَاءُ مِنْ ُكمْ َومِمّا
َقدْ كَانَتْ لَ ُكمْ أُ ْسوَةٌ حَ َ
َتعُْبدُونَ ِمنْ دُونِ الِ َكفَرْنَا بِ ُكمْ وََبدَا بَيَْننَا وَبَيْنَ ُكمُ اْل َعدَاوَةُ وَالَْب ْغضَاءُ أََبدًا حَتّى ُتؤْمِنُوا بِالِ
وَ ْحدَهُ [الممتحنة.]4 :
لقد علم المحب الصادق أن محبوبه العظم يحب عباده،
ويحب من يحببهم فيه ،ويعيدهم إليه ،وفي نفس الوقت فإنه
سبحانه ل يحب تصرفاتهم المخالفة لوامره ،المنافية لصفة
كفْرَ [الزمر:
العبودية التي ينبغي أن يتصفوا بها وَلَ يَ ْرضَى ِلعِبَادِهِ الْ ُ
]7فهو ل يحب الكفر ،ول يحب الظلم ،ول الطغيان ،ول
22
الفصـــــل الول
الكبر ،ول الفسق ،لذلك ترى المحب لله يجمع بين المرين:
الشفقة على الخلق ،وحب الخير لهم من جانب ،وبغضه
لتصرفاتهم التي ل ترضى موله ،ونهيهم عنها ،بل ومحاربتهم
عليها إن تطلب المر من جانب آخر.
ومن لوازم هذه الغيرة :الغيرة على رسوله ،وكيف ل وهو
أحب الخلق إلى الله ,فلو كانت المحبة لله صادقة لتبعتها
ولزمتها محبة رسوله والغيرة عليه ،ولقد تمثل هذا المر في
الصحابة جيدًا ،ولعل ما حدث لخبيب بن عدي ما يؤكد ذلك ،فقد
صلب لكي يُقتل ،وقبل قتله قال تم أسره في يوم الرجيع ،و ُ
المشركون له :أتحب أن محمدًا مكانك؟ فقال :ل والله العظيم.
ما أحب أن يفديني بشوكة يُشاكها في قدمه(.)1
تاسعًا :الغنى بالله
ومع كل الثمار السابقة تأتي أهم ثمرة للمحبة أل وهي
الستغناء بالله سبحانه وتعالى ،والكتفاء به وَالُ خَيْرٌ وَأَ ْبقَى [طه:
.]73
فينعكس ذلك على تعاملت العبد مع الحداث التي تمر به،
فإن ادلهمت الخطوب استشعر معية الله له لَ َتحْ َزنْ ِإنّ الَ َمعَنَا
[التوبة ،]40 :وإن تشابكت أمامه المور تذكر فردد فى نفسه إِنّ
مَعِيَ رَبّي سَيَ ْهدِينِ [الشعراء.]62 :
..شعاره الدائم وَ َكفَى بِالِ وَكِيلً [النساء.]132 :
يتغنى بمثل قول الشاعر:
وليتك ترضى والنام فليتك تحلو والحياة
غضاب مريرة
وبين وبين العالمين خراب وليت الذي بيني وبينك
عامر
وكل الذي فوق التراب إذا صح منك الود
تراب فالكل هين
قال الجنيد :قد أوجب الله لهل محبته الصنع والتوفيق في
1
() حياة الصحابة للكاندهلوي .1/400
23
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
1
() المحبة لله سبحانه .84/
24
الفصـــــل الول
25
الفصل الثاني
لماذا يحب
الله عباده؟
الفصـــــل الثاني
النفخة العلوية
العلقة بين الله عز وجل وبين عباده من بنى آدم تختلف
عن علقته سبحانه بجميع خلقه ،وكيف ل وما من مخلوق من
البشر إل ََ وفيه نفخة علوية من روح الله إِذْ قَالَ رَّبكَ ِل ْلمَلَئِ َكةِ إِنّي
جدِينَ [ص،71 : خَاِلقٌ َبشَرًا مّن طِيٍ َفإِذَا َسوّيُْتهُ وََنفَخْتُ فِيهِ مِن رّوحِي َفقَعُوا َلهُ سَا ِ
.]72
نعم ،هذه النفخة ليست جزءًا من ذات الله – كما ادعت
النصارى – بل هي من ملكه( )1وأمره ،اختص بها سبحانه
النسان وميزه عن سائر مخلوقاته ،وجعلها مرحلة هامة
سوّْيُتهُ وََنفَخْتُ فِيهِ مِن رّوحِي [الحجر: وأساسية ومميزة في خلقه َفإِذَا َ
]29بينما لم يُذكر ذلك في حق أي مخلوق آخر.
جدَ ِلمَاومما يؤكد هذا المر قوله تعالى لبليس مَا مََن َعكَ أَن َتسْ ُ
خَ َلقْتُ
بَِيدَيّ [ص.]75 :
وفي هذا المعنى يقول سيد قطب :ولن الله عز وجل
خالق كل شيء ،فل بد أن تكون هناك خصوصية في خلق هذا
النسان تستحق هذا التنويه ،هي خصوصية العناية الربانية
بهذا الكائن ،وإيداعه نفخة من روح الله دللة على هذه
العناية(.)2
ويقول رحمه الله :وما كان هذا الكائن الصغير الحجم،
المحدود القوة ،القصير الجل ،المحدود المعرفة ،ما كان له
1
() يقول عبد الرحمن حسن حبنكه الميداني :والضافة في (روحي) ليست على
معنى أنها جزء من روح ذات الله سبحانه وتعالى ،بل هي على معنى الملك،كما
أن كل شيء في السماوات والرض ،وما بينهما ملك لله ،فلله ما في السماوات
والرض ،وهذا التعبير نظير التعبير في (سمائي ،وأرضي ،وجنتي ،وناري) أو على
معنى الختصاص بأمر من أموري ،مثل «وطهر بيتي للطائفين» وبسبب الفهم
الخطأ في هذه الضافة سقط النصاري في توهم أن عيسى عليه السلم جزء
من ذات الله ،سبحانه وتعالى عما يصفون ،انظر تفسير معارج التفكر ودقائق
التدبر الجزء الثالث ص (.)267
2
() في ظلل القرآن .5/3028
27
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
28
الفصـــــل الثاني
ل الّذِينَ
وكذلك حصر القتل فيمن يقاتل دون غيره َوقَاتِلُوا فِي َسبِيلِ ا ِ
ُيقَاتِلُونَكُمْ وَ َل َت ْعتَدُوا ِإنّ الَ َل يُحِبّ اْل ُم ْعتَدِينَ [البقرة .]190 :فل قتل لمرأة أو
صبي أو أجير أو راهب في صومعته ،فإن انتهت الحرب وكان
هناك أسرى فل إهانة ول إذلل بل احترام لنسانيتهم َوُي ْط ِعمُونَ
ال ّطعَامَ َعلَى ُحّبهِ مِسْكِينًا َوَيتِيمًا َوأَ ِسيًا [النسان.]8 :
وعندما أسر المسلمون من المشركين يوم بدر ،كانت
وصية الرسول بهم كبيرة ،فقال لصحابه« :استوصوا بم
خيًا»(.)4
1
() رواه البخاري (.)1250
2
() رواه مسلم (.)3261
3
() رواه أحمد (.)16899
4
() انظر مجلة الوعي السلمي عدد 494مقال بعنوان (حفظ السلم للكرامة
النسانية) د .إبراهيم أحمد مهنا.
29
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
30
الفصـــــل الثاني
مباهاته بعباده
ومما يؤكد علقته – سبحانه – الخاصة بعباده البشر
الموحدين له :مباهاته بهم الملئكة عند قيامهم بطاعته.
ما على حلقة من أصحابه فقال« :ما أجلسكم؟» خرج يو ً
نَ
قالوا :جلسنا نذكر الله ،ونحمده على ما هدانا للسلم ،وم َ
به علينا .قال« :آل ما أجلسكم إل ذاك؟» قالوا :والله ما أجلسنا إل
ذاك قال« :أما إن ل أستحلفكم تمة لكم ،ولكنه أتان جبيل فأخبن أن ال يباهي
بكم اللئكة»(.)1
وانظر إليه وهو يحدث أصحابه عن صورة أخرى من
صور هذه المباهاة فيقول« :إن ال يباهي بأهل عرفات أهل السماء ،فيقول
لم :انظروا إل عبادي جاءون شعثًا غبًا»(.)2
مع أنه سبحانه -يقينًا -ل تنفعه طاعة الطائعين مهما بلغت،
ول تضره معصية العاصين مهما عظمت ،وما مباهاته وفرحه
بطاعات عباده إل لنه يحبهم ويريد لهم الخير.
وما إخبارهم بتلك المباهاة في أكثر من موضع على لسان
رسول الله إل رسالة حب منه لهم لعلها تزيدهم إقبال عليه
وحبًا له وشوقًا إلى لقائه.
ضحكه سبحانه
ومن مظاهر العلقة المميََزة بين الله تعالى وعباده
وبخاصة الطائعين منهم :ضحكه سبحانه عندما يرى عباده
يخلصون أعمالهم له ،ويضحون من أجله.
عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي قال« :ثلثة يبهم
ال ،ويضحك إليهم ،ويستبشر بم :الذي إذا انكشفت فئة قاتل وراءها بنفسه ل عز وجل،
1
() رواه مسلم (. )2701
2
() صحيح ،رواه ابن حبان والحاكم وصححه اللباني في ص .ج (.)1867
31
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
فإما أن يُقتل وإما أن ينصره ال ويكفيه ،فيقول :انظروا إل عبدي هذا كيف صب ل
بنفسه؟ ,والذي له امرأة حسنة وفراش لي حسن ،فيقوم من الليل ،فيقول :يذر شهوته
ويذكرن ،ولو شاء رقد ،والذي كان ف سفر ،وكان معه ركب ،فسهروا ،ث هجعوا ،فقام
من السحر ف ضراء وسراء»(.)1
ومما يؤكد هذا المعنى قوله « :يعجب ربك من راعي غنم ،ف رأس
شظية ببل ،يؤذن للصلة ،ويصلي ،فيقول ال عز وجل :انظروا إل عبدي هذا يؤذن ويقيم
الصلة ،ياف من ،قد غفرت لعبدي ،وأدخلته النة»(.)2
قدر المؤمن عند الله
إن الجسد الذي خلقه الله عز وجل ونفخ فيه نفخة علوية
له حرمة عظيمة عنده سبحانه ويكفيك في ذلك قوله تعالى:
أَّنهُ مَن قَتَلَ َنفْسًا ِبغَيْرِ َنفْسٍ َأوْ َفسَادٍ فِي الَرْضِ فَ َكأَّنمَا قَتَلَ النّاسَ َجمِيعًا َو َمنْ أَحْيَاهَا
فَ َكأَّنمَا أَحْيَا النّاسَ َجمِيعًا [المائدة.]32 :
وهذا يؤكد مكانة النسان الخاصة عند الله عز وجل،
وتزداد هذه المكانة كلما كان النسان أطوع لله عز وجل ,قال
« :لزوال الدنيا أهون على ال من قتل مؤمن بغي حق»(.)3
يكره سبحانه مساءة عبده المؤمن
تأمل معي أخي القارئ قول الله عز وجل في الحديث
القدسي:
«وما ترددت ف شيء أنا فاعله ترددي ف قبض نفس عبدي الؤمن ،يكره الوت وأنا
1
() حسن ،رواه الطبراني في الكبير وقال إسناده حسن وقال عنه الهيثمي:
رجاله ثقات ،وحسنه ،اللباني في صحيح الترغيب والترهيب (.)624
2
() صحيح الجامع الصغير (.)8102
3
() صحيح الجامع (.)5077
32
الفصـــــل الثاني
33
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
1
() صحيح البخاري ج (.)6737
2
() صحيح الجامع (.)4570
34
الفصـــــل الثاني
1
() أورده الهيثمي في مجمع الزوائد .1/126
35
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
1
() رواه مسلم.
36
الفصـــــل الثاني
لي :يا تهامي ل تقولن لحد ل يغفر الله لك ،ول يدخلك الجنة،
قلت :من أنت يرحمك الله؟ قال :أنا أبو هريرة .قلت :قد
نهيتني عن شيء كنت أقوله إذا غضبت على أهل بيتي
وحشمي ،قال :فل تفعل فإني سمعت رسول الله يقول:
«كان رجلن من بن إسرائيل فكان أحدها به رهق ،والخر عابدًا ،فكان ل يزال يقول له:
أل تكف ،أل تقصر ،فيقول :ما ل ولك دعن ورب .قال :فهجم عليه يومًا فإذا هو على
كبية ،فقال :وال ل يغفر ال لك ،وال ل يدخلك النة ،فبعث ال إليهما ملكًا فقبض
أرواحهما ،فلما قدما بما على ال عز وجل قال للمذنب :ادخل النة برحت ،وقال للعابد:
حظرت على عبدي رحت ،أكنت قادرًا على ما تت يدي؟ انطلقوا به إل النار».
قال أبو هريرة :والذي نفسي بيده لقد تكلم كلمة أوبقت
دنياه وآخرته(.)1
المرحلة الخيرة
ولنه سبحانه يريد من عباده دخول الجنة ،فقد أتاح لهم
صا عظيمة للتوبة والرجوع إليه وذلك طيلة حياتهم فيفر ً
الدنيا ،ول يقتصر المر على ذلك ،بل وعند مماتهم كذلك
طالما أنهم لم يهتكوا الستر بالكفر أو الشرك ،فقد أعطى
عباده الموحدين أشياء تساعدهم على محو السيئات وزيادة
الحسنات.
ومن ذلك أنه تصدق عليهم بثلث أموالهم التي يتركونها
كوصية يتصرفون فيها كيفما شاءوا ،فإن كان المال الذي
بحوزتهم سيئول إلى ورثتهم ،إل أن لهم أن يوصوا بثلثه فيما
يريدونه من أبواب الخير.
قال « :إن ال تعال تصدق عليكم عند وفاتكم بثُلث أموالكم ،وجعل ذلك زيادة
لكم ف أعمالكم»(.)2
1
() رواه أبو داود (.)4901
2
() حسن صحيح الجامع (.)1733
37
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
38
الفصـــــل الثاني
1
() أورده الهيثمي في مجمع الزوائد .354 ،10/353
39
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
40
الفصل الثالث
مظاهر حب الله
تعالى لعباده
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
42
الفصـــــل الثالث
تمهيــــــد:
كأني بك أخي القارئ تتساءل عن الدليل العملي لهذه
العلقة المميزة بين الله سبحانه وتعالى وبين عباده البشر،
بل وبينك أنت على وجه الخصوص.
ل أريدك أخي الحبيب أن تطلب دليل واحدًا ،بل اطلب ما
شئت من الدلة فهي – بفضل الله – أكثر من أن تحصى،
فمظاهر حب الله لعباده كثيرة كثيرة ،تنتظر منا أن ننتبه إليها
لنستدل من خللها على الرب الودود سبحانه وتعالى.
كل ما هو مطلوب أن نـُعطي عقولنا الفرصة لكي تقوم
خلقت من أجلها ..مهمة التعرف على الله.
بالمهمة التي ُ
فبالتفكير في مظاهر حب الله لعباده ،مع الجتهاد في
تجاوب المشاعر مع هذا التفكر ستزداد المعرفة بالله الودود،
وستستولي هذه المعرفة – بإذن الله – على الجزء الكبر من
مشاعر الحب في القلب ،لتظهر الثمار الطيبة لهذا الحب
بصورة تلقائية ودون تكلف.
جوانب المعرفة
وفي الصفحات القادمة سيتم الحديث بعون الله عن بعض
مظاهر حب الله لعباده ،والمطلوب منا أن نتفكر فيها جيدًا،
ونعيش معها بعقولنا ومشاعرنا ،لعلها تساهم في إشعال
جذوة حب المولى سبحانه وتعالى في قلوبنا.
وستلحظ أخي القارئ أننا في أغلبها نتوجه إليك بالخطاب
ليكون ذلك أدعى لستشعار معانيها بصورة أقرب إلى
الحقيقة والواقع.
***
43
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
44
الفصـــــل الثالث
منهم ،وشهدت المشهد العظيم الذي أخذ الله فيه العهد من
جميع ذرية آدم على عبادته وَإِذْ أَ َخذَ َرّبكَ مِن َبنِي آ َدمَ مِن ظُهُو ِر ِهمْ ذُرّيّتَ ُهمْ
وَأَشْ َه َد ُهمْ عَلَى أَْنفُسِ ِهمْ أَلَسْتُ بِ َربّ ُكمْ قَالُوا َبلَى شَ ِه ْدنَا [العراف.]172 :
هذا العدد الكبير الذي قدََره الله لذرية آدم – عليه السلم
– لم يشأ سبحانه أن يُهبطه إلى الرض دفعة واحدة ،بل
مجموعة تلو الخرى ,كل مجموعة تؤدي المتحان ثم تترك
الرض بعد نزع أرواحها ،وتبقى في القبور انتظاًرا لنهاية
امتحان الجميع ،ليتم بعدها الحساب والجزاء.
لم يختر أحد من البشر المكان ،أو الزمان ،أو البيئة ،أو
البوين ،أو الشكل الذي ستحل روحه فيه ،ويؤدي من خلله
المتحان ،مع الخذ في العتبار بأن الله عز وجل لم يظلم
أحدًا من الناس ،فبالعقل والفطرة يستطيع المرء في أي
زمان ومكان الستدلل على وحدانية الله ،وكذلك فإن الرسل
والكتب السماوية التي أنزلها الله عز وجل تبين للناس
المطلوب منهم ،ولكن بل شك أن نزولك إلى الرض في هذا
الزمان وهذا المكان الذي نحيا فيه له مميزات ضخمة تدل
ل واجتباء عظيم من الله لك.
على سبق فض ٍ
سبق فضل الزمان
هيا بنا نُطلق لخيالنا العنان ،وليتخيل كل منا أنه قد ولد في
زمان آخر غير الزمان الذي ُولد فيه.
تخيل أنك قد وُلدت في زمان قوم لوط ،لتجد نفسك –
عافاك الله – من أبناء أسرة تقترف أسوأ أنواع الفاحشة
والعياذ بالله ..ماذا كنت ستفعل؟!
س كان عليك اجتيازه ،وأن نسبة
أل توافقني أنه اختبار قا ٍ
نجاحك فيه ل شك ضعيفة؟!
تخيل لو أنك وجدت نفسك ابنًا من أبناء قوم فرعون أو
عاد أو ثمود ،أو من أبناء القرامطة أو أحد الفرق الضالة التي
ظهرت في فترة من فترات التاريخ السلمي.
45
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
46
الفصـــــل الثالث
أن تفعل؟!
إن هؤلء المضطهدين شاء الله عز وجل لهم أن يكونوا
في هذه الماكن ليؤدوا امتحان عبوديتهم لله بخاصة في مادة
الصبر ،وجزاؤهم عظيم إذا اجتازوا هذا المتحان إِّنمَا ُيوَفّى
الصّابِرُونَ أَجْ َر ُهمْ ِبغَيْرِ ِحسَابٍ [الزمر ]10 :ولكنه بل شك امتحان قا ٍ
س
عصمك الله منه.
الوالدان
تخيل أنك ولدت في هذا الزمان ،ولكن لبوين نصرانيين أو
يهوديين أو بوذيين أو ملحدين أو شيوعيين أو هندوسيين ..ماذا
كنت ستفعل؟!
ماذا كنت ستفعل عندما ترى أبويك يسجدان للبقرة ،أو
للصليب؟! أكنت ستُعمل عقلك وتستنفر سليم فطرتك كما
أمرك الله ،وكما حدث من القليل منهم ،أم كنت ستسير على
خطى الغلبية؟!
امتحان رهيب عصمك الله منه ،بأن خلقك لبوين مسلمين
..أليس كذلك؟!
ثم تخيل أنك كما أنت وُلدت في هذا الزمان والمكان
والديانة ولكنك وجدت أباك يعمل في مهنة مخلة بالشرف..
أو وجدته جباًرا من الجبابرة؟!
تخيل أنك وُلدت في بيئة فجور أو أسرة مترفة ..ماذا
كنت ستفعل؟!
إنها امتحانات صعبة عصمك الله منها دون سبب منك أو
اجتهاد.
اللسان العربي
خلقت من أبوين مسلمين لكنهما ولكن هب أنك قد ُ
يتحدثان غير العربية كاللغة الفارسية أو الردية أو الهندية أو
47
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
48
الفصـــــل الثالث
1
() صحيح الجامع الصغير
49
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
هدايته وعصمته
ثانيًا :من
مظاهر
ودوام عافيتـــــه
حب الله
لك :
خلصنا مما سبق أنه قبل أن تولد وتخرج إلى الدنيا اختارك
الله عز وجل لتكون من مخلوقاته ،وأكرمك أكثر وأكثر
فجعلك واحدًا من بني آدم ،واختارك لهذا الزمان ابنًا لبوين
مسلمين ناطقين بالعربية.
ل روحك في شكل مناسب ،وعافاك من كثير من أح ََ
المراض الخِلقية قبل أن تبدأ رحلتك على الرض.
واستمر فضله عليك حتى يومك هذا...
استمر فضله في نعمة العافية ،فقد حفظك طيلة سنوات
عمرك الماضية من الصابة بأمراض كثيرة ،وإذا ما أردت أن
تعرف حجم هذا الحفظ ،فتأمل كل صاحب مرض قد عافاك
الله منه.
مئات بل آلف المراض التي تصيب أجهزة الجسم
وأعضاءه المختلفة قد عافاك الله منها.
لو علمت عدد الفيروسات والكائنات الدقيقة ومسببات
ضا خطيرة ،والتي ل
المراض التي تحيط بنا ،وتسبب أمرا ً
يمنعها من مهاجمتنا إل الله عز وجل ،لهرعت إلى السجود
الطويل شاكًرا لله عز وجل على حفظه لك طيلة هذه
السنين ،ولسألته دوام وتمام العافية.
هدايته لك
أخي القارئ ,يا من أكرمك الله عز وجل باليمان.
أتدري ما الذي حدث معك لتكون من أهل المساجد ،بل
من أهل الصلة أصل ،ومن أهل الصيام والذكر والصدقة
50
الفصـــــل الثالث
وفعل الخير؟!
لقد حبب الله إلى قلبك اليمان ،وشرح له صدرك ،وكره
إليك طريق الضلل والغي ،ولو أردت أن تدرك حجم هذه
النعمة العظيمة فتأمل أقرانك وجيرانك ،وزملء دراستك.
كم واحد منهم مثلك في تدينك والتزامك؟!
أتظن أن لك يدًا في ذلك؟! ل والله ،بل هو محض الفضل
ن الله به عليك وََلوْلَ َفضْلُ الِ عَلَيْ ُكمْ وَرَ ْحمَُتهُ مَا زَكَا مِنكُم اللهي الذي م ََ
مّنْ أَ َحدٍ أََبدًا وَلَ ِكنّ الَ يُزَكّي مَن يَشَاءُ [النور.]21 :
إن كل صلة صليتها كان الله سبحانه سببًا في أدائك إياها.
فقد كان من الممكن أل تجد في نفسك همة ول عزيمة
للقيام بها ،بل فتور وتكاسل.
كان من الممكن أن يصيبك شيء يقعدك ،ويعيقك عن
أدائها.
كان من الممكن أن يأتيك من يشغلك عنها ,يأتيك اتصال
هاتفي طويل ،أو تحدث مشكلة تتدخل لحلها أو ...
كان من الممكن أن تذهب إلى أدائها فل يطاوعك لسانك
على الذكر ،ول أعضاؤك على الحركة.
هذه هي الحقيقة ،فالذي مكنك من هذا كله وأزال عنك
العوائق وشرح صدرك لدائها هو ربك الودود ،فليس بينك
وبين ترك الصلة إل أن يتركك الله عز وجل لنفسك وحبها
الدائم للراحة وكرهها المعهود للتكليف.
وكن على يقين بأن الفضل اللهي يحدث مع كل صلة
تصليها ،وكل صوم تصومه ،وكل صدقة تتصدق بها ،وكل
تسبيحة تسبحها وَإِنِ اهَْتدَيْتُ فَِبمَا يُوحِي إِلَيّ رَبّي [سبأ.]50 :
العصمة
أما عن مظاهر حب ربك لك في جانب العصمة من
51
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
52
الفصـــــل الثالث
ل الّذِي هَدَانَا ِلهَذَا َومَا ُكنّا ِلَنهْتَدِيَ وخطيئة ،وإن ل أثق إل برحتك( .)1ونقول :الْ َ
حمْدُ ِ
لَوْلَ َأنْ هَدَانَا الُ [العراف.]43 :
***
1
() حسن ،رواه أحمد والطبراني والحاكم ،وقال صحيح السناد ،وحسنه اللباني
في صحيح الترغيب والترهيب ح (.)657
53
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
ثالثًا :من
مظاهر
قيامه على شئونك حب الله
لك :
55
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
ونطقك باللسان.
يمدك بالماء ويمكنك من شربه ،ويمده بالقدرة على
سمَاءِ مَاءً َفأَ ْسقَيْنَا ُكمُوهُ َومَا أَنُْتمْ َلهُ ِبخَازِنِيَ
إروائك وَأَرْسَلْنَا الرّيَاحَ َلوَاقِحَ َفأَنْزَْلنَا مِنَ ال ّ
[الحجر.]22 :
يتولى أمر إثمار الطعام بأنواعه لتجده أمامك في أي
ل ْرضَ صبّا ُثمّ شَ َق ْقنَا ا َ
صَب ْبنَا الْمَاءَ َ
لْنسَانُ ِإلَى َطعَا ِمهِ َأنّا َ وقت تشاء فَ ْليَن ُظرِ ا ِ
حدَائِقَ ُغ ْلبًا وَفَا ِكهَةً َوَأبّا
خلً وَ َ ضبًا َو َزْيتُونًا َونَ ْ
حبّا وَ ِعنَبًا وَقَ ْ شَقّا فََأْنَب ْتنَا فِيهَا َ
كمْ [عبس.]32 -24 : لنْعَامِ ُ
كمْ وَ َ َمتَاعًا لّ ُ
يوحي إليك فعل الخيرات ويحببها إليك ،ويصرف عنك فعل
المنكرات ويكرهك فيها.
يجعلك تنام لترتاح ،ويتولى حفظك وأنت نائم ،ثم هو الذي
يوقظك ويرد إليك روحك.
قريب منك ..أقرب مما تتخيل ،يجيب دعاءك إذا ناديته
بصدق وطلبت منه حاجتك.
[البقرة: وَإِذَا َسأََلكَ عِبَادِي عَنّي َفإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ َد ْعوَةَ الدّاعِ إِذَا َدعَانِ
.]186
يحميك من نفسك ومن عدوك وَِإمّا يَ ْن َزغَّنكَ مِنَ الشّيْطَانِ نَ ْزغٌ فَاسَْت ِعذْ
سمِيعُ اْلعَلِيمُ [فصلت.]36 :
بِالِ إِّنهُ ُهوَ ال ّ
يحفظ لك أولدك وأهلك «اللهم أنت الصاحب ف السفر والليفة ف
الهل».
فماذا تقول لمن يفعل معك كل هذه المور وغيرها كل
يوم ومنذ أن ولدت؟!
ماذا تقول لمن يطعمك ويسقيك وإذا مرضت فهو الذي
يشفيك؟!
56
الفصـــــل الثالث
فلتردد معي قوله « :المد ل الذي يطُعمِ ول يُطعمَ ،منّ علينا فهدانا،
وأطعمنا وسقانا ،وكل بلء حسن أبلنا ،المد ل غي مودّع رب ،ول مكافأ ول مكفور
ول مستغن عنه ،المد ل الذي أطعم من الطعام ،وسقى من الشراب ،وكسا من العُري،
وهدى من الضللة ،وَبصّر من العَمي ،وفضّل على كثي من خلق تفضيل ،المد ل
()1
رب العالي».
***
1
() أخرجه النسائي وابن السني والحاكم وابن حبان ،وقال الحاكم :صحيح على
شرط مسلم ،ووافقه الذهبي.
57
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
رابعًا :
من
تسخيـــر الكون لك مظاهر
حب الله
لك :
الله عز وجل خلق النسان ليكون عبدًا له ،وسيدا لما سواه،
فلقد جعل الكون
المحيط به مسخًرا لخدمته ،يعمل من أجل راحته هُوَ اّلذِي خَلَقَ َلكُم مّا
فِي الَرْضِ
جَمِيعًا [البقرة ]29 :وَالَرْضَ َوضَعَهَا لِلنَامِ [الرحمن .]10 :
انظر -مثل -إلى السماء فستجد الشمس تتحرك حركة
ما إلى
دائبة كل يوم من المشرق إلى المغرب ،لم تخلد يو ً
الراحة ،وكيف تفعل ذلك وتغيب عنا وهي مأمورة بإمدادنا
بالضياء والطاقة؟
والقمر كذلك يتحرك حركة دائبة من أول يوم في الشهر
العربي يكون فيه هلل ً يكبر يوما بعد يوم فيكون بدًرا يضيء
السماء ثم يعود كما كان في نهاية الشهر فيساعدنا بذلك
سمَاوَاتِ وَالَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ على معرفة اليام والشهور الُ اّلذِي َخ َلقَ ال ّ
حرِ ِبَأمْرِهِ
سمَاءِ مَاءً َفأَخْ َرجَ ِبهِ مِنَ الّثمَرَاتِ رِزْقًا لّ ُكمْ وَسَخّرَ لَ ُكمُ اْلفُ ْلكَ ِلتَجْرِيَ فِي الْبَ ْ
ال ّ
شمْسَ وَاْلقَمَرَ دَاِئبَيَ وَسَخّرَ لَ ُكمُ اللّيْلَ وَالنّهَارَوَسَخّرَ لَ ُكمُ الْنهَارَ وَسَخّرَ لَ ُكمُ ال ّ
[إبراهيم.]33 -32 :
أنت القائد
أنت قائد هذا الكون أيها النسان ،فكل ما فيه مسخر
لخدمتك..
انظر إلى جسمك وتأمل ما فيه من جوانب التسخير
مس ََ
خرة لترى بها ما حولك، والخدمة لك أيها المكرم ..فعينك ُ
ولسانك ما هو إل خادم لك لتعبَِر من خلله عما تريده ،ويدك
للبطش والكتابة ،والتسبيح ،ورجلك للحركة والذهاب إلى
58
الفصـــــل الثالث
حيث تشاء.
كل هذا يتم دون اعتراض أو تمنَُع ،بل استسلم تام وانقياد
تام لوامرك.
ما في الطعام الذي تأكله كيف تتم رحلته
هل فكرت يو ً
داخل جسمك فيحدث من خللها الهضم والمتصاص وإخراج
الفضلت.
إن الجهزة الداخلية تعمل داخلك ليل نهار لتقوم على
راحتك ،فل تجهد ذهنك في التفكير عن كيفية عملها وماذا
يحدث في داخل الرئتين أو القلب أو الكبد أو....
ل تفكر في كيفية التئام جرح من الجروح فهناك من يقوم
بذلك.
أرح نفسك من هذا كله فهناك خدم كثيرون ل يحصى
عددهم يقومون على خدمتك.
أيها المدلل
انظر إلى طعامك وتخيل أن هذه الخضروات والفواكه لن
تكون موجودة بهذه السهولة ،وأن المطلوب منك هو أن تقوم
بنفسك على عملية استخراجها من مكوناتها الصلية.
كم من الوقت والجهد ستبذله للحصول على بعض ثمار
الخيار مثل ،بل على ثمرة واحدة؟!
أيها المدلل...
أتدري أن هناك مصانع ل تعد ول تحصى موجودة تحت
الرض وفوقها تعمل ليل نهار -بإذن ربها -من أجل أن توفر
لك شتى أنواع الطعمة وما عليك إل أن تجمع إنتاجها ،وتختار
منه ما يروق لك؟!
تخيل ثم تخيل
تخيل -أخي القارئ -أن الدابة التي تستخدمها في تنقلتك
من مكان لخر ،قد أنطقها الله عز وجل ،فإذا هي تسألك قبل
59
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
1
() رواه البخاري (.)3471
60
الفصـــــل الثالث
61
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
وماذا تقول في قوله « :من قال :ل إله إل ال وحده ل شريك له ،له
1
() رواه البخاري ح (.)6010
2
() متفق عليه.
62
الفصـــــل الثالث
اللك ،وله المد ،وهو على كل شيء قدير ،عشرًا ،كان كمن أعتق رقبة من ولد
()1
إساعيل».
وغير ذلك من العمال المتاحة للجميع في أي وقت،
والتي رتب الله على أدائها عظيم الثواب.
من المير؟
جعل الله عز وجل لكل عبد من عباده ملكان يحصيان
ملَك على اليمين يكتب الحسنات ،وملك على عليه أعمالهَ ,
الشمال يكتب السيئات ،فمن هو المير الذي له الكلمة على
الخر؟!
يقول « :صاحب اليمي أمي على صاحب الشمال ،فإذا عمل عبد حسنة كتبها
بعشر أمثالا ،فإذا عمل سيئة فأراد صاحب الشمال أن يكتبها قال له صاحب اليمي:
أمسك ،فيمسك ست ساعات ،فإن استغفر منها ل يكتب عليه شيئًا ،وإن ل يستغفر كُتبت
()2
عليه سيئة واحدة».
أأدركت أخي قدر المعاملة الكريمة التي يعاملنا الله بها؟!
كريم في عطاياه
هذا من ناحية الكرم في الجزاء ،أما الكرم في العطاء
حدث ول حرج ..انظر معي إلى أصناف الفواكه مثل، والرزق ف َِ
ألم يكن يكفينا صنف أو صنفان يدُخلن السرور علينا ،ونتمتع
بلذيذ طعمها؟! ولكنه الكرم اللهي الغير محدود الذي أتاح لنا
هذه النواع الكثيرة كي نتمتع بها ،بل إن الصنف الواحد له
عدة صور ،وقل مثل هذا على الخضروات والطيور
والسماك ..هذا مع العلم بأننا لم نعرف بعد كل أنواع هذه
المأكولت.
بل العجيب أن هناك مخلوقات خلقها الله عز وجل لشاعة
1
() متفق عليه.
2
() ضعيف ،أورده اللباني ،في السلسلة الضعيفة ح (.)2237
63
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
64
الفصـــــل الثالث
1
() رواه مسلم.
2
() صحيح الجامع الصغير (.)5562
65
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
رب شكور
بل شك أن الله عز وجل هو الذي يحبب إلينا فعل الخير،
ويعيننا على القيام به ،ويصرف عنا الشواغل ،ويزيل العوائق،
فلوله سبحانه ما اهتدينا ول تصدقنا ول صلينا َومَا كُنّا لِنَ ْهَتدِيَ َلوْلَ
أَنْ َهدَانَا الُ [العراف.]43 :
ومع ذلك فإننا نجده سبحانه يُعظ َِم أعمالنا ويكبرها،
ما ..تأمل قوله لهل الجنة ويشعرنا بأننا قد فعلنا شيئًا عظي ً
خلُوا اْلجَّنةَ ِبمَا كُنُْتمْ َت ْعمَلُونَ [النحل.]32 :
ادْ ُ
أهذه العمال القليلة تستحق هذا الجزاء العظيم لو
افترضنا أن أصحابها بالفعل قد قاموا بها دون إعانة من أحد؟
فما بالك والمر غير ذلك ،فالله عز وجل هو الذي وفقهم
وأعانهم للقيام بها ,ثم يقول لهم بعد ذلك وهم يتقلبون في
صور النعيم في جنات الخلود :إِنّ َهذَا كَانَ لَ ُكمْ جَزَاءً وَكَانَ َسعْيُكُم
مّشْكُورًا [النسان.]22 :
تخيل لو أن رجل غنيًا -واسع الثراء -له صديق فقير يحبه
كثيًرا ويريد أن يساعده دون أن يجرح مشاعره ،فهداه تفكيره
إلى أن يطلب منه القيام ببعض العمال البسيطة الخاصة به،
فلما قام بها أعطاه مقابل ذلك عطاء كبيًرا ،ولم يكتف بذلك
بل أشعره بأن ما قام به من أعمال قد عادت عليه بنفع كبير،
وأنه مهما أعطاه فلن يستطيع أن يوفيه حقه ،و...
كل هذا ليقبل صديقه الفقير أعطيته بنفس راضية ،على
الرغم من أن هذا الفقير يعلم في قرارة نفسه أن هذا
المقابل ل يتناسب بأي حال من الحوال مع ما قام به من
أعمال.
هذا تشبيه -مع الفارق -لما يستشعره أهل الجنة عندما
ح ّلوْنَ فِيهَا ِمنْ أَسَاوِرَ
يفاجئون بنعيم ل يمكن تخيله جَنّاتُ َعدْنٍ َيدْخُلُونَهَا يُ َ
مِن َذهَبٍ وَُلؤُْلؤًا وَلِبَاسُ ُهمْ فِيهَا حَرِيرٌ [فاطر.]33 :
66
الفصـــــل الثالث
1
() متفق عليه.
2
() صحيح الجامع الصغير (.)1768
67
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
سا :
ساد ً
رحمته ورأفته بك من
وشفقته وحنانه عليك
مظاهر
حب الله
لك :
بين صحابته إذ في يوم من اليام وبينما كان رسول الله
سبْي،
جاءه َ
سبْي امرأة تسعى ملهوفة مضطربة -فقد ضاع وفي هذا ال َ
منها صبيها -واستمرت على ذلك الحال الشديد حتى وجدته،
فأخذته وضمته إلى صدرها بشدة ،ثم أرضعته.
منظر مؤثر دفع رسول الله لن يعلق عليه ويقول
لصحابه« :أترون هذه طارحة ولدها ف النار»؟! قالوا :ل والله .قال «ال
()1
أرحم بعباده من هذه على ولدها».
وفي بعض مغازيه وبينما كان يسير مع أصحابه ،إذ أخذ
بعضهم فرخ طير ،فأقبل أحد أبويه حتى سقط في أيدي الذي
أخذه ،فقال رسول الله « :أل تعجبون لذا الطي أُخذ فرخه فأقبل حت سقط
()2
ف أيديهم ،وال ل أرحم بلقه من هذا الطي بفرخه».
نعم ،أخي القارئ ،الله عز وجل أرحم بنا من أمهاتنا ،ومن
آبائنا ،وأبنائنا وأزواجنا .يقول عبد الله بن مسعود :لله أرحم
بعبده يوم يأتيه ،أو يوم يلقاه ،من أم واحد فرشت له بأرض
قَر ،ثم قالت (نامت) فلمست فراشه بيدها ،فإن كان به
()3
شوكة كانت قبله ،وإن كانت لدغة كانت بها قبله.
1
() رواه مسلم ( )2754والبخاري (.)5999
2
() أورده الهيثمي في مجمع الزوائد ،383 /10وقال :رواه البزار من طريقين
ورجال أحدهما رجال الصحيح.
3
() حسن الظن بالله لبن أبي الدنيا برقم (.)21
68
الفصـــــل الثالث
ل وجه للمقارنة
فإن قلت إن والديََ ل يفتآن يدعوان لي بالصلح والفلح
ي وعلى استقامتي ،ذكرناك بقوله تعالى ُهوَ صا منهما عل ََ حر ً
خرِجَكُم مّنَ الظّ ُلمَاتِ إِلَى النّورِ وَكَانَ بِاْل ُمؤْمِنِيَ رَحِيمًا
اّلذِي ُيصَلّي عَلَيْ ُكمْ َومَلَئِكَُتهُ لِيُ ْ
[الحزاب.]43 :
وإن قلت فإن والدي يعتصرهما اللم والشفقة إذا ما
أصابني مكروه من مرض ونحوه ،بشرناك بأن الله عز وجل
يشملك وقت مرضك -عافاك الله من كل مكروه -برعاية
ومعية ل يمكن تصورها ،ويكفيك في ذلك هذا الحديث
القدسي الذي يخبرنا بأن الله عز وجل يقول يوم القيامة« :يا
ابن آدم مرضت فلم تعدن قال :يا رب كيف أعودك وأنت رب العالي؟ قال :أما علمت
أن عبدي فلنا مرض فلم تعده؟! أما علمت أنك لو عدته لوجدتن عنده»...
الحديث(.)1
وليس هذا فحسب بل إنه سبحانه وتعالى قد رغََب عباده
في عيادة المريض ،ووعدهم على ذلك بعظيم الجزاء لتكون
الزيارة سببًا في رفع معنويات المريض ،وتخفيفًا عنه ،وتسرية
له.
قال « :ما من مسلم يعود مسلمًا ُغ ْدوَة إل صلى عليه سبعون ألف ملك حت
يسي ،وإن عادة عشيّة صلى عليه سبعون ألف ملك حت يصبح ،وكان له خريف ف
()2
النة».
وليس ذلك للمريض فحسب ،بل لكل أصحاب الحالت
الخاصة والضعفاء كأهل البلء والرامل واليتام.
1
() رواه مسلم (.)2569
2
() رواه الترمذي ( )969وأبو داود ( )3098وابن ماجه ( )1442وهو حديث صحيح،
والخريف :أي الثمر المجتني.
69
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
1
() متفق عليه البخاري ،366 /10ومسلم (.)2982
2
() رواه مسلم.
70
الفصـــــل الثالث
71
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
()1
ذلك.»...
وما يؤكد هذا المعنى قوله « :إن ال تعال ليحمي عبده الؤمن من
()2
الدنيا ،وهو يبه ،كما تمون مريضكم الطعام والشراب ،تافون عليه».
من فوائد البتلء
الله عز وجل يبتلي عباده ليذكَِرهم به ،وبضرورة العودة
جعُونَ [الزخرف]48 : إليه قبل فوات الوان وَأَ َخذْنَاهُم بِاْل َعذَابِ َلعَلّ ُهمْ يَرْ ِ
فهو إذن مظهر عظيم من مظاهر رحمة الله بالعصاة وََل َقدْ
أَرْسَ ْلنَا إِلَى ُأ َممٍ مّن َقبْ ِلكَ َفأَ َخذْنَا ُهمْ بِالَْبأْسَاءِ وَالضّرّاءِ َلعَلّ ُهمْ يََتضَ ّرعُونَ [النعام.]42 :
ويبتلي سبحانه عباده كذلك ليطهرهم من ذنوبهم في الدنيا
قبل أن ل يصبح أمامهم طريقة للتخلص منها إل بالنار.
أيهما أهون علينا -أخي القارئ -التطهير في الدنيا أم
التطهير في الخرة بالنار والعياذ بالله.
ألم يقل « :ما يُصيب السلم من نصب ،ول وصب ،ول هم ،ول حزن ،ول
()3
أذى ،ول غم ،حت الشوكة يشاكها ،إل كفر ال با من خطاياه».
وقال« :ما يزال البلء بالؤمن والؤمنة ،ف نفسه وولده وماله ،حت يلقى ال وما
عليه من خطيئة»(.)4
وهناك طائفة أخرى من العباد الطائعين لربهم ،يريد
سبحانه أن يكافئهم برفع درجاتهم في الجنة ،ولكن أعمالهم ل
يمكنها أن ترقى بهم إلى هذه الدرجات فكان البتلء وسيلة
يستخرج الله عز وجل من قلوب هؤلء ألوانًا من العبودية من
1
() رواه أبو نعيم في الحلية عن أنس مرفوعًا.
2
() صحيح الجامع الصغير ح (.)1418
3
() متفق عليه.
4
() رواه الترمذي عن أبي هريرة ،وصححه اللباني في صحيح الجامع (.)5815
72
الفصـــــل الثالث
1
() الشفا للقاضي عياض .178 /2
2
() المحبة للجنيد.73 /
73
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
74
الفصـــــل الثالث
75
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
1
() صحيح ،رواه الترمذي وصححه اللباني في صحيح الجامع (.)1755
2
() كنز العمال رقم .10399
76
الفصـــــل الثالث
1
() صحيح ،أورده المام أحمد ،والترمذي ،وصححه اللباني في صحيح الجامع (
.)5206
2
() رواه الترمذي ( )700وقال حديث حسن.
77
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
()3
قال « :تسحروا فإن ف السحور بركة».
ربك -أخي -علمنا على لسان نبيه كلمات نقولها حتى ل
يصيبنا مكروه ،ففي الحديث« :ما من عبد يقول ف صباح كل يوم ومساء
كل ليلة :بسم ال الذي ل يضر مع اسه شيء ف الرض ول ف السماء وهو السميع
()2
العليم -ثلث مرات -فيضره شيء».
وعند الخروج من المنزل ومواجهة أحداث الحياة أوصاك
أن تقول« :بسم ال ،توكلت على ال ول حول ول قوة إل بال .فيقال لك :كُفيت
()3
ووقيت وهُديت ،وتنحى عنك الشيطان».؟
وتأمل معي هذه الوصية النبوية التي تقطر شفقة ورحمة
إلهية:
«من لزم الستغفار جعل ال له من كل هم فرجًا ،ومن كل ضيق مرجًا ،ورزقه من
() 4
حيث ل يتسب».
ربك أوصاك على لسان نبيه بأن تميط الذى عن الطريق
كيل يتسبب وجوده في إيذاء الناس؛ شفقة عليهم ورحمة
بهم.
ولكي يشجعنا على تنفيذ هذا المر أعد مكافأة خاصة لمن
يقوم بذلك ,قال «كان على الطريق غصن شجرة يؤذي الناس فأماطها رجل
()5
فأُدخل النة»
3
() متفق عليه.
2
() صحيح ،رواه الترمذي وأبو داود وابن حبان وصححه اللباني في صحيح الجامع
(.)5621
3
() انظر صحيح الجامع ح (.)6295
4
() رواه أبو داود (.)1518
5
() رواه ابن ماجة ( )3682وصححه اللباني.
78
الفصـــــل الثالث
1
() صحيح الجامع ح (.)1885
2
() صحيح الجامع ح (.)711
3
() صحيح الجامع ح (.)1730
79
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
ذلك قوله تعالى :أُحِلّ لَ ُكمْ لَ ْي َلةَ الصّيَامِ الرّفَثُ إِلَى ِنسَائِ ُكمْ ُهنّ ِلبَاسٌ لّ ُكمْ وَأَنُْتمْ
لِبَاسٌ لّ ُهنّ [البقرة.]187 :
ومنها السماح للناس وهم في رحلة الحج أن يبيعوا
ويشتروا ويتزودوا بما يريدونه لَيْسَ عَلَيْ ُكمْ جُنَاحٌ أَن َتبَْتغُوا َفضْلً مّن رّبّ ُكمْ
[البقرة.]198 :
ل تنس أنك عبد
إن العبد -أي عبد -من المفترض عليه أن يقوم بالتكاليف
التي يطلبها منه سيده لمجرد أنه عبد ،وأن هذا سيده ،وليس
ضا أن يسأل عن سبب تكليف سيده له بذلك ،ول أن له أي ً
ينتظر أجًرا عليه ،لنه يخدمه بموجب أنه عبد عنده.
أي أننا وإن افترض الله علينا ما شاء من عبادات فهذا ما
تقتضيه عبوديتنا له سبحانه ،ويقتضيه كونه مستحقًا للعبادة،
وعندما نراه -جل شأنه -يخفف عنا بعض التكاليف ،ويرفع
بعضها في أوقات معينة ،مراعاة لظروف البعض ،فهذا منتهى
الرحمة والرأفة من الرب بعبيده المكلفين في الصل بطاعته
وعبادته.
شريعته كلها رحمة
ومما يؤكد هذا المعنى أن أحكام الشريعة التي أمرنا الله
أن نتحاكم إليها ونتعامل بها ما هي إل مظهر عظيم من
مظاهر رحمته بعباده ،ألم يقل سبحانه لرسوله محمد :وَمَا
أَرْسَ ْلنَاكَ إِلّ رَ ْح َمةً لّ ْلعَاَلمِيَ [النبياء ]107:فالحدود على سبيل المثال لو
تأملناها جيدًا لوجدناها بمثابة السور الشائك الذي يحمي بناء
المجتمع المسلم ،والذي ل بد من وجوده وإل ضاع المن
والمان والثقة والستقرار وَلَ ُكمْ فِي اْل ِقصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي اللْبَابِ َلعَلّ ُكمْ
تَّتقُونَ [البقرة.]179 :
والجهاد في سبيل الله ما هو إل مظهر عظيم من مظاهر
الرحمة بعموم الناس.
80
الفصـــــل الثالث
81
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
1
() رواه مسلم.
2
() رواه الطبراني ..انظر كنز العمال (.) 10359
82
الفصـــــل الثالث
سابعًا :
تيسير طريقك إلى التوبة من
مظاهر
والرجــــــــــوع إليـــــــه
حب الله
لك :
83
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
1
() متفق عليه.
84
الفصـــــل الثالث
85
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
حا أمامك
أل يكفيك دليل على حب ربك لك أن جعل بابه مفتو ً
ليل نهار ،وبدون وجود حاجب ول واسطة ،فمتى شئت ،ومتى
رغبت في الدخول عليه دخلت؟!
ألم يكن من الممكن أن يكون الدخول على الله ودعاؤه
في وقت محدد بالليل أو بالنهار ،وعلى من يريد أن يجاب
طلبه أن يجتهد في تحري هذا الوقت كما يحدث مع كل
صاحب سلطان.
ولكنه سبحانه وتعالى لم يشأ أن يفعل ذلك ،فلم يغلق بابه
جرمه.
أبدًا في وجه أحد مهما كان ُ
جرمه.نعم ،مهما كان ُ
وليس ذلك للمسلمين فحسب بل لجميع عباده من يهود
ونصاري وملحدين وبوذيين ,ومن منافقين ،وفاجرين ،وقطاع
طرق ،ومجرمين.
أليس كل واحد من هؤلء له مكان في الجنة يريد الله له
أن يشغله ،ول يتركه؟!
فإن كنت تشك في هذه الحقيقة فتأمل معي توجيهه
كفَرُوا إِن يَنَتهُوا ُي َغفَرْ لَ ُهمْ مّا َقدْ سَلَفَ [النفال:
لرسوله الكريم :قُل ِل ّلذِينَ َ
]38هكذا بكل بساطة.
وتأمل خطابه للمنافقين ،فبعد أن حذرهم وخوفهم من مآل
أفعالهم عاد فلم ييئسهم من رحمته بل جعل الطريق أمامهم
ممهدًا للتوبة والعودة إليه ِإ ّن اْلمُنَا ِفقِيَ فِي الدّرْكِ ال ْسفَلِ مِنَ النّارِ َولَن تَجِدَ
صمُوا بِالِ َوأَخْ َلصُوا دِيَنهُمْ لِ فَأُوَلِئكَ مَ َع اْلمُ ْؤ ِمنِيَ
صلَحُوا وَا ْعتَ َ
َلهُمْ نَصِيًا إِلّ الّذِي َن تَابُوا َوأَ ْ
ي أَ ْجرًا َعظِيمًا [النساء.]146 ،145 :
ل اْلمُ ْؤ ِمنِ َ
َوسَوْفَ يُ ْؤتِ ا ُ
وبعد ذلك يأتي التأكيد على أن الله عز وجل ل يريد أن
يعذب أحدًا من خلقه مَا َيفْعَلُ الُ ِب َعذَابِ ُكمْ إِن شَكَرُْتمْ وَآمَنُْتمْ وَكَانَ الُ شَا ِكرًا
عَلِيمًا [النساء.]147 :
86
الفصـــــل الثالث
87
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
1
() رواه البخاري ومسلم.
2
() رواه ابن عساكر في أماليه عن أبى هريرة ...وأورده الهندي في كنز العمال
(.)10165
88
الفصـــــل الثالث
َ
منه الله هذه الحال فدل َه – الرحيم – على ما يقوله له،
ليختصر عليه الطريق َفتَلَقّى آ َدمُ مِن ّربّهِ َكلِمَاتٍ َفتَابَ عَ َليْهِ ِإنّهُ ُهوَ الّتوّابُ
الرّحِيمُ [البقرة.]37 :
وكذلك ما حدث مع بني إسرائيل ،فبعد أن ارتكبوا كبائر
الذنوب ،وعبدوا العجل ،وقالوا لنبيهم :أرنا الله جهرة و ..أراد
الله أن يتوب عليهم فدلهم على وسيلة ذلك واللفاظ التي
جدًا
يقولونها َوِإذْ قُ ْلنَا ادْخُلُوا َهذِهِ اْل َقرَْيةَ فَكُلُوا مِ ْنهَا حَيْثُ ِشئُْتمْ رَ َغدًا وَادْخُلُوا اْلبَابَ سُ ّ
سنِيَ [البقرة.]58 :
وَقُولُوا ِح ّطةٌ ّن ْغ ِفرْ لَ ُكمْ خَطَايَا ُكمْ وَسََنزِيدُ الْمُحْ ِ
فأي رب غفور رحيم هو ربنا!
يعلمنا كلمات نقولها ،وأدعية ندعوه بها تحمل معان
عظيمة ،ثم يخبرنا بأننا لو قلناها بصدق غفر لنا ذنوبنا وأعطانا
مرادنا.
حمِلْ
ومن ذلك قوله تعالى :رَبّنَا لَ ُتؤَا ِخذْنَا إِن نّسِينَا َأوْ أَخْ َطأْنَا َربّنَا وَلَ َت ْ
حمّلْنَا مَا لَ طَا َقةَ َلنَا ِبهِ وَاعْفُ عَنّا عَلَ ْينَا ِإصْرًا َكمَا َحمَ ْلَتهُ عَلَى اّلذِينَ مِن قَبْ ِلنَا رَبّنَا وَلَ تُ َ
وَا ْغفِرْ لَنَا وَارْ َح ْمنَا أَنتَ مَوْلَنَا فَاْنصُ ْرنَا عَلَى اْل َق ْومِ الْكَافِرِينَ [البقرة.]286 :
هذه الكلمات النورانية لو أردنا نُعبََر عما تحمله من معان
بكلمات من عندنا فكم عبارة سنقولها؟ وهل سترقى تلك
العبارات فتليق ببلغة اليات؟!
ثم إن هذه اليات وغيرها من الدعية مما ورد على لسان
المؤمنين ,من الذي أنزلها؟!
أليس هو الله عز وجل؟!
ومن هم هؤلء المؤمنين الذي يقولونها؟!
صا بعينهم ،ولكنها نموذج يقدمه الله لنا
إنهم ليسوا أشخا ً
لكي يختصر علينا طريق اختيار الكلمات والعبارات التي تنال
رضاه ،وتستفتح باب فضله وكرمه ،فيجيب علينا – حين
89
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
90
الفصـــــل الثالث
91
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
سهِ الرّ ْح َمةَ َأّنهُ مَن َعمِلَ مِنْ ُكمْ سُوءً ِبجَهَاَلةٍ ُثمّ تَابَ
وقوله :كَتَبَ َربّ ُكمْ عَلَى َنفْ ِ
مِن َبعْدِهِ وََأصْلَحَ َفَأّنهُ َغفُورٌ رّحِيمٌ [النعام.]54 :
إنها رسالة تطمين وترغيب تقول لنا :لقد أخطأتم
واقترفتم السيئات لنكم كنتم غافلين عني ،جاهلين بقدري،
فما عليكم إل أن تستغفروني لغفر لكم وأتوب عليكم.
لننتهز الفرصة
أخي القارئ:
وفي نهاية الحديث عن هذا المظهر العظيم من مظاهر
حب ربك لك ،ولسائر عباده ،تبق كلمة ل بد أن تُذكر في هذا
1
() كنز العمال (.)5901
92
الفصـــــل الثالث
1
() حسن ،رواه الطبراني ،وحسنه اللباني في صحيح الجامع ح (.)2177
93
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
ثامنا :من
حلمه وصبره وستره لك مظاهر
حب الله
لك :
أخي.
نعلم جميعًا أن الله عز وجل حي قيوم ل يغفل ول ينام,
أحاط بالناس جميعًا ل تختلط عليه اللغات ،ول يتوارى عليه
شيء ولو كان في قعر الجبال أو قاع البحار.
قريب منا جميعًا ،يرى مكاننا ،ويسمع كلمنا ،ويعلم ما
ب ِإلَ ْيهِ
سهُ َونَحْ ُن َأ ْق َر ُ
س ِبهِ َن ْف ُ
توسوس به أنفسنا َوَلقَدْ خَ َل ْقنَا ا ِلْنسَانَ َوَنعْلَمُ مَا تُ َوسْوِ ُ
مِنْ َح ْب ِل الْوَرِيدِ [ق.]16 :
ل يحدث شيء في أي مكان من الرض إل ويعرفه
ما وَمَا َيعْ ُزبُ عَن رّّبكَ مِن مّ ْثقَالِ ذَرّةٍ فِي الَرْضِ وَلَ
سبحانه ،ويحيط به عل ً
صغَرَ مِن ذَِلكَ وَلَ أَ ْكبَرَ إِلّ فِي كِتَابٍ مّبِيٍ [يونس.]61 :
سمَاءِ وَلَ َأ ْ
فِي ال ّ
ل يغيب عنه – سبحانه – سقوط ورقة يابسة من شجرة
وارفة في ليلة مظلمة داخل غابة من الغابات الكثيفة َوعِ ْندَهُ
سقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلّ َيعْ َلمُهَا وَلَ
مَفَاتِحُ اْلغَيْبِ لَ َيعْ َلمُهَا إِلّ ُهوَ وَيَعْ َلمُ مَا فِي اْلبَرّ وَاْلبَحْرِ وَمَا َت ْ
حَّبةٍ فِي ُظ ُلمَاتِ الَرْضِ وَلَ َرطْبٍ وَلَ يَابِسٍ إِلّ فِي ِكتَابٍ مّبِيٍ [النعام.]59 :
ومع هذا العلم وهذه الحاطة فإنه سبحانه قادر مقتدر ،ل
شيْ ٍء ِإذَا أَ َر ْدنَا ُه أَن
يعجزه شيء أن يفعله إذا اراد أن يفعله ِإنّمَا قَ ْوُلنَا لِ َ
ّنقُو َل َلهُ كُنْ َفيَكُونُ [النحل.]40 :
كان معنا
يقينًا -أخي – أن الله عز وجل لم يغب عنا ولو للحظة من
94
الفصـــــل الثالث
لحظات حياتنا وَمَا تَكُونُ فِي َشأْنٍ َومَا تَتْلُو مِ ْنهُ مِن قُرْآنٍ وَلَ َت ْعمَلُونَ ِمنْ َعمَلٍ إِلّ
كُنّا عَلَيْ ُكمْ شُهُودًا إِذْ ُتفِيضُونَ فِيهِ [يونس.]61 :
معنى ذلك أنه كان معي ومعك حين عصيناه.
كان معك حين أطلت النظر إلى غير محارمك من النساء.
كان معك وقت أن سمعت مؤذن الفجر ينادي للصلة ،فلم
تجب النداء بل تكاسلت وتجاهلت ،وأخلدت إلى النوم.
كان معك وأنت تجتهد في إقناع الخرين بشيء تعلم في
قرارة نفسك أنه غير حقيقي ،وأنك تكذب عليهم.
كان معي ومعك وقت كل معصية عصيناها ،وكل تقصير
قصرناه ،وكان يقدر – سبحانه – على أن يأخذ الواحد منا على
الحال التي كان عليها.
كان يقدر أن يأخذه وهو يكذب ..وهو يطلق بصره ..وهو
يحسد غيره ..يأخذه في لحظات شهادة الزور أو لحظات
تطاوله على والديه أو ....
كان من السهل واليسير عليه سبحانه أن يأخذنا في هذه
الوضاع المشينة وََلوْ َنشَاءُ َل َمسَخْنَا ُهمْ َعلَى مَكَانَتِ ِهمْ َفمَا اسْتَطَاعُوا ُمضِيّا وَلَ
يَرْ ِجعُونَ [يس.]67 :
ولكنه لم يفعل ،بل تركنا نعصاه ،ونقصر في حقه أكثر
وأكثر.
ولكن لماذا لم يفعل ذلك وهو القادر المقتدر؟!
الجابة واضحة؛ لنه يحب عباده ويريد لهم أن يُنهوا حياتهم
نهاية سعيدة لذلك فهو يحلم ويصبر عليهم لعل لحظة تأتي
عليهم يفيقون فيها من غفلتهم ،ويتوبون إليه فيتوب عليهم
وَإِنّ رَّبكَ َلذُو َمغْفِرَةٍ لّلنّاسِ َعلَى ظُ ْل ِم ِهمْ [الرعد.]6 :
سفَ الُ ِب ِهمُ
تأمل معي قوله تعالى :أَ َفَأ ِمنَ اّلذِينَ مَكَرُوا السّيّئَاتِ أَن َيخْ ِ
95
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
شعُرُونَ َأوْ َيأْ ُخ َذ ُهمْ فِي َتقَلّبِ ِهمْ َفمَا هُم ِب ُمعْجِزِينَ
الَرْضَ َأوْ َيأْتَِي ُهمُ اْلعَذَابُ ِمنْ حَيْثُ لَ يَ ْ
خوّفٍ [النحل.]47 -45 :
َأوْ َيأْ ُخ َذ ُهمْ عَلَى تَ َ
لكنه لم يفعل ،لنه كما جاء في ختام الية الخيرة َ +فإِنّ
رَبّ ُكمْ لَ َرؤُوفٌ رّحِيمٌ"
[النحل.]47 :
نعم أخي القارئ ،فربنا رب حليم ،صبور ،ل يؤاخذ عباده
بأفعالهم السيئة ولو فعل لما تنعم متنعم بيومه أو ليله ولتذوََق
سبُوا َلعَجّلَ
الجميع العذاب الليم وَرَّبكَ اْلغَفُورُ ذُو الرّ ْح َمةِ َلوْ ُيؤَا ِخ ُذهُم ِبمَا كَ َ
لَ ُهمُ اْل َعذَابَ [الكهف.]58 :
جاء في الثر :ما من ليلة اختلط ظلمها ،وأرخى الليل
من أعظم مني سربال سترها ،إل نادى الجليل جل جللهَ :
جودًا والخلئق لي عاصون وأنا لهم مراقب ،أكلؤهم في
مضاجعهم كأنهم لم يعصوني ،وأتولى حفظهم كأنهم لم يذنبوا
فيما بيني وبينهم ،أجود بالفضل على العاصي ،وأتفضل على
المسيء.
من ذا الذي دعاني فلم أُلبََه ،أم من ذا الذي سألني فلم
أعطه ،من ذا الذي أناخ ببابي فنحيته(.)1
وكان ابن السماك يقول في مناجاته:
تباركت يا عظيم ..لو كانت المعاصي التي عصيتها طاعة
أطعت فيها ما زاد على النعماء التي تبتليها.
وإنك لتزيد في الحسان إلينا كأن الذي أتيناه من الساءة
إحسان.
فل أنت بكثرة الساءة منا تدع الحسان ،ول نحن بكثرة
الحسان منك إلينا عن الساءة نقلع.
1
() شرح حديث لبيك اللهم لبيك لبن رجب ص .138
96
الفصـــــل الثالث
1
() حسن الظن بالله لبن أبى الدنيا ص .63
97
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
98
الفصـــــل الثالث
99
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
فقالوا :يا كليم الله ,ادع لنا ربك أن يسقينا الغيث ،فقام
معهم ،وخرجوا إلى الصحراء وهم سبعون ألفًا أو يزيدون.
فقال موسى عليه السلم :إلهي ,اسقنا غيثك ،وانشر علينا
ضع ،والبهائم الُرتع ،والمشايخ رحمتك ،وارحمنا بالطفال الُر ََ
شعًا ،والشمس إل حرارة الركع ،فما زادت السماء إل تق َُ
ن فيكم عبد يبارزني منذ أربعين سنة وأوحى الله إليه إ ََ
بالمعاصي ،فناد في الناس حتى يخرج من بين أظهركم ،فبه
منعتكم.
فقام مناديًا وقال :أيها العبد العاصي الذي يبارز الله منذ
منعنا المطر.أربعين سنة ,أخرج من بين أظهرنا ،فبك ُ
فقام العبد العاصي ،فنظر ذات اليمين وذات الشمال ،فلم
ير أحدًا خرج ،فعلم أنه المطلوب ،فقال في نفسه :إن أنا
خرجت من بين هذا الخلق افُتضحت على رءوس بني
إسرائيل ،وإن قعدت معهم منُعوا لجلي ،فأدخل رأسه في
ما على فعاله ،وقال :إلهي وسيدي ,عصيتك أربعين ثيابه ناد ً
سنة وأمهلتني وقد أتيتك طائعًا فاقبلني ،فلم يستتم الكلم
حتى ارتفعت سحابة بيضاء فأمطرت كأفواه ال ِقَرب ،فقال
سقينا وما خرج من بين أظهرنا موسى :إلهي وسيدي ,بماذا ُ
أحد؟ فقال :يا موسى ,سقيتكم بالذي به منعتكم.
ي أرني هذا العبد الطائع .فقال :يا
فقال موسى :إله َ
موسى إنَي لم أفضحه وهو يعصيني ،أأفضحه وهو يطيعني؟!
(.)1
1
() كتاب التوابين لبن قدامة المقدسي .70 ،69
100
الفصـــــل الثالث
تاسعًا :
خطابـــــــه الودود من
مظاهر
الذي يخاطبـــك به
حب الله
لك :
101
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
1
() رواه البيهقي في السنن والخطيب وابن عساكر ،انظر كنز العمال (.)29836
102
الفصـــــل الثالث
إنه يناديهم بـ :يا عبادي ،بكل ما يحمله هذا النداء من ود،
وتلطف ،وحنان .ثم انظر إلى ندائه للبشر جميعًا :يَا َأيّهَا النّاسُ إِنّ
َو ْعدَ الِ َحقّ فَلَ َتغُرّنّ ُكمُ الْحَيَاةُ الدّنْيَا وَلَ َيغُرّنّ ُكمْ بِالِ اْلغَرُورُ [فاطر.]5 :
103
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
خطاب مطمئن ،يؤكد لهم فيه أن بابه مفتوح للجميع «يا ابن آدم
إنك إن دعوتن ورجوتن غفرت لك على ما كان منك ول أبال».
«يا عبادي إنك تطئون باليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جيعًا فاستغفرون أغفر لكم»
إنه خطاب عجيب يناشدنا فيه الله عز وجل أن نستغفره
ليغفر لنا ...أن نستفيد بالفرصة المتاحة أمامنا قبل أن يحل
بنا الجل.
ففي كل ليلة وبالخص ثلثها الخير يوجَِه الله عز وجل
نداءه لعباده ويقول لهم :من يدعوني فأستجيب له؟ من
يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟! (.)1
فماذا تقول بعد ذلك؟!
ماذا تقول لمن يناديك وينادي عباده جميعًا فيقول« :يا عبادي
كلكم ضال إل من هديته فاستهدون أهدكم .يا عبادي كلكم جائع إل من أطعمته
فاستطعمون أطعمكم .يا عبادي كلكم عار إل من كسوته فاستكسون أكسكم» (.)2
ما أن تحسن به الظن فهوماذا تقول لمن يطلب منك دو ً
لن يضيعك ،ولن يتركك ،فمراده دخولك الجنة .قال «ل يوتن
أحد منكم إل وهو يسن الظن بال تعال»(.)3
خطاب يستثير الهمم
ومن سمات خطابه سبحانه لعباده أنه يستثير همتهم لفعل
الخير ،وذلك من خلل قوة طرقه على مشاعر الرغبة،
واستجاشته للعاطفة ،والتركيز على الجزاء العظيم المترتب
على الفعل الذي يريد منهم فعله.
فعلى سبيل المثال :النفاق في سبيل الله عمل عظيم
1
() رواه البخاري.
2
() رواه مسلم.
3
() رواه مسلم.
104
الفصـــــل الثالث
الناصح منه سبحانه للناس جميعًا والذي يقول فيه يَا َأيّهَا النّا ُ
س
حيَاةُ الدّنْيَا وَلَ َيغُرّنّ ُكمْ بِالِ اْلغَرُورُ إِنّ الشّ ْيطَانَ لَ ُكمْ َع ُدوّ
إِنّ َو ْعدَ الِ َحقّ فَلَ َتغُرّنّ ُكمُ الْ َ
س ِعيِ [فاطر.]6 ،5 :
خذُوهُ َع ُدوّا إِّنمَا َي ْدعُو حِزَْبهُ لِيَكُونُوا مِنْ َأصْحَابِ ال ّ
فَاتّ ِ
حقّ مِن رّبّ ُكمْ فَآمِنُوا
وكذلك قوله لهم :يَا أَيّهَا النّاسُ َقدْ جَاءَ ُكمُ الرّسُولُ بِالْ َ
خَيْرًا لّ ُكمْ [النساء.]170 :
وانظر إلى الخطاب الموجه لهل الكتاب وما يحمل في
طياته من نصائح غالية لهم على الرغم مما فعلوه من كفر
حقّ ِإّنمَا
وعصيان :يَا َأهْلَ الْ ِكتَابِ لَ َتغْلُوا فِي دِينِ ُكمْ وَلَ َتقُولُوا عَلَى الِ إِلّ الْ َ
اْل َمسِيحُ عِيسَى اْبنُ مَرَْيمَ رَسُولُ الِ وَكَ ِل َمُتهُ أَْلقَاهَا إِلَى مَرَْيمَ وَرُوحٌ مّ ْنهُ فَآمِنُوا بِالِ وَرُسُ ِلهِ
لَثةٌ انَْتهُوا خَيْرًا لّ ُكمْ [النساء.]171 :
وَلَ َتقُولُوا ثَ َ
وتأمل كذلك خطابه الناصح لليهود :يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا ِن ْعمَتِيَ
الّتِي أَْن َعمْتُ عَ َليْ ُكمْ وََأوْفُوا ِبعَ ْهدِي أُوفِ ِبعَ ْهدِ ُكمْ وَإِيّايَ فَا ْرهَبُونِ وَآمِنُوا ِبمَا أَنزَلْتُ
صدّقًا ّلمَا مَعَ ُكمْ وَلَ تَكُونُوا َأوّلَ كَافِرٍ ِبهِ وَلَ َتشْتَرُوا بِآيَاتِي َثمَنًا َقلِيلً وَإِيّايَ فَاّتقُونِ
ُم َ
[البقرة.]41 ،40 :
أما المؤمنين فوصاياه لهم كثيرة منها قوله تعالى :يَا َأيّهَا
اّلذِي َن آمَنُوا لَ تُلْهِ ُكمْ َأمْوَالُ ُكمْ وَلَ َأوْلَدُ ُكمْ َعنْ ذِ ْكرِ الِ َومَن ّيفْعَلْ َذِلكَ َفأُولَِئكَ ُهمُ
اْلخَاسِرُونَ وَأَنفِقُوا مِن مّا رَزَقْنَاكُم مّن قَبْلِ أَن َيأْتِيَ أَ َحدَ ُكمُ اْل َم ْوتُ فََيقُولَ َربّ َلوْلَ
حيَ [المنافقون.]10 ،9 :
صدّقَ وََأكُن ّمنَ الصّالِ ِ
أَخّرَْتنِي إِلَى أَجَلٍ َقرِيبٍ َفَأ ّ
وأحيانًا نجد الخطاب جامعًا بين لهجة النصح ولهجة
الشفاق والحنو ،التي يُشعر الله فيها عباده المؤمنين بمدى
حبه لهم ،وخوفه عليهم من الحساب في الخرة :يَا َأيّهَا النّاسُ
شوْا َيوْمًا لّ يَجْزِي وَاِلدٌ عَن وََلدِهِ وَلَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَاِلدِهِ شَ ْيئًا ِإنّ
اّتقُوا رَبّ ُكمْ وَاخْ َ
َو ْعدَ الِ َحقّ فَلَ َتغُرّنّ ُكمُ الْحَيَاةُ الدّنْيَا وَلَ َيغُرّنّ ُكمْ بِالِ اْلغَرُورُ [لقمان.]33 :
106
الفصـــــل الثالث
وقوله تعالى :وَإِذَا رََأوْا تِجَا َرةً َأوْ لَ ْهوًا اْن َفضّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَاِئمًا قُلْ مَا عِ ْندَ
الِ خَيْرٌ مّنَ اللّ ْهوِ وَ ِمنَ التّجَارَةِ وَالُ َخيْرُ الرّازِ ِقيَ [الجمعة.]11 :
مراعاة النفسية البشرية
ومن أبرز صور مراعاة الخطاب اللهي لطبيعة النفس
البشرية عدم الكثار من قوله «أنا» عند سرده لنعمه على
عباده ،وفضله الذي ل حدود له.
فالنفس ل تحب سماع هذه الكلمة بكثرة من الطرف
الذي يخاطبها ،ومع أن الله عز وجل هو الذي خلقنا من
العدم ،وأعطانا من النعم ما ل يُعد ول يُحصى ،وأن من حقه
أن يحدثنا بضمير المتكلم «أنا» وهو يعرفنا بنفسه وبنعمه
وبقيوميته وقدرته و...
إل أنه سبحانه ل يفعل ذلك ،بل يتحدث عن نفسه – في
غالب القرآن – بضمير الغائب «هو» ُهوَ اّلذِي يُسَيّرُ ُكمْ فِي اْلبَرّ وَاْلبَحْرِ
107
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
[يونس.]22 :
شمْسَ ضِيَاءً وَاْل َقمَرَ نُورًا وَ َقدّرَهُ مَنَازِلَ لَِتعْ َلمُوا َعدَدَ السّنِيَ
ُهوَ اّلذِي َجعَلَ ال ّ
حسَابَ [يونس.]5 :
وَالْ ِ
فأي رب رءوف ودود حي كريم هو ربنا.
ما بال أقوام؟!
ومن صور مراعاته سبحانه لطبيعة النفس البشرية توجيهه
الغير مباشر لعباده في خطابه لهم ،فحين يريد تحذير
المؤمنين من القيام بفعل ما ،فإنه ل يتوجه مباشرة بذلك –
في غالب الحيان – بل يحدثهم عن أناس آخرين – بصيغة
النكرة – ويشهََدهم عليهم ،ويجعلهم يستنكرون أفعالهم ،مع
أنهم قد يكونون هم المعنيين بهذا التحذير ،ومن ذلك قوله
حصُوهَا" [إبراهيم ]34 :الخطاب هنا
تعالى+ :وَإِن َت ُعدّوا ِن ْعمَةَ الِ لَ تُ ْ
موجه لنا بأن علينا أن نجتهد في إحصاء نعم الله كصورة من
صور الشكر ،ومن المفترض أن يكون التحذير الذي تتضمنه
الية بعد ذلك من مغبة عدم ذكر النعم حتى ل نقع في دائرة
الظلم والكفر موجه لنا كذلك ،فهل جاء الخطاب يحمل هذا
المعنى المباشر.
صا آخر :وَإِن
ل ،لم يحدث ذلك ،بل جاء وكأنه يخاطب شخ ً
حصُوهَا إِنّ الِْنسَانَ لَظَلُومٌ َكفّارٌ [إبراهيم.]34 :
َت ُعدّوا ِن ْعمَتَ الِ لَ ُت ْ
الخطاب موجه للنسان ,وكأنه شخص آخر بعيد ل نعرفه،
مع أن الخطاب في بدايته موجه لنا ،ومما ل شك فيه أن هذا
التلطف العجيب في التوجيه والنصح له دور كبير في استقبال
النصيحة بنفس هادئة.
لماذا العقاب؟
108
الفصـــــل الثالث
ما
ومن مظاهر خطابه المطمئن لعباده أنه يذكر لهم دو ً
ما في الماضي ،مع السبب الذي من أجله عاقب فردًا أو قو ً
أنه الله العظيم ملك الملوك الذي ل ينبغي أن يُسأل عما
يفعل ،لكنه في نفس الوقت الرب الودود الذي يحب عباده
ويريد منهم أن يفروا إليه ،ل أن يفروا منه ،لذلك تراه سبحانه
ل في السباب التي أدت إلى عقوبة العصاة ،وأنه قد يُف ََ
ص ِ
صبر عليهم وأمهلهم وأعطاهم الفرصة تلو الفرصة ،ولكنهم
هم الذين أبوا العودة إليه ،وأصروا على طغيانهم ،واستكبروا
عليه سبحانه ،وحاربوا عباده ،فاستدعوا بأفعالهم الكثيرة
الظالمة غضب الحليم عليهم َومَا كُنّا مُهْلِكِي اْلقُرَى إِلّ وََأهْ ُلهَا ظَاِلمُونَ
[القصص.]59 :
ومع العقاب المستحق للظالمين ،والذي يقع بعد طول
إمهال ،نجد التعقيب القرآني :يَا حَسْ َرةً عَلَى اْلعِبَادِ مَا َي ْأتِيهِم مّن رّسُولٍ إِلّ
كَانُوا ِبهِ َيسْتَهْ ِزئُونَ [يس .]30 :فالله عز وجل ل يرضى لعباده هذا
المصير ،وأنهم هم الذين أبوا أو استكبروا إل أن يسيروا إليه،
ولو تأملنا القرآن لوجدنا أن هذا المر واضح فيه تمام
الوضوح ،وأن الله عز وجل ل يظلم أحدا ،لذلك نجده سبحانه
ما أسباب العقوبة التي يعاقب بها الناس.
يذكر لنا دو ً
سَبأٍ فِي مَسْكَِن ِهمْ آَيةٌ جَنّتَانِ عَن َيمِيٍ
تأمل معي قوله تعالىَ :ل َقدْ كَانَ لِ َ
وَ ِشمَالٍ كُلُوا مِن رّ ْزقِ َربّ ُكمْ وَاشْكُرُوا َلهُ بَ ْلدَةٌ طَيَّبةٌ وَ َربّ َغفُورٌ .
فماذا فعل أهل سبأ؟ هل شكروا هذه النعم العظيمة؟ لم
يفعلوا ذلك ،بل أكلوا من رزق ربهم ولم يشكروا له؟ وتبطروا
على نعمه ،فاستدعوا العقاب من الله عز وجل لهم َفَأعْ َرضُوا
َفأَرْسَلْنَا َعلَيْ ِهمْ سَيْلَ اْلعَ ِرمِ وََبدّلْنَا ُهمْ ِبجَنّتَ ْي ِهمْ جَنَّت ْينِ َذوَاتَيْ أُكُلٍ َخ ْمطٍ وَأَثْلٍ وَشَ ْيءٍ مّن ِسدْرٍ
قَلِيلٍ ثم تأتي حيثيات هذه العقوبة َذِلكَ جَزَيْنَا ُهمْ ِبمَا َكفَرُوا ويتلوها
الخطاب المطمئن َوهَلْ نُجَازِي إِلّ الْ َكفُورَ [سبأ.]17 -15 :
وتأمل قوله تعالى وهو يحدثنا عن اليهود ولماذا عاقبهم بما
109
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
110
الفصـــــل الثالث
111
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
أهل ذكري أهل مالست ،وأهل شكري أهل زيادت ،وأهل طاعت أهل كرامت ،وأهل
معصيت ل أُقنّطهم من رحت ،إن تابوا فأنا حبيبهم ،فإن أحب التوابي وأحب التطهرين،
وإن ل يتوبوا إلّ فأنا طبيبهم .أبتليهم بالصائب ،لطهرهم من العايب.»...
***
112
الفصـــــل الثالث
عاشًرا :
من
ترغيبــك وترهيبك مظاهر
حب الله
لك :
113
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
[السراء: خوِيفًا
تأمل معي قوله تعالىَ :ومَا نُرْسِلُ بِالَيَاتِ إِلّ َت ْ
.]59
فالية تدل دللة واضحة على أن الله سبحانه وتعالى
يخوفنا لنخاف ونترك طريق الضلل ونتجه نحو صراطه
المستقيم فندخل الجنة.
حتِ ِهمْ
انظر مثل إلى قوله تعالىَ :لهُم مّن َفوْقِ ِهمْ ظُلَلٌ مّنَ النّارِ َومِن تَ ْ
خوّفُ الُ ِبهِ عِبَا َدهُ يَا عِبَادِ فَاّتقُونِ [الزمر.]16 :
ظُلَلٌ ذَِلكَ ُي َ
أرأيت صيغة الخطاب :ذلك الذي يخوف الله به عباده ..يا
عباد فاتقون.
فمع أن الية تتحدث عن النار وما فيها من عذاب ،إل أنها
تحمل في طياتها دللت عظيمة عن حب الله لعباده ،وكيف ل
ونحن نلمح فيها مناشدة من الله عز وجل لعباده بأن يخافوا،
ويحذروا عقابه لنه ل يريد لهم أن يدخلوا هذه النار.
هل قامت القيامة؟!
ثم إن ثمة أسئلة قد تقفز إلى أذهان البعض وهي:
هل قامت القيامة أم لم تقم؟
هل بالفعل دخل بعض الناس الجنة والبعض الخر النار؟!
الجابة معروفة للجميع ,بأنه إلى الن لم تقم القيامة ولم
يتوزع الناس بين الجنة والنار.
إذن فلماذا يقص القرآن هذه الصور التفصيلية عن
القيامة ،والجنة والنار ،وكأن المر قد انقضى ،والمور قد
صحَابُ النّارِ َأصْحَابَ حسمت مثل ما جاء في قوله تعالى :وَنَادَى َأ ْ ُ
اْلجَّنةِ َأنْ أَفِيضُوا عَلَ ْينَا ِمنَ اْلمَاءِ َأوْ ِممّا رَزَقَ ُكمُ الُ قَالُوا ِإنّ الَ حَ ّرمَ ُهمَا َعلَى الْكَافِرِينَ
حيَاةُ الدّنْيَا فَاْلَي ْومَ نَنسَا ُهمْ َكمَا َنسُوا ِلقَاءَ َي ْومِ ِهمْ
خذُوا دِيَن ُهمْ َل ْهوًا وََلعِبًا َوغَرّتْ ُهمُ الْ َ
اّلذِينَ اتّ َ
حدُونَ [العراف.]51 ،50 :
َهذَا َومَا كَانُوا بِآيَاِتنَا َيجْ َ
114
الفصـــــل الثالث
هذا الحوار بين أهل النار وأهل الجنة لم يتم حتى الن،
فلماذا يعرضه الله لنا ويسرده بهذا التفصيل؟!
لماذا يحتل الحديث عن القيامة والجنة والنار هذه
المساحة الواسعة من القرآن؟!
أل توافقني -أخي القارئ -أن هذا التفصيل في عرض
الجنة وكأننا نراها رأي العين ،وكأن أهلها قد سكنوها وبدءوا
في التمتع بما فيها من نعيم ,أل توافقني أن الغرض من ذلك
هو استثارة رغبتنا لدخولها ومن ث ََ
م الوفاء بحقها والسباق
نحوها؟!
وكذلك عرض النار بهذه الصورة البشعة الكريهة ،المنفرة
لنخاف منها ونجتهد في البتعاد عنها؟!.
وتأكيدًا على هذا المعنى أتركك مع هذه اليات لتقرأها
وتتدبر معانيها.
إِلّ عِبَادَ الِ اْل ُمخْ َلصِيَ أُولَِئكَ َل ُهمْ رِ ْزقٌ ّمعْلُومٌ َفوَا ِكهُ وَهُم مّكْ َرمُونَ فِي جَنّاتِ
الّنعِيمِ َعلَى سُرُرٍ مّتَقَابِ ِليَ يُطَافُ عَلَيْ ِهمْ بِ َكأْسٍ مّن ّمعِيٍ بَ ْيضَاءَ َلذّةٍ لّلشّارِِبيَ لَ فِيهَا
َغوْلٌ وَلَ ُهمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ َوعِن َد ُهمْ قَاصِرَاتُ الطّرْفِ ِعيٌ َكأَنّ ُهنّ بَ ْيضٌ مّكْنُونٌ َفأَقْبَلَ
َب ْعضُ ُهمْ عَلَى َبعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالَ قَائِلٌ مّنْ ُهمْ ِإنّي كَانَ لِي قَرِينٌ َيقُولُ أَإِّنكَ َل ِمنَ
صدّقِيَ َأإِذَا مِتْنَا وَكُنّا تُرَابًا َوعِظَامًا أَإِنّا َل َمدِينُونَ قَالَ هَلْ أَنْتُم مّطّ ِلعُونَ فَاطّلَعَ فَرَآهُ
اْل ُم َ
حضَرِينَ
جحِيمِ قَالَ تَالِ إِن كِدتّ لَتُرْدِينِ وََلوْلَ ِن ْع َمةُ رَبّي لَكُنتُ ِمنَ اْل ُم ْ
فِي َسوَاءِ الْ َ
حنُ ِب ُم َعذّبِيَ إِنّ َهذَا َل ُهوَ اْل َفوْزُ اْلعَظِيمُ ِل ِمثْلِ
حنُ ِبمَيّتِيَ إِلّ َموْتَتَنَا الُولَى َومَا نَ ْ
أَ َفمَا َن ْ
َهذَا فَ ْلَي ْعمَلِ اْلعَامِلُونَ َأذَِلكَ خَيْرٌ نّزُلً َأمْ َشجَرَةُ الزّقّومِ إِنّا َجعَ ْلنَاهَا ِفتَْنةً لّلظّاِلمِيَ إِنّهَا
شَجَ َرةٌ َتخْ ُرجُ فِي َأصْلِ اْلجَحِيمِ َط ْلعُهَا َكأَّنهُ ُرؤُوسُ الشّيَاطِيِ َفإِنّ ُهمْ لَ ِكلُونَ مِنْهَا
شوْبًا مِنْ َحمِيمٍ ُثمّ إِنّ مَرْ ِجعَ ُهمْ لِلَى اْلجَحِيمِ
َفمَالِئُونَ مِنْهَا اْلبُطُونَ ُثمّ ِإنّ لَ ُهمْ عَلَ ْيهَا َل َ
[الصافات.]68 ،40 :
116
الفصـــــل الثالث
اللص والسجن
صا قد اقتحم قرية من القرى ،واختبأ في بعض هب أن ل ً
نواحيها،وظل يُغير كل ليلة على منزل من منازلها فيهدد أهله،
ويسرق ما فيه.
تُرى على أي حال سيكون أهل هذه القرية التي كانت قبل
مجيء هذا اللص آمنة مطمئنة؟!
بل شك سيتبدل أمنهم فزع ًا ،وطمأنينتهم رعبًا وهلعًا،
وكيف ل وكل واحد منهم يتوقع كل ليلة هجوم اللص على
داره ...ليعرف النوم إلى عينه طريقًا ،بل ينخلع قلبه من
الفزع إذا ما سمع صوتًا غريبًا حول داره.
هل من المناسب في ظل هذا الوضع المأساوي أن يُترك
اللص هكذا دون العمل علىالقبض عليه والقصاص منه تحت
مسمى الرحمة.
إن الرحمة تقتضي سرعة المساك به وحبسه لتعود
السكينة للناس ،ويعود إليهم أمنهم.
نعم ،أخي القارئ ،ل بد من عقاب المخطئ الذي أساء
الدب مع ربه وخالف أوامره ،واستخدم ما سخره له من
النعم الكثيرة في معصيته.
استخدم يده ورجله وعقله وعينيه ولسانه وشفتيه في
محادََة الله وعصيانه واستحلل محارمه ،استخدم كل هذه
سنَتُ ُهمْ وََأْيدِي ِهمْ وَأَرْ ُجلُ ُهمْ ِبمَا
ما عنهاَ -ي ْومَ َتشْ َهدُ َعلَيْ ِهمْ أَلْ ِ
الشياء وغيرها -رغ ً
كَانُوا َي ْعمَلُونَ [النور.]24 :
ومع هذا كله فالله عز وجل الرءوف الرحيم يحذر العصاة
والكافرين ,يستحثهم على التوبة ويرغبهم في الجنة ويخوفهم
من النار لعلهم يعودون إليه قبل فوات الوان .
تأمل معي هذه اليات التي تؤكد هذا المعنى :أَ َفَأمِنَ اّلذِي َن
شعُرُونَ َأوْ سفَ الُ ِب ِهمُ الَرْضَ َأوْ َي ْأتِيَ ُهمُ اْل َعذَابُ مِنْ حَيْثُ لَ َي ْ
مَكَرُوا السّيّئَاتِ أَن َيخْ ِ
117
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
118
الفصـــــل الثالث
الناس جميعًا
لن الله عز وجل يحب عباده ويريد لهم الخير فإنه سبحانه
قد شملهم جميعًا بتوجيهاته ما بين الترغيب والترهيب ،فتراه
– على سبيل المثال -يرغب اليهود فيقول لهم :يَا َبنِي إِسْرَائِيلَ
ا ْذكُرُوا ِنعْمَتِيَ الّتِي أَْن َعمْتُ عَلَيْ ُكمْ وَأَنّي َفضّلْتُ ُكمْ عَلَى اْلعَاَلمِيَ ثم تراه يخوفهم
جزِي َنفْسٌ عَن ّنفْسٍ شَيْئًا وَلَ ُيقْبَلُ مِنْهَا َشفَاعَةٌ وَلَ
فيقول لهم :وَاّتقُوا َي ْومًا لّ تَ ْ
ُيؤْ َخذُ مِنْهَا َعدْلٌ وَلَ ُهمْ يُ ْنصَرُونَ [البقرة.]123 ،122 :
وأهل الكتاب يخوفهم بقوله :يَا َأيّهَا اّلذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا ِبمَا نَزّلْنَا
صدّقًا ّلمَا مَعَكُم مّن قَبْلِ أَن نّ ْطمِسَ وُجُوهًا فَنَ ُر ّدهَا َعلَى َأدْبَا ِرهَا َأوْ َن ْلعَنَ ُهمْ َكمَا َلعَنّا
ُم َ
َأصْحَابَ السّبْتِ َوكَانَ َأمْرُ الِ مَ ْفعُولً [النساء.]47 :
ب آمَنُوا وَاّت َقوْا لَ َكفّرْنَا عَ ْن ُهمْ سَيّئَاِت ِهمْ
ويرغبهم بقوله وََلوْ َأنّ َأهْلَ الْكِتَا ِ
وَلدْخَلْنَا ُهمْ جَنّاتِ الّنعِيمِ [المائدة.]65 :
والمشركين يقول لهم :إِنّ الَ لَ َيغْفِرُ أَن يُشْ َركَ ِبهِ وََي ْغفِرُ مَا دُونَ ذَِلكَ
ِلمَن يّشَاءُ وَمَن يّشْرِكْ بِالِ َف َقدِ افْتَرَى إِْثمًا َعظِيمًا [النساء.]48 :
خذِ اْل ُم ْؤمِنُونَ الْكَافِرِينَ َأوِْليَاءَ مِن دُونِ اْل ُمؤْمِنِيَبل وحتى المؤمنين :لَ يَتّ ِ
سهُ [آل حذّرُ ُكمُ الُ َنفْ َ
وَمَن َي ْفعَلْ ذَِلكَ فَ َليْسَ ِمنَ الِ فِي شَ ْيءٍ إِلّ أَن تَّتقُوا مِنْ ُهمْ ُتقَاةً وَُي َ
عمران.]28 :
الترهيب والترغيب في قصص السابقين
ومع شمول أسلوب الترهيب والترغيب لجميع الناس فإنه
يمتد ليشمل الزمن كله ماضيه وحاضره ومستقبله.
فالله عز وجل يدعونا في كتابه للستفادة مما حدث مع
السابقين في الزمنة الماضية ،فيرغبنا في الحتذاء بالنماذج
الصالحة ،ويخوفنا من النماذج الطالحة.
فنجد أن الله سبحانه قد قدم إبراهيم – عليه السلم – في
القرآن ،وفي أكثر من موضع كنموذج صحيح لما ينبغي أن
119
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
120
الفصـــــل الثالث
122
الفصـــــل الثالث
1
() رواه الترمذي.
123
الفصل الرابع
الوسائل العملية
لتمكين حب الله
في القلب
الفصـــــل الرابـــع
125
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
سنة والتي تعتبر شارحة للقرآن مؤكدة لما تقف على رأسها ال ُ
فيه ،ومع ذلك يبقى القرآن الوسيلة العظيمة لدوام التذكير،
وتقرير الحقائق ،وإنشاء اليمان ،فهو دائم التعريف بالله عز
وجل وبأسمائه وصفاته ومظاهر حبه لعباده.
ومع هذا التعريف نجد التكرار للمعنى الواحد بأساليب
مختلفة ليرسخ مدلوله في العقل الباطن للنسان فيشكل
جزءًا من يقينه وََل َقدْ صَرّ ْفنَا فِي َهذَا اْلقُرْآنِ ِلَيذّكّرُوا [السراء.]41 :
وفي عرضه للمعاني نجد أن العرض يخاطب العقل فيقنعه
والمشاعر فيستثيرها ،مما يحوََل الحقائق والقناعات الفكرية
إلى إيمان راسخ في القلب.
ومما يساعد القارئ على انتفاعه بالقرآن هو التزامه بما
أمره الله به من تدبر وتفهم لما يقرؤه من آيات ،وكذلك
ترتيله لها ,فالفهم والتدبر يخاطبان العقل فيقتنع ،والترتيل
يهز المشاعر ،فيمتزج بذلك الفكر مع العاطفة ليثمر يقينًا
في العقل ،وإيمانًا في القلب ،وهذا ل يتوافر في أي كتاب
آخر على وجه الرض َأوَ َلمْ يَ ْكفِ ِهمْ أَنّا َأنْزَلْنَا عَلَ ْيكَ الْكِتَابَ يُ ْتلَى عَ َليْ ِهمْ
[العنكبوت.]51 :
يقول ابن رجب :سماع القرآن ينبت القرآن في القلب كما
ينبت الماء البقل.
تعرف على ربك
القرآن -أخي القارئ -هو أفضل وسيلة لغرس محبة الله
في القلب ،ولقد تم الحديث بشيء من التفصيل حول هذا
الموضوع في أكثر من موضع سابق( ،)1ول داعي لتكرار ما
قيل ،ولكن نُذ َكر بأمر هام وهو:أن إنشاء اليمان في القلب
من خلل القرآن لن يتم إل إذا كان هدفنا حين نقرؤه أن نفهم
ما نقرؤه – ولو بصورة إجمالية – وأن نجتهد في التأثر به من
1
() مثل ما تضمنته كتب :العودة إلى القرآن –بناء اليمان من خلل القرآن -كيف
نغير ما بأنفسنا -حقيقة العبودية.
126
الفصـــــل الرابـــع
1
() لمحات النوار للغافقي(.)566
127
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
128
الفصـــــل الرابـــع
في الدعاء والذكر والمناجاة وَ َعجِلْتُ إِلَ ْيكَ َربّ لِتَ ْرضَى [طه.]84 :
وخلصة القول:
إن أفضل شيء وأحب شيء نتقرب به إلى الله :قراءة
القرآن بالتدبر والتفهم والترتيل والصوت الحزين (التباكي)
قال « :ما تقرب العباد إل ال بشيء أحب إليه ما خرج منه»(.)1
وكلما ازداد حب المرء لربه ،ازداد حبًا لكتابه ولكثرة
قراءته.
قال أبو سعيد الخراز :من أحب الله أحب كلم الله ،ولم
يشبع من تلوته(.)2
ثانيًا :التفكر في الكون وأحداث الحياة
اليمان بالحقائق والمعارف التي تم ذكرها يحتاج إلى
تذكرة دائمة تستثير المشاعر ،وتُنشئ اليمان وترسخه في
القلب ،والقرآن – كما أسلفنا – هو المدخل الساسي لذلك
بما فيه من آيات ودلئل تدل على الله عز وجل وتعرفنا
بمظاهر حبه لعباده ومدى رأفته وشفقته وبره بهم.
ومع اليات المقروءة في القرآن تأتي اليات المرئية
والمنظورة في الكون وأحداث الحياة.
فكل ما في الكون يدل على الله ويُذكَِر به َأوََلمْ يَكْفِ بِرَّبكَ َأّنهُ
[فصلت.]53 : عَلَى كُلّ شَ ْيءٍ شَهِيدٌ
ولقد حثنا – سبحانه – على أن نتفكر في آياته المبثوثة في
كونه ،وفيما يمر بنا من أحداث في حياتنا لتكون وسيلة
م الوصول إلى معرفته ،وحبه، للتذكرة الدائمة به ،ومن ث ََ
والتعلق التام به.
1
() كنز العمال .2257
2
() مجموعة رسائل الحافظ ابن رجب .2/47
129
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
130
الفصـــــل الرابـــع
131
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
132
الفصـــــل الرابـــع
يكون له أكبر الثر على علقته بربه فتزداد معرفته به ،ومن
ثم حبه وأنسه وشوقه إليه.
قال « :أعطوا أعينكم حظها من العبادة» فقالوا يا رسول الله :وما
حظها من العبادة؟ قال« :النظر ف الصحف والتفكر فيه والعتبار عند
عجائبه»(.)1
***
1
() أخرجه ابن أبى الدنيا بإسناد ضعيف.
133
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
134
الفصـــــل الرابـــع
1
() رواه الترمذي ( )3878وقال حديث حسن غريب.
135
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
1
() المحبة لله سبحانه للجنيد – 75 /دار المكتبي – سوريا.
2
() استنشاق نسيم النس .49/
3
() رواه البزار بإسناد حسن.
136
الفصـــــل الرابـــع
137
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
القرآن يعلمنا
ونحن بهذه الطريقة نتعلم ونقتدي بالقرآن حيث كان يتنزل
على رسول الله بعد النعم اللهية الكبيرة ليذكَره وأصحابه
بها ،وبما أنعم الله عليهم من خللها فيزدادوا له حبًا وشكًرا،
فبعد بدر وما كان فيها من نصر مبين نزلت سورة النفال
تُذكَر بنعم الله العظيمة التي صاحبت هذا النصر :إِذْ تَ ْ
سَتغِيثُونَ
شرَى رَبّ ُكمْ فَاسَْتجَابَ لَ ُكمْ َأنّي ُم ِمدّ ُكمْ ِبأَْلفٍ ّمنَ اْلمَلئِ َكةِ مُرْدِفِيَ وَمَا َجعَ َلهُ الُ إِلّ بُ ْ
وَلِتَ ْط َمِئنّ ِبهِ قُلُوبُ ُكمْ َومَا الّنصْرُ إِلّ مِنْ عِ ْندِ الِ ِإنّ الَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ِإذْ ُيغَشّي ُكمُ الّنعَاسَ َأمََنةً
سمَاءِ مَاءً لّيُطَهّرَ ُكمْ ِبهِ وَُي ْذهِبَ عَن ُكمْ رِجْزَ الشّيْطَانِ وَلِيَ ْربِطَ َعلَى
مّنْهُ وَُينَزّلُ عَ َليْكُم مّن ال ّ
قُلُوبِ ُكمْ وَيَُثبّتَ ِبهِ ال ْقدَامَ ِإذْ يُوحِي َرّبكَ إِلَى اْلمَلئِ َكةِ أَنّي َمعَ ُكمْ فَثَبّتُوا اّلذِي َن آمَنُوا َسأُْلقِي
عنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْ ُهمْ كُلّ بَنَانٍ [النفال: فِي قُلُوبِ اّلذِينَ َكفَرُوا ال ّرعْبَ فَاضْرِبُوا َفوْقَ ال ْ
.]12 -9
وبعد غزوة الحزاب :يَا أَيّهَا اّلذِينَ آ َمنُوا ا ْذ ُكرُوا نِ ْعمَةَ الِ عَ َل ْيكُمْ إِذْ جَاءَْت ُكمْ ُجنُودٌ
صيًا ِإذْ جَاءُوكُم مّن فَ ْو ِق ُكمْ وَمِنْ فَأَ ْرسَ ْلنَا عَ َليْ ِهمْ ِريًا َو ُجنُودًا ّلمْ َترَوْهَا َوكَانَ الُ ِبمَا تَ ْعمَلُونَ بَ ِ
ظنُونَا [الحزاب،9 : َأسْ َفلَ ِم ْن ُكمْ وَِإذْ زَاغَتِ البْصَارُ وََبلَ َغتِ الْقُلُوبُ الْ َحنَاجِرَ َوَت ُظنّونَ بِالِ ال ّ
.]10
ثانيًا :رحلت العتبار
والمقصد من رحلت العتبار هو الذهاب إلى الماكن التي
يتواجد فيها أهل البلء كالمستشفيات والملجئ ،ودور اليتام
وأصحاب الحتياجات الخاصة ،فهذه الرحلت لها دور كبير في
إدراك حجم النعم العظيمة التي أمدنا الله بها وأغرقنا فيها.
وحبذا لو اصطحبنا في هذه الرحلت أهلنا وأولدنا ليدركوا
معنا عظيم فضل الله.
ما لتعرف قيمة نعمة الحرية.
أخي ,زر السجن يو ً
زر أقسام الحروق والكسور وأصحاب الحالت الحرجة
138
الفصـــــل الرابـــع
139
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
1
() إحياء علوم الدين .5/6
140
الفصـــــل الرابـــع
141
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
1
() صحيح ،أخرجه الترمذي وغيره من حديث عمرو بن عبسة ،وصححه اللباني
في صحيح الجامع ح (.)1173
2
() رسالة المناجاة لحسن البنا.
142
الفصـــــل الرابـــع
143
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
والنتباه.
ومن فوائدها كذلك أنها تدفعه إلى العمل بما يقول حتى ل
يدخل في دائرة من يقول ول يفعل.
ومنها كذلك أنها من أفضل العمال التي يحبها الله عز
وجل ،ومن ث ََ
م فإنها تعرض صاحبها لنفحات المحبة اللهية.
عن أبي أمامة الباهلي أنه كان يقول :حببوا الله إلى
الناس يحببكم الله(.)1
وجاء في الثر أن الله عز وجل أوحى إلى داود عليه
السلم:
يا داود أحبني ،وأحب من يحبني ،وحببني إلى خلقي .قال:
يا رب ،هذا أحبك وأحب من يحبك ،فكيف أحببك إلى خلقك؟
قال :ذكرهم بآلئي فإنهم ل يذكرون مني إل خيرا(.)2
وعن كعب قال :أوحى الله عز وجل إلى موسى عليه
السلم :أتحب أن تحبك جنتي وملئكتي ،وما ذرأت من الجن
والنس؟ قال :نعم يا رب ،قال :حببني إلى خلقي ،قال :كيف
أحببك إلى خلقك؟ قال :ذكرهم آلئي ونعمائي ،فإنهم ل
يذكرون مني إل كل حسنة»(.)3
وكان أبو الدرداء يقول :إن أحب عباد الله إلى الله عز وجل
الذين يحبون الله ويحببون الله إلى الناس ،والذين يراعون
الشمس والقمر والظلة لذكر الله عز وجل(.)4
نموذج عملي:
وإذا أردت أخي القارئ تطبيقًا عمليًا لهذه الوسيلة
1
() المحبة لله سبحانه للجنيد.57 /
2
() المصدر السابق.63 /
3
() استنشاق نسيم النس.46 ،45 /
4
() المصدر السابق.75 /
144
الفصـــــل الرابـــع
145
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
الحسين فقال له :إن من وراء ابنك ثلث خلل :أما أولها
فشهادة أن ل إله إل الله ،وأما الثانية فشفاعة رسول الله ،
وأما الثالثة فرحمة الله عز وجل التي وسعت كل شيء(.)1
سا :اللحاح على الله بأن يرزقنا حبه
ساد ً
علينا أن نسأل الله عز وجل ونلح عليه بأن يرزقنا حبه ،مثل
ما كان يفعل رسول الله ،فمن دعائه قوله« :اللهم إن اسألك حبك،
وحب من أحبك ،وحب عمل يقربن إل حبك .اللهم اجعل حبك أحب إلّ من نفسي ومال
وأهلي ومن الاء البارد على الظمأ».
وقوله« :اللهم اجعل حبك أحب الشياء إلّ ،وخشيتك أخوف الشياء عندي ،واقطع عن
حاجات الدنيا بالشوق إل لقائك ،وإذا أقررت أعي أهل الدنيا من دنياهم فأقرر عين ف عبادتك».
واعلم أخي أن الله عز وجل ل يرد سائل عن بابه ،فلو رأى
منا صدقًا في طلب محبته لرزقنا إياها ،وفتح لنا باب النس به
والشوق إليه.
ونختم الحديث بأثر رواه الجنيد بإسناده عن صالح بن
مسمار قال :بلغنا أن الله عز وجل أرسل إلى سليمان بن
داود عليه السلم بعد موت أبيه داود ملكًا من الملئكة فقال
له الملك :إن ربي عز وجل أرسلني إليك لتسأله حاجة.
قال سليمان :فإني أسال ربي أن يجعل قلبي يحبه كما
كان قلب أبي داود يحبه ،وأسال الله أن يجعل قلبي يخشاه
كما كان قلب أبي داود يخشاه.
فقال الرب تبارك وتعالى« :أرسلت إل عبدي ليسألن حاجة فكانت حاجته
إ ّل أن أجعل قلبه يبن ،وأجعل قلبه يشان ،وعزت لكرمنه .فوهب له ملكًا ل ينبغي لحد من
بعده(.»)2
***
1
() المصدر السابق.
2
() المحبة لله سبحانه للجنيد خبر رقم (.)79
146
الفصـــــل الرابـــع
كلمة أخيرة
حول الطريق إلى محبة الله
147
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
الفهــــــــرس
الصفحة الموضوع
3 المقدمة..................................................
4 ولكننا نحب الله !.................................. .....
4 المعرفة طريق المحبة................................
5 المعرفة النافعة.........................................
تمهيد لبد منه
9 تكامل العبودية..........................................
10 سياج المحبة.......................................... ...
11 ضرورة التوازن.........................................
12 رحلة المحبة.............................................
12 كيف نفتح باب المحبة؟!..............................
الفصل الول
أهمية المحبة الصادقة من العبد لربه
15 الثمار الحلوة............................................
16 أولً :الرضا بالقضاء .....................................
18 ثانيًا :التلذذ بالعبادة وسرعة المبادرة إليها.........
18 ثالثًا :الشوق إلى الله..................................
20 رابعًا :التضحية من أجله والجهاد في سبيله........
21 سا :الرجاء والطمع فيما عند الله............... خام ً
22 سا :الحياء من الله................................ ساد ً
22 سابعًا :الشفقة على الخلق...........................
23 ثامنًا :الغيرة لله................................... ......
24 تاسعًا :الغنى بالله......................................
الفصل الثاني
لماذا يحب الله عباده؟
29 النفخة العلوية...........................................
148
الفهــــــــــرس
الصفحة الموضوع
30 تكريم النسان.......................................... .
30 سا؟!.................................... ......
أليست نف ً
31 تقرب الملئكة إلى الله بالدعاء للبشر.............
32 مباهاته بعباده...........................................
33 ضحكه سبحانه..........................................
34 قدر المؤمن عند الله..................................
34 يكره سبحانه مساءة عبده المؤمن.................
35 فرحه – سبحانه – بتوبة العاصين...................
35 مراده أن تدخل الجنة..................................
37 أحب العباد إلى الله....................................
38 أشد ما يغضبه...........................................
39 المرحلة الخيرة........................................
40 أهل المظالم............................................
الفصل الثالث
مظاهر حب الله تعالى لعباده
45 تمهيد.............................................. ........
45 جوانب المعرفة.........................................
46 أول :سبق فضله عليك قبل أن توجد................
46 سبق الفضل في التكريم.........................
47 المشهد العظيم.....................................
47 سبق فضل الزمان.................................
48 تيسر الحياة......................................... .
49 سبق فضل المكان.................................
49 الوالدان..............................................
50 اللسان العربي......................................
50 سبق الفضل في العافية..........................
51 كلمة ل بد منها......................................
52 ثانيًا :هدايته وعصمته ودوام عافيته................. .
53 هدايته لك................................................
149
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
الصفحة الموضوع
54 العصمة.................................... ...............
56 ثالثًا :قيامه على شئونك...............................
56 ل حول ول قوة إل بالله................................
60 رابعًا :تسخير الكون لك...............................
60 أنت القائد.......................................... ..
61 أيها المدلل..........................................
62 تخيل ثم تخيل.......................................
62 سل نفسك..........................................
64 سا :كرمه البالغ ،وهداياه المتنوعة إليك....... خام ً
65 من المير؟ ...........................................
65 كريم في عطاياه...................................
66 الهدايا المتنوعة.....................................
67 يرضى بالحمد شكًرا...............................
67 رب شكور...........................................
69 كرم عجيب..........................................
70 سا :رحمته ورأفته بك ،وشفقته وحنانه عليك. ساد ً
71 ل وجه للمقارنة.....................................
72 ولماذا البتلء؟!.....................................
74 من فوائد البتلء....................................
76 الشفقة اللهية......................................
77 البتلء بالذنب والحرمان من الطاعة...........
78 الرحمة الواسعة....................................
79 رب رءوف...........................................
81 رفع الحرج...........................................
82 ل تنس أنك عبد.....................................
82 شريعته كلها رحمة.................................
83 تقليل العمال في أعيننا..........................
83 الرحمة المدََخرة....................................
85 سابعًا :تيسير طريقك إلى التوبة والرجوع إليه....
150
الفهــــــــــرس
الصفحة الموضوع
87 ل يحوجنا إلى المشي الكثير......................
87 بابه مفتوح للجميع..................................
89 أقبل ول تخف.......................................
91 يعلمنا ما نقوله لنتوب.............................
92 عدم الستقصاء.....................................
93 يسهل علينا طريق التوبة.........................
95 لننتهز الفرصة.......................................
96 ثامنًا :حلمه وصبره وستره لك.......................
96 كان معنا.............................................
99 غضبة الكون.........................................
100 الخليل يرى الملكوت..............................
101 الستير................................................
103 تاسعًا :خطابه الودود الذي يخاطبك به.............
104 من أنت؟.................................... .........
105 خطاب يطمئن مستمعه...........................
105 ولنبدأ بصيغة النداء.................................
106 خطاب يقول لك :أقبل ول تخف.................
107 خطاب يستثير الهمم..............................
107 النصائح الغالية......................................
109 التوجيه غير المباشر...............................
109 مراعاة النفسية البشرية..........................
110 ما بال أقوام؟!......................................
111 لماذا العقاب؟.......................................
113 مواساته للمبتلين...................................
113 وفي النهاية..........................................
115 عاشًرا :ترغيبك وترهيبك..............................
115 التربية الربانية......................................
116 هل قامت القيامة؟!...............................
119 اللص والسجن......................................
151
كيف نحب الله ونشتاق إليه؟
الصفحة الموضوع
120 شمول الترغيب والترهيب........................
121 الناس جميعًا....................................... ..
121 الترهيب والترغيب في قصص السابقين.......
122 الرسائل اللهية.....................................
122 المستقبل والترغيب والترهيب...................
123 الترغيب والترهيب في أفعال العباد.............
الفصل الرابع
الوسائل العملية لتمكين حب الله في القلب
129 أمران لبد منهما........................................
129 وسائل التذكير بمعارف المحبة......................
129 أول :القرآن ودوره في إنشاء اليمان والتذكير
بمعارف المحبة.........................................
133 ثانيًا :التفكر في الكون وأحداث الحياة.............
134 ل بديل عن التفكر......................................
135 تفكر يقود إلى المحبة.................................
138 العمال الصالحة المقترح القيام بها................
139 أول :ذكر النعم..........................................
140 العبادة المهجورة.......................................
141 كيفية ذكر النعم.........................................
142 القرآن يعلمنا............................................
142 ثانيًا :رحلت العتبار....................................
143 ثالثًا :كثرة الحمد..................................... ...
144 رابعًا :مناجاة الله بالنعم...............................
145 من صور المناجاة......................................
146 أفضل أوقات المناجاة ................................
147 سجود الشكر .................................... .......
147 سا :تحبيب الناس في الله عز وجل............ خام ً
150 سا :اللحاح على الله بأن يرزقنا حبه.......... ساد ً
151 كلمة أخيرة حول الطريق إلى محبة الله...........
152
الفهــــــــــرس
الصفحة الموضوع
153 الفهرس..................................................
***
153