You are on page 1of 450

‫واقعنا المعاصر‬

‫ممد قطب‬
‫مقدمة الطبعة الول‬
‫يتاز العال السلمي اليوم مرحلة من أسوأ مراحله‪ ...‬يكن أن نطلق عليها مرحلة التيه‬

‫ولقد مرت بالعال السلمي أزمات كثية من قبل‪ ,‬بل نكبات كثية‪ ,‬كان السلمون يفقدون فيها‬
‫تكنهم ف الرض‪ ,‬أو يفقدون أمنهم وطمأنينتهم‪ ,‬أو يفقدون ديارهم وأموالم‪ ...‬ولكنهم مع ذلك ل‬
‫يوضوا تربة أقسى ول أمر من تربتهم العاصرة ف تاريهم كله‪.‬‬

‫لقد كانت أزمة الردة ‪-‬مثلً‪ -‬أزمة حادة ول شك‪ ,‬توشك أن تدد الدولة الناشئة وتعوّق حركتها‬
‫وهي ف مهدها‪ .‬ولكن الناظر إل السنن الربانية ل يكن ليخاله الشك ف أن النصر سيكون للدولة‬
‫السلمة‪ ,‬وليس للمرتدين هنا أو هناك ف أرجاء الزيرة العربية‪ .‬فقد كان إيان السلمي بالق الذي‬
‫اعتنقوه‪ ,‬وعمق صلتهم بربم‪ ,‬وإخلصهم لدينه‪ ,‬أضعاف إيان الرتدين بباطلهم الزيف الذي يقاتلون‬
‫من ورائه‪ ,‬مع خلو موقفهم من أية قيم حقيقية إل الوي والشهوات! وما كان من جزع الصحابة‬
‫رضوان ال عليهم‪ ,‬ومشورتم علي أب بكر ‪ t‬بالتريث ف قتالم‪ ,‬فلم يكن ذلك لشك ف نفوسهم أن‬
‫ال سينصر دينه‪ ,‬إنا كانت مشورتم من أجل إتاحة الفرصة لتجميع اليش الكاف للمعركة‪ .‬ولكن إيان‬
‫أب بكر ‪ t‬الراسخ‪ ,‬وثقته العميقة بوعر ال بالتمكي لذا الدين ف الرض‪ ,‬وحساسيته الرهفة أن يترك‬
‫الارجي علي أمر ال دون أن يسارع ف توقيع العقوبة الت أمر ال بإنزالا بم‪ ..‬كل ذلك قد فعل فعله‬
‫ف نفوس الصحابة رضوان ال عليهم‪ ,‬فوقفوا صفا واحدا وراء أب بكر ‪ ...t‬ونصر ال دينه كما وعد‪.‬‬

‫ولقد كانت فتنة مقتل عثمان ‪ ,t‬وما تلها من الروب بي علي‪ ,‬ومعاوية‪ ,‬أزمة حادة ابتلي با‬
‫السلمون والدولة ما تزال لفي نشأتا‪ ,‬وعداوات الرض قائمة من حولا‪ .‬ولكن الناظر إل مريات‬
‫المور يومئذ ل يكن ليشك ف ناية الزمة‪ .‬فقد كان اللف ‪-‬علي كل عمقه‪ ,‬وكل ما أثاره من فرقة‬
‫ف صفوف السلمي‪ -‬خلف علي من يتول المر ليمكن للسلم ف الرض‪ ,‬وليس خلفا علي‬
‫السلم ذاته‪ ,‬هل يكون هو قاعدة الياة للمسلمي أم يكون شيء آخر خلفه! ول تكن هناك ف الوقت‬
‫ذاته قوة خارجية تلك شيئا من الق‪ ,‬أو هي أكثر إيانا بنهجها الذي تعيش به‪ ,‬من إيان الؤمني بالق‬
‫الذي اعتنقوه وأقاموا حياتم علي أساسه‪ .‬وتلك حسب السنن الربانية هي القومات الساسية الت‬
‫يتقرر با النصر من عند ال أو الزية‪ ,‬قبل العدد والعدة وخطط الرب‪ ,‬وإن كانت هذه كلها عواملها‬
‫لا حسابا ف اليزان الخي‪ ,‬لنا من (السباب) الت أمر ال باتاذها‪ ,‬وجعلها جزءا من سنته الارية‪.‬‬
‫ولكن السباب الادية وحدها ليست هي الت تسم المر‪ ,‬ول هي الت تقرر الصي‪.‬‬

‫كذلك كانت أزمة الروب الصليبية وحروب التتار أزمة حادة ف حياة السلمي‪ .‬وبدا ‪-‬لفترة من‬
‫الوقت‪ -‬أنا يكن أن تطيح بالكيان السلمي كله وتتث السلمي من الرض‪ .‬ولكن النتيجة الواقعية‬
‫كانت غي ذلك‪ ,‬وجاء النصر من عند ال ف النهاية‪ .‬وكانت الزية ف البدء‪ ,‬والنصر ف النهاية كلها‬
‫مطابقا للسنة الربانية الت ل ييد عنها شيء ف الوجود كله‪ .‬فقد كان واقع السلمي سيئا‪ ,‬مليئا‬
‫بالعاصي والبدع والنرافات والشتات والفرقة‪ ,‬والنشغال بذلك كله عن نصرة دين ال والتمكي له ف‬
‫الرض‪ .‬ولذلك اجتاحت جيوش العداء أرض السلمي‪ ,‬وأزالت سلطانم إل حي‪ .‬ولكن جذوة‬
‫العقيدة كانت ما تزال حية ف النفوس‪ ,‬وإن غشيتها غاشية من التواكل والسلبية أو النشغال بشهوات‬
‫الرض‪ .‬فما إن جاء القادة الذين يردون الناس إل الادة بدعوتم للرجوع إل حقيقة السلم‪ ,‬حت‬
‫صحت الذوة واشتعلت‪ ....‬فجاء علي أثرها النصر‪ .‬فحي قام صلح الدين يقول للناس‪ :‬لقد هُزمتم‬
‫لبعدكم عن طريق ال‪ ,‬ولن تُنصروا حت تعودوا إل الطريق‪ ...‬وحي قام ابن تيمية يدعو لتصحيح‬
‫العقيدة ما طرأ عليها من غبش التكلمي وضللتم‪ ...‬وحي صاح قطز صيحته الشهية‪ :‬واإسلماه!‪...‬‬
‫وتبعتهم جاهي المة السلمة فصدقت ال ف عقيدتا وسلوكها‪ ,‬وجاء النصر‪ ,‬وتغلب السلمون علي‬
‫أضعافهم من الشركي والكفار‪.‬‬

‫وجاءت نكبة الندلس عقابا ربانيا للمسلمي علي تفرقهم وتشتتهم وحرب بعضهم لبعض‪ ,‬وتعاونم‬
‫مع أعدائهم من الصليبي ضد بعضهم البعض‪ ,‬واتاذ أولئك العداء بطانة من دون الؤمني ‪-‬مالفة لمر‬
‫ال ‪-‬وهم ل يألونم خبال‪ ...‬بالضافة إل الفتنة بشهوات الرض‪ ,‬الباح منها وغي الباح‪...‬‬

‫ول تعد الندلس إل السلم‪ ...‬ولكن طاقة المة السلمية ف مموعها ل تكن قد استنفدت‪...‬‬
‫ففي ذات الوقت الذي انسر فيه ظل السلم عن الندلس كانت هناك دولة فتية ف سبيلها إل التمكن‬
‫ف الرض‪ ,‬واستطاعت أن تفظ كيان السلمي أربعة قرون كاملة‪ .‬وامتدت ف داخل العال الصليب‬
‫حت فيينا‪ ,‬وبطر سبج‪ ,‬ودخل ف السلم علي يديها مليي من البشر ف أوروبا‪ ,‬وآسيا‪.‬‬

‫ولكن الزمة الت يعانيها السلمون اليوم هي أقسى من سابقاتا وأمرّ‪.‬‬

‫وما يالن شك ف أنا هي الخرى ستمر‪ ,‬ويكن ال لدينه مرة أخري ف الرض‪.‬‬

‫ولكن علينا أن نعرف الطبيعة الاصة لذه الزمة‪ ,‬لنعلم ل طالت عن كل سابقتها؟ ولنعلم من جهة‬
‫أخرى كيف يكون الخرج منها حيي يأذن ال‪ ,‬فنتخذ السباب الؤدية بإذن ال إل النجاة‪.‬‬

‫حي وقعت الروب الصليبية الول الت استغرقت حوال مائت عام (‪1291-1096‬م) والت وقعت ف‬
‫أثنائها وبعدها كذلك غارات التتار‪ ,‬كان السلمون قد شغلوا عن السلم الصحيح ببدع وخرافات‬
‫ومعاص‪ ,‬وتواكل وتقاعس وقعود عن الخذ بالسباب‪ ,‬ولكن السلم ذاته ل يكن ف نفوسهم موضع‬
‫نقاش‪ ,‬ل بوصفه عقيدة ول بوصفه نظام الكم ونظام الياة‪ .‬وحت حي هُزموا أمام الصليبيي‪ ,‬و أمام‬
‫التتار فلم يكن صدي الزية ف نفوسهم هو الشك ف السلم ذاته عقيدةً أو نظام حياة‪ ,‬ول يكن هو‬
‫التطلع إل ما عند أعدائهم من عقائد أو أفكار أو مشاعر أو نظم أو أناط سلوك‪ ,‬أو الظن ‪-‬للحظة‬
‫واحدة‪ -‬أن أعداءهم يلكون شيئا من (الق) تقوم لياتم عليه‪ ,‬أو أن هناك شيئا ‪-‬غي السلم‪ -‬يكن‬
‫أن يكون هو الق ف العقيدة وف نظام الياة سواء‪ .‬ول تكن قضية الكم با أنزل ال موضع شك منهم‬
‫ول موضع نقاش‪ ,‬لنا كانت جزءا ل يتجزأ من إسلمهم‪ ,‬بل كانت ف حسهم ‪-‬كما ف القيقة‪-‬‬
‫القتضي الباشر لكونم مسلمي‪.‬‬

‫لذلك ل يهنوا ‪-‬حت وهم مهزومون أمام أعدائهم فترة غي قصية‪ -‬ول يشعروا أنم أدن من‬
‫أعدائهم‪ ,‬بل يتمثل فيهم قوله تعال‪{ :‬وَل َت ِهنُوا وَل تَحْ َزنُوا َوأَْنتُ ْم الَعَْل ْونَ ِإنْ ُكْنتُ ْم ُم ْؤمِنِيَ} [سورة آل‬
‫عمران ‪.]3/139‬‬

‫وكانوا مؤمني!‪.‬‬

‫بل كانوا يشعرون ‪-‬حت وهم مهزومون‪ -‬بازدراء شديد لعدائهم‪ ,‬لن عقيدتم وتصوراتم ل تتفق‬
‫مع العقيدة الصحيحة والتصور الق‪ ,‬ولن أخلقهم وأناط سلوكهم ل تتفق مع أخلق السلم وأناط‬
‫سلوكه‪ .‬كان التتار ‪-‬ف حسهم‪ -‬هجا ل دين لم ول حضارة‪ ,‬وكان الصليبيون هم الشركي عباد‬
‫الصليب‪ ,‬وكانوا فوق ذلك منحلي الخلق‪ ,‬ل غية علي عرض ول حفاظ‪.‬‬

‫أما ف الروب الصليبية الخية‪ ,‬فقد كان الوقف فقد تغي كثيا عن ذي قبل‪.‬‬

‫كان السلمون قد انرفوا انرافا شديدا عن حقيقة السلم‪ ,‬ل ف السلوك وحده ولكن ف التصور‬
‫كذلك‪.‬‬

‫مفهوم ل إله إل ال ‪-‬أساس السلم كله وأكب أركانه‪ -‬كان قد تول إل كلمة تقال باللسان‪ ,‬ل‬
‫علقة ل بالواقع‪ ,‬ول مقتضى لا ف حياة السلمي أكثر من أن ينطقوا با بضع مرات ف كل نارّ فضلً‬
‫عما أحاط بالعقيدة من خرافات‪ ,‬وعبادة للضرحة والولياء والشايخ‪ ,‬بدل من العبادة الصافية الالصة‬
‫ل دون وسيط‪.‬‬

‫مفهوم العبادة ‪-‬الشامل الواسع‪ -‬كان قد انصر ف شعائر التعبد‪ ,‬من أداها فقد أدي كل ما عليه من‬
‫العبادة‪ ,‬ول يعد مطالبا بشيء من التكاليف أمام ال! فضلً عما أصاب الشعائر التعبدية ذاتا من عزلة‬
‫كاملة عن واقع الياة‪ ,‬كأنا شيء ليس له مقتضى ف الياة الدنيا ول تأثي!‪.‬‬

‫مفهوم القضاء والقدر ‪-‬الذي كان ف صورته الصحيحة قوة دافعة رافعة‪ -‬قصار ف صورته السلبية قوة‬
‫مذلة مثبطة عن العمل والنشاط والركة والخذ بالسباب! فضلً عما صاحب ذلك من استخدام‬
‫القوي الففية من السحر والن‪....‬إل‪ ,‬جريا وراء سنة ال الارقة بد ًل من التعامل مع السنة الارية‬
‫الت أمر السلمون بالتعامل معها‪ ,‬واتاذ السباب الؤدية إل جريانا ف لصالهم إذا توكلوا علي ال‬
‫حقق التوكل‪ ,‬كقوله تعال‪ِ{ :‬إنْ تَنصُرُوا اللّ َه يَنصُرْكُ ْم َوُيثَّبتْ أَقْدَامَكُمْ (‪[ })7‬سورة ممد ‪ ,]47/7‬وقول‬
‫الرسول ‪" :e‬تداووا عباد ال فإن ال ل يضع داء إل وضع له دواء" (‪ ....)1‬إل‪ ...‬إل‪...‬‬

‫مفهوم الدنيا والخرة ‪-‬الذي يربط الدنيا بالخرة‪ ,‬ويعل الدنيا مزرعة الخرة‪ -‬تول إل فصل كامل‬
‫بي الدنيا والخرة‪ ,‬يعلهما موضع التقابل الكامل وموضع التضاد‪ ,‬فمن أراد الدنيا ترك الخرة‪ ,‬ومن‬
‫أراد الخرة ترك الدنيا‪ ,‬واكتفي فيها بالكفاف‪.‬‬

‫وأما عمارة الرض فقد أهلت حي أهلت الدنيا من أجل الخرة‪ ,‬فخيم علي الناس الفقر والهل‬
‫والرض والتخلف الضاري والادي والعلمي والعقلي‪ ....‬وزاد علي ذلك كله أنه ‪-‬ف حسهم‪ -‬قدر‬
‫مقدور من عند ال‪ ,‬ل حيلة لم فيه إل الرضاء والتسليم(‪.) 2‬‬

‫وفضلً عن ذلك كله فقد خلت حياة الناس من الروح‪ ,‬وأصبحت الياة كلها تقاليد موروثة يافظ‬
‫عليها من أجل أنا تقاليد‪ ,‬ل من أجل أنا جزء من منهج حي يكم الياة‪ .‬فالعبادة تقاليد‪ ,‬والسلوك‬
‫تقاليد‪ ,‬وحجاب الرأة تقاليد‪ ,‬وقضية العرض تقاليد‪ ...‬أكثر ما هي عبادة واعية ل‪ ,‬أو منهج مترابط‬
‫يكم الياة‪.‬‬

‫وحي جاءت الروب الصليبية الديدة والسلمون علي هذا الوضع‪ ,‬كان الحتمال الكب أن ينهاروا‪,‬‬

‫() أخرجه البخاري ف الدب الفرد‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫() تدثت عن هذه الفاهيم ف كتاب مستقل بعنوان‪$ :‬مفاهيم ينبغي ان تصحح‪.#‬‬
‫‪2‬‬
‫ويسلموا أنفسهم للضياع‪.‬‬
‫‪m m m‬‬
‫يفظ التاريخ للمسلمي كثيا من أدوار البطولة ف جهاد الصليبي الذين أغاروا علي بلد السلم‬
‫ما بي القرن السابع عشر اليلدي إل القرن التاسع عشر‪ ,‬سواء ف الشمال الفريقي‪ ,‬أو وسط أفريقيا‪,‬‬
‫أو ف وادي النيل (مصر والسودان) أو ف الند‪ ,‬والليو‪ ,‬وأندونيسيا‪ ,‬والفلبي‪ ,‬أو ف وسط آسيا الذي‬
‫اغتاله روسيا القيصرية الصليبية‪.‬‬

‫ولكنها كانت بطولت النهزم التقهقر‪ ,‬بضرب آخر ضرباته قبل الستسلم‪.‬‬

‫كانت العقيدة قد تواترت وراء الركام‪ ,‬فكان حقا علي الناس أن ينتهوا إل الزية والستسلم‪.‬‬
‫‪m m m‬‬
‫ويقال كلم كثي عن الضارة الوربية الفارهة الت التقي با السلمون ف نلفهم الضاري الذي‬
‫كانوا عليه‪ ,‬فأدي بم ذلك اللقاء إل الزية الروحية‪ ,‬والنبهار با عند الغرب من أفكار ونظم وانفلت‬
‫من الدين والخلق والتقاليد‪....‬‬

‫وما يقال عن الفاروق الضاري صحيح ف ذاته‪ ...‬أما الظن بأنه هو السبب ف الزية الروحية‪,‬‬
‫والنيار الذي أصاب السلمي تاه الغرب‪ ,‬ففضلً عن كونه مانبا للحقيقة‪ ,‬فهو مضلل لنا أشد‬
‫التضليل‪ ,‬لنه يغطي علي السباب القيقية للهزية‪ ,‬كما يغطي كذلك علي الوسائل القيقية للعلج‪.‬‬

‫لقد كان السلمون ف نشأتم الول ف طور من البداوة ل يلكون شيئا ما يلكه التحضرون من‬
‫حولم من أسباب الضارة الادية أو من العلوم‪ .‬وكان لزاما عليهم إذا أرادوا الضارة الادية والعلم أن‬
‫يأخذوا أسبابما من الدولتي "العريقتي" عن يي وشال فارس والروم‪.‬‬

‫وقد صنعوا ذلك بالفعل‪ ...‬ولكنهم ل ينوا رءوسهم أبدا‪ ,‬ول يشعروا بالنبهار‪ .‬كانوا هم العلي‪,‬‬
‫لنم كانوا هم الؤمني‪.‬‬

‫كانوا ف حاجة شديدة لتعلم علوم الكفار والوثنيي من حلوهم‪ ,‬ولكن هذه الاجة الشديدة ل‬
‫تشعرهم بالصغار تاههم‪ ,‬ول بأنم دونم‪ ,‬بل كانوا يعرفون ‪-‬ويشعرون‪ -‬أن العزة لم‪ ,‬لن العزة ل‬
‫ولرسوله وللمؤمني‪ ,‬وليس للكفار والوثنيي شيء من العزة ولو ملكوا كل علوم الرض‪ ,‬وكل خزائن‬
‫الرض!‪.‬‬

‫وحي أخذوا من حولم فقد كان سلوكهم الستعلي باليان واضحا ف طريقة الخذ‪ ,‬وكان أوضح‬
‫ما يكون ف خصلتي رئيسيتي‪:‬‬

‫الول‪ :‬أن أرواحهم ل تزم قط أمام أعدائهم تت ضغط الاجة إل الخذ منهم‪.‬‬

‫والثانية‪ :‬أنم ل ينقلوا كل شيء وجدوه عند أعدائهم‪ ,‬بل كانوا ينقلون علي بصية‪ ,‬فينقلون فقط ما‬
‫يظنون أنم ف حاجة إليه‪ ,‬ما ل يتعارض مع عقيدتم وإسلمهم‪ ,‬ويعرضون عن كل ما يرونه غي نافع‬
‫لم‪ ,‬أو يرونم مالفا لعقيدتم وتصوراتم‪ ,‬وأوضح مثال علي ذلك أنم نقلوا علوم الغريق‪ ,‬ول ينقلوا‬
‫ما كان مشهورا عندهم من الساطي‪,‬لنم رأوا فيها أمور الاهلية الوثنية الغارق ف الضلل‪ ,‬ل يستحق‬
‫أن يلتفت إليه‪ ,‬بل يستحق الزراية والهال‪.‬‬

‫أما ف حركة النقل الخي فقد كان المر جد متلف!!‪.‬‬

‫وليس الختلف ناشئا من حجم الفارق الضاري بي الخذين والعطي‪ ,‬كما يبدو للنظرة‬
‫السطحية للوهلة الول‪ ,‬إنا هو ناشئ بصفة أساسية من اختلف "الوقف" ما بي حركة الخذ الول‬
‫وحركة الخذ الثانية‪.‬‬

‫ف الول كان السلمون هم العلي وإن كانوا آخذي‪ ,‬لن الستعلء باليان هو الذي يكيف‬
‫حياتم ويد موقفهم‪.‬‬

‫وف الثانية كانت العقيدة قد تلفت وتوارث تت الركام‪ ,‬فل عزة ول استعلء‪ ,‬إنا هي الزية‬
‫والنبهار‪ .‬والنقل ‪-‬بل بصية‪ -‬لكل ما هو موجود ف الغرب‪ ,‬بغي تييز بي ما ينفع وما يضر‪ ,‬ول بي‬
‫ما يتفق مع السلم وما يتعارض معه‪ ,‬لن السلم ل يعد مور ارتكاز "السلم العاصر! " ول يعد له‬
‫كيانه التميز‪ ,‬الستمد من العقيدة الصحيحة‪ ,‬ومن تطبيق منهج ال‪.‬‬
‫‪m m m‬‬
‫واليوم يدور الزمن دورته‪ ,‬ويبدأ الوجه الكال للقرون الخية ف حياة السلمي ينحسر‪ ,‬ويبزغ فجر‬
‫جديد للسلم ف ربوع السلم‪ .‬بدأ الناس ‪-‬والشباب الثقف خاصة‪ -‬يعودون إل السلم‪ ,‬يريدونه‬
‫رائقا صافيا كما نزل أول مرة بل غبش ول ركام‪.‬‬
‫وف كل مكان ف الرض الت حكمها السلم ذات يوم حركات بعث إسلمي‪ ,‬ودعاة يدعون إل‬
‫السلم‪ ,‬وشباب يتطلعون إل اليوم الذي يدون فيه السلم مطبقا بالفعل‪ ,‬واليوم الذي يعود فيه‬
‫السلون إل الستخلف والتمكي ف الرض ‪-‬ف صورتم السلمية القيقية التميزة‪ -‬تقيقا لوعد ال‬
‫ف الّذِي َن مِنْ َقبِْلهِمْ‬
‫خلَ َ‬
‫خِلفَّنهُم فِي الَ ْرضِ َكمَا اسْتَ ْ‬
‫ستَ ْ‬
‫{ َوعَدَ اللّ ُه الّذِينَ آمَنُوا ِمْنكُ ْم َوعَمِلُوا الصّالِحَاتِ َليَ ْ‬
‫وََليُ َم ّكنَنّ َلهُمْ دِيَنهُ ْم الّذِي ا ْرتَضَى َلهُ ْم وََليُبَدَّلّنهُ ْم مِ ْن َبعْدِ َخوِْفهِمْ َأمْنا َيعْبُدُوَننِي ل يُشْرِكُونَ بِي} [سورة‬
‫النــور ‪.]24/55‬‬

‫وف الطريق عقبات كثية تعوّق السية ولكنها ل تنع السي‪.‬‬

‫فهناك من ناحية جهل الناس بقيقة السلم‪ ,‬وبعدهم الشديد عن هذه القيقة سواء ف التصور أو‬
‫السلوك‪.‬‬

‫وهناك من ناحية الغزو الفكري يزين للناس ‪-‬والشباب خاصة‪ -‬النسلخ من السلم جلة واتباع‬
‫الغرب بشرطيه الشرقي أو الغرب‪ ,‬ويزين لم النفلت من كل قيد من قيود الخلق‪.‬‬

‫وذلك فضلً عن العداوات الرصودة للسلم‪ ,‬تبطش بالدعاة ف كل الرض‪ ,‬وتضع ف طريق الدعوة‬
‫ما وسعها من العراقيل‪.‬‬

‫ولكن هناك إل جانب ذلك مبشرات‪....‬‬

‫والبشرات ف حسيّ أكب من العوقات‪....‬‬

‫فالصحوة السلمية القائمة اليوم ف كل مكان ف العال السلمي‪ ,‬حدث تاريي له دللته‪ ...‬فهي‬
‫تيء ‪-‬من جهة‪ -‬بعد الهد الاهد الذي بذلته الصليبية الصهيونية علي مدي ما يقرب من قرني من‬
‫الزمان لزحزحة المة السلمية عن إسلمها وسخها منه‪ ...‬وتيء ‪-‬من جهة أخري‪ -‬والبشرية ف أحد‬
‫منعطفاتا التاريية‪ ,‬وقد بدأت تيأس من حضارتا الادية الافية‪ ,‬وبدأت تتطلع إل ملّّص جديد‪...‬‬

‫ولن يُخْرجَ السلمي من أزمتهم‪ ,‬ويرفع عنهم إصرهم والغلل الت صارت عليهم‪ ,‬ويردهم إل‬
‫عزتم‪ ,‬إل العودة الصحيحة الصادقة إل الدين الذي أنم ال به عليهم وحباهم إياه‪.‬‬

‫ولن يلّص البشرية من أزمتها‪ ,‬ويل لا ما عقدته من مشكلتا ف جاهليتها العاصرة‪ ,‬إل النهج‬
‫الربان‪ ,‬الذي أنزله ال ليقوم الناس بالقسط‬
‫س بِاْلقِسْطِ} [سورة الديد‬
‫ت َوَأنْزَْلنَا َمعَهُ ْم اْل ِكتَابَ وَالْمِيزَانَ ِلَيقُومَ النّا ُ‬
‫{َلقَدْ أَ ْرسَ ْلنَا ُرسَُلنَا بِاْلَبيّنَا ِ‬
‫‪.]57/25‬‬

‫ولكن المر لن يكون نزهة سهلة ف طريق معبّد مفروش بالورود‪.....‬‬

‫إنا هي رحلة شاقة ف طريق ملوء بالشواك والدموع والدماء والعذاب‪ ..‬يوضها الؤمنون بذا الدين‬
‫مع كل العداوات الحيطة بالسلم‪ ,‬وكل العقبات الرصودة ف الطريق‪ ...‬حت يتم التمكي للسلم من‬
‫جديد‪ ,‬وتزول الغربة الثانية الت أخب عنها رسول ال ‪" :e‬بدأ السلم غريبا‪ ,‬وسيعود غريبا كما بدأ‬
‫فطوب للغرباء" (‪ .)1‬وف رواية الترمذي‪" :‬فطوب للغرباء‪ ,‬يصحلون ما أفسد الناس من سنت"‪.‬‬

‫وف هذا الكتاب ماولة لتشخيص ما أصاب المة السلمية منذ كانت ف موقع الذروة علي عهد‬
‫رسول ال ‪ e‬إل أن أصبحت ذلك الغثاء الذي أخب عنه رسول ال ‪" :e‬يوشك أن تداعي عليكم المم‬
‫كما تداعي الكلة إل قصعتها‪ .‬قالوا‪ :‬أمن قلة نن يومئذ يا رسول ال؟ قال‪ :‬بل أنتم يومئذ كثي‪,‬‬
‫ولكنكم غثاء السيل" (‪ .)2‬وماولة لدراسة الواقع العاصر لذه المة بعد أن أصابا ما أصابا ف مسيتا‬
‫الطويلة خلل القرون‪ ....‬ث ماولة لدراسة الصحوة السلمية وما تمله من دللة تاريية‪ ,‬وماذا‬
‫أنزت‪ ,‬وماذا ينبغي أن ينجز حت أزمتها الالية‪ ,‬وتصل بإذن ال إل التمكي الذي وعد ال به الؤمني‪.‬‬

‫وقد أردت بحاولت تلك الرد علي تساؤلت الشباب التطلع إل تقيق السلم ف عال الواقع‪ :‬لاذا‬
‫طالت السية؟ لاذا تأخر التمكي؟ ما منهج الدعوة؟ ما الطريق الصحيح؟‪....‬‬

‫ح مَا اسْتَ َط ْعتُ َومَا َتوْفِيقِي إِلّ بِاللّهِ} [سورة هود ‪.]11/88‬‬
‫{ِإنْ أُرِيدُ إِ ّل الِصْل َ‬

‫فما كان ف هذه الحاولة من التوفيق فهو من ال‪ ,‬وما كان فيها من القصور فبحسب أنن بذلت فيها‬
‫ما وسعن من الهد‪ ,‬وعلي ال قصد السبيل‪.‬‬

‫أدعو ال أن يوفق العاملي ف القل السلمي إل الرؤية الصحيحة‪ ,‬والعمل الاد لتحقيق المانة الت‬
‫ناطها ال بالؤمني‪.‬‬

‫() أخرجه مسلم‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫() أخرجه أحد‪ ,‬وأبو داود بسند صحيح‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫ممد قطب‬

‫‪m m m‬‬

‫نظرة إل اليل الفريد‬

‫ذلك اليل الذي قال عنه رسول ال ‪" :e‬خيكم قرن" (‪.)1‬‬

‫س َت ْأمُرُونَ‬
‫والذي استحق استحقاقا كاملً وصف ال سبحانه‪ُ { :‬كنْتُمْ َخيْرَ ُأ ّمةٍ أُ ْخرِ َجتْ لِلنّا ِ‬
‫بِالْ َمعْرُوفِ َوتَْن َهوْ َن عَ ْن الْمُنكَرِ َوتُ ْؤ ِمنُو َن بِاللّهِ} [سورة آل ‪.]3/110‬‬

‫إنه اليل الذي فيه اللقاء بي الثال والواقع‪ ,‬فترجم مثاليات السلم إل واقع‪ ,‬وارتفع بالواقع البشري‬
‫إل درجة الثال‪.‬‬

‫والثالية الواقعية‪ ,‬أو الواقعية الثالية من أبرز خصائص هذا الدين‪.‬‬

‫فل هو يضع ُمُثلً روحانية عسية التطبيق‪ ,‬تمل ضرورات النسان وواقعه الادي‪ ,‬وتشد الناس إل‬
‫أعل شدا بل هوادة فتعلقهم ف الفضاء‪ ,‬كما تصنع الندوكية والبوذية والرهبانية‪ ,‬ول هو إذ يلتفت إل‬
‫مطالب السد وعال الادة يبس النسان ف نطاق ضروراته‪ ,‬ويقعد به عن التحليق ف الفاق العليا الت‬
‫يتحقق فيها الثال‪ ,‬بل يأخذ بذه وتلك ف آن واحد علي توازن واتساق‪ ,‬ومن ث تلتقي فيه الثالية الت ل‬
‫تمل الواقع‪ ,‬بالواقعية الت ل تمل الثال‪ ,‬ويكون من نتائجها ‪-‬ف أعل حالتا‪ -‬ذلك اليل التفرد ف‬
‫التاريخ‪.‬‬

‫() أخرجه الشيخان‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫ونن ف حاجة ملحة لن نتعرف علي هذا اليل‪ ,‬لنعرف مكان السوة لنا ف واقعنا العاصر‪,‬‬
‫ولنقيس علي ضوئه مدي قربنا أو بعدنا عن حقيقة السلم‪.‬‬

‫ونريد ‪-‬قبل أن نرسم السمات الفريدة لذلك اليل التفرد‪ -‬أن نتعرف علي العوامل الت أثرت فيه‪,‬‬
‫فرفعته إل القمم السامقة الت وعاها التاريخ‪.‬‬

‫لقد كان العرب شتيتا متناثرا ل يتجمع علي شيء‪ ,‬رغم وجود مقومات التجمع الرضية كلها من‬
‫وحدة الرض‪ ,‬ووحدة الرض‪ ,‬ووحدة اللغة‪ ,‬ووحدة الثقافة‪ ,‬ووحدة التاريخ‪ ,‬ووحدة الصال‪ ...‬تلك‬
‫الت يقول علم الجتماع الاهلي إنا هي الت تنشئ "المة"‪ .‬ولكن المة مع ذلك ل تنشأ رغم مرور‬
‫الزمن الديد علي هذا الشتيت التناثر وهو يمل تلك القومات‪ .‬بل كانوا قبائل متناحرة تأكلها الروب‬
‫والثارات‪ ,‬وتأكلها قبل كل شئ جاهليتها الت تعيش فيها مافية للهدي الربان‪.‬‬

‫ومن هناك رفعها السلم‪ ,‬ل أفرادا ول قبائل‪ ,‬ولكن "أمة" هي أعظم أمة ف التاريخ بشهادة ال‬
‫ف َوتَْن َه ْونَ عَ ْن الْمُنكَ ِر َوُتؤْ ِمنُونَ‬
‫مرجها إل الوجود‪ُ { :‬كْنتُمْ َخيْرَ ُأ ّمةٍ أُخْ ِر َجتْ لِلنّاسِ َت ْأمُرُونَ بِالْ َم ْعرُو ِ‬
‫بِاللّهِ} [سورة آل ‪.]3/110‬‬

‫فمن أي شئ تكونت هذه المة الفذة‪ ,‬وما العوامل الت أثرت ف تكوينها ونشأتا؟‪.‬‬

‫ل شك أن خامتها هي ذات الامة الت كانت تعيش ف ذات الرض قبل هذا الدث العظيم لعدة‬
‫قرون‪ .‬ولكن شيئا ما ‪-‬فعله كفعل السحر‪ -‬قد أنشأ من هذه الامة ف سنوات قليلة نسيجا غي مسبوق‬
‫ل ملحوق‪ ...‬فما هو يا تري ذلك الشيء العجيب التأثي‪ ,‬الذي أخرج ذلك النسيج الفذ من تلك الامة‬
‫الت ظلت لقًي مهملً عدة قرون؟!‪.‬‬

‫ل شك ‪-‬بادئ ذي بدء‪ -‬أنه القرآن‪ ...‬ذلك الكتاب العظيم الذي نزل ليعيد بناء البشرية علي هدي‬
‫الوحي الربان‪:‬‬

‫{ِإنّ هَذَا اْلقُرْآنَ َيهْدِي لِّلتِي هِيَ أَ ْق َومُ} [سورة السراء ‪.]17/9‬‬

‫{ َوِإنّهُ فِي ُأ ّم الْ ِكتَابِ َل َدْينَا َلعَِليّ َحكِيمٌ (‪[ })4‬سورة الزخرف ‪.]43/4‬‬

‫ماذا يفعل القرآن ف النفوس؟ هل يغي خامتها فيخرجها من بشريتها لتكون خلقا آخر؟ كل! فقد‬
‫نزل للبشر‪ ,‬ل ليبدل فطرتم‪ ,‬بل ليعيدهم إل فطرتم الت فطرهم ال عليها يوم خلق النسان {فِي‬
‫س ِن َتقْ ِويٍ} [سورة التي ‪.]95/4‬‬
‫أَحْ َ‬

‫{فِ ْط َرةَ اللّ ِه اّلتِي فَ َط َر النّاسَ عََلْيهَا ل َتبْدِيلَ لِخَ ْلقِ اللّهِ ذَلِكَ الدّي ُن اْل َقيّمُ وََلكِنّ أَ ْكثَ َر النّاسِ ل َيعْلَمُونَ (‬
‫‪[ })30‬سورة الروم ‪.]30/30‬‬

‫أرأيت حي ترر الغنطيس ل قطعة من الديد‪ ,‬أتراه يغي طبيعتها؟ كل! ولكنه يعيد ترتيب ذراتا‬
‫فتصبح شيئا آخر غي قطعة الديد البعثرة الذرات! تصبح كيانا جديدا له طاقة مغناطيسية كهربائية ل‬
‫تكن له من قبل! وكذلك يفعل ف نفوس البشر هذا الدين النل ف كتاب ال‪ .‬إنه يتخلل النفوس البشرية‬
‫فيعيد ترتيب ذراتا‪ ,‬فتصبح قوي كونية وطاقات‪ ,‬بعد أن كانت مبعثرة من قبل‪ ,‬ضائعة ف التيه‪.‬‬

‫فأي شيء ف هذا الكتاب العظيم هو مصدر ذلك السر الذي يول الامات البعثرة الضائعة إل‬
‫طاقات؟ أهو نسقه اللغوي العجز؟ أهو قوة بيانه؟ أهو وضوح معاينة؟ أهو حديثه عن اليوم الخر وما‬
‫فيه من مشاهد تتز لا أوتار القلوب؟ أهو تشريعاته وتوجيهاته وتنظيماته؟ أهو قصصه وأمثاله وعبه؟‬
‫أهو تذكيه الدائم بعظمة ال جل جلله وقدرته العجزة الت ل تدها حدود؟!‪.‬‬

‫إنه ول شك كل ذلك‪ ....‬فكل حرف ف هذا القرآن له دللته ف مكانه‪ ,‬وله جانبه من التأثي‪.‬‬

‫ولكننا ل نكون مطئي إن قلنا إن أوسع موضوعات القرآن جيعا هو موضوع اللوهية‪ ....‬هو‬
‫قضية ل إله إل ال‪.‬‬

‫ولقد قلت ف غي هذا الكان(‪ ,)1‬إنه يطر لنا لول وهلة أن تركيز القرآن ‪-‬وخاصة ف السور‬
‫الكية‪ -‬علي هذه القضية سببه أن القرآن كان ياطب بادئ ذي بدء قوما مشركي‪ ,‬يشركون مع ال‬
‫آلة أخري‪ ,‬فكان من الناسب التركيز علي قضية "ل إله أل ال" لتصبح عقائد أولئك الشركي‪...‬‬
‫ولكن استمرار القرآن ف الديث عن هذه القضية ف السور الدنية‪ ,‬وف الكلم الوجه للمؤمني خاصة‪,‬‬
‫الذين آمنوا واستقر اليان ف نفوسهم حت أنشأوا أمة مسلمة ودولة مسلمة‪ ,‬وجيشا مسلما يقاتل ف‬
‫سبيل ال‪ ,‬قاطع الدللة علي أن القضية لا أهيتها الذاتية‪ ,‬حت لو كان الخاطبون مؤمني! فالتركيز‬
‫عليها ليس ناشئا من إنكار الخاطبي بذا القرآن أول مرة‪ ,‬إنا هو ناشئ من أنا هي الفتاح الذي‬
‫القلوب البشرية للخي‪ ,‬وينشئ فيها الي‪ ,‬ويربيها علي الي‪ ,‬وُينْت ُج منها الي! وأنه ل يوجد مفتاح لذه‬
‫القلوب‪ ,‬يهيئها لا تيئه لا ل إله إل ال!‪.‬‬

‫() ف كتاب ‪$‬دراسات قرآنية‪.#‬‬


‫‪1‬‬
‫وحي تكون القلوب منكرة تاطب بذه القضية لتتفتح للحق والي‪ ...‬وحي تكون مؤمنة تاطب‬
‫با كذلك ليتعمق اليان فيها ويتجدد‪ ,‬لنه الزاد الذي ل زاد سواه‪ .‬انظر إل هذا التوجيه للمؤمني‪:‬‬

‫{يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا آ ِمنُوا بِاللّ ِه وَ َرسُولِهِ وَاْل ِكتَابِ الّذِي نَزّ َل عَلَى َرسُولِهِ} [سورة النساء ‪.]4/136‬‬

‫إنه يقول للذين آمنوا آمنوا! وهم مؤمنون بذات المر الذي يراد منهم اليان به! وذلك لكي يزدادوا‬
‫إيانا ويرصوا علي ما ف قلوبم من اليان!‪.‬‬

‫ولقد فعل اليان بـ "ل إله إل ال" فعله ف نفوس أولئك الشركي‪ ,‬فأنشأهم نشأة جديدة كأنا‬
‫ميلد جديد‪ ....‬ث فعل فعله ف نفوسهم بعد أن آمنوا فأصبحوا ذلك اليل الفريد الذي نزل ف وصفه‬
‫هذا التقرير الربان‪:‬‬

‫{ ُكْنتُمْ َخيْرَ ُأ ّمةٍ أُخْ ِر َجتْ لِلنّاسِ} [سورة آل عمران ‪.]3/110‬‬

‫نعم‪ ...‬إنا "ل إله إل ال" مفتاح القلوب‪ ,‬مفتاح الطريق لذه القلوب حي تتجه الوجهة الصحيحة‬
‫وتتدي بنور ال‪.‬‬

‫ذلك أن النسان‪-‬كما قلنا ف أكثر من موضع‪ -‬عابد بفطرته‪ ....‬وإنا يتلف العبود الذي يتوجه‬
‫إليه بالعبادة‪.‬‬

‫وعلي حسب العبود يكون منهج الياة‪....‬‬

‫فحي يكون العبود هو ال يكون منهج الياة هو النهج الربان البي فيه اللل والرام‪ ,‬والسن‬
‫والقبيح‪ ,‬والباح والغي مباح‪ ....‬وحي يكون العبود شيئا آخر‪ ,‬يكون منهج الياة هو الذي يليه ذلك‬
‫الشيء العبود‪ ,‬سواء كان هو الوي صراحة دون مواربة أم كان هو الوي من وراء أستار وشعارات‬
‫وعناوين ومن ث تتعدد الصور ف الاهليات الختلفة وتلتقي ف أنا كلها هوي‪ ...‬إن يكن هوي فرد‬
‫بعينه أو مموعة أفراد أو هوي كل الناس متمعي‪ ....‬فكلها ف النهاية أهواء‪.‬‬

‫والنهج الربان هو الذي يُصلح الياة البشرية والنفس البشرية لنه منل من عند اللطيف البي الذي‬
‫يعلم من خلق ويعلم ما يصلحه وما يصلح له‪ ,‬ومنل من عند تصرف قد يقع اليوم ييط علمه بكل‬
‫شيء فل تفي عليه خافية‪ ,‬ول يغفل عن أثر تصرف قد يقع اليوم ولكن أذره ل يظهر إل بعد فترة من‬
‫الزمن ل يستوعبها عمر الفرد؛ ومنل من عند الكم العدل الذي ل تيل بعدله الهواء‪ ,‬الغنّي الذي ل‬
‫تؤثر ف حكمه الصال الذاتية والاجات‪ ....‬وذلك كله فضل عن أنه هو ال الذي يق له وحده أن‬
‫يقرر منهج الياة للنسان‪ ,‬لنه هو خالقه وخالق هذا الكون كله‪ ,‬فبما أنه صاحب اللق فهو صاحب‬
‫المر‪:‬‬

‫ب الْعَالَ ِميَ (‪[ })54‬سورة العراف ‪.]7/54‬‬


‫{أَل لَ ُه الْخَلْ ُق وَا َلمْ ُر َتبَا َركَ اللّهُ رَ ّ‬

‫ولن يستقيم النسان للمنهج الربان حت يعلم صدقا ويقينا أنه ل إله إل ال‪ .‬عندئذ يسلم نفسه ل‬
‫الواحد الحد؛ حي يستيقن أنه هو الرزاق ذو القوة التي‪ ,‬وأنه الضار النافع‪ ,‬وأنه هو الحيي الميت‪,‬‬
‫وأنه هو مدبر أمر الكون كله‪ ,‬وهو صاحب الشيئة النافذة فيه‪ ,‬وأن كل ما عداه ل يلكون شيئا علي‬
‫القيقة‪ ,‬وكل ما يلكونه ف الظاهر يلكونه بشيئة من ال وبقدر من ال‪.‬‬

‫عندئذ "يسلم" النسان! أي يسلم قيادة ل‪ ,‬فيتقبل قدره ومشيئته‪ ,‬ويتقبل أوامره ونواهيه‪ ,‬ويتقبل‬
‫منهجه ف الياة‪.‬‬

‫ث إن إقامة هذا النهج ف الرض ل تتم بجرد رغبة الناس ف إقامته‪ ,‬أو إسلم أنفسهم له‪ .‬فقد سبق‬
‫ف مشيئة ال وقدره أل يكون الناس أمة واحدة‪.‬‬

‫ختَِلفِيَ (‪ )118‬إِلّ مَنْ رَحِمَ َربّكَ وَلِذَلِكَ‬


‫جعَ َل النّاسَ ُأ ّم ًة وَاحِ َد ًة وَل َيزَالُونَ ُم ْ‬
‫{وََل ْو شَاءَ َربّكَ لَ َ‬
‫خََل َقهُمْ} [سورة هود ‪.]119-11/118‬‬

‫فهناك إذن من ل يؤمن بل إله إل ال‪ ,‬ومن يكرهها وياربا ويارب أهلها ويقاوم منهجها‪ ....‬ومن‬
‫ث تتاج إقامة هذا النهج ف الرض إل ماهدة أولئك الكافرين بل إله إل ال‪ ,‬الكارهي لنهج ال‪.‬‬

‫والهاد من أجل إقامة النهج الربان ف الرض يعرض النسان للذى‪ ,‬ويعرضه للموت‪ ,‬ويعرضه‬
‫للحرمات من متاع الرض‪.‬‬

‫ويتاج القلب البشري لكي يدخل معمعة الهاد بشت أنواعه وشت ماطره أن يؤمن مرة أخري أنه‬
‫ل إله إل ال! وأن ال هو الذي ييي وييت‪ ,‬وهو الذي يضر وينفع‪ ,‬وهو الذي يقبض الرزق ويبسط‪...‬‬
‫وإل تزلزلت قدماه علي الطريق عند أول اهتزازة تدث ف هذا اليان!‪.‬‬

‫لظة واحدة يهتز فيها اليان القلب الداخلي بأن ال ‪-‬وحده‪ -‬هو الذي يرك القدار بشيئته‪ ,‬وهو‬
‫الذي يقدر النفع أو الضر أو الياة أو الوت أو بسط الرزق أو قبضه‪ ...‬تتل الطي علي الطريق‪,‬‬
‫وينكص صاحبها علي عقبيه‪ ,‬إل أن يتوله ال برحته‪ ,‬فيثبت إيانه‪ ,‬فتثبت خطاه من جديد!‪.‬‬

‫ومن أجل ذلك كانت ل إله إل ال هي العداد للجهاد كما كانت من قبل هي مفتاح السلم‪.‬‬
‫إسلم القلب ل‪.‬‬

‫وحت ف السلم‪ ...‬ف البحبوحة والراحة‪ ...‬فهناك هذه الثقلة الت تقعد بالقلب البشري عن‬
‫"الستقامة" علي الطريق‪ ....‬ثقلة الشهوات الزينة الحببة للناس‪ُ { :‬زيّنَ لِلنّاسِ ُحبّ الشّ َهوَاتِ مِ ْن النّسَاءِ‬
‫حيَاةِ‬
‫ك َمتَاعُ الْ َ‬
‫س ّو َمةِ وَا َلْنعَا ِم وَالْحَرْثِ ذَلِ َ‬
‫خيْ ِل الْمُ َ‬
‫ضةِ وَالْ َ‬
‫ي وَاْل َقنَاطِ ِي الْ ُمقَنْ َط َرةِ مِنْ ال ّذ َهبِ وَاْل ِف ّ‬
‫وَاْلبَنِ َ‬
‫ال ّدْنيَا} [سورة آل ‪.]3/14‬‬

‫ولن يصمد القلب البشري لذه الثقلة‪ ,‬بكل ما تمله من إغراء وجذب‪ ,‬إل أن يؤمن إيان اليقي أنه‬
‫ل إله إل ال‪ ,‬وأن هذه الياة الدنيا ليست ناية الطاف‪.‬‬

‫اليان بال ‪-‬حي يعمر القلب البشري‪ -‬يبعث فيه الشية والتقوى الت تؤهله لطاعة ال فيما يأمره‬
‫به وينهاه عنه‪ .‬واليان بأن الياة الدنيا ليست ناية الطاف‪ ,‬وأن هناك بعثا ونشورا‪ ,‬وحسابا وجزاءً‪,‬‬
‫ونعيما وعذابا‪ ,‬هو الذي يغي موازين الياة كلها‪ ,‬وقيمها ومستوياتا‪ ,‬فل يعود التاع السي هو غاية‬
‫الياة‪ ,‬ول يعود الستغراق فيه هو الشغل الشاغل ول اللهم القعد القيم‪ ,‬كما يكون الال ف‬
‫الاهليات‪ ,‬حي يؤمن النسان أن الياة فرصة واحدة مدودة بدود العمر القصي‪ ,‬وكل يوم ينقضي ل‬
‫يعود‪ ....‬فتكون الكمة "الواقعية" حينئذ أن ينتهب أكب قدر من اللذات ف هذا العمر الحدود قبل أن‬
‫تفوت إل غي رجعة! ول يكون للحلل والرام عنده يومئذ معن‪ ,‬إنا يكون اهتبال الفرص التاحة هو‬
‫الغاية الت تسوق الناس سوقا فيتمتعون ويأكلون كما تأكل النعام!‪.‬‬

‫{وَالّذِينَ َكفَرُوا َيتَ َمّتعُو َن َويَأْكُلُونَ َكمَا َتأْكُ ُل ا َلْنعَا ُم وَالنّا ُر َمْثوًى َلهُمْ (‪[ })12‬سورة ممد ‪.]47/12‬‬

‫أما حي يؤمن بالبعث والزاء‪ ,‬والنعيم القيم والعذاب الفظيع التجدد‪:‬‬

‫جتْ جُلُو ُدهُ ْم بَدّْلنَاهُمْ ُجلُودا َغيْ َرهَا ِليَذُوقُوا‬


‫{ِإنّ الّذِينَ َكفَرُوا بِآيَاِتنَا َسوْفَ ُنصْلِيهِ ْم نَارا كُلّمَا َنضِ َ‬
‫ت تَجْرِي مِنْ‬ ‫ت َسنُدْخُِلهُمْ َجنّا ٍ‬ ‫اْلعَذَابَ ِإنّ اللّهَ كَانَ عَزِيزا َحكِيما (‪ )56‬وَالّذِينَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا الصّالِحَا ِ‬
‫ج مُ َطهّ َرةٌ َونُدْ ِخُلهُ ْم ِظلّ ظَلِيلً} [سورة النساء ‪.]57-4/56‬‬ ‫حِتهَا ا َلنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا َأبَدا َل ُهمْ فِيهَا أَ ْزوَا ٌ‬
‫تَ ْ‬

‫عندئذ يسهل عليه أن ينضبط ف الدود الت رسها ال دون أن يشعر بالرمان‪ ,‬لنه يعلم أن كل‬
‫متاع زائد يشتهيه ف الرض ث يتنع عنه طاعة ل‪ ,‬لن "يضيع" ولن يذهب بغي عودة‪ ,‬إنا هو "طاعة"‬
‫تسب له ف اليزان‪ ,‬فينال عليها نعيما خالدا ف النان‪ ....‬فتكون السبة بذلك رابة‪ ,‬ول تذهب نفسه‬
‫حسرات علي التاع الفائت الذي تركه طاعة ل‪ .‬ومن جهة أخري فإن تصور العذاب الفظيع جزاء علي‬
‫الخالفة الت يهم با انسياقا وراء شهواته‪ ,‬يعله يري أن المتناع عنها هو الصفقة الرابة‪ ,‬وليس‬
‫النغماس فيها بل انضباط علي طريقة اليوان‪ ...‬ومن هنا تتأكد التقوى والشية الت يبعثها اليان بال‪.‬‬

‫من أجل ذلك كان الكتاب الذي يرسم منهج الياة للناس ف الرض مرتكزا كله علي اليان بال‬
‫واليوم الخر‪ ,‬وكانت التوجيهات والتشريعات والتنظيمات الواردة ف الكتاب‪ ,‬كلها موصولة باليان‬
‫بال واليوم الخر‪ ,‬أعظم مورين يدور حولما الكتاب‪.‬‬

‫وليس هنا مال تفصيل الوضوعات الواردة ف كتاب ال وأثرها ف بناء النفس البشرية‪ ,‬فقد تدثت‬
‫عن ذلك ف غي هذا الكتاب(‪ .)1‬ولكن أذكر هذه النبذة السريعة فقط ف مال بيان العوامل الت أنشأت‬
‫ذلك اليل التفرد علي غي مثال‪ ,‬لقرر أن القرآن با يويه من إشارات وتوجيهات‪ ,‬وتنظيمات‬
‫وتشريعات‪ ,‬كان العامل الكب والعظم ف بناء النفوس التفردة ف التاريخ‪.‬‬

‫وحي نذكر القرآن نذكر السنة بل شك‪ ,‬فهي الكملة والشارحة للكتاب النل‪ ,‬هي بيان ما أنزل‬
‫ال وتفصيله‪:‬‬

‫{ َوأَنزَْلنَا إَِليْكَ الذّكْرَ ِلُتَبيّنَ لِلنّاسِ مَا ُنزّلَ إَِلْيهِمْ} [سورة النحل ‪.]16/44‬‬

‫وموضوعات السنة هي موضوعات القرآن مع اختلف النسبة بينهما‪ .‬فلئن كان القرآن قد توسع ف‬
‫شرح قضية اللوهية من جيع أبعادها وأقطارها‪ ,‬ودخل با إل النفس البشرية من جيع مداخلها‪ ,‬من‬
‫الب والكره والوف والرجاء والسي والعنوي واليان بالحسوس واليان بالغيب‪ )2(.....‬وخاطب‬
‫النفس ف جيع أحوالا‪ ,‬ف القبال أحوالا‪ ,‬ف القبال والدبار‪ ,‬ف رغبة والرهبة‪ ,‬ف الرتفاع والبوط‪,‬‬
‫ف السكون والركة‪ ,‬ف الطمأنينة والفزع‪ ,‬ف الرخاء والشدة‪ ,‬ف الوحدة وف التجمع‪.‬‬

‫لئن كان القرآن قد توسع ف هذه القضية ذلك التوسع فقد أجلت السنة‪ ,‬وإن كانت قد جاءت با‬
‫ل غناء عنه ف تديد الفاهيم اليانية‪ ,‬وتييز الناس علي أساسها ف الياة الدنيا‪ ,‬والحكام التعلقة بذلك‬

‫() انئر إن شئت كتاب ‪$‬دراسات قرآنية‪ #‬الفصول الول بعنوان ‪$‬اليان بال‪$ ,#‬اليان باليوم الخر‪$ ,#‬اليان باللئكة والكتاب والنبيي‪$ ,#‬قصص النبياء‪$ ,#‬آدم‬
‫‪1‬‬
‫والشيطان‪$ ,#‬أخلقيات ل إله إل ال‪ ,#‬وكذلك فصل ‪$‬كيف تربت الماعة الول‪ ,#‬من كتاب ‪$‬منهج التربية السلمية‪ #‬الزء الثان‪.‬‬

‫() انظر إن شئت فصل‪$ :‬خطوط متقابلة‪ #‬ف كتاب ‪$‬منهج التربية السلمية‪ #‬الزء الول‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫ف الجتمع السلمي‪ ,‬ولئن كان القرآن قد أجل ف كثي من مواضع التشريع‪ ,‬فقد توسعت السنة‬
‫وفصلت حت أنت بالدقائق الت توضح للناس حللم وحرامهم ف شت تعاملتم‪.‬‬

‫ولئن كان القرآن قد توسع ف ذكر اليوم الخر بشاهده الخاذة فقد توسعت السنة مقابل ذلك فيما‬
‫يعرف بالترغيب والترهيب‪ ,‬أي الترغيب ف العمال الت تقرب النسان من النة‪ ,‬والترهيب من‬
‫العمال الت تعرض النسان للنار‪.‬‬

‫وهكذا حي نتحدث عن أثر القرآن ف إنشاء ذلك اليل التفرد نتحدث عن السنة ف ذات الوقت‪.‬‬
‫ولكنا نريد أن نضيف عنصرا آخر شديد التأثي ف رفع نفوس الناس ف ذلك اليل إل أقصي طاقاتا‪,‬‬
‫والستواء با علي تلك القمم السامقة الت وصلت إليها‪ ,‬ذلك هو وجود الرسول ‪ e‬بشخصه الكري بي‬
‫ظهرانيهم‪ .‬فل شك أن كان لذا الوجود أثره الكبي ف الوفرة اللحوظة ف النماذج السامقة من بي‬
‫أولئك الحيطي بالرسول ‪ ,e‬مع ارتفاع القمم الت وصلوا إليها‪ ,‬ذلك الرتفاع الشاهق الذي عجزت‬
‫عنه البشرية ف شت أجيالا‪.‬‬

‫لقد كان التأثي الباشر لشخصية الرسول ‪ e‬ذا أثر بالغ ف بناء تلك النفوس الت أحاطت به‪ ,‬وأحبته‪,‬‬
‫وتربت علي عينه ‪ e‬ف نفوس أتباعه ومبيه أثر غي مكرر ف التاريخ‪ ,‬ول عجب ف ذلك فإنا شخصية‬
‫غي مكررة ف التاريخ!‪.‬‬

‫إنا أكمل شخصية وأعظم شخصية ف الوجود البشري كله من بدائه إل منتهاه‪.‬‬

‫وليس هنا مال التفصيل ف شرح هذه العظمة الفائقة‪ .‬فهي شخصية توي داخلها شخصيات‪,‬‬
‫وعظمة توي داخلها عظمات‪ ,‬لو أصاب أي إنسان واحدة منها َلعُدّ من عظماء التاريخ‪ ,‬فكيف با‬
‫متمعة ف شخص الرسول ‪ e‬علي سوق متفرد ف كل واحدة منها؟ شخصية الرب‪ ,‬شخصية القائد‬
‫السياسي‪ ,‬شخصية القائد العسكري‪ ,‬شخصية العابد الروحان‪ ,‬شخصية الزوج‪ ,‬شخصية الب‪,‬‬
‫شخصية الصاحب‪ ,‬شخصية الداعية‪ ...‬ث كيف با متمعة علي توزان بينها ل يعل واحدة منها تطغي‬
‫علي الخرى‪ ,‬وعلي شول وترابط ل يعل واحدة منها تنفصل وتستقل عن الخريات؟‪.‬‬

‫عظمة فذة ف التاريخ‪ ,‬وتأثيها كذلك ف التاريخ‪.‬‬

‫وصف أبو سفيان ‪-‬قبل إسلمه‪ -‬جانبا من جوانب هذه العظمة‪ ,‬وجانبا من عمق تأثيها فقال‪" :‬ما‬
‫رأيت أحدا يبه الناس كحب أصحاب ممد ممدا"‪.‬‬
‫وهو وصف صادق دقيق‪ .‬فهي شخصية أخاذة من أحبها تعمق ف حبها إل أقصي الغاية (وكذلك‬
‫من انطمست بصيته فأبغضها ل يستطع أن يقف ف بغضها عند حد!)‪.‬‬

‫والذين أحبوه والتصقوا به وعايشوه عن قرب‪ ,‬قد تأثروا به ول شك أعمق التأثي‪ ,‬فاستطاعوا أن‬
‫ينهلوا من معي القرآن أكثر‪ ,‬وأن يكون استواؤهم علي القمة السامقة أيسر‪ .‬ذلك أن القرآن معن ل‬
‫نضب‪ ,‬ولكنه يعطي كل إنسان علي قدر سعة الناء الذي يغترف به‪ .‬يي تتسع القلوب وشف الرواح‬
‫بصاحبة ذلك الروح العظيم‪ ,‬تكون قدرتا علي تشرب روح القرآن أكب‪ ,‬وقدرتا علي صحبة القرآن‬
‫والعمل به أوسع وأعمق‪.‬‬

‫قال أحد الصحابة لرسول ال ‪ e‬إنم حي يكونون معه يكونون علي حال غي الذي يكونون به‬
‫حي يعودون إل شواغلهم ومعهود حياتم‪ ,‬فقال ‪" :e‬والذي نفسي بيده أن لو تدومون علي ما‬
‫تكونون عندي وف الذكر لصافحتكم اللئكة علي فرشكم وف طرقكم‪ ,‬ولكن يا حنظلة ساعة وساعة"‬
‫(‪.)1‬‬

‫وليس معن هذا أن تأثي صحبة الرسول ‪ e‬كان ينتهي حي يرجون من عنده‪ ,‬فمثل هذا التأثي ل‬
‫يكن أن يزول‪ .‬إنا يدل تصريح الصحابة رضوان ال عليهم علي عمق أثر الصحبة الباشرة ف نفوسهم‪,‬‬
‫حت ليحسون أنم يصبحون خلقا آخر غي ما يعهدون من أنفسهم‪ ....‬وف حالق إن الشعاع الذي‬
‫يتلقونه من الروح العظيم الشع يعل أرواحهم شفافة رفافة ملقة‪ ,‬كما يشعر السابح بفة جسمه وهو‬
‫ممول علي الاء‪ ...‬فإذا خرجوا إل واقع الياة اليومي خف ذلك الشعاع الذي امتلت به أرواحهم‪,‬‬
‫فأحسوا بالفرق بي حالتهم ف صحبته ‪ e‬وحالتهم ف معتاد حياتم‪ .‬ولكن واقع التاريخ يقول إن‬
‫الشحنة ل تذهب أبدا من أروحهم‪ ,‬وإن إحساسهم بالتغيّر بعد الروج من عنده ‪ e‬إن هو إل شوق إل‬
‫مزيد من القدرة علي التحليق‪ ,‬ولكنه ليس فقدانا لتلك القدرة علي الطلق‪ ,‬فقد ظلوا يلّّقون ويلّّقون‬
‫ويلّّقون‪ ,‬علي آفاق ل عهد للبشرية با من قبل‪.‬‬

‫ولسنا نقول مع ذلك إن وجود الرسول ‪ e‬بشخصه شرط لقامة هذا الدين ف الرض! فلو علم ال‬
‫أن هذا شرط ل يقوم السلم ف الرض إل به ما كلف سبحانه وتعال الناس أن يقيموا الدين بعد‬
‫رسول ال ‪ ,e‬وهو ل يكلف نفسا إل وسعها‪.‬‬

‫() أخرجه مسلم‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫إنا نقول إن شخص الرسول ‪ e‬حاضر بسيته وحاضر بسنته إل الدرجة الت يقوم با السلم ف‬
‫الرض كاملً غي منقوص‪ .‬ولكنا ناول فقط أن نفسر واقعنا حدث بالفعل‪ ,‬هو الوفرة اللحوظة ف‬
‫النماذج الفائقة من بي الحيطي بالرسول ‪ ,e‬وفرة ل تتكرر ف التاريخ من بعد‪ ,‬وإن كانت ل تنقطع‬
‫ف صورة أفراد متناثرين من كل جيل يزخر بم تاريخ السلم ف الاضي وما زال يزخر إل هذه‬
‫اللحظة‪.‬‬

‫عنصر ثالث ل يكن إغفال أثره ف نشأة ذلك اليل التفرد‪ ,‬هو أثر النشأة الديدة‪.‬‬

‫إن كل نشأة جديدة تكون أنشط وأكثر حيوية واكثر فاعلية من الجيال السابقة‪.‬‬

‫وهذا مر له ما يفسره من طبيعة النفس البشرية‪ ,‬بل من طبيعة الكون الادي نفسه! فغاز الوكسجي‬
‫الحضر حديثا ف العمل تكون له فاعلية (ف الساعدة علي الشعال) أكب من الوكسجي الوجود ف‬
‫الو‪ ,‬مع أنه ياثله ماثلة تامة ف التركيب!! كذلك النفوس الت تبدأ عهدا جديدا أو تشهد إنشاء جديدا‬
‫تكون أكثر حيوية وأكثر فاعلية من غيها من النفوس‪ .‬ويكن تفسي ذلك من ناحيتي‪:‬‬

‫الول‪ :‬إن النشأة الديدة ‪ -‬وخاصة علي النحو الذي صنعه السلم ‪ -‬تعيد تركيب النفوس علي‬
‫صورة جديدة فتصبح نفوسا جديدة بالفعل‪ ,‬مذخورة الطاقة حادة الفاعلية كذلك الوكسجي الحضّر‬
‫لتوه ف العمل‪.‬‬

‫والثانية‪ :‬أن التحديات الت يتلقاها جيل النشأة الديدة هي أعنف التحديات وأشقها وأقساها‪.‬‬

‫ومن شأن التحديات دائما أن تشحذ النفوس الية وتستخلص منها أقصى طاقتها‪ .‬فإذا اجتمع‬
‫المران معا‪ :‬جدة النفوس‪ ,‬وعنف التحديات فنستطيع أن نتصور الفاعلية الائلة الت تكون لتلك‬
‫النفوس‪ ,‬وهي تعمل ف واقع الياة‪.‬‬

‫يضاف إل ذلك أن أصحاب النشأة الديدة هم من ناحية أقدر الناس علي تقدير النعمة الديدة حق‬
‫قدرها‪ ,‬فقد عايشوا الاهلية من قبل ث انتقلوا إل السلم‪ ,‬فأدركوا ‪-‬بالمارسة الواقعة‪ -‬عظم النقلة الت‬
‫انتقلوها من الاهلية إل السلم‪ ,‬كما قال عمر ‪" :t‬ل يعرف السلم من ل يعرف الاهلية"! أي ل‬
‫يقدره قدره إل من أدرك الفارق بينه وبي الاهلية‪ ...‬وهم من ناحية أخري أحرص الناس علي الحافظة‬
‫علي البناء الديد سليما من كل نقص يعتوره‪ ,‬فقد بنوه لبنة لبنة‪ ,‬وتعبوا ف بنائه وعانوا الشققات‪,‬‬
‫وظلوا يرقبون ارتفاعه يوما بعد يوم حت استوي علي أكمل صورة‪ ,‬فهم ل يطيقون أن يعبث به عابث‪,‬‬
‫أو ينقص من رونقه منتقص‪ ,‬فقد اختلط بأعماق مشاعرهم فأصبح منهم وأصبحوا منه‪ ,‬واصحبوا‬
‫يسون وجودهم ف وجوده‪.‬‬

‫وكذلك كان ذلك اليل الفريد حريصا علي السلم‪ ,‬حريصا علي أن يظل البناء الذي شيدوه تت‬
‫قيادة الرسول ‪ e‬وإشرافه سليما من كل نقص‪.‬‬

‫ولسنا نقول مع ذلك إن هذا شرط لزم لقامة دين ال ف الرض‪ ...‬فلوعلم ال أنه شرط لزم ما‬
‫كلف الناس فيما بعد جيل النشأة أن يقيموا هذا الدين!‬

‫ولكنا ناول فقط أن نفسر ذلك الواقع التاريي الذي تفرد ف التاريخ‪.‬‬

‫وهذا يرنا إل سؤال نري من الضروري تديد الجابة عليه‪ ,‬لنه ييك ف صدور بعض الناس حي‬
‫ينظرون إل ذلك اليل التفرد ث ينظرون غلي ما بعده من الجيال فيقول قائل منهم‪ :‬إن السلم ل‬
‫يعش أل فترة قصية هي فترة الرسول ‪ e‬واللفاء الراشدين ث انتهي بعد ذلك! ويئ خبثاء الستشرقي‬
‫وحواريوهم فيؤكدون علي هذا العن لدثوا ف نفوس الناس يأسا من عودة السلم إل حكم الياة‬
‫الواقعة كما حكمها من قبل‪.‬‬

‫إذا كان هذا اليل التفرد غي قابل للتكرار ‪-‬أو هو علي القل ل يتكرر حت اللحظة الاضرة‪ -‬فما‬
‫قيمته؟ ما دوره بالنسبة للسلم والسلمي؟ أليكون مرد ذكري لشئ ل يكن أن يعود؟‪.‬‬

‫وإذا كانت هناك ظروف خاصة أحاطت بنشأة ذلك اليل غي قابلة للتكرار‪ ,‬وكان لا أثر عميق ف‬
‫نشأته‪ ,‬كوجود الرسول ‪ e‬بشخصه الكري بي ظهرانيهم‪ ,‬وتأثي النشأة الدية ف نفوس اليل الذي‬
‫عاصر تلك النشأة‪ ,‬فأنّي يرجى أن تقوم للسلم صورة ف الواقع علي نسق تلك الصورة الخاذة الت‬
‫قامت ذات يوم؟!‪.‬‬

‫وتتاج الجابة إل تديد واضح‪.‬‬

‫أي شئ ف ذلك اليل التفرد هو غي قابل للتكرار‪ ,‬أو علي القل ل يتكرر حت هذه اللحظة؟ أهو‬
‫الصائص الرئيسية الت تقق الوجود السلمي ف عال الواقع‪ ,‬أم هي الدرجة العالية الفذة الت وصل‬
‫إليها ذلك اليل ف تقيق تلك الصائص ف عال الواقع؟!!‪.‬‬

‫وتلك الظروف الاصة الت أحاطت بنشأة ذلك اليل ونقول إنا غي قابلة للتكرار‪ ....‬ما دورها‬
‫بالضبط؟ هل كان مال تأثيها هو إنشاء تلك الصائص الرئيسية الت تقق الوجود السلمي ف عال‬
‫الواقع‪ ,‬أم هو ف تلك الدرجة العالية الفذة الت وصل إليها ذلك اليل ف تقيق تلك الصائص ف عال‬
‫الواقع‪.‬‬

‫أحسب أن القضية الن أصبحت واضحة‪.‬‬

‫إن الصائص الرئيسية الت تقق الوجود السلمي ف عال الواقع مستمدة بكاملها من القرآن‬
‫والسنة‪ ,‬أي‪ :‬من العنصرين الدائمي ف حياة السلمي‪ ,‬الحفوظي بقدر ال ومشيئته‪.‬‬

‫فقد تكفل ال بفظ كتابه النل‪ ,‬بينما ضاعت الكتب السابقة وحرّّفت‪:‬‬

‫{ِإنّا نَحْ ُن نَزّْلنَا الذّكْ َر َوِإنّا لَهُ لَحَافِظُونَ (‪[ })9‬سورة الجر ‪.]15/9‬‬

‫كما تكفل بفظ سنة نبيه ‪ ,e‬بينما ل يبق من سنن النبياء السابقي إل ما حفظه القرآن وحفظته‬
‫سنة رسول ال ‪.e‬‬

‫وف هذين الصدرين كل "الواد" اللزمة لبناء الفرد السلم والماعة السلمة والمة السلمة والدولة‬
‫السلمة ف أي عصر من عصور التاريخ يرغب السلمون ف البناء‪ ,‬ويعزمون علي بذل الهد اللزم له‪.‬‬

‫أما الذي صنعته الظروف الاصة فهو تلك الدرجة الفذة ف تقيق الصائص الرئيسية للوجود‬
‫السلمي‪ ,‬الستمدة كلها من الكتاب والسنة‪ ....‬وتلك الدرجة ‪-‬ل الصائص الرئيسية‪ -‬هي الت ل‬
‫تتكرر ف التاريخ‪.‬‬

‫وتبقي الجابة علي الشق الخر من السؤال‪ :‬إذا كانت تلك الدرجة الت تققت بالفعل ذات يوم غي‬
‫قابلة للتحقيق مرة أخري‪ ,‬لنا نشأت من ظروف خاصة غي قابلة للتكرار‪ ,‬فما قيمتها ف حياة السلم‬
‫والسلمي‪ .‬أهي وجدت فقط لتظل حلما مهوّما يعرّّج عليه من أجل حلوة الذكري ليس غي؟!‪.‬‬

‫كل! إنا وجدت ‪-‬بقدر من ال‪ -‬لتظل نوذجا يشد السلمي إليه ليحاولوا تقيقه ف عال الواقع‪....‬‬
‫وحي ياولون فإنم يرتفعون بالفعل‪ ,‬حت وإن ل يصلوا ‪-‬ف مموعهم‪ -‬إل ذات الدرجة الت وصل‬
‫إليها هؤلء؛ وإن كان التاريخ الشهود يقول إن أفرادا من كل جيل يصلون بالفعل إل ذلك الستوي‬
‫السامق الرفيع‪ ,‬أولئك الذين نتوهج قلوبم بنور السلم فيستطيعون أن يقبسوا من شخصية الرسول‬
‫وأحداث حيات مثل ما كان يقتبس الصحابة رضوان ال عليهم بالعايشة الباشرة‪ ,‬وان يسوا ‪--‬ف‬
‫أعماق نفوسهم‪ -‬بالنشأة الديدة علي نو ما أحس الذين عاشوها أول مرة‪ ...‬فينهلوا من الكتاب‬
‫والسنة بثل العمق الذي كان ينهل به الصحابة الكرام‪ ,‬ويققوا ف ذوات أنفسهم ما كانوا يققون‪.‬‬

‫هؤلء قلة ف كل جيل ‪-‬نعم‪ -‬بينما كانوا كثرة ملحوظة ف الحيطي برسول ال ‪ ...e‬ولكن‬
‫مموع السلمي ‪-‬حي ياولون‪ -‬يرتفعون درجات من الرتفاع‪ ,‬حت ولو ل يصلوا لذلك الستوي‬
‫الرفيع‪ ,‬لن الحاولة ذاتا توجه الناس إل أعلي‪ ,‬بينما القعود يهبط بم إل أسفل‪ ,‬بكم الثقلة الت تذب‬
‫الناس أبدا إل أسفل ما ل ياولوا الرتفاع‪:‬‬

‫صوْا‬
‫ح ّق َوتَوَا َ‬
‫صوْا بِالْ َ‬
‫ت َوتَوَا َ‬
‫سرٍ (‪ )2‬إِلّ الّذِينَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا الصّالِحَا ِ‬
‫{وَاْلعَصْرِ (‪ِ )1‬إ ّن الِنسَانَ َلفِي خُ ْ‬
‫صبْرِ (‪[ })3‬سورة العصر ‪.]3-103/1‬‬ ‫بِال ّ‬

‫من هنا يظل لذلك اليل التفرد دوره ف حياة السلم والسلمي‪.‬‬

‫فوجود هذا النموذج الفذ ف عال الواقع‪ ,‬حقيق ًة واقعةً‪ ,‬ل حلما ول خيا ًل ول شعارات‪ ,‬يظل يفز‬
‫الراغبي ف تقيق السلم لتحويل الرغبة إل واقع‪ ,‬وبذل أقصي الهد ف هذا السبيل‪ ...‬وحي يققون‬
‫الصائص الرئيسية للوجود السلمي ف عال الواقع‪ ,‬فل عليهم بعد ذلك إن ل يصلوا إل الدرجة الفذة‬
‫الت وصل غليها اليل الول‪ ,‬فإن مرد تقيق الصائص الرئيسية للوجود السلمي ‪-‬ولو ف حدا‬
‫الدن‪ -‬هو قفزة هائلة إل أعلي بالنسبة لكل جاهليات التاريخ‪ ,‬با فيها الاهلية العاصرة‪ ,‬بل ف‬
‫مقدمتها الاهلية العاصرة! وتبقي الدرجات العليا مالً للتفاضل‪ ,‬ومالً للتطوع النبيل‪ ,‬ل تكلف نفس‬
‫إل وسعها‪ ,‬يبلغ منها كل إنسان بقدر ما يطيق‪ ,‬فتصل قلة قليلة إل الستوي‪ ,‬ويقترب الباقون خطوات‪.‬‬

‫نعم‪ ,‬إن وجود هذا اليل التفرد واقعا ف التاريخ‪ ,‬ل يكن ‪-‬ف قدر ال‪ -‬لجرد أن يكون ذكري‬
‫حلوة تشع نسماتا علي القلوب ساعة ث تتبدد‪ ...‬بل ليكون واقعا يتجدد‪.‬‬

‫فقد طلب ال من السلمي ف كتابه الباقي إل يوم يرث ال الرض ومن عليها أن يتأسوا برسول ال‬
‫‪ ,e‬وأن يقتفوا أثر ذلك اليل الفريد ويصلوا أنفسهم به‪:‬‬

‫سَنةٌ ِلمَنْ كَانَ َيرْجُو اللّ َه وَالَْي ْومَ ال ِخ َر وَذَكَرَ اللّهَ َكثِيا (‬
‫{َلقَدْ كَانَ َلكُمْ فِي َرسُولِ اللّهِ ُأ ْس َوةٌ حَ َ‬
‫‪[ })21‬سورة الحزاب ‪.]33/21‬‬

‫جدُونَ فِي صُدُو ِرهِمْ حَا َج ًة مِمّا‬ ‫حبّونَ مَ ْن هَا َجرَ إَِليْهِ ْم وَل يَ ِ‬
‫{وَالّذِي َن تََبوّءُوا الدّا َر وَالِيَانَ مِنْ َقبِْلهِ ْم يُ ِ‬
‫ص ٌة َومَ ْن يُوقَ ُش ّح َنفْسِهِ َفُأوَْلئِكَ هُ ْم الْ ُمفِْلحُونَ ( ‪)9‬‬‫سهِ ْم وََلوْ كَانَ ِبهِمْ َخصَا َ‬ ‫أُوتُوا َوُيؤْثِرُو َن عَلَى أَْنفُ ِ‬
‫جعَلْ فِي ُقلُوبِنَا ِغلّ‬
‫وَالّذِينَ جَاءُوا مِ ْن َبعْ ِدهِ ْم َيقُولُونَ َرّبنَا اغْفِرْ َلنَا وَلِ ْخوَانِنَا الّذِي َن َسَبقُونَا بِالِيَانِ وَل تَ ْ‬
‫ِللّذِينَ آ َمنُوا َرّبنَا ِإنّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ( ‪[ })10‬سورة الشر ‪.]10-59/9‬‬

‫بل نقول أكثر من ذلك‪....‬‬

‫نقول إن حركة البعث السلمي العاصرة هي أقرب الركات أن تتمثل فيها خصائص ذلك اليل‬
‫التفرد‪ ,‬إن ل يكن علي ذات الدرجة من الوفرة وذات الدرجة من التمكن‪ ,‬فعلي درجات قريبة منها‬
‫علي أي حال‪.‬‬

‫ذلك أن السلم اليوم يعيش غربته الثانية الت تدث عنها رسول ال ‪" :e‬بدأ السلم غريبا وسيعود‬
‫غريبا كما بدأ‪ ,‬فطوب للغرباء" (‪.)1‬‬

‫فإن ل تكن الغربة الثانية مطابقة تام الطابقة للغربة الول ف جيع حيثياتا فإنا ول شك تشبهها ف‬
‫أمور كثية جوهرية‪ ,‬أهها أن منهج ال ليس هو الذي يكم حياة الناس‪ ,‬وأن المر يتاج إل دعوة‬
‫الناس من جديد إل السلم‪ ,‬ل لنم ‪-‬ف هذه الرة‪ -‬يرفضون أن ينطقوا بأفواههم ل إله إل ال ممد‬
‫رسول ال كما كان الناس يرفضون نطقها ف الغرة الول‪ ,‬ولكن لنم ف هذه الرة يرفضون القتضي‬
‫الرئيسي لـ "ل إله إل ال"‪,‬وهو تيكم شريعة ال والمتثال لنهج ال‪ ,‬وإن كان ألف مليون من البشر‬
‫من الحيط إل الحيط ينطقون بأفواههم كل يوم‪ :‬ل إله إل ال ممد رسول ال! وهذه هي حقيقة‬
‫"الغربة" الت يعانيها السلم اليوم ف الرض‪ ,‬رغم مليي الصاحف الت تطبع‪ ,‬ومئات الحطات‬
‫الذاعية والتلفزيونية الت ترتل القرآن ن وتذيعه علي الناس‪ ,‬وتشرحه ‪-‬ف الحاديث والدروس الدينية‪-‬‬
‫لن شاء من الناس الستماع!‪.‬‬

‫وف الغربة تكون الركة إنشاء جديدا اكثر ما تكون مرد إصلح لا هو قائم بالفعل ف نفوس‬
‫الناس‪.‬‬

‫إن هذا الغثاء الذي يعيش بالليي اليوم‪ ,‬والذي أشار إليه رسول ال ‪ e‬ف حديثه‪" :‬يوشك ان‬
‫تداعي عليكم المم كما تداعي الكلة إل قصعتها‪ .‬قالوا‪ :‬أمن قلة نن يومئذ يا رسول ال؟ قال‪ :‬بل‬
‫إنكم يومئذ كثي ولكنكم غثاء كغثاء السيل‪.)2( " ....‬‬

‫() أخرجه مسلم‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫() أخرجه أحد وأبو داود‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫هذا الغثاء ل يتاج إل مرد وعظه وإرشاده‪ ,‬وتقدي حقائق السلم إليه ف الدروس الدينية سواء ف‬
‫السجد أو الذاعة أو الكتاب أو الحاضرة‪ ,‬إنا يتاج إل انتشاله ف الاهلية الت تيطه وتضغط علي‬
‫حسه بثقل "المر الواقع" وتنشئته نشأة جديدة علي حقائق السلم‪ ,‬ليعيشه بالفعل‪ ,‬ل "ليتحدث" عنه‬
‫أو "يفكر" فيه أو "يعجب" به أو "يتمناه" وهو قاعد عن العمل لتحقيقه‪.‬‬

‫والذي تقوم به حركات البعث السلمي اليوم هو هذا ف حقيقته‪ .‬هو نشأة جديدة ف وسط الغربة‪.‬‬
‫ومن ث يتحقق لذه الركات عنصر من العنصرين الاصي اللذين أسهما ف صنع اليل الول‪ ,‬ول‬
‫يتكررا خلل ثلثة عشر قرنا من قبل‪ ,‬ويكون لذا العنصر فاعليته الكاملة ف نفوس الذين يعيشون هذه‬
‫الركات‪ ,‬وياهدون لزالة الغربة الثانية كما جاهدت الماعة الول من قبل لزالة الغربة الول‬
‫للسلم‪.‬‬

‫أما العنصر الخر وهو حضور الرسول ‪ e‬بشخصه الكري بي ظهران الناس فهو بطبيعته ل يتكرر‬
‫أبدا إل قيام الساعة‪ .‬ولكنا نستطيع أن نزعم أن الذين يعيشون "النشأة الديدة" بالعمق القيقي الذي‬
‫تدثثه ف النفوس‪ ,‬ول تفتنهم جزئيات من حقائق السلم فتشغلهم عن جوهره‪ ,‬ول عن حقيقة العركة‬
‫الت يوضها "الغرباء" ف الرض‪ ,‬لعادة هذا الدين إل التمكن وحكم حياة الناس الواقعة من جديد‪...‬‬
‫هؤلء يتوهج الق ف قلوبم إل الد الذي يعيشون فيه مع رسول ال ‪- e‬ف سيته وسنته‪ -‬كأنم‬
‫يعايشونه ويتلقون عنه من قرب كذلك اليل الول التفرد‪ ,‬وتكون هذه العايشة ‪-‬من خلل السية‬
‫والسنة‪ -‬كفيلة برفعهم غلي تلك الفاق السامقة الت ارتادها اليل الول بهد أيسر‪ ,‬وهم يتلقون الرفعة‬
‫من الثر الباشر لشخصية الرسول ‪.e‬‬

‫وخلصة القول ‪-‬كما أسلفنا‪ -‬أن حركة البعث السلمي العاصرة هي أقرب الركات أن تتمثل‬
‫فيها خصائص ذلك اليل التفرد‪ ,‬إن ل تكن بنفس الوفرة وبنفس الدرجة من الرفعة‪ ,‬فعلي درجات‬
‫قريبة منها علي أي حال‪ .‬وإنا لتقدم بالفعل ناذج ترتفع إل ذلك الستوي‪ ,‬وتذكّر الناس به من جديد‪,‬‬
‫سواء فقي التجرد ل‪ ,‬أو صدق الهاد ف سبيل ال‪ ,‬أو التقدم للشهادة بنفس راضية مستعلية علي كل‬
‫متاع الرض‪ ,‬متطلعة إل ما عند ال‪ ,‬أو الثبات علي العذاب الذي ل تطيقه البدان ول النفوس‪.‬‬

‫واللصة مرة أخري أن ذلك اليل التفرد‪ ,‬الذي تثلت ف واقعية السلم ومثاليته‪ ,‬ل يوجد ليكون‬
‫مرد ذكري‪ ,‬وإنا وجد ليحاول السلمون ف كل الجيال أن يصعدوا لستواه‪ ,‬فإن حاولوا فقد ارتفعوا‬
‫ونوا من البوط‪ ,‬سواء وصلوا ‪-‬ف مموعهم‪ -‬إل ذلك الستوي الرفيع أم ل يستطيعوا الوصول‪.‬‬
‫واللصة مرة ثالثة أن الذي تفرد به ذلك اليل ل يكن هو الصائص الساسية للوجود السلمي‪,‬‬
‫فهذه مطلوبة من كل جيل‪ ,‬ومكنة ف كل جيل‪ ,‬ولزمة لقامة الوجود السلمي الصحيح ف الرض‪,‬‬
‫والناس ماسبون إن قصروا ف أدائها‪ ,‬ويعتبون آثي ف حق ال وحق أنفسهم إن قصروا فيها‪ ,‬ويتوقف‬
‫وجودهم وثقلهم ف الرض علي القيام با ف صورتا الصحيحة‪.‬‬

‫إنا الذي تفرد به ذلك اليل هو الدرجة العجيبة الت قاموا فيها بتحقيق هذه الصائص ف عال‬
‫الواقع‪ ,‬بعد قيامهم بتحقيقها ف ذوات أنفسهم‪ .‬وهذه درجة ل يفرضها ال فرضا علي الناس‪ ,‬إنا فرض‬
‫عليهم الد الدن الذي ل تستقيم الياة بدونه‪ ,‬وترك الدرجات العل للتطوع النبيل‪ ,‬الذي تقدر عليه‬
‫النفوس حي تترب التربية الصحيحة علي السلم‪ ,‬وتستضئ بنور الق‪ ,‬وتعبد ال كأنا تراه (‪,)1‬‬
‫وتقتدي بالرسول ‪ e‬كأنا تعايشه‪.‬‬

‫وحي يتحقق للناس الد الدن من هذا الدين‪ ,‬تستقيم الياة علي صورة تعجز عنها أي جاهلية من‬
‫جاهليات التاريخ‪ ,‬وف مقدمتها الاهلية العاصرة‪ ....‬أما حي يتحقق ما فوق ذلك فهذا هو الفردوس‬
‫الرضي الذي تقق ذات مرة علي يد ذلك اليل التفرد‪ ,‬والذي سيظل أملً جيلً ياول السلمون‬
‫تقيقه ف أي قرن من القرون!!‪.‬‬
‫‪m m m‬‬
‫وفيما يلي ناول أن نبز السمات الرئيسية للمة السلمية ف عهد ذروتا الذي تقق فيه الذي تقق‬
‫فيه بالكامل وصف ال لا ف كتابه النل { ُكنْتُمْ َخيْرَ ُأ ّمةٍ أُ ْخرِ َجتْ لِلنّاسِ} [سورة آل عمران ‪]3/110‬‬
‫ولنجعل ف بالنا أن الذي نبزه ف هذا العرض السريع هو الصائص الرئيسية للوجود السلمي ‪-‬اللزمة‬
‫ف ذاتا لكل جيل‪ -‬ولكن ف صورتا الفذة الت حققها ذلك اليل التفرد‪ ,‬وأن المرين معا مهمان ف‬
‫هذا العرض‪ ,‬ولكن المر الوهري هو تلك الصائص الرئيسية‪ ,‬لن ها هي الت يتوقف عليها الوجود‬
‫السلمي الصحيح‪ ,‬وحي انرف السلمون عنها تدرييا‪ ,‬أصابم ‪-‬علي الدى‪ -‬ما هم واقعون فيه‬
‫اليوم‪ ,‬ما نعرض له ف مكانه من الكتاب‪.‬‬

‫ول يتسع القام بطبيعة الال للحديث الستفيض عن كل السمات الرئيسية للمة السلمية‪ ,‬فليس‬
‫لذا تاريا لا ول بثا متخصصا ف خصائصها‪ ,‬إنا نتار أبرز هذه السمات‪ ,‬ونعرضه ف أوجز صورة‬
‫تتناسب مع موضوع الكتاب‪.‬‬
‫() جاء ف حديث ‪$‬هذا جبيل أتاكم يعلمكم امر دينكم‪$ :#‬قال‪ :‬وما الحسان؟‪ #‬قال‪$ :‬أن تعبد ال كأنك تراه فإن ل تكن تراه فإنه يراك‪ #‬رواه الشيخان‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ونتار من هذه السمات‪:‬‬

‫أولً‪ :‬صدق اليان‪ ,‬وجدية الخذ من الكتاب والسنة‪ ,‬وصدق الهاد ف سبيل ال‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬تقيق معن "المة" ف صورته القيقية‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬تيق العدل الربان ف واقع الرض‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬أخلقيات ل إله إل ال‪.‬‬

‫بامسا‪ :‬الوفاء بالواثيق‪.‬‬

‫ث نتحدث عن أمرين آخرين ها من الصائص الرئيسية للمة السلمية‪ ,‬وإن كان تقيقهما‬
‫‪-‬بطبيعته‪ -‬ل يتم ف حياة اليل الول‪ ,‬إنا ت ف الجيال التالية‪ ,‬لنه ما ‪-‬بكم طبيعتهما‪ -‬يتاجان إل‬
‫فترة زمنية بعد التمكن ف الرض‪ ,‬ذانك ها الركة العملية السلمية‪ ,‬والركة الضارية السلمية‪,‬‬
‫وقد تتا كلتاها متأخرتي ف الزمن‪ .‬ولكن قواعدها الول كانت قد أرسيت ول شك ف حياة ذلك‬
‫اليل الذي كتب ف القيقة تاريخ السلم‪ ,‬فقد كانت الجيال التالية متأثرة كلها بالدفعة الائلة الت‬
‫أحدثها اليل الول ف حركة الياة‪ ,‬ل ف داخل العال السلمي وحده‪ ,‬ولكن ف الرض كلها علي‬
‫التساع!‪.‬‬

‫‪m m m‬‬

‫أولً‪ :‬صدق اليان‪ ,‬وجدية الخذ من الكتاب والسنة‬


‫وصدق الهاد ف سبيل ال‬
‫كلها من الصائص الصلية لذه المة‪ ,‬وهي هي الت قامت عليها خييتها الت وصفها ال با ف‬
‫قوله تعال‪:‬‬

‫ف َوتَْن َهوْ َن عَ ْن الْمُنكَ ِر َوتُ ْؤ ِمنُو َن بِاللّهِ} [سورة آل‬


‫{ ُكْنتُمْ َخيْرَ ُأ ّمةٍ أُخْ ِر َجتْ لِلنّاسِ َت ْأمُرُونَ بِالْ َم ْعرُو ِ‬
‫‪.]3/110‬‬

‫وليس الذي يبهرنا من اليل الول هو اتصافه بذه الصفات‪ ,‬فهي من لوازم المة الت يرجها القرآن‬
‫إل الوجود‪ ,‬وتدد لا سنة رسول ال ‪ e‬دقائق حياتا‪ .‬وإنا الذي يبهرنا ف ذلك اليل الول هو‬
‫الدرجة العجيبة الت وصلوا إليها ف ترسيخ هذه الصفات ف نفوسهم وف واقع حياتم‪.‬‬

‫إن دعوة القرآن كلها هي إخلص الدين ل‪:‬‬

‫{أَل لِلّهِ الدّي ُن الْخَاِلصُ} [سورة الزمر ‪.]39/3‬‬

‫خلِصا لَهُ الدّينَ (‪[ })11‬سورة الزمر ‪.]39/11‬‬


‫{قُلْ ِإنّي ُأمِرْتُ َأنْ َأعْبُدَ اللّ َه مُ ْ‬

‫خِلصِيَ لَهُ الدّينَ} [سورة العراف ‪.]7/29‬‬


‫{وَا ْدعُو ُه مُ ْ‬

‫{ َومَا ُأمِرُوا إِلّ ِلَيعْبُدُوا اللّ َه مُخِْلصِيَ لَهُ الدّينَ ُحَنفَاءَ} [سورة البينة ‪.]98/5‬‬

‫واللصة الذي يأمر ال به ليس مرد مشاعر تستكّن ف ضمي النسان‪ ,‬وليس مرد إقرار يعلن فيه‬
‫النسان أن ال واحد ل شريك له‪ ,‬عن اعتقاد قلب بصدق ما يقرّ به من وحدانية ال‪ .‬فهذا ‪-‬وحده‪ -‬ل‬
‫يفي با يطلبه ال من عباده بلفظ المر‪ ,‬ل علي سبيل الندب أو التحبيب أو التحضيض‪َ { :‬ومَا ُأمِرُوا إِلّ‬
‫خِلصِيَ لَهُ الدّينَ ُحَنفَاءَ} إنا التتبع لكل اليات الت جاء فيها المر بالخلص يد أنا‬
‫ِلَي ْعبُدُوا اللّ َه مُ ْ‬
‫متعلقة بتوجيه العبادة ل وحده دون شريك‪ .‬فهي إذن ليست متعلقة بالعتقاد وحده‪ ,‬إنا هي متعلقة‬
‫كذلك بسلوك معي مرتبط بالعتقاد‪ .‬فالعبادة ‪-‬كما هو واضح بالبداهة‪ -‬سلوك واقعي‪ ,‬وليست مرد‬
‫مشاعر أو اعتقادات‪ .‬سلوك مبن علي الشاعر‪ ,‬ومنبثق عن العتقاد‪.‬‬

‫والخّلص الطلوب ف العبادة هو براءة هذه العبادة من الشرك‪ ,‬وتلك هي حقيقة التوحيد‪ .‬وهو أمر‬
‫لزم ل للرتقاء ف مراتب الكمالت‪ ,‬بل لصول اليان بادئ ذي بدء؛ أما الرتقاء ف مراتب‬
‫الكمالت بعد ذلك فله مالت أخري نتحدث عن بعضها ف حياة ذلك اليل الول‪ ,‬وهي الت ورد‬
‫فيها الندب والتحبيب‪ ,‬ل المر واللزام‪.‬‬
‫فما العبادة الطلوبة من العباد‪ ,‬وما كيفية الباءة من الشرك؟‬

‫العبادة كما بينها ال ف كتابه النل تشمل أمورا ثلثة‪:‬‬

‫‪ -‬العتقاد الازم بأن ال واحد ف ذاته وف أسائه وصفاته‪.‬‬

‫‪ -‬والتوجّه إليه وحده بالشعائر التعبدية الت افترضها علي عبادة‪.‬‬

‫‪ -‬واللتزام با أنزل ال من التحليل والتحري والتحسي والتقبيح والباحة والنع‪.‬‬

‫وأيا أمر اختل من هذه الثلثة فهو ناقض للتوحيد ومُدْخِل ف الشرك الذي يرج الناس من السلم‪,‬‬
‫مع اعتبار معي ف هذا الشأن هو أن العصية ‪-‬بغي استحلل‪ -‬ل تنقض أصل اللتزام‪ ,‬ول ترج‬
‫الناس من السلم‪ ,‬ما داموا يقرون بالمر النل من عند ال‪ ,‬ول يعلون مالفتهم له تشريعا مضاهيا‬
‫لشرع ال‪ ,‬أو قائما بذاته مناقضا لشرع ال‪ .‬بعبارة أخري ليست العصية لا أنزل ال هي الت ترج‬
‫حكُ ْم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ‬
‫من اللة‪ ,‬إنا هو التشريع بغي ما أنزل ال‪ ,‬وهو العنّ ف قوله تعال‪{ :‬وَمَنْ لَمْ يَ ْ‬
‫حكُ ْم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ َفُأوَْلئِكَ هُمْ الظّالِمُونَ}‬
‫َفُأوَْلئِكَ هُ ْم اْلكَافِرُونَ} [سورة الائدة ‪َ { ,]5/44‬ومَنْ لَ ْم َي ْ‬
‫حكُ ْم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ َفُأوَْلئِكَ هُ ْم اْلفَاسِقُونَ} [سورة الائدة ‪.]5/47‬‬ ‫[سورة الائدة ‪َ { ,]5/45‬ومَنْ لَ ْم َي ْ‬
‫وكون ذلك هو الشرك الخرج من اللة واضح ف قوله تعال‪:‬‬

‫{َأمْ َلهُ ْم شُرَكَا ُء شَ َرعُوا َلهُ ْم مِنْ الدّينِ مَا َل ْم يَأْ َذ ْن بِهِ اللّهُ} [سورة الشورى ‪.]42/21‬‬

‫{اتِّبعُوا مَا ُأنْزِلَ إَِلْيكُ ْم مِنْ َرّبكُ ْم وَل َتّتِبعُوا مِنْ دُونِهِ َأوْلِيَاءَ} [سورة العراف ‪.]7/3‬‬

‫و "الدين" ف آية الشورى‪ ,‬واتباع ما أنزل ال ف آية العراف‪ ,‬كلها ل يتعلق بالعتقاد وحده ول‬
‫ي من هذه المور الثلثة‪:‬‬
‫بالشعائر التعبدية وحدها‪ ,‬إنا يشمل قضية التحليل والتحري‪ ,‬ويعتب اتاذ أ ّ‬
‫العتقاد والشعائر والشرائع‪ ,‬من مصدر غي ال شركا واتباعا للولياء‪ ,‬بدليل قوله تعال ف سورة‬
‫النحل حكاية عن الشركي‪ ,‬وتديدا لعمال الشرك الت يقومون با‪:‬‬

‫ح ُن وَل آبَا ُؤنَا وَل حَ ّر ْمنَا مِنْ دُونِ ِه مِنْ‬


‫{وَقَا َل الّذِينَ َأشْرَكُوا َل ْو شَاءَ اللّ ُه مَا َعبَ ْدنَا مِنْ دُونِ ِه مِ ْن َشيْءٍ نَ ْ‬
‫َشيْءٍ} [سورة النحل ‪.]16/35‬‬

‫وبدليل قوله تعال عن النافقي ف سورة النساء موضحا الحك الذذي يصدقّ دعوي اليان أو‬
‫يكذبا‪.‬‬
‫{أَلَ ْم تَرَ إِلَى الّذِينَ َي ْزعُمُونَ َأّنهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إَِليْكَ َومَا أُنزِ َل مِنْ َقبْلِكَ يُرِيدُونَ َأنْ َيتَحَا َكمُوا إِلَى‬
‫شيْطَانُ أَ ْن ُيضِّلهُمْ ضَل ًل َبعِيدا} إل قوله تعال‪{ :‬فَل‬ ‫الطّاغُوتِ وَقَدْ ُأمِرُوا َأ ْن يَ ْكفُرُوا بِهِ َويُرِيدُ ال ّ‬
‫ضْيتَ‬
‫سهِمْ َحرَجا مِمّا َق َ‬ ‫حكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَْيَنهُ ْم ثُ ّم ل يَجِدُوا فِي أَنفُ ِ‬ ‫ك ل ُي ْؤمِنُونَ َحتّى يُ َ‬ ‫وَ َربّ َ‬
‫َويُسَلّمُوا تَسْلِيما} [سورة النساء ‪.]65-4/60‬‬

‫من هذه اليات ‪-‬وأمثالا ف القرآن كثي‪ -‬يتضح لنا أن العبادة الطلوبة من العباد هي إفراد ال‬
‫باللوهية والربوبية‪ ,‬الذي يشمل توحيد ال ف ذاته وأسائه وصفاته‪ ,‬والتوجه إليه وحده بالشعائر‬
‫التعبدية‪ ,‬واللتزام با أنزل ال‪ ,‬وعدم اتاذ شرع من مصدر سواه‪ ,‬سواء علي سبيل الضاهاة لشرع‬
‫ال كما كان يفعل التتار قبل إسلمهم من اتاذ ‪$‬الياسق” الذي يمع أحكاما من القرآن وأحكاما‬
‫من مصادر أخري‪ ,‬أو علي سبيل التشريع الطلق‪ ,‬أي تنحية شرع ال جلة واتاذ شرع غيه‪.‬‬

‫هذه العبادة ‪-‬علي هذه الصورة‪ --‬هي الت ترج الناس من الشرك وتعلهم مسلمي‪ .‬وهذا هو‬
‫الخلص ف حده الدن‪ ,‬الذي ل يقبل ال من الناس أقل منه‪ ,‬ول تقوم بغيه حقيقة السلم ف‬
‫داخل النفوس ول ف واقع الياة (أما الدرجات العليا فمرهونة بقدار الطاعات الت يتقدم با العباد‬
‫إل ال‪ ,‬ومقدار الرص علي اللتزام با أقر به القلب واللسان)‪.‬‬

‫أما العتقاد بأن هناك شركاء ل ف اللق أو التدبي أو الرزق أو الحياء أو المانة أو النفع أو‬
‫الضر‪ ....‬إل‪ ,‬أو التوجّّه لغي ال بالشعائر التعبدية‪ ,‬أو التشريع بغي ما أنزل ال‪ ,‬أو الرضي بغي ما‬
‫أنزل ال‪ ,‬فهو الشرك الذي يرج الناس من السلم‪.‬‬
‫‪m m m‬‬
‫وإذا كان أمر الخلص كذلك‪ ,‬ف شوله لذه المور الثلثة‪ ,‬فإن جدية الخذ من الكتاب والسنة‬
‫تصبح بديهية من بديهيات المة السلمة ل يقوم بغيها لذه المة وجود‪ .‬فما دام اللتزام با أنزل ال‬
‫ركنا من أركان العقيدة‪ ,‬ل تقوم ف القيقة بدونه (بصرف النظر عن العصية الت ل تتحول إل‬
‫تشريع بالنسبة لصحابا ول بالنسبة لغيه من الناس) (‪ .)1‬فقد أصبحت جدية الخذ من الكتاب‬
‫والسنة هي القتضي الباشر للسلم‪ .‬ففي كل لظة من حياة الناس "تشجر" أشياء تتاج إل "حكم"‬
‫يتخذ فيها‪ .‬فمن أين يستمد الكم؟‪.‬‬

‫() انظر فصل ‪$‬مفهوم ل إله إل ال‪ #‬من كتاب ‪$‬مفاهيم ينبغي أن تصحح‪.#‬‬
‫‪1‬‬
‫إنه ليس هناك إل مصدر اثنان‪ :‬إما حكم ال وإما حكم الاهلية‪:‬‬

‫حكْ َم الْجَاهِِلّي ِة َيْبغُونَ؟ َومَنْ أَحْسَ ُن مِنْ اللّهِ ُحكْما ِل َقوْ ٍم يُوِقنُونَ؟!} [سورة الائدة ‪.]5/50‬‬
‫{أَفَ ُ‬

‫فإن ل يتخذ الناس أحكامهم من عند ال ‪-‬أي من القرآن والسنة‪ ,‬ومن اجتهاد الفقهاء اللتزم‬
‫بالكتاب والسنة ل يشذ عنهما ول يرج علي أحكامهما‪ -‬فإنم عندئذ يتخذون أحكامهم من‬
‫الاهلية‪ ,‬ويرجون بذلك من السلم‪.‬‬

‫فجدية الخذ من الكتاب والسنة وهي للزم من لوازم الوجود السلمي‪ ,‬وسة من سات المة‬
‫السلمية ل تنفك عنها؛ وليس وجودها هو الذي يبهرنا من ذلك اليل الول‪ .‬إنا الذي يبهرنا منه‬
‫هو الدرجة العالية من اللتزام ف التنفيذ‪ ,‬الت تعل العصية شيئا نادرا ف حياة الناس‪ ,‬ما نتحدث عن‬
‫ناذج منه بعد قليل‪.‬‬

‫كذلك أمر الهاد ف سبيل ال‪ .....‬إنه سة أصلية من سات هذه المة‪.‬‬

‫{يَا َأّيهَا الّذِينَ َآ َمنُوا هَلْ أَدُّلكُ ْم عَلَى تِجَا َر ٍة تُنجِيكُ ْم مِ ْن عَذَابٍ أَلِيمٍ (‪ُ )10‬ت ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَ َرسُولِ ِه‬
‫َوتُجَاهِدُونَ فِي َسبِيلِ اللّ ِه بَِأ ْموَالِكُ ْم َوأَنفُسِكُمْ ذَِلكُمْ َخيْرٌ َلكُمْ ِإنْ كُنتُ ْم َتعْلَمُونَ} [سورة الصف‬
‫‪.]11-61/10‬‬

‫فما دامت المة قد حلت راية ل إله إل ال‪ ,‬وحلت معها مسئولياتا‪ ,‬فقد أصبح الهاد من لوازم‬
‫وجودها‪ ,‬ذلك أن البشر ل يستقيمون كلهم علي منهج ال‪ ,‬ول يرضون كلهم أن يكون الدين ل‪,‬‬
‫ول يدعون السلمي وشأنم يقيمون دينهم بأمن من العدوان‪:‬‬

‫شرِكِيَ كَاّفةً كَمَا ُيقَاتِلُوَنكُمْ كَاّفةً} [سورة التوبة ‪.]9/36‬‬


‫{وَقَاتِلُوا الْمُ ْ‬

‫{وَل يَزَالُو َن ُيقَاتِلُوَنكُمْ َحتّى يَرُدّوكُ ْم عَنْ دِينِكُمْ ِإنْ ا ْستَطَاعُوا} [سورة البقرة ‪.]2/217‬‬

‫{وَقَاتِلُوهُمْ َحتّى ل َتكُونَ ِفْتَنةٌ َوَيكُونَ الدّينُ كُلّهُ لِلّهِ} [سورة النفال ‪.]8/39‬‬

‫{وَلَ ْن تَرْضَى َعنْكَ اْلَيهُو ُد وَل الّنصَارَى َحتّى َتّتبِ َع مِّلَتهُمْ} [سورة البقرة ‪.]2/120‬‬

‫{قَاتِلُوا الّذِينَ ل ُي ْؤ ِمنُو َن بِاللّ ِه وَل بِالَْي ْومِ الخِ ِر وَل يُحَ ّرمُونَ مَا حَ ّرمَ اللّ ُه وَ َرسُولُ ُه وَل يَدِينُونَ دِينَ‬
‫الْحَقّ مِ ْن الّذِينَ أُوتُوا اْلكِتَابَ َحتّى ُيعْطُوا الْجِ ْزَي َة عَ ْن يَ ٍد َوهُمْ صَاغِرُونَ} [سورة التوبة ‪.]9/29‬‬
‫وبصرف النظر عن الدل الذي يقوم به الستضعفون من السلمي ف جيلنا الاضر‪ ,‬حي يقولون إن‬
‫الهاد ف السلم دفاعي فقط‪ ,‬أي أن السلمي ل يقاتلون إل إذا هوجوا من قبل أعدائهم‪ ,‬مستندين‬
‫إل أحكام القتال الرحلية الت جاء فيها قوله تعال‪{ :‬وَقَاتِلُوا فِي َسبِيلِ اللّ ِه الّذِي َن ُيقَاتِلُوَنكُ ْم وَل‬
‫حبّ الْ ُم ْعتَدِينَ} [سورة البقرة ‪.]2/190‬‬
‫َت ْعتَدُوا ِإنّ اللّ َه ل ُي ِ‬

‫مغفلي اليات الصرية الت أوردناها آنفا‪ ,‬أو مؤولي لا علي ضوء الحكام الرحلية‪.‬‬

‫بصرف النظر عن هذا الدل فسيظل الواقع الذي تعيشه المة السلمية اليوم بعد أن تركت الهاد‬
‫تت راية السلم خي دليل علي وجوب الهاد إل قيام الساعة‪.‬‬

‫دفاعيا أو هجوميا‪ ...‬ل غن للمة السلمية عن الهاد‪َ { :‬حتّى ل َتكُونَ ِفْتَنةٌ َوَيكُونَ الدّينُ ُكلّهُ‬
‫ِللّهِ} [سورة النفال ‪.]8/39‬‬

‫ومرة ثالثة نقول الذي يبهرنا من حياة اليل الول ليس هو صدق الهاد ف سبيل ال ‪-‬الذي هو‬
‫عنصر لزم للوجود السلمي ف كل جيل‪ -‬إنا هو الدرجة الرائعة من هذا الصدق ف حياة ذلك‬
‫اليل‪.‬‬

‫والن نعود إل ذلك اليل التفرد لنري الصورة الثالية الت تققت با هذه الصفات ف عال الواقع‪.‬‬

‫لقد عاش ذلك اليل مع القرآن حياة كاملة إن صح التعبي‪..‬‬

‫كل جلة ف القرآن وكل عبارة‪ ,‬كل توجيه وكل أمر أو ني‪ ...‬يصل إل نفوسهم بشحنته الكاملة‪,‬‬
‫ويركها الركة التامة الطلوبة من الملة أو العبارة‪ ,‬أو التوجيه أو المر أو النهي‪.‬‬

‫ل تكن هناك قراءة لجرد التأمل الفكري‪ ,‬ول قراءة للستمتاع الفن ببلغة القرآن‪ ,‬ول قراءة‬
‫لستخراج نظريات فلسفية أو عقلية أو تريدية‪ ..‬أو حت للتأثي الوجدان الذي يأخذ بجامع النفس‬
‫ث ينتهي بتهوية روحية ل ترك صاحبها من مكانه!‪.‬‬

‫إنا كانت هناك معرفة للتنفيذ الفوري‪.‬‬

‫يروي الصحابة عن أنفسهم يقولون‪ :‬ل يكن أحدنا يستكثر من القرآن‪ ,‬إنا كنا نتعلم عشر آيات ل‬
‫نزيد عليهن حت نعمل با فيهن‪ ,‬فتعلمنا القرآن والعمل جيعا (‪.)1‬‬
‫() انظر تفسي ابن جرير (‪.)1/80‬‬
‫‪1‬‬
‫لقد أنزل ال هذا القرآن لينشئ شيئا ضخما ف واقع الرض‪.‬‬

‫جبَالُ َأوْ قُ ّط َعتْ بِ ِه الَ ْرضُ َأوْ كُلّ َم بِ ِه الْ َموْتَى بَلْ لِلّ ِه ا َلمْرُ جَمِيعا} [سورة‬
‫ت بِ ِه الْ ِ‬
‫{وََلوْ أَنّ قُرْآنا ُسيّرَ ْ‬
‫الرعد ‪.]13/31‬‬

‫لقد كان الشركون يطلبون الرسول ‪ e‬بعجزات حسية كتسيي البال وتقطيع الرض وتكليم‬
‫الوت‪ ,‬ويعلقون إيانم بصدق الرسول ‪ e‬علي تقيق هذه العجزات السية‪ .‬ولكن ال ل يشأ أن‬
‫ينل عليهم تلك اليات السية وأنزل بدلً منها ذلك الكتاب العجز العظيم‪ :‬الية الباقية أبد الدهر‪.‬‬
‫والية الت أوردناها آنفا تشي إل أنه ليس من شأن القرآن أن يسيّر أو يقطع الرض أو يكلم الوت‪,‬‬
‫لن له شأنا آخر‪ ...‬وتوحي بأن ما يقوم به القرآن أعظم من ذلك كله! أعظم من تسيي البال‬
‫وتقطيع الرض وتكليم الوت‪ ,‬الذذي تنتهي إليه أحلم الاهلي وتصوراتم‪ ...‬إن مهمته هي إنشاء‬
‫"النسان" فب أحسن تقوي‪ ....‬وذلك أعظم عند ال من كل ما يتصورون‪.‬‬

‫ولقد عمل القرآن علمه بالفعل ف نفوس السلمي الوائل‪ ,‬فأنشأها إنشاء من جديد‪ ,‬فكان منهم‬
‫ذلك الواقع العجيب الذي سجله التاريخ‪ ,‬والذي يلتقي فيه الواقع بالثال‪.‬‬

‫كان القرآن يدثهم عن قضية اللوهية فيدخل با إل نفوسهم من كل مداخلها‪ ,‬ويوقَع با علي‬
‫أوتار قلوبم‪ ,‬فإذا اهتزت وجههم إل حقيقة التوحيد‪.‬‬

‫كان يدثهم عن آيات ال ف الكون‪ ,‬ون قدرة ال العجزة ف اللق‪ ,‬وعن قدرة ال العجزة ف‬
‫اللق‪ ,‬وعن الحياء والماتة‪ ,‬وعن الرزق والتدبي‪ ,‬وعن علم ال للغيب‪ ...‬إل‪ ....‬إل‪.‬‬

‫حيّ ذَِلكُمْ اللّهُ َفَأنّا‬‫ت مِ ْن الْ َ‬


‫ج الْ َميّ ِ‬
‫حيّ مِ ْن الْ َمّيتِ َو ُمخْ ِر ُ‬ ‫خرِجُ الْ َ‬ ‫حبّ وَالّنوَى يُ ْ‬ ‫{ِإنّ اللّهَ فَاِل ُق الْ َ‬
‫ك َتقْدِي ُر اْلعَزِي ِز اْلعَلِيمِ (‬
‫سبَانا ذَلِ َ‬
‫س وَالْقَ َمرَ حُ ْ‬ ‫ح وَ َجعَلَ الّليْ َل َسكَنا وَالشّ ْم َ‬ ‫صبَا ِ‬
‫ُتؤَْفكُونَ (‪ )95‬فَالِ ُق الِ ْ‬
‫حرِ قَدْ َفصّ ْلنَا اليَاتِ ِل َق ْو ٍم َيعْلَمُونَ‬‫ت اْلبَ ّر وَالْبَ ْ‬
‫‪َ )96‬و ُه َو الّذِي َجعَلَ َلكُ ْم النّجُومَ ِلَت ْهتَدُوا ِبهَا فِي ظُلُمَا ِ‬
‫سَتوْ َدعٌ قَدْ َفصّ ْلنَا اليَاتِ ِل َق ْو ٍم َيفْ َقهُونَ (‪)98‬‬ ‫سَتقَ ّر َومُ ْ‬ ‫(‪َ )97‬و ُه َو الّذِي أَنشَأَكُ ْم مِ ْن َن ْفسٍ وَاحِ َدةٍ فَمُ ْ‬
‫خرِجُ‬‫َو ُهوَ الّذِي أَن َز َل مِنْ السّمَا ِء مَاءً َفأَخْ َر ْجنَا بِهِ َفأَ ْخرَ ْجنَا بِهِ َنبَاتَ كُ ّل َشيْءٍ َفأَخْرَ ْجنَا ِمنْهُ َخضِرا نُ ْ‬
‫شتَبِها َوغَيْرَ‬ ‫ب وَال ّزْيتُونَ وَال ّرمّا َن مُ ْ‬
‫ت مِنْ َأعْنَا ٍ‬ ‫خ ِل مِ ْن طَ ْل ِعهَا ِقْنوَانٌ دَاِنَي ٌة وَ َجنّا ٍ‬
‫ِمنْهُ َحبّا ُمتَرَاكِبا َومِ ْن النّ ْ‬
‫ُمتَشَابِهٍ انظُرُوا إِلَى ثَ َم ِرهِ ِإذَا َأثْ َم َر َويَْنعِهِ إِنّ فِي ذَِلكُ ْم ليَاتٍ ِل َق ْومٍ ُي ْؤ ِمنُونَ (‪[ })99‬سورة النعام‬
‫‪.]99-6/95‬‬
‫ث وَ َدمٍ َلبَنا خَالِصا سَائِغا لِلشّا ِربِيَ (‬ ‫سقِيكُ ْم مِمّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ َفرْ ٍ‬ ‫{ َوِإنّ َلكُمْ فِي الَْنعَامِ َل ِعبْ َر ًة نُ ْ‬
‫ك لَيةً ِل َق ْومٍ َي ْعقِلُونَ (‬
‫ب َتتّخِذُونَ ِمنْ ُه َسكَرا وَرِزْقا حَسَنا ِإنّ فِي ذَلِ َ‬ ‫‪َ )66‬ومِ ْن ثَ َمرَاتِ النّخِي ِل وَالَ ْعنَا ِ‬
‫جبَا ِل ُبيُوتا َومِنْ الشّجَ ِر َومِمّا َيعْ ِرشُونَ (‪ )68‬ثُمّ ُكلِي‬ ‫‪َ )67‬وَأوْحَى َربّكَ إِلَى النّحْلِ َأنْ اتّخِذِي مِ ْن الْ ِ‬
‫ختَلِفٌ أَْلوَانُهُ فِيهِ ِشفَاءٌ لِلنّاسِ ِإنّ‬
‫ج مِ ْن بُطُوِنهَا َشرَابٌ ُم ْ‬ ‫ل يَخْ ُر ُ‬‫مِنْ كُ ّل الثّمَرَاتِ فَاسُْلكِي ُسبُلَ َربّكِ ذُُل ً‬
‫ك لَيةً ِل َق ْومٍ َيَتفَكّرُونَ (‪[ })69‬سورة النحل ‪.]69-16/66‬‬ ‫فِي ذَلِ َ‬

‫{وََلقَدْ َخَل ْقنَا الِنسَا َن مِ ْن سُلَلةٍ مِنْ طِيٍ (‪ )12‬ثُمّ َجعَ ْلنَا ُه نُ ْط َفةً فِي َقرَارٍ مَكِيٍ (‪ )13‬ثُمّ خََل ْقنَا النّ ْط َفةَ‬
‫شأْنَاهُ خَلْقا آ َخرَ َفَتبَا َركَ‬
‫ضغَةً َفخََل ْقنَا الْ ُمضْ َغ َة عِظَاما َفكَسَ ْونَا اْلعِظَامَ َلحْما ثُمّ أَن َ‬
‫خَل ْقنَا اْلعََل َق َة ُم ْ‬
‫عََل َقةً فَ َ‬
‫س ُن الْخَاِلقِيَ} [سورة الؤمنون ‪.]14-23/12‬‬ ‫اللّهُ أَحْ َ‬

‫حمِلُ كُلّ أُنثَى َومَا َتغِيضُ الَرْحَامُ َومَا تَ ْزدَا ُد وَكُ ّل َشيْءٍ ِعنْ َد ُه بِ ِمقْدَارٍ (‪ )8‬عَالِ ُم اْلغَْيبِ‬ ‫{اللّ ُه َيعْلَ ُم مَا تَ ْ‬
‫ستَخْفٍ بِالّليْلِ‬ ‫شهَا َد ِة الْ َكبِيُ الْ ُمَتعَالِي (‪َ )9‬سوَاءٌ مِْنكُ ْم مَنْ َأسَ ّر اْل َقوْلَ َومَنْ َجهَ َر بِ ِه َومَ ْن ُهوَ مُ ْ‬ ‫وَال ّ‬
‫حفَظُونَ ُه مِنْ َأمْرِ اللّهِ ِإنّ اللّ َه ل ُي َغيّ ُر مَا‬
‫ت مِ ْن َبيْ ِن يَ َديْهِ َومِنْ خَ ْلفِ ِه يَ ْ‬
‫ب بِالّنهَارِ (‪ )10‬لَ ُه ُم َعقّبَا ٌ‬ ‫َوسَارِ ٌ‬
‫سهِ ْم َوإِذَا أَرَادَ اللّ ُه ِب َقوْ ٍم سُوءا فَل َمرَدّ لَ ُه َومَا َلهُ ْم مِنْ دُونِهِ مِ ْن وَالٍ (‪)11‬‬ ‫ِب َق ْومٍ َحتّى ُي َغيّرُوا مَا ِبأَنفُ ِ‬
‫سبّحُ ال ّرعْ ُد بِحَ ْم ِدهِ وَالْمَلِئكَةُ‬ ‫ب الّثقَالَ (‪َ )12‬ويُ َ‬ ‫شئُ السّحَا َ‬ ‫ُه َو الّذِي يُرِيكُمْ الْبَ ْرقَ َخوْفا َوطَمَعا َويُنْ ِ‬
‫ب ِبهَا مَ ْن يَشَا ُء َوهُمْ ُيجَادِلُونَ فِي اللّ ِه َو ُهوَ شَدِي ُد الْمِحَا ِل }‬ ‫مِنْ خِيفَتِ ِه َويُ ْرسِ ُل الصّوَاعِقَ َفُيصِي ُ‬
‫[سورة الرعد ‪.]13-13/8‬‬

‫‪.................‬‬

‫‪.................‬‬

‫‪................‬‬

‫وكانت هذه اليات كلها تصل إل نفوسهم بكل شحنتها‪ ,‬فتدخل إل أعماقها‪ ,‬فتهزها هزا‪....‬‬
‫فستجيب‪:‬‬

‫ش ْونَ َرّبهُ ْم ثُ ّم تَلِيُ‬


‫{اللّ ُه نَزّلَ َأحْسَ َن الْحَدِيثِ ِكتَابا ُمتَشَابِها َمثَانِ َي َتقْشَعِرّ مِنْهُ ُجلُو ُد الّذِي َن يَخْ َ‬
‫ك هُدَى اللّ ِه َيهْدِي بِ ِه مَ ْن يَشَاءُ ‪[ }.....‬سورة الزمر ‪.]39/23‬‬ ‫جُلُو ُدهُ ْم وَُقلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللّهِ ذَلِ َ‬

‫وكانت استجابتهم فذة من كل جوانبها‪....‬‬


‫امتلت قلوبم بعظمة ال فقدروه حق قدره‪ ,‬فأخبتوا له‪ ,‬وتعلقت قلوبم به ف الوف والرجاء‪ ,‬ف‬
‫الب والكره‪ ,‬ف السعة والشدة‪ ,‬ف الضيق والفرج‪ ,‬ف كل لظة وف كل حال‪.‬‬

‫ض وَا ْختِلفِ الّليْ ِل وَالنّهَا ِر ليَاتٍ لُولِي الَْلبَابِ (‪ )190‬الّذِي َن يَذْكُرُونَ‬ ‫{ِإنّ فِي َخلْقِ السّ َموَاتِ وَالَ ْر ِ‬
‫ت هَذَا بَا ِطلً‬ ‫اللّهَ ِقيَاما وَُقعُودا َوعَلَى ُجنُوِبهِ ْم َوَيتَ َفكّرُونَ فِي َخلْقِ السّ َموَاتِ وَالَ ْرضِ َرّبنَا مَا خََل ْق َ‬
‫ي مِنْ َأنْصَارٍ (‬ ‫ك مَ ْن تُدْ ِخ ْل النّارَ َفقَدْ أَخْ َزْيتَهُ َومَا لِلظّالِ ِم َ‬ ‫ُسبْحَانَكَ َف ِقنَا عَذَابَ النّارِ (‪َ )191‬رّبنَا إِنّ َ‬
‫‪َ )192‬ربّنَا ِإّننَا سَ ِم ْعنَا ُمنَادِيا ُينَادِي ِللِيَانِ أَنْ آ ِمنُوا بِ َرّبكُمْ فَآ َمنّا َرّبنَا فَا ْغفِرْ َلنَا ُذنُوَبنَا وَ َكفّ ْر َعنّا َسيّئَاِتنَا‬
‫ك وَل ُتخْ ِزنَا َي ْومَ اْل ِقيَا َمةِ ِإنّكَ ل ُتخْلِفُ‬ ‫َوَتوَّفنَا مَعَ ا َلبْرَارِ (‪َ )193‬ربّنَا وَآِتنَا مَا َوعَ ْدَتنَا عَلَى ُر ُسلِ َ‬
‫الْمِيعَادَ (‪ )194‬فَا ْستَجَابَ َل ُهمْ َرّبهُمْ‪[ }....‬سورة آل ‪.]195-3/190‬‬

‫ول يكن هذا الذكر تسبيحا باللسان‪ ,‬ول بالذكار والوراد‪ ,‬ول علي حبات السابح‪.‬‬

‫إنا كان ال حاضرا ف قلوبم ف كل لظة {ِقيَاما وَُقعُودا َوعَلَى ُجنُوبِهِمْ} [سورة آل ‪ .]3/191‬لن‬
‫القرآن كان ياطبهم بقضية اللوهية ف كل حال من أحوالم‪ .‬إن كانوا يريدون شيئا فال هو الذي‬
‫يعطي ويدبر‪ .‬وإن كانوا يشون شيئا فال هو الذي يقدر القدار‪ .‬إن كانوا يطلبون بسطة ف الرزق‬
‫فال هو الذي يقبض ويبسط‪ .‬إن كانوا يريدون الذرية فال هو الذي يهب الذرية لن يشاء‪ .‬إن كانوا‬
‫يشون أعداءهم فال هو الذي يسلط من يشاء علي من يشاء لكمة يريدها‪ ,‬ولن يرجوا من قبضة‬
‫أعدائهم إل ف اللحظة الت يقدرها ال‪ ,‬وبقدر يقدره ال‪ ...‬وال هو مالك اللك الذي يؤت اللك‬
‫من يشاء وينعه من يشاء‪ ,‬ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده المر وهو علي كل شئ قدير‪:‬‬

‫ت َوهُمْ ل يُ ْظلَمُونَ (‪ )25‬قُلْ الّلهُمّ‬ ‫سبَ ْ‬ ‫س مَا كَ َ‬ ‫{َف َكيْفَ ِإذَا جَ َم ْعنَاهُمْ ِليَ ْومٍ ل َرْيبَ فِي ِه َووُّفيَتْ كُ ّل َن ْف ٍ‬
‫ك مِمّ ْن تَشَاءُ َوتُعِ ّز مَ ْن تَشَا ُء َوتُذِ ّل مَنْ تَشَاءُ ِبيَ ِدكَ‬‫ع الْمُلْ َ‬
‫ك ُت ْؤتِي الْمُلْكَ مَ ْن تَشَاءُ َوَتنْ ِز ُ‬
‫ك الْمُلْ ِ‬‫مَالِ َ‬
‫ح ّي مِنْ‬‫ج الْ َ‬ ‫خرِ ُ‬
‫ك عَلَى كُ ّل َشيْءٍ َقدِيرٌ (‪ )26‬تُولِجُ الّليْلَ فِي الّنهَا ِر َوتُولِ ُج الّنهَارَ فِي الّليْ ِل َوتُ ْ‬ ‫خيْرُ ِإنّ َ‬
‫الْ َ‬
‫حيّ َوتَ ْر ُزقُ مَنْ تَشَاءُ ِب َغيْرِ حِسَابٍ} [سورة آل ‪.]27-3/25‬‬ ‫ت مِ ْن الْ َ‬
‫ج الْ َمّي َ‬
‫خرِ ُ‬
‫الْ َمّيتِ َوتُ ْ‬

‫وهكذا حيثما وجّّه النسان بصره‪ ,‬أو توجهت به مشاعره وجد ال تاهه‪...‬‬

‫والسلمون الوائل هم الذين امتلت قلوبم بذه القيقة حت أعماقها‪ ...‬فآتت ثارها‪ ...‬وهل ثارها‬
‫إل طاعة ال؟!‪.‬‬

‫إذا كانت اللوهية علي هذا النحو الائل الحيط‪ ....‬فكيف يكون موقف العبد تاه موله؟‪.‬‬
‫هذا‪ ..‬هو الذي جعل ذلك اليل علي النحو الذي كان عليه‪ ....‬إحساسهم الق بالعبودية الكاملة‬
‫للله الق‪ ,‬العظيم القادر‪ ,‬الحيط بكل شئ علما وتدبيا وقدرة ومشيئة وحفظا وهيمنة وملكا‬
‫وجبوتا ورحة ومغفرة‪...‬‬

‫هو ال‪ ..‬وهم العبيد‪ ..‬والعبيد يسلمون أنفسهم وقلوبم وأرواحهم للذي يلكها حقا وصدقا‪...‬‬
‫فيتصرفون تاه الالك كما يتصرف العبيد من الذعان والطاعة والتسليم والضوع‪.‬‬

‫وعندئذ يصلون إل القمة الت ل يسن الصعود إليها إل من يسن العبودية ل!‪.‬‬

‫إن لذا المر عجيب‪ ..‬ولكنه هو حقيقة النفوس! إنا ل تكون علي تامها‪ ,‬وف أحسن لالتا‬
‫وأعلها‪ ,‬إل حي تكون مستقيمة علي وضعها الصحيح تاه خالقها‪ .‬كاللة ل تدور دورانا الطبيعي‬
‫السهل السلس حت يكون كل "ترس" من "تروسها" ف وضعه الصحيح‪ ,‬ول يكون شئ منها ناتئا‬
‫عن موضعه فتقف عن الركة لو تضطرب ف دورتا‪.‬‬

‫فما الوضع الصحيح للنسان تاه خالقه؟‬

‫شيْطَانِ ِإنّهُ َلكُ ْم عَ ُد ّو مُبِيٌ (‪})208‬‬


‫{يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا ادْ ُخلُوا فِي السّلْمِ كَاّف ًة وَل َتتِّبعُوا ُخ ُطوَاتِ ال ّ‬
‫[سورة البقرة ‪.]2/208‬‬

‫استسلموا ل بكافة أنفسكم‪ ...‬بكافة كل نفس منكم‪ ...‬بيث يكون كل جزء من نفوسكم‬
‫مستسلما ل‪ ...‬وهذا هو السلم!‪.‬‬

‫وعندئذ؟ تكونون ف أعلي عليي!! تكونون ف أصفي حالتكم‪ ,‬وف أفضل حالتكم‪ ,‬وف أعلي‬
‫صورة مستطاعة للنسان علي الرض‪ ...‬النسان الذي توشك أن تصافحه اللئكة!‬

‫هل من عجب إذن أن يكون أعظم بشر ف تاريخ البشرية هو أعبد الناس ل؟‪.‬‬

‫هو الذي ين علي ال عليه بأنه قرّبه إليه أشد القرب بأن ألصق عبوديته به سبحانه وتعال‪:‬‬

‫سجِ ِد الَ ْقصَى الّذِي بَارَ ْكنَا َحوْلَهُ ِلنُ ِريَهُ‬


‫حرَامِ إِلَى الْمَ ْ‬
‫سجِ ِد الْ َ‬
‫{ ُسبْحَانَ الّذِي َأسْرَى ِبعَبْ ِدهِ َلْيلً مِ ْن الْمَ ْ‬
‫مِ ْن آيَاِتنَا ِإنّه ُهوَ السّمِي ُع اْلَبصِيُ (‪[ })1‬سورة السراء ‪]17/1‬‬

‫ففي أعظم لظات التقريب أبرز الصفة الت كانت هي أداة القرب‪ ,‬وأداة الرفعة‪ ,‬وأداة التكري‪.‬‬
‫إنه رب كري‪ ,‬يكرّم عباده بقدار ما يتعبدونه‪ ,‬فيكون أكرمهم عنده هو أشدهم عبودية له‪:‬‬

‫{ِإنّ أَكْ َر َمكُ ْم ِعنْدَ اللّهِ َأتْقَاكُمْ} [سورة الجرات ‪]49/13‬‬

‫والكري عند ال هو الكري حقا ف السماوات وف الرض‪ ,‬وف كل وضع من أوضاعه وكل حالة‬
‫من حالته‪.‬‬

‫هذا هو الذي وعنه قلوب الصحابة الكرام رضي ال عنهم‪ ..‬فكانوا خي قرن من القرون‪ ,‬بقدار ما‬
‫أخصلوا دينهم ل‪ ....‬بقدار ما صدقوا ف عبوديتهم ل‪..‬‬
‫‪m m m‬‬
‫وكان القرآن يدثهم عن اليوم الخر حديثا يهز القلوب بدقة الوصف والبلغة العجزة ف التعبي‪,‬‬
‫فيعيشون مشاهد القيامة كأنم يرونا اللحظة تاه أعينهم‪ ...‬كأنا هي الاضر الشهود ل الستقبل‬
‫النظور‪.‬‬

‫تلك خاصية القرآن‪ ...‬يظل يصف لك مشاهد القيامة حت ييل إليك من روعة الوصف أن الياة‬
‫الت تياها الن قد مضت وانقضت وأصبحت ماضيا يتذكر‪ ,‬وأن الاضر هو هذه الشاهد الية‬
‫الوصوفة بكل دقائقها‪:‬‬

‫جحِيمِ (‪ )18‬كُلُوا‬ ‫ب الْ َ‬‫ت َوَنعِيمٍ (‪ )17‬فَا ِكهِيَ بِمَا آتَاهُمْ َرّبهُمْ َووَقَاهُمْ َرّبهُمْ عَذَا َ‬ ‫{ِإنّ الْ ُمّتقِيَ فِي َجنّا ٍ‬
‫ي عَلَى سُ ُر ٍر َمصْفُوَف ٍة وَ َزوّ ْجنَاهُ ْم بِحُو ٍر عِيٍ (‪ )20‬وَالّذِينَ‬ ‫وَاشْ َربُوا َهنِيئا بِمَا كُنتُمْ َتعْ َملُونَ (‪ُ )19‬مّتكِئِ َ‬
‫سبَ‬ ‫ئ بِمَا كَ َ‬ ‫ح ْقنَا ِبهِمْ ذُ ّرّيَتهُ ْم َومَا أََلْتنَاهُمْ مِ ْن عَمَِلهِ ْم مِ ْن َشيْءٍ كُ ّل امْرِ ٍ‬
‫آ َمنُوا وَاتَّب َعْتهُمْ ذُ ّرّيُتهُ ْم بِإِيَانٍ أَلْ َ‬
‫شتَهُونَ (‪َ )22‬يَتنَا َزعُونَ فِيهَا َكأْسا ل َل ْغوٌ فِيهَا وَل َت ْأثِيمٌ (‪)23‬‬ ‫َرهِيٌ (‪َ )21‬وَأمْدَ ْدنَاهُ ْم ِبفَاكِ َه ٍة وَلَحْمٍ مِمّا يَ ْ‬
‫ض َيتَسَاءَلُونَ (‪ )25‬قَالُوا ِإنّا‬ ‫ضهُ ْم عَلَى َبعْ ٍ‬‫ف عََلْيهِ ْم غِلْمَانٌ َلهُمْ َكَأّنهُمْ ُلؤُْل ٌؤ َم ْكنُونٌ (‪َ )24‬وأَ ْقبَ َل َبعْ ُ‬ ‫َويَطُو ُ‬
‫ش ِفقِيَ (‪ )26‬فَمَنّ اللّ ُه عََلْينَا َووَقَانَا عَذَابَ السّمُومِ (‪ِ )27‬إنّا ُكنّا مِنْ َقبْ ُل نَ ْدعُوهُ ِإنّ ُه ُهوَ‬ ‫ُكنّا َقبْلُ فِي أَهِْلنَا مُ ْ‬
‫اْلبَرّ الرّحِيمُ (‪[ })28‬سورة الطور ‪]28-52/17‬‬

‫حمُومٍ (‪ )43‬ل‬ ‫صحَابُ الشّمَالِ (‪ )41‬فِي سَمُو ٍم وَحَمِيمٍ (‪َ )42‬وظِ ّل مِ ْن يَ ْ‬ ‫{ َوأَصْحَابُ الشّمَالِ مَا أَ ْ‬
‫ك ُمتْرَفِيَ (‪ )45‬وَكَانُوا ُيصِرّونَ عَلَى الْحِنثِ اْلعَظِيمِ (‪ )46‬وَكَانُوا‬ ‫بَا ِر ٍد وَل كَ ِريٍ (‪ِ )44‬إّنهُمْ كَانُوا َقبْلَ ذَلِ َ‬
‫ي وَالخِرِينَ‬ ‫َيقُولُونَ َأئِذَا ِمْتنَا وَ ُكنّا تُرَابا َوعِظَاما َأِئنّا َل َمبْعُوثُونَ (‪َ )47‬أ ْو آبَا ُؤنَا ا َلوّلُونَ (‪ )48‬قُلْ ِإنّ ا َلوّلِ َ‬
‫جرٍ‬
‫ت َي ْومٍ َمعْلُومٍ (‪ )50‬ثُمّ ِإنّكُمْ َأّيهَا الضّالّونَ الْ ُمكَ ّذبُونَ (‪ )51‬لكِلُو َن مِ ْن شَ َ‬ ‫(‪َ )49‬لمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَا ِ‬
‫ب اْلهِيمِ (‪)55‬‬
‫مِنْ زَقّومٍ (‪َ )52‬فمَاِلئُو َن ِمنْهَا اْلبُطُونَ (‪ )53‬فَشَا ِربُونَ عََليْ ِه مِ ْن الْحَمِيمِ (‪ )54‬فَشَا ِربُو َن شُرْ َ‬
‫هَذَا نُزُُلهُ ْم َي ْومَ الدّينِ (‪[ })56‬سورة الواقعة ‪]56-56/41‬‬

‫نعم‪ ...‬تلك خاصية القرآن‪ ...‬ولكن القلوب التفتحة تس بوقع الكلمات علي نو يتلف عن غيها‬
‫من القلوب‪ ...‬إنا تتلقي الشحنة كاملة‪ ,‬فتتأثر با كاملة‪ ,‬ويسري الثر إل العماق‪.‬‬

‫لقد كان من صدق استسلم هذه القلوب ل‪ ,‬أن كان تأثرها بكلم ال أشد‪ ,‬فهي تتلقي كل كلمة‬
‫من كلم ال علي أنا موجهة إليها شخصيا‪ ,‬ل أنا موجهة لخر وهي تتفرج من بعيد‪ ,‬كما يدث‬
‫للقلوب الغافية الت تتلقي الكلم وهي وسنانة‪ ,‬فيكون ف حسها كرجع الصدي‪ ,‬مبهما غي واضح‬
‫النبات!‪.‬‬

‫عاشوا والخرة ف حسهم كأنا حاضر‪ .‬يعايشون مشاهدها تاه أعينهم‪ ,‬فتشهدهم النة بنعيمها‬
‫الشفيف الالد فيشتاقون إليها‪ ,‬فيغذون السي إليها متخففي ما يثقلهم ف الطريق من متاع الياة الدنيا‪,‬‬
‫متزودين بالزاد الذي يصلح الطريق { َوتَ َزوّدُوا فَِإنّ َخيْرَ الزّا ِد الّتقْوَى} [سورة البقرة ‪ ]2/197‬ورهبهم‬
‫النار بعذابا الروع فيحذرون أن يقعوا فيها‪ ,‬فيحاولون البتعاد إل أقصي الدي لينجوا من اللهيب‪" :‬كنا‬
‫نترك تسعة أعشار اللل مافة الوقوع ف الرام"‪.‬‬

‫وكذلك كان وقع اليوم الخر ف حسهم‪ ...‬ل يكن مرد تأثر وجدان مؤقت‪ ,‬تر به رياح الشهوات‬
‫فتعصف به وتذروه‪ ,‬إنا هو شئ ثابت تاه أعينهم‪ ,‬ف كل لظة يرونه‪ ,‬وف كل لظة يتأثرون برؤيته‪,‬‬
‫فيعملون ما يقربم من النة‪ ,‬ويتحاشون مايقربم من النار‪ .‬لذلك كان دعائهم ‪ -‬وهم يذكرون ال‬
‫قياما وقعودا وعلي جنوبم ‪ -‬علي هذا النحو الذي تصفه اليات‪:‬‬

‫ت وَالَ ْرضِ َرّبنَا مَا‬ ‫{الّذِي َن يَذْكُرُونَ اللّهَ ِقيَاما وَُقعُودا َوعَلَى ُجنُوبِهِ ْم َوَيَتفَكّرُونَ فِي خَلْقِ السّ َموَا ِ‬
‫ك مَ ْن تُدْ ِخ ْل النّارَ َفقَدْ أَخْ َزْيتَهُ َومَا لِلظّالِ ِميَ‬ ‫ب النّارِ (‪َ )191‬رّبنَا إِنّ َ‬ ‫ل ُسبْحَانَكَ َف ِقنَا عَذَا َ‬ ‫خََل ْقتَ هَذَا بَاطِ ً‬
‫مِنْ َأْنصَارٍ (‪َ )192‬رّبنَا إِّننَا سَ ِم ْعنَا ُمنَادِيا ُينَادِي ِللِيَانِ َأنْ آ ِمنُوا بِ َرّبكُمْ فَآ َمنّا َرّبنَا فَاغْفِرْ َلنَا ُذنُوَبنَا وَ َكفّرْ‬
‫ك وَل ُتخْ ِزنَا َي ْومَ اْل ِقيَا َمةِ ِإنّكَ ل‬ ‫َعنّا َسيّئَاِتنَا َوَتوَّفنَا َم َع الَبْرَارِ (‪َ )193‬ربّنَا وَآِتنَا مَا َوعَ ْدَتنَا عَلَى ُر ُسلِ َ‬
‫ف الْمِيعَادَ (‪[ })194‬سورة آل ‪]194-3/191‬‬ ‫خلِ ُ‬
‫تُ ْ‬

‫ف كل لظة يهم أحدهم بعمل يسأل نفسه‪ :‬هل هذا العمل ما يرضي ال عنه فيدخله به النة؟ ام ما‬
‫يسخط ال فيدخله به النار؟‪.‬‬
‫وف كل لظة يسأل نفسه‪ :‬ما الذي يريده ال من ف موقفي هذا ف لظت هذه؟ فإذا عرف الواب‬
‫أسرع إل القيام با يطلبه ال منه‪ ,‬شوقا إل النة وفرارا من النار‪ .‬وكان هذا هو الذكر الذي يذكرون‬
‫به ال قياماً وقعودا وعلي جنوبم‪ ...‬الذكر الافز إل السارعة ف اليات‪ ,‬ل ذكر الوراد والذكار‬
‫والسابح‪ ,‬الذي يبدأ هناك وينتهي هناك!‪.‬‬
‫‪m m m‬‬
‫وكان القرآن يدثهم عن قصة الشيطان مع آدم‪ ,‬ويذرهم من الوقوع ف فتنته‪:‬‬

‫ع َعْنهُمَا ِلبَا َسهُمَا ِليُ ِرَيهُمَا َسوْآِتهِمَا‬


‫جّن ِة يَنِ ُ‬
‫شيْطَانُ َكمَا أَخْ َرجَ َأَبوَْيكُ ْم مِ ْن الْ َ‬ ‫{يَا َبنِي آ َد َم ل َي ْفتَِننّكُمْ ال ّ‬
‫شيَاطِيَ َأوْلِيَاءَ لِلّذِي َن ل ُيؤْ ِمنُونَ ( ‪[ })27‬سورة‬ ‫ث ل تَ َر ْوَنهُمْ ِإنّا َج َع ْلنَا ال ّ‬
‫ِإنّ ُه يَرَاكُ ْم ُهوَ وََقبِيلُ ُه مِنْ َحْي ُ‬
‫العراف ‪]7/27‬‬

‫ك مِ ْن الْمُنظَرِينَ (‪ )15‬قَالَ َفبِمَا َأ ْغوَْيَتنِي لَ ْقعُ َدنّ َلهُمْ‬‫{قَالَ أَن ِظ ْرنِي إِلَى َي ْومِ يُْب َعثُونَ (‪ )14‬قَالَ ِإنّ َ‬
‫جدُ‬
‫سَتقِيمَ (‪ )16‬ثُ ّم لِتَيّنهُمْ مِنْ بَيْنِ َأيْدِيهِ ْم َومِنْ َخ ْل ِفهِمْ وَعَنْ َأيْمَاِنهِ ْم َوعَ ْن شَمَائِِلهِ ْم وَل تَ ِ‬
‫ك الْمُ ْ‬‫صرَاطَ َ‬
‫ِ‬
‫أَ ْكثَ َرهُ ْم شَاكِرِينَ ( ‪[ })17‬سورة العراف ‪]17-7/14‬‬

‫{ِإنْ يَ ْدعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلّ ِإنَاثا َوِإنْ يَ ْدعُونَ إِلّ َشيْطَانا مَرِيدا (‪َ )117‬ل َعنَهُ اللّ ُه وَقَالَ َلتّخِ َذ ّن مِ ْن ِعبَا ِدكَ‬
‫َنصِيبا َمفْرُوضا (‪ )118‬وَلضِّلّنهُ ْم وَلمَّنَيّنهُمْ وَلمُ َرّنهُمْ َفَلُيبَّتكُنّ آذَانَ ا َلْنعَا ِم وَلمُ َرّنهُمْ فََلُي َغيّ ُرنّ خَلْقَ اللّهِ‬
‫سرَانا ُمبِينا (‪َ )119‬يعِ ُدهُمْ َويُ َمنّيهِ ْم َومَا َيعِ ُدهُمْ‬ ‫سرَ خُ ْ‬ ‫شيْطَانَ وَِليّا مِنْ دُونِ اللّهِ َفقَدْ خَ ِ‬
‫َومَ ْن َيتّخِذْ ال ّ‬
‫شيْطَانُ إِ ّل غُرُورا (‪[ })120‬سورة النساء ‪]120-4/117‬‬ ‫ال ّ‬

‫وكان الشيطان يتجسم ف حسهم مرئيا مشهودا يأتيهم من بي أيديهم ومن خلفهم وعن أيانم‬
‫وعن شائلهم‪ ,‬يوسوس لم بالعصية ويستثي كوا من الشهوات‪ ..‬فكانوا ياولون أن يكونوا دائما علي‬
‫يقظة‪ ,‬لنه ل يدخل إل علي الغفلن‪ .‬كانوا يتقربون إل ال بالطاعات ليضيقوا طريق الشيطان إليهم أو‬
‫يسدوه‪ ,‬فل يد له طريقا إليهم إل فيما هو أخفي من دبيب النمل‪ ,‬ومع ذلك ياولون أيضاَ أن يسدوا‬
‫ذلك الطريق!‪.‬‬

‫شيْطَانِ الرّجِيمِ (‪ِ )98‬إنّهُ َلْيسَ لَ ُه ُسلْطَانٌ عَلَى الّذِينَ آ َمنُوا َوعَلَى َرّبهِمْ َيَتوَكّلُونَ (‬
‫{فَا ْسَتعِ ْذ بِاللّ ِه مِنْ ال ّ‬
‫‪ِ )99‬إنّمَا سُ ْلطَانُهُ عَلَى الّذِي َن َيَتوَلّ ْونَ ُه وَالّذِي َن هُ ْم بِ ِه مُشْرِكُونَ (‪[ })100‬سورة النحل ‪]100-16/98‬‬
‫‪m m m‬‬
‫وكان القرآن يدثهم عن أخلقيات ل إله إل ال‪:‬‬
‫{قَدْ أَ ْفلَ َح الْ ُم ْؤ ِمنُونَ (‪ )1‬الّذِي َن هُمْ فِي صَلِتهِمْ خَا ِشعُونَ (‪ )2‬وَالّذِينَ هُ ْم عَنْ الّل ْغ ِو ُمعْرِضُونَ (‪)3‬‬
‫وَالّذِي َن هُمْ لِلزّكَاةِ فَاعِلُونَ (‪ )4‬وَالّذِينَ هُمْ ِل ُفرُو ِجهِمْ حَاِفظُونَ (‪ )5‬إِ ّل عَلَى أَ ْزوَا ِجهِ ْم أوْ مَا مََل َكتْ‬
‫ك هُ ْم الْعَادُونَ (‪ )7‬وَالّذِينَ هُمْ َلمَانَاِتهِمْ‬ ‫َأيْمَاُنهُمْ فَِإّنهُ ْم َغيْ ُر مَلُومِيَ ( ‪َ )6‬فمَ ْن ابَْتغَى وَرَاءَ ذَلِكَ َفأُوَْلئِ َ‬
‫ك هُ ْم اْلوَا ِرثُونَ (‪ )10‬الّذِي َن يَ ِرثُونَ‬
‫صَلوَاِتهِ ْم يُحَافِظُونَ (‪ُ )9‬أوْلَئِ َ‬‫َو َعهْ ِدهِمْ رَاعُونَ (‪ )8‬وَالّذِينَ هُ ْم عَلَى َ‬
‫س هُمْ فِيهَا خَاِلدُونَ (‪[ })11‬سورة الؤمنون ‪]11-23/1‬‬ ‫اْلفِرْ َدوْ َ‬

‫{ َو ِعبَادُ الرّحْ َم ِن الّذِينَ يَمْشُو َن عَلَى الَ ْرضِ َهوْنا َوإِذَا خَا َطَبهُ ْم الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلما (‪ )63‬وَالّذِي َن‬
‫ف عَنّا عَذَابَ َج َهنّمَ ِإنّ عَذَاَبهَا كَا َن غَرَاما (‬ ‫َيبِيتُونَ ِل َرّبهِ ْم سُجّدا وَِقيَاما (‪ )64‬وَالّذِي َن َيقُولُونَ َرّبنَا اصْ ِر ْ‬
‫ستَقَرّا َو ُمقَاما (‪ )66‬وَالّذِينَ ِإذَا أَن َفقُوا لَ ْم يُسْرِفُوا وَلَ ْم َي ْقتُرُوا وَكَانَ َبيْنَ ذَلِكَ َقوَاما (‪)67‬‬ ‫ت مُ ْ‬‫‪ِ )65‬إّنهَا سَاءَ ْ‬
‫ح ّق وَل َي ْزنُو َن َومَنْ يَ ْفعَلْ ذَلِكَ‬ ‫س اّلتِي َح ّرمَ اللّهُ إِ ّل بِالْ َ‬
‫وَالّذِي َن ل يَ ْدعُو َن مَعَ اللّهِ إِلَها آخَ َر وَل َي ْقتُلُو َن النّ ْف َ‬
‫ب َي ْومَ اْل ِقيَا َم ِة َويَخُْلدْ فِيهِ ُمهَانا (‪ )69‬إِلّ مَنْ تَابَ وَآمَ َن َوعَمِ َل عَ َملً‬ ‫يَ ْلقَ َأثَاما (‪ُ )68‬يضَاعَفْ لَهُ الْعَذَا ُ‬
‫ت وَكَانَ اللّهُ غَفُورا َرحِيما (‪َ )70‬ومَ ْن تَابَ وَعَ ِملَ صَالِحا فَِإنّهُ‬ ‫سنَا ٍ‬ ‫ك ُيبَدّلُ اللّ ُه َسّيئَاِتهِمْ حَ َ‬
‫صَالِحا َفُأوْلَئِ َ‬
‫شهَدُونَ الزّو َر َوإِذَا مَرّوا بِالّل ْغ ِو مَرّوا كِرَاما (‪ )72‬وَالّذِينَ ِإذَا ذُكّرُوا‬ ‫َيتُوبُ إِلَى اللّ ِه َمتَابا (‪ )71‬وَالّذِينَ ل يَ ْ‬
‫خرّوا عََلْيهَا صُمّا وَعُ ْميَانا (‪ )73‬وَالّذِي َن َيقُولُونَ َرّبنَا َهبْ َلنَا مِنْ أَ ْزوَا ِجنَا وَ ُذ ّريّاِتنَا قُ ّرةَ‬ ‫بِآيَاتِ َرّبهِمْ لَ ْم يَ ِ‬
‫حّيةً َوسَلما (‪)75‬‬ ‫صبَرُوا َويَُل ّقوْنَ فِيهَا تَ ِ‬‫ج َز ْونَ اْلغُرَْف َة بِمَا َ‬
‫ك يُ ْ‬‫َأ ْعيُنٍ وَا ْجعَ ْلنَا ِللْ ُمّتقِيَ ِإمَاما ( ‪ُ )74‬أوْلَئِ َ‬
‫سَتقَرّا َو ُمقَاما (‪[ })76‬سورة الفرقان ‪]76-25/63‬‬ ‫سَنتْ مُ ْ‬ ‫خَالِدِينَ فِيهَا حَ ُ‬

‫ويدثهم كذلك عن أخلقيات الاهلية‪:‬‬

‫سَتوْفُونَ (‪َ )2‬وإِذَا كَالُوهُمْ َأ ْو وَ َزنُوهُمْ ُيخْسِرُونَ (‬


‫س يَ ْ‬
‫{ َويْلٌ لِلْ ُم َط ّففِيَ (‪ )1‬الّذِينَ إِذَا ا ْكتَالُوا عَلَى النّا ِ‬
‫‪[ })3‬سورة الطففي ‪]3-83/1‬‬

‫سكِيِ (‪َ )18‬وتَأْكُلُونَ التّرَاثَ أَ ْكلً َلمّا‬


‫ل بَل ل تُكْ ِرمُونَ اْلَيتِيمَ (‪ )17‬وَل تَحَاضّو َن عَلَى َطعَا ِم الْمِ ْ‬
‫{ َك ّ‬
‫حبّونَ الْمَالَ ُحبّا جَمّا (‪[ })20‬سورة الفجر ‪]20-89/17‬‬ ‫(‪َ )19‬وتُ ِ‬

‫{ َكلّ إِ ّن الِنسَانَ َليَ ْطغَى (‪َ )6‬أنْ رَآ ُه اسَْت ْغنَى (‪[ })7‬سورة العلق ‪]7-96/6‬‬

‫سبُ َأنّ مَالَهُ أَ ْخلَ َدهُ (‪[ })3‬سورة المزة‬


‫{ َويْلٌ ِلكُ ّل هُمَ َزةٍ لُمَ َزةٍ (‪ )1‬الّذِي جَمَ َع مَا ًل َوعَدّ َدهُ (‪ )2‬يَحْ َ‬
‫‪]3-104/1‬‬

‫خْي ِر ُمعْتَدٍ َأثِيمٍ (‪ُ )12‬عتُلّ َبعْدَ ذَلِكَ‬


‫{وَل تُطِعْ كُلّ َحلّفٍ َمهِيٍ (‪ )10‬هَمّا ٍز مَشّا ٍء ِبنَمِيمٍ (‪َ )11‬منّاعٍ لِلْ َ‬
‫َزنِيمٍ (‪َ )13‬أنْ كَانَ ذَا مَا ٍل َوَبنِيَ (‪ِ )14‬إذَا ُتتْلَى عََليْهِ آيَاُتنَا قَالَ َأسَاطِ ُي ا َلوّلِيَ (‪[ })15‬سورة القلم‬
‫‪]15-68/10‬‬

‫فيأخذون التوجيه علي أنه أمر ملزم وني ملزم‪ .‬أمر بأخلقيات ل إله إل ال‪ ,‬وني عن أخلق‬
‫الاهلية‪.‬‬

‫لذلك ل تكن ل إله إل ال منفصلة ف حسهم عن الخلق الفاضلة الت دعاهم إليها باسم اليان‪,‬‬
‫لنا كانت ف حسهم ‪-‬كما هي ف الواقع ‪ -‬من مقتضيات ل إله إل ال‪.‬‬
‫‪m m m‬‬
‫هل نعجب إذن ‪ -‬حي نعرف الطريقة الت كانوا يتلقون با توجيهات القرآن وتوجيهات الرسول ‪e‬‬
‫‪ -‬إذا رأيتا تلك النماذج الفذة الت تدثنا عنها كتب السية‪ ,‬بتلك الوفرة الت وعاها التاريخ؟‬

‫هل نعجب من الذين باتوا علي الطوي ليقدموا اللقمة الضئيلة الت يلكونا إل ضيفهم‪ ,‬وأصفأوا‬
‫السراج حت ل يري الضيف أنم ل يلكون إل ما قدموه له‪ ...‬فأنزل ال فيهم {وَُي ْؤثِرُونَ عَلَى َأْنفُسِهِمْ‬
‫صةٌ} [سورة الشر ‪]59/9‬‬
‫وََلوْ كَانَ ِبهِمْ َخصَا َ‬

‫هل نعجب من الذي خرج من بيته وبيده ترات فلما رأي القتال قال‪ :‬لئن عشت حت أنتهي من‬
‫هذه إنه لمر يطول! فألقي التمرات واقتحم العركة شوقا إل النة فاستشهد؟!‬

‫هل نعجب من كان ف ليلة عرسه فسمع اليعة فقام يطلب النة فلما استشهد غسلته اللئكة؟!‬

‫هل نعجب من يقدم له رسول ال ‪ e‬قسمه من الفئ فيده يقول ما علي هذا بايعتك! لنه يبحث‬
‫عن متاع من نوع آخر‪ ,‬ويصدق ال فيصدقه‪ ...‬فيدخله النة شهيدا ف سبيل ال؟!‬

‫هل تعجب من عمر يبكي حي رأي العجوز تلهي أبناءها ليناموا فيذهب بنفسه فيحمل الدقيق علي‬
‫ظهره ويعود يصنع للطفال الطعام بيده ول ينصرف حت يعلم أنم قد شبعوا وناموا؟!‬

‫هل نعجب من ماعز تؤرقه نفسه‪ ,‬يلح علي رسول ال ‪ e‬حت يقيم عليه الد‪ ,‬ل يطيق أن يلقي ال‬
‫بل كفارة؟ ومن الغامدية تلح ف إقامة الد عليها‪ ,‬وتظل علي عزيتها ل تفارقها حت تفطم ولدها‪...‬‬
‫تريد أن تلقي ال خالية من الذنوب؟!‬

‫هل نعجب من ربعي بن عامر يدخل علي رستم كما دخل‪ ,‬مستعليا عيل كل ماتلكه الاهلية من‬
‫السلطان والاه‪ ,‬معتزا بل إله إل ال‪ ,‬يصدع بكلمة الق ف وجه الاهلية العاتية‪ ,‬ل يرهبها ول يس لا‬
‫وزنا ف حسه‪ ,‬لنه يزنا بيزان ال فإذا هي خاوية‪ ,‬تستحق أن يدوسها بأقدام حاره‪ ,‬ويزقها بطرف‬
‫رمه‪ ,‬ويلي علي صاحبها أمر ال!‬

‫هل نعجب من عمرو بن العاص يطلب الدد من الليفة لن الروم يشدون علي جيشه‪ ,‬فل يرسل له‬
‫عمر رضي ال عنه عشرة آلف يده بم ول خسة آلف‪ ,‬ول ألفا ول خسمائة‪ ,‬إنا يرسل إليه أربعة‬
‫من أصحاب رسول ال ‪ e‬الكرام العظام كأنم مدد يبلغ اللوف؟!‬

‫هل نعجب من انتشار السلم ف تلك الرقعة الفسيحة من الرض ف تلك البهة القصية من الزمن‪,‬‬
‫فيبلغ من الحيط غربا إل الند شرقا ف نصف قرن من الزمان علي أيدي أولئك الفذاذ من الرجال؟!‬

‫هل نعجب من مئات ومئات من الوارق ف كل اتاه‪ ,‬تتمع كلها وتتشد ف تلك الفترة الحدودة‬
‫من الزمن‪ ,‬حت ليمر با الؤرخ وكاتب السية مرورا عابرا كأنا يتحدث عن شئ عادي‪ ,‬ذلك أنه ينظر‬
‫ينة ويسرة فيي القمم الشاهقة من حوله فل يعود يصف قمة بأنا قمة!! لن هذا ل ييزها عن غيها‬
‫من القمم!!‬
‫‪m m m‬‬
‫هل خرج هؤلء البشر عن بشريتهم؟‬

‫هل أصبحوا ملئكة؟‬


‫(‪)1‬‬
‫هل خرجوا من عموم قوله ‪" :e‬كل بن آدم خطاء"‬

‫كل‪ :‬ما كانوا كذلك!‬

‫كانوا بشرا تعتمل ف نفوسهم دوافع البشر‪ ,‬ويتحركون ف الرض بدوافع البشر‪ ...‬ولكنها دوافع‬
‫البشر ف أصفي حالتا وأعلها‪ ,‬دوافع البشر حي يتخففون إل أقصي حد من ثقلة الرض‪ ,‬فيصعدون‬
‫أقصي ما يتاح للبشر من الصعود‪ ,‬ولكنهم مع ذلك كله بشر فيهم من سرق وأقيم عليه الد‪ ,‬وفيهم من‬
‫زن وأقيم عليه الد‪ ,‬وفيهم من شرب المر وأقيم عليه الد‪ ,‬وفيهم من تول يوم التقي المعان فغفر‬
‫ال له‪ ,‬وفيهم من تباطأ وتثاقل‪ ,‬وفيهم من تلف‪...‬‬

‫() أخرجه أحر وأبو داود وابن ماجة والدارمي‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫فيهم من نزل فيه قوله تعال‪{ :‬مَ ْن يُرِيدُ ال ّدْنيَا َو ِمنْكُ ْم مَ ْن يُرِيدُ ال ِخ َرةَ ثُمّ} [سورة آل ‪]3/152‬‬

‫وقوله تعال‪{:‬مَا َلكُمْ ِإذَا قِيلَ َلكُ ْم انفِرُوا فِي َسبِيلِ اللّ ِه اثّاقَ ْلتُمْ إِلَى الَ ْرضِ} [سورة التوبة ‪]9/38‬‬

‫خلُ} [سورة ممد ‪]47/38‬‬


‫وقوله تعال‪{ :‬هَاأَْنتُ ْم َهؤُلءِ تُ ْد َع ْونَ ِلتُنفِقُوا فِي َسبِيلِ اللّهِ فَ ِمْنكُمْ مَ ْن يَبْ َ‬

‫وقوله تعال‪َ{ :‬لقَ ْد تَابَ اللّ ُه عَلَى الّنبِ ّي وَالْ ُمهَاجِرِي َن وَالَنصَا ِر الّذِي َن اتَّبعُوهُ فِي سَا َعةِ اْلعُسْ َر ِة مِ ْن َبعْدِ‬
‫ب عََلْيهِمْ ِإنّ ُه ِبهِمْ رَءُوفٌ َرحِيمٌ (‪َ )117‬وعَلَى الثّلَثةِ الّذِينَ خُّلفُوا‬ ‫مَا كَا َد يَزِيغُ قُلُوبُ َفرِي ٍق ِمنْهُ ْم ثُ ّم تَا َ‬
‫جأَ مِنْ اللّهِ إِلّ إَِليْهِ ثُمّ‬ ‫سهُ ْم َو َظنّوا أَنْ ل مَ ْل َ‬
‫ت عََلْيهِمْ أَنفُ ُ‬
‫ض بِمَا َر ُحَبتْ وَضَاَق ْ‬ ‫ت عََلْيهِمْ الَ ْر ُ‬‫َحتّى إِذَا ضَاَق ْ‬
‫ب عََلْيهِمْ ِلَيتُوبُوا ِإنّ اللّهَ هُ َو الّتوّابُ الرّحِيمُ (‪[ })118‬سورة التوبة ‪]118-9/117‬‬ ‫تَا َ‬

‫سهُمْ ذَكَرُوا اللّهَ فَا ْستَ ْغفَرُوا‬


‫شةً َأ ْو ظَلَمُوا َأنْفُ َ‬
‫ولكنهم كانوا كما وصفهم ال‪{ :‬وَالّذِينَ ِإذَا َفعَلُوا فَاحِ َ‬
‫لِ ُذنُوِبهِ ْم َومَ ْن َيغْفِرُ ال ّذنُوبَ إِلّ اللّ ُه وَلَ ْم ُيصِرّوا عَلَى مَا َفعَلُوا َوهُ ْم َيعْلَمُونَ ( ‪ُ )135‬أوَْلئِكَ جَزَا ُؤهُ ْم َم ْغفِ َرةٌ‬
‫حِتهَا ا َلْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا َوِنعْمَ أَجْ ُر اْلعَامِلِيَ (‪[ })136‬سورة آل ‪-3/135‬‬ ‫مِنْ َرّبهِمْ َو َجنّاتٌ َتجْرِي مِ ْن َت ْ‬
‫‪]136‬‬

‫كانوا يعملون‪ ...‬فإذا هبطت بم ثقلة عن الستوي السامق ل يستكينوا للهبوط‪ ,‬إنا عادوا يعملون‬
‫للصعود من جديد‪ ...‬فيصعدون‪ ...‬ويصعدون!‬

‫ثانيا‪ :‬تقيق معن المة ف صورته القيقة‪:‬‬

‫كان العرب كما قلنا ققبائل متناثرة ل تتمع علي شئ‪ ,‬علي الرغم من وجود كل مقومات التجمع‬
‫من وحدة الرض‪ ,‬ووحدة اللغة‪ ,‬ووحدة الثقافة‪ ,‬ووحدة التاريخ‪ ,‬ووحدة التصورات‪ ,‬ووحدة‬
‫التطلعات‪.‬‬

‫وقد كان يكن علي أقل تقدير أن يتمعوا علي قضية من القضايا الت يتجمع لا الناس ف جاهلياتم‪,‬‬
‫قضية قومية مثلً لطرد الحتلل الفارسي والحتلل الرومان من أطراف الزيرة العربية‪ ,‬أو قضية‬
‫اجتماعية للتقريب الفوارق بي الغن الفاحش ف أيدي فئة قليلة من الناس والفقر الدقع الذي ييتسربل به‬
‫أغلبية الناس‪ ..‬أو غي هذه وتلك ما يكن أن يتمع له الناس ف أطوار معينة من أطوار الضارات‬
‫الاهلية‪ ...‬ولكن العصبية القبيلة والثارت الدائمة و غارات السلب والنهب واشتغال كل قبيلة بشئونا‬
‫الاصة‪ ,‬وحرصها علي حيازة ما تفاخر به غيها‪ ,‬وسعيها إل انتقاص غيها‪ ,‬جعل التجمع حت علي‬
‫هذه القضايا الرضيية البحتة أمرا ل يطر ف بال قبيلة من القبائل‪ ,‬حت ف فرصة التجمع السنوي ف‬
‫موسم الج‪.‬‬

‫ومن هناك انتشلهم السلم‬

‫انتشلهم ل ليكونوا تمعا قوميا كما يكن أن يدث ف أية جاهلية من جاهليات التاريخ‪ ,‬ول‬
‫ليكونوا تمعا وطنيا تت قيادة زعيم منهم ينشئ منهم دولة موحدة ذات كيان وحدود‪...‬ولكن لينشئ‬
‫منهم تمعا فريدا ف التاريخ‪ ...‬لينشئ منهم أمة العقيدة الت استحقت من ال وصفها بذا الوصف‬
‫ف َوَتْن َهوْ َن عَنْ الْمُنكَ ِر َوُت ْؤمِنُونَ بِاللّهِ} [سورة‬
‫س َتأْمُرُو َن بِالْ َمعْرُو ِ‬
‫العظيم‪ُ { :‬كنْتُمْ َخْيرَ ُأ ّمةٍ أُ ْخرِ َجتْ لِلنّا ِ‬
‫آل عمران ‪]3/110‬‬

‫والذي يلحظ النقلة الائلة الت انتقلها العرب من شتاتم التناثر ليكونوا خي أمة أخرجت للناس‪ ,‬ل‬
‫بد أن يأخذه العجب من هذا التحول الائل ف فترة من عمر الزمن كأنا لظات!‬

‫وقد يتمحل التمحلون من دعاة القومية العربية‪ ,‬أو دعاة التفسي الادي للتاريخ ليقولوا إن العرب‬
‫كانوا وشكي من ذوات أنفسهم علي التجمع القومي لطرد الروم والفرس من أطراف الزيرة‪ ,‬أو ليقام‬
‫ثورة "اشتراكية" من الفقراء علي الغنياء تنقل السيادة من الخيين إل الولي‬

‫وهو تحل فارغ ل يستحق الوقوف عنده لبضع لظات!‬

‫فل التجمع القومي الزعوم كانت له أي بوادر منظورة بي القبائل العربية التناثرة‪ ,‬ول تكلم به أي‬
‫متكلم علي الطلق‪ ,‬ول "الثورة الشتراكية" كانت لا أي بوادر منظورة أوكامنة ف الزيرة العربية ول‬
‫ف غيها من بقاع الرض لعدة قرون تلت‪ ,‬ول كان "الفقراء" ف أي قبيلة تمعا مترابطا متضامنا ليقوم‬
‫ل عن أن يكونوا تمعا عريضا يشمل فقراء الزيرة العربية كلهم بوصفهم‬ ‫بالثورة علي الغنياء فيها‪ ,‬فض ً‬
‫"طبقة" تثور علي طبقة الغنياء‪.‬‬

‫وفضلً عن ذلك كله فإن التجمع الذي تثل ف تلك "المة الفريدة" أمة العقيدة‪ ,‬هو تمع فريد ل‬
‫مثيل له ف كل التجمعات "القومية" السابقة أو اللحقة‪ ,‬ول ف التجمعات الت قامت علي أساس‬
‫الذاهب الجتماعية ف العصر الديث‪ ,‬فالقول بأن العرب كانوا وشكي من عند أنفسهم علي إقامة هذا‬
‫التجمع أو ذاك‪ ,‬ل يفسر ‪-‬حت إن صح ‪ -‬قيام ذلك التجمع الفريد‪ ,‬الذي ل يتكرر ‪-‬بذه الصورة ‪-‬‬
‫ف كل التاريخ‪.‬‬
‫‪m m m‬‬
‫كيف تكونّ ذلك التجمع الفريد‪ ,‬الذي أنشأ خي أمة أخرجت للناس؟‬

‫لقد بدأ ول شك بأولئك الفراد القلئل الذي تمعوا حول الرسول ‪ e‬ف دار الرقم بن الرقم ف‬
‫خفية عن عيون الناس‪ .‬كل قد هجر الاهلية كلها من حوله وأدار لا ظهره وقطع صلته بقرابة الدم‬
‫وصداقات القوم وتوجه الوجهة الديدة الت تدعو إليها ل إله إل ال ممد رسول ال الت شهد با‬
‫قلبه ولسانه وكل جوارحه وأصبحت له – منذ شهد با – هى الوثل واللذ وهى مفرق الطريق بينه‬
‫وبي الاهلية‪.‬‬
‫وحي التقوا حول رسول ال ‪ e‬فقد التقوا بكيانم كله والتحمت قلوبم بنوع جديد من الرباط ل‬
‫يألفوه من قبل ول وجود له ف القيقة خارج نطاق العقيدة‪ .‬إنه اللقاء ف ال واللقاء ف رسول ال‪.‬‬
‫إن الناس ف الاهلية تلتقى وتقوم بينها صحبة وصداقات‪ .‬ولكن على أى شئ تلتقى الناس؟‬
‫إنا إما قرابة الدم وإما " الصال الشتركى " وإما لقاء الشهوات‪.‬‬
‫ومن ث فإنا – مهما تقاربت وتلصقت – ل تصل إل حد اللتحام!‬
‫ف كل صلة من هذه الصلت ل تذوب " النا " الت تقيم حاجزا بي القلب والقلب وإن تلقت‬
‫الجساد أو تلقت العقول والفكار‪ .‬فكل إنسان يقيم سياجا معينا لنفسه يتسع للحجم الذى يس فيه‬
‫" بالنا " الشتملة عليها ذاته ومن ث تلتقى الذوات الختلفة وتتقارب ولكن ف حدود ذلك السياج‬
‫النصوب من كل منهم حول " النا " الت يسها بي جنبيه‪ .‬ومن ث تتنافر تلك الذوات إذ اقتربت أكثر‬
‫من اللزم ويبدأ بينها الحتكاك!‬
‫نوع واحد من الرباط ل يدث فيه ذلك التنافر لنه يذيب ذلك السياج الزائف الذى ينصبه‬
‫النسان حول نفسه ومن ث تظل القلوب تقترب وتقترب حت يدث اللتحام‪ ..‬ذلك هو رباط‬
‫العقيدة! ذلك أنه ليس رباطا بي إنسان وإنسان ف ميط الرض وعلى علقات الرض ولكنه رباط ف‬
‫ال بي عبد ل وعبد ل خل قلباها من ذلك الكب الظاهر أو الفى الذى يجز القلوب عن التقارب‬
‫واللتحام وامتل قلبهما بشئ آخر غي مشاغل الس القريبة ومشاغل الرض النقطعة عن السماء‪.‬‬
‫ذلك الرباط هو الذى وحد تلك القلوب حول رسول ال ‪ e‬حي حدث اللقاء بينها ف ال‬
‫فتحابت فالتحمت ث زادها التحاما لقاؤها ف حب رسول ال ‪ e‬فتآخت ذلك الخاء العجيب الذى‬
‫يتحدث عنه التاريخ!‬
‫كان الصحابة رضوان ال عليهم يسي الثنان منهم ف الطريق فتفصل بينهما أثناء السي شجرة‬
‫فيعودان فيسلم أحدها على الخر شوقا إليه من تلك اللحظة الت فصلت بينهما ف الطريق!‬
‫وبكى أحد الصحابة حزنا لنه فكر ف فراق رسول ال ‪ e‬ف الدار الخرة وهو ل يطيق فراقه ف‬
‫الدنيا فأنزل ال قوله فيه‪َ { :‬ومَ ْن يُطِعْ اللّ َه وَال ّرسُولَ َفُأوَْلئِكَ مَ َع الّذِينَ َأْنعَمَ اللّ ُه عََلْيهِ ْم مِ ْن النِّبيّيَ‬
‫ي وَحَسُنَ ُأوَْلئِكَ رَفِيقا (‪[ })69‬سورة النساء ‪.]4/69‬‬ ‫ح َ‬ ‫شهَدَا ِء وَالصّالِ ِ‬
‫ي وَال ّ‬
‫وَالصّدّيقِ َ‬
‫ولا هاجر الرسول ‘ إل الدينة آخى بي الوس والزرج فذاب ما بينهما من نزاع وصراع استمر‬
‫ذلك الدى من الزمن الذى ل يعلمه إل ال وصار بينهما ذلك التآلف والخاء الذى من ال به عليهم‪:‬‬
‫حتُ ْم بِِنعْ َمتِهِ إِ ْخوَانا} [سورة آل‬
‫صبَ ْ‬
‫ف َبيْنَ قُلُوِبكُمْ َفأَ ْ‬
‫{وَاذْكُرُوا ِنعْ َمةَ اللّ ِه عََلْيكُمْ إِذْ ُكْنتُمْ َأعْدَاءً َفأَلّ َ‬
‫‪.]3/103‬‬
‫ث آخر بي الهاجرين والنصار تلك الؤاخاة العجيبة الفريدة ف التاريخ حيث كان النصار‬
‫يتنازلون عن شطر ما يلكون للمهاجرين عن طيب خاطر وعن غي إلزام ألزمهم به ال ول رسوله ‘‬
‫حبّونَ مَنْ‬
‫ويؤثرونم أحيانا على أنفسهم حت أنزل ال فيهم‪{ :‬وَالّذِي َن َتَبوّءُوا الدّارَ وَالِيَا َن مِنْ َقبِْلهِ ْم يُ ِ‬
‫صةٌ‬
‫سهِ ْم وََلوْ كَانَ ِبهِمْ َخصَا َ‬ ‫جدُونَ فِي صُدُو ِرهِمْ حَا َج ًة مِمّا أُوتُوا َوُيؤْثِرُو َن عَلَى أَْنفُ ِ‬
‫هَا َجرَ إَِليْهِ ْم وَل يَ ِ‬
‫َومَ ْن يُوقَ ُش ّح َنفْسِهِ َفُأوَْلئِكَ هُ ْم الْ ُمفِْلحُونَ (‪[ })9‬سورة الشر ‪.]59/9‬‬
‫إنه ذلك الب الذى ينشئه رباط العقيدة ول يلك رباط آخر أن ينشئه على هذا النحو الوثيق‬
‫العميق الشفيف الذى يصل إل درجة اللتحام لنه ل يصطدم بالسياج الزائف الذى تقيمه " النا "‬
‫حول ذاتا ف جاهليات البشرية‪.‬‬
‫ول تكن تلك الؤاخاة طبقية تقوم بي " شريف " و" شريف " ول مؤاخاة قومية أو عرقية تقوم‬
‫بالضرورة بي عرب وعرب‪ ..‬إنا كانت مؤاخاة بي " مسلم " و " مسلم " بصرف النظر عن النس أو‬
‫اللون أو اللغة أو الوضع الجتماعى لنا الخوة الت قال ال عنها‪ِ{ :‬إنّمَا الْ ُم ْؤ ِمنُونَ} [سورة الجرات‬
‫‪ .]49/10‬تربط القلوب برباط اليان بصرف النظر عن كل رباط آخر‪.‬‬
‫فقد آخى الرسول ‘ بي عمه حزة وموله‪ .‬زيد وبي أب بكر وخارجة بن زيد وبي ابن رواحة‬
‫الثعمى وبلل بن رباح‪ ..‬والتقى ف بوتقة العقيدة الت صهرت كل فوارق البنس واللون واللغة بلل‬
‫البشى وصهيب الرومى وسلمان الفارسى مع أبو بكر وعمر وعثمان وعلى وسائر الصحابة رضوان‬
‫ال علي هم‪ .‬بل قال ر سول ال ‘‪ " :‬سلمان م نا آل الب يت " (‪ )1‬وقال ع مر ر ضى ال ع نه عن أ ب ب كر‬
‫وبلل رضى ال عنهما‪ " :‬أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا "‪.‬‬
‫إنا هى " المة " الت قال عنها خالقها سبحانه‪ُ { :‬كنْتُمْ َخيْرَ ُأ ّمةٍ أُ ْخرِ َجتْ لِلنّاسِ} [سورة آل‬

‫() رواه الاكم ف الستدرك (‪.)3/598‬‬


‫‪1‬‬
‫عمران ‪.]3/110‬‬
‫إنا المة ف معناها القيقي الذي ل يتحقق ف أي تمع آخر من تمعات التاريخ‪.‬‬
‫إنا أمة العقيدة‪ ..‬ذات الرباط القيقى الذى ينشى المة ف صورتا القيقية‪.‬‬
‫ليست المة كما يعرفها علم الجتماعى الاهلى مموعة من البشر تمعهم أرض مشتركة ولغة‬
‫مشتركة وجنس مشترك ومصال مشتركة ومصال مشتركة‪ .‬فهذه كلها هى العناصر الت ل اختيار‬
‫للنسان فيها والت يتمع على مثلها اليوان كذلك!‬
‫فاليلد ف أرض معينة أمر ل يتخيه النسان لنفسه ومن الماقة أن يكون بذاته مل للتفاضل بي‬
‫بشر وبشر! واتاذ لغة البقعة من الرض الت ولد فيها النسان هو أمر كذلك ل يتاره النسان لنفسه‬
‫ومن ث فل مال لن يكون بذاته موضعا للتفاضل بي بر وبشر! والنتماء – بالولد – إل جنس معي‬
‫هو أمر كسابقيه ل اختيار للنسان فيه فضل عن حاقة التفاضل بالنس (أو باللون) الت ل تلف منها‬
‫جاهلية من جاهليات التاريخ حتىى جاهلية القرن العشرين‪ .‬وأما " الصال الشتركة " فهى وشيجة‬
‫تلتقى البهائم على مثلها حي تلتقى على العشب والكل والاء فتكون قطعانا متآلفة بعضها مع بعض‬
‫متعادية مع من يهدد " مصالها الشتركة " من القطعان الخرى! إنا يكون التفاضل بي الدميي على "‬
‫القيم " الت يلتقون عليها ويتجمعون من أجلها ويصرون عليها وياهدون ف سبيلها‪ .‬وهذه‪ ..‬قبل كل‬
‫ش آخر هى الوشيجة الت يكن أن تكون " المة " لنا القيم الت تستحق أن تقوم عليها حياة النسان‬
‫بصرف النظر عن الرض واللغة والنس وأى شئ آخر مشترك أو غي مشترك‪ ..‬ومن ث تكون العقيدة‬
‫وهى أعلى ما يكن أن تقوم عليه حياة النسان هى الوشيجة القيقية الت تقوم عليها المة القيقية‪..‬‬
‫المة الية‪ ..‬ث تنضوى تتها كل العلقات الخرى‪ ..‬علقات الرض واللغة والنس وقرابة الدم‬
‫فتكون هذه روافد إضافية إذا وجدت ولكنها ل تكون هى الت تكون المة – ولو اجتمعت كلها – ف‬
‫غياب العقيدة بينما تكون العقيدة وحدها – ولو غابت الروابط الخرى كلها – هى الرباط الذى‬
‫تتكون حوله أمة تتآخى بأخوة العقيدة وتترابط العقيدة وتترابط برباط اليان فتكون كالبنيان الرصوص‬
‫يشد بعضه بعضا (‪ )1‬وكالسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر السد بالمى والسهر(‪.)2‬‬
‫تلك هى الوشيجة الت نبه القرآن ف أكثر من موضع أنا هى العتبة وهى العول عليها والت تقصم‬
‫الروابط الخرى كلها وتبقى هى ل تنقصم‪.‬‬

‫ص (‪[ })4‬سورة الصف ‪.]61/4‬‬ ‫حبّ الّذِينَ ُيقَاِتلُو َن فِي سَبِيلِهِ صَفّا كَأَّنهُمْ بُنيَانٌ َمرْصُو ٌ‬
‫() يقول تعال ف سورة الصف {ِإنّ اللّهَ ُي ِ‬ ‫‪1‬‬
‫() يقول ‪" :e‬مثل الؤمنين ف توادهم وتراحهم وتعاطفهم كمثل السد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائئر السد بالمي والسهر" متفق عليه‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫ففى قصة نوح جاء قوله تعال‪:‬‬
‫{ َونَادَى نُوحٌ َربّهُ َفقَالَ رَبّ ِإنّ اْبنِي مِنْ َأهْلِي َوِإنّ َوعْ َد َك الْحَ ّق َوَأنْتَ أَ ْحكَ ُم الْحَاكِ ِميَ (‪ )45‬قَالَ‬
‫ك بِ ِه عِلْمٌ ِإنّي َأعِظُكَ َأنْ َتكُو َن مِنْ‬ ‫سأَلْنِي مَا َلْيسَ لَ َ‬ ‫يَا نُوحُ ِإنّهُ َلْيسَ مِنْ َأهْلِكَ ِإنّ ُه عَمَ ٌل َغيْرُ صَالِحٍ فَل تَ ْ‬
‫الْجَاهِِليَ (‪ )46‬قَالَ رَبّ إِنّي أَعُو ُذ بِكَ َأنْ َأ ْسأَلَكَ مَا َلْيسَ لِي بِهِ عِ ْل ٌم َوإِلّ َت ْغفِرْ لِي َوتَرْحَ ْمنِي أَكُنْ مِنْ‬
‫الْخَا ِسرِينَ (‪[ })47‬سورة هود ‪.]47-11/45‬‬
‫فقد وعد نوح من قبل أن ينجو أهله من الطوفان إل من سبق عليه القول‪:‬‬
‫{ َحتّى إِذَا جَاءَ َأمْ ُرنَا وَفَا َر التّنّورُ ُق ْلنَا ا ْحمِلْ فِيهَا مِنْ كُلّ َزوْ َجيْ ِن اْثنَيْ ِن َوَأهْلَكَ إِ ّل مَ ْن َسبَقَ عََليْهِ‬
‫اْل َقوْ ُل َومَنْ آمَنَ َومَا آمَ َن َمعَهُ إِلّ قَلِيلٌ (‪[ })40‬سورة هود ‪]11/40‬‬
‫ولقد دعا نوح ابنه – وكان ف معزل – ليكب ف السفينة الناجية فأب فأدركه الطوفان‪:‬‬
‫ب َم َعنَا وَل َتكُنْ‬‫ح اْبنَهُ وَكَانَ فِي َمعْ ِز ٍل يَا بَُنيّ ارْكَ ْ‬ ‫جبَا ِل َونَادَى نُو ٌ‬ ‫جرِي ِبهِمْ فِي َم ْوجٍ كَالْ ِ‬
‫{ َوهِ َي تَ ْ‬
‫مَ َع اْلكَافِرِينَ (‪ )42‬قَا َل سَآوِي إِلَى َجبَ ٍل َي ْعصِ ُمنِي مِ ْن الْمَاءِ قَا َل ل عَاصِ َم اْلَي ْومَ مِنْ َأمْرِ اللّهِ إِ ّل مَنْ َرحِمَ‬
‫وَحَا َل َبيَْنهُمَا الْ َموْجُ َفكَا َن مِ ْن الْ ُمغْرَقِيَ (‪[ })43‬سورة هود ‪]43-11/42‬‬
‫فلما قضى المر واستوت السفينة على الرض وقد نا من نا وهلك من هلك ملت السرة‬
‫قلب نوح على ولده الالك وراح يسأل ربه كيف غرف وهو من أهله وقد وعده ال أن ينجو أهله‬
‫ووعد ال حق ل ريب فيه؟‬
‫هنا ينبهه ال سبحانه وتعال أن الوشيجة القيقة ليست وشيجة الدم‪ ..‬إنا هى وشيجة العقيدة‪{ :‬يَا‬
‫نُوحُ ِإنّهُ َلْيسَ مِنْ َأهْلِكَ ِإنّ ُه عَمَ ٌل َغيْرُ صَالِحٍ} [سورة هود ‪ .]11/46‬وقد انفصمت وشيجة العقيدة‬
‫حي أب البن أن يؤمن فانفصمت لا كل وشيجة أخرى ول يعد ابن نوح من أهله مع أنه ابنه كما‬
‫ح ابْنَهُ} [سورة هود ‪.]11/42‬‬
‫يؤكد القرآن باللفظ الصريح { َونَادَى نُو ٌ‬
‫وف قصة إبراهيم جاء قوله تعال‪:‬‬
‫سَنةٌ فِي ِإبْرَاهِي َم وَالّذِي َن َمعَهُ إِذْ قَالُوا ِل َق ْو ِمهِمْ ِإنّا بُرَآ ُء ِمنْكُ ْم َومِمّا َت ْعبُدُو َن مِنْ‬
‫{قَدْ كَاَنتْ َلكُمْ ُأسْ َوةٌ حَ َ‬
‫دُونِ اللّهِ َكفَ ْرنَا ِبكُ ْم َوبَدَا َبْينَنَا َوَبيَْنكُ ْم اْلعَدَا َوةُ وَاْلَبغْضَاءُ َأبَدا َحتّى ُتؤْ ِمنُوا بِاللّ ِه وَ ْح َدهُ} [سورة المتحنة‬
‫‪.]60/4‬‬
‫وجاء ف قوله تعال يذر الذين آمنوا بحمد ‘‪:‬‬
‫حبّوا الْ ُكفْ َر عَلَى الِيَانِ َومَ ْن َيَتوَّلهُمْ‬‫{يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا ل َتتّخِذُوا آبَاءَكُ ْم َوإِ ْخوَانَكُمْ َأوِْليَاءَ إِ ْن ا ْستَ َ‬
‫ك هُمْ الظّالِمُونَ (‪ُ )23‬قلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُ ْم َوَأْبنَاؤُكُ ْم َوإِ ْخوَانُكُ ْم َوأَ ْزوَا ُجكُ ْم َوعَشِيَُتكُمْ‬ ‫ِمْنكُمْ َفُأوَْلئِ َ‬
‫ض ْوَنهَا أَ َحبّ إَِليْكُ ْم مِنْ اللّ ِه وَ َرسُولِ ِه وَ ِجهَادٍ فِي‬
‫ش ْونَ كَسَا َدهَا َومَسَاكِ ُن تَرْ َ‬
‫َوَأ ْموَا ٌل ا ْقتَرَ ْفتُمُوهَا َوتِجَا َرٌة تَخْ َ‬
‫َسبِيلِهِ َفتَ َرّبصُوا َحتّى َي ْأتِيَ اللّ ُه ِبَأمْ ِرهِ وَاللّ ُه ل َيهْدِي اْل َقوْ َم اْلفَا ِسقِيَ} [سورة التوبة ‪.]24-9/23‬‬
‫فيضع روابط الدم كلها ف كفة بل يضع كل مقومات التجمع الاهلى ف كفة وحب ال ورسوله‬
‫والهاد ف سبيل ال ف الكفة الخرى ث يرجح هذه على تلك وينذر الذين يلون بالوازني الربانية‬
‫بالعذاب الليم‪.‬‬
‫وإذا كان السلم من فيض رحته وإنسانيته قد حرص على بر الوالدين – وإن كانا مشركي (‪–)1‬‬
‫فالب شئ والولء الذى تقوم على أساسه المة شئ آخر‪ ..‬والولء هو الذى ينفصم انفصاما كامل حي‬
‫تنفصم رابطة العقيدة وهو العنصر الى الذى تقوم به المة ف ظل العقيدة وقد تأتى الروابط الخرى‬
‫ضهُمْ َأوْلَى ِبَب ْعضٍ فِي ِكتَابِ اللّهِ} [سورة النفال ‪.]8/75‬‬
‫فتكون أواصر إضافية‪َ { :‬وُأوْلُوا الَرْحَا ِم َبعْ ُ‬
‫ولكن بشرط اللتقاء ف العقيد ة الذى ل تقوم المة القيقية إل عليه‪.‬‬
‫وتلك المة – الت قامت على رباط العقيدة – هى الت وصفها خالفتها بقوله سبحانه‪{ :‬كُْنتُمْ َخيْرَ‬
‫ُأ ّمةٍ أُخْ ِر َجتْ لِلنّاسِ} [سورة آل ‪ .]3/110‬وهى الت ل تتكرر – بصورتا تلك – ف كل التاريخ‪.‬‬
‫نعم وجدت أمم مؤمنة من قبل ارتبطت بذلك الرباط فكانت أما خية ولكنها كانت مدودة‬
‫الجم مدودة الدور ف التاريخ بكم أن الرسل السابقي أرسلوا إل قومهم خاصة‪ .‬أما ممد ‘ الذى‬
‫أرسل إل البشر كافة فقد كانت أمته { َخيْرَ ُأ ّمةٍ أُخْ ِر َجتْ لِلنّاسِ} ف التاريخ كله بشهادة خالقها‬
‫ومرجها على هذا النحو الفريد‪.‬‬
‫ومن كان ف شك من تلك القيقة فليوازن بينها وبي التجمعات الكبى ف التاريخ الت جعت‬
‫أكثر من جنس أو لون أو لغة أو ثقافة وعلى رأسها التجمع الرومان ف القدي ورابطة الشعوب‬
‫البيطانية (الكومنولوث ‪ )Common Wealth‬والتجمع المريكى (الوليات التحدة المريكية)‬
‫والتجمع الروسى (التاد السوفيت) ف الديث‪.‬‬
‫فأما التجمع الرومان القدي فقد كانت فيه " الدولة الم " ف مركز السيادة الكاملة والمم الخرى‬
‫ف موضع التبعية الكاملة كما هو مشهور ف التاريخ‪ .‬ول تقم فيها تلك " الخوة " الت تمع تلك المم‬
‫والشعوب ف رباط واحد على قدم الساواة‪ .‬وحت حي دخل قسطنطي السيحية وفرضها على‬
‫المباطورية عام ‪ 325‬م فلم تكن الخوة السيحية هى الت تكم كل مظاهر الياة ف المباطورية‬
‫الرومانية غ ما كانت جانبا واحدا من الصورة وبقية الوانب مبنية على شئ آخر بعيد كل البعد عن‬

‫() سألت أساء رضي ال عنها رسول ال ‪ e‬هل تصل أمها الشركة فقال لا‪" :‬نعم صلي أمك"‪ .‬رواه الشيخان‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫الخوة والساواة هو التبعية للدولة الم وهامشية الدور الذى تقوم به ف حياة المباطورية إذ هو‬
‫عبارة عن إمدادها بالال والرجال‪ ..‬الال لتكتن الدولة الم ويترف حكامها وكباءها والرجال ليقاتلوا‬
‫– وليموتوا – ف سبيل مطامع المباطورية وشهواتا أو بالحرى مطامع المباطور القدس وشهواته!‬
‫ولكن ليس لا رأى ول موقف تاه الدولة الم سوى التبعية والبذل مقابل " شرف " النتماء إل‬
‫المباطورية‪.‬‬
‫وأما تمع " الكومنولث " فلعل حادثا واحدا معينا يغنينا عن كل شرح وإفاضة لنه واضح الدللة‬
‫ف بيان حقيقة الرابطة فيه بي " الدولة الم " و " الستعمرات " الت أطلق عليها من باب التمويه " رابطة‬
‫الشعوب البيطانية "!‬
‫ذلك الادث وقع ف أثناء الرب الكبى الثانية حيث كانت مواقع الصحراء الكبى تتوال عليها‬
‫قوات " الفاء " وقات " الحور " ذهابا وأيبة إل أن استقر المر لقوات اللفاء بعد اندحار " روميل "‬
‫قائد قوات الحور‪ .‬وكانت مدينة " طبق " بالذات أكثر هذه الواقع تداول بي القوتي‪ .‬وف إحدى‬
‫الرات انسحبت القوات اللانية تت ضغط القوات البيطانية وكان من العتاد أن الدولة النسحبة‬
‫تزرع الرض باللغام قبل انسحابا لتحدث أكب قدر مكن من السائر ف القوات الغازية كما كان‬
‫من العتاد أيضا – بالنسبة للحلفاء على القل – أن يطلقوا قطيعا من المر الستنفرة أو المال الائجة‬
‫على حقول اللغام فداء للبشر فتموت المي والمال وتقل خسائر النوب إل أقل قدر مكن‪ .‬أما ف‬
‫تلك العركة – التاريية – فقد أطلق قائد القوات البيطانية الفيلق الندى ف جيشه ليفجر حقوق اللغام‬
‫أمام النود البيض بدل من المر والمال العتادة – لمر ل أعلمه حت هذه اللحظة – وانتصر "‬
‫اللفاء " انتصارا باهرا وصدر البلغ الرب يسجل النتصار‪ :‬انتصرنا على قوات العدو‪ .‬استولينا على‬
‫طبق‪ .‬خسائرنا قليلة‪ .‬فن الفيلق الندى عن آخره!!‬
‫وأما التجمع المريكى فيكفينا من سوآته ومازيه موقف البيض هناك من السود وهم إخوان ف "‬
‫مواطنية " الوليات التحدة المريكية وإخوان كذلك ف السيحية!‪ ..‬ومع ذلك توجد لفتات ف الطاعم‬
‫ودور السينما مكتوب عليها ف وقاحة " منوع دخول السود والكلب! " ويتكرر حدوث هذا الشهد‪:‬‬
‫مموعة من البيض قد تمهروا حول واحد من الزنوج يضربونه ويطرحونه أرضا ويركلونه بأقدامهم‬
‫تزهق روحه والشرطة البيض قد أدار لم ظهره حت ينتهوا من " جهادهم القدس " ث يفروا فيقيد‬
‫الادث ضد " مهول "!‬
‫وأما التجمع الروسى – الذى يزعم أنه تمع عقيدة! – فالدولة الم ذات السلطات القيقى هى‬
‫روسيا وبقية " السوفييتات " إن هى إل توابع ذات وجود وهى ل تشارك ف سياسة عامة ول ف أمر‬
‫من المور إل بالطاعة والتنفيذ وكيل الديح للزعيم القدس القائم بالسلطة حت إذا هلك وأمرت الدولة‬
‫الم بنبش قبه كما فعلت بستالي سارعت السوفييتات كذلك بإضفاء أقبح النعوت عليه تنفيذ لوامر‬
‫السلطان الديد!! ووصل المر إل حد اقتلع الصانع من السوفييتات الت كانت مصنعة قبل أن تدهها‬
‫" العقيدة " الديدة ووضعها ف روسيا لتكون هى القوى وهى الضخم وهى صاحبة السلطان!!‬
‫ف التجمع القائم على القعيدة أو النبثق ف القيقة من العقيدة يكون الرباط الكب هو رباط‬
‫الخوة ف ال أقوى الروابط ف حياة الشر على الطلق‪.‬‬
‫وبقدر ما يتحقق من هذه الخوة ف عال الواقع يكون مدى تقق العن القيقى للمة ويكون‬
‫ثقلها ف ميزان ال يوم القيامة كا يكون ثقلها التاريى ف واقع الرض‪.‬‬
‫ول شك أن ذلك اليل التفرد هو الذى حقق أكب قدر من هذه الخوة ولذلك كان أثقل الجيال‬
‫وزنا عند ال‪ :‬خيكم قرن(‪ ..)1‬كما كان أكثرها وزنا وفاعلية ف تاريخ البشرية‪.‬‬
‫لقد حقق ذلك اليل تلك الخوة ف كل مال من مالت الياة‪.‬‬
‫حققها بي الهاجرين ف ذوات أنفسهم‪ ,‬كما حققها بي النصار كذلك‪ ,‬ث حققها بي الهاجرين‬
‫والنصار ف تلك الصورة الرائعة الت وعاها التاريخ والت استحقت أن ين ال با عليهم‪:‬‬
‫ف بَْيَنهُمْ ِإنّهُ‬
‫ت مَا فِي الَ ْرضِ َجمِيعا مَا أَّل ْفتَ َبيْنَ قُلُوِبهِ ْم وََلكِنّ اللّهَ أَلّ َ‬
‫ف َبيْنَ ُقلُوِبهِمْ َلوْ أَن َفقْ َ‬
‫{ َوأَلّ َ‬
‫عَزِيزٌ َحكِيمٌ (‪[ })63‬سورة النفال ‪.]8/63‬‬
‫وحققها ف التكافل الذى استمت به تلك المة ف تاريها الى كله والذى كان ف أبرز صوره ف‬
‫ذلك اليل التفرد الذى كفل فيه النصار الهاجرين كفالة غية معهودة ف التاريخ‪.‬‬
‫تكافل ل يقتصر على حدود السرة وروابط الدم إنا يتسع حت يسعى الجتمع السلمى كله‪ .‬ول‬
‫يقتصر على حدود الزكاة الفروضة الت ينفقها بيت الال على الحتاجي إنا يتسع حت يصبح إنفاقا‬
‫عاما ف سبيل ال‪.‬‬
‫تكافل ل يقتصر على إعانة الحتاجي ف الجتمع السلمى وإنا يشمل معان أخرى وآفاقا أخرى‬
‫غي العونة الالية السية‪ .‬إنه تكافل على صيانة الموال والدماء والعراض للجميع على حد سواء‬
‫يستوى فيهم الغن والفقي والقوى والضعيف‪.‬‬
‫" يأيها الناس إن دماءكم وأعراضكم وأموالكم حرم كحرمة بلدكم هذا ف شهركم هذا ف يومكم‬
‫() رواه الشيخان‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫هذا "(‪.)1‬‬
‫" السلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم "(‪.)2‬‬
‫تكافل على الي‪ ..‬على نشر الي ف الرض‪ ..‬ورفع البشر إل الكانة اللئقة " بالنسان "‪:‬‬
‫ف َوَيْن َهوْ َن عَ ْن الْمُنكَ ِر َوُيقِيمُونَ الصّلةَ‬
‫ضهُمْ َأوْلِيَا ُء َب ْعضٍ َي ْأمُرُونَ بِالْ َمعْرُو ِ‬
‫{وَالْ ُم ْؤمِنُونَ وَالْ ُم ْؤ ِمنَاتُ َب ْع ُ‬
‫َوُي ْؤتُونَ الزّكَاةَ َويُطِيعُونَ اللّ َه وَ َرسُولَه ‪[ }.....‬سورة التوبة ‪.]9/71‬‬
‫وهذا الستوى الرفيع من التكافل – الذى اهتدت البشرية إل " التحدث " عن بعض آفاقه النظرية‬
‫ف قرونا الخية – ل يقدر عليه بالفعل ول يارسه بالفعل إل أمة العقيدة لن كيانا الساسى قائم‬
‫عليه ولنه جزء من بنائها النفسى وبنائها السلوكى على السواء‪.‬‬
‫ولقد حقق اليل الول من هذا التكافل أكب قدر يكن للبشر ف أى جيل أن يققوه سواء ف‬
‫التكافل الال الذى خرج فيه النصار عن شطر أموالم للمهاجرين أو ف التكافل على صيانة القيم‬
‫والبادئ الت جاء با السلم الذى تستشفه ف قول الخ السلم لخيه ف ال‪ " :‬تعال يا أخى نؤمن‬
‫ساعة! " أى نتذاكر معان اليان لنمارسها ف عال الواقع‪ ..‬وتراه بارزا ف كون هذا اليل أقل أجيال‬
‫الرض كلها جرائم وعدوانا وأكثرها صيانة للدماء والموال والعراض وأكثرها حرصا من كل أخ‬
‫على كرامة أخيه ومشاعر أخيه والذى يقع فيه أن يقول أبو ذر لرجل أسود‪ :‬يا ابن السوداء! فيقول له‬
‫رسول ال ‘‪ :‬عيته بأمه؟! أنت امرؤ فيك جاهلية! فيذهب أبو ذر للرجل ويضع خده على الرض‬
‫ويقول للرجل‪ :‬طأ خدى بقدمك! والذى يقول فيه عمر العرب القرشى عن بلل العبد البشى " سيدنا‬
‫بلل "‪.‬‬
‫ل عجب إذن أن يكون ذلك اليل أثقل الجيال وزنا عند ال بشهادة رسول ال ‘‪ ..‬ول عجب‬
‫كذلك أن يكون أبعدها أثرا وأكثرها فاعلية ف التاريخ‪ ..‬بدليل ذلك النسياح الواسع ف الرض الذى‬
‫ل مثيل له من قبل ول من بعد والذى ل يكن مصدره التفوق ف العدد أو العدة أو البة العسكرية –‬
‫فقد كان ذلك كله من نصيب العداء! – إنا كان مصدره ضخامة الق الذى آمنت به تلك المة‬
‫والتقت عليه وضخامة النطلق الذى تنطق منه فتحطم كل ما تد ف طريقها من صور الباطل‬
‫وأشكاله‪ .‬فقد استطاعت تلك العصبة الؤمنة أن تسحق الاهلية سحقا وتحوها من الوجود ف قطاع‬
‫واسع من الرض ل ف صورة دول وحكومات وجيوش زالت من الوجود فحسب بل ف صورة‬

‫() من خطبة رسول ال ‪ e‬ف حجة الوداع‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫() رواه أحد وأبو داود وابن ماجه بسند صحيح‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫عقائد كذلك وأنظمة وتقاليد‪.‬‬
‫ول يقتصر عملها على إزالة تلك الدول والكومات واليوش با تمله من عقائد وأنظمة وتقاليد‬
‫فهذا عمل قد تقدر عليه القوى البشرية العادية –بشرط وجود التفوق العسكرى – كما أتيح لا نيبال‬
‫وجنكيز خان ونابليون وهتلر لفترات من الزمان‪ ..‬إنا الذى تفردت به أمه العقيدة أنا نشرت ف ربوع‬
‫تلك الرض عقيدة الق بغي إكراه! ونشرت كذلك لغة هذه العقيدة بغي إكراه!‬
‫لقد أزال السلمون دولة فارس كلها على كل ما كان لا من الليمان والقوة وأزالوا قطاعا كبيا‬
‫من دولة الروم أعظم دول ذلك التاريخ ولكنهم ل يكرهوا أحدا على اعتناق السلم تنفيذا لمر ال‬
‫الذى يأمر بإزالة الطواغيت من الرض ولكنه يأمر كذلك بعد إكراه الناس على العقيدة الصحيحة بعد‬
‫إزالة القوى الت تصد الناس عن الق مثلة ف نظم وحكومات وجيوش‪:‬‬
‫{وَقَاتِلُوهُمْ َحتّى ل َتكُونَ ِفْتَنةٌ َوَيكُونَ الدّينُ كُلّهُ لِلّهِ} [سورة النفال ‪.]8/39‬‬
‫{ل إِكْرَاهَ فِي الدّينِ قَ ْد َتَبيّنَ ال ّر ْش ُد مِ ْن ال َغيّ فَمَ ْن َي ْكفُ ْر بِالطّاغُوتِ َوُي ْؤمِ ْن بِاللّهِ َفقَ ْد ا ْستَمْسَكَ‬
‫بِاْلعُ ْر َو ِة الْ ُوْثقَى ل ان ِفصَامَ َلهَا وَاللّ ُه سَمِي ٌع عَلِيمٌ (‪[ })256‬سورة البقرة ‪.]2/256‬‬
‫ولكن العجزة الكبى الت تققت على يد ذلك اليل أن الذين ل يكرهوا على اعتناق العقيدة‬
‫السلمية قد دخلوا ف السلم من ذوات أنفسهم وأقبلوا عليه إقبال وفرحوا بجئ السلمي إليهم‬
‫وأحبوهم وصاروا بدورهم جزءا من هذه المة وجندا من جنود السلم‪ ..‬كما أصبحوا كذلك‬
‫يتكلمون بلغة العقيدة الديدة ونسى كثي منهم ما كان لم من لغات! (‪.)1‬‬
‫ول شك أن ذلك المر ل يكن ليتحقق لو كانت المة الفاتة أمة غلبة حربية فحسب أو أمة ذات‬
‫نزعة توسعية فحسب أو كانت تبغى العلو والفساد ف الرض ككل التجمعات الكبى ف جاهليات‬
‫التاريخ!‬
‫إنا اعتنقت البلد الفتوحة عقيدة المة الفاتة وتكلمت لغتها لنا رأت فيها نوذجا غي مكرر ف‬
‫التاريخ من قبل نوذج (أمة العقيدة) الت تفتح الرض ل لشهوة التوسع والغلبة ولكن لتنشر النور‬
‫وتنشر العدل وتنشر المن‪ .‬وتنشر القيم الرفعية الت تيا با القلوب وتتفتح با البصار‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫ثالثا‪ :‬تقيق العدل الربان ف واقع الرض‬

‫() بل إن الذين بقوا علي دينهم النصاري ف مصر والشام وغيها نسوا لغاتم الصلية تاما‪ ,‬ول يعد لم لسان إل العربية علي الرغم من أنم ل يعتنقوا هذا الدين‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫من أوامر ال لذه المة تقيق العدل الربان ف واقع الرض وربط هذا المر بقيقة اليان‪:‬‬
‫سكُمْ َأ ْو الْوَالِ َديْ ِن وَالَقْ َربِيَ إِ نْ‬
‫{يَا َأّيهَا الّذِي نَ آمَنُوا كُونُوا َقوّامِيَ بِاْلقِ سْطِ ُشهَدَاءَ لِلّ ِه وََل ْو عَلَى أَنفُ ِ‬
‫َيكُ ْن َغِنيّا َأوْ َفقِيا فَاللّ هُ َأوْلَى ِبهِمَا فَل َتّتبِعُوا اْل َهوَى أَ نْ َتعْدِلُوا َوإِ نْ تَ ْلوُوا َأوْ ُتعْرِضُوا فَإِنّ اللّ هَ كَا نَ بِمَا‬
‫ب الّذِي نَزّ َل عَلَى رَ سُولِ ِه وَاْل ِكتَا بِ‬ ‫َتعْمَلُونَ َخبِيا (‪ )135‬يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا آ ِمنُوا بِاللّ ِه وَرَ سُولِ ِه وَالْ ِكتَا ِ‬
‫الّذِي أَنزَ َل مِ نْ َقبْ ُل َومَ نْ َي ْكفُ ْر بِاللّ ِه َومَلِئكَتِ هِ وَكُُتبِ هِ وَرُ سُلِ ِه وَالَْيوْ مِ الخِ ِر وَاْلَيوْ مِ الخِرِ َفقَدْ ضَلّ ضَللً‬
‫َبعِيدا (‪[ })136‬سورة النساء ‪.]136-4/135‬‬
‫ط وَل يَجْ ِر َمّنكُ ْم َشنَآنُ َقوْمٍ عَلَى أَ ّل َتعْدِلُوا اعْدِلُوا‬
‫{يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا كُونُوا َقوّامِيَ ِللّ ِه ُشهَدَاءَ بِاْلقِسْ ِ‬
‫ُهوَ أَقْرَبُ لِلّت ْقوَى وَاّتقُوا اللّهَ ِإنّ اللّهَ َخبِيٌ بِمَا تَعْ َملُونَ (‪[ })8‬سورة الائدة ‪.]5/8‬‬
‫وربط هذا المر بالعقيدة ف ال‪ ,‬وجعله خالصا ل يعله سة من سات هذه المة أو لزما من‬
‫لوازم وجوها ليهيئ لا القيام بدورها ف قيادة البشرية وريادتا‪ .‬ولكن التغلب علي أهواء النفوس والد‬
‫من نزواتا وشهواتا الت ينشأ عنها العدوان والظلم ف واقع الياة أم يتاج إل تربية وتدريب حت‬
‫تتعود النفوس أن تضع للحق ول تزيغ عنه ويتعود الناس أن يسكوا بيزان العدل من منتصفه ل ييلونه‬
‫ذات الشمال وذات اليمي‪.‬‬
‫ولقد كان اليل الول من هذه المة هو القمة العليا ف تقيق العدل الربان ف واقع الرض بصورة‬
‫ل تكن معهودة من قبل حت ف المم الت يوصف حكامها بالعدل وما زالت هذه الصورة بارزة باهرة‬
‫حت يعدما وصلت البشرية ف النظم الديقراطية إل ألوان من العدل السياسي تتوهم أنه من القمم ف‬
‫عال القيم والبادئ (‪.)1‬‬
‫لقد كان ال يعد هذه المة لتكون رائدة البشرية كلها إل الي الشاهدة عليها يوم القيامة وكفلها‬
‫رسول ال‪ e‬يقوم بتربيتها لذا الدف العظيم‪:‬‬
‫س َويَكُونَ ال ّرسُو ُل عََلْيكُ ْم َشهِيدا} [سورة‬
‫{وَكَذَلِكَ َجعَ ْلنَاكُمْ ُأ ّم ًة َوسَطا ِلَتكُونُوا ُشهَدَا َء عَلَى النّا ِ‬
‫البقرة ‪.]2/143‬‬
‫وكانت تربية ال لذه المة – من أجل القيام بدورها ف الرض – تربية عجيبة! لقد رب ال رسوله‬
‫‪ e‬بادئ ذي بدء علي أنه ليس من المر شئ‪...‬إل طاعة ال وابتغاء مرضاته‪.‬‬
‫ب عََلْيهِمْ َأوْ ُيعَ ّذَبهُمْ فَِإّنهُ ْم ظَالِمُونَ (‪[ })128‬سورة آل‬
‫{َلْيسَ لَكَ مِ ْن الَمْ ِر َشيْءٌ َأوْ َيتُو َ‬
‫‪.]3/128‬‬

‫() راجع إن شئت فصل "الديقراطية" ف كتاب "مذاهب فكرية معاصرة"‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫ضهُمْ فَِإ ْن اسْتَ َط ْعتَ أَ ْن َتبَْت ِغيَ َنفَقا فِي الَ ْرضِ َأوْ ُسلّما فِي السّمَاءِ َفتَ ْأِتَيهُمْ‬
‫{ َوِإنْ كَانَ َكبُ َر عََليْكَ ِإعْرَا ُ‬
‫بِآَيةٍ‪[ }....‬سورة النعام ‪.]6/35‬‬
‫{ِإنّكَ ل َتهْدِي مَنْ َأ ْحبَْبتَ وَلَكِنّ اللّ َه َيهْدِي مَ ْن يَشَا ُء َو ُهوَ َأعَْل ُم بِالْ ُم ْهتَدِينَ (‪[ })56‬سورة القصص‬
‫‪.]28/56‬‬
‫بل إنه علي الرغم من يقي الرسول‪ - e‬الستمد من الوحي – بأن ال سيمكن لذا الدين حت يسي‬
‫السافر إل صنعاء ل ياف إل ال والذئب علي غنمه‪ ..‬فإن ال سبحانه وتعال ل يعد رسوله‪ e‬مرة‬
‫واحدة ف فترة التربية بكة أنه سيشهد النصر والتمكي بشخصه! إنا كان يتنل عليه الوحي‪:‬‬
‫ك الْبَلغُ وَعََلْينَا الْحِسَابُ (‪[ })40‬سورة‬
‫ض الّذِي َنعِ ُدهُمْ َأوْ َنَتوَّفيَنّكَ فَِإنّمَا عََليْ َ‬
‫ك َبعْ َ‬
‫{ َوِإنْ مَا نُ ِرَينّ َ‬
‫الرعد ‪.]13/40‬‬
‫وكان ذلك توجيها ربانيا لرسوله‪ e‬حت يستقر ف نفسه أنه ليس له من المر شئ إل تبليغ الدعوة‬
‫ول تبقي ف نفسه حت رغبته ف أن يهتدي فلن أو فلن من كان عليه السلم يكاد يقتل نفسه من‬
‫الزن عليهم لعراضهم عن الدي‪:‬‬
‫ك عَلَى آثَا ِرهِمْ ِإنْ لَ ْم ُي ْؤمِنُوا ِبهَذَا الْحَدِيثِ َأسَفا (‪[ })6‬سورة الكهف ‪.]18/6‬‬
‫ك بَاخِ ٌع َنفْسَ َ‬
‫{فََل َعلّ َ‬
‫ووعي رسول ال‪ e‬التوجيه الربان‪ ,‬فكان قمة التجرد البشري ل‪ ,‬ث رب علي هذا التجرد‬
‫أصحابه رضوان ال عليهم حت " خلت نفوسهم من حظ أنفسهم" (‪ )1‬وكان ذلك جزاءا من العداد‬
‫العظيم للدور العظيم الذي يناط بذه المة حي يكن لا ف الرض ذلك أن إقامة العدل ف الرض الت‬
‫هي الغاية من إرسال الرسل وإنزال الكتب (‪ -)2‬ل يكن أن تتم حت تتجرد النفوس ل وتتخلي حت‬
‫عن رغباتا الشروعة ويكون هدفها السي هو ابتغاء مرضاة ال ونعميها النفسي هو العمل لرضاء‬
‫ال‪.‬‬
‫ث كانت دروس قرآنية ودروس من الرسول‪ e‬لرفع هذه المة إل الستوي الذي يؤهلها عن‬
‫جدارة ل للتمكي ف الرض فحسب بل لقيادة البشرية ول لقامة العدل الربان داخل ذاتا فحسب بل‬
‫مع غيها كذلك لقد وجه ال الؤمني ف أول ما نزل من القرآن ف الدينة توجيها معينا له دللة خاصة‪:‬‬
‫ك اْل ِكتَابُ ل َرْيبَ فِيهِ هُدًى لِلْ ُمّتقِيَ (‪ )2‬الّذِي َن ُي ْؤ ِمنُونَ بِاْل َغْيبِ َوُيقِيمُو َن الصّلة َومِمّا‬
‫{ال (‪ )1‬ذَلِ َ‬

‫() راجع وصف أحوالم ف كتب السية‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫سطِ} [سورة الديد ‪.]57/25‬‬
‫() قال تعال‪{ :‬لَ َقدْ َأرْ َسلْنَا رُ ُسلَنَا بِاْلبَيّنَاتِ وََأْنزَلْنَا مَ َعهُمْ الْكِتَابَ وَاْلمِيزَانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِاْلقِ ْ‬ ‫‪2‬‬
‫ك َوبِالخ َر ِة هُ ْم يُوقِنُونَ} [سورة‬
‫ك َومَا ُأنْ ِز َل مِنْ َقبْلِ َ‬
‫َرزَ ْقنَاهُمْ يُن ِفقُونَ (‪ )3‬وَالّذِينَ ُي ْؤ ِمنُو َن بِمَا ُأنْزِلَ إَِليْ َ‬
‫البقرة ‪]4-2/1‬‬
‫وتكرر هذا التوجيه ف أكثر من آية مدنية بعد ذلك‪:‬‬
‫ق َبيْنَ‬
‫{آمَنَ ال ّرسُو ُل بِمَا أُنزِلَ إَِليْ ِه مِنْ َربّ ِه وَالْ ُم ْؤمِنُونَ كُلّ آمَ َن بِاللّ ِه َومَلِئكَتِ ِه وَ ُكتُبِ ِه وَ ُرسُلِ ِه ل ُنفَ ّر ُ‬
‫أَ َح ٍد مِنْ ُرسُلِهِ‪[ }....‬سورة البقرة ‪.]2/285‬‬
‫ب الّذِي أَنزَ َل مِنْ َقبْلُ‬
‫{يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا آ ِمنُوا بِاللّ ِه وَ َرسُولِهِ وَاْل ِكتَابِ الّذِي نَزّ َل عَلَى َرسُولِهِ وَاْلكِتَا ِ‬
‫‪[ }....‬سورة النساء ‪.]4/136‬‬
‫وهذا أمر يتعلق بالعقيدة كما هو ظاهر‪.‬‬
‫(قال‪ :‬وما اليان؟ قال‪ :‬إن تؤمن بال وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر والقدر خيه وشره) (‪.)1‬‬
‫ولكن له إل جانب المر العتقادي صلة بأمر إعداد هذه المة لقيادة البشرية‪.‬‬
‫إن كل أمة آمنت برسولا ث رفضت أن تؤمن بغيه من الرسل ن قد أحست نتيجة لذلك ببغض‬
‫هائل للمة الت تبعث إليها الرسول الذي ل تؤمن به وانصرت من ث ف حدود عصبيتها لذاتا وأمتل‬
‫قلبها حقدا علي غيها ث أوقعت أبشع الضطهاد علي اتباع من ل تؤمن به من رسل ال كما صنع‬
‫اليهود أصحاب الخدود مع الؤمني بعيسي عليه السلم وكما يصنع اليهود والنصاري بالسلمي الذين‬
‫يقعون تت سلطانم ف كل الرض‪.‬‬
‫هذا اللق البغيض ل يؤهل أصحابه لقيادة البشرية ومن ث ل يؤهل ال اليهود ول الناصري لتلك‬
‫القيادة فإن تولوها بقدر من ال له حكمته عنده (‪ -)2‬كما تولتها النصرانية خلل القرون الثلثة الخية‬
‫وكما تتولها اليهودية اليوم سافره أو من وراء ستار ل يقع العدل ف الرض إنا وقع الضطهاد‬
‫والظلم‪.‬‬
‫أما المة الت أخرجها ال لقيادة البشرية وريادتا فهي المة الت تؤمن بالرسل جيعا والرسالت‬
‫جيعا فل يكون ف قلبها حقد مبدئي ول حقد تاريي علي غيها من الناس‪.‬‬
‫وهذا ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬جانب من دللة هذا التوجيه القرآن العظيم‪.‬‬
‫ث أنظر كذلك إل هذا الدرس القرآن‪.‬‬
‫كان اليهود ف الدينة يكيدون للسلم وللنب‪ e‬واتباع دينه بكل ما ف جبلتهم من الرغبة ف الشر‬
‫() من حديث "هذا جبيل أتاكم يعلمكم أمر دينكم" رواه الشيخان‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() ل تتسلم النصرانية ول اليهودية القيادة إل حي تقاعست المة السلمية عن رسالتا كما سيجئ فيما يلي من فصول الكتاب‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫وكراهية الي للناس بالضافة إل ما آثاره ف نفوسهم مبعث الرسول‪ e‬من ولد إساعيل ل من ولد‬
‫إسحاق من حقد أسود غلظ كريه‪.‬‬
‫كانوا يشككون ف الوحي ويشككون ف أمانة الرسول‪ e‬ويثيون الناعات والصومات بي‬
‫السلمي بعد أن أذهبها عنهم السلم ويتآمرون مع النافقي وعلي رأسهم عبد ال بن أب ليوقعوا الفتنة‬
‫ف صفوف السلمي ويؤلبون القبائل الشركة لرب الؤمني ويؤذون الرسول‪ e‬ويؤذون الؤمني‬
‫والؤمنات‪ .‬ما سجله الوحي وحفلت به كتب السية وكتب التاريخ‪.‬‬
‫وف وسط هذا الو اللبد التوتر سرق أحد النافقي من دخلوا ف السلم ظاهرا وتفنن هو وقومه‬
‫ف إخفاء السرقة بيث يتهم فيها أحد اليهود من أهل الدينة‪.‬‬
‫وحي يقع مثل هذا الادث ف أي شعب ف الرض ف أي حقبة من التاريخ فليس له نتيجة متوقعة‬
‫إل الخذ بتلبيب ذلك الشخص الذي ينتمي إل (مثيي الشغب) والسراع بتطبيق العقوبة القررة عليه‬
‫إن ل يكن التنكيل به شر تنكيل لنه فوق انتمائه إل فئة عدوة للشعب قد ارتكب جرية مددة ضد‬
‫واحد من أفراد ذلك الشعب‪.‬‬
‫وحي فحص الرسول القاضي‪ e‬ظروف القضية فقد هم حسب القرائن الظاهرة أن يكم علي‬
‫اليهودي ولكن الوحي تنل من السماء لتبئه ذلك اليهودي من الرية الت ل يرتكبها وإن كان قبيلة‬
‫واقعي ف كل جرية ظاهرة وخفية ضد السلمي وإدانة (السلمي) الذي أرادوا أن يفلت جانيهم من‬
‫العقوبة ويقع فيها اليهودي البئ فنلت هذه اليات من سورة النساء‪:‬‬
‫س بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَل َتكُنْ لِ ْلخَاِئنِيَ َخصِيما (‪)105‬‬ ‫حكُ َم َبيْ َن النّا ِ‬
‫ك الْ ِكتَابَ بِالْحَقّ ِلتَ ْ‬‫{ِإنّا أَنزَْلنَا إَِليْ َ‬
‫حبّ‬ ‫ختَانُونَ أَنفُسَهُمْ ِإنّ اللّ َه ل يُ ِ‬ ‫وَا ْستَ ْغفِرْ اللّهَ ِإنّ اللّهَ كَا َن َغفُورا رَحِيما (‪ )106‬وَل تُجَادِ ْل عَ ْن الّذِي َن يَ ْ‬
‫خفُو َن مِنْ اللّ ِه َو ُهوَ َم َعهُمْ إِ ْذ ُيَبّيتُونَ مَا ل‬ ‫ستَ ْ‬‫خفُو َن مِ ْن النّاسِ وَل يَ ْ‬ ‫ستَ ْ‬
‫مَنْ كَانَ َخوّانا َأثِيما (‪ )107‬يَ ْ‬
‫حيَاةِ ال ّدْنيَا‬
‫يَرْضَى مِ ْن اْل َقوْ ِل وَكَانَ اللّ ُه بِمَا َيعْمَلُو َن مُحِيطا (‪ )108‬هَاَأْنتُمْ َهؤُلءِ جَادَْلتُ ْم عَْنهُمْ فِي الْ َ‬
‫َفمَ ْن يُجَادِلُ اللّ َه َعْنهُمْ َي ْو َم اْلقِيَا َمةِ َأمْ مَ ْن َيكُو ُن عََلْيهِ ْم وَكِيلً (‪َ )109‬ومَ ْن َيعْمَ ْل سُوءا َأ ْو يَظِْل ْم َنفْسَهُ ثُمّ‬
‫سبُهُ عَلَى َنفْسِهِ وَكَانَ اللّ ُه عَلِيما‬ ‫سبْ ِإثْما فَِإنّمَا َيكْ ِ‬ ‫سَت ْغفِرْ اللّ َه يَجِدْ اللّ َه َغفُورا رَحِيما (‪َ )110‬ومَ ْن َيكْ ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫سبْ خَطِيَئةً َأوْ ِإثْما ثُ ّم يَ ْر ِم بِ ِه بَرِيئا َف َقدْ ا ْحتَمَ َل ُب ْهتَانا َوِإثْما مُبِينا (‪ )112‬وََلوْل‬ ‫َحكِيما (‪َ )111‬ومَ ْن يَكْ ِ‬
‫ك مِ ْن َشيْءٍ‬ ‫سهُمْ َومَا َيضُرّونَ َ‬ ‫ك وَرَ ْح َمتُهُ َل َه ّمتْ طَاِئ َفةٌ ِمْنهُمْ َأنْ ُيضِلّوكَ َومَا ُيضِلّونَ إِلّ أَنفُ َ‬ ‫َفضْلُ اللّ ِه عََليْ َ‬
‫ك عَظِيما} [سورة‬ ‫ك مَا لَ ْم َتكُ ْن َتعْلَ ُم وَكَانَ َفضْلُ اللّ ِه عََليْ َ‬ ‫حكْ َم َة َوعَلّمَ َ‬‫ب وَالْ ِ‬
‫ك اْلكِتَا َ‬ ‫َوأَنزَلَ اللّ ُه عََليْ َ‬
‫النساء ‪]113-4/105‬‬
‫وكان درسا هائل للمة السلمة‪ ...‬إن ميزان العدل ل ييله حب ول بغض‪ ..‬ول تيله عصبية ول‬
‫قرابة ول مصلحة أرضية‪ .‬بل ل ييل حت إل جانب الشاركي ف العقيدة علي حساب الخالفي لا ولو‬
‫كانوا ف مموعهم ظالي!‬
‫وخذ هذا التوجيه العملي‪ ...‬مرت جنازة فقام رسول ال‪ e‬فقالوا‪ :‬يا رسول ال إنه يهودي! فقال‬
‫عليه الصلة والسلم‪" :‬أوليست نفسا؟" (‪.)1‬‬
‫وخذ كذلك هذا الدرس التربوي‪ ..‬استدان رسول ال‪ e‬من يهودي فتأخر ف السداد لعسر أل به‬
‫‪ e‬فجاء اليهود يطالبه ويغلط ف الطلب وأمسك بثوب رسول ال‪ e‬فشده حول رقبة الرسول‪ e‬حت‬
‫جحظت عيناه فهم عمر رضي عنه أن يهوي عليه بالسيف‪ .‬فمنعه رسول ال‪ e‬وقال له‪ :‬لقد كنت يا‬
‫عمر جديرا بغي هذا‪ .‬كنت جديرا أن تأمرن بن السداد وتأمره بسن الطلب‪.‬‬
‫كذلك كانت التربية الت رباها ال ورسوله لذه المة مثلة ف جيلها الول التفرد لكي تكتسب هذه‬
‫السمة الت تعلها جديرة بالتمكي ف الرض‪.‬‬
‫ف َوَن َهوْا عَ ْن الْ ُمْنكَ ِر وَلِلّهِ‬
‫{الّذِينَ ِإنْ َم ّكنّاهُمْ فِي الَ ْرضِ أَقَامُوا الصّل َة وَآَتوْا الزّكَاةَ َوأَمَرُوا بِالْ َمعْرُو ِ‬
‫عَاِقَبةُ ا ُلمُورِ (‪[ })41‬سورة الـج ‪.]22/41‬‬
‫وتعلها جديرة بقيادة البشرية والشهادة عليها يوم القيامة‪:‬‬
‫س َويَكُونَ ال ّرسُو ُل عََلْيكُ ْم َشهِيدا} [سورة‬
‫{وَكَذَلِكَ َجعَ ْلنَاكُمْ ُأ ّم ًة َوسَطا ِلَتكُونُوا ُشهَدَا َء عَلَى النّا ِ‬
‫البقرة ‪.]2/143‬‬
‫هل نعجب إذن حي نري تلك النماذج الرفيعة لتطبيق العدل الربان علي يدي الصحابة رضوان ال‬
‫عليهم وهم مكنون ف الرض أصحاب سلطان ل يدانيه ف ذلك الوقت سلطان؟‬
‫تسابق ابن عمرو بن العاص وال مصر مع شاب قبطي فسبق القبطي فضربه ابن عمرو بن العاص‬
‫ضربه بالعصا وقال‪ :‬خذها وأنا ابن الكرمي! فما كان من والد الشاب القبطي إل أن رحل إل الدينة‬
‫ليشكو ضربة العصا إل عمر _‪.‬‬
‫وإل هنا فهناك ما يستوقف النظر‪.‬‬
‫لقد كان القباط يعيشون تت الكم الرومان ف ذل مرير رغم اشتراكهم مع الرومان ف العقدية‬
‫السيحية وذلك بسبب اختلف الذهب فالقباط علي الذهب الرثوذكسي والرومان علي الذهب‬
‫الكاثوليكي ومن أجل هذا الختلف ف الذاهب وإن كان داخل العقيدة السيحية فقد كان الرومان‬
‫() أخرجه البخاري‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫يعذبون القباط وينكلون بم حت قتل منهم من قتل فكانوا عندهم شهداء كما يبدو من أسم الكنيسة‬
‫العروفة اليوم باسم كنيسة ماري جرجس جنوب القاهرة وأسها الصحيح كنيسة مار جرجس (أي‬
‫الشهيد جرجس) وف الكنيسة بالذات كانت العبادة تارس علي نطاقي نطاق علن علي مذهب الدولة‬
‫ونطاق سري ف سراديب الكنيسة الفية علي مذهب القباط ف خفية عن عيون الرومان الذين‬
‫ينكلون بم إذا رأوهم يارسون عبادتم علي خلف مذهب الدولة‪.‬‬
‫وكان الضرب بالسياط أمرا مألوفا من تلك الدولة (العظيمة!) لرعاياها القباط ف مصر! ول يكن‬
‫القباط يشتكون! فلمن يشكون إذا أرادوا! إنا ذذلت نفوسهم وتملوا ضرب السياط صاغرين؟‬
‫واليوم يسافر الرجل ألوف الميال ليشكو ضربة عصا علي ظهر ولده الشاب! فما دللة ذلك؟‬
‫إنا دللة مزدوجة دللة الكرامة الت استيقظت ف نفس الرجل فراح يشكو ضربة العصا وهو الذي‬
‫كان يذل لضربة السوط ودللة وجود اللجأ الذي يشتكي إليه بعد أن ل يكن هنالك ملجأ للشكوي‪.‬‬
‫كلتاها شاهد علي العدل الربان الذي وجده الناس مطبقا علي يد عمر _ فصحت كراماتم وهل‬
‫يوقظ الكرامات شئ مثلما يوقظها مارسة العدل ف الرض؟ ووجدوا اللجأ فراحوا يشتكون إليه‪.‬‬
‫ولكن الادث أروع آفاقا وأبعد مدي وأعمق دللة‪.‬‬
‫لقد أمر عمر بالقصاص! وأعطي الرجل عصاه وقال له‪ :‬أضرب ابن الكرمي! والتفت إل واليه‬
‫عمرو بن العاص فقال له كلمته الشهورة الالدة‪ :‬يا عمرو! مت استبعدت الناس وقد ولدتم امهاتم‬
‫أحرارا!‬
‫ول يكن ذلك القصاص من مسلم لسلم ول من عرب لعرب فيقول الناس‪ :‬عدل‪ ..‬نعم … ولكنه غي‬
‫مستغرب!‬
‫إنه العدل الربان ف الذروة من التطبيقي!‬
‫وسرقت من علي كرم ال وجه درع فوجدها عند يهوي فقاضاه إل قاضية شريح‪ ..‬وعلي يؤمئذ هو‬
‫الليفة أمي الؤمني‪.‬‬
‫وإل هنا فهناك ما يستوقف النظر‪.‬‬
‫إن عليا كرم ال وجه وهو علي يقي من درعه ومن حقه ل يلجأ إل سلطان اللفة فيأخذ درعه‬
‫بالقوة من اليهودي فضل عن أن يأمر باعتقال السارق الثيم (رهن التحقيق)! إنا يلجأ إل القضاء‬
‫يطلب حقه عن طريقه وذلك ف ذاته مستوي رفيع من تطبيق العدل الربان نادر الثال‪.‬‬
‫ولكن الادثة كسابقتها أروع آفاقا وأبعد مدي وأعمق دللة‬
‫لقد نادي شريح أمي الؤمني بكنيته‪ :‬يا أبا السن! ول يكن الرجل اليهودي فغضب علي كرم ال‬
‫وجهه! غضبت الصمة اليهودي! غضب للحق‪ ..‬للعدل الربان! وقال للقاضي‪ :‬إما أ تكن الصمي‬
‫معا أو تدع تكنيتهما معا!‬
‫ث سأل شريح أمي الؤمني عن قضيته فقال علي كرم ال وجه‪ :‬الدرع درعي ول أبع ول أهب‪.‬‬
‫فسأل شريح اليهودي‪ :‬ما تقول فيما يقول أمي الؤمني؟ فرد هذا متلعبا‪ :‬الدرع درعي! وما أمي‬
‫الؤمني عندي بكاذب! (يريد أن يسك العصا من منتصفها نفاقا علي طريقتهم!)‪.‬‬
‫فيلتفت شريح إل أمي الؤمني فيقول‪ :‬يا أمي الؤمني هل من بينه؟!‬
‫إنه هكذا العدل الربان! البينة علي من ادعي‪ ..‬وهذه دعوي مرفوعة إل القضاء فل بد فيها من البينه‬
‫وإن تكن مرفوعة من أمي الؤمني وإن تكن من علي كرم ال وجهه الذي ل يعرف عنه كذب قط‬
‫والذي ل يعقل أن يكذب علي ال من أجل درع وهو الستعلي علي كل متاع الرض يراه الناس‬
‫يرتف من شدة البد ف الشتاء وتت يده بيت الال يق له منه كسوة شرعية تقية البد فيقول‪ :‬وال‬
‫ما أرزؤكم شيئا! إن هي إل قطيفت خرجت با من الدينة!‬
‫ولكن جواب علي كرم ال وجهه كان أروع!‬
‫قال‪ :‬صدق شريح! مال بينه!‬
‫هكذا ف بساطة الؤمن التجرد‪ ..‬مال بينه!‬
‫ل يغضب! ل يقل للقاضي‪ :‬من تطلب البينة وأنا أمي الؤمني؟!‬
‫وكان موقف شريح رائعا كموقف أمي الؤمني‪ ..‬لقد حكم بالدرع لليهودي لعدم وجود البينه عند‬
‫الدعي أمي الؤمني!‬
‫وأخذ الرجل الدرع ومضي وهو ل يكاد يصدق نفسه! ث عاد بعد خطوات ليقول‪ :‬أمي الؤمني‬
‫يقاضين إل قاضية فيقضي عليه‪.‬؟! إن هذه أخلق أنبياء! أشهد أن ل إله إل ال وأن ممدا رسول ال!‬
‫الدرع درعك يا أمي الؤمني خرجت من بعيك الورق فاتبعتها فأخذتا‪.‬‬
‫فيقول علي كرم اله وجهه‪ :‬أما إذا اسلمت فهي لك!!‬
‫ونعود مرة أخري إل عمر رضي عنه ف مال آخر‪.‬‬
‫وقف عمر _ يوما يطب الناس فقال‪ :‬أيها الناس اسعوا وأطيعوا‪ ..‬فانتدب له سلمان الفارسي‬
‫فقال‪ :‬ل سع لك اليوم علينا ول طاعة!‬
‫ولعل بعض الناس يؤمئذ قد دهشوا أو ذعرو! فمنذ الذي يكلم عمر علي هذا النحو وإن كان‬
‫سلمان!‬
‫لقد وهب ال لعمر _ مهابة ذات أثر ملحوظ ف قلوب الناس إن يكن سببها ضخامة جسمه أو‬
‫ضخامة صوته أو شدته العروفة عنه أوغي ذلك من السباب فالناس ترهب عمر رهبة تلقائية حت إن‬
‫عليا كرم ال وجهة ابن عم رسول ال‪ e‬وزوج ابنته الثية عنده يقول‪ :‬كنا نسي ذات يوم خلف‬
‫عمر فعن له امر فالتفت وراءه فسقطت قلوبنا إل كعوبنا!‪.‬‬
‫ولكنه ف مهابته تلك يقوم للناس‪ :‬اسعوا وأطيعوا فيقول له سلمان‪ :‬ل سع لك اليوم علينا ول طاعة‪.‬‬
‫ول يغضب عمر وأي شخص ف مكانه كان قمينا أن يغضب‪ ..‬فهو ل يطالب الناس إل بأمر قد‬
‫فرضه ال ورسوله فإذا رد طلبه هذا الرد بغي موجب فل تثريب عليه إن غضب ولكن عمر الذي رباه‬
‫السلم ل يغضب إنا يسأل سلمان عن السبب لعل عنده سبب ا وجيها يبر هذا الرد!‬
‫قال عمر‪ :‬وله؟‬
‫قال سلمان‪ :‬حت تبي لنا من أين لك هذا البد الذي أئتزرت به وأنت رجل طوال ل يكفيك البد‬
‫الذي نالك كبقية السلمي!‬
‫والن تددت القضية! فكأن سلمان يلقي اتاما أو علي القل شبهة‪ ..‬أن عمر _ قد استأثر بتر من‬
‫القماش زيادة عما ناله كفرد من عامة السلمي!‬
‫ولو غضب عمر ف هذا الوقف لق له أن يغضب‪ ..‬ولكنه مرة أخري ل يغضب إنا ينادي ولده‬
‫عبد ال بن عمر فيقول له‪ :‬نشدتك ال هذا البد الذي ائتزرت به أهو بردك؟! فيقول عبد ال بن عمر‪:‬‬
‫نعم هو بردي أعطيته لمي الؤمني حت يأتزر به لن البد الذي ناله كعامة السلمي ل يكفيه لنه‬
‫رجل طوال‪.‬‬
‫عندئذ يقول سلمان‪ :‬الن مر! نسمع ونطع!‬
‫إنا القمة الرائعة ف جانبيها جانب عمر بن الطاب وجانب سلمان علي السواء إن احدا منهما ل‬
‫يغضب لشخصه ول ينطلق من منطلق شخصي! وما سلمان بالذي يشك ف نزاهة عمر بن الطاب _‬
‫وهو العروف بالزهادة الت تفوق كل تصور! ولكنه الرص علي شريعة ال أن تنفذ علي أعلي مستوياتا‬
‫الرص علي العدل الربان أن يطبق أبيض ناصع البياض ل تشوبه شائبة حت من ظن وعمر من جانبه ل‬
‫يضع شخصة ف اليزان ول يلتفت إل الذي الذي ينال شخصه من كون رجل من رعيته يرد عليه‬
‫السمع والطاعة علي هذا النحو أمام الرعية إنا يريد أن يأخذ العدل الربان مراه ف أعلي مستوياته‬
‫فيستنطق الرجل خشية أن يكون قد وقع خطأ وهو ل يدري خطأ يبر للرعية أو أحد أفرادها أن يرد‬
‫السمع والطاعة لنه ل طاعة إل ف العروف‪.‬‬
‫كلها حريص علي دين ال أل تشوبه شائبه وكلها قمة تتضاءل أمامها أحلم الرجال!‬
‫وصورة من تطبيق العدل الربان ف الرض ل يرتقي البشر إل مثلها علي مدار القرون!‬
‫هل نن ف حاجة إل مزيد؟! من كان ف حاجة إل مزيد فلياجع كتب التاريخ!‬
‫رابعا‪ :‬أخلقيات ل إله إل ال‬
‫من أبرز سات هذا الدين قاعدته الخلقية العريضة الشاملة لكل تصرفات النسان وارتباط هذه‬
‫القاعدة الخلقية بقيقة اليان ولقد سبق أن أشرنا ونن نتحدث عن جدية الخذ من الكتاب والسنة‬
‫إل هذا الرتباط بي الخلق وبي ل إله إل ال ولكن المر يتاج إل مزيد من البيان خاصة ف وقتنا‬
‫هذا الذي كادت تنفصل فيه الخلق انفصال كامل عن مفهوم ل إله إل ال!‬
‫انظر إل هذه اليات من سورة الرعد‪:‬‬
‫حقّ كَمَ ْن ُهوَ أَعْمَى ِإنّمَا َيتَذَكّرُ ُأوْلُوا الَلْبَابِ (‪ )19‬الّذِينَ‬ ‫{أَفَمَ ْن َيعَْلمُ َأنّمَا أُن ِزلَ إَِليْكَ مِنْ َربّكَ الْ َ‬
‫شوْنَ َرّبهُمْ‬
‫يُوفُونَ ِب َعهْدِ اللّ ِه وَل يَن ُقضُو َن الْمِيثَاقَ (‪ )20‬وَالّذِينَ َيصِلُو َن مَا َأمَرَ اللّ ُه بِهِ َأ ْن يُوصَ َل َويَخْ َ‬
‫صبَرُوا اْبتِغَا َء وَجْهِ َرّبهِمْ َوأَقَامُوا الصّل َة َوأَن َفقُوا مِمّا رَزَ ْقنَاهُ ْم سِرّا‬ ‫َويَخَافُو َن سُوءَ الْحِسَابِ (‪ )21‬وَالّذِينَ َ‬
‫ت عَ ْدنٍ يَ ْدخُلُوَنهَا َومَنْ صَلَحَ مِنْ‬ ‫سيَّئةَ ُأوَْلئِكَ َلهُ ْم ُع ْقبَى الدّارِ (‪َ )22‬جنّا ُ‬ ‫سَنةِ ال ّ‬
‫َوعَلنَِي ًة َويَدْرَءُونَ بِالْحَ َ‬
‫صبَ ْرتُمْ َفِنعْمَ‬
‫آبَاِئهِ ْم َوأَ ْزوَا ِجهِ ْم وَذُ ّريّاِتهِ ْم وَالْمَلِئ َكةُ يَدْخُلُو َن عََلْيهِ ْم مِنْ كُ ّل بَابٍ (‪ )23‬سَلمٌ عََلْيكُ ْم بِمَا َ‬
‫ُع ْقبَى الدّارِ (‪ )24‬وَالّذِينَ يَن ُقضُو َن َعهْدَ اللّ ِه مِنْ بَعْ ِد مِيثَاقِ ِه َويَقْ َطعُونَ مَا َأمَرَ اللّ ُه بِهِ َأنْ يُوصَ َل َوُيفْسِدُونَ‬
‫فِي الَ ْرضِ ُأوَْلئِكَ َلهُمُ الّل ْعَنةُ وََلهُ ْم سُوءُ الدّارِ (‪[ })25‬سورة الرعد ‪]25-13/19‬‬
‫إن الشارة الخلقية واضحة ف اليات سواء الشارة الجملة ف قوله تعال‪:‬‬
‫{وَالّذِي َن يَصِلُو َن مَا َأمَرَ اللّ ُه بِهِ أَ ْن يُوصَلَ} أو فيما جاء تفصيل من الصب ابتغاء وجه ال وأقام‬
‫الصلة وإيتاء الزكاة ودرء السيئة بالسنة مع خشية ال والوف من سوء الساب‪.‬‬
‫ومعرض الدث هو اليان بأن ما انزل إل الرسول‪ e‬من ربه هو الق ومن ث يبدو واضحا أن‬
‫اللتزمام بتلك الخلقيات العروضة سواء منها ما أجل وما فصل هو مقتضي ذلك اليان بأن ما أنزل‬
‫إل رسول‪ e‬من ربه هو الق أي متقضي اليان بأنه ل إله إل اله وأن ممدا رسول ال‪.‬‬
‫كما أن هناك لفظة ف اليات تعطي دللة خاصة ف هذا الجال‬
‫إن أول صفة لولئك الذين يعلمون أن ما أنزل إل الرسول من ربه هو الق هي أنم يوفون بعهد ال‬
‫ول ينقضون اليثاق وف هذا إشارة إل أمرين أثني علي القل‪ :‬المر الول أو اليان هو مقتضي ميثاق‬
‫الفطرة الذي قال ال عنه‪:‬‬
‫ت بِ َرّبكُمْ قَالُوا بَلَى‬
‫س ُ‬
‫ك مِ ْن َبنِي آ َد َم مِ ْن ُظهُو ِرهِمْ ذُ ّرّيَتهُ ْم َوَأشْهَ َدهُ ْم عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَ ْ‬
‫{ َوإِذْ أَ َخذَ َربّ َ‬
‫َشهِ ْدنَا} [سورة العراف ‪.]7/172‬‬
‫والمر الثان أن هذه الخلقيات العروضة سواء منها ما أجل وما فصل هي ف حقيقتها ميثاق مع‬
‫ال يوف به الؤمنون وينقضه غي الؤمني‪.‬‬
‫وتلك هي القيقة ف أمر الخلق‪.‬‬
‫إن النسان كائن أخلقي بطبعه أي أن أعماله تمل معها (قيمة) خلقية بصرف النظر عن كون‬
‫هذه القيمة ف اعتبار إنسان بعينه صحيحه أم خاطئة إنا تستمد أعمال النسان قيمة خلقية من كون أن‬
‫له طريقي أثني ل طريقا واحدا غريزيا كاليوان وله القدرة علي معرفة الطريقي واختيار أحدها‪:‬‬
‫ج َديْنِ (‪[ })10‬سورة البلد ‪.]90/10‬‬
‫{ َوهَ َدْينَا ُه النّ ْ‬
‫{ِإنّا هَ َديْنَاهُ السّبِيلَ ِإمّا شَاكِرا َوإِمّا َكفُورا (‪[ })3‬سورة النسان ‪.]76/3‬‬
‫ب مَنْ‬
‫{ َوَن ْفسٍ َومَا َسوّاهَا (‪َ )7‬فأَْلهَ َمهَا ُفجُو َرهَا َوَتقْوَاهَا (‪َ )8‬قدْ أَفْلَ َح مَنْ زَكّاهَا (‪ )9‬وَقَدْ خَا َ‬
‫َدسّاهَا (‪[ })10‬سورة الشمس ‪.]10-91/7‬‬
‫ف جيع أحواله هو (يتار) إما طريق الي وإما طريق الشر‪.‬‬
‫وقد يتار طريق الشر يسبه طريق الي فيخسر‪.‬‬
‫سبُونَ َأّنهُمْ‬
‫حيَاةِ ال ّدْنيَا َوهُ ْم يَحْ َ‬
‫{قُ ْل هَ ْل ُنَنبُّئكُ ْم بِالَخْسَرِينَ َأعْمَالً (‪ )103‬الّذِينَ ضَلّ َسعُْيهُمْ فِي الْ َ‬
‫صنْعا (‪[ })104‬سورة الكهف ‪.]104-18/103‬‬ ‫سنُونَ ُ‬ ‫يُحْ ِ‬
‫ولكن هذا ل ينفي الختيار من جهة ول ينفي لصوق القيمة اللقية بعمل النسان من جهة أخري‪.‬‬
‫ليست القضية ف القيقة هي وجود قيمة خلقية لعمال النسان أم عدم وجودها فذلك أمر ل‬
‫يشك فيه أحد حت الاديون وحت اللحدون وحت الشكاكون إنا القضية هي (العايي) الت نقيس با‬
‫الخلق من يضعها؟!‬
‫فأما الوضعيون وأما التطوريون وأما الاديون وأشباههم فقد ذهبوا با مذاهب شت توافق أهواءهم‬
‫(‪.)1‬‬
‫وأما ال سبحانه وتعال فيقول إن الذي يلق هو وحده صاحب المر‪ ..‬هو ال سبحانه وتعال‪:‬‬
‫{أَل لَ ُه الْخَلْ ُق وَا َلمْرُ} [سورة العراف ‪.]7/54‬‬
‫() ف كتاب "مذاهب فكرية معاصرة" تفصيل لذه القضايا‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ويقول سبحانه إن هناك ميثاق مأخوذا علي الفطرة البشرية أشهدها ال فيه علي نفسها‪ :‬أن ال هو‬
‫ربا ل شريك له‪ .‬ث أرسل رسل يأخذون العهد علي البشرية بتنفيذ اليثاق‪.‬‬
‫وأن مقتضي هذا اليثاق أن تعبد ال وتطيعه وأن تتلقي منها وحده العايي وتلتزم با‪.‬‬
‫وأن الؤمني هم الذين يوفون بعهد ال ول ينقضون اليثاق وأن غي الؤمني هم الذين ينقضون عهد‬
‫ال من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر ال به أن يوصل ويفسدون ف الرض‪.‬‬
‫وخلصة ذلك كله أن ال هو الذي يدد العايي اللقية فيقول وقوله الفصل‪ :‬هذا حلل وهذا حرام‬
‫هذا حسن وهذا قبيح هذا مباح وهذا غي مباح وأن الؤمني هم الذين يلتزمون بذا كله بقتضي أنم‬
‫مؤمنون‪.‬‬
‫أمر آخر يتعلق بالخلق تبدو أهيته بالنسبة للجاهلية العاصرة بصفة خاصة إنا ليست مرد اعراف‬
‫يصطلح عليها الناس أو العقل المعي وانعكاس أوضاع مادية متقلبة أو قيم نفعية لتيسي التعامل كما هي‬
‫ف الغرب اليوم فذلك كله ل يعل لا دواما ول ثباتا ول فاعلية حقيقية ف الياة البشرية إنا هي ميثاق‬
‫مع ال بادئ ذي بدء يعمل فيه الي الذي وصفه ال بأنه خي ويعمل ابتغاء وجه ال ل ابتغاء النفع‬
‫القريب وإن كان النفع يتحقق بالتزام أوامر ال‪:‬‬
‫ت مِنْ السّمَاءِ وَالَ ْرضِ} [سورة العراف‬
‫حنَا عََلْيهِ ْم بَرَكَا ٍ‬
‫{وََلوْ أَنّ َأهْ َل الْقُرَى آمَنُوا وَاّت َقوْا َل َفتَ ْ‬
‫‪.]7/96‬‬
‫ت الّنعِيمِ (‪ )65‬وََلوْ َأّنهُ ْم‬
‫{وََلوْ أَنّ َأهْ َل الْ ِكتَابِ آمَنُوا وَاّت َقوْا َلكَفّ ْرنَا َعْنهُ ْم َسيّئَاِتهِ ْم وَلَدْ َخ ْلنَاهُمْ َجنّا ِ‬
‫حتِ أَ ْرجُِلهِمْ‪[ }...‬سورة الائدة‬ ‫أَقَامُوا الّتوْرَا َة وَالِنِي َل َومَا أُنزِلَ إَِلْيهِمْ مِنْ َرّبهِمْ لَكَلُوا مِنْ َفوِْقهِ ْم َومِ ْن َت ْ‬
‫‪.]66-5/65‬‬
‫أنا ف حس الؤمن (أمانة) تؤدي إل أهلها‪:‬‬
‫حكُمُوا‪[ }..‬سورة النساء‬
‫{ِإنّ اللّ َه َي ْأمُرُكُمْ َأنْ ُتؤَدّوا ا َلمَانَاتِ إِلَى َأهِْلهَا َوإِذَا َحكَ ْمتُ ْم َبيْ َن النّاسِ َأنْ َت ْ‬
‫‪.]4/58‬‬
‫والمانة الول هي اللتزام با جاء من عند ال فذلك مقتضي القرار بألوهيته وتت هذه المانة‬
‫الكبي تندرج المانات الخري كلها فيما يتصل بعلقة النسان بنفسه وعلقته بالناس‪ ..‬وتلك هي‬
‫الخلق!‬
‫أمر ثالث يتعلق بالخلق كذلك وله كذلك أهيته الاصة بالنسبة للجاهلية العاصرة هو أن هذه‬
‫(المانات) الت هي الفحوي القيقية للخلق ليست خاصة ببعض أنواع التعامل دون بعض بل شاملة‬
‫لكل أنواع التعامل ومن ث ل يرج عن نطاقها شئ البتة من أعمال النسان الرادية الختيارية ول يقال‬
‫عن شئ من هذه العمال كلها إنه خارج عن نطاق الخلق ل السياسة ول القتصاد ول الجتماع‬
‫ول الفن ول الفكر ول ساعة الد ول ساعة الترويح كلها داخلة ف نطاق الخلق وكلها داخلة ف‬
‫اليثاق العقود مع ال وكلها يقوم به الؤمن بقتضي عقد اليان‪.‬‬
‫{ َو ِعبَادُ الرّحْ َم ِن الّذِينَ يَمْشُو َن عَلَى الَ ْرضِ َهوْنا َوإِذَا خَا َطَبهُ ْم الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلما (‪ )63‬وَالّذِي َن‬
‫ف عَنّا عَذَابَ َج َهنّمَ ِإنّ عَذَاَبهَا كَا َن غَرَاما (‬ ‫َيبِيتُونَ ِل َرّبهِ ْم سُجّدا وَِقيَاما (‪ )64‬وَالّذِي َن َيقُولُونَ َرّبنَا اصْ ِر ْ‬
‫ستَقَرّا َو ُمقَاما (‪ )66‬وَالّذِينَ ِإذَا أَن َفقُوا لَ ْم يُسْرِفُوا وَلَ ْم َي ْقتُرُوا وَكَانَ َبيْنَ ذَلِكَ َقوَاما (‬ ‫ت مُ ْ‬ ‫‪ِ )65‬إّنهَا سَاءَ ْ‬
‫ح ّق وَل َي ْزنُو َن َومَنْ‬
‫س اّلتِي َح ّرمَ اللّهُ إِلّ بِالْ َ‬ ‫‪ )67‬وَالّذِي َن ل يَ ْدعُو َن مَعَ اللّهِ إِلَها آخَ َر وَل َي ْقتُلُونَ الّنفْ َ‬
‫ب َي ْومَ اْل ِقيَا َم ِة َويَخُْلدْ فِيهِ ُمهَانا (‪ )69‬إِلّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ‬ ‫ك يَ ْلقَ َأثَاما (‪ُ )68‬يضَاعَفْ لَهُ الْعَذَا ُ‬ ‫َي ْفعَلْ ذَلِ َ‬
‫ت وَكَانَ اللّ ُه َغفُورا رَحِيما (‪َ )70‬ومَ ْن تَابَ‬ ‫سنَا ٍ‬ ‫ك ُيبَدّلُ اللّ ُه َسيّئَاِتهِمْ حَ َ‬
‫َوعَمِ َل عَ َملً صَالِحا َفُأوْلَئِ َ‬
‫شهَدُونَ الزّو َر َوإِذَا مَرّوا بِالّل ْغ ِو مَرّوا كِرَاما (‬ ‫َوعَمِلَ صَالِحا فَِإنّ ُه َيتُوبُ إِلَى اللّ ِه َمتَابا (‪ )71‬وَالّذِينَ ل يَ ْ‬
‫خرّوا عََلْيهَا صُمّا وَعُ ْميَانا (‪ )73‬وَالّذِينَ َيقُولُونَ َرّبنَا هَبْ َلنَا‬ ‫‪ )72‬وَالّذِينَ إِذَا ذُكّرُوا بِآيَاتِ َرّبهِمْ لَ ْم يَ ِ‬
‫صبَرُوا َويَُل ّقوْنَ فِيهَا‬‫ج َز ْونَ اْلغُرَْف َة بِمَا َ‬
‫ك يُ ْ‬
‫مِنْ أَ ْزوَا ِجنَا وَذُ ّريّاِتنَا قُ ّرةَ َأعْيُ ٍن وَا ْجعَ ْلنَا لِ ْل ُمّتقِيَ ِإمَاما (‪ُ )74‬أوْلَئِ َ‬
‫ستَقَرّا َو ُمقَاما (‪[ })76‬سورة الفرقان ‪.]76-25/63‬‬ ‫ت مُ ْ‬
‫سَن ْ‬ ‫حّي ًة َوسَلما (‪ )75‬خَالِدِينَ فِيهَا حَ ُ‬ ‫تَ ِ‬
‫صحيح أن الناس ف مارساتم الواقعية للحياة يعصون أمر ربم وأن تلك العاصي تتعلق أشد ما تتعلق‬
‫بأخلقيات ل إله إل ال وأن العاصي مع ذلك ل ترجهم من اليان ما ل يستحلوها ويعلوها أصل‬
‫معتمدا بدل من أوامر ال‪.‬‬
‫ولكن العصية ل تنفي أرتباطا هذه الخلقيات بل إل إل ال ول تنفي أصل اللتزام النن علي‬
‫القرار بل إله إل ال فمن أقر فقد التزم وإن عصي وإل فل إقرار بغي التزام‪.‬‬
‫قضية العصية هي أن ال برحته ل يرج من عصاه من دائرة اليان ويغفر له إن شاء ويعذبه إن شاء‬
‫ولكنه ل يلده ف النار ما دام غي مستحيل لعصيته وما دام ل يعلها تشريعا يضاهي به تشريع ال‪.‬‬
‫ولكن هذا ليس معناه أن العصية هينة عند ال أو أن وجودها وعدم وجودها سيان بالنسبة لليان‪.‬‬
‫إنا اليان يزيد وينقص ينقص بالعاصي ويزيد الطاعات‪.‬‬
‫ويكفي هذا التقرير من رسول ال‪" :e‬ل يزن الزان حي يزن وهو مؤمن ول يسرق السارق حي‬
‫يسرق وهو مؤمن" (‪.)1‬‬

‫() أخرجه الشيخان‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫يكفي لبيان أن ميزان اليان ليس ثابتا وإنا هو يعلو ويهبط كلما قام النسان بعمل من العمال‬
‫حسب التزامه أو عدم التزامه ف ذلك العمل بأوامر ال كما يكفي لبيان ذلك الرتباط الذي ل ينفصم‬
‫بي ل إله إل ال وأخلقيات ل إله إل ال وأن هذه المة بكم أنا أمة ربانية أمة عقيدة فهي أمة‬
‫أخلق وأن التزامها بأخلقيات ل إله إل ال هو معيار من معايي صدق إيانا ل يكن إغفاله وإنا ل‬
‫تستطيع أن تتفلت من أخلقها ث تزعم أنا صادقة اليان!‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫فأما اليل الول فقد وعي هذه القيقة بكل عمقها وكل فعاليتها‬
‫سئلت عائشة ~ عن خلق رسول ال‪ e‬فقالت كان خلقه القرآن‪.‬‬
‫ما أوجزها عبارة وما أبلغها كذلك!‪.‬‬
‫كان خلقه القرآن‪ .‬أي أن كل أمر أمر ال به ف كتابه النل وكل ني ني عنه‪ .‬كان مترجا ترجة‬
‫واقعية ف حياة الرسول‪ .e‬ومن ث كان خلقه القرآن‪.‬‬
‫وعلى هذا اللق رب أصحابه رضوان ال عليهم وكان هو القدوة أمامهم ف التخلق بأخلق ال‪.‬‬
‫ل عجب إذن أن نرى تلك القيم الخلقية الرفيعة ف كل مال من مالت الياة‪.‬‬
‫أبو بكر رضى ال عنه يتول اللفة فيقول للناس‪ :‬إن وليت هذا المر ولست بيكم فإن أحسنت‬
‫فأعينون وإن أسأت فقومون‪ .‬ويقول قريبا من ذلك عمر ابن الطاب رضى ال عنه حي تول المر‪.‬‬
‫وما من حاكم ف التاريخ يدعو الناس إل تقويه إن أساء!‬
‫إنا يأتى التقوي من ضغط الناس على حكامهم وهم كارهون! وأقصى ما يدح به حاكم ف القدي‬
‫أو الديث أن يستجيب لضغط الناس ويقبل أن يلتزم حي يلزم! أما أن يدعوهم إل تقويه فتلك من‬
‫أخلقيات ل إله إل ال ف عال السياسة ل يقدر عليها إل ذلك اليل الفريد‪.‬‬
‫ولقد قال عمر رضى ال عنه لرعيته ذات يوم‪ :‬إن وجدت ف اعوجاجا فقومون! فقال له سلمان‪:‬‬
‫وال لو جدنا فيك اعوجاجا لقومناه بد السيف! فلم يغضب رضى ال عنه وإنا قال المد ل الذى‬
‫جعل ف رعية عمر من يقومه بد سيفه! وتلك كذلك من اخلقيات ل إله إل ال ف عال السياسةى ل‬
‫يقدر عليها إل ذلك اليل الفريد!‬
‫وقال أبو بكر رضى ال عنه ف بيان سياسته‪ :‬الضعيف فيكم قوى عندى حجت آخذ له الق ن‬
‫والقوى فيكم ضعيف عندى حت آخذ الق منه‪ .‬ول تكن تلك شعارات تلقى على الماهي لتلهيتها أو‬
‫اللعب بشاعرها‪ .‬إنا كانت نباسا حقيقيا يلتزم به وكانت تلك هى أخلقيات السياسة اللتزمة بل إله‬
‫إل ال ل تاب أحدا لنه قوى ول تظلم أحدا لنه ضعيف‪.‬‬
‫وسافر عمر إل بيت القدس ليتسلم مفتاحها من البطريق الذى أصر على أن يسلم الفتاح لعمر‬
‫بنفسه‪.‬‬
‫ول تكن هناك وفرة من الدواب تسمح لعمر وخادمه أن يركب كلها فقرر عمر أن يتناوبا‬
‫الركوب والشى دواليك يركب عمر مرة ويسي خلفه خادمه ويركب الادم مرة ويسي خلفه عمر‪.‬‬
‫حت إذا دخل بيت القدس كان الدور للخادم ف الركوب فأصر عمر على أن يأخذ الادم دوره وأن‬
‫يسي عمر خلفه ودخل الدينة على هذا النكو والناس يظنون بكم جيع العراض الرضية أن الليفة‬
‫هو الراكب وأن تابعه هو الذى يسي على قدميه! حت عرفوا القيقة فأذهلتهم!‬
‫‪m m m‬‬

‫يقول رسول ال‪ e‬لنوده وهم ذاهبون إل ماربة الكفار الذين ليرقبون ف مؤمن إل ول ذمة "‬
‫اغزوا باسم ال ف سبيل ال‪ .‬قاتلو من كفر بال‪ .‬اغزوا ول تغدروا ول تثلو‪ .‬ول تقتلوا وليدا ول شيخا‬
‫ول امرأة " (‪.)1‬‬
‫فيضع بذلك الدستور الخلقى للحرب الت يظن الناس – ف الاهلية العاصرة خاصة – أنه ل‬
‫علقة لا بالخلق!‬
‫ويلى المر أبو بكر رضى ال عنه فيوصى جنده ذات الوصاية وهو ياربون الرتدين الذين نكلوا‬
‫عن أمر ال‪.‬‬
‫ويقع القتال بي على كرم ال وجه وبي مناوئيه ويقع قتلى من هنا ومن هناك فإذا حل الظلم‬
‫ووقفت الرب قام على كرم ال وجه يصلى على قتلى الفريقي! ويسلم أعداءه قتلهم ليدفنوهم!‬
‫ويرج الوارج عليه فيقول قوم من أصحابه أنم كفار‪ ..‬فيأب على كرم ال وجهه ويقول‪ :‬إنا هو‬
‫إخواننا بغوا علينا!‬
‫تلك أخلقيات – ف الرب ‪ -‬ل يقدر عليها إل أهل ل إله إل ال‪.‬‬
‫ف معركة أحد حي وقعت الزية بعد النصر ووقع من السلمي سبعون شهيدا فيهم سيد الشهداء‬
‫حزة مر أحد السلمي على جريح ينع فناوله كأس ماء لعله يسترد أنفاسه فقال الريح بل أعطها‬

‫() أخرجه مسلم‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫لخى فلن هناك فذهب إل الثان يعرض عليه الاء فقال أعطها لخى فلن هناك فتركه إل الثالث‬
‫والرابع والامس كل يقول ذات القولة ويؤثر أخاه على نفسه ف نزع الوت فلما كان الامس رده إل‬
‫الول فلما عاد إليه إذا هو قد لفظ أنفاسه فعاد إل الثان فإذ هو قد لفظ أنفاسه فعاد إل الثالث‬
‫فالرابع فالامس فإذا كلهم قد ذهبوا شهداء ل يرض واحد منهم حت لظة الوت أن يؤثر نفسه على‬
‫أخيه!‬
‫أى أخلقيات هذه؟ كيف ند لا وصفا ف مصطلحات اللغات؟‬
‫‪m m m‬‬

‫وليس هدفنا أن نسود الصفحات بذكر الستويات الخلقية الرفيعة لذلك اليل الفريد فكتب السي‬
‫وكتب التاريخ عامرة بنماذج عجيبة ف كل اتاه‪.‬‬
‫وإنا هدفنا أن نسدل ذلك الرتباط الوثيق ف حس ذلك اليل بي حقيقة اليان وبي القيم اللقية‬
‫الت يشتمل عليها هذا الدين‪.‬‬
‫ول يكن ذلك اجتهادا خاصا بم فتجد الجيال التالية نفسها معفاه منه ول كان ذلك – من حيث‬
‫البدأ – امتيازا خاصا بم تنسلخ منه الجيال التالية بل ترج!‬
‫إنا كان ذلك – ف حسهم وف حقيقة الواقع – هو الدين لن ال قال لم إن الؤمني هم الذين‬
‫آمنوا وعملوا الصالات وكذلك علمهم الرسول‪ e‬فتعلموا منه أن " الدين العاملة " فلم يكن ف‬
‫حسهم – ول ف حقيقة الواقع – إن النسان يكن أن يكون مؤمنا دون أن يعمل بأعمال هذا الدين‪.‬‬
‫إنا كان ف حسهم – كما هو ف الواقع – ان الناس يتفاوتون ف حقيقة إيانم بقدار ما يتفاوتون ف‬
‫العمل بقتضى هذا الدين‪ .‬وكان امتيازهم الذى اختصوا به أنم أرادوا أن يعملوا من أعمال هذا الدين ما‬
‫وسعهم العمل وأن يطبقوا من أخلقيات هذا الدين ما وسعهم التطبيق تنفيذا لمر ال {فَاتّقُوا اللّ َه مَا‬
‫ا ْستَ َطعْتُمْ} [سورة التغابن ‪ ]64/16‬فلم يكتفوا بالد الدن الفروض إنا تطوعوا فعملوا بالنوافل‬
‫والندوبات وألزموا با أنفسهم كأنا واجبات أو مفروضات‪ .‬أما البدأ – مبدأ اقتران اليان بالعمل‬
‫ومبدأ التعامل بأخلقيات ل إله إل ال ف عال الواقع فقد كان ف حسهم بديهية مسلمة لنه بالفعل‬
‫من بديهيات هذا الدين‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬الوفاء بالواثيق‬
‫قال تعال‪َ { :‬وأَوْفُوا ِب َعهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَ ْدتُ ْم وَل تَن ُقضُوا الَيْمَا َن َبعْ َد َتوْكِي ِدهَا وَقَدْ َجعَ ْلتُمْ اللّهَ عََليْكُمْ‬
‫ت غَزَْلهَا مِ ْن َبعْدِ ُق ّوةٍ أَنكَاثا َتتّخِذُونَ‬ ‫َكفِيلً ِإنّ اللّ َه َيعْلَ ُم مَا َتفْعَلُونَ (‪ )91‬وَل تَكُونُوا كَاّلتِي َن َقضَ ْ‬
‫َأيْمَاَنكُمْ َد َخلً َبْينَكُمْ َأ ْن تَكُونَ ُأ ّم ٌة ِهيَ أَ ْربَى مِنْ ُأمّةٍ ِإنّمَا َيبْلُوكُمْ اللّ ُه بِهِ وَلَُيَبيّنَنّ َلكُ ْم َي ْومَ الْ ِقيَا َمةِ مَا ُكْنتُمْ‬
‫جعََلكُمْ ُأ ّم ًة وَاحِ َد ًة وََلكِنْ ُيضِ ّل مَ ْن يَشَا ُء َوَيهْدِي مَ ْن يَشَا ُء وََلتُسْأَلُنّ‬ ‫ختَِلفُونَ (‪ )92‬وََل ْو شَاءَ اللّهُ لَ َ‬ ‫فِي ِه تَ ْ‬
‫ل َبيَْنكُمْ َفتَزِلّ َق َدمٌ بَعْ َد ُثبُوِتهَا َوتَذُوقُوا السّو َء بِمَا‬ ‫عَمّا كُنتُ ْم َتعْمَلُونَ (‪ )93‬وَل َتتّخِذُوا َأيْمَانَكُمْ دَ َخ ً‬
‫ب عَظِيمٌ (‪ )94‬وَل تَشْتَرُوا ِب َعهْدِ اللّهِ ثَمَنا َقلِيلً ِإنّمَا ِعنْدَ اللّ ِه ُهوَ َخيْرٌ‬ ‫صدَ ْدتُ ْم عَ ْن َسبِيلِ اللّهِ وَلَكُ ْم عَذَا ٌ‬ ‫َ‬
‫َلكُمْ ِإنْ كُنتُ ْم َتعْلَمُونَ ( ‪[ })95‬سورة النحل ‪.]95-16/91‬‬
‫وقد أراد ال أن تكون هذه سة من سات هذه المة راسخة ف كيانا بعد أن أخب عن أهل‬
‫الكتاب أنم يشترون بعهد ال وإيانم ثنا قليل وبعد أن أخرج هذه المة لتكون هى القائدة والرائدة‬
‫والشاهدة على كل المم يوم القيامة‪.‬‬
‫ولقد وفت هذه المة بعهدها بالفعل وصار الوفاء بالواثيق خلقا لا تتميز به ف وسط الاهلية‬
‫الحيطة بشعوب الرض‪.‬‬
‫وكان اليل الول كما عهدناه أشد الجيال تسكا بكتاب ال وسنة رسوله بعد أن رباه الرسول‬
‫‪ e‬على هدى القرآن الكري‪.‬‬
‫حينما عقد الرسول‪ e‬صلح الديبية مع مشركى قريش كان من بنود الصلح أنه من جاء ممدا‪e‬‬
‫من السلمي رده إليهم ومن جاء قريشا من السلمي ل يردوه!‬
‫ولقد أحس السلمون يومئذ بالغب الواقع عليهم من هذه التفاقية وبلغ الضيق بعمر رضى ال عنه‬
‫مبلغه فراح يسائل الرسول‪ :e‬أو لسنا بالؤمني؟ قال‪ :‬بلى! قال‪ :‬أو ليسوا بالكافرين؟ قال‪ :‬بلى! قال‪:‬‬
‫فلم نعطى الدنية من ديننا‪ .‬ورد عليه الرسول‪ e‬بالقول الفصل‪ " :‬إن رسول ال ولست أعصيه وهو‬
‫ناصرى " (‪.)1‬‬
‫كان ال يعلم الي الذى ينطوى عليه صلح الديبية بالنسبة للمسلمي ولكنهم ببصرهم البشرى‬
‫الحدود الحجوب عن الغيب ل يكونوا يرون فيه إل الغب الظاهر وف ذلك أنزل ال سبحانه وتعال‪:‬‬
‫حّلقِيَ رُءُو َسكُمْ‬
‫ي مُ َ‬
‫حرَامَ ِإنْ شَاءَ اللّهُ آ ِمنِ َ‬
‫سجِ َد الْ َ‬
‫{َلقَدْ صَ َدقَ اللّهُ َرسُولَهُ ال ّر ْؤيَا بِالْحَقّ َلتَ ْدخُلُ ّن الْمَ ْ‬
‫جعَ َل مِنْ دُونِ ذَلِكَ َفتْحا َقرِيبا (‪[ })27‬سورة الفتح‬ ‫َو ُم َقصّرِي َن ل تَخَافُونَ َفعَِل َم مَا لَ ْم َتعْلَمُوا فَ َ‬
‫‪.]48/27‬‬
‫وبينما التفاقية غضة ما تزال خرج أبو جندل من صفوف الشركي مغلل بالغلل يريد اللحاق‬
‫بالرسول‪ e‬والؤمني فزادت رؤيته على هذه الال من حزن السلمي وشعورهم بالغب وتقدم عمر‬
‫() رواه البيهقي‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫يريد أن يلقى السيف إليه ليقاتل به ويفك نفسه من السر والرسول‪ e‬يأب ويتمسك بالعهد البم بينه‬
‫وبي الشركي وقلوب السلمي تتقطع أسى وهم يرون هذا النظر البئيس‪.‬‬
‫ولكنه كان درسا عمليا ف التربية على الوفاء بالعهد‪..‬‬
‫إن العهد الذى يبمه السلم هو هو عهد معقود باسم ال‪ .‬إنه جزء من " اليثاق " الذى يلتزم به‬
‫الؤمن تاه ربه‪ .‬إنه ليس أمرا تتدخل فيه " الصلحة " القريبة أو البعيدة الظاهرة أو الفية فيلتزم إذا‬
‫بدت الصلحة ف التزامه وينقض إذا بدت الصلحة ف غيه! إن هذا هو ديدن الاهليات فيما تبمه من‬
‫الواثيق‪ .‬تبمه وهو ل تعتزم الوفاء به إل ريثما تد الوسيلة لنقضه‪ .‬وف اللحظة الت تبدو لا الصلحة ف‬
‫نقضه فإنه حب على ورق ول أكثر! (وجاهلية القرن العشرين أبرز مثال على ذلك ف مواثيقها الدولية‪.‬‬
‫ما أسهل ما تبم اليثاق وما أسهل ما تنقضه ف لظات!) أما الؤمنون الذين يوفون بعهد ال ول‬
‫ينقضون اليثاق فهم وحدهم الذين ل تركه الصلحة إنا يركهم الرص على مرضاة ال‪.‬‬
‫يقول ال وهو يوجده رسوله‪ e‬والمة السلمة من ورائه‪:‬‬
‫ب الْخَاِئنِيَ} [سورة النفال‬
‫ح ّ‬
‫{ َوِإمّا َتخَافَ ّن مِنْ َق ْومٍ ِخيَاَنةً فَانْبِذْ إَِلْيهِ ْم عَلَى َسوَاءٍ ِإنّ اللّ َه ل يُ ِ‬
‫‪.]8/58‬‬
‫وهذه من أخلقيات ل إله إل ال ف الواثيق حت مع الكافرين الذين يرقبون ف مؤمن إل ول ذمة‬
‫والذين تتوقع منهم اليانة ف أى لظة من اللحظات‪ .‬ينبذ إليهم عهدهم أول ث يقاتلون بعد ذلك‬
‫ولكن ل يغدر بم واليثاق قائم‪...‬‬
‫ووعت المة السلمية التوجيه الربان وطبقته ف عال الواقع فكانت منه ف حياتم أعاجيب‪.‬‬
‫فحي فتح أبو عبيدة بن الراح الشام وأخذ الزية من أهلها الذين كانوا يومئذ ما يزالون على دينهم‬
‫اشترطوا عليه أن يميهم من الروم الذين كانوا يسومونم السف والضطهاد وقبل أبو عبيدة الشرط‪.‬‬
‫ولكن هرقل أعد جيشا عظيما لسترداد الشام من السلمي وبلغت النباء أبا عبيدة فرد الزية إل‬
‫الناس وقال لم‪ :‬لقد سعتم بتجهيز هرقل لنا وقد اشترطتم علينا أن نميكم وإنا ل نقدر على ذلك‬
‫ونن لكم على الشرط إن نصرنا ال عليهم!‬
‫هل سع أحد بثل ذلك ف التاريخ؟!‬
‫قائد جيش فاتح منتصر يأخذ جزية من أهل البلد الفتوحة ث يردها إليهم بأى حال من الحوال؟!‬
‫هذا هو التاريخ مفتوحة صفحاته لن يريد أن ينقب‪.‬‬
‫إنه حادث فريد ف التاريخ‪.‬‬
‫ول يكن أبو عبيده يصنع ذلك رجاء " مصلحة " بعيدة يقدرها ويضحى ف سبيلها بالصلحة‬
‫القريبة! كل! فما كان عنده يقي بأن ينتصر على جيش هرقل الرار وتعبيه واضح‪ :‬وإنا ل نقدر على‬
‫ذلك!‬
‫إنا ينطلق من البدأ الذى رباهم عليه السلم على يد رسول ال‪ :e‬الوفاء بالواثيق سواء أكانت‬
‫الصفقة رابة ف النظرة رابة ف النظرة القريبة أم خاسرة‪:‬‬
‫ل َبيَْنكُمْ َأنْ َتكُونَ ُأ ّمةٌ‬
‫ت غَزَْلهَا مِ ْن َبعْدِ ُق ّوةٍ أَنكَاثا َتتّخِذُونَ َأيْمَانَكُمْ دَ َخ ً‬
‫{وَل تَكُونُوا كَاّلتِي َن َقضَ ْ‬
‫ِهيَ أَ ْربَى مِنْ ُأ ّمةٍ‪[ }...‬سورة النحل ‪.]16/92‬‬
‫ولقد كان لذا اللق السلمى الذى التزم به أبو عبيدة أثره الذى قدره ال له فقد نصره ال على‬
‫جيش هرقل فراح الناس يعيدون الزية راضية قلوبم ث – من بعد – صاروا يدخلون ف دين ال‬
‫أفواجا إعجابا بذا الدين الذى يرج من هو على هذا اللق العظيم!‬
‫وعمر رضى ال عنه يقول لقائده ف حرب فارس‪ :‬وإذا لعب أحدكم أحد العلوج فظن هذا أن‬
‫السلم يعطيه عهد أمان فأنفذه له!‬
‫يا ل! ويا لروعة الرتقى!‬
‫إنه ل عهد ف القيقة! ولكنه مرد توهم من جانب الفارسى أن الندى السلم قد أعطاه عهد أمان!‬
‫فيقول عمر لقائده‪ :‬فأنفذه له!‬
‫إنه ليس فقط إنفاذ العهد الذي ل يصدر ف الواقع من الندي‪ ,‬ولكنه كذلك إلزام القائد بعهد توهم‬
‫العدو أن واحدا من جنود السلمي قد أعطاه!‪.‬‬
‫هل سع أحد بثل ذلك ف التاريخ؟!‬
‫ومعاوية ف هدنة مع الروم ولكن تأتيه عيونه بأنباء تفيد أن القوم يستغلون الدنة للستعداد لجوم‬
‫مفاجئ على السلمي‪ .‬فيهم معاوية أن يفاجئهم قبل أن يكملوا عدتم‪ .‬ولكن مستشاريه يأبون عليه‬
‫يقولون إما أن تنبذ إليهم على سواء كما أمر ال وإما أن تنتظر حت ناية العهد ث تناجزهم‪.‬‬
‫وينتظر معاوية‪ .‬وينصر ال جيشه!‪.‬‬
‫ضع مقابل ذلك ما فعله الصليبيون أيام صلح الدين‪.‬‬
‫كان السلمون معهم ف هدنة ولكنهم غدروا وأخذوا السلمي على غرة فاناز السلمون إل‬
‫السجد فاقتحموه عليهم وأعملوا فيهم السيف حت غاصت اليل ف الدم إل ركبها كما تروى‬
‫مراجع الصليبي أنفسهم!‬
‫وصدق ال وهو يقول عن الكفار والكفر كله ملة واحدة‪:‬‬
‫{ل يَرُْقبُونَ فِي ُم ْؤمِنٍ إِ ّل وَل ِذ ّم ًة َوُأوَْلئِكَ هُ ْم الْ ُم ْعتَدُونَ (‪[ })10‬سورة التوبة ‪]9/10‬‬
‫ومع ذلك فلم يشأ صلح الدين – حي عادت الكرة له عليهم – أن يعاقبهم بثل ما عاقبوا به‪..‬‬
‫وإنا عاملهم بسماحة السلم!‬
‫سادسا‪ :‬الركة العلمية السلمية‬
‫إل هنا كنا نتحدث عن أبرز سات المة السلمية مع تركيز خاص على اليل الفريد الذى رباه‬
‫رسول ال‪ e‬على عينه وشهد له عليه الصلة والسلم حي قال‪ " :‬خي القرون قرن‪" ..‬‬
‫ولقد أكدنا فيما سبق من الديث ان هذه السمات ليست خاصة باليل الول إنا هى سات "‬
‫المة السلمة " الت ينبغى أن تزاولا ف جيع أجيالا وأعصارها والت تعتب مقصره أو آثة إذا تلت عنها‬
‫ف أى جيل من الجيال‪ .‬وأن مزية اليل التفرد ل تكن أنه اتسم بتلك السمات وحافظة عليها فذلك‬
‫مطلوب من كل جيل لتتحقق له صفة اليان الق‪ .‬إنا كانت الزيد الت تفرد با ذلك اليل أنه بلغ‬
‫الذروة ف مارستها ول يكتف فيها بالد الدن الفروض إنا بذل جهد=ه ليصل إل الد العلى‬
‫الرغوب فوصل إل آفاق ل تطر على بال الناس خاصة حي يهبطون مع " واقعيتهم " الابطة‬
‫فينلون دركات تت الد الدن الفروض‬
‫ونتحدث هنا عن ستي آخريي من سات هذه المة اللزمة لا بوصفها " المة السلمة " وإن كانتا‬
‫كما أشرنا من قبل قد جاءتا بطبيعتهما متأخرتي عن اليل الول الذى كتب التاريخ‪.‬‬
‫إن الركة العلمية والركة الضارية بطبيعتهما ل تبزان ف مرحلة النشاء والتكوين لنما‬
‫تتاجان إل استقرار ل يتوفر ف مرحلة النشاء وإل جهد فائض عن الضروروات بينما الهد كله ف‬
‫مرحلة النشاء يبذل ف التأسيس والتمكي‪ .‬كما تتاجان إل زمن يضى بعد استكمال التكوين تتم فيه‬
‫عملية " التمثيل " للقيم والبادئ والفكار لتتجه بعد ذلك إل " النتاج " ف مالت العلم والضارة‬
‫الادية‪ .‬ولكن " البذرة " الت تتولد عنها كل من الركتي تنشأ ف القيقة من نقطة البتداء وتظل‬
‫كامنة حت تستوف نضجها الطبيعى فتولد كما يولد الني الكتمل العضاء بعد أن يستكمل أطواره ف‬
‫خفية عن العيون‪.‬‬
‫فاليل الول ‪ -‬وإن ل يشارك ف هاتي السمتي بنفسه ‪ -‬كان ف القيقة هو " الب الروحى "‬
‫لما إن صح التعبي من حيث إنه هو الذى قام بالنطلقة الائلة الت كتبت سطور التاريخ الظافر فيما‬
‫بعد ومن حيث إنه هو الذى حقق ف ذات نفسه صحة النطلق ولكل من هذين المرين أثره ف إبراز‬
‫الركة العلمية السلمية والركة الضارية السلمية‪.‬‬
‫فأما النطلقة فهى قمينة ف حياة أى أمة أن تدث فيها حركة علمية وحركة حضارية لن‬
‫ذلك مركوز ف فطرة البشر ولن ذلك من جهة أخرى من العطاء الربان البذول للبشر جيعا بقدر ما‬
‫يبذلون فيه من جهد‪:‬‬
‫ك مَحْظُورا (‪[ })20‬سورة السراء‬
‫ك َومَا كَا َن عَطَاءُ َربّ َ‬
‫ل نُمِ ّد َهؤُلء َو َهؤُلءِ مِ ْن عَطَاءِ َربّ َ‬
‫{ ُك ّ‬
‫‪.]17/20‬‬
‫حيَاةَ ال ّدْنيَا وَزِيَنَتهَا ُنوَفّ إَِلْيهِمْ َأعْمَاَلهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا ل ُيبْخَسُونَ (‪})15‬‬
‫{مَنْ كَانَ يُرِي ُد الْ َ‬
‫[سورة هود ‪]11/15‬‬
‫أما تصحيح النطلق فمن شأنه أن ينشئ الركة العلمية الصحيحة والركة الضارية الصحيحة الت‬
‫تتميز تيزا واضحا عن غيها من الركات‪.‬‬
‫وهذا ما نعنيه هنا ونبدأ فيه بالديث عن الركة العلمية السلمية‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫ل يكن العرب ف جاهليتهم أمة علمية‪ ..‬وذلك ثابت من التاريخ‪.‬‬


‫لقد كان لم رحلت يصلون فيها إل مراكز حضارية ف الشمال والنوب كما كانت لم‬
‫احتكاكات بدولت فارس والروم ولكل منهما ف ذلك الي علوم ومعارف ولكن العرب ل يشغلوا‬
‫أنفسهم بتحصيل شئ من تلك العارف العلمية لنم كانوا يعيشون على هامش الدنيا وهامش التاريخ‬
‫مشغولي بثاراتم ونزاعاتم وفخرهم وهجائهم وعلى الكثر بتجاراتم ولوهم وشرابم‪.‬‬
‫كان أشد ما يشغل العرب ف حياتم القبلية الت يعيشونا هو قول الشعر وحفظ النساب‪ .‬فالشعر‬
‫يتفنننون ف قوله ويتباهون بفصاحته وحفظ النساب تستخدمه كل قبيلة ف التفاخر مع القبائل الخرى‬
‫وف ماولة النيل من القبائل الخر وقت الصام والناع با قد يكون من ملمز ف أنسابا‬
‫ورغم بلغة الشعر العرب الاهلى ودللته على النضج الفكرى والنفسى والتعبيى فإن البداوة الت‬
‫كان يعيش فيها العرب ومشغلتهم الدائمة بالعصبية القبلية وما يتبعها من خصومات ونزاعات وتفاخر‬
‫بالنساب ل تدع مال " للتجمع " لتكوين أمة وهو شرط أساسى لى حركة علمية أو حضارية‪.‬‬
‫لذلك عاش العرب قرونا ل يتجهون أى اتاه لطلب العلم وكانوا كما ثبت عنهم أمة أمية ل‬
‫تقرأ ول تكتب‪.‬‬
‫ث جاء السلم‪ .‬جاء ليمنحهم كل العناصر الطلوبة ل لنشاء حركة علمية فحسب بل لنشاء‬
‫الركة العلمية الصحيحة كما ينبغى أن تكون‪.‬‬
‫الرغبة ف " العرفة " رغبة فطرية أودعها ال لتكون إحدى أدوات النسان للقيام بعمارة الرض‬
‫والرغبة ف معرفة خواص الادة بصفة خاصة ركيزة رئيسية ف الفطرة وركيزة رئيسية ف " العلم " بعناه‬
‫الصطلحى‪ .‬ولكنها كما قلنا تاج إل تمع وإل استقرار وأمن وطمأنينة لكى تزاول نشاطها‬
‫الطبيعى الفطرى‪ .‬وكل هذه العناصر كان مفقودا ف البيئة العربية القبلية الاهلية فلم يكن هناك من ث‬
‫علم بالعن العروف‪.‬‬
‫فلما جاء السلم وجدت هذه العناصر جيعا فوجدت ‪ -‬بادئ ذى بدئ ‪ -‬البيئة الت يكن أن‬
‫يظهر فيه العلم‪ .‬ولكنها ف أمة كانت مشغولة تاما عن هذا المر كانت ف حاجة ‪ -‬إل جانب‬
‫التجمع والستقرار والمن ‪ -‬إل دفعة حيوية هائلة تنشط ما كان غافل من جوانب الفطرة وتدفعه إل‬
‫العمل والنتاج‪.‬‬
‫ولقد أعطى السلم تكل الدفعة اليوية بصورة فذة غي مسبوقة ف التاريخ فكان أمرا طبيعيا أن‬
‫تتحرك الفطرة لطلب العلم حي سرت الشحنة الضخمة ف جسم ذلك التجمع الديد فحركت كل‬
‫جزئية فيه‪.‬‬
‫ولكن السلم ل يو تلك الشحنة الدافعة فحسب الت يكن أن تؤدى من ذات نفسها إل إيقاظ‬
‫الوانب الغافية ‪ -‬أو الضامرة ‪ -‬من الفطرة فتعطيها دفتها السوية وحركتها السوية إنا حوى إل جانب‬
‫ذلك توجيها مددة لطلب العلم كشأنه مع كل أمر لزم للحياة البشرية‪.‬‬
‫وشأن الوحى مع متطلبات الياة البشرية إما أن تكون ما ل يستطيع النسان الوصول فيه إل العرفة‬
‫الصحيحة بنفسه فيتكفل الوحى بأمر " التعليم " كله كشأن العقيدة وأمور اللل والرام‪ ..‬وإما أن‬
‫تكون ما يستطيع النسان الوصول فيه إل العرفة الصحيحة با أودع ال الفطرة من الدوات فيكتفى‬
‫الوحى بالتوجيه ووضع النهج الصحيح للعمل والتفكي‪.‬‬
‫والتعرف على الكون الادى وعلى خواص الادة هو من تلك المور الت أودع ال الفطرة الطاقات‬
‫اللزمة لا والقمينة بأن يصل النسان با إل العرفة الصحيحة بهد عقلى وعضلى يبذله لذلك ل يكن‬
‫شأن الوحى فيه أن يعطى " نظريات " علمية ول دروسا توصل إل معلومات معينة ف شت العلوم‪ .‬إنا‬
‫كان شأنه التوجيه وإعطاء النهج الصحيح‪.‬‬
‫فأما التوجيهات فقد حفل با كتاب ال النل كما حفلت با سنة الرسول‪.e‬‬
‫فأما كتاب ال فقد بدأ الوحى منه بالقراء‪ " :‬اقرأ " ولذلك دللته الواضحة خاصة بالنسبة للمة‬
‫المية الت ل تقرأ ول تكتب‪.‬‬
‫ك الّذِي َخلَقَ (‪ )1‬خَلَ َق الِنسَانَ مِ ْن عَلَقٍ (‪ )2‬اقْ َرْأ وَ َربّكَ الَكْ َرمُ‬
‫ث ثن بذكر العلم‪{ :‬اقْ َرْأ بِاسْمِ َربّ َ‬
‫(‪ )3‬الّذِي عَلّ َم بِاْلقَلَمِ (‪ )4‬عَلّ َم الِنسَا َن مَا لَ ْم َيعْلَمْ (‪[ })5‬سورة العلق ‪]5-96/1‬‬
‫ث لفت النظار إل آيات ال ف الكون وأورد ف خلل ذلك آيات كونية داخلة ف صميم " العلم "‬
‫وخاصة ف مال السماوات والرض ومراحل تكوين الني‪.‬‬
‫ت وَالَ ْرضِ} [سورة يونس ‪.]10/101‬‬
‫{قُ ْل انْظُرُوا مَاذَا فِي السّ َموَا ِ‬
‫سكُمْ أَفَل تُْبصِرُونَ (‪[ })21‬سورة الذاريات‬
‫ض آيَاتٌ لِلْمُوِقنِيَ (‪ )20‬وَفِي أَنفُ ِ‬
‫{وَفِي الَ ْر ِ‬
‫‪.]21-51/20‬‬
‫ض وَ َجعَلَ فِيهَا َروَاسِ َي َوَأْنهَارا َومِنْ كُ ّل الثّمَرَاتِ َجعَلَ فِيهَا َز ْو َجيْنِ اْثَنيْنِ يُغْشِي‬
‫{ َو ُهوَ الّذِي مَ ّد الَ ْر َ‬
‫ك ليَاتٍ ِل َقوْ ٍم َيَتفَكّرُونَ (‪[ })3‬سورة الرعد ‪.]13/3‬‬ ‫الّليْ َل الّنهَارَ إِنّ فِي ذَلِ َ‬
‫{وََلقَدْ َخَل ْقنَا الِنسَا َن مِ ْن سُلَلةٍ مِنْ طِيٍ (‪ )12‬ثُمّ َجعَ ْلنَا ُه نُ ْط َفةً فِي َقرَارٍ مَكِيٍ (‪ )13‬ثُمّ خََل ْقنَا‬
‫شأْنَاهُ خَلْقا آخَرَ‬
‫سوْنَا اْلعِظَامَ َلحْما ثُمّ أَن َ‬
‫ض َغةً َفخََل ْقنَا الْ ُمضْ َغ َة عِظَاما َفكَ َ‬
‫النّ ْط َفةَ عََل َقةً َفخََل ْقنَا الْعََل َق َة ُم ْ‬
‫َفَتبَا َركَ اللّهُ أَحْسَ ُن الْخَاِلقِيَ (‪[ })14‬سورة الؤمنون ‪.]14-23/12‬‬
‫ومع أن هذه الشارات إل آيات ال ف الكون – وهى كثية ف القرآن – قد قصد با ابتداء إيقاظ‬
‫القلب البشرى لعظمة الالق وقدرته العجزة وعلمه الحيط وهيمنته‪ .‬سبحانه وتعال على أمر الكون‬
‫كله وتدبيه له لكى تشع القلوب للخالق العظيم وتعبده وحده بل شريك – أى لتصحيح العقيدة –‬
‫إل أنه التوجيه " العلمى " واضح فيها بل شك لن التفكر والتبصر والتدبر الذى تتم به معظم اليات‬
‫الت تتعرض لذه الجالت كقوله تعال‪{ :‬إن ف ذلك ليات لقوم يتفكرون} أو {يعقلون} أو {إن ف‬
‫ذلك ليات للعالي}‪ ..‬الف هذا التفكر والتبصر والتدبر يسرى بطبيعته حت يشمل ماولة التعرف‬
‫على " سر " هذه اليات الكونية وسر الصنعة الربانية الكامنة فيها‪ .‬وتلك هى النقطة الت يبدأ منها "‬
‫العلم "‪ .‬وبدأ منها السلمون بالفعل توجههم لطلب العلم‪.‬‬
‫ولا ل يكن عند العرب رصيد علمى سابق لنشغالم – كما أسلفنا – بأمور أخرى فقد أحس‬
‫السلمون بالاجة إل الطلع على ما كان عند غيهم من المم من العلوم وهو إحساس ل يشعروا به‬
‫من قبل أيام جاهليتهم ول يتجهوا إليه ولا كانت لغة العلم الغالبة يومئذ هى الغريقية واللتينية فقد‬
‫اته السلمون إل تعلم هاتي اللغتي حت يستطيعوا نقل العلم إل اللسان العرب ومن هذه النقطة بدأوا‬
‫حركتهم العلمية‪.‬‬
‫ترجوا كل ما كان معروفا من العلم يومئذ وعكفوا على دراسته متتلمذين عليه كما هو المر‬
‫الطبيعى ف مثل هذه الحوال وإن كانوا سرعان ما اكتسبوا الاسة العلمية لنفسهم وأخذوا‬
‫يصححون بعض الخطاء الت كان العلم الغريقى يتوى عليها‪.‬‬
‫ولكن والتوجيهات القرآنية ل تو فقط تلك الشارات الكونية وذلك التوجيه للنظر ف هذه اليات‬
‫والتفكر فيها إنا حوت أهم من ذلك‪ :‬منهج البحث‪.‬‬
‫لقد كان العلم لدى الغريق نظريا فلسفيا تريديا‪ .‬يبحث عن النظرية ويفلسفها ويكفى بعرضها‬
‫على " العقل " فإن أقرها – بصورة من الصور – فهى صحيحة بصرف النظر عن وجودها الواقعى أو‬
‫صحتها الواقعية‪.‬‬
‫ولكن توجيهات القرآن كانت ف اتاه آخر‪.‬‬
‫إنا توجه إل الانب العملى والانب النافع من العلم ل إل الانب النظرى التجريدى‪:‬‬
‫س } [سورة البقرة ‪.]2/189‬‬
‫ك عَ ْن الَهِّلةِ قُ ْل ِه َي َموَاقِيتُ لِلنّا ِ‬
‫سأَلُونَ َ‬
‫{يَ ْ‬
‫ُمـ‬
‫ِنـ َرّبك ْ‬
‫لم ْ‬‫ضً‬
‫ْصـَرةً ِلَتبَْتغُوا َف ْ‬
‫حوْنَا آَيةَ الّليْلِ وَ َجعَلْنَا آَيةَ الّنهَا ِر ُمب ِ‬
‫ْنـ فَمَ َ‬
‫{وَ َجعَلْنَا الّليْ َل وَالنّهَا َر آَيَتي ِ‬
‫ب وَكُ ّل َشيْءٍ َفصّ ْلنَا ُه َتفْصِيلً (‪[ })12‬سورة السراء ‪.]17/12‬‬ ‫ي وَالْحِسَا َ‬ ‫سنِ َ‬‫وَِلَتعْلَمُوا عَدَدَ ال ّ‬
‫جبَا ِل ُبيُوتا َومِنْ الشّجَ ِر َومِمّا َيعْ ِرشُونَ (‪ )68‬ثُمّ ُكلِي مِ ْن‬ ‫خذِي مِ ْن الْ ِ‬ ‫حلِ أَنْ اتّ ِ‬‫{ َوَأوْحَى َربّكَ إِلَى النّ ْ‬
‫خَتلِ فٌ أَْلوَانُ هُ فِي هِ ِشفَاءٌ لِلنّا سِ ِإنّ فِي‬
‫ج مِ ْن بُطُوِنهَا َشرَا بٌ مُ ْ‬‫كُ ّل الثّمَرَا تِ فَا سُْلكِي سُبُلَ َربّ كِ ذُُللً يَخْ ُر ُ‬
‫ك لَيةً ِل َق ْومٍ يََت َفكّرُونَ (‪[ })69‬سورة النحل ‪]69-16/68‬‬ ‫ذَلِ َ‬
‫ومـن هنـا بدأ السـلمون يولون اتاه البحـث العلمـى مـن الجال النظرى الفلسـفى التجريدى إل‬
‫الجال العلمى التجريب وكانت هذه نقلة هائلة ف منهج البحث هى الت أهلت البحث العلمى للفاق‬
‫الواسعة الت وصل إليها ف القرون الخية‪.‬‬
‫والسلمون هم الذين أسسوا النهج التجريب ف البحث العلمى‪.‬‬
‫تلك حقيقـة يقـر باـ الذيـن أخذوا عـن السـلمي هذا النهـج‪ ,‬فقفزوا بـه قفزات واسـعة فـ العصـر‬
‫الديث‪.‬‬
‫يقول بريفولت ف كتابه " بناء النسانية " “‪:" Humanity of Making‬‬
‫" إن ما يدين به علمنا للعرب ليس فيما قدموه إلينا من كشوف مدهشة لنظريات مبتكرة‪ .‬بل يدين‬
‫ل م بوجوده نف سه‪ .‬فالعال القد ي – ك ما رأي نا – ل ي كن للعلم ف يه وجود‪ ..‬و قد ن ظم اليونان الذا هب‬
‫وعمموا الحكام ووضعوا النظريات‪ .‬ول كن أ ساليب الب حث ف دأب وأناة وج ع العلومات الياب ية‬
‫وتركيزها والناهج التفصيلية للعلم واللحظة الدقيقة الستمرة والبحث التجريب كل ذلك كان غريبا‬
‫تا ما عن الزاج اليونا ن‪ ..‬أ ما ما ندعوه " العلم " ف قد ظ هر ف أور با نتي جة لروح من الب حث جديدة‬
‫ولطرق من الستقصاء مستحدثة‪ ..‬وهذه الروح وتلك الناهج أوصلها العرب إل العال الورب" (‪.)1‬‬
‫ولكن الذى صنعه السلمون ف حركتهم العلمية ل يقف عند حد تصحيح الخطاء الت وجدوها‬
‫عند الغريق ول ابتداع علوم جديدة كعلم الب ول اكتشاف كثي من خواص الادة ما أدى إل تقدم‬
‫كبي ف علم الفيزياء وعلم الكيمياء ول اكتشاف الدور الدموية ول ما ابتدعته عبقرية السن بن اليثم‬
‫ف علم الضوء‪ ..‬ول يقف كذلك عند منح البشرية سبيل التقدم العلمى الصحيح وهو النهج التجريب‬
‫الذى ما كان للعلم أن يتقدم تقدما حقيقيا بدونه‪ ..‬إنا كان هناك ما هو أهم من ذلك‪.‬‬
‫لقد حوى القرآن منهجا كامل للحياة يشمل جزئيات الياة جيعا با فيها " العلم " ث يضع كل‬
‫جزئية ف مكانا الصحيح‪ .‬وهذا المر بالذات هو أهم ما قدمته الركة العلمية السلمية وتبدو قيمته‬
‫خاصة إذا نظرنا إل الركة العلمية الت تقدمها الاهلية العاصرة ف الوقت الاضر‪.‬‬
‫إن النسان ف حقيقته كل متكامل ل يكن فصل جزء منه عن بقية أجزائه‪ .‬وحي ينفصل منه جزء‬
‫عن بقية الجزاء أو حي ياول الناس ف صل جزء منه عن بقية الجزاء يدث اللل ف ال كل التكامل‬
‫لن الرتباط ل يفصم ف القيقة وإنا يعتل وإذا اعتل حدث اللل ل مالة‪.‬‬
‫والن هج الربا ن يأ خذ الن سان على حقيق ته‪ ,‬كلّ متكامل ل أجزاء ول تفار يق ول ع جب ف ذلك‬
‫فهو منل من عند فاطر هذه الفطرة العليم با وبكل منسرباتا‪:‬‬
‫خبِيُ (‪[ })14‬سورة اللك ‪.]67/14‬‬
‫{أَل َيعْلَ ُم مَنْ َخلَ َق َو ُهوَ اللّطِيفُ الْ َ‬
‫وحي يعال النهج الربان أ مر " العلم " فهو أول‪ :‬ل يفصله عن بقية حياة النسان ول يعله شيئا‬
‫قائما بذاته ول يرفع شعار " العلم للعلم " كا تصنع الاهلية العاصرة بصفة خاصة‪ .‬وهو ثانيا‪ :‬ل يعل‬
‫نشا طه مضادا ول معاك سا لبق ية اتاهات الفطرة وبقية الاجات النف سية واليوية ك ما ت صنع الاهل ية‬
‫العاصرة حي تفصل العلم عن الدين ث تضعهما موضع التقابل والتضاد فمن أراد العلم فليترك الدين‬
‫ومن أراد الدين فليترك العلم!‬
‫النسان ف عرف السلم هو الليفة ف الرض‪:‬‬
‫{ َوإِذْ قَالَ َربّكَ لِلْمَلِئ َكةِ ِإنّي جَاعِلٌ فِي الَ ْرضِ َخلِي َفةً} [سورة البقرة ‪.]2/30‬‬
‫خلق ليعبد ال‪:‬‬

‫() عن كتاب "تديد التفكي الدين ف السلم" لحمد إقبال ترجة الستاذ عباس ممود ص‪.150 :‬‬
‫‪1‬‬
‫ت الْجِ ّن وَالِنسَ إِلّ ِلَيعْبُدُونِ (‪[ })56‬سورة الذاريات ‪.]51/56‬‬
‫{ َومَا خََل ْق ُ‬
‫والعبادة تشمل كل نشاط النسان ف الرض‪)1( :‬‬
‫حيَاي َومَمَاتِي لِلّ هِ رَبّ الْعَالَ ِميَ (‪ )162‬ل شَرِي كَ لَ هُ} [سورة النعام‬
‫{قُلْ ِإنّ صَلتِي َونُ سُكِي َومَ ْ‬
‫‪.]163-6/162‬‬
‫ومن بي العباد الطلوبة عمارة الرض‪:‬‬
‫شأَكُ ْم مِ ْن الَ ْرضِ وَا ْستَعْ َمرَكُمْ فِيهَا} [سورة هود ‪]11/61‬‬
‫{ ُهوَ أَن َ‬
‫ومن بينها السعى ف الرض وابتغاء فضل ال‪:‬‬
‫ْهـ النّشُورُ (‪})15‬‬
‫ِهـ َوإِلَي ِ‬
‫ِنـ ِرزْق ِ‬
‫ْضـ ذَلُولً فَامْشُوا فِي َمنَا ِكبِهَا وَ ُكلُوا م ْ‬
‫ُمـ الَر َ‬
‫{ ُهوَ الّذِي َجعَلَ َلك ْ‬
‫[سورة اللك ‪.]67/15‬‬
‫و العلم أداة – ضرور ية – من أدوات عمارة الرض وال سعى وراء الرزق والقيام بدور الل فة ف‬
‫الرض‪ .‬لذلك فهو مسخر لذه الهداف وليس هو هدفا ف حد ذاته‪.‬‬
‫ث إن الن سان كله – ك ما أ سلفناه – ملوق للعبادة ال ت تش مل العتقاد ف وحدان ية ال وتش مل‬
‫الشعائر التعبدية وتشمل عمارة الرض وإقامة الق والعدل فيها باتباع ما أنزل ال‪:‬‬
‫س بِاْلقِ سْطِ} [ سورة الد يد‬
‫ت َوَأنْزَلْنَا َمعَهُ ْم اْل ِكتَا بَ وَالْمِيزَا نَ ِلَيقُو مَ النّا ُ‬
‫{َلقَدْ أَرْ سَ ْلنَا رُ سَُلنَا بِاْلَبيّنَا ِ‬
‫‪.]57/25‬‬
‫والعلم – من ث – بوصفه نشاطا إنسانيا هو جزء من هذا النهج التكامل – منهج العبادة بعناها‬
‫الواسع – يأخذ مكانه ف ذلك النهج ويأخذ ارتباطه ببقية الجزاء‪ .‬لذلك ل نعجب حي ند الرسول‬
‫‪ e‬يقول‪ " :‬طلب العلم فريضة على كل مسلم " (‪.)2‬‬
‫وإياء اللفظ ظاهر‪..‬‬
‫فليست الفريضة مرد شئ واجب الداء فحسب بل إنا ‪ -‬ف الصطلح السلمى ‪ -‬عبادة يتقرب‬
‫با النسان إل ال ويبتغى با رضاه‪.‬‬
‫وهذا هو وضع العلم ف السلم‪ ..‬عبادة يتقرب با النسان إل ال ويبتغى با رضاه!‬
‫ول يسـب أحـد أن هذا القول يتعلق فقـط باـ يسـمى " العلم الشرعـى " وإن كان العلم الشرعـى‬
‫فري ضة بديه ية على كل م سلم ليعرف ك يف يع بد ال العبادة ال صحيحة ويعرف اللل والرام و ما‬
‫() انظر ‪ -‬إن شئت ‪ -‬فصل "مفهوم العبادة" ف كتاب "مفاهيم ينبغي أن تصحح"‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() رواه ابن ماجه عن أنس‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫ينبغى عمله وما ينبغى النتهاء عنه‪.‬‬
‫إنا ينطبق هذا الوصف على كل العلم ما دام ل يرج عن الدود الت رسها ال‪ .‬وإل فانظر معى‬
‫كيف ينفذ السلمون هذا المر الربان‪.‬‬
‫خيْ ِل تُ ْر ِهبُو نَ بِ هِ عَ ُدوّ اللّ ِه َوعَ ُدوّكُ مْ} [سورة النفال‬
‫ط الْ َ‬
‫{ َوَأعِدّوا َلهُ ْم مَا ا ْستَ َط ْعتُ ْم مِ نْ ُق ّو ٍة َومِ نْ ِربَا ِ‬
‫‪.]8/60‬‬
‫هل ي ستطيعون ذلك بغ ي علم ويش مل اليوم الفيزياء والكيمياء والرياضيات واليكاني كا وعشرات‬
‫غيها من العلوم؟‬
‫وكيف ينفذون أمره تعال‪:‬‬
‫ِهـ ‪[ }....‬سـورة اللك‬
‫ِنـ رِزْق ِ‬
‫ْضـ ذَلُولً فَامْشُوا ف ِي َمنَاكِبِه َا وَ ُكلُوا م ْ‬
‫ُمـ الَر َ‬
‫{ ُهوَ الّذِي َجعَلَ َلك ْ‬
‫‪.]67/15‬‬
‫هل يشون بغي علم؟ وهل يأكلون من رزقه بغي علم؟‬
‫وانظر إل قوله تعال‪:‬‬
‫{ َوسَخّرَ َلكُمْ مَا فِي السّ َموَاتِ َومَا فِي الَ ْرضِ جَمِيعا مِنْهُ} [سورة الاثية ‪.]45/13‬‬
‫هل يتحقق الت سخي بغ ي علم؟ هل يقول النسان للشئ كن فيكون؟! أم يتاج تقيق الت سخي إل‬
‫جهد علمى؟!‬
‫وعشرات من المور تقطع بأن العلم الذى هو " فريضة " ليس هو العلم الشرعى وحده إنا هو كل‬
‫علم نافع‪ .‬إنا يتلف المر بي علم وعلم فيكون أحدها فرض عي والخر فرض كفاية ولكنه ف جيع‬
‫الحوال " فريضة " كما قال رسول ال‪ e‬بق‪.‬‬
‫وحيث يكون العلم ف السلم على هذا النحو تنتج عن ذلك نتائج مهمة ف حياة البشرية‪.‬‬
‫ينتج أول‪ :‬أن العلم ل يكن أن يكون عدوا للعقيدة ول عدوا للدين‪.‬‬
‫إن العلم والد ين كله ا نز عة فطر ية ف كيان الن سان‪ .‬والنعتان ‪ -‬ف الفطرة ال سليمة ‪ -‬أ صيلتان‬
‫ومتكاملتان ومتعاونتان ف تقيق الوجود الصحيح للنسان‪.‬‬
‫فتوجه الفطرة لالقها بالعبادة فطرة (‪:)1‬‬
‫ت بِ َرّبكُ مْ قَالُوا بَلَى‬
‫س ُ‬
‫سهِمْ أَلَ ْ‬
‫ك مِ ْن َبنِي آدَ َم مِ نْ ظُهُو ِرهِ مْ ذُ ّرّيَتهُ ْم َوَأ ْشهَ َدهُ ْم عَلَى أَنفُ ِ‬
‫{ َوإِذْ أَ َخذَ َربّ َ‬
‫َشهِ ْدنَا} [سورة العراف ‪.]7/172‬‬
‫() انظر ‪ -‬إن شئت ‪ -‬فصل "اللاد" من كتاب "مفاهيم فكرية معاصرة"‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫والرغ بة ف " العر فة " والرغ بة ف التفا عل مع الكون الادى وا ستخدام ثار العر فة ف تي سي الياة‬
‫وتسينها وتميلها فطرة كذلك‪ .‬فالنسان مفطور على حب " التاع " وعلى السعى إل تسي وسائل‬
‫التاع حت ترتفع من الضرورات إل الاجيات إل الزينة‪.‬‬
‫فما الذى يعل إحدى النعتي ف موقف الرب والتضاد مع النعة الخرى؟‬
‫إن ا فعلت الاهل ية الدي ثة ذلك ف أورو با لن الد ين الم سوح الذى قدم ته الكني سة كان يارب‬
‫العلم ويضط هد العلماء ويرق هم أحياء ف الفران لن م نادوا بقائق علم ية على غ ي هوى الكني سة‪.‬‬
‫فكان رد الفعل الاهلى هو نبد الدين جلة ‪ -‬بدل من تصحيحه ‪ -‬وجعل العلم منابذا للدين‪.‬‬
‫ولكن ذلك ل يكن هو السبب الوحد ف القيقة‪.‬‬
‫فإن أوربا حي نزعت عنها لباس الدين علماؤها ومفكروها أول ث جاهيها ودهاؤها ب عد ذلك‬
‫رج عت إل التراث الغري قى الروما ن ت ستمد م نه منا هج حيات ا الديدة‪ ..‬فانب عث في ها من الاهل ية‬
‫الغريقية ذلك العداء القدي بي " النسان " وبي " ال "‪.‬‬
‫إن ال ساطي الغريق ية ت صور العل قة ب ي الب شر والل ة عل قة خ صام وعناد و شر‪ :‬الل ة تر يد أن‬
‫تسحق النسان لكى ل ينافسها وضعها " اللى "! والنسان متمرد على اللة ياول عصيانا ليثبت‬
‫وجوده وفاعليته!‬
‫وأسطورة بروميثيوس بصفة خاصة تصور هذا العلقة أدق تصوير‪.‬‬
‫تقول السطورة إن كبي اللة " زيوس " خلق النسان من قبضة من طي الرض (‪ )1‬ث سواه على‬
‫النار القد سة ال ت تر مز إل العر فة ث أطل قه ف الرض وحيدا ت يط به الظلمات‪ .‬فأش فق عل يه كائن‬
‫أسطورى يسمى " بروميثيوس " فسرق له النار القدسة من الله زيوس لتني له ما حوله‪ .‬وهنا غضب‬
‫الله غضبة عظيمة (وإن كان قد عجز عن استرداد النار القدسة مرة أخرى!) فوكل ببوميثيوس نسرا‬
‫يأكل كبده طول النهار ث تنبه له كبد جديدة ف الليل فيأكلها النسر بالنهار وهكذا ف عذاب أبدى‪.‬‬
‫أ ما الن سان الذى ا ستضاء بنور العر فة فأ صبح ي مل ب عض خ صائص الل ة ‪ -‬ف قد أر سل زيوس إل يه‬
‫بامرأة (ترمز إل حواء) وأرسل معها صندوقا هدية‪ ..‬فما فتح الصندوق إذا هو ملوء بالشرور فقفزت‬
‫من الصندوق وتناثرت على وجه الرض‪ ..‬وكان هذا هو انتقام " الله " من " النسان "!‬
‫على هذا النحو تقوم العلقة بي النسان وبي ال‪ .‬علقة خصام وعناد ل تعمرها مودة ول يظللها‬
‫حب‪.‬‬

‫() انظر كيف تأخذ السطورة جانبا من القيقة ث تشوهها!‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫وف ظل هذه العلقة تكون " العرفة " الت يصل عليها النسان غصبا مغتصبا من اللة ل كسبا‬
‫مرضيا عنه منهم‪.‬‬
‫وتظل الاهلية تؤجج البغض ف هذه العلقة وتباعد بي الدين والعلم حت يصبح المر ف حسها‬
‫كما يقول الكاتب اللحد " جوليان هكسلى " ف كتابه " النسان ف العال الديث "‪ :‬إن النسان كان‬
‫يضع ل ف عصر الهل والعجز أما الن وقد تعلم وسيطر على البيئة فقد آن له أن يمل على عاتق‬
‫نفسه ما كان من قبل ف عصر الهل والعجز يلقيه على عاتق ال ومن ث يصبح هو ال!‬
‫وأيا كانت أعذار الاهلية أو مبراتا فقد ارتكبت جرية ضخمة ف حق النسان ‪ -‬على الرغم من‬
‫كل تقدمها العلمى ‪ -‬حيث فصلت بي نزعتي فطريتي أصيلتي متعاونتي نزعة العبادة ونزعة العرفة‬
‫ووضعتهما ف موقف التقابل والتضاد ومزقت النسان ‪ -‬من ث ‪ -‬بي نزعتيه الفطريتي وبي حاجتيه‬
‫الفطريتي فحرمت عليه إحداها إذا أراد الخرى وأشقته وأضلته بالتقدم العلمى رغم كل التيسيات‬
‫الت قدمها العلم للنسان ف عصره الديث واستخدمت العلم ‪ -‬متعمدة ‪ -‬ف ماربة العقيدة بترويج‬
‫أضاليل ليس لا وجود حقيقى ول مدلول علمى كالطبيعة الالقة الت قال عنها دارون إنا " تلق كل‬
‫شئ ول حد لقدرت ا على اللق "! وكالادة الزل ية البد ية ال ت زعم ها الاديون بغ ي برهان عل مى (‪)1‬‬
‫وكالنباء الت تن شر بي الي وال ي ف الجلت العلمية الرصينة عن خلق اللية ف العمل ث تن شر‬
‫الصحف الرصينة ذاتا بعد فترة ن الزمن أن الب كان عاريا عن الصحة!‬
‫وي ظل للحر كة العلم ية ال سلمية تيز ها ب صحة الن هج وا ستقامته وأخذ ها الن سان على حقيق ته‬
‫الشاملة كل مترا بط الجزاء متنا سق النشاط يع مل بم يع نزعا ته ومالت نشا طه ف اتاه مو حد ل‬
‫تصطدم فيه نزعة بنعة ول يتعارض مال للنشاط مع مال آخر لنا كلها متجهة إل عبادة ال بالعن‬
‫الشامل الواسع الذى يشمل اللفة ف الرض وتعمي الرض بقتضى النهج الربان ويشمل كذلك‬
‫رفـع النسـان إل مكانـه اللئق بـه ودوره النوط بـه وهـو حلـ " المانـة " التـ أشفقـت مـن حلهـا‬
‫السماوات والرض والبال وحلها النسان‬
‫‪m m m‬‬

‫وينتج من ذلك ثانيا‪ :‬أن العلم ل يكون وسيلة لفساد الخلق‪:‬‬


‫فإذا كان العلم نشاطا بشريا والنشاط البشرى كله ف النهج الربان مكوم باليثاق الخلقى العقود‬

‫() ثبت لدي العلماء الن أن الكون حادث‪ ,‬وأنه وجد بعد عدم‪ ,‬فليس أزليا‪ ,‬كما يقول العلماء إنه صائر إل الزوال فليس أبديا‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫بي النسان وبي ال فإنه ل يكن – بداهة – أن يستخدم لفساد الخلق‪.‬‬
‫والاهليـة العاصـرة نوذج فـذ للتقدم العلمـى ولسـتخدام العلم كذلك فـ إفسـاد الخلق كمـا‬
‫استخدمته ف ماربة العقيدة سواء بسواء‪.‬‬
‫ول عل من أبرز المثلة على ذلك تي سي ا ستخدام موا نع ال مل (‪ )1‬وإنتاج ها على نطاق وا سع أ كب‬
‫بكثي جدا من حاجة البشرية الراشدة وتفيض أسعارها حت تصبح ف متناول أى فتاة تريد أن تصل‬
‫عليها وإخراجها من دائرة الراقبة الصحية الت يكن للطباء أن يارسوها وذلك ببيعها دون حاجة إل‬
‫تذكرة الطبيب على الرغم ما يقوله الطباء أنفسهم من خطورة استخدامها بغي رقابة صحية!‬
‫والدف من ذلك واضح‪.‬‬
‫فحي تأمن الفتاة نتائج اتصالتا غي الشروعة فما الذى ينعها – ف الفوضى اللقية الضاربة أطنابا‬
‫ف الاهل ية العا صرة – أن تغرف ف هذه العلقات إل آ خر الدى ويتح قق للشياط ي ما يريدون من‬
‫إشاعة الفاحشة على أوسع نطاق (‪.)2‬‬
‫وليسـت موانـع المـل وحدهـا هـى التـ اسـتخدم فيهـا العلم لفسـاد الخلق فالسـينما والذاعـة‬
‫والتلفزيون والفيديو وما يكن أن يد من هذه الشياء كلها أدوات كان يكن أن تستخدم ف ترشيد‬
‫البشر ية وتوجيه ها الوج هة ال صالة ولكن ها ت ستخدم اليوم للف ساد التع مد الذى تاوز ف كث ي من‬
‫الحيان دائرة الفسـاد اللقـى بعناه الصـطلحى إل إفسـاد الفطرة النسـانية ذاتاـ بإشاعـة التفاهـة‬
‫والضحالة والسطحية والزئية وشغل النفس عن معال المور وتوجيهها إل سفاسفها‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫وينتج من ذلك ثالثا‪ :‬أن العلم ل يكون وسيلة للشر‪.‬‬


‫فما دام النسان كله ف النهج السلمى موجها إل عمل الي ومراقبة ال ف كل أعماله والتوجه‬
‫بكل ذرة من نشاطه إل ال‪:‬‬
‫حيَاي َومَمَاتِي لِلّ هِ رَبّ الْعَالَ ِميَ (‪ )162‬ل شَرِي كَ لَ هُ} [سورة النعام‬
‫{قُلْ ِإنّ صَلتِي َونُ سُكِي َومَ ْ‬
‫‪.]163-6/162‬‬
‫ما دام المر كذلك والعلم جزء من نشاط النسان فهناك حاجز عقدى وأخلقى ينع من استخدام‬

‫() وخاصة ف صورة حبوب‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫() راجع إن شئت فصل "دور اليود ف إفساد أوربا" من كتاب "مذاهب فكرية معاصرة"‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫ثار العلم ف الشر‪.‬‬
‫والاهل ية العا صرة ال ت بل غت أب عد مدى و صل إل يه الن سان ف التقدم العل مى هى ال ت ت ستخدم‬
‫الطاقة النووية ف إحداث ألوان من الشر يعجز النسان عن تصورها‪.‬‬
‫إن قنبلت هيوشيما ونازاكى اللتي ألقيتا من أربعي سنة ف اليابان (هذا العام ‪ 1406‬هـ ‪1986‬‬
‫م) قد م ت كل منه ما آثار الياة كل ها من نبات وحيوان وإن سان ف دائرة وا سعة حول الكان الذى‬
‫ألق يت ف يه وإل مدى ف الز من القادم ل يعل مه إل ال ث إن الشعاع الذرى النا تج عن ها ما يزال إل‬
‫هذه اللحظة ينتج أجنة مشوهة ف دائرة أوسع بينما تعتب هذه القنبلة بالقياس إل قوى التدمي الديثة‬
‫كمسدس الطفال بالنسبة للمدفع الثقيل!‬
‫وذلك كله بغيـ ضرورة حقيقيـة! فمازال فـ مكنـة السـلحة التـ يسـمونا " تقليديـة " أن تفتـك‬
‫بعشرات اللوف بل بالليي وف مكنتها أن تقرر النصر لن يلكها ويسن استخدامها وذلك بصرف‬
‫النظر عن الهداف الت تدور حولا الروب ف الاهلية العاصرة!‬
‫و قد أدى سباق الت سلح ف اليدان النووى إل إنفاق مقاد ير من الموال كا نت كفيلة بر فع الفا قة‬
‫والعوز عن البشر ية كل ها وتوف ي و سائل الياة الكري ة لجموعات ضخ مة من الب شر تع يش أد ن من‬
‫درجة الدمية بكثي! ومع ذلك ل يتوقف السباق السعور ول يشبع! ول يصل إل نتيجة حاسة كذلك!‬
‫‪m m m‬‬

‫كل! إن الزية الكبى للحركة العلمية السلمية – الت تعلها ف الوقت ذاته سة من سات هذه‬
‫المة – أنا جزء من هذا الدين بشموله وتوازنه وترابطه ل يشذ عنه ول ينفصل منه‪.‬‬
‫لقد نت الركة العلمية السلمية ف ظل العقيدة الصحيحة فلم يدث قط بينها وبينها صراع ل‬
‫على الستوى النظرى ول على الصعيد العلمى‪.‬‬
‫ليس ف حقائق الدين ما يعارض العلم الصحيح وليس ف العلم الصحيح ما يعارض ما جاء ف هذا‬
‫الدين‪ .‬ول يتاج السلم أن ينحى عقيدته جانبا أو ينسلخ منها لكى يتعلم كما ل يتاج أن ينبذ العلم‬
‫ول ثار العرفة العلمية لكى يافظ على دينه‪ .‬إنا يتعلم ويعبد ال حق عبادته ف ذات الوقت بل يد‬
‫دينه هو الذى يدف عه دف عا إل العلم‪ " :‬طلب العلم فريضة " (‪ )1‬ويد دينه يطر يه حي يصبح " عال ا "‬
‫بالعن الصحيح للعلم الذى يربط علم الدنيا بعلم الخرة فيقول ال سبحانه وتعال‪:‬‬

‫() سبقت الشارة إليه‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫{ ِإنّمَا يَخْشَى اللّ َه مِ ْن ِعبَا ِدهِ اْلعُلَمَاءُ} [سورة فاطر ‪.]35/28‬‬
‫فيصبح بذلك من " أول اللباب " لنم هو الذين يتصفون بشية ال‪:‬‬
‫{ِإنّمَا َيتَذَكّرُ ُأوْلُوا الَلْبَا بِ (‪ )19‬الّذِي َن يُوفُو َن ِب َعهْدِ اللّ ِه وَل يَن ُقضُو َن الْمِيثَا قَ (‪ )20‬وَالّذِي نَ يَ صِلُونَ‬
‫ش ْونَ َرّبهُ ْم َويَخَافُونَ سُو َء الْحِسَابِ (‪[ })21‬سورة الرعد ‪]21-13/19‬‬ ‫مَا َأمَرَ اللّ ُه بِهِ َأنْ يُوصَ َل َويَخْ َ‬
‫كذلك ل يدث ف التاريخ السلمى ذلك الصراع البغيض الذى حدث ف ظل الكنيسة الوربية بي‬
‫الدين والعلم لنه ل حاجة ول مبر لذلك الصراع‪ .‬بل أن الرجل يكون عالا بالشريعة وعالا بالطلب‬
‫أو الفلك أو الفيزياء أو الكيمياء ل يد من ذلك صراعا ف نفسه ول يد اضطهادا من الدولة ول من‬
‫أحد من الناس‪.‬‬
‫وما يستوقف النظر ول شك أن يد النسان السن بن اليثم يكتب ف موضوع علمى يعتب جافا‬
‫أشد الفاف وهو علم " البصريات " فيبدأ حديثه باسم ال ويمده ويثن عليه با هو أهله ويستمد‬
‫منه التوفيق (‪ )1‬بينما ند دارون يكتب ف موضوع من طبيعته أن يثي الوجدان البشرى ويبعث القلب‬
‫الشرى خاشعا ل وهو علم الياة وخروج ال ى من اليت وتنوع الكائنات ال ية‪ ..‬فل يذ كر ا سم ال‬
‫مرة واحدة بل يقول إن الطبيعة تلق كل شئ ول حد لقدرتا على اللق ث يقول بعد ذلك إن الطبيعة‬
‫تبط خبط عشوائى!!‬
‫إنه الفارق بي حركتي علميتي متميزتي حركة مهتدية وحركة ضالة‪ .‬وقد كانت الركة الهتدية‬
‫نورا ي شع للعال أج ع فأي قظ أور با من سباتا وأخرج ها من ظلمات القرون الو سطى لتعرف العلم‬
‫والضارة (وإن ت كن أبت أن تأخذ م صدر النور فخرجت بضارت ا العرجاء الشائهة) والركة الضالة‬
‫تد ظلها اليوم على العال كله فتحقق له كثيا من النفع ولكنها تشيع ف كيانا البال!‬
‫كذلك ل تتجه الركة العلمية السلمية إل إفساد الخلق ول إل بذر الشر ف الرض كما اتهت‬
‫الركة القائمة ف ظل الاهلية العاصرة ل لنا كانت عاجزة عن ذلك فأى قدر من العلم يكن أن‬
‫يستخدم ف إفساد الخلق وبذر الشر إذا تولته الشياطي‪ .‬وقد كان كهنة الفراعنة – وهم علماء تلك‬
‫المة – يستخدمون ما لديهم من العلم ف نشر الضاليل العتقادية وتعبيد الناس للفرعون بدل من ال‬
‫وكانوا هم واليهود يستخدمون العلم ف السحر بدل ما ينفع الناس!‬
‫إنا اتهت الركة السلمية إل البحث عن القية وتسخي العلم وثاره لا ينفع الناس وحافظت‬
‫على عقائد الناس وأخلقهم لنا جزء من هذا الدين مكوم بالنهج النل من عند ال‪.‬‬

‫() ظلت نظريات ابن اليثم تدرس ف أوربا حت القرن التاسع عشر لباعته العليمة وأصالة نظرياته‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪m m m‬‬

‫سابعا‪ :‬الركة الضارية السلمية‪:‬‬


‫القصود هنا بالركة الضارية هو الانب الادى والتنظيمى منها وهو هو الذى تأخر بروزه عن‬
‫ال يل الول‪ .‬أ ما الا نب العنوى جا نب الق يم ف قد برز م نذ اللح ظة الول لوجود الجت مع ال سلم‬
‫بالدينة بل قبل ذلك منذ قيام الماعة السلمة بكة‪.‬‬
‫وقد تكون هذه القضية ف حاجة إل شئ من البيان‪:‬‬
‫لقد غلب على استعمال كلمة الضارة أن تطلق على الانب الادة والتنظيمى من الياة وليس ذلك‬
‫بعيدا عن العن اللغوى على أى حال فالضارة هى فعل أهل الضرة مقابل البداوة الت هى شأن أهل‬
‫البادية‪.‬‬
‫ولكن السلم قد أنشأ مفاهيم خاصة وم صطلحات خاصة يصص با الصطلح اللغوى ويدده‪.‬‬
‫فالصلة ف اللغة الدعاء ولكنها ف الصطلح السلمى هى تلك العمال الاصة العروفة الت تشمل‬
‫الدعاء فيما تشمل ولكنه دعاء ذو نسق خاص مدد‪ .‬والزكاة ف اللغة الطهر والنماء‪ .‬ولكنها ف الصطلح‬
‫السلمى هى ذلك القدار من الال الذى ينفق بصورته العينة العروفة‪ .‬والدين ف اللغة هو كل ما يدين‬
‫به الن سان أو يعتقده أو يتحا كم به أو يتحا كم إل يه ولك نه ف ال صطلح ال سلمى ذلك الد ين الحدد‬
‫النل من عند ال‪.‬‬
‫والضارة كذلك‪ .‬هى ف اللغة فعل أهل الضر‪ .‬ولكها ف الصطلح السلمى هى عمارة الرض‬
‫بقت ضى الن هج الربا ن فيد خل ف ذلك الوا نب الاد ية والتنظيم ية وتد خل ف يه الق يم ال ت يمل ها هذا‬
‫الدين غي منفصلة هذه عن تلك‪ .‬أى أنا تشمل المرين اللذين فرقت بينهما الاهلية العاصرة فسمت‬
‫أحدها ثقافة ‪ Culture‬وخصته بالقيم والفكار والعتقدات وست الخر حضارة ‪Civilization‬‬
‫وخصته بالانب الادى والتنظيمي‪.‬‬
‫والاهل ية العا صرة إذ تف عل ذلك تدث تفر قة ل وجود ل ا ف عال الوا قع‪ .‬فلي ست عمارة ماد ية أو‬
‫تنظيمية غي مرتبطة بقيم معينة ف حياة الناس متأثرة با ومؤثرة فيها‪ .‬كذلك فإن القيم ل تعيش ف فراغ‬
‫إن ا تع يش و تبز ف كيان مادى وتنظي مى‪ .‬فالتفر قة ب ي المر ين تفر قة نظر ية أك ثر من ها واقع ية وإن ا‬
‫ت ستسيغها تلك الاهل ية لن ا در جت على التفر قة ب ي النظر ية والت طبيق فوض عت ال صورة الثال ية ف‬
‫النظرية وتركت التطبيق يثل الواقع ول تر حرجا ف أن يالف التطبيق النظرية ويبتعد عنه!‬
‫ولسنا ملزمي بجاراة الاهلية الوروبية ف مصطلحاتا‪.‬‬
‫إنا نقول إن " الضارة " هى الانب العنوى الذى يمل القيم والانب الادى والتنظيمى على حد‬
‫سواء‪ .‬ونقول إن هناك " حضارة إ سلمية " ذات ق يم ثاب تة وأشكال ماد ية وتنظيم ية نام ية ومتغية على‬
‫الدوام‪ .‬والفروض ف الالة السوية أن يظل الرتباط قائما بي تلك القيم وهذه الشكال التغية ليصح‬
‫تسميتها " حضارة إسلمية " فإذا تغيت القيم وابتعدت عن روح السلم ل تعد تصلح أن تسمى بذا‬
‫السم إنا هى حضارة جاهلية إذا قبلنا الصطلح بعن عمارة مادية وتنظيمية غي قائمة على النهج‬
‫الربا ن و ف جيع الحوال ل تنف صل الشكال الاد ية والتنظيمية عن القيم ال صاحبة ل ا ويكون تقوي‬
‫الضارة بالمر ين م عا ل بالا نب الادى والتنظي مى وحده‪ .‬بل يكون تقوي ها بقياس الق يم هو القدم‬
‫وهو العتب لسبب واقعى بسيط هو أن النسان يستطيع أن يعيش وإن يارس كيانه " النسان " على‬
‫الستوى العلى بأقل قدر من الشكال الادية والتنظيمية ولكنه ل يستطيع أن يعيش ول أن يارس كيانه‬
‫النسان على أى مستوى كان يغي قيم ومبادئى مهما يكن عنده من أدوات التقدم الادى والتنظيمى‪.‬‬
‫ومقارنة سريعة بي جيل الصحابة رضوان ال عليهم والجيال الت تعيش اليوم ف الاهلية الوروبية‬
‫العاصرة تسم الكلم ف هذه النقطة‪ .‬فأيهما هو " النسان " ف أعلى صورة؟ أيهما الذى يعيش بشاعر‬
‫"النسان " وأفكار " النسان " وأخلقيات " النسان " وسعة أفق " النسان " والعمل والكدح اللئق‬
‫" بالنسان "؟‬
‫الجابة واضحة دون شك‪ .‬وحاسة كذلك‪.‬‬
‫إن ذلك ال يل الذى ل ي كن يلك من أشكال الضارة الاد ية والتنظيم ية إل القدر الد ن هو أع ظم‬
‫أجيال البشرية قاطبة غي منازع‪ .‬والجيال الت تعيش اليوم ف الاهلية العاصرة هى من أسوأ أجيالا إن‬
‫ل تكن أسوأها وإن كانت تلك أعلى قدر من الضارة الادية والتنظيمية ف تاريخ البشرية وذلك لنا‬
‫تعرف من القيم وتنكرت لا إل القيم النفعية البحتة لذلك نسمى حضارتا حضارة هابطة ف مقابل‬
‫الضارة الرفيعة التمثلة ف ذلك اليل الفريد حضارة القيم العليا والبادئ السامية‪.‬‬
‫من هنا نقول باطمئنان إن السلم هو الضارة‪ .‬وإن الجتمع السلم هو الجتمع التحضر أيا كان‬
‫القدر الذى يشتمل عليه من الشكال الادية والتنظيمية‪.‬‬
‫ولكن المر الطبيعى ف الفطرة السوية أنا تسعى لشباع الوانب السية والوانب العنوية معا ف‬
‫ذات الوقت بل تعارض ول تنقض بل على توازن واتساق‪.‬‬
‫وهذا التكامل ف الفطرة وف الياة الواقعية علمة صحية بالنسبة للنسان الذى خلقه ال من قبضة‬
‫من طي الرض ونفخة من روح ال‪:‬‬
‫{إِذْ قَالَ َربّ كَ لِلْمَلِئ َكةِ ِإنّي خَالِ ٌق بَشَرا مِ ْن طِيٍ (‪ )71‬فَِإذَا َسوّْيتُهُ َونَفَخْ تُ فِي ِه مِ نْ رُوحِي َف َقعُوا لَ هُ‬
‫سَا ِجدِينَ (‪[ })72‬سورة ص ‪.]72-38/71‬‬
‫والسلم – دين الفطرة – يدعو إل إشباع الانبي معا سواء فيما يتعلق بالروح والسد أو بالدنيا‬
‫والخرة‪.‬‬
‫{ َوأَقِيمُوا الصّل َة وَآتُوا الزّكَاةَ} [سورة البقرة ‪]2/110‬‬
‫{وَكُلُوا وَاشْ َربُوا‪[ }....‬سورة العراف ‪]7/31‬‬
‫{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللّهُ الدّارَ ال ِخ َرةَ وَل تَنسَ َنصِيبَكَ مِنْ ال ّدْنيَا} [سورة القصص ‪]28/77‬‬
‫ولئن كان ال سلم قد و ضع الق يم العنو ية ف القد مة – ك ما ينب غى ل ا أن تكون – فإ نه ل يه مل‬
‫الوانب الخرى ول دعا إل مصادرتا بل أعطى كل ذى حق حقه‪:‬‬
‫خيْ ِل‬‫ض ِة وَالْ َ‬
‫ش َهوَاتِـ مِن ْـ النّسـَا ِء وَاْلَبنِيَ وَالْ َقنَاطِ ِي الْ ُم َقنْطَ َر ِة مِن ْـ ال ّذهَبِـ وَالْ ِف ّ‬‫{ ُزيّنَـلِلنّاسِـ حُبّ ال ّ‬
‫خيْرٍ‬ ‫حيَاةِ ال ّدْنيَا وَاللّ هُ عِنْدَ هُ حُ سْ ُن الْمَآ بِ (‪ُ )14‬قلْ َأؤَُنّبئُكُ ْم بِ َ‬ ‫ع الْ َ‬
‫ك َمتَا ُ‬
‫حرْ ثِ ذَلِ َ‬ ‫س ّو َمةِ وَا َلنْعَا مِ وَالْ َ‬
‫الْمُ َ‬
‫حتِهَا الَْنهَارُ خَاِلدِي نَ فِيهَا خَالِدِي نَ فِيهَا َوأَ ْزوَا جٌ‬ ‫جرِي مِ ْن تَ ْ‬ ‫ت تَ ْ‬
‫مِ نْ ذَِلكُ مْ لِلّذِي َن اّت َقوْا ِعنْدَ َرّبهِ مْ َجنّا ٌ‬
‫ضوَا نٌ مِ نْ اللّ ِه وَاللّ ُه بَ صِيٌ بِالْ ِعبَادِ (‪ )15‬الّذِي َن َيقُولُو نَ َربّنَا ِإنّنَا آ َمنّ ا فَا ْغفِرْ لَنَا ُذنُوبَنَا وَقِنَا‬ ‫مُ َطهّ َرةٌ وَرِ ْ‬
‫سَتغْفِرِي َن بِالَ سْحَارِ (‪[ })17‬سورة‬ ‫ي وَالْقَاِنتِيَ وَالْ ُمنْ ِفقِيَ وَالْمُ ْ‬‫ب النّارِ (‪ )16‬ال صّابِرِي َن وَال صّادِِق َ‬ ‫عَذَا َ‬
‫آل ‪]17-3/14‬‬
‫فأما إذا جنح الن سان بأ حد جانبيه على ح ساب الخر فهنا يدث اللل ف حياته سواء جنح إل‬
‫الانب الروحى وأهل الادى كما تصنع الرهبانية والندوكية والبوذية أو جنح إل الانب الادى وأهل‬
‫الروح كما تصنع الاهلية العاصرة‪.‬‬
‫إنا يسعى السلمى لشباع الوانب كلها فينتج من ذلك النسان السوى الذى يقق التوازن على‬
‫الستوى الرفيع‪.‬‬
‫لذلك كان قيام الا نب الادى والتنظي مى من الضارة – ب عد ا ستكمال الا نب العنوى القائم عى‬
‫القيم العليا والبادئ السامية – أمرا طبيعيا ف حياة الجتمع السلم وعلمة صحية كذلك‪.‬‬
‫ولئن كان هذا ال مر قد ا ستغرق فترة من الو قت ف قد كان ذلك طبيع يا بالن سبة للو الياة العرب ية‬
‫السابقة من كث ي من أشكال الضارة الادية والتنظيمية وعدم شعورها بالا جة إل تغي ي واقع ها الذى‬
‫تعيشه بكل تفصيلته‪.‬‬
‫فل ما جاء ال سلم تغيت النفوس من داخل ها وانب عث الفطرة تع مل بكيان ا التكا مل ف كل اتاه‪.‬‬
‫وكان الانب الادى والتنظيمى من الوانب الت نشطت بتأثي اليلد الديد والدفعة اليوية الائلة الت‬
‫أطلقها السلمى ف الكيان الديد‪.‬‬
‫وك ما قل نا من ق بل ف شأن الر كة العلم ية نقول الن بشأن الا نب الادى والتنظي مى من الضارة‬
‫فلقد كان هذا ف حاجة إل ذات العوامل الت كانت مطلوبة لنشأة الركة العلمية والت كانت مفقودة‬
‫أو ناقصة ف الياة العربية قبل السلم‪.‬‬
‫كان ف حا جة إل ت مع وا ستقرار وأ من وطمأني نة‪ .‬وكان ف حا جة إل دف عة حيو ية هائلة تعوض‬
‫النصـراف السـابق عـن هذا الجال‪ .‬وقـد أعطـى السـلم ذلك كله فقامـت الضارة بانبهـا الادى‬
‫والتنظيمى بعد أن كانت قد قامت بقيمها ومبادئها من قبل‪.‬‬
‫وكمـا تتلمـذ السـلمون على الغريـق لبدء الركـة العلميـة فقـد تتلمذوا على فارس وبيزنطـة لبدء‬
‫الانب الادى والتنظيمى من الضارة ريثما يكتسبون حاستهم الاصة كما اكتسبوا حاستهم الاصة ف‬
‫الجال العلمى‪.‬‬
‫لا كثر الند قيل لعمر رضى ال عنه‪ :‬لول دونت دواوين! فاشتهى عمر ذلك!‬
‫كان هذا عمل تنظيميا أحست الدولة الناشئة الاجة إليه فأخذته من جيانا بل تردد (وكلمة ديوان‬
‫فارسية كما هو معروف) كما أخذت غيه ما كانت متاجة إليه‪.‬‬
‫ورويدا رويدا اكت سب الجت مع الد يد حاسـته الا صة فا ستغن عن القتباس وكان له مشارك ته‬
‫الاصة – والائلة – ف هذا الجال وف غيه من الجالت كعمارة الدن والبيوت ومد الطرق وتنظيم "‬
‫الدمات " العامة‪.‬‬
‫وهناك شئ تدر الشارة إليه بصدد أخذ الجيال الول من هذه المة عن الغريق والرومان الفرس‬
‫ما لزم هم سواء ف الجال العل مى أو الجال الادى والتنظي مى ح ت صارت ل م حا ستهم الا صة ال ت‬
‫استغنوا با عن النقل ث أصبحوا فيما بعد أساتذة ف جيع تلك اليادين وصارت أوربا تتلمذ عليهم ف‬
‫جيع اليادين‪.‬‬
‫لقد كانوا يأخذون ا يأخذون وهم ف موقف العزة والستعلء‪:‬‬
‫ح َزنُوا َوَأنْتُ ْم ا َلعَْل ْونَ ِإنْ ُكْنتُ ْم ُم ْؤ ِمنِيَ (‪[ })139‬سورة آل ‪]3/139‬‬
‫{وَل َتهِنُوا وَل تَ ْ‬
‫{وَلِلّ ِه اْلعِ ّز ُة وَلِ َرسُولِهِ وَِللْ ُم ْؤ ِمنِيَ} [سورة النافقون ‪]63/8‬‬
‫كان ملء نفوسهم الستعلء باليان والعتزاز به فلم يشعروا – وهم ينقلون عن الغريق والرومان‬
‫والفرس – أنم أقل منهم ول يشعروا بالضآلة أمامهم أو بالذلة لم لنم ف حاجة إليهم بل شعروا أنم‬
‫هم العلون وإن كانوا ف حاجة إل غيهم لنم مؤمنون وغيهم ليسوا مؤمني‪ .‬ومن أجل ذلك ل‬
‫يفتنوا ول ينبهروا ب ا ع ند الاهليات من حول م‪ ,‬فأخذوا ما أخذوا ف عزة وأخذوا ما رأوه ناف عا ل م‬
‫ول يأخذوا ما رأوه مالفا لدينهم وعقيدتم (‪ )1‬لن موقف الستعلء يتيح لم أن يتخيوا وينتقوا بينما‬
‫موقـف الضعيـف والسـتخذاء والنبهار ل يتيـح لصـاحبه الفرصـة للختيار ول القدرة على الختيار‬
‫فيأخذ الغث والثمي ل يتيح لصاحبه الفرصة للختيار ول القدرة على الختيار فيأخذ الغث والثمي‬
‫ويأخذ من الغث أكثر ما يأخذ من الثمي لنه أيسر أخذا وأقل تكاليف!‬
‫لذلك ل نعجب إذا رأينا السلمي الوائل رغم تكنهم من الغريقية إل الد الذى ترجوا به كثيا‬
‫من مؤلفاتم ل يترجوا الساطي الغريقية ول يعنوا با أى عناية بل رأوها شركا وخرفاة ل تستحق‬
‫النقل ول تستحق العتبار! (‪)2‬‬
‫كذلك كان شأنم ف الانب الادى والتنظيمى‪ ..‬أخذوا ما وحدوا أنفسهم ف حاجة إليه دون أن‬
‫يأخذوا ما كان مشتب كا به ع ند أ صحابه من شرك وخرا فة ووثن ية وانراف ف الفكار أو انراف ف‬
‫السـلوك‪ .‬ثـ إن الذى أخذوه – وكله فـ مال الدوات ول فـ مال الس والناهـج – طوعوه سـريعا‬
‫لنهجهم الاص ف الياة فأصبحوا أصلء فيه ل مقلدين (‪.)3‬‬
‫إن الصالة أمر له أهيته البالغة ف وقت النقل عن الغي بصفة خاصة‪ .‬فالصالة ل تنع الستفادة من‬
‫ثار العلم وثار الضارة الادية – الت هى ف ناية جهد بشرى مشترك تتداوله المم وتتداوله الجيال –‬
‫ولكنها تنع الذوبان وفقدان الشخصية بتأثي النقل‪.‬‬
‫وأو ثق أ سباب ال صالة أن يكون الن سان صاحب عقيدة و صاحب من هج خاص ف الياة‪ .‬وق مة‬
‫ذلك أن يكون النسان مسلما لنه يكون عندئذ صاحب العقيدة الصحيحة ومنهج الياة الصحيح‪ .‬فإذا‬
‫كان مسلما على النحو الذى كانت عليه الجيال الول فقد تققت له الصالة ف أعلى قممها ل الت‬
‫تنع الذوبان وفقدان الشخصية بتأثي النقل فحسب بل الت سرعان ما تكتسب الاسة الاصة وتنتقل‬
‫ف فترت وجيزة من الزمن من التتلمذ إل التمكن إل الستاذية‪.‬‬
‫وذلك ما كان من شأن المة السلمية – ف أجيالا الول – ف جيع اليادين الت احتاجت فيها إل‬
‫القتباس من غي ها كالجال العل مى والجال الادى والتنظي مى ف ما مر ما ب ي تتلمذ ها على أور با‬
‫() اندع السلمون ف الفسلفة فظنوها نافعة لم فنقلوها‪ ,‬وكان ذلك خطأ غي مقصود كما سيجئ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() انظر ف القابل قول طه حسي ف عصر النبهار‪ :‬من ل يقرأ الساطي الغريقية فلن يستطيع أن يكون أديبا‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() انظر ف القابل كيف تيع السلمون وذابت شخصيتهم ف حركة النقل الخية فقدوا أصالتهم‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫وأستاذيتها على أوربا إل أجيال قليلة كأنا برهات ف عمر الزمان‪.‬‬
‫على أن الذى يهم نا أك ثر ف هذا الب حث ل يس هو ما بلغ ته الضارة ال سلمية ف جانب ها الادى‬
‫والتنظي مى من رو عة – مع ال صالة والتم كن – إن ا هو ما تفردت به ب ي الضارات م ا يدخل ها ف‬
‫سات المة السلمة‪.‬‬
‫إن هناك ارتباط وثيقـا فـ كـل حضارة مـن حضارات التاريـخ مـا بيـ إنتاجهـا الادى والعمرانـ‬
‫والتنظيمى وبي مفهومها للحياة النسانية وأهدافها‪.‬‬
‫وهناك بالط بع أشياء كثية مشتر كة ب ي الضارات جيع ها سببها اشتراك ب ن الن سان جي عا ف‬
‫نزعات معينة أو حاجات معينة كاللبس والسكن والطعم وأدوات القتال‪ ..‬إل غي ذلك‪.‬‬
‫ولكن العبة ليست بتلك الوانب الت تكاد تدخل ف باب الضرورات إنا العبة بالانب الختيارى‬
‫مـن الياة التأثـر بفهوم النسـان ولهداف حياتـه والذى يؤثـر بدوره حتـ فـ أداء تلك الضرورات‬
‫فيعطيها ستها الاص‪.‬‬
‫فالبيت مثل هو البيت من حيث البدأ‪ ..‬هو " الأوى " الذى يأوى إليه النسان ويسكن فيه وإليه‪.‬‬
‫ول كن نظرة سريعة إل الب يت ف العمارة ال سلمية والب يت ف الاهل ية العا صرة مثل تك شف عن‬
‫الفارق الائل ف الفاهيم وما يترتب عليها من أناط السلوك‪.‬‬
‫فالبيـت فـ العمارة السـلمية " صـيانة " للداب وللخلق وللعراض بقدر مـا هـو فـ الاهليـة‬
‫العاصرة " استعراض " و " كشف " لكل ما ينبغى أن يصان!‬
‫ف البيت السلمى ل يطلع الزائر على ربه البيت لنا " حرم " مصون "‪ .‬من أجل ذلك يصص له‬
‫مكان ف البيت يستقبل فيه ويرحب به وتقدم له " التحية " الواجبة ويتناول الطعام إذا دعى إليه دون‬
‫أن يظهر لهل البيت أو يظهروا له كما يصص للسرة مال حياتا الكامل بغي تضييق دون أن تكون‬
‫مكشو فة للزائر من الرجال‪ .‬و من بديهيات ذلك الب يت أن تكون غرف النوم من أعما قه ل ف ظاهره‬
‫لنا الماكن الت يضع فيها الناس ثيابم وينبغى الستئذان قبل الدخول إليها حت من الطفال وملك‬
‫اليمي‪.‬‬
‫ستَأْ ِذْنكُ ْم الّذِي َن مََلكَتْ َأيْمَاُنكُ ْم وَالّذِينَ َل ْم يَبُْلغُوا الْحُلُ َم ِمْنكُ ْم ثَلثَ َمرّاتٍ مِ ْن‬
‫{يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا ِليَ ْ‬
‫ث َعوْرَا تٍ َلكُ مْ َليْ سَ‬ ‫َقبْلِ صَلةِ اْلفَجْرِ وَحِيَ َتضَعُو َن ِثيَاَبكُ ْم مِ نْ ال ّظهِيَ ِة َومِ ْن َبعْدِ صَلةِ اْلعِشَا ِء ثَل ُ‬
‫ك ُيبَيّ نُ اللّ هُ َلكُ ْم اليَا تِ وَاللّ هُ‬
‫ضكُ ْم عَلَى َبعْ ضٍ كَذَلِ َ‬ ‫ح َبعْ َدهُنّ َطوّافُو نَ عََلْيكُ ْم َبعْ ُ‬ ‫عََلْيكُ ْم وَل عََلْيهِ مْ ُجنَا ٌ‬
‫عَلِيمٌ َحكِيمٌ (‪[ })58‬سورة النــور ‪]24/58‬‬
‫ان ظر ف مقا بل ذلك إل الب يت ف العمارة الاهل ية العا صرة ح يث ح جر النوم هى الكشو فة على‬
‫الطريق بجة الصول على أكب قدر من الشمس والواء! وهى حجة مفتعلة ل تستر الرغبة الداخلية ف‬
‫التعرى والنكشاف ومن البديهى أل يكون فيها " حرم مصون " لنه ل صيانة ف هذه الاهلية لشئ‬
‫من القدسات!‬
‫والثال الذى ضربناه بالبيت هو مرد توضيح للمعن الذى نريد أن نشي إليه‪.‬‬
‫إن الشكال الادية والتنظيمية من الضارة ليست غاية ف ذاتا إنا هى وسائل للتعبي عن مفاهيم‬
‫تلك الضارة‪ .‬والفاه يم هى العيار القي قى لتلك الضارة ويأ تى ب عد ذلك البداع الف ن ف التنف يذ‪.‬‬
‫وللبداع الف ن معاييه الا صة ك ما أن له وز نه ف قياس " ر قى " الن سان‪ .‬ولك نه ل يكون أبدا هو‬
‫العيار! ل نه مرد " برا عة " ف الداء ل ت تص بقوم دون قوم إن ا هى من العطاء الربا ن البذول للناس‬
‫جيعا مؤمنهم وكافرهم‪:‬‬
‫ك وَمَا كَا َن عَطَاءُ َربّ كَ َمحْظُورا (‪ [ })20‬سورة ال سراء‬
‫ل نُمِ ّد َهؤُلء َو َهؤُلءِ مِ ْن عَطَاءِ َربّ َ‬
‫{ ُك ّ‬
‫‪]17/20‬‬
‫فإذا رجعنا إل " الفاهيم " فهنا نلمس تفرد الركة الضارية كما لسنا من قبل تفرد الركة العلمية‬
‫السلمية‪.‬‬
‫إن " عمارة الرض " أمر يقوم به " النسان " عامة تقيقا لعن من معان اللفة ف الرض‪:‬‬
‫{ َوإِذْ قَالَ َربّكَ لِلْمَلِئ َكةِ ِإنّي جَاعِلٌ فِي الَ ْرضِ َخلِي َفةً} [سورة البقرة ‪]2/30‬‬
‫شأَكُ ْم مِ ْن الَ ْرضِ وَا ْستَعْ َمرَكُمْ فِيهَا} [سورة هود ‪]11/61‬‬
‫{ ُهوَ أَن َ‬
‫ولكن عمارة الرض بقتضى النهج الربان هى الشئ الذى تتميز به المة الؤمنة عن سائر المم‬
‫الاهلية وإن اشتركا ف " العمارة‪ :‬من حيث هى جهد مبذول وفن وبراعة ف الخراج‪.‬‬
‫وحيـ ننظـر مـن هذه الزاويـة يطالعنـا فـ تلك الضارة لول وهلة أناـ تأخـذ النسـان بجموعـة‬
‫التكامل‪ :‬جسده وروجه دنياه وآخرته قيمه وأخلقه ف توازن ملحوظ‪.‬‬
‫فالسـجد فـ الدينـة هـو مبناهـا الرئيسـى ومؤسـستها الرئيسـية كذلك‪ .‬فهـو مكان العبادة وكان‬
‫الجتماع وفيه الدرسة الت يتعلم فيها الكبار والصغار باختصار‪ :‬تلتقى فيه الدنيا بالخرة‪ .‬يذكر فيه‬
‫الناس بال واليوم الخر ل ينقطعوا للخرة وينصرفوا عن عمارة الرض‪ .‬بل لينطلقوا إل الدنيا وقلوبم‬
‫مرتب طة بالخرة فيكون عمل هم كله ف الياة الدن يا " عبادة " على الع ن الوا سع ويكون ال سجد هو‬
‫الكان الذى يلتقـى فيـه النسـان " الزاد " الذى يتزود بـه ليقوم ببقيـة أعماله مطمئن القلب مسـتريح‬
‫العصاب‪:‬‬
‫ُوبـ (‪[ })28‬سـورة الرعـد‬
‫ّهـ تَطْ َمئِنّ الْقُل ُ‬
‫ّهـ أَل بِذِكْرِ الل ِ‬
‫ُمـ بِذِ ْكرِ الل ِ‬
‫ِينـ آ َمنُوا َوتَطْ َمئِنّ قُلُوُبه ْ‬
‫{الّذ َ‬
‫‪]13/28‬‬
‫كمـا أنـه الكان الذى يتعارف فيـه أهـل الىـ وتقوم بينهـم صـلة الخوة والودة التـ يضـ عليهـا‬
‫السلم‪.‬‬
‫ضع القابل ف الاهلية العاصرة " علب الليل " والراقص واللهى باعتبارها ف حسهم هى مكان‬
‫الترويح وهى الزاد الذى يتزود به النسان ليعود إل عمله نشيطا ف الصباح!‬
‫وانظر الفارق بي الضارتي!‬
‫إن الضارة السـلمية تارس كـل ألوان النشاط البشرى التـ تؤدى إل عمارة الرض مـن تارة‬
‫وصـناعة وعلم‪ ..‬إل وتسـعى إل النتاج الوفيـ فـ كـل أبواب النتاج ولكنهـا فـ سـعيها كله تلتزم‬
‫باللل والرام وبالقيم الخلقية وبا يقتضيه اليان بال واليوم الخر من تشكيل للسلوك‪:‬‬
‫ْهـ النّشُورُ (‪})15‬‬
‫ِهـ َوإِلَي ِ‬
‫ِنـ ِرزْق ِ‬
‫ْضـ ذَلُولً فَامْشُوا فِي َمنَا ِكبِهَا وَ ُكلُوا م ْ‬
‫ُمـ الَر َ‬
‫{ ُهوَ الّذِي َجعَلَ َلك ْ‬
‫[سورة اللك ‪]67/15‬‬
‫{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللّهُ الدّارَ ال ِخ َرةَ وَل تَنسَ َنصِيبَكَ مِنْ ال ّدْنيَا} [سورة القصص ‪]28/77‬‬
‫وكان السلمون ف أجيالم الول أمة نشطة ف كل اتاه‪.‬‬
‫كا نت تارة العال ف أيدي هم من ال صي إل أور با مع ما ي ستتبع ذلك من معر فة بطرق الل حة‬
‫البحرية وطرق اليابسة ف آسيا وأفريقيا إل مداخل أوربا‪.‬‬
‫وكانت الصناعة – التاحة للناس ف ذلك الوقت – مزدهرة ف مراكز العال السلمى الختلفة‪.‬‬
‫وكا نت دور العلم عامرة بال ساتذة والطلب ف كل فرع من فروع العر فة من علوم الشري عة إل‬
‫الطب إل الفلك إل الفيزياء إل الكيمياء إل الرياضيات‪..‬‬
‫وكانت هذه كلها مظاهر " حضارية " نقوم با المة السلمة‪.‬‬
‫ول كن هذا كله ي كن أن تقوم به أى أ مة مك نة ف الرض بوسـيلة من و سائل التمك ي وي صي‬
‫التفاضل بي أمة وأمة تفاضل ف " القدار " أكثر ما هو ف القيمة النسانية‪.‬‬
‫ولكن الذى تفردت به الضارة السلمية – مع قيامها بالانب الذى يكن أن تقوم به كل أمة مكنة‬
‫ف الرض – أنا تقوم بقتضى النهج الربان‪.‬‬
‫تقوم بنشاطهـا التجارى الواسـع الذى يتـد مـن الحيـط إل الحيـط ولكـن ذلك ل يؤدى باـ إل‬
‫استعمار المم الخرى لنهب خياتا للحصول على أكب قدر من الربح كما أدى بالاهلية العاصرة‬
‫تت أى ذريعة من الذرائع‪ .‬بل يذهب التجار ف كل مكان يملون معهم ست السلم ونظافة السلم‬
‫وأخلق السلم فينتشر السلم معهم كما حدث ف أندونيسيا وكثي من بلدان أفريقيا‪.‬‬
‫تقوم بنشاط ها ال صناعى فتفرغ طاقت ها في ما ين فع الناس ف الرض و ما ي عل الياة مي سرة وجيلة‬
‫كذلك ف الدود الباحة والدود الباحة تسمح بقدر من الزينة وقدر من المال‪:‬‬
‫حيَاةِ ال ّدنْيَا‬
‫{قُ ْل مَ نْ حَرّ مَ زِيَنةَ اللّ ِه الّتِي َأخْ َر جَ ِلعِبَادِ هِ وَال ّطّيبَا تِ مِ نْ الرّزْ قِ ُق ْل هِ يَ لِلّذِي نَ آ َمنُوا فِي الْ َ‬
‫صةً َي ْومَ الْ ِقيَا َمةِ } [سورة العراف ‪]7/32‬‬ ‫خَاِل َ‬
‫{وَالَْنعَا مَ َخَل َقهَا َلكُ مْ فِيهَا دِفْ ٌء َو َمنَافِ ُع َومِْنهَا َتأْكُلُو نَ (‪ )5‬وََلكُ مْ فِيهَا جَمَالٌ حِيَ تُرِيُو نَ وَحِيَ‬
‫تَسْ َرحُونَ (‪[ })6‬سورة النحل ‪]6-16/5‬‬
‫ولكنها ل تنح إل شغل الناس بالسفاسف واستنفاد أموالم فيما ل طائل تته من أجل أن يربح‬
‫أ صحاب ال صناعات الر بح الرام ك ما ت نح الرأ سالية ف الاهل ية العا صرة ول ت نح إل تله ية الناس‬
‫بالياة الدن يا ح ت ين سوا الخرة وين سوا الق يم العل يا ال ت ينب غى ل م أن يققو ها ف الرض من ن شر‬
‫العقيدة الصحيحة وإخراج الناس من الظلمات إل النور وإقامة العدل الربان ف واقع الرض والهاد‬
‫ف سبيل ذلك كله با يقتضيه الهاد (‪.)1‬‬
‫تقوم بنشاطهـا العلمـى دون أن يؤدى العلم – كمـا سـبق أن بينـا – إل فسـاد العقيدة أو فسـاد‬
‫الخلق أو نشر الشر ف الرض‪.‬‬
‫تقوم بنشاط ها الفكرى والف ن ملتز مة ف ذك كله بالن هج الربا ن فل يؤدى الف كر إل اللاد ول‬
‫يؤدى الفن إل التبذل والفساد اللقى وإتلف الفكرة كما هو حادث ف الاهلية العاصرة‪.‬‬
‫وإل جا نب ذلك تقوم مؤ سسات ون ظم خا صة بال مة ال سلمة ل ن د ل ا مثيل ع ند ال مم الخرى‬
‫كبيت الال ونظام السبة وجاعات المر بالعروف والنهى عن النكر والوقاف اليية الت يوفقها‬
‫أصحابا على أعمال الب وف مقدمتها نشر العلم (‪ )1‬وتأمي الصحة (‪ )2‬ورعاية العوزين والعاجزين‪.‬‬
‫و ف كل مة مت صرة‪ :‬هى حضارة ل تدف إل مرد عمارة الرض إن ا مزيت ها ال كبى هى عمارة‬
‫الرض بقتضى النهج الربان‪.‬‬
‫‪m m m‬‬
‫() ف كل الساجد الكبي ف العال السلمي وجدت مدارس لنشر العلم‪ ,‬رصدت لا الوقات للنفاق علي العلمي والتعلمي‪ ,‬بيث يتفرغ الميع للعلم غي منشغلي بأمور العاش‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() راحع تاريخ البيمارستانات الت كانت تقام لعلج الرضي بالجان‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫ف الصفحات السابقة تكلمنا عن أبرز سات المة السلمة مع تأكيد الدرجة العليا الت حقق با‬
‫اليل التفرد من هذه السمات‪ .‬وقد أكدنا مع كل سة أنا – من حيث هى – ليست خصيصة تفرد با‬
‫ذلك ال يل إن ا هى سة دائ مة – أو ينب غى أن تكون دائ مة – ف حياة هذه ال مة‪ .‬وأن الذى تفرد به‬
‫ذلك ال يل ل ي كن وجود هذه ال سمات ف حيا ته إن ا كان الدر جة الفذة ال ت ح قق ب ا هذه ال سمات‬
‫والت حققت مثالية السلم وواقعيته ف آن‪.‬‬
‫ول مر ما – أو أمور كثية ف الوا قع – ل تا فظ ال مة على هذا ال ستوى ال فذ الذى مار سته طيلة‬
‫حياة الرسول‪ e‬والفاء الراشدين من بعده إنا هبطت عن ذلك الستوى الرفيع ف كثي من التاهات‪.‬‬
‫ولكن هذا ليس معناه أن السلم قد انتهى كما ييل لبعض الطيبي الذين يهولم هذا البوط بعد أن‬
‫يعايشوا فترة الذروة ب كل أماد ها و كل عظمات ا وك ما ي يل البثاء من أعداء هذا الد ين للناس لغا ية‬
‫خبيثة ف نفوسهم هى تيئيس الناس من عودة هذا الدين ليحكم الياة من جديد‪ .‬كأنا يقولون‪ :‬أين هو‬
‫ال سلم ال تتطلعون إل عود ته من جد يد و هو قد انت هى ب عد مبدئه ب يل أو جيل ي وانت هى إل غ ي‬
‫رجعة!‬
‫على أن هذا البوط عن ذلك الستوى الثال ل يكن ليكرثنا لو بقيت المة ف حدود الستوى العادى‬
‫للسـلم‪ .‬فإن تلك الثاليـة الفذة ل يكـن أن تفرض فرضـا على جيـع الجيال وال سـبحانه وتعال ل‬
‫يفرضها على أحد إنا كانت تطوعا نبيل من أولئك الفذاذ الذين رباهم رسول ال‪ e‬على عينه‪.‬‬
‫ولو بقيت المة على الد الدن الذى فرضه ال لبقى الي ف الرض ولكان التاريخ قد سار ف‬
‫غي خطه الذى ار فيه ن ل بالنسبة للمة السلمة فحسب بل لكل البشرية‪ .‬فقد شاء ال منذ أخرج هذه‬
‫المة إل الوجود أن يرتبط با مصي البشرية كله فإن كانت قائمة برسالتها على النحو الطلوب تقق‬
‫الي لا وللبشرية من ورائها وإن تقاعست عن رسالتها برزت الاهلية ف الرض وسيطرت عليها‪.‬‬
‫والذى سجله التاريخ على أى حال أن هذه المة ل تبط فقط عن الستوى الثال الذى حققته ف‬
‫زمن الرسول‪ e‬واللفاء الراشدين إنا هبطت ‪ -‬ف كثي من الجالت ‪ -‬حت عن الد الدن الفروض‬
‫فأصابا ‪ -‬وأصاب البشرية من ورائها ‪ -‬كثي ‪ -‬من الشر‪..‬‬
‫وف الفصل التال نتحدث عن خط النراف ف تاريخ هذه المة الطويل‪.‬‬
‫‪m m m‬‬
‫خطة النراف‬
‫من القمة الشامة إل الضيض الذى تعانيه المة اليوم‪ ..‬مسافة هائلة تبعث على الذهول‪.‬‬
‫ك يف تأتىّ لل مة ال ت ارتف عت إل تلك الق مم ال سامقة ال ت ل ت سبقها إلي ها أ مة ف التار يخ ول‬
‫أدركتها بعدها أمة ف التاريخ أن تتدن إل هذا الدرك من الضياع والذل والوان والبوط السف الذى‬
‫وصلت إليه اليوم والذى ل تكاد تدانيه أمة ف الواقع العاصر‪.‬‬
‫هل هو أمر طبيعة لذه المة؟!‬
‫إن هناك أما " تاريية " وصلتا الرض أماد ضخمة وتكنت ف الرض قرونا عدة وسيطرت على‬
‫مساحات شاسعة من الرض وملكت من وسائل القوة الرضية ما يفوق الصر‪ ..‬ث اندثرت تاما كأن‬
‫ل ت كن قط وكم نا حدث للمباطور ية الرومان ية العتيدة أ كب إ مباطوريات التار يخ والمباطور ية‬
‫الفار سية ال ت كا نت تنازع ها ال سيادة ف الرض وجرى ذلك كله سواء ف التمك ي والقوة أو الدمار‬
‫والندثار حسـب سـنن ربانيـة لتتبدل وحسـب مشيئة ربانيـة هـى التـ أجرت هذه السـنن فـ الياة‬
‫البشرية‪:‬‬
‫حكْمِ ِه َوهُ َو سَرِي ُع الْحِسَابِ (‬
‫حكُمُ ل ُم َع ّقبَ ِل ُ‬
‫صهَا مِنْ َأطْرَاِفهَا وَاللّ ُه يَ ْ‬
‫{َأوَلَ ْم يَ َروْا أَنّا َن ْأتِي الَ ْرضَ َنْنقُ ُ‬
‫‪[ })41‬سورة الرعد ‪]13/41‬‬
‫حوِيلً (‪[ })43‬سورة‬
‫سّنةِ اللّ ِه تَ ْ‬
‫سّنةِ اللّ ِه َتبْدِيلً وَلَنْ تَجِدَ لِ ُ‬
‫جدَ لِ ُ‬
‫{َفهَ ْل َينْظُرُونَ إِلّ ُسّن َة الَوّلِيَ َفلَ ْن تَ ِ‬
‫فاطر ‪]35/43‬‬
‫ولكن‪ ..‬أمة العقيدة‪ .‬هل ترى عليها ذات السنن الت ترى على الاهليات؟!‬
‫‪m m m‬‬

‫يرى ا بن خلدون ‪ -‬من درا سته للتار يخ ‪ -‬أن هناك " سنة " تدول الدول بقتضا ها‪ ..‬هى سنة "‬
‫الشيخوخة" فالدول ف رأيه تولد ضعيفة ث تقوى ويشتد عودها وتعظم سوتا ث ترم كما يهرم الفرد‬
‫فتذبـل ملكاتاـ وتتلشـى طاقاتاـ فتصـي إل الزوال‪ ..‬ويردد الؤرخ النليزى العاصـر " توبنـ " ذات‬
‫الفكرة ناقل عن ابن خلدون‪.‬‬
‫و قد يكون ما يقوله ا بن خلدون ويردده من بعده توي نب صحيحا بالن سبة للجاهليات‪ ..‬فالاهليات‬
‫تقوم على " شعوب " بعينها‪ ..‬فإذا كان من سنة ال أن ترم الشعوب كما يهرم الفراد (‪ )1‬فمن المكن‬
‫أن تدول الدول الت تنشئها تلك الشعوب بداء الشيخوخة بعد فترة معينة من عمرها مهما يكن لا ‪-‬‬
‫ف فترة شبابا وفتوتا من عوامل القوة الت تبدو لعي الناظر غي قابلة للفناء‪.‬‬
‫ول كن أ مة العقيدة ل تقوم على " ش عب " بعي نه إن ا تقوم على " العقيدة " و هى عن صر له صفة‬
‫الدوام‪ .‬وهذا فارق رئي سى بين ها وب ي ال مم الخرى ال ت تن شأ ف الاهليات‪ .‬فارق ي عل هذه ال مة‬
‫خاضعة لسنة أخرى غي السنن الت ترى على المم الاهلية ويعل مصيها غي هؤلء‪.‬‬
‫فالوا قع التاري ى ل مة العقيدة ‪ -‬أى ال مة ال سلمية ‪ -‬يتلف تا ما عن " ال سنة " ال ت افترض ا بن‬
‫خلدون أن ا ترى على ال مم فتزيل ها من الوجود‪ .‬فتاريها ‪ -‬وإن كان ي ثل ح ت الن ميل مستمرا إل‬
‫البوط ‪ -‬إل أ نه خط متذبذب ي مل صحوات كثية صاعدة كتلك ال ت شهدت ا ال مة أيام صلح‬
‫الدين قاهر الصليبيي وأيام قطز قاهر التتار وكحركة الد الضخمة الت قادها ممد الفاتح إل داخل‬
‫أوربا‪.‬‬
‫ومـن جهـة أخرى فإن هذه المـة على الرغـم مـن كـل مـا أصـابا مـن عوامـل الرض والنلل‬
‫والكوارث الداخلية والارجية ل تزل من الوجود بعد أربعة عشر قرنا من مولدها وهى فترة ل تعشها‬
‫أمة أخرى من أمم التاريخ‪ .‬وليس هذا فقط بل إنا تشهد اليوم ما يشبه أن يكون مولدا جديدا تعان‬
‫ماضة بكل آلمه ف لظتها الراهنة‪.‬‬
‫ومرد بقائها إل هذه اللحظة على الرغم ما أصابا هو ذاته دليل على أنا ل تضع لتلك السنة الت‬
‫افترضها ابن خلدون سنة الفناء بسبب الشيخوخة‪ .‬فإذا أضفنا إل ذلك تلك القيقة الخرى وهى قيام‬
‫حركات البعث السلمى ف كل مكان من العال السلمى‪ ..‬إل جانب حقيقة ثالثة هى بدء انتشار‬
‫ال سلم ف بقاع م نا الرض ل ي كن قد دخل ها من ق بل كاليابان وكور يا وفنلندا ودخول أوربي ي‬
‫وأمريكييـ فـ هذا الديـن بالئات واللوف‪ ..‬ل يعـد هناك مال على الطلق لتطـبيق سـنة الفناء‬
‫بالشيخوخة بفرض صحتها على المة الت قامت على العقيدة ل على شعب بعينة من الشعوب‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫ومع ذلك كله تظل تلك القيقة الذهلة تدير الرءوس‪ ..‬حقيقة هبوط هذه المة من الذورة العليا إل‬
‫() ل نزم بأن هذه سنة‪ ...‬وإن كان هناك من الظواهر التاريية ما يساعد علي هذا الفتراض‪ .‬وف هذه الالة قد يكون الترف الذي يصيب المم القوية هو "الداء" الذي يؤدي إل‬
‫‪1‬‬
‫الفناء‪.‬‬
‫الضيض السحيق الذى تعيشه اليوم‪.‬‬
‫ن عم‪ ,‬إن ا ل ت فن ك ما فن يت أ مم أخرى ودول ون ظم وإمباطوريات ذات سلطان وهيلمان ول كن‬
‫يب قى ال سؤال‪ :‬ك يف هب طت؟ لاذا هب طت؟ لاذا ل تا فظ على أفق ها ال سامى بل ل تا فظ ح ت على‬
‫الستوى الذن الذى ل ينبغى لا أن تبط دونه والذى يقق لا وجودا راسخا ومكنا لو حافظت عليه؟‬
‫ول قد ي طر على البال سؤال‪ :‬أ ين ال سلم إذن؟ ما دوره ف حياة هذه ال مة؟ لاذا ل يفظ ها من‬
‫البوط؟ ما الفرق ب ي أ مة العقيدة وال مم الاهل ية إذا كا نت تلك ال مة ي كن أن تتفلت وتتفلت ح ت‬
‫تصبح كالمم الداهلية بل أسوأ منها ف بعض الجالت؟‬
‫ما قيمة الدين إذن؟ وما دوره ف واقع الياة؟!‬
‫فأما هذا السؤال فله إجابته‪..‬‬
‫إن الدين ليس " جهازا " يعمل من تلقاء نفسه بصرف النظر عن نفوس الناس الذين يملونه‪.‬‬
‫ولو شاء ال لقهـر الناس على الدى فل يسـتطيعون الخالفـة ول البوط ول النراف كمـا يرى‬
‫قدره ف السموات والرض فيمضى كل شئ ف فلكه القدور له ل يرج عنه قيد شعرة‪ ..‬حت يغي ال‬
‫نظام الكون كله ف الو عد القدور ول كن ال كرم الن سان فلم يعله " شيئا " يق هر على غ ي إرادة م نه‬
‫بل جعله كائنا فعال مريدا قادرا على اختيار أحد الطريقي‪ :‬إما طريق الدى وإما طريق الضلل‪ .‬وف‬
‫مقابل ذلك صار يمل تبعة عمله وصار ما يدث له ‪ -‬ف الدنيا والخرة سواء ‪ -‬يرى نتيجة لعماله‬
‫حسب سنن مقررة كشفها ال لن لكن يهتدى على ضوئها ويضبط مساره بقتضاها‪:‬‬
‫سهِمْ} [سورة الرعد ‪]13/11‬‬
‫{ِإنّ اللّ َه ل ُي َغيّ ُر مَا ِب َقوْمٍ َحتّى يُ َغيّرُوا مَا بِأَنفُ ِ‬
‫سهِمْ} [ سورة النفال‬
‫ك ِبأَنّ اللّ هَ َل ْم يَ كُ ُم َغيّرا ِنعْ َمةً َأنْعَمَهَا عَلَى َقوْ مٍ َحتّىـُي َغيّرُوا مَا ِبأَنفُ ِ‬
‫{ذَلِ َ‬
‫‪]8/53‬‬
‫سَبتْ َأيْدِي النّا سِ ِليُذِي َقهُ مْ َبعْ ضَ الّذِي عَمِلُوا َلعَّلهُ ْم يَرْ ِجعُو نَ (‬
‫{ َظهَ َر اْلفَ سَادُ فِي اْلبَ ّر وَاْلبَحْ ِر بِمَا كَ َ‬
‫‪[ })41‬سورة الروم ‪]30/41‬‬
‫ض } [ سورة العراف‬
‫ت مِ نْ ال سّمَاءِ وَالَرْ ِ‬
‫{وََلوْ أَنّ َأهْ َل الْقُرَى آمَنُوا وَاّت َقوْا َل َفتَحْنَا عََلْيهِ ْم بَرَكَا ٍ‬
‫‪]7/96‬‬
‫حنَا عََلْيهِ مْ َأْبوَا بَ كُلّ شَيْءٍ َحتّى إِذَا َفرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَ ْذنَاهُ مْ َب ْغَتةً فَإِذَا‬
‫{فََلمّا نَ سُوا مَا ذُكّرُوا بِ هِ َفتَ ْ‬
‫هُ ْم ُمبْلِسُونَ (‪[ })44‬سورة النعام ‪ ]6/44‬إل‪.‬‬
‫وهكذا يعمل الدين ‪ -‬ككل شئ ف حياة البشر ‪ -‬من خلل النفوس الت تمله بقدر إقبالا عليه أو‬
‫إدبارها عنه‪ .‬بقدر التزامها بقتضياته أو عدم التزامها با‪ .‬ولكن يبقى الفرق بينه وبي أى " منهج " آخر‬
‫للحياة‪ :‬إنه هو ف ذاته هو النهج الصحيح وأن الثمرة الت تنشأ عنه تتفوق على أى ثرة أخرى تنشأ عن‬
‫أى منهج سواه‪ .‬فيظل هو النهج الذى ينبغى أن يتبع وتظل الناهج الخرى هى الناهج الت ل ينبغى أن‬
‫تت بع لن ا أردأ ثرة وأ سوا ما ل ف الدن يا والخرة‪ .‬ك ما ي ظل الفرق من ناح ية أخرى أن النفوس ال ت‬
‫تتشبع به سواء كانت نفوس أفراد أو نفوس أمة ‪ -‬مظنة أن تكون أبطأ فسادا حي تصيبها عوامل الفساد‬
‫من النفوس ال ت ل تقوم أصل على العقيدة لن ا أم ت منها بنيانا وأكثر منها تراب طا‪ .‬ويظل الفرق من‬
‫ناح ية ثال ثة أ نه ح ي تف سد النفوس ي ظل الد ين هو أن ع العلج ل نه هو العلج ال صحيح‪ ..‬و ف ج يع‬
‫الحوال ي ظل العول عل يه هو " النفوس " البشر ية‪ :‬هل تق بل أم تدبر؟ هل تع مل بقت ضى التكال يف أم‬
‫تتخلى عن التكاليف‪.‬‬
‫وإنه لما تسأل عنه هذه المة يوم القيامة‪ :‬كيف ضيعت دينها وهى الت أخرجها ال لتكون شاهدة‬
‫لذا الدين وشاهدة به على كل البشرية يوم القيامة؟ وكيف تلت عن التكاليف الت فرضها ال عليها‬
‫لتحقيق النهج الربان ف واقع الياة‪:‬‬
‫س َويَكُو نَ الرّ سُو ُل عََلْيكُ ْم َشهِيدا} [سورة‬
‫{وَكَذَلِ كَ َجعَ ْلنَاكُ مْ ُأ ّم ًة وَ سَطا ِلَتكُونُوا ُشهَدَا َء عَلَى النّا ِ‬
‫البقرة ‪]2/143‬‬
‫سأَلُونَ (‪[ })44‬سورة الزخرف ‪]43/44‬‬
‫ف تُ ْ‬
‫ك وَِل َق ْومِكَ َو َسوْ َ‬
‫{ َوِإنّهُ َلذِكْرٌ لَ َ‬
‫‪m m m‬‬

‫بدأ النراف مبكرا جدا ف حياة هذه المة‪ ..‬منذ العهد الموى‪.‬‬
‫وليـس هنـا مال التأريـخ لذه المـة ول مال التأريـخ لطـ النراف‪ .‬إناـ نكتفـى برسـم الطوط‬
‫العريضة الت تبي لنا معال الطريق‪ .‬وكما أوجزنا الديث من قبل عن اليل التفرد فاكتفينا بتسجيل‬
‫أبرز السمات بالقدر الذى يعطينا فكرة مملة عن الصورة الصحيحة لتطبيق هذا الدين فكذلك نوجز‬
‫الد يث عن خط النراف بالقدر الذى يعين نا على معر فة ال سباب ال ت أردت بناء إل الوا قع الذى‬
‫نعيشه اليوم‪ ..‬ذلك أن هدفنا الرئيس ليس الدراسة الفصلة للتاريخ السلمى إنا هدفنا أن نرسم صورة‬
‫واضحة العال لواقعنا العاصر بأبعاده الرئيسية وانرافتها الرئيسية لنحدد على ضوئها طريق اللص‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫بدأ النراف كما قلنا منذ العهد الموى‪ .‬ولكنه كان ف معظمه هبوطا عن الذروة العليا أكثر ما‬
‫كان انرافا عن الادة‪ .‬وإن كان الذى يعيش ف جو الذروة ويستنشق أريه العذب يس ف صدره‬
‫ضيقا وحرجا من ذلك البوط‪.‬‬
‫كانت هناك مفارقة واضحة ول شك عن خط اللفة الراشدة واتاه بالياة ف مموعها والانب‬
‫السياسى منها خاصة إل وجهة جديدة غي ما اعتاده الناس ف عهد النبوة وخلفة الراشدين‪ .‬ولكن المر‬
‫ف النهاية كان ف داخل الدائرة مع شئ من الشذوذ عنها ف هذا الوضوع أو ذاك‪.‬‬
‫أول تغي فاجأ الناس هو النتقال من اللفة إل اللك‪.‬‬
‫وحقي قة إ نه ل يو جد نص يلزم الناس ب صورة معي نة من ال كم ‪ -‬خل فة أو مل كا (‪ -)1‬إن ا يلتزم‬
‫الا كم خلي فة أو مل كا أو سلطانا بتنف يذ شري عة ال وي صبح من ث حاك ما شرع يا له على الناس حق‬
‫ال سمع والطا عة ك ما بي نت آيات ال وأحاد يث ر سوله‪ e‬وك ما ب ي اللي فة الول ر ضى ال ع نه‪" :‬‬
‫أطيعون ما أطعت ال فيكم فإن عصيت ال ورسوله فل طاعة ل عليكم "‪.‬‬
‫ول كن النظام الذى اهتدى إل يه ال سلمون ف ع هد الذروة كان بل شك أعدل وأقوم ل نه ل ي صر‬
‫السلمي ف بيت معي إنا يتيح لم فرصة أوسع لختيار من يرونه أصلح الناس لمامتهم‪.‬‬
‫ول كن الناس على أى حال قد ارتضوا هذا التغي ي وإن كان قد فاجأ هم أول ال مر على أ ساس أن‬
‫ال ستقرار الذى يتي حه النظام الد يد أقرب إل تق يق ال صلحة من النظام الذى جر إل اللف والفر قة‬
‫وإن كان ف ذاته أعدل وأقوم‪.‬‬
‫وليس هنا مال وقفة طويلة أمام هذه النقطة لن تصرف المويي كما قلنا ل يالف نصا صريا من‬
‫نصوص السلم‪ .‬ولكننا نقول إن هناك منعطفا تارييا هنا كان له سببه ف حياة الجتمع السلمى ف‬
‫ذلك ال ي‪ .‬ف قد انت شر ال سلم ف سنوات قليلة ف رق عة وا سعة من الرض ول ت كن تلك الموع‬

‫‪ )( 1‬عند هذه النقطة يزيغ كثي من الزائغي فيقولون إنه ليس ف السلم نظام للحكم! ويبرون بذلك تفلتهم من إقامة "الكم السلمي" الذي أمر به ال‪ ,‬والذي يعرفون جيدا ف‬
‫دخلية أنفسهم أنه غي النظم الستوردة الت يسعون إل تطبيقها! ث يلتبس المر علي كثي من الخدوعي‪ ,‬بسبب الغزو الفكري من ناحية‪ ,‬والعبد الطويل عن النظام الذي تكمه‬
‫شريعة السلم من جهة أخري‪ ,‬فيصدقون هذه الفرية عن دين ال‪ ,‬ويتصورونه عقيدة وشعائر تعبدية فحسب‪ ,‬أو مموعة مواعظ خلقية لتهذيب الضمي‪ ,‬ل علقة لا باليمنة علي‬
‫واقع الياة السياسي والقتصادي والجتماعي‪ ...‬تاما كما كان الدين الكنسي الوروب الحرف! والذي ينبغي أن نعل بالنا إليه أن شكل الكم ف النظم البشرية له أهية بالغة لن‬
‫"م صدر ال سلطة" يتلف ف كل ش كل من ها عن ال خر‪ ,‬ويتلف بالتال أ سلوب التشر يع ووجه نه‪ .‬فتختلف اللك ية ال ستبدة عن اللك ية القيدة‪ ,‬وتتلف المهور ية عن اللك ية‪,‬‬
‫والدكتاتورية عن الديقراطية‪ ...‬وهكذا‪ .‬ام ف السلم فمصدر السلطة واحد ل يتغي مهما تنوعت صورة الكم؟ ذلك أن الاكمية ف السلم ليست للبشر‪ ,‬إنا هي ل‪ .‬وحيث ل‬
‫يوجد نص فالفقهاء يتهدون‪ ,‬ولكن اجتهادهم مقيد ف النهاية بقاصد الشريعة‪ ,‬وبنصوصها العامة‪ ,‬ومن ث فالتشريع مكوم ف النهاية بكتاب ال وسنة رسوله‪{ :‬فَإِ نْ َتنَازَ ْعتُ مْ فِي‬
‫شَ ْيءٍ َف ُردّو ُه إِلَى اللّ ِه وَالرّسُو ِل ِإنْ كُنتُمْ ُتؤْ ِمنُونَ بِاللّ ِه وَاْلَيوْمِ ال ِخرِ} [سورة النساء ‪.]4/59‬‬
‫وصحيح أن المة السلمية ‪ -‬ف وضعها الصحيح ‪ -‬هي الت تتار ول المر ببيعة حرة‪ .‬ولكن هذا الختيار الر ‪ -‬وحده ‪ -‬ل يعطي الاكم الشرعية‪ .‬إنا الذي يعطيه الشرعية هو الكم‬
‫با أنزل ال‪ .‬فإن توفر له الختيار الر من جانب المة ول يتحقق منه الكم با أنزل ال ل يكن حكمه حكما إسلميا‪ .‬ومن ث فإنه إذا ركز علم السياسة الغرب تركيزا كبيا علي‬
‫شكل الكم‪ ,‬للختلف البيّن الذي يترتب عليه ف تديد "مصدر السلطة" فإن علم السياسة السلمي يركز بشدة علي "الكم با أنزل ال" لنه هو الذي يعطي الشرعية للسلطة‪.‬‬
‫وكل حكومة تكم با أنزل ال فهي حكومة شرعيية بصرف النظر عن "الشكل" الذي تقوم عليه‪ .‬وإن كانت التجربة التاريية تقرر أن اللفة الراشدة هي النظام المثل‪ ,‬لنا هي‬
‫الكمل تطبيقا لشرييعة ال‪.‬‬
‫الغفية الت دخلت ف دين ال أفواجا قد أتيح لا من التربية السلمية ما أتيح للجيل الذى رباه رسول‬
‫ال‪ e‬على عينه و من ث ل يكن يتو قع أن تسي الياة على ذات الستوى الرف يع الذى سارت عليه ف‬
‫الع هد الول ف أى مال من مال ته و ف ال سياسة ب صفة خا صة لن انتظام ال سياسة على ال ستوى‬
‫العلى ليس مسألة الاكم وحده إنا هو مسألة الجتمع كله ومدى رقابته على أعمال الاكم ورده إياه‬
‫إل الق الربان وعدم الرضا منه بخالفة ما أنزل ال‪ .‬وذلك يتاج إل مثل تلك التربية العالية الت كان‬
‫عليها اليل الول رضوان ال عليه ويتاج كذلك إل ترسيخ القواعد السياسية حت تصبح عرفا ملزما‬
‫يه تز ضم ي الناس إذا خولف‪ .‬و قد كان امتداد الل فة الراشدة فترة أطول كفيل بتر سيح تلك القوا عد‬
‫وتر سية ذلك العرف ول كن قدر ال أن تعا جل ال مة بفت نة م قل عثمان ر ضى ال ع نه بتدب ي العداء‬
‫الكائد ين من الدا خل من اليهود وغي هم و ما تل ها من فت نة اللف الذى أدى إل القتال ب ي على‬
‫ومعاوية وامتناع كثي من الصحابة رضى ال عنهم من الوض ف الفتنة خوفا من توسيع شقة اللف‬
‫ث رضا هم ب عد مق تل على كرم ال وج هه بالتغي ي الذى أحد ثه المويون رجاء ا ستقرار حال ال سلمي‬
‫ودرء الفتنة عن حياتم ما دام ل يالف نصا صريا من نصوص السلم‪.‬‬
‫وأيا كان المر فقد انلت الغاشية عن أمرين اثني أثرا ف حياة المة تأثيا بالغا على امتداد الزمن‬
‫وإن كان ف أول العهد ظهرا طبيعيي جدا بإزاء الظروف السياسية القائمة يومئذ‪:‬‬
‫المر الول‪ :‬هو استقرار اللك الوراثى بدل من اللفة‪.‬‬
‫والثا ن‪ :‬هو التخلى التدري ى من مموع ال مة عن مراق بة أعمال الكام وان صرافها التدري ى إل‬
‫أمورها الاصة!‬
‫فأما ال مر الول فلي ست فيه ك ما قل نا مالفة ل نص صريح من ن صوص ال سلم‪ .‬ول ي كن ليحدث‬
‫ضررا ف الياة السياسية السلمية ول ف الياة العامة لو حافظت المة على مراقبتها لعمال الاكم‬
‫وقيامها بالمر بالعروف والنهى عن النكر كما أمرها ال ورسوله فإن العبة كما بينا بتنفيذ شريعة ال‬
‫ل بشكل الكم الذى ينفذ شريعة ال‪:‬‬
‫ف َوَيْن َهوْ َن عَ ْن الْمُنكَ ِر َوُيقِيمُونَ الصّلةَ‬
‫ضهُمْ َأوْلِيَا ُء َبعْضٍ َي ْأمُرُونَ بِالْ َمعْرُو ِ‬
‫{وَالْ ُم ْؤمِنُونَ وَالْ ُم ْؤ ِمنَاتُ َب ْع ُ‬
‫َوُي ْؤتُونَ الزّكَاةَ َويُطِيعُونَ اللّ َه وَ َرسُولَهُ‪[ }.....‬سورة التوبة ‪]9/71‬‬
‫" والذى نفسى بيده لتأطرنم على الق أطرا ولتقصرنم عليه قصرا " (‪.)1‬‬
‫ول كن ال طر كل ال طر جاء من اقتران المر ين م عا ف حياة ال سلمي م نذ الع هد الموى‪ .‬اللك‬

‫() رواه أبو داود والنرمذي‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫العضوض كما ساه الرسول‪ e‬من جهة (‪ ،)2‬وقعود المة عن مراقبة حكامها من جهة أخرى‪.‬‬
‫وأما قعود المة عن المر بالعروف والنهى عن النكر وف الجال السياسى ‪ ،‬فربا كان بعضه اقتداء‬
‫خاطئا بو قف ال صحابة رضوان ال علي هم من الفت نة ‪ ،‬و هو مو قف طبيعى بالن سبة ‪ ،‬ل م ‪ ،‬ولك نه ل يس‬
‫قدوة يقتدى به ف أمور مال فة تا ما لل مر الذى واجه هم ووقفوا م نه هذا الو قف‪ .‬ف قد كان سبب‬
‫موقفهم هو الوف من توسيع شقة اللف ‪ ،‬أى الوف من إحداث مفسدة‪ .‬أما ف موقف المة من‬
‫حكامها الذن استتب لم المر ‪ ،‬فالفسدة كانت هى السكوت عن نصحهم ومراقبتهم وماولة ردهم‬
‫إل الق!‬
‫ول كن ال سبب ال كب ف هذا القعود ‪ ،‬والذى ت قع ال سئولية ف يه على الموي ي أنف سهم ‪ ،‬هو ع نف‬
‫معاملة الموي ي ل صومهم ال سياسيي ‪ ،‬م ا أر هب الناس ن معار ضة أى أ مر يهمون به ‪ ،‬وق ضى على‬
‫القواعد السياسية الت كانت جارية ف عهد اللفة الراشدة قبل أن تتأصل وتترسخ ‪ ،‬وتصبح عرفا ملزما‬
‫للحاكم والحكوم على السواء‪.‬‬
‫وأيا كانت العاذير الت احتج با المويون لتبير ذلك العنف الذى سلكوا طريقه ‪ ،‬فقد كان هذا من‬
‫البدايات الطية لط النراف الذى زاد اتساعا على الزمن وزاد بعدا عن الطريق السوى الذى سلكه‬
‫اللفاء الراشدون رضوا ال عليهم‪.‬‬
‫أمر ثالث بدأ فيه المويون انرافا آخر ف خط سي المة السلمة ‪ ،‬هو البحبحة ف أموال بيت الال‬
‫على غي النسق الذى سار عليه اللفاء الراشدون‪.‬‬
‫لا تول عمر رضى ال عنه فرض له السلمون دارهم من بيت الال يقوت با عياله ‪ ،‬فلما استطاعت‬
‫زوجته رضى ال عنها أن توفر له من القوت اليومى الضئيل ما تصنع له به فطية ف ناية السبوع ‪ ،‬قال‬
‫لا‪ :‬ما دمت استطعت توفيها فهى زيادة! رديها إل بيت الال!‬
‫وقد كان هذا ناشئا عن حساسية ف ضمي عمر رضى ال عنه رباها فيه السلم ‪ ،‬خشية أن يكون‬
‫قد مس درها واحدا من أموال السلمي بغي حقه ‪ ،‬وكانت هذه الساسية نوذجا من العاجيب الت‬
‫صنعها ال سلم ف ضم ي ذل ال يل الفر يد‪ .‬وكا نت تطو عا نبيل ل يفر ضه ال على الناس فر ضا ‪ ،‬إن ا‬
‫حببهم ف الصعود‪ ،‬فصعدوا إل أعلى الفاق‪ .‬والبوط عن هذا الستوى الشاهق الذى ل يقدر عليه إل‬
‫الصفوة إل الستوى العادى الذى فرضه ال فرضا على عباده أمر ل يستغرب ‪ ،‬ول يستنكر ‪ ،‬بل يمد‬
‫الناس إذا التزموه ول يهبطوا عنه ‪ ،‬لنه هو الد الذى علم ال أن تستقيم به الياة البشرية ف عمومها ‪،‬‬

‫() قال ‪" : e‬اللفة بعدي ثلثون عاما ث يأت اللك العضوض" أورده اليثمي ف ممع الزوائد (‪ )7/269‬وقال‪ :‬رواه الطبان ورجاله رجال الصحيح‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫ومن شاء بعد ذلك أن يرتفع فله عند ال أجر السحني‪.‬‬
‫ولكن الذى حدث على يد المويي ل يكن مرد البوط عن الستوى الشاهق إل الستوى العادى ‪،‬‬
‫بل وقعت منهم مالفات لا أمر ال به ف توزيع الصدقات‪:‬‬
‫ب وَاْلغَا ِرمِيَ وَفِي‬
‫ي وَاْلعَامِلِيَ عََليْهَا وَالْ ُمؤَّل َفةِ قُلُوُبهُ مْ وَفِي الرّقَا ِ‬
‫{ِإنّمَا ال صّدَقَاتُ لِ ْل ُفقَرَاءِ وَالْمَ سَاكِ ِ‬
‫سبِيلِ َفرِيضَ ًة مِنْ اللّ ِه وَاللّ ُه عَلِيمٌ َحكِيمٌ (‪[ })60‬سورة التوبة ‪]9/60‬‬ ‫َسبِيلِ اللّ ِه َواِبْنِ ال ّ‬
‫لقـد تبحبـح المويون فأخرجوا مـن بيـت الال عطايـا وهدايـا يؤلفون باـ القلوب لمـ ولكمهـم‬
‫ولدولتهم‪...‬‬
‫وأقصى ما يكن أن يقال ف ماولة تبير هذا المر أنم تأولوا فأخطأوا ‪ ،‬فاعتبوا تأليف القلوب لم‬
‫داخل ف مصارف بي الال لنم هم دولة السلم ‪ ،‬وتثبيتهم تثبيت للسلم ف النهاية‪.‬‬
‫وهو تأول بعيد حت لو صح أنم قصدوه على هذا النحو ‪ ،‬لن الؤلفة قلوبم يعطون ليدخلوا ف دين‬
‫ال ل ليدخلوا ف الولء لاكم من الكام‪.‬‬
‫ولو جاز للموييـ أن يتألفوا القلوب لدولتهـم ولكمهـم ‪ ،‬ويرضوا نفوس العارضيـ لمـ ‪ ،‬فمـن‬
‫أموالم الاصة ‪ ،‬وكان لديهم مال وفي يلكون به شراء من أرادوا شراءه من العارضي‪ .‬أما أن يتحببوا‬
‫إل الناس على ح ساب أ صحاب القوق ‪ ،‬فأ مر ل يوز ف عرف ال سلم‪ .‬فضل عن كو نه سنة سيئة‬
‫اتبعها من بعدهم ‪ ،‬وزاد حجمها وأهداف استخدامها سوءا مع مرور اليام‪.‬‬
‫وأمر رابع ‪ ،‬ربا ل يكن ف نظر المويي انرافا ‪ ،‬وربا ل يثر اعتراض أحد من السلمي يومئذ ‪ ،‬هو‬
‫الرص على " عرو بة " الدولة إزاء الفرس ب صفة خا صة ‪ ،‬بع ن إبعاد الفرس ال سلمي عن تقلد منا صب‬
‫الدولة ‪ ،‬والضغط الستمر عليهم لشعارهم أنم دون العرب‪.‬‬
‫ورب ا رأى المويون ال بر لذا الت صرف واض حا أمام أعين هم‪ .‬ف قد كان الفرس من ق بل ينظرون إل‬
‫العرب نظرة احتقار وازدراء ‪ ،‬مبعث ها أن م دولة ذات عرا قة تاري ية وهيلمان ‪ ،‬بين ما العرب هم أولئك‬
‫الفاة الفاة التخلفون ب كل مقياس من مقاي يس " الضارة " الاد ية ال ت و صل في ها الفرس إل در جة‬
‫الفراط‪.‬‬
‫فلما جاء السلم تغيت العايي والقاييس كلها ‪ ،‬وذهب ربعى بن عامر مستعليا باليان ‪ ،‬يدوس‬
‫أبسطتهم بأقدام حاره ‪ ،‬وينظر إليهم نظرة الؤمن إل الاهلية ‪ ،‬ويدعوهم إل الدخول ف السلم دعوة‬
‫الستيقن أنه هو العلى وهو الدنون‪.‬‬
‫ث دار القتال العنيف الرهيب بي أولئك الفاة الفاة الذين تغيوا بي عشية وضحاها فصاروا " خي‬
‫أ مة أخر جت للناس " وب ي الفرس أ صحاب القدرة الرب ية الائلة واليوش الضخ مة والتقال يد العري قة‬
‫والسلطات التليد‪ .‬فلم تثبت هذه كلها أمام قوة الق وقوة اليان الت انطلقت با العصبة الؤمنة ‪ ،‬تدل‬
‫حصون الاهلية دكا وتسويها بتراب الرض ‪ ،‬وتشيد ف مكانا صرحا من نوع آخر ‪ ،‬أساه ل إله إل‬
‫ال ‪ ،‬ممد رسول ال‪.‬‬
‫ودخل الفرس ف دين ال بعد هزيتهم الربية الت ما كانوا يتوقعونا على يد العرب بالذات ‪ ،‬وبعد‬
‫زوال اللك الم تد الذور ف التار يخ ‪ ،‬الذى ل تغ نه جذوره العمي قة ف معر كة ال ق ‪ ،‬فانار كأن ا ف‬
‫لظات‪.‬‬
‫ولكن اليل الول ول شك كان ينطوى على ضغينة هائلة للعرب الفاتي ‪ ،‬حت وإن كان قد دخل‬
‫ف السلم‪ .‬فلو أن الفرس غلبوا أمام الروم ‪ ،‬فهما ندان يتصارعان ‪ ،‬ول بأس على أحدها أن يتلقى من‬
‫ال خر لط مة قو ية ‪ ،‬فإ نه ي ن نف سه أ نه سيعود فيتغلب عل يه ف الولة القاد مة! أ ما العرب‪ !..‬وأ ما هذا‬
‫الكتساح الذى أزل كل شئ كأن ل يكن له وجود من قبل! فهذه ل يكن هينا على الفرس أن يبتلعوها‬
‫ف اليل الول ‪ ،‬الذى شهد أماد العز وذلك النكسار‪.‬‬
‫ومن هنا قال المويون لنفسهم حي تولوا الكم إنه لبد من كبت هؤلء حت ل يرفعوا رءوسهم‬
‫من جديد! ومن هنا كان حرصهم على " عروبة الدولة " بعن عدم السماح للفرس أن يتسللوا إليها من‬
‫أى سبيل‪.‬‬
‫وما نستطيع أن نكم الن وقد انطوت تلك الصفحات العديدة من التاريخ ‪ ،‬هل كان دافع المويي‬
‫خال صا ل فظ د ين اله من أن يت سلل الاقدون إل يه فيف سدوه ‪ ،‬أم كان هذا ال مر ف أنف سهم متل طا "‬
‫بالعروبة "‪ ..‬لبعناها الشائه الذى وجد ف العصر الديث بطبيعة الال ف صورة القومية العربية الكافرة‬
‫النسلخة من الدين ‪ ،‬لكن بعن أن العرب هم حلة هذه الرسالة ‪ ،‬وهم الذين ينبغى أن تكون لم اليمنة‬
‫على شئونا لتحفظ على صورتا القة بغي تريف‪.‬‬
‫وأيا ما كان المر فإن الفرس على يد المويي ل يسوا بالتطبيق الق لقوله تعال‪:‬‬
‫{فَِإ ْن تَابُوا َوأَقَامُوا الصّل َة وَآَتوْا الزّكَاةَ فَإِ ْخوَانُكُمْ فِي الدّينِ} [سورة التوبة ‪]9/11‬‬
‫ولئن كان اليل الول كان ينطوى على القد والضغينة ‪ ،‬فإن أحسب أن الجيال التالية لو وجدت‬
‫الروح السلمية القة ‪ ،‬روح الخوة البذولة من الؤمني لخوانم ‪ ،‬لزوال ما كان ف قلوب آبائهم من‬
‫ضعن ‪ ،‬ولخلصوا دينهم ل ‪ ،‬ول يرثوا هذا الضغن ويافظوا عليه ‪ ،‬ويسعوا إل الفساد من الداخل ‪،‬‬
‫كما فعل الذين نطلق عليهم اسم " الشعوبيي " الذين قاموا " بالنقلب " العباسى ضد الدولة الموية ‪،‬‬
‫وهو انقلب فارسى ف القيقة وإن كان الكم قدظل للعرب فترة من الوقت ف الظاهر على القل ث‬
‫نشروا سومهم الشعوبية من داخل الدولة كما فعل ابن القفع ‪ ،‬أ نشروا الفسق والفجور ف الجتمع كما‬
‫فعل بشار وأبو نواس‪.‬‬
‫لقد كانت " الشعوبية " الفارسية هى رد الفعل للكبت الذى زاوله المويون على الفرس ‪ ،‬حت وإن‬
‫يكن بسن نية ‪ ،‬وحرصا خالصا على السلم!‬
‫‪m m m‬‬

‫ث جاء العباسيون‪..‬‬
‫ل ييئوا بطبيعة الال ليعيدوا عهد اللفاء الراشدين!‬
‫إنا جاءوا ليكبوا الط النحرف الذى بدأه المويون ث يزيدوا ف النراف ‪ ،‬كما هى السنة الربانية‬
‫ح ي تق عد ال مة ف مموع ها عن ال مر بالعروف والن هى عن الن كر ‪ ،‬وأ طر الكام على ال ق أطرا‬
‫وأصرهم عليه أصرا‪..‬‬
‫ل قد كان ح جم النراف على ع هد الموييـ مدودا على أى حال ‪ ،‬وإن بدا مسـما غليظـا حيـ‬
‫يقاس بعهد الذروة الذى يبدو بانبه كل شئ قزما حي يقاس إليه!‬
‫لقد بقى لجموع المة ‪ -‬ودع عنك الكام ‪ -‬صدق إيانا ‪ ،‬وجدية الخذ من الكتاب والسنة ‪،‬‬
‫وصدق الهاد ف سبيل ال‪ .‬وبقى لا تقق معن المة ‪ ،‬وبقيت‪ .‬ف مموعها تتعامل بأخلقيات ل إله‬
‫إل ال ‪ ،‬وب قى ل ا وفاء ها بالواث يق‪ ..‬و ف العموم بق يت روح ال سلم هى ال سارية ف ال مة ‪ ،‬ال سائدة‬
‫في ها ‪ ،‬وإن كان قد غشي ها من انراف الكام غاش ية ف ب عض معا ن ال سلم ‪ ،‬فلم ت عد ترى العدل‬
‫الربا ن يتح قق ك ما كان يتح قق أيام ال يل التفرد ‪ ،‬ب سبب ظلم الكام ‪ ،‬ول ت عد من جانب ها حري صة‬
‫على مراقبـة حكامهـا كمـا كان يفعـل ذلك اليـل ‪ ،‬على الرغـم مـن أن حكامـه كانوا يقومون براقبـة‬
‫أنفسهم قبل أن تراقبهم رعيتهم!‬
‫واتسعت الفتوح السلمية حت دق السلمون أبواب القسطنطينة ‪ ،‬وامتد السلم إل الند شرقا وإل‬
‫الشمال الفري قى غر با ‪ ،‬وقو يت دولة ال سلم ح ت أ صبحت قوة يرهب ها أعداء ها ويعملون ل ا ألف‬
‫حساب‪ ..‬وغلب الي على الشر ف ذلك الجتمع‪ ،‬وبقيت مظال الكام ومالفاتم مصورة ف دائرتم ‪،‬‬
‫بينما ينعم الجتمع ف مموعه بنعم السلم ‪ ،‬وبالمن والطمأنينة والستقرار ‪ ،‬الذى تولدت عنه الركة‬
‫العلمية والركة الضارية كما أسلفنا من قبل‪.‬‬
‫فأ ما على ع هد العبا سيي ف قد بق يت النرافات المو ية كل ها ‪ ،‬وزادت حدت ا ‪ ،‬ث أض يف إلي ها‬
‫انرافات من نوع جديد‪.‬‬
‫فأما اللك الوراثى العضوض فقد بقى ‪ ،‬مع إضافة مزيد من الروج على الط السوى ‪ ،‬فلئن كان‬
‫الموي ي قد حر صوا من أ جل ت ثبيت دولت هم وتكين ها أن يتاروا من بين هم أ صلحهم وأقدر هم ‪ ،‬فإن‬
‫العباسيي جعلوه وراثيها بتا‪ ،‬يتولونه بالدور ‪ ،‬ولو جاء الدور على صب ف العاشرة أو الثانية عشرة! ما‬
‫أ ثر على قوة الدولة ذات ا ب صرف الن ظر عن العا ن ال سلمية ف مال ال سياسة فضل ع ما جرى من‬
‫الؤامرات الرهي بة من أ جل ول ية الع هد أو من أ جل تول اللك ‪ ،‬م ا تقش عر له البدان! وفضل عن‬
‫اضطرار الكام بعد ضعف سلطانم إل العتماد على غيهم والترك بصفة خاصة ‪ ،‬ما أدى إل تسلط‬
‫هؤلء ‪ ،‬وإفساد كل القيم السياسية السلمية على الطلق!‬
‫وأ ما الع نف ف معاملة ال صوم ال سياسيي ‪ ،‬الذ ين بدأه المويون ‪ ،‬ف قد تزايدت حد ته ‪ ،‬وتول إل‬
‫مذابح بشعة ل يتصور صدورها عن مسلمي!‬
‫وأما البحبحة ف بيت الال ‪ ،‬الت بدأها المويون كذلك ‪ ،‬فقد وصلت بعد زيادة الموال ف العهد‬
‫العباسـى مـن الزكاة والراج والوارد الخرى إل صـورة ل تطـر على البال‪ .‬فلئن كان المويون قـد‬
‫أعطوا العارض ي لي سكتوهم وي ستميلوهم إلي هم ‪ ،‬ويشتروا ود من يدون ف ك سبه إل صفهم تأييدا‬
‫ل سلطانم‪ ..‬فقد كان الليفة العباسى ل يد حرجا ف صدره أن ييئه شاعر من‪ :‬الداحي الذ ين قال‬
‫عنهم رسول ال‪" :e‬إذا رأيتهم الداحي فاحثوا ف وجوههم التراب" (‪ )1‬فيأمر له لقاء أبيات ف مدحه‬
‫بائة ألف من بيت مال السلمي!‬
‫أ ما " الماه ي " ال ت ثارت ذات يوم على عثمان ر ضى ال ع نه من أ جل مالفات ضئيلة تأول في ها‬
‫عثمان بغي منهج الشيخي من قبله ‪ ،‬فقد صارت ترى هذا العبث الاجن ببيت مال السلمي ول ترك‬
‫ساكنا له ‪ ،‬كأن المر ل يصها على الطلق!‬
‫فإذا كانت هذه النرافات الت بدأت أيام المويي ‪ ،‬وبقيت وزادت حدتا على يد العباسيي ‪ ،‬فق‬
‫أضيفت إليها بكم عوامل جديدة انرافات أخرى خطية أودت بالكم العباسى ف النهاية ‪ ،‬وما زالت‬
‫آثارها أو أثار منها سارية ف جسم المة حت هذه اللحظة ‪ ،‬تنتظر من يبئها منها حت تستطيع أن تبعث‬
‫من جديد‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫() أخرجه مسلم‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫ظهرت فتنة " الفرق "‪.‬‬
‫ولئن كان الوارج قد ظهروا من ق بل ف ع هد على ر ضى ال ع نه وا ستمروا ف الع هد الموى ‪،‬‬
‫وظ هر الرجئة رد ف عل لظهور الوارج ‪ ،‬وكان أ مر هؤلء وهؤلء منبع ثا من فت نة م قت لعثمان والقتال‬
‫الذى دار ب ي على ومعاو ية ‪ ،‬ف قد تف شت الفرق تفش يا ذر يا ف الع صر العبا سى ‪ ،‬وكا نت ل ا منا بع‬
‫خارجية ف هذه الرة إل جانب النابع الداخلية‪.‬‬
‫لقد نشطت الركة العلمية ف العصر العباسى ‪ ،‬ونشطت معها حركة الترجة ن الغريقية واللتينية ‪،‬‬
‫وكان فيها الكثي النافع الذى تتاج إليه المة بالفعل ‪ ،‬ولكن السلمي اندعواف لون من الفكر حسبوه‬
‫نافعا لم فنقلوه إل العربية فكان منه شر كثي ‪ ،‬أل وهو الفلسفة الغريقية‪.‬‬
‫ل قد كا نت تلك الفل سفة فكرا جاهل يا ر غم كل إشراقا ته و كل تليا ته‪ .‬و ما كان ينب غى لذا الف كر‬
‫الاهلى بال مـن الحوال أن يتزج بالسـلم ‪ ،‬ذلك النور الربانـ الالص الذى يشرق بذاتـه ‪ ،‬مـن‬
‫مصدريه الصيلي الصافيي ‪ ،‬كتاب ال وسنة رسوله‪ ، e‬والذى عاش على إشراقته ذلك اليل التفرد‬
‫فكان كما كان‪.‬‬
‫وأسوأ ما ف ذلك الفكر هو عقلنيته التجريدية الت تول كل شئ إل فكرة مردة باردة ل حياة فيها‬
‫ول حركة ‪ ،‬فضل عن تضخيم دور العقل حت يصبح هو الكم الخي ف كل أمر من المور (‪.)1‬‬
‫وقد أصاب هذا الفكر السيحية فأنشأ فيها ما يسمى " اللهوت " وهو ماولة عقيمة للتوفيق بي‬
‫خزغبلت الكني سة العقد ية من التثل يث ‪ ،‬والبنوة الزعو مة ل سبحانه وتعال ‪ ،‬وفكرة الطيئة البد ية ‪،‬‬
‫والصلب والفداء‪ ..‬إل ‪ ،‬وبي الفلسفة الغريقية‪.‬‬
‫ولئن كان الن صارى ف ماولت هم لضفاء العقلن ية على تلك الزعبلت ال ت ل ي ستسيغها الع قل قد‬
‫لئوا إل الفل سفة الغريق ية لعل ها تعني هم ‪ ،‬فتخبطوا ‪ ،‬وفشلوا ‪ ،‬و ظل لهوت م ي مل ذات اللط الذى‬
‫تمله مقررات الجا مع " القد سة " ‪ ،‬ف ما كان ال سلمون ف حا جة إل م ثل هذا ال سلوك ‪ ،‬و هم الذ ين‬
‫يملون النور الصاف من منابعه الصافية الستغنية بذاتا عن كل مدد من خارجها ليس من طبيعتها‪.‬‬
‫ولكن الفتنة بالفلسفة من جهة ‪ ،‬وفتح اللفاء العباسيي الجال من جهة أخرى للمناظرة بي علماء‬
‫السلمي وبي اليهود والنصارى ف أمر السلم ‪ ،‬جعل " الثقفي " ف ذلك العصر يتجهون إل الفلسفة‬
‫الغريقية لتعينهم ف هذا الدل ‪ ،‬حت أصبحت هى " الودة " الفكرية للعصر كله‪.‬‬
‫ومن لوثة الفلسفة الغريقية والعقلنية الغريقية نشأت فرق كثية وتبطات كثية ف فكر السلمي‪.‬‬

‫() انظر إن شئت فصل "العقلنية" من كتاب "مذاهب فكرية معاصرة"‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫ويذ كر الناس العتزلة نوذ جا للغزو الفكرى الغري قي ف ف كر ال سلمي ‪ ،‬ح يث جعلوا الع قل هو‬
‫الحكم ف الوحى ‪ ،‬وجعلوه هو الرجع الخي ف كل أمر من المور حت العقيدة‪.‬‬
‫ولكـن العتزلة ل يكونوا وحدهـم الذيـن تأثروا بالعقلنيـة الغريقيـة وانرفوا باـ عـن عقيدة اللم‬
‫ال صحيحة ‪ ،‬ف كل الذ ين خاضوا ف قضا يا ال صفات من " التكل مة " و ف قضا يا القضاء والقدر وال ب‬
‫والختيار‪ ..‬كان اعتماد هم ف " الكلم " الذى قالوه ‪ ،‬على تلك العقلن ية ال ت تع طى الع قل أ كب من‬
‫حجمه القيقى ‪ ،‬وتعله هو الرجع وهو ال كم ف كل قضايا الوجود ‪ ،‬فانزلقوا إل تصورات ل هى‬
‫إسلمية صافية ‪ ،‬ول كانت العقيدة السلمية الواضحة البسيطة السمحة ف حاجة إل شئ منها ‪ ،‬ول‬
‫هى قدمت أى خدمة لتلك العقيدة ‪ ،‬بل حولتها من تصور صاف ووجدان هى وسلوك عملى يقصد به‬
‫مرضاة ال ‪ ،‬إل قضايا ذهن ية تريد ية باردة ‪ ،‬ل تز يد اليان إن ل تبعث على إثارة الشكوك والشبهات‬
‫الناقضة لليان ‪ ،‬ول ترك الوجدان ‪ ،‬ول تؤدى إل سلوك واقعى ‪ ،‬لن من شأن العقلنيات أن تبدأ ف‬
‫الذهن وتنتهى ف الذهن ‪ ،‬وتد تقيق غايتها ف ذلك الهد الذى يبذله الذهن ‪ ،‬دون أن ترج من هذه‬
‫الدائرة الغل قة إل الوا قع ال ى عن طر يق الوجدان وال سلوك‪ .‬وورث العال ال سلمى ‪ -‬مع ال سف ‪-‬‬
‫ذلك التراث الغريقى ‪ -‬وأن لبس ثوبا إسلميا ‪ -‬على أنه " العقيدة السلمية " أو على أنه " الدراسة‬
‫العلمية للعقيدة السلمية " كأن أصحاب رسول ال‪ e‬ل يكونوا " هم " أصحاب هذه العقيدة وأكثر‬
‫الناس فه ما ل ا وقربا من حقيقت ها‪ ..‬دون ا حا جة إل هذه العاظلت الذهن ية الباردة ال سخيفة‪ .‬و ما زال‬
‫هذا التراث الغريقى ف ثوبه السلمى الزيف هو الذى انقدم من خلله العقيدة السلمية للدارسي ف‬
‫كل معاهدنا السلمية من الحيط إل الحيط!‬
‫وهذا كل فضل عن " الفرق الباطن ية " ال ت انتشرت ف الع صر العبا سى ب صفة خا صة ‪ ،‬ومدت ل ا‬
‫جذورا فـ الرض السـلمية ‪ ،‬وكونـت دول أو دويلت ‪ ،‬وشغلت السـلمي بحاربتهـم ومطاردتمـ‬
‫بضعة قرون ‪ ،‬وكانت ف جلتها ذات صلة خفية باليهود الندسي ف العال السلمى‪ ..‬تتظاهر بالسلم‬
‫وهى تعمل ف واقع المر لتقويض السلم ‪ ،‬وتترك شيئا من معتقداتا ف كل مرة ف أذهان العوام!‬
‫‪m m m‬‬

‫ول تكن هذه وحدها جناية الفرق‪...‬‬


‫فلئن كانت القضايا الذهنية التجريدية هى مشغلة " الثقفي " الذين أغوتم الفلسفة الغريقية فصنعوا‬
‫با " لهوتا " إسلميا كما صنع النصارى من قبل ف لهوتم السيحى‪ ..‬فإن الفكر الرجائى بميع‬
‫شعبـه وألوانـه كان على امتداد اللزمـن أشـد خطرا على العقيدة السـلمية والياة السـلمية مـن كـل‬
‫معاظلت الفلسفة الت دخلت ف دراسة العقيدة‪.‬‬
‫القول بأن اليان هو الت صديق ‪ ،‬أو هو الت صديق والقرار على أح سن الفروض وإخراج الع مل من‬
‫مسمى اليان ‪ ،‬كان من أخطر الزالق الت أدخلتها الفرق على تلك العقيدة الصافية ومفهومها الصحيح‪.‬‬
‫وإذا كان هذا النراف الطي ف فهم عقيدة التوحيد ل يؤثر لتوه ف الياة السلمية ‪ ،‬لن الدفعة‬
‫اليوية الائلة الت أطلقها السلم ف واقع الياة كانت ما تزال تتدفق ف صورة " عمل " واقعى بقتضى‬
‫هذه العقيدة ‪ ،‬فإنه تدرييا مع اليل البشرى الطبيعى إل التلفت من التكاليف ‪ ،‬حديث تقاعس مستمر‬
‫عن الع مل بقتضى هذا الد ين ‪ ،‬اكتفاء بأن حقيقة اليان م ستقرة ف القلب ‪ ،‬مادام الن سان قد صدق‬
‫وأقر بأنه ل إله إل ال! وأنه ما دامت هذه القيقة مستقرة ف القلب فقد" ت " اليان الطلوب ‪ ،‬ول يعد‬
‫يضر مع اليان شئ!‬
‫إن إخراج العمل من مسمى اليان ف هذا الدين الذى نزل لينشئ " واقعا " معينا تكمه شريعة ال‬
‫ومنهجحه للحياة ‪ ،‬أمر مذهل ف مرد تصوره ‪ ،‬فضل عن أن يصدر عن " علماء " معتبين ف تاريخ‬
‫هذه المة!‬
‫ك يف يت صور أ مر هذا الد ين ح ي يكون ت صديقا بالقلب وإقرارا بالل سان ‪ ،‬دون ع مل بقت ضى هذا‬
‫التصديق والقرار ف واقع الياة؟!‬
‫ألذا أنزل ال دي نه وأرس ر سوله‪e‬؟! لجرد أن ي صدق الناس بقلوب م ويقروا بأل سنتهم ‪ ،‬ث يتركوا‬
‫واقع الياة تكمه الاهلية الت ل تصدق بقلبها ول تقر بلسانا؟!‬
‫وي كف يغيون ذلك الواق عى الاهلى بغ ي " ع مل " واق عى إيا ب ملموس مشهود ‪ ،‬تكون نتيج ته‬
‫إزالة الباطـل بقعائده الفاسـدة ‪ ،‬ونظمـه الابطـة التـ تعبـد الناس لغيـ ال ‪ ،‬وأناط سـلوكه الختلة التـ‬
‫تبتدع ها شياط ي ال نس وال ن ف كل جاهل ية ‪ ،‬وإنشاء النظام الربا ن بدل م نه ‪ ،‬بعقائده ال صحيحة ‪،‬‬
‫ونظامه القوي الؤسس على شريعة ال ‪ ،‬وأناط سلوكه الستمدة من أخلقيات ل إله إل ال ‪ ،‬الحكومة‬
‫بيزان ال؟!‬
‫ـ الدائبـة‬
‫ثـ كيـف يافظون على النظام الربانـ ‪ ،‬بعـد إنشائه مـن عدوان الاهليـة الدائم ‪ ،‬وماولته ا‬
‫لنقض النظام الربان ‪ ،‬وإقامة حكم الطواغيت بدل منه ‪ ،‬بوسائلها الدائمة الت تستخدمها ‪ ،‬من عدوان‬
‫باليوش ‪ ،‬وعدوان بالفكار الباطلة والعتقدات ‪ ،‬وعدوان بالنظمة الت ل تكم با أنزل ال ‪ ،‬وعدوان‬
‫بالناط البتدعة من السلوك؟!‬
‫كل ذل يتم بجرد التصديق بالقلب والقرار باللسان؟!‬
‫يا لا من مهزلة مذهلة حي تلصق بالسلم!!‬
‫وكيف يستقيم هذا مع قوله تعال‪:‬‬
‫ج َز بِ ِه وَل يَجِدْ لَ ُه مِ نْ دُو نِ اللّ ِه وَِليّا وَل‬‫{َليْ سَ ِبَأمَاِنّيكُ ْم وَل َأمَانِيّ َأهْ ِل الْ ِكتَا بِ مَ ْن َيعْمَلْ سُوءا يُ ْ‬
‫جّنةَ وَل‬
‫ت مِن ْـ ذَكَرٍ َأوْ أُنثَى َو ُهوَ ُم ْؤمِ نٌ َفُأوَْلئِ كَ يَ ْدخُلُونَـ الْ َ‬
‫نَ صِيا (‪َ )123‬ومَ ْن َيعْمَ ْل مِن ْـ ال صّالِحَا ِ‬
‫يُ ْظلَمُونَ َنقِيا (‪[ })124‬سورة النساء ‪]124-4/123‬‬
‫بل كيف يستقيم مع تعاليم القرآن كلها من مبدئها إل منتهاها ‪ ،‬الت توجه الناس للعتقاد الصحيح‪،‬‬
‫والعمل بقتضى ذلك العتقاد الصحيح؟!‬
‫ومن أين إذن جاء الصحابة رضوان ال عليهم ومن تبعهم بإحسان بذه " المارسة " الائلة لذا الدين‬
‫ف عال الوا قع ‪ ،‬وهى على ما يقول الف كر الرجائى خار جة من م سمى اليان ‪ ،‬لن ا كلها " ع مل "‬
‫بالوارح وبالنان؟! هلى قاموا با تطوعا زائدا من عند أنفسهم ل يكلفهم به ال؟! أم قاموا با لنا هى‬
‫حقيقة هذا الدين ‪ ،‬الذى ل تقوم له بغيها حقيقة ف واقع الرض ول عند ال؟!‬
‫ث خذ الواقع البشرى نفسه ‪ ،‬وظواهر النفس النسانية كما خلقها ال‪.‬‬
‫أيكن أن يكون ف النفس السوية إيان بشئ ‪ ،‬ث ل يكون ف واقع حياتا شئ يدل على هذا اليان؟‬
‫إل أن يكون إن سان قد أ صيب " بانف صام الشخ صية " و هى حالة غ ي سوية ‪ ،‬ت سقط عن صاحب‬
‫التكاليف‪.‬‬
‫حقي قة إ نه ي كن أن يكون هناك إيان ‪ ،‬وي صاحبه ع مل منا قض لقت ضى ذلك اليان ‪ ،‬نتي جة ض غط‬
‫الدوافع النفسية الت قال عنها ال سبحانه وتعال إنا شهوات مزينة للناس‪:‬‬
‫خيْ ِل‬
‫ض ِة وَالْ َ‬
‫ش َهوَاتِـ مِن ْـ النّسـَا ِء وَاْلَبنِيَ وَالْ َقنَاطِ ِي الْ ُم َقنْطَ َر ِة مِن ْـ ال ّذهَبِـ وَالْ ِف ّ‬
‫{ ُزيّنَـلِلنّاسِـ حُبّ ال ّ‬
‫حيَاةِ ال ّدنْيَا وَاللّ هُ عِنْدَ هُ حُس ْـ ُن الْمَآ بِ (‪[ })14‬سـورة آل‬ ‫حرْثِـ ذَلِكَـ َمتَاعُـ الْ َ‬ ‫س ّو َمةِ وَا َلنْعَا مِ وَالْ َ‬
‫الْمُ َ‬
‫‪.]3/14‬‬
‫ولكن هذا المر ل يتم بل سبب وبل دللة!‬
‫فأما سببه كما بينا فهو هذا الضغط الواقع على نفس النسان من دوافعه الركبة فيه‪.‬‬
‫وأما دللته فهو أن اليان ل يكن من القوة بيث يقف لذه الدوافع ويتغلب على دفتها الادة‪.‬‬
‫وه نا تدث الع صية ال ت ل تنت قى أ صل اليان ‪ ،‬ولكنها تدث ف غي بة مؤق تة عن تأث ي هذا اليان‬
‫كما وصفها الرسول‪ " :e‬ل يزن الزان حي يزن وهو مؤمن ‪ ،‬ول يسرق السارق حي يسرق وهو‬
‫مؤمن‪.)1( " ..‬‬
‫ومن هنا يكون هناك ارتباط وثيق بي قوة اليان وضعفه ‪ ،‬وبي العمل الذى يقوم به النسان ف أى‬
‫ل ظة من لظا ته‪ :‬أ هو طا عة أم مع صية؟ وأى در جة من درجات الطا عة ‪ ،‬وأى در جة من درجات‬
‫العصية؟‬
‫ويلص لنا من هذا كله حقيقتان‪:‬‬
‫أن العمل مرتبط باليان‪.‬‬
‫وأن اليان يزيد وينقص‪ .‬يزيد بالطاعات وينقص بالعاصى (ينتفى تاما إذا خالطه الشرك الكب)‪.‬‬
‫وتلك هى القيقة ‪ -‬النفسية والدينية ‪ -‬الت عبث با الفكر الرجائى حي اخرج العمل من مسمى‬
‫اليان ‪ ،‬واعتب اليان هو مرد التصديق ‪ ،‬أو هو التصديق والقرار ف أحسن الحوال (‪.)2‬‬
‫وما من شك أن هذا الفكر كان ف مبدئه عدوى من الفلسفة والنطق البعيدين عن روح هذا الدين‪.‬‬
‫وأنه كان عند " علماء " الرجئة الوائل مرد " أفكار " تريدية تدور ف " البراج العاجية " ول تتصل‬
‫بالواقع! فقد كانوا هم أنفسهم من التقياء الفضلء العالي بقتضى بذا الدين ف واقع حياتم ‪ ،‬فل هم‬
‫تقاع سوا عن الع مل ول دعوا إل التقا عس ع نه‪ .‬بل إن م ح ي كانوا يكتبون ف الف قه ‪ ،‬كانوا يكتبون‬
‫بوعى كامل أن هذا الدين اعتقاد وعمل ل ينفصلن‪ .‬ولكنها لوثة الفلسفة والنطق والبراج العاجية الت‬
‫يدث فيها ما يدث من اللل والنراف والضطراب‪.‬‬
‫ولكن خطورة هذا الفكر تزايدت مع امتداد الزمن ‪ ،‬وبدء التفلت من التكاليف‪..‬‬
‫إن التفلت من التكاليف كما أشرنا من قبل أمر بشرى طبيعى‪:‬‬
‫سيَ وََل ْم نَجِدْ لَ ُه عَزْما (‪[ })115‬سورة طـه ‪]20/115‬‬
‫{وََلقَ ْد َعهِ ْدنَا إِلَى آ َد َم مِنْ َقبْلُ َفنَ ِ‬
‫وهذا الرض البشرى له علج ربان مذكور ف كتاب ال‪:‬‬
‫{وَذَكّرْ فَِإنّ الذّ ْكرَى تَنفَ ُع الْ ُم ْؤ ِمنِيَ (‪[ })55‬سورة الذاريات ‪]51/55‬‬
‫والتذكي الشار إليه ف الية ليس هو التذكي بأصل اليان فالية صرية وصفى الطلوب تذكيهم‬
‫بأنم مؤمن إنا يكون التذكي للعمل بقتضى اليان ‪ ،‬لنه هو الذى يغفل الناس عنه بفعل ثقلة الشهوات‬
‫الركبة ف النفوس ‪ ،‬فإذا ت التذكي لنه هو الذى يغفل الناس عنه بفعل ثقلة الشهوات الركبة ف النفوس‬
‫‪ ،‬فإذا ت التذكي استقام المر ‪ ،‬وعاد اليان إل وضعه السوى‪ :‬اعتقاد ف القلب وعمل ف واقع الياة‪.‬‬
‫() سبقت الشارة إليه‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() انظر إن شئت فصل "مفهوم ل إله إل ال" من كتاب "مفاهيم ينبغي أن تصحح"‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫ولكن بدل من أن يدث التذكي ‪ ،‬جاء الفكر الرجائى ليبت على لظة الغفلة ‪ ،‬ويطمئن الغافلي‬
‫أنم مؤمنون ‪ ،‬ما دامت قلوبم مستقرا فيها اليان!‬
‫وعلى امتداد الزمن زادت الساحة الت يغطيها الفكر الرجائى! فحي كان العمل مثل يغطى تسعي‬
‫ف الائة من الساحة ‪ ،‬كان الفكر الرجائى يغطى العشرة ف الائة الت انسر عنها العمل! فلما انسر‬
‫العمل خسي ف الائة غطى الفكر الرجائى المسي! فلما انسر العمل كلية غطى الفكر الرجائى‬
‫الساحة كلها ‪ ،‬وجاء ف العصر الخي من يقول‪ " :‬من قال ل إله إل ال فهو مؤمن ‪ ،‬ولو ل يعمل عمل‬
‫واحدا من أعمال السلم "!!‬
‫وكان هذا ف العصر الخي خاصة من أشد البليا الت ابتلى با السلم!‬
‫‪m m m‬‬

‫و من أ شد انرافات الع صر العبا سى كذلك ‪ ،‬الترف الذى أ صاب الياة بتأث ي الال التد فق من كل‬
‫اتاه‪.‬‬
‫كان الترف قـد بدأ يظهـر فـ أواخـر العصـر الموى ‪ ،‬ولكنـه كان مـا يزال مدود الصـورة مدود‬
‫النطاق‪ .‬وكان سببه بدء تد فق الال ف أيدى الناس مع البوط التدري ى عن م ستوى الذروة الذى كان‬
‫عليه الصحابة رضوان ال عليهم‪..‬‬
‫لقد جاء مال على عهد عمر رضى ال عنه كان يعتب بالقياس إل ذلك الوقت شيئا خياليا ل يتصور!‬
‫جاء عامل عمر على البحرين يسلم مال الراج والناس ف صلة الغرب ‪ ،‬فقال له عمر‪ :‬كم معك؟‬
‫قال خ سمائة ألف! قال‪ :‬تدرى كم خ سمائة ألف؟! قال‪ :‬ن عم! مائة ألف ومائة ألف ومائة ألف ومائة‬
‫ألف! قال‪ :‬اذهب فأنت ناعس! وائتن ف الصباح! فلما جاءه ف الصباح وعلم منه أنما خسمائة ألف‬
‫حقي قة صعد ال نب فقال‪ :‬أي ها الناس! ل قد ك ثر الال! فإن شئ تم وز نا ل كم وز نا ‪ ،‬وإن شئ تم كلن ل كم‬
‫كيل!‬
‫ولكن هذا الال ذا القدار " الراف " بالقياس إل وقته ل يفسد ال سلمي وهم على مقربة من عهد‬
‫ر سول ال‪ ، e‬وول أمر هم وقائد هم ع مر ر ضى ال ع نه ‪ ،‬الذى يرد إل ب يت الال ث ن الفطية ال ت‬
‫أفضلتها زوجته رضى ال عنها من القوت الضئيل الذى يعيش عليه هو وعياله‪ .‬كا أن عمر رضى ال عنه‬
‫حبس رءوس الصحابة رضوان ال عليهم عن الروج إل البلدان للتجارة ‪ ،‬وأبقاهم إل جواره وليعاونوه‬
‫ف الهمة الت انتدب لا وهى إقامة حكم ال ف الناس‪.‬‬
‫أما ف أواخر العهد الموى ‪ ،‬وأما ف العصر العباسى بصورة خاصة ‪ ،‬فقد كان الال مفسدا إل حد‬
‫التلف (‪.)1‬‬
‫فأما السرة الاكمة فقد كان لا " مصصات " من بيت الال ينفقون منها ما ينفقون على مستوى‬
‫البذخ البالغ ف يه ‪ ،‬و مع ذلك يف ضل من ها ما يد عو إل إنشاء " ب يت الال الاص "! تترا كم ف يه الموال‬
‫عاما بعد عام!‬
‫وكان الوزراء من أموال م الاصة وما ي هب ل م اللفاء والمراء يعيشون ف ذات ال و الباذخ الذى‬
‫تعيـش فيـه السـرة الاكمـة ‪ ،‬وكانـت ثروات التجار خرفيـة حقـا بالقياس إل ثراء العال كله فـ ذلك‬
‫ال ي ‪ ،‬إذ كا نت التجارة العال ية ف وقت ها ف أيدي هم من أق صى الشرق إل أق صى الغرب ‪ ،‬وتك فى‬
‫رحلت السندباد وإن تكن أسطورة لعطاء صورة عن عال التجار ف ذلك الي (‪.)2‬‬
‫وهكذا امتلت اليوب وفاضت بالنقود ‪ ،‬بينما القلوب تغفو ‪ ،‬واليدى ترخى قبضتها من حبل ال‬
‫التي ‪ ،‬لذلك انتشر الترف الفسد الذى تروى عنه كتب الدب وكتب التاريخ‪.‬‬
‫خذ هذا النموذج من الترف ف الشرق السلمى‪:‬‬
‫" كان العبا سيون يعنون عنا ية فائ قة بفلت الزواج‪ .‬ويتجلى إ سراف خلفاء الع صر العبا سى الول‬
‫وبذ خه م ا فعله الهدى ع ند زواج اب نه هارون (الرش يد) بال سيدة زبيدة‪ .‬ف قد أقام يوم زفاف ها ولي مة ل‬
‫ي سبقه إلي ها أ حد ف ال سلم ‪ ،‬وو هب للناس ف هذا اليوم أوا ن الذ هب ملوءة بالف ضة وأوا ن الف ضة‬
‫ملوءة بالذهب والسك والعنب ‪ ،‬وزينها بكثي من اللى والواهر ‪ ،‬حت إنا ل تقدر على الشى لكثرة‬
‫ما عليها من هذه اللى والواهر "‪.‬‬
‫" ويقول الشابشتــ إن الأمون أمهــر بوران ‪( 100.000‬مائة ألف) دينار و ‪50.000.000‬‬
‫(خ سي ألف ألف) در هم أى أك ثر من ن سف مليون دينار ‪ ،‬وأ نه أو قد ب ي يد يه ف تلك الليلة ثلث‬
‫شعات عنب ‪ ،‬وكثر دخانا فقالت زبيدة‪ :‬إن فيما ظهر من السرف الكفاية ‪ ،‬ارفعوا هذا الشمع العنب‬
‫وهاتوا الشمع‪ .‬ولا جليت بوران على الأمون نثر عليها حبارا كان ف كمه ‪ ،‬فوقع على حصي منسوج‬
‫من الذهب فقال‪ :‬ل در السحن ابن هان ‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫حصباء در على أرض من الذهب‬ ‫كأن صغرى وكبى من فواقعها‬
‫" وامت نع من كان حاضرا أن يلت قط شيئا ‪ ،‬فقال الأمون ‪ ،‬أ كر من ها ‪ ،‬فمدت زبيدة يد ها فأخذت‬
‫ح بة ‪ ،‬فالت قط البا قى من كان حاضرا‪ .‬ك ما ذ كر الشابش ت‪ :‬أن نفقات الزواج بل غت من مال اللي فة‬
‫() وشبيه به ما حدث ف الندلس كذلك‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() شخصية السندباد أسطورية وكذلك رحلته‪ ,‬ولكنها ترمز إل واقع كان قائما بالفعل‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫الهدى ‪ 1.388.000‬دينار عدا مبلغ كبي أنفقه الرشيد نفسه‪.‬‬
‫" وقد أكدت السيدة زبيدة لب عبد ال الأمون ‪ ،‬وكان أخا المي ابن السيدة زبيدة من أبيه الرشيد‬
‫كما نعلم ‪ ،‬أن نفقات هذا الزواج كانت تتراوح بي خسة وثلثي مليون درهم وسبعة وثلثي مليون‬
‫درهم‪.‬‬
‫" وقد فاق الأمون أباه الرش يد ف كر مه وإ سرافه ‪ ،‬يدلنا على ذلك ما أنفقه على زوا جه من بوران‬
‫بنت السن بن سهل ‪ ،‬ويقول الطبى إن الأمون أمر للحسن بن سهل وهو ف طريقه إل بوران بعشرة‬
‫ملي ي من الدرا هم ‪ ،‬ومن حه خراج إقل يم فم ال صلح‪ .‬ويقول ا بن خلكان إ نه أعطاه خراج إقل يم فارس‬
‫والهواز سنة واحدة‪.‬‬
‫" وقد وصف السعودى إسراف السن بن سهل وبذخه ف هذا الزواج فقال‪:‬‬
‫ونثر السن ف ذلك من الموال مات ل ينثره ول يفعله ملك قط ف جاهلية ول ف إسلم ‪ ،‬وذلك‬
‫أنه نثر على الاشيي والقواد والكتاب بنادق مسك فيها رقاع بأساء ضياع وأساء جوار وصفات دواب‬
‫وغ ي ذلك‪ .‬فكا نت البند قة إذا وق عت ف يد الر جل فتح ها فقرأ ما ف يه في جد على قدر إقباله و سعوده‬
‫في ها ‪ ،‬فيم ضى إل الوك يل الذى ن صب لذلك ‪ ،‬فيقول له ضي عة يقال ل ا فل نة الفلن ية ‪ ،‬من ط سوح‬
‫كذا ‪ ،‬من رستاق كذا ‪ ،‬وجارية يقال لا فلنة الفلنية ‪ ،‬ودابة صفاتا كذا‪ .‬ث نثر بعد ذلك على سائر‬
‫الناس الدناني والدراهم ونوافح السك وبيض العنب ‪ ،‬وأنفق على الأمون وقواده ‪ ،‬وعلى جيع أصحابه‬
‫و من كان م عه من جنوده أيام مقا مه عنده ‪ ،‬وعلى الكار ين والمال ي واللح ي ‪ ،‬و كل من ض مه‬
‫العسكر من تابع ومتبوع مرتزق وغيه‪.)1( " ..‬‬
‫وخذا هذا النموذج أيضـا مـن أيام العباسـيي ‪ ،‬عنـد زواج قطـر الندى بنـت خارويـة مـن الليفـة‬
‫العتضد‪:‬‬
‫" وقد استطاع خاروية با هيأه له بيت مال مصر أن يبذل الموال الضخمة بذل من ل يشى فقرا‬
‫ول يهاب عوزا ‪ ،‬ف قد ذ كر ا بن دقماق أ نه " ح ل مع ها ما ل ير مثله ول سع به إل ف وق ته " وذ كر‬
‫القريزى (خطط جـ ‪ 1‬ص ‪ " :)319‬أنه ل يبق خطية ول طرفة من كل لون وجنس إل حله معها "‬
‫فمن هذا الهاز دكة من أربع قطع من الذهب عليها قبة من ذهب مشبك ‪ ،‬ف كل عي من التشبيط‬
‫قرط معلق فيه حبة من الواهر ل يعرف لا قيمة ‪ ،‬ومائة هون من الذهب لدق الطيب ‪ ،‬وألف تكة ثن‬
‫الواحدة منها عشرة دناني‪ .‬وقد أمر خارويه بعد أن فرغ من الهاز بأن يبن على رأس كل مرحلة قصر‬

‫() عن كتاب "تاريخ السلم السياسي والدين والثقاف والجتماعي" للدكتور حسن إبراهيم حسن‪ .‬ج ‪ 2‬ص‪ ,443-442 :‬الطبعة السابعة ‪.1964‬‬
‫‪1‬‬
‫أشبه بالنل أو مكان الستراحة تنل فيه وهى ف طريقها إل بغداد‪ .‬وأعدت هذه القصور بكل ما تتاج‬
‫إليه ‪ ،‬فكانت ف سفرها تتمتع هذا العرس فلم نقف عليه ف مصدر من الصادر الت رجعنا إليها‪ .‬وقد‬
‫ذكر ابن خلكان (جـ ‪ 1‬ص ‪ )174‬أن صداقها كان مليون درهم‪ .‬وليس هذا بالشئ الكثي بانب ما‬
‫أنفق على تهيزها ‪ ،‬إذا علمنا أن ابن الصاص الوهرى الذى عهد إليه بإعداد الهاز نال جائزته وهى‬
‫أربعمائة ألف دينار بقيت بعد إعداد كل ما تتاج إليه العروس "‪.‬‬
‫وهذا النموذج من الندلس‪:‬‬
‫" ومن قصور المويي ف الندلس القصر الذى بناه الأمون بن ذى النون بطليطلة ‪ ،‬وقد انفق على‬
‫بنائه أموال ضخ مة ‪ ،‬وج عل ف و سطه بية ف و سطها ق بة من زجاج ملون منقوش ‪ ،‬وجلب الاء إل‬
‫القبة بيث كان ينل من أعلها وييط با من كل جوانبها ‪ ،‬فكانت قبة الزجاج ف غللة ما سكب‬
‫خلف الزجاج ل يف تر من الرى ‪ ،‬والأمون قا عد في ها ل ي سه من الاء شئ ول ي صله ‪ ،‬وتو قد في ها‬
‫الشموع فيى لذلك منظر بديع عجيب‪.)1( "..‬‬
‫تلك مرد ناذج سريعة من الترف وال سرف ف حياة العبا سيي ف الشرق والموي ي ف الندلس ‪،‬‬
‫وغيها كثي كثي‪ ..‬ما أصاب الناس بالترهل والستغراق ف متاع الرض‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫وبدأت " الضارة " تنحرف عن مفاهيمها السلمية‪..‬‬


‫ح قا ل قد أبد عت هذه الضارة ف الشرق العبا سى والغرب الموى ( ف الندلس) بدائع العمارة ما‬
‫تزال آثار من ها باق ية ح ت اليوم ‪ ،‬تش هد بالبا عة الفائ قة ‪ ،‬والتقدم ف الند سة والتكنولوج يا وغي ها من‬
‫العلوم ‪ ،‬ولكـن جنوحهـا إل الترف ‪ ،‬وشغلهـا الناس بالياة الدنيـا عـن الخرة ‪ ،‬وبالتاع السـى عـن‬
‫مقتضيات الهاد ف سبيل ال‪.‬‬
‫ل يكن يسي مع روح السلم ‪ ،‬إنا كان انرافا أدى إل نتائجه التمية بعد فترة من الزمان (‪.)2‬‬
‫ولقد صاحب هذا الترف ‪ -‬وكان جزءا منه ‪ -‬فتنتان أخريان ‪ ،‬إحدها هى كثرة الوارى ‪ ،‬والثانية‬
‫هى الوارى الغنيات اللواتى ملن قصور اللفاء والمراء والوزراء والغنياء من التجار‪..‬‬

‫() الرجع السابق ج ‪ 3‬ص ‪.458-457‬‬


‫‪1‬‬
‫() ليس معن هذا بطبيعة الال أن كل مالت الضارة قد انرفت أو أنا انرفت دفعة واحدة‪ ,‬فقد بقي خي كثي ‪ -‬كما سيجئ ‪ -‬لنه ظل متفظا بالقيم السلمية‪ ,‬ولكن ‪ -‬ف‬
‫‪2‬‬
‫النهاية ‪ -‬حي غلب النراف علي الصل وقع النيار التمي حسب سنة ال‪.‬‬
‫لقد تدفقت الوارى على العال السلمى بكم الروب القائمة بينه وبي أعدائه ‪ ،‬وأصبحن تارة‬
‫رائ جة ف ال سواق‪ .‬و مع صلمة ال صل ف وجود هن ‪ ،‬فإن روح الترف ال ت سادت الجت مع جعلت‬
‫وجودهن يضيف إل الترف ترفا وإل الفساد فسادا‪ .‬وأصبحت فتنتهن كفتة الال‪.‬‬
‫وأخ طر ما كان من أمر هن على أى حال هو الدور ال بيث الذى لعب ته ف ق صور اللفاء والمراء‬
‫والوزراء ‪ ،‬ففضل عـن روح " اللهـو " التـ سـادت هذه القصـور وجودهـن ‪ ،‬وشغلت أصـحابا عـن‬
‫جديات المور ومعاليهـا ‪ ،‬فقـد كان بينهـم يهوديات ونصـرانيات ينطويـن على حقـد خـبيث على‬
‫السلم ‪ ،‬وينطلقن من هذا القد وهن ف داخل القصور إل أثار الفت والؤامرات والدسائس الت تشغل‬
‫الكام بشكلتم الاصة عن سياسة الرعية ومسئوليات الكم الكبى الت ينبغى أن يشغل نفسه با‬
‫كل قائم بالكم ‪ ،‬فضل عن الاكم السلم الذى يطبق شريعة ال!‬
‫وفـ جـو الترف العام ‪ ،‬وفـ وجود الوارى بأعداد وفية ‪ ،‬وجدت الظاهرة الكثـر إفسـادا وأكثـر‬
‫تلهية وهى الت أطلق عليها ف تاريخ الدب ظاهرة " الوارى الغنيات " وكانت فتنة منطقية ف وجودها‬
‫وف آثارها مع الو العام السائد ف ذلك الي‪ ..‬فما ام " الطرب " مباحا ف القصور ‪ ،‬والغناء جزء من‬
‫الطرب ‪ ،‬وإذا كان من أنثى فهو أكثر إطرابا ‪ ،‬فقد أصبحت هناك " صناعة " يتعيش منها ناس ف ذلك‬
‫الجتمع ‪ ،‬هى البحث عن الوارى ذوات الصوت الصال للغناء ‪ ،‬وتدريبهن عليه ‪ ،‬وتفيظهن ما يطربن‬
‫به الرجال ‪ ،‬ث بيع هن ‪ ،‬أو الحتفاظ ب ن ع ند مدرب ن لدارة حفلت الطرب ف بي ته أو ف ق صر من‬
‫قصور الترفي واللهي‪.‬‬
‫وي تد الطرب من العشاء إل ما ب عد منت صف الل يل مع الشراب أو بدو نه ‪ ،‬وغال با ما يكون م عه ‪،‬‬
‫ويتلهى الناس عن ذكر ربم وعن ذكر الهاد ف سبيل ال ‪ ،‬ويقومون الصباح إن قاموا يلمون بالزيد‬
‫من الطرب والزيد من الفلت‪.‬‬
‫وكان حتما بعد ذلك أن يدث النيار!‬
‫حقي قة أ نه ل يدث دف عة واحدة ‪ ،‬ف قد ا ستغرق أك ثر من قرن ي من الزمان ‪ ،‬وح ت ح ي انارت‬
‫الدولة فإن السلم ل يزل من الرض ‪ ،‬وذلك لعدة عوامل ينبغى أن توضع ف الساب‪.‬‬
‫لقد بدأ الفساد ف العاصمة بغداد ف قصور اللفاء والمراء أول ‪ ،‬ث ف قصور الغنياء عامة ‪ ،‬حت‬
‫أصبح " عملة سارية " ف العاصمة ل ينكره أغلب الناس سواء شاركوا فيه أم ل يكن لم فيه نصيب‪.‬‬
‫ول كن بق ية الرض ال سلمية ل ت كن متأثرة بذا الف ساد الحلى ف بادئ ال مر ‪ ،‬لن ا كا نت ما تزال‬
‫تارس السلم بالدية الت يقتضيها اليان بدين ال‪.‬‬
‫ث أخذ الفساد يتد من عاصمة اللفة إل عواصم القاليم بالعدوى‪ ..‬وتلك سنة ربانية تعل الفساد‬
‫" يظهر " ف الرض حي يتقاعس الناس عن المر بالعروف والنهى عن النكر ‪ ،‬وهو ماكان حادثا ف‬
‫الجتمع العباسى‪.‬‬
‫سَبتْ َأيْدِي النّا سِ ِليُذِي َقهُ مْ َبعْ ضَ الّذِي عَمِلُوا َلعَّلهُ ْم يَرْ ِجعُو نَ (‬
‫{ َظهَ َر اْلفَ سَادُ فِي اْلبَ ّر وَاْلبَحْ ِر بِمَا كَ َ‬
‫‪[ })41‬سورة الروم ‪]30/41‬‬
‫وحي ل يعون يظل الفساد ينتشر ويتأصل حت يدث النيار‪.‬‬
‫وقد ظل الفساد ف أكثر من ميدان ينتشر ويتأصل ‪ ،‬ويأكل كل حي قطاعا جديا من الجتمع حت‬
‫انارت الدولة العباسية على يد التتار ‪ ،‬كما انارت الندلس ف الغرب على يد الصليبيي‪.‬‬
‫ولكن " السلم " كان باقيا ما يزال‪..‬‬
‫كانـت جذوره العقيدة حيـة فـ النفوس‪ ..‬علهـا الرماد نعـم بتأثيـ العاصـى والبدع والنكرات ‪،‬‬
‫والن صراف عن ال د الوا جب ف أ خذ الد ين ‪ ،‬ولكن ها حية‪ .‬تنت ظر من ين فخ الرماد عنها لتشت عل من‬
‫جديد‪ ..‬فما إن جاء صلح الدين يقول للناس إنكم هزمتهم أمام الصليبيي لنكم ابتعدت عن ال ‪ ،‬ولن‬
‫تنصروا حت تعودوا إليه‪ ..‬وما أن جاء قطز يصيح صيحته الشهورة‪ :‬وإسلماه! حت اشتعلت الذوة من‬
‫جديد ‪ ،‬وانتصر السلمون على الصليبيي ف مصر والشام ‪ ،‬وكانت القمة " حطي " ‪ ،‬وانتصروا على‬
‫التتار فـ " عيـ جالوت " التـ كانـت بدء تول ضخـم فـ التاريـخ ‪ ،‬هـو دخول التتار أنفسـهم فـ‬
‫السلم ‪،‬وتولم فيما بعد إل جند من أصلب الدافعي عن السلم!‬
‫انارت " الولة " العبا سية لن ا كا نت أف سد من أن يقوم ها ال صلح ‪ ،‬ول كن " ال مة ال سلمية "‬
‫كانت ما تزال تزخر بي كثي على الرغم من كل عناصر الفساد الت تسربت خلل الكم العباسى ‪،‬‬
‫فكانت قمينة بأن تعيش عدة قرون أخرى وتثل جولة جديدة ف التاريخ‪.‬‬
‫وانارت " الدولة " ال سلمية ف الندلس ‪ ،‬وطرد ال سلمون بوحش ية بال غة ‪ ،‬وان حى ال سلم من‬
‫الوجود ف تلك البقعة من الرض بعد تعذيب وحشى قامت به ماكم التفتيش زهاء قرني كاملي من‬
‫الزمان‪ ..‬ولكن برزت إل الوجود ف مكان آخر دولة إسلمية جديدة فتية قوية بقيت مكن ف الرض‬
‫زهاء خسة قرون‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫ولكن قبل أن نتحدث عن دولة اللفة الثالثة با لا وما عليها ‪ ،‬ينبغى أن نذكر انرافا آخر حدث‬
‫ف الجت مع العبا سى ‪ ،‬و ظل باق يا ب عد انيار الدولة العبا سية ‪ ،‬بل إ نه تغل غل ف الدولة الديدة م نذ‬
‫مولد ها ‪ ،‬وكانـت له آثاره الطية ف حياة ال مة ال سلمية ح ت انارت تلك ال مة ذات ا ف الع صر‬
‫الخي‪.‬‬
‫ذلك هو الصوفية‪.‬‬
‫نشأت الصوفية رد فعل للترف الذى غشى الجتمع العباسى‪ ..‬فإن " التطهرين " من ذل الجتمع ‪،‬‬
‫الذ ين هال م الف ساد الذى ي سرى ف الجت مع من الترف والجون ‪ ،‬والن صراف عن ذ كر ال و عن‬
‫الخرة ‪ ،‬أردوا أن ينجوا بأنف سهم ‪ ،‬فجمعوا أطراف ثياب م وت سللوا من هذا الجت مع الفا سد ‪ ،‬لعيشوا‬
‫حياة نقية طاهرة‪ ..‬مع ال‪.‬‬
‫وبصرف النظر عما دخل ف الصوفية من أفكار ‪ ،‬ودفعات يهودية ونصرانية وجوسية وهندوكية‪..‬‬
‫ف ما ب نا أن نن كر أن دافع ها ال صلى كان هو اعتزال الف ساد ال سارى ف الجت مع ‪ ،‬واللوص إل ح يث‬
‫الطهارة والقاء‪.‬‬
‫ولكن الصوفية ذاتا نزعة منحرفة عن النهج السلمى الصحيح‪.‬‬
‫فلئن كان فيها نزوع إل تزكية الروح وهو من السلم ونزع إل الترفع عن متاع الرض وهو من‬
‫السلم ونزع إل ذكر الخرة وهو من السلم فإن فيها سلبية وانعزالية ليست من السلم ‪ ،‬وإهال‬
‫للحياة الدنيا ليس من السلم‪.‬‬
‫إن الصوفية ف حقيقتها عملية " هروب " من مواجهة الواقع ومالد ته ‪ ،‬هروب إل " عال خاص "‬
‫من صنع الوجدان ‪ ،‬ينعم فيه النسان " بشاعر " القرب من ال وها أو حقا فيقعد عن " العمل " اكتفاء‬
‫بتل الشاعر الت تتصر له الطريق!‬
‫إن " العمال " وسيلة للقرب من ال‪ .‬ولكن ما حاجة " الواصل " إل الوسيلة وقد وصل بالفعل؟!‬
‫كذلك يق عد ال صوفية عن الع مل والكدح ف وا قع الياة الدن يا ‪ ،‬ك ما يقعدون عن مالدة الوا قع‬
‫النحرف لرده إل سواء السبيل ‪ ،‬ويكتفون بتلك الشاعر الت تيل إليهم أنم قريبون من ال ‪ ،‬واصلون‬
‫إليه ‪ ،‬عائشون ف حضرته ‪ ،‬سابون ف نوره‪ ..‬فل يبتغون وراء ذلك شيئا لنه ليس وراء ذلك شئ!!‬
‫إنا مشاعر يكن بالفعل أن تستغرق حسن النسان فيغرق فيها ول يفيق‪.‬‬
‫ث إن التدريب الروحى يفتح للنسان عالا من العاجيب‪ .‬فكما أن التدريب السدى يعطى النسان‬
‫قوة وقدرة ‪ ،‬واستمتاعا بتلك القوة والقدرة ‪ ،‬وكما أن التدريب العقلى ينشط الذهن ويسكبه قدرة على‬
‫الستيعاب والفهم ‪ ،‬واستمتاعا بتلك القدرة كذلك ‪ ،‬فكذلك التدريب الروحى يعطى النسان شفافية‬
‫وإشراقا ‪ ،‬وإنسياحا وراء السدود والواجز السية إل عال فسيح ل تده حدود ‪ ،‬واستمتاعا بذلك كله‬
‫يغرى بالزيد!‬
‫ولكن السلم ل يقبل تلك " الغيبوبة "!‬
‫لقد جاء السلم " لهمة " معينة ف الرض‪.‬‬
‫س بِاْلقِ سْطِ} [ سورة الد يد‬
‫ت َوَأنْزَلْنَا َمعَهُ ْم اْل ِكتَا بَ وَالْمِيزَا نَ ِلَيقُو مَ النّا ُ‬
‫{َلقَدْ أَرْ سَ ْلنَا رُ سَُلنَا بِاْلَبيّنَا ِ‬
‫‪]57/25‬‬
‫وقيام الناس بالقسط ل يتأتى بجرد الرغبة ف ذلك ول بجرد التمن ‪ ،‬كما أنه ل يتم شئ ف حياة‬
‫النسان كلها بجرد الرغبة ول مرد التمن ‪ ،‬إنا لبد من جهد يبذل لتحقيق الرغبة ‪ ،‬وتويل المنية إل‬
‫واقع مسوس‪.‬‬
‫والسلمون بالذات هم الذين حلهم ال مسئولية " العمل " لخراج البشرية كلها من الظلمات إل‬
‫النور بقتضى الكتاب النل إليهم‪:‬‬
‫س مِنْ الظّلُمَاتِ إِلَى النّورِ} [سورة إبراهيم ‪]14/1‬‬
‫خرِجَ النّا َ‬
‫{الر ِكتَابٌ أَنزَْلنَاهُ إَِليْكَ ِلتُ ْ‬
‫س َويَكُو نَ الرّ سُو ُل عََلْيكُ ْم َشهِيدا} [سورة‬
‫{وَكَذَلِ كَ َجعَ ْلنَاكُ مْ ُأ ّم ًة وَ سَطا ِلَتكُونُوا ُشهَدَا َء عَلَى النّا ِ‬
‫البقرة ‪]2/143‬‬
‫َنـ الْ ُمنْكَرِ} [سـورة آل‬
‫ْنـ ع ْ‬
‫ُوفـ َوَيْن َهو َ‬
‫ُونـ بِالْ َمعْر ِ‬
‫خيْ ِر َوَي ْأمُر َ‬
‫ُونـ إِلَى الْ َ‬
‫ُمـ ُأ ّمةٌ يَ ْدع َ‬
‫ُنـ ِمنْك ْ‬
‫{وَْلتَك ْ‬
‫‪]3/104‬‬
‫ف َوَتْنهَوْ َن عَ نْ الْمُنكَ ِر َوُت ْؤمِنُو َن بِاللّ هِ} [سورة آل‬
‫س َتأْمُرُو نَ بِالْ َم ْعرُو ِ‬
‫{ ُكْنتُ مْ َخْيرَ ُأ ّمةٍ أُ ْخرِجَ تْ لِلنّا ِ‬
‫‪]3/110‬‬
‫وال مر بالعروف والن هى عن الن كر الذى هو خل صة حر كة الد ين ف وا قع الرض ج هد م سوس‬
‫يبذل ف واقع الياة ‪ ،‬وموقف إياب من كل شئون الياة‪.‬‬
‫وهنا مفرق الطريق بي الصوفية وبي السلم!‬
‫الصوفية انعزال سلب ‪ ،‬والسلم مواجهة إيابية‪.‬‬
‫ف اللم دعوى صرية إل الترفع عن متاع الرض‪:‬‬
‫خيْ ِل‬‫ض ِة وَالْ َ‬
‫ش َهوَاتِـ مِن ْـ النّسـَا ِء وَاْلَبنِيَ وَالْ َقنَاطِ ِي الْ ُم َقنْطَ َر ِة مِن ْـ ال ّذهَبِـ وَالْ ِف ّ‬
‫{ ُزيّنَـلِلنّاسِـ حُبّ ال ّ‬
‫خيْرٍ‬ ‫حيَاةِ ال ّدْنيَا وَاللّ هُ عِنْدَ هُ حُ سْ ُن الْمَآ بِ (‪ُ )14‬قلْ َأؤَُنّبئُكُ ْم بِ َ‬ ‫ع الْ َ‬
‫ك َمتَا ُ‬
‫حرْ ثِ ذَلِ َ‬ ‫س ّو َمةِ وَا َلنْعَا مِ وَالْ َ‬
‫الْمُ َ‬
‫حتِهَا الَْنهَارُ خَاِلدِي نَ فِيهَا خَالِدِي نَ فِيهَا َوأَ ْزوَا جٌ‬ ‫جرِي مِ ْن تَ ْ‬ ‫ت تَ ْ‬
‫مِ نْ ذَِلكُ مْ لِلّذِي َن اّت َقوْا ِعنْدَ َرّبهِ مْ َجنّا ٌ‬
‫ضوَا نٌ مِ نْ اللّ ِه وَاللّ ُه بَ صِيٌ بِالْ ِعبَادِ (‪ )15‬الّذِي َن َيقُولُو نَ َربّنَا ِإنّنَا آ َمنّ ا فَا ْغفِرْ لَنَا ُذنُوبَنَا وَقِنَا‬ ‫مُ َطهّ َرةٌ وَرِ ْ‬
‫ب النّارِ (‪[ })16‬سورة آل ‪]16-3/14‬‬
‫عَذَا َ‬
‫وف الصوفية كذلك دعوى إل الترفع عن متاع الرض والكتفاء منه بأقل القليل‪.‬‬
‫ولكن فيم تنفق الطاقة الائلة التجمعة ف النفس من مارسة هذا الترفع عن متاع الرض؟‬
‫ف السلم تنفق الطاقة ف تقيق " القيم العليا " ف دنيا الواقع ‪ ،‬وف الصوفية تنفق ف تقيق تلك‬
‫القيم ف سبحات الروح وإشراقات الوجدان!‬
‫إحداها تصلح الواقع بالفعل‪ .‬تصلح الفرد والجتمع ‪ ،‬وترفعهما من الواقع الدن التمثل ف الجال‬
‫السى الغليظ ‪ ،‬إل الواقع العلى الذى تنطلق فيه كل طاقات النسان‪ :‬جسده وعقله وروحه ‪ ،‬للقيام‬
‫بهمة اللفة ‪ ،‬وعمارة الرض بقتضى النهج الربان ‪ ،‬الت هى حقيقية " العباد " بعناها الشامل الواسع‬
‫‪ ،‬والت يتحقق بتحقيقها الكيان العلى للنسان‪.‬‬
‫والخرى تترك الواقع بكل ما فيه من سوء ‪ ،‬ل تتعرض لصلحه ‪ ،‬وتعزل عنه ف ماولة لصلح‬
‫الذات ‪ ،‬ماولة قد تنجح ف جانب من الوانب هو الانب الروحى ولكنها تفقد النسان توازنه الذى‬
‫خلقه ال عليه وخلقه له ‪ ،‬وتفقده واقعيته وإيابيته ‪ ،‬فضل عن صرفه عن القيام بالتكاليف الت فرضها‬
‫ال " ليقوم الناس بالقسط " وليخرج الناس من الظلمات إل النور‪.‬‬
‫أرأيت لو أن طاقة كامنة يكن با استثمار قطعة واسعة من الرض ‪ ،‬تنع منها حشائشها الضارة ‪،‬‬
‫وترثها وتسقيها ‪ ،‬وتستنبت فيها البقول والشجار ‪ ،‬والورود والزهار ‪ ،‬ليعيش من حصيلتها مموعة‬
‫من الناس وي ستمتعوا بطبيبات ا ‪ ،‬أنف قت ف حرث ر كن منعزل من الرض ‪ ،‬وترك سائرها لتنت شر ف يه‬
‫الشائش والشرات ويأوى إليه شذاذ الفاق‪.‬‬
‫أى تبديد للطاقة‪ ..‬وأى صرف للجهد عن الصلح؟!‬
‫ذلك مثل الصوفية ف تبديد الطاقة البشرية وإن ظنت أنا تمعها وتركزها!‬
‫ذلك مثلها ف صرف الهد عن إصلح الياة البشرية وإن ظنت أنا تقوم بالصلح‪.‬‬
‫ُسـحُونَ الّليْلَ وَالّنهَارَ ل‬
‫إن النسـان مهمـا فعـل لن يسـتطيع أن يعبـد ال على طريقـة اللئكـة‪{ :‬ي َبّ‬
‫َي ْفتُرُونَ (‪[ })20‬سورة النبياء ‪]21/20‬‬
‫وال من حكمته ورح ته ل يكلف الن سان أن يعبد ال على طريقة اللئكة ‪ ،‬وإل للقه ملكا م نذ‬
‫البدء ‪ ،‬نورا شفافا بل جسد طين ينع ‪ ،‬ول فكر ينشغل بأمور الياة‪.‬‬
‫ولكنه ‪ ،‬من حكمته ورحته ‪ ،‬وقد خلقه من قبضة من طي الرض ‪ ،‬ونفخة من روح ال ‪ ،‬وجعل‬
‫له جسدا يتحرك بالرغبة ‪ ،‬وعقل ينشغل بالتفكي ‪ ،‬وروحا طليقة ترفرف ‪ ،‬كلفه عبادة من نوع خاص‬
‫غي اللئكة من ناحية ‪ ،‬والعجماوات والمادات من ناحية أخرى‪ .‬عبادة يتمع فيها كيانه كله‪ :‬جسده‬
‫وعقله وروحه‪ .‬وجعل كل نشاط جسده عبادة ‪ ،‬وكل نشاط عقله عبادة ‪ ،‬وكل نشاط روحه عبادة ‪،‬‬
‫إذ توجه بذلك كله إل ال ‪ ،‬والتزم فيه با أنزل ال‪:‬‬
‫حيَاي َومَمَاتِي لِلّ هِ رَبّ الْعَالَمِيَ (‪ )162‬ل شَرِي كَ لَ هُ‪ [ }...‬سورة‬
‫{قُلْ إِنّ صَلتِي َونُ سُكِي َومَ ْ‬
‫النعام ‪]163-6/162‬‬
‫وحي يفعل ذلك فهو ف أعلى حالته ‪ ،‬وأقربا إل ال ‪ ،‬وأجدرها برضا ال‪.‬‬
‫ودليلنا هو أعبد عبد ل ‪ ،‬أعظم بشر خلقه ال ‪ ،‬ممد‪e‬‬
‫"أل أن أعبدكم ل ‪ ،‬ولكن أصوم وأفطر ‪ ،‬وأقوم وأنام ‪ ،‬وأتزوج النساء فمن رغب عن سنت فليس‬
‫من " (‪.)1‬‬
‫هل يستطيع بشر بعد هذا النص أن يزعم أنه أعبد له من ممد رسول ال؟!‬
‫فيكف كانت عبادته‪ e‬؟!‬
‫فأما خولته مع ربه ‪ ،‬فقد كانت يتعبد حت تتورم قدماه الشريفتان ‪ ،‬فتقول له عائشة رضى ال عنها‪:‬‬
‫هون عليك يا رسول ال فقد غفر لك ال ما تقدم من ذنبك وما تأخر‪ :‬فيقول‪ e‬قولة العابد الواصل ف‬
‫العبادة إل العماق‪ :‬أفل أكون عبدا شكورا؟! (‪)2‬‬
‫ومع ذلك‪ ..‬فكيف كان‪e‬؟‬
‫كان أكب طاقة إيابية عرفتها الرض‪..‬‬
‫ف الهاد ف مال الدعوى‪ .‬ف القتال ف سبيل ال‪ .‬ف تربية أصحابه رضوان ال عليهم ليكونوا مثل‬
‫عل يا ف كل اتاه ‪ ،‬وطاقات إياب ية ف كل اتاه‪ .‬ف إنشاء ال مة ال ت ش هد ل ا خالق ها ومرج ها إل‬
‫الوجود سبحانه بقوله‪ُ { :‬كْنتُ مْ َخيْرَ ُأ ّمةٍ أُخْ ِرجَ تْ لِلنّا سِ} [سورة آل ‪ .]3/110‬ف إقامة العدل الربان‬
‫ف الرض‪ .‬ف تنظ يم شئون " الدولة " ال سياسية والقت صادية والجتماع ية والرب ية واللق ية والروح ية‬
‫والفكريـة‪ ..‬إل جانـب قيامـة بأمور حياتـه الاصـة‪ e‬ورعايـة زوجاتـه وبناتـه وكفالتهـم وتوجيههـن‬
‫وتعليمهن‪ ..‬ال‪.‬‬
‫والرسول‪ e‬هو أسوة السلمي إل قيام الساعة ‪ ،‬وهو الترجة الواقعية لذا الدين ف أعلى صوره‪.‬‬
‫سَنةٌ ِلمَ نْ كَا نَ َيرْجُو اللّ َه وَالَْيوْ مَ ال ِخ َر وَذَكَرَ اللّ هَ َكثِيا (‬
‫{َلقَدْ كَا نَ َلكُ مْ فِي رَ سُولِ اللّ هِ أُ ْس َوةٌ حَ َ‬
‫() متفق عليه‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() متفق عليه‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪[ })21‬سورة الحزاب ‪]33/21‬‬
‫وال صوفية تقول إن ا ترجوا ال واليوم ال خر وتذ كر ال كثيا!‪ ..‬فلماذا ل تتأ سى بر سول ال‪ e‬ف‬
‫إيابيته وفاعليته وواقعيته ‪ ،‬ومابته للواقع السيئ لدمه والقضاء عليه ‪ ،‬وإنشاء الواقع الصحيح بدل منه؟!‬
‫(‪.)1‬‬
‫هذا هو الفارق بي السلم والصوفية‪.‬‬
‫هنا إيابية وهناك سلبية ‪ ،‬هنا مواجهة وهناك عزلة‪ .‬هنا " زهد " ف متاع الرض مع إباحته ومارسته‬
‫‪ ،‬وهناك إنزواء عن التاع يقتل الرغبة ويصيب النفس كلها بالذبول‪.‬‬
‫ومع الصوفية ينشأ التواكل بدل من التوكل‪.‬‬
‫التوكل على ال من صميم اليان ‪ ،‬وقد تردد ذكره ف القرآن مربوطا باليان‪:‬‬
‫{ َوعَلَى اللّهِ َف ْلَيَتوَكّ ْل الْ ُم ْؤ ِمنُونَ (‪[ })160‬سورة آل ‪]3/160‬‬
‫ت عََلْيهِ مْ آياتُ هُ زَا َدْتهُ مْ إِيَانَا َوعَلَى َرّبهِ مْ‬
‫{ِإنّمَا الْ ُم ْؤمِنُو نَ الّذِي نَ إِذَا ذُكِرَ اللّ ُه وَ ِجلَ تْ ُقلُوُبهُ مْ َوِإذَا تُِليَ ْ‬
‫َيَتوَكّلُونَ (‪[ })2‬سورة النفال ‪]8/2‬‬
‫ولكن التوكل ككل شئ ف دين ال طاقة إيابية دافعة ‪ ،‬يقوم به الؤمن مع اتاذ السباب‪.‬‬
‫{فَِإذَا عَ َز ْمتَ َفَتوَكّلْ عَلَى اللّهِ} [سورة آل ‪]3/159‬‬
‫والعزية ف شأن القتال خاصة ‪ ،‬وهو الذى وردت بناسبته الية الكرية تقتضى إعداد العدى واتاذ‬
‫السباب‪.‬‬
‫أما التواكل الذى تارسه الصوفية وتقول عنه إنه توكل ‪ ،‬فهو ككل شئ ف الصوفية صورة سلبية‬
‫معطلة ‪ ،‬تتقاعس عن اتاذ السباب متذرعة بالتوكل على ال‪.‬‬
‫لقد أفسد التواكل كثي من عقيدة القضاء والقدر ‪ ،‬وحولا من عقيدة إيابية دافعة إل عقيدة سلبية‬
‫مذلة ‪ ،‬وإل الرضاء السلب بالواقع وعدم ماولة التغيي‪.‬‬
‫كان ال يعلم اليل الول رضوان ال عليهم {قُلْ لَ ْن يُصِيَبنَا إِ ّل مَا َكتَبَ اللّهُ َلنَا ُهوَ َموْلنَا َوعَلَى اللّهِ‬
‫َف ْليََتوَكّ ْل الْ ُم ْؤ ِمنُونَ (‪[ })51‬سورة التوبة ‪]9/51‬‬
‫فيعلمون أنه ليس ذهابم إل القتال هو الذى يقتلهم ‪ ،‬إنا هو القدر القدر عند ال هو الذى يصيبهم‬
‫أينما كانوا ‪ ،‬فيندفعون بكل قوتم للقتال‪.‬‬
‫() ينبغي أن نذكر هنا أن كثيا من ينتمون إل الصوفية كانوا ماهدين ف سبيل ال‪ ,‬ونشروا السلم ف بقاع من الرض ف أفريقيا وآسيا ل يصل إليها غيهم‪ ,‬وهؤلء زهاد ف‬
‫‪1‬‬
‫القيقة وإن انتموا إل الصوفية من حيث الشكل‪ ,‬وهؤلء ل ينطبق عليهم كل ما نقوله هنا عن الصوفية‪.‬‬
‫جزُو نَ (‪َ )59‬وَأعِدّوا َلهُ ْم مَا ا ْستَ َط ْعتُمْ‬
‫سبَ ّن الّذِي نَ َك َفرُوا َسَبقُوا ِإنّهُ ْم ل ُيعْ ِ‬
‫وكان يعلمهم‪{ :‬وَل َيحْ َ‬
‫خيْ ِل تُ ْر ِهبُو َن بِ ِه عَ ُدوّ اللّ ِه َوعَ ُدوّكُمْ} [سورة النفال ‪]60-8/59‬‬ ‫ط الْ َ‬
‫مِنْ ُق ّو ٍة َومِنْ ِربَا ِ‬
‫فيعلمون عل ما يقين يا مؤكدا أن ال لن ي قق للكفار م سعاهم ف هدم هذا الد ين والقضاء عل يه ‪ ،‬بل‬
‫سيمكن لدينه ف الرض ‪ ،‬ومع ذلك يعدون ما استطاعوا من قوة ‪ ،‬أى يبذلون الهة ويتخذون السباب‬
‫‪ ،‬ول يقولون لنفسهم‪ :‬ما دام ال سيمكن لدينه فذلك حسبنا ‪ ،‬ونتوكل عليه فل نعمل!‬
‫صبْتُ ْم ِمثَْلْيهَا ُق ْلتُ مْ َأنّى هَذَا ُق ْل ُهوَ مِ ْن ِعنْدِ َأْنفُ سِكُمْ ِإنّ‬
‫وكان يعلمهم‪َ{ :‬أوَلَمّا أَ صَاَبْتكُمْ مُ صِيَبةٌ قَدْ أَ َ‬
‫ْنـ اللّهـِ‪[ }...‬سـورة آل‬ ‫َانـ َفبِِإذ ِ‬
‫ْمـ اْلتَق َى الْجَ ْمع ِ‬ ‫ّهـ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (‪ )165‬وَم َا أَصـَابَكُ ْم َيو َ‬ ‫الل َ‬
‫‪]166-3/165‬‬
‫فيعلمون أن وقوع المر بقدر من ال ل يليهم من مسئوليتهم عن أعمالم حي يطئون أو يسيئون‬
‫التقدير‪.‬‬
‫سنُوا ِمْنهُ ْم وَاتّ َقوْا‬
‫وكان يعلمهم‪{ :‬الّذِي نَ ا ْستَجَابُوا ِللّ ِه وَالرّ سُولِ مِ نْ بَعْ ِد مَا أَ صَاَبهُ ْم اْلقَرْ حُ ِللّذِي نَ أَحْ َ‬
‫سبُنَا‬
‫ش ْوهُمْ َفزَا َدهُمْ إِيَانا وَقَالُوا حَ ْ‬ ‫أَ ْج ٌر عَظِيمٌ ( ‪ )172‬الّذِينَ قَالَ َلهُ ْم النّاسُ ِإنّ النّاسَ قَدْ َج َمعُوا َلكُمْ فَاخْ َ‬
‫اللّ ُه َوِنعْ َم اْلوَكِيلُ (‪[ })173‬سورة آل ‪]173-3/172‬‬
‫فيتعلمون أن وقوع قدر ال بالزية ليس معناه الستسلم للهزية والقعود فيها بجة أنا قدر من عند‬
‫ال ‪ ،‬إن ا معنا ها ال سعى اليا ب لتغي ي هذا الوا قع مع التو كل على ال ‪ ،‬رجاء تغي ي القدر الول بقدر‬
‫جديد‪)1(...‬‬
‫وبذلك كله كانت عقيدة القدر ف حياة السلمي الوائل قوة دافعة مركة إل المام‪.‬‬
‫ول كن توا كل ال صوفية حول ا إل غ ي ذلك ‪ ،‬قعودا عن ال خذ بال سباب ب جة أن " مالك سوف‬
‫يأتيك "! وتليا عن مسئولية النسان عن عمله بجة أن ما وقع منه قد وقع بقدر من ال! وقعودا عن‬
‫تغيي الواقع السيئ من مرض أو عجز أو فقر أو ذلك أو ضيم بجة أنه ما حدث إل بقدر من ال ولو‬
‫شاء ال غي ذلك لكان!!‬
‫و مع ال صوفية كذلك ين شأ القعود عن تعم ي الرض ‪ ،‬ب جة أن الدن يا ملعو نة ‪ ،‬والعول عل يه هو‬
‫الخرة! وأن النسان حسبه ف هذه الدنيا عيشة الكفاف‪ ،‬لكى ينجو بروحه من التعق بالدنيا ‪ ،‬ولكى‬
‫يفرغ لتزكية روحه استعداد للخرة!‬
‫ول شك أن الدعوة إل التقلل من متاع الرض ‪ ،‬وعدم " التعلق " بالدنيا هى دعوة إسلمية أصيلة ‪،‬‬

‫() انظر إن شئت فصل "مفهوم القضاء والقدر" من كتاب "مفاهيم ينبغي أن تصحح"‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫وهذا هو " الزهد " الذى أشرنا إليه من قبل‪ .‬ولكن النصراف عن عمارة الرض قضية منفصلة ومتلفة‬
‫عن عدم التعلق بالياة الدنيا‪.‬‬
‫لقد ركب ال ف النفس البشرية دوافع إل العمل والنشاط ف صورة رغبات وشهوات أبرزت الية‬
‫الكرية أهها أو أشدها سيطرة على النسان‪:‬‬
‫خيْلِ‬
‫ض ِة وَالْ َ‬
‫ش َهوَاتِـ مِن ْـ النّسـَا ِء وَاْلَبنِيَ وَالْ َقنَاطِ ِي الْ ُم َقنْطَ َر ِة مِن ْـ ال ّذهَبِـ وَالْ ِف ّ‬
‫{ ُزيّنَـلِلنّاسِـ حُبّ ال ّ‬
‫حرْثِ} [سورة آل ‪]3/14‬‬ ‫س ّو َم ِة وَا َلْنعَامِ وَالْ َ‬
‫الْمُ َ‬
‫ول يلق ال هذه الدوافع عبثا ‪ ،‬تعال ال عن العبث‪..‬‬
‫ول يلقها ليقتلها النسان من جانبه بجة تزكية الروح‪..‬‬
‫إن ا خلق ها لتعي نه أو لتدف عه لعمارة الرض ‪ ،‬ال ت هى جزء من الل فة ال ت خلق ال الن سان من‬
‫أجلها‪:‬‬
‫{ َوإِذْ قَالَ َربّكَ لِلْمَلِئ َكةِ ِإنّي جَاعِلٌ فِي الَ ْرضِ َخلِي َفةً} [سورة البقرة ‪]2/30‬‬
‫شأَكُ ْم مِ ْن الَ ْرضِ وَا ْستَعْ َمرَكُمْ فِيهَا} [سورة هود ‪]11/61‬‬
‫{ ُهوَ أَن َ‬
‫صحيح أن هذه الشهوات مهلكة للنسان إذا مضى معها إل آخر الشوط ول يلتزم " بالدود " الت‬
‫رسها ال ‪ ،‬وقال عنها‪{ :‬تِلْ كَ ُحدُودُ اللّ هِ فَل تَ ْعتَدُوهَا} [سورة البقرة ‪{ ]2/229‬تِلْ كَ حُدُودُ اللّ هِ فَل‬
‫َتقْ َربُوهَا} [سورة البقرة ‪.]2/187‬‬
‫لذلك خلق ال فـ النفـس البشريـة ضوابـط تضبـط اندفاع تلك الدوافـع ‪ ،‬منهـا العقـل والرادة‬
‫الضابطة ‪ ،‬ومعرفة الطريقي والقدرة على اختيار أحدها‪:‬‬
‫ب مَ نْ‬
‫{ َوَنفْ سٍ وَمَا َسوّاهَا (‪َ )7‬فأَْلهَمَهَا ُفجُورَهَا َوَتقْوَاهَا (‪َ )8‬قدْ أَفْلَ َح مَ نْ زَكّاهَا (‪ )9‬وَقَدْ خَا َ‬
‫َدسّاهَا (‪[ } )10‬سورة الشمس ‪]10-91/7‬‬
‫ج َديْنِ (‪[ })10‬سورة البلد ‪]90/10‬‬
‫{ َوهَ َدْينَا ُه النّ ْ‬
‫{ِإنّا هَ َديْنَاهُ السّبِيلَ ِإمّا شَاكِرا َوإِمّا َكفُورا (‪[ })3‬سورة النسان ‪]76/3‬‬
‫ثـ ذكـر النسـان بالخرة ‪ ،‬والبعـث والسـاب والزاء ‪ ،‬ليكون ذلك معينـا له فـ ضبـط شهواتـه‬
‫واللتزام فيها بالدود الت رسها ال ‪ ،‬والت يعلم سبحانه أن ف داخلها المن والمان والفلح ‪ ،‬ويعلم‬
‫سـبحانه كذلك أن اللتزام باـ هـو الذى يرفـع النفـس البشريـة ويظهرهـا ‪ ،‬ويعينـا على عمارة الرض‬
‫بقتضى النهج الربان‪.‬‬
‫وعلى الر غم من وضوح الن هج الربا ن ف هذه النق طة ‪ ،‬فإن ال صوفية ت سعى إل " ق تل " الدوا فع‬
‫البشريـة بدل مـن تذيبهـا وضبطهـا ‪ ،‬وتدعـو إل " إهال " الياة الدنيـا بجـة التقرب إل ال وابتغاء‬
‫مرضاته‪.‬‬
‫ولو كان هذا هو السلم لدانا إليه رسول ال‪.e‬‬
‫يستلون بقوله‪ " : e‬الدنيا ملعونة وملعون ما فيها إل ذكر ال أو عال أم متعلم " (‪.)1‬‬
‫ع الْغُرُورِ} [سورة آل ‪.]3/185‬‬
‫وبأن ال ذم الدنيا ف كتابه النل وقال عنها {مَتَا ُ‬
‫ول شك أنه ورد ف القرآن الكري والسنة النبوية الطهرة ذم للدنيا أو لعن لا‪.‬‬
‫ول كن مراج عة ال سياق الذى ورد ف يه م ثل هذا الذم تك شف ل نا بوضوح أن الدن يا تذم أو تل عن ف‬
‫مالي اثني ‪ ،‬حي تصد النسان عن اليان بال وتدفعه إل الكفر به ‪ ،‬أو تصده عن الهاد ف سبيل‬
‫ال‪:‬‬
‫{مَ نْ َكفَ َر بِاللّ ِه مِ ْن َبعْدِ إِيَانِ هِ إِ ّل مَ نْ أُكْرِ َه وَقَ ْلبُ هُ مُ ْط َمئِنّ بِالِيَا نِ وََلكِ ْن مَ ْن شَ َر حَ بِالْ ُكفْرِ صَدْرا‬
‫حيَاةَ ال ّدْنيَا عَلَى الخِ َر ِة َوَأنّ‬
‫حبّوا الْ َ‬
‫ك ِبأَّنهُ ْم ا سْتَ َ‬
‫ب عَظِي مٌ (‪ )106‬ذَلِ َ‬ ‫َفعََلْيهِ ْم َغضَ بٌ مِ نْ اللّ ِه وََلهُ ْم عَذَا ٌ‬
‫اللّ َه ل َيهْدِي اْل َقوْ َم اْلكَافِرِينَ (‪[ })107‬سورة النحل ‪]107-16/106‬‬
‫ُمـ َوَأ ْموَا ٌل ا ْقتَرَ ْفتُمُوهَا َوتِجَا َرٌة‬
‫ُمـ وَعَشِ َيُتك ْ‬‫ُمـ َوأَ ْزوَا ُجك ْ‬‫ُمـ َوإِ ْخوَاُنك ْ‬
‫ُمـ َوَأْبنَاؤُك ْ‬‫َانـ آبَاؤُك ْ‬‫ِنـ ك َ‬ ‫{قُلْ إ ْ‬
‫ض ْونَهَا أَ َحبّ إَِليْكُ ْم مِ نْ اللّ ِه وَرَ سُولِ ِه وَ ِجهَادٍ فِي َسبِيلِهِ َفتَ َربّ صُوا َحتّى َي ْأتِ يَ‬
‫شوْ نَ كَ سَا َدهَا َومَ سَاكِ ُن تَ ْر َ‬
‫تَخْ َ‬
‫اللّ ُه ِبَأمْ ِرهِ وَاللّ ُه ل َيهْدِي اْل َقوْ َم اْلفَاسِقِيَ (‪[ })24‬سورة التوبة ‪]9/24‬‬
‫أما ف غي هذين الجالي فليست الدنيا مذمومة ول ملعونة ‪ ،‬ما دامت ل تصد عن اليان بال أو‬
‫الهاد ف سبيل ال‪.‬‬
‫حيَاةِ ال ّدنْيَا‬
‫{قُ ْل مَ نْ حَرّ مَ زِيَنةَ اللّ ِه الّتِي َأخْ َر جَ ِلعِبَادِ هِ وَال ّطّيبَا تِ مِ نْ الرّزْ قِ ُق ْل هِ يَ لِلّذِي نَ آ َمنُوا فِي الْ َ‬
‫صةً َي ْومَ الْ ِقيَا َمةِ} [سورة العراف ‪]7/32‬‬ ‫خَاِل َ‬
‫{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللّهُ الدّارَ ال ِخ َرةَ وَل تَنسَ َنصِيبَكَ مِنْ ال ّدْنيَا} [سورة القصص ‪]28/77‬‬
‫صـحيح أن التعلق بالدنيـا يؤدى إل معصـية ال‪ .‬وهذا هـو العنـ الذى ركـز عليـه الصـوفيون أشـد‬
‫الترك يز ‪ ،‬وجعلوا الدنيا ملعونة من اجله ‪ ،‬ولكن ق تل النفس من جهة أخرى مافة الوقوع ف الع صية‬
‫يوقع ف معصية من نوع آخر ‪ ،‬هى القعود عن المر بالعروف والنهى عن النكر ‪ ،‬وعن مالدة الباطل‬
‫والعمل على إزهاقه ‪ ،‬وعن عمارة الرض بقتضى منهج ال‪.‬‬
‫وحي يعمل النسان ف هذا القل ‪ ،‬وهو المر بالعروف والنهى عن النكر ‪ ،‬والهاد لتكون كلمة‬
‫() رواه الترمذذي وابن ماجه‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ال هى العليا ‪ ،‬وعمارة الرض بقتضى النهج الربان ‪ ،‬ث تقع منه الخطاء والعاصى غي متعمد لا ول‬
‫متبجح با ‪ ،‬ث يستغفر ال عنها وياهد لكى ل يقع فيها ‪ ،‬فذلك هو الذى قال ال فيه‪:‬‬
‫سهُمْ ذَكَرُوا اللّهَ فَا ْسَتغْفَرُوا لِ ُذنُوِبهِمْ َومَ ْن َي ْغفِرُ ال ّذنُوبَ إِلّ اللّ ُه‬
‫شةً َأوْ ظََلمُوا َأْنفُ َ‬
‫{وَالّذِينَ إِذَا َفعَلُوا فَاحِ َ‬
‫وَلَ ْم يُ صِرّوا عَلَى مَا َفعَلُوا َوهُ ْم َيعْلَمُو نَ (‪ُ )135‬أوَْلئِ كَ جَزَا ُؤهُ ْم َم ْغفِ َرةٌ مِ نْ َرّبهِ مْ َو َجنّا تٌ َتجْرِي مِ نْ‬
‫حِتهَا ا َلنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا َونِعْمَ أَ ْج ُر اْلعَامِلِيَ (‪[ })136‬سورة آل ‪]136-3/135‬‬ ‫تَ ْ‬
‫وقال فيه رسول ال‪:e‬‬
‫" والذى نفسى بيده لو ل تذنبوا لذهب ال ب كم وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون ال فيغ فر ال لم!"‬
‫( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وحي تلس ساكنا وتمل فوق رأسك سلة ملوءة بالشياء فل يقع منها شئ ‪ ،‬فقد حافظت على ما‬
‫ف السلبة بالفعل ‪ ،‬ولكنك ف سبيل الحافظة عليها تعطلت عن الركة الطلوبة منك وليست هذه هى‬
‫البا عة إن ا البا عة أن تتحرك وأ نت ت مل ال سلة على رأ سك وتاول جاهدا أل ي سقط من ها شئ‪ .‬فإن‬
‫تساقط منها شئ أسرعت إل إعادته ف السلة وعاودت السي‪.‬‬
‫ولثل هذا خلق ال النسان‪ .‬جله المانة ث أمره بالسي ف مناكب الرض وهو يمل المانة ‪ ،‬يأمر‬
‫بالعروف وين هى عن الن كر ‪ ،‬ويا هد ل كى يقوم الناس بالق سط ‪ ،‬ول كى تكون كل مة ال هى العل يا ‪،‬‬
‫ويعمر الرض بقتضى النهج الربان‪ ..‬ث كان من رحته سبحانه وتعال وهو يعلم ضعف النسان أنه‬
‫يغ فر ما ي قع ف أثناء ذلك من الذنوب ما دام الع بد ل ي صر علي ها ‪ ،‬و ما دام ي ستغفر ويتوب ‪ ،‬في تم "‬
‫النتاج " الطلوب والنسان ف أرفع حالته ‪ ،‬وأقربا إل رضوان ال‪.‬‬
‫أما القعود عن النتاج ‪ ،‬أو حصره ف أضيق نطاق مكن بجة تنب الزالق ‪ ،‬فليس هو الذى أمر به‬
‫ال‪..‬‬
‫و من ج هة أخرى فإن ح صر النتاج ف أض يق نطاق م كن و هو نطاق الكفاف ي عل الدولة كل ها‬
‫تعيش ف حالة الكفاف ‪ ،‬ول يعل لديها " الفائض " الذى تنفقه ف متطلبات " التمكي ف الرض "‪.‬‬
‫إن التمكي ف الرض هبة ال للمؤمني‪:‬‬
‫ف الّذِي َن مِ ْن‬
‫خلَ َ‬
‫خِلفَّنهُم فِي الَرْ ضِ َكمَا ا سْتَ ْ‬ ‫ستَ ْ‬
‫{ َوعَدَ اللّ ُه الّذِي نَ آمَنُوا ِمْنكُ ْم َوعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ َليَ ْ‬
‫َقبِْلهِ ْم وََليُ َم ّكنَنّ َلهُ مْ دِيَنهُ ْم الّذِي ا ْرَتضَى َل ُه ْم وََلُيبَدَّلنّهُ ْم مِ ْن َبعْدِ َخوِْفهِ مْ َأمْنا َي ْعبُدُوَننِي ل يُشْرِكُو َن بِي‬
‫َشيْئا} [سورة النــور ‪]24/55‬‬
‫() أخرجه مسلم‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ولكن له تكاليف‪...‬‬
‫فإل جانـب عبادة ال وحده بل شريـك‪ ،‬وتكيـم شريعتـه وحده‪ ،‬وهاـ القتضـى العملى لليان‬
‫الصحيح‪ ،‬فهناك تكاليف حسية ومادية ‪:‬‬
‫خيْ ِل تُ ْر ِهبُو نَ بِ هِ عَ ُدوّ اللّ ِه َوعَ ُدوّكُ ْم وَآ َخرِي َن مِ ْن‬
‫ط الْ َ‬
‫{ َوَأعِدّوا َلهُ ْم مَا ا ْستَ َط ْعتُ ْم مِ نْ ُق ّو ٍة َومِ نْ ِربَا ِ‬
‫دُوِنهِ مْ ل َتعَْلمُونَهُ مْ اللّ ُه َيعْلَ ُم ُه ْم وَمَا تُن ِفقُوا مِ ْن َشيْءٍ فِي َسبِيلِ اللّ ِه ُيوَفّ إَِلْيكُ مْ َوَأْنتُ ْم ل تُظْلَمُو نَ (‬
‫‪[ })60‬سورة النفال ‪]8/60‬‬
‫فإذا عاش مموع الناس عيشة الكفاف‪ ،‬ول ينتجوا إل ف حدود الكفاف‪ ،‬فكيف للدولة السلمة أن‬
‫تعد ما استطاعت من قوة لرهاب أعداء ال‪ ،‬تلك القوة الت ل يستمر التمكن ف الرض إل با؟‬
‫إن ا يتاج ال مر إل النتاج الوف ي وال ستهلك القل يل‪ ..‬وهذه هى العادلة ال ت ي تم ب ا التمك ي ف‬
‫الرض والحافظة عليه‪ .‬أما النتاج القليل على قدر الستهلك القيل فل يؤدى إل إل فقر مموع المة‪،‬‬
‫الفقـر الذى يؤدى إل الضعـف‪ ،‬والضعـف يرك شهوة العداء الذيـن ينتظرون الفرصـة السـانة‬
‫للنقضاض‪.‬‬
‫وإل جانـب ذلك كله‪ ،‬فيحـن يعتزل التطهرون الجتمـع وينعزلون عنـه ليزكوا أرواحهـم بعيدا عـن‬
‫الدنس فمن يبقى ف الجتمع؟ ومن يدير شئونه؟ ومن يتحرك فيه؟‬
‫أليست هذه العزلة مشجعا للفاسدين أن ينفردوا بالعمل دون تدخل ول اعتراض؟ بينما كان الواجب‬
‫الول لولئك التطهر ين أن يأمروا بالعروف وينهوا عن الن كر‪ ،‬ويأطروا الا كم على الا كم على ال ق‬
‫أطرا ويأصروه عليه أصراكما أمرهم ال ورسوله‪e‬؟‬
‫فإذا أض يف إل هذه المور كل ها تض خم الش يخ ف حس الر يد إل حد أن ي صبح ف حقي قة ال مر‬
‫واسطة بينه وبي ال‪ ،‬ف الوقت الذى جاء فيه السلم ليلغى كل واسطة بي العبد والرب‪ ،‬ويرر القلب‬
‫البشرى من كل قيد يعو قه عن التصال البا شر بال‪ ،‬وعبادة ال وحده بل شريك‪ ،‬ويكون من تعلي مه‬
‫ستَجِيبُوا لِي وَْلُيؤْ ِمنُوا بِي‬
‫ك ِعبَادِي َعنّي فَِإنّي َقرِيبٌ أُجِيبُ َد ْع َوةَ الدّاعِي إِذَا َدعَانِي َف ْليَ ْ‬
‫للناس ‪َ { :‬وإِذَا َسأَلَ َ‬
‫َلعَّلهُمْ يَ ْرشُدُونَ ( ‪[ })186‬سورة البقرة ‪]2/186‬‬
‫إذا اضيف هذا إل كل ما سبق فقد بدا لنا كم تنحرف الصوفية عن أصل السلم‪ ،‬وكم تضيف إليه‬
‫ما لبس منه‪ ،‬ف سبيل تقيق غاية ف ذاتا من السلم‪ ،‬ولكن طريقها الربان غي هذا الطريق‪..‬‬
‫وهذا كله مع الصوفية " النظيفة " الصادقة الخلصة‪ ،‬فكيف إذا صارت دجل وتريا وخرافات؟‬
‫ول شـك أن هناك ف تاريـخ الصـوفية سـواء تاريـخ الشيوخ أو الريديـن مـن كان عامل بتعاليـم‬
‫ال سلم‪ ،‬ماهدا ف سبيل ال باله ود مه‪ ،‬آمرا بالعروف وناه يا عن الن كر‪ ،‬ناشرا لد ين ال ف الرض‪.‬‬
‫فهؤلء كما أشرنا من قبل ل ينطبق عليهم حكم الصوفية النحرفة‪ ،‬وإنا هم ف القيقة زهاد وأن القوا‬
‫بالصوفية‪.‬‬
‫ول كن الذى ل شك ف يه كذلك أن هؤلء قلة ف تار يخ الت صوف‪ ،‬وأن الغلب ية كا نت من أولئك‬
‫السلبيي النعزلي‪ ،‬الذين يسعون إل تزكية أنفسهم ف عزلة عن ركب الياة‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫إذا عدنـا إل الفترة العباسـية لنقوم مدى مـا حدث فيهـا مـن انراف فسـنجده‪ ،‬انرافـا ضخمـا ول‬
‫شك‪ ..‬ف كثي من الجالت هذا الدين‪.‬‬
‫وكان طبيعيا كما قلنا أن تنهار الدولة العباسية من وطأة هذه النرافات متمعة‪ ،‬ومن بينها ما يكفى‬
‫وحده لتقويـض أركاناـ‪ ،‬كالترف الذى غرقـت فيـه القصـور‪ ،‬ولعـب الدخلء بالسـلطان‪ ،‬والدسـائس‬
‫والؤامرات‪ ،‬وضعف القوة السياسية والعسكرية‪ ..‬فإذا اجتمع إل ذلك ما سردناه من النرافات الخرى‬
‫فلم يكن انيار الدولة عجبا‪ ،‬إنا كان العجب أن تستمر أكثر من ذلك بكل ما تمله من أمراض‪.‬‬
‫وجاء النيار تقيقا لسنن ال ف الياة البشرية‪ ..‬السنن الت ل تاب أحدا ولو قال بلسانه ‪ 0‬ل إله‬
‫إل ال ممد رسول ال)!‪.‬‬
‫وب صرف الن ظر عن كون التتار الذ ين أطاحوا بالدولة العبا سية قد جاءوا بدعوى خف ية متآمرة من‬
‫وزير شي عى ف الدولة العبا سية ذات ا‪ ،‬و من اليهود القاطن ي ف بغداد‪ ،‬الذ ين ل ي سوا ب سوء طيلة وجود‬
‫التتار فيها‪ ،‬بينما جرى النهر أربعي يوما أحر من دماء السلمي الذين ذبهم التتار‪.‬‬
‫بصرف النظر عن هذه القيقة‪ ،‬فما كان لثل هذا المر أن يقضى على الدولة لو أنا واعية لنفسها‬
‫كا ينب غى للدولة ال سلمة‪ ،‬ملتزمة بأوا مر ال ال ت تأ مر بإعداد القوة لرهاب أعداء ال‪ ،‬وتأ مر بعدم اتاذ‬
‫بطانة من يكيدون للسلم ‪:‬‬
‫ت اْلَبغْضَا ُء مِ ْن‬
‫{يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا ل َتتّخِذُوا بِطَاَن ًة مِنْ دُونِكُ ْم ل َيأْلُوَنكُمْ َخبَا ًل وَدّوا مَا عَِنتّمْ قَ ْد بَدَ ْ‬
‫أَ ْفوَا ِههِم ْـ وَمَا تُخْفِي صُـدُو ُرهُمْ أَ ْكبَرُ قَ ْد َبّينّاـَلكُم ْـ اليَاتِـإِن ْـ ُكْنتُم ْـ تَ ْعقِلُونَـ ( ‪[ })118‬سـورة آل‬
‫‪]3/118‬‬
‫لمٍ ِل ْل َعبِيدِ (‪[ })46‬سورة فصلت ‪]41/46‬‬
‫ك بِ َظ ّ‬
‫{ َربّ َ‬
‫ولكن انيار الدولة با تمل من أوضار ل يكن هو ناية " المة السلمية " رغم اشتراكها ولو بقدر‬
‫فـ هذه الوضار‪ ،‬أول ‪ :‬لن الدفعـة اليويـة الائلة التـ أطلقهـا السـلم فـ هذه المـة ل تكـن قـد‬
‫استنفدت‪ ،‬وثانيا ‪ :‬لن العقيدة كانت ما تزال حية وإن علها الرماد‪ ،‬فكانت تنتظر فقط من ينفخ عنها‬
‫الرماد لتشتغل الذوة من جديد‪.‬‬
‫وقد تبدت حيوية السلم وحيوية المة السلمية ف ظهور الدولة العثمانية بكل قوتا وكل حيويتها‬
‫كأنا بعث جديد للمة أو مولد جديد‪.‬‬
‫ولكن‪ .‬هل كان بعثا صافيا‪ ،‬أو مولدا من نوع الولد الول ف عهد الذروة؟ أم حل معه من أوضار "‬
‫المة " ما كان كامنا فيها من الوضار؟‬
‫‪m m m‬‬

‫فأما من حيث صدق الرغبة ف خدمة هذا الدين‪ ،‬وبذل الدماء والموال ف سبيل ذلك‪ ،‬فإنا ند فيهم‬
‫من ل ي قل عن مرت بة التابع ي رضوان ال علي هم‪ ،‬وكان جهد هم ف القي قة امتدادا ل هد ال صحابة‬
‫والتابعي الذين حاولوا فتح القسطنطينية أول مرة على عهد المويي‪.‬‬
‫ويكفيهم ف ميزان ال أنم توغلوا ف أوروبا الصليبية ما توغلوا‪ ،‬وفتحوا للسلم ما فتحو من أراض‬
‫وقلوب‪ ،‬فدخل الناس ف السلم بعشرات الليي‪.‬‬
‫ويكفيهـم فـ ميزان ال أنمـ حوا العال السـلمى مـن غارات الصـليبيي خسـة قرون متواليـة‪ ،‬فلم‬
‫يرءوا أن يتجهوا مرة أخرى نوـ الشرق للسـتيلء على بيـت القدس كمـا فعلوا أول مرة حتـ زالت‬
‫الدولة العثمانية من الوجود‪.‬‬
‫ويكفيهم ف ميزان ال أنم حت وهم ف النع قدمنعوا قيام الدولة اليهودية على أرض السلم‪ ،‬ول‬
‫يتمكن شذاذ الفاق من التجمع لقامة دولتهم إل بعد أن زالت دولة اللفة من الوجود‪.‬‬
‫كما أن احترامهم للعلم‪ ،‬وللعلماء من حلة هذا الدين‪ ،‬ما يسب لم كذلك ف ميزان ال‪.‬‬
‫ول كن هذا كله على ضخام ته ف ميزان ال ل ين فى وجود انرافات خطية سواء ف الدولة‪ ،‬أو ف‬
‫حياة المة ف ظل الدولة‪ ..‬آتت ثارها السيئة على مرور اليام‪.‬‬
‫لقد كانت هذه أول دولة للخلفة ل تستعرب‪.‬‬
‫ول يكـن ذلك يؤثـر فـ مبدأ المـر‪ ،‬مـع الخلص وصـدق العزيةـ‪ ،‬والعمـل الاد لتوحيـد العال‬
‫السلمى‪ ،‬ووضعه تت قيادة قوية موحدة تميه من التمزق الذى كان يعانيه ف أواخر الدولة العباسية‪.‬‬
‫ولكنه على مر اليام صار يؤثر‪ ،‬إذا أحس الشعب العرب‪ ،‬الذى ظل طيلة تسعة قرون على القل هو‬
‫قلب السلم النابض‪ ،‬بلون من العزلة‪ ،‬وحكامه ياطبونه بغي لغته‪ ،‬وبغي اللغة الت نزل با السلم‪..‬‬
‫وظلت هذه العزلة تتزايد مع توال الظروف السياسية الت أحاطت بالدولة العثمانية‪ ،‬حت تكن العداء‬
‫الاكرون من تزيق جسم المة‪ ،‬وكانت قضية " الترك " والعرب " من الدوات الت استخدموها ببث‬
‫ف التمزيق‪.‬‬
‫ولو ت صورنا أن دولة الل فة قد ا ستعربت‪ ،‬وتكل مت بالل غة ال ت نزل ب ا هذا الد ين‪ ،‬فل شك أن‬
‫عوامل الوحدة داخل الدولة كانت تصبح أقوى وأقدر على مقاومة عبث العابثي‪ .‬فضل عما يتيحه تعلم‬
‫العربية من العرفة الصحيحة بقائق هذا الدين من مصادره الباشرة‪ ،‬كتاب ال وسنة رسوله‪ ،e‬ما كان‬
‫الكام والعامة كلها ف حاجة إليه‪ ،‬على الرغم من كل ما ترجم إل التركية‪ ،‬وما ألف أصل بالتركية‬
‫حول هذا الدين‪.‬‬
‫ث كان ك ما هو الشأن ف الدولة الع سكرية نوع من " الزم " الزائد الذى ي صل أحيا نا إل حد‬
‫الستبداد‪.‬‬
‫ول شك أن ال ستبداد ال سياسى قد و قع من ق بل‪ ،‬بدأ به المويون وتل هم العبا سيون‪ ،‬وكان من‬
‫النرافات الت ارتكبها ا" اللك العضوض "‪ ،‬وحاد با عن خط اللفة الراشدة الت نعم الناس ف ظلها‬
‫بتطبيق العدل الربان ف أروع صوره‪.‬‬
‫ولك ن أح سب أن ال ستبداد ال سياسى ف الدولة العثمان ية ل ي كن مرد امتداد ل ا كان من الموي ي‬
‫والعباسيي (وإن كان هذا جائز) ولكن كان له سببه " الحلى " ف الدولة العثمانية ذاتا " الزم " الزائد‬
‫الذى يارسه العسكريون ف العتاد حي يتولون شئون السياسية‪.‬‬
‫ولقد كانت مواجهة الدولة لعداء أقوياء‪ ،‬لبد من القضاء عليهم أو إخضاعهم بالقوة ليتم التمكي‬
‫للدولة‪ ،‬من أ سباب هذا " الزم " الزائد الذى ات سم به ال كم العثما ن‪ .‬ول كن روح ال سلم على أى‬
‫حال ل تبيح الستبداد أيا كانت ذرائعه‪ ،‬وتوجب تطبيق العدل الربان فيما بي الاكم ورعيته ف جيع‬
‫الحوال‪.‬‬
‫وزاد ال مر سوءا نظام الولة ف الدولة العثمان ية‪ ،‬ح يث كان الوال على أى ق طر من أقطار الدولة‪،‬‬
‫يتول لفترة مدودة‪ ،‬غالبا ما تكون سنتي أو ثلثة سنوات على الكثر‪ ،‬ث يعزل بعدها من وليته‪.‬‬
‫و قد كان للدولة هدف ها من هذا النظام دون شك‪ ،‬و هو ترك يز ال سلطة ف يد اللي فة‪ ،‬وعدم إتا حة‬
‫الفرصة للولة أن يستقلوا بولياتم كما حدث ف أواخر العصر العباسى وانتهى بتفكيك الدولة العباسية‬
‫وانيارها ف النهاية‪ .‬وقد ساعد هذا النظام بالفعل على دوام سيطرة الدولة العثمانية على ولياتا فترة غي‬
‫قصية من الزمان‪ ،‬واستقرار الدولة وهيبتها ف نفوس التباع والعداء على حد سواء‪.‬‬
‫ولكن كان للنظام معايبه من جانب آخر‪ ،‬فإن الوال الذى يعلم سلفا أنه لن يبقى ف منصبة إل تلك‬
‫الفترة الحدودة‪ ،‬ل يكـن أن يلتفـت إل الرعيـة بالقـ والعدل‪،‬إل أن تكون له أخلق العلماء أو طباع‬
‫اللئكة‪ ،‬إنا يكون هه ف الغالب جع أكب قدر من الال يستطيع جعه ليعيش منعما بقية حياته‪ ،‬فيجمع‬
‫للسلطان ما أمر السلطان بمعه ويمع أضعاف ذلك لنفسه بالعسف والظلم اللذين يقعان ل مالة على‬
‫عباد ال‪.‬‬
‫فإذا أض يف إل ذلك نظام القطاع‪ ،‬الذى كان معمول به ع ند التراك ف جاهليت هم ق بل أن يدخلوا‬
‫فـ السـلم‪ ،‬وحلوه معهـم فـ إسـلمهم‪ ،‬فقـد أضيـف إل طابـع السـتبداد السـياسى نوع مـن الظلم‬
‫الجتماعى الذى يسببه القطاع‪ ،‬يعيش فيه ألوف من البشر ف حالة التبعية الكاملة للباشوات أصحاب‬
‫القطاعيات‪.‬‬
‫فإذا كان هذا من جانب الكام‪ .‬فالمر من جانب الحكومي ل يكن يلوا كذلك من النراف‪.‬‬
‫فأ ما ال مر بالعروف والن هى عن الن كر الذى أمرت به ال مة‪ ،‬ف قد كا نت قد تلت ع نه بالن سبة‬
‫لكام ها من ز من بع يد‪ ،‬ول ي كن من التو قع أن تعود إل يه ف ال و الع سكيى الذى قا مت ف يه الدولة‬
‫العثمانية‪ ،‬بل كان الحرى أن تزداد تليا عنه‪.‬‬
‫وأما " العمل " بقتضى " اليان ف الدائرة الفردية والجتماعية أى فيما ل يتعلق بالسياسة فقد كان‬
‫الال خيا بكثي ول شك منه ف أوا خر الدولة العباسية حيث كان التحلل قد ساد الجتمع وف سدت‬
‫أخلقه‪ .‬فإن الولد الديد على يد الدولة الفتية‪ ،‬والعزمة القوية ال ت يتاج إليها بناء دولة جديدة تقاتل‬
‫أعداء أشداء‪ ،‬وتريـد أن تكـن لنفسـها فـ الرض‪ ،‬فضل عـن الدـ الصـارم الذى تتصـف بـه الدولة‬
‫الع سكرية‪ ،‬كل ذلك قد أحدث تا سكا خلق يا واجتماع يا قرب الناس من روح ال سلم بقدر ما كان‬
‫الترف العباسى والو والجون قد أبعدهم عنه‪.‬‬
‫ولكـن مـن شأن القبضـة القويـة أن تتراخـى‪ ،‬ومـن شأن التمكيـ فـ الرض أن يعـل العصـاب‬
‫تسترخى‪ ،‬ما ل يث التذكي الدائم الذى يوقظ القلوب‪.‬‬
‫وبدل من أن يدث التذكي على الصورة السلمية الصحيحة فقد حدث على الطريقة الصوفية‬
‫لقد كانت الصوفية ق أخذت تنتشر ف الجتمع العباسى‪ ،‬ولكنها كانت ركنا منعزل عن الجتمع‪،‬‬
‫أما ف ظل الدولة العثمانية‪ ،‬وف تركيا بالذات‪ ،‬فقد صارت هى الجتمع‪ .‬وصارت هى الدين‪.‬‬
‫وانتشرت ف القرني الخيين بصفة خاصة تلك القولة العجيبة ‪ :‬من ل شيه له فشيخه الشيطان‪.‬‬
‫وأصبحت الصوفية بالنسبة للعامة بصورة خاصة هى مدخلهم إل الدين‪ ،‬وهى مال مارستهم للدين‪.‬‬
‫وح ي أ صبحت هكذا ف قد أ صبحت ممو عة من الرافات والوهام تتعلق " بالشا يخ " الحياء ن م‬
‫والموات‪ ،‬وصار " التدين " هو اليان بالشيخ‪ ،‬وبكراماته‪ ،‬وبأحواله‪ ،‬وقدرته على استشفاف الغيب‪،‬‬
‫وقدرتـه على شفاء الرضـى بغيـ دواء وقدرتـه على فـك السـحر واسـتخراج الشياطيـ مـن أرواح مـن‬
‫تسلطت عليهم‪ ..‬كما أصبح هو التعلق بالضرحة والولياء‪ ،‬ونذر النذور لم والتقرب بالقرابي‪ ،‬دون‬
‫عمل حقيقى بقتضى الدين‪ ..‬فقد أصبح هذا ف حس العامة هو الدين‪ ،‬وليس الدين هو ما أنزله ال ف‬
‫كتابه النل وسنة رسوله‪.e‬‬
‫وأ ما الفراغ الائل الذى خلف ته ال صوفية ف مال الع مل‪ ،‬ف قد " ستره " الف كر الرجائى‪ ..‬ال هم هو‬
‫اليان‪ .‬واليان هو التصديق‪ .‬وهذا متوفر داخل القلب‪ ،‬فل على النسان إذن أن تكون حياته خلوا من‬
‫العمل بقتضى اليان‪ ،‬فإنه ل يضر مع اليان شئ‪.‬‬
‫وتدري يا فرغت الياة من الحتوى القي قى للد ين‪ ،‬ول يبقى منه سوى وجدانات مهو مة‪ ..‬متل طة‬
‫بالضاليل وتقاليد‪.‬‬
‫ولتقاليد مع هذه الدولة دور ترد الشارة إليه‪.‬‬
‫إن الشعـب التركـى مـن أكثـر الشعوب مافظـة على التقاليـد‪ .‬ونضرب مثل واحدا يؤكـد لنـا هذه‬
‫القيقة‪.‬‬
‫الب يت التر كى ف الغالب مفروش بال سجاجيد‪ ،‬فإن ل ي كن كله فهناك على أى حال شئ ما ي غى‬
‫أرضه ويصل ما بي حجرة وحجرة‪ ،‬وكان من تقاليد البيت التركى السلم أن تلع نعليك خارج عتبة‬
‫الدار أو داخلها مباشرة‪ ،‬وتستبدل بنعليك اللذين كنت بما ف الارج نعلي نظيفي تدوس بما فوق‬
‫السـجاجيد‪ ،‬حتـ إذا وصـلت إل دورة الياه خلعـت هذيـن النعليـ ودخلت لتجـد شيئا آخـر يناسـب‬
‫ا ستخدام الاء‪ .‬فإذا خر جت من المام فل بد أن ت فف قدم يك أول ث تل بس النعل ي النظيف ي الاف ي‬
‫اللذين كنت قد تركتهما قبل دخولك إل هناك‪.‬‬
‫وواضح بكل تأكيد أن هذا " تقليد إسلمى " مقصود به طهارة البيت للصلة‪ ،‬ووجوده ف البيت‬
‫السلم منطقى تاما مع الطهارة الت فرضها هذا الدين ف كل شئ‪.‬‬
‫ولكنك تد اليوم ف تركيا " كماليي " قد انسلخوا من دينهم تاما فلم يعودوا يصلون ول يصومون‬
‫ول يؤمنون بدين‪ ،‬ومع ذلك تد ذات " التقليد " ف بيوتم‪.‬‬
‫إذا فهمنـا هذه الروح التأصـلة فـ هذا الشعـب‪ ،‬فهمنـا كيـف حافـظ هذا الشعـب على " التقاليـد‬
‫السلمية " فترة طويلة جدا‪ ،‬ما كان لشعب آخر ول الشعب العرب أن يافظ عليه مثله‪ ..‬ومن خلله‬
‫بوصفه الشعب الاكم‪ ،‬أو شعب الدولة الاكمة بقيت التقاليد مرعية ف العال السلمى فترة من الزمن‬
‫غي قصية‪.‬‬
‫ولكنها ف الفترة الخية كانت مرد تقاليد‪ ..‬خاوية من الروح‪.‬‬
‫إن تول الخلق السلمية وأناط السلوك السلمى ال تقاليد هو ف ذاته أمر طيب‪ ،‬لنه يطبع با‬
‫الجتمع والجيال الناشئة جيل بعد جيل‪ ،‬فتتقبلها ف يسر وتارسها مارسة تلقائية ل يشعر فيها صاحبها‬
‫بالهد‪.‬‬
‫ولكن ذلك طيب مع وجود الوعى بالصل اليان‪ ،‬الذى انبعثت منه هذه التقاليد وصارت تعبيا‬
‫عمليا عنه‪ .‬فأما إذا ذهب هذا الوعى‪ ،‬وغاب الصل اليان الذى انبثقت منه التقاليد أول مرة‪ ،‬وصار‬
‫المر هو الحافظة على التقاليد من أجل أنا تقاليد‪ ..‬فقد آذنت تلك التقاليد بالزوال إذا اصدطمت بؤثر‬
‫قوى يده ها ويارب ا‪ .‬ذلك أن الذى ي صمد ف العر كة ل يس هو التقل يد‪ ،‬إن ا هو الروح الكام نة وراء‬
‫التقليد‪ .‬فإذا خبت الروح فل صمود‪.‬‬
‫لذلك ل نعجب – كما سنرى ف الفصل القادم – إذا رأينا هذه التقاليد تتهاوى واحد أثر الخر لا‬
‫دهها الغزو الفكرة النظم الذى وجه لتحطيمها‪ ،‬ول تتمل العركة كلها أكثر من نصف قرن من الزمان‬
‫ف معظم بلدان العال السلمى‪.‬‬
‫ونضرب مثل واحدا لتوضيح ‪ " :‬الجاب التركى " الشهي‪.‬‬
‫ل قد كان هذا حجا با إ سلميا ل شك ف ن سبته إل ال سلم (‪ .)1‬والترك ل يعرفوه إل من خلل‬
‫إسلمهم‪ ،‬أى أنم أخذوه عن الشعوب الت تعلموا منها السلم‪ .‬وكان هذا الجاب بصورة من الصور‬
‫أصل مرعيا ف العال السلمى كله خلل قرون متطاولة من الزمان‪.‬‬
‫ولكن لا خفتت الروح السلمية القيقية ف العال السلمى بسبب مموعة النرافات الت تدثنا‬
‫عنها من قبل‪ ،‬بقى الجاب تقليدا يراعى بشدة ول ترج عليه ول ترء أن ترج عليه – امرأة واحدة ف‬
‫العال وإل عدت ساقطة عدية الخلق‪.‬‬
‫وعلى الرغم من شدة الحافظة عليه بوصفه تقليدا مرعيا ف الجتمع‪ ،‬فإنه أمام الغزو الفكرى الذى‬
‫نادى بتحرير الرأة وطالب بالسفور‪ ،‬وخروج الرأة حاسرة ف الطريق‪ ،‬ل يصمد أكثر من نصف قرن‪،‬‬
‫وخرجت نساء العال السلمى سافرات كاسيات عاريات مائلت ميلت كما وصفهن رسول‪ e‬قبل‬

‫() يتصايح الفارغون والفارغات بأن الجاب ليس "إسلميا" إنا هو تقليد عرب بدوي أبقاء السلمون بعد إسلمهم مافظة علي التقاليد الوروثة ليس غي! ويتبجحون بإنكار وقائع‬
‫‪1‬‬
‫التاريخ‪ .‬تقول عائشة رضي ال عنها‪ :‬رحم ال نساء النصار‪ .‬لا نزلت آية الجاب عمدت كل واحدة منهن إل ثثوبا ففاعتجرت به (أي‪ :‬لفته فوق رأسها ووجهها) فهو ل يكن‬

‫تقليدا معمولً به قبل السلم‪ ,‬إنا هو أمر به ال تعال فنفه السلمون‪.‬‬


‫أن يبزن إل الوجود بثثة عشر قرنا أو تزيد‪.‬‬
‫وكان ذلك لن الجاب كان مرد تقليـد‪ ،‬يرعـى بذه الصـفة‪ ،‬ل عـن إيان حـى واع بالصـل‬
‫العتقادى الذى انبثق عنه الجاب‪.‬‬
‫وازن ب ي ذلك وب ي الفتيات الحجبات اليوم عن عقيدة وو عى‪ ..‬إن الاهل ية ب كل ثقل ها تندد ب ن‬
‫وتسخر منهن‪ ،‬بل تتعرض لن أحيانا بالسجن والتعذيب‪ ..‬فهل خلعن الجاب؟ أو استمعن للصوات‬
‫الناشزة الت تدعوهن للعه؟‬
‫هذا هو الفارق بي السلوك النابع من العقيدة‪ ،‬والسلوك النابع من التقليد‪ ..‬وقس على ذلك كل أمور‬
‫السلم‪.‬‬
‫فإذا عل مت أن ال مر انت هى إل أن ي صبح ال سلم كله‪ ،‬ح ت عبادا ته و سلوكه‪ ،‬تقال يد‪ ،‬تر عى لن ا‬
‫تقاليد ولكنها خاوية من الروح‪ ..‬استطعت أن تدرك كيف جاء النيار‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫أمر أخي لبد من الشارة إليه ف ظل الكم العثمان‪ ،‬لنه كان ذا أثر بعيد ف الجتمع السلمى‪.‬‬
‫ل قد ظلت المور ف العال ال سلمى _ و ف العال أج ع ف القي قة – عشرة قرون كاملة تقري با ل‬
‫تكاد تتغي إل ف نطاق مدود‪.‬‬
‫وكان الفقهاء السلمون الكبار قد اجتهدوا ف كل ما واجههم من المور‪ ،‬فأنشئوا ا فقهاء متكامل‬
‫عميقا شامل يغطى احتياجات السلمي ف العبادات والعاملت‪ ،‬ث جاء تلميذهم وشراحهم فزادوا ف‬
‫قضا يا الفروع حلول لشكلت ت صوروا حدوث ها ف أى ظرف من الظروف القاد مة‪ ،‬فكانوا يفترضون‬
‫الفرض ويقولون ‪ :‬أرأيت لو حدث كذا ويستنبطون لذا المر التخيل حكما مستمدا من شريعة ال‪.‬‬
‫فلما مضى الزمن وحدثت تلك الفتراضات بالفعل‪ ،‬ل يس السلمون أنم ف حاجة إل اجتهادات‬
‫جديدة‪ ،‬فقط غطى الفقهاء وتلميذهم وشراحهم من قبل كل ما جد ف حياتم‪ .‬لذلك أعلنوا منذ القرن‬
‫الامس إغلق باب الجتهاد لعدم الاجة إيه‪.‬‬
‫ومرت خسـة قرون آخرى أو سـتة على وجـه التقريـب والسـلمون ل يسـون باجـة لراجعـة هذا‬
‫القرار‪ ،‬لن ما ب ي أيدي هم من الف قه يكفي هم ويف يض عن حاجت هم‪ ،‬فاكتفوا بالتتل مذ عل يه‪ ،‬وإخراج‬
‫الختصرات الت تفى باجة طالب العلم البتدئ لتعينه على الدخول ف عال الفقه العويص‪.‬‬
‫ول كن المور م نذ القرن الثا ن ع شر الجرى على ال قل بدأت تتغ ي تغيا سريعا ب عد اختراع اللة‬
‫وتقدم الباث العلم ية والكتشفات والخترعات‪ ،‬م ا أحدث أوضا عا جديدة وعلقات جديدة ل ي كن‬
‫الفقهاء القدامى وتلميذهم وشراحهم قد تيلوا حدوثها‪ ،‬فلم يستنبطوا لا الحكام اللئمة من الشريعة‬
‫السلمية‪.‬‬
‫وه نا كان الفروض أن يعاد ف تح باب الجتهاد لواج هة هذه التغيات وبيان ح كم ال في ها ليلتزم به‬
‫السلمون‪ .‬إذا مهمة الفقه الدائمة الت ل تتوقف هى مواجهة كل ما يلم بالسلم ف حياته وبيان حكم ال‬
‫ف يه من حلل أو حرام أو مندوب أو مكروه أومباح‪ ،‬ليكون ال سلم على بي نة من ا مر ر به ف كل أ مر‬
‫يأتيه‪.‬‬
‫ولكن الدولة العثمانية رفضت إعادة فتح باب الجتهاد (‪.)1‬‬
‫رفضت بسن نية كاملة‪ ،‬وبغية حقيقية على دين اله‪ .‬على أساس أنه ل يوجد ف الوقت الاضر من‬
‫تتوافر فيه شروط الجتهاد‪.‬‬
‫ولكن النتائج كانت خطية‪.‬‬
‫فحي يتوقف الجتهاد مع وجود دواعيه ومتطلباته‪ ..‬فماذا يدث؟‬
‫يدث أحد أمرين ‪ :‬إما أن تمد الياة وتتوقف عن النمو‪ ،‬لنا مكومة بقوالب ل تعد تلئمها‪ .‬وإما‬
‫أن ترج على القوالب الصبوبة وترج ف الوقت ذاته من ظل الشريعة‪ ،‬لن هذا الظل ل يد بالجتهاد‬
‫حت يغطيها‪.‬‬
‫وقد حدث المران معا‪ ،‬الواحد تلو الخر‪ ..‬المود أول ث الروج بعد ذلك من دائرة الشريعة‪.‬‬
‫وقد يظن القارئ العابر للتاريخ أن الروج على الشريعة قد حدث ف أول القرن الرابع عشر الجرى‬
‫(نا ية القرن التا سع ع شر اليلدى) ول كن القي قة الشري عة ال سلمية جلة وال كم بغ ي ما أنزل ال‬
‫جهرة‪ ..‬ول كن بدء ت سلل " النظ مة " الجنب ية إل الدولة ال سلمية قد بدأ مكرا عن هذا الع صر‪ ،‬م نذ‬
‫بدأت عملية إدخال " التنظيمات" الوربية لتحكم با الحاكم ف الدولة السلمية فيما جد من المور‬
‫الت ل يتناولا الفقهاء القدامى‪ .‬وكان الدافع وراء هذا هم اليهود والنصارى ف بلط اللفة! (‪( )2‬لمر‬
‫يريدونه بل شك) وكانت هذه ثغرة بدأت تتسع حت أدت ف النهاية إل أفظع ما حدث ف تاريخ المة‬
‫من انرافات‪.‬‬
‫لقد كانت تلك " التنظيمات " ف مبدئها ما يكن أن يتمشى مع روح السلم ول يناقض نصوصه‪،‬‬

‫() يعتقد كثيون أن الدولة العثمانية هي الت أغلقت باب الجتهاد‪ ,‬وهذا غي صحيح‪ .‬فقد أقفل باب الجتهاد منذ القرن الامس الجري‪ ,‬إنا الأخوذ علي الدولة العثمانية أنا ل‬
‫‪1‬‬
‫توافق علي إعادة فتحه حي باققتضت الظروف ذلك‪.‬‬

‫() كان وجود اليهود والنصاري ف بلط اللفة من الخالفات التيي وقعت فيها الدولة العباسية ث العثمانية رغم التحذير الربان بعدم اتاذ بطانة من غي السلمي‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫لذلك ل يد علماء ذلك الوقت حرجا ف استخدامها‪ ،‬خاصة مع عدم الذن بإعادة فتح باب الجتهاد ‪:‬‬
‫لكن النراف كان خطيا من وجهي‪.‬‬
‫الوجه الول ‪ :‬أنه أحدث " مبدأ " خطيا ف ذاته‪ ،‬وأثبتت اليام خطورته‪ ،‬هو مبدأ ال ستمداد من‬
‫ف كر غ ي إ سلمى‪ ،‬وحياة غ ي إ سلمية‪ ،‬ومن هج غ ي إ سلمى‪ ،‬وترك يب الرق عة ال ستعارة ف الثوب‬
‫السلمى بجة أنا " ل تتناف " معه‪.‬‬
‫والوجه الثان ‪ :‬وهو ل يقل خطورة‪ ،‬أنه أحدث وها ف نفوس الناس بوعى منهم أو بغي وعى –‬
‫مؤداة أن الشريعة السلمية صالة للتطبيق فيما ب قى على حاله من أمور الياة ل يتغي منذ نزول هذه‬
‫الشريعة‪ ،‬أما ما جد من المور وخاصة ف القرني الخيين فإن الشريعة ل تصلح لواجهته وتوجيهه‪ ،‬إنا‬
‫الل فيه هو استياد " القواني " الصالة له من المم " التقدمة " الت عانت الشكلة أصل واستنبطت‬
‫لا الل‪.‬‬
‫وكل الوجهي كان له ف حياة المة السلمية ف أجيالا الخية أسوأ تأثيا‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫ف الصفحات الاضية من هذا الفصل عبنا ف سرعة خاطفة أربعة عشر قرنا من تاريخ هذا المة على‬
‫وجه التقريب‪ .‬والعبور بذه السرعة الاطفة على النحو الذى صنعناه ل يكن ف القيقة أن يعطى صورة‬
‫صحيحة عن خط سي الحداث‪.‬‬
‫فالحداث ل تقع مفرد‪ ،‬ول تسي ف قنوات مفردة كما نتكلم عنها هنا‪ ،‬إنا تتفاعل الحداث خلل‬
‫الياة البشرية وتعطى آثارها من خلل تمعها وتفاعلها‪ ،‬بيث يصعب أن ترد النتائج إل سبب واحد‬
‫بعينه مهما تكن قوته ف ذاته‪ ،‬ول إل مموعة الحداث كل على حدته‪ ..‬كما أن الواقع التاريى ف‬
‫سيه الب طئ‪ ،‬التدا خل التغ ي ال صورة على الدوام‪ ،‬ل ترى ف يه الحداث ف خطوط م ستقيمة مباشرة‬
‫كال ت نر سها ن ن ف أثناء الد يث‪ ،‬إن ا تتعرج الطوط وتتدا خل‪ ،‬ي سرع بعض ها أحيا نا ويب طئ أحيا نا‬
‫أخرى‪ ،‬ويبدو كالتو قف فترة ث يعود فيتحرك مرة أخرى‪ ..‬و ف النها ية تظ هر ل نا نتي جة كأن ا حا سة‬
‫ونائية‪ ..‬وهى ل تعدو أن تكون مرحلة فىخط السي‪ ،‬يد بعدها جديدا‪.‬‬
‫كل لي ست ال صورة ف حقيقت ها ك ما ر سناها ف تلك ال صفحات الاض ية بتلك ال سرعة الاط فة‪..‬‬
‫ولكنها ضرورة البحث من ناحية‪ ،‬وضرورة الياز‪.‬‬
‫ضرورة الب حث تفرد خطوط التار يخ‪ ،‬وتتحدث عن كل وا حد على حد ته كأ نه كان كذلك ف‬
‫القيقة‪ .‬وضرورة الياز تعلنا نتكتفى برسم الطوط العريضة‪ ،‬فننسى أنا ل تكن وحدها هى العاملة‬
‫ف ر سم ال صورة النهائ ية‪ ،‬إن ا كان إل جوار ها عشرات من الطوط الخرى‪ ،‬وعشران من القنوات‬
‫الفية الت تصل بينها‪ ،‬وتكم ارتباطها دون أن تظهر على السطح‪.‬‬
‫فلنذكر على أى حال أننا ل نكن ف خلل تلك الصفحات نكتب تاريخ المة السلمية‪ ،‬ول حت‬
‫تار يخ خط النراف إن ا ك نا نلت قط خطو طا بعين ها‪ ،‬وموا قف بعين ها‪ ،‬ن سبها أظ هر ما ف ال صورة‪،‬‬
‫فتنتزعها من سياقها التداخل التراكب الترابط لنسلط عليها الضوء‪ .‬ونسميها على سبيل الجاز " خط "‬
‫النراف‪.‬‬
‫ومه ما ي كن من أ مر‪ ،‬ف قد تم عت النرافات وتفاعلت بعض ها مع ب عض‪ ،‬فأدت ف النها ية إل‬
‫النيار‪.‬‬
‫من الذروة السامقة إل الوة السحيقة‪ ..‬مسافة تدير الرءوس‪..‬‬
‫هل يصدق أحد حي يعايش اليل التفرد بكل قممه السامقة أن ذراريه يكن أن تبط إل هذه الوة‬
‫السحيقة؟ وهل يصدق أحد حي يعايش الجيال الاضرة ف هوتا السحيقة ال ت تردت إليه‪ ،‬أن ا من‬
‫ذرارى ذلك اليل التفرد ف التاريخ‪.‬‬
‫كأنما أمتان منفصلتان ل يمع بينهما شئ‪.‬‬
‫ومن العسي كما قلنا أن نرجع النتائج النهائية إل سبب واحد بعينه‪ ،‬ول إل مموعة من السباب‬
‫كل على حدته‪ .‬ولكن هذا ل ينفى أن تكون هناك أسباب أقوى ف تأثيها من أسباب‪.‬‬
‫ولعل نا ن ستطيع أن نل خص الو قف ف أر بع نقاط رئي سية‪ ،‬أو أرب عة أ سباب رئي سية‪ ،‬ترد إلي ها بق ية‬
‫النقاط وبقية السباب‪.‬‬
‫فهناك أول التفلت البشرى الطبيعى من التكاليف كلما امتد الزمان‪ .‬والعلج الربان لذا التفلت كما‬
‫قل نا هو التذك ي‪ .‬فن ستطيع أن نقول إذن إن التذك ي ل ي كن بالقدر اللزم الذى ي نع مموع ال مة من‬
‫التفلت‪ ،‬أو ل يكن من حيث الكيف بالكفاءة الطلوبة لنع المة من النراف عن الادة‪ ،‬وخاصة إذا‬
‫وضعنا ف العتبار تزايد الرفعة الستمر‪ ،‬ودخول أقوام جدد ف السلم باستمرار‪.‬‬
‫وف الوقت ذاته‪ ،‬حي كان التذكي أقل من الطلوب ف الكم وف الكيف‪ ،‬وكان ف حاجة إل الزيد‪،‬‬
‫جاء تياران مضادان لعمل ية التذك ي‪ ،‬يزيدان من در جة الع جز في ها‪ ،‬أحده ا هو الف كر الرجائى الذى‬
‫يط مع الع بد ف ر ضا موله بغ ي ع مل حقي قى بقت ضى اليان‪ ،‬اتكال على ما ف القلب من وجدانات‬
‫ومشا عر‪ ،‬وال خر هو ال صوفية‪ ،‬ال ت تط مع الع بد ف ر ضا موله عن طر يق آ خر غ ي أجاء التكال يف‬
‫الشرع ية‪ ،‬بالوراد والذكار‪ ،‬وال تبك بالولياء والشا يخ‪ ،‬وو ضع الر يد نف سه بالكل ية ب ي يدى شي خه‬
‫ينفث فيها ما يشاء وهو مستسلم له تاما كأ‪،‬ما يتلقى منه وحى السماء‪ .‬وكان تأثي هذه العوامل الثلثة‬
‫منصبا كله على " العمل " بقتضى اليان‪ ،‬أى إبرازه ف الصورة السلوكية الواقعية الصحيحة ن وبصفة‬
‫خاصة على " المر بالعروف والنهى عن النكر " وهو اللصة الية لركة هذا الدين الواقعية اليابية‬
‫ف الرض‪ ،‬الت تؤدى إل تطبيق النهج الربان ف واقع الياة‪ ،‬لكيل يضمر وينحسر ف داخل الوجدان‪،‬‬
‫فيكون من ث عرضه لزيد من النسار‪.‬‬
‫فإذا إضفنا إل هذه العوامل الثلثة الستبداد السياسى الذى أدى إل ضمور المر بالعروف والنهى‬
‫عن الن كر‪ ،‬ف الجال ال سياسى خا صة‪ ،‬وتول ال سلم ف حس الناس إل مار سة فرد ية ب عد ضمور‬
‫المارسة الماعية لذا الدين وهى ركن أساسى فيه والتركيز التدريى على الشعائر التعبدية على أنا هى‬
‫الدين‪.‬‬
‫إذا أضفنا هذا إل العوامل الثلثة الاضية‪ ،‬فقد تمعت لدينا ف النهاية تيارات أربعة‪ ،‬تلتقى آخر المر‬
‫ف تيار واحد كبي‪ ،‬مضاد ف اتاهه لجرى هذا الدين‪ ،‬سواء ف واقع الجتمع أو ف داخل النفوس‪.‬‬
‫نسـتطيع باختصـار أن نقول ‪ :‬إن كـل الفاهيـم السـلمية قد فسـدت وانرفـت ف حـس الجيال‬
‫التأخرة‪ ،‬بدءا بفهوم ل إله إل ال‪ ،‬التـ أصـبحت مرد كلمـة تقال باللسـان‪ ،‬والقلب عنهـا غافـل‪،‬‬
‫وال سلوك عن ها بع يد‪ ،‬إل مفهوم العبادة الذى ان صر ف الشعائر التعبد ية‪ ،‬تؤدى أو ل تؤدى إل مفهوم‬
‫القضاء والقدر الذى تول إل قوة مثبطـة مذلة‪ ،‬إل مفهوم الدنيـا والخرة اللتيـ انفصـلتا وتولتهـا إل‬
‫مع سكرين متقابل ي متعادي ي‪ ،‬الع مل ف أحده ا يؤدى إل إهال الع مل ف ال خر‪ ،‬إل مفهوم عمارة‬
‫الرض‪ ،‬الذى تول مـن عمارة الرض بقتضـى منهـج ال إل توقـف العمارة‪ ،‬إل عودة العمارة ولكـن‬
‫بغي منهج ال ! (‪.)1‬‬
‫وأصبح الدين ف النهاية صورة باهتة خاوية من الروح‪ ،‬ل تستطيع أن تصمد للهجوم الوحشى الذى‬
‫تدافع من كل صوب للقضاء على السلم‪.‬‬
‫ول يع ن هذا بطبي عة الال أن كل النفوس قد تر بت‪ ،‬ول أن التذك ي ل ي عد له أ ثر على الطلق‪،‬‬
‫ول ان الف كر الرجائى قد صرف كل الناس عن الع مل‪ ،‬بل عن العزائم العال ية ذات ا‪ ،‬ول أن سلبية‬
‫الصوفية قد أحاطت بكل النفوس فصرفتها عن اليابية اللزمة‪ ،‬ول أن الساحة قد خلت تاما من المر‬
‫بالعروف والنهى عن النكر‪ ،‬سواء ف ميدان السياسة أو ف المور الجتماعية‪ ..‬فإنا إن قلنا ذلك نكون‬
‫ماف ي للحقائق التاري ية‪ ،‬وفتئت ي على النماذج البارزة الرائ عة ال ت ل ي ل من ها قط ج يل من أجيال‬

‫() راجع إن شئت كتاب "مفاهيم ينبغي أن تصحح"‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫السلم‪ ،‬والت تمل دائما قبسا من ذلك اليل الفريد‪.‬‬
‫ولكنا حي نطلق ما نطلق من تعميمات‪ ،‬نقصد بذلك الصورة الغالبة‪ ..‬والصورة الغالبة هى الت تقرر‬
‫الوقف العملى ف القيقة‪ ،‬وليست القلة التميزة مهما يكن لا من التميز‪ ،‬إل أن يكون ف أيديها هى‬
‫مقاليد المور‪.‬‬
‫وف الفصل القادم ناول أن نشرح بشئ من التفصيل آثار النراف ف واقعنا العاصر‪ ،‬بعد أن أدت‬
‫السباب إل نتائجه التمية حسب سنة ال‪.‬‬
‫سّنةِ اللّ ِه َتبْدِيلً (‪[ })23‬سورة الفتح ‪]48/23‬‬
‫جدَ لِ ُ‬
‫{وَلَ ْن تَ ِ‬

‫‪m m m‬‬

‫آثار النراف‬
‫أشر نا ف نا ية الف صل ال سابق إشارة عابرة إل آثار خط النراف الطو يل ف وا قع ال مة ف الفترة‬
‫الخية‪ .‬ونريد هنا أن نركز القول على القرني الخيين ف حياة المة والقرن الخي خاصة بشئ من‬
‫التفصيل‪ ،‬يبي لنا من ناحية‪ ،‬كيف وصلنا إل واقعنا العاصر الذى نعيشه ف هذه اللحظة‪ ،‬ويبي لنا من‬
‫ناحية أخرى ماهية هذا الواقع العاصر وساته البارزة‪ ،‬ليتيسر لنا فيما بعد أن نتعرف على طريق اللص‪.‬‬
‫‪ -1‬التخلف العقدى‬
‫إن أول ما يبدهنا حي نن ظر إل القرن ي الخي ين والقرن الخي خاصة هو الغ بش الشديد الحيط‬
‫بقي قة ال سلم ف نفوس ال سلمي والب عد التزا يد عن هذه القي قة ف الياة الواقع ية‪ .‬أى أ نه ف ساد ف‬
‫التصور وفساد ف السلوك‪.‬‬
‫ل قد كان الف ساد ف ال سلوك قائ ما ف ع صور سابقة‪ ،‬و جر على ال مة الوبال إذا أدى إل اجتياح‬
‫جحا فل التتار دولة الل فة وتد فق ال صليبيي من الغرب يريدون إطفاء نور ال سلم‪ ..‬ول كن الت صورات‬
‫كانـت مـا تزال أقرب إل الصـحة‪ ،‬لن النرافات التعل قة بالتصـور كانـت مصـورة ف نطاق مدود‪.‬‬
‫فالفرق الزائعة قد زاغت ولكن حجمها بالنسبة لجموع المة ضئيل‪ ،‬والفكر الرجائى قد وجد ولكنه‬
‫كان ما يزال أفكار ف البراج العاجية أكثر منه واقعا ملموسا ف حياة المة‪ ،‬لن دفعة العمل كانت ما‬
‫تزال قو ية دفا قة ف كل اتاه‪ ،‬ب يث ل تعطل ها تلك الفكار عن النطلق‪ ،‬بل كان أ صحاب الف كر‬
‫ـ سـبق القول‪ ،‬مـن العابديـن العامليـ الفقهاء‪ ،‬ول يكونوا يتأثرون بفكرهـم‬‫الرجائى هـم أنفسـهم كم ا‬
‫الاص فيتركوا الع مل أو ينادوا بتر كه‪ .‬وكا نت ال صوفية موجودة‪ ،‬ولكن ها لي ست ال سمة الغال بة على‬
‫الجتمع‪ ،‬بل هى قائمة ف ركن منعزل منه تتعبد لنفسها بعيدا عن الضوضاء‪.‬‬
‫أما حي بدأ الفساد ف التصور يتسع حت يصبح هو الصل‪ ،‬فقد تغي المر‪ ..‬ول يعد فساد السلوك‬
‫وحده هو العلة فتن فه خط بة حا سية أو موع ظة مؤثرة‪ ..‬إن ا أ صبح ال مر يتاج إل ج هد ض خم يبذل‬
‫التصحيح الفاهيم أول ث تصحيح السلوك بعد ذلك‪ ،‬أو تصحيحهما معا ف الوقت ذاته‪ ،‬وهو على أى‬
‫حال جهد غي يسي‪.‬‬
‫فسدت الفاهيم كلها كما أشرنا ف ناية الفصل السابق‪ ،‬فلم يعد شئ منها يشابه أصلة الذى كان‬
‫عليه يوم نزل هذا الدين من عند ال‪.‬‬
‫كا نت ل إله إل ال ع ند ال يل الذى تلقاه وآ من ب ا أول مرة شيئا يبلغ من الضخا مة أن يز يل واق عا‬
‫بشريا بأكمله‪ ،‬وينشئ بدل منه واقعا جديدا متلفا عنه كل الختلف‪.‬‬
‫كانت منهج حياة متكامل يشمل الياة بميع جوانبها وجيع حذافيها‪ ،‬فل يند شئ من هذه الياة‬
‫صغر أو كب عن ل إله إل ال ومقتضيات ا‪ ،‬ومقتضيات ا هى الت سليم ب ا جاء من ع ند ال‪ ،‬والع مل قدر‬
‫الطاقة بقتضى ما أنزل ال ‪:‬‬
‫{فَاّتقُوا اللّ َه مَا اسْتَ َط ْعتُ ْم وَاسْ َمعُوا َوأَطِيعُوا‪[ }....‬سورة التغابن ‪]64/16‬‬
‫وكا نت ضخامت ها ف ح سمهم متمثلة ف التغ ي الائل الذى حدث ف دا خل نفو سهم‪ ،‬ح ت لكأن ا‬
‫نفوس جديدة ل ع هد ل م ب ا من ق بل‪ ،‬والتغ ي الكا فئ الذى حدث ف وا قع حيات م‪ ،‬ح ت لكأن ا حياة‬
‫جديدة ليس فيها شئ من الاضى‪ ،‬حت حركة النفاس وحركة الوارح‪ ،‬فقد اكتسبت كل شئ معان‬
‫جديدة ل تكن له من قبل‪ ،‬فأصبح شيئا جديا غي الألوف من قبل‪.‬‬
‫وح ت الشياء القليلة ال ت بق يت من حياة الاهل ية وارتضا ها ال سلم‪ ،‬ل ت كن هى بال تلك ال ت‬
‫كانت ف الاهلية‪ ،‬إنا هى شئ متلف تاما ف جوهره وإن تشابت الصورة‪ ،‬شئ ولد ميلدا جديدا مع‬
‫السلم‪.‬‬
‫فالشجاعة صفة كانت ف الاهلية وارتضاها بل حض عليها السلم‪ .‬ولكن هل كانت هى هى؟‬
‫كل‪ .‬فشجاعة الاهلية هى تلك " المية " الت ندد با السلم تنديدا ‪:‬‬
‫{إِذْ َجعَ َل الّذِينَ َكفَرُوا فِي قُلُوِبهِ ْم الْحَ ِمّيةَ َح ِمّيةَ الْجَاهِِلّيةِ‪[ }...‬سورة الفتح ‪]48/26‬‬
‫أ ما ما د عا إل يه ال سلم ف هو الو هر القي قى للشجا عة‪..‬الشجا عة ف ال ق‪ ،‬ل الم ية ف البا طل‪،‬‬
‫والهاد الالص ل ل للسمعة والرياء‪.‬‬
‫والكرم صفة كانت ف الاهلية‪ ،‬وارتضاها السلم بل حض عليها‪ .‬ولكنها ف السلم شئ متلف‬
‫ف جوهره وإن تشابت الصورة‪ .‬إنا ف الاهلية رئاء الناس‪ ،‬الذى ندد به السلم تنديدا ‪:‬‬
‫ص ْفوَا ٍن عََليْ ِه تُرَا بٌ َفأَ صَابَ ُه‬
‫س وَل ُيؤْمِ ُن بِاللّ ِه وَاْلَيوْ مِ الخِرِ َف َمثَلُ هُ كَ َمثَلِ َ‬
‫{كَالّذِي يُنفِ ُق مَالَ هُ ِرئَا َء النّا ِ‬
‫سبُوا وَاللّ ُه ل َيهْدِي اْل َقوْ َم الْكَاِفرِي نَ (‪ [ })264‬سورة‬ ‫وَابِلٌ َفتَرَكَ هُ صَلْدا ل َيقْدِرُو َن عَلَى شَيْ ٍء مِمّ ا كَ َ‬
‫البقرة ‪]2/264‬‬
‫أ ما ف ال سلم ف هو النفاق الن قى الالص‪ ،‬الذى يراد به و جه ال‪ ،‬ول يس للذ كر الذى تتحدث به‬
‫الركبان ‪:‬‬
‫سكِينا َوَيتِيما َوأَسِيا (‪ِ )8‬إنّمَا نُ ْطعِ ُمكُمْ ِلوَجْهِ اللّ ِه ل نُرِيدُ مِْنكُمْ َجزَاءً‬
‫{ َويُ ْطعِمُونَ ال ّطعَا َم عَلَى ُحبّهِ مِ ْ‬
‫وَل ُشكُورا (‪[ })9‬سورة النسان ‪]9-76/8‬‬
‫َويُ ْطعِمُو نَ ال ّطعَا َم عَلَى ُحبّ ِه مِ سْكِينًا َوَيتِيمًا َوأَ سِيًا‪ِ ،‬إنّمَا نُ ْطعِ ُمكُ مْ ِلوَجْ هِ اللّ ِه ل نُرِي ُد مِنكُ مْ َجزَاء وَل‬
‫ُشكُورًا‬
‫كذلك‪ ..‬لقد غيت ل إله إل ال كل شئ ف حياة اليل الول‪ ،‬وأنشأت ف مكانه واقعا جديدا كل‬
‫الدة‪ ،‬وارتبط هذا الواقع الديد ف حسهم بل إله إل ال‪ ،‬لنا هى الت أحدثته بالفعل ف داخل النفوس‬
‫وف واقع الياة‪.‬‬
‫حي كانت اللة ف حسهم متعددة كان الضياع والتيه‪ ،‬وكان الرتكاس ف المأة الاهلية‪ ،‬وكان‬
‫فساد الخلق‪ ،‬وكان ضيق الفق‪ ،‬وسطحية الهتمامات وقربا وأنانيتها‪ ،‬وكان الظلم التبادل ‪:‬‬
‫يهدّم‪ ،‬ومن ل يظلم الناس يظلم (‪!)1‬‬ ‫ومن ل يذد عن حوضه بسلحه‬
‫وح ي آمنوا بال الوا حد‪ ،‬وأقروا أ نه ل إله إل ال‪ ،‬تغ ي هذا كله‪ ،‬فوجدوا ب عد ضياع‪ ،‬ورشدوا ب عد‬
‫تيه‪ ،‬وارتفعوا بعد ارتكاس‪ ،‬وست أخلقهم بعد فساد‪ ،‬واتسعت آفاقهم بعد ضيق‪ ،‬وعمقت اهتماماتم‬
‫وبعدت آمادها وذهبت عنها انانيتها‪ ،‬وصارت الخوة مكان التظال‪.‬‬
‫لذلك كان اليان ب ـ " ل إله إل ال " موازيا ف ح سهم لذا التغ ي العظ يم كله‪ ،‬بل مؤد يا إل يه ف‬
‫القيقة‪ ،‬فلم تكن ف حسهم هى الكلمة‪ ،‬إنا كانت موجودة ف حسهم بدلولا‪ ،‬بقتضياتا‪ ،‬بترجتها‬
‫الواقعية‪ ,‬وكانت ترجتها الواقعية هى ما تشتمل عليه حياتم من كل شئ‪ ،‬من اعتقاد بوحدانية ال‪ ،‬إل‬
‫صلة وصيام وزكاة وحجج تؤدى كلها ل الواحد بل شريك‪ ،‬إل إقامة الياة بك دقائقها على مقتضى‬
‫ما جاء من عند ال‬
‫وهل لـ " ل إله إل اله " معن غي ذلك؟ أو ترجة غي ذلك؟‪.‬‬
‫() من معلقة الشاعر الاهلي زهي بن أب سلمي‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫صحيح أن لتحقيق ل إله إل ال ف عال الواقع درجات متلفة (‪ ،)2‬كلها ترجات لا‪ ،‬أدناها هو الد‬
‫الد ن الفروض‪ ،‬وأعل ها هو تلك النماذج التفردة ال ت أ تى ب ا ال يل التفرد‪ .‬ولكن ها ف كل درجات ا‬
‫الصحيحة‪ ،‬ل تبط عن الد الدن الفروض‪ ،‬ل تبط عن العتقاد بوحدانية ال‪ ،‬وإقامة الشعائر التعبدية‬
‫له وحده بل شريك‪ ،‬وإقامة الياة بقتضى ما جاء من عند ال‪ ..‬ث ترتفع ما شاءت بعد ذلك ف دقة‬
‫الداء وعمق الداء‪.‬‬
‫ولكن ها ظلت خلل القرون التوال ية تض مر تدري يا ف حس الناس‪ ،‬و ظل مفعول ا يض مر ف دا خل‬
‫النفوس وواقع الياة‪ ،‬حت أصبحت ف النهاية ل تعمل‪ ..‬وإنا تقال فقط‪ ،‬ث ترى الياة بعد قولا ف‬
‫مرا ها الذى ت سوقها إل يه الظروف‪ ،‬ك من ي ضع ف طر يق التيار حاجزا ير يد به ض بط التيار أو تويله‪،‬‬
‫ولكن الاجز ملوء بالثقوب‪ ،‬فهو قائم ولكنه ل يصنع شيئا‪ ،‬والاء يرى من خلله كأنه غي موجود‪ .‬أو‬
‫كورقة العملة الزيفة‪ ،‬تمل ذات اللفاظ والرسوم الت تملها الورقة القيقية‪ ،‬ولكنها ل تغن صاحبها‪،‬‬
‫ول تشترى له شيئا من السوق إن ل تعرضه للعقاب والزى‪ ..‬لنا ورقة بل رصيد‪.‬‬
‫وكانت العبادة عند الذين تلقوا هذا الدين أول مرة أمرا شامل للحياة كلها كما علمهم ال ‪:‬‬
‫حيَاي َومَمَاتِي لِلّ هِ رَبّ الْعَالَ ِميَ (‪ )162‬ل شَرِي كَ لَ هُ} [سورة النعام‬
‫{قُلْ ِإنّ صَلتِي َونُ سُكِي َومَ ْ‬
‫‪]163-6/162‬‬
‫فلم تكن قط مصورة ف الشعائر التعبدية من صلة وصيام وزكاة وحج‪ ،‬ث يعيش النسان فيما بي‬
‫الشعية والشعية بل عبادة‪ ،‬إنا الياة كلها عبادة‪ ،‬وذكر ال با يقتضيه الذكر من عمل بقتضى ما أنزل‬
‫ال‪ ،‬عملية دائمة ل تتوقف‪.‬‬
‫{الّذِي َن يَذْكُرُونَ اللّهَ ِقيَاما وَُقعُودا َوعَلَى ُجنُوبِهِمْ‪[ } ...‬سورة آل ‪]3/191‬‬
‫لذلك كانت قلوبم مشغولة أبدا بذكر ال‪ ،‬وكانت كل لظة من لظات حياتم عبادة‪.‬‬
‫ل يكن ف حسهم ف لظة التجارة والبيع والشراء أنم الن ف خارج العبادة‪ ،‬فل عليهم أن يغفلوا‬
‫عن ذكر ال‪ ،‬ول عليهم أن يغشوا أو يدعوا أو يسعوا إل الربح الفاحش على حساب الناس‪.‬‬
‫ل يكن ف حسهم ف لظة الترويح عن أنفسهم أنم الن ف خارج العبادة‪ ،‬فل عليهم أن يفحشوا‬
‫ويجنوا ويعصوا ال وينسوا أوامره حت يعودوا إل ذكره من جديد حي تي " لظة " العبادة‪.‬‬
‫بعبارة أخرى ل تكـن الياة تنقسـم فـ حسـهم إل " عبادات " و " معاملت " إناـ هـى عبادات‬
‫متلفة‪ ،‬بعضها شعائر مفروضة ذات أوقات مددة‪ ،‬وبعضها مفتوحة تشمل كل نشاط النسان السياسى‬

‫() تقابلها درجات متلفة من النة‪.‬‬


‫‪2‬‬
‫والقتصادى والجتماعى والخلقى والعلمى والضارى‪ ،‬ولكنها كلها داخلة ف دائرة العبادة الت يذكر‬
‫فيها اسم ال‪ ،‬ويلتزم فيها با أنزل ال‪.‬‬
‫كذلك ل ت كن الياة تنق سم ف ح سهم إل" ساعة لقل بك و ساعة لرب كم " فال ساعاتان كلتاه ا ل‪،‬‬
‫لنما من ساعات الياة‪ ،‬والياة كلها ل‪.‬‬
‫وهل يكن أن تكون العبادة شيئا غي هذا الذى فهمه اليل التفرد؟‬
‫هل التزامهم با أنزل ال ف " العاملت " كان شيئا من عند أنفسهم تزيدوا به على هذا الدين؟ وهل‬
‫التزامهم بآداب السلم وأخلقياته حت ف ساعة " الترويح " كان شيئا من عند أنفسهم تزيدوا به على‬
‫هذا الدين؟‬
‫أم إن هذا هو " الدين " كما علمهم إياه رسول ال‪e‬؟‬
‫هـل الصـدق والمانـة فـ البيـع والشراء والتجارة‪ ،‬والوفاء بالوعـد‪ ،‬والخلص فـ العمـل وإتقانـه‪،‬‬
‫والنضباط ف السلوك‪ ،‬واللتزام بالداب والخلق‪ ..‬هل هذه كلها أشياء جاءوا با من عند أنفسهم‪،‬‬
‫وتطوعوا با تطوعا غي مأمورين؟‬
‫نعم لقد كانت لم مالت تطوعهم الت تفردوا با‪ ..‬حي ألزموا أنفسهم بالندوبات كأنا فرائض‪،‬‬
‫وهذا هو الذى ارتفع بم إل القمم السامقة الت وصلوا إليها‪ ..‬أما تناول الياة كلها على أنا عبادة يلتزم‬
‫في ها الن سان ب ا أنزل ال‪ ،‬ويتو جه ب ا إل ال‪ ،‬ف هل كان من ع ند أنف سهم؟ أم إ نه هو التحق يق العملى‬
‫حيَاي َومَمَاتِي ِللّ هِ رَبّ اْلعَالَمِيَ (‪ )162‬ل شَرِي كَ لَ هُ}‬ ‫لقوله تعال ‪{ :‬قُلْ إِنّ صَلتِي َونُ سُكِي َومَ ْ‬
‫[سورة النعام ‪ ]163-6/162‬وقوله تعال ‪{ :‬يَذْكُرُو نَ اللّ هَ ِقيَاما وَُقعُودا َوعَلَى ُجنُوِبهِ مْ} [سورة‬
‫آل ‪]3/191‬‬
‫وإذا كان ال صدق تكلي فا ربان يا‪ ،‬والما نة تكلي فا ر بان ية والوفاء بالو عد تكلي فا ربان يا‪ ..‬ف هل هذه‬
‫التكاليف داخلة ف العبادة أم خارجة عنها‪ ،‬زائدة عليها؟‬
‫وك يف تكون خار جة عن ها او زائدة علي ها وال سبحانه وتعال يقرر بأقوى صيغ التوك يد (الن فى‬
‫والستثناء) أنه ل يكلف البشر إل أن يعبدوه‪.‬‬
‫ت الْجِ ّن وَالِنسَ إِلّ ِلَيعْبُدُونِ (‪[ })56‬سورة الذاريات ‪]51/56‬‬
‫{ َومَا خََل ْق ُ‬
‫فأذ كان أقصى الغاية الت خلق البشر ليقوموا با هى العبادة‪ ،‬فهل يكن أن يكون تكليف واجد من‬
‫التكاليف خارجا عن دائرة العبادة؟ وأين يكون إذن من قول ال الؤكد بأنه خلق البشر لعبادته وحدها‬
‫ل ليقوموا بأى شئ آخر؟‬
‫ل قد كان ف هم ال صحابة رضوان ال علي هم هو الف هم ال ق‪ ،‬وكان سلوكهم بقت ضى هذا الف هم هو‬
‫السلوك الق‪.‬‬
‫ول كن خل فت من بعد هم أجيال أخذت تتخ فف من التكال يف‪ ،‬فتخرج ها رويدا رويدا من دائرة‬
‫العبارة‪ ،‬وتضيق دائرة العبادة تدرييا حت تصرها نائيا ف الشعائر التعبدية ول زيادة‪.‬‬
‫وحي خرج الصدق من دائرة العبادة ل يعد الصدق ف حس الناس لزما‪ ..‬إنا أصبح شيئا جيل إن‬
‫وجد فإن ل يوجد فل بأس‪.‬‬
‫وحي خرجت المانة من دائرة العبادة ل تعد لزمة ف التعامل‪ .‬إنا هى جيلة إن وجدت ف شخص‬
‫بعينه‪ ،‬فإن ل توجد فل بأس‪.‬‬
‫وحي خرج الوفاء بالوعد من دائرة العبادة ل يعد لزما‪ .‬إنا هو موعظة جيلة يلقى با الطيب ف‬
‫خطبة المعة‪ ,‬فإن ل يارسه أحد فل بأس‪.‬‬
‫وهكذا صار عند الناس إسلم بل أخلق‪ ،‬إسلم ل ينله ال تعال ول يأمر به‪ ،‬إنا أمر بضده تاما‪..‬‬
‫ومع ذلك يارسه الناس على أنه " غاية الراد من رب العباد "‪.‬‬
‫وي ى الف كر الرجائى فيوا كب هذا التخلف العقدى الهلك‪ ،‬ويت سع تدري يا مع كل تلف جد يد‬
‫على أ ساس قاعد ته " العظ مى " أ نه ل ي ضر مع اليان شئ‪ ،‬وأن اليان هو الت صديق‪ ،‬أو هو القرار‬
‫والتصديق‪ ،‬وأن العمل خارج من مسمى اليان‪.‬‬
‫حقيقة أن الناس وهو يصنعون ذلك ل يكونوا قد خرجوا من دائر ة اليان‪ ..‬وأنم عصاة بي يدى‬
‫الرحن إن يشأ يعذبم وإن يشأ يرحهم‪ ،‬ولكن الزعم بأن " أمة ممد بي " وهى تصنع ذلك كله‪ ،‬وأنه‬
‫ل يضر مع اليان شيئ‪ ،‬هو زعم باطل يكذبه ال ورسوله‪ ،e‬ويكذبه واقع التاريخ‪.‬‬
‫فأما ال سبحانه وتعال فيقول ‪:‬‬
‫ج َز بِ ِه وَل يَجِدْ لَ ُه مِ نْ دُو نِ اللّ ِه وَِليّا وَل‬ ‫س ِبَأمَاِنّيكُ ْم وَل َأمَاِنيّ َأهْ ِل الْ ِكتَا بِ مَ ْن َيعْمَلْ سُوءا يُ ْ‬
‫{َليْ َ‬
‫جّن َة وَل‬
‫ك يَدْخُلُو نَ الْ َ‬‫ت مِ نْ ذَ َكرٍ َأوْ أُنثَى َوهُ َو ُم ْؤمِ نٌ َفُأوَْلئِ َ‬
‫نَ صِيا (‪َ )123‬ومَ ْن َيعْمَ ْل مِ ْن ال صّالِحَا ِ‬
‫يُ ْظلَمُونَ َنقِيا (‪[ })124‬سورة النساء ‪]124-4/123‬‬
‫وأما رسوله‪ e‬فقد سأل أحد صحابته رضوان ال عليهم ‪ " :‬كيف أصبحت؟ " قال ‪ " :‬أصبحت‬
‫مؤمنا حقا " قال رسول ال‪ " e‬إن لكل حق حقيقة‪ .‬فما حقيقة ما تقول؟ " قال الصحاب ‪ :‬عزفت عن‬
‫الدنيا وأظمأت نارى وأسهرت ليلى وكأن أنظر إل عرش رب‪ ،‬وأن أنظر إل أهل النة فيها يتجاوبون‬
‫وإل أهل النار يتعاوون‪ .‬فقال له النب‪ : e‬أنت أمرؤ نور ال قلبك‪ .‬عرفت فألزم" (‪.)1‬‬
‫وأ ما التار يخ ف قد قال كلم ته‪ ،‬وكلم ته هى سنة ال ال ت ل تتبدل ول تتحول‪ .‬أ نن هذه ال مة ت كن‬
‫بقدر التزامها بقتضيات اليان‪ ،‬ل بجرد التصديق والقرار‪ ،‬وأنا تزلزل ويزول عنها التمكي بقدار ما‬
‫تنتقص ف عملها من مقتضيات اليان‪ .‬مقتضيات ل إله إل ال‪.‬‬
‫وانظر إل اليل التفرد رضوان ال عليهم ‪ -‬يبطئ عليهم النصر ذات مرة فيقولون لنفسهم ‪ :‬لينظر‬
‫كل ما قصر فيه من أوامر ربه وأوامر رسوله‪ ،e‬فيجد بعضهم أنه قد أهل السواك‪ ،‬فيقولون ‪ :‬هو ذاك‪.‬‬
‫وان ظر إل الجيال ال ت تن قض أوا مر رب ا‪ ،‬وتع يش إ سلما بل ع مل وإ سلما بل أخلق‪ ،‬ث تقول ‪ :‬ل‬
‫يضر مع اليان شئ!‬
‫‪m m m‬‬

‫وما بنا من حاجة أن نعيد الشارة إل ما سبق أن أشرنا إليه من قبل‪ ،‬من فساد شامل عند الجيال‬
‫التأخرة ف كل مفاهيم السلم‪ ،‬سواء مفهوم القضاء والقدر‪ ،‬أو مفهوم الدنيا والخرة‪ ،‬أو مفهوم عمارة‬
‫ـا‬
‫ـن هذه الشارات كلهـ‬ ‫ـة إل مفهوم العبادة ومفهوم ل إله إل ال‪ ..‬إناـ نلص مـ‬ ‫الرض‪ ،‬بالضافـ‬
‫إلىحقي قة واق عة ي كن أن نطلق علي ها حقي قة " التخلف العقدى " ف حياة ال مة‪ ،‬و ما ي صاحبها من "‬
‫التخلق السلوكى " عن حقيقة السلم‪.‬‬
‫ـك فـ "‬ ‫ـن بل شـ‬ ‫ـوى تكمـ‬ ‫ـن الطورة القصـ‬ ‫ـة الطورة‪ ،‬ولكـ‬ ‫ـن خطيـ غايـ‬ ‫وكل المريـ‬
‫التخلف العقدى" لنه هو الذى ي هد للتخلف ال سلوكى من ناحية‪ ،‬ويؤ خر عل جه من ناحية أخرى‪.‬‬
‫فح ي ت كن العقيدة صحيحة‪ ،‬ويكون التخلف ال سلوكى ناشئا ف قط من التفلت البشرى ال طبيعى من‬
‫التكاليف‪ ،‬فإن التذكي يكفى لعلجه‪ ،‬لنه هو العلج الربان لغفلة الت تؤدى إل نسيان التكاليف‪ .‬أما‬
‫حيـ يكون التخلف العقدى هـو الداء‪ ،‬فالتذكيـ وحده – بالصـور العتادة‪ .‬ل يكفـى‪ ،‬لنـه ل يدـ‬
‫استجابته الطبيعية ف القلب‪ ،‬ويتاج المر إل إبراء القلب ذاته ما أل به من أمراض!‬
‫‪m m m‬‬

‫هذا التخلف العقيدى – الذى هو عقدة الع قد ف حياة ال مة ف الفترة الخية قد و صل إل أق صى‬
‫درجاته ف القرن الخي خاصة‪ ،‬حي نيت الشريعة الربانية عن الكم على يد الغزو الصليب الائح‪،‬‬
‫ولكنا ل نريد أن نتعجل خطوات التاريخ‪ ،‬بل نريد أن نتبعها خطوة خطوة حت مرحلتها الخية‪ .‬إنا‬
‫() أخرجه ابن عساكر عن أنس رضي ال عنه‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫نريد هنا أن ندد العيار الذى نقيسه به مدى ذلك التخلف ف حياة المة‪.‬‬
‫والعيار ول شك هو الكتاب والسنة‪ ،‬مرجع السلمي ف كل أمر من أمور حياتم‪.‬‬
‫والعيار كذلك هو حياة الجيال الول من السلمي‪ ،‬الت طبقت هذا الدين ف عال الواقع‪ ،‬التزاما‬
‫منها بقتضيات اليان سواء ف مال التصور أو مال السلوك‪.‬‬
‫فكلما اقتربنا من الكتاب والسنة‪ ،‬ومن حياة السلف الصال رضوان ال عليهم‪ ،‬فنحن " متقدمون "‬
‫عقديا (وسلوكيا كذلك بل شك) وكلما تآخرنا عن الكتاب والسنة وعن حياة السلف الصال فنحن‬
‫متخلفون ف مال العقيدة (وبالتال ف مال السلوك)‪.‬‬
‫وتلك أول القائق الهمة الت ينبغى أل تغيب عن أذهاننا سواء ونن ندرس خط النراف وآثاره‪،‬‬
‫أو ونن نبحث عن طرق اللص‪ ،‬والت ينبغى كذلك أن نستصحبها معنا دائما لكى ل نضل الطريق‪.‬‬

‫‪m m m‬‬

‫‪ -2‬التخلف العلمى والضارة والقتصادى‬


‫والرب والفكرى والثقاف‬
‫مـن التخلف العقدى نشأت كـل ألوان التخلف التـ أصـابت العلم السـلمى‪ ..‬التخلف العلمـى‬
‫والضارى والقتصادى والرب والفكرى والثقاف‪..‬‬
‫و قد تتلف الن سبة ب ي العوا مل الختل فة ال ت أدت إل التخلف العقدى ف تأثي ها ف كل نوع من‬
‫أنواع التخلف ال ت ذكرناه آن فا‪ ،‬فتكون ن سبة تأث ي الف كر الرجائى ف بعض ها أوضح ها‪ ،‬ون سبة تأث ي‬
‫ال صوفية ف بعض ها أظ هر‪ ،‬ون سبة تأث ي التفلت من التكال يف ف بعض ها أك ثر‪ ،‬ون سبة تأث ي ال ستبداد‬
‫السياسى ف بعضها أشد‪ ..‬ولكنها موجودة ف مموعها‪ ،‬وعاملة ف كل مال من مالت التخلف الت‬
‫ترتبت أصل على التخلف العقدى واستمدت منه‪.‬‬
‫فتحـت تأثيـ الدر الذى أنشأه الفكـر الرجائن‪ ،‬والذى مقتضاه أن النسـان مؤمـن كامـل اليان‬
‫بالت صديق والقرار ول ل يع مل بقتضيات ال سلم‪ .‬والدر الذى انشأ ته ال صوفية سواء ف تويات "‬
‫الذ كر " أو ف إطماع الع بد ف مغفرة ر به بدون أن يع مل بقتضيات ال سلم‪ .‬وت ت تأث ي ال ستبداد‬
‫السياسى الذى يعل كل إنسان ينشغل باصة نفسه‪ ،‬ول يلتفت إل مصال الماعة ول حاجة المة‪..‬‬
‫م صحوبا ذلك كله بالتفلت من التكال يف‪ ..‬ت ت تأث ي ذلك كله غ فت ال مة ال سلمية غفوة طويلة‬
‫امتدت فترة قرن ي من الز من على ال قل إن ل ي كن أك ثر‪ ،‬تقا بل من تار يخ أورو با قرني ها الثا من ع شر‬
‫والتاسع عشر‪ ،‬قرن الصعود الورب نو السيطرة والتمكن‪ ،‬والتقدم العلمى والضارى‪.‬‬
‫كانت أوربا قد برئت من آثار قرونا الوسطى الظلمة‪ ،‬وأقامت – عن طريق ما استمدت من العال‬
‫ال سلمى‪ ،‬علم وحضارة – حر كة قو ية ف ج يع التاهات‪ ،‬وإن كا نت فقية كل الف قر ف الناحيت ي‬
‫الروحية والخلقية‪.‬‬
‫أما العال السلمى فقد كان ف نفس الفترة قد غفا غفوته الطويلة بتأثي ذلك الدر الزدوج الذى‬
‫أشرنا إليه‪ ،‬وبتأثي الستبداد السياسى والتفلت من التكاليف‪ ،‬فكان على النلق الابط ف نفس الوقت‬
‫الذى تبذل أوروبا كل جهدها للصعود‪.‬‬
‫ف الجال العل مى حدث تقلص ضخ من‪ ،‬أب عد – بالتدر يج – كل العلوم " الدنيو ية " من معا هد‬
‫العلم! ف ذات الو قت الذي اقت صر ف يه العلوم الشرع ية ع في ف كر القرن الا مس علي أك ثر تقد ير‪ ،‬مع‬
‫الفارق الكبي بي الصالة الت كان عليها فكر القرن الامس‪ ،‬والتقليد الذي تل ذلك من القرون‪ ،‬وظل‬
‫(يتحجر) قرنا بعد قرن‬
‫لقد كان من مفاخر الركة العلمية السلمية كما أشرنا ف الفصل الول أنا تفتحت " العلم " كله‪،‬‬
‫وأبد عت ف العلم كله‪ ،‬وكان العال يكون عال ا ف العلوم الشرع ية وعال ا ف ذات الو قت ف ال طب أو‬
‫الفلك أو الفيزياء أو الكيمياء بغي تعارض ول تناقض بي هذا وذاك‪ ،‬وكانت العاهد العلمية ف الندلس‬
‫وغي ها تلك ال ت تعل مت في ها أور با ح ي بدأت ترج من قرون ا الظل مة تعلم طلب ا كل فروع العلم‬
‫وألوانـه بغيـ تفريـق‪ ،‬وكانـت العلوم " الدنيويـة " مـن العال البارزة فـ تلك العاهـد إل جانـب العلوم‬
‫الشرعية ومن هناك تعلمت أوروبا النهج التجريب ف البحث العل مي‪ ،‬وترجت ما كتبه السلمون ف‬
‫الطب والفلك والفيزياء والكيمياء والرياضيات والبصريات لتتتلمذ عليه ف بدء نضتها الديثة‪.‬‬
‫ولكن السلمي " الغافلي " طردوا تلك العلوم تدرييا من معاهدهم ليقتصروا علي العلوم الشرعية‪،‬‬
‫مع ما ف دراستهم للعلوم الشرعية ذاتا من " تلف " عن الصورة الت ينبغي أن تكون الدراسة عليها‪.‬‬
‫وهنا قد يكون تأثي الصوفية أوضح‪.‬‬
‫فالصوفية هي الت فرقت بي الدنيا والخرة‪ ،‬واتهت إل إهال الدنيا بجة تزكية الرواح من أجل‬
‫الخرة‪ ،‬وأهلت بالتال عمارة الرض‪ ،‬علي أ ساس أن الشتغال ب ا ي قل الروح ويذ هب عن ها شفافيت ها‬
‫وطلقتها و من ث أهلت كل العلوم الت صلة بتلك العمارة‪ ،‬واعتبت ا ناقلة ت ستطيع المة أن ت ستغن عن‬
‫أدائها بل ضي! (‪)1‬‬
‫نعم قد يكون تأثي الصوفية هنا أوضح‪ ،‬ولكنها ل تستقل بالتأثي‪ ،‬فلو أن السلمي قاموا بالتكاليف‬
‫الت كلفهم با ربم‪ ،‬ومن بينها إعداد القوة لرهاب أعداء ال‪ ،‬لوجدوا أنه لزام عليهم أن يتعلموا كثي‬
‫من تكل العلوم الدنيوية ويتقنوها ويتفوقوا فيها علي أعدائهم‪ ،‬لنم بغي هذه العلوم يعجزون عن الوفاء‬
‫بأمر ربم وتكيفه ولكن التفلت من التكاليف كان يؤثر إل جانب الصوفية ف إهال تلك العلوم وعدم‬
‫الح ساس بالا جة إلي ها ـ‪ ،‬ك ما أن الف كر الرجائي موجود دائ ما ف ال ساحة يغ طي كل ن قص أو‬
‫تقصي!‪.‬‬
‫ورويدا رويدا فقدت المةحاستها العلمية بتاتا‪ ،‬وخرجت من الدائرة الت كانت هي مركزها ف يوم‬
‫من اليام‪ ،‬يوم كانت هي المة العالة ف الرض‪ ،‬وأوروبا ترع إليها للتتلمذ علي ما لديها من العلم‪.‬‬
‫أ ما العلوم الشرع ية ف قد تأثرت هي الخري بروح (التقلص) العا مة ال ت غ شت العال ال سلمي من‬
‫أكثر من وجه‬
‫ف من ناح ية قل القبال علي العلم ع ند الناس فتق شت الم ية وال هل ف ال مة‪ ،‬بن فس القدار الذي‬
‫كانت أوروبا تزيل به أميتها وتفتح الدارس لنشر العلم!‬
‫و من ناح ية أخري جدت العلوم الشرع ية علي صورتا ال ت كا نت تدرس ب ا ق بل خ سة قرون علي‬
‫ال قل ب ا كان قد د خل في ها من غزو فكري إغري قي‪ ،‬و من علم كلم ل يع ن ول ين فع‪ ،‬فوق تويله‬
‫درا سة العقيدة إل معاظلت ذهن ية باردة معقدة تفرغ العقيدة من متوا ها ال ي‪ ،‬وتليل ها إل (قضا يا)‬
‫فل سفية مثية للجدل بغ ي نتي جة ول غا ية! وفوق ذلك كله ف قد تول الطلب إل حف ظة ل مفكر ين‬
‫يتعال الوا حد من هم بقدار ما ي فظ من التون والشروح والوا شي‪ ،‬ولك نه ل يف كر لنف سه ول يف كر‬
‫بنف سه‪ ،‬فف قد" العلماء " أ صالة العلم وأ صبحوا مرد نقله مقلد ين‪ ،‬بل أ صيف إل ذلك شر ثالث‪ ،‬هو‬
‫التعصب الذهب الذي عم الدارسي‪ ،‬كل يتعصب لذهبه الذي نشا عليه‪ ،‬ويعل قصاري " جهاده " من‬
‫أ جل دي نه أن يث بت تفوق مذه به وشيو خه علي الذا هب الخري وشيوخ ها‪ ،‬وأن يد خل ف معارك من‬
‫أ جل الذ هب تتجاوز ف كث ي من الحيان حد الدل بالل سان‪ ،‬إل التدا فع باليدي والبدان! وف شت‬
‫الفرقة والتنابذ بي أصحاب الذاهب الختلفة حت إن أحدهم قد يرفض أن يصلي خلف إمام من غي‬

‫() كان الغزال ‪ -‬ف القرن الامس ‪ -‬علي الرغم من اتاهه الصوف العروفف يتحدث عن فروض العي وفروض الكفاية من العلوم والعارف‪ ,‬ويضع الدنيوية ف فروض الكفاية الت‬
‫‪1‬‬
‫تأث المة ف مموعها إن ل يقم با القادرون من أبنائها‪ ...‬ولكن جاء عصر بعد ذلك سقطت فيه هذه العلوم نائيا من حساب المة‪.‬‬
‫مذه به‪ ،‬بل قد يقا تل أخاه ف ال صلة ل نه رآه إل جواره ير فع يد يه أو يضعه ما علي صدره ب ا يالف‬
‫مذهبه‪ ،‬ويس أن مقاتلته لخيه ف السلم علي هذا النحو هي " الدمة " الت يؤديها للسلم!!‬
‫وحي يكون هذا حال الدراسي من المة ف العاهد الدينية بعد أن تولت بقية المة إل أميي " ل‬
‫يعلمون الكتاب إل أمان " فأي فراغ من حقيقة الدين يل النفوس‪ ،‬وأي تفاهة ف اهتمامات الناس‪ ،‬بعد‬
‫أن كان الدين هو مور الياة ومركها‪ ،‬وباعث الهتمامات الادة وموجهها‬
‫وحقي قة أ نه ل ي ل ع صر من ع صور ال سلم ح ت أحلك ها من " عال " بالع ن ال ق للعلم‪ ،‬ولك نه‬
‫قلتهم التدريية ل ا دللتها وف شو المود والتقل يد له دللته ف كل شئ مت فق مع التقلس والضمور الذي‬
‫غشي بطابعه كل شئ‬
‫واللصة ان التخلف العلمي بشقيه الدنيوي والشرعي الناشئ أصل من التخلف العقدي أصبح هو‬
‫الطا بع ال سائد للمجت مع ال سلمي قب يل الغزوة ال صليبية الائلة ال ت احتا جت بلد ال سلم ف الع صر‬
‫الديث‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫أما التخلف الضاري بشقيه العنوي والادي فهو صنو التخلف العلمي وزميله علي الطريق كما أنه‬
‫نابع من نفس النبع‪ ،‬ومتأثر بذات الؤثر‪ ،‬وهو التخلف العقدي‪.‬‬
‫أما الانب العنوي جانب الخلق والقيم فقد اسقطه الفكر الرجائي حي قدم للناس إسلما بل‬
‫اخلق ذلك أن الخلق وإن كانت قيما معنوية فإنا من جانب آخر سلوك‪ ،‬وإل فهي شعارات معلقة‬
‫ف الفضاء ل واقع لا ف عال القيقة ‪.‬‬
‫وح ي كان الد ين علي حقيق ته‪ ،‬كان من مزاياه ال كبي أ نه ق يم أخلق ية مطب قه ف عال الوا قع ف‬
‫صورة سلوك واقعي‪ ،‬وكانت هذه ف حس الجيال الول هي الترجة القيقية لـ" ل إله إل ال " أي‬
‫أنا كانت مرتبطة ف حسهم بالعقيدة أو بعبارة أخري كان ف حسهم أن من يعتقد هذه العقيدة بنيغب‬
‫أن يكون سلوكه ملتزما بتلك القيم الخلقية‪ ،‬فالدين العاملة كما علمهم رسولم‪ ،e‬وكما قالت لم‬
‫عائشة رضي ال عنها حي سئلت عن خلق رسول ال‪ e‬فقالت ‪ " :‬كان خلقه القرآن "‪.‬‬
‫وهذا الرتباط بي العقيدة ومقتضياتا الخلقية هو القيمة الضارية الوهرية ف هذا الدين الت تعل‬
‫الجت مع ال سلمي هو الجت مع التح ضر مه ما ي كن ن صيبه ضئيل من العمارة الاد ية للرض‪ ،‬وت عل‬
‫العقيدة ف هذا الدين هي جوهر الضارة‪ ،‬با يشع منها ويرتبط من قيم وأخلق‪.‬‬
‫وبذا العيار كان ال يل التفرد أعلي ج يل حضاري ف تار يخ البشر ية كله‪ ،‬علي الر غم من الب ساطة‬
‫التناهية ف الشكال الادية والتنظيمية الت كانت ف متناول يديه لنه كان يارس ف عال الواقع أعلي قيم‬
‫إنسانية وأخلقية عرفتها البشرية‪.‬‬
‫ث جاء العمران الادي ف موعده كما بينا ف الفصل الول‪ ،‬امتدادا للدفعة اليوية الائلة الت أطلقها‬
‫ال سلم ف ال مة ال سلمية ف ج يع التاهات فاكت مل " الش كل " الضاري الذي يغلف (الضمون)‬
‫الذي كان قائما من لظة اليلد‪.‬‬
‫ولكن الفساد الذي طرأ علي مفهوم " العبادة " فحصرها ف الشعائر التعبدية فحسب‪ ،‬وأخرج منها‬
‫ألوا نا كثية من " العاملت " كا نت ف حس الجيال الول داخله ف مفهوم العبادة الوا سع الشا مل‪،‬‬
‫باعتبارها " سلوكا " إسلمية مرتب طا بل إله إل ال ث الف كر الرجائي الذي أع طي لذا الف ساد شرعية‬
‫حي أخرج " العمل " من مسمي اليان ومن مقتضياته هذا وذات قد دمرا الوهر الضاري التضمن ف‬
‫هذا الدين‪ ،‬الذي كان قوامه السلوك الخلقي الرتبط بالعقيدة‪ ،‬الترجم لا ف دنيا الواقع‪.‬‬
‫بعبارة أخري ح ي صار " ال سلم " ل ي د حر جا ف قل به أن يكذب‪ ،‬وأن ي غش‪ ،‬وأن يون الما نة‬
‫وأن يتهاون ف الع مل‪ ،‬وأن يلف الو عد‪ ،‬وأن ي ق د علي اخ يه ويتم ن زوال نعم ته‪ ،‬وأن ينا فق‪ ،‬وأن‬
‫يغ مز ويل مز ويغتاب‪ ،‬وأن يب خل وي ب‪ ،‬وأن يبيت شبعان وجاره جوعان و هو يعلم‪ ،‬ف قد ف قد جوهره‬
‫الضاري ال سلمي‪ ،‬ل نه ترد من أخلقيات ل إله إل ال وترد من قيم ها الن سانية العل يا‪ ،‬ال ت هي‬
‫جوهر الضارة وعماد الجتمع التحضر‪.‬‬
‫ومن الانب الخر فإن التاه الصوف الذي أهل عمارة الرض وتنميتها وتنظيم شئونا علي أساس‬
‫أن الدنيا جيفه وطلبا كلب‪ ،‬وأنا ل تستحق عند ال جناح بعوضه‪ ،‬فينبغي أن تكون ف حس الؤمن‬
‫الت قي أضأل وأح قر من أن يل قي إلي ها التفا ته عابرة (‪ ....)1‬هذا التاه ال صوف قد أ ت كذلك علي "‬
‫الش كل " الضاري‪ ،‬وق عد بالناس عن النشاء والتشي يد‪ ،‬وق عد ب م عن التنظ يم كذلك لن م ونق صد‬
‫الغالبية بطبيعة الال قد أصبحوا فقراء ث رضوا بالفقر وفلسفوا رضاهم بأنه من القناعة الحبوبة ومن‬
‫الرضا بقدر ال فلم تعد التنمية لزمة لم‪ ،‬ول يعد التنظيم لزما كذلك‪ ،‬فإنا سنوات عابرة تضي علي‬
‫أي وضع وف أية صورة ث يذهب الناس إل ربم فينعمون باللد ف جنات النعيم‪.‬‬
‫فإذا أضيف إل ذلك ما تمله الصوفية ف طياتا من تواكل‪ ،‬وتقاعس عن الخذ بالسباب واعتقاد‬
‫أو إحساس بأن الواقع الوجود مهما يكن من سوئه فل ينبغي أن يسعي الرء إل تغييه‪ ،‬بل ل ينبغي أن‬

‫() بينا من قبل ف الكلم عن "خط النراف" أن الدنيا تذم ف القرآن وأحاديث الرسول ‪ e‬حي تصد النسان عن اليان بال أو عن الهاد ف سبيله‪ .‬ولكن توجيهات السلم‬
‫‪1‬‬
‫صرية ف وجوب الشي ف مناكب الرض وابتغء فضل ال‪ ,‬وعمارة الرض بقتضي منهج ال‪.‬‬
‫تساوره الرغبة فيذلك لن ذلك يعتب تردا علي قدر ال‪ ،‬فقد انعدمت الرغبة تاما ف أي إبداع حضاري‬
‫مادي وتنظي مي ث ي ئ الف قر العل مي الد قع فين شئ عجزا كامل عن الداء ح ت لو وجدت الرغ بة ف‬
‫النفوس!‬
‫وهكذا من نق طة التخلف العقدي‪ ،‬التم ثل ف ف ساد مفهوم العبادة‪ ،‬والف كر الرجائي الذي يع طي‬
‫ذلك الفساد شرعية ـ والتاه الصوف النحرف عن التوازن السلم‪ ،‬وعن المارسة السلمية الواقعية‬
‫للحياة وتعميها بقتضي النهج الربان تكليفا ل تطوعا‪.‬‬
‫من نق طة التخلف العقدي ن شأ تلف حضاري هائل‪ ،‬أخرج هذه ال مة من زمرة التحضر ين‪ ،‬ك ما‬
‫أخرجها التخلف العقدي من قبل من زمرة التعلمي‪....‬‬
‫‪m m m‬‬

‫ل يتاج التخلف القت صادي الذي أحاط العال ال سلمي إل ج هد ف بيان أ سبابه القيق ية ف حياة‬
‫المة‪.‬‬
‫ن عم ل قد كا نت هناك أ سباب خارج ية قو ية أ سهمت ف هذا التخلف ولكن ها وحد ها ل تبره ول‬
‫تفسره‪.‬‬
‫ل قد كا نت أور با ال صليبية ت سعي‪ ،‬م نذ القضاء علي الدولة ال سلمية ف الندلس إل تطو يق العال‬
‫ال سلمي وإضعا فه ب كل الو سائل (‪ .)1‬وكان من ب ي الو سائل ال ت اتذو ها ال سعي الدائب لتحو يل‬
‫التجارة العالية إل إيديهم‪،‬وانتزاعها من يد الماليك‪ ،‬الذين كانوا يسكون بزمامها عن طريق سيطرتم‬
‫علي البحر الحر والبحر البيض‪ ،‬فتدر عليهم أموال طائلة‪ ،‬وعلي العال السلمي كله كذلك‪.‬‬
‫وم نذ اكتشاف البتغالي ي لطر يق رأس الرجاء ال صال‪ ،‬الذي كشفوه علي هدي الرائط ال سلمية‬
‫وبعاو نة بارة م سلمي (!) بدأوا يتجهون إل الشرق الق صي لي ستولوا علي أر ضه وخيا ته‪ ،‬من ها دولة‬
‫الماليك ن ويرموا منها العال السلمي كله‪.‬‬
‫وحدث ذلك بالفعل‪ ،‬وتأثرت اقتصاديات العال السلمي تأثيا بالغا با حدث‪.‬‬
‫ولكن…‪ .‬هل هذا هو التفسي؟ أو هذا هو التبير؟‬
‫أ ين كا نت مرا كز القوة يوم قا مت الدولة ال سلمية أول مرة‪ ،‬سواء القوة الرب ية أو ال سياسية أو‬
‫القتصادية؟ أل تكن كلها ف يد فارس والروم؟‬

‫() سنتحدث عن الغزو الصليب فيما بعد‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫فما الذي حدث ف التاريخ؟‬
‫ل قد ان ساحت ال مة الؤم نة ف الرض‪ ،‬فأزالت قوي البا طل ودكت ها د كا‪ ،‬وأقا مت ف مكان ا دولة‬
‫ال سلم ن وا ستولت هي علي مرا كز القوة فأ صبحت أ كب قوة ف الرض‪ ،‬وشلت قوت ا كل جا نب‪،‬‬
‫فصارت ف يدها القوة الربية والسياسية والقتصادية وكان ذلك كله تقيقا لوعد ال للمؤمني من هذه‬
‫المة ‪:‬‬
‫ف الّذِي َن مِ ْن‬
‫خلَ َ‬
‫خِلفَّنهُم فِي الَرْ ضِ َكمَا ا سْتَ ْ‬ ‫ستَ ْ‬
‫{ َوعَدَ اللّ ُه الّذِي نَ آمَنُوا ِمْنكُ ْم َوعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ َليَ ْ‬
‫َقبِْلهِ ْم وََليُ َم ّكنَنّ َلهُ مْ دِيَنهُ ْم الّذِي ا ْرَتضَى َل ُه ْم وََلُيبَدَّلنّهُ ْم مِ ْن َبعْدِ َخوِْفهِ مْ َأمْنا َي ْعبُدُوَننِي ل يُشْرِكُو َن بِي‬
‫َشيْئا} [سورة النــور ‪]24/55‬‬
‫فما الذي غي الال بعد ذلك‪ ،‬وسلب مراكز القوة من يد السلمي؟‬
‫سنقول ‪ :‬ضعفت قوتم الربية بينما ازدادت قوة أعدائهم فتغلبوا عليهم‪)1( ...‬‬
‫نعم‪ ،‬تلك هي السباب الظاهرة‪ ،‬ول شك ولكن قراءة التاريخ بالسباب الظاهرة وحدها ل تؤدي‬
‫إل القيقة‪ ،‬بل قد تضلل عن القيقة‬
‫سهِمْ} [سورة الرعد ‪]13/11‬‬
‫يقول أصدق القائلي ‪{ :‬إِنّ اللّ َه ل ُيغَيّ ُر مَا ِب َق ْومٍ َحتّى ُي َغيّرُوا مَا ِبأَنفُ ِ‬
‫سهِمْ} [سورة النفال‬
‫ك ُمغَيّرا ِنعْ َمةً َأْنعَ َمهَا عَلَى َقوْمٍ َحتّى ُيغَيّرُوا مَا بِأَنفُ ِ‬
‫ك ِبأَنّ اللّهَ لَ ْم يَ ُ‬
‫ويقول‪{ :‬ذَلِ َ‬
‫‪]8/53‬‬
‫والذي يشغل النفوس الؤمنة هو اليان‪ ..‬والذي يتغي ف النفوس هوة حقيقة اليان‪.‬‬
‫فحي تكون المة " متقدمة" ف اليان يتحقق لا وعد ال بالستخلف والتمكي والتأمي‪ ،‬وحي‬
‫تكون " متخلفة " يدث تغيي النعمة " أي سلبها " ويذهب عن المة الستخلف والتمكي والتأمي‪.‬‬
‫فسلت التجارة من يد السلمي‪ ،‬واستيلء أوربا الصليبية عليها‪ ،‬له أسبابه الكامنة ف التخلف العقدي‬
‫الذي أصاب المة ف مموعها‪ ،‬والتقلص والضمور الذي ترتب عليه ف كل اتاه‪.‬‬
‫فتضاؤل القوة الربية الذي مكن العداء من أجزاء متزايدة من العال السلمي هو ذاته كما سنبي‬
‫ف الفقرة التالية أثر من آثار التخلف العقدي‪.‬‬
‫ولكن آثار التخلف العقدي ف اليدان القتصادي الاص ل تتاج إل توكيل‬
‫فلنفرض أن التجارة العال ية قد سلبت من أيدي ال سلمي ل سبب قا هر ل يقدرون علي درئه ف هل‬
‫تتوقف ثروة العال السلمي علي التجارة وحدها ف ذلك الي أو ف أي حي‪.‬‬
‫() نتحدث عن التخلف الرب ف الفقرة التالية‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫إن الرض السلمية من الحيط إل الحيط هي بقدر من ال أغن بقعة ف الرض وأكثرها خيات‪،‬‬
‫وقد كانت وما تزال حت هذه اللحظة‪ ،‬ل تستثمر الستثمار الكامل الذي يستغل كل مواردها وكل‬
‫طاقاتا‪.‬‬
‫فإذا ضاع جزء من الثروة لسـباب قاهرة‪ ،‬فلماذا ل ت سع ال مة ف مموع ها إل اسـتغلل الثروات‬
‫الخري القابلة للستغلل‪ ،‬من زراعة وصناعة ومعادن مذخورة ف باطن الرض؟‬
‫السبب هو التقاعس‪ ،‬والتواكل‪ ،‬والضعف العلمي‪ ،‬ووهن العزائم‪ ،‬والنصراف عن عمارة الرض‪،‬‬
‫والرضي بالف قر علي أنه قدر من ال ل ينبغي السعي إل تغييه خوفا من الوقوع ف خطيئة التمرد علي‬
‫قدر ال‬
‫ومن أين نشات هذه العوامل كلها إل من التخلف العقدي‪.‬‬
‫لو تيل نا هذا العارض و هو ضياع التجارة من يد ال سلمي قد حدث للجيال الول من هذه ال مة‬
‫فهل كان رد الفعل عندها سيكون ماثل لا حدث للجيال التأخرة‪.‬‬
‫وهل يكمن الفارق ف الظروف الارجية الت أحاطت بالسلمي؟ ام أنه راجع ف حقيقة المر إل‬
‫الفارق النفس الائل بي أول هذه ال مة وآخرها‪ .‬بي اليان الصحيح واليان الخلخل النحرف‪ ..‬أي‬
‫راجع إل التخلف العقدي الذي أصاب المة ف أجيالا التأخرة؟‬
‫وكذلك ينبغي أن يكون فهمنا لحداث التاريخ السلمي‬
‫إن أما أخري غي المة السلمية يكن أن تنال القوة والتمكي ف الرض بالبعد عن ال بل كلما‬
‫زادت بعدا عن ال زادت ف القوة والتمك ي ك ما هو حال أور با الكافرة الاحدة اليوم‪ ،‬لن هذا من‬
‫السنن الربانية ف معاملة الكفار‪:‬‬
‫حنَا عََلْيهِمْ َأْبوَابَ كُ ّل َشيْءٍ ‪[ }....‬سورة النعام ‪]6/44‬‬
‫{فََلمّا نَسُوا مَا ذُكّرُوا بِهِ َفتَ ْ‬
‫لفترة من الزمن يقدرها ال‪ ..‬ث يأت التدمي‪:‬‬
‫{‪َ ....‬حتّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَ ْذنَاهُ ْم َب ْغتَةً فَِإذَا هُ ْم ُمبْلِ سُونَ (‪َ )44‬فقُ ِط عَ دَابِ ُر اْل َقوْ ِم الّذِي َن ظَلَمُوا‬
‫وَالْحَ ْمدُ لِلّهِ رَبّ الْعَالَ ِميَ (‪[})45‬سورة النعام ‪]45-6/44‬‬
‫أما أمة السلم فإنا تعامل بسنة خاصة ة ل يكنون إل علي اليان‪ ،‬فإذا انرفوا زال عنهم التمكي‪،‬‬
‫ذلك لن ال ل يريد ل م أن يفتنوا بالتمك ي و هم منحرفون عن طري قة‪ ،‬فيزيدوا انرا فا ح ت ي صلوا إل‬
‫الكفر فتأخذهم سنة الكافرين‪:‬‬
‫حيَاةَ ال ّدْنيَا وَزِيَنتَهَا ُنوَفّ إَِلْيهِ مْ َأعْمَاَلهُ مْ فِيهَا وَهُ مْ فِيهَا ل ُيبْخَ سُونَ (‪ُ )15‬أوْلَئِ كَ‬
‫{مَ نْ كَا نَ يُرِي ُد الْ َ‬
‫صَنعُوا فِيهَا َوبَاطِ ٌل مَا كَانُوا َيعْمَلُو نَ (‪[ })16‬سورة هود‬
‫ط مَا َ‬
‫الّذِي نَ َليْ سَ َلهُ مْ فِي ال ِخ َرةِ إِ ّل النّا ُر وَ َحبِ َ‬
‫‪]16-11/15‬‬
‫فمن رحته سبحاته بذه المة أنه ل يكنها أبدا وهي منحرفة عن السبيل! لكي تعود إليه‪ ،‬فيكمنها‬
‫وهو راضي عنها‪ ،‬ويدخر لا ف الخرة ما يدخره لعباده الصالي‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫وأما التخلف الرب فصلته بالتخلف العقدي واضحة بكل تأكيد‬


‫ف كل عوا مل التخلف العقيدي قد أثرت ف القوة الرب ية لذه ال مة ن سواء التاه ال صوف الذي‬
‫ي صرف الناس عن جهاد العداء ب جة توف ي الطا قة لهاد الن فس! أو الف كر الرجائي الذي يغ طي كل‬
‫تلفه عن حقيقه السلم يربت عليه وينحه شريعة الوجود‪ ،‬أو التفلت من التكاليف الت أمرت بإعداد‬
‫القوة لرهاب العداء‪ ،‬أو انشغال الكام بفرض سلطانم علي شعوبم عن الهاد لعلء كلمة ال‪.‬‬
‫فإذا اضيف إل ذلك التخلف العلمي والتكنولوجي‪ ،‬النابع أصل من التخلف العقدي‪ ،‬فقد اكتملت‬
‫أسـباب التخلف الربـ‪ ،‬وأصـبح هـو النتيجـة النطقيـة لكـل الظروف التـ أحاطـت بالناس فـ القرون‬
‫الخية‪.‬‬
‫لقد حلت الدولة العثمانية عبء حاية العال السلمي من الغزو الصليب عدة قرون‪ ،‬وإن جهادها ف‬
‫هذا السبيل‪ ،‬وإخلص نيتها وبذلا جهد الطاقة‪ ،‬لما يسب لا ف ميزانا عند ال يوم القيامة‬
‫ولكن عوامل التخلف الت كانت تيط العال السلمي كله‪ ،‬ول تنجو منها الدولة الاكمة‪ ،‬ظلت‬
‫تؤت ثارها التدريية ف اليدان الرب كغية من اليادين‬
‫فبعد أن وصلت اليوش السلمية إل فيينا غربا وبطر سبج (لننجراد حاليا) شرقا‪ ،‬وحاصرات كل‬
‫منه ما فترة من الو قت‪ ،‬أخذت تترا جع ل عن تلك الهداف الق صوي وحد ها بل عن الهداف الدن يا‬
‫ح ت أكلت رو سيا ال صليبية بقا عا وا سعة من الرض كل سكانا م سلمون ك ما أكلت أور با ال صليبية‬
‫بقا عا من الرض كا نت خاضعة للحكم ال سلمي يعيش فيها ن صاري وم سلمون تتراوح ن سبتهم من‬
‫مكان إل مكان وكان التخلف الرب سببا من السباب الرئيسية ف هذا التقلص الستمر‪.‬‬
‫ن عم‪ ،‬ل قد كا نت أور با تتقوى با ستمرار‪ ،‬ح ت صارت قوت ا مكافئة لقوة الدولة العثمان ية‪ ،‬ث بدأت‬
‫تتفوق عليها‪ ،‬فتغي ميزان القوى‪ ،‬وبدأت الصليبية تأكل من جسم العال السلمى‪.‬‬
‫ولكن هذا – وحده – ل يفسر ول يبر!‬
‫إن ا الذى يف سر – وإن كان ل يبر! – (‪ )1‬هو المود والقعود‪ ،‬والر ضى بالوجود‪ ،‬والتوا كل بدل‬
‫من التوكل الق مع الخذ بالسباب‪ ،‬والتخلف العلمى والصناعى‪ ،‬وفقدان روج البتكار‪ ..‬وكلها كما‬
‫بينا من قبل راجعة إل ذلك التخلف الساسى الطي عن حقيقة اليان كما بينها ال ورسوله للمؤمني‪.‬‬
‫وإذا كان هذا حال الدولة الاكمة‪ ،‬الت أخذت على عاتقها حاية العال السلمى من الغزو الصليب‬
‫فإن حال بقية العامل السلمى كان أسوأ بكثي‪.‬‬
‫إن الش عب التر كى ش عب ع سكرى بطب عه‪ ،‬ك ما أ نه بطب عه كذلك شد يد الحاف ظة على التقال يد‪،‬‬
‫يضاف إل ذلك صرامته ف التربية‪ ،‬لصب أبنائه وبناته منذ نعومة أظفارهم ف القوالب الضبوطة الت يراد‬
‫تنشئتهم عليها‪ .‬وكان لذا كله أثره ف إطالة عمر الدولة رغم كل عوامل الدم ف داخلها‪ ،‬وف صلبة‬
‫شعبها وتاسكه رغم الزائم التوالية الت حلت بالدولة ف القرني الخيين‪.‬‬
‫أ ما بق ية العال ال سلمى – على اختلف ف الدر جة ب ي ش عب وش عب – فكان ن صيبه من هذه‬
‫الصفات أقل‪ ،‬مع وجود التخلف العقدى بكل آثاره الدمرة ف العامل السلمى كله بل استثناء‪ ..‬فضل‬
‫عن تعرض تلك القطار للغزو الصليب ف وقت باكر منذ القرن السابع عشر اليلدى إل القرن التاسع‬
‫عشر‪ ..‬لذلك كان النيار فيها أسرع‪ ،‬لن عوامل التخلف كانت فيها أشد!‬
‫لقـد قاتـل الماليـك ببسـالة نادرة أمام الملة الصـليبية الفرنسـية بقيادة نابليون‪ ..‬ولكـن ماذا تدى‬
‫البنادق إزاء الد فع الذى سلح به نابليون جي شه؟ ل قد كانت الزي ة حا سة‪ ..‬هزي ة التخلف الر ب أمام‬
‫التقدم والبتكار! وحدث م ثل ذلك تبا عا ف العال ال سلمى‪ ..‬وانت هت العارك بانت صار القوة الديدة‬
‫على التخلف والمود‪..‬‬
‫‪m m m‬‬

‫من نافلة القول أن نتحدث عن التخلف الفكرى والثقا ف ف ال و الذى و صفناه‪ ..‬ب عد كل الذى‬
‫ذكرناه! فكلها ألوان من التخلف مسك بعضها برقاب بعض‪ ،‬ومؤد ف النهاية إل النيار‪.‬‬
‫ولكن الصلة بي التخلف الفكرى والثقاف وبي التخلف العقدى قد تتاج إل إشارة خاصة بناسبة‬
‫ما تبدئ الاهلية العاصرة وتعدي ف هذا الشأن بالذات‪.‬‬
‫لقد أوحى الغزو الصليب للمسلمي – كما سيأتى الديث – بأن كل ما أصاب السلمي من تلف‬
‫كان ب سبب أن م م سلمون! أى ب سبب ال سلم! ور كز ب صفة خا صة على الا نب الفكرى والثقا ف‬

‫() ل شئ يبر النراف عن سبيل ال‪ ,‬والتقاعس عن الهاد وإعداد العدة له!‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫مستدل بتاريخ الكنيسة ف أوروبا‪ ،‬وبأن أوروبا كانت متخلفة ف جيع اليادين – وميدان الفكر والثقافة‬
‫خاصة – وقت أن كانت حياتا مكومة بالدين‪ ،‬وأنا ل تتقدم وتتحضر وتنطلق ف جيع اليادين إل بعد‬
‫أن " تررت " من ربقة الدين‪.‬‬
‫وسوف نتناول هذه القضية بتفصيل أكثر ف موضوع آخر حي نعرض للغزو الفكرى وآثاره ف حياة‬
‫السلمي‪ .‬ولكنا نب هنا أن نرجع إل حقيقة تاريية حاسة الدللة‪.‬‬
‫إن الدعوة إل " التفك ي " وإل ا ستخدام " الع قل " على أ ساس من هج صحيح‪ ،‬هى ف صميمها‬
‫دعوى هذا الدين‪ .‬والدعوة إل السياحة ف الرض ودراسة التاريخ على أساس منهجى كذلك‪ ،‬هى ف‬
‫صـميمها دعوى هذا الديـن‪ .‬والدعوى إل تدبر آيات ال فـ الكون‪ ،‬والتعرف على السـنن الربانيـة فـ‬
‫الكون الادى وف الياة البشرية‪ ،‬هى ف صميمها دعوة هذا الدين‪)1( .‬‬
‫و من توجيهات القرآن الكر ي وتوجيهات الر سول‪ e‬انطلق " الف كر " ال سلمى ف ج يع مياد ين‬
‫الفكر والثقافة الت كانت متاحة يومئذ‪ ،‬وأبدع فيها إبداعات تدل على الصالة والتمكن والثقة بالذات‪..‬‬
‫وكان هذه كله صدى للحر كة العقد ية الضخ مة ال ت تر كت ب ا ال مة ال سلمية ف ج يع الياد ين‪،‬‬
‫وصدى ليانا بان " طلب العلم فريضة " كما علمها رسولا الكري‪ ،e‬وصدى لتلك الكلمة العظيمة‬
‫الكرية الت بدأت با تنل الوحى على رسول ال‪ " :e‬اقرأ "‬
‫ولا حدث التخلف العقدى التدريى‪ ،‬الذى حصر العبادة ف الشعائر التعبدية وحدها‪ ،‬وأخرج منها‬
‫بقية التكاليف‪ ،‬حدث ضمور تدريى ف جيع التكاليف الت كانت من قبل مرتبطة بالعقيدة‪ ،‬ومرتبطة‬
‫بالع ن الشا مل للعبادة‪ ،‬وأ صبحت أمورا " كمال ية " إن شاء الن سان قام ب ا وإن شاء ترك ها بل ض ي!‬
‫وكان طلب العلم‪ ،‬والقراءة‪ ،‬والتفك ي‪ ،‬من ب ي هذه التكال يف ال ت خر جت من ح يز العبادة فأ صابا‬
‫الضمور‪ .‬ث جاء الفكر الرجائى فربت على هذا التخلف‪ ،‬ومنحه الشرعية القائمة على إنه ل يضر مع‬
‫اليان شئ! وجاءت ال صوفية فح صرت بع مل الع قل كله ف أض يق نطاق م كن‪ ،‬لتف سح الجال ‪ -‬ف‬
‫وهها ‪ -‬لعمل الروح! وساعد الستبداد السياسى على إحداث جود شامل ف جيع الجالت‪ ..‬ومن‬
‫هذا التخلف العقدى نشأ التخلف الفكرة والثقاف وأخذ مكانه ف موعده القدور!‬
‫‪m m m‬‬

‫حي حدث هذا القدر الائل من التخلف‪ ،‬العقدى أول‪ ،‬ث العلمى والضارى والقتصادى والرب‬

‫() راجع ‪ -‬إن شئت ‪ -‬فصل العقلنية من كتاب "مذاهب فكرية معاصرة"‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫والثقاف والفكرى‪ ..‬فماذا بقى؟!‬
‫إسـلم بل أخلق‪ .‬إسـلم بل حضارة‪ .‬إسـلم بل علم‪ .‬إسـلم بل ثقافـة ول فكـر‪ .‬إسـلم متهالك‬
‫القوى القتصادية والربية والادية‪ ..‬ماذا بقى فيه من حقيقة السلم؟!‬
‫فأما الفكر الرجائى فقد رضى عن هذا السلم التخلف التهالك وقال‪ :‬ل ضي! لنه ل يضر مع‬
‫اليان شئ!‬
‫وأ ما التاه ال صوف ف قد ر ضى كذلك عن هذا ال سلم التخلف التهالك وقال‪ :‬ل ير! فهذه كل ها‬
‫من أمور الدنيا الفانية‪ ،‬وليس الهم هو الدنيا إنا هو الخرة‪ .‬ليس عال الادة وإنا عال الروح!‬
‫وأما بالن سبة لقيقة ال سلم‪ ،‬ف قد كان هذا ال سلم التخلف التهالك يو شك ف القي قة أن ي صبح‬
‫إسلما بل إسلم!!‬
‫وعندئذ أقبل الصليبيون‪ ..‬من كل حدب ينسلون‪.‬‬
‫‪ -3‬الغزو الصليب‬
‫بدأت ماولت الغزو الصليب الديث ف القيقة منذ بدايات القرن العاشر الجرى (السادس عشر‬
‫اليلدى) بعد طرد السلم من الندلس‪ .‬فحي سقطت آخر دويلة إسلمية ف الندلس – وهى دويلة‬
‫غرناطـة – عام ‪ 1942‬م بعـد معارك وحشيـة طويلة‪ ،‬بارك البابـا النتصـار الصـليب وشجـع الصـليبي‬
‫وشجع الصليبيي على متابعة السلمي لطردهم من بقية بلد السلم‬
‫وعلى الر غم من أن ال سلمي الذى بقوا ف الندلس قد ظلوا مافظ ي على إ سلمهم سرا ما يقرب‬
‫من مائ ت عام ت ت الضغط الوح شى الوا قع عليهم من ما كم التفت يش‪ ،‬م ا ل مث يل له ف الوحش ية ف‬
‫التاريخ كله من قبل‪ ..‬فلم يكن من التوقع أن يظلوا على إسلمهم بغي قوة تميهم من البطش‪ ..‬فتلشوا‬
‫تدرييا حت انتهوا‪.‬‬
‫ول ي كن ف و سع ال صليبية الاقدة أن تكرر م سيتا الول إل ب يت القدس من طر يق ال شق‪ ،‬لن‬
‫الدولة العثمانية الفتية ل تكن واقفة لم بالر صاد فحسب‪ ،‬بل كانت بكل حيويتها العارمة تتو غل ف‬
‫شرق أوربا بقوة كاسحة ل يقف أمامها شئ‪ .‬وكانت – كما يقول الستشرق الكندى العاصر ولفرد‬
‫كانتول سيث – ل تكتسح الرض فقط‪ ،‬بل كانت تكتسح العقيدة السيحية ذاتا‪ ،‬ويدخل أهلها ف‬
‫السلم بعشرات اللوف كل عام‪:‬‬
‫" إل أن قام كارس ماركـس وقامـت الشيوعيـة‪ ،‬كان النـب "‪( " e‬يقصـد السـلم) هـو التحدى‬
‫القيقى الوحيد للحضارة الغربية الذى واجهته ف تاريها كله‪ ،‬وإنه لن الهم أن نتذكر كم كان هذا‬
‫التحدى حقيقيا‪ ،‬وكم كان يبدو ف وقت من الوقات تديدا خطيا حقا‪.‬‬
‫" ل قد كان الوم مباشرا ف كل اليدان ي الر ب والعقدى‪ ،‬وكان قو يا جدا‪ ..‬ف قد فقدت ال سيحية‬
‫دفعة واحدة " أجل مقاطعات المباطورية الرومان ية " لتت سلمها منها القوة الديدة‪ ،‬وكانت ف خ طر‬
‫من ضياع المباطورية بكاملها‪ .‬وعلى الرغم من أن القسطنطينية ل تقع ‪ -‬تاما ‪ -‬ف يد اليوش العربية‬
‫ك ما وق عت م صر و سوريا‪ ،‬ف قد ا ستمر الض غط علي ها فترة طويلة‪ .‬و ف مو جة التو سع الثان ية وق عت‬
‫القسطنطينية بالفعل سنة ‪ ،1453‬وف قلب أوربا الفزعة ذاتا أحاط الصار بفيينا سنة ‪ ،1529‬بينما‬
‫ظل الزخف وقت قريب ل يتطاول عليه العهد ف سنة ‪ ،1683‬وإن وقوع تشيكو سلوفاكيا ف قبضة‬
‫الشيوعية عام ‪ 1948‬ل يكن له قط ف العصر الديث ذلك الفزع ف نفوس الغرب التهيب‪ ،‬كما كان‬
‫لذلك الز حف ال ستمر قر نا ب عد قرن‪ ،‬من تلك القوة الضخ مة الهددة‪ ،‬ال ت ل ت كف ول تدأ‪ ،‬ويتكرر‬
‫انتصارها مرة بعد مرة‪.‬‬
‫" وكما هو المر مع الشيوعية‪ ،‬كذلك كان التهديد والنتصارات (السلمية) قائمي ف عال القيم‬
‫والفكار أيضا‪ ..‬فقد كان الجوم السلمى موجها إل عال النظريات كما هو موجه إل عال الواقع‪..‬‬
‫وقـد عملت العقيدة الديدة بإصـرار على إنكار البدأ الرئيسـى للعقيدة السـيحية‪ ،‬التـ كانـت بالنسـبة‬
‫لوربا العقيدة السامية الت أخذت – ف بطء – تبن حولا حضارتا‪ .‬وكان التهديد السلمى موجها‬
‫بقوة وعنـف‪ ،‬وكان ناجحـا مكت سحا ف نصـف العال السـيحى تقريبـا‪ .‬والسـلم هـو القوة اليابيـة‬
‫الوحيدة الت انتزعت من السيحيي أناسا دخلوا ف الدين الديد وآمنوا به‪ ..‬بعشرات الليي " (‪.)1‬‬
‫ول كن ال صليبية و قد عجزت عن اختراق الا جز العثما ن ف الشرق‪ ،‬بل ل تف كر مرد تفك ي ف‬
‫اقتحامه‪ ،‬اتهت إل اللتفاف حول العال السلمى من جهة الغرب‪ ،‬وخاصة بعد اكتشافها لطريق رأس‬
‫الرجال الصال‪.‬‬
‫كان الطر يق من أق صى الشرق إل أور با عب رأس الرجاء ال صال معرو فا ومفو ظا ع ند ال سلمي‪،‬‬
‫دونوه فىخرائطهـم‪ ،‬ودرسـوا أحواله اللحيـة دراسـة دقيقـة كمـا يبدو مـن كتاب " عجائب النـد "‬
‫للبيو ن وغيه‪ ،‬ول كن أور با كا نت قاب عة ف ظلمات قرون ا الو سطى الظل مة‪ ،‬ل تعرف عن العال إل‬
‫القليل‪ ،‬ول تاطر بركوب باره وميطاته‪.‬‬
‫ولكن مموعة من العوامل التفاعلة ف داخل أوربا دفعتها أخيا إل ارتياد البحار الجهولة‪ ،‬وكان من‬
‫أقوى هذه العوا مل الدافـع الصـليب‪ ،‬الذى عملت البابو ية على تيعـه‪ ،‬متمثل ف متابعـة ال سلمي ب عد‬
‫طرد هم من الندلس‪ ،‬لل ستيلء على بلد هم وإخضاع ها لكم هم – أن ل ي كن طرد هم من ها ك ما‬
‫طردو هم من الندلس – ومتمثل كذلك ف ماولة انتزاع ال سيطرة التجار ية العال ية من هم وحياز ته ف‬
‫أيدهم‪ ،‬لضعاف السلمي من جهة‪ ،‬والتقوى على حربم من جهة أخرى‪.‬‬
‫ومـن أعاجيـب ذلك الزمان أن يكون الرائد الذى دل فاسـكو داجامـا وأعانـه على اتام رحلتـه هـو‬
‫البحار العرب السلم " ابن ماجد " الذى أمده بالعلومات والرائط‪ ،‬بل قاد بنفسه سفينته نو جزر الند‬
‫الشرقية‬
‫غفلة أم قهر‪..‬؟ لست أدرى‬
‫وحي أت فاسكو داجاما رحلته بعونة ابن ماجد‪ ،‬قال قولته الشهية الفصحة عن الدف القيقى‬
‫للحرلة‪ ،‬الذى نتغا فل ن ن عنـه ح ي ندرس الرحلة لبنائ نا بتأثيـ الغزو الفكرى ك ما سـيجئ‪ ،‬ونزعـم‬
‫لطلب نا أن ا كا نت رحلة " علم ية " قال‪ :‬الن طوق نا رق بة ال سلم‪ ،‬ول ي بق إل جذب ال بل فيخت نق‬

‫() ولفرد كانتول سيث‪ ,‬السلم ف التاريخ الديث‪ ,‬الطبعة الرابعة سنة ‪ ,1966‬ص ‪.106-105‬‬
‫‪1‬‬
‫ويوت‬
‫رحلة صليبية واضحة الهداف‪.‬‬
‫ومثلها كل الرحلت الخرى القى قام با الصليبيون ف العال السلمى‪ ،‬يدرسون مداخله ومارجه‪،‬‬
‫ويرجعون إل حكومات م ليدلو ها على طري قة الت سلل إل بلد ال سلمي وأشهر ها رحلة ماجلن ن ال ت‬
‫كان هدف ها ال ستيلء على الرض ال سلمية ف الفلب ي وإخضاع ها ل كم ال صليبيي‪ ،‬وال ت ندر سها‬
‫لبنائنا كذلك على أنا من أعظم الرحلت " العلمية " الستكشافية ف التاريخ! (‪.)1‬‬
‫أ ما أن ا ا ستكشافية بالن سبة لور با‪ ،‬لن ا كش فت للوربي ي بلدا ل يكونوا يعلمون عن ها شيئا إل‬
‫بالسماع‪ .‬أما بالنسبة لنا نن السلمي هل كانت بلدنا مهولة منا ف انتظار أن يأتى ماجلن فيشكفها‬
‫لنا‪ ،‬كما نوحى لبنائنا ونن ندّرس لم التاريخ؟! (‪.)2‬‬
‫توالت الرحلت‪ ..‬وتوالت الستكشافات‪ ..‬وبدأت السرقات‪.‬‬
‫يئ الصليبيون إل سلطان من سلطي السلمي – ف أفريقيا خاصة – فليجيئون إل كرمه – أو قل‬
‫إل غفل ته‪ .‬فيطلبون م نه م ساعدة سفنهم ال ت تر سو ف مرافئة في ساعدهم بل شك فيطلبون قط عة أرض‬
‫على الشاطئ ليقوموا هم بدمة سفنهم إذا جاءت‪ .‬فيعطيهم قطعة الرض بقتضى " الكرم " ول شك‬
‫فإذا ا ستولوا على قط عة الرض و صارت ل م نق طة ارتكاز على الشا طئ جاءوا بال سفن الحملة بالنود‬
‫والسلح‪ ،‬ونزلوا ف الرفأ‪ ،‬وجاسوا خلل الديار‪.‬‬
‫ول ت كن هذه بطبي عة الال هى الطري قة الوحيدة للغزو ال صليب‪ ،‬ف قد ا ستخدموا كل الو سائل ال ت‬
‫ت قق ل م أهداف هم‪ ،‬من غزو ع سكرى صريح (‪ ،)3‬إل حلت تبشي ية ت هد ال سبيل (‪ )4‬إل ت سللل "‬
‫تاري " ينقلب فيما بعد إل استعمار كامل (‪.)5‬‬
‫وأخيا – ف ناية القرن التاسع عشر اليلدى – كانوا قد احتلوا كل الرض السلمية تقريبا‪ ،‬ماعدا‬
‫تركيا ذاتا‪ ،‬وأجزاء من الزيرة العربية‪ ،‬وأخضعوا السلمي ف مناطق احتللم للحكم الصليب جهرة أو‬

‫() ك تب ماجلن إل البا با عدة مرات يطلب الذن له بإعداد "رحلة" إل الفلبي لخضاع "الكفار" (أي ال سلمي) لكم ال صليب‪ ,‬وأخيا أذذن له البابا فقام برحلته "العلمية‬
‫‪1‬‬
‫الستكشافية"! ولا حاول رفع الصليب علي الرض السلمية قتله السلمون‪ .‬ونن ندرس لبنائنا أن "التببرين" قتلوه‪ ,‬لنم ل يقدروا قيمة الرحلة الستكشافية العظيمة!‬

‫() انظر من كتابات السلمي ‪ -‬علي سبيل الثال ‪ -‬رحلة ابن بطوطة!‬
‫‪2‬‬
‫() كما حدث ف مصر والشمال الفريقي‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() كما حدثث ف وسط أفريقيا وغربا‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() كما حدث ف الند وأندونسيا‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫بوساطة حكام من السلمي‪ .‬يقومون بالكم ظاهرا‪ ،‬ومن ورائهم – أو من خللم – يكم الصليبيون‬
‫ل تتاج ظاهرة الغزو الصليب ذاتا إل تعليل ول تفسي‪.‬‬
‫فالقد الذى يمله الصليبيون ف قلوبم للسلم قد أخبنا به اللطيف البي ف كتابه النل‪:‬‬
‫{وَلَ ْن تَرْضَى َعنْكَ اْلَيهُو ُد وَل الّنصَارَى َحتّى َتّتبِ َع مِّلَتهُمْ} [سورة البقرة ‪]2/120‬‬
‫سهِ ْم مِ ْن َبعْ ِد مَا‬
‫{وَدّ َكثِ ٌي مِ نْ َأهْلِ الْ ِكتَا بِ َل ْو يَ ُردّوَنكُ مْ مِ نْ بَعْدِ ِإيَانِكُ مْ ُكفّارا حَ سَدا مِ ْن ِعنْدِ أَنفُ ِ‬
‫َتَبيّنَ َلهُ ْم الْحَقّ} [سورة البقرة ‪]2/109‬‬
‫{وَل يَزَالُو َن ُيقَاتِلُوَنكُمْ َحتّى يَرُدّوكُ ْم عَنْ دِينِكُمْ ِإنْ ا ْستَطَاعُوا} [سورة البقرة ‪]2/217‬‬
‫ف هو ح قد دائم‪ ،‬كا من ف قلوب م ضد ال سلم‪ ،‬ل يتاج إل با عث آ خر‪ .‬فمجرد وجود إ سلم ف‬
‫الرض كاف لتحريـك ضغائنهـم‪ ،‬وباعـث لمـ على التحرك ضـد السـلمي ليدوهـم عـن دينهـم إن‬
‫استطاعوا‪.‬‬
‫تلك حقي قة نتاج إل توكيد ها والتذك ي ب ا لن هناك أكذو بة ضخ مة ا صطنعها الغرب ليدارى ب ا‬
‫أحقاده ال صليبية‪ ،‬وأطلق ها ف ج يع الجالت ح ت صدقها ال سلمون أنف سهم – بتأث ي الغزو الف كر –‬
‫وصاروا يرددونا على نو ما لقنها لم سادتم‪ ..‬خلصتها أن عصر المية الدينية قد انتهى‪ ،‬ول تعد‬
‫تلك المية ترك أوربا اليوم كما كانت تركها ف العصور الوسطى‪ ،‬لن " الدين " ف أوربا ل يعد‬
‫عامل مؤثرا ف حياة أهلها‪ .‬إنا هو " استعمار اقتصادى " هدفه البحث عن الوارد والامات ول علقة‬
‫له بالدين‪.‬‬
‫وتلك – ف مملها – أكذوبة ل نصيب لا من الواقع‪.‬‬
‫حقي قة إن أور با هجرت الد ين ون سيته‪ ،‬ول ت عد تك مه ف شئ من وا قع حيات ا ل ال سياسية ول‬
‫القتصادية ول العلقات الجتماعية ول مشاعر القلب ول خطرات الذهن‪ .‬ولكن هذا كله شئ والقد‬
‫الصليب شئ آخر‪.‬‬
‫إن القـد الصـليب ليـس مبعثـه بالضرورة " تديـن " النصـارى كمـا قـد يبدو لول وهلة‪ ،‬إناـ سـببه‬
‫السـاسى هـو وجود السـلمي‪ .‬وجود تمـع بشرى ل ينتمـى إليهـم ول ينضوى إل زمرتمـ ول يتبـع‬
‫ملتهم‪ ،‬وهذا هو الذى تشي إليه الية الكرية‪:‬‬
‫{وَلَ ْن تَرْضَى َعنْكَ اْلَيهُو ُد وَل الّنصَارَى َحتّى َتّتبِ َع مِّلَتهُمْ} [سورة البقرة ‪]2/120‬‬
‫و سواء كانوا هو متدين ي أو من سلخي من دين هم فلن يرضوا عن " ال سلمي " طال ا هو م سلمون‪،‬‬
‫يستظلون براية " ل إله إل ال ممد رسول ال "‪.‬‬
‫يقول ممد أسد ف كتابه "السلم علي مفترق الطرق"‪:‬‬
‫" إن الصطدام العنيف الول بي أوربة التحدة من جانب وبي السلم من الانب ال خر – أى‬
‫الروب الصليبية – يتفق مع بزوغ فجر الدينة الوربية‪ .‬ف ذلك الي أخذت هذه الدينة – وكانت ل‬
‫تزال على ات صال بالكني سة – ت شق سبيلها الاص ب عد تلك القرون الظل مة ال ت تب عت انلل روم ية‪.‬‬
‫حينذاك بدأت آداب أور بة ربي عا منورا جديدا‪ .‬وكا نت الفنون الميلة قد بدأت بال ستيقاظ بب طء من‬
‫سبات خلفته هجرات الغزو الت قام با القوط والون والفاريون‪ .‬ولقد استطاعت أوربة أن تتملص من‬
‫تلك الحوال الش نة ف أوائل القرون الو سطى‪ ،‬ث اكت سبت وع يا ثقاف يا جديدا‪ ،‬و عن طر يق الو عى‬
‫كسبت أيضا حسا مرهفا‪ .‬ولا كانت أوربة ف وسط هذا الأزق الرج‪ ،‬حلتها الروب الصليبية على‬
‫ذلك اللقاء العدائى بالعال السلمى‪ .‬لقد كان ثت حروب بي السلمي والوربيي قبل عصل الروب‬
‫ال صليبية‪ :‬كا نت فتوح العرب ف صقلية والندلس‪ ،‬وكان هجوم هم على جنوب فرن سة‪ ،‬ول كن هذه‬
‫العارك كا نت ق بل أن ت ستيقظ أور بة إل وعي ها الثقا ف الد يد‪ ،‬فات سمت من أ جل ذلك‪ ،‬و من وج هة‬
‫الن ظر الورب ية على ال قل‪ ،‬بطا بع ذى نتائج مل ية‪ .‬ول ت كن تلك العارك قد فه مت ب عد على وجه ها‬
‫القي قى‪ .‬إن الروب ال صليبية هى ال ت عي نت ف القام الول والقام ال هم مو قف أور بة من ال سلم‬
‫لبضعة قرون تتلو‪ .‬ولقد كانت الروب الصليبية ف ذلك حاسة لنا حدثت ف أثناء طفولة أوربة‪ ،‬ف‬
‫الع هد الذى كا نت ف يه ال صائص الثقاف ية الا صة قد أخذت تعرض نف سها (يق صد قد أخذت تظ هر)‬
‫وكانت ل تزال ف طور تشكلها‪ .‬والشعوب كالفراد‪ ،‬إذا اعتبنا أن الؤثرات العنيفة الت تدث ف أوائل‬
‫الطفولة تظل مستمرة ظاهرا أو باطنا مدى الياة التالية‪ .‬وتظل تلك الؤثرات مفورة حفرا عميقا‪ ،‬حت‬
‫إنه ل يكن للتجارب العقلية ف الدور التأخر من الياة‪ ،‬والتسم بالتفكي أكثر من اتسامه بالعاطفة أن‬
‫تحوها إل بصعوبة‪ ،‬ث يندر أن تزيلها تاما‪.‬‬
‫" وهكذا كان شأن الروب الصليبية‪ ،‬فإن ا أحدثت أثرا من أع مق الثار وأبقاها ف نفسية الشعب‬
‫الور ب‪ .‬وإن الم ية الاهل ية العا مة ال ت أثارت ا تلك الروب ف زمن ها ل ي كن أن تقارن ب شئ خبته‬
‫أوربة من قبل‪ ،‬ول اتفق لا من بعد‪.‬‬
‫" لقد اجتا حت القارة الورب ية كلها موجة من النشوة‪ ،‬كانت – ف مدة ما على القل – عنفوانا‬
‫تطى الدود الت بي البلدان والت بي الشعوب والت بي الطبقات‪ .‬ولقد اتفق ف ذلك الي‪ ،‬وللمرة‬
‫الول ف التاريخ‪ ،‬أن أوربة أدركت ف نفسها وحدة – ولكنها وحدة ضد العال السلمى‪ .‬لقد كان‬
‫ثت قبل ذلك الزمن أنلو سكسون وجرمان وفرنسيون ونورمان وإيطاليون ودنركيون وسلف‪ ،‬ولكن‬
‫ف أثناء الروب الصليبية ولدت فكرة " الدنية الغربية " وأصبحت هدفا واحدا تسعى إليه جيع الشعوب‬
‫الورب ية على ال سواء‪ .‬وكا نت تلك الدن ية الغرب ية " وأ صبحت هد فا واحدا ت سعى إل يه ج يع الشعوب‬
‫الوربية على السوء‪ .‬وكانت تلك الدنية الغربية عدوة للسلم وقفت عرابا (وكيل الطفل العمد بالتعبي‬
‫الكنسى) ف هذه الولدة الديدة‪ ..‬لقد نشأ تسميم العقل الورب عما شوهه قادة الوربيي من تعاليم‬
‫السلم ومثله العليا أمام الموع الاهلة ف الغرب‪ .‬وف ذلك الي استقرت تلك الفكرة الضحكة ف‬
‫عقول الوربيي‪.‬‬
‫من أن ال سلم د ين شهوان ية وع نف حيوا ن‪ ،‬وأ نه ت سك بفروض شكل ية‪ ،‬ول يس تزك ية للقلوب‬
‫وتطهيا لا‪ ،‬ث بقيت هذه الفكرة حيث استقرت‪..‬‬
‫" لقد بذرت بذور البغضاء‪ ..‬إن حية الصليبيي الاهلية كان لا ذيولا ف أماكن كثية من أوربة‪،‬‬
‫فشجع ذلك نصارى الندلس على الرب لنقاذ بلدهم من " ني الوثنيي "‪.‬‬
‫" ولكن قبل أن يتاح لصدى هذه الوادث أن يفت ف أسبانية حدث حدث ثالث عظيم الهية زاد‬
‫ف فساد الصلت بي العال الغرب وبي السلم‪ :‬ذلك هو سقوط القسطنطينية ف يد التراك‪ ..‬وبسقوط‬
‫القسـطنطينية فتـح باب أوربـا على مصـراعيه للسـيل السـلمى‪ .‬وفـ القرون التـ تلت والتـ امتلت‬
‫بالروب‪ ،‬ل ت بق عداوة أور بة لل سلم قض ية ذات أه ية ثقافية فح سب‪ ،‬بل ذات أه ية سياسية أيضا‪.‬‬
‫وهذا زاد ف اشتداد تلك العداوة‪ ..‬ولقد كانت هذه البغضاء تغمر الشعور الشعب كلما ذكرت كلمة "‬
‫م سلم "‪ .‬ول قد دخلت ف المثال ال سائرة عند هم ح ت نزلت ف قلب كل أور ب رجل كان أم امرأة‪.‬‬
‫وأغرب من هذا كله أنا ظلت حية بعد جيع أدوار التبدل الثقافة‪ .‬ث جاء عهد الصلح الدين حينما‬
‫انق سمت أو بة شي عا‪ ،‬ووق فت كل شي عة مدج جة ب سلحها ف و جه كل شي عة أخرى‪ ،‬ول كن العداء‬
‫للسلم كان عاما فيها كلها‪ .‬بعدئذ جاء زمن أخذ الشعور الدين فيه يبو ولكن العداء للسلم استمر‬
‫(‪.)1‬‬
‫وف هذا ما يوضح تلك القيقة الت تشكل أحيانا على الذهن‪ :‬كيف أن أوربا هجرت دينها ومع‬
‫ذلك فما تزال تشعر بالقد الصليب تاه السلمي‪.‬‬
‫فإذا أصيف إل وجود السلم وهو الباعث الول لقد اليهود والنصارى منذ أول لظة وجد فيها‬
‫السلم‪ ،‬قبل أن يدث احتكاك من أى نوع بي السلمي واليهود أو بينهم وبي النصارى‪ ..‬إذا أضيف‬
‫إل مرد وجود السلم حركته التاريية الائلة الت اصطدم فيها باليهود والنصارى‪ ،‬وأزاحهم من مراكز‬

‫() السلما علي مفترق الطرق‪ ,‬ترجة عمر فروخ مقتطفات ص ‪.58-52‬‬
‫‪1‬‬
‫قوتم – كلها أو بعضها – فترة طويلة من الوقت‪ ،‬فقد وجد " سبب إضاف " لق‪ ،‬ل يزول‪ ،‬بشهادتم‬
‫هم أنفسهم‪ ،‬الت نطق با رجل مثل " ولفرد كانتول سيث " ف كتابه " السلم ف التاريخ الديث "‬
‫(‪ )1‬وينطق با على الدوام غيه من الستشرقي والبشرين ورجال السياسية ورجال الفكر‪)2( ..‬‬
‫ول ينع هذا من وجود أطماع اقتصادية هائلة لوربا ف الشرق الغن بالامات والوارد‪ ،‬الت ل يكاد‬
‫أصحابا يستمرون منها إل القليل‪ ،‬بينا تتحرق أوربا شوقا إل شئ منها!‬
‫ولكن هذا ل ينبغى أن يفى عنا مموعة من القائق ف هذا الشأن‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن الباعـث الصـليب كان هـو الباعـث الول الذى حرك أوربـا إلى السـتيلء على اعال‬
‫ال سلمى ك ما هو ثا بت من رحل ت فا سكو داجا ما وماجلن‪ ،‬والرحلت ال ستكشافية الخرى ف‬
‫أفريقيا خاصة – الت حلت البشرين بكميات هائلة إل أماكن ل يكن الستغلل القتصادى فيها مدد‬
‫العال أول المر‪ ،‬وإن كان قد حدث على نطاق واسع فيما بعد‪ ،‬حي اكتشف الحتلون مصادر الثروة‬
‫وأخذوا ف استغللا‪.‬‬
‫الثانيية‪ :‬أن التحرك القتصـاد الول مـن أوربـا نوـ الشرق كان هدفـه الول حرمان السـلمي مـن‬
‫مصادر قوتم لضعافهم‪ ،‬وهو هدف صليب واضح تتخذ له جيع الوسائل‪ ،‬وما الوسيلة القتصادية إل‬
‫واحدة من هذه الوسائل فحسب‪ .‬وليست هى الغاية كما يزعمون ويزعم معهم الستعبدون لم من "‬
‫الثقفي " خاصة‪ ،‬الذين يهز الواحد منهم كتفيه ف بلهة ويقول‪ :‬إن الغرب ل يريد إل تأمي مصاله‬
‫القتصادية فحسب‪ ،‬ول يهمه شئ غي ذلك!‬
‫الثالثة‪ :‬أنه ح ي برز العا مل القت صادى ف حياة أور با في ما ب عد‪ ،‬وأ صبح – ف ظا هر ال مر – هو‬
‫الحرك الول لميع تصرفاتا‪ ،‬بقى هناك فارق واضح بي " الستعمار القتصادى " ف بلد السلم‪،‬‬
‫والسـتعمال القتصـادى فـ البلد غيـ السـلمية التـ اسـتولوا عليهـا فـ مرحلة التوسـع وتكويـن‬
‫المباطوريات‪.‬‬
‫فمع أنه ف جيع أحواله ظال للبلد الحتلة الستغلة‪ ،‬أنان النعة‪ ،‬ل يهمه إل تقيق مصاله الاصة‬
‫على حساب أهل البلد الصليي‪ ،‬حريص دائما على تركهم فقراء متخلفي ليتسن له استغللم أطول‬
‫وقت مكن‪ ،‬معاكس دائما لركاتم التحررية الستقللية‪ ،‬كابت لوجودهم السياسى و " القومى "‪..‬‬
‫مع ذلك كله فإ نه – ف البلد غ ي ال سلمية – ل يتعرض لعقائد الناس وأفكارهم وتقاليدهم ب شئ‬

‫() راجع شهادته ف الصفحات السابقة‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫() راجع تصريات مموعة منهم ف كتاب "التبشي والستعمار" لعمر فروخ وزميله‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫من العنف على الطلق‪ ،‬مكتفيا با يتسرب إل حياتم تدرييا من التأثي الناشئ من رغبة الغلوب ف‬
‫تقليد الغالب‪ .‬أما ف البلد السلمية فقد كانت هناك دائما تدبيات وترتيبات يقصد با قصدا إل إزالة‬
‫مظاهر الياة السلمية‪ ،‬ومالة سحق السلم ف نفوس السلمي بالعنف‪ ،‬أو صرفهم عنه صرفا خبيثا‬
‫ماكرا بوسائل أخرى غي العنف (‪ ،)1‬ولكنه ل يهادن ول يرضى عنه ف أى حال من الحوال‪ ..‬وكان‬
‫من أول هذه التدبيات والترتيبات ف كل بلد إ سلمى و قع ف قبضت هم تنح ية الشري عة ال سلمية عن‬
‫الكم ووضع القواني الوضعية بدل منها‪ ،‬وهو أمر ل علقة له من قريب ول بعيد " بالصال القتصادية‬
‫" الت يزعم الغرب ويزعم معه أتباعه الستعبدون له أنا الدف الول والخي من استيلئهم على العال‬
‫السلمى!‬
‫و من هذا ي تبي أن الدا فع ال صليب كان موجودا دائ ما مع الغزو الور ب لبلد ال سلم‪ ،‬سواء كان‬
‫يعمل منفردا كما كان ف منطلقه الول‪ ،‬أو متزجا بالدافع القتصادى كما حدث فيما بعد‪ ،‬ولكنه ف‬
‫جيع أحواله حاد النعة متدم الورا ل يهدأ ول يسكن‪ ،‬بل ازدادت حدته ف القرن الخي خاصة مع‬
‫بروز حركات البعث السلمى كما سيجئ (‪.)2‬‬
‫‪m m m‬‬

‫‪ -4‬الغزو الفكرى‬
‫يقصد بالغزو الفكرى الوسائل غي العسكرية الت اتذها الغزو الصليب لزالة مظاهر الياة السلمية‬
‫و صرف ال سلمي عن التم سك بال سلم‪ ،‬م ا يتعلق بالعقيدة و ما يت صل ب ا من أفكار وتقال يد وأناط‬
‫سلوك‪.‬‬
‫والدافـع إل اسـتخدام الغزو الفكرى ف الرب ال صليبية العا صرة هو الصـيلة الرة ال ت خرج ب ا‬
‫الصليبيون من حروبم الصليبية الول مع السلمي ف القرني الامس والسادس الجريي (الادى عشر‬
‫والثان عشر اليلديي)‪ ،‬والت انتهت بالزية الساحقة وعدم تقيق شئ ما خرج الصليبيون من بلدهم‬
‫لتحقيقه‪ ،‬وبذلوا فيه الموال والدماء والنفوس‪.‬‬
‫ف تلك الروب الول و قع لو يس التا سع ملك فرن سا ف ال سر ب عد هزي ة حل ته ال صليبية‪ ،‬وب قى‬
‫سجينا ف النصورة فترة من الوقت حت افتداه قومه وفك أسره‪.‬‬

‫() سنتكلم عن هذه الوسائل ف الفقرة التالية بعنوان "الغزو الفكري"‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫() يعمل السملون المارسون لدينهم من الذين يعيشون ف أوروبا أو يزورونا مدي القد الصليب الكامن ف قلوب الورروبيي تاه السلم!ز‬
‫‪2‬‬
‫وف أثناء سجنه أخذ يتفكر فيما حل به وبقومه‪ ،‬ث عاد يقول لقومه‪ :‬إذا أردت أن تزموا السلمي فل‬
‫تقاتلوهم بالسلح وحده – فقد هزمتهم أمامهم ف معركة السلح – ولكن حاربوهم ف عقيدتم‪ ،‬فهى‬
‫مكمن القوة فيهم‪.‬‬
‫ووعى قومه نصيحته‪..‬‬
‫فل ما عادوا لغزو العال ال سلمى مرة أخرى ل يكتفوا بال سلح وحده‪ ،‬ولكن هم ا ستصحبوا مع هم‬
‫تلك الوسيلة البيثة الت نطلق عليها اسم " الغزو الفكرى "‪.‬‬
‫والدف الخ ي من الغزو الفكرى هو اقتلع العقيدة ال سلمية من قلوب ال سلمي و صرفهم عن‬
‫التم سك بال سلم‪ ،‬أ ما الو سائل ف هى كثية متعددة‪ ،‬ول كن ي كن ح صرها ف مال ي أ ساسيي منا هج‬
‫التعليم‪ ،‬ووسائل العلم‪.‬‬
‫حي دخل النليز مصر عام ‪ 1822‬قام جلدستون رئيس الوزارة البيطانية يومئذ ف ملس العموم‬
‫البيطان يقول مشيا إل الصحف‪ :‬طالا كان هذا الكتاب ف أيدى الصريي فلن يقر لنا قرار ف تلك‬
‫البلد!‬
‫و ف مؤت ر البشر ين الذى ع قد بالقاهرة عام ‪ 1906‬و قف الطباء يقولون‪ :‬ل قد فشل نا! ف قد فتح نا‬
‫الدارس والستشفيات واللجئ‪ ،‬وأعطينا الموال وقدمنا الدمات‪ ،‬ث ل يدخل ف النصرانية بعد ذلك‬
‫إل ط فل صغي خطفناه من أهله ق بل أن يعرف عقيدة أهله‪ ،‬أو ر جل كبي جاء إلي نا من أ جل الال ول‬
‫نض من عقيد ته مع ذلك! فقام " الب زوي ر " (‪ )1‬مقرر الؤت ر يرد علي هم‪ :‬ل قد ا ستمعت إل إخوا ن‬
‫الطباء‪ ،‬ولست موافقا على ما يقولون‪ .‬فليست مهمتنا هى تنصي السلمي‪ ،‬فهذا شرف ليسوا جديرين‬
‫به (!) ول كن مهمتنا هى صرف ال سلمي عن التم سك بال سلم‪ ،‬و ف ذلك نحنا نا حا باهر بف ضل‬
‫مدارسنا التبشيية‪ ،‬والسياسية التعليمية الت وضعناها للبلد السلمية (‪.)2‬‬
‫وتلك أقوال صرية ل تتاج إل تعليق‪..‬‬
‫فالطلوب هو صرف السلمي عن دينهم وعن قرآنم‪ ،‬وليكونوا بعد ذلك ما يكونون‪ .‬فإذا عجزوا‬
‫عن تنصيهم كما كانوا يشتهون ويططون ف البدء (‪ ،)3‬فينبغى على القل أن ينتزعوا من قلوبم ذلك‬

‫() مبشر بروتستانت كان له نشاط تبشيي واسع ف البلد السلمية‪ ,‬وأوصي قبل لوته بأن يدفن ف مقابر اليهود‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() راجع "الغارة علي العال السلمي" ترجة مب الدين الطيب‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() ل عبة با يقوله زوير من أن هدف الصليبيي ل يكن هو تنصي السلمي‪ ,‬ول عبة بتعليله‪ ,‬السمج أن التنصي شرفف ل يستحقه السلمون! فتلك ماولة منه لتغطية الفشل الذي‬
‫‪3‬‬
‫لقييه البشرون ف عملية التنصي‪ ,‬كما قال الثثعلب حي عجز عن الصعود إل كرمة العنب إنه عنب حصرم!‪.‬‬
‫الشئ الرهوب‪ ،‬الذى يزعجهم ويفزعهم حت وهو كامن ف قلب " الرجل الريض " كما صرح أحد‬
‫الكتاب ف كتاب " الغارة على العال السلمى " حيث قال‪ :‬إن أوربا كانت تفزع من الرجل الريض‬
‫لن وراءه ثلثائة مليون من السلمي على استعداد للجهاد بإشارة من أصبعه!‬
‫ن عم! إن ا روح الهاد ف هذا الد ين أ شد ما يفزع هم م نه‪ ،‬وإن كان كل شئ ف يه مقي تا لدي هم ل‬
‫يطيقون أن يبصروه! (‪)1‬‬
‫ول عل خ ي نوذج نقد مه ف مال الغزو الفكرى هو التجر بة ال صرية‪ ..‬ف قد كا نت لل صليبيي عنا ية‬
‫خاصـة بصـر بالذات‪ ،‬وبالقضاء على السـلم فيهـا‪ ،‬بسـبب مركزهـا اليوى الؤثـر فـ قلب العال‬
‫السـلمى‪ ،‬وبالذات بسـبب وجود الزهـر فيهـا‪ ،‬ماـ جعلهـا مركـز الشعاع الروحـى والثقافـ للعال‬
‫السلمى كله‪.‬‬
‫قال أحد البشرين ف كلمة له ف الؤتر التبشيى الذى عقد ف القاهرة سنة ‪ 1906‬وهو يتساءل‬
‫ع ما إذا كان الز هر يتهدد كني سة السيح بال طر‪ :‬إن ال سنيي من ال سلمي ر سخ ف أذهان م أن تعل يم‬
‫العربية ف الامع الزهر متقن ومتي أكثر منه ف غيه‪ ،‬والتخرجون ف الزهر معلوفون بسعة الطلع‬
‫على علوم الدين وباب التعليم مفتوح ف الزهر لكل مشايخ الدنيا‪ ،‬خصوصا وأن أوقاف الزهر الكثية‬
‫تساعد على التعليم فيه مانا لن ف استطاعته أن ينفق على ‪ 250‬استاذا‪ .‬ث عرض اقتراحا يريد به إنشاء‬
‫مدرسة جامعة نصرانية تقوم الكنيسة بنفقاتا لتتمكن من مزاحة الزهر بسهولة‪ ،‬وتتكفل هذه الدرسة‬
‫الامعة باتقان تعليم اللغة العربية‪ .‬وختم كلمه قائل‪ :‬ربا كانت العزة اللية قد دعتنا إل اختيار مصر‬
‫مركز عمل لنا لنسرع بإنشاء هذا العهد السيحى لتنصي المالك السلمية (‪.)2‬‬
‫لذلك كانت عنايتهم بإفساد السلم ف مصر – أو بعبارة أخرى ماولة إخراج مصر من السلم –‬
‫عنا ية شديدة‪ ،‬وبذلوا ف سبيل تقيق ها جهودا مركزة قد تكون أو سع نطا قا وأع مق أثرا من أى ماولة‬
‫أخرى قاموا ب ا ف بق ية العال ال سلمى (في ما عدا ماولت م ال ت بذلو ها ف ترك يا لزالة الل فة ح ت‬
‫حققوا هدفهم على يد كمال أتاتورك) (‪.)3‬‬

‫() يعرف الذين يعيشون ف أوربا من السلمي كم يثيرهم منظر الفتاة السلمة التحجبة إل حد لل يستطيعون إخفاءه!‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() الغارة علي العال السلمي ص ‪ ,58-57‬الدار السعودية للنشر‪ ,‬جدة‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() ركز الصليبيون ف م حاولتهم القضاء علي السلم علي نقطتي رئيسيتي‪ :‬الستانة والقاهرة‪ .‬الستانة بباعتبارها مركز القوة والسياسة والعسكرية للعال السلمي‪ ,‬والقاهرة‬
‫‪3‬‬
‫باعتبارها مركز الشعاع الروحي والثقاقي‪ .‬ولكن جهودهم ف الستانة كانت سياسية وعسكرية ف القام الول‪ ,‬بينما كانت جهودهم ف القاهرة فكرية وثقافية ف القام الول‪.‬‬

‫لذلك فإننا ‪ -‬ف مال الغزو الفكري ‪ -‬نركز علي التجربة الصرية‪ ,‬وسنتعرضض للتجربة التركية ف أثناءء السرد التاريي‪.‬‬
‫وثت سبب آخر لختيار التجربة الصرية هو أنا تربة متكاملة‪ ،‬من أول النسلخ من السلم إل‬
‫بدء العودة إليه‪ .‬وسيجد كل قارئ من البلد العربية أو السلمية الخرى أن بلده قد مرت بانب من‬
‫هذه التجربة عل القل‪ .‬فإذا عرضنا له التجربة التكاملة سهل عليه أن يستوعب أبعاد الؤامرة ويستوعب‬
‫كذلك رد الفعل‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫دور الملة الفرنسية‬


‫ف عام ‪ 1798‬م جاءت الملة الصليبية الفرنسية إل مصر بقيادة نابليون بونابارت‪.‬‬
‫وندرس نن لبنائنا أن الملة الفرنسية كانت فتحا عظيما – ل بالنسبة لفرنسا ولكن بالنسبة لصر!‬
‫وأن ا هى بدا ية النفتاح ال صرى على العال التح ضر‪ ،‬وبدا ية الروج من الظلمات إل النور‪ .‬و ما يزال‬
‫هناك سؤال دورى يتردد ف اختبارات الشهادة العداد ية‪ ،‬مرة يقال ف يه‪ :‬أذ كر فوائد الملة الفرن سية‬
‫على مصـر‪ ،‬ومرة يقال‪ :‬أذكـر " مآثـر " الملة الفرنسـية على مصـر! ول يذكـر فـ النهـج مرة واحدة‬
‫بطبيعة الال أنا كانت حلة صليبية على مركز من أهم مراكز العال السلمى!‬
‫يقال ف أهداف الملة إن نابليون كان يريد أن يتخذ من مصر قاعدة له لقطع الطريق المباطورى‬
‫" بي بريطانيا والند‪ ،‬بسبب التنافس الستعمارى بي فرنسا وبريطانيا‪ .‬ويقال إنه حل معه مطبعة ذات‬
‫أحرف عرب ية لطبع الوامر والنشورات " ال صلحية " ال ت يصدرها نابليون إل الشعب ال صرى‪ .‬وإنه‬
‫جاء معه ببعثة علمية للتنقيب عن آثار الفراعنة‪.‬‬
‫وببلهة وغفلة – أو ببث وسوء نية ‪ -‬نتجاهل الهداف القيقية للحملة‪ ،‬وأهداف الطبعة‪ ،‬والبعثة‬
‫" العلمية "!‬
‫فأما التنافس الستعماري بي بريطانيا و فرنسا ف تلك الفترة فحقيقة تاريية ل شك فيها‪ ،‬كذلك‬
‫رغبة نابليون الكيدة ف أن يتخذ من مصر قاعدة يارب منها بريطانيا‪ ،‬ويقطع " طريقها المباطوري "‬
‫إل الند‪ .‬أما أن كل هذه أهداف الملة فأمر يكذب واقع التاريخ!‬
‫فما العلقة بي قطع الطريق المباطوري‪ ،‬وبي ماولة تنحية الشريعة السلمية ف مصر و إحلل‬
‫القواني الوضعية ملها؟!‬
‫أما حي نعلم أنا حلة صليبية تمل معها أهدافا مددة ضد السلم‪ ..‬فهناك يتضح كل شئ!‬
‫أرسل نابليون منشورا إل الصريي بعد احتلل السكندرية جاء فيه‪:‬‬
‫" بسم ال الرحن الرحيم‪ .‬ل إله إل ال ل ولد ول شريك له ف ملكه‪.‬‬
‫" من طرف الفرنساوية‪ ،‬البن على أساس الرية و التسوية‪)1( :‬‬
‫" السر عسكر الكبي‪ ،‬أمي جيوش الفرنساوية بونابرت‪ ،‬يعرف أهال مصر جيعهم أن من زمان مديد‬
‫الصناجق الذين يتسلطون ف البلد الصرية يتعاملون بالذل والحتقار ف حق اللة الفرنساوية(‪..)2‬‬
‫" قد قيل لكم إنن ما زلت بذا الطرف إل بقصد إزالة دينكم‪ ،‬فذلك كذب صريح فل تصدقوه!(‪)3‬‬
‫وقولوا للمغترين إنن ما قدمت إليكم إل لخلص حقكم من يد الظالي‪ .‬وإنن أكثر من الماليك أعبد‬
‫ال سبحانه وتعال واحترم نبيه والقرآن العظيم!‪..‬‬
‫" أي ها الشا يخ والقضاة والئ مة والري ية (‪ .)4‬وأعيان البلد‪ :‬قولوا لمت كم إن الفرن ساوية هم أي ضا‬
‫مسلمون ملصون (!!) وإثبات ذلك أنم قد نزلوا ف رومية الكبى وخربوا فيها كرسى البابا الذى كان‬
‫دائما يث النصارى على ماربة السلم (!!)‪ ..‬ومع ذلك الفرنساوية ف كل وقت ف الوقات صاروا‬
‫مبي ملصي لضرة السلطان العثمان‪ ،‬وأعداء أعدائه‪ ،‬أدام ال ملكه (!!)‪ ..‬ال‪ ..‬إل" (‪.)5‬‬
‫وب عد هزي ة المال يك أما مه ف معر كة " إمبا بة " جاء وا ستقر ف القاهرة ف منل‪ " .‬الل فى بك "‬
‫وكان يوصفه " مسلما! " مبا للسلم والقرآن – يرأس ملس العلماء ويلع عليهم أحيانا " خلعا سنية‬
‫"‪ ..‬وياول استخدامهم ف ترويج القواني الوضعية الت أراد إحللا مل الشريعة السلمية‪ ،‬واتى كان‬
‫يطبعها ف الطبعة العربية الت جاء با معه ووضعها ف بولق!‬
‫وياله من إجراء يقطع به الطريق المباطورى بي بريطانيا والند!‬
‫إنا لسذاجة بلهاء أن تتصور أن نابليون جاء فقط ليقطع الطريق المباطورى بي بريطانيا والند!‬
‫نعم إنه ينافس بريطانيا ويلحقها ويضيق عليها‪ .‬ولكنه جاء ومعه مططه الصليب الكامل لخراج‬
‫مصر من دائرة السلم‪ ،‬لعلها تكون بعد ذلك نقطة ارتكاز لفساد بقية العال السلمى الذى يلتقى فيها‬
‫العلم‪ ،‬ويستمد منها النور‪..‬‬

‫() يلحظ رداءة أسلوب الترجة ولكن هكذا كانت الساليب ف ذلك الوقت أقرب إل العامية منها إل العربية الفصحي‪ .‬والشارة واضحة إل شعار الثورة الفرنسية‪" :‬الرية الخاء‬
‫‪1‬‬
‫الساواة" ومعلوم جيدا أن هذا هو نفس شعار الاسونية!‬

‫() هنا يذكر نابليون بصراحة أن أحد أهداف الملة هو النتقام من الماليك الذين يتعاملون مع الفرنسيي القيمي ف منطقة نفوذهم (مصر والشام) "بالذل والحتقار"‪ ,‬والذين‬
‫‪2‬‬
‫يكتبون عن "مآثر" الملة الفرنسية علي مصر يغفلون الكلم عن هذذه النقطة الصليبية القنّعة!‪.‬‬

‫() يكاد الريب يقول خذون!‪.‬‬


‫‪3‬‬
‫() ل أفهم ما دخل "الريية" (وهم اليونانيون القيمون ف مصر) ف منشور موجه للمسلمي ليطمئنهم علي أن نابليون مسلم مثلهم!!‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫() انظر نص النشور بكامله ف كتاب "عجائب الثار ف التراجم والثار" لعبد الرحن البت‪ ,‬ص ‪ 183-182‬طبع دار اليل ببيوت‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫ل قد كا نت ماولة تنح ية الشري عة ال سلمية هى أول نقاط الخ طط ال ت بدأ تنفيذ ها بالف عل‪ ،‬ح ت‬
‫كشفه وا حد من علماء الز هر‪ ،‬ف تح ال على قلبه وك شف ب صيته فعلم حقي قة نواياه (‪ ،)1‬فقال له ف‬
‫وج هه‪ :‬لو ك نت م سلما ح قا ك ما تد عى لطب قت الشري عة ال سلمية ف بلدك فرن سا‪ ،‬بدل من ت ية‬
‫الشريعة هنا‪ ،‬ووضع القواني الوضعية بدل منها‪..‬‬
‫وأما الطبعة تلك " الأثرة " العظيمة ف مأثر الملة‪ ..‬فقد جاء با نابليون لكثر من سبب‪ ،‬فيها يطبع‬
‫النشورات الت يطالب فيها الشعب الصرى السلم بالضوع لوامر الغتصب الصليب‪ ،‬كالنشور الذى‬
‫قال ف يه أن اليان بالقضاء والقدر ي ستلزم ال ستسلم الكا مل للفرن سيي وعدم مقاومت هم‪ ،‬لن تغلب هم‬
‫على مصر والستيلء عليها كان بقدر من ال! كما كان يطبع فيها النشورات الاوية " لقانون نابليون‬
‫" الت يصدرها لبطال الشريعة السلمية بالتدريج!‬
‫وإذا كانت الطبعة قد استخدمت فيما بعد لدف مغاير تاما لهداف نابليون من نشر للتراث العرب‬
‫ال سلمى‪ ،‬فهذا أ مر ل ي سب لنابليون ول ي سب من " مآ ثر " الملة‪ ..‬ل نه ل ي كن مق صودا ع ند‬
‫نابليون‪ ،‬بل كان عكسه تاما هو ما استخدمت فيه على أيامه!‬
‫وأما البعثة " العلمية " الت جاءت تنقب عن آثار الفراعنة‪ ،‬وهى الأثرة الثانية من مآثر الملة فأمرها‬
‫أنكى!‬
‫يقول أ حد ال ستشرقي ال صرحاء ف كتاب " الشرق الد ن‪ :‬متم عة وثقاف ته "‪ " :‬إن نا ف كل بلد‬
‫إسلمى دخلناه‪ ،‬نبشنا الرض لنستخرج حضارات ما قبل السلم ولسنا نطمع بطبيعة الال أن يرتد‬
‫السلم إل عقائد ما قبل السلم‪ ،‬ولكن يكفينا تذبذب ولئه بي السلم وبي تلك الضارات " (‪.)2‬‬
‫ول قد كان هذا هو الدف الخ طط للبع ثة " العلم ية " الراف قة للحملة‪ ..‬ل ي كن هد فا " علم يا " إن ا‬
‫كان هدفا صليبيا مغلفا بالعلم‪ ،‬شأنه شأن الرحلت " العلمية " الستكشافية الت قام با الصليبيون ابتداء‬
‫من القرن السادس عشر اليلدى!‬
‫لقد كانت الثار الفرعونية موجود منذ ألوف السني‪ .‬سرق ما سرق ونب منها ما نب‪ ..‬وبقيت‬
‫العا بد واليا كل الضخ مة يزور ها من يزور م صر ويعتب ها من " عجائب " الا ضى ال سحيق‪ ،‬يت سلى‬
‫برؤيتها ويقف عندها ليأخذ العبة يضى‪ ..‬ويعود إل بلده ليصفها لن ل يرها‪ ..‬ث يضى المر كله بل‬
‫احتفال كبي‪..‬‬

‫() هو الشيخ الشرقاوي‪ ,‬وكان نابليون شديد النق عليه!‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫() انظر ‪. :Near East; Culture and Society, Edited b T. Culer Young‬‬
‫‪2‬‬
‫وأما السلمون من أهل مصر فقد كانوا يرونا دون شك‪ ،‬ويعجبون من دقائق صنعها‪ ،‬ولكنها ف‬
‫حسهم أصنام وأوثان تركها قوم غابرون‪ ،‬انقطعت الصلة بينهم وبينهم بكون هؤلء مسلمي وأولئك من‬
‫عبدة الوثان‪.‬‬
‫وكان هذا هو الال ف كل مكان ف العال ال سلمى تو جد ف آثار من بقا يا عبدة الوثان الذ ين‬
‫كانوا ي سكنون الرض ق بل م ئ ال سلم‪ ،‬سواء ف الزيرة العرب ية أو بلد الشام والعراق أو غي ها من‬
‫البلد‪ ..‬ظل المر كذلك ما يزيد على ألف عام‪ ..‬الناس ف إسلمهم‪ ،‬وهذه الوثان ف الرض‪ ،‬ل تثي‬
‫فيهم إل عبة التاريخ‪.‬‬
‫ولكن الخطط البيث الذى حله الصليبيون معهم وهم يوسون خلل الديار كان هو نبش الرض‬
‫السلمية لستخراج حضارات ما قبل التاريخ‪ ،‬لذبذبة ولء السلمي بي السلم وبي تلك الضارات‪،‬‬
‫تهيدا لقتلعهم نائيا من الولء للسلم!‬
‫وكان هذا ذاته هو الدف من ابعثة " العلمية " الت جاء با نابليون معه إل مصر!‪.‬‬
‫ومن السذاجة البلهاء – الت يمل " الثقفون " قدرا هائل منها – أن نقول إن أهدافها كانت علمية‬
‫بتة‪ ،‬وقد شهد شاهد من أهلها أنا ل تكن كذلك!‬
‫كان القصود هو إثارة النعرة الفرعونية ف الصريي السلمي‪ ،‬حت إذا انتسبوا ل يكن انتسابم إل‬
‫السلم‪ ،‬إنا إل " مصر " بعيدا عن السلم كما قال " شاعر النيل " حافظ إبراهيم‬
‫هرم الدهر الذى أعي الفنا‬ ‫أنا مصرى بنان من بن‬
‫وإذا كان حافظ إبراهيم نفسه له شعر إسلمى‪ ،‬فقد تقق فيه الخطط البيث على أى حال‪ ،‬وهو‬
‫ذبذبة ولئه بي السلم وبي الضارات السابقة على السلم كما قال ذلك الستشرق الصريح!‬
‫هذه هى الهداف الرئيسية لملة نابليون إل جانب قطع الطريق المباطورى بل شك‪ :‬العمل على‬
‫تنحية الشريعة السلمية‪ ،‬وإحلل القواني الوضعية بدل منها‪ ،‬وإثارة النعرة الفرعونية تهيدا لعزل مصر‬
‫عن العال السلمى‪ ،‬أو إخراجها منه ومن السلم ذاته‪.‬‬
‫فإذا أضفنا إل ذلك " بغايا الملة "! اللواتى تدث عنهن البتى‪ ..‬أولئك " الساقطات اللواتى جاء‬
‫ب ن نابليون‪ ،‬ي سرن ف شوارع القاهرة حا سرات متخلعات يثرن الف تة وينشرن الفاح شة‪ ،‬ويغر ين ب عض‬
‫النساء السلمات بتقليديهن كما أشار الباى ف أكثر من موضع من كتاب " عجائب الثار " (‪.)1‬‬
‫وإذا أضفنا نداء نابليون الطي الذى أذاعه غداة احتلله لصر ليهود العال كى يعودوا لوطن آبائهم‬
‫() راجع الزء الثان ص ‪.437-436 ,302 ,273 - 272 ,251-244 ,231‬‬
‫‪1‬‬
‫ليستوطنوه (‪.)1‬‬
‫إذا أضفنا هذا وذاك فقد اتضحت لنا الؤامرة الصليبية الائلة الت جاء با نابليون إل مصر‪ ،‬بالتعاون‬
‫مع اليهود الذ ين كان ل م ضلع كبي ف إثارة الثورة الفرن سية (‪ .)2‬ال ت أنت جت نابليون ذا ته ووج هت‬
‫أعماله‪..‬‬
‫وتلك هى الآ ثر القيق ية للحملة الفرن سية ال ت ل تذكر ها ك تب التار يخ الكتو بة بأيدى الوربي ي‪،‬‬
‫والت ينقلها ويتتلمذ عليها " الساتذة " الكبار من الؤرخي " السلمي! "‬
‫وأيا كان المر فإن حاقات نابليون ف مصر من ضرب الزهر بالقنابل من القلعة‪ ،‬واتاذه اصطبل‬
‫للخيل‪ ،‬وماولة اقتلع الصريي عنوة من السلم‪ ،‬بالضافة إل الظروف السياسية والربية الت أحاطت‬
‫بفرن سا واضطرت نابليون لغادرة م صر والعودة إل فرن سا‪ ،‬وترك الملة توا جه غ ضب ال سلمي التزا يد‬
‫من وجود الكفار على أرض هم‪ ،‬م ا حدا ب سليمان الل ب إل ق تل كل يب قائد الملة ب عد رح يل نابليون‬
‫(‪.)3‬‬
‫هذه الظروف كلها متمعة قد قضت على الملة الفرنسية واضطرت ا إل مغادرة م صر‪ ..‬ولكن ها –‬
‫مع السف – ل تقض على كل " مآثرها " فقد بقيت البعثة " العلمية " تواصل عملها ف الصعيد رغم‬
‫ذهاب الملة الت استقدمتها معها‪ ،‬وهذا من العجب العاجب الذى ل نستطيع اليوم تفسيه! وبقى من‬
‫الملة ذاتا رجال أدعوا السلم – كما أدعاه نابليون من قبل – كسليمان باشا الفرنساوى الذى كان‬
‫له دور كبي فيما بعد! وبقى معهد الثار الفرعونية الذى أنشأه نابليون ف حى النية القاهرة (وما يزال‬
‫قائما مكانه حت هذه اللحظة!!)‬
‫عجزت الملة الفرن سية – ب سبب هذه الظروف – عن تنف يذ مططات ا ال صليبية اليهود ية‪ ..‬ول كن‬
‫القدار ساقت لا من يقوم عنها بتنفيذ كل مططاتا ف شخص " ممد على الكبي! "‬
‫‪m m m‬‬
‫() نادرا مايذكر هذا التصريح رغم خطورته راجع موسوعة الفاهيم والصطلحات الصهيونية ص ‪ ,243‬نشر مؤسسة الهرام سنة ‪ ,1979‬مادة "الصهاينة السيحيون"‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() راجع إن شئئت فصل "دور اليهود ف إفساد أورببا" من كتاب "مذاهب فكرية معاصرة"‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() قاتل الصريون الملة الفرنسية ببسالة وشجاعة نادرة‪ ,‬ولكن ل بوصفهم "مصريي" إزاء "فرنسيي" كما تصور كتب التاريخ الت يتداولا الطلب والدارسون‪ ,‬إنا بوصفهم‬
‫‪3‬‬
‫"مسلمي" يقاتلون الكفار الذين يتلون أرضهم‪ .‬والدليل علي كونا حربا جهادية إسلمية ضد "الصليبي" أن علماء الدين كانوا هم قادتا‪ ,‬وأن غضب نابليون قد انصب علي الزهر‬

‫بوصف عنصر القاومة للغزو الصليب‪ ...‬وتأت قمة الدللة ف كون سليمان "اللب" الذي قتل كليب ل يكن "مصريا" إنا كان "مسلما" دفعه إسلمه إل قتل قائد الملة الصليبية‬

‫الوجهة إل أرض إسلمية‪ .‬ذلك أن دعاوي "الوطنية" ل تكن قد برزت بعد‪ ,‬ول تكن هي الدافع الذي دفع الصريي إل قتال الفرنسيي‪ .‬ومن التزوير علي التاريخ أن نقدمه للدارسي‬

‫علي النحو الذي نقدمه به اليوم‪ ...‬وهذا ذاته من تأثي الغزو الفكري الذي توغل ف قلوب "السلمي"!‪.‬‬
‫دور ممد على‬
‫كان ممد على شخصا سيئ السمعة‪ ..‬معروفا بالقسوة وغلظ الكبد‪ ..‬ترسله الدولة العثمانية لتأديب‬
‫القرى الت تتأخر ف دفع ما يفرض عليها من الال‪ ،‬فيعسكر هو وأفراد حلته التأديبية حول القرية ينهبون‬
‫وي سلبون ويفزعون المن ي‪ ،‬ح ت يرى أ هل القر ية أن الف ضل ل م أن يدفعوا الموال الطلو بة – وإن‬
‫أبظتهم – خيا من الذل والفزع الذى يعاونونه من ممد على وأفراد حلته!‬
‫وكان مبا للعظمة إل حد النون‪..‬‬
‫صفات كلها صالة‪)1( !..‬‬
‫وليس بي يدى اليدى ما يقطع بأن فرنسا هى الت تدخلت لدى السلطان لرساله واليا على مصر‪..‬‬
‫وإن كانت الظروف تشي إل ذلك (‪..)2‬‬
‫ولك نه جاء على أى حال‪ ..‬وال يا من ق بل الدولة العثمان ية على م صر‪ ..‬عام ‪ 1805‬من اليلد‪ ،‬أى‬
‫بعد مغادرة الملة الفرنسية بثلثة أعوام‪ ،‬كانت مصر ف أثنائها قد عادت إل حكم الماليك مع الولء‬
‫للسلطان‪.‬‬
‫واحتضنته فرنسا احتضانا كامل لينفذ لا كل مططاتا!‬
‫أنشأت له جيشا على أحدث الساليب ومهزا بأحدث السلحة التاحة يومئذ بإشراف سليمان باشا‬
‫الفرنساوى!‬
‫وأنشأت له أسطول بريا على أحدث طراز يومذاك‪.‬‬
‫وأنشأت له ترسانة برية ف دمياط‪.‬‬
‫وأنشأت له القناطر اليية لتنظيم عملية الرى ف مصر‪.‬‬
‫هل كان هذا كله حبا ف شخص ممد على؟ أو حبا ف مصر؟!‬
‫إناـ كان لتنفيـذ الخطـط الصـليب الذى عجزت الملة الفرنسـية عـن تنفيذه بسـبب اضطرارهـا إل‬
‫الرحيل‪.‬‬
‫لقد قام ممد على بدور خطي ف نقل مصر من الرتكز السلمى إل شئ آخر يؤدى با ف النهاية‬

‫() ليس من باب الصادفة أن اليي اختيوا للدوار الكبي ف حرب السلم‪ ,‬كانوا متصصفي بنون العظمة وقسوة القلب من أمثال ممد علي‪ ,‬وكمال أتاتورك‪ ,‬وجال عبد‬
‫‪1‬‬
‫الناصر‪ ...‬ذلك أنما صفتان لزمتان لثل هذا الدور "العظيم"!‪.‬‬

‫() حبذا لو قام أحد الباحثي بتحقيق هذه القضية لدمة القائق التاريية‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫إل الروج من اليز السلمى‪ ..‬سواء كان واعيا تاما لذا الدور‪ ،‬أو مستغل من قبل الصليبية لتنفيذه‪.‬‬
‫والذى يغلب على ح سنا – على ضوء التجربت ي الخيت ي‪ ،‬تر بة كمال أتاتورك وجال ع بد النا صر –‬
‫أنه كان واعيا للدور وضالعا فيه‪ .‬ولكن يستوى أن يكون ضالعا بوعى أو مستغل مستغفل‪ ..‬فهو ف‬
‫الال ي يؤدى ذات الدور‪،‬ويؤدى الدور إل ذات النتائج ب صرف الن ظر عن النوا يا الداخل ية للمنفذ ين‪.‬‬
‫ولكن يبقى شئ مؤكد ف جيع الحوال‪ ..‬أن " السلم " الق ل يكن بال أن يقوم بثل هذا الدور ل‬
‫واعيا ول مستغفل‪ ،‬لن إسلمه ينعه أن يلتقى " التوجيه " من أعداء السلم‪.‬‬
‫لكى نفهم حقيقة الدور الذى قام به ممد على ف خدمة أعداء السلم‪ ،‬ينبغى أن نفهم ماذا كان‬
‫يريد العداء‪.‬‬
‫لقد كانوا يريدون القضاء على السلم بصفة عامة‪ ،‬ولكنهم وضعوا ف مططهم أهدافا مرحلية معينة‬
‫تكنهـم – فتصـورهم – مـن القضاء الخيـ على السـلم‪ ..‬مـن هذه الهداف‪ :‬القضاء على الدولة‬
‫العثمانية‪ ،‬والقيام " بتغريب " العال السلمى مع العال السلمى مع العناية الاصة بتغريب مصر – بلد‬
‫الزهر – وتصدير الغريب منها إل بقية العال السلمى‪.‬‬
‫فأما القضاء على الدولة العثمانية فالمر فيه واضح‪ .‬وأما عملية التغريب – عن طريق الغزو الفكرى‬
‫– فهمت ها الول ق تل روح الهاد ال سلمية ضد ال صليبيي للقضاء على القاو مة ال ستمرة ال ت يلقا ها‬
‫الغزو الصليب السلح‪ ،‬وذلك بإزاحة الاجز العقدى الذى يذكر السلم دائما بأنه مسلم وأعداؤه كفار‬
‫يب أن ياهدهم ول يسمح لم باحتلل الرض السلمية‪ ،‬فإذا " تغرب " ل يعد هذا الاجز قائما ف‬
‫نفسه‪ ،‬ول يعد يثي عنده ما يثيه السلم ف نفس السلم‪ .‬كا أن التغريب هو الذى يضمن تبعية العال‬
‫السلمى للغرب – بعد أن يضع عسكريا له – لنه حي يتغرب‪ ،‬يس أن انتماؤه ل يعد للسلم وإنا‬
‫للغرب‪ ،‬فل يشعر برغبة ف النفصال عنه‪ ،‬وحت إن رغب ف يوم من اليام أن " يستقل " ففى حدود‬
‫التبعية العامة الت ل ترجه من حوزة سادته‪ ،‬ومن النطاق الذى يضربه السادة حوله‪.‬‬
‫والن وقد أدركنا تطيط العداء فلننظر دور ممد على بعد " احتوائه " من قبل فرنسا‪.‬‬
‫كا نت ال طة ال صليبية – ال ت اضطل عت فرن سا بتنفيذ ها ف م صر – هى ت كبي م مد على وإغرائه‬
‫بالستقلل عن السلطان‪ ،‬فتنفصل بذلك قطعة من أرض السلمي عن الدولة السلمية (وذللك يضعفها‬
‫ول شك) ث يكون ممد على نوذجا مغريا لغيه من الولة‪ ،‬فيستقلون تباعا عن الدولة رغبة ف السلطان‬
‫الذاتى‪ ،‬فتتفكك عرى الدولة وتنهار‪ ..‬وف ذات الوقت كانت الطة هى تغريب مصر – بعد استقللا‬
‫– لضمان تبعيتها الدائمة للغرب وانفصالا النهائى عن السلم‪.‬‬
‫وقام م مد على بالدور الطلوب خ ي قيام فإن ال يش الذى صنعته له فرن سا‪ ،‬وقام بتدري به سليمان‬
‫با شا الفرن ساوى قد ا ستخدمه م مد على ل ف ماولة ال ستقلل عن الل فة فح سب‪ ،‬بل ف مار بة‬
‫الليفة نفسه‪ ،‬وقد كاد يتغلب على جيش الليفة بالفعل لول تدخل بريطانيا‪ ..‬تظاهرا بالوقوف ف صف‬
‫الليفة‪ ،‬وغية ف القيقة من أن تستأثر فرنسا " بصداقة " السلطان‪ ،‬وبالنفوذ ف مصر وف الوقت نفسه‬
‫لتخدم الدف العام للصليبية بطريقة أخرى‪ ..‬فقد أوقفت بريطانيا ممد على عند حده ف ظاهر المر‪،‬‬
‫ومنعته من مهاجة الليفة‪ ،‬وف الوقت ذاته ضمنت له الستقلل الفعلى عن الليفة‪ ،‬والستئثار بكم‬
‫مصر حكما وراثيا ينتقل ف ذريته‪ ،‬مع التبعية السية للسلطان (هذا بينما تمعت أوربا الصليبية كلها‬
‫لتحطيم ممد على ف معركة نافرين لنه نسى نفسه وترأ على مهاجة دولة صليبية هى اليونان‪ ،‬فقد‬
‫كبته ال صليبية و سلحته لحار بة ال سلم ف قط‪ ،‬فإذا ف عل ذلك فله كل العون‪ .‬أ ما إذا ها جت أطما عه‬
‫لسابه الاص‪ ،‬فمس أحد الصليبي بسوء‪ ،‬فهنا يب تأديبه بل تطيمه تطيما كامل إذا لزم المر)‪.‬‬
‫أما الانب الخر من الهمة وهو عملية التغريب‪ ،‬فقد نفذها ممد على بسياسة البتعاث الت اتبعها‪،‬‬
‫بإرسال الطلب الشبان إل اوروبا ليتعلموا هناك‪ ..‬وكان هذا أخطر ما فعله ف القيقة‪.‬ز لنه من هناك‬
‫بدأ الط " العلمان " يدخل ساحة التعليم‪ ،‬ومن ورائه ساحة الياة ف مصر السلمية‪.‬‬
‫وقد يقول قائل إنه ل يكن أمامه من سبيل للنهوض بصر إل هذا السبيل‪ ،‬وهو قول مردود‪..‬‬
‫فلو كان ف مكان ممد على قائد مسلم واع (‪ ،)1‬يريد أن ينهض بصر السلمية – أى على أسس‬
‫إ سلمية وقاعدة إ سلمية – ف قد كان أما مه سبيل آ خر‪ ،‬هو النهوض بالز هر – مع قل العلم ل ل صر‬
‫وحدها بل للعال السلمى كله – برده إل الصورة الزاهية الت كانت عليها العاهد السلمية ف عصور‬
‫النهضـة‪ ،‬حيـث كانـت تعلم العلم الشرعـى والعلوم الدنيويـة‪ ،‬وكان يتخرج فيهـا الطباء والهندسـون‬
‫والرياضيون والفلكيون والفيزيائيون والكيمائيون السلمون الذين علموا العلم لوربا يوما من اليام‪.‬‬
‫فإذا كانت بلده – أو بلد العال السلمى جعاء تفتقر إل التخصصي ف هذه العلوم‪ ،‬الذين يتاج‬
‫إلي هم الز هر لين هض بهم ته‪ ،‬ف فى و سعه يومئذ أن ير سل أفرادا بأعيان م‪ ،‬يتارون اختيار دقي قا‪ ،‬على‬
‫أساس دينهم وتقواهم‪ ،‬وحصافتهم ورزانتهم‪ ،‬بعد أن يكونوا قد تاوزوا سن الفتنة‪ ،‬وأحصنوا بالزواج‬
‫فل ينلقون فـ مزالق الفسـاد اللقـى‪ ..‬فيتخصـصون فـ متلف العلوم ويعودون ليدرسـوا للطلب فـ‬
‫بيئت هم ال سلمية‪ ،‬في ظل الشباب ماف ظا على إ سلمه‪ ،‬ويتزود من العلوم ب ا ين فض ع نه تل فه العل مى‪،‬‬
‫ويعيد إليه الاسة العلمية الت فقدها السلمون خلل عصر التخلف الطويل‪ ..‬وعندئذ " تنهض " مصر‪،‬‬

‫() كانت الدعايات حول ممد علي "الكبي" تقول عنه إنه كان رجلً داهية!! فلم يكن الذي ينقصه إذن هو الوعي!‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫بل ينهض العال السلمى كله من طريق الزهر الذى يؤمه الدارسون من جيع بلد العال السلمى‪..‬‬
‫ويكون هذا القائد السلم قد أدى أجل خدمة للسلم والسلمي‪.‬‬
‫فهل فكر ممد على على هذا النحو‪ ،‬أو هل كان قمينا أن يتجه هذه الوجهة‬
‫لرو كان هذا لا اختاروه‪ .‬ولا جاءوا به ليؤدى دوره " العظيم "‪.‬‬
‫إنا كانت صياغته النفسية كلها و " التوجيه " الذى يتلقاه‪ ،‬كله إل الانب الخر‪ .‬جانب التغريب‪.‬‬
‫لذلك أر سل الشبان ال صغار بأعداد متزايدة إل أور با‪ ،‬و هم ف سن الفت نة‪ ،‬غ ي م صني ب شئ‪" ..‬‬
‫لينهلوا " من العلم إن شاءوا‪ ،‬و من الف ساد إن شاءوا‪ ،‬أو من العلم والف ساد م عا ف غالب الحيان‪ ..‬ث‬
‫يعودوا‪ ،‬ليكونوا رأس الربة التجه إل الغرب‪ ،‬الذى ير بلده كلها إل هناك‪.‬‬
‫ول عبة بأنه كان يرسل مع كل بعثة إماما يؤمهم ف الصلة ويعلمهم أمور دينهم‪ .‬فقد كان للصلة‬
‫ح ت ذلك الوقت قدا ستها ف ح سن ال سلمي‪ ،‬ول يتصور وجود " م سلم " ل يؤديها‪ .‬أو هى ف أ قل‬
‫العتبارات " تقليـد" له قداسـته‪ ،‬ل يكـن أن يرج عليـه مسـلم‪ .‬لذلك ل يكـن يتصـور أن تكون هناك‬
‫مموعة من السلمي بغي إمام يؤمهم ف الصلة‪ ،‬ول يكن أن يقد ممد على على كسر ذلك التقليد‬
‫القدس ف ذلك الي‪.‬‬
‫ولكن ماذا فعل الئمة‪.‬‬
‫ل قد كان رفا عة را فع الطهطاوى واحدا من أولئك الئ مة " العظام "‪ ..‬أو هكذا كان يوم ذ هب إل‬
‫فرنسا‪ ..‬ولكه عاد وهو واحد من أئمة التغريب‪.‬‬
‫ا ستقبله أهله بالفرح يوم عاد من فرن سا ب عد غي بة سني‪ ..‬فأشاح عن هم ف ازدراء‪ ،‬وو سهم بأن م "‬
‫فلحون" ل يستحقون شرق استقباله‪.‬‬
‫ث ألف كتابه الذى تدث فيه عن أخبار " باريز " ودعا فيه إل " ترير " الرأة أى إل السفور‪ ،‬وإل‬
‫الختلط‪ ،‬وأزال عـن الرقـص الختلط وصـمة الدنـس‪ ،‬فقال إنـه حركات رياضيـة موقعـة على أنغام‬
‫الوسيقى‪ ،‬فل ينبغى النظر إليه على انه عمل مذموم‪.‬‬
‫ول يكن يتو قع بطبي عة الال أن ت ستجيب ال مة ال سلمية ف م صر إل هذه الدعوى الطهطاوية ف‬
‫حين ها‪ ،‬ف قد كا نت بق ية ال سلم ف نفوس ال سلمي‪ ،‬ك ما كا نت سيطرة التقال يد ال سلمية على كل‬
‫جوا نب الياة‪ ،‬تبلغان من القوة إل ال د الذى ي عل م ثل تلك الدعوى ف ذلك الو قت مثارا لل سخرية‬
‫ومثارا للستنكار الشديد‪.‬‬
‫ولكن رأس الربة كان يشي إل التاه‪ ..‬التاه إل التغريب‪.‬‬
‫ل قد كان الع مل الذى قام به رفا عة الطهطاوى _ و من ورائه م مد على _ هو على و جه التحد يد‬
‫على النحو التال‪:‬‬
‫كانت ف حياة السلمي _ ف مصر وف غيها من بلد العال السلمى _ نقطة ارتكاز واحدة‪ ،‬هى‬
‫ال سلم – ب صرف الن ظر مؤق تا عن كل ما أ صابم من تلف عن حقي قة هذا الد ين – فجاء رفا عة‬
‫الطهطاوى فو ضع إل جا نب نق طة الرتكاز الضخ مة القائ مة‪ ،‬نق طة ضئيلة غا ية الضآلة هى " الضارة‬
‫الغربية " دعا ال سلمي إل النتقال إليها والرتكاز عليها‪ .‬ورويدا رويدا ف حياة ال سلمي أخذت تلك‬
‫النق طة الضئيلة ت كب وتتض خم‪ ،‬وت صبح نق طة ارتكاز ثان ية ف حياة ال سلمي إل جا نب ال سلم‪ ،‬مع‬
‫التضاؤل التدريى ف نقطة الرتكاز الول بقدر ما تتضخم النقطة الثانية‪ ..‬حت يأتى وقت تصبح تلط‬
‫النقطة الضئيلة هى نقط الرتكاز الرئيسية‪ ،‬وتصبح نقطة الرتكاز الضخمة السابقة نقطة جانبية ضئيلة‬
‫تكاد تنمحى من الوجود‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫لقد استغرقت عملية النتقال التدريى ما يقرب من قرن من الزمان‪ ،‬ولكنها كانت عملية مستمرة ل‬
‫تتو قف‪ ،‬بل تتو سع على الدوام‪ ،‬على الن حو الذى سنتحدث ع نه ف الفقرات التال ية‪ ،‬متتبع ي مرا حل‬
‫النتقال ف مالت الياة الختلفة‪ ،‬الجتماعية والخلقية والفكرية والسياسية والقتصادية‪ ..‬وبالذات ف‬
‫قضية " ترير الرأة "‪ .‬ولكن ينبغى هنا أن نتوقف لنسأل‪ :‬لاذا حدث هذا النتقال؟‪.‬‬
‫هل هى الزية العسكرية أمام الغرب الظافر‪ ،‬وولع الغلوب بتقليد الغالب؟‬
‫إن هذا وحده ل يكفـى لتفسـي مـا حدث خلل ذلك القرن مـن الزمان‪ ،‬الذى تغرب فيـه العال‬
‫السلمى‪ ،‬ونسى أصوله كلها كأنه ل يكن مسلما ف يوم من اليام‪ ،‬بل كأنه ل يعايش السلم من قبل‬
‫ثلثة عشر قرنا متوالية بل انقطاع‪.‬‬
‫هـل الزيةـ العسـكرية وحدهـا تكفـى لتفسـي هذا التحول الائل‪ ،‬بـل هذا النيار الائل خلل قرن‬
‫واحد من الزمان؟‬
‫ف ال مة صاحبة العقيدة ل ت ثر الزي ة الع سكرية كل هذا التأث ي‪ ،‬بل قد ل يكون ل ا تأث ي على‬
‫الطلق‪.‬‬
‫ل قد هزم ال سلمون هزي ة شد يد ف أ حد‪ ،‬يك فى ف ت صويرها قوله تعال‪{ :‬إِ ْذ تُ صْعِدُو َن وَل تَ ْلوُو نَ‬
‫عَلَى أَحَ ٍد وَال ّرسُو ُل يَ ْدعُوكُمْ فِي ُأخْرَاكُمْ} [سورة آل ‪]3/153‬‬
‫وهزتم الزية هزا شديدا لنم ل يكونوا يتصورون أن يهزموا قط ما داموا مؤمني وأعداؤهم كفار‪،‬‬
‫حت قالوا مستنكرين ف دهشة‪ :‬أن هذا؟ أى كيف يتأتى لذا أن يدث‪.‬‬
‫صْبتُ ْم ِمثَْلْيهَا ُق ْلتُمْ َأنّى هَذَا} [سورة آل ‪]3/165‬‬
‫{َأوَلَمّا أَصَاَبتْكُ ْم ُمصِيَبةٌ قَدْ أَ َ‬
‫ولكن التوجيه الربان بعد الزية كان البلسم الشاف للجراح‪:‬‬
‫ح َزنُوا َوَأنْتُ ْم ا َلعَْل ْونَ ِإنْ ُكْنتُ ْم ُم ْؤ ِمنِيَ (‪[ })139‬سورة آل ‪]3/139‬‬
‫{وَل َتهِنُوا وَل تَ ْ‬
‫ومنذ نزل هذا التوجيه وعته المة وعملت به‪ ،‬فلم تعد الزية توهنها‪ ،‬لنا تستعلى باليان‪ ،‬وتتأسى‬
‫بالذين وصفهم ال لم‪:‬‬
‫ض ُعفُوا َومَا ا ْستَكَانُوا‬‫{وَ َكأَيّ ْن مِ ْن َنِبيّ قَاتَ َل َمعَهُ ِرّبيّونَ َكثِيٌ َفمَا َوهَنُوا ِلمَا أَصَاَبهُمْ فِي َسبِيلِ اللّ ِه َومَا َ‬
‫حبّ ال صّابِرِينَ (‪َ )146‬ومَا كَا نَ َقوَْلهُ مْ إِلّ أَ نْ قَالُوا َرّبنَا ا ْغفِرْ َلنَا ُذنُوبَنَا َوإِ سْرَاَفنَا فِي َأمْ ِرنَا َوثَبّ تْ‬ ‫وَاللّ ُه يُ ِ‬
‫حبّ‬ ‫أَقْدَا َمنَا وَانْ صُ ْرنَا عَلَى اْل َقوْ ِم الْكَافِرِي نَ ( ‪ )147‬فَآتَاهُ مْ اللّ ُه َثوَا بَ ال ّدنْيَا وَحُ سْنَ َثوَا بِ الخِ َر ِة وَاللّ ُه ُي ِ‬
‫سنِيَ (‪[ })148‬سورة آل ‪]148-3/146‬‬ ‫الْ ُمحْ ِ‬
‫حت حي هزموا الزية النكرة أمام التتار والصليبيي‪.‬‬
‫لقد كانت غارة التتار كاسحة‪ ،‬حت إنا أزالت الدولة العباسية من الوجود‪ ،‬وخربت بغداد‪ ،‬وأذلت‬
‫أهل ها فجرى الن هر أربع ي ليلة أح ر من كثرة ما أر يق من دماء ال سلمي‪ .‬وو صل الر عب والض عف‬
‫بال سلمي إل أن التترى كان يل قى ال سلم ف شوارع بغداد ول يس م عه سيفه‪ ،‬فيقول للم سلم‪ :‬ا بق ه نا‬
‫حت أعود إليك بالسيف لقتلك‪ ،‬فيبقى السلم من الضعف والذل واقفا ف مكانه حت يعود إليه التترى‬
‫بالسيف فيقتله‪ .‬ومع ذلك كله ل تذل أرواح السلمي بيث ينظرون إل التتار على أنم خي منهم‪ ،‬أو‬
‫أن م جديرون بالحترام‪ .‬إن ا كانوا ف نظر هم ممو عة من ال مج الوثن ي التـببرين ل ي ستحقون إل‬
‫الحتقار الطلق حت وهم منتصرون‪.‬‬
‫وكانت غارات الصليبيي مفاجئة للمسلمي وهم على غي استعداد‪ ..‬واستغرقت قرني من الزمان‪..‬‬
‫ل قى ال سلمون في ها هوا نا شديدا ح ت خ تم ال ل م بالن صر علي هم أيام صلح الد ين‪ ،‬ب عد أن أقاموا‬
‫دويلت ن صرانية ف م صر والشام‪ ،‬و مع ذلك ل تذل أرواح ال سلمي ب يث ينظرون إل الن صارى على‬
‫أن م خي منهم‪ ،‬أو أن م جديرون بالحترام‪ .‬بل كانوا ف نظرهم هو الشرك ي عباد الصليب‪ ..‬وكانوا‬
‫يتقرونم احتقارا شديدا من أجل شركهم ومن أجل فساد أخلقهم‪ ،‬وكانوا يقولون عنهم إنم دياييث‪.‬‬
‫يكون الوا حد من هم سائرا مع زوج ته ف الطر يق فتلت قى ب صديق ل ا‪ ،‬فيتن حى الزوج ليت يح للمرأة أن‬
‫تتحدث مع صديقها ما شاءت من الديث (‪.)1‬‬

‫() انظر كيف انقلبت العايي ف القضية ذاتا بعد الزية الخية فوجد ف "السلمي" من يقول (ف ملة روز اليوسف) إل مت نظل رجعيي! يكون الواحد سائرا مع زوجته ف الطريق‬
‫‪1‬‬
‫الزية العسكرية وحدها ل تثي إذن ف المة ذات العقيدة مهما كانت شديدة وغي متوقعة‪.‬‬
‫ولكن قد يقال إن التفوق العل مى والضارى والادى الذى وو جه به ال سلمون – مع الزي ة – هو‬
‫الذى أ ثر في هم هذا التأث ي‪ ،‬وحول م هذا التحول‪ ،‬لن م فوجئوا به دف عة واحدة‪ ،‬فانك شف ل م مقدار‬
‫تلفهم الرهيب‪.‬‬
‫وهـو قول ظاهرة مقنـع‪ ..‬وقـد كان لكتشاف السـلمي مدى تلفهـم إزاء تفوق الغرب أثـر فـ‬
‫انبهارهم با عند الغرب ول شك‪ ..‬ولكن هذا وحده ل يفسر‪ .‬فضل عن أن يبر‪..‬‬
‫ل قد كان ال سلمون ف بدء حيات م " متخلف ي " ف ميدان العلم و ف الا نب الادى والتنظي مى من‬
‫الضارة بدرجة ل تقاس إل جانب ما كان لدى القوتي الجاورتي فارس والروم‪ ..‬وكان السلمون ف‬
‫حاجة إل القتباس منهم والخذ عنهم ف هذين اليداني‪ ،‬ولكنهم – كما أشرنا ف الفصل الول – ل‬
‫يشعروا قط أن أعداءهم أعلى منهم‪ ،‬ول أن ما عند أعدائهم م أفكار ومعتقدات وأناط سلوك خي ما‬
‫عندهم‪ .‬بل نظروا باستغلء اليان إل هذا كله على أنه جاهلية عمياء ل تتدى بالدى الربان ول تطبق‬
‫ف حياتا منهج ال‪ .‬فأخذوا العلم الذى كانوا يتاجون إليه‪ ،‬وأخذوا من الوانب الادية والتنظيمية ما‬
‫وجدوا أنفسـهم فـ حاجـة إليـه‪ ،‬وطوعوه لنهـج حياتمـ‪ ،‬ول يأخذوا شيئا مـن معتقدات الاهليـة ول‬
‫أفكارها ول أناط سلوكها‪ ..‬وكان هذا هو السلك الصحيح بالنسبة للمة السلمة حي تشعر باجتها‬
‫إل شئ تفتقده عندها وتده عند المم الاهلية من حولا‪.‬‬
‫أما ف هذه الرة فقد كان مسلكها متلفا كل الختلف‪..‬‬
‫كان مسـلكها هـو " النبهار " باـ عنـد الغرب‪ ..‬النبهار الذى يؤدى إل النيار أمام القوة الغالبـة‪،‬‬
‫وتسليم القياد لا بل تفظ‪ ،‬والرضى بالتبعية الكاملة لا‪ ،‬بل المتنان والغتباط إذا قبلت القوة الظافرة أن‬
‫تعتبها من بي التباع‪.‬‬
‫كيف حدث ذلك؟‬
‫ل الزية العسكرية وحدها تصنع هذا ف المة ذات العقيدة‪ ،‬ول التخلف العلمى والضارى والادى‬
‫وحده يصنع ذلك ن ول حت اجتماع الزية والتخلف معا يكن أن يؤدى إل كل ذلك النيار‪.‬‬
‫إنا هى الزية الداخلية‪ ،‬الناجة من التخلف العقدى‪.‬‬
‫ح َزنُوا َوَأنْتُ ْم ا َلعَْل ْونَ ِإنْ ُكْنتُ ْم ُم ْؤ ِمنِيَ (‪[ })139‬سورة آل ‪]3/139‬‬
‫{وَل َتهِنُوا وَل تَ ْ‬
‫إن اشتراط اليان ف ال ية الكري ة لي ئ عب ثا‪ .‬فاليان ال صحيح وحده هو الذى يول دون الو هن‬

‫فتلتقي بصديقلها‪ ,‬فيصر الزوج علي الوقوف ليستمع لا يدور بي الزوجة والصديق!‪.‬‬
‫والزن فـ حالة الزيةـ أمام العداء (‪ ،)1‬ويول دون النتائج التـ تترتـب على الوهـن والزن‪ ،‬وهـى‬
‫الستسلم للعداء‪ ،‬والكف عن مقاومتهم‪ ،‬والكف عن ماولة منازلتهم من جديد‪.‬‬
‫والستعلء قرين اليان‪.‬‬
‫ال ستعلء على الاهل ية‪ ،‬والن ظر إلي ها على أن ا جاهل ية ولو كا نت تلك ما تلك من أدوات الن صر‬
‫العسكرى‪ ،‬ومن أدوات التمكن الادى ف الرض‪.‬‬
‫والية الكرية ترد الؤمني إل اليزان القيقى والعيار القيقى‪ .‬فحي تكون القضية هى قضية الكفر‬
‫واليان‪ ،‬فالؤمنون هم العلون ولو أصابتهم هزية مؤقتة أو ضعف مادى مؤقت‪ ،‬لن اليان بذاته أعلى‬
‫من الكفر‪ ،‬أعلى منه نفسيا وروحيا وعقليا وأخلقيا وإنسانيا بقدار ما يعلو الق على الباطل‪ ،‬والنهج‬
‫ال صحيح على الن هج الفا سد‪ ،‬والرؤ ية ال صحيحة على الرؤ ية الاطئة‪ ،‬وال سلوك ال ستقيم على ال سلوك‬
‫العوج‪.‬‬
‫ستَقِيمٍ ( ‪[ })22‬سورة اللك‬
‫ط مُ ْ‬
‫{أَفَمَ ْن يَمْشِي ُم ِكبّا عَلَى وَ ْجهِ هِ َأهْدَى َأمّ نْ يَمْشِي َس ِويّا عَلَى صِرَا ٍ‬
‫‪]67/22‬‬
‫هذا من الوجهة النفسية والشعورية والوجدانية‪ ،‬الت تنع الذوبان ف العدو‪ ،‬أو الزية الروحية أمامه‪.‬‬
‫ومن الوجهة العملية حي يستيقن الؤمنون بأنم هم العلون بالعقيدة الصحيحة والنهج الصحيح –‬
‫ولو أصابتهم هزية مؤقتة أو ضعف مادى مؤقت _ فإن هذا اليقي ذاته هو الذى يعينهم على أن يقوموا‬
‫من كبوتم‪ ،‬ويسترجعوا قوتم‪ ،‬ويتأهبوا لنازلة العداء من جديد‪:‬‬
‫سنُوا ِمنْهُ ْم وَاّت َقوْا أَ ْج ٌر عَظِي مٌ (‬
‫{الّذِي َن ا سْتَجَابُوا لِلّ ِه وَالرّ سُو ِل مِ ْن َبعْ ِد مَا أَ صَاَبهُ ْم اْلقَرْ حُ لِلّذِي نَ أَحْ َ‬
‫سُبنَا اللّ هُ َونِعْ مَ‬
‫ش ْوهُ مْ فَزَا َدهُ مْ ِإيَانا وَقَالُوا حَ ْ‬
‫‪ )172‬الّذِي نَ قَالَ َلهُ ْم النّا سُ إِنّ النّا سَ َقدْ جَ َمعُوا َلكُ مْ فَاخْ َ‬
‫اْلوَكِيلُ (‪[ })173‬سورة آل ‪]173-3/172‬‬
‫اليان الصـادق إذن‪ ،‬بفهومـه السـلمى الصـحيح‪ ،‬ل بالفهوم الرجائى ول بالفهوم الصـوف‪ ،‬ول‬
‫التفلت من التكاليف الربانية‪ ،‬هو الذى يعصم المة من الزية الروحية أمام العداء‪ ،‬وإسلم القياد لم‪،‬‬
‫والرضى بالتبعية لم‪ ..‬فهل كان هذا اليان موجودا بصورته تلك حي اقتحم الصليبيون بلد السلم‪،‬‬
‫وطغوا فيها وأكثروا فيها الفساد؟‬
‫كل بل شك!‬
‫ولو كان موجود بصورته تلك‪ ،‬الت نزل با من عند ال‪ ،‬وعلمها رسول ال‪ e‬لصحابه‪ ،‬لا حل‬

‫() نزلت هذه الية بعد هزية السلمي ف أحد‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫بال سلمي ما حل ب م مه ما ي كن ال م من ض عف القوة الع سكرية والتخلف ف الناح ية العلم ية والاد ية‬
‫والتنظيمية‪ ..‬إنا كان اليان كفيل بأن يبعث المة لتنيل عنها ضعفها‪ ،‬وتستدرك تلفها‪ ،‬وتقوم لناجزة‬
‫العداء من جديد‪..‬‬
‫حقيقة كان هناك إيان من لون ما‪..‬‬
‫هو الذى جعل المة تقاوم الغزو الصليب‪ ،‬وتاهده ماهدة إسلمية‪ ،‬أى تت راية ل إله إل ال ممد‬
‫ر سول ال‪ ،‬وتن ظر إل يه على أ نه غزو من ق بل الكفار لبلد ال سلم تنب غى ماهد ته وإزال ته‪ ،‬وتقاوم ما‬
‫وسعتها القاومة عملية تنحية الشريعة السلمية وإحلل القواني الوضعية ملها‪ ،‬على أساس أن هذا كفر‬
‫يرج المة من اللة إذا رضيت به‪ ..‬كما جاهدت المة السلمية ف مصر حلة نابليون الصليبية‪ ،‬ومنعته‬
‫من إحلل قانونه مل الشريعة السلمية‪ .‬وكما جاهد السلمون ف الشمال الفريقى ضد الغزو الصليب‬
‫الفرنس‪ ،‬وف الند ضد الغزو الصليب النليزى‪ ،‬وف أندونيسيا ضد الغزو الصليب البتغال ث الولندى‪..‬‬
‫وباختصار‪ :‬ف كل مكان واجهت فيه المة السلمية غزو أوربا الصليبية لبلدها‪.‬‬
‫ولكن هذا اليان كان قد اعتراه ما بيناه من قبل من الفكر الرجائى‪ ،‬والتاه الصوف‪ ،‬والتفلت من‬
‫التكاليف‪ ،‬فضل عن توله عند العامة إل مموعة من الرافات ومموعة من التقاليد‪ ..‬لذلك ل يصمد‬
‫طويل للغزو‪ ،‬ر غم ب سالة القاو مة ال ت أبدا ها ف جهاده‪ .‬ف ما انار كان انياره عني فا غف ي معهود من‬
‫قبل‪ ..‬وانارت معه المة وأسلمت نفسها للتيار!‬
‫ولنعد الن لنستكمل مع التجربة الصرية خطوات التاريخ‪..‬‬
‫‪m m m‬‬

‫دور الحتلل البيطان وأدواته ف الفساد‬


‫كان ممد على وأبناؤه حت الديوى إساعيل عند حسن ظن فرنسا بم‪ ..‬فأسسوا للنفوذ الفرنسى‬
‫ف مصر‪ ،‬وقاموا بعملية التغريب على النحو الطلوب‪ ،‬وقال " إساعيل العظيم " قولته الشهورة‪ :‬أريد أن‬
‫أجعل مصر قطعة من أوربا!‬
‫حت جاء توفيق فتغي الربان الذى يسك بالدفة ولكن ل يتغي التاه!‬
‫بدأ النفوذ النليزى ف عهده يتدخل ف شئون مصر من بعيد‪ ..‬ث انتهى المر باحتلل النليز لصر‬
‫عام ‪ 1882‬م‪.‬‬
‫وكانت الطة الديدة بطبيعة الال هى التغريب على الطريقة النليزية بدل من الفرنسية‪ ،‬وإن كان‬
‫العجيـب أن انلترا ل تتعرض قـط للمؤسـسات الصـليبية الفرنسـية كالدارس والعاهـد التبشييـة ومـا‬
‫شاكل ها‪ ،‬ر غم حر صها علىطرد النفوذ الفرن سى ال سياسى‪ .‬ذلك أن دول أور با ال صليبية قتتنا فس في ما‬
‫بين ها على النفوذ والغا ن تناف سا عني فا يؤدى إل الرب ب ي ال ي وال ي‪ ،‬ولكن ها إزاء ال سلم تت ساند‬
‫كلها ويمى بعضها مصال بعض!!‬
‫أهم ما حدث من التغيي هو السلوب النليزى البارد ف تويل الناس عن السلم‪ ،‬ذلك السلوب‬
‫الذى يتفق مع مثلهم الشهور (‪ )Slow but Sure‬بطئ ولكنه أكيد الفعول‪.‬‬
‫كان ف نابليون حاقة الفرنسيي‪ ..‬يغضب فيضرب‪ ،‬فيؤدى الضرب إل مزيد من اليقظة ومزيد من‬
‫القاومة‪ ،‬كما حدث حي ضرب الزهر بالقنابل وجعله اصطبل للخيل‪.‬‬
‫أما النليز فهم ل يقلون ف صليبيتهم عن الفرنسيي‪ ،‬ول يقلون ف مقتهم للزهر عن غيهم من‬
‫الصليبيي (‪ )1‬ولكن طريقتهم ف التغيي تتلف ف الوسائل وإن ل تتلف ف الهداف‪ ،‬فتأتى بنتائج متلفة‬
‫ف ناية الطاف‪.‬‬
‫بطئ ولكنه اكيد الفعول‪ ..‬يعمل عمله دون أن يتيقظ الناس للتغيي‪.‬‬
‫يقول اللورد كرومر‪ ،‬أول " معتمد بريطان " ف مصر (‪ " :)2‬إن مهمة الرجل البيض الذى وضعته‬
‫العنا ية الل ية على رأس هذه البلد (يق صد م صر) هو ت ثبيت دعائم الضارة ال سيحية إل أق صى حد‬
‫مكن‪ ،‬بيث تصبح هى أساس العلقات بي الناس‪ .‬ولكن كان من الواجب – منعا من إثارة الشكوك‬
‫– أل يعمـل على تنصـي السـلمي‪ ،‬وأن يرعـى مـن منصـبه الرسـى الظاهـر الزائفـة للديـن السـلمى‪،‬‬
‫كالحتفالت الدينية وما شابه ذلك "؟ (‪.)3‬‬
‫وح ي بدأ حك مه فىم صر شكاه البشرون إل الكو مة البيطان ية بدعوى أ نه يض يق علي هم! فل ما‬
‫أرسلت الكومة البيطانية الشكوى إليه ليد عليها‪ ،‬جع البشرين وقال لم‪ :‬هل تتصورون أنن يكن أن‬
‫أضيـق عليكـم؟! ولكنكـم تطفون الطفال مـن الشوارع‪ ،‬وتطفون الرجال لتنصـيهم‪ ،‬فتسـتفزون‬
‫ال سلمي فيزدادون ت سكا بدين هم‪ ،‬ولك ن اتف قت مع شاب ترج قري با ف كل ية اللهوت (‪Trinity‬‬

‫() راجع ‪ -‬قبل صفحات ‪ -‬قول أحد البشرين‪ :‬هل الزهر خطر علي كنيسة السيح؟‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() كان هذا هو اللقب الذي أطلق علي الاكم البيطان ف مصر ف مبدأ المر‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() لورد كرومر‪ ,‬مصر الديثة ‪ Modern Egypt‬الزء الول‪ ,‬الصادر سنة ‪.1905‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ )College‬بلندن ليضع سياسة تعليمية ستحقق تعليمية ستحقق جيع أهدافكم! (‪.)1‬‬
‫هكذا يكون العمل البطئ الكيد الفعول!‬
‫سياسة تعليمية تقق جيع أهداف البشرين – أى جيع الهداف الصليبية – على مهل‪ ،‬ودون ضجة‬
‫تثي النتباه " منعا من إثارة الشكوك "!‬
‫‪m m m‬‬

‫أ‪ -‬مناهج التعليم‬


‫تول " السـتر دنلوب " – القسـيس الذى عينـه كرومـر مسـتشارا لوزارة العارف – مهام منصـبه‪،‬‬
‫وكان ف يد " سعادة ال ستشار " – ك ما كانوا ي سمونه – ال سلطة الفعل ية الكاملة ف وزارة العارف‬
‫الصرية السلمية‪.‬‬
‫وحي يكون القسيس على رأس السلطة ف وزارة التعليم‪ ،‬فما الذى يتوقع أن يكون من أمر التعليم‪.‬‬
‫جاء دنلوب ليضرب الز هر – مو طن ال طر على كني سة ال سيح – ول كن بغ ي حا قة نابليون‪ ،‬و قد‬
‫علم أن ضربه بتلك الماقة كان سببا ف استثارة السلمي‪.‬‬
‫ترك دنلوب الز هر على ما هو عل يه ل يتعرض له على الطلق‪ ،‬ولك نه – على ال سلوب الب طئ‬
‫الكيد الفعول – فتح مدارس جديدة تعلم " العلوم الدنيوية " ول تعلم الدين‪ ،‬إل تعليما هامشيا هو ف‬
‫ذاته – كما سيجئ – جزء من خطة إخراج السلمي من السلم‬
‫وقال الناس ف بادئ المر – على البديهة‪ ،‬واستيحاء من البقية الباقية من الس السلمى ف قلوبم‬
‫– إن هذه الدارس مدارس كفر لنا ل تعلم القرآن‪ ..‬إذ كانت الدارس الولية الت تهدلدخول الزهر‬
‫تعلم القرآن كله ف سنوات الدراسة الربع‪..‬‬
‫ول كن مدارس الك فر هذه أ صبحت – بتدب ي دنلوب – هى الو سيلة للرزق من ناح ية‪ ،‬وللمكا نة‬
‫الجتماعية من ناحية أخرى‪..‬‬
‫ل قد كان التخرج من هذه الدارس – ب عد أر بع سنوات ف قط من الدرا سة – يع ي فور تر جه ف‬
‫دواو ين الكو مة برا تب يبلغ أرب عة جني ها كاملة‪ ،‬كا نت ف ذلك ال ي ت ثل ثروة ضخ مة‪ ،‬إذ كا نت‬
‫السعار زهيدة إل حد ل يتصور بالنسبة للسعار الالية‪ ،‬وكانت القوة الشرائية للجنيه الصرى عظيمة‪،‬‬
‫() قرأت هذا النص ف الزء الول من كتاب "التبشي والرساليات التبشييية ‪ Mission & Missionaries‬وهو منن الكتب المنوع إخراجها ف مكتبة التحف البيطان‪,‬‬
‫‪1‬‬
‫ولكن أحد الصدقاء كان قد عثر عليه ف بيت أحد القباط ف أسيوط‪ ,‬فأطلعن عليه ث استرده‪ ,‬ث فقد منه ف أثناء عملية اعتقاله بتهمة "السلم" ف أحداث عام ‪ !1965‬فيجي‬

‫من يستطيع الطلع علي الكتاب توثثيق النص مشكورا‪.‬‬


‫ب يث كا نت النيهات الرب عة تك فى للحياة الكري ة ف العا صمة ذات ا‪ ،‬وي ستطيع صاحبها أن يتزوج‬
‫ويكون أسرة‪ ،‬ويتبقى معه بعد ذلك ما يدخره ليشترى به " الطيان " ف الريف (‪.)1‬‬
‫أما خريج الزهر الذى يقضى ف الدراسة عشرين سنة من عمره ف بعض الحيان فل يد عمل‪..‬‬
‫وإن وجد عمل ف إقامة الشعائر ف السجد فبمائة وعشرين قرشا‪ ،‬تكفى للحياة نعم‪ ،‬ولكنها حياة ذليلة‬
‫ضئيلة بالنسبة لريج الدرسة البتدائية الذى يعمل ف " الديوان "‪.‬‬
‫وحي يكون الوضع على هذا النحو‪ ،‬ويكون لك ولد تريد تعليمه‪ ،‬فإل أين تذهب به؟ تذهب به إل‬
‫الزهر ليقضى زهرة شبابه هناك ث يتخرج ليبقى عاطل‪ ،‬أو يعمل مقيم شعائر ف السجد بذا الراتب‬
‫الضئيل؟ أ تذهب به إل مدارس دنلوب‪ ،‬فيتخرج بعد أربع سنوات ليكون من الشار إليهم ف الجتمع‪،‬‬
‫من " موظفى الكومة " الذين يتودد إليهم البقال والزار وصاحب السكن‪ ،‬ويتلون الكانة الرموقة ف‬
‫كل مكان؟‬
‫لقد كان النتساب إل الزهر فيما مضى شرفا تتسابق إليه السر‪.‬ز وكانت السرة الت توى ضمن‬
‫أفرادها " عالا " أى واحدا من خريى الزهر‪ ،‬تصبح مط النظار‪ ،‬سواء ف العاصمة أو ف القاليم‪،‬‬
‫وينظـر إليهـا الناس بالتبجيـل والكبار‪ ،‬لن وظائف الدولة يتـل معظمهـا خريوـ الزهـر‪ ،‬فينالون –‬
‫فىالجتمع السلمى – كل وسائل الرفعة والصعود‪.‬‬
‫وب صرف الن ظر ع ما كان ف الز هر من تلف عن الن هج ال سلمى ال صحيح‪ ،‬الذى كا نت تثله‬
‫جامعات الندلس‪ ،‬بل كان يثله الزهر نفسه ف عصور الزدهار‪ ،‬من المع بي علوم الدين والدنيا‪،‬‬
‫وإعداد الناس لعمارة الرض بقت ضى الن هج الربا ن‪ ..‬ف قد كان مرتب طا ف حس الناس بال سلم‪ ،‬وكان‬
‫رمزا حيا له ف ضمائرهم‪ ،‬ومن ث كان اعتزازهم به‪ ،‬وتوجههم إليه‪ ،‬وكانت لرييه تلك الكانة ف‬
‫الجتمع السلمى‪ .‬فأما الن – ف عهد دنلوب – فقد تغي الال تاما‪..‬‬
‫ل ي عد يذ هب إل الز هر إل الفقراء الذ ين يعجزون عن د فع م صروفات الدارس " الدي ثة " و ف‬
‫الوقت ذاته ينالون " جزاء " فقرهم ضياعا ف الجتمع وهوانا فيه‪.‬‬
‫وقد تبعت بعض السر العريقة واحدا من أبنائها للزهر من أجل " البكة " وابتغاء الكانة ف الريف‬
‫خاصة – كا صنعت أسرة مصطفى عبد الرازق مثل – ولكن هؤلء الفراد القلئل من خريى الزهر‬
‫من الر العري قة والثر ية ل يكونوا لينفوا ال صورة العا مة ال ت صار الز هر إلي ها‪ ،‬و هى أ نه مأوى الفقراء‬

‫() كنت "الفيل" ذات الديقة الواسعة ف ضواحي القاهرة تئجر بائة وخسي قرشا‪ ,‬وكانت أقة السكر (أي ما يوازي الكيلو وربع الكيلو) تباع بقرشي ونصف القرش‪ ,‬وكانت‬
‫‪1‬‬
‫عشر بيضات كبار بقرش واحد‪ ...‬وقس علي ذلك بقية تكاليف الياة!‪.‬‬
‫العاجزين عن دفع تكاليف " التعليم الديث " العاجزين ف الوقت ذاته عن نيل الكانة ف " الجتمع‬
‫الديث "‪.‬‬
‫أ ما خري و الدارس الديدة فأولئك هم " الطب قة الديدة " ف الجت مع‪ ..‬الطب قة ال صاعدة‪ ..‬الذ ين‬
‫يلوون أل سنتهم برطا نة ال ستعمر‪ ،‬ويفاخرون ب ا‪ ،‬ويضن هم ال ستعمر من جان به‪ ،‬ويؤدى عن طريق هم‬
‫الدور الطلوب‪ ،‬البطئ الطوات‪ ،‬الكيد الفعول‪.‬‬
‫من هم أولئك الريون؟ ما ثقافتهم؟ ما وجهتهم؟ كيف نفذ بم دنلوب أهدافه الصليبية الت انتدبه‬
‫من أجلها كرومر‪ ،‬ومنحه من أجلها ما منحه من سلطان؟‬
‫فلنن ظر ف النا هج ال ت وضع ها دنلوب ف مدار سه‪ ،‬ولنتخ ي من بين ها أشد ها خطرا وأبعد ها أثرا‪:‬‬
‫مناهج الدين‪ ،‬ومناهج التاريخ‪.‬‬
‫فأ ما الل غة العرب ية – ل غة القرآن الذى يترق قلب ال صليبية حقدا عل يه – ف قد خ طط دنلوب لقتل ها‬
‫والقضاء عليها‪.‬‬
‫ف قد كان الرا تب الذى يتقاضاه الدر سون من أ صحاب الؤهلت العل يا اث ن ع شر جني ها إل مدرس‬
‫اللغة العربية وحده‪ ،‬يتقاضى أربعة جنيهات‪.‬‬
‫وكان لذا الوضع انعكاساته ول شك سواء ف داخل الدرسة‪ ،‬أو ف الجتمع على اتساعه‪ .‬فأما ف‬
‫داخل الدرسة جيعا حت ذوو الؤهلت التوسطة‪ ،‬بل يتقدمه – ف الراتب – فراش الدرسة أحيانا إذا‬
‫كان ذا أقدمية طويلة‪ ..‬ومن ث ل تعد له كلمة ف الدرسة‪ ،‬فل هو يستشار ف شئونا‪ ،‬ول هو يشارك‬
‫ف شئ من إدارتا‪ ،‬ول يعد له كذلك عند التلميذ احترام‪ ،‬ولول العصا الت يملها ويؤدب با التلميذ‬
‫ما وقره أ حد ول ع مل له ح ساب‪ .‬بين ما ي ظى مدرس الل غة النليز ية بالذات بأ كب قدر من التوق ي‬
‫والحترام‪.‬‬
‫أما ف الجتمع الواسع فهو أشد ضياعا منه ف الدرسة فالناس جيعا يعملون وضعه الال‪ ،‬ويعلمون‬
‫أنه ف ذيل القافلة‪ ،‬وأن الدرسي الخرين مقدمون عليه ف الراتب وف الحترام سواء وإذا كانت العصا‬
‫اللت يملها تيف منه تلميذه فيلتزمون بالدب ف درسه‪ ،‬فإن الجتمع ف الارج ل يشى عصاه تلك‪،‬‬
‫بل يتخذها مادة للتندر والزء والستخفاف‪ ،‬بينما العصا الت يملها زميله مدرس اللغة النليزية توفر له‬
‫الحترام داخل الدرسة‪ ،‬ول تعيبه ف الجتمع بشئ‪ ،‬إن ل توفر له الهابة والتقدير والتعظيم‪.‬‬
‫ما يشتهى ولم الخطئ البل(‪)1‬‬ ‫الناس من يلق خيا قائلون له‬

‫() البيت للمتنب‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫وهكذا ينحدر و ضع مدرس الل غة العرب ية ف الجت مع‪ ،‬بقدر ما ينحدر رات به‪ ،‬وي صبح مادة دائ مة‬
‫للسـخرية‪ ،‬يتحدث الناس عـن جهله‪ ،‬وتلفـه‪ ،‬وضيـق أفقـه‪ ،‬وفقره‪ ،‬وانطاط مسـتواه الجتماعـى‬
‫والفكرى‪ ..‬وأشد ما يعاب عليه‪ ،‬ويزدرى من أجله‪ ،‬أنه ل يعرف لغة أجنبية‪.‬‬
‫وحي يصبح مدرس اللغة العربية ف هذا الوضع الهي الذى ل يبعث على الحترام‪ ،‬فإن وضعه يؤثر‬
‫حتما على الادة الت يدرسها‪ ..‬وقد كان هذا هو الدف القصود من وراء ذلك التدبي البيث‪.‬‬
‫لقد انتقل الوضع الهي الزرى من الدرس إل الادة‪ ،،‬وصارت اللغة العربية موضع الزدراء والتحقي‬
‫والنفور‪ ..‬فالطلب يشكون من صعوبة الل غة العرب ية نوا و صفا وبل غة ون صوصا وأد با‪ ..‬و قد ظلوا‬
‫يعايشون ا ثل ثة ع شر قرنا ق بل ذل بل شكوى‪ .‬وكأنا اكتشفوا فجأة تلك ال صعوبة ال ت ت صرفهم عنها‬
‫صرفا‪ .‬وق بدءوا يوازن بينها وبي اللغات الجنبية – وبالذات النليزية – ليجدوا أن اللغات الجنبية‬
‫أي سر – وبالذات النليز ية – ف كل شئ ف هى ل غت غ ي معر بة‪ ،‬ل ت ي القارئ ب ي الر فع والن صب‬
‫والر‪ ،‬ونوها سهل‪ ،‬وهجاؤها سهل‪ ،‬وتراكيبها غي معقدة ! (‪.)1‬‬
‫واللصة الت يصلون إليها أن العناية باللغة العربية غي واجبة‪ ،‬بل ربا كانت غي جائزة‪ .‬بينما العناية‬
‫بالل غة الجنب ية – وبالذات النليز ية – واج بة كل الوجوب وأ صبح الطالب الذى و جه هذا التوج يه‬
‫وطبع ذلك الطبع يطئ ف النحو العرب فينصب الفاعل ويرفع الفعول بل ترج ول مبالة‪ ،‬فإذا صحح‬
‫له خطوة أو ن به إل يه هز كتف يه م ستنكفا وقال‪ :‬يا عم د عك من الفقه نة " هل أ نا " ف قى "! (‪ )2‬بين ما‬
‫يترز كل الحتراز أن يطئ ف نطق كلمة من لغة أجنبية أو ف تصريف فعل من أفعالا أو ف صياغة‬
‫تركيب من تراكيبها‪ ،‬وإذا وقع منه الطأ صار سخرية الجلس كله ورمى بالهل العيب‪.‬‬
‫والكتاب يشكون من جود الل غة وعدم مرونت ها وعدم طواعيت ها‪ ،‬وعدم قدرت ا على ن قل العا ن "‬
‫وظلل العا ن " ك ما ت ستطيع ذلك اللغات الجنب ية – وبالذات النليز ية – ف طل قة وي سر ورشا قة‬
‫وعمق وكأنا الكتاب ل يصحبوا هذه اللغة ثلثة عشر قرنا من قبل ذلك‪ ،‬وعبت عن خلجات نفوسهم‬
‫() يعلم دارسو اللغات الجنبية "الية" أن النحو والصرف ف اللغة الفرنسية معقد أشد التعقيد‪ ,‬فتصرف الفعال فيها يقع ف ثلث مموعات علي ثلث صور متلفة‪ ,‬ث ف كل‬
‫‪1‬‬
‫مموعة شواذ بنتسبون إليها ولكن ل يصرفون مثلها! ولكل فعل ‪ -‬أيا تكن الجموعة الت ينتسب إليها ‪ -‬ستة تصريفات متلفة تثل صيغ الزمن الختلفة (ل ثلثة فقط كما هو ف‬

‫ل عن التأنيث والتذكي علي غي منطقق واضح‪ ,‬أ ما اللغة النليزيية فقد تكون أيسر من‬
‫اللغة العربية‪ :‬الاضي والضارع والمر) كما أن الجاء فيها معقد ومالف للمنطوق‪ ,‬فض ً‬

‫الفرنسية ظاهرا‪ ,‬ولكن التراكيب الصطلحية فيها ( ‪ )idioms‬غي قياسية ول بد من حفظ كل واحد منها علي حدة‪ .‬وللفعال فيها ست صيغ للزمن كما للفرنسية بدلً من‬

‫الثلث ال صيغ العرب ية‪ .‬والجاء غ ي قيا سي‪ ,‬وبالذذات بالن سبة لجمو عة الروف ‪ OUGH‬وال ت ترد علي ستة أناء متل فة ف ال نق م ثل‪Enough Dough Thought :‬‬

‫‪.Thorough Through‬‬

‫() كلمة "فقي" (وأصلها فقيه) تعن ف الفهوم العامي الصري الرجل الذذي يقرأ القرآن علي القابر لقاء دريهمات‪ ...‬وهو رجل "يستؤجر" لذا المر‪ ,‬ول احترام له عند الناس‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫كلها بغي عجز وكأنا اكتشفوا قصورها فجأة وكانوا غافلي عنه‪ ..‬فانصرفوا إل دراسة آداب اللغات‬
‫الخرى وهجروا الدب العرب‪ .‬وأصبح التنب والبحترى أو علقمة وامرؤ القيس أساء سخيفة مجوجة‬
‫تصم صاحبها لتوه بالتخلف العقلى والضارى وأصبح دانت وشكسبي وودزورث وبايرون وأندريه جيد‬
‫وأناتول فرانس وفيكتور هوجو هى الت تتردد على ألسنة " الثقفي " للدللة على أنم مثقفون‪ ،‬ولو ل‬
‫يكن لم من حصيلتها إل حفظ الساء‪.‬‬
‫و " العلماء "‪ ..‬أو بالحرى مترجو العلوم يشكون من أن اللغة العربية لغة غي علمية‪ ..‬إن صلحت‬
‫للدب – أى الدب الردئ فإنا ل تصلح للعلم‪ .‬جامدة‪ ..‬معقدة‪ ..‬مدودة‪ ..‬متخلفة‪ ..‬ولبد من اتاذ‬
‫اللغات الجنبية – وبالذات‪ .‬النليز ية – لدراسة العلوم‪ ،‬ول بد أن نعلمها لبنائنا ف الدارس إذا أردنا‬
‫أن يكون لدي نا ف يوم من اليام علماء وكأن ا ل ي كن لذه الل غة صلة بالعلم من ق بل – ف ع صور‬
‫الزدهار – بل كأنا ل تكن ف وقت من الوقات هى لغة العلم‪ ،‬يوم قال روجر بيكون‪ :‬من أراد أن‬
‫يتعلم فليتعلم العربية‪ ،‬فهى لغة العلم‪..‬‬
‫وهكذا صوبت السهام إل اللغة العربية من كل جانب‪ ،‬ول تعد شيئا يعتز به السلم العرب كما كان‬
‫يع تز طيلة ثل ثة ع شر قر نا من ق بل‪ ،‬بل أ صبحت معرة ي سارع الن سان إل الن سلخ من ها‪ ،‬وي عن ف‬
‫العيب فيها والنتقاد عليها لكى يصبح من " الثقفي "‪.‬‬
‫ول يكن بد من أن ينتقل هذا الو ضع الزرى من اللغة ذاتا إل ما هو مكتوب بتلك اللغة‪ ..‬وكان‬
‫هذا هو الدف الخي الطلوب من ذلك التخطيط البيث‪.‬‬
‫فالكتوب باللغة العربية هو تراث المة كله‪ ..‬وعلى رأسه القرآن‪..‬‬
‫والطلوب هو صرف المة عن تراثها كله‪ ..‬وعلى رأسه القرآن‪)1(.‬‬
‫وان صراف الناس بالف عل عن قرآن م وتراث هم بالتدر يج‪ ،‬فلم يعودوا يشعرون أ نه هو " الزاد "‪ ..‬إن ا‬
‫الزاد هو الكتوب بلغة السادة الغالبي‪.‬‬
‫أما درس الدين ف مناهج دنلوب فل يقل سواء إن ل يكن أسوأ‪.‬‬
‫فمدرس الدين هو نفسه مدرس اللغة العربية الذى وضعه دنلوب ف ذلك الوضع الزرى الهي‪ ،‬ولكن‬
‫يز يد عل يه أن أ كب الدر سي سنا هو الذى يو كل إل يه تدر يس الد ين ب جة إراح ته من ت عب ت صحيح‬

‫() ت صرف السلمي ف تركيا عن تراثهم السلمي ببتغيي الروف العربية‪ ,‬وكتابة اللغة التركية بالحرفف اللتيينية علي يد أتاتورك‪ ,‬وتصفية اللغة التركية من معظم الكلمات‬
‫‪1‬‬
‫ل عن التصال بتراثثها السلمي‪ ,‬فتنقطع عنه وتنشأأ بل دين‪ .‬وقد قامت ف مصر ماولت مشابة علي يد عبد العزيز ففهمي‬
‫العربية الت تتضمنها للتنشأ أجيال تعجز عجزا كام ً‬

‫وغيه‪ ,‬ولكنها ولدت ميتة ول يقدر لا النجاح‪.‬‬


‫الدفاتر وحلها من الدرسة إل البيت وبالعكس‪ .‬ويزيد على ذلك أيضا أن حصة الدين توضع ف ناية‬
‫الدول الدرسى‪ .‬فهى – ف أغلب الحيان – السابعة يوم السبت أو الامسة يوم الميس أو السادسة‬
‫ف بقية اليام‬
‫وفحوى ذلك أن التلميذ يتلقون درس الدين وهم ف حالة الضجر والعياء ف ناية اليوم الدرسى‪،‬‬
‫وهـم ينتظرون دق الرس لينفلتوا إل الشوارع وإل البيوت‪ .‬ويتلقونـه فـ ن مدرس عجوز فإن يسـعل‬
‫وينتقل ويتحرك ف تراخ ظاهر‪ ..‬فيقترن درس الدين ف نفوسهم بالعجز والفناء والضجر والضيق والرغبة‬
‫ف النفلت فوق أ نه درس م يت ف طري قه تدري سه‪ ،‬ف هو ممو عة من الن صوص تل قى لتح فظ حف ظا‬
‫وتستظهر‪ ،‬بل حركة ول حياة ول روح‪.‬‬
‫ول كي تعلم أن ا خ طة مق صودة لتنف ي التلم يذ من درس الد ين‪ ،‬ث من الد ين ذا ته ف النها ية –‬
‫كتنفيهم من اللغة العربية وما هو مكتوب با – فاعلم أن درس الدين السيحي ف الدارس التبشيية –‬
‫حت الت تزعم أنا "علمانية" ل علقة لا بالدين‪ ،‬و التلميذ " السلمون" ويضرون درس الدين يقام ف‬
‫الصـباح الباكـر‪ ،‬والتلميـذ قادمون بنشاطهـم كله وبشرهـم كله‪ ،‬ويقوم بتدريسـه أكثـر الدرسـي‬
‫والدرسات شبابا وأحبهم إل قلوب التلميذ! ول يقام ف فصل الدراسة حت ل تكون له رتابة الدروس‬
‫اليومية العادية‪ ،‬إنا يقام ف كنيسة الدرسة! ويقام ف وسط الناشيد الت تتجاوب با حناجر التلميذ‬
‫وقلوبم‪ ،‬فيقترن درس الدين ف نفوسهم بالفرحة والبهجة والنشاط والركة والستبشار بالياة!‬
‫أضف إل ذلك أن درس الدين ف منهج دنلوب هو ف القيقة رقعة ف الثوب الدراسى غي متجانسة‬
‫م عه‪ ،‬إن ل ن قل متنافرة م عه! ف هو ثوب " علما ن " (‪ )1‬ب ت‪ ،‬ل عل قة به بالد ين على الطلق‪ ،‬على‬
‫الطر يق الغرب ية اللدين ية ال ت ف صلت الد ين عن العلم وف صلته عن الياة‪ .‬فإذا جاء درس الد ين ذ كر ال‬
‫ورسوله وذكر الدين والخرة‪ ..‬ولكنه حت ف أفضل أحواله صوت ضعيف ل يكاد صداه يبلغ الذان‬
‫فضل عن القلوب‪ .‬فإذا كان على حالته الت يلقى با بالفعل‪ ،‬نصوصا ل تشرح ول تبث فيها الياة‪ ،‬بل‬
‫تستظهر استظهارا بغي فهم‪ ،‬ويقوم بتدريسها ذلك العجوز الفان الضعيف فقد خد الصوت تاما ول‬
‫يعد له أثر‪ ..‬بل صار له الثر العكسى وهو التنفي من الدين‪ ..‬وذلك هو الطلوب! (‪)2‬‬
‫ول كى تعلم أن ا خ طة مق صودة لتنف ي التلم يذ من الد ين فلتعلم أن الد ين ف الدارس التبشي ية ال ت‬
‫يؤم ها التلم يذ ال سلمون‪ ،‬ل يقت صر على ذلك الدرس – مع حيوي ته ال ت أشر نا إلي ها‪ ،‬وإحاط ته بالفرح‬

‫() اقرأ ‪ -‬إن شئت فصل "العلمانية" ف كتاب "مذاهب فكرية معاصرة"‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() ف النية إصدار كتيب بعنوان "منهج لدرس الدين"‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫والنشاط والبهجة – بل هو " روح " تلقى إل التلميذ ف كل مناسبة‪ ،‬ف أثناء الدروس وأثناء اللعب‪،‬‬
‫وأثناء الوقوف ف الصف وأثناء النصراف إل الفصول أو النصراف من الدرسة‪ ،‬ومن ث يكون ذا أثر‬
‫عميق ف نفوس التلميذ‪ ،‬ول يكون درس الدين التخصص رفعة ف الثوب‪ ،‬متنافرة معه وغي متناسقة‪،‬‬
‫بل قطعة طبيعية من نسيج الثوب‪ ،‬متناسقة معه ومزينة له‪.‬‬
‫وزيادة ف النكا ية لدرس الد ين ف قد وض عه الن هج الدنلو ب ض من " الواد الضاف ية " ال ت تذف ف‬
‫جدول الصـيف الختصـر‪ ،‬الذى يقتصـر على" الواد الرئيسـية " فيحذف منـه الديـن والرسـم والشغال‬
‫اليدوية واللعاب الرياضية‪ ..‬وهكذا يصبح ف حس التلميذ مادة " هامشية " ليس لا اعتبار!‬
‫وبذا التدبي البطئ الكيد الفعول ترجت أجيال وراء أجيال ل تس بأى توقي نو الدين!‬
‫‪m m m‬‬

‫أما " ثالثة الثاف " فهى درس التاريخ‪ ..‬بشقيه‪ :‬السلمى والورب!‬
‫فأما منهج التاريخ السلمى فيبدأ – كالعتاد – بدراسة أحوال الاهلية تهيدا لدراسة البعثة النبوية‬
‫وصدر السلم‪.‬‬
‫وفـ دراسـة الاهليـة ترد تلك الملة " الشهية " (‪ :)1‬كان العرب فـ الاهليـة يعبدون الصـنام‬
‫ويئدون البنات ويشربون المر ويلعبون اليسر ويقومون بغارات السلب والنهب‪ ،‬فجاء السلم فنهاهم‬
‫عن ذلك‪..‬‬
‫وتبدو هذه الملة بريئة ف ظاهرها‪ ،‬ولكنها خبيثة كل البث ف واقعها‪.‬‬
‫فأ ما الباءة الظاهر ية فم صدرها أن العرب ف الاهل ية كانوا حقي قة على ال صورة ال ت ت صفها هذه‬
‫العبارة‪ ،‬وأن السـلم قـد أزال تلك الصـورة بالفعـل‪ ،‬وأمـا البـث فمنشؤه أن العبارة ل تتحدث عـن "‬
‫جوهر " الاهلية الذى جاء السلم لحوه وتغييه‪ ،‬إنا تدثت عن " مظاهر " الاهلية العربية خاصة ن‬
‫الت قد ل توجد ف الاهليات الخرى‪ ،‬بينما السلم ل يتنل لحو مظاهر الاهلية العربية‪ ،‬وإنا للغاء‬
‫جوهر الاهلية كله وإبدال السلم به‪.‬‬
‫بعبارة أخرى‪ ..‬حي نصر مهمة السلم ف مو هذه الظاهر وحدها‪ ،‬فماذا يكون قد بقى من مهام‬
‫السلم ف الوقت الاضر؟‬

‫() نقول "شهية" لنا انتقلت من مصر إل معظم بلدان العال العرب!‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ح ي ين ظر التلم يذ حول م فل يدون أ صناما معبودة (‪ ،)1‬ف قد سقط إذن هذا " الب ند " من مهام‬
‫السلم‪.‬‬
‫وحي ل يدون البنات تؤد‪ ،‬بل يدون على العكس من ذلك بنات مدللت أشد التدليل‪ ،‬فقد سقط‬
‫هذا "البند" كذلك من مهام السلم‪..‬‬
‫وح ي يدون ب عض الناس يشربون ال مر ويلعبون الي سر‪ ،‬ف قد د عا ال سلم دعو ته " الخلق ية "‬
‫فاستجاب لا من استجاب ووقع غيهم ف " العاصى "‪ ..‬ول حيلة!‬
‫وأ ما غارات ال سلب والن هب فتو جد اليوم حكومات نظام ية ذات قوات م صصة لل من تول دون‬
‫وقوع مثل هذه الغارات وتعاقب من تصول له نفسه اقترافها‪..‬‬
‫فماذا بقى إذن من مهام يكن للسلم أن يؤديها ف العال الديث؟!‬
‫إن السلم – بذه ال صورة – يكون قد استنفد أغرا ضه‪ ..‬وهذا هو الياء الطلوب م نذ أول درس‬
‫مدروس التاريخ السلمى! أنه جاء لزمن معي كان يتسع له ويتاج إليه‪ ،‬ولكن ل تعد هناك حاجة إليه‬
‫ف الوقت الاضر‪ ،‬فهو جزء من التاريخ الغابر ول زيادة!‬
‫وكان ال مر يتلف اختل فا وا سعا بطبي عة الال لو ذكرت القي قة الوهر ية ال ت جاء من أجل ها "‬
‫الد ين "‪ ..‬الد ين كله من لدن آدم عل يه ال سلم إل م مد‪ ،e‬و هى دعوة الناس إل عبادة ال وحده بل‬
‫شريك‪ ،‬العبادة التمثلة ف العتقاد بوحدانية ال وتقدي الشعائر التعبدية إليه وحده‪ ،‬وتكيم شريعته ف‬
‫كل شأن ن شئون الياة‪ ،‬مع الصيصة الت اختصت با الرسالة الخية النلة على ممد‪ ،e‬وهى أنا‬
‫رسالة للبشرية كافة منذ مبعثه عليه السلم إل قيام الساعة‪..‬‬
‫كم تتغي الصورة ف حس التلميذ حي تدرس لم تلك القيقة الوهرية الت جاء من أجلها" الدين‬
‫"‪ ،‬وتلك الصيصة الت اختصت با الرسالة الخية؟!‬
‫أنه تغي يبلغ ما بي السماء والرض!!‬
‫فل هذا الد ين ا ستنفد أغرا ضه ف الا ضى‪ ،‬ول ا ستنفدها بالن سبة للحا ضر‪ ،‬ول ا ستنفدها بالن سبة‬
‫للمستقبل ول يستنفدها أبدا طالا هناك مشرك واحد ف الرض يعتقد بوجود آلة غي ال (‪ ،)2‬أو يقدم‬
‫الشعائر التعبدية لحد غي ال (أو مع ال) أو يكم شريعة غي شريعة ال‪.‬‬
‫بل حت لو تصورونا جدل أن أهل الرض آمنوا كلهم جيعا (وهو فرض ل يتحقق أبدا لنه يالف‬
‫() يفي عن التلميذ عمدا أحوال الوثنيي ف أفريقيا وآسيا‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() أو ملحد ينكر وجود ال ألبتة‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫مـا قدر ال) (‪ )1‬فلن يسـتنفد هذا اديـن أغراضـه‪ ،‬لن مهمتـه عندئذ تكون الحافظـة على إيان الناس‬
‫بالتذكر با أنزل ال‪ ،‬تقيقا للتوجيه الربان‪:‬‬
‫{وَذَكّرْ فَِإنّ الذّ ْكرَى تَنفَ ُع الْ ُم ْؤ ِمنِيَ (‪[ })55‬سورة الذاريات ‪]51/55‬‬
‫فك يف والرض مليئة ب كل أنواع الشرك‪ ،‬سواء شرك الوثن ية‪ ،‬أو شرك الر سالت ال سماوية الحر فة‬
‫لدى اليهود والنصارى‪ ،‬أو شرك التباع التمثل ف تكيم الشرائع الاهلية بدل من شريعة ال؟‬
‫بل كيف والعال السلمى ذاته ‪ -‬ومصر من بنيه قد نيت فيه الشريعة الربانية ووضعت بدل منها‬
‫قواني الاهلية؟‬
‫أى مهمة للسلم يؤديها اليوم أعظم من مهمة رد الناس عن هذا الشرك كله ودعوتم إل التوحيد؟‬
‫ولكن هذا بالذات هو الذى يراد أن يبعد عن أذهان التلميذ‬
‫يراد منهم أل يتذكروا أبد أن مصر قد نيت فيها الشريعة السلمية منذ دخلها الحتلل الصليب‪،‬‬
‫و صارت تكم ها القوان ي الاهل ية‪ ،‬لن تذ كر ذلك يتر تب عل يه أن يا هد ال سلمون ف م صر هذا‬
‫الحتلل جهادا دينيا لخراج الصليبيي من بلد السلم‪.‬‬
‫من أجل ذلك يشوه الدرس الول ذلك التشويه‪ ،‬حت تنسى الجيال التخرجة ف " مدارس الكفر "‬
‫أن السلم له مهمة يكن أن يؤديها ف الوقت الاضر‪.‬‬
‫ث يدرس للتلميذ عصر البعثة وصدر السلم بطريقة قد تكون وافية‪ ،‬وإن كان ل يركز فيها على‬
‫جوهر الاهلية الذى جاء السلم لزالته‪ ،‬وجهور السلم الذى بعث الرسول‪ e‬لبيانه للناس‪ ،‬ودعوتم‬
‫إليه‪ ،‬وتكينه ف الرض بالهاد‪.‬‬
‫ولكن الصورة الشرقة التمثلة ف عصر البعثة وصدر السلم تطمس فجأة وتبو‪ ..‬لن الذى يدرس‬
‫للتلميـذ بعـد ذلك هـو " التاريـخ السـياسى " للسـلم‪ ..‬أو بالحرى هـو التاريـخ الذى يغلب عليـه‬
‫النراف!!‬
‫حقيقة إن خط النراف واقع تاريى‪ ،‬وخاصة ف الانب السيباسى من حياة السلمي‪ ..‬وأن هذا‬
‫النراف بدأ مبكرا م نذ الع هد الموى‪ ..‬وأ نه ارتك بت ف يه فظائع من أ جل ال ستيلء على ال كم أو‬
‫استبقائه ل يرضى عنها ال ول رسوله‪ ،‬ول تليق بالسلمي‪..‬‬
‫ولكن التركيز على خط النراف وحده وإسقاط بقية الصورة هو تشويه متعمد للتاريخ السلمى‬

‫() قدّر ال أن يكون البشر أحرارا ف أفعالم ومسئولي عنها‪ ,‬ومقتضي ذلك أن يتلفوا فيؤمن بعضهم ويكفر بعضهم الخر‪َ { ,‬وَلوْ شَا َء رَبّ كَ َلجَ َعلَ النّا سَ ُأمّ ًة وَاحِدَةً}[سورة هود‬ ‫‪1‬‬
‫‪ ,]11/118‬أي بقهرهم علي اليان‪ ,‬ولكنه ل يشأ ذلك سبحانه‪.‬‬
‫لمر يراد! (‪)1‬‬

‫فلو أن الصورة أعطيت كاملة كما هى ف القيقة لعطيت إياء آخر متلفا كل الختلف (‪.)2‬‬
‫و قع النراف ن عم ‪ -‬ف الا نب ال سياسى خا صة ‪ -‬ول كن ل ين ته ال سلم من الوجود! وب قى ف‬
‫الواقع التاريى للسلم جوانب كثية من السلم مطبقة ف عال الواقع‪ ،‬وبقيت فيه أماد كثي جديرة‬
‫بالتسجيل‪ ،‬وجية باعتزاز السلمي‪..‬‬
‫ول كن الذى يراد من درا سة التار يخ ال سلمى ف الن هج الدنلو ب ل يس هو إثارة اعتزاز ال سلمي‬
‫بتاريهم‪ ،‬بل هو على وجه التأكيد قتل هذا العتزاز!‬
‫ومن أجل هذا الدف تفى الصفحة البيضاء كلها‪ ،‬أو بالحرى يفى ما ف صفحة التاريخ السلمى‬
‫من بياض‪ ،‬ويبز الط السود وحده على أنه هو التاريخ!‬
‫يفى نشر العقيدة الصحيحة ف مساحة واسعة من الرض تتد من الحيط إل الحيط‪ ،‬وإخراج الناس‬
‫فيها من الظلمات إل النور‪ ،‬وإجراء العدل الربان التمثل ف تطبيق الشريعة الربانية‪ ،‬وتقيق العدل خاصة‬
‫بالنسبة لن بقى على دينه ف تلك الرقعة الواسعة من الرض‪ ،‬ما ل مثيل له ف التاريخ البشرى كله‪..‬‬
‫ويقدم هذا كله ف عبارة موجزة مبه مة موه ة‪ ،‬و هى امتداد الفتوح ال سلمية! كأن ا هى حركة تو سع‬
‫حرب ل هدف له إل فسح الرقعة وبسط النفوذ!‬
‫ويفى بقاء الجتمع السلمى ف عمومه فترة طويلة من الزمن نظيفا من الفاحشة‪ ،‬آمنا على أنسابه‪،‬‬
‫وحيثما كانت الدولة قوية مبسوطة السلطان فهو آمن أيضا على دمائه وأمواله ف ظل شريعة ال‪.‬‬
‫وتفى الركة العلمية السلمية الائلة الت نشرت نورها ف الرض‪ ،‬وتعلمت منها أوربا حي بدأت‬
‫نضتها الديثة نتيجة احتكاكها بالسلمي ف أكثر من أرض وأكثر من مال‪.‬‬
‫وتفى الركة الضارية السلمية الضخمة بشقيها‪ ،‬العنوى التعلق بالقيم النسانية العليا‪ ،‬والادى‬
‫التعلق بالعمارة الادية للرض والشكال التنظيمية للحياة‪.‬‬
‫كما يفى بطبيعة الال تفرد كلتا الركتي بيزتا السلمية الاصة ‪ -‬الستمدة من النهج السلمى‬
‫‪ -‬و هى ف سح الجال للنشاط البشرى ف ج يع مال ته اليو ية‪ ،‬مع اللتزام بالن هج الربا ن الذى ي مع‬
‫الروح والادة‪ ،‬ويمع الدنيا والخرة كلها ف نظام‪.‬‬
‫وحي يفى هذا كله فماذا يبقى؟!‬
‫() عرضت لذه النقطة بشئ من التوسع ف كتاب "الستشرقون والسلم"‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() عرضت لذا النقطة أيضا بشئ من التوسع ف كتاب "كيف نكتب التاريخ السلمي"‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫يبقى إياءات خبيثان‪ ،‬مقصودان‪:‬‬
‫أولما‪ :‬أن السلم ل يكم إل فترة قصية حدا ف عهد اللفاء الراشدين ث انتهى إل غي رجعة‪.‬‬
‫والثان‪ :‬أن التاريخ السلمى ‪ -‬بعد صدور السلم ‪ -‬خال من كل القيم الت تقيم الياة النسانية‬
‫الصحيحة‪ ،‬وأنه عبارة عن عمليات دموية من أجل السلطان!‬
‫وبعد أن يفرع التاريخ السلمى من متواه القيقى على هذا النحو يوجه التلميذ إل أوربا!‬
‫أور با هى العلم! أور با هى الضارة! أور با هى الق يم! أور با هى الديقراط ية! أور با هى خقوق‬
‫النسان! أوربا هى التقدم الصناعى! أوربا هى الصورة الصحيحة للوجود البشرى ف جيع الجالت!‬
‫ويفى ‪ -‬عمدا ‪ -‬فظائع الستعمار الوحشية ف كل مكان دنسته أقدام الستعمرين‪ ،‬وخاصة ف العال‬
‫السلمى‪ .‬وتفى ‪ -‬عمدا ‪ -‬البواعث الصليبية للتحرك الورب نو العال السلمى‪ .‬ويفى ‪ -‬عمدا ‪-‬‬
‫الف ساد الل قى ال خذ ف النتشار ‪ -‬يومئذ ‪ -‬ف أور با‪ .‬وي فى عمدا‪ -‬غل بة الروح الاد ية على تلك‬
‫الضارة وانطماس الروح‪.‬‬
‫وهكذا يقدم التاريخ ‪ -‬السلمى والورب ‪ -‬كاذيا من شقيه كليهما وإن احتوى جانبا من الق!‬
‫ففى التاريخ السلمى يقدم الط السود من الصفحة بتركيز فائق‪ ،‬ويفى ما ف بقية الصفحة من‬
‫البياض‪ ،‬وف التاريخ الورب يقدم الط البيض من الصفحة بتركيز فائق ويفى ما ف بقية الصفحة من‬
‫السواد!‬
‫وحي يقدم التاريخ بصورته الكاذبة هذه من شقيها فماذا تكون النتيجة؟‬
‫تون تريج أجيال متعاقبة من " التعلمي " ينحون تدرييا إل النسلخ من السلم على أنه شئ قد‬
‫استنفد أغراضه‪ ،‬ول تعد له مهمة يؤديها ف الوقت الاضر‪ ،‬بل على أنه شئ قد عاش أكثر ما ينبغى‪،‬‬
‫وكان ينبغى أن يندثر من زمان بعيد‪ ،‬ويتجهون إل أوربا على أن ا مهبط الوحى ومنبع النور‪ ،‬ومنتجع‬
‫الصحة لن يريد الستشفاء من التخلف والرجعية!‬
‫إذا كان هذا كله ف الدر سة الدنلوب ية البتدائ ية فالدر سة الثانو ية توى هذه ال سموم كل ها ول كن‬
‫برعـة أكـب! فالطلب فـ الدارس الثانويـة أنضـد بل شـك وأقدر على السـتيعاب‪ ،‬وأجدر ‪ -‬حيـ‬
‫يتناولون جرعة السم ‪ -‬أن يكون تأثرهم با أشد!‬
‫مـن أجـل ذلك يزاد فـ تقيـ درس اللغـة العربيـة إل جانـب الدروس الخرى عامـة ودرس اللغـة‬
‫النليزيـة خاصـة‪ ،‬ويزاد مـن تقيـ درس الديـن ووضعـه فـ أقصـى الزاويـة الامشيـة‪ ،‬ويزاد فـ إعطاء‬
‫التف صيلت ف خط النراف التاري ى للم سلمي مع الخفاء الكا مل ل كل بياض ال صفحة‪ ..‬ويزاد ف‬
‫إعطاء التفصيلت ف خط النراف التاريى للمسلمي مع الخفاء الكامل لكل بياض الصفحة‪ ..‬ويزاد‬
‫أخيا وليـس آخرا فـ الرعـة الوربيـة التـ تصـور أوربـا على أناـ القمـة السـامقة الفريدة فـ تاريـخ‬
‫البشريـة‪،‬وتلوى أعناق الطلب ليـا إليهـا مـع العجاب البهور الذى ل يدع للنسـان الفرص للتقاط‬
‫أنفاسه!‬
‫فإذا ت هذا كله جاءت " مدرسة العلمي العليا " لتكمل التخطيط النلوب البيث‪..‬‬
‫كانت هذه هى الكان الذى يتخرج فيه معلموا الواد كلها ماعدا اللغة العربية‪ ،‬الت يتخرج معلمواها‬
‫ف الزهر وحجه أول‪ ،‬ث فيه وف " دار العلوم العليا " فيما بعد ‪ -‬وكانت ف الوقت ذاته هى " معمل‬
‫التفر يخ " للمخ طط كله‪ ،‬الذى يض من دوام التأث ي وع مق التأ ثر‪ ،‬على أ سلوب الخ طط كله‪ ،‬الب طئ‬
‫الطى‪ ،‬الكيد الفعول‪.‬‬
‫كان طلبا يتارون بادئ ذى بدء من بي خريى الدارس الثانوية الذين حقنوا بالسم البيث على‬
‫جرعتي متواليتي طويلتي‪ ،،‬إحداها ف أثناء التعليم البتدائى‪ ،‬والثانية ف أثناء التعليم الثانوى أى خلل‬
‫تسع سنوات متواليات‪.‬‬
‫وكانوا يتارون ثانيا على أسس معينة وضعها وينفذها مدير الدرسة ومعلموها وكلهم من النليز!‬
‫ولك أن تتوقع نوع " العينة " الطلوبة! ونوع " الؤهلت " الطلوبة!‬
‫وبطبيعة الال لن تكون الستقامة على السلم‪ ،‬ول التقوى والصلح من بي تلك الؤهلت!‬
‫وأيا كانت نوعية الداخل وقت خوله‪ ،‬فالارج " مضمون "! مضمون النوعية ومضمون الؤهلت!‬
‫هنا ف " معمل التفريخ " يتم كل شئ بعناية فائقة‪ ..‬لنه مستقبل أمة كاملة يصاغ!‬
‫كا نت الدر سة ت قع ف حى " النية " (‪ )1‬على ب عد دقائق معدودة من ثكنات ج يش الحتلل ف‬
‫قصر النيل (‪ )2‬وكان الساتذة النليز ل يدخلون على طلبم ف القيقة بوصفهم أساتذة فحسب! بل‬
‫بوصفهم قوة الحتلل القاهرة الت جاءت لتقهر نفوس هؤلء الطلب وتشعرهم بالضآلة والدونية إزار "‬
‫الر جل الب يض " العظ يم الذى وضع ته العنا ية الل ية " على رأس هذه البلد (‪ )3‬هذا هو الع ن الظا هر‬
‫الذى كان يتعمد أولئك " الساتذة " إظهاره‪ .‬أما العن الفى ‪ -‬وهو القهر الصليبي للمسلمي ‪ -‬فهذا‬
‫ل يكونوا يصرحون به‪ ،‬ولكنه ينبث ‪ -‬واضحا ‪ -‬ف كل مناسبة وف كل توجيه‪.‬‬
‫() ف مكان كلية تارة القاهرة ف الوقت الاضر‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() ف مكان فندق الليتون بيدان "التحرير!" ف الوقت الاضر‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() راجع كلم كرومر قبل صفحات‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫وأ يا كان ال مر ف قد كان أولئك " ال ساتذة " يثلون ف نفوس الطلب شيئا مرهو با ل يقاوم‪ ،‬بل‬
‫ح سب الطالب من هم أن يتحا شى فتكا ته التوق عة ف أ ية ل ظة‪ ،‬ولك نه ل ي س بال من القي قى ل ظة‬
‫واحدة ح ت ينت هى من درا سته ويتخرج‪ .‬فإذا ترج فالره بة من " الوا جة " ل تغادر قل به‪ ،‬وإن أخذت‬
‫صورا متعددة متجددة ف حياته العملية!‬
‫وف جو الرهبة العام يتلقى الطلب جرعات السموم‪..‬‬
‫هل يلك أحد أن يتنع عن تناولا؟ بل هل يلك أحد أن يتنع عن التأثر با حت لو أراد؟‬
‫جرعات السم هنا واضحة‪ ..‬والتلقي مباشر‪..‬‬
‫إن ما بكم من تلف سببه السلم! الدين كله يسبب التخلف‪ ،‬ولكن السلم بصفة خاصة يعمل‬
‫على التخلف أكثر من أى دين!! ستظلون متأخرين طالا بقيتم متمسكي بالسلم! لن تتقدموا إل إذا‬
‫تل صتم من عقل ية القرون الو سطى ال ت كا نت تع تب الد ين أ ساس الياة! أ ساس الياة اليوم هو العلم‬
‫وليس الدين‪!..‬‬
‫وهذا إل جانب التلقي غي الباشر‪..‬‬
‫لقد كانت أوربا ف العصور الوسطى الظلمة خاضعة لسلطان الدين‪ ،‬فكانت جاهلة متأخرة جامدة‪،‬‬
‫وحي نبذت الدين تقدمت وتضرت وتعلمت وأوتيت كل وسائل القوة والتمكن‪ .‬كان الدين حاجزا‬
‫عن العلم لنه مموعة من الرافات‪ .‬وحاجزا عن العمل والنشاط والنتاج لنه ينظر إل الخرة ويهمل‬
‫الدنيا‪ .‬كان لبد من تطيمه للقضاء على الرافة‪ ،‬والستمتاع بالياة على الرض الفكر النسان الر‬
‫هو الذى ت صدى برأة لتحطي مك الرا فة‪ ،‬وو صل إل التقدم الرائع الذى تار سه أور با اليوم‪ .‬هو الذى‬
‫قرر الديقراطية‪ ،‬وقرر حقوق النسان‪ ،‬ورفع من قيمة الكرامة النسانية بتقرير مبدأ الرية الشخصية الت‬
‫كانت مهدرة ف ظل السيطرة الدينية‪..‬‬
‫وما كان الطلب يومئذ يلكون الرد على التحدى‪ .‬وما كانوا يلكون ‪ -‬ف هزيتهم الداخلية البهورة‬
‫با عند الغرب‪ ،‬ورهبت هم من الحتلل الع سكرى الاث على أرضهم‪ ،‬ورهبت هم من " الوا جة " الذى‬
‫يرع هم ذلك ال سم ما كانون يلو كن العر فة ال ت يردون ب ا على التحدى‪ ،‬ح ت لو بق يت ل م نفوس‬
‫ترغب ف الرد!‬
‫هـل كان فـ إمكانمـ يومئذ أن يدركوا أن التخلف الذى أصـابم‪ ،‬والذى يعيهـم بـه " الواجـة "‬
‫وينفذ منه لهاجة عقيدتم ودينهم وتقاليدهم‪ ،‬ل يكن سببه السلم‪ ،‬وإنا كان سببه التخلف العقدى‬
‫الذى أبعد المة عن حقيقة السلم‪.‬‬
‫و هل كان ف إمكان م يومئذ أن ينفذوا إل حقي قة الضارة الغرب ية فيعرفوا جوا نب قوت ا وجوا نب‬
‫ضعفها‪ ،‬ويدركوا أن الدين الذى حطمته أوربا لتتقدم وتتحضر كان دينا زائفا من صنع الكنيسة‪ ،‬وكان‬
‫جديا بالتحطيم بالفعل لنه عائق عن الياة وعن التقدم وعن عمارة الرض‪ ،‬ولكن الياة بل دين من‬
‫جا نب آ خر مف سدة ل ت قل عن مف سدة الد ين الزائف إن ل ت كن أ شد‪ ،‬وأن ا تعرض هذه الضارة ف‬
‫النهاية إل النيار؟!‬
‫كل! ما كان ف طوقهم يومئذ أن يدركوا شيئا من ذلك كله‪ ،‬حت لو أوجعهم تبكيت الواجة لم‪،‬‬
‫وتعييه إياهم‪ ،‬ونسبته كل ما ف حياتم من سوء إل السلم!‬
‫وإذ ل ي كن ف طوق هم أن يدركوا شيئا من ذلك‪ ،‬ف قد كان التو قع ل م و هو ما حدث بالف عل أن‬
‫يتأثروا بالسموم الت تقدم لم‪ ،‬وينصبوا ف القالب الذى وضع لم بل مقاومة تذكر‪ ،‬أو بل مقاومة على‬
‫الطلق!‬
‫و هل كان " الواجات " من مد ير وأ ساتذة سيسكتون على وا حد من الطلب لو وجدوا ف يه شيئا‬
‫من القاو مة لهداف هم! كل ول شك! ولك نا ل ن سمع على أى حال أن واحدا من الطلب قد قاوم‪،‬‬
‫وفصل لنه قاوم!‬
‫فإذا انت هت سنوات الدرا سة الر بع ف م ثل هذا ال و وهذا التوج يه‪ ،‬ف قد ض من الواجات أن "‬
‫فراخهم " الت أنتجوها ف " معمل التفريخ "‪ ،‬والت ستخرج لتتول تربية جيل جديد من النشئ‪ ،‬ستقوم‬
‫بالدور الطلوب تلقائيا بغي حاجة إل توجيه جديد‪ ،‬فقد انطبعت نفوسها با يراد طبعها به‪ ،‬وصارت "‬
‫تتقيأ " تلقائيا ما سكب ف كيانا من السم‪ ،‬ولكن ل لتتخلص منه وتفئ إل صحتها كما يفعل النسان‬
‫السوى حي يتناول السم‪ ،‬بل لتطعمه فراخا جديدة صغية السن‪ ،‬ل تدرك شيئا ما حولا‪ ،‬بل تلتقط‬
‫كل ما يوضع أمامها بل تييز ول قدرة على التمييز!‬
‫بذا التخطيط البيث أحكم دنلوب قبضته الصليبية على الجيال‪.‬‬
‫فلم تكن السألة إفساد جيل بعينه يذهب ويذهب معه فساده‪ .‬إنا كان الدف ضمان سريان السم ف‬
‫الجيال التعاقبة‪ ،‬لكيل يرج جيل يفكر ف العودة إل السلم!‬
‫ومن طريق معمل التفريخ الضخم الذى أقامه‪ ،‬ضمن الدورة الكاملة للسم‪ .‬ضمن الستاذ والتلميذ‪..‬‬
‫الستاذ الذى سيصب التلميذ ف القالب الطلوب والتلميذ الذين سينشأون ف داخل القالب ل يقاومون‬
‫نشأتم فيه‪.‬‬
‫ولكـن التخطيـط مـع ذلك ل يكتـف بتلك الدورة التكاملة‪ ،‬التـ تدور دورة كاملة مـع كـل جيـل‬
‫جديد‪ ،‬بل كان أشد خبثا وأشد إحكاما فمد اليوط إل مدى أبعد!‬
‫فإذا كان الدرس العادى قد صب ف القالب فانصب‪ ،‬وسلط على النشئ ليصبه من جديد ف نفس‬
‫القالب‪ ،‬فإن الدرس " المتاز "‪ ..‬وناهيـك " بامتيازه " يكافـأ على امتيازه هذا مكافأة إضافيـة‪ ،‬ليسـتفاد‬
‫منه على نطاق أخطر‪ ،،‬فيبتعث إل انلترا ليصاغ من جديد صياغة أدق!‬
‫صحيح أن " الواجات " هنا قد قاموا " بالواجب " على نو الطلوب‪ ..‬ولكن فرق بي أن تظل ف‬
‫بلدك ‪ -‬وإن صاغك الواجات ‪ -‬متأ ثر بب عض تقاليد ها‪ ،‬وأفكار ها‪ ،‬وعقائد ها‪ ..‬وب ي أن " ت ستنبت "‬
‫من جديد ف أرض الواجات أنفسهم! فتصبح كأنك خواجة بالفعل‪ ،‬بدل من أن تكون مصريا متأثر‬
‫بالواجات فح سب! بل إ نك قد تعود ملك يا أك ثر من اللك‪ ،‬فتقوم بالدور الطلوب بأع نف م ا كان‬
‫الواجات أنفسهم يفعلون!‬
‫فإذا عاد أولئك التبعثون و قد صاروا خل قا آ خر‪ ،‬م سوخا كل ال سخ‪ ،‬ل يعرف دي نه ول لغ ته ول‬
‫قومه‪ ،‬وينظر إل ذلك كله بازدراء شامل‪ ..‬فهناك يوضعون ف مراكز التوجيه‪ ،‬ليكون أثرهم ف الفساد‬
‫أشلـ وأوسـع‪ ،‬حتـ إذا صـار أحدهـم فـ نايـة الطاف وزيـر للمعارف أو وكيل للوزارة‪ ،‬حطـم مـن‬
‫مقد سات قو مه ما ل ي كن يروء دنلوب نف سه أن يف عل‪ ..‬فدنلوب ‪ -‬ك ما خ طط لنف سه أو خ طط له‬
‫سيده الذى استخدمه ليقوم بدوره ‪ -‬يافظ على الظاهر الزائفة " منعا من إثارة الشكوك " أما هذا الثور‬
‫الائج فل يتبقى شيئا ول يقل بشئ!!‬
‫و ف و سط هذه الدورة البي ثة ي ظل مدرس الل غة العرب ية (ومدرس الد ين) يب عد عن الطر يق‪ ،‬ويداس‬
‫بالقدام‪ ،‬يسـبقه غيه على الدوام‪ ،‬ول يتول وظيفـة واحدة مـن وظائف التوجيـه‪ ،‬فيظـل صـوته يفـت‬
‫وي فت ح ت ل ي سمعه أ حد من الناس‪ ،‬وي ظل الخرون يبوزن ح ت ت صبح أيدي هم صدارة " الجت مع‬
‫الديد "‪.‬‬
‫وت ضى دورة ال ن فتف تح الام عة الهل ية ث الام عة الر سية ث تتلو ها الامعات ذوات العدد‪ ،‬فت سي‬
‫نفس السية على نفس الخطط‪ ،‬وقد غاب صاحبه من الوجود كله‪،‬ولكن مططه يظل سارى الفعول‪..‬‬
‫وأكيد الفعول!‬
‫ب‪ -‬وسائل العلم‬
‫إذا كان هذا نصيب مناهج التعليم ف عملية الغزو الفكرى الصليب ضد السم‪ ،‬فهناك أداة أخرى ل‬
‫ت قل خطرا إن ل ت كن أخ طر‪ ..‬تلك هى و سائل العلم‪ ..‬الكتاب وال صحيفة وال سرح وال سينما ث‬
‫الذاعة (ول يكن التليفزيون قد اخترع بعد ف الفترة الت تن بصدد الديث عنها‪ ،‬ولكنه منذ جاء سار‬
‫على نفس التخطيط)‪.‬‬
‫فأما الكتاب فقد بدأ مترجا ف أول " عهد النهضة " ث أصبح مؤلفا فيما بعد‪ ،‬وإن كان خط الترجة‬
‫ظل موجودا على الدوام‪.‬‬
‫ومن المور الطبيعية ف مثل الال الت كان السلمون قد وصلوا إليها أن يبدأ المر بالترجة‪ ،‬لغياب‬
‫عنصر التأليف‪ ،‬وفراغ الو السلمى كله من الفكر الى التدفق التألق الواكب لط الياة‪.‬‬
‫ولكن ما الذى ينبغى أن يترجم؟!‬
‫كان الفروض ‪ -‬ك ما حدث ف حر كة الترج ة الول ‪ -‬أن يبدأ ال مر بترج ة الك تب العلم ية‪ .‬ف قد‬
‫كان الفقر العلمى شديدا‪ ،‬وكان التخلف ف اليدان العلمى من أبرز ما أحس به السلمون حي صحو‬
‫على الزية أمام جحافل الصليبيي‪.‬‬
‫ول شك أن بعض الكتب العلمية قد ترجم ف تلك الفترة‪ .‬ولكن الانب العظم من حركة الترجة‬
‫سار ف قنوات اخرى بعيدة كل البعد عن الطلوب‪ ،‬أو عن المر الواجب ف ذلك الي‪.‬‬
‫فإل جانب الكتب العلمية القليلة الت ترجت‪ ،‬ترجت مئات من القصص والسرحيات‪ ،‬والكتب الت‬
‫تمل الفكر الغرب " العلمان " ( ) الاحد للدين‪ ،‬الناوئ له‪ ،‬مع عناية خاصة بنشر أفكار عن نظرية‬
‫‪1‬‬

‫التطور الداروينية‪..‬‬
‫فأما القصص والسرحيات فقد كان الدف من نشرها على نطاق واسع هو تطيم التقاليد السلمية‬
‫ال ت ت نع الختلط وتن فر من الفاح شة والتحلل الل قى‪ ..‬ف قد كا نت هذه التقال يد ‪ -‬مع كون ا تقال يد‬
‫خاوية من الروح ( ) ‪ -‬عقبة ضخمة ف سبيل الفساد اللقى الائل الذى تدف الصليبية إل إحداثه ف‬
‫‪2‬‬

‫الجتمع السلمى‪.‬‬
‫وإذا تذكر نا أن نابليون كان قد جاء م عه بب عض " ال ساقطات " ك ما ساهن ال بتى و هو يروى‬

‫() العلمانية كما بينا ف كتاب "مذاهب فكرية معاصرة" ترجة مزيفة لكلمة ‪ Secularism‬الت تعن إقامة الياة علي أسس غي دينية‪ ,‬والول ‪-‬كما قلنا ف ذلك الكتاب ‪-‬أن‬
‫‪1‬‬
‫تسمي "اللدينية"‪.‬‬

‫() راجع "خط النراف"‪.‬‬


‫‪2‬‬
‫أحداث الملة‪ ،‬وأن هذا كان هد فا مق صودا من أهداف الملة‪ ،‬أو من مآثر ها!! لشا عة ال سفور ف‬
‫الجت مع ال صرى ال سلم‪ ،‬و من ث إشا عة الفاح شة‪ ،‬سهل علي نا أن نف هم الدف من الق صص الغرام ية‬
‫والسرحيات الت تعرض جوا متلفا تاما عن الور السلمى الحافظ‪ ،‬الذى ل يهر فيه بالفاحشة ول‬
‫يتعالن بالنكر والذى تسعى الصليبية إل تكيمه بوصفه ركنا من الياة السلمية الت يراد هدمها أول‬
‫عن آخر‪.‬‬
‫فالذى تعر ضه تلك الق صص وال سرحيات ل يز يد على أن يكون علقات غ ي مشرو عة ب ي ر جل‬
‫وامرأة أو بي شاب وفتاة‪ ،‬وتعطى ف القصة أو السرحية شرعية وواقعية ليست لا ف اليزان السلمى‪،‬‬
‫ويتم فهذا ف جو "الفن" الذى يسبغ على كل شئ جال وجاذبية مهما يكن فيه من الشر‪.‬‬
‫تلك مزية الفن‪ ،‬وتلك خطورته ف ذات الوقت‪.‬‬
‫ف هو ي مل القدرة على التأث ي‪ ،‬ويعرض ما يعرض ف جو من الشا عر والوجدانات ت عل القارئ أو‬
‫السامع يشارك بياله مع الشهد العروض‪ ،‬وينفعل با ينفعل به الشخاص العرضون ف الشهد‪ ..‬ومن‬
‫هنا يمل الفنان مسئوليته‪ ..‬فحي يكون خيا‪ ..‬حي يكون ملتزما بالقيم النسانية العليا‪ ..‬فإنه يتجه إل‬
‫تزيي الي والتنفي من الشر‪ .‬وليس من الضرورى أن يكون ذلك عن طريق التوجيه الباشر‪ .‬بل كلما‬
‫ل أ الفنان إل الطر يق غ ي البا شر‪ ..‬أى عرض ما ير يد عر ضه من خلل موا قف ومشا هد ومشا عر‬
‫ووجدانات دون أن يتدخل بشخصه تدخل مباشر‪ ،‬كان ذلك أبلغ ف التأثي ف نفس القارئ أو السامع‪،‬‬
‫وأف عل ف جذ به إل صف الع ن الطلوب ( )‪ ،‬وأ ما ح ي ل يكون ملتز ما بالق يم العل يا‪ ،‬أو ح ي يكون‬
‫‪1‬‬

‫أسوأ من ذلك معاديا لا‪ ،‬راغبا ف تطيمها‪ ،‬فإنه يمل القدرة الفنية الت تكنه كذلك من جذب القارئ‬
‫أو السامع إل صف التوجيه الذى يريده‪..‬‬
‫وقد كان الفن الذى يترجم هو الفن الذى تلص تاما من القيم الدينية‪ ،‬وراح يدعو إل إقام متمع "‬
‫طليق " من تلك القيم‪ ..‬متمع يهبط تدرييا حت يصبح متمعا حيوانية ف النهاية ( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫و سواء كان الذ ين ينقلون هذه الق صص وال سرحيات ل العرب ية واع ي تا ما الدور الذى يلعبو نه أو‬
‫غي واعي‪ ،‬فقد كان هناك تشجيع خفى لنشر هذا " الفن " وترويه بي الشباب خاصة ( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫والدف واضح‪..‬‬
‫() تناولت هذه القضية ف كيتاب "منهج الفن السلمي" ول مال هنا للتفصيل‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() ل نكن النهاية واضحة ف القرن الاضي كما هي واضحة اليوم‪ ,‬ولكن ذوي الس السليم كانوا يرونا ول شك‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() كان بي الترجي والناشرين نصاري لبنانيون‪ .‬وصلتهم بخطط الصليبية واضحة‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫فحي يقرأ الشباب قصة غرامية ‪ -‬أو عاطفية كما كانوا يسمونا ‪ -‬يلتقى فيها الفت والفتاة بعيدا عن‬
‫أعي الناس‪ ،‬ويرى بينهما من الكلم والواقف ما يرى‪ ،‬مصورا باذبية الفن وإغرائه‪ ،‬فيتمن ف دخيلة‬
‫نفسه أن لو كان هو صاحب الوقف‪ ،‬أو أن يقع ل مثل ما يقرأ ف القصة أو السرحية‪ ..‬ويعلم الشاب‬
‫جيدا أن مت مع الحا فظ ل ي سمح ب ثل هذه الوا قف ال ت يقرأ عن ها‪ ..‬ولك نه عندئذ يتم ن أن ي ئ يوم‬
‫تتح طم ف يه تقال يد متم عه‪ ،‬ال ت تول بي نه وب ي " ال ستمتاع " على الن حو الذى ي تم ف الجتمعات‬
‫الخرى‪،‬الت تررت من مثل تلك التقاليد‪.‬‬
‫فإذا جاء اليوم الذى تطم فيه هذه التقاليد بالفعل ‪ -‬وقد جاء! ( ) ‪ -‬فلن يكون مثل هذا الفت من‬
‫‪1‬‬

‫العارضي! بل سيكون أول الرحبي!‬


‫‪m m m‬‬

‫أما الكتب الت تل الفكر " العلمان " فالدف من ترجتها واضح كذلك‪.‬‬
‫يقول " أ‪ .‬شاتيلييه ف مقدمة كتاب " الغارة على العال السلمى "‪:‬‬
‫" ول شـك فـ أن إرسـاليات التبشيـ مـن بروتسـتانتية وكاثوليكيـة‪ ،‬تعجـز عـن أن تزحزح العقيدة‬
‫السـلمية فـ قلوب منتحليهـا‪ ،‬ول يتـم لاـ ذلك إل ببـث الفكار التـ تتسـرب مـع اللغات الوربيـة‪،‬‬
‫فبنشر ها اللغات النليز ية واللان ية والولند ية والفرن سية ي تك ال سلم ب صحف أور با‪ ،‬وت هد ال سبيل‬
‫لتقدم (!) إ سلمى مادى‪ ،‬وتق ضى إر ساليات التبش ي لبانت ها من هدم الفكرة الدين ية ال سلمية ال ت ل‬
‫تفظ كيانا وقوتا إل بعزلتها وإنفرادها " ( )‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وهذا يوضح لنا الدف من ترجة هذه الفكار ونشرها باللغة العربية‪ .‬ذلك أنه مهما انتشر تعلم اللغة‬
‫الجنب ية ف ستظل المهرة ال كبى من الش عب عاجزة عن قراءة هذه الفكار ف لغات ا ال صلية‪ .‬ون ث‬
‫يبقى الاجز الذى يشكو منه ذلك البشر قائما يمى العال السلمى من عوامل التدمي الارجية‪ ..‬فإذا‬
‫ان ساح الا جز عن طر يق الترج ة‪ ،‬ق ضت ال صليبية لبانت ها ‪ -‬على حد ت عبي الب شر ‪ -‬وأم كن إحداث‬
‫الدمار الطلوب!‬
‫وأ ما العنا ية الا صة بالداروين ية ونظر ية التطور ف قد يكفي نا في ها قول البوتوكلولت‪ " :‬ل قد رتب نا‬

‫() سسنكلم فيما يلي عن عملية تطيم التقاليد عن طريق "ترير الرأة"‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() راجع هذه القدمة ف كتاب "الغارة علي العال السلمي" ترجة مب الدين الطيب‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫ناح دارون وماركس ونيت شه وإن تأث ي أفكار هم على عقائد المي ي وا ضح لنا بكل تأك يد!( )‪ .‬و قد‬
‫‪1‬‬

‫استطاعت اليهودية العالية عن طريق ترويج أفكر داروين وتوسيع ناقها أن تطم ما كان قد بقى من‬
‫عقائد " الميي " الوربيي‪ ،‬وتنشئ هناك متمعا " جديدا " بل دين ول أخلق ول تقاليد ( )‪ .‬وكان‬
‫‪2‬‬

‫ف تطيط الصليبية ا ستخدام تلك القذائف الدمرة لذات الدف ف الجتمع السلمى‪ ،‬لنشاء متمع "‬
‫جد يد " بدل م نه‪ ،‬ل د ين له ول أخلق ول تقال يد! لذلك كا نت العنا ية بن شر تلك النظر ية بإلاح ف‬
‫العال السلمى‪ .‬لعلها تصنع هنا ما صنعته هناك!( ‪)3‬‬
‫‪m m m‬‬

‫أما الصحافة فشأنا أخطر‪..‬‬


‫فلئن كان الكتاب ب صفة عا مة هو زاد " الثقف ي " فال صحافة زاد شا مل‪ ،‬يش مل الثقف ي وأن صاف‬
‫الثقفي‪ ،‬كما يشمل العامل حت الذين ل يقرأون منهم‪ ،‬إذ هناك من يتلحقون حوله ليقرأ لم الصحيفة‬
‫حتعى ف أعماق الريف‪.‬‬
‫وف مصر بالذات قامت الصحافة بدور خطي لعله أخطر الدوار‪ ،‬إذ كانت مصر ف نظر الخططي‬
‫ك ما أ سلفنا هى مر كز التوج يه الرو حى والثقا ف ب سبب موقع ها الغرا ف ومكانت ها التاري ية‪ ،‬وب سبب‬
‫وجود الزهر فيها‪ .‬فإذا أمكن إفسادها من الناحية السلمية كان ذلك عونا كبيا للي يططون لفساد‬
‫العال السلمى كله‪ ،‬لن الفساد سيصدر يومئذ وعليه خات القاهرة‪ ،‬فيكون أفعل ف الفساد ما لو جاء‬
‫وعليه خات لندن أو باريس‬
‫لذلك ل نعجب كثيا من وجود ثلث دور صحفية كبية‪ ،‬لبنانية مسيحية مارونية ف القاهرة وإن‬
‫كان السـؤال يظـل باقيـا‪ :‬لاذا اختار أولئك السـيجيون الارونيون اللبنانيون القاهرة لتكون موضـع‬
‫نشاطهم‪ .‬أبتوجيه وتطيط من الصليبية العالية أم بدافع من صليبيتهم الذاتية؟ وبطيعة الال ل يوحد فرق‬
‫ف النهاية بي هذا الوضع وذاك‪ ،‬فالقنوات الصليبية تلتقى كلها ف النهاية ف مرى واحد‪ .‬ولكن هناك‬
‫دلئل كثية تدل على أن هناك اتفاقـا صـليبيا عاليـا ( ) على جعـل القاهرة مكان الفكار الناشزة عـن‬
‫‪4‬‬

‫() راجع البوتوكول رقم (‪ )2‬من بروتوكولت حكماء صهيون‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫() راجع إن شئت فصل"دور اليهود ف إفساد أورربا" من كتاب "مذاهب فكرية معاصرة"‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() قام بالترويج لذه الفكار ف مصر اثنان من الصليبي" شبلي شيل وسلمة موسي‪ ,‬وواحد من يملون أساء السلمي هو إساعيل مظهر‪ ...‬إل جانب الساء الخري غي اللمعة‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() أو قل صليبيا يهوديا كما سيظهر فيما بعد‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫السـلم‪ ،‬والركات الناوئة للسـلم وللدولة العثمانيـة‪ ،‬كتشجيـع نازل فاضـل على بـث أفكارهـا "‬
‫التحرر ية" ف صالونا بالقاهرة‪ ،‬بضور اللورد كرو مر ( ) وك صدور ب عض النشرات ال سرية للقوم ية‬
‫‪1‬‬

‫العربية الطاردة من قبل الدولة العثمانية من القاهرة ( )‪ ،‬وكإقامة جال الدين الفغان فىمصر فترة من‬
‫‪2‬‬

‫الوقت ( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫فإذا لحظنا هذه الدلئل كلها كان القرب إل السبان أن يكون وجود الدور الصحفية الثلثة‪ :‬دار‬
‫الهرام لل تقل ودار اللل لل زيدان ودار الق طم لل صروف‪ ،‬نتي جة توج يه صليب عال ى‪ ،‬ل مرد‬
‫انبعاث صليب ذاتى‪ ،‬ول توا فق خوا طر ب ي أصحاب هذه الدور الثلث وأيا كان النبع فالصب وا حد‬
‫والتخطيط واحد والهداف واحدة‪.‬‬
‫الدف هو تو يل هذه ال مة عن ال سلم‪ ،‬والن هج هو من هج الدولة ال صليبية الاك مة‪ ،‬ب طئ ولك نه‬
‫أكيد الفعول منعا من إثارة الشكوك‪.‬‬
‫وهل كان يتصور ف ذلك الزمان أن تكن الطى أسرع ما كانت؟‬
‫كل فتجربـة نابليون المقاء كانـت مـا تزال مائلة للعيان‪ ،‬والفشـل الذى منيـت بـه نتيجـة حاقتهـا‬
‫وسـرعة خطوهـا وعنـف حركتهـا كان مـا يزال مائل فـ الذهان‪ ..‬وكانـت بقايـا السـلم فـ نفوس‬
‫ال سملي ال صريي كفيلة بإف ساد ال طة كل ها لو انكش فت و سرعة ال طو من العوا مل ال ت ي كن أن‬
‫تك شف ال طة وتف سد الفعول‪..‬لذلك كان كرو مر ودنلوب حري صي على الع مل الب طئ الذى ل يث ي‬
‫الشكوك‪.‬‬
‫نعم ل يكن يتصور أن تبدأ الصحافة اللبنانية السيحية الارونية عملها بهاجة السلم‪ ..‬فقد كانت‬
‫غضبة الماهي كفيلة بتحطيم تلك الدور على رؤوس أصحابا من أول الطريق‬
‫ولكن على مهل‪ ..‬مكن‪.‬‬
‫بل لقد يدع الغافل إذا اطلع على بعض أعداد هذه الصحف فيحسبها لول وهلة صحافة إسلمية‪.‬‬
‫ف تتدح ال سلم‪ ،،‬وت تد ر سوله العظ يم‪ ،e‬وت صص مكا نا يوم يا لخبار الباب العال ومقابلت‬

‫() سيأت الديث عن صالون نازل فاضل ودوره ف "إغواء" ممد عبده وسعد زغلول وتأثيه ف أفكار مصر السياسية والجتماعية‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() كانت معظم هذه النشرات تصدرر من القاهرة وباريس‪ ,‬كما كان أعضاء المعيات السرية الداعية إل القومية العربية من نصاري لبنان وسورية يعيشون حياتم ما بي القاهرة‬
‫‪2‬‬
‫وباريس‪ ,‬أي ف حاية بريطانيا وفرنسا‪ ,‬اللتي تعملن جاهدتي لقتل "الرجل الريض" والستيلء علي تركته!‪.‬‬

‫() كان جال الدين ‪-‬كما سيأت‪ -‬يدعو إل نزع اللفة من التراك وأن يتولها العرب‪ ,‬بينما كان يعلم بذكائه الفذ أن العرب أضعف من أن يتولوا شيئا ف ذلك الوقت! كما كان‬
‫‪3‬‬
‫يدعو للماسنوية وتأخي الديان!‪.‬‬
‫ال سلطان وتنقل ته‪ ،‬ول تق صر ف توف ية أخبار ما يدور ب ي ال سلطان والدول الورب ية من مفاوضات أو‬
‫مناوشات أو منازعات‪ .‬فأى شئ يريد السلم من صحيفته أكثر من ذلك؟‬
‫نعم‪ ،‬ولكن الذى يدقق ف المر يد من خلل ذلك‪ ،‬وإل جانب ذلك‪ ،‬أشياء أخرى تنم عن مقاصد‬
‫متلفة‪.‬‬
‫فال سلم يتدح ب ا ير ضى " عوا طف " ال سلمي‪ ،‬ن عم‪ ،‬ول كن ل يتحدث ع نه كنظام حياة وشري عة‬
‫ح كم‪ ،‬وحين ما تنا قش الشا كل القائ مة ف م صر‪ ،‬أو ف العال ال سلمى فل يقدم ل ا ال ل من شري عة‬
‫ال سلم ول ح ت من رو حه‪ ..‬إن ا تقدم اللول ‪ -‬ك ما سنرى ‪ -‬من التجر بة الورب ية و من " الضارة‬
‫الوربية "‪.‬‬
‫بل أكثر من ذلك‪..‬‬
‫إن هذا ال سلم الذى يتحدث ع نه ب ا ير ضى عوا طف الماه ي‪ ،‬دون أن يقدم للناس على أ نه نظام‬
‫حياة أو شريعـة تتوى على حلول مشاكلهـم‪ ..‬هذا السـلم ليـس حديثـا يوميـا يطالع القارئ لذه‬
‫الصحف فيظل على ذكر دائم عن دينه‪ ،‬ولو حت على مستوى العواطف والوجدانات‪ ..‬إنا هو الديث‬
‫" منا سبات " معي نة‪ ،‬يطلق علي ها "النا سبات الدين ية " فل ينح سر الد ين عن مفهو مه اليوى الشا مل‬
‫ـ وجدا نه بدح‬ ‫فحسـب‪ ،‬بـل ينح سر مرة أخرى إىل مناسـابات عارضـة ف حياة السـلم‪ ،‬يتم تع فيه ا‬
‫الرسول‪ e‬ومدح اللم‪ ،‬ث يبقى وجدانه خاويا حت من ذكر السلم بقية الشهور وبقية اليام‪.‬‬
‫وكم ما ملئ الفراغ النا جم من تفر يغ التار يخ ال سلمى من متواه ف الن هج الدنلو ب بذ كر أور با‬
‫وقوت ا‪ ،‬ونضت ها‪ ،‬وحضارت ا‪ ،‬وأ صالتها‪ ،‬وعظمت ها‪ ..‬فكذلك تل ال صحف الفراغ النا جم من تفر يغ‬
‫السلم من متواه القيقى‪ ،‬والفراغ الناجم من عدم ذكر السلم إل ف " الناسبات الدينية " فحسب‪..‬‬
‫تل الصحف هذا الفراغ وذاك بذكر أوربا‪.‬‬
‫فهناك ذكر يومى دائم لوربا ف باب الخبار‪ ،‬وحديث دائم عن أوربا ف كل مناسبة من الناسبات‪.‬‬
‫فأما الخبار فقد يبدو ذكر أوربا فيها أمرا طبيعيا وبديهيا‪ ..‬ليس فقط لن مهمة الصحف أن تطلع‬
‫قارئها على أخبا العال الذى يعيش فيه‪ ،‬وليس فقط لن أوربا ف تلك الفترة كانت مركز نشاط دائب‬
‫ل يف تر ف ج يع التاهات‪ ،‬بل لن القي قة الواق عة ‪ -‬رضي نا أم أبي نا ‪ -‬أن أور با كا نت ت سك بيد ها‬
‫يومئذ أزمـة المور‪ ،‬وتقرر للعال مـا يقوله ومـا يفعله‪ ،‬بكـم غلبتهـا العسـكرية والسـياسية والعلميـة‬
‫والضارية‪.‬‬
‫ومع ذلك فإن الصحيفة السلمية ف الوطن السلم يكون لا طريقة ف تقدي الخبار تشعر قارئها أنه‬
‫م سلم ‪ -‬ولو كان مغلو با على أمره ‪ -‬وتشعره أ نه له نظرة إل المور متميزة عن نظرة غيه إل المور‬
‫ذات ا‪ .‬ف هو قد يغ ضب لمور قد ير ضى ب ا غيه‪ .‬و قد يفرح بأمور يأ سف ل ا غيه‪ .‬و قد يأ سى لمور‬
‫يرضى با غيه‪ ..‬وقد يشارك غيه ولكن من موقفه الاص التميز ( )‪..‬‬
‫‪1‬‬

‫ومع ذلك فإذا أغضينا عن الخبار وطريقة تقديها‪ ،‬ل نستطيع أن نغضى عن الذكر الدائم لوربا ف‬
‫تلك الصحافة‪ ،‬فإنه ‪ -‬فيها ‪ -‬بيت القصيد‬
‫إن أوربا ل تذكر ف هذه الصحافة بجمها القيقى ‪ -‬وهو يومئذ ف ذاته كبي ‪ -‬ولكن يزاد عليها‬
‫ويضاف إليها حت يلقى ف روع القارئ أن أوربا هى العال‪ ،‬وأل وجود لشئ غي أوربا ف هذا الوجود‪.‬‬
‫وحقيقة أن أوربا كانت يومئذ غالبة ومسيطرة‪ ..‬ولكنها كانت مسيطرة على عوج عظيم ف منهج‬
‫حياتا كله‪.‬‬
‫ف هل كا نت تلك ال صحافة تك تب عن بشا عة ال ستعمار وبشا عة الرائم ال ت يرتكب ها ضد البلد‬
‫الحتلة ومعظمها بلد إسلمية؟‬
‫وهل كانت تكتب عن الدوافع الصليبية للستعمار ف البلد السلمية‪ ،‬من وراء " الصال القتصادية‬
‫والصال السياسية‪ ،‬وما شابها من الصال؟‬
‫وهل كانت تكتب عن الغزو الفكرى وأهدافه الفية الت يراد منها صرف المة عن دينها؟ ( ‪)2‬‬
‫وهل كانت تكتب عن الفساد اللقى ف أوربا‪ ،‬وما يره على الناس من آثار سيئة ف حياتم؟‬
‫وهل كانت تك تب عن الر با‪ ،‬وك يف يدث الظلم القت صادى والجتما عى من إجارة الال بطريق‬
‫الربا؟ ( ‪)3‬‬
‫وهل كانت تكتب عن الؤامرة الوربية ‪ -‬الصليبية اليهودية ‪ -‬للقضاء على اللفة العثمانية؟‬
‫إن الصحيفة السلمية ف الوطن السلم ل تكن لتغفل القيقة الواقعة أو تتجاهلها‪ ،‬ل تكن لتغفل أن‬
‫أوربا هى التحكمة ف شئون العال‪ ،‬وأنا هى القوة التمكنة ف كل اتاه‪ ،‬سواء ف الجال السياسى أو‬
‫القت صادى أو الر ب أو العل مى أو التكنولو جى‪ .‬ولكن ها ‪ -‬ح ي تكون إ سلمية ‪ -‬ل بد أول أن ت قل‬

‫() يتاج هذا الوضوع إل تفصيل واف عن "العلم السلمي" لعل ال يوفق كاتبا متحصصا ليكتب فيه من منطلق إسلمي واضح‪ ,‬ليبي للناس أن العلم السلمي ليس "وعظا"‬
‫‪1‬‬
‫وإنا تناول لميع شئون الياة من زاوية النظر السلمي ومن الوقف السلمي‪.‬‬

‫() ل يكن ذلك مكنا بطبيعة الال وهذه الصحافة ذاتا جزء من الغزو والفكري‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() كانت تكتب عن الربا لتطلبب إباحته علي أنه ضرورة اقتصادية"!‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫مو قف النا قد من انرافات أور با ح يث تو جد انرافات‪ ..‬و هو موجودة بوفرة ف الياة الورب ية ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫ولبد ثانيا أن تنهض هم السلمي ليتداركوا تلفهم‪ ،‬ليستردوا ما فقدوه من التمكن ف الرض مرشدة‬
‫لم إل الطريق السوى لتدارك التخلف‪ ،‬وهو أن يأخذوا من أوربا ما هم ف حاجة إليه من تقدم علمى‬
‫ومادى‪ ،‬مع الحاف ظة على دين هم وأخلق هم وتقاليد هم‪ ،‬وعدم الذوبان ف أور با‪ ،‬وعدم تقليد ها في ما‬
‫يالف عقيدة السلم وشريعته وروحه‪.‬‬
‫وهذا هو مفرق الطريق بي الصحافة السلمية والصحافة غي السلمية‪.‬‬
‫وقـد يقول قائل‪ :‬وأيـن كان السـلمون؟ ولاذا ل يصـدروا صحفاتم التـ تعـب عـن موقفهـم وتدم‬
‫وجودهم ومصالهم؟‬
‫ونقول إن ال سلمي كانوا غائب ي عن وعي هم ول شك‪ ،‬ف غمرة النبهار ال ت نشأت عن التخلف‬
‫العقدى الذى كانوا واقعي فيه‪ ،‬والذى أدى ف حياتم إل كل ألوان التخلف الخرى‪ ،‬العلمى والادى‬
‫والضارى والفكرى والرب والقتصادى والسياسى‪ ..‬ولكننا نريد أن نبز فقط حقيقة تلك الصحافة‬
‫الت أقامها السيحيون اللبنانيون الارونيون ف مصر‪ ،‬وحقيقة الدور الذى قامت به‪ ..‬ففضل عن علمة‬
‫الستفهام الت تيط بم‪ :‬لاذا جاءوا إل مصر بالذات ليعملوا فيها وينشئوا با دورهم الصحفية دون أى‬
‫بلد آخر؟ فهناك موقفها الاص من كل هذه القضايا الت أشرنا إليها‪ .‬فإنه إذا استحال عليها أن تقف‬
‫الو قف ال سلمى ‪ -‬و هى م سيحية ‪ -‬ف هى ل ت قف كذلك الو قف " الحا يد " الذى يعرض ال سنات‬
‫والسـيئات‪ ،‬إناـ وقفـت موقـف الدافـع السـتميت عمـا يسـمى " الضارة الوربيـة " بلك سـقطاتا‬
‫وانرافاتا‪ ،‬كما وقفت موقف الحرض للمسلمي ف مصر أن يقتفوا أثر أوربا ف كل شئ‪ ،‬وأن يلوا‬
‫مشاكلهم على النسق الورب‪ ،‬وأن ينظروا إل المور كلها ل بعينهم هم‪ ،‬ولكن بعي أوربا‪ ..‬‬
‫وإليك مثل واحد يبز العن الذى نقصد إليه‪..‬‬
‫لقد أدت الثورة الصناعية ف أوربا إل تطيم السرة‪ ،‬وإفساد الخلق وانتشار البغاء ( )‪..‬‬
‫‪2‬‬

‫وبصرف النظر عن كل شئ (‪ ،)3‬فتلك مشكلة أوربية بتة‪ ،‬نشأت من ظروف ملية هناك‪..‬‬
‫ما شأن السلمي با؟!‬

‫() انظر إن شئت "جاهلية القرن العشرين"‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫() تدثت ف كتاب "مذاهب فكرية معاصرة" عن الثورة الصناعية وما أدت إليه من فساد‪ ,‬وأن هذا ل يكن من طبيعة التقدم الصناعي ف ذاته‪ ,‬ول يكن ضربه لزب‪ ,‬إنا ت بتخطيط‬
‫‪2‬‬
‫يهودي خبيث‪.‬‬

‫() أي بصرف النظر عن دور اليهود ف هذا الشأن‪ ,‬وعن الثار النفسية والجتماعية الت ترتبت علي هذا الفساد اللقي‪...‬‬ ‫‪3‬‬
‫لاذا يشغلون با؟!‬
‫وإن انشغلوا با فمن أي زاوية ينظرون إليها؟ أمن زاوية أنه فساد أخلقي أصاب أوربا حي تنكرت‬
‫للدين والخلق والتقاليد‪ ،‬أم من زاوية أنه (ضرورة)؟! ضرورة اجتماعية ف الياة الضارية الصناعية؟!‬
‫هذا مفرق الطريق ة!‬
‫لقد ظلت الصحافة " الصرية!" اللبنانية السيحية الارونية‪ ..‬تتحدث عن البغاء‪ ،‬وعن كونه " ضرورة‬
‫اجتماعية " ف العال " التحضر!" عشرات السني قبل أن تكون ف العال السلمي كله مشكلة تدعو إل‬
‫وجوده ول إل الدث عنه!‬
‫لاذا؟!‬
‫ألجرد " تسلية " القارئ الصري؟!‬
‫وهل هذه القذارة النفسية والخلقية والجتماعية تصلح مادة للتسلية؟!‬
‫كل! ل ي كن الق صد هو الت سلية! إن ا كان الق صد تيئة الذهان لليوم الذي يراد ف يه ن شر البغاء ف‬
‫الجتمع السلمي الصري‪ ،‬وجعله جزءا من كيان الجتمع‪ ،‬ترسه " الدولة!" بقوانينها وتسهر عليه!!‬
‫كان الراد هو تذويب " ال س " السلمي الذي ين فر من الفاحشة و من التعالن ب ا‪ ،‬ب عد أن نيت‬
‫"الشريعة " الت تنع البغاء وتعاقب عليه‪ ،‬حت إذا جاء اليوم النشود وقد جاء ل تكن النفوس نافرة ول‬
‫القلوب منكرة‪ ،‬إن ا كان هناك تق بل م سبق " للضرورة الجتماع ية " ال ت تن شأ من " الضارة " وكان‬
‫العارضون لمار سة هذه " الضرورة " هم " التزمت ي " " الامد ين " " التحجر ين" الذ ين ل يريدون أن‬
‫يسايروا " ركب الضارة ول روح " التطور السارية ف العال كله!‬
‫وذلك مرد نوذج يكـن أن تقاس عليـه كـل " القضايـا التقدميـة " الخري‪،‬كالختلط‪ ،‬والعلقات‬
‫الرة‪ " ،‬وقضية الرأة " ودور الدين ف الياة " العصرية " " العلمانية " إل‪ ..‬إل وكيف كانت الصحابة‬
‫" الصرية " تتناولا وكيف كانت بكل خطتها جزاءا من الغزو الفكري الصليب القصود‬
‫ل قد أدت هذه ال صحافة دور خطيا ف حياة ال سلمي ف م صر علي خط ي رئي سيي‪ :‬تقل يص دور‬
‫السلم‪ ،‬ول العناق ليا إل أوربا بيث تصبح تدرييا هي الوجهة الت يتجه السلمون إليها بدل من‬
‫السلم‪ ،‬والت يتوسون فيها طرق اللص من حاضرهم السيئ الذي يعيشونه‪ ،‬ويتطلعون من خللا إل‬
‫مستقبل سعيد باسم يلحقهم بركب الضارة‪ ،‬ويدفع عنهم وصمة التأخر والنطاط‪.‬‬
‫يذكرنا هذا با قلناه عن رفاعة رافع الطهطاوي‬
‫ولقد رفضت دعاوي رفاعة الطهطاوي يومئذ لنه فاجأ با قوما غي مستعدين لتقبلها ولكنها هي‬
‫بذافيها وأكثر منها ستصبح منذ اليوم مقبولة‪ ،‬لن الصحابة علي الط البطئ الكيد الفعول قد مهدت‬
‫لاـ الذهان والقلوب‪ ،‬فإذا جاءت الن وقـد جاءت بالفعـل وجدت الناس أكثـر اسـتعداد لتقبلهـا‪ ،‬بـل‬
‫وجدت بعضهم متلهفي إليها‪ ،‬يستبطئون قدومها ويستعجلون خطاها!‬
‫ولقد يقول قائل‪ :‬أول تكن المور صائرة إل هذا الصي بكم جيع الظروف الحيطة بالسلمي؟‬
‫فليس دور تلك الصحابة إذن إل مواكبة ما كان حادثا بالفعل من " تطور " ف أفكار الناس ومشاعرهم‪،‬‬
‫ما كان لبد ان يدث ف جيع الحوال؟‬
‫ونتوقف ف الجابة عند نقطتي‬
‫أما أن المور كانت صائرة من تلقاء نفسها إل هذا الصي‪ ،‬فأمر قد نرجحه بكم الظروف الت‬
‫كانت تيط بالسلمي يومئذ ولكنا ل نقطع به فالذي حدث ف الزيرة العربية من إنطلق ممد بن عبد‬
‫الوهاب بركته القوية لتصحيح العقدية وإزالة منا شابا من الغبش‪ ،‬يدلنا علي أن الطريق الذي سارت‬
‫فيه المور ف مصر ل يكن حتميا‪ ،‬إنان كان يكن أن يدث ف مصر ما حدث ف الزيرة العربية من‬
‫ماولة لتصحيح أحوال المة بإزالة " التخلف العقدي " الذي نشأت عنه كل ألوان التخلف الخري من‬
‫علم يه وماد ية وحضار ية وعك سرية‪ .‬إل ول كن ال و الذي أحدث ته تلك ال صحافة ( مع و سائل العلم‬
‫الخري بل شك) قد جعل قيام مثل هذه الركة ف مصر ف ذلك الوقت احتمال ضئيل جدا‪ ،‬وجعل‬
‫الحتمال القوي هو السي ف الطريق الذي سارت فيه بالفعل‬
‫وأمـا النقطـة الخري فهـي ان هذه الصـحافة ل تكـن مواكبـة‪ ،‬ولكنهـا كانـت رائدة! ل تكـن‬
‫تتحدث عن أشياء قائ مة بالف عل ف نفوس الناس‪ ،‬بل عن أشياء يراد أن تقوم ف نفو سهم! والثال الذي‬
‫ضربناه بقض ية البغاء وا ضح‪ ،‬ف قد كا نت هذه ال صحافة تدأب علي إدخال الفكار الغرب ية اللدين ية إل‬
‫الجتمع السلمي ولو ل يكن متقبل لا ـ أو مشغول با من قبل‪.‬‬
‫ولو فرضنـا جدل أن وضـع الغالب والغلوب هـو الذي سـيحسم القضيـة‪ ،‬سـواء أقامـت تلك‬
‫ال صحافة بدور ها أم ل ت قم (‪ )1‬فم ما ل شك ف يه ان دور ال صحافة كان هو ال سراع ف تعب يد الغلوب‬
‫للغالب ال صليب‪ ،‬ومدة ف ال غي‪ ،‬وإبعاد صحوته إل ما ينب غي أن يكون عل يه‪ ،‬ومن عه من الرجوع إل‬
‫السلم لو أراد أن يرجع إليه‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫() بينا من قبل أن ما يشبه السنّة من ذوبان الغلوب ف الغالب عن طريق التقليد ل ينطبق علي أمة العقيدة‪ .‬فإذا قلنا إن العقيدة كانت قد ضعفت ف قلوب هذه المة‪ ,‬ومن هنا كان‬ ‫‪1‬‬
‫الذوبان سيحدث بصورة حتمية‪ ,‬نقول إن الضعف غي الفناء‪ ,‬إنا الذي سعت إليه تلك الصحافة الصليبية وكادت تنجح فيه هو الفناء‪ ...‬وهذا هو دورها القيقي!‪.‬‬
‫وتدريا علي مهل شديد بدأت تلك الصحافة تاجم السلم!‬
‫هل كان يتصور أن تاجم السلم يومئذ باسه الصريح؟‬
‫كل! قالبقية الباقية من الدين ف قلب هذه المة ف ذلك الي كانت تنع حدوث ذلك‪ ،‬ولو حدث‬
‫لثارت الماهي علي هذه الصحف وهدمتها علي رءوس أصحابا‪.‬‬
‫إنا تاجم التقاليد!‬
‫التقاليد البالية!‬
‫وإذا سألنا أنفسها ما تلك التقاليد البالية الت تاجم؟ لو جدنا أن معظمها كان هو السلم!‬
‫حقي قة كان من ب ي تلك التقال يد ال ت تا جم تقال يد جاهل ية ارتدت إلي ها ال مة ال سلمية ف فترة‬
‫التخلف العقدي‪ ،‬كالتقاليد الت منعت تعليم الرأة‪ ،‬والت قضت بإساءة معاملتها وتقيها ـ علي أساس‬
‫أن مهمتها أن تمل وتلد ولكن ليس لا كيان إنسان يوجب الحترام‪ ،‬وهي ردة جاهلية ف هذا الجال‬
‫كانت المة قد هبطت إليها نتيجة البعد عن النهج الربان القوي ن الذي ساوي ف النسانية بي كيان‬
‫الرأة وكيان الر جل‪ ،‬وإن فرق بينه ما ف ب عض التكال يف وب عض القوق وب عض الواجبات‪ .‬ح يث قال‬
‫ضكُ ْم مِ ْن َبعْ ضٍ}‬
‫سبحانه‪{ :‬فَا ْستَجَابَ َلهُ مْ َرّبهُ مْ َأنّ ي ل أُضِي ُع عَمَ َل عَامِ ٍل ِمْنكُ ْم مِ نْ ذَكَرٍ َأوْ ُأنْثَى َب ْع ُ‬
‫[سورة آل ‪]3/195‬‬
‫حِييَنّهُ َحيَا ًة َطيَّب ًة وََلنَجْ ِزَيّنهُمْ أَ ْج َرهُ ْم ِبأَحْسَنِ‬
‫وقال‪{ :‬مَ ْن عَمِلَ صَالِحا مِنْ ذَ َكرٍ َأوْ أُنثَى َوهُ َو ُم ْؤمِ نٌ َفَلنُ ْ‬
‫مَا كَانُوا َيعْمَلُونَ (‪[ })97‬سورة النحل ‪]16/97‬‬
‫وقال‪َ { :‬وعَاشِرُوهُ ّن بِالْ َمعْرُوفِ} [سورة النساء ‪]4/19‬‬
‫وقال‪" :e‬خيكم خيكم لهله‪ ،‬وأنا خيكم لهلي" (‪.)1‬‬
‫لقد كانت تلك التقاليد غي السلمية هي الدخل البيث الذي دخلته الصحافة لهاجة " التقاليد‬
‫البالية " بجة أنا ليست من السلم‪ ،‬إنا هي من صنع التزمتي من الرجال الذين أضفوا عليها قدسية‬
‫الدين ليحموا من ورائها أنانيته وتزمتهم وقد كان هذا حقا يراد به باطل فلم يكن القصد من مهاجتها‬
‫هو رد ها إل أ صلها ال سلمي ال صحيح‪ ،‬إن ا كان الق صد هو النفاذ من هذا الد خل ال بيث لهاج ة‬
‫التقاليد السلمية الصحيحة الصلية بجة أنا كلها " تقاليد بالية " ليست من السلم‬
‫فاحتقار الرأة‪ ،‬وتعييها بأنا تمل وتلد وليست مساوية ف الكيان النسان للرجل‪ ،‬وعدم تعليمها‪،‬‬
‫وتركها ف جهالة ومهانة‪ ..‬كل هذا ليس من السلم‪.‬‬

‫() أخرجه الترمذي وإسناده صحيح‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ولكن منع الختلط بغي موجب‪ ،‬ومنع التبج والفتنة‪ ،‬ومنع إقامة علقة " حرة " بي الرجل والرأة‬
‫إل العلقات الشرعية الت أذن ال با وحدها هذا كله من صميم السلم‪ ،‬قرره ال ورسوله‪ ،‬ول يقرره‬
‫التزمتون من " رجال الدين " (‪ )1‬ول قرره الرجل وأضفي عليه قداسة الدين ليحمي أنانيته وتزمته‪.‬‬
‫ول كن الذ ين كانوا يهاجون " التقال يد البال ية " ف ال صحافة ال صرية اللبنان ية ال سيحية ل يقفوا ع ند‬
‫التقاليد غي السلمية ول يسعوا إل تصحيحها بردها إل أصلها السلمي الصحيح‪ ،‬ذلك أن هدفهم ل‬
‫يكن تصحيح عقيدة هذه المة وتصحيح مسلكها بإرجاعه إل صورته السلمية إنا هدفهم القيقي هو‬
‫مو السلم موا وإزالته من الوجود‪.‬‬
‫وهذا هو مفرق الطريق‬
‫ل قد كان من شأن الداع ية ال سلم أن يها جم تلك التقال يد الاهل ية ال ت ارتدت إلي ها ال مة ف فترة‬
‫التخلف العقدي‪ ،‬ويندد با‪ ،‬ويدعو إل إبطالا وإزالتها‪ ،‬ولكن لساب السلم‪ ،‬لساب النهج الربان‬
‫الصحيح‪.‬‬
‫وكان من شأن الداعية السلم والصلح السلم ف ذات الوقت أن يرسخ التقاليد السلمية الصحيحة‬
‫فيدعو إل الحافظة علي الجاب السلمي‪ ،‬ومنع التبج‪ ،‬ومنع الختلط ومنع التفسخ اللقي‪.‬‬
‫ولكـن الذي صـنعته تلك الصـحافة وكتاباـ كان هـو الهاجةـ الشاملة لكـل التقاليـد‪ ،‬صـحيحها‬
‫وفاسدها‪ ،‬والتقاليد الت تنع تعليم الرأة‪ ،‬والتقاليد الت تنعها من " مشاركة الرجل ف كل أمور الجتمع‬
‫"‬
‫ولقد كانت " قضية الرأة " من أكب الوضوعات الت خاضتها تلك الصحافة وكتابا‪ ،‬ومن أبعدها‬
‫أثرا ف تويل الجتمع إل الواجهة الت يريدها الخططون الصليبيون‪.‬‬
‫و من كان ف شك من التخط يط ال صليب وراء إثارة " قض ية الرأة " فليقرأ قرارات الؤت ر التبشيي‬
‫الذي عقد ف لكنو سنة ‪ ،1913‬والذي كان كغيه من مؤترات البشرين يطط علنية لدم السلم‬
‫وماولة موه من الوجود‪ ،‬حيث جاء ف قرارات ذلك الؤتر‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫(سابعا‪ :‬الرتقاء الجتماعي والنفسي بي النساء السلمات)‬
‫وذلك عن طريق " تعليمها " وتريرها "‬

‫() ليس ف السلم "رجال دين"‪ ,‬كما قلنا ف أكثر من موضع وف أكثر من كتاب‪ .‬ولكن هكذا يعب أعداء السلم‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫() الغارة علي العال السلمي‪ ,‬ترجة مب الدين الطيب‪ ,‬ص ‪ .147‬وهذا الؤتر مرد واحد من مئات الؤترات الت تعقد لذا الشأن وتقرر مثل هذه القرارات‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫فكما كانت تربة اليهود الول ف أوربا (‪ )1‬كذلك كانت تربة الصليبيي فيمصر (وغيها من بلد‬
‫العال) أنه مهما حاولوا إفساد الجتمع عن طريق إفساد الرجل وحده فإنه ف النهاية ل يفسد أو ل يفسد‬
‫بالدرجة الت يرغبونا‪ ،‬ول بالسرعة الت يرغبونا ذلك أنه طالا كانت هناك أم متدينة ولو كانت جاهلة‬
‫بالقراءة والكتابة والعلوم فإنا تبذر ف أبنائها بذور العقيدة وهم بعد أطفال فمهما فسدوا ف شبابم فإنم‬
‫يعودون إل ما لقنتهم إياه أمهم ف طفولتهم فل يدث الفساد الطلوب‪ ،‬وأنه لبد من إفساد الم لضمان‬
‫إفساد الجتمع‪ ..‬لبد من إفسادها وهي فتاة قبل أن تصبح أما ن حت إذا أصبحت أما ف يوم من اليام‬
‫ل تكن لديها العقدية الت بتذرها ف قلوب أبنائها‪ ،‬ول الخلق الدينية الت تطبع با سلوكهم وهم ف‬
‫سن التكوين‪.‬‬
‫فكيف يفسدون الم السلمة والفتاة السلمة؟‬
‫إذا كانت قابعة ف بيتها فمن أين يصلون إليها؟ وإذا كانت جاهلة فمن أين يوصلون إليها الفكار‬
‫الت يلوثون با عقلها ويفسدون با عقيدتا وأخلقها؟‬
‫لبد إذن من (تريرها)و(تعليمها) لكي يصل إليها كيد الشياطي‬
‫ولقد كان تعليمها واجبا إسلميا‪ ،‬بل فريضة إسلمية نكلت عنها المة السلمة ولكن أي نوع من‬
‫التعليم؟‬
‫أما " تريرها" علي الطريق الت ت با ذلك التحرير‪ ..‬بعن إخراجها من دينها وأخلقها وتقاليدها‪..‬‬
‫فقد كان هذا هو بيت القصيد‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫" جـ" قضية ترير الرأة‬


‫" بطل " هذه القصة هو قاسم أمي‬
‫شاب ن شأ ف أ سرة ترك ية م صرية أي ماف ظة ف يه ذكاء غ ي عادي ح صل علي لي سانس القوق‬
‫الفرنسية من القاهرة وهو ف سن العشرين بينما كان هناك ف عصره من يصل علي الشهادة البتدائية‬
‫ف سن الامسة والعشرين‬
‫و من هناك التق طة الذ ين يبحثون عن الكفاءات النادرة والعبقريات الفذة ليف سدوها‪ ،‬ويف سدوا ال مة‬
‫من ورائها ألتقطوه وابتعثوه إل فرنسا‪ ..‬لمر يراد‪.‬‬
‫أطلع قبل ذهابه إل فرنسا علي رسالة لستشرق يتهم السلم باحتقار الرأة وعدم العتراف بكيانا‬
‫() راجع إن شئت فصل "دور اليهود ف إفساد أوربا" من كتاب "مذاهب فكرية معاصرة"‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫النسان وغلي الدم ف عروقه‪ ،‬كما يصف ف مذكراته وقرر أن يرد علي هذا الستشرق ويفند إفتراءاته‬
‫علي السلم‪.‬‬
‫ولكن عاد بوجه غي الذي ذهب به‬
‫لقد أثرت رحلته إل فرنسا ف هذه السن الباكرة تأثيا بالغا ف كيانه كله‪ ،‬فعاد إل مصر بفكر جديد‬
‫وعقل جديد ووجه جديدة‪.‬‬
‫عاد يد عو إل " تعل يم الرأة وترير ها " علي ذات الن هج الذي وض عه البشرون و هم يططون لدم‬
‫السلم‬
‫يقول ف مذكرا ته إ نه إلت قي هناك بفتاة فرن سية أ صبحت" صديقة " حي مة ل و إ نه ن شأ بي نه وبين ها‬
‫علقـة عاطفيـة عميقـة‪ ،‬ولكنهـا " بريئة " وإناـ كانـت تصـحبه إل بيوت السـر الفرنسـية والنوادي‬
‫(‪)1‬‬
‫والصالونات الفرنسية فتفتح ف وجه البيوت والنوادي والصالونات ويكون فيها موضع الترحيب‪...‬‬
‫وسواء كان هو الذي " التقي با " أم كانت موضوعية ف طريقة عمدا ليلتقي با‪ ،‬فقد لعبت هذه‬
‫الفتاة بعقله ك ما لع بت بقل به‪ ،‬وغيت مري حيا ته‪ ،‬وجعل ته صالا لل عب الدور الطلوب‪ ،‬الذي قررت‬
‫مؤترات التبشي أنه لبد منه لدم السلم‬
‫ون ن ن يل إل ت صديقه ف قوله إن العل قة بي نه وبين ها كا نت " بريئة " ل بالع ن ال سلمي للباءة‬
‫بطبي عة الال‪ ،‬ول كن بع ن عدم و صول هذه العل قة إل در جة الفاح شة فإن ا علي هذه ال صورة تكون‬
‫أقدر علي تغيي أفكاره من العلقة البتذلة الت تؤدي إل الفاحشة‪،‬لن الفتاة ستكون حينئذ ساقطة حسة‬
‫غي جديرة بالحترام‪ ،‬وغي جديرة بأن تكون مصدر " إلام "‬
‫و سواء كا نت الفتاة قد " مثلت " الدور بإتقان‪ ،‬لت ظل العل قة بي نه وبين ها " روح ية " و " فكر ية "‬
‫لتستطيع التأثي عليه‪ ،‬أم كانت تربيته الحافظة ف السرة النحدرة من أصل تركي هي الت وقفت بذه‬
‫العلقة عند الد الذي يصفها بالباءة فالنتيجة النهائية كانت انقلبا كامل ف كل كيانه‬
‫ولنحاول أن نتصور كيف حدث التغيي ‪..‬‬
‫هذا شاب عبقري‪ ،‬ن عم‪ ،‬ولك نه قادم من بلد متلة ن تتل ها إحدي الدول الوروب ية و هو قادم إل‬
‫أورو با تلك ال ت يتحدث قو مه عن ها بانبهار الاخوذ‪ ،‬وت ثل ف ح سهم العملق الض خم الذي يتضاءل‬
‫الشرق أما مه وينوي‪ ،‬فن ستطيع عندئذ أن نتو قع أ نه قادم إل أورو با و هو منخ نس دا خل نف سه‪ ،‬ي س‬
‫بالضآلة والقزامة ن ويتوجس أن يزدري ف بلد العمالية لنه قزم قادم من بلد القزام‪ ،‬وأقصي ما يتمناه‬

‫() راجع "مذكرات قاسم أمي"‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫قلبه أن يد الطمأنينة النفسية والعقلية ف تلك البلد الغربية الت ل يكاد يستوعبها اليال‬
‫وبين ما هو كذلك منك مش متو جس – إذا هذه الفتاة تبز له ف الطر يق فتؤ نس وحش ته بادئ ذي‬
‫بدء‪ ،‬فيزول عنه انكماشه وتوجسه‪ ،‬ويذهب عنه توتر اعصابه ويشعر بالطمأنينة ف الهجر‬
‫ث إن هذه الفتاة تبادله عواطفه – كما قص ف مذكراته – فيشعر فوق الطمأنينة بالساعدة والغبطة‬
‫ويزداد اسـتقرار نفسـه فل يعود يشعـر بالغربـة النفسـية الداخليـة‪ ،‬وإن بقيـت الغربـة بالنسـبة للمجتمـع‬
‫الارجية الذي ل يتك به بعد‬
‫غ ي أن الفتاة تنت قل م عه – فتنقله – خطوة أخري‪ ..‬ف هي ت صحبه إل ال سر الفرن سية فتف تح له تلك‬
‫السر أبوابا وترحب به‪ ،‬وتصحبه إل النوادي والصالونات فترحب به كذلك وهنا تزول الغربة نائيا‪،‬‬
‫سواء بالنسبة لشاعره الاصة أو بالنسبة للمجتمع الارجي‪ ،‬وينطلق ف الجتمع الديد واثقا من خطواته‬
‫كيف تصي المور الن ف نفسه؟‬
‫كيف ينظر إل العلقة بينه وبي هذه الفتاة؟‬
‫وكيف ينظر إل التقاليد الت ت عن طريقها كل ما ت ف نفسه من تغيي‬
‫علقة " بريئة " أي ل تصل إل الفاحشة نت من خللا نفسه نوا هائل‪ ،‬فخرجت من انكماشها‬
‫وعزلتها‪ ،‬واكتسبت إيابية وفاعلية‪ ،‬مع نو ف الثقافة وسعة ف الفق‪ ،‬ونشاط وحيوية‬
‫ما عيب هذه التقاليد إذن؟ وما الانع أن تكون تقاليدنا نن علي هذا النحو " البئ "‬
‫هناك بل شك – مهما احسنا الظن مموعة من الغالطات ف هذا النطق‪.‬‬
‫الغال طة الول‪ :‬هي دعواه " بباءة " هذه العل قة علي اعتبار خلو ها من الفاح شة البي نة فح ت لو‬
‫صدقناه ونن أميل إل تصديقه كما قلنا فهي ليست " بريئة " ف اليزان السلمي ال يقيس به السلم‬
‫أمور حياته كلها فهي تشتمل علي " خولة " مرمة ف ذاتا سواء أدت إل الفاحشة أم ل تؤد إليها وهي‬
‫مرمة ف دين ال لكمة واضحة‪ ،‬لنا تؤدي ف النهاية إل الفاحشة‪ ،‬إن ل يكن ف أول مرة ول حت ف‬
‫أول جيل فإنه ما من مرة أباحت البشرية لنفسها هذه اللوة إل وصلت إل الفاحشة ف ناية الطاف ل‬
‫تشذ عن ذلك أمة ف التاريخ‬
‫والغالطة الثانية‪ :‬هي تاهله ما هو واقع بالفعل ف الجتمع الفرنسي من آثار مثل هذه العلقة‪ ،‬وقد‬
‫علم يقي نا بل شك أن ذلك الجت مع ي عج بألوان من العلقات الخري " غ ي البيئة " وي سمح ب ا بل‬
‫رادع " فلم يكن ذلك سرا مفيا عن أحد من يعيش ف ذلك الجتمع‪ ،‬سواء من أهله أو من الوافدين‬
‫عليه فحت لو صدقناه ف أن علقته هو الاصة ل تصل إل ما يصل إليه مثلها ف ذلك الجتمع لظروف‬
‫خاصة مانعة ف نفسه أو ف نفسها فليس ذلك حجة لباحة تلك العلقات‪ ،‬أو الدعوة إل مثلها نه وهو‬
‫يري بنفسه نتائجها الواقعية حي يبيحها الجتمع‬
‫والغالطة الثالثة‪ :‬هي زعمه ف كتابه الول " تريرا الرأة" أن هذا التحرير لن ينتج عنه إل الي ولن‬
‫تن شأ ع نه العلقات الدن سة ال ت رآ ها بعي نه ف الجت مع الفرن سي إن ا سينشأ ع نه تقو ية أوا صر الجت مع‬
‫وربطها برباط متي! (‪.)1‬‬
‫وأيا كان المر فقد عاد قاسم أمي من فرنسا داعيا لتحرير الرأة داعيا إل السفور ونزع الجاب‬
‫نفس الدعوة الت دعا با رفاعة الطهطاوي من قبل عند عودته من فرنسا مع فارق رئيسي‪ ..‬ل ف‬
‫الدعوة ذات ا‪ ،‬ول كن ف الدعو ين فإن أك ثر من ن صف قرن من الغزو الفكري ال ستمر كا نت قد فعلت‬
‫فعلهـا فـ نفوس الناس‪ ،‬فلم تقابـل دعوة قاسـم أميـ بالسـتنكار البات الذي قوبلت بـه دعوة رفاعـة‬
‫الطهطاوي‪ ،‬ول توءد ف مهدها كما وئدت الدعوي الخري من قبل‬
‫و مع ذلك فلم ي كن ال مر سهل ف قد أثار كتاب "تر ير الرأة " معار ضة عني فة جعلت قا سم أم ي‬
‫ينوي ف بيته خوفا أو يأسا‪ ،‬ويعزم علي نفض يده من الوضوع كله‪.‬‬
‫ولكن سعد زغلول شجعه وقال له‪ :‬أمض ف طريقك وسوف أحيك!‬
‫عندئذ قرر أن يعود‪ ،‬وأن يسفر عن وجهه تاما فلئن كان ف الكتاب الول قد تحكم ف السلم‪،‬‬
‫وقال إنه يريد للمرأة السلمة ما أعطاها السلم من حقوق وف مقدمتها التعليم فقد أسقط السلم ف‬
‫كتابه الثان " الرأة الديدة " ول يعد يذكره إنا صار يعلن إن الرأة الصرية ينبغي أن تصنع كما صنعت‬
‫أخت ها الفرن سية‪ ،‬ل كي تتقدم وتتحرر‪ ،‬ويتقدم الجت مع كله ويتحرر! وهكذا سقط الا جز الم يز للمرأة‬
‫السلمة‪ ،‬وصارت هي الشركة أختي بل أفتراق!‬
‫بل وصل المر إل الدعوة إل السي ف ذات الطريق الذي سارت فيه الغربية من قبل‪ ،‬ولو أدي ذلك‬
‫إل الرور ف جيع الدوار‪ ،‬الت قطعتها وتقطعها النساء الغربيات وقد كان من بي تلك الدوار ما يعلمه‬
‫قاسم أمي ول شك من التبذل وانلل الخلق!‬
‫قال‪:‬‬
‫(‪ ..‬ولنري مانعا من السي ف تلك الطريق الت سبقتنا إليها المم الغربية لننا نشاهد أن الغربيي‬
‫يظهر تقدمهم ف الدنية يوما فيوما‪.‬‬
‫(وبالملة فإن نا ل ناب أن نقول بوجوب م نح ن سائنا حقوق هم ف حر ية الف كر والع مل ب عد تقو ية‬

‫() تنازل عن هذه الغالطة ف كتابه الثان "الرأة الديدة" كما سيجئ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫عقول ن بالترب ية ن ح ت لو كان من الح قق أن يررن ف ج يع الدوار ال ت قطعت ها وتقطع ها الن ساء‬
‫الغربيات) (‪.)1‬‬
‫وكان آخر ماقاله ف ليلة وفاته ماطبا ‪ -‬بالفرنسية ‪ -‬مموعة من الطلبة والطالبات الذين جاءوا من‬
‫روما ف زيارة لصر‪:‬‬
‫(أح يي هذه البع ثة العلم ية وأشكر ها علي زيارة نادي الدارس العال ية‪ ,‬أ حي من ها ب صفة خا صة ها تة‬
‫الفتيات اللوا ت تش من م صاعب ال سفر متنقلت من الغرب إل الشرق ح با ف ال ستزادة من العلوم‬
‫والعارف أحييهـن وقلبـ ملؤه السـرور حيـث أري نصـيبهم مـن العنايـة بتربيتهـن ل يقـل عـن نصـيب‬
‫رفقائهن‪ ،‬أحييهن ول شوق عظيم أن أشاهد ذلك اليوم الذي أري فيه حظ فتياتنا السلمات الصريات‬
‫كحظ هاته الفتيات السائحات من التربية والتعليم‪ .‬ذلك اليوم الذي نري فيه السلمات جالسات جنبا‬
‫إل جنب مع الشبيبة الصرية ف اجتماع أدب كاجتماع اليوم‪ ،‬فيشاركننا ف لذة الدبيات والعلوم الت‬
‫هن منها مرومات‪,‬فعسي أن تقق المال حت يرتقي فيتقي بن الشعب الصري) (‪.)2‬‬
‫‪m m m‬‬

‫والن وقد صار للمرأة " قضية " فل بد للقضية من تريك‬


‫وتبن القضية فريق من النسوة عليأسهن هدي شعراوي‪ ،‬وفريق من الرجال " الدافعي " عن حقوق‬
‫الرأة‪ ،‬وأصبح الق الول الذي تطالب به النسوة هو السفور‪ ..‬وصارت القضية الت يدور حولا الدل‬
‫هي السفور والجاب‪.‬‬
‫من أين جاءت القضية؟‬
‫حي قامت الركة النسوية ف أوربا كان للمرأة بالفعل قضية! قضية الساواة ف الجر مع الرجل‬
‫الذي يعمل معها ف نفس الصنع ونفس ساعات العمل‪ ،‬بينما تتقاضي هي نصف ما يتقاضاه الرجل من‬
‫الجرة (‪.)3‬‬
‫وح ي ات سعت القض ية هناك وتعددت مالت ا – تلقائ يا أو بتخط يط الشياط ي – ف قد كان مور ها‬
‫الول هو قضية الساواة مع الرجل ف الجر‪ ،‬وترجع إليه كلما طالبت أو طولب لا بق جديد حت‬
‫أصبحت القضية هناك ف النهاية هي قضية الساواة التامة مع الرجل ف كل شئ ومن بي " كل شئ" "‬

‫() سنتحدث ف فقرة تالية عن دور سعد زغللول ف حياة مصر الديثة‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫() اللل‪ ,‬أول يونيه ‪ ,1928‬ص ‪.949‬‬ ‫‪2‬‬
‫() تدثت عن هذه القضية وأطوارها التتابعة ف أوربا ف فصل "دور اليهود ف إفساد أوربا" ف كتاب "مذاهب فكرية معاصرة"‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫حق الفساد " الذي كان الرجل قد وصل أو وصل إليه فصار حق الفساد داخل بدوره ف قضية الرأة‬
‫ت ت عنوان " حق الرأة ف اختيار شر يك حيات ا " ف مبدأ ال مر‪ ،‬ث ت ت عنوان " حق الرأة ف إبداء‬
‫عواطفها " وأخيا تت عنوان " حق الرأة ف أن تب نفسها لن تشاء!!‬
‫أما ف مصر أو ف العال السلمي – فلم تكن للمرأة قضية خاصة إنا كانت القضية القيقية هي‬
‫إنراف هذا الجتمـع عـن حقيقـة السـلم‪ ،‬ماـ سـيناه " التخلف العقدي " ومـا نتـج عـن هذا التخلف‬
‫العقدي من تلف ف جيع مالت الياة‪ ،‬وما تقي الرأة وإهانتها وعدم إعطائها وضعها النسان الكري‬
‫إل مال من مالت الت وقع فيها التخلف عن الصورة القيقة للسلم‪ ،‬وعلجها – كعلج غيها من‬
‫الالت جعيا هو العودة إل تلك الصورة القيقية‪ ،‬والتخلي عن ذلك التخلف العيب؟‪.‬‬
‫تلك هي " القض ية " و هي لي ست " قض ية الرأة " ول " قض ية الر جل " إن ا قض ية ال مة ال سلمية‬
‫كلها‪ ،‬بميع رجالا ونسائها وأطفالا وحكها وعلمائها وكل فرد فيها‪ ،‬وتصصها بأنا " قضية الرأة "‬
‫فضل عن مانبته للنظرة " العلمية " الفاحصة‪ ،‬فإنه ل يعال القضية لنه يأخذ عرضا من أعراض الرض‬
‫فيجعله مر ضا قائ ما بذا ته‪ ،‬وياول عل جه فل يقدر لذا العلج أن ين جح‪ ،‬ل نه يتعا مي عن ال سباب‬
‫القيقة من ناحية‪ ،‬ويفتقر إل الشمول من ناحية أخري‪.‬‬
‫ولكن هل كان ف ذهن أحد أن يبحث القضية بثا جادا ملصا فاحصا دقيقا ليتعرف علي السباب‬
‫القيقة فيعالها؟‬
‫أم هل كان أحد من تناول القضية ف تام وعليه ليناقشها علمية موضوعية مبصرة‬
‫أم هل كان أحد من تناول القضية سيد نفسه لينظر إليها بنظرته الاصة ويري فيها ما يري بناظرة‬
‫الاص؟! أم كانوا كل هم من العب يد سواء عب يد شهوات م أو عب يد الغرب‪ ،‬الذ ين ي ساقون سوقا لتنف يذ‬
‫مططات أعدائهم وهم سادرون ف الغفلة‪ ،‬غارقون ف الضلل البعيد!‬
‫بل! لقد كانوا كل هم كذلك‪ ،‬رجال ونساء دعاة واتباعا مطط ي ومنفذين! وإذا كان ل بد للقضية‬
‫من موضوع فقد جعلت القضية فجأة وبل مقدمات حقيقية قضية الجاب والسفور!‬
‫لقد كانت القضية ف أوربا " منطقية" ف ظاهرها علي القل‪ ..‬أو ف بدايتها علي القل‬
‫فح ي تض طر الرأة إل العم يل لظروف ل يس ه نا مال ه نا مال تف صيلها (‪ -)1‬ث تع طي ن صف أ جر‬
‫الرجل الذي يقوم بنفس العمل‪ ،‬فطلب الساواة ف الجر قضية حقيقية من جهة‪ ،‬وجيهة كل الوجاهة‬
‫من ناحية أخري‬

‫() فصلت أسبابا عند الديث عن الثورة الصناعية وآثارها ف الياة الوربية‪ ,‬ف فصل "دور اليهود ف إفساد أوربا" من كتاب "مذاهب فكرية معاصرة"‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫أما قضية الجاب والسفور مكانا من النطق‪ ،‬وما مكانا من الق؟‬
‫ل يكـن " الرجـل " هـو الذي فرض الجاب علي الرأة‪ ،‬فترفـع الرأة فترتفـع الرأة قضيتهـا ضده‬
‫لتتخلص من " الظلم " الذي أوقعه عليها‪ ،‬كما كان وضع القضية ف أوروبا بي الرأة والرجل إنا فرض‬
‫الجاب علي الرأة هو ربا وخالقها (‪ ,)1‬الذي ل تلك إن كانت مؤمنة إن تادلة سبحانه فيما أمر به‪،‬‬
‫أو يكون لا الية ف المر‪:‬‬
‫خيَ َر ُة مِ نْ َأمْ ِرهِ ْم َومَ ْن َيعْصِ‬
‫{ َومَا كَانَ لِ ُم ْؤمِ ٍن وَل ُم ْؤ ِمَنةٍ إِذَا َقضَى اللّ ُه وَرَسُولُهُ َأمْرا أَنْ َيكُونَ َلهُ ْم الْ ِ‬
‫اللّ َه وَ َرسُولَهُ َفقَدْ ضَلّ ضَللً ُمبِينا (‪[ })36‬سورة الحزاب ‪]33/36‬‬
‫ث إن الجاب ف ذاته ل يشكل قضية‬
‫فقد فرض الجاب ف عهد سول ال‪ ،e‬ونفذ ف عهده‪ ،‬واستمر بعد ذلك ثلثة عشر قرنا متوالية‪..‬‬
‫وما من مسلم يؤمن بال ورسوله يقوم إن الرأة كانت ف عهد رسول ال‪ e‬مظلومة (‪ .)2‬فإذا وقع عليها‬
‫الظلم بعد ذلك‪ ،‬حي تلف السلمون عن عقيدتم الصحيحة ومقتضياتا‪ ،‬فلم يكن الجاب ‪ -‬بداهة ‪-‬‬
‫هو منبع الظلم ول سببه ول قرينه لنه كان قائما ف خي القرون علي الطلق‪ ،‬الت قام عنها رسول ال‬
‫‪ " e‬خيكم قرن‪ )3( " ....‬وكان قرين النظافة اللقية والروحية‪ ،‬وقرين الرفعة النسانية الت ل مثيل لا‬
‫ف تاريخ البشرية كله‪...‬‬
‫ولكن الطلوب هو نزع الجاب!‬
‫الطلوب هو السفور!‬
‫الطلوب هو التبج!‬
‫الطلوب هو ان ترج الرأة ف النهاية عارية ف الطريق!‬
‫ذلك ما تطل به مؤترات البشر ين‪ ،‬و ما يطل به ال صليبيون الذ ين يططون (‪ ،)4‬فلت كن القض ية إذن هي‬
‫قضية السفور والجاب‪ ،‬وليوصف الجاب بكل شر يكن أن يرد علي الذهن‪ ،‬وليوصف السفور بكل‬
‫خي يطر علي البال‬
‫ولتبدأ القضية من هنا‪ ..‬ولتنته حيث يريد الشياطي!‬

‫() أشرت ف هامشة سابقة إل هذه القيقة ردا علي الذين يادلون ف وقائع التاريخ‪ ,‬ويزعمون أن الجاب كان تقليدا عربيا صحراويا قائما قبل السلم‪ ...‬وذكرت قول عائشة‬ ‫‪1‬‬
‫رضضي ال عنها ف مدح نساء النصار "لا نزلت آية الجاب قدمت كل واحدة منهن إل ثوبا فاعتجرت به"‪.‬‬
‫() يقول ذلك اليوم مرتدون متبجحون من يملون أساء إسلمية‪ ,‬فينسبون الظلم إل ال ورسوله‪ ,‬وإل الدين الذذي نزل من عند ال‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫() سبق ذكره‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫() واليهود يططون معهم كما سيجئ‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪m m m‬‬

‫تلقفت " القضية " كما قلنا مموعة من النسوة فطالب بالسفور علي أنه " حق" للمرأة سلبها إياه‬
‫الجتمع‪ ،‬أو سلبها إياه الرجل النان التحجر التزمت الرجعي التعفن الفكار!‬
‫وكا نت " زعم يه " " النه ضة الن سوية " هدي " ها ن " شعراوي‪ ،‬ال ت اتذت من بيت ها " صالونا "‬
‫تقابل فيه الرجال سافرة ف غي وجود مرم (‪.)1‬‬
‫كا نت هدي شعراوي ب نت م مد با شا سلطان أ حد باشوات ذلك الع صر‪ ،‬و من ه نا ف هي " ها ن "‬
‫بالوراثة! سافرت إل فرنسا لتتعلم وسافرت مجبة ولكنها حي عادة كانت سافرة وكان أبوها يستقبلها‬
‫ف ميناء ال سكندرية وم عه ممو عة من أ صدقائه‪ ،‬فل ما نزلت من الباخرة سافرة أح ر وج هه خجل‬
‫وغضبا‪،‬وأشاح بوجهه عنها وانصرف دون أن يييها‪ ،‬ولكن ذلك ل يرد عها عن صنيعها‪ ،‬ول يردها عن‬
‫غيها الذي عادت به من فرنسا‪.‬‬
‫وتلق حول ا ب عض الن سوة‪ ،‬وب عض الرجال! الرجال الذ ين " يدافعون" عن قض ية الرأة ف ال صحف‬
‫والجلت‪ ،‬بالنثر وبالشعر‪ .‬لقاء جلسة " لطيفة " ف صالون الان‪ ،‬أو ابتسامة خاصة تص با احدهم‪،‬‬
‫أو مبلغ من الال تدسه ف يد واحد من الصحفيي الرتزقة فيكتب مقال ف " رقة " الان "و " لطفها "‬
‫وابتسامتها العذبة وحسن استقبالا لضيوفها ‪ -‬الرجال أو يكتب عن اجتماعاتا وتركاتا أو يكتب عن‬
‫" القضية "‬
‫وكا نت ق مة ال سرحية هي مظاهرة الن سوة ف ميدان ق صر الن يل (ميدان ال ساعيلية) أمام ثكنات‬
‫اليش النليزي سنة ‪1919‬‬
‫فقد كانت الثورة الصرية قد قامت (‪ ,)2‬وملت الظاهرات شوارع القاهرة وغيها من الدن تتف‬
‫ضد النليز‪ ،‬وتطالب باللء التام أو الوت الزؤام‪ ،‬ويطلق النليز الرصاص من مدافعهم الرشاشة علي‬
‫التظاهرين فيسقط منهم كل يوم قتلي بل حساب‪.‬‬
‫و ف و سط هذه الظاهرات الادة (‪ )3‬قا مت مظاهرة الن سوة وعلي رأ سها صفية ها ن زغلول زو جة‬
‫سعد زغلول (‪ )4‬وت مع الن سوة أمام ثكنات ق صر الن يل‪ ،‬وهت فن ضد الحتلل ث بتدب ي سابق‪ ،‬ودون‬
‫() ف أي قرن يا تري سلبها ذلك "الق"؟!‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫() سنتحدثث عن الثورة الصرية ف فقرة تالية‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫() كانت جادة وإن شابا النراف الذي سنتحدث عنه فيما بعد‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫() اسها القيقي صفية مصصطفي فهمي‪ .‬ولكنها سيت صفية زغلول باسم زوجها سعد زغلول علي طريقةر الوربيي ف إلاق الزوجات بأساء أزواجهن‪ ,‬تأثرا بالغزو الفكري‬ ‫‪4‬‬
‫وعملية التغريب‪ ...‬ولكن "الماهي" ل تفطن لذلك ول تستنكره!‪.‬‬
‫مقدمات ظاهرة‪ ،‬خلعـن الجاب‪ ،‬وألقيـ بـه فـ الرض‪ ،‬وسـكب عليـه البترول‪ ،‬وأشعلن فيـه النار‪..‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وتررت الرأة!!!‬
‫ويعجب النسان الن للمسرحية وخلوها من النطق‬
‫ف ما عل قة الظاهرة القائ مة للحتجاج علي وجود الحتلل النليزي‪ ،‬والطال بة باللء عن م صر‪..‬‬
‫ما علقة هذا بلع الجاب وإشعار النار فيه؟!‬
‫هل النل يز هم الذ ين فرضوا الجاب علي الرأة ال صرية ال سلمة من باب الع سف والظلم‪ ،‬فجاء‬
‫النسوة يعلن احتجاجهن علي وجود النليز ف مصر‪ ،‬ويلعن ف الوقت ذاته ما فرضه عليهن النليز من‬
‫الجاب؟‬
‫هل كان النليز هم الذين ألبسوا الرأة الجاب ما يزيد علي ثلثة عشر قرنا كاملة قبل ذلك؟! أو‬
‫كانوا هم الذ ين سلبوا الرأة " حق " ال سفور م نذ ذلك الز من ال سحيق‪ ،‬فجئن اليوم " يتحررن " من‬
‫ظلمهم ويلقي الجاب ف وجههم تديا ونكاية فيهم؟!‬
‫ما النطق ف السرحية؟!‬
‫ل منطق ف القيقة!‬
‫ولكن التجارب التالية علمتنا أن هذا النطق الذي ل منطق فيه‪ ،‬هو الطريقة الثلي لحاربة السلم‬
‫إن الذي يقوم بعمل من أعمال التخريب والتحطيم ضد السلم ينبغي أن يكون " بطل" لتتداري ف‬
‫ظل " البطولة " أعمال التخريب والتحطيم!‬
‫كما أتاتورك‪ ..‬جال عبد الناصر‪ ..‬أحد بن بيل ‪ -‬وعشرات غيهم من " البطال " الذين حاربوا‬
‫ال سلم بو سيلة من الو سائل‪ ..‬كل هم ينب غي أن يكونوا " أبطال " و قت قيام هم بحار بة ال سلم وإل‬
‫انكشفت اللعبة من ورائهم‪ ،‬وانكشفت عمالتهم لعداء السلم من الصليبي واليهود‬
‫كما أتاتورك الذي أطاح باللفة‪ ،‬وأراد أن يقطع ما بي التراك وبي إسلمهم ن فمنع الذان اللغة‬
‫العربية‪ ،‬وكتب اللغة التركية بالروف اللتينية وأمر بلغ الجاب وذبح عددا من علماء السلمي‪ ..‬كان‬
‫" بطل " صنعت له البطولت ال سرحية الزائفة لتخفي يده ال ت تق طر بدماء ال سلمي‪ ،‬وت في جريته‬
‫الكبي ف حرب السلم‪.‬‬
‫جال ع بد النا صر الذي ذ بح قادة الدعوة ال سلمية ف م صر‪ ،‬وأن شأ للتنك يل ب م ف سجون م صر‬
‫ألوانا من التعذيب الوحشي ل مثيل لا ف تاريخ البشرية كله‪ ،‬إل ف ماكم التفتيش الت أقامها الصليبيون‬

‫() سي مييدان الساعلية الذي تللت فيه الرأة من حججابا السلمي ميدان "التحرير" "تليدا" لذه الذذكري العظيمة!‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫ف الندلس للقضاء علي السلم‪ ،‬وألغي الحاكم الشرعية وهم بالغاء الزهر‪ ،‬وأضاف جرعات جديدة‬
‫" لتحرير الرأة " كان " بطل " أضفيت عليه البطولت الصطنعة لخفاء الرية الائلة الت ارتكبها ضد‬
‫السلم‪.‬‬
‫أحد بن بيل الذي جاء ليسرق الثورة السلمية‪ ،‬ويولا إل ثورة اشتراكية بعيدة عن السلم مناوئه‬
‫له‪ ،‬والذي دعا الرأة الزائرية إل خلع الجاب بجة عجيبة حي قال‪ :‬إن الرأة الزائرية قد امتنعت عن‬
‫خلع الجاب فـ الاضـي لن فرنسـا هـي التـ كانـت تدعوهـا إل ذلك! أمـا اليوم فإنـ أطالب الرأة‬
‫الزائرية بلع الجاب من أجل الزائر! أحد بيل يوم أن دعا تلك الدعوة كان " بطل " أضفيت عليه‬
‫البطولة الصطنعة بطفة من الطائرة وهو متوجه من فرنسا إل الزائر‪ ..‬حت إذا نضجت اللعبة‪ ..‬لعبة "‬
‫البطولة " أطلق سراحة ليقوم بعمله ضد السلم‪.‬‬
‫وعلي هذا الضوء نف هم مظاهرة الن سوة ف ميدان ال ساعيلية بالقاهرة سنة ‪ 1919‬ل بد من بطولة‬
‫تضفي علي كل عمل من أعمال التخريب ضد السلم‪ ،‬لتخفي ما وراءه من تدبي‪.‬‬
‫وأي بطولة للنسوة يومئذ أ كب من أن يق فن أمام قوي الحتلل‪ ،‬يهتفن ضدها‪ ،‬ويفت حن صدورهن‬
‫للرصاص؟‬
‫يقول حافظ إبراهيم ف شأن هذه الظاهرة‪:‬‬
‫خرج الغوان يتججن ورحت أرقب جعنّهْ‬
‫فإذا بن تذن من سود الثياب شعارهنه‬
‫فطلعن مثل كواكب يسطعن ف وسط الدجنه‬
‫وأخذن يتزن الطريق ودار سعد قصدهنه‬
‫يشي ف كنف الوقار وقد أبن شعور هنه‬
‫وإذا بيش مقبل واليل مطلقة العنه‬
‫وإذا النود سيوفها قد صوبت لنحورهنه‬
‫وإذا الدافع والبنادق والصوارم والسنه‬
‫واليل والفرسان قد ضربت نطاقا حولنه‬
‫والورد والريان ف ذاك النهار سلحهنه‬
‫فتطاحن اليشان ساعات تشيب لا الجنه‬
‫)‪ (1‬فتضعضع النسوان والنسوان ليس لن منه‬
‫ث انزمن مشتتات الشمل نو قصورهنه‬

‫وتدرييا ف ظل البطولة الدوية‪ ..‬سقط الجاب!‬


‫وأصـبح مـن الناظـر الألوفـة فـ العاصـمة أول‪ ،‬ثـ فـ الدن الخري بعـد ذلك‪ ،‬أن تري المهات‬
‫متحجبات‪ ،‬والبنات سافرات‪ ،‬وكا نت الداة العظ مي ف عمل ية التحو يل هذه هي التعل يم من ج هة‪،‬‬
‫والصحافة من جهة أخري‪.‬‬
‫فأما التعليم فقد أقتضي معركة طويلة حت تقرر علي الستوي البتدائي أول ث الستوي الثانوي ث ف‬
‫الرحلة الامعية‬
‫وا ستفاد اعداء ال سلم فائدة عظ مي من الو ضع الاهلي الذي كان ي سود الجت مع ال سلمي تاه‬
‫الرأة وتعليمها‪ ،‬فأثاروها قضية ن ودقوا دقا عنيفا علي الوضاع الظالة لينفذوا منها إل ما يريدون‬
‫ولسنا الن ف مال تديد السئوليات‪ ،‬إنا نن نتابع خطي التاريخ‬
‫وإل فقدكان السلمون علي خطأ بي وظلم بي للمرأة حي منعوا تعليمها كما أمرهم رسول ال‪e‬‬
‫أن يعلموها‪ ،‬وحي أهانوها وحقروها ف ذات المر الذي كرمها ال به ورفعها ن وهو المومة وتنشئة‬
‫الجيال‪.‬‬
‫صْينَا الِن سَا َن ِبوَالِ َديْ هِ َحمََلتْ هُ ُأمّ هُ َوهْنا عَلَى َوهْ ٍن وَفِ صَالُهُ فِي عَا َميْ نِ أَ ْن اشْكُرْ لِي وَِلوَالِ َديْ كَ إَِليّ‬
‫{ َووَ ّ‬
‫الْ َمصِيُ (‪[ })14‬سورة لقمان ‪]31/14‬‬
‫" من أول الناي بسن صحابت؟ قال‪ :‬أمك‪ .‬قال ث من؟ قال‪ :‬أمك‪ .‬قال ث من؟ قال‪ :‬أمك‪ .‬قال ث‬
‫من؟ قال‪ :‬أبوك " (‪.)2‬‬
‫ولكن الذين استغلوا هذا الوضع ليطلقوا دعوتم ل يكن ههم القيقي رفع الظلم عن الرأة‪ ،‬إنا كان‬
‫رائدهم الول هو تطيم السلم‪ ،‬وإخراج الرأة فتنة متبجة ف الطريق لفساد الجتمع السلمي‪ ،‬ول‬
‫تكن الفوضي اللقية الت عمت الجتمع فيما بعد مفاجئة لم ن ول شيئا مستنكرا من جانبهم يشعرهم‬
‫بالندم علي ما قدمت أيديهم‪ ..‬بل كانت شيئا مسوبا ومتوقعا ومرغوبا بالنسبة إليهم‪ ،‬وقد كانوا يرون‬
‫تربة الغرب ماثلة أمام أعينهم‪ ،‬ويعرفون ما يئول إليه المر ف الجتمع السلم حي يتجه ذات الوجهه‪،‬‬

‫() منّة أي قوة‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫() متفق عليه‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫ويسر علي ذات الطوات‬
‫ول ينفـي هذا بطبيعـة الال وجود مدوعيـ مسـتغفلي يتلقفون الدعوة بإخلص ولكنـه إخلص ل‬
‫ين في الغفلة! و هم بغفلت هم أدوات معي نة للشياط ي‪ ،‬ي ستغلون موقف هم لتقو ية دعوت م‪ ،‬لن الناس تري‬
‫إخلصهم فتظن أنم علي خي فيتبعونم‪ ،‬فيتم ما أراد الشياطي!‬
‫و قد كان هناك بد يل ثالث للم صلح الخلص‪ ،‬الذي ير يد ال ور سوله‪ ،‬وير يد ت صحيح الوضاع ف‬
‫الجتمع النحرف‪ ،‬ورفع الظلم عن الظلومي‪ ،‬وهو الدعوة والهاد لعادة الجتمع السلمي إل صورته‬
‫ال صحيحة ال ت ينب غي أن يكون علي ها ول كن أ حد من " ال صحلي " القائم ي يومئذ ل يدع إل ذلك‬
‫البديل الثالث وظل اليار العروض دائما هو إما البقاء علي الوضاع السيئة التخلفة الامدة الظالة وإما‬
‫مو السلم ونبذة والنسلخ منه‪ ،‬والتاه إل أوروبا من أجل التقدم والتحضر والرقي‪ ،‬بل إنه حي‬
‫جاءت الدعوة إل البد يل الثالث ف موعد ها القدور وع ند ال‪ ،‬وجدت أب شع الضطهاد والتنك يل من‬
‫الكام‪ ،‬ووجدت العراض العنيف والعارضة من " الصلحي " ما يكشف عن التاه القيقي لركات‬
‫" ال صلح " ال ت أقي مت ف الجت مع السلمي وأن هدف ها ل ي كن ال صلح ح قا بقدر ما كان هو‬
‫تطيم السلم أول‪ ..‬وليكن بعد ذلك ما يكون!‬
‫سقط الجاب تدريا عن طريق " بنات الدارس "!‬
‫أو ل تقرر الؤترات التبشييـة فـ مططاتاـ ضـد السـلم ضرورة العمـل علي تعليـم الرأة السـلمة‬
‫وتريرها؟‬
‫و ف مبدأ ال مر ل ي كن ال تبج والته تك هو طا بع بنات الدارس‪ ،‬ـ بل ل ي كن مقبول أ صل ف‬
‫الدارس!‬
‫والكمة ف ذلك واضحة بطبيعة الال! فل الجتمع ف ذلك الوقت كان يسمح ول كشف الطة‬
‫كاملة منذ اللحظة الول كان يكن من تنفيذها‪ ،‬بل كان قمينا بالقضاء عليها ف مهدها!‬
‫ولو خرجت بنات الدارس عن تقاليد الجتمع السلم دفعه واحدة ومن أول لظة‪ ،‬هل كان يكن أن‬
‫يقبل أحد من أولياء المور أن يرسل بنته إل الدرسة لتتعلم؟‬
‫كل بالط بع! إن ا ل بد من طمأ نة أولياء المور تا ما ن ح ت ي سمحوا بإر سال بنات م إل الدارس‪,‬‬
‫ولتكن الطة علي السلوب التبع ف عملية التحويل كلها " بطئ ولكنه أكيد الفعول "!" معنا لثارة‬
‫الشكوك "!‬
‫بالتدريج‪..‬‬
‫الشعـر فـ مبدأ المـر مغطـي بقبعـة‪ ..‬وتتدل مـن اللف ضفيتان تربطهمـا شريطـة مـن‬
‫القماش‪.‬الضفيتان مكشوفتان أما الرأس فتخفيه القبعة! والوجه سافر‪..‬نعم‪ ..‬ولكن‪ ..‬صغيات يا أخي!‬
‫ل بأس!‬
‫ول ير المر ف القيقة بسهولة‪ ..‬ولكنه مر ف النهاية! كما مرت كل الطوات التالية حت كشف‬
‫الصدر والظهر والساقي والذراعي والعري علي الشواطئ والتهتك ف الطرقات‬
‫كيف مر؟!‬
‫إن لذا المر دللته ول شك‪ ..‬نعم كانت هناك جهود شيطانية لفساد الجتمع الصري بالذات‪،‬‬
‫لتصدير الفساد منه إل بقية الجتمع السلمي كما مر القول‪ ،‬وشاركت ف هذه الهود كل الوسائل‬
‫المك نة من صحافة وإذا عة و سينما وم سرح‪ ..‬إل‪ ،‬وكان الترك يز عني فا والو سائل فعالة‪ ..‬ول كن هل‬
‫يكفي ذلك كله لتفسي ما حدث؟!‬
‫لبيان ذلك نقول‪ :‬إن كل هذه الوسائل ما تزال م ستخدمة ح ت هذه اللح ظة‪ ،‬وبعنف أ شد م ا كان‬
‫قبل خسي عاما ودون شك‪ ،‬وقد أحدثت هذه الوسائل ف خلل ما يزيد علي نصف قرن تيارا هائل‬
‫نافرا من ال سلم من سلخا م نه‪ ..‬و مع ذلك تو جد اليوم فتيات مجبات‪ ،‬جامعيات مثقفات‪ ،‬ل يتنازلن‬
‫عن حجابن ولو دخلن من أجله السجون والعتقلت‪.‬‬
‫فما الفرق؟!‬
‫بعبارة أخري نسأ‪ :‬هل كان الجاب الذي سقط عقدية أم تقاليد؟!‬
‫والخلق الت سقطت‪ ..‬هل كانت ذات رصيد إيان حقيقي أم كانت تقاليد؟! والرجل الذي ثار‬
‫يوم كشفت " بنات الدارس " عن وجوهن " هل ثار للعقيدة‪ ،‬أم ثار للتقاليد؟!‬
‫والرجل الذي ثار يوم نزلت الرأة إل الشارع لتعمل‪.‬هل كانت ثورته نابعة من عقدية حقيقية‪ ،‬دينية‬
‫أو غي دينية‪ ،‬أم كانت " عنجهية " الرجل هي الحرك‪ ،‬والحافظة عليها هي الدافع إل الثورة؟‬
‫ح ي يكون الجاب عقد ية فإ نه ل ي سقط‪ ،‬مه ما سطل عل يه من ادوات التحط يم‪ ،‬وح ي تكون‬
‫الخلق ذات رصيد إيان حقيقي‪ ،‬فليس من السهل أن تسقط ولو سلطت عليها عوامل الفساد – إل‬
‫بعد مقاومة شديدة وزمن مديد‪.‬‬
‫أما التقاليد الاوية من الروح‪ ..‬وأما العنجهية الفارغة‪ ..‬فهي عرضة للسقوط إذا أشتد عليها الضغط‪،‬‬
‫وقد كان الضغط عنيفا بالفعل‪ ،‬بل كان شيطانيا بكل ما تمله الكلمة من معان!‬
‫‪m m m‬‬
‫بدأت بنات الدارس يكشفن عن وجوههن ويسرن ف الطريق علي النحو الذي وصفناه‪ ،‬ولكن ف‬
‫ملبس طويلة تغطي الذراعي جيعا وتصل إل القدمي‪ ،‬وف أدب ظاهر و " استقامة " كاملة‪.‬‬
‫وهل كن يلكن غي ذلك؟!‬
‫إن الفتاه ال ت يدث ها شيطان ا أن تلت فت ف قط ي نه أو ي سرة تض يع! ت سقط ف ن ظر الجت مع‪ ،‬وتكون‬
‫عبة لن يعتب! فمن الت ف مبدأ المر تلتفت ينه أويسره؟!‬
‫إنا هو الدب الكامل والنضباط الشديد!‬
‫وح ي أفتت حت أول مدر سة ثانو ية للبنات ف القاهرة‪" ..‬مدر سة ال سنية " كا نت ناظرت ا انليز ية‪.‬‬
‫وكانت " قمة " ف الحافظة إل حد التزمت! فهكذا ينبغي أن تكون المور ف مبدأ المر! حت يكتب‬
‫لذه الطوة الثبات ف الرض والتمكي‪ ،‬ويكن مدها فيما بعد إل آفاق جديدة! أما لو كشف الستور‬
‫من أول لظة فلن تدخل فتاة واحدة الدرسة الثانوية‪ ،‬يبوء الخطط كله بالسران!‬
‫كانت هيئة التدريس نسوية خالصة‪ ،‬ف ماعدا مدرس اللغة العربية لتعذر وجود مدرسات للغة العربية‬
‫يومئذ ولكنه كان يتار من الرجال التقدمي ف السن ن التزوجي‪ ،‬الشهود لم حقا بالصلح والتقوي‪،‬‬
‫فهو بالفعل أب يرعي بناته‪ ،‬ويشعرن نوه با تشعر به الفتاة نو أبيها الوقور‪ ،‬فتقدم له الحترام والتوقي‪.‬‬
‫ول يس ف الدر سة كل ها ر جل آ خر إل كا تب الدر سة‪ ،‬و هو منعزل عن الدر سة كل ها ف مك تب‬
‫خاص لقابلة أولياء المور‪ ،‬والقيام بالمور الكتابيـة والسـابية للمدرسـة‪ ،‬وحارس الباب‪ ،‬وهـو كذلك‬
‫رجل وقور متقدم ف العمر تقول له البنات " يا عم!" إذا حدث علي الطلق أن وجهن له الكلم!‬
‫وكانت الفتيات يضرن إل الدرسة ف عربات مغطاه بال ستائر‪ ،‬ويعدن إل بيوت ن بنفس الوسيلة ن‬
‫فأما إن كان أهل الفتاة ل يريدون أن يتحملوا نفقات العربة‪ ،‬فيأت معها ول أمرها يسلمها إل الدرسة‬
‫صباحا ويتسلمها ف ناية اليوم الدرسي‪ ،‬لكي ل يتركها تسي وحدها ف الطريق‪.‬‬
‫أي شئ يريد الباء أكثر من ذلك؟!‬
‫بل أن " حضرة النا ظر " لي أشد ف تأديب البنات من أولياء أمور هن! إنليزية يا أخري! النليز‬
‫حازمون ف التربية! قل ما تشاء فيهم‪ ،‬ولكن ف التربية!‬
‫وكانت الناهج ف مدارس البنات رجالية ف القيقة لمر يراد فيما بعد‪ ..‬ولكنها بعد مغطاه‪ ..‬فالفتاة‬
‫تدرس نفس الناهج القررة ف الدارس الثانوية للبني‪ ،‬ولكنها تدرس إل جانبها مواد " نسوية" كالتدبي‬
‫النل ورعايـة النشـء ة وذلك ليهام بأن القصـود مـن التعليـم فـ هذه الدارس هـو إعداد الفتاة لياة‬
‫ال سرة ال ت تنتظر ها‪ .‬إذ كا نت أ شج ن قط العار ضة ف تعل يم البنات ب عد الرحلة البتدائ ية أن الدرا سة‬
‫الثانوية ستعطل الفتاة عن الزواج وهي ف سن الزواج وتبعدها عن جو البيت الذي خلفت له ن والذي‬
‫ستقضي بقية حياتا فيه‬
‫فأ ما تعط يل الفتاه عن الزواج ف قد واج هة أ صحاب (القض ية) بالطال بة بإرجاء سن الزواج‪ ،‬وتر ي‬
‫الزواج قبل سن السادسة عشرة (وصدر تشريع بذلك) وماولة تزيي هذا التأخي بختلف الجج ن حت‬
‫صار أمرا واقعا فيما بعد‪ ،‬ل عند السادسة عشرة‪ ،‬بل عند الثلثي وما بعدها ف بعض الحيان!‬
‫وأما إبعاد البنت عن جو البيت فقد واجهة أصحاب القضية بتلك الدروس التناثرة ف التدبي النل‬
‫ورعاية النشء‪ ،‬وف مقابلها تزاد سنوات الدراسة الثانوية للبنات ن فتصبح ست سنوات بدل من خس‬
‫للبي‪.‬‬
‫ح ت إذا هدأت ثورة العارض ي‪ ،‬و صار التعل يم الثانوي للبناء أمرا واق عا ب عد العار ضة العنيدة ال ت‬
‫كانت من قبل‪ ،‬اخذت هذه الدروس النسوية تتضاءل‪ ،‬حت ميت ف ناية المر‪ ،‬وأصبح النهج رجاليا‬
‫خالصا ف مدارس البنات‪ ،‬وألغيت السنة السادسة‪ ،‬وأصبحت الفتاة تتخرج بعد خس سنوات علي ذات‬
‫الناهج الت يتخرج عليها الفت‪ ..‬لتصبح للفتاه قضية جديدة‪ ..‬قضية الدخول إل الامعة!‬
‫ولكن ل نسبق خطي التاريخ!‬
‫‪m m m‬‬

‫تعددت مدارس البنات الثانوية ف القاهرة ث ف السكندرية ث ف غيها من الدن‪ ..‬وخفت قبضة‬
‫الناظرة النليزية فلم يعد يهمها إل " النظام " الصارم ف داخل الدرسة أما " أخلق " البنات فلم تعد‬
‫تعيها اهتماما كما كانت من قبل‪ ،‬وجاءت بعدها ناظرات مصريات‪ ،‬أقل انضباطا من ناحية النظام‪،‬‬
‫وأقل اهتماما بقضايا الخلق‪.‬‬
‫وسارت المور فترة من الزمن سيها الرتيب‪ ،‬وكثر القبال علي مدارس البنات حت ضاقت بن ن‬
‫فقامت إل جانبها مدارس أهلية تسي علي ذات النهج م وتقق ذات الهداف وأطمأن الناس اليوم علي‬
‫بنات م فلم يعودوا ي صحبونن ف الذهاب والياب وأ صبحت أفواج البنات تذ هب ف الطرقات وحد ها‬
‫وتئ‪.‬‬
‫ولكن‪ ..‬هل كان يكن أن تستمر المور ف داخل هذا النطاق الحدود؟!‬
‫يو جد دائ ما ف كل مت مع فتاة " جريئة " وف ت "جرئ"!(‪ )1‬يرجون علي تقال يد الجت مع ويتحللون‬
‫منها‪.‬‬
‫() أقيمت ف شواطئ السكندرية (ونشرتا الصحف!) مسابقة بعنوان "أبو عيون جريئة!" يكون الفائز فيها هو أوقح الشبان أو أقلهم حياء وأدبا!‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫وف الجتمعات التماسكة يكون نصيب هؤلء هو الردع الفوري‪ ،‬الذي ينع العدوي‪ ،‬ويقضي علي‬
‫الرثو مة ق بل أن ي ستفحل أمر ها‪ ،‬أ ما ف الجتمعات الفك كة فل يدث الردع الطلوب‪ ،‬أو ل يدث‬
‫بالقوة الاسة الت تؤت أثرها‪،‬فتظل الرثومة باقية ن وتظل تنتشر حت يدث الوباء‪.‬‬
‫ُونـ‬
‫ّاسـ َت ْأمُر َ‬
‫َتـ لِلن ِ‬
‫ُمـ َخيْرَ ُأ ّمةٍ أُخْرِج ْ‬
‫لذلك مدح ال خيـ أمـة أخرجـت للناس بقوله تعال‪{ :‬كُْنت ْ‬
‫بِالْ َمعْرُوفِ َوتَْن َهوْ َن عَ ْن الْمُنكَرِ َوتُ ْؤ ِمنُو َن بِاللّهِ} [سورة آل ‪]3/110‬‬
‫ول عن شر أ مة أخر جت للناس بقوله تعال‪ُ{ :‬لعِ َن الّذِي نَ َكفَرُوا مِ ْن بَنِي إِ سْرَائِي َل عَلَى لِ سَانِ دَاوُو َد‬
‫س مَا كَانُوا‬‫صوْا وَكَانُوا َي ْعتَدُونَ (‪ )78‬كَانُوا ل َيَتنَا َه ْونَ عَ ْن مُنكَرٍ َفعَلُوهُ َلبِْئ َ‬
‫ك بِمَا عَ َ‬
‫َوعِيسَى ابْنِ مَ ْريَمَ ذَلِ َ‬
‫َي ْفعَلُونَ (‪[ })79‬سورة الائدة ‪]79-5/78‬‬
‫و ف الجتمعات ال ت تتحول في ها الق يم والخلق إل " تقال يد " خاو ية من الروح‪ ،‬يدث النكار‬
‫ويدث الحتجاج‪،‬ولكن ل يدث الردع الاسم الذي يقتل الرثومة قبل أن تستفحل‪ ،‬فتبقي‪ ،‬ث تنتشر‬
‫ف خطي بطيئة ولكنها أكيدة الفعول!‬
‫وهذا هو الذي حدث ف الجتمع الصري أمام الغزو الفكري الصليب ف القرن الرابع عشر الجري‪،‬‬
‫وف الجتمع السلمي كله‪ .‬كانت هناك بقايا قيم وبقايا دين ن ولكنها كانت تقاليد خاوية من الروح‬
‫ن فلم ت ستطيع ان ت صمد طويل أمام الغزو الكا سح ن الذي يز ين الف ساد للناس با سم الر قي والضارة‬
‫والتقدم "التحرر " من الرجعية والتحرر من المود‬
‫بدأت أول فتاة " جريئة " تلت فت برأ سها ح ي يل قي إلي ها الف ت " الرئ" بألفاظ الغزل ال ستور أو‬
‫الكشوف‪.‬‬
‫وتسقط الفتاة الريئة ف نظر الجتمع من أجل هذه اللتفاته‪ ،‬وتعتب فتاة فاسدة الخلق‪ ،‬ولكنها ل‬
‫تردع! ول يردع الفت الرئ الذي ألقي بألفاظ الغزل علي قارعة الطريق‪ ،‬فيتكرر النموذج من هنا ومن‬
‫هناك‪ ..‬وتتبلد أعصـاب الناس علي النظـر الكرر‪.,‬وتصـبح ظاهرة " معاكسـة" " بناء الدارس " ظاهرة‬
‫مألوفة ف الجتمع الصري‪ ،‬ل يتحرك لا أحد بالمر بالعروف والنهي عن النكر‪ ..‬ويفرح الشياطي!‬
‫ورويدا رويدا تتغي ملبس بنات الدارس!‬
‫تقصر "الريلة " قليل‪.‬هل هناك مانع؟! الورب يغطي ما كشتفه " الريلة" فماذا يدث؟!‬
‫ويقصر الكم قليل‪ ..‬هل هناك مانع؟! سنتيمترات قليلة ل تقدم ول تؤخر‪ ..‬ماذا يدث؟! هل ترب‬
‫الدنيا إذا قصرت الكمام قليل أو قصر " الذيل " ل تبكوها أيها التزمتون!‬
‫وتتبلد الع صاب علي الن ظر الكرور‪ ،‬فتق صر الكمام بض عة سنتيمترات اخري أو يق صر الذ يل‪،‬أو‬
‫يقصر الورب‪ ..‬وينكشف من الرأة ما أمر ال بستره بنفس القدار!‬
‫أف لكم أيها التزمتون! تفتئون تذكرون الخلق وتنادون بالويل والثبور! ماذا حدث للخلق حي‬
‫تراجعت اللبس بضعة سنتيمترات؟ هل تقاس الخلق بالسنتيمتر أيها الامدون؟ الخلق قيم (!!)‪..‬‬
‫والقيم ملها القلب (!!) ما دامت الفتاة (مقتنعة) بالقيم ف داخل نفسها فلن تفسد ولو سارت عارية ف‬
‫الطريق!‬
‫وح ي تك ثر الفتيات ف الشوارع‪ ،‬حا سرات مق صرات‪ ،‬سواء من بنات الدارس الثانو ية أو مدارس‬
‫العلمات‪ ،‬أو من خريات الدارس الخية اللوايت صرن معلمات وصارت لن رواتب خاصة يستطعن‬
‫النفاق منهـا علي حوائجهـن‪ ..‬عنـد ذلك تبدأ (الودات) فـ الظهور‪ ..‬وتصـبح هناك صـحافة نسـوية‬
‫تتخصـص فـ عرض " الودات" أو ركـن فـ الجالت والصـحف العامـة يسـمي " ركـن الرأة " يقدم‬
‫النصائح ويقدم "الودات "‬
‫فأما النصائح فتبدأ ف غاية " العفة " وف غاية التزان!‬
‫كيف تافظي علي مبة زوجك؟!‬
‫وهل يكره السلم أن تتحبب الرأة إل زوجها وتتجمل له وتتزين؟!‬
‫نن فقط نقدم النصيحة مصورة! لننا ف زمن الصحافة الصورة الت توضح كل شئ بالرسم‬
‫وح ي ت ستقر هذه الطوة نتقدم خطوة أخري المام! تهيدا (لتحر ير) الرأة من ق يد آ خر من قيود‬
‫الدين والخلق والتقاليد!‬
‫لقد كان الزوج ف الرحلة الول هو " الحلل " وانتهت مهمته‪ ،‬فلنكن الن صرحاء!‬
‫كيف تذبي انتباه الرجل؟!‬
‫نعم! وماذا فيها؟!‬
‫أل تتزين إل الرأة التزوجة؟! وماذا تفعل الفتاة الت تبحث عن الزوج؟! أل تتزين ليقع ف شباكها "‬
‫ابن اللل "؟!‬
‫فإن ل يقع " ابن اللل فمزيدا من التزين‬
‫هذا فستان يكشف " مفاتن الصدر " وهذا يكشف " مفاتن الظهر " وهذا يكشف " مفاتن الساقي‬
‫(‪)1‬‬
‫"!‬
‫وتتطور " الودة " العال ية وتتطور‪ ،‬ح ت تش كف مفا تن ال سم كله بم يع أجزائه‪،‬وتتبع ها ال صحافة‬

‫() هذذه العبالرات ورردت بنصها ف ملت "الودة" وف "ركن الرأة" ف الجلت الت تصص ركنا للمرأة‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫(‪)1‬‬
‫الصرية شبا بشبا وذراعا بذراع‪ " .‬حت إن دخلوا حجر ضب دخلتموه "!‬
‫‪m m m‬‬

‫وجاء دور الامعة‬


‫كنتم أيها التزمتون تعارضون ف تعليم الرأة حت ف الرحلة البتدائية! وكنتم تقولون إنا ل تصلح‬
‫إل للبيت‪ ،‬ولي ست لديها القدرة علي التعليم‪ ..‬واليوم تتحدا كم الفتاة التعل مة! ها هي ذي قد تعل مت‬
‫علي ذات الناهج الت يتعلم عليها الفت (‪ ،)2‬ووصلت إل الرحلة الثانوية وهي ل تلحق به فحسب‪ ،‬بل‬
‫(‪)3‬‬
‫تفوقت عليه ف كثي من الحيان!‬
‫والن صار من حقها أن تدخل الامعة‪ ،‬فلماذا أنتم قائلون أيها الرجعيون!‬
‫(‪)4‬‬
‫ودارت معركة طويلة بي الدافعي والعارضي كتلك الت قامت ف أوربا من قبل‪...‬‬
‫وقال الدافعون إنه نفس الدور إن الرأة قضيتها واحدة ف كل بلد العال وستسي ف نفس الطوات‬
‫ونتيجتها ف النهاية واحدة‪ ،‬هي النتيجة الت وصلت إليها أوروبا الت سبقت العال كله بقرن من الزمن أو‬
‫أكثر‪ ،‬وخاضت الرأة فيها ذات العركة وخرجت منها منتصرة ف النهاية‪.‬‬
‫وف ظاهر المر كان الذي يقوله الدافعون أمرا واقعا ف كثي من بلد الرض ولكنهم كانوا غافلي‬
‫عن أمور‬
‫كانوا غافلي أول عن أن القضية ل تأخذ شكل واحد ف كل الرض بسبب طبيعتها الاصة كما‬
‫توهوا‪ ،‬ولكن لن الجهزة العالية الت تدير القضية لسابا الاص قد جعلتها تأخذ هذه الصورة لمر‬
‫تريده (‪.)5‬‬
‫وكانوا غافل ي ثان يا عن أن قض ية الرأة ال سلمة لي ست هي قض ية " أخت ها " الورب ية! " فأخت ها "‬
‫الوربية ول أخوة ف القيقة لن السلمة ل تؤاخي الشركة – قد صارت لا قضية لنه ليس لجتمعها‬
‫منهج ربان يسي عليه‪ ،‬إنا يشرع فيه البشر لنفسهم ـ فيظلمون أنفسهم ويظلمون غيهم‪ ،‬وقد وقع‬

‫() قال رسول ال ‪" :e‬لتتبعن سنن من قبلكم شبا بشب وذراعا بذراع‪ ,‬حت إن دخلوا جحر ضب دخلتموه" قالوا من يا رسول ال؟ قال" اليهود والنصاري" أخرجه الشيخان‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫هذه هي "حكمة" تعليم الفتاة علي منهج الفتيان‪ ,‬ليصبح هناك وجه لقضية "الساواة" بي جنسي‪ ,‬الت تصل ف النهاية إل الساواة ف "حق" الفساد! وهناك حكمة أخري ل تقل )(‬
‫‪!.‬عنها حكمة هي إلغاء "قوامة" الرجل علي الرأة أو خلخلة أساسها علي القل بعد أن "يتساويا" ف نوع التعليم‬
‫ل عن روح التحدي الت‬
‫() كان هذا التفوق يدث بالفعل لن الولد ينشغلون بالشارع والنادي والقهي ورفقة الصحاب‪ ,‬بينما البنات ف البيوت متفرغات لراجعة الدروس‪ ,‬فض ً‬ ‫‪3‬‬
‫تفز الرأة لتحدي الرجل‪.‬‬
‫() تدثت عن هذه العركة ف كتاب "مذاهب فكرية معاصرة"‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫() راجع ‪-‬إن شئت‪ -‬فصل "دور اليهود ف إفساد أوربا" من كتاب "مذاهب فكرية معاصرة"‪.‬‬ ‫‪5‬‬
‫الظلم هناك من تشر يع – أو عرف – وض عه الب شر‪ ،‬ث اختاروا أو اختار ل م الشياط ي ف القي قة حل‬
‫ساروا ف يه ح ت أو صلهم ف النيا بة إل البال‪ ،‬من تف كك ال سرة وتلل الجت مع وشقاء الر جل والرأة‬
‫كيلهمـا‪ ،‬وتشرد الطفال‪ ،‬وجنوح الحداث‪ ،‬وانتشار الشذوذ والمراض النفسـية والعصـبية والقلق‬
‫والنون والنتحار والمر والخدرات والرية‪.‬‬
‫أ ما الرأة ال سلمة فقضيت ها أن الظلم قد و قع علي ها من مال فة الن هج الربا ن الذي التزم به متمع ها‬
‫عقيدة ول يلتزم به عمل‪ ،‬وارتدا ف هذه النقطة بالذات إل أعراف الاهلية الفاسدة‬
‫وقد يكون الظلم واحدا أو متشابا‪ ،‬ولكن العلج يتلف لختلف السباب فعلج القضية بالنسب‬
‫للمرأة السلمة هو الرجوع إل النهج الربان الصحيح واللتزام به عقيدة وعمل‪ ،‬وليس علجه هو اتباع‬
‫الطوات الت سارت فيها القضية ف الغرب ن فخرجت من تبط إل تبط وما تزال‬
‫وحقي قة أن الن هج الربا ن هو العلج ل كل مشكلت البشر ية ن ولو آم نت به أورو با ونفذته للت‬
‫كل مشكلتا ولكن الذين ينفذونه بالفعل أو الفروض أن ينفذوه هم الذين ألتزموا به فعل أي السلمون‬
‫فإذا حادوا ع نه فإن مه مة " الصـلحي " هي تذكي هم به‪ ،‬ودعوت م إل العودة إل يه ليطبقوه ف عال‬
‫الوا قع‪ ،‬فتن حل مشاكل هم وينصلح حالم‪ ،‬أما إتباع أوروبا‪ ،‬وسي الرأة ال سلمة ف ذات الطوات ال ت‬
‫سارت فيها " اختها " الوربية فلن يل مشكلتها‪ ،‬كما ل يل مشكلة " أختها " وسيصل با وبجتمعها‬
‫وقد وصل بالفعل إل ذات الصي البائس الذي وصل إليه متمع " اختها " من قبل‪.‬‬
‫ول كن الدافع ي يومئذ ل يكونوا يفقهون شيئا من ذلك كله‪ ..‬و هم يومئذ أ حد فريق ي‪ :‬فر يق يعلم‬
‫جيدا أن الطريق الذي تسي فيه " القضية " سيؤدي إل انلل أخلق الجتمع وتفككه كما حدث ف‬
‫شةُ فِي الّذِي نَ آ َمنُوا}‬
‫حبّو نَ أَ نْ تَشِي َع اْلفَاحِ َ‬
‫أوربا‪ ،‬وهو يريد ذلك ويسعي إليه جاهدا لنه من {الّذِي نَ يُ ِ‬
‫(‪)1‬‬
‫[سورة النــور ‪]24/19‬‬
‫وفريـق آخـر مدوع مسـتغفل لنـه مسـتعبد للغرب‪ ،‬ل يري إل مـا يراه الغرب‪ ،‬ويظـن فـ غفلتـه‬
‫وعبوديته – أن سيده دائما علي صواب!‬
‫وهذا وذاك م عا م سخران لد مة ال صليبية ف الجت مع ال سلمي (‪ )2‬وخد مة اليهود ية العال ية كذلك‬
‫(‪.)3‬‬
‫وقال هذا وذاك أن " قض ية الرأة " ت ستلزم أن تد خل الفتاة الام عة لتؤدي " ر سالتها " علي الو جه‬
‫ب أَلِي ٌم فِي الدّْنيَا وَال ِخرَةِ} [سورة النــور ‪.]24/19‬‬
‫() قال تعال‪ِ{ :‬إنّ الّذِينَ ُيحِبّونَ َأنْ تَشِيعَ اْلفَا ِحشَةُ فِي الّذِينَ آ َمنُوا َلهُ ْم عَذَا ٌ‬ ‫‪1‬‬
‫() إل أن يكون هو ذاته صليبيا كسلمة موسي فهو يشارك ف تنفيذ الخطط الصليب مدفوعا ببصليبيته الذاتية‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫() كان لليهود مشاركة ضخمة ف تطيم الدولة السلمية والجتمع السلمي‪ ,‬لهداف عدة من بينها إنشاء الدولة اليهودية ف الرض السلمية‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫الكمل "‬
‫وقضية التعليم الامعي أوغي الامعي – ليست هي القضية بالنسبة للمرأة السلمة فلن ينعها السلم‬
‫من طلب العلم‪ ،‬وهو الذي يدعوها إليه بل يفرضه عليها ولكن السلم يشترط وف تعليمها وف نشاطها‬
‫كله شرط ي أثن ي‪ :‬أن تا فظ علي دين ها وأخلق ها وأن تا فظ علي وظيفت ها الول ال ت خلف ها ال من‬
‫أجلها‪ ،‬وهي رعاية السرة وتنشئة الجيال وف حدود هذين الشرطي تتحرك حركتها كلها وهي حدود‬
‫واسعة سل عنها الصحابيات الليلت رضوان ال عليهن‪.‬‬
‫ولكـن عباد الغرب وشاطينـه ل يكونوا يريدون شيئا مـن ذلك بطبيعـة الال وهـم يطالبون للفتاه‬
‫السلمة بالتعليم الامعي وما تبع ذلك من " قضايا "!‬
‫فأما الشياطي فإنم ما جاءوا يبتغون الصلح إنا جاءوا للتخريب بادئ ذي بدء‬
‫وأما العباد فليس لم إل طريق واحد ل يرون غيه‪ ،‬ول يستطعيون رؤية غيه‪ ،‬لنم عبيد والعبد ل‬
‫يري إل ما يراه سيده له‪ ،‬بل يعتقد ف دخيله نفسه أن مرد اتاه فكرة إل شئ غي ما يراه السيد هو إث‬
‫غي مغفور!‬
‫‪m m m‬‬

‫دارت العركة‪ ،‬وطالب الدافعون عن قضية الرأة أن يسمح لا بدخول الامعة أسوة الرجل ومساواة‬
‫له‬
‫وقال العارضون إن الفتاه ل تصـلح للتعليـم الامعـي أصـل لنـه ل يناسـب طبيعتهـا‪ ،‬وسـيؤثر علي‬
‫أنوثتها‪ ،‬فضل عن أنه سيشغلها عن الزواج ويعطلها عنه عدة سنوات‪ ،‬وسيصرفها عن السرة والبيت‬
‫مهمتهـا الصـلية وفوق ذلك كله فهناك مشكلة الختلط الذي لبـد أن يدث فـ الامعـة وهـو أمـر‬
‫يالف الدين والخلق والتقاليد (‪.)1‬‬
‫وا ستغرقت العر كة ردحا من الز من غي قل يل‪ .‬وتقاذف الفريقان التامات الادة‪ ،‬وضاعت حقائق‬
‫كثية ف وسط العركة كانت علي القل تستحق دراسة مستأنية ليتخذ فيها القرار علي بصيه‬
‫فأما الدافعون فالسألة عندهم منتهية ل حاجة فيها إل التوقف والدرس فهم مدفوعون دفعا بوعي‬
‫منهم أو بغي وعي إل تريب الجتمع السلمي وتدميه‪ ،‬بل مدفوعون دفعا إل استخدام " قضية الرأة‬
‫" بالذات لحداث هذا التدمي‬
‫أما العارضون فمن أي منطلق ينطلقون؟‬
‫() ل يفكر أحد ف إقامة جامعة نسوة خاصة!‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫كان ظا هر المـر انمـ ينطلقون من منطلق إ سلمي‪ ..‬وقـد ك ثر ف كلمهـم بالفعـل ذ كر الديـن‬
‫والخلق والتقاليد ولكن هل كانوا علي وعي حقيقي بالسلم‬
‫لقد كان وعيهم به ضئيل ف القيقة وكان إخلصهم للتقاليد أعمق ف حسهم من الخلص للدين!‬
‫أو قل‪ :‬إن التقاليد الت كانوا يرصون عليها ويدافعون عنها كانت متلطة ف حسهم بالدين‪ ،‬ومن ث‬
‫كان يتلط عليهم الخلص للتقاليد بالخلص للدين!‬
‫ولكنها ل تكن ف القيقة تقاليد إسلمية ة إنا كانت تقاليد جاهلية ارتدت إليها المة السلمة ف‬
‫فترة تلف ها العقدي‪ ،‬ث اختل طت ف ح سها بال سلم‪ ،‬و ظن الدافعون عن ها باخلص أن م يدافعون عن‬
‫الدين‬
‫وكانت عنجهية الرجل ول شك عنصرا من عناصر القضية‬
‫كان ي ب أن يتم يز وينفرد بأشياء‪ ،‬سواء كا نت م ا ميزه ال به حقي قة أو م ا ميز ته به الاهل ية‪،‬‬
‫ويتلط المران معا ف حسه فيعتقد أنما كليهما من صميم الدين وأنه حي يدافع عن مركزه التميز‬
‫ويدفع الرأة عن اللحاق به‪ ،‬إنا يدافع عن الدين!‬
‫ول ي فت الدافع ي عن " قض ية الرأة " أن ي ستغلوا نق طة الض عف هذه ف مو قف العارض ي‪ ،‬وأن‬
‫يستغلوها إل آخر الدي‪ ،‬فدعوا إل إخراج الدين كله من القضية‪ ،‬والديث عنها علي أنا قضية تقاليد‬
‫وحي تكون علي هذه الصورة فهي إذن تقاليد عنيقة باليه وينبغي أن تطم ويستبدل با تقاليد جديدة‪..‬‬
‫عصرية تقدمية متطورة‬
‫وبطبيعـة الال ل يرض التدينون والريصـون علي الخلق عـن حصـر القضيـة فـ ميطـه التقاليـد‬
‫وإخراجها من دائرة الدين‪ ،‬كما كان أعداؤهم يدعونم كلما احتدمت العركة بقولم‪ :‬ل تزجوا بالدين‬
‫ف كل المور! فالدين ل علقة له بذه المور!!‬
‫ولكنهم ف النهاية انزمو وتراجعوا‪ ..‬ث صمتوا‪ ..‬وتقرر المر الذي خطط له الخططون‪ ،‬فأصبح "‬
‫امرا واقعا " رضي التدينون أو كرهوا‪ ،‬وأعلنوا رأيهم أو صمتوا عنه‬
‫لاذا حدث ذلك؟!‬
‫ل يكن " التطور العالي " كما توهم التوهون‪ .‬ول يكن ضغط الضارة الغربية ول يكن " الق "‬
‫الذي كان مغلوبا ث انتصر كما أذاع الدافعون عن قضية الرأة‪ .,‬ل تكن " طبيعة القضية " وكونا قضية‬
‫عالية لبد أن تأخذ مراها ف كل الرض بل ل يكن الغزو الفكري ف ذاته هو الذي جعل المور تأخذ‬
‫هذه الصورة‬
‫إن ا كان ق بل كل شئ‪ :‬الزي ة الداخل ية الناشئة من الواء ‪ ،/‬النا جم بدوره عن التخلف العقدي‬
‫والنبهار با عند الغرب‪ ،‬والظن بأنه لبد أن يكون صوابا ما دام آتيا من عند القوياء الغالبي!‬
‫نعم‪ ،‬إنا الزية الروحية هي الت مكنت للغزو الفكري‪ ،‬وهي الت جعلت كل ما يططه الخططون‬
‫ينفذ كأنه أمر حتمي ل مرد له‪ ،‬ولطاقة لحد بالوقوف ف طريقة! وما كان شئ من ذلك ليحدث لو‬
‫أن السلمي كانوا علي إسلم صحيح‪.‬‬
‫فالعقيدة الية التمكنة من القلوب ل تقهر‪ ،‬ول يتخلى عنها أصحابا مهما وقع عليهم من الضغوط‬
‫(‪.)1‬‬
‫والستعلء باليان يقي الناس من الذوبان ف عدوهم‪ ،‬ولو انزموا أمامه ف العركة الربية‬
‫والغ ن النف سي الذي يد ثه اليان ال ق بال‪ ،‬والغ ن الواق عي الذي يد ثه الت طبيق ال صحيح للمن هج‬
‫الربان‪ ،‬ويعل السلم –فردا وجاعة ومتمعا ودولة ف غن عن الفتراض ف عال القيم والبادئ فضل‬
‫عن التسول! وإذا احتاج لشئ من أمور الدنيا يفتقده عنده فإنه يأخذ ف استعلء الؤمن‪ ،‬ويطوعه لنهجه‬
‫الربان‪،‬ويصبح مالكا له ل ملوكا له‬
‫و ما كان الغزو الفكري ليت سرب إل نفوس ال سلمي لو كانوا علي ال سلم صحيح ول إل عقول م‬
‫وأفكار هم ومشاعر هم‪ ،‬ح ت يزيل هم عن قاعد ته ويرف هم ف التيار غثاء كغثاء ال سيل‪ ،‬ك ما و صفهم‬
‫رسول ال‪ e‬قبل أربعة عشر قرنا من الزمان‬
‫وما كان ضغط الضارة الغربية ليجلي السلمي عن مواقعهم‪ ،‬وهي حضارة زائفه مسوخة ف عال‬
‫الق يم‪ ،‬بر غم كل التقدم العل مي والادي والتكنولو جي الذي تشت مل ع يه و قد كان ال سلمون قمين ي أن‬
‫يأخذوا كل التقدم العلمي والاديوالتكنولوجي الذي يتاجون إليه كما أخذوا من الروم والفرس أول مرة‬
‫دون أن يفقدوا إسلمهم أو يتخلوا عن ذاتيتهم‪ ،‬أو تتلط القيم والوازين ف حسهم‬
‫و ما كان " التطور العال ي " ليغلب ال سلمي علي أمر هم‪ ..‬ف هو ل يس " حتم ية " حقيق ية ك ما خ يل‬
‫اليهود للبشرية ليدفعوها ف السار الذي جرفوها إليه إنا انرفت أوروبا ف تيار التطور اليهودي لوائها‬
‫من العقد ية ال صحيحة‪ ،‬ولن عقيدت ا الم سوخة ل ت كن ت صلح للحياة‪ ،‬ول كا نت تقدر علي ال صمود‬
‫أمام كيـد اليهود (‪ ،)2‬ولكـن السـلمي كانوا قمينيـ أن يصـمدوا ول ينهزموا أمام " التطور " الزعوم‪،‬‬
‫الذي انتكس فيه " النسان " أكب نكسبة وقع فيها ف تاريه كله‪ ،‬ف مال القيم والخلق والبادئ بل‬

‫() انظر ما وقع من الضغوط علي الماعة السلمة ف مكة‪ ,‬وانظر ما يقع اليوم من الذابح البشعة لخاد الصحوة السلمية وهي مع ذلك ل تمد‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫() راجع ‪-‬إن شئت ‪ -‬فصل "دور اليهود ف إفساد أوربا" من كتاب "مذاهب فكرية معاصرة"‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫ف مال " إنسانية النسان " ذاتا رغم البيق الاطف‪ ،‬ورغم كثرة ما قيل ف هذا العصر عن " إنسانية‬
‫النسـان" كان السـلمون قمينيـ أن يصـمدوا ول ينهزموا لنمـ يلكون العقيدة الصـحيحة مـن جهـة‪،‬‬
‫ولنم هم الؤهلون أن يفقوا للكيد اليهودي من جهة أخري لن ال وعدهم بالنجاة من ذلك الكيد إن‬
‫صبِرُوا َوَتّتقُوا ل َيضُرّكُ مْ َكيْ ُدهُ ْم َشيْئا}‬
‫ا ستقاموا علي الشرط‪َ { :‬وإِ نْ تُ صِْبكُمْ َسّيَئةٌ َيفْ َرحُوا بِهَا َوإِ ْن تَ ْ‬
‫[سورة آل ‪.]3/120‬‬
‫بل كان السلمون قميني أن يصححوا أفكار البشرية الزائغة إزاء لوثة الداروينية‪ ،‬ولوثة التطور‪،‬ولوثة‬
‫الادية‪ ،‬ولوثه التفسي النسي للسلوك البشري‪ ،‬والتفسي الل للحياة‪ ،‬ولوثة " التحرر " من كل القيم‬
‫ولوثة إخراج الرأة من بينتها ووظيفتها لتكدح وتشقي من أجل لقمة العيش نوتتبذل وتفسد‪ ،‬وتفسد‬
‫الجتمع كله معها ف ناية المر‬
‫ولو كانوا علي إسلم صحيح!‬
‫ولكنهم ل يكونوا‪..‬فأصابم ما أصابم‪..‬وبدل من أن يصححوا للبشرية منهج حياتا‪ ،‬ويهدوها إل‬
‫النهج الق‪ ،‬تلوا هم عن منهجهم الربان‪ ،‬وراحوا يلهثون لثا وراء الاهلية الوروبية‪ ،‬يستأذنونا ف‬
‫مذلة أن تسمح لم باللهث وراءها‪ ،‬ول تتقرهم ول تستصغرهم إل أن يتمكنوا من اللحاق با ف آخر‬
‫الشوط!‬
‫وذلك هو التفسي القيقي لا حدث ف قضية الرأة‪ ،‬وكل القضايا الخري الت ألت بالسلمي ف‬
‫أثناء نضتهم " العاصرة ‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫دخلت الرأة الامعة ل " لتتعلم " فقط ولكن " لتتحرر "!‬
‫لتتحرر من الدين والخلق والتقاليد‬
‫ف قد ق يل ل ا ك ما ق بل للمرأة الوروبية من ق بل إن التعل يم والختلط والرية و" التجربة " كلها "‬
‫حقوق " للمرأة كان الدين والخلق والتقاليد تنعها من مزاولتها و اليوم ينبغي أن تطم الواجزكلها‬
‫لتحصل الرأة علي ما لا من حقوق‪.‬‬
‫وبطبيعـة الال ل ت كن هناك طفرة‪ ..‬إن ا جاء كـل شئ بالتدر يج ومـا كان الخططون يتوقعون أن‬
‫تدث الطفرة وإن تلهفت قلوبم لشاهدتا – ول كان ذلك مكنا ف عال الواقع‬
‫ل قد دخلت أر بع فتيات كل يه الداب ف" الام عة ال صرية " مقتحمات كل الوا جز القائ مة يومئذ‪،‬‬
‫والجتمع كله‪ ،‬بي مؤيدا ومعارض يرقب التجربة الديدة وما يكن أن تسفر عنه‬
‫وكان هناك طبعا قدر من الدب وقدر من الياء وقدر من الحتشام سواء من جانب الفتيات الربع‬
‫أو من جانب الطلب ف مدرجات الامعة وافنيتها‪ ،‬والو كله ملوء بالذر والترقب‪.‬‬
‫ومع ذلك كله كتبت امينة السعيد ف مذكراتا الت نشرتا لا " اللل " وهي إحدي الفتيات الربع‬
‫اللوات " اقتحمن " الواجز‪ ،‬ليثبت جدارة الفتاة الصرية بكذا وكذا ما أثبت جدارتم به كتبت تقول‪:‬‬
‫إنه ف الختبار الشفوي ف آخر العام كانت اللجنة ف اختبار اللغة النليزية مكونة من استاذ إنليزي‬
‫وأستاذ مصري‪ ،‬وإن الستاذ النليزي ابتدارها ف الختبار بسؤالا عن رأيها ف الب!‬
‫تقول أنا من جانبها تلعثمت ف بادئ المر وإن الستاذ الصري غضب حت أحر وجهه من الغضب‬
‫وغادر اللجنة فقال لا الستاذ النليزي‪ :‬ل عليك منه! استمري!‬
‫وتقول‪ :‬إنا وجدت نفسها تنطلق ف الديث عن الب بل تلعثم ول حياء! وهوالطلوب‬
‫‪m m m‬‬

‫ل ت كن الام عة ال صرية ك ما كا نت جام عة القاهرة ت سمي ف ذلك ال ي قد انشئت لتر عي الق يم‬
‫السلمية ول لترعي تنشئة الشبان والفتيات تنشئة إسلمية‬
‫إن ا كا نت قد أنشئت لتكون م نبا " حرا" يها جم م نه الد ين والخلق والتقال يد مهاج ة شفو ية‬
‫وعملية كلما أمكن مع الذر من الروج السافر دفعة واحدة‪ ،‬حت ترسخ أقدام الامعة وتصبح معلما‬
‫ثابتا من معال الياة الصرية‪ .‬فل عليها بعد ذلك أن تفعل ما تشاء علنية بدون مواربه فلن يصيبها يومئذ‬
‫ما يقتلع جذورها بعد أن تثبت وتستقر‬
‫كانت مدرسة العلمي العليا الدنلوبية قد استنفدت اغراضها ف تريج الدرسي الذين سيوالون تعليم‬
‫الجيال فترة غي قصية من الزمن‪ ،‬يبثون فيهم ما بث فيهم من قبل من نفور من الدين وأهله‪ ،‬وانسلخ‬
‫من آدابه وقيمه‪ ،‬وعبوديته مقنعة أو سافره للغرب‬
‫واليوم يراد توسع الدائرة فالدرسون مهمون نعم ومطالبون نعم‪ ،‬ولكن الدرس بطبيعة نشأته مدود‬
‫ال فق‪ ،‬م صور ف دائر ته ل يغادر ها‪ ،‬تتحول حيا ته ب عد ح ي إل رتا به مله‪ ،‬فينغلق علي نف سه‪ ،‬ويف قد‬
‫حيويته وخصوبة فكرة‪ ،‬إل النادر القليل‪.‬‬
‫ونريـد اليوم أن يكون لدينـا " مفكرون "‪ " ..‬احرار " ة لينشروا " حريـة الفكـر " علي مسـتوي‬
‫الجتمع كله‪ .‬رحاله ونسائه وكل من فيه‬
‫ومدرسة العلمي العليا بكل ما قدمت من "خدمات " عاجزة بطبيعة تكوينها عن أداء هذه الهمة‬
‫الطية إنا الذي يقدر علي ذلك هو الامعة‬
‫ومن هنا كانت الامعة مددة الهداف عند مططيها من أول لظة‬
‫ولقد فرح الناس با فرحا شديدا عند مولدها‪ ،‬وأقبل الشباب عليها بلهفة وتشوق‪ ،‬لنا ف ظاهرها‬
‫كانت خطوة تعليمية وثقافية ضخمة‪ ،‬سدت ثغرة كانت موجودة ف الياة الصرية‪ ،‬بعد تميد الزهر‪،‬‬
‫وانصراف الناس عنه‪ ،‬والعزلة الت فرضها عليه دنلوب‪ ..‬ث لمر آخر كان يال تلك النفوس ويزيد من‬
‫فرحتها‪ :‬لقد صرنا الن مثل أوروبا صارت لدينا جامعة!‬
‫ول يكن كثيون يتوقعون أن تصبح الامعة منبا لهاجة السلم‪ ،‬ولتخريج شباب يستخفون علنية‬
‫ب كل الق يم الدين ية ن وي ستخفهم الغرور العل مي أو الهلي! متكئ ي إل أ نه " خريوا الام عة " أي "‬
‫الطراز " الديث! فليس لحد أن يتصدي لم أو يناقشهم أو يطئهم‪ ،‬وإل فهو جاهل رجعي متخلف‪..‬‬
‫فهنا ف الامعة وهنا فقط يوجد العلم الق ن والفق الواسع‪ ،‬والفكر التحرر‪ ،‬والنظرة التقدمية‪ ،‬والروح‬
‫العلمية‪ ،‬وإرادة الياة الرة‪ ..‬وف كل مكان آخر أيا يكن ذلك الكان توجد الرجعية والمود والتأخر‬
‫والع فن الن ت الذي خلفته عصور النطاط‪ ،‬وال هل الفا ضح الذي يع يش ف الظلمات غ ي منفتح علي‬
‫تيار الياة الي‪ ،‬ويكفي أهله سواء وجهلة وتلفا أنم ل يعرفون " لغة أجنبية " (‪.)1‬‬
‫ول عل الناس فوجئوا ف أول ال مر بال ستشرقي الذ ين يقدحون ف ال سلم ت ويشوهون صورته‪،‬‬
‫ويهاجونه‪ ،‬أساتذة ف كلية الداب يدرسون أفكارهم للطلب‪ ،‬تت إشراف طه حسي " عميد الدب‬
‫العرب " ورئيس قسم اللغة العربية يومئذ ومن بينهم السشرق اليهودي" مرجوليوث" الذي كان يقول إن‬
‫ممدا‪ e‬مهول النسب! فقد كانت العرب تطلق علي من ل تعرف نسبه اسم عبد ال‪ ،‬ومن ث فمحمد‬
‫بن عبد ال‪ e‬هو ابن رجل مهول النسب! وهي فريه ل يقلها أحد غيه من الشتشرقي! (‪.)2‬‬
‫ولعلهم فوجئوا بطه حسي الذي قال ف كتاب الشعر الاهلي للتوراه والنيل أن يدثانا عن إبراهيم‬
‫وإساعيل وللقرآن أن يدثنا عنهما كذلك‪ ،‬ولكن هذا وذاك ل يثبت لما وجودا تارييا! (‪ )3‬يصبح ف‬
‫مكان الصدارة ف الامعة الديدة ن ث يقول ف فترة لحقه‪ ،‬ف كتابه " مستقبل الثقافة ف مصر " إن‬
‫مصر ل تكن قط جزءا من الشرق‪ ،‬وإنا كانت دائما جزءا من حوض البحر البيض التوسط‪ ،‬وكل ما‬

‫() ربا ل يعلم كثي من القراء أنن من خريي تلك الامعة‪ ,‬ومن دارسي اللغة النليزية والدب النليزي فيها‪ ,‬فلست أصدر فيما أقرر هنا عن عصبية معهدية ضد الامعة! إنا هي‬ ‫‪1‬‬
‫القيقة الت أحسبها ‪-‬الن‪ -‬ل تعد خافية! ول ينكر أحد أنه من الناحية "الثقافية" كانت الامعة أوس ع أفقا‪ ,‬وخريوها أكثر احتكاكا بالفكار "العالية" ولكنها ل تكن توجه‬
‫طلبا لنقد الضارة الغربية‪ ,‬واختيار الصال من ثارها للستفادة به ف "نضة" حقيقة‪ ,‬مع طرح الفاسد من هذه الثامر‪ ,‬إنا كانت علي العكس من ذلك من أكب أدوات "التغريب"‪.‬‬
‫() انظر فصل "الديانة الحمدية ‪ "Mohamedanism‬تأليف مرجوليوث‪ ,‬ف موسوعة تاريخ العال‪.Universal Histiry of the World :‬‬ ‫‪2‬‬
‫() الفكار الرئيسية ف هذا الكتاب ‪-‬وهي القول بأن الشعر الاهلي القيقي كان أبلغ من القرآن‪ ,‬ولذلك طمس عليه السلمون‪ ,‬وانتحلوا شعرا أقل منه بلغة ونسبوه إل الشعراء‬ ‫‪3‬‬
‫الاهلي‪" ,‬ليزعموا" بعد ذلك أن القرآآن أبلغ من الشعر الاهلي! هي أفكار مرجوليوث الشار إليه‪ ,‬انتحلها طه حسي! وقد صودر هذا الكتاب حي أثار ما أثار من ضجة‪ ,‬ولكن‬
‫طه حسي سئل ف حديث صحفي أجراه معه ممود عوض ف ملة صباح الي قبل وفاة طه حسينن بعام واحد عن أفكاره ف هذا الكتاب فقرر أنه ما زال مؤمنا بكل حرف فيها‪.‬‬
‫جاءها من الشر جاءها من الشرق!‪.‬‬
‫ولعلهـم فوجئوا بنـ يقول إن قصـص القرآن قصـص "فنـ" يعنـ ل يتحدث عـن حقائق تارييـة‬
‫(‪)1‬‬
‫وأشخاص حقيقيي‪ ،‬إنا هي قصص فنية‪ ،‬مبتدعة من اليال لغراض فنيه!‬
‫وفوجئوا وفوجئوا وفوجئوا وثارت ثائرة مـن ثار منهـم ولكنهـا ثورة أضعـف مـن أن تغيـ شيئا مـن‬
‫الواقع ومضي الديد يثبت أركانه‪ ،‬يد له الخططون من وراء الستار‪ ،‬وتتبلد عليه مشاعر الناس‪ .‬حت‬
‫جاء الو قت الذي أ صبح " الناس " هم أنف سهم خري ي الام عة‪( ،‬أو الامعات في ما ب عد) فتجان ست‬
‫الفكار والتصورات والدوافع وأناط السلوك! ول يعد شئ ما يري ف الامعات يثي ما يسي " الرأي‬
‫العام "!‬
‫‪m m m‬‬

‫وإذا كا نت كل ية الداب بالذات قد خ صصت " لتفر يخ" م ثل هذه الفكار والت صورات‪ ،‬وتر يج "‬
‫مفكر ين أحرار " يقومون " بواجب هم " ف إزالة " العفن " و" النت " من الفكار والعقول‪ ،‬ليضعوا بدل‬
‫من ها الفاه يم الغرب ية عن الد ين والخلق والتقال يد‪ ،‬ولينشئوا متم عا جديدا علي هدي الخطط ي الذي‬
‫يططون من وراء الستار قد"ترر " أبناؤها وبناته وصاروا " طلقاء " يفعلون بالدين ما يراد منهم‪ .‬فإن‬
‫كلية القوق قد أنشئت لتخريج أجيال تدعو إل القانون الوضعي لنه تصصها الذي ربيت عليه‪ ،‬ول‬
‫تعلم غيه ف من ال طبيعي أن تتع صب له‪ ،‬وتعادي كل شئ غيه وتب عد عن الذهان نائ يا قض ية تك ي‬
‫شريعة ال‪ ،‬لنا غي واردة ف أذهانم أصل ومن هؤلء يكون رجال السياسية ورجال الكم‪ ،‬والساء‬
‫البارزة اللمعة ف الجال الجتماعي‬
‫أما الكليات العلمية فهي ترج الفنيي من أطباء ومهندسي وزراعيي وغيهم‪ ,‬ولكنها ترجهم علي‬
‫الطريقة الغربية البحتة‪ ،‬أي " علمانيي " (‪ )2‬ل يطيقون الديث ف أمور الدين‪ ،‬فضل عن ان يتدينوا هم‬
‫أنفسهم لنم طلب " علم " والدين خرافة‪ ،‬ولنم " واقعيون" والدين أساطي‪ ،‬ولنم " عقول مفكرة‬
‫" ل ينبغي لا أن تتدن إل مستوي العوام الذي ل يطلعوا علي " القائق العلمية " وفضل عن ذلك فإنم‬
‫" يتميزون " عن أمثالم من " العلمانيي " ف الغرب‪ ،‬بكونم يتقرون لغة بلدهم‪ ،‬لنا لغة متخلفة ل‬
‫تصـلح للعلم‪ ،‬ويتحدثون مـن ثـ بغلة السـادة التحضريـن‪ ،‬ويرفضون أن ينظروا فـ أي كلم مكتوب‬

‫() الدكتور ممد أحد خلف ال ف كتاب "الفن القصصي ف القرآن الكري"‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫() لفظة "علمانية" هي ترجة عربية مضللة للكلمة ‪ Secularism‬كما أشرنا من قبل‪ ,‬والول أن تسمي "الل دينية" انظر ‪-‬إن شئت‪ -‬فصل "العلمانية" من كتاب "مذاهب فكرية‬ ‫‪2‬‬
‫معاصرة"‪ .‬وما هو جدير بالذكرر أن هذذه الترجة الضللة كانت من صنع اللبنانيي السيحيي!‪.‬‬
‫بالعرب ية لن العرب ية أ صل هي ل غة المود والتخلف‪ ،‬ولو كان الكتوب بالعرب ية هو القرآن بل إن هذا‬
‫الكتاب بالذات هو أشد ما ينفرون من قراءته أو النظر إليه!‬
‫وهكذا تتوا كب الكليات وتتوا كب التخ صصات لتخرج ف النها ية ال يل الطلوب لعداء ال سلم!‬
‫اليل التجه بكليته إل الغرب‪ ،‬النافر من " الرجوع" للسلم (‪.)1‬‬
‫‪m m m‬‬

‫وكما كان من أهداف الامعة تريج اليل الديد من " الرجال التحررين " الذين أداروا ظهورهم‬
‫لل سلم وولوا وجهو هم ش طر الغرب سواء من كل ية الداب أو القوق أو الكليات العلم ية‪ ،‬ف قد كان‬
‫من أهدافها كذلك تريج اليل الديد من " النساء التحررات " اللوات انسخلن من الدين والخلق‬
‫والتقاليد ف قد كا نت " الفتاة الامع ية "‪ " ..‬الثق فة "‪ " ..‬التحررة " ة عنوانا للتغ ي الطلوب‪ ،‬وداف عا ف‬
‫الوقت ذاته إل مزيد من " التحرر " الطلوب!‬
‫ولكن هنا تأت وسائل العلم الخري لتمد " قضية الرأة " باللهيب الدائم الذي ل يبو أوراه‪ ،‬حت‬
‫يتم الطلوب كله‪ ،‬وف أقصي صورة مكنة‬
‫فلئن كان " اللهيب " قد ابتدأ أو اشتعل ف مسرحية الظاهرة النسائية الت أحرقت الجاب ف ميدان‬
‫ال ساعيلية أمام ثكنات ال يش النليزي فال صحافة ال صرية اللبنان ية ال سيحية الارون ية (‪ -)2‬توا كب "‬
‫القضية " وتدفعها دائما إل المام‬
‫إن عدسـه الصـحافة تلحـق " الفتاة الامعيـة " لترصـد جيـع تركاتاـ وتتار بطبيعـة الال الوجوه‬
‫الميلة لتجع ها "إعل نا " عن الق صية وتتنوع التعليقات‪ ،‬ولكن ها كل ها تبارك تلك الطوة البارة ال ت‬
‫خطتها الفتاة الصرية‪ ،‬والت حطمت فيها القيود والواجز‪ ،‬وأخرجت الرأة الصرية من سجن " التقاليد‬
‫" الظلم‪ ،‬ومن عقلية القرون الوسطي الظلمة(‪ ..)3‬لتري النور‪ ..‬لتتحرر‪ ..‬لتشارك ف أمول الجتمع!‬
‫و ف ظل تلك التعليقات ت سنح الفر صة و هي دائ ما سانة لهاج ة تلك " التقال يد " ال ت ت عل الرأة‬
‫() ل ينفي ذلك ببطبيعة الال أن يكون من بي ذلك اليل‪ ,‬أو تلك الجيال‪ ,‬من ل يضع لعملية التغريب‪ ,‬وبقي مافظا علي إسلمه‪ ,‬وذذاتيته‪ ,‬ولكنهم ‪-‬قبل "الصحوة السلمية"‬ ‫‪1‬‬
‫الت سنتحدثث عنها ف الفصل القادم‪ -‬كانوا قلة ل يسب لم حساب‪.‬‬
‫() وكانت هناك كلك صحافة "مصرية" صميمة‪ ,‬ولكنها كانت ‪-‬ببوعي أو بغي وعي‪ -‬تتقتفي أثر الصحف اللبنانية السيحية الارونية الت أرست "القواعد الصحفية" ف مصر‪ ,‬بل قد‬ ‫‪2‬‬
‫تزيد عليها تبذل لتكسب مزيدا من القراء من "الجيال الصاعدة" من الولد والبنات!‪.‬‬
‫() تعبي "القرون الوسطي الظلمة" من تعبيات الغزو الفكرير الت تري ‪ -‬بطلقة!س ‪ -‬علي ألسنة الستعبدين للغربب‪ ,‬ويقصد با ‪ -‬ف حسهم ‪ -‬السلم! وأوربا تصف ‪ -‬بق ‪-‬‬ ‫‪3‬‬
‫قرونا الوسطي بأنا مظلمة‪ ,‬لنا كانت مظلمة حقا‪ .‬وتقول ‪ -‬بق ‪ -‬أن "الدين" عندها كان سبب ذلك الظلم‪ ,‬وإن التحرير منه هو الذي أرجها من قرونا الظلمة‪ ,‬لن ذلك‬
‫الديـن ل ي كن ربانيا‪ ,‬إناـكان دينا بشريا ‪ -‬جاهليا ‪ -‬من صنع الكنيسـة‪ ,‬يتوي مـن الرافات والزعبلت والفتراء علي ال ما ل ت ستسيغه فطرة سـليمة ول فكـر "حـر"‪ .‬أ ما‬
‫الستعبدون للغزو الفكري فينسون أولً أن هناك فارقا رئيسيا بي السلم ‪ -‬الدين الربان غي الحرف ‪ -‬وبي دين الكنيسة الحرف‪ ,‬ويينسون ثانيا أن القرون الوسطي الظلمة ف‬
‫أوربا كانت هي الفترة التاريية الشرقة بنور السلم‪ ,‬سواء ف الشرق أو الغرب والندلس‪ ,‬حيث تعلمت أوربا لتخرج من الظلمات إل النور!‪.‬‬
‫حبيسـة البيـت مسـتبعدة للرجـل‪ ،‬ناقصـة الدميـة‪ ،‬مهضومـة القوق‪ ،‬ل عمـل لاـ إل المـل والولدة‬
‫والرضاعة و " خدمة " الرجل وتربية الولد!‬
‫ولبد من وقفه هنا لبيان حقيقة‪ ،‬سبقت الشارة إليها‪ ،‬ولكنها تتاج إل مزيد من اليضاح‪.‬‬
‫إن الرأة كانت مظلومة بالفعل وكانت تعامل معاملة سيئة بالفعل‪ ،‬وكانت تعي بأنا جاهلة‪ ،‬وبأن‬
‫مهمتها هي أن تمل وتلد ول شأن لا بشئ أخر‪ ..‬وكانت هذه نظرة " جاهلية " تسربت إل الجتمع‬
‫ال سلم ح ي تلف عقد يا‪ ،‬وف سد كث ي من مفاهي مه ال سلمية‪ ،‬والاهليات ت نح غال با إل تق ي الرأة‬
‫وإزدرائها‪ ،‬إل أن تنح كالاهلية الغريقية الرومانية ووريثتها الاهلية العاصرة إل تدل الرأة وإفسادها‬
‫خلقا لتصبح مسرحا لشهوة الرجل‬
‫وكان و ضع الرأة ف م صر و ف العال ال سلمي كله ف حا جة إل ت صحيح لرد الكرا مة الن سانية‬
‫إليها‪ ،‬ووضعها ف الكانة اللئقة با بوصفها " إنسانه" كرمها ال حي قرر الكرامة لكل بن آدم‪{ :‬وََلقَدْ‬
‫َك ّرمْنَا بَنِي آدَ مَ ‪[ }..‬سورة السراء ‪ ]17/70‬وساواها ف النسانية بالرجل حي قرر أنه {َب ْعضُكُمْ مِ نْ‬
‫َبعْضٍ} [سورة آل ‪ ]3/195‬وقرر لا احتراما وتوقيا خاصا ف وضع المومة من أجل ما تتكبده ف‬
‫ض َعتْ هُ كُرْها} [سورة الحقاف ‪ ]46/15‬وجعل النة تت‬ ‫المل والرضاعة‪{ :‬حَ َمَلتْ هُ ُأمّ هُ كُرْها َووَ َ‬
‫أقدامها علي لسان رسوله‪e‬‬
‫وكان هذا الو ضع النحرف عن أوا مر ال سلم وتوجيها ته هو هو الذي ف تح الثغرة للغزو الفكري‪،‬‬
‫وهو هو الذي استغله الشياطي لينفذوا منه إل الجتمع السلمي ف كل بلد السلم وينفذوا مططاتم‬
‫فيه‪.‬‬
‫ولو كان الجتمع السلمي يطبق السلم ف صورته الصحيحة‪ ،‬فمن أين كان ينفذ الشياطي؟‬
‫كانت أوربا ف جاهليتها ستصيح صيحتها و" ترر" نساءها من الدين والخلق والتقاليد‪ ،‬وترج‬
‫الرأة هناك سافرة متبجة عارية‪ ،‬وتل الشوارع والصانع والكاتب والدواوين‪ ،‬ونغرق هي والرجل ف‬
‫علقات دنسـة‪ ،‬وتدنـس السـد والروح‪ ،‬وتتفكـك السـرة‪ ،‬ويتشرد الطفال‪ ،‬وتنتشـر الريةـ والمـر‬
‫والخدرات والقلق والمراض العصبية والنفسية والنتحار والنون‪ ،‬ويظل الجتمع السلمي ف تاسكه‬
‫ورفعته ونظافته وتطهره‪ ،‬ينظر رجاله ونساؤه إل تلك الاهلية نظرة استنكار ونفور واستعلء‪.‬‬
‫وربا قال قائل‪ :‬إن ما بدأ اليوم من عوار الاهلية العاصرة ل يكن واضحا للعيان يوم بدأت " الركة‬
‫النسائية " ف العال السلمي‪ ،‬ومن ث كان العال السلمي عرضه للفتتان " بقضية الرأة" ف وجهها "‬
‫الصلحي " قبل أن يظهر ما تتويه ف باطنها من الفساد‬
‫وهذا قول مردود‬
‫ففي وقت مبكر نسبيا عام ‪ 1929‬م كتب " ول ديورانت" الكاتب المريكي‪ ،‬ف كتابه " مباهج‬
‫الفلسفة "هذه الكلمات‪:‬‬
‫" فحياة الدينة تفضي إل كل مثبط عن الزواج‪ ،‬ف الوقت الذي تقدم فيه إل الناس كل باعث علي‬
‫الصلة النسية‪ ،‬وكل سبيل يسهل أداءها ولكن النمو النسي يتم مبكرا عما كان من قبل‪ ،‬كما يتأخر‬
‫النمو القتصادي‪ ،‬ول مفر من أن يأخذ السم ف الثورة وأن تضعف القوة علي ضبط النفس عما كان‬
‫ف الزمن القدي وتصبح العفة الت كانت فضيلة موضعا للسخرية ويتفي الياء الذي كان يضفي علي‬
‫المال جال‪ ،‬ويفاخر الرجال بتعداد خطاياهم وتطالب النساء بقها ف مغامرات غي مدودة علي قدم‬
‫الساواة مع الرجال ويصبح التصال قبل الزواج أمرا مألوفا وتتفي البغايا من الشوارع بنافسة الاويات‬
‫ل برقابة البوليس‬
‫" ومـا يدق مـن إباحـة بعـد الزواج فهـو فـ الغالب ثرة التعود قبله وقـد ناول فهـم العلل اليويـة‬
‫والجتماعية ف هذه الصناعة الزدهرة (‪ ,)1‬وقد نتجاوز عنها باعتبار أنا أمر لمفر منه ف عال النسان ن‬
‫وهذا هو الرأي الشائع لعظم الفكرين ف الوقت الاضر غي أنه من الخجل أن نرضي ف سرور عن‬
‫صورة ن صف مليون فتاة أمريك ية يقد من انف سهم ضحا يا علي مذ بح الباح ية ن و هي تعرض علي نا ف‬
‫السـارح وكتـب الدب الكشوف تلك التـ تاول كسـب الال باسـتثارة الرغبـة النسـية فـ الرجال‬
‫والنساء الحرومي وهم ف حي الفوضي الصناعية من حي الزواج ورعايته للصحة"‪.‬‬
‫"حت إذا سئمت فتاة الدينة النتظار‪ ،‬اندفعت با ل يسبق له مثيل ف تيار الغامرات الواهية فهي‬
‫واق عة ت ت تأث ي إغراء م يف من الغزل والت سلية وهدا يا من الوارب وحفلت من الشمبان يا ف نظ ي‬
‫الستمتاع بالناهج النسية وقد ترجع حرية سلوكها ف بعض الحيان إل إنعكاس حريتها القتصادية‬
‫فلم ت عد تعت مد علي الر جل ف معاش ها و قد ل يق بل الر جل علي الزواج من إمرأة بر عت مثله ف فنون‬
‫الب‪.‬‬
‫فقدرتا علي كسب دخل حسن هوالذي يعل الزوج النتظر مترددا‪ ،‬إذا كيف يكن أن يكفي اجره‬
‫التواضع للنفاق عليهما معا ف مستواها الاضر من العيشة؟" (‪.)2‬‬
‫"‪ ..‬ولندع غيها من الذين يعرفون يبونا عن نتائج تاربنا‪ ..‬أكب الظن أنا لن تكون شيئا نرغب‬

‫() يقصد صناعة البغاء‪ ..‬ويلحظ أنه يلتمس لا البرات رغم السي الذي يسه علي الفتاة المريكية!‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫() يقصد أن الرجل قد يرفض الزواح من الفتاد الفاسدة الخلق‪ ,‬ولكن الضغط القتصادي يعله يقبل ف النهاية بعد تردد!‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫ف يه أو نريده‪ ..‬فن حن غارقون ف تيار من التغي ي‪ ،‬سيحملنا بل ر يب إل نايات متو مة ل حيلة ل نا ف‬
‫اختيارها‪ .‬وأي شئ قد يدث مع هذا الفيضان الارف من العادات والتقاليد والنظم‪.)1( "...‬‬
‫فإذا كان هذا قـد كان واضحـا عنـد رجـل غيـ مسـلم بـل رجـل ملحـد سـاخربكل القيـم الدينيـة‬
‫والخلقية مثل ول ديورانت قبل أكثر من نصف قرن من الزمان فقد كان الخري أن يكون واضحا‬
‫تام ع ند الجت مع ال سلم‪ ،‬الذي يهتدي بب صيته اليان ية ال ستمدة من إيا نه بكتاب ال و سنه ر سوله‪e‬‬
‫والذي يري حتميته السني الربانية ف الياة البشرية حي يقدم الناس لا السباب ويؤمن بالنتائج السيئة‬
‫الترتبة علي فساد الخلق ف حياة المم وحياة الفراد‬
‫ولكن القضية أن الجتمع السلمي كان بعيدا عن حقيقة السلم‬
‫ومن هنا وجدت الثغرة الت ينفذ منها الشياطي‬
‫وحي نفذوا فإنم ل يقولوا إن الجتمع قد بعد عن السلم الصحيح وينبغي أن يعود إليه فما لذا‬
‫جاءوا و ما لذا أطلقوا صيحاتم! إن ا هم كانوا يعملون بهد هم كله ليخرجوا هذه ال مة من ال سلم‬
‫وليسوا لا الطريق الذي يبعدها نائيا عنه‪ ،‬وينعها بكل سبيل من العودة إليه‪.‬‬
‫ولئن كانوا قد استخدموا السلم ف مبادئ حركتهم كما استخدمه قاسم أمي وغيه ليتترسوا به‬
‫من قذائف العارضي الذين سيمونم ول شك بالروق من الدين‪،‬فإن هذه الرحلة سرعان ما استنفدت‬
‫اغراض ها ووقفوا موقف هم القي قي من ال سلم‪ ،‬و هو مو قف الن بذ والعار ضة والجوم‪ ،‬علي مرحلت ي‬
‫متتابعتي بكم الظروف الول هي مهاجة التقاليد والخري هي مهاجة الدين باسه الصريح‬
‫ف مرحلة الجوم الول هاجوا التقال يد ال ت كا نت ظال ة بالف عل من تأث ي الردة الاهل ية ال ت كان‬
‫الجت مع ال سلمي قد ار تد إلي ها نتي جة تل فه العقدي‪ ،‬وعدم ت طبيقه ال سلمي علي صورته القيق ية‬
‫ولكنهم حرصوا علي أن يدخلوا ف دائرة الجوم التقاليد السلمية القيقة الت قررها ال ورسوله‪ ،‬جنبا‬
‫إل جنب مع التقاليد الفاسدة‪ ،‬ويطلقوا عليها جيعا أنا تقاليد " باليه " ينبغي أن تطم وأن تغي كما‬
‫حر صوا علي ان سوها كل ها بان ا من تراث الع صور الو سيط " الظل مة" ال ت ينب غي ل ا أن ت حي من‬
‫الوجود ف العصر الديث عصر النور التحرر والنطلق!‬
‫وكان ف هذا الجوم علي هذا الن حو خ بث ما كر ول شك فحقي قة إن كل النوع ي من التقال يد‬
‫ال صحيح والفا سد كان قائ ما ف الياة ال سلمية بع ضه إل جا نب عض ول كن كان من ال سهل لو‬
‫خل صت النيات فرز هذه من تلك‪ ،‬والبقاء علي التقال يد ال قة وال ستمدة بالف عل من كتاب ال و سنه‬

‫() مقتطفات سريعة من كتاب "مباهج الفلسفة" لول ديورانت‪ ,‬ترجة عبد العزيز جاويد‪ ,‬وف الصل توسع ف هذا الوضوع استتغرق مابي ص ‪ 126‬وص ‪ 236‬من الترجة العربية‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫رسوله‪ ،e‬وماربه التقاليد الفاسدة الت جاءت من الردة الاهلية ف شأن الرأة ن حت لو اقضت المر‬
‫خوض معركة مع التم سكي با فإن ا برز العلماء ف حياة هذه المة بالعارك الادة الت خاضوها ضد‬
‫انرافات الجتمع ولو كان الجتمع كله غارقا فيها وتركوا بصاتا الصلحية بقدار ما بذلوا من جهد‬
‫وبقدار ماكان كان هذا الهد ملصا متجردا ل‬
‫لكن البثاء استغلوا ما غشي السلم من غبش ف نفوس معتنقية‪ ،‬فلم يعودوا يزون بي الق والباطل‬
‫واستغلوا بصفة خاصة جهالة " الثقفي " فهاجوا الظلم البي الذي يأباه ال ورسوله وأدخلوا معه تقاليد‬
‫السلم القيقة علي أنا من الظلم الذي ينغي إزالته وزعموا ف بادئ المر انا ليست من الدين إنا هي‬
‫من و ضع رجال متزمت ي اخترعوا من ع ند انف سهم وأل صقوا لذا النفور الثبات والر سوخ ف قلوب م‬
‫صارحوهم ف الرحلة الخية أن ا من الد ين! وقالوا ل م جهرة إن الد ين ذا ته هو البلء الذي ينب غي‬
‫التخلص منه ونبذه وراء الظهور!‬
‫هاجوا ترك الرأة جاهلة بل تعل يم وكان هذا بالف عل من التقال يد الفا سدة ال ت انزلق إلي ها الجت مع‬
‫السلمي بعيدا عن تعاليم السلم‪.‬‬
‫وهاجوا احتقارها وازدراءها وتعييها بأنا تمل وتلد ول شأن لا بشئ آخر‪ ،‬وكان هذا بالفعل من‬
‫التقاليد الفاسدة الضادة تاما لتعاليم السلم‬
‫وهاجوا تزوي ها بغ ي إذان ا وبغي رغبتها وكان هذا كذلك من التقال يد الفا سدة الخال فة للن صوص‬
‫الصرية من أحاديث الرسول‪.e‬‬
‫ولكن هم إل جا نب ذلك هاجوا حجاب ا‪ ،‬وهاجوا ا ستقرارها ف بيت ها وعدم خروج ها إل للضرورة‬
‫و صوروا ذلك بأنه سجن وضعها الر جل فيه أنانية منه وظلما بين ما هي أوا مر صرية من ال سبحانه‬
‫وتعال لمهات الؤمني ولنساء الؤمني معهن وطالبوا بروجها إل "الجتمع " سافرة |" متحررة " بغي‬
‫قيد هو أمر ني ال عنه نيا صريا ف آيات مبينات‪:‬‬
‫ج الْجَاهِِلّي ِة الُولَى} [سورة الحزاب ‪]33/33‬‬
‫{وَقَ ْرنَ فِي بُيُوتِكُ ّن وَل َتبَرّجْنَ تَبَرّ َ‬
‫ك َوَبنَاتِ كَ َونِ سَا ِء الْ ُم ْؤمِنِيَ يُ ْدنِيَ عََلْيهِنّ مِ نْ جَلبِيِبهِنّ} [سورة الحزاب‬
‫{يَا َأّيهَا الّنبِيّ قُلْ لَ ْزوَاجِ َ‬
‫‪]33/59‬‬
‫حفَظْ نَ ُفرُو َجهُنّ وَل يُبْدِي نَ زِيَنَتهُنّ إِلّ مَا َظهَ َر ِمنْهَا‬
‫{وَقُلْ لِ ْل ُم ْؤ ِمنَا تِ َي ْغضُضْ َن مِ نْ َأبْ صَا ِرهِ ّن َويَ ْ‬
‫خمُ ِرهِنّ عَلَى ُجيُوِبهِنّ (‪ )1‬وَل يُبْدِينَـ زِينََتهُنّ إِلّ ِلُبعُوَلتِهِنّ َأوْ آبَاِئهِنّ} [سـورة النـــور‬
‫وَْلَيضْ ِربْنَـ بِ ُ‬

‫() المار كما هو معلوم من اللغة هو غطاء الرأس‪ ,‬واليب ف اللغة هو فتحة الصدر‪ .‬فالسلمة بنص الية تغطيي رأسها بالمار‪ ,‬وتغطي صدرها كذلك‪ ,‬أمرا من عند ال‪ ,‬ل من‬
‫‪1‬‬
‫‪]24/31‬‬
‫ولكن الهاجي ف الولة الول خلطوا الابل بالنابل عن عمدا وجعلوا القضايا كلها تقاليد عتيقة‬
‫باليه عفي عليها الزمن ول يعد يستساغ وجودها ف عصر الرية والنور!‬
‫أما ف الولة الثانية (وسيات الديث عنها) فقد أصبح الدين ذاته هو الرجعية الت ينبغي أن ننبذها‬
‫لنكون(تقدميي)!‬
‫‪m m m‬‬

‫قلنا إن الصحافة سواء اللبنانية السيحية الارونية أو الصرية الصميمه الت يشرف عليها من يملون‬
‫أ ساء إ سلمية (‪ -)1‬قد تاب عت " قض ية الرأة " باهتمام ملحوظ‪ ،‬وحر صت علي تغذ ية العر كة بالوقود‬
‫الدائم الذى ل يفتر‪ ،‬كما حرصت علي متابعة الفتاه الامعية وهي تشق طريقها " الصاعد " الذي تدوس‬
‫فيه كل القدسات لكي تصل إل النور‬
‫وكان من ب ي ما حر صت عل يه تلك ال صحافة والجلت ال سبوعية ب صفة خا صة إبراز " الروح‬
‫الامعية"‬
‫و ل يتبادر إل ذ هن أ حد أن الق صود بالروح الامع ية هو روح الب حث العل مي والتع مق ف أ خذ‬
‫المور وعدم الت سرع ف إ صدار الحكام ح ت يث بت البا حث من أن لد يه من الدلئل ما ي سند ال كم‬
‫الذي وصل إليه إل أخر هذه العان الت تطر علي البال حي تذكر " الامعة " وتذكر الروح الامعية‬
‫والت كان نصيب الامعي منها ف غالبية الحيان ضئيل للغاية!‬
‫إنا " الروح الامعية " أعلم هداك ال هي مارسة الختلط ف الامعة بي البني والبنات ومقدار ما‬
‫ي قع ف هذه المار سة من ترر وإنطلق وانعتاق من سجن التقال يد البال ية ال ت تف صل ش قي الجت مع‬
‫بعضهما عن بعض‪ ،‬وتضع بينهما الواجز الت تعيق المة كلها عن التقدم والرتقاء‪!!..‬‬
‫وحذار أيت ها الفتاة أن تز مي ف العر كة! ف غض الب صر معناه عدم الث قة بالن فس‪ ،‬و هو من ملفات‬
‫القرون الوسطي الظلمة الت كانت تنظر إل الرأة علي أنا دون الرجل‪ ..‬فتغض بصرها (‪ )2‬أما أنت يا‬

‫عند الرجال التزمت الذي يظلم الرأة بأناتيته‪.‬‬

‫() كان هناك "مسملون" ل يربطهم بالسلم شئ‪ ,‬وكان هناك متمسلمون مثل "روز اليوسف" وهي يهودية أو مسيحية ست نفسها "فاطمة اليوسف"‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() غض البصر كما هو معلوم من أمر هذا الدين‪ ,‬هو أمر ربان للرجال والنساء معا‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫ح َف ْظنَ ُفرُو َجهُنّ} [سورة النــور ‪ .]31-24/30‬فل دخل لا المر بالدوانية! إنا‬
‫ضنَ ِمنْ أَْبصَارِ ِهنّ َويَ ْ‬
‫ض ْ‬
‫ح َفظُوا ُفرُو َجهُمْ}{ َوُقلْ ِللْ ُم ْؤمِنَاتِ َيغْ ُ‬
‫{ُقلْ ِللْ ُمؤْمِِنيَ يَغُضّوا ِمنْ َأبْصَارِهِمْ َويَ ْ‬
‫هو الحتشام اللئق "بالنسان" لكيل يتحول إل حيوان شهوان‪ .‬وقد كان من أكثر من أل علي الفتاة أن تلع حياءها ول تغض من بصصرها الكاتب الصليب سلمة موسي‪ ,‬لغاية‬
‫ف نفسه مفهومة وواضحة‪ ,‬بيتما تروي كتب السية عن قمة البشرية ممد ‪ e‬أنه كان أشد حياء من العذراء‪.‬‬
‫حاملة الراية فارفعي رأسك عاليا‪ ،‬لتثبت أنك مساوية للرحل ف كل شئ وإنك ند له ف كل شئ‪.‬‬
‫شيئان ينبغي أن " ترر" منهما الفتاة الامعية‪..‬غض البصر‪ ...‬والياء!‬
‫‪m m m‬‬

‫وفتاة الامعة ينبغي كذلك أن تكون رشيقة خفيفة الركة!‬


‫فاليك الزياء‪ ..‬انتقي منها منها يناسبك وما يظهر رشاقتك وأظهري من "زينتك" بقدر طاقتك!‬
‫ل حرج عليك ‪ -‬ماذا تشي؟!‬
‫تشي الدين؟ والخلق؟ والقاليد؟‬
‫تعال معا نطم الدين والخلق والتقاليد‪ ،‬واليت تريد أن تكبلك ف حركتك فل تكون رشيقة كما‬
‫ينبغي لك!‬
‫فهكذا الرأة "التحررة" من صفاتا أن تكون جذابة‪ ..‬ف مشيتها ف حركتها ‪-‬ف حديثها!‬
‫أل ترغبي أن " ينجذب " إليك فت الحلم‪ ..‬شريك الستقبل؟!‬
‫إن ل ينجذب هذا‪ ،‬فلينجذب غيه‪ .‬ال هم أن يكون هناك دائ ما من يتطلب إل يك ‪ -‬ويع جب بك‪..‬‬
‫ويرغب فيك!‬
‫وبدأت " الفتاة الامع ية " (‪ )1‬تتخلع ف مشيت ها وتتك سر‪ ،‬وتتخلع ف حديث ها وتتك سر وأ صبح هذا‬
‫عنوان " الرأة الديثة " أو "الرأة التحررة " الت تل الشارع فيعج الشارع بالفتنة الائجة الت ل تدأ ول‬
‫تستقر‪ ..‬وهو الطلوب!‬
‫‪m m m‬‬

‫أما البيت‪..‬فآخر ما تفكر فيه الفتاه الامعية‬


‫ل قد ن عت ل ا ب كل ن عت مقززة منفرد ح ت ا صبح البقاء ف يه هو العرة ال ت ل تط يق فتاة جامع ية ان‬
‫تلصق با‬
‫الب يت هو ال سجن‪ ..‬هو الض يق‪ ..‬هو الظلم ‪ -‬هو التأ خر ‪ -‬هو الرجع ية هو " ع صر الر ي " هو‬
‫التقاليد البالية هو القرون الوسطي الظلمة هو دكتاتورية الرجل هو شل الجتمع عن الركة ودفعة إل‬

‫ض ْعنَ بِاْل َق ْولِ فََيطْ َمعَ الّذِي فِي َقلْبِهِ َمرَضٌ} [سورة الحزاب ‪]33/32‬‬
‫سُتنّ كَأَ َحدٍ ِمنْ النّسَاءِ ِإنْ اتّ َقيُْتنّ فَل تَخْ َ‬
‫() يقول ال سبحانه وتعال ماطبا "أمهات الؤمني"‪{ :‬يَا نِسَاءَ النّبِيّ لَ ْ‬ ‫‪1‬‬
‫وهن زوجات الرسول ‪ .e‬وأمهات الؤؤمني‪ ,‬وف عصر الذروة الذي ارتفع فيه الجتمع السلمي إل ققم ل تصل إليها البشرية ف أي جيل من أجيالا السابقة أو اللحقة‪ ,‬فييف‬
‫بفتاة ل تعرف عن السلم إل اسه‪ ,‬ومتمع شارد عن السلم؟ هل كان لذه التوجيهات السمومة إل نتيجة واحدة‪ :‬أن ينحل الجتمع‪ ,‬ويقضي علي ما بقي فيه من دين وأخلق‬
‫وتقاليد؟‪.‬‬
‫الوراء!‬
‫إنا تتعلم الفتاة الامعية لتعمل ل لتبقي ف البيت كما كانت تصنع جدتا الاهلة التأخرة الرجعية‬
‫القابعة ف سجن التقاليد الستعبدة للرجل‬
‫وحي تعمل تنمي شخصيتها تصبح إنسانة ناضجة!‬
‫أما حي تبقي ف البيت فلي شئ تبقي؟! لتطبخ وتغسل‪ ..‬يا للعار!! أو تمل وتلد وترضع إن هذا‬
‫المر حت لو حدث ل ينغي أن ينعها من العمل فالرأة الديثة قد تغلبت علي هذه الشكلة ونسقت بي‬
‫حياتا الزوجية وبي العمل فلم يعد شئ يعوقها عن العمل بعد الزواج أم قبل الزواج فالعمل ول شئ غي‬
‫العمل!‬
‫ولسنا هنا نناقش هذه اللوثة ول الثار الت ترتبت علي ترجيل الرأة ف أوربا وإفساد فطرتا وتنفيها‬
‫من أن تكون علي فطرتا ال عليها ودفعها دفعا إل التنصل من كل ما يتعلق بأنوثتها من قيم ومارسات‬
‫(وتركيز النوثة كلها ف لظة النس الدنسة السعورة) ودفعها إل التشبه بالرجل وتعليمها علي مناهج‬
‫الرجل‪ ،‬وتوجيه مشاعرها إل العمل ل إل البيت ‪...‬‬
‫ل ننا قش ه نا هذه اللو ثة ويكفي نا أن نش ي إل أن الرأة الورب ية نف سها قد بدأت تت عب من لوثت ها‬
‫(‪)1‬‬
‫ونن إل العودة إل بيتها وفطرتا وبدأت تدرك أن اللعبة كلها ل تكن لصالها ‪..‬‬
‫إنا نتتبع فقط ف بلدنا خط إخراج المة السلمية وتركيز الخططي علي قضية الرأة لعلمهم أنا‬
‫من أفعل الوسائل ف الوصول إل الدف الطلوب‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫ل تكن الصحافة وحدها هي الت تعمل‪ ..‬وإن كانت من أهم الدوات‪.‬‬


‫إنا القصة والسرحية والسينما والذاعة‪ ..‬كلها أدوات‪.‬‬
‫فأما القصة والسرحية فقد بدأتا – كما كان متوقعا – بالترجة‪ ،‬وانتهتا بالتأليف‪ .‬وأما السينما فقد‬
‫ظلت أجنب ية فترة غ ي ق صية من الو قت‪ ،‬ح ت قام ناس فقالوا إن من العار علي نا أل تكون ل نا سينما‬
‫وأفلم (وطنية " أي تكملة باللغة العربية (نقصد العامية!) فقامت " الهود " وتكافت حت برزت تلك‬
‫الفلم إل الوجود‪..‬‬
‫فأما الذاعة فقد جاءت متأخرة نوعا ما‪ ..‬ولكنها سرعان ما لقت الركب‪ ،‬وشاركت ف الوكب "‬
‫() ناقشت هذه القضايا ف أكثر من كتاب‪ ,‬منها "النسان بيي الادية والسلم" و "منهج التربية السلمية" الزء الثان‪ ,‬و"مذاهب فكرية معاصرة" ول يتسع الجال هنا لعادة‬
‫‪1‬‬
‫الناقشة‪ ,‬فحسبنا هنا التقرير‪.‬‬
‫الكبي "‬
‫ل قد تكات فت الدوات كل ها للو صول ف النها ية إل هدف وا حد‪ .‬صرف هذه ال مة عن دين ها‬
‫وأخلق ها وتقاليد ها‪ .‬وإنشاء مت مع "جد يد" ل ي فل شيئا بالق يم الدين ية؛ ل يعل ها ن صب عين يه‪ ،‬ول‬
‫يستمد منها منهج حياته‪ ،‬ول يلجأ إليها ف تكوين أفكاره ول اهتماماته ول عاداته ول أناط سلوكه‪.‬‬
‫بل إن ذكرها – ف أى وقت – فهو ذكر السخرية والستهزاء والستخفاف‪.‬‬
‫ول نتاج هنا أن نتحدث عن هذه الوسائل (خاصة بعد أن أضيف إليها التليفزيون والفيديو) وعن‬
‫آثار ها الدمرة ف حياة ال مة‪ ،‬فهذا وا قع مشهود‪ ،‬يشهده الناس كل يوم و كل ل ظة‪ ،‬ويرون بأعين هم‬
‫آثاره ف أولدهم وبناتم‪ ،‬ويرون بأعينهم كيف يعجزون عن صد آثاره التلفة‪ ،‬ووقاية أولدهم وبناتم‬
‫من تلك الثار‪.‬‬
‫إنا نذكر فقد "عينات" سريعة قد تعي ف تصور التخطيط الذي يكمن وراء التنفيذ‪.‬‬
‫كت بت "روز اليو سف" ف مذكرات ا – وكا نت تقوم بالتمث يل على ال سرح ق بل اشتغال ا بال صحافة‬
‫وإصدار ملتها الت تمل اسها‪ ،‬كتبت تقول إنا طلبت إعانة لسرحها من الكومة‪ ،‬وكانت مصر إذ‬
‫ذاك خاضعة للنفوذ البيطان الباشر‪ ،‬فنصحها الندوب السامي البيطان (وهو الاكم القيقي ف مصر‬
‫ف ذلك الي) أن تذهب إل الريف‪ ،‬وتعرض مسرحياتا هناك‪ ،‬فإن فعلت ذلك نالت العانة ف الال‬
‫(‪.!)1‬‬
‫والدف واضح‪.‬‬
‫فالريف الصري ف ذلك الوقت "مسلم" ف عمومه‪ ،‬مافظ على باقيا من الدين والخلق‪ ،‬ومافظ‬
‫بشدة على "التقاليد" الستمدة من السلم (بصرف النظر عما غشاها ف ببعض الوانب من انرافات)‬
‫ومن أشد ما يافظ عليه الريف من التقاليد – وف الصعيد خاصة – قضية الجاب وقضية العفة وقضية‬
‫العرض‪ .‬وقضية صيانة الرأة بصفة عامة من التبذل والنلل و"النفلت"‪.‬‬
‫وبقاء الريف على هذه الصورة عقبة ول شك أمام الخطط ي‪ .‬فالريف هو مع ظم مصر‪ .‬ولن يؤتى‬
‫الخطط ثاره كاملة إن فسدت العاصمة وحدها‪ ،‬وبقى الريف سليما حت ولو ف ميط التقاليد‪ .‬فإن هذا‬
‫يط يل ال مر على الخطط ي‪ ،‬وي ستنفد من وقت هم وجهد هم شيئا غ ي قل يل (ل ت كن الذا عة قد أنشئت‬
‫بعد‪ ،‬ول التليفزيون بطبيعة الال) فمن هنا يوجه الندوب السامي البيطان "روز اليوسف" – وهو أعلم‬
‫بقيقت ها‪ ،‬وحقي قة دور ها – أن تذ هب إل الر يف‪ ،‬ل عل م سرحها وم سرحياتا أن تزحز حه قليلً عن‬

‫() وهذا يفسر لنا حرص الفرق التمثثيلية ف ذلك الوقققت علي أن توب الريف‪ ,‬مع قلة من يفهمون "الفن" إذ ذاك!‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫تقاليده الصامدة‪ ،‬فيأخذ ف "الذوبان"‪ .‬فتنفرج المور (‪.)1‬‬
‫نيب الريان مثل فكاهي موهوب‪ ،‬وصاحب "مدرسة" ف التمثيلي كما يقول نقاد السرح‪ .‬ولكنه‬
‫صليب ل ينسى صليبيته‪ ،‬وإن غلفها "بالفن"‪ .‬بل هي عن طريق "الفن" تبلغ مداها البيث دون أن يس‬
‫الناس بال مر‪ ،‬لن م مشدودون إل الباعة الفنية الؤثرة‪ ،‬فيتلقون التأثي الفي وهم ف نشوة العجاب‪.‬‬
‫فينساقون وراء التأثي‪.‬‬
‫له فيلم سينمائي (‪ )2‬يسخر فيه من مدرس اللغة العربية ومن اللغة العربية سخرية ماكرة – مقصودة‬
‫بل شك – في صور مدرس الل غة العرب ية بائ سا م سكينا تب عث كل مواق فه على ال سخرية به‪ ،‬ول يث ي‬
‫الحترام عند أحد‪ ،‬ويعل فتاة مائعة تاول أن تقرأ نصا عربيا ف درس الطالعة فتخطئ أخطاء مضحكة‬
‫– يضحك لا المهور الغافل – ولكنها تقدم ف سياق الحداث بالصورة الت توحي للمشاهد أن البت‬
‫معذورة‪ .‬فاللغة هكذا‪ .‬صعبة على الفهام! ل يكن للمتعلم أن يستوعبها مهما بذل العلم من الهد!‬
‫جورجى زيدان هو أحد مؤسسي دار اللل (والخر هو أخوه إميل زيدان) وها – كما أسلفنا –‬
‫من اللبنانيي السيحيي الارونيي الذي اتهوا إل تأسيس الصحافة ف مصر‪ .‬ولكن جورجى زيدان يزيد‬
‫– على كو نه صحفيا – أ نه يك تب ق صصا وروايات "إ سلمية!" تتناول أحداث التار يخ ال سلمي ف‬
‫ثوب ف ن‪ .‬و قد تناول ف روايا ته عدة أحداث تاري ية‪ ،‬وله قدر من البا عة الفن ية – بالن سبة لوق ته على‬
‫القل – تعل القارئ يتابع رواياته ف شغف وتأثر‪.‬‬
‫فكيف تناول أحداث التاريخ السلمي؟!‬
‫إنه ما من مرة ين سى فيصور ال سلمي ف مو قف "إ سلمي" يب عث عن العجاب ب م‪ ،‬أو تقدير هم‬
‫واحترامهم‪ ،‬فضلً عن أن يبعث ف السلم العتزاز بأماد السلم‪.‬‬
‫إنم – أى السلمون – إما غارقون ف الطرب واللهو‪ ،‬والري وراء شهواتم‪ ،‬سواء شهوة النس أو‬
‫شهوة اللك أو شهوة الال‪ .‬وإما واقفون مواقف جادة تثي العجاب‪ ،‬لن واحدا من "أهل الكتاب" –‬
‫سواء كان يهوديا أو نصرانيا – هو الذي يشي عليهم ويطط لم‪ ،‬ويقف وراءهم يساندهم ف التنفيذ!‬
‫فإن ل يكن ذلك الواحد من أهل الكتاب حاضرا ف الصورة‪ ،‬فالسلمون ف لوهم وعبثهم‪ ،‬وخلفاتم‬
‫() ل نعجب إذا وجدنا الكاتب اليهودي المريكي "مرو برجر" ف كتابه "العال العرب اليوم" الذي صدر سنة ‪ 1962‬ينص نصا علي أن الدينة ينبغي أن تصب خلصة "تربتها‬
‫‪1‬‬
‫الضارية" ف الريف والبادية‪ ,‬بعد أن يقرر ‪ -‬بوضوح ‪ -‬أن السلم قد ضعف تأثيه ف الدينة ولكنه مازال باقيا علي قوته ف الريف والبادية!! ول نعجب كذلك من حرص جال‬

‫عبد الناصر علي توصيل الكهرباء إل الريف الصري ‪ -‬وإل الصعيد خاصة ‪ -‬عن طريق توليد الطاقة من السد العال‪ ,‬ليشاهد الريفيون التليفزيون! وحرصه كذلك ‪ -‬من حربه مع‬

‫اليمن ‪ -‬علي إدخال التليفزيون إل اليمن!‪.‬‬

‫() اسه "غزل البنات"‪.‬‬


‫‪2‬‬
‫وشجارات م‪ ،‬مؤامرات م الاب طة‪ ..‬ي سلمون أنف سهم إل الضياع‪ ..‬وهذا م ت؟ ف أ شد الوقات ال ت كان‬
‫(‪)1‬‬
‫السلمون فيها مكني ف الرض‪ ،‬تدين لم الدنيا بالطاعة والذعان!!‬
‫ت صص ممو عة من الق صصي وال سرحيي وال سينمائيي ف موضوع مع ي‪ ،‬يتكرر ب صور متل فة‪،‬‬
‫خلصته أن فتاة – جامعية ف الغالب‪ ،‬ومتعلمة بصفة عامة – لا "صديق"‪ .‬يقع بينهما ما يقع – لعى‬
‫درجات متل فة من الوقوع! – ث يتقدم للزواج من ها فيف ضه أبوا ها – الريفيان ف الغالب‪ ،‬والرجعيان‬
‫التقليديان بصفة عامة – إما لنما يرتبان لا زواجا معينا بعقليتهما الختلفة‪ ،‬وإما لنما – حرصا منهما‬
‫على "التقاليد" – يشعران بيل الفتاة له فيفضانه من أجل هذا السبب بعينه‪ .‬ث تضى القصة أو السرحية‬
‫أو الفيلم بإ صرار الفتاة على موقفها‪ ،‬بصور متل فة من ال صرار‪ ،‬أدنا ها ر فض الط يب الذي يقد مه ل ا‬
‫والدها‪ ،‬وأشدها ترك البيت والروب مع " الصديق " وينتهي المر ف كل حالة بتنفيذ ما أصرت عليه‬
‫الفتاة ور ضي الوالد ين‪ ،‬أو ت سليمهما ل مر الفتاة التقدم ية إذعا نا لل مر الوا قع‪ ،‬أو قاتناع الم خا صة‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وماولة اقناعها الب بأنما كانا مطئي‪ ،‬وأن الفتاة علي حق!‬
‫تصص مموعة من الكتاب ف وقت من الوقات (‪ )3‬ف القول بأن الجتمع ل يكن نظيفا من الرية‬
‫اللقية وقت أن كان مافظا علي التقاليد‪ ..‬وأن الفاحشة كانت تقع تت ستار الجاب وذلك رد علي‬
‫الذين كانوا يقولون إن السفور والختلط سيؤديان حتما إل التحلل اللقي‪.‬‬
‫وكون الجتمع – أى متمع مهما كان مافظا – ل يلو من وقوع جرية فيه‪ ،‬فهذه حقيقة‪ .‬يكفي‬
‫شاهدا ل ا أن الفاح شة وقعت ف مت مع ر سول ال (‪ .‬ولكنه من التب جح الغليظ أن يقال إنه ما دامت‬
‫الفاحشة تقع هنا وتقع هناك‪ ،‬فل فائدة ف الدين‪ ،‬ول فائدة ف الخلق‪ ،‬ول فائدة ف التقاليد‪ ،‬ول قيمة‬
‫ل كل التوجيهات اللق ية! فهناك فارق ض خم ب ي مت مع ل ت قع ف يه الري ة إل شذوذا ي ستنكر‪ ،‬وتنال‬
‫عقوبتها الرادعة حي تقع‪ ،‬ومتمع يعج بالفاحشة حت تصبح العفة فيه هي الشذوذ الستنكر!‬
‫كتب إحسان عبد القدوس ف أحد توجيهاته الت كان يبثها ف ملة "روز اليوسف" (‪ :)4‬إنن أطالب‬
‫() ما يؤسف له أن الذين يتجهون إل "مسرحة" أحداث التاريخ السلمي للذاعة أو التليفزيون من "الؤؤلفي"‪ ,‬يتجهون أول ما يتجهون إل أعمال جورجي زيدان! فإن ل يدوا‬
‫‪1‬‬
‫فيها طلبتهم بثوا عن مرجع آخر!‪.‬‬

‫() ل يذكر ببطبيعة الال موقف السلم ف هذه القضية‪ ,‬لنه ليس الققصود هو التصحيح باسم السلم‪ ,‬إنا باسم التقدم والتحرر والروج علي السلم! فضلً عن أن السلم لن‬
‫‪2‬‬
‫يرضي عن العلقة القائمة بي الولد والبنت قبل الزواج‪ ,‬وهذه العلقة بالذات هي موضوع "الدعوة" ف القصة والسرحية والفيلم!‪.‬‬

‫() ربا ل تعد هذه الوضوعات تطرق ف مصر اليوم فقد استنفدت أغراضها‪ ,‬ولكنها ما تزال تستخدم ف بقاع أخري من العال السلمي‪ ,‬حيث توجد بقية من التقاليد يراد القضاء‬
‫‪3‬‬
‫عليها!‪.‬‬

‫() روز اليوسف هي أم إحسان عبد القدوس‪.‬‬


‫‪4‬‬
‫كل فتاه تأخذ صديقها ف يدها‪ ،‬وتذهب إل أبيها‪ ،‬وتقول له‪ :‬هذا صديقي!‬
‫كتب أنيس منصور ف إحدي مقالت ف اخبار اليوم‪ ،‬أنه زار إحدي الامعات اللانية ورأي هناك‬
‫الولد والبنات أزواجا أزواجا مستلقي علي الشائش ف فناء الامعة قال‪ :‬فقلت ف نفسي‪ :‬مت أري‬
‫ذلك النظر ف جامعة أسيوط! لكى تراه عيون أهل الصعيد‪ ،‬وتتعود عليه!‬
‫هذا وغيه فضلً عن آلف بل مليي الصور العارية‪ ..‬والغان العارية‪ ..‬والفكار العارية‪ ..‬والنكت‬
‫العاريـة‪ ..‬التـ تل الصـحف والجلت والذاعـة والسـينما والتليفزيون‪ ..‬وآلف بـل ملييـ الجسـاد‬
‫العارية ف كل مكان‪ :‬ف الشوارع والكاتب ووسائل الواصلت والشواطئ العارية ف فصل الصيف‪.‬‬
‫وفضلً عـن التفاهـة ال ت تشيع ها السـينما والذا عة والتليفزيون ف نفوس مشاهدي ها ومسـتمعيها‪..‬‬
‫التفاهة الت تعل النفوس ل تتجه لشئ جاد‪ ..‬فضلً عن أن تتجه ل واليوم الخر‪ ،‬أو للجهاد ف سبل‬
‫ال!‬
‫‪m m m‬‬

‫ول تكن "قضية الرأة" وحدها‪ ،‬وما نتج عنها من الفساد اللقي‪ ،‬هي الت استخدمت ف ك ارتباط‬
‫الجتمع بذوره السلمية‪ ،‬فقد كان الهد البذول شاملً لميع اليادين بل استثناء‪ ،‬وإن كانت "قضية‬
‫الرأة" والفساد اللقة الناشئ من "التحرر"‪ ،‬من أفعل الوسائل ف فك ذلك الرتباط‪.‬‬
‫ولنُ شر ه نا إل مال ي رئي سيي فع مل فيه ما الغزو الفكري بنشاط وا فر‪ ،‬ه ا مال الف كر والداب‪،‬‬
‫ومال السياسة‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫"د" مال الفكر والدب‬


‫فأما ف مال الفكر والدب فقد كان الطلوب بت الصلة بي "الجيال الديثة" وبي تراثها الفكري‬
‫والدب الستمد من السلم‪.‬‬
‫و قد حاول ع بد العز يز فه مى (با شا) وآخرون أ قل م نه وزنا وأه ية أن يدعوا لكتا بة الل غة العرب ية‬
‫بالروف اللتينية كما فعل أتاتورك باللغة التركية‪ ،‬ولكن الحاولة وئدت ف مهدها‪ ،‬ول تقف قط على‬
‫قدميها‪ ،‬وما كان لا أن تنجح ف البلد الذي يوى الزهر‪ ،‬والذي ظل الزهر قائما فيه ألف عام يعلم‬
‫اللغة العربية لكل شعوب السلم‪.‬‬
‫وحاول آخرون أن يدعوا لكتابة الدب باللغة العامية‪ ،‬لعل هذه اللغة أن تنمو وتترعرع – حي تصي‬
‫ل غة الف كر والدب – فتق تل الل غة العرب ية‪ ،‬ك ما قتلت الفرن سية واليطال ية وغيه ا الل غة اللتين ية ال ت‬
‫تفرعت عنها ف صورة لغات عامية ف مبدأ المر‪ ،‬ث تولت إل لغات "حية" وقتلت اللغة الم!‬
‫ولكن هذه الحاولة كذلك باءت بالفشل – على الرغم من ل يزالون ينادون با إل هذه اللحظة –‬
‫ح ُن نَزّْلنَا الذّكْ َر َوِإنّا لَهُ َلحَافِظُونَ (‪})9‬‬
‫بسبب وجود القرآن‪ .‬فكما أن ال قد حفظ كتابه النل‪ِ{ :‬إنّا نَ ْ‬
‫[سورة الجر ‪ ،]15/9‬فكذلك كتب ال لذه اللغة أن تبقى وتفظ نتيجة حفظ الكتاب النل با {إِنّا‬
‫أَنزَْلنَاهُ ُقرْآنا عَ َرِبيّا َلعَّلكُ ْم َت ْعقِلُونَ ( ‪[ })2‬سورة يوسف ‪]12/2‬‬
‫وقد كان هذا من أغيظ المور لدعاة التغريب‪ ..‬وما يزال!‬
‫ولكنهـم إذ فشلوا فـ القضاء الكامـل على اللغـة العربيـة – رغـم ماولة تشويـه صـورتا فـ أذهان‬
‫"الجيال الديثة"‪ ،‬بالديث عن صعوبتها (‪ ،)1‬وجودها‪ ،‬وعجزها عن الوفاء با يراد منها الوفاء به ف‬
‫مال الفكر والدب والعلم والفن – فقد حاولوا – من طرق أخرى – قطع الصلة أو توهينها بي تلك‬
‫"الجيال الديثة" وتراثها السلمي‪.‬‬
‫كانت إحدى الطرق هي بث فكرة "التطور"‪ ..‬سواء ف مالا "العلمي" الصلي (‪ ،)2‬أو ف الجالت‬
‫الفكرية والجتماعية والخلقية الت سرت إليها ف أوروبا بفعل اليهودية العالية (‪.)3‬‬
‫ومقتضى فكرة التطور أن كل حديث هو خي من كل قدي‪ ،‬لجرد أن هذا حديث وذاك قدي‪ ،‬فقط‪،‬‬
‫بصرف النظر عن أي أسباب أخرى! ولا كان السلم كله قديا‪ ،‬قد مضى عليه – ف ذلك الوقت –‬
‫أك ثر من ثل ثة ع شر قرنا‪ ،‬فالتطور يقت ضي نبذه وال خذ ب ا جد بعده‪ ..‬والذي جد بعده هو الضارة‬
‫الوروبية‪ ..‬لذلك لزم الخذ بتلك الضارة ونبذ السلم (‪.)4‬‬
‫وإذ كان هذا السـبب وحده – فـ مبدأ المـر على القـل – ل يكفـي‪ ،‬لن "الرجعيـ" ل يؤمنون‬
‫بالتطور كما يؤمن به التقدميون‪ ،‬فلبد من تقويته بأسباب "موضوعية" توهن تسك السلمي بالسلم‬
‫من جهة‪ ،‬وتصلح من جهة أخرى لتثبيت فكرة التطور‪ ،‬حت تصبح – وحدها – قادرة فيما بعد لفك‬
‫الرتباط بي السلمي والسلم!‬
‫فالسلم كان صالا للبيئة البدوية الت نشأ فيه‪ ،‬ولكنه ل يصلح للبيئة التحضرة الوجودة اليوم!‬

‫() راجع ما ذكرناه عن فيلم نيب الريان‪ ,‬وما ذكرناه من قبل عن مطط دنلوب ضد اللغة العربية‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() فقدت نظرية التطور الداروينية اليوم كثيا من مقوماتا‪ ,‬وأنكرها كثي من العلماء الحدثي‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() انظر ‪ -‬إن شئت ‪ -‬فصل "دور اليهود ف إفساد أوربا" من كتاب "مذاهب فكرية معاصرة"‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() يقول طه حسي ف كتاب "مستقبل الثقافة ف مصر" الذي سبقت الشارة إليه‪ :‬فعلينا إذن أن نأأخذ الضارة الغربية بيها وشرها‪ ,‬إن كان فيها شر (!) ل مالة من ذلك!‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫والسلم يظلم الرأة‪ ،‬ويعلها قعيدة البيت‪ ،‬مستعبدة للرجل‪ ،‬مهدرة النسانية مهضومة القوق!‬
‫والسلم نظام ديقراطي! ليس فيه تقرير لقوق النسان!‬
‫والسلم ليس له نظام حكم (‪ !)1‬إنا هو مموعة من التوجيهات الخلقية ليس غي!‬
‫السلم نظام رجعى لنه يرم الربا ن والربا هو العمود الذي يدور عليه القتصاد الصناعي التطور‪،‬‬
‫ول يدور علي غيه‬
‫(‪)2‬‬
‫والسلم ة والسلم‪ ..‬والسلم‪....‬‬
‫‪m m m‬‬

‫وكان من بي الطرق الستخدمة كذلك تشويه التاريخ السلمي‬


‫ففضل عـن إبراز التاريـخ السـياسي وحده‪ ،‬وإخفاء مقومات التاريـخ السـلمي الخري‪ ،‬أو عبارة‬
‫أخرى إبراز خط النراف وإخفاء الوا نب البيضاء من ال صورة‪ ،‬م ا يع طى إياء خبيثا بأن ال سلم ل‬
‫يعش إل فترة قصية من الوقت‪ ،‬وأنه ليس فيه من القومات ما يعطيه استمرارية الوجود‪ ،‬وليس فيه ما‬
‫يستحق الرص عليه‪ ،‬بل ينبغي نبذه والنسلخ منه‪ .‬فضلً عن ذلك كله فقد عمد الستشرقون – الذي‬
‫تولوا نشر الشبهات حول السلم بلغاتم‪ ،‬وتول تلميذهم من بعدهم نشرها باللغة العربية‪ ،‬إما منسوبة‬
‫إل أصـحابا فـ حالت قليلة‪ ،‬وإمـا منتحلة بأسـاء أولئك التلميـذ فـ أغلب الحيان – عمـد أولئك‬
‫الستشرقون – ومن بعدهم تلميذهم – إل النيل من شخصيات السلم العظمى‪ ،‬بدءا برسول ال (‪،‬‬
‫والصحابة الكرام رضوان ال عليهم‪ .‬وأخيا الدولة العثمانية والسلطان عبد الميد!‬
‫لقـد ركزوا – فـ التشويـه – على فترتيـ اثنتيـ بصـفة خاصـة‪ :‬فترة صـدر السـلم‪ ،‬وفترة الدولة‬
‫العثمانية‪ .‬لسببي متلفي‪ ،‬وإن كانا يلتقيان ف النهاية عند ماولة سلخ المة السلمية من السلم‪.‬‬
‫فأما فترة صدر السلم فلنا موضع الفخر والعتزاز الشديد لدي كل مسلم وما زالت بوضاءتا‬
‫الفذة‪ ،‬ورفعتها الشاهقة‪ ،‬ومثاليتها العجيبة تشد السلمي شدا ف جيع أجيالم‪ ،‬فل يلكون أنفسهم من‬
‫التأثر با‪ ،‬ومن الرغبة العميقة ف رؤيتها مرة أخرى مثلة ف واقع الرض‪.‬‬
‫ويعلم أعداء السـلم جيدا أن وجود تلك الفترة الثاليـة هـو الذي حفـظ للسـلم حيويتـه على مـر‬
‫القرون رغم كل ما أصابه من الكوارث من الداخل والارج (‪.)3‬‬
‫() انظر كتاب "السلم ونظام الكم" لعلي عبد الرازق‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() ناقشت كثيا من هذه الشبهات من قبل ف كتاب "شبهات حول السلم"‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫حقّ وَهُمْ َي ْعلَمُونَ ( ‪[ })146‬سورة البقرة ‪ ]2/146‬فهم‬
‫() يقول سبحانه وتعال عن أهل الكتاب‪{ :‬الّذِينَ آَتيْنَاهُمْ الْكِتَابَ َي ْع ِرفُوَنهُ كَمَا يَ ْع ِرفُونَ أَْبنَاءَهُمْ وَِإنّ َفرِيقا مِْن ُهمْ َليَكُْتمُونَ اْل َ‬ ‫‪3‬‬
‫ف في كل ج يل من أجيال ال سلمي يو جد من ت فو نف سه إل تلك الفترة الفذة‪ ،‬فيحاول أن يع يد‬
‫تقيق ها ف نف سه أو في من حوله‪ ،‬فيم تد خط ال سلم ول ينق طع‪ ،‬وينب عث ف كل مرة ب عد الغفوة أو‬
‫المود (‪.)1‬‬
‫وبكل النق والغيظ الذي يتملكهم من هذا المر‪ ،‬راحوا ياولون تشويه تلك الفترة‪ ،‬لعلهم يقتلعون‬
‫من نفوس السلمي العتزاز با‪ ،‬والتطلع إليا‪ ،‬فل تعود موضع خطر دائم من انبعاث جديد!‬
‫وأقدس الشخصيات عند السلمي شخصية رسول ال‪ ،e‬ويليها ف التوقي والحترام من صحابته‬
‫الكرام أبو بكر وع مر رضى ال عنهما‪ .‬ث يأ ت رتل ضخم من الشخصيات التاري ية تزدحم ب م فترة‬
‫صدر السلم على نو ل يتكرر ف التاريخ‪.‬‬
‫فليكن هَمّ أعداء الرسول إذن هو هذه الشخصيات بالذات‪ ..‬لعلها إن شوهت صورتا تفقد إشعاعها‬
‫الي ف نفوس السلمي‪ ،‬فيذهب ذلك الطر الذي يتهدد أعداء السلم من انبعاث السلم من جديد‪.‬‬
‫وتت دعوى "البحث العلمي" و"النهج العلمي"‪ ،‬راح الستشرقون يلوكون كلما تافها ضعيفا يبدو‬
‫فيه التمحل والكذب وسوء القصد والبعد الكامل عن النهج العلمي وروح البحث العلمي (‪.)2‬‬
‫ولكن تلميذهم – الذين استعبدت أرواحهم للغرب وكل ما يئ من الغرب – راحوا يتلقفون ما‬
‫يقوله ال ستشرقون ث يعيدون تقيؤه ف صورة ك تب وماضرات ور سائل "جامع ية!" وبوث ومقالت‪،‬‬
‫ين سبون في ها القوال إل أحاب ا – ك ما قل نا – ف حالت قليلة‪ ،‬وين سبونا إل أنف سهم أغلب الحيان‪،‬‬
‫فيقعون ف جريتي معا‪ :‬جرية الذوبان ف فكر أعدائهم‪ ،‬وجرية الكذب والدعاء‪ ،‬متنفجي ف الالتي‬
‫با يتشدقون به من كلم أعدائهم‪ ،‬مستعلي به على عباد ال!‬
‫ومـن كثرة تكرار الكاذيـب – خاصـة تتـ سـتار البحـث العلمـي – ينخدع ناس‪ ،‬ويتأثـر ناس‪،‬‬
‫ويصدق ناس‪ .‬فينجرفون ف التيار!‬
‫أما بالنسبة للدولة العثمانية وعبد الميد خاصة فقد كان هناك لتشويهما هدف آخر‪.‬‬
‫إن أورو با ال صليبية تكره ال سلم عا مة‪ ،‬ولكن ها تكره الدولة العثمان ية ب صفة خا صة‪ ،‬لن ا هي ال ت‬
‫توغلت ف أوروبا‪ ،‬وضمت منها مساحات شاسعة إل الدولة السلمية‪ ،‬وأخذت من أهلها – كما قال‬
‫ولفرد كانتول سيث – عشرات اللي ي دخلوا ف ال سلم‪ .‬ث إن أورو با ال صليبية – ومع ها اليهود ية‬

‫يعلمون جيدا أنه الق‪ ,‬كما يعلمون مكامن القوة فيه‪.‬‬


‫() راجع فصل "نظرة إل اليل الفريد" حيث بينا أن وجود تلك الفترة الفريدة ف تاريخ السلم ‪ -‬حت وإن ل تتكرر ‪ -‬يؤدي ‪ -‬بقدر ال ‪ -‬مهمة ضخمة ف حياة المة السلمية‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() تدثت عن هذذه القضايا بتفصيل أكثر ف كتاب "الستشرقون والسلم"‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫العالية – يكرهان عبد الميد بالذات لنه كان يقاوم ضغط أوروبا متمعة للقضاء على الدولة العثمانية‪،‬‬
‫ولنه رفض إعطاء وطن قومى لليهود ف فلسطي (وهو مطلب صليب يهودي كما سيأت بيانه فيما بعد)‬
‫رغم كل الحاولت وكل الغراءات‪.‬‬
‫والدولة العثمان ية هي آ خر دولة خل فة حك مت العال ال سلمي‪ ،‬وكان ال سلمون ف كل الرض‬
‫يدينون لا بالولء‪ ،‬سواء كانوا واقعي تت حكمها الباشر‪ ،‬أو كانوا "مستقلي" عنها‪ ،‬أو كانوا حت ف‬
‫حوزة أعداء السلم‪.‬‬
‫وبعد مؤمرات طويلة – صليبية يهودية – امتدت قرني من الزمان‪ ،‬استطاع العداء أن يقضوا على‬
‫دولة اللفة ويستريوا منها‪ ،‬ويكموا قبضتهم على السلمي‪.‬‬
‫ولكن أعداء السلم – الذين يعرفونه كما يعرفون أبناءهم – ل يطمئنون أبدا إل السلم‪ .‬ويشون‬
‫دائما أن ينبعث من جديد‪ ،‬ويشون أن تعود له دولة ف يوم من اليام‪.‬‬
‫يقول "توماس بي" أحد الستشرقي المريكيي ف مقدمة كتاب "السيف القدس ‪The Sacred‬‬
‫‪ – "Sword‬ب عد أن يشرح لقرئاه نبذة عن تاريخ السلم وفتوحاته الوا سعة‪" :‬و قد تغ ي الال اليوم‪،‬‬
‫وا صبح ال سلمون ف قب ضة أيدي نا‪ .‬ول كن ما حدث مرة ي كن أن يدث مرة أخرى‪ .‬وإن الشعلة ال ت‬
‫أوقدها ممد‪ e‬ف قلوب أتباعه‪ ،‬لي شعلة غي قابلة لنطفاء!"‪.‬‬
‫ويقول الؤرخ النليزي توي نب ف ماضرة له بعنوان "ال سلم والغرب"‪ :‬إن ال سلم ي كن أن يتول‬
‫زعامة الدولة البوليتارية (‪ )1‬مرة أخرى إذا تيأت الظروف!‬
‫من أجل ذلك ينبغي تشويه صورة الدولة السلمية الخية – أى الدولة العثمانية – وتصويرها ف‬
‫أب شع صورة‪ ،‬ح ت ل يف كر أ حد ف إقا مة دولة لل سلم مرة أخري بل ح ت يمدوا ال – أو يمدوا‬
‫الشيطان أن هذه الدولة قد ذهبت إل البد ولن تعود!‬
‫و من أ جل ذلك ر كز العداء علي أخطاء الدولة العثمان ية وظلوا يكبون ا ح ت تل فراغ ال صفحة‬
‫كله‪.‬‬
‫ولقد كان للدولة العثمانية أخطاء بل شك وأخطاء جسيمة ف بعض الحيان (‪ )2‬ولكن الصورة الت‬
‫صورها العداء ل تكن هي الصورة القيقية الت وقعت بالفعل‪ ،‬إنا صورة مشوهة – عن عمد – تكب‬
‫فيها الخطاء مئات الرات‪ ،‬وتحى فيها كل السنات‪ ،‬حت تبدو سوادا كلها‪ ،‬حالكة السواد!‬

‫() يقصد توينب بالدول البولييتارية الدول الواقعة تت سيطرة الغرب‪ ,‬أو ما يسمي ف مصطلح هذه اليام بدول العال الثالث‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() راجع فصل "خط النراف" عند الديث عن الدولة العثمانية‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫وعبد الميد بصفة خاصة‪ ..‬الذي كانت جريته الكبى – ف حس أعدائه – رفضه بإصرار إقامة‬
‫و طن قومى لليهود ف فل سطي‪ .‬فهذا ينبغي أن تكون صورته أ سود من ال سواد! ليكون عبة ل كل من‬
‫يقف ف وجه أطماع الصليبية العالية واليهودية العالية‪.‬‬
‫وكان أشد ما وضع لفتنة السلمي‪ ،‬وسلخهم من السلم‪ ،‬تصوير وضعهم التاريي ف أواخر الدولة‬
‫العثمانيـة بأنمـ كانوا بيـ خياريـن اثنيـ ل ثالث لمـا‪ :‬إمـا البقاء فـ ظـل الدولة السـلمية والكـم‬
‫السلمي‪ ،‬ومعه التأخر والنطاط والمود ف كل ميادين الياة‪ ،‬ومعه الظلم والستبداد والتسلط؛ وإنا‬
‫إزالة الدولة السلمية والكم السلمي‪ ،‬والنفتاح على التقدم والضارة والرقي ف كل ميادين الياة‪،‬‬
‫بعد التحرر من الظلم والتسلط والستبداد! (‪.)1‬‬
‫وح جب عن ال سلمي ف هذه ال صورة البد يل الثالث الم كن و هو قيام حر كة إ سلمية صحيحة‪،‬‬
‫تصلح مفاسد الكم العثمان ولكن تبقي علي الدولة السلمية والكم السلمي سواء ف تركيا أو ف‬
‫أي مكان من لعال السلمي‪ ،‬وتصلح انرافات الجتمع السلمي وترده إل حقيقة السلم‪.‬‬
‫فهذا البد يل بالذات هو ما يكر هه أعداء ال سلم‪ ،‬وا شد ما يتخوفون م نه‪ ،‬فل ينب غى أن يظ هر ف‬
‫الصورة على الطلق‪ ،‬ويبقى اليار بي البديلي السابقي‪ ،‬ذلك اليار الذي يؤدى – ف النهاية – إل‬
‫النسلخ من السلم!‬
‫‪m m m‬‬

‫كذلك استخدم طريق ثالث ف مال الفكر والدب لصرف السلمي عن السلم‪.‬‬
‫إن "الدباء" و"الفكرين" الذين تعلموا اللغات الجنبية قد وقعوا ول شك على ثروة أدبية وفكرية ف‬
‫اللغات التـ تعلموهـا‪ ،‬كانـت جديدة بالنسـبة إليهـم‪ ،‬وكان فيهـا أشياء كثية تسـتحق الطلع عليهـا‬
‫والستفادة منها؛ وكانت بالنسبة للخواء الفكري الذي يعيشه السلمون تبدو ثروة ل تقدر بثمن‪ ،‬وزادا‬
‫دسا يصلح لقامة الياة‪.‬‬
‫وحدث انبهار ضخم عند هؤلء "الدباء" و"الفكرين" بالفكر الوروب والثقافة الوروبية‪.‬‬
‫ول سنا نقول إن الف كر الغر ب والثقا فة الغرب ية كا نا شيئا غثا ل ي ستحق الطلع عل يه‪ .‬بل نقول –‬
‫على العكس – إن فيهما أشياء كثية تستحق الطلع‪ .‬ولكنا نشي إل نقطتي هامتي ف الوضوع‪.‬‬

‫() حي أزيلت الدولة العثمانية وقع السلمون ف قبضة أعدائهم‪ ,‬يذبونم ويقتلونم وينتهكون حرماتم {ل َيرْقُبُونَ فِي ُم ْؤ ِمنٍ ِإلّ وَل ذِمّةً} [سورة التوبة ‪ ]9/10‬كما قرر سبحانه‬ ‫‪1‬‬
‫وتعال ف مكم تنيله‪ ,‬وكان هذا هو "التحرر" من التسلط والستبداد الذي نالوه من أيدي أعدائهم الذين أغروهم بالنسلخ من دولة اللفة والنسلخ من السلم‪ ,‬ث جاء بعد‬
‫ذلك عهد "الستقلل" الذي حكم ف العال السلمي عملء الصليبية والصهيونية فأوقعوا بالسلمي أبشع أنواع الدكتاتورية ف التاريخ‪ ,‬وأبشع مذابح التاريخ!! وما زال عبيد الغرب‬
‫يتحدثون عن "الستعمار التركي" ومفاسده‪ ,‬بينما كانت مفاسد الكم التركي ل تقاس إل جانب وحشية حاكمهم ف عهود "الستقلل"‪.‬‬
‫الول‪ :‬أن قاعدة هذا الفكر منحرفة‪ ،‬لن الظروف الت أحاطت بأوروبا ونفرتا من الدين‪ ،‬جعلت‬
‫هذا النفور يتغل غل ف الف كر الورو ب كله‪ ،‬ويش مل ج يع ميادي نه‪ ،‬سواء كان أدبا صرفا‪ ،‬أو درا سة‬
‫"علمية" أو سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية‪..‬ال‪ .‬وأن الشرود عن ال‪ ،‬ومعاندة كل ما يأت من عند‬
‫ال‪ ،‬قد ترك ب صماته على هذا الف كر‪ ،‬و من ث ج نح عن الرؤ ية ال صحيحة لقائق الوجود الرئي سية‪،‬‬
‫وأو جد صورة – أو صورا – لذا الوجود لي ست هي صورته القيق ية‪ ،‬ما دا مت ت صوره منقطعا عن‬
‫خال قه‪ ،‬قائما بغ ي تدب ي خال قه له‪ ،‬وعلى غ ي ال سنن ال ت رتب ها خال قه له‪ .‬وح ي ل يرى الن سان تلك‬
‫ـ تفوتـه "قطاعات" كاملة مـن هذا‬‫القيقـة العظمـى تفوتـه الرؤيـة الصـحيحة الشاملة للوجود كله‪ ،‬كم ا‬
‫الوجود‪ ،‬ل تدخل ف "الرؤية" البشرية حي تنقطع عن الوحى الربان‪ .‬وينعكس هذا كله على الوجدان‬
‫الن سان‪ ،‬وغا ية هذا الوجود‪ ،‬والن هج الذي يت بع لتحق يق تلك الغا ية ب عد تديد ها‪ .‬فيكون ذلك كله‬
‫"هوى" لدلً من أن يكون "حقائق"‪ ،‬ويكون تارب عشوائية ل تستند إل يقي‪.‬‬
‫ض َومَنْ فِيهِنّ} [سورة الؤمنون ‪]23/71‬‬
‫{وََلوْ اّتبَ َع الْحَقّ َأ ْهوَاءَهُمْ َلفَسَدَتْ السّ َموَاتُ وَالَ ْر ُ‬
‫ك ظَ ّن الّذِينَ َكفَرُوا} [سورة ص ‪]38/27‬‬
‫{ َومَا خََل ْقنَا السّمَا َء وَالَ ْرضَ َومَا َبْينَهُمَا بَا ِطلً ذَلِ َ‬
‫والثانية‪ :‬أن ف هذا الفكر مزايا إيابية ل شك فيها‪ .‬منها اتاذ "النهج العلمي" ف البحث‪ ،‬والصب‬
‫واللد على الب حث‪ ،‬وعبقر ية التنظ يم‪ ،‬واتاذ التجر بة أ ساسا للب حث‪ ،‬م ا أدى – بالذات – إل تقدم‬
‫هائل ف مياد ين العلوم البح تة‪ ،‬وميدان التكنولوج يا الديثـة‪ .‬ول كن القائق الزئيـة – الكثية – ال ت‬
‫اهتدى إليها هذا الفكر – ف جيع التاهات – ل تنفي انراف القاعدة الساسية الت تقوم عليها تلك‬
‫القائق الزئ ية‪ ،‬ك ما أن انراف القاعدة ي عل الفائدة النهائ ية من هذه القائق الزئ ية مدودة‪ ،‬بين ما‬
‫كانـت تكون هـي ذاتاـ أبلغ وأعمـق وأجلـ‪ ،‬لو كانـت قائمـة على قاعدتاـ الصـحيحة‪ ،‬حيـث تظهـر‬
‫الرتباطات القيقيـة اليـة بيـ الزئيات‪ ،‬حيـ ترى آثار الصـنعة الربانيـة الشاملة الواحدة الوحدة فـ‬
‫جنبات الكون كله‪.‬‬
‫ولكن الرؤية الكاشفة لذا الكفر‪ ،‬الت تيز بي مزاياه وعيوبه‪ ،‬والت تستفيد من جرئياته الصحيحة‪،‬‬
‫وتدرك ف ذاك الوقت انراف قاعدته فل تتأثر با بل تنبذها وتنكرها‪.‬‬
‫هذه الرؤية ل تتوافر إل لصاحب الرؤية السلمية الصحيحة‪ ،‬ذات القاعدة الشاملة السليمة الستمدة‬
‫من كتاب ال و سنة ر سوله‪ ،‬وال ت ت د صاحبها بالب صية ال ت ي ضع في ها ذلك الف كر مو ضع التمح يص‬
‫والنقد‪ ،‬فيعلم ماذا يأخذ وماذا يدع‪.‬‬
‫وكان هذا كله غائبا ب سبب الواء الذي يعي شه ال سلمون‪ ،‬النا شئ من التخلف العقدي‪ ،‬و من جود‬
‫الف كر ال سلمي على ما كان عل يه ق بل قرون‪ ،‬وعدم مواكب ته ل ا جد ف حياة الناس من أمور‪ ،‬وتول‬
‫السلم كله ف حس السلمي إل تقاليد خاوية من الروح‪ ،‬وساء ف يدان العمل أو ف مال التفكي‪.‬‬
‫ول كن النبهار الذي أ صاب أولئك "الدباء" و"الفكر ين"‪ ،‬النا شئ من عدم ات صال روح هم بروح‬
‫السلم‪ ،‬وعجزهم عن الغوص والتعمق ف حقائق السلم ببصية السلم الوصول القلب بال‪ ،‬وبالكون‬
‫الذي خلقه ال‪ ،‬وبقائق الوجود وحقائق الياة‪ .‬ذلك النبهار كان يكن أن يظل "مسألة شخصية" عند‬
‫هؤلء الدباء والفكر ين‪ ،‬يظلون يعانون ا ح ت يف تح ال علي هم بالرؤ ية ال صحيحة‪ ،‬ال ت تتولد ف القلب‬
‫التفتح حي يارس السلم بكيانه كله‪ ،‬فيفتح السلم له كنوزه – على قدر موهبته – ويفتح بصيته‬
‫بقدر ما يصدق ف عيادة ال‪.‬‬
‫ولكن الذي نشر ذلك النبهار على نطاق المة كلها‪ ،‬كان هو تلك الجهزة التربصة للتقاط أولئك‬
‫الدباء والفكرين‪ ،‬وتكبيهم‪ ،‬والدعاية لم‪ ،‬ونشر أفكارهم على أوسع نطاق مكن‪ .‬وقامت الصحافة‬
‫بالنصيب الوف ف ذلك الجال‪ .‬فوصلتهم‪ ،‬ل للمكانة الت كانوا يستحقونا بواهبهم فحسب‪ ،‬بل زيادة‬
‫عليها عدة أضعاف! وجعلت لم دويا يترق الذان ويستقر ف الذهان!‬
‫وف غياب الفكر السلمي القيقي‪ ،‬الي التجدد‪ ،‬الستمد من النابع الصافية‪ ،‬الشامل لكل مالت‬
‫الياة‪ .‬أولئك الدباء والفكرون "العلمانيون" هـم قادة الفكـر‪ ،‬وعمداء الدب‪ ،‬وأسـاتذة اليـل‪ .‬فجروا‬
‫المة كلها وراءهم إل الفكر الغرب‪ ،‬على أنه "مهبط الوحي" وزاد الياة! وذلك حي خرجت أجيال‬
‫من التعلمي تتلقف فكرهم وأدبم ف لفة وشغف‪ ،‬وتتحلق حولم‪ ،‬وتتعصب لم‪ ،‬وتصوغ فكرها من‬
‫فكرهم‪ ،‬واتاهاتا من اتاهاتم‪ ..‬وقد كانت اتاهاتم كلها بعيدة عن السلم‪ ،‬بل منسلخة تاما من‬
‫الد ين‪ ،‬إن ل ت كن ساخرة م ستخفة م ستهزئة! متجهة إل الغرب وأفكاره وأدبائه وفلسفته‪ ،‬وأ صبحت‬
‫أساء الدباء والشعراء الوربيي من أمثال شكسبي ووردزورث وبايرون وغيهم (للمدرسة النليزية)‬
‫وأناتول فرا نس وفيكتور هو جو وأندر يه ج يد وغي هم (للمدر سة الفرن سية) (‪ )1‬هي البد يل من امرئ‬
‫القيس وعلقمة والتنب والبحترى‪ ..‬البديل الذي يعطى صاحبه علوا ف الرض‪ ،‬وانتفاشا ف القوم‪ ،‬لنه‬
‫"مث قف"‪ ،‬ولو كان كل عل مه بأولئك الدباء والشعراء – ك ما قل نا من ق بل – هو مرد ذ كر أ سائهم!‬
‫وأصبحت‪ :‬قال فلن أو فلن من مفكري الغرب هي البديل عن "قال ال وقال الرسول"‪ .‬بل أصبحت‬
‫"قال ال وقال الرسول" هي عنوان الرجعية والمود والتأخر‪ .‬من ناحيتي اثنتي على اٌل‪ :‬من ناحية أنا‬
‫مكتوبة باللغة العربية‪ ،‬ومن ناحية أنا "دين"!‬

‫() كان ف مصر مدرستان ثقافيتان متميزتان‪ :‬الدرسة النليزية وعلي رأسها عبد الرحن شكري وتلميذاه‪ ,‬الازان والعقاد‪ ,‬والدررسة الفرنسية وعلي رأسها طه حسي‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪m m m‬‬

‫"هي" مال السياسة‬


‫أما ف عال السياسة فلك يكن المر أقل سوءا‪ .‬بل ربا كان أشد خطورة‪ .‬لقد حاول نابليون من‬
‫قبل تنحية الشريعة السلمية‪ ،‬ووضع "قانون نابليون" بدلً عنها‪ .‬ولكن المة السلمة ف مصر أبت ذلك‬
‫إباء‪ ،‬وثارت على الملة الفرن سية ال صليبية الكافرة‪ ،‬وطردت ا آ خر ال مر‪ ،‬ب عد مقاو مة عنيدة قا مت ب ا‬
‫المة السلمية الصرية‪ ،‬وبعد قيام "سليمان" السلم اللب بقتل كليب قائد الملة بعد رحيل نابليون‪.‬‬
‫ولكن النليز حي جاءوا إل مصر عام ‪1882‬م نوا الشريعة السلمية‪ ،‬وحكموا بدلً عنها قانون‬
‫نابليون‪ ،‬دون ثورة من جانب الشعب‪.‬‬
‫ولقد يع جب الن سان اليوم من تبدل الو قف تاه ال مر الوا حد ما ب ي عا مي ‪ 1798‬و ‪1882‬م‪،‬‬
‫ولكن عوامل عدة كانت تعمل ف ساحة الحداث وف داخل النفوس‪.‬‬
‫ل شك أن ما يزيد على ثاني سنة من الزحزحة الستمرة عن السلم كان لا اثر ملموس ف عال‬
‫الوا قع‪ .‬ف سياسة "التغر يب" ال ت اتبع ها م مد على‪ ،‬وورث ها من بعده أبناؤه‪ ،‬وكان قوام ها الول سياسة‬
‫البتعاث الت اتبعها ممد على‪ ،‬ث سياسة "الفرنة" التدريية الت اتبعها أبناؤه‪ ،‬وباصة الديو إساعيل‪،‬‬
‫كان لا أثرها التدريي ف تقبل الفكار الغربية وأناط الياة الغربية‪ ،‬وتضاؤل الستنكار لا كلما تقدم‬
‫الزمن‪.‬‬
‫ووجود الدارس التبشييـة التـ نشطـت فـ عهـد أبناء ممـد على‪ ،‬وكان يتعلم فيهـا مسـلمون‬
‫ومسلمات‪ ،‬يتزايد عددهم على الدوام‪ ،‬ويبزون بالتدرج على ساحة الجتمع‪ ،‬وينشرون التفرنج سواء‬
‫ف أزياء الل بس أو أزياء الف كر أو أزياء ال سلوك‪ .‬كان له كذلك أثره التدري ي ف زحز حة الجت مع من‬
‫نق طة ارتكازه الطبيع ية – و هي ال سلم – بإياد نق طة ارتكاز أخرى إل جانبهان تبدأ ضعي فة وتقوى‬
‫بالتدريج (‪.)1‬‬
‫وربا كان العامل الباشر الذي حدد موقف المة السلمية ف مصر من تنحية الشريعة السلمية‪،‬‬
‫هو ف شل الثورة ال ت قام ب ا عرا ب ف صد النل يز؛ ودخول النل يز منت صرين‪ ،‬واحتلل م البلد ب عد‬
‫القضاء على قوة ال يش ال صري‪ ،‬ول كن هذه – وحد ها – ل ت كن لتؤدى إل سكوت ال مة عن هذا‬
‫المر الطي‪ ،‬لول العوامل الت أشرنا إليها آنفا‪ ،‬ولول الواء الشامل الذي أصاب حياة المة من تلفها‬
‫العقدي‪ .‬ف قد حد ثت هزي ة الجاهد ين ال سلمي ف ال ند أمام الغزو النليزى‪ ،‬ول كن تنح ية الشري عة‬
‫() راجع ما قلناه من قبل عن دور رفاعة الطهطاوي ف الياة الصرية‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫السـلمية هناك‪ ،‬وإحلل القانون النليزي ملهـا‪ ،‬أثارت الجاهديـن مرة أخرى – رغـم هزيتهـم –‬
‫فقاموا بثورات متعددة ما بي عام ‪ 1826‬وعام ‪1857‬م كبدت النليز خسائر كثية ف الرواح‪ ،‬ول‬
‫تسمح لم بالستقرار حت قضوا عليها بوحشية بالغة‪.‬‬
‫ول شك أن "التديني" نظروا إل المر على أنه كفر صريح ل يكن الرضا عنه‪ .‬ولكنهم غلبوا على‬
‫أمرهـم فسـكتوا صـاغرين‪ .‬ولكـن الحتلل الصـليب البيطانـ ل يكـن ليأمـن‪ ،‬حتـ لو سـكت الناس‬
‫صاغرين‪ .‬ف هم يعرفون هذا الد ين ك ما يعرفون أبناء هم‪ ،‬وتربت هم ف ال ند – على ال قل – تعلم هم أن‬
‫السلمي قد يعودون إل الثورة والقاومة ما ل يسحق فيهم "السلم"‪.‬‬
‫لذلك كان الغزو الفكري الذي اتبعوه – على طريقتهـم البطيئة الكيدة الفعول – موجها إل كـل‬
‫ر كن من أركان الياة ال سلمية‪ ،‬لزحز حة هذه ال مة زحز حة كاملة عن ال سلم ( مع الحاف ظة على‬
‫الظا هر الاو ية لل سلم منعا من إثارة الشكوك ك ما قال كرو مر ف تقريره الذي سبقت الشارة إل يه)‬
‫وكان من أهم الجالت الت عن الحتلل الصليب با مال السياسة‪ .‬أي مال الكم والتشريع‪.‬‬
‫ل قد ظلت هذه ال مة ثل ثة ع شر قرنا ق بل ذلك ت كم الشري عة ال سلمية‪ ،‬ول تعرف ل ا بديلً ف‬
‫حياتا‪ ،‬ول تتصور – مرد تصور – أن يكون ل ا ف حيات ا بديل‪ .‬وترى – ب ق – أن تكيم الشريعة‬
‫ال سلمية هو قر ين إ سلمها‪ ،‬ومقتضاه الواق عي ف حيات ا‪ ،‬إل جا نب صلتا وعبادت ا‪ ،‬وأن هات ي‬
‫ال صفتي ه ا اللتان تيزان ال سلم من الكا فر‪ :‬تي كم الشري عة وإقامة ال صلة‪ ،‬أ ما بقية المور ف قد يرى‬
‫عليها شئ من التساهل (أو شئ من الرجاء!) ولكنه ل يرى على هذين المرين بالذات!‬
‫وكان هذا ما حفظ لذه المة وجودها التاريي‪ ،‬رغم كل ما وقعت فيه من أخطاء‪ ،‬ومن تقصي‪،‬‬
‫و من بدع‪ ،‬و من انرافات‪ .‬و قد غلب الحتلل ال صليب ال مة على نف سها‪ ،‬فن حى شريعت ها‪ ،‬وألم ها‬
‫بالديد والنار والعسف والتسلط‪ ،‬ولكنه – كما قلنا – ل يأمن أن يدث رد الفعل‪ ،‬وأن تدث الثورة‬
‫على هذا المر ف يوم قريب أو بعيد‪ .‬فلبد من العمل الاد للحيلولة دون وقوع رد الفعل الرهوب‪.‬‬
‫وهنا تقدم عملؤه لعاونته ف زحزحة المة عن عقيدتا ف عال السياسة‪ ،‬كما عاونه آخرون ف مال‬
‫الفكر والدب‪ ،‬ومال الرأة‪ ،‬ومال الخلق‪ ..‬وكل مال عمد فيه إل ماربة السلم‪.‬‬
‫جاء أستاذ اليل (!) لطفي السيد ليقول ف "جريدته" (‪ )1‬كلما ما أنزل ال به من سلطان!‬
‫جاء يقول للناس‪ :‬إن النليز هم أولياء أمورنا ف الوقت الاضر! ول ينبغي أن ناربم ونقاومها! إنا‬
‫واجبنا أن نتعلم منهم‪ ،‬ث نتفاهم معهم بعد ذلك لتصفية ما بيننا وبينهم من خلفات!‬

‫() كان اسها "الريدة"‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫أرايت كم جرية يرتكبها ويدعو إل ارتكابا (أستاذ اليل)‬
‫الرية الول هي القول بأن النليز هم أولياء أمورنا ف الوقت الاضر‪ .‬والسلمون ل يعرفون لم ف‬
‫تاريهم ول أمر إل منهم‪:‬‬
‫{يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا َأطِيعُوا اللّ َه َوَأطِيعُوا ال ّرسُو َل َوُأوْلِي ا َلمْ ِر ِمنْكُمْ} [سورة النساء ‪]4/59‬‬
‫وبصر فالنظر عما وقع من التحريف – فيما بعد – من تفسي "منكم" على الفهوم الوطن أو القومي‬
‫الذي يأباه السلم‪ ،‬وصرفها عن معناها السلمي القيقي – أى السلمي الذين يكمون بشريعة ال‪،‬‬
‫وهم وحدهم الذين أمر ال بطاعتهم‪ ،‬بل قيد طاعتهم بطاعتهم هم ل ورسوله‪ ،‬كما هو ظاهر ف الية‬
‫من ذ كر ال مر بالطا عة ل وللر سول وحده ا‪ ،‬وع طف طا عة أول ال مر على طا عة ال والر سول دون‬
‫ذكر الفعل المر بالطاعة‪ .‬وكما هو ظاهر من التعقيب الخي ف الية‪ :‬فإن تنازعتم ف شئ فردوه إل‬
‫ـ هـو واضـح قول رسـول ال‪" :e‬ل طاعـة‬
‫ال والرسـول إن كنتـم تؤمنون بال واليوم الخـر‪ "..‬وكم ا‬
‫لخلوق ف معصية الالق" (‪.)1‬‬
‫ب صرف الن ظر عن هذا كله‪ ،‬فتلك أول مرة ف تار يخ ال مة ال سلمية‪ ،‬تو جه ال مة في ها إل قبول‬
‫"أولياء أمر" لم من غي السلمي أصلً‪ ..‬من الصليبيي الكافرين!!‬
‫إنا استول الصليبيون ف الروب الصليبية الول على بعض البلد السلمية‪ ،‬وأقاموا فيها دويلت‬
‫– ف م صر والشام – ا ستمر بعض ها مائ ت عام‪ ،‬ول كن ل ين ظر ال سلمون قط إلي هم على أن م "أولياء‬
‫أمورهم"! إنا نظروا إليهم على أنم كفار يغتصبون أرضا إسلمية‪ ،‬ينبغي "جهادهم" لجلئهم من ارض‬
‫السلم‪.‬‬
‫ولكن "أستاذ اليل" كان يدل بدلوه ف حرب السلم! فيزين للمة أن تتخذ وليا لا من الصليبيي!‬
‫أما جريته الثانية فهي لطبه من المة أل يقاموا عدوهم الصليب الغاصب‪ ،‬إنا بدلً من ذلك يتعلمون‬
‫منه!‬
‫وأي شئ كان يريد من المة أن تتعلم منهم؟!‬
‫لو أنه وجه المة أن تتعلم منهم أسباب القوة القيقية‪ ،‬من التقدم العلمي والتكنولوجي‪ ،‬واللد على‬
‫العمل والصب عليه‪ ،‬والتنظيم الدقيق لكل أمور الياة‪ ،‬مع تذيرها من الوقوع ف الفساد العقدي التمثل‬
‫ف ن بذ الد ين عن كل مالت الياة‪ ،‬والف ساد الجتما عي التم ثل ف إخراج الرأة من بيت ها ووظيفت ها‬
‫وفطرتا‪ ،‬وما يترتب عليه من فساد خلقي وفوضى وإباحية‪ ،‬والفساد الفكري الناشئ من تصور الكون‬

‫() رواه أحد وأبو داود وسنده صحيح‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫بل خالق‪ ،‬وتصور النسان على أنه حيوان‪ ،‬وتصور الياة الدنيا على أنا هي البدأ والنهاية بل بعث ول‬
‫معاد‪ ،‬ول حساب ول جزاء‪.‬‬
‫لئن فعل ذلك لقلنا إنه "أستاذ" حقا‪ ،‬يوجه "اليل" إل ما فيه خي وفلحه بالنسبة للظروف الحيطة‬
‫به‪.‬‬
‫ولكنه ل يقل شيئا من ذلك‪ ،‬وما كان متصورا منه أن يوقل‪ .‬ولو قالا ما حصل قط على لقب أستاذ‬
‫اليل! إنا كان مع الرجعيي التخلقي!‬
‫وأ ما الري ة الثال ثة ف هي دعو ته ب عد ذلك كله إل "التفا هم" مع العدو ال صليب الغا صب ب عد مرحلة‬
‫التعلم‪ ،‬ل إل الهاد لجلء الغاصبي بعد استمداد وسائل القوة عن طريق "التعلم" منهم!‬
‫و هي كل ها "خدمات" ل صحاب الشأن‪ ،‬كان ل ا وزن ا ع ند إطلق الل قب عل يه‪ ،‬وا ستمرارهم ف‬
‫إضفاء اللقب عليه إل آخر لظة من حياته‪.‬‬
‫ولكن الدمة الكبى الت قدمها‪ ،‬واستحق عليها التقدير بق من يلكون التقدير يومئذ‪ ،‬ل تكن ف‬
‫مرد "الكلم" على هذا الن حو‪ .‬فالكلم وحده – وإن ا ستمر يكرر ك ما كان يكرره لط في ال سيد – ل‬
‫يؤتى ثرته حت يتبناه قوم فيعملوا به‪.‬‬
‫لذلك كانت الدمة القيقية هي "تريه" ليل من "الزعماء" ف اتاهات متلفة‪ ،‬من بينهم ممد‬
‫عبده‪ ،‬وقاسم أمي‪ ،‬وسعد زغلول! فهنا "الستاذية" القة الت تستحق اللقب وتستحق التقدير!‬
‫ولكنا ل نستطيع إدراك هذا المر على حقيقته حت نعرج على صالون "نازل فاضل"‪ ،‬لندرك لحة‬
‫ما كان يرى فيه‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫لقد ابتليت مصر ف تاريها الديث بثلثة "صالونات" كان لا تأثي ملحوظ ف خط سي الحداث‪:‬‬
‫صالون مى زيادة (مارى زيادة) الدي بة الشاعرة اللبنان ية ال سيحية‪ ،‬و صالون هدى شعراوى‪ ،‬و صالون‬
‫نازل فاضل‪.‬‬
‫و"الصالون" مكان يستقبل فيه الناس من "عشاق" لون معي من ألوان الفن أو الفكر أو الثقافة‪ ..‬ال‪.‬‬
‫فيقضون فيه وقتا للتعارف والتدارس و"التذوق" والتأثر والتأثي‪ .‬فيكون بثابة منتدى لم‪ ،‬ولكنه منتدى‬
‫خاص‪ ،‬ل يفتح لعامة الناس‪ ،‬إل من أذن له صاحب الصالون ورضى عنه‪ .‬وله تقاليده الاصة الت ينبغي‬
‫أن تراعى‪ .‬فهو أولً وآخرا "بيت" ملوك لصاحبه‪ ،‬وصاحبه هو صاحب التصرف فيه‪.‬‬
‫ول كن ال صالونات الثل ثة الشار إلي ها كا نت تتم يز بأن أ صحابا ن ساء! ون ساء ي ستقبلن الرجال بل‬
‫مارم! على غي مثال مسبوق ف الياة السلمية (‪ ،)1‬ويبقى الرجال ساعات متطاولة ف "ضيافة" صاحبة‬
‫الصالون‪ ،‬ل يهم أن يكون فردا أو جاعة من الرجال ف وقت واحد‪.‬‬
‫فأما مى الديبة الشاعرة فقد فتنت أدباء مصر جيعا ف وقت من الوقات‪ ،‬بظرفها – كما قالوا –‬
‫(‪)2‬‬
‫ولطف حديثها‪ ،‬حسن استقبالا للرجال‪ ،‬وثقافتها‪ ،‬ولباقتها‪ ،‬وة‪.‬‬
‫وأ ما هدى شعراوى ف قد ا ستقطبت من ا ستقطبت من ال صحفيي والشعراء والكتاب الدافع ي عن‬
‫"قضية الرأة"‪.‬‬
‫وأما نازل فاضل فقد كان صالونا أخطر الثلثة‪.‬‬
‫كانـت نازل فاضـل أمية "متحررة" مـن أميات أسـرة ممـد على‪ ،‬تعلمـت على الطريقـة الغربيـة‪،‬‬
‫وتلقـت بأخلق الغرب‪ ،‬وجعلت مـن بيتهـا صـالونا على النحـو الذي ذكرناه‪ ،‬تسـتقبل فيـه الرجال‬
‫وتتجاذب معهم أطراف الديث‪.‬‬
‫ولكن أي رجال‪ ..‬وأي أحاديث؟!‬
‫لقد كان أكب زبائنها هو اللورد كرومر نفسه!‬
‫وناهيك بصالون يكون ضيف الشرف الدائم فيه هو العتمد البيطان‪ ..‬الاكم الطلق ف البلد!‬
‫ث كان من رواده الذ ين يكثرون التردد عل يه‪ :‬لط في ال سيد‪ ،‬و سعد زغلول‪ ،‬وقا سم أم ي‪ ،‬وم مد‬
‫عبده‪ ،‬ومصطفي فهمى والد صفية‪ ،‬الت سيت بعد زواجها من سعد زغلول‪ :‬صفية زغلول! نسبة إل‬
‫زوجها‪ ،‬على طريقة الغرب ف إلاق الزوجة بلقب الزوج!‬
‫فأما ممد عبده فقد كتب ف مذكراته الت نشرتا دار اللل بعنوان "مذكرات ممد عبده"‪ :‬إنه تأثر‬
‫تأثرا عميقا بلطف السيدة‪ ..‬وإن عمق تأثره با قد غري نظرته إل الرأة تغيا كاملً!‬
‫وممد عبده‪ -‬كما هو مشهور – هو كاتب مقدمة كتاب قاسم أمي السمى "تر ير الرأة"! وقد‬
‫قيل ف يوم من اليام إنه كاتب الكتاب كله‪ ،‬أو الوحى بأفكاره لقاسم أمي‪ .‬ولكن حسبنا منه كتابة‬
‫القدمة‪ ،‬لنتعرف على نوع "التأثر" الذي تأثره ممد عبده من لطف "نازل هان" صاحبة الصالون!‬
‫أما قاسم أمي فهي غن عن الشارة‪.‬‬
‫وأما سعد زغلول فله قصة لبد من ذكرها‪ ،‬لنا تثل تولً من أخطر التحولت ف الياة الصرية‬

‫() يزعم بعضهم أن سكينة بنت السي رضي ال عنها ‪ -‬وهي أديبة وشاعرة كانت تستقبل الرجال ف بيتها يتلقون الدب والعلم علي يديها‪ .‬وأيا تكن صحة ذلك فقد كانت‬
‫‪1‬‬
‫سكينة مجببة‪ ,‬تاطب الرجال من وراء حجاب‪ ,‬وترعي حرمات دينها وربا‪ .‬أما هؤلء فقد كن سافرات‪ ,‬ل يرعي ف صالوناتم شرعا ول حرمة‪.‬‬

‫() انظر دواوين العقاد الربعة الول‪ ,‬و"أوراق الورد" و "رسائل الحزان" للرافعي‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫الديثة (‪.)1‬‬
‫كان سعد موهوبا موهبة "الزعامة" بالنسبة للمة الصرية ف ذلك الي‪ ..‬أعن موهبة الطابة!‬
‫فقـد كانـت الماهيـ فـ ذلك الوقـت تتحلق مبهورة النفاس حول "الطيـب"‪ ،‬كمـا تتحلق حول‬
‫الساحر الذي يصنع العاجيب‪ .‬وكان هذا أمرا منطقيا مع الحوال يومئذ‪ ،‬ل بالنسبة لصر وحدها‪ ،‬بل‬
‫بالنسبة لكثر البلد العربية والسلمية‪ ،‬إن ل نقل لكثي من بلد العال كذلك‪.‬‬
‫ل قد كا نت ن سبة التعل يم أ قل م ا هي اليوم بكث ي ف أك ثر أ صقاع الرض‪ .‬و من ث ل ت كن الكل مة‬
‫الكتو بة تدث أثر ها الذي تد ثه اليوم ع ند التعلم ي القارئ ي‪ ،‬الذ ين تعودوا أن يقرأوا‪ ،‬وأن يتأثروا ب ا‬
‫قرأوا‪ ،‬على روية وتدبر بغي انفعال‪.‬‬
‫ول تكن الذاعة قد أنشئت بعد‪ ،‬حيث يكن للناس أن يستمعوا وهم متفرقون ف بيوتم أو نواديهم‪.‬‬
‫ومن ث كانت الوسيلة هي الطابة‪.‬‬
‫يقف الطيب ف مكان الجتماع‪ ،‬فتتحلق حوله الماهي‪ ..‬وعلى قدر موهبته الطابية يكون تأثيه‬
‫ف الماهي‪ ،‬ويكون ف الوقت ذاته ترشيحه "للزعامة"!‬
‫وبطبيعة الال ل تكون القدرة الطابية وحدها هي كل مقومات الزعامة‪ ،‬فلبد من صفات أخرى‬
‫يتصف با الزعيم‪ ،‬ولبد من "مواقف" يقفها ليبز بي الماهي وتلف حوله‪ .‬ولكن الطابة – يومئذ –‬
‫كانت ف مقدمة الؤهلت‪.‬‬
‫وقد كان سعد موهوبا ف الطابة بصورة غي عادية‪.‬‬
‫كان يشتغل ف مبدأ أمره بالحاماة‪ ،‬وكان إذا ترافع ف قضية تغص قاعة الحكمة بالاضرين‪ ،‬الذين‬
‫جاءوا فقط ليسمعوا مرافعتهن أو بالحرى جاءوا ليسمعوا وهو يترافع! بينما القضية ذاتا الت يترافع فيها‬
‫ل تمهم من قريب ول من بعيد!‬
‫ومن هناك التقطه الصالون‪.‬‬
‫التقطه ليصوغه صياغة معينة‪ ،‬تؤدى دورها الطي ف مسار الحداث‪.‬‬
‫هناك التقى بكرومر‪ ،‬ولطفي السيد‪ ،‬ومصطفي فهمى (والد صفية زغلول) وغيهم من يعملون على‬
‫"التقريب" بي الصريي والنليز‪ ،‬عن طريق "التغريب"‪.‬‬
‫وبعد مرحلة معينة من "الصياغة" و"التشكيل" عي كرومر سعدا وزيرا للمعارف‪.‬‬
‫ويقول كرومـر عـن هذا التعييـ (فـ تقريره لسـنة ‪ ،1906‬القدم للبلان النليزي فـ أبريـل سـنة‬
‫() كل من الثلثة‪ :‬ممد عبده‪ ,‬وقاسم أمي‪ ,‬وسعد زغغلول يثل ف القيقة تول تطيا ف حياة المة‪ ,‬ولكن ربا كان سعد أشدهم أثرروا وأكثرهم خطورة‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ )1( )1907‬بعد كلم طويل عن "الوطنية الصرية" وصف ف ختامه الدرسة الفكرية الت ينتمي إليها‬
‫سعد زغلول‪ ،‬والت ساها على سبيل الختصار (مدرسة ممد عبده) بأن برنامها بقوم على (التعاون مع‬
‫الوروبي ي – ل معارضت هم – ف إدخال الدن ية الوروب ية إل بلد هم) ون صح بأن ينحوا كل تشج يع‬
‫م كن‪ .‬يقول كرو مر ب عد ذلك‪ :‬إن اختيار سعد زغلول لن صب وز ير العارف ل يس إل تنفيذا ل سياسة‬
‫تر مى إل تأي يد هذه الدر سة‪ ،‬وو ضع مقال يد ال سلطة ف يد ها‪ .‬ث يقول ع قب ذلك ما ن صه‪" :‬و سوف‬
‫نرا قب ما تتم خض ع نه هذه التجر بة من آثار ف عنا ية وانتباه‪ .‬فإذا ن حت التجر بة‪ ،‬وذلك ما آمله‬
‫وأعتقده‪ ،‬ف سوف ن نح قدرا أ كب من التشج يع لل سي ف التاه نف سه إل مدى أب عد‪ .‬أ ما إذا فشلت‬
‫التجربة فستكون النتيجة التمية لذلك هي العتماد ف شئون الصلح على الوروبيي – وعلى النليز‬
‫خا صة – إل مدى أ كب م ا جرى عل يه الع مل سابقا‪ .‬وأيا ما كا نت الال‪ ،‬فلن يكون هناك سبيل إل‬
‫التراجع‪ .‬إن العمل يسي بد ونشاط ف إدخال الدنية الغربية إل مصر‪ .‬وهو يأخذ طريقه بتقدم وناح‬
‫ف كل إدارة من إدارات البلد‪ ،‬حسب خطة مرسومة وضعت خطوطها بعد دراسة للموقف‪ ،‬تقوم على‬
‫التطور والتدرج‪ ،‬ل على النقلب العنيف والتغيي الفاجئ (‪.)3( ")2‬‬
‫ويقول الدافعون عن سعد زغلول‪ :‬إنه يكفيه فخرا و"وطنية" أنه جعل التعليم باللغة العربية بعد أن‬
‫كان كله باللغة النليزية‪,،‬أنه أصر على هذا الطلب حت استجاب له النليز‪.‬‬
‫ولسنا نقول إن سعدا كان صفرا‪.‬‬
‫ولسنا نقول إنه كان ألعوبة ف يد الستعمار‪ ،‬يؤمر فيطيع‪ ،‬كما كان "زيور باشا" مثلً‪ ،‬أو غيه من‬
‫الذين كانوا ل يعرفون إل تنفيذ الوامر الصادرة إليهم‪.‬‬
‫إناـ نقول إن هناك اطمئنانا مبدئيا لدى السـتعمار الصـليب أنـه سـيقوم بعمليـة التغريـب‪ ،‬وعمليـة‬
‫التقريب‪ .‬وهو هدف رئيسي‪ ،‬يهون أمامه أن يستجيبوا له ف تعريب التعليم‪ ،‬ما دام التعليم ذاته سيظل‬
‫على ذات النهج الذي وض عه دنلوب‪ ،‬وأشرف على تنفيذه ب كل دقة‪ ،‬بينما "الرياسة" ف الوزارة لسعد‬
‫زغلول!‬
‫لقد كان العروف لدى الناس عموما أن دنلوب هو الوزير القيقي ف الوزارة‪ ،‬وبصرف النظر عن‬
‫فكرة الناس فهذه هي الوقائع‪ :‬لقد صار التعليم باللغة العربية نعم – وذلك أمر فيه من الي ما فيه –‬

‫() ص ‪ 8‬من النسخة النليزية‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫() أي علي السلوب النليزي العروف‪" :‬بطئ ولكنه أكيد الفعول"!‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() عن كتاب "حصوننا مهددة من داخلها" للدكتور ممد ممد حسي‪ ,‬طبع مطبعة الرسالة بيوت‪ ,‬الطبعة الثامنة سنة ‪ 1404‬هـ ‪1983‬م ص‪.103 :‬‬
‫‪3‬‬
‫ول كن ماذا يعلم الطلب؟ هل سعى سعد – و هو صاحب الثقا فة الزهر ية العرب ية الدين ية – إل إزالة‬
‫الجحاف التعمـد الذي وضعـه دنلوب على معلم اللغـة العربيـة‪ ،‬والذي ينشـأ عنـه مـا ينشـأ فـ نفوس‬
‫الطلب من ازدراء الل غة العرب ية و كل ما هو مكتوب ب ا‪ ،‬بين ما مدرس الل غة النليز ية – ف التعل يم‬
‫العرب – هو صاحب الثقا فة الزهر ية العرب ية الدين ية إل إزالة الحجاف التع مد الذي وض عه دنلوب‬
‫علي معلم اللغة العربية‪ ،‬والذي ينشأ عنه ما ينشأ ف نفوس الطلب من إزدراء اللغة العربية وكل ما هو‬
‫مكتوب ب ا‪ ،‬بين ما مدرس الل غة النلز ية ف التعل يم العرب هو صاحب ال صدارة‪ ،‬و صاحب الكل مة‬
‫ال سموعة؟ هل سعي سعد إل إحياء درس الد ين من الوات الذي فر ضه عليه الن هج الدنلو ب ال بيث‪،‬‬
‫بإعطائه لهرام الدر سي واعجز هم‪ ،‬ووض عه ف نا ية اليوم الدر سي‪ ،‬وحذ فه أ خر العام من الدول‬
‫الختصر بوصفه مادة إضافية وحضره ف استظهار مموعة من اليات – بل شرح ول تفهيم – ومموعة‬
‫من النصوص ل تستجيب لشئ ف عال التلميذ؟ هل سعى سعد إل تصحيح منهج تدريس التاريخ –‬
‫سواء منه السلمي أو الوروب – الذي يرج طلبا ل يعتزون بتاريهم‪ ،‬وتلوى أعناقهم ليا إل أوروبا‪،‬‬
‫فيشبون على النسلخ من السلم والذوبان ف الغرب؟‬
‫إن هذا هو الحك‪ ..‬وهذا هو اليزان الذي يوزن به "وزير العارف" ف بلد مسلم‪ ،‬يفتات الستعمار‬
‫ال صليب على إ سلمه‪ ،‬ويهدف – ك ما قال كرو مر صراحة – إل زحزح ته زحز حة كاملة عن حقي قة‬
‫دينه‪ ،‬مع رعاية الظاهر الاوية للسلم‪ ،‬منعا من إثارة الشكوك‪.‬‬
‫هنا يصبح "وزير العارف" بطلً حقيقيا‪ ،‬يستحق الشادة به‪ ،‬ويستحق أن يأخذ مكانه من التاريخ‪.‬‬
‫فهل سعى سعد إل شئ من ذلك؟ بل هل فكر فيه مرد تفكي؟‬
‫إن إ صراره على تعريب التعليم ع مل خي بل شك‪ ،‬فقد أبقى اليط موصولً ل ينق طع‪ ،‬كما كاد‬
‫ينق طع ف الشمال الفري قي (‪ )1‬ول كن أ فق سعد كان ينت هي ع ند هذه النق طة‪ ،‬ل يتجاوز ها إل النق طة‬
‫الوهرية‪ ،‬الت كان ينبغي أن يهتدي إليها بكم إسلمه أولً‪ ،‬وبكم ثقافته الزهرية العربية الدينية ثانيا‪.‬‬
‫فأين ذهبت حساسيته "للسلم" الذي يليه دنلوب عمدا من مناهج التعليم‪ ،‬ويرب قواعده ف نفوس‬
‫الدارسي؟‬
‫ه نا ينب غى أن نر جع إل لط في ال سيد‪ ،‬وإل "نازل ها ن" وإل أ ثر "ال صالون" بعا مة ف قلب الر جل‬
‫الزهري دارس الشريعة السلمية والدين السلمي!‬
‫فإن كرومر ل يضعه ف وزارة العار إل بعد أن اطمأن إل "تذيبه" و"تشذيبه" ف الصالون!‬

‫() عرب التعليم ف الشمال الفريقي بعد نضال كبي بعد خروج الفرنسيي‪ .‬ولكن مازال الفكر الغرب الذي دسه الستعمار الصليب يتاج إل جهد "إسلمي" إزالة آثاره‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫هذه واحدة‪.‬‬
‫ث كان سعد هو "الوكيل النتخب" لجلس شورى القواني‪ .‬بكم "شعبيته" الذائعة الصيت‪.‬‬
‫وينبغي أن نعرف أولً ما هو ملس شورى القواني‪.‬‬
‫إنه ف ظاهره "ملس نياب" لتعويد الشعب أن يكم نفسه بنفسه! وما كان النليز حريصي قط –‬
‫ف أي بلد احتلوه – على أن يردوا السلطة للشعب الذي اغتصبوا حريته‪,‬أخضعوه لم بالديد والنار!‬
‫إنا الدف القيقي من هذا الجلس هو إصدار "قواني" تكم البلد بدلً من الشريعة السلمية! وما‬
‫كان الستعمار الصليب – ف مصر خاصة – يرغب أن يستقل بسلطة إصدار القواني العارضة للشريعة‬
‫السلمية‪ ،‬رغم ما له من سلطان‪ ،‬كما صنع ف الند مثلً‪ ،‬لن مصر بلد الزهر‪ ،‬وبلد علماء الدين لعدة‬
‫قرون‪ .‬ومن الي له – حسب أسلوبه الذي اتبعه ف مصر‪ ،‬السلوب البطيء الكيد الفعول – أن تكون‬
‫هناك سلطة "شعبية" هي الت تعطى "الشريعة" لذه القواني‪ ،‬فيكون "الشعب" هو الذي يصدر القواني‬
‫الخال فة للشري عة‪ ،‬بعرف ته وبرغب ته! وتكون سياسة ال ستعمار هي التظا هر بالغ ضب وال ستياء من أن‬
‫الشعب يريد أن يفرض إرادته على الستعمرين! وف وسط "اللعبة" تر القواني الطلوبة كأنا "كسب"‬
‫للشعب جاء رغم إرادة الستعمار!‬
‫وكان للمجلس ويكلن‪ ،‬أحده ا مع ي وال خر منت خب‪ ،‬وكان الوك يل النت خب هو سعد زغلول‪.‬‬
‫فقد كان له ف ذلك الوقت من الشهرة الشعبية ما يعله ينتخب بسهولة ف ذلك الكان‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬كان هو "المثل الشعب" الذي يعب – بنصبه هذا – عن كون الشعب مثلً ف الجلس‪ .‬ولكن‬
‫أى شعب كان يثله سعد‪ ،‬وهو يصوغ القواني العارضة للشريعة السلمية وينحها الشرعية؟ هل هو‬
‫ش عب م صر ال سلم‪ ،‬الذي ينب غي – بقت ضى إ سلمه – أن يت كم إل شري عة ال‪ ،‬وير فض الحتكام إل‬
‫كل شريعة غي شريعة ال؟‬
‫وب صرف الن ظر عن حال الش عب يومئذ – من إقبال على ال سلم أو إدبار‪ ،‬أو إهال لذه القض ية‬
‫بالكلية – فإن سعدا ليس فردا عاديا من الشعب‪ .‬بل هو قائد وزعيم‪ .‬والقيادة معناها توجيه المة إل‬
‫ما ينبغي أن تتجه إليه‪ ،‬وإيقاظها له إن كانت غافلة عنه‪ ،‬وتنيدها له بكل طاقتها حت تصل إل تقيقه‪.‬‬
‫و سعد – بثقاف ته – ل يس بعيدا عن مال الشري عة‪ ،‬بل هي مال درا سته ف الز هر‪ .‬فأ ين ذه بت‬
‫حساسيته للسلم‪ ،‬حت صار موضع فخره أنه الوكيل النتخب للمجلس الذي يصوغ القواني الوضعية‬
‫لتحكم الناس بدلً من الشريعة السلمية؟ (‪.)1‬‬

‫() مذكر بذه الناسبة أن كرومر ‪ -‬ف رثائه الشهي للشيخ ممد عبده ‪ -‬أبدي أسفه العمقيق علي فقد ذلك "الصديق"‪ ,‬وأشاد بالذات بفتاواه الت كانت العون الكب لجلس شوري‬
‫‪1‬‬
‫وهذه أخرى‪.‬‬
‫ولكن الثالثة هي الخطر‪.‬‬
‫قامت الثورة الصرية عام ‪1919‬م عقب انتهاء الرب العالية الول ببضع شهور‪.‬‬
‫وكانت هذه الثورة تعبيا عن غضب المة الختزن منذ عهد الحتلل‪.‬‬
‫وكان "الزين" الذي تفجر يوى أشياء كثية‪ ،‬تمعت على مدى الزمن فأدت إل الشتعال‪.‬‬
‫كان فيهـا الغضـب الطـبيعي مـن العدو الغاصـب الذي يتـل البلد بعسـاكره‪ ،‬ويهيـ – بوجوده –‬
‫كرامة البلد‪.‬‬
‫وكان في ها ال ستياء من فرض "الما ية الع سكرية" – فضلً عن ال ستعمار – م نذ قيام الرب سنة‬
‫‪ ،1914‬و قد كا نت فترة الما ية تتم يز بالز يد من الشرا سة ف معاملة الش عب الهدر الكرا مة‪ ،‬ف قد‬
‫أنشئت الحاكـم العسـكرية‪ ،‬وكانـت تكـم على الناس بالعدام لدنـ شبهـة‪ ،‬ولجرد الرهاب‪ ،‬كمـا‬
‫حدث ف "حادثة دنشواى" الشهية‪ ،‬حيث ذهب مموعة من النود النليز يصطادون المام ف قرية‬
‫"دنشواى" فأصيب أحدهم بضربة شس فمات متأثرا با‪ ،‬فحكمت الحكمة العسكرية النليزية بإعدام‬
‫ممو عة من الهال بته مة أن م هم الذ ين قتلوه! وكا نت هذه الاد ثة من الشياء الشديدة الثارة ال ت‬
‫تمعت – مع غيها – لحداث الثورة‪.‬‬
‫وكان فيها الستياء من سلب الفلحي دوابم الت يعتمدون عليها ف أرزاقهم‪ ،‬مع سلبهم أقواتم‬
‫الضرورية من الغلل‪ ،‬تت ذريعة أن السلطة العسكرية ف حاجة إليها لماية البلد! وقد كانت تذهب‬
‫ف حقيقت ها لتمو ين "ال يش العر ب!!" ‪ -‬الذي جند ته إنلترا لحار بة دولة الل فة بقيادة لورد ألل نب‬
‫‪ ،Lord Allenby‬الذي قال وقـت أن دخـل القدس عام ‪ :1917‬الن انتهـت الرب الصـليبية!‬
‫والذي صرح قائلً‪ :‬لول معاونة "اليش العرب" ما استطعنا أن نتغلب على دولة اللفة (‪.)1‬‬
‫وكان فيها استياء أهل القاهرة بالذات من أفاعيل جيش "النزاك" ‪ )2( ANZAC‬الكون من خليط‬
‫مـن السـتراليي والنيوزيلندييـ ومندي جنوب أفريقيـا وكندا‪ ،‬فقـد عاثوا فـ القاهرة فسـادا وارتكبوا‬
‫الفوا حش‪ ،‬وكان الوا حد من هم إذا و جد مقاو مة ق تل الذ ين يقاومو نه بر صاص م سدسه‪ .‬وكا نت هذه‬

‫القواني‪.‬‬

‫() سنعرض للثورة العربية "الكبي!" وللجيش العرب الذي قاتل دولة اللفة فيما بعد‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() ترمز هذه الروف إل الدول الت جاء منها أولئك النود‪ ,‬علي طريقة اللغات الوربية ف أخذ حروف من كل اسم (هو عادة الرف الول) وجعها ف شكل كلمة إذا أمكن‪,‬‬
‫‪2‬‬
‫فهذه الدولة ف لغتها الصلية هي‪ Africa,New Zeland, Australia, Canada :‬ومموع الروف الول يكون كلمة ‪.Anzac‬‬
‫بالذات من أشد ما أثار الثورة ف نفس الصريي (‪.)1‬‬
‫ولكن اشد العوامل الت حفزت الصريي للثورة – إل جانب ذلك كله – كان عزل مصر رسيا عن‬
‫دولة اللقة منذ إعلن الماية‪ ،‬وقطع صلتها با نائيا‪ ،‬وجعلها تابعة لبيطانيا‪.‬‬
‫ومـا كانـت الصـلة بدولة اللفـة ذات واقـع عملي فـ مال السـياسة‪ .‬فمنـذ عزل الديـو توفيـق‪،‬‬
‫وإخضاع م صر للحتلل البيطا ن‪ ،‬ل ت عد م صر – عمليا – تاب عة لدولة الل فة و غن كا نت كذلك‬
‫بالسم‪ .‬أما الصلة الروحية فقد بقيت ف نفوس الصريي‪ ،‬وكانت هي الرباط "السلمي" الذي يربط‬
‫الصريي السلمي بدولة السلم‪.‬‬
‫وبصرف النظر عن كل السوء الذي كان واقعا ف الدولة العثمانية ذاتا‪ ،‬وصارفا لا عما ينبغي لا من‬
‫الروح السلمية (‪ ،)2‬فقد كانت ف قلوب السلمي ف كل الرض "رمزا" مرتبطا ف قلوبم بالسلم‪.‬‬
‫ومثلً له ف عال العيان‪.‬‬
‫فل ما أعل نت إنلترا الما ية الع سكرية على م صر ب عد قيام الرب‪ ،‬ف صلت م صر نائيا عن الدولة‬
‫العثمانية‪ .‬فكان ذلك – كما قلنا – أمرا شديد الواقع على النفوس‪ ،‬وكان له ف إحداث الثورة أثر بليغ‪.‬‬
‫باختصار‪ ..‬كانت الصورة "إسلمية" ف جوهرها‪ .‬يقوم ب ا الشعب ال سلم ف م صر تاه الغا صبي‬
‫الكفار‪ .‬وكانت تنطلق من الزهر‪ ،‬مهد السلم‪ ،‬بالضبط كما انطلقت من قبل أيام نابليون‪.‬‬
‫ولكن تولً خطيا طرأ على الثورة‪ ..‬مكان عماده سعد زغلول!‬
‫ولنعد إل "وثائق" الثورة نقرأ على ضوئها التاريخ!‬
‫نشرن صحيفة الهرام ف عام ‪1969‬م بعض وثائق التحف البيطان الاصة بثورة ‪ ،1919‬باعتبار‬
‫أنه قد مضى عليها خسون عاما‪ ،‬على طريقة التحف البيطان ف نشر وثائقه التاريية بعد مرور خسي‬
‫عاما من حدوثها (‪.)3‬‬
‫وكان ف هذه الوثائق أمور عجيبة تستحق الوقوف عندها لتدبر دللتها‪.‬‬
‫كان سعد يسكن ف شارع الفلكي بالقاهرة حيث يقوم الن "بيت المة"‪ .‬وكان يسكن قبله بقليل‬
‫ف نفس الشارع (تاه باب اللوق) ممد ممود (باشا) وهو أحد الشخصيات البارزة ف ذلك الوقت‪،‬‬

‫() من أجل ذلك حرص "اللفاء" ف الرب العالية الثانية علي استصحاب جيش من "البغايا" خاص بم‪ ,‬وشددوا علي جنودهم أل يتعرضوا للنساء الصريات خوفا من تكرار رد‬
‫‪1‬‬
‫الفعل الذي حدث بعد الرب الول‪,‬ولكنهم ف جيع الحوال ل يستغنون عن الفاحشة‪ ,‬لنم جنود جاهلية هجية!‪.‬‬

‫() كان حزب التاد والترقي يثي ف تركيا النعرة الطورانية ويدعو إل تتريك الدولة‪ ,‬ما نتناوله فيما بعد‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() اختصر التحف البيطان لدة فيما بعد إل ثلثي سنة للوثائق العادية‪ ,‬وأبقاا خسي للوثائق ذات الهية الاصة‪ ,‬وبعضها ل ينشر أبدا مافظة علي الطط السرية!‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫وإن ل ت كن له شعب ية م ثل سعد زغلول‪ ،‬كان والده أ حد "باشوات" م صر (ممود با شا سليمان) من‬
‫إقطاعي الصعيد (بساحل سليم بأسيوط) واكن هو من تعلموا ف إنلترا ف جامعة اكسفورد‪ ،‬يمل عصا‬
‫أرستقراطية على طريقة الرستقراطيي يومئذ‪.‬‬
‫تقول إحدى الوثائق إن ممد ممود كان عائدا إل بيته‪ ،‬وبينما هو واقف إل جوار البيت مر سعد‬
‫زغلول عائدا إل بيته (ف نفس الشارع كما ذكرنا) فسد ممد ممود الطريق أمامه بعصاه ليستوقفه‪،‬‬
‫وقال ه‪ :‬إن الشعـب يغلى‪ .‬ولبـد أن نصـنع شيئا! فرد عليـه سـعد‪ :‬وماذا نصـنع والمايـة معلنـة على‬
‫البلد؟!‬
‫وإل هنا نبز نقطتي مهمتي‪ :‬الول أن الشعب هو الذي كان يغلى من جانبه‪ ،‬ل بتحريض زعمائه!‬
‫أي أن الثورة منبع ثة انبعاثا ذاتيا من الش عب (لل سباب ال ت أورد نا جانبا من ها في ما سبق)‪ .‬والثان ية أن‬
‫سعد زغلول ل يكن – إل تلك اللحظة – يفكر ف إمكان عمل شئ ما‪ ،‬لنه يرى من وجهة نظره أن‬
‫الماية معلنة على البلد‪ .‬ومعها الكم العسكري الصارم‪ .‬ومن ث فل يكن عمل شئ!‬
‫تقول الوثي قة إن م مد ممود قال ل سعد‪ :‬ول كن الش عب ف حالة فوران شد يد‪ ،‬وإذا ل نف عل شيئا‬
‫فسيفوتنا القطار!!‬
‫وف اليوم التال شكل سعد "وفده" الثلثي الشهي‪ ،‬الكون منه ومن عبد العزيز (باشا) فهمى ومن‬
‫ممد (باشا) شعراوى‪ ،‬وذهبوا إل دار الندوب السامي البيطان لتقدي "مطالب المة"‪.‬‬
‫وهنا وقفة أخرى أمام الحداث‪.‬‬
‫هـل كان الذي حرك سـعد زغلول هـو كلمـة ممـد ممود الخية‪" :‬إذا ل نفعـل شيئا فسـيفوتنا‬
‫القطار"؟!‬
‫هل هو الوف على الزعا مة والكا نة الشعب ية؟ هل هو الوف من أن ي سبقه غيه إل ع مل شئ‬
‫كمحمد ممود أو غيه؟‬
‫ل نوض كثيا ف هذا المر‪ ..‬ولنحسن الظن‪ ..‬ولنقل إن كلم ممد ممود قد شجع سعدا على‬
‫التحرك‪..‬فقرر العمل‪.‬‬
‫لكـن الذي نقـف عنده هـو الوثيقـة التـ تتحدث عـن لقاء "الوفـد" للسـي "ونيـت" ‪Wingate‬‬
‫الندوب السامي البيطان ف ذلك الي‪.‬‬
‫تدث سـعد عـن تذ مر المـة‪ ،‬وحالة الفوران التـ تغلى ف الصـدور‪ ،‬وطالب بر فع المايـة وتغيـ‬
‫الحوال‪.‬‬
‫تقول الوثيقـة إن الندوب السـامي اسـتمع إل الوفـد – باسـتنكار طبعا – ثـ قال‪ :‬كأنكـم تريدون‬
‫الستقلل!! فقال سعد‪ :‬نعم! نريد الستقلل!‬
‫نقف هنا لنحاول إلقاء نظرة على فكر سعد زغلول ف تلك اللحظة‪ .‬إن "الستقلل" ل يكن واردا‬
‫ف ذ هن سعد‪ ،‬ول ف كل مه مع الندوب ال سامي‪ .‬إن ا الذي كان واردا هو ر فع الما ية الع سكرية‪،‬‬
‫وتفيف قبضة ال ستعمار على البلد‪ .‬ولكن الندوب ال سامي – بقدر من ال – هو الذي ن طق بكل مة‬
‫"الستقلل" ولعله كان يتصور أن "مندوب المة" – الت يعلم الراقبون أنا ف حالة فوران – ل يكون‬
‫مطلبهم أقل من الستقلل!‬
‫أيا كان المر‪ ،‬فقد التقطها سعد‪ ،‬وقال‪ :‬نعم! نريد الستقلل!‬
‫وقال ون يت – ك ما هو متو قع – إن هذا مطلب ال ي كن أن يوا فق عل يه‪ .‬وقال إ نه سيفع ال مر‬
‫للحكومة البيطانية‪.‬‬
‫واندلعت الثورة على إثر رفض الندوب السامي "لطالب المة"‪.‬‬
‫وكانت ثورة عارمة‪ ..‬اشترك فيها الشعب كله إل أقاصي الصعيد‪.‬‬
‫وكانت القاهرة – بطبيعة الال – هي مركز الثورة‪ .‬فكانت الظاهرات ترج يوميا من الزهر‪ ،‬بعد‬
‫أن ت ستمع إل الطباء الذ ين يشعلون حا سة الماه ي ضد ال ستعمر الغا صب‪ ،‬فيتلقف ها جنود الحتلل‬
‫بالدافع الرشاشة‪ ،‬فيسقط كل يوم قتلي‪ ،‬فتزيد الثورة اشتعال مع الدماء السائلة والرصاص الصوب إل‬
‫الصدور‬
‫ونفـي سـعد و " صحبه الكرام " بتعـبي الصـحافة الصـرية الواليـة للثورة‪ ،‬ب سبان أن نفـي الزعماء‬
‫سيقضى على الثورة ويكن النليز من السيطرة على الوقف‪.‬‬
‫ولكـن الثورة ازدادت حدة – كمـا كان متوقعا مـن ذلك الجراء فـ تلك الظروف – فسـحبت‬
‫بريطانيا مندوبا السامي من مصر وعينته ف وظيفة أخرى‪ ،‬على طريقة النليز ف معاقبة من يفشل ف‬
‫خطته من كبار موظفيها!! وجاءت باللورد أللنب مندوبا ساميا ف مصر على أمل أن يقضى على الثورة‬
‫ويريح منها الكومة البيطانية‪.‬‬
‫كان ألل نب هو القائد "الظ فر" الذي تغلب على ج يش دولة الل فة‪ .‬و هو ر جل ع سكري له هيب ته‬
‫"العساكر" فربا أدت هيبته بالصريي إل الوف من العواقب‪ ،‬والكف عن القاومة‪ ،‬وإناء الثورة‪.‬‬
‫تقول وثيقـة أخرى أن أللنـب مكـث شهرا كاملً يدرس الحوال فـ مصـر قبـل أن يقدم على قرار‬
‫(والثورة ماضية ف طريقها على ذات الصورة) ث أرسل تقريرا مطولً إل حكومته (منشور بكامله ف‬
‫الوثيقة) أبرز ما فيه جلتان ذواتا دللة عميقة وأهية بالغة‪:‬‬
‫"إن الثورة تنبع من الزهر‪ ،‬وهذا أمر له خطورته البالغة"‪" ..‬أفرجوا عن سعد زغلول وأعيدوه إل‬
‫القاهرة!"‪.‬‬
‫ل قد أدرك الر جل الداه ية – و ما كان ف حا جة أن يكون داه ية ل كي يدرك – أن الثورة تن بع من‬
‫الزهر – اى أنا ثورة دينية إسلمية – وأن هذا المر له خطورته البالغة!‬
‫إن أعداء هذا الدين يعلمون جيدا أن أخطر شئ عليهم هو روح "الهاد" ف هذا الدين‪ .‬إنم أقوى‬
‫ع سكريا بل شك‪ ،‬ويلكون كل و سائل الرهاب ف أيدي هم‪ ،‬و قد ي ستطيعون إخاد الثورة ف النها ية‪،‬‬
‫ولكن ذلك يكلفهم الكثي الكثي‪ ..‬ث هم غي مأمون العواقب ف جيع الحوال‪ .‬فالهاد السلمي روح‬
‫ل تمد‪ .‬إن سكنت حينا بالزية العسكرية فإنا ل توت‪ ،‬ويكن أن تتجدد مرة أخرى ف أي حي‪.‬‬
‫والل القترح‪" :‬أفرجوا عن سعد زغلول وأعيدوه إل القاهرة!"‪.‬‬
‫ونفترض أقصى ما يكن من حسن الظن‪ ،‬فنقول إن لورد أللنب رأى أن السبب الذي أدى إل اتساع‬
‫نطاق الثورة واشتداد القاو مة هو ن في سعد زغلول‪ ،‬وأن إرجاع سعد قم ي بأن يهدئ الوا طر الثائرة‬
‫وينهي الثورة‪.‬‬
‫ولكن سلوك سعد بعد عودته هو الذي يلجئنا إل قراءة العبارة الواردة ف آخر تقرير أللنب على نو‬
‫آ خر‪ ،‬ي عل ل ا ارتباطا مباشرا بالعبارة الول الواردة ف أول التقر ير‪ ،‬وال ت تش ي إل الطبي عة "الدين ية"‬
‫للثورة‪.‬‬
‫عاد سعد ليقول‪ :‬الدين ل‪ ..‬والوطن للجميع!‬
‫ومعن العبارة واضح‪.‬‬
‫الدين ل أي بينكم وب ي ال‪ ..‬فل تذكروه ف هتافاتكم وف حركت كم‪ ،‬واذكروا "الوطن" واجعلوه‬
‫موضع التركيز!‬
‫بعبارة أخرى‪ :‬تويل الثورة من ثورة دينية إسلمية‪ ،‬إل ثورة وطنية ل علقة لا بالدين‪.‬‬
‫ومن كان ف شك من دللة العبارة الت جعلها سعد سعارا للثورة فلينظر ف "الميع" الذين يعينهم‬
‫سعد‪ ،‬ب عد قوله "الد ين ل"‪ .‬إن الميع القصودين ف العبارة هم القباط والسلمون‪ .‬وكان القباط قد‬
‫اشتركوا ف الثورة بعد قيامها لن الظروف القائمة كلها يومئذ كانت تؤدى إل اشتراكهم‪ .‬فسد يريد‬
‫أن يقول – بل قال بالف عل – ل ترفعوا الشعارات ال سلمية على الثورة – من أ جل القباط الشترك ي‬
‫فيها – وارفعوا "الوطن" شعارا للثورة‪ ،‬لن هذا الشعار هو الذي يتسع "للجميع"‪ .‬أما الدين فهو ل‪ ،‬أي‬
‫أمر خاص‪ ،‬بي النسان وبي ال‪ ،‬يسره النسان ول يعلنه! (‪.)1‬‬
‫كأن وجود القباط ف م صر ي نع ال سلمي أن يكونوا م سلمي! وينع هم من أن يعلنوا إ سلمهم!‬
‫وينعهم من أن يتحركوا بقتضى إسلمهم! وينعهم – حي ينطلقون من منطلقات إسلمية –أن يقولوا‬
‫إنم ينطلقون من منطلقات إسلمية!!‬
‫من قال هذا؟ وكيف تقرر؟! وعلى أي أساس تقرر؟!‬
‫إن القباط يعيشون ف مصر منذ أربعة عشر قرنا‪ .‬منذ الفتح السلمي لصر‪ .‬يعيشون ف سلم وأمن‬
‫ل تتمتع به أية أقلية ف أى مكان ف الرض إل ف ظل السلم‪ .‬وقد كان السلم هو الذي أخرجهم‬
‫من الذل ال ساحق الذي كانوا يعانونه ف ظل الدولة الرومانية – السيحية! – ب سب اختلف الذهب؛‬
‫والسلم هو الذي رد إليهم كرامتهم الضائعة‪ ،‬حت ذهب الرجل القبطي ألوف الميال ليشكو إل عمر‬
‫ضربة عصا ظالة وقعت على ابنه من ابن عمرو بن العاص‪ ،‬بينما كانوا يتلقون السياط أيام الرومان وهم‬
‫صاغرون‪ .‬وبشأن م أبرز ع مر هذا البدأ ال سلمي العظ يم‪ :‬يا عمرو! م ت ا ستعبدت الناس و قد ولدت م‬
‫أمهاتم أحرارا!‬
‫وعاش القباط هذا الزمن التطاول ف أمن وسلم وحرية‪ ،‬ل تذقه قط أية أقلية إسلمية وقعت تت‬
‫ح كم الن صارى‪ .‬وأقرب المثلة هو الب شة‪ ،‬الرتب طة تارييا بالكني سة القبط ية ال صرية‪ ،‬وال ت يبلغ تعداد‬
‫السلمي فيها أكثر من ‪ %65‬من سكانا‪ ،‬ومع ذلك فهم مسحوقون مستذلون‪ ،‬ل يعينون ف وظائف‬
‫الدولة‪ ،‬ول يتولون منصبا واحدا من الناصب الكبية‪ ،‬ول يعلمون دينهم ف مدارس الدولة الرسية‪ ،‬ول‬
‫يسمح لم بفتح مدراس إسلمية تعلم أطفالم مبادئ دينهم‪ ،‬وحي يفتحون "كتاتيب" لتحفيظ القرآن‬
‫ت ظل الدولة تفرض علي ها الضرائب ح ت يض طر أ صحابا إل إغلق ها‪ .‬و ف هيئة ال مم – على مل من‬
‫العال كله – قال هيلسلسى ملك البشة السابق‪ :‬إنه ف خلل أثن عشر عاما ل يكون ف البشة إل‬
‫دين واحد!! أي أنه سيسحق السلمي ويبيدهم‪ ،‬أو يطردهم من أرضهم‪ .‬ول يتحرك صوت واحد ف‬
‫العال كله بالستنكار!‬
‫أما ف مصر فلم يدث شئ من هذا كله‪ ،‬ول يكن أن حدث‪ ،‬طالا كان السلمون مسلمي مافظي‬
‫على إ سلمهم‪ ..‬لن ال سلم هو الذي يأمر هم بالعدل‪ ،‬و هم يقومون به ل‪ ،‬ل ل صلحة أرض ية ه نا أو‬

‫() يتضح هذا من لئحة "حزب الوفد" الذي أسسه سعد زغلول بزعامته‪ ,‬فقد نص ف هذه اللئحة نصا صريا علي تري الوض ف المور الدينية (أي عدم ذكر الدين إطلقا ف‬
‫‪1‬‬
‫داخل الزب‪ ,‬وهو نفس الشعار الذي أطلقه سعد علي الثورة) كما أن حزب الوفد الديد أعلن ‪ -‬بناسبة النقاش الذي دار حول دخول الخوان السلمي النتخابات باسم الزب‬

‫‪ -‬أن الزب كان "علمانيا" منذ نشأته!‪.‬‬


‫هناك؛ وكلما زاد تسكهم بإسلمهم زاد حرصهم على إخفاق الق وتطبيق العدل الربان‪.‬‬
‫ب َوُأمِرْ ُ‬
‫ت‬ ‫ت بِمَا َأنْزَلَ اللّ ُه مِ نْ ِكتَا ٍ‬ ‫ت وَل َتتّبِ عْ َأهْوَا َءهُ ْم وَقُلْ آ َمنْ ُ‬
‫ع وَا ْسَتقِمْ كَمَا ُأمِرْ َ‬ ‫{فَِلذَلِ كَ فَادْ ُ‬
‫ج َة َبْينَنَا َوبَْينَكُ مْ اللّ ُه َيجْمَ ُع َبيْنَنَا َوإَِليْ هِ‬
‫َلعْدِ َل َبْينَكُ مْ اللّ هُ َربّنَا وَ َربّكُ مْ لَنَا َأعْمَالُنَا وََلكُ مْ َأعْمَاُلكُ مْ ل حُ ّ‬
‫الْ َمصِيُ (‪[ })15‬سورة الشورى ‪]42/15‬‬
‫فكيـف يكون وجود القباط – الكرميـ العززيـن فـ ظـل السـلم – مانعا للمسـلمي أن يكونوا‬
‫مسـلمي‪ ،‬وأن يعلنوا إسـلمهم‪ ،‬وأن يتحركوا بقتضـى إسـلمهم‪ ،‬وأن يعلنوا – حيـ ينطلقون مـن‬
‫منطلقات إسلمية – أنم ينطلقون من منطلقات إسلمية؟!‬
‫وكيف جرى هذا التحول الكبي‪ ،‬ف قلب الزعيم "السلم" الكبي؟!‬
‫ولننظر الن من الانب الخر‪ ..‬جانب العدو الصليب الستعمر‪.‬‬
‫إذا وقعت الواقعة‪ ،‬وحدثت الثورة – على كره من الستعمار – فأيهما أهون عليه‪ :‬حركة "الهاد"‬
‫السلمية‪ ،‬أم الركة "الوطنية" الت تبعد الدين من مالا‪ ،‬وتتحرك باسم "الوطن" فحسب؟!‬
‫الفارق‪ -‬ل شـك – كـبي‪ ..‬ويعرف الفارق جيدا أولئك الذيـن يعرفون هذا الديـن كمـا يعرفون‬
‫أبناءهم!‬
‫فحي تكون الركة جهادا إسلميا فالقضية واضحة‪ :‬مسلمون ثائرون‪ ،‬ياهدون عدوا صليبيا يتل‬
‫بلدهم‪ .‬فهل يتصور فيهم أن يلتقوا مع العدو الصليب ف منصف الطريق؟ هل يتصور فيهم أن "يتفاهوا‬
‫" مع عدوهم على شئ؟ هل يتصور فيهم أن يسكتوا على حركة التعذيب وحركة التقريب؟ هل‬
‫يتصور فيهم أن يسكتوا على تنحية الشريعة السلمية عن الكم‪ ،‬ويسكتوا على الغزو الفكري التمثل‬
‫ف النهج الذي وضعه دنلوب للتعليم والنهج الذي تتبعه وسائل العلم بعاونة الستعمر الصليب؟!‬
‫أ ما ح ي تكون حر كة وطن ية ف كل هذا جائز! بل ل قد و قع بالف عل! ف في ظل الر كة الوطن ية قام‬
‫التغر يب والتقر يب‪ ،‬وات سع نطاق الغزو الفكري‪ ،‬وا ستمر الن هج الدنلو ب‪ ،‬وا ستمرت و سائل العلم‬
‫تؤدى "مهمتها" ف إبعاد السلمي عن السلم!‬
‫فإذا وق عت الواق عة – على كره من ال ستعمار – وثار ال صريون‪ ..‬فأيه ما أهون على العدو ال صليب‬
‫الستعمر‪ :‬حركة الهاد السلمية أم الركة الوطنية؟!‬
‫هل كان عجبا إذن أن يشي أللنب ف تقريره إل أن الثورة تنبع من الزهر‪ ،‬وأن هذا المر له خطورته‬
‫البالغة‪ ،‬وأن يشي على حكومته بالفراج عن سعد زغلول وإرجاعه إل القاهرة؟!‬
‫ونفترض جدلً أن الر جل الداه ية قد غ فل عن هذه العا ن كل ها – ال ت ل يغ فل عن ها قط صليب‬
‫مستعمر ف أرض السلم – وأن إشارته على حكوم ته بالفراج عن سعد وإرجاعه إل القاهرة كانت‬
‫"بريئة" تاما من أي معرفة سابقة با حدث ف قلب الزعيم "السلم" الكبي ف صالون نازل فاضل‪ ،‬من‬
‫تأثر بأفكار أستاذه "أستاذ اليل"‪ ،‬وتأثر بصحبة اللورد كرومر‪ ،‬وتأثر "بتحرر" نازل هان‪ ،‬وغب ذلك‬
‫من الؤثرات‪ .‬فإن الذي حدث بالفعل أن سعدا بعد عودته قبل وقف الثورة على أساس "التفاوض مع‬
‫النليز" وأنه قال بعد فل الفاوضات كلمتيه الشهيتي‪" :‬خسرنا العاهدة وكسبنا صداقة النليز" و‪..‬‬
‫"النليز خصوم شرفاء معقولون"!!! ورضيت بذلك الماهي!!!‬
‫‪m m m‬‬

‫‪ -5‬بروز الزعامات العلمانية‬


‫وخلو الساحة من القيادة الدينية‬
‫كان التحول هائلً ف القيقة‪ ..‬ولكنه ت! وت ي يسر عجيب لبد لنا من دراسة أسبابه‪.‬‬
‫كانت "اللعبة" الت لعبها النليز ف مصر – وكررها الفرنسيون بعد ذلك من "بن بيل" ف الزائر –‬
‫هي نفى "الزعيم" – بعد الطمئنان إل توله عن الروح السلمية والنطلق السلمي – ث إعادته بعد‬
‫فترة من الوقت ليصبح "معبود الماهي"! (‪ )1‬وليحول الثورة من مسارها السلمي إل مسار آخر‪ ،‬مهما‬
‫يكن من أمره فهو أهون على أعداء السلم من "الهاد" تت راية السلم (‪.)2‬‬
‫تول سعد ف حس الماهي إل أسطورة‪.‬‬
‫ولئن كانت براعته الطابية من قبل قد جعت حوله الماهي إل حد الوس‪ ،‬فإن نفيه ث إعادته قد‬
‫ضاعفت هوس الماهي إل الد الذي تعب عنه صحافة ذلك الوقت بالعبادة!‬
‫أصبح ما يقوله سعد هو الق مهما كان مالفا للحق! واصبح ما يفعله سعد هو الصواب‪ ،‬أو أصبح‬
‫على القل مسكوتا عنه ولو كان أبشع الفاعيل!‬
‫كان سعد يقا مر – ك ما أ قر ف مذكرا ته – ويغرق ف ل عب القمار ح ت ي سر أمواله‪ ،‬وأعداؤه‬
‫ـ أوغـل أعداؤه‬‫السـياسيون يكشفون للجماهيـ ذلك‪ ،‬فتبتلع الماهيـ ذلك‪ ،‬وتزداد تعصـبا لسـعد كلم ا‬
‫السياسيون ف النيل منه! وكان يفطر ف رمضان‪ ،‬ويشرب المر – حت ف رمضان – ويذيع عنه أعداؤه‬
‫ذلك‪ ،‬فيعتذر عنـه العتذرون بأنـه ضعيـف ل يقوى بدنـه على الصـيام – فهـو مـن أهـل العذار – وأن‬

‫() هذا هو اللقب الذي أطلقته الصحف الوفدية علي سعد‪ ...‬ونستعيذذ بال من الكفر‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() كانت الراية الت رفعها بن بيل هي الشتراكية‪ ,‬وسيأت الديث عن الشتراكية فيما بعد‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫الطبيب قد نصحه بأخذ جرعات من المر بي الي والي لصلح معدته! (‪ )3‬فتبتلع الماهي إفطاره‬
‫ف رمضان وشربه المر‪ ،‬وتزداد تعصبا له!!‬
‫وكان يوظف أقاربه وأصهاره ف الوظائف الكبية‪ ،‬ويعيب عليه أعداؤه هذه ا"الحسوبية" فيد عليهم‬
‫متحديا‪" :‬سأجلعها زغلولية لما ودما" فتصفق الماهي إعجابا بالزعيم الكبي!!‬
‫وف النهاية ل تعد القضية عند الماهي هي قضية "الوطن" – حت بعد تولا من قضية إسلمية إل‬
‫قض ية وطن ية – بل أ صبحت القض ية هي قض ية سعد زغلول! فإذا كان هو راضيا فالماه ي راض ية‪،‬‬
‫بصرف النظر عن المر الذي هو راض عنه‪ ،‬وإذا كان غاضبا فالماهي غاضبة‪ ،‬بصرف النظر عن المر‬
‫الذي هو غا ضب من أجله! ي ستوي ف ذلك الهلء والثقفون‪ ،‬الغنياء والفقراء‪ ،‬العمال والفلحون‪،‬‬
‫الطلب والوظفون‪ .‬إل فريقا ضئيلً مـن المـة خراجيـ على هذا "الجاع" يوصـفون بأنمـ خونـة‬
‫مارقون‪ .‬وما كانوا بالفعل أفضل من سعد وأتباعه‪ ،‬إنا كان المر حسدا ف أنفسهم من مكانة سعد عند‬
‫الماهي!‬
‫كيف ت ذلك؟!‬
‫هل يكفى لتفسيه مقدرة سعد الطابية الفذة‪ ،‬الت كانت تعتب من النماذج التاريية الفذة؟‬
‫هل تك فى "اللع بة" ال ت لعب ها النل يز بن فى سعد‪ ،‬ث إرجا عه ب عد تضخي مه – بنف يه – ف حس‬
‫الماهي؟‬
‫هل يك فى ما يدث كثيا ف نفوس "الماه ي" – على مدار التار يخ – من ن سيان الدف ال صلي‬
‫والتعلق "بالرمز"‪ ،‬حت يصبح الرمز هو الدف ف النهاية؟‬
‫إن هذا كله يكن أن يكون تفسيا جزئيا لا حدث‪ ،‬ولكنه ل يكفى – وحده – للتفسي‪.‬‬
‫لبد أن نضع ف حسابنا حقيقتي كبيتي ابعد تأثيا من العوامل السابقة كلها‪ ،‬على كل ما لذه‬
‫العوامل من التأثي‪.‬‬
‫القي قة الول‪ :‬هي "الواء" الذي أ صاب الياة ال سلمية كل ها‪ ،‬بر غم وجود "عوا طف إ سلمية"‬
‫تنفعل با القلوب‪.‬‬
‫لقد كان ف الثورة – قبل أن يولا سعد إل ثورة وطنية – عواطف إسلمية‪ ،‬تتجه إل دولة اللفة‪،‬‬
‫و"تثور" حي يفصل ما بينها وبينها‪ ،‬و"تثور" ضد "الكفار" الغتصبي (فقد كانت هكذا أحاديث الناس‬
‫عند بدء الثورة وخاصة ف الريف) وتتجه إل الزهر ليقودها‪ ،‬لنه هو الدير – ف حسها – أن يقود‬

‫() كان هذا دفاع العقاد عنه ف كتابه "سعد زغلول"!‪.‬‬


‫‪3‬‬
‫الثورة السلمية‪.‬‬
‫ولكن ‪....‬‬
‫كم كان وعي السلمي " بالسلم؟ " وكيف كانت حقيقته ف إحساسهم؟ وبالذات ماذا كان ف‬
‫ح سهم من قض ية " ال كم ب ا أنزل ال "؟ هل كانوا علي و عي من أن ا " مقت ضي ال سلمي‪ :‬وم كة‬
‫القيقي‪ ،‬أم أنا ط كمالت " يتمن الناس وقوعها ولكن عدم وجودها ل يؤثر ف " إسلمهم "؟‬
‫هذه هي القضية الرئيسية ف التحول الطي‪ ،‬الذي حدث بذا السي العجيب ف حس " الماهي "‬
‫ولو كان هناك و عي إ سلمي حقي قي‪ ،‬لو كان هناك إدراك واع حا سم بأن ال كم ب ا أنزل ال هو‬
‫القتضي الطبيعي‪ ،‬والقتضي الول لشهادة ل إله إل ال ممد رسول ال‪ ،‬وأن الناس ل يكونوا مسلمي‬
‫إذا رضوا ب كم غ ي ح كم ال‪ ..‬لو كانوا كذلك ما سهل تويل هم إل القضا يا " الوطن ية " ال ت يو ضع‬
‫شعارا لا‪ :‬الدين ل والوطن للجميع‪ ،‬وينع ف نشاطها السياسي الوضي ف أمور الدين‬
‫أما القيقة الخري‪ :‬فهي خلو الساحة من القادة الطبيعي لذه المة‪ ،‬وهم " علماء الدين "‬
‫لقد كان علماء الدين دائما ف تاريخ هذه المة هم قادتا وموجهيها وهم ملجؤها كذلك إذا حزبم‬
‫أ مر وملذ ها ع ند الفزع‪ ..,‬تت جه إلي هم لتتل قي علم الد ين من هم وتت جه إلي هم ليشيوا علي ها ف أمور ها‬
‫الا مة‪ ،‬وتت جه إلي ها إذا و قع علي هم ظلم من الكام والولة لي سعوا إل ر فع الظلم عن هم بتذك ي أولئك‬
‫الكام والولة بربمـ‪،‬وأمرهـم بالعروف ونيهـم عـن النكـر‪ ،‬وكان العلماء يضطهدون مـن قبـل ذوي‬
‫ال سلطان أحيا نا‪ ،‬ويلقون ف ال سجون أحيا نا‪ ،‬ويؤذون ف أبدان م وأموال م وكرامات م أحيا نا ولكن هم‬
‫يصمدون لذا كله‪ ،‬تقديرا لسئوليتهم أمام ال وهم الذين من ال عليهم بعرفة دينه حي يسألم ربم يوم‬
‫القيامة عن " المانة " الكبي اللقاة علي عاتقهم عن مهمة هداية الناس إل الق حاكمهم ومكومهم‬
‫ومهمة النصيحة ف الدين لول المر خاصة‪ ،‬والمر بالعروف والنهي عن النكر للراعي والرعية سواء‪،‬‬
‫وإمامهم يشجعهم علي احتمال البلء ف سبيل هذه المانة فيقول لم‪ " :‬سيد الشهداء حزة‪ ،‬ورجل قام‬
‫إل إما جائر فأمره وناه فقتله " (‪.)1‬‬
‫وكما كان العلماء هم قادة المة ومرشديها ف أمورها السياسية والجتماعية والقتصادية والفكرية‬
‫والروحية‪ ،‬كانوا كذلك دعاتا إل الهاد كلما حدث علي المة عدوان ـ يذكرونا بال واليوم الخر‪،‬‬
‫وبالنة الت تنتظر الجاهدين الصادقي‪ ،‬وكانوا يشاركون ف الهاد بأنفسهم أحيانا‪ ،‬بل يقودون اليوش‬
‫بأنفسهم ف بعض الحيان‪.‬‬

‫() أخرجه الاكم (‪ )3/195‬وقال‪ :‬صحيح السناد‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫تلك كانت مهمة علماء الدين والدين حي ف النفوس‪ ..‬وف التاريخ ناذج عديدة لعلماء أرضوا ربم‬
‫وأدوا أمانتهـم وجاهدوا فـ ال حـق جهاده‪ ،‬وصـبوا علي مـا أصـابم فـ سـبيل ال فمـا ضعفوا ومـا‬
‫استكانوا‬
‫فأين كان " العلماء " ف تلك الفترة الت نن بصددها من التاريخ؟‬
‫هل كانوا ف مكان القيادة الذي عهدت م ال مة ف يه إل ع هد ل يس ببع يد‪ ..‬آخره موقف هم من حلة‬
‫نابليون؟‬
‫هل كانوا هم الذين يطالبون للمة بقوقها السياسة وحقوقها الجتماعية وحقوقها القتصادية‬
‫هل كانوا هم الذين يأمرون بالعروف وينهون عن النكر ويقومون إل المام الائر فيأمرونه وينهونه‪،‬‬
‫قتلهم أم ل يقتلهم؟‬
‫أم كان كثيا من هم قد ا ستعبدوا أنف سهم لل سلطان ومشوا ف ركا به يتملقو نه ويباركون مظال ه‬
‫فيمدونه ف الغى بينما البقية الصالة منهم قد قبعت ف بيوتا أو انزوت ف الدرس والكتاب تسب‬
‫أن مهمتها قد انتهت إذا لقنت الناس " العلم "‬
‫وهو علم مطلوب ف ذاته ولكن كثيا من فائدته ضائع لنه يعيش بقضاياه ف الاضى ول ينظر‬
‫إل الاضر فضل عن أن ينظر ف الستقبل‬
‫إن" العلم " الدين الوجود ف تلك الكتب زاد ضرورى لكل متخصص ف علوم الشريعة (‪ )1‬ولكن‬
‫ل ليقف عنده بل ليجعله مرتكزا ينطلق منه إل دراسة الاضر دارسة إسلمية علمية أى النظر ف‬
‫الاضر ‪ :‬هل هو مستوف لشروط " الصحة السلمية منضبط بضوابط العقيدة والشريعة أم منحرف‬
‫عنها أم ناقص ف بعض جوانبها ث تقدي العلج السلمى لوانب النقص وجوانب النراف ‪.‬‬
‫بعبارة أخرى كان واجب العلماء أن " يتحركوا " بذا الدين و " بالعلم " ال يعلمونه من هذا‬
‫الدين لصياغة الجتمع صياغة إسلمية صحيحة ووضع كل من الاكم والحكوم ف وضعه الصحيح‬
‫برد الاكم إل اللتزام بشريعة ال فيزول من ث ما هو واقع ف الجتمع من ظلم سياسى واجتماعى‬
‫واقتصادى ورد الحكومي إل اللتزام بأوامر السلم ونواهيه فيزول من ث ما هو واقع ف الجتمع‬
‫من فساد خلقى وروحى وسلوكى ‪ ..‬أو الهاد ف سبيل هذا المر على القل فيتحقق من الصلح‬
‫بقدر ما يلص الناس نياتم ل وبقدار ما يبذلون من الهد اللزم للصلح ‪.‬‬
‫ث كان واجب العلماء أن " يتهدوا " با فقهوه من فقه هذا الدين ليضعوا اللول السلمية الستمدة‬
‫() فيما عدا ما اندس ف "التراث" من أمور تالف النهج السلمي من جهة‪ ,‬ول يترتب عليها مصلحة إسلمية من جهة أخري كالفسلفة السماة إسلمية‪ ,‬وعتم الكلم بكل قضاياه‬ ‫‪1‬‬
‫الدلية الذهنية التجريدية الفارغة‪ ,‬وأمثال ذلك من الباحث‪.‬‬
‫من مصادر التشريع السلمى للمشكلت الت جدت ف حياة الناس ‪ .‬فمهمة الفقه الدائمة هى مد ظل‬
‫الشريعة بالجتهاد حت يغطى كل ما يد ف حياة الناس وضبط ما يد ف حياة الناس بضوابط الشريعة‬
‫لكى ل تشرد بعيدا عن النهج الربان الذى أنزله ال ليحكم كل الياة ‪.‬‬
‫فهل كان العلماء على الستوى اللزم لذه العركة الضخمة ف ذلك الي ؟‬
‫وما نريد أن نظلمهم فقد كان منهم ول شك من صدع بكلمة الق ومنهم من ألقى بالنصب‬
‫تت قدميه حي أحس أنه يستعبده لول السلطان أو يلجمه عن كلمة الق ومنهم من فكر واجتهد‬
‫‪ ..‬ولكنهم قلة بي الكثرة الغالبة الت راحت تلهث وراء التاع الرضى أو تقبع داخل الدرس والكتاب‬
‫على ما فيهما من جوانب القصور ‪.‬‬
‫وحي كانوا كذلك كان قد برز ف الساحة زعماء علمانيون _ صاغهم الستعمار والغزو الفكرى‬
‫_ يطالبون بقوق الماهي ‪ .‬يطالبون أن تكون " المة مصدر السلطات " وأن يكون للحاكم حدود‬
‫يلتزم با ول يتجاوزها وأن يكون هناك " دستور " يدد اختصاص كل من السلطة التشريعية‬
‫والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية وبرلان يمع " مثلى المة " ويكون له وحده حق إصدار‬
‫القرار‪.‬‬
‫وينادون ف الوقت ذاته " بالصلح " ف كل الجالت ‪ :‬ف مال التعليم ‪ .‬ف مال القتصاد ‪ .‬ف‬
‫مال الدمات الصحية ف مال الرافق العامة ‪.‬‬
‫وينادون بإزالة التخلف الذى وقعت فيه المة ف كل ميدان ‪ ..‬التخلف العلمى والضارى والفكرى‬
‫والادى‪.‬‬
‫باختصار يقومون بهمة " القيادة " الت تقاعس عنها علماء الدين بالضافة إل عنصر آخر يفتقده‬
‫علماء الدين ف ذلك الوقت هو إطلعهم على أحوال العال الاضرة وإلامهم بثقافة العصر وترسهم‬
‫ببعض البات العملية على القل ف بعض الجالت ‪.‬‬
‫حي كان المر على هذه الصورة فأين كان يتوقع أن تتجه الماهي ؟‬
‫صحيح أن الماهي تبينت فيما بعج أن هذا كله كان أسطورة ضخمة !‬
‫تبينت أن " الديقراطية " الزعومة إن كان لا مارسات حقيقية ف بلدها الصلية فهى عندنا مرد‬
‫تثيلية مضحكة ل تعل للمة رقابة حقيقية على أصحاب السلطان ! وأن " مثلى المة " ل يثلونا ف‬
‫شئ حقيقى وإنا يثلون مصالهم الشخصية ومصالهم الشخصية يومئذ هى مصالة القطاع‬
‫الطاغى ومصال الرأسالية النامية الخذة ف زحزحة القطاع العتيد وأخذ مكانه ف السلطان‬
‫والطغيان سواء (‪ !)1‬وأن الفساد الذى نم من الزبية الت فرقت الس وأرثت العدوات والحقاد‬
‫والذى نم من الحسوبية الت مارستها كل الحزاب على السواء والذى نم من فساد الذمم والضمائر‬
‫حي فشت الحسوبية ول يعد يقدر أحد با يشتمل عليه من حق ول با يعمل من حق إنا بقدار‬
‫قربه من الزب الاكم ومقدار انتهازيته ووصوليته ‪ ..‬هذا الفساد أكب وأخطر من كل " كسب "‬
‫حصلت عليه المة إن كانت قد حصلت على أى كسب على الطلق !‬
‫وفضل عن ذلك كله فقد نسيت الحزاب _ الت نشأت أصل من " الركة الوطنية " قضيتها‬
‫الوطنية ونسيت " الوطن " كله وكل دعاوى " الصلح " الت قامت من أجلها ‪ ..‬وانغمست ف "‬
‫لعبة الكم " تضع فيها هها كله وجهدها كله ‪ ..‬وتصبح ف النهاية – على اختلف زعمائها وقادتا –‬
‫العوبة ف يد الستعمال ينفذ من خللا ما يريد !‬
‫حقا ! لقد اكتشفت " الماهي " ذلك كله فيما بعد ‪ ..‬أما ف مبدأ المر فقد كانت " اللعبة " تأخذ‬
‫باللباب يزيد من تزيينها ف أعي الماهي غياب القيادة الطبيعية لذه المة التمثلة ف علماء الدين ‪..‬‬
‫ومن جانب آخر ‪ ..‬هل قام علماء الدين بتوعية أمتهم ف قضية السلم الرئيسية ‪ :‬قضية التوحيد ؟‬
‫هل قالوا لم ‪ :‬إن التوحيد الذى أمر ال به وأرسل به رسوله‪ e‬وأنزل به كتابه العظم هو‬
‫العتقاد اليقين بوحدانية ال ف ذاته وصفاته وأسائه وأفعاله وتقدي الشعائر التعبدية له وحده بل‬
‫شريك وتكيم شريعته وحدها وعدم الحتكام إل أى شريعة سواها ‪ ..‬وأن الخلل بأى واحدة‬
‫من هذه الثلثة هو إخللف بالتوحيد ومن ث فهو شرك ينقض السلم ؟‬
‫وهل علموهم أن هذا الدين قول وعمل وأنه ل يتنل ليكون مرد وحدان ف القلب أو مرد‬
‫شعار تؤدى إنا هو إل جانب الوجدان والشعائر عمل بقتضى النهج الربان ف واقع الرض وأول‬
‫اللعمل تكيم شريعة ال ؟‬
‫هل نبهوهم إل النرافات العقدية الت هم واقعون فيها ودعوهم إل نبذها ودخلوا ف " جهاد "‬
‫من أجل تقويها سواء كانت النرافات هى التبك بالضرحة والشايخ والولياء والتوجه إليهم للب‬
‫النفع ودفع الضر أو كانت هى تكيم غي شريعة ال أو انت هى الفكر الرجائى الذى يرج العمل‬
‫من مقتضيات اليان ؟‬
‫هل قام ممد عبده مثل وتلميذه الشيخ رشيد رضا ببيان التوحيد على هذه الصورة الربانية الت‬
‫عرفها السلف الصال من كتاب ال وسنة ر سوله‪ e‬وطبقوها ف واقع حياتم ؟ أم أن المر كان على‬
‫() القيقة أن الديقراطية ‪-‬حت ف بلدها الصلية‪ -‬تثل مصال الرأسالية قبل كل شئ أخر‪ ,‬ولكن الماهي ل تتبي ذلك إل ف موجة "الشتراكية"‪ .‬انظر فصل "الديقراطية" من‬ ‫‪1‬‬
‫كتاب "مذاهب فكرية معاصرة"‪.‬‬
‫العكس من ذلك ‪ :‬تطويع المة " للواقع " الخالف للسلم على أنه " ضرورة " ل بأس بالخذ با‬
‫وتنوي " العزائم " الت يكن أن تتجه إل الهاد القيقى لرد الواقع إل السلم ؟!‬
‫ممد عبده يصدر الفتوى بإباحة ربا صندوق البيد ويصدر الفتاوى الت تعي ملس الشورى‬
‫القواني على إصدار القواني الخالفة للشريعة والشيخ رشيد رضا يدعو السلمي لطاعة الكام الذين‬
‫يكمون بغي ما أنزل ال ‪.‬‬
‫قال الشيخ ف فتوى عجيبة تمع بعض القائق السلمية الصيلة الناصعة إل جانب حشد من‬
‫الغالطات ‪:‬‬
‫" وحكم ال العام الطلق الشامل لا ورد فيه النص ولغيه ما يعلم بالجتهاد والستدلل هو‬
‫العدل ‪ .‬فحيثما وجد العدل فهناك حكم ال كما قال أحد العلم (‪.)1‬‬
‫" ولكن مت وحد النص القطعى الثبوت والدللة ل يوز العدول عنه إل غيه إل إذا عارضه نص‬
‫آخر اقتضى ترجيحه عليه كنص رفع الرج ف باب الضرورات " ‪.‬‬
‫" وقد كان مولوى نور الدين مفت بنجاب من الند سأل شيخنا الستاذ المام رحه ال تعال (‪)2‬‬
‫عن أسئلة منها مسألة الكم بالقواني النكليزية فحولا إل الستاذ لجيب عنها كما كان يفعل ف‬
‫أمثالا أحيانا ‪ .‬وهذا نص جواب عن مسألة الكم بالقواني النكليزية ف الند ( وهو الفتوى الـ ‪77‬‬
‫من فتاوى الجلد السابع من النار " ‪:‬‬

‫" الكم بالقواني النكليزية ف الند "‬


‫( س ‪ ) 77‬ومنه ‪ :‬أيوز للمسلم الستخدم عند النكليز الكم بالقواني النليزية وفيها الك‬
‫بغي ما أنزل ال ؟‬
‫( ج ) ‪ :‬إن هذا السؤال يتضمن مسائل من أكب مشكلت هذا العصر كحكم الؤلفي للقواني‬
‫وواضعيها لكوماتم وحكم الاكمي با والفرق بي دار الرب ودار السلم فيها (‪ )3‬وإننا نرى‬
‫كثيين من السلمي التديني يعتقدون أن قضاة الحاكم الهلية الذين يكمون بالقانون كفار أخذا‬

‫() هذه هي الغالطة الول‪ .‬فالعدل كلمة ل ضابط لا إن ل تنضبط بكتاب ال وسنة رسوله ‪ .e‬وكما يقول المام ابن تيمية ف الرسالة الثانية عشرة من مموعة التوحيد‪" :‬فمن‬ ‫‪1‬‬
‫استحل أن يكم بي الناس با يراه هو عدل من غي اتباع لا أنزل ال فهو كافر‪ ,‬فإنه ما من أمة إل وهي تأمر بالكم بالعدل‪ ,‬وقد يكون العدل ف دينها ما ررآه أكابرهم"‪.‬‬
‫() يقصد الشيخ ممد عبده‪ ,‬وقد توف عام ‪1905‬م وهذا الكلم مكتوب ف عدد ‪ 17‬ديسمب ‪ 1913‬مم من ملة النار‪ ,‬وف هذا العدد أعاد الشيخ رشيد رضا نشر فتواه النشورة‬ ‫‪2‬‬
‫ف عدد سابق‪ ,‬مع تلك القدمة الت نقلنا جزءا منها‪ .‬وهي تستوعب من ص ‪-262‬ص ‪ 265‬من النار جـ ‪4‬م ‪.16‬‬
‫() يقصد الفرق بي دار الرب ودار السلم فيما يتعلق بتطبيق القواني الخالفة للشريعة السلمية‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫ح ُكمْ بِمَا أَنزَ َل ال ّلهُ َفُأوْلَِئكَ ُه ْم الْكَافِرُونَ} [سورة الائدة ‪. ]5/44‬‬
‫بظاهر قوله تعالي ‪{ :‬وَ َم ْن َلمْ يَ ْ‬
‫ويستلزم الكم بتكفي القاضى الاكم بالقانون تكفي المراء والسلطي الواضعي للقواني فإنم وإن‬
‫ل يكونوا ألفوها بعارفهم فإنا وضعت بإذنم وهم الذين يولون الكام ليحكموا با ويقول‬
‫الاكم من هؤلء ‪ :‬أحكم باسم المي فلن لنن نائب عنه بإذنه ويطلقون على المي لفظ‬
‫( الشارع ) ‪.‬‬
‫" أما ظاهر الية فلم يقل به أحد من أئمة الفقه الشهورين بل ل يقل به أحد قط فإن ظاهرها‬
‫يتناول من ل يكم با أنزل ال مطلقا سواء حكم بغي ما أنزل ال تعال أم ل (‪ . )1‬وهذا ل يكفره‬
‫أحد من السلمي حت الوارج الذين يكفرون الفساق بالعاصرى ومنها الكم بغي ما أنزل ال (‪. )2‬‬
‫واختلف أهل السنة ف الية فذهب بعضهم إل أنا خاصة باليهود وهو ما رواه سعيد بن منصور‬
‫وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال ‪ :‬إنا أنزل ال ومن ل يكم با أنزل ال فأولئك هم‬
‫الكافرون والظالون والفاسقون ف اليهود خاصة ‪ .‬وأخرج ابن جرير عن أب صال قال ‪ :‬الثلث اليات‬
‫حكُ ْم بِمَا أَن َزلَ ال ّلهُ}‪ ..‬ال ‪ :‬ليس ف أهل السلم منها شئ ‪ .‬هى ف الكفار ‪.‬‬
‫الت ف الائدة { َو َمنْ َل ْم يَ ْ‬
‫وذهب بعضهم إل أن الية الول والت فيها الكم بالكفر للمسلمي والثانية الت فيها الكم بالظلم‬
‫لليهود والثالثة الت فيها الكم بالفسق للنصارى وهو ظاهر السياق ‪ .‬وذهب آخرون إل العموم فيها‬
‫كلها ويؤيده قوله حذيفة لن قال إنا كلها ف بن إسرائيل ‪ :‬نعم الخوة لكم بنو إسرائيل إن كان‬
‫لكم كل حلوة ولم كل مرة كل وال لتسلكن سبيلهم قد الشرك ‪ .‬رواه عبد الرزاق وابن جرير‬
‫والاكم وصححه ‪ .‬وأول هذا الفريق الية بتأولي ‪:‬‬
‫" فذهب بعضهم إل أن الكفر هنا ورد بعناه اللغوى للتغليظ ل معناه الشرعى الذى هوى الروج‬
‫من اللة واستدلوا با رواه ابن النذر والاكم وصححه البيهقى ف السنن عن ابن عباس رضى ال عنه‬
‫أنه قال ف الكفر الواقع ف إحدى اليات الثلث ‪ :‬إنه ليس بالكفر الذى تذهبون إليه ‪ .‬إنه ليس كفرا‬

‫() وهذه هي الغالطة الثانية‪ .‬فإن هذا الظاهر الذي افترضه الشيخ ‪-‬وبن عليها ضرورة صرف الية عن ظاهرها‪-‬ل يقول به أحد قط! لنه من التجريدات الذهنية الت ليس لا واقع‬ ‫‪1‬‬
‫عملي‪ .‬فإنه ل يوجد إنسان ل يكم‪ ,‬إل إذا كان مسلوب الرادة تاما‪ ,‬أو كان متوقفا تاما عن التصرف ف أي أمر من أمور الياة! ولكنه ما دام يتصرف‪ ,‬فهو يستند ف داخل‬
‫نفسه إل حكم معي يقرر علي أساسه تصرفه‪ .‬فإذا كان هذا الكم قد راعي فيه ما أنزل ال فهو مسلم‪ ,‬وإن كان قد راعي فيه مالفة ما أنزل ال فهو خارج عن السلم‪ ,‬وعلي‬
‫سبيل الثال فإن مالفة النص العام خضوعا للضرورة ‪-‬الذي ذكره الشيخ ف القدمة‪ -‬ل يعتب حكما بغي ما أنزل ال‪ ,‬فإن حكم الضرورة ‪-‬الخالف للنص العام‪ -‬وراد فيما أنزل ال‪.‬‬
‫ولكن القضية الضرورة بالضوابط الشرعية‪ ,‬حت ل تكون مسرحا للهوي البشري‪ ,‬فتصبح ‪-‬من ث‪ -‬من مزالق الشيطان‪.‬‬
‫() وهذه هي الغالطة الثالثة‪ :‬فإن الكم بغي ما أزنزل ال ل يقع ‪-‬بإطلقه‪ -‬ف باب "العصية" كما يوهم كلم الشيخ هنا ما نفاه هو نفسه فيما بعد‪ .‬فقد يكون جهلً بأن الكم ف‬ ‫‪2‬‬
‫هذه الفرعية مالف لا أنزل ال فل إث عليه (وإن وجب عليه الجتهاد ف معرفة الدليل) وقد يكون شهوة (كحكم القاضي الرتشي با يالف حكم ال وهو عال بالخالفة) فهذه‬
‫معصية‪ .‬وقد يكون تأولً (مع صدق النية) فهذا اجتهاد خاطئ له أخر‪ .‬وقد يكون مضاهاة لشرع ال‪ ,‬أو تفصيلً لشرع البشر علي شرع ال‪ .‬وكلها شرك صريح يرج من اللة‪.‬‬
‫ينقل عن اللة ‪ .‬كفر دون كفر (‪. )1‬‬
‫" وذهب بعضهم إل أن الكفر مشروط بشرط معروف من القواعد العامة وهو أن من ل يكم با‬
‫أنزل ال منكرا له أو راغبا عنه لعتقاده بأنه ظلم مع علمه بأنه حكم ال أو نو ذلك ما ل يامع‬
‫اليان والذعان (‪ . )2‬ولعمرى إن الشبهة ف المراء الواضعي للقواني أشد والواب عنهم أعسر‬
‫وهذا التأويل ف حقهم ل يظهر (‪ )3‬وإن العقل ليعسر عليه أن يتصور أن مؤمنا مذعنا لدين ال يعتقد‬
‫أن كتابه يفرض عليه حكما ث هو يغيه باختياره ويستبدل به حكما آخر بإرادته إعراضا عنه‬
‫وتفضيل لغيه عليه ويعتد مع ذلك بإيانه وإسلمه (‪ )4‬والظاهر أن الواجب على السلمي ف مثل‬
‫هذا الال مع مثل هذا الكم أن يلزموه بإبطال ما وضعه مالفا لكم ال ول يكتفوا بعدم مساندته‬
‫عليه ومشايعته فيه فإن ل يقدروا فالدار ل تعتب دار إسلم فيما يظهر (‪ ,)5‬وللحكام فيها حكم آخر‬
‫‪ .‬وهنا يئ سؤال السائل ‪ :‬وقبل الواب عنه ل بد من ذكر مسألة يشتبه الصواب فيها على كثي من‬
‫السلمي وهى ‪:‬‬
‫" إذا غلب العدو على بعض بلد السلمي وامتنعت عليهم الجرة فهل الصواب أن يتركوا له جيع‬
‫() مظلوم ابن عباس! ف قد قال ما قال و هو يسأل عن الموي ي‪ :‬أن م يكمون بغي ما أنزل ال‪ ,‬ف ما القول فيهم‪ .‬و ما أ حد علي الطلق قال عن الموي ي إن م كفار! ف قد يكون‬ ‫‪1‬‬
‫يكمون الشريعة ف عموم حياة الناس‪ ,‬ولكنهم ييدون عنها ف بعض المور التعلقة بسلطانم إما تأو ْل وإما شهوة ‪-‬ولكنهم ل يعلون مالفتهم تشريعً مضاهيا لشرع ال‪-‬فقال فيهم‬
‫ابن عباس إنه كفر دون كفر‪ .‬فهل كان يكن لبن عباس أن يقول هذا فيمن ينحي الشريعة السلمية أصلً ويضع بد ًل منها قواني وضعية؟‪.‬‬
‫ل علي حدة‪ ,‬فخيل لبعض الناس أن كل منهم يتص بآية ويتص بكم‬ ‫() نشأ هذا الدل كله ‪-‬وينشأ دائما‪ -‬حول آيات سورة الائدة لنا ذكرت السلمي واليهود والنصاري ك ً‬ ‫‪2‬‬
‫غي الخر‪ .‬وكان الوفق النظر إل صيغة العموم ف اليات‪{ :‬ومن ل يكم با أنزل ال} فل يكون هناك مال للختلف‪ .‬وعلي أي حال فليست هذه اليات الوحيدة ف القرآن ف‬
‫هذا الشأن‪ .‬وهناك آيات صرية ل تتمل اللف ف تأويلها كقوله تعال‪{ :‬أم لم شركاء شرعوا لم من الدين ما ل يأذن به ال} [سورة الشوري‪ ]21 :‬وهي صرية ف أن اتاذ‬
‫شريعة ل يأذن با ال هي من اتاذ الشركاء‪ .‬أي من الشرك الكب التناف مع السلم‪ ,‬وقوله تعال‪{ :‬فل وربك ل يؤمنون حت يكموك‪[ }....‬سورة النساء ‪.]65 :‬‬
‫() يريد أن يقول إن الشبهة غي واردة ف حقهم‪ ,‬ومن ث فإن شرط الكفر (وهو إنكار شرع ال أو الرغبة عنه أي رفضه والعراض عنه) غي متحقق فيهم‪ ,‬ذلك لنم مسلمون‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫ولكن انظر كيف انتقل فجأة من القول بأن الكم عليهم عسي "والواب عنهم أعسر" إل إطلق الكم بل دليل!‪.‬‬
‫() هذه هي الغالطة الرابعة‪ .‬فبدلً من أن يدلل علي إيانم ‪-‬أو يطالبهم بالتدليل علي إيانم ‪-‬وظاهر أمرهم هو الكفر بسبب وضعهم قواني تالف ما أنزل ال ‪-‬فإنه يصادر علي‬ ‫‪4‬‬
‫الدليل‪ -‬كما يقول الناطقة‪-‬فيقرر أنم مؤمنون مذعنون لدين ال‪ ,‬ث يستند إل هذا الكم الذي ل يقدم أي دليل عليه‪ ,‬ليستبعد تصور أنم يغيون حكم ال باختيارهم‪ ,‬ويستبدلون‬
‫به حكما آخر بإرادتم ث إن هذه الغالطة ذاتا توي ف طياتا الغالطة الامسة ‪-‬الفهومة ضمنا من كلمه‪ -‬وهي الزعم بأن هؤلء المراء مكرهون علي تبديل حكم ال ‪-‬ما دام‬
‫يستبعد أنم يغيون حكم ال باختيارهم‪ -‬فأي إكراه يقع علي الكام ليحكموا بغي ما أنزل ال؟! هذا الكراه يصح ف حالة واحدة‪ :‬هي أن يؤت بإنسان من بيته قسرا‪ ,‬ث يهدد‬
‫بالقتل إن هو ل يلس علي دست الكم ويكم بغي ما أنزل ال! فعندئذ قد تكون معذورا عند ال! وهو أمر ل يدث مرة واحدة ف التاريخ‪ ,‬ول يكن أن يدث! إنا يتار الكام‬
‫اللوس ف مقاعد الكم بحض إرادتم‪ ,‬ويلكون دائما أن يرفضوا ‪-‬إذا عرض المر عليهم ‪-‬ول تثريب عليهم! فكيف يقال إنم مكرهون؟! إن مثل هؤلء الكام الذين يشي الشيخ‬
‫رشيد رضا إليهم يرتكبون ف الواقع جريتي كبيتي‪ :‬الول ف حق ال‪ ,‬إذ ينحون شريعته ويضعون بدلً منها شريعة جاهلية من صنع البشر‪ ,‬والثانية ف حق شعوبم‪ ,‬إذ يجبون‬
‫عنهم عدوهم القيقي الذي يفرض عليهم الكم بغي ما أنزل ال لييفتنهم عن دينهم‪ ,‬فيتترس بم العدو ليمنع قتال المة له‪ .‬ولو أن الكام امتنعوا عن ستر العدو بأشخاصهم لكان‬
‫العدو سيتحمل تكاليف الواجهة الدموية (كما حدث ف أفغانستان) وتكون الغلبة ف النهاية إن شاء ال للمسلمي حي يصرون علي جهاد عدوهم‪ ,‬ولو هزموا ف العركة مرة ومرة‬
‫ومرة‪ ,‬لن هذا وعد ال‪ .‬أما حي يتترس العدو بؤلء الكام يجبونه بأشخاصهم فإن المة تغفل عنهم فتكف عن الهاد‪ ,‬فيكون للعدو من التمكي ما أراد‪ ..‬فكيف يستخف الشيخ‬
‫رشيد رضا بذا كله من جانبه هؤلء الكام‪ ,‬ول يضعه حت ف دائرة العصية‪ ,‬بل يعله عزية تقق الصلحة للمسلمي كما سيجئ؟!!‪.‬‬
‫() هنا يفتح ال علي الشيخ فيقرر حكم السلم واضحا صريا ف واجب المة ف مثل هذه الالة‪ ,‬وف حكم الدار الت تدث هذه الالة فيها‪ ,‬ولكن يذهب بقيمة هذا التقرير‬ ‫‪5‬‬
‫شيئان‪ :‬الول‪ :‬أنه ل يبي مت يكون الاكم علي هذا الوصف؟ أي ما العلمة الظاهرة الت تعرف با وضعه لتقوم بواجبها السلمي الذي حدده الشيخ ف وضوح ونصاعة؟! والمر‬
‫الثان‪ :‬هو الغالطة الت سيأت بيانا بعد‪ ,‬وهي اتاذ وصف الدار بأنا ليست دار السلم ف مثل هذه الالة‪ ,‬ذريعة للقول بأن أحكام الشريعة غي واجبة التنفيذ فيها!!‪.‬‬
‫الحكام ول يتولوا له عمل أم ل ؟ يظن بعض الناس أن العمل للكافر ل يل بال ‪ .‬والظاهر لنا أن‬
‫السلم الذى يعتقد أنه ل ينبغى أن يكم السلم إل السلم وأن جيع الحكام يب أن تكون موافقة‬
‫لشريعته وقائمة على أصولا العادلة ينبغى له أن يسعى ف كل مكان بإقامة ما يستطيع إقامته من هذه‬
‫الحكام وأن يول دون تكم غي السلمي بقدر المكان وبذا القصد يوز له أو يب عليه أن‬
‫يقبل العمل ف دار الرب إل إذا علم أنه عمل يضر السلمي ول ينفعهم بل يكون نفعه مصورا ف‬
‫غيهم ومعينا للمتغلب على الجهاز عليهم ‪ .‬وإذا تول لم العمل وكلف الكم بقوانينهم فماذا يفعل‬
‫وهو مأمور أن يكم با أنزل ال ؟‬
‫" أقول إن الحكام النلة من عند ال تعال منها ما يتعلق بالدين نفسه كأحكام العبادات وما ف‬
‫معناها كالنكاح والطلق وهى ل تل مالفتها بال ومنها ما يتعلق بأمر الدنيا كالعقوبات والدود‬
‫والعاملت الدنية (‪ )1‬والنل من ال تعال ف هذه قليل وأكثرها موكول إل الجتهاد (‪ . )2‬وأهم‬
‫النل وأكده الدود ف العقوبات وسائر العقوبات تعزيز مفوض إل اجتهاد الكام والربا ف الدود‬
‫الدنية وقد ورد ف السنة النهى عن إقامة الدود ف أرض العدو وأجاز بعض الئمة الربا فيها بل‬
‫مذهب أب حنيفة أن جيع العقود الفاسدة جائزة ف دار الرب واستدل له بناحبة ( مراهنة ) أب‬
‫بكر ( رضى ال عنه ) لب ابن خلف على أن الروم يغلبون الفرس ف بضع سني وإجازة النب‪ e‬ذلك‬
‫وصرحوا بعدم إقامة الدود فيها روى ذلك عن عمر وأب الدرداء وحذيفة وغيهم وبه قال أبو‬
‫حنيفة ‪ .‬قال ف أعلم الوقعي " وقد نص أحد وإسحق بن راهوية والوزاعى وغيهم من علماء‬
‫السلم على أن الدود ل تقام ف أرض العدو وذكرها أبو القاسم الرقى ف متصره فقال ‪ :‬ل يقام‬
‫الد على مسلم ف أرض العدو ‪ .‬وقد أتى بسر بن أرطاة برجل من الغزاة قد سرق منة فقال ‪ :‬لول‬
‫أن سعت رسول ال ‪ e‬يقول " ل تقطع اليدى ف الغزو لقطعتك " رواه أبو داود وقال أبو ممد‬
‫القدسى ‪ :‬هو إجاع الصحابة ‪ .‬روى سعيد بن منصور ف سننه بإسناده عن الحوص بن حكيم عن أبيه‬
‫أن عمر كتب إل الناس أل يلدوا أمي جيش ول سرية ول رجل من السلمي حدا وهو غاز حت يقطع‬
‫الدرب قافل لئ تلحقه حية الشيطان فيلحق بالكفار ‪ .‬وعن أب الدرداء مثل ذلك " ث ذكر ترك سعد‬
‫إقامة حد السكر على أب مجن ف وقعة القادسية وذكر أنه قد يتج به من يقول لحد على مسلم ف‬

‫() هذه هي الغال طة ال سادسة‪ .‬ف من قال إن الدود تتعلق بأ مر الدن يا وحدها وهي حق ل؟! وعلي أي أساس من د ين ال يفرق الش يخ ب ي النكاح والطلق وب ي الدود‪ ,‬فيج عل‬ ‫‪1‬‬
‫الول من أمور الدين الت ل يل مالفتها بال‪ ,‬والخري من أمر الدنيا (أي الت تل مالفتها ف رأي الشيخ إذا استخدمنا "دليل الخالفة" قرينة لفهم ما يومئ إليه الشيخ هنا‪ ,‬ويقرره‬
‫صريا فيما بعد!)‪.‬‬
‫() هذه هي الغالطة السابعة‪ .‬فإذا كان النل ف القرآن لذه الحكام قليلً‪ ,‬الكلمة والشارحة ‪-‬توي الكثي‪ ,‬ول يوز لعال فقيه كالشيخ رشيد رضا أن يذكر القرآن وحده ف هذا‬ ‫‪2‬‬
‫الجال ويسقط السنة النبوية الطهرة‪ ,‬الاوية لتفاصيل الحكام‪ ,‬والستقلة وحدها بالحكام ف بعض الحيان‪.‬‬
‫دار الرب كما يقول أبو حنيفة ولكنه علله تعليل آخر ليس هذا مل ذكره ‪ .‬وانظر تعليل عمر ته‬
‫يصح ف بلد الرب (‪.)1‬‬
‫" فعلم ما تقدم أن الحكام القضائية الت أنزلا ال تعال قليلة جدا (‪ )2‬وقد علمت ما قيل ف إقامتها‬
‫ف دار الرب ل سيما عند النيفة ‪ .‬فإذا كانت الدود ل تقام هناك (‪ )3‬فقد عادت أحكام العقوبات‬
‫كلها إل التعزيز الذى يفوض إل اجتهاد الاكم (‪ .)4‬والحكام الدنية أول بذلك لنا اجتهادية أيضا‬
‫والنصوص القطعية عن الشارع قليلة حدا وإذا رجعت الحكام هناك إل الرأى والجتهاد ف ترى‬
‫العدل (‪ )5‬والصلحة (‪ )6‬وأجزنا للمسلم أن يكون حاكما عند الرب ف بلده لجل مصلحة السلمي‬
‫(‪ .)7‬فالذى يظهر أنه ل بأس من الكم بقانونه لجل منفعة السلمي ومصلحتهم (‪ .)8‬فإن كان ذلك‬
‫القانون ضارا بالسلمي ظالا لم فليس له أن يكم به ول أن يتول العمل لواضعه إعانه له (‪.)9‬‬
‫وجلة القول أن دار الرب ليست مل لقامة أحكام السلم (‪ )10‬ولذلك تب الجرة منها إل‬
‫() هذه أعجب الغالطات علي الطلق! فما العلقة بي عدم إقامة الد علي السلم الحارب ف دار الرب‪ ,‬حت ل يستفزه الشيطان للحاق بالعدو (أي الرتداد عن السلم) وبي‬ ‫‪1‬‬
‫إسقاط أحكام الشريعة عن السلمي ف الند‪ ,‬أو ف أي بلد آخر غلب عليه الكفار فنحوا شريعة ال‪ ,‬ووضعوا بدل منها قواني جاهلية تكم الناس؟! وكيف يستدل بعدم إقامة الد‬
‫علي السلم ف أثناء الغزو‪ ,‬علي عدم جواز إقامة الدود ف البلد الشار إليها آنفا‪ ,‬بيث تصبح الشرعية ف تلك البلد للقواني الوضعية ل للشريعة السلمية؟! ويصبح تطبيق الشريعة‬
‫السلمية فيها خطأ ينهي عنه الدين؟! لو قلنا إن خضوع السلمي ف الند ‪-‬أو ف غيها‪ -‬للقواني الاهلية ضرورة‪ ,‬ما داموا قد عجزوا عن القاومة بعد قيامهم بالهاد الواجب‪,‬‬
‫لكان هذا أمرا منطقيا معقولً‪ ,‬لنه ل حيلة للناس غي ذلك (مع وجوب الجاهدة بالقلب‪ ,‬لقول رسول ال ‪" :e‬فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن‪ ,‬ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن‪,‬‬
‫ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن‪ ,‬وليس وراء ذلك من اليان حبة خردل" رواه مسلم‪ .‬أما أن يقال أنه ل يوز إقامة أحكام الشريعة ف هذه الالة ‪-‬بأمر الدين‪ -‬فقول ما أظن أن أحدا‬
‫قاله ف تاريخ السلم كله!‪.‬‬
‫() هذا عود إل قضية قلة الحكام النلة ف القرآن‪ ,‬وقد علقنا عليها من قبل‪ ,‬ولكن الغالطة الديدة هنا (وهي التاسعة) هي الياء بأنا ما دامت قليلة فل بأس بخالفتها!! فلنفرض‬ ‫‪2‬‬
‫أن ال تعال ل ينل إل حكما واحدا ف دي نه كله‪ ,‬وترك البا قي للجتهاد‪ ,‬فهل يوز للم سلمي أن يقولوا‪ :‬ما دا مت الحكام كلها مترو كة للجتهاد إل واحدا‪ ,‬فهلم نترك اللتزام‬
‫بذا الكم الواحد‪ ,‬ونتهد فيه كبقية الحكام؟!!‪.‬‬
‫() أي ل يوز إقامتها!‬ ‫‪3‬‬
‫() هذه هي الغالطة العاشرة؟ فمن الذي يوز له الكم بالحكام التعزيرية اجتهادا؟ أهو الاكم السلم‪ ,‬أم إن كل حكم تعزيري ف الدنيا يصبح شرعيا إذا طبق علي السلمي ولو‬ ‫‪4‬‬
‫صدر من النليز؟!‬
‫() سبق الكلم عن العدل وضرورة ضبطه بالكتاب والسنة ليصبح هو "العدل" الذي يرضي ال عنه‪.‬‬ ‫‪5‬‬
‫() من الذي يدد الصلحة؟ وما قلناه عن العدل ينطبق علي الصلحة‪ ,‬فهي ‪-‬وإن كانت متروكة للجتهاد‪ -‬فضابطها هو القواعد الشرعية‬ ‫‪6‬‬
‫() ل يستدل ف هذه القضية الطية بأي دليل شرعي! إنا أطلق حكم الواز من عند نفسه بل دليل‪ ....‬إل الصلحة‪ ...‬والصلحة كما قلنا تتاج هي ذاتا إل الضوابط الشرعية‪,‬‬ ‫‪7‬‬
‫فل تصلح ‪-‬علي إطلقها‪ -‬أن تكون سند الكم إل إذا كانت منضبطة بالضوابط الشرعية‬
‫() مرة أخري يصدر حكما بغي دليل شرعي ف قضية من أخطر القضايا وهي الكم بغي ما أنزل ال‪ ,‬الذي يقول عنه سبحانه وتعال إنه كفر‪ ,‬ويقول أشد التساهلي ‪-‬بغي دليل‬ ‫‪8‬‬
‫شرعي‪ -‬إنه فسوق ومعصية‪ ,‬فيقول هو عنه إنه "ل بأس به"! مستندا إل حكم أصدره من عند نفسه ‪-‬بل دليل‪ -‬بواز أن يكون السلم حاكما عند الرب ف بلده!! وهكذا تتوال‬
‫الحكام ف الفتوي مترتبا بعضها علي بعض‪ ,‬وهي كلها مفتقرة إل الدليل الشرعي الذي يسندها!‬
‫() من الذي يدد الظلم؟ إن الذي يدد الصلحة هو الذي يدد الظلم‪ ,‬وهو ال سبحانه وتعال‪ ,‬العليم البي‪ ,‬صاحب المر‪ ,‬الذي له ما ف السماوات والرض‪ ,‬والذي يكم ل‬ ‫‪9‬‬
‫معقب لكمه وقد قرر العليم البي صاحب المر أن الكم بغي ما أنزل ال هو الظلم‪{ :‬ومن ل يكم با أنزل ال فأولئك هم الظالون} فمن ذا الذي يرؤ أنن يقول إن الكم بغي‬
‫ما أنزل ال يكن أن يكون ظالا أحيانا وغي ظالا أحيانا أخري؟!‬
‫‪ )(10‬استند إل مثل هذا النطلق السيد أحد خان فقال إن دار الرب (وكان يقصد بلد الند بالذات) ليست ملً للجهاد!‬
‫لعذر أو مصلحة للمسلمي يؤمن معها من الفتنة ف الدين ‪ .‬وعلى من أقام أن يدم السلمي بقدر‬
‫طاقته ويقوى أحكام السلم بقدر استطاعته (‪ )1‬ول وسيلة لتقوية نفوذ السلم وحفظ مصلحة‬
‫السلمي مثل تقلد أعمال الكومة (‪ .)2‬ول سيما إذا كانت الكومة متساهلة قريبة من العدل بي جيع‬
‫المم واللل كالكومة النليزية (‪ .)3‬والعروف أن قواني هذه الدولة أقرب إل الشريعة السلمية من‬
‫غيها لنا تفوض أكثر المور إل اجتهاد القضاة فمن كان أهل للقضاء ف السلم وتول القضاء‬
‫ف الند بصحة قصد وحسن نية يتيسر له أن يدم السلمي خدمة جليلة ‪ .‬وظاهر أن ترك أمثالة من أهل‬
‫العلم والغية للقضاء وغيه من أعمال الكومة تأثا من العمل بقوانينها يضيع على السلمي معظم‬
‫مصالهم ف دينهم ودنياهم ‪ .‬وما نكب السلمون ف الند ونوها وتأخروا عن الوثنيي إل بسبب‬
‫الرمان من أعمال الكومة (‪ .)4‬ولنا العبة ف ذلك با يرى عليه الوربيون ف بلد السلمي إذا‬
‫يتوسلون بكل وسيلة إل تقلد الحكام ومن تقلدوها حافظوا على مصال أبناء ملتهم وجنسهم حت‬
‫كان من أمرهم ف بعض البلد أن صاروا أصحاب السيادة القيقية فيها وصار حكامها الولون آلت‬
‫ف أيديهم ‪.‬‬
‫" والظاهر مع هذا كله أن قبول السلم للعمل ف الكومة النكليزية ف الند ( ومثلها ما هو ف‬
‫معناها ) وحكمها بقانونا هو رخصة تدخل ف قاعدة ارتكاب أخف الضررين إن ل تكن عزية يقصد‬
‫با تأييد السلم وحفظ مصلحة السلمي (‪ .)5‬ذلك أن تعد من باب الضرورة الت نفذ با حكم المام‬
‫الذى فقد أكثر شروط المامة والقاضى الذى فقد أهم شروط القضاء ونو ذلك فجميع حكام‬
‫السلمي ف أرض السلم اليوم حكام ضرورة (‪ .)6‬وعلم ما تقدم أن من تقلد العمل الرب لجل أن‬

‫() قرر في ما سبق أن دار الرب لي ست ملً لقا مة أحكام ال سلم‪ ,‬ل يبر خضوع ال سلمي للمراء الذ ين ل يكمون ب ا أنزل ال‪ ,‬وه نا ‪-‬ل ا أراد أن يبر قيام ال سلمي بتقلي يد‬ ‫‪1‬‬
‫الوظائف ف الكومة الت ل تكم با أنزل ال‪ --‬قال إن واجب السلمي أن يقلدوا هذه الوظائف ليعلموا قدر المكان علي تقوية أحكام السلم! فماذا نسمي هذا التحايل؟!‬
‫() نرجئ التعليق علي هذه القضية إل حي الديث عن قضايا الركة السلمية ف الفصل القادم‬ ‫‪2‬‬
‫() نر بذه دون تعليق‪ ,‬لنا ليست ف حاجة إل تعليق!‬ ‫‪3‬‬
‫() كانت الكومة النليزية ف الند ترم السلمي عمدا من تقلد وظائف الدولة وتسندها إل الوثنيي‪ .‬وهذه هي الكومة الت قال عنا آنفا "متساهلة قريبة من العدل بي جيع‬ ‫‪4‬‬
‫المم واللل"!‬
‫() أرأيت كيف يعل من مالفة صريح أمر ال سبحانه وتعال "عزية"؟! لقد كان السلمون من الضعف ‪-‬ببعد الزية العسكرية‪ -‬بيث ل يلكون إل الضوع لسلطان أعدائهم وهم‬ ‫‪5‬‬
‫ل (‪ )98‬فَُأوَْلئِ كَ َع سَى اللّ ُه أَ نْ يَ ْع ُفوَ َعْنهُ ْم َوكَانَ اللّ هُ عَ ُفوّا َغفُورا (‪})99‬‬
‫سَتطِيعُونَ حِيلَةً وَل َي ْهتَدُو نَ َسبِي ً‬
‫ضعَفِيَ مِنْ الرّجَالِ وَالنّ سَاءِ وَاْلوِْلدَا نِ ل َي ْ‬
‫ستَ ْ‬
‫بذا ف دائرة عفو ال‪ِ{ :‬إلّ الْ ُم ْ‬
‫[سورة النساء ‪ ]99-4/98‬أما أن يصبح هذا الضوع عزية يدعي السلمون إليها فمن العجب العاجب ف ذلك الزمان!!‬
‫() سبقت الشارة إل أنه ل يو جد إكراه علي الكام أن يل سوا ف مقاعد ال كم ويكموا بغي ما أنزل ال‪ .‬فالضرورة غي قائ مة بالن سبة لم‪ .‬وإن ل يقدروا أن يكونوا ف مكان‬ ‫‪6‬‬
‫الجاهدين لعادة الشريعة إل مكانا الذي ناه عنها الستعمر الصليب‪ ,‬فل أقل من أن يتورعوا عن خدمة ذلك الستعمر بستره بأشخاصهم‪ ,‬واليلولة بي الجاهدين وبينه‪ ,‬ليتحمل‬
‫هو التكاليف الدموية لعدوانه علي السلمي‪ .‬بل هم ‪-‬أكثر من ذلك‪ -‬ينوبون عنه ف تقتيل الجاهدين الذين ياهدون لعادة الشريعة إل مكانا!‬
‫يعيش براتبه فهو ليس من أهل هذه الرخصة فضل عن أن يكون من أصحاب العزية ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬
‫" ( تنبيه ) ‪ :‬دار الرب بلد غي السلمي وإن ل ياربوا (‪ . . )1‬وكانت القاعدة أن كل من ل‬
‫تعاهده على السلم يعد ماربا ‪.‬‬
‫حي يكون " علماء الدين " على هذا النحو ‪ ..‬يطوعون الناس للمر الواقع ويذلونم عن اللجهاد‬
‫الواجب لتغيه ول يتحركون من جانبهم لينافحو عن حقوق الناس كما بينها ال ف كتابه وف سنة‬
‫رسوله‪ e‬ول يقفون للسلطان الائر يأمرونه وينهونه ليأطروه على الق أطرا ولو تعرض لم بالذى‬
‫‪ ..‬فضل عن كونم ل يعلمون أمتهم حقيقة التوحيد كما أنزلا ال الشاملة للعقيدة والشعية والشريعة‬
‫ول يقدمون الرؤية السلمية الصحيحة للواقع الذى يعيشه الناس ول الرؤية السلمية الصحيحة للواقع‬
‫الذى يعيشه الناس ول الرؤية السلمية الصحيحة لطريق اللص من ذلك الواقع السيئ الذى يعيشه‬
‫الناس ‪.‬‬
‫وحي يكن الزعماء العلمانيون _ الذين أبرزهم الستعمار بعد أن صنعهم على عينه ووضعهم ف‬
‫مكان القيادة ليشدوا المة كلها بعيدا عن السلم _ هم _ كما بدوا ف عي الماهي يومئذ ‪ -‬الذين‬
‫ينادون " بقوق الماهي " ويقفون للسلطان الائر ويدعون المة للخلص من الواقع السيئ‬
‫ويرشدونا إل طريق الرية والتقدم والضارة ‪.‬‬
‫حي يكون الفريقان على هذا النحو فهل نعجب من التفاف الماهي حول الزعماء العلمانيي‬
‫وفتنتهم بم إل الد الذى رأينا نوذجا منه سعد زغلول (‪ )2‬؟‬
‫وما نقول هذا لنبر موقف الماهي ‪ ..‬ولكن لنفسره فحسب ‪.‬‬
‫أما التبير فل تبير للخروج على أمر ال ‪ .‬وال سبحانه وتعال يقول ‪{ :‬بَلْ الِنسَانُ عَلَى َنفْسِهِ‬
‫َبصِيَةٌ (‪ )14‬وََلوْ أَْلقَى َمعَاذِي َرهُ (‪[ })15‬سورة القيامة ‪ ]15-75/14‬وكل من قال ل إله إل ال‬
‫ممد رسول ال يقصد با السلم (‪ )3‬فهو مسئول أمام ال عن الال الت وصل إليها السلمون‬
‫وعن السلوك النحرف الذى وقع فيه السلمون ‪.‬‬
‫ولكن الناس ليسوا ف السئولية سواء ‪ ..‬فالكام أول والعلماء بعدهم ‪ ..‬وف النهاية يأتى دور‬
‫() عدل هنا ‪-‬دون مناسبة ظاهرة ‪ -‬عن كلمه الول الذي أشار فيه إل أن الدار الت فيها أمي مسلم (أي يمل اسا مسلما!) يغي حكم ال بتياره‪ ,‬ويستبدل به حكما آخر بإرادته‬ ‫‪1‬‬
‫ل تعتب دار إسلم (يعن تعتب دار حرب) وحصر دار الرب بأنا بلد غي السلمي وإن ل ياربوا‪ .‬والذي عليه جهور العلماء أن الدار تأخذ وصفها من غلبة الحكام عليها (أي‬
‫بصرف النظر عن عقائد أهلها) فالرض الت تكمها شريعة ال هي دار إسلم‪ ,‬ولو كان أغلب سكانا غي مسلمي‪ ,‬كما كانت الند خلل ثانية قرون من الكم السلمي‪ ,‬وأغلب‬
‫سكانا من الجوس عباد البقر‪ .‬كذلك الرض الت ل تكمها شريعة ال فهي دار حرب‪ ,‬ولو كان أغلب سكانا مسلمي‪,‬أو دار ردة إذا كان أهلها مسلمي ث ارتدوا عن السلم‪.‬‬
‫() ل يكن سعد زغلول حالة فريدة‪ ,‬ففي كل بلد كان هناك زعيم أو زعماء علي شاكلة سعد زغلول!‬ ‫‪2‬‬
‫() إن قالا نفاقا فهو ف الدرك السفل من النار‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫" الماهي "‪.‬‬

‫‪ 6‬ي استياد النظم والبادئ من أوربا‬


‫أيا كان المر ‪ ..‬وأيا كانت مسئوليات الناس ‪ ..‬فقد صاحب هذا الوضع ظاهرة خطية أو قل إن‬
‫شئت ترتبت عليه نتيجة خطية _ أصبحت منذ ذلك الي جزاء من واقع هذه المة هى استياد‬
‫النظم والبادئ _ للمسلمي من عند اعداء السلم ‪.‬‬
‫لقد كان المر سيئا وخطيا من كل وجه ‪.‬‬
‫فقد كانت هذه هى الرة الول ف حياة المة الت تستورد فيها " البادئ " من خارج السلم‬
‫وتستورد النظم _ السياسية والقتصادية والجتماعية – من خارج السلم ‪.‬‬
‫لقد احتاجت المة من قبل إل " تنظيمات " إدارية وأشكال من أشكال الضارة الادية ل تكن‬
‫ف رصيدها السابق من قبل وكانت متاجة إليها لتقيم " الدولة " على مستوى الكفاءة اللزم لدولة‬
‫متنامية القوة تتوسع رقعتها بسرعة خيالية ‪..‬‬
‫فأخذت تلك التنظيمات وتلك الشكال من فارس وبيزنطة ول تد ف نفسها حرجا من ذلك‬
‫ولكن ت المر على قاعدتي مهمتي ‪.‬‬
‫الول ‪ :‬أن المة ل تشعر بالصغار والنكسار وهى تأخذ ما هى متاجة إليه من " حضارة "‬
‫ح َزنُوا َوَأنْتُ ْم ا َلعَْل ْونَ ِإنْ ُكْنتُمْ‬
‫أعدائها بل كانت تس بالستعلء الناشئ من اليان {وَل َتهِنُوا وَل تَ ْ‬
‫ُم ْؤ ِمنِيَ (‪[ })139‬سورة آل ‪ ]3/139‬أى من كونم مؤمني وكون أعدائهم غي مؤمني‬
‫فالؤمن هو العلى بسبب إيانه أيا كانت حالة الادية أو العسكرية وغي الؤمن هو الدن بسبب كفره‬
‫وإعراضه عن الدى الربان أيا كانت حالته الادية والعسكرية ‪ .‬فهم يشترون هذه " البضاعة " الضارية‬
‫من يلكها دون أى خضوع روحى له ودون أى إكبار له لنه ل يستحق الكبار وهو معرض عن‬
‫دين ال ‪.‬‬
‫والثانية ‪ :‬أن المة ف حركة الخذ هذه ل تأخذ إل ما كانت ف حاجة إليه فهى ل تأخذ كل ما‬
‫كان عند أعدائها من التنظيمات والشكال الادية من الضارة إنا أخذت فقط ما شعرت أنا متاجة‬
‫إليه من هذه " البضاعة الضارية " ‪ .‬وأهم من ذلك أنا حي أخذت تلك التنظيمات والشكال الادية‬
‫ل تأخذ معها قط البادئ والنظم الت كانت لصقة با عند الذين أخذت عنهم ‪ .‬فقد كانت تلك‬
‫البادئ والنظم قائمة على عقائد وتصورات جاهلية ل تصلح للمسلمي ألبتة وليس السلمون ف‬
‫حاجة إليها لن دينهم فيه الغناء عنها بل هم مأمورون أمرا ل يتخذوا شيئا منها وإل فهى ردة‬
‫جاهلية ل تستقيم مع السلم ‪.‬‬
‫فأما " النظم " السياسية والقتصادية والجتماعية فهى متصلة بالتشريع والسلمون منهيون نيا‬
‫جازما عن أخذ التشريع من عند غي ال‪:‬‬
‫ك هُ ْم الْكَاِفرُونَ (‪[ })44‬سورة الائدة ‪]5/44‬‬
‫حكُ ْم بِمَا أَن َزلَ اللّهُ َفُأوْلَئِ َ‬
‫{ َومَنْ لَ ْم يَ ْ‬
‫{َأمْ َلهُ ْم شُرَكَا ُء شَ َرعُوا َلهُ ْم مِنْ الدّينِ مَا َل ْم يَأْ َذ ْن بِهِ اللّهُ} [سورة الشورى ‪]42/21‬‬
‫ض مَا أَن َزلَ اللّهُ‬
‫{ َوَأنْ ا ْحكُ ْم َبْينَهُ ْم بِمَا أَن َزلَ اللّ ُه وَل َتّتبِعْ َأ ْهوَا َءهُ ْم وَاحْذَ ْرهُمْ َأنْ َي ْفِتنُوكَ عَنْ َب ْع ِ‬
‫إَِليْكَ} [سورة الائدة ‪]5/49‬‬
‫وأما البادئ فهى إما موافقة لا جاء من عند ال فالسلم يتلقاها من الصدر الربان وحده ل من أى‬
‫مصدر سواه وإما مالفة لا جاء من عند ال فالخذ با إذن كفر وفسوق وعصيان ‪.‬‬
‫وهكذا ل يأخذ من السلم من " البضاعة الضارية " إل ما يكون متاجا إليه من المور التنظيمية‬
‫أو الشكال الادية الت ل تعرض بذاتا منهجا للتصور ول منهجا للسلوك يالف عقيدة السلم ومنهجه‬
‫الربان للحياة ‪ .‬أما النظم (‪ .)1‬السياسية أو القتصادية أو الجتماعية ‪ ..‬وأما القيم والبادئ ‪ ..‬فهى "‬
‫الدين" (‪ )2‬الذى يتلقاه السلمن من ربه ول يتلقاه من مصدر سواه ‪.‬‬
‫أما ف حركة الخذ الثانية الت تت ف ظل الواء الروحى والتخلف العقدى من ناحية وف ظل‬
‫الغزو الفكرى من ناحية أخرى وقد تلزما ف القيقة لرتباط الخي بالول فقد انارت الواجز ول‬
‫يعد السلمون " يفرقون بي ما ينبغى أخذه وما ينبغى تركه من " البضاعة الضارية " الوجودة عند‬
‫الغرب ‪.‬‬
‫لقد كانوا متخلفي ف كل شئ نعم ولكن الغرب ل يكن ليستطيع إمدادهم بكل ما يتاجون إليه‬
‫ليقوموا من عثرتم ‪ .‬بل كان كثي ما عند الغرب قمينا أن يزيد من عثرتم كما حدث بالفعل لنه يعثر‬
‫الغرب ذاته وإن كان الغرب بسبب قوته الادية الفارهة ل يتأثر بعثراته الن ‪.‬‬
‫لقد كان الغرب يلك تقدما علميا فائقا‪ ،‬وتقدما ماديا هائل‪ ،‬وعبقرية تنظيمية مبدعة‪ ،‬وروحا من‬
‫اللد والصب على العمل والنتاج‪ ،‬وروحا عملية ف مواجهة الشكلت‪ ،‬سواء من ناحية الدراسة أو من‬

‫() الفرق واضح بي "النظم" و "التنظيمات" فحي يكون ف الدولة وزراء‪ ,‬وللوزراء وكلء‪ ,‬ث مديرو عموم‪ ,‬ث موظفون متلفو الناصب يتص كل منهم بعمل‪ ,‬فهذا تنظيم إداري‬ ‫‪1‬‬
‫يدم أي نظام ي ستخدمه‪ ,‬ول يفرض علي النظام ت صورا معينا ول فكرة معي نة‪ ,‬و من ث ي ستخدمه ال كل علي ال سواء‪ ,‬وي ستخدمه ال سلمون ح ي يرو نه نافعا ل ول حرج علي هم ف‬
‫ذلك‪ ,‬أما النظم فأمرها متلف لنا تتصل بالتشريع‪.‬‬
‫() الدين بعن الياة‪ ,‬ويشمل العقيدة والشعية والشريعة‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫ناحية الدراسة أو من ناحية التنفيذ‪ ..‬وكان كل هذا لزما لزوما شديدا للمسلمي‪ ،‬لتخلفهم الشديد ف‬
‫تلك اليادين كلها‪ ،‬بعد أن كانوا أصحاب قدم ثابتة فيها كلها وقت أن كانوا على جادة السلم‪.‬‬
‫وكان الوا جب على ال سلمي أن ي صرفوا جهد هم لتعلم هذه المور والتم كن من ها‪ ،‬بو صفها حا جة‬
‫ملحة ل فكاك منها‪.‬‬
‫وكان عند الغرب ف الوقت ذاته قدر هائل من الفساد الروحى والفكرى واللقى‪ ،‬ل ينبغى لعاقل أن‬
‫يأخذه‪ ،‬فضل عن أن يأخذه مسلم أت ال نعمته عليه ورضى له السلم دينا‪ ،‬وميزه بنهج حياة مستقيم‬
‫نظيف متطهر مترفع خال من الدنس وخال من الفساد‪.‬‬
‫وكان عند الغرب كذلك نظم اقتصادية وسياسية واجتماعية‪ ،‬يتلط فيها الصلح والفساد‪ ،‬ولكنها‬
‫بملتها تشريع بغي ما أنزل ال‪ ،‬قائم على قاعدة غي إسلمية‪ ،‬هى تعبيد البشر بعضهم لبعض بالتشريع‬
‫بدل من ت عبيدهم لرب م وخالق هم‪ ،‬و من ث فقاعد ته جاهل ية‪ ،‬وإن كان ف ب عض جزئيا ته يلت قى التقاء‬
‫عار ضا بب عض ما جاء من ع ند ال‪ ،‬كمبدأ الشورى‪ ،‬وب عض القوق وب عض الضمانات‪ ..‬ال (‪ )1‬وتلك‬
‫المور التصلة بالتشريع يأخذها السلم كما قلنا من التشريع الربان‪ ،‬ول يأخذها عن مصدر سواه‪.‬‬
‫و من ه نا يتحدد الو قف الذى كان على ال سلمي أن يقفوه تاه ما ي سمى ف ممو عه " بالضارة‬
‫الغربية "‪ ..‬فكل ما يتصل بالتقدم العلمى‪ ،‬والتقدم الادى‪ ،‬والناحية التنظيمية‪ ،‬وروح اللد والصب على‬
‫العمـل‪ ،‬والروح العلميـة فـ الدراسـة والتنفيـذ‪ ،‬فليأخذوه وليصـرفوا جهدهـم فيـه‪ .‬وكـل مـا عدا ذلك‬
‫فليتركوه وليحذروه‪.‬‬
‫أما الذى حدث بالفعل فقد كان غي ذلك‪.‬‬
‫فأما الشياء النافعة فقد اتهوا إليها‪ ،‬ولكن بهد متقاعس متخاذل متعثر الطوات‪.‬‬
‫وأما الفساد فقد سارعوا إليه فاستوعبوه كله‪ ،‬وعبوا منه عبا كأنا هو " الزاد "‪.‬‬
‫وأما النظم فقد سعوا إل استيادها وتقليدها ضاربي صفحا تاما عما أنزل ال‪.‬‬
‫ولذلك كله تفسيه من حال السلمي يومئذ‪ ،‬وإن كان الث لحقا بم ف كل حال‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫ل قد ظنوا ف غفلت هم أن " الضارة الغرب ية " كتلة واحدة‪ ،‬وح سبة واحدة‪ ،‬إ ما أن تو خذ كل ها وإل‬
‫فل فائدة من أ خذ بعض ها وترك بعض ها ال خر‪ ..‬ك ما أوه هم بذلك دعاة الغزو الفكرى‪ ،‬و سواء من‬

‫() راجع إن شئت فصلي "الديقراطية" والشيوعية" من كتاب "مذاهب فكرية معاصرة"‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫الصليبية واليهودية أو من عملئهما‪ ،‬وسوا من عملئهما العميل الستغفل الأجور (‪ !)1‬ووجد هذا النداء‬
‫أذنا صاغية لدى " السلمي " الستضعفي‪.‬‬
‫فأمـا دعاة الغزو الفكرى مـن الصـليبيي واليهود فمصـلحتهم واضحـة فـ إيهام " السـلمي " بذلك‬
‫الوهم‪ ،‬لنه أفعل ف استبعادهم‪ ،‬وضمان خضوعهم التام لم‪ ،‬وضمان إبعادهم بعدا كامل عن السلم‪،‬‬
‫الذى ل يقتون شيئا مقتهم له‪ ،‬ول يافون شيئا خوفهم منه (‪ .)2‬فحي ينسلخ السلمون انسلخا كامل‬
‫من كل موقمات دين هم‪ ،‬ف عال الت صور وعال ال سلوك‪ ،‬ف الفكار والخلق والن ظم والعادات‪ ،‬فلن‬
‫يبقى لم من شخصيتهم التميزة شئ‪ ،‬ولن يبقى لم من القدرة على القاومة شئ‪ ،‬ويتم إخضاعهم بعامل‬
‫" العبودية " وهو افعل بكثي وأدوم بكثي من عامل القهر العسكرى الذى يلجأ إليه الستعمار ف مبدأ‬
‫ال مر‪ ،‬ولك نه ل يأ من نتائ جه دائ ما لن مرد وجوده ي ستفز القهور ين‪ ،‬ويدفع هم إل القاو مة حي نا ب عد‬
‫حي‪ ..‬أما إذا استعبد القهورون من الداخل‪ ،‬بتذويب مقومات شخصيتهم من ناحية‪ ،‬وإشعارهم الدائم‬
‫أنم " تبع " لقاهريهم ف كل شئ‪ ،‬فهنا يأمن الستعمار الصليب (اليهودى) أكثر‪ ،‬ويلم ببقاء أطول‪،‬‬
‫ولو خرج كلل عساكره من الرض الحتلة (‪.)3‬‬
‫أما العملء فمنهم من باع نفسه للشيطان لقاء الجر الذى يصل عليه‪ ،‬سواء كان الجر سلطانا ف‬
‫الرض‪ ،‬أو شهرة وذيوع صـيت‪ ،‬أو مال حرامـا‪ ،‬أو شهوات دنسـة فهـو يقوم " بالطلوب " منـه‪،‬‬
‫والطلوب هو استعباد السلمي لقاهريهم من الصليبيي واليهود‪ ،‬ومن أفعل الوسائل إيهامهم أن عليهم أن‬
‫يأخذوا الضارة الغربية بيها وشرها وحلوها ومرها كما قال طه حسي‪ ،‬ومنهم " النظيف " الذى ل‬
‫يتناول أجرا على عمله‪ ،‬ولكنه مهزوم داخليا‪ ،‬فهو ينطلق من هذه الزية‪ ،‬يسب ف غفلة القهر الداخلى‬
‫أ نه بدعو ته إل تقل يد الغرب يقدم للم سلمي طر يق اللص م ا هم ف يه‪ .‬و ف النها ية ي ستوى العملي‬
‫الستغفل والعميل الأجور ف تكي السادة " من استعباد العبيد‪.‬‬
‫وأما الستضعفون فقد وجدت منهم الدعوى أذنا صاغية من جهتي اثنتي‪ :‬الول ميل الغلوب إل‬
‫تقليد الغالب‪ ،‬وهو أمر مشهور ف التاريخ‪ ،‬والثانية أن التقليد أسهل على الغلوب الستضعف‪ ،‬لنه يوفر‬
‫عليه عناء " الختيار " ولن النتقاء والختيار ل يقوم به ف القيقة " العبد " الستضعف‪ ،‬إنا يقوم به "‬

‫() العيل الستغفل هو الذي يقق مصلحة العدو الصليب أو اليهودي ‪ -‬غفلة منه ‪ -‬وهو يسب أنه يقق مصلحة للمسلمي!!‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() مر بنا كلم "ولفرد كانتول سيثث" الصريح ف فرع أوربا من السلم أكثر من أي شئ آخر‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() من أجل ذلك كان كرومر يقول‪" :‬إن مهمة الرجل البيض الذي وضعته العناية اللية علي رأس هذه البلد هي تثبيت دعائم الضارة السيحية إل أقصي حد مكن بيث تصبح‬
‫‪3‬‬
‫هي أساس العلقات بي الناس"!‪.‬‬
‫السيد " صاحب الرادة الرة‪ ،‬والقدرة على التمييز قبل القدرة على الختيار‪.‬‬
‫لقد كانت الكارية كامنة ف قلوب‪ :‬السلمي أنفسهم‪ ..‬من التخلف العقدى والواء الروحى‪ ..‬فلم‬
‫يتحقق فيهم ما أمرهم به ال‪:‬‬
‫ح َزنُوا َوَأنْتُ ْم ا َلعَْل ْونَ ِإنْ ُكْنتُ ْم ُم ْؤ ِمنِيَ (‪[ })139‬سورة آل ‪]3/139‬‬
‫{وَل َتهِنُوا وَل تَ ْ‬
‫‪m m m‬‬

‫لقد كانت دعمى " أخذ الضارة الغربية بيها وشرها وحلوها ومرها " دعوى باطلة من أساسها‬
‫فالتقدم العلمى ل علقة له بداهة بالفساد اللقى ول يقول عاقل ف الرض كلها إنه لبد للنسان خلقيا‬
‫لكى يتقدم علميا إنا كان منشأ هذا النراف الفكرى ف أوربا عوامل خاصة هناك‪ ،‬فقد وقفت الكنيسة‬
‫هناك وق فة حقاء ضد العلم‪ ،‬فلم ي كن ث مناص من تنح ية قب ضة الكني سة عن الياة كل ها ل كى يأ خذ‬
‫التقدم العل مى مراه‪ ،‬وأ خذ التقدم العل مى مراه بالف عل ح ي ر فع عن كا هل الناس سلطان الكني سة‪،‬‬
‫ودينهـا الاهلى الزائف الذى كانـت تسـتعبد بـه الناس‪ ،‬ولكـن أوربـا خسـرت فـ مقابـل ذلك كياناـ‬
‫الن سان ح ي نبذت العقيدة ف ال‪ ،‬وخ سرت أخلق ها ح ي قط عت صلتها بالد ين‪ ،‬ونب تت ف رأ سها‬
‫الفكار اليوان ية عن الن سان وقي مه‪ ،‬و سلوكه‪ ،‬وأهدا فه‪ ..‬فأ صابا من جراء ذلك شر عظ يم‪ ،‬ورأى‬
‫العقلء منهم نذره منذ وقت مبكر‪ ،‬ورأى غيهم آثاره حي وقعت بالفعل‪ ،‬وصاروا يبحثون لنفسهم‬
‫ولشعوبم عن " طريق اللص "‪.‬‬
‫وو قع التمك ي ف الرض لور با و هى على هذه الال من النتكاس الن سان والل قى‪ ،‬بقت ضى‬
‫إحدى السنن الربانية الت يريها ال ف عباده‪.‬‬
‫حنَا عََلْيهِ مْ َأْبوَا بَ كُ ّل َشيْءٍ َحتّى إِذَا َفرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَ َخ ْذنَاهُ مْ َب ْغَتةً فَإِذَا‬
‫{فََلمّا نَ سُوا مَا ذُكّرُوا بِ هِ َفتَ ْ‬
‫هُ ْم ُمبْلِسُونَ (‪[ })44‬سورة النعام ‪]6/44‬‬
‫ك ما كان التمك ي يرى ب سب سنة أخرى ف ذات الو قت (ول تعارض ب ي سنن ال‪ ،‬إن ا ترى‬
‫مترابطة ف نظام مكم)‪.‬‬
‫حيَاةَ ال ّدْنيَا وَزِيَنَتهَا ُنوَفّ إَِلْيهِ مْ َأعْمَاَلهُ مْ فِيهَا وَهُ مْ فِيهَا ل ُيبْخَ سُونَ ( ‪ُ )15‬أوَْلئِ كَ‬
‫{مَ نْ كَا نَ يُرِي ُد الْ َ‬
‫صَنعُوا فِيهَا َوبَاطِ ٌل مَا كَانُوا َيعْمَلُو نَ (‪[ })16‬سورة هود‬ ‫ط مَا َ‬ ‫الّذِي نَ َليْ سَ َلهُ مْ فِي ال ِخ َرةِ إِ ّل النّا ُر وَ َحبِ َ‬
‫‪]16-11/15‬‬
‫وهكذا أصبحوا مكني ف الرض رغم فسادهم‪ ،‬ل بسبب فسادهم وإنا تقق التمكي لم بالهد‬
‫الياب الذى يبذلونه لتمكي أنفسهم‪ ،‬فيعطيهم ال ثرته ف الرض ‪ -‬إل حي ‪ -‬حسب سنته‪ ،‬ث يدمر‬
‫عليهم ‪ -‬ف النهاية ‪ -‬حسب سنته كذلك لنم غي مستقيمي على طريقه‪.‬‬
‫تلك هى قصة أوربا‪..‬‬
‫أما التلزم بي التقدم العلمى والادى‪ ،‬وبي النسلخ من الدين والنسلخ من الخلق‪ ،‬فأكذوبة‬
‫ضخمة ل يكن لا وجود إل ف نفوس العبيد‪ ،‬الذين استعبدهم الغزو الفكرى‪ ،‬وأنساهم ربم‪ ،‬فأ‪،‬ساهم‬
‫أنفسهم‪.‬‬
‫سهُمْ ُأوَْلئِ كَ هُ ْم اْلفَا ِسقُونَ ( ‪ [ })19‬سورة ال شر‬
‫{وَل تَكُونُوا كَالّذِي َن نَ سُوا اللّ هَ َفَأنْ سَاهُمْ َأنْفُ َ‬
‫‪]59/19‬‬
‫ومن هنا فإن تيار التغريب‪ ،‬الذى يدعو لصلح الال على منهج الغرب‪ ،‬راح ياول تقليد أوربا ف‬
‫كل شئ‪ ،‬فانزل قت قد مه ف الف ساد ق بل أن ياول تثبيت ها بالتقدم العل مى والتقدم الادى و من ه نا سار‬
‫التقدم العلمـى والادى بطيئا متعثـر الطوات‪ ،‬ل كمـا كان يرجوه الخلصـون ول كمـا كان يكـن أن‬
‫يدث لو أن المـة تمعـت بعزمهـا كله لحراز ذلك التقدم‪ ،‬دون النغماس فـ الفسـاد اللقـى الذى‬
‫ي صرف عن جديات المور‪ ،‬ك ما فعلت اليابان ح ي قررت أن تن هض‪ ،‬فأخذت علم الغرب كله ‪ -‬ث‬
‫تفوقت عليه ف بعض المور – دون أن تغي تقاليدها ول عقائدها‪ ،‬وهى عقائد وثنية جاهلية (‪ ،)1‬وقد‬
‫كان " السلمون " أول بذلك لول التخلف العقدى والواء الروحى الذى كانوا غارقي فيه‪.‬‬
‫وخل صة ال مر أن التخلف العل مى والادى ظل باق يا على نطاق وا سع ر غم كل " الهود " ال ت‬
‫بذلت‪ .‬وإن الفساد اللقى والتحلل الدين اكتسح العال السلمى بيث أصبح هو السمة البارزة فيه‪ .‬ث‬
‫أض يف إل المر ين م عا ا ستياد الن ظم والبادئ من أور با‪ ،‬و صيورة ذلك جزاء من حياة ال مة و من‬
‫واقعها‪ ،‬ل تتحرج منه ول تتأث‪ ،‬ول ترى فيه أية مالفة " للدين "‪ ،‬ول خروج على السلم‪.‬‬
‫وقد كان الوصول بالمة إل هذا الال ف حاجة إل زحزحة هائلة للمة عن نقطة ارتكازها الطبيعية‬
‫وهى السلم حت تصبح نقطة الرتكاز هى أوربا والضارة الوربية‪ ،‬وليس السلم‪.‬‬
‫ولقد بدأت الزحزحة مبكرة كما قلنا من أيام رفاعة رافع الطهطاوى‪ ،‬أول " زعيم للصلح ف مصر‬
‫"الديثة "‪.‬‬
‫وتوالت الهود‪ ..‬جهود الشياطيـ‪ ..‬على مدى مـا يقرب مـن قرنيـ مـن الزمان‪ ،‬بل هوادة‪ ،‬ول‬
‫توقف‪ ،‬ول تراجع‪ ،‬بل بعنف متزايد على الدوام‪.‬‬

‫() بدأت اليابان ف الخي تتحلل تدرييا من عقائدها وتقاليدها علي يد اليل "الثثقف" الذي تلقي تعليمه ف الغرب‪ ,‬بعد أن صمدت طويلً للغزو الفكري‪ ,‬ول يستغرب هذا من‬
‫‪1‬‬
‫الوثنيي حي تغزوهم "الثقافة"‪ ,‬ولكنه ل يكن حتما علي "السلمي" لو كانوا علي إسلم صحيح‪.‬‬
‫ولكن الهود اتذت صورتي متلفتي‪ ،‬على فترتي متميزتي من الزمن‪ ،‬وإن كانت الفترة الثانية قد‬
‫اتكأت كثيا على الول‪ ،‬ول تكن لتعمل عملها لو ل تكن الول قد مهدت لا ف واقع الياة وواقع‬
‫النفوس‪.‬‬
‫ت تد الول ب صفة عا مة إل الرب العال ية الثان ية‪ ،‬ح يث كا نت ال سيطرة ال صليبية (اليهود ية) ف يد‬
‫بريطانيا وفرنسا‪ ،‬وها اللتان تقومان ‪ -‬أساسا ‪ -‬بحاربة السلم‪ ،‬وزحزحة المة السلمية عنه‪ .‬وتبدأ‬
‫الفترة الثانية من بعيد الرب العالية الثانية‪ ،‬حيث انتقلت السيطرة الصليبية (اليهودية) إل أمريكا‪ ،‬وتولت‬
‫هى – أساسا – حرب السلم وإن كانت حرب السلم – دائما – جهدا مشتركا بي كل أعدائه‪،‬‬
‫يقوم كل منهم بنصيبه فيه‪.‬‬
‫ف الفترة الول كانت اللعبة هى " الوطنية " من جهة‪ ،‬والديقراطية " من جهة أخرى‪ ،‬والذى يقوم‬
‫باللعبة هو الحزاب السياسية الت صنعها الغرب لتخدم أهدافه بعملية " التغريب " وعملية " التقريب "‪.‬‬
‫ف هذه الفترة ل ي كن ال سلم يارب حر با دمو ية عني فة (إل قرب نايت ها ك ما سنبي ف الف صل‬
‫القادم) إنا كانت الرب تتخذ صورة الزحزحة البطيئة (الكيدة الفعول) عن طريق الغزو الفكرى‪ ،‬وعن‬
‫طريق مناهج التعليم ووسائل العلم‪ ،‬وعن طرق إخراج الرأة إل الشارع وإفساد أخلقها وتويلها إل‬
‫" فتة " لنفسها وللرجل‪ ،‬وعن طريق إياد مؤسسات سياسية ل تكم با أنزل ال‪ ،‬وإعطائها ثقل " المر‬
‫الواقع‪ ،‬والزعم بأنا هى الصورة الوحيدة المكنة‪ ..‬إل‪ ..‬ال‪ ..‬ما فصلناه فيما سلف من هذا الفصل‪.‬‬
‫ف فى تلك الفترة ع ن الخططون بعدم مهاج ة الد ين هجو ما صريا مباشرا وإن هو جم ت ت ستار‬
‫ماربة " التقاليد " العتيقة البالية ولكن ف ذات الوقت يقلص السلم تقليصا تدرييا متزايدا حت يرج‬
‫تاما من الياة الواقعية‪ ،‬ويصبح وجدانا ف داخل الضمي‪.‬‬
‫حي نيت الشريعة السلمية عن الكم‪ ،‬وهاجت الواطر‪ ،‬وقال السلمون‪ ،‬بق إن هذا كفر‪ ،‬قيل‬
‫للناس ل بأس عليكم من تنحية الشريعة السلمية (فهذا اجتهاد لأ إليه الاكم) (‪ )1‬ولكنكم ما زلتم‬
‫مسلمي‪ ،‬ما دمتم تصلون وتصومون‪ ،‬وتزكون وتجون‪.‬‬
‫ث سلط على المة من الوسائل الشيطانية ‪ -‬عن طريق قضية الرأة وما تبعها من الفساد اللقى‪ ،‬وعن‬
‫طر يق ال سينما اللي عة والذا عة اللي عة والشوا طئ العار ية وال صحافة العار ية‪ ،‬ال – ما ي صرف الناس‬
‫تدرييا عن الصلة والصوم والزكاة والج‪ ،‬ث قيل للناس ل بأس عليكم وإن ل تصلوا وإن ل تصوموا‪.‬‬
‫فأنتم مسلمون ما دمتم تقولون ل إله إل ال‪.‬‬

‫() راجع فتوي الشيخ رشيد رضا الت أوردناها من قبل‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫ولكـن يتـم إيهام الناس أنمـ مازلوا مسـلمي‪ ،‬وهـم ل يكمون شريعـة ال‪ ،‬وهـم ل يؤدون الشعائر‬
‫التعبدية‪ ..‬كان لبد من جهة‪ :‬فكرى " لتحول السلم عن حقيقته‪ ،‬وتويله إل الفهوم الكنسى الغرب‪،‬‬
‫علقة بي العبد والرب‪ ،‬ل صلة لا بواقع الياة‪.‬‬
‫واعتمـد القائمون بالهـد ‪ -‬ول شـك ‪ -‬اعتمادا كـبيا على الفكـر الرجائى‪ ،‬الذى كان يقول إن‬
‫اليان هو التصديق‪ ،‬أو هو التصديق والقرار‪ ،‬وإن العمل ليس داخل ف مسمى اليان‪ ،‬وإنه ل يضر مع‬
‫اليان شئ‪.‬‬
‫ولكن ل يوز لنا أن ننسى أن الفكر الرجائى ف أحط دركاته قبل الغزو الصليب والغزو الفكرى ل‬
‫يكن قد وصل قط إل تنحية شريعة ال ول إسقاط الصلة‪ ،‬لن السلمي على كل ضعفهم وكل تفلتهم‬
‫ل يكونوا يرون لنفسهم وجودا إسلميا بغي تطبيق الشريعة الربانية وبغي أداء الصلة‪.‬‬
‫ولكن النلق كان قائما على أى حال‪ ..‬وكان " السلمون " قميني أن يهبطوا عليه إذا دفعهم إليه "‬
‫دافـع " وقـد جاء الغزو الصـليب والغزو الفكرى فقامـا بالدفعـة الطلوبـة فهوى السـلمون على النلق‬
‫يصاحبهم الفكر الرجائى على طول الطريق‪.‬‬
‫كانت البداية على يد " أستاذ اليل " فقد ظل يكرر ف جريدته أن الدين شئ سام نبيل‪ ،‬ولكن مله‬
‫القلب‪ ،‬ول ينبغى خلطه بالسياسة‪ ،‬لن السياسة دنسه‪ ،‬ول يوز تلويث الدين بدنس السياسة‪.‬‬
‫وجاء ممد عبده يقول‪ :‬لعن ال ساس ويسوس وسياسة (‪!!...)1‬‬
‫ث جاء سعد زغلول يقول‪ :‬الدين ل‪ ،‬والوطن للجميع‪.‬‬
‫وظل الدين يزحزح ويقلص حت انتهى تاما عند " الثقفي " إل الفهوم الغرب الكنسى للدين‪ .‬علقة‬
‫ب ي الع بد والرب‪ ،‬مل ها القلب‪ ،‬ول صلة ل ا بوا قع الياة‪ ..‬ح ت أ صبح يقال‪ :‬ما للد ين وال سياسة؟ ما‬
‫للد ين والقت صاد؟ و ما للد ين وقضا يا الجت مع؟ و ما للد ين ومل بس الرأة؟ ما للد ين وع مل الرأة؟ ما‬
‫للدين‪ ..‬وأى شئ ف هذه الياة؟‪.‬‬
‫ويستدل دائما با حدث ف أوربا‪.‬‬
‫فح ي كان " رجال الد ين " هناك يتدخلون ف كل هذه المور كا نت الياة فا سدة‪ ،‬وكان الظلم‬
‫والظلم ييمان على أوربا‪ ،‬وذلك ف العصور الوسطى الظلمة فلما كف رجال الدين عن التدخل ف‬
‫شئون الياة الواقعية‪ ،‬اعتدل الال‪ ،‬وتقدمت أوربا‪ ،‬وجاءت الثمار النية‪ ،‬ثار الضارة والتقدم والرقى‪.‬‬

‫() كانت السياسة دنسة بالفعل لنا ل تيسر علي النهج الربان‪ .‬ولكن مهمة "عال الدين" هي العمل علي درها إل النهج الربان‪ ,‬أي العمل لرد الكم للشريعة ل العمل علي إبعاد‬
‫‪1‬‬
‫الدين عن السياسة بجة أنا دنسة أو ملعونة!‪.‬‬
‫ولكى تتم القارنة جعل ف السلم كذلك رجال دين ث قيل للناس‪ :‬القضية واحدة إما أن تكفو "‬
‫رجال الدين " عن التدخل ف السياسة والقتصاد والجتماع وقضايا الرأة وغيها من الشئون‪ ،‬وإما أن‬
‫نظل ف جو العصور الوسطى الظلمة ولن نتقدم ونتحضر حت تصروا الدين ف مهمته السامية‪ :‬تذيب‬
‫الشاعر وترقيق الوجدان‪ ،‬وتكفوا " رجال الدين " عن التدخل‪ :‬فيما ل يعنيهم " من أمور الياة‪.‬‬
‫وفـ هذا الوقـف مـن قبـل " الثقفيـ " يتجمـع السـم كله الذى وضعـه السـتعمار الصـليب لبعاد‬
‫ال سلمي عن ال سلم‪ ..‬من هج دنلوب ف تق ي الل غة العرب ية ومدر سها‪ ،‬ومدرس الد ين‪ ،‬والز هر كله‪،‬‬
‫وإبعاده عن مركز الصدارة‪ ،‬ووضعه ف زوايا الهال‪ ،‬بيث يصبح تدخله ف أى أمر من أمور الجتمع‬
‫تدخل " فيما ل يعنيه " ومنهج الصحافة ف جعل الدين أمرا موسيا‪ ،‬يلتفت إليه ف مناسبات معينة خلل‬
‫العام‪ ،‬وي صرف الن ظر ع نه بق ية العام‪ ،‬فل ي ستمع إل يه إذا تكلم ف غ ي تلك النا سبات الحدودة‪ ،‬ل نه‬
‫يتكلم ف غي موضوعه الخصص له والتغريب‪ ..‬وشبهات الستشرقي‪ ..‬والزعماء العلمانيون ف الدب‬
‫والف كر‪ ،‬وال سياسة والجتماع‪ ..‬ول العناق إل أور با واعتبار كل ما حدث في ها هو ال مر ال صواب‬
‫الذى ينبغى أن يدث ف كل مكان‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫ومهما يكن من أمر فقد ظلت الرب الصليبية اليهودية ضد السلم تتخذ هذه الصورة من الزحزحة‬
‫الستمرة البطيئة الكيدة الفعول‪ ،‬حت فوجئت بالصحوة السلمية على غي انتظار‪.‬‬
‫ولن نتحدث هنا عن الصحوة السلمية‪ ،‬فقد تركنا الديث عنها إل الفصل القادم‪ ..‬ولكنا نقول‬
‫ه نا ون ن نتت بع الحداث إ نه ع ند نق طة معي نة‪ ،‬سنتناولا بالد يث ف الف صل القادم‪ ،‬تف جر ال صراع‪،‬‬
‫وختمت بريطانيا وجودها بصراع دموى مع الركة السلمية قتل فيه المام الشهيد حسن البنا بأيد "‬
‫مسلمة‪ .‬تعمل بأمر الستعمار الصليب اليهودى‪ ،‬وتنفذ له رغباته ف خنق الركة السلمية قبل أن يشتد‬
‫خطرها‪ ،‬ويتسع الرق على الراقع‪.‬‬
‫ث جاءت أمريكا لتزيل " الستعمار القدي " وتأخذ هى مكانة ف النطقة السلمية‪ ،‬وتتسلم بدل منه‬
‫راية الرب الصليبية اليهودية ضد السلم‪.‬‬
‫وتيز عهدها بتغييات جذرية ف اللعبة السياسية‪.‬‬
‫ف قد ا ستخدمت لرب ال سلم ف النط قة العرب ية بالذات عن صرين جديدة تا ما‪ ،‬ل ع هد للمنط قة‬
‫بما‪ :‬أولما النقلبات العسكرية‪ ،‬وثانيهما الشتراكية‪.‬‬
‫‪m m m‬‬
‫النقلبات العسكرية‬
‫واستخدام الشتراكية لرب السلم‬
‫ل تكن تربة النقلبات العسكرية ف حرب السلم جديدة تاما بالنسبة للعبي الدد ف النطقة‪.‬‬
‫فقد سبقتها التجربة التركية على يد أتاتورك‪ ،‬وكان الدبر القيقى لا هو اليهودية العالية‪ ،‬لزالة الدولة‬
‫السلمية الت ترفض – بإصرار إعطاء اليهود وطنا قوميا ف فلسطي وسواء كان أتاتورك نفسه من يهود‬
‫الدونا التمسلمي‪ ،‬الذين كانوا العنصر الفعال ف إزالة اللفة أو كان من غيهم (فالعروف حت الن‬
‫فقط أنه مهول الب‪ ،‬وأن " أجد رضا " الذى ينسب إليه هو زوج أمه وليس أباه) (‪ )1‬سواء كان هذا‬
‫أو ذاكفقد قام بالدور الطلوب تاما‪ ،‬فلم يكتف بإزالة دولة اللفة – العقبة القائمة يومئذ ف وجه إقامة‬
‫الدولة اليهود ية ف فل سطي بل ن كل بال سلمي تنكيل وحش يا فق تل من هم عشرات اللوف‪ ،‬من علماء‬
‫الدين ومن التمسكي بالدين عامة‪ ،‬وألغى الروف العربةي وأمر بكتابة اللغة التركية بالروف اللتينية‬
‫ليفصل الجيال الديثة عن تراثها السلمى فصل كامل‪ ،‬ومنع الذان باللغة العربية‪ ،‬وألزم الناس بلبس‬
‫القب عة ل كى ي صعب علي هم ال صلة‪ ،‬وأ مر بإزالة الجاب الرأة ال سلمة‪ ،‬وأل غى كل أ ثر للد ين ف وا قع‬
‫الياة‪ ،‬بدءا بالشريعة السلمية والحاكم‪ ..‬ومرورا بكل شئ يطر على البال‬
‫كا نت تلك التجر بة ف القي قة هى " الر صيد " الذى رج عت إل يه ال صليبية ال صهيونية و هى ت طط‬
‫لرب ال سلم ف النط قة‪ ،‬والذى أقا مت على منواله " أتاتورك " آ خر‪ ،‬هو جال ع بد النا صر‪ ،‬ليقوم‬
‫بن فس الدور‪ ..‬ولن فس الهداف‪ ..‬وإن اختل فت الو سائل ب عض ال شئ ما ب ي أتاتورك الول‪ ،‬وأتوتورك‬
‫الديد‪.‬‬
‫تيز هذا العهد بالعنف الجرامى ف ماولة القضاء على الركة السلمية‪ ،‬والذابح الوحشية‪ ،‬وفنون‬
‫التعذيب الببرية الت تعرض لا السلمون بالملة‪ ،‬ما ل مثيل له ف التاريخ كله‪ ،‬إل ما حدث من ماكم‬
‫التفتيش ف الندلس للقضاء النهائى على السلم هناك ‪ ,‬وقد كان اختيار " العساكر " حكام ف النطقة‬
‫مق صودا لذا ال مر بالذات‪ ،‬ق بل أى شئ آ خر‪ ،‬ك ما كان الق صود م نه كذلك إخضاع شعوب النط قة‬
‫بالقوة الرهابية لتقبل الصلح مع إسرائيل‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ول نتعجل الديث‪...‬‬

‫() اقرأ ف هذا كتاب "الرجل الصنم" ترجة عن التركية عبد ال عبد الرحن‪ ,‬طبع مؤسسة الرسالة بيوت‪ ,‬واستمع إل من بقي حيا من التراك الذين عاصروا تلك الحداث‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() سيأت الديث عن ذلك ف فصل "الصحوة السلمية"‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫إنا يهمنا هنا أن نشي بكلمة إل استخدام " الشتراكية " ف حرب السلم‪.‬‬
‫ي ظن كثيون من " الط يبي " أن الشتراك ية ال ت ا ستخدمت ف النط قة كا نت واردة من رو سيا‪،‬‬
‫ويستدلون على ذلك بل شك بالتوغل الذى توغلته روسيا ف النطقة ف وقت من الوقات‪.‬‬
‫وقد كانت " اللعبة " متقنة ف القيقة لتؤدى إل هذا العتقاد عند الناس‪ .‬لمر يراد‪.‬‬
‫هناك كتاب كان مقررا على طلبـة البكالوريوس فـ كليـة التجارة بامعـة القاهرة فترة مـن الوقـت‪،‬‬
‫ي مل عنوان " مرا حل التنم ية القت صادية ف البلد التخل فة " من تأل يف " والت رو ستو " و هو أ حد‬
‫أخوين يهوديي يعملن ف البيت البيض المريكى (‪ )1‬يقول فيه ما خلصته‪:‬‬
‫إن النطقة (يقصد ما يسمى بنطقة الشرق الوسط) (‪ )2‬معرضة للشيوعية‪ ،‬بسبب فساد الكم فيها‪،‬‬
‫والفوارق الضخ مة ب ي الطبقات‪ ،‬وانفاض م ستوى الد خل‪ ،‬ول بد لعلج هذا ال مر من ر فع م ستوى‬
‫العيشة‪ ،‬وتقريب فوارق الطبقات‪ ،‬وإزالة الفساد الضارب أطنابه ف الكم‪ .‬ول يكن رفع الدخل القوى‬
‫إل عن طر يق الت صنيع الثق يل‪ .‬ول كن الت صنيع الثق يل ف البلد التخل فة ل ي كن أن يقوم به رأس الال‬
‫الفردى‪ .‬لنه ل يقق أرباحا سريعة‪ ،‬وقد يظل يقق خسائر لدة عشر سنوات أخو خس عشرة سنة‪ ،‬ما‬
‫ل يتمله رأس الال الفردى‪ .‬لذلك ينبغى أن تقوم به الدولة‪ ،‬وذلك بإنشاء قطاع عام يظل يتسع تدرييا‬
‫حت يتوى القطاع الاص ف داخله‪ .‬ولبد ف ذات الوقت من إنشاء زعامات ملية قوية تلتف حولا‬
‫الماه ي ل كى ل تت جه بب صرها إل رو سيا‪ .‬وب عد أن يرت فع الد خل القو مى‪ ،‬وتقرب فوارق الطبقات‪،‬‬
‫يكـن الرجوع إل نشاط رأس الال الفردى الرـ مرة أخرى‪ ،‬بينمـا تكون شعوب النطقـة قـد كرهـت‬
‫الشيوعية تت وطأة التجربة الشتراكية الخففة‪.‬‬
‫هل بقى شئ من الصورة يتلف عن الواقع الذى طبق بالفعل‪.‬‬
‫نعم هناك شئ واحد ل يكن ف بال " والت روستو " وهو يصدر الشتراكية إل شعوب النطقة من‬
‫داخل البيت البيض لنه ل يكن يعيش ف النطقة‪ ،‬وكان يتصور المور من وراء مكتبه ل من الشاهد "‬
‫اليدانية "‪.‬‬
‫ل قد جاء " التأم يم " إل م صر ف الو قت الذى كان " الو ظف " ي سب نف سه قد أدى كل واج به‬
‫الذى ي ستحق رات به عل يه‪ ،‬إذا هو ح ضر ف اليعاد أو بعده بقل يل‪ ،‬وان صرف ف اليعاد أو قبله بقل يل‪،‬‬

‫() الثان يسمي "يوجي روستو"‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫() "الشرق الوسط" تعبي ماكر من تعبيات الغزو الفكري يراد به إياد مكان لسرائيل ف النطقة ل يثي الستنكار‪ ,‬فلو وصفت هذه النطقة بأنا منطققة إسلمية فكيف توجد فيها‬
‫‪2‬‬
‫إسرائيل؟ ولو وصفت حت بأنا عربية فكيف توجد فيها إسرائيل؟ أما حي تصبح منطقة "جغرافية" ل صفة لا ول انتماء‪ ,‬فإن وجود إسرائيل فيها يصبح أمرا ل يثي الستنكار!‪.‬‬
‫وشرب فنجان القهوة وقرأ جريد ة الصباح أما العمل فليس داخل ف استحقاق الراتب (‪ ،)1‬إنا إذا كان‬
‫ولبد يكون عليه أجر إضاف‪.‬‬
‫وبينما الال هكذا أمت الصانع اليوية والؤسسات‪ ،‬فتحول من فيها من العمال بي يوم وليلة إل "‬
‫موظفي " ف الدولة‪ ،‬على ذات النسق الذى كان قائما ف دواوين الكومة من قبل فضل عما يدث ف‬
‫الشتراكية دائما من وجود طبقة من العاملي ل تعمل ف القيقة‪ ،‬إنا ينصرف هها إل التقرب إل "‬
‫الباحث " و " الخابرات " بالتجسس على إخوانم وكتابة " التقارير "‪.‬‬
‫وهكذا ل يرت فع الد خل القو مى بالتجر بة الشتراك ية‪ ،‬ول ي صلح الف ساد‪ ،‬بل انار القت صاد انيارا‬
‫حادا وصل أكثر من مرة إل حافة الفلس وعول ف كل مرة بالقروض الت تؤدى ف النهاية إل مزيد‬
‫من النيار‪.‬‬
‫الهم لدينا – ف سياقنا هذا – أن " التحول الشتراكى العظيم " كان توجيها من البيت البيض‪ ،‬ول‬
‫يكن توجها حقيقيا إل الشتراكية‪ ،‬ولكن بقى إيضاح آخر ل تتم الصورة إل به‪..‬‬
‫ل ي كن الدف الوح يد ول الدف الول – للشتراكية هو تكريه شعوب النطقة ف الشيوع ية على‬
‫ضوء التجربة الشتراكية الخففة!‬
‫لقد كان لا هدف أخطر من ذلك بكثي‪ ..‬وهو حرب السلم!‬
‫إن الغرب ل يلك فـ وقتـه الاضـر مـن وسـائل حرب السـلم إل الفسـاد اللقـى‪ )2( ..‬ولكـن‬
‫الشتراكية تلك!‬
‫إنا توهم الناس بأنا " عقيدة "‪ ..‬و " للعقيدة " دائما سحر ف نفوس الناس ولو كانت باطلة‪ ..‬ففى‬
‫النفس البية كما فطرها ال ميل فطرى إل " العتقاد " وف حالة الفطرة السوية يتجه هذا اليل الفطرى‬
‫إل الله الق‪ ،‬فاطر السماوات والرض وخالق النسان‪:‬‬
‫ت بِ َرّبكُ مْ قَالُوا بَلَى‬
‫س ُ‬
‫ك مِ ْن َبنِي آدَ َم مِ ْن ُظهُو ِرهِ مْ ذُ ّرّيَتهُ ْم َوَأشْهَ َدهُ ْم عَلَى أَنفُ سِهِمْ أَلَ ْ‬
‫{ َوإِذْ أَ َخذَ َربّ َ‬
‫َشهِ ْدنَا} [سورة العراف ‪]7/172‬‬
‫ولكن حي تفسد الفطرة يتجه " العتقاد " إل غي ال‪ ،‬معه أو من دونه فيقع الناس ف الشرك‪:‬‬
‫" إن خلقت عبادى حنفاء كلهم فاجتالتهم الشياطي " (‪.)3‬‬

‫() علي نفس الطريقة الت ل يدخل فيها "العمل" ف مسمي "اليان"!!!‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() هذا بالطبع إل جانب القمع الوحشي الذي يقوم به عن طريق النقلبات العسكرية ف النطقة‪ .‬ولكنا نقصد هنا الجالي الفكري والعقدي‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() رواه مسلم‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫والشتراكية تقول للناس بلسان الال أو بسان القال‪ :‬اتركوا عقيدتكم وخذوا هذه " العقيدة " فهى‬
‫العقيدة الصحيحة‪.‬‬
‫والشتراكية فوق لك تبدو للناس – وللشباب خاصة – ذات هدف جاد يستحق أن يعاش من أجله‬
‫وأن يعمل من اجله‪ ،‬بينما تيع الغرب وتفكك وانل‪ ،‬فلم يعد له هدف جاد ييا من أجله غي النتاج‬
‫الادى‪ ،‬وهـو هدف ل يشبـع النفوس ولو كانـت منتكسـة كنفوس الناس فـ هذه الاهليـة (وهذا الذى‬
‫يعل الشيوعية تايل الشباب ف غرب أوربا وف أمريكا رغم الوضع القتصادى العقول الذى يعيش فيه‬
‫الفرد العادى هناك‪ ،‬والذى يسره حي تكم الشتراكية!!)‬
‫ومن أجل ذلك تلك الشتراكية ف مال حرب السلم أكثر ما يللك الغرب الفاسد التميع النحل!‬
‫فضل عن كون " الشتراكيي " بكم تكوينهم الفكرى العادى للدين أعنف وأوقح ف مهاجة السلم!‬
‫ومـن أجـل ذلك يوضعون فـ منطقـة النفوذ المريكـى فـ مالت التوجيـه الفكرى‪ :‬فـ الصـحافة‬
‫والذاعـة والسـينما والتليفزيون والسـرح والكتاب‪ ،‬ليقوموا – مـن هذه الجالت كلهـا – بحاربـة‬
‫السلم!‬
‫وهنا يبدو " إلشكال " ف " اللعبة " يتاج إل إيضاح‪.‬‬
‫ك يف يت صور أن أمري كا ت ستخدم عدوت ا اللدود ف منط قة نفوذ ها ب حض رغبت ها‪ ،‬بل بتوجيه ها‬
‫وأمرها لعملئها ف منطقة نفوذها؟‬
‫وكيف يتصور من جانب آخر أن تدخل روسيا ف اللعبة إذا كان القياد ليس لا‪ ،‬والصلحة الخية‬
‫التحققة ليست لا ولكن لغريتها أمريكا؟!‬
‫أما أنه ف منطق العقل إشكال‪ ..‬فنعم!‬
‫أما ف ننطق السياسة فهوى يرى ببساطة تامة‪ ،‬ويثل معلما بارزا من معال هذه القبة التاريية الت‬
‫تعيشها النطقة السلمية‪ ،‬وتدور با الدوامات السياسية العالية‪ ،‬وهى غثاء كغثاء السيل‪ ،‬ل يلك نفسه‬
‫عن الدوران‪ ،‬ول يتار حت الكان الذى يدور فيه!‬
‫أما من ناحية أمريكا فخذ هذه الواقعة‪:‬‬
‫تركيا من مناطق النفوذ المريكية الت ل شك فيها‪ .‬وف وقت من الوقات أحست أمريكا بوجود‬
‫حركة إسلمية بدأت تظهر ف وسط الشباب‪ ،‬فقامت بانقلب عسكرى لقمع الركة السلمية‪ ،‬على‬
‫عادت ا ف تكليف النقلبات الع سكرية بذه اله مة ف النط قة‪ .‬ول كن الرب القبصية ال ت قا مت سنة‬
‫‪ 1964‬أشعلت الروح ال سلمية ف ال يش ذا ته! وذلك ح ي أحا طت الدبابات اليونان ية بالقرى‬
‫السلمية وحاصرتا‪ ،‬ومنعت عنها الطعام والاء والدواء‪ ،‬فانتشرت الوبئة فيها‪ ،‬فتحرك اليش التركى‬
‫بروح إسلمية لضد الجمات الصليبية!‬
‫عندئذ أسقط ف يد أمريكا‪ " ..‬فالعسكر " هم أداتا الفضلة لقمع الركات السلمية‪ .‬فإذا سرى‬
‫ال سلم ف ال يش ذا ته ف ما الع مل؟ عندئذ أ صدرت أمري كا أوامر ها للحكو مة الترك ية بإطلق نشاط‬
‫الزب الشيوعى التركى بعد أن كان مظورا النشاط‪ ،‬لتستعي لصد السلم!! وتذكر الصحف الصادرة‬
‫وقتئذ أن بعض الوزراء وافقوا على هذا المر ورفضه آخرون‪ ،‬فأمر العارضون بتقدي استقالتم!‬
‫وأما من ناحية روسيا فخذ هذه الواقعة‪:‬‬
‫ف الرب " اليديولوجية " الت قامت بي الصي وروسيا ف الستينيات من هذا القرن اليلدى (‪،)1‬‬
‫تبادلت الصي التامات مع روسيا‪ ،‬وكان من أشد ما اتمت الصي به روسيا أنا خانت البادئ الليننينة‬
‫الستالينية‪ ،‬وصارت تقدم مساعدات لكومات تدور ف فلك أمريكا كحكومة مصر‪ ،‬وبعض الكومات‬
‫الخرى ف النطقة‪ .‬وردت روسيا بأنا ل تهل أن هذه الكومات تدور ف فلك أمريكا‪ ،‬ولكنها ترى‬
‫أن وجودها ف داخل تلك البلد خي لا من أن تكون واقفة ف الارج‪ ،‬تتفرج من بعيد!‬
‫وهكذا تتم اللعبة‪ ..‬أمريكا تستخدم نشاط الشيوعيي ف منطقة نفوذها لحاربة السلم وتضع ف‬
‫أيدي هم و سائل العلم ليقوموا ل ا بتلك اله مة‪ ،‬بشرط أل يروجوا على حدود اللع بة‪ ،‬ول يت سلموا "‬
‫السلطة " ف النطقة‪ ..‬فإا اغتروا بأنفسهم‪ ،‬وظنوا أنم قوة حقيقية‪ ،‬وأقامو انقلبا شيوعيا‪ ،‬تذبهم أمريكا‬
‫ذبا كما صنعت ف أندونيسيا عام ‪ 1965‬وف السودان عام ‪ 1970‬م‪ .‬وها الرتان اللتان تاوز فيهما‬
‫الشيوعيون حدود اللع بة الت فق علي ها! أ ما ف غ ي ذلك ف هم يعملون – بإذن أمري كا‪ ،‬بل بتوجيه ها –‬
‫لحاربة السلم‪ .‬وروسيا ترضى بدورها الثانوى ف اللعبة لن هذه ليست منطقة نفوذها الصلية‪ ،‬التفق‬
‫علي ها ف توز يع منا طق النفوذ بين ها وب ي أمري كا (‪ )2‬إن ا هذا " النشاط إضا ف " تقوم به رو سيا ل صال‬
‫العسكرين معا‪ ،‬إذ السلم هو العدو الشترك لكل العسكرين‪ ،‬وأى جهد يقوم به أحد العسكرين ف‬
‫هذا السـبيل يغطيـه العسـكر ال خر ويباركـه‪ ،‬كمـا قامـت روسـيا (بالتفاق مـع النـد) بتفتيـت وحدة‬
‫باك ستان ل ساب أمري كا (ول سابا الاص أي ضا) وك ما تقوم حال يا بحار بة ال سلم ف أفغان ستان‬

‫() ل تكن الرب أيدلوجية ف حقيقتها! ولكن الصي قد توصلت إل صناعة القنبلة الذرية فلم يعد هناك مبر ف حسها للخضوع لروسيا بينما شعبها يبلغ أكثر من ثلثة أضعاف‬
‫‪1‬‬
‫الشعب الروسي‪ .‬ولكن سترت تردها باللف اليدلوجي!‪.‬‬

‫() اتفقت أمريكا وروسيا اتفاقا غي مكتوب‪ ,‬ولكن له ثثقل المر الواقع علي أن تترك أمريكا الشرق القصي لروسيا‪ ,‬وتترك روسيا "الشرق الوسط" لمريكا بصفة عامة‪ ,‬وإن‬
‫‪2‬‬
‫كانت تدث بعض التدخلت من هنا ومن هناك ولكنها تدخلت هامشية وغي حاسة!‪.‬‬
‫بضراوة وحشية لسابا (ولساب أمريكا ف ذات الوقت) (‪.)3‬‬
‫ول يس يعني نا من أ مر هذه اللع بة ف القي قة أن نتت بع ل ساب من ت تم‪ ..‬ف هى ف ج يع الحوال ت تم‬
‫ل ساب أعداء ال سلم يت صارعون في ما بين هم صراعا شديدا على م صال كل من هم الا صة‪ ،‬ولكن هم‬
‫بالنسبة للسلم ينسون صراعاتم‪ ،‬وينسون عداواتم‪ ،‬ويقفون صفا واحدا لحاربته وماولة القضاء عليه‪.‬‬
‫إنا الذى يعنينا ف تتبع وسائل الكيد الذى يكيد به العداء للسلم‪ ،‬أنه ف " الرحلة الشتراكية "‬
‫كان الجوم على السلم أشد‪ ،‬وأوقح‪ ،‬وأوسع دائرة ما كان ف الرحلة السابقة‪.‬‬
‫أ ما من ناح ية الشدة ف قد صار الد ين يها جم جهرة ب عد أن كان الجوم ف الرحلة ال سابقة ملفو فا‪،‬‬
‫يأخذ صورة مهاجة " التقاليد " ل مهاجة الدين ف ذاته‪ .‬وصار الدين هو " الرجعية " الت ينبغى القضاء‬
‫عليها‪ ،‬بعد أن كانت الرجعية ف الرحلة السابقة هى " أفكار " رجال الدين التزمتي‪ ،‬الت ينسجونا من‬
‫عند انفسهم ويلصقونا بالدين!‬
‫أما الوقاحة فربا يكفى فيها هذه النماذج الثلثة‪:‬‬
‫ك تب م مد ح سني هي كل – و هو أمري كى ول كن " الفترة الشتراك ية " جرأ ته على الجوم على‬
‫ال سافر على ال سلم – إن التقدم التكنولو جى قد أحال أك ثر الك تب (النلة) قدا سة إل أوراق صفراء‬
‫تفظ ف التحف!‬
‫وكتب أحد الشيوعيي (ل يذك اسه) بناسبة الي الزعوم الذى كان سيفيض على البلد من جراء‬
‫السد العال‪ :‬إن هذه الصحراء قد بقيت ف يد " ال " " مليي السني فظلت كما هى صحراء جرداء‪.‬‬
‫لا تسلمها " النسان " حولا إل مروج خضراء!‬
‫ور سم صلح جاه ي (ر سام " الكاريكات ي " العروف) صورة هزل ية ف جريدة الهرام ر سم في ها‬
‫رجل بدو يا (ير مز إل ر سول ال‪ )e‬ير كب حارا ف و ضع مقلوب (أى رأس المار ف اتاه وو جه‬
‫الرجل ف التاه الضاد رمزا " للرجعية ") وف أرضية الصورة ديك وتسع دجاجات‪ ،‬وعنوان الرسم‪" :‬‬
‫م مد أفندى جوز الت سعة) و هو هجوم سافر على ش خص ر سول ال‪ e‬وزوجا ته الت سع‪ ،‬ل ي سبق له‬
‫مثيل ف أية صحافة " إسلمية! " على الطلق‪ ،‬بل لعل الصحف الصليبية ذاتا ل تتوقح هذه الوقاحة‪.‬‬
‫وأما اتساع الدائرة فمنشؤه أن الشيوعية – ف حربا الشديدة للدين – أطلقت مموعة من الدعاوى‬

‫() كتب هذا الكلم كله ف الوقت الذي كانت المور تسي فيه علي هذه الصورة بي أمريكا وروسيا‪ ,‬وبعد ذلك تغيت الصورة حي انارت الشيوعية وانفردت أمريكا ‪ -‬مؤقتا ‪-‬‬
‫‪3‬‬
‫ل عن أن اللعبة قد تتغي من وقت‬
‫بالسيطرة العالية‪ .‬ولكن يظل من الضروري شرح الصورة الت كانت تسي عليها المور ف تلك القبة من التاريخ‪ ,‬لخذ العبة منها للحاضر‪ ,‬فض ً‬

‫إل آخر‪ ,‬أما العداء للسلم والرب القائمة عليه فل تتغي!‪.‬‬


‫العريضة‪ ،‬أدخلت ها ف صل " النظرية " أو " الفل سفة " الشيوعية بصوص الد ين‪ ،‬لت سخفه وت سخر منه‬
‫على جيع الصعدة وف جيع الجالت‪ ،‬لعلها تستطيع القضاء عليه بعد تشويه صورته وتنفي الناس منه‪،‬‬
‫والشيوعيون " العرب! " يستخدمون ذات الدعاوى ‪ -‬حذو القذة بالقذة ف حربم للسلم‪ ،‬مستخدمي‬
‫" الادية الديالكتية " و " الادية التاريية " للتدليل ‪ -‬تدليل علميا!!‪ ،‬على سخف الدين ف ذاته‪ ،‬وانتهاء‬
‫دوره ف حياة البشرية‪ ،‬ورجعية معتنقية‪ ،‬وكون عجلة التطور " التمى " ستسحقهم سحقا وتطهر منهم‬
‫(‪)1‬‬
‫الرض!!‬
‫و من هنا أخذت مهاجة السلم على يد الشتراكي ي بعدا فكريا وبعد اجتماعيا وبعدا سياسيا ف‬
‫و قت وا حد‪ ،‬منطل قا كله من مور وا حد‪ :‬مور " التطور " الذى أ صبح الد ين بقتضاه رجع ية‪ :‬رجع ية‬
‫فكرية ورجعية اجتماعية ورجعية سياسية ينبغى سحقها والقضاء عليها‪ ..‬هكذا‪ ..‬لوجه الشيطان!!‬
‫ول ت عد القض ية أن ال سلم يوى " ب عض " الفكار أو " ب عض " الحكام " أو " ب عض " الوا قف‬
‫ال ت ل ير ضى عن ها " التقدميون " ك ما كان الال من ق بل إن ا صارت القض ية هى " الد ين " ذا ته‪،‬‬
‫وضرورة نيه من الوجود نفيا‪ ،‬ونسفه من القلوب نسفا‪ ،‬وإبادة معتنقيه كلما أمكن‪ ،‬و " ترير " كل من‬
‫أمكن تريره ولك ما أمكن تريره من الدين‪.‬‬
‫ومن هنا وقع " التحالف " بي الشتراكيي وبي عبد الناصر‪ ،‬وأيدوه وعضدره وهو يذبح السلمي‬
‫ويارب السلم لنه وهو يقوم بذه العمال لساب أمريكا ـ يدم مصلحتهم الاصة ف ذات الوقت‬
‫كما تالف معه " الثقفون " الذين يكرهون السلم‪،‬لنم رأوا ف وجوده وتكنه أمانا لم من الركة‬
‫السلمية وقوتا!‬
‫وإذا كان عبد الناصر هو الدرس الثان بعد أتاتورك‪ ،‬فقد كان الخراج متقنا واللعبة أكثر سبكا‬
‫ولبد لتقان اللعبة من بطولت زائفه تضفي علي القاتل وهو يذبح فريسته‪ ،‬لكي تتواري الرية ف‬
‫ظل البطولت‪.‬‬
‫ـ بذبـح السـلم فـ عاصـمة اللف‪ ،‬تهيدا‬ ‫ـ كان لتاتورك " بطولت فذة " (‪ )2‬قام ف ظله ا‬ ‫وكم ا‬
‫لتفتيت الدولة وتوزيع أسلبا بي الطامعي‪ ،‬وتكي اليهود ف النهاية من إقامة الوطن القومي ف فلسطي‬
‫بعد ان أبت عليهم دولة اللفة ذلك وهي ف نزعها الخي كذلك كان لعبد الناصر " بطولته الفذة "‬
‫ف هو " ب طل باندو نج " و" ب طل القناة " و" قا هر بريطان يا وفرن سا " و" مؤ سس ال سد العال " و " ب طل‬

‫() ناقشت هذه القضايا كلها مناقشة تفصيلية ف فصل "الشيوعية" من كتاب "مذاهب فكرية" لن أراد الرجوع إليه‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫()كان من بطولته الفذة ‪ -‬الصطعنة ‪ -‬انسحاب ققوات اللفاءء من النضول أمام هجماته!‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫القومية العربية"‪..‬إخ‪..‬إل (‪ )1‬وف ظل هذه " البطولت" كلها يذبح السلمي ويعمل عبد الناصر جاهدا‬
‫(‪)2‬‬
‫لقتل الركة السلمية لكي تأمن إسرائيل!‬
‫ولسنا هنا نؤرخ لعبد الناصر‪ ..‬ولسنا كذلك نؤرخ لذه القبة الطية من حياة المة السلمية إنا‬
‫نن فقط نتتبع الطوات العريضة لحاولت العداء للقضاء علي المة السلمية والقضاء علي السلم‬
‫ونتتبع الوسائل الت استخدموها ف هذه الزب الضارية الت شنوها علي السلم‪.‬‬
‫ولكنـا نلخـص الوقـف كله فـ نايـة هذا الفصـل‪،‬ــ فنقول إن موقـف العداء‪ ،‬سـواء فـ الغزو‬
‫العسكري‪ ،‬أو الغزو الفكري‪،‬أو فتنة السلمي عن دينهم بكل الوسائل ليس أمرا مستغربا منهم‪،‬أيا كان‬
‫القدر الذي يشتمل عليه من السة والكر‪ ،‬والديعة واللؤم والببرية والوحشية‪ ..‬فهم هم كما وصفهم‬
‫ال ف كتابه النل‬
‫{وَلَ ْن تَرْضَى َعنْكَ اْلَيهُو ُد وَل الّنصَارَى َحتّى َتّتبِ َع مِّلَتهُمْ} [سورة البقرة ‪]2/120‬‬
‫{وَل يَزَالُو َن ُيقَاتِلُوَنكُمْ َحتّى يَرُدّوكُ ْم عَنْ دِينِكُمْ ِإنْ ا ْستَطَاعُوا} [سورة البقرة ‪]2/217‬‬
‫{ل يَرُْقبُونَ فِي ُم ْؤمِنٍ إِ ّل وَل ِذ ّم ًة َوُأوَْلئِكَ هُ ْم الْ ُم ْعتَدُونَ (‪[ })10‬سورة التوبة ‪]9/10‬‬
‫سهِ ْم مِ ْن َبعْدِ مَا‬
‫{وَدّ َكثِ ٌي مِ نْ َأهْ ِل اْلكِتَا بِ َل ْو يَ ُردّوَنكُ ْم مِ نْ بَعْدِ ِإيَانِكُ مْ ُكفّارا حَ سَدا مِ نْ عِنْدِ أَنفُ ِ‬
‫َتَبيّنَ َلهُ ْم الْحَقّ} [سورة البقرة ‪]2/109‬‬
‫ك ُط ْغيَانا وَ ُكفْرا} [سورة الائدة ‪]5/64‬‬
‫ك مِنْ َربّ َ‬
‫{وََليَزِي َدنّ َكثِيا ِمْنهُمْ مَا أُن ِزلَ إِلَيْ َ‬
‫أما السلمون فهم يتحملون تبعه ما حل بم من كيد أعدائهم‪ ،‬وما حل بم من هوان وضعف ول‬
‫يستطيعون أن يتجوا ف الياة الدنيا ول بي يدي مولهم ف الخرة بأن اعداءهم كادوا لم وفعلوا بم‬
‫ما فعلوا‪ ،‬ول يكن لم ميص‬
‫إن هذا الكيد بكل ضراوته الت أشرنا إليها‪ ،‬وكل مكره وخبثه ودنسه‪ ،‬ليس ابن اليوم ل ابن المس‬
‫القريب‪ ،‬إنا عمره أربعة قرنا ونيفا ة أي منذ نزل هذا الدين‪ ..‬ل يكف إل رثيما يشتعل من جديد!‬
‫ول كن ال تعال شأ نه قال ل نا ف كتا به النل ب عد أن علم نا كل شئ عن مو قف العداء وكيد هم‪،‬‬
‫صبِرُوا‬
‫وماولت هم الدائ مة لفت نة ال سلمي عن دين هم‪ ،‬وزحزحت هم ع نه – قال سبحانه وتعال‪َ { :‬وإِ ْن تَ ْ‬
‫َوَتّتقُوا ل يَضُرّ ُكمْ َكيْ ُدهُمْ َشيْئا} [سورة آل ‪]3/120‬‬
‫ول يكـن الصـب الذكور فـ اليـة الكريةـ – ول كانـت التقوى – تيمـة يعقلهـا السـلمون على‬

‫() نسوا أن يقولوا‪ :‬و"بطل النكسة"!‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫() نظر الفصل القادم‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫صدورهم فترد عنهم الكيد! ول يكن الصب والتقوى كذلك أمرا سلبيا ف داخل الصدور‪ ،‬يارسه الناس‬
‫بوجدانم فيصد عنهم الكيد!‬
‫إنا الصب والتقوى قوة إيابية هائلة تصد الكيد بإيابيتها وفاعليتها‪ ..‬بقدر من ال‪.‬‬
‫ولقـد فسـد مفهوم الصـب والتقوى عنـد الجيال مـن السـلمي كمـا فسـد كـل شـئ فـ حياتمـ‬
‫وتصوراتم‪ ،‬فتحول إل مفهوم سلب ل يغي شيئا ف واقع الياة!‬
‫ول كن نف هم الع ن القي قى الق صود بال صب والتقوى‪ ،‬ونف هم ك يف يؤدى التم سك ب ما إل صد‬
‫الكيد‪ ،‬فلنعرف أول ماذا يريد العداء‪ ..‬إنم يريدون أن يردوا السلمي عن دينهم أو يزحزحوهم عنه‪..‬‬
‫فال صب الطلوب إذن هو ال صب على هذا الد ين‪ ،‬وعلى كل تكالي فه ومقتضيا ته‪ ،‬وال ستقامة على أمره‪،‬‬
‫وال صرار عل يه مه ما ف عل العداء‪ ..‬والتقوى هى اتقاء سخط ال وغض به‪ ..‬ول يكون هذا إل بتنف يذ‬
‫أوامره والنتهاء عن نواه يه‪ ..‬وح ي ي قع ال صب والتقوى على هذه ال صورة ف ما الذى ي ستطيعه العداء‬
‫يومئذ‪ ،‬ومن أين ينفذون؟!‬
‫إنا نفذوا ف الياة السلمية من تقصي السلمي ف تنفيذ ما أمر ال به‪ ،‬سواء كان التقصي متمثل‬
‫ف التقاعس عن إعداد العدة الت أمرهم ال بإعدادها لرهاب عدو ال وعدو السلمي‪ ،‬أ التقاعس عن‬
‫النفاق ف سبيل إعداد هذه القوة كما أمر ال‪.‬‬
‫خيْ ِل تُ ْر ِهبُو نَ بِ هِ عَ ُدوّ اللّ ِه َوعَ ُدوّكُ ْم وَآ َخرِي َن مِ ْن‬
‫ط الْ َ‬
‫{ َوَأعِدّوا َلهُ ْم مَا ا ْستَ َط ْعتُ ْم مِ نْ ُق ّو ٍة َومِ نْ ِربَا ِ‬
‫دُوِنهِ مْ ل َتعَْلمُونَهُ مْ اللّ ُه َيعْلَ ُم ُه ْم وَمَا تُن ِفقُوا مِ ْن َشيْءٍ فِي َسبِيلِ اللّ ِه ُيوَفّ إَِلْيكُ مْ َوَأْنتُ ْم ل تُظْلَمُو نَ (‬
‫‪[ })60‬سورة النفال ‪]8/60‬‬
‫أو كان التقصي متمثل ف إرجاء العمل والتكال على اليان الكنون ف داخل القلب‪.‬‬
‫أو كان ف ترك عمارة الرض والشى ف مناكبها وابتغاء فضل ال توها أن هذا يقرب النسان من‬
‫ال ويضمن له الخرة‪.‬‬
‫أو كان ف ترك العدل الذى أمر ال به سواء ف سياسة الكم أو سياسة الال أو ارتباطات الناس ف‬
‫الجتمع أو روابط السرة بي الرجل والرأة‪.‬‬
‫أو كان ف الفرقة الت نى ال عنها وحذر منها‪.‬‬
‫أو كان ف اتاذ بطانة من دون السلمي ل يألونم خبال‪.‬‬
‫أو كان فـ غيـ ذلك ماـ وقـع فيـه السـلمون فـ قرونمـ الخية مـن البدع والعاصـى والرافات‬
‫والهالت فأصابتهم السنة الت ل تتبدل ول تتخلف وأصابم النذير الذى حذرهم منه رسول ال‪:e‬‬
‫" يوشك أن تداعى عليكم المم كما تداعى الكلة إل قصعتها‪ .‬قالوا‪ :‬أمن قلة نن يومئذ يا رسول ال؟‬
‫قال‪ :‬إنكم يومئذ كثي ولكنكم غثاء كغثاء السيل‪ .‬ولينعن ال الهابة من صدور أعدائكم وليقذفن ف‬
‫قلوبكم الوهن‪ .‬قالوا‪ :‬وما الوهن يا رسول ال؟ قال‪ :‬حب الدنيا وكراهية الوت " (‪.)1‬‬
‫وقد تقق النذير بقدر من عند ال ولكن ف الوقت ذاته بسبب من تاون المة ف حل أمانتها الت‬
‫ناط ها ال ب ا ك ما وق عت الزي ة يوم أ حد بقدر من عن ال ول كن ب سبب – و ف الو قت ذا ته – من‬
‫العصية الت وقعت من السلمي‪:‬‬
‫سكُمْ ِإنّ اللّ َه عَلَى كُ ّل‬
‫صْبتُ ْم ِمثَْلْيهَا قُ ْلتُ مْ َأنّى هَذَا قُ ْل ُه َو مِ نْ عِنْدِ َأْنفُ ِ‬
‫{َأوَلَمّا أَ صَاَبتْكُ ْم مُ صِيَبةٌ َقدْ أَ َ‬
‫َشيْءٍ قَدِيرٌ (‪ )165‬وَمَا أَ صَابَكُ ْم َيوْ َم اْلتَقَى الْجَ ْمعَا نِ َفبِِإذْ نِ اللّ هِ‪ [ }....‬سورة آل ‪-3/165‬‬
‫‪]166‬‬
‫ول خلص ل م إل أن يعودوا إل ال فيعبدوا حق عباد ته فيذ هب ال عن هم آثار الك يد ويرد ل م‬
‫التمكي الذى وعدهم به وحققه لم حي استقاموا على طريقه ث نزعه منهم حي أخلوا بالشرط‪:‬‬
‫ف الّذِي َن مِ ْن‬
‫ستَخِْل َفّنهُم فِي الَرْ ضِ كَمَا ا ْستَخْلَ َ‬ ‫{ َوعَدَ اللّ ُه الّذِي نَ آمَنُوا ِمْنكُ ْم َوعَ ِملُوا ال صّالِحَاتِ َليَ ْ‬
‫َقبِْلهِ ْم وََليُ َم ّكنَنّ َلهُ مْ دِيَنهُ ْم الّذِي ا ْرَتضَى َل ُه ْم وََلُيبَدَّلنّهُ ْم مِ ْن َبعْدِ َخوِْفهِ مْ َأمْنا َي ْعبُدُوَننِي ل يُشْرِكُو َن بِي‬
‫َشيْئا} [سورة النــور ‪]24/55‬‬

‫() أخرجه أحد وأبو داود‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫الصحوة السلمية‬
‫جاءت الصحوة السلمية ف موعدها القدور عند ال‪ ..‬وكانت مفاجأة ضخمة لكثي من الناس‬
‫ولكن هل كانت مفاجأة ف القيقة؟‬
‫إن الذين فوجئوا با من الداخل كانوا هم الذين نقلوا نقطة ارتكازهم نائيا من السلم ال الضارة‬
‫الغربية وأداروا ظهرهم للسلم على أنه قد ذهب إل غي رجعة وأنم هم – الثقفي " هم الطليعة‬
‫للجيال القادمة الت ستحرر نائيا من كل عقابيل الاضى وتضى على طريق التحرر إل ناية الشوط‪.‬‬
‫وأما الذين فوجئوا با من الارج فكانوا هم الذين بذلوا جهد الشياطي طوال ما يزيد على قرن من‬
‫الزمان لبعاد المة عن السلم بكل الوسائل ورأو بالفعل أجيال تبتعد تدرييا عن السلم وكل جيل‬
‫يبتعد أكثر من سابقه عن نقطة ارتكازه الصيلة فظنوا – بساباتم الرضية ‪ -‬أن المة قد أزمعت أن‬
‫ترج نائيا من السلم‪ ..‬ولن تعود‬
‫ولكـن هؤلء وهؤلء كانوا قـد أغفلوا حقيقـة ضخمـة تندرج تتهـا حقائق كثية ل تسـي بسـب‬
‫حساباتم ول تستطيع حساباتم أن تصل إليها لن ال قد جعل على قلوبم أكنة أن يفقهوا وجعل ف‬
‫آذانم وقرا‪.‬‬
‫أغفلوا بادئ ذى بدء أن الذى يدبر ال مر ف هذا الكون العر يض كله ل يس هم ول يس غي هم من‬
‫البشر إنا هو ال!‪.‬‬
‫ب عَلَى َأمْ ِرهِ وََلكِنّ أَ ْكثَ َر النّاسِ ل َيعْلَمُونَ (‪[ })21‬سورة يوسف ‪]12/21‬‬
‫{وَاللّ ُه غَالِ ٌ‬
‫خيَ َرةُ} [سورة القصص ‪]28/68‬‬
‫ختَارُ مَا كَانَ َلهُ ْم الْ ِ‬
‫ك يَخُْل ُق مَا يَشَاءُ َويَ ْ‬
‫{وَ َربّ َ‬
‫{بَدِي عُ ال سّ َموَاتِ وَالَرْ ضِ َوإِذَا قَضَى َأمْرا فَِإنّمَا يَقُولُ لَ هُ كُ نْ َفَيكُو نُ ( ‪ [ })117‬سورة البقرة‬
‫‪]2/117‬‬
‫وال سجانه هو الذى قرر أن يبقى هذا الدين ف الرض إل قيام الساعة على الرغم من كيد العداء‬
‫له‪:‬‬
‫{يُرِيدُو نَ ِليُ ْط ِفئُوا نُورَ اللّ ِه ِبأَ ْفوَا ِههِ ْم وَاللّ ُه ُمتِمّ نُورِ ِه وََلوْ َكرِ َه الْكَاِفرُو نَ (‪ُ )8‬ه َو الّذِي أَرْ سَلَ رَ سُولَهُ‬
‫شرِكُونَ (‪[ })9‬سورة الصف ‪]9-61/8‬‬ ‫بِاْلهُدَى َودِينِ الْحَقّ ِليُ ْظهِ َر ُه عَلَى الدّينِ كُلّهِ وََلوْ َك ِرهَ الْمُ ْ‬
‫وأغفلوا ثانيا أن الناس ف النطقة السلمية قد صحبوا هذا الدين اثن عشر قرنا كاملة قبل أن ييئوا‬
‫هم بسمومهم ليفتنوا الناس عن دينهم وامتزجت به مشاعرهم وأصبح هو حياتم وفكرهم ومبدأهم‬
‫ومعادهم ونبض هم ال طبيعى الذى تن بض به قلوب م فل ع جب أن يرجعوا إل يه ولو غفلوا عنه فترة إن ا‬
‫العجـب – كان – أن يشردوا عنـه ويتجهوا إل غيه والعجـب الكـب – كان – أن يثبتوا على هذا‬
‫الشرود ول يرجعوا إل نبض قلوبم الطبيعى‪.‬‬
‫وأغفلوا – فيما أغفلوا – أن هذا " دين الق "‪ ..‬ل تنطبق عليه كل ترصاتم عن الدين الذى انتهى‬
‫إل غ ي رج عة والذى كان ي ثل مرحلة و سيطة ب ي ال سحر والعلم والذى أخلى مكا نه ب صفة نائ ية‬
‫للتقدم العلمى والضارى والتكنولوجى‪ ..‬ال‪ .‬فكل هذه التخرصات إن انطبقت على دين أوربا الاهلى‬
‫– الذى حرفت فيه الكنيسة ما حرفت وشوهت ما شوهت – فل تنطبق على الدين الق الذى حفظ‬
‫ال أ صوله فم يطرأ علي ها تبد يل ول تر يف والذى يلك الناس ف كل ل ظة أن يرجعوا إل أ صوله‬
‫الصحيحة الحفوظة فيصححوا مسيتم إن أصابا انراف ف أثناء الطريق‪ ..‬دين الفطرة الذى أنزله ال‬
‫ليلتقى تاما مع الفطرة السوية كما أنشأها ال لنه مفصل على قدها بالضبط والذى يصحح انرافات‬
‫الفطرة كلما وقع فيها اختلل‪.‬‬
‫وأنه إن كانت البشرية – ف خارج السلم – قد كفرت وألدت وفسقت عن امر ربا لى سبب‬
‫من السباب – فلم يكن هذا أمرا " بشريا " طبيعيا يفترض أن يتجه البشر كلهم إليه ول أن يثبتوا عليه‬
‫إن اتهوا إليه فترة من الوقت (‪ )1‬ول يكن من التم أن يصيب السلمي بالذات – أصحاب الدين الق‬
‫ـ انرفوا عـن حقيقـة الديـن ف وقـت مـن الوقات‪ .‬فإناـ حدث اللاد فـ العال الذى كانـت‬‫– مهم ا‬
‫الكنيسة تسيطر عليه ل من طبيعة الدين من حيث هو ول من طبيعة ابشر من حيث هم ول لن الدين‬
‫كان له دور تاريى وانتهى ولكن لن الكنيسة قدمت للناس بدل من دين ال دينا آخر ل يصلح للحياة‬
‫ول يسمح لا بالركة والتقدم والنمو ول يسمح للحركة العلمية أن توحد فضل عن أن ترسخ أقدامها‬
‫وتتقدم بين ما العلم ضرورة للكائن البشرى وحا جة مركوزة ف فطر ته ليقوم بعمارة الرض بو صفها‬
‫جزءا من مهمة اللفة الت من أجلها خلق ال النسان (‪.)2‬‬
‫وأيـا كان المـر فقـد جاءت الصـحوة السـلمية فـ موعدهـا القدور عنـد ال‪ ..‬وإن فاجأت مـن‬
‫فاجأت من الناس هنا ومن هناك (‪.)3‬‬
‫‪m m m‬‬

‫() انظر ‪-‬إن شئت ‪ -‬فصل "اللاد" ف كتاب "مذاهب فكرية معاصرة"‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫() ف فصل "الدين والكنيسة" من كتاب "مذاهب فكرية معاصرة"‪ .‬تفصيل لافعلت الكنيسة الوربية‪ ,‬ما أدي إل نفور أوربا من الدين‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫() نتكلم عن الصحوة السلمية ف مصر‪ ,‬لننا آثرنا ‪ -‬كما أشرنا ف الفصل الاضي ‪ -‬أن نتتبع التجربة الصرية من بدء النسلخ عن السلم إل بدء العودة إليه‪ .‬لذلك ل نتكلم عن‬ ‫‪3‬‬
‫حركة ممد بن عبد الوهاب السابقة ف الزمن عن الصحوة الصرية‪ ,‬والت كان لا تأثيها عيلها دون شك‪ ,‬كما ل نتحدث عن حركة الماعة السلمية ف شبه القارة الندية علي يد‬
‫الودودي وغيها من الركات العاصرة‪ ,‬ولكن القارئ ‪ -‬من أي بلد إسلمي ‪ -‬سيجد فيما كتبنا مشابه ما حدث ف بلده‪ ,‬سواء عن الغزو الفكري أو عن الصحوة السلمية‪.‬‬
‫كان الناس – قبل الصحوة السلمية – قد انقسموا – ف عمومهم – إل فريقي متباعدين ل يكاد‬
‫يربط بينهما رابط كأنما أمتان منفصلتان وإن تشابت بينهما الساء‪.‬‬
‫فر يق " التدين ي " الحافظ ي على رأ سه أ صحاب الثقا فة ال سلمية من خري ى الز هر ويش مل‬
‫كذلك كبار ال سن من سكان الدي نة الذ ين حافظوا على تقاليد هم ال سلمية " ف و جه الطوفان وإن‬
‫كانوا قد اعتزلوا الجتمع ناة بأنفسهم من ذلك الطوفان كما يشمل أهل الريف الذى ل تكن قد غزته‬
‫الو جة الكا سحة ب عد ف هو على حاله ال ت كان علي ها م نذ قرون شد يد الحاف ظة على تقاليده – ف‬
‫الصعيد خاصة – ولكن حظه من الوعى ضئيل ف كل اتاه " والدين " عنده ل يعدو أن يكون مشايخ‬
‫وأضرحة وكرامات وأولياس‪ ..‬و " تقاليد "‪.‬‬
‫وفريق اته إل الضارة الغربية على أنا طريق اللص من كل ما أصاب العال السلمى من أمراض‬
‫وعلى رأسـها التخلف الضارى الذى اعتـبوه عقدة العقـد وعلة العلل وهـو الذى يتاج إل العلج‬
‫العاجل وعلجه عندهم هو أخذ الضارة الغربية بيها وشرها ‪ -‬إن كان فيها شرا ل مالة من ذلك‬
‫ك ما قال طه ح سي وإن كان هذا الفر يق قد انق سم إل ق سمي تاه " الد ين " أحدها يرى نبذة كليه‬
‫كما نبذته أوربا لنه هو سبب التخلف وسبب المراض كلها والخر يرى أنه ل بأس من بقائه على‬
‫أن " يلزم مكا نه " ل يتجاوزه‪ .‬ومكا نه هو أن يكون عل قة خاصة ب ي الع بد والرب مل ها القلب ول‬
‫شأ نه ل ا بوا قع الياة‪ ..‬فلي كن " الد ين " اعتقادا ف ال واليوم ال خر ولي كن شعائر تعبد ية (‪ )1‬ول كن‬
‫لينبغـى له أن يزيـد على ذلك وليـس له أن يتدخـل فـ شـئ مـن أمور الياة السـياسية والقتصـادية‬
‫والجتماعية ول علقة له عموما بالمور " التطورة " وف مقدمتها قضية الرأة فهذه كلها تستمد من‬
‫الضارة الغربية وتستورد من هناك!‪.‬‬
‫القريق الول‪ :‬يمل تراث ما يزيد عن ثلثة عشر قرنا ويعتز به ويافظ عليه ولكنه ل يدرك على‬
‫وجه التحديد أى شئ من هذا التراث هو من حقيقة هذا الدين وأية قد وفد عليه من خارجه أو انراف‬
‫عن طريقه الصحيح‪ .‬ث هو يزداد اعتزازا بذا التراث واحتضانا له وتسكا به كلما أحس بتوغل التيار‬
‫الغرب ف حياة المة‪ .‬ويس – بالفطرة – أن هذا التيار موجه ضد دينه وأخلقه وتقاليده فيفضه كله‬
‫وينظر إليه نظرة الذر والتوجس وياول قدر استطاعته أل يسه من دنسه شئ‪.‬‬
‫والفر يق ال خر بق سميه النا فر من الد ين كل ية أو الذى يرى ح صره ف نطا قه الوجدا ن والتعبدى‬
‫وعزله عن بقية الياة هو الفر يق الذى تشرب ال سم الذى ب ثه الغزو الفكرى ف نفوس‪ :‬الثقف ي " كل‬

‫() ل يكن كثي منهم يؤؤدي الشعائر التعبدية‪ ,‬إنا كانوا يعتبون ذلك جائزا لن أراد!!‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫بقدر ما عب من هذا السم وكل بقدر ما استراح للقدر الذى تشربه من السموم‪.‬‬
‫وعملء الغزو الفكر ف الداخل والخططون له من الارج يدون لذا الفريق ف الغى ليدفعوه دفعة‬
‫جديدة بعيدا عن السلم ويستخدمون ف ذلك كل وسيلة ويتخذون من موقف الفريق الول ذاته مادة‬
‫للتنفي من الدين وتشويه صورته ف نفوس الناس‪.‬‬
‫هـل تريدون الديـن‪.‬؟ انظروا إل هؤلء الشايـخ انظروا إل تزمتهـم وتعصـبهم وضيـق أفقهـم وقلة‬
‫وعيهم وقلة خبتم با يرى ف الدنيا من حولن‪ ..‬إنم يعيشون بعقلية " القرون الوسطى " ويريدون‬
‫أن يكموا على الا ضر " التطور " بعقليت هم التأخرة تلك‪ ..‬وأ ن لعجلة التطور أن تتو قف من أجل هم؟‬
‫بل ستمضى ف طريقها وتسحقهم سحقا‪.‬‬
‫و قد كان ف مو قف هذا الفر يق ما يعي به ح قا – ر غم طيب ته وإخل صه – و ما يعله مادة ي ستغلها‬
‫شياطي الفريق الخر لتنفي الناس من الدين‪.‬‬
‫فم ي كن تق ي الرأة وإزدراء دور ها ف الياة ور فض تعليم ها وتثقفي ها م ا أ مر به ال سلم أو م ا‬
‫يرضى عنه السلم و هو الذى فرض العلم على كل مسلم ووجه الناس جيعا – رجال ونساء – أن‬
‫يتدبروا أمور الكون من حولم وأن يكون لم موقف واع ما يعرض لم من أحداث‪.‬‬
‫ول يكن رفض العطيات الصالة ف الضارة الغربية كالعلم والتقدم الادى واستخدام اللة لتحمل‬
‫عن النسان عبء الهد البدن الشاق وتنظيم الياة وترتيبها والدراسة العملية للمشاكل وللحلول‪ ..‬ل‬
‫ي كن ر فض ذلك كله متمش يا مع روح ال سلم القيق ية ول متمش يا مع ن ج الجيال الول أف ضل‬
‫أجيال السلم وأعلمها بقيقة هذا الدين‪.‬‬
‫ول يكن الوقوف عند قضايا القرن الامس الجرى – على أحسن تقدير – كأن ل تض قرون بعد‬
‫ذلك ول تغي ف حياة الناس شئ‪ ..‬ل يكن ذلك تشيا مع روح السلم الدافعة النامية على الدوام الت‬
‫تستوعب ما يد ف حياة الناس نتيجة زيادة معرفتهم بالكون النادى وزيادة قدرة النسان على تسخي‬
‫هذه العرفة ف عمارة الرض أمر ل يأباه السلم لنه داخل ف الهمة الت خلق ال النسان من اجلها‬
‫وهى تعمي الرض بقتضى النهج الربان‪ .‬بل السلم يأمر به أمرا ويوجه إليه توجيها صريا‪:‬‬
‫ْهـ النّشُورُ (‪})15‬‬
‫ِهـ َوإِلَي ِ‬
‫ِنـ ِرزْق ِ‬
‫ْضـ ذَلُولً فَامْشُوا فِي َمنَا ِكبِهَا وَ ُكلُوا م ْ‬
‫ُمـ الَر َ‬
‫{ ُهوَ الّذِي َجعَلَ َلك ْ‬
‫[سورة اللك ‪]67/15‬‬
‫{ َوسَخّرَ َلكُمْ مَا فِي السّ َموَاتِ َومَا فِي الَ ْرضِ جَمِيعا مِنْهُ} [سورة الاثية ‪]45/13‬‬
‫ُهوَ أَنشَأَكُ ْم مِ ْن الَ ْرضِ وَا ْسَتعْمَرَكُمْ فِيهَا} [سورة هود ‪]11/61‬‬
‫ول ي كن النزواء عن حر كة العال الوارة وح صر منا هج التفك ي ف القوالب الورو ثة من أجيال‬
‫فضل عن كون قضايا التفكي ذاتا هى الوروثة من تلك الجيال‪ ..‬ل يكن ذلك ما يأمر به السلم أو‬
‫يرضى عنه‪ ..‬صحيح أن ف حركة العال الوارة كثيا من السوء ف حكم السلم وهذا السوء يفد إل‬
‫العال السلمى ف موجات متلحقة كالطوفان‪ ..‬ولكن الوقف الصحيح عندئذ هو بناء السفينة الصالة‬
‫وعبور الطوفان با حت تصل إل بر المان وليس النزواء على البل الذى ل يعصم من الاء‪.‬‬
‫ل قد كان الطوفان الذى تور به الياة ف الغرب وت فد موجا ته التلح قة إل العال ال سلمى ف‬
‫حا جة إل رؤ ية إ سلمية صحيحة عمي قة تش خص الداء وتقدم الدواء وتر شد التائه ي وتدل م على‬
‫السلك الصحيح‪ ..‬أما العتصام بالاضى ونفض اليد من الاضر‪ ..‬فلم تكن له نتيجة عملية إل الغرق‬
‫ف الطوفان‪..‬‬
‫ول شك عندنا ف إخلص هذا الفريق من التديني‪ ..‬ولكن الخلص وحده ل يكفى بل لبد معه‬
‫من البصية‪:‬‬
‫{قُ ْل هَذِ هِ َسبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّ ِه عَلَى بَ صِ َيةٍ أَنَا َومَ ْن اّتبَعَنِي وَ ُسبْحَانَ اللّ هِ وَمَا أَنَا مِ ْن الْمُشْرِكِيَ (‬
‫‪[ })108‬سورة يوسف ‪]12/108‬‬
‫ل قد كانوا يملون التراث ال سلمى – ب ا يتو يه من انرافات ال سلمي خلل القرون ويعتزون به‬
‫على أنه هو " السلم " وكانوا يدركون جيدا أن موجة التغريب الكاسحة تتجه إل هذا التراث لتفتك‬
‫به وتق ضى عل يه فيحتضو نه أك ثر ليحموه من الجوم الو جه إل يه ولكن هم كانوا – بالت هم ال ت كانوا‬
‫علي ها – عاجز ين عن ت صحيح هذا التراث وتنقي ته م ا أل به من أمراض وانرافات‪ ..‬ول ي كن هو –‬
‫بالته الت كان عليها – قادرا على الياة (‪.)1‬‬
‫لذلك ل ي كن لذا الفر يق ذا ته قدرة على المتداد في ما يل يه من أجيال‪ ..‬إن ا كان يتذاوب ويتضاءل‬
‫على الدوام إما بالعزلة وإما بالوت‪ ..‬ويلى السبيل لوجة التغريب الكاسحة تتسع على الدوام‬
‫وكان الخططون ف سرور بالغ – ول شك – بذه الال‪.‬‬
‫فحيـ يتذاوب هذا الفريـق ويتضاءل تنداح الوجـة بل حواجـز وتزول العقبات كلهـا مـن طريـق‬
‫التغريب‪ .‬ول تبقى إل مشكلة التديني ف الريف – وف الصعيد خاصة – وهذه الشكلة – على الدى‬
‫– لا حلول‬
‫فحلها – كما طلب الكاتب اليهودى المريكى " مرو برجر “ ‪ Morroe Berger‬ف كتابه "‬
‫() ليس القصود هنا هو التراثث بعناه العلمي الصطلحي‪ ,‬إنا هو الياث التاريي للمسلمي‪ ,‬وهذا كان ف حاجة إل تنقية جذذرية‪ ,‬لا دخله ف خلل الجيال الخية خاصة من‬ ‫‪1‬‬
‫انرافات (انظر فصل "خط النراف")‪.‬‬
‫العال العر ب اليوم “ ‪ )1( The Arab world Today‬أن ت صب الدي نة خل صة ح صيلتها " ف‬
‫الر يف لطاردة بقا يا ال سلم هناك سواء كا نت خل صة ح صيلتها الضار ية هى ال سينما الداعرة أو‬
‫الذاعة الداعرة أو الصحافة الداعرة (وذلك قبل وصول البامج التليفزيونية الداعرة) (‪.)2‬‬
‫على أن الريف – وإن كان مطلوبا إفساده ف النهاية لكى ل يرسل إل الدينة أفرادا متديني يتاجون‬
‫إل جهد لفسادهم ولكى ل يد السلم له " مأوى " ف أى بقعة من الرض (‪ – )3‬فإنه ل يثل خطرا‬
‫عاجل ل نه " متخلف " بطب عه و من ث ف هو ل يس م صدرا " للعدوى " أى أ نه من ال ستحيل على أ هل‬
‫الدينة الذين " ترروا " و " تضروا " و " تطورا " أن يقلدوا أهل الريف ف شئ أصل ل ف عقائدهم‬
‫ول ف أفكارهم ول ف أناط سلوكهم‪ .‬ومن ث فإن الدين – وإن كان الطلوب موه من الريف على‬
‫الدى الطويل – ل يكن أن ينتقل من الريف إل الدينة بصورة تؤثر ف سي الريف على الدى الطويل –‬
‫ل يكن أن ينت قل من الر يف إل الدينة بصورة تؤ ثر ف سي الحداث في ها فترد ها إل التدين ب عد أن‬
‫انسلخت منه‪ .‬أما الفراد التدينون الذين يأتون من الريف يملون معهم جراثيم " التخلف " فسرعان ما‬
‫يذوبون ف الدينة و " يتطهرون " من تلفهم أو ينوون ف ركن منها مع الستضعفي من النوين‪.‬‬
‫وبذا يكون " الد ين‪ :‬قد ان صر ف " التخلف ي " سواء كان أولئك التخلفون هم " الشا يخ " من‬
‫أ هل الدي نة " ذوى العقول التحجرة لتعف نة الرجع ية (‪ )4‬أو هم أ هل الر يف ال سذج الهلء الذ ين ل‬
‫ي ب أ حد لنف سه أن يكون من هم‪ ..‬وكان هذا ول شك نا حا للمخطط ي والوجه ي الذ ين كانوا قد‬
‫بثوا من قبل ف أذهان " الثقفي " أن الدين تلف أو أنه هو التخلف بعينه‪ ..‬فإذا انصر الدين بالفعل ف‬
‫" التخلفي " الذين يشهد الناس تلفهم فهذا مصداق القول وأصبح سلخ " الثقفي " من دينهم أيسر‬
‫– إن كان قد بقى لم دين ويكفى أن يقال للمرء " الثقف " أتريد أن تكون كالتخلفي من الشايخ أ‬
‫من أهل الريف حت ينسلخ من فوره لينفى عن نفسه تلك التهمة الكريهة البغيضة‪ :‬تمة التخلف (‪!)5‬‬
‫() سبقت الشارة إليه‪ .‬وهذذا الكتاب ل ينل ف اعتقادي حظه من الدراسة الادة‪ ,‬مع أنه يلقي كثيا من الضوء ل مططات العداء لحاربة السلم‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫() عن جال عبد الناصر عناية خاصة بإيصال "خلصة الصيلة الضارية" إل الريف‪ .‬ومن بي هذذه العناية تررتييب رحلت للريفييي والريفيات إل الشواطئ العارية ببلغ رمزيي‬ ‫‪2‬‬
‫زهيد ل يتجاوز جنيها ونصف جنيه لفترد أسبوعي كاملي‪ ,‬تشمل نفقات السفر والقامة‪ ....‬حت تري الريفيات مناظر العري الدنس‪ ,‬ويذهب ما ف نفوسهن من الياء الفطري‪,‬‬
‫وتنتهي "الشكلة"‪.‬‬
‫() ل يطلب "مرو برجر" بصب خلصة الصيلة الضارية علي الريف فقط‪ ,‬ولكن علي البادية كذلك ف البلد الت فيها بادية‪ ,‬بعد أن قرر ‪ -‬بوضوح ‪ -‬أن السلم قد ضعف ف‬ ‫‪3‬‬
‫"الدينة الصنعة الهلة بالسكان" وما زال قويا ف الريف والبادية!‪.‬‬
‫()هكذا كان "الشايخ" دائما يوصفون بعد أن فعل بم مطط "دنلوب" ما فعل‪ ...‬وبعد أن انزووا أما تيار التغريب الذي سيي "تيار الضارة"‪ ...‬وكانوا بالفعل ل يثلون تيارا حيا‬ ‫‪4‬‬
‫ل عن الستقبل‪.‬‬
‫قادرا علي توجيه الاضر فض ً‬
‫() علي أحد الشواطئ أرادت فتاة أن يصورها الصورجالسة علي رمال الشاطئ بلباس البحر‪ ,‬وكانت ‪ -‬علي عريها ‪ -‬ما تزال تمل شيئا من بقايا الياء الفطري‪ ,‬ولكن هذا الوضع‬ ‫‪5‬‬
‫"الحتشم!!" ل يعجب الصور فطلب منها أن تلس ف وضع أكثثر تبذلً‪ ,‬فأبت‪ ....‬فقال لا ‪ -‬ليستفزها ‪ -‬هل أنت فلحة أم ماذا؟! وف الال كانت الفتاة علي الوضع الطلوب‪...‬‬
‫لتنفي عن نفسها التهمة الكريهة البغيضة‪ ...‬تمة التخلف!‪.‬‬
‫وف كل يوم تد منسلخي جدد ا يبتلعهم تيار التغريب وتصبح الوجة النسلخة هى الغلبة وهى الت‬
‫تقرر صورة الجتمع وتقرر – ف حس أصحابا – مصية كذلك‪.‬‬
‫فرجال السياسة البارزون الذين يصولون ويولون وتلتف حولم الماهي سواء أكانوا ف الكم‬
‫أم كانوا من العارضي كلهم من العلمانيي الذين تنص لوائح أحزابم نصا صريا على عدم " الوض "‬
‫ف المور الدينية‪.‬‬
‫ورجال الف كر والدب البارزون الذ ين تن شر ل م ال صحف والجلت آراء هم وكتابات م ومعارك هم‬
‫الفكر ية والدب ية وتتلقف ها الماه ي هم كذلك من العلماني ي الذ ين أبعدوا الد ين إبعادا من فكر هم‬
‫وانتاجهم إل أن يسخروا به بي الي والي بقد ما كانت تسنح الفرصة ف ذلك الي‪.‬‬
‫ورجال القت صاد البارزون الذ ين يقتحمون اليدان القت صادى " الوطنـ " وتش ي الصـحف إلي هم‬
‫وتتبع أخبارهم وتثي إعجاب الماهي بم هم من العلمانيي الذين أباحوا الربا وقرروه أصل ثابتا من‬
‫أصول " القتصاد الديث " التطور ومن أصول " القوة القتصادية " الت ينبغى أن نصل عليها لنتحرر‬
‫من قبضة العداء‪.‬‬
‫ورجال الفن – ونساؤه – الذين يقومون بدور الترويح و " الترفيه " عن الماهي كلهم – بطبيعة‬
‫الال – من الذ ين انلت أخلق هم من ق بل فكان النلل ذا ته هو الؤهل الذى يؤهل هم لدخول عال‬
‫الفـن وهؤلء قـد جعلت منهـم الصـحافة " نومـا " و " أبطال " يسـعى الولد والبنات إل تقليدهـم‬
‫والتشبه بم ول يكف الجتمع عن التطلع إليهم والشادة بم والتحدث عنهم والهتمام بشأنم‪ ..‬بل‬
‫أصبحوا هم الطبقة الرموقة الت تظى بالحترام وتظى بالتقدير‪.‬‬
‫فأى شئ بقى ف حياة الناس ل تشكله أيدى النسلخي من الدين الداعي إل التغريب تت عنوان‬
‫من العناوين‪.‬‬
‫و ف هذا ال و والناس – بفريقي هم – على هذه ال صورة‪ ..‬قا مت ال صحوة ال سلمية – مفاجئة ف‬
‫جيع التاهات لا كانت عليه حياة الناس‪ ..‬فكانت منعطفا حادا ف الطريق‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫كا نت الفاجأة الول أن الذ ين يملون الدعوى إل ال سلم ف هذه الرة هم " الفند ية " ولي سوا‬
‫" الشايخ "‪.‬‬
‫وكا نت هذه كذلك هى الطا مة ال كبى‪ .‬فحين ما ن ح الخططون ف ح صر " الد ين " ف الشا يخ‬
‫وسلخ " الفندية " منه كان ذلك ف حسهم نصرا مؤزرا لنم بذلك قد حصروه ف العنصر التخلف‬
‫النقرض الذى ليس له امتداد‪ ..‬أما اليوم فماذا يفعلون " بالفندية " حي يملون الدين‪.‬‬
‫لقد كان " الفندية " هم حلة التغريب وهم ف الوقت ذاته الداة الت يستخدمها الخططون لر‬
‫ال مة كل ها إل العبود ية للغرب والن سلخ من ال سلم باعبتار هم حلة الثقا فة وحلة العلم وحلة‬
‫الضارة وحلة الرقى وحلة الوعى وعنوان التقدم‪.‬‬
‫وقد كان تغيي الزى ف ذاته مقصودا لمر يراد‪..‬‬
‫فقد كان مع الزى " الوجهة "‪..‬‬
‫أى أن الذى يرتدى زى الغرب يتجه ف الوقت ذاته إل الكان الذى استورد الزى منه فيستورد منه‬
‫أفكاره وتقاليده وأناط سلوكه ونظم حياته‪ ..‬السياسية والقتصادية والجتماعية‪ ..‬وف كل اتاه‪.‬‬
‫وكان تقسيم المة إل فريقي متميزين ل رابط بينهما مقصودا كذلك لمر يراد‪..‬‬
‫فالشايخ يتجهون إل الشرق‪ ..‬إل السلم‪ ..‬ويضفى عليهم من صفات المود والرجعية والتخلف‬
‫ما ينفر " اليل " منهم ويبعدهم عن أن يكونوا قدوة لى مقتد (‪ .)1‬و " الفندية " يتجهون إل الغرب‪.‬‬
‫إل أوربا‪ ..‬وينسلخون من السلم ويضفى عليهم من صفات التقدم والرقى وسعة الفق وعمق الدراك‬
‫ومسايرة ركب الضارة ما يعلهم القدوة لن أراد القتداء (‪....)2‬‬
‫لذلك كان تغيي الزى يمل معه بالفعل تغيي التاه‪..‬‬
‫فاليوم تأ تى الفاجأة من أن الذ ين غ ي ل م زي هم ليغيوا وجهت هم هم أنف سهم – بزي هم – الذ ين‬
‫يعودون إل السلم ويملون الدعوة إليه‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫وكا نت الفاجأة الثان ية أن دعاة ال سلم الدد من " الفند ية " ل يقفون مو قف " المود " من "‬
‫الضارة الغرب ية " فيفضو ها جلة ويأبوا أن يأخذوا أى شئ من ها بل إن م يعلنون إن في ها أشياء ناف عة‬
‫ينب غى أخذ ها وال ستفادة من ها كالتقدم العل مى والتقدم التكنولو جى والروح العمل ية وعبقر ية التنظ يم‬
‫وفي ها أشياء ضارة ل ينب غى للم سلم أن ي قع في ها كاللاد والك فر والف كر الادى الذى ين كر وجود‬
‫الالق سبحانه أو ين كر تدبيه ل كل شئون الكون والف ساد الل قى الذر يع الذى يه بط بالن سان إل‬
‫(‪)3‬‬
‫وآل ية الياة ال ت تن فى الشا عر الوجدان ية وتبعد ها عن مال " الياة‬ ‫الدرك اليوا ن بل أ سفل م نه‬

‫() وكان ف موقفهم الذات ‪ -‬كما أسلفنا بيانه ‪ -‬ما يساع العداء علي إضفاء هذه الصقات عليهم‪ ,‬وما يصدّق هذه الصفات‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫() وكان لم من قشور الثقافة ومظاهر الضارة الادية ما يساعد العداء علي إضفاء هذه الصفات عليهم بيث تبدو كأنا حقيقة‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫ضلّ} [سورة العراف ‪.]7/179‬‬
‫ك كَالَْنعَامِ َبلْ هُ ْم أَ َ‬
‫() يقول تعال عن أمثالم‪ُ { :‬أوْلَِئ َ‬ ‫‪3‬‬
‫العملية " والفردية النانية التت تقطع الروابط السرية والروابط النسانية‪ ..‬وفيها إل جانب هذه وتلك‬
‫نظم سياسية واجتماعية واقتصادية يتلط فيها الي والشر فأما الشر فينبغى نبذه ل مالة وأما الي –‬
‫أى ما كان موافقا للسلم – فينبغى أخذه من مصدره الربان النل من عند ال‪..‬‬
‫ول تكن هذه الفاجأة أخف وقعا على الخططي من الول‪..‬‬
‫فك ما كان زى الشا يخ – الذى نفروا م نه ال يل الد يد ب كل و سائل التنف ي – سلحا ف أيدي هم‬
‫يسـتخدمونه لرب السـلم فسـقط مـن أيديهـم حيـ صـار " الفنديـة هـم حلة الدعوة الديدة إل‬
‫السلم‪.‬‬
‫كذلك كان موقـف الرفـض البات الذى يقفـه الشايـخ مـن الضارة الغربيـة سـلحا فـ أيديهـم‬
‫يستخدمونه ف حرب السلم إذ يصفون تلك الضارة بكل طيب من النعوت ويصورونا على أنها‬
‫هى العلج لكل مرض ولكل مريض ث يقولون إن الشايخ يرفضونا جلة وتفصيل فيظل الشايخ ف‬
‫موقف اللوم وتظل الضارة الغربية ف القام الذى يتطلع الناس إليه‪ ..‬فجاءت الدعوى الديدة على يد‬
‫الفند ية لت سقط هذا ال سلح أي ضا من أيدي هم لن الدعوى الديدة ل تر فض تلك الضارة جلة بل‬
‫تنادى بأخذ النافع منها ورفض الشر الذى يتفق كل عاقل على أنه شر‪.‬‬
‫ك ما كان نقد الضارة الغربية على هذا الن حو من قبل الدعوى الديدة مو ضع ال نق الشديد من‬
‫الخططي وأتباعهم معا ف ذات الوقت‪ .‬فقد كان أوحى إل " الثقفي " كما أسلفنا ف الفصل السابق‬
‫أن الضارة الغربيـة كتلة واحدة وحزمـة واحدة ل يكـن فكهـا ول تزئتهـا وكانـت تلك دعوى باطلة‬
‫بطبيعـة الال فقـد تكررت عمليـة " النتقاء " مـن الضارات عدة مرات فـ التاريـخ‪ .‬مرة على يـد‬
‫ال سلمي الوائل إذ انتقوا من الضارة الاهل ية – الفار سية والبيزنط ية – ما وجدوه صالا ل م ونبذوا‬
‫سائرها فلم يقربوه! ومرة على يد أور با إذا أخذت من الضارة ال سلمية الن هج التجر يب ف الب حث‬
‫العل مى ك ما أخذت التقدم العل مى ف الفيزياء والكيمياء وال طب والفلك والرياضيات وا ستفادت من‬
‫خبتم البحرية وخرائطهم ومعلوماتم الغرافية ف كشف ما كان الوربيون يهلونه من بلد العال بدءا‬
‫بطر يق رأس الرجاء ال صال ث انتشار ف الرض ب عد ذلك وتأثرت بكث ي من فنون العمارة والو سائل‬
‫الضارية الت كان السلمون يلكونا ف الندلس والشمال الفريقى وبلد الشرق السلمى‪ ..‬ولكنها‬
‫رفضت أن تأخذ الساس الذى قامت عليه تلك الضارة كلها وهو السلم‪ .‬وتكررت عملية النتقاء‬
‫مرة ثالثة ف العصر الديث على يد اليابان كما سبقت الشارة من قبل‪ ..‬وما تزال قابلة للتكرار ما شاء‬
‫قدر ال لا أن تتكرر ف الاضر والستقبل‪.‬‬
‫نعم‪ ..‬كانت الدعوى باطلة ولكنها كانت تبث عن قصد من الخططي لمر يراد‪ ..‬خشية أن يتجه‬
‫السـلمون فـ ماولتهـم للنهوض إل أخـذ إيابيات هذه الضارة ونقـط القوة فيهـا ول يأخذوا اللاد‬
‫والفساد اللقى فتكون الطاقة الت يعانون الشئ الكثي منها على يد اليابان ولكنها على يد السلمي‬
‫أشد! (‪ )1‬لذلك قال قائلهم‪ :‬لبد لنا من أخذ الضارة الغربية بيها وبشرها وحلوها ومرها ل مالة من‬
‫ذلك!‬
‫فاليوم تئـ الصـحوة السـلمية على يـد " الفنديـة " فتحدث موقفـا شديـد الغاظـة للمخططيـ‬
‫وأتباع هم على ال سواء‪ .‬فك ما أن دعوت ا ل خذ النا فع من الضارة الغرب ية ي سقط عن ها ت مة الرجع ية‬
‫والمود الذى كانوا يسـمون بـه الشايـخ فتيلبـس بمـ فكذلك دعوتاـ " للنتقاء " مـن هذه الضارة‬
‫وعدم أ خذ ما هى غار قة ف يه من الف ساد الل قى والنتكاس النف سى والن سان يف سد هد فا ها ما من‬
‫أهداف حلة التغر يب و هو ن شر الف ساد واللاد – ت ت عنوا نن الضارة والر قى والتقدم ‪ -‬لذا بة ما‬
‫بقىمن كيان هذه المة وتويلها إل " غثاء كغثاء اسيل " ل جذور له ول انتماء فيتبدد ف التيار‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫وكانـت الفاجأة الثالثـة أن الدعاة الدد جاءوا يقولون للناس‪ :‬إن مـا أصـاب السـلمي مـن التخلف‬
‫والمود والضعـف والتأخـر فـ جيـع الياديـن ل يكـن سـببه السـلم‪ ..‬إناـ سـببه البعـد عـن السـلم‬
‫والنراف عن صورته ال صحيحة‪ .‬وأن ال صورة القيق ية لل سلم ينب غى أن تؤ خذ من م صادره الصافية‬
‫الول‪ :‬كتاب ال و سنة ر سوله‪ e‬وحياة ال سلف ال صال الذ ين طبقوا هذا ال سلم أول مرة ف وا قع‬
‫الرض فكانوا عجبا ف التاريخ وكانوا { َخيْرَ ُأ ّمةٍ أُخْرِ َجتْ لِلنّاسِ} [سورة آل عمران ‪.]3/110‬‬
‫لقد كان الخططون وأذنابم قد بثوا ف روع " الثقفي " أن السلم هكذا‪.‬‬
‫جود ورجعيـة وتلف وعجـز عـن النهوض والتقدم بـل مانـع مـن النهوض والتقدم وأن مـا حـل‬
‫بالسلمي هو النتيجة الطبيعية لكونم مسلمي! وأنه ل طريق لم لعلج ما هم فيه من التخلف والضعف‬
‫والفقر والهل والرض إل أن ينبذوا الدين كما فعلت أوربا من قبل فإنا ل تتقدم إل حي حطمت "‬
‫الغلل " الت كانت تعوقها عن التقدم أغلل " الدين " وما حوله من أخلقيات وتصورات وتقاليد‪..‬‬
‫فاليوم يث ي الدعاة الدد قضا يا مغايرة تا ما‪ ..‬يفرقون في ها ب ي ال سلم ف صورته ال صحيحة وب ي‬
‫الواقع النحرف الذى يعيشه السلمون باسم السلم كما يفرقون بي الدين الذى انسلخت منه أوربا‬
‫() كانت معاناتم من اليابان أنا صارت تنافسهم ف أسواقهم وتضايقهم فيها‪ ,‬أما مصيبتهم من السلمي إذا استردوا كيانم الفقود فهي ضياع مواردهم الامة الت يشرقونا من‬ ‫‪1‬‬
‫ل عن أمور أخري يعرفها الغرب جيدا ول يدركها السلمون أنفسهم ف غفلتهم‬ ‫السلمي‪ ,‬وضياع سيطرتم السياسية الت يارسونا بسحق السلمي وإخضاعهم لننفوذهم‪ ...‬فض ً‬
‫واستضعافهم‪..‬‬
‫والدين الذى نزل من عند ال وتكفل ال بفظ أصوله من التحريف فبقيت على صورتا النلة وأصبح‬
‫الرجوع إلي ها مك نا ف كل ل ظة ويفرقون ب ي الكو مة الثيوقراط ية ال ت قا مت ف أور با ف قرون ا‬
‫الوسطى الظلمة الت كان يكم فيها " رجال الدين " با شاءت لم أهواؤهم من الهالت والفاسد‬
‫والكومة السلمية الت يكم فيها من يتاره السلمون لكمهم ولكنه يتقيد ف حكمه با أنزل ال‬
‫وأ نه ل يس ف ال سلم " رجال د ين " يكمون أو يشرعون للناس ب ا يشاءون إن ا ف يه " علماء " و "‬
‫فقهاء " ل يلبسـون مسـوحا خاصـة ول يشكلون طبقـة وليـس لمـ سـلطان ول حصـانة سـياسية أو‬
‫اجتماعيـة أو اقتصـادية ويلك أى إنسـان أوتـى قدرا صـالا مـن العلم أن يناقشهـم ويادلمـ ويطـئ‬
‫اجتهاد هم إن كان دليله أقوى من دليل هم! وإن ال سلم د ين " مفتوح " أمام كل معتنق يه يلكون أن‬
‫يتفقهوا فيه بقدر ما توصلهم مداركهم وليس حكرا على طبقة من الكهنوت تتكر نصوصه وتتكر‬
‫تفسيه وتتكر حق تبديله وتغييه حي تشاء!‬
‫وحقيقة إن الذى يقول " الفندية " حلة الدعوى الديدة ل يكن كله جديدا‪ ..‬فقد كان الشايخ من‬
‫قبل يقولون شبيها به من بعض نواحيه فحقائق السلم واحدة والديث عنها لبد أن يتلقى ف بعض‬
‫جوانبه‪ .‬ولكن أحدا ل يكن يأبه لا يقول الشايخ –‪ -‬ل الخططون ول أتباعهم لملة أسباب‪:‬‬
‫فهو أول كلم صادر عن الشايخ‪ ..‬وهم ف ضياعهم الذى هم فيه! فيضيع معهم كلمهم مهما يكن‬
‫فيه من الق!‬
‫و هو ثان يا كلم‪ ..‬لي ست وراءه حر كة و من ث يوت ح يث هو‪ ..‬على أل سنة قائل ية أو ف آذان‬
‫سامعيه ‪ -‬إن سعه أحدا! لن أصحابه ل يتحركون به‪ ..‬ل يولونه إل " دعوة " ل يمعون أحدا حوله‬
‫ليعتنقه ويؤمن به ويعل تقيقه غاية يعيش من أجلها ويتحمل ما يتحمل ف سبيلها‪.‬‬
‫ث هو فضل عن ذلك كلم مصبوب ف قوالب جافة هى القوالب الت كانت العقيدة قد صبت فيها‬
‫م نذ قرون طويلة ذهن ية تريد ية ل تا طب الوجدان ول تر كه ول ت ساير عقل ية الذ ين يو جه إلي هم‬
‫الطاب ف الوقت الاضر ومن ث فهى مرفوضة ابتداء من " الثقفي " خاصة ل تثل بالنسبة إليهم زادا‬
‫فكريا يعيشون عليه ول زادا روحيا يبعث ما ضمر من أرواحهم ف موجة التغريب العاتية‪.‬‬
‫أما على يد الدعاة الدد من الفندية فقد أحس الخاطبون كأنا يتعرفون على السلم من جديد‪..‬‬
‫والسلم هو السلم‪ .‬حقائقه ثابتة ل تتغي‪ .‬ولكن طريقة تناولن وطريقة تعريف الناس به تتلف من‬
‫ع صر إل ع صر ح سب أحوال الناس ف كل ع صر وثقافات م واهتمامات م ومشكلت م وانرافات م‬
‫وأمراضهـم كذلك‪ .‬وقـد كانـت القوالب الذهنيـة التجريديـة " حالة " ألتـ بالناس فـ عصـر معيـ‬
‫فا ستساغوا يومئذ أن يقدم ال سلم إلي هم ف هذه ال صورة ولكن ها ل ت كن ال صورة الثلى ول ال صورة‬
‫ال صالة ل كل زمان لناـ ل ت سي على الن هج القرآ ن الذى أنزله ال للناس كا فة وللع صور كا فة‪..‬‬
‫يغترفون م نه ف كل ج يل ما ينا سب أحوال م واهتمامات م ومشكلت م‪ ..‬فيل ب حاجات م ف كل مرة‬
‫ويعطيهم بقدر ما تتفتح قلوبم وعقولم‪ ..‬ولكنه ل يف ول يتقولب – كما حدث ف عصر معي إل‬
‫أن يصـيب الناس ركود وجود وكان " الشايـخ " يملونـه معهـم ويسـبون أنـه هـو الصـورة الثلى‬
‫للسلم‪.‬‬
‫أما الدعاة الدد فقد عادوا به إل النهج القرآن فأذابوا ما كان قد علق به ف ذلك العصر السحيق‬
‫ـ ومـن هنـا أحـس الخاطبون كأناـ‬
‫مـن جفاف وتقولب حلتـه الجيال التتابعـة فـ ركودهـا وجوده ا‬
‫يتعرفون على السـلم مـن جديـد فأقبلوا عليـه مـن شاء ال منهـم – بقلوب متفتحـة وعقول متفتحـة‬
‫متعطشة للمزيد‪.‬‬
‫وأهم من ذلك – وهو الطر الكب ف نظر العداء أنه " حركة " فهو ليس " كلما " ف القراطيس‬
‫وإنا هو " إيان " ف القلوب فتتحرك به حركة ملموسة ف عال الواقع وتتخذ موقفا مددا من كل شئ‬
‫حولا وتصوغ سلوكها العملى على مقتضاه‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫وكانـت الفاجأة الرابعـة هـى انتشار الدعوة انتشارا " ذريعـا " فـ صـفوف الثقفيـ مـن الطباء‬
‫والهندسـي والعلميـ والحاميـ وغيهـم مـن ذوى الثقافات الديثـة ومـن طلب الامعـة فـ شتـ‬
‫التخصصات!‬
‫ولقد كان الظن أن هؤلء ل يعودون أبدا ول تستهويهم مثل هذه الدعوة أبدا!!‬
‫لقد ربوا على أن يصموا آذانم ويغلقوا قلوبم وأذهانم عن أى شئ يذكر فيه " الدين "‪ ..‬فضل‬
‫عن أن يكون الدين هو النطلق الذى ينطلق منه والرتكز الذى يرتكز عليه!‬
‫ربوا على أن الد ين أ مر من أمور الا ضى وأن م هم ي ستشرفون للم ستقبل! وأن الد ين " غ يبيات "‬
‫وهم يعيشون ف " الواقع "! وأن الدين مزوج بالرافة وهم يعيشون عصر العلم!‬
‫فما بالم يعودون إل كل ما نوا عنه وكل ما بذل الهد الهيد لبعادهم عنه! جهد استخدمت فيه‬
‫مئات الكتـب وألوف القالت وألوف الدروس العلمانيـة " وألوف الفتيات التـبجات فـ الطريـق‬
‫وألوف الراقص والانات ودور اللهو ودور الفجور؟!‬
‫‪m m m‬‬
‫ل قد كا نت كل ها مفاجآت حادة وغ ي منظورة‪ ..‬وكا نت دون شك مفاجأة غ ي سارة ل كل أعداء‬
‫السلم‪.‬‬
‫ول يسـكت الدعاة إل التحرر و التحضـر و " التقدم " بطبيعـة الال على هذه الدعوة وهاجوهـا‬
‫بكل وسائل الجوم وأول وسائل الجوم هو دمغها " بالرجعية " وهى أشد وسائل التنفي عند " الثقفي‬
‫"!‬
‫ولقد كانوا يهاجونا دفاعا عن أنفسهم ف القيقة!‬
‫{وَدّوا َل ْو تَ ْكفُرُونَ كَمَا َكفَرُوا َفَتكُونُو َن َسوَاءً} [سورة النساء ‪]4/89‬‬
‫ولكنهم ف عبودية منتكسة – كانوا يهاجونا كذلك دفاعا عن " السادة " الذين يشعرون بالتبعية‬
‫لم والنتماء إليهم! ودفاعا عن الفكر الذى استعبدوا له من الداخل خلل عملية التغريب‪ ..‬فما عادوا‬
‫ي سون لنف سهم بوجود ذا تى وأ صبح وجود هم مرتب طا بذلك الف كر الدخ يل علي هم ي سبونه – ف‬
‫غفلتهم – فكرهم الاص لنم ل يدركون عملية السخ الت أجريت لم وهم غافلون فشوهت كيانم‬
‫من الداخل وشوهت نظرتم إل أنفسهم وكل ما ييط بم فصاروا ينظرون بعيون سادتم! وصاروا –‬
‫ف دخيلة أنفسهم يتقرون أنفسهم بوصفهم " شرقيي "! وياولون بكل جهدهم أن ينسلخوا من تلك‬
‫(‪)1‬‬
‫الصورة ويحوا " عارها " عن أنفسهم لعل سادتم يرضون عنهم فيضوا هم عن أنفسهم!!‬
‫لذلك ل يكن العبيد ف حاجة إل إشارة من السادة ليهاجوا الدعوة السلمية فهم بطبيعة موقفهم‬
‫المسوخ كله يسون بالعداء العميق لا والنفور الشديد منها‪ .‬ولكن السادة مع ذلك ل يهملوا التوجيه‪:‬‬
‫لبد من جرعة زائدة من كل ما تقدم‪ ..‬من الكتب والقالت والدروس والباث الت تاجم الدين‬
‫والخلق والتقاليـد‪ ..‬والصـور العاليـة والفلم العاريـة والقصـص العاريـة والفكار العاريـة‪ ..‬والفتيات‬
‫ال تبجات ف الطر يق‪ ..‬والرا قص والانات ودور الل هو ودور الفجور! فإ نه ل شئ ي صد هذا ال طر‬
‫الداهم مثل إفساد الخلق وصرف الشباب عن كل الهتمامات الادة وشغلهم بلذائذ الس الدنسة‬
‫وهوم الدن يا القري بة ل كى ل يفرغوا إل رب م ول يذكروا آخرت م فت سند منا فذ " الد ين " ف قلوب م‬
‫ويصبحوا ف مناعة من تلك الدعوة الطرة بل ف عداء مع تلك الدعوة الت تريد أن " ترمهم " ما هم‬
‫غارقون فيه ن الدنس والتفاهة والنلل!‬
‫‪m m m‬‬
‫() نذذكر ف هذا الجال كتابات الدكتور حسي فوزيي ف كتاب "سندباد عصري" وكتابات الدكتور زكي نيب ممود ف مهاجة "الفكر الشرقي" و تجيد "الفكر الغرب"‪ ...‬ث‬ ‫‪1‬‬
‫نذكر قولد "توينب" ف ماضرته بعنوان "السلم والغرب" (تعريب الدكتور نبيل صبحي) الت يقول فيها إننا ظللنا نرج السلم التركي حت يتخلي عن إسلمه ويقلدنا‪ ,‬فلما فعل ذلك‬
‫احتقرناه‪ ...‬لنه ل يعد عنده ما يعطيه!‪.‬‬
‫ولكن الفاجأة الذهلة كانت أعنف من كل ذلك!‬
‫كانت دخول الفدائيي السلمي ساحة الرب ف فلسطي عام ‪!!1948‬‬
‫وه نا ينب غى ان نعود بذاكرت نا خ سي سنة إل الوراء ق بل ذلك التار يخ‪ ..‬إل مؤت ر " هرتزل " زعيم‬
‫ال صهيونية ف مدي نة بال ب سويسرا عام ‪ 1897‬الذى تقرر ف يه ضرورة إنشاء الدولة اليهود ية خلل‬
‫خسي عاما ف فلسطي‪ .‬ففى ذلك الؤتر وضعت الخططات الكفيلة بإقامة الدولة خلل خسي عاما‬
‫وقامت الدولة بالفعل بعد خسي عاما من ذلك الؤتر‪.‬‬
‫فأى شئ فعل الخططون (‪ )1‬لتنفيذ أهدافهم خلل الفترة الت قرروها لنشاء دولتهم؟!‬
‫لقد بدأوا كما هو معلوم بحاولة إغراء السلطان عبد الميد بإعطاء اليهود قطعة أرض ف فلسطي‬
‫ليقيموا عليها وطنا قوميا لم وتكفلوا ف مقابل ذلك با يغرى أى حاكم ف الرض ل يريد إل الياة‬
‫الدنيا ول يريد إل اللك والسلطان (كما صوروا السلطان عبد الميد!)‬
‫كانت الدولة العثمانية ف ذلك القوت تعج بالشاكل الت ل تتركها ف راحة‪..‬‬
‫فالالة القت صادية متدهورة والقل قل تتل حق ف قلب الدولة و ف أطراف ها يقوم ب ا حزب التاد‬
‫والترقـى الذى يشكـل أغلبيـة أعضائه يهود الدوناـ التمسـلمون (‪ .)2‬وتقوم باـ القليات غيـ السـلمية‬
‫بتحريض من روسيا وبريطانيا‪ :‬روسيا ترض الرمن الرثوذوكس (‪ ,)3‬وبريطانيا ترض بقية الطوائف‬
‫كما تقوم مع فرنسا بتشجيع حركات " القومية العربية " الت يملها نصارى لبنان وسوريا يرضون با‬
‫العرب على الثورة والتمرد على سلطان الل فة بغ ية تفك يك الدولة ال سلمية والقضاء على " الر جل‬
‫الريض " كما كانوا يسمون الدولة العثمانية ليثوا تركته ويوزعوها أسلبا فيما بينهم‪..‬‬
‫وف وسط هذه الال الضطربة تقدم " هرتزل " بعرضه السخى الغرى إل السلطان عبد الميد‪.‬‬
‫عرض عليه قروضا طويلة الجل ومشروعات لنعاش القتصاد العثمان التأزم وعرض عليه التدخل‬
‫لدى روسيا وبريطانيا لكف أيديهما عن إثارة القليات ف كل مكان‪ ..‬وكانت هذه بالذات من أشد ما‬
‫يستخدمه العداء لجهاد الدولة وعدم إعطائها فرصة للتقاط النفاس‪..‬‬
‫وكان رد عبد الميد حاسا ناصعا عملقا‪ ..‬كما ينبغى للقائد السلم أن يكون‪.‬‬

‫() ينبغي أن نتذذكر جيدا أن التخطيط ‪ -‬كما سسيدئ بيانه ‪ -‬كان صليبيا صهيونيا ف ذات الوققت‪ ,‬ول يكن صهيونيا فقط ول صليبيا فقط‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫()كان هؤلء اليهود يعيشون ف الغرب‪ ,‬الت نزحوا إليها مع السلمي النازحي من الندلس فرارا من فظائع ماكم التفتيش‪ ,‬ث صدرت إليهم أوامر خفية بأن يتمسلموا وينحوا إل‬ ‫‪2‬‬
‫البلقان‪ ,‬وهناك قاموا بدورهم ف القضاء علي اللفة العثمانية‪.‬‬
‫() كان الروس يتبعون الذهب الرثوذذوكسي‪ ,‬ومن هنا كانت صلتهم بالرمن الذين هم علي مذهبهم‪ ,‬وتريضهم إياهم ضد دولة اللفة‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫لو كان يريد السلطان والبوت ومتاع الياة الدنيا كما صوره أعداؤه ليشوهوا صورته انتقاما من‬
‫موقفه العنيد الواعى من مططات الصليبية الصهيونية لتدمي السلمي والقضاء على السلم لقبل العرض‬
‫اليهود ال صليب وان ساق م عه وأ صبح ط بطل تاري يا " م ثل الذ ين توزعوا أ سلبه من بعده وحكموا‬
‫بلد العال السلمى تت السلطان الصليب الصهيون وصاروا " أبطال تارييي "‪ ..‬تتركز بطولتهم ف‬
‫تذبيح السلمي وتسخي أوطانم لصال الصهيونية والصليبية!‬
‫ولكن الرجل السلم قال قولته الشهورة‪ :‬إن هذه ليست أرضى ولكنها أرض السلمي وقد رووها‬
‫بدمائهم وف كل شب منها شهيد‪ ..‬ول أملك أن أتنازل عن شب واحد منها!‬
‫وكان ما ان ما يعرفه الميع‪..‬‬
‫عزل عبد الميد بعد أن لوثت سعته بكل شناعة يكن أن يوصف با حاكم!‬
‫وأثيت النعرة " الطوران ية " على يد حزب التاد والتر قى وقا مت الدعوة إل تتر يك الدولة لثارة‬
‫العرب حتـ يرفعوا شعار " العروبـة " ويثورا " الثورة العربيـة الكـبى " بقيادة لورنـس – الذى سـى‬
‫لور نس العرب "!! لتفت يت وحدة ال سلمي وإثارة العداوة والبغضاء بين هم وتهيدا وت سهيل للحداث‬
‫الت ستجرى فيما بعد!‬
‫ثـ قامـت الرب العاليـة الول (‪ )1918 – 1914‬أو أقيمـت‪ )1( -‬للقضاء النهائى على الدولة‬
‫العثمان ية وف صل العال العر ب عن ها ب ا يه فل سطي ال يراد إقا مة الدولة اليهود ية في ها ب عد أن ع جز‬
‫اليهود عن إقامة الدولة فيها وهى ف ظل الدولة العثمانية‪.‬‬
‫ث جئ بكمال أتاتورك ليجهز على اللفة ويذبح السلمي ويدير ظهر تركيا للٍلم بعد أن كانت‬
‫هى مر كز الل فة ومر كز القوة ال سياسية والع سكرية للعال ال سلمى (‪ )2‬ويعل ها تاب عا ذليل لور با‬
‫وتضفـى عليـه فـ الوقـت ذاتـه البطولت الزائفـة ليكون نوذجـا يتذى مـن بعـد فـ بقيـة أرجاء العال‬
‫السلمى (‪.)3‬‬
‫ووزعت أسلب " الرجل الريض " بعد القضاء عليه بي بريطانيا وفرنسا صديقت اليهود ووضعت‬
‫فلسـطي بالذات تتـ النتداب البيطانـ وبريطانيـا يومئذ هـى زعيمـة العال الصـليب وصـاحبة‬

‫() يقول "وليم كار" ف كتابه "أحجار علي رقعة الشطرنج" إن اليهود أقاموا الرب العالية الول للقضاء علي الدولة العثمانية تهيدا لنشاء الدولة اليهودية‪ ,‬والرب العاليمة الثانية‬
‫‪1‬‬
‫من أجل إنشاء الدولة بالفعل‪ ,‬وهو ققول يمل كثيا من الق‪ ,‬بصرف النظر عن تويلت وليم كار ف شأن اليهود‪ .‬ول شك أنم استغلوا الناسبتي استغللً كاملً لتحقيق أهدافهم‪.‬‬

‫() قلنا من قبل إن العداء ركزوا علي تركيا ومصر بالذات ف مططاتم للقضاء علي السلم‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() قال جال عبد الناصر ف اكثر من مرة إن مثله العلي هو كمال أتاتورك‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫المباطور ية " ال ت ل تغ يب عن ها الش مس " والن صية الول لل صيهونية ووز ير خارجيت ها " بلفور "‬
‫صاحب وعد بلفور الشهور من أصل يهودى ومندوبا السامى الذى عينته ف فلسطي " صمويل هور "‬
‫يهودى‪ .‬وف ظل النتداب ت التحضي لنشاء الدولة بتسليم الراضى الت تلكها الدولة لليهود وما لزم‬
‫من بقية الرض يشترى بأُمان مغرية ث يغرى الذين باعوا الرض بإنفاق ما حصلوا عليه من ثنها على‬
‫الفتيات اليهوديات اللواتى يعملن ف " تل أبيب " لذا الدف!!‬
‫أما ما حول فلسطي فقد قسم إل دويلت ضعيفة ل تلك أمر نفسها فهى تت الكم البيطان أو‬
‫الفرنسى ل تلك قوة سياسية وهى تت الحتلل الصليب ول قوة حربية بطبيعة الال فجيوشها –‬
‫الت تسمى جيوشا من باب الجاز فحسب هى جيوش للزينة والستعراض ف الفلت ولدف آخر هو‬
‫تكريه العرب ف النية وحل السلح لا يلقونه ف فترة التجنيد الجبارى من مهانة وذل متعمدين ل‬
‫تستوجبهما التربية العسكرية ف ذاتا ول يعامل النليز والفرنسيون جنودهم بما ف بلدهم وذخية‬
‫هذه " اليوش‪ :‬و سلحها ف يد بريطان يا وفرن سا ف غن ك فت عن المداد بال سلح أو ح ت بالذخية‬
‫(‪)1‬‬
‫عجزت تلك " اليوش" عن إطلق طلقة واحدة ولو ف الواء!‬
‫وهذه الدويلت فوق ذلك‪ ..‬أى فوق ضعفهـا السـياسى والربـ والقتصـادى أيضا (‪ )2‬متعاديـة‬
‫متخاصة ل يربط بينها رابط! ل السلم‪ ..‬ول حت " العروبة ول حسن الوار‪ ..‬بل انقلب هذا كله إل‬
‫عدوات وخصومات‪.‬‬
‫ل قد كا نت دعاوى " الوطن ية " و القوم ية قد بذرت بذور ها ف تلك الرض من ز من سابق تهيدا‬
‫لذلك اليوم " الوعود " وكان لكل من الدعويي " زعماء " و " أبطال "! وقد سردنا ف الفصل السابق‬
‫ق صة سعد زغلول ف م صر و ف كل بلد كا نت هناك " ق صة " مشاب ة أو ماثلة‪ ..‬وكا نت ذلك ك ما‬
‫سردنا هناك أثرا من آثار " التخلف العقدى " الذى ا ستغله الغزو الفكرى ون ح ف ا ستغلله فتوغلت‬
‫سوم الكيد ف حياة المة بسبب بعدها عن حقيقة السلم وعن الصب والتقوى اللذين أخب ال عباده‬
‫أنماها الوسيلة الت تقى المة من آثار السم‪:‬‬
‫صبِرُوا َوَتّتقُوا ل َيضُرّكُمْ َكيْدُهُ ْم َشيْئا} [سورة آل ‪]3/120‬‬
‫{ َوِإنْ َت ْ‬
‫لقد بذرت تلك الدعاوى ف الرض السلمية لتفرق وحدة المة وتزق رابطتها‪ .‬فمن شان القومية‬
‫والوطنيـة أن تبذر التحاسـد والتباغـض فـ نفوس الناس تاه الوطنيات الخرى والقوميات الخرى لن‬

‫() حدث بالفعل ف الرب السرحية الت قامت علي أرض فلسطي عام ‪ 1948‬أن امتنعت بريطانيا عن تقدي الذخية للجيوش العربية فتوقفت الرب وت التقسم!!‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() كانت كلها بلدا فقية "متخلفة" رغم إمكانياتا الذاتية‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫كل منهم يريد أن يستحوذ على الدف وحده ويرم منه الخرين ولقد نحت الوطنية القومية ف أوربا‬
‫ل سباب مل ية هناك (‪ )1‬وظ نت أور با أن ا لع بة ناج حة ل ها تعا صرت ف تاري ها مع التقدم ال صناعى‬
‫و مع الرخاء الذى ساد أور با نتي جة احتلل ا بلد العال ال سلمى ون ب خيا ته وا ستغللا على أو سع‬
‫نطاق‪ ..‬وإن كانت أوربا قد شقيت وأشقت العال كله معها بويلت الروب التتابعة الت نمت عن‬
‫تنافس الوطنيات والقوميات وتقاتلها على مناطق النفوذ‪..‬‬
‫أما السلمون!‬
‫لقد كانت دعاوى الوطنية والقومية ف الوطن السلمى فتنة ل تعود عليهم إل بالوبال وحده فلم‬
‫تكن لم القوة الت يكسبون با شيئا من ورائها‪ ..‬وإ ما ينون من تزقهم أ يكونوا لقما سائغة ف فم‬
‫العدو يزدردها ف سهولة بعد أن كان قد عجز من قبل عن التهام اللقمة الكبية التجمعة على كل‬
‫الضعف والوهن الذى كان قد أصاب " الرجل الريض " (‪!)2‬‬
‫وما زالت أذكر بالعجب والسف اللذين أحسست بما أول مرة وأنا صغي ما قاله الوزير العراقى‬
‫ال سئول ف أوا خر الثلثينيات ح ي صار للعراق أ سطول جوى إذ قال‪ :‬ل قد أ صبحت لدي نا طائرات‬
‫حربية تستطيع أن تضرب القاهرة بالقنابل وتعود دون توقف!‬
‫يا عجبا! ويا أسفا!‬
‫فإذا كانت الطائرات العراقية عاجزة ف ذلك الوقت عن ضرب النليز ف قاعدتم داخل العراق ف‬
‫الوصل فلماذا تفكر ف ضرب القاهرة؟! وماذا صنعت لم القاهرة حت يفكروا ف ضربا؟!‬
‫ولكـن هكذا يفعـل السـم البثوث عـن قصـد فـ الرض السـلمية الذى صـنعت له الزعامات‬
‫والبطولت ليفت با الناس فيزدادوا تزقا كلما ازدادوا فتنة ويزدادوا ضعفا وهوانا على العدو‪.‬‬
‫وهل كان الوجود الصليب ف النطقة يأمن على نفسه وهل كان الوجود الصهيون يأمن على نفسه‬
‫ول كان السلمون ف تلك البقعة م الرض وف غيها أمة واحدة كما أمرهم ربم‪:‬‬
‫ف َبيْ نَ ُقلُوبِكُ ْم‬‫حبْلِ اللّ هِ جَمِيعا وَل َتفَرّقُوا وَاذْكُرُوا ِنعْ َمةَ اللّ ِه عََلْيكُ مْ إِذْ ُكْنتُ مْ َأعْدَاءً َفأَلّ َ‬
‫{وَا ْعتَ صِمُوا بِ َ‬
‫ك ُيَبيّ نُ اللّهُ َلكُ ْم آيَاتِهِ َلعَّلكُمْ‬
‫حتُ ْم بِِنعْ َمتِهِ إِ ْخوَانا وَكُْنتُمْ عَلَى َشفَا ُحفْ َرةٍ مِ ْن النّارِ َفأَْنقَذَكُ ْم ِمْنهَا كَذَلِ َ‬
‫صبَ ْ‬
‫َفأَ ْ‬
‫َت ْهتَدُونَ (‪[ })103‬سورة آل ‪]3/103‬‬

‫() انظر ‪ -‬إن شئت ‪ -‬فصل "القومية الوطنية" من كتاب "مذاهب فكرية معاصرة"‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() جاء ف كتاب "الغارة علي العال السلمي" قول أحد البشرين‪ :‬إن أوربا كانت تفزع من "الرجل البيض" لن وراءه ثلثائة مليون من البشر‪ ,‬مستعدون للجهاد بإشارة من‬
‫‪2‬‬
‫أصبعه!‪.‬‬
‫فإذا كانت هذه حال تلك الدويلت الحيطة بالولة اليهودية الزمع إنشاؤها من الضعف السياسى‬
‫والرب والقتصادى ومن الفرقة والصومة حت ل تتمع لم كلمة فماذا بقى ما يشاه العداء!‬
‫نعم! بقى شئ واحد‪ ..‬هو الشباب!‬
‫فالشباب قوة خطرة إذا تمع على هدف معي وأخذه مأخذ الد‪..‬‬
‫و من أ جل ذلك كا نت عنا ية العداء م نذ و قت مب كر بتمي يع هذا الشباب وإتل فه وإشا عة التفا هة‬
‫والنلل ف كيانه لكى ل يتجمع ف يوم من اليام على هدف معي ويأخذه مأخذ الد‪ ..‬وكانت‬
‫هذه هى حك مة ال صحة العار ية والفلم العار ية والشوا طئ العار ية‪ .‬وحك مة إخراج الرأة من دين ها‬
‫وأخلق ها وتقاليد ها لتخرج متب حة ف الطر يق وتكون فت نة لنف سها وللشباب من حول ا وتتح قق‬
‫أهداف البشر النصران " زوير " الذى أوصى أ تدفن جثته ف مقابر اليهود ما يدل على أصله القيقى‬
‫وعلى أن القد اليهود ى والصليب قد اجتمعا ف شخصه – حي قال ماطبا البشرين ف الؤتر التبشيى‬
‫الذى عقد ف القدس سنة ‪:1935‬‬
‫" إنكم أعددت نشئا (ف بلد السلمي) ل يعرف الصلة بال ول يريد أن يعرفها وأخرجتم السلم‬
‫من السلم ول تدخلوه ف السيحية وبالتال جاء النشئ السلمى طبقا لا أراده الستعمار السيحى‬
‫ل يهتم بالعظائم ويب الراحة والكسل ول يصرف هه ف جنياه إل ف الشهوات‪.‬‬
‫" فإذا تعلم فللشهوات وإذا جع الال فللشهوات وإ تبوأ أسى الراكز ففى سبيل الشهوات يود‬
‫بكل شئ‪.‬‬
‫" إن مهمتكم تت على أكمل الوجوه وانتهيتم إل خي النتائج وباركتكم السيحية ورضى عنكم‬
‫الستعمار فاسروا ف أداء رسالتهم فقد أصبحتكم بفضل جهادكم البارك موضع بركات الرب" (‪.)1‬‬
‫بذا التخط يط الح كم من ج يع نواح يه قا مت الدولة اليهود ية عام ‪ 1948‬ب عد خ سي عا ما من‬
‫مؤتر " هرتزل " عام ‪ 1897‬واعترفت با أمريكا ف منتصف الليل بتوقيتنا الحلى وبعد عشر دقائق‬
‫أعلنت روسيا الت قامت على أساس ل دين والت ترفض من حيث البدأ قيام أى دولة ف الرض على‬
‫أساس دين أعلنت اعترافها بالدولة اليهودية‪.‬‬
‫وكانت قد جرت قبل العلن الرسى للدولة مسرحية الرب بي اليوش " العربية وبي العصابات‬
‫اليهودية خلل عام ‪ 1948‬لتستقر القوات كلها على خط التقسيم العد من قبل والتفق عليه من قبل!‬
‫وكان أ حد ف صول ال سرحية أن تت نع بريطان يا عن تو ين ال يش ال صرى بالذخية فيتو قف ال يش عن‬

‫() عن كتاب "الخططات الستعمارية لكافحة السلم" لحمد ممود الصواف‪ ,‬طبع دار العتصام بالقاهرة‪ ,‬الطبعة الثالثة‪ ,‬ص ‪.218‬‬
‫‪1‬‬
‫القتال! ويتوقف بالصادفة البحتة! عند خط التقسيم!‬
‫وف أثناء ذلك وقعت الفاجأة الذهلة‪ ..‬الت ل تكن لحد على بال!‬
‫د خل الفدائيون من الخوان ال سلمي ساحة العر كة بعزي ة ال سلم الجا هد ف سبيل ال وبن ية‬
‫الشهادة ف سبيل ال‪.‬‬
‫وأ حس اليهود على الفور بالفرق الائل الط ي ب ي القتال مع أولئك الجاهد ين والقتال مع اليوش‬
‫السرحية الت شاركت ف السرحية العد من قبل والتفق عليها من قبل!‬
‫وكانت الفاجأة مذهلة ل لليهود وحدهم ولكن للعال الصليب كله!‬
‫فأ ما اليهود فكانوا ب عد أن التقوا بالفدائي ي ف ب ضع معارك كانوا إذا سعوا صيحة " ال أ كب ول‬
‫المـد " فروا مـن معسـكراتم تاركيـ أسـلحتهم وذخيتمـ ومؤنمـ لينجوا بلودهـم مـن هجمات‬
‫الفدائيي الريصيي على الوت حرص أعدائهم على الياة‪.‬‬
‫وأما الصليبية فلم تكن مفاجأتا أخف وقعا وإن ل تكن مشاركة بنودها الباشرين ف ساحة القتال!‬
‫لقد كانت الدعوة السلمية بقيادة المام الشهيد حسن البنا قد أزعجت الصليبية من أول خطواتا‬
‫عام ‪ 1928‬وخاصة حي نشطت ف منطقة الساعيلية حيث كانت القاعدة البيطانية ف ذلك الي‪.‬‬
‫وكا نت بريطان يا – زعي مة ال صليبية وقتئذ تتا بع حركات الما عة ال ت أن شأ÷ا ح سن الب نا مراق بة دقي قة‬
‫وتتحسس أخبارها وتاول أن تنفذ إليها عن طريق جواسيسها‪.‬‬
‫وأذك عبارة ظهرت ف الطبعة الول لكتاب " التاهات الديثة ف السلم ‪Modern Trends‬‬
‫‪ in Islam‬تأليف الستشرق النليزى جب ‪ Gibb‬عام ‪ 0 1936‬عدلت ف الطبعات التالية) تبي‬
‫مدى قلق بريطانيا زعيمة الصليبية من هذه الماعة‪.‬‬
‫يتحدث جب ف هذا الكتاب عما ساه " التاهات الديثة ف السلم " ويقف بتلك الداثة عند‬
‫جال الدين الفغان وممد عبده (‪ .)1‬ث يكتب (ف الطبعة الول) هامشة تعليقية يقول فيها‪ " :‬ظهرت‬
‫ب عد ذك أى ب عد الفترة ال ت جعل ها موضوع درا سته) جا عة ت سمى جا عة الخوان ال سلمي يتزعم ها‬
‫رجل يسمى حسن البنا ومن السابق لوانه الكم على هذه الماعة وإن كان يبدو أنا ذات خطورة‬
‫خاصة "!‬
‫ووا ضح من العبارة أن بريطانيا تتخوف من هذه الماعة وأ ها ف الو قت ذاته ل ت ستطع أ ت سب‬
‫غورها تاما مع توفها منها‪..‬‬

‫() ل يتسع القام هنا لناقشة موضوع الكتاب‪ ,‬ولكن ناقشته ف كتاب "الستشرققون والسلم"‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫وإذا كان هذا هـو الال عام ‪ 1936‬عنـد ظهور الطبعـة الول مـن ذلك الكتاب فقـد ظـل الال‬
‫على نو قريب منه حت عام ‪ 1948‬حي دخلت القوات الفدائية ف فلسطي‪ ..‬مع فارق واحد هو أن‬
‫بريطانيـا قـد زادت توفـا مـن الماعـة بدليـل تدخلهـا الباشـر لنـع المام الشهيـد مـن تشريـح نفسـه‬
‫للنتخابات فـ دائرة السـاعيلية عام ‪ )1( 1942‬وضغطه ا‬
‫ـ على النحاس باشـا رئيـس الكومـة القائمـة‬
‫يومئذ ليمنع هذا الترشيح ولكنها من جانب آخر ل تكن حت تلك اللحظة قد استطاعت أن تسب غور‬
‫هذه الماعة مع توفها منها رغم كل ماولت الاسوسية أن تنفذ خللا‪.‬‬
‫لذلك كانت الفاجأة بالنسبة إليها مذهلة كما كانت بالنسبة لليهود!‬
‫وقد كانت السألة مفاجأة لبيطانيا وللعال الصليب كله من ورائها من جهتي اثنتي على القل‪:‬‬
‫فأما الهة الول فهى أن العال الصليب كان قد ساء ظنه بالسلم كله أنه قد " شاخ " وانتهى ول‬
‫يعد قادرا – بعد الضعف الزرى الذى وصل إليه السلمون خلل القرون الخية – أن ينبعث من جديد‬
‫ف صورة " جهاد " إسلمى!‬
‫ل قد كا نت كل حركات الهاد ال سلمى قد أخدت وق ضى علي ها سواء ف ال ند أو ف الشمال‬
‫الفريقى أو ف السودان أو ف غيه من بقاع العال السلمى‪ .‬ومكان الغزو الفكرى السموم قد حول‬
‫روح الهاد إل حركات " سياسية " أق صى ما تل جأ إل يه هو إقا مة " مظاهرات " ف الشوارع تقذف‬
‫أبواب الوانت ومصابيح النور ورجال الشرطة بالحجار ث تعود إل بيوتا ف ناية الطاف! وتدخل ف‬
‫" مفاوضات " خاسرة بي الي والي ويتظاهر العدو فيها بالتراجع عن موقفه الرة تلو الرة إزاء "‬
‫القاو مة العنيدة ال ت ل تل ي! " ال ت تبدي ها الركات ال سياسية بين ما العدو ير يد أن يطمئن إل الكام‬
‫الذين سيتسلمون البلد بعد " الستقلل " أ هم قد تلوا تاما عن فكرة الكم با أنزل ال!! وعندئذ‬
‫يسلمهم " أمانة " الكم!!‬
‫لذلك ل يدر ف خلد الصليبية أن " السلم " يكن أن ينبعث من جديد ف صورة جهاد إسلمى "‬
‫ورغم توفها من جاعة الخوان السلمي ف مصر ومراقبتها الدائمة لا وتوفها الدائم من مفاجأت‬
‫السلم الت قال عنها جب ف كتاب وجهة العال السلمى ‪ :Whither Islam‬عن أخطر ما ف‬
‫هذا الدين أنه ينبعث فجأة دون أسباب ظاهرة ودون أن تستطيع أن تتنبأ بالكان الذى يكن أن ينبعث‬
‫منه! رغم هذا كله فلم تكن الصليبية تتوقع أن يكون النبعاث على هذه الصورة!‬

‫() لنا رأي ف قضية الدخول ف النتخابات نبينه ف موضعه ف هذا الفصل‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫وأما الهة الثانية أن الصليبية قد عنيت بدك قواعد السلم ف مصر بالذات من وقت مبكر (‪ )1‬منذ‬
‫حلة نابليون الصليبية على مصر عام ‪ 1798‬أى قبل تلك الحداث بقرن ونصف قرن من الزمان ول‬
‫تكف أبداء خلل تلك الفترة الطويلة عن العمل بكل وسائل الت بيناها ف الفصل السابق لحاولة القضاء‬
‫على ال سلم وإخراج مصر نائيا من الدائرة السلمية وخاصة خلل الفترة الحتلل البيطا ن الذى‬
‫ج ثم على أرض م صر م نذ عام ‪ )2( 1882‬لذلك كا نت الفاجأة للعال ال صليب أن تكون م صر بالذات‬
‫هى الت تنتج مثل هؤلء الفدائيي وترسلهم ف تلك اللحظة الرجة إل القتال!‬
‫عندئذ الت قت ال صليبية وال صهيونية ف هدف وا حد مشترك ك ما الت قت ف قرار وا حد مشترك أ نه‬
‫لبد من إبادة هذه الماعة ليستتب المر للدولة اليهودية وللصليبية ف ذات الوقت‪.‬‬
‫ل قد كان إنشاء الدولة اليهود ية ف و سط الح يط العر ب ال سلمى هو ذا ته هد فا صليبيا أشار إل يه‬
‫اللورد كامبل ف تقريره الشهي عام ‪ 1907‬م تسبا ليقظة العملق كما عب صاحب التقرير!‬
‫كانت الدولة الصليبية قد أقلقها بوادر اليقظة ف النطقة قبل أن يستشعرها أصحابا أنفسهم! ذلك أن‬
‫يعرفون هذا الدين كما يعرفون أبناءهم كما أخب عنهم اللطيف البي‪:‬‬
‫ب َيعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ َأبْنَا َءهُمْ} [سورة البقرة ‪]2/146‬‬
‫{الّذِي َن آَتيْنَاهُ ْم الْ ِكتَا َ‬
‫ولا كانت بريطانيا هى زعيمة العال الصليب يومئذ وصاحبة النفوذ الوسع ف النطقة فقد لأت‬
‫إليها الدولة الصليبية لتبحث لا المر الذى يشغلها جيعا وتتعاون عليه جيعا وإن أرادت كل لنفسها‬
‫أن تفوز منه بأكب نصيب!‬
‫وانتدبـت بريطانيـا اللورد كامبـل ‪ -‬أحـد أعضاء ملس اللوردات ‪ -‬ليبحـث المـر ويقدم تقريرا‬
‫لصحاب الشأن أجعي فكتب تقريره الشهي الذى قال فيه‪ :‬إن هناك شعبا واحد يقطن ما بي الحيط‬
‫إل الليج (‪ .)3‬لغته واحدة ودينه واحد وقبلته واحدة وثقافته واحدة وآماله مشتركة وأرضه متصلة‪..‬‬
‫وهو اليوم ف قبضة أيدينا‪ ..‬ولكنه بدأ يتململ‪ ..‬فماذا يدث لنا غدا إذا استيقظ العملق؟‬
‫إن الذى يدث غدا والذى تتوجس منه الصليبية واضح ول شك‪.‬‬
‫فبصرف النظر عن القد الصليبي الذى يكره السلم لنه السلم ويكره السلمي لنم السلمون‪:‬‬

‫() قلنا من قبل إن العداء اتهوا إل تطيم السلم ف تركيا ومصر أكثر من أي مكان آخر ف العال السلمي‪ ,‬باعتبار تركيا مقر اللفة ومركز القوة السياسية والعسكرية‪ ,‬ومصر‬
‫‪1‬‬
‫مقر الزهر ومركز الشعاع العلمي والروجي للمسلمي‪.‬‬

‫() بقي الحتلل إل عام ‪ 11954‬حيث غادرت آخر القوات البيطانية الرض الصرية‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() يقصد الشعب العرب السلم‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫س ْؤهُ ْم َوإِ ْن ُتصِْبكُ ْم َسّيئَ ٌة َيفْرَحُوا ِبهَا} [سورة آل ‪]3/120‬‬
‫سَنةٌ تَ ُ‬
‫سكُمْ حَ َ‬
‫{ِإنْ تَمْسَ ْ‬
‫ب صرف الن ظر عن ال قد فهناك إل جان به ال صال ال سياسية والقت صادية ال ت تتأ ثر تأثرا بال غا إذا‬
‫استيقظ العملق‪ .‬فإن أوربا ل تصبح هى أوربا الت نعرفها إل با سلبته من أراضى السلمي وخيات‬
‫السلمي‪.‬‬
‫فماذا كانت أوربا قبل التوسع الستعمار ف العال السلمى؟ وماذا كان يكن أن تكون مهما بلغت‬
‫قوت ا إذا ظلت م صورة ف دا خل نف سها تت صارع دول ا ي ا بين ها ك ما كا نت تت صارع ق بل أن تت جه‬
‫بصراعاتا إل الارج؟‬
‫إنا أصبحت أوربا بذه القوة وهذه الرفاهية وهذا التقدم با تدفق عليها من ثروات نتيجة الحتلل‬
‫الصليب للعال السلمى فماذا يدث غدا إذا استيقظ العملق واسترد خياته النهوبة وكرامته السلوبة؟‬
‫لن يكون خيا لوربا بطبيعة الال‪.‬‬
‫وهنا يتقدم اللورد كامبل بالل‪.‬‬
‫لبد أن نقطع اتصال هذا الشعب بإياد دولة دخيلة تكون صديقة لنا وعدوة لهل النطقة وتكون‬
‫كالشوكة تز العملق كلما أراد النهوض‪.‬‬
‫وتلك هى الدولة اليهودية الت قامت عام ‪ 1948‬م‪ ..‬وذلك هو التخطيط الصليب لنشائها منذ عام‬
‫‪ 1907‬على القل إن ل يكن قبل ذلك التاريخ‪.‬‬
‫لذلك التقت الصليبية العالية والصهيونية العالية ف هدف واحد مشترك كما التقت ف قرار واحد‬
‫مشترك‪ :‬أنه لبد من إبادة هذه الماعة السلمة ليستتب المر للدولة اليهودية للصليبية ف ذات الوقت‬
‫ل يعد المر يتمل الط البطئ‪ ..‬خط الفساد اللقى والغزو الفكرى‪ ..‬ففى وسط هذا كله وبعد‬
‫ع مل دائب لدة قرن ون صف قرن من الزمان قا مت ال صحوة ال سلمية على هذه ال صورة الطية ال ت‬
‫كشفت عنها الرب الفدائية ف فلسطي‪ ..‬فماذا بقى؟‬
‫فلتستمر الدوات كلها ف العمل ل تتوقف‪ ..‬فلتستمر الكتب والقالت والباث والدراسات الت‬
‫تاجـم الديـن والخلق والتقاليـد‪ ..‬ولتسـتمر الصـحف العاريـة والفلم العاريـة والشواطـئ العاريـة‪..‬‬
‫ولتسـتمر الفتيات التـبجات فـ الطريـق‪ ..‬ولتسـتمر الراقـص والانات ودور اللهـو ودور الفجور‪..‬‬
‫ولتضاعف عملها‪ ..‬ولكن لبد من عمل حاسم لوقف الطر الرهوب‪..‬‬
‫وتوالت الحداث‪ ..‬من اعتقال وتعذ يب وتشر يد ب عد أن اجت مع سفراء الدول الجنب ية مع قواد‬
‫القوات البيطان ية ف مدي نة " فا يد " بال ساعيلية " وأر سلوا إنذارا إل الكو مة ال صرية بضرورة حل‬
‫جاعة الخوان السلمي ووقف نشاطها‪ ..‬وبلغت الحداث قمتها بقتل المام الشهيد عام ‪.1949‬‬
‫‪m m m‬‬

‫كان ظن الصليبية والصهيونية الت دبرت مقتل المام الشهيد بأيد إسلمية " أن قتله سيحل القضية‬
‫كلها مرة واحة وإل البد ويريح منها أعداء السلم فل يعودون يشغلون بالم وأعصابم بتلك المور‬
‫وكانوا معذورين ف ذلك الظن وإن كانوا ف الوقت ذاته غافلي‬
‫كانوا معذور ين ف ظن هم أن مقل ح سن البنا سيقضى على الماعة ال ت أنشأها فقد كان بالنسبة‬
‫لتلك الماعة كل شئ ف حقيقة المر‪ ..‬كان هو منشئها ومتعهدها بالتوجيه والرعاية كان هو عقلها‬
‫الف كر وقلب ها النا بض وروح ها الداف عة‪ .‬فظنوا ول م العذر أن م إن قضوا عل يه ف قد قضوا على الحرك‬
‫القيقى فتموت الركة من تلقاء ذاتا وتنتهى‪..‬‬
‫ولكنه كانوا غافلي عن سنة ربانية هائلة‪ :‬أن الدعوة الت يقدم لا الدم ل توت‬
‫وكانوا غافلي عن أمر هائل‪ :‬أنم هم أنفسهم هم السخرون بقدر من ال لحياء هذه الدعوة بكثرة‬
‫ما يسفكون فيها من الدماء‬
‫‪m m m‬‬

‫مـر عامان مـن الكبـت والرهاب الذى تولتـه حكومـة إبراهيـم عبـد الادى حتـ تغيت الحوال‬
‫السياسية ف مصر عام ‪ 1950‬حي أطلقت الريات وسح بإجراء انتخابات جديدة ف ظل ظروف‬
‫عادية‪.‬‬
‫وهنا وقعت الفاجأة‪..‬‬
‫فقد حدث اندفاع هائل نو السلم ف جيع الجالت‬
‫ف الامعة كانت انتخابات اتاد الطلب تقع بكاملها ف يد الخوان السلمي ف بعض الكليات أو‬
‫تقـع غالبيتهـا فـ أيديهـم على القـل‪ .‬وتسـرب " الٍسـلم " إل نقابات الطباء والهندسـي والحاميـ‬
‫والعمال‪ .‬وأخطر من ذلك كله أنه تسرب إل قوات اليش والبوليس فوجد ف كل منهما ضباط برتب‬
‫متلفة ينتمون إل " الركة " السلمية ويعملون لنشر الدعوة ف مالتم أو ف غيها على السواء‬
‫عندئذ تبينت الصهيونية والصليبية أن الضربة الول ل تكن هى القاضية وأنه لبد من ضربة جديدة‬
‫أعنف من الول وأشد وتكون هى القاضية ف تقدير الشيطان‪.‬‬
‫ولكن أحداثا عالية كانت قد وقعت ف تلك الثناء غيت خريطة النطقة كلها وإن ل تغي شيئا من‬
‫الهداف‪..‬‬
‫كانت أمريكا قد برزت إل الوجود بوصفها " زعيمة العال الر " بعد أن حطمت الرب بريطانيا‬
‫وفر سنا وحولته ما إل دول من الدر جة الثان ية‪ ..‬و صاحب ذلك أو تر تب عل يه أمران مهمان بالن سبة‬
‫للمنط قة ال سلمية و سي الحدث في ها‪ .‬الول هو انتقال زعا مة ال صليبية إل أمري كا مع انتقال زعا مة‬
‫العال الر إليها فالعلم الر الزعوم هو الصليبية ف حقيقة المر‪ .‬وزعامة الصليبية تقع دائما ف يد الدولة‬
‫القوى ف العال ال صليب‪ .‬فح ي كا نت هى بريطان يا كانت زعامة الصليبية ف يدها ول ا صارت هى‬
‫أمريكا انتقلت إليها الزعامة بكم المر الواقع فإن العال الصليب كله يارب السلم ولكنه يسلم قيادة‬
‫الرب بكم المر الواقع أل أقوى دولة فيه وهم يتنافسون فيما بينهم ويتصارعون ف المور كلها أما‬
‫ف ماربة السلم فهم صف واحد متساند متعاون متكافل يشد بعضه بعضا‬
‫وال مر الثا ن أن اليهودية العالية نقلت نق طة ارتكازها من بريطان يا إل أمريكا وليس مع ن هذا أن ا‬
‫تركت اعمل ف بريطانيا أو التعاون معها‪ .‬كل فهى تعمل من جيع نقط وجودها‪ ..‬من بريطانيا ومن‬
‫فرن سا و من ألان يا و من جنوب أفريق يا و من رو سيا ولكن ها ت عل نق طة ارتكاز ها الرئي سية ف الدولة‬
‫القوى ليكون ضمان " م صالها" أو ضمان شرور ها أ كب و من ه نا صار التعاون ال كب للقضاء على‬
‫الركة السلمية قائما بي اليهودية العالية وبي أمريكا بعد أن كان قائما من قبل بينها وبي بريطانيا‪.‬‬
‫ول سنا ه نا نؤرخ للحداث ل بالن سبة لل صحوة ال سلمية ول بالن سبة لخططات العداء للقضاء‬
‫عليها فإن هذا له مال آخر وله كتاب متخصصون‪.‬‬
‫إنا نن على مدار البحث كله نرسم خطوطا عريضا لظواهر تاريية رئيسية‪..‬‬
‫فك ما أن نا ل نؤرخ للجما عة الول ولك نا أبرز نا خطو طا عري ضا ت ثل أبرز ساتا ول نؤرخ ل ط‬
‫النراف التاريىـ وإناـ أبرزنـا أهـم الطوط الرئيسـية فيـه فكذلك ننـ ل نؤرخ لحداث الصـحوة‬
‫السلمية إنا نتناولا كظاهرة تاريية فنشي بقدر ما تسمح طبيعة البحث إل أهم الطوط البارزة ف‬
‫شأنا‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫قررت ال صليبية ال صهيونية أ نه ل بد من توج يه ضر بة ثان ية حا سة للحر كة ال سلمية تق ضى علي ها‬


‫القضاء الخ ي‪ ..‬و من ث تعاو نت ال صهيونية مع أمري كا ح سب مقتضيات الو ضع الد يد لتوج يه تلك‬
‫الضربة وكانت الداة الت اختيت لذلك هى جال عبد الناصر والنقلبات العسكرية‪.‬‬
‫إن الكان الذى تتمع فيه الصليبية والصهيونية اجتماعا " طبيعيا " حسب منطق الحداث العاصرة‬
‫هو الوليات التحدة المريك ية ف هى صليبية ب كم ال مر الوا قع و هى صهيونية ب كم خضوع الدولة‬
‫المريك ية وال سياسية المريك ية كل ها للنفوذ اليهودى‪ .‬و من ه نا ندرك الدور الرئي سى لمري كا ف إدارة‬
‫الحداث ف النطقة السلمية لساب الصليبية والصهيونية معا ف آن واحد‪.‬‬
‫أ ما اختيار النقلبات الع سكرية أداة لرب ال سلم ف هى ك ما أ سلفنا ف نا ية الف صل ال سابق مبن ية‬
‫على ال بة ال سابقة لل صليبية ال صهيونية التمثلة ف تر بة أتاتورك و هى تر بة تع تز ب ا ال صليبية اعتزازا‬
‫كبيا وتعتب ها " كنا ثي نا " ف حوزت ا ل ثل هذا الدف العظ يم‪ ..‬هدف القضاء على ال سلم وتذب يح‬
‫ال سلمي‪ .‬وإذ كانت هذه التجربة تعتب ف حساباتم ناج حة ف أداء مهمت ها ف قد قررت أمريكا دون‬
‫تردد أن تستخدمها لذات الدف الذى استخدمت فيه من قبل على يد أتاتورك‪.‬‬
‫إن الع سكريي بطبي عة تكوين هم النف سى مبون لل سلطة وميالون إل تركيز ها ف أيدي هم فإذا اخت ي‬
‫للنقلب الع سكرى ر جل يشت مل على خ صلتي رئي سيتي‪ :‬جنون العظ مة وق سوة القلب إل جا نب‬
‫ب غض ال سلم ف قد ت للعمل ية الطلو بة كل عنا صر النجاح و سوف يقوم الع سكرى الجنون بعمل ية‬
‫البادة الطلوبة بكل العنف الطلوب وبأقس الوسائل الت تطر أو ل تطر على البال‪.‬‬
‫وقد نحت التجربة الول على يد أتاتورك لشتمالا على كل العناصر الطلوبة من حب السلطة‬
‫وجنون العظمـة وقسـوة القلب وبغـض السـلم بعـد أن أضيفـت إليهـا " التزيينات " اللزمـة مـن "‬
‫البطولت " الزائفة حي انسحبت أمام " بطشه القاهر " قوات اللفاء الت كانت تتل الناضول وهى‬
‫الت خرجت منتصرة من الرب العالية من قبل فأصبح اسه " الغازى أتاتورك " بدل من أن يكون لقبه‬
‫القيقى " أتاتورك السفاح "‬
‫واليوم يراد توجيه ضربة قاضية للحركة السلمية ى مصر مركز الثقل الثان للعال السلمى بعد‬
‫أن ث بت أ نه ما يزال ي ثل مر كز ث قل حقي قى ب عد كل تدب ي ال صليبية ال صهيونية ف يه إذ ت تد الدعوة‬
‫السلمية منه إل البلد العربية الحيطة‪ ..‬ف سوريا والردن والعراق والسودان‪ ..‬ويكن أن تتد منه إل‬
‫(‪)1‬‬
‫أبعد من ذلك إذا ترك بغي تدمي‪..‬‬
‫إذن فلتلجأ الصليبية الصهيونية إل النقلبات العسكرية بسب رصيد تربتها السابقة كما أشار "‬
‫() تيقظ النليز إل هذا الطر قبل ذلك بسنوات‪ ,‬فغيوا سياستهم ف مصر تغييا جذريا لعلهم يتفادون الطر بالطرق السلمية‪ ,‬البطيئة الكيدة الفعول‪ ,‬فقد كان تطيطهم الول‬
‫‪1‬‬
‫هو عزل مصر تاما عن العالي العرب والسلمي‪ ,‬وإثارة النعرة الوطن ية التلبسة بالنعة الفرعونية كما سبق بيانه ف الفصل الاضي‪ ,‬مع نشر التحلل والففساد اللقي الذي ييت‬

‫الوجدان الدي ن ويق تل الهتمامات الادة‪ ...‬ول كن ب عد ظهور حر كة الخوان ال سلمي‪ ,‬وامتداد ها من م صر إل البلد العرب ية الجاورة‪ ,‬سعت بريطان يا إل إنشاء "الام عة العرب ية"‬

‫وجعل مصر "أم العروبة" "وزعيمة العال العرب"و "كبي الشقيقات" فيه! لعل راية العروية تايل للناس فيجتمعوا تتها بدلً من الراية السلمية الرهوبة‪ ...‬ولكن النليز لثوا بعد‬

‫ذلك إل العنف ‪ -‬كما سبق بيانه ‪ -‬حي ل تفلح دعوي العروبة ول غيها من الوسائل ف وقف الد السلمي!‪.‬‬
‫مروبرجر" ف كتاب " العام العرب اليوم (ص ‪ 248‬من الصل النليزى الطبعة الثانية سنة ‪.)1964‬‬
‫أما اختيار عبد الناصر بالذات لذه الهمة فليس ف أيدينا حت الن الوثائق الت تبي مت كان أول‬
‫ات صال اليهود به والتعرف عل يه واكتشاف وجود ال صال الطلو بة ف يه‪ :‬جنون العظ مة وق سوة القلب‬
‫وبغض السلم (‪ .)1‬إنا أول ات صال رسى معلن بينه وب ي اليهود هو الذى ت ف أثناء حصار الفالو جا‬
‫بفلسـطي عام ‪ 1949‬م إذ تـ اللقاء الول بينـه وبيـ " إيال ألون " لدة سـاعة كاملة ثـ تعددت‬
‫الجتماعات ب عد ذلك‪ .‬و قد اشت هر أ مر هذه اللقاءات ب يث ل ي عد ف حا جة إل إثبات‪ ..‬ك ما أن "‬
‫كاتب الثورة " ممد حسني هيكل أقر به إقرارا صريا ف مقال له " بصراحة " منسوبا إل جال عبد‬
‫الناصر نفسه‪.‬‬
‫واستغرق المر عامي كاملي ف التحضي والترتيب من عام ‪ 1950‬إل عام ‪ 1952‬حي قامت "‬
‫الركة الباركة (‪ " )2‬الت سيت " الثورة " فيما بعد وقام جال عبد الناصر بالدور الطلوب على الوجه‬
‫الكمل فأقام للمسلمي مذبتي من أبشع مذابح التاريخ الول عام ‪ 1955 – 1954‬والثانية عام‬
‫‪ 1966 – 1965‬م‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫مرة أخرى‪ ..‬لسنا نؤرخ لحداث الصحوة السلمية ول لخططات العداء للقضاء عليها إنا نشي‬
‫فقط إل الطوط العريضة الت تبز أهم التاهات‪..‬‬
‫ف ‪ 26‬أكتوبر ‪ 1954‬افتعلت م سرحية ال سكندرية و ت على أثرها اعتقال أك ثر من عشر ين ألفا‬
‫من شباب الخوان ال سلمي وشيوخ هم ف ال سجن الرب وغيه من ال سجون وو قع عليهم من ألوان‬
‫التعذيب الوحشى ما تع جز كل الكلمات عن و صفه مه ما تكن دقة التكلم ف الو صف وبراعته ف‬

‫() قضي عبد الناصر طفولته ف حارة اليهود بالقاهرة‪ ,‬إذ كان أبوه وكيل مكتب بريد حارة اليهود ف ذلك الوقت‪ .‬ونششرت ملة "الجلة" ‪ -‬علي جلة حلقات ‪ -‬تلخيصا لكتاب‬
‫‪1‬‬
‫من تأليف الكاتب اليهودي "مورريس مزراحي" بعنوان "ملف اليهود ف مصر" جاء ف اللقة السابعة منها (العدد ‪ 290‬بتاريخ ‪ )28/8/1985‬أن سيدة يهودية تدعي مدام يعقوب‬

‫فرج شويل توسطت لدي عبد الناصر لتخفيف الكم الصادر علي اثني من اليهود ف مصر بالعدام لتامهما ف قضية جاسوسية‪ ,‬لن عبد الناصر كان يدين للها بالفضل‪ ,‬لنا هي‬

‫الت رعته ف طفولته بعد وفاة أمه‪ ,‬وكانت ت عامله كأحد أبنائها‪ ...‬ولكنا ل نعرف شيئا عن اتصال اليهود به وتعرفهم علي خصاله قبل اللقاء الذي ت ف الفالوجا بينه وبي إيال‬

‫آلون ف أثناء حصار الفالوجا سنة ‪1949‬م‪.‬‬

‫() هكذا كانت تسمي فيأيامها الول‪ .‬وقد صرح ممد نيب الرئيس الظاهري للحركة ف ملة الصور (ف أول عدد صدر بعد الركة) أن أول من علم بي الركة كان هو السفي‬
‫‪2‬‬
‫المريكي ف مصر‪ ,‬وكان ذلك قبل قيام الركة بستة أشهر!! وهذا هو الققدر الذب كان مكشوفا للرئيس الستعار‪ ...‬أما القيقة فيعلمها الرئيس القيقي جال عبد الناصر!‪.‬‬
‫الت عبي (‪ .)1‬وكا نت أدوات التعذ يب قد أقي مت ف ال سجن الر ب ابتداء من يون يو ‪ – 1954‬أى ق بل‬
‫الادث بم سة أش هر وأ خذ الزبان ية يدربون على اسـتخدامها بوا سطة ال باء من النازي الذ ين كان‬
‫ي ستخدمهم هتلر لعمال التعذ يب ف مع سكرات العتقال اللان ية ا ستؤجروا خ صيصا لذا ال مر م نذ‬
‫ذلك التاريخ ! (‪.)2‬‬
‫كان ما حدث للخوان السلمي ف عام ‪ 1954‬وثيق الصلة بأمر آخر غي مسرحية السكندرية‪.‬‬

‫() أذكر للقارئ نوذجا واحدا ربا يعينه ‪ -‬ولو من بعيد ‪ -‬علي تصور شئ ما كان يري ف السجن الرب من ألوان التعذيب‪ .‬كان اعتقلي ف نوفمب من عام ‪ ,1954‬بعد الادث‬
‫‪1‬‬
‫با يقرب من شهر‪ .‬وكان الشهيد يوسف طلعت قد اعتقلقبلي بثمان وأربعي ساعة‪ ,‬بعد أن ظلوا يبحثون عن أكثر من ثلثة أسابيع حت تكنوا من معرفة كانه فاعتقلوه‪ .‬وكان‬

‫"العرف" قد جري ف السجن الرب علي أن يستقبل كل فوج من العتقلي با أطلقنا عليه من باب السخرية "حفل الستقبال"! فكان يتناثر فريق من زبانية العتقل علي الطريق من‬

‫باب السجن إل "الكاتب" حيث تسجل الساء ف أوراق السجن‪ ,‬كلما مر بم واحد من العتقلي قام كل واحد من الزبانية بنصيبه ف "استقباله" إما بضربة سوط‪ ,‬أو ضربة عصا‪,‬‬

‫أو صفعة قوية علي وجهه‪ ,‬أو لكمة ف صدرةه‪ ,‬أو ركلة بكعب الذاء الديدي ف أي مكان من جسمه ل ترز‪ ...‬وكان ذلك مقصودا لببث الرعبب ف قلب كل داخل من أول‬

‫لظة‪ ,‬كجزء من خطة الرهاب العامة الت تارسها الدولة مع السلمي‪ .‬وكان نصيب من حفل الستقبال كنصيب كل واحد من الفريق الذي دخل معي السجن ف نفس اللحظة‪.‬‬

‫ل حي رأيت الشهيد يوسف طلعت‪ ,‬مأخوذا من باب السجن‬


‫ولكن ذهلت عن ذلك كله ‪ -‬حت ذكرن الخوة فيما بعد با كان من أمر الزبانية معي ‪ -‬ذهلت عنه ذهولً كام ً‬

‫الداخلي إل الكاتب للتحقيق!‪.‬‬

‫كان يوسف قوي السم‪ ,‬شديد السر‪ ,‬متي البناء‪ ,‬وكان معروفا بقوته السدية إل جانب رسوخ عقيدته وجرأته ف الق‪ ,‬ول يكن قد مضي عليه ف أيديهم إل ثان وأربعون ساعة كما‬

‫أسلفت‪ ...‬ولكن منظرره أذهلن! كانت الربطة الت يرشح منا الدم و "الركروكروم" الحر تتد من أعلي رجليه إل أسفل قدميه‪ ,‬كما تغطي ذراعيه بطولما‪ .‬وكان معه اثنان من‬

‫الزبانية! أحدها يقوده من أمامه والخر من خلفه‪ ,‬وف كل خطوة كان يتلقي ضربت سوط علي ساقيه الداميتي‪ ,‬إحداها من أمام والخري من اللف‪ ,‬ومع ذلك ل تزييد خطوته ف كل‬

‫مرة عن خسة سنتيمترات! ولو كان يلك أن يعلها أوسع من ذلك بسنتيمتر واحد لوفر علي نفسه مئاتالسياد ف هذا الشوار الكئيب من باب السجن إل الكاتب‪ ,‬حيث يعاد تعذيبه من‬

‫جديد! لذلك ذهلت عما أصابن شخصيا ف "حفل الستقبال"‪ ...‬وقد كنت ‪ -‬قبل دخول ‪ -‬قد سعت كثيا عما يري هنالك من ألوان التعذيب‪ ...‬ولكن كل ما كنت سعته ل ينشئ‬

‫عندي صورة حقيقية عن التعذيب‪ ,‬حت رأيتها ف ذلك الشهد الرهيب‪...‬‬

‫() قال ل الحقق أثناء التحقيق الذي أجري معي ف السجن الرب ف العتقال الثان عام ‪( 1965‬وهو مثبت ف ملف التحقيق)‪ :‬لقد قلت أمام مموعة من الناس إن حادث‬
‫‪2‬‬
‫السكندرية كان مسرحية! قلت‪ :‬ل أقل ذلك! قال‪ :‬فماذا قلت إذن؟! قلت‪ :‬قلت لم إنه سواء كان حادث السكندرية حقيقيا أم كان حادثا مفتعلً فقد كان مُعَدّا للخوان كل ما‬

‫حدث لم بالفعل! قال مستنكرا‪ :‬وما دليلك علي ذلك؟! قلت‪ :‬لقد كان ل صديق يدعي "حسن السيد" وهو عديل الضابط أحد أنور مدير السجون الربية‪ ,‬وكان موضع ثقة‬

‫كبية من جال عبد الناصر‪ ,‬وكانت قد قامت بين وبينه صداقة وثيقة عام ‪ ,1952‬فزرته ذات مساء ف أواخر يوليو ‪ 1954‬ف مكتبه (وكان يعمل ماميا) فوجت عنده زبوني أني‬

‫أمرها بسرعة وقال‪ :‬تعال! إنا أريدك ف أمر مهم‪ ..‬وأغلق بابكتبه بالفتاح من الداخل مع أنه ل يكن فتنحه من الارج! وقال‪ :‬أريدك ف أمر علي غاية من الهية‪ ...‬نريد أن نوقف‬

‫الصدام بي الخوان والكومة بأي شكل! قلت إن الصدام قد وققع بالفعل‪ ,‬فكيف يوقف؟ قال‪ :‬فلييكفوا عن نقد العاهدة (يقصد العاهدة الت أجريت بي الكومة وبي النليز ف‬

‫ذلك العام‪ ,‬وكان للخوان علي ها جلة اعتراضات) قلت‪ :‬ل قد أعلنوا رأي هم في ها بالف عل‪ ,‬ف ما الع مل؟! قال‪ :‬فلين سحبوا من ال سياسة ويعلنوا أنف سهم جا عة دين ية! قلت‪ :‬ألما ية‬

‫أشخاصهم يفعلون ذلك‪ ,‬ويدمرون ف الوقت ذاته الساس الذي قاموا عليه؟ لقد قاموا علي أساس مارسة السلم بعناه الشامل‪ ,‬والسياسة جزء منه‪ ,‬فإذا انسحبوا اليوم من السياسة‬

‫فماذا بقي لم من مبادئهم يركتزون عليه؟ قال‪ :‬مؤقتا فقد حت تر الزمة‪ ...‬فإنك ل تدري ماذا سيحدث لم! قلت مستفسرا‪ :‬ماذا سيحدث لم؟ فتردد ف الجابة فكررت عليه‬

‫السؤال‪ :‬ما الذي سيحدث لم؟ فقال‪ :‬أن أعيش ف وسطهم‪ ,‬وأعلم ماذا سيحدث‪ .‬يعن‪ ...‬حي يأخذون الرشد والشخاص البارزين ف الماعة فيعدمونم‪ .‬ويأخذون كذا ألف‬

‫شاب فيعذبونم علي طري قة إبراه يم ع بد الادي‪ ..‬تكون الدعوة قد انت هت!! قلت‪ :‬ل تنت هي الدعوة بذا! قال متدا‪ :‬أ ظن ستقول ل إن الضطهاد يذ كي الدعوات! أن أح فظ هذا‬
‫كان وثيـق الصـلة بتقريـر " جونسـتون " الندوب الاص للرئيـس أيزناور فـ " الشرق الوسـط "‬
‫الكلف ببحث القضية الفلسطينية وتقدي تقرير الرئيس أيزناور عن الل المثل للقضية‪.‬‬
‫و قد قام " جون ستون " باله مة ال ت كلف ب ا فجال خلل النط قة وقا بل العرب واليهود ث قدم‬
‫تقريرا مفصل مبنيا على ثلث نقاط رئيسية "‬
‫النقطة الول‪ :‬هى تقسيم مياه نر الردن بي العرب واليهود بالنسبة التالية‪ %10 :‬تقريبا لكل من‬
‫سوريا ولبنان باعتبار أن منابع النهر ترى ف كل من البلدين‪ .‬و ‪ %40‬تقريبا لكل من الردن وإسرائيل‬
‫فأما إسرائيل فتأخذ هذا القد لستصلح صحراء النقب ليواء ثلثة ملين من الهاجرين اليهود الدد‬
‫وأما الردن فتأخذ هذا القدر لستصلح ثلثة مليي دون (ف الضفة الغربية) لتوطي اللجئي العرب‬
‫(‪.)1‬‬
‫النقطة الثانية‪ :‬هى أنه نظرا لعدم وجود حدود واضحة بي إسرائيل والبلد العربية الحيطة با (‪.)2‬‬
‫فإنه كثيا ما يدخل العرب الرض السرائيلية وهو يظن أنه مازال ف الرض الرض العربية أو يدخل‬
‫السرائيلى الرض العربية وهو يظن أنه مازال ف الرض السرائيلية فتنشأ عن ذلك اشتباكات حربية‬
‫تسيئ إل أمن النطقة فيحسن تديد حدود ولو مؤقتة بي إسرائيل والبلد العربية ‪ -‬تدد نائيا فيما بعد‬
‫(‪ .)3‬على أن تترك شقة حرام عرضها مائتا متر بي البلد العربية وإسرائيل‪.‬‬
‫النقطية الثالثية‪ :‬هـى أنـه إذا بقيـت أمور أخرى متلف عليهـا بيـ العرب واليهود فيجلس العرب‬
‫واليهود على مائدة مستديرة لل هذه اللفات (‪.)4‬‬
‫ول يعنينا الن هذا التقرير ول ما فيه من إجحاف بالعرب وخدمة مغلفة أو غي مغلفة لليهود‪ ..‬فقد‬
‫أصبح هذه كله ف ذمة التاريخ وما كان ف حقيقته إل خطوة مرحلية تتوسع إسرائيل بعدها ما شاءت‪.‬‬

‫الكلم أكثر منك! ولكن أمامك مائة سنة أخري حت تعود الدعوة من جديد! قلت‪ :‬إن هذا عصر تتابع فيه الحداثث بسرعة ول مال فيه لشئ يأخذذ مئات السني! ومع ذلك فماذا‬

‫ف وسعي أنا أن أفعل؟! قال‪ :‬تلقي بأخيك سيد وتطلب منه وقف الصدام مع الكومة بأي شكل! قلت له‪ :‬نعم! أفعل‪ ...‬ول ألتق بأخي حت كانت العتقالت‪.‬‬

‫قلت ذلك للمحقق فارتبك ارتباكا شديدا ل يستطع إخفاءه! وظل ما يقرب من نصف دقيقة ل يد ما يقول‪ ,‬ث قال متلعثما‪ :‬ف يوليو أل يكن الادث قد وقع؟! قلت‪ :‬ل! لقد وقع ف‬

‫‪ 26‬أكتوبر! قال‪ :‬نعم! لقد كان الخوان يومئذ قد بدءوا يشاغبون! وبعد أسبوعي طلبن الحقق‪ ,‬وقال‪ :‬لقد استدعينا حسن السيد وسألناه‪ ,‬فأقر با ذكرته ف التحقيق!‪.‬‬

‫() وبذلك تنتهي مشكلة "اللجئي" الت كانت ف ذلك الوققت تشغل "الرأي العام العالي" حت استطاع اليهود ‪ -‬بوسائلهم ‪ -‬أن ُينْسوا "الررأي العام العالي" مشكلة اللجئي‪ ,‬حي‬
‫‪1‬‬
‫حولوا العرب جيعا إل لجئي!!‪.‬‬

‫()كانت البلد العربية ف ذلك الوقت ل تعترف بإسرائيل‪ ,‬وتسميها "إسرائييل الزعومة" فلم تكن هناك حدود معترف با!‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫()لحظ رغبة جونستون ف عدم تديد حدود نائية ف ذلك الي لكي ل تتقيد با إسرائيل!إنا يييد فقط إعطاءها شرعية الوجود‪ ,‬ول بأس عليها بعد ذلك ان تتخطي الدود!‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫() وذلك تهيدا للصلح!!‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫و قد تاوزت إ سرائيل اليوم كل ما جاء ف ذلك التقر ير فاستولت على الض فة الغربية بأكمل ها وعلى‬
‫ثاني ف الئة من مياه النهر وذبت من السلمي من ذبت وطردت من طردت وحولت من حولت‬
‫إل لجئي‪..‬‬
‫إنا الذى يعنينا هو الملة التامية الت ختم با " جونستون " تقريره الذى كان ف ذلك الوقت هو‬
‫الطريقة الت تريد با أمريكا تثبيت إسرائيل على وضعها الذى كانت عليها وإعطاءها الشرعية اللزمة‬
‫لوجودها والت كان اليهود يتاجون إليها كخطوة مرحلية يثبون بعدها وثبات جديدة ف تقيق ما هو‬
‫مطط من قبل وما هو متفق عليه بي أمريكا وإسرائيل‪.‬‬
‫كانت الملة التامية على هذا النحو‪:‬‬
‫" ولكن طالا أ جاعة الخوان السلمي وهى جاعة قوية مسلحة متعصبة يبلغ تعدادها حوال‬
‫الليون ف م صر والبلد العرب ية الخرى‪ ..‬طال ا أن هذه الما عة باق ية بقوت ا فلن ي كن تنف يذ هذا ال ل‬
‫ولن تستقر المور ف الشرق الوسط " !!‬
‫وكان العن واضحا بكل تأكيد‪ ..‬معناه‪ :‬اقضوا لنا على هذه الماعة لكى " يكن تنفيذ هذا الل‬
‫ولكى تستقر المور ف الشرق الوسط " !!‬
‫ورفع التقرير ف يونيو ‪ 1954‬إل الرئيس أيزناور فواق عليه‪ ..‬وأعطيت الشارة لمال عبد الناصر‬
‫للتنفيذ‪.‬‬
‫وهذا هـو الذى يفسـر فزع الرجـل الطيـب السـتاذ حسـن السـيد الذى كان يعيـش فـ وسـطهم‬
‫ويعرف ما يسمع منهم – ماذا يراد بالخوان السلمي !!‬
‫‪m m m‬‬

‫تت الذبة البشعة على يد السفاح" البطل " !‬


‫وقتل من قتل على حبل الشنقة أو على يد الزبانية ف أثناء التعذيب‪..‬‬
‫وعاشت البلد ف رعب قاتل سنوات متلحقات‪..‬‬
‫وبدا للناس – ظاهرا – أن الركة السلمية قد انتهت إل غي رجعة‪..‬‬
‫واطمأن العداء إل ما ت من التدبي‪..‬‬
‫كتب مروبرجر ف عام ‪ 1962‬ف كتابه "العال العرب اليوم "‪:‬‬
‫" وكانت أشد صورة لتجدد هذا الصراع (بي التاه الدين والتاه العلمان ‪ Secular‬هى الت‬
‫حد ثت ف م صر ب عد عام ‪..1954‬ذلك أن الخوان ال سلمي التطرف ي ل ا رأوا أن الر كة العلمان ية‬
‫(اللدينيـة (‪ ))1‬تزداد قوة انقلبوا على زملئهـم السـابقي فـ السـلح الذيـن اسـتولوا على السـلطة عام‬
‫‪.1952‬ولقد قام النظام (الاكم ف مصر) بقمع الخوان السلمي بل رحة وقمع دعوتم إل الوحدة‬
‫السلمية الت يقفون با ضد الدعوة القومية اللدينية" (‪.)2‬‬
‫ث قال ف الصفحة التالية (‪.)3‬‬
‫"إن الصراع بي التاه الدين القومى اللدين هو صراع حتمى ولكن يكن تأجيله بعض الوقت‬
‫ولكن الغلبةف ذلك الصراع ستكون للتاه القومى اللدين "‪.‬‬
‫ث كتب (ص ‪ )387 – 385‬كلما طويل عن التغي الجتماعى ف روسيا وتركيا ومصر خلص‬
‫منه ف النهاية بأن جال عبد الناصر قد أحدث اتاها إل العلمانية (اللدينية) ف مصر عن طريق تغيي‬
‫منا هج التعل يم وتشج يع ال صناعة وتعل يم الرأة وتغي ي علقات ال سرة إل قد يكون بطيئا ول كن ل‬
‫رجعة فيه !‬

‫‪m m m‬‬

‫ولكن قدرا هائل كان ينتظر جال عبد الناصر وينتظر الصليبية الصهيونية من ورائه‪..‬‬
‫ففى سنة ‪ 1963‬بدأت مابراته تقول له‪ :‬إن هناك حركة ما ف صفوف الخوان السلمي ل يعرف‬
‫مصدرها بالضبط ول يعرف حجمها بالضبط ولكنها بدأت تنشط‪.‬‬
‫وكانت مفاجأة أعنف من كل ما سبق !‬
‫أبعد كل ما حدث ؟!‬
‫لقد كانت الصحوة السلمية منذ بدائها مفاجأة " لصحاب الشأن "من الصليبي واليهود !‬
‫وكان اتساع مداها بعد مقتل قائد الركة الول مفاجأة أخرى لصحاب الشأن !‬
‫وكانت عودة النشاط ف صفوف الركة بعد كل الذى فعله عبد الناصر من التعذيب الوحشى الذى‬

‫() تترجم كلمة ‪ Secular‬عادة بالعلمانية‪ ,‬وهي ترجة خاطئة‪ ,‬والصحيح ترجتها باللدينية (راجع فصل "العلمانية" من كتاب "مذاهب فكرية معاصرة") فالناس ف السلم إما أن‬ ‫‪1‬‬
‫يكونوا بكل واقعهم وكل مشاعرهم داخل الدين وإل فهم خارجة‪ .‬ول توجد ف السلم منظقة "علمانية" تكون فيها بعض العمال وبعض الشاعر خارج دائرة الدين‪ ,‬ويكون‬
‫أ صحابا مع ذلك م سلمي!! إنا كان ذلك ف الدين الكن سي الحرف‪ ,‬الذي قال قساوسته أدّ ما لقي صر لقيصر و ما ل ل! ولكن ال تعال يقول‪{ :‬يَا َأّيهَا الّذِي َن آمَنُوا ادْ ُخلُوا فِي‬
‫ي (‪[ })208‬سورة البقرة ‪ ]2/208‬أي ادخلوا بكافة أنفسكم ف السلم‪.‬‬ ‫سلْ ِم كَافّ ًة وَل َتتِّبعُوا ُخ ُطوَاتِ الشّْيطَانِ ِإنّهُ لَكُ ْم عَ ُدوّ مُبِ ٌ‬
‫ال ّ‬
‫() ص ‪ 319‬من الطابعة الثانية ‪ Anchor Books edition‬نيورك سنة ‪.1964‬‬
‫‪2‬‬
‫() ص‪.320 :‬‬
‫‪3‬‬
‫(‪)1‬‬
‫مفاجأة أعنف وأشد !‬ ‫ل مثيل له ف التاريخ‬
‫لذلك كا نت مذب ة ‪ – 1965‬على يد ال سفاح "الب طل "أع نف بكث ي من مذب ته ال سابقة سنة‬
‫‪.1954‬‬
‫‪m m m‬‬

‫ومرة ثالثـة نقول إننـا ل نؤرخ لحداث الصـحوة السـلمية ول نؤرخ لمال عبـد الناصـر ول‬
‫للمخططات الصليبية الصهيونية للقضاء على الركة السلمية‪..‬‬
‫إنا نن فقط ندرس هذه الظاهرة‪ ..‬ظاهرة الصحوة السلمية‪..‬‬
‫ل قد بدأت ف قلب ر جل وا حد ف تح ال عل يه وو هب له من إشرا قة الروح و صفاء ال صلة بال ما‬
‫يستشعر به عظمة السلم وما يتحرك به لتحقيق هذه العظمة ف واقع الياة‪.‬‬
‫بدأ حياته صوفيا فانتمى منذ صباه إل جاعة صوفية عمقت إشراقه الروحى ووصلت قلبه بال‪.‬‬
‫ولكنه أدرك – با فتح ال عليه – أن السلم أعظم بكثي ما تتمثله الصوفية وتارسه‪ ..‬إنه نظام حياة‬
‫كامل وليس صلة روحية بي العبد والرب فحسب‪.‬‬
‫ل يس عبادة فرد ية ي ستغرق في ها العا بد ف صلة مدودة "بالخوان " ف الطري قة (‪ )2‬بعيدا عن وا قع‬
‫الياة‪ ..‬إنا هو عبادة فردية وجاعية ف ذات الوقت تتمثل ف إقامة الجتمع السلم الذى يتحاكم إل‬
‫شري عة ال والدولة ال سلمة ال ت ت كم بشري عة ال‪ ..‬وإذا كان هذا ال كم غ ي قائم فينب غى الع مل على‬
‫إقامته ف ترتيب متدرج متسلسل‪ :‬بناء الفرد السلم فالسرة السلمة فالجتمع السلم فالدولة السلمة‪.‬‬
‫يقول المام الشهيد ف رسالته بعنوان " أيها الشاب "‪:‬‬
‫" إن منهاج الخوان السلمي مدد الراحل واضح الطوات‪ .‬فنحن نعلم تاما ماذا نريد ونعرف‬
‫الوسيلة إل تقيق هذه الرادة‪.‬‬
‫(‪ )1‬نريد أول الرجل السلم ف تفكيه وعقيدته وف خلقه وعاطفته وف عمله وتصرفه فهذا هو‬
‫تكويننا الفردى‪.‬‬
‫(‪ )2‬ونريد بعد ذلك البيت السلم ف تفكيه وعقيدته وف خلقه وعاطفته وف عمله وتصرفه ونن‬
‫لذا نعن الرأة عنايتنا بالرجل ونعن بالطفولة عنايتنا بالشباب وهذا هو تكويننا السرى‪.‬‬

‫() إل ما صنعته ماكم التفتييش ف الندلس للقضاء علي السلم كما سبقت الشارة‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() أي الزملء ف الطريقة الصوفية‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫(‪ )3‬ونريد بعد ذلك الشعب السلم ف ذلك كله أيضا ونن لذا نعمل على أن تصل دعوتنا إل كل‬
‫بيت وأن يسمع صوتنا ف كل مكان وأن تتيسر فكرتنا وتتغلغل ف القرى والنجوع والدن والراكز‬
‫والواضر والمصار ل نألو ف ذلك جهدا ول نترك وسيلة‪.‬‬
‫(‪ )4‬ونريد بعد ذلك الكومة السلمة الت تقود هذا الشعب إل السجد وتمل به الناس على هدى‬
‫السلم من بعد كما حلتهم على ذلك بأصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم أب بكر وعمر من‬
‫قبل ونن لذا ل نعترف بأى نظام حكومى ل يرتكز على أساس السلم ول يستمد منه ول نعترف‬
‫بذه الحزاب السياسية ول بذه الشكال التقليدية الت أرغمنا أهل الكفر وأعداء السلم على الكم‬
‫با والعمل عليها وسنعمل على إحياء نظام الكم السلمى بكل مظاهره وتكوين الكومة السلمية‬
‫على أساس هذا النظام " (‪.)1‬‬
‫لقد كانت هذه الشراقة ف قلبه وروحه – الت فتحت عينه على هذه القيقة – فتحا ربانيا ول شك‬
‫وكانت ف الوقت ذاته هى الستجابة الصحيحة للحداث القائمة منذ اكثر من قرن من الزمان ف العال‬
‫السلمى بأسره وف مصرف بصفة خاصة كانت هى الوقف الصحيح الذى كان ينبغى أن يقفه رفاعة‬
‫الطهطاوى وجال الد ين الفعا ن وم مد عبده و سعد زغلول و كل الذ ين انز مت أرواح هم إزاء‬
‫الغرب فانرفوا بدرجات متفاوته ف تيار التغريب !‬
‫هل كان من الستحيل على هؤلء أن يتجهوا الوجهة الصحيحة ف الزمن الذى عاشوا فيه ؟!‬
‫هل كانوا هم النتاج‪ :‬النطقى " الوحيد أو النتاج " المكن " الوحيد بالنسبة لظروف عصرهم ؟!‬
‫كل ! ف قد كان نوذج م مد بن ع بد الوهاب قائ ما ف الزيرة العرب ية ف الو قت الذى عاشوا ف يه‬
‫وكان يثـل التاه الصـحيح والركـة السـتقيمة‪ ..‬ولكنهـم ل يتجهوا إليـه ول إل مثله إناـ اتهوا إل‬
‫الغرب لا كان ف نفوسهم من الزية الداخلية إزاءه‪.‬‬
‫وال هو الذى يقدر القدار و هو الذى يف تح على قلوب من يشاء من عباده ويط مس على قلوب‬
‫من يشاء‪ ..‬ولكن ال بي لنا كيف يرى قدره ف الرض من خلل أعمال الناس واتاهاتم‪.‬‬
‫سَبتْ َأيْدِي النّاسِ} [سورة الروم ‪]30/41‬‬
‫{ َظهَ َر اْلفَسَادُ فِي اْلبَ ّر وَاْلبَحْ ِر بِمَا كَ َ‬
‫ك ِبَأّنهُمْ كَ ِرهُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ َفأَ ْحبَطَ َأعْمَاَلهُمْ (‪[ })9‬سورة ممد ‪]47/9‬‬
‫{ذَلِ َ‬
‫{قُلْ ِإنّ اللّ َه يُضِ ّل مَ ْن يَشَا ُء َوَيهْدِي إِلَيْ هِ مَ نْ َأنَا بَ (‪ )27‬الّذِي نَ آ َمنُوا َوتَطْ َمئِنّ قُلُوُبهُ ْم بِذِ ْكرِ اللّ هِ أَل‬
‫بِذِ ْكرِ اللّ ِه تَطْ َمئِ ّن اْلقُلُوبُ (‪[ })28‬سورة الرعد ‪]28-13/27‬‬

‫() راجع‪ :‬مموع رسائل المام الشهيد "حسن البنا" طبع الؤسسة السلمية للطباعة والصحافة والنشر‪ ,‬بيوت‪ ,‬الطبعة الثالثة ‪1403‬هـ ‪1983‬م ص ‪.177‬‬
‫‪1‬‬
‫ْسـنِيَ (‪[ })69‬سـورة العنكبوت‬
‫َعـ الْ ُمح ِ‬
‫ّهـ لَم َ‬
‫سـبَُلنَا َوإِن ّ الل َ‬
‫ُمـ ُ‬
‫ِينـ جَاهَدُوا فِين َا َلَنهْ ِدَينّه ْ‬
‫{وَالّذ َ‬
‫‪]29/69‬‬
‫فل عذر لؤلء في ما انرفوا ف يه عن الطر يق ال صحيح وجروا أمت هم كل ها وراء هم ف انراف عن‬
‫الطريق الصحيح‪.‬‬
‫وف الوقت ذاته نسأل‪ :‬هل كان يكن للدعوى أن تنجح لو قامت ف ذلك الوقت بدل من وقتها‬
‫الذى قامت فيه ؟‬
‫ذلك غ يب ل نل الجا بة اليقين ية عل يه وإن كان نوذج م مد ع بد الوهاب ف الزيرة يو حى بأ نه‬
‫كان ف المكان ول كن هذا ل ي سقط عن هؤلء وا جب الدعوى ! فإن ال من رح ته كلف نا أن ند عو‬
‫ول يكلفنا الوصول إل نتائج معينة ف دعوتنا‪ .‬ول ياسبنا سبحانه عن النتائج إن بذلنا جهدنا لنه هو‬
‫سبحانه الذى ير تب النتائج ويقدر ها‪ .‬إن ا يا سبنا على ال هد الذى ينب غى أن نبذله‪ :‬هل بذلناه ؟ وعلى‬
‫أى نو بذلناه‪.‬‬
‫ك هُ ْم الْ ُمفْلِحُونَ‬
‫ف َوَينْ َهوْنَ عَ ْن الْ ُمْنكَ ِر َوُأوْلَئِ َ‬
‫خيْ ِر َويَ ْأمُرُونَ بِالْ َمعْرُو ِ‬
‫{وَْلتَكُ ْن ِمْنكُمْ ُأ ّمةٌ يَ ْدعُونَ إِلَى الْ َ‬
‫(‪[ })104‬سورة آل ‪]3/104‬‬
‫" لن يهدى ال بك رجل واحدا خيا لك من حر النعم " (‪.)1‬‬
‫" يأتى النب يوم القيامة ومعه الرجل والرجلن وليس معه أحد " (‪.)2‬‬
‫إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أل يقوم حت يغرسها فليغرسها " (‪.)3‬‬
‫فلو قام هؤلء بواجب الدعوة إل ال ث ل يستجب لم أحد لكانوا قد أدوا ما عليهم وأعذروا إل‬
‫ال‪ ..‬ويقع الوزر على الذين ل يستجيبون‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫كا نت هذه الشرا قة ف قلب ح سن الب نا فت حا ربان يا – ك ما قل نا – وكا نت ف الو قت ذا ته هى‬


‫الستجابة الصحيحة للحداث القائمة ف العال السلمى – وف مصر خاصة منذ – كما قلنا – أكثر‬
‫من قرن من الزمان‪..‬‬

‫() أخرجه الشيخان‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫() متفق عليه‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() أخرجه البخاري‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫وكانت هى قدر ال الغالب الذى قدره سبحانه – ف غيبه – ردا على كيد الكائدين بإزالة اللفة‪.‬‬
‫لقـد كان الضياع الذى أحسـه السـلمون بعـد الطاحـة باللفـة والزن البالغ الذى أصـاب العال‬
‫السلمى والسى الذى استول على القلوب هو ذاته الذى بعث حسن البنا إل إنشاء دعوته فقد قال‬
‫ف نفسه‪ :‬إذا كانت دولة السلم قد ضاعت فلماذا ل ناول استعادتا من جديد ؟!‬
‫ب عَلَى َأمْ ِرهِ وََلكِنّ أَ ْكثَ َر النّاسِ ل َيعْلَمُونَ (‪[ })21‬سورة يوسف ‪]12/21‬‬
‫{وَاللّ ُه غَالِ ٌ‬
‫‪m m m‬‬

‫(‪)1‬‬
‫وأخذت الدعوى مداها ف حياة المام الشهيد وانضم إليها مئات اللوف من الناس‪....‬‬
‫كانوا ناذج شت واتاهات متعددة‪.‬‬
‫كان في هم فر يق من ال صوفيي الذ ين ظنوا أن جا عة الخوان ال سلمي جا عة صوفية جديدة متنورة‬
‫تسي على ذات القاعدة الصوفية الت يعرفونا ولكنها خالية من " البدع "الت يقع فيها "الحترفون " من‬
‫الصوفية فرأوا أن اتباعها ل يرج بم عن طريقهم الذين ألفوه وف الوقت ذاته ل يوقعهم فيما يعاب‬
‫على الصوفية من انرافات‪.‬‬
‫وكان في هم كث ي من الشباب النظ يف التط هر الذى ل تلو ثه مو جه الف ساد الكا سحة ال ت تف سد‬
‫الجت مع وتلو ثه بالد نس والذى ات ذ موق فا مددا من الضارة الغرب ية أن ينت فع بالنا فع من ها الذى ل‬
‫يتعارض مع عقيد ته وأخل قه ولك نه ير فض ماد ية هذه الضارة وتبذل ا الخل قى وتلل ها الن سى‬
‫واستحللا لكل ما حرم ال‪.‬‬
‫ولقد كان مثل هؤلء الشباب موجودين ف الجتمع‪ ..‬ل تكن قد أكلتهم الدوامة ِ ول غلبتهم على‬
‫نظافتهم وتطهرهم‪ ..‬ولكنهم كانوا ضائعي‪ ..‬كانوا أفراد متناثرين ل يربط بينهم رابط ول تمع بينهم‬
‫وحدة‪ ..‬وكانوا قمين ي أن يعيشوا ف عزلت هم الضائ عة تف ن في ها أعمار هم ل يلت فت إل يه أ حد إل‬
‫بالسخرية إن التفت فحسبها أن تقف ف موقعها الذى أزيت إليه حت تفن وتضيع‪ ..‬ومن ث ل يكن‬
‫لم رغم وجودهم – وجود مسوس !‬
‫فالن وجدوا أنفسهم !‬
‫ل يعودوا قطرات متناثرة مزا حة من الطر يق‪ ..‬إن ا صاروا – ف حس أنفسهم على ال قل – وجودا‬
‫مسوسا‪ ..‬وجود مستقل متميزا عن الدوامة الكاسحة مغايرا لا ف التاه تضعفه الوجه الكاسحة نعم‬

‫() اقدر بعض الهات عدد الذين انضموا للدعوة قبل مقتل المام الشهيد بنصف مليون‪ ,‬وليس هناك إحصاء دقيق بطبيعة الال‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ولكنها ل تفقده وجوده ول تفقده تيزه ول تفقده ترابطه‪ ..‬بل تزيده !‬
‫ث إنه ينمو‪ ..‬نو سريعا (‪ ..)1‬فتحس الوجة الكاسحة ضغطه وإن كانت ل تقف له ول تأبه له ول‬
‫تكف عن الريان من أجله ولكنها تس بالضيق من وجوده !‬
‫وكانـت هناك "جاهيـ "جاءت لتشبـع " وجداناـ الدينـ " وهـى ل تعرف مـن السـلم إل ذلك‬
‫الوجدان ! وكا نت ت د ف خ طب المام الشه يد ودرو سه من ف يض "الروحان ية" و قد و هب ال له‬
‫روحانية فياضة مشعة عميقة التأثي ما يشبع ف نفسها وجدانا الدين فيشدها إل "الماعة " فتمارس‬
‫بعض نشاطاتا ولكن مطلبها الول هو إشباع ذلك الوجدان !‬
‫وكان فيهـم كذلك مسـتنفعون ! مـن رجال الحزاب السـياسية القائمـة يومئذ ظنوا أن هذا حزب‬
‫سياسى جديد ينمو بسرعة متزايدة‪ ..‬أو قطار جديد ينهب الرض نبا وتتزايد " جاهيه " فحدثتهم‬
‫أنفسهم أن لعله يكون – بكثرة جاهيه وترابطهم أقرب من غيه ف الوصول للحكم‪ ..‬فل تفوتم إذن‬
‫الفرصة ول يفوتم القطار !‬
‫وحي جاءت الضربة عام ‪ 1949-1948‬فرت كثي من تلك الموع إل غي رجعة‬
‫فر الت صوفون‪ ..‬ف قد عرفوا يقي نا أن هذه ل ت كن جا عة صوفية جديدة متنورة إن ا كا نت حر كة‬
‫جهاديـة يتعرض أصـحابا لاـ يتعرض له الجاهدون فـ التاريـخ كله مـن القتـل والتعذيـب والتشريـد‬
‫والطاردة‪ ..‬وما لذا كانوا قد جاءوا ول عندهم احتمال له ول اصطبار عليه‪ ..‬فالنجاة النجاة من ماطر‬
‫الطريق !‬
‫فر الستنفعون‪ ..‬فقد عرفوا يقينا أن هذا القطار هو أبعد شئ عن الوصول إل كراسى الكم وهم‬
‫لذا جاءوا ل يعرفون غيه ول يسـتهدفون سـواه‪ ..‬فالفرار الفرار قبـل أن يدمغوا دمغـة ل يسـتطيعون‬
‫التخلص من عقابيلها فيما بعد !‬
‫وفرت الماهيـ فمـا عاد هناك مـا يشبـع وجدانمـ الدينـ وهـم ل يلكون غيه ول يعرفون مـن‬
‫السلم غيه إنا هناك سجن وتعذيب وتشريد وتقتيل‪ ..‬وما لذا كانوا قد جاءوا ول عندهم احتمال‬
‫له ول اصطبار عليه‪ ..‬فالرب الرب قبل أن تعثر عليهم السلطات وتتهمهم بأنم كانوا هناك !‬
‫وبقـى الشباب النظيـف التطهـر‪ ..‬ومـع ذلك ل يبـق كله‪ ..‬فمـا كان كله يعرف مـن قبـل عقابيـل‬
‫الطر يق‪ ..‬و ما كان كله يقدر أن سيناله ف الطر يق شئ من العذاب والتضحيات ! إن ا كان ي ظن أن ا‬
‫سياحة طي بة ف ال و الن قى بعيدا عن قذارات الجت مع الد نس الذى يع يش ف يه في ما متاعب ها الذات ية‬

‫() لنا رأي ف هذا النمو السريع سنبينه فيما بعد‪ ,‬لكنا هنا نسجل واقع الال‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫فح سب متا عب الحاف ظة على الد ين ف و سط الف ساد الكا سح تلك ال ت قال عن ها ر سول ال‪" :e‬‬
‫يأتى زمان يكون القابض على دينه كالقابض على المر " أما التعرض للسجون والعتقلت والتشريد‬
‫والتعذيب فلم يكن ف حسبان كثي منهم على الرغم من أن المام الشهيد قال لم ذلك ف وضوح ل‬
‫لبس فيه حي قال لم ف رسالة " بي المس واليوم "‬
‫"أحب أن أصار حكم أن دعوتكم لزالت مهولة عند كثي من الناس ويوم يعرفونا ويدركون‬
‫مرامي ها وأهداف ها ستلقى من هم خ صومة شديدة وعداوة قا سية و ستجدون أمام كم كثيا من الشقات‬
‫وسـيعترضكم كثيـ مـن العقبات وفـ هذا الوقـت وحده تكونون قـد بدأتـ تسـلكون سـبيل أصـحاب‬
‫الدعوات أ ما الن فل زل تم مهول ي ول زل تم تهدون لدعوة وت ستعدون ل ا تتطل به من كفاح وجهاد‬
‫سيقف جهل الشعب بقيقة السلم عقبة ف طريقكم وستجدون من أهل التدين ومن العلماء الرسيي‬
‫من يستغرب فهمكم للسلم وينكر عليكم جهادكم ف سبيله‪ .‬وسيحقد عليكم الرؤساء والزعماء وذوا‬
‫الاه والسلطان وستقف ف وجوهكم كل الكومات على السواء وستحاول كل حكومة أن تد من‬
‫نشاطكم وأن تضع العراقيل ف طريقكم‪.‬‬
‫" و سيتذرع الغاضبون ب كل طر يق لناهضت كم وإطفاء نور دعوت كم و سيتستعينون بالكومات‬
‫الضعيفة والخلق الضعيفة واليدى المتدة إليهم بالسؤال وإليكم بالساءة والعدوان‪ .‬وسيشي المع‬
‫حول دعوت كم غبار الشبهات وظلم التامات و سيحاولون أن يل صقوا ب ا كل نقي صة وأن يظهرو ها‬
‫للناس ف أبشع صورة معتمدين على قوتم وسلطانم معتدين بأموالم ونفوذهم‪.‬‬
‫{يُرِيدُونَ أَ ْن يُ ْط ِفئُوا نُورَ اللّهِ بِأَ ْفوَا ِههِ ْم َوَيأْبَى اللّهُ إِلّ أَنْ ُيتِمّ نُورَ ُه وََلوْ َكرِهَ اْلكَافِرُونَ ( ‪[ })32‬سورة‬
‫التوبة ‪ .]9/32‬وستدخلون بذلك ول شك ف دور التجربة والمتحان فتسجنون وتعتقلون وتنقلون‬
‫وتشردون وتصادر مصالكم وتعطل أعمالكم وتفتش بيوتكم ن وقد يطول بكم مدى هذا المتحان‪:‬‬
‫سبَ النّا سُ أَ ْن ُيتْرَكُوا أَ ْن َيقُولُوا آمَنّا وَهُ ْم ل ُيفَْتنُو نَ} [سورة العنكبوت ‪ .]29/2‬ولكن ال‬
‫{أَحَ ِ‬
‫وعدكم بعد ذلك كله نصرة الجاهدين ومثوبة العاملي الحسني‪:‬‬
‫{يَا َأّيهَا الّذِينَ َآ َمنُوا هَلْ أَدُّلكُ ْم عَلَى تِجَا َر ٍة تُنجِيكُ ْم مِ ْن عَذَابٍ أَلِيمٍ (‪[ })10‬سورة الصف‬
‫صبَحُوا ظَاهِرِينَ (‪[ })14‬سورة الصف ‪ ]61/14‬فهل‬ ‫‪َ{...]61/10‬فأَيّ ْدنَا الّذِينَ َآ َمنُوا عَلَى عَ ُد ّوهِمْ َفأَ ْ‬
‫أنتم مصرون على أن تكونوا أنصار ال ؟ (‪)1‬‬
‫إنا الذين بقوا داخل الماعة بعد الضربة القاصمة كانوا هم الذين تربوا بالفعل على يد المام الشهيد‬

‫() مموعة رسائل المام الشهيد حسن البنا‪ ,‬الؤسسة السلمية للطباعة والصحافة والنشر‪ ,‬بيوت‪-‬ط ‪1403-3‬هـ ‪1983‬م‪ ,‬ص ‪.109-108‬‬
‫‪1‬‬
‫والذين كان ف تقسيمه يسميهم (الخوان العاملي) وإن كان كثي من هؤلء قد ظهرت عليهم فيما بعد‬
‫أثار "التعجل" ف التكوين والركة الت سنتكلم عنها فيما بعد‬
‫‪m m m‬‬

‫فرت كثي من الموع الت كانت تتحلق حول المام الشهيد ف درسه السبوعى فتمل الركز العام‬
‫لماعة الخوان السلمي وتل الشوارع التفرعة حوله حي رأوا أن المر ليس عرضا قريبا ول سفرا‬
‫قاصدا إ ما هو جهاد وعذاب (‪ .)1‬كما فرت الموع الت كانت تستقبل المام الشهيد كلما تنقل ف‬
‫مدن القطر أو ف أريافه ف رحلته الدائمة الت ل يكن يفتر عنها‪.‬‬
‫ولكن حدوث ذلك التجمع يمل مع ذلك دللته‪ ..‬أو قل‪ :‬يمل دللته‪.‬‬
‫الدللة الول‪ :‬إن السلم ل يكن قد انتهى تاما من القلوب كما ظن الذين ظلوا يعملون – خلل‬
‫قرن ونصف قرن من الزمان على مو السلم من مصر موا وتويلها إل " قطعة من أوربا "(‪ )2‬أو" قطعة‬
‫من حوض البحر البيض التوسط " (‪ )3‬أو قطعة من أى شئ إل السلم‪.‬‬
‫والدللة الثانية إن الناس كانت تنتظر لدعوة الجتمع‪.‬‬
‫إن الماهيـ ل تتجمـع مـن تلقاء نفسـها إل فـ المور التـ تتعلق بالكيان الادى كمـا تتجمـع‬
‫الظاهرات الت تطالب بالبة أو غيه من الضرورات القاهرة أما التجمع من أجل " القيم " فإنه يتاج‬
‫دائ ما إل القيادة‪ .‬ول قد كان علماء الد ين دائ ما هم القيادة ال ت تل جأ إلي ها الماه ي ف أزمات ا أو ال ت‬
‫تدعو الماهي إل التجمع فتتجمع حولا وتتحرك بإرشادها‪.‬‬
‫ول ا غاب العلماء عن ال ساحة وانزووا ف دا خل درو سهم أو ف دا خل أنف سهم غا بت القيادة "‬
‫الدينية " وبرزت أو أبرزت مكانا القيادة " اللدينية " وتبعتها الماهي مفتونة با على نو م ذكرنا ف‬
‫الفصل السابق‪.‬‬
‫فلما برزت القيادة الدينية مرة أخرى عادت الماهي إل التجمع حولا وإن يكن بنسبة أقل ف هذه‬
‫الرة ب سبب الغزو الفكرى والفتنة بالغرب ولكنه تمع قابل للت ساع والن مو بقدر ما تفلح القيادة ف‬
‫إزالة الغاش ية ال ت غش يت ال مة وعرض ال سلم ف حقيق ته النا صعة وترب ية ج يل جد يد على حقائق‬
‫السلم‪.‬‬
‫() قال تعال‪َ{ :‬لوْ كَانَ َعرَضا َقرِيبا وَ َسفَرا قَاصِدا لتّبَعُو َك وَلَ ِكنْ بَ ُع َدتْ َعلَْيهِمْ الشّقّةُ} [سورة التوبة ‪.]9/42‬‬ ‫‪1‬‬
‫() هذه قولة الديو إساعيل‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() هذه قولة طه حسي‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫والدللة الثال ثة‪ :‬إن ال سلم ي مل دائ ما جاذبي ته إل القلوب بكو نه د ين الفطرة فحيث ما ا ستقامت‬
‫الفطرة اهتدت إل ال سلم و سهل علي ها اتبا عه‪ ..‬فإذا كان الوا قع النحرف الذى كان يعي شه ال سلمون‬
‫قد ا ستغل من ق بل العداء لتنف ي الناس من ال سلم وإيهام هم أ نه هو ال سبب ف جود هم وتأخر هم‬
‫وضعفهم وتلفهم فإن العرض الصحيح لقائق السلم قمي أن يرد القلوب الشاردة إليه والدعوى إل‬
‫التجمع تت رايته قمينة أن ترد السلمي إل وضعهم الطبيعى بعد أن يتفرقوا ف شت الضللت‪:‬‬
‫سـِيلِهِ} [سـورة النعام‬
‫َنـ َب‬
‫ُمـ ع ْ‬
‫ّقـ ِبك ْ‬
‫السـلَ َفَتفَر َ‬
‫ُوهـ وَل َتتِّبعُوا ّبُ‬
‫ُسـقِيما فَاّتبِع ُ‬
‫صـرَاطِي م َْت‬
‫{ َوأَنّ هَذَا ِ‬
‫‪]6/153‬‬
‫صحيح أن التمكي للسلم مرة أخرى يتاج إل جهاد شاق‪..‬‬
‫وصحيح أن الرب الضارية الثارة ضد السلم اليوم من الصليبية العالية واليهودية العالية وأذنابهما‬
‫ت عل الهاد الطلوب للتمك ي لل سلم أ شق من أى و قت م ضى ب يث ل يطي قه إل أول العزم من‬
‫السلمي ولذا كان الستجيبون للدعوة قليلي ف مموعهم وإن كثروا‪..‬‬
‫كل هذا صحيح‪ ..‬ول كن تب قى الدللة قائ مة ل تتغ ي‪ ..‬لن ا مرتب طة بالتاه ذا ته‪ :‬اتاه العودة إل‬
‫السلم ل بالعدد الذى اته حت الن بالفعل‪.‬‬
‫ومـن أجـل هذه الدللة ينـ جنون العداء كلمـا رأوا هذه الدعوة تتـد أو تتنفـس بعـد أن يكتموا‬
‫أنفاسها ويظنوا أنم قضوا عليها القضاء الخي !‬
‫‪m m m‬‬

‫لقد كان العمل الذى قام به حسن البنا عمل ضخما يشبه أن يكون إعادة بناء أمة‪..‬‬
‫لقد كان الال هذه المة كجدار يريد ينقض‪ .‬فأقامه‪.‬‬
‫ول ي كن عمله هو مرد اللبنات ال ت كا نت ما تزال صالة ف الجت مع‪..‬أو تم يع القطرات التناثرة‬
‫الت أزاحها السيل‪ ..‬إنا كان عمله‪..‬إل جانب التجميع هو إنشاء بناء متي من تلك اللبنات وإيار تيار‬
‫حى متدفق من هذه القطرات‪..‬‬
‫كان عمله هو إعادة ال سلم ف نفوس معتنق يه إل " حر كة " إل من هج حياة وع مل‪ ..‬إل مار سة‬
‫واقع ية ب عد أن كان قد تول على يد " الشا يخ " إل قوالب جا فة تنق صها الياة والر كة وعلى يد‬
‫ممد عبده إل منهج ثقاف عقلن ل يتحرك لتغيي الواقع " ول " ياهد " من أجل التغيي وعلى يد‬
‫الصوفية إل أضرحة وأولياء ومزارات وعلى يد العامة إل تواكل خامل وخرافات‪.‬‬
‫ول ي كن ذلك عمل سهل على أى إن سان يت صدى لذه اله مة ف تلك الفترة من الزمان و ف تلك‬
‫البقعة من الكان حيث ركزت الصليبية والصهيونية جهودها لقتلع السلم‪.‬‬
‫ل ي كن سهل ر بط القلوب برباط الخوة ب عد أن فرقت ها الفرد ية النان ية الواردة مع تيار التغر يب‬
‫والناجة من قبل من تلى المة التدريى عن مارسة السلم ف عال الواقع‪.‬‬
‫ول يكن سهل تربية النفوس على أ تنذر نفسها للدعوى وتتخلى عن كثي من متاع الرض بعد‬
‫أن كانت النفوس قد ألفت الخلد إل الراحة ونذر الهد للحياة الدنيا منقطعة عن الخرة فإن ذكر‬
‫أحدهم الخرة فبالشعائر التعبدية على الكثر إن ل يكن بالنوايا الطيبة فحسب !‬
‫ول ي كن سهل ترب ية تلك النفوس ال ت أخلدت إل الرا حة ل كى تنذر نف سها – صادقة للموت ف‬
‫سبيل ال تعتب الوت ف سبيل ال أغلى أمانيها‪.‬‬
‫ل يكن شئ من ذلك سهل على أى إنسان يتصدى لذه الهمة‪ ..‬ولكنه كان ينساب سهل من بي‬
‫يدى ذلك البناء العظيـم الذى وهـب ال له مـا وهـب مـن صـفات الداعيـة البناء‪ ..‬مـن إشراقـة الروح‬
‫وصفاء القلب والتجرد ل والب الفياض واللد على العمل والصب على الكد والقدرة على التجميع‬
‫والقدرة على القيادة والقدرة على التنظيم‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫ولكن هذا البناء الضخم الذى أقامه كان يشتمل على ثغرات ظلت تعطى تأثياتا بصور شت ف خط‬
‫السي‪..‬وأغلب الظن أن هذه الثغرات ل تكن بادية للبناء العظيم ف بداية السي إل أنا بدت له واضحة‬
‫فيما بعد قبيل مقتله كما سيجئ وإن كان ل يهل لترسيخها ف قلوب أتباعه‪.‬‬
‫كان الثغرة الول هى الستعجال ف التجميع الماهيى قبل موعده الذى ينبغى أن يئ فيه‪.‬‬
‫إن الرص على هداية الناس وعلى هداية أكب عدد مكن ف أقصر وقت هو رغبة بشرية ملحة ف‬
‫نفوس الدعاة وال صلحي بل كا نت كذلك ف نفوس ال نبياء أنف سهم‪ .‬و قد كان ر سول ال صلى ال‬
‫عل يه و سلم ي س بالرغ بة العمي قة ف أن يهتدى الناس ك ما ي س بال سى العم يق لعدم ا ستجابة الناس‬
‫لدعوة الق حت قال له ربه‪:‬‬
‫ِيثـأَسـَفا (‪[ })6‬سـورة الكهـف‬
‫َمـ ُي ْؤمِنُوا ِبهَذَا الْحَد ِ‬
‫ِنـ ل ْ‬
‫ِمـ إ ْ‬
‫ك عَلَى آثَا ِره ْ‬
‫ْسـ َ‬
‫ِعـ َنف َ‬
‫ّكـ بَاخ ٌ‬
‫{فََل َعل َ‬
‫‪]18/6‬‬
‫ِينـ (‪[ })56‬سـورة‬
‫َمـ بِالْ ُم ْهتَد َ‬
‫َنـ يَشَا ُء َو ُهوَ َأعْل ُ‬
‫ّهـَيهْدِي م ْ‬
‫ْتـ وََلكِنّ الل َ‬
‫َنـَأ ْحبَب َ‬
‫ّكـ ل َتهْدِي م ْ‬
‫{ِإن َ‬
‫القصص ‪]28/56‬‬
‫ول كن هناك سننا ربان ية يرى بقتضا ها أ مر الدعوات وفي ها ال ي وإن ش قت ف مبدأ ال مر على‬
‫الدعاة والصلحي‪.‬وليست الكثرة الماهيية ف مبدأ الدعوى من بي هذه السنن ول هى ما يتحقق به‬
‫الي !‬
‫ولو كان الي يتحقق من هذه الكثرة ف مبدأ الطريق ما حجبها ال عن نبييه‪ e‬ول عن دينه الذى‬
‫قدر سبحانه أن يكن له ف الرض ف حياة النب الرسل به ويقيم له دولة ذات سلطان !‬
‫وحي ننظر إل المر من زاويته الرضية منقطعة عن قدر ال فقد ييل إلينا أن عناد العرب وولدهم‬
‫(‪ )1‬هو الذى جعل حف نة قليلة من الناس هى الت تتبع الر سول صلى ال عليه وسلم خلل ثلثة عشر‬
‫عاما كاملة من الدعوة ى مكة ولكن حي ننظر إل المر من زاوية قدر ال فقد كان ال قادرا لو شاء‬
‫سبحانه أن يمع حوله رسوله‪ e‬ألوفا مؤلفة ف تلك السنوات العدودة‪..‬‬
‫ولكن قدر ال جرى على هذا النحو الذى جرى به وهو سبحانه الذى يقول للشئ كن فيكون لي‬
‫هذه الدعوة ومصلحتها وكانت الدعوة على هذه الصورة هى الكثر تكنا ف الرض وهى الت كتبت‬
‫بقدر من ال تاريا ل تكتبه غيها من الدعوات‪.‬‬
‫كان الذ ين ا ستجابوا لر سول ال‪ e‬ف م كة خلل ثل ثة ع شر عا ما قلة مدودة ل تبلغ الائت ي من‬
‫الناس ولكنهم كانوا هم نواة ذلك اليل الفريد الذى تفرد ف التاريخ البشرى كله‪..‬‬
‫كانوا قلة نعـم ولكنهـم كانوا بلغـة البناء هـم العمدة الراسـية التـ يقوم عليـه البناء كله فتحمله‬
‫وتكن له ف الرض‪ .‬وكما يعمد البناء حي يشرع ف إقامة بنائه إل دك الساس دكا متينا بادئ ذى‬
‫بدء ث إقامة العمدة الت تمل البناء قبل أن يضع الطوب والحجار فكذلك فعل قدر اله بذه الدعوة‬
‫على يدى رسول ال‪ e‬فقيض له تلك الفئة القليلة حوله صلى ال عليه وسلم تتلقى كل رعايته وكل‬
‫توجيه وكل تربيته وتتلقى منه الشحنة كاملة فتكون كما شاء ال لا أن تكون عمدا راسية ف كل‬
‫اتاه ث جاء قدر ال بالن صار يتربون على يدى ر سول ال‪ e‬مع الهاجر ين و هم جي عا قلة مدودة‬
‫فينالون من تربيته ورعايته وتوجيهه الظ الوف ويظل للمهاجرين سبقهم ف ذلك كله وذلك قبل أن‬
‫تئ الحجار الت تكمل البناء وتعله صالا لداء مهمته أولئك الذين قال عنهم‪:‬‬
‫{وَ َرَأْيتَ النّاسَ يَ ْدخُلُونَ فِي دِينِ اللّهِ أَ ْفوَاجا (‪[ })2‬سورة النصر ‪]110/2‬‬
‫ذلك هو الترتيب الربان الذى به نحت الدعوة وتكنت ف الرض‪..‬‬
‫ونتخيل المر ت على غي هذه الصورة فدخل الناس ف دين أفواجا منذ أول لظة أ‪ ,‬ف السنوات‬
‫الول للدعوة‪ ..‬هل كان يقوم البناء على ذات ال صورة و هل كان ير سخ ف الرض ك ما قدر ال له‬

‫شرَ بِهِ الْمُتّقِيَ َوتُن ِذرَ ِبهِ َقوْما لُدّا (‪[ })97‬سورة مري ‪.]19/97‬‬
‫سرْنَاهُ ِبلِسَاِنكَ ِلتُبَ ّ‬
‫() قال تعال‪{ :‬فَإِنّمَا َي ّ‬ ‫‪1‬‬
‫الرســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــوخ ؟!‬
‫إن ال يقول للشئ كن فيكون‪ ..‬ولو شاء ال لفعل ولو قدر شيئا لكان‪..‬‬
‫ولكن ال جلت مشيئته قد جعل سننا ف الكون وسننا ف الرض وسننا ف حياة الناس وجعل تلك‬
‫السـنن هـى العاملة – بشيئتـه سـبحانه – فـ الكون والرض والناس‪ .‬وجعـل مـن سـنته فـ الدعوة أ‬
‫ي ستجيب لا قوة مدودون ينالون من رعاية ال نب الر سل النصيب الو ف فيكونون كالعمدة الرا سية‬
‫الت يقوم عليها البناء‪..‬‬
‫والتربية عملية شاقة بطيئة تتاج إل كثي من الهد‪..‬‬
‫ور سول ال‪ e‬هو أع ظم مرب ف التار يخ‪, ..‬لك نه لو وا جه اللوف من أول ل ظة ف ما كان من‬
‫ال ستطاع أن يعطي هم كل رعاي ته و كل توج يه و كل تربي ته ك ما أعطا ها لتلك الف نة القليلة الحدودة‬
‫العدد فتحقق فيها على أكمل صورة وبأكمل قدر قوله تعال‪ُ { :‬كْنتُمْ َخيْرَ ُأ ّمةٍ أُخْ ِرجَتْ لِلنّاسِ} [سورة‬
‫آل ‪ ]3/110‬وكان إتام المر على هذا النحو متمشيا مع السنن الارية الت يرى با قدر ال ف حياة‬
‫الناس‪ .‬فل قد شاء ال – لك مة يعلم ها سبحانه ‪ -‬أن يرى أ مر هذا الد ين كله على ال سنن الار ية ل‬
‫السنن الارقة حت ل يأتى جيل من أجيال السلمي يتقاعس ويقول‪ :‬لقد نصر الولون بالوارق ول‬
‫تعد الوارق تتنل بعد ختم الرسالة وانقطاع النبوات !‬
‫إن الارقة الكبى ف هذا الدين هى كتاب ال النل وهى باقية ومفوظة بقدر ال إل قيام الساعة‪:‬‬
‫{ِإنّا نَحْ ُن نَزّْلنَا الذّكْ َر َوِإنّا لَهُ لَحَافِظُونَ (‪[ })9‬سورة الجر ‪]15/9‬‬
‫ولئن كان اشتراك اللئكة ف القتال مع السلمي يوم بدر من الوارق فقد كانت الارقة هى رؤية‬
‫السلمي للملئكة وهم يقاتلون معهم‪ .‬أما تنل اللئكة على الؤمني بالتثبيت والتأييد والسكينة فهو‬
‫قدر جار يريه ال حي يشاء على من يستحقه من عباده‪:‬‬
‫جّن ِة‬
‫{إِنّ الّذِي نَ قَالُوا َربّنَا اللّ ُه ثُمّ ا ْسَتقَامُوا تََتنَزّ ُل عََلْيهِ ْم الْمَلئِ َكةُ أَلّ تَخَافُوا وَل تَحْ َزنُوا َوأَبْشِرُوا بِالْ َ‬
‫حيَاةِ ال ّدْنيَا وَفِي الخِ َرةِ} [سورة فصلت ‪-41/30‬‬ ‫اّلتِي ُكنْتُ ْم تُوعَدُو نَ (‪ )30‬نَحْ نُ َأوْلِيَاؤُكُ مْ فِي الْ َ‬
‫‪]31‬‬
‫إنا السنة الارية ‪ -‬الت جرى با المر مع رسول ال‪ - e‬أن تقف الاهلية بالرصاد لدعوى الق‬
‫تاربا وتددها وتتربص با وتصد " الماهي " عن النضمام إليها بكل وسائل الصد وبكل وسائل‬
‫التخويف واليذاء فل يقبل عليها ف مبدأ المر إل أفذاذ من الناس قد رسخ اليان ف قلوبم فاستعلوا‬
‫على الاهلية وصبوا على كيدها كله وصمدوا ف موقفهم ل يتزحزحون عنه ل يزيدهم البتلء إل‬
‫رسوخا ف اليان‪..‬فيتمحصون بذلك كله ويصطفيهم ال لمل المانة وإقامة البناء‪..‬‬
‫والبتلء سنة‪:‬‬
‫سبَ النّاسُ أَ ْن ُيتْرَكُوا أَ ْن َيقُولُوا آمَنّا وَهُ ْم ل ُيفَْتنُونَ (‪ )2‬وََلقَدْ َفَتنّا الّذِينَ مِنْ َقبِْلهِمْ فََلَيعَْلمَنّ اللّهُ‬
‫{أَحَ ِ‬
‫الّذِينَ صَدَقُوا وََلَيعْلَمَ ّن اْلكَا ِذبِيَ (‪[})3‬سورة العنكبوت ‪]3-29/2‬‬
‫والتمحيص قبل القضاء على العداء سنة‪:‬‬
‫حصَ اللّ ُه الّذِينَ آ َمنُوا َويَمْحَ َق اْلكَافِرِينَ (‪[ })141‬سورة آل ‪]3/141‬‬
‫{وَِليُمَ ّ‬
‫فح ي ي تم البتلء والتمح يص ويعلم ال من قلوب م أن ا تردت له وأخل صت وأ صبح ال ور سوله‬
‫أحب إليهم من كل ما سواها يرى قدره سبحانه بالتمكي لم ف الرض وبدخول الناس أفواجا ف‬
‫دعوة الق‪..‬‬
‫و ف فترة البتلء والتمح يص ت تم جوا نب كثية من الترب ية الطلو بة لملة الما نة الذ ين يواج هم‬
‫الاهليـة فـ أول جولة والذيـن تلزمهـم صـفات وأحوال غيـ التـ تلزم للفواج الداخلة فيمـا بعـد‬
‫ويتاجون إل عناية خاصة تتلف عن العناية الطلوبة للقادمي فيما بعد بقدار ما تتلف إقامة العمدة‬
‫الراسية ف الرض الت تمل البناء كله عن إقامة الحجار ف أماكنها بي هذه العمدة‪.‬‬
‫إن هذه العمدة تتاج إل صـناعة خاصـة ومكونات خاصـة ومقومات خاصـة وزمـن معيـ‬
‫لسـتكمال تلك القومات‪ .‬فإن ل تسـتوف كـل مقومات صـناعتها فإناـ تعرض البناء كله فيمـا بعـد‬
‫للتشقق أو النيار‪.‬‬
‫حقي قة إن العمدة وحد ها ل تش كل بناء ول ت قق الدف الذى من أجله أن شئ البناء‪ ..‬فل بد من‬
‫الحجار الكثية ال ت تش كل الدران وتع طى البناء شكله النهائى وت قق الدف الذى أقيم من أجله‪..‬‬
‫ولك نك لو بدأت برص الحجار ق بل دل ال ساس وق بل إقا مة العمدة الرا سية أ‪ ,‬ق بل إتام ذلك كله‬
‫على الستوى الطلوب فإ البناء كلما عل ينار‪ ..‬وتكون الحجار حل ثقيل أكثر ما هى عون وتأييد !‬
‫وحي يتم – ف فترة التربية إعداد الصفوة الت تواجه الاهلية أول مرة ذلك العداد الاص الطلوب‬
‫لا فإن أمورا كثية تتم ف القيقة ف آن واحد‪.‬‬
‫إن هذه الصفوة ‪ -‬كما قلنا ‪ -‬هى الت تستطيع ‪ -‬بكم متانة تأسيسها ‪ -‬أن تصمد لكيد الاهلية‬
‫الت تاول بكل جهدها أ تقضى على الدعوة الديدة قبل أن تد لا جذورا ف التربة لنا تعلم جيدا‬
‫أنا إن ل تبذل كل طاقتها ف ذلك فسيفلت المر من يدها ول تستطيع أن تسيطر عليه‪ ..‬لذلك يكون‬
‫الب طش ف أق صى عنفوا نه ف جول ته الول ول ي صمد له إل تلك ال صفوة الختارة من الؤمن ي الذ ين‬
‫يتلقون الشحنة الكاملة من قائدهم الذى يتعهدهم بتربيته ورعايته‪.‬‬
‫ث إن ناح هذه الصفوة ف الصمود للكيد هو الذى يشكل ف القيقة نقطة التحول ف خطر سي‬
‫الدعوة لنه يعطف القلوب نو أولئك الؤمني الذين يتلقون هذا القدر الائل من البطش والتعذيب دون‬
‫أن يتحولوا عن الق الذى يؤمنون به فيكون صمودهم شهادة لذا الق تتذب نفوسا جديدة تؤمن‬
‫به وتاهدف سبيله فتتسع القاعدة وهى على ذات القدر من التانة وقوة التأسيس‪.‬‬
‫ث إن هذه ال صفوة تش كل جنودا فائق ي لقائد الدعوة ولكن هم ف الو قت ذا ته يربون ليكونوا قادة‬
‫وليكونوا خلفا للقائد من بعده‪.‬‬
‫ان ظر إل صحابة ر سول ال‪ ..e‬ل قد كانوا جنودا فائق ي للدعوة ولقائد هم‪ e‬على ال صورة ال ت‬
‫يعرفها التاريخ‪ ..‬ولكن رسول ال‪ e‬رباهم ف الوقت ذاته بيث يكون كل واحد منهم ركنا ف الوقع‬
‫الذى يكون ف يه فقاموا بالهام ال ت وكل ها إلي هم على ال ستوى الفائق الذى يعر فه التار يخ وكانوا هم‬
‫القدوة للناس ف تربيتهم على هذا الدين كما كان رسول ال‪ e‬قدوتم هم ف هذه التربية الفريدة‪ ..‬ث‬
‫كانوا هم حلة المانـة من بعده والقادة الذ ين قادوا المـة مـن بعده ف الل فة الراشدة التـ يعرف ها‬
‫التاريخ‪..‬‬
‫تلك سنة جارية ف عملية " البناء "‪ ....‬وهى ألزما ما تكون ف بناء الماعة الت تتول الدعوة لدين‬
‫ال‪.‬‬
‫فإذا عدنا إل البناء الضخم الذى أقامه المام الشهيد وكون به ‪ -‬بقدر ال ‪ -‬منعطفا تارييا ف حياة‬
‫المة السلمية ند أن " الفواج " من الناس قد سح لا بالتجمع ف وقت باكر ل يكن قد تيأ فيه دك‬
‫الساس التي بالقدر الطلوب ول إقامة العمدة الت تمل البناء على الواصفات الطلوبة للجيل الول‬
‫الذى يواجه الاهلية أول مرة‪..‬‬
‫وهنا يتبادر سؤال‪..‬‬
‫هل كان من واجب المام الشهيد أن يصد الناس الذين التفوا حوله بعشرات اللوف حت يتمكن‬
‫مـن تربيـة العدد اللزم لمـ مـن الدعاة والربيـ فيتركهـم فـ ضياع وهـو قادر على تميعهـم وإثارة‬
‫وجدانم الدين على أقل تقدير ؟‬
‫وحي توضع القضية على هذا النحو فالواب ل شك بالنفى !‬
‫إنا نسأل‪ :‬لو علم الناس حقيقة الدعوة وأبعادها وحقيقة الوضاع الحيطة با وحقيقة العركة بي‬
‫الدعوة وأعدائها وحقيقة مططات الصليبية الصهيونية تاه السلم وتاه كل دعوة تاول إعادة الناس‬
‫إليه‪ ..‬فهل كانوا يتجمعون بعشرات اللوف ف تلك السنوات القصار ؟!‬
‫ونعود إل كلم المام الشهيد نفسه الذى أثبتناه قبل صفحات‪:‬‬
‫" أحب أن أصار حكم أن دعوتكم لزالت مهولة عند كثي من الناس ويوم يعرفونا ويدركون‬
‫مرامي ها وأهداف ها ستلقى من هم خ صومة شديدة وعداوة قا سية و ستجدون أمام كم كث ي من الشقات‬
‫و سيعترضكم كث ي من العقبات‪ .‬و ف هذا الو قت وحده تكونون قد بدأت م ت سلكون سبيل أ صحاب‬
‫الدعوات‪)....‬‬
‫وهذه القضية ف حقيقتها‪..‬‬
‫فلو عرف الناس أو عرفوا حقيقـة الدعوة لرت السـنة الربانيـة مراهـا فأقبـل على الدعوة أفراد‬
‫معدودون يتلقون شح نة الترب ية كاملة ويكونون هم العمدة الرا سية ال ت ت مل البناء ويكونون هم‬
‫الرب ي الذ ين يقومون بترب ية الناس ح ي يدخلون ف الدعوة أفوا جا ويكونون هم " ال صف الثا ن " ف‬
‫الدعوة " الذى يلف القائد على الطريق‪..‬‬
‫ول قد كان " الخوان العاملون " جنودا فائق ي ن عم‪ ..‬يتحركون بأ مر قائد هم الر كة الضبو طة ال ت‬
‫يكلفهم با وعلى النحو الذى يوجههم إليه (‪ )1‬ولكنهم ل يكونوا بعد قد تيأوا ليكونوا قادة ومعلمي‬
‫لتلك الفواج كل ها ال ت تم عت ق بل أوان ا حول الدعوة لن ا ك ما قال المام الشه يد ل ت كن تعرف‬
‫حقيقة الدعوة‪ ..‬كما أنم وهذا أخطر ل يكونون قد تيأوا بعد لتسلم القيادة من بعده والضى با ف‬
‫الطريق الشاق الطويل‪ ..‬فكان لذا أثره ف خط السي فيما بعد كما شهدت الحداث‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫وكمـا حدث التعجـل فـ دعوة الماهيـ للتجمـع قبـل أن يتـم بناء العمدة الراسـخة بالواصـفات‬
‫الطلوبة حدث التعجل بالتحرك قبل الوان الناسب سواء ف الساحة الداخلية أ‪ ,‬ف ساحة العركة ف‬
‫فلسطي‪.‬‬
‫فأ ما ف الدا خل ف قد كان هناك تع جل ف إظهار قوة الما عة سواء ف ا ستعراضات الولة أو ف‬
‫الظاهرات وال سايرات أو ف الدخول ف القضايا السياسية الثارة ف ذلك الو قت كمحار بة الشيوع ية‬
‫أو تأييد قضية مصر ف ملس المن أو غيها من القضايا كأنا تريد الماعة ف كل مرة أن تقول‪ :‬نن‬
‫هنا ونن نستطيع أن‪..‬‬
‫() شكا المام الشهيد ف ناية حياته من بعض التصرفات غي السئولة الت يقوم با أفراد معينون من الماعة‪ ,‬ولكن هذا ل يينفي الصل‪ ,‬وهو طاعة النود لقائدهم‪ ,‬وسعهم‬
‫‪1‬‬
‫وطاعتهم له ف النشط والكره‪.‬‬
‫وبصرف النظر عن كون هذه القضايا الثارة يومئذ كانت ما يوز للجماعة السلمة أن توض فيه أم‬
‫أن واجبها كان الناداة بتصحيح منهج الياة الساسى الذى تنجم تلك القضايا من فساده ومن عدم‬
‫اتباع منهج ال بشأنه‪.‬‬
‫بصرف النظر عن هذا المر (‪ )1‬فقد كان " استعراض العضلت " على هذه الصورة قبل استكمال‬
‫العدة اللز مة من تك ي ال ساس وإقا مة العمدة الرا سية وا ستكمال الترب ية الطلو بة تعجل بالر كة‬
‫قبل الوان ترتب عليه ما ترتب من آثار ف خط السي‪..‬‬
‫أما ف فلسطي فلقد كان دخول الفدائيي من الخوان السلمي ف ساحة العركة قدرا مقدورا دون‬
‫شك‪ ..‬ولكن هذا الدث كان له أثر بالغ ف سي الحداث كلها فيما بعد‪ .‬وما قدره ال لبد أن يتم‪.‬‬
‫ولكن كتاب ال علمنا أن قدر ال ل ينفى دور البشر ومسئولياتم‪:‬‬
‫صْبتُ ْم ِمثَْليْهَا ُق ْلتُ مْ َأنّ ى هَذَا قُ ْل ُهوَ مِ نْ عِنْدِ َأْنفُ سِكُمْ إِنّ اللّ َه عَلَى كُلّ‬
‫{َأوَلَمّ ا أَ صَاَبتْكُ ْم مُ صِيَبةٌ قَدْ أَ َ‬
‫َشيْءٍ قَدِيرٌ (‪َ )165‬ومَا أَصَابَكُ ْم َي ْومَ اْلَتقَى الْجَ ْمعَانِ َفبِإِ ْذنِ اللّهِ} [سورة آل ‪]166-3/165‬‬
‫وليس لدى الن ما يثبت أن المام الشهيد قد اتذ قرار دخول الفدائيي فلسطي بحض رغبته أم‬
‫بضغط الشباب وإلاحهم عليه‪ ..‬وأحسب أن ما سبق من اشتراط الماعة ف القضايا السياسية الثارة‬
‫على الساحة هو الذى جعل دخول الخوان العركة ف فلسطي هو المر " الواجب " سواء كان قائد‬
‫الماعة مقتنعا بدواه أم غي مقتنع‪ .‬فما دامت الماعة قد شاركت ف الحداث من قبل وهى تنادى‬
‫بالهاد والفداء فإ قعودها عن دخول العركة كان يعد بالنسبة إليها نكوصا عن البادئ الت أعلنتها من‬
‫قبل ودعت إليها الماهي !‬
‫وأيا كان المر فقد وقع قدر ال‪ ..‬واكتشفت الصليبية والصهيونية الطورة البالغة لذه الماعة على‬
‫كل مططاتا وعلى وجود الدولة اليهودية بصفة خاصة فكان ما كان من الذابح التوالية الت تعرضت‬
‫لا الماعة قبل أن يتم لا النضج وتكون على مستوى الحداث‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫وك ما حدث التع جل ف دعوة الماه ي للتج مع و ف التحرك بذه الماه ي ق بل الوان النا سب‬
‫حدث كذلك ف عملية البناء ذات ا فلم تبدأ من نق طة البدء اللزمة بل تاوزت ا إل ما ي ئ بعدها ف‬
‫الترتيب‪.‬‬

‫() سنعود إل هذا المر بالديث فيما يلي من هذا الفصل‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫لقد اعتبت قضية العقيدة قضية بديهية وقضية منتهية‪ .‬ولك ما ينبغى علينا بشأنا هو إيقاظ الوجدان‬
‫الدين من غفوته وتويله بالعمل إل حركة واقعة فيستقيم المر وتتحقق الهداف‪.‬‬
‫وكان هذا كما سيجئ بيانه مبالغة ف إحسان الظن أثبتت اليام فيما بعد أنه ف حاجة إل مراجعة‬
‫شديدة وأن نقطة البدء كان ينبغى أن تكون هى تصحيح العقيدة ذاتا وجلء مفهومها القيقى الذى‬
‫غاب عن الماهي بل غاب عن كثي من الدعاة أنفسهم ف غربة السلم الثانية الت أخب عنها رسول‬
‫ال‪ e‬حي قال‪:‬‬
‫" بدأ السلم غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوب للغرباء " (‪.)1‬‬
‫‪m m m‬‬

‫نستطيع أن نرد هذه العجلة بوجه الجال إل نقطتي رئيسيتي‪:‬‬


‫الول‪ :‬هـى افتراض أن " القاعدة السـلمية " موجودة بالفعـل وأن العمـل الطلوب ليـس هـو "‬
‫إنشاءها من جديد وإنا تميعها وبث الركة فيها وتنظيمها وقيادتا وتوجيهها إل العمل الطلوب‪..‬‬
‫الثانية‪ :‬هى عدم التقد ير الكا ف للقوة الطلوبة لواجهة الصليبية العالية والصهيونية العالية من جهة‬
‫والحوال الداخلية من جهة أخرى‪ ..‬سواء من حيث نوعية هذه القوة أو من حيث حجمها الناسب‪.‬‬
‫ونستطيع أن نتصور – بالنسبة للنقطة الول – أن المام الشهيد قد أحسن الظن بالوقف بناء على‬
‫الستجابة الواسعة الت تلقاها من الماهي على الدعوة الت اتسمت با السنوات العشرون الت عاشها‬
‫منذ بدء الدعوة إل يوم استشهاده حيث تضاعف حجم الماعة عدة مرات ف خلل تلك السنوات‪..‬‬
‫كما كان من أسباب حسن الظن كذلك الستجابة الواسعة الت تلقاها من " جنوده " الخوان العاملي‬
‫– الذ ين كانوا ف يده – أداة طي عة ت ستجيب لتعليما ته وتتش كل – طائ عة – ف القالب الذى ير يد‬
‫تشكيلها عليه‪.‬‬
‫ولكن التجربة العملية أثبتت أن هذه النظرة كان فيها من حسن الظن أكثر ما تقتضيه الحوال !‬
‫إن " العواطف الدينية " شئ و " القاعدة السلمية " شئ آخر‪..‬‬
‫وحت إن كانت هذه العواطف متجهة إل السلم – دينها التقليدى الذى عاشت به أكثر من ثلثة‬
‫عشر قرنا من قبل – فإنا – وحدها – بغي فهم حقيقى لذا الدين وبغي بصية واعية‪ ..‬ل تكفى‪.‬‬
‫فالفهم القيقى الذى يصل إل درجة العلم " مطلوب "‪:‬‬

‫() سبق ذكره‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫{فَاعْلَمْ َأنّهُ ل إِلَهَ إِلّ اللّهُ} [سورة ممد ‪]47/19‬‬
‫والبصية مطلوبة‪:‬‬
‫{قُ ْل هَذِ هِ َسبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّ ِه عَلَى بَ صِ َيةٍ أَنَا َومَ ْن اّتبَعَنِي وَ ُسبْحَانَ اللّ هِ وَمَا أَنَا مِ ْن الْمُشْرِكِيَ (‬
‫‪[ })108‬سورة يوسف ‪]12/108‬‬
‫ول قد كا نت العقيدة ضمرت ضمورا شديدا ف نفوس ال سلمي خلل القرون التعاق بة ك ما أ سلفنا‬
‫القول بيث ل تعد هذه " العواطف " الدينية ذات دللة حقيقية تبن عليها حركة واعية تواجه الاهلية‬
‫العا صرة ب كل إفك ها وانرافات ا وتوا جه الرب الضار ية الاكرة ال ت يشن ها – ف الدا خل والارج –‬
‫أعداء السلم‪..‬‬
‫ل ي كن أيقاظ " الوجدان الدي ن " من غفوته وتويله إل حركة واق عة إل ت صحيحا لانب وا حد‬
‫من جوانب اللل الت أصابت العقيدة خلل القرون وخلل القرن الخي بصفة خاصة‪.‬‬
‫ل قد كان التوا كل الذى أحدث ته ال صوفية وأحد ثه الف كر الرجائى هو اللل الذى أ صلحته حر كة‬
‫المام الشهيد بإيقاظ الوجدان الغاف وتويله إل حركة واقعة وكان هذا جهدا ضخما ف حقيقته إذا‬
‫نظرنا إل ما كان قد أصاب السلمي ف هذا الانب كما بينا من قبل‪.‬‬
‫ولكن اللل الخر – الذى طرأ على المة خلل القرن الخي خاصة كان هو إفراغ " ل إله إل ال‬
‫" من حقيقتها ف قضية " الاكمية " التصلة بتحكيم شريعة ال وكان هذا اللل شديد الطورة ف‬
‫حياة هذه المة وشديدة الطورة ف حياة هذه المة وشديد الطورة بالنسبة للصحوة السلمية ذاتا‬
‫بيث ينبغى أن يركز له من الهد بقدر ما ركز ف علج التواكل الذى أحدثته الصوفية والرجاء‪..‬‬
‫لقد بقيت المة ثلثة عشر قرنا على وجه التقريب تعيش ف ظل الشريعة السلمية وتراها بديهية‬
‫من بديهيات إسلمها كأداء الصلة سواء بسواء‪..‬‬
‫وقد سبق القول أن المة برغم انرافاتا كلها ورغم كل ابدع والرافات الت دخلت عليها ظلت‬
‫تش عر ف أعماق كيان ا أن تكيم الشريعة ال سلمية وأداء ال صلة ه ا الركنان اللذان ل يكن أن يزول‬
‫من حياة المة ول أن ينحسر عنهما الواقع الذى يعيشه الناس‪.‬‬
‫ولكـن الصـليبية التـ أحكمـت سـيطرتا على العال السـلمى خلل القرن الخيـ والصـهيونية فـ‬
‫أطوائها قد ضغطت بكل ثقلها العسكرى والفكرى لتنحية الشريعة السلمية من الكم وتنحية الصلة‬
‫من واقع الناس‪.‬‬
‫وظل الك يد الذى يتزا يد بإلاح لزحز حة ال مة عن إسلمها يوهم الناس ف كل خطوة أن م مازلوا‬
‫مسلمي‪..‬‬
‫ن يت الشري عة عن ال كم أول وق يل للناس ل بأس علي كم ! ما دم تم ت صلون وت صومون فأن تم‬
‫مسلمون‪..‬‬
‫ث ن يت ال صلة ‪ -‬والعبادات عا مة ‪ -‬وق يل للناس‪ :‬ل بأس علي كم ! ما دم تم تقولون ل إله إل ال‬
‫(‪)1‬‬
‫فأنتم مسلمون !‬
‫وفرغـت ل إله إل ال مـن متواهـا كله تتـ ضغـط المـر الواقـع وبتأُثيـ الغزو الفكرى السـوم‬
‫واصبحت مرد كلمة تنطق باللسان ويسب قائلها أنه قد حاز السلم كله بجرد نطقها بلسانه وأنه‬
‫قد قام " بالشهادة " الطلوبة منه وأن النة تنتظره ف ناية الطاف مهما يكن قلبه غافل عن حقيقتها‬
‫ومهما يكن سلوكه متناقضا لقتضاها‪.‬‬
‫وجاءت حركة المام الشهيد والمة على هذا النحو‪ ..‬إل من رحم ربك من فتح ال عليه بعرفة‬
‫حقيقة الشهادة وحقيقة الدين‪..‬‬
‫وقام المام الشه يد ‪ -‬ك ما بي نا ‪ -‬بت صحيح جا نب من الع طب الذى أ صاب " ل إله إل ال " ف‬
‫قلوب ال سلمي ذلك الا نب الذى كا نت قد أف سدته ال صوفية والف كر الرجائى ث د عا إل تك يم‬
‫شريعة ال وإل وجوب إقامة الدولة السلمة الت تكم بشريعة ال ووجد استجابه الماهي من حوله‬
‫فاطمأن إل هذا " الظاهر "‬
‫تك يم شريعة ال – وحدها دون سواها – والتحا كم إل شري عة ال – وحد ها دون سواها – هو‬
‫أول مقتضيات ل إله إل ال الت ل تكون بدونا قائمة ولو نطقها النسان بلسانه ألف مرة كل نار !‬
‫وب صرف الن ظر عن و ضع الناس ف ميزان ال وكون م ‪ -‬بذه الهالة ‪ -‬م سلمي أو غ ي م سلمي‬
‫(‪ ..)2‬فل شك أن هذه الهالة قائ مة ب كل ثقل ها ف حياة الناس وأفكار هم ومشاعر هم وأن " القاعدة‬
‫السلمية " ل يكن أن توجد وهذه الهالة قائمة وأن أول الطوات لقامة " القاعدة السلمية " هى‬
‫إزالة هذه الهالة من حياة الناس‪..‬‬
‫إن هذه الهالة هى العقبة الكبى ف سبيل إقامة الكم السلمى ! وهى أخطر بكثي ما قد تبدو‬
‫لول وهلة‪..‬‬
‫إن الكم السلمى لن يقوم بجرد وجود " جاعة " مؤمنة ماهدة تنادى بتحكيم شريعة ال‪..‬‬

‫() سبق أن أذكر ذلك من قبل ف الفصل السابق‪ ,‬أثناء الديث عن "آثار النراف"‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫() سنتكلم عن هذه القضية فيما بعد‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫فأيا كانت الوسيلة التخيلة لوصول هذه الماعة إل الكم (‪ )3‬فإنه لبد لكل حكم من سند يسنده‬
‫ويدافع عنه ما يتعرض له من كيد العداء‪..‬‬
‫وهناك حكومات كثية تقوم اليوم ف العال السلمى لن أمريكا تسندها أ‪ ,‬ل روسيا تسندها أو‬
‫لنما معا يسندانا لقاء ما تقوم به من تذبيح السلمي وتقتيلهم والقضاء عليهم‪ ..‬أما الكم السلمى‬
‫فمن يسنده ف كل الرض ؟ لن تسنده أمريكا بطبيعة الال ولن تسنده روسيا‪ ..‬ولبد له من سند من‬
‫أهله‪ ..‬من السلمي الؤمني الجاهدين الذين يقاتلون ف سبيل ال ول يافون لومة لئم‪.‬‬
‫لبد من وجود " القاعدة السلمية "‬
‫ول يس مع ن هذا ك ما يتخ يل ب عض الناس أن نا ل بد أ ننت ظر ح ت تتحول ال مة كل ها إل مؤمن ي‬
‫ماهدين لكى يقوم الكم السلمى‪..‬‬
‫إنه ل يوجد متمع ف الرض كلها يكون كله من أول العزم وكله على مستوى القمة‪ ..‬ول متمع‬
‫الرسـول‪ .e‬فقـد كان فـ متمـع الرسـول‪ e‬النافقون وضعاف اليان والبطئون والثاقلون‪ ..‬ولكـن "‬
‫القاعدة السلمة " كانت فيه من القوة والرسوخ والتمكن بيث حلت أولئك كلهم ومضت ف طريقها‬
‫تقق أهدافها كما قدر لا ال‪.‬‬
‫والطلوب اليوم ل كى يقوم ال كم ال سلمى أن تو جد " القاعدة ال سلمة " بال جم العقول الذى‬
‫يقود خطى المة كلها ف سبيل تقيق ذلك الدف الضخم‪ ..‬والذى ل يعوقه وجود النافقي وضعاف‬
‫اليان والبطئي والتثاقلي !‬
‫والعقبة الول ف سبيل بناء هذه القاعدة بالجم الطلوب هى تلك الهالة الطبقة بقيقة ل إله إل‬
‫ال "‬
‫ذلك أن السلمي ل يتحركون ف فراغ‪ ..‬إنا يتحركون ف وسط عداوات عالية وملية قد تكون –‬
‫ف حجمها أضخم عداوة ف التاريخ !‬
‫وأعداء السلم يستغلون هذه الهالة على أوسع نطاق ف ماربة الركات السلمية‪..‬‬
‫فهم يقيمون ف البلد السلمية أنظمة للحكم ل تكم با أنزل ال بل تارب الكم با أنزل ال‬
‫والداعي إليه ث يضفون ‪ -‬بوسائل العلم الختلفة ‪ -‬شرعية كاملة على هذه النظم فتتقبلها الماهي‬
‫تقبل " طبيعيا " بسبب جهلها العميق بقيقة ل إله إل ال وارتباطها الوثيق بتحكيم شريعة ال !‬
‫ث هم يقيمون حاجزا من النفور بي الناس وبي الركات السلمية حي يقولون لم‪ :‬هل تظنون أن‬

‫() سنتكلم بعد قليل عن الوسائل‪.‬‬


‫‪3‬‬
‫هؤلء يعملون من أجل السلم ؟ ! إنم يعملون من أجل الوصول إل الكم ولكنهم يتسترون وراء‬
‫الدين ! والتستر وراء الدين بالذات صورة كريهة تنفر الناس وتبعدهم عن الطريق !‬
‫وقد درجت الماهي على السلبية التامة ف قضايا السياسة وقضايا الكم فل يهمهم كثيا من الذى‬
‫يسعى إل الكم ومن الذى يصل إليه ! ولكنهم حينئذ كما يقول التنب‪:‬‬
‫الناس من يليق خيا قائلون له * ما يشتهى‪ ..‬ولم الخطئ البل !‬
‫أى أنه إذا وصل السلمون للحكم فستصفق لم الماهي ! أما إذا فشلوا فهم حينئذ يستحقون ما أصابم !‬
‫فلماذا كانوا يتعرضون للسلطان ؟ ! هل كانوا يتصورون أن القائمي ف الكم سيسلمون لم بجرد أن يطلبو منهم‬
‫التخلى عن السلطة ؟ ! لبد أن يتمسك القائمون ف الكم با ف أيديهم من السلطة‪ ،‬ولبد أن يضربوا من يتعرض‬
‫لسلطانم!‬

‫وهكذا تتميع القضية تاما‪ ،‬ويتساوى ف نظر هذه الماهي كل الساعي إل السلطة وكل الواصلي‬
‫إليها‪ ،‬دون اعتبار "للحق" و"الباطل" كما حددها دين ال‪ ،‬ودونا نظر إل الشرعية ف السلم‪ :‬أهي‬
‫للذي يكم با أنزل ال‪ ،‬أم للذي يكم بغي ما أنزل ال‪ ،‬ويتأخر – بذا التميع – تكون "القاعدة‬
‫السلمة" الت ترفض كل حكم غي حكم ال‪ ،‬لنه حكم جاهلي ل يأذن به ال‪:‬‬
‫حكْ َم الْجَاهِِلّي ِة َيْبغُونَ َومَنْ أَحْ َس ُن مِنْ اللّهِ ُحكْما ِل َق ْومٍ يُوقِنُونَ ( ‪[ })50‬سورة الائدة ‪]5/50‬‬ ‫{أَفَ ُ‬
‫{َأمْ َلهُ ْم شُرَكَا ُء شَ َرعُوا َلهُ ْم مِنْ الدّينِ مَا َل ْم يَأْ َذ ْن بِهِ اللّه} [سورة الشورى ‪]42/21‬‬
‫ث يترتب على هذه الهالة أمر آخر‪ ،‬أشد خطورة على الركة السلمية من هذا التميع الذي يؤجل‬
‫النضج اللزم لنشأة "القاعدة السلمة"‪.‬‬
‫إنه يتيح للطاغية دائما أن ينفرد بالماعات السلمية فيضربا بوحشية بالغة‪ .‬يضربا ضرب إبادة‪.‬‬
‫وهو آمن من غضبة شعبية تكف يده عن التقتيل والتعذيب والتشريد‪ ،‬كما حدث عند مقتل المام‬
‫الشهيد‪ ،‬وكما حدث عند الذابح الوحشية الت أقامها السفاح‪ ،‬وقتل فيها أئمة الماعة وقادتا من أجل‬
‫القضاء البم عليها‪ .‬وكما يكن أن يدث مرات ومرات!‬
‫ولنتصور المر – كان – على غي هذه الصورة‪.‬‬
‫نتصور الماهي فهمت العن القيقي لل إله إل ال‪ ،‬وارتباطها الوثيق بتحكيم شريعة ال‪ ،‬كما بي‬
‫ال ف كتابه النل‪ ،‬وكما علم الرسول‪ r‬أصحابه‪ ،‬وكما وعت الماهي السلمة خلل ثلثة عشر قرنا‬
‫من الزمان‪.‬‬
‫ضيْتَ‬
‫سهِمْ حَرَجا مِمّا َق َ‬
‫حكّمُوكَ فِيمَا َشجَ َر َبْينَهُ ْم ثُ ّم ل َيجِدُوا فِي أَنفُ ِ‬
‫ك ل ُيؤْ ِمنُونَ َحتّى يُ َ‬
‫{فَل وَ َربّ َ‬
‫َويُسَلّمُوا تَسْلِيما (‪[ })65‬سورة النساء ‪]4/65‬‬
‫ك بِالْ ُم ْؤ ِمنِيَ (‬
‫ك َومَا ُأوْلَئِ َ‬
‫{ َوَيقُولُونَ آ َمنّا بِاللّ ِه َوبِال ّرسُو ِل َوَأطَ ْعنَا ثُ ّم َيتَوَلّى َفرِي ٌق ِمْنهُ ْم مِ ْن َبعْدِ ذَلِ َ‬
‫حكُ َم َبيَْنهُمْ إِذَا فَرِي ٌق ِمْنهُ ْم ُمعْرِضُونَ (‪[ })48‬سورة النــور‬ ‫‪َ )47‬وإِذَا ُدعُوا إِلَى اللّ ِه وَ َرسُولِهِ ِليَ ْ‬
‫‪]48-24/47‬‬
‫حكُ َم َبيَْنهُمْ َأنْ َيقُولُوا سَ ِم ْعنَا َوأَ َط ْعنَا َوُأوَْلئِكَ‬
‫{ِإنّمَا كَانَ َقوْلَ الْ ُمؤْ ِمنِيَ إِذَا ُدعُوا إِلَى اللّ ِه وَ َرسُولِهِ ِليَ ْ‬
‫هُ ْم الْ ُمفِْلحُونَ (‪[ })51‬سورة النــور ‪]24/51‬‬
‫نتصور أن الماهي أدركت جيدا أن السلم ل يكون مسلما إل إذا حكم با أنزل ال‪ ،‬وتاكم إل‬
‫شريعة ال‪ ،‬أو بعبارة المام الشهيد (‪" :)1‬أقر بالشهادتي‪ ،‬وعمل بقتضاها (‪ ،)2‬وأدى الفرائض"‪.‬‬
‫فكيف يكون الال!‬
‫هل يكن حينئذ للطاغية أن يقتل الدعاة ويعذبم ويشردهم وهو آمن من غضبة الشعب السلم عليه؟!‬
‫ولسنا نتوهم أن الفهم القيقي لل إله إل ال سيقلب الشعب كله بي يوم وليلة إل ماهدين من أول العزم‪،‬‬
‫ل يبالون بالخطار الت تتهددهم وهم قائمون ينافحون عن شريعة ال‪ ،‬ويذودون عنها كل معتد أثيم!‬

‫كل! ما يتوهم ذلك أحد!‬


‫ولكنه – على أقل تقدير – سيجعل تكوين "القاعدة السلمة" أيسر بكثي‪ ،‬وأقرب بكثي‪ ،‬من خطأ‬
‫الال الذي تواجه فيه وحشية الطغاة بغي سند من الماهي‪ ،‬بينما الطغاة – ف إجرامهم الوحشي –‬
‫يتدرعون بهالة الماهي!‬
‫من أجل ذلك كان التركيز على هذه القضية أمرا بالغ الهية بالنسبة للصحوة السلمية‪ ،‬وكانت‬
‫هذه القضية هي نقطة البدء الت لبد من البدء با لتكوين "القاعدة السلمة"‪ .‬وكل بدء من غي هذه‬
‫النقطة الرئيسية يعوق السي‪ ،‬ويطيل الطريق!‬
‫()جاء ف رسالة التعاليم ف البند العشرين‪" :‬ل نكفر مسلما أقر بالشهادتي‪ ,‬وعمل بقتضاها‪ ,‬وأديي الفرائض برأي أو معصية‪ ...‬إل‪ "...‬انظر‪" :‬مموعة رسائل المام الشهيد حسن‬ ‫‪1‬‬
‫البنا" الشار إليها آنفا ص ‪.359‬‬
‫‪ )( 2‬العمل بقتضاها هو الكم با أنزل ال ف كل أمور الياة‪ ,‬وهو شرط اليان الذي ل يقوم اليان بغيه‪:‬‬
‫سلِيما ( ‪[ })65‬سورة النساء ‪ ]4/65‬وهنا تعرض مسألة يتلط أمرها ف‬‫سلّمُوا تَ ْ‬
‫ضيْ تَ َويُ َ‬
‫س ِهمْ َحرَجا مِمّا قَ َ‬
‫جرَ َبيَْنهُ مْ ثُمّ ل َيجِدُوا فِي أَنفُ ِ‬
‫{فَل َورَبّكَ ل ُيؤْ ِمنُونَ َحتّى ُيحَكّمُو َك فِيمَا َش َ‬
‫أذهان بعض الناس‪ ,‬وهي العصية‪ ,‬فإجاع المة أن العصية ل ترج صاحبها من اليان بينما هي عمل مالف لا أنزل ال‪ ,‬ول تناقض ف القيقة بي المرين‪ .‬فمرتكب العصية حي‬
‫يقر بأنا معصية فهو يكم عليها با أنزل ال‪ ,‬ويزنا بيزان ال‪ ,‬وإن خالف أمر ال فيها شهوة أو هوي‪ .‬ولذلك ل يرج من دائرة اليان‪ .‬أما حي يستحلها فهو يكم ف شأنا بغي‬
‫ما أنزل ال‪ ,‬ويزنا بغي ميزان ال‪ ,‬ولذلك يكفر‪ .‬بل هو يكفر بذا الستحلل ولول يأت العمل النهي عنه‪ .‬ذلك أنه ‪ -‬وإن ل يرتكب بوارحه لك العمل ‪ -‬فقد أت بعمل من‬
‫أعمال القلب يرج صحابه من اليان‪ ,‬هو اتاذ نفسه ندا ل سبحانه وتعال‪ ,‬يل ويرم من عند نفسه بغي إذن من ال‪ ,‬وال وحده هو صاحب المر ف التحليل والتحري‪ ,‬والباحة‬
‫خلْ قُ وَالَ ْمرُ} [ سورة العراف ‪ .]7/54‬وهذا هو الذي يف سر كون الع صية ف حد ذات ا ل ترج من اليان إل أن‬ ‫وال نع‪ ,‬بقت ضي كو نه هو الالق وحده سبحانه‪{ :‬أَل لَ هُ الْ َ‬
‫يستحلها صاحبها‪ ,‬أي يعطيها حكما مالفا لكم ال‪ .‬ومع ذلك فهناك إجاع من المة علي أن هناك أعمالً بعينها ل يسأل صاحبها عما ف قلبه‪ ,‬وهل هو مستحل لا أم غي‬
‫مستحل‪ ,‬لنا دالة بذاتا علي الكفر‪ ,‬كالسجود إل الصنم‪ ,‬وإهانة كتاب ال‪ ,‬وسب الرسول صلي ال عليه وسلم‪ ,‬وموالة أعداء السلم‪ ,‬والتحليل والتحري من دون ال‪ ,‬أي‬
‫التشريع بغي ما أنزل ال‪.‬‬
‫ولئن كان هذا ل يكن واضحا تاما ف مبدأ الطريق‪ ،‬أو كان خافيا وراء الماسة العاطفية للجماهي‪،‬‬
‫فقد اتضح ف حس المام الشهيد ف أيامه الخية على ضوء البة الواقعية‪ ،‬كما يبدو ذلك واضحا‬
‫متبلورا ف هذا القال الذي ننقله بنصه كاملً من جريدة "الخوان السلمون" اليومية (العدد ‪ 627‬السنة‬
‫الثالثة بتاريخ الحد ‪ 7‬رجب ‪ 16 ،1367‬مايو سنة ‪ )1948‬بعنوان "معركة الصحف – أين حكم‬
‫ال؟"‪ ،‬وتوقيع "حسن البنا"‪:‬‬
‫س بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَل َتكُنْ لِ ْلخَاِئنِيَ َخصِيما (‬
‫حكُ َم َبيْ َن النّا ِ‬
‫ك الْ ِكتَابَ بِالْحَقّ ِلتَ ْ‬
‫{ِإنّا أَنزَْلنَا إَِليْ َ‬
‫‪[ })105‬سورة النساء ‪]4/105‬‬
‫ض مَا أَن َزلَ اللّهُ إَِليْكَ‬
‫{ َوَأنْ ا ْحكُ ْم َبْينَهُ ْم بِمَا أَن َزلَ اللّ ُه وَل َتّتبِعْ َأ ْهوَا َءهُ ْم وَاحْذَ ْرهُمْ َأنْ َي ْفِتنُوكَ عَنْ َب ْع ِ‬
‫حكْمَ‬ ‫فَِإ ْن َتوَّلوْا فَاعْلَمْ َأنّمَا يُرِيدُ اللّهُ َأ ْن ُيصِيَبهُ ْم ِببَ ْعضِ ُذنُوِبهِمْ َوِإنّ َكثِيا مِ ْن النّاسِ َلفَا ِسقُونَ (‪ )49‬أََف ُ‬
‫س ُن مِنْ اللّهِ ُحكْما ِل َق ْومٍ يُوقِنُونَ (‪[ })50‬سورة الائدة ‪]51-5/49‬‬ ‫الْجَاهِِلّي ِة َيْبغُونَ َومَنْ أَحْ َ‬
‫حكُ َم َبيَْنهُمْ َأنْ َيقُولُوا سَ ِم ْعنَا َوأَ َط ْعنَا} [سورة‬
‫{ِإنّمَا كَانَ َقوْلَ الْ ُمؤْ ِمنِيَ إِذَا ُدعُوا إِلَى اللّ ِه وَ َرسُولِهِ ِليَ ْ‬
‫النــور ‪]24/51‬‬
‫السلم دين ودولة ما ف ذلك شك‪ .‬ومعن هذا التعبي بالقول الواضح أن السلم شريعة ربانية‬
‫جاءت بتعاليم إنسانية وأحكام اجتماعية‪ ،‬وكلت حايتها ونشرها والشراف على تنفيذها بي الؤمني‬
‫با‪ ،‬وتبليغها للذين ل يؤمنوا با إل الدولة‪ ،‬أي إل الاكم الذي يرأس جاعة السلمي ويكم أمتهم‪.‬‬
‫وإذا قصر الاكم ف حاية هذه الحكام ل يعد حاكما إسلميا‪ .‬وإذا أهلت الدولة هذه الهمة ل تعد‬
‫دولة إسلمية‪ .‬وإذا رضيت الماعة أو المة السلمية بذا الهال ووافقت عليه ل تعد هي الخرى‬
‫إسلمية…‪ ،.‬ومهما ادعت ذلك بلسانا‪ .‬وإن من شرائط الاكم السلم أن يكون ف نفسه متمسكا‬
‫بفرائض السلم بعيدا عن مارم ال غي مرتكب للكبائر‪ .‬وهذا وحده ل يكفي ف اعتباره حاكما‬
‫مسلما حت تكون شرائط دولته ملزمة إياه بماية أحكام السلم بي السلمي‪ ،‬وتديد موقف الدولة‬
‫منهم بناء على موقفهم هم من دعوة السلم‪.‬‬
‫هذا الكلم ل نقاش فيه ول جدل‪ ،‬وهو ما تفرضه هذه اليات الحكمة من كتاب ال‪ .‬ولقد كانت‬
‫آيات النور صرية كل الصراحة‪ ،‬واضحة كل الوضوح ف الرد على الذين يتهربون من الكم با أنزل‬
‫ال‪ ،‬وإخراجهم من زمرة الؤمني‪ ،‬فال تبارك وتعال يقول فيهم‪:‬‬
‫ك بِالْ ُم ْؤ ِمنِيَ (‪)47‬‬ ‫ك َومَا ُأوْلَئِ َ‬‫{ َوَيقُولُونَ آ َمنّا بِاللّ ِه َوبِال ّرسُو ِل َوَأطَ ْعنَا ثُ ّم َيتَوَلّى َفرِي ٌق ِمْنهُ ْم مِ ْن َبعْدِ ذَلِ َ‬
‫حكُ َم بَْيَنهُمْ إِذَا فَرِي ٌق ِمْنهُ ْم ُمعْرِضُونَ (‪َ )48‬وِإنْ َيكُنْ َلهُ ْم الْحَقّ يَ ْأتُوا إَِليْهِ‬ ‫َوإِذَا ُدعُوا إِلَى اللّ ِه وَ َرسُولِهِ ِليَ ْ‬
‫ك هُ ْم‬‫مُ ْذ ِعنِيَ (‪ )49‬أَفِي قُلُوِبهِ ْم مَ َرضٌ َأمْ ا ْرتَابُوا َأ ْم يَخَافُونَ أَ ْن يَحِيفَ اللّ ُه عََلْيهِ ْم وَ َرسُولُهُ بَلْ ُأوْلَئِ َ‬
‫حكُمَ بَْيَنهُمْ َأنْ َيقُولُوا سَ ِم ْعنَا َوَأ َطعْنَا‬ ‫الظّالِمُونَ (‪ِ )50‬إنّمَا كَانَ َقوْ َل الْ ُم ْؤ ِمنِيَ إِذَا ُدعُوا إِلَى اللّ ِه وَ َرسُولِهِ ِلَي ْ‬
‫َوُأوَْلئِكَ هُ ْم الْ ُمفِْلحُونَ (‪[ })51‬سورة النــور ‪]51-24/47‬كما جاءت آيات الائدة تصف‬
‫الهملي لحكام ال بالكفر والظلم والفسق فتقول‪:‬‬
‫ك هُ ْم اْلكَافِرُونَ (‪[ })44‬سورة الائدة ‪{ ]5/44‬الظّالِمُونَ (‪})45‬‬
‫حكُ ْم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ َفُأوْلَئِ َ‬
‫{لَ ْم يَ ْ‬
‫[سورة الائدة ‪{ ]5/45‬الْفَا ِسقُونَ (‪[ })47‬سورة الائدة ‪ ]5/47‬ث تقول‪:‬‬
‫س ُن مِنْ اللّهِ ُحكْما ِل َق ْومٍ يُوقِنُونَ (‪[ })50‬سورة الائدة ‪]5/50‬‬
‫حكْ َم الْجَاهِِلّي ِة َيْبغُونَ َومَنْ أَحْ َ‬
‫{أَفَ ُ‬
‫ول يكفي ف تقيق الكم با أنزل ال أن تعلن الدولة ف دستورها أنا دولة مسلمة‪ ،‬وأن دينها‬
‫الرسي السلم‪ ،‬أو أن تكم بأحكام ال ف الحوال الشخصية وتكم با يصطدم بأحكام ال ف الدماء‬
‫والموال والعراض‪ ،‬أو يقول رجال الكم فيها إنم مسلمون سواء أكانت أعمالم الشخصية توافق‬
‫هذا القول أم تالفه‪ .‬ل يكفي هذا بال‪ .‬ولكن القصود بكم ال ف الدولة أن تكون دولة دعوة‪ ،‬وأن‬
‫يستغرق هذا الشعور الاكمي مهما علت درجاتم والحكومي مهما تنوعت أعمالم‪ .‬وأن يكون هذا‬
‫الظهر صبغة ثابتة للدولة توصف با بي الناس‪ ،‬وتعرف با ف الجامع الدولية‪ ،‬وتصدر عنها ف كل‬
‫التصرفات‪ ،‬وترتبط با ف القول والعمل‪.‬‬
‫ف العال دولة اسها التاد السوفيت‪ ،‬لا مبدأ معروف ولون معروف ومذهب معروف‪ ،‬نن ل نأخذ‬
‫به ول ندعو إليه‪ ،‬ولكنا نقول إن هذه الدولة عرفت بلونا هذا بي الناس وف الجامع الدولية‪ ،‬وهي‬
‫ترتبط بقتضياته ف كل تصرفاتا وأقوالا وأعمالا‪ .‬وقد أرادت إنلترا وأمريكا تقليدها فادعتا أنما‬
‫تصطبغان بالدعوة إل شئ اسه الديقراطية‪ ،‬وإن اختلف مدلوله بختلف الصال والطامع والظروف‬
‫والوادث‪.‬‬
‫فلماذا ل تكون مصر – وهي دولة مستقلة وذات سيادة – معروفة ف الجامع الدولية بتمسكها بذه‬
‫الصبغة السلمية وحرصها عليها ودعوتا إليها وارتباطها با ف كل قول أو عمل؟ ذلك هو أساس‬
‫الكم با أنزل ال‪ .‬ومت وجد هذا العن‪ ،‬وارتبطت الدولة بذا العتبار‪ ،‬واصطبغت بذه الصبغة‪،‬‬
‫فستكون النتيجة ول شك تسك الاكمي بفرائض السلم واتصافهم بآدابه وكمالته‪ ،‬فيتحقق حكم‬
‫ال فرديا واجتماعيا ودوليا وهو الطلوب‪.‬‬
‫أين نن من هذا كله؟‬
‫الق أننا لسنا منه ف شئ‪ .‬وكل حظنا منه نص الادة ‪ 149‬من الدستور‪ ،‬ث ما بقى ف نفوس هذا‬
‫الشعب من مشاعر وعواطف وتقدير وأعمال وعبادات‪ .‬أما الكومة والدولة ففي واد آخر‪.‬‬
‫يا دولة رئيس الكومة أنت السئول بالصالة‪ .‬ويا معال وزير العدل أنت السئول بالختصاص‪ .‬ويا‬
‫نواب المة وشيوخها أنتم السئولون باسم أمانة العلم و التبليغ الت أخذ ال عليكم ميثاقها‪.‬‬
‫"ويا أيتها المة أنت السئولة عن الرضا بذا الروج عن حكم ال‪ ،‬لنك مصدر السلطات"‪.‬‬
‫"فناضلي حكامك وألزميهم النول على حكم ال‪ ،‬وخوضي معهم معركة الصحف‪ ،‬ولك النصر‬
‫بإذن ال"‪.‬‬
‫حسن البنا‬
‫‪m m m‬‬

‫نعم‪ ،‬لقد اتضح المر ف حس المام الشهيد ف أيامه الخية‪ ،‬ولكنه ل يهل حت يرسخ هذا العن‬
‫ف قلوب أتباعه كما أشرنا من قبل‪ ،‬فظل هذا العن غي واضح ف نفوسهم‪ ،‬ول تبدو آثاره ف تطيهم‬
‫وتركهم وأفكارهم‪.‬‬
‫تلك هي النقطة الول الت تدثنا عنها بالنسبة للبناء الذي أقامه المام الشهيد‪.‬‬
‫أما النقطة الثانية‪ ،‬وهي تقدير حقيقة العركة الت لبد أن توضها الصحوة السلمية – رضيت أم‬
‫أبت – مع أعداء السلم‪ ،‬وتقدير النوعية الطلوبة لا‪ ،‬والهد اللزم لعدادها‪ ،‬والزمن القدر لتهيئتها‪.‬‬
‫فل نستطيع أن نعلم بالضبط ماذا كان يدور ف ذهن المام الشهيد بشأنا‪ ،‬وقد عوجل – رضوان ال‬
‫عليه – بالقتل وهو ف شبابه ل يزل‪ ،‬وهو ف أول الطريق؛ ولكنا نلحظ – كما قلنا – أنه قد حدث‬
‫تعجل ف العداد‪ ،‬وتعجل ف الركة‪ ،‬كانت له آثاره فيما بعد‪.‬‬
‫إن العركة ف حقيقتها ليست معركة ملية بي الماعات السلمية وبي الطاغية الذي يقوم بتقتيلها‬
‫وتعذيبها وتشريدها وماولة القضاء عليها‪ .‬كما أنا ليت معركة سريعة تتم ف جولة أو بضع جولت‪.‬‬
‫إنا معركة تشارك فيها وتشرف عليها‪ ،‬وتوجهها الصليبية العالية‪ ،‬والصهيونية العالية‪ ،‬بالتحالف مع كل‬
‫أعداء السلم!‬
‫قالت إحدى الصحف البيطانية أيام العدوان الثلثي عام ‪1956‬م‪:‬‬
‫"لقد أيدنا جال عبد الناصر حي قام بركته عام ‪ ،1952‬على أساس أنه أتاتورك جديد قوى جاء‬
‫ليحارب الشيوعية برفع مستوى العيشة‪ ،‬ويقر السلم ف الشرق الوسط بالصلح مع إسرائيل (‪ .)1‬ولكنه‬

‫() هذا هو البنامج الثلثي‪ ,‬او "ورقة العمل" الت جئ بمال عبد الناصرليقوم بتنفيذها‪ ,‬وقد بذل كل جهده بالفعل للتنفييذها‪ ,‬فأتاتورك مهمته بالطبع معروفة وهي القضاء علي‬ ‫‪1‬‬
‫السلم‪ .‬وإشارة الصحيفة ذات مغزي‪ .‬فأتاتورك الول كانت مهمته القضاء علي السلم ف اسطنبول‪ ,‬مركز القوة السياسية والعسكرية للعال السلمي‪ ,‬وأتاتورك الثان ‪-‬جال عبد‬
‫اختار الرب على السلم (‪ .)1‬ونن مستاءون منه من أجل ذلك‪ .‬ولكن ينبغي أل ننسى أنه هو الذي‬
‫سحق الخوان السلمي التعصبي"‪.‬‬
‫” ‪But we should not forget that it was he who crushed the fanatic‬‬
‫‪.“Moslem Brotherhood‬‬
‫وقالت أنديرا غاندى ف حديث صحفي لا مع إحدى الجلت المريكية عام ‪:1968‬‬
‫"إننا نب جال عبد الناصر ونؤيده لنه قضى على الخوان السلمي التعصبي"!‬
‫وكان أصدقاؤه القربون كلهم من أعداء السلم‪ :‬الب مكاريوس الذي كان يقوم بتذبيح السلمي‬
‫ف قبص بتأييد المم التحدة‪ ،‬وتأييد جال عبد الناصر! وتيتو اليهودي الذي قام بذبح ثلثة أرباع‬
‫مليون مسلم ف يوغسلفيا‪ .‬وأنديرا غاندى‪ ،‬الت كانت تشرف على تذبيح السلمي ف الند وتريقهم‬
‫أحياء‪ ،‬ث معاقبتهم "رسيا" بعد ذلك بجة أنم هم الذين يثيون الشغب ف البلد‪ .‬وهيلسلسى الذي‬
‫خطب ف المم التحدة عام ‪ 1961‬خطبة قالب فيها‪ :‬إنه بعد أثن عشر عاما لن يكون ف البشة إل‬
‫دين واحد! أي أنه يعلن رسيا عزمه على إبادة ‪ %65‬من سكان البشة السلمي‪ ،‬أو طردهم خارج‬
‫البلد!‬
‫وكانت الدعاية العالية – الصليبية الصهيونية الشيوعية الرأسالية…‪ .‬إل (‪ – )2‬الت أضفت عليه‬
‫"البطولت" الرافية‪ ،‬تقوم بتغطيته وهو يلغ ف دماء السلمي‪ .‬وكلما أوغل ف إراقة الدم وف التعذيب‬
‫الوحشي‪ ،‬زاد الدوي العلمي العالى‪ ،‬ترحيبا بالصديق البيب‪ ،‬الذي يقضى لم على الطر الرهوب!‬
‫وجاءت "لنة حقوق النسان"! فزارت السجون الربية عام ‪1955‬م ف أوج العمعة الدائرة‬
‫لتعذيب السلمي بالوسائل الوحشية‪ ،‬وحضرت مهزلة الحاكمات الت كان يشرف عليها أعوان‬
‫السفاح‪ ،‬ث قدمت تقريرا قالت فيه إن الحاكمات ترى حسب الصول القضائية الصحيحة‪ ،‬وف جو‬
‫من الرية التامة!!!‬
‫وتلك مرد ناذج عابرة من العداوات العالية الرصودة ضد السلم!‬
‫والعركة الت توضها الماعة السلمة – رضيت أم أبت – مع هذه العداوات كلها ليست معركة‬
‫سهلة ول قريبة‪ ،‬وتتاج إل نوعية خاصة وإعداد خاص‪ ،‬ول ينظر فيه إل "الزمن" الذي يكن أن‬
‫الناصر‪ -‬مهمته القضاء علي السلم ف القاهرة‪ ,‬مركز الشعاع الروحي والثقاف للعال السلمي‪ ,‬وماربة الشيوعية تقلبت با الوسائل وانتهي با المر إل تطبيق الشتراكية لتكريه‬
‫الناس ف الشيوعية كما جاء ف كتاب "والت روستو" اليهودي المريكي"‪" :‬مراحل التنمية القتصادية ف البلد الختلفة" والصلح مع إسرائيل مهد له جال عبد الناصر بكل ما ف‬
‫وسعه‪ ,‬ولكنه هلك قبل أن يتم التنفيذ‪ ,‬فجاء خلفه "العظيم"ليتم مكارم الخلق!!‪.‬‬
‫() تشي الصحيفة بذلك إل تأميم قناة السويس‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫() اشتركت جيع أجهزة العلم العالية الت يسيطر عليها اليهود ف إضفاء صفات البطولة الارقة علي السفاح إمعانا ف تغطية دوره القيقي‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫يستغرقه العداد‪.‬‬
‫بل إن هذه العداوات الحددة الركزة كلها – على ضراوتا وعنف خصومتها – ليست هي‬
‫العداوات الوحيدة الت تواجهها الصحوة السلمية‪ ،‬فهي تواجه – مع هذا كله – عداوة "الاهلية" ف‬
‫كل الرض‪ ،‬با فيها الرض السلمية ذاتا‪ ،‬الت تسربت إليها الاهلية ومسخت كيانا‪ ،‬منذ أتاح‬
‫التخلف العقدي الذي وقع فيه السلمون الجال لعداء ال أن ينفذوا إل العال السلمي ويسيطروا‬
‫عليه‪ ،‬فينحوا عنه شريعة ال‪ ،‬ويبثوا فيه أفكار الاهلية العادية للدين‪ .‬وإن هذه الاهلية لتتخذ نظما‬
‫للحكم‪ ،‬ومناهج للفكر‪ ،‬ومناهج للتعليم‪ ،‬ووسائل للعلم‪ ،‬وأناطا للسلوك الواقعي‪ .‬تقف كلها موقف‬
‫العداء الشديد من "الدين" وموقف العداء الشد من "السلم"‪.‬‬
‫والصحوة السلمية – رضيت أم أبت – تتعرض لعداوة هذه الاهلية ف كل خطوة من خطواتا‪،‬‬
‫وكل ترك من تركاتا‪ ،‬إن بالتقتيل والتعذيب والتشريد‪ ،‬وإن بالتسخيف والترذيل‪ ،‬وإن بالصد والتنفي‪.‬‬
‫وبكل وسيلة من وسائل الصد والتنفي! وهي تتاج – ف مقابل ذلك – إل نوعية فريدة لتواجه ذلك‬
‫العداء كله وتصب عليه‪ .‬نوعية ذات وعى سياسى فائق‪ ،‬ووعى فكرى متعمق‪ ،‬ييط با حول السلمي‬
‫من عداوات‪ ،‬وبطبيعة العركة‪ ،‬ووسائل الرب التبعة فيها‪ ،‬والدوات اللزمة لواجهتها‪ .‬وتدرك – فوق‬
‫ذلك – أن العركة ليست ذات صبغة ملية مدودة‪ ،‬وليست معركة جيل واحد‪ ،‬بل معركة أجيال‬
‫متعاقبة‪ ،‬وساء بسبب العداوات الرصودة من الارج‪ ،‬أو بسبب الهل العميق بقيقة السلم‪ ،‬الذي‬
‫يعوق نشأة "القاعدة السلمة"‪ .‬وأنا من أجل ذلك ف حاجة إل النفس الطويل الذي ل يتعب من طول‬
‫الطريق‪.‬‬
‫ولقد كان اليل الذي رباه المام الشهيد جيلً فائقا من ناحيتي اثنتي على القل‪ :‬الروح الفدائية‬
‫العالية‪ ،‬الستعدة للموت ف سبيل ال‪ ،‬الناذرة نفسها نذرا كاملً للدعوة ومطالبها؛ وروح الخوة‬
‫العميقة الت تربط بي الخوة ف ال‪.‬‬
‫وكان هذا جهدا ضخما بذله المام الشهيد من وقته وجهده وروحه ودمه‪ ،‬ل يكن غيه قادرا‬
‫عليه‪ ،‬ول كان غيه يلك الوهبة اللزمة لدائه‪.‬‬
‫ولكن ذلك اليل – برغم ذلك – كان مفتقرا إل كثي من الوعي السياسي‪ ،‬الذي يدرك به أن‬
‫الوض ف القضايا السياسية القائمة ف وقته ليس هو مهمة الماعة السلمة الصيلة‪ ،‬إنا مهمتها الصيلة‬
‫بيان النهج السلمي الذي يصحح المور‪ ،‬ويبي أن الفساد ناجم من عدم إتباع النهج الربان ف كل‬
‫أمر من المور‪ .‬ويدرك به أن تغيي حاكم ف أي بقعة من بقاع العال السلمي ل يغي شيئا ف الوقف‪،‬‬
‫طالا ل توجد بعد "القاعدة السلمية" الت تقيم الكم السلمي‪ ،‬ث تميه حي يقوم‪ .‬لن كل حاكم‬
‫يتغي يأت بعده حاكم جديد‪ ،‬يقوم بذات الهمة الوكولة إليه ف حرب السلم والسلمي‪ ،‬وإن تغيت‬
‫الدوات وتغيت الساليب‪.‬‬
‫وكان مفتقرا إل كثي من الوعي الفكري‪ ،‬الذي يدرك به الوسائل الفية والظاهرة الت استخدمها‬
‫العداء ويستخدمونا لصرف السلمي عن السلم‪ ،‬ف مناهج التعليم مرة‪ ،‬ووسائل العلم رمة‪،‬‬
‫وقواعد التفكي مرة‪ ..‬وأن من بي هذه الوسائل الفية استدراج الصحوة السلمية إل قضايا فرعية‬
‫ومعارك فرعية يستنفدون فيها جهدهم‪ ،‬ويستهلكون فيها طاقتهم‪ ،‬وينصرفون با عن مهمتهم الرئيسية‬
‫ف إنشاء "القاعدة السلمة" بالواصفات الطلوبة‪ ،‬على الزمن الديد‪ ،‬دون استعجال ف الزمن ول‬
‫استعجال ف البناء‪.‬‬
‫وكان مفتقرا إل النفس الطويل ف الواجهة‪ ،‬الذي يصمد للضربة تلو الضربة دون أن يتعب من‬
‫الصراع‪ .‬وقد كان يبدو عجيبا لول وهلة أن ينهار قوم ف العتقلت والسجون‪ ،‬وهم الؤمنون‬
‫الصادقون‪ ،‬وهم الفدائيون الخلصون‪ .‬ل لنقص ف إيانم‪ ،‬ول لنقص ف فدائيتهم‪ .‬ولكن لن أعصابم‬
‫كانت "مضبوطة" على زمن مدد‪ ،‬يتخيلون فيه تقق النصر‪ ،‬والتمكي للسلم‪ ،‬والقضاء على العداء‪.‬‬
‫فلما ضربوا بدل أن يضربوا‪ ،‬وتوال عليهم الضرب بدلً من التمكي‪ ،‬تعبت العصاب الشدودة‪،‬‬
‫الضبوطة على الوقت القصي‪ ،‬وانصرف كثيون عن الدعوة إل غيها من المور‪ ،‬أو دخلوا بالدعوة ف‬
‫منعطف مبتعد عن الطريق! (‪)1‬‬
‫‪m m m‬‬

‫والن فلننظر إل واقع الصحوة السلمية بعد ما يزيد قليلً على نصف قرن منذ بدأها المام الشهيد‪.‬‬
‫هناك ظاهرتان على الساحة‪ :‬إحداها تدعو إل التفاؤل‪ ،‬والخرى تثي السى ف نفوس الدعاة‬
‫الخلصي‪.‬‬
‫الول‪ :‬هي اتساع القاعدة‪ ،‬واتاه مزيد من الشباب إل السلم‪ ،‬بيث يصح أن يقال إن القبال‬
‫على السلم أصبح تيارا ذاتيا عند الشباب‪ ،‬ل يرتبط بالضرورة بنشاط جاعة معينة‪ ،‬أو بوجود جاعة‬
‫معينة‪ ،‬إنا ينبعث تلقائيا ف نفوس الشباب‪ .‬والثانية هي تبعثر العمل السلمي وتفرقه‪ ،‬وكثرة الماعات‬
‫الت تعمل ف الساحة‪ ،‬وتناقضها وتنابذها‪ ،‬وانتقاد كل واحدة منها لسائرها‪ ،‬وادعاؤها أنا وحدها على‬
‫الق‪ ،‬وبقية الماعات على ضلل!‬
‫() يأت ذكر بعض النعطفات عرضا ف أثناء الديث‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫والظاهرتان قد وجدتا – بقدر من ال – معا ف وقت واحد مع اختلفهما ف التاه! ولكن هناك‬
‫أسبابا متواكبة هي الت أدت إل هذا الوضع‪.‬‬
‫فاتساع القاعدة يرجع – من جانب – إل جهود الدعاة العاملي ف حقل الدعوة‪ ،‬ويرجع – من‬
‫جانب آخر – إل الذابح التوالية الذي يقيمها أعداء السلم للمسلمي! وتلك سنة يغفل عنها دائما‬
‫أعداء السلم‪ ،‬مع تكررها دائما مع اليام‪ :‬أن الدعوة الت يقدم لا الدم ل توت! والعداء – من‬
‫حنقهم – ل يستطيعون أن ينعوا أنفسهم من التقتيل والتعذيب والتشريد‪ ،‬ظنا منهم ف كل مرة أن هذا‬
‫هو الذي يقضى على الدعوة‪ ،‬فينقذ قدر ال من خلل أعمالم‪ ،‬وتتسع القاعدة مع كل نقطة دم تراق‪،‬‬
‫ومع كل سوط يلهب الظهور‪ .‬واستشهاد رجل واحد موصول القلب بال‪ ،‬يصنع ال به للدعوة مال‬
‫تصنعه ألوف الطب‪ ،‬وألو الكتب‪ ،‬وألوف الحاضرات‪ .‬وكلن الظالي ل يعلمون‪.‬‬
‫أما تبعثر العمل السلمي له أسباب عدة‪:‬‬
‫السبب الول – والظهر‪ :-‬هو غياب القيادة الكبية الت تطمئن لا النفوس‪ ،‬وتنقاد لا طائعة بدافع‬
‫الب والتقدير والثقة والحترام‪ ،‬فيلتئم حولا الشمل‪ ،‬وتتمع حولا القلوب‪.‬‬
‫ووجود القيادة الكبية ل يل كل مشاكل التجمع‪ .‬فهناك دائما نفوس مريضة ل تنقاد إل لشهوتا‬
‫وأهوائها‪ .‬وقيادة رسول ال‪ r‬وهو النب الرسل‪ ،‬وهو أعظم شخصية ف تاريخ البشرية كله قد أثارت‬
‫حقد عبد اله بن أب وجعلته ينشق عن الصف! وعلى الستوى البشرى تعتب قيادة المام الشهيد من‬
‫القيادات الكبى ف التاريخ‪ ،‬ول ينع وجودها من حدوث انشقاقات داخل الماعة وتزبات‪.‬‬
‫ولكن وجود القيادة الكبية يقلل كثيا دون شك من مشاكل التجمع‪ ،‬لنه يمع النفوس الخلصة‬
‫الت ل تعمل من أجل الظهور والجد الشخصى‪ ،‬وتمع النود‪ .‬والنود غالبا ما يكونون ملصي‬
‫متجردين من الهواء‪.‬‬
‫وف غياب مثل هذه القيادة تتولد زعامات صغية شابة تنقصها البة‪ ،‬وكثيا ما يتلط ف نفوسها‬
‫الخلص للدعوة والخلص للذات‪ ،‬من مدخل من مداخل الشيطان هو اعتقاد كل واحد منهم أنه‬
‫على حق‪ ،‬وأن اتباع الق يستوجب اتباع من يثله! أي اتباعه هو! ومن ث تتناحر هذه الزعامات‬
‫وتتناطح‪ ،‬ويقول كل منها‪ :‬على فلن وجاعته‪ -‬إذا أرادوا – أن يأتوا إل‪ ،‬ويتبعون! أما أنا فل أذهب‬
‫إليه‪ ،‬ول أتبعه‪ ،‬لنه ليس على الق!‬
‫والسبب الثان‪ :‬أن معظم الشباب القبل على الدعوة اليوم ل يترب ف داخل جاعة واحدة ذات قيادة‬
‫منظمة‪ ،‬لغياب القيادات العاملة داخل السجون والعتقلت‪ ،‬إنا ترب على الكتب‪ .‬وعلى القراءة‪.‬‬
‫والقراءة وحدها ل تكفي!‬
‫إن العمل السلمي لبد له من قيادة‪ :‬تقوده‪ ،‬وتعلمه‪ ،‬وتربيه‪.‬‬
‫ولو كان ال يعلم أن النفوس – الت خلقها بعلمه سبحانه – تكفيها الكتب‪ ،‬فقد كان ال قادرا على‬
‫أن ينل القرآن كله جلة ف قرطاس‪ ،‬ويعلم الناس قراءته!‬
‫ولكن ال الذي خلق هذه النفوس – وهو العليم با سبحانه – يعلم أن الق ل يعمل عمله ف‬
‫النفوس إل أن يتلقاه قلب من قلب‪ ،‬ومتعلم من معلم‪ ،‬ومتلق من موجه‪ .‬لذلك أرسل ال رسوله‪r‬‬
‫ليكون هو العلم والوجه‪ ،‬ويكون هو القلب العظيم الذي تتلقى منه سائر القلوب‪.‬‬
‫والشباب كان يلك الماسة والرغبة‪ ،‬ولكنه ف وقت من الوقات ل يكن يلك إل كتبا يقرؤها‪،‬‬
‫فتفرقت به السبل!‬
‫إن من شأن العقول أن تتلف على دللة النص الواحد‪ ،‬وإن كان قطعي الثبوت وقطعي الدللة! فما‬
‫البال إن كانت النصوص التداولة غي قطعية الدللة‪ ،‬وما البال إن كان بعضها غي قطعي الثبوت؟!‬
‫لقد نم اللف طبيعيا – وغن كان غي مرغوب فيه – مع نشأة هذا الشباب على قراءة الكتب‪،‬‬
‫بل مرشد يرشد‪ ،‬ول معلم يعلم‪ ،‬ول قائد يقود!‬
‫وهي ظاهرة سيئة بل شك‪ .‬فالفروض أن يتجمع العمل السلمي ول يتفرق‪ ،‬لن الفرقة ل تدم‬
‫أحدا إل العداء‪ .‬ولكنها – كما أقول دائما – مشكلة ليس لا حل سحري! وأقصد بالل السحري‬
‫الل السهل السريع‪ ،‬الذي يتم دون معاناة! ومعظم مشكلت العمل السلمي هو من هذا النوع الذي‬
‫ليست له حلول سحرية! إنا حله هو العاناة‪ ،‬والصب على العاناة‪ ،‬وبذل الهد الدائم بل توقف‪ ،‬مع‬
‫الخلص ف القصد‪:‬‬
‫صبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتّقُوا اللّهَ َلعَّلكُ ْم ُتفِْلحُونَ (‪[ })200‬سورة آل‬
‫{يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا ا ْ‬
‫‪]3/200‬‬
‫ولكن – مع ذلك – ل أنزعج كثيا من هذه الظاهرة على ما فيها من سوء‪ ،‬لن أنظر إليها على‬
‫أنا من حصيلة الاضي أكثر ما هي مؤشر للمستقبل‪.‬‬
‫من حصيلة الصحوة بعد الغفوة الطويلة‪.‬‬
‫فحي يهب الناس من الغفوة الطويلة‪ ،‬ويدركون ما أصابم‪ ،‬وياولون اللص‪ ،‬وف غيبة الرشد‬
‫الذي تطمئن القلوب إليه تنقاد له‪ ،‬يكن أن يدث اختلف وجهات النظر‪ .‬فهذا يرى طريق اللص من‬
‫هنا‪ ،‬وذاك يراه من هناك‪ ،‬وثالث يرى غي هذين‪.‬‬
‫ولكن من خلل التجربة‪ .‬من خلل العاناة‪ .‬يتضح رويدا رويدا أي الطرق أصح‪ ،‬وأيها قمي‬
‫بالوصول‪.‬‬
‫ول ينبغي للحظة واحدة أن ننسى أنه ليس البشر هم الذين يدبرون! إنا هو ال سبحانه‪ .‬وهذه‬
‫دعوته‪ .‬وهو التكفل با‪ ،‬وهي دائما ف رعايته‪ .‬وهو سبحانه الذي تكفل بأن ييز صفها‪ ،‬وينقى خبثها‪.‬‬
‫ث مِنْ ال ّطّيبِ َومَا كَانَ اللّهُ ِليُ ْطِلعَكُمْ‬
‫خبِي َ‬
‫ي عَلَى مَا َأنْتُ ْم عََليْهِ َحتّى يَمِي َز الْ َ‬
‫{مَا كَانَ اللّهُ ِليَ َذ َر الْ ُم ْؤمِنِ َ‬
‫عَلَى اْلغَْيبِ} [سورة آل ‪]3/179‬‬
‫فهو سبحانه ل يترك الصف متلطا فيه الطيب والبيث‪ .‬وهو ل يطلع الناس على غيبه فيقول لم‬
‫سلفا‪ :‬هذا طيب وهذا خبيث‪ .‬ولكنه يدخل الؤمني ف اختبارات وابتلءات يتميز با الطيب من‬
‫البيث‪ ،‬ف الوقت الذي يتمحص فيه الؤمنون ويتجردون ل‪.‬‬
‫فمـن خلل التجربـة‪ .‬ومـن خلل العاناة‪ .‬سـيعرف الناس أي هذه الدعوات التناحرة أكثـر إدراكا‬
‫لقيقة السلم الشاملة‪ ،‬وأيها أصح تركا بذا الدراك الشامل‪ ،‬وأيها أكثر تردا وإخلصا ل‪ .‬وينقى‬
‫ال البث وينفيه‪:‬‬
‫{َفَأمّا ال ّزبَدُ َفيَ ْذهَبُ ُجفَا ًء َوَأمّا مَا يَنفَ ُع النّاسَ َفيَ ْم ُكثُ فِي الَ ْرضِ} [سورة الرعد ‪]13/17‬‬
‫أما القيادة الكبية‪ ،‬الطلوبة‪-‬دائما‪-‬للعمل السلمي‪ ،‬فهي هبة ربانية ل تصنع! فليس هناك مصنع‬
‫نستطيع أن نوصيه بأن يصنع لنا القيادة الطلوبة خلل فترة معينة من الزمن! ولكن هناك الوهبة الربانية‪،‬‬
‫وهناك الصنع الربان وهو الختبارات والبتلءات الت تحص الؤمني‪ ،‬وتبز‪ -‬من بينهم – من هو‬
‫أصلح للقيادة والتوجيه‪ ..‬إنا علينا نن واجب نتقدم به بي يدي ال‪ ،‬لنطمع أن يستجيب لنا حي‬
‫ندعوه أن يبز لنا القائد الطلوب‪ ،‬هو أن نلص النية له سبحانه‪ ،‬ونلص العمل‪ ،‬فيستجيب ال للدعاء‪:‬‬
‫جبْ َلكُمْ} [سورة غافر ‪]40/60‬‬
‫{وَقَالَ َرّبكُمْ ا ْدعُونِي َأ ْستَ ِ‬
‫وقال رسول ال‪ r‬للرجل الذي قال له‪ :‬ادع ل يا رسول ال أن أكون رفيقك ف النة‪ ،‬قال‪ :‬أعن‬
‫بكثرة السجود! (‪)1‬‬
‫وإذا كان هناك اليوم شباب ل يثقون بقيادة من يرونه أمامهم من الشيوخ‪ ،‬وكانوا – بعد – ل‬
‫يفرزوا قيادتم الاصة الت يرضون بقيادتا‪ ،‬وتطمئن قلوبم إليها‪ ،‬فليس هذا وضعا دائما‪ ،‬مزعجا كما‬
‫يبدو ف هذه اللحظة‪ ،‬إنا هو مرحلة عابرة‪ ،‬يغي ال بعدها الناس‪ ،‬حي يغيون ما بأنفسهم‪ ،‬ويلصون‬
‫من حظ أنفسهم‪ ،‬ويتجردون ل‪.‬‬

‫() أخرجه مسلم‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ولنحاول ف الصفحات التالية أن نستعرض أهم نقط اللف الت نمت ف الركات العاصرة‪ ،‬وإن‬
‫كنت أحب – قبل ذلك – أن ننتبه إل مسألة مهمة ف هذا الشأن‪.‬‬
‫إن تصحيح الفاهيم وتصحيح النهج أمر ضروري للحركة السلمية دون شك‪ .‬وما تستطيع الركة‬
‫أن تثمر ثرتا الرجوة إن ل تعرف الطريق الصحيح وتتوجه إليه‪.‬‬
‫ولكن ماولة التصحيح بالتنابذ والفرقة‪ ،‬والتدافع بالناكب‪ ،‬والدل الدائم الذي ياول فيه كل فريق‬
‫تسفيه الخرين وتريهم والنيل منهم‪ .‬كل ذلك جهد ضائع بل ثرة‪ ،‬إل الثمرة النكدة الت يتلقفها‬
‫الشيطان!‬
‫إنا يكون التصحيح بالبيان الادئ الادف‪ ،‬وإبراز الدليل الشرعي الذي تبن عليه الحكام‪ ،‬مع التفقه‬
‫ف دين ال‪ ،‬قبل إصدار الكم الذي يتشبث به صاحبه ويفاصل الناس عليه!‬
‫وحي ل نتعلق بذواتنا‪ ،‬وحي يكون الق أعز علينا من أنفسنا‪ ،‬ويكون وصولنا إل الق عن تدبر‬
‫ودراسة وبصية‪ ،‬ستنجاب الغاشية‪ ،‬وتتضح الرؤية‪ ،‬ويستبي الطريق‪ .‬وهو ما نعتقد أن المور ستصي‬
‫إليه ف النهاية بعون ال وتوفيقه‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫تشعب اللف كثيا بي الماعات القائمة بالعمل ف حقل الدعوة‪ .‬ولكن ربا كانت أكب قضيتي‬
‫ثار بشأنما اللف والدل‪ ،‬ها قضية الكم على الناس‪ ،‬وقضية النهج الواجب اتباعه ف الفترة الراهنة‪.‬‬
‫ث تئ بعد ذلك قضايا أقل شأنا‪ ،‬نتعرض لبعضها بعد الكلم عن هاتي القضيتي الرئيسيتي‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫قضية الكم على الناس‬


‫شغلت هذه القضية أكب مساحة من اللف والدل بي الفرق الختلفة‪ .‬وذهب فيها ناس إل حد‬
‫التطرف من الهتي‪ .‬فقال بعضهم‪ :‬من قال ل إله إل ال فهو مؤمن ولو ل يعمل عملً واحدا من‬
‫أعمال السلم! وقال آخرون‪ :‬إن الصل ف الناس اليوم هو الكفر‪ ،‬ما ل يثبت عكس ذلك‪ .‬الولون‬
‫يكمون على الناس بالنية وحدها دون العمل‪ ،‬والخرون يكمون بالعمل وحده بصرف النظر عن النية‪.‬‬
‫ووقف آخرون ف منازل متلفة بي هذا الطرف وذاك‪.‬‬
‫وقد كان ل موقف قدي ف هذه القضية (‪ ،)1‬اقتنعت به بعد سنوات من التفكي الدائب فيها‪ ،‬وما‬

‫() منذ سنة ‪.1965‬‬ ‫‪1‬‬


‫زلت مقتنعا به إل هذه اللحظة‪ .‬هو أن قضيتنا الول والكبى ليست هي قضية الكم على الناس‪ ،‬إنا‬
‫هي قضية تعليمهم حقيقة السلم‪ .‬فل ينبغي أن تشغلنا تلك القضية أصلً‪ ،‬ول أن نعلها مور ارتكازنا‬
‫ف الدعوة‪ ،‬ول نقطة الشد الت ناول أن نشد الناس إليها من هذا الطرف أو ذاك‪ .‬إنا الول والجدى‬
‫والكثر ثرة أن ننصرف إل تعليم الناس ما جهلوه من حقيقة السلم؛ وإن تعليمهم هذه القيقة‪،‬‬
‫وتربيتهم على مقتضياتا‪ ،‬هو العمل القيقي الثمر‪ ،‬الذي يغي واقع الناس ف النهاية‪ ،‬ويردهم إل الادة‬
‫الت شردوا عنها خلل الجيال‪ ،‬وكان شرودهم عنها ف القرن الخي خاصة هو الذي جر عليهم‬
‫الوبال‪.‬‬
‫إن الهالة الت تعيش فيها المة بالنسبة لقيقة السلم هي – كما بينا من قبل – العدو الول‬
‫للحركة السلمية‪ ،‬والعوق الكب للدعوة (‪ ،)1‬وهي الت يستخدمها العداء أداة من أكب أدواتم‬
‫لرب الدعوة وتعويقها‪.‬‬
‫لقد كان إفراغ ل إله إل ال من متواها القيقي‪ ،‬وبالذات فصلها عن مقتضاها الول‪ ،‬وهو اللتزام‬
‫با جاء من عند ال‪ ،‬وتكيم شريعة ال‪ .‬هو الذي أتاح للعدو الصليب الصهيون تنحية الشريعة عن‬
‫الكم‪ ،‬مع إيهام الناس أن إسلمهم ل يتأثر بذلك قيد شعرة‪ .‬وأنم حي يرضون بالقواني الوضعية‪،‬‬
‫ويتحاكمون إليها عن قبول ورضى‪ ،‬فما زالوا رغم ذلك مسلمي‪ ،‬ما داموا يقولون ل إله إل ال! وهو‬
‫الذي أتاح للعدو‪ -‬بعد انسحاب عسكره من أراضى العال السلمي – أن ينيب عنه ف الكم‬
‫حكومات من أهل البلد‪ ،‬تستمر ف تنحية الشريعة عن الكم‪ ،‬ومع ذلك تضفي عليها ف حسن الناس‬
‫الشرعية الكاملة‪ ،‬ويتقبلها الناس – بقوانينها الوضعية – دون أن يطالبوها بتحكيم شريعة ال‪ .‬ث هو‬
‫الذي أتاح لعملء العدو ف العال السلمي أن يبطشوا بالدعاة بطشا‪ ،‬ويبيدوهم إبادة‪ ،‬وهم آمنون من‬
‫غضب الناس عليهم‪ ،‬ما داموا ينطقون بأفواههم ل إله إل ال!‬
‫وإزالة هذه الهالة‪ ،‬وتعليم الناس حقيقة السلم‪ ،‬وحقيقة الرتباط الذي ل ينفصم بي ل إله إل ال‬
‫ومقتضاها الول‪ ،‬وهو تكيم شريعة ال‪ ،‬ث تربية الناس على هذه القيقة‪ ،‬هو العمل الثمر الجدي‪،‬‬
‫الذي يغي أحوال الناس ف العال السلمي‪ ،‬ويردهم إل القيقة الضائعة‪ .‬فيدهم من ث إل أنفسهم وإل‬
‫دينهم‪ ،‬فيمكن ال لم حي يستوون على الشرط‪:‬‬
‫ف الّذِي َن مِ ْن‬
‫خلَ َ‬
‫خِلفَّنهُم فِي الَ ْرضِ َكمَا اسْتَ ْ‬ ‫ستَ ْ‬‫{ َوعَدَ اللّ ُه الّذِينَ آمَنُوا ِمْنكُ ْم َوعَمِلُوا الصّالِحَاتِ َليَ ْ‬
‫َقبِْلهِمْ وَلَيُ َم ّكنَنّ َلهُمْ دِيَنهُ ْم الّذِي ا ْرَتضَى َلهُ ْم وََلُيبَدَّلنّهُ ْم مِ ْن َبعْدِ َخوِْفهِمْ َأمْنا َي ْعبُدُوَننِي ل يُشْرِكُونَ بِي‬

‫() راجع قول المام الشهيد ف رسالة "بي المس واليوم" ‪" :‬سيقف جهل الشعب بالسلم عقبة ف طريقكم" وقد سبقت الشارة إليه‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫َشيْئا} [سورة النــور ‪]24/55‬‬
‫ومن ث ينبغي أن تنصرف جهود الدعاة إل إزالة هذه الهالة‪ ،‬ول تتشتت ول تتناثر ف قضايا ل‬
‫طائل وراءها كقضية الكم على الناس!‬
‫إن الكم على الناس بالسلم أو الكفر ليس هو الذي سيحل القضية‪ ،‬ول هو الذي سيجعل الناس‬
‫يغيون موقفهم! فإنك إن قلت لم – كما يقول الطرف الول – من قال ل إله إل ال فهو مؤمن ولو‬
‫ل يعمل عملً واحدا من أعمال السلم‪ ،‬فلن يرجوا من الدر الذي يعيشون فيه‪ ،‬والذي ييل إليهم‬
‫أنم قد استوفوا متطلبات السلم واليان‪ ،‬وأن النة ف جيوبم ولو ل يعملوا! ولن يغيوا – من ث –‬
‫شيئا من واقعهم البعيد عن حقيقة السلم! وإن قلت لم – كما يقول الطرف الخر – أنتم كفار‬
‫بواقع عملكم‪ ،‬مهما تكن نواياكم ف داخل نفوسكم‪ ،‬فسينشغلون بالدفاع عن أنفسهم‪ ،‬والبحث عن‬
‫الدلة الفقهية الت تعلهم ف عداد السلمي‪ .‬ولن يغيوا – من ث – شيئا من الواقع السيئ الذي يعيشون‬
‫فيه!‬
‫أما تعليمهم – دون التعرض للحكم عليهم ف الوقت الاضر – فقد يكون هو الذي يصلح الفكار‬
‫والقلوب‪ ،‬ويدعو الناس إل تغيي ما بأنفسهم فيغي ال ما بم كما بي سبحانه‪:‬‬
‫سهِمْ} [سورة الرعد ‪]13/11‬‬
‫{ِإنّ اللّ َه ل ُي َغيّ ُر مَا ِب َقوْمٍ َحتّى يُ َغيّرُوا مَا بِأَنفُ ِ‬
‫وتدفعن إل هذا الوقف – منذ وقفته – عدة اعتبارات‪ ،‬ما زال لا ف نفسي ثقلها ووجاهتها‪.‬‬
‫العتبار الول‪ :‬أنن أشعر – بق – بعد تدبر خط النراف الطويل كله‪ ،‬وآثار النراف‪ ،‬والغزو‬
‫الفكري‪ ،‬وانزواء علماء السلم عن قيادة المة وتبصيها بقيقة دينها‪ ،‬بل مشاركة بعضهم ف تضليل‬
‫المة عن هذه القيقة وتعميتها عليها‪ ،‬بالفتاوى الضللة حينا‪ ،‬وبإضفاء الشرعية على ما ل شرعية له عند‬
‫ال حينا آخر‪ ،‬وإيهام الناس أن هذا من الجتهاد الأذون به ف السلم‪)1( ....‬‬
‫أقول‪ :‬إنن أشعر بق – بعد تدبر هذا كله – أننا اليوم ف مقام التعليم‪ ،‬قبل التصدي لصدار‬
‫الحكام على الناس‪ .‬وأن هذا التعليم – لزالة الغربة الثانية الت تيط بالسلم اليوم – يتاج من الوقت‬
‫والهد شيئا غي قليل‪ ،‬ولكنه ف النهاية هو الذي سيحسم القضية حسما كاملً‪ ،‬فمن أب وأصر – بعد‬
‫البيان والتعليم – فهو الكافر بل شبهة‪ ،‬ومن أجاب الدعوة فهو السلم بل شبهة‪:‬‬
‫ي َسبِي ُل الْ ُمجْ ِرمِيَ (‪[ })55‬سورة النعام ‪]6/55‬‬
‫ت وَِلتَسَْتبِ َ‬
‫ك ُن َفصّلُ اليَا ِ‬
‫{وَكَذَلِ َ‬
‫حيَا مَنْ َح ّي عَ ْن َبيَّنةٍ} [سورة النفال ‪]8/42‬‬
‫ك عَ ْن َبيَّن ٍة َويَ ْ‬
‫ك مَ ْن هَلَ َ‬
‫{ِلَيهْلِ َ‬

‫() مر بنا نوذج من ذلك ف فتوي الشيخ رشيد رضا ف الفصل السابق‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫وقد يقول قائل – من يرون أن الصل ف الناس اليوم هو الكفر ما ل يتبي غي ذلك – إن استجابة‬
‫من يستجيب بعد البيان والدعوة ل تنفي عنه كان مشركا قبل أن يستجيب‪ .‬فقد قام رسول ال‪r‬‬
‫بالبيان والتعليم‪ ،‬فاب من أب وأجاب من أجاب‪ ،‬ولكن استجابة من استجاب منهم ل تنفي عنه أنه كان‬
‫مشركا قبل أن يستجيب‪ .‬فمن حقنا إذن أن نكم على واقع الناس اليوم بثل ما حكم ال سبحانه على‬
‫واقع الناس ف الاهلية قبل الدعوة‪ ،‬فنقرر أنم مشركون ابتداء إل من ظهر منه غي ذلك‪.‬‬
‫والتشبيه هنا مع الفارق‪.‬‬
‫فلم يكن ف تلك الاهلية من يهل حقيقة ما هو عليه‪ ،‬وأنه يعبد مع ال آلة أخرى‪ ،‬عالا با‪،‬‬
‫متوجها إليها‪ ،‬معتقدا بألوهيتها مصرا على عبادتا‪ .‬كما ل يكن أحد منهم يهل حقيقة ما يدعى إليه‪،‬‬
‫وهو نبذ هذه اللة كلها‪ ،‬سواء عبدت لذاتا أو عبدت زلفي إل ال‪ ،‬والتوجه بالعبادة إل ال الواحد‬
‫الذي ل شريك له‪ ،‬والتلقي من عند ال وحده‪ ،‬ونبذ كل مصدر للتلقي أو لكم سواه‪.‬‬
‫وهذه الالة من العرفة ليست قائمة اليوم إل عند قلة من الناس‪ ،‬منهم الكافرون بل شبهة‪ ،‬لنم‬
‫يرفضون وهم يعلمون ماذا يرضون‪ ،‬ومنهم الؤمنون بل شبهة‪ ،‬لنم يقبلون وهـم يعلمون مـاذا‬
‫يقبلون (‪ .)1‬وهناك كثي من الناس تيط بم شبهة الهل بقيقة ما هو مطلوب منهم على وجه اليقي‪.‬‬
‫وف هذه الشبهة يقول المام ابن تيمية‪:‬‬
‫"ل ريب أن من ل يعتقد وجوب الكم با أنزل ال على رسوله فهو كافر‪ .‬فمن استحل أن يكم‬
‫بي الناس با يراه هو عدلً من غي اتباع لا أنزل ال فهو كافر‪ .‬فإنه ما من أمة إل وهي تأمر بالكم‬
‫بالعدل‪ ،‬وقد يكون العدل ف دينها ما رآه أكابرهم‪ .‬بل كثي من ينتسبون إل السلم يكمون بعاداتم‬
‫الت ل ينلا ال‪ ،‬كسواليف البادية‪ ،‬وكانوا هم المراء الطاعي‪ ،‬ويرون أن هذا هو الذي ينبغي الكم‬
‫به دون الكتاب والسنة وهذا هو الكفر‪ .‬فإن كثيا من الناس أسلموا‪ ،‬ولكن ل يكمون إل بالعادات‬
‫الارية الت يأمر با الطاعون‪ .‬فهؤلء إذا عرفوا أنه ل يوز لم الكم إل با أنزل ال‪ ،‬فلم يلتزموا‬
‫بذلك‪ ،‬بل استحلوا أن يكموا بلف ما أنزل ال فهم كفار" (‪.)2‬‬
‫ومن هنا لزم التعليم لزالة هذه الهالة قبل التصدي لصدار الحكام على الناس‪.‬‬
‫والعتبار الثان‪ :‬أنه ل يكن ف القيقة إصدار حكم واحد يشمل الجتمع كله‪ .‬فالناس ف هذا‬
‫الجتمع فئات كثية‪ .‬منهم – كما قلنا – كافرون بل شبهة‪ ،‬وهم الذين يرفضون هذا الدين‪ ،‬أو‬

‫() حسب ظاهرهم‪ ,‬والقلوب أمرها إل ال‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫() ابن تيمية‪ ,‬الفتاوي‪ ,‬مموعة التوحيد‪ ,‬الرسالة الثانية عشرة‪ ,‬ص ‪.278‬‬ ‫‪2‬‬
‫يرفضون التحاكم إل شريعة ال رفضا ريا بأي حجة من الجج‪ :‬أن الدين ل علقة له بالسياسة‬
‫والقتصاد والجتماع وواقع حياة الناس‪ .‬أو أن الشريعة الت نزلت قبل أربعة عشر قرنا ل تصلح للحكم‬
‫اليوم‪ .‬أو أن التطور يقتضي نبذ ما كان ف الاضي – ولو كان صالا ف حينه – واتاذ "أزياء" أحدث‪،‬‬
‫ف السياسة والقتصاد والجتماع وواقع حياة الناس‪ .‬وهؤلء هم الذين يعتنقون الذاهب "العلمانية"‬
‫بديلً من دين ال وشريعة ال‪.‬‬
‫ومنهم مسلمون بل شبهة‪ ،‬وهم الذين يعلمون أن السلم يقتضي الكم بشريعته والتحاكم إليها ف‬
‫واقع حياتم با يلكون أن يتحاموا إليها فيه‪ ،‬ويسعون إل إقامة حكم ال بطريقة من طرق السعي‪.‬‬
‫ومنهم كتلة كبية غي متميزة السمات‪ ،‬ل تتخذ موقفا حاسا إل هؤلء ول إل هؤلء بيث تعرف‬
‫هويتهم‪ ،‬وهؤلء هم الذين يتلف الرأي فيهم‪ ،‬وهم مع ذلك إذا دققت النظر فيهم لتتبي أحوالم ليسوا‬
‫فئة واحدة ف مموعهم! فمنهم ول شك من ل يأبه لمر الدين على الطلق‪ ،‬حكم أم ل يكم‪ ،‬وجد‬
‫أم ل يوجد‪ .‬وهؤلء كفار لنم بل عقيدة‪ .‬ومنهم من يعتقد بهالة أن تاوز الحكام الربانية هو من‬
‫الجتهاد الائز للمة ف حالة الضرورة القائمة اليوم كما ضللهم "علماؤهم"‪ ،‬فهؤلء تشملهم شبهة‬
‫الهل الت تدث عنها ابن تيمية وأشرنا إليها آنفا‪ ،‬ومنهم من ينكر بقلبه وهو يهل أن للنكار بالقلب‬
‫مقتضيات يب أن تتوفر فيه‪ ،‬هي عدم الشاركة فيما يعتقد أنه باطل – إل من أكره وقلبه مطمئن‬
‫باليان – ومنهم من يتمن ف دخلية نفسه أن يكم السلم‪ ،‬ولكنه ل يتحرك حركة تعب عما ف‬
‫نفسه‪ ،‬إل أن يد الفرصة المنة تاما‪ ،‬الت ل تعرضه لذى على الطلق‪ .‬وف "مسية" مأذون با‪ ،‬أو‬
‫"استفتاء" مأمون العاقبة!‬
‫هذا الليط الذي ل يمع بينه إل خفاء هويته‪ ،‬وسوء مظهره‪ ،‬وبعده عن الصورة الصحيحة للسلم‪،‬‬
‫هو مع ذلك كله ليس ثابت الجم ول ثابت الصورة!‬
‫إنه واقع بي ضغطي شديدين يلجئانه إلاء – وإن يكن ف بطء شديد – إل التحرك إما إل معسكر‬
‫الكفر الصريح وإما إل معسكر اليان الصريح‪.‬‬
‫واقع بي ضغط اليهودية العالية الت تدف إل نشر اللاد الصريح ف كل الرض‪ ،‬ول تكتفي من‬
‫الناس با كانت به ف القرني الاضي‪ ،‬من الروج عن حقيقة الدين وإن ظلوا متعلقي به بيوط واهنة‬
‫آيلة للنقطاع‪ .‬إنا تريد مو الدين كله من الرض حت ل يبقى أحد من "الميي" له دين‪ ،‬فتتحقق‬
‫لليهود السيطرة الكاملة عليهم‪.‬‬
‫وبي ضغط الركة السلمية الت تلح على الناس بأن حقيقة التوحيد – الت هي السلم – ل‬
‫تتحقق بجرد النطق بالشهادتي باللسان‪ ،‬إنا بالنطق بالشهادتي والعمل بقتضاها وتأدية الفرائض كما‬
‫أمر ال ورسوله‪ ،‬وكما عب المام الشهبد ف رسالة التعاليم‪.‬‬
‫وبي هذين الضغطي اللحي الدائمي‪ ،‬تتحرك هذه الكتلة الفية السمات‪ ،‬حركة وئيدة ولكنها‬
‫دائبة‪ ،‬كما يتحرك جبل الليد ف موسم الذوبان‪ ،‬فتنفصل عنه ف مسيته بعض أجزائه ذات اليمي‬
‫وذات اليسار حت يتذاوب كله‪ .‬وف واقعنا الذي نعيشه نرى حركة هذه الكتلة الوئيدة الدائبة‪ ،‬يقع منها‬
‫من يقع ف معسكر الكفر الصريح‪ ،‬ويتجه منها من يتجه إل معسكر اليان الصريح‪ ،‬ويقل حجمها‬
‫بالتدريج‪.‬‬
‫كنت أقول ف نفسي عشرين سنة‪ :‬لو أن تيز هذه الكتلة إل عنصريها التميزين‪ ،‬الكفر الصريح‬
‫واليان الصريح (‪ )1‬فقد استغرق خسي سنة من تلك اللحظة‪ ،‬ما استوجب المر أن نهد أنفسنا ف‬
‫ل عن أن نتلف ونتخاصم ف أمر ذلك الكم‪ ،‬ونعله نقطة الشد الت نشد‬
‫استصدار الكم عليها‪ ،‬فض ً‬
‫إليها الناس‪ ،‬ونشد إليها العمل ف حقل الدعوة!‬
‫والن – بعد عشرين سنة (‪ –)2‬أرى بوادر التميز ف هذه الكتلة‪ :‬فهناك شباب – من النسي –‬
‫تيع وتفكك وانل‪ ،‬واته إل الكفر بغي رجعة‪ ،‬إل أن يشاء ال‪ ،‬وشباب – من النسي – التزم‬
‫السلم ف وضوح متميز لخفاء فيه‪.‬‬
‫وأرى ظاهرة لا دللتها الضخمة‪ .‬ظاهرة الفتيات الحجبات‪ .‬يلن الامعات والدارس‪ ،‬ويلن من‬
‫الامعات كلياتا العملية بصفة خاصة‪ ،‬وهي الت أنشئت ف الصل لتكون معاقل للكفر واللاد‬
‫والنسلخ من السلم‪ ،‬ويتحدين بزيهن الاهلية العالية كلها‪ ،‬ل الاهلية الحلية فحسب‪ ،‬رافعات‬
‫الرأس‪ ،‬مستعليات باليان‪ ،‬ل يصدهن عن اللتزام بالجاب كل سخرية الاهلية وحقدها‪ ،‬بل عدوانا‬
‫عليهن بي الي والي‪ ،‬بالعتقال والسجن‪ ،‬أو التعذيب والتنكيل‪.‬‬
‫وهذه الظاهرة بالذات لا دللتها‪ .‬فقد كان التخطيط اليهودي "للميي" ف العال كله هو إخراج‬
‫الرأة من دينها وأخلقها وتقاليدها بيث ل ترجع إليها أبدا! ضمانا لفساد الجتمع كله‪ ،‬حي ل تكون‬
‫هناك "أم" تلقن أبناءها مبادئ الدين والخلق وهم بعد صغار‪ )3(...‬ث كان التخطيط الصليب‬
‫الصهيون للمرأة السلمة أن تسي ف ذات الط الذي دفعت إليه الرأة الوربية من قبل‪ ،‬ضمانا لفساد‬
‫() ف القيقة ل يوجد متمع ف الرض ‪-‬ول متمع الرسول صلي ال عليه وسلم ‪ -‬يتمييز كله تيزا واضحا‪ ,‬إنا تبقي فيه دائما فئات خافية الال‪ ,‬ولكنا نقصد الفئات الرئيسية ف‬ ‫‪1‬‬
‫الجتمع‪ ,‬الت تعطيه سته الميزة‪.‬‬
‫() كتب هذا ف عام ‪ 1406‬هـ (‪1986‬م)‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫() انظر إن شئت فصل "دور اليهود ف إفساد أوربا" من كتاب "مذاهب فكرية معاصرة"‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫الجتمع السلمي كله‪ ،‬حي ل تكون هناك أم مسلمة‪ ،‬تلقن أبناءها مبادئ الدين والخلق وهم ف‬
‫مرحلة الطفولة (‪ ،)1‬وبذلت الصليبية الصهيونية كل ما ف وسعها‪ ،‬واستخدمت كل وسائلها لعل عودة‬
‫الرأة السلمة إل السلم‪ ،‬وإل الجاب السلمي‪ ،‬مستحيلة بعد أن تعرت بسدها كله أو معظمه‪،‬‬
‫وبعد أن أصبح العرى أصلً من أصول الجتمع "التمدن!" وعلمة على الرقى والتحضر والتطور‬
‫والنطلق!‬
‫لذلك فإن اقتحام الفتاة السلمة للحواجز الت وضعتها الصليبية الصهيونية أمامها‪ ،‬وعودتا للحجاب‬
‫السلمي على هذا النحو – عقيدة ل تقليدا – أمر له دللته الكبية على مدى التحول الذي صار ف‬
‫الجتمع‪ ،‬والتميز الذي بدأ يأخذ سبيله ف داخل الكتلة التميعة السمات‪.‬‬
‫فلو افترضنا أن المر يتاج إل عشرين سنة أخرى أو ثلثي‪ ،‬لتتم عملية التميز ف تلك الكتلة‬
‫التميعة‪ ،‬أو حت لتأخذ مسارا واضحا فيها‪ ،‬فالمر ف حسي ل يتاج إل هذا الدل كله‪ ،‬أو هذا‬
‫اللف كله‪ ،‬أو هذا الصام كله‪ ،‬الذي جرى بي الماعات العاملة ف القل السلمي حول قضية‬
‫الكم على الناس‪ ،‬لنه – ف تصوري – كمحاولة التصويب على جسم متحرك‪ ،‬كلما أحكمنا‬
‫التصويب إليه وجدناه قد ترك من مكانه ولو بضع خطوات!‬
‫وإن بطء الركة ف هذه الكتلة لو حقيقة ملموسة‪ ،‬قد تثي النق عند بعض الدعاة‪ ،‬وقد تثي اليأس‬
‫عند غيهم‪ ،‬ولكنا ل نستطيع بال أن نقول إن الصورة اليوم من جانبيها‪ ،‬البيض والسود‪ ،‬هي كما‬
‫كانت قبل خسي سنة‪ ،‬أو كما كانت قبل عشرين سنة‪ .‬إنا تتغي باستمرار‪ .‬والعبة بذا التغيي‪،‬‬
‫بصرف النظر عن سرعة التغيي‪.‬‬
‫والعتبار الثالث‪ :‬أن هذه الكتلة التميعة من "الماهي" لن تعارض الكم السلمي حي يقوم‪ ،‬سواء‬
‫بدافع السلبية الستولية عليها‪ ،‬أو بدافع "العواطف الدينية" الت تستول عليها حي يذكر السلم‪.‬‬
‫صحيح أن الهالة العميقة الت تعيش فيها هذه الماهي – وبالخص جاهي "الثقفي" – تاه‬
‫السلم‪ ،‬وجهلها بالرتباط الوثيق بي ل إله إل ال وبي تكيم شريعة ال‪ ،‬هي أداة تستخدم اليوم ضد‬
‫الركة السلمية كما بينا ف الصفحات السابقة‪ ،‬وهي معوق من أكب معوقات الركة‪ .‬ولكن الذي‬
‫أؤكده هنا أن الكم السلم حي يقوم – أي حي تتسع "القاعدة السلمة" إل الد الذي يسمح بقيام‬
‫الكم السلمي – فإن الكتلة التميعة – حت إن بقيت على صورتا الالية‪ ،‬وهو أمر غي مكن – لن‬
‫تعارض الكم السلمي‪ ،‬ولن تقف عقبة ف سبيله‪ .‬إنا ال سيعارض الكم السلمي هم "العقائديون"‪.‬‬

‫() أشرنا إل هذا ف الفصل السابق "آثار النراف"‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫أي الشيوعيون والعلمانيون واللحدون وأضرابم‪ .‬وهؤلء ليسوا من بي الكتلة التميعة الت تتلف‬
‫الماعات ف الكم عليها‪ ،‬إنا هم من الذين اختاروا معسكر الكفر الصريح‪.‬‬
‫فلو أن هذه الكتلة التميعة كانت ستقف ضد الكم السلمي حي يقوم‪ ،‬لكان المر حريا أن يبذل‬
‫فيه الهد لتحرى الكم الشرعي الضبوط بالنسبة لا‪ ،‬لتحديد موقفنا النهائي منها‪ .‬أما الن فموقفنا منها‬
‫هو الدعوة‪ .‬هو بيان حقيقة ل إله إل ال‪ ،‬وحقيقة ر‪ ،‬وماولة تربية من يستجيب لذه الدعوة على معان‬
‫السلم القيقية ومقتضياته القيقية (‪ .)1‬والدعوة – على هذا النحو – ل ترتبط بالكم على هذه‬
‫الكتلة‪ .‬فسواء كانوا مسلمي – ف ميزان ال – أو كافرين‪ ،‬فالدعوة الت توجه إليهم الن واحدة‪ .‬هي‬
‫لكل الناس‪ .‬حت العاملي منهم بالفعل ف القل السلمي‪ ،‬فإن كثيتا منهم يهلون كل مقتضيات ل‬
‫إله إل ال‪ ،‬وإن كانوا يشتغلون بالدعوة إل السلم! وإن منهم من يقول بتأثي الفكر الرجائى الذي‬
‫توغل ف حياة المة منذ قرون‪" :‬من قال ل إل ه إل ال فهو مؤمن ولو ل يعمل عملً واحدا من أعمال‬
‫السلم"!!‬
‫فلو كانت الدعوة – ف مرحلتها الراهنة – تتغي – أو تتأثر – بتصنيف الناس إل مسلمي وكافرين‪،‬‬
‫لوجب أن نتهد ف هذا التصنيف‪ ،‬ونتحرى الدقة فيه‪ ،‬لننا – عندئذ – سنقدم لونا خاصا من الدعوة‬
‫كل فريق‪ .‬ولكن الواقع أننا الن نقدم لونا واحدا من الدعوة لكل الناس‪ ،‬حت للعاملي بالفعل ف القل‬
‫السلم‪ ،‬الذين ل شك عندنا ف إسلمهم‪ ،‬وف إخلصهم ل ودعوته‪ ،‬حسب الظاهر من أحوالم!‬
‫ويقول كثي من الناس‪ ،‬ف معركة الدل القائمة بي جيع الطراف‪ :‬إنه لبد من الكم على الناس‬
‫بالسلم أو الكفر‪ ،‬لنحدد موقفنا منهم‪ ،‬وندد كيف نتعامل معهم‪ ،‬سواء ف التعامل اليومي‪ ،‬أو التعامل‬
‫الركي ف الدعوة‪.‬‬
‫فأما ضرورة الكم على مموع الناس لتحديد موقفنا منهم‪ ،‬وطريقة تعاملنا معهم‪ ،‬فهو كلم نظري‬
‫أكثر ما هو عملي!‬
‫فنحن ف أكثر المور ل نتعامل – واقعيا – مع الجتمع بأسره‪ ،‬إنا مع أفراد معيني منه‪ ،‬سواء كان‬
‫تعاملً اجتماعيا ف زواج ومصاهرة‪ ،‬أو تعاملً ماليا ف بيع وشراء وتارة‪ ،‬أو حركة بذا الدين ف مال‬
‫الدعوة‪ .‬وف كل هذه الجالت نستطيع بسهولة أن "نتبي" من الذي نقيم علقاتنا معه‪ .‬أما "الجتمع"‬
‫باسره‪ ،‬فمت نتعامل معه على هذه الصورة وبذه الصفة؟!‬
‫حكُم ول تُحكَم بشريعة‬
‫إننا نصف الجتمعات الت نعيش فيها اليوم بأنا "متمعات جاهلية" لنا ل تَ ْ‬

‫() سنكلم عن موضوع التربية ف موضع آخر من هذا الفصل‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ال‪ ،‬إنا تكُم وتكَم بشرائع جاهلية من صنع البشر‪ .‬ولكن هذا الوصف ل يلحق الفراد الذين يعيشون‬
‫ف تلك الجتمعات‪ ،‬بل كل فرد له حكمه الاص‪ ،‬حسب موقفه من الظلة الاهلية الت تظلله‪ ،‬فمن‬
‫رضى با فهو منها‪ ،‬ومن كرهها أو أنكرها فحكمه غي حكمها (‪.)1‬‬
‫وف تعاملنا الفردي – ف جيع الجالت – ل نتعامل مع الجتمع ككل‪ ،‬إنا نتعامل مع أفراد ف‬
‫ذلك الجتمع‪ ،‬نستطيع – كما قلنا – أن نتبي أحوالم‪ ،‬ونقيم علقاتنا معهم على أساس معرفتنا‬
‫بأحوالم‪.‬‬
‫أما ف مال التعامل الركي ف الدعوة‪ ،‬فالواقع أن الركة – الن – لا اعتبارات خاصة غي‬
‫اعتبارات الكفر والسلم‪ .‬فالركة الن تتاج إل بناء العمدة الراسخة قبل كل شئ (‪ ،)2‬وهذا المر‬
‫ل يصلح له أي إنسان ولو كان من السلمي اللّص الذين ل شك عندنا ف إسلمهم‪ .‬فإن أبا ذر رضى‬
‫ال عنه هو من أجلّه الصحابة الكرام رضوان ال عليهم‪ ،‬وقد آمن إيانا راسخا عميقا بالسلم‬
‫وبالرسول‪ ،r‬ولكنه حي رغب ف التحرك بالدعوة ل يأذن به الرسول‪ ،r‬بل نصحه أن يبقى ف قومه‬
‫حت يظهر هذا المر‪ ،‬أي حت يتم التمكي للسلم‪.‬‬
‫فتخينا الناس للحركة – أو إقامة علقات معهم على أساس الركة – ل ينبن على تصنيفنا الناس‬
‫إل مسلمي وكافرين‪ .‬بل يتجاوز ذلك إل الختيار من بي السلمي اللص من نعتقد أنه يصلح لرحلة‬
‫البناء‪.‬‬
‫أما قضية "الولء" والتناصر – على كل أهيتها ف مال العقيدة – فليس لا ف أحوالنا الراهنة‪ ،‬ف‬
‫متمعاتنا الضطربة الائرة الفككة‪ ،‬مدلول عملي واقعي حت نشغل أنفسنا بتصنيف الناس من أجلها!‬
‫فإل أن يقوم متمع مترابط تكمه شريعة ال‪ ،‬وتضبط كل تصرفاته ومنطلقاته‪ ،‬ستظل قضية الولء ف‬
‫حقيقتها العملية الواقعية قضية فردية‪ ،‬أو قضية "تمعات" قائمة داخل الجتمع الاهلي الذي ل تربطه‬
‫وحدة حقيقية‪.‬‬
‫ولسنا بعد دولة حت يكون لتصنيفنا للناس أثر واقعي ف حياتم‪ ،‬إذ نقيم حد الردة على الرتدين‬
‫منهم‪ .‬إنا نن دعوة‪ .‬ودعوة لكل الناس‪ .‬وبكلم واحد نقوله لكل الناس‪ .‬ث نتخي من الستحبي من‬
‫نعتقد أنه يصلح لرحلة البناء‪.‬‬
‫أمر واحد تثيه بعض الماعات قد تكون له وجاهة ف ميزان ال‪ ،‬هو اختيار المام الذي ُيصَلّى‬

‫() انظر شرح هذه القضية ف فقرة تالية ف هذا الفصل بعنوان‪" :‬ماذا نتقلد من الوظائف ف الجتمع الاهلي"‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫() أشرنا إل هذا المر من قبل‪ ,‬وسنعاود الديث عنه حي نتكلم عن "منهج الركة"‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫خلفه‪ .‬وف هذا الصدد نقول كلمة صرية‪ :‬إننا ل نستطيع أن نكره أحدا على الصلة وراء إمام ل‬
‫يرتاح إليه‪ .‬أما الكم السبق على ذلك المام بالكفر‪ ،‬بغي البينة القاطعة الت ل تتمل الشك‪ ،‬فأمر غي‬
‫جائز ف شرع ال! (‪)1‬‬
‫‪m m m‬‬

‫بذه العتبارات كلها ل أرى أن قضية الكم على الناس هي قضية الساعة الت نتخاصم عليها‬
‫ونفترق عندها‪ .‬وأرى كذلك أنا قضية ستحل نفسها بنفسها خلل فترة من الزمن تعتب قصية ف حياة‬
‫المم وف حياة الدعوة – وإن استبطأها بعض الدعاة – لن الركة الدائبة – الفروضة فرضا على‬
‫الكتلة التميعة – ستحولا تدرييا إل فرقي متميزين لكل منهما سيماها التميزة الت يعرفها با الناس‪،‬‬
‫ول يقع فيها الختلف‪ :‬كفر صريح أو إيان صريح (‪.)2‬‬
‫‪m m m‬‬

‫ولكنا حي نلقى جانبا قضية الكم على الناس ف الوقت الاضر‪ ،‬ينبغي أن نوجه اهتمامنا كله إل‬
‫تعليم الناس ما جهلوه من حقيقة السلم‪ ،‬وحقيقة ل إله إل ال‪.‬‬
‫إننا إن تركناهم على جهالتهم ل نكون قد أدينا المانة الت ف أعناقنا ل‪ .‬وال سبحانه وتعال يقول‬
‫لنبيه‪: r‬‬
‫{يَا َأّيهَا ال ّرسُو ُل بَلّ ْغ مَا أُن ِزلَ إَِليْكَ مِنْ َربّكَ َوِإنْ َل ْم َتفْعَلْ َفمَا بَّل ْغتَ ِرسَالَتَهُ} [سورة الائدة ‪]5/67‬‬
‫فإن ل نقم بتعليم الناس حقيقة ل إله إل ال‪ ،‬وارتباطها الوثيق بتحكيم شريعة ال‪ ،‬فلن نكون قد‬
‫أدينا المانة‪ ،‬ولن نكون قد قمنا بالدعوة كما أمرنا ال ف قوله تعال‪:‬‬
‫ك هُ ْم الْ ُمفْلِحُونَ‬
‫ف َوَينْ َه ْونَ عَ ْن الْ ُمْنكَ ِر َوُأوْلَئِ َ‬
‫خيْ ِر َويَ ْأمُرُونَ بِالْ َمعْرُو ِ‬
‫{وَْلتَكُ ْن ِمْنكُمْ ُأ ّمةٌ يَ ْدعُونَ إِلَى الْ َ‬
‫(‪[ })104‬سورة آل ‪]3/104‬‬
‫كما أننا إن قلنا للناس‪ :‬من قال ل إله إل ال فهو مؤمن ولو ل يعمل عملً واحدا من أعمال السلم‬
‫– وهي قولة غلة الرجئة – فقد خدعناهم عن حقيقة السلم‪ ،‬وزدناهم تيعا إل تيعهم‪ ،‬وأخرنا‬

‫() جاء ف الغن لبن قدامة (ج ‪2‬ص ‪ ,200‬طبعةرئاسة إدارات البحوث العلمية والفتاء والدعوة والرشاد بالملكة العربية السعودية)‪" :‬إذا صلي خلف من شك ف إسلمه أو كونه‬ ‫‪1‬‬
‫خنثي‪ ,‬فصلته صحيحة ما ل يبي كفره‪ ,‬وكونه خنثي مشكلً‪ ,‬لن الظاهر من الصلي السلم‪ ,‬سيما إذا كان إماما‪ ,‬والظاهر السلمة من كونه خنثي‪ ,‬سيما من يؤم الرجال‪ .‬فإن‬
‫تبي بعد الصلة أنه كان كافرا أو خنثي مشكل فعليه العادة‪."...‬‬
‫() قلنا آنفا إنه ل يوجد متمع ف الرضض ‪-‬ول متمع الرسول صلي ال عليه وسلم ‪ -‬يتميز كله تيزا كاملً‪ ,‬فهناك دائما "منافقون" ف كل متمع‪ .‬وحكم هؤلء ف الجتمع السلم‬ ‫‪2‬‬
‫الذي يكم با أنزل ال أنم مسلمون طالا كانوا يقولون ل إله إل ال ويضعون لشريعة ال ول يرجون عليها‪ ,‬فإن ل يضعوا لشريعة ال اعتبوامرتدين وإن نطقوا بالشهادتي‪.‬‬
‫نضجهم وتيزهم‪ ،‬وأخرنا بالتال قيام "القاعدة السلمية" الت ل يقوم بغيها الكم السلمي ول يكن‬
‫له ف الرض‪ ،‬ونكون إل جانب ذلك – بوعي أو بغي وعى – قد أعنا الطاغية على دعاة السلم‪:‬‬
‫يقتلهم ويذبهم وهو آمن من غضبة الماهي‪ ،‬متلفع بالهالة الت يسدر فيها الناس‬
‫كذلك إن قلنا لم‪ :‬من قال ل إله إل ال فهو مسلم ف الياة الدنيا وحسابه على ال ف الخرة‪ ،‬فقد‬
‫ل عن كونا – حت لو‬ ‫قدمنا لم كلمة خادعة سنبي ف السطور التالية ما فيها من زيف وخديعة‪ .‬فض ً‬
‫كانت صحيحة – ليست هي الكلمة الناسبة لحوال الناس الراهنة‪ ،‬حيث هم بعيدون كل البعد عن‬
‫حقيقة السلم‪ ،‬وغارقون ف الذل والوان والضياع من جراء بعدهم عن هذه القيقة‪ ،‬فهو ليسوا ف‬
‫حاجة لن يد لم ف الذل والوان والضياع والغفلة‪ ،‬إنا هم ف حاجة لن يوقظهم من غفلتهم‪ ،‬ليغيوا ما‬
‫بأنفسهم‪ ،‬فيغي ال حالم‪.‬‬
‫وليست مهمة الدعاة أن يعطوا الناس شهادات مزورة بالسلم ول مهمتهم أن يبينوا للناس كيف‬
‫يكونون مسلمي ف الياة الدنيا ولو كانوا من ل يقيم لم ال يوم القيامة وزناإنا مهمتهم أن يبينوا‬
‫للناس كيف يكونون مؤمني حقيقة ف ميزان ال‪ ،‬ومقبولي عنده يوم القيامة‪ ،‬أي أن مهمتهم أن يبينوا‬
‫للناس حقيقة السلم – حقيقة التوحيد البيئة من الشرك – ل ما يقق للناس مظهرية السلم ف الياة‬
‫الدنيا‬
‫وحت مظهرية السلم ف الياة الدنيا فهي ل تتحقق بجرد نطق ل إله إل ال كما تزعم القولة‬
‫الزائفة الت أشرنا إليها ف السطور السابقة‪.‬‬
‫إن قول ل إله إل ال ممد رسول ال يدخل الناس ف السلم‪ ،‬نعم‪ ،‬ويعطيهم صفة السلم ف الياة‬
‫الدنيا‪ .‬ولكن هذه الصفة ل تلصق بأصحابا من تلقاء ذاتا – سواء كانت مظهرية أو حقيقية – ول‬
‫تظل لصقة بم طيلة حياتم مهما فعلواإنا هي تتاج إل تثبيت دائم ف كل لظة‪ ،‬بعمل دائم يقوم به‬
‫النسان ف كل لظة‪ ،‬ول يكف عن القيام به ف أية لظة‪ ،‬هو التحاكم إل شريعة ال ف كل أمر من‬
‫المور‪ ،‬وعدم التحاكم إل غيها ف أمر من المور‪.‬‬
‫إنا يتلف السلم الظهري عن السلم القيقي ل ف وجوب التحاكم إل شريعة ال – فهو لزم‬
‫لكل منهما لكي تظل له صفة السلم ف الياة الدنيا – إنا يتلفان ف أن صاحب السلم الظاهري‬
‫يتحاكم إل شريعة ال نفاقا‪ ،‬وهو ف الخرة ى الدرك السفل من النار‪ ،‬والسلم القيقي يتحاكم إل‬
‫شريعة ال تصديقا وإيانا وطاعة ل‪ ،‬فيدخله ال ف جناته جزاء إيانه وطاعته‪ .‬وف الالي لبد من‬
‫التحاكم إل شريعة ال‪ ،‬لكي تظل للنسان صفة السلم‪.‬‬
‫إنا يعتب من قال ل إله إل ال ممد رسول ال مسلما ف الياة الدنيا – بصرف النظر عما ف قلبه –‬
‫ف حالة قيام الدولة السلمية الت تكم بشريعة ال‪ ،‬دون أن يطلب منه – مع نطق الشهادتي – أن‬
‫يتعهد بالتحاكم إل شريعة ال وعدم العراض عنها إل غيها‪ ،‬لن ذلك بديهية من بديهيات ل إله إل‬
‫ال‪ ،‬يفترض ف قائلها أنه مقر با – حقيقة أو نفاقاولن سلطان ل إله إل ال قائم ف الرض متمثل ف‬
‫تيكم شريعة ال‪ ،‬ول يفترض ف ناطق الشهادتي – سواء كان مؤمنا أو منافقا – أن يرج على هذا‬
‫السلطان ويتمرد عليه‪ ،‬لنه حينئذ يعتب مرتدا ويقام عليه الد‬
‫أي أن الناطق بالشهادتي ف ظل الكم السلمي – سواء كان مؤمنا أو منافقا – يقر بأمرين ف آن‬
‫واحد (سواء اعتقد حقيقتهما ف قلبه أم ل يعتقدها (‪ ))1‬أحدها يقر به نطقا بلسانه‪ ،‬والخر يقر به‬
‫بواقع حاله‪ .‬فأما الذي يقر به نطقا بلسانه فهو أنه ل إله إل ال وأن ممدا رسول ال‪ .‬وأما الذي يقر به‬
‫بواقع حاله (‪ )2‬فهو أنه ل شريعة ينبغى أن تكّم إل شريعة ال‪ ،‬وأنه ل شرعية لكم غي حكم ال‪.‬‬
‫فإن نكل عن إقراره بأن شريعة ال وحدها هي الت ينبغي أن تكم – وهو القرار الذي ل ينطقه‬
‫بلسانه‪ ،‬وكلنه متضمن فيما أقر به بلسانه – اعتب مرتدا‪ ،‬وأقيم عليه حد الردة ف ظل الكم السلمي‪،‬‬
‫ولو ظل يردد ف اليوم مائة مرة أنه ل إله إل ال‪ ،‬وأن ممدا رسول اللهولو كان الذي أعطاه صفة‬
‫السلم هو مرد النطق بالشهادتي‪ ،‬دون وجود لزم لما‪ ،‬ول مقتضى متضمن ف نطقهما‪ ،‬فكيف يقام‬
‫عليه الد وهو ما يزال يردد الشهادتي؟!‬
‫إن إقامة الد على الرتد بسبب إعراضه على تكيم شريعة ال‪ ،‬أو إنكاره شيئا منها – بينما هو ما‬
‫زال ينطق بالشهادتي – يؤكد قطعا أنه ل يصل على صفة السلم بجرد النطق بالشهادتي‪ ،‬إنا‬
‫بالنطق بالشهادتي من جهة‪ ،‬والقرار التضمن ف نطقهما باللتزام بشريعة ال من جهة أخرى‪ .‬وأنه قد‬
‫افترض فيه حي نطق بالشهادتي أنه ملتزم بقتضاها – وهو تكيم شريعة ال – ولو ل يطلب منه أن‬
‫يقر بلسانه بذا اللتزام نصا‪ ،‬لنه من بديهيات ل إله إل ال منذ كان ف البشرية دين‪ ،‬ومنذ أرسل ال‬
‫رسو ًل يقول الناس‪ :‬ل إله إل ال‪ ،‬ويقول هم‪ :‬اعبدوا ال مالكم من إله غيه!‬
‫وإل فلو كان المر على غي ذلك‪ .‬لو كان النطق بل إله إل ال ممد رسول ال ل يتضمن إقرارا‬
‫بالتحاكم إل شريعة ال وحدها دون سواها‪ ،‬وعدم العراض عنها إل سواها‪ .‬فكيف يتصور من عدل‬
‫ال سبحانه أن يعاقب إنسانا بالقتل ف الياة الدنيا‪ ،‬والعذاب القيم ف الخرة على شئ ل يطلب منه‬

‫() يعتقدها الؤمن ول يعتقدها الكافر النافق‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫() القرار هنا معناه اللتزام‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫القرار به ول اللتزام به؟! (‪)1‬‬
‫هذا هو الال حي تكون شريعة ال قائمة ف الرض‪ ،‬وهذه هي الكيفية الت يأخذ با الناس صفة‬
‫السلم ف الياة الدنيا‪ ،‬ولو كانوا ف دخيلة أنفسهم كافرين منافقي‪ :‬نطق ل إله إل ال‪ ،‬ممد رسول‬
‫ال‪ ،‬والضوع لشريعة ال‪ ،‬وعدم العراض عنها إل غيها من الشرائع والنظم والحكام‪ ،‬ويظل الفارق‬
‫بي النافق والؤمن أن النافق يتحاكم إل شريعة ال نفاقا بغي إيان‪ ،‬أما الؤمن فيتحاكم إليها عقيدة‬
‫وطاعة وطمعا ف النة والرضوان‪.‬‬
‫أما حي تكون شريعة ال غي قائمة ف الرض‪ ،‬فقد بي الرسول‪ r‬كيف يثبت النسان صفة‬
‫السلم لنفسه‪ ،‬ول يعلها تسقط عنه‪ .‬قال عليه الصلة والسلم‪:‬‬
‫"ما من نب بعثه ال ف أمة قبلي إل كان له من أمته حواريون وأصحاب‪ ،‬يأخذون بسنته ويقتدون‬
‫بأمره‪ ،‬ث إنا تلف من بعدهم خلوف‪ ،‬يقولون ما ل يفعلون‪ ،‬ويفعلون مال يؤمرون‪ .‬فمن جاهدهم‬
‫بيده فهو مؤمن‪ ،‬ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن‪ .‬ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن‪ .‬وليس وراء ذلك من‬
‫اليان حبة خردل (‪.)2‬‬
‫وهكذا يتبي ارتباط ل إله إل ال الوثيق بتحكيم شريعة ال‪ ،‬دائما ف جيع الحوال‪ ،‬سواء كانت‬
‫دولة السلم قائمة ف الرض‪ ،‬أم كان القائمون بالكم ل يكمون با أنزل ال (‪.)3‬‬
‫وهذا الرتباط الوثيق هو الذي يهله الناس‪ ،‬وهو الذي ينبغي للدعاة أن يعلموهم إياه‪ ،‬أداءً للمانة‬
‫الت ف أعناقهم ل‪ ،‬وفرارا من عذاب توعد به ال من يكتم حقائق هذا الدين‪.‬‬
‫ك مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُوِنهِمْ إِلّ‬
‫شتَرُو َن بِ ِه ثَمَنا قَلِيلً ُأوَْلئِ َ‬
‫ب َويَ ْ‬
‫{ِإنّ الّذِي َن َي ْكتُمُو َن مَا أَنزَلَ اللّ ُه مِ ْن اْلكِتَا ِ‬
‫النّا َر وَل يُكَلّ ُمهُمْ اللّ ُه َي ْومَ اْل ِقيَا َم ِة وَل يُزَكّيهِمْ وََلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (‪[ })174‬سورة البقرة ‪]2/174‬‬
‫ت وَاْلهُدَى مِ ْن َبعْ ِد مَا بَّينّاهُ لِلنّاسِ فِي اْلكِتَابِ ُأوَْلئِكَ يَ ْل َعُنهُمْ اللّهُ‬
‫{ِإنّ الّذِي َن َي ْكتُمُو َن مَا أَنزَْلنَا مِ ْن اْلَبيّنَا ِ‬
‫َويَ ْل َعُنهُ ْم اللّ ِعنُونَ (‪[ })159‬سورة البقرة ‪]2/159‬‬
‫ول نكون مؤدين للمانة ول قائمي بالدعوة إن ل نبي للناس هذه القيقة‪ :‬أن الذي يعتب مسلما ف‬
‫الدنيا – ول يوز تكفيه ولو كان منافقا ف القيقة‪ ،‬وحسابه على ال ف الخرة – هو الذي ينطق‬

‫ضلّ َقوْما َبعْ َد ِإذْ هَدَاهُ ْم حَتّى ُيبَّينَ َلهُمْ مَا يَتّقُونَ ِإنّ اللّ َه بِ ُكلّ شَيْ ٍء َعلِي ٌم (‪[ })115‬سورة التوبة ‪]9/115‬‬
‫() يقول تعال ف مكم التنيل‪{ :‬وَمَا كَانَ اللّهُ ِليُ ِ‬ ‫‪1‬‬
‫‪.‬‬
‫() أخرجه مسلم‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() انظر إن شئت فصل "مفهوم ل إله إل ال" من كتاب "مفاهيم ينبغي أن تصحح"‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫بالشهادتي ويعمل بقتضاها – أي يتحاكم إل شريعة ال – كما قال المام الشهيد ف رسالة التعاليم‪،‬‬
‫وكما ينبغي أن نبي لناس ف مقام التعليم‪ .‬أما الؤمن القيقي فهو الذي يصنع ذلك عن إيان وتسليم‬
‫ورضا وإخلص‪.‬‬
‫ضيْتَ‬
‫سهِمْ حَرَجا مِمّا َق َ‬
‫حكّمُوكَ فِيمَا َشجَ َر َبْينَهُ ْم ثُ ّم ل َيجِدُوا فِي أَنفُ ِ‬
‫ك ل ُيؤْ ِمنُونَ َحتّى يُ َ‬
‫{فَل وَ َربّ َ‬
‫َويُسَلّمُوا تَسْلِيما (‪[ })65‬سورة النساء ‪]4/65‬‬
‫‪m m m‬‬

‫منهج الركة‬
‫تتف الماعات العاملة اليوم ف حقل الدعوة اختلفا واسعا حول منهج الركة الواجب اتباعه ف‬
‫الرحلة الراهنة‪ .‬وربا ل يكن هذا اللف قائما قبل ربع قرن من الزمان‪ .‬فقد كانت الركة تسي على‬
‫النهج الذي رسه المام الشهيد وأقام جاعته على أساسه‪ ،‬ول تكن هناك ف الساحة جاعات أخرى غي‬
‫تلك الماعة‪.‬‬
‫ولكن الوقف اليوم يتلف‪.‬‬
‫تعددت الماعات‪ ،‬وتعددت وجهات النظر‪ .‬وتعددت الواقف بتعدد وجهات النظر‪.‬‬
‫ولكن هناك أمرا مشتركا يمع بي معظم هذه الماعات‪ ،‬وإن اختلفت مواقفها ومناهجها‪ .‬هو‬
‫التعجيل!‬
‫يقولون‪ :‬مضى على الدعوة أكثر من نصف قرن‪ .‬ول تنجح بعد‪ .‬أي ل تصل إل الكم لتحقيق ما‬
‫تدعو إليه من تكيم شريعة ال‪ ،‬وحل مشاكل الجتمع على أساس النهج الربان‪.‬‬
‫وف ذات الوقت يقولون‪ :‬إن الشيوعيي ينجحون‪ ،‬وغيهم من القليات الت ليس لا سند شعب ول‬
‫حجم يذكر تصل إل الكم‪ ،‬والسلمون ل يصلون! فلبد أن هناك خطأ ف منهج الركة‪ .‬ولبد من‬
‫التغيي‪ .‬وعند هذه النقطة يبدأ اللف!‬
‫ولبد لنا قبل أن نبحث النهج الذي ينبغي اتباعه ف الرحلة الراهنة‪ ،‬أن نصحح هذا التصور ذاته‪ :‬هل‬
‫يصح قياس الركة السلمية على الركات الشيوعية والعلمانية والقليات الت تصل إل الكم وتقهر‬
‫الشعوب؟!‬
‫ج ُح‬
‫إننا إن ل ندرك بادئ ذي بدء أن هذه الركات ل تنجح بهدها الذات‪ ،‬ول بثقلها الذات‪ ،‬إنا تُنْ َ‬
‫من الارج‪ ،‬بتحريك أعداء السلم لا‪ ،‬وإعطائها السند اللزم لا‪ ،‬والقوة اللزمة لقهر شعوبا وإذللا‪.‬‬
‫ل نكون جديرين بالعمل ف مال الدعوة‪ ،‬لن العمل يتاج إل البصية والوعي‪ ،‬ويغيها ل يقوم عمل‬
‫على الطلق‪ ،‬فضلً عن العمل السلمي‪.‬‬
‫{قُ ْل هَ ِذ ِه َسبِيلِي أَ ْدعُو إِلَى اللّ ِه عَلَى َبصِ َيةٍ َأنَا َومَ ْن اّتبَ َعنِي} [سورة يوسف ‪]12/108‬‬
‫فإن أدركنا هذه البديهية‪ ،‬فينبغي أن ندرك بعدها – أو معها – حقيقة أخرى ما زالت تفي على‬
‫الكثيين‪.‬‬
‫فإذا كان لبد لكل حكم من سند يسنده لكي يقوم أولً‪ ،‬ولكي يستمر ف الوجود بعد ذلك‪ .‬فأين‬
‫هو السند الذي يقيم الكم السلمي ف الوقت الاضر‪ ،‬ث يظل مساندا له لكي يستمر ف الوجود؟‬
‫وإذا كان الشيوعيون والعلمانيون والقليات الت تصل إل الكم تقوم أساسا بتحريك أعداء‬
‫السلم‪ ،‬وتستمر ف الوجود بسندهم لا‪ ،‬فهل أعداء السلم – سواء روسيا أو أمريكا – سيسمحون‬
‫بقيام حكم إسلمي فضلً عن أن يسندوه إذا قام؟ أم أنم يتربصون بالسلمي ليمنعوهم من تقيق‬
‫وجودهم السلمي‪ ،‬كما تفعل أمريكا ف كل البلد الواقعة تت نفوذها؟!‬
‫لبد إذن – بداهة – أن يقوم السند للحكم السلمي من داخل المة السلمة ما دام ل يكن أن‬
‫يئ من خارجها‪ .‬فهل هذا السند موجود ف القيقة؟!‬
‫إن الذين يقولون – بل رؤية – نعم‪ ،‬يقعون ف ذات الغلطة الت وقع فيها العمل السلمي أول مرة‪،‬‬
‫وهي افتراض أن "القاعدة السلمية" قائمة بالفعل‪ ،‬وما علينا إل أن نذكى الوجدان الدين‪ ،‬وندفعه‬
‫للعمل‪ ،‬فينتهي الشكال!‬
‫ونكون بذا قد أضعنا أكثر من نصف قرن من العمل ف ميدان الدعوة‪ ،‬دون أن تأخذ العبة‪ ،‬ودون‬
‫أن نكتسب البة اللزمة لتكوين "البصية" الطلوبة‪.‬‬
‫لقد أثبتت التجربة – سواء ف مقتل المام الشهيد أو ف مذابح السفاح – أن القاعدة الت توهنا‬
‫وجودها ل تكن موجودة بالفعل‪ ،‬وأنا ف حاجة إل النشاء من جديد‪ .‬وإنا الوجود هو جاعة أو‬
‫جاعات قائمة بالعمل السلمي‪ ،‬وليس بينها وبي "الماهي" ف القيقة "قضية مشتركة"‪ .‬وإن حدث‬
‫التعاطف العارض بي الماهي وبي هذه الماعات حي تتعرض للقتل والتعذيب‪ ،‬أو حي تقع منها‬
‫بطولت تز مشاعر الماهي‪.‬‬
‫إن هذا التعاطف العارض – أيا كان حجمه – أمر يتلف عن وجود "القضية الشتركة" بي هذه‬
‫الماعات وبي الناس‪ .‬والقضية الشتركة الت ينبغي أن تكون‪ ،‬هي وجوب التحاكم إل شريعة ال‪ ،‬ونبذ‬
‫غيها من الشرائع كما أمر ال‪:‬‬
‫{اتِّبعُوا مَا ُأنْزِلَ إَِلْيكُ ْم مِنْ َرّبكُ ْم وَل َتّتِبعُوا مِنْ دُونِهِ َأوْلِيَاءَ} [سورة العراف ‪]7/3‬‬
‫س ُن مِنْ اللّهِ ُحكْما ِل َق ْومٍ يُوقِنُونَ (‪[ })50‬سورة الائدة ‪]5/50‬‬
‫حكْ َم الْجَاهِِلّي ِة َيْبغُونَ َومَنْ أَحْ َ‬
‫{أَفَ ُ‬
‫وهذه القضية ما تزال – كما أثبتت التجربة – غي واضحة العال عند الماهي‪.‬‬
‫نعم إن القاعدة الواعية لذه القضية‪ ،‬العاملة من أجلها‪ ،‬قد أخذت تتسع ول شك‪ .‬وذلك من‬
‫البشرات الوجودة ف حقل الدعوة اليوم‪ .‬ولكنها ما تزال أضأل بكثي منا لجم اللزم لقامة الكم‬
‫السلمي‪ ،‬ومساندته لكي يستمر ف الوجود‪.‬‬
‫إن حجم النراف الذي وقعت فيه المة خلل القرون – وف القرن الخي خاصة – أضخم بكثي‬
‫ما يتصوره الكثيون‪ .‬إنه – كما بينا جيدا من قبل – ليس فسادا ف السلوك فحسب‪ ،‬ولكنه فساد ف‬
‫التصور وفساد ف السلوك‪ .‬فساد ف تصور كل الفاهيم الرئيسية للسلم‪ ،‬بدءا بفهوم ل إله إل ال‪،‬‬
‫الركن الول والعظم ف هذا الدين‪.‬‬
‫وتغيي حال هذه المة‪ ،‬وإرجاعها إل حقيقة السلم‪ ،‬أمر ل يتم بالسهولة الت يتصورها كثي من‬
‫الناس‪ ،‬إنا يتاج – بسب السنة الارية – إل وقت أطول بكثي‪ ،‬وجهد أكب بكثي‪ ،‬ما ت ف هذه‬
‫اللحظة ف جيع اليادين!‬
‫يتاج أو ًل إل تبيي القائق الجهولة من هذا الدين‪ ،‬بدءا بقيقة ل إله إل ال (‪ ،)1‬ويتاج ثانيا إل‬
‫تربية الناس على ما تقتضيه هذه القائق من سلوك واقعي ف واقع الياة‪ .‬وهو جهد طويل طويل ل يكن‬
‫– بسب السنة الارية – أن يتم ف سنوات قصار‪ .‬والسنوات الت مرت ف الدعوة‪ .‬بالقياس إل عمر‬
‫المم – قصار‪ ،‬جد قصار!‬
‫وهنا – وبصي نافد – يرج التعجلون – ومعظمهم من الشباب التحمس – بسؤالي يصبان ف‬
‫النهاية ف ملتقى واحد‪ :‬وهل من العقول أن ننتظر حت تترب المة كلها على السلم‪ ،‬وهو أمر ل‬
‫يتحقق بالفعل؟ وكيف نرب والكومات العادية للسلم تنقض علينا كل فترة من الزمن‪ ،‬كلما ربينا‬
‫جيلً من الشباب أخذوه‪ ،‬فعذبوه وقتلوه وقضوا عليه؟!‬
‫فأما بالنسبة للسؤال الول‪ ،‬فلم يقل أحد قط إنه ينبغي النتظار حت تترب المة كلها‪ ،‬فهذا أمر –‬
‫بالفعل – ل يتحقق أبدا ف واقع الرض‪ .‬ومتمع الرسول‪ r‬ل يكن كله على القمة السابقة الت كان‬
‫عليها أصحابه رضى اله عنهم‪ ،‬الذين رباهم على عينه‪ ،‬وتعهدهم برعايته‪ .‬بل هؤلء أنفسهم ل يكونوا‬
‫على مستوى واحد من العظمة والرتفاع‪ ،‬وقرن الرسول‪ r‬هو خي القرون على الطلق‪ .‬فما بالك‬
‫بقرننا الاضر!‬

‫() انظر إن شئت كتاب "مفاهيم ينبغي أن تصحح"‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫إنا القصود – كما أشرنا مرارا – أن تترب القاعدة الت تمل البناء‪ ،‬بالجم العقول‪ ،‬وبأقرب شئ‬
‫إل الواصفات الطلوبة لذا العمل الطي‪ .‬خطي ل ف حياة هذه المة فحسب‪ ،‬بل بالنسبة للبشرية كلها‬
‫ف زمننا هذا الذي نعيش فيه (‪.)2‬‬
‫وأما بالن سبة لل سؤال الثا ن فليس صحيحا ما يتصوره ب عض الناس – ف نظرت م التعجلة – من أن‬
‫ل من البابا أخذوه‪.‬‬
‫أعداءنا يقضون على جهدنا كله‪ ،‬وعملنا كله‪ ،‬وكلما ربينا جي ً‬
‫إن م بالف عل يعوقون الر كة على النطلق‪ .‬أ ما القضاء على الر كة ف هم أنف سهم ل يزعمون ذلك‬
‫وإن تنوه! إنا الذي يدث دائما – بقدر من ال‪ ،‬وحسب سنة من سنن ال – أنه بعد كل مذبة بشعة‬
‫يقومون با يأت مد جديد من الشباب‪ ،‬وتتسع القاعدة على الدوام – برغم كل التعذيب الوحشي‪ ،‬وكل‬
‫التقتيل والتشريد‪ ،‬بقدر من ال‪ ،‬وحسب سنة من سنن ال‪:‬‬
‫سّنةِ اللّ ِه َتبْدِيلً (‪[ })23‬سورة الفتح ‪]48/23‬‬
‫جدَ لِ ُ‬
‫ت مِنْ َقبْ ُل وَلَ ْن تَ ِ‬
‫{ ُسّنةَ اللّ ِه اّلتِي َقدْ خََل ْ‬
‫ويقول التعجلون‪ :‬لقد ربينا با فيه الكفاية‪ .‬وآن الوان أن "نعمل"‪.‬‬
‫وهذه القولة – على قصرها – تشتمل على قضيتي خطيتي من قضايا العمل السلمي‪ ،‬تتاج كل‬
‫منهما إل بيان‪:‬‬
‫الول‪ :‬هل ربينا حقا با فيه الكفاية؟ وما العيار الذي نقيس به ما ت من التربية حت اليوم‪ ،‬لنعرف‬
‫إن كان كافيا أم إنه يتاج إل مزيد‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬ما نوع "العمل" القصود‪ ،‬الذي يفكر فيه التعجلون؟‬
‫وأبدأ بالقضية الثانية لنا قد تكون أيسر بيانا من الول‪ ،‬لنا مددة ف أذهان أصحابا‪ ،‬أما الول‬
‫فما تزال تتاج إل تديد‪.‬‬
‫هناك نوعان رئي سيان من التفك ي‪ ،‬ونوعان من الع مل‪ ،‬يف كر فيه ما التعجلون ب سب كون م من‬
‫الشباب ومـن الشيوخ‪ ،‬بالضافـة إل لون ثالث سـنتحدث ع نه‪ ،‬وإن كان ل ي ثل ح ت الن ظاهرة ف‬
‫ساحة العمل السلمي‪ ،‬ولكن أصحابه ياولون أن يعلوا منه تلك الظاهرة‪ ،‬وياولون أن يولوا العمل‬
‫السلمي كله إليه‪.‬‬
‫فأ ما الشباب – الذ ين تلؤ هم الما سة وتدفع هم إل التع جل – فتفكي هم هو وجوب الو صول إل‬
‫الكم بالقوة‪ ،‬وتربية المة من موقع السلطة ل من موقع الدعوة‪ ،‬لن التربية من موقع الدعوة أمر يطول‬
‫به الز من ويطول به الطر يق‪ ،‬ب سبب وقوف العداء بالر صاد‪ ،‬وتعويق هم ال ستمر للحر كة ال سلمية‪،‬‬

‫() سنتعرض لذه النقطة ف الفصل القادم "نظرة إل الستقبل"‪.‬‬


‫‪2‬‬
‫وتشتيتها كلما أرادت أن تتجمع‪.‬‬
‫وأ ما الشيوخ – الذ ين أجهد هم الشوار الطو يل‪ ،‬والضربات التوال ية على الطر يق – فتفكي هم هو‬
‫الدعوة السلمية الت ل تصطدم مع السلطة أبدا‪ ،‬والت تتخذ جناحا من أجنحتها الدخول ف البلانات‬
‫والنتخابات‪ ،‬وماولة التأث ي على مرى ال سياسة من داخله‪ ،‬أو على ال قل إعلن صوت ال سلم من‬
‫داخل الجهزة السياسية الت تسيطر اليوم على حياة الناس‪ ،‬حت يكون لذا الصوت وقع ف حس الناس‪.‬‬
‫ون ن نفترض – بادئ ذي بدء – الخلص الكا مل ف كل من الفريق ي (والفر يق الثالث كذلك‬
‫الذي سنتكلم ع نه في ما ب عد) ول كن الخلص وحده ل يك في! بل ل بد م عه من الب صية‪ ،‬لن عدم‬
‫البصية حري أن يفسد ثرة الخلص!‬
‫ونعيد ما قلناه من قبل‪ .‬إن الكم السلمي لن يتلقى سندا من أعداء السلم ف الارج – ل من‬
‫روسيا ول من أمريكا‪ .‬ل من الصليبية ول من الصهيونية‪ ،‬ول من معسكر الشرك كله – فلبد أن يكون‬
‫سنده من الداخل‪ .‬فأين هي "القاعدة السلمية" الت تسند الكم حي يقوم‪ ،‬وتسنده بعد ذلك لكي‬
‫يستمر ف الوجود؟‬
‫نفترض جدلً أن ممو عة من الشباب التح مس قد أحك مت التدب ي‪ ،‬فقا مت "بانقلب" وأقا مت‬
‫حكومة إسلمية ف أي بقعة من العال السلم‪ .‬فمن يسندها؟!‬
‫ولنأخذ مصر مثلً‪ .‬وقد تدثنا عن "التجربة الصرية" من قبل‪ .‬و"القاعدة السلمية" ف مصر هي‬
‫أو سع قاعدة ح ت الن ف العا مل ال سلمي كله‪ ،‬ف هل تك في هذه القاعدة ل سند ال كم ال سلمي‪،‬‬
‫وحايته من العدوان الصليب الصهيون التوقع ف جيع الحوال؟‬
‫ولنفترض أن أمري كا ل تتد خل بعدوان مبا شر ك ما تدث ها نف سها الشريرة ف ب عض الحيان‪ ،‬ول‬
‫حرضت إسرائيل على العدوان كما تفعل ف كل الحيان‪ .‬وإنا فقط مُنع القمح عن الشعب الصري!‬
‫هل يصب الشعب الصري – ف حالته الراهنة – على الوع من أجل إقامة الكم السلمي؟ أم تسي‬
‫الظاهرات – بقيادة الشيوعي ي والعلماني ي واللحد ين‪ ،‬و من ورائ ها "الماه ي" الائ عة – تقول‪ :‬نر يد‬
‫البز والرية؟!‬
‫فلنكن واقعيي‪ .‬ولنقل إن "القاعدة السلمية" ل تزل بعد اصغر من حجم العمل الطلوب!‬
‫وقبل أن تقوم القاعدة بالصورة الصحيحة‪ ،‬فكل ماولة للصدام مع السلطة للوصول إل الكم عبث‬
‫غي مبن على بصية ول تدبر‪ .‬وقمته هو ما حدث ف مذبة حاة‪ .‬نوذجا بارزا ينبغي أن تتدبره الركة‬
‫السلمية جيدا لتعرف كل أبعاده‪ ،‬ول تقع ف مثله مرة أخرى مهما كانت السباب‪.‬‬
‫فإن قال التعجلون من الشباب‪ :‬ك يف نق عد "بل ع مل" ح ت تتكون م ثل تلك القاعدة؟ فنقول إن‬
‫القاعدة تتكون‪ ،‬بب طء‪ ،‬ن عم‪ ،‬ولكن ها تت سع على الدوام‪ ،‬ول تتو قف على الن مو‪ ،‬وين ضم ل ا على الدوام‬
‫شباب جد يد‪ ،‬يعلم سلفا عقبات الطريق‪ ،‬وعذابات الطر يق‪ ،‬فيوطن نف سه على ملقاة الوت‪ ،‬واحتمال‬
‫العذاب‪ ،‬ويطـن نفسـه كذلك على الشوار الطويـل‪ .‬وذات يوم – ل يعلمـه إل ال سـبحانه – سـتنضح‬
‫القاعدة وتتسع‪ ،‬وتصبح بندقة صعبة الكسر‪ .‬وعندئذ – بسنة من سنن ال الارية – سيدخل الناس فيها‬
‫أفواجا‪ ،‬وسـيجد العدو نفسـه ل أمام جاعـة منعزلة يصـدها حصـدا وهـو مطمئن‪ ،‬إناـ أمام أمـة قـد‬
‫اجتمعت على إرادة موحدة‪ .‬فيجرى قدر ال با تفرح به قلوب الؤمني‪.‬‬
‫أ ما القول بأن الشباب سيقعد "بل ع مل" ح ت تتكون تلك القاعدة‪ ،‬ف هو صادر عن ت صور مع ي‬
‫للعمـل‪ ،‬يل قلوب هؤلء الشباب وأفكارهـم‪ ،‬فل يتصـورون "العمـل" إل حلـ السـلح وملقاة‬
‫العداءويتصورون أي شئ غي ذلك قعودا بل عمل!‬
‫فتقول لم‪ :‬من إذن الذي سيبن القاعدة؟! إن ل يكن هؤلء الشباب أنفسهم؟! وكيف يكونون بل‬
‫عمل إذا كانوا منهمكي ف البناء؟!‬
‫إن ا ت صدر هذه القولة عن الشباب التع جل نتي جة أمر ين معا‪ :‬عدم إدراك البعاد القيق ية الطلو بة‬
‫لعملية التربية‪ ،‬والعتقاد – من ث – بأن التربية قد تت‪ ،‬وأننا ينبغي إذن أن ننقل إل الطوة التالية‪ ،‬وهي‬
‫حل السلح وملقاة العداء‪.‬‬
‫ونريد أن نتكلم عن التربية‪ ،‬لنو ضح أبعادها الطلو بة بالن سبة للج يل الذي يوا جه الاهلية أول مرة‪،‬‬
‫وبالنسبة لجموع المة كذلك – أو من يستجيب للتربية منها – ولكنا نريد قبل ذلك أن نتعرف على‬
‫الفريق ي الخر ين من ال ستعجلي‪ ،‬لن حديث الترب ية لزم للجم يع؛ للمتعجل ي من الشباب والشيوخ‪،‬‬
‫والفريق الثالث الذي سنتكلم عنه فيما بعد‪ ،‬وللعاملي ف ميدان التربية على حد سواء‪.‬‬
‫ولنتذكـر بادئ ذي بدء أن شيوخ اليوم هـم أنفسـهم بقيـة شباب اليـل الول التعجـل! الذي كان‬
‫يعتقد أن "العمل" قد وجب – وأنا ضربة قوية أو مموعة ضربات‪ ،‬فيخر الطغاة هدا‪ ،‬ويكم السلم!‬
‫وقد تلى من أولئك الشباب من قبل من تلى‪ .‬ولكن هؤلء الشيوخ هم الذين بقوا ول يتخلوا‪.‬‬
‫ن عم‪ ،‬ل يتخلوا‪ .‬ولكن هم يعتقدون أن الدعوة قد و صلت إل طر يق م سدود‪ .‬وأنه ي ب – من ث –‬
‫تغيي الطريق!‬
‫والسبب ف هذه الرؤية من جانبهم واضح‪ .‬فقد كانوا تربوا على أنم هم الذين سيضربون الضربة‬
‫الول‪ ،‬أو مموعـة الضربات‪ ،‬ثـ تنجلي الضربـة عـن هزيةـ العدو‪ ،‬وانتصـار السـلم‪ .‬فـ سـنوات‬
‫معدودات‪.‬‬
‫وقـد وجدوا أنمـ هـم الذيـن يضربون الرة بعـد الرة على امتداد السـنوات‪ ،‬وأن العداء هـم الذيـن‬
‫يكسبون الولة‪ ،‬بينما ل يصنعون هم شيئا إل تلقى الضربات‪ .‬ومن ث فإن الطريق – كما تصوروه –‬
‫يبدو م سدودا بالف عل‪ ،‬ول يؤذن بانفتاح قر يب‪ .‬فل بد – ف ح سهم – من الب حث عن طر يق غ ي‬
‫مسدود‪.‬‬
‫والطريق الذي يظنونه موصلً هو الذي أشرنا إليه من ق بل‪ :‬دخول البلانات والنتخابات‪ ،‬وإعلن‬
‫صوت السلم من هناك‪ ،‬مادام ل يُسْمَح بإعلنه من غي هذا الطريق‪.‬‬
‫وكمـا ناقشنـا الشباب التعجـل‪ ،‬الذي يدعـو إل حلـ السـلح وملقاة العدو‪ ،‬ورأينـا – على ضوء‬
‫الواقع‪ ،‬وعلى ضوء ما حدث ف حاة – أن الصدام مع السلطة قبل تكوّن "القاعدة السلمة" ذات الجم‬
‫العقول‪ ،‬عبث ل ين منع العمل السلمي إل ما جناه ف حاة‪.‬‬
‫كذلك نناقش الشيوخ التعجلي‪ ،‬الذين يظنون أنم يركون العمل السلمي بولوج هذا الطريق غي‬
‫السدود‪ ،‬ويصلون عن طريقه إل تقيق المل النشود‪.‬‬
‫نقول لمـ نفـس الشيـء‪ .‬إن اسـتخدام هذا الطريـق عبـث ل يؤدى إل نتيجـة قبـل تكوّن "القاعدة‬
‫ال سلمة" ذات ال جم العقول! ولنفرض جد ًل أن نا تو صلنا إل تشك يل برلان م سلم مائة ف الائة‪ .‬كل‬
‫أعضائه يطالبون بتحك يم شري عة ال! فماذا ي ستطيع هذا البلان أن ي صنع بدون "القاعدة ال سلمة" ال ت‬
‫تسند قيام الكم السلمي‪ ،‬ث تسند استمراره ف الوجود بعد قيامه؟!‬
‫انقلب عسكري يل البلان‪ ،‬ويقبض على أعضائه فيودعهم السجون والعتقلت‪ ،‬وينتهي كل شئ‬
‫ف لظات!!‬
‫إنه تفكي ساذج رغم كل ما يقدم له من البرات‪ .‬وفوق ذلك فهو يتوى على مزالق خطية تصيب‬
‫الدعوة ف الصميم‪ ،‬وتعوقها كثيا على الرغم ما يبدو – لول وهلة – من أنا تكن لا ف التربة وتعجل‬
‫لا الطوات!‬
‫الزلق الول هو الزلق العقدي‪.‬‬
‫فك يف يوز للم سلم الذي يأمره دي نه بالتحا كم إل شري عة ال وحدها دون سواها‪ ،‬والذي يقول له‬
‫دينه إن كل حكم غي حكم ال هو حكم جاهلي‪ ،‬ل يوز قبوله‪ ،‬ول الرضى عنه‪ .‬ول الشاركة فيه‪.‬‬
‫ك يف يوز له أن يشارك ف الجلس الذي يشرع بغ ي ما أنزل ال‪ ،‬ويعلن ب سلوكه العملي – ف كل‬
‫مناسبة – أنه يرفض التحاكم إل شريعة ال؟!‬
‫كيـف يوز له أن يشارك فيـه‪ ،‬فضلً عـن أن يقسـم ييـ الولء له‪ ،‬ويتعهـد بالحافظـة عليـه‪ ،‬وعلى‬
‫الدستور الذي ينبثق عنه‪ ،‬واله يقول سبحانه‪:‬‬
‫سَتهْ َزأُ ِبهَا فَل َت ْقعُدُوا َم َعهُمْ َحتّى‬
‫{وَقَ ْد نَزّ َل عََليْكُمْ فِي اْلكِتَابِ أَنْ ِإذَا سَ ِم ْعتُ ْم آيَاتِ اللّ ِه ُيكْفَ ُر ِبهَا َويُ ْ‬
‫يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ َغيْ ِرهِ ِإنّكُمْ إِذا مِثُْل ُهمْ} [سورة النساء ‪]4/140‬‬
‫وهؤلء حديث هم الدائم هو مال فة شري عة ال‪ ،‬والعراض عن ها؛ ول حد يث ل م غيه ينتظره النت ظر‬
‫حت يوضوا فيه! فكيف إذن يقعد معهم؟!‬
‫كل ما يقال من مبرات‪ :‬أننا نُسْمعهم صوت السلم‪ .‬أننا نعلن رفضنا الستمر للتشريع بغي ما أنزل‬
‫ال‪ .‬أننا نتكلم من النب الرسي فندعو إل تكيم شريعة ال‪.‬‬
‫كل ذلك ل يبر تلك الخالفة العقدية الواضحة‪.‬‬
‫يقولون‪ :‬أل يكن النب ‪ r‬يذهب إل قريش ف ندوتا ليبلغها كلم ال؟!‬
‫بلى!كان يذهب إليهم ف ندوتم لينذرهم‪ .‬ولكنه ل يكن يشاركهم ف ندوتم!‬
‫ولو أن مسلما يدعو إل تكيم شريعة ال‪ ،‬استطاع أن يذهب إل ندوة الاهلية العاصرة‪ ،‬ويُسْمح له‬
‫بالكلم فيها كما كانت تَ سْمح الاهلية الول لرسول ال ‪ ، r‬لكان واجبا عليه أن يذهب وأن يبلغ‪،‬‬
‫ل نه ف هذه الالة ل يكون "عضوا" ف الندوة‪ ،‬إن ا هو داع ية من خارج ها‪ ،‬جاء يدعو ها إل اتباع ما‬
‫أنزل ال‪ ،‬فل الندوة تعتبه منها‪ ،‬ول هو يعتب نفسه منا لندوة‪ .‬إنا هو مبلغ جاء يلقى كلمته ث يضى‪.‬‬
‫أما الشاركة ف "عضوية" الندوة بجة إتاحة الفرصة لتبليغها كلمة الق‪ ،‬فأمر ليس له سند من دين‬
‫ال!‬
‫والزلق الثان هو تييع القضية بالنسبة "للجماهي"‪.‬‬
‫إننا نقول للجماهي ف كل مناسبة إن الكم بغي ما أنزل ال باطل‪ ،‬وإنه ل شرعية إل للحكم الذي‬
‫يكم بشريعة ال‪ .‬ث تنظر الماهي فترانا قد شاركنا فيما ندعوها هي لعدم الشاركة فيه! فكيف تكون‬
‫النتيجة؟!‬
‫وإذا كنا نن ند لنفسنا البرات للمشاركة ف النظام الذي نعلن للناس أنه باطل‪ ،‬فكيف نتوقع من‬
‫الماهي أن تتنع عن الشاركة‪ ،‬وكيف تنشأ "القاعدة السلمية" الت سيقوم عليها الكم السلمي‪،‬‬
‫القاعدة الت ترفض كل حكم غي حكم ال‪ ،‬وترفض الشاركة ف كل حكم غي حكم ال!‬
‫إننا نسب أننا بدخولنا البلانات‪ ،‬نقوم "بعمل" ييسر قيام "القاعدة السلمية"‪ ،‬لنه يدعو إليها من‬
‫فوق ال نب الر سي‪ ،‬الذي له ع ند الناس رن ي م سموع‪ .‬ولك نا ف القي قة نعوق قيام هذه القاعدة بذه‬
‫التمييـع الذي نصـنعه فـ قضيـة الكـم باـ أنزل ال‪ .‬فل يعود عنـد الماهيـ تصـور واضـح للسـلوك‬
‫"السلمي" الواجب ف هذه الشئون‪ .‬ولن تتكون القاعدة بالجم الطلوب لقيام الكم السلمي حت‬
‫ينضج وعى الماهي‪ ،‬وتعلم علم اليقي أن عليها – عقيدة – أن تسعى لقامة الكم السلمي وحده‬
‫دون أي حكم سواه‪ ،‬وأل تقبل وجود حكم غي حكم ال‪.‬‬
‫والزلق الثالث أن لعبـة "الدبلوماسـية" كمـا أثبتـت تارب القرون كلهـا‪ ،‬لعبـة يأكـل القوى فيهـا‬
‫الضعيف‪ ،‬ول يتاح لضعيف من خللا أن "يغافل" القوى فينتزع من يده شيئا من السلطان!‬
‫والقوة والضعف – ف لعبة الدبلوماسية – ل علقة لا بالق والباطل! ول علقة لا بالكثرة والقلة!‬
‫فالقل ية النبوذة من الش عب‪ ،‬الكروهة منه‪ ،‬ال ت ت سندها ف الدا خل القوة الع سكرية‪ ،‬وت سندها من‬
‫الارج إحدى القوى الشيطانية الوجودة اليوم ف الرض هي القوية‪ ،‬ولو ل يكن لا أنصار‪ .‬والكثرية‬
‫السحوقة الستضعفة هي الضعيفة‪ ،‬ولو كانت تثل أكثرية السكان!‬
‫ومن ث فالماعات السلمية – الداخلة ف التنظيمات السياسية لعداء السلم – هي الا سرة ف‬
‫لعبـة الدبلوماسـية‪ ،‬والعداء هـم الكاسـبون! سـواء بتنظيـف سـعتهم أمام الماهيـ‪ ،‬بتعاون الماعات‬
‫السلمية معهم‪ ،‬أو تالفها معهم‪ ،‬أو اشتراكها معهم ف أي أمر من المور؛ أو بتمييع قضية السلميي‬
‫ف ن ظر الماه ي‪ ،‬وزوال تفرد هم وتيز هم الذي كان ل م يوم أن كانوا يقفون متميز ين ف ال ساحة‪ ،‬ل‬
‫يشاركون ف جاهلية الساسة من حولم‪ ،‬ويعرف الناس عنهم أنم أصحاب قضية أعلى وأشرف وأعظم‬
‫من كل التشكيلت ال سياسية الخرى‪ ،‬ال ت تر يد الياة الدن يا وحد ها‪ ،‬وتت صارع وتتكالب على متاع‬
‫الرض‪ .‬ول تعرف ف سياستها الخلق السلمية ول العان السلمية‪ .‬فضلً عن مناداتا بالشعارات‬
‫الاهليـة‪ ،‬وإعراضهـا عـن تكيـم شريعـة ال‪ .‬ول يدث مرة واحدة فـ لعبـة الدبلوماسـية أن اسـتطاع‬
‫ال ستضعفون أن يديروا د فة المور من دا خل التنظيمات ال سياسية ال ت يدير ها أعداؤ هم‪ ،‬لن "الترس"‬
‫الواحد ل يتحكم ف دوران العجلة‪ ،‬ولكن العجلة الدائرة هي الت تتحكم ف "التروس"! وما حدث من‬
‫"إصلحات" جزئة عارضة ف بعض نواحي الياة على يد "السلميي" ل تطيقه الاهلية ول تصب عليه‪،‬‬
‫وسرعان ما تحوه موا وتبطل آثاره‪ .‬وتظل الثار السيئة الت ينشئها تييع القضية باقية ل تزول‪ ،‬وشرها‬
‫أكب بكثي من النفع الزئي الذي يتحقق بذه الشاركة‪ ،‬حت لكأنا ينطبق عليه قوله تعال تعال‪:‬‬
‫س َوِإثْ ُمهُمَا أَ ْكبَ ُر مِ ْن َن ْفعِهِمَا} [سورة البقرة ‪]2/219‬‬
‫{فِيهِمَا ِإثْمٌ َكبِيٌ َو َمنَافِعُ لِلنّا ِ‬
‫أما توهم من يتصور أن الاهلية ت ظل غافلة حت يتسلل السلميون إل مراكز ال سلطة‪ ،‬ث – على‬
‫ح ي غفلة من أهل ها – ينتزعون ال سلطة ويقيمون ال كم ال سلمي‪ ،‬فو صفه بال سذاجة قد ل يك في‬
‫لتصويره! وتربة الزائر تكفي – فيما اعتقد – لبطال هذا الوهم – إن كان له وجود حقيقي ف ذهن‬
‫من الذهان‪.‬‬
‫أما الفريق الثالث من التعجلي فهم أصحاب "التفكي العلمي" و"الدراسات العلمية"!‬
‫و قد ن بت هذا التاه أو تر كز ع ند الشباب العر ب ال سلم الذي يع يش ف أمري كا‪ ،‬وإن كا نت له‬
‫جذور مشابة أو ماثلة عند غيهم من يعيش ف أوربا أو ف "العال القدي"!‬
‫يقول أصحاب هذا التاه إن "التجربة الشرقية" قد استنفدت أغراضها‪ ،‬ووصلت إل طريق مسدود‪.‬‬
‫وإنـه أن الوان أن تتسـلم قيادة العمـل السـلمي عقول جديدة‪ ،‬تفكـر بطريقـة جديدة‪ .‬تكفـر تفكيا‬
‫علميا‪ ،‬مبنيا على درا سات علم ية‪ ،‬فتقدم للناس اللول العمل ية لشكلت م‪ ،‬م ستمدة من ال سلم‪ .‬وهذا‬
‫هو الطريق!‬
‫و من كل قلوبنا نتم ن للقيادة الديدة التوف يق‪ .‬ولكنا نتدارس مع هم مدار سة "علمية" و"واقعية" ف‬
‫مزالق هذا الطريق‪.‬‬
‫إن تصور أن كل الذي ينقص الناس هو معرفة اللول السلمية لشكلتم‪ ،‬وأنم إن عرفوا ووثقوا‬
‫واطمأنوا أن اللول ال سلمية أف ضل من اللول الرأ سالية والشتراك ية‪ ،‬ووثقوا بأناـ حلول عمل ية ل‬
‫نظرية‪ ،‬ول دعائية‪ ،‬ول خطابية‪ ،‬فسيقبلون لتوهم على السلم‪ ،‬ويقيمون لتوهم حكومة إسلمية‪.‬‬
‫إن هذا التصور قد نشأ – على الرجح – من حياة أولئك الشباب ف ظل الديقراطية الغربية‪ ،‬حيث‬
‫الريـة متاحـة لكـل الناس أن يفكروا‪ ،‬وأن يربوا‪ ،‬وأن يدعوا‪ ،‬وحيـث يوجـد احتمال – ظاهري على‬
‫ال قل – أ نه ح ي يقت نع الناس بش يء فإن م ي سعون إل ت طبيقه ف عال الوا قع‪ ،‬ويتمكنون – عن طر يق‬
‫الجهزة الديقراطية – من تنفيذه (‪.)1‬‬
‫ونفترض جدلً أن كـل الذي ينقـص الناس فـ "العال القديـ" هـو معرفـة اللول السـلمية العمليـة‬
‫لشكلتمـ‪ ،‬وأنمـ إن اطمأنوا ووثقوا أن السـلم يقدم لمـ حلو ًل عمليـة أفضـل ماـ تقدم الرأسـالية‬
‫والشتراكية‪ ،‬فسيسعون بالفعل لقامة الكم السلمي‪.‬‬
‫نفترض هذا‪ .‬ونسـقط كـل الدللة الرة التـ تدل عليهـا مرور مقتـل المام الشهيـد ومرور مذابـح‬
‫ال سفاح هي نة على قلوب الناس‪ ،‬لن وعي هم بأن تك يم شري عة ال جزء من عقيدة ل إله إل ال م مد‬
‫رسول ال‪ ،‬ما زال ناقصا جدا‪ ،‬وما زال ف حاجة إل بيان طويل ودعوة وتربية‪ ،‬حت تصحح العقيدة‬
‫إل صورتا الربانية القيقية الت جاء با رسول ال ‪ r‬من عند ال‪.‬‬
‫() من العجيب أن يارس هؤلء الشباب الياة ف أمريكا ث يغفلون عن القيقة الكبي هناك‪ ,‬وهي أن اليهودية العالية هي الت تكم من خلل الديقراطية‪ ..‬وأن أي فكر مالف‬ ‫‪1‬‬
‫لصالها ل يتاح له أن يتحول إل واققع عملي!‪.‬‬
‫نفترض هذا‪ .‬ونفترض أنه بجرد أن تعرض عليهم الباث العلمية التضمنة للحلول السلمية العملية‬
‫سـيقتنعون بالسـلم‪ ،‬وبضرورة "اللـ السـلمي"‪ ،‬ويسـعون إل التطـبيق‪ ،‬أو يطالبون بالتطـبيق‪ .‬فماذا‬
‫تكون النتيجة؟‬
‫هل تقول روسيا وأمريكا إنه ما دام السلمون قد اقتنعوا عن طريق الدراسة العملية والتفكي العلمي‬
‫بضرورة إقامة حكومة إسلمية فدعوهم وشأنم! وليقيموا حكمهم السلمي الذي ينشدون؟! أم إنما‬
‫ستكلفان عملءها – كما تفعلن الن – بتذبيح السلمي وتقتيلهم‪ ،‬وتشريدهم وتعذيبهم‪ ،‬لكي يتخلوا‬
‫عما هم مقدمون عليه من إقامة حكومة إسلمية ف الرض؟!‬
‫وعندئذ‪ .‬هل يك في "القتناع" وحده‪ ،‬و"التفك ي العل مي" وحده‪ ،‬لواج هة التعذ يب الوح شي الذي‬
‫يصب على السلمي الطالبي بتحكيم شريعة ال؟ أم يتاج المر إل "عقيدة"؟‪ ..‬العقيدة الت تقول إنا‬
‫قضية كفر وإيان ل قضية الل "الفضل"‪ ..‬قضية جنة ونار‪ ،‬ل قضية مشكلت عملية ف الياة الدنيا‬
‫تتاج إل حل! وال ت ي ستيقن الناس ب ا أن م ل يكونون مؤمن ي‪ ،‬ول يتقبل هم ال يوم القيا مة إذا أرادوا‬
‫التحاكم إل غي شريعة ال‪ ،‬أو رضوا بكم غي حكم ال‪.‬‬
‫ول شك أن السلم هو دين الدنيا والخرة‪ .‬وأنه ليس عقيدة فحسب‪ ،‬إنا هو عقيدة ومنهج كامل‬
‫للحياة‪ ،‬مسوب فيه كل احتياجات البشرية ف الياة الدنيا‪ ،‬بل مسوب فيه أن ترتفع الياة البشرية عن‬
‫مستوى الضرورة‪ ،‬وتصل إل درجة "المال" ودرجة"الحسان" ف كل شئ‪:‬‬
‫"إن ال ك تب الح سان على كل شئ‪ ،‬فإذا قتل تم فأح سنوا القتلة‪ ،‬وإذا ذب تم فأح سنوا الذب ة‪ ،‬و‬
‫ليحد أحدكم شفرته‪ ،‬وليح ذبيحته!" (‪.)1‬‬
‫وأنه يقدم لتلبية هذه الحتياجات وتنميتها وترقيتها أفضل منهج وأحنه‪:‬‬
‫س ُن مِنْ اللّهِ ُحكْما ِل َق ْومٍ يُوقِنُونَ (‪[ })50‬سورة الائدة ‪]5/50‬‬
‫حكْ َم الْجَاهِِلّي ِة َيْبغُونَ َومَنْ أَحْ َ‬
‫{أَفَ ُ‬
‫صحيح هذا كله‪ .‬ول كن ل مر ما أ مر ال ر سوله ‪ r‬أن يق يم العتقاد ال صحيح أولً‪ ،‬ويلى للناس‬
‫اللوهية‪ ،‬ويبي لم أن اللتزام با جاء من عند ال من أمر وني هو مقتضى هذه العقيدة الذي ل تصح‬
‫بدونه‪ ،‬ث – بعد ذلك – أنزل "اللول العملية" لشكلت البشرية‪ ،‬وجعل اللتزام با قضية كفر وإيان‪،‬‬
‫وقضية جنة ونار‪:‬‬
‫حكّمُوكَ‪[ }....‬سورة النساء ‪]4/65‬‬
‫ك ل ُيؤْ ِمنُونَ َحتّى يُ َ‬
‫{فَل وَ َربّ َ‬
‫ك هُ ْم الْكَاِفرُونَ (‪[ })44‬سورة الائدة ‪]5/44‬‬
‫حكُ ْم بِمَا أَن َزلَ اللّهُ َفُأوْلَئِ َ‬
‫{ َومَنْ لَ ْم يَ ْ‬

‫() رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه انظر فصل "وليح ذبيحته" من كتاب "قبسات من الرسول"‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫{اتِّبعُوا مَا ُأنْزِلَ إَِلْيكُ ْم مِنْ َرّبكُ ْم وَل َتّتِبعُوا مِنْ دُونِهِ َأوْلِيَاءَ} [سورة العراف ‪]7/3‬‬
‫{َأمْ َلهُ ْم شُرَكَا ُء شَ َرعُوا َلهُ ْم مِنْ الدّينِ مَا َل ْم يَأْ َذ ْن بِهِ اللّهُ} [سورة الشورى ‪]42/21‬‬
‫فإن ن ن قدم نا "اللول العملية" للناس ق بل أن ي ستقر ف خلد هم – إل درجة اليق ي – أن التزام هم‬
‫بشري عة ال أو عدم التزام هم ب ا هو قض ية اليان والك فر‪ ..‬قض ية ال نة والنار‪ ..‬ف هل ي تم ال مر على‬
‫الصورة الت يتخيلها الباحثون؟!‬
‫وما القول ف الذين يقولون لك – وهم كثي – بعد أن تقنعهم عن طريق البحث العلمي والدراسة‬
‫العلمية أن الل السلمي هو الفضل‪ ،‬يقولون لك‪ :‬اقتنعنا! وما كنا نتصور – وال – أن السلم بذه‬
‫العظمـة وهذا الشمول وهذه القدرة على تقديـ اللول العمليـة لشكلت الناس! هلموا! أقيموا الدولة‬
‫السلمية‪ ،‬وحي تقيمونا ستجدوننا أول الستحبي!‬
‫هل تقوم الدولة السلمية على هذه الصورة؟!‬
‫إن القتناع العقلي وحده ل يغي قط ف عال الواقع‪ ،‬حت ف أوقات السلمة وألن‪ ،‬فضلً عن حالت‬
‫الضطهاد الوح شي! وهذه هي "الفل سفة" م نذ سقراط وأر سطو إل وقت نا الا ضر‪ .‬هل غيت شيئا ف‬
‫واقـع الرض؟ إل أن تكون عقيدة أو مرتكزة على عقيدة‪ ،‬فعندئذ تكون العقيدة هـي التـ تغيـ واقـع‬
‫الناس‪.‬‬
‫والذي أثبتته التجربة ف "العال القدي" أن هذه العقيدة هي الت تتاج قبل كل شئ إل تصحيح‪ .‬لنا‬
‫فرغـت مـن متواهـا خلل الجيال‪ ،‬وفـ القرن الخيـ خاصـة‪ ،‬فأصـبحت فـ حاجـة ملحـة إل بيان‬
‫حقيقتها‪ ،‬ث تربية الناس على مقتضى هذه القيقة حت يصبح سلوكهم العملي ف كل الجالت – ومن‬
‫بينها مال السياسة والكم‪ ،‬والجتماع والقتصاد‪ ،‬واعلم والفكر – مطابقا لقتضيات ل إله إل ال‪.‬‬
‫ونن مع ذلك ل نقول للباحثي العلميي ل تبحثوا! بل نن نفرح بكل بث متعمق يظهر من حقائق‬
‫السلم ما كان خافيا من قبل‪ .‬ولكن فيم يكون البحث؟ وعلى أي نو يكون؟‬
‫إن هناك ف الياة البشرية – وف السلم كذلك – ثوابت ومتغيات‪.‬‬
‫هناك أمور ثبت ها ال سبحانه وتعال وأ مر بتثبيت ها على صورتا ف حياة الناس‪ ،‬كعقيدة ل إله إل ال‬
‫ممد رسول ال – بعناها الشامل التكامل الذي نزلت به من عند ال‪ ،‬والذي يشتمل فيما يشتمل على‬
‫اللتزام بكـل مـا جاء مـن عنـد ال – والعبادات بملتهـا وتفصـيلتا‪ ،‬والدود‪ ،‬وغيـ ذلك ماـ فصـله‬
‫الفقهاء‪.‬‬
‫وهناك أمور متغية أذن الشارع بالجتهاد في ها‪ ،‬ولك نه قيد ها – ف تغي ها الدائم – بحاور ثاب تة أو‬
‫أصول ثابتة‪ ،‬ل يوز أن تيد عنها ف أثناء تغيها ونوها با يلئم ما يد من أمور ف حياة الناس‪.‬‬
‫فحي نبحث اليوم بثا علميا ف اللول السلمية الواقعية للمشاكل الاضرة ففي أي شئ نبحث‪:‬‬
‫ف الحاور الثابتة أم ف التفصيلت التغية؟‬
‫أما البحث ف الحاور الثابتة فواجب‪ ،‬وهو جزء من الفقه اللزم لذا الدين‪ .‬وكلما اتسع علم الناس‬
‫بقائق دينهم كان ذلك أوفق لم‪ ،‬وأحرى باستقامة طريقهم‪.‬‬
‫أ ما التغيات – وخا صة ف الشا كل القت صادية ال ت هي عقدة الع قد ف حياة الناس اليوم – فح ي‬
‫نبحث فيها‪ ،‬فلمن نقدم البحث على وجه التحديد؟ وعلى "مقاس" من نقيم البحث؟ أو بعبارة أخرى‪:‬‬
‫على أساس احتياجات أي قوم من القوام‪ ،‬وأي زمان من الزمان؟!‬
‫ن ن الن ف عام ‪ 1406‬من الجرة _‪ 1986‬من اليلد) (‪ )1‬فح ي نقوم بب حث اقت صادي نبز ف يه‬
‫مقدرة السلم على حل الشاكل القتصادية بصورة عملية أفضل ما تقدمه الرأسالية والشتراكية‪ .‬فلمن‬
‫نقدمه؟ للمسلمي؟ أم لغي السلمي من سكان أوروبا وأمريكا؟!‬
‫وقد يبدو السؤال لول وهلة غي ذي موضوع! فنحن نقوم بأباثنا ونقدمها – بداهة – للمسلمي!‬
‫ولكنا نقصد السؤال حقيقة لننبه القيادة الديدة إل أمر لسنا ندرى مدى تبينها له‪.‬‬
‫فأين هم السلمون اليوم – على وجه الرض كلها – الذين سيطبقون متويات هذا البحث لينقذوا‬
‫اقتصادهم من حأة الاهلية ويضعوه على قاعدة السلمية؟!‬
‫ولنذكر أن يثنا ليس ف النظرية‪ ،‬وإنا هو ف التطبيقات‪ .‬فإذا ل يكن هناك الن من يطبق‪ ،‬فأي عبث‬
‫نقوم به حي نصرف جهدنا ووقتنا وطاقتنا ف استنباط حلول عملية غي قابلة للتطبيق ف عال الواقع‪ ،‬ل‬
‫لنا هي ف ذاتا غي قابلة للتطبيق‪ ،‬ولكن لن الطبقي ل يوجدوا بعد‪ ،‬أو ل توجد لديهم بعد القدرة‬
‫على التطبيق؟!‬
‫ولقائل أن يقول ول شك‪ :‬نت فظ به ليكون جاهزا ع ند قيام الدولة ال سلمية‪ ،‬فتطب قه على الفور‪،‬‬
‫مدروسا مفحوصا موثقا مفصلً‪ ،‬بدلً من أن تقع ف الية عند قيامها‪ ،‬ويبدو أمام العال كله عجزها‬
‫عن حل مشاكلها بقتضى نظامها وعقيدتا‪.‬‬
‫وهذا القول الذي يبدو وجيها لول وهلة‪ ،‬هو عار عن الوجاهة من الناحية العملية البحتة!‬
‫فهـل يعلم أحـد على وجـه اليقيـ – أو حتـ على وجـه التخميـ – متـ تقوم الدولة السـلمية‬
‫النشودة؟!‬

‫() هذه هي السنة الت كتب فيها الكتاب‪ ,‬والن بعد ما تزيد علي عشر سنوات ل يتغي الوضع!‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫و هل ي ستطيع أ حد على و جه اليق ي – أو ح ت على و جه التخم ي – أن يقول ك يف تكون صورة‬
‫الشكلت القتصادية يوم تقوم الدولة النشودة؟!‬
‫فأي عبـث فـ أن نبحـث – الن – تفصـيلت اللول العمليـة لشكلت زمـن ل نعرف على وجـه‬
‫التحديـد متـ يكون‪ ،‬ول نعرف على وجـه التحديـد كيـف سـيكون حجمهـا وشكلهـا يوم ناول أن‬
‫نواجهها بالل السلمي؟!‬
‫إن الشكلت القت صادية بالذات هي أ شد التغيات تغيا ف عال نا العا صر‪ .‬فلو قل نا إن نا نتو قع قيام‬
‫الدولة السلمية خلل عشر سنوات من اليوم – وهو قول ل يسنده أي دليل "علمي" – فهل نضمن –‬
‫من الوج هة العملية – أن مشكلت اليوم – الت نقيم بوثنا على أساسها – ستظل على صورتا عشر‬
‫سنوات فقط‪ ،‬حت نهز لا اللول العملية من الن؟!‬
‫فإذا افتراضنا أن الدولة السلمية تستغرق ف قيامها ربع قرن أو نصف قرن‪ ،‬وهو أيضا رجم بالغيب‬
‫ل يستند إل أدلة "علمية" حقيقية‪ ،‬فهل تبقى الشاكل القتصادية ممدة على صورتا الت نبحثها اليوم‪،‬‬
‫حت نيئ لا اللول الاهزة الت تستخدمها الدولة فور قيامها؟!‬
‫بل هي نن على يقي من أن مشكلت الدولة السلمية – حي تقوم ف أي لظة – ستكون هي‬
‫بذاتا مشكلت العال الرأسال الاضرة‪ ،‬وهي نواة أباثنا كلها حت الن؟!‬
‫مازلت أذكر مؤترا اقتصاديا إسلميا ضخما عقد من أجل البحث ف مشكلة التأمي من الوجهة‬
‫السلمية‪ ،‬وهل هو حلل أم حرام‪ ،‬وما الصورة السلمية الت يكن أن يكون عليها لو أردنا أن تكون‬
‫حياتنا القتصادية إسلمية؟!‬
‫وقلت يومها للمؤتر (‪ – )1‬وأنا لست من رجال القتصاد – إنن أخشى أن نكون قد وجهنا جهدنا‬
‫إل بث مشكلت تفرضها علينا اليوم الاهلية الرأسالية الت تضغط على واقعنا القتصادي‪ ،‬ولكنها قد‬
‫ل تكون موجودة على الطلق ف الدولة السـلمية ح ي تقوم‪ .‬ف من أراد نا أن كل مشا كل التأم ي‬
‫الالية قد نمت من تعطيل وظيفة بيت الال‪ ،‬وأنه حي يقدر للدولة السلمية أن تقوم‪ ،‬وتعيد لبيت‬
‫الال وظيفته‪ ،‬ل تكون هناك حاجة إل التأمي كله بصورته الالية‪ ،‬وحينئذ يكون بثنا ف كونه حللً‬
‫أو حراما ف صورته الراهنة إضاعة للجهد بل طائل!‬
‫ول كن الؤت ر الو قر ل يلت فت بطبي عة الال إل هذا التحذ ير‪ ،‬وم ضى يب حث ب مة "علم ية" فائ قة ف‬
‫مشكلة التأم ي! وانت هي إل نتي جة ل يوا فق علي ها كل الؤتر ين‪ ،‬هي أن التأم ي ب صورته الال ية حرام‪،‬‬

‫() ف كلمة بعنوان "آمال وماذير"‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ولبد من البحث عن "صيغة" إسلمية تنفي ما يوط الصورة الالية من الربا أو شبهة الربا!‬
‫ولنفترض من الانب الخر أن ال سبحانه وتعال ل يُجْر سنته الارية ف إقامة الدولة السلمية‪ ،‬بل‬
‫أجرى بفضله ومنّه وكر مه سنته الار قة‪ ،‬فقا مت الدولة ال سلمية غدا‪ ،‬ون ن غافلون ل ن ضر شيئا‬
‫لقيام ها‪ ،‬ول جهز نا اللول العمل ية للمشا كل ال ت ستواجهها! ف هل يبر هذا الفرض أن ن صرف طاقت نا‬
‫اليوم ف استنباط اللول العملية لتلك الشاكل؟!‬
‫كل بالط بع! فح ي يرى ال سنته الار قة‪ ،‬ف سيحفّها – سبحانه – بالوارق ال ت ت ل الشا كل ف‬
‫لظات!‬
‫إن ا ن ن مأمورون أن نتعا مل مع ال سنة الار ية‪ ،‬وإن ك نا ل ن كف عن التطلع إل رح ة ال ف كل‬
‫لظة‪ ..‬تلك السنة الت يقول لنا عنها ربنا ف كتابه العزيز‪:‬‬
‫]{هُ َو الّذِي َأيّ َدكَ ِبَنصْ ِرهِ َوبِالْ ُمؤْ ِمنِيَ (‪[ })62‬سورة النفال ‪]8/62‬‬
‫{ َوَأعِدّوا َلهُ ْم مَا ا ْستَ َطعْتُ ْم مِنْ ُق ّوةٍ‪[ }....‬سورة النفال ‪]8/60‬‬
‫ليلفتنا إل أمرين مهمي‪ :‬أنه لبد من وجود مؤمني ماهدين‪ ،‬يكونون ستارا لقدر ال ف الرض‪.‬‬
‫وأنه لبد لولئك الؤمني أن يعدوا كل ما ف طاقتهم من قوة لنصرة الق‪ ..‬وعندئذ يأتى نصر اله‪ .‬ل‬
‫عجزا من ال سبحانه أن ينصر دينه بغي أدوات بشرية على الطلق‪ ،‬وبغي جهد بشرى على الطلق‬
‫– وهو الذي قول للشيء كن فيكون – ولكن لنه هكذا جرت سنته سبحانه‪:‬‬
‫ضكُ ْم ِببَ ْعضٍ} [سورة ممد ‪]47/4‬‬
‫{وََل ْو يَشَاءُ اللّ ُه لنَتصَ َر ِمْنهُمْ وَلَكِنْ ِلَيبُْل َو َبعْ َ‬
‫{ِإنْ تَنصُرُوا اللّ َه يَنصُرْكُ ْم َوُيثَّبتْ أَقْدَا َمكُمْ (‪[ })7‬سورة ممد ‪]47/7‬‬
‫والسنة الارية –الت نن مأمورون أن نتعامل معها‪ ،‬وإن كنا ل نكف لظة واحدة عن التطلع إل‬
‫رح ة ال – هذه ال سنة تقول إ نه ل بد أولً من إقا مة القاعدة ال سلمة الؤم نة بال جم العقول‪ ،‬ث نتو قع‬
‫إقامة الدولة السلمية بعد ذلك‪ ،‬بعد جهاد – قد يطول – تقوم به تلك القاعدة مع الاهلية التربصة با‬
‫ف كل مكان‪.‬‬
‫وح ي يكون ال مر على هذه ال صورة‪ ،‬فإن الن صراف عن إقا مة القاعدة ال سلمة الؤم نة الجاهدة‬
‫الصابرة على البتلء‪ ،‬إل البحث عن "اللول العملية لشكلتنا العاصرة"‪ .‬يكون عبثا عي معقول!‬
‫ستَدْرَج ب سؤال يلق يه علي نا بعـض الناس‪ ،‬بعض هم بإخلص كا مل ون ية ح سنة‪،‬‬
‫إن نا – أحيانا – نُ ْ‬
‫وبعضهم ببث شديد وكيد مقصود‪ ،‬يسألوننا‪ :‬كيف تواجهون الشاكل العاصرة حي تقيمون نظامكم‬
‫السلمي؟ كيف تصنعون مثلً ف الشاكل القتصادية؟ (‪ )1‬هل عندكم حلول عملية؟!‬
‫وي ستدرجنا ال سؤال – الل قى علي نا ب سن ن ية أو ب سوء ن ية‪ ،‬فنن صرف – دون أن ن س‪ -‬عن ماولة‬
‫الجا بة عن ال سؤال الذي ينب غي أن يكون ملء تفكي نا ف اللح ظة الاضرة‪ ،‬و هو‪ :‬ك يف نق يم الدولة‬
‫السلمية؟ إل ماولة الجابة عن سؤال آخر‪ ،‬يأت ترتيبه فيما بعد‪ ،‬وهو‪ :‬كيف تصنع الدولة السلمية‬
‫– ين تقوم – ف مواجهة الشاكل العاصرة!‬
‫بل قد نُستدرج أكثر‪ ،‬فنظن – بغي وعى – أن إجابتنا عن السؤال الخر هي ف الوقت نفسه إجابة‬
‫السؤال الول! أي أننا حي نقدم اللول العملية للمشاكل الاضرة‪ ،‬نوجد بذلك القاعدة السلمية الت‬
‫تقيم الدولة!‬
‫وهو وهم ناقشناه من قبل وبينّا زيفه‪ .‬ففي الحوال الراهنة‪ ،‬حيث تيط عداوات العال كله تتربص‬
‫بال سلمي لتمنع هم من مزاولة إ سلمهم – بإقا مة الكو مة ال ت ت كم ب ا أنزل ال – فلن يكون القتناع‬
‫العقلي بقدرة ال سلم على تقدي اللول العملية هو الداة اللزمة لواجهة تلك العداوات الضاربة‪ ،‬إن ا‬
‫ستكون الداة هي العقيدة‪ ،‬الت تقول للناس إنا قضية إيان وكفر‪ ..‬قضية جنة ونار‪.‬‬
‫ومن ل يدخل من باب العقيدة‪ ..‬من باب ل إله إل ال (على حقيقتها الرانية)‪ .‬فسيظل "يتفرج" على‬
‫ال سلم‪ ،‬وعلى اللول ال سلمية‪ ،‬دون أن يد خل العم عة‪ .‬دون أن يوض العر كة الضار ية ال ت تقيم ها‬
‫الاهلية العاصرة ضد السلم‪ ،‬وتفرض على السلمي أن يوضوها‪ ،‬إن ل يكن اليوم فغدا (‪.)2‬‬
‫وهذا التفرج من بعيد – أيا تكن درجة اقتناعه‪ ،‬بل أيا تكن قدرته على تقدي "الول العملية" – لن‬
‫يكون هو الذي يق يم ال كم ال سلمي‪ .‬إن ا يقي مه – ح ي يأذن ال – أحاب العقيدة ال صحيحة‪ ،‬ال ت‬
‫يستيقن أصحابا أن إقامة الكم السلمي هو القتضى الطبيعي لقولم ل إله إل ال ممد رسول ال‪.‬‬
‫وأن ما يصيبهم من تقتيل وتعذيب ف سبيل إقامة حكم ال ف الرض‪ ،‬هو أخصر طريق وأضمن طريق‬
‫إل النة الت وعد التقون‪:‬‬
‫جّن َة ُيقَاتِلُونَ فِي َسبِيلِ اللّهِ َفَيقْتُلُونَ َوُي ْقتَلُونَ‬ ‫سهُمْ َوأَ ْموَاَلهُ ْم ِبأَنّ َلهُ ْم الْ َ‬
‫{ِإنّ اللّ َه ا ْشتَرَى مِنْ الْ ُمؤْ ِمنِيَ أَنفُ َ‬
‫َوعْدا عََليْهِ َحقّا فِي الّتوْرَا ِة وَالِنِي ِل وَاْلقُرْآنِ َومَ نْ َأوْفَى ِب َعهْدِ ِه مِ نْ اللّهِ فَا ْستَبْشِرُوا ِببَْي ِعكُ ْم الّذِي بَايَ ْعتُ ْم بِهِ‬
‫َوذَلِكَ هُ َو اْل َفوْزُ اْلعَظِيمُ (‪[ })111‬سورة التوبة ‪]9/111‬‬
‫والقيادة الديدة‪ ،‬ال ت تسعى إل قيادة الع مل السلمي بتقدي اللول العملية للمشكلت العاصرة‪،‬‬

‫() أو الساسية أو الجتماعية‪ ...‬ال‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫() العركة اليوم مفروضة علي الماعات السلمية ف كل مكان‪ ,‬وغداَ يفرضونا علي المة السلمية بكاملها (انظر الفصل القادم "نظرة إل الستقبل")‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫ينبغي أن تكون أكثر بصرا بطبائع النفوس‪ ،‬وأكثر واقعية ف مواجهة الحداث‪ ،‬من أن يصرفها استدراج‬
‫من كان‬
‫من الناس‪ ،‬عن ماولة الجابة عن السؤال الول إل ماولة الجابة عن السؤال الخي!‬
‫‪m m m‬‬

‫إنه لبد من ارتياد الطريق الطويل‪ ..‬الجهد الشاق‪ ..‬البطيء الثمرة‪ ..‬الستنفد للطاقة‪ ،‬طريق التربية‪،‬‬
‫لنشاء "القاعدة السلمة" الواعية الجاهدة‪ ،‬الت تسند الكم السلمي حي يقون‪ ،‬وتظل تسنده لكي‬
‫يستمر ف الوجود بعد أن يقوم‪ .‬وقد رأينا ف دراستنا الت ناقشنا فيها الوسائل الثلثة الت يستخدمها‬
‫التعجلون – كل من زاوي ته – أن ا كل ها تؤدى إل طر يق م سدود‪ ،‬وإن بدا ف ظا هر ال مر أن ا هي‬
‫"الركة" الت ترج "بالعمل" من حالة المود!‬
‫فالصدام مع السلطة قبل وجود القاعدة السلمة الواعية الجاهدة عمليات انتحارية ل طائل وراءها‪،‬‬
‫إل إعطاء الطغاة حجة لتقتيل السلمي وتذبيحهم‪ ،‬والناس غافلون عن حقيقة العركة‪ ،‬وعن كون هؤلء‬
‫الطغاة إنا يعملون ما يعملون عداءً للسلم ذاته – ل ردا على عمل بعينه – وولءً للصليبية الصهيونية‬
‫الت تارب السلم ف كل الرض (‪.)1‬‬
‫والتسلل إل داخل الجهزة السياسية مع عدم وجود القاعدة السلمة الواعية الجاهدة عملية عبثية ل‬
‫طائل وراءها‪ ،‬إل تييع القضية ف نظر الماهي‪ ،‬وتأخي النضج اللزم لقامة القاعدة الت ل يقوم بغيها‬
‫الكم السلمي‪.‬‬
‫والبحث عن اللول العملية للمشاكل العاصرة قبل وجود القاعدة الشار إليها آنفا صرف للجهد بل‬
‫طائل‪ ،‬وتويل للطاقة العاملة ف الساحة من ميدانا الول الصيل إل ميدان جانب‪ ،‬يستنفد الطاقة وهو‬
‫ل يؤدى – الن – إل شئ‪ ،‬ويوهم صاحبه ف الوقت ذاته أنه "يعمل" بل أنه يعمل العمل الواجب‪،‬‬
‫فل ي س بالتق صي الذي يار سه ف اليدان الول ال صيل‪ ،‬إن ل ين ظر إل العامل ي ف يه على أن م هم‬
‫العابثون الضيعون!!‬
‫وحيـ نقول إنـه لبـد مـن التربيـة أو ًل لنشاء القاعدة السـلمة الواعيـة الجاهدة‪ ،‬يثور كثيـ مـن‬
‫التساؤلت والتصورات‪:‬‬

‫() دخل عيلنا ذات صباح ف "السجن الرب" مدير السجن وجلده الكب حزة البسيون الذي نكّل ال به فيما بعد ف حادث سيارة تناثرت فيها جثثته علي مساحة من الرض‪,‬‬ ‫‪1‬‬
‫وكنا ف "طابور" التعذيب الذي يبدأ يوميا ف الساعة السادسة صباحا وينتهي ف الرابعة والنصف بعد الظهر‪ ,‬وبعد استعراض بالري والشس بالطوة السريعة قام به أمامه اللد‬
‫الصغر ليظههر هته ف تنفيذ الوامر قال حزة البسيون‪ ,‬وكان يركب حصانه‪" :‬بعد الذي صنعناه كله فيكم يا أولد الـ‪ ..‬وما زلتم أحياء؟ ماذا نصنع فيكم أكثر من ذلك؟! كل‬
‫الذي نستطيعه أن نأت بكم كل بضع سنوات ونعطيكم "علقة" مثل هذه!" أي أن هذا مطط سلفا‪ ,‬سواء وجدت البرات أم ل توجد!!‪.‬‬
‫ربينا با فيه الكفاية!‬
‫إل مت نظل نرب دون أن "نعمل"!‬
‫ما جدوى التربية وكلما ربينا جيلً من الشباب قضى عليه العداء!‬
‫ما القصود بالتربية؟!‬
‫ونريـد الن أن نلقـى بعـض الضوء على القصـود بالتربيـة‪ .‬ولكـن لبـد مـن تصـحيح بعـض هذه‬
‫التصورات أولً تهيدا لبيان الصورة الصحيحة الطلوبة‪ ،‬الثمرة بإذن ال‪.‬‬
‫إن الذين يقولون‪ :‬ربينا با فيه الكفاية‪ ،‬يغفلون عن حقائق كثية واقعة ف الساحة‪.‬‬
‫ربا كان أفضل لون من التربية قام ف الساحة حت اليوم هو الذي قام به المام الشهيد بي "الخوان‬
‫العامل ي" الذ ين ربا هم على عي نه‪ .‬وأف ضل جوا نب هذه الترب ية هو الخوة التي نة ال ت ربا ها ف أتبا عه‪،‬‬
‫والروح الفدائية الصادقة الت طبعهم با‪ ،‬والندية اللتزمة الت زرعها ف نفوسهم‪ ،‬ث ترير ل إله إل ال‬
‫ف حسهم من تواكل الصوفية وتواكل الفكر الرجائى‪ ،‬وتويلها ف سلوكهم إل حركة واقعية وعمل‪.‬‬
‫ولك نا رأي نا كم من الوا نب كان ين قص هذه الترب ية ذات الطا بع ال صيل العم يق‪ ،‬و كم أ ثر هذا‬
‫النقص ف خطوات العمل السلمي بعد مقتل المام الشهيد بصفة خاصة‪.‬‬
‫ول ندرى كم من هذه الوا نب كان المام الشه يد قمي نا بإضاف ته أو ت صحيحه لو ام تد به الع مر‪.‬‬
‫ولك نا ن د على ال ساحة الواقع ية أن النود قد ربوا ليكونوا جنودا فح سب‪ ،‬ل ليكونوا قادة ب عد ذهاب‬
‫قائدهم‪ ،‬كما رب رسول ال ‪ r‬أصحابه ليكونوا جنودا فائقي تت قيادته ‪ ، r‬وليكونوا ف الوقت‬
‫ذا ته " صفا ثانيا" ب عد انتقاله إل الرف يق العلى‪ ،‬ك ما كان اللفاء الراشدون رضوان ال علي هم ف قيادة‬
‫المة‪ ،‬وكما كان بقية الصحابة رضوان ال عليهم ف كل ميدان انتدبوا إليه‪.‬‬
‫ن د غياب "ال صف الثا ن" على ال ستوى الطلوب للجما عة ال ت تتز عم الع مل ال سلمي ف ظرو فه‬
‫الراهنة واضحا ملموسا كلما امتد الزمن بعد مقتل المام الشهيد‪ ،‬فندرك – على الصعيد الواقعي – أنه‬
‫كان هناك نقص ف التربية‪ ،‬ف هذا الانب‪ ،‬ينبغي أن يستدرك ونن نُعدّ لسية طويلة قد تستغرق بضعة‬
‫أجيال من عمر الدعوة قبل أن يكتب لا التمكي ف الرض‪.‬‬
‫ومـن قبـل لحظنـا العجلة فـ العداد والعجلة فـ التحرك والعجلة ف السـماح للجماهيـ بالنتماء‬
‫للحر كة ق بل ترب ية العدد الناسب من الدعاة‪ ،‬الذين هم جنود ت ت قيادة القائد‪ ،‬وقادة ف ذات الو قت‬
‫ومربون‪ .‬وكيـف كان لذا كله آثاره فـ خـط السـي‪ .‬والفروض – وننـ نعـد للمسـية الطويلة – أن‬
‫نتل قى كل هذه الوا نب من الن قص ال ت اشتملت علي ها الولة الول‪ ،‬أي أن نغ ي أ سلوب الترب ية ب ا‬
‫يتناسب مع أهداف الركة‪ ،‬وطول السية‪ ،‬ومشقة الطرق‪ ،‬وكيد العداء‪.‬‬
‫فإذا نظر نا إل ال ساحة الن ف قد ن د نوعيات أفضل ف ب عض الوا نب‪ .‬ولكنا ن د نق صا كبيا ف‬
‫التربية ف جوانب أخرى‪ .‬ند شبابا أكثر وعيا بفهوم ل إله إل ال‪ ،‬وصلتها الوثيقة بتحكيم شريعة ال‪.‬‬
‫أي أك ثر إدراكا لقض ية "الاكم ية" ال ت كا نت قد أجلت إجالً من ق بل جعل ها ت في على كث ي من‬
‫الدعاة أنف سهم‪ .‬ون د شبابا أك ثر إدراكا لطبي عة العر كة و ما يل قى في ها من ال سلحة الظاهرة والف ية‪،‬‬
‫ودور الجهزة الختلفة ف ماربة الدعوة عن طريق مناهج التعليم ووسائل العلم‪ ،‬وإثارة قضايا سياسية‬
‫واجتماع ية وفكر ية معي نة‪ ،‬تت جه بالس وج هة بعيدة عن ال سلم‪ ،‬وتبعد هم با ستمرار عن التل قي من‬
‫الصدر الربان‪ .‬ولكن هؤلء الشباب – ف كثي من الحيان – ينقصهم التجمع الصحيح‪ ،‬فيتجمعون ف‬
‫جاعات صغية مبعثرة‪ ،‬يك يد بعض ها لب عض‪ ،‬أو يتر بص بعض ها بب عض‪ ،‬أو يتجادل بعض ها مع ب عض‬
‫بروح ال صام ل بروح الودة‪ .‬وي كن أن تنق سم الما عة ال صغية إل جاعات أ صغر ع ند أول اختلف‬
‫على تفسي نص من النصوص‪ ،‬أو تقوي قضية من القضايا‪ .‬ما يقطع بأن التربية الماعية عندهم ناقصة‪.‬‬
‫وأن الروح الفردية فيهم أقوى‪ .‬بينما التربية الطلوبة – لتنشئة السلمي عموما فضلً عن اليل الذي يقع‬
‫عليه عبء الواجهة الول مع الاهلية – ينبغي أن توازن بي الروح الفردية والروح الماعية عند أفراد‬
‫الماعة‪ ،‬فل تيلهم أصفارا عن طريق تنمية الروح الماعية على سحاب الروح الفردية‪ ،‬ول تنمى فيهم‬
‫الفردية الانة فيعتز كل منهم بفكره وبذاته وبتقييمه الاص للمور‪ ،‬فل تأتلف منهم جاعة‪ ،‬ول يلتئم‬
‫لم تمع له وزن (‪.)1‬‬
‫كما أن هذا الشباب – ف معظم الحيان – تنقصه البة الركية (وهي جزء من التربية الطلوبة)‪،‬‬
‫مع أنه أكثر وعيا من اليل السابق ف كثي من القضايا ذات الطابع الفكري‪ .‬ومن أجل هذا يتعجل ف‬
‫ال صدام مع ال سلطة‪ ،‬و ف ا ستعراض قو ته ف قضا يا ل تقدم ول تؤخرن أو ف قضا يا ذات وزن وذات‬
‫خطر ولكن ل يستطيع السلمون ف حالتهم الراهنة أن يغيوا شيئا من مراها‪.‬‬
‫تمع شباب الماعات الدينية بامعة السكندرية ذات مرة‪ ،‬للحيلولة بالقوة دون إقامة حفل كانت‬
‫إدارة الام عة قد رتب ته لكايدة الماعات الدين ية خا صة والروح ال سلمي عا مة‪ .‬وبالف عل ن ح شباب‬
‫الماعات الدينية ف منع إقامة الفل رغم كل الترتيبات الرسية الت رتبت له‪ ،‬فلم يدث ما كان مرتبا‬
‫من رقص وغناء وتثيل مبتذل‪.‬‬
‫هذا نوذج لبعـض "النشاط" الذي كانـت تقوم بـه الماعات الدينيـة فـ الامعات‪ .‬فمـا تقويهـ‬

‫() سنتكلم عن قضية "السمع والطاعة" فيما يلي من الديث‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫الصحيح؟‬
‫إن اسـتعراض القوة على هذا النحـو كان بالفعـل يرهـب "التحرريـن" و"التحررات" مـن الطلبـة‬
‫وال ساتذة على ال سواء‪ .‬فل ترؤ "فتاة جامع ية" على التبذل الرخ يص الذي ي قع من كث ي من "الفتيات‬
‫الامعيات" ح ت كأن ن راق صات ف مل هي‪ ،‬أو عارضات أزياء ف م ل تارى متبذل‪ ،‬ل طالبات علم‬
‫يتحشمن على القل ف وقت تلقى العلم‪ ،‬كما تتحشم الفتاة الوروبية اللحدة الكافرة النسلخة تاما من‬
‫كل د ين أو أخلق أو تقال يد‪ ،‬ف أثناء ال ساعات ال ت تتل قى في ها العلم! ول يرؤ ف ت شيو عي "متحرر"‬
‫على مهاج ة ال سلم جهرة‪ .‬ول يرؤ أ ستاذ على ال سخرية بال سلم ك ما يف عل "التحررون"‪ ،‬متم ي‬
‫بالكر سي الذي يل سون عل يه‪ ،‬و"النظام العام" الذي يمي هم و هم يهاجون الد ين والخلق والتقال يد‬
‫باسم "التحرر الفكري" أو "الروح الامعية"!‪.‬‬
‫نعم! ولكن!‬
‫قد يكون هذا سلوكا مناسبا لو أن لتلك الماعات الدينية وجودا دائما ف الامعات‪ ،‬بيث يكون‬
‫لذا الوجود ض غط م ستمر يقاوم ض غط الشيوعي ي واللحد ين و"التحرر ين" لف ساد الخلق‪ ،‬و صرف‬
‫الشباب والفتيات عن القيم الدينية‪ ،‬وإشاعة التحلل اللقي بينهم‪.‬‬
‫أما إذا كان وجود تلك الماعات عابرا – كما سنبي ف السطور التالية – فهل هذه العملية الفردة‬
‫ستغي شيئا حقيقيا ف حياة الفاسدين والفاسدات من الساتذة أو الطلب؟ أم الجدى – وقد أتيحت‬
‫الفر صة لتلك الماعات أن تو جد فترة مدودة من الز من – أن ين صرف ال هد إل الترب ية القيق ية على‬
‫مبادئ السلم‪ ،‬وكل شاب فرد‪ ،‬وكل فتاة‪ ،‬وكل مدرس أو أستاذ‪ ،‬تنقذهم هذه الماعات من الوحل‬
‫الذي يرتعون فيه إل النظافة والطهر‪ ،‬هو كسب للدعوة‪ ،‬وعمل مثمر خي من الدنيا وما فيها كما قال‬
‫رسول ال ‪ r‬؟‬
‫"لن يهدى ال بك رجلً خي لك من الدنيا وما فيها" أو قال‪" :‬خي لك من حر النعم" (‪.)1‬‬
‫لقـد كانـت "اللعبـة" التـ أبرزت تلك الماعات الدينيـة إل الوجود أن الاكـم يومئذ كان يواجـه‬
‫ضغطا شديدا من التيار الشيوعي‪ ،‬والتيار الناصري التحالف معه‪ ،‬فكان منطقيا بالنسبة إليه أن يستند –‬
‫مؤقتا – إل التيار ال سلمي‪ ،‬فيف سخ له الجال للع مل والر كة‪ ،‬لي صد ع نه هو شخ صا الضغوط ال ت‬
‫يواجه ها‪ ،‬ل لين ظف الام عة من الف ساد واللاد والك فر والتحلل الل قي‪ ،‬ول لين شئ ف البلد حر كة‬
‫إسلمية تطرها من تلك الدران! وليتعرف ف ذات الوقت – عن طريق أجهزته البوليسية – على القوى‬

‫() سبقت الشارة إليه‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫الكامنة ف الشباب‪ ،‬ليضربا ف الوقت الناسب – بعد أن تنتهي "اللعبة" – ضربة تشلها عن الركة أو‬
‫تقضى عليها!‬
‫ـ إليـه – أو أمثاله – هـو السـلوك الركـي‬
‫فهـل كان اسـتعراض القوة فـ حادث الفـل الذي أشرن ا‬
‫الناسب إزاء هذه اللعبة؟! أم أنه كان قمينا بالتعجيل ف إناء اللعبة وتوجيه الضربة؟‬
‫وحقيقة إن الضربة كانت آتية ل ريب فيها كما أشار إل ذلك مدير السجن الرب (‪ .)1‬فبمجرد أن‬
‫يسـ "السـئولون" أن التيار السـلمي قـد أخـذ يقوى‪ ،‬يتفجـر الوقـف بالضرورة للقضاء على الطـر‬
‫الرهوب‪ ،‬والذي تشاه الصليبية الصهيونية وكل من يعمل لسابا ف الرض‪.‬‬
‫ول كن يتلف ال مر ح ي يكون كل "الع مل" الذي تقوم به تلك الماعات هو ترب ية شباب نظ يف‬
‫الخلق‪ ،‬متطهر من الدنس‪ ،‬يعرف ربه ول يعرف رجس الشيطان‪ .‬فإن الاكم يتردد كثيا ف ضربا‪،‬‬
‫ث يتردد أكثر ف استخدام الوسائل الوحشية لتعذيبها‪ ،‬لنه يومئذ ل يستطيع أن يبر عمله الوحشي أمام‬
‫الماهي‪.‬‬
‫وف وسع أجهزة المن بل شك أن تفتعل قضية‪ ،‬وأن تنشب إل الناس جرائم ل يرتكبوها قط ول‬
‫يفكروا مرد تفكيـ فـ ارتكاباـ‪ ،‬وأن تملهـم – بوسـائل التعذيـب الببريـة – على "العتراف" باـ ل‬
‫يفكروا ف يه أ صلً (‪ ...)2‬ول كن الماه ي ل ت عد اليوم غافلة ك ما كا نت ق بل ثلث ي سنة أو عشر ين!‬
‫وصارت اليوم تقدم سوء الظن بأجهزة المن على إحسان الظن! ول يعد يسهل على حاكم أن ينقض‬
‫على جا عة كل عمل ها هو الترب ية ال سلمية‪ ،‬في صب علي ها وحشي ته و هو آ من من النكار وال سخط‪.‬‬
‫وحقيقة إن أولئك الطغاة ل يهمهم كثيا غضب الماهي‪ .‬ولكن الذين يشغلونم لسابم ل يبون أن‬
‫يكون عميلهم مفضوح المر أمام الناس‪ ،‬لن هذا يفسد اللعبة ف النهاية ول يقق الطلوب! بل إنم ف‬
‫بعض الحيان يدفعونه دفعا إل ما يسخط الناس عليه‪ ،‬حي يكونون قد قرروا إناء دوره والتيان بوجه‬
‫جديد‪ ،‬كما فعلوا بالسادات من قبل‪ ،‬ومن بعده النميى!‬
‫ضربنا نوذجا من إنفاق الطاقة ف قضايا ل تقدم ول تؤخر‪ ،‬ول تغي شيئا ف القيقة‪ ،‬إذ سرعان ما‬
‫أزيلت الماعات الدينية من الماعات‪ ،‬رجع الفاسدون والفاسدات أشد فسادا من ذى قبل!‬
‫ونضرب الن نوذجا من قضايا ذات خطر حقيقي‪ ،‬كقضية تكيم الشريعة السلمية‪ .‬وهي قضية‬
‫رئي سية بالن سبة لكيان ال مة كل ها؛ وال سعي إل تك يم شري عة ال فرض على كل م سلم يقول ل إله إل‬

‫() راجع الامشة رقم (‪ )2‬ص ‪ 452‬السابقة‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫() من النكات الت أطلقت ف عهد جال عبد الناصر تفقد قلمه فلم يده‪ ,‬فأبلغ وزير داخليته‪ ,‬وطلب من البحث عمن أخذه‪ .‬فأسرع وزير الداخلية ف القيام بالهمة الطلوبة‪ .‬وبعد‬ ‫‪2‬‬
‫ساعة اتصل عبد الناصر بوزير الداخلية وطلب منه الكف عن البحث لنه وجد القلم الضائع‪ .‬فأجب وزير الداخلية‪ :‬لكن يا فندم نن قبضنا علي خسة أشخاص‪ ,‬وكلهم اعترفوا!!‪.‬‬
‫ال‪ ،‬ممد رسول ال‪ ،‬لنه هو القتضى الباشر لتلك الكلمة العظيمة الت يعلن با شهادة السلم‪.‬‬
‫نعم! ولكن!‬
‫هل يكن حقا أن تقوم شريعة ال ف الرض قبل أن توجد القاعدة الؤمنة الواعية الجاهدة الت تواجه‬
‫النتائج الترت بة على إعلن ال كم ال سلمي‪ ،‬وأول ا ترش ال صليبية ال صهيونية على ن و ما حدث ف‬
‫الزائر وف تركيا؟‬
‫و هل يك في "الض غط الش عب" لقا مة ال كم ال سلمي‪ ،‬إن ل ي كن "الش عب" الذي يارس الض غط‬
‫مستعدا لهاد‪ ،‬ومستعدا لوض معركة طويلة المد‪ ،‬يصب فيها على الوف‪ ،‬والوع‪ ،‬ونقص الموال‪،‬‬
‫والنفس‪ ،‬والثمرات كما بي اله ف كتابه النل‪:‬‬
‫{يَا َأّيهَا الّذِي نَ آمَنُوا ا سَْتعِينُوا بِال صّبْرِ وَال صّلةِ ِإنّ اللّ َه مَ َع ال صّابِرِينَ ( ‪ )153‬وَل تَقُولُوا لِ َم ْن ُي ْقتَلُ فِي‬
‫ف وَالْجُو عِ َوَنقْ صٍ مِ نْ‬ ‫خوْ ِ‬
‫شيْ ٍء مِ ْن الْ َ‬
‫شعُرُو نَ (‪ )154‬وََلَنبُْل َونّكُ ْم بِ َ‬
‫ت بَلْ أَ ْحيَاءٌ وَلَكِ ْن ل تَ ْ‬
‫َسبِيلِ اللّ هِ َأمْوَا ٌ‬
‫س وَالثّ َمرَاتِ َوبَشّ ْر الصّابِرِينَ (‪[ })155‬سورة البقرة ‪]155-2/153‬‬ ‫ا َل ْموَا ِل وَالَن ُف ِ‬
‫أليس الجدى إذن إنفاق الطاقة ف إقامة "القاعدة السلمة" الت تتمل هذه التبعات السام‪ ،‬بدلً من‬
‫إنفاق ها – أو إنفاق قدر من ها – ف الطال بة الشفو ية ال ت ل يتر تب علي ها شئ ف القي قة‪ ،‬إن ا تكون‬
‫كالطلقة الطائشة‪ ،‬تنبه عدوك إل مكانك دون أن تصيب شيئا ف الواقع؟!‬
‫إن القضية ليست إلاب حاسة الماهي لتطبيق الشريعة السلمية‪ ،‬فهذا وحده ل يكفي‪ ،‬ول يغي‬
‫شيئا من الوا قع‪ ،‬طال ا كا نت هذه الماه ي ل تلك إل تلك الما سة العاطف ية‪ ،‬ال ت ي كن أن تنط فئ‬
‫بذات السرعة الت تلتهب با‪ .‬إنا يتغي الواقع حي "تند" تلك الماهي نفسها لقضية تكيم الشريعة‬
‫على أساس أن هذا التحكيم هو القتضى الباشر لقول ل إله إل ال‪ ،‬ممد رسول ال‪.‬‬
‫والفارق الضخم – ف مال الركة الواقعية – بي الماسة العاطفية الت ل تنتهي إل شئ واقعى‪،‬‬
‫وبي تنيد الناس أنفسهم لذه القضية‪ ،‬ينشأ من فارق دقيق – وخطي ف الوقت ذاته – ف تفهم حقيقة‬
‫القض ية وإدراك أبعاد ها‪ .‬فح ي تكون القض ية ف حس الناس أن تك يم الشري عة "كالت" يكت مل ب ا‬
‫دين هم‪ ،‬ولكن هم ق بل ذلك م سلمون ولو رضوا بشري عة غ ي شري عة ال‪ ،‬وتاكموا إلي ها بغ ي حرج ف‬
‫ضمائرهم‪ ،‬سيكون أقصى ما يعطونه للقضية هو تلك الماسة العاطفية الت ل تصمد للبطش الوحشي‬
‫الذي يقابل به الطغاة الدعوة لتحكيم شريعة ال‪ ،‬وأن إيانم ل يكون ناقصا إنا يكون غي قائم أصلً إذا‬
‫تاكموا – راض ي – إل شرائع يضع ها الب شر من ع ند أنف سهم بغ ي إذن من ال‪ .‬عندئذ سيجند الناس‬
‫أنفسهم لتلك القضية‪ ،‬لنا ستكون ف حسهم قضية إيان وكفر‪ ،‬ل مرد "كمالت" يكملون با إيانا‬
‫موجودا بالفعل‪ ،‬مرضيا عند ال!‬
‫ولن تقوم شري عة ال ف وا قع الرض ح ت ي ند الناس ل ا أنف سهم‪ ،‬ويتملوا التضحيات ف سبيل‬
‫إقامتها‪ ،‬أما الماسة العاطفية فمهما أعجب الدعاة مظهرها‪ ،‬فلست رصيدا حقيقيا ف العركة الائلة الت‬
‫يرصدها للسلم أعداء السلم!‬
‫‪m m m‬‬

‫تلك ناذج نضربا لصرف الطاقة ف غي مالا القيقي‪ ،‬أو للتقصي ف صرفها ف مالا الذي يب أن‬
‫توجه إليه‪ .‬ودللتها أن هناك جوانب نقص ف عملية التربية القائمة ف ساحة العمل السلمي‪ .‬ذلك أن‬
‫معر فة الع مل ال صحيح وال سعي إل يه‪ ،‬ومعر فة الع مل الا طئ والن صراف ع نه‪ ،‬هي جزء من "الب صية"‬
‫الزمة لذه الدعوة‪ ،‬وهي بدورها جزء من التربية الصحيحة اللزمة لعداد الدعاة‪ ،‬وخاصة الذين يقع‬
‫عليهم عبء الواجهة الول مع الاهلية الت تكيد لم‪ ،‬وتتربص بم دائرة السوء‪.‬‬
‫فإذا أض يف إل ذلك ما يش كو م نه كث ي من الشباب العامل ي ف الدعوة من أن ب عض "ال سئولي"‬
‫عنهم ينقصهم التجرد الكاف للدعوة‪ ،‬الذي يعل مصلحتها القيقة هي رائدهم‪ ،‬ل ذواتم‪ ،‬ول رغبتهم‬
‫ف الظهور والستحواذ على أكب عدد من النصار‪.‬‬
‫إذا وضعنا هذا كله ف اليزان‪ .‬فهل يق لقائل أن يقول‪ :‬ربينا با فيه الكفاية؟!‬
‫‪m m m‬‬

‫أما الذين يسألون ‪ :‬إل مت نظل نرب دون أن "نعمل"‪ .‬فل نستطيع أن نعطيهم موعدا مددا فنقول‬
‫لم‪ :‬عشر سنوات من الن‪ ،‬أو عشرين سنة من الن! فهذا رجم بالغيب ل يعتمد على دليل واضح‪ .‬إنا‬
‫نستطيع أن نقول لم‪ :‬نظل نرب حت تتكون القاعدة الطلوبة بالجم العقول‪.‬‬
‫وواضـح أن هذه الجابـة غيـ مددة‪ .‬فل هـي تدد "الزمـن" الطلوب‪ ،‬ول هـي تدد "الجـم"‬
‫الطلوب‪ .‬ولكن القيقة أنه ل يوجد بشر ف الرض يستطيع أن يعطى هذا التحديد‪ ،‬لن فيه عنصرا بل‬
‫عناصر غيبية ل يكن للبشر تديدها‪.‬‬
‫ل قد كان الو حي هو الذي ين قل خ طى الما عة الول بقيادة الر سول ‪ .r‬ف قد أمره ال بادئ ذي‬
‫بدء بإنذار عشي ته القرب ي‪ ،‬فأ خذ يد عو إل ال سرا فترة من الو قت و هو يتح مل الذى من عشي ته‬
‫صـابرا متسـبا حتـ نزل المـر الربانـ بالهـر بالدعوة‪ ،‬فصـدع رسـول ال ‪ r‬بالمـر‪ .‬ونزل الذى‬
‫بالؤمن ي وتر كت مشا عر بعض هم للرد على الذى‪ ،‬فنل الو حي يقول ل م‪" :‬كفوا أيدي كم" فكفوا‪،‬‬
‫واحتملوا الذى صابرين حت أذن ال لم بالقتال فقال سبحانه‪:‬‬
‫{أُ ِذنَ لِلّذِي َن ُيقَاتَلُونَ ِبَأّنهُ ْم ظُلِمُوا َوِإنّ اللّهَ عَلَى َنصْ ِرهِمْ َلقَدِيرٌ (‪[ })39‬سورة الـج ‪]22/39‬‬
‫ث جاء المر بقتال الذين يقاتلون الؤمني من الشركي‪ ،‬دون سواهم‪:‬‬
‫حبّ الْ ُم ْعتَدِينَ ( ‪[ })190‬سورة البقرة‬
‫{وَقَاتِلُوا فِي َسبِيلِ اللّ ِه الّذِينَ ُيقَاتِلُوَنكُ ْم وَل َتعْتَدُوا إِنّ اللّ َه ل يُ ِ‬
‫‪]2/190‬‬
‫ث جاء المر بقتال الشركي كافة‪:‬‬
‫شرِكِيَ كَاّفةً كَمَا ُيقَاتِلُوَنكُمْ كَاّفةً‪[ }...‬سورة التوبة ‪]9/36‬‬
‫{وَقَاتِلُوا الْمُ ْ‬
‫واليوم و قد انقط عت الر سالت وخت مت النبوة فلن يتنل و حي يقول للم سلمي‪ :‬كفوا أيدي كم إل‬
‫سنة كذا‪ ،‬وقاتلوا سنة كذا! إنا هو الجتهاد والرأي بسب الظروف القائمة ف الرض‪ ،‬وبسب السنن‬
‫الارية الت يرى ال با قدره ف حياة الناس‪.‬‬
‫وهذه ال سنن تقول إن النراف الض خم الذي وقعت فيه المة حت ا صبح السلم فيها غريبا كما‬
‫كان غريبا أول مرة‪ ،‬يتاج إل جهد ضخ وزمن غي قصي حت تعود المة إل الصراط السوي‪ ،‬أو حت‬
‫تعود من ها فئة تت مل ال صراع وال صدام مع القوى العال ية العاد ية لل سلم‪ ،‬وت صمد ل ا ح ت يد ها ال‬
‫بالنصر‪ ،‬ويكن لا ف الرض‪ ،‬ويكون هل من رسوخ القدم ف اليان‪ ،‬وصدق العزية‪ ،‬والشجاعة ف‬
‫ال ق‪ ،‬والز هد ف متاع الدن يا‪ ،‬والرص على ما ع ند ال ف الخرة‪ ،‬و ما يعل ها ت مل الع بء صابرة‬
‫متسبة‪ ،‬ويعلها تمل أدران بقية المة من النافقي وضعاف اليان والتقاعسي عن الهاد فل يذلونا‪،‬‬
‫بل ترفعهم هي بالثال الرفيع الذي تضربه للناس‪.‬‬
‫{ِإنّمَا الْ ُم ْؤ ِمنُو نَ الّذِي نَ إِذَا ذُكِرَ اللّ ُه وَ ِجلَ تْ قُلُوُبهُ مْ َوِإذَا تُِليَ تْ عََلْيهِ مْ آياتُ هُ زَا َدْتهُ مْ إِيَانَا َوعَلَى َرّبهِ مْ‬
‫َيَتوَكّلُو نَ (‪ )2‬الّذِي َن ُيقِيمُو نَ ال صّل َة َومِمّا َرزَ ْقنَاهُ ْم يُن ِفقُو نَ ( ‪ُ )3‬أوَْلئِ كَ هُ مْ الْ ُمؤْ ِمنُو نَ َحقّا َلهُ مْ دَرَجَا تٌ‬
‫ِعنْدَ َرّبهِ ْم َو َم ْغفِ َرةٌ وَ ِر ْزقٌ َك ِريٌ} [سورة النفال ‪]4-8/2‬‬
‫حبَ ُه َو ِمنْهُ ْم مَ ْن َيْنتَظِ ُر َومَا بَدّلُوا‬
‫صدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللّ َه عََليْ هِ َف ِمْنهُ ْم مَ نْ َقضَى َن ْ‬
‫{مِ نْ الْ ُمؤْ ِمنِيَ رِجَالٌ َ‬
‫َتبْدِيلً (‪[ })23‬سورة الحزاب ‪]33/23‬‬
‫حبّونَ هُ أَذِّل ٍة عَلَى الْ ُم ْؤمِنِيَ َأعِ ّز ٍة عَلَى الْكَافِرِي َن يُجَاهِدُو نَ فِي سَبِيلِ‬
‫حّبهُ ْم َويُ ِ‬
‫ف َيأْتِي اللّ ُه ِبقَوْ ٍم يُ ِ‬
‫سوْ َ‬
‫{فَ َ‬
‫اللّ ِه وَل يَخَافُونَ َل ْو َمةَ لئِمٍ} [سورة الائدة ‪]5/54‬‬
‫ض ُعفُوا َومَا ا ْستَكَانُوا‬
‫{وَ َكأَيّ ْن مِ ْن َنِبيّ قَاتَ َل َمعَهُ ِرّبيّونَ َكثِيٌ فَمَا َوهَنُوا ِلمَا أَصَاَبهُمْ فِي َسبِيلِ اللّ ِه َومَا َ‬
‫ب الصّابِرِينَ (‪[ })146‬سورة آل ‪]3/146‬‬ ‫ح ّ‬ ‫وَاللّ ُه يُ ِ‬
‫حيَاةَ ال ّدْنيَا بِال ِخ َرةِ َومَ ْن ُيقَاتِلْ فِي َسبِيلِ اللّ هِ َفُيقْتَلْ َأ ْو َيغْلِ بْ‬
‫{فَ ْلُيقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّ ِه الّذِي َن يَشْرُو َن الْ َ‬
‫ف ُن ْؤتِيهِ أَجْرا عَظِيما (‪[ })74‬سورة النساء ‪]4/74‬‬ ‫سوْ َ‬ ‫فَ َ‬
‫فالزمن الطلوب للتربية هو الزمن الذي يكفل ترسيخ هذه الصفات ف نفوس الفئة الختارة الت يقع‬
‫عليها عبء الواجهة مع العداء‪ .‬وهو زمن ل يستطيع بشر أن يدده على وجه الدقة لنه غيب‪ .‬ولن‬
‫فيه جلة متغيات تتغي النتيجة ف كل مرة بسب نوعها ومقدارها‪.‬‬
‫فالتغي الول هو الهد الذي ينبغي أن نبذله لبلوغ هذا الدف الساسي‪ .‬فكلما بذلنا جهدا أكب‪،‬‬
‫كان ل نا أن نط مع ف تقر يب الز من‪ ،‬أ ما إذا تراخي نا ف بذل ال هد‪ ،‬أو ل نوج هه الوج هة ال صحيحة‬
‫فسيطول الزمن ولشك‪.‬‬
‫والتغي الثان هو مدى استجابة الذين ندعوهم ونربيهم وهذا أمر ليس ف يد البشر إطلقا‪:‬‬
‫{ِإنّكَ ل َتهْدِي مَنْ َأ ْحبَبْتَ وَلَكِنّ اللّ َه َيهْدِي مَ ْن يَشَا ُء َو ُهوَ َأعَْل ُم بِالْ ُم ْهتَدِينَ ( ‪[ })56‬سورة القصص‬
‫‪]28/56‬‬
‫إن ا كلف نا ال سبحانه وتعال أن نبذل ال هد‪ ،‬وتك فل هو سبحانه بالنتائج‪ ،‬لناـ ت تم بقدر م نه‪،‬‬
‫وبسب مشيئته‪ .‬وإن ك نا نط مع دائما ف م نّ ال وكرمه‪ ،‬أن نا إذا صدقنا ف بذل ال هد فإن ال يرتب‬
‫النتائج ف صال الدعوة‪ .‬وقد رأينا بأعيننا أن استشهاد رجل واحد صدق ما عاهد ال عليه‪ ،‬يصنع لذه‬
‫الدعوة من العجائب ما ل تصنعه ألف خطبة ول ألف درس ول ألف كتاب‪ ،‬وهذا عون ال الذي وعد‬
‫به سبحانه حي يصدق عباده ف التوجه إليه‪ ،‬والتوكل عليه‪ ،‬واليان به‪.‬‬
‫والتغي الثالث هو الظروف الت تيط بالدعوة وتيط بالعداء‪ ،‬وال ت تدد بدورها ال جم الناسب‬
‫للقاعدة الطلوبة‪ .‬فحي يلق ال ظروفا مواتية فقد تستطيع قاعدة أصغر حجما ما نتخيل الن‪ ،‬أن تقيم‬
‫ح كم ال ف الرض‪ ،‬وت سانده ب عد قيا مه‪ .‬وح ي ترى مشيئة ال بغ ي ذلك – لك مة يريد ها – ف قد‬
‫نتاج إل قاعدة أكب حجما ما نفترض ف لظة معينة‪ .‬والكم ف هذا المر مسألة اجتهادية‪ ،‬سواء ف‬
‫تقدير الجم اللزم للقاعدة‪ ،‬أو ف تقدير الظروف القائمة من حولا‪.‬‬
‫و من أ جل هذه التغيات – وغي ها كث ي – ل ي ستطيع ب شر أن يدد زمنا يقول ف يه‪ :‬ن ظل نر ب إل‬
‫عام كذا‪ ،‬ث نبدأ "العمل"!‬
‫على أن ينبغي أن نضع ف حسابنا أن التربية ل يكن أن تتوقف ف أية لظة فهي بذاتا هدف دائم‬
‫بالن سبة لل مة ح ت لو قام ال كم ال سلمي‪ .‬فر سول ال ‪ r‬ل يك فّ عن ترب ية أ صحابه ح ي قا مت‬
‫الدولة‪ ،‬بل استمر إل آخر لظة يربيهم‪ ،‬وانظر مثلً خطبته ف حجة الوداع‪ .‬كذلك سار من بعده من‬
‫اللفاء الراشدين على نجه ‪ r‬يربون المة وبالسلطان‪ .‬إنا بدأ النراف ف المة حي نقصت التربية‬
‫عن القدر الطلوب‪ ،‬وحي تولت عن النهج الطلوب‪.‬‬
‫إنا كانت إجابتنا موجهة للذين يعنون بسؤالم‪ :‬إل مت نظل نصص الوقت كله والهد كله لعملية‬
‫التربية الطلوبة‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫وأما الذين يقولون‪ :‬ما جدوى التربية‪ ،‬ونن كلما ربينا جيلً من الشباب قضى عليه العداء! فقد‬
‫سبق أن أجب نا على ت ساؤلم من الوا قع الشهود‪ .‬والوا قع الشهود يقول‪ :‬إ نه ب عد كل مذب ة يقوم ب ا‬
‫العداء تأتى صفوف جديدة من الشباب‪ ،‬ل تل الفراغ الادث فحسب‪ ،‬بل تزيد القاعدة توسعا على‬
‫الدوام!‬
‫وننـ ل نعلم الغيـب‪ .‬ول نعلم إن كان الشاب الذي نربيـه اليوم سـيموت غدا أم يوت بعـد عمـر‬
‫مد يد‪ .‬ول نعلم كذلك هل يث بت على الطر يق أم يف ت ف دي نه‪ .‬ول كن علي نا دائما أن نبذل جهد نا ف‬
‫تربيته على النهج الصحيح‪ .‬فإن شاء ال أن يتد به العمر فهو قوة للدعوة وامتداد لا‪ .‬أما إن كان ف قدر‬
‫ال أن يفت ف دينه فمنذا الذي يستطيع أن يرد عنه قدر ال؟ ومنذا الذي يستطيع أن يعرف لفا ما يكون‬
‫من أمره ف الغداة؟!‬
‫ف جيع الحوال إذن ينبغي أن تضى ف التربية‪ ،‬ونن واثقون أنا الطريق الواصل ف النهاية‪ ،‬حت‬
‫وإن كانت هي الطريق الشاق الجهد البطيء الطويل!‬
‫‪m m m‬‬

‫ول بد من كل مة تبي ل نا على ال قل ب عض أبعاد الترب ية الطلو بة‪ .‬ف ما يكن نا ف كتاب يتحدث عن‬
‫"واقعنا العاصر" أن نغفل الديث عن أبعاد التربية إطلقا‪ ،‬وما يكننا كذلك أن نتحدث عن كل أبعاد‬
‫التربية أو عن الناهج التربوية‪ ،‬فتلك بوث متخصصة ليس مالا هذا الكتاب‪.‬‬
‫ونكتفي بثلثة أبعاد‪ ،‬ننتقيها من بي أبعاد كثية ومالت عديدة‪ ،‬لنا ذات أهية خاصة‪ ،‬وإن كانت‬
‫كل أبعاد التربية مهمة ف القيقة‪ ،‬وخاصة بالنسبة لبناء القاعدة الطلوبة‪.‬‬
‫يقول سبحانه وتعال‪:‬‬
‫{ِإنّ اللّ َه ُهوَ الرّزّاقُ ذُو اْلقُ ّو ِة الْ َمتِيُ (‪[ })58‬سورة الذاريات ‪]51/58‬‬
‫ولو أنك سألت أي إنسان ف الطريق‪ :‬من الذي يرزقك؟ لقال لك على البديهة‪ :‬ال!‬
‫ول كن ان ظر إل هذا الن سان إذا ض يق عل يه ف الرزق‪ ،‬يقول‪ :‬فلن ير يد أن يق طع رز قي! ف ما دللة‬
‫هذه الكلمة؟‬
‫دللتها أن تلك البديهية الت نطق با ل تكن "يقينا" قلبيا‪ ،‬إنا كانت بديهية ذهنية فحسب‪ .‬بديهية‬
‫تستقر ف وقت السلم والمن‪ ،‬ولكنها تتز إذا عرضت للشدة‪ ،‬لنا ليست عميقة الذور‪.‬‬
‫هل يصلح مثل هذا النسان لعباء الدعوة ومشقاتا؟!‬
‫هل ي صلح لتلك العباء إل ش خص قد ا ستقر ف قل به إل در جة اليق ي أن ال هو الرزاق ذو القوة‬
‫التي‪ .‬أن ال هو الحي والميت‪ .‬أن ال هو الضار والنافع‪ .‬أن ال هو العطى والانع‪ .‬أن ال هو الدبر‪.‬‬
‫أن ال هو الذي بيده كل شئ‪.‬‬
‫وإذا اهتز اليقي لظة واحدة فماذا يدث؟!‬
‫لقد كنا نرى ف العتقل بعض الذين يهتز ف قلوبم هذا اليقي لظة‪ ،‬فتهتز خطواتم على الطريق!‬
‫يتسرب إل روعهم أن هذا الشخص أو ذاك يكن أن ينفع‪ ،‬أو يكن أن يضر‪ .‬فيتوجهون إليه يسبون أنه‬
‫يكن أن يرجهم ما هم فيه من الضيق‪ .‬فينلقون‪ .‬وينت هي دورهم ف الدعوة‪ .‬إل أن يتوب ال عليهم‬
‫فيتوبوا‪.‬‬
‫ترى كم جلسة‪ ..‬كم درسا‪ ..‬كم موعظة‪ ..‬كم توجيها‪ ..‬يتاج إليها النسان ليسخ ف قلبه إل‬
‫درجة اليقي أن ال هو الذي يدبر‪ ،‬وأن هذه الخلوقات البشرية الت يالطها ف حياته إن هي إل أدوات‬
‫لقدر ال‪ ،‬وأنا حي تضره فهي تضره بشيء قد قدره ال له‪ ،‬وحي تنفعه فإنا تنفعه بشيء قد كتبه ال‬
‫له‪ .‬فل يتو جه إل إل ال‪ ،‬ف سرائه و ف ضرائه سواء‪ ،‬ويعلم – يقينا – أن اللق كل هم ل يلكون له –‬
‫ول يلكون لنف سهم – ضرا ول نفعا؟! فإذا د خل ف الشدة – وطر يق الدعوة ملوء بالشواك والدماء‬
‫والدموع – طلب الت ثبيت من ال‪ ،‬ون ظر إل كل ما ي صيبه على أ نه قدر مكتوب له‪ .‬ث ن ظر إل هذا‬
‫القدر الكتوب له على أنه كله خي‪ ،‬ما دام يسي على طريق اليان‪ ،‬لن أمر الؤمن كله خي‪ ،‬إن أصابته‬
‫سراء شكر فكان خيا له‪ ،‬وإن أصابته ضراء صب فكان خيا له‪ .‬وليس ذلك إل للمؤمن‪.‬‬
‫فإذا ل يصل إل هذا اليقي القلب‪ ،‬الذي يترتب عليه سلوك عملي‪ .‬فهل يصلح لمل أعباء الدعوة؟!‬
‫كم يتاج الفرد الوا حد ح ت تر سخ هذه العقيدة ف قل به إل در جة اليق ي؟ و كم يتاج ال مع من‬
‫الناس؟ وكم يتاج تكوين "قاعدة" صلبة من مثل هؤلء‪ ،‬يقوم عليها بناء دعوة‪ ،‬ث يقوم عليها – حي‬
‫يأذن ال – بناء دولة؟!‬
‫إنه لثل هذا كان يعمل رسول ال ‪ r‬ثلثة عشر عاما كاملة ف مكة‪ ،‬وبعدها سنوات ف الدينة‪.‬‬
‫كان يعمل‪ ،‬ول يكن يقول ف نفسه وهو ف مكة‪ :‬إل مت نظل نرب >ون أن "نعمل"؟ فقد كان يعلم‬
‫يقينا – با علمه ربه – أن هذا هو "العمل" الساسي الذي يسبق كل عمل‪ .‬هذه هي "العقيدة"‪ .‬هذه‬
‫هي "ل إله إل ال" ف حقيقت ها العتقاد ية‪ .‬لي ست مرد إقرار ذه ن بأن ال تعال وا حد‪ .‬ف ما أي سر أن‬
‫يعت قد الذ هن ذلك – وإن كان قد صعب على العرب ف جاهليت هم – ول كن تب قى "شوائب" نف سية‬
‫وشعور ية كثية عال قة بذا العتقاد الذه ن‪ ،‬ول تظ هر إل ف ال سلوك العملي‪ ،‬ف حال الشدة والرخاء‬
‫سواء‪ ،‬وإن كانت الشدة هي الجهر القوى الذي تبز تته كل شوائب العتقاد‪.‬‬
‫{ َومِ نْ النّا سِ مَ ْن َيقُولُ آ َمنّ ا بِاللّ هِ فَِإذَا أُوذِ يَ فِي اللّ هِ َجعَلَ ِفْتَنةَ النّا سِ َكعَذَا بِ اللّ هِ‪ [ }...‬سورة‬
‫العنكبوت ‪]29/10‬‬
‫ب النّاسُ أَنْ ُيتْرَكُوا أَ ْن َيقُولُوا آمَنّا َوهُ ْم ل ُيفَْتنُونَ ( ‪ )2‬وََلقَدْ َفَتنّا الّذِي َن مِنْ َقبِْلهِمْ َفَلَيعْلَمَنّ اللّهُ‬
‫س َ‬
‫{أَحَ ِ‬
‫الّذِينَ صَدَقُوا وََلَيعْلَمَ ّن اْلكَا ِذبِيَ (‪[ })3‬سورة العنكبوت ‪]3-29/2‬‬
‫لثـل هذا كان رسـول ال ‪ r‬يلقـى أصـحابه فـ دار الرقـم‪ :‬يربيهـم ويعلمهـم‪ .‬يعلمهـم العقيدة‬
‫الصحيحة‪ ،‬ويربيهم عليها‪ .‬فليست العقيدة مفهوما ذهنيا تستوعبه الذهان ث يستقر فيها هناك! إنا على‬
‫هذا النحو ل تصنع شيئا ف عال الواقع‪ ،‬ول تغي شيئا ف عال الواقع‪ .‬كالفلسفة ف البراج العاجية‪ .‬ل‬
‫تغ ي شيئا ف وا قع الناس! إن ا هي "عقيدة"‪ .‬تر سخ وتر سخ وتر سخ‪ ،‬ح ت ت صبح يقينا قلبيا تنطلق على‬
‫هداه مشاعر القلب‪ ،‬ويرى بقتضاه السلوك العملي للنسان‪.‬‬
‫وبذه الصورة تعمل "العقيدة" ف عال الواقع‪ ..‬تغي‪ ..‬تدم وتبن‪ ..‬تدم الباطل وتبن مكانه الق‪.‬‬
‫وح ي كان ر سول ال ‪ r‬ير ب أ صحابه على العقيدة ال صحيحة‪ ،‬كان ين شئ – بقدر ال – ذلك‬
‫اليقي القلب الذي ينبثق منه السلوك العملي‪ ،‬وكان – بذا – ينشئ – بقدر ال – تلك النفوس العجيبة‬
‫الت صنعت ما شاء ال لا أن تصنع من عجائب التاريخ‪.‬‬
‫بالقرآن‪ ..‬بتوجيهاته الدائمة ‪ .. r‬بقيام الليل‪ ..‬بالقدوة العملية ف شخصه الكري ‪ .. r‬برعايته‬
‫لم ف الحنة‪ ..‬بالب الفياض من قلبه العظيم لم‪.‬‬
‫ب كل تلك الو سائل متم عة‪ ،‬تأ صلت "العقيدة" ف قلوب ذلك ال يل التفرد‪ ،‬فكا نت تلك "الطا قة"‬
‫الائلة الت صنعت العاجيب‪.‬‬
‫وف غربة السلم الثانية نتاج إل مثل ما احتاج إليه المر ف الغربة الول‪ ،‬إن ل يكن على ذات‬
‫الستوى السامق‪ ،‬فعلى أقرب مستوى إليه يطيقه البشر ف جولتهم الثانية لزالة غربة السلم‪.‬‬
‫كم من الز من يستغرق هذا ال مر؟ ل أدرى! ولك ن أعلم يقينا أنه مطلوب‪ .‬وأن "القاعدة" الطلوبة‬
‫لبد أن تقوم على مثل هذا "العتقاد" ف ل إله إل ال‪ ،‬الذي يل القلب باليقي‪ ،‬ويتمثل – من ث – ف‬
‫سلوك عملي‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫يقول سبحانه وتعال‪:‬‬


‫{ِإنّمَا الْ ُم ْؤمِنُونَ إِ ْخ َوةٌ} [سورة الجرات ‪]49/10‬‬
‫والخوة من أجل "العان" الت يكن أن يتحدث عنها النسان! شفيفة لطيفة كالنور! ندية مببة إل‬
‫القلوب‪ .‬ولكن ما "الخوة" الت وردت الشارة إليها ف كتاب ال؟‬
‫يستطيع اثنان من البشر وها يسيان ف الطريق الواسع – ف المن والسلمة – أن يتآخيا! أن يسيا‬
‫معا وقد لف كل منهما ذراعه حول أخيه من الب‪.‬‬
‫ولكن انظر إليهما وقد ضاق الطريق‪ ،‬فل يتسع إل لواحد منهما يسي وراء الخر‪ .‬فمن أقدّم؟ أقدم‬
‫نفسي أم أقدم أخي وأتبعه؟‬
‫أم انظر إل الطريق قد ضاق أكثر‪ .‬فلم يعد يتسع إل لواحد فقط دون الخر!‬
‫إن ا فر صة واحدة‪ ..‬إ ما ل وإ ما ل خي‪ ..‬ف من أقدّم؟ أقول‪ :‬هذه فر صت‪ ،‬وليب حث هو لنف سه عن‬
‫فرصة؟ أم أقول لخي‪ :‬خذ هذه الفرصة أنت‪ ،‬وأنا أبث لنفسي؟!‬
‫هذا هو "الحك"‪.‬‬
‫إن الخوة ف المن والسلمة ل تكلف شيئا! ول تتعارض مع رغائب النفس‪ .‬بل هي ذاتا رغبة من‬
‫تلك الرغائب يسعى النسان لتحقيقها مقابل الراحة النفسية الت يدها ف تققها‪.‬‬
‫أ ما ف الشدة – أو ف الط مع – فه نا ت تب الخوة الختبار ال ق‪ ،‬الذي يتم يز ف يه اليثار وال ب‬
‫للخرين‪ ،‬ومن الثرة وحب الذات‪ ،‬الت قد تفي على صاحبها نفسه ف السلم والمن‪ ،‬فيظن نفسه‬
‫"أخا" مققا لكل مستلزمات الخوة!‬
‫كم جل سة‪ ..‬كم در سا‪ ..‬كم موع ظة‪ ..‬كم توجيها‪ ..‬يتاج إلي ها الن سان الفرد‪ ،‬وتتاج إلي ها‬
‫الماعة‪ ،‬وتتاج إليها "القاعدة" لي سخ ف ح سهم جيعا هذا "الع ن" فل يعود حقي قة ذهنية يستوعبها‬
‫الذ هن ث ينت هي ب ا القام هناك‪ .‬إن ا تتحول إل وجدان قل ب‪ ،‬يتع مق ف القلب ح ت ي صدر ع نه سلوك‬
‫عملي كذلك الذي ورد ذكره ف كتاب ال‪:‬‬
‫جدُونَ فِي صُدُو ِرهِمْ حَا َج ًة مِمّا‬ ‫حبّونَ مَ ْن هَا َجرَ إَِليْهِ ْم وَل يَ ِ‬
‫{وَالّذِي َن تََبوّءُوا الدّا َر وَالِيَانَ مِنْ َقبِْلهِ ْم يُ ِ‬
‫ص ٌة َومَ ْن يُو قَ ُشحّ َنفْ سِهِ َفُأوَْلئِ كَ هُ ْم الْ ُمفِْلحُو نَ ( ‪})9‬‬ ‫سهِ ْم وََلوْ كَا نَ ِبهِ مْ خَ صَا َ‬ ‫أُوتُوا َوُيؤْثِرُو َن عَلَى أَْنفُ ِ‬
‫[سورة الشر ‪]59/9‬‬
‫إ نه ل ثل هذا كان يع مل ر سول ال ‪ r‬و هو ير ب أ صحابه رضوان ال علي هم‪ ،‬ثل ثة ع شر عاما ف‬
‫مكة‪ ،‬وسنوات ف الدينة بعد ذلك‪.‬‬
‫ل يكن يقول ف نفسه وهو ف مكة‪ :‬إل مت نظل نرب تلك الشاعر دون أن "نعمل"! لنه كان يعلم‬
‫يقينا – باـ علمـه ربـه – أن هذا مـن العمـل السـاسي الطلوب لنشاء القاعدة الؤمنـة التـ وُجّهـ ‪r‬‬
‫لنشائ ها‪ .‬وأن هذه الخوة – فوق أن ا ضرور ية لقا مة القاعدة الؤم نة ال ت هي نواة "ال مة ال سلمة" –‬
‫فهي جزء من "التحقيق السلوكي" لل إله إل ال‪ .‬فليست ل إله إل ال وجدانا قلبيا عميقا فحسب‪ ،‬بل‬
‫هي التزام با أنزل ال‪ .‬ومن ث فكل ما جاء من عند ال فاللتزام به هو من مقتضيات ل إله إل ال‪ .‬وقد‬
‫أحب ال هذه الخوة وامتدحها‪ ،‬وأوجبها على الؤمني به‪ ،‬وأنزل فيها آيات كثية لعل من أبرزها‪:‬‬
‫{يَا َأّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل يَسْخَرْ قَو ٌم مِنْ َقوْمٍ عَسَى أَ ْن َيكُونُوا َخيْرا ِمْنهُ ْم وَل نِسَا ٌء مِ ْن نِسَا ٍء عَسَى أَنْ‬
‫س الِ سْ ُم اْلفُ سُوقُ َبعْ َد الِيَا ِن َومَ نْ لَ ْم َيتُ بْ‬ ‫َيكُنّ َخيْرا ِمْنهُنّ وَل تَلْ ِمزُوا أَنفُ سَكُ ْم وَل َتنَابَزُوا بِالَْلقَا بِ ِبئْ َ‬
‫َفُأوَْلئِ كَ هُ مْ الظّالِمُو نَ (‪ )11‬يَا َأيّهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ا ْجتَِنبُوا َكثِيا مِ نْ الظّنّ إِنّ َبعْ ضَ الظّنّ ِإثْ ٌم وَل تَجَ سّسُوا‬
‫ح مَ أَخِي ِه َميْتا َفكَ ِر ْهتُمُو ُه وَاتّقُوا اللّ هَ إِنّ اللّ َه َتوّا بٌ‬
‫ضكُ ْم َبعْضا َأيُحِبّ أَحَدُكُ مْ أَ نْ يَأْكُلَ لَ ْ‬ ‫ب َبعْ ُ‬
‫وَل َي ْغتَ ْ‬
‫َرحِيمٌ (‪[ })12‬سورة الجرات ‪]12-49/11‬‬
‫بالقرآن‪ ..‬بالصاحبة‪ ..‬بالعايشة‪ ..‬بالتوجيه الستمر‪ ..‬بالقدوة ف شخصه الكري ‪ .. r‬بالب الذي‬
‫يفيض من قلبه الكبي إليهم‪ ..‬بالهتمام بكل فرد منهم كأنه هو الثي عنده‪ ..‬بالمارسة العملية للمشاعر‬
‫اليانية داخل "الماعة"‪.‬‬
‫بذه الوسائل متمعة رب رسول ال ‪ r‬هذه الماعة التآخية‪ ،‬الت صنعت بتآخيها العاجيب‪ ،‬وأقام‬
‫ذلك البنيان التي الترابط‪ ،‬الذي يشد بعضه بعضا فيقويه‪.‬‬
‫وف غربة السلم الثانية‪ ،‬نتاج إل مثل ما احتاج إليه المر ف الغربة الول‪ .‬إن ل يكن على ذات‬
‫ال ستوى ال سامق‪ ،‬فعلى أقرب ال ستويات إل يه‪ .‬ذلك أن الضغوط الاهل ية تف تت كل ترا بط‪ ،‬ما ل ي كن‬
‫ثيق الرباط إل الد الذي يتحمل كل الضغوط‪ ،‬ويبقى وثيقا رغم كل الضغوط‪.‬‬
‫كم يستغرق هذا المر؟ ل أدرى! ولكن أعلم يقينا أنه مطلوب‪ .‬وأن "القاعدة" الت يقع عليها عبء‬
‫مواجهة الاهلية بكل كيدها‪ ،‬ينبغي أن تقق ف سلوكها العملي هذا اللق من أخلقيات ل إله إل ال‪،‬‬
‫لت صبح جديرة برعا ية ال‪ .‬ول كي ت ستطيع أن ت ضى ف الطر يق متآخ ية مت ساندة متراب طة و هي تتعرض‬
‫للهوال‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫"النظام" من ضرورات الياة البشر ية‪ .‬و ف هذه اليام خا صة يتردد القول بأ نه من "التحديات‬
‫الضارية" الت تواجه هذه المة‪.‬‬
‫والبيئة الت انتشر فيها السلم – بقدر من ال – تقع كلها – ما عدا النادر منها – ف النطقة الارة‬
‫والنطقة العتدلة الارة‪ .‬وهذه البيئة فوضوية بطبيعتها!‬
‫إن الياة – ف معظم ها – سهلة رخية‪ .‬ل أ حد يوت من الوع إل النادر‪ .‬ول أ حد يوت من البد‬
‫إل النادر‪, .‬ا قل قدر من الطعام ي كن أن ي فظ الود ل نه ل يو جد البد القارس الذي ي ستهلك الطا قة‬
‫ـابه تدبيا وترتيبا‬
‫ـان أن يتزن فـ أعصـ‬ ‫ويتاج إل "الوقود" الغذائي التجدد‪ .‬كذلك ل يتاج النسـ‬
‫للم ستقبل‪ ،‬لن ال ستقبل ف ح سه م ثل الا ضر‪ ،‬والا ضر تق ضى أموره ب صورة من ال صور ل يس في ها‬
‫ترت يب م سبق ول تدب ي كث ي‪ .‬و من ث ل يتاج الن سان أن "ي طط" للم ستقبل‪ ،‬ول أن ي د ب صره أو‬
‫تفكيه إل بعيد‪ ،‬فحي يأت الغد بشكلته‪ ،‬نلها بذات العفوية الت نل با مشاكلنا الاضرة! ومن ث‬
‫تت سم طباع أ هل النط قة – ال ستمدة من تأث ي البيئة – بالعفو ية الشديدة و"ق صر الن فس"‪ ،‬لن الن فس‬
‫الطو يل ل يفترق ف نتائ جه العمل ية – ف ح سهم – عن الن فس الق صي الذي يوا جه الشا كل – و قت‬
‫حدوثها – وينتهي منها ف لظتها‪ ،‬وينصرف إل غيها!‬
‫وخلصة القول أن أهل هذه البيئة – حي يتركون لتأثي البيئة وحده – قوم يكرهون النظام‪ ،‬ويرونه‬
‫عبئا ثقيلً على أعصابم ل ينبغي أن يملوه‪ ،‬ول ضرورة – ف حسهم – لمله‪ .‬وقوم عفويون يكرهون‬
‫التخطيط والنظر إل بعيد‪ ،‬ويرونه كذلك عبئا ثقيلً على أعصابم ل موجب له‪ .‬وهم أخيا قوم قصار‬
‫الن فس يشتعلون حا سة لفترة موقو تة‪ ،‬ث ت بو حا ستهم كأن ل تشت عل قط‪ ،‬وتن صرف إل موضوع‬
‫جديد‪.‬‬
‫من هذه الطباع – الستمدة من تأثي البيئة – تسلمهم السلم فأنشأ منهم خلقا آخر‪.‬‬
‫أنشأ منهم بادئ ذي بدء أمة شديدة التنظيم‪ .‬ل تكره النظام ول تتمرد عليهن بل تسارع إليه وتتثل‬
‫لقتضيا ته‪ .‬ول يس ب نا – ه نا – أن ن ستطرد كثيا إل الو سائل ال ت غ ي ب ا ال سلم طباع هذه ال مة‬
‫الستمدة من البيئة‪ ،‬والوروثة فيها قرونا إثر قرون‪ .‬ولكن كلما قرأت ف كتب السية‪" :‬كان رسول ال‬
‫‪ r‬يصفنا للصلة كما يصفنا للقتال" تتز نفسي تأثرا وعجبا لذا الرب العظيم ‪ r‬كيف كان يعد هذه‬
‫المة لهمتها‪ .‬لتكون "خي أمة أخرجت للناس"وأعجب لذا الدين كيف يصنع ف النفوس‪ ،‬فيغي من‬
‫الطباع ما يبدو لول وهلة دا ًء مستعصيا على الل!‬
‫كان عل يه ال صلة وال سلم ل يبدأ ال صلة ح ت يرى ال صف قد ا ستقام‪ .‬وكان يقوّم ال صف بيد يه‬
‫الشريفتي‪ ،‬يلصق كتف هذا بذاك‪ ،‬وقدم هذا بذاك‪ ،‬حت يقوّم صف الصلة كصف القتال‪ .‬كأنه بنيان‬
‫مرصوص!‬
‫والسلم كله نظام ودقة‪ ،‬مع ساحته الت تعطف على الضعف البشرى ول تلعنه ما دام صاحبه ل‬
‫يصر عليه‪ ،‬ومع نداوته الت تتعامل مع النفوس البشرية ل على أنا آلت وأدوات‪ ،‬ولكن على أنا مشاعر‬
‫وعواطف‪ ،‬فيفع عنها الرج‪:‬‬
‫سهُمْ ذَكَرُوا اللّهَ فَا ْسَتغْفَرُوا لِ ُذنُوِبهِمْ َومَ ْن َي ْغفِرُ ال ّذنُوبَ إِلّ اللّهُ‬
‫شةً َأوْ ظََلمُوا َأْنفُ َ‬
‫{وَالّذِينَ إِذَا َفعَلُوا فَاحِ َ‬
‫وَلَ ْم يُ صِرّوا عَلَى مَا َفعَلُوا َوهُ ْم َيعْلَمُو نَ (‪ُ )135‬أوْلَئِ كَ جَزَا ُؤهُ ْم َم ْغفِ َرٌة مِ نْ َرّبهِ ْم وَ َجنّا تٌ َتجْرِي مِ نْ‬
‫حِتهَا ا َلنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا َونِعْمَ أَ ْج ُر اْلعَامِلِيَ (‪[ })136‬سورة آل ‪]136-3/135‬‬ ‫تَ ْ‬
‫{ ُهوَ ا ْجَتبَاكُ ْم َومَا َجعَ َل عََلْيكُمْ فِي الدّينِ مِنْ حَ َرجٍ} [سورة الـج ‪]22/78‬‬
‫ج وََلكِ ْن يُرِيدُ ِليُ َطهّرَكُ ْم وَِليُتِمّ ِنعْ َمتَ ُه عََلْيكُ مْ َل َعّلكُ مْ تَشْكُرُو نَ (‬
‫جعَ َل عََلْيكُ ْم مِ نْ َحرَ ٍ‬
‫{مَا يُرِيدُ اللّ هُ ِليَ ْ‬
‫‪[ })6‬سورة الائدة ‪]5/6‬‬
‫ويتبدى التنظ يم واضحا ف العبادات خا صة‪ .‬فال صلة مواق يت‪ .‬وال صوم مواق يت‪ ،‬وال ج مواق يت‪.‬‬
‫ل عن التنظيم الدقيق ف كل عبادة من هؤلء‪ ،‬وخاصة ف الصلة والج‪.‬‬ ‫والزكاة مواقيت‪ .‬فض ً‬
‫والقرآن يعلم الؤمني النظام والدقة ف الداب الت نسميها اليوم "الداب الجتماعية"‪:‬‬
‫سَتأْنِسُوا َوتُ سَلّمُوا عَلَى‬
‫]يَا أَّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا {يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ل تَدْ ُخلُوا ُبيُوتا َغيْ َر ُبيُوِتكُ مْ َحتّى تَ ْ‬
‫َأهِْلهَا ذَِلكُمْ َخيْرٌ َلكُمْ َلعَّلكُ ْم تَذَكّرُونَ ( ‪ )27‬فَإِنْ لَ ْم تَجِدُوا فِيهَا أَحَدا فَل تَ ْدخُلُوهَا َحتّى ُيؤْذَنَ َلكُ ْم َوإِنْ‬
‫قِيلَ َلكُ مْ ارْ ِجعُوا فَارْ ِجعُوا ُهوَ أَزْكَى َلكُ ْم وَاللّ ُه بِمَا َتعْ َملُو َن عَلِي مٌ (‪َ )28‬ليْ سَ عََلْيكُ مْ ُجنَا حٌ أَ ْن تَدْ ُخلُوا‬
‫سكُوَنةٍ فِيهَا َمتَاعٌ َلكُ ْم وَاللّهُ يَعَْل ُم مَا ُتبْدُو َن َومَا تَ ْكتُمُونَ (‪[ })29‬سورة النــور ‪-24/27‬‬ ‫ُبيُوتا َغيْ َر مَ ْ‬
‫‪]29‬‬
‫{يَا َأيّهَا الّذِي نَ آمَنُوا ل تَ ْدخُلُوا بُيُو تَ الّنبِيّ إِلّ أَ ْن ُيؤْذَ نَ َلكُ مْ إِلَى طَعَا مٍ َغيْ َر نَاظِرِي نَ ِإنَا ُه وََلكِ نْ إِذَا‬
‫ح ِي ِمْنكُ مْ‬‫سَت ْأنِسِيَ لِحَدِي ثٍ ِإنّ ذَِلكُ مْ كَا َن ُيؤْذِي النِّبيّ َفيَ سْتَ ْ‬ ‫ُدعِيتُ مْ فَادْ ُخلُوا فَِإذَا طَعِ ْمتُ مْ فَاْنتَشِرُوا وَل مُ ْ‬
‫حيِ مِ نْ الْحَقّ َوإِذَا سَأَْلتُمُوهُ ّن َمتَاعا فَا ْسأَلُوهُ ّن مِ ْن وَرَاءِ ِحجَا بٍ ذَِلكُ مْ َأ ْطهَرُ ِلقُلُوبِكُ مْ‬ ‫ستَ ْ‬
‫وَاللّ ُه ل يَ ْ‬
‫وَقُلُوِبهِنّ‪[ }...‬سورة الحزاب ‪]33/53‬‬
‫والتربية السلمية الت رباها الرسول ‪ r‬لصحابه جعلت منهم أمة منظمة تنظيما دقيقا على أساس‬
‫"إنسان" ل على أساس آل‪ .‬وتلك مزية السلم‪ .‬فهو ينظم الياة – ف جيع جوانبها – مع الحافظة‬
‫على "إن سانية الن سان" أل يتحول إل آلة‪ ،‬فيف قد الع مل دلل ته النف سية ال ت يؤدى من أجل ها‪ ،‬بل ي ظل‬
‫الن سان – مع مافظ ته على النظام – واعيا لهداف وجوده‪ ،‬مريدا لتحقيق ها ف كل مرة‪ ،‬ل مدفوعا‬
‫دفعا آليا إليها‪.‬‬
‫ومع النظام ل تعد العفوية هي صورة العمل ف المة السلمية‪ ،‬لنه لكل عمل ضوابطه الشرعية‪،‬‬
‫وللشريعة ف كل عمل "مقاصد" ينبغي تقيقها‪ .‬ومن ث يراجع النسان كل عمل يعمله ليى هل هو ف‬
‫دائرة اللل الباح أم خرج عنها‪ ،‬ويراجع النتائج الت يكن أن تترتب على عمله‪ ،‬ليى هل هي متمشية‬
‫مع مقاصد الشريعة أم مالفة لا‪.‬‬
‫و مع النظام والنضباط والن ظر ف النتائج ربا هم ال سلم على الن فس الطو يل والرؤ ية البعيدة‪ .‬فهناك‬
‫هدف بعيد لكل فرد‪ ،‬وهناك أهداف متدة لجموع المة‪.‬‬
‫فأما الفرد فقد رباه السلم على أن يعمل ل ناظرا لدنياه وحدها‪ ،‬ول لغده القريب وحده‪ .‬بل وضع‬
‫له هدفا يتجاوز العال الشهود كله‪ ،‬والياة الدنيـا كلهـا‪ .‬ليصـل بـه إل عال الغيـب وإل اليوم الخـر‪.‬‬
‫فيع مل ف دنياه الاضرة و ف لظ ته الاضرة و هو نا ظر إل عال بع يد بع يد يتجاوز كل مدى ال س‪،‬‬
‫ولكنه حاضر ف قلبه كأنه يراه أمامه‪ ،‬وكأنه متحقق ف هذه اللحظة‪.‬و ويعمل وف حسه ذلك الدف‬
‫البع يد الذي ي سعى كل ل ظة إل تقي قه‪ ،‬و هو ال نة ورضوان ال‪ .‬هدف ل ي كن أن يو جد ف حس‬
‫البشرية كلها هدف أبعد منه‪ .‬ومع ذلك فهو متعلق به دائما‪ ،‬يشعر ف كل لظة أن كيانه كله مرتبط‬
‫به‪ ،‬وأن كل خطوة يطوها هي خطوة على الطريق إل ذلك الدف البعيد‪.‬‬
‫وأما المة فقد رباها السلم على أن مهمتها ل تنحصر ف تقيق كيانا الذات الحدود‪ ،‬ول ف أن‬
‫تعيش لظتها الراهنة‪ ،‬وإنا لا هدف متد ف الياة الدنيا‪ ،‬ومتد من الياة الدن يا إل الخرة‪ .‬ذلك هو‬
‫دعوة البشرية كلها إل النور الربان‪ ،‬والهاد لتكون كلمة ال هي العليا ف كل الرض‪ ،‬لتكون شاهدة‬
‫على البشرة كلها ف اليوم الخر‪:‬‬
‫س َويَكُو نَ الرّ سُو ُل عََلْيكُ ْم َشهِيدا} [سورة‬
‫{وَكَذَلِ كَ َجعَ ْلنَاكُ مْ ُأ ّم ًة وَ سَطا ِلَتكُونُوا ُشهَدَا َء عَلَى النّا ِ‬
‫البقرة ‪]2/143‬‬
‫{وَقَاتِلُوهُمْ َحتّى ل َتكُونَ ِفْتَنةٌ َوَيكُونَ الدّينُ كُلّهُ لِلّهِ} [سورة النفال ‪]8/39‬‬
‫ك هُ ْم الْ ُمفِْلحُونَ‬
‫ف َوَيْن َهوْنَ عَ ْن الْ ُمنْكَ ِر َوُأوَْلئِ َ‬
‫خيْ ِر َوَي ْأمُرُونَ بِالْ َمعْرُو ِ‬
‫{وَْلتَكُ ْن ِمنْكُمْ ُأ ّمةٌ يَ ْدعُونَ إِلَى الْ َ‬
‫(‪[ })104‬سورة آل ‪]3/104‬‬
‫ول قد ظلت المـة تل حق هذا الدف ما يقرب من عشرة قرون متوال ية‪ ،‬ل تف تر حا ستها له‪ ،‬ول‬
‫تتقاعس عن الهاد من أجله‪ ،‬جيلً بعد جيل‪ ،‬وهذا "أطول نفس" عاشته أمة ف التاريخ‪.‬‬
‫ولكن خط النراف الطويل الذي مررنا بطوطه العريضة من قبل (‪ ،)1‬وبينا آثاره ف حياة المة (‪،)2‬‬
‫ظل يدث ان سارا م ستمرا ف حقائق ال سلم‪ ،‬و ف فاعليت ها ف نفوس الناس‪ .‬فارتدت ال مة رويدا‬
‫رويدا إل تأثي البيئة‪ .‬ذلك أنه ف غيبة العقيدة الية التمكنة من النفوس تصبح البيئة هي صاحبة التأثي‪.‬‬
‫ومن ث رجعت المة إل طبيعتها الفوضوية الت تكره النضباط‪ ،‬العفوية الت تكره التخطيط‪ ،‬القصية‬
‫انفس الت تكره الرؤية البعيدة ول تطيق التابعة للمد الطويل‪.‬‬
‫وإذ كانت هذه هي حالة المة – كما هو واضح لكل من يدرس أحوالا – فمن يصلحها؟!‬
‫هل تصلحها الحزاب السياسية الوالية للغرب‪ ،‬وهي ل تضع ذلك ف برامها‪ ،‬ول تقدر عليه حت‬
‫إن ق صدت إل يه‪ .‬وهذه هي تر بة قرن كا مل من الزمان‪ ،‬كا نت ال مة منجر فة ف يه إل تقل يد الغرب‬
‫والذوبان ف يه‪ ،‬ف ما ا ستطاعت الحزاب الوال ية للغرب‪ ،‬والداع ية إل التغر يب‪ ،‬أن ت صلح شيئا ف هذا‬
‫الجال‪ ،‬وظلت المـة – إن ل تكـن قـد زادت – فـ فوضويتهـا الكارهـة للنظام‪ ،‬وعفويتـه الكارهـة‬
‫للنضباط‪ ،‬وق صر نف سها الذي يشت عل حا سة للحظات‪ ،‬ث تنط فئ الما سة وت مد العزائم وتن صرف‬
‫الهود!‬
‫هل تصلحها الحزاب الشيوعية‪ ،‬وهي ل تضع ذلك ف برامها‪،‬ول تقدر عليه حت إن قصدت إليه‪.‬‬
‫وهذه هي تربة ما يزيد على ربع قرن ف البلدان الت ابتليت با من العال السلمي‪ ،‬ل تغي شيئا من‬
‫حال الناس‪ ،‬إن ل تكن قد زادتم انرافا ف كل جوانب الياة!‬
‫إنـه ل يقدر على إصـلح آثار هذه البيئة إل العقيدة‪ .‬ول يقدر على إصـلحها إل أصـحاب العقيدة‬
‫الصـحيحة‪ ،‬والواعون لقيقتهـا‪ ،‬الذيـن تربوا تربيـة إسـلمية صـحيحة‪ ،‬كتلك التـ رباهـا الرسـول ‪r‬‬
‫ل صحابه‪ ،‬فت ستطيع هذه الترب ية – ك ما ا ستطاعت أول مرة – أن تن شئ النفوس نشأة جديدة‪ ،‬منظ مة‬
‫منضب طة طويلة الن فس‪ ،‬تز يل آثار النراف‪ ،‬وتع يد ال مة إل ما كا نت عل يه و قت ا ستقامتها على هذا‬
‫الدين‪ ،‬ول بدف مواجهة "التحديات الضارية" الت يذكرها بعض الناس وهم يتكلون عن "الصلح"‬
‫الطلوب‪ ،‬بل يهدف إعادة المة إل "خييتها" الت أخرجها ال من أجلها‪:‬‬
‫ف َوتَْن َهوْ َن عَ ْن الْمُنكَ ِر َوتُ ْؤ ِمنُو َن بِاللّ هِ} [سورة آل‬
‫{ ُكْنتُ مْ َخيْرَ ُأ ّمةٍ أُخْ ِرجَ تْ لِلنّا سِ َت ْأمُرُو نَ بِالْ َم ْعرُو ِ‬
‫‪]3/110‬‬
‫و هو هدف يتجاوز كل "التحديات الضار ية" إل ما هو أعلى وأن فس‪ .‬خ ي الدن يا والخرة على‬
‫() انظر فصل "خط النراف"‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫() انظر فصل "خط النراف"‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫السواء‪.‬‬
‫ترى كم جلسة‪ ..‬كم درسا‪ ..‬كم موعظة‪ ..‬كم توجيها‪ ..‬يتاج إليها النسان الفرد‪ ،‬وتتاج إليها‬
‫الما عة‪ ،‬وتتاج إلي ها "القاعدة" ليتم ثل في ها أولً هذا "الع ن" ث لتكون قادرة على إعطاء ال ثل لغي ها‪،‬‬
‫فتسـتطيع بالتال تربيـة المـة كلهـا – أو مـن يسـتجيب منهـا – على هذه الصـفات وهذه الخلقيات‬
‫الضرورية لا‪ ،‬لتتجاوز أزمتها الاضرة وتأخذ ف الصعود؟!‬
‫‪m m m‬‬

‫تلك ثلثـة أبعاد للتربيـة مـن بيـ أبعاد كثية فـ مالت متلفـة‪ ،‬ليسـت مثلً خياليـة ‪ ،‬ول هـي‬
‫"تديات"! إنا هي شروط ضرورية لقيام القاعدة الطلوبة‪ ،‬الت تستطيع أن تتحمل العبء اللقى عليها ف‬
‫مواجهة الاهلية التربصة بالكيد‪.‬‬
‫وح ي نتكلم عن الترب ية‪ ،‬و عن الطر يق الطو يل الذي ل بد أن ن سلكه‪ ،‬نق صد هذه البعاد الضرور ية‬
‫الت ذكرنا ناذج منها لجرد التوضيح‪ .‬ومن هذه النماذج – ومن غيها الذي ل نذكره – يتضح جليا‬
‫أن أمامنا شوطا طويلً ف مال التربية ل غن لنا عن الضي فيه‪ ،‬قبل أن يق لنا أن نتساءل‪ :‬وما ذا بعد؟!‬
‫إن ب عض مالت الترب ية قد قطع نا ف يه شوطا ول ن صل‪ .‬وإن بعض ها ال خر ل نبدأ ف يه ب عد! و كل‬
‫تع جل ف ميدان الترب ية بالذات ل يأ ت ب ي‪ .‬ل نه يكون بثا بة إقا مة بنيان على غ ي أ ساس‪ .‬أو على غ ي‬
‫أساس مكي‪ ،‬فكلما ارتفع كان عرضة للنيار‪.‬‬
‫والذين يستطيلون الطريق‪ ،‬ويسبون أن هناك طرقا أقصر وأخصر‪ ،‬ينبغي أن يأخذوا عبة التجربة‪،‬‬
‫سواء كا نت التجر بة هي مذب ة حاة‪ ،‬أم كا نت هي التجر بة "ال سياسية" ف ترك يا‪ .‬فإذا ك نا ل نع تب‬
‫بالحداث‪ ،‬فذلك ف ذاته دليل على نقس ف تربيتنا يتاج إل علج!‬
‫والن‪ ،‬وقد بسطنا الديث ف القضيتي الرئيسيتي اللتي يدور حولما اللف بي العاملي ف القل‬
‫السلمي‪ ،‬فقد آن لنا أن نعب عبورا سريعا بعض القضايا الخرى الت تدور ف الساحة‪ ،‬قبل أن نتم‬
‫حديثنا عن "الصحوة السلمية"‪.‬‬
‫‪m m m‬‬
‫السمع والطاعة‬
‫نتكلم عن هذه القض ية من ح يث إن ا أحد ثت انشقاقات ف الماعات القائ مة بالع مل ف ال ساحة‬
‫السلمية‪ ،‬لنشوب خلفات ف وجهات الن ظر ل يتسع لا صدر تلك الماعات‪ ،‬خيت أعضاءها بي‬
‫السمع والطاعة أو النفصال عن الماعة‪ ،‬أو هددتم بالفصل إن هم ل يسمعوا ويطيعوا‪ ،‬فرضخ بعضهم‬
‫للتهد يد‪ ،‬وك تم ما ف نف سه من اختلف ف وجهة الن ظر‪ ،‬وآثر بعض هم أن ينف صلوا‪ ،‬ليكونوا جاعات‬
‫جديدة‪ ،‬أو ليتركوا العمل السلمي كله‪ ،‬وتأكلهم دوامة الضياع!‬
‫وقضية السمع والطاعة ف القيقة من ألصق القضايا بالتربية‪ ،‬وكانت جديرة أن نتحدث عنها كبعد‬
‫من أبعاد الترب ية الطلو بة للقاعدة ال سلمية‪ .‬لول أن نا آثر نا أن نتحدث هناك عن ب عض النماذج البارزة‬
‫لكي ل يطول بنا الديث‪.‬‬
‫إن السؤال الذي ينبغي أن يُسأل ف هذا الجال ف القيقة هو‪ :‬أي دولة الت نفكر ف إنشائها – حي‬
‫تتاح لا الظروف الوائمة – أهي دولة الشورى السلمية الت أقامها رسول ال‪ r‬والشيخان من بعده‪،‬‬
‫أم هي دولة استبدادية عسكرية النعة‪ ،‬تأمر وتتلقى من رعاياها الطاعة‪ ،‬ول تتيح لم أن يناقشوها فيما‬
‫تفعل وفيما تقول؟!‬
‫معظم الماعات يعتقد "السئولون" فيها أنم هم وحدهم الذين يق لم أن يتناقشوا فيما بينهم‪ ،‬فإذا‬
‫وصلوا إل قرار فهو ملزم لميع العضاء ف الماعة‪ ،‬وأن الخرين كلهم – أي غي أولئك "السئولي"‬
‫– واجبهم السمع والطاعة بغي اعتراض‪ .‬وتلجأ تلك الماعات كما قلنا إل تديد الخالفي بالفصل من‬
‫الماعة إن ل يسمعوا ويطيعوا‪.‬‬
‫وي ب أن نقرر حقي قة ل معدي عن تقرير ها‪ ،‬هي أ نه ل ي كن أن تقوم جا عة بالف عل إن ل ي كن‬
‫لقائد ها حق ال سمع والطا عة على العضاء‪ .‬وي ب أن نقرر حقي قة تاري ية‪ :‬أن الذي هزم عل يا كرم ال‬
‫وجهه هو جيشه الذي ل يكن يتفق على رأي‪ ،‬ول يرضخ لتعليمات قائده حت يتناقش ويتباحث‪ ،‬وقد‬
‫يصل إل قرار ث ينقضه بعد أن يكون القائد قد أخذ ف رسم خطته على أساسه‪.‬‬
‫هذا القـ‪ .‬ولكـن القـ مـن جانـب آخـر أن اسـتئثار بضعـة أفراد فـ الماعـة بالسـلطة بوصـفهم‬
‫"ال سئولي" وإلزام الباق ي بال سمع والطا عة بغ ي اعتراض‪ ،‬فضلً عن الخال فة الشرع ية ال ت يمل ها –‬
‫وسنبينها عاجلً – فإنه هو الذي جعل معظم هذه الماعات ترب "جنودا" ول ترب "قادة" فتعجز عن‬
‫أياد "صف ثان" يمل السئولية بعد القائد الول‪.‬‬
‫إن الطلوب ف الترب ية – ك ما أ سلفنا – هو ترب ية جا عة تكون جنودا ملتزم ي للقائد‪ ،‬وتكون ف‬
‫الو قت نف سه "قيادات" ت مل ال سئولية ب عد ذهاب القائد‪ ،‬و كل قائد ل بد أن يذهب ف يوم من اليام؛‬
‫وذلك هـو النهـج النبوي‪ ،‬الذي أخرج أعظـم جنـد عرفتهـم البشريـة‪ ،‬وأعظـم قيادات عرفتهـا البشريـة‬
‫كذلك‪ ،‬وكان منهجه‪ r‬أن يرب ف أتباعه كل الانبي اللذين تشتمل عليهما النفس البشرية‪ :‬الانب‬
‫الفردي والانـب الجتماعـي على سـواء‪ .‬فأمـا الضغـط على الانـب الفردي مـن أجـل تنميـة الانـب‬
‫الجتما عي فإ نه ين شئ جنودا طائع ي‪ ،‬ن عم‪ ،‬ينفذون أ مر قائد هم ف ا ستسلم له‪ ،‬ولك نه ل ير ب أفرادا‬
‫صالي لمل السئولية‪ .‬والدعوة – ق بل الدولة – ذات مسئوليات ضخمة تتبي ع ند كل منعطف ف‬
‫الطر يق‪ .‬فإذا كان الفراد ل ي سنون إل الطا عة والتنف يذ‪ ،‬ف ما أي سر أن تنحرف الما عة كل ها بانراف‬
‫"السئول"!‬
‫أما الخالفة الشرعية الت أشرنا إليها فهي أن السمع والطاعة ينبغي أن تنضبط بضابطها الشرعي‪" :‬إنا‬
‫الطاعة ف العروف" (‪.)1‬‬
‫فهي ليست طاعة مطلقة "للمسئولي"‪ .‬وليست طاعة بغي نقاش وحوار ومشاورة‪.‬‬
‫ونضرب أمثلة من وا قع الع مل ال سلمي تبي خطورة ال مر‪ ،‬و تبي مدى الن قص ف الترب ية ف هذا‬
‫الانب الطي‪.‬‬
‫فح ي تقول جا عة من الماعات إن فكر ها قائم على أ نه " من قال ل إله إل ال ف هو مؤ من ولو ل‬
‫يع مل عملً واحدا من أعمال ال سلم" – و هو قول غلة الرجئة‪ ،‬الذي ي مل مال فة صرية للكتاب‬
‫والسنة – ث تلزم أعضاءها بالسمع والطاعة لذا القول‪ ،‬أو تددهم بالفصل إن عارضوا‪.‬‬
‫وح ي تقول جا عة من الماعات إن ال سنة لي ست ملز مة‪ ،‬وإن ل نا أن "نت هد" ف ال سنة‪ ،‬فنرى أن‬
‫الد يث الذي ح كم له القدمون بال صحة هو حد يث ضع يف‪ ،‬وأن الد يث الذي ح كم له القدمون‬
‫بالضعف هو حديث صحيح‪ ،‬وأن نرفض من الحاديث ما نراه غي ملئم لحوالنا ولو كان الحدثون‬
‫قالوا إنه صحيح وثابت‪ .‬ث تلزم أعضاءها بالسمع والطاعة لذا القول‪ ،‬أو تددهم بالفصل إن عارضوا‪.‬‬
‫وحي تقوم جاعة من الماعات بالتحالف مع الشيطان‪ ،‬متمثلً ف أحزاب تنكر شريعة ال‪ ،‬وترفض‬
‫اعتبارها ملزمة للناس ف العصر الاضر‪ ،‬ول تعتب الدين – أي السلم – مقوما من مقومات فكرها‪،‬‬
‫وت ضع بد ًل م نه الف كر القو مي العر ب الشترا كي‪ ،‬ث تلزم أعضاء ها بال سمع والطا عة لذا الع مل‪ ،‬أو‬
‫تددهم بالفصل إن عارضوا‪.‬‬
‫حيـ يدث ذلك – وأمثاله – فينبغـي أن نراجـع جيدا مبدأ السـمع والطاعـة مـن ناحيتيـه الشرعيـة‬
‫والتربوية‪ ،‬فمن الناحية الشرعية ينبغي أن تنضبط الطاعة بضابطها الشرعي‪" :‬إنا الطاعة ف العروف"‪.‬‬
‫وينب غي أن يكون ف د ستور هذه الماعات – و ف نظام تربيت ها كذلك – ما يو قف "ال سئولي" ع ند‬
‫حدهم حي يقعون ف تلك الخالفات الشرعية‪ .‬ومن الناحية التربوية – وهي لصيقة بالناحية الشرعية –‬
‫ينبغي أن يُفقه العضاء ف دين ال ليعلموا مت يطيعون ومت يتوقفون عن الطاعة‪ ،‬ومت يقفون الوقف‬

‫() أخرجه الشيخان‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫الازم من "ال سئولي" ليدو هم إل ال ق‪ .‬وينب غي كذلك أن يتربوا على ت مل ال سئولية‪ ،‬با نب اللتزام‬
‫بالسمع والطاعة‪ .‬فإنم مسئولون أمام ال عن كل سع وطاعة قاموا به مالفا للموقف الصحيح‪ ،‬وهم‬
‫مسئولون أمام ال عن الدعوة الت يملونا‪ ،‬ول يعذرهم أمام ال أن يقولوا‪:‬‬
‫سبِيلَ (‪[ })67‬سورة الحزاب ‪]33/67‬‬
‫ضلّونَا ال ّ‬
‫{ِإنّا أَ َط ْعنَا سَا َدَتنَا وَ ُكبَرَا َءنَا َفأَ َ‬
‫وإذا بقيت الماعات يفعل مسئولوها ما يعن لم – حت مع افتراض الخلص الكامل فيهم – ث‬
‫يلزمون العضاء بال سمع والطا عة‪ ،‬أو يهددون م بالف صل إن عارضوا‪ ،‬ف ستظل تدث مالفات ج سيمة‬
‫كالت حدثت من قبل أكثر من مرة‪ ،‬ويظل العمل السلمي يتعثر ويتعثر‪ ،‬حت ينضبط بالضوابط الشرعية‬
‫الصحيحة‪ .‬وتظل الماعات القائمة بالعمل بعيدة عن تقيق الروح السلمية القيقية الت رب با رسول‬
‫ال‪ r‬أصحابه‪.‬‬
‫‪mmm‬‬

‫القيادة الطلوبة‬
‫ذكرنا فيما سبق أن من أسباب تزق العمل السلمي وتفرقه عدم وجود قيادة كبية ترتاح النفوس‬
‫إلي ها وتتبع ها طائ عة‪ ،‬بدا فع العجاب وال ب والتقد ير والتوق ي‪ .‬و ف غاب القيادة ال كبية تقوم قيادات‬
‫صغية متنابذة‪ ،‬يعتز كل منها برأيه وموقفه‪ ،‬فل يدث الوفاق ول يدث اللقاء‪.‬‬
‫وقل نا إن نا ل نلك و سيلة نبز ب ا تلك القيادة ال كبية الطلو بة‪ ،‬إن ا ن كل هذا ال مر إل ال سبحانه‬
‫وتعال‪ ،‬على أن نلتزم نن بالخلص والتجرد ل‪ ،‬فنستحق عند ال أن يهيئ لنا ما نصبو إليه‪ .‬كما قلنا‬
‫من جانب آخر إنه من خلل الختيارات والبتلءات تبز القيادات وتتميز‪ ،‬تقيقا لقوله تعال‪:‬‬
‫ب َومَا كَا نَ اللّ هُ ِليُ ْطِلعَكُ مْ‬
‫خبِي ثَ مِ نْ ال ّطيّ ِ‬
‫{مَا كَا نَ اللّ هُ ِليَذَ َر الْ ُم ْؤ ِمنِيَ عَلَى مَا َأْنتُ ْم عََليْ هِ َحتّى يَمِي َز الْ َ‬
‫عَلَى اْلغَْيبِ} [سورة آل ‪]3/179‬‬
‫ولسنا هنا نضيف جديدا ف هذا الشأن‪ ،‬إنا نقول فقط كلمة سريعة عن نوع القيادة الطلوبة للعمل‬
‫السلمي ف الوقت الاضر‪ .‬ذلك أن الظروف الراهنة ف العمل دقيقة للغاية بسبب اللبسات الداخلية‬
‫والارجية معا‪ .‬ففي الداخل توجد حالة الهالة الت وصفناها من قبل‪ ،‬والت هي السبب الول ف غربة‬
‫السلم الثانية الت أشار إليها رسول ال‪ ، r‬وف الارج توجد العداوات الصليبية والصهيونية التربصة‬
‫الكائدة‪ ،‬الت ل تترك فرصة لناوأة العمل السلمي وماولة إجهاضه إل انتهزتا إل آخر الدى‪ ،‬والقوة‬
‫ف أيديها لتنفيذ ما ترتب من مططات ضد السلم‪.‬‬
‫وف هذه الحوال الدقيقة توجد "معادلة صعبة" ف مال العمل السلمي‪.‬‬
‫فح ي يأ خذ الشباب شح نة ال سلم القي قة‪ ،‬أي حقائق ال سلم ك ما جاءت ف كتاب ال و سنة‬
‫رسوله‪ ،r‬وكما تققت ف التطبيق الصحيح لا ف حياة السلف الصال‪ ،‬وحي يرى الشباب مدى بعد‬
‫الواقع الوجود اليوم عن هذه القائق‪ .‬تلؤه الماسة‪ ،‬ويدفعه إخلصه للحق الذي عرفه إل عدم الصب‬
‫على هذا الواقع‪ ،‬والرغبة ف إزالته بالقوة‪ .‬وهنا يقع الحظور الول‪ ،‬وهو إتاحة الفرصة لعداء السلم‬
‫لتصفية الركات السلمية بتهمة أنا إرهابية‪.‬‬
‫وحيـ يقال للشباب‪ :‬كفوا أيديكـم‪ ..‬ل تعملوا على الصـدام مـع السـلطة لن ذلك عمـل ل طائل‬
‫وراءه‪ ..‬ان صرفوا للترب ية‪ ..‬ت مد حا ستهم‪ ،‬وين صرف كث ي من هم‪ ..‬ويأوي إل عزلة بئي سة‪ ..‬ث تأكله‬
‫الدوامة ويضيع!‬
‫والقيادة الطلوبة للعمل السلمي ف ظروفه الدقيقة الراهنة‪ ،‬هي القيادة الت تستطيع أن تعطى الشحنة‬
‫التربو ية كاملة‪ ،‬و ف الو قت ذاته تقول للناس‪ :‬كفوا أيدي كم‪ ،‬فيطيعون‪ ..‬يطيعون دون أن ت بو حاستهم‬
‫للعمل السلمي‪ ،‬ودون أن يتفلتوا‪ ،‬ودون أن يأكلهم اليأس أو يأكلهم الضياع!‬
‫إنا مهمة صعبة‪ ،‬ومعادلة صعبة‪ .‬ولكنها ذات الال الت ألت بالسلمي ف الغربة الول ف مكة‪.‬‬
‫وهم يتلقون الشحنة التربوية الكاملة من رسول ال‪ ،r‬ويتلقون معها اليذاء البشع من قريش‪ ،‬ث يقول‬
‫لم رسول ال‪ - r‬بأمر الوحي – كفوا أيديكم‪ ،‬فيكفون أيديهم طاعة واحتسابا‪ ،‬وتظل الشحنة حية‬
‫ف نفو سهم ل ت بو ول تنط فئ‪ ،‬ول ين صرفون عن قيادت م‪ ،‬بل يزدادون تعل قا ب ا‪ ،‬ويتطلعون إل رح ة‬
‫ال‪.‬‬
‫ولن تكون هناك بطبيعـة الال قيادة على مسـتوى القيادة النبويـة التفردة فـ التاريـخ البشرى كله‪،‬‬
‫ولكن "النهج النبوي" قد جعل للسوة‪ ،‬وجُعل للتطبيق العملي على مستوى البشر‪ ،‬كما يفهم من قول‬
‫تعال‪:‬‬
‫سَنةٌ لِمَ نْ كَا َن يَرْجُو اللّ َه وَاْلَيوْ مَ ال ِخ َر وَذَكَرَ اللّ هَ َكثِيا (‬
‫{َلقَدْ كَا نَ َلكُ مْ فِي رَ سُولِ اللّ هِ أُ ْس َوةٌ حَ َ‬
‫‪[ })21‬سورة الحزاب ‪]33/21‬‬
‫ولكـن القائد – الذي يأخـذ السـوة مـن رسـول ال‪ ،r‬ويطبـق "النهـج النبوي" على صـورته‬
‫الصحيحة‪ -‬لبد أن يكون إنسانا فائقا‪ ،‬متصفا بالصفات اللزمة للقيادة‪ ،‬مع تكن خاص ف الصفات‬
‫اللزمة للظروف الراهنة الدقيقة‪ ،‬ليزيل ال على يديه الغربة الثانية للسلم‪ ،‬كما أزال الغربة الول على‬
‫يد رسول ال‪ .r‬وتلك مهمة الغرباء على أي حال كما حددها رسول ال‪.r‬‬
‫"فطوب للغرباء‪ ،‬يصلحون ما أفسد الناس من سنت" (‪.)1‬‬
‫وحيـ توجـد هذه القيادة بالواصـفات الطلوبـة‪ ،‬وعلى السـتوى الكافـئ لظروف الدقيقـة الراهنـة‪،‬‬
‫سيلتئم كثي من الشتات التناثر على الساحة‪ ،‬بعد أن يعرف النهج الصحيح‪.‬‬
‫وحي ل تصب الاهلية على القائد فتقتله‪ ،‬كما قتلت أئمة الدعوة من قبل‪ ،‬فسيحدث من مقتله مولد‬
‫جديد للدعوة‪ ،‬ول تبو الشعلة أبدا‪ ،‬ما دامت تعرف النهج الصحيح‪.‬‬
‫‪mmm‬‬

‫هل نتعلم ف الدارس الاهلية؟‬


‫ظاهرة خطية تقع من بعض الشباب الخلص التحمس الذي نذر نفسه للدعوة إل ال‪.‬‬
‫يكون قد و صل إل ال سنة النهائ ية من درا سته الامع ية‪ ،‬وإذا به فجأة يترك الدرا سة لن ا "جاهل ية"‬
‫وينصرف إل عمل تافه يرتزق منه ف حدود الكفاف‪ ،‬ويل نفسه الحساس بأنه قد تغلب على نفسه‬
‫ورغائبها‪ ،‬واستعلى على الياة الدنيا وزينتها‪ ،‬و"ترد" ل‪ ،‬وللدعوة‪ ،‬وحقق ف نفسه الثال‪:‬‬
‫ول شك عندنا ف أن مناهج الدراسة ف مدارسنا ومعاهدنا ذات صبغة جاهلية صارخة‪ ،‬وضعها لنا‬
‫أعداؤنا ليفتنونا عن إسلمنا‪ ،‬كما بينا من قبل ف الديث عن الغزو الفكرى‪ ،‬واستخدام مناهج التعليم‬
‫أداة من أكب أدواته وأخطرها‪ .‬ولو ل يكن من هذه الناهج غي بثها الدائم لدعاوى الوطنية والقومية‪،‬‬
‫والعلمانية والشتراكية‪ )2(...‬وإشادتا الدائمة بالذين ل يكمون با أنزل ال‪ .‬لكفي بذلك إثا‪ .‬ولكنها‬
‫ف القيقة ل تكتفي بذلك ف أي مرحلة من مراحلها‪ ،‬إنا تنشئ ثقافة وعلما مضادا للدين‪ ،‬يهدف ف‬
‫النهاية إل إخراج العباد من عباد ال (‪.)3‬‬
‫ول شك عندنا من جانب آخر ف إخلص الشباب الذي يقرر النصراف عن هذه الثقافة الاهلية‬
‫والنقطاع – فجأة – عن التعليم‪ .‬ولكنه رغم ذلك يطئ بذا التصرف خطأ بالغا يدل على نقص ف‬
‫البصية‪ .‬ولقد ذكرنا مرارا ف هذا البحث أن الخلص وحده ل يكفي‪ ،‬ولبد معه من البصية كما‬
‫وجه ال رسوله‪:r‬‬
‫{قُ ْل هَذِ هِ َسبِيلِي أَ ْدعُو إِلَى اللّ ِه عَلَى بَ صِ َيةٍ َأنَا َومَ نْ اّتَب َعنِي وَ سُبْحَانَ اللّ ِه َومَا َأنَا مِ نْ الْمُشْرِكِيَ (‬
‫‪[ })108‬سورة يوسف ‪]12/108‬‬

‫()رواه الترمذى‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫() انظر إن شئت كتاب "مذاهب فكرية معاصرة"‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫() راجع الكلم عن الغزو الفكري ف الفصل السابق‪ ,‬وفصل "العلمانية" من كتاب "مذاهب فكرية معاصرة"‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫والمر الذي يغفله الذين ينصرفون على هذا النحو ينطوي على عدة جوانب‪:‬‬
‫الانب الول‪ :‬أننا إذا انصرفنا كلنا عن تعاطى العلم والثقافة بجة أنه علم جاهلي وثقافة جاهلية‪،‬‬
‫ف سيكون هذا من أ سلحة أعدائ نا ال ت ي ستخدمونا ضد نا! ف سيتبط ال هل بالدعوة ف حس الناس‪،‬‬
‫وسيتبط العلم بالعراض عن الدين والنسلخ منه‪ ،‬وتلك هي الالة الت كان المر قد صار غليها قبل‬
‫ال صحوة ال سلمية‪ ،‬وكا نت هي ذات ا م ا ا ستغله العداء لتنف ي الناس من الد ين! ول قد كا نت مز ية‬
‫الصـحوة السـلمية – كمـا أسـلفنا فـ مبدأ الديـث عنهـا – أن القائميـ بالدعوة الديدة هـم مـن‬
‫"الفندية" الذين تلقوا الثقافة "الديدة" "التقدمية"‪ ،‬ولكنهم مع ذلك عادوا إل الدين‪ ،‬وقاموا بالدعوة‬
‫إليه‪ .‬وكانت تلك مفاجأة سيئة للعداء‪ ،‬أثارت كثيا من الضطراب ف مططاتم‪ ،‬وألأتم – من شدة‬
‫حنق هم – إل توج يه الضربات الوحش ية للع مل ال سلمي‪ ،‬فكان من نتي جة هذه الضربات – بقدر من‬
‫ال – اتساع القاعدة وإقبال الزيد من الشباب على السلم‪.‬‬
‫فلو أننا عدنا اليوم فانصرفنا عن الثقافة والعلم – بأي حجة من الجج – فستفقد الركة السلمية‬
‫سببا من أهم أسبابا قوتا ف الصراع الوحشي الدائر ضد السلم‪ ،‬وسنعود إل مثل الوضع الذي كان‬
‫قبل الصحوة‪ .‬وسنعي العداء – من حيث ل ندرى ول نتسب – على تنفي الناس من الدين!‬
‫والانب الثان‪ :‬أن ما ف الدارس والامعات اليوم من العلم ليس كله خطأ‪ ،‬وليس كله ضارا‪ ،‬وليس‬
‫كله ما يكن أن يستغن عنه!‬
‫صحيح أنه يقدم بروح جاهلية‪ .‬فنحن نقول ف كتبنا العلمية البحتة إن "الطبيعة" خلقت‪ ،‬والطبيعة‬
‫اخت صت الكائن الفل ن بكذا من الواص بدلً من أن نقول القي قة "العلم ية" و هي أن ال هو الذي‬
‫َهـثُمّ هَدَى (‪[ })50‬سـورة طــه ‪ .]20/50‬وننـ‬ ‫خلق‪ ،‬وأن ال هـو {الّذِي َأعْطَى كُ ّل َشيْءٍ خَ ْلق ُ‬
‫نتحدث عن حتم ية "القوان ي الطبيع ية" (‪ )1‬ب ا يو حي للدار سي أن ال سبحانه وتعال عن ذلك علوا‬
‫كبيا ل يستطيع – إذا شاء – أن يقف هذه القواني أو يغيها أو يغي نتائجها! وهذه وتلك ننقلها نقلً‬
‫أعمى من كتب العلوم الت نترجها من الراجع الوروبية ونضع عليها أساءنا! غي آبي ول ملتفتي إل‬
‫أن مو قف الكني سة ف أورو با هو الذي ج عل العلم هناك يأ خذ تلك الروح العاد ية للد ين‪ ،‬ول كن هذه‬
‫الروح ليست علما حقيقيا‪ ،‬إنا هي أهواء وشهوات مازجت ذلك العلم‪.‬‬
‫كل هذا صحيح‪ .‬ولكنه ل يع ن أننا نستطيع أن ن ستغن عن ال طب‪ ،‬أو الندسة‪ ،‬او الرياضيات‪ ،‬أو‬
‫غيها من العلوم‪ ،‬ول يعن أننا نستطيع أن نطرحها من حياتنا ث تكون حياتنا صحيحة سليمة! فمثل‬

‫() صار "العلم" اليوم هو الذي يقول إن "قواني الطبيعة" ليست "حتمية"! وإنا هي مررد "احتمالت" بعضها أقوي من بعض!‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫هذه العلوم ضرورة للحياء‪ ،‬وإن ل نتعلمهـا – بأي حجـة مـن الجـج – نكون ناقصـي فـ وجودنـا‪،‬‬
‫ونكون ف الوقت ذاته مقصرين ف أداء ما خلقنا ال من أجله من اللفة ف الرض‪ ،‬الت تعن اليمنة‬
‫على الرض‪ ،‬والنشاء والتعمي فيها‪ ،‬والت من أجلها علّم ال آدم الساء كلها‪ ،‬وجعل لبن آدم السمع‬
‫والبصار والفئدة‪:‬‬
‫{وَاللّ هُ أَ ْخرَ َجكُ ْم مِ ْن بُطُو نِ ُأ ّمهَاتِكُ ْم ل َتعْلَمُو َن َشيْئا وَ َجعَلَ َلكُ مْ ال سّمْ َع وَا َلبْ صَا َر وَالَفْئِ َدةَ َلعَّلكُ مْ‬
‫شكُرُونَ (‪[ })78‬سورة النحل ‪]16/78‬‬ ‫تَ ْ‬
‫والانب الثالث‪ :‬أن مهمة هذه المة هي هداية البشرية إل النهج الق‪:‬‬
‫س َويَكُو نَ الرّ سُو ُل عََلْيكُ ْم َشهِيدا} [سورة‬
‫{وَكَذَلِ كَ َجعَ ْلنَاكُ مْ ُأ ّم ًة وَ سَطا ِلَتكُونُوا ُشهَدَا َء عَلَى النّا ِ‬
‫البقرة ‪]2/143‬‬
‫والركـة السـلمية القائمـة فـ الرض اليوم ذات رسـالة للبشريـة الضالة‪ ،‬تديهـا فيهـا إل النهـج‬
‫الق‪ )1(...‬فهل تستطيع أن تديها وهي جاهلة ف جانب من الوانب الامة ف الياة عامة‪ ،‬وف الياة‬
‫الاضرة بصـفة خاصـة؟ أم إن الفروض أن تطلع على معارف الاهليـة العاصـرة ثـ تديهـا لتصـحيح‬
‫منهجها‪ ،‬ومن منطلق العلم ل من منطلق الهل‪ .‬فالهل ل يهدى إل شئ قط!‬
‫وأنا أتدث عن خبت الشخصية‪:‬‬
‫لقد كانت دراست لفرويد وأنا طالب بالعهد العال للمعلمي‪ ،‬هي الفتاح الذي وجهن إل معرفة‬
‫نقاط اللل ف الياة الوروب ية العا صرة‪ ،‬وانرافات الف كر الغر ب‪ ،‬وزادت ن معر فة بالن هج ال سلمي‬
‫الصحيح ف مال التربية وعلم النفس وغيها من الجالت‪.‬‬
‫أقول‪ ،‬كما وجهنا ال أن نقول‪:‬‬
‫{الْحَ ْمدُ لِلّ ِه الّذِي هَدَانَا ِل َهذَا َومَا ُكنّا ِلَنهْتَدِيَ َلوْل َأنْ هَدَانَا اللّهُ} [سورة العراف ‪]7/43‬‬
‫وأقول من جانب آخر‪ :‬لو أنن أغلقت قلب وفكري عن الطلع على "علم" الغرب‪ ،‬فمن أين ل –‬
‫كان – أن أعرف جوانب اللل فيه‪ ،‬وأن أحاول البحث عن النهج الصحيح ف التفكي؟!‬
‫كل! ما يستفيد من هذه النعة إل أعداء هذا الدين!‬
‫‪m m m‬‬

‫ماذا نتقلد من الوظائف ف "الجتمع الاهلي"‬

‫() سسنشي إل هذا العن ف الفصل القادم "نظرة إل الستقبل"‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫يب بادئ ذي بدء أن نبي ما نقصده حي نقول "الجتمع الاهلي" لنه كلمة يسهل إساءة فهمها‬
‫ف الدوامة الفكرية الت تيط بالناس ف الغربة الثانية للسلم‪.‬‬
‫إن هذه الجتمعات الت نعيش فيها اليوم متمعات جاهلية كما أسلفنا القول من قبل‪ ،‬لنا ل تَحكم‬
‫ول تكَم بشريعة ال‪ ،‬إنا تكم وتكم بناهج جاهلية وشرائع جاهلية‪ .‬وكل حكم غي حكم ال هو –‬
‫كما بي ال ف كتابه النل – حكم جاهلي‪:‬‬
‫س ُن مِنْ اللّهِ ُحكْما ِل َق ْومٍ يُوقِنُونَ (‪[ })50‬سورة الائدة ‪]5/50‬‬
‫حكْ َم الْجَاهِِلّي ِة َيْبغُونَ َومَنْ أَحْ َ‬
‫{أَفَ ُ‬
‫والية واضحة الدللة ف أن الكم – عند اله – نوعان اثنان ل ثالث لما‪ :‬إما حكم ال‪ ،‬وإما حكم‬
‫الاهلية‪.‬‬
‫ولكن وصفنا لذه الجتمعات بأنا جاهلية لنا تكم بغي ما أنزل ال‪ ،‬ل علقة له البتة بعقائد أهل‬
‫هذه الجتمعات‪ .‬فقد يكونون مسلمي‪ ،‬وقد يكونون كفارا‪ ،‬وقد يكونون خليطا من السلمي والكفار‪،‬‬
‫وت ظل صفة الجت مع تابعة لنوع ال كم الذي ي كم به ذلك الجت مع ب صرف الن ظر عن عقائد من فيه‪.‬‬
‫وذلك كو صف "الدار" بأن ا دار حرب أو دار إ سلم بالن ظر إل غل بة الحكام في ها ب صرف الن ظر عن‬
‫عقائد أهلها‪ .‬فقد كانت "الدينة" دار إسلم حي هاجر إليها رسول ال‪ r‬وأقام فيها حكم ال‪ ،‬مع أن‬
‫ال سلمي كانوا ف مبدأ ال مر قلة بالن سبة لجموع أ هل الدي نة‪ .‬وكا نت م صر دار إ سلم ح ي فتح ها‬
‫السلمون وأقاموا فيها شريعة ال‪ ،‬مع أن غالبية أهلها ل يكونوا مسلمي‪ ،‬وظلوا غي مسلمي فترة طويلة‬
‫من الو قت‪ .‬وكا نت ال ند دار إ سلم ح ي فتح ها ال سلمون وحكموا في ها شري عة ال‪ ،‬مع أن ال سلمي‬
‫ظلوا طيلة ال كم ال سلمي الذي ام تد ثان ية قرون أقل ية بالن سبة لجموع سكان ال ند – ما يزالون! –‬
‫على العكس من ذلك ح ي أقام الليبيون دويلت ن صرانية ف العام السلمي ا ستمر بعضها مائ ت عام‪،‬‬
‫كانت تلك الدويلت دار حرب مع غالبية سكانا مسلمون‪.‬‬
‫إذا عرف نا هذا‪ ،‬فل بد أن تطرق إل القض ية ال ت تثار دائما ح ي ن صف هذه الجتمعات بأن ا جاهل ية‬
‫بسبب عدم قيام شريعة ال فيها‪ ،‬وهي‪ :‬كيف نكم على "الناس" ف هذه الجتمعات‪.‬‬
‫و قد سبق لنا بيان الرأي ف هذه القضية‪ ،‬و هو أننا الن ف مقام التعل يم ل ف مقام إ صدار الحكام‬
‫على الناس‪ .‬ولكننا – ف مقام التعليم – لبد أن نبي للناس حكم ال ف هذه القضية ليعرفوه‪ ،‬وليتخذوا‬
‫مواقفهم بناءً على معرفة واضحة بكم ال‪.‬‬
‫فأما جاهلية الجتمع فمردها إل أن هناك "مظلة جاهلية" تظلل الجتمع هي الكم بغي ما أنزل ال‪.‬‬
‫و هي مظلة ت ظل كل الناس الواقف ي تت ها‪ ،‬ب ا ف ذلك الدعاة إل ال! أ ما الناس الواقفون ت ت الظلة‬
‫فالكم عليهم – كما بي رسول ال‪ - r‬مستمد من موقفهم هم من الظلة! فمن رضى با فهو منها‪،‬‬
‫ومن أنكرها فله حكمه الاص‪:‬‬
‫"‪ ..‬ف من جاهد هم بيده ف هو مؤ من‪ .‬و من جاهد هم بل سانه ف هو مؤ من‪ .‬و من جاهد هم بقل به ف هو‬
‫مؤمن‪ .‬وليس وراء ذلك من اليان حبة خردل" (‪.)1‬‬
‫"‪ ..‬فمن كره فقد برئ‪ ،‬ومن أنكر فقد سلم‪ ،‬ولكن من رضى وتابع" (‪.)2‬‬
‫فإذا كان هذا هو حكم الجتمع‪ ،‬وحكم اله ف ذلك الجتمع‪ ،‬فما حكم تقلد الوظائف فيه؟‬
‫الصل ف "السلمي" – أي الذين ينكرون الكم بغي ما أنزل ال – أن يكونوا – بقدر المكان –‬
‫ف مواقع بعيدة عن ضغط الكم الاهلي عليهم‪ .‬ولكن هذا ل يتوافر ف جيع الحوال‪ ،‬فكثي من الناس‬
‫تضطر هم ظروف العي شة أن يدخلوا ت ت هذا الض غط من أ جل إعالة أنف سهم وإعالة ذوي هم‪ .‬و هي –‬
‫كمـا ترى – ضرورة بالنسـبة لكثيـ مـن الناس‪ .‬فأي الوظائف يصـح لمـ – تتـ هذه الضرورة – أن‬
‫يعملوا فيها؟‬
‫ل يوجد تديد دقيق ف القيقة‪ .‬ولكنا نقول بصفة عامة إنه كلما قربت الوظيفة من "السلطان" فقد‬
‫َبعُدَ موقع اللم منها بالضرورة!‬
‫فالطبيب السلم يكن أن يعمل ف وظائف الطب‪ .‬ويكن أن يكون بنظافة سلوكه‪ ،‬ونظافة ضميه‪،‬‬
‫ونظا فة تعامله‪ ،‬نوذجا يبب الناس ف السلم‪ .‬ويكون ف الوقت نفسه مصورا ف دائرة عمله الفن‪،‬‬
‫بعيدا عن تدخل الاهلية الباشر ف عمله‪ .‬والهندس كذلك‪.‬‬
‫أما العلم فهو خاضع – ل مالة – لقدر من ضغط الاهلية عليه‪ ،‬سواء ف الناهج غي السلمية الت‬
‫تدرسن أو فيما يفرض عليه فرضا من الشادة بالطغاة الذين ل يكمون با أنزل ال‪ .‬ولكنه – مع ذلك‬
‫– يلك‪ ،‬ب سلوكه النظ يف‪ ،‬وأخل قه العال ية‪ ،‬وترف عه عن الدنا يا‪ ،‬وضر به ال ثل ف اعتزازه بنف سه ودي نه‬
‫وخلقه أن يبي للتلميذ والطلب – ف صورة عملية – كيف يتميز السلم عن الاهلية‪.‬‬
‫وغي أولئك – من "الوظف ي" – يبتعدون أو يقتربون من ضغوط الاهلية ب سب نوع الع مل الذي‬
‫يقومون به‪.‬‬
‫ولكن ف جيع الالت ل ينبغي "للمسلم" – أي الذي ينكر حكم الاهلية – أن يكون وزيرا‪ .‬فإنه‬
‫عندئذ يقع تت الضغط الباشر للجاهلية‪ ،‬بيث ل يستطيع الفكاك! وأبسط ذلك أن يقسم يي الولء‬

‫() أخرجه مسلم‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫() أخرجه مسلم‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫للحكم الاهلي الذي ينكره‪ ،‬أو لطغاة الذين يكمون بغي ما أنزل ال! ول أن يكون ف موضع التعامل‬
‫الباشر مع التشريع الخالف لا أنزل ال‪ ،‬فإنه ل يستطيع عندئذ أن ينجو من مالفة أمر ال!‬
‫وكل ما يقال ف تبير ذلك ل يكن أن يبره ف القيقة‪ ،‬كما أسلفنا القول من قبل‪.‬‬
‫ول كن ب عض الناس يط يب له أن ي ستشهد بيو سف عل يه ال سلم ح ي قال للملك الذي ل ي كم ب ا‬
‫أنزل ال‪:‬‬
‫{قَالَ ا ْجعَ ْلنِي عَلَى خَزَائِ ِن الَ ْرضِ ِإنّي َحفِيظٌ عَلِيمٌ (‪[ })55‬سورة يوسف ‪]12/55‬‬
‫والقياس على حالة يوسف عليه السلم قياس باطل!‬
‫فإن يوسف عليه السلم ل يقل للملك {ا ْجعَ ْلنِي عَلَى خَزَائِ ِن الَرْ ضِ} حت كان اللك قد قال له‪:‬‬
‫ك اْليَوْمَ َل َديْنَا مَكِيٌ َأمِيٌ (‪[ })54‬سورة يوسف ‪ ]12/54‬أي أنه مكن له ف الرض‪ ،‬وف الكم‪،‬‬ ‫{ِإنّ َ‬
‫بيث يأمر فيطاعن ول يؤمر فيطيع!‬
‫وحي تكون هناك حكومة جاهلية ل تكم با أنزل ال‪ ،‬تقول لرجل مسلم‪ :‬تعال فتول لنا وزارة من‬
‫الوزارات‪ ،‬بيث تكون أنت الخطط فيها والنفذ‪ ،‬ول نتدخل ف عملك‪ ،‬بل ننفذ لك أوامرك‪ .‬فعندئذ‬
‫ل حرج على الر جل ال سلم أن يق بل العرض‪ ،‬ويتار الوزارة ال ت يعلم من نف سه وا ستعداداته أ نه ك فء‬
‫لا‪ ،‬ويكون ف موقعه ركنا من أركان الدعوة‪ ،‬ومنفذا لشريعة ال‪ .‬فهل يدث هذا ف عالنا؟!‬
‫وحي ل يدث ذلك‪ ،‬فكل كسب وقت تكسبه الدعوة – وهي تكسب مكاسب مؤقتة دون شك‬
‫– ل يوازي الضرر الادث من تي يع قض ية ال كم ب ا أنزل ال ف حس الماه ي‪ ،‬وبالتال تأخ ي قيام‬
‫"القاعدة السلمة" الت ل يقوم بغيها حكم إسلمي ول يكن له ف الرض!‬
‫‪m m m‬‬

‫هل نرغّب الناس ف السلم‬


‫بذكر ماسن النظام السلمي؟‬
‫يقولون‪ :‬من باب الترغيب‪ ..‬من باب "تأليف القلوب"‪ .‬ينبغي أن ندث الشباب خاصة عن ماسن‬
‫النظام السلمي‪ ،‬لن الشباب عرضة – بسبب الغزو الفكري – للفتنة بالذاهب العاصرة – بالديقراطية‬
‫والشتراك ية خا صة – فل بد أن ن تبي له أن النظام ال سلمي أف ضل من تلك الن ظم‪ ،‬لنوا جه تلك الفت نة‬
‫الت يدثها الغزو الفكري ف غيبة من العرفة الصحيحة بالسلم‪.‬‬
‫ولسنا نعترض على كاتب يكتب عن النظام السلمي‪ .‬ولكن هناك عدة ماذير ينبغي أن نعل بالنا‬
‫إليها‪.‬‬
‫الحذور الول‪ :‬هو "الدفاع" عن السلم!‬
‫إن اعتبار السلم متهما ينبغي أن تنبي أقلمنا للدفاع عنه هو منهج خاطئ يب البتعاد عنه‪ .‬لن‬
‫النظام الربان ل يتاج إل دفاع البشر عنه لتبئته من "التهم"‪ ،‬ول إل إعلن براءته ما يتهمه به الناس!‬
‫ويكون نق صا ف عقيدت نا إن ظن نا ل ظة واحدة أن د ين ال "متاج" إل تبئة ساحته بكلم يقوله الب شر‬
‫من عند أنفسهم!‬
‫إنا يتاج الناس دائما إل طبيان" حقائق السلم لم‪:‬‬
‫{ َوأَنزَْلنَا إَِليْكَ الذّكْرَ ِلُتَبيّنَ لِلنّاسِ مَا ُنزّلَ إَِلْيهِمْ وََلعَّلهُ ْم َيتَ َفكّرُونَ (‪[ })44‬سورة النحل ‪]16/44‬‬
‫فالنهج الصحيح إذن هو بيان حقائق السلم للناس‪ ،‬فهم ف حاجة دائمة إل هذا البيان ف كل جيل‬
‫من أجيالم‪ ،‬وف الجيال العاصرة خاصة‪ ،‬الت أصبح السلم غريبا بينها من شدة جهلها بقائقه‪ .‬ول‬
‫بأس – ف أثناء بيان حقائق السلم – أن تقف عند شبهة ترد ف أذهان الناس من عند أنفسهم بسب‬
‫عدم العرفة‪ ،‬أو يثيها العداء ليفتنوا با السلمي عن دينهم‪ ،‬فنجلى هذه الشبهة ببيان القيقة فيها‪.‬‬
‫أما "الدفاع" عن السلم فقد كان بعض الكتاب السلميي قد وقعوا فيه – وما أبرئ نفسي – ف‬
‫وقـت كانـت آثار الزيةـ الداخليـة مـا تزال عالقـة بالنفوس إزاء الجوم السـتمر العنيـف الذي يثيه‬
‫الستشرقون‪ ،‬وأعداء السلم لفتنة الشباب "الثقف" عن دينه‪.‬‬
‫وقد كتبت ف زمن مبكر كتاب "شبهات حول السلم" للرد على بعض تلك الشبهات الت يثيها‬
‫العداء‪ .‬وعلى الرغـم مـن أن الكتاب فـ القيقـة ل يكـن "دفاعا" بالعنـ العروف‪ ،‬إناـ كان هجوما‬
‫شديدا على الاهلية الوروبية العاصرة‪ ،‬ما أثار مستشرقا معاصرا هو "ولرد كانتول سيث" فأشار إل‬
‫الكتاب عدة إشارات حانقة ف كتابه "السلم ف التاريخ الديث"‪.‬‬
‫على الر غم من ذلك ف قد أعل نت ف مقد مة الطب عة ال سابعة للكتاب عن عدم موافق ت على من هج‬
‫الكتاب‪ ،‬وبينت رأيي ف النهج الصحيح الذي ينبغي أن يتبع‪ ،‬وهو بيان حقائق السلم للناس ابتداء‪ ،‬ول‬
‫وضع الشبهة والرد عليها‪ ،‬وقلت ف تلك القدمة إنن همت أكثر من مرة أن ألغى هذا الكتاب من قائمة‬
‫ك تب‪ ،‬لول أ نه يط بع ويتر جم إل لغات كثية دون إذ ن ف كث ي من الالت ودون عل مي‪ ،‬فآثرت أن‬
‫أبق يه على ما هو عل يه‪ ،‬مع الت نبيه إل خ طأ الن هج ووجوب اتباع الن هج ال صحيح بالن سبة ل ثل هذه‬
‫الشبهات‪.‬‬
‫والحذور الثان‪ :‬هو إدخال بعض الفاهيم غي السلمية ف السلم رغبة من الكاتب ف "الدفاع"‬
‫عن السلم! وهو كذلك أثر من آثار الزية النفسية إزاء هجوم العداء!‬
‫فحي نقول إن السلم يعطى الرأة جيع القوق الت أعطتها إياها "الضارة الديثة"‪.‬‬
‫وحي نقول إن الغلم ل يقاتل إل للدفاع إزاء هجوم يقع على السلمي‪.‬‬
‫وح ي نقول إن ال سلم يع طى الدولة حق م صادرة الموال أو تأميم ها – ولو كا نت من م صدر‬
‫حلل – إذا ترتب على وجود اللكية ضرر‪.‬‬
‫وحي نقول إن السلم ل يأب "النفتاح" على ثقافات البشرية ونظمها‪ ،‬والستفادة منها‪ .‬أو نقول‬
‫إن السلم نظام ديقراطي أو نظام اشتراكي‪.‬‬
‫حي نقول هذا وأمثاله ما يرد ف كتابات بعض الكتاب بسن نية‪ ،‬فإننا ف القيقة ل ندم السلم‬
‫ب ثل هذا "الدفاع" – فضلً عن كون "الدفاع" نف سه ل يس واردا بالن سبة لد ين ال – وإن ا ن ن نل قى‬
‫الغبش على حقيقة السلم الناصعة‪ ،‬وندخل على السلم – بوعي أو بغي وعى – ما ليس فيه‪.‬‬
‫"فالضارة" الاهلية العاصرة أعطت الرأة – كما أعطت الرجل – حق الفساد والتهتك والتبذل‬
‫باسم "الرية الشخصية" فهل يسمح السلم بذلك للمرأة أو الرجل سواء؟! وهذه الضارة قد عملت‬
‫على ترجيل الرأة وإفساد أنوثتها وهي تنفخ ف كيانا باسم الساواة مع الرجل‪ .‬فهل يرضى السلم عن‬
‫ذلك؟ كما عملت تلك الضارة على إحراج صدر الرأة من قوامة الرجل‪ ،‬وجعلتها تنظر إليها على أنا‬
‫عدوان على كيان ا وكرامت ها‪ .‬ف هل يق بل ال سلم هذا ال سخ الذي م سخته تلك الاهل ية لكيان الرأة‪،‬‬
‫وخرجت با عن الكمة الت خلق ال با الزوجي‪ ،‬وجعل العلقة بينهما سكنا ومودة ورحة‪ ،‬فانقلبت‬
‫قلقا وخصاما وتزقا وفرقة‪.‬‬
‫{ َومِ نْ آيَاتِ هِ أَ نْ َخلَ قَ َلكُ ْم مِ نْ أَنفُ سِكُمْ أَ ْزوَاجا ِلتَ سْ ُكنُوا إَِلْيهَا وَ َجعَ َل َبْينَكُ ْم َموَ ّدةً وَ َرحْ َمةً} [سورة‬
‫الروم ‪]30/21‬‬
‫إنا يعمد البثاء من الستشرقي إل مهاجة السلم ف موضوع الرأة فيقولون ويلحون ف القول‪ :‬إن‬
‫ال سلم يت قر الرأة ول يعطي ها حقوق ها الن سانية‪ ،‬ليقوم ناس – ي سن ن ية – "فيدافعوا" عن ال سلم‪،‬‬
‫فيقولوا‪ :‬كل! لقد أعطى السلم الرأة جيع القوق الت أعطتها إياها الضارة الديثة‪ ،‬فيكونون بذلك‬
‫قد وقعوا ف ال فخ الن صوب ل م‪ ،‬وأدخلوا كل ما صارت إل يه الرأة من ف ساد ف الفطرة وف ساد ف‬
‫الخلق تت الظلة السلمية!‪ ..‬فيقوم آخرون من عصابة الستشرقي – إمعانا ف الكيد – فيقولون‪:‬‬
‫إن ال سلم ل يارب الرأة ول يتقر ها‪ ،‬بل هو نظام حضاري ي سمح بالتطور وي سمح بالتقدم‪ ،‬ول يس‬
‫جامدا صلدا ك ما ادعى الذ ين ل يفهموه! فن سارع ن ن إل ال ستشهاد با يكتبون‪ ،‬ونقول‪ :‬انظروا إل‬
‫(‪)1‬‬
‫"النصفي" من الستشرقي! لقد اعترفوا بأن السلم نظام حضاري تقدمي!!‬
‫وكذلك قضية القتال "الدفاعي"‪.‬‬
‫يظل الستشرقون يهاجون السلم ويقولون إن السلم قد انتشر بالسيف! ليقوم ناس – بسن نية‬
‫– فيقولوا‪ :‬أبدا‪ ..‬إن ال سلم ل يقا تل إل دفاعا‪ .‬ويكونون بذلك قد وقعوا ف ال فخ الن صوب‪ ،‬و هو‬
‫إبعاد "الهاد" لنشر الدعوة عن حس السلمي‪ ،‬وهو أخوف ما يافه أعداء السلم من السلم!‬
‫إن السلم يستخدم السيف – بأمر من ال سبحانه وتعال – ولكن ل ليفرض العقيدة على الناس‪،‬‬
‫بل ليزيل النظمة الاهلية الت تجب – بوجودها – الق عن الناس‪ ،‬فإذا أزيلت النظمة الاهلية بقى‬
‫ـ بقـى القباط فـ مصـر‪ ،‬والنصـارى فـ سـوريا‬‫الناس أحرارا ل تفرض عليهـم العقيدة السـلمية‪ ،‬كم ا‬
‫ولبنان‪ ،‬والجوس ف الند‪ ،‬ل يكرههم أحد على اعتناق عقيدة السلم‪.‬‬
‫وت ظل الشيوع ية تا جم ال سلم من ج هة إباح ته للملك ية الفرد ية – ال ت ت شن الشيوع ية علي ها كل‬
‫هجوم ها – ليقوم ناس – ب سن ن ية – فيقولوا – دفاعا عن ال سلم – كل! إن ال سلم ي ضع ف يد‬
‫الدولة حـق الصـادرة والتأميـم لقامـة "العدل الجتماعـي"‪ ،‬فيقعوا فـ الفـخ النصـوب! ويدخلوا‬
‫"الشتراكية" ف السلم‪ ،‬وهو هدف رئيسي من أهداف الشيوعية ف العال السلمي‪ .‬فالطة القائمة‬
‫الن بتوجيه روسيا هي توجيه دعاة الشيوعية من يملون أساء إسلمية إل "تبن" السلم‪ ،‬مع زحزحته‬
‫عن حقيقته وإلباسه ثوب الشتراكية‪ ،‬تسهيلً للغزو الشيوعي ف بلد السمي!‬
‫إنا يستخدم السلم أدواته الاصة لقامة العدل الجتماعي‪ ،‬ولوازنة الجتمع إذا اختل توازنه بسبب‬
‫(‪)2‬‬
‫مالفة مقاصد الشريعة‪ ،‬وليس من هذه الدوات مصادرة ما اكتسب عن طريق حلل ول تأميمه‪...‬‬
‫وليس هنا بطبيعة الال مال بسط هذه القضايا‪ .‬إنا نن نشي فقط إل سلوك خاطئ يقع فيه من يقع‬
‫بسن نية وهو يسب أنه "يدافع" عن السلم‪.‬‬
‫وكذلك قضية "انفتاح" السلم على الثقافات والنظم!‬
‫إنا دعوة لتمييع السلم وإزالة أصالته النابعة من كونه نظاما ربانيا متفردا ل يتلط بغيه من النظم‬
‫ول يتزج با‪:‬‬
‫س َويَكُو نَ الرّ سُو ُل عََلْيكُ ْم َشهِيدا} [سورة‬
‫{وَكَذَلِ كَ َجعَ ْلنَاكُ مْ ُأ ّم ًة وَ سَطا ِلَتكُونُوا ُشهَدَا َء عَلَى النّا ِ‬
‫البقرة ‪]2/143‬‬

‫() انظر إن شئت كتاب "الستشرقون والسلم"‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫() جاء ف كتاب الراج لب يوسف‪ :‬إن لول المر أن يوظف (أي يفرض) ف أموال الغنياء بقدارا ما يتاج بيت الال‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫حنُ لَ ُه عَابِدُونَ (‪[ })138‬سورة البقرة ‪]2/138‬‬
‫صْب َغةً َونَ ْ‬
‫س ُن مِنْ اللّهِ ِ‬
‫صْب َغةَ اللّ ِه َومَنْ أَحْ َ‬
‫{ِ‬
‫س ُن مِنْ اللّهِ ُحكْما ِل َق ْومٍ يُوقِنُونَ (‪[ })50‬سورة الائدة ‪]5/50‬‬
‫حكْ َم الْجَاهِِلّي ِة َيْبغُونَ َومَنْ أَحْ َ‬
‫{أَفَ ُ‬
‫والذين يقعون ف هذه الدعوة يصدرون – بوعى أو غي وعى – عن هزية داخلية أمام النظم الغربية‪،‬‬
‫ورغبة ف "تسي" السلم ف نفوس الناس‪ ،‬بالقول بأنه يكن أن يقتبس من هذه النظم ما يراه صالا‬
‫وغي متعارض مع أهدافه! كأنم – ف دخيلة أنفسهم – يشكون ف صلحية النظام السلمي بذاته‪ .‬أو‬
‫كأنم يشون – إن قالوا أن السلم ل يقتبس من غيه ول يتزج به – أن يعن التفلتون من السلم ف‬
‫ابتعادهم عنه‪ ،‬ول يستمعوا لصوت الدعوة!‬
‫و"الترغ يب" ف ال سلم مطلوب‪ .‬ول كن ل بتمي يع حقيق ته‪ ،‬ول بإدخال ما ل يس م نه ف يه! و"تأل يف‬
‫القلوب" ل يكون بالداورة والداهنة لذه النظم الاهلية البعيدة عن الدى الربان‪:‬‬
‫{وَدّوا َل ْو تُ ْدهِنُ َفيُ ْدهِنُونَ (‪[ })9‬سورة القلم ‪]68/9‬‬
‫ل متكاملً ف ذا ته غ ي متاج إل‬
‫إن ا تكون بعرض ال سلم ف ن صاعته ك ما أنزله ال‪ ،‬نظاما شام ً‬
‫الترقيع برقع من النظمة الاهلية الشاردة عن منهج ال‪:‬‬
‫ت عََلْيكُ ْم ِنعْمَتِي وَرَضِي تُ َلكُ ْم الِ سْلمَ دِينا} [ سورة الائدة‬
‫{اْليَوْ مَ أَكْمَلْ تُ َلكُ مْ دِيَنكُ مْ َوأَتْمَمْ ُ‬
‫‪]5/3‬‬
‫إنا يستفيد السلمون من ثار الفكر البشرى فيما يصيب فيه هذا الفكر – بالوازين الربانية – دون‬
‫أن يكون هناك اختلط ول امتزاج ب ي ال سلم وب ي النظ مة البشر ية‪ ،‬لن صنعة ال ل تتلط ب صنعة‬
‫البشر ول تتزج با‪ ،‬وإن بدا – ف ظاهر المر – أن هناك تقاربا أو اشتراكا بي السلم وبي النظمة‬
‫البشرية‪ ،‬كما يبدو ذلك فيما بي السلم والديقراطية من جهة‪ ،‬والسلم والشتراكية من جهة أخرى!‬
‫هناك حقا ب عض الشا به ب ي هذه الن ظم وب ي ال سلم‪ .‬ول كن الول – ح ت من الوج هة التاري ية‬
‫البحتة – أن يقال إن بعض النظم البشرية تقترب من السلم أو تتشابه معه ف بعض النقاط‪ ،‬ل أن يقال‬
‫العكس! كأن هذه النظم هي الصل‪ ،‬وهي السابقة‪ ،‬والسلم ممول عليها أو آخذ منه!!‬
‫ث إ نه من الوا جب أن نقول‪ :‬إن هذا التشا به الظاهرى ب ي هذه النظ مة البشر ية وب ي ال سلم‪ ،‬ل‬
‫يوز أن ين سينا الفارق الائل ف القاعدة ال ت تقوم علي ها هذه الن ظم والقاعدة ال ت يقوم علي ها ال سلم‪.‬‬
‫ف في القاعدة ال سلمية العبود هو ال‪ ،‬والشرع هو ال‪ ،‬و ف القاعدة الخرى العبود هو آل ة أخرى –‬
‫مع ال أو من دونه – والشرع هو البشر‪ ،‬بكل ما ف البشر من خضوع للهوى والشهوات‪ ،‬وقصور عن‬
‫العلم الشامل وعن الحاطة‪ .‬ومن ث تتحقق إنسانية النسان كاملة حي يكون العبود هو الله القيقى‪،‬‬
‫وينتقص من هذه النسانية حي يكون العبود آلة أخرى من دون ال اسها الوطن أو القوم أو الذهب‬
‫أو الزع يم أو ة‪ .‬الدولر! وح ي يكون ب عض الناس – بطر يق التشر يع – عبيدا لب عض! ويتح قق العدل‬
‫الكا مل ح ي يكون الشرع هو ال "العل يم ال بي" ول يتح قق إل جزئيا ح ي يكون الشرع هو الب شر‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ويظل جانب من الظلم قائما على الدوام‪ ،‬ياول البشر تعدله فيعدلونه بظلم متجدد على الدوام!‬
‫والحذور الثالث – وقد أشرنا إليه من قبل – هو الدخول ف تفصيلت "الول العملية" للمشاكل‬
‫القائ مة اليوم من أ جل إثبات أن النظام ال سلمي ل يس قادرا ف قط على حل الشا كل العا صرة‪ ،‬بل إ نه‬
‫يقدم الل الفضل!‬
‫والحذور ف هذا الشأن – ك ما بي نا من ق بل – أن هذه "اللول العمل ية" لي ست عمل ية ف القي قة‬
‫لنا غي قابلة للتنفيذ! ل لنا ف ذاتا غي قابلة للتنفيذ‪ ،‬ولكن لنه ل يوجد ف الواقع من ينفذها‪ ،‬ولو‬
‫كا نت ف حقيقت ها أف ضل من الوجود كله! فالغرب – الذي نفترض ف دخيلة أنف سنا أن نا ناط به بذه‬
‫اللول العمل ية – لن يلت فت إلي نا‪ ،‬ولن ي ستمع م نا ل نه غ ي م سلم! والا جز ال صليب الذي يف صله عن‬
‫السلم أعلى بكثي وأكثف بكثي من أن يعله يسمع هتافا له بأننا نلك حلولً عملية لشاكله أفضل ما‬
‫لديه من حلول! إنا يسلم من يسلم منهم لحساسه بوعة الروح‪ ،‬ل من أجل حلولنا العملية!‬
‫وأما الشباب السلم – أو قل الذي يمل أساء إسلمية وهو نافر من السلم – فلن يرده للسلم‬
‫القتناع العقلي بأن السـلم يلك حلولً عمليـة للمشاكـل العاصـرة‪ ،‬وحلولً أفضـل مـن الديقراطيـة‬
‫ـ مـن قبـل – هلموا حققوا حكومتهـم‬ ‫والشيوعيـة! وحتـ إن اقتنـع حقيقـة فسـيقول لك – كمـا أشرن ا‬
‫ال سلمية ونظام كم ال سلمي‪ ،‬ويومئذ ستجدوننا مؤيد ين ل كم! ذلك ل نه يُدْ عَ من جا نب العقيدة –‬
‫الت تركه للتنفيذ – إنا دعي من جانب التفكي العقلي‪ ،‬الذي ل يتحرك من مكانه‪ ،‬وخاصة حي يكون‬
‫معن الركة هو التعرض للتعذيب والتشريد والتذبيح والتقتيل!‬
‫إن النظم الباطلة لا دول قائمة بالفعل‪ ،‬وهي ذات قوة وسطوة وسلطان‪ .‬أما النظام السلمي – حت‬
‫إن اقتنع أولئك الشباب أنه الفضل – فليست له الن دولة ذات قوة وسطوة وسلطان‪ .‬لذلك فإن الذي‬
‫"يتفرج" على الن ظم‪ ،‬سيجد أما مه "بضا عة حاضرة" ف "الدكان الديقرا طي" وبضا عة حاضرة ف‬
‫"الدكان الشيوعي" ولكنه بالنسبة للسلم سيجد نداء على بضاعة ل توجد بعد‪ ،‬وإن قال له عارضها‬
‫إن ا أف ضل من هذه البضا عة وتلك! ف ما ل ي كن "مؤمنا" ف سيقول لك بب ساطة‪ :‬ح ي ت ئ بضاع تك‬
‫فسوف أشترى منها! أما الن فأشترى من البضاعة الاضرة! لذلك نقول دائما إن باب الدعوة هو باب‬

‫() راجع إن شئت فصل "الديقراطية" ف كتاب "مذاهب فكرية معاصرة"‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫العقيدة‪ ..‬هو باب ل إله إل ال ممد رسول ال‪ .‬وإن من ل يدخل من باب العقيدة فسيظل "يتفرج" من‬
‫بعيد!‬
‫أما الذي ينبغي أن نبينه للناس حقا فهو القيم الثابتة ف هذا الدين‪ .‬سواء ف العقيدة‪ ،‬أو ف السياسة‪،‬‬
‫أو ف القتصاد‪ ،‬أو ف التربية‪ ،‬أو ف بناء الجتمع‪.‬‬
‫ففضلً عن كون ا من "البيان" الوا جب تقدي ه ل كل ج يل من أجيال ال سلمي بالل غة ال ت يفهمون ا‪،‬‬
‫ومن خلل التجارب أو الشاكل الت يوضونا‪ ،‬فهي أوجب بالنسبة لذا اليل الذي يعيش ف دوامة قد‬
‫ل يكون ل ا مث يل ف التار يخ‪ .‬تش تت فكره وت ي وجدا نه‪ .‬والعلم بذه المور يز يد الؤ من ر سوخا ف‬
‫اليان‪ ،‬كل ما عرف حقي قة من حقائق دي نه‪ .‬و قد تل فت التحي ين‪ ،‬الباحث ي عن ال ق بإخلص‪ ،‬فترد‬
‫بعضهم من التيه‪ ،‬وتديهم إل سواء السبيل!‬
‫ولقائل أن يقول‪ :‬ما الفرق ب ي أن ندث الناس عن "ال صول الثاب تة" ف ال سياسة والقت صاد‪ ..‬ال‪،‬‬
‫وبي أن ندثهم عن التفاصيل‪ ،‬أليس الديث عن التفاصيل أول أن يرد الشاردين حي يقتنعون بدوى‬
‫"الول العلمية السلمية"؟‪.‬‬
‫والمر ف حقيقته غي ذلك!‬
‫فالبا حث عن "اللول العمل ية" هو ف الغالب ش خص "واق عي" بالع ن ال سيئ للواقع ية! فإن ل ي د‬
‫"البضاعة الاضرة" – أو الواقع الطبق بالفعل – فسينصرف إل مل آخر‪ .‬أما الباحث عن "الصول"‬
‫والباحث عن "القيم" فهو إنسان أصيل‪ ،‬يبحث عن "الق"‪ ،‬وحي يده فقد ينعطف إليه‪ ،‬ث يؤمن به‪ ،‬ث‬
‫ياهد لتحقيقه‪.‬‬
‫والحذور الرا بع أن ي ستدرجنا أعداؤ نا لتابعت هم في ما يثيون من قضا يا ل يق صدون ب ا ف القي قة‬
‫التعرف على "الق"‪ ،‬وإنا يقصدون با تيئيس السلمي من هدفهم الذي يسعون إل تقيقه‪.‬‬
‫خذ مثلً "النظرية السياسية"‪.‬‬
‫يقولون لك‪ :‬ليس للسلم نظرية سياسية‪ .‬أو يقولون‪ :‬ليس عند السلمي القائمي بالدعوة أي تصور‬
‫واضح لنظرية سياسية‪ ،‬فكيف يقيمون دولة؟!‬
‫ويتبن بعض الخلصي هذه القضية ليثبتوا أن للسلم نظرية سياسية‪ .‬ويتهدون ف بيانا من أصولا‬
‫الثابتة ف الكتاب والسنة وف التطبيق الصحيح لا ف عهد النبوة واللفة الراشدة‪ .‬ويكون ف ذلك خي‬
‫إن شاء ال‪ .‬ولكن! هل يسكت الذين أثاروا القضية أول مرة إذا رأوا أن هذا "التحدي" قد أجيب عليه‬
‫إجابة "علمية" "موضوعية" مؤصلة؟!‬
‫كل! فما كان هدفهم منذ البدء الوصول إل الق!‬
‫سيقولون (و قد قالوا بالف عل)‪ :‬وماذا تفعلون بالقليات غ ي ال سلمة ف بلد كم؟!(‪ )1‬وماذا تفعلون‬
‫بروسـيا وأمريكـا؟ وماذا تفعلون بالجتمـع الدول النافـر مـن فكرة الدولة القائمـة على عقيدة دينيـة؟!‬
‫وماذا‪ ..‬وماذا‪ ..‬وماذا‪.‬‬
‫فإذا سألتهم‪ :‬ماذا إذن؟! ف ستجد ف النها ية أن م يريدون لك التبع ية لذه الدولة أو تلك – ح سب‬
‫"هويتهم" السياسية إن كانوا من عبيد روسيا أو عبيد أمريكا – وإل هذا الدف يدفعونك من وراء‬
‫"النقاش العلمى" و"البحث الوضوعى"!‬
‫فإذا ن سينا خط نا ال صلي‪ ،‬و هو "البيان" لقائق ال سلم‪ ،‬وتتبع نا القضا يا ال ت يثيون ا با ستمرار ول‬
‫يكفون عن إثارت ا‪ ،‬فالحذور هو أن يتش تت جهد نا بغ ي طائل‪ ،‬ونف قد الدف ال صلي الذي من أجله‬
‫بدأنا التفكي والبحث والكتابة إل الناس‪ .‬وهذا هو الذي يقصده أعداؤنا‪ ،‬ويصرون عليه‪ ،‬ويضحكون‬
‫منا كلما استثارونا للعدو ف متاهات الطريق!‬
‫إن وجود أقليات غ ي م سلمة‪ ،‬ووجود رو سيا وأمري كا‪ ،‬ووجود الجت مع الدول‪ ،‬ووجود غ ي تلك‬
‫الشكلت‪ .‬كل ذلك ل يكن أن يلغى التكليف الربان بإقامة حكم ال ف الرض‪ ،‬والذين يعتقدون أن‬
‫هذا التكليف قدس قط عن "السلمي" بسبب هذه الشكلت‪ ،‬هم قوم ينفون عن ال صفة العلم وصفة‬
‫الك مة‪ .‬ك ما ينفون ع نه صفة القدرة والقوة‪ .‬كأن م يفترضون أن اله – سبحانه وتعال عن ذلك علوا‬
‫كبيا – ل يكن عالا بأن ظروفا ستجد ف الرض تنع إقامة الكم السلمي! ويفترضون فيه سبحانه‬
‫أنه يفرض على السلمي فرضا غي قابل للتحقيق ما يتناف مع الكمة! كما يفترضون فيه سبحانه أنه‬
‫عاجزا عن إعانة الؤمني وتأييدهم بنصره لن روسيا وأمريكا أكب من قوته سبحانه!!‬
‫لقد كلفنا ال أن نؤمن به وناهد ف سبيله‪ .‬وتكفل سبحانه با وراء ذلك‪ .‬وحي يصدق الؤمنون ف‬
‫الهاد يدث ما يشبه العجزات‪ ،‬كما حدث أخيا ف جهاد الشيشان ضد أكب هجية وحشية ف تاريخ‬
‫الروب!‬
‫والدخول ف جدول مستمر مع الجادلي لن يقنعهم – فهم ما ابتغوا البحث عن الق – ولن يطفئ‬
‫أحقادهم‪ ،‬فهم أولً وآخرا يكرهون السلم‪ ،‬وهم بعد ذلك قد استعبدوا لذه الكتلة أو تلك‪.‬‬
‫{فَ َذ ْرهُمْ َومَا َي ْفتَرُونَ (‪[ })112‬سورة النعام ‪]6/112‬‬

‫() من أعجب القضايا الت تثار ضد الكم السلمي ف قضية القليات غي السلمة!! إن هناك أقليات إسلمية كثية ف الرض ل تفكر ‪ -‬ول يسمع لا ‪ -‬أن تنع أكثر السكان من‬ ‫‪1‬‬
‫مارسة دينهم! فكيف يكون من حق القليات غي السلمة أن ينعوا الكيييية السلمة من مارسة دينها‪ ,‬والكم با أنزل ال هو جزء ل يتجزأ من هذا الدين؟! بأي عرف سياسي أو‬
‫تاريي أو منطقي يقال ذلك؟!‪.‬‬
‫والحذور الخي أن تستدرجنا قضية "البحث العلمي" فتنسينا جهد الترب ية الطلوب لقامة القاعدة‬
‫ال سلمية – و قد أشر نا إل هذا من ق بل – ث ن ظن‪ ،‬طال ا ن ن مشغولون بالتفك ي‪ ،‬أن نا نؤدي كل‬
‫الواجب الطلوب منا‪.‬‬
‫إنه ل بأس أن يتفرغ لذلك المر فريق من "الباحثي"‪ ،‬الهيئي بطبيعتهم للبحث العقلي أكثر ما هم‬
‫مهيأون للحركة‪ ،‬أو التصال بالنسا‪ ،‬أو القيام بعملية التربية‪ .‬أما أن تنصرف إل ذلك جاعة بأكملها‪،‬‬
‫وت ظن أن ا بذلك تؤدى الع مل الوا جب لل سلم الن‪ .‬فهذا هو الحذور‪ .‬ل نه يق تل الر كة ف النها ية‪،‬‬
‫ويضيق القاعدة بقدار ما يضيف من البحوث!‬
‫‪m m m‬‬

‫التطرف‬
‫بطبيعت ل أحب التطرف! ل ف أمر بعينه‪ ،‬ولكن ف جيع المور!‬
‫ولكن هناك أكثر من كلمة ينبغي أن تقال ف هذا الشأن!‬
‫الكل مة الول أ نه قد ي قع بالف عل تطرف من ب عض الشباب‪ ،‬أو ب عض الماعات القائ مة بالع مل ف‬
‫الساحة السلمية‪ .‬ولكن حجمه أقل بكثي جدا ما هول الهولون الذين يرمون الساحة كلها بالتطرف‬
‫لمر يراد!‬
‫إن الذ ين يهولون ف ت صوير التطرف‪ ،‬للتنف ي أو التحر يض أو الثارة‪ ،‬ي صمون بالتطرف كل شاب‬
‫أطلق ليته‪ ،‬أو كل فتاة تجبت‪ ،‬أو كل مطالب طالب بتحكيم شريعة ال‪.‬‬
‫و قد يكون من ب ي كل ألف شاب أطلق لي ته‪ ،‬أو ب ي كل ألف فتاة تج بت‪ ،‬أو ب ي كل ألف‬
‫مطالب بتحك يم شري عة ال وا حد متطرف أو واحدة متطر فة‪ .‬ول كن و صم اللف كل هم بالتطرف أ مر‬
‫مق صود لياد حائل من النفور ب ي الركات ال سلمية كل ها وب ي "الماه ي" ‪ ،‬ل عل ذلك يو قف ال د‬
‫السلمي التدفق‪ ،‬ويعوق الركة السلمية عن السي! وكذلك لضرب الركات السلمية كلها بتهمة‬
‫التطرف‪ ،‬إذا ع جز الطغاة عن تدب ي ت مة أخرى تبر ف ن ظر الناس ضرب ال سلمي الداع ي إل تك يم‬
‫شريعة ال‪.‬‬
‫فلينظر كل كاتب إسلمي يكتب ضد التطرف إل أين تنتهي كلماته‪ ،‬وكيف تستغل لحاربة الركة‬
‫السلمية كلها‪ ،‬حت أشد "التساهلي" فيها!‬
‫يقول ال ف كتابه الكيم‪:‬‬
‫سبّوا اللّ َه عَدْوا ِب َغيْ ِر عِلْمٍ} [سورة النعام ‪]6/108‬‬
‫سبّوا الّذِينَ يَ ْدعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ َفيَ ُ‬
‫{وَل تَ ُ‬
‫فنهي سبحانه عن سب اللة الت تعبد من دون ال‪ ،‬مع أنا كلها باطل ل ذرة فيها من الق‪ ،‬إذا‬
‫كان سبها يؤدى إل ا ستعداء أعداء ال على مقد سات ال سلم‪ .‬فك يف نع ي بأقلم نا أ هل البا طل –‬
‫لجرد أننا نكره التطرف‪ ،‬أو لنننفي عن أنفسنا تمة التطرف – فنعطيهم سلحا يستخدمونه ضدنا كلنا‬
‫(‪)1‬‬
‫ف النهاية‪ ،‬كما تقول الكمة القدية‪ :‬أكلت يوم أكل الثور البيض!‬
‫والكلمة الثانية أن الذين ياربون ما يسمونه تطرفا بجة أنه تطرف! وأنه ينبغي الرجوع إل القصد‬
‫والعتدال! ل ياربونه ف القيقة لذا السبب! ول يقصدون رده إل العتدال القيقي بيزان ال الق!‬
‫إنا ياربونه لنه يشجع الشباب على الصرار ف مطالبة الكام بتحكيم شريعة ال‪ ،‬وعدم قبول أي حل‬
‫إل تك يم شري عة ال! وهذا هو الذي ل يريدو نه ول يقبلو نه! فالحارب ف القي قة هو ال سلم ذا ته‬
‫ول يس هو التطرف! والمنوع ف القي قة هو الطال بة بتحو يل ال سلم إل وا قع ف حياة الناس‪ ،‬لن‬
‫الطلوب هو إبقاؤه هكذا! إسلما بل إسلم!‬
‫ومهما تفي الذين ياربون السلم وراء ستار ماربة التطرف‪ ،‬فستظل القيقة واضحة من وراء كل‬
‫ستار‪ :‬أن الذي يارب حقيقةً هو السلم‪ ،‬وأن الذين يراد إبادتم أو نفيهم من الرض هم السلمون‪.‬‬
‫س َيتَ َطهّرُو نَ ( ‪[ })82‬سورة‬
‫{وَمَا كَا نَ َجوَا بَ َق ْومِ هِ إِلّ أَ نْ قَالُوا أَخْ ِرجُوهُ ْم مِ نْ قَ ْرَيتِكُ مْ ِإّنهُ مْ ُأنَا ٌ‬
‫العراف ‪]7/82‬‬
‫والكلمة الخية أن الذي أوجد التطرف ف القيقة‪ ،‬والذي ما زال يعذبه‪ ،‬هو الكومات الت ل تكم‬
‫با أنزل ال‪ ،‬ث تقوم بتذبيح السلمي وتقتيلهم حي يطالبون بتحكيم شريعة ال‪.‬‬
‫وإل‪ ..‬فلو أن هذه الكومات حكمـت باـ أنزل ال كمـا أوجـب ال عليهـا‪ ،‬فمـن أيـن كان ينشـأ‬
‫التطرف؟‬
‫ولو كانـت هذه الكومات – على أقـل تقديـر – وهـي ل تكـم باـ أنزل ال – تعامـل الطالبيـ‬
‫ـ تعامـل‬
‫بتحكيـم شريعـة ال – وهـو واجـب على كـل مـن قال ل إله إل ال ممـد رسـول ال – كم ا‬
‫"الجرمي" العاديي‪ ،‬فتتيح لم فرصة الدفاع عن أنفسهم‪ ،‬ول تستخدم الوسائل الجرامية ف إكراههم‬
‫على "العتراف" ب ا فعلوا و ما ل يفعلوا‪ ،‬وحك مت علي هم بقت ضى القوان ي العاد ية ر غم جور ها وعدم‬
‫شرعيتها‪ .‬لو فعلت ذلك – على أقل تقدير – فمن أين كان ينشأ التطرف؟!‬
‫يب أن يستقر ف أذهاننا بوضوح أن التسبب الول‪ ،‬والتسبب الكب ف نشر التطرف وتغذيته هو‬

‫() تقول القصة إن جاعة من الثيان المر كان بينها ثور أبيض‪ ,‬وكانت تنفر منه ول تبه لن لونه مغاير للونا‪ .‬فجاء السد فطلب من جاعة الثيان أن تقدم له واحدا منها ليأكله‪,‬‬ ‫‪1‬‬
‫فقدموا له الثور البيض ليتخلصوا منه‪ .‬ولكن السد عاد بعد فترة ييطلب ثثورا جديدا ليأكله‪ ,‬وهجم علي أحد الثيان المر ليلتهمه‪ ,‬فقال الثور وهو بي فكي السد‪ :‬أكلت يوم‬
‫أكل الثور البيض!!‪.‬‬
‫الكومات الت ل تكم با أنزل ال‪ ،‬وتقوم بتعذيب الطالبي بتحكيم شريعة ال تعذيبا وحشيا ل مثيل‬
‫له ف التاريخ‪ .‬وأن هذه الكومات ترتكب ثلث جرائم ف وقت واحد‪ :‬العراض عن أمر ال القاضي‬
‫بتحكيم شريعته دون سواها‪ .‬والقيام برائم القتل والتعذيب الماعي الت ل تقرها حت شريعة الغاب‪.‬‬
‫وتغذية روح التطرف بي الشباب كرد فعل للجريتي الوليي‪.‬‬
‫ك ما ي ب أن ي ستقر ف أذهان نا بوضوح كذلك أ نه ل ي كن القضاء على التطرف إل بإزالة أ سبابه‬
‫القيق ية الداف عة إل يه‪ .‬أي ا ستجابة الكام ل مر ال ل م أن يكموا ب ا أنزل ال‪ ،‬أو – ف أ قل القل يل –‬
‫ال كف عن العاملة الوحش ية ال ت يعاملون ب ا الذ ين يطالبون بتحك يم شري عة ال‪ .‬وأن كل مذب ة تقام‬
‫للمسلمي ف الرض هي وقود جديد للتطرف‪ ،‬يتد إل ما شاء ال‪.‬‬
‫فلينظر الذين يشكون حقيقة من التطرف‪ ،‬ويرغبون حقيقة ف علجه‪ ،‬أي طريق يسلكون!‬
‫‪m m m‬‬

‫ا ستعرضنا في ما م ضى ب عض القضا يا ال ت تدور ف ساحة الع مل ال سلمي؛ ويدر ب نا ف ختام هذا‬


‫الفصل التعلق بالصحوة السلمية أن نلخص الهمة اللقاة على عاتق الدعوة ف هذه الرحلة من تاريها‪.‬‬
‫إن الدعوة مكل فة بوا جب تبلي غي ووا جب تربوى‪ ،‬مقتد ية ف ذلك بالن هج النبوي ف فترة الدعوة‬
‫الول بكة‪.‬‬
‫فأما الواجب التبليغي – حي تسنح الفرص بلقاء الدعوة مع الماهي – فهو تعليمهم ما جهلوه من‬
‫حقي قة ل إله إل ال‪ ،‬وارتباط ها الوث يق بتحك يم شري عة ال‪ .‬والتأك يد ل م بأن ما أ صاب ال سلمي ف‬
‫حضارت م من الذل والوان والض عف والتخلف وغل بة العداء علي هم إن ا كان سببه تفر يغ ل إله إل ال‬
‫من مضمونا القيقى‪ ،‬وجعلها كلمة تنطق باللسان فحسب‪ .‬وأن هذا ليس هو السلم الذي أنزله ال‪.‬‬
‫إن ا ال سلم الذي ير ضى اله ع نه ف الدن يا والخرة هو ن طق ل إله إل ال م مد ر سول ال‪ ،‬والع مل‬
‫بقتضاها‪ ،‬وتأدية الفرائض‪ .‬وأن السلمي لن يعودوا إل التمكن ف الرض بأي مذهب من الذاهب ول‬
‫أي منهج من الناهج الستوردة من الشرق أو الغرب‪ ،‬إنا بالرجوع الق إل الق‪ ،‬أي عبادته وحده بل‬
‫شريكن سواء فيما يتص بالعقيدة‪ ،‬أو ما يتص بالشعائر التعبدية‪ ،‬أو ما يتص بتحكيم شريعة ال ف‬
‫كل أ مر من المور‪ .‬وأن ا ستياد الذا هب من الغرب خلل قرن كا مل من الزمان ل يزد هم إل ضعفا‬
‫وهوانا وذلة وضياعا‪ ،‬وبعدا عن التمكن والستقرار‪.‬‬
‫وأما الواجب التربوى فهو أخطر ما تقوم به الدعوة ف القيقة‪ ،‬لنه هو طريق اللص‪ .‬وهو عمل‬
‫دائب مستمر ل يتوقف مهما كانت الحوال‪ .‬ف الشدة وف الرخاء سواء ف السعة وف الضيق سواء‪.‬‬
‫والتربيـة الطلوبـة – لقامـة القاعدة السـلمية – تدف إل إخراج ناذج فذة ل إل مرد إخراج‬
‫مسلمي عادين‪ .‬ناذج تكون كالعمدة الرأسية ف البناء‪ ،‬لتحمل ثقل البناء فيما بعد‪.‬‬
‫وهذا يتاج أولً إل عقيدة صـافية ل غبـش فيهـا ول بدع ول انرافات‪ .‬عقيدة كعقيدة السـلف‬
‫الول‪ ،‬خالية من كل ما علق با خلل الجيال من إضافات وانرافات خرجت با عن عقيدة التوحيد‬
‫الالصة الصافية وكادت تردها وثنية جاهلية‪.‬‬
‫ويتاج ثانيا إل إدراك واع لقتضيات هذه العقيدة‪ .‬ومقتضيات ا هي كل التكال يف و كل التوجيهات‬
‫ال ت جاءت ف كتاب ال و سنة ر سوله‪ .‬و من عظ مة هذه التكال يف والتوجيهات‪ ،‬و من شول ا ل كل‬
‫جوانـب النفـس وكـل جوانـب الياة كانـت عظمـة هذا الديـن‪ ،‬وعظمـة المـة التـ حلت هذا الديـن‬
‫وأنشأت به ذلك الواقع الضخم الذي شهده التاريخ‪.‬‬
‫ويتاج ثالثا – إل تربية تول هذه العقيدة إل حقيقة سلوكية قائمة ف عال الواقع‪.‬‬
‫وهذه الترب ية تتاج إل تر سيخ معا ن اللوه ية وتعميق ها ح ت ت صبح يقينا قلبيا ينب ن عل يه سلوك‬
‫واقعى‪ .‬يقينا ل يزلزله البتلء والشدة‪ ،‬ول يزلزله الرخاء والسعة‪.‬‬
‫وتتاج إل ترسيخ أخلقيات ل إله إل ال‪ ،‬حت تصبح حقيقة سلوكية‪ ،‬تنبثق انبثاقا ذاتيا من داخل‬
‫النفس‪ .‬وأخلقيات ل إله إل ل من السعة والشمول بيث تشمل كل سلوك يقوم به النسان‪ .‬فالخوة‬
‫من أخلقيات ل إله إل ال‪ .‬والتكا فل من أخلقيات ل إله إل ال‪ .‬واللد وال صب من أخلقيات ل إله‬
‫إل ال‪ .‬والشجاعة ف الق من أخلقيات ل إله إل ال‪ .‬والنظام والنضباط من أخلقيات ل إله إل ال‪.‬‬
‫ومعرفة الق واتباعه من أخلقيات ل إله إل ال‪.‬‬
‫وتتاج إل الو عي ال سياسي بأحوال العال العا صرة‪ .‬وأحوال ال سلمي ف ظروف هم الراه نة‪ .‬ومكا يد‬
‫العداء ومؤامراتم الدائمة ضد السلم‪ .‬وتدسسهم إل حياة السلمي بالغزو الفكري وغيه من وسائل‬
‫الرب‪.‬‬
‫وتتاج إل الوعي الركي الذي ل يتعجل الطى قبل أوانا‪ ،‬وف الوقت نفسه ل يدع الفرص تفلت‬
‫منه دون أن يستفيد منها‪.‬‬
‫وتتاج إل مواز نة ف دا خل الما عة ب ي الن عة الفرد ية والن عة الماع ية‪ ،‬ب يث ل يكون الفرد‬
‫مسـتبدا ول ناشزا‪ ،‬ول يكون فـ الوقـت ذاتـه إمعـة يسـاير الجموع إن أخطـأ أو أصـاب‪ .‬ول تكون‬
‫الماعة مستبدة طاغية تسحق شخصية الفرد‪ ،‬ول مفككة ل رابط لا ول اتاد‪.‬‬
‫وتتاج إل و عى فق هي يعرف به الفرد ماذا يأ تى وماذا يدع‪ ،‬وم ت ي سمع ويط يع‪ ،‬وم ت يف ضى به‬
‫السمع والطاعة إل اللك‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫ومن أجل متطلبات هذه التربية‪ ،‬وهي كثية وشاقة‪ ،‬وخاصة ف أمة كادت تنسلخ من كل مقومات‬
‫ال سلم‪ ،‬فل ينب غي التع جل ف خطوات ا‪ ،‬ول ينب غي التع جل ف إدخال الماه ي ف الدعوة على النطاق‬
‫الوا سع ق بل أن يتي سر العدد الكا ف من الدعاة والرب ي‪ ،‬الذ ين تربوا هم أنف سهم على الن هج ال صحيح‪،‬‬
‫والذ ين ي ستطيعون بدور هم أن يربوا على الن هج ال صحيح‪ .‬فهذا التع جل ل يدم الدعوة ف شئ‪ ،‬وإن ا‬
‫يعوقها ف القيقة عن السي‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫ويبـ أن يكون واضحا فـ أذهاننـا أن "القاعدة السـلمية" غيـ موجودة فـ القيقـة‪ ،‬برغـم مـل‬
‫عوا طف الماه ي‪ ،‬و كل حا ستهم ال ت يبدون ا ح ي يذ كر ال سلم‪ .‬ف هي حا سة عاطف ية ل تق يم بناء‬
‫حقيقيا ول حر كة حقيق ية‪ .‬إن ا تتاج القاعدة إل النشاء من جد يد‪ .‬فردا فردا ح ت يكت مل من ها بناء‬
‫متماسك كبناء الماعة الول على يد الرسول‪ ،r‬إل يكن ف الدرجة فعلى نفس النهج‪ ،‬الذي هو مال‬
‫السوة ف رسول ال‪ r‬وف الماعة الت رباها ليقوم عليها البناء‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫وي ب أن يكون واضحا ف أذهان نا كذلك أن العر كة ب ي ال سلم وأعدائه لي ست معر كة سريعة‬
‫خاطفة‪ ،‬ولكنها معركة طويلة شاقة قد تستغرق عدة أجيال‪ .‬فينبغي للقاعدة الت تنشأ للقيام بذا العبء‬
‫الضخم أن ترب لتكون طويلة النفس‪ ،‬شديدة الصب‪ ،‬عميقة اليان بال‪ ،‬عميقة التوكل عليه‪ ،‬مستعدة لا‬
‫يتطلبه أمرها من العاناة‪ ،‬قادرة على أن تبذل من نفسها‪ :‬من جهدها ومالا وفكرها‪ ،‬ما يتاج إليه إزالة‬
‫الغر بة ال ت أل ت بال سلم اليوم‪ ،‬وا ستنقاذ "الغثاء" من دوا مة ال سيل‪ ،‬وا ستنباته مرة أخرى رأ سيا ف‬
‫الرض عميق الذور‪.‬‬
‫وحي تقوم القاعدة بالواصفات الطلوبة‪ ،‬بالجم الناسب‪ ،‬سيغي ال للناس‪ ،‬لنم يكونون قد غيوا‬
‫ما بأنفسهم‪ ،‬ويكن لم مرة أخرى ف الرض‪ ،‬لنم يكونون قد وفوا بالشرط‪:‬‬
‫ف الّذِي َن مِ ْن‬
‫ستَخِْل َفّنهُم فِي الَرْ ضِ كَمَا ا ْستَخْلَ َ‬ ‫{ َوعَدَ اللّ ُه الّذِي نَ آمَنُوا ِمْنكُ ْم َوعَ ِملُوا ال صّالِحَاتِ َليَ ْ‬
‫َقبِْلهِ ْم وََليُ َم ّكنَنّ َلهُ مْ دِيَنهُ ْم الّذِي ا ْرَتضَى َل ُه ْم وََلُيبَدَّلنّهُ ْم مِ ْن َبعْدِ َخوِْفهِ مْ َأمْنا َي ْعبُدُوَننِي ل يُشْرِكُو َن بِي‬
‫َشيْئا} [سورة النــور ‪]24/55‬‬
‫وف الفصل القادم ناول أن نلقى نظرة على الستقبل‪ ،‬تد بصرنا وراء الاضر الذي نعيشه الن‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫نظرة إل الستقبل‬
‫ير العال السلمي بفترة سيئة ف الوقت الاضر‪ ،‬نتيجة كل الظروف الت شرحناها من قبل ف أثناء‬
‫الديث عن آثار النراف‪ .‬من الضعف والذل والوان والضياع وغلبة العداء‪ ،‬مع كل ما يعانيه العال‬
‫السلمي من أزمات اقتصادية وأزمات سياسية وأزمات اجتماعية وأزمات فكرية وروحية‪.‬‬
‫والذي يراد بالعال السلمي ف الستقبل القريب أسوأ من ذلك كله‪ .‬فإن العداء ل يكفهم كل ما‬
‫أحدثوه من تريب من قبل‪ ،‬بل يريدون تريبا أكب‪ ،‬وتزيقا أشد‪.‬‬
‫إنم ف القيقة سائرون ف ذات الطريق الذي بدأوه منذ أربعة قرون أو أكثر‪ .‬منذ طرد السلمون من‬
‫الندلس‪ ،‬ثـ بدأت الروب الصـليبية الديدة لطاردة السـلمي فـ بقيـة الرض‪ ،‬وإخضاعهـم لسـيطرة‬
‫الصليبية الاقدة‪ ،‬وإذللم انتقاما من الزية الساحقة الت تلقاها الصليبيون ف الروب الصليبية الولية‪،‬‬
‫بعد كل ما بذلوا من الدماء والموال‪ ،‬ول يعودوا مدحورين ف قط‪ ،‬بل قا مت دولة إ سلمية ف أورو با‬
‫ذاتا‪ ،‬ظلت تزحف زحفا مستمرا قرابة ثلثة قرون‪ ،‬وتستول على بلد نصرانية تضعها لسلطانا‪ ،‬بل‬
‫يدخل من سكانا ف العقيدة السلمية عشرات الليي!‬
‫ول كن العال ال سلمي كان قد ظن ف بدا ية القرن العشر ين اليلدي‪ ،‬و ف أثنائه أ نه قد تلص من‬
‫الستعمار‪ ،‬واسترد كيانه‪ ،‬وحسن أوضاعه‪ ،‬وبدأ يطو إل المام‪ ،‬نو القوة والضارة والتقدم والرقى‪.‬‬
‫فهل كان الظن حقا؟‬
‫لقـد انتشـر التعليـم بعـد أن كانـت الهالة هـي السـمة العامـة لشعوب العال السـلمي‪ .‬وتسـنت‬
‫الوضاع الصـحية بعـد أن كان امرض هـو السـيطر‪ .‬ووجدت مصـانع صـغية أو كـبية تصـنع بعـض‬
‫الامات الحل ية‪ ،‬وتن تج ب عض ما يلزم الناس ف حيات م‪ ،‬ب عد أن كان كل شئ ي ستورد من الارج‪،‬‬
‫ويع جز الناس عن صناعته مه ما كا نت تفاه ته‪ .‬و صارت هناك جيوش ت ستخدم أ سلحة حدي ثة ب عد أن‬
‫كان سلحها متخلفا إل أق صى حد‪ .‬ودخلت اللت الدي ثة ف ال صناعة والزرا عة والعمارة‪ .‬وملت‬
‫السيارات شوارع الدن‪ .‬وملت أجهزة التليفزيون البيوت!‬
‫وإل جانـب ذلك انسـحبت جيوش السـتعمار مـن معظـم بلد العال السـلمي‪ ،‬واكتفـت دول‬
‫الستعمار بنفوذها السياسي والقتصادي بعد أن كانت تتل الرض وترهب الناس بعساكرها‪ .‬وسحت‬
‫للبلد السلمية أن يكون لا تثيل "دبلوماسي"‪ ،‬وأن تتل مقاعد ف هيئة المم وف ملس المن‪.‬‬
‫ولكـن هذه الظواهـر ل تكـن كلهـا صـادقة كمـا اكـن يبدو لول وهلة‪ ،‬فقـد كان بعضهـا حقيقيا‬
‫وبعض ها خادعا‪.‬ة ولكن ها كا نت ف جلت ها – على أي حال – خيا م ا آلت إل يه الحوال ب عد الرب‬
‫العالية الثانية‪ ،‬بيث يعتب الواقع العاصر نكسة شاملة بعد التقدم الظاهري الذي كان ف النصف الول‬
‫من القرن‪.‬‬
‫ك يف حدث ذلك؟! لاذا انتك ست الحوال و صارت تزداد سوءا يوما ب عد يوم؟ أ لعوا مل داخل ية‬
‫بتة؟ أم لعوامل خارجية بتة؟ أم لزيج من هذه وتلك؟!‬
‫فلننظر أولً ف حالة التحسن الظاهرى الذي كان ف مبدأ المر‪.‬‬
‫لقد حدث ول شك قدر من التقدم الادى برضا الستعمار أو بغي رضاه‪.‬‬
‫ونسـتطيع أن تصـور أن روح الثورة على السـتعمار قـد شحذت عزائم الناس‪ ،‬فأصـروا على أن‬
‫يتعلموا‪ ،‬وأصروا على أن ينتجوا‪ ،‬وأصروا على أن يصلحوا بعض ما رأوه فاسدا ف حياتم‪.‬‬
‫ولكن هناك أمرا خطيا ل تلتفت إليه تلك الشعوب وهي "تزحف" نو التقدم والتحضر والرقى‪.‬‬
‫ل تلتفت إل الؤامرة الكبى الت صاغتها دول الستعمار جيعا ضد كيانا الصيل‪ ..‬ضد السلم‪..‬‬
‫ول تلت فت إل عمل ية "الت سميم" ال ت قا مت ب ا دول ال ستعمار ف الرض ال سلمية ق بل أن تن سحب‬
‫منها‪.‬‬
‫إن ا ل تن سحب ح ت كا نت قد أبرزت "القيادات العلمان ية" ال ت تقود مرا فق الياة كل ها ف العال‬
‫السلمي‪ ،‬وتقوم بتحضيه‪ ،‬نعم‪ ،‬ولكن على أسس غي إسلمية!‬
‫ول تنسحب حت كانت قد حررت الرأة السلمة! حررتا من دينها وأخلقها وتقاليدها‪ ،‬وأخرجتها‬
‫إل الشارع فتنة لنفسها وللرجل على السواء!‬
‫ول تن سحب ح ت كا نت قد بذرت ف الرض ال سلمية كل البذور ال سامة الوجودة ف الجت مع‬
‫الغرب‪ ،‬ولكن بدون عوامل القوة اليابية الت تؤخر الدمار هناك (‪ .)1‬بذرت الفوضى النسية‪ ،‬والتحلل‬
‫اللقى‪ ،‬والتمزق السرى‪ ،‬والضياع الروحى‪ ،‬والتمزق النفسى‪ ،‬والقلق‪ ،‬والنتحار‪ ،‬والمراض العصبية‪،‬‬
‫والمر‪ ،‬والرية والفردية الانة والستهتار بالقيم‪ ،‬والبحث عن التاع الادي‪ ،‬والستغراق فيه‪.‬‬
‫هل كان يتو قع لتلك الشعوب و قد بذرت في ها كل تلك البذور ال سامة أن تتقدم حقي قة‪ ،‬وتن هض‬
‫حقيقة‪ ،‬وتسي حقيقة على خط القوة والصعود؟‬

‫() سنتكلم عن هذا المر فيما يلي من الفصل‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫أم كان يتوقع لا النتكاس الدائم والضعف الستمر‪ ،‬رغم كل مظاهر التقدم الادي الت تطفو على‬
‫السطح؟!‬
‫ل قد رأي العقلء بوادر ذلك كله‪ ،‬وأنذروا شعوب م‪ ،‬فلم ت ستفق هذه الشعوب ل صوت النذ ير – إل‬
‫من رحم ربك – وظلت تلهث كالجنون‪ ،‬تستزيد من بذور السم‪ ،‬وكلما أخذت جرعة تطلب الزيد!‬
‫و ما ب نا من حا جة لعادة ما قلناه من ق بل عن الغزو الفكري وأدوا ته والقائم ي به‪ ،‬ما ب ي عم يل‬
‫مستغفل وعميل مأجور‪ ،‬واثر ذلك كله ف عملية التدمي الدائمة ف كيان تلك الشعوب‪.‬‬
‫و مع ذلك كله‪ .‬وعلى الرغم من فتور عزائم الثوار ب عد أن خيل إليهم أن م انت صروا على الستعمار‬
‫وطردوه‪ ،‬وأ صبحوا أحرارا ف بلد هم – و ما كانوا أحرارا ف القي قة و قد تشر بت نفو سهم العبود ية‬
‫لغرب – وعلى الرغم من أثر ذلك الفتور ف زيادة تأثي السموم الت خلفها الستعمار قبل انسحابه‪.‬‬
‫على الر غم من هذا كله‪ ،‬ف قد كا نت خطوات الندار ال ت ت سي ب ا شعوب النط قة ال سلمية ن و‬
‫الاوية‪ ،‬أبطأ بكثي ما صارت إليه بعد التغيات الاسة الت حدثت على الساحة العالية‪ ،‬والت أبرزت ف‬
‫الساحة قوى جديدة أشد ضراوة وأكثر شرا من تلك الت كانت قائمة من قبل!‬
‫‪m m m‬‬

‫أحدثت الرب العالية الثانية تغيات جذرية ف التركيبة السياسية القائمة ف الرض‪.‬‬
‫لقد كانت الدولتان العظميان أي اللتان لما السيطرة الغاشة ف الرض ه ا بريطانيا وفرنسا‪ ،‬ومن‬
‫دون ما قوى ثانو ية ت ستظل ف القي قة بظله ما "ال ستعمار" وإن حد ثت مناف سات جزئ ية بين ها وب ي‬
‫الدولت ي ال كبيتي ف ش ت الجالت‪ .‬وكا نت الدولتان ذات ما تتناف سان في نا بينه ما مناف سة عني فة ح ت‬
‫عقدت اتفاقية سايكس – بيكو‪ ،‬فهدأ بينهما الصراع حي اتفقتا على تقسيم مناطق النفوذ بينهما‪ .‬ولكن‬
‫كان هناك عنصر مشترك بي التنافسي جيعا‪ ،‬ينسون عنده صراعاتم ومنافساتم‪ ،‬ويقفون صفا واحدا‬
‫متساندا متعاضدا – ذلك حي يواجهون السلم‪.‬‬
‫ولقد يفيدنا أن نذكر – على سبيل الثال – أن بريطانيا احتلت مصر عام ‪1882‬م‪ ،‬وطردت النفوذ‬
‫ال سياسي الفرن سي الذي كان قائما ف م صر من أيام م مد على إل أيام الد يو إ ساعيل‪ ،‬ولكن ها ل‬
‫تتعرض قط للمؤ سسات التبشي ية الفرن سية‪ ،‬ول للمؤ سسات الثقاف ية‪ ،‬ول لع هد الثار الفرعون ية الذي‬
‫تركه نابليون ف مصر‪ ،‬لنه هنا ينسى النليز عداوتم وخصومتهم لفرنسا‪ ،‬ويتذكرون أن كل منهما‬
‫يعمل للقضاء على العدو الشترك‪ ..‬فيتساندان!‬
‫ورب ا كان أبلغ من ذلك ف الدللة أن الذي ح ى الدكتور طه ح سي‪ ،‬الفرن سي الن عة‪ ،‬الفرن سي‬
‫الثقا فة‪ ،‬ح ي غ ضب عل يه الز هر ب سبب كتا به " ف الش عر الاهلي" الذي ها جم ف يه القرآن وال سلم‬
‫وج يع القد سات‪ ،‬وطالب ب سحب شهادة العال ية م نه وتقدي ه للمحاك مة‪ .‬الذي حاه من هذا كله هو‬
‫الندوب السـامي البيطانـ‪ ،‬الذي ذهـب إل رئيـس الوزراء فـ مكتبـه‪ ،‬وقال له‪ :‬إل متـ يسـتمر هذا‬
‫العبـث؟! وفـ الال أقفـل التحقيـق الذي كان قـد بدئ مـع طـه حسـي‪ ،‬وأسـكت الزهـر‪ ،‬وهدأت‬
‫الزوبعة‪ ..‬وبقى "الدكتور"!‬
‫هكذا كانت تسي المور ف الرض قبل الرب العالية الثانية‪ ..‬قوتان رئيسيتان مسيطرتان‪ ،‬وقوى‬
‫ثانوية تنافسهما‪ ،‬ولكن الميع – بالنسبة للعال السلمي – متعاونون على الدف الشترك‪ ،‬وهو حرب‬
‫السلم! ووسائلهم الكبى هي الغزو الفكري‪ ،‬وترير الرأة‪ ،‬وإفساد الجتمع‪ ،‬وإبراز الزعامات العلمانية‬
‫ف جيع الجالت‪ .‬ف ظل السيطرة السياسية والقتصادية الت يارسها الستعمار الصليب‪.‬‬
‫ولكن الرحب قضت على الدولتي "العظميي" وأبرزت بد ًل منهما وحشي جديدين من نوع آخر‪..‬‬
‫ها روسيا وأمريكا‪ ..‬وأهم من ذلك أنا أبرزت النفوذ اليهودي سافرا على السطح‪.‬‬
‫لقد كان النفوذ اليهودي قائما ف العال الغرب منذ الثورة الصناعية الت وقعت تلقائيا ف أيدي الرابي‬
‫اليهود ك ما بي نا ف غ ي هذا الكتاب (‪ .)1‬ولك نه ل يتغل غل قط‪ ،‬ول يبز قط‪ ،‬ك ما تغل غل ب عد الرب‬
‫العالية الثانية‪ ،‬وسيطر على كل العسكرين ف الشرق والغرب‪ ،‬وصارت السياسة العالية ف يد اليهود‪،‬‬
‫ينفذونا عن طريق الدولتي التوحشتي الديدتي‪ ،‬أصرح بكثي‪ ،‬وأوضح بكثي ما كانوا ينفذونا من‬
‫قبل من خلل بريطانيا وفرنسا فيما بي الربي العاليتي الول والثانية‪.‬‬
‫ل قد و صل اليهود إل قلب النط قة ال سلمية‪, ،‬أقاموا دولت هم ف فل سطي‪ ،‬و سخروا لذلك كل من‬
‫الدولت ي الت سلطتي‪ ،‬فكا نت أمري كا أول دولة اعتر فت بالدولة اليهود ية‪ ،‬وبعد ها بع شر دقائق اعتر فت‬
‫رو سيا بالدولة القائ مة صراحة على أ ساس دي ن‪ ،‬بين ما الذ هب الشيو عي كله ير فض ذلك رفضا باتا‬
‫ويندد به!‬
‫وحدث فـ أثناء قيام الدولة اليهوديـة ذلك الدث التاريىـ الذي وقـع بقدر مـن ال وهـو صـدام‬
‫الفدائيي السلمي مع اليهود‪ ،‬وتبينت الصهيونية والصليبية كلتاها‪ ،‬أن الدولة الت تآمرتا معا ليادها ف‬
‫قلب العال السلمي (‪ ،)2‬مهددة بالطر إذا بقيت الركة السلمية‪ ،‬فضلً عن تعذر توسعها فيما بعد‬
‫إذا بقيت تلك الركة على ما هي عليه‪.‬‬

‫() انظر إن شئت فصل "دور اليهود ف إفساد أوربا" من كتاب "مذاهب فكرية معاصرة"‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫() راجع تقررير للورد كامبل الشار إليه من قبل‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫عندئذ تل قت العدوات كل ها – ول كن على در جة أع نف م ا م ضى ف التار يخ كله – على ضرورة‬
‫القضاء البات على الركة السلمية‪ ،‬وعلى أن تتعاون القوى الثلث‪ :‬أمريكا وروسيا واليهودية العالية‬
‫على الفتك بالسلم والسلمي‪.‬‬
‫و من ه نا بدأت مرحلة جديدة من "التحط يم" أع نف م ا سبق من ق بل‪ ،‬متمثلة ف خط ي رئي سي‪:‬‬
‫التذب يح الوح شي للم سلمي‪ ،‬والتفت يت ال ستمر للدول القائ مة ف العال ال سلمي‪ ،‬والعال العر ب ب صفة‬
‫خاصة‪.‬‬
‫حقيقة إن بدء التذبيح الوحشي قد قامت به بريطانيا لساب اليهود عام ‪ ،1949 – 1948‬حي‬
‫بدأ اعتقال الخوان السلمي وقُتل المام الشهيد‪ ،‬وإنه كان يكن أن يتكرر على يد بريطانيا وفرنسا ف‬
‫أكثر من مكان ف العال السلمي‪ .‬ولكن الولة الديدة استخدمت أداة أشد فتكا‪, ،‬اقدر على ارتكاب‬
‫جرائم القتل الماعي‪ ،‬وهي النقلبات الع سكرية الت يتار ل ا "الصالون" لهمة‪ ،‬من منون العظمة‬
‫وقساة القلوب‪ ،‬الذين ل يتورعون عن شئ يطلب منهم مقابل التمتع "بالعظمة" والسلطان‪.‬‬
‫وهكذا توالت الذا بح الوحش ية‪ ،‬وت صعدت مع ها ف الو قت ذا ته عمل ية إف ساد الخلق ف ج يع‬
‫الجالت‪.‬‬
‫ل قد كا نت عمل ية إف ساد الجت مع من طر يق ما سى "تر ير الرأة" قمي نة أن تت سع من تلقاء ذات ا‪،‬‬
‫وتع طى ثار ها البي ثة على مدى اليام‪ ،‬ولكن ها – على يد الع ساكر – نش طت عن ع مد‪ ،‬وأ سرعت‬
‫خطاها لمر يراد!‬
‫خطب جال عبد الناصر ذات مرة خطبة ملتهبة – بالعامية! (‪ –)1‬وقال فيها عبارة عجب الناس منها‬
‫ليلتئذ‪ ،‬ولكنهم تبينوا مغزاها واضحا فيما بعد! قال – وكان متضايقا من أحد مواقف إسرائيل الحرجة‬
‫له (‪": - )2‬هي إسرائيل عايزة مننا إيه‪ ..‬إحنا حررنا الرأة"!‬
‫كذلك كا نت عمل ية تط يم الق يم ف الجت مع قمي نة أن تت سع من تلقاء نف سها على يد ال ستعمار‬
‫الول‪ ،‬و ف فترة "ال ستقلل"‪ ،‬نتي جة ال سموم الكثية ال ت ب ثت ف الجت مع‪ ،‬ونتي جة تنح ية الد ين عن‬
‫الياة‪ .‬ولكنها اتسعت اتساعا بشعا على يد العساكر‪ ،‬نتيجة الرب الوحشية على السلم‪ ،‬وإبعاد كل‬
‫نظيف ونزيه عن مقاليد المور‪ ،‬وتقريب التملقي والمعات الذين يدورون مع الفلك حيث دار‪ .‬حت‬
‫أصبحت الرشوة أصلً ف الجتمع‪ ،‬وأصبح الغش أصلً ف التعامل‪ ،‬وأصبحت النتهازية عملة متعارفا‬

‫() كان إبراز مموعة من "القادة العظام"!! ل يستطييعون الكلم بالفصحيي ف النطقة العربية أمرا علي هوي أعداء السلم‪ ,‬بقصد منهم أو بغي قصد‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫() من العلوم أن اليهود ل يرصون علي عواطف خدامهم ‪ -‬مهما خدموهم ‪ -‬بقدر حرصهم علي مصلحتهم الاصة‪ ,‬ويذكر القراء انم أحرجوا رئيس الوليات النحدة المريكية‬ ‫‪2‬‬
‫أكثر من مرة مع أنه يقدم لم خدمات تفوق التصور!‪.‬‬
‫عليها ل يستتر منها أهلها‪ .‬أو باختصار‪ :‬أصبح العروف منكرا والنكر معروفا كما قال رسول ال‪.r‬‬
‫وكان هذا كله جزءا من "ال سياسة العا مة" الطلو بة من ق بل العداء‪ .‬لتفت يت كيان "الشعوب" الحي طة‬
‫بإسرائيل‪ ،‬فل يبقى فيها شئ متماسك‪ ،‬يكن أن يقوم بنوع من القاومة لطماع اليهود‪.‬‬
‫أما بالنسبة "للدول" فيكفي هذا القال الذي نشر ف صحيفة "كيفونيم" اليهودية بتاريخ ‪ 14‬فباير‬
‫‪ ،1982‬واقتبس فقرات منه "روجيه جارودى" ف كتابه "ملف إسرائيل‪ :‬دراسة للصهيونية العالية" (‪،)1‬‬
‫لبيان السياسة الطلوب اتباعها ف النطقة الحيطة بإسرائيل‪ ،‬والت بدأ تنفيذها بالفعل ف لبنان‪ ..‬والبقية‬
‫تأتى!‬
‫"استعادة سيناء بثرواتا هدف ذو أولوية‪ .‬ولكن اتفاقات كامب دافيد تول الن بيننا وبي ذلك‪ .‬لقد‬
‫حرمنـا مـن البترول وعائداتـه‪ ،‬واضطررنـا للتضحيـة بأموال كثية فـ هذا الجال‪ .‬ويتحتـم علينـا الن‬
‫استرجاع الوضع الذي كان سائدا ف سيناء قبل زيارة السادات الشئومة‪ ،‬وقبل التفاقية الت وقعت معه‬
‫ف ‪.1979‬‬
‫"والوضع القتصادي ف مصر‪ ،‬وطبيعة النظام الوجود با‪ ،‬وسياستها العربية‪ ،‬كل هذا سيؤدى إل‬
‫مموعة ظروف تدفع بإسرائيل إل التدخل‪ .‬فمصرن بسبب نزاعاتا الداخلية ل تعد تشكل بالنسبة إلينا‬
‫مشكلة ا ستراتيجية‪ .‬و من ال سهل أن نعل ها تعود خلل ‪ 24‬ساعة إل الو ضع الذي كا نت عل يه ب عد‬
‫حرب يونيو ‪ .1967‬لقد ماتت أسطورة مصر "زعيمة العال العرب" وفقدت مصر ‪ %50‬من قدرتا‪.‬‬
‫وكبناء موحد‪ ،‬أصبحت مصر جثة هامدة‪ ،‬وباصة إذا أخذنا ف العتبار الجابة التزايدة والتصاعدة بي‬
‫السلمي والسيحيي با‪ .‬ويب أن يكون هدفنا هو تقسيمها إل أقاليم جغرافية متباينة ف الثمانينيات‪.‬‬
‫"فإذا ما تت تزئة مصر‪ ،‬وإذا فقدت سلطتها الركزية‪ ،‬فلن تلبث بلدان مثل ليبيا والسودان‪ ،‬وبلدان‬
‫أخرى أبعد من ذلك أن يصيبها التحلل‪ .‬وتشكيل حكومة قبطية ف مصر العليا‪ ،‬وإقامة كيانات صغية‬
‫إقليميـة‪ ،‬هـو مفتاح تطور تارييـ‪ ،‬يؤخره حاليا اتفاق السـلم‪ ،‬ولكنـه تطور آت ل مالة على الجـل‬
‫الطويل‪.‬‬
‫"ومشكلت البهة الشرقية أكثر وأشد تعقيدا من مشكلت البهة الغربية‪ .‬وهذا على عكس ما‬
‫يبدو ف الظا هر‪ .‬وتق سيم لبنان إل خ سة أقال يم‪ .‬يو ضح ما ي ب أن ين فذ ف البلدان العرب ية‪ .‬وتفت يت‬
‫العراق و سوريا إل منا طق تدد على أ ساس عن صري أو د ين‪،‬ن ي ب أن يكون هدفا ذا أولو ية بالن سبة‬
‫إلينا‪ ،‬على الجل الطويل‪ .‬وأول خطوة لتحقيق ذلك هو تدمي القوة العسكرية لتلك الدول‪.‬‬

‫() ترجة د‪ .‬مصصطفي كامل فودة‪ ,‬إصدار دار الشروق بالقاهرة‪ ,‬مقتطفات من ص ‪ ,164-161‬الطبعة الثانية ‪ 1404‬هـ‬ ‫‪1‬‬
‫"والتشكيل السكان لسوريا يعرضها لتمزق قد يؤدى إل إنشاء دولة شيعية على الساحل‪ ،‬ودولة‬
‫سنية ف منط قة حلب‪ ،‬وأخرى ف دم شق‪ ،‬وإنشاء كيان درزى قد ير غب ف أن يتحول إل دولة على‬
‫أرض الولن التابعـة لنـا تضـم حوران وشال الملكـة الردنيـة‪ .‬مثـل هذه الدولة سـتكون على الدى‬
‫الطويل ضمانا لمن وسلم النطقة‪ .‬وهذا هدف ف متناولنا فعلً تقيقه‪.‬‬
‫"وأما العراق فهي غنية بالبترول‪ ،‬وفريسة لصراعات داخلية‪ ،‬وسيكون تفككها أهم بالنسبة لنا من‬
‫تلل سوريا‪ ،‬لن العراق ي ثل على ال جل الق صي أخ طر تد يد ل سرائيل‪ .‬وقيام حرب سورية عراق ية‬
‫سيساعد على تطيم العراق داخليا قبل أن يصبح قادرا على النطلق ف نزاع كبي ضدنا‪ .‬وكل نزاع‬
‫داخلي عرب سيكون ف صالنا‪ ،‬وسيساعد على تفكك العرب‪ .‬وربا ساعدت الرب العراقية اليرانية‬
‫على ذلك النلل والضعف ف صفوف العرب‪.‬‬
‫"والردن هدف استراتيجي ف التو واللحظة‪ .‬ولن يشكل أي خطر لنا على المد الطويل بعد تفككه‬
‫ونا ية ح كم اللك ح سي‪ ،‬وانتقال ال سلطة إل أيدي الغلب ية الفل سطينية‪ .‬وذلك أ مر ي ب أن ي سترعى‬
‫انتباه السياسة السرائيلية‪ .‬فمعن هذا التغي هو حل مشكلة الضفة الغربية ذات الكثافة السكانية العربية‬
‫الكبية‪ .‬فهجرة هؤلء العرب شرقا – إما بالسلم أو بالرب – وتميد نوهم القتصادي والسكان هي‬
‫الضمانات الكيدة للتحولت القبلة‪ .‬وعلينا أن نبذل قصارى جهدنا للسراع بتلك العملية‪.‬‬
‫ل وسطا أو تعايشا‪ ،‬وتصبح بالتال‬
‫"وينبغي رفض خطة الكم الذات‪ ،‬وأية خطوة أخرى تتضمن ح ً‬
‫عقبة ف سبيل فصل المت‪.‬‬
‫"وي ب أن يف هم العرب ال سرائيليون (أي الفل سطينيون) أ نه ل ي كن أن يكون ل م و طن إل ف‬
‫الردن‪ .‬ولن يعرفوا المن إل بالعتراف بالسيادة اليهودية على كل ما يقع بي البحر ونر الردن‪ .‬ول‬
‫يعد مكنا – ونن على مشارف العهد النووي – أن نرضى بوجود ثلثة أرباع السكان اليهود مركزين‬
‫فـ سـاحل مزدحـم بالسـكان ازدحاما كـبيا‪ ،‬وتوزيـع هؤلء السـكان هـو أول واجباتنـا فـ سـياستنا‬
‫الداخلية‪ .‬فيهودا والسامرة والليل هي الضمانات الوحيدة لبقائنا على قيد الياة كأمة‪ .‬وإذا ل تصبح لنا‬
‫الغلبية ف الناطق البلية‪ ،‬فسيكون مصينا كمصي الصليبي الذي فقدوا هذه البلد‪.‬‬
‫"وينبغي أن نعمل على إعادة التوازن إل النطقة ف الستويات السكانية والستراتيجية والقتصادية‪،‬‬
‫وأن يكون ذلك على رأس ما نصبو إليه‪ .‬ويتضمن هذا المر الشراف على الوارد الائية بالنطقة من بي‬
‫سبع إل الليل العلى‪ ،‬وهي منطقة خالية من اليهود تاما اليوم"‪.‬‬
‫‪m m m‬‬
‫على هذا الن حو من ال سوء ترى المور ف العال ال سلمي‪ ،‬ويراد ل ا أن ت سي من سيئ إل أ سوأ‬
‫خلل السنوات القريبة القادمة‪،‬من أجل أن تعيش الدولة اليهودية وتتوسع‪ ،‬بالتأييد الظاهر الكشوف من‬
‫جانب أمريكا‪ ،‬والتأييد الصامت الستتر من جانب روسيا‪ ،‬الت تكتفي بصيحات النكار على إسرائيل‬
‫كلما وقع عدوان يهودي‪ ،‬وصيحات العطف على "العرب"ن دون أن تصنع شيئا حقيقيا بوقف العدوان‬
‫ويوقف التوسع العدوان منذ ‪1948‬م حت هذه اللحظة! وأنت حي تقف إل جوار رجل يسك سكينا‬
‫ليذبح به رجلً آخر‪ ،‬ث تكتفي بأن تقول له‪ :‬عيب يا رجل! حرام عليك! فإنك ف القيقة تعينه على أن‬
‫يتمم جريته وهو آمن من كل تعويق‪.‬لن الصياح يتبدد ف الواء بعد لظات‪ ،‬بينما يظل الجرم ماضيا‬
‫ف جريته!‬
‫وهكذا تقف الدولتان "العظميان!" موقفهما القيقي من السلم والسلمي! وتستعي أمريكا – كما‬
‫بينا من قبل – بعدوتا روسيا‪ ،‬وبالشيوعية‪ ،‬لحاربة السلم ف منطقة النفوذ المريكية‪ ،‬وتنسى الدولتان‬
‫خصـومتهما وعداوتمـا‪ ،‬وتقفان صـفا واحدا متسـاندا متعاضدا ضـد السـلم‪ ،‬كمـا كانـت الدولتان‬
‫"العظميان" السابقتان‪ ،‬بريطانيا وفرنسا‪ ،‬ولكن بضراوة أعنف‪ ،‬وشراسة أشد‪ .‬ويصل المر ف التساند‬
‫والتعا ضد أن تغ طى رو سيا العم يل المري كي الذي يقوم بتذب يح ال سلمي‪ ،‬ك ما تغ طى أمري كا العم يل‬
‫الشيوعي القائم بنفس المر‪ ،‬وتعمل كلتاها لساب اليهودية العالية‪ ،‬ف ذات الوقت الذي تشفي كل‬
‫منهما غليلها الشخصي من السلم!‬
‫‪m m m‬‬

‫أما الع مل على ال ساحة ال سلمية ف قد تبي ل نا من العرض ال سابق وجود مشكلت غ ي قليلة وغ ي‬
‫هينة فيه‪ ،‬أبرزها تفرق الماعات العاملة ف الساحة وتزقها‪ ،‬وقيام بعضها برب بعض‪ ،‬وغياب القيادة‬
‫الكبية الت كان يكن أن تمع العمل السلمي وتوحد طريقه‪ ،‬ث النقص الكبي ف جوانب مهمة من‬
‫جوانب التربية‪ :‬العقدية والركية والفكرية والسياسية‪ ..‬ال‪.‬‬
‫وع ند هذه ال صورة – بالضا فة إل ما يراد بال سلمي من سوء – ي قف ب عض الناس فيون كأن‬
‫الطريق مسدود‪ ،‬وكأن الصحوة كلها توشك أن تنهار‪ ،‬ويعود الظلم من جديد‪.‬‬
‫وهذا غي صحيح‪.‬‬
‫وأعداء السلم أنفسهم – الذين يقومون بذا الكيد كله للقضاء على الصحوة السلمية – يعلمون‬
‫أنه غي صحيح! وأنه على الرغم من كل الهد الذي يقومون به فهم ل يقضوا عليها‪ ،‬بل هم يشون‬
‫امتدادها بعد كل ما فعلوه‪.‬‬
‫وإذا نن قلنا إن الصحوة باقية بإذن ال‪ ،‬ومتدة ومتوسعة‪ ،‬وإن الستقبل بإذن ال للسلم‪ ،‬فنحن ل‬
‫نقول هذا رجا بالغيب‪ ،‬إنا تتبعا للواقع الشهود وللسنن الربانية الت يريها ال ف هذا الوجود‪.‬‬
‫ولنحاول أولً أن نتتبع قدر ال بذه المور ف الفترة الخية الشحونة بالحداث‪.‬‬
‫لو كان ف قدر ال أن توت هذه ال مة وتنت هي‪ ،‬وترج من التار يخ‪ ،‬فرب ا كان أن سب حدث لذا‬
‫ال مر هو إزالة الل فة على يد أتاتورك‪ .‬ف قد ساد الظلم واليأس ربوع العال ال سلمي يومئذ‪ ،‬وأ حس‬
‫السلمون أنم كاليتام الذين فقدوا راعيهم‪ ،‬وكانت الصدمة ف حسهم ثقيلة تبعت على القنوط‪.‬‬
‫ولكن قدر ال اختار هذا الدث ذاته ليكون بداية ليقظة جدية وبعث جديد‪.‬‬
‫ولو كان ف قدر ال أن يتغلب العداء على هذه اليقظة فيقضوا عليها ويمدوا أنفاسها‪ ،‬فربا كانت‬
‫أعمال أتاتورك الثان – جال عبد الناصر – ووحشيته ف ماربة الركة السلمية‪ ،‬أنسب ظرف للقضاء‬
‫عليها وموها من التاريخ‪.‬‬
‫ولكن الذي نراه من قدر ال حت هذه اللحظة أن كل مذبة تقع‪ ،‬تأتى بدد جديد من الشباب ينضم‬
‫للحركة السلمية‪ ،‬بل نرى أن التاه للسلم‪ ،‬والرغبة ف تقيقه كاملً شاملً كما أنزله ال‪ ،‬قد اصبح‬
‫تيارا ذاتيا ع ند الشباب‪ ،‬ل يتعلق بما عة معي نة‪ ،‬بل ي ثل تطلعا عاما ع ند الشباب‪ ،‬سواء التحقوا بذه‬
‫الماعة أو تلك‪ .‬أو ل يلتحقوا بماعة على الطلق (‪.)1‬‬
‫ولقد قلنا ف فصل "الصحوة السلمية" إن رجوع المة للسلم ل يكن عجبا‪" ،‬إنا العجب – كان‬
‫– أن يشردوا عنه ويتجهوا إل غيه! والعجب الكب – كان – أن يثبتوا على هذا الشرود‪ ،‬ول يرجعوا‬
‫إل نبض قلوبم الطبيعي!"‬
‫ول قد كان من أ كب أ سباب هذا الشرود – ك ما بي نا من ق بل – الفت نة بالضارة الغرب ية‪ .‬ح ي قال‬
‫"الثقفون" لنفسهم‪ :‬ها هي ذي أوربا كافرة جاحدة‪ ،‬ومع ذلك فهي قوية متحضرة مكنة ف الرض‪،‬‬
‫وهي رغم عدم تدينها ذات أخلق! بينما نن أصحاب دين‪ ،‬ولكننا ضعاف متخلفون‪ ،‬وفضلً عن ذلك‬
‫فنحن أمة بل أخلق! فلنترك هذا الدين إذن‪ ،‬ولنفعل كما فعلت أوربا حي انسلخت من دينها لتتقدم‬
‫وتتح ضر! ث جر "الثقفون" بق ية ال مة وراء هم‪ ،‬ف الظروف ال ت أشر نا إلي ها من ق بل ف ف صل "آثار‬
‫النراف"‪.‬‬
‫واليوم يبدو الطأ ف طرف العادلة واضحا با ل يكن واضحا يوم بدأت الفتنة‪.‬‬
‫فأوروبا جاحدة كافرةن نعم‪ ،‬وهي تمع ف أيديها كل أسباب القوة‪ .‬ولكن كفرها وجحودها ليس‬

‫() ل يصلح العمل للسلم دون جاعة متحابة متآلفة تعيش السلم واقعا ثثم تدعو إليه‪ .‬ولكنا نسجل واقعا قائما بالفعل‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫عدي الثر ف حياتا كما توهم "الثقفون" أول مرة‪ .‬إنا له تأثيان عميقان ف كيانا كله‪ ،‬أحدها قريب‬
‫صاحب هذه "الضارة" م نذ مولد ها‪ ،‬ويزداد مع ها على الدوام‪ ،‬وال خر ينتظر ها ف نا ية الطاف‪ .‬فأ ما‬
‫الول فهو "القلق" النفسي والعصب والفكري‪ ،‬لن ال – الذي فتح عليهم أبواب كل شئ لا نسوا ما‬
‫ذكروا به‪ ،‬إجراءً لسنة من سنته تعال – قد أنذر البشرية من قدي‪ ،‬أنا إن عتت عن أمر ربا فقد يغرقها‬
‫ف التاع الر ضي إل ح ي – ا ستدراجا ل ا – ولك نه ل ينح ها الب كة ول طمأني نة القلب‪ ،‬فه ما من‬
‫حصيلة اليان‪ ،‬ل ينحهما ال إل للمتوجهي إليه‪ ،‬الذاكرين له‪ ،‬القرين بألوهيته‪ ،‬القائمي بعبادته‪:‬‬
‫ت مِ ْن ال سّمَاءِ وَالَرْ ضِ} [ سورة العراف‬
‫{وََلوْ أَنّ َأهْ َل اْلقُرَى آ َمنُوا وَاّت َقوْا َل َفتَحْنَا عََلْيهِ ْم بَرَكَا ٍ‬
‫‪]7/96‬‬
‫{الّذِي نَ آ َمنُوا َوتَطْ َمئِنّ قُلُوُبهُ ْم بِذِكْرِ اللّ هِ أَل بِذِكْرِ اللّ ِه تَ ْط َمئِنّ الْقُلُو بُ ( ‪ [ })28‬سورة الر عد‬
‫‪]13/28‬‬
‫و"القلق" هو ال سمة الغال بة على هذه الضارة م نذ يوم ها الول‪ ،‬ول كن ح صيلته تزداد وضوحا يوما‬
‫بعد يوم‪ ،‬وتقول إحصائياتم – دائما – أنه آخذ ف الزدياد‪ ،‬سواء ف صورة أمراض نفسية وعصبية‪ ،‬أو‬
‫جنون وانتحار‪ ،‬أو إدمان على المـر والخدرات‪ ،‬أو جنوح إل الريةـ‪ ،‬أو تزق فـ علقات السـرة‬
‫وعلقات الجتمع‪ ..‬أو‪..‬ال‪.‬‬
‫وأ ما التأث ي ال خر الذي ينت ظر هذه الضارة ف نا ية الطاف ف هو النيار‪ ،‬الذي تن بأ به كث ي من‬
‫"عقلء" تلك الضارة أنفسهم‪ ،‬وإن كانوا ل يلكوا لنفسهم الفكاك‪ ،‬لنم ينذرون غيهم بالطر وهم‬
‫أنفسهم ف داخل الكيان النهار!‬
‫وحقي قة إن الضارة الغرب ية ال سيطرة اليوم على البشر ية لن تنهار بال سرعة ال ت يتخيل ها ب عض الناس‬
‫حي نتكلم عن النيار‪ ،‬لنا تمل من أسباب القوة واليابية ما يؤخر النيار الحتوم‪.‬‬
‫تمل قوة العلم‪ .‬وقوة الصب واللد على العمل‪ .‬وعبقرية التنظيم‪ .‬والروح العملية ف دراسة الشاكل‬
‫والبحث لا عن حلول‪ .‬وتمل تيسيات نافعة ف كثي من جوانب الياة‪ ،‬تاول أن ترفع "الهد" عن‬
‫كاهل النسان وتمله لللة‪ .‬وكل هذه قوى تسك بالكيان التساقط‪ ،‬وتنعه من السقوط السريع‪ ،‬رغم‬
‫كل "الوزار" الت تدفع به إل النيار‪.‬‬
‫نعم‪ ..‬ولكنها – كلها – ل تستطيع أن تول دون النهاية الحتومة‪ .‬لنا من سنة ال‪.‬‬
‫أما قضية "الخلق" فقد تكشفت عن كونا أخلقا "نفعية" ل أخلقا حقيقية‪ .‬جيلة الظهر‪ ،‬نعم‪،‬‬
‫ولكنها عدية الذور‪ ،‬لنا منبتة الصلة بالعي القيقي للخلق – وهو الدين – ولذلك أخذت تذوى‪،‬‬
‫وخرج بعد الرب العالية الثانية جيل ينسلخ تدرييا من تلك الخلق‪ ،‬وينلق إما إل الرية‪ ،‬وإما إل‬
‫الفوضوية وانعدام البالة‪ .‬والنسبة آخذة ف الزدياد!‬
‫ومن الهة الخرى تبي أن الذي حل بالسلمي ل يكن نتيجة أنم مسلمون‪ .‬إنا كان بسبب الواء‬
‫التدريي الذي حل بكل مفاهيم السلم الرئيسية نتيجة خط النراف الطويل‪ ،‬الذي فرغ ل إله إل ال‬
‫من مدلولا القيقي‪ ،‬وحول السلم كله إل تقاليد خاوية من الروح‪.‬‬
‫ووضح هذه القيقة بالنسبة للحضارة الغربية من جهة‪ ،‬وبالنسبة لواقع السلمي ف القرون الخية‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬له تأثيه ول شك ف الصحوة السلمية‪ ،‬فهو رافد يدها على الدوام بدد جديد من‬
‫الجيال الناشئة يتزا يد با ستمرار‪ ،‬كل ما بدا عوار الاهل ية العا صرة واضحا للع ي‪ ،‬كل ما أدرك الناس‬
‫حقي قة ال سلم ك ما هي ف كتاب ال و سنة ر سوله‪ ،r‬وك ما كا نت مطب قة ف حياة ال سلف ال صال‬
‫رضوان اله عليهم‪ ،‬وأدركوا إل جانب ذلك مدى بعد المة ف وقتها الاضر عن حقيقة الدين‪.‬‬
‫وهذا الوعي بذه القيقة – من طرفيها – أمر ل يكن وقفه!‬
‫فل أوروبا تلك أن تتوقف عن النيار الذي هي صائرة إليه بسب السنن الربانية‪ ،‬ما دامت مصرة‬
‫على معاندة كل ما يأت من عند ال‪ .‬ول العرفة بقيقة ل إله إل ال‪ ،‬وحقيقة الدين النل من عند ال‪،‬‬
‫يكن وقفها اليوم‪ ،‬وقد صارت عند الشباب بديهيات ومسلمات!‬
‫‪m m m‬‬

‫رافد آخر من روافد الصحوة السلمية يتمثل ف فشل النظم الستوردة ف حل مشاكل الناس‪ ،‬وفشل‬
‫الزعماء العلمانيي ف تقيق ما كانت المة تعلقه عليهم من المال‪.‬‬
‫فهذا هو الواقع الشهود بعد قرن كامل من استياد النظم من غرب أوروبا أو شرقها على السواء‪.‬‬
‫ضعف متزايد من جانب "السلمي"‪ ،‬وقوة متزايدة وعدوان مستمر من جانب العداء‪.‬‬
‫تزقـت الدولة السـلمية الكـبية‪ ،‬وتفتـت العال السـلمي إل أجزاء‪ ،‬ثـ تفتـت الجزاء إل أجزاء‪.‬‬
‫واليوم يطحن الفتات مرة أخرى لزيد من السحق‪ ،‬ومزيد من التفتيت‪.‬‬
‫زاد الفقـر‪ ،‬وتراكمـت الديون الربويـة التفاقمـة‪ ،‬ومـع بروز طبقـة جديدة مسـتغلة – فـ ظـل‬
‫"الشتراكية"! – تمع ف أيديها ثروات خيايلية‪ ،‬مقتطعة كلها ومسروقة من قوت تلك الشعوب‪.‬‬
‫انارت الخلق وتدهورت القيم‪ ،‬وفقدت الشعوب ترابطها وتاسكها‪ ،‬وتزقت إل أفراد أنانيي‪ ،‬أو‬
‫جاعات متناحرة‪ ،‬وفقدت البلد طمأنينتها‪ ،‬وصارت ف قلق دائم ل تعرف منه طريق اللص‪.‬‬
‫اقتطعت من قلب العال السلمي أرض من أقدس الراضي لتنشأ فيها دولة لليهود‪ ،‬ويرى التحضي‬
‫لقامة دول أخرى غي إسلمية ف بلد السلمي‪.‬‬
‫ويرى العدوان الستمر على السلمي ف كل الرض‪ :‬ف الند‪ .‬ف البشة‪ .‬ف أريتريا‪ .‬ف الصومال‪.‬‬
‫ف أوغندا‪ .‬ف الفلبي‪ .‬فضلً عن الرب الضارية على السلمي ف العال الشيوعي‪.‬‬
‫ماذا فعلت النظم الستوردة‪ ،‬وماذا فعل الزعماء العلمانيون‪ ،‬وقد جرت كل هذه الصائب من خلل‬
‫وجودهم‪, ،‬أو جرت على أيديهم‪ ،‬وكانوا هم طرفا من أطرافها‪ ،‬وسببا من أسبابا‪..‬؟‬
‫وحي ييأس الناس من هذه النظم ومن هذه الزعامات‪ ..‬فإل أين يتجهون؟!‬
‫إنه رافد للصحوة السلمية ل يكن وقفه!‬
‫فهذا لن ظم ال ستوردة ت صاحبها دائما عبود ية خف ية أو ظاهرة لوا حد من الع سكرين‪ .‬والعبود ية ل‬
‫تدث نضة ول تل مشكلة‪ .‬أو إن حلت بعض الشاكل فهي تلها على حساب الصي النهائي للمة‪،‬‬
‫كالذي يرج من حفرة ليقع ف أكب منها‪ .‬حت يقع ف الفرة الت ليس منها خلص!‬
‫والزعماء الزيفون ل يلكون اللص القي قي لشعوب م‪ ،‬لن ذلك ي ضر ب صال الذ ين يضعون م ف‬
‫أماكن هم‪ ،‬ويلون علي هم سياستهم! و هم ما وضعو هم ف موضع هم هذا إل ليحققوا م صال ال سادة ل‬
‫مصال العبيد! فل السادة يسمحون بالنجاح القيقي لولئك الزعماء لن هذا ضد مصالهم‪ ،‬ول هم‬
‫بأنفسهم قادرون على النجاح رغم أنف السادة‪ ،‬لن السادة هم الذين ينحونم السلطان‪ ،‬ويوم يرجون‬
‫عن طوعهم فما أسهل أن يزالوا من الطريق!‬
‫ول قد حاول ال سادة أن يلوا تلك العادلة ال صعبة بإقا مة "زع يم خالد" ف كل بلد إ سلمي‪ ،‬ي قق‬
‫مصال ال سادة ت ت ستار من البطولت الزائ فة ال ت تب هر أع ي الشعوب‪ ،‬وتوه ها أ نه يع مل لصالها!‬
‫ول كن اللع بة تنك شف ف النها ية‪ ،‬وي تبي للناس أن زعيم هم الالد قد أغرق هم ف العار والذل‪ ،‬والف قر‬
‫والفو ضى‪ ،‬ف أثناء انبهار هم ب ا يل عب على ال سرح من البطولت! وأن م قد تأخروا ف كل سنة من‬
‫حكمه با يوازي عدة أضعاف من السني‪.‬‬
‫و ف نا ية الشوط‪ ،‬ح ي ت ل الشعوب من اللع بة والل عبي‪ ،‬تت جه إل ال سلم بأعداد متزايدة تطلب‬
‫اللص!‬
‫‪m m m‬‬

‫والوجود اليهودي ف الرض السلمية رافد من روافد الصحوة السلمية!‬


‫لقد أنشئت الدولة اليهودية ف مؤامرة صليبية صهيونية مشتركة كما تبي لنا من تقرير لورد كامبل‪،‬‬
‫لتكون "بثابة الشوكة تز العملق كلما أراد النهوض"‪.‬‬
‫ولقد قامت بدورها بالفعل‪ ،‬وما تزال قائمة‪.‬‬
‫ولكـن‪ ..‬إل أيـن يتجـه الناس حيـ يتضجرون ذات يوم مـن الوجود اليهودي‪ ،‬وسـيطرته السـياسية‬
‫والربية والقتصادية والفكرية والثقافية‪ ..‬وكل مال من الجالت اليوية؟!‬
‫إن اليهود – بر غم كل ذكائ هم الشر ير = يعملون ضد صالهم‪ ،‬ولكن هم ل يلكون التو قف عن‬
‫العمل ضد صالهم‪ ،‬بسبب القد السود الذي يل قلوبم ضد السلم والسلمي!‬
‫{َلتَجِ َدنّ َأشَ ّد النّاسِ عَدَا َوةً ِللّذِينَ آ َمنُوا الَْيهُو َد وَالّذِينَ َأشْرَكُوا} [سورة الائدة ‪]5/82‬‬
‫إنم يستذلون البلد العربية ول يقفون ف إذللا عند حد‪ ،‬لنم يريدون السيطرة ويريدون التوسع‪،‬‬
‫فينشئون بذلك رد فعل دائم يتزايد باستمرار‪.‬‬
‫وقد مر بنا مططهم الذي كانوا يريدون تنفيذه ف الثمانينيات من هذا القرن العشرين‪ .‬فهل يلكون‬
‫أن يتوقفوا ويقولوا لنف سهم‪ :‬فلن كف عم ذلك‪ ،‬ون قف ع ند ال د "العقول" ل كي ل يدث رد الف عل‬
‫الحذور!‬
‫كل! فإنم – من حقدهم – ل يكفون‪ .‬ويسول لم الشيطان أن يضوا ف العدوان فل يرجعون‪.‬‬
‫وحي يدث رد الفعل – كما لبد أن يدث ذات يوم – فلمن يتجه الناس؟!‬
‫أتراهم يتجهون إل الحزاب الوالية للغرب‪ ،‬والغرب – على رأسه أمريكا – هو الذي يد لسرائيل‬
‫ف الغي‪ ،‬ويشجعها على العدوان؟‬
‫أم تراهم يتجهون إل الحزاب الشيوعية‪ ،‬الت تصيح ف وجه القائل‪ :‬عيب يا رجل! حرام عليك! ث‬
‫تتركه يهز على فريسته وهو آمن من كل تعويق؟!‬
‫إنه ل متجه لم إل السلم!‬
‫واليهود يعرفون ذلك! ويصرحون به أحيانا‪ ،‬ويذرون منه! ولكن القد السود ف قلوبم‪ ،‬والرغبة‬
‫النونية ف السيطرة والتوسع تنعهم من التوقف‪ ،‬وتدفعهم إل مزيد من الشر‪ ،‬ومزيد من الطغيان‪.‬‬
‫‪m m m‬‬

‫هنالك قدر علوى يدفع الحداث‪ ..‬ويدفعها ف اتاه معي‪ ..‬ف اتاه الصحوة السلمية‪.‬‬
‫إن بواعث الصحوة كلها موجودة‪ ،‬سواء منها ما هو قائم ف هذه اللحظة أو ما هو قادم ف الطريق‪.‬‬
‫ول يلك العداء – ك ما بي نا – شيئا من أ مر هذه البوا عث‪ .‬ل يلكون و قف الضارة الغرب ية عن‬
‫النيار‪ .‬ول يلكون أن يعلوا علماء هم ف النط قة ناجح ي من وج هة ن ظر شعوب م‪ .‬ول يلكون إلغاء‬
‫الوجود اليهودي ول منعه من العدوان الستمر‪ ،‬والطغيان الستمر‪.‬‬
‫إنم يلكون – بقدر ال – أمرا واحدا‪ ،‬وهو التقتيل والتذبيح والتشريد التعذيب والضطهاد‪ .‬وهذا‬
‫ل يقضى على الركة السلمية! إنا يصقلها ويحصها ويعلها أقدر على الواجهة!‬
‫وال هو الذي يدبر المور‪.‬‬
‫وبقدر من ال تعمل الظروف العالية كلها لتمكي الصحوة السلمية وتأصيلها‪ ،‬وجعلها هي الط‬
‫البارز ف مستقبل البشرية‪.‬‬
‫وبقدر من ال يسخر أعداء ال كلهم للقيام بذه الهمة‪ ،‬مهمة تكي الصحوة السلمية وتأصيلها‪،‬‬
‫مـن خلل أعمالمـ "الطبيعيـة" التـ يقومون باـ‪ ،‬وبدافـع مـن القـد السـود الذي يل صـدورهم تاه‬
‫السلم‪.‬‬
‫ولن يكون شئ من هذا نز هة جيلة يتنه في ها ال سلمون‪ ،‬أو طريقا مفروشا بالورود‪ .‬إن ا هو العرق‬
‫والدموع‪ ،‬والدماء والعذاب‪ ،‬وال هد النا صب‪ ،‬والطر يق الو عر الخفوف بالخاوف‪ ،‬وبالوحوش الوال غة‬
‫ف الدماء‪ .‬يسقط فيه شهيد تلو شهيد‪ .‬بينما يسي الركب ف الر اللفح وف الزمهرير‪ .‬ل يتوقف عن‬
‫السي‪.‬‬
‫س اْل َقوْ مَ‬
‫سكُمْ َقرْ حٌ َفقَ ْد مَ ّ‬ ‫ح َزنُوا َوَأنْتُ ْم الَعَْلوْ نَ إِ نْ ُكْنتُ ْم ُم ْؤ ِمنِيَ ( ‪ )139‬إِ ْن يَمْ سَ ْ‬
‫{وَل َتهِنُوا وَل تَ ْ‬
‫س وَِلَيعْلَ مَ اللّ ُه الّذِي نَ آ َمنُوا َوَيتّخِ َذ ِمْنكُ ْم ُشهَدَا َء وَاللّ ُه ل يُحِبّ‬
‫ك الَيّا مُ نُدَاوِلُهَا َبيْ َن النّا ِ‬
‫ح ِمثْلُ ُه َوتِلْ َ‬
‫َقرْ ٌ‬
‫جّن َة وَلَمّا‬
‫سْبتُمْ أَ ْن تَدْ ُخلُوا الْ َ‬
‫الظّالِ ِميَ (‪ )140‬وَِليُمَحّصَ اللّ ُه الّذِينَ آمَنُوا َويَ ْمحَ َق اْلكَافِرِينَ ( ‪ )141‬أَمْ حَ ِ‬
‫َيعْلَمْ اللّ ُه الّذِينَ جَاهَدُوا ِمْنكُمْ َويَعَْل َم الصّابِرِينَ (‪[ })142‬سورة آل ‪]142-3/139‬‬
‫وف النهاية ينصر ال جنوده ويكن لم ف الرض حسب وعده الدائم لم‪:‬‬
‫ف الّذِي َن مِ ْن‬
‫ستَخِْل َفّنهُم فِي الَرْ ضِ كَمَا ا ْستَخْلَ َ‬ ‫{ َوعَدَ اللّ ُه الّذِي نَ آمَنُوا ِمْنكُ ْم َوعَ ِملُوا ال صّالِحَاتِ َليَ ْ‬
‫َقبِْلهِ ْم وََليُ َم ّكنَنّ َلهُ مْ دِيَنهُ ْم الّذِي ا ْرَتضَى َل ُه ْم وََلُيبَدَّلنّهُ ْم مِ ْن َبعْدِ َخوِْفهِ مْ َأمْنا َي ْعبُدُوَننِي ل يُشْرِكُو َن بِي‬
‫َشيْئا} [سورة النــور ‪]24/55‬‬
‫ول نعلم بطبيعة الال كيف يكون التمكي‪ ..‬فلذلك غيب‪ ..‬ولكنا نستشف من أحاديث الرسول‪r‬‬
‫بعض اللمح لذا التمكي‪.‬‬
‫فاليهود اليوم هم السيطرون ف الرض‪ ،‬وهم الذين يرسون سياسة العال‪ ،‬وهم الذين يططون ضد‬
‫السلم والسلمي (‪ ،)1‬وبصفة خاصة ف النطقة الحيطة بإسرائيل‪.‬‬

‫() بالتعاون الوثيق مع الصليبية بطبيعة الال‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ويقول ر سول ال‪ :r‬طل تقوم ال ساعة ح ت يقا تل ال سلمون اليهود فيقتل هم ال سلمون‪ ،‬ح ت يت بئ‬
‫اليهودي من وراء الجر والشجر فيقول الجر والشجر يا مسلم يا عبد ال‪ ،‬هذا يهودي خلفي فتعال‬
‫فاقتله" (‪.)1‬‬
‫واليهود يعرفون هذا الديث ويؤمنون به‪ .‬فقد ورد ف آخره "إل الغرقد فهو من شجر اليهود" وهم‬
‫يغرسون اليوم شجر الغرقد حول بيوتم ف فلسطي غمانا منهم بصحة الديث‪.‬‬
‫فنستطيع أن نستشف من ذلك قيام معركة حاسة بي السلمي واليهود‪ ،‬يستظل السلمون فيها براية‬
‫ل إله إل ال‪ ،‬ل بالعروبة ول بالقومية‪ ،‬ول بالتراب الوطن‪ .‬وينتصر السلمون فيها نصرا حاسا بتقدير‬
‫ال‪ ،‬ويكون هذا من أحداث التاريخ الت تغي التاريخ‪.‬‬
‫ويقول‪ ،r‬وهو يستعرض التاريخ القبل للمة السلمية من لدن نبوته‪ r‬كما علمه الوحي‪" :‬تكون‬
‫النبوة في كم ما شاء ال أن تكون‪ .‬ث يرفع ها ال إذا شاء أن يرفع ها‪ .‬ث تقوم خل فة على منهاج النبوة‪،‬‬
‫فتكون ما شاء ال أن تكون‪ ،‬ث يرفع ها إذا شاء ال أن يرفع ها‪ ،‬ث تكون ملكا عاضا فتكون ما شاء ال‬
‫أن تكون‪ .‬ث يرفعها إذا شاء ال أن يرفعها‪ .‬ث تكون ملكا جبيا فتكون ما شاء ال أن تكون‪ ،‬ث يرفعها‬
‫إذا شاء أن يرفعها‪ .‬ث تكون خلفة على منهاج النبوة‪ .‬ث سكت" (‪.)2‬‬
‫فنستشف من ذلك أن هناك فترة مقبلة ف حياة السلمي‪ ،‬يستظلون فيها بلفة راشدة على منهاج‬
‫النبوة‪ ،‬تزول فيها الغربة الت يعانيها السلم اليوم‪ ،‬وتعود فيها المة إل التمكي‪.‬‬
‫ونعود إل الصحوة السلمية القائمة اليوم ف العال السلمي كله‪ .‬هل هي الطريق إل ذلك التمكي‬
‫الوعود؟!‬
‫ذلك غ يب ل ي ستطيع ب شر أن يتك هن ب ز إن ا نقول ف قط إن ا بشائر على الطر يق‪ .‬فإن علم ال ف‬
‫قلوب هذه الصحوة إخلصها له وتردها وصدق إيانا وصلبة عودها‪ ،‬فيقوم لا طريقها ويعينها على‬
‫أداء مهمتها‪ .‬وإل فسيبدلا‪:‬‬
‫ستَبْدِلْ َقوْما َغيْرَكُ ْم ثُ ّم ل َيكُونُوا َأ ْمثَاَلكُمْ (‪[ })38‬سورة ممد ‪]47/38‬‬
‫{ َوِإنْ َتَتوَّلوْا يَ ْ‬
‫وف جيع الحوال ينفذ ال قدره‪:‬‬
‫{ِإنّ اللّ َه بَالِغُ َأمْ ِرهِ قَدْ َجعَلَ اللّهُ ِلكُ ّل َشيْءٍ قَدْرا (‪[ })3‬سورة الطلق ‪]65/3‬‬
‫‪m m m‬‬

‫() أخرجه مسلم‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫() رواه المام أحد عن حذيفة بن اليمان‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫وحي يكن اله للمة السلمة ف الرض يدث تغي جذري ف حياة البشرية‪.‬‬
‫إن من تكري ال لذه المة الت جعلها أمة وسطا لتكون شاهدة على الناس ويكون الرسول شهيدا‬
‫عليها‪ ،‬أن جعل أحوال البشرية كلها مرتبطة بال هذه المة‪ .‬فإن رشدت ومكن لا ف الرض‪ ،‬يعمها‬
‫الي‪ ،‬ويتد منها إل ربوع الرض‪ ،‬كما كانت أوروبا تستمد منها ف بداية نضتها بعد أن خرجت من‬
‫قرونا الوسطى الظلمة نتيجة احتكاكها بالسلمي ف الشرق والغرب‪ .‬وإن شردت عن دينها ونسيت‬
‫ربا شقيت وشقيت معها البشرية‪ .‬فإن أوروبا الاهلية الت تكم البشرية اليوم ما انتفشت وصار لا هذا‬
‫الوجود الطاغي ف الرض إل نتيجة انسار المة السلمية عن رسالتها‪ ،‬وكل انتفاش انتفشته أوروبا‬
‫فقد كان على حساب المة السلمية ف صورة استعمار وعدوان وطغيان‪.‬‬
‫ومن الثغرات الت وجدت ف حياة أوروبا الاهلية نفذ اليهود وسيطروا على البشرية كلها كما بينا‬
‫ف غي هذا الكان (‪ ،)1‬وازداد شقاء البشرية كلها بذه السيطرة الاقدة الجنونة الت تعتب البشر كلهم‬
‫حيا خلقهم اله ليكبهم شهب الشيطان‪.‬‬
‫وحي تعود المة السلمية إل إسلمها الق‪ ،‬ويكن لا ال ف الرض حسب صادق وعده‪ ،‬تتغي‬
‫ملمح كثية ف الرض‪.‬‬
‫ل قد جاء ال سلم أول مرة والبشر ية على حا فة الاو ية‪ ،‬ك ما عب "ج‪ .‬ه ـ ديني سون" ف كتا به‬
‫"العواطف كأساس للحضارة‬
‫”‪Emotions as the Basis of Civilization‬‬
‫"ف في القرن ي الا مس وال سادس كان العال التمد ين على ش فا جرف هار من الفو ضى‪.‬لن العقائد‬
‫الت كانت تعي على إقامة الضارة كانت قد انارت‪ ،‬ول يك ث ما يعتد به ما يقوم مقامها‪ .‬وكان‬
‫يبدو إذ ذاك أن الدنية الكبى الت تكلف بناؤها جهود أربعة آلف سنة مشرفة على التفكك والنلل‪،‬‬
‫وأن البشرية توشك أن ترجع ثانية إل ما كانت عليه من المجية‪ ،‬إذ القبائل تتحارب وتتناحر‪ ،‬ل قانون‬
‫ول نظام‪ .‬أ ما الن ظم ال ت خلقت ها ال سيحية فكا نت تع مل على الفر قة والنيار بدلً من التاد والنظام‪.‬‬
‫وكانت الدنية كشجرة ضخمة متفرعة امتد ظلها إل العال كله‪ ،‬واقفة تترنح وقد تسرب إليها العطب‬
‫حت اللباب‪ .‬وبي مظاهر هذا الفساد الشامل ولد الرجل الذي وحد العال جيعه (‪.)2‬‬
‫واليوم تشرف البشريـة على التحلل والنيار مرة أخرى بقيادة الاهليـة العاصـرة‪ .‬كمـا يشهـد‬

‫() ف كتاب "مذاهب فكرية معاصرة"‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫() عن كتاب "السلم والنظام العالي الديد" تأليف مولي ممد علي‪ ,‬وترجة أحد جودة السحار‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫"عقلؤها" ف صيحات متوالية يطلقونا بي الي والي‪ ،‬ولكنها تضيع ف الدوامة الجنونة الت تلف‬
‫البشرية‪.‬‬
‫ولن ينقذها من الدمار إل السلم‪.‬‬
‫تاما ك ما حدث أول مرة‪ .‬مع فارق وا حد‪ :‬أن العداوة الر صودة ف طر يق ال سلم اليوم أ شد م ا‬
‫كانت أول مرة‪.‬‬
‫و مع ذلك فإن الضياع ال ت تعي شه البشر ية ف أزمت ها الاضرة يد فع ألوفا من الب شر كل عام م ن‬
‫يبحثون عن طريق اللص أن يدخلوا ف السلم ف أوروبا وأمريكا وأستراليا وآسيا (‪ )1‬وأفريقيا‪.‬‬
‫ولو كان السلم حاضرا ف هذه اللحظة‪ ،‬مثلً ف متمع إسلمي حقيقي‪ ،‬لكانت هذه اللوف قد‬
‫أصبحت مليي! فالسلم هو الل القيقي لكل مشكلت البشرية‪.‬‬
‫إن الشكلة الول للبشر ية اليوم – ف ظل الضارة الغرب ية – أن ا ت ستكب على الدى الربا ن‪ ،‬لن‬
‫"الدين" مثل لا على يد الكنيسة الوروبية غو ًل بشعا يأكل أموال الناس وأرواحهم وعقولم‪ ،‬وينعهم‬
‫من ارتياد العلم‪ ،‬وينعهم من تعمي الرض‪ ،‬ويصرف ههم إل الخرة بنبذ الياة الدنيا (‪.)2‬‬
‫ومـن هذه النقطـة الرئيسـية البدئيـة جاء الشقاء كله‪ ،‬حيـ تكمـت "عقول" البشـر‪ ،‬أو بالحرى‬
‫أهواؤهم وشهواتم ف رسم منهج الياة‪ ،‬فو قع الذل والظلم سواء ف الرأسالية أو الشيوعية‪ .‬سواء ف‬
‫الفردية أو الماعية‪ .‬سواء ف الخلقية النفعية أو اللأخلقية‪ .‬وتردت البشرية فيما تردت فيه من فوضى‬
‫النس والتحلل اللقي والسعر الادي والصراع الوحشي ف غياب الشريعة الربانية والنهج الربان‪.‬‬
‫والذي يل هذه الشكلة الرئيسية البدئية هو السلم‪.‬‬
‫لنه الدين الذي يعطى اللوهية قدرها الق‪ ،‬ويكرم البشرية ف ذات الوقت بتكري ال‪:‬‬
‫ت وََفضّ ْلنَاهُ ْم عَلَى َكثِ ٍي مِمّ نْ‬
‫ح ِر وَرَزَ ْقنَاهُ ْم مِ نْ ال ّطيّبَا ِ‬
‫{وََلقَدْ كَ ّر ْمنَا َبنِي آدَ مَ وَحَمَ ْلنَاهُ مْ فِي اْلبَ ّر وَاْلبَ ْ‬
‫خََل ْقنَا تَ ْفضِيلً (‪[ })70‬سورة السراء ‪]17/70‬‬
‫الد ين الذي ير بط الكائن البشرى باله بال ب العم يق إل جا نب التوق ي والش ية‪ ،‬ول ي عل العبادة‬
‫قهرا للعباد بل تكريا لم ورفعة ونورا وشفافية‪.‬‬
‫الدين الذي يصفي النفس من كردها اليوان‪ ،‬وف الوقت ذاته ل يكبت دوافع النفس الت خلقها ال‬
‫لكي تعمل ل لكي تكبت‪ .‬ولكن تعمل ف أفقها العال الدير "بالنسان"‪.‬‬

‫() ف اليابان وكوريا اليوم جاعات كبية دخلت ف السلم‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫() راجع فصل "العلمانية" ف كتاب "مذاهب فكرية معاصرة"‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫الد ين الذي ل يف صل ب ي الن عة الفطر ية للعبادة‪ ،‬والن عة الفطر ية للعلم‪ ،‬ول يق يم بينه ما ال صومة‬
‫والعداوة وها توأمان أصيلن ف بنية الفطرة‪ ،‬يعملن معا‪ ،‬فيتوازن كيان النسان‪.‬‬
‫وهو الدين الذي يوى النهج الربان لتوجيه الياة البشرية ف كل اتاهاتا‪ :‬السياسية والقتصادية‬
‫والجتماعية والفكرية والروحية واللقية والفنية‪ .‬النهج الذي أنزله اللطيف البي‪ .‬العليم الكيم‪ .‬الذي‬
‫خلق النفس البشرية وهو أعلم با يصلحها وما يصلح لا‪ .‬وأعلم بأدوائها وبطريقة شفائها‪.‬‬
‫والذي يصد البشرية عن هذا الدين عوامل كثية ف آن واحد‪.‬‬
‫الروح الصليبية الت نشرتا الكنيسة الوروبية تاه السلم عامل من هذه العوامل‪.‬‬
‫والعداوة اليهودية للسلم عامل من هذه العوامل‪.‬‬
‫وإفساد مفهوم"الدين" على يد الكنيسة عامل من العوامل‪.‬‬
‫والبوط الذي أحدثته الاهلية العاصرة ف نفوس البشرية عامل من العوامل‪.‬‬
‫والهل بقيقة السلم عامل من ا لعوامل‪.‬‬
‫ولكن واقع السلمي اليوم‪ ،‬وبعدهم الشديد عن حقيقة السلم سواء ف التصور أو السلوك‪ ،‬لو من‬
‫أشد العوامل الت تصد الناس عن السلم‪.‬‬
‫وك ما كان سلوك ال سلمي الوائل‪ ،‬اللتزم ي بال سلم‪ ،‬عاملً من عوا مل ن شر ال سلم ف ربوع‬
‫ف سيحة من الرض‪ ،‬فكذلك ن د سلوك من ينت سبون إل ال سلم اليوم من أ كب عوا مل ال صد عن‬
‫السلم‪ ،‬بكل ما يملون من التخلف ف جيع اليادين‪ ،‬وسوء الخلق ف جيع العاملت‪.‬‬
‫وليس الطلوب من السلمي أن يسبقوا أوروبا ف الخترعات والعلوم لكي تقبل أوروبا على السلم!‬
‫فليس الذي ينقص الغرب هو العلوم والخترعات!‬
‫إنا الذي ينقصهم هو "النهج" الصحيح للحياة‪ .‬النهج الذي يأخذ النسان كله – ف شوله وتكامله‬
‫– ل جانبا واحدا من جوانبه‪ ،‬ويطلق الطاقات البشرية تعمل‪ ،‬ولكن ف توازن واتساق‪.‬‬
‫ينق صهم أن يزيوا من حيات م كل الل ة الزعو مة ال ت ألو ها ف جاهليت هم العا صرة‪ :‬إله القوم ية‬
‫والوطنيـة‪ .‬إله العلم‪ .‬إله العقـل‪ .‬إله النتاج الادي‪ .‬إله النـس‪ .‬إله الوى‪ .‬إله الشهوات‪ .‬ويعبدوا ال‬
‫وحده بل شريك‪ ،‬ومن ث يطبقوا منهجه وحده بل شريك‪ .‬وعندئذ يصبح كل ما يلكون من الطاقات‬
‫اليابية قوة بانية لنا مهتدية بالدى الربان‪ ،‬ول تكون فتنة مردية كما ف اليوم‪ ،‬تبعدهم عن طريق ال‬
‫كلما حققوا قدرا من التمكي ف الرض‪ ،‬فتزيدهم طغيانا‪ ،‬وتزيدهم – من ث – قربا من الدمار‪.‬‬
‫وهذا الن هج القائم على عبادة ال وحده‪ ،‬وال ستمد من عبادة ال وحده‪ .‬هو الذي يقد مه ال سلم‪.‬‬
‫وهو الذي يلك السلمون أن يهدوه للبشرية ويهدوها إليه‪ .‬حي يستقيمون هم على الطريق‪.‬‬
‫والأمول ف الصحوة السلمية أن تصل إل تقيق هذه الستقامة الت تني للبشرية الطريق‪.‬‬
‫ولن يكون هذا جهدا هينا كمـا قلنـا مـن قبـل‪ ،‬بالنظـر إل العداوات الضخمـة الرصـودة للسـلم‪،‬‬
‫والرب الضار ية العل نة عل يه‪ ،‬وج هل ال مة بقي قة دين ها‪ ،‬وبعد ها عن حقيق ته‪ ،‬سواء ف الت صور أو‬
‫السلوك‪.‬‬
‫ولكن البشرات كما قلنا أثقل بكثي من العوقات‪.‬‬
‫إن العوقات ت ثل الا ضر القائم ف هذه اللح ظة‪ ،‬ك ما ت ثل ال ستقبل القر يب الذي ياك للم سلمي‬
‫على يد الصليبية الصهيونية الاقدة‪.‬‬
‫ولكن البشرات تثل الستقبل الكبي الذي ينتظر المة السلمية وينتظر البشرية كذلك‪.‬‬
‫والبشرات أثقل من العوقات لنا هي التمشية مع الدللة التاريية‪ .‬دللة بروز الصحوة السلمية ف‬
‫الوقت الذي تؤذن فيه الضارة الغربية بالنيار‪.‬‬
‫والعوقات قائمة اليوم‪ ،‬وف الستقبل القريب‪ ،‬لنه ل الضارة الغربية قد انارت انيارها الكامل‪ ،‬ول‬
‫الصحوة السلمية قد استكملت كيانا الكامل‪ ،‬وحي يقع الصراع بي قوتي على هذه الصورة تكون‬
‫الغلبـة فـ الولت الول للكيان الذي يلك أسـباب القوة الاديـة وإن كان آيلً للسـقوط‪ ،‬لن الكيان‬
‫الذي يلك الق يكون ما يزال بعد ف مرحلة الستضعاف والبتلء‪.‬‬
‫ث يرى السنن الربانية مراها‪ ،‬ويرج الؤمنون من الستضعاف إل القوة مثلة ف قاعدة مؤمنة صلبة‬
‫ماهدة صابرة متسبة‪ ،‬تلتقي مع الاهلية وجها لوجه‪ ،‬فيؤيد ال بنصره الفئة الؤمنة الجاهدة‪ ،‬وينصرها‬
‫على أضعافها من الشركي‪:‬‬
‫ي اْلعَيْ نِ‬
‫{قَدْ كَا نَ َلكُ ْم آَيةٌ فِي ِفَئَتيْ نِ اْلَتقَتَا ِفَئ ٌة ُتقَاتِلُ فِي َسبِيلِ اللّ ِه َوأُ ْخرَى كَافِ َرٌة يَ َر ْوَنهُ ْم ِمثَْلْيهِ مْ َرأْ َ‬
‫(‪ )1‬وَاللّ ُه ُيؤَيّ ُد ِبَنصْ ِرهِ مَ ْن يَشَاءُ ِإنّ فِي ذَلِكَ َل ِعبْ َرةً ُلوْلِي ا َلْبصَارِ (‪[ })13‬سورة آل ‪]3/13‬‬
‫وقـد انتهـي دور الرجـل البيـض كمـا قال برتراندرسـل قبـل سـنوات‪ .‬ل لنـه ل يعـد يلك القوة‬
‫العسكرية ول القوة الادية ول القوة العلمية‪ .‬ولكن لنه أصبح عاجزا عن أن يصنع من ذلك كله "زادا"‬
‫صالا للحياة‪.‬‬
‫إنا الذي يلك الزاد هو السلم‪.‬‬
‫وح ي تت جه البشر ية إل ال سلم‪ ،‬فعندئذ ف قط ي صبح التقدم العل مي والتكنولو جي دافعا إل المام‪،‬‬

‫() كانوا ثلثة أمثالم ف القيقة‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ومعينا على الل فة الراشدة‪ ،‬بدلً من وض عه الال الذي يد فع البشر ية إل النلل النف سي والل قى‪،‬‬
‫كما يدفعها إل الدمار‪.‬‬
‫والدللة التاريية الت أبرزت الصحوة السلمية إل الوجود اليوم‪ ،‬ف الوقت الذي تيل فيه الضارة‬
‫الادية الغربية إل البوط‪ ،‬هي قدر ال الغالب‪ ،‬الذي يشي إل الستقبل‪.‬‬
‫الستقبل للسلم‪.‬‬
‫تلك دللة التاريخ‪.‬‬
‫والتاريخ ف حقيقته هو مرى السنن الربانية ف واقع الرض‪.‬‬
‫وحي تقف الاهلية كلها تارب قدر ال‪ ،‬فمن يكون الغالب‪ ،‬ومن يكون الغلوب؟‬
‫ي عَزِيزٌ (‪[ })21‬سورة الجادلة ‪]58/21‬‬
‫{ َكَتبَ اللّهُ َلغِْلبَنّ َأنَا وَ ُرسُلِي ِإنّ اللّهَ َقوِ ّ‬
‫ب عَلَى َأمْ ِرهِ وََلكِنّ أَ ْكثَ َر النّاسِ ل َيعْلَمُونَ (‪[ })21‬سورة يوسف ‪]12/21‬‬
‫{وَاللّ ُه غَالِ ٌ‬

‫‪m m m‬‬

You might also like