Professional Documents
Culture Documents
ممد قطب
مقدمة الطبعة الول
يتاز العال السلمي اليوم مرحلة من أسوأ مراحله ...يكن أن نطلق عليها مرحلة التيه
ولقد مرت بالعال السلمي أزمات كثية من قبل ,بل نكبات كثية ,كان السلمون يفقدون فيها
تكنهم ف الرض ,أو يفقدون أمنهم وطمأنينتهم ,أو يفقدون ديارهم وأموالم ...ولكنهم مع ذلك ل
يوضوا تربة أقسى ول أمر من تربتهم العاصرة ف تاريهم كله.
لقد كانت أزمة الردة -مثلً -أزمة حادة ول شك ,توشك أن تدد الدولة الناشئة وتعوّق حركتها
وهي ف مهدها .ولكن الناظر إل السنن الربانية ل يكن ليخاله الشك ف أن النصر سيكون للدولة
السلمة ,وليس للمرتدين هنا أو هناك ف أرجاء الزيرة العربية .فقد كان إيان السلمي بالق الذي
اعتنقوه ,وعمق صلتهم بربم ,وإخلصهم لدينه ,أضعاف إيان الرتدين بباطلهم الزيف الذي يقاتلون
من ورائه ,مع خلو موقفهم من أية قيم حقيقية إل الوي والشهوات! وما كان من جزع الصحابة
رضوان ال عليهم ,ومشورتم علي أب بكر tبالتريث ف قتالم ,فلم يكن ذلك لشك ف نفوسهم أن
ال سينصر دينه ,إنا كانت مشورتم من أجل إتاحة الفرصة لتجميع اليش الكاف للمعركة .ولكن إيان
أب بكر tالراسخ ,وثقته العميقة بوعر ال بالتمكي لذا الدين ف الرض ,وحساسيته الرهفة أن يترك
الارجي علي أمر ال دون أن يسارع ف توقيع العقوبة الت أمر ال بإنزالا بم ..كل ذلك قد فعل فعله
ف نفوس الصحابة رضوان ال عليهم ,فوقفوا صفا واحدا وراء أب بكر ...tونصر ال دينه كما وعد.
ولقد كانت فتنة مقتل عثمان ,tوما تلها من الروب بي علي ,ومعاوية ,أزمة حادة ابتلي با
السلمون والدولة ما تزال لفي نشأتا ,وعداوات الرض قائمة من حولا .ولكن الناظر إل مريات
المور يومئذ ل يكن ليشك ف ناية الزمة .فقد كان اللف -علي كل عمقه ,وكل ما أثاره من فرقة
ف صفوف السلمي -خلف علي من يتول المر ليمكن للسلم ف الرض ,وليس خلفا علي
السلم ذاته ,هل يكون هو قاعدة الياة للمسلمي أم يكون شيء آخر خلفه! ول تكن هناك ف الوقت
ذاته قوة خارجية تلك شيئا من الق ,أو هي أكثر إيانا بنهجها الذي تعيش به ,من إيان الؤمني بالق
الذي اعتنقوه وأقاموا حياتم علي أساسه .وتلك حسب السنن الربانية هي القومات الساسية الت
يتقرر با النصر من عند ال أو الزية ,قبل العدد والعدة وخطط الرب ,وإن كانت هذه كلها عواملها
لا حسابا ف اليزان الخي ,لنا من (السباب) الت أمر ال باتاذها ,وجعلها جزءا من سنته الارية.
ولكن السباب الادية وحدها ليست هي الت تسم المر ,ول هي الت تقرر الصي.
كذلك كانت أزمة الروب الصليبية وحروب التتار أزمة حادة ف حياة السلمي .وبدا -لفترة من
الوقت -أنا يكن أن تطيح بالكيان السلمي كله وتتث السلمي من الرض .ولكن النتيجة الواقعية
كانت غي ذلك ,وجاء النصر من عند ال ف النهاية .وكانت الزية ف البدء ,والنصر ف النهاية كلها
مطابقا للسنة الربانية الت ل ييد عنها شيء ف الوجود كله .فقد كان واقع السلمي سيئا ,مليئا
بالعاصي والبدع والنرافات والشتات والفرقة ,والنشغال بذلك كله عن نصرة دين ال والتمكي له ف
الرض .ولذلك اجتاحت جيوش العداء أرض السلمي ,وأزالت سلطانم إل حي .ولكن جذوة
العقيدة كانت ما تزال حية ف النفوس ,وإن غشيتها غاشية من التواكل والسلبية أو النشغال بشهوات
الرض .فما إن جاء القادة الذين يردون الناس إل الادة بدعوتم للرجوع إل حقيقة السلم ,حت
صحت الذوة واشتعلت ....فجاء علي أثرها النصر .فحي قام صلح الدين يقول للناس :لقد هُزمتم
لبعدكم عن طريق ال ,ولن تُنصروا حت تعودوا إل الطريق ...وحي قام ابن تيمية يدعو لتصحيح
العقيدة ما طرأ عليها من غبش التكلمي وضللتم ...وحي صاح قطز صيحته الشهية :واإسلماه!...
وتبعتهم جاهي المة السلمة فصدقت ال ف عقيدتا وسلوكها ,وجاء النصر ,وتغلب السلمون علي
أضعافهم من الشركي والكفار.
وجاءت نكبة الندلس عقابا ربانيا للمسلمي علي تفرقهم وتشتتهم وحرب بعضهم لبعض ,وتعاونم
مع أعدائهم من الصليبي ضد بعضهم البعض ,واتاذ أولئك العداء بطانة من دون الؤمني -مالفة لمر
ال -وهم ل يألونم خبال ...بالضافة إل الفتنة بشهوات الرض ,الباح منها وغي الباح...
ول تعد الندلس إل السلم ...ولكن طاقة المة السلمية ف مموعها ل تكن قد استنفدت...
ففي ذات الوقت الذي انسر فيه ظل السلم عن الندلس كانت هناك دولة فتية ف سبيلها إل التمكن
ف الرض ,واستطاعت أن تفظ كيان السلمي أربعة قرون كاملة .وامتدت ف داخل العال الصليب
حت فيينا ,وبطر سبج ,ودخل ف السلم علي يديها مليي من البشر ف أوروبا ,وآسيا.
وما يالن شك ف أنا هي الخرى ستمر ,ويكن ال لدينه مرة أخري ف الرض.
ولكن علينا أن نعرف الطبيعة الاصة لذه الزمة ,لنعلم ل طالت عن كل سابقتها؟ ولنعلم من جهة
أخرى كيف يكون الخرج منها حيي يأذن ال ,فنتخذ السباب الؤدية بإذن ال إل النجاة.
حي وقعت الروب الصليبية الول الت استغرقت حوال مائت عام (1291-1096م) والت وقعت ف
أثنائها وبعدها كذلك غارات التتار ,كان السلمون قد شغلوا عن السلم الصحيح ببدع وخرافات
ومعاص ,وتواكل وتقاعس وقعود عن الخذ بالسباب ,ولكن السلم ذاته ل يكن ف نفوسهم موضع
نقاش ,ل بوصفه عقيدة ول بوصفه نظام الكم ونظام الياة .وحت حي هُزموا أمام الصليبيي ,و أمام
التتار فلم يكن صدي الزية ف نفوسهم هو الشك ف السلم ذاته عقيدةً أو نظام حياة ,ول يكن هو
التطلع إل ما عند أعدائهم من عقائد أو أفكار أو مشاعر أو نظم أو أناط سلوك ,أو الظن -للحظة
واحدة -أن أعداءهم يلكون شيئا من (الق) تقوم لياتم عليه ,أو أن هناك شيئا -غي السلم -يكن
أن يكون هو الق ف العقيدة وف نظام الياة سواء .ول تكن قضية الكم با أنزل ال موضع شك منهم
ول موضع نقاش ,لنا كانت جزءا ل يتجزأ من إسلمهم ,بل كانت ف حسهم -كما ف القيقة-
القتضي الباشر لكونم مسلمي.
لذلك ل يهنوا -حت وهم مهزومون أمام أعدائهم فترة غي قصية -ول يشعروا أنم أدن من
أعدائهم ,بل يتمثل فيهم قوله تعال{ :وَل َت ِهنُوا وَل تَحْ َزنُوا َوأَْنتُ ْم الَعَْل ْونَ ِإنْ ُكْنتُ ْم ُم ْؤمِنِيَ} [سورة آل
عمران .]3/139
وكانوا مؤمني!.
بل كانوا يشعرون -حت وهم مهزومون -بازدراء شديد لعدائهم ,لن عقيدتم وتصوراتم ل تتفق
مع العقيدة الصحيحة والتصور الق ,ولن أخلقهم وأناط سلوكهم ل تتفق مع أخلق السلم وأناط
سلوكه .كان التتار -ف حسهم -هجا ل دين لم ول حضارة ,وكان الصليبيون هم الشركي عباد
الصليب ,وكانوا فوق ذلك منحلي الخلق ,ل غية علي عرض ول حفاظ.
أما ف الروب الصليبية الخية ,فقد كان الوقف فقد تغي كثيا عن ذي قبل.
كان السلمون قد انرفوا انرافا شديدا عن حقيقة السلم ,ل ف السلوك وحده ولكن ف التصور
كذلك.
مفهوم ل إله إل ال -أساس السلم كله وأكب أركانه -كان قد تول إل كلمة تقال باللسان ,ل
علقة ل بالواقع ,ول مقتضى لا ف حياة السلمي أكثر من أن ينطقوا با بضع مرات ف كل نارّ فضلً
عما أحاط بالعقيدة من خرافات ,وعبادة للضرحة والولياء والشايخ ,بدل من العبادة الصافية الالصة
ل دون وسيط.
مفهوم العبادة -الشامل الواسع -كان قد انصر ف شعائر التعبد ,من أداها فقد أدي كل ما عليه من
العبادة ,ول يعد مطالبا بشيء من التكاليف أمام ال! فضلً عما أصاب الشعائر التعبدية ذاتا من عزلة
كاملة عن واقع الياة ,كأنا شيء ليس له مقتضى ف الياة الدنيا ول تأثي!.
مفهوم القضاء والقدر -الذي كان ف صورته الصحيحة قوة دافعة رافعة -قصار ف صورته السلبية قوة
مذلة مثبطة عن العمل والنشاط والركة والخذ بالسباب! فضلً عما صاحب ذلك من استخدام
القوي الففية من السحر والن....إل ,جريا وراء سنة ال الارقة بد ًل من التعامل مع السنة الارية
الت أمر السلمون بالتعامل معها ,واتاذ السباب الؤدية إل جريانا ف لصالهم إذا توكلوا علي ال
حقق التوكل ,كقوله تعالِ{ :إنْ تَنصُرُوا اللّ َه يَنصُرْكُ ْم َوُيثَّبتْ أَقْدَامَكُمْ ([ })7سورة ممد ,]47/7وقول
الرسول " :eتداووا عباد ال فإن ال ل يضع داء إل وضع له دواء" ( ....)1إل ...إل...
مفهوم الدنيا والخرة -الذي يربط الدنيا بالخرة ,ويعل الدنيا مزرعة الخرة -تول إل فصل كامل
بي الدنيا والخرة ,يعلهما موضع التقابل الكامل وموضع التضاد ,فمن أراد الدنيا ترك الخرة ,ومن
أراد الخرة ترك الدنيا ,واكتفي فيها بالكفاف.
وأما عمارة الرض فقد أهلت حي أهلت الدنيا من أجل الخرة ,فخيم علي الناس الفقر والهل
والرض والتخلف الضاري والادي والعلمي والعقلي ....وزاد علي ذلك كله أنه -ف حسهم -قدر
مقدور من عند ال ,ل حيلة لم فيه إل الرضاء والتسليم(.) 2
وفضلً عن ذلك كله فقد خلت حياة الناس من الروح ,وأصبحت الياة كلها تقاليد موروثة يافظ
عليها من أجل أنا تقاليد ,ل من أجل أنا جزء من منهج حي يكم الياة .فالعبادة تقاليد ,والسلوك
تقاليد ,وحجاب الرأة تقاليد ,وقضية العرض تقاليد ...أكثر ما هي عبادة واعية ل ,أو منهج مترابط
يكم الياة.
وحي جاءت الروب الصليبية الديدة والسلمون علي هذا الوضع ,كان الحتمال الكب أن ينهاروا,
ولكنها كانت بطولت النهزم التقهقر ,بضرب آخر ضرباته قبل الستسلم.
كانت العقيدة قد تواترت وراء الركام ,فكان حقا علي الناس أن ينتهوا إل الزية والستسلم.
m m m
ويقال كلم كثي عن الضارة الوربية الفارهة الت التقي با السلمون ف نلفهم الضاري الذي
كانوا عليه ,فأدي بم ذلك اللقاء إل الزية الروحية ,والنبهار با عند الغرب من أفكار ونظم وانفلت
من الدين والخلق والتقاليد....
وما يقال عن الفاروق الضاري صحيح ف ذاته ...أما الظن بأنه هو السبب ف الزية الروحية,
والنيار الذي أصاب السلمي تاه الغرب ,ففضلً عن كونه مانبا للحقيقة ,فهو مضلل لنا أشد
التضليل ,لنه يغطي علي السباب القيقية للهزية ,كما يغطي كذلك علي الوسائل القيقية للعلج.
لقد كان السلمون ف نشأتم الول ف طور من البداوة ل يلكون شيئا ما يلكه التحضرون من
حولم من أسباب الضارة الادية أو من العلوم .وكان لزاما عليهم إذا أرادوا الضارة الادية والعلم أن
يأخذوا أسبابما من الدولتي "العريقتي" عن يي وشال فارس والروم.
وقد صنعوا ذلك بالفعل ...ولكنهم ل ينوا رءوسهم أبدا ,ول يشعروا بالنبهار .كانوا هم العلي,
لنم كانوا هم الؤمني.
كانوا ف حاجة شديدة لتعلم علوم الكفار والوثنيي من حلوهم ,ولكن هذه الاجة الشديدة ل
تشعرهم بالصغار تاههم ,ول بأنم دونم ,بل كانوا يعرفون -ويشعرون -أن العزة لم ,لن العزة ل
ولرسوله وللمؤمني ,وليس للكفار والوثنيي شيء من العزة ولو ملكوا كل علوم الرض ,وكل خزائن
الرض!.
وحي أخذوا من حولم فقد كان سلوكهم الستعلي باليان واضحا ف طريقة الخذ ,وكان أوضح
ما يكون ف خصلتي رئيسيتي:
الول :أن أرواحهم ل تزم قط أمام أعدائهم تت ضغط الاجة إل الخذ منهم.
والثانية :أنم ل ينقلوا كل شيء وجدوه عند أعدائهم ,بل كانوا ينقلون علي بصية ,فينقلون فقط ما
يظنون أنم ف حاجة إليه ,ما ل يتعارض مع عقيدتم وإسلمهم ,ويعرضون عن كل ما يرونه غي نافع
لم ,أو يرونم مالفا لعقيدتم وتصوراتم ,وأوضح مثال علي ذلك أنم نقلوا علوم الغريق ,ول ينقلوا
ما كان مشهورا عندهم من الساطي,لنم رأوا فيها أمور الاهلية الوثنية الغارق ف الضلل ,ل يستحق
أن يلتفت إليه ,بل يستحق الزراية والهال.
وليس الختلف ناشئا من حجم الفارق الضاري بي الخذين والعطي ,كما يبدو للنظرة
السطحية للوهلة الول ,إنا هو ناشئ بصفة أساسية من اختلف "الوقف" ما بي حركة الخذ الول
وحركة الخذ الثانية.
ف الول كان السلمون هم العلي وإن كانوا آخذي ,لن الستعلء باليان هو الذي يكيف
حياتم ويد موقفهم.
وف الثانية كانت العقيدة قد تلفت وتوارث تت الركام ,فل عزة ول استعلء ,إنا هي الزية
والنبهار .والنقل -بل بصية -لكل ما هو موجود ف الغرب ,بغي تييز بي ما ينفع وما يضر ,ول بي
ما يتفق مع السلم وما يتعارض معه ,لن السلم ل يعد مور ارتكاز "السلم العاصر! " ول يعد له
كيانه التميز ,الستمد من العقيدة الصحيحة ,ومن تطبيق منهج ال.
m m m
واليوم يدور الزمن دورته ,ويبدأ الوجه الكال للقرون الخية ف حياة السلمي ينحسر ,ويبزغ فجر
جديد للسلم ف ربوع السلم .بدأ الناس -والشباب الثقف خاصة -يعودون إل السلم ,يريدونه
رائقا صافيا كما نزل أول مرة بل غبش ول ركام.
وف كل مكان ف الرض الت حكمها السلم ذات يوم حركات بعث إسلمي ,ودعاة يدعون إل
السلم ,وشباب يتطلعون إل اليوم الذي يدون فيه السلم مطبقا بالفعل ,واليوم الذي يعود فيه
السلون إل الستخلف والتمكي ف الرض -ف صورتم السلمية القيقية التميزة -تقيقا لوعد ال
ف الّذِي َن مِنْ َقبِْلهِمْ
خلَ َ
خِلفَّنهُم فِي الَ ْرضِ َكمَا اسْتَ ْ
ستَ ْ
{ َوعَدَ اللّ ُه الّذِينَ آمَنُوا ِمْنكُ ْم َوعَمِلُوا الصّالِحَاتِ َليَ ْ
وََليُ َم ّكنَنّ َلهُمْ دِيَنهُ ْم الّذِي ا ْرتَضَى َلهُ ْم وََليُبَدَّلّنهُ ْم مِ ْن َبعْدِ َخوِْفهِمْ َأمْنا َيعْبُدُوَننِي ل يُشْرِكُونَ بِي} [سورة
النــور .]24/55
فهناك من ناحية جهل الناس بقيقة السلم ,وبعدهم الشديد عن هذه القيقة سواء ف التصور أو
السلوك.
وهناك من ناحية الغزو الفكري يزين للناس -والشباب خاصة -النسلخ من السلم جلة واتباع
الغرب بشرطيه الشرقي أو الغرب ,ويزين لم النفلت من كل قيد من قيود الخلق.
وذلك فضلً عن العداوات الرصودة للسلم ,تبطش بالدعاة ف كل الرض ,وتضع ف طريق الدعوة
ما وسعها من العراقيل.
فالصحوة السلمية القائمة اليوم ف كل مكان ف العال السلمي ,حدث تاريي له دللته ...فهي
تيء -من جهة -بعد الهد الاهد الذي بذلته الصليبية الصهيونية علي مدي ما يقرب من قرني من
الزمان لزحزحة المة السلمية عن إسلمها وسخها منه ...وتيء -من جهة أخري -والبشرية ف أحد
منعطفاتا التاريية ,وقد بدأت تيأس من حضارتا الادية الافية ,وبدأت تتطلع إل ملّّص جديد...
ولن يُخْرجَ السلمي من أزمتهم ,ويرفع عنهم إصرهم والغلل الت صارت عليهم ,ويردهم إل
عزتم ,إل العودة الصحيحة الصادقة إل الدين الذي أنم ال به عليهم وحباهم إياه.
ولن يلّص البشرية من أزمتها ,ويل لا ما عقدته من مشكلتا ف جاهليتها العاصرة ,إل النهج
الربان ,الذي أنزله ال ليقوم الناس بالقسط
س بِاْلقِسْطِ} [سورة الديد
ت َوَأنْزَْلنَا َمعَهُ ْم اْل ِكتَابَ وَالْمِيزَانَ ِلَيقُومَ النّا ُ
{َلقَدْ أَ ْرسَ ْلنَا ُرسَُلنَا بِاْلَبيّنَا ِ
.]57/25
إنا هي رحلة شاقة ف طريق ملوء بالشواك والدموع والدماء والعذاب ..يوضها الؤمنون بذا الدين
مع كل العداوات الحيطة بالسلم ,وكل العقبات الرصودة ف الطريق ...حت يتم التمكي للسلم من
جديد ,وتزول الغربة الثانية الت أخب عنها رسول ال " :eبدأ السلم غريبا ,وسيعود غريبا كما بدأ
فطوب للغرباء" ( .)1وف رواية الترمذي" :فطوب للغرباء ,يصحلون ما أفسد الناس من سنت".
وف هذا الكتاب ماولة لتشخيص ما أصاب المة السلمية منذ كانت ف موقع الذروة علي عهد
رسول ال eإل أن أصبحت ذلك الغثاء الذي أخب عنه رسول ال " :eيوشك أن تداعي عليكم المم
كما تداعي الكلة إل قصعتها .قالوا :أمن قلة نن يومئذ يا رسول ال؟ قال :بل أنتم يومئذ كثي,
ولكنكم غثاء السيل" ( .)2وماولة لدراسة الواقع العاصر لذه المة بعد أن أصابا ما أصابا ف مسيتا
الطويلة خلل القرون ....ث ماولة لدراسة الصحوة السلمية وما تمله من دللة تاريية ,وماذا
أنزت ,وماذا ينبغي أن ينجز حت أزمتها الالية ,وتصل بإذن ال إل التمكي الذي وعد ال به الؤمني.
وقد أردت بحاولت تلك الرد علي تساؤلت الشباب التطلع إل تقيق السلم ف عال الواقع :لاذا
طالت السية؟ لاذا تأخر التمكي؟ ما منهج الدعوة؟ ما الطريق الصحيح؟....
ح مَا اسْتَ َط ْعتُ َومَا َتوْفِيقِي إِلّ بِاللّهِ} [سورة هود .]11/88
{ِإنْ أُرِيدُ إِ ّل الِصْل َ
فما كان ف هذه الحاولة من التوفيق فهو من ال ,وما كان فيها من القصور فبحسب أنن بذلت فيها
ما وسعن من الهد ,وعلي ال قصد السبيل.
أدعو ال أن يوفق العاملي ف القل السلمي إل الرؤية الصحيحة ,والعمل الاد لتحقيق المانة الت
ناطها ال بالؤمني.
m m m
ذلك اليل الذي قال عنه رسول ال " :eخيكم قرن" (.)1
س َت ْأمُرُونَ
والذي استحق استحقاقا كاملً وصف ال سبحانهُ { :كنْتُمْ َخيْرَ ُأ ّمةٍ أُ ْخرِ َجتْ لِلنّا ِ
بِالْ َمعْرُوفِ َوتَْن َهوْ َن عَ ْن الْمُنكَرِ َوتُ ْؤ ِمنُو َن بِاللّهِ} [سورة آل .]3/110
إنه اليل الذي فيه اللقاء بي الثال والواقع ,فترجم مثاليات السلم إل واقع ,وارتفع بالواقع البشري
إل درجة الثال.
فل هو يضع ُمُثلً روحانية عسية التطبيق ,تمل ضرورات النسان وواقعه الادي ,وتشد الناس إل
أعل شدا بل هوادة فتعلقهم ف الفضاء ,كما تصنع الندوكية والبوذية والرهبانية ,ول هو إذ يلتفت إل
مطالب السد وعال الادة يبس النسان ف نطاق ضروراته ,ويقعد به عن التحليق ف الفاق العليا الت
يتحقق فيها الثال ,بل يأخذ بذه وتلك ف آن واحد علي توازن واتساق ,ومن ث تلتقي فيه الثالية الت ل
تمل الواقع ,بالواقعية الت ل تمل الثال ,ويكون من نتائجها -ف أعل حالتا -ذلك اليل التفرد ف
التاريخ.
ونريد -قبل أن نرسم السمات الفريدة لذلك اليل التفرد -أن نتعرف علي العوامل الت أثرت فيه,
فرفعته إل القمم السامقة الت وعاها التاريخ.
لقد كان العرب شتيتا متناثرا ل يتجمع علي شيء ,رغم وجود مقومات التجمع الرضية كلها من
وحدة الرض ,ووحدة الرض ,ووحدة اللغة ,ووحدة الثقافة ,ووحدة التاريخ ,ووحدة الصال ...تلك
الت يقول علم الجتماع الاهلي إنا هي الت تنشئ "المة" .ولكن المة مع ذلك ل تنشأ رغم مرور
الزمن الديد علي هذا الشتيت التناثر وهو يمل تلك القومات .بل كانوا قبائل متناحرة تأكلها الروب
والثارات ,وتأكلها قبل كل شئ جاهليتها الت تعيش فيها مافية للهدي الربان.
ومن هناك رفعها السلم ,ل أفرادا ول قبائل ,ولكن "أمة" هي أعظم أمة ف التاريخ بشهادة ال
ف َوتَْن َه ْونَ عَ ْن الْمُنكَ ِر َوُتؤْ ِمنُونَ
مرجها إل الوجودُ { :كْنتُمْ َخيْرَ ُأ ّمةٍ أُخْ ِر َجتْ لِلنّاسِ َت ْأمُرُونَ بِالْ َم ْعرُو ِ
بِاللّهِ} [سورة آل .]3/110
فمن أي شئ تكونت هذه المة الفذة ,وما العوامل الت أثرت ف تكوينها ونشأتا؟.
ل شك أن خامتها هي ذات الامة الت كانت تعيش ف ذات الرض قبل هذا الدث العظيم لعدة
قرون .ولكن شيئا ما -فعله كفعل السحر -قد أنشأ من هذه الامة ف سنوات قليلة نسيجا غي مسبوق
ل ملحوق ...فما هو يا تري ذلك الشيء العجيب التأثي ,الذي أخرج ذلك النسيج الفذ من تلك الامة
الت ظلت لقًي مهملً عدة قرون؟!.
ل شك -بادئ ذي بدء -أنه القرآن ...ذلك الكتاب العظيم الذي نزل ليعيد بناء البشرية علي هدي
الوحي الربان:
{ِإنّ هَذَا اْلقُرْآنَ َيهْدِي لِّلتِي هِيَ أَ ْق َومُ} [سورة السراء .]17/9
{ َوِإنّهُ فِي ُأ ّم الْ ِكتَابِ َل َدْينَا َلعَِليّ َحكِيمٌ ([ })4سورة الزخرف .]43/4
ماذا يفعل القرآن ف النفوس؟ هل يغي خامتها فيخرجها من بشريتها لتكون خلقا آخر؟ كل! فقد
نزل للبشر ,ل ليبدل فطرتم ,بل ليعيدهم إل فطرتم الت فطرهم ال عليها يوم خلق النسان {فِي
س ِن َتقْ ِويٍ} [سورة التي .]95/4
أَحْ َ
{فِ ْط َرةَ اللّ ِه اّلتِي فَ َط َر النّاسَ عََلْيهَا ل َتبْدِيلَ لِخَ ْلقِ اللّهِ ذَلِكَ الدّي ُن اْل َقيّمُ وََلكِنّ أَ ْكثَ َر النّاسِ ل َيعْلَمُونَ (
[ })30سورة الروم .]30/30
أرأيت حي ترر الغنطيس ل قطعة من الديد ,أتراه يغي طبيعتها؟ كل! ولكنه يعيد ترتيب ذراتا
فتصبح شيئا آخر غي قطعة الديد البعثرة الذرات! تصبح كيانا جديدا له طاقة مغناطيسية كهربائية ل
تكن له من قبل! وكذلك يفعل ف نفوس البشر هذا الدين النل ف كتاب ال .إنه يتخلل النفوس البشرية
فيعيد ترتيب ذراتا ,فتصبح قوي كونية وطاقات ,بعد أن كانت مبعثرة من قبل ,ضائعة ف التيه.
فأي شيء ف هذا الكتاب العظيم هو مصدر ذلك السر الذي يول الامات البعثرة الضائعة إل
طاقات؟ أهو نسقه اللغوي العجز؟ أهو قوة بيانه؟ أهو وضوح معاينة؟ أهو حديثه عن اليوم الخر وما
فيه من مشاهد تتز لا أوتار القلوب؟ أهو تشريعاته وتوجيهاته وتنظيماته؟ أهو قصصه وأمثاله وعبه؟
أهو تذكيه الدائم بعظمة ال جل جلله وقدرته العجزة الت ل تدها حدود؟!.
إنه ول شك كل ذلك ....فكل حرف ف هذا القرآن له دللته ف مكانه ,وله جانبه من التأثي.
ولكننا ل نكون مطئي إن قلنا إن أوسع موضوعات القرآن جيعا هو موضوع اللوهية ....هو
قضية ل إله إل ال.
ولقد قلت ف غي هذا الكان( ,)1إنه يطر لنا لول وهلة أن تركيز القرآن -وخاصة ف السور
الكية -علي هذه القضية سببه أن القرآن كان ياطب بادئ ذي بدء قوما مشركي ,يشركون مع ال
آلة أخري ,فكان من الناسب التركيز علي قضية "ل إله أل ال" لتصبح عقائد أولئك الشركي...
ولكن استمرار القرآن ف الديث عن هذه القضية ف السور الدنية ,وف الكلم الوجه للمؤمني خاصة,
الذين آمنوا واستقر اليان ف نفوسهم حت أنشأوا أمة مسلمة ودولة مسلمة ,وجيشا مسلما يقاتل ف
سبيل ال ,قاطع الدللة علي أن القضية لا أهيتها الذاتية ,حت لو كان الخاطبون مؤمني! فالتركيز
عليها ليس ناشئا من إنكار الخاطبي بذا القرآن أول مرة ,إنا هو ناشئ من أنا هي الفتاح الذي
القلوب البشرية للخي ,وينشئ فيها الي ,ويربيها علي الي ,وُينْت ُج منها الي! وأنه ل يوجد مفتاح لذه
القلوب ,يهيئها لا تيئه لا ل إله إل ال!.
{يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا آ ِمنُوا بِاللّ ِه وَ َرسُولِهِ وَاْل ِكتَابِ الّذِي نَزّ َل عَلَى َرسُولِهِ} [سورة النساء .]4/136
إنه يقول للذين آمنوا آمنوا! وهم مؤمنون بذات المر الذي يراد منهم اليان به! وذلك لكي يزدادوا
إيانا ويرصوا علي ما ف قلوبم من اليان!.
ولقد فعل اليان بـ "ل إله إل ال" فعله ف نفوس أولئك الشركي ,فأنشأهم نشأة جديدة كأنا
ميلد جديد ....ث فعل فعله ف نفوسهم بعد أن آمنوا فأصبحوا ذلك اليل الفريد الذي نزل ف وصفه
هذا التقرير الربان:
نعم ...إنا "ل إله إل ال" مفتاح القلوب ,مفتاح الطريق لذه القلوب حي تتجه الوجهة الصحيحة
وتتدي بنور ال.
ذلك أن النسان-كما قلنا ف أكثر من موضع -عابد بفطرته ....وإنا يتلف العبود الذي يتوجه
إليه بالعبادة.
فحي يكون العبود هو ال يكون منهج الياة هو النهج الربان البي فيه اللل والرام ,والسن
والقبيح ,والباح والغي مباح ....وحي يكون العبود شيئا آخر ,يكون منهج الياة هو الذي يليه ذلك
الشيء العبود ,سواء كان هو الوي صراحة دون مواربة أم كان هو الوي من وراء أستار وشعارات
وعناوين ومن ث تتعدد الصور ف الاهليات الختلفة وتلتقي ف أنا كلها هوي ...إن يكن هوي فرد
بعينه أو مموعة أفراد أو هوي كل الناس متمعي ....فكلها ف النهاية أهواء.
والنهج الربان هو الذي يُصلح الياة البشرية والنفس البشرية لنه منل من عند اللطيف البي الذي
يعلم من خلق ويعلم ما يصلحه وما يصلح له ,ومنل من عند تصرف قد يقع اليوم ييط علمه بكل
شيء فل تفي عليه خافية ,ول يغفل عن أثر تصرف قد يقع اليوم ولكن أذره ل يظهر إل بعد فترة من
الزمن ل يستوعبها عمر الفرد؛ ومنل من عند الكم العدل الذي ل تيل بعدله الهواء ,الغنّي الذي ل
تؤثر ف حكمه الصال الذاتية والاجات ....وذلك كله فضل عن أنه هو ال الذي يق له وحده أن
يقرر منهج الياة للنسان ,لنه هو خالقه وخالق هذا الكون كله ,فبما أنه صاحب اللق فهو صاحب
المر:
ولن يستقيم النسان للمنهج الربان حت يعلم صدقا ويقينا أنه ل إله إل ال .عندئذ يسلم نفسه ل
الواحد الحد؛ حي يستيقن أنه هو الرزاق ذو القوة التي ,وأنه الضار النافع ,وأنه هو الحيي الميت,
وأنه هو مدبر أمر الكون كله ,وهو صاحب الشيئة النافذة فيه ,وأن كل ما عداه ل يلكون شيئا علي
القيقة ,وكل ما يلكونه ف الظاهر يلكونه بشيئة من ال وبقدر من ال.
عندئذ "يسلم" النسان! أي يسلم قيادة ل ,فيتقبل قدره ومشيئته ,ويتقبل أوامره ونواهيه ,ويتقبل
منهجه ف الياة.
ث إن إقامة هذا النهج ف الرض ل تتم بجرد رغبة الناس ف إقامته ,أو إسلم أنفسهم له .فقد سبق
ف مشيئة ال وقدره أل يكون الناس أمة واحدة.
فهناك إذن من ل يؤمن بل إله إل ال ,ومن يكرهها وياربا ويارب أهلها ويقاوم منهجها ....ومن
ث تتاج إقامة هذا النهج ف الرض إل ماهدة أولئك الكافرين بل إله إل ال ,الكارهي لنهج ال.
والهاد من أجل إقامة النهج الربان ف الرض يعرض النسان للذى ,ويعرضه للموت ,ويعرضه
للحرمات من متاع الرض.
ويتاج القلب البشري لكي يدخل معمعة الهاد بشت أنواعه وشت ماطره أن يؤمن مرة أخري أنه
ل إله إل ال! وأن ال هو الذي ييي وييت ,وهو الذي يضر وينفع ,وهو الذي يقبض الرزق ويبسط...
وإل تزلزلت قدماه علي الطريق عند أول اهتزازة تدث ف هذا اليان!.
لظة واحدة يهتز فيها اليان القلب الداخلي بأن ال -وحده -هو الذي يرك القدار بشيئته ,وهو
الذي يقدر النفع أو الضر أو الياة أو الوت أو بسط الرزق أو قبضه ...تتل الطي علي الطريق,
وينكص صاحبها علي عقبيه ,إل أن يتوله ال برحته ,فيثبت إيانه ,فتثبت خطاه من جديد!.
ومن أجل ذلك كانت ل إله إل ال هي العداد للجهاد كما كانت من قبل هي مفتاح السلم.
إسلم القلب ل.
وحت ف السلم ...ف البحبوحة والراحة ...فهناك هذه الثقلة الت تقعد بالقلب البشري عن
"الستقامة" علي الطريق ....ثقلة الشهوات الزينة الحببة للناسُ { :زيّنَ لِلنّاسِ ُحبّ الشّ َهوَاتِ مِ ْن النّسَاءِ
حيَاةِ
ك َمتَاعُ الْ َ
س ّو َمةِ وَا َلْنعَا ِم وَالْحَرْثِ ذَلِ َ
خيْ ِل الْمُ َ
ضةِ وَالْ َ
ي وَاْل َقنَاطِ ِي الْ ُمقَنْ َط َرةِ مِنْ ال ّذ َهبِ وَاْل ِف ّ
وَاْلبَنِ َ
ال ّدْنيَا} [سورة آل .]3/14
ولن يصمد القلب البشري لذه الثقلة ,بكل ما تمله من إغراء وجذب ,إل أن يؤمن إيان اليقي أنه
ل إله إل ال ,وأن هذه الياة الدنيا ليست ناية الطاف.
اليان بال -حي يعمر القلب البشري -يبعث فيه الشية والتقوى الت تؤهله لطاعة ال فيما يأمره
به وينهاه عنه .واليان بأن الياة الدنيا ليست ناية الطاف ,وأن هناك بعثا ونشورا ,وحسابا وجزاءً,
ونعيما وعذابا ,هو الذي يغي موازين الياة كلها ,وقيمها ومستوياتا ,فل يعود التاع السي هو غاية
الياة ,ول يعود الستغراق فيه هو الشغل الشاغل ول اللهم القعد القيم ,كما يكون الال ف
الاهليات ,حي يؤمن النسان أن الياة فرصة واحدة مدودة بدود العمر القصي ,وكل يوم ينقضي ل
يعود ....فتكون الكمة "الواقعية" حينئذ أن ينتهب أكب قدر من اللذات ف هذا العمر الحدود قبل أن
تفوت إل غي رجعة! ول يكون للحلل والرام عنده يومئذ معن ,إنا يكون اهتبال الفرص التاحة هو
الغاية الت تسوق الناس سوقا فيتمتعون ويأكلون كما تأكل النعام!.
{وَالّذِينَ َكفَرُوا َيتَ َمّتعُو َن َويَأْكُلُونَ َكمَا َتأْكُ ُل ا َلْنعَا ُم وَالنّا ُر َمْثوًى َلهُمْ ([ })12سورة ممد .]47/12
عندئذ يسهل عليه أن ينضبط ف الدود الت رسها ال دون أن يشعر بالرمان ,لنه يعلم أن كل
متاع زائد يشتهيه ف الرض ث يتنع عنه طاعة ل ,لن "يضيع" ولن يذهب بغي عودة ,إنا هو "طاعة"
تسب له ف اليزان ,فينال عليها نعيما خالدا ف النان ....فتكون السبة بذلك رابة ,ول تذهب نفسه
حسرات علي التاع الفائت الذي تركه طاعة ل .ومن جهة أخري فإن تصور العذاب الفظيع جزاء علي
الخالفة الت يهم با انسياقا وراء شهواته ,يعله يري أن المتناع عنها هو الصفقة الرابة ,وليس
النغماس فيها بل انضباط علي طريقة اليوان ...ومن هنا تتأكد التقوى والشية الت يبعثها اليان بال.
من أجل ذلك كان الكتاب الذي يرسم منهج الياة للناس ف الرض مرتكزا كله علي اليان بال
واليوم الخر ,وكانت التوجيهات والتشريعات والتنظيمات الواردة ف الكتاب ,كلها موصولة باليان
بال واليوم الخر ,أعظم مورين يدور حولما الكتاب.
وليس هنا مال تفصيل الوضوعات الواردة ف كتاب ال وأثرها ف بناء النفس البشرية ,فقد تدثت
عن ذلك ف غي هذا الكتاب( .)1ولكن أذكر هذه النبذة السريعة فقط ف مال بيان العوامل الت أنشأت
ذلك اليل التفرد علي غي مثال ,لقرر أن القرآن با يويه من إشارات وتوجيهات ,وتنظيمات
وتشريعات ,كان العامل الكب والعظم ف بناء النفوس التفردة ف التاريخ.
وحي نذكر القرآن نذكر السنة بل شك ,فهي الكملة والشارحة للكتاب النل ,هي بيان ما أنزل
ال وتفصيله:
{ َوأَنزَْلنَا إَِليْكَ الذّكْرَ ِلُتَبيّنَ لِلنّاسِ مَا ُنزّلَ إَِلْيهِمْ} [سورة النحل .]16/44
وموضوعات السنة هي موضوعات القرآن مع اختلف النسبة بينهما .فلئن كان القرآن قد توسع ف
شرح قضية اللوهية من جيع أبعادها وأقطارها ,ودخل با إل النفس البشرية من جيع مداخلها ,من
الب والكره والوف والرجاء والسي والعنوي واليان بالحسوس واليان بالغيب )2(.....وخاطب
النفس ف جيع أحوالا ,ف القبال أحوالا ,ف القبال والدبار ,ف رغبة والرهبة ,ف الرتفاع والبوط,
ف السكون والركة ,ف الطمأنينة والفزع ,ف الرخاء والشدة ,ف الوحدة وف التجمع.
لئن كان القرآن قد توسع ف هذه القضية ذلك التوسع فقد أجلت السنة ,وإن كانت قد جاءت با
ل غناء عنه ف تديد الفاهيم اليانية ,وتييز الناس علي أساسها ف الياة الدنيا ,والحكام التعلقة بذلك
() انئر إن شئت كتاب $دراسات قرآنية #الفصول الول بعنوان $اليان بال$ ,#اليان باليوم الخر$ ,#اليان باللئكة والكتاب والنبيي$ ,#قصص النبياء$ ,#آدم
1
والشيطان$ ,#أخلقيات ل إله إل ال ,#وكذلك فصل $كيف تربت الماعة الول ,#من كتاب $منهج التربية السلمية #الزء الثان.
() انظر إن شئت فصل$ :خطوط متقابلة #ف كتاب $منهج التربية السلمية #الزء الول.
2
ف الجتمع السلمي ,ولئن كان القرآن قد أجل ف كثي من مواضع التشريع ,فقد توسعت السنة
وفصلت حت أنت بالدقائق الت توضح للناس حللم وحرامهم ف شت تعاملتم.
ولئن كان القرآن قد توسع ف ذكر اليوم الخر بشاهده الخاذة فقد توسعت السنة مقابل ذلك فيما
يعرف بالترغيب والترهيب ,أي الترغيب ف العمال الت تقرب النسان من النة ,والترهيب من
العمال الت تعرض النسان للنار.
وهكذا حي نتحدث عن أثر القرآن ف إنشاء ذلك اليل التفرد نتحدث عن السنة ف ذات الوقت.
ولكنا نريد أن نضيف عنصرا آخر شديد التأثي ف رفع نفوس الناس ف ذلك اليل إل أقصي طاقاتا,
والستواء با علي تلك القمم السامقة الت وصلت إليها ,ذلك هو وجود الرسول eبشخصه الكري بي
ظهرانيهم .فل شك أن كان لذا الوجود أثره الكبي ف الوفرة اللحوظة ف النماذج السامقة من بي
أولئك الحيطي بالرسول ,eمع ارتفاع القمم الت وصلوا إليها ,ذلك الرتفاع الشاهق الذي عجزت
عنه البشرية ف شت أجيالا.
لقد كان التأثي الباشر لشخصية الرسول eذا أثر بالغ ف بناء تلك النفوس الت أحاطت به ,وأحبته,
وتربت علي عينه eف نفوس أتباعه ومبيه أثر غي مكرر ف التاريخ ,ول عجب ف ذلك فإنا شخصية
غي مكررة ف التاريخ!.
إنا أكمل شخصية وأعظم شخصية ف الوجود البشري كله من بدائه إل منتهاه.
وليس هنا مال التفصيل ف شرح هذه العظمة الفائقة .فهي شخصية توي داخلها شخصيات,
وعظمة توي داخلها عظمات ,لو أصاب أي إنسان واحدة منها َلعُدّ من عظماء التاريخ ,فكيف با
متمعة ف شخص الرسول eعلي سوق متفرد ف كل واحدة منها؟ شخصية الرب ,شخصية القائد
السياسي ,شخصية القائد العسكري ,شخصية العابد الروحان ,شخصية الزوج ,شخصية الب,
شخصية الصاحب ,شخصية الداعية ...ث كيف با متمعة علي توزان بينها ل يعل واحدة منها تطغي
علي الخرى ,وعلي شول وترابط ل يعل واحدة منها تنفصل وتستقل عن الخريات؟.
وصف أبو سفيان -قبل إسلمه -جانبا من جوانب هذه العظمة ,وجانبا من عمق تأثيها فقال" :ما
رأيت أحدا يبه الناس كحب أصحاب ممد ممدا".
وهو وصف صادق دقيق .فهي شخصية أخاذة من أحبها تعمق ف حبها إل أقصي الغاية (وكذلك
من انطمست بصيته فأبغضها ل يستطع أن يقف ف بغضها عند حد!).
والذين أحبوه والتصقوا به وعايشوه عن قرب ,قد تأثروا به ول شك أعمق التأثي ,فاستطاعوا أن
ينهلوا من معي القرآن أكثر ,وأن يكون استواؤهم علي القمة السامقة أيسر .ذلك أن القرآن معن ل
نضب ,ولكنه يعطي كل إنسان علي قدر سعة الناء الذي يغترف به .يي تتسع القلوب وشف الرواح
بصاحبة ذلك الروح العظيم ,تكون قدرتا علي تشرب روح القرآن أكب ,وقدرتا علي صحبة القرآن
والعمل به أوسع وأعمق.
قال أحد الصحابة لرسول ال eإنم حي يكونون معه يكونون علي حال غي الذي يكونون به
حي يعودون إل شواغلهم ومعهود حياتم ,فقال " :eوالذي نفسي بيده أن لو تدومون علي ما
تكونون عندي وف الذكر لصافحتكم اللئكة علي فرشكم وف طرقكم ,ولكن يا حنظلة ساعة وساعة"
(.)1
وليس معن هذا أن تأثي صحبة الرسول eكان ينتهي حي يرجون من عنده ,فمثل هذا التأثي ل
يكن أن يزول .إنا يدل تصريح الصحابة رضوان ال عليهم علي عمق أثر الصحبة الباشرة ف نفوسهم,
حت ليحسون أنم يصبحون خلقا آخر غي ما يعهدون من أنفسهم ....وف حالق إن الشعاع الذي
يتلقونه من الروح العظيم الشع يعل أرواحهم شفافة رفافة ملقة ,كما يشعر السابح بفة جسمه وهو
ممول علي الاء ...فإذا خرجوا إل واقع الياة اليومي خف ذلك الشعاع الذي امتلت به أرواحهم,
فأحسوا بالفرق بي حالتهم ف صحبته eوحالتهم ف معتاد حياتم .ولكن واقع التاريخ يقول إن
الشحنة ل تذهب أبدا من أروحهم ,وإن إحساسهم بالتغيّر بعد الروج من عنده eإن هو إل شوق إل
مزيد من القدرة علي التحليق ,ولكنه ليس فقدانا لتلك القدرة علي الطلق ,فقد ظلوا يلّّقون ويلّّقون
ويلّّقون ,علي آفاق ل عهد للبشرية با من قبل.
ولسنا نقول مع ذلك إن وجود الرسول eبشخصه شرط لقامة هذا الدين ف الرض! فلو علم ال
أن هذا شرط ل يقوم السلم ف الرض إل به ما كلف سبحانه وتعال الناس أن يقيموا الدين بعد
رسول ال ,eوهو ل يكلف نفسا إل وسعها.
عنصر ثالث ل يكن إغفال أثره ف نشأة ذلك اليل التفرد ,هو أثر النشأة الديدة.
إن كل نشأة جديدة تكون أنشط وأكثر حيوية واكثر فاعلية من الجيال السابقة.
وهذا مر له ما يفسره من طبيعة النفس البشرية ,بل من طبيعة الكون الادي نفسه! فغاز الوكسجي
الحضر حديثا ف العمل تكون له فاعلية (ف الساعدة علي الشعال) أكب من الوكسجي الوجود ف
الو ,مع أنه ياثله ماثلة تامة ف التركيب!! كذلك النفوس الت تبدأ عهدا جديدا أو تشهد إنشاء جديدا
تكون أكثر حيوية وأكثر فاعلية من غيها من النفوس .ويكن تفسي ذلك من ناحيتي:
الول :إن النشأة الديدة -وخاصة علي النحو الذي صنعه السلم -تعيد تركيب النفوس علي
صورة جديدة فتصبح نفوسا جديدة بالفعل ,مذخورة الطاقة حادة الفاعلية كذلك الوكسجي الحضّر
لتوه ف العمل.
والثانية :أن التحديات الت يتلقاها جيل النشأة الديدة هي أعنف التحديات وأشقها وأقساها.
ومن شأن التحديات دائما أن تشحذ النفوس الية وتستخلص منها أقصى طاقتها .فإذا اجتمع
المران معا :جدة النفوس ,وعنف التحديات فنستطيع أن نتصور الفاعلية الائلة الت تكون لتلك
النفوس ,وهي تعمل ف واقع الياة.
يضاف إل ذلك أن أصحاب النشأة الديدة هم من ناحية أقدر الناس علي تقدير النعمة الديدة حق
قدرها ,فقد عايشوا الاهلية من قبل ث انتقلوا إل السلم ,فأدركوا -بالمارسة الواقعة -عظم النقلة الت
انتقلوها من الاهلية إل السلم ,كما قال عمر " :tل يعرف السلم من ل يعرف الاهلية"! أي ل
يقدره قدره إل من أدرك الفارق بينه وبي الاهلية ...وهم من ناحية أخري أحرص الناس علي الحافظة
علي البناء الديد سليما من كل نقص يعتوره ,فقد بنوه لبنة لبنة ,وتعبوا ف بنائه وعانوا الشققات,
وظلوا يرقبون ارتفاعه يوما بعد يوم حت استوي علي أكمل صورة ,فهم ل يطيقون أن يعبث به عابث,
أو ينقص من رونقه منتقص ,فقد اختلط بأعماق مشاعرهم فأصبح منهم وأصبحوا منه ,واصحبوا
يسون وجودهم ف وجوده.
وكذلك كان ذلك اليل الفريد حريصا علي السلم ,حريصا علي أن يظل البناء الذي شيدوه تت
قيادة الرسول eوإشرافه سليما من كل نقص.
ولسنا نقول مع ذلك إن هذا شرط لزم لقامة دين ال ف الرض ...فلوعلم ال أنه شرط لزم ما
كلف الناس فيما بعد جيل النشأة أن يقيموا هذا الدين!
ولكنا ناول فقط أن نفسر ذلك الواقع التاريي الذي تفرد ف التاريخ.
وهذا يرنا إل سؤال نري من الضروري تديد الجابة عليه ,لنه ييك ف صدور بعض الناس حي
ينظرون إل ذلك اليل التفرد ث ينظرون غلي ما بعده من الجيال فيقول قائل منهم :إن السلم ل
يعش أل فترة قصية هي فترة الرسول eواللفاء الراشدين ث انتهي بعد ذلك! ويئ خبثاء الستشرقي
وحواريوهم فيؤكدون علي هذا العن لدثوا ف نفوس الناس يأسا من عودة السلم إل حكم الياة
الواقعة كما حكمها من قبل.
إذا كان هذا اليل التفرد غي قابل للتكرار -أو هو علي القل ل يتكرر حت اللحظة الاضرة -فما
قيمته؟ ما دوره بالنسبة للسلم والسلمي؟ أليكون مرد ذكري لشئ ل يكن أن يعود؟.
وإذا كانت هناك ظروف خاصة أحاطت بنشأة ذلك اليل غي قابلة للتكرار ,وكان لا أثر عميق ف
نشأته ,كوجود الرسول eبشخصه الكري بي ظهرانيهم ,وتأثي النشأة الدية ف نفوس اليل الذي
عاصر تلك النشأة ,فأنّي يرجى أن تقوم للسلم صورة ف الواقع علي نسق تلك الصورة الخاذة الت
قامت ذات يوم؟!.
أي شئ ف ذلك اليل التفرد هو غي قابل للتكرار ,أو علي القل ل يتكرر حت هذه اللحظة؟ أهو
الصائص الرئيسية الت تقق الوجود السلمي ف عال الواقع ,أم هي الدرجة العالية الفذة الت وصل
إليها ذلك اليل ف تقيق تلك الصائص ف عال الواقع؟!!.
وتلك الظروف الاصة الت أحاطت بنشأة ذلك اليل ونقول إنا غي قابلة للتكرار ....ما دورها
بالضبط؟ هل كان مال تأثيها هو إنشاء تلك الصائص الرئيسية الت تقق الوجود السلمي ف عال
الواقع ,أم هو ف تلك الدرجة العالية الفذة الت وصل إليها ذلك اليل ف تقيق تلك الصائص ف عال
الواقع.
إن الصائص الرئيسية الت تقق الوجود السلمي ف عال الواقع مستمدة بكاملها من القرآن
والسنة ,أي :من العنصرين الدائمي ف حياة السلمي ,الحفوظي بقدر ال ومشيئته.
فقد تكفل ال بفظ كتابه النل ,بينما ضاعت الكتب السابقة وحرّّفت:
{ِإنّا نَحْ ُن نَزّْلنَا الذّكْ َر َوِإنّا لَهُ لَحَافِظُونَ ([ })9سورة الجر .]15/9
كما تكفل بفظ سنة نبيه ,eبينما ل يبق من سنن النبياء السابقي إل ما حفظه القرآن وحفظته
سنة رسول ال .e
وف هذين الصدرين كل "الواد" اللزمة لبناء الفرد السلم والماعة السلمة والمة السلمة والدولة
السلمة ف أي عصر من عصور التاريخ يرغب السلمون ف البناء ,ويعزمون علي بذل الهد اللزم له.
أما الذي صنعته الظروف الاصة فهو تلك الدرجة الفذة ف تقيق الصائص الرئيسية للوجود
السلمي ,الستمدة كلها من الكتاب والسنة ....وتلك الدرجة -ل الصائص الرئيسية -هي الت ل
تتكرر ف التاريخ.
وتبقي الجابة علي الشق الخر من السؤال :إذا كانت تلك الدرجة الت تققت بالفعل ذات يوم غي
قابلة للتحقيق مرة أخري ,لنا نشأت من ظروف خاصة غي قابلة للتكرار ,فما قيمتها ف حياة السلم
والسلمي .أهي وجدت فقط لتظل حلما مهوّما يعرّّج عليه من أجل حلوة الذكري ليس غي؟!.
كل! إنا وجدت -بقدر من ال -لتظل نوذجا يشد السلمي إليه ليحاولوا تقيقه ف عال الواقع....
وحي ياولون فإنم يرتفعون بالفعل ,حت وإن ل يصلوا -ف مموعهم -إل ذات الدرجة الت وصل
إليها هؤلء؛ وإن كان التاريخ الشهود يقول إن أفرادا من كل جيل يصلون بالفعل إل ذلك الستوي
السامق الرفيع ,أولئك الذين نتوهج قلوبم بنور السلم فيستطيعون أن يقبسوا من شخصية الرسول
وأحداث حيات مثل ما كان يقتبس الصحابة رضوان ال عليهم بالعايشة الباشرة ,وان يسوا --ف
أعماق نفوسهم -بالنشأة الديدة علي نو ما أحس الذين عاشوها أول مرة ...فينهلوا من الكتاب
والسنة بثل العمق الذي كان ينهل به الصحابة الكرام ,ويققوا ف ذوات أنفسهم ما كانوا يققون.
هؤلء قلة ف كل جيل -نعم -بينما كانوا كثرة ملحوظة ف الحيطي برسول ال ...eولكن
مموع السلمي -حي ياولون -يرتفعون درجات من الرتفاع ,حت ولو ل يصلوا لذلك الستوي
الرفيع ,لن الحاولة ذاتا توجه الناس إل أعلي ,بينما القعود يهبط بم إل أسفل ,بكم الثقلة الت تذب
الناس أبدا إل أسفل ما ل ياولوا الرتفاع:
صوْا
ح ّق َوتَوَا َ
صوْا بِالْ َ
ت َوتَوَا َ
سرٍ ( )2إِلّ الّذِينَ آ َمنُوا َوعَمِلُوا الصّالِحَا ِ
{وَاْلعَصْرِ (ِ )1إ ّن الِنسَانَ َلفِي خُ ْ
صبْرِ ([ })3سورة العصر .]3-103/1 بِال ّ
من هنا يظل لذلك اليل التفرد دوره ف حياة السلم والسلمي.
فوجود هذا النموذج الفذ ف عال الواقع ,حقيق ًة واقعةً ,ل حلما ول خيا ًل ول شعارات ,يظل يفز
الراغبي ف تقيق السلم لتحويل الرغبة إل واقع ,وبذل أقصي الهد ف هذا السبيل ...وحي يققون
الصائص الرئيسية للوجود السلمي ف عال الواقع ,فل عليهم بعد ذلك إن ل يصلوا إل الدرجة الفذة
الت وصل غليها اليل الول ,فإن مرد تقيق الصائص الرئيسية للوجود السلمي -ولو ف حدا
الدن -هو قفزة هائلة إل أعلي بالنسبة لكل جاهليات التاريخ ,با فيها الاهلية العاصرة ,بل ف
مقدمتها الاهلية العاصرة! وتبقي الدرجات العليا مالً للتفاضل ,ومالً للتطوع النبيل ,ل تكلف نفس
إل وسعها ,يبلغ منها كل إنسان بقدر ما يطيق ,فتصل قلة قليلة إل الستوي ,ويقترب الباقون خطوات.
نعم ,إن وجود هذا اليل التفرد واقعا ف التاريخ ,ل يكن -ف قدر ال -لجرد أن يكون ذكري
حلوة تشع نسماتا علي القلوب ساعة ث تتبدد ...بل ليكون واقعا يتجدد.
فقد طلب ال من السلمي ف كتابه الباقي إل يوم يرث ال الرض ومن عليها أن يتأسوا برسول ال
,eوأن يقتفوا أثر ذلك اليل الفريد ويصلوا أنفسهم به:
سَنةٌ ِلمَنْ كَانَ َيرْجُو اللّ َه وَالَْي ْومَ ال ِخ َر وَذَكَرَ اللّهَ َكثِيا (
{َلقَدْ كَانَ َلكُمْ فِي َرسُولِ اللّهِ ُأ ْس َوةٌ حَ َ
[ })21سورة الحزاب .]33/21
جدُونَ فِي صُدُو ِرهِمْ حَا َج ًة مِمّا حبّونَ مَ ْن هَا َجرَ إَِليْهِ ْم وَل يَ ِ
{وَالّذِي َن تََبوّءُوا الدّا َر وَالِيَانَ مِنْ َقبِْلهِ ْم يُ ِ
ص ٌة َومَ ْن يُوقَ ُش ّح َنفْسِهِ َفُأوَْلئِكَ هُ ْم الْ ُمفِْلحُونَ ( )9سهِ ْم وََلوْ كَانَ ِبهِمْ َخصَا َ أُوتُوا َوُيؤْثِرُو َن عَلَى أَْنفُ ِ
جعَلْ فِي ُقلُوبِنَا ِغلّ
وَالّذِينَ جَاءُوا مِ ْن َبعْ ِدهِ ْم َيقُولُونَ َرّبنَا اغْفِرْ َلنَا وَلِ ْخوَانِنَا الّذِي َن َسَبقُونَا بِالِيَانِ وَل تَ ْ
ِللّذِينَ آ َمنُوا َرّبنَا ِإنّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ( [ })10سورة الشر .]10-59/9
نقول إن حركة البعث السلمي العاصرة هي أقرب الركات أن تتمثل فيها خصائص ذلك اليل
التفرد ,إن ل يكن علي ذات الدرجة من الوفرة وذات الدرجة من التمكن ,فعلي درجات قريبة منها
علي أي حال.
ذلك أن السلم اليوم يعيش غربته الثانية الت تدث عنها رسول ال " :eبدأ السلم غريبا وسيعود
غريبا كما بدأ ,فطوب للغرباء" (.)1
فإن ل تكن الغربة الثانية مطابقة تام الطابقة للغربة الول ف جيع حيثياتا فإنا ول شك تشبهها ف
أمور كثية جوهرية ,أهها أن منهج ال ليس هو الذي يكم حياة الناس ,وأن المر يتاج إل دعوة
الناس من جديد إل السلم ,ل لنم -ف هذه الرة -يرفضون أن ينطقوا بأفواههم ل إله إل ال ممد
رسول ال كما كان الناس يرفضون نطقها ف الغرة الول ,ولكن لنم ف هذه الرة يرفضون القتضي
الرئيسي لـ "ل إله إل ال",وهو تيكم شريعة ال والمتثال لنهج ال ,وإن كان ألف مليون من البشر
من الحيط إل الحيط ينطقون بأفواههم كل يوم :ل إله إل ال ممد رسول ال! وهذه هي حقيقة
"الغربة" الت يعانيها السلم اليوم ف الرض ,رغم مليي الصاحف الت تطبع ,ومئات الحطات
الذاعية والتلفزيونية الت ترتل القرآن ن وتذيعه علي الناس ,وتشرحه -ف الحاديث والدروس الدينية-
لن شاء من الناس الستماع!.
وف الغربة تكون الركة إنشاء جديدا اكثر ما تكون مرد إصلح لا هو قائم بالفعل ف نفوس
الناس.
إن هذا الغثاء الذي يعيش بالليي اليوم ,والذي أشار إليه رسول ال eف حديثه" :يوشك ان
تداعي عليكم المم كما تداعي الكلة إل قصعتها .قالوا :أمن قلة نن يومئذ يا رسول ال؟ قال :بل
إنكم يومئذ كثي ولكنكم غثاء كغثاء السيل.)2( " ....
والذي تقوم به حركات البعث السلمي اليوم هو هذا ف حقيقته .هو نشأة جديدة ف وسط الغربة.
ومن ث يتحقق لذه الركات عنصر من العنصرين الاصي اللذين أسهما ف صنع اليل الول ,ول
يتكررا خلل ثلثة عشر قرنا من قبل ,ويكون لذا العنصر فاعليته الكاملة ف نفوس الذين يعيشون هذه
الركات ,وياهدون لزالة الغربة الثانية كما جاهدت الماعة الول من قبل لزالة الغربة الول
للسلم.
أما العنصر الخر وهو حضور الرسول eبشخصه الكري بي ظهران الناس فهو بطبيعته ل يتكرر
أبدا إل قيام الساعة .ولكنا نستطيع أن نزعم أن الذين يعيشون "النشأة الديدة" بالعمق القيقي الذي
تدثثه ف النفوس ,ول تفتنهم جزئيات من حقائق السلم فتشغلهم عن جوهره ,ول عن حقيقة العركة
الت يوضها "الغرباء" ف الرض ,لعادة هذا الدين إل التمكن وحكم حياة الناس الواقعة من جديد...
هؤلء يتوهج الق ف قلوبم إل الد الذي يعيشون فيه مع رسول ال - eف سيته وسنته -كأنم
يعايشونه ويتلقون عنه من قرب كذلك اليل الول التفرد ,وتكون هذه العايشة -من خلل السية
والسنة -كفيلة برفعهم غلي تلك الفاق السامقة الت ارتادها اليل الول بهد أيسر ,وهم يتلقون الرفعة
من الثر الباشر لشخصية الرسول .e
وخلصة القول -كما أسلفنا -أن حركة البعث السلمي العاصرة هي أقرب الركات أن تتمثل
فيها خصائص ذلك اليل التفرد ,إن ل تكن بنفس الوفرة وبنفس الدرجة من الرفعة ,فعلي درجات
قريبة منها علي أي حال .وإنا لتقدم بالفعل ناذج ترتفع إل ذلك الستوي ,وتذكّر الناس به من جديد,
سواء فقي التجرد ل ,أو صدق الهاد ف سبيل ال ,أو التقدم للشهادة بنفس راضية مستعلية علي كل
متاع الرض ,متطلعة إل ما عند ال ,أو الثبات علي العذاب الذي ل تطيقه البدان ول النفوس.
واللصة مرة أخري أن ذلك اليل التفرد ,الذي تثلت ف واقعية السلم ومثاليته ,ل يوجد ليكون
مرد ذكري ,وإنا وجد ليحاول السلمون ف كل الجيال أن يصعدوا لستواه ,فإن حاولوا فقد ارتفعوا
ونوا من البوط ,سواء وصلوا -ف مموعهم -إل ذلك الستوي الرفيع أم ل يستطيعوا الوصول.
واللصة مرة ثالثة أن الذي تفرد به ذلك اليل ل يكن هو الصائص الساسية للوجود السلمي,
فهذه مطلوبة من كل جيل ,ومكنة ف كل جيل ,ولزمة لقامة الوجود السلمي الصحيح ف الرض,
والناس ماسبون إن قصروا ف أدائها ,ويعتبون آثي ف حق ال وحق أنفسهم إن قصروا فيها ,ويتوقف
وجودهم وثقلهم ف الرض علي القيام با ف صورتا الصحيحة.
إنا الذي تفرد به ذلك اليل هو الدرجة العجيبة الت قاموا فيها بتحقيق هذه الصائص ف عال
الواقع ,بعد قيامهم بتحقيقها ف ذوات أنفسهم .وهذه درجة ل يفرضها ال فرضا علي الناس ,إنا فرض
عليهم الد الدن الذي ل تستقيم الياة بدونه ,وترك الدرجات العل للتطوع النبيل ,الذي تقدر عليه
النفوس حي تترب التربية الصحيحة علي السلم ,وتستضئ بنور الق ,وتعبد ال كأنا تراه (,)1
وتقتدي بالرسول eكأنا تعايشه.
وحي يتحقق للناس الد الدن من هذا الدين ,تستقيم الياة علي صورة تعجز عنها أي جاهلية من
جاهليات التاريخ ,وف مقدمتها الاهلية العاصرة ....أما حي يتحقق ما فوق ذلك فهذا هو الفردوس
الرضي الذي تقق ذات مرة علي يد ذلك اليل التفرد ,والذي سيظل أملً جيلً ياول السلمون
تقيقه ف أي قرن من القرون!!.
m m m
وفيما يلي ناول أن نبز السمات الرئيسية للمة السلمية ف عهد ذروتا الذي تقق فيه الذي تقق
فيه بالكامل وصف ال لا ف كتابه النل { ُكنْتُمْ َخيْرَ ُأ ّمةٍ أُ ْخرِ َجتْ لِلنّاسِ} [سورة آل عمران ]3/110
ولنجعل ف بالنا أن الذي نبزه ف هذا العرض السريع هو الصائص الرئيسية للوجود السلمي -اللزمة
ف ذاتا لكل جيل -ولكن ف صورتا الفذة الت حققها ذلك اليل التفرد ,وأن المرين معا مهمان ف
هذا العرض ,ولكن المر الوهري هو تلك الصائص الرئيسية ,لن ها هي الت يتوقف عليها الوجود
السلمي الصحيح ,وحي انرف السلمون عنها تدرييا ,أصابم -علي الدى -ما هم واقعون فيه
اليوم ,ما نعرض له ف مكانه من الكتاب.
ول يتسع القام بطبيعة الال للحديث الستفيض عن كل السمات الرئيسية للمة السلمية ,فليس
لذا تاريا لا ول بثا متخصصا ف خصائصها ,إنا نتار أبرز هذه السمات ,ونعرضه ف أوجز صورة
تتناسب مع موضوع الكتاب.
() جاء ف حديث $هذا جبيل أتاكم يعلمكم امر دينكم$ :#قال :وما الحسان؟ #قال$ :أن تعبد ال كأنك تراه فإن ل تكن تراه فإنه يراك #رواه الشيخان.
1
ونتار من هذه السمات:
أولً :صدق اليان ,وجدية الخذ من الكتاب والسنة ,وصدق الهاد ف سبيل ال.
ث نتحدث عن أمرين آخرين ها من الصائص الرئيسية للمة السلمية ,وإن كان تقيقهما
-بطبيعته -ل يتم ف حياة اليل الول ,إنا ت ف الجيال التالية ,لنه ما -بكم طبيعتهما -يتاجان إل
فترة زمنية بعد التمكن ف الرض ,ذانك ها الركة العملية السلمية ,والركة الضارية السلمية,
وقد تتا كلتاها متأخرتي ف الزمن .ولكن قواعدها الول كانت قد أرسيت ول شك ف حياة ذلك
اليل الذي كتب ف القيقة تاريخ السلم ,فقد كانت الجيال التالية متأثرة كلها بالدفعة الائلة الت
أحدثها اليل الول ف حركة الياة ,ل ف داخل العال السلمي وحده ,ولكن ف الرض كلها علي
التساع!.
m m m
وليس الذي يبهرنا من اليل الول هو اتصافه بذه الصفات ,فهي من لوازم المة الت يرجها القرآن
إل الوجود ,وتدد لا سنة رسول ال eدقائق حياتا .وإنا الذي يبهرنا ف ذلك اليل الول هو
الدرجة العجيبة الت وصلوا إليها ف ترسيخ هذه الصفات ف نفوسهم وف واقع حياتم.
{ َومَا ُأمِرُوا إِلّ ِلَيعْبُدُوا اللّ َه مُخِْلصِيَ لَهُ الدّينَ ُحَنفَاءَ} [سورة البينة .]98/5
واللصة الذي يأمر ال به ليس مرد مشاعر تستكّن ف ضمي النسان ,وليس مرد إقرار يعلن فيه
النسان أن ال واحد ل شريك له ,عن اعتقاد قلب بصدق ما يقرّ به من وحدانية ال .فهذا -وحده -ل
يفي با يطلبه ال من عباده بلفظ المر ,ل علي سبيل الندب أو التحبيب أو التحضيضَ { :ومَا ُأمِرُوا إِلّ
خِلصِيَ لَهُ الدّينَ ُحَنفَاءَ} إنا التتبع لكل اليات الت جاء فيها المر بالخلص يد أنا
ِلَي ْعبُدُوا اللّ َه مُ ْ
متعلقة بتوجيه العبادة ل وحده دون شريك .فهي إذن ليست متعلقة بالعتقاد وحده ,إنا هي متعلقة
كذلك بسلوك معي مرتبط بالعتقاد .فالعبادة -كما هو واضح بالبداهة -سلوك واقعي ,وليست مرد
مشاعر أو اعتقادات .سلوك مبن علي الشاعر ,ومنبثق عن العتقاد.
والخّلص الطلوب ف العبادة هو براءة هذه العبادة من الشرك ,وتلك هي حقيقة التوحيد .وهو أمر
لزم ل للرتقاء ف مراتب الكمالت ,بل لصول اليان بادئ ذي بدء؛ أما الرتقاء ف مراتب
الكمالت بعد ذلك فله مالت أخري نتحدث عن بعضها ف حياة ذلك اليل الول ,وهي الت ورد
فيها الندب والتحبيب ,ل المر واللزام.
فما العبادة الطلوبة من العباد ,وما كيفية الباءة من الشرك؟
وأيا أمر اختل من هذه الثلثة فهو ناقض للتوحيد ومُدْخِل ف الشرك الذي يرج الناس من السلم,
مع اعتبار معي ف هذا الشأن هو أن العصية -بغي استحلل -ل تنقض أصل اللتزام ,ول ترج
الناس من السلم ,ما داموا يقرون بالمر النل من عند ال ,ول يعلون مالفتهم له تشريعا مضاهيا
لشرع ال ,أو قائما بذاته مناقضا لشرع ال .بعبارة أخري ليست العصية لا أنزل ال هي الت ترج
حكُ ْم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ
من اللة ,إنا هو التشريع بغي ما أنزل ال ,وهو العنّ ف قوله تعال{ :وَمَنْ لَمْ يَ ْ
حكُ ْم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ َفُأوَْلئِكَ هُمْ الظّالِمُونَ}
َفُأوَْلئِكَ هُ ْم اْلكَافِرُونَ} [سورة الائدة َ { ,]5/44ومَنْ لَ ْم َي ْ
حكُ ْم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ َفُأوَْلئِكَ هُ ْم اْلفَاسِقُونَ} [سورة الائدة .]5/47 [سورة الائدة َ { ,]5/45ومَنْ لَ ْم َي ْ
وكون ذلك هو الشرك الخرج من اللة واضح ف قوله تعال:
{َأمْ َلهُ ْم شُرَكَا ُء شَ َرعُوا َلهُ ْم مِنْ الدّينِ مَا َل ْم يَأْ َذ ْن بِهِ اللّهُ} [سورة الشورى .]42/21
{اتِّبعُوا مَا ُأنْزِلَ إَِلْيكُ ْم مِنْ َرّبكُ ْم وَل َتّتِبعُوا مِنْ دُونِهِ َأوْلِيَاءَ} [سورة العراف .]7/3
و "الدين" ف آية الشورى ,واتباع ما أنزل ال ف آية العراف ,كلها ل يتعلق بالعتقاد وحده ول
ي من هذه المور الثلثة:
بالشعائر التعبدية وحدها ,إنا يشمل قضية التحليل والتحري ,ويعتب اتاذ أ ّ
العتقاد والشعائر والشرائع ,من مصدر غي ال شركا واتباعا للولياء ,بدليل قوله تعال ف سورة
النحل حكاية عن الشركي ,وتديدا لعمال الشرك الت يقومون با:
وبدليل قوله تعال عن النافقي ف سورة النساء موضحا الحك الذذي يصدقّ دعوي اليان أو
يكذبا.
{أَلَ ْم تَرَ إِلَى الّذِينَ َي ْزعُمُونَ َأّنهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إَِليْكَ َومَا أُنزِ َل مِنْ َقبْلِكَ يُرِيدُونَ َأنْ َيتَحَا َكمُوا إِلَى
شيْطَانُ أَ ْن ُيضِّلهُمْ ضَل ًل َبعِيدا} إل قوله تعال{ :فَل الطّاغُوتِ وَقَدْ ُأمِرُوا َأ ْن يَ ْكفُرُوا بِهِ َويُرِيدُ ال ّ
ضْيتَ
سهِمْ َحرَجا مِمّا َق َ حكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَْيَنهُ ْم ثُ ّم ل يَجِدُوا فِي أَنفُ ِ ك ل ُي ْؤمِنُونَ َحتّى يُ َ وَ َربّ َ
َويُسَلّمُوا تَسْلِيما} [سورة النساء .]65-4/60
من هذه اليات -وأمثالا ف القرآن كثي -يتضح لنا أن العبادة الطلوبة من العباد هي إفراد ال
باللوهية والربوبية ,الذي يشمل توحيد ال ف ذاته وأسائه وصفاته ,والتوجه إليه وحده بالشعائر
التعبدية ,واللتزام با أنزل ال ,وعدم اتاذ شرع من مصدر سواه ,سواء علي سبيل الضاهاة لشرع
ال كما كان يفعل التتار قبل إسلمهم من اتاذ $الياسق” الذي يمع أحكاما من القرآن وأحكاما
من مصادر أخري ,أو علي سبيل التشريع الطلق ,أي تنحية شرع ال جلة واتاذ شرع غيه.
هذه العبادة -علي هذه الصورة --هي الت ترج الناس من الشرك وتعلهم مسلمي .وهذا هو
الخلص ف حده الدن ,الذي ل يقبل ال من الناس أقل منه ,ول تقوم بغيه حقيقة السلم ف
داخل النفوس ول ف واقع الياة (أما الدرجات العليا فمرهونة بقدار الطاعات الت يتقدم با العباد
إل ال ,ومقدار الرص علي اللتزام با أقر به القلب واللسان).
أما العتقاد بأن هناك شركاء ل ف اللق أو التدبي أو الرزق أو الحياء أو المانة أو النفع أو
الضر ....إل ,أو التوجّّه لغي ال بالشعائر التعبدية ,أو التشريع بغي ما أنزل ال ,أو الرضي بغي ما
أنزل ال ,فهو الشرك الذي يرج الناس من السلم.
m m m
وإذا كان أمر الخلص كذلك ,ف شوله لذه المور الثلثة ,فإن جدية الخذ من الكتاب والسنة
تصبح بديهية من بديهيات المة السلمة ل يقوم بغيها لذه المة وجود .فما دام اللتزام با أنزل ال
ركنا من أركان العقيدة ,ل تقوم ف القيقة بدونه (بصرف النظر عن العصية الت ل تتحول إل
تشريع بالنسبة لصحابا ول بالنسبة لغيه من الناس) ( .)1فقد أصبحت جدية الخذ من الكتاب
والسنة هي القتضي الباشر للسلم .ففي كل لظة من حياة الناس "تشجر" أشياء تتاج إل "حكم"
يتخذ فيها .فمن أين يستمد الكم؟.
() انظر فصل $مفهوم ل إله إل ال #من كتاب $مفاهيم ينبغي أن تصحح.#
1
إنه ليس هناك إل مصدر اثنان :إما حكم ال وإما حكم الاهلية:
حكْ َم الْجَاهِِلّي ِة َيْبغُونَ؟ َومَنْ أَحْسَ ُن مِنْ اللّهِ ُحكْما ِل َقوْ ٍم يُوِقنُونَ؟!} [سورة الائدة .]5/50
{أَفَ ُ
فإن ل يتخذ الناس أحكامهم من عند ال -أي من القرآن والسنة ,ومن اجتهاد الفقهاء اللتزم
بالكتاب والسنة ل يشذ عنهما ول يرج علي أحكامهما -فإنم عندئذ يتخذون أحكامهم من
الاهلية ,ويرجون بذلك من السلم.
فجدية الخذ من الكتاب والسنة وهي للزم من لوازم الوجود السلمي ,وسة من سات المة
السلمية ل تنفك عنها؛ وليس وجودها هو الذي يبهرنا من ذلك اليل الول .إنا الذي يبهرنا منه
هو الدرجة العالية من اللتزام ف التنفيذ ,الت تعل العصية شيئا نادرا ف حياة الناس ,ما نتحدث عن
ناذج منه بعد قليل.
كذلك أمر الهاد ف سبيل ال .....إنه سة أصلية من سات هذه المة.
{يَا َأّيهَا الّذِينَ َآ َمنُوا هَلْ أَدُّلكُ ْم عَلَى تِجَا َر ٍة تُنجِيكُ ْم مِ ْن عَذَابٍ أَلِيمٍ (ُ )10ت ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَ َرسُولِ ِه
َوتُجَاهِدُونَ فِي َسبِيلِ اللّ ِه بَِأ ْموَالِكُ ْم َوأَنفُسِكُمْ ذَِلكُمْ َخيْرٌ َلكُمْ ِإنْ كُنتُ ْم َتعْلَمُونَ} [سورة الصف
.]11-61/10
فما دامت المة قد حلت راية ل إله إل ال ,وحلت معها مسئولياتا ,فقد أصبح الهاد من لوازم
وجودها ,ذلك أن البشر ل يستقيمون كلهم علي منهج ال ,ول يرضون كلهم أن يكون الدين ل,
ول يدعون السلمي وشأنم يقيمون دينهم بأمن من العدوان:
{وَل يَزَالُو َن ُيقَاتِلُوَنكُمْ َحتّى يَرُدّوكُ ْم عَنْ دِينِكُمْ ِإنْ ا ْستَطَاعُوا} [سورة البقرة .]2/217
{وَقَاتِلُوهُمْ َحتّى ل َتكُونَ ِفْتَنةٌ َوَيكُونَ الدّينُ كُلّهُ لِلّهِ} [سورة النفال .]8/39
{وَلَ ْن تَرْضَى َعنْكَ اْلَيهُو ُد وَل الّنصَارَى َحتّى َتّتبِ َع مِّلَتهُمْ} [سورة البقرة .]2/120
{قَاتِلُوا الّذِينَ ل ُي ْؤ ِمنُو َن بِاللّ ِه وَل بِالَْي ْومِ الخِ ِر وَل يُحَ ّرمُونَ مَا حَ ّرمَ اللّ ُه وَ َرسُولُ ُه وَل يَدِينُونَ دِينَ
الْحَقّ مِ ْن الّذِينَ أُوتُوا اْلكِتَابَ َحتّى ُيعْطُوا الْجِ ْزَي َة عَ ْن يَ ٍد َوهُمْ صَاغِرُونَ} [سورة التوبة .]9/29
وبصرف النظر عن الدل الذي يقوم به الستضعفون من السلمي ف جيلنا الاضر ,حي يقولون إن
الهاد ف السلم دفاعي فقط ,أي أن السلمي ل يقاتلون إل إذا هوجوا من قبل أعدائهم ,مستندين
إل أحكام القتال الرحلية الت جاء فيها قوله تعال{ :وَقَاتِلُوا فِي َسبِيلِ اللّ ِه الّذِي َن ُيقَاتِلُوَنكُ ْم وَل
حبّ الْ ُم ْعتَدِينَ} [سورة البقرة .]2/190
َت ْعتَدُوا ِإنّ اللّ َه ل ُي ِ
مغفلي اليات الصرية الت أوردناها آنفا ,أو مؤولي لا علي ضوء الحكام الرحلية.
بصرف النظر عن هذا الدل فسيظل الواقع الذي تعيشه المة السلمية اليوم بعد أن تركت الهاد
تت راية السلم خي دليل علي وجوب الهاد إل قيام الساعة.
دفاعيا أو هجوميا ...ل غن للمة السلمية عن الهادَ { :حتّى ل َتكُونَ ِفْتَنةٌ َوَيكُونَ الدّينُ ُكلّهُ
ِللّهِ} [سورة النفال .]8/39
ومرة ثالثة نقول الذي يبهرنا من حياة اليل الول ليس هو صدق الهاد ف سبيل ال -الذي هو
عنصر لزم للوجود السلمي ف كل جيل -إنا هو الدرجة الرائعة من هذا الصدق ف حياة ذلك
اليل.
والن نعود إل ذلك اليل التفرد لنري الصورة الثالية الت تققت با هذه الصفات ف عال الواقع.
كل جلة ف القرآن وكل عبارة ,كل توجيه وكل أمر أو ني ...يصل إل نفوسهم بشحنته الكاملة,
ويركها الركة التامة الطلوبة من الملة أو العبارة ,أو التوجيه أو المر أو النهي.
ل تكن هناك قراءة لجرد التأمل الفكري ,ول قراءة للستمتاع الفن ببلغة القرآن ,ول قراءة
لستخراج نظريات فلسفية أو عقلية أو تريدية ..أو حت للتأثي الوجدان الذي يأخذ بجامع النفس
ث ينتهي بتهوية روحية ل ترك صاحبها من مكانه!.
يروي الصحابة عن أنفسهم يقولون :ل يكن أحدنا يستكثر من القرآن ,إنا كنا نتعلم عشر آيات ل
نزيد عليهن حت نعمل با فيهن ,فتعلمنا القرآن والعمل جيعا (.)1
() انظر تفسي ابن جرير (.)1/80
1
لقد أنزل ال هذا القرآن لينشئ شيئا ضخما ف واقع الرض.
جبَالُ َأوْ قُ ّط َعتْ بِ ِه الَ ْرضُ َأوْ كُلّ َم بِ ِه الْ َموْتَى بَلْ لِلّ ِه ا َلمْرُ جَمِيعا} [سورة
ت بِ ِه الْ ِ
{وََلوْ أَنّ قُرْآنا ُسيّرَ ْ
الرعد .]13/31
لقد كان الشركون يطلبون الرسول eبعجزات حسية كتسيي البال وتقطيع الرض وتكليم
الوت ,ويعلقون إيانم بصدق الرسول eعلي تقيق هذه العجزات السية .ولكن ال ل يشأ أن
ينل عليهم تلك اليات السية وأنزل بدلً منها ذلك الكتاب العجز العظيم :الية الباقية أبد الدهر.
والية الت أوردناها آنفا تشي إل أنه ليس من شأن القرآن أن يسيّر أو يقطع الرض أو يكلم الوت,
لن له شأنا آخر ...وتوحي بأن ما يقوم به القرآن أعظم من ذلك كله! أعظم من تسيي البال
وتقطيع الرض وتكليم الوت ,الذذي تنتهي إليه أحلم الاهلي وتصوراتم ...إن مهمته هي إنشاء
"النسان" فب أحسن تقوي ....وذلك أعظم عند ال من كل ما يتصورون.
ولقد عمل القرآن علمه بالفعل ف نفوس السلمي الوائل ,فأنشأها إنشاء من جديد ,فكان منهم
ذلك الواقع العجيب الذي سجله التاريخ ,والذي يلتقي فيه الواقع بالثال.
كان القرآن يدثهم عن قضية اللوهية فيدخل با إل نفوسهم من كل مداخلها ,ويوقَع با علي
أوتار قلوبم ,فإذا اهتزت وجههم إل حقيقة التوحيد.
كان يدثهم عن آيات ال ف الكون ,ون قدرة ال العجزة ف اللق ,وعن قدرة ال العجزة ف
اللق ,وعن الحياء والماتة ,وعن الرزق والتدبي ,وعن علم ال للغيب ...إل ....إل.
{وََلقَدْ َخَل ْقنَا الِنسَا َن مِ ْن سُلَلةٍ مِنْ طِيٍ ( )12ثُمّ َجعَ ْلنَا ُه نُ ْط َفةً فِي َقرَارٍ مَكِيٍ ( )13ثُمّ خََل ْقنَا النّ ْط َفةَ
شأْنَاهُ خَلْقا آ َخرَ َفَتبَا َركَ
ضغَةً َفخََل ْقنَا الْ ُمضْ َغ َة عِظَاما َفكَسَ ْونَا اْلعِظَامَ َلحْما ثُمّ أَن َ
خَل ْقنَا اْلعََل َق َة ُم ْ
عََل َقةً فَ َ
س ُن الْخَاِلقِيَ} [سورة الؤمنون .]14-23/12 اللّهُ أَحْ َ
حمِلُ كُلّ أُنثَى َومَا َتغِيضُ الَرْحَامُ َومَا تَ ْزدَا ُد وَكُ ّل َشيْءٍ ِعنْ َد ُه بِ ِمقْدَارٍ ( )8عَالِ ُم اْلغَْيبِ {اللّ ُه َيعْلَ ُم مَا تَ ْ
ستَخْفٍ بِالّليْلِ شهَا َد ِة الْ َكبِيُ الْ ُمَتعَالِي (َ )9سوَاءٌ مِْنكُ ْم مَنْ َأسَ ّر اْل َقوْلَ َومَنْ َجهَ َر بِ ِه َومَ ْن ُهوَ مُ ْ وَال ّ
حفَظُونَ ُه مِنْ َأمْرِ اللّهِ ِإنّ اللّ َه ل ُي َغيّ ُر مَا
ت مِ ْن َبيْ ِن يَ َديْهِ َومِنْ خَ ْلفِ ِه يَ ْ
ب بِالّنهَارِ ( )10لَ ُه ُم َعقّبَا ٌ َوسَارِ ٌ
سهِ ْم َوإِذَا أَرَادَ اللّ ُه ِب َقوْ ٍم سُوءا فَل َمرَدّ لَ ُه َومَا َلهُ ْم مِنْ دُونِهِ مِ ْن وَالٍ ()11 ِب َق ْومٍ َحتّى ُي َغيّرُوا مَا ِبأَنفُ ِ
سبّحُ ال ّرعْ ُد بِحَ ْم ِدهِ وَالْمَلِئكَةُ ب الّثقَالَ (َ )12ويُ َ شئُ السّحَا َ ُه َو الّذِي يُرِيكُمْ الْبَ ْرقَ َخوْفا َوطَمَعا َويُنْ ِ
ب ِبهَا مَ ْن يَشَا ُء َوهُمْ ُيجَادِلُونَ فِي اللّ ِه َو ُهوَ شَدِي ُد الْمِحَا ِل } مِنْ خِيفَتِ ِه َويُ ْرسِ ُل الصّوَاعِقَ َفُيصِي ُ
[سورة الرعد .]13-13/8
.................
.................
................
وكانت هذه اليات كلها تصل إل نفوسهم بكل شحنتها ,فتدخل إل أعماقها ,فتهزها هزا....
فستجيب:
ض وَا ْختِلفِ الّليْ ِل وَالنّهَا ِر ليَاتٍ لُولِي الَْلبَابِ ( )190الّذِي َن يَذْكُرُونَ {ِإنّ فِي َخلْقِ السّ َموَاتِ وَالَ ْر ِ
ت هَذَا بَا ِطلً اللّهَ ِقيَاما وَُقعُودا َوعَلَى ُجنُوِبهِ ْم َوَيتَ َفكّرُونَ فِي َخلْقِ السّ َموَاتِ وَالَ ْرضِ َرّبنَا مَا خََل ْق َ
ي مِنْ َأنْصَارٍ ( ك مَ ْن تُدْ ِخ ْل النّارَ َفقَدْ أَخْ َزْيتَهُ َومَا لِلظّالِ ِم َ ُسبْحَانَكَ َف ِقنَا عَذَابَ النّارِ (َ )191رّبنَا إِنّ َ
َ )192ربّنَا ِإّننَا سَ ِم ْعنَا ُمنَادِيا ُينَادِي ِللِيَانِ أَنْ آ ِمنُوا بِ َرّبكُمْ فَآ َمنّا َرّبنَا فَا ْغفِرْ َلنَا ُذنُوَبنَا وَ َكفّ ْر َعنّا َسيّئَاِتنَا
ك وَل ُتخْ ِزنَا َي ْومَ اْل ِقيَا َمةِ ِإنّكَ ل ُتخْلِفُ َوَتوَّفنَا مَعَ ا َلبْرَارِ (َ )193ربّنَا وَآِتنَا مَا َوعَ ْدَتنَا عَلَى ُر ُسلِ َ
الْمِيعَادَ ( )194فَا ْستَجَابَ َل ُهمْ َرّبهُمْ[ }....سورة آل .]195-3/190
ول يكن هذا الذكر تسبيحا باللسان ,ول بالذكار والوراد ,ول علي حبات السابح.
إنا كان ال حاضرا ف قلوبم ف كل لظة {ِقيَاما وَُقعُودا َوعَلَى ُجنُوبِهِمْ} [سورة آل .]3/191لن
القرآن كان ياطبهم بقضية اللوهية ف كل حال من أحوالم .إن كانوا يريدون شيئا فال هو الذي
يعطي ويدبر .وإن كانوا يشون شيئا فال هو الذي يقدر القدار .إن كانوا يطلبون بسطة ف الرزق
فال هو الذي يقبض ويبسط .إن كانوا يريدون الذرية فال هو الذي يهب الذرية لن يشاء .إن كانوا
يشون أعداءهم فال هو الذي يسلط من يشاء علي من يشاء لكمة يريدها ,ولن يرجوا من قبضة
أعدائهم إل ف اللحظة الت يقدرها ال ,وبقدر يقدره ال ...وال هو مالك اللك الذي يؤت اللك
من يشاء وينعه من يشاء ,ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده المر وهو علي كل شئ قدير:
ت َوهُمْ ل يُ ْظلَمُونَ ( )25قُلْ الّلهُمّ سبَ ْ س مَا كَ َ {َف َكيْفَ ِإذَا جَ َم ْعنَاهُمْ ِليَ ْومٍ ل َرْيبَ فِي ِه َووُّفيَتْ كُ ّل َن ْف ٍ
ك مِمّ ْن تَشَاءُ َوتُعِ ّز مَ ْن تَشَا ُء َوتُذِ ّل مَنْ تَشَاءُ ِبيَ ِدكَع الْمُلْ َ
ك ُت ْؤتِي الْمُلْكَ مَ ْن تَشَاءُ َوَتنْ ِز ُ
ك الْمُلْ ِمَالِ َ
ح ّي مِنْج الْ َ خرِ ُ
ك عَلَى كُ ّل َشيْءٍ َقدِيرٌ ( )26تُولِجُ الّليْلَ فِي الّنهَا ِر َوتُولِ ُج الّنهَارَ فِي الّليْ ِل َوتُ ْ خيْرُ ِإنّ َ
الْ َ
حيّ َوتَ ْر ُزقُ مَنْ تَشَاءُ ِب َغيْرِ حِسَابٍ} [سورة آل .]27-3/25 ت مِ ْن الْ َ
ج الْ َمّي َ
خرِ ُ
الْ َمّيتِ َوتُ ْ
وهكذا حيثما وجّّه النسان بصره ,أو توجهت به مشاعره وجد ال تاهه...
والسلمون الوائل هم الذين امتلت قلوبم بذه القيقة حت أعماقها ...فآتت ثارها ...وهل ثارها
إل طاعة ال؟!.
إذا كانت اللوهية علي هذا النحو الائل الحيط ....فكيف يكون موقف العبد تاه موله؟.
هذا ..هو الذي جعل ذلك اليل علي النحو الذي كان عليه ....إحساسهم الق بالعبودية الكاملة
للله الق ,العظيم القادر ,الحيط بكل شئ علما وتدبيا وقدرة ومشيئة وحفظا وهيمنة وملكا
وجبوتا ورحة ومغفرة...
هو ال ..وهم العبيد ..والعبيد يسلمون أنفسهم وقلوبم وأرواحهم للذي يلكها حقا وصدقا...
فيتصرفون تاه الالك كما يتصرف العبيد من الذعان والطاعة والتسليم والضوع.
وعندئذ يصلون إل القمة الت ل يسن الصعود إليها إل من يسن العبودية ل!.
إن لذا المر عجيب ..ولكنه هو حقيقة النفوس! إنا ل تكون علي تامها ,وف أحسن لالتا
وأعلها ,إل حي تكون مستقيمة علي وضعها الصحيح تاه خالقها .كاللة ل تدور دورانا الطبيعي
السهل السلس حت يكون كل "ترس" من "تروسها" ف وضعه الصحيح ,ول يكون شئ منها ناتئا
عن موضعه فتقف عن الركة لو تضطرب ف دورتا.
استسلموا ل بكافة أنفسكم ...بكافة كل نفس منكم ...بيث يكون كل جزء من نفوسكم
مستسلما ل ...وهذا هو السلم!.
وعندئذ؟ تكونون ف أعلي عليي!! تكونون ف أصفي حالتكم ,وف أفضل حالتكم ,وف أعلي
صورة مستطاعة للنسان علي الرض ...النسان الذي توشك أن تصافحه اللئكة!
هل من عجب إذن أن يكون أعظم بشر ف تاريخ البشرية هو أعبد الناس ل؟.
هو الذي ين علي ال عليه بأنه قرّبه إليه أشد القرب بأن ألصق عبوديته به سبحانه وتعال:
ففي أعظم لظات التقريب أبرز الصفة الت كانت هي أداة القرب ,وأداة الرفعة ,وأداة التكري.
إنه رب كري ,يكرّم عباده بقدار ما يتعبدونه ,فيكون أكرمهم عنده هو أشدهم عبودية له:
والكري عند ال هو الكري حقا ف السماوات وف الرض ,وف كل وضع من أوضاعه وكل حالة
من حالته.
هذا هو الذي وعنه قلوب الصحابة الكرام رضي ال عنهم ..فكانوا خي قرن من القرون ,بقدار ما
أخصلوا دينهم ل ....بقدار ما صدقوا ف عبوديتهم ل..
m m m
وكان القرآن يدثهم عن اليوم الخر حديثا يهز القلوب بدقة الوصف والبلغة العجزة ف التعبي,
فيعيشون مشاهد القيامة كأنم يرونا اللحظة تاه أعينهم ...كأنا هي الاضر الشهود ل الستقبل
النظور.
تلك خاصية القرآن ...يظل يصف لك مشاهد القيامة حت ييل إليك من روعة الوصف أن الياة
الت تياها الن قد مضت وانقضت وأصبحت ماضيا يتذكر ,وأن الاضر هو هذه الشاهد الية
الوصوفة بكل دقائقها:
جحِيمِ ( )18كُلُوا ب الْ َت َوَنعِيمٍ ( )17فَا ِكهِيَ بِمَا آتَاهُمْ َرّبهُمْ َووَقَاهُمْ َرّبهُمْ عَذَا َ {ِإنّ الْ ُمّتقِيَ فِي َجنّا ٍ
ي عَلَى سُ ُر ٍر َمصْفُوَف ٍة وَ َزوّ ْجنَاهُ ْم بِحُو ٍر عِيٍ ( )20وَالّذِينَ وَاشْ َربُوا َهنِيئا بِمَا كُنتُمْ َتعْ َملُونَ (ُ )19مّتكِئِ َ
سبَ ئ بِمَا كَ َ ح ْقنَا ِبهِمْ ذُ ّرّيَتهُ ْم َومَا أََلْتنَاهُمْ مِ ْن عَمَِلهِ ْم مِ ْن َشيْءٍ كُ ّل امْرِ ٍ
آ َمنُوا وَاتَّب َعْتهُمْ ذُ ّرّيُتهُ ْم بِإِيَانٍ أَلْ َ
شتَهُونَ (َ )22يَتنَا َزعُونَ فِيهَا َكأْسا ل َل ْغوٌ فِيهَا وَل َت ْأثِيمٌ ()23 َرهِيٌ (َ )21وَأمْدَ ْدنَاهُ ْم ِبفَاكِ َه ٍة وَلَحْمٍ مِمّا يَ ْ
ض َيتَسَاءَلُونَ ( )25قَالُوا ِإنّا ضهُ ْم عَلَى َبعْ ٍف عََلْيهِ ْم غِلْمَانٌ َلهُمْ َكَأّنهُمْ ُلؤُْل ٌؤ َم ْكنُونٌ (َ )24وأَ ْقبَ َل َبعْ ُ َويَطُو ُ
ش ِفقِيَ ( )26فَمَنّ اللّ ُه عََلْينَا َووَقَانَا عَذَابَ السّمُومِ (ِ )27إنّا ُكنّا مِنْ َقبْ ُل نَ ْدعُوهُ ِإنّ ُه ُهوَ ُكنّا َقبْلُ فِي أَهِْلنَا مُ ْ
اْلبَرّ الرّحِيمُ ([ })28سورة الطور ]28-52/17
حمُومٍ ( )43ل صحَابُ الشّمَالِ ( )41فِي سَمُو ٍم وَحَمِيمٍ (َ )42وظِ ّل مِ ْن يَ ْ { َوأَصْحَابُ الشّمَالِ مَا أَ ْ
ك ُمتْرَفِيَ ( )45وَكَانُوا ُيصِرّونَ عَلَى الْحِنثِ اْلعَظِيمِ ( )46وَكَانُوا بَا ِر ٍد وَل كَ ِريٍ (ِ )44إّنهُمْ كَانُوا َقبْلَ ذَلِ َ
ي وَالخِرِينَ َيقُولُونَ َأئِذَا ِمْتنَا وَ ُكنّا تُرَابا َوعِظَاما َأِئنّا َل َمبْعُوثُونَ (َ )47أ ْو آبَا ُؤنَا ا َلوّلُونَ ( )48قُلْ ِإنّ ا َلوّلِ َ
جرٍ
ت َي ْومٍ َمعْلُومٍ ( )50ثُمّ ِإنّكُمْ َأّيهَا الضّالّونَ الْ ُمكَ ّذبُونَ ( )51لكِلُو َن مِ ْن شَ َ (َ )49لمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَا ِ
ب اْلهِيمِ ()55
مِنْ زَقّومٍ (َ )52فمَاِلئُو َن ِمنْهَا اْلبُطُونَ ( )53فَشَا ِربُونَ عََليْ ِه مِ ْن الْحَمِيمِ ( )54فَشَا ِربُو َن شُرْ َ
هَذَا نُزُُلهُ ْم َي ْومَ الدّينِ ([ })56سورة الواقعة ]56-56/41
نعم ...تلك خاصية القرآن ...ولكن القلوب التفتحة تس بوقع الكلمات علي نو يتلف عن غيها
من القلوب ...إنا تتلقي الشحنة كاملة ,فتتأثر با كاملة ,ويسري الثر إل العماق.
لقد كان من صدق استسلم هذه القلوب ل ,أن كان تأثرها بكلم ال أشد ,فهي تتلقي كل كلمة
من كلم ال علي أنا موجهة إليها شخصيا ,ل أنا موجهة لخر وهي تتفرج من بعيد ,كما يدث
للقلوب الغافية الت تتلقي الكلم وهي وسنانة ,فيكون ف حسها كرجع الصدي ,مبهما غي واضح
النبات!.
عاشوا والخرة ف حسهم كأنا حاضر .يعايشون مشاهدها تاه أعينهم ,فتشهدهم النة بنعيمها
الشفيف الالد فيشتاقون إليها ,فيغذون السي إليها متخففي ما يثقلهم ف الطريق من متاع الياة الدنيا,
متزودين بالزاد الذي يصلح الطريق { َوتَ َزوّدُوا فَِإنّ َخيْرَ الزّا ِد الّتقْوَى} [سورة البقرة ]2/197ورهبهم
النار بعذابا الروع فيحذرون أن يقعوا فيها ,فيحاولون البتعاد إل أقصي الدي لينجوا من اللهيب" :كنا
نترك تسعة أعشار اللل مافة الوقوع ف الرام".
وكذلك كان وقع اليوم الخر ف حسهم ...ل يكن مرد تأثر وجدان مؤقت ,تر به رياح الشهوات
فتعصف به وتذروه ,إنا هو شئ ثابت تاه أعينهم ,ف كل لظة يرونه ,وف كل لظة يتأثرون برؤيته,
فيعملون ما يقربم من النة ,ويتحاشون مايقربم من النار .لذلك كان دعائهم -وهم يذكرون ال
قياما وقعودا وعلي جنوبم -علي هذا النحو الذي تصفه اليات:
ت وَالَ ْرضِ َرّبنَا مَا {الّذِي َن يَذْكُرُونَ اللّهَ ِقيَاما وَُقعُودا َوعَلَى ُجنُوبِهِ ْم َوَيَتفَكّرُونَ فِي خَلْقِ السّ َموَا ِ
ك مَ ْن تُدْ ِخ ْل النّارَ َفقَدْ أَخْ َزْيتَهُ َومَا لِلظّالِ ِميَ ب النّارِ (َ )191رّبنَا إِنّ َ ل ُسبْحَانَكَ َف ِقنَا عَذَا َ خََل ْقتَ هَذَا بَاطِ ً
مِنْ َأْنصَارٍ (َ )192رّبنَا إِّننَا سَ ِم ْعنَا ُمنَادِيا ُينَادِي ِللِيَانِ َأنْ آ ِمنُوا بِ َرّبكُمْ فَآ َمنّا َرّبنَا فَاغْفِرْ َلنَا ُذنُوَبنَا وَ َكفّرْ
ك وَل ُتخْ ِزنَا َي ْومَ اْل ِقيَا َمةِ ِإنّكَ ل َعنّا َسيّئَاِتنَا َوَتوَّفنَا َم َع الَبْرَارِ (َ )193ربّنَا وَآِتنَا مَا َوعَ ْدَتنَا عَلَى ُر ُسلِ َ
ف الْمِيعَادَ ([ })194سورة آل ]194-3/191 خلِ ُ
تُ ْ
ف كل لظة يهم أحدهم بعمل يسأل نفسه :هل هذا العمل ما يرضي ال عنه فيدخله به النة؟ ام ما
يسخط ال فيدخله به النار؟.
وف كل لظة يسأل نفسه :ما الذي يريده ال من ف موقفي هذا ف لظت هذه؟ فإذا عرف الواب
أسرع إل القيام با يطلبه ال منه ,شوقا إل النة وفرارا من النار .وكان هذا هو الذكر الذي يذكرون
به ال قياماً وقعودا وعلي جنوبم ...الذكر الافز إل السارعة ف اليات ,ل ذكر الوراد والذكار
والسابح ,الذي يبدأ هناك وينتهي هناك!.
m m m
وكان القرآن يدثهم عن قصة الشيطان مع آدم ,ويذرهم من الوقوع ف فتنته:
ك مِ ْن الْمُنظَرِينَ ( )15قَالَ َفبِمَا َأ ْغوَْيَتنِي لَ ْقعُ َدنّ َلهُمْ{قَالَ أَن ِظ ْرنِي إِلَى َي ْومِ يُْب َعثُونَ ( )14قَالَ ِإنّ َ
جدُ
سَتقِيمَ ( )16ثُ ّم لِتَيّنهُمْ مِنْ بَيْنِ َأيْدِيهِ ْم َومِنْ َخ ْل ِفهِمْ وَعَنْ َأيْمَاِنهِ ْم َوعَ ْن شَمَائِِلهِ ْم وَل تَ ِ
ك الْمُ ْصرَاطَ َ
ِ
أَ ْكثَ َرهُ ْم شَاكِرِينَ ( [ })17سورة العراف ]17-7/14
{ِإنْ يَ ْدعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلّ ِإنَاثا َوِإنْ يَ ْدعُونَ إِلّ َشيْطَانا مَرِيدا (َ )117ل َعنَهُ اللّ ُه وَقَالَ َلتّخِ َذ ّن مِ ْن ِعبَا ِدكَ
َنصِيبا َمفْرُوضا ( )118وَلضِّلّنهُ ْم وَلمَّنَيّنهُمْ وَلمُ َرّنهُمْ َفَلُيبَّتكُنّ آذَانَ ا َلْنعَا ِم وَلمُ َرّنهُمْ فََلُي َغيّ ُرنّ خَلْقَ اللّهِ
سرَانا ُمبِينا (َ )119يعِ ُدهُمْ َويُ َمنّيهِ ْم َومَا َيعِ ُدهُمْ سرَ خُ ْ شيْطَانَ وَِليّا مِنْ دُونِ اللّهِ َفقَدْ خَ ِ
َومَ ْن َيتّخِذْ ال ّ
شيْطَانُ إِ ّل غُرُورا ([ })120سورة النساء ]120-4/117 ال ّ
وكان الشيطان يتجسم ف حسهم مرئيا مشهودا يأتيهم من بي أيديهم ومن خلفهم وعن أيانم
وعن شائلهم ,يوسوس لم بالعصية ويستثي كوا من الشهوات ..فكانوا ياولون أن يكونوا دائما علي
يقظة ,لنه ل يدخل إل علي الغفلن .كانوا يتقربون إل ال بالطاعات ليضيقوا طريق الشيطان إليهم أو
يسدوه ,فل يد له طريقا إليهم إل فيما هو أخفي من دبيب النمل ,ومع ذلك ياولون أيضاَ أن يسدوا
ذلك الطريق!.
شيْطَانِ الرّجِيمِ (ِ )98إنّهُ َلْيسَ لَ ُه ُسلْطَانٌ عَلَى الّذِينَ آ َمنُوا َوعَلَى َرّبهِمْ َيَتوَكّلُونَ (
{فَا ْسَتعِ ْذ بِاللّ ِه مِنْ ال ّ
ِ )99إنّمَا سُ ْلطَانُهُ عَلَى الّذِي َن َيَتوَلّ ْونَ ُه وَالّذِي َن هُ ْم بِ ِه مُشْرِكُونَ ([ })100سورة النحل ]100-16/98
m m m
وكان القرآن يدثهم عن أخلقيات ل إله إل ال:
{قَدْ أَ ْفلَ َح الْ ُم ْؤ ِمنُونَ ( )1الّذِي َن هُمْ فِي صَلِتهِمْ خَا ِشعُونَ ( )2وَالّذِينَ هُ ْم عَنْ الّل ْغ ِو ُمعْرِضُونَ ()3
وَالّذِي َن هُمْ لِلزّكَاةِ فَاعِلُونَ ( )4وَالّذِينَ هُمْ ِل ُفرُو ِجهِمْ حَاِفظُونَ ( )5إِ ّل عَلَى أَ ْزوَا ِجهِ ْم أوْ مَا مََل َكتْ
ك هُ ْم الْعَادُونَ ( )7وَالّذِينَ هُمْ َلمَانَاِتهِمْ َأيْمَاُنهُمْ فَِإّنهُ ْم َغيْ ُر مَلُومِيَ ( َ )6فمَ ْن ابَْتغَى وَرَاءَ ذَلِكَ َفأُوَْلئِ َ
ك هُ ْم اْلوَا ِرثُونَ ( )10الّذِي َن يَ ِرثُونَ
صَلوَاِتهِ ْم يُحَافِظُونَ (ُ )9أوْلَئِ ََو َعهْ ِدهِمْ رَاعُونَ ( )8وَالّذِينَ هُ ْم عَلَى َ
س هُمْ فِيهَا خَاِلدُونَ ([ })11سورة الؤمنون ]11-23/1 اْلفِرْ َدوْ َ
{ َو ِعبَادُ الرّحْ َم ِن الّذِينَ يَمْشُو َن عَلَى الَ ْرضِ َهوْنا َوإِذَا خَا َطَبهُ ْم الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلما ( )63وَالّذِي َن
ف عَنّا عَذَابَ َج َهنّمَ ِإنّ عَذَاَبهَا كَا َن غَرَاما ( َيبِيتُونَ ِل َرّبهِ ْم سُجّدا وَِقيَاما ( )64وَالّذِي َن َيقُولُونَ َرّبنَا اصْ ِر ْ
ستَقَرّا َو ُمقَاما ( )66وَالّذِينَ ِإذَا أَن َفقُوا لَ ْم يُسْرِفُوا وَلَ ْم َي ْقتُرُوا وَكَانَ َبيْنَ ذَلِكَ َقوَاما ()67 ت مُ ِْ )65إّنهَا سَاءَ ْ
ح ّق وَل َي ْزنُو َن َومَنْ يَ ْفعَلْ ذَلِكَ س اّلتِي َح ّرمَ اللّهُ إِ ّل بِالْ َ
وَالّذِي َن ل يَ ْدعُو َن مَعَ اللّهِ إِلَها آخَ َر وَل َي ْقتُلُو َن النّ ْف َ
ب َي ْومَ اْل ِقيَا َم ِة َويَخُْلدْ فِيهِ ُمهَانا ( )69إِلّ مَنْ تَابَ وَآمَ َن َوعَمِ َل عَ َملً يَ ْلقَ َأثَاما (ُ )68يضَاعَفْ لَهُ الْعَذَا ُ
ت وَكَانَ اللّهُ غَفُورا َرحِيما (َ )70ومَ ْن تَابَ وَعَ ِملَ صَالِحا فَِإنّهُ سنَا ٍ ك ُيبَدّلُ اللّ ُه َسّيئَاِتهِمْ حَ َ
صَالِحا َفُأوْلَئِ َ
شهَدُونَ الزّو َر َوإِذَا مَرّوا بِالّل ْغ ِو مَرّوا كِرَاما ( )72وَالّذِينَ ِإذَا ذُكّرُوا َيتُوبُ إِلَى اللّ ِه َمتَابا ( )71وَالّذِينَ ل يَ ْ
خرّوا عََلْيهَا صُمّا وَعُ ْميَانا ( )73وَالّذِي َن َيقُولُونَ َرّبنَا َهبْ َلنَا مِنْ أَ ْزوَا ِجنَا وَ ُذ ّريّاِتنَا قُ ّرةَ بِآيَاتِ َرّبهِمْ لَ ْم يَ ِ
حّيةً َوسَلما ()75 صبَرُوا َويَُل ّقوْنَ فِيهَا تَ ِج َز ْونَ اْلغُرَْف َة بِمَا َ
ك يُ َْأ ْعيُنٍ وَا ْجعَ ْلنَا ِللْ ُمّتقِيَ ِإمَاما ( ُ )74أوْلَئِ َ
سَتقَرّا َو ُمقَاما ([ })76سورة الفرقان ]76-25/63 سَنتْ مُ ْ خَالِدِينَ فِيهَا حَ ُ
{ َكلّ إِ ّن الِنسَانَ َليَ ْطغَى (َ )6أنْ رَآ ُه اسَْت ْغنَى ([ })7سورة العلق ]7-96/6
فيأخذون التوجيه علي أنه أمر ملزم وني ملزم .أمر بأخلقيات ل إله إل ال ,وني عن أخلق
الاهلية.
لذلك ل تكن ل إله إل ال منفصلة ف حسهم عن الخلق الفاضلة الت دعاهم إليها باسم اليان,
لنا كانت ف حسهم -كما هي ف الواقع -من مقتضيات ل إله إل ال.
m m m
هل نعجب إذن -حي نعرف الطريقة الت كانوا يتلقون با توجيهات القرآن وتوجيهات الرسول e
-إذا رأيتا تلك النماذج الفذة الت تدثنا عنها كتب السية ,بتلك الوفرة الت وعاها التاريخ؟
هل نعجب من الذين باتوا علي الطوي ليقدموا اللقمة الضئيلة الت يلكونا إل ضيفهم ,وأصفأوا
السراج حت ل يري الضيف أنم ل يلكون إل ما قدموه له ...فأنزل ال فيهم {وَُي ْؤثِرُونَ عَلَى َأْنفُسِهِمْ
صةٌ} [سورة الشر ]59/9
وََلوْ كَانَ ِبهِمْ َخصَا َ
هل نعجب من الذي خرج من بيته وبيده ترات فلما رأي القتال قال :لئن عشت حت أنتهي من
هذه إنه لمر يطول! فألقي التمرات واقتحم العركة شوقا إل النة فاستشهد؟!
هل نعجب من كان ف ليلة عرسه فسمع اليعة فقام يطلب النة فلما استشهد غسلته اللئكة؟!
هل نعجب من يقدم له رسول ال eقسمه من الفئ فيده يقول ما علي هذا بايعتك! لنه يبحث
عن متاع من نوع آخر ,ويصدق ال فيصدقه ...فيدخله النة شهيدا ف سبيل ال؟!
هل تعجب من عمر يبكي حي رأي العجوز تلهي أبناءها ليناموا فيذهب بنفسه فيحمل الدقيق علي
ظهره ويعود يصنع للطفال الطعام بيده ول ينصرف حت يعلم أنم قد شبعوا وناموا؟!
هل نعجب من ماعز تؤرقه نفسه ,يلح علي رسول ال eحت يقيم عليه الد ,ل يطيق أن يلقي ال
بل كفارة؟ ومن الغامدية تلح ف إقامة الد عليها ,وتظل علي عزيتها ل تفارقها حت تفطم ولدها...
تريد أن تلقي ال خالية من الذنوب؟!
هل نعجب من ربعي بن عامر يدخل علي رستم كما دخل ,مستعليا عيل كل ماتلكه الاهلية من
السلطان والاه ,معتزا بل إله إل ال ,يصدع بكلمة الق ف وجه الاهلية العاتية ,ل يرهبها ول يس لا
وزنا ف حسه ,لنه يزنا بيزان ال فإذا هي خاوية ,تستحق أن يدوسها بأقدام حاره ,ويزقها بطرف
رمه ,ويلي علي صاحبها أمر ال!
هل نعجب من عمرو بن العاص يطلب الدد من الليفة لن الروم يشدون علي جيشه ,فل يرسل له
عمر رضي ال عنه عشرة آلف يده بم ول خسة آلف ,ول ألفا ول خسمائة ,إنا يرسل إليه أربعة
من أصحاب رسول ال eالكرام العظام كأنم مدد يبلغ اللوف؟!
هل نعجب من انتشار السلم ف تلك الرقعة الفسيحة من الرض ف تلك البهة القصية من الزمن,
فيبلغ من الحيط غربا إل الند شرقا ف نصف قرن من الزمان علي أيدي أولئك الفذاذ من الرجال؟!
هل نعجب من مئات ومئات من الوارق ف كل اتاه ,تتمع كلها وتتشد ف تلك الفترة الحدودة
من الزمن ,حت ليمر با الؤرخ وكاتب السية مرورا عابرا كأنا يتحدث عن شئ عادي ,ذلك أنه ينظر
ينة ويسرة فيي القمم الشاهقة من حوله فل يعود يصف قمة بأنا قمة!! لن هذا ل ييزها عن غيها
من القمم!!
m m m
هل خرج هؤلء البشر عن بشريتهم؟
كانوا بشرا تعتمل ف نفوسهم دوافع البشر ,ويتحركون ف الرض بدوافع البشر ...ولكنها دوافع
البشر ف أصفي حالتا وأعلها ,دوافع البشر حي يتخففون إل أقصي حد من ثقلة الرض ,فيصعدون
أقصي ما يتاح للبشر من الصعود ,ولكنهم مع ذلك كله بشر فيهم من سرق وأقيم عليه الد ,وفيهم من
زن وأقيم عليه الد ,وفيهم من شرب المر وأقيم عليه الد ,وفيهم من تول يوم التقي المعان فغفر
ال له ,وفيهم من تباطأ وتثاقل ,وفيهم من تلف...
وقوله تعال{:مَا َلكُمْ ِإذَا قِيلَ َلكُ ْم انفِرُوا فِي َسبِيلِ اللّ ِه اثّاقَ ْلتُمْ إِلَى الَ ْرضِ} [سورة التوبة ]9/38
وقوله تعالَ{ :لقَ ْد تَابَ اللّ ُه عَلَى الّنبِ ّي وَالْ ُمهَاجِرِي َن وَالَنصَا ِر الّذِي َن اتَّبعُوهُ فِي سَا َعةِ اْلعُسْ َر ِة مِ ْن َبعْدِ
ب عََلْيهِمْ ِإنّ ُه ِبهِمْ رَءُوفٌ َرحِيمٌ (َ )117وعَلَى الثّلَثةِ الّذِينَ خُّلفُوا مَا كَا َد يَزِيغُ قُلُوبُ َفرِي ٍق ِمنْهُ ْم ثُ ّم تَا َ
جأَ مِنْ اللّهِ إِلّ إَِليْهِ ثُمّ سهُ ْم َو َظنّوا أَنْ ل مَ ْل َ
ت عََلْيهِمْ أَنفُ ُ
ض بِمَا َر ُحَبتْ وَضَاَق ْ ت عََلْيهِمْ الَ ْر َُحتّى إِذَا ضَاَق ْ
ب عََلْيهِمْ ِلَيتُوبُوا ِإنّ اللّهَ هُ َو الّتوّابُ الرّحِيمُ ([ })118سورة التوبة ]118-9/117 تَا َ
كانوا يعملون ...فإذا هبطت بم ثقلة عن الستوي السامق ل يستكينوا للهبوط ,إنا عادوا يعملون
للصعود من جديد ...فيصعدون ...ويصعدون!
كان العرب كما قلنا ققبائل متناثرة ل تتمع علي شئ ,علي الرغم من وجود كل مقومات التجمع
من وحدة الرض ,ووحدة اللغة ,ووحدة الثقافة ,ووحدة التاريخ ,ووحدة التصورات ,ووحدة
التطلعات.
وقد كان يكن علي أقل تقدير أن يتمعوا علي قضية من القضايا الت يتجمع لا الناس ف جاهلياتم,
قضية قومية مثلً لطرد الحتلل الفارسي والحتلل الرومان من أطراف الزيرة العربية ,أو قضية
اجتماعية للتقريب الفوارق بي الغن الفاحش ف أيدي فئة قليلة من الناس والفقر الدقع الذي ييتسربل به
أغلبية الناس ..أو غي هذه وتلك ما يكن أن يتمع له الناس ف أطوار معينة من أطوار الضارات
الاهلية ...ولكن العصبية القبيلة والثارت الدائمة و غارات السلب والنهب واشتغال كل قبيلة بشئونا
الاصة ,وحرصها علي حيازة ما تفاخر به غيها ,وسعيها إل انتقاص غيها ,جعل التجمع حت علي
هذه القضايا الرضيية البحتة أمرا ل يطر ف بال قبيلة من القبائل ,حت ف فرصة التجمع السنوي ف
موسم الج.
انتشلهم ل ليكونوا تمعا قوميا كما يكن أن يدث ف أية جاهلية من جاهليات التاريخ ,ول
ليكونوا تمعا وطنيا تت قيادة زعيم منهم ينشئ منهم دولة موحدة ذات كيان وحدود...ولكن لينشئ
منهم تمعا فريدا ف التاريخ ...لينشئ منهم أمة العقيدة الت استحقت من ال وصفها بذا الوصف
ف َوَتْن َهوْ َن عَنْ الْمُنكَ ِر َوُت ْؤمِنُونَ بِاللّهِ} [سورة
س َتأْمُرُو َن بِالْ َمعْرُو ِ
العظيمُ { :كنْتُمْ َخْيرَ ُأ ّمةٍ أُ ْخرِ َجتْ لِلنّا ِ
آل عمران ]3/110
والذي يلحظ النقلة الائلة الت انتقلها العرب من شتاتم التناثر ليكونوا خي أمة أخرجت للناس ,ل
بد أن يأخذه العجب من هذا التحول الائل ف فترة من عمر الزمن كأنا لظات!
وقد يتمحل التمحلون من دعاة القومية العربية ,أو دعاة التفسي الادي للتاريخ ليقولوا إن العرب
كانوا وشكي من ذوات أنفسهم علي التجمع القومي لطرد الروم والفرس من أطراف الزيرة ,أو ليقام
ثورة "اشتراكية" من الفقراء علي الغنياء تنقل السيادة من الخيين إل الولي
فل التجمع القومي الزعوم كانت له أي بوادر منظورة بي القبائل العربية التناثرة ,ول تكلم به أي
متكلم علي الطلق ,ول "الثورة الشتراكية" كانت لا أي بوادر منظورة أوكامنة ف الزيرة العربية ول
ف غيها من بقاع الرض لعدة قرون تلت ,ول كان "الفقراء" ف أي قبيلة تمعا مترابطا متضامنا ليقوم
ل عن أن يكونوا تمعا عريضا يشمل فقراء الزيرة العربية كلهم بوصفهم بالثورة علي الغنياء فيها ,فض ً
"طبقة" تثور علي طبقة الغنياء.
وفضلً عن ذلك كله فإن التجمع الذي تثل ف تلك "المة الفريدة" أمة العقيدة ,هو تمع فريد ل
مثيل له ف كل التجمعات "القومية" السابقة أو اللحقة ,ول ف التجمعات الت قامت علي أساس
الذاهب الجتماعية ف العصر الديث ,فالقول بأن العرب كانوا وشكي من عند أنفسهم علي إقامة هذا
التجمع أو ذاك ,ل يفسر -حت إن صح -قيام ذلك التجمع الفريد ,الذي ل يتكرر -بذه الصورة -
ف كل التاريخ.
m m m
كيف تكونّ ذلك التجمع الفريد ,الذي أنشأ خي أمة أخرجت للناس؟
لقد بدأ ول شك بأولئك الفراد القلئل الذي تمعوا حول الرسول eف دار الرقم بن الرقم ف
خفية عن عيون الناس .كل قد هجر الاهلية كلها من حوله وأدار لا ظهره وقطع صلته بقرابة الدم
وصداقات القوم وتوجه الوجهة الديدة الت تدعو إليها ل إله إل ال ممد رسول ال الت شهد با
قلبه ولسانه وكل جوارحه وأصبحت له – منذ شهد با – هى الوثل واللذ وهى مفرق الطريق بينه
وبي الاهلية.
وحي التقوا حول رسول ال eفقد التقوا بكيانم كله والتحمت قلوبم بنوع جديد من الرباط ل
يألفوه من قبل ول وجود له ف القيقة خارج نطاق العقيدة .إنه اللقاء ف ال واللقاء ف رسول ال.
إن الناس ف الاهلية تلتقى وتقوم بينها صحبة وصداقات .ولكن على أى شئ تلتقى الناس؟
إنا إما قرابة الدم وإما " الصال الشتركى " وإما لقاء الشهوات.
ومن ث فإنا – مهما تقاربت وتلصقت – ل تصل إل حد اللتحام!
ف كل صلة من هذه الصلت ل تذوب " النا " الت تقيم حاجزا بي القلب والقلب وإن تلقت
الجساد أو تلقت العقول والفكار .فكل إنسان يقيم سياجا معينا لنفسه يتسع للحجم الذى يس فيه
" بالنا " الشتملة عليها ذاته ومن ث تلتقى الذوات الختلفة وتتقارب ولكن ف حدود ذلك السياج
النصوب من كل منهم حول " النا " الت يسها بي جنبيه .ومن ث تتنافر تلك الذوات إذ اقتربت أكثر
من اللزم ويبدأ بينها الحتكاك!
نوع واحد من الرباط ل يدث فيه ذلك التنافر لنه يذيب ذلك السياج الزائف الذى ينصبه
النسان حول نفسه ومن ث تظل القلوب تقترب وتقترب حت يدث اللتحام ..ذلك هو رباط
العقيدة! ذلك أنه ليس رباطا بي إنسان وإنسان ف ميط الرض وعلى علقات الرض ولكنه رباط ف
ال بي عبد ل وعبد ل خل قلباها من ذلك الكب الظاهر أو الفى الذى يجز القلوب عن التقارب
واللتحام وامتل قلبهما بشئ آخر غي مشاغل الس القريبة ومشاغل الرض النقطعة عن السماء.
ذلك الرباط هو الذى وحد تلك القلوب حول رسول ال eحي حدث اللقاء بينها ف ال
فتحابت فالتحمت ث زادها التحاما لقاؤها ف حب رسول ال eفتآخت ذلك الخاء العجيب الذى
يتحدث عنه التاريخ!
كان الصحابة رضوان ال عليهم يسي الثنان منهم ف الطريق فتفصل بينهما أثناء السي شجرة
فيعودان فيسلم أحدها على الخر شوقا إليه من تلك اللحظة الت فصلت بينهما ف الطريق!
وبكى أحد الصحابة حزنا لنه فكر ف فراق رسول ال eف الدار الخرة وهو ل يطيق فراقه ف
الدنيا فأنزل ال قوله فيهَ { :ومَ ْن يُطِعْ اللّ َه وَال ّرسُولَ َفُأوَْلئِكَ مَ َع الّذِينَ َأْنعَمَ اللّ ُه عََلْيهِ ْم مِ ْن النِّبيّيَ
ي وَحَسُنَ ُأوَْلئِكَ رَفِيقا ([ })69سورة النساء .]4/69 ح َ شهَدَا ِء وَالصّالِ ِ
ي وَال ّ
وَالصّدّيقِ َ
ولا هاجر الرسول ‘ إل الدينة آخى بي الوس والزرج فذاب ما بينهما من نزاع وصراع استمر
ذلك الدى من الزمن الذى ل يعلمه إل ال وصار بينهما ذلك التآلف والخاء الذى من ال به عليهم:
حتُ ْم بِِنعْ َمتِهِ إِ ْخوَانا} [سورة آل
صبَ ْ
ف َبيْنَ قُلُوِبكُمْ َفأَ ْ
{وَاذْكُرُوا ِنعْ َمةَ اللّ ِه عََلْيكُمْ إِذْ ُكْنتُمْ َأعْدَاءً َفأَلّ َ
.]3/103
ث آخر بي الهاجرين والنصار تلك الؤاخاة العجيبة الفريدة ف التاريخ حيث كان النصار
يتنازلون عن شطر ما يلكون للمهاجرين عن طيب خاطر وعن غي إلزام ألزمهم به ال ول رسوله ‘
حبّونَ مَنْ
ويؤثرونم أحيانا على أنفسهم حت أنزل ال فيهم{ :وَالّذِي َن َتَبوّءُوا الدّارَ وَالِيَا َن مِنْ َقبِْلهِ ْم يُ ِ
صةٌ
سهِ ْم وََلوْ كَانَ ِبهِمْ َخصَا َ جدُونَ فِي صُدُو ِرهِمْ حَا َج ًة مِمّا أُوتُوا َوُيؤْثِرُو َن عَلَى أَْنفُ ِ
هَا َجرَ إَِليْهِ ْم وَل يَ ِ
َومَ ْن يُوقَ ُش ّح َنفْسِهِ َفُأوَْلئِكَ هُ ْم الْ ُمفِْلحُونَ ([ })9سورة الشر .]59/9
إنه ذلك الب الذى ينشئه رباط العقيدة ول يلك رباط آخر أن ينشئه على هذا النحو الوثيق
العميق الشفيف الذى يصل إل درجة اللتحام لنه ل يصطدم بالسياج الزائف الذى تقيمه " النا "
حول ذاتا ف جاهليات البشرية.
ول تكن تلك الؤاخاة طبقية تقوم بي " شريف " و" شريف " ول مؤاخاة قومية أو عرقية تقوم
بالضرورة بي عرب وعرب ..إنا كانت مؤاخاة بي " مسلم " و " مسلم " بصرف النظر عن النس أو
اللون أو اللغة أو الوضع الجتماعى لنا الخوة الت قال ال عنهاِ{ :إنّمَا الْ ُم ْؤ ِمنُونَ} [سورة الجرات
.]49/10تربط القلوب برباط اليان بصرف النظر عن كل رباط آخر.
فقد آخى الرسول ‘ بي عمه حزة وموله .زيد وبي أب بكر وخارجة بن زيد وبي ابن رواحة
الثعمى وبلل بن رباح ..والتقى ف بوتقة العقيدة الت صهرت كل فوارق البنس واللون واللغة بلل
البشى وصهيب الرومى وسلمان الفارسى مع أبو بكر وعمر وعثمان وعلى وسائر الصحابة رضوان
ال علي هم .بل قال ر سول ال ‘ " :سلمان م نا آل الب يت " ( )1وقال ع مر ر ضى ال ع نه عن أ ب ب كر
وبلل رضى ال عنهما " :أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا ".
إنا هى " المة " الت قال عنها خالقها سبحانهُ { :كنْتُمْ َخيْرَ ُأ ّمةٍ أُ ْخرِ َجتْ لِلنّاسِ} [سورة آل
ص ([ })4سورة الصف .]61/4 حبّ الّذِينَ ُيقَاِتلُو َن فِي سَبِيلِهِ صَفّا كَأَّنهُمْ بُنيَانٌ َمرْصُو ٌ
() يقول تعال ف سورة الصف {ِإنّ اللّهَ ُي ِ 1
() يقول " :eمثل الؤمنين ف توادهم وتراحهم وتعاطفهم كمثل السد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائئر السد بالمي والسهر" متفق عليه.
2
ففى قصة نوح جاء قوله تعال:
{ َونَادَى نُوحٌ َربّهُ َفقَالَ رَبّ ِإنّ اْبنِي مِنْ َأهْلِي َوِإنّ َوعْ َد َك الْحَ ّق َوَأنْتَ أَ ْحكَ ُم الْحَاكِ ِميَ ( )45قَالَ
ك بِ ِه عِلْمٌ ِإنّي َأعِظُكَ َأنْ َتكُو َن مِنْ سأَلْنِي مَا َلْيسَ لَ َ يَا نُوحُ ِإنّهُ َلْيسَ مِنْ َأهْلِكَ ِإنّ ُه عَمَ ٌل َغيْرُ صَالِحٍ فَل تَ ْ
الْجَاهِِليَ ( )46قَالَ رَبّ إِنّي أَعُو ُذ بِكَ َأنْ َأ ْسأَلَكَ مَا َلْيسَ لِي بِهِ عِ ْل ٌم َوإِلّ َت ْغفِرْ لِي َوتَرْحَ ْمنِي أَكُنْ مِنْ
الْخَا ِسرِينَ ([ })47سورة هود .]47-11/45
فقد وعد نوح من قبل أن ينجو أهله من الطوفان إل من سبق عليه القول:
{ َحتّى إِذَا جَاءَ َأمْ ُرنَا وَفَا َر التّنّورُ ُق ْلنَا ا ْحمِلْ فِيهَا مِنْ كُلّ َزوْ َجيْ ِن اْثنَيْ ِن َوَأهْلَكَ إِ ّل مَ ْن َسبَقَ عََليْهِ
اْل َقوْ ُل َومَنْ آمَنَ َومَا آمَ َن َمعَهُ إِلّ قَلِيلٌ ([ })40سورة هود ]11/40
ولقد دعا نوح ابنه – وكان ف معزل – ليكب ف السفينة الناجية فأب فأدركه الطوفان:
ب َم َعنَا وَل َتكُنْح اْبنَهُ وَكَانَ فِي َمعْ ِز ٍل يَا بَُنيّ ارْكَ ْ جبَا ِل َونَادَى نُو ٌ جرِي ِبهِمْ فِي َم ْوجٍ كَالْ ِ
{ َوهِ َي تَ ْ
مَ َع اْلكَافِرِينَ ( )42قَا َل سَآوِي إِلَى َجبَ ٍل َي ْعصِ ُمنِي مِ ْن الْمَاءِ قَا َل ل عَاصِ َم اْلَي ْومَ مِنْ َأمْرِ اللّهِ إِ ّل مَنْ َرحِمَ
وَحَا َل َبيَْنهُمَا الْ َموْجُ َفكَا َن مِ ْن الْ ُمغْرَقِيَ ([ })43سورة هود ]43-11/42
فلما قضى المر واستوت السفينة على الرض وقد نا من نا وهلك من هلك ملت السرة
قلب نوح على ولده الالك وراح يسأل ربه كيف غرف وهو من أهله وقد وعده ال أن ينجو أهله
ووعد ال حق ل ريب فيه؟
هنا ينبهه ال سبحانه وتعال أن الوشيجة القيقة ليست وشيجة الدم ..إنا هى وشيجة العقيدة{ :يَا
نُوحُ ِإنّهُ َلْيسَ مِنْ َأهْلِكَ ِإنّ ُه عَمَ ٌل َغيْرُ صَالِحٍ} [سورة هود .]11/46وقد انفصمت وشيجة العقيدة
حي أب البن أن يؤمن فانفصمت لا كل وشيجة أخرى ول يعد ابن نوح من أهله مع أنه ابنه كما
ح ابْنَهُ} [سورة هود .]11/42
يؤكد القرآن باللفظ الصريح { َونَادَى نُو ٌ
وف قصة إبراهيم جاء قوله تعال:
سَنةٌ فِي ِإبْرَاهِي َم وَالّذِي َن َمعَهُ إِذْ قَالُوا ِل َق ْو ِمهِمْ ِإنّا بُرَآ ُء ِمنْكُ ْم َومِمّا َت ْعبُدُو َن مِنْ
{قَدْ كَاَنتْ َلكُمْ ُأسْ َوةٌ حَ َ
دُونِ اللّهِ َكفَ ْرنَا ِبكُ ْم َوبَدَا َبْينَنَا َوَبيَْنكُ ْم اْلعَدَا َوةُ وَاْلَبغْضَاءُ َأبَدا َحتّى ُتؤْ ِمنُوا بِاللّ ِه وَ ْح َدهُ} [سورة المتحنة
.]60/4
وجاء ف قوله تعال يذر الذين آمنوا بحمد ‘:
حبّوا الْ ُكفْ َر عَلَى الِيَانِ َومَ ْن َيَتوَّلهُمْ{يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا ل َتتّخِذُوا آبَاءَكُ ْم َوإِ ْخوَانَكُمْ َأوِْليَاءَ إِ ْن ا ْستَ َ
ك هُمْ الظّالِمُونَ (ُ )23قلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُ ْم َوَأْبنَاؤُكُ ْم َوإِ ْخوَانُكُ ْم َوأَ ْزوَا ُجكُ ْم َوعَشِيَُتكُمْ ِمْنكُمْ َفُأوَْلئِ َ
ض ْوَنهَا أَ َحبّ إَِليْكُ ْم مِنْ اللّ ِه وَ َرسُولِ ِه وَ ِجهَادٍ فِي
ش ْونَ كَسَا َدهَا َومَسَاكِ ُن تَرْ َ
َوَأ ْموَا ٌل ا ْقتَرَ ْفتُمُوهَا َوتِجَا َرٌة تَخْ َ
َسبِيلِهِ َفتَ َرّبصُوا َحتّى َي ْأتِيَ اللّ ُه ِبَأمْ ِرهِ وَاللّ ُه ل َيهْدِي اْل َقوْ َم اْلفَا ِسقِيَ} [سورة التوبة .]24-9/23
فيضع روابط الدم كلها ف كفة بل يضع كل مقومات التجمع الاهلى ف كفة وحب ال ورسوله
والهاد ف سبيل ال ف الكفة الخرى ث يرجح هذه على تلك وينذر الذين يلون بالوازني الربانية
بالعذاب الليم.
وإذا كان السلم من فيض رحته وإنسانيته قد حرص على بر الوالدين – وإن كانا مشركي (–)1
فالب شئ والولء الذى تقوم على أساسه المة شئ آخر ..والولء هو الذى ينفصم انفصاما كامل حي
تنفصم رابطة العقيدة وهو العنصر الى الذى تقوم به المة ف ظل العقيدة وقد تأتى الروابط الخرى
ضهُمْ َأوْلَى ِبَب ْعضٍ فِي ِكتَابِ اللّهِ} [سورة النفال .]8/75
فتكون أواصر إضافيةَ { :وُأوْلُوا الَرْحَا ِم َبعْ ُ
ولكن بشرط اللتقاء ف العقيد ة الذى ل تقوم المة القيقية إل عليه.
وتلك المة – الت قامت على رباط العقيدة – هى الت وصفها خالفتها بقوله سبحانه{ :كُْنتُمْ َخيْرَ
ُأ ّمةٍ أُخْ ِر َجتْ لِلنّاسِ} [سورة آل .]3/110وهى الت ل تتكرر – بصورتا تلك – ف كل التاريخ.
نعم وجدت أمم مؤمنة من قبل ارتبطت بذلك الرباط فكانت أما خية ولكنها كانت مدودة
الجم مدودة الدور ف التاريخ بكم أن الرسل السابقي أرسلوا إل قومهم خاصة .أما ممد ‘ الذى
أرسل إل البشر كافة فقد كانت أمته { َخيْرَ ُأ ّمةٍ أُخْ ِر َجتْ لِلنّاسِ} ف التاريخ كله بشهادة خالقها
ومرجها على هذا النحو الفريد.
ومن كان ف شك من تلك القيقة فليوازن بينها وبي التجمعات الكبى ف التاريخ الت جعت
أكثر من جنس أو لون أو لغة أو ثقافة وعلى رأسها التجمع الرومان ف القدي ورابطة الشعوب
البيطانية (الكومنولوث )Common Wealthوالتجمع المريكى (الوليات التحدة المريكية)
والتجمع الروسى (التاد السوفيت) ف الديث.
فأما التجمع الرومان القدي فقد كانت فيه " الدولة الم " ف مركز السيادة الكاملة والمم الخرى
ف موضع التبعية الكاملة كما هو مشهور ف التاريخ .ول تقم فيها تلك " الخوة " الت تمع تلك المم
والشعوب ف رباط واحد على قدم الساواة .وحت حي دخل قسطنطي السيحية وفرضها على
المباطورية عام 325م فلم تكن الخوة السيحية هى الت تكم كل مظاهر الياة ف المباطورية
الرومانية غ ما كانت جانبا واحدا من الصورة وبقية الوانب مبنية على شئ آخر بعيد كل البعد عن
() سألت أساء رضي ال عنها رسول ال eهل تصل أمها الشركة فقال لا" :نعم صلي أمك" .رواه الشيخان.
1
الخوة والساواة هو التبعية للدولة الم وهامشية الدور الذى تقوم به ف حياة المباطورية إذ هو
عبارة عن إمدادها بالال والرجال ..الال لتكتن الدولة الم ويترف حكامها وكباءها والرجال ليقاتلوا
– وليموتوا – ف سبيل مطامع المباطورية وشهواتا أو بالحرى مطامع المباطور القدس وشهواته!
ولكن ليس لا رأى ول موقف تاه الدولة الم سوى التبعية والبذل مقابل " شرف " النتماء إل
المباطورية.
وأما تمع " الكومنولث " فلعل حادثا واحدا معينا يغنينا عن كل شرح وإفاضة لنه واضح الدللة
ف بيان حقيقة الرابطة فيه بي " الدولة الم " و " الستعمرات " الت أطلق عليها من باب التمويه " رابطة
الشعوب البيطانية "!
ذلك الادث وقع ف أثناء الرب الكبى الثانية حيث كانت مواقع الصحراء الكبى تتوال عليها
قوات " الفاء " وقات " الحور " ذهابا وأيبة إل أن استقر المر لقوات اللفاء بعد اندحار " روميل "
قائد قوات الحور .وكانت مدينة " طبق " بالذات أكثر هذه الواقع تداول بي القوتي .وف إحدى
الرات انسحبت القوات اللانية تت ضغط القوات البيطانية وكان من العتاد أن الدولة النسحبة
تزرع الرض باللغام قبل انسحابا لتحدث أكب قدر مكن من السائر ف القوات الغازية كما كان
من العتاد أيضا – بالنسبة للحلفاء على القل – أن يطلقوا قطيعا من المر الستنفرة أو المال الائجة
على حقول اللغام فداء للبشر فتموت المي والمال وتقل خسائر النوب إل أقل قدر مكن .أما ف
تلك العركة – التاريية – فقد أطلق قائد القوات البيطانية الفيلق الندى ف جيشه ليفجر حقوق اللغام
أمام النود البيض بدل من المر والمال العتادة – لمر ل أعلمه حت هذه اللحظة – وانتصر "
اللفاء " انتصارا باهرا وصدر البلغ الرب يسجل النتصار :انتصرنا على قوات العدو .استولينا على
طبق .خسائرنا قليلة .فن الفيلق الندى عن آخره!!
وأما التجمع المريكى فيكفينا من سوآته ومازيه موقف البيض هناك من السود وهم إخوان ف "
مواطنية " الوليات التحدة المريكية وإخوان كذلك ف السيحية! ..ومع ذلك توجد لفتات ف الطاعم
ودور السينما مكتوب عليها ف وقاحة " منوع دخول السود والكلب! " ويتكرر حدوث هذا الشهد:
مموعة من البيض قد تمهروا حول واحد من الزنوج يضربونه ويطرحونه أرضا ويركلونه بأقدامهم
تزهق روحه والشرطة البيض قد أدار لم ظهره حت ينتهوا من " جهادهم القدس " ث يفروا فيقيد
الادث ضد " مهول "!
وأما التجمع الروسى – الذى يزعم أنه تمع عقيدة! – فالدولة الم ذات السلطات القيقى هى
روسيا وبقية " السوفييتات " إن هى إل توابع ذات وجود وهى ل تشارك ف سياسة عامة ول ف أمر
من المور إل بالطاعة والتنفيذ وكيل الديح للزعيم القدس القائم بالسلطة حت إذا هلك وأمرت الدولة
الم بنبش قبه كما فعلت بستالي سارعت السوفييتات كذلك بإضفاء أقبح النعوت عليه تنفيذ لوامر
السلطان الديد!! ووصل المر إل حد اقتلع الصانع من السوفييتات الت كانت مصنعة قبل أن تدهها
" العقيدة " الديدة ووضعها ف روسيا لتكون هى القوى وهى الضخم وهى صاحبة السلطان!!
ف التجمع القائم على القعيدة أو النبثق ف القيقة من العقيدة يكون الرباط الكب هو رباط
الخوة ف ال أقوى الروابط ف حياة الشر على الطلق.
وبقدر ما يتحقق من هذه الخوة ف عال الواقع يكون مدى تقق العن القيقى للمة ويكون
ثقلها ف ميزان ال يوم القيامة كا يكون ثقلها التاريى ف واقع الرض.
ول شك أن ذلك اليل التفرد هو الذى حقق أكب قدر من هذه الخوة ولذلك كان أثقل الجيال
وزنا عند ال :خيكم قرن( ..)1كما كان أكثرها وزنا وفاعلية ف تاريخ البشرية.
لقد حقق ذلك اليل تلك الخوة ف كل مال من مالت الياة.
حققها بي الهاجرين ف ذوات أنفسهم ,كما حققها بي النصار كذلك ,ث حققها بي الهاجرين
والنصار ف تلك الصورة الرائعة الت وعاها التاريخ والت استحقت أن ين ال با عليهم:
ف بَْيَنهُمْ ِإنّهُ
ت مَا فِي الَ ْرضِ َجمِيعا مَا أَّل ْفتَ َبيْنَ قُلُوِبهِ ْم وََلكِنّ اللّهَ أَلّ َ
ف َبيْنَ ُقلُوِبهِمْ َلوْ أَن َفقْ َ
{ َوأَلّ َ
عَزِيزٌ َحكِيمٌ ([ })63سورة النفال .]8/63
وحققها ف التكافل الذى استمت به تلك المة ف تاريها الى كله والذى كان ف أبرز صوره ف
ذلك اليل التفرد الذى كفل فيه النصار الهاجرين كفالة غية معهودة ف التاريخ.
تكافل ل يقتصر على حدود السرة وروابط الدم إنا يتسع حت يسعى الجتمع السلمى كله .ول
يقتصر على حدود الزكاة الفروضة الت ينفقها بيت الال على الحتاجي إنا يتسع حت يصبح إنفاقا
عاما ف سبيل ال.
تكافل ل يقتصر على إعانة الحتاجي ف الجتمع السلمى وإنا يشمل معان أخرى وآفاقا أخرى
غي العونة الالية السية .إنه تكافل على صيانة الموال والدماء والعراض للجميع على حد سواء
يستوى فيهم الغن والفقي والقوى والضعيف.
" يأيها الناس إن دماءكم وأعراضكم وأموالكم حرم كحرمة بلدكم هذا ف شهركم هذا ف يومكم
() رواه الشيخان.
1
هذا "(.)1
" السلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم "(.)2
تكافل على الي ..على نشر الي ف الرض ..ورفع البشر إل الكانة اللئقة " بالنسان ":
ف َوَيْن َهوْ َن عَ ْن الْمُنكَ ِر َوُيقِيمُونَ الصّلةَ
ضهُمْ َأوْلِيَا ُء َب ْعضٍ َي ْأمُرُونَ بِالْ َمعْرُو ِ
{وَالْ ُم ْؤمِنُونَ وَالْ ُم ْؤ ِمنَاتُ َب ْع ُ
َوُي ْؤتُونَ الزّكَاةَ َويُطِيعُونَ اللّ َه وَ َرسُولَه [ }.....سورة التوبة .]9/71
وهذا الستوى الرفيع من التكافل – الذى اهتدت البشرية إل " التحدث " عن بعض آفاقه النظرية
ف قرونا الخية – ل يقدر عليه بالفعل ول يارسه بالفعل إل أمة العقيدة لن كيانا الساسى قائم
عليه ولنه جزء من بنائها النفسى وبنائها السلوكى على السواء.
ولقد حقق اليل الول من هذا التكافل أكب قدر يكن للبشر ف أى جيل أن يققوه سواء ف
التكافل الال الذى خرج فيه النصار عن شطر أموالم للمهاجرين أو ف التكافل على صيانة القيم
والبادئ الت جاء با السلم الذى تستشفه ف قول الخ السلم لخيه ف ال " :تعال يا أخى نؤمن
ساعة! " أى نتذاكر معان اليان لنمارسها ف عال الواقع ..وتراه بارزا ف كون هذا اليل أقل أجيال
الرض كلها جرائم وعدوانا وأكثرها صيانة للدماء والموال والعراض وأكثرها حرصا من كل أخ
على كرامة أخيه ومشاعر أخيه والذى يقع فيه أن يقول أبو ذر لرجل أسود :يا ابن السوداء! فيقول له
رسول ال ‘ :عيته بأمه؟! أنت امرؤ فيك جاهلية! فيذهب أبو ذر للرجل ويضع خده على الرض
ويقول للرجل :طأ خدى بقدمك! والذى يقول فيه عمر العرب القرشى عن بلل العبد البشى " سيدنا
بلل ".
ل عجب إذن أن يكون ذلك اليل أثقل الجيال وزنا عند ال بشهادة رسول ال ‘ ..ول عجب
كذلك أن يكون أبعدها أثرا وأكثرها فاعلية ف التاريخ ..بدليل ذلك النسياح الواسع ف الرض الذى
ل مثيل له من قبل ول من بعد والذى ل يكن مصدره التفوق ف العدد أو العدة أو البة العسكرية –
فقد كان ذلك كله من نصيب العداء! – إنا كان مصدره ضخامة الق الذى آمنت به تلك المة
والتقت عليه وضخامة النطلق الذى تنطق منه فتحطم كل ما تد ف طريقها من صور الباطل
وأشكاله .فقد استطاعت تلك العصبة الؤمنة أن تسحق الاهلية سحقا وتحوها من الوجود ف قطاع
واسع من الرض ل ف صورة دول وحكومات وجيوش زالت من الوجود فحسب بل ف صورة
() بل إن الذين بقوا علي دينهم النصاري ف مصر والشام وغيها نسوا لغاتم الصلية تاما ,ول يعد لم لسان إل العربية علي الرغم من أنم ل يعتنقوا هذا الدين.
1
من أوامر ال لذه المة تقيق العدل الربان ف واقع الرض وربط هذا المر بقيقة اليان:
سكُمْ َأ ْو الْوَالِ َديْ ِن وَالَقْ َربِيَ إِ نْ
{يَا َأّيهَا الّذِي نَ آمَنُوا كُونُوا َقوّامِيَ بِاْلقِ سْطِ ُشهَدَاءَ لِلّ ِه وََل ْو عَلَى أَنفُ ِ
َيكُ ْن َغِنيّا َأوْ َفقِيا فَاللّ هُ َأوْلَى ِبهِمَا فَل َتّتبِعُوا اْل َهوَى أَ نْ َتعْدِلُوا َوإِ نْ تَ ْلوُوا َأوْ ُتعْرِضُوا فَإِنّ اللّ هَ كَا نَ بِمَا
ب الّذِي نَزّ َل عَلَى رَ سُولِ ِه وَاْل ِكتَا بِ َتعْمَلُونَ َخبِيا ( )135يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا آ ِمنُوا بِاللّ ِه وَرَ سُولِ ِه وَالْ ِكتَا ِ
الّذِي أَنزَ َل مِ نْ َقبْ ُل َومَ نْ َي ْكفُ ْر بِاللّ ِه َومَلِئكَتِ هِ وَكُُتبِ هِ وَرُ سُلِ ِه وَالَْيوْ مِ الخِ ِر وَاْلَيوْ مِ الخِرِ َفقَدْ ضَلّ ضَللً
َبعِيدا ([ })136سورة النساء .]136-4/135
ط وَل يَجْ ِر َمّنكُ ْم َشنَآنُ َقوْمٍ عَلَى أَ ّل َتعْدِلُوا اعْدِلُوا
{يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا كُونُوا َقوّامِيَ ِللّ ِه ُشهَدَاءَ بِاْلقِسْ ِ
ُهوَ أَقْرَبُ لِلّت ْقوَى وَاّتقُوا اللّهَ ِإنّ اللّهَ َخبِيٌ بِمَا تَعْ َملُونَ ([ })8سورة الائدة .]5/8
وربط هذا المر بالعقيدة ف ال ,وجعله خالصا ل يعله سة من سات هذه المة أو لزما من
لوازم وجوها ليهيئ لا القيام بدورها ف قيادة البشرية وريادتا .ولكن التغلب علي أهواء النفوس والد
من نزواتا وشهواتا الت ينشأ عنها العدوان والظلم ف واقع الياة أم يتاج إل تربية وتدريب حت
تتعود النفوس أن تضع للحق ول تزيغ عنه ويتعود الناس أن يسكوا بيزان العدل من منتصفه ل ييلونه
ذات الشمال وذات اليمي.
ولقد كان اليل الول من هذه المة هو القمة العليا ف تقيق العدل الربان ف واقع الرض بصورة
ل تكن معهودة من قبل حت ف المم الت يوصف حكامها بالعدل وما زالت هذه الصورة بارزة باهرة
حت يعدما وصلت البشرية ف النظم الديقراطية إل ألوان من العدل السياسي تتوهم أنه من القمم ف
عال القيم والبادئ (.)1
لقد كان ال يعد هذه المة لتكون رائدة البشرية كلها إل الي الشاهدة عليها يوم القيامة وكفلها
رسول ال eيقوم بتربيتها لذا الدف العظيم:
س َويَكُونَ ال ّرسُو ُل عََلْيكُ ْم َشهِيدا} [سورة
{وَكَذَلِكَ َجعَ ْلنَاكُمْ ُأ ّم ًة َوسَطا ِلَتكُونُوا ُشهَدَا َء عَلَى النّا ِ
البقرة .]2/143
وكانت تربية ال لذه المة – من أجل القيام بدورها ف الرض – تربية عجيبة! لقد رب ال رسوله
eبادئ ذي بدء علي أنه ليس من المر شئ...إل طاعة ال وابتغاء مرضاته.
ب عََلْيهِمْ َأوْ ُيعَ ّذَبهُمْ فَِإّنهُ ْم ظَالِمُونَ ([ })128سورة آل
{َلْيسَ لَكَ مِ ْن الَمْ ِر َشيْءٌ َأوْ َيتُو َ
.]3/128
فأما اليل الول فقد وعي هذه القيقة بكل عمقها وكل فعاليتها
سئلت عائشة ~ عن خلق رسول ال eفقالت كان خلقه القرآن.
ما أوجزها عبارة وما أبلغها كذلك!.
كان خلقه القرآن .أي أن كل أمر أمر ال به ف كتابه النل وكل ني ني عنه .كان مترجا ترجة
واقعية ف حياة الرسول .eومن ث كان خلقه القرآن.
وعلى هذا اللق رب أصحابه رضوان ال عليهم وكان هو القدوة أمامهم ف التخلق بأخلق ال.
ل عجب إذن أن نرى تلك القيم الخلقية الرفيعة ف كل مال من مالت الياة.
أبو بكر رضى ال عنه يتول اللفة فيقول للناس :إن وليت هذا المر ولست بيكم فإن أحسنت
فأعينون وإن أسأت فقومون .ويقول قريبا من ذلك عمر ابن الطاب رضى ال عنه حي تول المر.
وما من حاكم ف التاريخ يدعو الناس إل تقويه إن أساء!
إنا يأتى التقوي من ضغط الناس على حكامهم وهم كارهون! وأقصى ما يدح به حاكم ف القدي
أو الديث أن يستجيب لضغط الناس ويقبل أن يلتزم حي يلزم! أما أن يدعوهم إل تقويه فتلك من
أخلقيات ل إله إل ال ف عال السياسة ل يقدر عليها إل ذلك اليل الفريد.
ولقد قال عمر رضى ال عنه لرعيته ذات يوم :إن وجدت ف اعوجاجا فقومون! فقال له سلمان:
وال لو جدنا فيك اعوجاجا لقومناه بد السيف! فلم يغضب رضى ال عنه وإنا قال المد ل الذى
جعل ف رعية عمر من يقومه بد سيفه! وتلك كذلك من اخلقيات ل إله إل ال ف عال السياسةى ل
يقدر عليها إل ذلك اليل الفريد!
وقال أبو بكر رضى ال عنه ف بيان سياسته :الضعيف فيكم قوى عندى حجت آخذ له الق ن
والقوى فيكم ضعيف عندى حت آخذ الق منه .ول تكن تلك شعارات تلقى على الماهي لتلهيتها أو
اللعب بشاعرها .إنا كانت نباسا حقيقيا يلتزم به وكانت تلك هى أخلقيات السياسة اللتزمة بل إله
إل ال ل تاب أحدا لنه قوى ول تظلم أحدا لنه ضعيف.
وسافر عمر إل بيت القدس ليتسلم مفتاحها من البطريق الذى أصر على أن يسلم الفتاح لعمر
بنفسه.
ول تكن هناك وفرة من الدواب تسمح لعمر وخادمه أن يركب كلها فقرر عمر أن يتناوبا
الركوب والشى دواليك يركب عمر مرة ويسي خلفه خادمه ويركب الادم مرة ويسي خلفه عمر.
حت إذا دخل بيت القدس كان الدور للخادم ف الركوب فأصر عمر على أن يأخذ الادم دوره وأن
يسي عمر خلفه ودخل الدينة على هذا النكو والناس يظنون بكم جيع العراض الرضية أن الليفة
هو الراكب وأن تابعه هو الذى يسي على قدميه! حت عرفوا القيقة فأذهلتهم!
m m m
يقول رسول ال eلنوده وهم ذاهبون إل ماربة الكفار الذين ليرقبون ف مؤمن إل ول ذمة "
اغزوا باسم ال ف سبيل ال .قاتلو من كفر بال .اغزوا ول تغدروا ول تثلو .ول تقتلوا وليدا ول شيخا
ول امرأة " (.)1
فيضع بذلك الدستور الخلقى للحرب الت يظن الناس – ف الاهلية العاصرة خاصة – أنه ل
علقة لا بالخلق!
ويلى المر أبو بكر رضى ال عنه فيوصى جنده ذات الوصاية وهو ياربون الرتدين الذين نكلوا
عن أمر ال.
ويقع القتال بي على كرم ال وجه وبي مناوئيه ويقع قتلى من هنا ومن هناك فإذا حل الظلم
ووقفت الرب قام على كرم ال وجه يصلى على قتلى الفريقي! ويسلم أعداءه قتلهم ليدفنوهم!
ويرج الوارج عليه فيقول قوم من أصحابه أنم كفار ..فيأب على كرم ال وجهه ويقول :إنا هو
إخواننا بغوا علينا!
تلك أخلقيات – ف الرب -ل يقدر عليها إل أهل ل إله إل ال.
ف معركة أحد حي وقعت الزية بعد النصر ووقع من السلمي سبعون شهيدا فيهم سيد الشهداء
حزة مر أحد السلمي على جريح ينع فناوله كأس ماء لعله يسترد أنفاسه فقال الريح بل أعطها
وليس هدفنا أن نسود الصفحات بذكر الستويات الخلقية الرفيعة لذلك اليل الفريد فكتب السي
وكتب التاريخ عامرة بنماذج عجيبة ف كل اتاه.
وإنا هدفنا أن نسدل ذلك الرتباط الوثيق ف حس ذلك اليل بي حقيقة اليان وبي القيم اللقية
الت يشتمل عليها هذا الدين.
ول يكن ذلك اجتهادا خاصا بم فتجد الجيال التالية نفسها معفاه منه ول كان ذلك – من حيث
البدأ – امتيازا خاصا بم تنسلخ منه الجيال التالية بل ترج!
إنا كان ذلك – ف حسهم وف حقيقة الواقع – هو الدين لن ال قال لم إن الؤمني هم الذين
آمنوا وعملوا الصالات وكذلك علمهم الرسول eفتعلموا منه أن " الدين العاملة " فلم يكن ف
حسهم – ول ف حقيقة الواقع – إن النسان يكن أن يكون مؤمنا دون أن يعمل بأعمال هذا الدين.
إنا كان ف حسهم – كما هو ف الواقع – ان الناس يتفاوتون ف حقيقة إيانم بقدار ما يتفاوتون ف
العمل بقتضى هذا الدين .وكان امتيازهم الذى اختصوا به أنم أرادوا أن يعملوا من أعمال هذا الدين ما
وسعهم العمل وأن يطبقوا من أخلقيات هذا الدين ما وسعهم التطبيق تنفيذا لمر ال {فَاتّقُوا اللّ َه مَا
ا ْستَ َطعْتُمْ} [سورة التغابن ]64/16فلم يكتفوا بالد الدن الفروض إنا تطوعوا فعملوا بالنوافل
والندوبات وألزموا با أنفسهم كأنا واجبات أو مفروضات .أما البدأ – مبدأ اقتران اليان بالعمل
ومبدأ التعامل بأخلقيات ل إله إل ال ف عال الواقع فقد كان ف حسهم بديهية مسلمة لنه بالفعل
من بديهيات هذا الدين.
خامسا :الوفاء بالواثيق
قال تعالَ { :وأَوْفُوا ِب َعهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَ ْدتُ ْم وَل تَن ُقضُوا الَيْمَا َن َبعْ َد َتوْكِي ِدهَا وَقَدْ َجعَ ْلتُمْ اللّهَ عََليْكُمْ
ت غَزَْلهَا مِ ْن َبعْدِ ُق ّوةٍ أَنكَاثا َتتّخِذُونَ َكفِيلً ِإنّ اللّ َه َيعْلَ ُم مَا َتفْعَلُونَ ( )91وَل تَكُونُوا كَاّلتِي َن َقضَ ْ
َأيْمَاَنكُمْ َد َخلً َبْينَكُمْ َأ ْن تَكُونَ ُأ ّم ٌة ِهيَ أَ ْربَى مِنْ ُأمّةٍ ِإنّمَا َيبْلُوكُمْ اللّ ُه بِهِ وَلَُيَبيّنَنّ َلكُ ْم َي ْومَ الْ ِقيَا َمةِ مَا ُكْنتُمْ
جعََلكُمْ ُأ ّم ًة وَاحِ َد ًة وََلكِنْ ُيضِ ّل مَ ْن يَشَا ُء َوَيهْدِي مَ ْن يَشَا ُء وََلتُسْأَلُنّ ختَِلفُونَ ( )92وََل ْو شَاءَ اللّهُ لَ َ فِي ِه تَ ْ
ل َبيَْنكُمْ َفتَزِلّ َق َدمٌ بَعْ َد ُثبُوِتهَا َوتَذُوقُوا السّو َء بِمَا عَمّا كُنتُ ْم َتعْمَلُونَ ( )93وَل َتتّخِذُوا َأيْمَانَكُمْ دَ َخ ً
ب عَظِيمٌ ( )94وَل تَشْتَرُوا ِب َعهْدِ اللّهِ ثَمَنا َقلِيلً ِإنّمَا ِعنْدَ اللّ ِه ُهوَ َخيْرٌ صدَ ْدتُ ْم عَ ْن َسبِيلِ اللّهِ وَلَكُ ْم عَذَا ٌ َ
َلكُمْ ِإنْ كُنتُ ْم َتعْلَمُونَ ( [ })95سورة النحل .]95-16/91
وقد أراد ال أن تكون هذه سة من سات هذه المة راسخة ف كيانا بعد أن أخب عن أهل
الكتاب أنم يشترون بعهد ال وإيانم ثنا قليل وبعد أن أخرج هذه المة لتكون هى القائدة والرائدة
والشاهدة على كل المم يوم القيامة.
ولقد وفت هذه المة بعهدها بالفعل وصار الوفاء بالواثيق خلقا لا تتميز به ف وسط الاهلية
الحيطة بشعوب الرض.
وكان اليل الول كما عهدناه أشد الجيال تسكا بكتاب ال وسنة رسوله بعد أن رباه الرسول
eعلى هدى القرآن الكري.
حينما عقد الرسول eصلح الديبية مع مشركى قريش كان من بنود الصلح أنه من جاء ممداe
من السلمي رده إليهم ومن جاء قريشا من السلمي ل يردوه!
ولقد أحس السلمون يومئذ بالغب الواقع عليهم من هذه التفاقية وبلغ الضيق بعمر رضى ال عنه
مبلغه فراح يسائل الرسول :eأو لسنا بالؤمني؟ قال :بلى! قال :أو ليسوا بالكافرين؟ قال :بلى! قال:
فلم نعطى الدنية من ديننا .ورد عليه الرسول eبالقول الفصل " :إن رسول ال ولست أعصيه وهو
ناصرى " (.)1
كان ال يعلم الي الذى ينطوى عليه صلح الديبية بالنسبة للمسلمي ولكنهم ببصرهم البشرى
الحدود الحجوب عن الغيب ل يكونوا يرون فيه إل الغب الظاهر وف ذلك أنزل ال سبحانه وتعال:
حّلقِيَ رُءُو َسكُمْ
ي مُ َ
حرَامَ ِإنْ شَاءَ اللّهُ آ ِمنِ َ
سجِ َد الْ َ
{َلقَدْ صَ َدقَ اللّهُ َرسُولَهُ ال ّر ْؤيَا بِالْحَقّ َلتَ ْدخُلُ ّن الْمَ ْ
جعَ َل مِنْ دُونِ ذَلِكَ َفتْحا َقرِيبا ([ })27سورة الفتح َو ُم َقصّرِي َن ل تَخَافُونَ َفعَِل َم مَا لَ ْم َتعْلَمُوا فَ َ
.]48/27
وبينما التفاقية غضة ما تزال خرج أبو جندل من صفوف الشركي مغلل بالغلل يريد اللحاق
بالرسول eوالؤمني فزادت رؤيته على هذه الال من حزن السلمي وشعورهم بالغب وتقدم عمر
() رواه البيهقي.
1
يريد أن يلقى السيف إليه ليقاتل به ويفك نفسه من السر والرسول eيأب ويتمسك بالعهد البم بينه
وبي الشركي وقلوب السلمي تتقطع أسى وهم يرون هذا النظر البئيس.
ولكنه كان درسا عمليا ف التربية على الوفاء بالعهد..
إن العهد الذى يبمه السلم هو هو عهد معقود باسم ال .إنه جزء من " اليثاق " الذى يلتزم به
الؤمن تاه ربه .إنه ليس أمرا تتدخل فيه " الصلحة " القريبة أو البعيدة الظاهرة أو الفية فيلتزم إذا
بدت الصلحة ف التزامه وينقض إذا بدت الصلحة ف غيه! إن هذا هو ديدن الاهليات فيما تبمه من
الواثيق .تبمه وهو ل تعتزم الوفاء به إل ريثما تد الوسيلة لنقضه .وف اللحظة الت تبدو لا الصلحة ف
نقضه فإنه حب على ورق ول أكثر! (وجاهلية القرن العشرين أبرز مثال على ذلك ف مواثيقها الدولية.
ما أسهل ما تبم اليثاق وما أسهل ما تنقضه ف لظات!) أما الؤمنون الذين يوفون بعهد ال ول
ينقضون اليثاق فهم وحدهم الذين ل تركه الصلحة إنا يركهم الرص على مرضاة ال.
يقول ال وهو يوجده رسوله eوالمة السلمة من ورائه:
ب الْخَاِئنِيَ} [سورة النفال
ح ّ
{ َوِإمّا َتخَافَ ّن مِنْ َق ْومٍ ِخيَاَنةً فَانْبِذْ إَِلْيهِ ْم عَلَى َسوَاءٍ ِإنّ اللّ َه ل يُ ِ
.]8/58
وهذه من أخلقيات ل إله إل ال ف الواثيق حت مع الكافرين الذين يرقبون ف مؤمن إل ول ذمة
والذين تتوقع منهم اليانة ف أى لظة من اللحظات .ينبذ إليهم عهدهم أول ث يقاتلون بعد ذلك
ولكن ل يغدر بم واليثاق قائم...
ووعت المة السلمية التوجيه الربان وطبقته ف عال الواقع فكانت منه ف حياتم أعاجيب.
فحي فتح أبو عبيدة بن الراح الشام وأخذ الزية من أهلها الذين كانوا يومئذ ما يزالون على دينهم
اشترطوا عليه أن يميهم من الروم الذين كانوا يسومونم السف والضطهاد وقبل أبو عبيدة الشرط.
ولكن هرقل أعد جيشا عظيما لسترداد الشام من السلمي وبلغت النباء أبا عبيدة فرد الزية إل
الناس وقال لم :لقد سعتم بتجهيز هرقل لنا وقد اشترطتم علينا أن نميكم وإنا ل نقدر على ذلك
ونن لكم على الشرط إن نصرنا ال عليهم!
هل سع أحد بثل ذلك ف التاريخ؟!
قائد جيش فاتح منتصر يأخذ جزية من أهل البلد الفتوحة ث يردها إليهم بأى حال من الحوال؟!
هذا هو التاريخ مفتوحة صفحاته لن يريد أن ينقب.
إنه حادث فريد ف التاريخ.
ول يكن أبو عبيده يصنع ذلك رجاء " مصلحة " بعيدة يقدرها ويضحى ف سبيلها بالصلحة
القريبة! كل! فما كان عنده يقي بأن ينتصر على جيش هرقل الرار وتعبيه واضح :وإنا ل نقدر على
ذلك!
إنا ينطلق من البدأ الذى رباهم عليه السلم على يد رسول ال :eالوفاء بالواثيق سواء أكانت
الصفقة رابة ف النظرة رابة ف النظرة القريبة أم خاسرة:
ل َبيَْنكُمْ َأنْ َتكُونَ ُأ ّمةٌ
ت غَزَْلهَا مِ ْن َبعْدِ ُق ّوةٍ أَنكَاثا َتتّخِذُونَ َأيْمَانَكُمْ دَ َخ ً
{وَل تَكُونُوا كَاّلتِي َن َقضَ ْ
ِهيَ أَ ْربَى مِنْ ُأ ّمةٍ[ }...سورة النحل .]16/92
ولقد كان لذا اللق السلمى الذى التزم به أبو عبيدة أثره الذى قدره ال له فقد نصره ال على
جيش هرقل فراح الناس يعيدون الزية راضية قلوبم ث – من بعد – صاروا يدخلون ف دين ال
أفواجا إعجابا بذا الدين الذى يرج من هو على هذا اللق العظيم!
وعمر رضى ال عنه يقول لقائده ف حرب فارس :وإذا لعب أحدكم أحد العلوج فظن هذا أن
السلم يعطيه عهد أمان فأنفذه له!
يا ل! ويا لروعة الرتقى!
إنه ل عهد ف القيقة! ولكنه مرد توهم من جانب الفارسى أن الندى السلم قد أعطاه عهد أمان!
فيقول عمر لقائده :فأنفذه له!
إنه ليس فقط إنفاذ العهد الذي ل يصدر ف الواقع من الندي ,ولكنه كذلك إلزام القائد بعهد توهم
العدو أن واحدا من جنود السلمي قد أعطاه!.
هل سع أحد بثل ذلك ف التاريخ؟!
ومعاوية ف هدنة مع الروم ولكن تأتيه عيونه بأنباء تفيد أن القوم يستغلون الدنة للستعداد لجوم
مفاجئ على السلمي .فيهم معاوية أن يفاجئهم قبل أن يكملوا عدتم .ولكن مستشاريه يأبون عليه
يقولون إما أن تنبذ إليهم على سواء كما أمر ال وإما أن تنتظر حت ناية العهد ث تناجزهم.
وينتظر معاوية .وينصر ال جيشه!.
ضع مقابل ذلك ما فعله الصليبيون أيام صلح الدين.
كان السلمون معهم ف هدنة ولكنهم غدروا وأخذوا السلمي على غرة فاناز السلمون إل
السجد فاقتحموه عليهم وأعملوا فيهم السيف حت غاصت اليل ف الدم إل ركبها كما تروى
مراجع الصليبي أنفسهم!
وصدق ال وهو يقول عن الكفار والكفر كله ملة واحدة:
{ل يَرُْقبُونَ فِي ُم ْؤمِنٍ إِ ّل وَل ِذ ّم ًة َوُأوَْلئِكَ هُ ْم الْ ُم ْعتَدُونَ ([ })10سورة التوبة ]9/10
ومع ذلك فلم يشأ صلح الدين – حي عادت الكرة له عليهم – أن يعاقبهم بثل ما عاقبوا به..
وإنا عاملهم بسماحة السلم!
سادسا :الركة العلمية السلمية
إل هنا كنا نتحدث عن أبرز سات المة السلمية مع تركيز خاص على اليل الفريد الذى رباه
رسول ال eعلى عينه وشهد له عليه الصلة والسلم حي قال " :خي القرون قرن" ..
ولقد أكدنا فيما سبق من الديث ان هذه السمات ليست خاصة باليل الول إنا هى سات "
المة السلمة " الت ينبغى أن تزاولا ف جيع أجيالا وأعصارها والت تعتب مقصره أو آثة إذا تلت عنها
ف أى جيل من الجيال .وأن مزية اليل التفرد ل تكن أنه اتسم بتلك السمات وحافظة عليها فذلك
مطلوب من كل جيل لتتحقق له صفة اليان الق .إنا كانت الزيد الت تفرد با ذلك اليل أنه بلغ
الذروة ف مارستها ول يكتف فيها بالد الدن الفروض إنا بذل جهد=ه ليصل إل الد العلى
الرغوب فوصل إل آفاق ل تطر على بال الناس خاصة حي يهبطون مع " واقعيتهم " الابطة
فينلون دركات تت الد الدن الفروض
ونتحدث هنا عن ستي آخريي من سات هذه المة اللزمة لا بوصفها " المة السلمة " وإن كانتا
كما أشرنا من قبل قد جاءتا بطبيعتهما متأخرتي عن اليل الول الذى كتب التاريخ.
إن الركة العلمية والركة الضارية بطبيعتهما ل تبزان ف مرحلة النشاء والتكوين لنما
تتاجان إل استقرار ل يتوفر ف مرحلة النشاء وإل جهد فائض عن الضروروات بينما الهد كله ف
مرحلة النشاء يبذل ف التأسيس والتمكي .كما تتاجان إل زمن يضى بعد استكمال التكوين تتم فيه
عملية " التمثيل " للقيم والبادئ والفكار لتتجه بعد ذلك إل " النتاج " ف مالت العلم والضارة
الادية .ولكن " البذرة " الت تتولد عنها كل من الركتي تنشأ ف القيقة من نقطة البتداء وتظل
كامنة حت تستوف نضجها الطبيعى فتولد كما يولد الني الكتمل العضاء بعد أن يستكمل أطواره ف
خفية عن العيون.
فاليل الول -وإن ل يشارك ف هاتي السمتي بنفسه -كان ف القيقة هو " الب الروحى "
لما إن صح التعبي من حيث إنه هو الذى قام بالنطلقة الائلة الت كتبت سطور التاريخ الظافر فيما
بعد ومن حيث إنه هو الذى حقق ف ذات نفسه صحة النطلق ولكل من هذين المرين أثره ف إبراز
الركة العلمية السلمية والركة الضارية السلمية.
فأما النطلقة فهى قمينة ف حياة أى أمة أن تدث فيها حركة علمية وحركة حضارية لن
ذلك مركوز ف فطرة البشر ولن ذلك من جهة أخرى من العطاء الربان البذول للبشر جيعا بقدر ما
يبذلون فيه من جهد:
ك مَحْظُورا ([ })20سورة السراء
ك َومَا كَا َن عَطَاءُ َربّ َ
ل نُمِ ّد َهؤُلء َو َهؤُلءِ مِ ْن عَطَاءِ َربّ َ
{ ُك ّ
.]17/20
حيَاةَ ال ّدْنيَا وَزِيَنَتهَا ُنوَفّ إَِلْيهِمْ َأعْمَاَلهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا ل ُيبْخَسُونَ (})15
{مَنْ كَانَ يُرِي ُد الْ َ
[سورة هود ]11/15
أما تصحيح النطلق فمن شأنه أن ينشئ الركة العلمية الصحيحة والركة الضارية الصحيحة الت
تتميز تيزا واضحا عن غيها من الركات.
وهذا ما نعنيه هنا ونبدأ فيه بالديث عن الركة العلمية السلمية.
m m m
() عن كتاب "تديد التفكي الدين ف السلم" لحمد إقبال ترجة الستاذ عباس ممود ص.150 :
1
ت الْجِ ّن وَالِنسَ إِلّ ِلَيعْبُدُونِ ([ })56سورة الذاريات .]51/56
{ َومَا خََل ْق ُ
والعبادة تشمل كل نشاط النسان ف الرض)1( :
حيَاي َومَمَاتِي لِلّ هِ رَبّ الْعَالَ ِميَ ( )162ل شَرِي كَ لَ هُ} [سورة النعام
{قُلْ ِإنّ صَلتِي َونُ سُكِي َومَ ْ
.]163-6/162
ومن بي العباد الطلوبة عمارة الرض:
شأَكُ ْم مِ ْن الَ ْرضِ وَا ْستَعْ َمرَكُمْ فِيهَا} [سورة هود ]11/61
{ ُهوَ أَن َ
ومن بينها السعى ف الرض وابتغاء فضل ال:
ْهـ النّشُورُ (})15
ِهـ َوإِلَي ِ
ِنـ ِرزْق ِ
ْضـ ذَلُولً فَامْشُوا فِي َمنَا ِكبِهَا وَ ُكلُوا م ْ
ُمـ الَر َ
{ ُهوَ الّذِي َجعَلَ َلك ْ
[سورة اللك .]67/15
و العلم أداة – ضرور ية – من أدوات عمارة الرض وال سعى وراء الرزق والقيام بدور الل فة ف
الرض .لذلك فهو مسخر لذه الهداف وليس هو هدفا ف حد ذاته.
ث إن الن سان كله – ك ما أ سلفناه – ملوق للعبادة ال ت تش مل العتقاد ف وحدان ية ال وتش مل
الشعائر التعبدية وتشمل عمارة الرض وإقامة الق والعدل فيها باتباع ما أنزل ال:
س بِاْلقِ سْطِ} [ سورة الد يد
ت َوَأنْزَلْنَا َمعَهُ ْم اْل ِكتَا بَ وَالْمِيزَا نَ ِلَيقُو مَ النّا ُ
{َلقَدْ أَرْ سَ ْلنَا رُ سَُلنَا بِاْلَبيّنَا ِ
.]57/25
والعلم – من ث – بوصفه نشاطا إنسانيا هو جزء من هذا النهج التكامل – منهج العبادة بعناها
الواسع – يأخذ مكانه ف ذلك النهج ويأخذ ارتباطه ببقية الجزاء .لذلك ل نعجب حي ند الرسول
eيقول " :طلب العلم فريضة على كل مسلم " (.)2
وإياء اللفظ ظاهر..
فليست الفريضة مرد شئ واجب الداء فحسب بل إنا -ف الصطلح السلمى -عبادة يتقرب
با النسان إل ال ويبتغى با رضاه.
وهذا هو وضع العلم ف السلم ..عبادة يتقرب با النسان إل ال ويبتغى با رضاه!
ول يسـب أحـد أن هذا القول يتعلق فقـط باـ يسـمى " العلم الشرعـى " وإن كان العلم الشرعـى
فري ضة بديه ية على كل م سلم ليعرف ك يف يع بد ال العبادة ال صحيحة ويعرف اللل والرام و ما
() انظر -إن شئت -فصل "مفهوم العبادة" ف كتاب "مفاهيم ينبغي أن تصحح".
1
() رواه ابن ماجه عن أنس.
2
ينبغى عمله وما ينبغى النتهاء عنه.
إنا ينطبق هذا الوصف على كل العلم ما دام ل يرج عن الدود الت رسها ال .وإل فانظر معى
كيف ينفذ السلمون هذا المر الربان.
خيْ ِل تُ ْر ِهبُو نَ بِ هِ عَ ُدوّ اللّ ِه َوعَ ُدوّكُ مْ} [سورة النفال
ط الْ َ
{ َوَأعِدّوا َلهُ ْم مَا ا ْستَ َط ْعتُ ْم مِ نْ ُق ّو ٍة َومِ نْ ِربَا ِ
.]8/60
هل ي ستطيعون ذلك بغ ي علم ويش مل اليوم الفيزياء والكيمياء والرياضيات واليكاني كا وعشرات
غيها من العلوم؟
وكيف ينفذون أمره تعال:
ِهـ [ }....سـورة اللك
ِنـ رِزْق ِ
ْضـ ذَلُولً فَامْشُوا ف ِي َمنَاكِبِه َا وَ ُكلُوا م ْ
ُمـ الَر َ
{ ُهوَ الّذِي َجعَلَ َلك ْ
.]67/15
هل يشون بغي علم؟ وهل يأكلون من رزقه بغي علم؟
وانظر إل قوله تعال:
{ َوسَخّرَ َلكُمْ مَا فِي السّ َموَاتِ َومَا فِي الَ ْرضِ جَمِيعا مِنْهُ} [سورة الاثية .]45/13
هل يتحقق الت سخي بغ ي علم؟ هل يقول النسان للشئ كن فيكون؟! أم يتاج تقيق الت سخي إل
جهد علمى؟!
وعشرات من المور تقطع بأن العلم الذى هو " فريضة " ليس هو العلم الشرعى وحده إنا هو كل
علم نافع .إنا يتلف المر بي علم وعلم فيكون أحدها فرض عي والخر فرض كفاية ولكنه ف جيع
الحوال " فريضة " كما قال رسول ال eبق.
وحيث يكون العلم ف السلم على هذا النحو تنتج عن ذلك نتائج مهمة ف حياة البشرية.
ينتج أول :أن العلم ل يكن أن يكون عدوا للعقيدة ول عدوا للدين.
إن العلم والد ين كله ا نز عة فطر ية ف كيان الن سان .والنعتان -ف الفطرة ال سليمة -أ صيلتان
ومتكاملتان ومتعاونتان ف تقيق الوجود الصحيح للنسان.
فتوجه الفطرة لالقها بالعبادة فطرة (:)1
ت بِ َرّبكُ مْ قَالُوا بَلَى
س ُ
سهِمْ أَلَ ْ
ك مِ ْن َبنِي آدَ َم مِ نْ ظُهُو ِرهِ مْ ذُ ّرّيَتهُ ْم َوَأ ْشهَ َدهُ ْم عَلَى أَنفُ ِ
{ َوإِذْ أَ َخذَ َربّ َ
َشهِ ْدنَا} [سورة العراف .]7/172
() انظر -إن شئت -فصل "اللاد" من كتاب "مفاهيم فكرية معاصرة".
1
والرغ بة ف " العر فة " والرغ بة ف التفا عل مع الكون الادى وا ستخدام ثار العر فة ف تي سي الياة
وتسينها وتميلها فطرة كذلك .فالنسان مفطور على حب " التاع " وعلى السعى إل تسي وسائل
التاع حت ترتفع من الضرورات إل الاجيات إل الزينة.
فما الذى يعل إحدى النعتي ف موقف الرب والتضاد مع النعة الخرى؟
إن ا فعلت الاهل ية الدي ثة ذلك ف أورو با لن الد ين الم سوح الذى قدم ته الكني سة كان يارب
العلم ويضط هد العلماء ويرق هم أحياء ف الفران لن م نادوا بقائق علم ية على غ ي هوى الكني سة.
فكان رد الفعل الاهلى هو نبد الدين جلة -بدل من تصحيحه -وجعل العلم منابذا للدين.
ولكن ذلك ل يكن هو السبب الوحد ف القيقة.
فإن أوربا حي نزعت عنها لباس الدين علماؤها ومفكروها أول ث جاهيها ودهاؤها ب عد ذلك
رج عت إل التراث الغري قى الروما ن ت ستمد م نه منا هج حيات ا الديدة ..فانب عث في ها من الاهل ية
الغريقية ذلك العداء القدي بي " النسان " وبي " ال ".
إن ال ساطي الغريق ية ت صور العل قة ب ي الب شر والل ة عل قة خ صام وعناد و شر :الل ة تر يد أن
تسحق النسان لكى ل ينافسها وضعها " اللى "! والنسان متمرد على اللة ياول عصيانا ليثبت
وجوده وفاعليته!
وأسطورة بروميثيوس بصفة خاصة تصور هذا العلقة أدق تصوير.
تقول السطورة إن كبي اللة " زيوس " خلق النسان من قبضة من طي الرض ( )1ث سواه على
النار القد سة ال ت تر مز إل العر فة ث أطل قه ف الرض وحيدا ت يط به الظلمات .فأش فق عل يه كائن
أسطورى يسمى " بروميثيوس " فسرق له النار القدسة من الله زيوس لتني له ما حوله .وهنا غضب
الله غضبة عظيمة (وإن كان قد عجز عن استرداد النار القدسة مرة أخرى!) فوكل ببوميثيوس نسرا
يأكل كبده طول النهار ث تنبه له كبد جديدة ف الليل فيأكلها النسر بالنهار وهكذا ف عذاب أبدى.
أ ما الن سان الذى ا ستضاء بنور العر فة فأ صبح ي مل ب عض خ صائص الل ة -ف قد أر سل زيوس إل يه
بامرأة (ترمز إل حواء) وأرسل معها صندوقا هدية ..فما فتح الصندوق إذا هو ملوء بالشرور فقفزت
من الصندوق وتناثرت على وجه الرض ..وكان هذا هو انتقام " الله " من " النسان "!
على هذا النحو تقوم العلقة بي النسان وبي ال .علقة خصام وعناد ل تعمرها مودة ول يظللها
حب.
() ثبت لدي العلماء الن أن الكون حادث ,وأنه وجد بعد عدم ,فليس أزليا ,كما يقول العلماء إنه صائر إل الزوال فليس أبديا.
1
بي النسان وبي ال فإنه ل يكن – بداهة – أن يستخدم لفساد الخلق.
والاهليـة العاصـرة نوذج فـذ للتقدم العلمـى ولسـتخدام العلم كذلك فـ إفسـاد الخلق كمـا
استخدمته ف ماربة العقيدة سواء بسواء.
ول عل من أبرز المثلة على ذلك تي سي ا ستخدام موا نع ال مل ( )1وإنتاج ها على نطاق وا سع أ كب
بكثي جدا من حاجة البشرية الراشدة وتفيض أسعارها حت تصبح ف متناول أى فتاة تريد أن تصل
عليها وإخراجها من دائرة الراقبة الصحية الت يكن للطباء أن يارسوها وذلك ببيعها دون حاجة إل
تذكرة الطبيب على الرغم ما يقوله الطباء أنفسهم من خطورة استخدامها بغي رقابة صحية!
والدف من ذلك واضح.
فحي تأمن الفتاة نتائج اتصالتا غي الشروعة فما الذى ينعها – ف الفوضى اللقية الضاربة أطنابا
ف الاهل ية العا صرة – أن تغرف ف هذه العلقات إل آ خر الدى ويتح قق للشياط ي ما يريدون من
إشاعة الفاحشة على أوسع نطاق (.)2
وليسـت موانـع المـل وحدهـا هـى التـ اسـتخدم فيهـا العلم لفسـاد الخلق فالسـينما والذاعـة
والتلفزيون والفيديو وما يكن أن يد من هذه الشياء كلها أدوات كان يكن أن تستخدم ف ترشيد
البشر ية وتوجيه ها الوج هة ال صالة ولكن ها ت ستخدم اليوم للف ساد التع مد الذى تاوز ف كث ي من
الحيان دائرة الفسـاد اللقـى بعناه الصـطلحى إل إفسـاد الفطرة النسـانية ذاتاـ بإشاعـة التفاهـة
والضحالة والسطحية والزئية وشغل النفس عن معال المور وتوجيهها إل سفاسفها.
m m m
كل! إن الزية الكبى للحركة العلمية السلمية – الت تعلها ف الوقت ذاته سة من سات هذه
المة – أنا جزء من هذا الدين بشموله وتوازنه وترابطه ل يشذ عنه ول ينفصل منه.
لقد نت الركة العلمية السلمية ف ظل العقيدة الصحيحة فلم يدث قط بينها وبينها صراع ل
على الستوى النظرى ول على الصعيد العلمى.
ليس ف حقائق الدين ما يعارض العلم الصحيح وليس ف العلم الصحيح ما يعارض ما جاء ف هذا
الدين .ول يتاج السلم أن ينحى عقيدته جانبا أو ينسلخ منها لكى يتعلم كما ل يتاج أن ينبذ العلم
ول ثار العرفة العلمية لكى يافظ على دينه .إنا يتعلم ويعبد ال حق عبادته ف ذات الوقت بل يد
دينه هو الذى يدف عه دف عا إل العلم " :طلب العلم فريضة " ( )1ويد دينه يطر يه حي يصبح " عال ا "
بالعن الصحيح للعلم الذى يربط علم الدنيا بعلم الخرة فيقول ال سبحانه وتعال:
() ظلت نظريات ابن اليثم تدرس ف أوربا حت القرن التاسع عشر لباعته العليمة وأصالة نظرياته.
1
m m m
يرى ا بن خلدون -من درا سته للتار يخ -أن هناك " سنة " تدول الدول بقتضا ها ..هى سنة "
الشيخوخة" فالدول ف رأيه تولد ضعيفة ث تقوى ويشتد عودها وتعظم سوتا ث ترم كما يهرم الفرد
فتذبـل ملكاتاـ وتتلشـى طاقاتاـ فتصـي إل الزوال ..ويردد الؤرخ النليزى العاصـر " توبنـ " ذات
الفكرة ناقل عن ابن خلدون.
و قد يكون ما يقوله ا بن خلدون ويردده من بعده توي نب صحيحا بالن سبة للجاهليات ..فالاهليات
تقوم على " شعوب " بعينها ..فإذا كان من سنة ال أن ترم الشعوب كما يهرم الفراد ( )1فمن المكن
أن تدول الدول الت تنشئها تلك الشعوب بداء الشيخوخة بعد فترة معينة من عمرها مهما يكن لا -
ف فترة شبابا وفتوتا من عوامل القوة الت تبدو لعي الناظر غي قابلة للفناء.
ول كن أ مة العقيدة ل تقوم على " ش عب " بعي نه إن ا تقوم على " العقيدة " و هى عن صر له صفة
الدوام .وهذا فارق رئي سى بين ها وب ي ال مم الخرى ال ت تن شأ ف الاهليات .فارق ي عل هذه ال مة
خاضعة لسنة أخرى غي السنن الت ترى على المم الاهلية ويعل مصيها غي هؤلء.
فالوا قع التاري ى ل مة العقيدة -أى ال مة ال سلمية -يتلف تا ما عن " ال سنة " ال ت افترض ا بن
خلدون أن ا ترى على ال مم فتزيل ها من الوجود .فتاريها -وإن كان ي ثل ح ت الن ميل مستمرا إل
البوط -إل أ نه خط متذبذب ي مل صحوات كثية صاعدة كتلك ال ت شهدت ا ال مة أيام صلح
الدين قاهر الصليبيي وأيام قطز قاهر التتار وكحركة الد الضخمة الت قادها ممد الفاتح إل داخل
أوربا.
ومـن جهـة أخرى فإن هذه المـة على الرغـم مـن كـل مـا أصـابا مـن عوامـل الرض والنلل
والكوارث الداخلية والارجية ل تزل من الوجود بعد أربعة عشر قرنا من مولدها وهى فترة ل تعشها
أمة أخرى من أمم التاريخ .وليس هذا فقط بل إنا تشهد اليوم ما يشبه أن يكون مولدا جديدا تعان
ماضة بكل آلمه ف لظتها الراهنة.
ومرد بقائها إل هذه اللحظة على الرغم ما أصابا هو ذاته دليل على أنا ل تضع لتلك السنة الت
افترضها ابن خلدون سنة الفناء بسبب الشيخوخة .فإذا أضفنا إل ذلك تلك القيقة الخرى وهى قيام
حركات البعث السلمى ف كل مكان من العال السلمى ..إل جانب حقيقة ثالثة هى بدء انتشار
ال سلم ف بقاع م نا الرض ل ي كن قد دخل ها من ق بل كاليابان وكور يا وفنلندا ودخول أوربي ي
وأمريكييـ فـ هذا الديـن بالئات واللوف ..ل يعـد هناك مال على الطلق لتطـبيق سـنة الفناء
بالشيخوخة بفرض صحتها على المة الت قامت على العقيدة ل على شعب بعينة من الشعوب.
m m m
ومع ذلك كله تظل تلك القيقة الذهلة تدير الرءوس ..حقيقة هبوط هذه المة من الذورة العليا إل
() ل نزم بأن هذه سنة ...وإن كان هناك من الظواهر التاريية ما يساعد علي هذا الفتراض .وف هذه الالة قد يكون الترف الذي يصيب المم القوية هو "الداء" الذي يؤدي إل
1
الفناء.
الضيض السحيق الذى تعيشه اليوم.
ن عم ,إن ا ل ت فن ك ما فن يت أ مم أخرى ودول ون ظم وإمباطوريات ذات سلطان وهيلمان ول كن
يب قى ال سؤال :ك يف هب طت؟ لاذا هب طت؟ لاذا ل تا فظ على أفق ها ال سامى بل ل تا فظ ح ت على
الستوى الذن الذى ل ينبغى لا أن تبط دونه والذى يقق لا وجودا راسخا ومكنا لو حافظت عليه؟
ول قد ي طر على البال سؤال :أ ين ال سلم إذن؟ ما دوره ف حياة هذه ال مة؟ لاذا ل يفظ ها من
البوط؟ ما الفرق ب ي أ مة العقيدة وال مم الاهل ية إذا كا نت تلك ال مة ي كن أن تتفلت وتتفلت ح ت
تصبح كالمم الداهلية بل أسوأ منها ف بعض الجالت؟
ما قيمة الدين إذن؟ وما دوره ف واقع الياة؟!
فأما هذا السؤال فله إجابته..
إن الدين ليس " جهازا " يعمل من تلقاء نفسه بصرف النظر عن نفوس الناس الذين يملونه.
ولو شاء ال لقهـر الناس على الدى فل يسـتطيعون الخالفـة ول البوط ول النراف كمـا يرى
قدره ف السموات والرض فيمضى كل شئ ف فلكه القدور له ل يرج عنه قيد شعرة ..حت يغي ال
نظام الكون كله ف الو عد القدور ول كن ال كرم الن سان فلم يعله " شيئا " يق هر على غ ي إرادة م نه
بل جعله كائنا فعال مريدا قادرا على اختيار أحد الطريقي :إما طريق الدى وإما طريق الضلل .وف
مقابل ذلك صار يمل تبعة عمله وصار ما يدث له -ف الدنيا والخرة سواء -يرى نتيجة لعماله
حسب سنن مقررة كشفها ال لن لكن يهتدى على ضوئها ويضبط مساره بقتضاها:
سهِمْ} [سورة الرعد ]13/11
{ِإنّ اللّ َه ل ُي َغيّ ُر مَا ِب َقوْمٍ َحتّى يُ َغيّرُوا مَا بِأَنفُ ِ
سهِمْ} [ سورة النفال
ك ِبأَنّ اللّ هَ َل ْم يَ كُ ُم َغيّرا ِنعْ َمةً َأنْعَمَهَا عَلَى َقوْ مٍ َحتّىـُي َغيّرُوا مَا ِبأَنفُ ِ
{ذَلِ َ
]8/53
سَبتْ َأيْدِي النّا سِ ِليُذِي َقهُ مْ َبعْ ضَ الّذِي عَمِلُوا َلعَّلهُ ْم يَرْ ِجعُو نَ (
{ َظهَ َر اْلفَ سَادُ فِي اْلبَ ّر وَاْلبَحْ ِر بِمَا كَ َ
[ })41سورة الروم ]30/41
ض } [ سورة العراف
ت مِ نْ ال سّمَاءِ وَالَرْ ِ
{وََلوْ أَنّ َأهْ َل الْقُرَى آمَنُوا وَاّت َقوْا َل َفتَحْنَا عََلْيهِ ْم بَرَكَا ٍ
]7/96
حنَا عََلْيهِ مْ َأْبوَا بَ كُلّ شَيْءٍ َحتّى إِذَا َفرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَ ْذنَاهُ مْ َب ْغَتةً فَإِذَا
{فََلمّا نَ سُوا مَا ذُكّرُوا بِ هِ َفتَ ْ
هُ ْم ُمبْلِسُونَ ([ })44سورة النعام ]6/44إل.
وهكذا يعمل الدين -ككل شئ ف حياة البشر -من خلل النفوس الت تمله بقدر إقبالا عليه أو
إدبارها عنه .بقدر التزامها بقتضياته أو عدم التزامها با .ولكن يبقى الفرق بينه وبي أى " منهج " آخر
للحياة :إنه هو ف ذاته هو النهج الصحيح وأن الثمرة الت تنشأ عنه تتفوق على أى ثرة أخرى تنشأ عن
أى منهج سواه .فيظل هو النهج الذى ينبغى أن يتبع وتظل الناهج الخرى هى الناهج الت ل ينبغى أن
تت بع لن ا أردأ ثرة وأ سوا ما ل ف الدن يا والخرة .ك ما ي ظل الفرق من ناح ية أخرى أن النفوس ال ت
تتشبع به سواء كانت نفوس أفراد أو نفوس أمة -مظنة أن تكون أبطأ فسادا حي تصيبها عوامل الفساد
من النفوس ال ت ل تقوم أصل على العقيدة لن ا أم ت منها بنيانا وأكثر منها تراب طا .ويظل الفرق من
ناح ية ثال ثة أ نه ح ي تف سد النفوس ي ظل الد ين هو أن ع العلج ل نه هو العلج ال صحيح ..و ف ج يع
الحوال ي ظل العول عل يه هو " النفوس " البشر ية :هل تق بل أم تدبر؟ هل تع مل بقت ضى التكال يف أم
تتخلى عن التكاليف.
وإنه لما تسأل عنه هذه المة يوم القيامة :كيف ضيعت دينها وهى الت أخرجها ال لتكون شاهدة
لذا الدين وشاهدة به على كل البشرية يوم القيامة؟ وكيف تلت عن التكاليف الت فرضها ال عليها
لتحقيق النهج الربان ف واقع الياة:
س َويَكُو نَ الرّ سُو ُل عََلْيكُ ْم َشهِيدا} [سورة
{وَكَذَلِ كَ َجعَ ْلنَاكُ مْ ُأ ّم ًة وَ سَطا ِلَتكُونُوا ُشهَدَا َء عَلَى النّا ِ
البقرة ]2/143
سأَلُونَ ([ })44سورة الزخرف ]43/44
ف تُ ْ
ك وَِل َق ْومِكَ َو َسوْ َ
{ َوِإنّهُ َلذِكْرٌ لَ َ
m m m
بدأ النراف مبكرا جدا ف حياة هذه المة ..منذ العهد الموى.
وليـس هنـا مال التأريـخ لذه المـة ول مال التأريـخ لطـ النراف .إناـ نكتفـى برسـم الطوط
العريضة الت تبي لنا معال الطريق .وكما أوجزنا الديث من قبل عن اليل التفرد فاكتفينا بتسجيل
أبرز السمات بالقدر الذى يعطينا فكرة مملة عن الصورة الصحيحة لتطبيق هذا الدين فكذلك نوجز
الد يث عن خط النراف بالقدر الذى يعين نا على معر فة ال سباب ال ت أردت بناء إل الوا قع الذى
نعيشه اليوم ..ذلك أن هدفنا الرئيس ليس الدراسة الفصلة للتاريخ السلمى إنا هدفنا أن نرسم صورة
واضحة العال لواقعنا العاصر بأبعاده الرئيسية وانرافتها الرئيسية لنحدد على ضوئها طريق اللص.
m m m
بدأ النراف كما قلنا منذ العهد الموى .ولكنه كان ف معظمه هبوطا عن الذروة العليا أكثر ما
كان انرافا عن الادة .وإن كان الذى يعيش ف جو الذروة ويستنشق أريه العذب يس ف صدره
ضيقا وحرجا من ذلك البوط.
كانت هناك مفارقة واضحة ول شك عن خط اللفة الراشدة واتاه بالياة ف مموعها والانب
السياسى منها خاصة إل وجهة جديدة غي ما اعتاده الناس ف عهد النبوة وخلفة الراشدين .ولكن المر
ف النهاية كان ف داخل الدائرة مع شئ من الشذوذ عنها ف هذا الوضوع أو ذاك.
أول تغي فاجأ الناس هو النتقال من اللفة إل اللك.
وحقي قة إ نه ل يو جد نص يلزم الناس ب صورة معي نة من ال كم -خل فة أو مل كا ( -)1إن ا يلتزم
الا كم خلي فة أو مل كا أو سلطانا بتنف يذ شري عة ال وي صبح من ث حاك ما شرع يا له على الناس حق
ال سمع والطا عة ك ما بي نت آيات ال وأحاد يث ر سوله eوك ما ب ي اللي فة الول ر ضى ال ع نه" :
أطيعون ما أطعت ال فيكم فإن عصيت ال ورسوله فل طاعة ل عليكم ".
ول كن النظام الذى اهتدى إل يه ال سلمون ف ع هد الذروة كان بل شك أعدل وأقوم ل نه ل ي صر
السلمي ف بيت معي إنا يتيح لم فرصة أوسع لختيار من يرونه أصلح الناس لمامتهم.
ول كن الناس على أى حال قد ارتضوا هذا التغي ي وإن كان قد فاجأ هم أول ال مر على أ ساس أن
ال ستقرار الذى يتي حه النظام الد يد أقرب إل تق يق ال صلحة من النظام الذى جر إل اللف والفر قة
وإن كان ف ذاته أعدل وأقوم.
وليس هنا مال وقفة طويلة أمام هذه النقطة لن تصرف المويي كما قلنا ل يالف نصا صريا من
نصوص السلم .ولكننا نقول إن هناك منعطفا تارييا هنا كان له سببه ف حياة الجتمع السلمى ف
ذلك ال ي .ف قد انت شر ال سلم ف سنوات قليلة ف رق عة وا سعة من الرض ول ت كن تلك الموع
)( 1عند هذه النقطة يزيغ كثي من الزائغي فيقولون إنه ليس ف السلم نظام للحكم! ويبرون بذلك تفلتهم من إقامة "الكم السلمي" الذي أمر به ال ,والذي يعرفون جيدا ف
دخلية أنفسهم أنه غي النظم الستوردة الت يسعون إل تطبيقها! ث يلتبس المر علي كثي من الخدوعي ,بسبب الغزو الفكري من ناحية ,والعبد الطويل عن النظام الذي تكمه
شريعة السلم من جهة أخري ,فيصدقون هذه الفرية عن دين ال ,ويتصورونه عقيدة وشعائر تعبدية فحسب ,أو مموعة مواعظ خلقية لتهذيب الضمي ,ل علقة لا باليمنة علي
واقع الياة السياسي والقتصادي والجتماعي ...تاما كما كان الدين الكنسي الوروب الحرف! والذي ينبغي أن نعل بالنا إليه أن شكل الكم ف النظم البشرية له أهية بالغة لن
"م صدر ال سلطة" يتلف ف كل ش كل من ها عن ال خر ,ويتلف بالتال أ سلوب التشر يع ووجه نه .فتختلف اللك ية ال ستبدة عن اللك ية القيدة ,وتتلف المهور ية عن اللك ية,
والدكتاتورية عن الديقراطية ...وهكذا .ام ف السلم فمصدر السلطة واحد ل يتغي مهما تنوعت صورة الكم؟ ذلك أن الاكمية ف السلم ليست للبشر ,إنا هي ل .وحيث ل
يوجد نص فالفقهاء يتهدون ,ولكن اجتهادهم مقيد ف النهاية بقاصد الشريعة ,وبنصوصها العامة ,ومن ث فالتشريع مكوم ف النهاية بكتاب ال وسنة رسوله{ :فَإِ نْ َتنَازَ ْعتُ مْ فِي
شَ ْيءٍ َف ُردّو ُه إِلَى اللّ ِه وَالرّسُو ِل ِإنْ كُنتُمْ ُتؤْ ِمنُونَ بِاللّ ِه وَاْلَيوْمِ ال ِخرِ} [سورة النساء .]4/59
وصحيح أن المة السلمية -ف وضعها الصحيح -هي الت تتار ول المر ببيعة حرة .ولكن هذا الختيار الر -وحده -ل يعطي الاكم الشرعية .إنا الذي يعطيه الشرعية هو الكم
با أنزل ال .فإن توفر له الختيار الر من جانب المة ول يتحقق منه الكم با أنزل ال ل يكن حكمه حكما إسلميا .ومن ث فإنه إذا ركز علم السياسة الغرب تركيزا كبيا علي
شكل الكم ,للختلف البيّن الذي يترتب عليه ف تديد "مصدر السلطة" فإن علم السياسة السلمي يركز بشدة علي "الكم با أنزل ال" لنه هو الذي يعطي الشرعية للسلطة.
وكل حكومة تكم با أنزل ال فهي حكومة شرعيية بصرف النظر عن "الشكل" الذي تقوم عليه .وإن كانت التجربة التاريية تقرر أن اللفة الراشدة هي النظام المثل ,لنا هي
الكمل تطبيقا لشرييعة ال.
الغفية الت دخلت ف دين ال أفواجا قد أتيح لا من التربية السلمية ما أتيح للجيل الذى رباه رسول
ال eعلى عينه و من ث ل يكن يتو قع أن تسي الياة على ذات الستوى الرف يع الذى سارت عليه ف
الع هد الول ف أى مال من مال ته و ف ال سياسة ب صفة خا صة لن انتظام ال سياسة على ال ستوى
العلى ليس مسألة الاكم وحده إنا هو مسألة الجتمع كله ومدى رقابته على أعمال الاكم ورده إياه
إل الق الربان وعدم الرضا منه بخالفة ما أنزل ال .وذلك يتاج إل مثل تلك التربية العالية الت كان
عليها اليل الول رضوان ال عليه ويتاج كذلك إل ترسيخ القواعد السياسية حت تصبح عرفا ملزما
يه تز ضم ي الناس إذا خولف .و قد كان امتداد الل فة الراشدة فترة أطول كفيل بتر سيح تلك القوا عد
وتر سية ذلك العرف ول كن قدر ال أن تعا جل ال مة بفت نة م قل عثمان ر ضى ال ع نه بتدب ي العداء
الكائد ين من الدا خل من اليهود وغي هم و ما تل ها من فت نة اللف الذى أدى إل القتال ب ي على
ومعاوية وامتناع كثي من الصحابة رضى ال عنهم من الوض ف الفتنة خوفا من توسيع شقة اللف
ث رضا هم ب عد مق تل على كرم ال وج هه بالتغي ي الذى أحد ثه المويون رجاء ا ستقرار حال ال سلمي
ودرء الفتنة عن حياتم ما دام ل يالف نصا صريا من نصوص السلم.
وأيا كان المر فقد انلت الغاشية عن أمرين اثني أثرا ف حياة المة تأثيا بالغا على امتداد الزمن
وإن كان ف أول العهد ظهرا طبيعيي جدا بإزاء الظروف السياسية القائمة يومئذ:
المر الول :هو استقرار اللك الوراثى بدل من اللفة.
والثا ن :هو التخلى التدري ى من مموع ال مة عن مراق بة أعمال الكام وان صرافها التدري ى إل
أمورها الاصة!
فأما ال مر الول فلي ست فيه ك ما قل نا مالفة ل نص صريح من ن صوص ال سلم .ول ي كن ليحدث
ضررا ف الياة السياسية السلمية ول ف الياة العامة لو حافظت المة على مراقبتها لعمال الاكم
وقيامها بالمر بالعروف والنهى عن النكر كما أمرها ال ورسوله فإن العبة كما بينا بتنفيذ شريعة ال
ل بشكل الكم الذى ينفذ شريعة ال:
ف َوَيْن َهوْ َن عَ ْن الْمُنكَ ِر َوُيقِيمُونَ الصّلةَ
ضهُمْ َأوْلِيَا ُء َبعْضٍ َي ْأمُرُونَ بِالْ َمعْرُو ِ
{وَالْ ُم ْؤمِنُونَ وَالْ ُم ْؤ ِمنَاتُ َب ْع ُ
َوُي ْؤتُونَ الزّكَاةَ َويُطِيعُونَ اللّ َه وَ َرسُولَهُ[ }.....سورة التوبة ]9/71
" والذى نفسى بيده لتأطرنم على الق أطرا ولتقصرنم عليه قصرا " (.)1
ول كن ال طر كل ال طر جاء من اقتران المر ين م عا ف حياة ال سلمي م نذ الع هد الموى .اللك
() قال " : eاللفة بعدي ثلثون عاما ث يأت اللك العضوض" أورده اليثمي ف ممع الزوائد ( )7/269وقال :رواه الطبان ورجاله رجال الصحيح.
2
ومن شاء بعد ذلك أن يرتفع فله عند ال أجر السحني.
ولكن الذى حدث على يد المويي ل يكن مرد البوط عن الستوى الشاهق إل الستوى العادى ،
بل وقعت منهم مالفات لا أمر ال به ف توزيع الصدقات:
ب وَاْلغَا ِرمِيَ وَفِي
ي وَاْلعَامِلِيَ عََليْهَا وَالْ ُمؤَّل َفةِ قُلُوُبهُ مْ وَفِي الرّقَا ِ
{ِإنّمَا ال صّدَقَاتُ لِ ْل ُفقَرَاءِ وَالْمَ سَاكِ ِ
سبِيلِ َفرِيضَ ًة مِنْ اللّ ِه وَاللّ ُه عَلِيمٌ َحكِيمٌ ([ })60سورة التوبة ]9/60 َسبِيلِ اللّ ِه َواِبْنِ ال ّ
لقـد تبحبـح المويون فأخرجوا مـن بيـت الال عطايـا وهدايـا يؤلفون باـ القلوب لمـ ولكمهـم
ولدولتهم...
وأقصى ما يكن أن يقال ف ماولة تبير هذا المر أنم تأولوا فأخطأوا ،فاعتبوا تأليف القلوب لم
داخل ف مصارف بي الال لنم هم دولة السلم ،وتثبيتهم تثبيت للسلم ف النهاية.
وهو تأول بعيد حت لو صح أنم قصدوه على هذا النحو ،لن الؤلفة قلوبم يعطون ليدخلوا ف دين
ال ل ليدخلوا ف الولء لاكم من الكام.
ولو جاز للموييـ أن يتألفوا القلوب لدولتهـم ولكمهـم ،ويرضوا نفوس العارضيـ لمـ ،فمـن
أموالم الاصة ،وكان لديهم مال وفي يلكون به شراء من أرادوا شراءه من العارضي .أما أن يتحببوا
إل الناس على ح ساب أ صحاب القوق ،فأ مر ل يوز ف عرف ال سلم .فضل عن كو نه سنة سيئة
اتبعها من بعدهم ،وزاد حجمها وأهداف استخدامها سوءا مع مرور اليام.
وأمر رابع ،ربا ل يكن ف نظر المويي انرافا ،وربا ل يثر اعتراض أحد من السلمي يومئذ ،هو
الرص على " عرو بة " الدولة إزاء الفرس ب صفة خا صة ،بع ن إبعاد الفرس ال سلمي عن تقلد منا صب
الدولة ،والضغط الستمر عليهم لشعارهم أنم دون العرب.
ورب ا رأى المويون ال بر لذا الت صرف واض حا أمام أعين هم .ف قد كان الفرس من ق بل ينظرون إل
العرب نظرة احتقار وازدراء ،مبعث ها أن م دولة ذات عرا قة تاري ية وهيلمان ،بين ما العرب هم أولئك
الفاة الفاة التخلفون ب كل مقياس من مقاي يس " الضارة " الاد ية ال ت و صل في ها الفرس إل در جة
الفراط.
فلما جاء السلم تغيت العايي والقاييس كلها ،وذهب ربعى بن عامر مستعليا باليان ،يدوس
أبسطتهم بأقدام حاره ،وينظر إليهم نظرة الؤمن إل الاهلية ،ويدعوهم إل الدخول ف السلم دعوة
الستيقن أنه هو العلى وهو الدنون.
ث دار القتال العنيف الرهيب بي أولئك الفاة الفاة الذين تغيوا بي عشية وضحاها فصاروا " خي
أ مة أخر جت للناس " وب ي الفرس أ صحاب القدرة الرب ية الائلة واليوش الضخ مة والتقال يد العري قة
والسلطات التليد .فلم تثبت هذه كلها أمام قوة الق وقوة اليان الت انطلقت با العصبة الؤمنة ،تدل
حصون الاهلية دكا وتسويها بتراب الرض ،وتشيد ف مكانا صرحا من نوع آخر ،أساه ل إله إل
ال ،ممد رسول ال.
ودخل الفرس ف دين ال بعد هزيتهم الربية الت ما كانوا يتوقعونا على يد العرب بالذات ،وبعد
زوال اللك الم تد الذور ف التار يخ ،الذى ل تغ نه جذوره العمي قة ف معر كة ال ق ،فانار كأن ا ف
لظات.
ولكن اليل الول ول شك كان ينطوى على ضغينة هائلة للعرب الفاتي ،حت وإن كان قد دخل
ف السلم .فلو أن الفرس غلبوا أمام الروم ،فهما ندان يتصارعان ،ول بأس على أحدها أن يتلقى من
ال خر لط مة قو ية ،فإ نه ي ن نف سه أ نه سيعود فيتغلب عل يه ف الولة القاد مة! أ ما العرب !..وأ ما هذا
الكتساح الذى أزل كل شئ كأن ل يكن له وجود من قبل! فهذه ل يكن هينا على الفرس أن يبتلعوها
ف اليل الول ،الذى شهد أماد العز وذلك النكسار.
ومن هنا قال المويون لنفسهم حي تولوا الكم إنه لبد من كبت هؤلء حت ل يرفعوا رءوسهم
من جديد! ومن هنا كان حرصهم على " عروبة الدولة " بعن عدم السماح للفرس أن يتسللوا إليها من
أى سبيل.
وما نستطيع أن نكم الن وقد انطوت تلك الصفحات العديدة من التاريخ ،هل كان دافع المويي
خال صا ل فظ د ين اله من أن يت سلل الاقدون إل يه فيف سدوه ،أم كان هذا ال مر ف أنف سهم متل طا "
بالعروبة " ..لبعناها الشائه الذى وجد ف العصر الديث بطبيعة الال ف صورة القومية العربية الكافرة
النسلخة من الدين ،لكن بعن أن العرب هم حلة هذه الرسالة ،وهم الذين ينبغى أن تكون لم اليمنة
على شئونا لتحفظ على صورتا القة بغي تريف.
وأيا ما كان المر فإن الفرس على يد المويي ل يسوا بالتطبيق الق لقوله تعال:
{فَِإ ْن تَابُوا َوأَقَامُوا الصّل َة وَآَتوْا الزّكَاةَ فَإِ ْخوَانُكُمْ فِي الدّينِ} [سورة التوبة ]9/11
ولئن كان اليل الول كان ينطوى على القد والضغينة ،فإن أحسب أن الجيال التالية لو وجدت
الروح السلمية القة ،روح الخوة البذولة من الؤمني لخوانم ،لزوال ما كان ف قلوب آبائهم من
ضعن ،ولخلصوا دينهم ل ،ول يرثوا هذا الضغن ويافظوا عليه ،ويسعوا إل الفساد من الداخل ،
كما فعل الذين نطلق عليهم اسم " الشعوبيي " الذين قاموا " بالنقلب " العباسى ضد الدولة الموية ،
وهو انقلب فارسى ف القيقة وإن كان الكم قدظل للعرب فترة من الوقت ف الظاهر على القل ث
نشروا سومهم الشعوبية من داخل الدولة كما فعل ابن القفع ،أ نشروا الفسق والفجور ف الجتمع كما
فعل بشار وأبو نواس.
لقد كانت " الشعوبية " الفارسية هى رد الفعل للكبت الذى زاوله المويون على الفرس ،حت وإن
يكن بسن نية ،وحرصا خالصا على السلم!
m m m
ث جاء العباسيون..
ل ييئوا بطبيعة الال ليعيدوا عهد اللفاء الراشدين!
إنا جاءوا ليكبوا الط النحرف الذى بدأه المويون ث يزيدوا ف النراف ،كما هى السنة الربانية
ح ي تق عد ال مة ف مموع ها عن ال مر بالعروف والن هى عن الن كر ،وأ طر الكام على ال ق أطرا
وأصرهم عليه أصرا..
ل قد كان ح جم النراف على ع هد الموييـ مدودا على أى حال ،وإن بدا مسـما غليظـا حيـ
يقاس بعهد الذروة الذى يبدو بانبه كل شئ قزما حي يقاس إليه!
لقد بقى لجموع المة -ودع عنك الكام -صدق إيانا ،وجدية الخذ من الكتاب والسنة ،
وصدق الهاد ف سبيل ال .وبقى لا تقق معن المة ،وبقيت .ف مموعها تتعامل بأخلقيات ل إله
إل ال ،وب قى ل ا وفاء ها بالواث يق ..و ف العموم بق يت روح ال سلم هى ال سارية ف ال مة ،ال سائدة
في ها ،وإن كان قد غشي ها من انراف الكام غاش ية ف ب عض معا ن ال سلم ،فلم ت عد ترى العدل
الربا ن يتح قق ك ما كان يتح قق أيام ال يل التفرد ،ب سبب ظلم الكام ،ول ت عد من جانب ها حري صة
على مراقبـة حكامهـا كمـا كان يفعـل ذلك اليـل ،على الرغـم مـن أن حكامـه كانوا يقومون براقبـة
أنفسهم قبل أن تراقبهم رعيتهم!
واتسعت الفتوح السلمية حت دق السلمون أبواب القسطنطينة ،وامتد السلم إل الند شرقا وإل
الشمال الفري قى غر با ،وقو يت دولة ال سلم ح ت أ صبحت قوة يرهب ها أعداء ها ويعملون ل ا ألف
حساب ..وغلب الي على الشر ف ذلك الجتمع ،وبقيت مظال الكام ومالفاتم مصورة ف دائرتم ،
بينما ينعم الجتمع ف مموعه بنعم السلم ،وبالمن والطمأنينة والستقرار ،الذى تولدت عنه الركة
العلمية والركة الضارية كما أسلفنا من قبل.
فأ ما على ع هد العبا سيي ف قد بق يت النرافات المو ية كل ها ،وزادت حدت ا ،ث أض يف إلي ها
انرافات من نوع جديد.
فأما اللك الوراثى العضوض فقد بقى ،مع إضافة مزيد من الروج على الط السوى ،فلئن كان
الموي ي قد حر صوا من أ جل ت ثبيت دولت هم وتكين ها أن يتاروا من بين هم أ صلحهم وأقدر هم ،فإن
العباسيي جعلوه وراثيها بتا ،يتولونه بالدور ،ولو جاء الدور على صب ف العاشرة أو الثانية عشرة! ما
أ ثر على قوة الدولة ذات ا ب صرف الن ظر عن العا ن ال سلمية ف مال ال سياسة فضل ع ما جرى من
الؤامرات الرهي بة من أ جل ول ية الع هد أو من أ جل تول اللك ،م ا تقش عر له البدان! وفضل عن
اضطرار الكام بعد ضعف سلطانم إل العتماد على غيهم والترك بصفة خاصة ،ما أدى إل تسلط
هؤلء ،وإفساد كل القيم السياسية السلمية على الطلق!
وأ ما الع نف ف معاملة ال صوم ال سياسيي ،الذ ين بدأه المويون ،ف قد تزايدت حد ته ،وتول إل
مذابح بشعة ل يتصور صدورها عن مسلمي!
وأما البحبحة ف بيت الال ،الت بدأها المويون كذلك ،فقد وصلت بعد زيادة الموال ف العهد
العباسـى مـن الزكاة والراج والوارد الخرى إل صـورة ل تطـر على البال .فلئن كان المويون قـد
أعطوا العارض ي لي سكتوهم وي ستميلوهم إلي هم ،ويشتروا ود من يدون ف ك سبه إل صفهم تأييدا
ل سلطانم ..فقد كان الليفة العباسى ل يد حرجا ف صدره أن ييئه شاعر من :الداحي الذ ين قال
عنهم رسول ال" :eإذا رأيتهم الداحي فاحثوا ف وجوههم التراب" ( )1فيأمر له لقاء أبيات ف مدحه
بائة ألف من بيت مال السلمي!
أ ما " الماه ي " ال ت ثارت ذات يوم على عثمان ر ضى ال ع نه من أ جل مالفات ضئيلة تأول في ها
عثمان بغي منهج الشيخي من قبله ،فقد صارت ترى هذا العبث الاجن ببيت مال السلمي ول ترك
ساكنا له ،كأن المر ل يصها على الطلق!
فإذا كانت هذه النرافات الت بدأت أيام المويي ،وبقيت وزادت حدتا على يد العباسيي ،فق
أضيفت إليها بكم عوامل جديدة انرافات أخرى خطية أودت بالكم العباسى ف النهاية ،وما زالت
آثارها أو أثار منها سارية ف جسم المة حت هذه اللحظة ،تنتظر من يبئها منها حت تستطيع أن تبعث
من جديد.
m m m
و من أ شد انرافات الع صر العبا سى كذلك ،الترف الذى أ صاب الياة بتأث ي الال التد فق من كل
اتاه.
كان الترف قـد بدأ يظهـر فـ أواخـر العصـر الموى ،ولكنـه كان مـا يزال مدود الصـورة مدود
النطاق .وكان سببه بدء تد فق الال ف أيدى الناس مع البوط التدري ى عن م ستوى الذروة الذى كان
عليه الصحابة رضوان ال عليهم..
لقد جاء مال على عهد عمر رضى ال عنه كان يعتب بالقياس إل ذلك الوقت شيئا خياليا ل يتصور!
جاء عامل عمر على البحرين يسلم مال الراج والناس ف صلة الغرب ،فقال له عمر :كم معك؟
قال خ سمائة ألف! قال :تدرى كم خ سمائة ألف؟! قال :ن عم! مائة ألف ومائة ألف ومائة ألف ومائة
ألف! قال :اذهب فأنت ناعس! وائتن ف الصباح! فلما جاءه ف الصباح وعلم منه أنما خسمائة ألف
حقي قة صعد ال نب فقال :أي ها الناس! ل قد ك ثر الال! فإن شئ تم وز نا ل كم وز نا ،وإن شئ تم كلن ل كم
كيل!
ولكن هذا الال ذا القدار " الراف " بالقياس إل وقته ل يفسد ال سلمي وهم على مقربة من عهد
ر سول ال ، eوول أمر هم وقائد هم ع مر ر ضى ال ع نه ،الذى يرد إل ب يت الال ث ن الفطية ال ت
أفضلتها زوجته رضى ال عنها من القوت الضئيل الذى يعيش عليه هو وعياله .كا أن عمر رضى ال عنه
حبس رءوس الصحابة رضوان ال عليهم عن الروج إل البلدان للتجارة ،وأبقاهم إل جواره وليعاونوه
ف الهمة الت انتدب لا وهى إقامة حكم ال ف الناس.
أما ف أواخر العهد الموى ،وأما ف العصر العباسى بصورة خاصة ،فقد كان الال مفسدا إل حد
التلف (.)1
فأما السرة الاكمة فقد كان لا " مصصات " من بيت الال ينفقون منها ما ينفقون على مستوى
البذخ البالغ ف يه ،و مع ذلك يف ضل من ها ما يد عو إل إنشاء " ب يت الال الاص "! تترا كم ف يه الموال
عاما بعد عام!
وكان الوزراء من أموال م الاصة وما ي هب ل م اللفاء والمراء يعيشون ف ذات ال و الباذخ الذى
تعيـش فيـه السـرة الاكمـة ،وكانـت ثروات التجار خرفيـة حقـا بالقياس إل ثراء العال كله فـ ذلك
ال ي ،إذ كا نت التجارة العال ية ف وقت ها ف أيدي هم من أق صى الشرق إل أق صى الغرب ،وتك فى
رحلت السندباد وإن تكن أسطورة لعطاء صورة عن عال التجار ف ذلك الي (.)2
وهكذا امتلت اليوب وفاضت بالنقود ،بينما القلوب تغفو ،واليدى ترخى قبضتها من حبل ال
التي ،لذلك انتشر الترف الفسد الذى تروى عنه كتب الدب وكتب التاريخ.
خذ هذا النموذج من الترف ف الشرق السلمى:
" كان العبا سيون يعنون عنا ية فائ قة بفلت الزواج .ويتجلى إ سراف خلفاء الع صر العبا سى الول
وبذ خه م ا فعله الهدى ع ند زواج اب نه هارون (الرش يد) بال سيدة زبيدة .ف قد أقام يوم زفاف ها ولي مة ل
ي سبقه إلي ها أ حد ف ال سلم ،وو هب للناس ف هذا اليوم أوا ن الذ هب ملوءة بالف ضة وأوا ن الف ضة
ملوءة بالذهب والسك والعنب ،وزينها بكثي من اللى والواهر ،حت إنا ل تقدر على الشى لكثرة
ما عليها من هذه اللى والواهر ".
" ويقول الشابشتــ إن الأمون أمهــر بوران ( 100.000مائة ألف) دينار و 50.000.000
(خ سي ألف ألف) در هم أى أك ثر من ن سف مليون دينار ،وأ نه أو قد ب ي يد يه ف تلك الليلة ثلث
شعات عنب ،وكثر دخانا فقالت زبيدة :إن فيما ظهر من السرف الكفاية ،ارفعوا هذا الشمع العنب
وهاتوا الشمع .ولا جليت بوران على الأمون نثر عليها حبارا كان ف كمه ،فوقع على حصي منسوج
من الذهب فقال :ل در السحن ابن هان ،حيث يقول:
حصباء در على أرض من الذهب كأن صغرى وكبى من فواقعها
" وامت نع من كان حاضرا أن يلت قط شيئا ،فقال الأمون ،أ كر من ها ،فمدت زبيدة يد ها فأخذت
ح بة ،فالت قط البا قى من كان حاضرا .ك ما ذ كر الشابش ت :أن نفقات الزواج بل غت من مال اللي فة
() وشبيه به ما حدث ف الندلس كذلك.
1
() شخصية السندباد أسطورية وكذلك رحلته ,ولكنها ترمز إل واقع كان قائما بالفعل.
2
الهدى 1.388.000دينار عدا مبلغ كبي أنفقه الرشيد نفسه.
" وقد أكدت السيدة زبيدة لب عبد ال الأمون ،وكان أخا المي ابن السيدة زبيدة من أبيه الرشيد
كما نعلم ،أن نفقات هذا الزواج كانت تتراوح بي خسة وثلثي مليون درهم وسبعة وثلثي مليون
درهم.
" وقد فاق الأمون أباه الرش يد ف كر مه وإ سرافه ،يدلنا على ذلك ما أنفقه على زوا جه من بوران
بنت السن بن سهل ،ويقول الطبى إن الأمون أمر للحسن بن سهل وهو ف طريقه إل بوران بعشرة
ملي ي من الدرا هم ،ومن حه خراج إقل يم فم ال صلح .ويقول ا بن خلكان إ نه أعطاه خراج إقل يم فارس
والهواز سنة واحدة.
" وقد وصف السعودى إسراف السن بن سهل وبذخه ف هذا الزواج فقال:
ونثر السن ف ذلك من الموال مات ل ينثره ول يفعله ملك قط ف جاهلية ول ف إسلم ،وذلك
أنه نثر على الاشيي والقواد والكتاب بنادق مسك فيها رقاع بأساء ضياع وأساء جوار وصفات دواب
وغ ي ذلك .فكا نت البند قة إذا وق عت ف يد الر جل فتح ها فقرأ ما ف يه في جد على قدر إقباله و سعوده
في ها ،فيم ضى إل الوك يل الذى ن صب لذلك ،فيقول له ضي عة يقال ل ا فل نة الفلن ية ،من ط سوح
كذا ،من رستاق كذا ،وجارية يقال لا فلنة الفلنية ،ودابة صفاتا كذا .ث نثر بعد ذلك على سائر
الناس الدناني والدراهم ونوافح السك وبيض العنب ،وأنفق على الأمون وقواده ،وعلى جيع أصحابه
و من كان م عه من جنوده أيام مقا مه عنده ،وعلى الكار ين والمال ي واللح ي ،و كل من ض مه
العسكر من تابع ومتبوع مرتزق وغيه.)1( " ..
وخذا هذا النموذج أيضـا مـن أيام العباسـيي ،عنـد زواج قطـر الندى بنـت خارويـة مـن الليفـة
العتضد:
" وقد استطاع خاروية با هيأه له بيت مال مصر أن يبذل الموال الضخمة بذل من ل يشى فقرا
ول يهاب عوزا ،ف قد ذ كر ا بن دقماق أ نه " ح ل مع ها ما ل ير مثله ول سع به إل ف وق ته " وذ كر
القريزى (خطط جـ 1ص " :)319أنه ل يبق خطية ول طرفة من كل لون وجنس إل حله معها "
فمن هذا الهاز دكة من أربع قطع من الذهب عليها قبة من ذهب مشبك ،ف كل عي من التشبيط
قرط معلق فيه حبة من الواهر ل يعرف لا قيمة ،ومائة هون من الذهب لدق الطيب ،وألف تكة ثن
الواحدة منها عشرة دناني .وقد أمر خارويه بعد أن فرغ من الهاز بأن يبن على رأس كل مرحلة قصر
() عن كتاب "تاريخ السلم السياسي والدين والثقاف والجتماعي" للدكتور حسن إبراهيم حسن .ج 2ص ,443-442 :الطبعة السابعة .1964
1
أشبه بالنل أو مكان الستراحة تنل فيه وهى ف طريقها إل بغداد .وأعدت هذه القصور بكل ما تتاج
إليه ،فكانت ف سفرها تتمتع هذا العرس فلم نقف عليه ف مصدر من الصادر الت رجعنا إليها .وقد
ذكر ابن خلكان (جـ 1ص )174أن صداقها كان مليون درهم .وليس هذا بالشئ الكثي بانب ما
أنفق على تهيزها ،إذا علمنا أن ابن الصاص الوهرى الذى عهد إليه بإعداد الهاز نال جائزته وهى
أربعمائة ألف دينار بقيت بعد إعداد كل ما تتاج إليه العروس ".
وهذا النموذج من الندلس:
" ومن قصور المويي ف الندلس القصر الذى بناه الأمون بن ذى النون بطليطلة ،وقد انفق على
بنائه أموال ضخ مة ،وج عل ف و سطه بية ف و سطها ق بة من زجاج ملون منقوش ،وجلب الاء إل
القبة بيث كان ينل من أعلها وييط با من كل جوانبها ،فكانت قبة الزجاج ف غللة ما سكب
خلف الزجاج ل يف تر من الرى ،والأمون قا عد في ها ل ي سه من الاء شئ ول ي صله ،وتو قد في ها
الشموع فيى لذلك منظر بديع عجيب.)1( "..
تلك مرد ناذج سريعة من الترف وال سرف ف حياة العبا سيي ف الشرق والموي ي ف الندلس ،
وغيها كثي كثي ..ما أصاب الناس بالترهل والستغراق ف متاع الرض.
m m m
ولكن قبل أن نتحدث عن دولة اللفة الثالثة با لا وما عليها ،ينبغى أن نذكر انرافا آخر حدث
ف الجت مع العبا سى ،و ظل باق يا ب عد انيار الدولة العبا سية ،بل إ نه تغل غل ف الدولة الديدة م نذ
مولد ها ،وكانـت له آثاره الطية ف حياة ال مة ال سلمية ح ت انارت تلك ال مة ذات ا ف الع صر
الخي.
ذلك هو الصوفية.
نشأت الصوفية رد فعل للترف الذى غشى الجتمع العباسى ..فإن " التطهرين " من ذل الجتمع ،
الذ ين هال م الف ساد الذى ي سرى ف الجت مع من الترف والجون ،والن صراف عن ذ كر ال و عن
الخرة ،أردوا أن ينجوا بأنف سهم ،فجمعوا أطراف ثياب م وت سللوا من هذا الجت مع الفا سد ،لعيشوا
حياة نقية طاهرة ..مع ال.
وبصرف النظر عما دخل ف الصوفية من أفكار ،ودفعات يهودية ونصرانية وجوسية وهندوكية..
ف ما ب نا أن نن كر أن دافع ها ال صلى كان هو اعتزال الف ساد ال سارى ف الجت مع ،واللوص إل ح يث
الطهارة والقاء.
ولكن الصوفية ذاتا نزعة منحرفة عن النهج السلمى الصحيح.
فلئن كان فيها نزوع إل تزكية الروح وهو من السلم ونزع إل الترفع عن متاع الرض وهو من
السلم ونزع إل ذكر الخرة وهو من السلم فإن فيها سلبية وانعزالية ليست من السلم ،وإهال
للحياة الدنيا ليس من السلم.
إن الصوفية ف حقيقتها عملية " هروب " من مواجهة الواقع ومالد ته ،هروب إل " عال خاص "
من صنع الوجدان ،ينعم فيه النسان " بشاعر " القرب من ال وها أو حقا فيقعد عن " العمل " اكتفاء
بتل الشاعر الت تتصر له الطريق!
إن " العمال " وسيلة للقرب من ال .ولكن ما حاجة " الواصل " إل الوسيلة وقد وصل بالفعل؟!
كذلك يق عد ال صوفية عن الع مل والكدح ف وا قع الياة الدن يا ،ك ما يقعدون عن مالدة الوا قع
النحرف لرده إل سواء السبيل ،ويكتفون بتلك الشاعر الت تيل إليهم أنم قريبون من ال ،واصلون
إليه ،عائشون ف حضرته ،سابون ف نوره ..فل يبتغون وراء ذلك شيئا لنه ليس وراء ذلك شئ!!
إنا مشاعر يكن بالفعل أن تستغرق حسن النسان فيغرق فيها ول يفيق.
ث إن التدريب الروحى يفتح للنسان عالا من العاجيب .فكما أن التدريب السدى يعطى النسان
قوة وقدرة ،واستمتاعا بتلك القوة والقدرة ،وكما أن التدريب العقلى ينشط الذهن ويسكبه قدرة على
الستيعاب والفهم ،واستمتاعا بتلك القدرة كذلك ،فكذلك التدريب الروحى يعطى النسان شفافية
وإشراقا ،وإنسياحا وراء السدود والواجز السية إل عال فسيح ل تده حدود ،واستمتاعا بذلك كله
يغرى بالزيد!
ولكن السلم ل يقبل تلك " الغيبوبة "!
لقد جاء السلم " لهمة " معينة ف الرض.
س بِاْلقِ سْطِ} [ سورة الد يد
ت َوَأنْزَلْنَا َمعَهُ ْم اْل ِكتَا بَ وَالْمِيزَا نَ ِلَيقُو مَ النّا ُ
{َلقَدْ أَرْ سَ ْلنَا رُ سَُلنَا بِاْلَبيّنَا ِ
]57/25
وقيام الناس بالقسط ل يتأتى بجرد الرغبة ف ذلك ول بجرد التمن ،كما أنه ل يتم شئ ف حياة
النسان كلها بجرد الرغبة ول مرد التمن ،إنا لبد من جهد يبذل لتحقيق الرغبة ،وتويل المنية إل
واقع مسوس.
والسلمون بالذات هم الذين حلهم ال مسئولية " العمل " لخراج البشرية كلها من الظلمات إل
النور بقتضى الكتاب النل إليهم:
س مِنْ الظّلُمَاتِ إِلَى النّورِ} [سورة إبراهيم ]14/1
خرِجَ النّا َ
{الر ِكتَابٌ أَنزَْلنَاهُ إَِليْكَ ِلتُ ْ
س َويَكُو نَ الرّ سُو ُل عََلْيكُ ْم َشهِيدا} [سورة
{وَكَذَلِ كَ َجعَ ْلنَاكُ مْ ُأ ّم ًة وَ سَطا ِلَتكُونُوا ُشهَدَا َء عَلَى النّا ِ
البقرة ]2/143
َنـ الْ ُمنْكَرِ} [سـورة آل
ْنـ ع ْ
ُوفـ َوَيْن َهو َ
ُونـ بِالْ َمعْر ِ
خيْ ِر َوَي ْأمُر َ
ُونـ إِلَى الْ َ
ُمـ ُأ ّمةٌ يَ ْدع َ
ُنـ ِمنْك ْ
{وَْلتَك ْ
]3/104
ف َوَتْنهَوْ َن عَ نْ الْمُنكَ ِر َوُت ْؤمِنُو َن بِاللّ هِ} [سورة آل
س َتأْمُرُو نَ بِالْ َم ْعرُو ِ
{ ُكْنتُ مْ َخْيرَ ُأ ّمةٍ أُ ْخرِجَ تْ لِلنّا ِ
]3/110
وال مر بالعروف والن هى عن الن كر الذى هو خل صة حر كة الد ين ف وا قع الرض ج هد م سوس
يبذل ف واقع الياة ،وموقف إياب من كل شئون الياة.
وهنا مفرق الطريق بي الصوفية وبي السلم!
الصوفية انعزال سلب ،والسلم مواجهة إيابية.
ف اللم دعوى صرية إل الترفع عن متاع الرض:
خيْ ِلض ِة وَالْ َ
ش َهوَاتِـ مِن ْـ النّسـَا ِء وَاْلَبنِيَ وَالْ َقنَاطِ ِي الْ ُم َقنْطَ َر ِة مِن ْـ ال ّذهَبِـ وَالْ ِف ّ
{ ُزيّنَـلِلنّاسِـ حُبّ ال ّ
خيْرٍ حيَاةِ ال ّدْنيَا وَاللّ هُ عِنْدَ هُ حُ سْ ُن الْمَآ بِ (ُ )14قلْ َأؤَُنّبئُكُ ْم بِ َ ع الْ َ
ك َمتَا ُ
حرْ ثِ ذَلِ َ س ّو َمةِ وَا َلنْعَا مِ وَالْ َ
الْمُ َ
حتِهَا الَْنهَارُ خَاِلدِي نَ فِيهَا خَالِدِي نَ فِيهَا َوأَ ْزوَا جٌ جرِي مِ ْن تَ ْ ت تَ ْ
مِ نْ ذَِلكُ مْ لِلّذِي َن اّت َقوْا ِعنْدَ َرّبهِ مْ َجنّا ٌ
ضوَا نٌ مِ نْ اللّ ِه وَاللّ ُه بَ صِيٌ بِالْ ِعبَادِ ( )15الّذِي َن َيقُولُو نَ َربّنَا ِإنّنَا آ َمنّ ا فَا ْغفِرْ لَنَا ُذنُوبَنَا وَقِنَا مُ َطهّ َرةٌ وَرِ ْ
ب النّارِ ([ })16سورة آل ]16-3/14
عَذَا َ
وف الصوفية كذلك دعوى إل الترفع عن متاع الرض والكتفاء منه بأقل القليل.
ولكن فيم تنفق الطاقة الائلة التجمعة ف النفس من مارسة هذا الترفع عن متاع الرض؟
ف السلم تنفق الطاقة ف تقيق " القيم العليا " ف دنيا الواقع ،وف الصوفية تنفق ف تقيق تلك
القيم ف سبحات الروح وإشراقات الوجدان!
إحداها تصلح الواقع بالفعل .تصلح الفرد والجتمع ،وترفعهما من الواقع الدن التمثل ف الجال
السى الغليظ ،إل الواقع العلى الذى تنطلق فيه كل طاقات النسان :جسده وعقله وروحه ،للقيام
بهمة اللفة ،وعمارة الرض بقتضى النهج الربان ،الت هى حقيقية " العباد " بعناها الشامل الواسع
،والت يتحقق بتحقيقها الكيان العلى للنسان.
والخرى تترك الواقع بكل ما فيه من سوء ،ل تتعرض لصلحه ،وتعزل عنه ف ماولة لصلح
الذات ،ماولة قد تنجح ف جانب من الوانب هو الانب الروحى ولكنها تفقد النسان توازنه الذى
خلقه ال عليه وخلقه له ،وتفقده واقعيته وإيابيته ،فضل عن صرفه عن القيام بالتكاليف الت فرضها
ال " ليقوم الناس بالقسط " وليخرج الناس من الظلمات إل النور.
أرأيت لو أن طاقة كامنة يكن با استثمار قطعة واسعة من الرض ،تنع منها حشائشها الضارة ،
وترثها وتسقيها ،وتستنبت فيها البقول والشجار ،والورود والزهار ،ليعيش من حصيلتها مموعة
من الناس وي ستمتعوا بطبيبات ا ،أنف قت ف حرث ر كن منعزل من الرض ،وترك سائرها لتنت شر ف يه
الشائش والشرات ويأوى إليه شذاذ الفاق.
أى تبديد للطاقة ..وأى صرف للجهد عن الصلح؟!
ذلك مثل الصوفية ف تبديد الطاقة البشرية وإن ظنت أنا تمعها وتركزها!
ذلك مثلها ف صرف الهد عن إصلح الياة البشرية وإن ظنت أنا تقوم بالصلح.
ُسـحُونَ الّليْلَ وَالّنهَارَ ل
إن النسـان مهمـا فعـل لن يسـتطيع أن يعبـد ال على طريقـة اللئكـة{ :ي َبّ
َي ْفتُرُونَ ([ })20سورة النبياء ]21/20
وال من حكمته ورح ته ل يكلف الن سان أن يعبد ال على طريقة اللئكة ،وإل للقه ملكا م نذ
البدء ،نورا شفافا بل جسد طين ينع ،ول فكر ينشغل بأمور الياة.
ولكنه ،من حكمته ورحته ،وقد خلقه من قبضة من طي الرض ،ونفخة من روح ال ،وجعل
له جسدا يتحرك بالرغبة ،وعقل ينشغل بالتفكي ،وروحا طليقة ترفرف ،كلفه عبادة من نوع خاص
غي اللئكة من ناحية ،والعجماوات والمادات من ناحية أخرى .عبادة يتمع فيها كيانه كله :جسده
وعقله وروحه .وجعل كل نشاط جسده عبادة ،وكل نشاط عقله عبادة ،وكل نشاط روحه عبادة ،
إذ توجه بذلك كله إل ال ،والتزم فيه با أنزل ال:
حيَاي َومَمَاتِي لِلّ هِ رَبّ الْعَالَمِيَ ( )162ل شَرِي كَ لَ هُ [ }...سورة
{قُلْ إِنّ صَلتِي َونُ سُكِي َومَ ْ
النعام ]163-6/162
وحي يفعل ذلك فهو ف أعلى حالته ،وأقربا إل ال ،وأجدرها برضا ال.
ودليلنا هو أعبد عبد ل ،أعظم بشر خلقه ال ،ممدe
"أل أن أعبدكم ل ،ولكن أصوم وأفطر ،وأقوم وأنام ،وأتزوج النساء فمن رغب عن سنت فليس
من " (.)1
هل يستطيع بشر بعد هذا النص أن يزعم أنه أعبد له من ممد رسول ال؟!
فيكف كانت عبادته e؟!
فأما خولته مع ربه ،فقد كانت يتعبد حت تتورم قدماه الشريفتان ،فتقول له عائشة رضى ال عنها:
هون عليك يا رسول ال فقد غفر لك ال ما تقدم من ذنبك وما تأخر :فيقول eقولة العابد الواصل ف
العبادة إل العماق :أفل أكون عبدا شكورا؟! ()2
ومع ذلك ..فكيف كانe؟
كان أكب طاقة إيابية عرفتها الرض..
ف الهاد ف مال الدعوى .ف القتال ف سبيل ال .ف تربية أصحابه رضوان ال عليهم ليكونوا مثل
عل يا ف كل اتاه ،وطاقات إياب ية ف كل اتاه .ف إنشاء ال مة ال ت ش هد ل ا خالق ها ومرج ها إل
الوجود سبحانه بقولهُ { :كْنتُ مْ َخيْرَ ُأ ّمةٍ أُخْ ِرجَ تْ لِلنّا سِ} [سورة آل .]3/110ف إقامة العدل الربان
ف الرض .ف تنظ يم شئون " الدولة " ال سياسية والقت صادية والجتماع ية والرب ية واللق ية والروح ية
والفكريـة ..إل جانـب قيامـة بأمور حياتـه الاصـة eورعايـة زوجاتـه وبناتـه وكفالتهـم وتوجيههـن
وتعليمهن ..ال.
والرسول eهو أسوة السلمي إل قيام الساعة ،وهو الترجة الواقعية لذا الدين ف أعلى صوره.
سَنةٌ ِلمَ نْ كَا نَ َيرْجُو اللّ َه وَالَْيوْ مَ ال ِخ َر وَذَكَرَ اللّ هَ َكثِيا (
{َلقَدْ كَا نَ َلكُ مْ فِي رَ سُولِ اللّ هِ أُ ْس َوةٌ حَ َ
() متفق عليه.
1
() متفق عليه.
2
[ })21سورة الحزاب ]33/21
وال صوفية تقول إن ا ترجوا ال واليوم ال خر وتذ كر ال كثيا! ..فلماذا ل تتأ سى بر سول ال eف
إيابيته وفاعليته وواقعيته ،ومابته للواقع السيئ لدمه والقضاء عليه ،وإنشاء الواقع الصحيح بدل منه؟!
(.)1
هذا هو الفارق بي السلم والصوفية.
هنا إيابية وهناك سلبية ،هنا مواجهة وهناك عزلة .هنا " زهد " ف متاع الرض مع إباحته ومارسته
،وهناك إنزواء عن التاع يقتل الرغبة ويصيب النفس كلها بالذبول.
ومع الصوفية ينشأ التواكل بدل من التوكل.
التوكل على ال من صميم اليان ،وقد تردد ذكره ف القرآن مربوطا باليان:
{ َوعَلَى اللّهِ َف ْلَيَتوَكّ ْل الْ ُم ْؤ ِمنُونَ ([ })160سورة آل ]3/160
ت عََلْيهِ مْ آياتُ هُ زَا َدْتهُ مْ إِيَانَا َوعَلَى َرّبهِ مْ
{ِإنّمَا الْ ُم ْؤمِنُو نَ الّذِي نَ إِذَا ذُكِرَ اللّ ُه وَ ِجلَ تْ ُقلُوُبهُ مْ َوِإذَا تُِليَ ْ
َيَتوَكّلُونَ ([ })2سورة النفال ]8/2
ولكن التوكل ككل شئ ف دين ال طاقة إيابية دافعة ،يقوم به الؤمن مع اتاذ السباب.
{فَِإذَا عَ َز ْمتَ َفَتوَكّلْ عَلَى اللّهِ} [سورة آل ]3/159
والعزية ف شأن القتال خاصة ،وهو الذى وردت بناسبته الية الكرية تقتضى إعداد العدى واتاذ
السباب.
أما التواكل الذى تارسه الصوفية وتقول عنه إنه توكل ،فهو ككل شئ ف الصوفية صورة سلبية
معطلة ،تتقاعس عن اتاذ السباب متذرعة بالتوكل على ال.
لقد أفسد التواكل كثي من عقيدة القضاء والقدر ،وحولا من عقيدة إيابية دافعة إل عقيدة سلبية
مذلة ،وإل الرضاء السلب بالواقع وعدم ماولة التغيي.
كان ال يعلم اليل الول رضوان ال عليهم {قُلْ لَ ْن يُصِيَبنَا إِ ّل مَا َكتَبَ اللّهُ َلنَا ُهوَ َموْلنَا َوعَلَى اللّهِ
َف ْليََتوَكّ ْل الْ ُم ْؤ ِمنُونَ ([ })51سورة التوبة ]9/51
فيعلمون أنه ليس ذهابم إل القتال هو الذى يقتلهم ،إنا هو القدر القدر عند ال هو الذى يصيبهم
أينما كانوا ،فيندفعون بكل قوتم للقتال.
() ينبغي أن نذكر هنا أن كثيا من ينتمون إل الصوفية كانوا ماهدين ف سبيل ال ,ونشروا السلم ف بقاع من الرض ف أفريقيا وآسيا ل يصل إليها غيهم ,وهؤلء زهاد ف
1
القيقة وإن انتموا إل الصوفية من حيث الشكل ,وهؤلء ل ينطبق عليهم كل ما نقوله هنا عن الصوفية.
جزُو نَ (َ )59وَأعِدّوا َلهُ ْم مَا ا ْستَ َط ْعتُمْ
سبَ ّن الّذِي نَ َك َفرُوا َسَبقُوا ِإنّهُ ْم ل ُيعْ ِ
وكان يعلمهم{ :وَل َيحْ َ
خيْ ِل تُ ْر ِهبُو َن بِ ِه عَ ُدوّ اللّ ِه َوعَ ُدوّكُمْ} [سورة النفال ]60-8/59 ط الْ َ
مِنْ ُق ّو ٍة َومِنْ ِربَا ِ
فيعلمون عل ما يقين يا مؤكدا أن ال لن ي قق للكفار م سعاهم ف هدم هذا الد ين والقضاء عل يه ،بل
سيمكن لدينه ف الرض ،ومع ذلك يعدون ما استطاعوا من قوة ،أى يبذلون الهة ويتخذون السباب
،ول يقولون لنفسهم :ما دام ال سيمكن لدينه فذلك حسبنا ،ونتوكل عليه فل نعمل!
صبْتُ ْم ِمثَْلْيهَا ُق ْلتُ مْ َأنّى هَذَا ُق ْل ُهوَ مِ ْن ِعنْدِ َأْنفُ سِكُمْ ِإنّ
وكان يعلمهمَ{ :أوَلَمّا أَ صَاَبْتكُمْ مُ صِيَبةٌ قَدْ أَ َ
ْنـ اللّهـِ[ }...سـورة آل َانـ َفبِِإذ ِ
ْمـ اْلتَق َى الْجَ ْمع ِ ّهـ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( )165وَم َا أَصـَابَكُ ْم َيو َ الل َ
]166-3/165
فيعلمون أن وقوع المر بقدر من ال ل يليهم من مسئوليتهم عن أعمالم حي يطئون أو يسيئون
التقدير.
سنُوا ِمْنهُ ْم وَاتّ َقوْا
وكان يعلمهم{ :الّذِي نَ ا ْستَجَابُوا ِللّ ِه وَالرّ سُولِ مِ نْ بَعْ ِد مَا أَ صَاَبهُ ْم اْلقَرْ حُ ِللّذِي نَ أَحْ َ
سبُنَا
ش ْوهُمْ َفزَا َدهُمْ إِيَانا وَقَالُوا حَ ْ أَ ْج ٌر عَظِيمٌ ( )172الّذِينَ قَالَ َلهُ ْم النّاسُ ِإنّ النّاسَ قَدْ َج َمعُوا َلكُمْ فَاخْ َ
اللّ ُه َوِنعْ َم اْلوَكِيلُ ([ })173سورة آل ]173-3/172
فيتعلمون أن وقوع قدر ال بالزية ليس معناه الستسلم للهزية والقعود فيها بجة أنا قدر من عند
ال ،إن ا معنا ها ال سعى اليا ب لتغي ي هذا الوا قع مع التو كل على ال ،رجاء تغي ي القدر الول بقدر
جديد)1(...
وبذلك كله كانت عقيدة القدر ف حياة السلمي الوائل قوة دافعة مركة إل المام.
ول كن توا كل ال صوفية حول ا إل غ ي ذلك ،قعودا عن ال خذ بال سباب ب جة أن " مالك سوف
يأتيك "! وتليا عن مسئولية النسان عن عمله بجة أن ما وقع منه قد وقع بقدر من ال! وقعودا عن
تغيي الواقع السيئ من مرض أو عجز أو فقر أو ذلك أو ضيم بجة أنه ما حدث إل بقدر من ال ولو
شاء ال غي ذلك لكان!!
و مع ال صوفية كذلك ين شأ القعود عن تعم ي الرض ،ب جة أن الدن يا ملعو نة ،والعول عل يه هو
الخرة! وأن النسان حسبه ف هذه الدنيا عيشة الكفاف ،لكى ينجو بروحه من التعق بالدنيا ،ولكى
يفرغ لتزكية روحه استعداد للخرة!
ول شك أن الدعوة إل التقلل من متاع الرض ،وعدم " التعلق " بالدنيا هى دعوة إسلمية أصيلة ،
() انظر إن شئت فصل "مفهوم القضاء والقدر" من كتاب "مفاهيم ينبغي أن تصحح".
1
وهذا هو " الزهد " الذى أشرنا إليه من قبل .ولكن النصراف عن عمارة الرض قضية منفصلة ومتلفة
عن عدم التعلق بالياة الدنيا.
لقد ركب ال ف النفس البشرية دوافع إل العمل والنشاط ف صورة رغبات وشهوات أبرزت الية
الكرية أهها أو أشدها سيطرة على النسان:
خيْلِ
ض ِة وَالْ َ
ش َهوَاتِـ مِن ْـ النّسـَا ِء وَاْلَبنِيَ وَالْ َقنَاطِ ِي الْ ُم َقنْطَ َر ِة مِن ْـ ال ّذهَبِـ وَالْ ِف ّ
{ ُزيّنَـلِلنّاسِـ حُبّ ال ّ
حرْثِ} [سورة آل ]3/14 س ّو َم ِة وَا َلْنعَامِ وَالْ َ
الْمُ َ
ول يلق ال هذه الدوافع عبثا ،تعال ال عن العبث..
ول يلقها ليقتلها النسان من جانبه بجة تزكية الروح..
إن ا خلق ها لتعي نه أو لتدف عه لعمارة الرض ،ال ت هى جزء من الل فة ال ت خلق ال الن سان من
أجلها:
{ َوإِذْ قَالَ َربّكَ لِلْمَلِئ َكةِ ِإنّي جَاعِلٌ فِي الَ ْرضِ َخلِي َفةً} [سورة البقرة ]2/30
شأَكُ ْم مِ ْن الَ ْرضِ وَا ْستَعْ َمرَكُمْ فِيهَا} [سورة هود ]11/61
{ ُهوَ أَن َ
صحيح أن هذه الشهوات مهلكة للنسان إذا مضى معها إل آخر الشوط ول يلتزم " بالدود " الت
رسها ال ،وقال عنها{ :تِلْ كَ ُحدُودُ اللّ هِ فَل تَ ْعتَدُوهَا} [سورة البقرة { ]2/229تِلْ كَ حُدُودُ اللّ هِ فَل
َتقْ َربُوهَا} [سورة البقرة .]2/187
لذلك خلق ال فـ النفـس البشريـة ضوابـط تضبـط اندفاع تلك الدوافـع ،منهـا العقـل والرادة
الضابطة ،ومعرفة الطريقي والقدرة على اختيار أحدها:
ب مَ نْ
{ َوَنفْ سٍ وَمَا َسوّاهَا (َ )7فأَْلهَمَهَا ُفجُورَهَا َوَتقْوَاهَا (َ )8قدْ أَفْلَ َح مَ نْ زَكّاهَا ( )9وَقَدْ خَا َ
َدسّاهَا ([ } )10سورة الشمس ]10-91/7
ج َديْنِ ([ })10سورة البلد ]90/10
{ َوهَ َدْينَا ُه النّ ْ
{ِإنّا هَ َديْنَاهُ السّبِيلَ ِإمّا شَاكِرا َوإِمّا َكفُورا ([ })3سورة النسان ]76/3
ثـ ذكـر النسـان بالخرة ،والبعـث والسـاب والزاء ،ليكون ذلك معينـا له فـ ضبـط شهواتـه
واللتزام فيها بالدود الت رسها ال ،والت يعلم سبحانه أن ف داخلها المن والمان والفلح ،ويعلم
سـبحانه كذلك أن اللتزام باـ هـو الذى يرفـع النفـس البشريـة ويظهرهـا ،ويعينـا على عمارة الرض
بقتضى النهج الربان.
وعلى الر غم من وضوح الن هج الربا ن ف هذه النق طة ،فإن ال صوفية ت سعى إل " ق تل " الدوا فع
البشريـة بدل مـن تذيبهـا وضبطهـا ،وتدعـو إل " إهال " الياة الدنيـا بجـة التقرب إل ال وابتغاء
مرضاته.
ولو كان هذا هو السلم لدانا إليه رسول ال.e
يستلون بقوله " : eالدنيا ملعونة وملعون ما فيها إل ذكر ال أو عال أم متعلم " (.)1
ع الْغُرُورِ} [سورة آل .]3/185
وبأن ال ذم الدنيا ف كتابه النل وقال عنها {مَتَا ُ
ول شك أنه ورد ف القرآن الكري والسنة النبوية الطهرة ذم للدنيا أو لعن لا.
ول كن مراج عة ال سياق الذى ورد ف يه م ثل هذا الذم تك شف ل نا بوضوح أن الدن يا تذم أو تل عن ف
مالي اثني ،حي تصد النسان عن اليان بال وتدفعه إل الكفر به ،أو تصده عن الهاد ف سبيل
ال:
{مَ نْ َكفَ َر بِاللّ ِه مِ ْن َبعْدِ إِيَانِ هِ إِ ّل مَ نْ أُكْرِ َه وَقَ ْلبُ هُ مُ ْط َمئِنّ بِالِيَا نِ وََلكِ ْن مَ ْن شَ َر حَ بِالْ ُكفْرِ صَدْرا
حيَاةَ ال ّدْنيَا عَلَى الخِ َر ِة َوَأنّ
حبّوا الْ َ
ك ِبأَّنهُ ْم ا سْتَ َ
ب عَظِي مٌ ( )106ذَلِ َ َفعََلْيهِ ْم َغضَ بٌ مِ نْ اللّ ِه وََلهُ ْم عَذَا ٌ
اللّ َه ل َيهْدِي اْل َقوْ َم اْلكَافِرِينَ ([ })107سورة النحل ]107-16/106
ُمـ َوَأ ْموَا ٌل ا ْقتَرَ ْفتُمُوهَا َوتِجَا َرٌة
ُمـ وَعَشِ َيُتك ُْمـ َوأَ ْزوَا ُجك ُْمـ َوإِ ْخوَاُنك ْ
ُمـ َوَأْبنَاؤُك َْانـ آبَاؤُك ِْنـ ك َ {قُلْ إ ْ
ض ْونَهَا أَ َحبّ إَِليْكُ ْم مِ نْ اللّ ِه وَرَ سُولِ ِه وَ ِجهَادٍ فِي َسبِيلِهِ َفتَ َربّ صُوا َحتّى َي ْأتِ يَ
شوْ نَ كَ سَا َدهَا َومَ سَاكِ ُن تَ ْر َ
تَخْ َ
اللّ ُه ِبَأمْ ِرهِ وَاللّ ُه ل َيهْدِي اْل َقوْ َم اْلفَاسِقِيَ ([ })24سورة التوبة ]9/24
أما ف غي هذين الجالي فليست الدنيا مذمومة ول ملعونة ،ما دامت ل تصد عن اليان بال أو
الهاد ف سبيل ال.
حيَاةِ ال ّدنْيَا
{قُ ْل مَ نْ حَرّ مَ زِيَنةَ اللّ ِه الّتِي َأخْ َر جَ ِلعِبَادِ هِ وَال ّطّيبَا تِ مِ نْ الرّزْ قِ ُق ْل هِ يَ لِلّذِي نَ آ َمنُوا فِي الْ َ
صةً َي ْومَ الْ ِقيَا َمةِ} [سورة العراف ]7/32 خَاِل َ
{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللّهُ الدّارَ ال ِخ َرةَ وَل تَنسَ َنصِيبَكَ مِنْ ال ّدْنيَا} [سورة القصص ]28/77
صـحيح أن التعلق بالدنيـا يؤدى إل معصـية ال .وهذا هـو العنـ الذى ركـز عليـه الصـوفيون أشـد
الترك يز ،وجعلوا الدنيا ملعونة من اجله ،ولكن ق تل النفس من جهة أخرى مافة الوقوع ف الع صية
يوقع ف معصية من نوع آخر ،هى القعود عن المر بالعروف والنهى عن النكر ،وعن مالدة الباطل
والعمل على إزهاقه ،وعن عمارة الرض بقتضى منهج ال.
وحي يعمل النسان ف هذا القل ،وهو المر بالعروف والنهى عن النكر ،والهاد لتكون كلمة
() رواه الترمذذي وابن ماجه.
1
ال هى العليا ،وعمارة الرض بقتضى النهج الربان ،ث تقع منه الخطاء والعاصى غي متعمد لا ول
متبجح با ،ث يستغفر ال عنها وياهد لكى ل يقع فيها ،فذلك هو الذى قال ال فيه:
سهُمْ ذَكَرُوا اللّهَ فَا ْسَتغْفَرُوا لِ ُذنُوِبهِمْ َومَ ْن َي ْغفِرُ ال ّذنُوبَ إِلّ اللّ ُه
شةً َأوْ ظََلمُوا َأْنفُ َ
{وَالّذِينَ إِذَا َفعَلُوا فَاحِ َ
وَلَ ْم يُ صِرّوا عَلَى مَا َفعَلُوا َوهُ ْم َيعْلَمُو نَ (ُ )135أوَْلئِ كَ جَزَا ُؤهُ ْم َم ْغفِ َرةٌ مِ نْ َرّبهِ مْ َو َجنّا تٌ َتجْرِي مِ نْ
حِتهَا ا َلنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا َونِعْمَ أَ ْج ُر اْلعَامِلِيَ ([ })136سورة آل ]136-3/135 تَ ْ
وقال فيه رسول ال:e
" والذى نفسى بيده لو ل تذنبوا لذهب ال ب كم وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون ال فيغ فر ال لم!"
( ).
1
وحي تلس ساكنا وتمل فوق رأسك سلة ملوءة بالشياء فل يقع منها شئ ،فقد حافظت على ما
ف السلبة بالفعل ،ولكنك ف سبيل الحافظة عليها تعطلت عن الركة الطلوبة منك وليست هذه هى
البا عة إن ا البا عة أن تتحرك وأ نت ت مل ال سلة على رأ سك وتاول جاهدا أل ي سقط من ها شئ .فإن
تساقط منها شئ أسرعت إل إعادته ف السلة وعاودت السي.
ولثل هذا خلق ال النسان .جله المانة ث أمره بالسي ف مناكب الرض وهو يمل المانة ،يأمر
بالعروف وين هى عن الن كر ،ويا هد ل كى يقوم الناس بالق سط ،ول كى تكون كل مة ال هى العل يا ،
ويعمر الرض بقتضى النهج الربان ..ث كان من رحته سبحانه وتعال وهو يعلم ضعف النسان أنه
يغ فر ما ي قع ف أثناء ذلك من الذنوب ما دام الع بد ل ي صر علي ها ،و ما دام ي ستغفر ويتوب ،في تم "
النتاج " الطلوب والنسان ف أرفع حالته ،وأقربا إل رضوان ال.
أما القعود عن النتاج ،أو حصره ف أضيق نطاق مكن بجة تنب الزالق ،فليس هو الذى أمر به
ال..
و من ج هة أخرى فإن ح صر النتاج ف أض يق نطاق م كن و هو نطاق الكفاف ي عل الدولة كل ها
تعيش ف حالة الكفاف ،ول يعل لديها " الفائض " الذى تنفقه ف متطلبات " التمكي ف الرض ".
إن التمكي ف الرض هبة ال للمؤمني:
ف الّذِي َن مِ ْن
خلَ َ
خِلفَّنهُم فِي الَرْ ضِ َكمَا ا سْتَ ْ ستَ ْ
{ َوعَدَ اللّ ُه الّذِي نَ آمَنُوا ِمْنكُ ْم َوعَمِلُوا ال صّالِحَاتِ َليَ ْ
َقبِْلهِ ْم وََليُ َم ّكنَنّ َلهُ مْ دِيَنهُ ْم الّذِي ا ْرَتضَى َل ُه ْم وََلُيبَدَّلنّهُ ْم مِ ْن َبعْدِ َخوِْفهِ مْ َأمْنا َي ْعبُدُوَننِي ل يُشْرِكُو َن بِي
َشيْئا} [سورة النــور ]24/55
() أخرجه مسلم.
1
ولكن له تكاليف...
فإل جانـب عبادة ال وحده بل شريـك ،وتكيـم شريعتـه وحده ،وهاـ القتضـى العملى لليان
الصحيح ،فهناك تكاليف حسية ومادية :
خيْ ِل تُ ْر ِهبُو نَ بِ هِ عَ ُدوّ اللّ ِه َوعَ ُدوّكُ ْم وَآ َخرِي َن مِ ْن
ط الْ َ
{ َوَأعِدّوا َلهُ ْم مَا ا ْستَ َط ْعتُ ْم مِ نْ ُق ّو ٍة َومِ نْ ِربَا ِ
دُوِنهِ مْ ل َتعَْلمُونَهُ مْ اللّ ُه َيعْلَ ُم ُه ْم وَمَا تُن ِفقُوا مِ ْن َشيْءٍ فِي َسبِيلِ اللّ ِه ُيوَفّ إَِلْيكُ مْ َوَأْنتُ ْم ل تُظْلَمُو نَ (
[ })60سورة النفال ]8/60
فإذا عاش مموع الناس عيشة الكفاف ،ول ينتجوا إل ف حدود الكفاف ،فكيف للدولة السلمة أن
تعد ما استطاعت من قوة لرهاب أعداء ال ،تلك القوة الت ل يستمر التمكن ف الرض إل با؟
إن ا يتاج ال مر إل النتاج الوف ي وال ستهلك القل يل ..وهذه هى العادلة ال ت ي تم ب ا التمك ي ف
الرض والحافظة عليه .أما النتاج القليل على قدر الستهلك القيل فل يؤدى إل إل فقر مموع المة،
الفقـر الذى يؤدى إل الضعـف ،والضعـف يرك شهوة العداء الذيـن ينتظرون الفرصـة السـانة
للنقضاض.
وإل جانـب ذلك كله ،فيحـن يعتزل التطهرون الجتمـع وينعزلون عنـه ليزكوا أرواحهـم بعيدا عـن
الدنس فمن يبقى ف الجتمع؟ ومن يدير شئونه؟ ومن يتحرك فيه؟
أليست هذه العزلة مشجعا للفاسدين أن ينفردوا بالعمل دون تدخل ول اعتراض؟ بينما كان الواجب
الول لولئك التطهر ين أن يأمروا بالعروف وينهوا عن الن كر ،ويأطروا الا كم على الا كم على ال ق
أطرا ويأصروه عليه أصراكما أمرهم ال ورسولهe؟
فإذا أض يف إل هذه المور كل ها تض خم الش يخ ف حس الر يد إل حد أن ي صبح ف حقي قة ال مر
واسطة بينه وبي ال ،ف الوقت الذى جاء فيه السلم ليلغى كل واسطة بي العبد والرب ،ويرر القلب
البشرى من كل قيد يعو قه عن التصال البا شر بال ،وعبادة ال وحده بل شريك ،ويكون من تعلي مه
ستَجِيبُوا لِي وَْلُيؤْ ِمنُوا بِي
ك ِعبَادِي َعنّي فَِإنّي َقرِيبٌ أُجِيبُ َد ْع َوةَ الدّاعِي إِذَا َدعَانِي َف ْليَ ْ
للناس َ { :وإِذَا َسأَلَ َ
َلعَّلهُمْ يَ ْرشُدُونَ ( [ })186سورة البقرة ]2/186
إذا اضيف هذا إل كل ما سبق فقد بدا لنا كم تنحرف الصوفية عن أصل السلم ،وكم تضيف إليه
ما لبس منه ،ف سبيل تقيق غاية ف ذاتا من السلم ،ولكن طريقها الربان غي هذا الطريق..
وهذا كله مع الصوفية " النظيفة " الصادقة الخلصة ،فكيف إذا صارت دجل وتريا وخرافات؟
ول شـك أن هناك ف تاريـخ الصـوفية سـواء تاريـخ الشيوخ أو الريديـن مـن كان عامل بتعاليـم
ال سلم ،ماهدا ف سبيل ال باله ود مه ،آمرا بالعروف وناه يا عن الن كر ،ناشرا لد ين ال ف الرض.
فهؤلء كما أشرنا من قبل ل ينطبق عليهم حكم الصوفية النحرفة ،وإنا هم ف القيقة زهاد وأن القوا
بالصوفية.
ول كن الذى ل شك ف يه كذلك أن هؤلء قلة ف تار يخ الت صوف ،وأن الغلب ية كا نت من أولئك
السلبيي النعزلي ،الذين يسعون إل تزكية أنفسهم ف عزلة عن ركب الياة.
m m m
إذا عدنـا إل الفترة العباسـية لنقوم مدى مـا حدث فيهـا مـن انراف فسـنجده ،انرافـا ضخمـا ول
شك ..ف كثي من الجالت هذا الدين.
وكان طبيعيا كما قلنا أن تنهار الدولة العباسية من وطأة هذه النرافات متمعة ،ومن بينها ما يكفى
وحده لتقويـض أركاناـ ،كالترف الذى غرقـت فيـه القصـور ،ولعـب الدخلء بالسـلطان ،والدسـائس
والؤامرات ،وضعف القوة السياسية والعسكرية ..فإذا اجتمع إل ذلك ما سردناه من النرافات الخرى
فلم يكن انيار الدولة عجبا ،إنا كان العجب أن تستمر أكثر من ذلك بكل ما تمله من أمراض.
وجاء النيار تقيقا لسنن ال ف الياة البشرية ..السنن الت ل تاب أحدا ولو قال بلسانه 0ل إله
إل ال ممد رسول ال)!.
وب صرف الن ظر عن كون التتار الذ ين أطاحوا بالدولة العبا سية قد جاءوا بدعوى خف ية متآمرة من
وزير شي عى ف الدولة العبا سية ذات ا ،و من اليهود القاطن ي ف بغداد ،الذ ين ل ي سوا ب سوء طيلة وجود
التتار فيها ،بينما جرى النهر أربعي يوما أحر من دماء السلمي الذين ذبهم التتار.
بصرف النظر عن هذه القيقة ،فما كان لثل هذا المر أن يقضى على الدولة لو أنا واعية لنفسها
كا ينب غى للدولة ال سلمة ،ملتزمة بأوا مر ال ال ت تأ مر بإعداد القوة لرهاب أعداء ال ،وتأ مر بعدم اتاذ
بطانة من يكيدون للسلم :
ت اْلَبغْضَا ُء مِ ْن
{يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا ل َتتّخِذُوا بِطَاَن ًة مِنْ دُونِكُ ْم ل َيأْلُوَنكُمْ َخبَا ًل وَدّوا مَا عَِنتّمْ قَ ْد بَدَ ْ
أَ ْفوَا ِههِم ْـ وَمَا تُخْفِي صُـدُو ُرهُمْ أَ ْكبَرُ قَ ْد َبّينّاـَلكُم ْـ اليَاتِـإِن ْـ ُكْنتُم ْـ تَ ْعقِلُونَـ ( [ })118سـورة آل
]3/118
لمٍ ِل ْل َعبِيدِ ([ })46سورة فصلت ]41/46
ك بِ َظ ّ
{ َربّ َ
ولكن انيار الدولة با تمل من أوضار ل يكن هو ناية " المة السلمية " رغم اشتراكها ولو بقدر
فـ هذه الوضار ،أول :لن الدفعـة اليويـة الائلة التـ أطلقهـا السـلم فـ هذه المـة ل تكـن قـد
استنفدت ،وثانيا :لن العقيدة كانت ما تزال حية وإن علها الرماد ،فكانت تنتظر فقط من ينفخ عنها
الرماد لتشتغل الذوة من جديد.
وقد تبدت حيوية السلم وحيوية المة السلمية ف ظهور الدولة العثمانية بكل قوتا وكل حيويتها
كأنا بعث جديد للمة أو مولد جديد.
ولكن .هل كان بعثا صافيا ،أو مولدا من نوع الولد الول ف عهد الذروة؟ أم حل معه من أوضار "
المة " ما كان كامنا فيها من الوضار؟
m m m
فأما من حيث صدق الرغبة ف خدمة هذا الدين ،وبذل الدماء والموال ف سبيل ذلك ،فإنا ند فيهم
من ل ي قل عن مرت بة التابع ي رضوان ال علي هم ،وكان جهد هم ف القي قة امتدادا ل هد ال صحابة
والتابعي الذين حاولوا فتح القسطنطينية أول مرة على عهد المويي.
ويكفيهم ف ميزان ال أنم توغلوا ف أوروبا الصليبية ما توغلوا ،وفتحوا للسلم ما فتحو من أراض
وقلوب ،فدخل الناس ف السلم بعشرات الليي.
ويكفيهـم فـ ميزان ال أنمـ حوا العال السـلمى مـن غارات الصـليبيي خسـة قرون متواليـة ،فلم
يرءوا أن يتجهوا مرة أخرى نوـ الشرق للسـتيلء على بيـت القدس كمـا فعلوا أول مرة حتـ زالت
الدولة العثمانية من الوجود.
ويكفيهم ف ميزان ال أنم حت وهم ف النع قدمنعوا قيام الدولة اليهودية على أرض السلم ،ول
يتمكن شذاذ الفاق من التجمع لقامة دولتهم إل بعد أن زالت دولة اللفة من الوجود.
كما أن احترامهم للعلم ،وللعلماء من حلة هذا الدين ،ما يسب لم كذلك ف ميزان ال.
ول كن هذا كله على ضخام ته ف ميزان ال ل ين فى وجود انرافات خطية سواء ف الدولة ،أو ف
حياة المة ف ظل الدولة ..آتت ثارها السيئة على مرور اليام.
لقد كانت هذه أول دولة للخلفة ل تستعرب.
ول يكـن ذلك يؤثـر فـ مبدأ المـر ،مـع الخلص وصـدق العزيةـ ،والعمـل الاد لتوحيـد العال
السلمى ،ووضعه تت قيادة قوية موحدة تميه من التمزق الذى كان يعانيه ف أواخر الدولة العباسية.
ولكنه على مر اليام صار يؤثر ،إذا أحس الشعب العرب ،الذى ظل طيلة تسعة قرون على القل هو
قلب السلم النابض ،بلون من العزلة ،وحكامه ياطبونه بغي لغته ،وبغي اللغة الت نزل با السلم..
وظلت هذه العزلة تتزايد مع توال الظروف السياسية الت أحاطت بالدولة العثمانية ،حت تكن العداء
الاكرون من تزيق جسم المة ،وكانت قضية " الترك " والعرب " من الدوات الت استخدموها ببث
ف التمزيق.
ولو ت صورنا أن دولة الل فة قد ا ستعربت ،وتكل مت بالل غة ال ت نزل ب ا هذا الد ين ،فل شك أن
عوامل الوحدة داخل الدولة كانت تصبح أقوى وأقدر على مقاومة عبث العابثي .فضل عما يتيحه تعلم
العربية من العرفة الصحيحة بقائق هذا الدين من مصادره الباشرة ،كتاب ال وسنة رسوله ،eما كان
الكام والعامة كلها ف حاجة إليه ،على الرغم من كل ما ترجم إل التركية ،وما ألف أصل بالتركية
حول هذا الدين.
ث كان ك ما هو الشأن ف الدولة الع سكرية نوع من " الزم " الزائد الذى ي صل أحيا نا إل حد
الستبداد.
ول شك أن ال ستبداد ال سياسى قد و قع من ق بل ،بدأ به المويون وتل هم العبا سيون ،وكان من
النرافات الت ارتكبها ا" اللك العضوض " ،وحاد با عن خط اللفة الراشدة الت نعم الناس ف ظلها
بتطبيق العدل الربان ف أروع صوره.
ولك ن أح سب أن ال ستبداد ال سياسى ف الدولة العثمان ية ل ي كن مرد امتداد ل ا كان من الموي ي
والعباسيي (وإن كان هذا جائز) ولكن كان له سببه " الحلى " ف الدولة العثمانية ذاتا " الزم " الزائد
الذى يارسه العسكريون ف العتاد حي يتولون شئون السياسية.
ولقد كانت مواجهة الدولة لعداء أقوياء ،لبد من القضاء عليهم أو إخضاعهم بالقوة ليتم التمكي
للدولة ،من أ سباب هذا " الزم " الزائد الذى ات سم به ال كم العثما ن .ول كن روح ال سلم على أى
حال ل تبيح الستبداد أيا كانت ذرائعه ،وتوجب تطبيق العدل الربان فيما بي الاكم ورعيته ف جيع
الحوال.
وزاد ال مر سوءا نظام الولة ف الدولة العثمان ية ،ح يث كان الوال على أى ق طر من أقطار الدولة،
يتول لفترة مدودة ،غالبا ما تكون سنتي أو ثلثة سنوات على الكثر ،ث يعزل بعدها من وليته.
و قد كان للدولة هدف ها من هذا النظام دون شك ،و هو ترك يز ال سلطة ف يد اللي فة ،وعدم إتا حة
الفرصة للولة أن يستقلوا بولياتم كما حدث ف أواخر العصر العباسى وانتهى بتفكيك الدولة العباسية
وانيارها ف النهاية .وقد ساعد هذا النظام بالفعل على دوام سيطرة الدولة العثمانية على ولياتا فترة غي
قصية من الزمان ،واستقرار الدولة وهيبتها ف نفوس التباع والعداء على حد سواء.
ولكن كان للنظام معايبه من جانب آخر ،فإن الوال الذى يعلم سلفا أنه لن يبقى ف منصبة إل تلك
الفترة الحدودة ،ل يكـن أن يلتفـت إل الرعيـة بالقـ والعدل،إل أن تكون له أخلق العلماء أو طباع
اللئكة ،إنا يكون هه ف الغالب جع أكب قدر من الال يستطيع جعه ليعيش منعما بقية حياته ،فيجمع
للسلطان ما أمر السلطان بمعه ويمع أضعاف ذلك لنفسه بالعسف والظلم اللذين يقعان ل مالة على
عباد ال.
فإذا أض يف إل ذلك نظام القطاع ،الذى كان معمول به ع ند التراك ف جاهليت هم ق بل أن يدخلوا
فـ السـلم ،وحلوه معهـم فـ إسـلمهم ،فقـد أضيـف إل طابـع السـتبداد السـياسى نوع مـن الظلم
الجتماعى الذى يسببه القطاع ،يعيش فيه ألوف من البشر ف حالة التبعية الكاملة للباشوات أصحاب
القطاعيات.
فإذا كان هذا من جانب الكام .فالمر من جانب الحكومي ل يكن يلوا كذلك من النراف.
فأ ما ال مر بالعروف والن هى عن الن كر الذى أمرت به ال مة ،ف قد كا نت قد تلت ع نه بالن سبة
لكام ها من ز من بع يد ،ول ي كن من التو قع أن تعود إل يه ف ال و الع سكيى الذى قا مت ف يه الدولة
العثمانية ،بل كان الحرى أن تزداد تليا عنه.
وأما " العمل " بقتضى " اليان ف الدائرة الفردية والجتماعية أى فيما ل يتعلق بالسياسة فقد كان
الال خيا بكثي ول شك منه ف أوا خر الدولة العباسية حيث كان التحلل قد ساد الجتمع وف سدت
أخلقه .فإن الولد الديد على يد الدولة الفتية ،والعزمة القوية ال ت يتاج إليها بناء دولة جديدة تقاتل
أعداء أشداء ،وتريـد أن تكـن لنفسـها فـ الرض ،فضل عـن الدـ الصـارم الذى تتصـف بـه الدولة
الع سكرية ،كل ذلك قد أحدث تا سكا خلق يا واجتماع يا قرب الناس من روح ال سلم بقدر ما كان
الترف العباسى والو والجون قد أبعدهم عنه.
ولكـن مـن شأن القبضـة القويـة أن تتراخـى ،ومـن شأن التمكيـ فـ الرض أن يعـل العصـاب
تسترخى ،ما ل يث التذكي الدائم الذى يوقظ القلوب.
وبدل من أن يدث التذكي على الصورة السلمية الصحيحة فقد حدث على الطريقة الصوفية
لقد كانت الصوفية ق أخذت تنتشر ف الجتمع العباسى ،ولكنها كانت ركنا منعزل عن الجتمع،
أما ف ظل الدولة العثمانية ،وف تركيا بالذات ،فقد صارت هى الجتمع .وصارت هى الدين.
وانتشرت ف القرني الخيين بصفة خاصة تلك القولة العجيبة :من ل شيه له فشيخه الشيطان.
وأصبحت الصوفية بالنسبة للعامة بصورة خاصة هى مدخلهم إل الدين ،وهى مال مارستهم للدين.
وح ي أ صبحت هكذا ف قد أ صبحت ممو عة من الرافات والوهام تتعلق " بالشا يخ " الحياء ن م
والموات ،وصار " التدين " هو اليان بالشيخ ،وبكراماته ،وبأحواله ،وقدرته على استشفاف الغيب،
وقدرتـه على شفاء الرضـى بغيـ دواء وقدرتـه على فـك السـحر واسـتخراج الشياطيـ مـن أرواح مـن
تسلطت عليهم ..كما أصبح هو التعلق بالضرحة والولياء ،ونذر النذور لم والتقرب بالقرابي ،دون
عمل حقيقى بقتضى الدين ..فقد أصبح هذا ف حس العامة هو الدين ،وليس الدين هو ما أنزله ال ف
كتابه النل وسنة رسوله.e
وأ ما الفراغ الائل الذى خلف ته ال صوفية ف مال الع مل ،ف قد " ستره " الف كر الرجائى ..ال هم هو
اليان .واليان هو التصديق .وهذا متوفر داخل القلب ،فل على النسان إذن أن تكون حياته خلوا من
العمل بقتضى اليان ،فإنه ل يضر مع اليان شئ.
وتدري يا فرغت الياة من الحتوى القي قى للد ين ،ول يبقى منه سوى وجدانات مهو مة ..متل طة
بالضاليل وتقاليد.
ولتقاليد مع هذه الدولة دور ترد الشارة إليه.
إن الشعـب التركـى مـن أكثـر الشعوب مافظـة على التقاليـد .ونضرب مثل واحدا يؤكـد لنـا هذه
القيقة.
الب يت التر كى ف الغالب مفروش بال سجاجيد ،فإن ل ي كن كله فهناك على أى حال شئ ما ي غى
أرضه ويصل ما بي حجرة وحجرة ،وكان من تقاليد البيت التركى السلم أن تلع نعليك خارج عتبة
الدار أو داخلها مباشرة ،وتستبدل بنعليك اللذين كنت بما ف الارج نعلي نظيفي تدوس بما فوق
السـجاجيد ،حتـ إذا وصـلت إل دورة الياه خلعـت هذيـن النعليـ ودخلت لتجـد شيئا آخـر يناسـب
ا ستخدام الاء .فإذا خر جت من المام فل بد أن ت فف قدم يك أول ث تل بس النعل ي النظيف ي الاف ي
اللذين كنت قد تركتهما قبل دخولك إل هناك.
وواضح بكل تأكيد أن هذا " تقليد إسلمى " مقصود به طهارة البيت للصلة ،ووجوده ف البيت
السلم منطقى تاما مع الطهارة الت فرضها هذا الدين ف كل شئ.
ولكنك تد اليوم ف تركيا " كماليي " قد انسلخوا من دينهم تاما فلم يعودوا يصلون ول يصومون
ول يؤمنون بدين ،ومع ذلك تد ذات " التقليد " ف بيوتم.
إذا فهمنـا هذه الروح التأصـلة فـ هذا الشعـب ،فهمنـا كيـف حافـظ هذا الشعـب على " التقاليـد
السلمية " فترة طويلة جدا ،ما كان لشعب آخر ول الشعب العرب أن يافظ عليه مثله ..ومن خلله
بوصفه الشعب الاكم ،أو شعب الدولة الاكمة بقيت التقاليد مرعية ف العال السلمى فترة من الزمن
غي قصية.
ولكنها ف الفترة الخية كانت مرد تقاليد ..خاوية من الروح.
إن تول الخلق السلمية وأناط السلوك السلمى ال تقاليد هو ف ذاته أمر طيب ،لنه يطبع با
الجتمع والجيال الناشئة جيل بعد جيل ،فتتقبلها ف يسر وتارسها مارسة تلقائية ل يشعر فيها صاحبها
بالهد.
ولكن ذلك طيب مع وجود الوعى بالصل اليان ،الذى انبعثت منه هذه التقاليد وصارت تعبيا
عمليا عنه .فأما إذا ذهب هذا الوعى ،وغاب الصل اليان الذى انبثقت منه التقاليد أول مرة ،وصار
المر هو الحافظة على التقاليد من أجل أنا تقاليد ..فقد آذنت تلك التقاليد بالزوال إذا اصدطمت بؤثر
قوى يده ها ويارب ا .ذلك أن الذى ي صمد ف العر كة ل يس هو التقل يد ،إن ا هو الروح الكام نة وراء
التقليد .فإذا خبت الروح فل صمود.
لذلك ل نعجب – كما سنرى ف الفصل القادم – إذا رأينا هذه التقاليد تتهاوى واحد أثر الخر لا
دهها الغزو الفكرة النظم الذى وجه لتحطيمها ،ول تتمل العركة كلها أكثر من نصف قرن من الزمان
ف معظم بلدان العال السلمى.
ونضرب مثل واحدا لتوضيح " :الجاب التركى " الشهي.
ل قد كان هذا حجا با إ سلميا ل شك ف ن سبته إل ال سلم ( .)1والترك ل يعرفوه إل من خلل
إسلمهم ،أى أنم أخذوه عن الشعوب الت تعلموا منها السلم .وكان هذا الجاب بصورة من الصور
أصل مرعيا ف العال السلمى كله خلل قرون متطاولة من الزمان.
ولكن لا خفتت الروح السلمية القيقية ف العال السلمى بسبب مموعة النرافات الت تدثنا
عنها من قبل ،بقى الجاب تقليدا يراعى بشدة ول ترج عليه ول ترء أن ترج عليه – امرأة واحدة ف
العال وإل عدت ساقطة عدية الخلق.
وعلى الرغم من شدة الحافظة عليه بوصفه تقليدا مرعيا ف الجتمع ،فإنه أمام الغزو الفكرى الذى
نادى بتحرير الرأة وطالب بالسفور ،وخروج الرأة حاسرة ف الطريق ،ل يصمد أكثر من نصف قرن،
وخرجت نساء العال السلمى سافرات كاسيات عاريات مائلت ميلت كما وصفهن رسول eقبل
() يتصايح الفارغون والفارغات بأن الجاب ليس "إسلميا" إنا هو تقليد عرب بدوي أبقاء السلمون بعد إسلمهم مافظة علي التقاليد الوروثة ليس غي! ويتبجحون بإنكار وقائع
1
التاريخ .تقول عائشة رضي ال عنها :رحم ال نساء النصار .لا نزلت آية الجاب عمدت كل واحدة منهن إل ثثوبا ففاعتجرت به (أي :لفته فوق رأسها ووجهها) فهو ل يكن
أمر أخي لبد من الشارة إليه ف ظل الكم العثمان ،لنه كان ذا أثر بعيد ف الجتمع السلمى.
ل قد ظلت المور ف العال ال سلمى _ و ف العال أج ع ف القي قة – عشرة قرون كاملة تقري با ل
تكاد تتغي إل ف نطاق مدود.
وكان الفقهاء السلمون الكبار قد اجتهدوا ف كل ما واجههم من المور ،فأنشئوا ا فقهاء متكامل
عميقا شامل يغطى احتياجات السلمي ف العبادات والعاملت ،ث جاء تلميذهم وشراحهم فزادوا ف
قضا يا الفروع حلول لشكلت ت صوروا حدوث ها ف أى ظرف من الظروف القاد مة ،فكانوا يفترضون
الفرض ويقولون :أرأيت لو حدث كذا ويستنبطون لذا المر التخيل حكما مستمدا من شريعة ال.
فلما مضى الزمن وحدثت تلك الفتراضات بالفعل ،ل يس السلمون أنم ف حاجة إل اجتهادات
جديدة ،فقط غطى الفقهاء وتلميذهم وشراحهم من قبل كل ما جد ف حياتم .لذلك أعلنوا منذ القرن
الامس إغلق باب الجتهاد لعدم الاجة إيه.
ومرت خسـة قرون آخرى أو سـتة على وجـه التقريـب والسـلمون ل يسـون باجـة لراجعـة هذا
القرار ،لن ما ب ي أيدي هم من الف قه يكفي هم ويف يض عن حاجت هم ،فاكتفوا بالتتل مذ عل يه ،وإخراج
الختصرات الت تفى باجة طالب العلم البتدئ لتعينه على الدخول ف عال الفقه العويص.
ول كن المور م نذ القرن الثا ن ع شر الجرى على ال قل بدأت تتغ ي تغيا سريعا ب عد اختراع اللة
وتقدم الباث العلم ية والكتشفات والخترعات ،م ا أحدث أوضا عا جديدة وعلقات جديدة ل ي كن
الفقهاء القدامى وتلميذهم وشراحهم قد تيلوا حدوثها ،فلم يستنبطوا لا الحكام اللئمة من الشريعة
السلمية.
وه نا كان الفروض أن يعاد ف تح باب الجتهاد لواج هة هذه التغيات وبيان ح كم ال في ها ليلتزم به
السلمون .إذا مهمة الفقه الدائمة الت ل تتوقف هى مواجهة كل ما يلم بالسلم ف حياته وبيان حكم ال
ف يه من حلل أو حرام أو مندوب أو مكروه أومباح ،ليكون ال سلم على بي نة من ا مر ر به ف كل أ مر
يأتيه.
ولكن الدولة العثمانية رفضت إعادة فتح باب الجتهاد (.)1
رفضت بسن نية كاملة ،وبغية حقيقية على دين اله .على أساس أنه ل يوجد ف الوقت الاضر من
تتوافر فيه شروط الجتهاد.
ولكن النتائج كانت خطية.
فحي يتوقف الجتهاد مع وجود دواعيه ومتطلباته ..فماذا يدث؟
يدث أحد أمرين :إما أن تمد الياة وتتوقف عن النمو ،لنا مكومة بقوالب ل تعد تلئمها .وإما
أن ترج على القوالب الصبوبة وترج ف الوقت ذاته من ظل الشريعة ،لن هذا الظل ل يد بالجتهاد
حت يغطيها.
وقد حدث المران معا ،الواحد تلو الخر ..المود أول ث الروج بعد ذلك من دائرة الشريعة.
وقد يظن القارئ العابر للتاريخ أن الروج على الشريعة قد حدث ف أول القرن الرابع عشر الجرى
(نا ية القرن التا سع ع شر اليلدى) ول كن القي قة الشري عة ال سلمية جلة وال كم بغ ي ما أنزل ال
جهرة ..ول كن بدء ت سلل " النظ مة " الجنب ية إل الدولة ال سلمية قد بدأ مكرا عن هذا الع صر ،م نذ
بدأت عملية إدخال " التنظيمات" الوربية لتحكم با الحاكم ف الدولة السلمية فيما جد من المور
الت ل يتناولا الفقهاء القدامى .وكان الدافع وراء هذا هم اليهود والنصارى ف بلط اللفة! (( )2لمر
يريدونه بل شك) وكانت هذه ثغرة بدأت تتسع حت أدت ف النهاية إل أفظع ما حدث ف تاريخ المة
من انرافات.
لقد كانت تلك " التنظيمات " ف مبدئها ما يكن أن يتمشى مع روح السلم ول يناقض نصوصه،
() يعتقد كثيون أن الدولة العثمانية هي الت أغلقت باب الجتهاد ,وهذا غي صحيح .فقد أقفل باب الجتهاد منذ القرن الامس الجري ,إنا الأخوذ علي الدولة العثمانية أنا ل
1
توافق علي إعادة فتحه حي باققتضت الظروف ذلك.
() كان وجود اليهود والنصاري ف بلط اللفة من الخالفات التيي وقعت فيها الدولة العباسية ث العثمانية رغم التحذير الربان بعدم اتاذ بطانة من غي السلمي.
2
لذلك ل يد علماء ذلك الوقت حرجا ف استخدامها ،خاصة مع عدم الذن بإعادة فتح باب الجتهاد :
لكن النراف كان خطيا من وجهي.
الوجه الول :أنه أحدث " مبدأ " خطيا ف ذاته ،وأثبتت اليام خطورته ،هو مبدأ ال ستمداد من
ف كر غ ي إ سلمى ،وحياة غ ي إ سلمية ،ومن هج غ ي إ سلمى ،وترك يب الرق عة ال ستعارة ف الثوب
السلمى بجة أنا " ل تتناف " معه.
والوجه الثان :وهو ل يقل خطورة ،أنه أحدث وها ف نفوس الناس بوعى منهم أو بغي وعى –
مؤداة أن الشريعة السلمية صالة للتطبيق فيما ب قى على حاله من أمور الياة ل يتغي منذ نزول هذه
الشريعة ،أما ما جد من المور وخاصة ف القرني الخيين فإن الشريعة ل تصلح لواجهته وتوجيهه ،إنا
الل فيه هو استياد " القواني " الصالة له من المم " التقدمة " الت عانت الشكلة أصل واستنبطت
لا الل.
وكل الوجهي كان له ف حياة المة السلمية ف أجيالا الخية أسوأ تأثيا.
m m m
ف الصفحات الاضية من هذا الفصل عبنا ف سرعة خاطفة أربعة عشر قرنا من تاريخ هذا المة على
وجه التقريب .والعبور بذه السرعة الاطفة على النحو الذى صنعناه ل يكن ف القيقة أن يعطى صورة
صحيحة عن خط سي الحداث.
فالحداث ل تقع مفرد ،ول تسي ف قنوات مفردة كما نتكلم عنها هنا ،إنا تتفاعل الحداث خلل
الياة البشرية وتعطى آثارها من خلل تمعها وتفاعلها ،بيث يصعب أن ترد النتائج إل سبب واحد
بعينه مهما تكن قوته ف ذاته ،ول إل مموعة الحداث كل على حدته ..كما أن الواقع التاريى ف
سيه الب طئ ،التدا خل التغ ي ال صورة على الدوام ،ل ترى ف يه الحداث ف خطوط م ستقيمة مباشرة
كال ت نر سها ن ن ف أثناء الد يث ،إن ا تتعرج الطوط وتتدا خل ،ي سرع بعض ها أحيا نا ويب طئ أحيا نا
أخرى ،ويبدو كالتو قف فترة ث يعود فيتحرك مرة أخرى ..و ف النها ية تظ هر ل نا نتي جة كأن ا حا سة
ونائية ..وهى ل تعدو أن تكون مرحلة فىخط السي ،يد بعدها جديدا.
كل لي ست ال صورة ف حقيقت ها ك ما ر سناها ف تلك ال صفحات الاض ية بتلك ال سرعة الاط فة..
ولكنها ضرورة البحث من ناحية ،وضرورة الياز.
ضرورة الب حث تفرد خطوط التار يخ ،وتتحدث عن كل وا حد على حد ته كأ نه كان كذلك ف
القيقة .وضرورة الياز تعلنا نتكتفى برسم الطوط العريضة ،فننسى أنا ل تكن وحدها هى العاملة
ف ر سم ال صورة النهائ ية ،إن ا كان إل جوار ها عشرات من الطوط الخرى ،وعشران من القنوات
الفية الت تصل بينها ،وتكم ارتباطها دون أن تظهر على السطح.
فلنذكر على أى حال أننا ل نكن ف خلل تلك الصفحات نكتب تاريخ المة السلمية ،ول حت
تار يخ خط النراف إن ا ك نا نلت قط خطو طا بعين ها ،وموا قف بعين ها ،ن سبها أظ هر ما ف ال صورة،
فتنتزعها من سياقها التداخل التراكب الترابط لنسلط عليها الضوء .ونسميها على سبيل الجاز " خط "
النراف.
ومه ما ي كن من أ مر ،ف قد تم عت النرافات وتفاعلت بعض ها مع ب عض ،فأدت ف النها ية إل
النيار.
من الذروة السامقة إل الوة السحيقة ..مسافة تدير الرءوس..
هل يصدق أحد حي يعايش اليل التفرد بكل قممه السامقة أن ذراريه يكن أن تبط إل هذه الوة
السحيقة؟ وهل يصدق أحد حي يعايش الجيال الاضرة ف هوتا السحيقة ال ت تردت إليه ،أن ا من
ذرارى ذلك اليل التفرد ف التاريخ.
كأنما أمتان منفصلتان ل يمع بينهما شئ.
ومن العسي كما قلنا أن نرجع النتائج النهائية إل سبب واحد بعينه ،ول إل مموعة من السباب
كل على حدته .ولكن هذا ل ينفى أن تكون هناك أسباب أقوى ف تأثيها من أسباب.
ولعل نا ن ستطيع أن نل خص الو قف ف أر بع نقاط رئي سية ،أو أرب عة أ سباب رئي سية ،ترد إلي ها بق ية
النقاط وبقية السباب.
فهناك أول التفلت البشرى الطبيعى من التكاليف كلما امتد الزمان .والعلج الربان لذا التفلت كما
قل نا هو التذك ي .فن ستطيع أن نقول إذن إن التذك ي ل ي كن بالقدر اللزم الذى ي نع مموع ال مة من
التفلت ،أو ل يكن من حيث الكيف بالكفاءة الطلوبة لنع المة من النراف عن الادة ،وخاصة إذا
وضعنا ف العتبار تزايد الرفعة الستمر ،ودخول أقوام جدد ف السلم باستمرار.
وف الوقت ذاته ،حي كان التذكي أقل من الطلوب ف الكم وف الكيف ،وكان ف حاجة إل الزيد،
جاء تياران مضادان لعمل ية التذك ي ،يزيدان من در جة الع جز في ها ،أحده ا هو الف كر الرجائى الذى
يط مع الع بد ف ر ضا موله بغ ي ع مل حقي قى بقت ضى اليان ،اتكال على ما ف القلب من وجدانات
ومشا عر ،وال خر هو ال صوفية ،ال ت تط مع الع بد ف ر ضا موله عن طر يق آ خر غ ي أجاء التكال يف
الشرع ية ،بالوراد والذكار ،وال تبك بالولياء والشا يخ ،وو ضع الر يد نف سه بالكل ية ب ي يدى شي خه
ينفث فيها ما يشاء وهو مستسلم له تاما كأ،ما يتلقى منه وحى السماء .وكان تأثي هذه العوامل الثلثة
منصبا كله على " العمل " بقتضى اليان ،أى إبرازه ف الصورة السلوكية الواقعية الصحيحة ن وبصفة
خاصة على " المر بالعروف والنهى عن النكر " وهو اللصة الية لركة هذا الدين الواقعية اليابية
ف الرض ،الت تؤدى إل تطبيق النهج الربان ف واقع الياة ،لكيل يضمر وينحسر ف داخل الوجدان،
فيكون من ث عرضه لزيد من النسار.
فإذا إضفنا إل هذه العوامل الثلثة الستبداد السياسى الذى أدى إل ضمور المر بالعروف والنهى
عن الن كر ،ف الجال ال سياسى خا صة ،وتول ال سلم ف حس الناس إل مار سة فرد ية ب عد ضمور
المارسة الماعية لذا الدين وهى ركن أساسى فيه والتركيز التدريى على الشعائر التعبدية على أنا هى
الدين.
إذا أضفنا هذا إل العوامل الثلثة الاضية ،فقد تمعت لدينا ف النهاية تيارات أربعة ،تلتقى آخر المر
ف تيار واحد كبي ،مضاد ف اتاهه لجرى هذا الدين ،سواء ف واقع الجتمع أو ف داخل النفوس.
نسـتطيع باختصـار أن نقول :إن كـل الفاهيـم السـلمية قد فسـدت وانرفـت ف حـس الجيال
التأخرة ،بدءا بفهوم ل إله إل ال ،التـ أصـبحت مرد كلمـة تقال باللسـان ،والقلب عنهـا غافـل،
وال سلوك عن ها بع يد ،إل مفهوم العبادة الذى ان صر ف الشعائر التعبد ية ،تؤدى أو ل تؤدى إل مفهوم
القضاء والقدر الذى تول إل قوة مثبطـة مذلة ،إل مفهوم الدنيـا والخرة اللتيـ انفصـلتا وتولتهـا إل
مع سكرين متقابل ي متعادي ي ،الع مل ف أحده ا يؤدى إل إهال الع مل ف ال خر ،إل مفهوم عمارة
الرض ،الذى تول مـن عمارة الرض بقتضـى منهـج ال إل توقـف العمارة ،إل عودة العمارة ولكـن
بغي منهج ال ! (.)1
وأصبح الدين ف النهاية صورة باهتة خاوية من الروح ،ل تستطيع أن تصمد للهجوم الوحشى الذى
تدافع من كل صوب للقضاء على السلم.
ول يع ن هذا بطبي عة الال أن كل النفوس قد تر بت ،ول أن التذك ي ل ي عد له أ ثر على الطلق،
ول ان الف كر الرجائى قد صرف كل الناس عن الع مل ،بل عن العزائم العال ية ذات ا ،ول أن سلبية
الصوفية قد أحاطت بكل النفوس فصرفتها عن اليابية اللزمة ،ول أن الساحة قد خلت تاما من المر
بالعروف والنهى عن النكر ،سواء ف ميدان السياسة أو ف المور الجتماعية ..فإنا إن قلنا ذلك نكون
ماف ي للحقائق التاري ية ،وفتئت ي على النماذج البارزة الرائ عة ال ت ل ي ل من ها قط ج يل من أجيال
m m m
آثار النراف
أشر نا ف نا ية الف صل ال سابق إشارة عابرة إل آثار خط النراف الطو يل ف وا قع ال مة ف الفترة
الخية .ونريد هنا أن نركز القول على القرني الخيين ف حياة المة والقرن الخي خاصة بشئ من
التفصيل ،يبي لنا من ناحية ،كيف وصلنا إل واقعنا العاصر الذى نعيشه ف هذه اللحظة ،ويبي لنا من
ناحية أخرى ماهية هذا الواقع العاصر وساته البارزة ،ليتيسر لنا فيما بعد أن نتعرف على طريق اللص.
-1التخلف العقدى
إن أول ما يبدهنا حي نن ظر إل القرن ي الخي ين والقرن الخي خاصة هو الغ بش الشديد الحيط
بقي قة ال سلم ف نفوس ال سلمي والب عد التزا يد عن هذه القي قة ف الياة الواقع ية .أى أ نه ف ساد ف
التصور وفساد ف السلوك.
ل قد كان الف ساد ف ال سلوك قائ ما ف ع صور سابقة ،و جر على ال مة الوبال إذا أدى إل اجتياح
جحا فل التتار دولة الل فة وتد فق ال صليبيي من الغرب يريدون إطفاء نور ال سلم ..ول كن الت صورات
كانـت مـا تزال أقرب إل الصـحة ،لن النرافات التعل قة بالتصـور كانـت مصـورة ف نطاق مدود.
فالفرق الزائعة قد زاغت ولكن حجمها بالنسبة لجموع المة ضئيل ،والفكر الرجائى قد وجد ولكنه
كان ما يزال أفكار ف البراج العاجية أكثر منه واقعا ملموسا ف حياة المة ،لن دفعة العمل كانت ما
تزال قو ية دفا قة ف كل اتاه ،ب يث ل تعطل ها تلك الفكار عن النطلق ،بل كان أ صحاب الف كر
ـ سـبق القول ،مـن العابديـن العامليـ الفقهاء ،ول يكونوا يتأثرون بفكرهـمالرجائى هـم أنفسـهم كم ا
الاص فيتركوا الع مل أو ينادوا بتر كه .وكا نت ال صوفية موجودة ،ولكن ها لي ست ال سمة الغال بة على
الجتمع ،بل هى قائمة ف ركن منعزل منه تتعبد لنفسها بعيدا عن الضوضاء.
أما حي بدأ الفساد ف التصور يتسع حت يصبح هو الصل ،فقد تغي المر ..ول يعد فساد السلوك
وحده هو العلة فتن فه خط بة حا سية أو موع ظة مؤثرة ..إن ا أ صبح ال مر يتاج إل ج هد ض خم يبذل
التصحيح الفاهيم أول ث تصحيح السلوك بعد ذلك ،أو تصحيحهما معا ف الوقت ذاته ،وهو على أى
حال جهد غي يسي.
فسدت الفاهيم كلها كما أشرنا ف ناية الفصل السابق ،فلم يعد شئ منها يشابه أصلة الذى كان
عليه يوم نزل هذا الدين من عند ال.
كا نت ل إله إل ال ع ند ال يل الذى تلقاه وآ من ب ا أول مرة شيئا يبلغ من الضخا مة أن يز يل واق عا
بشريا بأكمله ،وينشئ بدل منه واقعا جديدا متلفا عنه كل الختلف.
كانت منهج حياة متكامل يشمل الياة بميع جوانبها وجيع حذافيها ،فل يند شئ من هذه الياة
صغر أو كب عن ل إله إل ال ومقتضيات ا ،ومقتضيات ا هى الت سليم ب ا جاء من ع ند ال ،والع مل قدر
الطاقة بقتضى ما أنزل ال :
{فَاّتقُوا اللّ َه مَا اسْتَ َط ْعتُ ْم وَاسْ َمعُوا َوأَطِيعُوا[ }....سورة التغابن ]64/16
وكا نت ضخامت ها ف ح سمهم متمثلة ف التغ ي الائل الذى حدث ف دا خل نفو سهم ،ح ت لكأن ا
نفوس جديدة ل ع هد ل م ب ا من ق بل ،والتغ ي الكا فئ الذى حدث ف وا قع حيات م ،ح ت لكأن ا حياة
جديدة ليس فيها شئ من الاضى ،حت حركة النفاس وحركة الوارح ،فقد اكتسبت كل شئ معان
جديدة ل تكن له من قبل ،فأصبح شيئا جديا غي الألوف من قبل.
وح ت الشياء القليلة ال ت بق يت من حياة الاهل ية وارتضا ها ال سلم ،ل ت كن هى بال تلك ال ت
كانت ف الاهلية ،إنا هى شئ متلف تاما ف جوهره وإن تشابت الصورة ،شئ ولد ميلدا جديدا مع
السلم.
فالشجاعة صفة كانت ف الاهلية وارتضاها بل حض عليها السلم .ولكن هل كانت هى هى؟
كل .فشجاعة الاهلية هى تلك " المية " الت ندد با السلم تنديدا :
{إِذْ َجعَ َل الّذِينَ َكفَرُوا فِي قُلُوِبهِ ْم الْحَ ِمّيةَ َح ِمّيةَ الْجَاهِِلّيةِ[ }...سورة الفتح ]48/26
أ ما ما د عا إل يه ال سلم ف هو الو هر القي قى للشجا عة..الشجا عة ف ال ق ،ل الم ية ف البا طل،
والهاد الالص ل ل للسمعة والرياء.
والكرم صفة كانت ف الاهلية ،وارتضاها السلم بل حض عليها .ولكنها ف السلم شئ متلف
ف جوهره وإن تشابت الصورة .إنا ف الاهلية رئاء الناس ،الذى ندد به السلم تنديدا :
ص ْفوَا ٍن عََليْ ِه تُرَا بٌ َفأَ صَابَ ُه
س وَل ُيؤْمِ ُن بِاللّ ِه وَاْلَيوْ مِ الخِرِ َف َمثَلُ هُ كَ َمثَلِ َ
{كَالّذِي يُنفِ ُق مَالَ هُ ِرئَا َء النّا ِ
سبُوا وَاللّ ُه ل َيهْدِي اْل َقوْ َم الْكَاِفرِي نَ ( [ })264سورة وَابِلٌ َفتَرَكَ هُ صَلْدا ل َيقْدِرُو َن عَلَى شَيْ ٍء مِمّ ا كَ َ
البقرة ]2/264
أ ما ف ال سلم ف هو النفاق الن قى الالص ،الذى يراد به و جه ال ،ول يس للذ كر الذى تتحدث به
الركبان :
سكِينا َوَيتِيما َوأَسِيا (ِ )8إنّمَا نُ ْطعِ ُمكُمْ ِلوَجْهِ اللّ ِه ل نُرِيدُ مِْنكُمْ َجزَاءً
{ َويُ ْطعِمُونَ ال ّطعَا َم عَلَى ُحبّهِ مِ ْ
وَل ُشكُورا ([ })9سورة النسان ]9-76/8
َويُ ْطعِمُو نَ ال ّطعَا َم عَلَى ُحبّ ِه مِ سْكِينًا َوَيتِيمًا َوأَ سِيًاِ ،إنّمَا نُ ْطعِ ُمكُ مْ ِلوَجْ هِ اللّ ِه ل نُرِي ُد مِنكُ مْ َجزَاء وَل
ُشكُورًا
كذلك ..لقد غيت ل إله إل ال كل شئ ف حياة اليل الول ،وأنشأت ف مكانه واقعا جديدا كل
الدة ،وارتبط هذا الواقع الديد ف حسهم بل إله إل ال ،لنا هى الت أحدثته بالفعل ف داخل النفوس
وف واقع الياة.
حي كانت اللة ف حسهم متعددة كان الضياع والتيه ،وكان الرتكاس ف المأة الاهلية ،وكان
فساد الخلق ،وكان ضيق الفق ،وسطحية الهتمامات وقربا وأنانيتها ،وكان الظلم التبادل :
يهدّم ،ومن ل يظلم الناس يظلم (!)1 ومن ل يذد عن حوضه بسلحه
وح ي آمنوا بال الوا حد ،وأقروا أ نه ل إله إل ال ،تغ ي هذا كله ،فوجدوا ب عد ضياع ،ورشدوا ب عد
تيه ،وارتفعوا بعد ارتكاس ،وست أخلقهم بعد فساد ،واتسعت آفاقهم بعد ضيق ،وعمقت اهتماماتم
وبعدت آمادها وذهبت عنها انانيتها ،وصارت الخوة مكان التظال.
لذلك كان اليان ب ـ " ل إله إل ال " موازيا ف ح سهم لذا التغ ي العظ يم كله ،بل مؤد يا إل يه ف
القيقة ،فلم تكن ف حسهم هى الكلمة ،إنا كانت موجودة ف حسهم بدلولا ،بقتضياتا ،بترجتها
الواقعية ,وكانت ترجتها الواقعية هى ما تشتمل عليه حياتم من كل شئ ،من اعتقاد بوحدانية ال ،إل
صلة وصيام وزكاة وحجج تؤدى كلها ل الواحد بل شريك ،إل إقامة الياة بك دقائقها على مقتضى
ما جاء من عند ال
وهل لـ " ل إله إل اله " معن غي ذلك؟ أو ترجة غي ذلك؟.
() من معلقة الشاعر الاهلي زهي بن أب سلمي.
1
صحيح أن لتحقيق ل إله إل ال ف عال الواقع درجات متلفة ( ،)2كلها ترجات لا ،أدناها هو الد
الد ن الفروض ،وأعل ها هو تلك النماذج التفردة ال ت أ تى ب ا ال يل التفرد .ولكن ها ف كل درجات ا
الصحيحة ،ل تبط عن الد الدن الفروض ،ل تبط عن العتقاد بوحدانية ال ،وإقامة الشعائر التعبدية
له وحده بل شريك ،وإقامة الياة بقتضى ما جاء من عند ال ..ث ترتفع ما شاءت بعد ذلك ف دقة
الداء وعمق الداء.
ولكن ها ظلت خلل القرون التوال ية تض مر تدري يا ف حس الناس ،و ظل مفعول ا يض مر ف دا خل
النفوس وواقع الياة ،حت أصبحت ف النهاية ل تعمل ..وإنا تقال فقط ،ث ترى الياة بعد قولا ف
مرا ها الذى ت سوقها إل يه الظروف ،ك من ي ضع ف طر يق التيار حاجزا ير يد به ض بط التيار أو تويله،
ولكن الاجز ملوء بالثقوب ،فهو قائم ولكنه ل يصنع شيئا ،والاء يرى من خلله كأنه غي موجود .أو
كورقة العملة الزيفة ،تمل ذات اللفاظ والرسوم الت تملها الورقة القيقية ،ولكنها ل تغن صاحبها،
ول تشترى له شيئا من السوق إن ل تعرضه للعقاب والزى ..لنا ورقة بل رصيد.
وكانت العبادة عند الذين تلقوا هذا الدين أول مرة أمرا شامل للحياة كلها كما علمهم ال :
حيَاي َومَمَاتِي لِلّ هِ رَبّ الْعَالَ ِميَ ( )162ل شَرِي كَ لَ هُ} [سورة النعام
{قُلْ ِإنّ صَلتِي َونُ سُكِي َومَ ْ
]163-6/162
فلم تكن قط مصورة ف الشعائر التعبدية من صلة وصيام وزكاة وحج ،ث يعيش النسان فيما بي
الشعية والشعية بل عبادة ،إنا الياة كلها عبادة ،وذكر ال با يقتضيه الذكر من عمل بقتضى ما أنزل
ال ،عملية دائمة ل تتوقف.
{الّذِي َن يَذْكُرُونَ اللّهَ ِقيَاما وَُقعُودا َوعَلَى ُجنُوبِهِمْ[ } ...سورة آل ]3/191
لذلك كانت قلوبم مشغولة أبدا بذكر ال ،وكانت كل لظة من لظات حياتم عبادة.
ل يكن ف حسهم ف لظة التجارة والبيع والشراء أنم الن ف خارج العبادة ،فل عليهم أن يغفلوا
عن ذكر ال ،ول عليهم أن يغشوا أو يدعوا أو يسعوا إل الربح الفاحش على حساب الناس.
ل يكن ف حسهم ف لظة الترويح عن أنفسهم أنم الن ف خارج العبادة ،فل عليهم أن يفحشوا
ويجنوا ويعصوا ال وينسوا أوامره حت يعودوا إل ذكره من جديد حي تي " لظة " العبادة.
بعبارة أخرى ل تكـن الياة تنقسـم فـ حسـهم إل " عبادات " و " معاملت " إناـ هـى عبادات
متلفة ،بعضها شعائر مفروضة ذات أوقات مددة ،وبعضها مفتوحة تشمل كل نشاط النسان السياسى
وما بنا من حاجة أن نعيد الشارة إل ما سبق أن أشرنا إليه من قبل ،من فساد شامل عند الجيال
التأخرة ف كل مفاهيم السلم ،سواء مفهوم القضاء والقدر ،أو مفهوم الدنيا والخرة ،أو مفهوم عمارة
ـا
ـن هذه الشارات كلهـ ـة إل مفهوم العبادة ومفهوم ل إله إل ال ..إناـ نلص مـ الرض ،بالضافـ
إلىحقي قة واق عة ي كن أن نطلق علي ها حقي قة " التخلف العقدى " ف حياة ال مة ،و ما ي صاحبها من "
التخلق السلوكى " عن حقيقة السلم.
ـك فـ " ـن بل شـ ـوى تكمـ ـن الطورة القصـ ـة الطورة ،ولكـ ـن خطيـ غايـ وكل المريـ
التخلف العقدى" لنه هو الذى ي هد للتخلف ال سلوكى من ناحية ،ويؤ خر عل جه من ناحية أخرى.
فح ي ت كن العقيدة صحيحة ،ويكون التخلف ال سلوكى ناشئا ف قط من التفلت البشرى ال طبيعى من
التكاليف ،فإن التذكي يكفى لعلجه ،لنه هو العلج الربان لغفلة الت تؤدى إل نسيان التكاليف .أما
حيـ يكون التخلف العقدى هـو الداء ،فالتذكيـ وحده – بالصـور العتادة .ل يكفـى ،لنـه ل يدـ
استجابته الطبيعية ف القلب ،ويتاج المر إل إبراء القلب ذاته ما أل به من أمراض!
m m m
هذا التخلف العقيدى – الذى هو عقدة الع قد ف حياة ال مة ف الفترة الخية قد و صل إل أق صى
درجاته ف القرن الخي خاصة ،حي نيت الشريعة الربانية عن الكم على يد الغزو الصليب الائح،
ولكنا ل نريد أن نتعجل خطوات التاريخ ،بل نريد أن نتبعها خطوة خطوة حت مرحلتها الخية .إنا
() أخرجه ابن عساكر عن أنس رضي ال عنه.
1
نريد هنا أن ندد العيار الذى نقيسه به مدى ذلك التخلف ف حياة المة.
والعيار ول شك هو الكتاب والسنة ،مرجع السلمي ف كل أمر من أمور حياتم.
والعيار كذلك هو حياة الجيال الول من السلمي ،الت طبقت هذا الدين ف عال الواقع ،التزاما
منها بقتضيات اليان سواء ف مال التصور أو مال السلوك.
فكلما اقتربنا من الكتاب والسنة ،ومن حياة السلف الصال رضوان ال عليهم ،فنحن " متقدمون "
عقديا (وسلوكيا كذلك بل شك) وكلما تآخرنا عن الكتاب والسنة وعن حياة السلف الصال فنحن
متخلفون ف مال العقيدة (وبالتال ف مال السلوك).
وتلك أول القائق الهمة الت ينبغى أل تغيب عن أذهاننا سواء ونن ندرس خط النراف وآثاره،
أو ونن نبحث عن طرق اللص ،والت ينبغى كذلك أن نستصحبها معنا دائما لكى ل نضل الطريق.
m m m
() كان الغزال -ف القرن الامس -علي الرغم من اتاهه الصوف العروفف يتحدث عن فروض العي وفروض الكفاية من العلوم والعارف ,ويضع الدنيوية ف فروض الكفاية الت
1
تأث المة ف مموعها إن ل يقم با القادرون من أبنائها ...ولكن جاء عصر بعد ذلك سقطت فيه هذه العلوم نائيا من حساب المة.
مذه به ،بل قد يقا تل أخاه ف ال صلة ل نه رآه إل جواره ير فع يد يه أو يضعه ما علي صدره ب ا يالف
مذهبه ،ويس أن مقاتلته لخيه ف السلم علي هذا النحو هي " الدمة " الت يؤديها للسلم!!
وحي يكون هذا حال الدراسي من المة ف العاهد الدينية بعد أن تولت بقية المة إل أميي " ل
يعلمون الكتاب إل أمان " فأي فراغ من حقيقة الدين يل النفوس ،وأي تفاهة ف اهتمامات الناس ،بعد
أن كان الدين هو مور الياة ومركها ،وباعث الهتمامات الادة وموجهها
وحقي قة أ نه ل ي ل ع صر من ع صور ال سلم ح ت أحلك ها من " عال " بالع ن ال ق للعلم ،ولك نه
قلتهم التدريية ل ا دللتها وف شو المود والتقل يد له دللته ف كل شئ مت فق مع التقلس والضمور الذي
غشي بطابعه كل شئ
واللصة ان التخلف العلمي بشقيه الدنيوي والشرعي الناشئ أصل من التخلف العقدي أصبح هو
الطا بع ال سائد للمجت مع ال سلمي قب يل الغزوة ال صليبية الائلة ال ت احتا جت بلد ال سلم ف الع صر
الديث.
m m m
أما التخلف الضاري بشقيه العنوي والادي فهو صنو التخلف العلمي وزميله علي الطريق كما أنه
نابع من نفس النبع ،ومتأثر بذات الؤثر ،وهو التخلف العقدي.
أما الانب العنوي جانب الخلق والقيم فقد اسقطه الفكر الرجائي حي قدم للناس إسلما بل
اخلق ذلك أن الخلق وإن كانت قيما معنوية فإنا من جانب آخر سلوك ،وإل فهي شعارات معلقة
ف الفضاء ل واقع لا ف عال القيقة .
وح ي كان الد ين علي حقيق ته ،كان من مزاياه ال كبي أ نه ق يم أخلق ية مطب قه ف عال الوا قع ف
صورة سلوك واقعي ،وكانت هذه ف حس الجيال الول هي الترجة القيقية لـ" ل إله إل ال " أي
أنا كانت مرتبطة ف حسهم بالعقيدة أو بعبارة أخري كان ف حسهم أن من يعتقد هذه العقيدة بنيغب
أن يكون سلوكه ملتزما بتلك القيم الخلقية ،فالدين العاملة كما علمهم رسولم ،eوكما قالت لم
عائشة رضي ال عنها حي سئلت عن خلق رسول ال eفقالت " :كان خلقه القرآن ".
وهذا الرتباط بي العقيدة ومقتضياتا الخلقية هو القيمة الضارية الوهرية ف هذا الدين الت تعل
الجت مع ال سلمي هو الجت مع التح ضر مه ما ي كن ن صيبه ضئيل من العمارة الاد ية للرض ،وت عل
العقيدة ف هذا الدين هي جوهر الضارة ،با يشع منها ويرتبط من قيم وأخلق.
وبذا العيار كان ال يل التفرد أعلي ج يل حضاري ف تار يخ البشر ية كله ،علي الر غم من الب ساطة
التناهية ف الشكال الادية والتنظيمية الت كانت ف متناول يديه لنه كان يارس ف عال الواقع أعلي قيم
إنسانية وأخلقية عرفتها البشرية.
ث جاء العمران الادي ف موعده كما بينا ف الفصل الول ،امتدادا للدفعة اليوية الائلة الت أطلقها
ال سلم ف ال مة ال سلمية ف ج يع التاهات فاكت مل " الش كل " الضاري الذي يغلف (الضمون)
الذي كان قائما من لظة اليلد.
ولكن الفساد الذي طرأ علي مفهوم " العبادة " فحصرها ف الشعائر التعبدية فحسب ،وأخرج منها
ألوا نا كثية من " العاملت " كا نت ف حس الجيال الول داخله ف مفهوم العبادة الوا سع الشا مل،
باعتبارها " سلوكا " إسلمية مرتب طا بل إله إل ال ث الف كر الرجائي الذي أع طي لذا الف ساد شرعية
حي أخرج " العمل " من مسمي اليان ومن مقتضياته هذا وذات قد دمرا الوهر الضاري التضمن ف
هذا الدين ،الذي كان قوامه السلوك الخلقي الرتبط بالعقيدة ،الترجم لا ف دنيا الواقع.
بعبارة أخري ح ي صار " ال سلم " ل ي د حر جا ف قل به أن يكذب ،وأن ي غش ،وأن يون الما نة
وأن يتهاون ف الع مل ،وأن يلف الو عد ،وأن ي ق د علي اخ يه ويتم ن زوال نعم ته ،وأن ينا فق ،وأن
يغ مز ويل مز ويغتاب ،وأن يب خل وي ب ،وأن يبيت شبعان وجاره جوعان و هو يعلم ،ف قد ف قد جوهره
الضاري ال سلمي ،ل نه ترد من أخلقيات ل إله إل ال وترد من قيم ها الن سانية العل يا ،ال ت هي
جوهر الضارة وعماد الجتمع التحضر.
ومن الانب الخر فإن التاه الصوف الذي أهل عمارة الرض وتنميتها وتنظيم شئونا علي أساس
أن الدنيا جيفه وطلبا كلب ،وأنا ل تستحق عند ال جناح بعوضه ،فينبغي أن تكون ف حس الؤمن
الت قي أضأل وأح قر من أن يل قي إلي ها التفا ته عابرة ( ....)1هذا التاه ال صوف قد أ ت كذلك علي "
الش كل " الضاري ،وق عد بالناس عن النشاء والتشي يد ،وق عد ب م عن التنظ يم كذلك لن م ونق صد
الغالبية بطبيعة الال قد أصبحوا فقراء ث رضوا بالفقر وفلسفوا رضاهم بأنه من القناعة الحبوبة ومن
الرضا بقدر ال فلم تعد التنمية لزمة لم ،ول يعد التنظيم لزما كذلك ،فإنا سنوات عابرة تضي علي
أي وضع وف أية صورة ث يذهب الناس إل ربم فينعمون باللد ف جنات النعيم.
فإذا أضيف إل ذلك ما تمله الصوفية ف طياتا من تواكل ،وتقاعس عن الخذ بالسباب واعتقاد
أو إحساس بأن الواقع الوجود مهما يكن من سوئه فل ينبغي أن يسعي الرء إل تغييه ،بل ل ينبغي أن
() بينا من قبل ف الكلم عن "خط النراف" أن الدنيا تذم ف القرآن وأحاديث الرسول eحي تصد النسان عن اليان بال أو عن الهاد ف سبيله .ولكن توجيهات السلم
1
صرية ف وجوب الشي ف مناكب الرض وابتغء فضل ال ,وعمارة الرض بقتضي منهج ال.
تساوره الرغبة فيذلك لن ذلك يعتب تردا علي قدر ال ،فقد انعدمت الرغبة تاما ف أي إبداع حضاري
مادي وتنظي مي ث ي ئ الف قر العل مي الد قع فين شئ عجزا كامل عن الداء ح ت لو وجدت الرغ بة ف
النفوس!
وهكذا من نق طة التخلف العقدي ،التم ثل ف ف ساد مفهوم العبادة ،والف كر الرجائي الذي يع طي
ذلك الفساد شرعية ـ والتاه الصوف النحرف عن التوازن السلم ،وعن المارسة السلمية الواقعية
للحياة وتعميها بقتضي النهج الربان تكليفا ل تطوعا.
من نق طة التخلف العقدي ن شأ تلف حضاري هائل ،أخرج هذه ال مة من زمرة التحضر ين ،ك ما
أخرجها التخلف العقدي من قبل من زمرة التعلمي....
m m m
ل يتاج التخلف القت صادي الذي أحاط العال ال سلمي إل ج هد ف بيان أ سبابه القيق ية ف حياة
المة.
ن عم ل قد كا نت هناك أ سباب خارج ية قو ية أ سهمت ف هذا التخلف ولكن ها وحد ها ل تبره ول
تفسره.
ل قد كا نت أور با ال صليبية ت سعي ،م نذ القضاء علي الدولة ال سلمية ف الندلس إل تطو يق العال
ال سلمي وإضعا فه ب كل الو سائل ( .)1وكان من ب ي الو سائل ال ت اتذو ها ال سعي الدائب لتحو يل
التجارة العالية إل إيديهم،وانتزاعها من يد الماليك ،الذين كانوا يسكون بزمامها عن طريق سيطرتم
علي البحر الحر والبحر البيض ،فتدر عليهم أموال طائلة ،وعلي العال السلمي كله كذلك.
وم نذ اكتشاف البتغالي ي لطر يق رأس الرجاء ال صال ،الذي كشفوه علي هدي الرائط ال سلمية
وبعاو نة بارة م سلمي (!) بدأوا يتجهون إل الشرق الق صي لي ستولوا علي أر ضه وخيا ته ،من ها دولة
الماليك ن ويرموا منها العال السلمي كله.
وحدث ذلك بالفعل ،وتأثرت اقتصاديات العال السلمي تأثيا بالغا با حدث.
ولكن… .هل هذا هو التفسي؟ أو هذا هو التبير؟
أ ين كا نت مرا كز القوة يوم قا مت الدولة ال سلمية أول مرة ،سواء القوة الرب ية أو ال سياسية أو
القتصادية؟ أل تكن كلها ف يد فارس والروم؟
من نافلة القول أن نتحدث عن التخلف الفكرى والثقا ف ف ال و الذى و صفناه ..ب عد كل الذى
ذكرناه! فكلها ألوان من التخلف مسك بعضها برقاب بعض ،ومؤد ف النهاية إل النيار.
ولكن الصلة بي التخلف الفكرى والثقاف وبي التخلف العقدى قد تتاج إل إشارة خاصة بناسبة
ما تبدئ الاهلية العاصرة وتعدي ف هذا الشأن بالذات.
لقد أوحى الغزو الصليب للمسلمي – كما سيأتى الديث – بأن كل ما أصاب السلمي من تلف
كان ب سبب أن م م سلمون! أى ب سبب ال سلم! ور كز ب صفة خا صة على الا نب الفكرى والثقا ف
() ل شئ يبر النراف عن سبيل ال ,والتقاعس عن الهاد وإعداد العدة له!.
1
مستدل بتاريخ الكنيسة ف أوروبا ،وبأن أوروبا كانت متخلفة ف جيع اليادين – وميدان الفكر والثقافة
خاصة – وقت أن كانت حياتا مكومة بالدين ،وأنا ل تتقدم وتتحضر وتنطلق ف جيع اليادين إل بعد
أن " تررت " من ربقة الدين.
وسوف نتناول هذه القضية بتفصيل أكثر ف موضوع آخر حي نعرض للغزو الفكرى وآثاره ف حياة
السلمي .ولكنا نب هنا أن نرجع إل حقيقة تاريية حاسة الدللة.
إن الدعوة إل " التفك ي " وإل ا ستخدام " الع قل " على أ ساس من هج صحيح ،هى ف صميمها
دعوى هذا الدين .والدعوة إل السياحة ف الرض ودراسة التاريخ على أساس منهجى كذلك ،هى ف
صـميمها دعوى هذا الديـن .والدعوى إل تدبر آيات ال فـ الكون ،والتعرف على السـنن الربانيـة فـ
الكون الادى وف الياة البشرية ،هى ف صميمها دعوة هذا الدين)1( .
و من توجيهات القرآن الكر ي وتوجيهات الر سول eانطلق " الف كر " ال سلمى ف ج يع مياد ين
الفكر والثقافة الت كانت متاحة يومئذ ،وأبدع فيها إبداعات تدل على الصالة والتمكن والثقة بالذات..
وكان هذه كله صدى للحر كة العقد ية الضخ مة ال ت تر كت ب ا ال مة ال سلمية ف ج يع الياد ين،
وصدى ليانا بان " طلب العلم فريضة " كما علمها رسولا الكري ،eوصدى لتلك الكلمة العظيمة
الكرية الت بدأت با تنل الوحى على رسول ال " :eاقرأ "
ولا حدث التخلف العقدى التدريى ،الذى حصر العبادة ف الشعائر التعبدية وحدها ،وأخرج منها
بقية التكاليف ،حدث ضمور تدريى ف جيع التكاليف الت كانت من قبل مرتبطة بالعقيدة ،ومرتبطة
بالع ن الشا مل للعبادة ،وأ صبحت أمورا " كمال ية " إن شاء الن سان قام ب ا وإن شاء ترك ها بل ض ي!
وكان طلب العلم ،والقراءة ،والتفك ي ،من ب ي هذه التكال يف ال ت خر جت من ح يز العبادة فأ صابا
الضمور .ث جاء الفكر الرجائى فربت على هذا التخلف ،ومنحه الشرعية القائمة على إنه ل يضر مع
اليان شئ! وجاءت ال صوفية فح صرت بع مل الع قل كله ف أض يق نطاق م كن ،لتف سح الجال -ف
وهها -لعمل الروح! وساعد الستبداد السياسى على إحداث جود شامل ف جيع الجالت ..ومن
هذا التخلف العقدى نشأ التخلف الفكرة والثقاف وأخذ مكانه ف موعده القدور!
m m m
حي حدث هذا القدر الائل من التخلف ،العقدى أول ،ث العلمى والضارى والقتصادى والرب
() راجع -إن شئت -فصل العقلنية من كتاب "مذاهب فكرية معاصرة".
1
والثقاف والفكرى ..فماذا بقى؟!
إسـلم بل أخلق .إسـلم بل حضارة .إسـلم بل علم .إسـلم بل ثقافـة ول فكـر .إسـلم متهالك
القوى القتصادية والربية والادية ..ماذا بقى فيه من حقيقة السلم؟!
فأما الفكر الرجائى فقد رضى عن هذا السلم التخلف التهالك وقال :ل ضي! لنه ل يضر مع
اليان شئ!
وأ ما التاه ال صوف ف قد ر ضى كذلك عن هذا ال سلم التخلف التهالك وقال :ل ير! فهذه كل ها
من أمور الدنيا الفانية ،وليس الهم هو الدنيا إنا هو الخرة .ليس عال الادة وإنا عال الروح!
وأما بالن سبة لقيقة ال سلم ،ف قد كان هذا ال سلم التخلف التهالك يو شك ف القي قة أن ي صبح
إسلما بل إسلم!!
وعندئذ أقبل الصليبيون ..من كل حدب ينسلون.
-3الغزو الصليب
بدأت ماولت الغزو الصليب الديث ف القيقة منذ بدايات القرن العاشر الجرى (السادس عشر
اليلدى) بعد طرد السلم من الندلس .فحي سقطت آخر دويلة إسلمية ف الندلس – وهى دويلة
غرناطـة – عام 1942م بعـد معارك وحشيـة طويلة ،بارك البابـا النتصـار الصـليب وشجـع الصـليبي
وشجع الصليبيي على متابعة السلمي لطردهم من بقية بلد السلم
وعلى الر غم من أن ال سلمي الذى بقوا ف الندلس قد ظلوا مافظ ي على إ سلمهم سرا ما يقرب
من مائ ت عام ت ت الضغط الوح شى الوا قع عليهم من ما كم التفت يش ،م ا ل مث يل له ف الوحش ية ف
التاريخ كله من قبل ..فلم يكن من التوقع أن يظلوا على إسلمهم بغي قوة تميهم من البطش ..فتلشوا
تدرييا حت انتهوا.
ول ي كن ف و سع ال صليبية الاقدة أن تكرر م سيتا الول إل ب يت القدس من طر يق ال شق ،لن
الدولة العثمانية الفتية ل تكن واقفة لم بالر صاد فحسب ،بل كانت بكل حيويتها العارمة تتو غل ف
شرق أوربا بقوة كاسحة ل يقف أمامها شئ .وكانت – كما يقول الستشرق الكندى العاصر ولفرد
كانتول سيث – ل تكتسح الرض فقط ،بل كانت تكتسح العقيدة السيحية ذاتا ،ويدخل أهلها ف
السلم بعشرات اللوف كل عام:
" إل أن قام كارس ماركـس وقامـت الشيوعيـة ،كان النـب "( " eيقصـد السـلم) هـو التحدى
القيقى الوحيد للحضارة الغربية الذى واجهته ف تاريها كله ،وإنه لن الهم أن نتذكر كم كان هذا
التحدى حقيقيا ،وكم كان يبدو ف وقت من الوقات تديدا خطيا حقا.
" ل قد كان الوم مباشرا ف كل اليدان ي الر ب والعقدى ،وكان قو يا جدا ..ف قد فقدت ال سيحية
دفعة واحدة " أجل مقاطعات المباطورية الرومان ية " لتت سلمها منها القوة الديدة ،وكانت ف خ طر
من ضياع المباطورية بكاملها .وعلى الرغم من أن القسطنطينية ل تقع -تاما -ف يد اليوش العربية
ك ما وق عت م صر و سوريا ،ف قد ا ستمر الض غط علي ها فترة طويلة .و ف مو جة التو سع الثان ية وق عت
القسطنطينية بالفعل سنة ،1453وف قلب أوربا الفزعة ذاتا أحاط الصار بفيينا سنة ،1529بينما
ظل الزخف وقت قريب ل يتطاول عليه العهد ف سنة ،1683وإن وقوع تشيكو سلوفاكيا ف قبضة
الشيوعية عام 1948ل يكن له قط ف العصر الديث ذلك الفزع ف نفوس الغرب التهيب ،كما كان
لذلك الز حف ال ستمر قر نا ب عد قرن ،من تلك القوة الضخ مة الهددة ،ال ت ل ت كف ول تدأ ،ويتكرر
انتصارها مرة بعد مرة.
" وكما هو المر مع الشيوعية ،كذلك كان التهديد والنتصارات (السلمية) قائمي ف عال القيم
والفكار أيضا ..فقد كان الجوم السلمى موجها إل عال النظريات كما هو موجه إل عال الواقع..
وقـد عملت العقيدة الديدة بإصـرار على إنكار البدأ الرئيسـى للعقيدة السـيحية ،التـ كانـت بالنسـبة
لوربا العقيدة السامية الت أخذت – ف بطء – تبن حولا حضارتا .وكان التهديد السلمى موجها
بقوة وعنـف ،وكان ناجحـا مكت سحا ف نصـف العال السـيحى تقريبـا .والسـلم هـو القوة اليابيـة
الوحيدة الت انتزعت من السيحيي أناسا دخلوا ف الدين الديد وآمنوا به ..بعشرات الليي " (.)1
ول كن ال صليبية و قد عجزت عن اختراق الا جز العثما ن ف الشرق ،بل ل تف كر مرد تفك ي ف
اقتحامه ،اتهت إل اللتفاف حول العال السلمى من جهة الغرب ،وخاصة بعد اكتشافها لطريق رأس
الرجال الصال.
كان الطر يق من أق صى الشرق إل أور با عب رأس الرجاء ال صال معرو فا ومفو ظا ع ند ال سلمي،
دونوه فىخرائطهـم ،ودرسـوا أحواله اللحيـة دراسـة دقيقـة كمـا يبدو مـن كتاب " عجائب النـد "
للبيو ن وغيه ،ول كن أور با كا نت قاب عة ف ظلمات قرون ا الو سطى الظل مة ،ل تعرف عن العال إل
القليل ،ول تاطر بركوب باره وميطاته.
ولكن مموعة من العوامل التفاعلة ف داخل أوربا دفعتها أخيا إل ارتياد البحار الجهولة ،وكان من
أقوى هذه العوا مل الدافـع الصـليب ،الذى عملت البابو ية على تيعـه ،متمثل ف متابعـة ال سلمي ب عد
طرد هم من الندلس ،لل ستيلء على بلد هم وإخضاع ها لكم هم – أن ل ي كن طرد هم من ها ك ما
طردو هم من الندلس – ومتمثل كذلك ف ماولة انتزاع ال سيطرة التجار ية العال ية من هم وحياز ته ف
أيدهم ،لضعاف السلمي من جهة ،والتقوى على حربم من جهة أخرى.
ومـن أعاجيـب ذلك الزمان أن يكون الرائد الذى دل فاسـكو داجامـا وأعانـه على اتام رحلتـه هـو
البحار العرب السلم " ابن ماجد " الذى أمده بالعلومات والرائط ،بل قاد بنفسه سفينته نو جزر الند
الشرقية
غفلة أم قهر..؟ لست أدرى
وحي أت فاسكو داجاما رحلته بعونة ابن ماجد ،قال قولته الشهية الفصحة عن الدف القيقى
للحرلة ،الذى نتغا فل ن ن عنـه ح ي ندرس الرحلة لبنائ نا بتأثيـ الغزو الفكرى ك ما سـيجئ ،ونزعـم
لطلب نا أن ا كا نت رحلة " علم ية " قال :الن طوق نا رق بة ال سلم ،ول ي بق إل جذب ال بل فيخت نق
() ولفرد كانتول سيث ,السلم ف التاريخ الديث ,الطبعة الرابعة سنة ,1966ص .106-105
1
ويوت
رحلة صليبية واضحة الهداف.
ومثلها كل الرحلت الخرى القى قام با الصليبيون ف العال السلمى ،يدرسون مداخله ومارجه،
ويرجعون إل حكومات م ليدلو ها على طري قة الت سلل إل بلد ال سلمي وأشهر ها رحلة ماجلن ن ال ت
كان هدف ها ال ستيلء على الرض ال سلمية ف الفلب ي وإخضاع ها ل كم ال صليبيي ،وال ت ندر سها
لبنائنا كذلك على أنا من أعظم الرحلت " العلمية " الستكشافية ف التاريخ! (.)1
أ ما أن ا ا ستكشافية بالن سبة لور با ،لن ا كش فت للوربي ي بلدا ل يكونوا يعلمون عن ها شيئا إل
بالسماع .أما بالنسبة لنا نن السلمي هل كانت بلدنا مهولة منا ف انتظار أن يأتى ماجلن فيشكفها
لنا ،كما نوحى لبنائنا ونن ندّرس لم التاريخ؟! (.)2
توالت الرحلت ..وتوالت الستكشافات ..وبدأت السرقات.
يئ الصليبيون إل سلطان من سلطي السلمي – ف أفريقيا خاصة – فليجيئون إل كرمه – أو قل
إل غفل ته .فيطلبون م نه م ساعدة سفنهم ال ت تر سو ف مرافئة في ساعدهم بل شك فيطلبون قط عة أرض
على الشاطئ ليقوموا هم بدمة سفنهم إذا جاءت .فيعطيهم قطعة الرض بقتضى " الكرم " ول شك
فإذا ا ستولوا على قط عة الرض و صارت ل م نق طة ارتكاز على الشا طئ جاءوا بال سفن الحملة بالنود
والسلح ،ونزلوا ف الرفأ ،وجاسوا خلل الديار.
ول ت كن هذه بطبي عة الال هى الطري قة الوحيدة للغزو ال صليب ،ف قد ا ستخدموا كل الو سائل ال ت
ت قق ل م أهداف هم ،من غزو ع سكرى صريح ( ،)3إل حلت تبشي ية ت هد ال سبيل ( )4إل ت سللل "
تاري " ينقلب فيما بعد إل استعمار كامل (.)5
وأخيا – ف ناية القرن التاسع عشر اليلدى – كانوا قد احتلوا كل الرض السلمية تقريبا ،ماعدا
تركيا ذاتا ،وأجزاء من الزيرة العربية ،وأخضعوا السلمي ف مناطق احتللم للحكم الصليب جهرة أو
() ك تب ماجلن إل البا با عدة مرات يطلب الذن له بإعداد "رحلة" إل الفلبي لخضاع "الكفار" (أي ال سلمي) لكم ال صليب ,وأخيا أذذن له البابا فقام برحلته "العلمية
1
الستكشافية"! ولا حاول رفع الصليب علي الرض السلمية قتله السلمون .ونن ندرس لبنائنا أن "التببرين" قتلوه ,لنم ل يقدروا قيمة الرحلة الستكشافية العظيمة!
() انظر من كتابات السلمي -علي سبيل الثال -رحلة ابن بطوطة!
2
() كما حدث ف مصر والشمال الفريقي.
3
() كما حدثث ف وسط أفريقيا وغربا.
4
() كما حدث ف الند وأندونسيا.
5
بوساطة حكام من السلمي .يقومون بالكم ظاهرا ،ومن ورائهم – أو من خللم – يكم الصليبيون
ل تتاج ظاهرة الغزو الصليب ذاتا إل تعليل ول تفسي.
فالقد الذى يمله الصليبيون ف قلوبم للسلم قد أخبنا به اللطيف البي ف كتابه النل:
{وَلَ ْن تَرْضَى َعنْكَ اْلَيهُو ُد وَل الّنصَارَى َحتّى َتّتبِ َع مِّلَتهُمْ} [سورة البقرة ]2/120
سهِ ْم مِ ْن َبعْ ِد مَا
{وَدّ َكثِ ٌي مِ نْ َأهْلِ الْ ِكتَا بِ َل ْو يَ ُردّوَنكُ مْ مِ نْ بَعْدِ ِإيَانِكُ مْ ُكفّارا حَ سَدا مِ ْن ِعنْدِ أَنفُ ِ
َتَبيّنَ َلهُ ْم الْحَقّ} [سورة البقرة ]2/109
{وَل يَزَالُو َن ُيقَاتِلُوَنكُمْ َحتّى يَرُدّوكُ ْم عَنْ دِينِكُمْ ِإنْ ا ْستَطَاعُوا} [سورة البقرة ]2/217
ف هو ح قد دائم ،كا من ف قلوب م ضد ال سلم ،ل يتاج إل با عث آ خر .فمجرد وجود إ سلم ف
الرض كاف لتحريـك ضغائنهـم ،وباعـث لمـ على التحرك ضـد السـلمي ليدوهـم عـن دينهـم إن
استطاعوا.
تلك حقي قة نتاج إل توكيد ها والتذك ي ب ا لن هناك أكذو بة ضخ مة ا صطنعها الغرب ليدارى ب ا
أحقاده ال صليبية ،وأطلق ها ف ج يع الجالت ح ت صدقها ال سلمون أنف سهم – بتأث ي الغزو الف كر –
وصاروا يرددونا على نو ما لقنها لم سادتم ..خلصتها أن عصر المية الدينية قد انتهى ،ول تعد
تلك المية ترك أوربا اليوم كما كانت تركها ف العصور الوسطى ،لن " الدين " ف أوربا ل يعد
عامل مؤثرا ف حياة أهلها .إنا هو " استعمار اقتصادى " هدفه البحث عن الوارد والامات ول علقة
له بالدين.
وتلك – ف مملها – أكذوبة ل نصيب لا من الواقع.
حقي قة إن أور با هجرت الد ين ون سيته ،ول ت عد تك مه ف شئ من وا قع حيات ا ل ال سياسية ول
القتصادية ول العلقات الجتماعية ول مشاعر القلب ول خطرات الذهن .ولكن هذا كله شئ والقد
الصليب شئ آخر.
إن القـد الصـليب ليـس مبعثـه بالضرورة " تديـن " النصـارى كمـا قـد يبدو لول وهلة ،إناـ سـببه
السـاسى هـو وجود السـلمي .وجود تمـع بشرى ل ينتمـى إليهـم ول ينضوى إل زمرتمـ ول يتبـع
ملتهم ،وهذا هو الذى تشي إليه الية الكرية:
{وَلَ ْن تَرْضَى َعنْكَ اْلَيهُو ُد وَل الّنصَارَى َحتّى َتّتبِ َع مِّلَتهُمْ} [سورة البقرة ]2/120
و سواء كانوا هو متدين ي أو من سلخي من دين هم فلن يرضوا عن " ال سلمي " طال ا هو م سلمون،
يستظلون براية " ل إله إل ال ممد رسول ال ".
يقول ممد أسد ف كتابه "السلم علي مفترق الطرق":
" إن الصطدام العنيف الول بي أوربة التحدة من جانب وبي السلم من الانب ال خر – أى
الروب الصليبية – يتفق مع بزوغ فجر الدينة الوربية .ف ذلك الي أخذت هذه الدينة – وكانت ل
تزال على ات صال بالكني سة – ت شق سبيلها الاص ب عد تلك القرون الظل مة ال ت تب عت انلل روم ية.
حينذاك بدأت آداب أور بة ربي عا منورا جديدا .وكا نت الفنون الميلة قد بدأت بال ستيقاظ بب طء من
سبات خلفته هجرات الغزو الت قام با القوط والون والفاريون .ولقد استطاعت أوربة أن تتملص من
تلك الحوال الش نة ف أوائل القرون الو سطى ،ث اكت سبت وع يا ثقاف يا جديدا ،و عن طر يق الو عى
كسبت أيضا حسا مرهفا .ولا كانت أوربة ف وسط هذا الأزق الرج ،حلتها الروب الصليبية على
ذلك اللقاء العدائى بالعال السلمى .لقد كان ثت حروب بي السلمي والوربيي قبل عصل الروب
ال صليبية :كا نت فتوح العرب ف صقلية والندلس ،وكان هجوم هم على جنوب فرن سة ،ول كن هذه
العارك كا نت ق بل أن ت ستيقظ أور بة إل وعي ها الثقا ف الد يد ،فات سمت من أ جل ذلك ،و من وج هة
الن ظر الورب ية على ال قل ،بطا بع ذى نتائج مل ية .ول ت كن تلك العارك قد فه مت ب عد على وجه ها
القي قى .إن الروب ال صليبية هى ال ت عي نت ف القام الول والقام ال هم مو قف أور بة من ال سلم
لبضعة قرون تتلو .ولقد كانت الروب الصليبية ف ذلك حاسة لنا حدثت ف أثناء طفولة أوربة ،ف
الع هد الذى كا نت ف يه ال صائص الثقاف ية الا صة قد أخذت تعرض نف سها (يق صد قد أخذت تظ هر)
وكانت ل تزال ف طور تشكلها .والشعوب كالفراد ،إذا اعتبنا أن الؤثرات العنيفة الت تدث ف أوائل
الطفولة تظل مستمرة ظاهرا أو باطنا مدى الياة التالية .وتظل تلك الؤثرات مفورة حفرا عميقا ،حت
إنه ل يكن للتجارب العقلية ف الدور التأخر من الياة ،والتسم بالتفكي أكثر من اتسامه بالعاطفة أن
تحوها إل بصعوبة ،ث يندر أن تزيلها تاما.
" وهكذا كان شأن الروب الصليبية ،فإن ا أحدثت أثرا من أع مق الثار وأبقاها ف نفسية الشعب
الور ب .وإن الم ية الاهل ية العا مة ال ت أثارت ا تلك الروب ف زمن ها ل ي كن أن تقارن ب شئ خبته
أوربة من قبل ،ول اتفق لا من بعد.
" لقد اجتا حت القارة الورب ية كلها موجة من النشوة ،كانت – ف مدة ما على القل – عنفوانا
تطى الدود الت بي البلدان والت بي الشعوب والت بي الطبقات .ولقد اتفق ف ذلك الي ،وللمرة
الول ف التاريخ ،أن أوربة أدركت ف نفسها وحدة – ولكنها وحدة ضد العال السلمى .لقد كان
ثت قبل ذلك الزمن أنلو سكسون وجرمان وفرنسيون ونورمان وإيطاليون ودنركيون وسلف ،ولكن
ف أثناء الروب الصليبية ولدت فكرة " الدنية الغربية " وأصبحت هدفا واحدا تسعى إليه جيع الشعوب
الورب ية على ال سواء .وكا نت تلك الدن ية الغرب ية " وأ صبحت هد فا واحدا ت سعى إل يه ج يع الشعوب
الوربية على السوء .وكانت تلك الدنية الغربية عدوة للسلم وقفت عرابا (وكيل الطفل العمد بالتعبي
الكنسى) ف هذه الولدة الديدة ..لقد نشأ تسميم العقل الورب عما شوهه قادة الوربيي من تعاليم
السلم ومثله العليا أمام الموع الاهلة ف الغرب .وف ذلك الي استقرت تلك الفكرة الضحكة ف
عقول الوربيي.
من أن ال سلم د ين شهوان ية وع نف حيوا ن ،وأ نه ت سك بفروض شكل ية ،ول يس تزك ية للقلوب
وتطهيا لا ،ث بقيت هذه الفكرة حيث استقرت..
" لقد بذرت بذور البغضاء ..إن حية الصليبيي الاهلية كان لا ذيولا ف أماكن كثية من أوربة،
فشجع ذلك نصارى الندلس على الرب لنقاذ بلدهم من " ني الوثنيي ".
" ولكن قبل أن يتاح لصدى هذه الوادث أن يفت ف أسبانية حدث حدث ثالث عظيم الهية زاد
ف فساد الصلت بي العال الغرب وبي السلم :ذلك هو سقوط القسطنطينية ف يد التراك ..وبسقوط
القسـطنطينية فتـح باب أوربـا على مصـراعيه للسـيل السـلمى .وفـ القرون التـ تلت والتـ امتلت
بالروب ،ل ت بق عداوة أور بة لل سلم قض ية ذات أه ية ثقافية فح سب ،بل ذات أه ية سياسية أيضا.
وهذا زاد ف اشتداد تلك العداوة ..ولقد كانت هذه البغضاء تغمر الشعور الشعب كلما ذكرت كلمة "
م سلم " .ول قد دخلت ف المثال ال سائرة عند هم ح ت نزلت ف قلب كل أور ب رجل كان أم امرأة.
وأغرب من هذا كله أنا ظلت حية بعد جيع أدوار التبدل الثقافة .ث جاء عهد الصلح الدين حينما
انق سمت أو بة شي عا ،ووق فت كل شي عة مدج جة ب سلحها ف و جه كل شي عة أخرى ،ول كن العداء
للسلم كان عاما فيها كلها .بعدئذ جاء زمن أخذ الشعور الدين فيه يبو ولكن العداء للسلم استمر
(.)1
وف هذا ما يوضح تلك القيقة الت تشكل أحيانا على الذهن :كيف أن أوربا هجرت دينها ومع
ذلك فما تزال تشعر بالقد الصليب تاه السلمي.
فإذا أصيف إل وجود السلم وهو الباعث الول لقد اليهود والنصارى منذ أول لظة وجد فيها
السلم ،قبل أن يدث احتكاك من أى نوع بي السلمي واليهود أو بينهم وبي النصارى ..إذا أضيف
إل مرد وجود السلم حركته التاريية الائلة الت اصطدم فيها باليهود والنصارى ،وأزاحهم من مراكز
() السلما علي مفترق الطرق ,ترجة عمر فروخ مقتطفات ص .58-52
1
قوتم – كلها أو بعضها – فترة طويلة من الوقت ،فقد وجد " سبب إضاف " لق ،ل يزول ،بشهادتم
هم أنفسهم ،الت نطق با رجل مثل " ولفرد كانتول سيث " ف كتابه " السلم ف التاريخ الديث "
( )1وينطق با على الدوام غيه من الستشرقي والبشرين ورجال السياسية ورجال الفكر)2( ..
ول ينع هذا من وجود أطماع اقتصادية هائلة لوربا ف الشرق الغن بالامات والوارد ،الت ل يكاد
أصحابا يستمرون منها إل القليل ،بينا تتحرق أوربا شوقا إل شئ منها!
ولكن هذا ل ينبغى أن يفى عنا مموعة من القائق ف هذا الشأن:
الول :أن الباعـث الصـليب كان هـو الباعـث الول الذى حرك أوربـا إلى السـتيلء على اعال
ال سلمى ك ما هو ثا بت من رحل ت فا سكو داجا ما وماجلن ،والرحلت ال ستكشافية الخرى ف
أفريقيا خاصة – الت حلت البشرين بكميات هائلة إل أماكن ل يكن الستغلل القتصادى فيها مدد
العال أول المر ،وإن كان قد حدث على نطاق واسع فيما بعد ،حي اكتشف الحتلون مصادر الثروة
وأخذوا ف استغللا.
الثانيية :أن التحرك القتصـاد الول مـن أوربـا نوـ الشرق كان هدفـه الول حرمان السـلمي مـن
مصادر قوتم لضعافهم ،وهو هدف صليب واضح تتخذ له جيع الوسائل ،وما الوسيلة القتصادية إل
واحدة من هذه الوسائل فحسب .وليست هى الغاية كما يزعمون ويزعم معهم الستعبدون لم من "
الثقفي " خاصة ،الذين يهز الواحد منهم كتفيه ف بلهة ويقول :إن الغرب ل يريد إل تأمي مصاله
القتصادية فحسب ،ول يهمه شئ غي ذلك!
الثالثة :أنه ح ي برز العا مل القت صادى ف حياة أور با في ما ب عد ،وأ صبح – ف ظا هر ال مر – هو
الحرك الول لميع تصرفاتا ،بقى هناك فارق واضح بي " الستعمار القتصادى " ف بلد السلم،
والسـتعمال القتصـادى فـ البلد غيـ السـلمية التـ اسـتولوا عليهـا فـ مرحلة التوسـع وتكويـن
المباطوريات.
فمع أنه ف جيع أحواله ظال للبلد الحتلة الستغلة ،أنان النعة ،ل يهمه إل تقيق مصاله الاصة
على حساب أهل البلد الصليي ،حريص دائما على تركهم فقراء متخلفي ليتسن له استغللم أطول
وقت مكن ،معاكس دائما لركاتم التحررية الستقللية ،كابت لوجودهم السياسى و " القومى "..
مع ذلك كله فإ نه – ف البلد غ ي ال سلمية – ل يتعرض لعقائد الناس وأفكارهم وتقاليدهم ب شئ
-4الغزو الفكرى
يقصد بالغزو الفكرى الوسائل غي العسكرية الت اتذها الغزو الصليب لزالة مظاهر الياة السلمية
و صرف ال سلمي عن التم سك بال سلم ،م ا يتعلق بالعقيدة و ما يت صل ب ا من أفكار وتقال يد وأناط
سلوك.
والدافـع إل اسـتخدام الغزو الفكرى ف الرب ال صليبية العا صرة هو الصـيلة الرة ال ت خرج ب ا
الصليبيون من حروبم الصليبية الول مع السلمي ف القرني الامس والسادس الجريي (الادى عشر
والثان عشر اليلديي) ،والت انتهت بالزية الساحقة وعدم تقيق شئ ما خرج الصليبيون من بلدهم
لتحقيقه ،وبذلوا فيه الموال والدماء والنفوس.
ف تلك الروب الول و قع لو يس التا سع ملك فرن سا ف ال سر ب عد هزي ة حل ته ال صليبية ،وب قى
سجينا ف النصورة فترة من الوقت حت افتداه قومه وفك أسره.
() مبشر بروتستانت كان له نشاط تبشيي واسع ف البلد السلمية ,وأوصي قبل لوته بأن يدفن ف مقابر اليهود.
1
() راجع "الغارة علي العال السلمي" ترجة مب الدين الطيب.
2
() ل عبة با يقوله زوير من أن هدف الصليبيي ل يكن هو تنصي السلمي ,ول عبة بتعليله ,السمج أن التنصي شرفف ل يستحقه السلمون! فتلك ماولة منه لتغطية الفشل الذي
3
لقييه البشرون ف عملية التنصي ,كما قال الثثعلب حي عجز عن الصعود إل كرمة العنب إنه عنب حصرم!.
الشئ الرهوب ،الذى يزعجهم ويفزعهم حت وهو كامن ف قلب " الرجل الريض " كما صرح أحد
الكتاب ف كتاب " الغارة على العال السلمى " حيث قال :إن أوربا كانت تفزع من الرجل الريض
لن وراءه ثلثائة مليون من السلمي على استعداد للجهاد بإشارة من أصبعه!
ن عم! إن ا روح الهاد ف هذا الد ين أ شد ما يفزع هم م نه ،وإن كان كل شئ ف يه مقي تا لدي هم ل
يطيقون أن يبصروه! ()1
ول عل خ ي نوذج نقد مه ف مال الغزو الفكرى هو التجر بة ال صرية ..ف قد كا نت لل صليبيي عنا ية
خاصـة بصـر بالذات ،وبالقضاء على السـلم فيهـا ،بسـبب مركزهـا اليوى الؤثـر فـ قلب العال
السـلمى ،وبالذات بسـبب وجود الزهـر فيهـا ،ماـ جعلهـا مركـز الشعاع الروحـى والثقافـ للعال
السلمى كله.
قال أحد البشرين ف كلمة له ف الؤتر التبشيى الذى عقد ف القاهرة سنة 1906وهو يتساءل
ع ما إذا كان الز هر يتهدد كني سة السيح بال طر :إن ال سنيي من ال سلمي ر سخ ف أذهان م أن تعل يم
العربية ف الامع الزهر متقن ومتي أكثر منه ف غيه ،والتخرجون ف الزهر معلوفون بسعة الطلع
على علوم الدين وباب التعليم مفتوح ف الزهر لكل مشايخ الدنيا ،خصوصا وأن أوقاف الزهر الكثية
تساعد على التعليم فيه مانا لن ف استطاعته أن ينفق على 250استاذا .ث عرض اقتراحا يريد به إنشاء
مدرسة جامعة نصرانية تقوم الكنيسة بنفقاتا لتتمكن من مزاحة الزهر بسهولة ،وتتكفل هذه الدرسة
الامعة باتقان تعليم اللغة العربية .وختم كلمه قائل :ربا كانت العزة اللية قد دعتنا إل اختيار مصر
مركز عمل لنا لنسرع بإنشاء هذا العهد السيحى لتنصي المالك السلمية (.)2
لذلك كانت عنايتهم بإفساد السلم ف مصر – أو بعبارة أخرى ماولة إخراج مصر من السلم –
عنا ية شديدة ،وبذلوا ف سبيل تقيق ها جهودا مركزة قد تكون أو سع نطا قا وأع مق أثرا من أى ماولة
أخرى قاموا ب ا ف بق ية العال ال سلمى (في ما عدا ماولت م ال ت بذلو ها ف ترك يا لزالة الل فة ح ت
حققوا هدفهم على يد كمال أتاتورك) (.)3
() يعرف الذين يعيشون ف أوربا من السلمي كم يثيرهم منظر الفتاة السلمة التحجبة إل حد لل يستطيعون إخفاءه!.
1
() الغارة علي العال السلمي ص ,58-57الدار السعودية للنشر ,جدة.
2
() ركز الصليبيون ف م حاولتهم القضاء علي السلم علي نقطتي رئيسيتي :الستانة والقاهرة .الستانة بباعتبارها مركز القوة والسياسة والعسكرية للعال السلمي ,والقاهرة
3
باعتبارها مركز الشعاع الروحي والثقاقي .ولكن جهودهم ف الستانة كانت سياسية وعسكرية ف القام الول ,بينما كانت جهودهم ف القاهرة فكرية وثقافية ف القام الول.
لذلك فإننا -ف مال الغزو الفكري -نركز علي التجربة الصرية ,وسنتعرضض للتجربة التركية ف أثناءء السرد التاريي.
وثت سبب آخر لختيار التجربة الصرية هو أنا تربة متكاملة ،من أول النسلخ من السلم إل
بدء العودة إليه .وسيجد كل قارئ من البلد العربية أو السلمية الخرى أن بلده قد مرت بانب من
هذه التجربة عل القل .فإذا عرضنا له التجربة التكاملة سهل عليه أن يستوعب أبعاد الؤامرة ويستوعب
كذلك رد الفعل.
m m m
() يلحظ رداءة أسلوب الترجة ولكن هكذا كانت الساليب ف ذلك الوقت أقرب إل العامية منها إل العربية الفصحي .والشارة واضحة إل شعار الثورة الفرنسية" :الرية الخاء
1
الساواة" ومعلوم جيدا أن هذا هو نفس شعار الاسونية!
() هنا يذكر نابليون بصراحة أن أحد أهداف الملة هو النتقام من الماليك الذين يتعاملون مع الفرنسيي القيمي ف منطقة نفوذهم (مصر والشام) "بالذل والحتقار" ,والذين
2
يكتبون عن "مآثر" الملة الفرنسية علي مصر يغفلون الكلم عن هذذه النقطة الصليبية القنّعة!.
بوصف عنصر القاومة للغزو الصليب ...وتأت قمة الدللة ف كون سليمان "اللب" الذي قتل كليب ل يكن "مصريا" إنا كان "مسلما" دفعه إسلمه إل قتل قائد الملة الصليبية
الوجهة إل أرض إسلمية .ذلك أن دعاوي "الوطنية" ل تكن قد برزت بعد ,ول تكن هي الدافع الذي دفع الصريي إل قتال الفرنسيي .ومن التزوير علي التاريخ أن نقدمه للدارسي
علي النحو الذي نقدمه به اليوم ...وهذا ذاته من تأثي الغزو الفكري الذي توغل ف قلوب "السلمي"!.
دور ممد على
كان ممد على شخصا سيئ السمعة ..معروفا بالقسوة وغلظ الكبد ..ترسله الدولة العثمانية لتأديب
القرى الت تتأخر ف دفع ما يفرض عليها من الال ،فيعسكر هو وأفراد حلته التأديبية حول القرية ينهبون
وي سلبون ويفزعون المن ي ،ح ت يرى أ هل القر ية أن الف ضل ل م أن يدفعوا الموال الطلو بة – وإن
أبظتهم – خيا من الذل والفزع الذى يعاونونه من ممد على وأفراد حلته!
وكان مبا للعظمة إل حد النون..
صفات كلها صالة)1( !..
وليس بي يدى اليدى ما يقطع بأن فرنسا هى الت تدخلت لدى السلطان لرساله واليا على مصر..
وإن كانت الظروف تشي إل ذلك (..)2
ولك نه جاء على أى حال ..وال يا من ق بل الدولة العثمان ية على م صر ..عام 1805من اليلد ،أى
بعد مغادرة الملة الفرنسية بثلثة أعوام ،كانت مصر ف أثنائها قد عادت إل حكم الماليك مع الولء
للسلطان.
واحتضنته فرنسا احتضانا كامل لينفذ لا كل مططاتا!
أنشأت له جيشا على أحدث الساليب ومهزا بأحدث السلحة التاحة يومئذ بإشراف سليمان باشا
الفرنساوى!
وأنشأت له أسطول بريا على أحدث طراز يومذاك.
وأنشأت له ترسانة برية ف دمياط.
وأنشأت له القناطر اليية لتنظيم عملية الرى ف مصر.
هل كان هذا كله حبا ف شخص ممد على؟ أو حبا ف مصر؟!
إناـ كان لتنفيـذ الخطـط الصـليب الذى عجزت الملة الفرنسـية عـن تنفيذه بسـبب اضطرارهـا إل
الرحيل.
لقد قام ممد على بدور خطي ف نقل مصر من الرتكز السلمى إل شئ آخر يؤدى با ف النهاية
() ليس من باب الصادفة أن اليي اختيوا للدوار الكبي ف حرب السلم ,كانوا متصصفي بنون العظمة وقسوة القلب من أمثال ممد علي ,وكمال أتاتورك ,وجال عبد
1
الناصر ...ذلك أنما صفتان لزمتان لثل هذا الدور "العظيم"!.
() حبذا لو قام أحد الباحثي بتحقيق هذه القضية لدمة القائق التاريية.
2
إل الروج من اليز السلمى ..سواء كان واعيا تاما لذا الدور ،أو مستغل من قبل الصليبية لتنفيذه.
والذى يغلب على ح سنا – على ضوء التجربت ي الخيت ي ،تر بة كمال أتاتورك وجال ع بد النا صر –
أنه كان واعيا للدور وضالعا فيه .ولكن يستوى أن يكون ضالعا بوعى أو مستغل مستغفل ..فهو ف
الال ي يؤدى ذات الدور،ويؤدى الدور إل ذات النتائج ب صرف الن ظر عن النوا يا الداخل ية للمنفذ ين.
ولكن يبقى شئ مؤكد ف جيع الحوال ..أن " السلم " الق ل يكن بال أن يقوم بثل هذا الدور ل
واعيا ول مستغفل ،لن إسلمه ينعه أن يلتقى " التوجيه " من أعداء السلم.
لكى نفهم حقيقة الدور الذى قام به ممد على ف خدمة أعداء السلم ،ينبغى أن نفهم ماذا كان
يريد العداء.
لقد كانوا يريدون القضاء على السلم بصفة عامة ،ولكنهم وضعوا ف مططهم أهدافا مرحلية معينة
تكنهـم – فتصـورهم – مـن القضاء الخيـ على السـلم ..مـن هذه الهداف :القضاء على الدولة
العثمانية ،والقيام " بتغريب " العال السلمى مع العال السلمى مع العناية الاصة بتغريب مصر – بلد
الزهر – وتصدير الغريب منها إل بقية العال السلمى.
فأما القضاء على الدولة العثمانية فالمر فيه واضح .وأما عملية التغريب – عن طريق الغزو الفكرى
– فهمت ها الول ق تل روح الهاد ال سلمية ضد ال صليبيي للقضاء على القاو مة ال ستمرة ال ت يلقا ها
الغزو الصليب السلح ،وذلك بإزاحة الاجز العقدى الذى يذكر السلم دائما بأنه مسلم وأعداؤه كفار
يب أن ياهدهم ول يسمح لم باحتلل الرض السلمية ،فإذا " تغرب " ل يعد هذا الاجز قائما ف
نفسه ،ول يعد يثي عنده ما يثيه السلم ف نفس السلم .كا أن التغريب هو الذى يضمن تبعية العال
السلمى للغرب – بعد أن يضع عسكريا له – لنه حي يتغرب ،يس أن انتماؤه ل يعد للسلم وإنا
للغرب ،فل يشعر برغبة ف النفصال عنه ،وحت إن رغب ف يوم من اليام أن " يستقل " ففى حدود
التبعية العامة الت ل ترجه من حوزة سادته ،ومن النطاق الذى يضربه السادة حوله.
والن وقد أدركنا تطيط العداء فلننظر دور ممد على بعد " احتوائه " من قبل فرنسا.
كا نت ال طة ال صليبية – ال ت اضطل عت فرن سا بتنفيذ ها ف م صر – هى ت كبي م مد على وإغرائه
بالستقلل عن السلطان ،فتنفصل بذلك قطعة من أرض السلمي عن الدولة السلمية (وذللك يضعفها
ول شك) ث يكون ممد على نوذجا مغريا لغيه من الولة ،فيستقلون تباعا عن الدولة رغبة ف السلطان
الذاتى ،فتتفكك عرى الدولة وتنهار ..وف ذات الوقت كانت الطة هى تغريب مصر – بعد استقللا
– لضمان تبعيتها الدائمة للغرب وانفصالا النهائى عن السلم.
وقام م مد على بالدور الطلوب خ ي قيام فإن ال يش الذى صنعته له فرن سا ،وقام بتدري به سليمان
با شا الفرن ساوى قد ا ستخدمه م مد على ل ف ماولة ال ستقلل عن الل فة فح سب ،بل ف مار بة
الليفة نفسه ،وقد كاد يتغلب على جيش الليفة بالفعل لول تدخل بريطانيا ..تظاهرا بالوقوف ف صف
الليفة ،وغية ف القيقة من أن تستأثر فرنسا " بصداقة " السلطان ،وبالنفوذ ف مصر وف الوقت نفسه
لتخدم الدف العام للصليبية بطريقة أخرى ..فقد أوقفت بريطانيا ممد على عند حده ف ظاهر المر،
ومنعته من مهاجة الليفة ،وف الوقت ذاته ضمنت له الستقلل الفعلى عن الليفة ،والستئثار بكم
مصر حكما وراثيا ينتقل ف ذريته ،مع التبعية السية للسلطان (هذا بينما تمعت أوربا الصليبية كلها
لتحطيم ممد على ف معركة نافرين لنه نسى نفسه وترأ على مهاجة دولة صليبية هى اليونان ،فقد
كبته ال صليبية و سلحته لحار بة ال سلم ف قط ،فإذا ف عل ذلك فله كل العون .أ ما إذا ها جت أطما عه
لسابه الاص ،فمس أحد الصليبي بسوء ،فهنا يب تأديبه بل تطيمه تطيما كامل إذا لزم المر).
أما الانب الخر من الهمة وهو عملية التغريب ،فقد نفذها ممد على بسياسة البتعاث الت اتبعها،
بإرسال الطلب الشبان إل اوروبا ليتعلموا هناك ..وكان هذا أخطر ما فعله ف القيقة.ز لنه من هناك
بدأ الط " العلمان " يدخل ساحة التعليم ،ومن ورائه ساحة الياة ف مصر السلمية.
وقد يقول قائل إنه ل يكن أمامه من سبيل للنهوض بصر إل هذا السبيل ،وهو قول مردود..
فلو كان ف مكان ممد على قائد مسلم واع ( ،)1يريد أن ينهض بصر السلمية – أى على أسس
إ سلمية وقاعدة إ سلمية – ف قد كان أما مه سبيل آ خر ،هو النهوض بالز هر – مع قل العلم ل ل صر
وحدها بل للعال السلمى كله – برده إل الصورة الزاهية الت كانت عليها العاهد السلمية ف عصور
النهضـة ،حيـث كانـت تعلم العلم الشرعـى والعلوم الدنيويـة ،وكان يتخرج فيهـا الطباء والهندسـون
والرياضيون والفلكيون والفيزيائيون والكيمائيون السلمون الذين علموا العلم لوربا يوما من اليام.
فإذا كانت بلده – أو بلد العال السلمى جعاء تفتقر إل التخصصي ف هذه العلوم ،الذين يتاج
إلي هم الز هر لين هض بهم ته ،ف فى و سعه يومئذ أن ير سل أفرادا بأعيان م ،يتارون اختيار دقي قا ،على
أساس دينهم وتقواهم ،وحصافتهم ورزانتهم ،بعد أن يكونوا قد تاوزوا سن الفتنة ،وأحصنوا بالزواج
فل ينلقون فـ مزالق الفسـاد اللقـى ..فيتخصـصون فـ متلف العلوم ويعودون ليدرسـوا للطلب فـ
بيئت هم ال سلمية ،في ظل الشباب ماف ظا على إ سلمه ،ويتزود من العلوم ب ا ين فض ع نه تل فه العل مى،
ويعيد إليه الاسة العلمية الت فقدها السلمون خلل عصر التخلف الطويل ..وعندئذ " تنهض " مصر،
() كانت الدعايات حول ممد علي "الكبي" تقول عنه إنه كان رجلً داهية!! فلم يكن الذي ينقصه إذن هو الوعي!.
1
بل ينهض العال السلمى كله من طريق الزهر الذى يؤمه الدارسون من جيع بلد العال السلمى..
ويكون هذا القائد السلم قد أدى أجل خدمة للسلم والسلمي.
فهل فكر ممد على على هذا النحو ،أو هل كان قمينا أن يتجه هذه الوجهة
لرو كان هذا لا اختاروه .ولا جاءوا به ليؤدى دوره " العظيم ".
إنا كانت صياغته النفسية كلها و " التوجيه " الذى يتلقاه ،كله إل الانب الخر .جانب التغريب.
لذلك أر سل الشبان ال صغار بأعداد متزايدة إل أور با ،و هم ف سن الفت نة ،غ ي م صني ب شئ" ..
لينهلوا " من العلم إن شاءوا ،و من الف ساد إن شاءوا ،أو من العلم والف ساد م عا ف غالب الحيان ..ث
يعودوا ،ليكونوا رأس الربة التجه إل الغرب ،الذى ير بلده كلها إل هناك.
ول عبة بأنه كان يرسل مع كل بعثة إماما يؤمهم ف الصلة ويعلمهم أمور دينهم .فقد كان للصلة
ح ت ذلك الوقت قدا ستها ف ح سن ال سلمي ،ول يتصور وجود " م سلم " ل يؤديها .أو هى ف أ قل
العتبارات " تقليـد" له قداسـته ،ل يكـن أن يرج عليـه مسـلم .لذلك ل يكـن يتصـور أن تكون هناك
مموعة من السلمي بغي إمام يؤمهم ف الصلة ،ول يكن أن يقد ممد على على كسر ذلك التقليد
القدس ف ذلك الي.
ولكن ماذا فعل الئمة.
ل قد كان رفا عة را فع الطهطاوى واحدا من أولئك الئ مة " العظام " ..أو هكذا كان يوم ذ هب إل
فرنسا ..ولكه عاد وهو واحد من أئمة التغريب.
ا ستقبله أهله بالفرح يوم عاد من فرن سا ب عد غي بة سني ..فأشاح عن هم ف ازدراء ،وو سهم بأن م "
فلحون" ل يستحقون شرق استقباله.
ث ألف كتابه الذى تدث فيه عن أخبار " باريز " ودعا فيه إل " ترير " الرأة أى إل السفور ،وإل
الختلط ،وأزال عـن الرقـص الختلط وصـمة الدنـس ،فقال إنـه حركات رياضيـة موقعـة على أنغام
الوسيقى ،فل ينبغى النظر إليه على انه عمل مذموم.
ول يكن يتو قع بطبي عة الال أن ت ستجيب ال مة ال سلمية ف م صر إل هذه الدعوى الطهطاوية ف
حين ها ،ف قد كا نت بق ية ال سلم ف نفوس ال سلمي ،ك ما كا نت سيطرة التقال يد ال سلمية على كل
جوا نب الياة ،تبلغان من القوة إل ال د الذى ي عل م ثل تلك الدعوى ف ذلك الو قت مثارا لل سخرية
ومثارا للستنكار الشديد.
ولكن رأس الربة كان يشي إل التاه ..التاه إل التغريب.
ل قد كان الع مل الذى قام به رفا عة الطهطاوى _ و من ورائه م مد على _ هو على و جه التحد يد
على النحو التال:
كانت ف حياة السلمي _ ف مصر وف غيها من بلد العال السلمى _ نقطة ارتكاز واحدة ،هى
ال سلم – ب صرف الن ظر مؤق تا عن كل ما أ صابم من تلف عن حقي قة هذا الد ين – فجاء رفا عة
الطهطاوى فو ضع إل جا نب نق طة الرتكاز الضخ مة القائ مة ،نق طة ضئيلة غا ية الضآلة هى " الضارة
الغربية " دعا ال سلمي إل النتقال إليها والرتكاز عليها .ورويدا رويدا ف حياة ال سلمي أخذت تلك
النق طة الضئيلة ت كب وتتض خم ،وت صبح نق طة ارتكاز ثان ية ف حياة ال سلمي إل جا نب ال سلم ،مع
التضاؤل التدريى ف نقطة الرتكاز الول بقدر ما تتضخم النقطة الثانية ..حت يأتى وقت تصبح تلط
النقطة الضئيلة هى نقط الرتكاز الرئيسية ،وتصبح نقطة الرتكاز الضخمة السابقة نقطة جانبية ضئيلة
تكاد تنمحى من الوجود.
m m m
لقد استغرقت عملية النتقال التدريى ما يقرب من قرن من الزمان ،ولكنها كانت عملية مستمرة ل
تتو قف ،بل تتو سع على الدوام ،على الن حو الذى سنتحدث ع نه ف الفقرات التال ية ،متتبع ي مرا حل
النتقال ف مالت الياة الختلفة ،الجتماعية والخلقية والفكرية والسياسية والقتصادية ..وبالذات ف
قضية " ترير الرأة " .ولكن ينبغى هنا أن نتوقف لنسأل :لاذا حدث هذا النتقال؟.
هل هى الزية العسكرية أمام الغرب الظافر ،وولع الغلوب بتقليد الغالب؟
إن هذا وحده ل يكفـى لتفسـي مـا حدث خلل ذلك القرن مـن الزمان ،الذى تغرب فيـه العال
السلمى ،ونسى أصوله كلها كأنه ل يكن مسلما ف يوم من اليام ،بل كأنه ل يعايش السلم من قبل
ثلثة عشر قرنا متوالية بل انقطاع.
هـل الزيةـ العسـكرية وحدهـا تكفـى لتفسـي هذا التحول الائل ،بـل هذا النيار الائل خلل قرن
واحد من الزمان؟
ف ال مة صاحبة العقيدة ل ت ثر الزي ة الع سكرية كل هذا التأث ي ،بل قد ل يكون ل ا تأث ي على
الطلق.
ل قد هزم ال سلمون هزي ة شد يد ف أ حد ،يك فى ف ت صويرها قوله تعال{ :إِ ْذ تُ صْعِدُو َن وَل تَ ْلوُو نَ
عَلَى أَحَ ٍد وَال ّرسُو ُل يَ ْدعُوكُمْ فِي ُأخْرَاكُمْ} [سورة آل ]3/153
وهزتم الزية هزا شديدا لنم ل يكونوا يتصورون أن يهزموا قط ما داموا مؤمني وأعداؤهم كفار،
حت قالوا مستنكرين ف دهشة :أن هذا؟ أى كيف يتأتى لذا أن يدث.
صْبتُ ْم ِمثَْلْيهَا ُق ْلتُمْ َأنّى هَذَا} [سورة آل ]3/165
{َأوَلَمّا أَصَاَبتْكُ ْم ُمصِيَبةٌ قَدْ أَ َ
ولكن التوجيه الربان بعد الزية كان البلسم الشاف للجراح:
ح َزنُوا َوَأنْتُ ْم ا َلعَْل ْونَ ِإنْ ُكْنتُ ْم ُم ْؤ ِمنِيَ ([ })139سورة آل ]3/139
{وَل َتهِنُوا وَل تَ ْ
ومنذ نزل هذا التوجيه وعته المة وعملت به ،فلم تعد الزية توهنها ،لنا تستعلى باليان ،وتتأسى
بالذين وصفهم ال لم:
ض ُعفُوا َومَا ا ْستَكَانُوا{وَ َكأَيّ ْن مِ ْن َنِبيّ قَاتَ َل َمعَهُ ِرّبيّونَ َكثِيٌ َفمَا َوهَنُوا ِلمَا أَصَاَبهُمْ فِي َسبِيلِ اللّ ِه َومَا َ
حبّ ال صّابِرِينَ (َ )146ومَا كَا نَ َقوَْلهُ مْ إِلّ أَ نْ قَالُوا َرّبنَا ا ْغفِرْ َلنَا ُذنُوبَنَا َوإِ سْرَاَفنَا فِي َأمْ ِرنَا َوثَبّ تْ وَاللّ ُه يُ ِ
حبّ أَقْدَا َمنَا وَانْ صُ ْرنَا عَلَى اْل َقوْ ِم الْكَافِرِي نَ ( )147فَآتَاهُ مْ اللّ ُه َثوَا بَ ال ّدنْيَا وَحُ سْنَ َثوَا بِ الخِ َر ِة وَاللّ ُه ُي ِ
سنِيَ ([ })148سورة آل ]148-3/146 الْ ُمحْ ِ
حت حي هزموا الزية النكرة أمام التتار والصليبيي.
لقد كانت غارة التتار كاسحة ،حت إنا أزالت الدولة العباسية من الوجود ،وخربت بغداد ،وأذلت
أهل ها فجرى الن هر أربع ي ليلة أح ر من كثرة ما أر يق من دماء ال سلمي .وو صل الر عب والض عف
بال سلمي إل أن التترى كان يل قى ال سلم ف شوارع بغداد ول يس م عه سيفه ،فيقول للم سلم :ا بق ه نا
حت أعود إليك بالسيف لقتلك ،فيبقى السلم من الضعف والذل واقفا ف مكانه حت يعود إليه التترى
بالسيف فيقتله .ومع ذلك كله ل تذل أرواح السلمي بيث ينظرون إل التتار على أنم خي منهم ،أو
أن م جديرون بالحترام .إن ا كانوا ف نظر هم ممو عة من ال مج الوثن ي التـببرين ل ي ستحقون إل
الحتقار الطلق حت وهم منتصرون.
وكانت غارات الصليبيي مفاجئة للمسلمي وهم على غي استعداد ..واستغرقت قرني من الزمان..
ل قى ال سلمون في ها هوا نا شديدا ح ت خ تم ال ل م بالن صر علي هم أيام صلح الد ين ،ب عد أن أقاموا
دويلت ن صرانية ف م صر والشام ،و مع ذلك ل تذل أرواح ال سلمي ب يث ينظرون إل الن صارى على
أن م خي منهم ،أو أن م جديرون بالحترام .بل كانوا ف نظرهم هو الشرك ي عباد الصليب ..وكانوا
يتقرونم احتقارا شديدا من أجل شركهم ومن أجل فساد أخلقهم ،وكانوا يقولون عنهم إنم دياييث.
يكون الوا حد من هم سائرا مع زوج ته ف الطر يق فتلت قى ب صديق ل ا ،فيتن حى الزوج ليت يح للمرأة أن
تتحدث مع صديقها ما شاءت من الديث (.)1
() انظر كيف انقلبت العايي ف القضية ذاتا بعد الزية الخية فوجد ف "السلمي" من يقول (ف ملة روز اليوسف) إل مت نظل رجعيي! يكون الواحد سائرا مع زوجته ف الطريق
1
الزية العسكرية وحدها ل تثي إذن ف المة ذات العقيدة مهما كانت شديدة وغي متوقعة.
ولكن قد يقال إن التفوق العل مى والضارى والادى الذى وو جه به ال سلمون – مع الزي ة – هو
الذى أ ثر في هم هذا التأث ي ،وحول م هذا التحول ،لن م فوجئوا به دف عة واحدة ،فانك شف ل م مقدار
تلفهم الرهيب.
وهـو قول ظاهرة مقنـع ..وقـد كان لكتشاف السـلمي مدى تلفهـم إزاء تفوق الغرب أثـر فـ
انبهارهم با عند الغرب ول شك ..ولكن هذا وحده ل يفسر .فضل عن أن يبر..
ل قد كان ال سلمون ف بدء حيات م " متخلف ي " ف ميدان العلم و ف الا نب الادى والتنظي مى من
الضارة بدرجة ل تقاس إل جانب ما كان لدى القوتي الجاورتي فارس والروم ..وكان السلمون ف
حاجة إل القتباس منهم والخذ عنهم ف هذين اليداني ،ولكنهم – كما أشرنا ف الفصل الول – ل
يشعروا قط أن أعداءهم أعلى منهم ،ول أن ما عند أعدائهم م أفكار ومعتقدات وأناط سلوك خي ما
عندهم .بل نظروا باستغلء اليان إل هذا كله على أنه جاهلية عمياء ل تتدى بالدى الربان ول تطبق
ف حياتا منهج ال .فأخذوا العلم الذى كانوا يتاجون إليه ،وأخذوا من الوانب الادية والتنظيمية ما
وجدوا أنفسـهم فـ حاجـة إليـه ،وطوعوه لنهـج حياتمـ ،ول يأخذوا شيئا مـن معتقدات الاهليـة ول
أفكارها ول أناط سلوكها ..وكان هذا هو السلك الصحيح بالنسبة للمة السلمة حي تشعر باجتها
إل شئ تفتقده عندها وتده عند المم الاهلية من حولا.
أما ف هذه الرة فقد كان مسلكها متلفا كل الختلف..
كان مسـلكها هـو " النبهار " باـ عنـد الغرب ..النبهار الذى يؤدى إل النيار أمام القوة الغالبـة،
وتسليم القياد لا بل تفظ ،والرضى بالتبعية الكاملة لا ،بل المتنان والغتباط إذا قبلت القوة الظافرة أن
تعتبها من بي التباع.
كيف حدث ذلك؟
ل الزية العسكرية وحدها تصنع هذا ف المة ذات العقيدة ،ول التخلف العلمى والضارى والادى
وحده يصنع ذلك ن ول حت اجتماع الزية والتخلف معا يكن أن يؤدى إل كل ذلك النيار.
إنا هى الزية الداخلية ،الناجة من التخلف العقدى.
ح َزنُوا َوَأنْتُ ْم ا َلعَْل ْونَ ِإنْ ُكْنتُ ْم ُم ْؤ ِمنِيَ ([ })139سورة آل ]3/139
{وَل َتهِنُوا وَل تَ ْ
إن اشتراط اليان ف ال ية الكري ة لي ئ عب ثا .فاليان ال صحيح وحده هو الذى يول دون الو هن
فتلتقي بصديقلها ,فيصر الزوج علي الوقوف ليستمع لا يدور بي الزوجة والصديق!.
والزن فـ حالة الزيةـ أمام العداء ( ،)1ويول دون النتائج التـ تترتـب على الوهـن والزن ،وهـى
الستسلم للعداء ،والكف عن مقاومتهم ،والكف عن ماولة منازلتهم من جديد.
والستعلء قرين اليان.
ال ستعلء على الاهل ية ،والن ظر إلي ها على أن ا جاهل ية ولو كا نت تلك ما تلك من أدوات الن صر
العسكرى ،ومن أدوات التمكن الادى ف الرض.
والية الكرية ترد الؤمني إل اليزان القيقى والعيار القيقى .فحي تكون القضية هى قضية الكفر
واليان ،فالؤمنون هم العلون ولو أصابتهم هزية مؤقتة أو ضعف مادى مؤقت ،لن اليان بذاته أعلى
من الكفر ،أعلى منه نفسيا وروحيا وعقليا وأخلقيا وإنسانيا بقدار ما يعلو الق على الباطل ،والنهج
ال صحيح على الن هج الفا سد ،والرؤ ية ال صحيحة على الرؤ ية الاطئة ،وال سلوك ال ستقيم على ال سلوك
العوج.
ستَقِيمٍ ( [ })22سورة اللك
ط مُ ْ
{أَفَمَ ْن يَمْشِي ُم ِكبّا عَلَى وَ ْجهِ هِ َأهْدَى َأمّ نْ يَمْشِي َس ِويّا عَلَى صِرَا ٍ
]67/22
هذا من الوجهة النفسية والشعورية والوجدانية ،الت تنع الذوبان ف العدو ،أو الزية الروحية أمامه.
ومن الوجهة العملية حي يستيقن الؤمنون بأنم هم العلون بالعقيدة الصحيحة والنهج الصحيح –
ولو أصابتهم هزية مؤقتة أو ضعف مادى مؤقت _ فإن هذا اليقي ذاته هو الذى يعينهم على أن يقوموا
من كبوتم ،ويسترجعوا قوتم ،ويتأهبوا لنازلة العداء من جديد:
سنُوا ِمنْهُ ْم وَاّت َقوْا أَ ْج ٌر عَظِي مٌ (
{الّذِي َن ا سْتَجَابُوا لِلّ ِه وَالرّ سُو ِل مِ ْن َبعْ ِد مَا أَ صَاَبهُ ْم اْلقَرْ حُ لِلّذِي نَ أَحْ َ
سُبنَا اللّ هُ َونِعْ مَ
ش ْوهُ مْ فَزَا َدهُ مْ ِإيَانا وَقَالُوا حَ ْ
)172الّذِي نَ قَالَ َلهُ ْم النّا سُ إِنّ النّا سَ َقدْ جَ َمعُوا َلكُ مْ فَاخْ َ
اْلوَكِيلُ ([ })173سورة آل ]173-3/172
اليان الصـادق إذن ،بفهومـه السـلمى الصـحيح ،ل بالفهوم الرجائى ول بالفهوم الصـوف ،ول
التفلت من التكاليف الربانية ،هو الذى يعصم المة من الزية الروحية أمام العداء ،وإسلم القياد لم،
والرضى بالتبعية لم ..فهل كان هذا اليان موجودا بصورته تلك حي اقتحم الصليبيون بلد السلم،
وطغوا فيها وأكثروا فيها الفساد؟
كل بل شك!
ولو كان موجود بصورته تلك ،الت نزل با من عند ال ،وعلمها رسول ال eلصحابه ،لا حل
() راجع -قبل صفحات -قول أحد البشرين :هل الزهر خطر علي كنيسة السيح؟.
1
() كان هذا هو اللقب الذي أطلق علي الاكم البيطان ف مصر ف مبدأ المر.
2
() لورد كرومر ,مصر الديثة Modern Egyptالزء الول ,الصادر سنة .1905
3
)Collegeبلندن ليضع سياسة تعليمية ستحقق تعليمية ستحقق جيع أهدافكم! (.)1
هكذا يكون العمل البطئ الكيد الفعول!
سياسة تعليمية تقق جيع أهداف البشرين – أى جيع الهداف الصليبية – على مهل ،ودون ضجة
تثي النتباه " منعا من إثارة الشكوك "!
m m m
() كنت "الفيل" ذات الديقة الواسعة ف ضواحي القاهرة تئجر بائة وخسي قرشا ,وكانت أقة السكر (أي ما يوازي الكيلو وربع الكيلو) تباع بقرشي ونصف القرش ,وكانت
1
عشر بيضات كبار بقرش واحد ...وقس علي ذلك بقية تكاليف الياة!.
العاجزين عن دفع تكاليف " التعليم الديث " العاجزين ف الوقت ذاته عن نيل الكانة ف " الجتمع
الديث ".
أ ما خري و الدارس الديدة فأولئك هم " الطب قة الديدة " ف الجت مع ..الطب قة ال صاعدة ..الذ ين
يلوون أل سنتهم برطا نة ال ستعمر ،ويفاخرون ب ا ،ويضن هم ال ستعمر من جان به ،ويؤدى عن طريق هم
الدور الطلوب ،البطئ الطوات ،الكيد الفعول.
من هم أولئك الريون؟ ما ثقافتهم؟ ما وجهتهم؟ كيف نفذ بم دنلوب أهدافه الصليبية الت انتدبه
من أجلها كرومر ،ومنحه من أجلها ما منحه من سلطان؟
فلنن ظر ف النا هج ال ت وضع ها دنلوب ف مدار سه ،ولنتخ ي من بين ها أشد ها خطرا وأبعد ها أثرا:
مناهج الدين ،ومناهج التاريخ.
فأ ما الل غة العرب ية – ل غة القرآن الذى يترق قلب ال صليبية حقدا عل يه – ف قد خ طط دنلوب لقتل ها
والقضاء عليها.
ف قد كان الرا تب الذى يتقاضاه الدر سون من أ صحاب الؤهلت العل يا اث ن ع شر جني ها إل مدرس
اللغة العربية وحده ،يتقاضى أربعة جنيهات.
وكان لذا الوضع انعكاساته ول شك سواء ف داخل الدرسة ،أو ف الجتمع على اتساعه .فأما ف
داخل الدرسة جيعا حت ذوو الؤهلت التوسطة ،بل يتقدمه – ف الراتب – فراش الدرسة أحيانا إذا
كان ذا أقدمية طويلة ..ومن ث ل تعد له كلمة ف الدرسة ،فل هو يستشار ف شئونا ،ول هو يشارك
ف شئ من إدارتا ،ول يعد له كذلك عند التلميذ احترام ،ولول العصا الت يملها ويؤدب با التلميذ
ما وقره أ حد ول ع مل له ح ساب .بين ما ي ظى مدرس الل غة النليز ية بالذات بأ كب قدر من التوق ي
والحترام.
أما ف الجتمع الواسع فهو أشد ضياعا منه ف الدرسة فالناس جيعا يعملون وضعه الال ،ويعلمون
أنه ف ذيل القافلة ،وأن الدرسي الخرين مقدمون عليه ف الراتب وف الحترام سواء وإذا كانت العصا
اللت يملها تيف منه تلميذه فيلتزمون بالدب ف درسه ،فإن الجتمع ف الارج ل يشى عصاه تلك،
بل يتخذها مادة للتندر والزء والستخفاف ،بينما العصا الت يملها زميله مدرس اللغة النليزية توفر له
الحترام داخل الدرسة ،ول تعيبه ف الجتمع بشئ ،إن ل توفر له الهابة والتقدير والتعظيم.
ما يشتهى ولم الخطئ البل()1 الناس من يلق خيا قائلون له
ل عن التأنيث والتذكي علي غي منطقق واضح ,أ ما اللغة النليزيية فقد تكون أيسر من
اللغة العربية :الاضي والضارع والمر) كما أن الجاء فيها معقد ومالف للمنطوق ,فض ً
الفرنسية ظاهرا ,ولكن التراكيب الصطلحية فيها ( )idiomsغي قياسية ول بد من حفظ كل واحد منها علي حدة .وللفعال فيها ست صيغ للزمن كما للفرنسية بدلً من
الثلث ال صيغ العرب ية .والجاء غ ي قيا سي ,وبالذذات بالن سبة لجمو عة الروف OUGHوال ت ترد علي ستة أناء متل فة ف ال نق م ثلEnough Dough Thought :
.Thorough Through
() كلمة "فقي" (وأصلها فقيه) تعن ف الفهوم العامي الصري الرجل الذذي يقرأ القرآن علي القابر لقاء دريهمات ...وهو رجل "يستؤجر" لذا المر ,ول احترام له عند الناس.
2
كلها بغي عجز وكأنا اكتشفوا قصورها فجأة وكانوا غافلي عنه ..فانصرفوا إل دراسة آداب اللغات
الخرى وهجروا الدب العرب .وأصبح التنب والبحترى أو علقمة وامرؤ القيس أساء سخيفة مجوجة
تصم صاحبها لتوه بالتخلف العقلى والضارى وأصبح دانت وشكسبي وودزورث وبايرون وأندريه جيد
وأناتول فرانس وفيكتور هوجو هى الت تتردد على ألسنة " الثقفي " للدللة على أنم مثقفون ،ولو ل
يكن لم من حصيلتها إل حفظ الساء.
و " العلماء " ..أو بالحرى مترجو العلوم يشكون من أن اللغة العربية لغة غي علمية ..إن صلحت
للدب – أى الدب الردئ فإنا ل تصلح للعلم .جامدة ..معقدة ..مدودة ..متخلفة ..ولبد من اتاذ
اللغات الجنبية – وبالذات .النليز ية – لدراسة العلوم ،ول بد أن نعلمها لبنائنا ف الدارس إذا أردنا
أن يكون لدي نا ف يوم من اليام علماء وكأن ا ل ي كن لذه الل غة صلة بالعلم من ق بل – ف ع صور
الزدهار – بل كأنا ل تكن ف وقت من الوقات هى لغة العلم ،يوم قال روجر بيكون :من أراد أن
يتعلم فليتعلم العربية ،فهى لغة العلم..
وهكذا صوبت السهام إل اللغة العربية من كل جانب ،ول تعد شيئا يعتز به السلم العرب كما كان
يع تز طيلة ثل ثة ع شر قر نا من ق بل ،بل أ صبحت معرة ي سارع الن سان إل الن سلخ من ها ،وي عن ف
العيب فيها والنتقاد عليها لكى يصبح من " الثقفي ".
ول يكن بد من أن ينتقل هذا الو ضع الزرى من اللغة ذاتا إل ما هو مكتوب بتلك اللغة ..وكان
هذا هو الدف الخي الطلوب من ذلك التخطيط البيث.
فالكتوب باللغة العربية هو تراث المة كله ..وعلى رأسه القرآن..
والطلوب هو صرف المة عن تراثها كله ..وعلى رأسه القرآن)1(.
وان صراف الناس بالف عل عن قرآن م وتراث هم بالتدر يج ،فلم يعودوا يشعرون أ نه هو " الزاد " ..إن ا
الزاد هو الكتوب بلغة السادة الغالبي.
أما درس الدين ف مناهج دنلوب فل يقل سواء إن ل يكن أسوأ.
فمدرس الدين هو نفسه مدرس اللغة العربية الذى وضعه دنلوب ف ذلك الوضع الزرى الهي ،ولكن
يز يد عل يه أن أ كب الدر سي سنا هو الذى يو كل إل يه تدر يس الد ين ب جة إراح ته من ت عب ت صحيح
() ت صرف السلمي ف تركيا عن تراثهم السلمي ببتغيي الروف العربية ,وكتابة اللغة التركية بالحرفف اللتيينية علي يد أتاتورك ,وتصفية اللغة التركية من معظم الكلمات
1
ل عن التصال بتراثثها السلمي ,فتنقطع عنه وتنشأأ بل دين .وقد قامت ف مصر ماولت مشابة علي يد عبد العزيز ففهمي
العربية الت تتضمنها للتنشأ أجيال تعجز عجزا كام ً
() اقرأ -إن شئت فصل "العلمانية" ف كتاب "مذاهب فكرية معاصرة".
1
() ف النية إصدار كتيب بعنوان "منهج لدرس الدين".
2
والنشاط والبهجة – بل هو " روح " تلقى إل التلميذ ف كل مناسبة ،ف أثناء الدروس وأثناء اللعب،
وأثناء الوقوف ف الصف وأثناء النصراف إل الفصول أو النصراف من الدرسة ،ومن ث يكون ذا أثر
عميق ف نفوس التلميذ ،ول يكون درس الدين التخصص رفعة ف الثوب ،متنافرة معه وغي متناسقة،
بل قطعة طبيعية من نسيج الثوب ،متناسقة معه ومزينة له.
وزيادة ف النكا ية لدرس الد ين ف قد وض عه الن هج الدنلو ب ض من " الواد الضاف ية " ال ت تذف ف
جدول الصـيف الختصـر ،الذى يقتصـر على" الواد الرئيسـية " فيحذف منـه الديـن والرسـم والشغال
اليدوية واللعاب الرياضية ..وهكذا يصبح ف حس التلميذ مادة " هامشية " ليس لا اعتبار!
وبذا التدبي البطئ الكيد الفعول ترجت أجيال وراء أجيال ل تس بأى توقي نو الدين!
m m m
أما " ثالثة الثاف " فهى درس التاريخ ..بشقيه :السلمى والورب!
فأما منهج التاريخ السلمى فيبدأ – كالعتاد – بدراسة أحوال الاهلية تهيدا لدراسة البعثة النبوية
وصدر السلم.
وفـ دراسـة الاهليـة ترد تلك الملة " الشهية " ( :)1كان العرب فـ الاهليـة يعبدون الصـنام
ويئدون البنات ويشربون المر ويلعبون اليسر ويقومون بغارات السلب والنهب ،فجاء السلم فنهاهم
عن ذلك..
وتبدو هذه الملة بريئة ف ظاهرها ،ولكنها خبيثة كل البث ف واقعها.
فأ ما الباءة الظاهر ية فم صدرها أن العرب ف الاهل ية كانوا حقي قة على ال صورة ال ت ت صفها هذه
العبارة ،وأن السـلم قـد أزال تلك الصـورة بالفعـل ،وأمـا البـث فمنشؤه أن العبارة ل تتحدث عـن "
جوهر " الاهلية الذى جاء السلم لحوه وتغييه ،إنا تدثت عن " مظاهر " الاهلية العربية خاصة ن
الت قد ل توجد ف الاهليات الخرى ،بينما السلم ل يتنل لحو مظاهر الاهلية العربية ،وإنا للغاء
جوهر الاهلية كله وإبدال السلم به.
بعبارة أخرى ..حي نصر مهمة السلم ف مو هذه الظاهر وحدها ،فماذا يكون قد بقى من مهام
السلم ف الوقت الاضر؟
() نقول "شهية" لنا انتقلت من مصر إل معظم بلدان العال العرب!.
1
ح ي ين ظر التلم يذ حول م فل يدون أ صناما معبودة ( ،)1ف قد سقط إذن هذا " الب ند " من مهام
السلم.
وحي ل يدون البنات تؤد ،بل يدون على العكس من ذلك بنات مدللت أشد التدليل ،فقد سقط
هذا "البند" كذلك من مهام السلم..
وح ي يدون ب عض الناس يشربون ال مر ويلعبون الي سر ،ف قد د عا ال سلم دعو ته " الخلق ية "
فاستجاب لا من استجاب ووقع غيهم ف " العاصى " ..ول حيلة!
وأ ما غارات ال سلب والن هب فتو جد اليوم حكومات نظام ية ذات قوات م صصة لل من تول دون
وقوع مثل هذه الغارات وتعاقب من تصول له نفسه اقترافها..
فماذا بقى إذن من مهام يكن للسلم أن يؤديها ف العال الديث؟!
إن السلم – بذه ال صورة – يكون قد استنفد أغرا ضه ..وهذا هو الياء الطلوب م نذ أول درس
مدروس التاريخ السلمى! أنه جاء لزمن معي كان يتسع له ويتاج إليه ،ولكن ل تعد هناك حاجة إليه
ف الوقت الاضر ،فهو جزء من التاريخ الغابر ول زيادة!
وكان ال مر يتلف اختل فا وا سعا بطبي عة الال لو ذكرت القي قة الوهر ية ال ت جاء من أجل ها "
الد ين " ..الد ين كله من لدن آدم عل يه ال سلم إل م مد ،eو هى دعوة الناس إل عبادة ال وحده بل
شريك ،العبادة التمثلة ف العتقاد بوحدانية ال وتقدي الشعائر التعبدية إليه وحده ،وتكيم شريعته ف
كل شأن ن شئون الياة ،مع الصيصة الت اختصت با الرسالة الخية النلة على ممد ،eوهى أنا
رسالة للبشرية كافة منذ مبعثه عليه السلم إل قيام الساعة..
كم تتغي الصورة ف حس التلميذ حي تدرس لم تلك القيقة الوهرية الت جاء من أجلها" الدين
" ،وتلك الصيصة الت اختصت با الرسالة الخية؟!
أنه تغي يبلغ ما بي السماء والرض!!
فل هذا الد ين ا ستنفد أغرا ضه ف الا ضى ،ول ا ستنفدها بالن سبة للحا ضر ،ول ا ستنفدها بالن سبة
للمستقبل ول يستنفدها أبدا طالا هناك مشرك واحد ف الرض يعتقد بوجود آلة غي ال ( ،)2أو يقدم
الشعائر التعبدية لحد غي ال (أو مع ال) أو يكم شريعة غي شريعة ال.
بل حت لو تصورونا جدل أن أهل الرض آمنوا كلهم جيعا (وهو فرض ل يتحقق أبدا لنه يالف
() يفي عن التلميذ عمدا أحوال الوثنيي ف أفريقيا وآسيا.
1
() أو ملحد ينكر وجود ال ألبتة.
2
مـا قدر ال) ( )1فلن يسـتنفد هذا اديـن أغراضـه ،لن مهمتـه عندئذ تكون الحافظـة على إيان الناس
بالتذكر با أنزل ال ،تقيقا للتوجيه الربان:
{وَذَكّرْ فَِإنّ الذّ ْكرَى تَنفَ ُع الْ ُم ْؤ ِمنِيَ ([ })55سورة الذاريات ]51/55
فك يف والرض مليئة ب كل أنواع الشرك ،سواء شرك الوثن ية ،أو شرك الر سالت ال سماوية الحر فة
لدى اليهود والنصارى ،أو شرك التباع التمثل ف تكيم الشرائع الاهلية بدل من شريعة ال؟
بل كيف والعال السلمى ذاته -ومصر من بنيه قد نيت فيه الشريعة الربانية ووضعت بدل منها
قواني الاهلية؟
أى مهمة للسلم يؤديها اليوم أعظم من مهمة رد الناس عن هذا الشرك كله ودعوتم إل التوحيد؟
ولكن هذا بالذات هو الذى يراد أن يبعد عن أذهان التلميذ
يراد منهم أل يتذكروا أبد أن مصر قد نيت فيها الشريعة السلمية منذ دخلها الحتلل الصليب،
و صارت تكم ها القوان ي الاهل ية ،لن تذ كر ذلك يتر تب عل يه أن يا هد ال سلمون ف م صر هذا
الحتلل جهادا دينيا لخراج الصليبيي من بلد السلم.
من أجل ذلك يشوه الدرس الول ذلك التشويه ،حت تنسى الجيال التخرجة ف " مدارس الكفر "
أن السلم له مهمة يكن أن يؤديها ف الوقت الاضر.
ث يدرس للتلميذ عصر البعثة وصدر السلم بطريقة قد تكون وافية ،وإن كان ل يركز فيها على
جوهر الاهلية الذى جاء السلم لزالته ،وجهور السلم الذى بعث الرسول eلبيانه للناس ،ودعوتم
إليه ،وتكينه ف الرض بالهاد.
ولكن الصورة الشرقة التمثلة ف عصر البعثة وصدر السلم تطمس فجأة وتبو ..لن الذى يدرس
للتلميـذ بعـد ذلك هـو " التاريـخ السـياسى " للسـلم ..أو بالحرى هـو التاريـخ الذى يغلب عليـه
النراف!!
حقيقة إن خط النراف واقع تاريى ،وخاصة ف الانب السيباسى من حياة السلمي ..وأن هذا
النراف بدأ مبكرا م نذ الع هد الموى ..وأ نه ارتك بت ف يه فظائع من أ جل ال ستيلء على ال كم أو
استبقائه ل يرضى عنها ال ول رسوله ،ول تليق بالسلمي..
ولكن التركيز على خط النراف وحده وإسقاط بقية الصورة هو تشويه متعمد للتاريخ السلمى
() قدّر ال أن يكون البشر أحرارا ف أفعالم ومسئولي عنها ,ومقتضي ذلك أن يتلفوا فيؤمن بعضهم ويكفر بعضهم الخرَ { ,وَلوْ شَا َء رَبّ كَ َلجَ َعلَ النّا سَ ُأمّ ًة وَاحِدَةً}[سورة هود 1
,]11/118أي بقهرهم علي اليان ,ولكنه ل يشأ ذلك سبحانه.
لمر يراد! ()1
فلو أن الصورة أعطيت كاملة كما هى ف القيقة لعطيت إياء آخر متلفا كل الختلف (.)2
و قع النراف ن عم -ف الا نب ال سياسى خا صة -ول كن ل ين ته ال سلم من الوجود! وب قى ف
الواقع التاريى للسلم جوانب كثية من السلم مطبقة ف عال الواقع ،وبقيت فيه أماد كثي جديرة
بالتسجيل ،وجية باعتزاز السلمي..
ول كن الذى يراد من درا سة التار يخ ال سلمى ف الن هج الدنلو ب ل يس هو إثارة اعتزاز ال سلمي
بتاريهم ،بل هو على وجه التأكيد قتل هذا العتزاز!
ومن أجل هذا الدف تفى الصفحة البيضاء كلها ،أو بالحرى يفى ما ف صفحة التاريخ السلمى
من بياض ،ويبز الط السود وحده على أنه هو التاريخ!
يفى نشر العقيدة الصحيحة ف مساحة واسعة من الرض تتد من الحيط إل الحيط ،وإخراج الناس
فيها من الظلمات إل النور ،وإجراء العدل الربان التمثل ف تطبيق الشريعة الربانية ،وتقيق العدل خاصة
بالنسبة لن بقى على دينه ف تلك الرقعة الواسعة من الرض ،ما ل مثيل له ف التاريخ البشرى كله..
ويقدم هذا كله ف عبارة موجزة مبه مة موه ة ،و هى امتداد الفتوح ال سلمية! كأن ا هى حركة تو سع
حرب ل هدف له إل فسح الرقعة وبسط النفوذ!
ويفى بقاء الجتمع السلمى ف عمومه فترة طويلة من الزمن نظيفا من الفاحشة ،آمنا على أنسابه،
وحيثما كانت الدولة قوية مبسوطة السلطان فهو آمن أيضا على دمائه وأمواله ف ظل شريعة ال.
وتفى الركة العلمية السلمية الائلة الت نشرت نورها ف الرض ،وتعلمت منها أوربا حي بدأت
نضتها الديثة نتيجة احتكاكها بالسلمي ف أكثر من أرض وأكثر من مال.
وتفى الركة الضارية السلمية الضخمة بشقيها ،العنوى التعلق بالقيم النسانية العليا ،والادى
التعلق بالعمارة الادية للرض والشكال التنظيمية للحياة.
كما يفى بطبيعة الال تفرد كلتا الركتي بيزتا السلمية الاصة -الستمدة من النهج السلمى
-و هى ف سح الجال للنشاط البشرى ف ج يع مال ته اليو ية ،مع اللتزام بالن هج الربا ن الذى ي مع
الروح والادة ،ويمع الدنيا والخرة كلها ف نظام.
وحي يفى هذا كله فماذا يبقى؟!
() عرضت لذه النقطة بشئ من التوسع ف كتاب "الستشرقون والسلم".
1
() عرضت لذا النقطة أيضا بشئ من التوسع ف كتاب "كيف نكتب التاريخ السلمي".
2
يبقى إياءات خبيثان ،مقصودان:
أولما :أن السلم ل يكم إل فترة قصية حدا ف عهد اللفاء الراشدين ث انتهى إل غي رجعة.
والثان :أن التاريخ السلمى -بعد صدور السلم -خال من كل القيم الت تقيم الياة النسانية
الصحيحة ،وأنه عبارة عن عمليات دموية من أجل السلطان!
وبعد أن يفرع التاريخ السلمى من متواه القيقى على هذا النحو يوجه التلميذ إل أوربا!
أور با هى العلم! أور با هى الضارة! أور با هى الق يم! أور با هى الديقراط ية! أور با هى خقوق
النسان! أوربا هى التقدم الصناعى! أوربا هى الصورة الصحيحة للوجود البشرى ف جيع الجالت!
ويفى -عمدا -فظائع الستعمار الوحشية ف كل مكان دنسته أقدام الستعمرين ،وخاصة ف العال
السلمى .وتفى -عمدا -البواعث الصليبية للتحرك الورب نو العال السلمى .ويفى -عمدا -
الف ساد الل قى ال خذ ف النتشار -يومئذ -ف أور با .وي فى عمدا -غل بة الروح الاد ية على تلك
الضارة وانطماس الروح.
وهكذا يقدم التاريخ -السلمى والورب -كاذيا من شقيه كليهما وإن احتوى جانبا من الق!
ففى التاريخ السلمى يقدم الط السود من الصفحة بتركيز فائق ،ويفى ما ف بقية الصفحة من
البياض ،وف التاريخ الورب يقدم الط البيض من الصفحة بتركيز فائق ويفى ما ف بقية الصفحة من
السواد!
وحي يقدم التاريخ بصورته الكاذبة هذه من شقيها فماذا تكون النتيجة؟
تون تريج أجيال متعاقبة من " التعلمي " ينحون تدرييا إل النسلخ من السلم على أنه شئ قد
استنفد أغراضه ،ول تعد له مهمة يؤديها ف الوقت الاضر ،بل على أنه شئ قد عاش أكثر ما ينبغى،
وكان ينبغى أن يندثر من زمان بعيد ،ويتجهون إل أوربا على أن ا مهبط الوحى ومنبع النور ،ومنتجع
الصحة لن يريد الستشفاء من التخلف والرجعية!
إذا كان هذا كله ف الدر سة الدنلوب ية البتدائ ية فالدر سة الثانو ية توى هذه ال سموم كل ها ول كن
برعـة أكـب! فالطلب فـ الدارس الثانويـة أنضـد بل شـك وأقدر على السـتيعاب ،وأجدر -حيـ
يتناولون جرعة السم -أن يكون تأثرهم با أشد!
مـن أجـل ذلك يزاد فـ تقيـ درس اللغـة العربيـة إل جانـب الدروس الخرى عامـة ودرس اللغـة
النليزيـة خاصـة ،ويزاد مـن تقيـ درس الديـن ووضعـه فـ أقصـى الزاويـة الامشيـة ،ويزاد فـ إعطاء
التف صيلت ف خط النراف التاري ى للم سلمي مع الخفاء الكا مل ل كل بياض ال صفحة ..ويزاد ف
إعطاء التفصيلت ف خط النراف التاريى للمسلمي مع الخفاء الكامل لكل بياض الصفحة ..ويزاد
أخيا وليـس آخرا فـ الرعـة الوربيـة التـ تصـور أوربـا على أناـ القمـة السـامقة الفريدة فـ تاريـخ
البشريـة،وتلوى أعناق الطلب ليـا إليهـا مـع العجاب البهور الذى ل يدع للنسـان الفرص للتقاط
أنفاسه!
فإذا ت هذا كله جاءت " مدرسة العلمي العليا " لتكمل التخطيط النلوب البيث..
كانت هذه هى الكان الذى يتخرج فيه معلموا الواد كلها ماعدا اللغة العربية ،الت يتخرج معلمواها
ف الزهر وحجه أول ،ث فيه وف " دار العلوم العليا " فيما بعد -وكانت ف الوقت ذاته هى " معمل
التفر يخ " للمخ طط كله ،الذى يض من دوام التأث ي وع مق التأ ثر ،على أ سلوب الخ طط كله ،الب طئ
الطى ،الكيد الفعول.
كان طلبا يتارون بادئ ذى بدء من بي خريى الدارس الثانوية الذين حقنوا بالسم البيث على
جرعتي متواليتي طويلتي ،،إحداها ف أثناء التعليم البتدائى ،والثانية ف أثناء التعليم الثانوى أى خلل
تسع سنوات متواليات.
وكانوا يتارون ثانيا على أسس معينة وضعها وينفذها مدير الدرسة ومعلموها وكلهم من النليز!
ولك أن تتوقع نوع " العينة " الطلوبة! ونوع " الؤهلت " الطلوبة!
وبطبيعة الال لن تكون الستقامة على السلم ،ول التقوى والصلح من بي تلك الؤهلت!
وأيا كانت نوعية الداخل وقت خوله ،فالارج " مضمون "! مضمون النوعية ومضمون الؤهلت!
هنا ف " معمل التفريخ " يتم كل شئ بعناية فائقة ..لنه مستقبل أمة كاملة يصاغ!
كا نت الدر سة ت قع ف حى " النية " ( )1على ب عد دقائق معدودة من ثكنات ج يش الحتلل ف
قصر النيل ( )2وكان الساتذة النليز ل يدخلون على طلبم ف القيقة بوصفهم أساتذة فحسب! بل
بوصفهم قوة الحتلل القاهرة الت جاءت لتقهر نفوس هؤلء الطلب وتشعرهم بالضآلة والدونية إزار "
الر جل الب يض " العظ يم الذى وضع ته العنا ية الل ية " على رأس هذه البلد ( )3هذا هو الع ن الظا هر
الذى كان يتعمد أولئك " الساتذة " إظهاره .أما العن الفى -وهو القهر الصليبي للمسلمي -فهذا
ل يكونوا يصرحون به ،ولكنه ينبث -واضحا -ف كل مناسبة وف كل توجيه.
() ف مكان كلية تارة القاهرة ف الوقت الاضر.
1
() ف مكان فندق الليتون بيدان "التحرير!" ف الوقت الاضر.
2
() راجع كلم كرومر قبل صفحات.
3
وأ يا كان ال مر ف قد كان أولئك " ال ساتذة " يثلون ف نفوس الطلب شيئا مرهو با ل يقاوم ،بل
ح سب الطالب من هم أن يتحا شى فتكا ته التوق عة ف أ ية ل ظة ،ولك نه ل ي س بال من القي قى ل ظة
واحدة ح ت ينت هى من درا سته ويتخرج .فإذا ترج فالره بة من " الوا جة " ل تغادر قل به ،وإن أخذت
صورا متعددة متجددة ف حياته العملية!
وف جو الرهبة العام يتلقى الطلب جرعات السموم..
هل يلك أحد أن يتنع عن تناولا؟ بل هل يلك أحد أن يتنع عن التأثر با حت لو أراد؟
جرعات السم هنا واضحة ..والتلقي مباشر..
إن ما بكم من تلف سببه السلم! الدين كله يسبب التخلف ،ولكن السلم بصفة خاصة يعمل
على التخلف أكثر من أى دين!! ستظلون متأخرين طالا بقيتم متمسكي بالسلم! لن تتقدموا إل إذا
تل صتم من عقل ية القرون الو سطى ال ت كا نت تع تب الد ين أ ساس الياة! أ ساس الياة اليوم هو العلم
وليس الدين!..
وهذا إل جانب التلقي غي الباشر..
لقد كانت أوربا ف العصور الوسطى الظلمة خاضعة لسلطان الدين ،فكانت جاهلة متأخرة جامدة،
وحي نبذت الدين تقدمت وتضرت وتعلمت وأوتيت كل وسائل القوة والتمكن .كان الدين حاجزا
عن العلم لنه مموعة من الرافات .وحاجزا عن العمل والنشاط والنتاج لنه ينظر إل الخرة ويهمل
الدنيا .كان لبد من تطيمه للقضاء على الرافة ،والستمتاع بالياة على الرض الفكر النسان الر
هو الذى ت صدى برأة لتحطي مك الرا فة ،وو صل إل التقدم الرائع الذى تار سه أور با اليوم .هو الذى
قرر الديقراطية ،وقرر حقوق النسان ،ورفع من قيمة الكرامة النسانية بتقرير مبدأ الرية الشخصية الت
كانت مهدرة ف ظل السيطرة الدينية..
وما كان الطلب يومئذ يلكون الرد على التحدى .وما كانوا يلكون -ف هزيتهم الداخلية البهورة
با عند الغرب ،ورهبت هم من الحتلل الع سكرى الاث على أرضهم ،ورهبت هم من " الوا جة " الذى
يرع هم ذلك ال سم ما كانون يلو كن العر فة ال ت يردون ب ا على التحدى ،ح ت لو بق يت ل م نفوس
ترغب ف الرد!
هـل كان فـ إمكانمـ يومئذ أن يدركوا أن التخلف الذى أصـابم ،والذى يعيهـم بـه " الواجـة "
وينفذ منه لهاجة عقيدتم ودينهم وتقاليدهم ،ل يكن سببه السلم ،وإنا كان سببه التخلف العقدى
الذى أبعد المة عن حقيقة السلم.
و هل كان ف إمكان م يومئذ أن ينفذوا إل حقي قة الضارة الغرب ية فيعرفوا جوا نب قوت ا وجوا نب
ضعفها ،ويدركوا أن الدين الذى حطمته أوربا لتتقدم وتتحضر كان دينا زائفا من صنع الكنيسة ،وكان
جديا بالتحطيم بالفعل لنه عائق عن الياة وعن التقدم وعن عمارة الرض ،ولكن الياة بل دين من
جا نب آ خر مف سدة ل ت قل عن مف سدة الد ين الزائف إن ل ت كن أ شد ،وأن ا تعرض هذه الضارة ف
النهاية إل النيار؟!
كل! ما كان ف طوقهم يومئذ أن يدركوا شيئا من ذلك كله ،حت لو أوجعهم تبكيت الواجة لم،
وتعييه إياهم ،ونسبته كل ما ف حياتم من سوء إل السلم!
وإذ ل ي كن ف طوق هم أن يدركوا شيئا من ذلك ،ف قد كان التو قع ل م و هو ما حدث بالف عل أن
يتأثروا بالسموم الت تقدم لم ،وينصبوا ف القالب الذى وضع لم بل مقاومة تذكر ،أو بل مقاومة على
الطلق!
و هل كان " الواجات " من مد ير وأ ساتذة سيسكتون على وا حد من الطلب لو وجدوا ف يه شيئا
من القاو مة لهداف هم! كل ول شك! ولك نا ل ن سمع على أى حال أن واحدا من الطلب قد قاوم،
وفصل لنه قاوم!
فإذا انت هت سنوات الدرا سة الر بع ف م ثل هذا ال و وهذا التوج يه ،ف قد ض من الواجات أن "
فراخهم " الت أنتجوها ف " معمل التفريخ " ،والت ستخرج لتتول تربية جيل جديد من النشئ ،ستقوم
بالدور الطلوب تلقائيا بغي حاجة إل توجيه جديد ،فقد انطبعت نفوسها با يراد طبعها به ،وصارت "
تتقيأ " تلقائيا ما سكب ف كيانا من السم ،ولكن ل لتتخلص منه وتفئ إل صحتها كما يفعل النسان
السوى حي يتناول السم ،بل لتطعمه فراخا جديدة صغية السن ،ل تدرك شيئا ما حولا ،بل تلتقط
كل ما يوضع أمامها بل تييز ول قدرة على التمييز!
بذا التخطيط البيث أحكم دنلوب قبضته الصليبية على الجيال.
فلم تكن السألة إفساد جيل بعينه يذهب ويذهب معه فساده .إنا كان الدف ضمان سريان السم ف
الجيال التعاقبة ،لكيل يرج جيل يفكر ف العودة إل السلم!
ومن طريق معمل التفريخ الضخم الذى أقامه ،ضمن الدورة الكاملة للسم .ضمن الستاذ والتلميذ..
الستاذ الذى سيصب التلميذ ف القالب الطلوب والتلميذ الذين سينشأون ف داخل القالب ل يقاومون
نشأتم فيه.
ولكـن التخطيـط مـع ذلك ل يكتـف بتلك الدورة التكاملة ،التـ تدور دورة كاملة مـع كـل جيـل
جديد ،بل كان أشد خبثا وأشد إحكاما فمد اليوط إل مدى أبعد!
فإذا كان الدرس العادى قد صب ف القالب فانصب ،وسلط على النشئ ليصبه من جديد ف نفس
القالب ،فإن الدرس " المتاز " ..وناهيـك " بامتيازه " يكافـأ على امتيازه هذا مكافأة إضافيـة ،ليسـتفاد
منه على نطاق أخطر ،،فيبتعث إل انلترا ليصاغ من جديد صياغة أدق!
صحيح أن " الواجات " هنا قد قاموا " بالواجب " على نو الطلوب ..ولكن فرق بي أن تظل ف
بلدك -وإن صاغك الواجات -متأ ثر بب عض تقاليد ها ،وأفكار ها ،وعقائد ها ..وب ي أن " ت ستنبت "
من جديد ف أرض الواجات أنفسهم! فتصبح كأنك خواجة بالفعل ،بدل من أن تكون مصريا متأثر
بالواجات فح سب! بل إ نك قد تعود ملك يا أك ثر من اللك ،فتقوم بالدور الطلوب بأع نف م ا كان
الواجات أنفسهم يفعلون!
فإذا عاد أولئك التبعثون و قد صاروا خل قا آ خر ،م سوخا كل ال سخ ،ل يعرف دي نه ول لغ ته ول
قومه ،وينظر إل ذلك كله بازدراء شامل ..فهناك يوضعون ف مراكز التوجيه ،ليكون أثرهم ف الفساد
أشلـ وأوسـع ،حتـ إذا صـار أحدهـم فـ نايـة الطاف وزيـر للمعارف أو وكيل للوزارة ،حطـم مـن
مقد سات قو مه ما ل ي كن يروء دنلوب نف سه أن يف عل ..فدنلوب -ك ما خ طط لنف سه أو خ طط له
سيده الذى استخدمه ليقوم بدوره -يافظ على الظاهر الزائفة " منعا من إثارة الشكوك " أما هذا الثور
الائج فل يتبقى شيئا ول يقل بشئ!!
و ف و سط هذه الدورة البي ثة ي ظل مدرس الل غة العرب ية (ومدرس الد ين) يب عد عن الطر يق ،ويداس
بالقدام ،يسـبقه غيه على الدوام ،ول يتول وظيفـة واحدة مـن وظائف التوجيـه ،فيظـل صـوته يفـت
وي فت ح ت ل ي سمعه أ حد من الناس ،وي ظل الخرون يبوزن ح ت ت صبح أيدي هم صدارة " الجت مع
الديد ".
وت ضى دورة ال ن فتف تح الام عة الهل ية ث الام عة الر سية ث تتلو ها الامعات ذوات العدد ،فت سي
نفس السية على نفس الخطط ،وقد غاب صاحبه من الوجود كله،ولكن مططه يظل سارى الفعول..
وأكيد الفعول!
ب -وسائل العلم
إذا كان هذا نصيب مناهج التعليم ف عملية الغزو الفكرى الصليب ضد السم ،فهناك أداة أخرى ل
ت قل خطرا إن ل ت كن أخ طر ..تلك هى و سائل العلم ..الكتاب وال صحيفة وال سرح وال سينما ث
الذاعة (ول يكن التليفزيون قد اخترع بعد ف الفترة الت تن بصدد الديث عنها ،ولكنه منذ جاء سار
على نفس التخطيط).
فأما الكتاب فقد بدأ مترجا ف أول " عهد النهضة " ث أصبح مؤلفا فيما بعد ،وإن كان خط الترجة
ظل موجودا على الدوام.
ومن المور الطبيعية ف مثل الال الت كان السلمون قد وصلوا إليها أن يبدأ المر بالترجة ،لغياب
عنصر التأليف ،وفراغ الو السلمى كله من الفكر الى التدفق التألق الواكب لط الياة.
ولكن ما الذى ينبغى أن يترجم؟!
كان الفروض -ك ما حدث ف حر كة الترج ة الول -أن يبدأ ال مر بترج ة الك تب العلم ية .ف قد
كان الفقر العلمى شديدا ،وكان التخلف ف اليدان العلمى من أبرز ما أحس به السلمون حي صحو
على الزية أمام جحافل الصليبيي.
ول شك أن بعض الكتب العلمية قد ترجم ف تلك الفترة .ولكن الانب العظم من حركة الترجة
سار ف قنوات اخرى بعيدة كل البعد عن الطلوب ،أو عن المر الواجب ف ذلك الي.
فإل جانب الكتب العلمية القليلة الت ترجت ،ترجت مئات من القصص والسرحيات ،والكتب الت
تمل الفكر الغرب " العلمان " ( ) الاحد للدين ،الناوئ له ،مع عناية خاصة بنشر أفكار عن نظرية
1
التطور الداروينية..
فأما القصص والسرحيات فقد كان الدف من نشرها على نطاق واسع هو تطيم التقاليد السلمية
ال ت ت نع الختلط وتن فر من الفاح شة والتحلل الل قى ..ف قد كا نت هذه التقال يد -مع كون ا تقال يد
خاوية من الروح ( ) -عقبة ضخمة ف سبيل الفساد اللقى الائل الذى تدف الصليبية إل إحداثه ف
2
الجتمع السلمى.
وإذا تذكر نا أن نابليون كان قد جاء م عه بب عض " ال ساقطات " ك ما ساهن ال بتى و هو يروى
() العلمانية كما بينا ف كتاب "مذاهب فكرية معاصرة" ترجة مزيفة لكلمة Secularismالت تعن إقامة الياة علي أسس غي دينية ,والول -كما قلنا ف ذلك الكتاب -أن
1
تسمي "اللدينية".
أسوأ من ذلك معاديا لا ،راغبا ف تطيمها ،فإنه يمل القدرة الفنية الت تكنه كذلك من جذب القارئ
أو السامع إل صف التوجيه الذى يريده..
وقد كان الفن الذى يترجم هو الفن الذى تلص تاما من القيم الدينية ،وراح يدعو إل إقام متمع "
طليق " من تلك القيم ..متمع يهبط تدرييا حت يصبح متمعا حيوانية ف النهاية ( ).
2
و سواء كان الذ ين ينقلون هذه الق صص وال سرحيات ل العرب ية واع ي تا ما الدور الذى يلعبو نه أو
غي واعي ،فقد كان هناك تشجيع خفى لنشر هذا " الفن " وترويه بي الشباب خاصة ( ).
3
والدف واضح..
() تناولت هذه القضية ف كيتاب "منهج الفن السلمي" ول مال هنا للتفصيل.
1
() ل نكن النهاية واضحة ف القرن الاضي كما هي واضحة اليوم ,ولكن ذوي الس السليم كانوا يرونا ول شك.
2
() كان بي الترجي والناشرين نصاري لبنانيون .وصلتهم بخطط الصليبية واضحة.
3
فحي يقرأ الشباب قصة غرامية -أو عاطفية كما كانوا يسمونا -يلتقى فيها الفت والفتاة بعيدا عن
أعي الناس ،ويرى بينهما من الكلم والواقف ما يرى ،مصورا باذبية الفن وإغرائه ،فيتمن ف دخيلة
نفسه أن لو كان هو صاحب الوقف ،أو أن يقع ل مثل ما يقرأ ف القصة أو السرحية ..ويعلم الشاب
جيدا أن مت مع الحا فظ ل ي سمح ب ثل هذه الوا قف ال ت يقرأ عن ها ..ولك نه عندئذ يتم ن أن ي ئ يوم
تتح طم ف يه تقال يد متم عه ،ال ت تول بي نه وب ي " ال ستمتاع " على الن حو الذى ي تم ف الجتمعات
الخرى،الت تررت من مثل تلك التقاليد.
فإذا جاء اليوم الذى تطم فيه هذه التقاليد بالفعل -وقد جاء! ( ) -فلن يكون مثل هذا الفت من
1
أما الكتب الت تل الفكر " العلمان " فالدف من ترجتها واضح كذلك.
يقول " أ .شاتيلييه ف مقدمة كتاب " الغارة على العال السلمى ":
" ول شـك فـ أن إرسـاليات التبشيـ مـن بروتسـتانتية وكاثوليكيـة ،تعجـز عـن أن تزحزح العقيدة
السـلمية فـ قلوب منتحليهـا ،ول يتـم لاـ ذلك إل ببـث الفكار التـ تتسـرب مـع اللغات الوربيـة،
فبنشر ها اللغات النليز ية واللان ية والولند ية والفرن سية ي تك ال سلم ب صحف أور با ،وت هد ال سبيل
لتقدم (!) إ سلمى مادى ،وتق ضى إر ساليات التبش ي لبانت ها من هدم الفكرة الدين ية ال سلمية ال ت ل
تفظ كيانا وقوتا إل بعزلتها وإنفرادها " ( ).
2
وهذا يوضح لنا الدف من ترجة هذه الفكار ونشرها باللغة العربية .ذلك أنه مهما انتشر تعلم اللغة
الجنب ية ف ستظل المهرة ال كبى من الش عب عاجزة عن قراءة هذه الفكار ف لغات ا ال صلية .ون ث
يبقى الاجز الذى يشكو منه ذلك البشر قائما يمى العال السلمى من عوامل التدمي الارجية ..فإذا
ان ساح الا جز عن طر يق الترج ة ،ق ضت ال صليبية لبانت ها -على حد ت عبي الب شر -وأم كن إحداث
الدمار الطلوب!
وأ ما العنا ية الا صة بالداروين ية ونظر ية التطور ف قد يكفي نا في ها قول البوتوكلولت " :ل قد رتب نا
() سسنكلم فيما يلي عن عملية تطيم التقاليد عن طريق "ترير الرأة".
1
() راجع هذه القدمة ف كتاب "الغارة علي العال السلمي" ترجة مب الدين الطيب.
2
ناح دارون وماركس ونيت شه وإن تأث ي أفكار هم على عقائد المي ي وا ضح لنا بكل تأك يد!( ) .و قد
1
استطاعت اليهودية العالية عن طريق ترويج أفكر داروين وتوسيع ناقها أن تطم ما كان قد بقى من
عقائد " الميي " الوربيي ،وتنشئ هناك متمعا " جديدا " بل دين ول أخلق ول تقاليد ( ) .وكان
2
ف تطيط الصليبية ا ستخدام تلك القذائف الدمرة لذات الدف ف الجتمع السلمى ،لنشاء متمع "
جد يد " بدل م نه ،ل د ين له ول أخلق ول تقال يد! لذلك كا نت العنا ية بن شر تلك النظر ية بإلاح ف
العال السلمى .لعلها تصنع هنا ما صنعته هناك!( )3
m m m
العربية الطاردة من قبل الدولة العثمانية من القاهرة ( ) ،وكإقامة جال الدين الفغان فىمصر فترة من
2
الوقت ( ).
3
فإذا لحظنا هذه الدلئل كلها كان القرب إل السبان أن يكون وجود الدور الصحفية الثلثة :دار
الهرام لل تقل ودار اللل لل زيدان ودار الق طم لل صروف ،نتي جة توج يه صليب عال ى ،ل مرد
انبعاث صليب ذاتى ،ول توا فق خوا طر ب ي أصحاب هذه الدور الثلث وأيا كان النبع فالصب وا حد
والتخطيط واحد والهداف واحدة.
الدف هو تو يل هذه ال مة عن ال سلم ،والن هج هو من هج الدولة ال صليبية الاك مة ،ب طئ ولك نه
أكيد الفعول منعا من إثارة الشكوك.
وهل كان يتصور ف ذلك الزمان أن تكن الطى أسرع ما كانت؟
كل فتجربـة نابليون المقاء كانـت مـا تزال مائلة للعيان ،والفشـل الذى منيـت بـه نتيجـة حاقتهـا
وسـرعة خطوهـا وعنـف حركتهـا كان مـا يزال مائل فـ الذهان ..وكانـت بقايـا السـلم فـ نفوس
ال سملي ال صريي كفيلة بإف ساد ال طة كل ها لو انكش فت و سرعة ال طو من العوا مل ال ت ي كن أن
تك شف ال طة وتف سد الفعول..لذلك كان كرو مر ودنلوب حري صي على الع مل الب طئ الذى ل يث ي
الشكوك.
نعم ل يكن يتصور أن تبدأ الصحافة اللبنانية السيحية الارونية عملها بهاجة السلم ..فقد كانت
غضبة الماهي كفيلة بتحطيم تلك الدور على رؤوس أصحابا من أول الطريق
ولكن على مهل ..مكن.
بل لقد يدع الغافل إذا اطلع على بعض أعداد هذه الصحف فيحسبها لول وهلة صحافة إسلمية.
ف تتدح ال سلم ،،وت تد ر سوله العظ يم ،eوت صص مكا نا يوم يا لخبار الباب العال ومقابلت
() سيأت الديث عن صالون نازل فاضل ودوره ف "إغواء" ممد عبده وسعد زغلول وتأثيه ف أفكار مصر السياسية والجتماعية.
1
() كانت معظم هذه النشرات تصدرر من القاهرة وباريس ,كما كان أعضاء المعيات السرية الداعية إل القومية العربية من نصاري لبنان وسورية يعيشون حياتم ما بي القاهرة
2
وباريس ,أي ف حاية بريطانيا وفرنسا ,اللتي تعملن جاهدتي لقتل "الرجل الريض" والستيلء علي تركته!.
() كان جال الدين -كما سيأت -يدعو إل نزع اللفة من التراك وأن يتولها العرب ,بينما كان يعلم بذكائه الفذ أن العرب أضعف من أن يتولوا شيئا ف ذلك الوقت! كما كان
3
يدعو للماسنوية وتأخي الديان!.
ال سلطان وتنقل ته ،ول تق صر ف توف ية أخبار ما يدور ب ي ال سلطان والدول الورب ية من مفاوضات أو
مناوشات أو منازعات .فأى شئ يريد السلم من صحيفته أكثر من ذلك؟
نعم ،ولكن الذى يدقق ف المر يد من خلل ذلك ،وإل جانب ذلك ،أشياء أخرى تنم عن مقاصد
متلفة.
فال سلم يتدح ب ا ير ضى " عوا طف " ال سلمي ،ن عم ،ول كن ل يتحدث ع نه كنظام حياة وشري عة
ح كم ،وحين ما تنا قش الشا كل القائ مة ف م صر ،أو ف العال ال سلمى فل يقدم ل ا ال ل من شري عة
ال سلم ول ح ت من رو حه ..إن ا تقدم اللول -ك ما سنرى -من التجر بة الورب ية و من " الضارة
الوربية ".
بل أكثر من ذلك..
إن هذا ال سلم الذى يتحدث ع نه ب ا ير ضى عوا طف الماه ي ،دون أن يقدم للناس على أ نه نظام
حياة أو شريعـة تتوى على حلول مشاكلهـم ..هذا السـلم ليـس حديثـا يوميـا يطالع القارئ لذه
الصحف فيظل على ذكر دائم عن دينه ،ولو حت على مستوى العواطف والوجدانات ..إنا هو الديث
" منا سبات " معي نة ،يطلق علي ها "النا سبات الدين ية " فل ينح سر الد ين عن مفهو مه اليوى الشا مل
ـ وجدا نه بدح فحسـب ،بـل ينح سر مرة أخرى إىل مناسـابات عارضـة ف حياة السـلم ،يتم تع فيه ا
الرسول eومدح اللم ،ث يبقى وجدانه خاويا حت من ذكر السلم بقية الشهور وبقية اليام.
وكم ما ملئ الفراغ النا جم من تفر يغ التار يخ ال سلمى من متواه ف الن هج الدنلو ب بذ كر أور با
وقوت ا ،ونضت ها ،وحضارت ا ،وأ صالتها ،وعظمت ها ..فكذلك تل ال صحف الفراغ النا جم من تفر يغ
السلم من متواه القيقى ،والفراغ الناجم من عدم ذكر السلم إل ف " الناسبات الدينية " فحسب..
تل الصحف هذا الفراغ وذاك بذكر أوربا.
فهناك ذكر يومى دائم لوربا ف باب الخبار ،وحديث دائم عن أوربا ف كل مناسبة من الناسبات.
فأما الخبار فقد يبدو ذكر أوربا فيها أمرا طبيعيا وبديهيا ..ليس فقط لن مهمة الصحف أن تطلع
قارئها على أخبا العال الذى يعيش فيه ،وليس فقط لن أوربا ف تلك الفترة كانت مركز نشاط دائب
ل يف تر ف ج يع التاهات ،بل لن القي قة الواق عة -رضي نا أم أبي نا -أن أور با كا نت ت سك بيد ها
يومئذ أزمـة المور ،وتقرر للعال مـا يقوله ومـا يفعله ،بكـم غلبتهـا العسـكرية والسـياسية والعلميـة
والضارية.
ومع ذلك فإن الصحيفة السلمية ف الوطن السلم يكون لا طريقة ف تقدي الخبار تشعر قارئها أنه
م سلم -ولو كان مغلو با على أمره -وتشعره أ نه له نظرة إل المور متميزة عن نظرة غيه إل المور
ذات ا .ف هو قد يغ ضب لمور قد ير ضى ب ا غيه .و قد يفرح بأمور يأ سف ل ا غيه .و قد يأ سى لمور
يرضى با غيه ..وقد يشارك غيه ولكن من موقفه الاص التميز ( )..
1
ومع ذلك فإذا أغضينا عن الخبار وطريقة تقديها ،ل نستطيع أن نغضى عن الذكر الدائم لوربا ف
تلك الصحافة ،فإنه -فيها -بيت القصيد
إن أوربا ل تذكر ف هذه الصحافة بجمها القيقى -وهو يومئذ ف ذاته كبي -ولكن يزاد عليها
ويضاف إليها حت يلقى ف روع القارئ أن أوربا هى العال ،وأل وجود لشئ غي أوربا ف هذا الوجود.
وحقيقة أن أوربا كانت يومئذ غالبة ومسيطرة ..ولكنها كانت مسيطرة على عوج عظيم ف منهج
حياتا كله.
ف هل كا نت تلك ال صحافة تك تب عن بشا عة ال ستعمار وبشا عة الرائم ال ت يرتكب ها ضد البلد
الحتلة ومعظمها بلد إسلمية؟
وهل كانت تكتب عن الدوافع الصليبية للستعمار ف البلد السلمية ،من وراء " الصال القتصادية
والصال السياسية ،وما شابها من الصال؟
وهل كانت تكتب عن الغزو الفكرى وأهدافه الفية الت يراد منها صرف المة عن دينها؟ ( )2
وهل كانت تكتب عن الفساد اللقى ف أوربا ،وما يره على الناس من آثار سيئة ف حياتم؟
وهل كانت تك تب عن الر با ،وك يف يدث الظلم القت صادى والجتما عى من إجارة الال بطريق
الربا؟ ( )3
وهل كانت تكتب عن الؤامرة الوربية -الصليبية اليهودية -للقضاء على اللفة العثمانية؟
إن الصحيفة السلمية ف الوطن السلم ل تكن لتغفل القيقة الواقعة أو تتجاهلها ،ل تكن لتغفل أن
أوربا هى التحكمة ف شئون العال ،وأنا هى القوة التمكنة ف كل اتاه ،سواء ف الجال السياسى أو
القت صادى أو الر ب أو العل مى أو التكنولو جى .ولكن ها -ح ي تكون إ سلمية -ل بد أول أن ت قل
() يتاج هذا الوضوع إل تفصيل واف عن "العلم السلمي" لعل ال يوفق كاتبا متحصصا ليكتب فيه من منطلق إسلمي واضح ,ليبي للناس أن العلم السلمي ليس "وعظا"
1
وإنا تناول لميع شئون الياة من زاوية النظر السلمي ومن الوقف السلمي.
() ل يكن ذلك مكنا بطبيعة الال وهذه الصحافة ذاتا جزء من الغزو والفكري.
2
() كانت تكتب عن الربا لتطلبب إباحته علي أنه ضرورة اقتصادية"!.
3
مو قف النا قد من انرافات أور با ح يث تو جد انرافات ..و هو موجودة بوفرة ف الياة الورب ية ( ).
1
ولبد ثانيا أن تنهض هم السلمي ليتداركوا تلفهم ،ليستردوا ما فقدوه من التمكن ف الرض مرشدة
لم إل الطريق السوى لتدارك التخلف ،وهو أن يأخذوا من أوربا ما هم ف حاجة إليه من تقدم علمى
ومادى ،مع الحاف ظة على دين هم وأخلق هم وتقاليد هم ،وعدم الذوبان ف أور با ،وعدم تقليد ها في ما
يالف عقيدة السلم وشريعته وروحه.
وهذا هو مفرق الطريق بي الصحافة السلمية والصحافة غي السلمية.
وقـد يقول قائل :وأيـن كان السـلمون؟ ولاذا ل يصـدروا صحفاتم التـ تعـب عـن موقفهـم وتدم
وجودهم ومصالهم؟
ونقول إن ال سلمي كانوا غائب ي عن وعي هم ول شك ،ف غمرة النبهار ال ت نشأت عن التخلف
العقدى الذى كانوا واقعي فيه ،والذى أدى ف حياتم إل كل ألوان التخلف الخرى ،العلمى والادى
والضارى والفكرى والرب والقتصادى والسياسى ..ولكننا نريد أن نبز فقط حقيقة تلك الصحافة
الت أقامها السيحيون اللبنانيون الارونيون ف مصر ،وحقيقة الدور الذى قامت به ..ففضل عن علمة
الستفهام الت تيط بم :لاذا جاءوا إل مصر بالذات ليعملوا فيها وينشئوا با دورهم الصحفية دون أى
بلد آخر؟ فهناك موقفها الاص من كل هذه القضايا الت أشرنا إليها .فإنه إذا استحال عليها أن تقف
الو قف ال سلمى -و هى م سيحية -ف هى ل ت قف كذلك الو قف " الحا يد " الذى يعرض ال سنات
والسـيئات ،إناـ وقفـت موقـف الدافـع السـتميت عمـا يسـمى " الضارة الوربيـة " بلك سـقطاتا
وانرافاتا ،كما وقفت موقف الحرض للمسلمي ف مصر أن يقتفوا أثر أوربا ف كل شئ ،وأن يلوا
مشاكلهم على النسق الورب ،وأن ينظروا إل المور كلها ل بعينهم هم ،ولكن بعي أوربا ..
وإليك مثل واحد يبز العن الذى نقصد إليه..
لقد أدت الثورة الصناعية ف أوربا إل تطيم السرة ،وإفساد الخلق وانتشار البغاء ( )..
2
وبصرف النظر عن كل شئ ( ،)3فتلك مشكلة أوربية بتة ،نشأت من ظروف ملية هناك..
ما شأن السلمي با؟!
() أي بصرف النظر عن دور اليهود ف هذا الشأن ,وعن الثار النفسية والجتماعية الت ترتبت علي هذا الفساد اللقي... 3
لاذا يشغلون با؟!
وإن انشغلوا با فمن أي زاوية ينظرون إليها؟ أمن زاوية أنه فساد أخلقي أصاب أوربا حي تنكرت
للدين والخلق والتقاليد ،أم من زاوية أنه (ضرورة)؟! ضرورة اجتماعية ف الياة الضارية الصناعية؟!
هذا مفرق الطريق ة!
لقد ظلت الصحافة " الصرية!" اللبنانية السيحية الارونية ..تتحدث عن البغاء ،وعن كونه " ضرورة
اجتماعية " ف العال " التحضر!" عشرات السني قبل أن تكون ف العال السلمي كله مشكلة تدعو إل
وجوده ول إل الدث عنه!
لاذا؟!
ألجرد " تسلية " القارئ الصري؟!
وهل هذه القذارة النفسية والخلقية والجتماعية تصلح مادة للتسلية؟!
كل! ل ي كن الق صد هو الت سلية! إن ا كان الق صد تيئة الذهان لليوم الذي يراد ف يه ن شر البغاء ف
الجتمع السلمي الصري ،وجعله جزءا من كيان الجتمع ،ترسه " الدولة!" بقوانينها وتسهر عليه!!
كان الراد هو تذويب " ال س " السلمي الذي ين فر من الفاحشة و من التعالن ب ا ،ب عد أن نيت
"الشريعة " الت تنع البغاء وتعاقب عليه ،حت إذا جاء اليوم النشود وقد جاء ل تكن النفوس نافرة ول
القلوب منكرة ،إن ا كان هناك تق بل م سبق " للضرورة الجتماع ية " ال ت تن شأ من " الضارة " وكان
العارضون لمار سة هذه " الضرورة " هم " التزمت ي " " الامد ين " " التحجر ين" الذ ين ل يريدون أن
يسايروا " ركب الضارة ول روح " التطور السارية ف العال كله!
وذلك مرد نوذج يكـن أن تقاس عليـه كـل " القضايـا التقدميـة " الخري،كالختلط ،والعلقات
الرة " ،وقضية الرأة " ودور الدين ف الياة " العصرية " " العلمانية " إل ..إل وكيف كانت الصحابة
" الصرية " تتناولا وكيف كانت بكل خطتها جزاءا من الغزو الفكري الصليب القصود
ل قد أدت هذه ال صحافة دور خطيا ف حياة ال سلمي ف م صر علي خط ي رئي سيي :تقل يص دور
السلم ،ول العناق ليا إل أوربا بيث تصبح تدرييا هي الوجهة الت يتجه السلمون إليها بدل من
السلم ،والت يتوسون فيها طرق اللص من حاضرهم السيئ الذي يعيشونه ،ويتطلعون من خللا إل
مستقبل سعيد باسم يلحقهم بركب الضارة ،ويدفع عنهم وصمة التأخر والنطاط.
يذكرنا هذا با قلناه عن رفاعة رافع الطهطاوي
ولقد رفضت دعاوي رفاعة الطهطاوي يومئذ لنه فاجأ با قوما غي مستعدين لتقبلها ولكنها هي
بذافيها وأكثر منها ستصبح منذ اليوم مقبولة ،لن الصحابة علي الط البطئ الكيد الفعول قد مهدت
لاـ الذهان والقلوب ،فإذا جاءت الن وقـد جاءت بالفعـل وجدت الناس أكثـر اسـتعداد لتقبلهـا ،بـل
وجدت بعضهم متلهفي إليها ،يستبطئون قدومها ويستعجلون خطاها!
ولقد يقول قائل :أول تكن المور صائرة إل هذا الصي بكم جيع الظروف الحيطة بالسلمي؟
فليس دور تلك الصحابة إذن إل مواكبة ما كان حادثا بالفعل من " تطور " ف أفكار الناس ومشاعرهم،
ما كان لبد ان يدث ف جيع الحوال؟
ونتوقف ف الجابة عند نقطتي
أما أن المور كانت صائرة من تلقاء نفسها إل هذا الصي ،فأمر قد نرجحه بكم الظروف الت
كانت تيط بالسلمي يومئذ ولكنا ل نقطع به فالذي حدث ف الزيرة العربية من إنطلق ممد بن عبد
الوهاب بركته القوية لتصحيح العقدية وإزالة منا شابا من الغبش ،يدلنا علي أن الطريق الذي سارت
فيه المور ف مصر ل يكن حتميا ،إنان كان يكن أن يدث ف مصر ما حدث ف الزيرة العربية من
ماولة لتصحيح أحوال المة بإزالة " التخلف العقدي " الذي نشأت عنه كل ألوان التخلف الخري من
علم يه وماد ية وحضار ية وعك سرية .إل ول كن ال و الذي أحدث ته تلك ال صحافة ( مع و سائل العلم
الخري بل شك) قد جعل قيام مثل هذه الركة ف مصر ف ذلك الوقت احتمال ضئيل جدا ،وجعل
الحتمال القوي هو السي ف الطريق الذي سارت فيه بالفعل
وأمـا النقطـة الخري فهـي ان هذه الصـحافة ل تكـن مواكبـة ،ولكنهـا كانـت رائدة! ل تكـن
تتحدث عن أشياء قائ مة بالف عل ف نفوس الناس ،بل عن أشياء يراد أن تقوم ف نفو سهم! والثال الذي
ضربناه بقض ية البغاء وا ضح ،ف قد كا نت هذه ال صحافة تدأب علي إدخال الفكار الغرب ية اللدين ية إل
الجتمع السلمي ولو ل يكن متقبل لا ـ أو مشغول با من قبل.
ولو فرضنـا جدل أن وضـع الغالب والغلوب هـو الذي سـيحسم القضيـة ،سـواء أقامـت تلك
ال صحافة بدور ها أم ل ت قم ( )1فم ما ل شك ف يه ان دور ال صحافة كان هو ال سراع ف تعب يد الغلوب
للغالب ال صليب ،ومدة ف ال غي ،وإبعاد صحوته إل ما ينب غي أن يكون عل يه ،ومن عه من الرجوع إل
السلم لو أراد أن يرجع إليه.
m m m
() بينا من قبل أن ما يشبه السنّة من ذوبان الغلوب ف الغالب عن طريق التقليد ل ينطبق علي أمة العقيدة .فإذا قلنا إن العقيدة كانت قد ضعفت ف قلوب هذه المة ,ومن هنا كان 1
الذوبان سيحدث بصورة حتمية ,نقول إن الضعف غي الفناء ,إنا الذي سعت إليه تلك الصحافة الصليبية وكادت تنجح فيه هو الفناء ...وهذا هو دورها القيقي!.
وتدريا علي مهل شديد بدأت تلك الصحافة تاجم السلم!
هل كان يتصور أن تاجم السلم يومئذ باسه الصريح؟
كل! قالبقية الباقية من الدين ف قلب هذه المة ف ذلك الي كانت تنع حدوث ذلك ،ولو حدث
لثارت الماهي علي هذه الصحف وهدمتها علي رءوس أصحابا.
إنا تاجم التقاليد!
التقاليد البالية!
وإذا سألنا أنفسها ما تلك التقاليد البالية الت تاجم؟ لو جدنا أن معظمها كان هو السلم!
حقي قة كان من ب ي تلك التقال يد ال ت تا جم تقال يد جاهل ية ارتدت إلي ها ال مة ال سلمية ف فترة
التخلف العقدي ،كالتقاليد الت منعت تعليم الرأة ،والت قضت بإساءة معاملتها وتقيها ـ علي أساس
أن مهمتها أن تمل وتلد ولكن ليس لا كيان إنسان يوجب الحترام ،وهي ردة جاهلية ف هذا الجال
كانت المة قد هبطت إليها نتيجة البعد عن النهج الربان القوي ن الذي ساوي ف النسانية بي كيان
الرأة وكيان الر جل ،وإن فرق بينه ما ف ب عض التكال يف وب عض القوق وب عض الواجبات .ح يث قال
ضكُ ْم مِ ْن َبعْ ضٍ}
سبحانه{ :فَا ْستَجَابَ َلهُ مْ َرّبهُ مْ َأنّ ي ل أُضِي ُع عَمَ َل عَامِ ٍل ِمْنكُ ْم مِ نْ ذَكَرٍ َأوْ ُأنْثَى َب ْع ُ
[سورة آل ]3/195
حِييَنّهُ َحيَا ًة َطيَّب ًة وََلنَجْ ِزَيّنهُمْ أَ ْج َرهُ ْم ِبأَحْسَنِ
وقال{ :مَ ْن عَمِلَ صَالِحا مِنْ ذَ َكرٍ َأوْ أُنثَى َوهُ َو ُم ْؤمِ نٌ َفَلنُ ْ
مَا كَانُوا َيعْمَلُونَ ([ })97سورة النحل ]16/97
وقالَ { :وعَاشِرُوهُ ّن بِالْ َمعْرُوفِ} [سورة النساء ]4/19
وقال" :eخيكم خيكم لهله ،وأنا خيكم لهلي" (.)1
لقد كانت تلك التقاليد غي السلمية هي الدخل البيث الذي دخلته الصحافة لهاجة " التقاليد
البالية " بجة أنا ليست من السلم ،إنا هي من صنع التزمتي من الرجال الذين أضفوا عليها قدسية
الدين ليحموا من ورائها أنانيته وتزمتهم وقد كان هذا حقا يراد به باطل فلم يكن القصد من مهاجتها
هو رد ها إل أ صلها ال سلمي ال صحيح ،إن ا كان الق صد هو النفاذ من هذا الد خل ال بيث لهاج ة
التقاليد السلمية الصحيحة الصلية بجة أنا كلها " تقاليد بالية " ليست من السلم
فاحتقار الرأة ،وتعييها بأنا تمل وتلد وليست مساوية ف الكيان النسان للرجل ،وعدم تعليمها،
وتركها ف جهالة ومهانة ..كل هذا ليس من السلم.
() ليس ف السلم "رجال دين" ,كما قلنا ف أكثر من موضع وف أكثر من كتاب .ولكن هكذا يعب أعداء السلم. 1
() الغارة علي العال السلمي ,ترجة مب الدين الطيب ,ص .147وهذا الؤتر مرد واحد من مئات الؤترات الت تعقد لذا الشأن وتقرر مثل هذه القرارات. 2
فكما كانت تربة اليهود الول ف أوربا ( )1كذلك كانت تربة الصليبيي فيمصر (وغيها من بلد
العال) أنه مهما حاولوا إفساد الجتمع عن طريق إفساد الرجل وحده فإنه ف النهاية ل يفسد أو ل يفسد
بالدرجة الت يرغبونا ،ول بالسرعة الت يرغبونا ذلك أنه طالا كانت هناك أم متدينة ولو كانت جاهلة
بالقراءة والكتابة والعلوم فإنا تبذر ف أبنائها بذور العقيدة وهم بعد أطفال فمهما فسدوا ف شبابم فإنم
يعودون إل ما لقنتهم إياه أمهم ف طفولتهم فل يدث الفساد الطلوب ،وأنه لبد من إفساد الم لضمان
إفساد الجتمع ..لبد من إفسادها وهي فتاة قبل أن تصبح أما ن حت إذا أصبحت أما ف يوم من اليام
ل تكن لديها العقدية الت بتذرها ف قلوب أبنائها ،ول الخلق الدينية الت تطبع با سلوكهم وهم ف
سن التكوين.
فكيف يفسدون الم السلمة والفتاة السلمة؟
إذا كانت قابعة ف بيتها فمن أين يصلون إليها؟ وإذا كانت جاهلة فمن أين يوصلون إليها الفكار
الت يلوثون با عقلها ويفسدون با عقيدتا وأخلقها؟
لبد إذن من (تريرها)و(تعليمها) لكي يصل إليها كيد الشياطي
ولقد كان تعليمها واجبا إسلميا ،بل فريضة إسلمية نكلت عنها المة السلمة ولكن أي نوع من
التعليم؟
أما " تريرها" علي الطريق الت ت با ذلك التحرير ..بعن إخراجها من دينها وأخلقها وتقاليدها..
فقد كان هذا هو بيت القصيد.
m m m
() تنازل عن هذه الغالطة ف كتابه الثان "الرأة الديدة" كما سيجئ. 1
عقول ن بالترب ية ن ح ت لو كان من الح قق أن يررن ف ج يع الدوار ال ت قطعت ها وتقطع ها الن ساء
الغربيات) (.)1
وكان آخر ماقاله ف ليلة وفاته ماطبا -بالفرنسية -مموعة من الطلبة والطالبات الذين جاءوا من
روما ف زيارة لصر:
(أح يي هذه البع ثة العلم ية وأشكر ها علي زيارة نادي الدارس العال ية ,أ حي من ها ب صفة خا صة ها تة
الفتيات اللوا ت تش من م صاعب ال سفر متنقلت من الغرب إل الشرق ح با ف ال ستزادة من العلوم
والعارف أحييهـن وقلبـ ملؤه السـرور حيـث أري نصـيبهم مـن العنايـة بتربيتهـن ل يقـل عـن نصـيب
رفقائهن ،أحييهن ول شوق عظيم أن أشاهد ذلك اليوم الذي أري فيه حظ فتياتنا السلمات الصريات
كحظ هاته الفتيات السائحات من التربية والتعليم .ذلك اليوم الذي نري فيه السلمات جالسات جنبا
إل جنب مع الشبيبة الصرية ف اجتماع أدب كاجتماع اليوم ،فيشاركننا ف لذة الدبيات والعلوم الت
هن منها مرومات,فعسي أن تقق المال حت يرتقي فيتقي بن الشعب الصري) (.)2
m m m
() سنتحدث ف فقرة تالية عن دور سعد زغللول ف حياة مصر الديثة. 1
() اللل ,أول يونيه ,1928ص .949 2
() تدثت عن هذه القضية وأطوارها التتابعة ف أوربا ف فصل "دور اليهود ف إفساد أوربا" ف كتاب "مذاهب فكرية معاصرة". 3
حق الفساد " الذي كان الرجل قد وصل أو وصل إليه فصار حق الفساد داخل بدوره ف قضية الرأة
ت ت عنوان " حق الرأة ف اختيار شر يك حيات ا " ف مبدأ ال مر ،ث ت ت عنوان " حق الرأة ف إبداء
عواطفها " وأخيا تت عنوان " حق الرأة ف أن تب نفسها لن تشاء!!
أما ف مصر أو ف العال السلمي – فلم تكن للمرأة قضية خاصة إنا كانت القضية القيقية هي
إنراف هذا الجتمـع عـن حقيقـة السـلم ،ماـ سـيناه " التخلف العقدي " ومـا نتـج عـن هذا التخلف
العقدي من تلف ف جيع مالت الياة ،وما تقي الرأة وإهانتها وعدم إعطائها وضعها النسان الكري
إل مال من مالت الت وقع فيها التخلف عن الصورة القيقة للسلم ،وعلجها – كعلج غيها من
الالت جعيا هو العودة إل تلك الصورة القيقية ،والتخلي عن ذلك التخلف العيب؟.
تلك هي " القض ية " و هي لي ست " قض ية الرأة " ول " قض ية الر جل " إن ا قض ية ال مة ال سلمية
كلها ،بميع رجالا ونسائها وأطفالا وحكها وعلمائها وكل فرد فيها ،وتصصها بأنا " قضية الرأة "
فضل عن مانبته للنظرة " العلمية " الفاحصة ،فإنه ل يعال القضية لنه يأخذ عرضا من أعراض الرض
فيجعله مر ضا قائ ما بذا ته ،وياول عل جه فل يقدر لذا العلج أن ين جح ،ل نه يتعا مي عن ال سباب
القيقة من ناحية ،ويفتقر إل الشمول من ناحية أخري.
ولكن هل كان ف ذهن أحد أن يبحث القضية بثا جادا ملصا فاحصا دقيقا ليتعرف علي السباب
القيقة فيعالها؟
أم هل كان أحد من تناول القضية ف تام وعليه ليناقشها علمية موضوعية مبصرة
أم هل كان أحد من تناول القضية سيد نفسه لينظر إليها بنظرته الاصة ويري فيها ما يري بناظرة
الاص؟! أم كانوا كل هم من العب يد سواء عب يد شهوات م أو عب يد الغرب ،الذ ين ي ساقون سوقا لتنف يذ
مططات أعدائهم وهم سادرون ف الغفلة ،غارقون ف الضلل البعيد!
بل! لقد كانوا كل هم كذلك ،رجال ونساء دعاة واتباعا مطط ي ومنفذين! وإذا كان ل بد للقضية
من موضوع فقد جعلت القضية فجأة وبل مقدمات حقيقية قضية الجاب والسفور!
لقد كانت القضية ف أوربا " منطقية" ف ظاهرها علي القل ..أو ف بدايتها علي القل
فح ي تض طر الرأة إل العم يل لظروف ل يس ه نا مال ه نا مال تف صيلها ( -)1ث تع طي ن صف أ جر
الرجل الذي يقوم بنفس العمل ،فطلب الساواة ف الجر قضية حقيقية من جهة ،وجيهة كل الوجاهة
من ناحية أخري
() فصلت أسبابا عند الديث عن الثورة الصناعية وآثارها ف الياة الوربية ,ف فصل "دور اليهود ف إفساد أوربا" من كتاب "مذاهب فكرية معاصرة". 1
أما قضية الجاب والسفور مكانا من النطق ،وما مكانا من الق؟
ل يكـن " الرجـل " هـو الذي فرض الجاب علي الرأة ،فترفـع الرأة فترتفـع الرأة قضيتهـا ضده
لتتخلص من " الظلم " الذي أوقعه عليها ،كما كان وضع القضية ف أوروبا بي الرأة والرجل إنا فرض
الجاب علي الرأة هو ربا وخالقها ( ,)1الذي ل تلك إن كانت مؤمنة إن تادلة سبحانه فيما أمر به،
أو يكون لا الية ف المر:
خيَ َر ُة مِ نْ َأمْ ِرهِ ْم َومَ ْن َيعْصِ
{ َومَا كَانَ لِ ُم ْؤمِ ٍن وَل ُم ْؤ ِمَنةٍ إِذَا َقضَى اللّ ُه وَرَسُولُهُ َأمْرا أَنْ َيكُونَ َلهُ ْم الْ ِ
اللّ َه وَ َرسُولَهُ َفقَدْ ضَلّ ضَللً ُمبِينا ([ })36سورة الحزاب ]33/36
ث إن الجاب ف ذاته ل يشكل قضية
فقد فرض الجاب ف عهد سول ال ،eونفذ ف عهده ،واستمر بعد ذلك ثلثة عشر قرنا متوالية..
وما من مسلم يؤمن بال ورسوله يقوم إن الرأة كانت ف عهد رسول ال eمظلومة ( .)2فإذا وقع عليها
الظلم بعد ذلك ،حي تلف السلمون عن عقيدتم الصحيحة ومقتضياتا ،فلم يكن الجاب -بداهة -
هو منبع الظلم ول سببه ول قرينه لنه كان قائما ف خي القرون علي الطلق ،الت قام عنها رسول ال
" eخيكم قرن )3( " ....وكان قرين النظافة اللقية والروحية ،وقرين الرفعة النسانية الت ل مثيل لا
ف تاريخ البشرية كله...
ولكن الطلوب هو نزع الجاب!
الطلوب هو السفور!
الطلوب هو التبج!
الطلوب هو ان ترج الرأة ف النهاية عارية ف الطريق!
ذلك ما تطل به مؤترات البشر ين ،و ما يطل به ال صليبيون الذ ين يططون ( ،)4فلت كن القض ية إذن هي
قضية السفور والجاب ،وليوصف الجاب بكل شر يكن أن يرد علي الذهن ،وليوصف السفور بكل
خي يطر علي البال
ولتبدأ القضية من هنا ..ولتنته حيث يريد الشياطي!
() أشرت ف هامشة سابقة إل هذه القيقة ردا علي الذين يادلون ف وقائع التاريخ ,ويزعمون أن الجاب كان تقليدا عربيا صحراويا قائما قبل السلم ...وذكرت قول عائشة 1
رضضي ال عنها ف مدح نساء النصار "لا نزلت آية الجاب قدمت كل واحدة منهن إل ثوبا فاعتجرت به".
() يقول ذلك اليوم مرتدون متبجحون من يملون أساء إسلمية ,فينسبون الظلم إل ال ورسوله ,وإل الدين الذذي نزل من عند ال. 2
() سبق ذكره. 3
() واليهود يططون معهم كما سيجئ. 4
m m m
تلقفت " القضية " كما قلنا مموعة من النسوة فطالب بالسفور علي أنه " حق" للمرأة سلبها إياه
الجتمع ،أو سلبها إياه الرجل النان التحجر التزمت الرجعي التعفن الفكار!
وكا نت " زعم يه " " النه ضة الن سوية " هدي " ها ن " شعراوي ،ال ت اتذت من بيت ها " صالونا "
تقابل فيه الرجال سافرة ف غي وجود مرم (.)1
كا نت هدي شعراوي ب نت م مد با شا سلطان أ حد باشوات ذلك الع صر ،و من ه نا ف هي " ها ن "
بالوراثة! سافرت إل فرنسا لتتعلم وسافرت مجبة ولكنها حي عادة كانت سافرة وكان أبوها يستقبلها
ف ميناء ال سكندرية وم عه ممو عة من أ صدقائه ،فل ما نزلت من الباخرة سافرة أح ر وج هه خجل
وغضبا،وأشاح بوجهه عنها وانصرف دون أن يييها ،ولكن ذلك ل يرد عها عن صنيعها ،ول يردها عن
غيها الذي عادت به من فرنسا.
وتلق حول ا ب عض الن سوة ،وب عض الرجال! الرجال الذ ين " يدافعون" عن قض ية الرأة ف ال صحف
والجلت ،بالنثر وبالشعر .لقاء جلسة " لطيفة " ف صالون الان ،أو ابتسامة خاصة تص با احدهم،
أو مبلغ من الال تدسه ف يد واحد من الصحفيي الرتزقة فيكتب مقال ف " رقة " الان "و " لطفها "
وابتسامتها العذبة وحسن استقبالا لضيوفها -الرجال أو يكتب عن اجتماعاتا وتركاتا أو يكتب عن
" القضية "
وكا نت ق مة ال سرحية هي مظاهرة الن سوة ف ميدان ق صر الن يل (ميدان ال ساعيلية) أمام ثكنات
اليش النليزي سنة 1919
فقد كانت الثورة الصرية قد قامت ( ,)2وملت الظاهرات شوارع القاهرة وغيها من الدن تتف
ضد النليز ،وتطالب باللء التام أو الوت الزؤام ،ويطلق النليز الرصاص من مدافعهم الرشاشة علي
التظاهرين فيسقط منهم كل يوم قتلي بل حساب.
و ف و سط هذه الظاهرات الادة ( )3قا مت مظاهرة الن سوة وعلي رأ سها صفية ها ن زغلول زو جة
سعد زغلول ( )4وت مع الن سوة أمام ثكنات ق صر الن يل ،وهت فن ضد الحتلل ث بتدب ي سابق ،ودون
() ف أي قرن يا تري سلبها ذلك "الق"؟!. 1
() سنتحدثث عن الثورة الصرية ف فقرة تالية. 2
() كانت جادة وإن شابا النراف الذي سنتحدث عنه فيما بعد. 3
() اسها القيقي صفية مصصطفي فهمي .ولكنها سيت صفية زغلول باسم زوجها سعد زغلول علي طريقةر الوربيي ف إلاق الزوجات بأساء أزواجهن ,تأثرا بالغزو الفكري 4
وعملية التغريب ...ولكن "الماهي" ل تفطن لذلك ول تستنكره!.
مقدمات ظاهرة ،خلعـن الجاب ،وألقيـ بـه فـ الرض ،وسـكب عليـه البترول ،وأشعلن فيـه النار..
()1
وتررت الرأة!!!
ويعجب النسان الن للمسرحية وخلوها من النطق
ف ما عل قة الظاهرة القائ مة للحتجاج علي وجود الحتلل النليزي ،والطال بة باللء عن م صر..
ما علقة هذا بلع الجاب وإشعار النار فيه؟!
هل النل يز هم الذ ين فرضوا الجاب علي الرأة ال صرية ال سلمة من باب الع سف والظلم ،فجاء
النسوة يعلن احتجاجهن علي وجود النليز ف مصر ،ويلعن ف الوقت ذاته ما فرضه عليهن النليز من
الجاب؟
هل كان النليز هم الذين ألبسوا الرأة الجاب ما يزيد علي ثلثة عشر قرنا كاملة قبل ذلك؟! أو
كانوا هم الذ ين سلبوا الرأة " حق " ال سفور م نذ ذلك الز من ال سحيق ،فجئن اليوم " يتحررن " من
ظلمهم ويلقي الجاب ف وجههم تديا ونكاية فيهم؟!
ما النطق ف السرحية؟!
ل منطق ف القيقة!
ولكن التجارب التالية علمتنا أن هذا النطق الذي ل منطق فيه ،هو الطريقة الثلي لحاربة السلم
إن الذي يقوم بعمل من أعمال التخريب والتحطيم ضد السلم ينبغي أن يكون " بطل" لتتداري ف
ظل " البطولة " أعمال التخريب والتحطيم!
كما أتاتورك ..جال عبد الناصر ..أحد بن بيل -وعشرات غيهم من " البطال " الذين حاربوا
ال سلم بو سيلة من الو سائل ..كل هم ينب غي أن يكونوا " أبطال " و قت قيام هم بحار بة ال سلم وإل
انكشفت اللعبة من ورائهم ،وانكشفت عمالتهم لعداء السلم من الصليبي واليهود
كما أتاتورك الذي أطاح باللفة ،وأراد أن يقطع ما بي التراك وبي إسلمهم ن فمنع الذان اللغة
العربية ،وكتب اللغة التركية بالروف اللتينية وأمر بلغ الجاب وذبح عددا من علماء السلمي ..كان
" بطل " صنعت له البطولت ال سرحية الزائفة لتخفي يده ال ت تق طر بدماء ال سلمي ،وت في جريته
الكبي ف حرب السلم.
جال ع بد النا صر الذي ذ بح قادة الدعوة ال سلمية ف م صر ،وأن شأ للتنك يل ب م ف سجون م صر
ألوانا من التعذيب الوحشي ل مثيل لا ف تاريخ البشرية كله ،إل ف ماكم التفتيش الت أقامها الصليبيون
() سي مييدان الساعلية الذي تللت فيه الرأة من حججابا السلمي ميدان "التحرير" "تليدا" لذه الذذكري العظيمة!. 1
ف الندلس للقضاء علي السلم ،وألغي الحاكم الشرعية وهم بالغاء الزهر ،وأضاف جرعات جديدة
" لتحرير الرأة " كان " بطل " أضفيت عليه البطولت الصطنعة لخفاء الرية الائلة الت ارتكبها ضد
السلم.
أحد بن بيل الذي جاء ليسرق الثورة السلمية ،ويولا إل ثورة اشتراكية بعيدة عن السلم مناوئه
له ،والذي دعا الرأة الزائرية إل خلع الجاب بجة عجيبة حي قال :إن الرأة الزائرية قد امتنعت عن
خلع الجاب فـ الاضـي لن فرنسـا هـي التـ كانـت تدعوهـا إل ذلك! أمـا اليوم فإنـ أطالب الرأة
الزائرية بلع الجاب من أجل الزائر! أحد بيل يوم أن دعا تلك الدعوة كان " بطل " أضفيت عليه
البطولة الصطنعة بطفة من الطائرة وهو متوجه من فرنسا إل الزائر ..حت إذا نضجت اللعبة ..لعبة "
البطولة " أطلق سراحة ليقوم بعمله ضد السلم.
وعلي هذا الضوء نف هم مظاهرة الن سوة ف ميدان ال ساعيلية بالقاهرة سنة 1919ل بد من بطولة
تضفي علي كل عمل من أعمال التخريب ضد السلم ،لتخفي ما وراءه من تدبي.
وأي بطولة للنسوة يومئذ أ كب من أن يق فن أمام قوي الحتلل ،يهتفن ضدها ،ويفت حن صدورهن
للرصاص؟
يقول حافظ إبراهيم ف شأن هذه الظاهرة:
خرج الغوان يتججن ورحت أرقب جعنّهْ
فإذا بن تذن من سود الثياب شعارهنه
فطلعن مثل كواكب يسطعن ف وسط الدجنه
وأخذن يتزن الطريق ودار سعد قصدهنه
يشي ف كنف الوقار وقد أبن شعور هنه
وإذا بيش مقبل واليل مطلقة العنه
وإذا النود سيوفها قد صوبت لنحورهنه
وإذا الدافع والبنادق والصوارم والسنه
واليل والفرسان قد ضربت نطاقا حولنه
والورد والريان ف ذاك النهار سلحهنه
فتطاحن اليشان ساعات تشيب لا الجنه
) (1فتضعضع النسوان والنسوان ليس لن منه
ث انزمن مشتتات الشمل نو قصورهنه
تعددت مدارس البنات الثانوية ف القاهرة ث ف السكندرية ث ف غيها من الدن ..وخفت قبضة
الناظرة النليزية فلم يعد يهمها إل " النظام " الصارم ف داخل الدرسة أما " أخلق " البنات فلم تعد
تعيها اهتماما كما كانت من قبل ،وجاءت بعدها ناظرات مصريات ،أقل انضباطا من ناحية النظام،
وأقل اهتماما بقضايا الخلق.
وسارت المور فترة من الزمن سيها الرتيب ،وكثر القبال علي مدارس البنات حت ضاقت بن ن
فقامت إل جانبها مدارس أهلية تسي علي ذات النهج م وتقق ذات الهداف وأطمأن الناس اليوم علي
بنات م فلم يعودوا ي صحبونن ف الذهاب والياب وأ صبحت أفواج البنات تذ هب ف الطرقات وحد ها
وتئ.
ولكن ..هل كان يكن أن تستمر المور ف داخل هذا النطاق الحدود؟!
يو جد دائ ما ف كل مت مع فتاة " جريئة " وف ت "جرئ"!( )1يرجون علي تقال يد الجت مع ويتحللون
منها.
() أقيمت ف شواطئ السكندرية (ونشرتا الصحف!) مسابقة بعنوان "أبو عيون جريئة!" يكون الفائز فيها هو أوقح الشبان أو أقلهم حياء وأدبا!. 1
وف الجتمعات التماسكة يكون نصيب هؤلء هو الردع الفوري ،الذي ينع العدوي ،ويقضي علي
الرثو مة ق بل أن ي ستفحل أمر ها ،أ ما ف الجتمعات الفك كة فل يدث الردع الطلوب ،أو ل يدث
بالقوة الاسة الت تؤت أثرها،فتظل الرثومة باقية ن وتظل تنتشر حت يدث الوباء.
ُونـ
ّاسـ َت ْأمُر َ
َتـ لِلن ِ
ُمـ َخيْرَ ُأ ّمةٍ أُخْرِج ْ
لذلك مدح ال خيـ أمـة أخرجـت للناس بقوله تعال{ :كُْنت ْ
بِالْ َمعْرُوفِ َوتَْن َهوْ َن عَ ْن الْمُنكَرِ َوتُ ْؤ ِمنُو َن بِاللّهِ} [سورة آل ]3/110
ول عن شر أ مة أخر جت للناس بقوله تعالُ{ :لعِ َن الّذِي نَ َكفَرُوا مِ ْن بَنِي إِ سْرَائِي َل عَلَى لِ سَانِ دَاوُو َد
س مَا كَانُواصوْا وَكَانُوا َي ْعتَدُونَ ( )78كَانُوا ل َيَتنَا َه ْونَ عَ ْن مُنكَرٍ َفعَلُوهُ َلبِْئ َ
ك بِمَا عَ َ
َوعِيسَى ابْنِ مَ ْريَمَ ذَلِ َ
َي ْفعَلُونَ ([ })79سورة الائدة ]79-5/78
و ف الجتمعات ال ت تتحول في ها الق يم والخلق إل " تقال يد " خاو ية من الروح ،يدث النكار
ويدث الحتجاج،ولكن ل يدث الردع الاسم الذي يقتل الرثومة قبل أن تستفحل ،فتبقي ،ث تنتشر
ف خطي بطيئة ولكنها أكيدة الفعول!
وهذا هو الذي حدث ف الجتمع الصري أمام الغزو الفكري الصليب ف القرن الرابع عشر الجري،
وف الجتمع السلمي كله .كانت هناك بقايا قيم وبقايا دين ن ولكنها كانت تقاليد خاوية من الروح
ن فلم ت ستطيع ان ت صمد طويل أمام الغزو الكا سح ن الذي يز ين الف ساد للناس با سم الر قي والضارة
والتقدم "التحرر " من الرجعية والتحرر من المود
بدأت أول فتاة " جريئة " تلت فت برأ سها ح ي يل قي إلي ها الف ت " الرئ" بألفاظ الغزل ال ستور أو
الكشوف.
وتسقط الفتاة الريئة ف نظر الجتمع من أجل هذه اللتفاته ،وتعتب فتاة فاسدة الخلق ،ولكنها ل
تردع! ول يردع الفت الرئ الذي ألقي بألفاظ الغزل علي قارعة الطريق ،فيتكرر النموذج من هنا ومن
هناك ..وتتبلد أعصـاب الناس علي النظـر الكرر.,وتصـبح ظاهرة " معاكسـة" " بناء الدارس " ظاهرة
مألوفة ف الجتمع الصري ،ل يتحرك لا أحد بالمر بالعروف والنهي عن النكر ..ويفرح الشياطي!
ورويدا رويدا تتغي ملبس بنات الدارس!
تقصر "الريلة " قليل.هل هناك مانع؟! الورب يغطي ما كشتفه " الريلة" فماذا يدث؟!
ويقصر الكم قليل ..هل هناك مانع؟! سنتيمترات قليلة ل تقدم ول تؤخر ..ماذا يدث؟! هل ترب
الدنيا إذا قصرت الكمام قليل أو قصر " الذيل " ل تبكوها أيها التزمتون!
وتتبلد الع صاب علي الن ظر الكرور ،فتق صر الكمام بض عة سنتيمترات اخري أو يق صر الذ يل،أو
يقصر الورب ..وينكشف من الرأة ما أمر ال بستره بنفس القدار!
أف لكم أيها التزمتون! تفتئون تذكرون الخلق وتنادون بالويل والثبور! ماذا حدث للخلق حي
تراجعت اللبس بضعة سنتيمترات؟ هل تقاس الخلق بالسنتيمتر أيها الامدون؟ الخلق قيم (!!)..
والقيم ملها القلب (!!) ما دامت الفتاة (مقتنعة) بالقيم ف داخل نفسها فلن تفسد ولو سارت عارية ف
الطريق!
وح ي تك ثر الفتيات ف الشوارع ،حا سرات مق صرات ،سواء من بنات الدارس الثانو ية أو مدارس
العلمات ،أو من خريات الدارس الخية اللوايت صرن معلمات وصارت لن رواتب خاصة يستطعن
النفاق منهـا علي حوائجهـن ..عنـد ذلك تبدأ (الودات) فـ الظهور ..وتصـبح هناك صـحافة نسـوية
تتخصـص فـ عرض " الودات" أو ركـن فـ الجالت والصـحف العامـة يسـمي " ركـن الرأة " يقدم
النصائح ويقدم "الودات "
فأما النصائح فتبدأ ف غاية " العفة " وف غاية التزان!
كيف تافظي علي مبة زوجك؟!
وهل يكره السلم أن تتحبب الرأة إل زوجها وتتجمل له وتتزين؟!
نن فقط نقدم النصيحة مصورة! لننا ف زمن الصحافة الصورة الت توضح كل شئ بالرسم
وح ي ت ستقر هذه الطوة نتقدم خطوة أخري المام! تهيدا (لتحر ير) الرأة من ق يد آ خر من قيود
الدين والخلق والتقاليد!
لقد كان الزوج ف الرحلة الول هو " الحلل " وانتهت مهمته ،فلنكن الن صرحاء!
كيف تذبي انتباه الرجل؟!
نعم! وماذا فيها؟!
أل تتزين إل الرأة التزوجة؟! وماذا تفعل الفتاة الت تبحث عن الزوج؟! أل تتزين ليقع ف شباكها "
ابن اللل "؟!
فإن ل يقع " ابن اللل فمزيدا من التزين
هذا فستان يكشف " مفاتن الصدر " وهذا يكشف " مفاتن الظهر " وهذا يكشف " مفاتن الساقي
()1
"!
وتتطور " الودة " العال ية وتتطور ،ح ت تش كف مفا تن ال سم كله بم يع أجزائه،وتتبع ها ال صحافة
() هذذه العبالرات ورردت بنصها ف ملت "الودة" وف "ركن الرأة" ف الجلت الت تصص ركنا للمرأة. 1
()1
الصرية شبا بشبا وذراعا بذراع " .حت إن دخلوا حجر ضب دخلتموه "!
m m m
() قال رسول ال " :eلتتبعن سنن من قبلكم شبا بشب وذراعا بذراع ,حت إن دخلوا جحر ضب دخلتموه" قالوا من يا رسول ال؟ قال" اليهود والنصاري" أخرجه الشيخان. 1
2 هذه هي "حكمة" تعليم الفتاة علي منهج الفتيان ,ليصبح هناك وجه لقضية "الساواة" بي جنسي ,الت تصل ف النهاية إل الساواة ف "حق" الفساد! وهناك حكمة أخري ل تقل )(
!.عنها حكمة هي إلغاء "قوامة" الرجل علي الرأة أو خلخلة أساسها علي القل بعد أن "يتساويا" ف نوع التعليم
ل عن روح التحدي الت
() كان هذا التفوق يدث بالفعل لن الولد ينشغلون بالشارع والنادي والقهي ورفقة الصحاب ,بينما البنات ف البيوت متفرغات لراجعة الدروس ,فض ً 3
تفز الرأة لتحدي الرجل.
() تدثت عن هذه العركة ف كتاب "مذاهب فكرية معاصرة". 4
() راجع -إن شئت -فصل "دور اليهود ف إفساد أوربا" من كتاب "مذاهب فكرية معاصرة". 5
الظلم هناك من تشر يع – أو عرف – وض عه الب شر ،ث اختاروا أو اختار ل م الشياط ي ف القي قة حل
ساروا ف يه ح ت أو صلهم ف النيا بة إل البال ،من تف كك ال سرة وتلل الجت مع وشقاء الر جل والرأة
كيلهمـا ،وتشرد الطفال ،وجنوح الحداث ،وانتشار الشذوذ والمراض النفسـية والعصـبية والقلق
والنون والنتحار والمر والخدرات والرية.
أ ما الرأة ال سلمة فقضيت ها أن الظلم قد و قع علي ها من مال فة الن هج الربا ن الذي التزم به متمع ها
عقيدة ول يلتزم به عمل ،وارتدا ف هذه النقطة بالذات إل أعراف الاهلية الفاسدة
وقد يكون الظلم واحدا أو متشابا ،ولكن العلج يتلف لختلف السباب فعلج القضية بالنسب
للمرأة السلمة هو الرجوع إل النهج الربان الصحيح واللتزام به عقيدة وعمل ،وليس علجه هو اتباع
الطوات الت سارت فيها القضية ف الغرب ن فخرجت من تبط إل تبط وما تزال
وحقي قة أن الن هج الربا ن هو العلج ل كل مشكلت البشر ية ن ولو آم نت به أورو با ونفذته للت
كل مشكلتا ولكن الذين ينفذونه بالفعل أو الفروض أن ينفذوه هم الذين ألتزموا به فعل أي السلمون
فإذا حادوا ع نه فإن مه مة " الصـلحي " هي تذكي هم به ،ودعوت م إل العودة إل يه ليطبقوه ف عال
الوا قع ،فتن حل مشاكل هم وينصلح حالم ،أما إتباع أوروبا ،وسي الرأة ال سلمة ف ذات الطوات ال ت
سارت فيها " اختها " الوربية فلن يل مشكلتها ،كما ل يل مشكلة " أختها " وسيصل با وبجتمعها
وقد وصل بالفعل إل ذات الصي البائس الذي وصل إليه متمع " اختها " من قبل.
ول كن الدافع ي يومئذ ل يكونوا يفقهون شيئا من ذلك كله ..و هم يومئذ أ حد فريق ي :فر يق يعلم
جيدا أن الطريق الذي تسي فيه " القضية " سيؤدي إل انلل أخلق الجتمع وتفككه كما حدث ف
شةُ فِي الّذِي نَ آ َمنُوا}
حبّو نَ أَ نْ تَشِي َع اْلفَاحِ َ
أوربا ،وهو يريد ذلك ويسعي إليه جاهدا لنه من {الّذِي نَ يُ ِ
()1
[سورة النــور ]24/19
وفريـق آخـر مدوع مسـتغفل لنـه مسـتعبد للغرب ،ل يري إل مـا يراه الغرب ،ويظـن فـ غفلتـه
وعبوديته – أن سيده دائما علي صواب!
وهذا وذاك م عا م سخران لد مة ال صليبية ف الجت مع ال سلمي ( )2وخد مة اليهود ية العال ية كذلك
(.)3
وقال هذا وذاك أن " قض ية الرأة " ت ستلزم أن تد خل الفتاة الام عة لتؤدي " ر سالتها " علي الو جه
ب أَلِي ٌم فِي الدّْنيَا وَال ِخرَةِ} [سورة النــور .]24/19
() قال تعالِ{ :إنّ الّذِينَ ُيحِبّونَ َأنْ تَشِيعَ اْلفَا ِحشَةُ فِي الّذِينَ آ َمنُوا َلهُ ْم عَذَا ٌ 1
() إل أن يكون هو ذاته صليبيا كسلمة موسي فهو يشارك ف تنفيذ الخطط الصليب مدفوعا ببصليبيته الذاتية. 2
() كان لليهود مشاركة ضخمة ف تطيم الدولة السلمية والجتمع السلمي ,لهداف عدة من بينها إنشاء الدولة اليهودية ف الرض السلمية. 3
الكمل "
وقضية التعليم الامعي أوغي الامعي – ليست هي القضية بالنسبة للمرأة السلمة فلن ينعها السلم
من طلب العلم ،وهو الذي يدعوها إليه بل يفرضه عليها ولكن السلم يشترط وف تعليمها وف نشاطها
كله شرط ي أثن ي :أن تا فظ علي دين ها وأخلق ها وأن تا فظ علي وظيفت ها الول ال ت خلف ها ال من
أجلها ،وهي رعاية السرة وتنشئة الجيال وف حدود هذين الشرطي تتحرك حركتها كلها وهي حدود
واسعة سل عنها الصحابيات الليلت رضوان ال عليهن.
ولكـن عباد الغرب وشاطينـه ل يكونوا يريدون شيئا مـن ذلك بطبيعـة الال وهـم يطالبون للفتاه
السلمة بالتعليم الامعي وما تبع ذلك من " قضايا "!
فأما الشياطي فإنم ما جاءوا يبتغون الصلح إنا جاءوا للتخريب بادئ ذي بدء
وأما العباد فليس لم إل طريق واحد ل يرون غيه ،ول يستطعيون رؤية غيه ،لنم عبيد والعبد ل
يري إل ما يراه سيده له ،بل يعتقد ف دخيله نفسه أن مرد اتاه فكرة إل شئ غي ما يراه السيد هو إث
غي مغفور!
m m m
دارت العركة ،وطالب الدافعون عن قضية الرأة أن يسمح لا بدخول الامعة أسوة الرجل ومساواة
له
وقال العارضون إن الفتاه ل تصـلح للتعليـم الامعـي أصـل لنـه ل يناسـب طبيعتهـا ،وسـيؤثر علي
أنوثتها ،فضل عن أنه سيشغلها عن الزواج ويعطلها عنه عدة سنوات ،وسيصرفها عن السرة والبيت
مهمتهـا الصـلية وفوق ذلك كله فهناك مشكلة الختلط الذي لبـد أن يدث فـ الامعـة وهـو أمـر
يالف الدين والخلق والتقاليد (.)1
وا ستغرقت العر كة ردحا من الز من غي قل يل .وتقاذف الفريقان التامات الادة ،وضاعت حقائق
كثية ف وسط العركة كانت علي القل تستحق دراسة مستأنية ليتخذ فيها القرار علي بصيه
فأما الدافعون فالسألة عندهم منتهية ل حاجة فيها إل التوقف والدرس فهم مدفوعون دفعا بوعي
منهم أو بغي وعي إل تريب الجتمع السلمي وتدميه ،بل مدفوعون دفعا إل استخدام " قضية الرأة
" بالذات لحداث هذا التدمي
أما العارضون فمن أي منطلق ينطلقون؟
() ل يفكر أحد ف إقامة جامعة نسوة خاصة!. 1
كان ظا هر المـر انمـ ينطلقون من منطلق إ سلمي ..وقـد ك ثر ف كلمهـم بالفعـل ذ كر الديـن
والخلق والتقاليد ولكن هل كانوا علي وعي حقيقي بالسلم
لقد كان وعيهم به ضئيل ف القيقة وكان إخلصهم للتقاليد أعمق ف حسهم من الخلص للدين!
أو قل :إن التقاليد الت كانوا يرصون عليها ويدافعون عنها كانت متلطة ف حسهم بالدين ،ومن ث
كان يتلط عليهم الخلص للتقاليد بالخلص للدين!
ولكنها ل تكن ف القيقة تقاليد إسلمية ة إنا كانت تقاليد جاهلية ارتدت إليها المة السلمة ف
فترة تلف ها العقدي ،ث اختل طت ف ح سها بال سلم ،و ظن الدافعون عن ها باخلص أن م يدافعون عن
الدين
وكانت عنجهية الرجل ول شك عنصرا من عناصر القضية
كان ي ب أن يتم يز وينفرد بأشياء ،سواء كا نت م ا ميزه ال به حقي قة أو م ا ميز ته به الاهل ية،
ويتلط المران معا ف حسه فيعتقد أنما كليهما من صميم الدين وأنه حي يدافع عن مركزه التميز
ويدفع الرأة عن اللحاق به ،إنا يدافع عن الدين!
ول ي فت الدافع ي عن " قض ية الرأة " أن ي ستغلوا نق طة الض عف هذه ف مو قف العارض ي ،وأن
يستغلوها إل آخر الدي ،فدعوا إل إخراج الدين كله من القضية ،والديث عنها علي أنا قضية تقاليد
وحي تكون علي هذه الصورة فهي إذن تقاليد عنيقة باليه وينبغي أن تطم ويستبدل با تقاليد جديدة..
عصرية تقدمية متطورة
وبطبيعـة الال ل يرض التدينون والريصـون علي الخلق عـن حصـر القضيـة فـ ميطـه التقاليـد
وإخراجها من دائرة الدين ،كما كان أعداؤهم يدعونم كلما احتدمت العركة بقولم :ل تزجوا بالدين
ف كل المور! فالدين ل علقة له بذه المور!!
ولكنهم ف النهاية انزمو وتراجعوا ..ث صمتوا ..وتقرر المر الذي خطط له الخططون ،فأصبح "
امرا واقعا " رضي التدينون أو كرهوا ،وأعلنوا رأيهم أو صمتوا عنه
لاذا حدث ذلك؟!
ل يكن " التطور العالي " كما توهم التوهون .ول يكن ضغط الضارة الغربية ول يكن " الق "
الذي كان مغلوبا ث انتصر كما أذاع الدافعون عن قضية الرأة .,ل تكن " طبيعة القضية " وكونا قضية
عالية لبد أن تأخذ مراها ف كل الرض بل ل يكن الغزو الفكري ف ذاته هو الذي جعل المور تأخذ
هذه الصورة
إن ا كان ق بل كل شئ :الزي ة الداخل ية الناشئة من الواء ،/النا جم بدوره عن التخلف العقدي
والنبهار با عند الغرب ،والظن بأنه لبد أن يكون صوابا ما دام آتيا من عند القوياء الغالبي!
نعم ،إنا الزية الروحية هي الت مكنت للغزو الفكري ،وهي الت جعلت كل ما يططه الخططون
ينفذ كأنه أمر حتمي ل مرد له ،ولطاقة لحد بالوقوف ف طريقة! وما كان شئ من ذلك ليحدث لو
أن السلمي كانوا علي إسلم صحيح.
فالعقيدة الية التمكنة من القلوب ل تقهر ،ول يتخلى عنها أصحابا مهما وقع عليهم من الضغوط
(.)1
والستعلء باليان يقي الناس من الذوبان ف عدوهم ،ولو انزموا أمامه ف العركة الربية
والغ ن النف سي الذي يد ثه اليان ال ق بال ،والغ ن الواق عي الذي يد ثه الت طبيق ال صحيح للمن هج
الربان ،ويعل السلم –فردا وجاعة ومتمعا ودولة ف غن عن الفتراض ف عال القيم والبادئ فضل
عن التسول! وإذا احتاج لشئ من أمور الدنيا يفتقده عنده فإنه يأخذ ف استعلء الؤمن ،ويطوعه لنهجه
الربان،ويصبح مالكا له ل ملوكا له
و ما كان الغزو الفكري ليت سرب إل نفوس ال سلمي لو كانوا علي ال سلم صحيح ول إل عقول م
وأفكار هم ومشاعر هم ،ح ت يزيل هم عن قاعد ته ويرف هم ف التيار غثاء كغثاء ال سيل ،ك ما و صفهم
رسول ال eقبل أربعة عشر قرنا من الزمان
وما كان ضغط الضارة الغربية ليجلي السلمي عن مواقعهم ،وهي حضارة زائفه مسوخة ف عال
الق يم ،بر غم كل التقدم العل مي والادي والتكنولو جي الذي تشت مل ع يه و قد كان ال سلمون قمين ي أن
يأخذوا كل التقدم العلمي والاديوالتكنولوجي الذي يتاجون إليه كما أخذوا من الروم والفرس أول مرة
دون أن يفقدوا إسلمهم أو يتخلوا عن ذاتيتهم ،أو تتلط القيم والوازين ف حسهم
و ما كان " التطور العال ي " ليغلب ال سلمي علي أمر هم ..ف هو ل يس " حتم ية " حقيق ية ك ما خ يل
اليهود للبشرية ليدفعوها ف السار الذي جرفوها إليه إنا انرفت أوروبا ف تيار التطور اليهودي لوائها
من العقد ية ال صحيحة ،ولن عقيدت ا الم سوخة ل ت كن ت صلح للحياة ،ول كا نت تقدر علي ال صمود
أمام كيـد اليهود ( ،)2ولكـن السـلمي كانوا قمينيـ أن يصـمدوا ول ينهزموا أمام " التطور " الزعوم،
الذي انتكس فيه " النسان " أكب نكسبة وقع فيها ف تاريه كله ،ف مال القيم والخلق والبادئ بل
() انظر ما وقع من الضغوط علي الماعة السلمة ف مكة ,وانظر ما يقع اليوم من الذابح البشعة لخاد الصحوة السلمية وهي مع ذلك ل تمد. 1
() راجع -إن شئت -فصل "دور اليهود ف إفساد أوربا" من كتاب "مذاهب فكرية معاصرة". 2
ف مال " إنسانية النسان " ذاتا رغم البيق الاطف ،ورغم كثرة ما قيل ف هذا العصر عن " إنسانية
النسـان" كان السـلمون قمينيـ أن يصـمدوا ول ينهزموا لنمـ يلكون العقيدة الصـحيحة مـن جهـة،
ولنم هم الؤهلون أن يفقوا للكيد اليهودي من جهة أخري لن ال وعدهم بالنجاة من ذلك الكيد إن
صبِرُوا َوَتّتقُوا ل َيضُرّكُ مْ َكيْ ُدهُ ْم َشيْئا}
ا ستقاموا علي الشرطَ { :وإِ نْ تُ صِْبكُمْ َسّيَئةٌ َيفْ َرحُوا بِهَا َوإِ ْن تَ ْ
[سورة آل .]3/120
بل كان السلمون قميني أن يصححوا أفكار البشرية الزائغة إزاء لوثة الداروينية ،ولوثة التطور،ولوثة
الادية ،ولوثه التفسي النسي للسلوك البشري ،والتفسي الل للحياة ،ولوثة " التحرر " من كل القيم
ولوثة إخراج الرأة من بينتها ووظيفتها لتكدح وتشقي من أجل لقمة العيش نوتتبذل وتفسد ،وتفسد
الجتمع كله معها ف ناية المر
ولو كانوا علي إسلم صحيح!
ولكنهم ل يكونوا..فأصابم ما أصابم..وبدل من أن يصححوا للبشرية منهج حياتا ،ويهدوها إل
النهج الق ،تلوا هم عن منهجهم الربان ،وراحوا يلهثون لثا وراء الاهلية الوروبية ،يستأذنونا ف
مذلة أن تسمح لم باللهث وراءها ،ول تتقرهم ول تستصغرهم إل أن يتمكنوا من اللحاق با ف آخر
الشوط!
وذلك هو التفسي القيقي لا حدث ف قضية الرأة ،وكل القضايا الخري الت ألت بالسلمي ف
أثناء نضتهم " العاصرة .
m m m
دخلت الرأة الامعة ل " لتتعلم " فقط ولكن " لتتحرر "!
لتتحرر من الدين والخلق والتقاليد
ف قد ق يل ل ا ك ما ق بل للمرأة الوروبية من ق بل إن التعل يم والختلط والرية و" التجربة " كلها "
حقوق " للمرأة كان الدين والخلق والتقاليد تنعها من مزاولتها و اليوم ينبغي أن تطم الواجزكلها
لتحصل الرأة علي ما لا من حقوق.
وبطبيعـة الال ل ت كن هناك طفرة ..إن ا جاء كـل شئ بالتدر يج ومـا كان الخططون يتوقعون أن
تدث الطفرة وإن تلهفت قلوبم لشاهدتا – ول كان ذلك مكنا ف عال الواقع
ل قد دخلت أر بع فتيات كل يه الداب ف" الام عة ال صرية " مقتحمات كل الوا جز القائ مة يومئذ،
والجتمع كله ،بي مؤيدا ومعارض يرقب التجربة الديدة وما يكن أن تسفر عنه
وكان هناك طبعا قدر من الدب وقدر من الياء وقدر من الحتشام سواء من جانب الفتيات الربع
أو من جانب الطلب ف مدرجات الامعة وافنيتها ،والو كله ملوء بالذر والترقب.
ومع ذلك كله كتبت امينة السعيد ف مذكراتا الت نشرتا لا " اللل " وهي إحدي الفتيات الربع
اللوات " اقتحمن " الواجز ،ليثبت جدارة الفتاة الصرية بكذا وكذا ما أثبت جدارتم به كتبت تقول:
إنه ف الختبار الشفوي ف آخر العام كانت اللجنة ف اختبار اللغة النليزية مكونة من استاذ إنليزي
وأستاذ مصري ،وإن الستاذ النليزي ابتدارها ف الختبار بسؤالا عن رأيها ف الب!
تقول أنا من جانبها تلعثمت ف بادئ المر وإن الستاذ الصري غضب حت أحر وجهه من الغضب
وغادر اللجنة فقال لا الستاذ النليزي :ل عليك منه! استمري!
وتقول :إنا وجدت نفسها تنطلق ف الديث عن الب بل تلعثم ول حياء! وهوالطلوب
m m m
ل ت كن الام عة ال صرية ك ما كا نت جام عة القاهرة ت سمي ف ذلك ال ي قد انشئت لتر عي الق يم
السلمية ول لترعي تنشئة الشبان والفتيات تنشئة إسلمية
إن ا كا نت قد أنشئت لتكون م نبا " حرا" يها جم م نه الد ين والخلق والتقال يد مهاج ة شفو ية
وعملية كلما أمكن مع الذر من الروج السافر دفعة واحدة ،حت ترسخ أقدام الامعة وتصبح معلما
ثابتا من معال الياة الصرية .فل عليها بعد ذلك أن تفعل ما تشاء علنية بدون مواربه فلن يصيبها يومئذ
ما يقتلع جذورها بعد أن تثبت وتستقر
كانت مدرسة العلمي العليا الدنلوبية قد استنفدت اغراضها ف تريج الدرسي الذين سيوالون تعليم
الجيال فترة غي قصية من الزمن ،يبثون فيهم ما بث فيهم من قبل من نفور من الدين وأهله ،وانسلخ
من آدابه وقيمه ،وعبوديته مقنعة أو سافره للغرب
واليوم يراد توسع الدائرة فالدرسون مهمون نعم ومطالبون نعم ،ولكن الدرس بطبيعة نشأته مدود
ال فق ،م صور ف دائر ته ل يغادر ها ،تتحول حيا ته ب عد ح ي إل رتا به مله ،فينغلق علي نف سه ،ويف قد
حيويته وخصوبة فكرة ،إل النادر القليل.
ونريـد اليوم أن يكون لدينـا " مفكرون " " ..احرار " ة لينشروا " حريـة الفكـر " علي مسـتوي
الجتمع كله .رحاله ونسائه وكل من فيه
ومدرسة العلمي العليا بكل ما قدمت من "خدمات " عاجزة بطبيعة تكوينها عن أداء هذه الهمة
الطية إنا الذي يقدر علي ذلك هو الامعة
ومن هنا كانت الامعة مددة الهداف عند مططيها من أول لظة
ولقد فرح الناس با فرحا شديدا عند مولدها ،وأقبل الشباب عليها بلهفة وتشوق ،لنا ف ظاهرها
كانت خطوة تعليمية وثقافية ضخمة ،سدت ثغرة كانت موجودة ف الياة الصرية ،بعد تميد الزهر،
وانصراف الناس عنه ،والعزلة الت فرضها عليه دنلوب ..ث لمر آخر كان يال تلك النفوس ويزيد من
فرحتها :لقد صرنا الن مثل أوروبا صارت لدينا جامعة!
ول يكن كثيون يتوقعون أن تصبح الامعة منبا لهاجة السلم ،ولتخريج شباب يستخفون علنية
ب كل الق يم الدين ية ن وي ستخفهم الغرور العل مي أو الهلي! متكئ ي إل أ نه " خريوا الام عة " أي "
الطراز " الديث! فليس لحد أن يتصدي لم أو يناقشهم أو يطئهم ،وإل فهو جاهل رجعي متخلف..
فهنا ف الامعة وهنا فقط يوجد العلم الق ن والفق الواسع ،والفكر التحرر ،والنظرة التقدمية ،والروح
العلمية ،وإرادة الياة الرة ..وف كل مكان آخر أيا يكن ذلك الكان توجد الرجعية والمود والتأخر
والع فن الن ت الذي خلفته عصور النطاط ،وال هل الفا ضح الذي يع يش ف الظلمات غ ي منفتح علي
تيار الياة الي ،ويكفي أهله سواء وجهلة وتلفا أنم ل يعرفون " لغة أجنبية " (.)1
ول عل الناس فوجئوا ف أول ال مر بال ستشرقي الذ ين يقدحون ف ال سلم ت ويشوهون صورته،
ويهاجونه ،أساتذة ف كلية الداب يدرسون أفكارهم للطلب ،تت إشراف طه حسي " عميد الدب
العرب " ورئيس قسم اللغة العربية يومئذ ومن بينهم السشرق اليهودي" مرجوليوث" الذي كان يقول إن
ممدا eمهول النسب! فقد كانت العرب تطلق علي من ل تعرف نسبه اسم عبد ال ،ومن ث فمحمد
بن عبد ال eهو ابن رجل مهول النسب! وهي فريه ل يقلها أحد غيه من الشتشرقي! (.)2
ولعلهم فوجئوا بطه حسي الذي قال ف كتاب الشعر الاهلي للتوراه والنيل أن يدثانا عن إبراهيم
وإساعيل وللقرآن أن يدثنا عنهما كذلك ،ولكن هذا وذاك ل يثبت لما وجودا تارييا! ( )3يصبح ف
مكان الصدارة ف الامعة الديدة ن ث يقول ف فترة لحقه ،ف كتابه " مستقبل الثقافة ف مصر " إن
مصر ل تكن قط جزءا من الشرق ،وإنا كانت دائما جزءا من حوض البحر البيض التوسط ،وكل ما
() ربا ل يعلم كثي من القراء أنن من خريي تلك الامعة ,ومن دارسي اللغة النليزية والدب النليزي فيها ,فلست أصدر فيما أقرر هنا عن عصبية معهدية ضد الامعة! إنا هي 1
القيقة الت أحسبها -الن -ل تعد خافية! ول ينكر أحد أنه من الناحية "الثقافية" كانت الامعة أوس ع أفقا ,وخريوها أكثر احتكاكا بالفكار "العالية" ولكنها ل تكن توجه
طلبا لنقد الضارة الغربية ,واختيار الصال من ثارها للستفادة به ف "نضة" حقيقة ,مع طرح الفاسد من هذه الثامر ,إنا كانت علي العكس من ذلك من أكب أدوات "التغريب".
() انظر فصل "الديانة الحمدية "Mohamedanismتأليف مرجوليوث ,ف موسوعة تاريخ العال.Universal Histiry of the World : 2
() الفكار الرئيسية ف هذا الكتاب -وهي القول بأن الشعر الاهلي القيقي كان أبلغ من القرآن ,ولذلك طمس عليه السلمون ,وانتحلوا شعرا أقل منه بلغة ونسبوه إل الشعراء 3
الاهلي" ,ليزعموا" بعد ذلك أن القرآآن أبلغ من الشعر الاهلي! هي أفكار مرجوليوث الشار إليه ,انتحلها طه حسي! وقد صودر هذا الكتاب حي أثار ما أثار من ضجة ,ولكن
طه حسي سئل ف حديث صحفي أجراه معه ممود عوض ف ملة صباح الي قبل وفاة طه حسينن بعام واحد عن أفكاره ف هذا الكتاب فقرر أنه ما زال مؤمنا بكل حرف فيها.
جاءها من الشر جاءها من الشرق!.
ولعلهـم فوجئوا بنـ يقول إن قصـص القرآن قصـص "فنـ" يعنـ ل يتحدث عـن حقائق تارييـة
()1
وأشخاص حقيقيي ،إنا هي قصص فنية ،مبتدعة من اليال لغراض فنيه!
وفوجئوا وفوجئوا وفوجئوا وثارت ثائرة مـن ثار منهـم ولكنهـا ثورة أضعـف مـن أن تغيـ شيئا مـن
الواقع ومضي الديد يثبت أركانه ،يد له الخططون من وراء الستار ،وتتبلد عليه مشاعر الناس .حت
جاء الو قت الذي أ صبح " الناس " هم أنف سهم خري ي الام عة( ،أو الامعات في ما ب عد) فتجان ست
الفكار والتصورات والدوافع وأناط السلوك! ول يعد شئ ما يري ف الامعات يثي ما يسي " الرأي
العام "!
m m m
وإذا كا نت كل ية الداب بالذات قد خ صصت " لتفر يخ" م ثل هذه الفكار والت صورات ،وتر يج "
مفكر ين أحرار " يقومون " بواجب هم " ف إزالة " العفن " و" النت " من الفكار والعقول ،ليضعوا بدل
من ها الفاه يم الغرب ية عن الد ين والخلق والتقال يد ،ولينشئوا متم عا جديدا علي هدي الخطط ي الذي
يططون من وراء الستار قد"ترر " أبناؤها وبناته وصاروا " طلقاء " يفعلون بالدين ما يراد منهم .فإن
كلية القوق قد أنشئت لتخريج أجيال تدعو إل القانون الوضعي لنه تصصها الذي ربيت عليه ،ول
تعلم غيه ف من ال طبيعي أن تتع صب له ،وتعادي كل شئ غيه وتب عد عن الذهان نائ يا قض ية تك ي
شريعة ال ،لنا غي واردة ف أذهانم أصل ومن هؤلء يكون رجال السياسية ورجال الكم ،والساء
البارزة اللمعة ف الجال الجتماعي
أما الكليات العلمية فهي ترج الفنيي من أطباء ومهندسي وزراعيي وغيهم ,ولكنها ترجهم علي
الطريقة الغربية البحتة ،أي " علمانيي " ( )2ل يطيقون الديث ف أمور الدين ،فضل عن ان يتدينوا هم
أنفسهم لنم طلب " علم " والدين خرافة ،ولنم " واقعيون" والدين أساطي ،ولنم " عقول مفكرة
" ل ينبغي لا أن تتدن إل مستوي العوام الذي ل يطلعوا علي " القائق العلمية " وفضل عن ذلك فإنم
" يتميزون " عن أمثالم من " العلمانيي " ف الغرب ،بكونم يتقرون لغة بلدهم ،لنا لغة متخلفة ل
تصـلح للعلم ،ويتحدثون مـن ثـ بغلة السـادة التحضريـن ،ويرفضون أن ينظروا فـ أي كلم مكتوب
() الدكتور ممد أحد خلف ال ف كتاب "الفن القصصي ف القرآن الكري". 1
() لفظة "علمانية" هي ترجة عربية مضللة للكلمة Secularismكما أشرنا من قبل ,والول أن تسمي "الل دينية" انظر -إن شئت -فصل "العلمانية" من كتاب "مذاهب فكرية 2
معاصرة" .وما هو جدير بالذكرر أن هذذه الترجة الضللة كانت من صنع اللبنانيي السيحيي!.
بالعرب ية لن العرب ية أ صل هي ل غة المود والتخلف ،ولو كان الكتوب بالعرب ية هو القرآن بل إن هذا
الكتاب بالذات هو أشد ما ينفرون من قراءته أو النظر إليه!
وهكذا تتوا كب الكليات وتتوا كب التخ صصات لتخرج ف النها ية ال يل الطلوب لعداء ال سلم!
اليل التجه بكليته إل الغرب ،النافر من " الرجوع" للسلم (.)1
m m m
وكما كان من أهداف الامعة تريج اليل الديد من " الرجال التحررين " الذين أداروا ظهورهم
لل سلم وولوا وجهو هم ش طر الغرب سواء من كل ية الداب أو القوق أو الكليات العلم ية ،ف قد كان
من أهدافها كذلك تريج اليل الديد من " النساء التحررات " اللوات انسخلن من الدين والخلق
والتقاليد ف قد كا نت " الفتاة الامع ية " " ..الثق فة " " ..التحررة " ة عنوانا للتغ ي الطلوب ،وداف عا ف
الوقت ذاته إل مزيد من " التحرر " الطلوب!
ولكن هنا تأت وسائل العلم الخري لتمد " قضية الرأة " باللهيب الدائم الذي ل يبو أوراه ،حت
يتم الطلوب كله ،وف أقصي صورة مكنة
فلئن كان " اللهيب " قد ابتدأ أو اشتعل ف مسرحية الظاهرة النسائية الت أحرقت الجاب ف ميدان
ال ساعيلية أمام ثكنات ال يش النليزي فال صحافة ال صرية اللبنان ية ال سيحية الارون ية ( -)2توا كب "
القضية " وتدفعها دائما إل المام
إن عدسـه الصـحافة تلحـق " الفتاة الامعيـة " لترصـد جيـع تركاتاـ وتتار بطبيعـة الال الوجوه
الميلة لتجع ها "إعل نا " عن الق صية وتتنوع التعليقات ،ولكن ها كل ها تبارك تلك الطوة البارة ال ت
خطتها الفتاة الصرية ،والت حطمت فيها القيود والواجز ،وأخرجت الرأة الصرية من سجن " التقاليد
" الظلم ،ومن عقلية القرون الوسطي الظلمة( ..)3لتري النور ..لتتحرر ..لتشارك ف أمول الجتمع!
و ف ظل تلك التعليقات ت سنح الفر صة و هي دائ ما سانة لهاج ة تلك " التقال يد " ال ت ت عل الرأة
() ل ينفي ذلك ببطبيعة الال أن يكون من بي ذلك اليل ,أو تلك الجيال ,من ل يضع لعملية التغريب ,وبقي مافظا علي إسلمه ,وذذاتيته ,ولكنهم -قبل "الصحوة السلمية" 1
الت سنتحدثث عنها ف الفصل القادم -كانوا قلة ل يسب لم حساب.
() وكانت هناك كلك صحافة "مصرية" صميمة ,ولكنها كانت -ببوعي أو بغي وعي -تتقتفي أثر الصحف اللبنانية السيحية الارونية الت أرست "القواعد الصحفية" ف مصر ,بل قد 2
تزيد عليها تبذل لتكسب مزيدا من القراء من "الجيال الصاعدة" من الولد والبنات!.
() تعبي "القرون الوسطي الظلمة" من تعبيات الغزو الفكرير الت تري -بطلقة!س -علي ألسنة الستعبدين للغربب ,ويقصد با -ف حسهم -السلم! وأوربا تصف -بق - 3
قرونا الوسطي بأنا مظلمة ,لنا كانت مظلمة حقا .وتقول -بق -أن "الدين" عندها كان سبب ذلك الظلم ,وإن التحرير منه هو الذي أرجها من قرونا الظلمة ,لن ذلك
الديـن ل ي كن ربانيا ,إناـكان دينا بشريا -جاهليا -من صنع الكنيسـة ,يتوي مـن الرافات والزعبلت والفتراء علي ال ما ل ت ستسيغه فطرة سـليمة ول فكـر "حـر" .أ ما
الستعبدون للغزو الفكري فينسون أولً أن هناك فارقا رئيسيا بي السلم -الدين الربان غي الحرف -وبي دين الكنيسة الحرف ,ويينسون ثانيا أن القرون الوسطي الظلمة ف
أوربا كانت هي الفترة التاريية الشرقة بنور السلم ,سواء ف الشرق أو الغرب والندلس ,حيث تعلمت أوربا لتخرج من الظلمات إل النور!.
حبيسـة البيـت مسـتبعدة للرجـل ،ناقصـة الدميـة ،مهضومـة القوق ،ل عمـل لاـ إل المـل والولدة
والرضاعة و " خدمة " الرجل وتربية الولد!
ولبد من وقفه هنا لبيان حقيقة ،سبقت الشارة إليها ،ولكنها تتاج إل مزيد من اليضاح.
إن الرأة كانت مظلومة بالفعل وكانت تعامل معاملة سيئة بالفعل ،وكانت تعي بأنا جاهلة ،وبأن
مهمتها هي أن تمل وتلد ول شأن لا بشئ أخر ..وكانت هذه نظرة " جاهلية " تسربت إل الجتمع
ال سلم ح ي تلف عقد يا ،وف سد كث ي من مفاهي مه ال سلمية ،والاهليات ت نح غال با إل تق ي الرأة
وإزدرائها ،إل أن تنح كالاهلية الغريقية الرومانية ووريثتها الاهلية العاصرة إل تدل الرأة وإفسادها
خلقا لتصبح مسرحا لشهوة الرجل
وكان و ضع الرأة ف م صر و ف العال ال سلمي كله ف حا جة إل ت صحيح لرد الكرا مة الن سانية
إليها ،ووضعها ف الكانة اللئقة با بوصفها " إنسانه" كرمها ال حي قرر الكرامة لكل بن آدم{ :وََلقَدْ
َك ّرمْنَا بَنِي آدَ مَ [ }..سورة السراء ]17/70وساواها ف النسانية بالرجل حي قرر أنه {َب ْعضُكُمْ مِ نْ
َبعْضٍ} [سورة آل ]3/195وقرر لا احتراما وتوقيا خاصا ف وضع المومة من أجل ما تتكبده ف
ض َعتْ هُ كُرْها} [سورة الحقاف ]46/15وجعل النة تت المل والرضاعة{ :حَ َمَلتْ هُ ُأمّ هُ كُرْها َووَ َ
أقدامها علي لسان رسولهe
وكان هذا الو ضع النحرف عن أوا مر ال سلم وتوجيها ته هو هو الذي ف تح الثغرة للغزو الفكري،
وهو هو الذي استغله الشياطي لينفذوا منه إل الجتمع السلمي ف كل بلد السلم وينفذوا مططاتم
فيه.
ولو كان الجتمع السلمي يطبق السلم ف صورته الصحيحة ،فمن أين كان ينفذ الشياطي؟
كانت أوربا ف جاهليتها ستصيح صيحتها و" ترر" نساءها من الدين والخلق والتقاليد ،وترج
الرأة هناك سافرة متبجة عارية ،وتل الشوارع والصانع والكاتب والدواوين ،ونغرق هي والرجل ف
علقات دنسـة ،وتدنـس السـد والروح ،وتتفكـك السـرة ،ويتشرد الطفال ،وتنتشـر الريةـ والمـر
والخدرات والقلق والمراض العصبية والنفسية والنتحار والنون ،ويظل الجتمع السلمي ف تاسكه
ورفعته ونظافته وتطهره ،ينظر رجاله ونساؤه إل تلك الاهلية نظرة استنكار ونفور واستعلء.
وربا قال قائل :إن ما بدأ اليوم من عوار الاهلية العاصرة ل يكن واضحا للعيان يوم بدأت " الركة
النسائية " ف العال السلمي ،ومن ث كان العال السلمي عرضه للفتتان " بقضية الرأة" ف وجهها "
الصلحي " قبل أن يظهر ما تتويه ف باطنها من الفساد
وهذا قول مردود
ففي وقت مبكر نسبيا عام 1929م كتب " ول ديورانت" الكاتب المريكي ،ف كتابه " مباهج
الفلسفة "هذه الكلمات:
" فحياة الدينة تفضي إل كل مثبط عن الزواج ،ف الوقت الذي تقدم فيه إل الناس كل باعث علي
الصلة النسية ،وكل سبيل يسهل أداءها ولكن النمو النسي يتم مبكرا عما كان من قبل ،كما يتأخر
النمو القتصادي ،ول مفر من أن يأخذ السم ف الثورة وأن تضعف القوة علي ضبط النفس عما كان
ف الزمن القدي وتصبح العفة الت كانت فضيلة موضعا للسخرية ويتفي الياء الذي كان يضفي علي
المال جال ،ويفاخر الرجال بتعداد خطاياهم وتطالب النساء بقها ف مغامرات غي مدودة علي قدم
الساواة مع الرجال ويصبح التصال قبل الزواج أمرا مألوفا وتتفي البغايا من الشوارع بنافسة الاويات
ل برقابة البوليس
" ومـا يدق مـن إباحـة بعـد الزواج فهـو فـ الغالب ثرة التعود قبله وقـد ناول فهـم العلل اليويـة
والجتماعية ف هذه الصناعة الزدهرة ( ,)1وقد نتجاوز عنها باعتبار أنا أمر لمفر منه ف عال النسان ن
وهذا هو الرأي الشائع لعظم الفكرين ف الوقت الاضر غي أنه من الخجل أن نرضي ف سرور عن
صورة ن صف مليون فتاة أمريك ية يقد من انف سهم ضحا يا علي مذ بح الباح ية ن و هي تعرض علي نا ف
السـارح وكتـب الدب الكشوف تلك التـ تاول كسـب الال باسـتثارة الرغبـة النسـية فـ الرجال
والنساء الحرومي وهم ف حي الفوضي الصناعية من حي الزواج ورعايته للصحة".
"حت إذا سئمت فتاة الدينة النتظار ،اندفعت با ل يسبق له مثيل ف تيار الغامرات الواهية فهي
واق عة ت ت تأث ي إغراء م يف من الغزل والت سلية وهدا يا من الوارب وحفلت من الشمبان يا ف نظ ي
الستمتاع بالناهج النسية وقد ترجع حرية سلوكها ف بعض الحيان إل إنعكاس حريتها القتصادية
فلم ت عد تعت مد علي الر جل ف معاش ها و قد ل يق بل الر جل علي الزواج من إمرأة بر عت مثله ف فنون
الب.
فقدرتا علي كسب دخل حسن هوالذي يعل الزوج النتظر مترددا ،إذا كيف يكن أن يكفي اجره
التواضع للنفاق عليهما معا ف مستواها الاضر من العيشة؟" (.)2
" ..ولندع غيها من الذين يعرفون يبونا عن نتائج تاربنا ..أكب الظن أنا لن تكون شيئا نرغب
() يقصد صناعة البغاء ..ويلحظ أنه يلتمس لا البرات رغم السي الذي يسه علي الفتاة المريكية!. 1
() يقصد أن الرجل قد يرفض الزواح من الفتاد الفاسدة الخلق ,ولكن الضغط القتصادي يعله يقبل ف النهاية بعد تردد!. 2
ف يه أو نريده ..فن حن غارقون ف تيار من التغي ي ،سيحملنا بل ر يب إل نايات متو مة ل حيلة ل نا ف
اختيارها .وأي شئ قد يدث مع هذا الفيضان الارف من العادات والتقاليد والنظم.)1( "...
فإذا كان هذا قـد كان واضحـا عنـد رجـل غيـ مسـلم بـل رجـل ملحـد سـاخربكل القيـم الدينيـة
والخلقية مثل ول ديورانت قبل أكثر من نصف قرن من الزمان فقد كان الخري أن يكون واضحا
تام ع ند الجت مع ال سلم ،الذي يهتدي بب صيته اليان ية ال ستمدة من إيا نه بكتاب ال و سنه ر سولهe
والذي يري حتميته السني الربانية ف الياة البشرية حي يقدم الناس لا السباب ويؤمن بالنتائج السيئة
الترتبة علي فساد الخلق ف حياة المم وحياة الفراد
ولكن القضية أن الجتمع السلمي كان بعيدا عن حقيقة السلم
ومن هنا وجدت الثغرة الت ينفذ منها الشياطي
وحي نفذوا فإنم ل يقولوا إن الجتمع قد بعد عن السلم الصحيح وينبغي أن يعود إليه فما لذا
جاءوا و ما لذا أطلقوا صيحاتم! إن ا هم كانوا يعملون بهد هم كله ليخرجوا هذه ال مة من ال سلم
وليسوا لا الطريق الذي يبعدها نائيا عنه ،وينعها بكل سبيل من العودة إليه.
ولئن كانوا قد استخدموا السلم ف مبادئ حركتهم كما استخدمه قاسم أمي وغيه ليتترسوا به
من قذائف العارضي الذين سيمونم ول شك بالروق من الدين،فإن هذه الرحلة سرعان ما استنفدت
اغراض ها ووقفوا موقف هم القي قي من ال سلم ،و هو مو قف الن بذ والعار ضة والجوم ،علي مرحلت ي
متتابعتي بكم الظروف الول هي مهاجة التقاليد والخري هي مهاجة الدين باسه الصريح
ف مرحلة الجوم الول هاجوا التقال يد ال ت كا نت ظال ة بالف عل من تأث ي الردة الاهل ية ال ت كان
الجت مع ال سلمي قد ار تد إلي ها نتي جة تل فه العقدي ،وعدم ت طبيقه ال سلمي علي صورته القيق ية
ولكنهم حرصوا علي أن يدخلوا ف دائرة الجوم التقاليد السلمية القيقة الت قررها ال ورسوله ،جنبا
إل جنب مع التقاليد الفاسدة ،ويطلقوا عليها جيعا أنا تقاليد " باليه " ينبغي أن تطم وأن تغي كما
حر صوا علي ان سوها كل ها بان ا من تراث الع صور الو سيط " الظل مة" ال ت ينب غي ل ا أن ت حي من
الوجود ف العصر الديث عصر النور التحرر والنطلق!
وكان ف هذا الجوم علي هذا الن حو خ بث ما كر ول شك فحقي قة إن كل النوع ي من التقال يد
ال صحيح والفا سد كان قائ ما ف الياة ال سلمية بع ضه إل جا نب عض ول كن كان من ال سهل لو
خل صت النيات فرز هذه من تلك ،والبقاء علي التقال يد ال قة وال ستمدة بالف عل من كتاب ال و سنه
() مقتطفات سريعة من كتاب "مباهج الفلسفة" لول ديورانت ,ترجة عبد العزيز جاويد ,وف الصل توسع ف هذا الوضوع استتغرق مابي ص 126وص 236من الترجة العربية. 1
رسوله ،eوماربه التقاليد الفاسدة الت جاءت من الردة الاهلية ف شأن الرأة ن حت لو اقضت المر
خوض معركة مع التم سكي با فإن ا برز العلماء ف حياة هذه المة بالعارك الادة الت خاضوها ضد
انرافات الجتمع ولو كان الجتمع كله غارقا فيها وتركوا بصاتا الصلحية بقدار ما بذلوا من جهد
وبقدار ماكان كان هذا الهد ملصا متجردا ل
لكن البثاء استغلوا ما غشي السلم من غبش ف نفوس معتنقية ،فلم يعودوا يزون بي الق والباطل
واستغلوا بصفة خاصة جهالة " الثقفي " فهاجوا الظلم البي الذي يأباه ال ورسوله وأدخلوا معه تقاليد
السلم القيقة علي أنا من الظلم الذي ينغي إزالته وزعموا ف بادئ المر انا ليست من الدين إنا هي
من و ضع رجال متزمت ي اخترعوا من ع ند انف سهم وأل صقوا لذا النفور الثبات والر سوخ ف قلوب م
صارحوهم ف الرحلة الخية أن ا من الد ين! وقالوا ل م جهرة إن الد ين ذا ته هو البلء الذي ينب غي
التخلص منه ونبذه وراء الظهور!
هاجوا ترك الرأة جاهلة بل تعل يم وكان هذا بالف عل من التقال يد الفا سدة ال ت انزلق إلي ها الجت مع
السلمي بعيدا عن تعاليم السلم.
وهاجوا احتقارها وازدراءها وتعييها بأنا تمل وتلد ول شأن لا بشئ آخر ،وكان هذا بالفعل من
التقاليد الفاسدة الضادة تاما لتعاليم السلم
وهاجوا تزوي ها بغ ي إذان ا وبغي رغبتها وكان هذا كذلك من التقال يد الفا سدة الخال فة للن صوص
الصرية من أحاديث الرسول.e
ولكن هم إل جا نب ذلك هاجوا حجاب ا ،وهاجوا ا ستقرارها ف بيت ها وعدم خروج ها إل للضرورة
و صوروا ذلك بأنه سجن وضعها الر جل فيه أنانية منه وظلما بين ما هي أوا مر صرية من ال سبحانه
وتعال لمهات الؤمني ولنساء الؤمني معهن وطالبوا بروجها إل "الجتمع " سافرة |" متحررة " بغي
قيد هو أمر ني ال عنه نيا صريا ف آيات مبينات:
ج الْجَاهِِلّي ِة الُولَى} [سورة الحزاب ]33/33
{وَقَ ْرنَ فِي بُيُوتِكُ ّن وَل َتبَرّجْنَ تَبَرّ َ
ك َوَبنَاتِ كَ َونِ سَا ِء الْ ُم ْؤمِنِيَ يُ ْدنِيَ عََلْيهِنّ مِ نْ جَلبِيِبهِنّ} [سورة الحزاب
{يَا َأّيهَا الّنبِيّ قُلْ لَ ْزوَاجِ َ
]33/59
حفَظْ نَ ُفرُو َجهُنّ وَل يُبْدِي نَ زِيَنَتهُنّ إِلّ مَا َظهَ َر ِمنْهَا
{وَقُلْ لِ ْل ُم ْؤ ِمنَا تِ َي ْغضُضْ َن مِ نْ َأبْ صَا ِرهِ ّن َويَ ْ
خمُ ِرهِنّ عَلَى ُجيُوِبهِنّ ( )1وَل يُبْدِينَـ زِينََتهُنّ إِلّ ِلُبعُوَلتِهِنّ َأوْ آبَاِئهِنّ} [سـورة النـــور
وَْلَيضْ ِربْنَـ بِ ُ
() المار كما هو معلوم من اللغة هو غطاء الرأس ,واليب ف اللغة هو فتحة الصدر .فالسلمة بنص الية تغطيي رأسها بالمار ,وتغطي صدرها كذلك ,أمرا من عند ال ,ل من
1
]24/31
ولكن الهاجي ف الولة الول خلطوا الابل بالنابل عن عمدا وجعلوا القضايا كلها تقاليد عتيقة
باليه عفي عليها الزمن ول يعد يستساغ وجودها ف عصر الرية والنور!
أما ف الولة الثانية (وسيات الديث عنها) فقد أصبح الدين ذاته هو الرجعية الت ينبغي أن ننبذها
لنكون(تقدميي)!
m m m
قلنا إن الصحافة سواء اللبنانية السيحية الارونية أو الصرية الصميمه الت يشرف عليها من يملون
أ ساء إ سلمية ( -)1قد تاب عت " قض ية الرأة " باهتمام ملحوظ ،وحر صت علي تغذ ية العر كة بالوقود
الدائم الذى ل يفتر ،كما حرصت علي متابعة الفتاه الامعية وهي تشق طريقها " الصاعد " الذي تدوس
فيه كل القدسات لكي تصل إل النور
وكان من ب ي ما حر صت عل يه تلك ال صحافة والجلت ال سبوعية ب صفة خا صة إبراز " الروح
الامعية"
و ل يتبادر إل ذ هن أ حد أن الق صود بالروح الامع ية هو روح الب حث العل مي والتع مق ف أ خذ
المور وعدم الت سرع ف إ صدار الحكام ح ت يث بت البا حث من أن لد يه من الدلئل ما ي سند ال كم
الذي وصل إليه إل أخر هذه العان الت تطر علي البال حي تذكر " الامعة " وتذكر الروح الامعية
والت كان نصيب الامعي منها ف غالبية الحيان ضئيل للغاية!
إنا " الروح الامعية " أعلم هداك ال هي مارسة الختلط ف الامعة بي البني والبنات ومقدار ما
ي قع ف هذه المار سة من ترر وإنطلق وانعتاق من سجن التقال يد البال ية ال ت تف صل ش قي الجت مع
بعضهما عن بعض ،وتضع بينهما الواجز الت تعيق المة كلها عن التقدم والرتقاء!!..
وحذار أيت ها الفتاة أن تز مي ف العر كة! ف غض الب صر معناه عدم الث قة بالن فس ،و هو من ملفات
القرون الوسطي الظلمة الت كانت تنظر إل الرأة علي أنا دون الرجل ..فتغض بصرها ( )2أما أنت يا
() كان هناك "مسملون" ل يربطهم بالسلم شئ ,وكان هناك متمسلمون مثل "روز اليوسف" وهي يهودية أو مسيحية ست نفسها "فاطمة اليوسف".
1
() غض البصر كما هو معلوم من أمر هذا الدين ,هو أمر ربان للرجال والنساء معا:
2
ح َف ْظنَ ُفرُو َجهُنّ} [سورة النــور .]31-24/30فل دخل لا المر بالدوانية! إنا
ضنَ ِمنْ أَْبصَارِ ِهنّ َويَ ْ
ض ْ
ح َفظُوا ُفرُو َجهُمْ}{ َوُقلْ ِللْ ُم ْؤمِنَاتِ َيغْ ُ
{ُقلْ ِللْ ُمؤْمِِنيَ يَغُضّوا ِمنْ َأبْصَارِهِمْ َويَ ْ
هو الحتشام اللئق "بالنسان" لكيل يتحول إل حيوان شهوان .وقد كان من أكثر من أل علي الفتاة أن تلع حياءها ول تغض من بصصرها الكاتب الصليب سلمة موسي ,لغاية
ف نفسه مفهومة وواضحة ,بيتما تروي كتب السية عن قمة البشرية ممد eأنه كان أشد حياء من العذراء.
حاملة الراية فارفعي رأسك عاليا ،لتثبت أنك مساوية للرحل ف كل شئ وإنك ند له ف كل شئ.
شيئان ينبغي أن " ترر" منهما الفتاة الامعية..غض البصر ...والياء!
m m m
ض ْعنَ بِاْل َق ْولِ فََيطْ َمعَ الّذِي فِي َقلْبِهِ َمرَضٌ} [سورة الحزاب ]33/32
سُتنّ كَأَ َحدٍ ِمنْ النّسَاءِ ِإنْ اتّ َقيُْتنّ فَل تَخْ َ
() يقول ال سبحانه وتعال ماطبا "أمهات الؤمني"{ :يَا نِسَاءَ النّبِيّ لَ ْ 1
وهن زوجات الرسول .eوأمهات الؤؤمني ,وف عصر الذروة الذي ارتفع فيه الجتمع السلمي إل ققم ل تصل إليها البشرية ف أي جيل من أجيالا السابقة أو اللحقة ,فييف
بفتاة ل تعرف عن السلم إل اسه ,ومتمع شارد عن السلم؟ هل كان لذه التوجيهات السمومة إل نتيجة واحدة :أن ينحل الجتمع ,ويقضي علي ما بقي فيه من دين وأخلق
وتقاليد؟.
الوراء!
إنا تتعلم الفتاة الامعية لتعمل ل لتبقي ف البيت كما كانت تصنع جدتا الاهلة التأخرة الرجعية
القابعة ف سجن التقاليد الستعبدة للرجل
وحي تعمل تنمي شخصيتها تصبح إنسانة ناضجة!
أما حي تبقي ف البيت فلي شئ تبقي؟! لتطبخ وتغسل ..يا للعار!! أو تمل وتلد وترضع إن هذا
المر حت لو حدث ل ينغي أن ينعها من العمل فالرأة الديثة قد تغلبت علي هذه الشكلة ونسقت بي
حياتا الزوجية وبي العمل فلم يعد شئ يعوقها عن العمل بعد الزواج أم قبل الزواج فالعمل ول شئ غي
العمل!
ولسنا هنا نناقش هذه اللوثة ول الثار الت ترتبت علي ترجيل الرأة ف أوربا وإفساد فطرتا وتنفيها
من أن تكون علي فطرتا ال عليها ودفعها دفعا إل التنصل من كل ما يتعلق بأنوثتها من قيم ومارسات
(وتركيز النوثة كلها ف لظة النس الدنسة السعورة) ودفعها إل التشبه بالرجل وتعليمها علي مناهج
الرجل ،وتوجيه مشاعرها إل العمل ل إل البيت ...
ل ننا قش ه نا هذه اللو ثة ويكفي نا أن نش ي إل أن الرأة الورب ية نف سها قد بدأت تت عب من لوثت ها
()1
ونن إل العودة إل بيتها وفطرتا وبدأت تدرك أن اللعبة كلها ل تكن لصالها ..
إنا نتتبع فقط ف بلدنا خط إخراج المة السلمية وتركيز الخططي علي قضية الرأة لعلمهم أنا
من أفعل الوسائل ف الوصول إل الدف الطلوب.
m m m
() وهذا يفسر لنا حرص الفرق التمثثيلية ف ذلك الوقققت علي أن توب الريف ,مع قلة من يفهمون "الفن" إذ ذاك!.
1
تقاليده الصامدة ،فيأخذ ف "الذوبان" .فتنفرج المور (.)1
نيب الريان مثل فكاهي موهوب ،وصاحب "مدرسة" ف التمثيلي كما يقول نقاد السرح .ولكنه
صليب ل ينسى صليبيته ،وإن غلفها "بالفن" .بل هي عن طريق "الفن" تبلغ مداها البيث دون أن يس
الناس بال مر ،لن م مشدودون إل الباعة الفنية الؤثرة ،فيتلقون التأثي الفي وهم ف نشوة العجاب.
فينساقون وراء التأثي.
له فيلم سينمائي ( )2يسخر فيه من مدرس اللغة العربية ومن اللغة العربية سخرية ماكرة – مقصودة
بل شك – في صور مدرس الل غة العرب ية بائ سا م سكينا تب عث كل مواق فه على ال سخرية به ،ول يث ي
الحترام عند أحد ،ويعل فتاة مائعة تاول أن تقرأ نصا عربيا ف درس الطالعة فتخطئ أخطاء مضحكة
– يضحك لا المهور الغافل – ولكنها تقدم ف سياق الحداث بالصورة الت توحي للمشاهد أن البت
معذورة .فاللغة هكذا .صعبة على الفهام! ل يكن للمتعلم أن يستوعبها مهما بذل العلم من الهد!
جورجى زيدان هو أحد مؤسسي دار اللل (والخر هو أخوه إميل زيدان) وها – كما أسلفنا –
من اللبنانيي السيحيي الارونيي الذي اتهوا إل تأسيس الصحافة ف مصر .ولكن جورجى زيدان يزيد
– على كو نه صحفيا – أ نه يك تب ق صصا وروايات "إ سلمية!" تتناول أحداث التار يخ ال سلمي ف
ثوب ف ن .و قد تناول ف روايا ته عدة أحداث تاري ية ،وله قدر من البا عة الفن ية – بالن سبة لوق ته على
القل – تعل القارئ يتابع رواياته ف شغف وتأثر.
فكيف تناول أحداث التاريخ السلمي؟!
إنه ما من مرة ين سى فيصور ال سلمي ف مو قف "إ سلمي" يب عث عن العجاب ب م ،أو تقدير هم
واحترامهم ،فضلً عن أن يبعث ف السلم العتزاز بأماد السلم.
إنم – أى السلمون – إما غارقون ف الطرب واللهو ،والري وراء شهواتم ،سواء شهوة النس أو
شهوة اللك أو شهوة الال .وإما واقفون مواقف جادة تثي العجاب ،لن واحدا من "أهل الكتاب" –
سواء كان يهوديا أو نصرانيا – هو الذي يشي عليهم ويطط لم ،ويقف وراءهم يساندهم ف التنفيذ!
فإن ل يكن ذلك الواحد من أهل الكتاب حاضرا ف الصورة ،فالسلمون ف لوهم وعبثهم ،وخلفاتم
() ل نعجب إذا وجدنا الكاتب اليهودي المريكي "مرو برجر" ف كتابه "العال العرب اليوم" الذي صدر سنة 1962ينص نصا علي أن الدينة ينبغي أن تصب خلصة "تربتها
1
الضارية" ف الريف والبادية ,بعد أن يقرر -بوضوح -أن السلم قد ضعف تأثيه ف الدينة ولكنه مازال باقيا علي قوته ف الريف والبادية!! ول نعجب كذلك من حرص جال
عبد الناصر علي توصيل الكهرباء إل الريف الصري -وإل الصعيد خاصة -عن طريق توليد الطاقة من السد العال ,ليشاهد الريفيون التليفزيون! وحرصه كذلك -من حربه مع
() ل يذكر ببطبيعة الال موقف السلم ف هذه القضية ,لنه ليس الققصود هو التصحيح باسم السلم ,إنا باسم التقدم والتحرر والروج علي السلم! فضلً عن أن السلم لن
2
يرضي عن العلقة القائمة بي الولد والبنت قبل الزواج ,وهذه العلقة بالذات هي موضوع "الدعوة" ف القصة والسرحية والفيلم!.
() ربا ل تعد هذه الوضوعات تطرق ف مصر اليوم فقد استنفدت أغراضها ,ولكنها ما تزال تستخدم ف بقاع أخري من العال السلمي ,حيث توجد بقية من التقاليد يراد القضاء
3
عليها!.
ول تكن "قضية الرأة" وحدها ،وما نتج عنها من الفساد اللقي ،هي الت استخدمت ف ك ارتباط
الجتمع بذوره السلمية ،فقد كان الهد البذول شاملً لميع اليادين بل استثناء ،وإن كانت "قضية
الرأة" والفساد اللقة الناشئ من "التحرر" ،من أفعل الوسائل ف فك ذلك الرتباط.
ولنُ شر ه نا إل مال ي رئي سيي فع مل فيه ما الغزو الفكري بنشاط وا فر ،ه ا مال الف كر والداب،
ومال السياسة.
m m m
() راجع ما ذكرناه عن فيلم نيب الريان ,وما ذكرناه من قبل عن مطط دنلوب ضد اللغة العربية.
1
() فقدت نظرية التطور الداروينية اليوم كثيا من مقوماتا ,وأنكرها كثي من العلماء الحدثي.
2
() انظر -إن شئت -فصل "دور اليهود ف إفساد أوربا" من كتاب "مذاهب فكرية معاصرة".
3
() يقول طه حسي ف كتاب "مستقبل الثقافة ف مصر" الذي سبقت الشارة إليه :فعلينا إذن أن نأأخذ الضارة الغربية بيها وشرها ,إن كان فيها شر (!) ل مالة من ذلك!.
4
والسلم يظلم الرأة ،ويعلها قعيدة البيت ،مستعبدة للرجل ،مهدرة النسانية مهضومة القوق!
والسلم نظام ديقراطي! ليس فيه تقرير لقوق النسان!
والسلم ليس له نظام حكم ( !)1إنا هو مموعة من التوجيهات الخلقية ليس غي!
السلم نظام رجعى لنه يرم الربا ن والربا هو العمود الذي يدور عليه القتصاد الصناعي التطور،
ول يدور علي غيه
()2
والسلم ة والسلم ..والسلم....
m m m
() يقصد توينب بالدول البولييتارية الدول الواقعة تت سيطرة الغرب ,أو ما يسمي ف مصطلح هذه اليام بدول العال الثالث.
1
() راجع فصل "خط النراف" عند الديث عن الدولة العثمانية.
2
وعبد الميد بصفة خاصة ..الذي كانت جريته الكبى – ف حس أعدائه – رفضه بإصرار إقامة
و طن قومى لليهود ف فل سطي .فهذا ينبغي أن تكون صورته أ سود من ال سواد! ليكون عبة ل كل من
يقف ف وجه أطماع الصليبية العالية واليهودية العالية.
وكان أشد ما وضع لفتنة السلمي ،وسلخهم من السلم ،تصوير وضعهم التاريي ف أواخر الدولة
العثمانيـة بأنمـ كانوا بيـ خياريـن اثنيـ ل ثالث لمـا :إمـا البقاء فـ ظـل الدولة السـلمية والكـم
السلمي ،ومعه التأخر والنطاط والمود ف كل ميادين الياة ،ومعه الظلم والستبداد والتسلط؛ وإنا
إزالة الدولة السلمية والكم السلمي ،والنفتاح على التقدم والضارة والرقي ف كل ميادين الياة،
بعد التحرر من الظلم والتسلط والستبداد! (.)1
وح جب عن ال سلمي ف هذه ال صورة البد يل الثالث الم كن و هو قيام حر كة إ سلمية صحيحة،
تصلح مفاسد الكم العثمان ولكن تبقي علي الدولة السلمية والكم السلمي سواء ف تركيا أو ف
أي مكان من لعال السلمي ،وتصلح انرافات الجتمع السلمي وترده إل حقيقة السلم.
فهذا البد يل بالذات هو ما يكر هه أعداء ال سلم ،وا شد ما يتخوفون م نه ،فل ينب غى أن يظ هر ف
الصورة على الطلق ،ويبقى اليار بي البديلي السابقي ،ذلك اليار الذي يؤدى – ف النهاية – إل
النسلخ من السلم!
m m m
كذلك استخدم طريق ثالث ف مال الفكر والدب لصرف السلمي عن السلم.
إن "الدباء" و"الفكرين" الذين تعلموا اللغات الجنبية قد وقعوا ول شك على ثروة أدبية وفكرية ف
اللغات التـ تعلموهـا ،كانـت جديدة بالنسـبة إليهـم ،وكان فيهـا أشياء كثية تسـتحق الطلع عليهـا
والستفادة منها؛ وكانت بالنسبة للخواء الفكري الذي يعيشه السلمون تبدو ثروة ل تقدر بثمن ،وزادا
دسا يصلح لقامة الياة.
وحدث انبهار ضخم عند هؤلء "الدباء" و"الفكرين" بالفكر الوروب والثقافة الوروبية.
ول سنا نقول إن الف كر الغر ب والثقا فة الغرب ية كا نا شيئا غثا ل ي ستحق الطلع عل يه .بل نقول –
على العكس – إن فيهما أشياء كثية تستحق الطلع .ولكنا نشي إل نقطتي هامتي ف الوضوع.
() حي أزيلت الدولة العثمانية وقع السلمون ف قبضة أعدائهم ,يذبونم ويقتلونم وينتهكون حرماتم {ل َيرْقُبُونَ فِي ُم ْؤ ِمنٍ ِإلّ وَل ذِمّةً} [سورة التوبة ]9/10كما قرر سبحانه 1
وتعال ف مكم تنيله ,وكان هذا هو "التحرر" من التسلط والستبداد الذي نالوه من أيدي أعدائهم الذين أغروهم بالنسلخ من دولة اللفة والنسلخ من السلم ,ث جاء بعد
ذلك عهد "الستقلل" الذي حكم ف العال السلمي عملء الصليبية والصهيونية فأوقعوا بالسلمي أبشع أنواع الدكتاتورية ف التاريخ ,وأبشع مذابح التاريخ!! وما زال عبيد الغرب
يتحدثون عن "الستعمار التركي" ومفاسده ,بينما كانت مفاسد الكم التركي ل تقاس إل جانب وحشية حاكمهم ف عهود "الستقلل".
الول :أن قاعدة هذا الفكر منحرفة ،لن الظروف الت أحاطت بأوروبا ونفرتا من الدين ،جعلت
هذا النفور يتغل غل ف الف كر الورو ب كله ،ويش مل ج يع ميادي نه ،سواء كان أدبا صرفا ،أو درا سة
"علمية" أو سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية..ال .وأن الشرود عن ال ،ومعاندة كل ما يأت من عند
ال ،قد ترك ب صماته على هذا الف كر ،و من ث ج نح عن الرؤ ية ال صحيحة لقائق الوجود الرئي سية،
وأو جد صورة – أو صورا – لذا الوجود لي ست هي صورته القيق ية ،ما دا مت ت صوره منقطعا عن
خال قه ،قائما بغ ي تدب ي خال قه له ،وعلى غ ي ال سنن ال ت رتب ها خال قه له .وح ي ل يرى الن سان تلك
ـ تفوتـه "قطاعات" كاملة مـن هذاالقيقـة العظمـى تفوتـه الرؤيـة الصـحيحة الشاملة للوجود كله ،كم ا
الوجود ،ل تدخل ف "الرؤية" البشرية حي تنقطع عن الوحى الربان .وينعكس هذا كله على الوجدان
الن سان ،وغا ية هذا الوجود ،والن هج الذي يت بع لتحق يق تلك الغا ية ب عد تديد ها .فيكون ذلك كله
"هوى" لدلً من أن يكون "حقائق" ،ويكون تارب عشوائية ل تستند إل يقي.
ض َومَنْ فِيهِنّ} [سورة الؤمنون ]23/71
{وََلوْ اّتبَ َع الْحَقّ َأ ْهوَاءَهُمْ َلفَسَدَتْ السّ َموَاتُ وَالَ ْر ُ
ك ظَ ّن الّذِينَ َكفَرُوا} [سورة ص ]38/27
{ َومَا خََل ْقنَا السّمَا َء وَالَ ْرضَ َومَا َبْينَهُمَا بَا ِطلً ذَلِ َ
والثانية :أن ف هذا الفكر مزايا إيابية ل شك فيها .منها اتاذ "النهج العلمي" ف البحث ،والصب
واللد على الب حث ،وعبقر ية التنظ يم ،واتاذ التجر بة أ ساسا للب حث ،م ا أدى – بالذات – إل تقدم
هائل ف مياد ين العلوم البح تة ،وميدان التكنولوج يا الديثـة .ول كن القائق الزئيـة – الكثية – ال ت
اهتدى إليها هذا الفكر – ف جيع التاهات – ل تنفي انراف القاعدة الساسية الت تقوم عليها تلك
القائق الزئ ية ،ك ما أن انراف القاعدة ي عل الفائدة النهائ ية من هذه القائق الزئ ية مدودة ،بين ما
كانـت تكون هـي ذاتاـ أبلغ وأعمـق وأجلـ ،لو كانـت قائمـة على قاعدتاـ الصـحيحة ،حيـث تظهـر
الرتباطات القيقيـة اليـة بيـ الزئيات ،حيـ ترى آثار الصـنعة الربانيـة الشاملة الواحدة الوحدة فـ
جنبات الكون كله.
ولكن الرؤية الكاشفة لذا الكفر ،الت تيز بي مزاياه وعيوبه ،والت تستفيد من جرئياته الصحيحة،
وتدرك ف ذاك الوقت انراف قاعدته فل تتأثر با بل تنبذها وتنكرها.
هذه الرؤية ل تتوافر إل لصاحب الرؤية السلمية الصحيحة ،ذات القاعدة الشاملة السليمة الستمدة
من كتاب ال و سنة ر سوله ،وال ت ت د صاحبها بالب صية ال ت ي ضع في ها ذلك الف كر مو ضع التمح يص
والنقد ،فيعلم ماذا يأخذ وماذا يدع.
وكان هذا كله غائبا ب سبب الواء الذي يعي شه ال سلمون ،النا شئ من التخلف العقدي ،و من جود
الف كر ال سلمي على ما كان عل يه ق بل قرون ،وعدم مواكب ته ل ا جد ف حياة الناس من أمور ،وتول
السلم كله ف حس السلمي إل تقاليد خاوية من الروح ،وساء ف يدان العمل أو ف مال التفكي.
ول كن النبهار الذي أ صاب أولئك "الدباء" و"الفكر ين" ،النا شئ من عدم ات صال روح هم بروح
السلم ،وعجزهم عن الغوص والتعمق ف حقائق السلم ببصية السلم الوصول القلب بال ،وبالكون
الذي خلقه ال ،وبقائق الوجود وحقائق الياة .ذلك النبهار كان يكن أن يظل "مسألة شخصية" عند
هؤلء الدباء والفكر ين ،يظلون يعانون ا ح ت يف تح ال علي هم بالرؤ ية ال صحيحة ،ال ت تتولد ف القلب
التفتح حي يارس السلم بكيانه كله ،فيفتح السلم له كنوزه – على قدر موهبته – ويفتح بصيته
بقدر ما يصدق ف عيادة ال.
ولكن الذي نشر ذلك النبهار على نطاق المة كلها ،كان هو تلك الجهزة التربصة للتقاط أولئك
الدباء والفكرين ،وتكبيهم ،والدعاية لم ،ونشر أفكارهم على أوسع نطاق مكن .وقامت الصحافة
بالنصيب الوف ف ذلك الجال .فوصلتهم ،ل للمكانة الت كانوا يستحقونا بواهبهم فحسب ،بل زيادة
عليها عدة أضعاف! وجعلت لم دويا يترق الذان ويستقر ف الذهان!
وف غياب الفكر السلمي القيقي ،الي التجدد ،الستمد من النابع الصافية ،الشامل لكل مالت
الياة .أولئك الدباء والفكرون "العلمانيون" هـم قادة الفكـر ،وعمداء الدب ،وأسـاتذة اليـل .فجروا
المة كلها وراءهم إل الفكر الغرب ،على أنه "مهبط الوحي" وزاد الياة! وذلك حي خرجت أجيال
من التعلمي تتلقف فكرهم وأدبم ف لفة وشغف ،وتتحلق حولم ،وتتعصب لم ،وتصوغ فكرها من
فكرهم ،واتاهاتا من اتاهاتم ..وقد كانت اتاهاتم كلها بعيدة عن السلم ،بل منسلخة تاما من
الد ين ،إن ل ت كن ساخرة م ستخفة م ستهزئة! متجهة إل الغرب وأفكاره وأدبائه وفلسفته ،وأ صبحت
أساء الدباء والشعراء الوربيي من أمثال شكسبي ووردزورث وبايرون وغيهم (للمدرسة النليزية)
وأناتول فرا نس وفيكتور هو جو وأندر يه ج يد وغي هم (للمدر سة الفرن سية) ( )1هي البد يل من امرئ
القيس وعلقمة والتنب والبحترى ..البديل الذي يعطى صاحبه علوا ف الرض ،وانتفاشا ف القوم ،لنه
"مث قف" ،ولو كان كل عل مه بأولئك الدباء والشعراء – ك ما قل نا من ق بل – هو مرد ذ كر أ سائهم!
وأصبحت :قال فلن أو فلن من مفكري الغرب هي البديل عن "قال ال وقال الرسول" .بل أصبحت
"قال ال وقال الرسول" هي عنوان الرجعية والمود والتأخر .من ناحيتي اثنتي على اٌل :من ناحية أنا
مكتوبة باللغة العربية ،ومن ناحية أنا "دين"!
() كان ف مصر مدرستان ثقافيتان متميزتان :الدرسة النليزية وعلي رأسها عبد الرحن شكري وتلميذاه ,الازان والعقاد ,والدررسة الفرنسية وعلي رأسها طه حسي.
1
m m m
لقد ابتليت مصر ف تاريها الديث بثلثة "صالونات" كان لا تأثي ملحوظ ف خط سي الحداث:
صالون مى زيادة (مارى زيادة) الدي بة الشاعرة اللبنان ية ال سيحية ،و صالون هدى شعراوى ،و صالون
نازل فاضل.
و"الصالون" مكان يستقبل فيه الناس من "عشاق" لون معي من ألوان الفن أو الفكر أو الثقافة ..ال.
فيقضون فيه وقتا للتعارف والتدارس و"التذوق" والتأثر والتأثي .فيكون بثابة منتدى لم ،ولكنه منتدى
خاص ،ل يفتح لعامة الناس ،إل من أذن له صاحب الصالون ورضى عنه .وله تقاليده الاصة الت ينبغي
أن تراعى .فهو أولً وآخرا "بيت" ملوك لصاحبه ،وصاحبه هو صاحب التصرف فيه.
ول كن ال صالونات الثل ثة الشار إلي ها كا نت تتم يز بأن أ صحابا ن ساء! ون ساء ي ستقبلن الرجال بل
مارم! على غي مثال مسبوق ف الياة السلمية ( ،)1ويبقى الرجال ساعات متطاولة ف "ضيافة" صاحبة
الصالون ،ل يهم أن يكون فردا أو جاعة من الرجال ف وقت واحد.
فأما مى الديبة الشاعرة فقد فتنت أدباء مصر جيعا ف وقت من الوقات ،بظرفها – كما قالوا –
()2
ولطف حديثها ،حسن استقبالا للرجال ،وثقافتها ،ولباقتها ،وة.
وأ ما هدى شعراوى ف قد ا ستقطبت من ا ستقطبت من ال صحفيي والشعراء والكتاب الدافع ي عن
"قضية الرأة".
وأما نازل فاضل فقد كان صالونا أخطر الثلثة.
كانـت نازل فاضـل أمية "متحررة" مـن أميات أسـرة ممـد على ،تعلمـت على الطريقـة الغربيـة،
وتلقـت بأخلق الغرب ،وجعلت مـن بيتهـا صـالونا على النحـو الذي ذكرناه ،تسـتقبل فيـه الرجال
وتتجاذب معهم أطراف الديث.
ولكن أي رجال ..وأي أحاديث؟!
لقد كان أكب زبائنها هو اللورد كرومر نفسه!
وناهيك بصالون يكون ضيف الشرف الدائم فيه هو العتمد البيطان ..الاكم الطلق ف البلد!
ث كان من رواده الذ ين يكثرون التردد عل يه :لط في ال سيد ،و سعد زغلول ،وقا سم أم ي ،وم مد
عبده ،ومصطفي فهمى والد صفية ،الت سيت بعد زواجها من سعد زغلول :صفية زغلول! نسبة إل
زوجها ،على طريقة الغرب ف إلاق الزوجة بلقب الزوج!
فأما ممد عبده فقد كتب ف مذكراته الت نشرتا دار اللل بعنوان "مذكرات ممد عبده" :إنه تأثر
تأثرا عميقا بلطف السيدة ..وإن عمق تأثره با قد غري نظرته إل الرأة تغيا كاملً!
وممد عبده -كما هو مشهور – هو كاتب مقدمة كتاب قاسم أمي السمى "تر ير الرأة"! وقد
قيل ف يوم من اليام إنه كاتب الكتاب كله ،أو الوحى بأفكاره لقاسم أمي .ولكن حسبنا منه كتابة
القدمة ،لنتعرف على نوع "التأثر" الذي تأثره ممد عبده من لطف "نازل هان" صاحبة الصالون!
أما قاسم أمي فهي غن عن الشارة.
وأما سعد زغلول فله قصة لبد من ذكرها ،لنا تثل تولً من أخطر التحولت ف الياة الصرية
() يزعم بعضهم أن سكينة بنت السي رضي ال عنها -وهي أديبة وشاعرة كانت تستقبل الرجال ف بيتها يتلقون الدب والعلم علي يديها .وأيا تكن صحة ذلك فقد كانت
1
سكينة مجببة ,تاطب الرجال من وراء حجاب ,وترعي حرمات دينها وربا .أما هؤلء فقد كن سافرات ,ل يرعي ف صالوناتم شرعا ول حرمة.
() انظر دواوين العقاد الربعة الول ,و"أوراق الورد" و "رسائل الحزان" للرافعي.
2
الديثة (.)1
كان سعد موهوبا موهبة "الزعامة" بالنسبة للمة الصرية ف ذلك الي ..أعن موهبة الطابة!
فقـد كانـت الماهيـ فـ ذلك الوقـت تتحلق مبهورة النفاس حول "الطيـب" ،كمـا تتحلق حول
الساحر الذي يصنع العاجيب .وكان هذا أمرا منطقيا مع الحوال يومئذ ،ل بالنسبة لصر وحدها ،بل
بالنسبة لكثر البلد العربية والسلمية ،إن ل نقل لكثي من بلد العال كذلك.
ل قد كا نت ن سبة التعل يم أ قل م ا هي اليوم بكث ي ف أك ثر أ صقاع الرض .و من ث ل ت كن الكل مة
الكتو بة تدث أثر ها الذي تد ثه اليوم ع ند التعلم ي القارئ ي ،الذ ين تعودوا أن يقرأوا ،وأن يتأثروا ب ا
قرأوا ،على روية وتدبر بغي انفعال.
ول تكن الذاعة قد أنشئت بعد ،حيث يكن للناس أن يستمعوا وهم متفرقون ف بيوتم أو نواديهم.
ومن ث كانت الوسيلة هي الطابة.
يقف الطيب ف مكان الجتماع ،فتتحلق حوله الماهي ..وعلى قدر موهبته الطابية يكون تأثيه
ف الماهي ،ويكون ف الوقت ذاته ترشيحه "للزعامة"!
وبطبيعة الال ل تكون القدرة الطابية وحدها هي كل مقومات الزعامة ،فلبد من صفات أخرى
يتصف با الزعيم ،ولبد من "مواقف" يقفها ليبز بي الماهي وتلف حوله .ولكن الطابة – يومئذ –
كانت ف مقدمة الؤهلت.
وقد كان سعد موهوبا ف الطابة بصورة غي عادية.
كان يشتغل ف مبدأ أمره بالحاماة ،وكان إذا ترافع ف قضية تغص قاعة الحكمة بالاضرين ،الذين
جاءوا فقط ليسمعوا مرافعتهن أو بالحرى جاءوا ليسمعوا وهو يترافع! بينما القضية ذاتا الت يترافع فيها
ل تمهم من قريب ول من بعيد!
ومن هناك التقطه الصالون.
التقطه ليصوغه صياغة معينة ،تؤدى دورها الطي ف مسار الحداث.
هناك التقى بكرومر ،ولطفي السيد ،ومصطفي فهمى (والد صفية زغلول) وغيهم من يعملون على
"التقريب" بي الصريي والنليز ،عن طريق "التغريب".
وبعد مرحلة معينة من "الصياغة" و"التشكيل" عي كرومر سعدا وزيرا للمعارف.
ويقول كرومـر عـن هذا التعييـ (فـ تقريره لسـنة ،1906القدم للبلان النليزي فـ أبريـل سـنة
() كل من الثلثة :ممد عبده ,وقاسم أمي ,وسعد زغغلول يثل ف القيقة تول تطيا ف حياة المة ,ولكن ربا كان سعد أشدهم أثرروا وأكثرهم خطورة.
1
)1( )1907بعد كلم طويل عن "الوطنية الصرية" وصف ف ختامه الدرسة الفكرية الت ينتمي إليها
سعد زغلول ،والت ساها على سبيل الختصار (مدرسة ممد عبده) بأن برنامها بقوم على (التعاون مع
الوروبي ي – ل معارضت هم – ف إدخال الدن ية الوروب ية إل بلد هم) ون صح بأن ينحوا كل تشج يع
م كن .يقول كرو مر ب عد ذلك :إن اختيار سعد زغلول لن صب وز ير العارف ل يس إل تنفيذا ل سياسة
تر مى إل تأي يد هذه الدر سة ،وو ضع مقال يد ال سلطة ف يد ها .ث يقول ع قب ذلك ما ن صه" :و سوف
نرا قب ما تتم خض ع نه هذه التجر بة من آثار ف عنا ية وانتباه .فإذا ن حت التجر بة ،وذلك ما آمله
وأعتقده ،ف سوف ن نح قدرا أ كب من التشج يع لل سي ف التاه نف سه إل مدى أب عد .أ ما إذا فشلت
التجربة فستكون النتيجة التمية لذلك هي العتماد ف شئون الصلح على الوروبيي – وعلى النليز
خا صة – إل مدى أ كب م ا جرى عل يه الع مل سابقا .وأيا ما كا نت الال ،فلن يكون هناك سبيل إل
التراجع .إن العمل يسي بد ونشاط ف إدخال الدنية الغربية إل مصر .وهو يأخذ طريقه بتقدم وناح
ف كل إدارة من إدارات البلد ،حسب خطة مرسومة وضعت خطوطها بعد دراسة للموقف ،تقوم على
التطور والتدرج ،ل على النقلب العنيف والتغيي الفاجئ (.)3( ")2
ويقول الدافعون عن سعد زغلول :إنه يكفيه فخرا و"وطنية" أنه جعل التعليم باللغة العربية بعد أن
كان كله باللغة النليزية,،أنه أصر على هذا الطلب حت استجاب له النليز.
ولسنا نقول إن سعدا كان صفرا.
ولسنا نقول إنه كان ألعوبة ف يد الستعمار ،يؤمر فيطيع ،كما كان "زيور باشا" مثلً ،أو غيه من
الذين كانوا ل يعرفون إل تنفيذ الوامر الصادرة إليهم.
إناـ نقول إن هناك اطمئنانا مبدئيا لدى السـتعمار الصـليب أنـه سـيقوم بعمليـة التغريـب ،وعمليـة
التقريب .وهو هدف رئيسي ،يهون أمامه أن يستجيبوا له ف تعريب التعليم ،ما دام التعليم ذاته سيظل
على ذات النهج الذي وض عه دنلوب ،وأشرف على تنفيذه ب كل دقة ،بينما "الرياسة" ف الوزارة لسعد
زغلول!
لقد كان العروف لدى الناس عموما أن دنلوب هو الوزير القيقي ف الوزارة ،وبصرف النظر عن
فكرة الناس فهذه هي الوقائع :لقد صار التعليم باللغة العربية نعم – وذلك أمر فيه من الي ما فيه –
() عرب التعليم ف الشمال الفريقي بعد نضال كبي بعد خروج الفرنسيي .ولكن مازال الفكر الغرب الذي دسه الستعمار الصليب يتاج إل جهد "إسلمي" إزالة آثاره.
1
هذه واحدة.
ث كان سعد هو "الوكيل النتخب" لجلس شورى القواني .بكم "شعبيته" الذائعة الصيت.
وينبغي أن نعرف أولً ما هو ملس شورى القواني.
إنه ف ظاهره "ملس نياب" لتعويد الشعب أن يكم نفسه بنفسه! وما كان النليز حريصي قط –
ف أي بلد احتلوه – على أن يردوا السلطة للشعب الذي اغتصبوا حريته,أخضعوه لم بالديد والنار!
إنا الدف القيقي من هذا الجلس هو إصدار "قواني" تكم البلد بدلً من الشريعة السلمية! وما
كان الستعمار الصليب – ف مصر خاصة – يرغب أن يستقل بسلطة إصدار القواني العارضة للشريعة
السلمية ،رغم ما له من سلطان ،كما صنع ف الند مثلً ،لن مصر بلد الزهر ،وبلد علماء الدين لعدة
قرون .ومن الي له – حسب أسلوبه الذي اتبعه ف مصر ،السلوب البطيء الكيد الفعول – أن تكون
هناك سلطة "شعبية" هي الت تعطى "الشريعة" لذه القواني ،فيكون "الشعب" هو الذي يصدر القواني
الخال فة للشري عة ،بعرف ته وبرغب ته! وتكون سياسة ال ستعمار هي التظا هر بالغ ضب وال ستياء من أن
الشعب يريد أن يفرض إرادته على الستعمرين! وف وسط "اللعبة" تر القواني الطلوبة كأنا "كسب"
للشعب جاء رغم إرادة الستعمار!
وكان للمجلس ويكلن ،أحده ا مع ي وال خر منت خب ،وكان الوك يل النت خب هو سعد زغلول.
فقد كان له ف ذلك الوقت من الشهرة الشعبية ما يعله ينتخب بسهولة ف ذلك الكان.
نعم ،كان هو "المثل الشعب" الذي يعب – بنصبه هذا – عن كون الشعب مثلً ف الجلس .ولكن
أى شعب كان يثله سعد ،وهو يصوغ القواني العارضة للشريعة السلمية وينحها الشرعية؟ هل هو
ش عب م صر ال سلم ،الذي ينب غي – بقت ضى إ سلمه – أن يت كم إل شري عة ال ،وير فض الحتكام إل
كل شريعة غي شريعة ال؟
وب صرف الن ظر عن حال الش عب يومئذ – من إقبال على ال سلم أو إدبار ،أو إهال لذه القض ية
بالكلية – فإن سعدا ليس فردا عاديا من الشعب .بل هو قائد وزعيم .والقيادة معناها توجيه المة إل
ما ينبغي أن تتجه إليه ،وإيقاظها له إن كانت غافلة عنه ،وتنيدها له بكل طاقتها حت تصل إل تقيقه.
و سعد – بثقاف ته – ل يس بعيدا عن مال الشري عة ،بل هي مال درا سته ف الز هر .فأ ين ذه بت
حساسيته للسلم ،حت صار موضع فخره أنه الوكيل النتخب للمجلس الذي يصوغ القواني الوضعية
لتحكم الناس بدلً من الشريعة السلمية؟ (.)1
() مذكر بذه الناسبة أن كرومر -ف رثائه الشهي للشيخ ممد عبده -أبدي أسفه العمقيق علي فقد ذلك "الصديق" ,وأشاد بالذات بفتاواه الت كانت العون الكب لجلس شوري
1
وهذه أخرى.
ولكن الثالثة هي الخطر.
قامت الثورة الصرية عام 1919م عقب انتهاء الرب العالية الول ببضع شهور.
وكانت هذه الثورة تعبيا عن غضب المة الختزن منذ عهد الحتلل.
وكان "الزين" الذي تفجر يوى أشياء كثية ،تمعت على مدى الزمن فأدت إل الشتعال.
كان فيهـا الغضـب الطـبيعي مـن العدو الغاصـب الذي يتـل البلد بعسـاكره ،ويهيـ – بوجوده –
كرامة البلد.
وكان في ها ال ستياء من فرض "الما ية الع سكرية" – فضلً عن ال ستعمار – م نذ قيام الرب سنة
،1914و قد كا نت فترة الما ية تتم يز بالز يد من الشرا سة ف معاملة الش عب الهدر الكرا مة ،ف قد
أنشئت الحاكـم العسـكرية ،وكانـت تكـم على الناس بالعدام لدنـ شبهـة ،ولجرد الرهاب ،كمـا
حدث ف "حادثة دنشواى" الشهية ،حيث ذهب مموعة من النود النليز يصطادون المام ف قرية
"دنشواى" فأصيب أحدهم بضربة شس فمات متأثرا با ،فحكمت الحكمة العسكرية النليزية بإعدام
ممو عة من الهال بته مة أن م هم الذ ين قتلوه! وكا نت هذه الاد ثة من الشياء الشديدة الثارة ال ت
تمعت – مع غيها – لحداث الثورة.
وكان فيها الستياء من سلب الفلحي دوابم الت يعتمدون عليها ف أرزاقهم ،مع سلبهم أقواتم
الضرورية من الغلل ،تت ذريعة أن السلطة العسكرية ف حاجة إليها لماية البلد! وقد كانت تذهب
ف حقيقت ها لتمو ين "ال يش العر ب!!" -الذي جند ته إنلترا لحار بة دولة الل فة بقيادة لورد ألل نب
،Lord Allenbyالذي قال وقـت أن دخـل القدس عام :1917الن انتهـت الرب الصـليبية!
والذي صرح قائلً :لول معاونة "اليش العرب" ما استطعنا أن نتغلب على دولة اللفة (.)1
وكان فيها استياء أهل القاهرة بالذات من أفاعيل جيش "النزاك" )2( ANZACالكون من خليط
مـن السـتراليي والنيوزيلندييـ ومندي جنوب أفريقيـا وكندا ،فقـد عاثوا فـ القاهرة فسـادا وارتكبوا
الفوا حش ،وكان الوا حد من هم إذا و جد مقاو مة ق تل الذ ين يقاومو نه بر صاص م سدسه .وكا نت هذه
القواني.
() سنعرض للثورة العربية "الكبي!" وللجيش العرب الذي قاتل دولة اللفة فيما بعد.
1
() ترمز هذه الروف إل الدول الت جاء منها أولئك النود ,علي طريقة اللغات الوربية ف أخذ حروف من كل اسم (هو عادة الرف الول) وجعها ف شكل كلمة إذا أمكن,
2
فهذه الدولة ف لغتها الصلية هي Africa,New Zeland, Australia, Canada :ومموع الروف الول يكون كلمة .Anzac
بالذات من أشد ما أثار الثورة ف نفس الصريي (.)1
ولكن اشد العوامل الت حفزت الصريي للثورة – إل جانب ذلك كله – كان عزل مصر رسيا عن
دولة اللقة منذ إعلن الماية ،وقطع صلتها با نائيا ،وجعلها تابعة لبيطانيا.
ومـا كانـت الصـلة بدولة اللفـة ذات واقـع عملي فـ مال السـياسة .فمنـذ عزل الديـو توفيـق،
وإخضاع م صر للحتلل البيطا ن ،ل ت عد م صر – عمليا – تاب عة لدولة الل فة و غن كا نت كذلك
بالسم .أما الصلة الروحية فقد بقيت ف نفوس الصريي ،وكانت هي الرباط "السلمي" الذي يربط
الصريي السلمي بدولة السلم.
وبصرف النظر عن كل السوء الذي كان واقعا ف الدولة العثمانية ذاتا ،وصارفا لا عما ينبغي لا من
الروح السلمية ( ،)2فقد كانت ف قلوب السلمي ف كل الرض "رمزا" مرتبطا ف قلوبم بالسلم.
ومثلً له ف عال العيان.
فل ما أعل نت إنلترا الما ية الع سكرية على م صر ب عد قيام الرب ،ف صلت م صر نائيا عن الدولة
العثمانية .فكان ذلك – كما قلنا – أمرا شديد الواقع على النفوس ،وكان له ف إحداث الثورة أثر بليغ.
باختصار ..كانت الصورة "إسلمية" ف جوهرها .يقوم ب ا الشعب ال سلم ف م صر تاه الغا صبي
الكفار .وكانت تنطلق من الزهر ،مهد السلم ،بالضبط كما انطلقت من قبل أيام نابليون.
ولكن تولً خطيا طرأ على الثورة ..مكان عماده سعد زغلول!
ولنعد إل "وثائق" الثورة نقرأ على ضوئها التاريخ!
نشرن صحيفة الهرام ف عام 1969م بعض وثائق التحف البيطان الاصة بثورة ،1919باعتبار
أنه قد مضى عليها خسون عاما ،على طريقة التحف البيطان ف نشر وثائقه التاريية بعد مرور خسي
عاما من حدوثها (.)3
وكان ف هذه الوثائق أمور عجيبة تستحق الوقوف عندها لتدبر دللتها.
كان سعد يسكن ف شارع الفلكي بالقاهرة حيث يقوم الن "بيت المة" .وكان يسكن قبله بقليل
ف نفس الشارع (تاه باب اللوق) ممد ممود (باشا) وهو أحد الشخصيات البارزة ف ذلك الوقت،
() من أجل ذلك حرص "اللفاء" ف الرب العالية الثانية علي استصحاب جيش من "البغايا" خاص بم ,وشددوا علي جنودهم أل يتعرضوا للنساء الصريات خوفا من تكرار رد
1
الفعل الذي حدث بعد الرب الول,ولكنهم ف جيع الحوال ل يستغنون عن الفاحشة ,لنم جنود جاهلية هجية!.
() كان حزب التاد والترقي يثي ف تركيا النعرة الطورانية ويدعو إل تتريك الدولة ,ما نتناوله فيما بعد.
2
() اختصر التحف البيطان لدة فيما بعد إل ثلثي سنة للوثائق العادية ,وأبقاا خسي للوثائق ذات الهية الاصة ,وبعضها ل ينشر أبدا مافظة علي الطط السرية!.
3
وإن ل ت كن له شعب ية م ثل سعد زغلول ،كان والده أ حد "باشوات" م صر (ممود با شا سليمان) من
إقطاعي الصعيد (بساحل سليم بأسيوط) واكن هو من تعلموا ف إنلترا ف جامعة اكسفورد ،يمل عصا
أرستقراطية على طريقة الرستقراطيي يومئذ.
تقول إحدى الوثائق إن ممد ممود كان عائدا إل بيته ،وبينما هو واقف إل جوار البيت مر سعد
زغلول عائدا إل بيته (ف نفس الشارع كما ذكرنا) فسد ممد ممود الطريق أمامه بعصاه ليستوقفه،
وقال ه :إن الشعـب يغلى .ولبـد أن نصـنع شيئا! فرد عليـه سـعد :وماذا نصـنع والمايـة معلنـة على
البلد؟!
وإل هنا نبز نقطتي مهمتي :الول أن الشعب هو الذي كان يغلى من جانبه ،ل بتحريض زعمائه!
أي أن الثورة منبع ثة انبعاثا ذاتيا من الش عب (لل سباب ال ت أورد نا جانبا من ها في ما سبق) .والثان ية أن
سعد زغلول ل يكن – إل تلك اللحظة – يفكر ف إمكان عمل شئ ما ،لنه يرى من وجهة نظره أن
الماية معلنة على البلد .ومعها الكم العسكري الصارم .ومن ث فل يكن عمل شئ!
تقول الوثي قة إن م مد ممود قال ل سعد :ول كن الش عب ف حالة فوران شد يد ،وإذا ل نف عل شيئا
فسيفوتنا القطار!!
وف اليوم التال شكل سعد "وفده" الثلثي الشهي ،الكون منه ومن عبد العزيز (باشا) فهمى ومن
ممد (باشا) شعراوى ،وذهبوا إل دار الندوب السامي البيطان لتقدي "مطالب المة".
وهنا وقفة أخرى أمام الحداث.
هـل كان الذي حرك سـعد زغلول هـو كلمـة ممـد ممود الخية" :إذا ل نفعـل شيئا فسـيفوتنا
القطار"؟!
هل هو الوف على الزعا مة والكا نة الشعب ية؟ هل هو الوف من أن ي سبقه غيه إل ع مل شئ
كمحمد ممود أو غيه؟
ل نوض كثيا ف هذا المر ..ولنحسن الظن ..ولنقل إن كلم ممد ممود قد شجع سعدا على
التحرك..فقرر العمل.
لكـن الذي نقـف عنده هـو الوثيقـة التـ تتحدث عـن لقاء "الوفـد" للسـي "ونيـت" Wingate
الندوب السامي البيطان ف ذلك الي.
تدث سـعد عـن تذ مر المـة ،وحالة الفوران التـ تغلى ف الصـدور ،وطالب بر فع المايـة وتغيـ
الحوال.
تقول الوثيقـة إن الندوب السـامي اسـتمع إل الوفـد – باسـتنكار طبعا – ثـ قال :كأنكـم تريدون
الستقلل!! فقال سعد :نعم! نريد الستقلل!
نقف هنا لنحاول إلقاء نظرة على فكر سعد زغلول ف تلك اللحظة .إن "الستقلل" ل يكن واردا
ف ذ هن سعد ،ول ف كل مه مع الندوب ال سامي .إن ا الذي كان واردا هو ر فع الما ية الع سكرية،
وتفيف قبضة ال ستعمار على البلد .ولكن الندوب ال سامي – بقدر من ال – هو الذي ن طق بكل مة
"الستقلل" ولعله كان يتصور أن "مندوب المة" – الت يعلم الراقبون أنا ف حالة فوران – ل يكون
مطلبهم أقل من الستقلل!
أيا كان المر ،فقد التقطها سعد ،وقال :نعم! نريد الستقلل!
وقال ون يت – ك ما هو متو قع – إن هذا مطلب ال ي كن أن يوا فق عل يه .وقال إ نه سيفع ال مر
للحكومة البيطانية.
واندلعت الثورة على إثر رفض الندوب السامي "لطالب المة".
وكانت ثورة عارمة ..اشترك فيها الشعب كله إل أقاصي الصعيد.
وكانت القاهرة – بطبيعة الال – هي مركز الثورة .فكانت الظاهرات ترج يوميا من الزهر ،بعد
أن ت ستمع إل الطباء الذ ين يشعلون حا سة الماه ي ضد ال ستعمر الغا صب ،فيتلقف ها جنود الحتلل
بالدافع الرشاشة ،فيسقط كل يوم قتلي ،فتزيد الثورة اشتعال مع الدماء السائلة والرصاص الصوب إل
الصدور
ونفـي سـعد و " صحبه الكرام " بتعـبي الصـحافة الصـرية الواليـة للثورة ،ب سبان أن نفـي الزعماء
سيقضى على الثورة ويكن النليز من السيطرة على الوقف.
ولكـن الثورة ازدادت حدة – كمـا كان متوقعا مـن ذلك الجراء فـ تلك الظروف – فسـحبت
بريطانيا مندوبا السامي من مصر وعينته ف وظيفة أخرى ،على طريقة النليز ف معاقبة من يفشل ف
خطته من كبار موظفيها!! وجاءت باللورد أللنب مندوبا ساميا ف مصر على أمل أن يقضى على الثورة
ويريح منها الكومة البيطانية.
كان ألل نب هو القائد "الظ فر" الذي تغلب على ج يش دولة الل فة .و هو ر جل ع سكري له هيب ته
"العساكر" فربا أدت هيبته بالصريي إل الوف من العواقب ،والكف عن القاومة ،وإناء الثورة.
تقول وثيقـة أخرى أن أللنـب مكـث شهرا كاملً يدرس الحوال فـ مصـر قبـل أن يقدم على قرار
(والثورة ماضية ف طريقها على ذات الصورة) ث أرسل تقريرا مطولً إل حكومته (منشور بكامله ف
الوثيقة) أبرز ما فيه جلتان ذواتا دللة عميقة وأهية بالغة:
"إن الثورة تنبع من الزهر ،وهذا أمر له خطورته البالغة"" ..أفرجوا عن سعد زغلول وأعيدوه إل
القاهرة!".
ل قد أدرك الر جل الداه ية – و ما كان ف حا جة أن يكون داه ية ل كي يدرك – أن الثورة تن بع من
الزهر – اى أنا ثورة دينية إسلمية – وأن هذا المر له خطورته البالغة!
إن أعداء هذا الدين يعلمون جيدا أن أخطر شئ عليهم هو روح "الهاد" ف هذا الدين .إنم أقوى
ع سكريا بل شك ،ويلكون كل و سائل الرهاب ف أيدي هم ،و قد ي ستطيعون إخاد الثورة ف النها ية،
ولكن ذلك يكلفهم الكثي الكثي ..ث هم غي مأمون العواقب ف جيع الحوال .فالهاد السلمي روح
ل تمد .إن سكنت حينا بالزية العسكرية فإنا ل توت ،ويكن أن تتجدد مرة أخرى ف أي حي.
والل القترح" :أفرجوا عن سعد زغلول وأعيدوه إل القاهرة!".
ونفترض أقصى ما يكن من حسن الظن ،فنقول إن لورد أللنب رأى أن السبب الذي أدى إل اتساع
نطاق الثورة واشتداد القاو مة هو ن في سعد زغلول ،وأن إرجاع سعد قم ي بأن يهدئ الوا طر الثائرة
وينهي الثورة.
ولكن سلوك سعد بعد عودته هو الذي يلجئنا إل قراءة العبارة الواردة ف آخر تقرير أللنب على نو
آ خر ،ي عل ل ا ارتباطا مباشرا بالعبارة الول الواردة ف أول التقر ير ،وال ت تش ي إل الطبي عة "الدين ية"
للثورة.
عاد سعد ليقول :الدين ل ..والوطن للجميع!
ومعن العبارة واضح.
الدين ل أي بينكم وب ي ال ..فل تذكروه ف هتافاتكم وف حركت كم ،واذكروا "الوطن" واجعلوه
موضع التركيز!
بعبارة أخرى :تويل الثورة من ثورة دينية إسلمية ،إل ثورة وطنية ل علقة لا بالدين.
ومن كان ف شك من دللة العبارة الت جعلها سعد سعارا للثورة فلينظر ف "الميع" الذين يعينهم
سعد ،ب عد قوله "الد ين ل" .إن الميع القصودين ف العبارة هم القباط والسلمون .وكان القباط قد
اشتركوا ف الثورة بعد قيامها لن الظروف القائمة كلها يومئذ كانت تؤدى إل اشتراكهم .فسد يريد
أن يقول – بل قال بالف عل – ل ترفعوا الشعارات ال سلمية على الثورة – من أ جل القباط الشترك ي
فيها – وارفعوا "الوطن" شعارا للثورة ،لن هذا الشعار هو الذي يتسع "للجميع" .أما الدين فهو ل ،أي
أمر خاص ،بي النسان وبي ال ،يسره النسان ول يعلنه! (.)1
كأن وجود القباط ف م صر ي نع ال سلمي أن يكونوا م سلمي! وينع هم من أن يعلنوا إ سلمهم!
وينعهم من أن يتحركوا بقتضى إسلمهم! وينعهم – حي ينطلقون من منطلقات إسلمية –أن يقولوا
إنم ينطلقون من منطلقات إسلمية!!
من قال هذا؟ وكيف تقرر؟! وعلى أي أساس تقرر؟!
إن القباط يعيشون ف مصر منذ أربعة عشر قرنا .منذ الفتح السلمي لصر .يعيشون ف سلم وأمن
ل تتمتع به أية أقلية ف أى مكان ف الرض إل ف ظل السلم .وقد كان السلم هو الذي أخرجهم
من الذل ال ساحق الذي كانوا يعانونه ف ظل الدولة الرومانية – السيحية! – ب سب اختلف الذهب؛
والسلم هو الذي رد إليهم كرامتهم الضائعة ،حت ذهب الرجل القبطي ألوف الميال ليشكو إل عمر
ضربة عصا ظالة وقعت على ابنه من ابن عمرو بن العاص ،بينما كانوا يتلقون السياط أيام الرومان وهم
صاغرون .وبشأن م أبرز ع مر هذا البدأ ال سلمي العظ يم :يا عمرو! م ت ا ستعبدت الناس و قد ولدت م
أمهاتم أحرارا!
وعاش القباط هذا الزمن التطاول ف أمن وسلم وحرية ،ل تذقه قط أية أقلية إسلمية وقعت تت
ح كم الن صارى .وأقرب المثلة هو الب شة ،الرتب طة تارييا بالكني سة القبط ية ال صرية ،وال ت يبلغ تعداد
السلمي فيها أكثر من %65من سكانا ،ومع ذلك فهم مسحوقون مستذلون ،ل يعينون ف وظائف
الدولة ،ول يتولون منصبا واحدا من الناصب الكبية ،ول يعلمون دينهم ف مدارس الدولة الرسية ،ول
يسمح لم بفتح مدراس إسلمية تعلم أطفالم مبادئ دينهم ،وحي يفتحون "كتاتيب" لتحفيظ القرآن
ت ظل الدولة تفرض علي ها الضرائب ح ت يض طر أ صحابا إل إغلق ها .و ف هيئة ال مم – على مل من
العال كله – قال هيلسلسى ملك البشة السابق :إنه ف خلل أثن عشر عاما ل يكون ف البشة إل
دين واحد!! أي أنه سيسحق السلمي ويبيدهم ،أو يطردهم من أرضهم .ول يتحرك صوت واحد ف
العال كله بالستنكار!
أما ف مصر فلم يدث شئ من هذا كله ،ول يكن أن حدث ،طالا كان السلمون مسلمي مافظي
على إ سلمهم ..لن ال سلم هو الذي يأمر هم بالعدل ،و هم يقومون به ل ،ل ل صلحة أرض ية ه نا أو
() يتضح هذا من لئحة "حزب الوفد" الذي أسسه سعد زغلول بزعامته ,فقد نص ف هذه اللئحة نصا صريا علي تري الوض ف المور الدينية (أي عدم ذكر الدين إطلقا ف
1
داخل الزب ,وهو نفس الشعار الذي أطلقه سعد علي الثورة) كما أن حزب الوفد الديد أعلن -بناسبة النقاش الذي دار حول دخول الخوان السلمي النتخابات باسم الزب
() هذا هو اللقب الذي أطلقته الصحف الوفدية علي سعد ...ونستعيذذ بال من الكفر.
1
() كانت الراية الت رفعها بن بيل هي الشتراكية ,وسيأت الديث عن الشتراكية فيما بعد.
2
الطبيب قد نصحه بأخذ جرعات من المر بي الي والي لصلح معدته! ( )3فتبتلع الماهي إفطاره
ف رمضان وشربه المر ،وتزداد تعصبا له!!
وكان يوظف أقاربه وأصهاره ف الوظائف الكبية ،ويعيب عليه أعداؤه هذه ا"الحسوبية" فيد عليهم
متحديا" :سأجلعها زغلولية لما ودما" فتصفق الماهي إعجابا بالزعيم الكبي!!
وف النهاية ل تعد القضية عند الماهي هي قضية "الوطن" – حت بعد تولا من قضية إسلمية إل
قض ية وطن ية – بل أ صبحت القض ية هي قض ية سعد زغلول! فإذا كان هو راضيا فالماه ي راض ية،
بصرف النظر عن المر الذي هو راض عنه ،وإذا كان غاضبا فالماهي غاضبة ،بصرف النظر عن المر
الذي هو غا ضب من أجله! ي ستوي ف ذلك الهلء والثقفون ،الغنياء والفقراء ،العمال والفلحون،
الطلب والوظفون .إل فريقا ضئيلً مـن المـة خراجيـ على هذا "الجاع" يوصـفون بأنمـ خونـة
مارقون .وما كانوا بالفعل أفضل من سعد وأتباعه ،إنا كان المر حسدا ف أنفسهم من مكانة سعد عند
الماهي!
كيف ت ذلك؟!
هل يكفى لتفسيه مقدرة سعد الطابية الفذة ،الت كانت تعتب من النماذج التاريية الفذة؟
هل تك فى "اللع بة" ال ت لعب ها النل يز بن فى سعد ،ث إرجا عه ب عد تضخي مه – بنف يه – ف حس
الماهي؟
هل يك فى ما يدث كثيا ف نفوس "الماه ي" – على مدار التار يخ – من ن سيان الدف ال صلي
والتعلق "بالرمز" ،حت يصبح الرمز هو الدف ف النهاية؟
إن هذا كله يكن أن يكون تفسيا جزئيا لا حدث ،ولكنه ل يكفى – وحده – للتفسي.
لبد أن نضع ف حسابنا حقيقتي كبيتي ابعد تأثيا من العوامل السابقة كلها ،على كل ما لذه
العوامل من التأثي.
القي قة الول :هي "الواء" الذي أ صاب الياة ال سلمية كل ها ،بر غم وجود "عوا طف إ سلمية"
تنفعل با القلوب.
لقد كان ف الثورة – قبل أن يولا سعد إل ثورة وطنية – عواطف إسلمية ،تتجه إل دولة اللفة،
و"تثور" حي يفصل ما بينها وبينها ،و"تثور" ضد "الكفار" الغتصبي (فقد كانت هكذا أحاديث الناس
عند بدء الثورة وخاصة ف الريف) وتتجه إل الزهر ليقودها ،لنه هو الدير – ف حسها – أن يقود
() هذه هي الغالطة الول .فالعدل كلمة ل ضابط لا إن ل تنضبط بكتاب ال وسنة رسوله .eوكما يقول المام ابن تيمية ف الرسالة الثانية عشرة من مموعة التوحيد" :فمن 1
استحل أن يكم بي الناس با يراه هو عدل من غي اتباع لا أنزل ال فهو كافر ,فإنه ما من أمة إل وهي تأمر بالكم بالعدل ,وقد يكون العدل ف دينها ما ررآه أكابرهم".
() يقصد الشيخ ممد عبده ,وقد توف عام 1905م وهذا الكلم مكتوب ف عدد 17ديسمب 1913مم من ملة النار ,وف هذا العدد أعاد الشيخ رشيد رضا نشر فتواه النشورة 2
ف عدد سابق ,مع تلك القدمة الت نقلنا جزءا منها .وهي تستوعب من ص -262ص 265من النار جـ 4م .16
() يقصد الفرق بي دار الرب ودار السلم فيما يتعلق بتطبيق القواني الخالفة للشريعة السلمية. 3
ح ُكمْ بِمَا أَنزَ َل ال ّلهُ َفُأوْلَِئكَ ُه ْم الْكَافِرُونَ} [سورة الائدة . ]5/44
بظاهر قوله تعالي { :وَ َم ْن َلمْ يَ ْ
ويستلزم الكم بتكفي القاضى الاكم بالقانون تكفي المراء والسلطي الواضعي للقواني فإنم وإن
ل يكونوا ألفوها بعارفهم فإنا وضعت بإذنم وهم الذين يولون الكام ليحكموا با ويقول
الاكم من هؤلء :أحكم باسم المي فلن لنن نائب عنه بإذنه ويطلقون على المي لفظ
( الشارع ) .
" أما ظاهر الية فلم يقل به أحد من أئمة الفقه الشهورين بل ل يقل به أحد قط فإن ظاهرها
يتناول من ل يكم با أنزل ال مطلقا سواء حكم بغي ما أنزل ال تعال أم ل ( . )1وهذا ل يكفره
أحد من السلمي حت الوارج الذين يكفرون الفساق بالعاصرى ومنها الكم بغي ما أنزل ال (. )2
واختلف أهل السنة ف الية فذهب بعضهم إل أنا خاصة باليهود وهو ما رواه سعيد بن منصور
وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال :إنا أنزل ال ومن ل يكم با أنزل ال فأولئك هم
الكافرون والظالون والفاسقون ف اليهود خاصة .وأخرج ابن جرير عن أب صال قال :الثلث اليات
حكُ ْم بِمَا أَن َزلَ ال ّلهُ} ..ال :ليس ف أهل السلم منها شئ .هى ف الكفار .
الت ف الائدة { َو َمنْ َل ْم يَ ْ
وذهب بعضهم إل أن الية الول والت فيها الكم بالكفر للمسلمي والثانية الت فيها الكم بالظلم
لليهود والثالثة الت فيها الكم بالفسق للنصارى وهو ظاهر السياق .وذهب آخرون إل العموم فيها
كلها ويؤيده قوله حذيفة لن قال إنا كلها ف بن إسرائيل :نعم الخوة لكم بنو إسرائيل إن كان
لكم كل حلوة ولم كل مرة كل وال لتسلكن سبيلهم قد الشرك .رواه عبد الرزاق وابن جرير
والاكم وصححه .وأول هذا الفريق الية بتأولي :
" فذهب بعضهم إل أن الكفر هنا ورد بعناه اللغوى للتغليظ ل معناه الشرعى الذى هوى الروج
من اللة واستدلوا با رواه ابن النذر والاكم وصححه البيهقى ف السنن عن ابن عباس رضى ال عنه
أنه قال ف الكفر الواقع ف إحدى اليات الثلث :إنه ليس بالكفر الذى تذهبون إليه .إنه ليس كفرا
() وهذه هي الغالطة الثانية .فإن هذا الظاهر الذي افترضه الشيخ -وبن عليها ضرورة صرف الية عن ظاهرها-ل يقول به أحد قط! لنه من التجريدات الذهنية الت ليس لا واقع 1
عملي .فإنه ل يوجد إنسان ل يكم ,إل إذا كان مسلوب الرادة تاما ,أو كان متوقفا تاما عن التصرف ف أي أمر من أمور الياة! ولكنه ما دام يتصرف ,فهو يستند ف داخل
نفسه إل حكم معي يقرر علي أساسه تصرفه .فإذا كان هذا الكم قد راعي فيه ما أنزل ال فهو مسلم ,وإن كان قد راعي فيه مالفة ما أنزل ال فهو خارج عن السلم ,وعلي
سبيل الثال فإن مالفة النص العام خضوعا للضرورة -الذي ذكره الشيخ ف القدمة -ل يعتب حكما بغي ما أنزل ال ,فإن حكم الضرورة -الخالف للنص العام -وراد فيما أنزل ال.
ولكن القضية الضرورة بالضوابط الشرعية ,حت ل تكون مسرحا للهوي البشري ,فتصبح -من ث -من مزالق الشيطان.
() وهذه هي الغالطة الثالثة :فإن الكم بغي ما أزنزل ال ل يقع -بإطلقه -ف باب "العصية" كما يوهم كلم الشيخ هنا ما نفاه هو نفسه فيما بعد .فقد يكون جهلً بأن الكم ف 2
هذه الفرعية مالف لا أنزل ال فل إث عليه (وإن وجب عليه الجتهاد ف معرفة الدليل) وقد يكون شهوة (كحكم القاضي الرتشي با يالف حكم ال وهو عال بالخالفة) فهذه
معصية .وقد يكون تأولً (مع صدق النية) فهذا اجتهاد خاطئ له أخر .وقد يكون مضاهاة لشرع ال ,أو تفصيلً لشرع البشر علي شرع ال .وكلها شرك صريح يرج من اللة.
ينقل عن اللة .كفر دون كفر (. )1
" وذهب بعضهم إل أن الكفر مشروط بشرط معروف من القواعد العامة وهو أن من ل يكم با
أنزل ال منكرا له أو راغبا عنه لعتقاده بأنه ظلم مع علمه بأنه حكم ال أو نو ذلك ما ل يامع
اليان والذعان ( . )2ولعمرى إن الشبهة ف المراء الواضعي للقواني أشد والواب عنهم أعسر
وهذا التأويل ف حقهم ل يظهر ( )3وإن العقل ليعسر عليه أن يتصور أن مؤمنا مذعنا لدين ال يعتقد
أن كتابه يفرض عليه حكما ث هو يغيه باختياره ويستبدل به حكما آخر بإرادته إعراضا عنه
وتفضيل لغيه عليه ويعتد مع ذلك بإيانه وإسلمه ( )4والظاهر أن الواجب على السلمي ف مثل
هذا الال مع مثل هذا الكم أن يلزموه بإبطال ما وضعه مالفا لكم ال ول يكتفوا بعدم مساندته
عليه ومشايعته فيه فإن ل يقدروا فالدار ل تعتب دار إسلم فيما يظهر ( ,)5وللحكام فيها حكم آخر
.وهنا يئ سؤال السائل :وقبل الواب عنه ل بد من ذكر مسألة يشتبه الصواب فيها على كثي من
السلمي وهى :
" إذا غلب العدو على بعض بلد السلمي وامتنعت عليهم الجرة فهل الصواب أن يتركوا له جيع
() مظلوم ابن عباس! ف قد قال ما قال و هو يسأل عن الموي ي :أن م يكمون بغي ما أنزل ال ,ف ما القول فيهم .و ما أ حد علي الطلق قال عن الموي ي إن م كفار! ف قد يكون 1
يكمون الشريعة ف عموم حياة الناس ,ولكنهم ييدون عنها ف بعض المور التعلقة بسلطانم إما تأو ْل وإما شهوة -ولكنهم ل يعلون مالفتهم تشريعً مضاهيا لشرع ال-فقال فيهم
ابن عباس إنه كفر دون كفر .فهل كان يكن لبن عباس أن يقول هذا فيمن ينحي الشريعة السلمية أصلً ويضع بد ًل منها قواني وضعية؟.
ل علي حدة ,فخيل لبعض الناس أن كل منهم يتص بآية ويتص بكم () نشأ هذا الدل كله -وينشأ دائما -حول آيات سورة الائدة لنا ذكرت السلمي واليهود والنصاري ك ً 2
غي الخر .وكان الوفق النظر إل صيغة العموم ف اليات{ :ومن ل يكم با أنزل ال} فل يكون هناك مال للختلف .وعلي أي حال فليست هذه اليات الوحيدة ف القرآن ف
هذا الشأن .وهناك آيات صرية ل تتمل اللف ف تأويلها كقوله تعال{ :أم لم شركاء شرعوا لم من الدين ما ل يأذن به ال} [سورة الشوري ]21 :وهي صرية ف أن اتاذ
شريعة ل يأذن با ال هي من اتاذ الشركاء .أي من الشرك الكب التناف مع السلم ,وقوله تعال{ :فل وربك ل يؤمنون حت يكموك[ }....سورة النساء .]65 :
() يريد أن يقول إن الشبهة غي واردة ف حقهم ,ومن ث فإن شرط الكفر (وهو إنكار شرع ال أو الرغبة عنه أي رفضه والعراض عنه) غي متحقق فيهم ,ذلك لنم مسلمون. 3
ولكن انظر كيف انتقل فجأة من القول بأن الكم عليهم عسي "والواب عنهم أعسر" إل إطلق الكم بل دليل!.
() هذه هي الغالطة الرابعة .فبدلً من أن يدلل علي إيانم -أو يطالبهم بالتدليل علي إيانم -وظاهر أمرهم هو الكفر بسبب وضعهم قواني تالف ما أنزل ال -فإنه يصادر علي 4
الدليل -كما يقول الناطقة-فيقرر أنم مؤمنون مذعنون لدين ال ,ث يستند إل هذا الكم الذي ل يقدم أي دليل عليه ,ليستبعد تصور أنم يغيون حكم ال باختيارهم ,ويستبدلون
به حكما آخر بإرادتم ث إن هذه الغالطة ذاتا توي ف طياتا الغالطة الامسة -الفهومة ضمنا من كلمه -وهي الزعم بأن هؤلء المراء مكرهون علي تبديل حكم ال -ما دام
يستبعد أنم يغيون حكم ال باختيارهم -فأي إكراه يقع علي الكام ليحكموا بغي ما أنزل ال؟! هذا الكراه يصح ف حالة واحدة :هي أن يؤت بإنسان من بيته قسرا ,ث يهدد
بالقتل إن هو ل يلس علي دست الكم ويكم بغي ما أنزل ال! فعندئذ قد تكون معذورا عند ال! وهو أمر ل يدث مرة واحدة ف التاريخ ,ول يكن أن يدث! إنا يتار الكام
اللوس ف مقاعد الكم بحض إرادتم ,ويلكون دائما أن يرفضوا -إذا عرض المر عليهم -ول تثريب عليهم! فكيف يقال إنم مكرهون؟! إن مثل هؤلء الكام الذين يشي الشيخ
رشيد رضا إليهم يرتكبون ف الواقع جريتي كبيتي :الول ف حق ال ,إذ ينحون شريعته ويضعون بدلً منها شريعة جاهلية من صنع البشر ,والثانية ف حق شعوبم ,إذ يجبون
عنهم عدوهم القيقي الذي يفرض عليهم الكم بغي ما أنزل ال لييفتنهم عن دينهم ,فيتترس بم العدو ليمنع قتال المة له .ولو أن الكام امتنعوا عن ستر العدو بأشخاصهم لكان
العدو سيتحمل تكاليف الواجهة الدموية (كما حدث ف أفغانستان) وتكون الغلبة ف النهاية إن شاء ال للمسلمي حي يصرون علي جهاد عدوهم ,ولو هزموا ف العركة مرة ومرة
ومرة ,لن هذا وعد ال .أما حي يتترس العدو بؤلء الكام يجبونه بأشخاصهم فإن المة تغفل عنهم فتكف عن الهاد ,فيكون للعدو من التمكي ما أراد ..فكيف يستخف الشيخ
رشيد رضا بذا كله من جانبه هؤلء الكام ,ول يضعه حت ف دائرة العصية ,بل يعله عزية تقق الصلحة للمسلمي كما سيجئ؟!!.
() هنا يفتح ال علي الشيخ فيقرر حكم السلم واضحا صريا ف واجب المة ف مثل هذه الالة ,وف حكم الدار الت تدث هذه الالة فيها ,ولكن يذهب بقيمة هذا التقرير 5
شيئان :الول :أنه ل يبي مت يكون الاكم علي هذا الوصف؟ أي ما العلمة الظاهرة الت تعرف با وضعه لتقوم بواجبها السلمي الذي حدده الشيخ ف وضوح ونصاعة؟! والمر
الثان :هو الغالطة الت سيأت بيانا بعد ,وهي اتاذ وصف الدار بأنا ليست دار السلم ف مثل هذه الالة ,ذريعة للقول بأن أحكام الشريعة غي واجبة التنفيذ فيها!!.
الحكام ول يتولوا له عمل أم ل ؟ يظن بعض الناس أن العمل للكافر ل يل بال .والظاهر لنا أن
السلم الذى يعتقد أنه ل ينبغى أن يكم السلم إل السلم وأن جيع الحكام يب أن تكون موافقة
لشريعته وقائمة على أصولا العادلة ينبغى له أن يسعى ف كل مكان بإقامة ما يستطيع إقامته من هذه
الحكام وأن يول دون تكم غي السلمي بقدر المكان وبذا القصد يوز له أو يب عليه أن
يقبل العمل ف دار الرب إل إذا علم أنه عمل يضر السلمي ول ينفعهم بل يكون نفعه مصورا ف
غيهم ومعينا للمتغلب على الجهاز عليهم .وإذا تول لم العمل وكلف الكم بقوانينهم فماذا يفعل
وهو مأمور أن يكم با أنزل ال ؟
" أقول إن الحكام النلة من عند ال تعال منها ما يتعلق بالدين نفسه كأحكام العبادات وما ف
معناها كالنكاح والطلق وهى ل تل مالفتها بال ومنها ما يتعلق بأمر الدنيا كالعقوبات والدود
والعاملت الدنية ( )1والنل من ال تعال ف هذه قليل وأكثرها موكول إل الجتهاد ( . )2وأهم
النل وأكده الدود ف العقوبات وسائر العقوبات تعزيز مفوض إل اجتهاد الكام والربا ف الدود
الدنية وقد ورد ف السنة النهى عن إقامة الدود ف أرض العدو وأجاز بعض الئمة الربا فيها بل
مذهب أب حنيفة أن جيع العقود الفاسدة جائزة ف دار الرب واستدل له بناحبة ( مراهنة ) أب
بكر ( رضى ال عنه ) لب ابن خلف على أن الروم يغلبون الفرس ف بضع سني وإجازة النب eذلك
وصرحوا بعدم إقامة الدود فيها روى ذلك عن عمر وأب الدرداء وحذيفة وغيهم وبه قال أبو
حنيفة .قال ف أعلم الوقعي " وقد نص أحد وإسحق بن راهوية والوزاعى وغيهم من علماء
السلم على أن الدود ل تقام ف أرض العدو وذكرها أبو القاسم الرقى ف متصره فقال :ل يقام
الد على مسلم ف أرض العدو .وقد أتى بسر بن أرطاة برجل من الغزاة قد سرق منة فقال :لول
أن سعت رسول ال eيقول " ل تقطع اليدى ف الغزو لقطعتك " رواه أبو داود وقال أبو ممد
القدسى :هو إجاع الصحابة .روى سعيد بن منصور ف سننه بإسناده عن الحوص بن حكيم عن أبيه
أن عمر كتب إل الناس أل يلدوا أمي جيش ول سرية ول رجل من السلمي حدا وهو غاز حت يقطع
الدرب قافل لئ تلحقه حية الشيطان فيلحق بالكفار .وعن أب الدرداء مثل ذلك " ث ذكر ترك سعد
إقامة حد السكر على أب مجن ف وقعة القادسية وذكر أنه قد يتج به من يقول لحد على مسلم ف
() هذه هي الغال طة ال سادسة .ف من قال إن الدود تتعلق بأ مر الدن يا وحدها وهي حق ل؟! وعلي أي أساس من د ين ال يفرق الش يخ ب ي النكاح والطلق وب ي الدود ,فيج عل 1
الول من أمور الدين الت ل يل مالفتها بال ,والخري من أمر الدنيا (أي الت تل مالفتها ف رأي الشيخ إذا استخدمنا "دليل الخالفة" قرينة لفهم ما يومئ إليه الشيخ هنا ,ويقرره
صريا فيما بعد!).
() هذه هي الغالطة السابعة .فإذا كان النل ف القرآن لذه الحكام قليلً ,الكلمة والشارحة -توي الكثي ,ول يوز لعال فقيه كالشيخ رشيد رضا أن يذكر القرآن وحده ف هذا 2
الجال ويسقط السنة النبوية الطهرة ,الاوية لتفاصيل الحكام ,والستقلة وحدها بالحكام ف بعض الحيان.
دار الرب كما يقول أبو حنيفة ولكنه علله تعليل آخر ليس هذا مل ذكره .وانظر تعليل عمر ته
يصح ف بلد الرب (.)1
" فعلم ما تقدم أن الحكام القضائية الت أنزلا ال تعال قليلة جدا ( )2وقد علمت ما قيل ف إقامتها
ف دار الرب ل سيما عند النيفة .فإذا كانت الدود ل تقام هناك ( )3فقد عادت أحكام العقوبات
كلها إل التعزيز الذى يفوض إل اجتهاد الاكم ( .)4والحكام الدنية أول بذلك لنا اجتهادية أيضا
والنصوص القطعية عن الشارع قليلة حدا وإذا رجعت الحكام هناك إل الرأى والجتهاد ف ترى
العدل ( )5والصلحة ( )6وأجزنا للمسلم أن يكون حاكما عند الرب ف بلده لجل مصلحة السلمي
( .)7فالذى يظهر أنه ل بأس من الكم بقانونه لجل منفعة السلمي ومصلحتهم ( .)8فإن كان ذلك
القانون ضارا بالسلمي ظالا لم فليس له أن يكم به ول أن يتول العمل لواضعه إعانه له (.)9
وجلة القول أن دار الرب ليست مل لقامة أحكام السلم ( )10ولذلك تب الجرة منها إل
() هذه أعجب الغالطات علي الطلق! فما العلقة بي عدم إقامة الد علي السلم الحارب ف دار الرب ,حت ل يستفزه الشيطان للحاق بالعدو (أي الرتداد عن السلم) وبي 1
إسقاط أحكام الشريعة عن السلمي ف الند ,أو ف أي بلد آخر غلب عليه الكفار فنحوا شريعة ال ,ووضعوا بدل منها قواني جاهلية تكم الناس؟! وكيف يستدل بعدم إقامة الد
علي السلم ف أثناء الغزو ,علي عدم جواز إقامة الدود ف البلد الشار إليها آنفا ,بيث تصبح الشرعية ف تلك البلد للقواني الوضعية ل للشريعة السلمية؟! ويصبح تطبيق الشريعة
السلمية فيها خطأ ينهي عنه الدين؟! لو قلنا إن خضوع السلمي ف الند -أو ف غيها -للقواني الاهلية ضرورة ,ما داموا قد عجزوا عن القاومة بعد قيامهم بالهاد الواجب,
لكان هذا أمرا منطقيا معقولً ,لنه ل حيلة للناس غي ذلك (مع وجوب الجاهدة بالقلب ,لقول رسول ال " :eفمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ,ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن,
ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ,وليس وراء ذلك من اليان حبة خردل" رواه مسلم .أما أن يقال أنه ل يوز إقامة أحكام الشريعة ف هذه الالة -بأمر الدين -فقول ما أظن أن أحدا
قاله ف تاريخ السلم كله!.
() هذا عود إل قضية قلة الحكام النلة ف القرآن ,وقد علقنا عليها من قبل ,ولكن الغالطة الديدة هنا (وهي التاسعة) هي الياء بأنا ما دامت قليلة فل بأس بخالفتها!! فلنفرض 2
أن ال تعال ل ينل إل حكما واحدا ف دي نه كله ,وترك البا قي للجتهاد ,فهل يوز للم سلمي أن يقولوا :ما دا مت الحكام كلها مترو كة للجتهاد إل واحدا ,فهلم نترك اللتزام
بذا الكم الواحد ,ونتهد فيه كبقية الحكام؟!!.
() أي ل يوز إقامتها! 3
() هذه هي الغالطة العاشرة؟ فمن الذي يوز له الكم بالحكام التعزيرية اجتهادا؟ أهو الاكم السلم ,أم إن كل حكم تعزيري ف الدنيا يصبح شرعيا إذا طبق علي السلمي ولو 4
صدر من النليز؟!
() سبق الكلم عن العدل وضرورة ضبطه بالكتاب والسنة ليصبح هو "العدل" الذي يرضي ال عنه. 5
() من الذي يدد الصلحة؟ وما قلناه عن العدل ينطبق علي الصلحة ,فهي -وإن كانت متروكة للجتهاد -فضابطها هو القواعد الشرعية 6
() ل يستدل ف هذه القضية الطية بأي دليل شرعي! إنا أطلق حكم الواز من عند نفسه بل دليل ....إل الصلحة ...والصلحة كما قلنا تتاج هي ذاتا إل الضوابط الشرعية, 7
فل تصلح -علي إطلقها -أن تكون سند الكم إل إذا كانت منضبطة بالضوابط الشرعية
() مرة أخري يصدر حكما بغي دليل شرعي ف قضية من أخطر القضايا وهي الكم بغي ما أنزل ال ,الذي يقول عنه سبحانه وتعال إنه كفر ,ويقول أشد التساهلي -بغي دليل 8
شرعي -إنه فسوق ومعصية ,فيقول هو عنه إنه "ل بأس به"! مستندا إل حكم أصدره من عند نفسه -بل دليل -بواز أن يكون السلم حاكما عند الرب ف بلده!! وهكذا تتوال
الحكام ف الفتوي مترتبا بعضها علي بعض ,وهي كلها مفتقرة إل الدليل الشرعي الذي يسندها!
() من الذي يدد الظلم؟ إن الذي يدد الصلحة هو الذي يدد الظلم ,وهو ال سبحانه وتعال ,العليم البي ,صاحب المر ,الذي له ما ف السماوات والرض ,والذي يكم ل 9
معقب لكمه وقد قرر العليم البي صاحب المر أن الكم بغي ما أنزل ال هو الظلم{ :ومن ل يكم با أنزل ال فأولئك هم الظالون} فمن ذا الذي يرؤ أنن يقول إن الكم بغي
ما أنزل ال يكن أن يكون ظالا أحيانا وغي ظالا أحيانا أخري؟!
)(10استند إل مثل هذا النطلق السيد أحد خان فقال إن دار الرب (وكان يقصد بلد الند بالذات) ليست ملً للجهاد!
لعذر أو مصلحة للمسلمي يؤمن معها من الفتنة ف الدين .وعلى من أقام أن يدم السلمي بقدر
طاقته ويقوى أحكام السلم بقدر استطاعته ( )1ول وسيلة لتقوية نفوذ السلم وحفظ مصلحة
السلمي مثل تقلد أعمال الكومة ( .)2ول سيما إذا كانت الكومة متساهلة قريبة من العدل بي جيع
المم واللل كالكومة النليزية ( .)3والعروف أن قواني هذه الدولة أقرب إل الشريعة السلمية من
غيها لنا تفوض أكثر المور إل اجتهاد القضاة فمن كان أهل للقضاء ف السلم وتول القضاء
ف الند بصحة قصد وحسن نية يتيسر له أن يدم السلمي خدمة جليلة .وظاهر أن ترك أمثالة من أهل
العلم والغية للقضاء وغيه من أعمال الكومة تأثا من العمل بقوانينها يضيع على السلمي معظم
مصالهم ف دينهم ودنياهم .وما نكب السلمون ف الند ونوها وتأخروا عن الوثنيي إل بسبب
الرمان من أعمال الكومة ( .)4ولنا العبة ف ذلك با يرى عليه الوربيون ف بلد السلمي إذا
يتوسلون بكل وسيلة إل تقلد الحكام ومن تقلدوها حافظوا على مصال أبناء ملتهم وجنسهم حت
كان من أمرهم ف بعض البلد أن صاروا أصحاب السيادة القيقية فيها وصار حكامها الولون آلت
ف أيديهم .
" والظاهر مع هذا كله أن قبول السلم للعمل ف الكومة النكليزية ف الند ( ومثلها ما هو ف
معناها ) وحكمها بقانونا هو رخصة تدخل ف قاعدة ارتكاب أخف الضررين إن ل تكن عزية يقصد
با تأييد السلم وحفظ مصلحة السلمي ( .)5ذلك أن تعد من باب الضرورة الت نفذ با حكم المام
الذى فقد أكثر شروط المامة والقاضى الذى فقد أهم شروط القضاء ونو ذلك فجميع حكام
السلمي ف أرض السلم اليوم حكام ضرورة ( .)6وعلم ما تقدم أن من تقلد العمل الرب لجل أن
() قرر في ما سبق أن دار الرب لي ست ملً لقا مة أحكام ال سلم ,ل يبر خضوع ال سلمي للمراء الذ ين ل يكمون ب ا أنزل ال ,وه نا -ل ا أراد أن يبر قيام ال سلمي بتقلي يد 1
الوظائف ف الكومة الت ل تكم با أنزل ال --قال إن واجب السلمي أن يقلدوا هذه الوظائف ليعلموا قدر المكان علي تقوية أحكام السلم! فماذا نسمي هذا التحايل؟!
() نرجئ التعليق علي هذه القضية إل حي الديث عن قضايا الركة السلمية ف الفصل القادم 2
() نر بذه دون تعليق ,لنا ليست ف حاجة إل تعليق! 3
() كانت الكومة النليزية ف الند ترم السلمي عمدا من تقلد وظائف الدولة وتسندها إل الوثنيي .وهذه هي الكومة الت قال عنا آنفا "متساهلة قريبة من العدل بي جيع 4
المم واللل"!
() أرأيت كيف يعل من مالفة صريح أمر ال سبحانه وتعال "عزية"؟! لقد كان السلمون من الضعف -ببعد الزية العسكرية -بيث ل يلكون إل الضوع لسلطان أعدائهم وهم 5
ل ( )98فَُأوَْلئِ كَ َع سَى اللّ ُه أَ نْ يَ ْع ُفوَ َعْنهُ ْم َوكَانَ اللّ هُ عَ ُفوّا َغفُورا (})99
سَتطِيعُونَ حِيلَةً وَل َي ْهتَدُو نَ َسبِي ً
ضعَفِيَ مِنْ الرّجَالِ وَالنّ سَاءِ وَاْلوِْلدَا نِ ل َي ْ
ستَ ْ
بذا ف دائرة عفو الِ{ :إلّ الْ ُم ْ
[سورة النساء ]99-4/98أما أن يصبح هذا الضوع عزية يدعي السلمون إليها فمن العجب العاجب ف ذلك الزمان!!
() سبقت الشارة إل أنه ل يو جد إكراه علي الكام أن يل سوا ف مقاعد ال كم ويكموا بغي ما أنزل ال .فالضرورة غي قائ مة بالن سبة لم .وإن ل يقدروا أن يكونوا ف مكان 6
الجاهدين لعادة الشريعة إل مكانا الذي ناه عنها الستعمر الصليب ,فل أقل من أن يتورعوا عن خدمة ذلك الستعمر بستره بأشخاصهم ,واليلولة بي الجاهدين وبينه ,ليتحمل
هو التكاليف الدموية لعدوانه علي السلمي .بل هم -أكثر من ذلك -ينوبون عنه ف تقتيل الجاهدين الذين ياهدون لعادة الشريعة إل مكانا!
يعيش براتبه فهو ليس من أهل هذه الرخصة فضل عن أن يكون من أصحاب العزية .وال أعلم .
" ( تنبيه ) :دار الرب بلد غي السلمي وإن ل ياربوا ( . . )1وكانت القاعدة أن كل من ل
تعاهده على السلم يعد ماربا .
حي يكون " علماء الدين " على هذا النحو ..يطوعون الناس للمر الواقع ويذلونم عن اللجهاد
الواجب لتغيه ول يتحركون من جانبهم لينافحو عن حقوق الناس كما بينها ال ف كتابه وف سنة
رسوله eول يقفون للسلطان الائر يأمرونه وينهونه ليأطروه على الق أطرا ولو تعرض لم بالذى
..فضل عن كونم ل يعلمون أمتهم حقيقة التوحيد كما أنزلا ال الشاملة للعقيدة والشعية والشريعة
ول يقدمون الرؤية السلمية الصحيحة للواقع الذى يعيشه الناس ول الرؤية السلمية الصحيحة للواقع
الذى يعيشه الناس ول الرؤية السلمية الصحيحة لطريق اللص من ذلك الواقع السيئ الذى يعيشه
الناس .
وحي يكن الزعماء العلمانيون _ الذين أبرزهم الستعمار بعد أن صنعهم على عينه ووضعهم ف
مكان القيادة ليشدوا المة كلها بعيدا عن السلم _ هم _ كما بدوا ف عي الماهي يومئذ -الذين
ينادون " بقوق الماهي " ويقفون للسلطان الائر ويدعون المة للخلص من الواقع السيئ
ويرشدونا إل طريق الرية والتقدم والضارة .
حي يكون الفريقان على هذا النحو فهل نعجب من التفاف الماهي حول الزعماء العلمانيي
وفتنتهم بم إل الد الذى رأينا نوذجا منه سعد زغلول ( )2؟
وما نقول هذا لنبر موقف الماهي ..ولكن لنفسره فحسب .
أما التبير فل تبير للخروج على أمر ال .وال سبحانه وتعال يقول { :بَلْ الِنسَانُ عَلَى َنفْسِهِ
َبصِيَةٌ ( )14وََلوْ أَْلقَى َمعَاذِي َرهُ ([ })15سورة القيامة ]15-75/14وكل من قال ل إله إل ال
ممد رسول ال يقصد با السلم ( )3فهو مسئول أمام ال عن الال الت وصل إليها السلمون
وعن السلوك النحرف الذى وقع فيه السلمون .
ولكن الناس ليسوا ف السئولية سواء ..فالكام أول والعلماء بعدهم ..وف النهاية يأتى دور
() عدل هنا -دون مناسبة ظاهرة -عن كلمه الول الذي أشار فيه إل أن الدار الت فيها أمي مسلم (أي يمل اسا مسلما!) يغي حكم ال بتياره ,ويستبدل به حكما آخر بإرادته 1
ل تعتب دار إسلم (يعن تعتب دار حرب) وحصر دار الرب بأنا بلد غي السلمي وإن ل ياربوا .والذي عليه جهور العلماء أن الدار تأخذ وصفها من غلبة الحكام عليها (أي
بصرف النظر عن عقائد أهلها) فالرض الت تكمها شريعة ال هي دار إسلم ,ولو كان أغلب سكانا غي مسلمي ,كما كانت الند خلل ثانية قرون من الكم السلمي ,وأغلب
سكانا من الجوس عباد البقر .كذلك الرض الت ل تكمها شريعة ال فهي دار حرب ,ولو كان أغلب سكانا مسلمي,أو دار ردة إذا كان أهلها مسلمي ث ارتدوا عن السلم.
() ل يكن سعد زغلول حالة فريدة ,ففي كل بلد كان هناك زعيم أو زعماء علي شاكلة سعد زغلول! 2
() إن قالا نفاقا فهو ف الدرك السفل من النار. 3
" الماهي ".
() الفرق واضح بي "النظم" و "التنظيمات" فحي يكون ف الدولة وزراء ,وللوزراء وكلء ,ث مديرو عموم ,ث موظفون متلفو الناصب يتص كل منهم بعمل ,فهذا تنظيم إداري 1
يدم أي نظام ي ستخدمه ,ول يفرض علي النظام ت صورا معينا ول فكرة معي نة ,و من ث ي ستخدمه ال كل علي ال سواء ,وي ستخدمه ال سلمون ح ي يرو نه نافعا ل ول حرج علي هم ف
ذلك ,أما النظم فأمرها متلف لنا تتصل بالتشريع.
() الدين بعن الياة ,ويشمل العقيدة والشعية والشريعة. 2
ناحية الدراسة أو من ناحية التنفيذ ..وكان كل هذا لزما لزوما شديدا للمسلمي ،لتخلفهم الشديد ف
تلك اليادين كلها ،بعد أن كانوا أصحاب قدم ثابتة فيها كلها وقت أن كانوا على جادة السلم.
وكان الوا جب على ال سلمي أن ي صرفوا جهد هم لتعلم هذه المور والتم كن من ها ،بو صفها حا جة
ملحة ل فكاك منها.
وكان عند الغرب ف الوقت ذاته قدر هائل من الفساد الروحى والفكرى واللقى ،ل ينبغى لعاقل أن
يأخذه ،فضل عن أن يأخذه مسلم أت ال نعمته عليه ورضى له السلم دينا ،وميزه بنهج حياة مستقيم
نظيف متطهر مترفع خال من الدنس وخال من الفساد.
وكان عند الغرب كذلك نظم اقتصادية وسياسية واجتماعية ،يتلط فيها الصلح والفساد ،ولكنها
بملتها تشريع بغي ما أنزل ال ،قائم على قاعدة غي إسلمية ،هى تعبيد البشر بعضهم لبعض بالتشريع
بدل من ت عبيدهم لرب م وخالق هم ،و من ث فقاعد ته جاهل ية ،وإن كان ف ب عض جزئيا ته يلت قى التقاء
عار ضا بب عض ما جاء من ع ند ال ،كمبدأ الشورى ،وب عض القوق وب عض الضمانات ..ال ( )1وتلك
المور التصلة بالتشريع يأخذها السلم كما قلنا من التشريع الربان ،ول يأخذها عن مصدر سواه.
و من ه نا يتحدد الو قف الذى كان على ال سلمي أن يقفوه تاه ما ي سمى ف ممو عه " بالضارة
الغربية " ..فكل ما يتصل بالتقدم العلمى ،والتقدم الادى ،والناحية التنظيمية ،وروح اللد والصب على
العمـل ،والروح العلميـة فـ الدراسـة والتنفيـذ ،فليأخذوه وليصـرفوا جهدهـم فيـه .وكـل مـا عدا ذلك
فليتركوه وليحذروه.
أما الذى حدث بالفعل فقد كان غي ذلك.
فأما الشياء النافعة فقد اتهوا إليها ،ولكن بهد متقاعس متخاذل متعثر الطوات.
وأما الفساد فقد سارعوا إليه فاستوعبوه كله ،وعبوا منه عبا كأنا هو " الزاد ".
وأما النظم فقد سعوا إل استيادها وتقليدها ضاربي صفحا تاما عما أنزل ال.
ولذلك كله تفسيه من حال السلمي يومئذ ،وإن كان الث لحقا بم ف كل حال.
m m m
ل قد ظنوا ف غفلت هم أن " الضارة الغرب ية " كتلة واحدة ،وح سبة واحدة ،إ ما أن تو خذ كل ها وإل
فل فائدة من أ خذ بعض ها وترك بعض ها ال خر ..ك ما أوه هم بذلك دعاة الغزو الفكرى ،و سواء من
() راجع إن شئت فصلي "الديقراطية" والشيوعية" من كتاب "مذاهب فكرية معاصرة".
1
الصليبية واليهودية أو من عملئهما ،وسوا من عملئهما العميل الستغفل الأجور ( !)1ووجد هذا النداء
أذنا صاغية لدى " السلمي " الستضعفي.
فأمـا دعاة الغزو الفكرى مـن الصـليبيي واليهود فمصـلحتهم واضحـة فـ إيهام " السـلمي " بذلك
الوهم ،لنه أفعل ف استبعادهم ،وضمان خضوعهم التام لم ،وضمان إبعادهم بعدا كامل عن السلم،
الذى ل يقتون شيئا مقتهم له ،ول يافون شيئا خوفهم منه ( .)2فحي ينسلخ السلمون انسلخا كامل
من كل موقمات دين هم ،ف عال الت صور وعال ال سلوك ،ف الفكار والخلق والن ظم والعادات ،فلن
يبقى لم من شخصيتهم التميزة شئ ،ولن يبقى لم من القدرة على القاومة شئ ،ويتم إخضاعهم بعامل
" العبودية " وهو افعل بكثي وأدوم بكثي من عامل القهر العسكرى الذى يلجأ إليه الستعمار ف مبدأ
ال مر ،ولك نه ل يأ من نتائ جه دائ ما لن مرد وجوده ي ستفز القهور ين ،ويدفع هم إل القاو مة حي نا ب عد
حي ..أما إذا استعبد القهورون من الداخل ،بتذويب مقومات شخصيتهم من ناحية ،وإشعارهم الدائم
أنم " تبع " لقاهريهم ف كل شئ ،فهنا يأمن الستعمار الصليب (اليهودى) أكثر ،ويلم ببقاء أطول،
ولو خرج كلل عساكره من الرض الحتلة (.)3
أما العملء فمنهم من باع نفسه للشيطان لقاء الجر الذى يصل عليه ،سواء كان الجر سلطانا ف
الرض ،أو شهرة وذيوع صـيت ،أو مال حرامـا ،أو شهوات دنسـة فهـو يقوم " بالطلوب " منـه،
والطلوب هو استعباد السلمي لقاهريهم من الصليبيي واليهود ،ومن أفعل الوسائل إيهامهم أن عليهم أن
يأخذوا الضارة الغربية بيها وشرها وحلوها ومرها كما قال طه حسي ،ومنهم " النظيف " الذى ل
يتناول أجرا على عمله ،ولكنه مهزوم داخليا ،فهو ينطلق من هذه الزية ،يسب ف غفلة القهر الداخلى
أ نه بدعو ته إل تقل يد الغرب يقدم للم سلمي طر يق اللص م ا هم ف يه .و ف النها ية ي ستوى العملي
الستغفل والعميل الأجور ف تكي السادة " من استعباد العبيد.
وأما الستضعفون فقد وجدت منهم الدعوى أذنا صاغية من جهتي اثنتي :الول ميل الغلوب إل
تقليد الغالب ،وهو أمر مشهور ف التاريخ ،والثانية أن التقليد أسهل على الغلوب الستضعف ،لنه يوفر
عليه عناء " الختيار " ولن النتقاء والختيار ل يقوم به ف القيقة " العبد " الستضعف ،إنا يقوم به "
() العيل الستغفل هو الذي يقق مصلحة العدو الصليب أو اليهودي -غفلة منه -وهو يسب أنه يقق مصلحة للمسلمي!!.
1
() مر بنا كلم "ولفرد كانتول سيثث" الصريح ف فرع أوربا من السلم أكثر من أي شئ آخر.
2
() من أجل ذلك كان كرومر يقول" :إن مهمة الرجل البيض الذي وضعته العناية اللية علي رأس هذه البلد هي تثبيت دعائم الضارة السيحية إل أقصي حد مكن بيث تصبح
3
هي أساس العلقات بي الناس"!.
السيد " صاحب الرادة الرة ،والقدرة على التمييز قبل القدرة على الختيار.
لقد كانت الكارية كامنة ف قلوب :السلمي أنفسهم ..من التخلف العقدى والواء الروحى ..فلم
يتحقق فيهم ما أمرهم به ال:
ح َزنُوا َوَأنْتُ ْم ا َلعَْل ْونَ ِإنْ ُكْنتُ ْم ُم ْؤ ِمنِيَ ([ })139سورة آل ]3/139
{وَل َتهِنُوا وَل تَ ْ
m m m
لقد كانت دعمى " أخذ الضارة الغربية بيها وشرها وحلوها ومرها " دعوى باطلة من أساسها
فالتقدم العلمى ل علقة له بداهة بالفساد اللقى ول يقول عاقل ف الرض كلها إنه لبد للنسان خلقيا
لكى يتقدم علميا إنا كان منشأ هذا النراف الفكرى ف أوربا عوامل خاصة هناك ،فقد وقفت الكنيسة
هناك وق فة حقاء ضد العلم ،فلم ي كن ث مناص من تنح ية قب ضة الكني سة عن الياة كل ها ل كى يأ خذ
التقدم العل مى مراه ،وأ خذ التقدم العل مى مراه بالف عل ح ي ر فع عن كا هل الناس سلطان الكني سة،
ودينهـا الاهلى الزائف الذى كانـت تسـتعبد بـه الناس ،ولكـن أوربـا خسـرت فـ مقابـل ذلك كياناـ
الن سان ح ي نبذت العقيدة ف ال ،وخ سرت أخلق ها ح ي قط عت صلتها بالد ين ،ونب تت ف رأ سها
الفكار اليوان ية عن الن سان وقي مه ،و سلوكه ،وأهدا فه ..فأ صابا من جراء ذلك شر عظ يم ،ورأى
العقلء منهم نذره منذ وقت مبكر ،ورأى غيهم آثاره حي وقعت بالفعل ،وصاروا يبحثون لنفسهم
ولشعوبم عن " طريق اللص ".
وو قع التمك ي ف الرض لور با و هى على هذه الال من النتكاس الن سان والل قى ،بقت ضى
إحدى السنن الربانية الت يريها ال ف عباده.
حنَا عََلْيهِ مْ َأْبوَا بَ كُ ّل َشيْءٍ َحتّى إِذَا َفرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَ َخ ْذنَاهُ مْ َب ْغَتةً فَإِذَا
{فََلمّا نَ سُوا مَا ذُكّرُوا بِ هِ َفتَ ْ
هُ ْم ُمبْلِسُونَ ([ })44سورة النعام ]6/44
ك ما كان التمك ي يرى ب سب سنة أخرى ف ذات الو قت (ول تعارض ب ي سنن ال ،إن ا ترى
مترابطة ف نظام مكم).
حيَاةَ ال ّدْنيَا وَزِيَنَتهَا ُنوَفّ إَِلْيهِ مْ َأعْمَاَلهُ مْ فِيهَا وَهُ مْ فِيهَا ل ُيبْخَ سُونَ ( ُ )15أوَْلئِ كَ
{مَ نْ كَا نَ يُرِي ُد الْ َ
صَنعُوا فِيهَا َوبَاطِ ٌل مَا كَانُوا َيعْمَلُو نَ ([ })16سورة هود ط مَا َ الّذِي نَ َليْ سَ َلهُ مْ فِي ال ِخ َرةِ إِ ّل النّا ُر وَ َحبِ َ
]16-11/15
وهكذا أصبحوا مكني ف الرض رغم فسادهم ،ل بسبب فسادهم وإنا تقق التمكي لم بالهد
الياب الذى يبذلونه لتمكي أنفسهم ،فيعطيهم ال ثرته ف الرض -إل حي -حسب سنته ،ث يدمر
عليهم -ف النهاية -حسب سنته كذلك لنم غي مستقيمي على طريقه.
تلك هى قصة أوربا..
أما التلزم بي التقدم العلمى والادى ،وبي النسلخ من الدين والنسلخ من الخلق ،فأكذوبة
ضخمة ل يكن لا وجود إل ف نفوس العبيد ،الذين استعبدهم الغزو الفكرى ،وأنساهم ربم ،فأ،ساهم
أنفسهم.
سهُمْ ُأوَْلئِ كَ هُ ْم اْلفَا ِسقُونَ ( [ })19سورة ال شر
{وَل تَكُونُوا كَالّذِي َن نَ سُوا اللّ هَ َفَأنْ سَاهُمْ َأنْفُ َ
]59/19
ومن هنا فإن تيار التغريب ،الذى يدعو لصلح الال على منهج الغرب ،راح ياول تقليد أوربا ف
كل شئ ،فانزل قت قد مه ف الف ساد ق بل أن ياول تثبيت ها بالتقدم العل مى والتقدم الادى و من ه نا سار
التقدم العلمـى والادى بطيئا متعثـر الطوات ،ل كمـا كان يرجوه الخلصـون ول كمـا كان يكـن أن
يدث لو أن المـة تمعـت بعزمهـا كله لحراز ذلك التقدم ،دون النغماس فـ الفسـاد اللقـى الذى
ي صرف عن جديات المور ،ك ما فعلت اليابان ح ي قررت أن تن هض ،فأخذت علم الغرب كله -ث
تفوقت عليه ف بعض المور – دون أن تغي تقاليدها ول عقائدها ،وهى عقائد وثنية جاهلية ( ،)1وقد
كان " السلمون " أول بذلك لول التخلف العقدى والواء الروحى الذى كانوا غارقي فيه.
وخل صة ال مر أن التخلف العل مى والادى ظل باق يا على نطاق وا سع ر غم كل " الهود " ال ت
بذلت .وإن الفساد اللقى والتحلل الدين اكتسح العال السلمى بيث أصبح هو السمة البارزة فيه .ث
أض يف إل المر ين م عا ا ستياد الن ظم والبادئ من أور با ،و صيورة ذلك جزاء من حياة ال مة و من
واقعها ،ل تتحرج منه ول تتأث ،ول ترى فيه أية مالفة " للدين " ،ول خروج على السلم.
وقد كان الوصول بالمة إل هذا الال ف حاجة إل زحزحة هائلة للمة عن نقطة ارتكازها الطبيعية
وهى السلم حت تصبح نقطة الرتكاز هى أوربا والضارة الوربية ،وليس السلم.
ولقد بدأت الزحزحة مبكرة كما قلنا من أيام رفاعة رافع الطهطاوى ،أول " زعيم للصلح ف مصر
"الديثة ".
وتوالت الهود ..جهود الشياطيـ ..على مدى مـا يقرب مـن قرنيـ مـن الزمان ،بل هوادة ،ول
توقف ،ول تراجع ،بل بعنف متزايد على الدوام.
() بدأت اليابان ف الخي تتحلل تدرييا من عقائدها وتقاليدها علي يد اليل "الثثقف" الذي تلقي تعليمه ف الغرب ,بعد أن صمدت طويلً للغزو الفكري ,ول يستغرب هذا من
1
الوثنيي حي تغزوهم "الثقافة" ,ولكنه ل يكن حتما علي "السلمي" لو كانوا علي إسلم صحيح.
ولكن الهود اتذت صورتي متلفتي ،على فترتي متميزتي من الزمن ،وإن كانت الفترة الثانية قد
اتكأت كثيا على الول ،ول تكن لتعمل عملها لو ل تكن الول قد مهدت لا ف واقع الياة وواقع
النفوس.
ت تد الول ب صفة عا مة إل الرب العال ية الثان ية ،ح يث كا نت ال سيطرة ال صليبية (اليهود ية) ف يد
بريطانيا وفرنسا ،وها اللتان تقومان -أساسا -بحاربة السلم ،وزحزحة المة السلمية عنه .وتبدأ
الفترة الثانية من بعيد الرب العالية الثانية ،حيث انتقلت السيطرة الصليبية (اليهودية) إل أمريكا ،وتولت
هى – أساسا – حرب السلم وإن كانت حرب السلم – دائما – جهدا مشتركا بي كل أعدائه،
يقوم كل منهم بنصيبه فيه.
ف الفترة الول كانت اللعبة هى " الوطنية " من جهة ،والديقراطية " من جهة أخرى ،والذى يقوم
باللعبة هو الحزاب السياسية الت صنعها الغرب لتخدم أهدافه بعملية " التغريب " وعملية " التقريب ".
ف هذه الفترة ل ي كن ال سلم يارب حر با دمو ية عني فة (إل قرب نايت ها ك ما سنبي ف الف صل
القادم) إنا كانت الرب تتخذ صورة الزحزحة البطيئة (الكيدة الفعول) عن طريق الغزو الفكرى ،وعن
طريق مناهج التعليم ووسائل العلم ،وعن طرق إخراج الرأة إل الشارع وإفساد أخلقها وتويلها إل
" فتة " لنفسها وللرجل ،وعن طريق إياد مؤسسات سياسية ل تكم با أنزل ال ،وإعطائها ثقل " المر
الواقع ،والزعم بأنا هى الصورة الوحيدة المكنة ..إل ..ال ..ما فصلناه فيما سلف من هذا الفصل.
ف فى تلك الفترة ع ن الخططون بعدم مهاج ة الد ين هجو ما صريا مباشرا وإن هو جم ت ت ستار
ماربة " التقاليد " العتيقة البالية ولكن ف ذات الوقت يقلص السلم تقليصا تدرييا متزايدا حت يرج
تاما من الياة الواقعية ،ويصبح وجدانا ف داخل الضمي.
حي نيت الشريعة السلمية عن الكم ،وهاجت الواطر ،وقال السلمون ،بق إن هذا كفر ،قيل
للناس ل بأس عليكم من تنحية الشريعة السلمية (فهذا اجتهاد لأ إليه الاكم) ( )1ولكنكم ما زلتم
مسلمي ،ما دمتم تصلون وتصومون ،وتزكون وتجون.
ث سلط على المة من الوسائل الشيطانية -عن طريق قضية الرأة وما تبعها من الفساد اللقى ،وعن
طر يق ال سينما اللي عة والذا عة اللي عة والشوا طئ العار ية وال صحافة العار ية ،ال – ما ي صرف الناس
تدرييا عن الصلة والصوم والزكاة والج ،ث قيل للناس ل بأس عليكم وإن ل تصلوا وإن ل تصوموا.
فأنتم مسلمون ما دمتم تقولون ل إله إل ال.
() كانت السياسة دنسة بالفعل لنا ل تيسر علي النهج الربان .ولكن مهمة "عال الدين" هي العمل علي درها إل النهج الربان ,أي العمل لرد الكم للشريعة ل العمل علي إبعاد
1
الدين عن السياسة بجة أنا دنسة أو ملعونة!.
ولكى تتم القارنة جعل ف السلم كذلك رجال دين ث قيل للناس :القضية واحدة إما أن تكفو "
رجال الدين " عن التدخل ف السياسة والقتصاد والجتماع وقضايا الرأة وغيها من الشئون ،وإما أن
نظل ف جو العصور الوسطى الظلمة ولن نتقدم ونتحضر حت تصروا الدين ف مهمته السامية :تذيب
الشاعر وترقيق الوجدان ،وتكفوا " رجال الدين " عن التدخل :فيما ل يعنيهم " من أمور الياة.
وفـ هذا الوقـف مـن قبـل " الثقفيـ " يتجمـع السـم كله الذى وضعـه السـتعمار الصـليب لبعاد
ال سلمي عن ال سلم ..من هج دنلوب ف تق ي الل غة العرب ية ومدر سها ،ومدرس الد ين ،والز هر كله،
وإبعاده عن مركز الصدارة ،ووضعه ف زوايا الهال ،بيث يصبح تدخله ف أى أمر من أمور الجتمع
تدخل " فيما ل يعنيه " ومنهج الصحافة ف جعل الدين أمرا موسيا ،يلتفت إليه ف مناسبات معينة خلل
العام ،وي صرف الن ظر ع نه بق ية العام ،فل ي ستمع إل يه إذا تكلم ف غ ي تلك النا سبات الحدودة ،ل نه
يتكلم ف غي موضوعه الخصص له والتغريب ..وشبهات الستشرقي ..والزعماء العلمانيون ف الدب
والف كر ،وال سياسة والجتماع ..ول العناق إل أور با واعتبار كل ما حدث في ها هو ال مر ال صواب
الذى ينبغى أن يدث ف كل مكان.
m m m
ومهما يكن من أمر فقد ظلت الرب الصليبية اليهودية ضد السلم تتخذ هذه الصورة من الزحزحة
الستمرة البطيئة الكيدة الفعول ،حت فوجئت بالصحوة السلمية على غي انتظار.
ولن نتحدث هنا عن الصحوة السلمية ،فقد تركنا الديث عنها إل الفصل القادم ..ولكنا نقول
ه نا ون ن نتت بع الحداث إ نه ع ند نق طة معي نة ،سنتناولا بالد يث ف الف صل القادم ،تف جر ال صراع،
وختمت بريطانيا وجودها بصراع دموى مع الركة السلمية قتل فيه المام الشهيد حسن البنا بأيد "
مسلمة .تعمل بأمر الستعمار الصليب اليهودى ،وتنفذ له رغباته ف خنق الركة السلمية قبل أن يشتد
خطرها ،ويتسع الرق على الراقع.
ث جاءت أمريكا لتزيل " الستعمار القدي " وتأخذ هى مكانة ف النطقة السلمية ،وتتسلم بدل منه
راية الرب الصليبية اليهودية ضد السلم.
وتيز عهدها بتغييات جذرية ف اللعبة السياسية.
ف قد ا ستخدمت لرب ال سلم ف النط قة العرب ية بالذات عن صرين جديدة تا ما ،ل ع هد للمنط قة
بما :أولما النقلبات العسكرية ،وثانيهما الشتراكية.
m m m
النقلبات العسكرية
واستخدام الشتراكية لرب السلم
ل تكن تربة النقلبات العسكرية ف حرب السلم جديدة تاما بالنسبة للعبي الدد ف النطقة.
فقد سبقتها التجربة التركية على يد أتاتورك ،وكان الدبر القيقى لا هو اليهودية العالية ،لزالة الدولة
السلمية الت ترفض – بإصرار إعطاء اليهود وطنا قوميا ف فلسطي وسواء كان أتاتورك نفسه من يهود
الدونا التمسلمي ،الذين كانوا العنصر الفعال ف إزالة اللفة أو كان من غيهم (فالعروف حت الن
فقط أنه مهول الب ،وأن " أجد رضا " الذى ينسب إليه هو زوج أمه وليس أباه) ( )1سواء كان هذا
أو ذاكفقد قام بالدور الطلوب تاما ،فلم يكتف بإزالة دولة اللفة – العقبة القائمة يومئذ ف وجه إقامة
الدولة اليهود ية ف فل سطي بل ن كل بال سلمي تنكيل وحش يا فق تل من هم عشرات اللوف ،من علماء
الدين ومن التمسكي بالدين عامة ،وألغى الروف العربةي وأمر بكتابة اللغة التركية بالروف اللتينية
ليفصل الجيال الديثة عن تراثها السلمى فصل كامل ،ومنع الذان باللغة العربية ،وألزم الناس بلبس
القب عة ل كى ي صعب علي هم ال صلة ،وأ مر بإزالة الجاب الرأة ال سلمة ،وأل غى كل أ ثر للد ين ف وا قع
الياة ،بدءا بالشريعة السلمية والحاكم ..ومرورا بكل شئ يطر على البال
كا نت تلك التجر بة ف القي قة هى " الر صيد " الذى رج عت إل يه ال صليبية ال صهيونية و هى ت طط
لرب ال سلم ف النط قة ،والذى أقا مت على منواله " أتاتورك " آ خر ،هو جال ع بد النا صر ،ليقوم
بن فس الدور ..ولن فس الهداف ..وإن اختل فت الو سائل ب عض ال شئ ما ب ي أتاتورك الول ،وأتوتورك
الديد.
تيز هذا العهد بالعنف الجرامى ف ماولة القضاء على الركة السلمية ،والذابح الوحشية ،وفنون
التعذيب الببرية الت تعرض لا السلمون بالملة ،ما ل مثيل له ف التاريخ كله ،إل ما حدث من ماكم
التفتيش ف الندلس للقضاء النهائى على السلم هناك ,وقد كان اختيار " العساكر " حكام ف النطقة
مق صودا لذا ال مر بالذات ،ق بل أى شئ آ خر ،ك ما كان الق صود م نه كذلك إخضاع شعوب النط قة
بالقوة الرهابية لتقبل الصلح مع إسرائيل.
()2
ول نتعجل الديث...
() اقرأ ف هذا كتاب "الرجل الصنم" ترجة عن التركية عبد ال عبد الرحن ,طبع مؤسسة الرسالة بيوت ,واستمع إل من بقي حيا من التراك الذين عاصروا تلك الحداث.
1
() سيأت الديث عن ذلك ف فصل "الصحوة السلمية".
2
إنا يهمنا هنا أن نشي بكلمة إل استخدام " الشتراكية " ف حرب السلم.
ي ظن كثيون من " الط يبي " أن الشتراك ية ال ت ا ستخدمت ف النط قة كا نت واردة من رو سيا،
ويستدلون على ذلك بل شك بالتوغل الذى توغلته روسيا ف النطقة ف وقت من الوقات.
وقد كانت " اللعبة " متقنة ف القيقة لتؤدى إل هذا العتقاد عند الناس .لمر يراد.
هناك كتاب كان مقررا على طلبـة البكالوريوس فـ كليـة التجارة بامعـة القاهرة فترة مـن الوقـت،
ي مل عنوان " مرا حل التنم ية القت صادية ف البلد التخل فة " من تأل يف " والت رو ستو " و هو أ حد
أخوين يهوديي يعملن ف البيت البيض المريكى ( )1يقول فيه ما خلصته:
إن النطقة (يقصد ما يسمى بنطقة الشرق الوسط) ( )2معرضة للشيوعية ،بسبب فساد الكم فيها،
والفوارق الضخ مة ب ي الطبقات ،وانفاض م ستوى الد خل ،ول بد لعلج هذا ال مر من ر فع م ستوى
العيشة ،وتقريب فوارق الطبقات ،وإزالة الفساد الضارب أطنابه ف الكم .ول يكن رفع الدخل القوى
إل عن طر يق الت صنيع الثق يل .ول كن الت صنيع الثق يل ف البلد التخل فة ل ي كن أن يقوم به رأس الال
الفردى .لنه ل يقق أرباحا سريعة ،وقد يظل يقق خسائر لدة عشر سنوات أخو خس عشرة سنة ،ما
ل يتمله رأس الال الفردى .لذلك ينبغى أن تقوم به الدولة ،وذلك بإنشاء قطاع عام يظل يتسع تدرييا
حت يتوى القطاع الاص ف داخله .ولبد ف ذات الوقت من إنشاء زعامات ملية قوية تلتف حولا
الماه ي ل كى ل تت جه بب صرها إل رو سيا .وب عد أن يرت فع الد خل القو مى ،وتقرب فوارق الطبقات،
يكـن الرجوع إل نشاط رأس الال الفردى الرـ مرة أخرى ،بينمـا تكون شعوب النطقـة قـد كرهـت
الشيوعية تت وطأة التجربة الشتراكية الخففة.
هل بقى شئ من الصورة يتلف عن الواقع الذى طبق بالفعل.
نعم هناك شئ واحد ل يكن ف بال " والت روستو " وهو يصدر الشتراكية إل شعوب النطقة من
داخل البيت البيض لنه ل يكن يعيش ف النطقة ،وكان يتصور المور من وراء مكتبه ل من الشاهد "
اليدانية ".
ل قد جاء " التأم يم " إل م صر ف الو قت الذى كان " الو ظف " ي سب نف سه قد أدى كل واج به
الذى ي ستحق رات به عل يه ،إذا هو ح ضر ف اليعاد أو بعده بقل يل ،وان صرف ف اليعاد أو قبله بقل يل،
() علي نفس الطريقة الت ل يدخل فيها "العمل" ف مسمي "اليان"!!!.
1
() هذا بالطبع إل جانب القمع الوحشي الذي يقوم به عن طريق النقلبات العسكرية ف النطقة .ولكنا نقصد هنا الجالي الفكري والعقدي.
2
() رواه مسلم.
3
والشتراكية تقول للناس بلسان الال أو بسان القال :اتركوا عقيدتكم وخذوا هذه " العقيدة " فهى
العقيدة الصحيحة.
والشتراكية فوق لك تبدو للناس – وللشباب خاصة – ذات هدف جاد يستحق أن يعاش من أجله
وأن يعمل من اجله ،بينما تيع الغرب وتفكك وانل ،فلم يعد له هدف جاد ييا من أجله غي النتاج
الادى ،وهـو هدف ل يشبـع النفوس ولو كانـت منتكسـة كنفوس الناس فـ هذه الاهليـة (وهذا الذى
يعل الشيوعية تايل الشباب ف غرب أوربا وف أمريكا رغم الوضع القتصادى العقول الذى يعيش فيه
الفرد العادى هناك ،والذى يسره حي تكم الشتراكية!!)
ومن أجل ذلك تلك الشتراكية ف مال حرب السلم أكثر ما يللك الغرب الفاسد التميع النحل!
فضل عن كون " الشتراكيي " بكم تكوينهم الفكرى العادى للدين أعنف وأوقح ف مهاجة السلم!
ومـن أجـل ذلك يوضعون فـ منطقـة النفوذ المريكـى فـ مالت التوجيـه الفكرى :فـ الصـحافة
والذاعـة والسـينما والتليفزيون والسـرح والكتاب ،ليقوموا – مـن هذه الجالت كلهـا – بحاربـة
السلم!
وهنا يبدو " إلشكال " ف " اللعبة " يتاج إل إيضاح.
ك يف يت صور أن أمري كا ت ستخدم عدوت ا اللدود ف منط قة نفوذ ها ب حض رغبت ها ،بل بتوجيه ها
وأمرها لعملئها ف منطقة نفوذها؟
وكيف يتصور من جانب آخر أن تدخل روسيا ف اللعبة إذا كان القياد ليس لا ،والصلحة الخية
التحققة ليست لا ولكن لغريتها أمريكا؟!
أما أنه ف منطق العقل إشكال ..فنعم!
أما ف ننطق السياسة فهوى يرى ببساطة تامة ،ويثل معلما بارزا من معال هذه القبة التاريية الت
تعيشها النطقة السلمية ،وتدور با الدوامات السياسية العالية ،وهى غثاء كغثاء السيل ،ل يلك نفسه
عن الدوران ،ول يتار حت الكان الذى يدور فيه!
أما من ناحية أمريكا فخذ هذه الواقعة:
تركيا من مناطق النفوذ المريكية الت ل شك فيها .وف وقت من الوقات أحست أمريكا بوجود
حركة إسلمية بدأت تظهر ف وسط الشباب ،فقامت بانقلب عسكرى لقمع الركة السلمية ،على
عادت ا ف تكليف النقلبات الع سكرية بذه اله مة ف النط قة .ول كن الرب القبصية ال ت قا مت سنة
1964أشعلت الروح ال سلمية ف ال يش ذا ته! وذلك ح ي أحا طت الدبابات اليونان ية بالقرى
السلمية وحاصرتا ،ومنعت عنها الطعام والاء والدواء ،فانتشرت الوبئة فيها ،فتحرك اليش التركى
بروح إسلمية لضد الجمات الصليبية!
عندئذ أسقط ف يد أمريكا " ..فالعسكر " هم أداتا الفضلة لقمع الركات السلمية .فإذا سرى
ال سلم ف ال يش ذا ته ف ما الع مل؟ عندئذ أ صدرت أمري كا أوامر ها للحكو مة الترك ية بإطلق نشاط
الزب الشيوعى التركى بعد أن كان مظورا النشاط ،لتستعي لصد السلم!! وتذكر الصحف الصادرة
وقتئذ أن بعض الوزراء وافقوا على هذا المر ورفضه آخرون ،فأمر العارضون بتقدي استقالتم!
وأما من ناحية روسيا فخذ هذه الواقعة:
ف الرب " اليديولوجية " الت قامت بي الصي وروسيا ف الستينيات من هذا القرن اليلدى (،)1
تبادلت الصي التامات مع روسيا ،وكان من أشد ما اتمت الصي به روسيا أنا خانت البادئ الليننينة
الستالينية ،وصارت تقدم مساعدات لكومات تدور ف فلك أمريكا كحكومة مصر ،وبعض الكومات
الخرى ف النطقة .وردت روسيا بأنا ل تهل أن هذه الكومات تدور ف فلك أمريكا ،ولكنها ترى
أن وجودها ف داخل تلك البلد خي لا من أن تكون واقفة ف الارج ،تتفرج من بعيد!
وهكذا تتم اللعبة ..أمريكا تستخدم نشاط الشيوعيي ف منطقة نفوذها لحاربة السلم وتضع ف
أيدي هم و سائل العلم ليقوموا ل ا بتلك اله مة ،بشرط أل يروجوا على حدود اللع بة ،ول يت سلموا "
السلطة " ف النطقة ..فإا اغتروا بأنفسهم ،وظنوا أنم قوة حقيقية ،وأقامو انقلبا شيوعيا ،تذبهم أمريكا
ذبا كما صنعت ف أندونيسيا عام 1965وف السودان عام 1970م .وها الرتان اللتان تاوز فيهما
الشيوعيون حدود اللع بة الت فق علي ها! أ ما ف غ ي ذلك ف هم يعملون – بإذن أمري كا ،بل بتوجيه ها –
لحاربة السلم .وروسيا ترضى بدورها الثانوى ف اللعبة لن هذه ليست منطقة نفوذها الصلية ،التفق
علي ها ف توز يع منا طق النفوذ بين ها وب ي أمري كا ( )2إن ا هذا " النشاط إضا ف " تقوم به رو سيا ل صال
العسكرين معا ،إذ السلم هو العدو الشترك لكل العسكرين ،وأى جهد يقوم به أحد العسكرين ف
هذا السـبيل يغطيـه العسـكر ال خر ويباركـه ،كمـا قامـت روسـيا (بالتفاق مـع النـد) بتفتيـت وحدة
باك ستان ل ساب أمري كا (ول سابا الاص أي ضا) وك ما تقوم حال يا بحار بة ال سلم ف أفغان ستان
() ل تكن الرب أيدلوجية ف حقيقتها! ولكن الصي قد توصلت إل صناعة القنبلة الذرية فلم يعد هناك مبر ف حسها للخضوع لروسيا بينما شعبها يبلغ أكثر من ثلثة أضعاف
1
الشعب الروسي .ولكن سترت تردها باللف اليدلوجي!.
() اتفقت أمريكا وروسيا اتفاقا غي مكتوب ,ولكن له ثثقل المر الواقع علي أن تترك أمريكا الشرق القصي لروسيا ,وتترك روسيا "الشرق الوسط" لمريكا بصفة عامة ,وإن
2
كانت تدث بعض التدخلت من هنا ومن هناك ولكنها تدخلت هامشية وغي حاسة!.
بضراوة وحشية لسابا (ولساب أمريكا ف ذات الوقت) (.)3
ول يس يعني نا من أ مر هذه اللع بة ف القي قة أن نتت بع ل ساب من ت تم ..ف هى ف ج يع الحوال ت تم
ل ساب أعداء ال سلم يت صارعون في ما بين هم صراعا شديدا على م صال كل من هم الا صة ،ولكن هم
بالنسبة للسلم ينسون صراعاتم ،وينسون عداواتم ،ويقفون صفا واحدا لحاربته وماولة القضاء عليه.
إنا الذى يعنينا ف تتبع وسائل الكيد الذى يكيد به العداء للسلم ،أنه ف " الرحلة الشتراكية "
كان الجوم على السلم أشد ،وأوقح ،وأوسع دائرة ما كان ف الرحلة السابقة.
أ ما من ناح ية الشدة ف قد صار الد ين يها جم جهرة ب عد أن كان الجوم ف الرحلة ال سابقة ملفو فا،
يأخذ صورة مهاجة " التقاليد " ل مهاجة الدين ف ذاته .وصار الدين هو " الرجعية " الت ينبغى القضاء
عليها ،بعد أن كانت الرجعية ف الرحلة السابقة هى " أفكار " رجال الدين التزمتي ،الت ينسجونا من
عند انفسهم ويلصقونا بالدين!
أما الوقاحة فربا يكفى فيها هذه النماذج الثلثة:
ك تب م مد ح سني هي كل – و هو أمري كى ول كن " الفترة الشتراك ية " جرأ ته على الجوم على
ال سافر على ال سلم – إن التقدم التكنولو جى قد أحال أك ثر الك تب (النلة) قدا سة إل أوراق صفراء
تفظ ف التحف!
وكتب أحد الشيوعيي (ل يذك اسه) بناسبة الي الزعوم الذى كان سيفيض على البلد من جراء
السد العال :إن هذه الصحراء قد بقيت ف يد " ال " " مليي السني فظلت كما هى صحراء جرداء.
لا تسلمها " النسان " حولا إل مروج خضراء!
ور سم صلح جاه ي (ر سام " الكاريكات ي " العروف) صورة هزل ية ف جريدة الهرام ر سم في ها
رجل بدو يا (ير مز إل ر سول ال )eير كب حارا ف و ضع مقلوب (أى رأس المار ف اتاه وو جه
الرجل ف التاه الضاد رمزا " للرجعية ") وف أرضية الصورة ديك وتسع دجاجات ،وعنوان الرسم" :
م مد أفندى جوز الت سعة) و هو هجوم سافر على ش خص ر سول ال eوزوجا ته الت سع ،ل ي سبق له
مثيل ف أية صحافة " إسلمية! " على الطلق ،بل لعل الصحف الصليبية ذاتا ل تتوقح هذه الوقاحة.
وأما اتساع الدائرة فمنشؤه أن الشيوعية – ف حربا الشديدة للدين – أطلقت مموعة من الدعاوى
() كتب هذا الكلم كله ف الوقت الذي كانت المور تسي فيه علي هذه الصورة بي أمريكا وروسيا ,وبعد ذلك تغيت الصورة حي انارت الشيوعية وانفردت أمريكا -مؤقتا -
3
ل عن أن اللعبة قد تتغي من وقت
بالسيطرة العالية .ولكن يظل من الضروري شرح الصورة الت كانت تسي عليها المور ف تلك القبة من التاريخ ,لخذ العبة منها للحاضر ,فض ً
() ناقشت هذه القضايا كلها مناقشة تفصيلية ف فصل "الشيوعية" من كتاب "مذاهب فكرية" لن أراد الرجوع إليه.
1
()كان من بطولته الفذة -الصطعنة -انسحاب ققوات اللفاءء من النضول أمام هجماته!.
2
القومية العربية"..إخ..إل ( )1وف ظل هذه " البطولت" كلها يذبح السلمي ويعمل عبد الناصر جاهدا
()2
لقتل الركة السلمية لكي تأمن إسرائيل!
ولسنا هنا نؤرخ لعبد الناصر ..ولسنا كذلك نؤرخ لذه القبة الطية من حياة المة السلمية إنا
نن فقط نتتبع الطوات العريضة لحاولت العداء للقضاء علي المة السلمية والقضاء علي السلم
ونتتبع الوسائل الت استخدموها ف هذه الزب الضارية الت شنوها علي السلم.
ولكنـا نلخـص الوقـف كله فـ نايـة هذا الفصـل،ــ فنقول إن موقـف العداء ،سـواء فـ الغزو
العسكري ،أو الغزو الفكري،أو فتنة السلمي عن دينهم بكل الوسائل ليس أمرا مستغربا منهم،أيا كان
القدر الذي يشتمل عليه من السة والكر ،والديعة واللؤم والببرية والوحشية ..فهم هم كما وصفهم
ال ف كتابه النل
{وَلَ ْن تَرْضَى َعنْكَ اْلَيهُو ُد وَل الّنصَارَى َحتّى َتّتبِ َع مِّلَتهُمْ} [سورة البقرة ]2/120
{وَل يَزَالُو َن ُيقَاتِلُوَنكُمْ َحتّى يَرُدّوكُ ْم عَنْ دِينِكُمْ ِإنْ ا ْستَطَاعُوا} [سورة البقرة ]2/217
{ل يَرُْقبُونَ فِي ُم ْؤمِنٍ إِ ّل وَل ِذ ّم ًة َوُأوَْلئِكَ هُ ْم الْ ُم ْعتَدُونَ ([ })10سورة التوبة ]9/10
سهِ ْم مِ ْن َبعْدِ مَا
{وَدّ َكثِ ٌي مِ نْ َأهْ ِل اْلكِتَا بِ َل ْو يَ ُردّوَنكُ ْم مِ نْ بَعْدِ ِإيَانِكُ مْ ُكفّارا حَ سَدا مِ نْ عِنْدِ أَنفُ ِ
َتَبيّنَ َلهُ ْم الْحَقّ} [سورة البقرة ]2/109
ك ُط ْغيَانا وَ ُكفْرا} [سورة الائدة ]5/64
ك مِنْ َربّ َ
{وََليَزِي َدنّ َكثِيا ِمْنهُمْ مَا أُن ِزلَ إِلَيْ َ
أما السلمون فهم يتحملون تبعه ما حل بم من كيد أعدائهم ،وما حل بم من هوان وضعف ول
يستطيعون أن يتجوا ف الياة الدنيا ول بي يدي مولهم ف الخرة بأن اعداءهم كادوا لم وفعلوا بم
ما فعلوا ،ول يكن لم ميص
إن هذا الكيد بكل ضراوته الت أشرنا إليها ،وكل مكره وخبثه ودنسه ،ليس ابن اليوم ل ابن المس
القريب ،إنا عمره أربعة قرنا ونيفا ة أي منذ نزل هذا الدين ..ل يكف إل رثيما يشتعل من جديد!
ول كن ال تعال شأ نه قال ل نا ف كتا به النل ب عد أن علم نا كل شئ عن مو قف العداء وكيد هم،
صبِرُوا
وماولت هم الدائ مة لفت نة ال سلمي عن دين هم ،وزحزحت هم ع نه – قال سبحانه وتعالَ { :وإِ ْن تَ ْ
َوَتّتقُوا ل يَضُرّ ُكمْ َكيْ ُدهُمْ َشيْئا} [سورة آل ]3/120
ول يكـن الصـب الذكور فـ اليـة الكريةـ – ول كانـت التقوى – تيمـة يعقلهـا السـلمون على
() انظر -إن شئت -فصل "اللاد" ف كتاب "مذاهب فكرية معاصرة". 1
() ف فصل "الدين والكنيسة" من كتاب "مذاهب فكرية معاصرة" .تفصيل لافعلت الكنيسة الوربية ,ما أدي إل نفور أوربا من الدين. 2
() نتكلم عن الصحوة السلمية ف مصر ,لننا آثرنا -كما أشرنا ف الفصل الاضي -أن نتتبع التجربة الصرية من بدء النسلخ عن السلم إل بدء العودة إليه .لذلك ل نتكلم عن 3
حركة ممد بن عبد الوهاب السابقة ف الزمن عن الصحوة الصرية ,والت كان لا تأثيها عيلها دون شك ,كما ل نتحدث عن حركة الماعة السلمية ف شبه القارة الندية علي يد
الودودي وغيها من الركات العاصرة ,ولكن القارئ -من أي بلد إسلمي -سيجد فيما كتبنا مشابه ما حدث ف بلده ,سواء عن الغزو الفكري أو عن الصحوة السلمية.
كان الناس – قبل الصحوة السلمية – قد انقسموا – ف عمومهم – إل فريقي متباعدين ل يكاد
يربط بينهما رابط كأنما أمتان منفصلتان وإن تشابت بينهما الساء.
فر يق " التدين ي " الحافظ ي على رأ سه أ صحاب الثقا فة ال سلمية من خري ى الز هر ويش مل
كذلك كبار ال سن من سكان الدي نة الذ ين حافظوا على تقاليد هم ال سلمية " ف و جه الطوفان وإن
كانوا قد اعتزلوا الجتمع ناة بأنفسهم من ذلك الطوفان كما يشمل أهل الريف الذى ل تكن قد غزته
الو جة الكا سحة ب عد ف هو على حاله ال ت كان علي ها م نذ قرون شد يد الحاف ظة على تقاليده – ف
الصعيد خاصة – ولكن حظه من الوعى ضئيل ف كل اتاه " والدين " عنده ل يعدو أن يكون مشايخ
وأضرحة وكرامات وأولياس ..و " تقاليد ".
وفريق اته إل الضارة الغربية على أنا طريق اللص من كل ما أصاب العال السلمى من أمراض
وعلى رأسـها التخلف الضارى الذى اعتـبوه عقدة العقـد وعلة العلل وهـو الذى يتاج إل العلج
العاجل وعلجه عندهم هو أخذ الضارة الغربية بيها وشرها -إن كان فيها شرا ل مالة من ذلك
ك ما قال طه ح سي وإن كان هذا الفر يق قد انق سم إل ق سمي تاه " الد ين " أحدها يرى نبذة كليه
كما نبذته أوربا لنه هو سبب التخلف وسبب المراض كلها والخر يرى أنه ل بأس من بقائه على
أن " يلزم مكا نه " ل يتجاوزه .ومكا نه هو أن يكون عل قة خاصة ب ي الع بد والرب مل ها القلب ول
شأ نه ل ا بوا قع الياة ..فلي كن " الد ين " اعتقادا ف ال واليوم ال خر ولي كن شعائر تعبد ية ( )1ول كن
لينبغـى له أن يزيـد على ذلك وليـس له أن يتدخـل فـ شـئ مـن أمور الياة السـياسية والقتصـادية
والجتماعية ول علقة له عموما بالمور " التطورة " وف مقدمتها قضية الرأة فهذه كلها تستمد من
الضارة الغربية وتستورد من هناك!.
القريق الول :يمل تراث ما يزيد عن ثلثة عشر قرنا ويعتز به ويافظ عليه ولكنه ل يدرك على
وجه التحديد أى شئ من هذا التراث هو من حقيقة هذا الدين وأية قد وفد عليه من خارجه أو انراف
عن طريقه الصحيح .ث هو يزداد اعتزازا بذا التراث واحتضانا له وتسكا به كلما أحس بتوغل التيار
الغرب ف حياة المة .ويس – بالفطرة – أن هذا التيار موجه ضد دينه وأخلقه وتقاليده فيفضه كله
وينظر إليه نظرة الذر والتوجس وياول قدر استطاعته أل يسه من دنسه شئ.
والفر يق ال خر بق سميه النا فر من الد ين كل ية أو الذى يرى ح صره ف نطا قه الوجدا ن والتعبدى
وعزله عن بقية الياة هو الفر يق الذى تشرب ال سم الذى ب ثه الغزو الفكرى ف نفوس :الثقف ي " كل
() ل يكن كثي منهم يؤؤدي الشعائر التعبدية ,إنا كانوا يعتبون ذلك جائزا لن أراد!!. 1
بقدر ما عب من هذا السم وكل بقدر ما استراح للقدر الذى تشربه من السموم.
وعملء الغزو الفكر ف الداخل والخططون له من الارج يدون لذا الفريق ف الغى ليدفعوه دفعة
جديدة بعيدا عن السلم ويستخدمون ف ذلك كل وسيلة ويتخذون من موقف الفريق الول ذاته مادة
للتنفي من الدين وتشويه صورته ف نفوس الناس.
هـل تريدون الديـن.؟ انظروا إل هؤلء الشايـخ انظروا إل تزمتهـم وتعصـبهم وضيـق أفقهـم وقلة
وعيهم وقلة خبتم با يرى ف الدنيا من حولن ..إنم يعيشون بعقلية " القرون الوسطى " ويريدون
أن يكموا على الا ضر " التطور " بعقليت هم التأخرة تلك ..وأ ن لعجلة التطور أن تتو قف من أجل هم؟
بل ستمضى ف طريقها وتسحقهم سحقا.
و قد كان ف مو قف هذا الفر يق ما يعي به ح قا – ر غم طيب ته وإخل صه – و ما يعله مادة ي ستغلها
شياطي الفريق الخر لتنفي الناس من الدين.
فم ي كن تق ي الرأة وإزدراء دور ها ف الياة ور فض تعليم ها وتثقفي ها م ا أ مر به ال سلم أو م ا
يرضى عنه السلم و هو الذى فرض العلم على كل مسلم ووجه الناس جيعا – رجال ونساء – أن
يتدبروا أمور الكون من حولم وأن يكون لم موقف واع ما يعرض لم من أحداث.
ول يكن رفض العطيات الصالة ف الضارة الغربية كالعلم والتقدم الادى واستخدام اللة لتحمل
عن النسان عبء الهد البدن الشاق وتنظيم الياة وترتيبها والدراسة العملية للمشاكل وللحلول ..ل
ي كن ر فض ذلك كله متمش يا مع روح ال سلم القيق ية ول متمش يا مع ن ج الجيال الول أف ضل
أجيال السلم وأعلمها بقيقة هذا الدين.
ول يكن الوقوف عند قضايا القرن الامس الجرى – على أحسن تقدير – كأن ل تض قرون بعد
ذلك ول تغي ف حياة الناس شئ ..ل يكن ذلك تشيا مع روح السلم الدافعة النامية على الدوام الت
تستوعب ما يد ف حياة الناس نتيجة زيادة معرفتهم بالكون النادى وزيادة قدرة النسان على تسخي
هذه العرفة ف عمارة الرض أمر ل يأباه السلم لنه داخل ف الهمة الت خلق ال النسان من اجلها
وهى تعمي الرض بقتضى النهج الربان .بل السلم يأمر به أمرا ويوجه إليه توجيها صريا:
ْهـ النّشُورُ (})15
ِهـ َوإِلَي ِ
ِنـ ِرزْق ِ
ْضـ ذَلُولً فَامْشُوا فِي َمنَا ِكبِهَا وَ ُكلُوا م ْ
ُمـ الَر َ
{ ُهوَ الّذِي َجعَلَ َلك ْ
[سورة اللك ]67/15
{ َوسَخّرَ َلكُمْ مَا فِي السّ َموَاتِ َومَا فِي الَ ْرضِ جَمِيعا مِنْهُ} [سورة الاثية ]45/13
ُهوَ أَنشَأَكُ ْم مِ ْن الَ ْرضِ وَا ْسَتعْمَرَكُمْ فِيهَا} [سورة هود ]11/61
ول ي كن النزواء عن حر كة العال الوارة وح صر منا هج التفك ي ف القوالب الورو ثة من أجيال
فضل عن كون قضايا التفكي ذاتا هى الوروثة من تلك الجيال ..ل يكن ذلك ما يأمر به السلم أو
يرضى عنه ..صحيح أن ف حركة العال الوارة كثيا من السوء ف حكم السلم وهذا السوء يفد إل
العال السلمى ف موجات متلحقة كالطوفان ..ولكن الوقف الصحيح عندئذ هو بناء السفينة الصالة
وعبور الطوفان با حت تصل إل بر المان وليس النزواء على البل الذى ل يعصم من الاء.
ل قد كان الطوفان الذى تور به الياة ف الغرب وت فد موجا ته التلح قة إل العال ال سلمى ف
حا جة إل رؤ ية إ سلمية صحيحة عمي قة تش خص الداء وتقدم الدواء وتر شد التائه ي وتدل م على
السلك الصحيح ..أما العتصام بالاضى ونفض اليد من الاضر ..فلم تكن له نتيجة عملية إل الغرق
ف الطوفان..
ول شك عندنا ف إخلص هذا الفريق من التديني ..ولكن الخلص وحده ل يكفى بل لبد معه
من البصية:
{قُ ْل هَذِ هِ َسبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّ ِه عَلَى بَ صِ َيةٍ أَنَا َومَ ْن اّتبَعَنِي وَ ُسبْحَانَ اللّ هِ وَمَا أَنَا مِ ْن الْمُشْرِكِيَ (
[ })108سورة يوسف ]12/108
ل قد كانوا يملون التراث ال سلمى – ب ا يتو يه من انرافات ال سلمي خلل القرون ويعتزون به
على أنه هو " السلم " وكانوا يدركون جيدا أن موجة التغريب الكاسحة تتجه إل هذا التراث لتفتك
به وتق ضى عل يه فيحتضو نه أك ثر ليحموه من الجوم الو جه إل يه ولكن هم كانوا – بالت هم ال ت كانوا
علي ها – عاجز ين عن ت صحيح هذا التراث وتنقي ته م ا أل به من أمراض وانرافات ..ول ي كن هو –
بالته الت كان عليها – قادرا على الياة (.)1
لذلك ل ي كن لذا الفر يق ذا ته قدرة على المتداد في ما يل يه من أجيال ..إن ا كان يتذاوب ويتضاءل
على الدوام إما بالعزلة وإما بالوت ..ويلى السبيل لوجة التغريب الكاسحة تتسع على الدوام
وكان الخططون ف سرور بالغ – ول شك – بذه الال.
فحيـ يتذاوب هذا الفريـق ويتضاءل تنداح الوجـة بل حواجـز وتزول العقبات كلهـا مـن طريـق
التغريب .ول تبقى إل مشكلة التديني ف الريف – وف الصعيد خاصة – وهذه الشكلة – على الدى
– لا حلول
فحلها – كما طلب الكاتب اليهودى المريكى " مرو برجر “ Morroe Bergerف كتابه "
() ليس القصود هنا هو التراثث بعناه العلمي الصطلحي ,إنا هو الياث التاريي للمسلمي ,وهذا كان ف حاجة إل تنقية جذذرية ,لا دخله ف خلل الجيال الخية خاصة من 1
انرافات (انظر فصل "خط النراف").
العال العر ب اليوم “ )1( The Arab world Todayأن ت صب الدي نة خل صة ح صيلتها " ف
الر يف لطاردة بقا يا ال سلم هناك سواء كا نت خل صة ح صيلتها الضار ية هى ال سينما الداعرة أو
الذاعة الداعرة أو الصحافة الداعرة (وذلك قبل وصول البامج التليفزيونية الداعرة) (.)2
على أن الريف – وإن كان مطلوبا إفساده ف النهاية لكى ل يرسل إل الدينة أفرادا متديني يتاجون
إل جهد لفسادهم ولكى ل يد السلم له " مأوى " ف أى بقعة من الرض ( – )3فإنه ل يثل خطرا
عاجل ل نه " متخلف " بطب عه و من ث ف هو ل يس م صدرا " للعدوى " أى أ نه من ال ستحيل على أ هل
الدينة الذين " ترروا " و " تضروا " و " تطورا " أن يقلدوا أهل الريف ف شئ أصل ل ف عقائدهم
ول ف أفكارهم ول ف أناط سلوكهم .ومن ث فإن الدين – وإن كان الطلوب موه من الريف على
الدى الطويل – ل يكن أن ينتقل من الريف إل الدينة بصورة تؤثر ف سي الريف على الدى الطويل –
ل يكن أن ينت قل من الر يف إل الدينة بصورة تؤ ثر ف سي الحداث في ها فترد ها إل التدين ب عد أن
انسلخت منه .أما الفراد التدينون الذين يأتون من الريف يملون معهم جراثيم " التخلف " فسرعان ما
يذوبون ف الدينة و " يتطهرون " من تلفهم أو ينوون ف ركن منها مع الستضعفي من النوين.
وبذا يكون " الد ين :قد ان صر ف " التخلف ي " سواء كان أولئك التخلفون هم " الشا يخ " من
أ هل الدي نة " ذوى العقول التحجرة لتعف نة الرجع ية ( )4أو هم أ هل الر يف ال سذج الهلء الذ ين ل
ي ب أ حد لنف سه أن يكون من هم ..وكان هذا ول شك نا حا للمخطط ي والوجه ي الذ ين كانوا قد
بثوا من قبل ف أذهان " الثقفي " أن الدين تلف أو أنه هو التخلف بعينه ..فإذا انصر الدين بالفعل ف
" التخلفي " الذين يشهد الناس تلفهم فهذا مصداق القول وأصبح سلخ " الثقفي " من دينهم أيسر
– إن كان قد بقى لم دين ويكفى أن يقال للمرء " الثقف " أتريد أن تكون كالتخلفي من الشايخ أ
من أهل الريف حت ينسلخ من فوره لينفى عن نفسه تلك التهمة الكريهة البغيضة :تمة التخلف (!)5
() سبقت الشارة إليه .وهذذا الكتاب ل ينل ف اعتقادي حظه من الدراسة الادة ,مع أنه يلقي كثيا من الضوء ل مططات العداء لحاربة السلم. 1
() عن جال عبد الناصر عناية خاصة بإيصال "خلصة الصيلة الضارية" إل الريف .ومن بي هذذه العناية تررتييب رحلت للريفييي والريفيات إل الشواطئ العارية ببلغ رمزيي 2
زهيد ل يتجاوز جنيها ونصف جنيه لفترد أسبوعي كاملي ,تشمل نفقات السفر والقامة ....حت تري الريفيات مناظر العري الدنس ,ويذهب ما ف نفوسهن من الياء الفطري,
وتنتهي "الشكلة".
() ل يطلب "مرو برجر" بصب خلصة الصيلة الضارية علي الريف فقط ,ولكن علي البادية كذلك ف البلد الت فيها بادية ,بعد أن قرر -بوضوح -أن السلم قد ضعف ف 3
"الدينة الصنعة الهلة بالسكان" وما زال قويا ف الريف والبادية!.
()هكذا كان "الشايخ" دائما يوصفون بعد أن فعل بم مطط "دنلوب" ما فعل ...وبعد أن انزووا أما تيار التغريب الذي سيي "تيار الضارة" ...وكانوا بالفعل ل يثلون تيارا حيا 4
ل عن الستقبل.
قادرا علي توجيه الاضر فض ً
() علي أحد الشواطئ أرادت فتاة أن يصورها الصورجالسة علي رمال الشاطئ بلباس البحر ,وكانت -علي عريها -ما تزال تمل شيئا من بقايا الياء الفطري ,ولكن هذا الوضع 5
"الحتشم!!" ل يعجب الصور فطلب منها أن تلس ف وضع أكثثر تبذلً ,فأبت ....فقال لا -ليستفزها -هل أنت فلحة أم ماذا؟! وف الال كانت الفتاة علي الوضع الطلوب...
لتنفي عن نفسها التهمة الكريهة البغيضة ...تمة التخلف!.
وف كل يوم تد منسلخي جدد ا يبتلعهم تيار التغريب وتصبح الوجة النسلخة هى الغلبة وهى الت
تقرر صورة الجتمع وتقرر – ف حس أصحابا – مصية كذلك.
فرجال السياسة البارزون الذين يصولون ويولون وتلتف حولم الماهي سواء أكانوا ف الكم
أم كانوا من العارضي كلهم من العلمانيي الذين تنص لوائح أحزابم نصا صريا على عدم " الوض "
ف المور الدينية.
ورجال الف كر والدب البارزون الذ ين تن شر ل م ال صحف والجلت آراء هم وكتابات م ومعارك هم
الفكر ية والدب ية وتتلقف ها الماه ي هم كذلك من العلماني ي الذ ين أبعدوا الد ين إبعادا من فكر هم
وانتاجهم إل أن يسخروا به بي الي والي بقد ما كانت تسنح الفرصة ف ذلك الي.
ورجال القت صاد البارزون الذ ين يقتحمون اليدان القت صادى " الوطنـ " وتش ي الصـحف إلي هم
وتتبع أخبارهم وتثي إعجاب الماهي بم هم من العلمانيي الذين أباحوا الربا وقرروه أصل ثابتا من
أصول " القتصاد الديث " التطور ومن أصول " القوة القتصادية " الت ينبغى أن نصل عليها لنتحرر
من قبضة العداء.
ورجال الفن – ونساؤه – الذين يقومون بدور الترويح و " الترفيه " عن الماهي كلهم – بطبيعة
الال – من الذ ين انلت أخلق هم من ق بل فكان النلل ذا ته هو الؤهل الذى يؤهل هم لدخول عال
الفـن وهؤلء قـد جعلت منهـم الصـحافة " نومـا " و " أبطال " يسـعى الولد والبنات إل تقليدهـم
والتشبه بم ول يكف الجتمع عن التطلع إليهم والشادة بم والتحدث عنهم والهتمام بشأنم ..بل
أصبحوا هم الطبقة الرموقة الت تظى بالحترام وتظى بالتقدير.
فأى شئ بقى ف حياة الناس ل تشكله أيدى النسلخي من الدين الداعي إل التغريب تت عنوان
من العناوين.
و ف هذا ال و والناس – بفريقي هم – على هذه ال صورة ..قا مت ال صحوة ال سلمية – مفاجئة ف
جيع التاهات لا كانت عليه حياة الناس ..فكانت منعطفا حادا ف الطريق.
m m m
كا نت الفاجأة الول أن الذ ين يملون الدعوى إل ال سلم ف هذه الرة هم " الفند ية " ولي سوا
" الشايخ ".
وكا نت هذه كذلك هى الطا مة ال كبى .فحين ما ن ح الخططون ف ح صر " الد ين " ف الشا يخ
وسلخ " الفندية " منه كان ذلك ف حسهم نصرا مؤزرا لنم بذلك قد حصروه ف العنصر التخلف
النقرض الذى ليس له امتداد ..أما اليوم فماذا يفعلون " بالفندية " حي يملون الدين.
لقد كان " الفندية " هم حلة التغريب وهم ف الوقت ذاته الداة الت يستخدمها الخططون لر
ال مة كل ها إل العبود ية للغرب والن سلخ من ال سلم باعبتار هم حلة الثقا فة وحلة العلم وحلة
الضارة وحلة الرقى وحلة الوعى وعنوان التقدم.
وقد كان تغيي الزى ف ذاته مقصودا لمر يراد..
فقد كان مع الزى " الوجهة "..
أى أن الذى يرتدى زى الغرب يتجه ف الوقت ذاته إل الكان الذى استورد الزى منه فيستورد منه
أفكاره وتقاليده وأناط سلوكه ونظم حياته ..السياسية والقتصادية والجتماعية ..وف كل اتاه.
وكان تقسيم المة إل فريقي متميزين ل رابط بينهما مقصودا كذلك لمر يراد..
فالشايخ يتجهون إل الشرق ..إل السلم ..ويضفى عليهم من صفات المود والرجعية والتخلف
ما ينفر " اليل " منهم ويبعدهم عن أن يكونوا قدوة لى مقتد ( .)1و " الفندية " يتجهون إل الغرب.
إل أوربا ..وينسلخون من السلم ويضفى عليهم من صفات التقدم والرقى وسعة الفق وعمق الدراك
ومسايرة ركب الضارة ما يعلهم القدوة لن أراد القتداء (....)2
لذلك كان تغيي الزى يمل معه بالفعل تغيي التاه..
فاليوم تأ تى الفاجأة من أن الذ ين غ ي ل م زي هم ليغيوا وجهت هم هم أنف سهم – بزي هم – الذ ين
يعودون إل السلم ويملون الدعوة إليه.
m m m
وكا نت الفاجأة الثان ية أن دعاة ال سلم الدد من " الفند ية " ل يقفون مو قف " المود " من "
الضارة الغرب ية " فيفضو ها جلة ويأبوا أن يأخذوا أى شئ من ها بل إن م يعلنون إن في ها أشياء ناف عة
ينب غى أخذ ها وال ستفادة من ها كالتقدم العل مى والتقدم التكنولو جى والروح العمل ية وعبقر ية التنظ يم
وفي ها أشياء ضارة ل ينب غى للم سلم أن ي قع في ها كاللاد والك فر والف كر الادى الذى ين كر وجود
الالق سبحانه أو ين كر تدبيه ل كل شئون الكون والف ساد الل قى الذر يع الذى يه بط بالن سان إل
()3
وآل ية الياة ال ت تن فى الشا عر الوجدان ية وتبعد ها عن مال " الياة الدرك اليوا ن بل أ سفل م نه
() وكان ف موقفهم الذات -كما أسلفنا بيانه -ما يساع العداء علي إضفاء هذه الصقات عليهم ,وما يصدّق هذه الصفات. 1
() وكان لم من قشور الثقافة ومظاهر الضارة الادية ما يساعد العداء علي إضفاء هذه الصفات عليهم بيث تبدو كأنا حقيقة. 2
ضلّ} [سورة العراف .]7/179
ك كَالَْنعَامِ َبلْ هُ ْم أَ َ
() يقول تعال عن أمثالمُ { :أوْلَِئ َ 3
العملية " والفردية النانية التت تقطع الروابط السرية والروابط النسانية ..وفيها إل جانب هذه وتلك
نظم سياسية واجتماعية واقتصادية يتلط فيها الي والشر فأما الشر فينبغى نبذه ل مالة وأما الي –
أى ما كان موافقا للسلم – فينبغى أخذه من مصدره الربان النل من عند ال..
ول تكن هذه الفاجأة أخف وقعا على الخططي من الول..
فك ما كان زى الشا يخ – الذى نفروا م نه ال يل الد يد ب كل و سائل التنف ي – سلحا ف أيدي هم
يسـتخدمونه لرب السـلم فسـقط مـن أيديهـم حيـ صـار " الفنديـة هـم حلة الدعوة الديدة إل
السلم.
كذلك كان موقـف الرفـض البات الذى يقفـه الشايـخ مـن الضارة الغربيـة سـلحا فـ أيديهـم
يستخدمونه ف حرب السلم إذ يصفون تلك الضارة بكل طيب من النعوت ويصورونا على أنها
هى العلج لكل مرض ولكل مريض ث يقولون إن الشايخ يرفضونا جلة وتفصيل فيظل الشايخ ف
موقف اللوم وتظل الضارة الغربية ف القام الذى يتطلع الناس إليه ..فجاءت الدعوى الديدة على يد
الفند ية لت سقط هذا ال سلح أي ضا من أيدي هم لن الدعوى الديدة ل تر فض تلك الضارة جلة بل
تنادى بأخذ النافع منها ورفض الشر الذى يتفق كل عاقل على أنه شر.
ك ما كان نقد الضارة الغربية على هذا الن حو من قبل الدعوى الديدة مو ضع ال نق الشديد من
الخططي وأتباعهم معا ف ذات الوقت .فقد كان أوحى إل " الثقفي " كما أسلفنا ف الفصل السابق
أن الضارة الغربيـة كتلة واحدة وحزمـة واحدة ل يكـن فكهـا ول تزئتهـا وكانـت تلك دعوى باطلة
بطبيعـة الال فقـد تكررت عمليـة " النتقاء " مـن الضارات عدة مرات فـ التاريـخ .مرة على يـد
ال سلمي الوائل إذ انتقوا من الضارة الاهل ية – الفار سية والبيزنط ية – ما وجدوه صالا ل م ونبذوا
سائرها فلم يقربوه! ومرة على يد أور با إذا أخذت من الضارة ال سلمية الن هج التجر يب ف الب حث
العل مى ك ما أخذت التقدم العل مى ف الفيزياء والكيمياء وال طب والفلك والرياضيات وا ستفادت من
خبتم البحرية وخرائطهم ومعلوماتم الغرافية ف كشف ما كان الوربيون يهلونه من بلد العال بدءا
بطر يق رأس الرجاء ال صال ث انتشار ف الرض ب عد ذلك وتأثرت بكث ي من فنون العمارة والو سائل
الضارية الت كان السلمون يلكونا ف الندلس والشمال الفريقى وبلد الشرق السلمى ..ولكنها
رفضت أن تأخذ الساس الذى قامت عليه تلك الضارة كلها وهو السلم .وتكررت عملية النتقاء
مرة ثالثة ف العصر الديث على يد اليابان كما سبقت الشارة من قبل ..وما تزال قابلة للتكرار ما شاء
قدر ال لا أن تتكرر ف الاضر والستقبل.
نعم ..كانت الدعوى باطلة ولكنها كانت تبث عن قصد من الخططي لمر يراد ..خشية أن يتجه
السـلمون فـ ماولتهـم للنهوض إل أخـذ إيابيات هذه الضارة ونقـط القوة فيهـا ول يأخذوا اللاد
والفساد اللقى فتكون الطاقة الت يعانون الشئ الكثي منها على يد اليابان ولكنها على يد السلمي
أشد! ( )1لذلك قال قائلهم :لبد لنا من أخذ الضارة الغربية بيها وبشرها وحلوها ومرها ل مالة من
ذلك!
فاليوم تئـ الصـحوة السـلمية على يـد " الفنديـة " فتحدث موقفـا شديـد الغاظـة للمخططيـ
وأتباع هم على ال سواء .فك ما أن دعوت ا ل خذ النا فع من الضارة الغرب ية ي سقط عن ها ت مة الرجع ية
والمود الذى كانوا يسـمون بـه الشايـخ فتيلبـس بمـ فكذلك دعوتاـ " للنتقاء " مـن هذه الضارة
وعدم أ خذ ما هى غار قة ف يه من الف ساد الل قى والنتكاس النف سى والن سان يف سد هد فا ها ما من
أهداف حلة التغر يب و هو ن شر الف ساد واللاد – ت ت عنوا نن الضارة والر قى والتقدم -لذا بة ما
بقىمن كيان هذه المة وتويلها إل " غثاء كغثاء اسيل " ل جذور له ول انتماء فيتبدد ف التيار.
m m m
وكانـت الفاجأة الثالثـة أن الدعاة الدد جاءوا يقولون للناس :إن مـا أصـاب السـلمي مـن التخلف
والمود والضعـف والتأخـر فـ جيـع الياديـن ل يكـن سـببه السـلم ..إناـ سـببه البعـد عـن السـلم
والنراف عن صورته ال صحيحة .وأن ال صورة القيق ية لل سلم ينب غى أن تؤ خذ من م صادره الصافية
الول :كتاب ال و سنة ر سوله eوحياة ال سلف ال صال الذ ين طبقوا هذا ال سلم أول مرة ف وا قع
الرض فكانوا عجبا ف التاريخ وكانوا { َخيْرَ ُأ ّمةٍ أُخْرِ َجتْ لِلنّاسِ} [سورة آل عمران .]3/110
لقد كان الخططون وأذنابم قد بثوا ف روع " الثقفي " أن السلم هكذا.
جود ورجعيـة وتلف وعجـز عـن النهوض والتقدم بـل مانـع مـن النهوض والتقدم وأن مـا حـل
بالسلمي هو النتيجة الطبيعية لكونم مسلمي! وأنه ل طريق لم لعلج ما هم فيه من التخلف والضعف
والفقر والهل والرض إل أن ينبذوا الدين كما فعلت أوربا من قبل فإنا ل تتقدم إل حي حطمت "
الغلل " الت كانت تعوقها عن التقدم أغلل " الدين " وما حوله من أخلقيات وتصورات وتقاليد..
فاليوم يث ي الدعاة الدد قضا يا مغايرة تا ما ..يفرقون في ها ب ي ال سلم ف صورته ال صحيحة وب ي
الواقع النحرف الذى يعيشه السلمون باسم السلم كما يفرقون بي الدين الذى انسلخت منه أوربا
() كانت معاناتم من اليابان أنا صارت تنافسهم ف أسواقهم وتضايقهم فيها ,أما مصيبتهم من السلمي إذا استردوا كيانم الفقود فهي ضياع مواردهم الامة الت يشرقونا من 1
ل عن أمور أخري يعرفها الغرب جيدا ول يدركها السلمون أنفسهم ف غفلتهم السلمي ,وضياع سيطرتم السياسية الت يارسونا بسحق السلمي وإخضاعهم لننفوذهم ...فض ً
واستضعافهم..
والدين الذى نزل من عند ال وتكفل ال بفظ أصوله من التحريف فبقيت على صورتا النلة وأصبح
الرجوع إلي ها مك نا ف كل ل ظة ويفرقون ب ي الكو مة الثيوقراط ية ال ت قا مت ف أور با ف قرون ا
الوسطى الظلمة الت كان يكم فيها " رجال الدين " با شاءت لم أهواؤهم من الهالت والفاسد
والكومة السلمية الت يكم فيها من يتاره السلمون لكمهم ولكنه يتقيد ف حكمه با أنزل ال
وأ نه ل يس ف ال سلم " رجال د ين " يكمون أو يشرعون للناس ب ا يشاءون إن ا ف يه " علماء " و "
فقهاء " ل يلبسـون مسـوحا خاصـة ول يشكلون طبقـة وليـس لمـ سـلطان ول حصـانة سـياسية أو
اجتماعيـة أو اقتصـادية ويلك أى إنسـان أوتـى قدرا صـالا مـن العلم أن يناقشهـم ويادلمـ ويطـئ
اجتهاد هم إن كان دليله أقوى من دليل هم! وإن ال سلم د ين " مفتوح " أمام كل معتنق يه يلكون أن
يتفقهوا فيه بقدر ما توصلهم مداركهم وليس حكرا على طبقة من الكهنوت تتكر نصوصه وتتكر
تفسيه وتتكر حق تبديله وتغييه حي تشاء!
وحقيقة إن الذى يقول " الفندية " حلة الدعوى الديدة ل يكن كله جديدا ..فقد كان الشايخ من
قبل يقولون شبيها به من بعض نواحيه فحقائق السلم واحدة والديث عنها لبد أن يتلقى ف بعض
جوانبه .ولكن أحدا ل يكن يأبه لا يقول الشايخ – -ل الخططون ول أتباعهم لملة أسباب:
فهو أول كلم صادر عن الشايخ ..وهم ف ضياعهم الذى هم فيه! فيضيع معهم كلمهم مهما يكن
فيه من الق!
و هو ثان يا كلم ..لي ست وراءه حر كة و من ث يوت ح يث هو ..على أل سنة قائل ية أو ف آذان
سامعيه -إن سعه أحدا! لن أصحابه ل يتحركون به ..ل يولونه إل " دعوة " ل يمعون أحدا حوله
ليعتنقه ويؤمن به ويعل تقيقه غاية يعيش من أجلها ويتحمل ما يتحمل ف سبيلها.
ث هو فضل عن ذلك كلم مصبوب ف قوالب جافة هى القوالب الت كانت العقيدة قد صبت فيها
م نذ قرون طويلة ذهن ية تريد ية ل تا طب الوجدان ول تر كه ول ت ساير عقل ية الذ ين يو جه إلي هم
الطاب ف الوقت الاضر ومن ث فهى مرفوضة ابتداء من " الثقفي " خاصة ل تثل بالنسبة إليهم زادا
فكريا يعيشون عليه ول زادا روحيا يبعث ما ضمر من أرواحهم ف موجة التغريب العاتية.
أما على يد الدعاة الدد من الفندية فقد أحس الخاطبون كأنا يتعرفون على السلم من جديد..
والسلم هو السلم .حقائقه ثابتة ل تتغي .ولكن طريقة تناولن وطريقة تعريف الناس به تتلف من
ع صر إل ع صر ح سب أحوال الناس ف كل ع صر وثقافات م واهتمامات م ومشكلت م وانرافات م
وأمراضهـم كذلك .وقـد كانـت القوالب الذهنيـة التجريديـة " حالة " ألتـ بالناس فـ عصـر معيـ
فا ستساغوا يومئذ أن يقدم ال سلم إلي هم ف هذه ال صورة ولكن ها ل ت كن ال صورة الثلى ول ال صورة
ال صالة ل كل زمان لناـ ل ت سي على الن هج القرآ ن الذى أنزله ال للناس كا فة وللع صور كا فة..
يغترفون م نه ف كل ج يل ما ينا سب أحوال م واهتمامات م ومشكلت م ..فيل ب حاجات م ف كل مرة
ويعطيهم بقدر ما تتفتح قلوبم وعقولم ..ولكنه ل يف ول يتقولب – كما حدث ف عصر معي إل
أن يصـيب الناس ركود وجود وكان " الشايـخ " يملونـه معهـم ويسـبون أنـه هـو الصـورة الثلى
للسلم.
أما الدعاة الدد فقد عادوا به إل النهج القرآن فأذابوا ما كان قد علق به ف ذلك العصر السحيق
ـ ومـن هنـا أحـس الخاطبون كأناـ
مـن جفاف وتقولب حلتـه الجيال التتابعـة فـ ركودهـا وجوده ا
يتعرفون على السـلم مـن جديـد فأقبلوا عليـه مـن شاء ال منهـم – بقلوب متفتحـة وعقول متفتحـة
متعطشة للمزيد.
وأهم من ذلك – وهو الطر الكب ف نظر العداء أنه " حركة " فهو ليس " كلما " ف القراطيس
وإنا هو " إيان " ف القلوب فتتحرك به حركة ملموسة ف عال الواقع وتتخذ موقفا مددا من كل شئ
حولا وتصوغ سلوكها العملى على مقتضاه.
m m m
وكانـت الفاجأة الرابعـة هـى انتشار الدعوة انتشارا " ذريعـا " فـ صـفوف الثقفيـ مـن الطباء
والهندسـي والعلميـ والحاميـ وغيهـم مـن ذوى الثقافات الديثـة ومـن طلب الامعـة فـ شتـ
التخصصات!
ولقد كان الظن أن هؤلء ل يعودون أبدا ول تستهويهم مثل هذه الدعوة أبدا!!
لقد ربوا على أن يصموا آذانم ويغلقوا قلوبم وأذهانم عن أى شئ يذكر فيه " الدين " ..فضل
عن أن يكون الدين هو النطلق الذى ينطلق منه والرتكز الذى يرتكز عليه!
ربوا على أن الد ين أ مر من أمور الا ضى وأن م هم ي ستشرفون للم ستقبل! وأن الد ين " غ يبيات "
وهم يعيشون ف " الواقع "! وأن الدين مزوج بالرافة وهم يعيشون عصر العلم!
فما بالم يعودون إل كل ما نوا عنه وكل ما بذل الهد الهيد لبعادهم عنه! جهد استخدمت فيه
مئات الكتـب وألوف القالت وألوف الدروس العلمانيـة " وألوف الفتيات التـبجات فـ الطريـق
وألوف الراقص والانات ودور اللهو ودور الفجور؟!
m m m
ل قد كا نت كل ها مفاجآت حادة وغ ي منظورة ..وكا نت دون شك مفاجأة غ ي سارة ل كل أعداء
السلم.
ول يسـكت الدعاة إل التحرر و التحضـر و " التقدم " بطبيعـة الال على هذه الدعوة وهاجوهـا
بكل وسائل الجوم وأول وسائل الجوم هو دمغها " بالرجعية " وهى أشد وسائل التنفي عند " الثقفي
"!
ولقد كانوا يهاجونا دفاعا عن أنفسهم ف القيقة!
{وَدّوا َل ْو تَ ْكفُرُونَ كَمَا َكفَرُوا َفَتكُونُو َن َسوَاءً} [سورة النساء ]4/89
ولكنهم ف عبودية منتكسة – كانوا يهاجونا كذلك دفاعا عن " السادة " الذين يشعرون بالتبعية
لم والنتماء إليهم! ودفاعا عن الفكر الذى استعبدوا له من الداخل خلل عملية التغريب ..فما عادوا
ي سون لنف سهم بوجود ذا تى وأ صبح وجود هم مرتب طا بذلك الف كر الدخ يل علي هم ي سبونه – ف
غفلتهم – فكرهم الاص لنم ل يدركون عملية السخ الت أجريت لم وهم غافلون فشوهت كيانم
من الداخل وشوهت نظرتم إل أنفسهم وكل ما ييط بم فصاروا ينظرون بعيون سادتم! وصاروا –
ف دخيلة أنفسهم يتقرون أنفسهم بوصفهم " شرقيي "! وياولون بكل جهدهم أن ينسلخوا من تلك
()1
الصورة ويحوا " عارها " عن أنفسهم لعل سادتم يرضون عنهم فيضوا هم عن أنفسهم!!
لذلك ل يكن العبيد ف حاجة إل إشارة من السادة ليهاجوا الدعوة السلمية فهم بطبيعة موقفهم
المسوخ كله يسون بالعداء العميق لا والنفور الشديد منها .ولكن السادة مع ذلك ل يهملوا التوجيه:
لبد من جرعة زائدة من كل ما تقدم ..من الكتب والقالت والدروس والباث الت تاجم الدين
والخلق والتقاليـد ..والصـور العاليـة والفلم العاريـة والقصـص العاريـة والفكار العاريـة ..والفتيات
ال تبجات ف الطر يق ..والرا قص والانات ودور الل هو ودور الفجور! فإ نه ل شئ ي صد هذا ال طر
الداهم مثل إفساد الخلق وصرف الشباب عن كل الهتمامات الادة وشغلهم بلذائذ الس الدنسة
وهوم الدن يا القري بة ل كى ل يفرغوا إل رب م ول يذكروا آخرت م فت سند منا فذ " الد ين " ف قلوب م
ويصبحوا ف مناعة من تلك الدعوة الطرة بل ف عداء مع تلك الدعوة الت تريد أن " ترمهم " ما هم
غارقون فيه ن الدنس والتفاهة والنلل!
m m m
() نذذكر ف هذا الجال كتابات الدكتور حسي فوزيي ف كتاب "سندباد عصري" وكتابات الدكتور زكي نيب ممود ف مهاجة "الفكر الشرقي" و تجيد "الفكر الغرب" ...ث 1
نذكر قولد "توينب" ف ماضرته بعنوان "السلم والغرب" (تعريب الدكتور نبيل صبحي) الت يقول فيها إننا ظللنا نرج السلم التركي حت يتخلي عن إسلمه ويقلدنا ,فلما فعل ذلك
احتقرناه ...لنه ل يعد عنده ما يعطيه!.
ولكن الفاجأة الذهلة كانت أعنف من كل ذلك!
كانت دخول الفدائيي السلمي ساحة الرب ف فلسطي عام !!1948
وه نا ينب غى ان نعود بذاكرت نا خ سي سنة إل الوراء ق بل ذلك التار يخ ..إل مؤت ر " هرتزل " زعيم
ال صهيونية ف مدي نة بال ب سويسرا عام 1897الذى تقرر ف يه ضرورة إنشاء الدولة اليهود ية خلل
خسي عاما ف فلسطي .ففى ذلك الؤتر وضعت الخططات الكفيلة بإقامة الدولة خلل خسي عاما
وقامت الدولة بالفعل بعد خسي عاما من ذلك الؤتر.
فأى شئ فعل الخططون ( )1لتنفيذ أهدافهم خلل الفترة الت قرروها لنشاء دولتهم؟!
لقد بدأوا كما هو معلوم بحاولة إغراء السلطان عبد الميد بإعطاء اليهود قطعة أرض ف فلسطي
ليقيموا عليها وطنا قوميا لم وتكفلوا ف مقابل ذلك با يغرى أى حاكم ف الرض ل يريد إل الياة
الدنيا ول يريد إل اللك والسلطان (كما صوروا السلطان عبد الميد!)
كانت الدولة العثمانية ف ذلك القوت تعج بالشاكل الت ل تتركها ف راحة..
فالالة القت صادية متدهورة والقل قل تتل حق ف قلب الدولة و ف أطراف ها يقوم ب ا حزب التاد
والترقـى الذى يشكـل أغلبيـة أعضائه يهود الدوناـ التمسـلمون ( .)2وتقوم باـ القليات غيـ السـلمية
بتحريض من روسيا وبريطانيا :روسيا ترض الرمن الرثوذوكس ( ,)3وبريطانيا ترض بقية الطوائف
كما تقوم مع فرنسا بتشجيع حركات " القومية العربية " الت يملها نصارى لبنان وسوريا يرضون با
العرب على الثورة والتمرد على سلطان الل فة بغ ية تفك يك الدولة ال سلمية والقضاء على " الر جل
الريض " كما كانوا يسمون الدولة العثمانية ليثوا تركته ويوزعوها أسلبا فيما بينهم..
وف وسط هذه الال الضطربة تقدم " هرتزل " بعرضه السخى الغرى إل السلطان عبد الميد.
عرض عليه قروضا طويلة الجل ومشروعات لنعاش القتصاد العثمان التأزم وعرض عليه التدخل
لدى روسيا وبريطانيا لكف أيديهما عن إثارة القليات ف كل مكان ..وكانت هذه بالذات من أشد ما
يستخدمه العداء لجهاد الدولة وعدم إعطائها فرصة للتقاط النفاس..
وكان رد عبد الميد حاسا ناصعا عملقا ..كما ينبغى للقائد السلم أن يكون.
() ينبغي أن نتذذكر جيدا أن التخطيط -كما سسيدئ بيانه -كان صليبيا صهيونيا ف ذات الوققت ,ول يكن صهيونيا فقط ول صليبيا فقط. 1
()كان هؤلء اليهود يعيشون ف الغرب ,الت نزحوا إليها مع السلمي النازحي من الندلس فرارا من فظائع ماكم التفتيش ,ث صدرت إليهم أوامر خفية بأن يتمسلموا وينحوا إل 2
البلقان ,وهناك قاموا بدورهم ف القضاء علي اللفة العثمانية.
() كان الروس يتبعون الذهب الرثوذذوكسي ,ومن هنا كانت صلتهم بالرمن الذين هم علي مذهبهم ,وتريضهم إياهم ضد دولة اللفة. 3
لو كان يريد السلطان والبوت ومتاع الياة الدنيا كما صوره أعداؤه ليشوهوا صورته انتقاما من
موقفه العنيد الواعى من مططات الصليبية الصهيونية لتدمي السلمي والقضاء على السلم لقبل العرض
اليهود ال صليب وان ساق م عه وأ صبح ط بطل تاري يا " م ثل الذ ين توزعوا أ سلبه من بعده وحكموا
بلد العال السلمى تت السلطان الصليب الصهيون وصاروا " أبطال تارييي " ..تتركز بطولتهم ف
تذبيح السلمي وتسخي أوطانم لصال الصهيونية والصليبية!
ولكن الرجل السلم قال قولته الشهورة :إن هذه ليست أرضى ولكنها أرض السلمي وقد رووها
بدمائهم وف كل شب منها شهيد ..ول أملك أن أتنازل عن شب واحد منها!
وكان ما ان ما يعرفه الميع..
عزل عبد الميد بعد أن لوثت سعته بكل شناعة يكن أن يوصف با حاكم!
وأثيت النعرة " الطوران ية " على يد حزب التاد والتر قى وقا مت الدعوة إل تتر يك الدولة لثارة
العرب حتـ يرفعوا شعار " العروبـة " ويثورا " الثورة العربيـة الكـبى " بقيادة لورنـس – الذى سـى
لور نس العرب "!! لتفت يت وحدة ال سلمي وإثارة العداوة والبغضاء بين هم وتهيدا وت سهيل للحداث
الت ستجرى فيما بعد!
ثـ قامـت الرب العاليـة الول ( )1918 – 1914أو أقيمـت )1( -للقضاء النهائى على الدولة
العثمان ية وف صل العال العر ب عن ها ب ا يه فل سطي ال يراد إقا مة الدولة اليهود ية في ها ب عد أن ع جز
اليهود عن إقامة الدولة فيها وهى ف ظل الدولة العثمانية.
ث جئ بكمال أتاتورك ليجهز على اللفة ويذبح السلمي ويدير ظهر تركيا للٍلم بعد أن كانت
هى مر كز الل فة ومر كز القوة ال سياسية والع سكرية للعال ال سلمى ( )2ويعل ها تاب عا ذليل لور با
وتضفـى عليـه فـ الوقـت ذاتـه البطولت الزائفـة ليكون نوذجـا يتذى مـن بعـد فـ بقيـة أرجاء العال
السلمى (.)3
ووزعت أسلب " الرجل الريض " بعد القضاء عليه بي بريطانيا وفرنسا صديقت اليهود ووضعت
فلسـطي بالذات تتـ النتداب البيطانـ وبريطانيـا يومئذ هـى زعيمـة العال الصـليب وصـاحبة
() يقول "وليم كار" ف كتابه "أحجار علي رقعة الشطرنج" إن اليهود أقاموا الرب العالية الول للقضاء علي الدولة العثمانية تهيدا لنشاء الدولة اليهودية ,والرب العاليمة الثانية
1
من أجل إنشاء الدولة بالفعل ,وهو ققول يمل كثيا من الق ,بصرف النظر عن تويلت وليم كار ف شأن اليهود .ول شك أنم استغلوا الناسبتي استغللً كاملً لتحقيق أهدافهم.
() قلنا من قبل إن العداء ركزوا علي تركيا ومصر بالذات ف مططاتم للقضاء علي السلم.
2
() قال جال عبد الناصر ف اكثر من مرة إن مثله العلي هو كمال أتاتورك.
3
المباطور ية " ال ت ل تغ يب عن ها الش مس " والن صية الول لل صيهونية ووز ير خارجيت ها " بلفور "
صاحب وعد بلفور الشهور من أصل يهودى ومندوبا السامى الذى عينته ف فلسطي " صمويل هور "
يهودى .وف ظل النتداب ت التحضي لنشاء الدولة بتسليم الراضى الت تلكها الدولة لليهود وما لزم
من بقية الرض يشترى بأُمان مغرية ث يغرى الذين باعوا الرض بإنفاق ما حصلوا عليه من ثنها على
الفتيات اليهوديات اللواتى يعملن ف " تل أبيب " لذا الدف!!
أما ما حول فلسطي فقد قسم إل دويلت ضعيفة ل تلك أمر نفسها فهى تت الكم البيطان أو
الفرنسى ل تلك قوة سياسية وهى تت الحتلل الصليب ول قوة حربية بطبيعة الال فجيوشها –
الت تسمى جيوشا من باب الجاز فحسب هى جيوش للزينة والستعراض ف الفلت ولدف آخر هو
تكريه العرب ف النية وحل السلح لا يلقونه ف فترة التجنيد الجبارى من مهانة وذل متعمدين ل
تستوجبهما التربية العسكرية ف ذاتا ول يعامل النليز والفرنسيون جنودهم بما ف بلدهم وذخية
هذه " اليوش :و سلحها ف يد بريطان يا وفرن سا ف غن ك فت عن المداد بال سلح أو ح ت بالذخية
()1
عجزت تلك " اليوش" عن إطلق طلقة واحدة ولو ف الواء!
وهذه الدويلت فوق ذلك ..أى فوق ضعفهـا السـياسى والربـ والقتصـادى أيضا ( )2متعاديـة
متخاصة ل يربط بينها رابط! ل السلم ..ول حت " العروبة ول حسن الوار ..بل انقلب هذا كله إل
عدوات وخصومات.
ل قد كا نت دعاوى " الوطن ية " و القوم ية قد بذرت بذور ها ف تلك الرض من ز من سابق تهيدا
لذلك اليوم " الوعود " وكان لكل من الدعويي " زعماء " و " أبطال "! وقد سردنا ف الفصل السابق
ق صة سعد زغلول ف م صر و ف كل بلد كا نت هناك " ق صة " مشاب ة أو ماثلة ..وكا نت ذلك ك ما
سردنا هناك أثرا من آثار " التخلف العقدى " الذى ا ستغله الغزو الفكرى ون ح ف ا ستغلله فتوغلت
سوم الكيد ف حياة المة بسبب بعدها عن حقيقة السلم وعن الصب والتقوى اللذين أخب ال عباده
أنماها الوسيلة الت تقى المة من آثار السم:
صبِرُوا َوَتّتقُوا ل َيضُرّكُمْ َكيْدُهُ ْم َشيْئا} [سورة آل ]3/120
{ َوِإنْ َت ْ
لقد بذرت تلك الدعاوى ف الرض السلمية لتفرق وحدة المة وتزق رابطتها .فمن شان القومية
والوطنيـة أن تبذر التحاسـد والتباغـض فـ نفوس الناس تاه الوطنيات الخرى والقوميات الخرى لن
() حدث بالفعل ف الرب السرحية الت قامت علي أرض فلسطي عام 1948أن امتنعت بريطانيا عن تقدي الذخية للجيوش العربية فتوقفت الرب وت التقسم!!.
1
() كانت كلها بلدا فقية "متخلفة" رغم إمكانياتا الذاتية.
2
كل منهم يريد أن يستحوذ على الدف وحده ويرم منه الخرين ولقد نحت الوطنية القومية ف أوربا
ل سباب مل ية هناك ( )1وظ نت أور با أن ا لع بة ناج حة ل ها تعا صرت ف تاري ها مع التقدم ال صناعى
و مع الرخاء الذى ساد أور با نتي جة احتلل ا بلد العال ال سلمى ون ب خيا ته وا ستغللا على أو سع
نطاق ..وإن كانت أوربا قد شقيت وأشقت العال كله معها بويلت الروب التتابعة الت نمت عن
تنافس الوطنيات والقوميات وتقاتلها على مناطق النفوذ..
أما السلمون!
لقد كانت دعاوى الوطنية والقومية ف الوطن السلمى فتنة ل تعود عليهم إل بالوبال وحده فلم
تكن لم القوة الت يكسبون با شيئا من ورائها ..وإ ما ينون من تزقهم أ يكونوا لقما سائغة ف فم
العدو يزدردها ف سهولة بعد أن كان قد عجز من قبل عن التهام اللقمة الكبية التجمعة على كل
الضعف والوهن الذى كان قد أصاب " الرجل الريض " (!)2
وما زالت أذكر بالعجب والسف اللذين أحسست بما أول مرة وأنا صغي ما قاله الوزير العراقى
ال سئول ف أوا خر الثلثينيات ح ي صار للعراق أ سطول جوى إذ قال :ل قد أ صبحت لدي نا طائرات
حربية تستطيع أن تضرب القاهرة بالقنابل وتعود دون توقف!
يا عجبا! ويا أسفا!
فإذا كانت الطائرات العراقية عاجزة ف ذلك الوقت عن ضرب النليز ف قاعدتم داخل العراق ف
الوصل فلماذا تفكر ف ضرب القاهرة؟! وماذا صنعت لم القاهرة حت يفكروا ف ضربا؟!
ولكـن هكذا يفعـل السـم البثوث عـن قصـد فـ الرض السـلمية الذى صـنعت له الزعامات
والبطولت ليفت با الناس فيزدادوا تزقا كلما ازدادوا فتنة ويزدادوا ضعفا وهوانا على العدو.
وهل كان الوجود الصليب ف النطقة يأمن على نفسه وهل كان الوجود الصهيون يأمن على نفسه
ول كان السلمون ف تلك البقعة م الرض وف غيها أمة واحدة كما أمرهم ربم:
ف َبيْ نَ ُقلُوبِكُ ْمحبْلِ اللّ هِ جَمِيعا وَل َتفَرّقُوا وَاذْكُرُوا ِنعْ َمةَ اللّ ِه عََلْيكُ مْ إِذْ ُكْنتُ مْ َأعْدَاءً َفأَلّ َ
{وَا ْعتَ صِمُوا بِ َ
ك ُيَبيّ نُ اللّهُ َلكُ ْم آيَاتِهِ َلعَّلكُمْ
حتُ ْم بِِنعْ َمتِهِ إِ ْخوَانا وَكُْنتُمْ عَلَى َشفَا ُحفْ َرةٍ مِ ْن النّارِ َفأَْنقَذَكُ ْم ِمْنهَا كَذَلِ َ
صبَ ْ
َفأَ ْ
َت ْهتَدُونَ ([ })103سورة آل ]3/103
() انظر -إن شئت -فصل "القومية الوطنية" من كتاب "مذاهب فكرية معاصرة".
1
() جاء ف كتاب "الغارة علي العال السلمي" قول أحد البشرين :إن أوربا كانت تفزع من "الرجل البيض" لن وراءه ثلثائة مليون من البشر ,مستعدون للجهاد بإشارة من
2
أصبعه!.
فإذا كانت هذه حال تلك الدويلت الحيطة بالولة اليهودية الزمع إنشاؤها من الضعف السياسى
والرب والقتصادى ومن الفرقة والصومة حت ل تتمع لم كلمة فماذا بقى ما يشاه العداء!
نعم! بقى شئ واحد ..هو الشباب!
فالشباب قوة خطرة إذا تمع على هدف معي وأخذه مأخذ الد..
و من أ جل ذلك كا نت عنا ية العداء م نذ و قت مب كر بتمي يع هذا الشباب وإتل فه وإشا عة التفا هة
والنلل ف كيانه لكى ل يتجمع ف يوم من اليام على هدف معي ويأخذه مأخذ الد ..وكانت
هذه هى حك مة ال صحة العار ية والفلم العار ية والشوا طئ العار ية .وحك مة إخراج الرأة من دين ها
وأخلق ها وتقاليد ها لتخرج متب حة ف الطر يق وتكون فت نة لنف سها وللشباب من حول ا وتتح قق
أهداف البشر النصران " زوير " الذى أوصى أ تدفن جثته ف مقابر اليهود ما يدل على أصله القيقى
وعلى أن القد اليهود ى والصليب قد اجتمعا ف شخصه – حي قال ماطبا البشرين ف الؤتر التبشيى
الذى عقد ف القدس سنة :1935
" إنكم أعددت نشئا (ف بلد السلمي) ل يعرف الصلة بال ول يريد أن يعرفها وأخرجتم السلم
من السلم ول تدخلوه ف السيحية وبالتال جاء النشئ السلمى طبقا لا أراده الستعمار السيحى
ل يهتم بالعظائم ويب الراحة والكسل ول يصرف هه ف جنياه إل ف الشهوات.
" فإذا تعلم فللشهوات وإذا جع الال فللشهوات وإ تبوأ أسى الراكز ففى سبيل الشهوات يود
بكل شئ.
" إن مهمتكم تت على أكمل الوجوه وانتهيتم إل خي النتائج وباركتكم السيحية ورضى عنكم
الستعمار فاسروا ف أداء رسالتهم فقد أصبحتكم بفضل جهادكم البارك موضع بركات الرب" (.)1
بذا التخط يط الح كم من ج يع نواح يه قا مت الدولة اليهود ية عام 1948ب عد خ سي عا ما من
مؤتر " هرتزل " عام 1897واعترفت با أمريكا ف منتصف الليل بتوقيتنا الحلى وبعد عشر دقائق
أعلنت روسيا الت قامت على أساس ل دين والت ترفض من حيث البدأ قيام أى دولة ف الرض على
أساس دين أعلنت اعترافها بالدولة اليهودية.
وكانت قد جرت قبل العلن الرسى للدولة مسرحية الرب بي اليوش " العربية وبي العصابات
اليهودية خلل عام 1948لتستقر القوات كلها على خط التقسيم العد من قبل والتفق عليه من قبل!
وكان أ حد ف صول ال سرحية أن تت نع بريطان يا عن تو ين ال يش ال صرى بالذخية فيتو قف ال يش عن
() عن كتاب "الخططات الستعمارية لكافحة السلم" لحمد ممود الصواف ,طبع دار العتصام بالقاهرة ,الطبعة الثالثة ,ص .218
1
القتال! ويتوقف بالصادفة البحتة! عند خط التقسيم!
وف أثناء ذلك وقعت الفاجأة الذهلة ..الت ل تكن لحد على بال!
د خل الفدائيون من الخوان ال سلمي ساحة العر كة بعزي ة ال سلم الجا هد ف سبيل ال وبن ية
الشهادة ف سبيل ال.
وأ حس اليهود على الفور بالفرق الائل الط ي ب ي القتال مع أولئك الجاهد ين والقتال مع اليوش
السرحية الت شاركت ف السرحية العد من قبل والتفق عليها من قبل!
وكانت الفاجأة مذهلة ل لليهود وحدهم ولكن للعال الصليب كله!
فأ ما اليهود فكانوا ب عد أن التقوا بالفدائي ي ف ب ضع معارك كانوا إذا سعوا صيحة " ال أ كب ول
المـد " فروا مـن معسـكراتم تاركيـ أسـلحتهم وذخيتمـ ومؤنمـ لينجوا بلودهـم مـن هجمات
الفدائيي الريصيي على الوت حرص أعدائهم على الياة.
وأما الصليبية فلم تكن مفاجأتا أخف وقعا وإن ل تكن مشاركة بنودها الباشرين ف ساحة القتال!
لقد كانت الدعوة السلمية بقيادة المام الشهيد حسن البنا قد أزعجت الصليبية من أول خطواتا
عام 1928وخاصة حي نشطت ف منطقة الساعيلية حيث كانت القاعدة البيطانية ف ذلك الي.
وكا نت بريطان يا – زعي مة ال صليبية وقتئذ تتا بع حركات الما عة ال ت أن شأ÷ا ح سن الب نا مراق بة دقي قة
وتتحسس أخبارها وتاول أن تنفذ إليها عن طريق جواسيسها.
وأذك عبارة ظهرت ف الطبعة الول لكتاب " التاهات الديثة ف السلم Modern Trends
in Islamتأليف الستشرق النليزى جب Gibbعام 0 1936عدلت ف الطبعات التالية) تبي
مدى قلق بريطانيا زعيمة الصليبية من هذه الماعة.
يتحدث جب ف هذا الكتاب عما ساه " التاهات الديثة ف السلم " ويقف بتلك الداثة عند
جال الدين الفغان وممد عبده ( .)1ث يكتب (ف الطبعة الول) هامشة تعليقية يقول فيها " :ظهرت
ب عد ذك أى ب عد الفترة ال ت جعل ها موضوع درا سته) جا عة ت سمى جا عة الخوان ال سلمي يتزعم ها
رجل يسمى حسن البنا ومن السابق لوانه الكم على هذه الماعة وإن كان يبدو أنا ذات خطورة
خاصة "!
ووا ضح من العبارة أن بريطانيا تتخوف من هذه الماعة وأ ها ف الو قت ذاته ل ت ستطع أ ت سب
غورها تاما مع توفها منها..
() ل يتسع القام هنا لناقشة موضوع الكتاب ,ولكن ناقشته ف كتاب "الستشرققون والسلم".
1
وإذا كان هذا هـو الال عام 1936عنـد ظهور الطبعـة الول مـن ذلك الكتاب فقـد ظـل الال
على نو قريب منه حت عام 1948حي دخلت القوات الفدائية ف فلسطي ..مع فارق واحد هو أن
بريطانيـا قـد زادت توفـا مـن الماعـة بدليـل تدخلهـا الباشـر لنـع المام الشهيـد مـن تشريـح نفسـه
للنتخابات فـ دائرة السـاعيلية عام )1( 1942وضغطه ا
ـ على النحاس باشـا رئيـس الكومـة القائمـة
يومئذ ليمنع هذا الترشيح ولكنها من جانب آخر ل تكن حت تلك اللحظة قد استطاعت أن تسب غور
هذه الماعة مع توفها منها رغم كل ماولت الاسوسية أن تنفذ خللا.
لذلك كانت الفاجأة بالنسبة إليها مذهلة كما كانت بالنسبة لليهود!
وقد كانت السألة مفاجأة لبيطانيا وللعال الصليب كله من ورائها من جهتي اثنتي على القل:
فأما الهة الول فهى أن العال الصليب كان قد ساء ظنه بالسلم كله أنه قد " شاخ " وانتهى ول
يعد قادرا – بعد الضعف الزرى الذى وصل إليه السلمون خلل القرون الخية – أن ينبعث من جديد
ف صورة " جهاد " إسلمى!
ل قد كا نت كل حركات الهاد ال سلمى قد أخدت وق ضى علي ها سواء ف ال ند أو ف الشمال
الفريقى أو ف السودان أو ف غيه من بقاع العال السلمى .ومكان الغزو الفكرى السموم قد حول
روح الهاد إل حركات " سياسية " أق صى ما تل جأ إل يه هو إقا مة " مظاهرات " ف الشوارع تقذف
أبواب الوانت ومصابيح النور ورجال الشرطة بالحجار ث تعود إل بيوتا ف ناية الطاف! وتدخل ف
" مفاوضات " خاسرة بي الي والي ويتظاهر العدو فيها بالتراجع عن موقفه الرة تلو الرة إزاء "
القاو مة العنيدة ال ت ل تل ي! " ال ت تبدي ها الركات ال سياسية بين ما العدو ير يد أن يطمئن إل الكام
الذين سيتسلمون البلد بعد " الستقلل " أ هم قد تلوا تاما عن فكرة الكم با أنزل ال!! وعندئذ
يسلمهم " أمانة " الكم!!
لذلك ل يدر ف خلد الصليبية أن " السلم " يكن أن ينبعث من جديد ف صورة جهاد إسلمى "
ورغم توفها من جاعة الخوان السلمي ف مصر ومراقبتها الدائمة لا وتوفها الدائم من مفاجأت
السلم الت قال عنها جب ف كتاب وجهة العال السلمى :Whither Islamعن أخطر ما ف
هذا الدين أنه ينبعث فجأة دون أسباب ظاهرة ودون أن تستطيع أن تتنبأ بالكان الذى يكن أن ينبعث
منه! رغم هذا كله فلم تكن الصليبية تتوقع أن يكون النبعاث على هذه الصورة!
() لنا رأي ف قضية الدخول ف النتخابات نبينه ف موضعه ف هذا الفصل.
1
وأما الهة الثانية أن الصليبية قد عنيت بدك قواعد السلم ف مصر بالذات من وقت مبكر ( )1منذ
حلة نابليون الصليبية على مصر عام 1798أى قبل تلك الحداث بقرن ونصف قرن من الزمان ول
تكف أبداء خلل تلك الفترة الطويلة عن العمل بكل وسائل الت بيناها ف الفصل السابق لحاولة القضاء
على ال سلم وإخراج مصر نائيا من الدائرة السلمية وخاصة خلل الفترة الحتلل البيطا ن الذى
ج ثم على أرض م صر م نذ عام )2( 1882لذلك كا نت الفاجأة للعال ال صليب أن تكون م صر بالذات
هى الت تنتج مثل هؤلء الفدائيي وترسلهم ف تلك اللحظة الرجة إل القتال!
عندئذ الت قت ال صليبية وال صهيونية ف هدف وا حد مشترك ك ما الت قت ف قرار وا حد مشترك أ نه
لبد من إبادة هذه الماعة ليستتب المر للدولة اليهودية وللصليبية ف ذات الوقت.
ل قد كان إنشاء الدولة اليهود ية ف و سط الح يط العر ب ال سلمى هو ذا ته هد فا صليبيا أشار إل يه
اللورد كامبل ف تقريره الشهي عام 1907م تسبا ليقظة العملق كما عب صاحب التقرير!
كانت الدولة الصليبية قد أقلقها بوادر اليقظة ف النطقة قبل أن يستشعرها أصحابا أنفسهم! ذلك أن
يعرفون هذا الدين كما يعرفون أبناءهم كما أخب عنهم اللطيف البي:
ب َيعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ َأبْنَا َءهُمْ} [سورة البقرة ]2/146
{الّذِي َن آَتيْنَاهُ ْم الْ ِكتَا َ
ولا كانت بريطانيا هى زعيمة العال الصليب يومئذ وصاحبة النفوذ الوسع ف النطقة فقد لأت
إليها الدولة الصليبية لتبحث لا المر الذى يشغلها جيعا وتتعاون عليه جيعا وإن أرادت كل لنفسها
أن تفوز منه بأكب نصيب!
وانتدبـت بريطانيـا اللورد كامبـل -أحـد أعضاء ملس اللوردات -ليبحـث المـر ويقدم تقريرا
لصحاب الشأن أجعي فكتب تقريره الشهي الذى قال فيه :إن هناك شعبا واحد يقطن ما بي الحيط
إل الليج ( .)3لغته واحدة ودينه واحد وقبلته واحدة وثقافته واحدة وآماله مشتركة وأرضه متصلة..
وهو اليوم ف قبضة أيدينا ..ولكنه بدأ يتململ ..فماذا يدث لنا غدا إذا استيقظ العملق؟
إن الذى يدث غدا والذى تتوجس منه الصليبية واضح ول شك.
فبصرف النظر عن القد الصليبي الذى يكره السلم لنه السلم ويكره السلمي لنم السلمون:
() قلنا من قبل إن العداء اتهوا إل تطيم السلم ف تركيا ومصر أكثر من أي مكان آخر ف العال السلمي ,باعتبار تركيا مقر اللفة ومركز القوة السياسية والعسكرية ,ومصر
1
مقر الزهر ومركز الشعاع العلمي والروجي للمسلمي.
() بقي الحتلل إل عام 11954حيث غادرت آخر القوات البيطانية الرض الصرية.
2
() يقصد الشعب العرب السلم.
3
س ْؤهُ ْم َوإِ ْن ُتصِْبكُ ْم َسّيئَ ٌة َيفْرَحُوا ِبهَا} [سورة آل ]3/120
سَنةٌ تَ ُ
سكُمْ حَ َ
{ِإنْ تَمْسَ ْ
ب صرف الن ظر عن ال قد فهناك إل جان به ال صال ال سياسية والقت صادية ال ت تتأ ثر تأثرا بال غا إذا
استيقظ العملق .فإن أوربا ل تصبح هى أوربا الت نعرفها إل با سلبته من أراضى السلمي وخيات
السلمي.
فماذا كانت أوربا قبل التوسع الستعمار ف العال السلمى؟ وماذا كان يكن أن تكون مهما بلغت
قوت ا إذا ظلت م صورة ف دا خل نف سها تت صارع دول ا ي ا بين ها ك ما كا نت تت صارع ق بل أن تت جه
بصراعاتا إل الارج؟
إنا أصبحت أوربا بذه القوة وهذه الرفاهية وهذا التقدم با تدفق عليها من ثروات نتيجة الحتلل
الصليب للعال السلمى فماذا يدث غدا إذا استيقظ العملق واسترد خياته النهوبة وكرامته السلوبة؟
لن يكون خيا لوربا بطبيعة الال.
وهنا يتقدم اللورد كامبل بالل.
لبد أن نقطع اتصال هذا الشعب بإياد دولة دخيلة تكون صديقة لنا وعدوة لهل النطقة وتكون
كالشوكة تز العملق كلما أراد النهوض.
وتلك هى الدولة اليهودية الت قامت عام 1948م ..وذلك هو التخطيط الصليب لنشائها منذ عام
1907على القل إن ل يكن قبل ذلك التاريخ.
لذلك التقت الصليبية العالية والصهيونية العالية ف هدف واحد مشترك كما التقت ف قرار واحد
مشترك :أنه لبد من إبادة هذه الماعة السلمة ليستتب المر للدولة اليهودية للصليبية ف ذات الوقت
ل يعد المر يتمل الط البطئ ..خط الفساد اللقى والغزو الفكرى ..ففى وسط هذا كله وبعد
ع مل دائب لدة قرن ون صف قرن من الزمان قا مت ال صحوة ال سلمية على هذه ال صورة الطية ال ت
كشفت عنها الرب الفدائية ف فلسطي ..فماذا بقى؟
فلتستمر الدوات كلها ف العمل ل تتوقف ..فلتستمر الكتب والقالت والباث والدراسات الت
تاجـم الديـن والخلق والتقاليـد ..ولتسـتمر الصـحف العاريـة والفلم العاريـة والشواطـئ العاريـة..
ولتسـتمر الفتيات التـبجات فـ الطريـق ..ولتسـتمر الراقـص والانات ودور اللهـو ودور الفجور..
ولتضاعف عملها ..ولكن لبد من عمل حاسم لوقف الطر الرهوب..
وتوالت الحداث ..من اعتقال وتعذ يب وتشر يد ب عد أن اجت مع سفراء الدول الجنب ية مع قواد
القوات البيطان ية ف مدي نة " فا يد " بال ساعيلية " وأر سلوا إنذارا إل الكو مة ال صرية بضرورة حل
جاعة الخوان السلمي ووقف نشاطها ..وبلغت الحداث قمتها بقتل المام الشهيد عام .1949
m m m
كان ظن الصليبية والصهيونية الت دبرت مقتل المام الشهيد بأيد إسلمية " أن قتله سيحل القضية
كلها مرة واحة وإل البد ويريح منها أعداء السلم فل يعودون يشغلون بالم وأعصابم بتلك المور
وكانوا معذورين ف ذلك الظن وإن كانوا ف الوقت ذاته غافلي
كانوا معذور ين ف ظن هم أن مقل ح سن البنا سيقضى على الماعة ال ت أنشأها فقد كان بالنسبة
لتلك الماعة كل شئ ف حقيقة المر ..كان هو منشئها ومتعهدها بالتوجيه والرعاية كان هو عقلها
الف كر وقلب ها النا بض وروح ها الداف عة .فظنوا ول م العذر أن م إن قضوا عل يه ف قد قضوا على الحرك
القيقى فتموت الركة من تلقاء ذاتا وتنتهى..
ولكنه كانوا غافلي عن سنة ربانية هائلة :أن الدعوة الت يقدم لا الدم ل توت
وكانوا غافلي عن أمر هائل :أنم هم أنفسهم هم السخرون بقدر من ال لحياء هذه الدعوة بكثرة
ما يسفكون فيها من الدماء
m m m
مـر عامان مـن الكبـت والرهاب الذى تولتـه حكومـة إبراهيـم عبـد الادى حتـ تغيت الحوال
السياسية ف مصر عام 1950حي أطلقت الريات وسح بإجراء انتخابات جديدة ف ظل ظروف
عادية.
وهنا وقعت الفاجأة..
فقد حدث اندفاع هائل نو السلم ف جيع الجالت
ف الامعة كانت انتخابات اتاد الطلب تقع بكاملها ف يد الخوان السلمي ف بعض الكليات أو
تقـع غالبيتهـا فـ أيديهـم على القـل .وتسـرب " الٍسـلم " إل نقابات الطباء والهندسـي والحاميـ
والعمال .وأخطر من ذلك كله أنه تسرب إل قوات اليش والبوليس فوجد ف كل منهما ضباط برتب
متلفة ينتمون إل " الركة " السلمية ويعملون لنشر الدعوة ف مالتم أو ف غيها على السواء
عندئذ تبينت الصهيونية والصليبية أن الضربة الول ل تكن هى القاضية وأنه لبد من ضربة جديدة
أعنف من الول وأشد وتكون هى القاضية ف تقدير الشيطان.
ولكن أحداثا عالية كانت قد وقعت ف تلك الثناء غيت خريطة النطقة كلها وإن ل تغي شيئا من
الهداف..
كانت أمريكا قد برزت إل الوجود بوصفها " زعيمة العال الر " بعد أن حطمت الرب بريطانيا
وفر سنا وحولته ما إل دول من الدر جة الثان ية ..و صاحب ذلك أو تر تب عل يه أمران مهمان بالن سبة
للمنط قة ال سلمية و سي الحدث في ها .الول هو انتقال زعا مة ال صليبية إل أمري كا مع انتقال زعا مة
العال الر إليها فالعلم الر الزعوم هو الصليبية ف حقيقة المر .وزعامة الصليبية تقع دائما ف يد الدولة
القوى ف العال ال صليب .فح ي كا نت هى بريطان يا كانت زعامة الصليبية ف يدها ول ا صارت هى
أمريكا انتقلت إليها الزعامة بكم المر الواقع فإن العال الصليب كله يارب السلم ولكنه يسلم قيادة
الرب بكم المر الواقع أل أقوى دولة فيه وهم يتنافسون فيما بينهم ويتصارعون ف المور كلها أما
ف ماربة السلم فهم صف واحد متساند متعاون متكافل يشد بعضه بعضا
وال مر الثا ن أن اليهودية العالية نقلت نق طة ارتكازها من بريطان يا إل أمريكا وليس مع ن هذا أن ا
تركت اعمل ف بريطانيا أو التعاون معها .كل فهى تعمل من جيع نقط وجودها ..من بريطانيا ومن
فرن سا و من ألان يا و من جنوب أفريق يا و من رو سيا ولكن ها ت عل نق طة ارتكاز ها الرئي سية ف الدولة
القوى ليكون ضمان " م صالها" أو ضمان شرور ها أ كب و من ه نا صار التعاون ال كب للقضاء على
الركة السلمية قائما بي اليهودية العالية وبي أمريكا بعد أن كان قائما من قبل بينها وبي بريطانيا.
ول سنا ه نا نؤرخ للحداث ل بالن سبة لل صحوة ال سلمية ول بالن سبة لخططات العداء للقضاء
عليها فإن هذا له مال آخر وله كتاب متخصصون.
إنا نن على مدار البحث كله نرسم خطوطا عريضا لظواهر تاريية رئيسية..
فك ما أن نا ل نؤرخ للجما عة الول ولك نا أبرز نا خطو طا عري ضا ت ثل أبرز ساتا ول نؤرخ ل ط
النراف التاريىـ وإناـ أبرزنـا أهـم الطوط الرئيسـية فيـه فكذلك ننـ ل نؤرخ لحداث الصـحوة
السلمية إنا نتناولا كظاهرة تاريية فنشي بقدر ما تسمح طبيعة البحث إل أهم الطوط البارزة ف
شأنا.
m m m
الوجدان الدي ن ويق تل الهتمامات الادة ...ول كن ب عد ظهور حر كة الخوان ال سلمي ,وامتداد ها من م صر إل البلد العرب ية الجاورة ,سعت بريطان يا إل إنشاء "الام عة العرب ية"
وجعل مصر "أم العروبة" "وزعيمة العال العرب"و "كبي الشقيقات" فيه! لعل راية العروية تايل للناس فيجتمعوا تتها بدلً من الراية السلمية الرهوبة ...ولكن النليز لثوا بعد
ذلك إل العنف -كما سبق بيانه -حي ل تفلح دعوي العروبة ول غيها من الوسائل ف وقف الد السلمي!.
مروبرجر" ف كتاب " العام العرب اليوم (ص 248من الصل النليزى الطبعة الثانية سنة .)1964
أما اختيار عبد الناصر بالذات لذه الهمة فليس ف أيدينا حت الن الوثائق الت تبي مت كان أول
ات صال اليهود به والتعرف عل يه واكتشاف وجود ال صال الطلو بة ف يه :جنون العظ مة وق سوة القلب
وبغض السلم ( .)1إنا أول ات صال رسى معلن بينه وب ي اليهود هو الذى ت ف أثناء حصار الفالو جا
بفلسـطي عام 1949م إذ تـ اللقاء الول بينـه وبيـ " إيال ألون " لدة سـاعة كاملة ثـ تعددت
الجتماعات ب عد ذلك .و قد اشت هر أ مر هذه اللقاءات ب يث ل ي عد ف حا جة إل إثبات ..ك ما أن "
كاتب الثورة " ممد حسني هيكل أقر به إقرارا صريا ف مقال له " بصراحة " منسوبا إل جال عبد
الناصر نفسه.
واستغرق المر عامي كاملي ف التحضي والترتيب من عام 1950إل عام 1952حي قامت "
الركة الباركة ( " )2الت سيت " الثورة " فيما بعد وقام جال عبد الناصر بالدور الطلوب على الوجه
الكمل فأقام للمسلمي مذبتي من أبشع مذابح التاريخ الول عام 1955 – 1954والثانية عام
1966 – 1965م.
m m m
مرة أخرى ..لسنا نؤرخ لحداث الصحوة السلمية ول لخططات العداء للقضاء عليها إنا نشي
فقط إل الطوط العريضة الت تبز أهم التاهات..
ف 26أكتوبر 1954افتعلت م سرحية ال سكندرية و ت على أثرها اعتقال أك ثر من عشر ين ألفا
من شباب الخوان ال سلمي وشيوخ هم ف ال سجن الرب وغيه من ال سجون وو قع عليهم من ألوان
التعذيب الوحشى ما تع جز كل الكلمات عن و صفه مه ما تكن دقة التكلم ف الو صف وبراعته ف
() قضي عبد الناصر طفولته ف حارة اليهود بالقاهرة ,إذ كان أبوه وكيل مكتب بريد حارة اليهود ف ذلك الوقت .ونششرت ملة "الجلة" -علي جلة حلقات -تلخيصا لكتاب
1
من تأليف الكاتب اليهودي "مورريس مزراحي" بعنوان "ملف اليهود ف مصر" جاء ف اللقة السابعة منها (العدد 290بتاريخ )28/8/1985أن سيدة يهودية تدعي مدام يعقوب
فرج شويل توسطت لدي عبد الناصر لتخفيف الكم الصادر علي اثني من اليهود ف مصر بالعدام لتامهما ف قضية جاسوسية ,لن عبد الناصر كان يدين للها بالفضل ,لنا هي
الت رعته ف طفولته بعد وفاة أمه ,وكانت ت عامله كأحد أبنائها ...ولكنا ل نعرف شيئا عن اتصال اليهود به وتعرفهم علي خصاله قبل اللقاء الذي ت ف الفالوجا بينه وبي إيال
() هكذا كانت تسمي فيأيامها الول .وقد صرح ممد نيب الرئيس الظاهري للحركة ف ملة الصور (ف أول عدد صدر بعد الركة) أن أول من علم بي الركة كان هو السفي
2
المريكي ف مصر ,وكان ذلك قبل قيام الركة بستة أشهر!! وهذا هو الققدر الذب كان مكشوفا للرئيس الستعار ...أما القيقة فيعلمها الرئيس القيقي جال عبد الناصر!.
الت عبي ( .)1وكا نت أدوات التعذ يب قد أقي مت ف ال سجن الر ب ابتداء من يون يو – 1954أى ق بل
الادث بم سة أش هر وأ خذ الزبان ية يدربون على اسـتخدامها بوا سطة ال باء من النازي الذ ين كان
ي ستخدمهم هتلر لعمال التعذ يب ف مع سكرات العتقال اللان ية ا ستؤجروا خ صيصا لذا ال مر م نذ
ذلك التاريخ ! (.)2
كان ما حدث للخوان السلمي ف عام 1954وثيق الصلة بأمر آخر غي مسرحية السكندرية.
() أذكر للقارئ نوذجا واحدا ربا يعينه -ولو من بعيد -علي تصور شئ ما كان يري ف السجن الرب من ألوان التعذيب .كان اعتقلي ف نوفمب من عام ,1954بعد الادث
1
با يقرب من شهر .وكان الشهيد يوسف طلعت قد اعتقلقبلي بثمان وأربعي ساعة ,بعد أن ظلوا يبحثون عن أكثر من ثلثة أسابيع حت تكنوا من معرفة كانه فاعتقلوه .وكان
"العرف" قد جري ف السجن الرب علي أن يستقبل كل فوج من العتقلي با أطلقنا عليه من باب السخرية "حفل الستقبال"! فكان يتناثر فريق من زبانية العتقل علي الطريق من
باب السجن إل "الكاتب" حيث تسجل الساء ف أوراق السجن ,كلما مر بم واحد من العتقلي قام كل واحد من الزبانية بنصيبه ف "استقباله" إما بضربة سوط ,أو ضربة عصا,
أو صفعة قوية علي وجهه ,أو لكمة ف صدرةه ,أو ركلة بكعب الذاء الديدي ف أي مكان من جسمه ل ترز ...وكان ذلك مقصودا لببث الرعبب ف قلب كل داخل من أول
لظة ,كجزء من خطة الرهاب العامة الت تارسها الدولة مع السلمي .وكان نصيب من حفل الستقبال كنصيب كل واحد من الفريق الذي دخل معي السجن ف نفس اللحظة.
كان يوسف قوي السم ,شديد السر ,متي البناء ,وكان معروفا بقوته السدية إل جانب رسوخ عقيدته وجرأته ف الق ,ول يكن قد مضي عليه ف أيديهم إل ثان وأربعون ساعة كما
أسلفت ...ولكن منظرره أذهلن! كانت الربطة الت يرشح منا الدم و "الركروكروم" الحر تتد من أعلي رجليه إل أسفل قدميه ,كما تغطي ذراعيه بطولما .وكان معه اثنان من
الزبانية! أحدها يقوده من أمامه والخر من خلفه ,وف كل خطوة كان يتلقي ضربت سوط علي ساقيه الداميتي ,إحداها من أمام والخري من اللف ,ومع ذلك ل تزييد خطوته ف كل
مرة عن خسة سنتيمترات! ولو كان يلك أن يعلها أوسع من ذلك بسنتيمتر واحد لوفر علي نفسه مئاتالسياد ف هذا الشوار الكئيب من باب السجن إل الكاتب ,حيث يعاد تعذيبه من
جديد! لذلك ذهلت عما أصابن شخصيا ف "حفل الستقبال" ...وقد كنت -قبل دخول -قد سعت كثيا عما يري هنالك من ألوان التعذيب ...ولكن كل ما كنت سعته ل ينشئ
() قال ل الحقق أثناء التحقيق الذي أجري معي ف السجن الرب ف العتقال الثان عام ( 1965وهو مثبت ف ملف التحقيق) :لقد قلت أمام مموعة من الناس إن حادث
2
السكندرية كان مسرحية! قلت :ل أقل ذلك! قال :فماذا قلت إذن؟! قلت :قلت لم إنه سواء كان حادث السكندرية حقيقيا أم كان حادثا مفتعلً فقد كان مُعَدّا للخوان كل ما
حدث لم بالفعل! قال مستنكرا :وما دليلك علي ذلك؟! قلت :لقد كان ل صديق يدعي "حسن السيد" وهو عديل الضابط أحد أنور مدير السجون الربية ,وكان موضع ثقة
كبية من جال عبد الناصر ,وكانت قد قامت بين وبينه صداقة وثيقة عام ,1952فزرته ذات مساء ف أواخر يوليو 1954ف مكتبه (وكان يعمل ماميا) فوجت عنده زبوني أني
أمرها بسرعة وقال :تعال! إنا أريدك ف أمر مهم ..وأغلق بابكتبه بالفتاح من الداخل مع أنه ل يكن فتنحه من الارج! وقال :أريدك ف أمر علي غاية من الهية ...نريد أن نوقف
الصدام بي الخوان والكومة بأي شكل! قلت إن الصدام قد وققع بالفعل ,فكيف يوقف؟ قال :فلييكفوا عن نقد العاهدة (يقصد العاهدة الت أجريت بي الكومة وبي النليز ف
ذلك العام ,وكان للخوان علي ها جلة اعتراضات) قلت :ل قد أعلنوا رأي هم في ها بالف عل ,ف ما الع مل؟! قال :فلين سحبوا من ال سياسة ويعلنوا أنف سهم جا عة دين ية! قلت :ألما ية
أشخاصهم يفعلون ذلك ,ويدمرون ف الوقت ذاته الساس الذي قاموا عليه؟ لقد قاموا علي أساس مارسة السلم بعناه الشامل ,والسياسة جزء منه ,فإذا انسحبوا اليوم من السياسة
فماذا بقي لم من مبادئهم يركتزون عليه؟ قال :مؤقتا فقد حت تر الزمة ...فإنك ل تدري ماذا سيحدث لم! قلت مستفسرا :ماذا سيحدث لم؟ فتردد ف الجابة فكررت عليه
السؤال :ما الذي سيحدث لم؟ فقال :أن أعيش ف وسطهم ,وأعلم ماذا سيحدث .يعن ...حي يأخذون الرشد والشخاص البارزين ف الماعة فيعدمونم .ويأخذون كذا ألف
شاب فيعذبونم علي طري قة إبراه يم ع بد الادي ..تكون الدعوة قد انت هت!! قلت :ل تنت هي الدعوة بذا! قال متدا :أ ظن ستقول ل إن الضطهاد يذ كي الدعوات! أن أح فظ هذا
كان وثيـق الصـلة بتقريـر " جونسـتون " الندوب الاص للرئيـس أيزناور فـ " الشرق الوسـط "
الكلف ببحث القضية الفلسطينية وتقدي تقرير الرئيس أيزناور عن الل المثل للقضية.
و قد قام " جون ستون " باله مة ال ت كلف ب ا فجال خلل النط قة وقا بل العرب واليهود ث قدم
تقريرا مفصل مبنيا على ثلث نقاط رئيسية "
النقطة الول :هى تقسيم مياه نر الردن بي العرب واليهود بالنسبة التالية %10 :تقريبا لكل من
سوريا ولبنان باعتبار أن منابع النهر ترى ف كل من البلدين .و %40تقريبا لكل من الردن وإسرائيل
فأما إسرائيل فتأخذ هذا القد لستصلح صحراء النقب ليواء ثلثة ملين من الهاجرين اليهود الدد
وأما الردن فتأخذ هذا القدر لستصلح ثلثة مليي دون (ف الضفة الغربية) لتوطي اللجئي العرب
(.)1
النقطة الثانية :هى أنه نظرا لعدم وجود حدود واضحة بي إسرائيل والبلد العربية الحيطة با (.)2
فإنه كثيا ما يدخل العرب الرض السرائيلية وهو يظن أنه مازال ف الرض الرض العربية أو يدخل
السرائيلى الرض العربية وهو يظن أنه مازال ف الرض السرائيلية فتنشأ عن ذلك اشتباكات حربية
تسيئ إل أمن النطقة فيحسن تديد حدود ولو مؤقتة بي إسرائيل والبلد العربية -تدد نائيا فيما بعد
( .)3على أن تترك شقة حرام عرضها مائتا متر بي البلد العربية وإسرائيل.
النقطية الثالثية :هـى أنـه إذا بقيـت أمور أخرى متلف عليهـا بيـ العرب واليهود فيجلس العرب
واليهود على مائدة مستديرة لل هذه اللفات (.)4
ول يعنينا الن هذا التقرير ول ما فيه من إجحاف بالعرب وخدمة مغلفة أو غي مغلفة لليهود ..فقد
أصبح هذه كله ف ذمة التاريخ وما كان ف حقيقته إل خطوة مرحلية تتوسع إسرائيل بعدها ما شاءت.
الكلم أكثر منك! ولكن أمامك مائة سنة أخري حت تعود الدعوة من جديد! قلت :إن هذا عصر تتابع فيه الحداثث بسرعة ول مال فيه لشئ يأخذذ مئات السني! ومع ذلك فماذا
ف وسعي أنا أن أفعل؟! قال :تلقي بأخيك سيد وتطلب منه وقف الصدام مع الكومة بأي شكل! قلت له :نعم! أفعل ...ول ألتق بأخي حت كانت العتقالت.
قلت ذلك للمحقق فارتبك ارتباكا شديدا ل يستطع إخفاءه! وظل ما يقرب من نصف دقيقة ل يد ما يقول ,ث قال متلعثما :ف يوليو أل يكن الادث قد وقع؟! قلت :ل! لقد وقع ف
26أكتوبر! قال :نعم! لقد كان الخوان يومئذ قد بدءوا يشاغبون! وبعد أسبوعي طلبن الحقق ,وقال :لقد استدعينا حسن السيد وسألناه ,فأقر با ذكرته ف التحقيق!.
() وبذلك تنتهي مشكلة "اللجئي" الت كانت ف ذلك الوققت تشغل "الرأي العام العالي" حت استطاع اليهود -بوسائلهم -أن ُينْسوا "الررأي العام العالي" مشكلة اللجئي ,حي
1
حولوا العرب جيعا إل لجئي!!.
()كانت البلد العربية ف ذلك الوقت ل تعترف بإسرائيل ,وتسميها "إسرائييل الزعومة" فلم تكن هناك حدود معترف با!.
2
()لحظ رغبة جونستون ف عدم تديد حدود نائية ف ذلك الي لكي ل تتقيد با إسرائيل!إنا يييد فقط إعطاءها شرعية الوجود ,ول بأس عليها بعد ذلك ان تتخطي الدود!.
3
() وذلك تهيدا للصلح!!.
4
و قد تاوزت إ سرائيل اليوم كل ما جاء ف ذلك التقر ير فاستولت على الض فة الغربية بأكمل ها وعلى
ثاني ف الئة من مياه النهر وذبت من السلمي من ذبت وطردت من طردت وحولت من حولت
إل لجئي..
إنا الذى يعنينا هو الملة التامية الت ختم با " جونستون " تقريره الذى كان ف ذلك الوقت هو
الطريقة الت تريد با أمريكا تثبيت إسرائيل على وضعها الذى كانت عليها وإعطاءها الشرعية اللزمة
لوجودها والت كان اليهود يتاجون إليها كخطوة مرحلية يثبون بعدها وثبات جديدة ف تقيق ما هو
مطط من قبل وما هو متفق عليه بي أمريكا وإسرائيل.
كانت الملة التامية على هذا النحو:
" ولكن طالا أ جاعة الخوان السلمي وهى جاعة قوية مسلحة متعصبة يبلغ تعدادها حوال
الليون ف م صر والبلد العرب ية الخرى ..طال ا أن هذه الما عة باق ية بقوت ا فلن ي كن تنف يذ هذا ال ل
ولن تستقر المور ف الشرق الوسط " !!
وكان العن واضحا بكل تأكيد ..معناه :اقضوا لنا على هذه الماعة لكى " يكن تنفيذ هذا الل
ولكى تستقر المور ف الشرق الوسط " !!
ورفع التقرير ف يونيو 1954إل الرئيس أيزناور فواق عليه ..وأعطيت الشارة لمال عبد الناصر
للتنفيذ.
وهذا هـو الذى يفسـر فزع الرجـل الطيـب السـتاذ حسـن السـيد الذى كان يعيـش فـ وسـطهم
ويعرف ما يسمع منهم – ماذا يراد بالخوان السلمي !!
m m m
m m m
ولكن قدرا هائل كان ينتظر جال عبد الناصر وينتظر الصليبية الصهيونية من ورائه..
ففى سنة 1963بدأت مابراته تقول له :إن هناك حركة ما ف صفوف الخوان السلمي ل يعرف
مصدرها بالضبط ول يعرف حجمها بالضبط ولكنها بدأت تنشط.
وكانت مفاجأة أعنف من كل ما سبق !
أبعد كل ما حدث ؟!
لقد كانت الصحوة السلمية منذ بدائها مفاجأة " لصحاب الشأن "من الصليبي واليهود !
وكان اتساع مداها بعد مقتل قائد الركة الول مفاجأة أخرى لصحاب الشأن !
وكانت عودة النشاط ف صفوف الركة بعد كل الذى فعله عبد الناصر من التعذيب الوحشى الذى
() تترجم كلمة Secularعادة بالعلمانية ,وهي ترجة خاطئة ,والصحيح ترجتها باللدينية (راجع فصل "العلمانية" من كتاب "مذاهب فكرية معاصرة") فالناس ف السلم إما أن 1
يكونوا بكل واقعهم وكل مشاعرهم داخل الدين وإل فهم خارجة .ول توجد ف السلم منظقة "علمانية" تكون فيها بعض العمال وبعض الشاعر خارج دائرة الدين ,ويكون
أ صحابا مع ذلك م سلمي!! إنا كان ذلك ف الدين الكن سي الحرف ,الذي قال قساوسته أدّ ما لقي صر لقيصر و ما ل ل! ولكن ال تعال يقول{ :يَا َأّيهَا الّذِي َن آمَنُوا ادْ ُخلُوا فِي
ي ([ })208سورة البقرة ]2/208أي ادخلوا بكافة أنفسكم ف السلم. سلْ ِم كَافّ ًة وَل َتتِّبعُوا ُخ ُطوَاتِ الشّْيطَانِ ِإنّهُ لَكُ ْم عَ ُدوّ مُبِ ٌ
ال ّ
() ص 319من الطابعة الثانية Anchor Books editionنيورك سنة .1964
2
() ص.320 :
3
()1
مفاجأة أعنف وأشد ! ل مثيل له ف التاريخ
لذلك كا نت مذب ة – 1965على يد ال سفاح "الب طل "أع نف بكث ي من مذب ته ال سابقة سنة
.1954
m m m
ومرة ثالثـة نقول إننـا ل نؤرخ لحداث الصـحوة السـلمية ول نؤرخ لمال عبـد الناصـر ول
للمخططات الصليبية الصهيونية للقضاء على الركة السلمية..
إنا نن فقط ندرس هذه الظاهرة ..ظاهرة الصحوة السلمية..
ل قد بدأت ف قلب ر جل وا حد ف تح ال عل يه وو هب له من إشرا قة الروح و صفاء ال صلة بال ما
يستشعر به عظمة السلم وما يتحرك به لتحقيق هذه العظمة ف واقع الياة.
بدأ حياته صوفيا فانتمى منذ صباه إل جاعة صوفية عمقت إشراقه الروحى ووصلت قلبه بال.
ولكنه أدرك – با فتح ال عليه – أن السلم أعظم بكثي ما تتمثله الصوفية وتارسه ..إنه نظام حياة
كامل وليس صلة روحية بي العبد والرب فحسب.
ل يس عبادة فرد ية ي ستغرق في ها العا بد ف صلة مدودة "بالخوان " ف الطري قة ( )2بعيدا عن وا قع
الياة ..إنا هو عبادة فردية وجاعية ف ذات الوقت تتمثل ف إقامة الجتمع السلم الذى يتحاكم إل
شري عة ال والدولة ال سلمة ال ت ت كم بشري عة ال ..وإذا كان هذا ال كم غ ي قائم فينب غى الع مل على
إقامته ف ترتيب متدرج متسلسل :بناء الفرد السلم فالسرة السلمة فالجتمع السلم فالدولة السلمة.
يقول المام الشهيد ف رسالته بعنوان " أيها الشاب ":
" إن منهاج الخوان السلمي مدد الراحل واضح الطوات .فنحن نعلم تاما ماذا نريد ونعرف
الوسيلة إل تقيق هذه الرادة.
( )1نريد أول الرجل السلم ف تفكيه وعقيدته وف خلقه وعاطفته وف عمله وتصرفه فهذا هو
تكويننا الفردى.
( )2ونريد بعد ذلك البيت السلم ف تفكيه وعقيدته وف خلقه وعاطفته وف عمله وتصرفه ونن
لذا نعن الرأة عنايتنا بالرجل ونعن بالطفولة عنايتنا بالشباب وهذا هو تكويننا السرى.
() إل ما صنعته ماكم التفتييش ف الندلس للقضاء علي السلم كما سبقت الشارة.
1
() أي الزملء ف الطريقة الصوفية.
2
( )3ونريد بعد ذلك الشعب السلم ف ذلك كله أيضا ونن لذا نعمل على أن تصل دعوتنا إل كل
بيت وأن يسمع صوتنا ف كل مكان وأن تتيسر فكرتنا وتتغلغل ف القرى والنجوع والدن والراكز
والواضر والمصار ل نألو ف ذلك جهدا ول نترك وسيلة.
( )4ونريد بعد ذلك الكومة السلمة الت تقود هذا الشعب إل السجد وتمل به الناس على هدى
السلم من بعد كما حلتهم على ذلك بأصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم أب بكر وعمر من
قبل ونن لذا ل نعترف بأى نظام حكومى ل يرتكز على أساس السلم ول يستمد منه ول نعترف
بذه الحزاب السياسية ول بذه الشكال التقليدية الت أرغمنا أهل الكفر وأعداء السلم على الكم
با والعمل عليها وسنعمل على إحياء نظام الكم السلمى بكل مظاهره وتكوين الكومة السلمية
على أساس هذا النظام " (.)1
لقد كانت هذه الشراقة ف قلبه وروحه – الت فتحت عينه على هذه القيقة – فتحا ربانيا ول شك
وكانت ف الوقت ذاته هى الستجابة الصحيحة للحداث القائمة منذ اكثر من قرن من الزمان ف العال
السلمى بأسره وف مصرف بصفة خاصة كانت هى الوقف الصحيح الذى كان ينبغى أن يقفه رفاعة
الطهطاوى وجال الد ين الفعا ن وم مد عبده و سعد زغلول و كل الذ ين انز مت أرواح هم إزاء
الغرب فانرفوا بدرجات متفاوته ف تيار التغريب !
هل كان من الستحيل على هؤلء أن يتجهوا الوجهة الصحيحة ف الزمن الذى عاشوا فيه ؟!
هل كانوا هم النتاج :النطقى " الوحيد أو النتاج " المكن " الوحيد بالنسبة لظروف عصرهم ؟!
كل ! ف قد كان نوذج م مد بن ع بد الوهاب قائ ما ف الزيرة العرب ية ف الو قت الذى عاشوا ف يه
وكان يثـل التاه الصـحيح والركـة السـتقيمة ..ولكنهـم ل يتجهوا إليـه ول إل مثله إناـ اتهوا إل
الغرب لا كان ف نفوسهم من الزية الداخلية إزاءه.
وال هو الذى يقدر القدار و هو الذى يف تح على قلوب من يشاء من عباده ويط مس على قلوب
من يشاء ..ولكن ال بي لنا كيف يرى قدره ف الرض من خلل أعمال الناس واتاهاتم.
سَبتْ َأيْدِي النّاسِ} [سورة الروم ]30/41
{ َظهَ َر اْلفَسَادُ فِي اْلبَ ّر وَاْلبَحْ ِر بِمَا كَ َ
ك ِبَأّنهُمْ كَ ِرهُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ َفأَ ْحبَطَ َأعْمَاَلهُمْ ([ })9سورة ممد ]47/9
{ذَلِ َ
{قُلْ ِإنّ اللّ َه يُضِ ّل مَ ْن يَشَا ُء َوَيهْدِي إِلَيْ هِ مَ نْ َأنَا بَ ( )27الّذِي نَ آ َمنُوا َوتَطْ َمئِنّ قُلُوُبهُ ْم بِذِ ْكرِ اللّ هِ أَل
بِذِ ْكرِ اللّ ِه تَطْ َمئِ ّن اْلقُلُوبُ ([ })28سورة الرعد ]28-13/27
() راجع :مموع رسائل المام الشهيد "حسن البنا" طبع الؤسسة السلمية للطباعة والصحافة والنشر ,بيوت ,الطبعة الثالثة 1403هـ 1983م ص .177
1
ْسـنِيَ ([ })69سـورة العنكبوت
َعـ الْ ُمح ِ
ّهـ لَم َ
سـبَُلنَا َوإِن ّ الل َ
ُمـ ُ
ِينـ جَاهَدُوا فِين َا َلَنهْ ِدَينّه ْ
{وَالّذ َ
]29/69
فل عذر لؤلء في ما انرفوا ف يه عن الطر يق ال صحيح وجروا أمت هم كل ها وراء هم ف انراف عن
الطريق الصحيح.
وف الوقت ذاته نسأل :هل كان يكن للدعوى أن تنجح لو قامت ف ذلك الوقت بدل من وقتها
الذى قامت فيه ؟
ذلك غ يب ل نل الجا بة اليقين ية عل يه وإن كان نوذج م مد ع بد الوهاب ف الزيرة يو حى بأ نه
كان ف المكان ول كن هذا ل ي سقط عن هؤلء وا جب الدعوى ! فإن ال من رح ته كلف نا أن ند عو
ول يكلفنا الوصول إل نتائج معينة ف دعوتنا .ول ياسبنا سبحانه عن النتائج إن بذلنا جهدنا لنه هو
سبحانه الذى ير تب النتائج ويقدر ها .إن ا يا سبنا على ال هد الذى ينب غى أن نبذله :هل بذلناه ؟ وعلى
أى نو بذلناه.
ك هُ ْم الْ ُمفْلِحُونَ
ف َوَينْ َهوْنَ عَ ْن الْ ُمْنكَ ِر َوُأوْلَئِ َ
خيْ ِر َويَ ْأمُرُونَ بِالْ َمعْرُو ِ
{وَْلتَكُ ْن ِمْنكُمْ ُأ ّمةٌ يَ ْدعُونَ إِلَى الْ َ
([ })104سورة آل ]3/104
" لن يهدى ال بك رجل واحدا خيا لك من حر النعم " (.)1
" يأتى النب يوم القيامة ومعه الرجل والرجلن وليس معه أحد " (.)2
إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أل يقوم حت يغرسها فليغرسها " (.)3
فلو قام هؤلء بواجب الدعوة إل ال ث ل يستجب لم أحد لكانوا قد أدوا ما عليهم وأعذروا إل
ال ..ويقع الوزر على الذين ل يستجيبون.
m m m
()1
وأخذت الدعوى مداها ف حياة المام الشهيد وانضم إليها مئات اللوف من الناس....
كانوا ناذج شت واتاهات متعددة.
كان في هم فر يق من ال صوفيي الذ ين ظنوا أن جا عة الخوان ال سلمي جا عة صوفية جديدة متنورة
تسي على ذات القاعدة الصوفية الت يعرفونا ولكنها خالية من " البدع "الت يقع فيها "الحترفون " من
الصوفية فرأوا أن اتباعها ل يرج بم عن طريقهم الذين ألفوه وف الوقت ذاته ل يوقعهم فيما يعاب
على الصوفية من انرافات.
وكان في هم كث ي من الشباب النظ يف التط هر الذى ل تلو ثه مو جه الف ساد الكا سحة ال ت تف سد
الجت مع وتلو ثه بالد نس والذى ات ذ موق فا مددا من الضارة الغرب ية أن ينت فع بالنا فع من ها الذى ل
يتعارض مع عقيد ته وأخل قه ولك نه ير فض ماد ية هذه الضارة وتبذل ا الخل قى وتلل ها الن سى
واستحللا لكل ما حرم ال.
ولقد كان مثل هؤلء الشباب موجودين ف الجتمع ..ل تكن قد أكلتهم الدوامة ِ ول غلبتهم على
نظافتهم وتطهرهم ..ولكنهم كانوا ضائعي ..كانوا أفراد متناثرين ل يربط بينهم رابط ول تمع بينهم
وحدة ..وكانوا قمين ي أن يعيشوا ف عزلت هم الضائ عة تف ن في ها أعمار هم ل يلت فت إل يه أ حد إل
بالسخرية إن التفت فحسبها أن تقف ف موقعها الذى أزيت إليه حت تفن وتضيع ..ومن ث ل يكن
لم رغم وجودهم – وجود مسوس !
فالن وجدوا أنفسهم !
ل يعودوا قطرات متناثرة مزا حة من الطر يق ..إن ا صاروا – ف حس أنفسهم على ال قل – وجودا
مسوسا ..وجود مستقل متميزا عن الدوامة الكاسحة مغايرا لا ف التاه تضعفه الوجه الكاسحة نعم
() اقدر بعض الهات عدد الذين انضموا للدعوة قبل مقتل المام الشهيد بنصف مليون ,وليس هناك إحصاء دقيق بطبيعة الال.
1
ولكنها ل تفقده وجوده ول تفقده تيزه ول تفقده ترابطه ..بل تزيده !
ث إنه ينمو ..نو سريعا ( ..)1فتحس الوجة الكاسحة ضغطه وإن كانت ل تقف له ول تأبه له ول
تكف عن الريان من أجله ولكنها تس بالضيق من وجوده !
وكانـت هناك "جاهيـ "جاءت لتشبـع " وجداناـ الدينـ " وهـى ل تعرف مـن السـلم إل ذلك
الوجدان ! وكا نت ت د ف خ طب المام الشه يد ودرو سه من ف يض "الروحان ية" و قد و هب ال له
روحانية فياضة مشعة عميقة التأثي ما يشبع ف نفسها وجدانا الدين فيشدها إل "الماعة " فتمارس
بعض نشاطاتا ولكن مطلبها الول هو إشباع ذلك الوجدان !
وكان فيهـم كذلك مسـتنفعون ! مـن رجال الحزاب السـياسية القائمـة يومئذ ظنوا أن هذا حزب
سياسى جديد ينمو بسرعة متزايدة ..أو قطار جديد ينهب الرض نبا وتتزايد " جاهيه " فحدثتهم
أنفسهم أن لعله يكون – بكثرة جاهيه وترابطهم أقرب من غيه ف الوصول للحكم ..فل تفوتم إذن
الفرصة ول يفوتم القطار !
وحي جاءت الضربة عام 1949-1948فرت كثي من تلك الموع إل غي رجعة
فر الت صوفون ..ف قد عرفوا يقي نا أن هذه ل ت كن جا عة صوفية جديدة متنورة إن ا كا نت حر كة
جهاديـة يتعرض أصـحابا لاـ يتعرض له الجاهدون فـ التاريـخ كله مـن القتـل والتعذيـب والتشريـد
والطاردة ..وما لذا كانوا قد جاءوا ول عندهم احتمال له ول اصطبار عليه ..فالنجاة النجاة من ماطر
الطريق !
فر الستنفعون ..فقد عرفوا يقينا أن هذا القطار هو أبعد شئ عن الوصول إل كراسى الكم وهم
لذا جاءوا ل يعرفون غيه ول يسـتهدفون سـواه ..فالفرار الفرار قبـل أن يدمغوا دمغـة ل يسـتطيعون
التخلص من عقابيلها فيما بعد !
وفرت الماهيـ فمـا عاد هناك مـا يشبـع وجدانمـ الدينـ وهـم ل يلكون غيه ول يعرفون مـن
السلم غيه إنا هناك سجن وتعذيب وتشريد وتقتيل ..وما لذا كانوا قد جاءوا ول عندهم احتمال
له ول اصطبار عليه ..فالرب الرب قبل أن تعثر عليهم السلطات وتتهمهم بأنم كانوا هناك !
وبقـى الشباب النظيـف التطهـر ..ومـع ذلك ل يبـق كله ..فمـا كان كله يعرف مـن قبـل عقابيـل
الطر يق ..و ما كان كله يقدر أن سيناله ف الطر يق شئ من العذاب والتضحيات ! إن ا كان ي ظن أن ا
سياحة طي بة ف ال و الن قى بعيدا عن قذارات الجت مع الد نس الذى يع يش ف يه في ما متاعب ها الذات ية
() لنا رأي ف هذا النمو السريع سنبينه فيما بعد ,لكنا هنا نسجل واقع الال.
1
فح سب متا عب الحاف ظة على الد ين ف و سط الف ساد الكا سح تلك ال ت قال عن ها ر سول ال" :e
يأتى زمان يكون القابض على دينه كالقابض على المر " أما التعرض للسجون والعتقلت والتشريد
والتعذيب فلم يكن ف حسبان كثي منهم على الرغم من أن المام الشهيد قال لم ذلك ف وضوح ل
لبس فيه حي قال لم ف رسالة " بي المس واليوم "
"أحب أن أصار حكم أن دعوتكم لزالت مهولة عند كثي من الناس ويوم يعرفونا ويدركون
مرامي ها وأهداف ها ستلقى من هم خ صومة شديدة وعداوة قا سية و ستجدون أمام كم كثيا من الشقات
وسـيعترضكم كثيـ مـن العقبات وفـ هذا الوقـت وحده تكونون قـد بدأتـ تسـلكون سـبيل أصـحاب
الدعوات أ ما الن فل زل تم مهول ي ول زل تم تهدون لدعوة وت ستعدون ل ا تتطل به من كفاح وجهاد
سيقف جهل الشعب بقيقة السلم عقبة ف طريقكم وستجدون من أهل التدين ومن العلماء الرسيي
من يستغرب فهمكم للسلم وينكر عليكم جهادكم ف سبيله .وسيحقد عليكم الرؤساء والزعماء وذوا
الاه والسلطان وستقف ف وجوهكم كل الكومات على السواء وستحاول كل حكومة أن تد من
نشاطكم وأن تضع العراقيل ف طريقكم.
" و سيتذرع الغاضبون ب كل طر يق لناهضت كم وإطفاء نور دعوت كم و سيتستعينون بالكومات
الضعيفة والخلق الضعيفة واليدى المتدة إليهم بالسؤال وإليكم بالساءة والعدوان .وسيشي المع
حول دعوت كم غبار الشبهات وظلم التامات و سيحاولون أن يل صقوا ب ا كل نقي صة وأن يظهرو ها
للناس ف أبشع صورة معتمدين على قوتم وسلطانم معتدين بأموالم ونفوذهم.
{يُرِيدُونَ أَ ْن يُ ْط ِفئُوا نُورَ اللّهِ بِأَ ْفوَا ِههِ ْم َوَيأْبَى اللّهُ إِلّ أَنْ ُيتِمّ نُورَ ُه وََلوْ َكرِهَ اْلكَافِرُونَ ( [ })32سورة
التوبة .]9/32وستدخلون بذلك ول شك ف دور التجربة والمتحان فتسجنون وتعتقلون وتنقلون
وتشردون وتصادر مصالكم وتعطل أعمالكم وتفتش بيوتكم ن وقد يطول بكم مدى هذا المتحان:
سبَ النّا سُ أَ ْن ُيتْرَكُوا أَ ْن َيقُولُوا آمَنّا وَهُ ْم ل ُيفَْتنُو نَ} [سورة العنكبوت .]29/2ولكن ال
{أَحَ ِ
وعدكم بعد ذلك كله نصرة الجاهدين ومثوبة العاملي الحسني:
{يَا َأّيهَا الّذِينَ َآ َمنُوا هَلْ أَدُّلكُ ْم عَلَى تِجَا َر ٍة تُنجِيكُ ْم مِ ْن عَذَابٍ أَلِيمٍ ([ })10سورة الصف
صبَحُوا ظَاهِرِينَ ([ })14سورة الصف ]61/14فهل َ{...]61/10فأَيّ ْدنَا الّذِينَ َآ َمنُوا عَلَى عَ ُد ّوهِمْ َفأَ ْ
أنتم مصرون على أن تكونوا أنصار ال ؟ ()1
إنا الذين بقوا داخل الماعة بعد الضربة القاصمة كانوا هم الذين تربوا بالفعل على يد المام الشهيد
() مموعة رسائل المام الشهيد حسن البنا ,الؤسسة السلمية للطباعة والصحافة والنشر ,بيوت-ط 1403-3هـ 1983م ,ص .109-108
1
والذين كان ف تقسيمه يسميهم (الخوان العاملي) وإن كان كثي من هؤلء قد ظهرت عليهم فيما بعد
أثار "التعجل" ف التكوين والركة الت سنتكلم عنها فيما بعد
m m m
فرت كثي من الموع الت كانت تتحلق حول المام الشهيد ف درسه السبوعى فتمل الركز العام
لماعة الخوان السلمي وتل الشوارع التفرعة حوله حي رأوا أن المر ليس عرضا قريبا ول سفرا
قاصدا إ ما هو جهاد وعذاب ( .)1كما فرت الموع الت كانت تستقبل المام الشهيد كلما تنقل ف
مدن القطر أو ف أريافه ف رحلته الدائمة الت ل يكن يفتر عنها.
ولكن حدوث ذلك التجمع يمل مع ذلك دللته ..أو قل :يمل دللته.
الدللة الول :إن السلم ل يكن قد انتهى تاما من القلوب كما ظن الذين ظلوا يعملون – خلل
قرن ونصف قرن من الزمان على مو السلم من مصر موا وتويلها إل " قطعة من أوربا "( )2أو" قطعة
من حوض البحر البيض التوسط " ( )3أو قطعة من أى شئ إل السلم.
والدللة الثانية إن الناس كانت تنتظر لدعوة الجتمع.
إن الماهيـ ل تتجمـع مـن تلقاء نفسـها إل فـ المور التـ تتعلق بالكيان الادى كمـا تتجمـع
الظاهرات الت تطالب بالبة أو غيه من الضرورات القاهرة أما التجمع من أجل " القيم " فإنه يتاج
دائ ما إل القيادة .ول قد كان علماء الد ين دائ ما هم القيادة ال ت تل جأ إلي ها الماه ي ف أزمات ا أو ال ت
تدعو الماهي إل التجمع فتتجمع حولا وتتحرك بإرشادها.
ول ا غاب العلماء عن ال ساحة وانزووا ف دا خل درو سهم أو ف دا خل أنف سهم غا بت القيادة "
الدينية " وبرزت أو أبرزت مكانا القيادة " اللدينية " وتبعتها الماهي مفتونة با على نو م ذكرنا ف
الفصل السابق.
فلما برزت القيادة الدينية مرة أخرى عادت الماهي إل التجمع حولا وإن يكن بنسبة أقل ف هذه
الرة ب سبب الغزو الفكرى والفتنة بالغرب ولكنه تمع قابل للت ساع والن مو بقدر ما تفلح القيادة ف
إزالة الغاش ية ال ت غش يت ال مة وعرض ال سلم ف حقيق ته النا صعة وترب ية ج يل جد يد على حقائق
السلم.
() قال تعالَ{ :لوْ كَانَ َعرَضا َقرِيبا وَ َسفَرا قَاصِدا لتّبَعُو َك وَلَ ِكنْ بَ ُع َدتْ َعلَْيهِمْ الشّقّةُ} [سورة التوبة .]9/42 1
() هذه قولة الديو إساعيل.
2
() هذه قولة طه حسي.
3
والدللة الثال ثة :إن ال سلم ي مل دائ ما جاذبي ته إل القلوب بكو نه د ين الفطرة فحيث ما ا ستقامت
الفطرة اهتدت إل ال سلم و سهل علي ها اتبا عه ..فإذا كان الوا قع النحرف الذى كان يعي شه ال سلمون
قد ا ستغل من ق بل العداء لتنف ي الناس من ال سلم وإيهام هم أ نه هو ال سبب ف جود هم وتأخر هم
وضعفهم وتلفهم فإن العرض الصحيح لقائق السلم قمي أن يرد القلوب الشاردة إليه والدعوى إل
التجمع تت رايته قمينة أن ترد السلمي إل وضعهم الطبيعى بعد أن يتفرقوا ف شت الضللت:
سـِيلِهِ} [سـورة النعام
َنـ َب
ُمـ ع ْ
ّقـ ِبك ْ
السـلَ َفَتفَر َ
ُوهـ وَل َتتِّبعُوا ّبُ
ُسـقِيما فَاّتبِع ُ
صـرَاطِي م َْت
{ َوأَنّ هَذَا ِ
]6/153
صحيح أن التمكي للسلم مرة أخرى يتاج إل جهاد شاق..
وصحيح أن الرب الضارية الثارة ضد السلم اليوم من الصليبية العالية واليهودية العالية وأذنابهما
ت عل الهاد الطلوب للتمك ي لل سلم أ شق من أى و قت م ضى ب يث ل يطي قه إل أول العزم من
السلمي ولذا كان الستجيبون للدعوة قليلي ف مموعهم وإن كثروا..
كل هذا صحيح ..ول كن تب قى الدللة قائ مة ل تتغ ي ..لن ا مرتب طة بالتاه ذا ته :اتاه العودة إل
السلم ل بالعدد الذى اته حت الن بالفعل.
ومـن أجـل هذه الدللة ينـ جنون العداء كلمـا رأوا هذه الدعوة تتـد أو تتنفـس بعـد أن يكتموا
أنفاسها ويظنوا أنم قضوا عليها القضاء الخي !
m m m
لقد كان العمل الذى قام به حسن البنا عمل ضخما يشبه أن يكون إعادة بناء أمة..
لقد كان الال هذه المة كجدار يريد ينقض .فأقامه.
ول ي كن عمله هو مرد اللبنات ال ت كا نت ما تزال صالة ف الجت مع..أو تم يع القطرات التناثرة
الت أزاحها السيل ..إنا كان عمله..إل جانب التجميع هو إنشاء بناء متي من تلك اللبنات وإيار تيار
حى متدفق من هذه القطرات..
كان عمله هو إعادة ال سلم ف نفوس معتنق يه إل " حر كة " إل من هج حياة وع مل ..إل مار سة
واقع ية ب عد أن كان قد تول على يد " الشا يخ " إل قوالب جا فة تنق صها الياة والر كة وعلى يد
ممد عبده إل منهج ثقاف عقلن ل يتحرك لتغيي الواقع " ول " ياهد " من أجل التغيي وعلى يد
الصوفية إل أضرحة وأولياء ومزارات وعلى يد العامة إل تواكل خامل وخرافات.
ول ي كن ذلك عمل سهل على أى إن سان يت صدى لذه اله مة ف تلك الفترة من الزمان و ف تلك
البقعة من الكان حيث ركزت الصليبية والصهيونية جهودها لقتلع السلم.
ل ي كن سهل ر بط القلوب برباط الخوة ب عد أن فرقت ها الفرد ية النان ية الواردة مع تيار التغر يب
والناجة من قبل من تلى المة التدريى عن مارسة السلم ف عال الواقع.
ول يكن سهل تربية النفوس على أ تنذر نفسها للدعوى وتتخلى عن كثي من متاع الرض بعد
أن كانت النفوس قد ألفت الخلد إل الراحة ونذر الهد للحياة الدنيا منقطعة عن الخرة فإن ذكر
أحدهم الخرة فبالشعائر التعبدية على الكثر إن ل يكن بالنوايا الطيبة فحسب !
ول ي كن سهل ترب ية تلك النفوس ال ت أخلدت إل الرا حة ل كى تنذر نف سها – صادقة للموت ف
سبيل ال تعتب الوت ف سبيل ال أغلى أمانيها.
ل يكن شئ من ذلك سهل على أى إنسان يتصدى لذه الهمة ..ولكنه كان ينساب سهل من بي
يدى ذلك البناء العظيـم الذى وهـب ال له مـا وهـب مـن صـفات الداعيـة البناء ..مـن إشراقـة الروح
وصفاء القلب والتجرد ل والب الفياض واللد على العمل والصب على الكد والقدرة على التجميع
والقدرة على القيادة والقدرة على التنظيم.
m m m
ولكن هذا البناء الضخم الذى أقامه كان يشتمل على ثغرات ظلت تعطى تأثياتا بصور شت ف خط
السي..وأغلب الظن أن هذه الثغرات ل تكن بادية للبناء العظيم ف بداية السي إل أنا بدت له واضحة
فيما بعد قبيل مقتله كما سيجئ وإن كان ل يهل لترسيخها ف قلوب أتباعه.
كان الثغرة الول هى الستعجال ف التجميع الماهيى قبل موعده الذى ينبغى أن يئ فيه.
إن الرص على هداية الناس وعلى هداية أكب عدد مكن ف أقصر وقت هو رغبة بشرية ملحة ف
نفوس الدعاة وال صلحي بل كا نت كذلك ف نفوس ال نبياء أنف سهم .و قد كان ر سول ال صلى ال
عل يه و سلم ي س بالرغ بة العمي قة ف أن يهتدى الناس ك ما ي س بال سى العم يق لعدم ا ستجابة الناس
لدعوة الق حت قال له ربه:
ِيثـأَسـَفا ([ })6سـورة الكهـف
َمـ ُي ْؤمِنُوا ِبهَذَا الْحَد ِ
ِنـ ل ْ
ِمـ إ ْ
ك عَلَى آثَا ِره ْ
ْسـ َ
ِعـ َنف َ
ّكـ بَاخ ٌ
{فََل َعل َ
]18/6
ِينـ ([ })56سـورة
َمـ بِالْ ُم ْهتَد َ
َنـ يَشَا ُء َو ُهوَ َأعْل ُ
ّهـَيهْدِي م ْ
ْتـ وََلكِنّ الل َ
َنـَأ ْحبَب َ
ّكـ ل َتهْدِي م ْ
{ِإن َ
القصص ]28/56
ول كن هناك سننا ربان ية يرى بقتضا ها أ مر الدعوات وفي ها ال ي وإن ش قت ف مبدأ ال مر على
الدعاة والصلحي.وليست الكثرة الماهيية ف مبدأ الدعوى من بي هذه السنن ول هى ما يتحقق به
الي !
ولو كان الي يتحقق من هذه الكثرة ف مبدأ الطريق ما حجبها ال عن نبييه eول عن دينه الذى
قدر سبحانه أن يكن له ف الرض ف حياة النب الرسل به ويقيم له دولة ذات سلطان !
وحي ننظر إل المر من زاويته الرضية منقطعة عن قدر ال فقد ييل إلينا أن عناد العرب وولدهم
( )1هو الذى جعل حف نة قليلة من الناس هى الت تتبع الر سول صلى ال عليه وسلم خلل ثلثة عشر
عاما كاملة من الدعوة ى مكة ولكن حي ننظر إل المر من زاوية قدر ال فقد كان ال قادرا لو شاء
سبحانه أن يمع حوله رسوله eألوفا مؤلفة ف تلك السنوات العدودة..
ولكن قدر ال جرى على هذا النحو الذى جرى به وهو سبحانه الذى يقول للشئ كن فيكون لي
هذه الدعوة ومصلحتها وكانت الدعوة على هذه الصورة هى الكثر تكنا ف الرض وهى الت كتبت
بقدر من ال تاريا ل تكتبه غيها من الدعوات.
كان الذ ين ا ستجابوا لر سول ال eف م كة خلل ثل ثة ع شر عا ما قلة مدودة ل تبلغ الائت ي من
الناس ولكنهم كانوا هم نواة ذلك اليل الفريد الذى تفرد ف التاريخ البشرى كله..
كانوا قلة نعـم ولكنهـم كانوا بلغـة البناء هـم العمدة الراسـية التـ يقوم عليـه البناء كله فتحمله
وتكن له ف الرض .وكما يعمد البناء حي يشرع ف إقامة بنائه إل دك الساس دكا متينا بادئ ذى
بدء ث إقامة العمدة الت تمل البناء قبل أن يضع الطوب والحجار فكذلك فعل قدر اله بذه الدعوة
على يدى رسول ال eفقيض له تلك الفئة القليلة حوله صلى ال عليه وسلم تتلقى كل رعايته وكل
توجيه وكل تربيته وتتلقى منه الشحنة كاملة فتكون كما شاء ال لا أن تكون عمدا راسية ف كل
اتاه ث جاء قدر ال بالن صار يتربون على يدى ر سول ال eمع الهاجر ين و هم جي عا قلة مدودة
فينالون من تربيته ورعايته وتوجيهه الظ الوف ويظل للمهاجرين سبقهم ف ذلك كله وذلك قبل أن
تئ الحجار الت تكمل البناء وتعله صالا لداء مهمته أولئك الذين قال عنهم:
{وَ َرَأْيتَ النّاسَ يَ ْدخُلُونَ فِي دِينِ اللّهِ أَ ْفوَاجا ([ })2سورة النصر ]110/2
ذلك هو الترتيب الربان الذى به نحت الدعوة وتكنت ف الرض..
ونتخيل المر ت على غي هذه الصورة فدخل الناس ف دين أفواجا منذ أول لظة أ ,ف السنوات
الول للدعوة ..هل كان يقوم البناء على ذات ال صورة و هل كان ير سخ ف الرض ك ما قدر ال له
شرَ بِهِ الْمُتّقِيَ َوتُن ِذرَ ِبهِ َقوْما لُدّا ([ })97سورة مري .]19/97
سرْنَاهُ ِبلِسَاِنكَ ِلتُبَ ّ
() قال تعال{ :فَإِنّمَا َي ّ 1
الرســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــوخ ؟!
إن ال يقول للشئ كن فيكون ..ولو شاء ال لفعل ولو قدر شيئا لكان..
ولكن ال جلت مشيئته قد جعل سننا ف الكون وسننا ف الرض وسننا ف حياة الناس وجعل تلك
السـنن هـى العاملة – بشيئتـه سـبحانه – فـ الكون والرض والناس .وجعـل مـن سـنته فـ الدعوة أ
ي ستجيب لا قوة مدودون ينالون من رعاية ال نب الر سل النصيب الو ف فيكونون كالعمدة الرا سية
الت يقوم عليها البناء..
والتربية عملية شاقة بطيئة تتاج إل كثي من الهد..
ور سول ال eهو أع ظم مرب ف التار يخ, ..لك نه لو وا جه اللوف من أول ل ظة ف ما كان من
ال ستطاع أن يعطي هم كل رعاي ته و كل توج يه و كل تربي ته ك ما أعطا ها لتلك الف نة القليلة الحدودة
العدد فتحقق فيها على أكمل صورة وبأكمل قدر قوله تعالُ { :كْنتُمْ َخيْرَ ُأ ّمةٍ أُخْ ِرجَتْ لِلنّاسِ} [سورة
آل ]3/110وكان إتام المر على هذا النحو متمشيا مع السنن الارية الت يرى با قدر ال ف حياة
الناس .فل قد شاء ال – لك مة يعلم ها سبحانه -أن يرى أ مر هذا الد ين كله على ال سنن الار ية ل
السنن الارقة حت ل يأتى جيل من أجيال السلمي يتقاعس ويقول :لقد نصر الولون بالوارق ول
تعد الوارق تتنل بعد ختم الرسالة وانقطاع النبوات !
إن الارقة الكبى ف هذا الدين هى كتاب ال النل وهى باقية ومفوظة بقدر ال إل قيام الساعة:
{ِإنّا نَحْ ُن نَزّْلنَا الذّكْ َر َوِإنّا لَهُ لَحَافِظُونَ ([ })9سورة الجر ]15/9
ولئن كان اشتراك اللئكة ف القتال مع السلمي يوم بدر من الوارق فقد كانت الارقة هى رؤية
السلمي للملئكة وهم يقاتلون معهم .أما تنل اللئكة على الؤمني بالتثبيت والتأييد والسكينة فهو
قدر جار يريه ال حي يشاء على من يستحقه من عباده:
جّن ِة
{إِنّ الّذِي نَ قَالُوا َربّنَا اللّ ُه ثُمّ ا ْسَتقَامُوا تََتنَزّ ُل عََلْيهِ ْم الْمَلئِ َكةُ أَلّ تَخَافُوا وَل تَحْ َزنُوا َوأَبْشِرُوا بِالْ َ
حيَاةِ ال ّدْنيَا وَفِي الخِ َرةِ} [سورة فصلت -41/30 اّلتِي ُكنْتُ ْم تُوعَدُو نَ ( )30نَحْ نُ َأوْلِيَاؤُكُ مْ فِي الْ َ
]31
إنا السنة الارية -الت جرى با المر مع رسول ال - eأن تقف الاهلية بالرصاد لدعوى الق
تاربا وتددها وتتربص با وتصد " الماهي " عن النضمام إليها بكل وسائل الصد وبكل وسائل
التخويف واليذاء فل يقبل عليها ف مبدأ المر إل أفذاذ من الناس قد رسخ اليان ف قلوبم فاستعلوا
على الاهلية وصبوا على كيدها كله وصمدوا ف موقفهم ل يتزحزحون عنه ل يزيدهم البتلء إل
رسوخا ف اليان..فيتمحصون بذلك كله ويصطفيهم ال لمل المانة وإقامة البناء..
والبتلء سنة:
سبَ النّاسُ أَ ْن ُيتْرَكُوا أَ ْن َيقُولُوا آمَنّا وَهُ ْم ل ُيفَْتنُونَ ( )2وََلقَدْ َفَتنّا الّذِينَ مِنْ َقبِْلهِمْ فََلَيعَْلمَنّ اللّهُ
{أَحَ ِ
الّذِينَ صَدَقُوا وََلَيعْلَمَ ّن اْلكَا ِذبِيَ ([})3سورة العنكبوت ]3-29/2
والتمحيص قبل القضاء على العداء سنة:
حصَ اللّ ُه الّذِينَ آ َمنُوا َويَمْحَ َق اْلكَافِرِينَ ([ })141سورة آل ]3/141
{وَِليُمَ ّ
فح ي ي تم البتلء والتمح يص ويعلم ال من قلوب م أن ا تردت له وأخل صت وأ صبح ال ور سوله
أحب إليهم من كل ما سواها يرى قدره سبحانه بالتمكي لم ف الرض وبدخول الناس أفواجا ف
دعوة الق..
و ف فترة البتلء والتمح يص ت تم جوا نب كثية من الترب ية الطلو بة لملة الما نة الذ ين يواج هم
الاهليـة فـ أول جولة والذيـن تلزمهـم صـفات وأحوال غيـ التـ تلزم للفواج الداخلة فيمـا بعـد
ويتاجون إل عناية خاصة تتلف عن العناية الطلوبة للقادمي فيما بعد بقدار ما تتلف إقامة العمدة
الراسية ف الرض الت تمل البناء كله عن إقامة الحجار ف أماكنها بي هذه العمدة.
إن هذه العمدة تتاج إل صـناعة خاصـة ومكونات خاصـة ومقومات خاصـة وزمـن معيـ
لسـتكمال تلك القومات .فإن ل تسـتوف كـل مقومات صـناعتها فإناـ تعرض البناء كله فيمـا بعـد
للتشقق أو النيار.
حقي قة إن العمدة وحد ها ل تش كل بناء ول ت قق الدف الذى من أجله أن شئ البناء ..فل بد من
الحجار الكثية ال ت تش كل الدران وتع طى البناء شكله النهائى وت قق الدف الذى أقيم من أجله..
ولك نك لو بدأت برص الحجار ق بل دل ال ساس وق بل إقا مة العمدة الرا سية أ ,ق بل إتام ذلك كله
على الستوى الطلوب فإ البناء كلما عل ينار ..وتكون الحجار حل ثقيل أكثر ما هى عون وتأييد !
وحي يتم – ف فترة التربية إعداد الصفوة الت تواجه الاهلية أول مرة ذلك العداد الاص الطلوب
لا فإن أمورا كثية تتم ف القيقة ف آن واحد.
إن هذه الصفوة -كما قلنا -هى الت تستطيع -بكم متانة تأسيسها -أن تصمد لكيد الاهلية
الت تاول بكل جهدها أ تقضى على الدعوة الديدة قبل أن تد لا جذورا ف التربة لنا تعلم جيدا
أنا إن ل تبذل كل طاقتها ف ذلك فسيفلت المر من يدها ول تستطيع أن تسيطر عليه ..لذلك يكون
الب طش ف أق صى عنفوا نه ف جول ته الول ول ي صمد له إل تلك ال صفوة الختارة من الؤمن ي الذ ين
يتلقون الشحنة الكاملة من قائدهم الذى يتعهدهم بتربيته ورعايته.
ث إن ناح هذه الصفوة ف الصمود للكيد هو الذى يشكل ف القيقة نقطة التحول ف خطر سي
الدعوة لنه يعطف القلوب نو أولئك الؤمني الذين يتلقون هذا القدر الائل من البطش والتعذيب دون
أن يتحولوا عن الق الذى يؤمنون به فيكون صمودهم شهادة لذا الق تتذب نفوسا جديدة تؤمن
به وتاهدف سبيله فتتسع القاعدة وهى على ذات القدر من التانة وقوة التأسيس.
ث إن هذه ال صفوة تش كل جنودا فائق ي لقائد الدعوة ولكن هم ف الو قت ذا ته يربون ليكونوا قادة
وليكونوا خلفا للقائد من بعده.
ان ظر إل صحابة ر سول ال ..eل قد كانوا جنودا فائق ي للدعوة ولقائد هم eعلى ال صورة ال ت
يعرفها التاريخ ..ولكن رسول ال eرباهم ف الوقت ذاته بيث يكون كل واحد منهم ركنا ف الوقع
الذى يكون ف يه فقاموا بالهام ال ت وكل ها إلي هم على ال ستوى الفائق الذى يعر فه التار يخ وكانوا هم
القدوة للناس ف تربيتهم على هذا الدين كما كان رسول ال eقدوتم هم ف هذه التربية الفريدة ..ث
كانوا هم حلة المانـة من بعده والقادة الذ ين قادوا المـة مـن بعده ف الل فة الراشدة التـ يعرف ها
التاريخ..
تلك سنة جارية ف عملية " البناء " ....وهى ألزما ما تكون ف بناء الماعة الت تتول الدعوة لدين
ال.
فإذا عدنا إل البناء الضخم الذى أقامه المام الشهيد وكون به -بقدر ال -منعطفا تارييا ف حياة
المة السلمية ند أن " الفواج " من الناس قد سح لا بالتجمع ف وقت باكر ل يكن قد تيأ فيه دك
الساس التي بالقدر الطلوب ول إقامة العمدة الت تمل البناء على الواصفات الطلوبة للجيل الول
الذى يواجه الاهلية أول مرة..
وهنا يتبادر سؤال..
هل كان من واجب المام الشهيد أن يصد الناس الذين التفوا حوله بعشرات اللوف حت يتمكن
مـن تربيـة العدد اللزم لمـ مـن الدعاة والربيـ فيتركهـم فـ ضياع وهـو قادر على تميعهـم وإثارة
وجدانم الدين على أقل تقدير ؟
وحي توضع القضية على هذا النحو فالواب ل شك بالنفى !
إنا نسأل :لو علم الناس حقيقة الدعوة وأبعادها وحقيقة الوضاع الحيطة با وحقيقة العركة بي
الدعوة وأعدائها وحقيقة مططات الصليبية الصهيونية تاه السلم وتاه كل دعوة تاول إعادة الناس
إليه ..فهل كانوا يتجمعون بعشرات اللوف ف تلك السنوات القصار ؟!
ونعود إل كلم المام الشهيد نفسه الذى أثبتناه قبل صفحات:
" أحب أن أصار حكم أن دعوتكم لزالت مهولة عند كثي من الناس ويوم يعرفونا ويدركون
مرامي ها وأهداف ها ستلقى من هم خ صومة شديدة وعداوة قا سية و ستجدون أمام كم كث ي من الشقات
و سيعترضكم كث ي من العقبات .و ف هذا الو قت وحده تكونون قد بدأت م ت سلكون سبيل أ صحاب
الدعوات)....
وهذه القضية ف حقيقتها..
فلو عرف الناس أو عرفوا حقيقـة الدعوة لرت السـنة الربانيـة مراهـا فأقبـل على الدعوة أفراد
معدودون يتلقون شح نة الترب ية كاملة ويكونون هم العمدة الرا سية ال ت ت مل البناء ويكونون هم
الرب ي الذ ين يقومون بترب ية الناس ح ي يدخلون ف الدعوة أفوا جا ويكونون هم " ال صف الثا ن " ف
الدعوة " الذى يلف القائد على الطريق..
ول قد كان " الخوان العاملون " جنودا فائق ي ن عم ..يتحركون بأ مر قائد هم الر كة الضبو طة ال ت
يكلفهم با وعلى النحو الذى يوجههم إليه ( )1ولكنهم ل يكونوا بعد قد تيأوا ليكونوا قادة ومعلمي
لتلك الفواج كل ها ال ت تم عت ق بل أوان ا حول الدعوة لن ا ك ما قال المام الشه يد ل ت كن تعرف
حقيقة الدعوة ..كما أنم وهذا أخطر ل يكونون قد تيأوا بعد لتسلم القيادة من بعده والضى با ف
الطريق الشاق الطويل ..فكان لذا أثره ف خط السي فيما بعد كما شهدت الحداث.
m m m
وكمـا حدث التعجـل فـ دعوة الماهيـ للتجمـع قبـل أن يتـم بناء العمدة الراسـخة بالواصـفات
الطلوبة حدث التعجل بالتحرك قبل الوان الناسب سواء ف الساحة الداخلية أ ,ف ساحة العركة ف
فلسطي.
فأ ما ف الدا خل ف قد كان هناك تع جل ف إظهار قوة الما عة سواء ف ا ستعراضات الولة أو ف
الظاهرات وال سايرات أو ف الدخول ف القضايا السياسية الثارة ف ذلك الو قت كمحار بة الشيوع ية
أو تأييد قضية مصر ف ملس المن أو غيها من القضايا كأنا تريد الماعة ف كل مرة أن تقول :نن
هنا ونن نستطيع أن..
() شكا المام الشهيد ف ناية حياته من بعض التصرفات غي السئولة الت يقوم با أفراد معينون من الماعة ,ولكن هذا ل يينفي الصل ,وهو طاعة النود لقائدهم ,وسعهم
1
وطاعتهم له ف النشط والكره.
وبصرف النظر عن كون هذه القضايا الثارة يومئذ كانت ما يوز للجماعة السلمة أن توض فيه أم
أن واجبها كان الناداة بتصحيح منهج الياة الساسى الذى تنجم تلك القضايا من فساده ومن عدم
اتباع منهج ال بشأنه.
بصرف النظر عن هذا المر ( )1فقد كان " استعراض العضلت " على هذه الصورة قبل استكمال
العدة اللز مة من تك ي ال ساس وإقا مة العمدة الرا سية وا ستكمال الترب ية الطلو بة تعجل بالر كة
قبل الوان ترتب عليه ما ترتب من آثار ف خط السي..
أما ف فلسطي فلقد كان دخول الفدائيي من الخوان السلمي ف ساحة العركة قدرا مقدورا دون
شك ..ولكن هذا الدث كان له أثر بالغ ف سي الحداث كلها فيما بعد .وما قدره ال لبد أن يتم.
ولكن كتاب ال علمنا أن قدر ال ل ينفى دور البشر ومسئولياتم:
صْبتُ ْم ِمثَْليْهَا ُق ْلتُ مْ َأنّ ى هَذَا قُ ْل ُهوَ مِ نْ عِنْدِ َأْنفُ سِكُمْ إِنّ اللّ َه عَلَى كُلّ
{َأوَلَمّ ا أَ صَاَبتْكُ ْم مُ صِيَبةٌ قَدْ أَ َ
َشيْءٍ قَدِيرٌ (َ )165ومَا أَصَابَكُ ْم َي ْومَ اْلَتقَى الْجَ ْمعَانِ َفبِإِ ْذنِ اللّهِ} [سورة آل ]166-3/165
وليس لدى الن ما يثبت أن المام الشهيد قد اتذ قرار دخول الفدائيي فلسطي بحض رغبته أم
بضغط الشباب وإلاحهم عليه ..وأحسب أن ما سبق من اشتراط الماعة ف القضايا السياسية الثارة
على الساحة هو الذى جعل دخول الخوان العركة ف فلسطي هو المر " الواجب " سواء كان قائد
الماعة مقتنعا بدواه أم غي مقتنع .فما دامت الماعة قد شاركت ف الحداث من قبل وهى تنادى
بالهاد والفداء فإ قعودها عن دخول العركة كان يعد بالنسبة إليها نكوصا عن البادئ الت أعلنتها من
قبل ودعت إليها الماهي !
وأيا كان المر فقد وقع قدر ال ..واكتشفت الصليبية والصهيونية الطورة البالغة لذه الماعة على
كل مططاتا وعلى وجود الدولة اليهودية بصفة خاصة فكان ما كان من الذابح التوالية الت تعرضت
لا الماعة قبل أن يتم لا النضج وتكون على مستوى الحداث.
m m m
وك ما حدث التع جل ف دعوة الماه ي للتج مع و ف التحرك بذه الماه ي ق بل الوان النا سب
حدث كذلك ف عملية البناء ذات ا فلم تبدأ من نق طة البدء اللزمة بل تاوزت ا إل ما ي ئ بعدها ف
الترتيب.
() سبق أن أذكر ذلك من قبل ف الفصل السابق ,أثناء الديث عن "آثار النراف".
1
() سنتكلم عن هذه القضية فيما بعد.
2
فأيا كانت الوسيلة التخيلة لوصول هذه الماعة إل الكم ( )3فإنه لبد لكل حكم من سند يسنده
ويدافع عنه ما يتعرض له من كيد العداء..
وهناك حكومات كثية تقوم اليوم ف العال السلمى لن أمريكا تسندها أ ,ل روسيا تسندها أو
لنما معا يسندانا لقاء ما تقوم به من تذبيح السلمي وتقتيلهم والقضاء عليهم ..أما الكم السلمى
فمن يسنده ف كل الرض ؟ لن تسنده أمريكا بطبيعة الال ولن تسنده روسيا ..ولبد له من سند من
أهله ..من السلمي الؤمني الجاهدين الذين يقاتلون ف سبيل ال ول يافون لومة لئم.
لبد من وجود " القاعدة السلمية "
ول يس مع ن هذا ك ما يتخ يل ب عض الناس أن نا ل بد أ ننت ظر ح ت تتحول ال مة كل ها إل مؤمن ي
ماهدين لكى يقوم الكم السلمى..
إنه ل يوجد متمع ف الرض كلها يكون كله من أول العزم وكله على مستوى القمة ..ول متمع
الرسـول .eفقـد كان فـ متمـع الرسـول eالنافقون وضعاف اليان والبطئون والثاقلون ..ولكـن "
القاعدة السلمة " كانت فيه من القوة والرسوخ والتمكن بيث حلت أولئك كلهم ومضت ف طريقها
تقق أهدافها كما قدر لا ال.
والطلوب اليوم ل كى يقوم ال كم ال سلمى أن تو جد " القاعدة ال سلمة " بال جم العقول الذى
يقود خطى المة كلها ف سبيل تقيق ذلك الدف الضخم ..والذى ل يعوقه وجود النافقي وضعاف
اليان والبطئي والتثاقلي !
والعقبة الول ف سبيل بناء هذه القاعدة بالجم الطلوب هى تلك الهالة الطبقة بقيقة ل إله إل
ال "
ذلك أن السلمي ل يتحركون ف فراغ ..إنا يتحركون ف وسط عداوات عالية وملية قد تكون –
ف حجمها أضخم عداوة ف التاريخ !
وأعداء السلم يستغلون هذه الهالة على أوسع نطاق ف ماربة الركات السلمية..
فهم يقيمون ف البلد السلمية أنظمة للحكم ل تكم با أنزل ال بل تارب الكم با أنزل ال
والداعي إليه ث يضفون -بوسائل العلم الختلفة -شرعية كاملة على هذه النظم فتتقبلها الماهي
تقبل " طبيعيا " بسبب جهلها العميق بقيقة ل إله إل ال وارتباطها الوثيق بتحكيم شريعة ال !
ث هم يقيمون حاجزا من النفور بي الناس وبي الركات السلمية حي يقولون لم :هل تظنون أن
وهكذا تتميع القضية تاما ،ويتساوى ف نظر هذه الماهي كل الساعي إل السلطة وكل الواصلي
إليها ،دون اعتبار "للحق" و"الباطل" كما حددها دين ال ،ودونا نظر إل الشرعية ف السلم :أهي
للذي يكم با أنزل ال ،أم للذي يكم بغي ما أنزل ال ،ويتأخر – بذا التميع – تكون "القاعدة
السلمة" الت ترفض كل حكم غي حكم ال ،لنه حكم جاهلي ل يأذن به ال:
حكْ َم الْجَاهِِلّي ِة َيْبغُونَ َومَنْ أَحْ َس ُن مِنْ اللّهِ ُحكْما ِل َق ْومٍ يُوقِنُونَ ( [ })50سورة الائدة ]5/50 {أَفَ ُ
{َأمْ َلهُ ْم شُرَكَا ُء شَ َرعُوا َلهُ ْم مِنْ الدّينِ مَا َل ْم يَأْ َذ ْن بِهِ اللّه} [سورة الشورى ]42/21
ث يترتب على هذه الهالة أمر آخر ،أشد خطورة على الركة السلمية من هذا التميع الذي يؤجل
النضج اللزم لنشأة "القاعدة السلمة".
إنه يتيح للطاغية دائما أن ينفرد بالماعات السلمية فيضربا بوحشية بالغة .يضربا ضرب إبادة.
وهو آمن من غضبة شعبية تكف يده عن التقتيل والتعذيب والتشريد ،كما حدث عند مقتل المام
الشهيد ،وكما حدث عند الذابح الوحشية الت أقامها السفاح ،وقتل فيها أئمة الماعة وقادتا من أجل
القضاء البم عليها .وكما يكن أن يدث مرات ومرات!
ولنتصور المر – كان – على غي هذه الصورة.
نتصور الماهي فهمت العن القيقي لل إله إل ال ،وارتباطها الوثيق بتحكيم شريعة ال ،كما بي
ال ف كتابه النل ،وكما علم الرسول rأصحابه ،وكما وعت الماهي السلمة خلل ثلثة عشر قرنا
من الزمان.
ضيْتَ
سهِمْ حَرَجا مِمّا َق َ
حكّمُوكَ فِيمَا َشجَ َر َبْينَهُ ْم ثُ ّم ل َيجِدُوا فِي أَنفُ ِ
ك ل ُيؤْ ِمنُونَ َحتّى يُ َ
{فَل وَ َربّ َ
َويُسَلّمُوا تَسْلِيما ([ })65سورة النساء ]4/65
ك بِالْ ُم ْؤ ِمنِيَ (
ك َومَا ُأوْلَئِ َ
{ َوَيقُولُونَ آ َمنّا بِاللّ ِه َوبِال ّرسُو ِل َوَأطَ ْعنَا ثُ ّم َيتَوَلّى َفرِي ٌق ِمْنهُ ْم مِ ْن َبعْدِ ذَلِ َ
حكُ َم َبيَْنهُمْ إِذَا فَرِي ٌق ِمْنهُ ْم ُمعْرِضُونَ ([ })48سورة النــور َ )47وإِذَا ُدعُوا إِلَى اللّ ِه وَ َرسُولِهِ ِليَ ْ
]48-24/47
حكُ َم َبيَْنهُمْ َأنْ َيقُولُوا سَ ِم ْعنَا َوأَ َط ْعنَا َوُأوَْلئِكَ
{ِإنّمَا كَانَ َقوْلَ الْ ُمؤْ ِمنِيَ إِذَا ُدعُوا إِلَى اللّ ِه وَ َرسُولِهِ ِليَ ْ
هُ ْم الْ ُمفِْلحُونَ ([ })51سورة النــور ]24/51
نتصور أن الماهي أدركت جيدا أن السلم ل يكون مسلما إل إذا حكم با أنزل ال ،وتاكم إل
شريعة ال ،أو بعبارة المام الشهيد (" :)1أقر بالشهادتي ،وعمل بقتضاها ( ،)2وأدى الفرائض".
فكيف يكون الال!
هل يكن حينئذ للطاغية أن يقتل الدعاة ويعذبم ويشردهم وهو آمن من غضبة الشعب السلم عليه؟!
ولسنا نتوهم أن الفهم القيقي لل إله إل ال سيقلب الشعب كله بي يوم وليلة إل ماهدين من أول العزم،
ل يبالون بالخطار الت تتهددهم وهم قائمون ينافحون عن شريعة ال ،ويذودون عنها كل معتد أثيم!
نعم ،لقد اتضح المر ف حس المام الشهيد ف أيامه الخية ،ولكنه ل يهل حت يرسخ هذا العن
ف قلوب أتباعه كما أشرنا من قبل ،فظل هذا العن غي واضح ف نفوسهم ،ول تبدو آثاره ف تطيهم
وتركهم وأفكارهم.
تلك هي النقطة الول الت تدثنا عنها بالنسبة للبناء الذي أقامه المام الشهيد.
أما النقطة الثانية ،وهي تقدير حقيقة العركة الت لبد أن توضها الصحوة السلمية – رضيت أم
أبت – مع أعداء السلم ،وتقدير النوعية الطلوبة لا ،والهد اللزم لعدادها ،والزمن القدر لتهيئتها.
فل نستطيع أن نعلم بالضبط ماذا كان يدور ف ذهن المام الشهيد بشأنا ،وقد عوجل – رضوان ال
عليه – بالقتل وهو ف شبابه ل يزل ،وهو ف أول الطريق؛ ولكنا نلحظ – كما قلنا – أنه قد حدث
تعجل ف العداد ،وتعجل ف الركة ،كانت له آثاره فيما بعد.
إن العركة ف حقيقتها ليست معركة ملية بي الماعات السلمية وبي الطاغية الذي يقوم بتقتيلها
وتعذيبها وتشريدها وماولة القضاء عليها .كما أنا ليت معركة سريعة تتم ف جولة أو بضع جولت.
إنا معركة تشارك فيها وتشرف عليها ،وتوجهها الصليبية العالية ،والصهيونية العالية ،بالتحالف مع كل
أعداء السلم!
قالت إحدى الصحف البيطانية أيام العدوان الثلثي عام 1956م:
"لقد أيدنا جال عبد الناصر حي قام بركته عام ،1952على أساس أنه أتاتورك جديد قوى جاء
ليحارب الشيوعية برفع مستوى العيشة ،ويقر السلم ف الشرق الوسط بالصلح مع إسرائيل ( .)1ولكنه
() هذا هو البنامج الثلثي ,او "ورقة العمل" الت جئ بمال عبد الناصرليقوم بتنفيذها ,وقد بذل كل جهده بالفعل للتنفييذها ,فأتاتورك مهمته بالطبع معروفة وهي القضاء علي 1
السلم .وإشارة الصحيفة ذات مغزي .فأتاتورك الول كانت مهمته القضاء علي السلم ف اسطنبول ,مركز القوة السياسية والعسكرية للعال السلمي ,وأتاتورك الثان -جال عبد
اختار الرب على السلم ( .)1ونن مستاءون منه من أجل ذلك .ولكن ينبغي أل ننسى أنه هو الذي
سحق الخوان السلمي التعصبي".
” But we should not forget that it was he who crushed the fanatic
.“Moslem Brotherhood
وقالت أنديرا غاندى ف حديث صحفي لا مع إحدى الجلت المريكية عام :1968
"إننا نب جال عبد الناصر ونؤيده لنه قضى على الخوان السلمي التعصبي"!
وكان أصدقاؤه القربون كلهم من أعداء السلم :الب مكاريوس الذي كان يقوم بتذبيح السلمي
ف قبص بتأييد المم التحدة ،وتأييد جال عبد الناصر! وتيتو اليهودي الذي قام بذبح ثلثة أرباع
مليون مسلم ف يوغسلفيا .وأنديرا غاندى ،الت كانت تشرف على تذبيح السلمي ف الند وتريقهم
أحياء ،ث معاقبتهم "رسيا" بعد ذلك بجة أنم هم الذين يثيون الشغب ف البلد .وهيلسلسى الذي
خطب ف المم التحدة عام 1961خطبة قالب فيها :إنه بعد أثن عشر عاما لن يكون ف البشة إل
دين واحد! أي أنه يعلن رسيا عزمه على إبادة %65من سكان البشة السلمي ،أو طردهم خارج
البلد!
وكانت الدعاية العالية – الصليبية الصهيونية الشيوعية الرأسالية… .إل ( – )2الت أضفت عليه
"البطولت" الرافية ،تقوم بتغطيته وهو يلغ ف دماء السلمي .وكلما أوغل ف إراقة الدم وف التعذيب
الوحشي ،زاد الدوي العلمي العالى ،ترحيبا بالصديق البيب ،الذي يقضى لم على الطر الرهوب!
وجاءت "لنة حقوق النسان"! فزارت السجون الربية عام 1955م ف أوج العمعة الدائرة
لتعذيب السلمي بالوسائل الوحشية ،وحضرت مهزلة الحاكمات الت كان يشرف عليها أعوان
السفاح ،ث قدمت تقريرا قالت فيه إن الحاكمات ترى حسب الصول القضائية الصحيحة ،وف جو
من الرية التامة!!!
وتلك مرد ناذج عابرة من العداوات العالية الرصودة ضد السلم!
والعركة الت توضها الماعة السلمة – رضيت أم أبت – مع هذه العداوات كلها ليست معركة
سهلة ول قريبة ،وتتاج إل نوعية خاصة وإعداد خاص ،ول ينظر فيه إل "الزمن" الذي يكن أن
الناصر -مهمته القضاء علي السلم ف القاهرة ,مركز الشعاع الروحي والثقاف للعال السلمي ,وماربة الشيوعية تقلبت با الوسائل وانتهي با المر إل تطبيق الشتراكية لتكريه
الناس ف الشيوعية كما جاء ف كتاب "والت روستو" اليهودي المريكي"" :مراحل التنمية القتصادية ف البلد الختلفة" والصلح مع إسرائيل مهد له جال عبد الناصر بكل ما ف
وسعه ,ولكنه هلك قبل أن يتم التنفيذ ,فجاء خلفه "العظيم"ليتم مكارم الخلق!!.
() تشي الصحيفة بذلك إل تأميم قناة السويس. 1
() اشتركت جيع أجهزة العلم العالية الت يسيطر عليها اليهود ف إضفاء صفات البطولة الارقة علي السفاح إمعانا ف تغطية دوره القيقي. 2
يستغرقه العداد.
بل إن هذه العداوات الحددة الركزة كلها – على ضراوتا وعنف خصومتها – ليست هي
العداوات الوحيدة الت تواجهها الصحوة السلمية ،فهي تواجه – مع هذا كله – عداوة "الاهلية" ف
كل الرض ،با فيها الرض السلمية ذاتا ،الت تسربت إليها الاهلية ومسخت كيانا ،منذ أتاح
التخلف العقدي الذي وقع فيه السلمون الجال لعداء ال أن ينفذوا إل العال السلمي ويسيطروا
عليه ،فينحوا عنه شريعة ال ،ويبثوا فيه أفكار الاهلية العادية للدين .وإن هذه الاهلية لتتخذ نظما
للحكم ،ومناهج للفكر ،ومناهج للتعليم ،ووسائل للعلم ،وأناطا للسلوك الواقعي .تقف كلها موقف
العداء الشديد من "الدين" وموقف العداء الشد من "السلم".
والصحوة السلمية – رضيت أم أبت – تتعرض لعداوة هذه الاهلية ف كل خطوة من خطواتا،
وكل ترك من تركاتا ،إن بالتقتيل والتعذيب والتشريد ،وإن بالتسخيف والترذيل ،وإن بالصد والتنفي.
وبكل وسيلة من وسائل الصد والتنفي! وهي تتاج – ف مقابل ذلك – إل نوعية فريدة لتواجه ذلك
العداء كله وتصب عليه .نوعية ذات وعى سياسى فائق ،ووعى فكرى متعمق ،ييط با حول السلمي
من عداوات ،وبطبيعة العركة ،ووسائل الرب التبعة فيها ،والدوات اللزمة لواجهتها .وتدرك – فوق
ذلك – أن العركة ليست ذات صبغة ملية مدودة ،وليست معركة جيل واحد ،بل معركة أجيال
متعاقبة ،وساء بسبب العداوات الرصودة من الارج ،أو بسبب الهل العميق بقيقة السلم ،الذي
يعوق نشأة "القاعدة السلمة" .وأنا من أجل ذلك ف حاجة إل النفس الطويل الذي ل يتعب من طول
الطريق.
ولقد كان اليل الذي رباه المام الشهيد جيلً فائقا من ناحيتي اثنتي على القل :الروح الفدائية
العالية ،الستعدة للموت ف سبيل ال ،الناذرة نفسها نذرا كاملً للدعوة ومطالبها؛ وروح الخوة
العميقة الت تربط بي الخوة ف ال.
وكان هذا جهدا ضخما بذله المام الشهيد من وقته وجهده وروحه ودمه ،ل يكن غيه قادرا
عليه ،ول كان غيه يلك الوهبة اللزمة لدائه.
ولكن ذلك اليل – برغم ذلك – كان مفتقرا إل كثي من الوعي السياسي ،الذي يدرك به أن
الوض ف القضايا السياسية القائمة ف وقته ليس هو مهمة الماعة السلمة الصيلة ،إنا مهمتها الصيلة
بيان النهج السلمي الذي يصحح المور ،ويبي أن الفساد ناجم من عدم إتباع النهج الربان ف كل
أمر من المور .ويدرك به أن تغيي حاكم ف أي بقعة من بقاع العال السلمي ل يغي شيئا ف الوقف،
طالا ل توجد بعد "القاعدة السلمية" الت تقيم الكم السلمي ،ث تميه حي يقوم .لن كل حاكم
يتغي يأت بعده حاكم جديد ،يقوم بذات الهمة الوكولة إليه ف حرب السلم والسلمي ،وإن تغيت
الدوات وتغيت الساليب.
وكان مفتقرا إل كثي من الوعي الفكري ،الذي يدرك به الوسائل الفية والظاهرة الت استخدمها
العداء ويستخدمونا لصرف السلمي عن السلم ،ف مناهج التعليم مرة ،ووسائل العلم رمة،
وقواعد التفكي مرة ..وأن من بي هذه الوسائل الفية استدراج الصحوة السلمية إل قضايا فرعية
ومعارك فرعية يستنفدون فيها جهدهم ،ويستهلكون فيها طاقتهم ،وينصرفون با عن مهمتهم الرئيسية
ف إنشاء "القاعدة السلمة" بالواصفات الطلوبة ،على الزمن الديد ،دون استعجال ف الزمن ول
استعجال ف البناء.
وكان مفتقرا إل النفس الطويل ف الواجهة ،الذي يصمد للضربة تلو الضربة دون أن يتعب من
الصراع .وقد كان يبدو عجيبا لول وهلة أن ينهار قوم ف العتقلت والسجون ،وهم الؤمنون
الصادقون ،وهم الفدائيون الخلصون .ل لنقص ف إيانم ،ول لنقص ف فدائيتهم .ولكن لن أعصابم
كانت "مضبوطة" على زمن مدد ،يتخيلون فيه تقق النصر ،والتمكي للسلم ،والقضاء على العداء.
فلما ضربوا بدل أن يضربوا ،وتوال عليهم الضرب بدلً من التمكي ،تعبت العصاب الشدودة،
الضبوطة على الوقت القصي ،وانصرف كثيون عن الدعوة إل غيها من المور ،أو دخلوا بالدعوة ف
منعطف مبتعد عن الطريق! ()1
m m m
والن فلننظر إل واقع الصحوة السلمية بعد ما يزيد قليلً على نصف قرن منذ بدأها المام الشهيد.
هناك ظاهرتان على الساحة :إحداها تدعو إل التفاؤل ،والخرى تثي السى ف نفوس الدعاة
الخلصي.
الول :هي اتساع القاعدة ،واتاه مزيد من الشباب إل السلم ،بيث يصح أن يقال إن القبال
على السلم أصبح تيارا ذاتيا عند الشباب ،ل يرتبط بالضرورة بنشاط جاعة معينة ،أو بوجود جاعة
معينة ،إنا ينبعث تلقائيا ف نفوس الشباب .والثانية هي تبعثر العمل السلمي وتفرقه ،وكثرة الماعات
الت تعمل ف الساحة ،وتناقضها وتنابذها ،وانتقاد كل واحدة منها لسائرها ،وادعاؤها أنا وحدها على
الق ،وبقية الماعات على ضلل!
() يأت ذكر بعض النعطفات عرضا ف أثناء الديث. 1
والظاهرتان قد وجدتا – بقدر من ال – معا ف وقت واحد مع اختلفهما ف التاه! ولكن هناك
أسبابا متواكبة هي الت أدت إل هذا الوضع.
فاتساع القاعدة يرجع – من جانب – إل جهود الدعاة العاملي ف حقل الدعوة ،ويرجع – من
جانب آخر – إل الذابح التوالية الذي يقيمها أعداء السلم للمسلمي! وتلك سنة يغفل عنها دائما
أعداء السلم ،مع تكررها دائما مع اليام :أن الدعوة الت يقدم لا الدم ل توت! والعداء – من
حنقهم – ل يستطيعون أن ينعوا أنفسهم من التقتيل والتعذيب والتشريد ،ظنا منهم ف كل مرة أن هذا
هو الذي يقضى على الدعوة ،فينقذ قدر ال من خلل أعمالم ،وتتسع القاعدة مع كل نقطة دم تراق،
ومع كل سوط يلهب الظهور .واستشهاد رجل واحد موصول القلب بال ،يصنع ال به للدعوة مال
تصنعه ألوف الطب ،وألو الكتب ،وألوف الحاضرات .وكلن الظالي ل يعلمون.
أما تبعثر العمل السلمي له أسباب عدة:
السبب الول – والظهر :-هو غياب القيادة الكبية الت تطمئن لا النفوس ،وتنقاد لا طائعة بدافع
الب والتقدير والثقة والحترام ،فيلتئم حولا الشمل ،وتتمع حولا القلوب.
ووجود القيادة الكبية ل يل كل مشاكل التجمع .فهناك دائما نفوس مريضة ل تنقاد إل لشهوتا
وأهوائها .وقيادة رسول ال rوهو النب الرسل ،وهو أعظم شخصية ف تاريخ البشرية كله قد أثارت
حقد عبد اله بن أب وجعلته ينشق عن الصف! وعلى الستوى البشرى تعتب قيادة المام الشهيد من
القيادات الكبى ف التاريخ ،ول ينع وجودها من حدوث انشقاقات داخل الماعة وتزبات.
ولكن وجود القيادة الكبية يقلل كثيا دون شك من مشاكل التجمع ،لنه يمع النفوس الخلصة
الت ل تعمل من أجل الظهور والجد الشخصى ،وتمع النود .والنود غالبا ما يكونون ملصي
متجردين من الهواء.
وف غياب مثل هذه القيادة تتولد زعامات صغية شابة تنقصها البة ،وكثيا ما يتلط ف نفوسها
الخلص للدعوة والخلص للذات ،من مدخل من مداخل الشيطان هو اعتقاد كل واحد منهم أنه
على حق ،وأن اتباع الق يستوجب اتباع من يثله! أي اتباعه هو! ومن ث تتناحر هذه الزعامات
وتتناطح ،ويقول كل منها :على فلن وجاعته -إذا أرادوا – أن يأتوا إل ،ويتبعون! أما أنا فل أذهب
إليه ،ول أتبعه ،لنه ليس على الق!
والسبب الثان :أن معظم الشباب القبل على الدعوة اليوم ل يترب ف داخل جاعة واحدة ذات قيادة
منظمة ،لغياب القيادات العاملة داخل السجون والعتقلت ،إنا ترب على الكتب .وعلى القراءة.
والقراءة وحدها ل تكفي!
إن العمل السلمي لبد له من قيادة :تقوده ،وتعلمه ،وتربيه.
ولو كان ال يعلم أن النفوس – الت خلقها بعلمه سبحانه – تكفيها الكتب ،فقد كان ال قادرا على
أن ينل القرآن كله جلة ف قرطاس ،ويعلم الناس قراءته!
ولكن ال الذي خلق هذه النفوس – وهو العليم با سبحانه – يعلم أن الق ل يعمل عمله ف
النفوس إل أن يتلقاه قلب من قلب ،ومتعلم من معلم ،ومتلق من موجه .لذلك أرسل ال رسولهr
ليكون هو العلم والوجه ،ويكون هو القلب العظيم الذي تتلقى منه سائر القلوب.
والشباب كان يلك الماسة والرغبة ،ولكنه ف وقت من الوقات ل يكن يلك إل كتبا يقرؤها،
فتفرقت به السبل!
إن من شأن العقول أن تتلف على دللة النص الواحد ،وإن كان قطعي الثبوت وقطعي الدللة! فما
البال إن كانت النصوص التداولة غي قطعية الدللة ،وما البال إن كان بعضها غي قطعي الثبوت؟!
لقد نم اللف طبيعيا – وغن كان غي مرغوب فيه – مع نشأة هذا الشباب على قراءة الكتب،
بل مرشد يرشد ،ول معلم يعلم ،ول قائد يقود!
وهي ظاهرة سيئة بل شك .فالفروض أن يتجمع العمل السلمي ول يتفرق ،لن الفرقة ل تدم
أحدا إل العداء .ولكنها – كما أقول دائما – مشكلة ليس لا حل سحري! وأقصد بالل السحري
الل السهل السريع ،الذي يتم دون معاناة! ومعظم مشكلت العمل السلمي هو من هذا النوع الذي
ليست له حلول سحرية! إنا حله هو العاناة ،والصب على العاناة ،وبذل الهد الدائم بل توقف ،مع
الخلص ف القصد:
صبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتّقُوا اللّهَ َلعَّلكُ ْم ُتفِْلحُونَ ([ })200سورة آل
{يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا ا ْ
]3/200
ولكن – مع ذلك – ل أنزعج كثيا من هذه الظاهرة على ما فيها من سوء ،لن أنظر إليها على
أنا من حصيلة الاضي أكثر ما هي مؤشر للمستقبل.
من حصيلة الصحوة بعد الغفوة الطويلة.
فحي يهب الناس من الغفوة الطويلة ،ويدركون ما أصابم ،وياولون اللص ،وف غيبة الرشد
الذي تطمئن القلوب إليه تنقاد له ،يكن أن يدث اختلف وجهات النظر .فهذا يرى طريق اللص من
هنا ،وذاك يراه من هناك ،وثالث يرى غي هذين.
ولكن من خلل التجربة .من خلل العاناة .يتضح رويدا رويدا أي الطرق أصح ،وأيها قمي
بالوصول.
ول ينبغي للحظة واحدة أن ننسى أنه ليس البشر هم الذين يدبرون! إنا هو ال سبحانه .وهذه
دعوته .وهو التكفل با ،وهي دائما ف رعايته .وهو سبحانه الذي تكفل بأن ييز صفها ،وينقى خبثها.
ث مِنْ ال ّطّيبِ َومَا كَانَ اللّهُ ِليُ ْطِلعَكُمْ
خبِي َ
ي عَلَى مَا َأنْتُ ْم عََليْهِ َحتّى يَمِي َز الْ َ
{مَا كَانَ اللّهُ ِليَ َذ َر الْ ُم ْؤمِنِ َ
عَلَى اْلغَْيبِ} [سورة آل ]3/179
فهو سبحانه ل يترك الصف متلطا فيه الطيب والبيث .وهو ل يطلع الناس على غيبه فيقول لم
سلفا :هذا طيب وهذا خبيث .ولكنه يدخل الؤمني ف اختبارات وابتلءات يتميز با الطيب من
البيث ،ف الوقت الذي يتمحص فيه الؤمنون ويتجردون ل.
فمـن خلل التجربـة .ومـن خلل العاناة .سـيعرف الناس أي هذه الدعوات التناحرة أكثـر إدراكا
لقيقة السلم الشاملة ،وأيها أصح تركا بذا الدراك الشامل ،وأيها أكثر تردا وإخلصا ل .وينقى
ال البث وينفيه:
{َفَأمّا ال ّزبَدُ َفيَ ْذهَبُ ُجفَا ًء َوَأمّا مَا يَنفَ ُع النّاسَ َفيَ ْم ُكثُ فِي الَ ْرضِ} [سورة الرعد ]13/17
أما القيادة الكبية ،الطلوبة-دائما-للعمل السلمي ،فهي هبة ربانية ل تصنع! فليس هناك مصنع
نستطيع أن نوصيه بأن يصنع لنا القيادة الطلوبة خلل فترة معينة من الزمن! ولكن هناك الوهبة الربانية،
وهناك الصنع الربان وهو الختبارات والبتلءات الت تحص الؤمني ،وتبز -من بينهم – من هو
أصلح للقيادة والتوجيه ..إنا علينا نن واجب نتقدم به بي يدي ال ،لنطمع أن يستجيب لنا حي
ندعوه أن يبز لنا القائد الطلوب ،هو أن نلص النية له سبحانه ،ونلص العمل ،فيستجيب ال للدعاء:
جبْ َلكُمْ} [سورة غافر ]40/60
{وَقَالَ َرّبكُمْ ا ْدعُونِي َأ ْستَ ِ
وقال رسول ال rللرجل الذي قال له :ادع ل يا رسول ال أن أكون رفيقك ف النة ،قال :أعن
بكثرة السجود! ()1
وإذا كان هناك اليوم شباب ل يثقون بقيادة من يرونه أمامهم من الشيوخ ،وكانوا – بعد – ل
يفرزوا قيادتم الاصة الت يرضون بقيادتا ،وتطمئن قلوبم إليها ،فليس هذا وضعا دائما ،مزعجا كما
يبدو ف هذه اللحظة ،إنا هو مرحلة عابرة ،يغي ال بعدها الناس ،حي يغيون ما بأنفسهم ،ويلصون
من حظ أنفسهم ،ويتجردون ل.
تشعب اللف كثيا بي الماعات القائمة بالعمل ف حقل الدعوة .ولكن ربا كانت أكب قضيتي
ثار بشأنما اللف والدل ،ها قضية الكم على الناس ،وقضية النهج الواجب اتباعه ف الفترة الراهنة.
ث تئ بعد ذلك قضايا أقل شأنا ،نتعرض لبعضها بعد الكلم عن هاتي القضيتي الرئيسيتي.
m m m
() راجع قول المام الشهيد ف رسالة "بي المس واليوم" " :سيقف جهل الشعب بالسلم عقبة ف طريقكم" وقد سبقت الشارة إليه. 1
َشيْئا} [سورة النــور ]24/55
ومن ث ينبغي أن تنصرف جهود الدعاة إل إزالة هذه الهالة ،ول تتشتت ول تتناثر ف قضايا ل
طائل وراءها كقضية الكم على الناس!
إن الكم على الناس بالسلم أو الكفر ليس هو الذي سيحل القضية ،ول هو الذي سيجعل الناس
يغيون موقفهم! فإنك إن قلت لم – كما يقول الطرف الول – من قال ل إله إل ال فهو مؤمن ولو
ل يعمل عملً واحدا من أعمال السلم ،فلن يرجوا من الدر الذي يعيشون فيه ،والذي ييل إليهم
أنم قد استوفوا متطلبات السلم واليان ،وأن النة ف جيوبم ولو ل يعملوا! ولن يغيوا – من ث –
شيئا من واقعهم البعيد عن حقيقة السلم! وإن قلت لم – كما يقول الطرف الخر – أنتم كفار
بواقع عملكم ،مهما تكن نواياكم ف داخل نفوسكم ،فسينشغلون بالدفاع عن أنفسهم ،والبحث عن
الدلة الفقهية الت تعلهم ف عداد السلمي .ولن يغيوا – من ث – شيئا من الواقع السيئ الذي يعيشون
فيه!
أما تعليمهم – دون التعرض للحكم عليهم ف الوقت الاضر – فقد يكون هو الذي يصلح الفكار
والقلوب ،ويدعو الناس إل تغيي ما بأنفسهم فيغي ال ما بم كما بي سبحانه:
سهِمْ} [سورة الرعد ]13/11
{ِإنّ اللّ َه ل ُي َغيّ ُر مَا ِب َقوْمٍ َحتّى يُ َغيّرُوا مَا بِأَنفُ ِ
وتدفعن إل هذا الوقف – منذ وقفته – عدة اعتبارات ،ما زال لا ف نفسي ثقلها ووجاهتها.
العتبار الول :أنن أشعر – بق – بعد تدبر خط النراف الطويل كله ،وآثار النراف ،والغزو
الفكري ،وانزواء علماء السلم عن قيادة المة وتبصيها بقيقة دينها ،بل مشاركة بعضهم ف تضليل
المة عن هذه القيقة وتعميتها عليها ،بالفتاوى الضللة حينا ،وبإضفاء الشرعية على ما ل شرعية له عند
ال حينا آخر ،وإيهام الناس أن هذا من الجتهاد الأذون به ف السلم)1( ....
أقول :إنن أشعر بق – بعد تدبر هذا كله – أننا اليوم ف مقام التعليم ،قبل التصدي لصدار
الحكام على الناس .وأن هذا التعليم – لزالة الغربة الثانية الت تيط بالسلم اليوم – يتاج من الوقت
والهد شيئا غي قليل ،ولكنه ف النهاية هو الذي سيحسم القضية حسما كاملً ،فمن أب وأصر – بعد
البيان والتعليم – فهو الكافر بل شبهة ،ومن أجاب الدعوة فهو السلم بل شبهة:
ي َسبِي ُل الْ ُمجْ ِرمِيَ ([ })55سورة النعام ]6/55
ت وَِلتَسَْتبِ َ
ك ُن َفصّلُ اليَا ِ
{وَكَذَلِ َ
حيَا مَنْ َح ّي عَ ْن َبيَّنةٍ} [سورة النفال ]8/42
ك عَ ْن َبيَّن ٍة َويَ ْ
ك مَ ْن هَلَ َ
{ِلَيهْلِ َ
() مر بنا نوذج من ذلك ف فتوي الشيخ رشيد رضا ف الفصل السابق. 1
وقد يقول قائل – من يرون أن الصل ف الناس اليوم هو الكفر ما ل يتبي غي ذلك – إن استجابة
من يستجيب بعد البيان والدعوة ل تنفي عنه كان مشركا قبل أن يستجيب .فقد قام رسول الr
بالبيان والتعليم ،فاب من أب وأجاب من أجاب ،ولكن استجابة من استجاب منهم ل تنفي عنه أنه كان
مشركا قبل أن يستجيب .فمن حقنا إذن أن نكم على واقع الناس اليوم بثل ما حكم ال سبحانه على
واقع الناس ف الاهلية قبل الدعوة ،فنقرر أنم مشركون ابتداء إل من ظهر منه غي ذلك.
والتشبيه هنا مع الفارق.
فلم يكن ف تلك الاهلية من يهل حقيقة ما هو عليه ،وأنه يعبد مع ال آلة أخرى ،عالا با،
متوجها إليها ،معتقدا بألوهيتها مصرا على عبادتا .كما ل يكن أحد منهم يهل حقيقة ما يدعى إليه،
وهو نبذ هذه اللة كلها ،سواء عبدت لذاتا أو عبدت زلفي إل ال ،والتوجه بالعبادة إل ال الواحد
الذي ل شريك له ،والتلقي من عند ال وحده ،ونبذ كل مصدر للتلقي أو لكم سواه.
وهذه الالة من العرفة ليست قائمة اليوم إل عند قلة من الناس ،منهم الكافرون بل شبهة ،لنم
يرفضون وهم يعلمون ماذا يرضون ،ومنهم الؤمنون بل شبهة ،لنم يقبلون وهـم يعلمون مـاذا
يقبلون ( .)1وهناك كثي من الناس تيط بم شبهة الهل بقيقة ما هو مطلوب منهم على وجه اليقي.
وف هذه الشبهة يقول المام ابن تيمية:
"ل ريب أن من ل يعتقد وجوب الكم با أنزل ال على رسوله فهو كافر .فمن استحل أن يكم
بي الناس با يراه هو عدلً من غي اتباع لا أنزل ال فهو كافر .فإنه ما من أمة إل وهي تأمر بالكم
بالعدل ،وقد يكون العدل ف دينها ما رآه أكابرهم .بل كثي من ينتسبون إل السلم يكمون بعاداتم
الت ل ينلا ال ،كسواليف البادية ،وكانوا هم المراء الطاعي ،ويرون أن هذا هو الذي ينبغي الكم
به دون الكتاب والسنة وهذا هو الكفر .فإن كثيا من الناس أسلموا ،ولكن ل يكمون إل بالعادات
الارية الت يأمر با الطاعون .فهؤلء إذا عرفوا أنه ل يوز لم الكم إل با أنزل ال ،فلم يلتزموا
بذلك ،بل استحلوا أن يكموا بلف ما أنزل ال فهم كفار" (.)2
ومن هنا لزم التعليم لزالة هذه الهالة قبل التصدي لصدار الحكام على الناس.
والعتبار الثان :أنه ل يكن ف القيقة إصدار حكم واحد يشمل الجتمع كله .فالناس ف هذا
الجتمع فئات كثية .منهم – كما قلنا – كافرون بل شبهة ،وهم الذين يرفضون هذا الدين ،أو
() انظر شرح هذه القضية ف فقرة تالية ف هذا الفصل بعنوان" :ماذا نتقلد من الوظائف ف الجتمع الاهلي". 1
() أشرنا إل هذا المر من قبل ,وسنعاود الديث عنه حي نتكلم عن "منهج الركة". 2
خلفه .وف هذا الصدد نقول كلمة صرية :إننا ل نستطيع أن نكره أحدا على الصلة وراء إمام ل
يرتاح إليه .أما الكم السبق على ذلك المام بالكفر ،بغي البينة القاطعة الت ل تتمل الشك ،فأمر غي
جائز ف شرع ال! ()1
m m m
بذه العتبارات كلها ل أرى أن قضية الكم على الناس هي قضية الساعة الت نتخاصم عليها
ونفترق عندها .وأرى كذلك أنا قضية ستحل نفسها بنفسها خلل فترة من الزمن تعتب قصية ف حياة
المم وف حياة الدعوة – وإن استبطأها بعض الدعاة – لن الركة الدائبة – الفروضة فرضا على
الكتلة التميعة – ستحولا تدرييا إل فرقي متميزين لكل منهما سيماها التميزة الت يعرفها با الناس،
ول يقع فيها الختلف :كفر صريح أو إيان صريح (.)2
m m m
ولكنا حي نلقى جانبا قضية الكم على الناس ف الوقت الاضر ،ينبغي أن نوجه اهتمامنا كله إل
تعليم الناس ما جهلوه من حقيقة السلم ،وحقيقة ل إله إل ال.
إننا إن تركناهم على جهالتهم ل نكون قد أدينا المانة الت ف أعناقنا ل .وال سبحانه وتعال يقول
لنبيه: r
{يَا َأّيهَا ال ّرسُو ُل بَلّ ْغ مَا أُن ِزلَ إَِليْكَ مِنْ َربّكَ َوِإنْ َل ْم َتفْعَلْ َفمَا بَّل ْغتَ ِرسَالَتَهُ} [سورة الائدة ]5/67
فإن ل نقم بتعليم الناس حقيقة ل إله إل ال ،وارتباطها الوثيق بتحكيم شريعة ال ،فلن نكون قد
أدينا المانة ،ولن نكون قد قمنا بالدعوة كما أمرنا ال ف قوله تعال:
ك هُ ْم الْ ُمفْلِحُونَ
ف َوَينْ َه ْونَ عَ ْن الْ ُمْنكَ ِر َوُأوْلَئِ َ
خيْ ِر َويَ ْأمُرُونَ بِالْ َمعْرُو ِ
{وَْلتَكُ ْن ِمْنكُمْ ُأ ّمةٌ يَ ْدعُونَ إِلَى الْ َ
([ })104سورة آل ]3/104
كما أننا إن قلنا للناس :من قال ل إله إل ال فهو مؤمن ولو ل يعمل عملً واحدا من أعمال السلم
– وهي قولة غلة الرجئة – فقد خدعناهم عن حقيقة السلم ،وزدناهم تيعا إل تيعهم ،وأخرنا
() جاء ف الغن لبن قدامة (ج 2ص ,200طبعةرئاسة إدارات البحوث العلمية والفتاء والدعوة والرشاد بالملكة العربية السعودية)" :إذا صلي خلف من شك ف إسلمه أو كونه 1
خنثي ,فصلته صحيحة ما ل يبي كفره ,وكونه خنثي مشكلً ,لن الظاهر من الصلي السلم ,سيما إذا كان إماما ,والظاهر السلمة من كونه خنثي ,سيما من يؤم الرجال .فإن
تبي بعد الصلة أنه كان كافرا أو خنثي مشكل فعليه العادة."...
() قلنا آنفا إنه ل يوجد متمع ف الرضض -ول متمع الرسول صلي ال عليه وسلم -يتميز كله تيزا كاملً ,فهناك دائما "منافقون" ف كل متمع .وحكم هؤلء ف الجتمع السلم 2
الذي يكم با أنزل ال أنم مسلمون طالا كانوا يقولون ل إله إل ال ويضعون لشريعة ال ول يرجون عليها ,فإن ل يضعوا لشريعة ال اعتبوامرتدين وإن نطقوا بالشهادتي.
نضجهم وتيزهم ،وأخرنا بالتال قيام "القاعدة السلمية" الت ل يقوم بغيها الكم السلمي ول يكن
له ف الرض ،ونكون إل جانب ذلك – بوعي أو بغي وعى – قد أعنا الطاغية على دعاة السلم:
يقتلهم ويذبهم وهو آمن من غضبة الماهي ،متلفع بالهالة الت يسدر فيها الناس
كذلك إن قلنا لم :من قال ل إله إل ال فهو مسلم ف الياة الدنيا وحسابه على ال ف الخرة ،فقد
ل عن كونا – حت لو قدمنا لم كلمة خادعة سنبي ف السطور التالية ما فيها من زيف وخديعة .فض ً
كانت صحيحة – ليست هي الكلمة الناسبة لحوال الناس الراهنة ،حيث هم بعيدون كل البعد عن
حقيقة السلم ،وغارقون ف الذل والوان والضياع من جراء بعدهم عن هذه القيقة ،فهو ليسوا ف
حاجة لن يد لم ف الذل والوان والضياع والغفلة ،إنا هم ف حاجة لن يوقظهم من غفلتهم ،ليغيوا ما
بأنفسهم ،فيغي ال حالم.
وليست مهمة الدعاة أن يعطوا الناس شهادات مزورة بالسلم ول مهمتهم أن يبينوا للناس كيف
يكونون مسلمي ف الياة الدنيا ولو كانوا من ل يقيم لم ال يوم القيامة وزناإنا مهمتهم أن يبينوا
للناس كيف يكونون مؤمني حقيقة ف ميزان ال ،ومقبولي عنده يوم القيامة ،أي أن مهمتهم أن يبينوا
للناس حقيقة السلم – حقيقة التوحيد البيئة من الشرك – ل ما يقق للناس مظهرية السلم ف الياة
الدنيا
وحت مظهرية السلم ف الياة الدنيا فهي ل تتحقق بجرد نطق ل إله إل ال كما تزعم القولة
الزائفة الت أشرنا إليها ف السطور السابقة.
إن قول ل إله إل ال ممد رسول ال يدخل الناس ف السلم ،نعم ،ويعطيهم صفة السلم ف الياة
الدنيا .ولكن هذه الصفة ل تلصق بأصحابا من تلقاء ذاتا – سواء كانت مظهرية أو حقيقية – ول
تظل لصقة بم طيلة حياتم مهما فعلواإنا هي تتاج إل تثبيت دائم ف كل لظة ،بعمل دائم يقوم به
النسان ف كل لظة ،ول يكف عن القيام به ف أية لظة ،هو التحاكم إل شريعة ال ف كل أمر من
المور ،وعدم التحاكم إل غيها ف أمر من المور.
إنا يتلف السلم الظهري عن السلم القيقي ل ف وجوب التحاكم إل شريعة ال – فهو لزم
لكل منهما لكي تظل له صفة السلم ف الياة الدنيا – إنا يتلفان ف أن صاحب السلم الظاهري
يتحاكم إل شريعة ال نفاقا ،وهو ف الخرة ى الدرك السفل من النار ،والسلم القيقي يتحاكم إل
شريعة ال تصديقا وإيانا وطاعة ل ،فيدخله ال ف جناته جزاء إيانه وطاعته .وف الالي لبد من
التحاكم إل شريعة ال ،لكي تظل للنسان صفة السلم.
إنا يعتب من قال ل إله إل ال ممد رسول ال مسلما ف الياة الدنيا – بصرف النظر عما ف قلبه –
ف حالة قيام الدولة السلمية الت تكم بشريعة ال ،دون أن يطلب منه – مع نطق الشهادتي – أن
يتعهد بالتحاكم إل شريعة ال وعدم العراض عنها إل غيها ،لن ذلك بديهية من بديهيات ل إله إل
ال ،يفترض ف قائلها أنه مقر با – حقيقة أو نفاقاولن سلطان ل إله إل ال قائم ف الرض متمثل ف
تيكم شريعة ال ،ول يفترض ف ناطق الشهادتي – سواء كان مؤمنا أو منافقا – أن يرج على هذا
السلطان ويتمرد عليه ،لنه حينئذ يعتب مرتدا ويقام عليه الد
أي أن الناطق بالشهادتي ف ظل الكم السلمي – سواء كان مؤمنا أو منافقا – يقر بأمرين ف آن
واحد (سواء اعتقد حقيقتهما ف قلبه أم ل يعتقدها ( ))1أحدها يقر به نطقا بلسانه ،والخر يقر به
بواقع حاله .فأما الذي يقر به نطقا بلسانه فهو أنه ل إله إل ال وأن ممدا رسول ال .وأما الذي يقر به
بواقع حاله ( )2فهو أنه ل شريعة ينبغى أن تكّم إل شريعة ال ،وأنه ل شرعية لكم غي حكم ال.
فإن نكل عن إقراره بأن شريعة ال وحدها هي الت ينبغي أن تكم – وهو القرار الذي ل ينطقه
بلسانه ،وكلنه متضمن فيما أقر به بلسانه – اعتب مرتدا ،وأقيم عليه حد الردة ف ظل الكم السلمي،
ولو ظل يردد ف اليوم مائة مرة أنه ل إله إل ال ،وأن ممدا رسول اللهولو كان الذي أعطاه صفة
السلم هو مرد النطق بالشهادتي ،دون وجود لزم لما ،ول مقتضى متضمن ف نطقهما ،فكيف يقام
عليه الد وهو ما يزال يردد الشهادتي؟!
إن إقامة الد على الرتد بسبب إعراضه على تكيم شريعة ال ،أو إنكاره شيئا منها – بينما هو ما
زال ينطق بالشهادتي – يؤكد قطعا أنه ل يصل على صفة السلم بجرد النطق بالشهادتي ،إنا
بالنطق بالشهادتي من جهة ،والقرار التضمن ف نطقهما باللتزام بشريعة ال من جهة أخرى .وأنه قد
افترض فيه حي نطق بالشهادتي أنه ملتزم بقتضاها – وهو تكيم شريعة ال – ولو ل يطلب منه أن
يقر بلسانه بذا اللتزام نصا ،لنه من بديهيات ل إله إل ال منذ كان ف البشرية دين ،ومنذ أرسل ال
رسو ًل يقول الناس :ل إله إل ال ،ويقول هم :اعبدوا ال مالكم من إله غيه!
وإل فلو كان المر على غي ذلك .لو كان النطق بل إله إل ال ممد رسول ال ل يتضمن إقرارا
بالتحاكم إل شريعة ال وحدها دون سواها ،وعدم العراض عنها إل سواها .فكيف يتصور من عدل
ال سبحانه أن يعاقب إنسانا بالقتل ف الياة الدنيا ،والعذاب القيم ف الخرة على شئ ل يطلب منه
ضلّ َقوْما َبعْ َد ِإذْ هَدَاهُ ْم حَتّى ُيبَّينَ َلهُمْ مَا يَتّقُونَ ِإنّ اللّ َه بِ ُكلّ شَيْ ٍء َعلِي ٌم ([ })115سورة التوبة ]9/115
() يقول تعال ف مكم التنيل{ :وَمَا كَانَ اللّهُ ِليُ ِ 1
.
() أخرجه مسلم.
2
() انظر إن شئت فصل "مفهوم ل إله إل ال" من كتاب "مفاهيم ينبغي أن تصحح".
3
بالشهادتي ويعمل بقتضاها – أي يتحاكم إل شريعة ال – كما قال المام الشهيد ف رسالة التعاليم،
وكما ينبغي أن نبي لناس ف مقام التعليم .أما الؤمن القيقي فهو الذي يصنع ذلك عن إيان وتسليم
ورضا وإخلص.
ضيْتَ
سهِمْ حَرَجا مِمّا َق َ
حكّمُوكَ فِيمَا َشجَ َر َبْينَهُ ْم ثُ ّم ل َيجِدُوا فِي أَنفُ ِ
ك ل ُيؤْ ِمنُونَ َحتّى يُ َ
{فَل وَ َربّ َ
َويُسَلّمُوا تَسْلِيما ([ })65سورة النساء ]4/65
m m m
منهج الركة
تتف الماعات العاملة اليوم ف حقل الدعوة اختلفا واسعا حول منهج الركة الواجب اتباعه ف
الرحلة الراهنة .وربا ل يكن هذا اللف قائما قبل ربع قرن من الزمان .فقد كانت الركة تسي على
النهج الذي رسه المام الشهيد وأقام جاعته على أساسه ،ول تكن هناك ف الساحة جاعات أخرى غي
تلك الماعة.
ولكن الوقف اليوم يتلف.
تعددت الماعات ،وتعددت وجهات النظر .وتعددت الواقف بتعدد وجهات النظر.
ولكن هناك أمرا مشتركا يمع بي معظم هذه الماعات ،وإن اختلفت مواقفها ومناهجها .هو
التعجيل!
يقولون :مضى على الدعوة أكثر من نصف قرن .ول تنجح بعد .أي ل تصل إل الكم لتحقيق ما
تدعو إليه من تكيم شريعة ال ،وحل مشاكل الجتمع على أساس النهج الربان.
وف ذات الوقت يقولون :إن الشيوعيي ينجحون ،وغيهم من القليات الت ليس لا سند شعب ول
حجم يذكر تصل إل الكم ،والسلمون ل يصلون! فلبد أن هناك خطأ ف منهج الركة .ولبد من
التغيي .وعند هذه النقطة يبدأ اللف!
ولبد لنا قبل أن نبحث النهج الذي ينبغي اتباعه ف الرحلة الراهنة ،أن نصحح هذا التصور ذاته :هل
يصح قياس الركة السلمية على الركات الشيوعية والعلمانية والقليات الت تصل إل الكم وتقهر
الشعوب؟!
ج ُح
إننا إن ل ندرك بادئ ذي بدء أن هذه الركات ل تنجح بهدها الذات ،ول بثقلها الذات ،إنا تُنْ َ
من الارج ،بتحريك أعداء السلم لا ،وإعطائها السند اللزم لا ،والقوة اللزمة لقهر شعوبا وإذللا.
ل نكون جديرين بالعمل ف مال الدعوة ،لن العمل يتاج إل البصية والوعي ،ويغيها ل يقوم عمل
على الطلق ،فضلً عن العمل السلمي.
{قُ ْل هَ ِذ ِه َسبِيلِي أَ ْدعُو إِلَى اللّ ِه عَلَى َبصِ َيةٍ َأنَا َومَ ْن اّتبَ َعنِي} [سورة يوسف ]12/108
فإن أدركنا هذه البديهية ،فينبغي أن ندرك بعدها – أو معها – حقيقة أخرى ما زالت تفي على
الكثيين.
فإذا كان لبد لكل حكم من سند يسنده لكي يقوم أولً ،ولكي يستمر ف الوجود بعد ذلك .فأين
هو السند الذي يقيم الكم السلمي ف الوقت الاضر ،ث يظل مساندا له لكي يستمر ف الوجود؟
وإذا كان الشيوعيون والعلمانيون والقليات الت تصل إل الكم تقوم أساسا بتحريك أعداء
السلم ،وتستمر ف الوجود بسندهم لا ،فهل أعداء السلم – سواء روسيا أو أمريكا – سيسمحون
بقيام حكم إسلمي فضلً عن أن يسندوه إذا قام؟ أم أنم يتربصون بالسلمي ليمنعوهم من تقيق
وجودهم السلمي ،كما تفعل أمريكا ف كل البلد الواقعة تت نفوذها؟!
لبد إذن – بداهة – أن يقوم السند للحكم السلمي من داخل المة السلمة ما دام ل يكن أن
يئ من خارجها .فهل هذا السند موجود ف القيقة؟!
إن الذين يقولون – بل رؤية – نعم ،يقعون ف ذات الغلطة الت وقع فيها العمل السلمي أول مرة،
وهي افتراض أن "القاعدة السلمية" قائمة بالفعل ،وما علينا إل أن نذكى الوجدان الدين ،وندفعه
للعمل ،فينتهي الشكال!
ونكون بذا قد أضعنا أكثر من نصف قرن من العمل ف ميدان الدعوة ،دون أن تأخذ العبة ،ودون
أن نكتسب البة اللزمة لتكوين "البصية" الطلوبة.
لقد أثبتت التجربة – سواء ف مقتل المام الشهيد أو ف مذابح السفاح – أن القاعدة الت توهنا
وجودها ل تكن موجودة بالفعل ،وأنا ف حاجة إل النشاء من جديد .وإنا الوجود هو جاعة أو
جاعات قائمة بالعمل السلمي ،وليس بينها وبي "الماهي" ف القيقة "قضية مشتركة" .وإن حدث
التعاطف العارض بي الماهي وبي هذه الماعات حي تتعرض للقتل والتعذيب ،أو حي تقع منها
بطولت تز مشاعر الماهي.
إن هذا التعاطف العارض – أيا كان حجمه – أمر يتلف عن وجود "القضية الشتركة" بي هذه
الماعات وبي الناس .والقضية الشتركة الت ينبغي أن تكون ،هي وجوب التحاكم إل شريعة ال ،ونبذ
غيها من الشرائع كما أمر ال:
{اتِّبعُوا مَا ُأنْزِلَ إَِلْيكُ ْم مِنْ َرّبكُ ْم وَل َتّتِبعُوا مِنْ دُونِهِ َأوْلِيَاءَ} [سورة العراف ]7/3
س ُن مِنْ اللّهِ ُحكْما ِل َق ْومٍ يُوقِنُونَ ([ })50سورة الائدة ]5/50
حكْ َم الْجَاهِِلّي ِة َيْبغُونَ َومَنْ أَحْ َ
{أَفَ ُ
وهذه القضية ما تزال – كما أثبتت التجربة – غي واضحة العال عند الماهي.
نعم إن القاعدة الواعية لذه القضية ،العاملة من أجلها ،قد أخذت تتسع ول شك .وذلك من
البشرات الوجودة ف حقل الدعوة اليوم .ولكنها ما تزال أضأل بكثي منا لجم اللزم لقامة الكم
السلمي ،ومساندته لكي يستمر ف الوجود.
إن حجم النراف الذي وقعت فيه المة خلل القرون – وف القرن الخي خاصة – أضخم بكثي
ما يتصوره الكثيون .إنه – كما بينا جيدا من قبل – ليس فسادا ف السلوك فحسب ،ولكنه فساد ف
التصور وفساد ف السلوك .فساد ف تصور كل الفاهيم الرئيسية للسلم ،بدءا بفهوم ل إله إل ال،
الركن الول والعظم ف هذا الدين.
وتغيي حال هذه المة ،وإرجاعها إل حقيقة السلم ،أمر ل يتم بالسهولة الت يتصورها كثي من
الناس ،إنا يتاج – بسب السنة الارية – إل وقت أطول بكثي ،وجهد أكب بكثي ،ما ت ف هذه
اللحظة ف جيع اليادين!
يتاج أو ًل إل تبيي القائق الجهولة من هذا الدين ،بدءا بقيقة ل إله إل ال ( ،)1ويتاج ثانيا إل
تربية الناس على ما تقتضيه هذه القائق من سلوك واقعي ف واقع الياة .وهو جهد طويل طويل ل يكن
– بسب السنة الارية – أن يتم ف سنوات قصار .والسنوات الت مرت ف الدعوة .بالقياس إل عمر
المم – قصار ،جد قصار!
وهنا – وبصي نافد – يرج التعجلون – ومعظمهم من الشباب التحمس – بسؤالي يصبان ف
النهاية ف ملتقى واحد :وهل من العقول أن ننتظر حت تترب المة كلها على السلم ،وهو أمر ل
يتحقق بالفعل؟ وكيف نرب والكومات العادية للسلم تنقض علينا كل فترة من الزمن ،كلما ربينا
جيلً من الشباب أخذوه ،فعذبوه وقتلوه وقضوا عليه؟!
فأما بالنسبة للسؤال الول ،فلم يقل أحد قط إنه ينبغي النتظار حت تترب المة كلها ،فهذا أمر –
بالفعل – ل يتحقق أبدا ف واقع الرض .ومتمع الرسول rل يكن كله على القمة السابقة الت كان
عليها أصحابه رضى اله عنهم ،الذين رباهم على عينه ،وتعهدهم برعايته .بل هؤلء أنفسهم ل يكونوا
على مستوى واحد من العظمة والرتفاع ،وقرن الرسول rهو خي القرون على الطلق .فما بالك
بقرننا الاضر!
() رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه انظر فصل "وليح ذبيحته" من كتاب "قبسات من الرسول". 1
{اتِّبعُوا مَا ُأنْزِلَ إَِلْيكُ ْم مِنْ َرّبكُ ْم وَل َتّتِبعُوا مِنْ دُونِهِ َأوْلِيَاءَ} [سورة العراف ]7/3
{َأمْ َلهُ ْم شُرَكَا ُء شَ َرعُوا َلهُ ْم مِنْ الدّينِ مَا َل ْم يَأْ َذ ْن بِهِ اللّهُ} [سورة الشورى ]42/21
فإن ن ن قدم نا "اللول العملية" للناس ق بل أن ي ستقر ف خلد هم – إل درجة اليق ي – أن التزام هم
بشري عة ال أو عدم التزام هم ب ا هو قض ية اليان والك فر ..قض ية ال نة والنار ..ف هل ي تم ال مر على
الصورة الت يتخيلها الباحثون؟!
وما القول ف الذين يقولون لك – وهم كثي – بعد أن تقنعهم عن طريق البحث العلمي والدراسة
العلمية أن الل السلمي هو الفضل ،يقولون لك :اقتنعنا! وما كنا نتصور – وال – أن السلم بذه
العظمـة وهذا الشمول وهذه القدرة على تقديـ اللول العمليـة لشكلت الناس! هلموا! أقيموا الدولة
السلمية ،وحي تقيمونا ستجدوننا أول الستحبي!
هل تقوم الدولة السلمية على هذه الصورة؟!
إن القتناع العقلي وحده ل يغي قط ف عال الواقع ،حت ف أوقات السلمة وألن ،فضلً عن حالت
الضطهاد الوح شي! وهذه هي "الفل سفة" م نذ سقراط وأر سطو إل وقت نا الا ضر .هل غيت شيئا ف
واقـع الرض؟ إل أن تكون عقيدة أو مرتكزة على عقيدة ،فعندئذ تكون العقيدة هـي التـ تغيـ واقـع
الناس.
والذي أثبتته التجربة ف "العال القدي" أن هذه العقيدة هي الت تتاج قبل كل شئ إل تصحيح .لنا
فرغـت مـن متواهـا خلل الجيال ،وفـ القرن الخيـ خاصـة ،فأصـبحت فـ حاجـة ملحـة إل بيان
حقيقتها ،ث تربية الناس على مقتضى هذه القيقة حت يصبح سلوكهم العملي ف كل الجالت – ومن
بينها مال السياسة والكم ،والجتماع والقتصاد ،واعلم والفكر – مطابقا لقتضيات ل إله إل ال.
ونن مع ذلك ل نقول للباحثي العلميي ل تبحثوا! بل نن نفرح بكل بث متعمق يظهر من حقائق
السلم ما كان خافيا من قبل .ولكن فيم يكون البحث؟ وعلى أي نو يكون؟
إن هناك ف الياة البشرية – وف السلم كذلك – ثوابت ومتغيات.
هناك أمور ثبت ها ال سبحانه وتعال وأ مر بتثبيت ها على صورتا ف حياة الناس ،كعقيدة ل إله إل ال
ممد رسول ال – بعناها الشامل التكامل الذي نزلت به من عند ال ،والذي يشتمل فيما يشتمل على
اللتزام بكـل مـا جاء مـن عنـد ال – والعبادات بملتهـا وتفصـيلتا ،والدود ،وغيـ ذلك ماـ فصـله
الفقهاء.
وهناك أمور متغية أذن الشارع بالجتهاد في ها ،ولك نه قيد ها – ف تغي ها الدائم – بحاور ثاب تة أو
أصول ثابتة ،ل يوز أن تيد عنها ف أثناء تغيها ونوها با يلئم ما يد من أمور ف حياة الناس.
فحي نبحث اليوم بثا علميا ف اللول السلمية الواقعية للمشاكل الاضرة ففي أي شئ نبحث:
ف الحاور الثابتة أم ف التفصيلت التغية؟
أما البحث ف الحاور الثابتة فواجب ،وهو جزء من الفقه اللزم لذا الدين .وكلما اتسع علم الناس
بقائق دينهم كان ذلك أوفق لم ،وأحرى باستقامة طريقهم.
أ ما التغيات – وخا صة ف الشا كل القت صادية ال ت هي عقدة الع قد ف حياة الناس اليوم – فح ي
نبحث فيها ،فلمن نقدم البحث على وجه التحديد؟ وعلى "مقاس" من نقيم البحث؟ أو بعبارة أخرى:
على أساس احتياجات أي قوم من القوام ،وأي زمان من الزمان؟!
ن ن الن ف عام 1406من الجرة _ 1986من اليلد) ( )1فح ي نقوم بب حث اقت صادي نبز ف يه
مقدرة السلم على حل الشاكل القتصادية بصورة عملية أفضل ما تقدمه الرأسالية والشتراكية .فلمن
نقدمه؟ للمسلمي؟ أم لغي السلمي من سكان أوروبا وأمريكا؟!
وقد يبدو السؤال لول وهلة غي ذي موضوع! فنحن نقوم بأباثنا ونقدمها – بداهة – للمسلمي!
ولكنا نقصد السؤال حقيقة لننبه القيادة الديدة إل أمر لسنا ندرى مدى تبينها له.
فأين هم السلمون اليوم – على وجه الرض كلها – الذين سيطبقون متويات هذا البحث لينقذوا
اقتصادهم من حأة الاهلية ويضعوه على قاعدة السلمية؟!
ولنذكر أن يثنا ليس ف النظرية ،وإنا هو ف التطبيقات .فإذا ل يكن هناك الن من يطبق ،فأي عبث
نقوم به حي نصرف جهدنا ووقتنا وطاقتنا ف استنباط حلول عملية غي قابلة للتطبيق ف عال الواقع ،ل
لنا هي ف ذاتا غي قابلة للتطبيق ،ولكن لن الطبقي ل يوجدوا بعد ،أو ل توجد لديهم بعد القدرة
على التطبيق؟!
ولقائل أن يقول ول شك :نت فظ به ليكون جاهزا ع ند قيام الدولة ال سلمية ،فتطب قه على الفور،
مدروسا مفحوصا موثقا مفصلً ،بدلً من أن تقع ف الية عند قيامها ،ويبدو أمام العال كله عجزها
عن حل مشاكلها بقتضى نظامها وعقيدتا.
وهذا القول الذي يبدو وجيها لول وهلة ،هو عار عن الوجاهة من الناحية العملية البحتة!
فهـل يعلم أحـد على وجـه اليقيـ – أو حتـ على وجـه التخميـ – متـ تقوم الدولة السـلمية
النشودة؟!
() هذه هي السنة الت كتب فيها الكتاب ,والن بعد ما تزيد علي عشر سنوات ل يتغي الوضع!. 1
و هل ي ستطيع أ حد على و جه اليق ي – أو ح ت على و جه التخم ي – أن يقول ك يف تكون صورة
الشكلت القتصادية يوم تقوم الدولة النشودة؟!
فأي عبـث فـ أن نبحـث – الن – تفصـيلت اللول العمليـة لشكلت زمـن ل نعرف على وجـه
التحديـد متـ يكون ،ول نعرف على وجـه التحديـد كيـف سـيكون حجمهـا وشكلهـا يوم ناول أن
نواجهها بالل السلمي؟!
إن الشكلت القت صادية بالذات هي أ شد التغيات تغيا ف عال نا العا صر .فلو قل نا إن نا نتو قع قيام
الدولة السلمية خلل عشر سنوات من اليوم – وهو قول ل يسنده أي دليل "علمي" – فهل نضمن –
من الوج هة العملية – أن مشكلت اليوم – الت نقيم بوثنا على أساسها – ستظل على صورتا عشر
سنوات فقط ،حت نهز لا اللول العملية من الن؟!
فإذا افتراضنا أن الدولة السلمية تستغرق ف قيامها ربع قرن أو نصف قرن ،وهو أيضا رجم بالغيب
ل يستند إل أدلة "علمية" حقيقية ،فهل تبقى الشاكل القتصادية ممدة على صورتا الت نبحثها اليوم،
حت نيئ لا اللول الاهزة الت تستخدمها الدولة فور قيامها؟!
بل هي نن على يقي من أن مشكلت الدولة السلمية – حي تقوم ف أي لظة – ستكون هي
بذاتا مشكلت العال الرأسال الاضرة ،وهي نواة أباثنا كلها حت الن؟!
مازلت أذكر مؤترا اقتصاديا إسلميا ضخما عقد من أجل البحث ف مشكلة التأمي من الوجهة
السلمية ،وهل هو حلل أم حرام ،وما الصورة السلمية الت يكن أن يكون عليها لو أردنا أن تكون
حياتنا القتصادية إسلمية؟!
وقلت يومها للمؤتر ( – )1وأنا لست من رجال القتصاد – إنن أخشى أن نكون قد وجهنا جهدنا
إل بث مشكلت تفرضها علينا اليوم الاهلية الرأسالية الت تضغط على واقعنا القتصادي ،ولكنها قد
ل تكون موجودة على الطلق ف الدولة السـلمية ح ي تقوم .ف من أراد نا أن كل مشا كل التأم ي
الالية قد نمت من تعطيل وظيفة بيت الال ،وأنه حي يقدر للدولة السلمية أن تقوم ،وتعيد لبيت
الال وظيفته ،ل تكون هناك حاجة إل التأمي كله بصورته الالية ،وحينئذ يكون بثنا ف كونه حللً
أو حراما ف صورته الراهنة إضاعة للجهد بل طائل!
ول كن الؤت ر الو قر ل يلت فت بطبي عة الال إل هذا التحذ ير ،وم ضى يب حث ب مة "علم ية" فائ قة ف
مشكلة التأم ي! وانت هي إل نتي جة ل يوا فق علي ها كل الؤتر ين ،هي أن التأم ي ب صورته الال ية حرام،
إنه لبد من ارتياد الطريق الطويل ..الجهد الشاق ..البطيء الثمرة ..الستنفد للطاقة ،طريق التربية،
لنشاء "القاعدة السلمة" الواعية الجاهدة ،الت تسند الكم السلمي حي يقون ،وتظل تسنده لكي
يستمر ف الوجود بعد أن يقوم .وقد رأينا ف دراستنا الت ناقشنا فيها الوسائل الثلثة الت يستخدمها
التعجلون – كل من زاوي ته – أن ا كل ها تؤدى إل طر يق م سدود ،وإن بدا ف ظا هر ال مر أن ا هي
"الركة" الت ترج "بالعمل" من حالة المود!
فالصدام مع السلطة قبل وجود القاعدة السلمة الواعية الجاهدة عمليات انتحارية ل طائل وراءها،
إل إعطاء الطغاة حجة لتقتيل السلمي وتذبيحهم ،والناس غافلون عن حقيقة العركة ،وعن كون هؤلء
الطغاة إنا يعملون ما يعملون عداءً للسلم ذاته – ل ردا على عمل بعينه – وولءً للصليبية الصهيونية
الت تارب السلم ف كل الرض (.)1
والتسلل إل داخل الجهزة السياسية مع عدم وجود القاعدة السلمة الواعية الجاهدة عملية عبثية ل
طائل وراءها ،إل تييع القضية ف نظر الماهي ،وتأخي النضج اللزم لقامة القاعدة الت ل يقوم بغيها
الكم السلمي.
والبحث عن اللول العملية للمشاكل العاصرة قبل وجود القاعدة الشار إليها آنفا صرف للجهد بل
طائل ،وتويل للطاقة العاملة ف الساحة من ميدانا الول الصيل إل ميدان جانب ،يستنفد الطاقة وهو
ل يؤدى – الن – إل شئ ،ويوهم صاحبه ف الوقت ذاته أنه "يعمل" بل أنه يعمل العمل الواجب،
فل ي س بالتق صي الذي يار سه ف اليدان الول ال صيل ،إن ل ين ظر إل العامل ي ف يه على أن م هم
العابثون الضيعون!!
وحيـ نقول إنـه لبـد مـن التربيـة أو ًل لنشاء القاعدة السـلمة الواعيـة الجاهدة ،يثور كثيـ مـن
التساؤلت والتصورات:
() دخل عيلنا ذات صباح ف "السجن الرب" مدير السجن وجلده الكب حزة البسيون الذي نكّل ال به فيما بعد ف حادث سيارة تناثرت فيها جثثته علي مساحة من الرض, 1
وكنا ف "طابور" التعذيب الذي يبدأ يوميا ف الساعة السادسة صباحا وينتهي ف الرابعة والنصف بعد الظهر ,وبعد استعراض بالري والشس بالطوة السريعة قام به أمامه اللد
الصغر ليظههر هته ف تنفيذ الوامر قال حزة البسيون ,وكان يركب حصانه" :بعد الذي صنعناه كله فيكم يا أولد الـ ..وما زلتم أحياء؟ ماذا نصنع فيكم أكثر من ذلك؟! كل
الذي نستطيعه أن نأت بكم كل بضع سنوات ونعطيكم "علقة" مثل هذه!" أي أن هذا مطط سلفا ,سواء وجدت البرات أم ل توجد!!.
ربينا با فيه الكفاية!
إل مت نظل نرب دون أن "نعمل"!
ما جدوى التربية وكلما ربينا جيلً من الشباب قضى عليه العداء!
ما القصود بالتربية؟!
ونريـد الن أن نلقـى بعـض الضوء على القصـود بالتربيـة .ولكـن لبـد مـن تصـحيح بعـض هذه
التصورات أولً تهيدا لبيان الصورة الصحيحة الطلوبة ،الثمرة بإذن ال.
إن الذين يقولون :ربينا با فيه الكفاية ،يغفلون عن حقائق كثية واقعة ف الساحة.
ربا كان أفضل لون من التربية قام ف الساحة حت اليوم هو الذي قام به المام الشهيد بي "الخوان
العامل ي" الذ ين ربا هم على عي نه .وأف ضل جوا نب هذه الترب ية هو الخوة التي نة ال ت ربا ها ف أتبا عه،
والروح الفدائية الصادقة الت طبعهم با ،والندية اللتزمة الت زرعها ف نفوسهم ،ث ترير ل إله إل ال
ف حسهم من تواكل الصوفية وتواكل الفكر الرجائى ،وتويلها ف سلوكهم إل حركة واقعية وعمل.
ولك نا رأي نا كم من الوا نب كان ين قص هذه الترب ية ذات الطا بع ال صيل العم يق ،و كم أ ثر هذا
النقص ف خطوات العمل السلمي بعد مقتل المام الشهيد بصفة خاصة.
ول ندرى كم من هذه الوا نب كان المام الشه يد قمي نا بإضاف ته أو ت صحيحه لو ام تد به الع مر.
ولك نا ن د على ال ساحة الواقع ية أن النود قد ربوا ليكونوا جنودا فح سب ،ل ليكونوا قادة ب عد ذهاب
قائدهم ،كما رب رسول ال rأصحابه ليكونوا جنودا فائقي تت قيادته ، rوليكونوا ف الوقت
ذا ته " صفا ثانيا" ب عد انتقاله إل الرف يق العلى ،ك ما كان اللفاء الراشدون رضوان ال علي هم ف قيادة
المة ،وكما كان بقية الصحابة رضوان ال عليهم ف كل ميدان انتدبوا إليه.
ن د غياب "ال صف الثا ن" على ال ستوى الطلوب للجما عة ال ت تتز عم الع مل ال سلمي ف ظرو فه
الراهنة واضحا ملموسا كلما امتد الزمن بعد مقتل المام الشهيد ،فندرك – على الصعيد الواقعي – أنه
كان هناك نقص ف التربية ،ف هذا الانب ،ينبغي أن يستدرك ونن نُعدّ لسية طويلة قد تستغرق بضعة
أجيال من عمر الدعوة قبل أن يكتب لا التمكي ف الرض.
ومـن قبـل لحظنـا العجلة فـ العداد والعجلة فـ التحرك والعجلة ف السـماح للجماهيـ بالنتماء
للحر كة ق بل ترب ية العدد الناسب من الدعاة ،الذين هم جنود ت ت قيادة القائد ،وقادة ف ذات الو قت
ومربون .وكيـف كان لذا كله آثاره فـ خـط السـي .والفروض – وننـ نعـد للمسـية الطويلة – أن
نتل قى كل هذه الوا نب من الن قص ال ت اشتملت علي ها الولة الول ،أي أن نغ ي أ سلوب الترب ية ب ا
يتناسب مع أهداف الركة ،وطول السية ،ومشقة الطرق ،وكيد العداء.
فإذا نظر نا إل ال ساحة الن ف قد ن د نوعيات أفضل ف ب عض الوا نب .ولكنا ن د نق صا كبيا ف
التربية ف جوانب أخرى .ند شبابا أكثر وعيا بفهوم ل إله إل ال ،وصلتها الوثيقة بتحكيم شريعة ال.
أي أك ثر إدراكا لقض ية "الاكم ية" ال ت كا نت قد أجلت إجالً من ق بل جعل ها ت في على كث ي من
الدعاة أنف سهم .ون د شبابا أك ثر إدراكا لطبي عة العر كة و ما يل قى في ها من ال سلحة الظاهرة والف ية،
ودور الجهزة الختلفة ف ماربة الدعوة عن طريق مناهج التعليم ووسائل العلم ،وإثارة قضايا سياسية
واجتماع ية وفكر ية معي نة ،تت جه بالس وج هة بعيدة عن ال سلم ،وتبعد هم با ستمرار عن التل قي من
الصدر الربان .ولكن هؤلء الشباب – ف كثي من الحيان – ينقصهم التجمع الصحيح ،فيتجمعون ف
جاعات صغية مبعثرة ،يك يد بعض ها لب عض ،أو يتر بص بعض ها بب عض ،أو يتجادل بعض ها مع ب عض
بروح ال صام ل بروح الودة .وي كن أن تنق سم الما عة ال صغية إل جاعات أ صغر ع ند أول اختلف
على تفسي نص من النصوص ،أو تقوي قضية من القضايا .ما يقطع بأن التربية الماعية عندهم ناقصة.
وأن الروح الفردية فيهم أقوى .بينما التربية الطلوبة – لتنشئة السلمي عموما فضلً عن اليل الذي يقع
عليه عبء الواجهة الول مع الاهلية – ينبغي أن توازن بي الروح الفردية والروح الماعية عند أفراد
الماعة ،فل تيلهم أصفارا عن طريق تنمية الروح الماعية على سحاب الروح الفردية ،ول تنمى فيهم
الفردية الانة فيعتز كل منهم بفكره وبذاته وبتقييمه الاص للمور ،فل تأتلف منهم جاعة ،ول يلتئم
لم تمع له وزن (.)1
كما أن هذا الشباب – ف معظم الحيان – تنقصه البة الركية (وهي جزء من التربية الطلوبة)،
مع أنه أكثر وعيا من اليل السابق ف كثي من القضايا ذات الطابع الفكري .ومن أجل هذا يتعجل ف
ال صدام مع ال سلطة ،و ف ا ستعراض قو ته ف قضا يا ل تقدم ول تؤخرن أو ف قضا يا ذات وزن وذات
خطر ولكن ل يستطيع السلمون ف حالتهم الراهنة أن يغيوا شيئا من مراها.
تمع شباب الماعات الدينية بامعة السكندرية ذات مرة ،للحيلولة بالقوة دون إقامة حفل كانت
إدارة الام عة قد رتب ته لكايدة الماعات الدين ية خا صة والروح ال سلمي عا مة .وبالف عل ن ح شباب
الماعات الدينية ف منع إقامة الفل رغم كل الترتيبات الرسية الت رتبت له ،فلم يدث ما كان مرتبا
من رقص وغناء وتثيل مبتذل.
هذا نوذج لبعـض "النشاط" الذي كانـت تقوم بـه الماعات الدينيـة فـ الامعات .فمـا تقويهـ
تلك ناذج نضربا لصرف الطاقة ف غي مالا القيقي ،أو للتقصي ف صرفها ف مالا الذي يب أن
توجه إليه .ودللتها أن هناك جوانب نقص ف عملية التربية القائمة ف ساحة العمل السلمي .ذلك أن
معر فة الع مل ال صحيح وال سعي إل يه ،ومعر فة الع مل الا طئ والن صراف ع نه ،هي جزء من "الب صية"
الزمة لذه الدعوة ،وهي بدورها جزء من التربية الصحيحة اللزمة لعداد الدعاة ،وخاصة الذين يقع
عليهم عبء الواجهة الول مع الاهلية الت تكيد لم ،وتتربص بم دائرة السوء.
فإذا أض يف إل ذلك ما يش كو م نه كث ي من الشباب العامل ي ف الدعوة من أن ب عض "ال سئولي"
عنهم ينقصهم التجرد الكاف للدعوة ،الذي يعل مصلحتها القيقة هي رائدهم ،ل ذواتم ،ول رغبتهم
ف الظهور والستحواذ على أكب عدد من النصار.
إذا وضعنا هذا كله ف اليزان .فهل يق لقائل أن يقول :ربينا با فيه الكفاية؟!
m m m
أما الذين يسألون :إل مت نظل نرب دون أن "نعمل" .فل نستطيع أن نعطيهم موعدا مددا فنقول
لم :عشر سنوات من الن ،أو عشرين سنة من الن! فهذا رجم بالغيب ل يعتمد على دليل واضح .إنا
نستطيع أن نقول لم :نظل نرب حت تتكون القاعدة الطلوبة بالجم العقول.
وواضـح أن هذه الجابـة غيـ مددة .فل هـي تدد "الزمـن" الطلوب ،ول هـي تدد "الجـم"
الطلوب .ولكن القيقة أنه ل يوجد بشر ف الرض يستطيع أن يعطى هذا التحديد ،لن فيه عنصرا بل
عناصر غيبية ل يكن للبشر تديدها.
ل قد كان الو حي هو الذي ين قل خ طى الما عة الول بقيادة الر سول .rف قد أمره ال بادئ ذي
بدء بإنذار عشي ته القرب ي ،فأ خذ يد عو إل ال سرا فترة من الو قت و هو يتح مل الذى من عشي ته
صـابرا متسـبا حتـ نزل المـر الربانـ بالهـر بالدعوة ،فصـدع رسـول ال rبالمـر .ونزل الذى
بالؤمن ي وتر كت مشا عر بعض هم للرد على الذى ،فنل الو حي يقول ل م" :كفوا أيدي كم" فكفوا،
واحتملوا الذى صابرين حت أذن ال لم بالقتال فقال سبحانه:
{أُ ِذنَ لِلّذِي َن ُيقَاتَلُونَ ِبَأّنهُ ْم ظُلِمُوا َوِإنّ اللّهَ عَلَى َنصْ ِرهِمْ َلقَدِيرٌ ([ })39سورة الـج ]22/39
ث جاء المر بقتال الذين يقاتلون الؤمني من الشركي ،دون سواهم:
حبّ الْ ُم ْعتَدِينَ ( [ })190سورة البقرة
{وَقَاتِلُوا فِي َسبِيلِ اللّ ِه الّذِينَ ُيقَاتِلُوَنكُ ْم وَل َتعْتَدُوا إِنّ اللّ َه ل يُ ِ
]2/190
ث جاء المر بقتال الشركي كافة:
شرِكِيَ كَاّفةً كَمَا ُيقَاتِلُوَنكُمْ كَاّفةً[ }...سورة التوبة ]9/36
{وَقَاتِلُوا الْمُ ْ
واليوم و قد انقط عت الر سالت وخت مت النبوة فلن يتنل و حي يقول للم سلمي :كفوا أيدي كم إل
سنة كذا ،وقاتلوا سنة كذا! إنا هو الجتهاد والرأي بسب الظروف القائمة ف الرض ،وبسب السنن
الارية الت يرى ال با قدره ف حياة الناس.
وهذه ال سنن تقول إن النراف الض خم الذي وقعت فيه المة حت ا صبح السلم فيها غريبا كما
كان غريبا أول مرة ،يتاج إل جهد ضخ وزمن غي قصي حت تعود المة إل الصراط السوي ،أو حت
تعود من ها فئة تت مل ال صراع وال صدام مع القوى العال ية العاد ية لل سلم ،وت صمد ل ا ح ت يد ها ال
بالنصر ،ويكن لا ف الرض ،ويكون هل من رسوخ القدم ف اليان ،وصدق العزية ،والشجاعة ف
ال ق ،والز هد ف متاع الدن يا ،والرص على ما ع ند ال ف الخرة ،و ما يعل ها ت مل الع بء صابرة
متسبة ،ويعلها تمل أدران بقية المة من النافقي وضعاف اليان والتقاعسي عن الهاد فل يذلونا،
بل ترفعهم هي بالثال الرفيع الذي تضربه للناس.
{ِإنّمَا الْ ُم ْؤ ِمنُو نَ الّذِي نَ إِذَا ذُكِرَ اللّ ُه وَ ِجلَ تْ قُلُوُبهُ مْ َوِإذَا تُِليَ تْ عََلْيهِ مْ آياتُ هُ زَا َدْتهُ مْ إِيَانَا َوعَلَى َرّبهِ مْ
َيَتوَكّلُو نَ ( )2الّذِي َن ُيقِيمُو نَ ال صّل َة َومِمّا َرزَ ْقنَاهُ ْم يُن ِفقُو نَ ( ُ )3أوَْلئِ كَ هُ مْ الْ ُمؤْ ِمنُو نَ َحقّا َلهُ مْ دَرَجَا تٌ
ِعنْدَ َرّبهِ ْم َو َم ْغفِ َرةٌ وَ ِر ْزقٌ َك ِريٌ} [سورة النفال ]4-8/2
حبَ ُه َو ِمنْهُ ْم مَ ْن َيْنتَظِ ُر َومَا بَدّلُوا
صدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللّ َه عََليْ هِ َف ِمْنهُ ْم مَ نْ َقضَى َن ْ
{مِ نْ الْ ُمؤْ ِمنِيَ رِجَالٌ َ
َتبْدِيلً ([ })23سورة الحزاب ]33/23
حبّونَ هُ أَذِّل ٍة عَلَى الْ ُم ْؤمِنِيَ َأعِ ّز ٍة عَلَى الْكَافِرِي َن يُجَاهِدُو نَ فِي سَبِيلِ
حّبهُ ْم َويُ ِ
ف َيأْتِي اللّ ُه ِبقَوْ ٍم يُ ِ
سوْ َ
{فَ َ
اللّ ِه وَل يَخَافُونَ َل ْو َمةَ لئِمٍ} [سورة الائدة ]5/54
ض ُعفُوا َومَا ا ْستَكَانُوا
{وَ َكأَيّ ْن مِ ْن َنِبيّ قَاتَ َل َمعَهُ ِرّبيّونَ َكثِيٌ فَمَا َوهَنُوا ِلمَا أَصَاَبهُمْ فِي َسبِيلِ اللّ ِه َومَا َ
ب الصّابِرِينَ ([ })146سورة آل ]3/146 ح ّ وَاللّ ُه يُ ِ
حيَاةَ ال ّدْنيَا بِال ِخ َرةِ َومَ ْن ُيقَاتِلْ فِي َسبِيلِ اللّ هِ َفُيقْتَلْ َأ ْو َيغْلِ بْ
{فَ ْلُيقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّ ِه الّذِي َن يَشْرُو َن الْ َ
ف ُن ْؤتِيهِ أَجْرا عَظِيما ([ })74سورة النساء ]4/74 سوْ َ فَ َ
فالزمن الطلوب للتربية هو الزمن الذي يكفل ترسيخ هذه الصفات ف نفوس الفئة الختارة الت يقع
عليها عبء الواجهة مع العداء .وهو زمن ل يستطيع بشر أن يدده على وجه الدقة لنه غيب .ولن
فيه جلة متغيات تتغي النتيجة ف كل مرة بسب نوعها ومقدارها.
فالتغي الول هو الهد الذي ينبغي أن نبذله لبلوغ هذا الدف الساسي .فكلما بذلنا جهدا أكب،
كان ل نا أن نط مع ف تقر يب الز من ،أ ما إذا تراخي نا ف بذل ال هد ،أو ل نوج هه الوج هة ال صحيحة
فسيطول الزمن ولشك.
والتغي الثان هو مدى استجابة الذين ندعوهم ونربيهم وهذا أمر ليس ف يد البشر إطلقا:
{ِإنّكَ ل َتهْدِي مَنْ َأ ْحبَبْتَ وَلَكِنّ اللّ َه َيهْدِي مَ ْن يَشَا ُء َو ُهوَ َأعَْل ُم بِالْ ُم ْهتَدِينَ ( [ })56سورة القصص
]28/56
إن ا كلف نا ال سبحانه وتعال أن نبذل ال هد ،وتك فل هو سبحانه بالنتائج ،لناـ ت تم بقدر م نه،
وبسب مشيئته .وإن ك نا نط مع دائما ف م نّ ال وكرمه ،أن نا إذا صدقنا ف بذل ال هد فإن ال يرتب
النتائج ف صال الدعوة .وقد رأينا بأعيننا أن استشهاد رجل واحد صدق ما عاهد ال عليه ،يصنع لذه
الدعوة من العجائب ما ل تصنعه ألف خطبة ول ألف درس ول ألف كتاب ،وهذا عون ال الذي وعد
به سبحانه حي يصدق عباده ف التوجه إليه ،والتوكل عليه ،واليان به.
والتغي الثالث هو الظروف الت تيط بالدعوة وتيط بالعداء ،وال ت تدد بدورها ال جم الناسب
للقاعدة الطلوبة .فحي يلق ال ظروفا مواتية فقد تستطيع قاعدة أصغر حجما ما نتخيل الن ،أن تقيم
ح كم ال ف الرض ،وت سانده ب عد قيا مه .وح ي ترى مشيئة ال بغ ي ذلك – لك مة يريد ها – ف قد
نتاج إل قاعدة أكب حجما ما نفترض ف لظة معينة .والكم ف هذا المر مسألة اجتهادية ،سواء ف
تقدير الجم اللزم للقاعدة ،أو ف تقدير الظروف القائمة من حولا.
و من أ جل هذه التغيات – وغي ها كث ي – ل ي ستطيع ب شر أن يدد زمنا يقول ف يه :ن ظل نر ب إل
عام كذا ،ث نبدأ "العمل"!
على أن ينبغي أن نضع ف حسابنا أن التربية ل يكن أن تتوقف ف أية لظة فهي بذاتا هدف دائم
بالن سبة لل مة ح ت لو قام ال كم ال سلمي .فر سول ال rل يك فّ عن ترب ية أ صحابه ح ي قا مت
الدولة ،بل استمر إل آخر لظة يربيهم ،وانظر مثلً خطبته ف حجة الوداع .كذلك سار من بعده من
اللفاء الراشدين على نجه rيربون المة وبالسلطان .إنا بدأ النراف ف المة حي نقصت التربية
عن القدر الطلوب ،وحي تولت عن النهج الطلوب.
إنا كانت إجابتنا موجهة للذين يعنون بسؤالم :إل مت نظل نصص الوقت كله والهد كله لعملية
التربية الطلوبة.
m m m
وأما الذين يقولون :ما جدوى التربية ،ونن كلما ربينا جيلً من الشباب قضى عليه العداء! فقد
سبق أن أجب نا على ت ساؤلم من الوا قع الشهود .والوا قع الشهود يقول :إ نه ب عد كل مذب ة يقوم ب ا
العداء تأتى صفوف جديدة من الشباب ،ل تل الفراغ الادث فحسب ،بل تزيد القاعدة توسعا على
الدوام!
وننـ ل نعلم الغيـب .ول نعلم إن كان الشاب الذي نربيـه اليوم سـيموت غدا أم يوت بعـد عمـر
مد يد .ول نعلم كذلك هل يث بت على الطر يق أم يف ت ف دي نه .ول كن علي نا دائما أن نبذل جهد نا ف
تربيته على النهج الصحيح .فإن شاء ال أن يتد به العمر فهو قوة للدعوة وامتداد لا .أما إن كان ف قدر
ال أن يفت ف دينه فمنذا الذي يستطيع أن يرد عنه قدر ال؟ ومنذا الذي يستطيع أن يعرف لفا ما يكون
من أمره ف الغداة؟!
ف جيع الحوال إذن ينبغي أن تضى ف التربية ،ونن واثقون أنا الطريق الواصل ف النهاية ،حت
وإن كانت هي الطريق الشاق الجهد البطيء الطويل!
m m m
ول بد من كل مة تبي ل نا على ال قل ب عض أبعاد الترب ية الطلو بة .ف ما يكن نا ف كتاب يتحدث عن
"واقعنا العاصر" أن نغفل الديث عن أبعاد التربية إطلقا ،وما يكننا كذلك أن نتحدث عن كل أبعاد
التربية أو عن الناهج التربوية ،فتلك بوث متخصصة ليس مالا هذا الكتاب.
ونكتفي بثلثة أبعاد ،ننتقيها من بي أبعاد كثية ومالت عديدة ،لنا ذات أهية خاصة ،وإن كانت
كل أبعاد التربية مهمة ف القيقة ،وخاصة بالنسبة لبناء القاعدة الطلوبة.
يقول سبحانه وتعال:
{ِإنّ اللّ َه ُهوَ الرّزّاقُ ذُو اْلقُ ّو ِة الْ َمتِيُ ([ })58سورة الذاريات ]51/58
ولو أنك سألت أي إنسان ف الطريق :من الذي يرزقك؟ لقال لك على البديهة :ال!
ول كن ان ظر إل هذا الن سان إذا ض يق عل يه ف الرزق ،يقول :فلن ير يد أن يق طع رز قي! ف ما دللة
هذه الكلمة؟
دللتها أن تلك البديهية الت نطق با ل تكن "يقينا" قلبيا ،إنا كانت بديهية ذهنية فحسب .بديهية
تستقر ف وقت السلم والمن ،ولكنها تتز إذا عرضت للشدة ،لنا ليست عميقة الذور.
هل يصلح مثل هذا النسان لعباء الدعوة ومشقاتا؟!
هل ي صلح لتلك العباء إل ش خص قد ا ستقر ف قل به إل در جة اليق ي أن ال هو الرزاق ذو القوة
التي .أن ال هو الحي والميت .أن ال هو الضار والنافع .أن ال هو العطى والانع .أن ال هو الدبر.
أن ال هو الذي بيده كل شئ.
وإذا اهتز اليقي لظة واحدة فماذا يدث؟!
لقد كنا نرى ف العتقل بعض الذين يهتز ف قلوبم هذا اليقي لظة ،فتهتز خطواتم على الطريق!
يتسرب إل روعهم أن هذا الشخص أو ذاك يكن أن ينفع ،أو يكن أن يضر .فيتوجهون إليه يسبون أنه
يكن أن يرجهم ما هم فيه من الضيق .فينلقون .وينت هي دورهم ف الدعوة .إل أن يتوب ال عليهم
فيتوبوا.
ترى كم جلسة ..كم درسا ..كم موعظة ..كم توجيها ..يتاج إليها النسان ليسخ ف قلبه إل
درجة اليقي أن ال هو الذي يدبر ،وأن هذه الخلوقات البشرية الت يالطها ف حياته إن هي إل أدوات
لقدر ال ،وأنا حي تضره فهي تضره بشيء قد قدره ال له ،وحي تنفعه فإنا تنفعه بشيء قد كتبه ال
له .فل يتو جه إل إل ال ،ف سرائه و ف ضرائه سواء ،ويعلم – يقينا – أن اللق كل هم ل يلكون له –
ول يلكون لنف سهم – ضرا ول نفعا؟! فإذا د خل ف الشدة – وطر يق الدعوة ملوء بالشواك والدماء
والدموع – طلب الت ثبيت من ال ،ون ظر إل كل ما ي صيبه على أ نه قدر مكتوب له .ث ن ظر إل هذا
القدر الكتوب له على أنه كله خي ،ما دام يسي على طريق اليان ،لن أمر الؤمن كله خي ،إن أصابته
سراء شكر فكان خيا له ،وإن أصابته ضراء صب فكان خيا له .وليس ذلك إل للمؤمن.
فإذا ل يصل إل هذا اليقي القلب ،الذي يترتب عليه سلوك عملي .فهل يصلح لمل أعباء الدعوة؟!
كم يتاج الفرد الوا حد ح ت تر سخ هذه العقيدة ف قل به إل در جة اليق ي؟ و كم يتاج ال مع من
الناس؟ وكم يتاج تكوين "قاعدة" صلبة من مثل هؤلء ،يقوم عليها بناء دعوة ،ث يقوم عليها – حي
يأذن ال – بناء دولة؟!
إنه لثل هذا كان يعمل رسول ال rثلثة عشر عاما كاملة ف مكة ،وبعدها سنوات ف الدينة.
كان يعمل ،ول يكن يقول ف نفسه وهو ف مكة :إل مت نظل نرب >ون أن "نعمل"؟ فقد كان يعلم
يقينا – با علمه ربه – أن هذا هو "العمل" الساسي الذي يسبق كل عمل .هذه هي "العقيدة" .هذه
هي "ل إله إل ال" ف حقيقت ها العتقاد ية .لي ست مرد إقرار ذه ن بأن ال تعال وا حد .ف ما أي سر أن
يعت قد الذ هن ذلك – وإن كان قد صعب على العرب ف جاهليت هم – ول كن تب قى "شوائب" نف سية
وشعور ية كثية عال قة بذا العتقاد الذه ن ،ول تظ هر إل ف ال سلوك العملي ،ف حال الشدة والرخاء
سواء ،وإن كانت الشدة هي الجهر القوى الذي تبز تته كل شوائب العتقاد.
{ َومِ نْ النّا سِ مَ ْن َيقُولُ آ َمنّ ا بِاللّ هِ فَِإذَا أُوذِ يَ فِي اللّ هِ َجعَلَ ِفْتَنةَ النّا سِ َكعَذَا بِ اللّ هِ [ }...سورة
العنكبوت ]29/10
ب النّاسُ أَنْ ُيتْرَكُوا أَ ْن َيقُولُوا آمَنّا َوهُ ْم ل ُيفَْتنُونَ ( )2وََلقَدْ َفَتنّا الّذِي َن مِنْ َقبِْلهِمْ َفَلَيعْلَمَنّ اللّهُ
س َ
{أَحَ ِ
الّذِينَ صَدَقُوا وََلَيعْلَمَ ّن اْلكَا ِذبِيَ ([ })3سورة العنكبوت ]3-29/2
لثـل هذا كان رسـول ال rيلقـى أصـحابه فـ دار الرقـم :يربيهـم ويعلمهـم .يعلمهـم العقيدة
الصحيحة ،ويربيهم عليها .فليست العقيدة مفهوما ذهنيا تستوعبه الذهان ث يستقر فيها هناك! إنا على
هذا النحو ل تصنع شيئا ف عال الواقع ،ول تغي شيئا ف عال الواقع .كالفلسفة ف البراج العاجية .ل
تغ ي شيئا ف وا قع الناس! إن ا هي "عقيدة" .تر سخ وتر سخ وتر سخ ،ح ت ت صبح يقينا قلبيا تنطلق على
هداه مشاعر القلب ،ويرى بقتضاه السلوك العملي للنسان.
وبذه الصورة تعمل "العقيدة" ف عال الواقع ..تغي ..تدم وتبن ..تدم الباطل وتبن مكانه الق.
وح ي كان ر سول ال rير ب أ صحابه على العقيدة ال صحيحة ،كان ين شئ – بقدر ال – ذلك
اليقي القلب الذي ينبثق منه السلوك العملي ،وكان – بذا – ينشئ – بقدر ال – تلك النفوس العجيبة
الت صنعت ما شاء ال لا أن تصنع من عجائب التاريخ.
بالقرآن ..بتوجيهاته الدائمة .. rبقيام الليل ..بالقدوة العملية ف شخصه الكري .. rبرعايته
لم ف الحنة ..بالب الفياض من قلبه العظيم لم.
ب كل تلك الو سائل متم عة ،تأ صلت "العقيدة" ف قلوب ذلك ال يل التفرد ،فكا نت تلك "الطا قة"
الائلة الت صنعت العاجيب.
وف غربة السلم الثانية نتاج إل مثل ما احتاج إليه المر ف الغربة الول ،إن ل يكن على ذات
الستوى السامق ،فعلى أقرب مستوى إليه يطيقه البشر ف جولتهم الثانية لزالة غربة السلم.
كم من الز من يستغرق هذا ال مر؟ ل أدرى! ولك ن أعلم يقينا أنه مطلوب .وأن "القاعدة" الطلوبة
لبد أن تقوم على مثل هذا "العتقاد" ف ل إله إل ال ،الذي يل القلب باليقي ،ويتمثل – من ث – ف
سلوك عملي.
m m m
"النظام" من ضرورات الياة البشر ية .و ف هذه اليام خا صة يتردد القول بأ نه من "التحديات
الضارية" الت تواجه هذه المة.
والبيئة الت انتشر فيها السلم – بقدر من ال – تقع كلها – ما عدا النادر منها – ف النطقة الارة
والنطقة العتدلة الارة .وهذه البيئة فوضوية بطبيعتها!
إن الياة – ف معظم ها – سهلة رخية .ل أ حد يوت من الوع إل النادر .ول أ حد يوت من البد
إل النادر, .ا قل قدر من الطعام ي كن أن ي فظ الود ل نه ل يو جد البد القارس الذي ي ستهلك الطا قة
ـابه تدبيا وترتيبا
ـان أن يتزن فـ أعصـ ويتاج إل "الوقود" الغذائي التجدد .كذلك ل يتاج النسـ
للم ستقبل ،لن ال ستقبل ف ح سه م ثل الا ضر ،والا ضر تق ضى أموره ب صورة من ال صور ل يس في ها
ترت يب م سبق ول تدب ي كث ي .و من ث ل يتاج الن سان أن "ي طط" للم ستقبل ،ول أن ي د ب صره أو
تفكيه إل بعيد ،فحي يأت الغد بشكلته ،نلها بذات العفوية الت نل با مشاكلنا الاضرة! ومن ث
تت سم طباع أ هل النط قة – ال ستمدة من تأث ي البيئة – بالعفو ية الشديدة و"ق صر الن فس" ،لن الن فس
الطو يل ل يفترق ف نتائ جه العمل ية – ف ح سهم – عن الن فس الق صي الذي يوا جه الشا كل – و قت
حدوثها – وينتهي منها ف لظتها ،وينصرف إل غيها!
وخلصة القول أن أهل هذه البيئة – حي يتركون لتأثي البيئة وحده – قوم يكرهون النظام ،ويرونه
عبئا ثقيلً على أعصابم ل ينبغي أن يملوه ،ول ضرورة – ف حسهم – لمله .وقوم عفويون يكرهون
التخطيط والنظر إل بعيد ،ويرونه كذلك عبئا ثقيلً على أعصابم ل موجب له .وهم أخيا قوم قصار
الن فس يشتعلون حا سة لفترة موقو تة ،ث ت بو حا ستهم كأن ل تشت عل قط ،وتن صرف إل موضوع
جديد.
من هذه الطباع – الستمدة من تأثي البيئة – تسلمهم السلم فأنشأ منهم خلقا آخر.
أنشأ منهم بادئ ذي بدء أمة شديدة التنظيم .ل تكره النظام ول تتمرد عليهن بل تسارع إليه وتتثل
لقتضيا ته .ول يس ب نا – ه نا – أن ن ستطرد كثيا إل الو سائل ال ت غ ي ب ا ال سلم طباع هذه ال مة
الستمدة من البيئة ،والوروثة فيها قرونا إثر قرون .ولكن كلما قرأت ف كتب السية" :كان رسول ال
rيصفنا للصلة كما يصفنا للقتال" تتز نفسي تأثرا وعجبا لذا الرب العظيم rكيف كان يعد هذه
المة لهمتها .لتكون "خي أمة أخرجت للناس"وأعجب لذا الدين كيف يصنع ف النفوس ،فيغي من
الطباع ما يبدو لول وهلة دا ًء مستعصيا على الل!
كان عل يه ال صلة وال سلم ل يبدأ ال صلة ح ت يرى ال صف قد ا ستقام .وكان يقوّم ال صف بيد يه
الشريفتي ،يلصق كتف هذا بذاك ،وقدم هذا بذاك ،حت يقوّم صف الصلة كصف القتال .كأنه بنيان
مرصوص!
والسلم كله نظام ودقة ،مع ساحته الت تعطف على الضعف البشرى ول تلعنه ما دام صاحبه ل
يصر عليه ،ومع نداوته الت تتعامل مع النفوس البشرية ل على أنا آلت وأدوات ،ولكن على أنا مشاعر
وعواطف ،فيفع عنها الرج:
سهُمْ ذَكَرُوا اللّهَ فَا ْسَتغْفَرُوا لِ ُذنُوِبهِمْ َومَ ْن َي ْغفِرُ ال ّذنُوبَ إِلّ اللّهُ
شةً َأوْ ظََلمُوا َأْنفُ َ
{وَالّذِينَ إِذَا َفعَلُوا فَاحِ َ
وَلَ ْم يُ صِرّوا عَلَى مَا َفعَلُوا َوهُ ْم َيعْلَمُو نَ (ُ )135أوْلَئِ كَ جَزَا ُؤهُ ْم َم ْغفِ َرٌة مِ نْ َرّبهِ ْم وَ َجنّا تٌ َتجْرِي مِ نْ
حِتهَا ا َلنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا َونِعْمَ أَ ْج ُر اْلعَامِلِيَ ([ })136سورة آل ]136-3/135 تَ ْ
{ ُهوَ ا ْجَتبَاكُ ْم َومَا َجعَ َل عََلْيكُمْ فِي الدّينِ مِنْ حَ َرجٍ} [سورة الـج ]22/78
ج وََلكِ ْن يُرِيدُ ِليُ َطهّرَكُ ْم وَِليُتِمّ ِنعْ َمتَ ُه عََلْيكُ مْ َل َعّلكُ مْ تَشْكُرُو نَ (
جعَ َل عََلْيكُ ْم مِ نْ َحرَ ٍ
{مَا يُرِيدُ اللّ هُ ِليَ ْ
[ })6سورة الائدة ]5/6
ويتبدى التنظ يم واضحا ف العبادات خا صة .فال صلة مواق يت .وال صوم مواق يت ،وال ج مواق يت.
ل عن التنظيم الدقيق ف كل عبادة من هؤلء ،وخاصة ف الصلة والج. والزكاة مواقيت .فض ً
والقرآن يعلم الؤمني النظام والدقة ف الداب الت نسميها اليوم "الداب الجتماعية":
سَتأْنِسُوا َوتُ سَلّمُوا عَلَى
]يَا أَّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا {يَا َأّيهَا الّذِي نَ آ َمنُوا ل تَدْ ُخلُوا ُبيُوتا َغيْ َر ُبيُوِتكُ مْ َحتّى تَ ْ
َأهِْلهَا ذَِلكُمْ َخيْرٌ َلكُمْ َلعَّلكُ ْم تَذَكّرُونَ ( )27فَإِنْ لَ ْم تَجِدُوا فِيهَا أَحَدا فَل تَ ْدخُلُوهَا َحتّى ُيؤْذَنَ َلكُ ْم َوإِنْ
قِيلَ َلكُ مْ ارْ ِجعُوا فَارْ ِجعُوا ُهوَ أَزْكَى َلكُ ْم وَاللّ ُه بِمَا َتعْ َملُو َن عَلِي مٌ (َ )28ليْ سَ عََلْيكُ مْ ُجنَا حٌ أَ ْن تَدْ ُخلُوا
سكُوَنةٍ فِيهَا َمتَاعٌ َلكُ ْم وَاللّهُ يَعَْل ُم مَا ُتبْدُو َن َومَا تَ ْكتُمُونَ ([ })29سورة النــور -24/27 ُبيُوتا َغيْ َر مَ ْ
]29
{يَا َأيّهَا الّذِي نَ آمَنُوا ل تَ ْدخُلُوا بُيُو تَ الّنبِيّ إِلّ أَ ْن ُيؤْذَ نَ َلكُ مْ إِلَى طَعَا مٍ َغيْ َر نَاظِرِي نَ ِإنَا ُه وََلكِ نْ إِذَا
ح ِي ِمْنكُ مْسَت ْأنِسِيَ لِحَدِي ثٍ ِإنّ ذَِلكُ مْ كَا َن ُيؤْذِي النِّبيّ َفيَ سْتَ ْ ُدعِيتُ مْ فَادْ ُخلُوا فَِإذَا طَعِ ْمتُ مْ فَاْنتَشِرُوا وَل مُ ْ
حيِ مِ نْ الْحَقّ َوإِذَا سَأَْلتُمُوهُ ّن َمتَاعا فَا ْسأَلُوهُ ّن مِ ْن وَرَاءِ ِحجَا بٍ ذَِلكُ مْ َأ ْطهَرُ ِلقُلُوبِكُ مْ ستَ ْ
وَاللّ ُه ل يَ ْ
وَقُلُوِبهِنّ[ }...سورة الحزاب ]33/53
والتربية السلمية الت رباها الرسول rلصحابه جعلت منهم أمة منظمة تنظيما دقيقا على أساس
"إنسان" ل على أساس آل .وتلك مزية السلم .فهو ينظم الياة – ف جيع جوانبها – مع الحافظة
على "إن سانية الن سان" أل يتحول إل آلة ،فيف قد الع مل دلل ته النف سية ال ت يؤدى من أجل ها ،بل ي ظل
الن سان – مع مافظ ته على النظام – واعيا لهداف وجوده ،مريدا لتحقيق ها ف كل مرة ،ل مدفوعا
دفعا آليا إليها.
ومع النظام ل تعد العفوية هي صورة العمل ف المة السلمية ،لنه لكل عمل ضوابطه الشرعية،
وللشريعة ف كل عمل "مقاصد" ينبغي تقيقها .ومن ث يراجع النسان كل عمل يعمله ليى هل هو ف
دائرة اللل الباح أم خرج عنها ،ويراجع النتائج الت يكن أن تترتب على عمله ،ليى هل هي متمشية
مع مقاصد الشريعة أم مالفة لا.
و مع النظام والنضباط والن ظر ف النتائج ربا هم ال سلم على الن فس الطو يل والرؤ ية البعيدة .فهناك
هدف بعيد لكل فرد ،وهناك أهداف متدة لجموع المة.
فأما الفرد فقد رباه السلم على أن يعمل ل ناظرا لدنياه وحدها ،ول لغده القريب وحده .بل وضع
له هدفا يتجاوز العال الشهود كله ،والياة الدنيـا كلهـا .ليصـل بـه إل عال الغيـب وإل اليوم الخـر.
فيع مل ف دنياه الاضرة و ف لظ ته الاضرة و هو نا ظر إل عال بع يد بع يد يتجاوز كل مدى ال س،
ولكنه حاضر ف قلبه كأنه يراه أمامه ،وكأنه متحقق ف هذه اللحظة.و ويعمل وف حسه ذلك الدف
البع يد الذي ي سعى كل ل ظة إل تقي قه ،و هو ال نة ورضوان ال .هدف ل ي كن أن يو جد ف حس
البشرية كلها هدف أبعد منه .ومع ذلك فهو متعلق به دائما ،يشعر ف كل لظة أن كيانه كله مرتبط
به ،وأن كل خطوة يطوها هي خطوة على الطريق إل ذلك الدف البعيد.
وأما المة فقد رباها السلم على أن مهمتها ل تنحصر ف تقيق كيانا الذات الحدود ،ول ف أن
تعيش لظتها الراهنة ،وإنا لا هدف متد ف الياة الدنيا ،ومتد من الياة الدن يا إل الخرة .ذلك هو
دعوة البشرية كلها إل النور الربان ،والهاد لتكون كلمة ال هي العليا ف كل الرض ،لتكون شاهدة
على البشرة كلها ف اليوم الخر:
س َويَكُو نَ الرّ سُو ُل عََلْيكُ ْم َشهِيدا} [سورة
{وَكَذَلِ كَ َجعَ ْلنَاكُ مْ ُأ ّم ًة وَ سَطا ِلَتكُونُوا ُشهَدَا َء عَلَى النّا ِ
البقرة ]2/143
{وَقَاتِلُوهُمْ َحتّى ل َتكُونَ ِفْتَنةٌ َوَيكُونَ الدّينُ كُلّهُ لِلّهِ} [سورة النفال ]8/39
ك هُ ْم الْ ُمفِْلحُونَ
ف َوَيْن َهوْنَ عَ ْن الْ ُمنْكَ ِر َوُأوَْلئِ َ
خيْ ِر َوَي ْأمُرُونَ بِالْ َمعْرُو ِ
{وَْلتَكُ ْن ِمنْكُمْ ُأ ّمةٌ يَ ْدعُونَ إِلَى الْ َ
([ })104سورة آل ]3/104
ول قد ظلت المـة تل حق هذا الدف ما يقرب من عشرة قرون متوال ية ،ل تف تر حا ستها له ،ول
تتقاعس عن الهاد من أجله ،جيلً بعد جيل ،وهذا "أطول نفس" عاشته أمة ف التاريخ.
ولكن خط النراف الطويل الذي مررنا بطوطه العريضة من قبل ( ،)1وبينا آثاره ف حياة المة (،)2
ظل يدث ان سارا م ستمرا ف حقائق ال سلم ،و ف فاعليت ها ف نفوس الناس .فارتدت ال مة رويدا
رويدا إل تأثي البيئة .ذلك أنه ف غيبة العقيدة الية التمكنة من النفوس تصبح البيئة هي صاحبة التأثي.
ومن ث رجعت المة إل طبيعتها الفوضوية الت تكره النضباط ،العفوية الت تكره التخطيط ،القصية
انفس الت تكره الرؤية البعيدة ول تطيق التابعة للمد الطويل.
وإذ كانت هذه هي حالة المة – كما هو واضح لكل من يدرس أحوالا – فمن يصلحها؟!
هل تصلحها الحزاب السياسية الوالية للغرب ،وهي ل تضع ذلك ف برامها ،ول تقدر عليه حت
إن ق صدت إل يه .وهذه هي تر بة قرن كا مل من الزمان ،كا نت ال مة منجر فة ف يه إل تقل يد الغرب
والذوبان ف يه ،ف ما ا ستطاعت الحزاب الوال ية للغرب ،والداع ية إل التغر يب ،أن ت صلح شيئا ف هذا
الجال ،وظلت المـة – إن ل تكـن قـد زادت – فـ فوضويتهـا الكارهـة للنظام ،وعفويتـه الكارهـة
للنضباط ،وق صر نف سها الذي يشت عل حا سة للحظات ،ث تنط فئ الما سة وت مد العزائم وتن صرف
الهود!
هل تصلحها الحزاب الشيوعية ،وهي ل تضع ذلك ف برامها،ول تقدر عليه حت إن قصدت إليه.
وهذه هي تربة ما يزيد على ربع قرن ف البلدان الت ابتليت با من العال السلمي ،ل تغي شيئا من
حال الناس ،إن ل تكن قد زادتم انرافا ف كل جوانب الياة!
إنـه ل يقدر على إصـلح آثار هذه البيئة إل العقيدة .ول يقدر على إصـلحها إل أصـحاب العقيدة
الصـحيحة ،والواعون لقيقتهـا ،الذيـن تربوا تربيـة إسـلمية صـحيحة ،كتلك التـ رباهـا الرسـول r
ل صحابه ،فت ستطيع هذه الترب ية – ك ما ا ستطاعت أول مرة – أن تن شئ النفوس نشأة جديدة ،منظ مة
منضب طة طويلة الن فس ،تز يل آثار النراف ،وتع يد ال مة إل ما كا نت عل يه و قت ا ستقامتها على هذا
الدين ،ول بدف مواجهة "التحديات الضارية" الت يذكرها بعض الناس وهم يتكلون عن "الصلح"
الطلوب ،بل يهدف إعادة المة إل "خييتها" الت أخرجها ال من أجلها:
ف َوتَْن َهوْ َن عَ ْن الْمُنكَ ِر َوتُ ْؤ ِمنُو َن بِاللّ هِ} [سورة آل
{ ُكْنتُ مْ َخيْرَ ُأ ّمةٍ أُخْ ِرجَ تْ لِلنّا سِ َت ْأمُرُو نَ بِالْ َم ْعرُو ِ
]3/110
و هو هدف يتجاوز كل "التحديات الضار ية" إل ما هو أعلى وأن فس .خ ي الدن يا والخرة على
() انظر فصل "خط النراف". 1
() انظر فصل "خط النراف". 2
السواء.
ترى كم جلسة ..كم درسا ..كم موعظة ..كم توجيها ..يتاج إليها النسان الفرد ،وتتاج إليها
الما عة ،وتتاج إلي ها "القاعدة" ليتم ثل في ها أولً هذا "الع ن" ث لتكون قادرة على إعطاء ال ثل لغي ها،
فتسـتطيع بالتال تربيـة المـة كلهـا – أو مـن يسـتجيب منهـا – على هذه الصـفات وهذه الخلقيات
الضرورية لا ،لتتجاوز أزمتها الاضرة وتأخذ ف الصعود؟!
m m m
تلك ثلثـة أبعاد للتربيـة مـن بيـ أبعاد كثية فـ مالت متلفـة ،ليسـت مثلً خياليـة ،ول هـي
"تديات"! إنا هي شروط ضرورية لقيام القاعدة الطلوبة ،الت تستطيع أن تتحمل العبء اللقى عليها ف
مواجهة الاهلية التربصة بالكيد.
وح ي نتكلم عن الترب ية ،و عن الطر يق الطو يل الذي ل بد أن ن سلكه ،نق صد هذه البعاد الضرور ية
الت ذكرنا ناذج منها لجرد التوضيح .ومن هذه النماذج – ومن غيها الذي ل نذكره – يتضح جليا
أن أمامنا شوطا طويلً ف مال التربية ل غن لنا عن الضي فيه ،قبل أن يق لنا أن نتساءل :وما ذا بعد؟!
إن ب عض مالت الترب ية قد قطع نا ف يه شوطا ول ن صل .وإن بعض ها ال خر ل نبدأ ف يه ب عد! و كل
تع جل ف ميدان الترب ية بالذات ل يأ ت ب ي .ل نه يكون بثا بة إقا مة بنيان على غ ي أ ساس .أو على غ ي
أساس مكي ،فكلما ارتفع كان عرضة للنيار.
والذين يستطيلون الطريق ،ويسبون أن هناك طرقا أقصر وأخصر ،ينبغي أن يأخذوا عبة التجربة،
سواء كا نت التجر بة هي مذب ة حاة ،أم كا نت هي التجر بة "ال سياسية" ف ترك يا .فإذا ك نا ل نع تب
بالحداث ،فذلك ف ذاته دليل على نقس ف تربيتنا يتاج إل علج!
والن ،وقد بسطنا الديث ف القضيتي الرئيسيتي اللتي يدور حولما اللف بي العاملي ف القل
السلمي ،فقد آن لنا أن نعب عبورا سريعا بعض القضايا الخرى الت تدور ف الساحة ،قبل أن نتم
حديثنا عن "الصحوة السلمية".
m m m
السمع والطاعة
نتكلم عن هذه القض ية من ح يث إن ا أحد ثت انشقاقات ف الماعات القائ مة بالع مل ف ال ساحة
السلمية ،لنشوب خلفات ف وجهات الن ظر ل يتسع لا صدر تلك الماعات ،خيت أعضاءها بي
السمع والطاعة أو النفصال عن الماعة ،أو هددتم بالفصل إن هم ل يسمعوا ويطيعوا ،فرضخ بعضهم
للتهد يد ،وك تم ما ف نف سه من اختلف ف وجهة الن ظر ،وآثر بعض هم أن ينف صلوا ،ليكونوا جاعات
جديدة ،أو ليتركوا العمل السلمي كله ،وتأكلهم دوامة الضياع!
وقضية السمع والطاعة ف القيقة من ألصق القضايا بالتربية ،وكانت جديرة أن نتحدث عنها كبعد
من أبعاد الترب ية الطلو بة للقاعدة ال سلمية .لول أن نا آثر نا أن نتحدث هناك عن ب عض النماذج البارزة
لكي ل يطول بنا الديث.
إن السؤال الذي ينبغي أن يُسأل ف هذا الجال ف القيقة هو :أي دولة الت نفكر ف إنشائها – حي
تتاح لا الظروف الوائمة – أهي دولة الشورى السلمية الت أقامها رسول ال rوالشيخان من بعده،
أم هي دولة استبدادية عسكرية النعة ،تأمر وتتلقى من رعاياها الطاعة ،ول تتيح لم أن يناقشوها فيما
تفعل وفيما تقول؟!
معظم الماعات يعتقد "السئولون" فيها أنم هم وحدهم الذين يق لم أن يتناقشوا فيما بينهم ،فإذا
وصلوا إل قرار فهو ملزم لميع العضاء ف الماعة ،وأن الخرين كلهم – أي غي أولئك "السئولي"
– واجبهم السمع والطاعة بغي اعتراض .وتلجأ تلك الماعات كما قلنا إل تديد الخالفي بالفصل من
الماعة إن ل يسمعوا ويطيعوا.
وي ب أن نقرر حقي قة ل معدي عن تقرير ها ،هي أ نه ل ي كن أن تقوم جا عة بالف عل إن ل ي كن
لقائد ها حق ال سمع والطا عة على العضاء .وي ب أن نقرر حقي قة تاري ية :أن الذي هزم عل يا كرم ال
وجهه هو جيشه الذي ل يكن يتفق على رأي ،ول يرضخ لتعليمات قائده حت يتناقش ويتباحث ،وقد
يصل إل قرار ث ينقضه بعد أن يكون القائد قد أخذ ف رسم خطته على أساسه.
هذا القـ .ولكـن القـ مـن جانـب آخـر أن اسـتئثار بضعـة أفراد فـ الماعـة بالسـلطة بوصـفهم
"ال سئولي" وإلزام الباق ي بال سمع والطا عة بغ ي اعتراض ،فضلً عن الخال فة الشرع ية ال ت يمل ها –
وسنبينها عاجلً – فإنه هو الذي جعل معظم هذه الماعات ترب "جنودا" ول ترب "قادة" فتعجز عن
أياد "صف ثان" يمل السئولية بعد القائد الول.
إن الطلوب ف الترب ية – ك ما أ سلفنا – هو ترب ية جا عة تكون جنودا ملتزم ي للقائد ،وتكون ف
الو قت نف سه "قيادات" ت مل ال سئولية ب عد ذهاب القائد ،و كل قائد ل بد أن يذهب ف يوم من اليام؛
وذلك هـو النهـج النبوي ،الذي أخرج أعظـم جنـد عرفتهـم البشريـة ،وأعظـم قيادات عرفتهـا البشريـة
كذلك ،وكان منهجه rأن يرب ف أتباعه كل الانبي اللذين تشتمل عليهما النفس البشرية :الانب
الفردي والانـب الجتماعـي على سـواء .فأمـا الضغـط على الانـب الفردي مـن أجـل تنميـة الانـب
الجتما عي فإ نه ين شئ جنودا طائع ي ،ن عم ،ينفذون أ مر قائد هم ف ا ستسلم له ،ولك نه ل ير ب أفرادا
صالي لمل السئولية .والدعوة – ق بل الدولة – ذات مسئوليات ضخمة تتبي ع ند كل منعطف ف
الطر يق .فإذا كان الفراد ل ي سنون إل الطا عة والتنف يذ ،ف ما أي سر أن تنحرف الما عة كل ها بانراف
"السئول"!
أما الخالفة الشرعية الت أشرنا إليها فهي أن السمع والطاعة ينبغي أن تنضبط بضابطها الشرعي" :إنا
الطاعة ف العروف" (.)1
فهي ليست طاعة مطلقة "للمسئولي" .وليست طاعة بغي نقاش وحوار ومشاورة.
ونضرب أمثلة من وا قع الع مل ال سلمي تبي خطورة ال مر ،و تبي مدى الن قص ف الترب ية ف هذا
الانب الطي.
فح ي تقول جا عة من الماعات إن فكر ها قائم على أ نه " من قال ل إله إل ال ف هو مؤ من ولو ل
يع مل عملً واحدا من أعمال ال سلم" – و هو قول غلة الرجئة ،الذي ي مل مال فة صرية للكتاب
والسنة – ث تلزم أعضاءها بالسمع والطاعة لذا القول ،أو تددهم بالفصل إن عارضوا.
وح ي تقول جا عة من الماعات إن ال سنة لي ست ملز مة ،وإن ل نا أن "نت هد" ف ال سنة ،فنرى أن
الد يث الذي ح كم له القدمون بال صحة هو حد يث ضع يف ،وأن الد يث الذي ح كم له القدمون
بالضعف هو حديث صحيح ،وأن نرفض من الحاديث ما نراه غي ملئم لحوالنا ولو كان الحدثون
قالوا إنه صحيح وثابت .ث تلزم أعضاءها بالسمع والطاعة لذا القول ،أو تددهم بالفصل إن عارضوا.
وحي تقوم جاعة من الماعات بالتحالف مع الشيطان ،متمثلً ف أحزاب تنكر شريعة ال ،وترفض
اعتبارها ملزمة للناس ف العصر الاضر ،ول تعتب الدين – أي السلم – مقوما من مقومات فكرها،
وت ضع بد ًل م نه الف كر القو مي العر ب الشترا كي ،ث تلزم أعضاء ها بال سمع والطا عة لذا الع مل ،أو
تددهم بالفصل إن عارضوا.
حيـ يدث ذلك – وأمثاله – فينبغـي أن نراجـع جيدا مبدأ السـمع والطاعـة مـن ناحيتيـه الشرعيـة
والتربوية ،فمن الناحية الشرعية ينبغي أن تنضبط الطاعة بضابطها الشرعي" :إنا الطاعة ف العروف".
وينب غي أن يكون ف د ستور هذه الماعات – و ف نظام تربيت ها كذلك – ما يو قف "ال سئولي" ع ند
حدهم حي يقعون ف تلك الخالفات الشرعية .ومن الناحية التربوية – وهي لصيقة بالناحية الشرعية –
ينبغي أن يُفقه العضاء ف دين ال ليعلموا مت يطيعون ومت يتوقفون عن الطاعة ،ومت يقفون الوقف
القيادة الطلوبة
ذكرنا فيما سبق أن من أسباب تزق العمل السلمي وتفرقه عدم وجود قيادة كبية ترتاح النفوس
إلي ها وتتبع ها طائ عة ،بدا فع العجاب وال ب والتقد ير والتوق ي .و ف غاب القيادة ال كبية تقوم قيادات
صغية متنابذة ،يعتز كل منها برأيه وموقفه ،فل يدث الوفاق ول يدث اللقاء.
وقل نا إن نا ل نلك و سيلة نبز ب ا تلك القيادة ال كبية الطلو بة ،إن ا ن كل هذا ال مر إل ال سبحانه
وتعال ،على أن نلتزم نن بالخلص والتجرد ل ،فنستحق عند ال أن يهيئ لنا ما نصبو إليه .كما قلنا
من جانب آخر إنه من خلل الختيارات والبتلءات تبز القيادات وتتميز ،تقيقا لقوله تعال:
ب َومَا كَا نَ اللّ هُ ِليُ ْطِلعَكُ مْ
خبِي ثَ مِ نْ ال ّطيّ ِ
{مَا كَا نَ اللّ هُ ِليَذَ َر الْ ُم ْؤ ِمنِيَ عَلَى مَا َأْنتُ ْم عََليْ هِ َحتّى يَمِي َز الْ َ
عَلَى اْلغَْيبِ} [سورة آل ]3/179
ولسنا هنا نضيف جديدا ف هذا الشأن ،إنا نقول فقط كلمة سريعة عن نوع القيادة الطلوبة للعمل
السلمي ف الوقت الاضر .ذلك أن الظروف الراهنة ف العمل دقيقة للغاية بسبب اللبسات الداخلية
والارجية معا .ففي الداخل توجد حالة الهالة الت وصفناها من قبل ،والت هي السبب الول ف غربة
السلم الثانية الت أشار إليها رسول ال ، rوف الارج توجد العداوات الصليبية والصهيونية التربصة
الكائدة ،الت ل تترك فرصة لناوأة العمل السلمي وماولة إجهاضه إل انتهزتا إل آخر الدى ،والقوة
ف أيديها لتنفيذ ما ترتب من مططات ضد السلم.
وف هذه الحوال الدقيقة توجد "معادلة صعبة" ف مال العمل السلمي.
فح ي يأ خذ الشباب شح نة ال سلم القي قة ،أي حقائق ال سلم ك ما جاءت ف كتاب ال و سنة
رسوله ،rوكما تققت ف التطبيق الصحيح لا ف حياة السلف الصال ،وحي يرى الشباب مدى بعد
الواقع الوجود اليوم عن هذه القائق .تلؤه الماسة ،ويدفعه إخلصه للحق الذي عرفه إل عدم الصب
على هذا الواقع ،والرغبة ف إزالته بالقوة .وهنا يقع الحظور الول ،وهو إتاحة الفرصة لعداء السلم
لتصفية الركات السلمية بتهمة أنا إرهابية.
وحيـ يقال للشباب :كفوا أيديكـم ..ل تعملوا على الصـدام مـع السـلطة لن ذلك عمـل ل طائل
وراءه ..ان صرفوا للترب ية ..ت مد حا ستهم ،وين صرف كث ي من هم ..ويأوي إل عزلة بئي سة ..ث تأكله
الدوامة ويضيع!
والقيادة الطلوبة للعمل السلمي ف ظروفه الدقيقة الراهنة ،هي القيادة الت تستطيع أن تعطى الشحنة
التربو ية كاملة ،و ف الو قت ذاته تقول للناس :كفوا أيدي كم ،فيطيعون ..يطيعون دون أن ت بو حاستهم
للعمل السلمي ،ودون أن يتفلتوا ،ودون أن يأكلهم اليأس أو يأكلهم الضياع!
إنا مهمة صعبة ،ومعادلة صعبة .ولكنها ذات الال الت ألت بالسلمي ف الغربة الول ف مكة.
وهم يتلقون الشحنة التربوية الكاملة من رسول ال ،rويتلقون معها اليذاء البشع من قريش ،ث يقول
لم رسول ال - rبأمر الوحي – كفوا أيديكم ،فيكفون أيديهم طاعة واحتسابا ،وتظل الشحنة حية
ف نفو سهم ل ت بو ول تنط فئ ،ول ين صرفون عن قيادت م ،بل يزدادون تعل قا ب ا ،ويتطلعون إل رح ة
ال.
ولن تكون هناك بطبيعـة الال قيادة على مسـتوى القيادة النبويـة التفردة فـ التاريـخ البشرى كله،
ولكن "النهج النبوي" قد جعل للسوة ،وجُعل للتطبيق العملي على مستوى البشر ،كما يفهم من قول
تعال:
سَنةٌ لِمَ نْ كَا َن يَرْجُو اللّ َه وَاْلَيوْ مَ ال ِخ َر وَذَكَرَ اللّ هَ َكثِيا (
{َلقَدْ كَا نَ َلكُ مْ فِي رَ سُولِ اللّ هِ أُ ْس َوةٌ حَ َ
[ })21سورة الحزاب ]33/21
ولكـن القائد – الذي يأخـذ السـوة مـن رسـول ال ،rويطبـق "النهـج النبوي" على صـورته
الصحيحة -لبد أن يكون إنسانا فائقا ،متصفا بالصفات اللزمة للقيادة ،مع تكن خاص ف الصفات
اللزمة للظروف الراهنة الدقيقة ،ليزيل ال على يديه الغربة الثانية للسلم ،كما أزال الغربة الول على
يد رسول ال .rوتلك مهمة الغرباء على أي حال كما حددها رسول ال.r
"فطوب للغرباء ،يصلحون ما أفسد الناس من سنت" (.)1
وحيـ توجـد هذه القيادة بالواصـفات الطلوبـة ،وعلى السـتوى الكافـئ لظروف الدقيقـة الراهنـة،
سيلتئم كثي من الشتات التناثر على الساحة ،بعد أن يعرف النهج الصحيح.
وحي ل تصب الاهلية على القائد فتقتله ،كما قتلت أئمة الدعوة من قبل ،فسيحدث من مقتله مولد
جديد للدعوة ،ول تبو الشعلة أبدا ،ما دامت تعرف النهج الصحيح.
mmm
() صار "العلم" اليوم هو الذي يقول إن "قواني الطبيعة" ليست "حتمية"! وإنا هي مررد "احتمالت" بعضها أقوي من بعض!. 1
هذه العلوم ضرورة للحياء ،وإن ل نتعلمهـا – بأي حجـة مـن الجـج – نكون ناقصـي فـ وجودنـا،
ونكون ف الوقت ذاته مقصرين ف أداء ما خلقنا ال من أجله من اللفة ف الرض ،الت تعن اليمنة
على الرض ،والنشاء والتعمي فيها ،والت من أجلها علّم ال آدم الساء كلها ،وجعل لبن آدم السمع
والبصار والفئدة:
{وَاللّ هُ أَ ْخرَ َجكُ ْم مِ ْن بُطُو نِ ُأ ّمهَاتِكُ ْم ل َتعْلَمُو َن َشيْئا وَ َجعَلَ َلكُ مْ ال سّمْ َع وَا َلبْ صَا َر وَالَفْئِ َدةَ َلعَّلكُ مْ
شكُرُونَ ([ })78سورة النحل ]16/78 تَ ْ
والانب الثالث :أن مهمة هذه المة هي هداية البشرية إل النهج الق:
س َويَكُو نَ الرّ سُو ُل عََلْيكُ ْم َشهِيدا} [سورة
{وَكَذَلِ كَ َجعَ ْلنَاكُ مْ ُأ ّم ًة وَ سَطا ِلَتكُونُوا ُشهَدَا َء عَلَى النّا ِ
البقرة ]2/143
والركـة السـلمية القائمـة فـ الرض اليوم ذات رسـالة للبشريـة الضالة ،تديهـا فيهـا إل النهـج
الق )1(...فهل تستطيع أن تديها وهي جاهلة ف جانب من الوانب الامة ف الياة عامة ،وف الياة
الاضرة بصـفة خاصـة؟ أم إن الفروض أن تطلع على معارف الاهليـة العاصـرة ثـ تديهـا لتصـحيح
منهجها ،ومن منطلق العلم ل من منطلق الهل .فالهل ل يهدى إل شئ قط!
وأنا أتدث عن خبت الشخصية:
لقد كانت دراست لفرويد وأنا طالب بالعهد العال للمعلمي ،هي الفتاح الذي وجهن إل معرفة
نقاط اللل ف الياة الوروب ية العا صرة ،وانرافات الف كر الغر ب ،وزادت ن معر فة بالن هج ال سلمي
الصحيح ف مال التربية وعلم النفس وغيها من الجالت.
أقول ،كما وجهنا ال أن نقول:
{الْحَ ْمدُ لِلّ ِه الّذِي هَدَانَا ِل َهذَا َومَا ُكنّا ِلَنهْتَدِيَ َلوْل َأنْ هَدَانَا اللّهُ} [سورة العراف ]7/43
وأقول من جانب آخر :لو أنن أغلقت قلب وفكري عن الطلع على "علم" الغرب ،فمن أين ل –
كان – أن أعرف جوانب اللل فيه ،وأن أحاول البحث عن النهج الصحيح ف التفكي؟!
كل! ما يستفيد من هذه النعة إل أعداء هذا الدين!
m m m
() راجع إن شئت فصل "الديقراطية" ف كتاب "مذاهب فكرية معاصرة". 1
العقيدة ..هو باب ل إله إل ال ممد رسول ال .وإن من ل يدخل من باب العقيدة فسيظل "يتفرج" من
بعيد!
أما الذي ينبغي أن نبينه للناس حقا فهو القيم الثابتة ف هذا الدين .سواء ف العقيدة ،أو ف السياسة،
أو ف القتصاد ،أو ف التربية ،أو ف بناء الجتمع.
ففضلً عن كون ا من "البيان" الوا جب تقدي ه ل كل ج يل من أجيال ال سلمي بالل غة ال ت يفهمون ا،
ومن خلل التجارب أو الشاكل الت يوضونا ،فهي أوجب بالنسبة لذا اليل الذي يعيش ف دوامة قد
ل يكون ل ا مث يل ف التار يخ .تش تت فكره وت ي وجدا نه .والعلم بذه المور يز يد الؤ من ر سوخا ف
اليان ،كل ما عرف حقي قة من حقائق دي نه .و قد تل فت التحي ين ،الباحث ي عن ال ق بإخلص ،فترد
بعضهم من التيه ،وتديهم إل سواء السبيل!
ولقائل أن يقول :ما الفرق ب ي أن ندث الناس عن "ال صول الثاب تة" ف ال سياسة والقت صاد ..ال،
وبي أن ندثهم عن التفاصيل ،أليس الديث عن التفاصيل أول أن يرد الشاردين حي يقتنعون بدوى
"الول العلمية السلمية"؟.
والمر ف حقيقته غي ذلك!
فالبا حث عن "اللول العمل ية" هو ف الغالب ش خص "واق عي" بالع ن ال سيئ للواقع ية! فإن ل ي د
"البضاعة الاضرة" – أو الواقع الطبق بالفعل – فسينصرف إل مل آخر .أما الباحث عن "الصول"
والباحث عن "القيم" فهو إنسان أصيل ،يبحث عن "الق" ،وحي يده فقد ينعطف إليه ،ث يؤمن به ،ث
ياهد لتحقيقه.
والحذور الرا بع أن ي ستدرجنا أعداؤ نا لتابعت هم في ما يثيون من قضا يا ل يق صدون ب ا ف القي قة
التعرف على "الق" ،وإنا يقصدون با تيئيس السلمي من هدفهم الذي يسعون إل تقيقه.
خذ مثلً "النظرية السياسية".
يقولون لك :ليس للسلم نظرية سياسية .أو يقولون :ليس عند السلمي القائمي بالدعوة أي تصور
واضح لنظرية سياسية ،فكيف يقيمون دولة؟!
ويتبن بعض الخلصي هذه القضية ليثبتوا أن للسلم نظرية سياسية .ويتهدون ف بيانا من أصولا
الثابتة ف الكتاب والسنة وف التطبيق الصحيح لا ف عهد النبوة واللفة الراشدة .ويكون ف ذلك خي
إن شاء ال .ولكن! هل يسكت الذين أثاروا القضية أول مرة إذا رأوا أن هذا "التحدي" قد أجيب عليه
إجابة "علمية" "موضوعية" مؤصلة؟!
كل! فما كان هدفهم منذ البدء الوصول إل الق!
سيقولون (و قد قالوا بالف عل) :وماذا تفعلون بالقليات غ ي ال سلمة ف بلد كم؟!( )1وماذا تفعلون
بروسـيا وأمريكـا؟ وماذا تفعلون بالجتمـع الدول النافـر مـن فكرة الدولة القائمـة على عقيدة دينيـة؟!
وماذا ..وماذا ..وماذا.
فإذا سألتهم :ماذا إذن؟! ف ستجد ف النها ية أن م يريدون لك التبع ية لذه الدولة أو تلك – ح سب
"هويتهم" السياسية إن كانوا من عبيد روسيا أو عبيد أمريكا – وإل هذا الدف يدفعونك من وراء
"النقاش العلمى" و"البحث الوضوعى"!
فإذا ن سينا خط نا ال صلي ،و هو "البيان" لقائق ال سلم ،وتتبع نا القضا يا ال ت يثيون ا با ستمرار ول
يكفون عن إثارت ا ،فالحذور هو أن يتش تت جهد نا بغ ي طائل ،ونف قد الدف ال صلي الذي من أجله
بدأنا التفكي والبحث والكتابة إل الناس .وهذا هو الذي يقصده أعداؤنا ،ويصرون عليه ،ويضحكون
منا كلما استثارونا للعدو ف متاهات الطريق!
إن وجود أقليات غ ي م سلمة ،ووجود رو سيا وأمري كا ،ووجود الجت مع الدول ،ووجود غ ي تلك
الشكلت .كل ذلك ل يكن أن يلغى التكليف الربان بإقامة حكم ال ف الرض ،والذين يعتقدون أن
هذا التكليف قدس قط عن "السلمي" بسبب هذه الشكلت ،هم قوم ينفون عن ال صفة العلم وصفة
الك مة .ك ما ينفون ع نه صفة القدرة والقوة .كأن م يفترضون أن اله – سبحانه وتعال عن ذلك علوا
كبيا – ل يكن عالا بأن ظروفا ستجد ف الرض تنع إقامة الكم السلمي! ويفترضون فيه سبحانه
أنه يفرض على السلمي فرضا غي قابل للتحقيق ما يتناف مع الكمة! كما يفترضون فيه سبحانه أنه
عاجزا عن إعانة الؤمني وتأييدهم بنصره لن روسيا وأمريكا أكب من قوته سبحانه!!
لقد كلفنا ال أن نؤمن به وناهد ف سبيله .وتكفل سبحانه با وراء ذلك .وحي يصدق الؤمنون ف
الهاد يدث ما يشبه العجزات ،كما حدث أخيا ف جهاد الشيشان ضد أكب هجية وحشية ف تاريخ
الروب!
والدخول ف جدول مستمر مع الجادلي لن يقنعهم – فهم ما ابتغوا البحث عن الق – ولن يطفئ
أحقادهم ،فهم أولً وآخرا يكرهون السلم ،وهم بعد ذلك قد استعبدوا لذه الكتلة أو تلك.
{فَ َذ ْرهُمْ َومَا َي ْفتَرُونَ ([ })112سورة النعام ]6/112
() من أعجب القضايا الت تثار ضد الكم السلمي ف قضية القليات غي السلمة!! إن هناك أقليات إسلمية كثية ف الرض ل تفكر -ول يسمع لا -أن تنع أكثر السكان من 1
مارسة دينهم! فكيف يكون من حق القليات غي السلمة أن ينعوا الكيييية السلمة من مارسة دينها ,والكم با أنزل ال هو جزء ل يتجزأ من هذا الدين؟! بأي عرف سياسي أو
تاريي أو منطقي يقال ذلك؟!.
والحذور الخي أن تستدرجنا قضية "البحث العلمي" فتنسينا جهد الترب ية الطلوب لقامة القاعدة
ال سلمية – و قد أشر نا إل هذا من ق بل – ث ن ظن ،طال ا ن ن مشغولون بالتفك ي ،أن نا نؤدي كل
الواجب الطلوب منا.
إنه ل بأس أن يتفرغ لذلك المر فريق من "الباحثي" ،الهيئي بطبيعتهم للبحث العقلي أكثر ما هم
مهيأون للحركة ،أو التصال بالنسا ،أو القيام بعملية التربية .أما أن تنصرف إل ذلك جاعة بأكملها،
وت ظن أن ا بذلك تؤدى الع مل الوا جب لل سلم الن .فهذا هو الحذور .ل نه يق تل الر كة ف النها ية،
ويضيق القاعدة بقدار ما يضيف من البحوث!
m m m
التطرف
بطبيعت ل أحب التطرف! ل ف أمر بعينه ،ولكن ف جيع المور!
ولكن هناك أكثر من كلمة ينبغي أن تقال ف هذا الشأن!
الكل مة الول أ نه قد ي قع بالف عل تطرف من ب عض الشباب ،أو ب عض الماعات القائ مة بالع مل ف
الساحة السلمية .ولكن حجمه أقل بكثي جدا ما هول الهولون الذين يرمون الساحة كلها بالتطرف
لمر يراد!
إن الذ ين يهولون ف ت صوير التطرف ،للتنف ي أو التحر يض أو الثارة ،ي صمون بالتطرف كل شاب
أطلق ليته ،أو كل فتاة تجبت ،أو كل مطالب طالب بتحكيم شريعة ال.
و قد يكون من ب ي كل ألف شاب أطلق لي ته ،أو ب ي كل ألف فتاة تج بت ،أو ب ي كل ألف
مطالب بتحك يم شري عة ال وا حد متطرف أو واحدة متطر فة .ول كن و صم اللف كل هم بالتطرف أ مر
مق صود لياد حائل من النفور ب ي الركات ال سلمية كل ها وب ي "الماه ي" ،ل عل ذلك يو قف ال د
السلمي التدفق ،ويعوق الركة السلمية عن السي! وكذلك لضرب الركات السلمية كلها بتهمة
التطرف ،إذا ع جز الطغاة عن تدب ي ت مة أخرى تبر ف ن ظر الناس ضرب ال سلمي الداع ي إل تك يم
شريعة ال.
فلينظر كل كاتب إسلمي يكتب ضد التطرف إل أين تنتهي كلماته ،وكيف تستغل لحاربة الركة
السلمية كلها ،حت أشد "التساهلي" فيها!
يقول ال ف كتابه الكيم:
سبّوا اللّ َه عَدْوا ِب َغيْ ِر عِلْمٍ} [سورة النعام ]6/108
سبّوا الّذِينَ يَ ْدعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ َفيَ ُ
{وَل تَ ُ
فنهي سبحانه عن سب اللة الت تعبد من دون ال ،مع أنا كلها باطل ل ذرة فيها من الق ،إذا
كان سبها يؤدى إل ا ستعداء أعداء ال على مقد سات ال سلم .فك يف نع ي بأقلم نا أ هل البا طل –
لجرد أننا نكره التطرف ،أو لنننفي عن أنفسنا تمة التطرف – فنعطيهم سلحا يستخدمونه ضدنا كلنا
()1
ف النهاية ،كما تقول الكمة القدية :أكلت يوم أكل الثور البيض!
والكلمة الثانية أن الذين ياربون ما يسمونه تطرفا بجة أنه تطرف! وأنه ينبغي الرجوع إل القصد
والعتدال! ل ياربونه ف القيقة لذا السبب! ول يقصدون رده إل العتدال القيقي بيزان ال الق!
إنا ياربونه لنه يشجع الشباب على الصرار ف مطالبة الكام بتحكيم شريعة ال ،وعدم قبول أي حل
إل تك يم شري عة ال! وهذا هو الذي ل يريدو نه ول يقبلو نه! فالحارب ف القي قة هو ال سلم ذا ته
ول يس هو التطرف! والمنوع ف القي قة هو الطال بة بتحو يل ال سلم إل وا قع ف حياة الناس ،لن
الطلوب هو إبقاؤه هكذا! إسلما بل إسلم!
ومهما تفي الذين ياربون السلم وراء ستار ماربة التطرف ،فستظل القيقة واضحة من وراء كل
ستار :أن الذي يارب حقيقةً هو السلم ،وأن الذين يراد إبادتم أو نفيهم من الرض هم السلمون.
س َيتَ َطهّرُو نَ ( [ })82سورة
{وَمَا كَا نَ َجوَا بَ َق ْومِ هِ إِلّ أَ نْ قَالُوا أَخْ ِرجُوهُ ْم مِ نْ قَ ْرَيتِكُ مْ ِإّنهُ مْ ُأنَا ٌ
العراف ]7/82
والكلمة الخية أن الذي أوجد التطرف ف القيقة ،والذي ما زال يعذبه ،هو الكومات الت ل تكم
با أنزل ال ،ث تقوم بتذبيح السلمي وتقتيلهم حي يطالبون بتحكيم شريعة ال.
وإل ..فلو أن هذه الكومات حكمـت باـ أنزل ال كمـا أوجـب ال عليهـا ،فمـن أيـن كان ينشـأ
التطرف؟
ولو كانـت هذه الكومات – على أقـل تقديـر – وهـي ل تكـم باـ أنزل ال – تعامـل الطالبيـ
ـ تعامـل
بتحكيـم شريعـة ال – وهـو واجـب على كـل مـن قال ل إله إل ال ممـد رسـول ال – كم ا
"الجرمي" العاديي ،فتتيح لم فرصة الدفاع عن أنفسهم ،ول تستخدم الوسائل الجرامية ف إكراههم
على "العتراف" ب ا فعلوا و ما ل يفعلوا ،وحك مت علي هم بقت ضى القوان ي العاد ية ر غم جور ها وعدم
شرعيتها .لو فعلت ذلك – على أقل تقدير – فمن أين كان ينشأ التطرف؟!
يب أن يستقر ف أذهاننا بوضوح أن التسبب الول ،والتسبب الكب ف نشر التطرف وتغذيته هو
() تقول القصة إن جاعة من الثيان المر كان بينها ثور أبيض ,وكانت تنفر منه ول تبه لن لونه مغاير للونا .فجاء السد فطلب من جاعة الثيان أن تقدم له واحدا منها ليأكله, 1
فقدموا له الثور البيض ليتخلصوا منه .ولكن السد عاد بعد فترة ييطلب ثثورا جديدا ليأكله ,وهجم علي أحد الثيان المر ليلتهمه ,فقال الثور وهو بي فكي السد :أكلت يوم
أكل الثور البيض!!.
الكومات الت ل تكم با أنزل ال ،وتقوم بتعذيب الطالبي بتحكيم شريعة ال تعذيبا وحشيا ل مثيل
له ف التاريخ .وأن هذه الكومات ترتكب ثلث جرائم ف وقت واحد :العراض عن أمر ال القاضي
بتحكيم شريعته دون سواها .والقيام برائم القتل والتعذيب الماعي الت ل تقرها حت شريعة الغاب.
وتغذية روح التطرف بي الشباب كرد فعل للجريتي الوليي.
ك ما ي ب أن ي ستقر ف أذهان نا بوضوح كذلك أ نه ل ي كن القضاء على التطرف إل بإزالة أ سبابه
القيق ية الداف عة إل يه .أي ا ستجابة الكام ل مر ال ل م أن يكموا ب ا أنزل ال ،أو – ف أ قل القل يل –
ال كف عن العاملة الوحش ية ال ت يعاملون ب ا الذ ين يطالبون بتحك يم شري عة ال .وأن كل مذب ة تقام
للمسلمي ف الرض هي وقود جديد للتطرف ،يتد إل ما شاء ال.
فلينظر الذين يشكون حقيقة من التطرف ،ويرغبون حقيقة ف علجه ،أي طريق يسلكون!
m m m
ومن أجل متطلبات هذه التربية ،وهي كثية وشاقة ،وخاصة ف أمة كادت تنسلخ من كل مقومات
ال سلم ،فل ينب غي التع جل ف خطوات ا ،ول ينب غي التع جل ف إدخال الماه ي ف الدعوة على النطاق
الوا سع ق بل أن يتي سر العدد الكا ف من الدعاة والرب ي ،الذ ين تربوا هم أنف سهم على الن هج ال صحيح،
والذ ين ي ستطيعون بدور هم أن يربوا على الن هج ال صحيح .فهذا التع جل ل يدم الدعوة ف شئ ،وإن ا
يعوقها ف القيقة عن السي.
m m m
ويبـ أن يكون واضحا فـ أذهاننـا أن "القاعدة السـلمية" غيـ موجودة فـ القيقـة ،برغـم مـل
عوا طف الماه ي ،و كل حا ستهم ال ت يبدون ا ح ي يذ كر ال سلم .ف هي حا سة عاطف ية ل تق يم بناء
حقيقيا ول حر كة حقيق ية .إن ا تتاج القاعدة إل النشاء من جد يد .فردا فردا ح ت يكت مل من ها بناء
متماسك كبناء الماعة الول على يد الرسول ،rإل يكن ف الدرجة فعلى نفس النهج ،الذي هو مال
السوة ف رسول ال rوف الماعة الت رباها ليقوم عليها البناء.
m m m
وي ب أن يكون واضحا ف أذهان نا كذلك أن العر كة ب ي ال سلم وأعدائه لي ست معر كة سريعة
خاطفة ،ولكنها معركة طويلة شاقة قد تستغرق عدة أجيال .فينبغي للقاعدة الت تنشأ للقيام بذا العبء
الضخم أن ترب لتكون طويلة النفس ،شديدة الصب ،عميقة اليان بال ،عميقة التوكل عليه ،مستعدة لا
يتطلبه أمرها من العاناة ،قادرة على أن تبذل من نفسها :من جهدها ومالا وفكرها ،ما يتاج إليه إزالة
الغر بة ال ت أل ت بال سلم اليوم ،وا ستنقاذ "الغثاء" من دوا مة ال سيل ،وا ستنباته مرة أخرى رأ سيا ف
الرض عميق الذور.
وحي تقوم القاعدة بالواصفات الطلوبة ،بالجم الناسب ،سيغي ال للناس ،لنم يكونون قد غيوا
ما بأنفسهم ،ويكن لم مرة أخرى ف الرض ،لنم يكونون قد وفوا بالشرط:
ف الّذِي َن مِ ْن
ستَخِْل َفّنهُم فِي الَرْ ضِ كَمَا ا ْستَخْلَ َ { َوعَدَ اللّ ُه الّذِي نَ آمَنُوا ِمْنكُ ْم َوعَ ِملُوا ال صّالِحَاتِ َليَ ْ
َقبِْلهِ ْم وََليُ َم ّكنَنّ َلهُ مْ دِيَنهُ ْم الّذِي ا ْرَتضَى َل ُه ْم وََلُيبَدَّلنّهُ ْم مِ ْن َبعْدِ َخوِْفهِ مْ َأمْنا َي ْعبُدُوَننِي ل يُشْرِكُو َن بِي
َشيْئا} [سورة النــور ]24/55
وف الفصل القادم ناول أن نلقى نظرة على الستقبل ،تد بصرنا وراء الاضر الذي نعيشه الن.
m m m
نظرة إل الستقبل
ير العال السلمي بفترة سيئة ف الوقت الاضر ،نتيجة كل الظروف الت شرحناها من قبل ف أثناء
الديث عن آثار النراف .من الضعف والذل والوان والضياع وغلبة العداء ،مع كل ما يعانيه العال
السلمي من أزمات اقتصادية وأزمات سياسية وأزمات اجتماعية وأزمات فكرية وروحية.
والذي يراد بالعال السلمي ف الستقبل القريب أسوأ من ذلك كله .فإن العداء ل يكفهم كل ما
أحدثوه من تريب من قبل ،بل يريدون تريبا أكب ،وتزيقا أشد.
إنم ف القيقة سائرون ف ذات الطريق الذي بدأوه منذ أربعة قرون أو أكثر .منذ طرد السلمون من
الندلس ،ثـ بدأت الروب الصـليبية الديدة لطاردة السـلمي فـ بقيـة الرض ،وإخضاعهـم لسـيطرة
الصليبية الاقدة ،وإذللم انتقاما من الزية الساحقة الت تلقاها الصليبيون ف الروب الصليبية الولية،
بعد كل ما بذلوا من الدماء والموال ،ول يعودوا مدحورين ف قط ،بل قا مت دولة إ سلمية ف أورو با
ذاتا ،ظلت تزحف زحفا مستمرا قرابة ثلثة قرون ،وتستول على بلد نصرانية تضعها لسلطانا ،بل
يدخل من سكانا ف العقيدة السلمية عشرات الليي!
ول كن العال ال سلمي كان قد ظن ف بدا ية القرن العشر ين اليلدي ،و ف أثنائه أ نه قد تلص من
الستعمار ،واسترد كيانه ،وحسن أوضاعه ،وبدأ يطو إل المام ،نو القوة والضارة والتقدم والرقى.
فهل كان الظن حقا؟
لقـد انتشـر التعليـم بعـد أن كانـت الهالة هـي السـمة العامـة لشعوب العال السـلمي .وتسـنت
الوضاع الصـحية بعـد أن كان امرض هـو السـيطر .ووجدت مصـانع صـغية أو كـبية تصـنع بعـض
الامات الحل ية ،وتن تج ب عض ما يلزم الناس ف حيات م ،ب عد أن كان كل شئ ي ستورد من الارج،
ويع جز الناس عن صناعته مه ما كا نت تفاه ته .و صارت هناك جيوش ت ستخدم أ سلحة حدي ثة ب عد أن
كان سلحها متخلفا إل أق صى حد .ودخلت اللت الدي ثة ف ال صناعة والزرا عة والعمارة .وملت
السيارات شوارع الدن .وملت أجهزة التليفزيون البيوت!
وإل جانـب ذلك انسـحبت جيوش السـتعمار مـن معظـم بلد العال السـلمي ،واكتفـت دول
الستعمار بنفوذها السياسي والقتصادي بعد أن كانت تتل الرض وترهب الناس بعساكرها .وسحت
للبلد السلمية أن يكون لا تثيل "دبلوماسي" ،وأن تتل مقاعد ف هيئة المم وف ملس المن.
ولكـن هذه الظواهـر ل تكـن كلهـا صـادقة كمـا اكـن يبدو لول وهلة ،فقـد كان بعضهـا حقيقيا
وبعض ها خادعا.ة ولكن ها كا نت ف جلت ها – على أي حال – خيا م ا آلت إل يه الحوال ب عد الرب
العالية الثانية ،بيث يعتب الواقع العاصر نكسة شاملة بعد التقدم الظاهري الذي كان ف النصف الول
من القرن.
ك يف حدث ذلك؟! لاذا انتك ست الحوال و صارت تزداد سوءا يوما ب عد يوم؟ أ لعوا مل داخل ية
بتة؟ أم لعوامل خارجية بتة؟ أم لزيج من هذه وتلك؟!
فلننظر أولً ف حالة التحسن الظاهرى الذي كان ف مبدأ المر.
لقد حدث ول شك قدر من التقدم الادى برضا الستعمار أو بغي رضاه.
ونسـتطيع أن تصـور أن روح الثورة على السـتعمار قـد شحذت عزائم الناس ،فأصـروا على أن
يتعلموا ،وأصروا على أن ينتجوا ،وأصروا على أن يصلحوا بعض ما رأوه فاسدا ف حياتم.
ولكن هناك أمرا خطيا ل تلتفت إليه تلك الشعوب وهي "تزحف" نو التقدم والتحضر والرقى.
ل تلتفت إل الؤامرة الكبى الت صاغتها دول الستعمار جيعا ضد كيانا الصيل ..ضد السلم..
ول تلت فت إل عمل ية "الت سميم" ال ت قا مت ب ا دول ال ستعمار ف الرض ال سلمية ق بل أن تن سحب
منها.
إن ا ل تن سحب ح ت كا نت قد أبرزت "القيادات العلمان ية" ال ت تقود مرا فق الياة كل ها ف العال
السلمي ،وتقوم بتحضيه ،نعم ،ولكن على أسس غي إسلمية!
ول تنسحب حت كانت قد حررت الرأة السلمة! حررتا من دينها وأخلقها وتقاليدها ،وأخرجتها
إل الشارع فتنة لنفسها وللرجل على السواء!
ول تن سحب ح ت كا نت قد بذرت ف الرض ال سلمية كل البذور ال سامة الوجودة ف الجت مع
الغرب ،ولكن بدون عوامل القوة اليابية الت تؤخر الدمار هناك ( .)1بذرت الفوضى النسية ،والتحلل
اللقى ،والتمزق السرى ،والضياع الروحى ،والتمزق النفسى ،والقلق ،والنتحار ،والمراض العصبية،
والمر ،والرية والفردية الانة والستهتار بالقيم ،والبحث عن التاع الادي ،والستغراق فيه.
هل كان يتو قع لتلك الشعوب و قد بذرت في ها كل تلك البذور ال سامة أن تتقدم حقي قة ،وتن هض
حقيقة ،وتسي حقيقة على خط القوة والصعود؟
أحدثت الرب العالية الثانية تغيات جذرية ف التركيبة السياسية القائمة ف الرض.
لقد كانت الدولتان العظميان أي اللتان لما السيطرة الغاشة ف الرض ه ا بريطانيا وفرنسا ،ومن
دون ما قوى ثانو ية ت ستظل ف القي قة بظله ما "ال ستعمار" وإن حد ثت مناف سات جزئ ية بين ها وب ي
الدولت ي ال كبيتي ف ش ت الجالت .وكا نت الدولتان ذات ما تتناف سان في نا بينه ما مناف سة عني فة ح ت
عقدت اتفاقية سايكس – بيكو ،فهدأ بينهما الصراع حي اتفقتا على تقسيم مناطق النفوذ بينهما .ولكن
كان هناك عنصر مشترك بي التنافسي جيعا ،ينسون عنده صراعاتم ومنافساتم ،ويقفون صفا واحدا
متساندا متعاضدا – ذلك حي يواجهون السلم.
ولقد يفيدنا أن نذكر – على سبيل الثال – أن بريطانيا احتلت مصر عام 1882م ،وطردت النفوذ
ال سياسي الفرن سي الذي كان قائما ف م صر من أيام م مد على إل أيام الد يو إ ساعيل ،ولكن ها ل
تتعرض قط للمؤ سسات التبشي ية الفرن سية ،ول للمؤ سسات الثقاف ية ،ول لع هد الثار الفرعون ية الذي
تركه نابليون ف مصر ،لنه هنا ينسى النليز عداوتم وخصومتهم لفرنسا ،ويتذكرون أن كل منهما
يعمل للقضاء على العدو الشترك ..فيتساندان!
ورب ا كان أبلغ من ذلك ف الدللة أن الذي ح ى الدكتور طه ح سي ،الفرن سي الن عة ،الفرن سي
الثقا فة ،ح ي غ ضب عل يه الز هر ب سبب كتا به " ف الش عر الاهلي" الذي ها جم ف يه القرآن وال سلم
وج يع القد سات ،وطالب ب سحب شهادة العال ية م نه وتقدي ه للمحاك مة .الذي حاه من هذا كله هو
الندوب السـامي البيطانـ ،الذي ذهـب إل رئيـس الوزراء فـ مكتبـه ،وقال له :إل متـ يسـتمر هذا
العبـث؟! وفـ الال أقفـل التحقيـق الذي كان قـد بدئ مـع طـه حسـي ،وأسـكت الزهـر ،وهدأت
الزوبعة ..وبقى "الدكتور"!
هكذا كانت تسي المور ف الرض قبل الرب العالية الثانية ..قوتان رئيسيتان مسيطرتان ،وقوى
ثانوية تنافسهما ،ولكن الميع – بالنسبة للعال السلمي – متعاونون على الدف الشترك ،وهو حرب
السلم! ووسائلهم الكبى هي الغزو الفكري ،وترير الرأة ،وإفساد الجتمع ،وإبراز الزعامات العلمانية
ف جيع الجالت .ف ظل السيطرة السياسية والقتصادية الت يارسها الستعمار الصليب.
ولكن الرحب قضت على الدولتي "العظميي" وأبرزت بد ًل منهما وحشي جديدين من نوع آخر..
ها روسيا وأمريكا ..وأهم من ذلك أنا أبرزت النفوذ اليهودي سافرا على السطح.
لقد كان النفوذ اليهودي قائما ف العال الغرب منذ الثورة الصناعية الت وقعت تلقائيا ف أيدي الرابي
اليهود ك ما بي نا ف غ ي هذا الكتاب ( .)1ولك نه ل يتغل غل قط ،ول يبز قط ،ك ما تغل غل ب عد الرب
العالية الثانية ،وسيطر على كل العسكرين ف الشرق والغرب ،وصارت السياسة العالية ف يد اليهود،
ينفذونا عن طريق الدولتي التوحشتي الديدتي ،أصرح بكثي ،وأوضح بكثي ما كانوا ينفذونا من
قبل من خلل بريطانيا وفرنسا فيما بي الربي العاليتي الول والثانية.
ل قد و صل اليهود إل قلب النط قة ال سلمية, ،أقاموا دولت هم ف فل سطي ،و سخروا لذلك كل من
الدولت ي الت سلطتي ،فكا نت أمري كا أول دولة اعتر فت بالدولة اليهود ية ،وبعد ها بع شر دقائق اعتر فت
رو سيا بالدولة القائ مة صراحة على أ ساس دي ن ،بين ما الذ هب الشيو عي كله ير فض ذلك رفضا باتا
ويندد به!
وحدث فـ أثناء قيام الدولة اليهوديـة ذلك الدث التاريىـ الذي وقـع بقدر مـن ال وهـو صـدام
الفدائيي السلمي مع اليهود ،وتبينت الصهيونية والصليبية كلتاها ،أن الدولة الت تآمرتا معا ليادها ف
قلب العال السلمي ( ،)2مهددة بالطر إذا بقيت الركة السلمية ،فضلً عن تعذر توسعها فيما بعد
إذا بقيت تلك الركة على ما هي عليه.
() انظر إن شئت فصل "دور اليهود ف إفساد أوربا" من كتاب "مذاهب فكرية معاصرة". 1
() راجع تقررير للورد كامبل الشار إليه من قبل. 2
عندئذ تل قت العدوات كل ها – ول كن على در جة أع نف م ا م ضى ف التار يخ كله – على ضرورة
القضاء البات على الركة السلمية ،وعلى أن تتعاون القوى الثلث :أمريكا وروسيا واليهودية العالية
على الفتك بالسلم والسلمي.
و من ه نا بدأت مرحلة جديدة من "التحط يم" أع نف م ا سبق من ق بل ،متمثلة ف خط ي رئي سي:
التذب يح الوح شي للم سلمي ،والتفت يت ال ستمر للدول القائ مة ف العال ال سلمي ،والعال العر ب ب صفة
خاصة.
حقيقة إن بدء التذبيح الوحشي قد قامت به بريطانيا لساب اليهود عام ،1949 – 1948حي
بدأ اعتقال الخوان السلمي وقُتل المام الشهيد ،وإنه كان يكن أن يتكرر على يد بريطانيا وفرنسا ف
أكثر من مكان ف العال السلمي .ولكن الولة الديدة استخدمت أداة أشد فتكا, ،اقدر على ارتكاب
جرائم القتل الماعي ،وهي النقلبات الع سكرية الت يتار ل ا "الصالون" لهمة ،من منون العظمة
وقساة القلوب ،الذين ل يتورعون عن شئ يطلب منهم مقابل التمتع "بالعظمة" والسلطان.
وهكذا توالت الذا بح الوحش ية ،وت صعدت مع ها ف الو قت ذا ته عمل ية إف ساد الخلق ف ج يع
الجالت.
ل قد كا نت عمل ية إف ساد الجت مع من طر يق ما سى "تر ير الرأة" قمي نة أن تت سع من تلقاء ذات ا،
وتع طى ثار ها البي ثة على مدى اليام ،ولكن ها – على يد الع ساكر – نش طت عن ع مد ،وأ سرعت
خطاها لمر يراد!
خطب جال عبد الناصر ذات مرة خطبة ملتهبة – بالعامية! ( –)1وقال فيها عبارة عجب الناس منها
ليلتئذ ،ولكنهم تبينوا مغزاها واضحا فيما بعد! قال – وكان متضايقا من أحد مواقف إسرائيل الحرجة
له (": - )2هي إسرائيل عايزة مننا إيه ..إحنا حررنا الرأة"!
كذلك كا نت عمل ية تط يم الق يم ف الجت مع قمي نة أن تت سع من تلقاء نف سها على يد ال ستعمار
الول ،و ف فترة "ال ستقلل" ،نتي جة ال سموم الكثية ال ت ب ثت ف الجت مع ،ونتي جة تنح ية الد ين عن
الياة .ولكنها اتسعت اتساعا بشعا على يد العساكر ،نتيجة الرب الوحشية على السلم ،وإبعاد كل
نظيف ونزيه عن مقاليد المور ،وتقريب التملقي والمعات الذين يدورون مع الفلك حيث دار .حت
أصبحت الرشوة أصلً ف الجتمع ،وأصبح الغش أصلً ف التعامل ،وأصبحت النتهازية عملة متعارفا
() كان إبراز مموعة من "القادة العظام"!! ل يستطييعون الكلم بالفصحيي ف النطقة العربية أمرا علي هوي أعداء السلم ,بقصد منهم أو بغي قصد. 1
() من العلوم أن اليهود ل يرصون علي عواطف خدامهم -مهما خدموهم -بقدر حرصهم علي مصلحتهم الاصة ,ويذكر القراء انم أحرجوا رئيس الوليات النحدة المريكية 2
أكثر من مرة مع أنه يقدم لم خدمات تفوق التصور!.
عليها ل يستتر منها أهلها .أو باختصار :أصبح العروف منكرا والنكر معروفا كما قال رسول ال.r
وكان هذا كله جزءا من "ال سياسة العا مة" الطلو بة من ق بل العداء .لتفت يت كيان "الشعوب" الحي طة
بإسرائيل ،فل يبقى فيها شئ متماسك ،يكن أن يقوم بنوع من القاومة لطماع اليهود.
أما بالنسبة "للدول" فيكفي هذا القال الذي نشر ف صحيفة "كيفونيم" اليهودية بتاريخ 14فباير
،1982واقتبس فقرات منه "روجيه جارودى" ف كتابه "ملف إسرائيل :دراسة للصهيونية العالية" (،)1
لبيان السياسة الطلوب اتباعها ف النطقة الحيطة بإسرائيل ،والت بدأ تنفيذها بالفعل ف لبنان ..والبقية
تأتى!
"استعادة سيناء بثرواتا هدف ذو أولوية .ولكن اتفاقات كامب دافيد تول الن بيننا وبي ذلك .لقد
حرمنـا مـن البترول وعائداتـه ،واضطررنـا للتضحيـة بأموال كثية فـ هذا الجال .ويتحتـم علينـا الن
استرجاع الوضع الذي كان سائدا ف سيناء قبل زيارة السادات الشئومة ،وقبل التفاقية الت وقعت معه
ف .1979
"والوضع القتصادي ف مصر ،وطبيعة النظام الوجود با ،وسياستها العربية ،كل هذا سيؤدى إل
مموعة ظروف تدفع بإسرائيل إل التدخل .فمصرن بسبب نزاعاتا الداخلية ل تعد تشكل بالنسبة إلينا
مشكلة ا ستراتيجية .و من ال سهل أن نعل ها تعود خلل 24ساعة إل الو ضع الذي كا نت عل يه ب عد
حرب يونيو .1967لقد ماتت أسطورة مصر "زعيمة العال العرب" وفقدت مصر %50من قدرتا.
وكبناء موحد ،أصبحت مصر جثة هامدة ،وباصة إذا أخذنا ف العتبار الجابة التزايدة والتصاعدة بي
السلمي والسيحيي با .ويب أن يكون هدفنا هو تقسيمها إل أقاليم جغرافية متباينة ف الثمانينيات.
"فإذا ما تت تزئة مصر ،وإذا فقدت سلطتها الركزية ،فلن تلبث بلدان مثل ليبيا والسودان ،وبلدان
أخرى أبعد من ذلك أن يصيبها التحلل .وتشكيل حكومة قبطية ف مصر العليا ،وإقامة كيانات صغية
إقليميـة ،هـو مفتاح تطور تارييـ ،يؤخره حاليا اتفاق السـلم ،ولكنـه تطور آت ل مالة على الجـل
الطويل.
"ومشكلت البهة الشرقية أكثر وأشد تعقيدا من مشكلت البهة الغربية .وهذا على عكس ما
يبدو ف الظا هر .وتق سيم لبنان إل خ سة أقال يم .يو ضح ما ي ب أن ين فذ ف البلدان العرب ية .وتفت يت
العراق و سوريا إل منا طق تدد على أ ساس عن صري أو د ين،ن ي ب أن يكون هدفا ذا أولو ية بالن سبة
إلينا ،على الجل الطويل .وأول خطوة لتحقيق ذلك هو تدمي القوة العسكرية لتلك الدول.
() ترجة د .مصصطفي كامل فودة ,إصدار دار الشروق بالقاهرة ,مقتطفات من ص ,164-161الطبعة الثانية 1404هـ 1
"والتشكيل السكان لسوريا يعرضها لتمزق قد يؤدى إل إنشاء دولة شيعية على الساحل ،ودولة
سنية ف منط قة حلب ،وأخرى ف دم شق ،وإنشاء كيان درزى قد ير غب ف أن يتحول إل دولة على
أرض الولن التابعـة لنـا تضـم حوران وشال الملكـة الردنيـة .مثـل هذه الدولة سـتكون على الدى
الطويل ضمانا لمن وسلم النطقة .وهذا هدف ف متناولنا فعلً تقيقه.
"وأما العراق فهي غنية بالبترول ،وفريسة لصراعات داخلية ،وسيكون تفككها أهم بالنسبة لنا من
تلل سوريا ،لن العراق ي ثل على ال جل الق صي أخ طر تد يد ل سرائيل .وقيام حرب سورية عراق ية
سيساعد على تطيم العراق داخليا قبل أن يصبح قادرا على النطلق ف نزاع كبي ضدنا .وكل نزاع
داخلي عرب سيكون ف صالنا ،وسيساعد على تفكك العرب .وربا ساعدت الرب العراقية اليرانية
على ذلك النلل والضعف ف صفوف العرب.
"والردن هدف استراتيجي ف التو واللحظة .ولن يشكل أي خطر لنا على المد الطويل بعد تفككه
ونا ية ح كم اللك ح سي ،وانتقال ال سلطة إل أيدي الغلب ية الفل سطينية .وذلك أ مر ي ب أن ي سترعى
انتباه السياسة السرائيلية .فمعن هذا التغي هو حل مشكلة الضفة الغربية ذات الكثافة السكانية العربية
الكبية .فهجرة هؤلء العرب شرقا – إما بالسلم أو بالرب – وتميد نوهم القتصادي والسكان هي
الضمانات الكيدة للتحولت القبلة .وعلينا أن نبذل قصارى جهدنا للسراع بتلك العملية.
ل وسطا أو تعايشا ،وتصبح بالتال
"وينبغي رفض خطة الكم الذات ،وأية خطوة أخرى تتضمن ح ً
عقبة ف سبيل فصل المت.
"وي ب أن يف هم العرب ال سرائيليون (أي الفل سطينيون) أ نه ل ي كن أن يكون ل م و طن إل ف
الردن .ولن يعرفوا المن إل بالعتراف بالسيادة اليهودية على كل ما يقع بي البحر ونر الردن .ول
يعد مكنا – ونن على مشارف العهد النووي – أن نرضى بوجود ثلثة أرباع السكان اليهود مركزين
فـ سـاحل مزدحـم بالسـكان ازدحاما كـبيا ،وتوزيـع هؤلء السـكان هـو أول واجباتنـا فـ سـياستنا
الداخلية .فيهودا والسامرة والليل هي الضمانات الوحيدة لبقائنا على قيد الياة كأمة .وإذا ل تصبح لنا
الغلبية ف الناطق البلية ،فسيكون مصينا كمصي الصليبي الذي فقدوا هذه البلد.
"وينبغي أن نعمل على إعادة التوازن إل النطقة ف الستويات السكانية والستراتيجية والقتصادية،
وأن يكون ذلك على رأس ما نصبو إليه .ويتضمن هذا المر الشراف على الوارد الائية بالنطقة من بي
سبع إل الليل العلى ،وهي منطقة خالية من اليهود تاما اليوم".
m m m
على هذا الن حو من ال سوء ترى المور ف العال ال سلمي ،ويراد ل ا أن ت سي من سيئ إل أ سوأ
خلل السنوات القريبة القادمة،من أجل أن تعيش الدولة اليهودية وتتوسع ،بالتأييد الظاهر الكشوف من
جانب أمريكا ،والتأييد الصامت الستتر من جانب روسيا ،الت تكتفي بصيحات النكار على إسرائيل
كلما وقع عدوان يهودي ،وصيحات العطف على "العرب"ن دون أن تصنع شيئا حقيقيا بوقف العدوان
ويوقف التوسع العدوان منذ 1948م حت هذه اللحظة! وأنت حي تقف إل جوار رجل يسك سكينا
ليذبح به رجلً آخر ،ث تكتفي بأن تقول له :عيب يا رجل! حرام عليك! فإنك ف القيقة تعينه على أن
يتمم جريته وهو آمن من كل تعويق.لن الصياح يتبدد ف الواء بعد لظات ،بينما يظل الجرم ماضيا
ف جريته!
وهكذا تقف الدولتان "العظميان!" موقفهما القيقي من السلم والسلمي! وتستعي أمريكا – كما
بينا من قبل – بعدوتا روسيا ،وبالشيوعية ،لحاربة السلم ف منطقة النفوذ المريكية ،وتنسى الدولتان
خصـومتهما وعداوتمـا ،وتقفان صـفا واحدا متسـاندا متعاضدا ضـد السـلم ،كمـا كانـت الدولتان
"العظميان" السابقتان ،بريطانيا وفرنسا ،ولكن بضراوة أعنف ،وشراسة أشد .ويصل المر ف التساند
والتعا ضد أن تغ طى رو سيا العم يل المري كي الذي يقوم بتذب يح ال سلمي ،ك ما تغ طى أمري كا العم يل
الشيوعي القائم بنفس المر ،وتعمل كلتاها لساب اليهودية العالية ،ف ذات الوقت الذي تشفي كل
منهما غليلها الشخصي من السلم!
m m m
أما الع مل على ال ساحة ال سلمية ف قد تبي ل نا من العرض ال سابق وجود مشكلت غ ي قليلة وغ ي
هينة فيه ،أبرزها تفرق الماعات العاملة ف الساحة وتزقها ،وقيام بعضها برب بعض ،وغياب القيادة
الكبية الت كان يكن أن تمع العمل السلمي وتوحد طريقه ،ث النقص الكبي ف جوانب مهمة من
جوانب التربية :العقدية والركية والفكرية والسياسية ..ال.
وع ند هذه ال صورة – بالضا فة إل ما يراد بال سلمي من سوء – ي قف ب عض الناس فيون كأن
الطريق مسدود ،وكأن الصحوة كلها توشك أن تنهار ،ويعود الظلم من جديد.
وهذا غي صحيح.
وأعداء السلم أنفسهم – الذين يقومون بذا الكيد كله للقضاء على الصحوة السلمية – يعلمون
أنه غي صحيح! وأنه على الرغم من كل الهد الذي يقومون به فهم ل يقضوا عليها ،بل هم يشون
امتدادها بعد كل ما فعلوه.
وإذا نن قلنا إن الصحوة باقية بإذن ال ،ومتدة ومتوسعة ،وإن الستقبل بإذن ال للسلم ،فنحن ل
نقول هذا رجا بالغيب ،إنا تتبعا للواقع الشهود وللسنن الربانية الت يريها ال ف هذا الوجود.
ولنحاول أولً أن نتتبع قدر ال بذه المور ف الفترة الخية الشحونة بالحداث.
لو كان ف قدر ال أن توت هذه ال مة وتنت هي ،وترج من التار يخ ،فرب ا كان أن سب حدث لذا
ال مر هو إزالة الل فة على يد أتاتورك .ف قد ساد الظلم واليأس ربوع العال ال سلمي يومئذ ،وأ حس
السلمون أنم كاليتام الذين فقدوا راعيهم ،وكانت الصدمة ف حسهم ثقيلة تبعت على القنوط.
ولكن قدر ال اختار هذا الدث ذاته ليكون بداية ليقظة جدية وبعث جديد.
ولو كان ف قدر ال أن يتغلب العداء على هذه اليقظة فيقضوا عليها ويمدوا أنفاسها ،فربا كانت
أعمال أتاتورك الثان – جال عبد الناصر – ووحشيته ف ماربة الركة السلمية ،أنسب ظرف للقضاء
عليها وموها من التاريخ.
ولكن الذي نراه من قدر ال حت هذه اللحظة أن كل مذبة تقع ،تأتى بدد جديد من الشباب ينضم
للحركة السلمية ،بل نرى أن التاه للسلم ،والرغبة ف تقيقه كاملً شاملً كما أنزله ال ،قد اصبح
تيارا ذاتيا ع ند الشباب ،ل يتعلق بما عة معي نة ،بل ي ثل تطلعا عاما ع ند الشباب ،سواء التحقوا بذه
الماعة أو تلك .أو ل يلتحقوا بماعة على الطلق (.)1
ولقد قلنا ف فصل "الصحوة السلمية" إن رجوع المة للسلم ل يكن عجبا" ،إنا العجب – كان
– أن يشردوا عنه ويتجهوا إل غيه! والعجب الكب – كان – أن يثبتوا على هذا الشرود ،ول يرجعوا
إل نبض قلوبم الطبيعي!"
ول قد كان من أ كب أ سباب هذا الشرود – ك ما بي نا من ق بل – الفت نة بالضارة الغرب ية .ح ي قال
"الثقفون" لنفسهم :ها هي ذي أوربا كافرة جاحدة ،ومع ذلك فهي قوية متحضرة مكنة ف الرض،
وهي رغم عدم تدينها ذات أخلق! بينما نن أصحاب دين ،ولكننا ضعاف متخلفون ،وفضلً عن ذلك
فنحن أمة بل أخلق! فلنترك هذا الدين إذن ،ولنفعل كما فعلت أوربا حي انسلخت من دينها لتتقدم
وتتح ضر! ث جر "الثقفون" بق ية ال مة وراء هم ،ف الظروف ال ت أشر نا إلي ها من ق بل ف ف صل "آثار
النراف".
واليوم يبدو الطأ ف طرف العادلة واضحا با ل يكن واضحا يوم بدأت الفتنة.
فأوروبا جاحدة كافرةن نعم ،وهي تمع ف أيديها كل أسباب القوة .ولكن كفرها وجحودها ليس
() ل يصلح العمل للسلم دون جاعة متحابة متآلفة تعيش السلم واقعا ثثم تدعو إليه .ولكنا نسجل واقعا قائما بالفعل. 1
عدي الثر ف حياتا كما توهم "الثقفون" أول مرة .إنا له تأثيان عميقان ف كيانا كله ،أحدها قريب
صاحب هذه "الضارة" م نذ مولد ها ،ويزداد مع ها على الدوام ،وال خر ينتظر ها ف نا ية الطاف .فأ ما
الول فهو "القلق" النفسي والعصب والفكري ،لن ال – الذي فتح عليهم أبواب كل شئ لا نسوا ما
ذكروا به ،إجراءً لسنة من سنته تعال – قد أنذر البشرية من قدي ،أنا إن عتت عن أمر ربا فقد يغرقها
ف التاع الر ضي إل ح ي – ا ستدراجا ل ا – ولك نه ل ينح ها الب كة ول طمأني نة القلب ،فه ما من
حصيلة اليان ،ل ينحهما ال إل للمتوجهي إليه ،الذاكرين له ،القرين بألوهيته ،القائمي بعبادته:
ت مِ ْن ال سّمَاءِ وَالَرْ ضِ} [ سورة العراف
{وََلوْ أَنّ َأهْ َل اْلقُرَى آ َمنُوا وَاّت َقوْا َل َفتَحْنَا عََلْيهِ ْم بَرَكَا ٍ
]7/96
{الّذِي نَ آ َمنُوا َوتَطْ َمئِنّ قُلُوُبهُ ْم بِذِكْرِ اللّ هِ أَل بِذِكْرِ اللّ ِه تَ ْط َمئِنّ الْقُلُو بُ ( [ })28سورة الر عد
]13/28
و"القلق" هو ال سمة الغال بة على هذه الضارة م نذ يوم ها الول ،ول كن ح صيلته تزداد وضوحا يوما
بعد يوم ،وتقول إحصائياتم – دائما – أنه آخذ ف الزدياد ،سواء ف صورة أمراض نفسية وعصبية ،أو
جنون وانتحار ،أو إدمان على المـر والخدرات ،أو جنوح إل الريةـ ،أو تزق فـ علقات السـرة
وعلقات الجتمع ..أو..ال.
وأ ما التأث ي ال خر الذي ينت ظر هذه الضارة ف نا ية الطاف ف هو النيار ،الذي تن بأ به كث ي من
"عقلء" تلك الضارة أنفسهم ،وإن كانوا ل يلكوا لنفسهم الفكاك ،لنم ينذرون غيهم بالطر وهم
أنفسهم ف داخل الكيان النهار!
وحقي قة إن الضارة الغرب ية ال سيطرة اليوم على البشر ية لن تنهار بال سرعة ال ت يتخيل ها ب عض الناس
حي نتكلم عن النيار ،لنا تمل من أسباب القوة واليابية ما يؤخر النيار الحتوم.
تمل قوة العلم .وقوة الصب واللد على العمل .وعبقرية التنظيم .والروح العملية ف دراسة الشاكل
والبحث لا عن حلول .وتمل تيسيات نافعة ف كثي من جوانب الياة ،تاول أن ترفع "الهد" عن
كاهل النسان وتمله لللة .وكل هذه قوى تسك بالكيان التساقط ،وتنعه من السقوط السريع ،رغم
كل "الوزار" الت تدفع به إل النيار.
نعم ..ولكنها – كلها – ل تستطيع أن تول دون النهاية الحتومة .لنا من سنة ال.
أما قضية "الخلق" فقد تكشفت عن كونا أخلقا "نفعية" ل أخلقا حقيقية .جيلة الظهر ،نعم،
ولكنها عدية الذور ،لنا منبتة الصلة بالعي القيقي للخلق – وهو الدين – ولذلك أخذت تذوى،
وخرج بعد الرب العالية الثانية جيل ينسلخ تدرييا من تلك الخلق ،وينلق إما إل الرية ،وإما إل
الفوضوية وانعدام البالة .والنسبة آخذة ف الزدياد!
ومن الهة الخرى تبي أن الذي حل بالسلمي ل يكن نتيجة أنم مسلمون .إنا كان بسبب الواء
التدريي الذي حل بكل مفاهيم السلم الرئيسية نتيجة خط النراف الطويل ،الذي فرغ ل إله إل ال
من مدلولا القيقي ،وحول السلم كله إل تقاليد خاوية من الروح.
ووضح هذه القيقة بالنسبة للحضارة الغربية من جهة ،وبالنسبة لواقع السلمي ف القرون الخية
من جهة أخرى ،له تأثيه ول شك ف الصحوة السلمية ،فهو رافد يدها على الدوام بدد جديد من
الجيال الناشئة يتزا يد با ستمرار ،كل ما بدا عوار الاهل ية العا صرة واضحا للع ي ،كل ما أدرك الناس
حقي قة ال سلم ك ما هي ف كتاب ال و سنة ر سوله ،rوك ما كا نت مطب قة ف حياة ال سلف ال صال
رضوان اله عليهم ،وأدركوا إل جانب ذلك مدى بعد المة ف وقتها الاضر عن حقيقة الدين.
وهذا الوعي بذه القيقة – من طرفيها – أمر ل يكن وقفه!
فل أوروبا تلك أن تتوقف عن النيار الذي هي صائرة إليه بسب السنن الربانية ،ما دامت مصرة
على معاندة كل ما يأت من عند ال .ول العرفة بقيقة ل إله إل ال ،وحقيقة الدين النل من عند ال،
يكن وقفها اليوم ،وقد صارت عند الشباب بديهيات ومسلمات!
m m m
رافد آخر من روافد الصحوة السلمية يتمثل ف فشل النظم الستوردة ف حل مشاكل الناس ،وفشل
الزعماء العلمانيي ف تقيق ما كانت المة تعلقه عليهم من المال.
فهذا هو الواقع الشهود بعد قرن كامل من استياد النظم من غرب أوروبا أو شرقها على السواء.
ضعف متزايد من جانب "السلمي" ،وقوة متزايدة وعدوان مستمر من جانب العداء.
تزقـت الدولة السـلمية الكـبية ،وتفتـت العال السـلمي إل أجزاء ،ثـ تفتـت الجزاء إل أجزاء.
واليوم يطحن الفتات مرة أخرى لزيد من السحق ،ومزيد من التفتيت.
زاد الفقـر ،وتراكمـت الديون الربويـة التفاقمـة ،ومـع بروز طبقـة جديدة مسـتغلة – فـ ظـل
"الشتراكية"! – تمع ف أيديها ثروات خيايلية ،مقتطعة كلها ومسروقة من قوت تلك الشعوب.
انارت الخلق وتدهورت القيم ،وفقدت الشعوب ترابطها وتاسكها ،وتزقت إل أفراد أنانيي ،أو
جاعات متناحرة ،وفقدت البلد طمأنينتها ،وصارت ف قلق دائم ل تعرف منه طريق اللص.
اقتطعت من قلب العال السلمي أرض من أقدس الراضي لتنشأ فيها دولة لليهود ،ويرى التحضي
لقامة دول أخرى غي إسلمية ف بلد السلمي.
ويرى العدوان الستمر على السلمي ف كل الرض :ف الند .ف البشة .ف أريتريا .ف الصومال.
ف أوغندا .ف الفلبي .فضلً عن الرب الضارية على السلمي ف العال الشيوعي.
ماذا فعلت النظم الستوردة ،وماذا فعل الزعماء العلمانيون ،وقد جرت كل هذه الصائب من خلل
وجودهم, ،أو جرت على أيديهم ،وكانوا هم طرفا من أطرافها ،وسببا من أسبابا..؟
وحي ييأس الناس من هذه النظم ومن هذه الزعامات ..فإل أين يتجهون؟!
إنه رافد للصحوة السلمية ل يكن وقفه!
فهذا لن ظم ال ستوردة ت صاحبها دائما عبود ية خف ية أو ظاهرة لوا حد من الع سكرين .والعبود ية ل
تدث نضة ول تل مشكلة .أو إن حلت بعض الشاكل فهي تلها على حساب الصي النهائي للمة،
كالذي يرج من حفرة ليقع ف أكب منها .حت يقع ف الفرة الت ليس منها خلص!
والزعماء الزيفون ل يلكون اللص القي قي لشعوب م ،لن ذلك ي ضر ب صال الذ ين يضعون م ف
أماكن هم ،ويلون علي هم سياستهم! و هم ما وضعو هم ف موضع هم هذا إل ليحققوا م صال ال سادة ل
مصال العبيد! فل السادة يسمحون بالنجاح القيقي لولئك الزعماء لن هذا ضد مصالهم ،ول هم
بأنفسهم قادرون على النجاح رغم أنف السادة ،لن السادة هم الذين ينحونم السلطان ،ويوم يرجون
عن طوعهم فما أسهل أن يزالوا من الطريق!
ول قد حاول ال سادة أن يلوا تلك العادلة ال صعبة بإقا مة "زع يم خالد" ف كل بلد إ سلمي ،ي قق
مصال ال سادة ت ت ستار من البطولت الزائ فة ال ت تب هر أع ي الشعوب ،وتوه ها أ نه يع مل لصالها!
ول كن اللع بة تنك شف ف النها ية ،وي تبي للناس أن زعيم هم الالد قد أغرق هم ف العار والذل ،والف قر
والفو ضى ،ف أثناء انبهار هم ب ا يل عب على ال سرح من البطولت! وأن م قد تأخروا ف كل سنة من
حكمه با يوازي عدة أضعاف من السني.
و ف نا ية الشوط ،ح ي ت ل الشعوب من اللع بة والل عبي ،تت جه إل ال سلم بأعداد متزايدة تطلب
اللص!
m m m
هنالك قدر علوى يدفع الحداث ..ويدفعها ف اتاه معي ..ف اتاه الصحوة السلمية.
إن بواعث الصحوة كلها موجودة ،سواء منها ما هو قائم ف هذه اللحظة أو ما هو قادم ف الطريق.
ول يلك العداء – ك ما بي نا – شيئا من أ مر هذه البوا عث .ل يلكون و قف الضارة الغرب ية عن
النيار .ول يلكون أن يعلوا علماء هم ف النط قة ناجح ي من وج هة ن ظر شعوب م .ول يلكون إلغاء
الوجود اليهودي ول منعه من العدوان الستمر ،والطغيان الستمر.
إنم يلكون – بقدر ال – أمرا واحدا ،وهو التقتيل والتذبيح والتشريد التعذيب والضطهاد .وهذا
ل يقضى على الركة السلمية! إنا يصقلها ويحصها ويعلها أقدر على الواجهة!
وال هو الذي يدبر المور.
وبقدر من ال تعمل الظروف العالية كلها لتمكي الصحوة السلمية وتأصيلها ،وجعلها هي الط
البارز ف مستقبل البشرية.
وبقدر من ال يسخر أعداء ال كلهم للقيام بذه الهمة ،مهمة تكي الصحوة السلمية وتأصيلها،
مـن خلل أعمالمـ "الطبيعيـة" التـ يقومون باـ ،وبدافـع مـن القـد السـود الذي يل صـدورهم تاه
السلم.
ولن يكون شئ من هذا نز هة جيلة يتنه في ها ال سلمون ،أو طريقا مفروشا بالورود .إن ا هو العرق
والدموع ،والدماء والعذاب ،وال هد النا صب ،والطر يق الو عر الخفوف بالخاوف ،وبالوحوش الوال غة
ف الدماء .يسقط فيه شهيد تلو شهيد .بينما يسي الركب ف الر اللفح وف الزمهرير .ل يتوقف عن
السي.
س اْل َقوْ مَ
سكُمْ َقرْ حٌ َفقَ ْد مَ ّ ح َزنُوا َوَأنْتُ ْم الَعَْلوْ نَ إِ نْ ُكْنتُ ْم ُم ْؤ ِمنِيَ ( )139إِ ْن يَمْ سَ ْ
{وَل َتهِنُوا وَل تَ ْ
س وَِلَيعْلَ مَ اللّ ُه الّذِي نَ آ َمنُوا َوَيتّخِ َذ ِمْنكُ ْم ُشهَدَا َء وَاللّ ُه ل يُحِبّ
ك الَيّا مُ نُدَاوِلُهَا َبيْ َن النّا ِ
ح ِمثْلُ ُه َوتِلْ َ
َقرْ ٌ
جّن َة وَلَمّا
سْبتُمْ أَ ْن تَدْ ُخلُوا الْ َ
الظّالِ ِميَ ( )140وَِليُمَحّصَ اللّ ُه الّذِينَ آمَنُوا َويَ ْمحَ َق اْلكَافِرِينَ ( )141أَمْ حَ ِ
َيعْلَمْ اللّ ُه الّذِينَ جَاهَدُوا ِمْنكُمْ َويَعَْل َم الصّابِرِينَ ([ })142سورة آل ]142-3/139
وف النهاية ينصر ال جنوده ويكن لم ف الرض حسب وعده الدائم لم:
ف الّذِي َن مِ ْن
ستَخِْل َفّنهُم فِي الَرْ ضِ كَمَا ا ْستَخْلَ َ { َوعَدَ اللّ ُه الّذِي نَ آمَنُوا ِمْنكُ ْم َوعَ ِملُوا ال صّالِحَاتِ َليَ ْ
َقبِْلهِ ْم وََليُ َم ّكنَنّ َلهُ مْ دِيَنهُ ْم الّذِي ا ْرَتضَى َل ُه ْم وََلُيبَدَّلنّهُ ْم مِ ْن َبعْدِ َخوِْفهِ مْ َأمْنا َي ْعبُدُوَننِي ل يُشْرِكُو َن بِي
َشيْئا} [سورة النــور ]24/55
ول نعلم بطبيعة الال كيف يكون التمكي ..فلذلك غيب ..ولكنا نستشف من أحاديث الرسولr
بعض اللمح لذا التمكي.
فاليهود اليوم هم السيطرون ف الرض ،وهم الذين يرسون سياسة العال ،وهم الذين يططون ضد
السلم والسلمي ( ،)1وبصفة خاصة ف النطقة الحيطة بإسرائيل.
m m m