Professional Documents
Culture Documents
المقدمـــة
الحمد ل ربّ العالمين ،حمدا يوافي نعمه ،ويكافئ مزيده ،سبحانك يا ربّنا ل نُحصي
ثناء عليك أنَت كما أثنيت على نفسك .
صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك سيدنا محمد صلة تُرضيك وترضيه وترضى لها
عنا برحمتك يا أرحم الراحمين .
ض الّلهَم عن أصحاب نبيّك الذين اخترتهم لحمل هذه الشريعة ،واصطفيتهم لتبليغ
وار َ
هذه الرسالة ،فكانوا لذلك أهلً ،وغدوا لمن بعدهم قدوة صالحة ،ونبراسا يُهتدى بنوره ،
ويُستضاء به .وارحم يا إلَهنا كل من سار على هداهم ،واستنّ بسنتهم .
والتمسك بسنّته ،واحفظنا يا ربنا من الزلل ،والعلل ، الّلهَم وفّقنا للقتداء ،بنبيك
والرياء ،واجعل عملنا هذا خالصا لوجهك الكريم ،وأجُرنا عليه بما أنت له أهل ،برحمتك
وفضلك يا أرحم الراحمين .
وبعد ،فهذا هو الجزء الرابع في سلسة ( الفقه المنهجي ) على مذهب المام الشافعي ،
أودعنا فيه ما يتعلق بأحكام الُسرة .
وجعلناه سبعة أقسام :
-1النكاح ،وما يتعلق به .
وال نسأل أن نكون قد وُفّقنا للصواب ،وتقريب هذا التراث العظيم من الفقه
السلمي للقرّاء الكارم وعلى ال توكلنا ،وهو حسبنا و ِنعَم الوكيل .
المؤلفــون
2
أول ً :النكاح وما يتعلق به وما يشبهه .
تمهيد :
معنى الحوال الشخصية :
يقصد بالحوال الشخصية :الوضاع التي تكون بين النسان وأُسرته ،وما يترتب عليه
هذه الوضاع من آثار حقوقية ،والتزامات مادية أو أدبية .
وإطلق هذا الصطلح على هذا المعنى إطلق حديث ،أُطلق في مقابلة الحوال
المدنية ،التي تنظّم علقات النسان بأفراد المجتمع خارج حدود الُسرة .
أما الفقهاء قديما ،فلم يكونوا يطلقون هذا السم ( الحوال الشخصية ) على المبادئ
والحكام الشاملة للسرة ومتعلقاتها ،وإنما كانوا يطلقون على كل باب اسما خاصا :مثل :
كتاب النكاح .كتاب الصداق .كتاب النفقات .كتاب الطلق .كتاب الفرائض .وهكذا .
النكـــــاح
تعريف النكاح :
3
النكاح لغة :الضم والجمع .يقال :تناكحت الشجار ،إذا تمايلت وانضم بعضها إلى
بعض .
والنكاح شرعا :عقد يتضمن إباحة استمتاع كل من الزوجين بالخر على الوجه
المشروع .
وسُمي بذلك لنه يجمع بين شخصين ،ويضمّ أحدهما إلى الخر .
والعرب تستعمل لفظ النكاح بمعنى العقد ،وبمعنى الوطء والستمتاع .
لكن النكاح حقيقة يطلق علي العقد ،ويستعمل مجازا في الوطء .
وعامة استعمال القرآن للفظ النكاح إنما هو في العقد ،ل في الوطء .
طلّ ْق ُتمُوهُنّ مِن َقبْلِ أَن
حتُمُ ا ْل ُم ْؤ ِمنَاتِ ثُمّ َ
يَا َأ ّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا إِذَا َنكَ ْ ومنه قوله تعالى :
اليامى :جمع أيّم ،وهو من ل زوج له من الرجال ،ومَن ل زوج لها من النساء .
عبادكم :الرجال المملوكين .
إمائكم :النساء المملوكات .
وأما السنة :فأحاديث كثيرة أيضا ،منها .
4
" :يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ،فإنه أغض للبصر قوله
وأحصن للفرج ،ومن ثم يستطع فعليه بالصوم ،فإنه له وجاءٌ " .
رواه البخاري ( في كتاب النكـاح ،بـاب :الترغيب في النكـاح ،رقم ) 4779 :
ومســلم ( في النكاح ،باب :استحباب الترغيب في النكاح لمن تاقت نفسه إليه … ،رقم :
الباءة :القدرة على الجماع بتوفر القدرة على مؤن الزواج .
وجاء :قاطع لشهوة الجماع .
وأما الجماع :فقد اتفقت كلمة العلماء في كل العصور على مشروعيه .
الترغيب بالزواج :
لقد رغب السلم في الزواج ،وحضّ عليه ،لما فيه من المصالح والفوائد ،التي تعود
على الفرد والمجتمع .
" :الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة " رواه مسلم في كتاب قال رسول ال
الرضاع ،باب :خير متاع الدنيا المرأة الصالحة ) 1467 ،عن عبدال بن عمرو رضي ال
عنهما .
( متاع :شيء ينتفع به ويتمتع به إلى أمدٍ قليل ) .
وروى الترمذي ( كتاب النكاح ،باب :ما جاء في فضل التزويج والحثّ عليه ،رقم :
":أربع من سنن المرسلين :الحياءُ ، قال :قال رسول ال ) 1080عن أبي أيوب
وال ّتعَطُر ،والسّواكُ ،والنكاح " .
5
ولمّا كان السلم دين الفطرة يستجيب لها ،وينظّم مجراها ،شَرع الزواج تلبية لهذا
النداء العميق المستقر في أعماق هذا النسان وكيانه ،وجعل الزواج هو الطريق الوحيد الذي
يعبّر عن إشباع هذه الرغبة وإروائها .
فلم يكبت السلم هذه الغريزة ،ويحطم كيان هذا النسان بتشريع الحرمان من الزواج ،
والدعوة إلى الرهبنة والتبتل .
روى الترمذي ( النكاح ،باب :ما جاء في النهي عن التبتّل ،رقم ) 1082 :عن
على عثمان بن مظعون التبتّل ،ولو أذن له لختصينا ) . قال ( :ردّ رسول ال وقاص
لكن السلم لم ُيلْق حبل هذه الغريزة على غاربها ،ولم يترك النسان حرا طليقا في إشباع
نهمه الجنسي ،بحيث يفسد نفسه وغيره ،ويضرّ بالخلق ،ويهدم البيوت والُسر ،ويفتح
الباب واسعا لغواية الشيطان ووساوسه .وإنما وقف الموقف المتوسط المعتدل ،فاستجاب لنداء
الفطرة ونظمها ،بحيث تؤدي دورها النافع البنّاء في إيجاد هذا النوع ،واستمرار بقائه .
2ـ إمداد المجتمع السلمي بنسل صالح ،ونشء مهذب :
لقد دعا السلم إلى كثره النَسْل ،وجعله من بين أهدافه ،في إنشاء المجتمع السلمي
" :تزوّجوا الوَُلوَد الودود فإني مُكاثر بكـم المـم يـوم المُهيب المرهوب ،قال رسول ال
القيامـة " ( .أخرجه أبو داود في سننه :كتاب النكاح ،باب :النهي عن تزويج من لم يلد من
النساء ،رقم . 2050 :
والنسائي في النكاح أيضا ،باب :كراهية تزويج العقيم . ] 65 / 6 :
ولذلك دعا القرآن إلى الزواج ،ووجّه نظر الولياء إلى تزويج أبنائهم وبناتهم .
6
عبَا ِدكُمْ َوِإمَا ِئكُمْ إِن َيكُونُوا فُ َقرَاء
َوأَنكِحُوا الَْأيَامَى مِنكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ ِ قال تعالى :
وإمداد المجتمع بنشئ يولدون في ظلل أبوين حانيين عطوفين ،يعرفان كيف تُصاغ
عقول هذا النشئ ،وكيف تُربى مواهبه ،أفضل النزوات المحّرمة الطائشة من السفاح
والزنى ،فهؤلء ل يعرفون أبا يرعاهم ،ول ُأمَا تحنو عليهم ،فينشؤون وفي أنفسهم عقد
الكراهية والحقد على أمتهم ومجتمعهم ،وعلى الناس جميعا .
3ـ إيجاد السكن النفسي والستقرار الروحي :
وفي هذا الزواج الشرعي الشريف تحصل هذه الطمأنينة ،و السكينة والهدوء النفسي .
جعَلَ َب ْي َنكُم ّموَ ّدةً
س ُكنُوا ِإَل ْيهَا وَ َ
سكُمْ َأ ْزوَاجا ّلتَ ْ
خلَقَ َلكُم مّنْ أَنفُ ِ
َومِنْ آيَاتِهِ أَنْ َ قال تعالى :
( الروم . ) 21 : حمَةً إِنّ فِي َذِلكَ لَآيَاتٍ لّ َقوْمٍ َيتَ َف ّكرُونَ
َورَ ْ
وانظر إلى التعبير القرآني ما أروعه في إبراز معنى الحاجة للزواج ،وحصول الستر
والسعادة والستقرار فيه .
( البقرة . ) 117 : هُنّ ِلبَاسٌ ّلكُمْ َوأَنتُمْ ِلبَاسٌ ّلهُنّ قال تعالى :
فالية شبهت كل من الزوجين باللباس للخر ،لن كلً منهما يستر الخر.
فحاجة كلّ من الزوجين للخر كحاجته إلى اللباس ،فإذا كان اللباس يستر معايب الجسد
،وبقية عاديات الذى ،فإن كلً من الزوجين يحفظ على صاحبه شرفه ،ويصون عرضه ،
ويوفّر له راحته وأُنسه .
4ـ الحفاظ على الخلق من الهبوط والنهيار :
فالنسان إذا منع من الزواج المشروع تاقت نفسه إلى تحصيل حاجته من الطريق
الممنوع ،ول يخفى على عاقل ما في السفاح والزنى من فساد الخلق ،وخراب الُسر ،
وهتك العراض ،وانتشار المراض ،وقلق النفوس والرواح .
" :إذا جاءكم من وللمحافظة على الخلق ،وللوقاية من الفساد قال رسول ال
خلُقَه فأنْكحُوه ،إلّ تفعلوا تكن فتنة في الرض وفَسَادُ " رواه الترمذي ( في
َت ْرضَوْنَ دينَه و ُ
7
النكاح ،باب :ما جاء إذا جاءكم من ترضون دينه فزوجوه ،رقم ) 1085 :عن أبي حاتم
. المزني
8
5ـ المحافظة على النوع البشري سويا سليما :
لقد جرت عادة ال سبحانه وتعالى أن ل يكون إنسان إل من أبوين :رجل و امرأة ،فإذا
علمنا أن السلم قد حرّم اقتران رجل بامرأة إل على أساس زواج شرعي ،فإن ذلك يعنى أن
ا لسلم قد حصر حفظ النوع البشري بالزواج ،فلو حرم الزواج لنقرض البشر ،ولو أباح
السفاح لكان هذا البشر شقيّا مريضا ،وال سبحانه وتعالى يريد بعباده الخير ،ول يحب لهم
9
عــــــا
شْر ُ حكــــــم النِكَـــــا ِ
ح َ ُ
للنكاح أحكام متعددة ،وليس حكما واحدا ،وذلك تبعا للحالة التي يكون عليها الشخص ،
وإليك بيان ذلك :
1ـ مستحب :
وذلك إذا كان الشخص محتاجا إلى الزواج :بمعنى أن نفسه تتوق إليه ،وترغب فيه ،
وكان يملك مؤنته ونفقته ،من مهر ،ونفقة معيشة له ولزوجته ،وهو في نفس الوقت ل يخشى
على نفسه الوقوع في الفاحشة إن لم يتزوج .
ففي هذه الحالة يكون النكاح مستحبّا ،لما فيه من بقاء النَسْل وحفظ النسب ،و الستعانة
على قضاء المصالح.
قال :كنا مع النبي ويستدل لذلك بحديث البخاري ومسلم :عن عبدال بن مسعود
" :يا معشر الشباب مَن استطاع منكم الباءة شبابا ل نجد شيئا ،فقال لنا رسول ال
1
ض للبصر وأحصن لفرج ،ومَن لم يستطع فعليه بالصوم ،فإنه له وِجاء "
فليتزوج ،فإنه أغ ّ
.
والزواج في هذه الحالة أفضل من التفرغ للعبادة ،والنقطاع لها .
لولئك النفر من أصحابه الذين تعاهدوا على النقطاع وعلى هذا يحمل توجيه الرسول
للعبادة ،وترك الزواج .
روى مسلم ( في النكاح ،باب :استحباب لمن تاقت نفسه إليه … ،رقم ) 1401
عن عمله في السرّ ، سألوا أزواج النبي وغيره عن أنس :أن نفرا من أصحاب النبي
فقال بعضهم :ل أتزوج النساء ،وقال بعضهم :ل آكل اللحم ،وقال بعضهم :ل أنام على
فراش ،فحمد ال وأثنى عليه ،فقال " :ما بالُ أقوامٍ قالوا :كذا وكذا ،لكني أصلي وأنام ،
سنّتي فليسَ منّي " .
وأصوم وأفطر ،وأتزوج النساءَ فم رغب عن ُ
10
ومعنى " فمن رغب عن سُنتي فليس مني " أي من تركها إعراضا عنها ،غير معتقد لها
على ما هي عليه .
والمرأة في هذا الحكم مثل الرجل ،فإذا كانت محتاجة للزواج لصيانة نفسها ،وحفظ
دينها ،وتحصيل نفقتها ،استحبّ لها الزواج أيضا .
2ـ مستحب تركه ( أي مكروه وفعله خلف الولى ) :
وذلك إذا كان محتاجا للزواج ،لكنه ل يملك أُهبة النكاح ونفقاته .
وعليه في هذه الحالة أن يعفّ ويستعين على ذلك بالعبادة والصوم ،لن النشغال
بالعبادة والصوم ،يشغله عن التفكير في الزواج ،واستشارة الرغبة فيه ،ريثما يغنيه ال من
فضله .
ضلِه ِ
حتّى ُي ْغ ِن َيهُمْ اللّهُ مِن َف ْ
س َتعْ ِففِ الّذِينَ لَا يَجِدُونَ ِنكَاحا َ
ودليل ذلك قوله تعالى َ :و ْليَ ْ
( النور . ) 33 :
" :مَن استطاع منكم الباءة فليتزوج " فإنه ويُفهم هذا الحكم أيضا من مفهوم قول النبي
إذا لم يملك الباءة كان ترك الزواج مستحّبا له .
3ـ مكروه :
وذلك إذا كان غير محتاج إلى الزواج :كأن ل يجد الرغبة فيه ،أما فطرة ،أو
لمرض ،أو علّة ،ول يجد أُهبه له ،وذلك لما فيه من التزام مال يقدر على القيام به ،لن
النكاح يترتب عليه المهر ،والنفقة ،وهو ل يقدر على ذلك ،فيُكره النكاح له .
4ـ الفضل تركه :
وذلك إذا كان يجد الُهبة ،ولكنه ليس محتاجا إلى النكاح ،لن نفسه ل تتوق إليه ،
وكان منشغلً بالعبادة ،أو منقطعا لطلب العلم ،فإن التفرغ للعبادة وطلب العلم أفضل من
النكاح في هذه الحالة ،لن النكاح ربما يشغله عن ذلك .
5ـ الفضل فعله :
فإذا كان ليس منشغلً بالعبادة ،ول متفرغا لطلب العلم ،وهو يجد الُهبة للنكاح ،لكنه
غير محتاج إليه ،فالنكاح في هذه الحالة أفضل ،حتى ل تقضي به البطالة والفراغ إلى
الفواحش ،وبالزواج يحصل له الستعانة على قضاء المصالح ،وإنجا
11
مكانَة ال ُ
ه لَ َ
ها عايت َ ِ
ور َ
َ مَ السل في رة
َ س
ْ َ
تعريف السرة :
السرة لغة :الرّهْط ـ أي الشخاص ـ ال َدنْون من الرجل .
ويقصد بالُسلم اصطلحا في نظام السلم :تلك الخليّة التي تضم الباء والُمهات ،
والجداد والجدّات ،والبنات والبناء ،وأبناء البناء .
السرة دعامة أساسية في المجتمع :
إذا كان الفرد هو اللبنة الساسية في بناء المجتمع ،فإن الُسرة هي الخليّة الحيّة في
كيانه .
والفرد جزء من الُسرة يأخذ خصائصه الُولى منها .قال تعالى :
" :ما من مولود إل يولد على الفطرة ،فأبواه يهودانه ،وينصرانه ، قال رسول ال
ويمجسانه ،كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء ،هل تحسون فيها من جدعاء ؟ " رواه مسلم ( في
كتاب القدر ،باب :معنى كل مولود يولد على الفطرة ،..رقم ) 2658 :عن أبي هريرة
الفطرة :الحالة المتهيئة للخير ،وهي حالة أصل الخلقة البشرية .كما تنتج البهيمة
بهيمة جمعاء :أي كما تلد البهيمة بهيمة كاملة العضاء ل نقص فيها .
جدعاء :مقطوعة الُذن .أي إنما يحدث فيها الجدع والنقص بعد ولدتها ،بتأثير من
البيئة المحيطة بها من إنسان وغيره .وكذلك حال النسان ،تكون استقامته أو انحرافه رهن
البيئة التي ينشأ ويترعرع فيها .
وبناءً على ما سبق نقول :إن الفرد جزء من الُسرة ،والسرة جزء من المجتمع ،
صلُح الفرد ،وإذا صلُح الفرد صلحت الُسرة ،
حتَ الُسرة َ
ودعامة أساسية فيه ،فإذا صلُ َ
وصلح المجتمع .
12
ولذلك أولى السلم السرة رعاية بالغة ،وعناية فائقة ،وشغلت الُسرة حّيزا كبيرا من
أحكام القرآن والسنّة .
13
مظاهر عناية السلم بالسرة :
وتتبدى مظاهر عناية السلم بالُسرة من تلك التشريعات والحكام التي صاغها لتنظيم
الُسرة ،وترتيب شؤونها .ومن ذلك على سبيل المثال ل الحصر :
أ ـ المر بالزواج :
لتشييد دعائم الُسرة ،لنه ل أُسرة بغير زواج ،وكل علقة جنسية بين رجل وامرأة ل
تقوم على أساس الزواج ،فهي زنى وسفاح .
)32
. ) 233
" :ولهنّ عليكم رزقُهنّ وكسو ُتهُنّ بالمعروفِ " . وقال رسول ال
رقم ) 1218 :في حديث طويل . رواه مسلم ( كتاب الحج ،باب حجّه النبي
" :ولكم عليهنّ أن ل يوطئن 2ـ أن ل تُدخل بيته أحدا بغير إذنه ورضاه :قال رسول ال
ُفرُشكم أحدا تكرهونه " رواه مسلم ( )1218من حديث طويل .
14
قال المام النووي رحمه ال تعالى :ل يأذنّ لحد تكرهونه في دخول بيوتكم ،
والجلوس في منازلكم .
":أل أدُلكم 3ـ أن تحفظ شرفه ،وتصون عرضه ،وتحافظ على ماله :قال رسول ال
على خير ما ّي ْك ِنزُ الرّجُلُ ؟ المرأةُ الصالحةُ ،التي إذا نظر إليها س ّرتْه ،وإذا أمرها
أطاعته ،وإذا غاب عنها حفظْته في نفسها ومَالِهِ " .رواه أبو داود ( الزكاة ،باب :في
حقوق المال ،رقـم ) 1664 :وصححه الحاكم في مستدركه .
ج ـ تشريع حقوق الولد والوالدين :
فقد أوجب السلم على الباء لولدهم :
" :أدّبوا أولدَكم على ثلث 2ـ حُسن التربية والتأديب على العبادات والخلق :قال رسول ال
خصالٍ :حُب نبيّكم ،وآل بيته ،وقراءة القرآن " رواه الديلمي [ انظر الجامع الصغير
للسيوطي ] .
وقال عليه الصلة والسلم " :أل ُكلّكم راع ومسؤول عن رعيته ،
فالميرُ الذي على الناس راع ومسؤول عن رعّيته ،والرجلُ راع على أهل بيته ،وهو
مسئولّ عنهم ،والمرأة راعية على بيت بعلها وولده هي مسؤولة عنهم ،والعبد راعٍ
على مال سيده وهو مسؤول عنه ،أل فكُلكم راعٍ ،وكلّكم مسؤول عن رعيّته " .
[ أخرجه البخاري في الجمعة ،باب :الجمة في القرى والمدن ،رقم . 853 :ومسلم
في المارة ،باب :فضيلة المام العادل … ،رقم ] 1829 :وغيرهما .
كما أوجب السلم على الولد :
1ـ طاعة الوالدين في غير معصية ال تعالى ،والحسان إليهما :
[ السراء وَ َقضَى َر ّبكَ أَلّ َت ْعبُدُواْ إِلّ ِإيّاهُ َوبِا ْلوَالِ َديْنِ إِحْسَانا قال ال تعالى :
. ] 23 :
15
إن من أطيب ما 2ـ النفقة للوالدين إن كانا فقيرين ،والولد موسرا ،قال رسول ال
" :أنت ومَالُك لوالدك ،إن أولدكم من سبَه " .وقال
أكل الرجلُ من كسْبه ،وولَ ُدهُ مْن كَ ْ
أطيب كسبكم ،فكلوا من كسب أولدكم " [ أبو داود :البيوت والجازات ،باب :في الرجل
يأكل من مال والده ،رقم . 3530 ، 3528 :الترمذي :أبواب الحكام ،باب :ما جاء أن
الوالد يأخذ من مال ولده رقم . ] 1358 :
وهناك أحكام أخرى كثيرة تتعلق بتنظيم حياة الُسرة ،وترتيب أمورها ،ومن هذه
الحكام والتشريعات يتبين مدى اهتمام السلم بالُسرة ورعايته لها .
16
النساء اللتي يحرم نكاحهن
تمهيد :
لما شرع السلم الزواج ،وحثّ عليه ،حرّم على النسان نكاح بعض النساء :
أما لفرض الحترام والتقدير :كتحريم نكاح الُم .
وإما لن الطبع السليم ل يستسيغ ذلك :كنكاح البنت والُخت .
أو لن غرض الزواج ـ وهو الحصان ـ قد ل يتحقق على أتمّ وجه في نكاح
القريبات جدا :كنكاح بنات الخوة والخوات ،وبنات البناء والبنات ،وذلك لكثرة الخلطة
بينهم ،وظهور بعضهم على بعض .
وأما لغرض تنظيمي ترتيبي في بناء الُسرة :كنكاح الخت وبنات الخ من الرضاع .
فلهذه الغراض وغيرها من الحكم حرم السلم نكاح بعض النساء على بعض الرجال ،
كما حرم بعض الرجال على بعض النساء ،وإليك بيان ذلك .
أقسام الحرمة في النكاح :
والحرمة في نكاح بعض النساء على قسمين :
حُرمة مؤبدة .
وحُرمة مؤقتة .
الحُرمة المؤبدة :
ويقصد بها النساء اللتي ل يجوز للرجل أن يتزوج بواحدة منهنّ أبدا ،مهما كانت
الظروف والحوال .
أسباب الحُرمة المؤبدة :
والحرمة المؤبدة لها ثلثة أسباب ،وهي :
القرابة .
المصاهرة .
الرضاع .
17
المُحرّمات بالقرابة :
والمُحرّمات بسبب القرابة سبع ،وهنّ :
1ـ الُم ،وأُم الُم ،وأُم الب ،ويعبّر عنهنّ بأُصول النسان ،فل يجوز نكاح واحدة منهُن .
2ـ البنت ،وبنت البن ،وبنت البنت ،ويعبّر عنهنّ بفروع الِنسان ،فل يجوز نكاح واحدة
منهن .
3ـ الخت ،شقيقة كانت ،أو لب ،أو لم ،ويعبّر عنهنّ بفروع البوين ،فل يجوز نكاح
واحدة منهنّ أبدا .
4ـ بنت الخ الشقيق ،وبنت الخ لب ،أو لم ،فل يجوز نكاحهنّ .
5ـ بنت الخت ،شقيقة كانت ،أو لب ،أو لم ،فهنّ حرام ل يجوز نكاحهنّ أبدا .
6ـ العمّة ،وهي أُخت الب ،ومثلها عمّة الب ،وعمّة الم ،ويعبّر عنهنّ بفروع الجدين من
جهة الب ،فل يجوز نكاحهنّ بحال .
7ـ الخالة ،وهي أخت الم ،ومثلها خالة الم وخالة الب ويعبّر عنهنّ بفروع الجدّين من
جهة الم ،فل يجوز نكاحهنّ أبدا .
خوَا ُتكُمْ
عَل ْيكُمْ ُأ ّمهَا ُتكُمْ َو َبنَا ُتكُمْ َوأَ َ
ح ّر َمتْ َ
ُ وفي حُرمة هؤلء كلهنّ نزل قوله تعالى :
1ـ زوجة الب ،ومثلها زوجة الجد أب الب ،وزوجة الجد أب الم ،ويعبّر عن ذلك
بزوجات الصول ،فل يجوز نكاح واحدة منهن أبدا .
18
سَلفَ ِإنّهُ كَانَ فَاحِشَةً
ن النّسَاء إِلّ مَا قَدْ َ
وَلَ تَنكِحُواْ مَا َنكَحَ آبَا ُؤكُم مّ َ قال تعالى :
2ـ زوجة البن ،وزوجة ابن البن ،وابن البنت ،وهكذا زوجات الفروع ،فل يجوز
نكاحهنّ بحال .
ضوْا ِم ْنهُنّ
عيَا ِئهِمْ إِذَا َق َ
حرَجٌ فِي َأ ْزوَاجِ أَدْ ِ
علَى ا ْل ُم ْؤ ِمنِينَ َ
ِل َكيْ لَا َيكُونَ َ وقال تعالى :
ضوْا ِم ْنهُنّ وَطَرا :أي انتهت حاجتهم منهنّ ولم يبق لهم رغبة فيهنّ ] .
[ َق َ
[ النساء ] 23 : َوُأ ّمهَاتُ نِسَآ ِئكُمْ 3ـ أم الزوجة ،فل يجوز نكاحها ،قال ال تعالى :
ومثل أمها جميع أصولها من النساء .
وهؤلء الثلثة يحرمن بمجرد العقد ،سواء تبع ذلك دخول ،أو لم يتبعه ،وإذا عقد
على واحدة منهن كان العقد باطلً .
4ـ بنت الزوجة ،وهي الربيبة ،فهي حرام على زوج أُمها ،ولكن ليس بمجرد العقد ،بل ل
تنشأ الحُرمة إل بالدخول على أُمها .
خ ْلتُم ِبهِنّ فَإِن لّمْ
لتِي دَ َ
لتِي فِي حُجُو ِركُم مّن نّسَآ ِئكُمُ ال ّ
َو َربَا ِئ ُبكُمُ ال ّ قال تعالى :
19
هذا ول يشترط لحرمة الربيبة أن تكون في حجر زوج أُمها ،بل هي حرام عليه ،سواء
كانت في حجره أو كانت تعيش بعيدة عنه .
وإنما ذكر القيد في الية لبيان الحالة الغالبة ،فإن الغالب على الربيبة أن تكون
في رعاية زوج أمها وحجره وكنفه .وكذلك يحرم على المرأة زوج أمها ،وزوج
بنتها ،وابن زوجها ،وأبو زوجها .
المحرمات بالرضاع :
ويحرم بسبب الرضاع أيضاَ سبع من النسوة ،ذكر القرآن الكريم منهّن اثنين
وألحقت السنة بقية السبع بهما ،وهؤلء السبع هّن :
1ـ الُم بالرضاع ،وهي المرأة التي أرضعتك ،ويلحق بها أُمها ،وأُم أُمها وأُم أُبيها ،فل
يجوز نكاح واحدة منهنّ .
2ـ الخت بالرضاع ،وهي التي رضعت من أُمك ،أو رضعت من أُمها ،أو رضعت أنت
وهي من امرأة واحدة .
فإذا رضعت من أُمك صارت حراما عليك ،وعلى جميع إخوتك .ويحلّ لك أخواتها ،
لنهنّ لم يرضعن من أُمك .
وإذا رضعت أنت من أُمها صرت حراما عليها ،وعلى جميع أخواتها ،وحلّت هي
وأخواتها لخوتك ،لنها لم ترضع من أمك ،ول رضع أخواتك من أمها .
ض ْع َنكُمْ
لتِي َأ ْر َ
َُأ ّمهَا ُتكُمُ ال ّ وفي تحرم الم والخت من الرضاع نزل قوله تعالى :
20
" :إن الرّضاعة تُحرّمُ ما يَحرُم من الولدة " رواه وفي هؤلء يقول الرسول
البخاري ومسلم عن عائشة رضي ال عنها .
في بنت وروى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي ال عنهما ،قال :قال النبي
حرُم من الرضاع ما يحرُم من النسب ،هي بنت أخي
حمزة رضي ال عنها " :ل تَحِلّ لي ،ي ْ
من الرضاعة " .
( البخاري :الشهادات ،باب :الشهادة على النساب والرضاع ،.رقم ، 2502:
2503مسلم :الرضاع ،باب :يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولدة ،وباب :تحريم ابنة
الخ من الرضاعة ،رقم . ) 1447 ،1444 :
وكذلك يحرم على المرأة أبوها بالرضاع ،وابنها من الرضاع ،وأخوها وابن أخيها من
الرضاع ،وعمّها وخالها من الرضاع .
وكذلك يحرم بالمصاهرة من الرضاع :
1ـ أم الزوجة من الرضاع ،وهي التي أرضعت زوجتك .
2ـ بنبت الزوجة من الرضاع ،وهي التي رضعت من زوجتك ،لكن من لبن زوج غيرك .
3ـ زوجة الب من الرضاع ،وهي زوجة الب التي رضعت من زوجته الثانية .
4ـ زوجة البن من الرضاع ،وهي زوجة من رضع من زوجتك .
الحرمة المؤقتة :
حرّمن على النسان لسبب من السباب ،
والنساء المحرمات حرمة مؤقتة :هن اللتي ُ
فإذا زال هذا السبب زالت الحُرمة ،وعاد الحل ،فإذا عقد على واحدة منهنّ قبل زوال سبب
الحرمة كان العقد باطلً .
وهؤلء النساء هنّ :
1ـ الجمع بين الختين :
سواء كانتا من النسب ،أو من الرضاع .وسواء عقد عليهما معا أو في وقتين .
فإذا عقد عليهما معا بطل العقد فيهما ،وإذا عقد عليهما واحده بعد الخرى بطل عقد
الثانية .
21
طلّقت ،وانقضت عدّتها حلّ له أن يعقد على أختها .قال ال عزّ
فإذا ماتت الولى ،أو ُ
وجلّ :
2ـ الجمع بين المرأة وعمّتها ،وبين المرأة وخالتها ،وبين المرأة وبنت أختها ،أو بنت
أخيها ،أو بنت ابنها ،أو بنت بنتها :
وقد وضع الفقهاء قاعدة بضبط من يحرم الجمع بينهنّ ،فقالوا ( يحرم الجمع بين كل
امرأتين لو فرضت إحداهما ذكرا لما جاز له أن يتزوج الخرى ) .وهي تشمل جميع من
ذكرنا .
قال " :ل ،أن رسول ال ودليل ذلك :ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة
عمّتها ،ول بين المرأة وخالتها " .
يُجمعُ بين المرأة و َ
( البخاري :النكاح ،باب :ل تنكح المرأة على عمّتها ،رقم . 4820 :مسلم :
النكاح ،باب :تحريم الجمع بين المرأة وعمّتها … ،رقم . 1408 :
الحكمة من هذا التحريم :
والحكمة من تحريم الجمع بين مَن ذكرنَ ما في هذا الجمع من إيقاع الضغائن بين
الرحام ،بسبب ما يحدث بين الضرائر من الغيرة .
نهى أن تُزوّج المرأة على العمّة والخالة ،وقال :إنّكنّ روى ابن حبان ( :أن النبي
إذا فعلتنّ ذلك قطعتنّ أرحامكم ) .
أن تنكح وأخرج أبو داود في المراسيل عن عيسى بن طلحة قال ( :نهى رسول ال
المرأة على قرابتها مخافة القطيعة ) [ .نيل الوطار . ] 6/157 :فإذا ماتت واحدة منهنّ أو
طلّقت ،وانقضت عدّتها حلّت الخرى .
ٌ
3ـ الزائدة على أربع نسوة :
فل يجوز أن يضم زوجة خامسة إلى نسائه الربع الموجودات عنده حتى يطلق واحدة
طلّقت ،حلت له الخامسة .قال ال عز
منهنّ ،وتنقضي عدّتها ،أو تموت ،فإذا ماتت ،أو ُ
( سُنن أبي داود :الطلق ،باب :في مَن أسلم وعنده نساء أكثر من أربع أو أُختان ) .
4ـ المشركة الوثنية :
وهي التي ليس لها كتاب سماوي ،فإذا أسلمت حلّت ،وجاز الزواج بها ،قال ال تعالى
:
] 221
تنبيهان :
الول :ل يجوز للمرأة المسلمة أن تتزوج برجل غير مسلم ،مهما كانت ديانته ،لن
للزوج ولية على الزوجة ،ول ولية لكافر على مسلم ،ولنها ل تأمن عنده على دينها ،لنه
خ ْيرٌ مّن
حتّى ُي ْؤ ِمنُواْ َوَل َعبْدٌ ّم ْؤمِنٌ َ
ش ِركِينَ َ
وَلَ تُنكِحُواْ ا ْلمُ ِ ] 141وقال سبحانه وتعالى :
جنّةِ وَا ْل َمغْ ِف َرةِ بِإِ ْذنِهِ َو ُي َبيّنُ آيَاتِهِ
عوَ ِإلَى الْ َ
ج َبكُمْ ُأ ْولَـ ِئكَ يَدْعُونَ ِإلَى النّارِ وَاللّهُ يَدْ ُ
ش ِركٍ َوَلوْ أَعْ َ
مّ ْ
فإذا أسلم حلت له ،وإذا عقد عليها قبل إسلمه كان العقد باطلً ،ووجب التفريق بينهما
فورا فإذا حصل وطء كان ذلك زنا .
الثاني :يجوز للمسلم أن يتزوج يهودية أو نصرانية ،لنه ربما يكون ذلك سببا
لسلمها ،وإسلم أهلها ،وإطّلعهم على السلم ،وترغيبهم فيه .
ول يجوز لزوجها المسلم أن يٌُكرهها على تغيير دينها ،أو يضايقها في أداء عبادتها .
صنَاتُ مِنَ
ح َ
طعَا ُمكُمْ حِلّ ّلهُمْ وَا ْلمُ ْ
طعَامُ الّذِينَ أُوتُواْ ا ْل ِكتَابَ حِلّ ّلكُمْ وَ َ
وَ َ قال ال تعالى :
غ ْيرَ
صنِينَ َ
ح ِ
صنَاتُ مِنَ الّذِينَ أُوتُواْ ا ْل ِكتَابَ مِن َق ْبِلكُمْ إِذَا آ َت ْي ُتمُوهُنّ أُجُورَهُنّ مُ ْ
ح َ
ا ْل ُم ْؤمِنَاتِ وَا ْلمُ ْ
ح ّتىَ
وَلَ َت ْع ِزمُواْ عُقْ َدةَ ال ّنكَاحِ َ وفاة ،فإذا انتهت عدّتها ،جاز الزواج بها .قال ال تعالى :
أي ل تقصدوا إلى عقد النكاح لتعقدوه حتى تبلغ المرأة تمام عدّتها المكتوبة لها في كتاب
ال عزّ وجل .
7ـ المرأة المطلقة ثلثا :
فل يجوز لزوجها أن يعود إليها حتى تنكح زوجا غيره ،نكاحا شرعيا صحيحا ،ثم
يطلّقها الزوج الثاني ،وتنقضي عدّتها منه ،فإذا حصل ذلك جاز لزوجها الول أن يعود إليها ،
ح ّتىَ تَنكِحَ
طلّ َقهَا فَلَ َتحِلّ لَهُ مِن َبعْدُ َ
فَإِن َ ويعقد عليها عقد زواج جديد .قال ال تعالى :
ظنّا أَن يُقِيمَا حُدُو َد اللّهِ َو ِت ْلكَ حُدُو ُد اللّهِ
جعَا إِن َ
عَل ْي ِهمَا أَن َي َترَا َ
جنَاحَ َ
طلّ َقهَا فَلَ ُ
غ ْي َرهُ فَإِن َ
َزوْجا َ
وروى البخاري ومسلم عن عائشة رضي ال عنها :جاءت امرأة رفاعة القرظي النبي
،فقالت :كنت عند رفاعة فطلّقني ،فأبت طلقي ،فتزوجت عبدال بن الزّبير ،إنما معه
24
مثل هُدبَة الثوب ،فقال ( :أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ ل ،حتى تذوقي عُسيلته ،ويذوق
عُسيلتك ) .
( البخاري :الشهادات ،باب :شهادة المختبي ،رقم . 2469 :مسلم :النكاح ،باب :
ل تحلّ المطلقة ثلثاُ لمطلّقها حتى تنكح … ،..رقم . ) 1432 :
أ َبتّ طلقي :من البتّ وهو القطع ،أي قطع طلقي قطعا كليا ،والمراد أنه طلّقها
الطلقة الثالثة التي تحصل بها البينونة الكبرى .هدبة الثوب :حاشيته ،وهو كناية عن عدم
قدرته على الجماع .تذوقي عسيلته :كناية عن الجماع .وعُسيلة :قطعة صغيرة من العسل ،
شبّه لذّة الجماع بلذة ذوق العسل .
ومعنى الية :إن خفتم إذا نكحتم اليتيمات أن ل تعدلوا في معاملتهنّ ،فقد أُبيح لكم أن
تنكحوا غيرهن ،مثنى وثلث ورُباع .
ولكن قد يطرأ على التعدّد ما يجعله مندوبا ،أو مكروها ،أو محرما ،وذلك تبعا
لعتبارات وأحوال تتعلق بالشخص الذي يريد تعدد الزوجات :
أ ـ فإذا كان الرجل بحاجة لزوجة أخرى :كأن كان ل تعفّه زوجة واحدة ،أو كانت زوجته
الولى مريضة ،أو عقيما ،وهو يرغب بالولد ،وغلب على ظنه أن يقدر على العدل
بينهما ،كان هذا التعدد مندوبا ،لن فيه مصلحة مشروعة ،وقد تزوج كثير من
الصحابة رضي ال عنهم بأكثر من زوجة واحدة .
ب ـ إذا كان التعدّد لغير حاجة ،وإنما لزيادة التنعّم والترفيه ،وشك في قدرته على إقامة
العدل بين زوجاته ،فإن هذا التعدد يكون مكروها ،لنه لغير حاجة ،ولنه ربما لحق
بسببه ضرر في الزوجات من عدم قدرته على العدل بينهنّ .
25
يقول " :دْع ما يريبُك إلى ما ل يَريبُك " ،أي دع ما تشك فيه إلى ما ل تشك والنبي
فيه .
رواه الترمذي ( أبواب صفة القيامة ،باب :أعقلها وتوكل ،رقم ) 2520 :عن حسن
بن علي رضي ال عنهما .
ج ـ وإذا غلب على ظنه ،أو تأكد أنه ل يستطيع إن تزوج أكثر من واحدة أن يعدل بينهنّ :
إما لفقره ،أو لضعفه ،أو لعدم الوثوق من نفسه في الميل والحيف ،فإن التعدد عندئذ
يقول " :ل ضرر ول ضرَارَ " . يكون حراما ،لن فيه إضرارا بغيره ،والنبي
( ابن ماجه :كتاب الحكام ،باب :من بني في حقه ما يضرّ جاره .موطأ مالك :
القضية ،باب :القضاء في المرفق ) .
فَإِنْ خِ ْفتُمْ أَلّ َتعْ ِدلُواْ َفوَاحِ َدةً َأوْ مَا َمَل َكتْ َأ ْيمَا ُنكُمْ َذِلكَ أَ ْدنَى أَلّ وقال ال عز وجل :
[ فواحدة :أي فانكحوا واحدة فقط .ذلك أدنى أن ل تعولوا :أي أقرب إلى عدم الميل
والجور ،لن أصل العول :الميل ] .
ويجب أن يعلم أنه لو عدّد الزوج في الحالتين الخيرتين ،وعقد على ثانية ،أو ثالثة ،
كان العقد صحيحا ،وترتبت على آثاره :من حلّ المعاشرة ،ووجوب المهر ،والنفقة
وغيرها ،وإن كان مكروها في الثانية ،وحراما في الثالثة ،فالحُرمة توجب الثم ،ول
تبطل العقد .
ما هو العدل المطلوب حصوله بين الزوجات ؟
والعدل الذي أوجبه السلم على الرجل الذي يجمع بين أكثر من زوجة ،إنما هو العدل
والمساواة في النفاق ،والسكان ،والمبيت ،وحُسن المعاشرة ،والقيام بواجبات الزوجة .
أما المحبة القلبية التي ل تولّد ظلما عمليا لحداهنّ فليست من مقوّمات العدالة
المفروض تحصيلها بين الزوجات ،لنه ل سلطان للنسان على قلبه في موضوع المحبة ،
26
[ .النساء . ] 129 :أي ل تستطيعون أن تمسكوا بزمام قلوبكم في تحقيق المساواة صتُمْ
ح َر ْ
َ
في المحبة ،فل يحملنكم الميل القلبي إلى إحداهما أكثر من الخرى على الظلم والضرار .
أما العدل فيما ذكرنا من النفقة والسكان ،والمبيت وحُسن المعاشرة ،فهذا أمر ممكن
لكثير من الناس .
يقول ـ بعد عدله في القسمة والمعاملة بين نسائه ـ " :اللهم هذا قسمي وكان النبي
فيما أملك فل تلمني فيما تملك ول أملك " .
رواه أبو داود ( في النكـاح ،بـاب :في القسـم بين النسـاء ،رقـم ) 2134 :
والترمـذي ( في النكـاح ،باب :التسوية بين الضرائر ،رقم ) 1140 :وغيرهما عن
عائشة رضي ال عنهما .
يحب عائشة أكثر من بقية نسائه . وذلك فيما يتعلق بأمر الحب وميل القلب ،فقد كان
27
2ـ الحكمة من مشروعية التعدّد .
إن السلم أباح تعدد الزوجات من حيث الصل ،ولم يجعله فرضا لزما ،ولقد
أباح السلم هذا التعدّد ،لنه يرمي إلى أهداف بعيدة الغور في الصلح الجتماعي ،
ل يدركها إل نافذ البصيرة .وإليك بعض هذه الحكم :
أ ـ ليحمي من ل يمكن أن تعفّهم زوجة واحدة ،وهذا أمر فطري ،فيمكن أن يجرهم ذلك إلى
ما ليس بمشروع .
فخير لهم وللمجتمع أن يتزوجوا امرأة أخرى في ظل سياج من الرعاية ،
وتشريع من الحقوق الملزمة ،والكرامة اللئقة ،من أن يقعوا في الزنى .
ب ـ وشرعه أيضا ليحمي المرأة من أن يلهث وراءها أصحاب الشهوات ،ل بعقد يضمن
ويحمي أبناءها ،وإنما عن طريق المسافحة والمخادنة ،مما يجعل تلك المرأة عُرضة
للطرد والحرمان من كل حق ،ويجعل أولدها محرومين من حقوق النسب ،وعطف
البوة .
فلن تكون زوجة ثانية محفوظة الحقوق والكرامة خير لها ألف مرة من أن تظل
أيّما ،أو تعيش خدينة أو عشيقة ،مما يعرضها في النتيجة للبؤس والشقاء ،وحماية
المجتمع من النحلل والفساد ،والفوضى الخلقية .
مبررات تعدد الزواج :
وهناك مبررات تجعل تشريع تعدّد الزواج أمرا بادي الحكمة ،واضح الفائدة ،
وسنضرب لذلك بعض المثلة :
1ـ رجل عنده نهم في النساء ،وعنده امرأة عزوف عن الرجال ،إما فطرة ،أو لمرض .
فهل الفضل أن يزني هذا الرجل ،فيضيع الدين والمال والصحة ؟ أو يبقى منطويا
على حاجته ،معذبا نفسه ،أو أن يتزوج امرأة أخرى ،بشرط القدرة على العالة
والعدالة ،وعدم الظلم في المعاملة ؟
ول شك أن الحل الثالث هو الفضل لهذا الرجل ،وأنفع للمجتمع وأطهر .
2ـ اندلعت نار الحروب ـ والحروب أصبحت اليوم سنّة الحياة ـ فأبادت الكثير من الرجال ،
أو شوّهتهم ،وأصبح عدد النساء وافرا يزيد على عدد الرجال كثيرا .فهل من الخير
28
للنساء أن يقتصر كل رجل على زوجة واحدة ،وتبقى كثرة كاثرة من النساء محرومة
من عطف الرجل المُعيل ،ومحرومة من إنجاب الولد الذي ل تجد غيره معينا ومعيلً
عند كبرها ،مما قد يضطرها ـ إرواء لحاجتها ـ إلى ارتكاب الثم والفواحش ؟ .
أم الفضل أن نبيح للرجل أن يضمّ إليه أكثر من زوجة في ظل رعاية شرعية كاملة ؟ .
إننا ل نظلم المنطق والحق في شيء إذا قلنا :إن التعدد في مثل هذه الظروف يعتبر
عملً إنسانيا تفرضه المروءة والغيرة .
بأكثر من واحدة من نسائه كان معظمه ول نخالف الواقع إذا قلنا :إن زواج الرسول
من هذا النوع النساني الشريف .
لقد هاجر بعضهنّ وحيدة ،و تركت أهلها ،أو مات عنها زوجها شهيدا ،وتركها أرملة
إلى نجدتها ،وضمّها إلى بيته ،فكان لها خير مُعيل ،و من غير مُعيل ،فخفّ رسول ال
كان لها شرف أمومة المؤمنين ،وفضيلة القتران بسيد المرسلين عليه أفضل الصلة والتسليم .
ولما حرمت أوربه المسيحية التعدّد ،فماذا جنت غير الخيانات الزوجية ،أو العذاب النفسي ،
أو الحرمـان لكثير من الزواج ؟
3ـ إنسان متزوج من امرأة تحبه ويحبها ،لكنها عقيم ل تنجب ،وهو يتوق إلى الولد ،و يحنّ
إليه .
فهل من الفضل أن نحرم هذا النسان الزواج من ثانية ،وندعه مظلوم الفؤاد محروم
الولد ؟
أم نأمره بأن يطلق زوجته التي يحبها ،أم نبيح له الزواج بامرأة أخرى ،مع حماية الولى
من الظلم ؟
إن هذا الحل هو الفضل من كل ما سبق ،فقد راعى مصالح الرجل والمرأة على
السواء .
4ـ إن الشعوب التي حرمّت تعدد الزوجات وقعت بما هو أشدّ خطرا ،وأكثر ضررا من
ضرر التعدّد المزعوم .لقد كثر فيهم الفساد ،وانتشرت فيهم الخيانات الزوجية ،
والمخادنات السريّة ،مما يجعل عُقلءهم يصرخون مُطالبين بتشريع يحل التعدّد ،و
يقضي على تلك المفاسد المدمرة لحياتهم الجتماعية .
29
تنبيه :
جهَلة لحق التعدّد ل يغضّ من حكمة السلم ،ول يحمّله تبعة
إن إساءة استعمال بعض ال َ
رعونة وسفاهة أولئك الجاهلين ،وسوء تصرفهم .
فالسلم ،ما أباح التعدّد ليكون سلحا للجرح ،أو الذبح ،أو سوء المعاملة ،وإنما
شرعة تلبية للحاجة ،ووقاية للمجتمع ،ورعاية للفراد ،وقضاء على الرزيلة .
لكن تلك المبررات ،وبتلك الشروط الشرعية أباح السلم التعدّد ،ولم يوجبه ،وأحاطه
بسياج من الضمانات الخلقية الحقوقية .
فالسلم أشبه ( بصيدلية ) وَعَت جميع الدوية التي تفي بحاجة الناس جميعهم ،يأخذ
كل فرد الدواء الذي يتفق وحاجته ومرضه ،ليس معقولً أن نقلّل من أهمية هذه ( الصيدلية )
أو نقلّص من موادها بحيث ل تفي بالحاجة العامة لجميع الفراد ،أو نُبيح جميع ما فيها لكل
فرد ،ولو بغير حاجة .
هذا وإذا كان أعداد السلم ل يعجبهم هذا التشريع ،لنه ل يتفق وأمزجتهم المنحرفة ،
وأذواقهم الفاسدة ،وشهواتهم الرخيصة ،فليموتوا بغيظهم ،وال من ورائهم محيط .
30
مقدمات الزواج
تمهيد :
إن سعادة السرة ،ونجابة الولد ،واستمرار الحياة الزوجية تتوقف على حسن اختيار
كل من الزوجين للخر ،اختيارا واعيا ،غير متأثر بعاطفة هوجاء ،أو مصلحة مؤقتة ،وإنما
يكون قائما على أساس يبقى ،ويقوى مع مرور الزمن ؛ ولما كان عقد الزواج عقدا خطير
الثر ،طويل المد ،كثير التكاليف ،كان لبدّ قبل إجراء هذا العقد من خطوات تتخذ من ِقبَل
كل من الخاطب والمخطوبة ،حتى إذا أقدما على عقد الزواج كانا قد أقدما عليه ،وقد اطمأن
كل منهما إلى الصفات والمؤهلت التي تحقق أغراضه ،وتطمئن نفسه إلى مستقبل ارتباطه مع
زوجه .
وهذه الخطوات هي :
أولً :البحث عن الصفات التي تطلب في كل من الزوجين .
ثانيا :رؤية المخطوبة والنظر إليها .
ثالثا :الخطبة .
أولً :البحث عن الصفات التي ينبغي أن تطلب في كل من الزوجين :
لقد أرشد السلم إلى عدة من الصفات تكون في المخطوبة ،كما تكون في الخاطب ،و
حث على تلمسها ،والبحث عنه ،وهذه الصفات هي :
1ـ الدين الصحيح والخلق القويم :
يُطلب في الزوج يُختار أن يكون دينا ،ذا خلق حسن ،كما يطلب في الزوجة أن تكون
دينة ،وذات خلق حسن ،و إلى ذلك أرشد النبي العظم عليه الصلة والسلم حين قال " :إذا
خطب إليكم من ترْضون دينه وخلقه فزوجوه ،إل تفعلوا تكن فتنة في الرض وفساد عريض "
( رواه الترمذي في النكاح ،باب :ما جاء إذا جاءكم مَن ترضون دينه فزوّجوه ،رقم :
) 1084
" :تنكح المرأة لربع :لمالها ،ولحسبها ،ولجمالها ،ولدينها ،فاظفر بذات وقال
الدين َت ِر َبتْ يداك " .
31
رواه البخاري ( النكاح ،باب :الكفاء في الدين ،رقم ) 4802 :ومسلم ( الرضاع ،
باب :استحباب نكاح ذات الدين رقم ) 1466 :
[ تربت يداك :افتقرت ،وهذه كلمة جارية على ألسنة العرب ل يريدون بها الدعاء على
المخاطب ،و لكن يريدون بها الحثّ والتحريض ،والمراد بالدين والخلق :فعل الطاعات ،
والعمال الصالحات ،والعفّة عن المحرمات ،والقيام بحقوق الزوجية ] .
2ـ الحكمة من تفصيل ذات الدين والخلق :
إن الحكمة من ذلك هي أن الدين يقوى على مرور الزمن ،والخلق يستقيم مع توالي
اليام وتجارب الحياة .
فإذا اختار كلّ من الزوجين الخر لدينه وخلقه ،كان ذلك أضمن لستمرار الحب ،ودوام
المودّة .
ول يُفهم مما ذكرنا أن على النسان أن يعزف عن الحَسَب والجمال ،وإنما يجب أن
يفهم أنّ هذه الصفات إذا انفردت في المخطوبة ،كان الدين أفضلها ،وإذا اجتمعت كانت نورا
على نور .
3ـ النسب في كل من الزوجين :
ومعنى النسب :طيب الصل ،وكرم المنبت ،ودليل ذلك ما جاء في حديث الصحيحين
السابق تنكح المرأة لربع ،وذكر منها ( :ولحسبها ) .
كذلك يسنّ في الزوج أن يكون ذا حسب ،وأصل طيب ،لن ذلك أعون على استدامة
الحياة الزوجية ،وأقرب إلى طيب العشرة ،لن صاحب الصل الطيب ل يصدر عنه إل
العِشْرة الكريمة ،إذا أحبّ أكرم ،وإذا أبغض ل يظلم .
4ـ أن ل يكون بين الزوجين قرابة قريبة :
وقد نصّ الشافعي رحمة ال تعالى على أنه ل يتزوج الرجل من عشيرتيه :أي
القربين .
وقد علل الزنجاني ذلك بقوله :إن من مقاصد النكاح اتصال القبائل ،لجل التعاضد
والمعاونة ،وهذا حاصل في القرابة القريبة من غير زواج .
32
وقد روى ( :ل تنكحوا القرابة القريبة ،فإن الولد يُخلق ضاويا ) أي نحيفا ،وذلك
لضعف الشهوة بين القرابة .ذكر هذا الشربيني في شرحه لمنهاج النووي .
لكن ذكر ابن الصلح أنه لم يجد لهذا الحديث أصلً معتمداّ ،وقد ذكره ابن الثير في
كتابه [ النهاية في غريب الحديث والثر ] .
قد زوّج فاطمة من على رضي ال عنهما ،لنه ول يطعن في هذا الحكم أن النبي
فعل ذلك لبيان الجواز ،أو لنه ليس بينهما قرابة قريبة جدا ،ففاطمة هي بنت ابن عم علي ،
فهي بعيده عنه بالجملة .
5ـ الكفاءة :
ويقصد بالكفاءة :مساواة حال الرجل لحال المرأة اليوم في عدة وجوه :
أ ـ الدين والصلح ،فليس الفاسق كفؤا لعفيفة صالحة ،قال تعالى } :أَ َفمَن كَانَ ُم ْؤمِنا َكمَن
ب ـ الحرفة ،فصاحب حرفه دنيئة ،ككنّاس وحجّام وراع وقيّم حمام ،ليس كفؤا لبت عالم
وقاض وتاجر .
ج ـ السلمة من العيوب المثبتة للخيار في فسخ النكاح ،فمَن به جنون أو برص ليس كفؤا
للسليمة منها .
النكاح ،لكن مطلوبة ومقررة دفعا للعار عن الزوجة وأوليائهما ،وضمانا لستقامة الحياة بين
الزوجين ،وذلك لن أسلوب حياتهما ،ونوع معيشتهما يكونان متقاربين ،ومألوفين لهما ،فل
فللزوجة وأوليائها إسقاط حق الكفاءة ،فلو زوّجها وليها غير كفء برضاها صحّ الزواج
،لن الكفاءة حقها وحق الولياء ،فإن رضوا بإسقاطها ،فل اعتراض عليهم .ويشير إلى
مراعاة الكفاءة ،قول النبي " : rتخيروا لنطفكم وانكحوا الكفاءَ وانكحوا إليهم " .
33
رواه الحاكم ( النكاح ،باب :تخيروا لنطفكم ،..رقم ) 2/163 :وصححه .
-6البكارة :
والبكر :هي التي لم يسبق لها أن تزوجت ،وقد بيّن النبي rسبب اختيار الزوجة البكر
،حين قال " :عليكم بالبكارَ ،فإنهنّ أعْ ُذَبُ أفواها ،وأنتقُ أرحاما ،وأرضى باليسير " .
رواه ابن ماجه في ( النكاح ،باب :تزوج البكار ،رقم . ) 1860 :
[ أعذب أفواها :ألين كلما ،فهو كناية عن حُسن كلمها وقلّه بذائها وفحشها مع زوجها
،لبقاء حيائها ،لنها لم تُخالط زوجا قبله .أنتق أرحاما :أكثر أولدا ] .
عن جابر tقال :تزوجت امرأة في عهد رسول ال rفقلت النبي rفقال " :يا جابر ،
تزوجت ؟ قلت :نعم .قال :بكر أم ثّيب ؟ قلت :ثّيب .قال :فهلّ بكرا تلعبها ؟ قلتْ :يا
رسول ال :إن لي أخوات ،فخشيت أن تدخل بيني وبينهنّ .قال فذاك إذا ،إن المرأة تنكح
على دينها ومالها وجمالها ،فعليك بذات الدين تربت يداك " .
جبِلت على
وكذلك يستحبّ أن يكون الزوج بكرا ،لم يسبق له أن تزوج ،لن النفوس ُ
الولود :وتُعرف البكر الولود بأقاربها ،كأختها ،وعمتها ،وخالتها ,ويُعرف الرجل
34
" -تزوجوا الولود الودود فإني مُكاثر بكم المم يوم القيامة " . قال رسول ال -
رواه أحمد ،وابن حبّان ،والحاكم ،وصحّح إسناده ( .المستدرك :النكاح ،باب ،
ومن المور المستحبّة التي رغّب فيها السلم أن ينظر الخاطب إلى المخطوبة قبل
الخطبة ،إذا قصد نكاحها ،ورجا رجاء طاهرا أن يجاب إلى طلبه ،وإن لم تأذن له ،أو لم
تعلم بنظره ،اكتفاء بإذن الشرع له ،ولئل تتزين له ،فيفوت غرضه .
وله تكرير النظر ثانيا وثالثا إن احتاج إليه ،ليتبين هيئتها ،فل يندم بعد النكاح ،إذ ل
روى المام الترمذي وحسّنه ( النكاح ،باب :ما جاء في النظر إلى المخطوبة ،رقم :
، ) 1087وابن ماجه ( النكاح ،باب :النظر إلى المرأة إذا أراد أن يتزوجها ،رق ) 1865 :
وقد خطب امرأة ـ أي عزم على خطبتها ـ : قال للمغيرة بن شعبة وغيرهما :أن النبي
" انظر إليها فإنه أحرى أنْ يؤدَمَ بينكما " .
وروى البخاري ( النكاح ،باب :النظر إلى المرأة قبل التزويج ،رقم ، ) 4833 :
ومسلم ( النكاح ،باب :الصداق وجواز كونه تعليم قرآن ، ..رقم ) 1524 :عن سهل بن
فقالت :يا رسول ال ،جئت لهبَ لك نفسي ،فصعّد :أن امرأة جاءت رسول ال سعد
35
[ لهب لك :أجعل أمري لك :تتزوجني بدون مهر ،أو تزوّجني لمن ترى .فصعد
النظر إليها وصوبه :نظر إلى أعلها وأسفلها وتأملها .طأطأ رأسه :خفض رأسه ،ولم يُعد
وروى مسلم ( النكاح ،باب :ندب النظر إلى وجه المرأة وكفّيها لمن يريد تزوجها ،
فأتاه رجل ،فأخبره أن تزوج امرأة قال :كنت عند النبي رقم ) 1434 :عن أبي هريرة
":أنظرتَ إليها ؟ " قال :ل .قال " :فاذهب فانظر إليها ، من النصار فقال له رسول ال
فإنّ في أعين النصار شيئا " أي يختلفن عن أعين غيرهنّ ربما ل يعجبك .
" :إذا خطب أحدكم امرأة فل جُناح قال :قال رسول ال وعن أبي حُميد الساعدي
عليه أن ينظر منها ،إذا كان إنما ينظر إليها لخطبته ،وإن كانت ل تعلم " .رواه أحمد (
)5/424
هذا ويحق لها أيضا أن تراه ،إذا أرادت الزواج منه ،لتتبين هيئته ،ول تندم بعد النكاح
ول يجوز للخاطب أن ينظر من المخطوبة إلّ وجهها وكفّيها ظهرا وبطنا ،لنها
ظ َهرَ
َولَا ُيبْدِينَ زِي َن َتهُنّ ِإلّا مَا َ مواضع ما يظهر من الزينة المُشار إليها ،في قوله تعالى :
والحكمة من القتصار على الوجه والكفّين ،أن الوجه يستدل به على الجمال ،واليدين
36
وإن لم يتيسر له أن ينظر إليها ،أرسل امرأة تتأملها ،وتصفها له .
بعث أم سليم إلى امرأة ،وقال " :انظري عرقوبيها ،وشمي عوارضها " . لنه
[ العرقرب :عصب غليظ فوق عقب النسان .وشمّي عوارضها :أي رائحة جسمها "
ويؤخذ من الحديث أن للمبعوث أن يصف للباعث زائدا على ما ينظره بنفسه ،فيستفيد
ويحرم نظر رجل بالغ عاقل مختار ـ ولو شيخا ،أو عاجزا ،وكذلك المراهق وهو مَن
قارب البلوغ ـ إلى أيّ جزء من جسم المرأة أجنبية كبيرة .والكبيرة هي من بلغت حدّا تشتهى
فيه ،ولو كانت غير بالغة ،ولو كان ذلك الجزء الوجه والكفّين ،ولو لم تكن هناك فتنة على
وكذلك يحرم على المرأة أن تنظر إلى الرجل لغير حاجة .قال ال تعالى :
خبِيرٌ ِبمَا
ن اللّهَ َ
جهُمْ َذِلكَ َأ ْزكَى َلهُمْ إِ ّ
قُل ّل ْل ُم ْؤ ِمنِينَ َي ُغضّوا مِنْ َأ ْبصَارِهِمْ َويَحْفَظُوا ُفرُو َ
وروي عن أم سلمة رضي ال عنها قالت :كنت عند ميمونة رضي ال عنها ـ عند
" :احتجبا منه ،فقلت :يا رسول ال : فقال النبي ـ إذ أقبل ابن أمّ مكتوم رسول ال
أفعمياوان أنتما ؟ ألستما تبصرانه " أليس هو أعمى ل يبصر ول يعرفنا ؟ فقال :رسول ال
37
رواه الترمذي ( الب ،باب :ما جاء في احتجاب النساء من الرجال ،رقم ) 2779 :
هذا ،وحيث حرّم النظر فيما ذكر حرّم المسّ ،لنه أبلغ منه في التلذذ وإثارة الشهوة .
أما النظر إلى الصغيرة التي ل تُشتهى ،والصغير الذي هو دون المراهقة ،فإنه ل
يحرم النظر إل إلى الفرج منهما .لن النظر إليهما ليس في مظنة شهوة ،فل يحرم ذلك .
وكذلك المرأة تنظر إلى محارمها من الرجال ما عدا ما بين السرّة إلى الركبة .
تدعوا الحاجة إليهما ،وأما إذا دعت الحاجة إلى النظر ،أو المسّ ،فإن ذلك يُباح ،وليس فيه
حرج .
1ـ عند المداواة ،لن في التحريم حرجا ،والسلم دين اليُسْر ورفع الحرج .قال تعالى :
روى مسلم ( السلم ،باب :لكل داء ودواء واستحباب التداوي ،رقم ) 2206 :عن
أبا في الحجامة ،فأمر النبي ( :أن أم سلمة رضي ال عنهما استأذنت رسول ال جابر
طيبة أن يحجمها ) .فللرجل مداواة المرأة إذا كانت الضرورة تتطلب ذلك ،ولم توجد امرأة
38
تعالجها ،وكذلك للمرأة مداواة الرجل إذا لم يوجد رجل يعالجه ،ودعت الضرورة إلى ذلك ،
لكن ل يعالج الرجل المرأة إل بحضرة مَحرَم ،أو زوج ،أ ,امرأة ثقة .
2ـ عند المعاملة من بيع وشراء ،إذا كانت هناك حاجة لمعرفة تلك المرأة ،ولم تعرف دون
3ـ عند الشهادة تحملً وأداء ،لن الحاجة تدعوا إلى النظر إلى المشهود عليه ،أو المشهود له
4ـ عند التعليم :وذلك فيما ذكر ،فإنما يُباح بقدر الحاجة فقط ،لن النظر إنما أبيح للضرورة
أو الحاجة ،والضرورة والحاجة تقدر بقدّر ما يرفع الحرج ويحقق الغرض .
فإذا ت ّم الوثوق من الصفات الحسنة ،وتحقق بالرؤية والنظر الرضا والرغبة ،جاء دور
الخطبة .
1ـ تحل الخطبة تصريحا وتعرضا ،إذا كانت المخطوبة خليّة من نكاح ،وعدة ،ومن كل
2ـ تحل الخطبة تعريضا فقط ل تصريحا ،إذ كانت المرأة معتدّة من وفاة ،أو طلق بائن .قال
علِ َم اللّهُ
سكُمْ َ
طبَ ِة النّسَاء َأوْ َأ ْكنَنتُمْ فِي أَنفُ ِ
ضتُم بِهِ مِنْ خِ ْ
ع ّر ْ
عَل ْيكُمْ فِيمَا َ
جنَاحَ َ
وَلَ ُ ال تعالى :
سرّا إِلّ أَن تَقُولُواْ َقوْلً ّم ْعرُوفا وَلَ َت ْع ِزمُواْ عُقْ َدةَ ال ّنكَاحِ
ستَ ْذ ُكرُونَهُنّ َولَـكِن لّ ُتوَاعِدُوهُنّ ِ
َأ ّنكُمْ َ
39
حلِيمٌ
ن اللّهَ غَفُورٌ َ
سكُمْ فَاحْ َذرُوهُ وَاعَْلمُواْ أَ ّ
ن اللّهَ َي ْعلَمُ مَا فِي أَنفُ ِ
عَلمُواْ أَ ّ
جلَهُ وَا ْ
ح ّتىَ َي ْبلُغَ ا ْل ِكتَابُ أَ َ
َ
[ ل جُناح :ل إثم ول حرج .أكننتم :أخفيتم .ل تواعدوهنّ سرّا :ل تعدوهن بالنكاح
خفية .قولً معروفا :موافقا للشرع ،وهو التعريض .ول تعزموا عقدة النكاح :ل تحققوا
3ـ وتحرم الخطبة تعريضا وتصريحا فيما عدا ما ذكر ،في الفقرة الولى والثانية .
فتحرم خطبة امرأة ما تزال على عصمة زوجها .كما تحرم خطبة كل امرأة ذكرت في
وتحرم خطبة المرأة المعتدّة من طلق رجعي ،سواء كان ذلك بالتعريض أم
بالتصريح ،لنها زوجة ،أو في معنى الزوجة ،لن لزوجها الحق في مراجعتها ،قال تعالى
:
[ البقرة . ] 228 : َو ُبعُوَل ُتهُنّ أَحَقّ ِبرَدّهِنّ فِي َذِلكَ إِنْ َأرَادُواْ ِإصْلَحا ً
والتصريح في الخطبة معناه :كل لفظ يقطع بالرغبة في النكاح :كأُريد أن أنكحك ،أو
40
والتعريض بالخطبة معناه :أن يستعمل لفظا يحتمل الرغبة في النكاح ،وعدمها ،كأن
يقول للمعتدّة :أنت جميلة ،أو :ربّ راغب فيك ،مَن يجد مثلك ،أو نحو ذلك .
وتحرم خطبة إنسان على خطبة أخيه ،إذا كان قد صرح له بالجابة ،إل بإذنه .
وهذه الحرمة حرمة توجب الثم ،ول توجب بطلن العقد ،فيما إذا خطب على خطبة
" :ل يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يترك ودليل هذا التحريم :قول النبي
رواه البخاري ( النكاح ،باب :ل يخطب على خطبة أخيـه ،…..رقـم ، ) 4848 :
ومسـلم ( النكاح ،باب :تحريم الخطبة على خطبة أخيه ،..رقم ) 1412 :عن ابن عمر
مَن استُشير في خاطب أو مخطوبة وجب عليه أن يذكر من العيوب والمساوئ ما يعرف
بصدق ،ليحـذر ،وذلك بذلً للنصيحة ،ول يعدّ ذلك من الغيبة المحرّمة .هذا إذا احتيج إلى
ذكر العيوب ،أما إذا اندفع بدون ذكر ذلك ،كقوله مثلُ :هذا ل يصلح لك ،أو هذه ل تصلح
لك ،وجب القتصار على ذلك .دليل هذا الحكم حديث فاطمة بنت قيس رضي ال عنهما عند
مسلم ( الطلق ،باب :المطلّقة ثلثا ل نفقة لها ،رقم ، ) 1480 :والترمذي ( النكاح ،بباب
:إن :ما جاء في أن الرجل ل يخطب على خطبة أخيه ،رقم ) 1135 :أنها قالت للنبي
41
":أما أبو جهم فل َيضَعُ عصاه معاوية بن أبي سفيان ،و أبا جهم خطباني ،فقال رسول ال
عن عاتقه ،وأما معاوي ُة فصعلوكّ ل مال له ،انكحي أسامة بن زيد ،فكرهته ،ثم قال :
ويسن لولي المرأة التي يرغب في تزويجها أن يعرض زواجها على أهل الصلح
حين عرض بنته عليه ،لما والتقوى ،تأسيا بما فعل شعيب عليه الصلة والسلم مع موسى
ج َرنِي َثمَا ِنيَ حِجَجٍ َفإِنْ َأ ْت َم ْمتَ عَشْرا َفمِنْ عِن ِدكَ َومَا
علَى أَن َتأْ ُ
حكَ إِحْدَى ا ْب َن َتيّ هَا َتيْنِ َ
أَنْ أُنكِ َ
جَليْنِ
ستَجِ ُدنِي إِن شَاء اللّهُ مِنَ الصّالِحِينَ{ }27قَالَ َذِلكَ َب ْينِي َو َب ْي َنكَ َأ ّيمَا الْأَ َ
عَليْكَ َ
ُأرِيدُ أَنْ أَشُقّ َ
عندما عرض ابنته حفصة رضي ال عنها على عثمان ،ثم على بما فعل عمر بن الخطاب
( البخاري :النكاح ،باب :عرض النسان ابنته أو أُخته على أهل الخير ) .
ويستحبّ للخاطب ،أو وكيله ،تقديم خُطبة ـ بضم الخاء ـ قبل الخطبة ـ بكسر الخاء
لحديث " :كل أمر ذي بال ل ـ وقبل العقد ،يبدؤها بحمد ال والصلة والسلم على النبي
42
( ابن ماجه :النكاح ،باب :خطبة النكاح ،رقم . ) 1849 :
ثم يوصي بتقوى ال عز وجل ،ثم يظهر رغبته ،فيقول :جئتكم خاطبا كريمتكم .
ويستحب أيضا لوليّ المخطوبة أن يخطب ،ويقول :بعد حمد ال والصلة والسلم على
. والخُطبة قبل العقد آكد من الخُطبة قبل الخِطبة ،لورود ذلك عن السلف الصالح
موقوفا ومرفوعا قال :إذا وقد تبرك الئمة رضي ال عنهم بما روي عن ابن مسعود
أراد أحدكم أن يخطب لحاجة من نكاح وغيره ،فليقل ( :إن الحمد ل نحمده ونستعينه
ونستغفره ،ونعوذ بال من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ،من يهده ال فل مُضلّ له ومن
]1
[ الحزاب 70 :ـ ] 71 َومَن يُطِعْ اللّهَ َورَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ َفوْزا عَظِيما
43
لقد شاع وانتشر في بعض الوساط المسلمة ،البعيدة عن روح السلم في الزواج ،أن
الخاطب بمجرد أن يعلن خطبته يبدأ بالختلط بخطيبته ،والخلوة بها ،مدعيا أنه يفعل ذلك
ليتعرف أخلقها وطباعها ،وهو مقتنع في قرارة نفسه أنه لن يستطيع أن يكشف من حقيقة
أخلقها شيئا ،لنه كان يفكر هو بأن أمامها ـ تصنعا ـ بأنه فارس أحلمها المنشود في كرمه
،وتسامحه ،وكياسته ،فإنها هي أيضا تتصنع له أكثر مما يتصنع لها ،وتحاول أن تفهمه أنها
هي الفتاة التي رسمها في خيالها رقة وأنوثة ،وذوقا ،وأدبا وأخلقا وسلوكا .
إن اختلط الخاطب بالمخطوبة وخلوته بها قبل عقد الزواج أمر حرام ل يقره شرع ال
ول يخلون رجل بامرأة إل ومعهما ذو محرم " . عز وجل ،ول يرضى به .قال رسول ال
رواه البخاري ( النكاح ،باب :ل يخلون رجل بامرأة … ،رقم ) 4935 :ومسلم
( الحج ،باب :فرض الحج والعمرة مرة في العمر ،رقم . ) 1314 :
عن ابن عباس رضي ال عنهما .والخطيبة قبل العقد تعتبر امرأة أجنبية .
إن الفتاة العاقلة هي التي تمتنع عن الظهور أما خطيبها بعد أن رآها رؤية الخطبة حتى
يتم العقد ،لن من الواجب عليها أن تفكر في مستقبلها ،وتحسب الحساب للعواقب التي يمكن
أن تواجهها ،وتفكر بأن هذا الخاطب إذا فسخ خطبته لها فلن يتقدم شاب آخر لخطبتها ،وهو
أما إذا تم العقد ،فقد حلّت الخلوة والخلطة لنها أصبحت زوجة له ،يرى منها وترى
44
أركان عقد النكاح
والتعريف بكل ركن ،وبيان شروطه
ي ،وشاهدان .
صيغة ،وزوجة ،وزوج ،وول ّ
والقبول من الزوج كقوله :تزوجت ،أو نكحت ابنتك ،ويصحّ تقدّم لفظ الزوج على لفظ
وما يشتق منهما ؛ كزوّجتك وأنكحتك ،وقبلت تزويجا ،أو قبلت نكاحها .
وإنما اشترط لفظ التزويج اليجابي ،وما اشتق منهما ،لنهما اللفظان الموضوعان في
اللغة والشرع ،للدللة على عقد الزواج ،وهما المستعملن في نصوص القرآن والسنة .ففي
45
عيَا ِئهِمْ
حرَجٌ فِي َأ ْزوَاجِ أَدْ ِ
علَى ا ْل ُم ْؤ ِمنِينَ َ
جنَا َكهَا ِل َكيْ لَا َيكُونَ َ
َفَلمّا َقضَى َزيْدٌ ّم ْنهَا وَطَرا َزوّ ْ
[ وطرا :حاجة ،ولم تبق له رغبة فيها .أدعيائهم :الذين ادّعوا أنهم أبناؤهم وهم ليسوا
كذلك ] .
" :يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج …. ". وفي السنّة قال رسول ال
2ـ التصريح بلفظ الزواج ،أو النكاح في اليجاب وفي القبول :
فلو قال الوليّ :زوجتك ابني ،فقال الزوج :قبلت ،لم ينعقد النكاح .ولو قال الزوج :
زوّجني ابنتك ،فقال الوليّ :قبلت ،لم ينعقد النكاح أيضاَ ،لنهما لم يصرحا بلفظ الزواج ،أو
النكاح .
والقبول بلغة عجمية صح عقد النكاح ،ولو كان الزواج ووليّ الزوجة يعرفان اللغة العربية ،
اعتبارا بالمعنى ،لن لفظ الزواج أو النكاح ل يتعلق بهما إعجاز ،فاكتفي بترجمتهما .
وألفاظ الكناية :هي التي تحتمل الزواج وغيره :كأحللتك ابنتي ،أو وهبتها لك ،لن
46
وعقد النكاح يشترط فيه الشهود ،والشهود ل يطّلعون على ما في القلوب ،حتى يشهدوا :إن
فلو كتب وليّ الزوجة إلى غائب ،أو حاضر :زوجّتك ابنتي ،فوصل الكتاب إلى
الزوج ،فقـرأه ،وقال :قبلت زواج ابنتك ،لم يصحّ العقد ،لن الكتابة من الكناية ،والنكاح
فإنها ينعقد بها عقد النكاح لنها تنزل منزلة اللفظ الصريح .
أما إذا كانت إشارته خفية ،ل يفهمها إل الذكياء الفطنون ،فل ينعقد بها الزواج ،لنها
ولي الزوجة :زوّجتك ابنتي ،فسكت الزوج مدة طويلة ،ثم قال :قبلت زواجها ،لم يصح
العقد ،لوجود الفاصل الطويل بين اليجاب والقبول ،مما يجعل أمر رجوع الوليّ في هذه المدة
عن الزواج أمرا محتملً ،أما السكوت اليسير :كتنفس ،وعطاس ،فإنه ل يضرّ في صحة
العقد .
47
ن الولي ،
فلو قال وليّ الزوجة :زوّجتك ابنتي ولكن قبل أن يصدر القبول من الزوج ج ّ
وكذلك لو قال الزوج :زوّجني ابنتك ،ثم أغمي عليه قبل أن يقول وليّ الزوجة :
زوّجتك ،بطل اليجاب ،ولم يصحّ العقد ولو وجد القبول ،لفقدان أهليّة أحد العاقدين قبل تمام
العقد .
فلو قال ولي الزوجة :إذا جاء رمضان فقد زوّجتك ابنتي ،فقال الزوج :تزوجتها ،لم
ولو قال وليّ الزوجة :إن كانت ابنتي قد نجحت في المتحان فقد زوّجتك إياها ،فقال
الزوج :قبلت زواجها ،لم يصح الزواج أيضا ،لن عقد الزواج يجب أن يكون منجزا ،
تترتب عليه آثاره من حين إنشائه ،فإضافته إلى المستقبل ،أو تعليقه على شروط يقتضي
تأخير أحكام العقد إلى المستقبل ،أو إلى وجود الشرط ،وهذا يُنافي مقتضى العقد .
48
6ـ أن تكون الصيغة مطلقة :
فل يصحّ توقيت النكاح بمدة معلومة :كشهر ،أو سنة ،أو مجهولة :كقدوم غائب ،
فلو قال وليّ الزوجة :زوّجتك ابنتي شهرا ،أو سنة ،أو إلى قدوم فلن ،فقال الزوج :قبلت
زواجها ،لم ينعقد الزواج في هذه الصور ،لن هذا من نكاح المتعة المحرّمة .
روى مسلم ( النكاح ،باب :نكاح المتعة وبيان أنه أُبيح ثم نسخ … ،.رقم ) 1406 :
فقال " :يا أيّها الناس ،إني قد كنت أذنت أنه كان مع رسول ال س ْبرَة الجهني
وغيره عن َ
لكم في الستمتاع من النساء ،وإن ال قد حرّم ذلك إلى يوم القيامة ،فمن كان عنده منهنّ شيء
تُزوّجني ابنتك ،ويضع كل واحدة منهما صداق للُخرى .فيقول الخر :تزوجت ابنتك ،
وسبب بطلن هذا الزواج هو تعليق زواج كلّ من الزوجين على الخرى ،والتعليق
روى البخاري ( النكاح ،باب :الشغار ،رقم )4822 :ومسلم ( النكاح ،باب :تحريم
نهي عن ( :أن رسول ال نكاح الشغار وبطلنه ،رقم )1415 :وغيرهما عن ابن عمر
الشّغار ،والشغار :أن يزوّج الرجل ابنته على أن يزوجه ابنته ،وليس بينهما صداق .
49
وسمي هذا الزواج شغارا أخذا من قولهم :شغر البلد من السلطان :إذا خل عنه .
1ـ خلوّها من موانع النكاح التي مر ذكرها في محرمات النكاح والخطبة .
2ـ أن تكون الزوجة معينة ،فلو قال وليّ الزوجة لرجل :زوّجتك إحدى بناتي ،لم يصحّ
روى مسلم ( النكاح ،باب :تحريم نكاح المحرم وكراهة خطبته ،رقم ) 1409 :
" :ل يُنكَح المحرم ،ول يُنكَح ،ول يَخْطب " أي وغيره عن عثمان قال :قال رسول ال
ل يتزوج المحرم ،ومثله المح َرمَة ،ول يزوّجه غيره امرأة محرمة ،أو غير محرمة ،سواء
كان بولية ،أو وكالة ،ول يطلب امرأة للتزويج .
الركن الرابع :الزوج :
ويشترط فيه الشروط التالية :
1ـ أن يكون ممّن يحل للزوجة التزوّج به ،وذلك بأن ل يكون من المحرمين عليها .
2ـ أن يكون الزوج معينا ،فلو قال الوليّ :زوّجت ابنتي إلى أحدكما ،لم يصحّ الزواج ،لعدم
3ـ أن يكون الزوج حللً ،أي ليس محرما بحج أو عمرة ،للحديث السابق " ل َي ْنكِح
المحرم ،ول يُنكَح ،ول يخطب " .
الركن الرابع :الوالي :
معنى الولية :
50
الولية في اللغة :تأتي بمعنى المحبة والنصرة .وعليه قوله تعالى :
والولية في الشرع :هي تنفيذ القول على الغير ،والشراف على شؤونه .
ويعرّفها بعضهم :بأنها تنفيذ القول على الغير ،شاء أو أبى ،فتشمل على هذا ولية
الجبار .
زواجها .
فل يجوز لمرأة تُزوّج نفسها ،ول أن تزوّج غيرها ،بإذن أو بغير إذن سواء صدر
51
:أن النبي ودليل ذلك ما رواه الدارقطني ( في النكاح ) 3/227عن أبي هريرة
قال " :ل تزوّج المرأةُ المرأة ،ول تزوّج نفسها " وكنا نقول :التي تزوّج نفسها هي الفاجرة .
وفي رواية :هي الزانية .
الحكمة من اشتراط الولي في زواج المرأة :
والحكمة من اشتراط الوليّ أنه ل يليق بمحاسن العادات دخول المرأة في مباشرة عقد
واستُدل على وجوب الوليّ في عقد زواج المرأة بالقرآن الكريم ،والسنّة النبوية :
ضلُوهُنّ أَن
جَلهُنّ فَلَ َت ْع ُ
طلّ ْقتُمُ النّسَاء َف َبَلغْنَ أَ َ
َوإِذَا َ أما القرآن الكريم :فقوله تعالى :
قال الشافعي رحمة ال تعالى :هذه الية أصرح دليل على اعتبار الوليّ ،إذ لو لم يكن
قال " :ل نكاحَ إل َب ِولّي وشاه َديْ عدْل ، وأما السنّة :فما رواه ابن حبّان :أن النبي
وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل " .
ي والشهود ) .
( موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان :النكاح ،باب :ما جاء في الول ّ
وروى أبو داود ( النكاح ،باب :في الوليّ ،رقم ، ) 2085 :والترمذي ( النكاح ،باب :ل
قال " :ل ِنكَاح إل أن النبي نكاح إل بوليّ ،رقم )1101 :عن أبي موسى الشعري
52
6ـ حكم الزواج بغير وليّ وما يترتب عليه :
فإذا زوجت المرأة نفسها من غير وليّ اعتبر زواجها باطلً ،ثم إن أعقب هذا الزواج
دخول وجب التفريق بينهما ،لبطلن العقد ،ووجب للمرأة مهر المثل ،سواء سمي لها في
" :أيّما امرأُة نكحت بغير إذْن وليّها فنكاحُها باطلّ ـ ثلثا ـ ودليل ذلك :قول النبي
رواه أبو داود ( النكاح ،باب :في والولي ،رقم ) 2083 :وابن ماجه ( النكاح ،باب
:ل نكاح إل بوليّ ،رقم ( ،) 1881والترمذي ( النكاح ،باب :إل بوليّ ،رقم ) 1102 :
ول يجب على الواطئ في هذا النكاح الباطل ـ الذي تمّ بغير وليّ .ح ّد الزنى ،لشبهة
والتعزيز عقوبة دون الحدّ يقدّرها القاضي بما يراه رادعا ومؤدبا .
الب .
53
ثم الخ من الب .
: وهكذا سائر العصبات ،فإن عُدمت العصبات فالقاضي ،لما سبق من قوله
هذا ول ولية للبن ،ول لبن البن في الزواج ،فل يزوج ابن أمه بولية البنوة ،
لنها ل مشاركة بينه وبينها في النسب ،إذ انتسابها إلى أبيها ،وانتساب البن إلى أبيه .إل أن
يكون من أبناء العمومة لُمه ،فإن كان ابن ابن عمّها ،ولم يوجد وليّ أقرب منها جاز له أن
يزوّجها .
9ـ شروط الولي :
ويشترط في الوليّ ،أبا كان أو غيره ،الشروط التالية :
أ ـ السلم :
َولَن فل يزوّج الكافر المسلمة ،لنه ل ولية لكافر على مسلم .قال ال تعالى :
ولن ولية الزوج مبنية على التعصب في الرث ،ول توارث بين مسلم وكافر .
54
ويزوج كافر كافرة ،ولو اختلف اعتقادها ،فيزوج اليهودي نصرانية ،والنصراني
ضهُمْ َأ ْوِليَاء َبعْضٍ
وَالّذينَ كَ َفرُواْ َب ْع ُ يهودية ،لن الكفر كله ملة واحدة .قال ال تعالى :
[ النفال . ] 73 :
ب ـ العدالة :
والمقصود بالعدالة :عدم ارتكاب الكبائر من الذنوب ،وعدم الصرار على الصغائر ،
وعدم فعل ما يخلّ بالمروءة :كالبول في الطرقات ،والمشي حافيا ،وغير ذلك .
فل يُزوّج الفاسق مؤمنة ،بل ينتقل حق تزويجها إلى الوليّ الذي يليه ،إن كان عدلً .
" :ل نكاحَ إل بوَليّ ُمرْشِد " رواه الشافعي في مسنده بسند صحيح . قال رسول ال
وفي قول :ل تشترط العدالة في الزواج ،لن الولية في الزواج مبنية على التعصب ،
والعصبة تحمله وفرة الشفقة على تحرّي مصلحة موليته ،و هذه الشفقة ل تختلف بين العدل
وغيره .
ولن اشتراط العدالة قد يؤدي إلى حرج كبير لقلّة العدول ،ولسيما في هذه اليام ،ولم
ي عصر من العصور .
يعرف أن الفسقة كانوا يُمنعون من تزويج بناتهم في أ ّ
ج ـ البلوغ :
فل ولية لصبي على غيره من الزواج ،لنه ل ولية له على نفسه ،فل ولية له على
د ـ العقل:
فل ولية لمجنون ،لنه ل ولية له على نفسه ،فأولى أن ل يكون له ولية على غيره
هـ ـ السلمة من الفاق المُخلّة بالنظر :
55
فل ولية لمختلّ النظر بسبب هرم ،أو خبل ،لعجز هؤلء عن اختيار الكفّاء ،فإن
كان مريضا يغمى عليه انتظرت إفاقته ،لن الغماء قريب الزوال كالنوم .
والمحجور عليه بسفه :هو الذي يبذر ماله ،لن السفيه ل ولية له على نفسه ،فأولى
" :ل ينكح فل يزوّج المُحْرمُ بحج أو عمرة غيره ،وهو محرم ،لما سبق من قوله
رواه مسلم ( النكاح ،باب :تحريم نكاح المحرم وكراهة خطبته ،رقم . ) 1409 :
تنبيـه :
إذا فقدت هذه الشروط التي ذكرت في وليّ قريب من الولياء ،انتقل حق الولية إلى
الوليّ الذي يليه ،ممّن توفرت فيه شروط الولية كاملة ،إل المُحرم ،فإنه ل تنتقل الولية عنه
إلى البعد منه ،لن الحرام ل يسلب الولية ،لبقاء الرشد والنظر ،وإنما يمنع النكاح ،ولكن
ينتقل حق التزويج إلى السلطان عند إحرام الوليّ القريب .
10ـ أقسام الولية :
تنقسم الولية في الزواج إلى قسمين :
الول :ولية إجبار .
ولية الَجبار:
وولية الجبار ثابتة للب ،والجد أبي فقط ،ول ولية إجبار لغيرهما .
56
وولية الجبار إنما تكون في تزويج البنت البكر ،صغيرة كانت أو كبيرة ،عاقلة أو
مجنونة .
فلبيها ـ وكذلك لجدها أبي أبيها ـ أن يزوّجها بغير إذنها ورضاها ،لنه أدرى
بمصلحتها ،ولوفرة شفقته عليها ل يختار لها إل ما فيه مصلحة لها .
" :اليّم أحقّ بنفسها من وليّها …" وسيأتي بعد قليل ـ فإنه يدل واحتجّوا لهذا بقوله
بمفهومه أن البكر وليّها أحق بها من نفسها ،لن اليم هي الثيب ،وهي غير البكر .
إذا قلنا إن ولية الب ـ ومثله أبو الب ـ هي ولية إجبار ،فليس معنى ذلك أن
الفضل أن يجبرها على الزواج ،ويمهل رأيها ،بل الفضل والمستحب أن يستأذنها في
قالـوا :يا رسول ال ،وكيف إذنُها ؟ قال :أن تسكُت " .
رواه مسلم ( النكاح ،باب :استئذان الثّيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت ،رقم :
) 1419والترمذي ( النكاح ،باب :ما جاء في استئذان البكر والثيب ،رقم ) 2107 :وروى
57
مسلم ( النكاح ،باب استئذان الثّيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت ،رقم ) 1421 :عن
قال " :اليم أحق بنفسها من وليها ،والبكرُ تستأذنُ في نفسها ، :أنّ النبي ابن عباس
وإذنُها صُماتُها " .ورواه الترمذي أيضا ( النكاح ،باب :ما جاء في استئذان البكر والثيّب ،
ودليل ذلك حديث مسلم والترمذي السابق ( :ل تنكح اليم حتى تستأمر ) .
والثيّب :هي التي زالت بكارتها بوطء حلل أو حرام ،ول بمرض أو سقطة ،أو غير ذلك .
النكاح ،فل يجبر عليه ،ولنها لممارستها الزواج ل تستحي من التصريح به ،بخلف البكر
58
الثّيب الصغيرة التي هي دون البلوغ ،ل يجوز لبيها ،ول لي ولي من أوليائها
تزويجها حتى تبلغ ،لن إذن الصغيرة غير معتبر ،فامتنع تزويجها حتى تبلغ ،فيكون إذنها
معتبرا .
فإذا طلبت امرأة بالغة عاقلة الزواج من كفء ،وجب علي وليّها أن يزوجها ،فإذا
امتنع الولي ـ ولو أبا ـ من تزويجها ،زوّجها السلطان ،لن تزويجها حق على أوليائها إذا
ودليل ذلك :مـا رواه أبو داود ( النكـاح ،بـاب :في الولي ،رقـم ، ) 2038
قال " : والترمـذي ( النكاح ،باب :ما جاء ل نكاح إل بولي ،رقم ) 1102أن النبي
لكن إذا عيّنت هو كفؤا ،وعّين الولي كفؤا غيره ،كان له أن يمنعها من الكفء الذي
عيّنته ،ويزوجها من الكفء الذي عيّنه ،إذا كانت بكرا ،لنه أكمل نظرا منها .
إذا تعدد الولياء ،وغاب الوليّ القرب ،فإن كان مكان غيبته بعيدا ـ مرحلتين فأكثر ،
والمرحلتان مسيرة يوم وليلة ـ فإنه ل ينتقل حق الولية إلى الولي البعد منه ،وإنما يزوجها
سلطان بلده ،لن الغائب وليّ ،والتزويج حق له ،فإن تعذر استيفاء حق الزوجة منه لغيبته ،
59
أما إذا كان مكان غيبته قريبا ـ أي أقل من مرحلتين ـ فل يزوج السلطان إل بإذنه،
لقصر المسافة ،وإمكان مراجعته ،فإما أن يحضر ،أو يوكّل ،كما لو كان مقيما .
إذا اجتمع أولياء المرأة وكانوا في درجة واحدة من النسب ،كإخوة أشقاء أو لب ،
وبعده يزوجها أورعهم ،لنه أشق وأحرص على طلب الغبط لها .
ويزوّجها كل واحد من هؤلء برضا الخرين ،لتجتمع الراء ،ول بتشوش بعضهم
باستئثار بعض بالعقد .فإن اختلف الولياء ،وقال كل واحد منهم أنا أزوّج ،أقرع بينهم وجوبا
فلو زوجها المفضول ،أو غير مَن خرجت قرعته ،وكانت قد أذنت لكل منهم أن
يزوجها ،صح تزويجه لها للذن فيه ،أما لو كانت أذنت لواحد منهم ،فزوّجها غيره ،فإنه
إذا انعدم الولياء انتقلت الولية إلى القاضي ،لنه منصوب لتحقيق مصالح المسلمين .
":السلطان وفي تزويج مَن ل ولي لها مصلحة يجب تحقيقها ،وقد تقدم قول النبي
رواه الترمذي ( النكاح ،باب :ما جاء ل نكاح إل بولي ،رقم . ) 1102 :
60
الوكالة في الزواج :
يصحّ للوليّ المجبرـ وهو الب والجد أبو الب ـ في تزويج البكر ،التوكيل في
ول يشترط في صحة هذه الوكالة أن يعين الولي للوكيل الزوج ،لن الولي يملك التعيين
في التوكيل ،فيملك الطلق به ،وإذا أطلق الولي الوكالة ،وجب على الوكيل أن يحتاط
لمصلحة الزوجة ،فل يزوّجها من غير كفء ،لن التوكل عند الطلق يحمل على الكفء .
أما غير المجبر من الولياء ـ وهو غير الب والجد أبي الب ـ فل يجوز له التوكيل
في التزويج إل بإذن المرأة ،لنه ل يملك تزويجها بغير إذنها ،فأولى أن ل يملك أن يوكل من
تمهيـد :
إن عقد الزواج ،وإن كان كغيره من العقود التي يشترط فيها الرضا واليجاب
والقبول ،لكن السلم أحاط هذا العقد بهالة من التعظيم والتفخيم ،وطبعه بطابع ديني ،
وصبغه صبغة تعبدية ،فجعل القدام عليه طاعة ل عز وجل ،وقربة من القربات التي يثاب
عليها.
ولما كان لعقد النكاح نتائج خطيرة تترتب عليه ـ من حل المعاشرة بين الزوجين ،
ووجوب المهر والنفقة ،وثبوت نسب الولد ،واستحقاق الرث ،ووجوب المتابعة ،ولزوم
الطاعة ،وكانت هذه النتائج عرضة للجحود والكنود من كل من الزوجين ـ احتاط الدين لها ،
61
وأوجب حضور شاهدين ـ على القل ـ يشهدان عقد الزواج ،وشرط فيهما شروطا تجعلهما
مكان الثقة والطمئنان لثبات تلك النتائج ،إذا ما دعت الحاجة إلى شهادتهما ،فيما إذا دبّ
شقاق بين الزوجين ،أو تنكر منهما أحد لحقوق هذا العقد ونتائجه .
والدليل على وجوب شاهدين في عقد النكاح قوله ":ل نكاح إل بولي وشاهدي عدل ،
رواه ابن حبان في صحيحه .انظر موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان ( النكاح ،باب :
أ ـ السلم :
فل يصح عقد النساء بشهادة غير المسلمين ،لن لعقد الزواج اعتبارا دينيا ،فلبدّ أن
يشهده من يدين بدين السلم ،ولن غير المسلم ل يوفّق بشهادته على المسلمين .
أضف إلى ذلك أن الشهادة ولية ،فل تقبل شهادة غير المسلم على المسلم ،لنه ل
ب ـ الذكورة :
62
فل ينعقد عقد الزواج بشهادة النساء ،ول برجل وامرأتين .قال الزهري رحمه ال :
:أنه ل تجوز شهادة النساء في الحدود ،والنكاح والطلق ) ( مضت السنّة عن الرسول
على والزهري تابعي ،ومثل هذا القول من التابعي في حكم الحديث المرفوع إلى رسول ال
فل ينعقد عقد الزواج بحضور المجانين والصبيان فحسب ،لن عقد الزواج له مكانته
يجب أن يكون الشاهدان عدلين ،ولو من حيث الظاهر ،أي بأن يكونا مستوري الحال ،
فل ينعقد الزواج بشهادة الفاسقين المُجاهرين بفسقهم لعدم الوثوق بشهادتهم .
فل ينعقد الزواج بشهادة أصمّين ،أو نائمين ،لن الغرض من الشهادة ل يتحقق بأمثالها
و ـ البصر :
فل ينعقد بشهادة العميان ،لن القوال ل تثبت إل بالمعاينة والسماع .
63
يستحبّ الشهاد على رضا الزوجة بعقد النكاح ،وذلك بأن يسمع شاهدان ـ الشروط
الجد ،سواء كان من جهة الب ،أو من جهة الم ،وسواء كان مسلما أم كافرا :وذلك بأن
يعطيه مهر امرأة حرّة ،أو يقول له :تزوج وأنا أُعطيك المهر .
ج ـ أن يكون الب ،أو الجد محتاجا إلى الزواج ،وذلك بأن كانت نفسه تتوق إليه .
ووجهه :أن هذا العفاف للب ـ أو الجد ـ من وجوه حاجاته المهمة :كالنفقة
والكسوة .
ولئل يعرّضه للزنى المفضي إلى الهلك ،وذلك ل يليق بحرمة البوة ،وليس هو من
[ لقمان . ] 15 :
64
نكاح الكفار فيما بينهم صحيح ،ودليل ذلك حديث غيلن وغيره ،ممّن أسلم وعنده أكثر
أمره أن يمسك أربعا ويفارق سائرهنّ . من أربعة نسوة ،فإن النبي
عن شرائط نكاحهنّ ،فل يجب البحث عن ذلك . فلم يسأله
ولو ترافعوا إلينا لم نبطل أنكحتهم ،ولو أسلموا أقررنا نكاحهم .
إذا كان الرجل كافرا ،وكان عنده امرأة كافرة ،فأسلما معا ،دام نكاحهما .وذلك لن
الفرقة إنما تقع باختلف الدين ،ولم يختلف دينهما في الكفر ول في السلم .
روى الترمذي ( النكاح ،باب :ما جاء في الزوجين المشركين يسلم أحدهما ،رقم :
، ) 1144وأبو داود ( الطلق ،باب :إذا أسلم أحد الزوجين ،رقم ) 2283 :عن ابن عباس
،ثم جاءت امرأته مسلمة ،فقال :يا رضي ال عنهما :أن رجلً جاء مسلما على عهد النبي
رسول ال ،إنها كانت أسلمت معي فرُدّها عليّ ،فردها عليه .
فإن كانت الزوجة كتابية دام نكاحه لها ،لجواز نكاح المسلم الكتابية .
وإن كانت وثنية ،أو ملحدة ،ولم تسلم أثناء عدّتها ،تنجزت الفرقة بينهما من حين إسلم
زوجها .
ولو أسلمت المرأة ،وأص ّر الزوج على الكفر ،فإنه يفرّق بينهما من حين إسلمها ،إل
أن يسـلم ،وهي ما تزال في العدّة ،فإنها ترُدّ إليه بنفس النكاح السابق .
65
أما إن عاد وأسلم بعد انقضاء عدّتها ،فإنها ل ترجع إليه إل بعقد جديد .
ردّ بنته زينب على روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده :أن رسول ال
أخرجه الترمذي ( النكاح ،باب :ما جاء في الزوجين المشركين يسلم أحدهما ،رقم :
. ) 1142
قال الترمذي :هذا حديث في إسناده مقال ،والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم :أن
المرأة إذا أسلمت قبل زوجها ثم أسلم ز وجها وهي في العدّة ،أن زوجها أحقّ بها ما كانت في
العدّة .
ال َّ
صــدَاق
أحكامه ـ المغالة في المهور
تعريف الصداق :
الصداق هو المال الذي وجب على الزوج دفعه لزوجته بسبب عقد النكاح .
أ ـ حكمه :
66
الصداق واجب على الزوج بمجرد تمام عقد الزواج ،سواء سمي في العقد بمقدار معين
من المال :كألف ليرة سورية مثلُ ،أو لم يسمّ ،حتى لو اتفق على نفيه ،أو عدم تسميته ،
[ البقرة ] 236 :أي تعينوا لهن مهرا . َتمَسّوهُنّ َأوْ تَ ْف ِرضُواْ َلهُنّ َفرِيضَةً
وأما السنّة :فما رواه البخاري ( فضائل القرآن ،باب :خيركم مَن تعلم القرآن
وعلمـه ،رقـم ، ) 4741 :ومسلم ( النكاح ،باب :الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم
حديد وغير ذلك من قليل وكثيـر واستحباب كونه خمسمائة درهم لمن ل يجحف بــه ،رقم
قالت " :ما لي في النساء من حاجة " فقال رجل :زوّجنيها ، ) 1425 :عن سهل بن سعد
ما معك من القرآن ؟ " قال :كذا وكذا .قال " :فقد زوّج ُتكَها بما معك من القرآن ".
وأما الجماع :فقد اتفقت كلمة العلماء على وجوبه من غير نكير من أحد .
67
والحكمة من تشريع المهر إنما هي إظهار صدق رغبة الزوج في معاشرة زوجته
كما أنه فيه تمكين للمرأة من أن تتهيأ للزواج بما تحتاجه من لباس ،ونفقات .
وإنما جعل السلم الصداق على الزوج ،رغبة منه في صيانة المرأة ،من أن تمتهن
لم يُخلِ نكاحا يسنّ تسمية المهر ـ أي تحديد مقداره ـ في عقد الزواج ،لن النبي
من تسمية المهر فيه ،ولن في تسميه دفعا للخصومة بين الزوجين .
على الوجوب ،للجتماع على جواز إخلء عقد الزواج من وإنما لم يحملوا فعله
والمهر ملك الزوجة وحدها ،ل حق لحد فيه من أوليائها ،وإن كان لهم حق قبضه ،
[ النساء . ] 4 :
68
ل حدّ لقل المهر ،ول لكثره ،فكلّ ما صحّ عليه اسم المال ،أو كان مقابلً بمال ،
جاز أن يكون مهرا ،قليلً كان أو كثيرا ،عينا أو دينا ،أو منفعة :كسجادة ،أو ألف ليرة ،أو
[ النساء َوأُحِلّ َلكُم مّا َورَاء َذِلكُمْ أَن َت ْب َتغُواْ بَِأ ْموَاِلكُم… ودليل ذلك قول ال تعالى :
. ] 24 :
رواه البخاري ( فضائل القرآن ،باب :خيركم مَن تعلم القرآن وعلمه ،رقم ) 4741 :
،ومسـلم ( النكاح ،باب :الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد وغير ذلك من قليل
وكثير واستحباب كونه خمسمائة درهم لمن ل يجحف به ،رقم ، ) 1425 :وروى الترمذي
":أرضيت ( النكاح ،باب :ما جاء في مهور النساء ،رقم ) 113 :عن عامر بن ربيعة
س ِتبْدَالَ َزوْجٍ
َوإِنْ َأرَدتّمُ ا ْ من نفسك ومالك بنعلين " ؟ قالت :نعم ،فأجازه .وقال تعالى :
الزوج لزوجته قنطارا .والقنطار :المال الكثير فدلّ على أنه ل ح ّد للمهر في الكثرة .
لكن يستحب أن ل يقل المهر عن عشرة دراهم ،خروجا من خلف من أوجب ذلك ،
وكذلك يستحب أن ل يزيد عن خمسمائة درهم ،لنه الوارد في مهور بناته وزوجاته ،
69
روى أحمد وأصحاب السنن ـ وصححه الترمذي ( النكاح ،باب :ما جاء في مهور
قال ( :ل تغلوا صدق النساء ،فإنها لو النساء ،رقم ) 1114 :ـ عن عمر بن الخطاب
،ما أصدق رسول كانت مكرمة في الدنيا ،أو تقوى في الخرة ،لكان أولكم بها رسول ال
امرأة من نسائه ،ول أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثني عشرة أوقية ) . ال
والوقية :أربعون درهما ،فيكون مجموع المهر :أربعمائة وثمانين درهما .وهذا
المقدار يساوي نصابين ونصف للزكاة تقريبا كما هو معلوم في نصاب الزكاة الذي تجب فيه
الزكاة من الفضة ،وذلك يختلف حسب نقد البلد وتقويم هذا المقدار من الفضة .
ل يشترط تعجيل المهر ،بل يصحّ تعجيله كله قبل الدخول ،ويصحّ تأجيله كله ،أو
تأجيل بعضه إلى ما بعد الدخول ،ولكن يشترط أن يكون الجل محددا ،وذلك لن المهر ملْك
وإذا كان المهر معجّلً ،كان للزوجة الحق في حبس نفسها عن زوجها حتى تقبض معجّل
مهرها .
أما إذا كان المهر مؤجلً ،فل حق لها في حبس نفسها عن زوجها ،لنها رضيت
تبين مما ذكرنا سابقا أن المهر يجب للزوجة على لزوج بالعقد الصحيح .
70
وسنذكر الن الحالت التي يستقر بها المهر على الزوج كله ،أو نصفه ،والحالت التي
الولى :فيما دخل الزوج بزوجته ،سواء كان ذلك الدخول في حال حل :كما إذا كانت
المرأة طاهرة من حيض ،أو كان في حال حُرمه :كما إذا كانت حائضا .فإذا دخل بها لزمه
المهر كله ،لنه استوفى المعقود عليه وهو الستمتاع ،فلزمه ال َعوَض .
[ النساء ] 24 :والمراد بالستمتاع هنا الدخول والتلذّذ بالجماع ،والمراد بالجور المهور ،
وسمي المهر أجرا لنه استحقّ بمقابل المنفعة ،وهي ما ذكر من التلذّذ والستمتاع .
وروى مالك في الموطأ ( النكاح ،باب :ما جاء في الصداق والحيـاء ) 2/526 :
( :أيّما رجل تزوج امرأة ….فمسّها فلها صداقها كاملً ) .فمسّها أي دخل بها عـن عمـر
ووطئها .
الثانية :موت أحد الزوجين ،سواء حصل الموت قبل الدخول ،أو بعده .
ويستقر على الزوج نصف مهر زوجته في حالة واحدة ،وهي :
71
ما إذا طلقها بعد عقد صحيح ،سمي المهر فيه تسمية صحيحة ،وكان هذا الطلق قبل
ضتُمْ
طلّ ْق ُتمُوهُنّ مِن َقبْلِ أَن َتمَسّوهُنّ وَقَدْ َف َر ْ
َوإِن َ ودليل هذا الحكم قول ال عزّ وجلّ :
ومعنى من قبل أن تمسّوهن :أي من قبل أن تدخلوا بهنّ .ومعنى فرضتم :أي سمّيتم لهن
مهرا .
72
3ـ سقوط المهر كله :
ويسقط المهر كله عن الزوج إذا فارقت الزوجة زوجها قبل الدخول بها ،وكان هذا
الفراق ناشئا بسبب منها ،كما إذا أسلمت ،فانفسخ النكاح ،أو ارتدّت ،أو فسخت النكاح لعيب
في الزوج ،أو فسخ الزوج النكاح لعيب فيه ،فإنه يسقط المهر في هذه الحالت كلها ،لنها
هي السبب في هذه الفرقة ،وهي المختارة لها ،فكأنها أتلفت المعوّض قبل التسليم ،فسقط
العوَض .
والمعرض :هنا :هو تمكينها زوجها من نفسها .والعوض :هو المهر .
ومهر المثل :هو المال الذي يطلب في الزواج لمثل الزوجة عادة .
تقـــديره :
ويقدّر مهر المثل بالنظر لقرباء المرأة بالنسب من جهة أبيها .
فيراعي في المرأة المطلوب مهر مثلها أقرب مَن تنتسب إليه من نساء العصبة .
كما يراعى كونهنّ مساويات لها في الصفات التي سيأتي ذكرها .
فإن فقدَ نساء العصبة ،أو لم ينكحن ،اعتبر مهر القرب فالقرب من أرحامها ،وهنّ
أقرباؤها من جهة أمها ،كأم ،وجدّة ،وخالة ،وبنات أخوات ،لنهنّ أولى من الجنبيات .
73
فإن فقدت القريبات من جهة الم أعتبر مثلها من الجنبيات في بلدها ،ممّن يساويها في
ثم يعتبر في تقدير مهر المثل مع النسب المساواة في الصفات التالية :
السن ،والعقل ،والجمال ،واليسار ،والعفّة ،والدين ،والتقوى ،والعلم ،والبكارة ،
والثيوبة ،وكل ما اختلف به غرض صحيح ،لن المهور تختلف باختلف هذه الصفات .
ويستدل لثبوت مهر المثل وتقريره :بما رواه أبو داود ( النكاح ،باب :فيمن تزوج ولم
يسمّ صداقا حتى مات ،رقم ، ) 2114 :والترمذي ( النكاح ،باب :ما جاء في الرجل يتزوج
المرأة فيموت عنه قبل أن يفرض لها ،رقم ) 1145 :بسند حسن صحيح ،وغيرهما :عن
أنه سئل عن رجل تزوج امرأة ،ولم يفرض لها مثل صداقا ولم نسائها ،ول عبدال بن مسعود
َو ْكسَ ،ول شَطَطَ ،وعليها الع ّدةُ ،ولها الميراثُ ،فقام معقل بن منّا ،مثل الذي قضيتَ ،ففرح
أ ـ إذا كان عقد النكاح فاسدا ،وذلك كأن فَقَدَ العقد شرطا من شروط صحته ،كأن تزوجت
من غير شهود ،أو من غير وليّ .ثم تبع ذلك العقد الفاسد دخول بالزوجة .فإنه يجب لها
مهر المثل ،لفساد العقد والمسمى ،مع وجوب التفريق بينهما .
74
ويقدّر مهر المثل وقت الدخول بها ،ل وقت العقد عليها ،لن العقد الفاسد ل اعتبار له
ب ـ إذا فسخ المهر بسبب الخلف بين الزوجين في تسميته ،أو مقداره .فإذا اختلف الزوج
والزوجة في تسمية المهر ،فقالت الزوجة :سمّيت لي مهرا في العقد ،وقال الزوج :لم
أسَم مهرا ،حلفت الزوجة على ما تدّعي ،وحلف الزوج على ما يدّعي ،ثم يفسخ المهر ،
كذلك إذا اختلفا في مقدار المهر ،فقالت الزوجة :إن ألفان ،وقال الزوج :إنه ألف ،
المسألة الولى :أن يكون المهر المسمى غير مال شرعا :كخمر ،وخنزير ،وآلة لهو ،و
نحو ذلك مما ل يُعدّ مالً في عُرف الشرع ،لن الشرع أوجب أن يكون المهر مالً ،أو مقابلً
المسألة الثانية :أن يكون المال الذي سمّاه مهرا غير مملوك له :كأن أصدقها سجادة مغصوبة
المسألة الثالثة :أن ينكح امرأتين أو أكثر بمهر واحد ،فإن النكاح صحيح ،والمهر فاسد ،
ويجب مهر المثل لكل واحدة ،للجهل بما يخصّ كل واحدة من المهر عند العقد .
المسألة الرابعة :أن يزوّج الوليّ صغيرا بأكثر من مهر المثل من مال الصبي ،أو أن يزوّج
صغيرة ،أو بكرا كبيرة بغير إذنها بأقل من مهل المثل ،فإن المهر يفسد في ذلك ،
ويجب مهر المثل ،لن الوليّ مأمور بفعل ما فيه المصلحة لهما ،والمصلحة منتقية هنا .
75
المسألة الخامسة :المفّوضة :وهي أن تقول امرأة رشيدة ـ بكرا كانت أو ثيبا ـ لوليّها :
زوّجني بل مهر ،فزوجها وليها ونفي المهر ،أو زوجها وسكت عن المهر ،فإنه يجب
لها مهر المثل ،ولكن ل بنفس العقد ،وإنما بالدخول بها ،لن الدخول بها ل يُباح
بالباحة ،لما فيه من حق ال عز وجل ،ويعتبر مهر المثل عند العقد ،ل عند الدخول .
ولها أن تطالب الزوج أن يفرض لها مهرا قبل الدخول ،وأن تحبس نفسها عنه
المسألة السادسة :أن يشترط في عقد الزواج أن يكون جزء من المهر لغير الزوجـة :كأبيها
،أو أخيها ،فإن النكاح صحيح ،والمهر فاسد ،ويجب لها مهر المثل .
تنبيـــه:
القسم الول :أن يكون الشرط موافقا لمقتضى النكاح :كأن شرطت عليه أن ينفق عليها
القسم الثاني :أن يكون الشرط مخالفا لمقتضى النكاح ،لكنه غير مُخلّ بمقصود النكاح
الصلي وهو الوطء ،كأن تشترط عليه في عقد الزواج أن ل يتزوج عليها ،أو يشترط عليها أن
فإن عقد النكاح صحيح لعدم الخلل بمقصوده الصلي ،والشرط فاسد ،سواء كان له ،
" :كل شرط ليس في كتاب ال فهو باطل . أو لها .لقوله
76
رواه البخاري ( المساجد ،باب :ذكر البيع والشراء على المنبر في المسجد ،رقم :
. ) 444
ويفسد المهر أيضا تبعا لفساد الشرط ،لن الرضا بالمهر قد علّق على شرط ،فلما فسد
الشرط فسد المهر ،لنتقاء الرضا بالمهر بغير ما شُرط فيه .
القسم الثالث :أن يكون الشرط مخلً بمقصود النكاح الصلي ،وهو الوطء :كأن
فالنكاح باطل ،لن هذا الشرط ينافي مقصود النكاح ،فيبطله .
المتــعة
تعريف المتعة :
والمراد بها هنا :مال يجب على الزوج دفعه لمرأته المُفارِقة له بطلق ،أو فراق .
طلّقت قبل الدخول بها ،ولم يكن سمّي لها مهر في عقد الزواج .
ب ـ إذا ُ
ج ـ إذا حكم بفراقها لزوجها ،وكان الفراق بسبب منه ،كردّته ،ولعانه ،وكان هذا
الفراق قد وقع بعد الدخول ولكن بشرط أن ل يكون قد سمي لها مهر في عقد الزواج .
77
أما المرأة المطلّقة قبل الدخول ،وقد سمي لها مهر في عقد الزواج ،فل متعة لها ،
لنها قد نالت نصف المهر ،وهي لم تبذل لزوجها شيئا بعد .
علَى
طلّقَاتِ َمتَاعٌ بِا ْل َم ْعرُوفِ حَقّا َ
َوِل ْلمُ َ [ البقرة ] 236 :وقال تعالى : سنِينَ
علَى ا ْلمُحْ ِ
حَقّا َ
ا ْل ُمتّقِينَ
عند تقدر المتعة إما أن يتفق الزوجان على مقدارها ،وإما أن يختلفا :
فإن اتفقنا على مقدار معين من المال ـ قل ذلك المال أو كثر ـ كان ذلك لها ،وصحّت
وإن اختلفا في تقديرها ،فإن القاضي هو الذي يتولى تقديرها ،معتبرا حالهما :من يسار
] 241
لكن يستحبّ في المتعة أن ل تنقص علن ثلثين درهما ،أو ما قيمته ذلك ،وأن ل تلغ
78
الحكمة من تشريع المتعة :
والحكمة من تشريع المتعة تطييب قلب المرأة المطلقة ،عند مفارقتها بيت الزوجية ،
والتخفيف من استيحاشها بسبب ما يلحقها من مفارقة زوجها ،وكسر حدّة اللم والكراهية التي قد
وعظيم منزلتها ،فذلك يشتطّون في مقدار المهر ،ويغالون في تكبيره وتكثيره إظهارا منهم
لقيمة المخطوبة ،وتعزيزا لمكانة أسرتها ،ومفاخرة على أمثالها في تجهيزها ،وأثاث بيتها .
لقد غاب عن خاطر هؤلء أن المهر ل يعني شيئا من هذا أبدا .وإنما هو رمز لصدق
طيّة لتكريم المرأة والتودّد إليها في بناء الحياة الزوجية الكريمة .
الرغبة في الزواج ،وع ِ
كما غاب عن خاطرهم المفاسد الجتماعية التي تنجم عن هذا الشَطط الممقوت ،
والضرر الذي يصيب المجتمع ،والرجل والمرأة نفسها ،كنتيجة لهذا الغلو البشع .
يسلكون غير طريق البَركَة التي وغاب عن خاطرهم أيضا :أنهم يخالفون سنّة النبي
ـ أما المفاسد الجتماعية التي تنجم عن المغالة في المهور فكثيرة نذكر بعضا منها :
79
إن المغالة في المهور تصرف الشباب عن الزواج ،ولسيما الفقراء منهم ،وتحول
بينهم وبين الزواج ،مما يجعلهم يسيرون في طريق الشيطان ،ويلجؤون إلى الفاحشة ،
ويبحثون عن الرذيلة ،فيتبدل الصلح فسادا ،والطمأنينة ثورة ،فتتلوّث الغراض ،وتختلط
ولو كان للشباب أزواج يعففنهم لحفظوا أخلقهم ،وحصّنوا دينهم ،وضمنوا لمجتمعهم
ـ وأما المفاسد التي تصيب المرأة نفسها كنتيجة للمغالة فيكفي أن نذكر منها :
إن كثيرا من النساء سوف يبقين عوانس محرومات من أخص ما تتطلبه فطرتهنّ ،
وتهفوا نحوه نفوسهنّ ،وسيظللن يشعر بفراغ مؤرق يقض مضاجعهنّ ،ويشتقن إلى البيت
الذي يقضي على وساوسهنّ ،ويُشعرهنّ بنعمة الهدوء والستقرار ،فل يجدنه ،ول يظفرن به
هذا إذا لم يخرجن إلى الطرقات يعرضن فتنتهنّ ،ويفسدن مجتمعهنّ .
أما إذا خرجن ـ كما هو الغالب على هؤلء العوانس ـ فالضرر عليهنّ أبلغ ،والكارثة
في المهر : ـ أما مخالفة السنّة النبوية ،فلنستمع إلى ما يقوله النبي
":إن روى أحمد ( ) 6/82عن السيدة عائشة رضي ال عنها قالت :قال رسول ال
80
سرُه " رواه أبو داود
" خيرُ النكاح أي َ قال :قال رسول ال وروى عمر بن الخطاب
( النكاح ،باب :في التزويج على العمل يعمل ،رقم ) 2117 :والحاكم وصححه .
فل بركة إذا ول خير إذا أصبح المهر تجارة يطلب من ورائها الثراء ،ووسيلة للمكاثرة
وروى البخاري ( النكاح ،باب :كيف يدعى للمتزوج ،رقم ) 4860 :ومسلم ( النكاح
،باب :الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد وغير ذلك من قليل وكثير واستحباب
أثر صُفوة ،فقال كونه خمسمائة درهم لمن ل يجحف به ،رقم ) 1427 :عن أنس بن مالك
" :ما هذا " ؟ قال :تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب ،قال " :بارك ال لك ،أولِمْ ولو
[ أثر صفوة :أي صبغ على ثوبه .نواة :بزرة التمر ].
لقد دعا له بالبركة كثرة الخير ـ والبركة كثرة الخير -في هذا الزواج وما كان المهر
يقول :ل تغلو صُدُقَ النساء ،فإنها وعن أبي العوجاء قال :سمعت عمر بن الخطاب
ما أصدق رسول ال لو كانت مكرُمة في الدنيا ،أو تقوى في الخرة ،لكان أولكم بها النبي
امرأة من نسائه ،ول أصْدِقت امرأة من بناته ،أكثر من ثنتي عشرة أُوقية .
رواه الخمسة ،وصححه الترمذي ( النكاح ،باب :ما جاء في مهور النساء ،رقم :
. ) 1114
81
والخلصة :أن المغالة في المهور مكروهة شرعا ،وأن اليُسْر في المهور مندوب ،ومن
الزواج في اللغة :هو القتران ،والختلط .يقال :زوج فلن إبله :أي قرن بعضها
ظَلمُوا
شرُوا الّذِينَ َ
احْ ُ ببعض .ويقال :زوجه النوم :أي خالطه .ومنه قول ال عز وجل :
والزواج في الشرع :عقد يتضمن إباحة استمتاع كلّ من الزوجين بالخر على وجه
مشروع .
أما الزواج الباطل :فهو الذي فقدَ ركنا من أركانه ،أو شرطا من شروط صحته .
وهذا الزواج ل حكم له إل الحرمة ،ول يترتب عليه أيّ أثر من آثار الزواج ،اللّهمّ إل
" :أيما امرأة نكحت بغير إذن وليّها فنكاحُها باطل ـ ثلثا ـ فإن قال رسول ال
دخل بها فهل مهر المثل بما اسحل من فرجها " .
رواه الترمذي ( النكاح ،باب :ما جاء ل نكاح إلى بولي ،رقم ) 1102
82
وأما الزواج الصحيح :فهو الذي استوفى أركانه ،وشروط صحته ،وهذا الزواج هو
لعقد الزواج أحكام كثيرة ،وقد مرّت عند بحثنا عن النكاح وأركانه ،فلتُراجع هناك .
إذا وقع عقد الزواج صحيحا تترتب عليه كثر من الحقوق والواجبات المتقابلة بين
الزوجين .
وهذه الحقوق والواجبات لكل واحد منها بحث خاص به يُذكر في مكانه .
ولكنّا نكتفي هنا أن نعدّها مع ذكر الدليل لكل واحد منها ،ونُحيل تفاصيلها إلى مواضعها
أ ـ حلّ استمتاع كلّ من الزوجين بالخر على الوجه المشروع ،قال ال تعالى :
روى مسلم ( النكاح ،باب :تحريم امتناعها من فراش زوجها ،رقم ، ) 1436
والبخــاري ( النكاح باب :إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها ،رقم )4879 :عن أبي
83
قال " :إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملئكة حتى عن النبي هريرة
تصبح ) .
وفي رواية أخرى ( :إذا دعا الرجل امرأتَه إلى فراشه ،فلم تأته ،فبات غضبان
في خطبة حجة الوداع " :ولكم عليهنّ أل يوطئن ُفرُشكم أحدا تكرهونه " . وقال
رقم ) 1218 :وغيره . رواه مسلم من حديث طويل ( الحج ،باب :حجة النبي
حلَةً
وَآتُو ْا النّسَاء صَدُقَا ِتهِنّ نِ ْ ج ـ المهر ،وهو حق للزوجة على زوجها .قال ال تعالى :
[ النساء . ] 4 :
د ـ النفقة ،وقد أجمع المسلمون على أن نفقة الزوجة واجبة على زوجها .قال ال عز جل :
]6
في خطبة حجة الوداع " :ولهنّ عليكم رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف " وقال رسول ال
.رواه مسلم ) 1218وغيره والنفقة تشمل الطعام والشـراب ،والكسوة والمسكن ،وسيـأتي
هـ ـ القسم بين الزوجات ،إن كان للزوج أكثر من زوجة واحدة ،كما سيأتي .
84
":إذا كان الرجل امرأتان ،فلم يعدل بينهما ،جاء يوم القيامة وشقه قال رسول ال
رواه الترمذي ( النكاح ،باب :ما جاء في التسوية بين الضرائر ،رقم ، )1141 :
وابن ماجه ( النكاح ،باب :القسمة بين النساء ،رقم ، ) 1969 :وأبو داود ( النكاح ،باب :
. في القسم بين النساء ،رقم ، ) 2123 :عن أبي هريرة
وروى الترمذي ( النكاح ،باب :ما جاء في التسوية بين الضرائر ،رقم )1140 :وأبو
داود ( النكاح ،باب :في القسم بين النساء ،رقم ) 2134 :وغيرهما :عن عائشة رضي ال
كان يقسم بين نسائه ،فيعدل ،ويقول " :اللهمّ هذه قسمتي فيما أملك ،فل عنها :أن النبي
[ هذه قسمتي :أي في المبيت والنفقة .فل تلمني فيما تملك ول أملك :أي في الحب
والمودّة ] .
و ـ النسب ،ويثبت بالزواج بعد الدخول تسب الولد إلى أبيهم ،إذا جاءت بهم الزوجة
ضمن مدة الحمل المعروفة :وأقلها ستة أشهر ،وأكثرها أربع سنين .كما مرّ .فولد كل
" :الولد للفراش ،وللعاهر زوجة في زواج صحيح ينسب إلى زوجها .قال رسول ال
الحجر"
رواه مسلم ( الرضاع ،باب :الولد للفراش وتوقي الشبهات ،رقم . )1457 :
[ والمراد بالفراش :حالة قيام الزوجية .وللعاهر الحجر :أي الزاني له الخيبة ،ول حقّ
85
ز ـ التوارث بين الزوجين بشروطه المعروفة في باب الرث ،قال ال تعالى :
جكُمْ إِن لّمْ َيكُن ّلهُنّ َولَدٌ َفإِن كَانَ َلهُنّ َولَدٌ َفَلكُ ُم ال ّربُعُ ِممّا َت َركْنَ
صفُ مَا َت َركَ َأ ْزوَا ُ
َوَلكُمْ ِن ْ
ن ال ّربُعُ ِممّا َت َر ْكتُمْ إِن لّمْ َيكُن ّلكُمْ َولَدٌ فَإِن كَانَ َلكُمْ
صيّةٍ يُوصِينَ ِبهَا َأوْ َديْنٍ َوَلهُ ّ
مِن َبعْدِ َو ِ
ولعقد الزواج سنن يستحبّ التيان بها تعظيما لهذا العقد ،وإظهارا له .
أ ـ الخطبة قُبيل عقد الزواج ،وهذه الخطبة مستحبة من قبل الزوج أو نائبه ،وذلك لما روي
موقوفا ومرفوعا قال ( :إذا أراد أحدُكم أن يخطُب لحاجة من عن عبدال بن مسعود
نكاح وغيره فليقل …) إلى آخر الحديث ،وقد مرّ في بحث الخطبة ،فارجع إليه هناك
: ب ـ الدعاء للزوجين ،ويسنّ الدعاء للزوجين عند الزواج ،وذلك لما روى أبو هريرة
كان إذا رفّأ إنسانا إذا تزوج قال " :بارك ال لك ،وبارك عليك ،وجمع أن النبي
رواه الترمذي ( النكاح ،باب :ما جاء فيما يُقال للمتزوج ،رقم ) 1091 :وأبو داود
( النكاح ،باب :ما يُقال للمتزوج ،رقم ) 2130 :وابن ماجه ( النكاح ،باب :تهنئة النكاح ،
86
ج ـ إعلن عقد الزواج ،وإظهار الفرح فيه بضرب الدف ،ويستحب إعلن عقد الزواج ،
كما يستحب إظهار الفرح ،وضرب الدف ،والغناء الطيب الذي يتضمن المعنى الحسن
الكريم .
روى ابن ماجه ( النكاح ،باب :إعلن النكاح ،رقم ) 1895 :عن عائشة رضي ال
" :أعلنوا هذا النكاح ،واضربوا عليه بالغُربال " أي الدف . عنها قالت :قال رسول ال
وروى الترمذي ( النكاح ،باب :ما جاء في إعلن النكاح ،رقم ) 1088 :وغيره :
قال " :فصل ما بين الحرام والحلل الدفّ والصوت " . أن النبي
":أعلنوا هذا النكاح ،واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف " . وقال
روى البخاري ( النكاح ،باب :النسوة اللتي يهدين المرأة إلى زوجها ،رقم :
) 4867عن عائشة رضي ال عنهما :أنها زَفّت امرأة إلى رجل من النصار ،فقال النبي
" :يا عائشة ،ما كان معكم من لهو ؟ فإن النصار يعجبهم اللهو " .
أما الغناء الذي فيه مجون ،وفجور وشرور ،ووصف للمحاسن والفاتن ،وإثارة
د ـ الدعاء عند الدخول على الزوجة ،ويستحب عند الدخول على الزوجة ،والعزم على
جماعها ،بأن يقول :بسم ال ،اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا .
87
روى البخاري ( الوضوء ،باب :التسمية على كل حال وعند الوقاع ،رقم ) 141 :
مسلم ( النكاح ،باب :ما يستحب أن يقول عند الجماع ،رقم ) 1434 :عن ابن عباس رضي
" :لو أن أحدهم إذا أراد أنْ يأتيَ أهلَه قال :بسم ال ،اللّهم ال عنهما قال :قال رسول ال
جنّبنا الشيطان ،وجنب الشيطان ما رزقتنا ،فإنه إن يُقَدّر بينهما ولد في ذلك لم يضرهّ شيطان
معنى الوليمة :الوليمة مشتقة من ال َولْم ،وهو الجتماع ،وسمّيت بذلك لن الزوجين
قال في القاموس :الوليمة طعام العرس ،أو كل طعام صنع لدعوة وغيرها ،وأولم :
قولً وفعلً . حكم الوليمة :الوليمة للعرس سنّة مؤكدة ،لثبوتها عن النبي
أولم فقد روى البخاري ( النكاح ،باب :من أولم بأقل من شاة ،رقم ) 4877 :أن النبي
أولَمَ على وروى الترمذي ( النكاح ،باب :ما جاء في الوليمة ،رقم ) 1095 :أن النبي
صفية بنت حُيي رضي ال عنها بسويق وتمر .رواه داود ( الطعمة ،باب :في استحباب الوليمة
عند النكاح ،رقم ، ) 3744 :وابن ماجه ( النكاح ،باب :الوليمة ،رقم . ) 1909 :
وروى مسلم ( النكاح ،باب :زواج زينب ..وإثبات وليمة العرس ،رقم ) 1428 :أن
قال لعبد الرحمن بن عوف رضي ال أولم على زينب رضي ال عنها بخبز ولحم .وأنه النبي
88
عنه " :أولم ولو بشاة " ،رواه البخاري ( النكاح ،باب :الوليمة ولو بشاة ،رقم ، ) 4872 :
ومسلم ( النكاح ،باب :الصداق وجواز كونه تصليح قرآن … ،رقم . ) 1472
مقدار الوليمة :وأقل الوليمة للموسر شاة ،ول حدّ لكثرها ،ولغيره ما قدر عليه من
الطعام .
وقت الوليمة :ووقت وليمة العرس موسّع من حين العقد إلى ما بعد الدخول ،وإن كان
لم ي ِولْم على نسائه إل بعد الدخول ،فقد جاء في الفضل فعلها بعد الدخول ،لن النبي
بها عروسا ،فدعا القوم ..وهكذا . :أصبح النبي أحاديث زواجه
انظر البخاري ( النكاح ،باب :الوليمة حق ) ،ومسلم ( النكاح ،باب :فضيلة إعتاقه
حكمة تشريع الوليمة :وحكمة تشريع وليمة العرس شكر ال عزّ وجل على ما وُفّق به
من الزواج .واجتماع الناس عليه ،حيث إن هذا الجتماع يدعو إلى التحابب والتآلف .
وإظهار الزواج من السرّية إلى العلنية ،ليظهر الفرق بين النكاح المشروع ،والسفاح الممنوع.
حكم إجابة الدعوة إلى وليمة العرس :وإجابة دعوة وليمة العرس فرض عين على مَن
ودليل ذلك ما رواه البخاري ( النكاح ،باب :حق إجابة الوليمة والدعوة … ،..رقم :
) 4878ومسلم ( النكاح ،باب :المر بإجابة الداعي إلى دعوة ،رقم ) 1429 :عن ابن
" :إذا دُعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها " . عمر رضي ال عنهما قال :قال رسول ال
89
وفي رواية عند مسلم ( النكاح ،باب :المر بإجابة الداعي إلى دعوة ،رقم ) 1432 :
( ومَن لم يجب الدعوة فقد عصى ال ورسوله ) . عن أبي هريرة
شروط وجوب إجابة دعوة وليمة العرس :لقد شرط العلماء لوجوب إجابة دعوة وليمة
أ ـ أن ل يخصّ صاحب الدعوة بها الغنياء وحدهم ،فإذا خصّهم ل تجِب إجابتها .
روى مسلم ( النكاح ،باب :المر بإجابة الداعي إلى دعوة ،رقم ) 1432 :عن أبي
أنه كان يقول ( :بئس الطعام طعام الوليمة ،يُدعى إليه الغنياء ،ويُترك المساكين ، هريرة
من مراعاة الغنياء في الولئم ، ومعنى الحديث الخبار بما يقع من الناس بعده
وتخصيصهم بالدعوة ،وإيثارهم بطيب الطعام مما هو غالب في الولئم اليوم .
ب ـ أن يكون الداعي مسلما ،والمدعو مسلما ،فإن كان غير ذلك فل تجب إجابة الدعوة إليها
ج ـ أن يدعوه في اليوم الول ،إذا أولم في أكثر من يوم ،فإذا دعاه في اليوم الثاني استحبت
روى الترمذي ( النكاح ،باب :ما جاء في الوليمة ،رقم ) 1079 :عن ابن مسعود
" طعام أول يوم حق ،وطعام يوم الثاني سنة ،وطعام يوم الثالث سُمعة قال :قال رسول ال
قال " :الوليمة في اليوم الول حق ، وروى أحمد ( ) 5/28وغيره :أن رسول ال
90
د ـ أن يدعوا للتودّد والتقرّب ،فإن دعاه لخوف منه ،أو طمع في جاهه ل تجب إجابتها .
هـ ـ أن ل يكون الداعي ظالما أو شريرا ،أو صاحب مال حرام ،فإن كان كذلك ل َتجِب
إجابتها .
و ـ أن ل يكون هناك منكر :كخمر ،واختلط بين الرجال والنساء ،أو صور إنسان ،أو
" :من كان يؤمن بال واليوم الخر فل يقعدن على مائدة يُدار عليها قال رسول ال
( المستدرك :الدب ،باب :ل تجلسوا على مائدة يُدار عليها الخمر . )4/288 :
فإن كان يزول المنكر بحضوره ،وجب حضوره ،وإجابة الدعوة ،وإزالة المنكر .
الكل من طعام الوليمة :ل يجب على مُجيب دعوة الوليمة أن يأكل منها ،بل الواجب عليه أن
روى مسلم ( النكاح ،باب :المر بإجابة الداعي إلى دعوة ،رقم ) 1430 :عن جابر
قال : ودليل ذلك ،ما رواه مسلم ( الموضع السابق ،رقم ) 1431 :عن أبي هريرة
" :إذا دُعي أحدكم فليُجب ،فإن كان صائماَ فليُصل ،وإن كان مفطرا فليطعم قال رسول ال
".
91
ومعنى ( ف ْليُصل ) ف ْليَدْع لهل الطعام بالمغفرة والبركة .والصلة في اللغة :الدعاء .قال
ويستحّب لمُجيب الدعوة أن يأكل مما قُدّم له ،ول يتصرف فيه إل بالكل .
ويحل َنثْر سكر وغيره :كجوز ولوز ودنانير ودراهم على المرأة في النكاح ،ويحلّ
القسم ـ في اللغة ـ مصدر قسم يقسم ،والقسْم بكسر القاف :النصيب .
والقَسْم اصطلحا :أن مَن كان له أكثر من زوجه ،وبات عند واحدة منهنّ لزمه المبيت
القسم ابتداء بين الزوجات مندوب ،وليس بواجب ،فمن كان له نسوة استحبّ أن يقسم
لهنّ ،ويبيت عندهنّ ،ول يطلهنّ ،وإنما لم يجب ذلك عليه ،لن المبيت حقه ،فجاز له تركه
.أما إذا بات عند واحدة منهنّ بقرعة ،أو غيرها ،لزمه المبيت عند الباقيات ،وأصبح القسم
ودليل وجوب العدل في القَسْم وغيره بين النساء :القرآن والسنّة .
92
َإِنْ خِ ْفتُمْ أَلّ َتعْ ِدلُواْ َفوَاحِ َدةً َأوْ مَا َمَل َكتْ َأ ْيمَا ُنكُمْ أما القرآن :فقول ال عزّ وجل :
[ النساء ] 3:أي إن خفتم أن ل تعدلوا في القَسْم والنفاق فاقتصروا على تزوّجكم واحدة .
قال ( :مَن كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما ـ وعند الترمذي :فلم :أن النبي هريرة
يعدل بينهما ـ جاء يوم القيامة وشقّه مائل ـ وعند الترمذي :وشقّه ساقط ) .وهذه عقوبة ل
وروى أبو داود ( ، ) 2134والترمذي ( ) 1140عن عائشة رضي ال عنها قالت :
يقسم فيعدل ،ويقول ( :اللّهمّ هذا قسمي فيما أملك ،فل تلمني فيما تملك ول كان رسول ال
أملك ) .
أبو داود ( النكاح ،باب :في القَسْم بين النساء ) ،والترمذي ( النكاح ،باب :ما جاء
ويختص بالقَسْم الزوجات ،ولو كانت إحداهنَ مريضة ،أو حائضا أو نفساء ،ما دمن
أما إذا كانت المرأة ناشزا فل تستحق القَسْم ،لسقاطها حقها بنشوزها ،وسيأتي بيان
93
ويجوز للزوج أن يجعل لكل زوجة ليلة ويوما قبلها ،أو بعدها .
والصل الليل ،والنهار تبع له ،إل إذا كان الزوج يعمل ليلً :كحارس ،فإن الصل النهار ،
ويومها .
وإن كان يبيت عند واحدة منهنّ ،وجب عليه أن يدور عليهنّ في بيوتهنّ ،كل
ويحرم عليه أن يبيت عند واحدة منهنّ ،ثم يدعوا الباقيات إليه ،لن إتيان بيت
كما يحرم عليه أن يجمعهنّ في مسكن واحد بغير رضاهنّ ،لما يسبّبه ذلك من
ويحرم أكثر من ذلك ،لما في طول المدة من الوحشة عليهنّ ،وتجب القرعة للبدء
بالمبيت عند واحدة منهن ،تجنبا لترجيح إحداهنّ على الخرى ،ثم يقرع بين الباقيات .
ويجوز أن يدخل نهارا على غير مَن لها النوبة إذا كان دخوله لحاجة ،وينبغي ألّ يطول
مكثه .
94
روى أبو داود ( النكاح ،باب :في القَسْم بين النساء ،رقم :ك ، ) 2135والحاكم
( النكاح ،باب :التشديد في العدل بين النساء رقم ) 2/186 :وقال صحيح السناد :عن
قال يوم إل وهو يطوف علينا جميعا ، عائشة رضي ال عنها قالت :وكان ـ أي رسول ال
فيدنوا من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ إلى التي هو يومها ،فيبيت عندها .
ول يجوز أن يدخل ليلً إلى غير مَن لها النوبة إل لضرورة :كمرض مخوف ،أو
كما تختص ثيّب جديدة بثلث ليال متواليات وجوبا أيضا .
روى البخاري ( النكاح ،باب :إذا تزوج الثّيب على البكر ،رقم ) 4916 :ومسلم
( الرضاع ،باب :قدر ما تستحقه البكر والثّيب من إقامة الزوج … ،رقم ) 1461 :عن أنس
قال :من السنّة إذا تزوج البكر على الثّيب أقام عندها سبعا ثم قسم ،وإذا تزوج الثيب أقام
عندها ثلثا ثم قسم .قال :أبو قلبة ـ أحد رواة الحديث ـ لو شئت لقلت :إن أنسا رضي
وروى مسلم ( الموضع السابق ،رقم ) 1460 :عن أم سلمة رضي ال عنها قالت :
" :للبكر سبع ،وللثيّب ثلث " . قال رسول ال
ولو وهبت إحداهنّ ليلتها لضرّتها بات عند الموهوب لها ليلتيهما ،كل ليلة في وقتها
الذي كان لها ،فإن كانت متتابعين تابع بينهما ،وإن كانتا متفرقين ،فرق بينهما فعل رسول ال
95
روى البخاري ( النكاح ،باب :المرأة الثيّب تَهب يومها من زوجها لضرّتها ،رقم :
) 4941ومسلم ( الرضاع ،باب :جواز هبتها نوبتها لضرتها ،رقم – ) 1463 :واللفظ
سودة بنت زمعة من امرأة فيها حدة ،قالت :فلما كبرت جعلت يومها من رسول ال
،يقسم لعائشة لعائشة ،قالت :يا رسول ال :قد جعلت يومي منك لعائشة ،فكان رسول ال
[ مسلخها :المسلخ :هو الجلد ،ومعناه أن أكون أن هي .فيها حدّة :أي شدة ولم ترد
عائشة بذلك عيب سودة ،بل وضفتها بقوة النفس ،وجودة القريحة ،وهي الحدّة ] .
كان وإذا أراد سفرا أقرع بين نسائه ،واستصحب معه من خرجت قرعتها ،لنه
روى البخاري ( المغازي ،باب :حديث الفك ،رقم ، ) 3910 :ومسلم ( التوبة ،
باب :في حديث الفك وقبول توبة القاذف ،رقم ) 2770 :عن عائشة رضي ال عنهما أنها
إذا أراد السفر أقرع بين نسائه ،فأتيتهنّ خرج سهمها خرج بها . قالت :كان رسول ال
النشــــوز
تعريف النشوز :
ونشوز المرأة :عصيانها زوجها ،وتعاليها عمّا أوجب ال عليها من طاعته .
قال ابن فارس :نشزت المرأة :استعصت على بعلها .قال تعالى :
96
لتِي َتخَافُونَ نُشُوزَهُنّ [ ..النساء . ]33 :أي تخافون عصيانهنّ .
وَال ّ
" :إذا دعا الرجل امرأتَه إلى فراشه ،فلم تأتِه ،فبات غضبان عليها قال رسول ال
. لعنتها الملئكة حتى تصبحَ " رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة
وفي رواية لمسلم " :والذي نفسي بيده ما من رجلٍ يدعو امرأته إلى فراشها ،فتأبى
عليه ،إل كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها ".
رواه البخاري ( النكاح ،باب :إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها ) ،ومسلم
":والذي نفسي بيده ل تؤدي المرأة حق ربّها حتى تؤديَ حقّ زوجِها وقال رسول ال
".
رواه أحمد ( ، ) 4/381وابن ماجه ( النكاح ،باب :حق الزواج على المرأة ،رقم :
. )1853
ويكون نشوز المرأة بخروجها عن طاعة زوجها ،وعصيانها له ،وذلك كأن خرجت
من بيته بغير عذر من غير إذنه ،أو سافرت بغير إذنه ورضاه ،أو لم تفتح له الباب ليدخل ،
أو لم تمكّنه من نفسها بل عذر :كمرض ،أو دعاها فاشتغلت بحاجاتها ،وغير ذلك .
97
إذا ظهرت من المرأة علمات النشوز :كأن وجد منها زوجها إعراضا وعبوسا ،بعد
لُطف وطلقة وجه ،أو سمع منها كلما خشنا على خلف عادتها استحب له أن يعظها بكتاب
ال عز وجل ،ويذكّرها بما أوجب ال عليها .ويحذرها غضب ال سبحانه وتعالى وعقوبته .
قال ":أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة ويستحبّ أن يقول لها :إن الرسول
رواه الترمذي ( الرضاع ،باب :ما جاء في حق الزواج على المرأة ،رقم :
، ) 1161وابن ماجه ( النكاح ،باب :حق الزوج على المرأة ،رقم . ) 1854 :
":إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملئكة ويقول لها :قال رسول ال
رواه البخاري ( النكاح ،باب :إذا باتت المرأة مُهاجرة فراش زوجها ) ،ومسلم
( النكاح ،باب :تحريم امتناعها من فراش زوجها ) .فإن استقامت فبها ونعمت .
وإن تحقّق نشوزها ،وأصرّت على إعراضها ،هجرها في المضجع ،لن في الهجر
نشوزها ،وأصرّت على عصيانها ،كان له أن يضربها ضرب تأديب غير مبرح ،ل يجرح
لحما ،و يكسر عظما ،ول يضرب وجها ول موضع مهلكة .
وهذا الضرب إنما يُصار إليه إذا رجا صلحها به ،وغلب على ظنه أن تعود إلى
رشدها .
فإن علم أن الضرب ل يصلحها ،بل يزيد في نفرتها ،فإنه ينبغي أل يضربها .
98
ودليل هذه الحكام التي ذكرناها قول ال عز وجل :
ط ْع َنكُمْ فَلَ
ض ِربُوهُنّ َفإِنْ أَ َ
جرُوهُنّ فِي ا ْل َمضَاجِعِ وَا ْ
لتِي َتخَافُونَ نُشُوزَهُنّ َفعِظُوهُنّ وَاهْ ُ
وَال ّ
فإن استحكم الخلف بينهما ،وتعذرت إزالته بواسطة الزوجين ،ورُفعَ المر إلى الحاكم
،وجب عليه أن يوسّط للصلح بينهما حكمين مسلمين عدلين عارفين بطرق الصلح .
حكََمان في الصلح بين الزوجين ،ويبذلن وسعهما للوصول إليه ،فإن أفلحا فبها ونعمت ،
ال َ
وإن أخفقا ،وكّل الزوج حكمه بطلقها ،وقبول عوَضَ الخلع منها .
تجتمعا على شيء واحد .فإن لم يرضَ الزوجان ببعث الحكمين ،ولم يتفقا على شيء أدّب
القاضي الظالم منهما ،واستوفى للمظلوم حقه ،وعمل بشهادة الحكمين ,قال ال تعالى :
99
وإذا كان الجحاف والعراض من قَبل الزوج :وذلك كأن منعها حقها في القسم ،أو
النفقة ،أو أغلظ عليها بالقول ،أو الفعل ،وعظته وذكّرته بحقها عليه ،بمثل قول ال عز وجل
خيْرا َكثِيرا
جعَلَ اللّهُ فِيهِ َ
شيْئا َويَ ْ
شرُوهُنّ بِا ْل َم ْعرُوفِ َفإِن َكرِ ْه ُتمُوهُنّ َفعَسَى أَن َت ْكرَهُواْ َ
وَعَا ِ
[ النساء . ] 19 :
" خيرُكم خيركم لهله وأنا خيرُكم لهلي " . وذكّرته بقول النبي
،رقم ) 3829 :عن عائشة رواه الترمذي ( المناقب ،باب :في فضل أزواج النبي
رواه البخاري ( النكاح ،باب :الوصاة بالنساء ،رقم ، 4890 :ومسلم ( الرضاع ،
وحذّرته من عواقب ظلمها ،فإن صلح فذاك ،وإن لم يصلح رفعت أمرها إلى القاضي
ليستخلص لها حقها لنه منصوب لردّ الحقوق إلى أصحابها ،ولنها ل يمكنها أن تأخذ حقها
بنفسها .
ف الظلم عنها.
ويجب على القاضي أن يلزمه بالقسم لها ،وأداء حقوقها ،وك ّ
فإن ساء خلقه ،وآذاها بضربها ،أو بسبها بغير سبب نهاه القاضي عن ذلك ،فإن عاد
إليه ،وطلبت الزوجة من القاضي تعزيره ،عزره بما يراه سبيلً إلى إصلحه .
100
فإن اشتد الخلف أرسل حكمين كما سبق ليصلحا بينهما ،أو يفرقا بينهما بطلقة إن
جنَاْحَ
عرَاضا فَلَ ُ
َوإِنِ ا ْم َرأَةٌ خَا َفتْ مِن َب ْعِلهَا نُشُوزا َأوْ إِ ْ عسر الصلح .قال ال تعالى :
101
العيوب التي يترتب عليها فسخ النكاح
والثار المترتبة على ذلك
أولً :العيوب :
القسم الول :عيوب تمنع من الدخول :كالجب ،والعنّة في الزواج .والقرن ،والرتق في
الزوجة .
والجب :قطع عضو التناسل عند الرجل .والعنّة :العجز عن الوطء في ال ُقبُل خاصة ،
لعدم انتشار الذكر .والقرن :انسداد محل الجماع لدى المرأة بعظم .والرتق :انسداد محل
القسم الثاني :عيوب ل تمنع الدخول ،ولكنها أمراض مُنفرة ،أو ضارّه ،بحيث ل
والجذام :علّة يحمرّ منها العضو ،ثم يسودّ ،ثم ينقطع ويتناثر .
1ـ قسم مشترك بين الزوجين :وهو الجذام ،والبرص ،والجنون .
ب والعنّة .
3ـ قسم خاص في الزواج :كالج ّ
102
العيوب المشتركة :
إذا وجد أحد الزوجين في الخر جنونا ،أو جذاما ،أو برصا ،ثبت له الخيار في فسخ
الزواج .سواء كان هو الخر مصابا به ،أو لم يكن ،لن النسان يعاف من غيره ما ل يعاف
ودليل ثبوت الخيار بهذه العيوب ما رواه والبيهقي ( ) 7/214من رواية ابن عمر
تزوج امرأة من غفار ،فلما أُدخلت عليه رأى بكشحها بياضا ، رضي ال عنهما :أن النبي
فقال ( :البسي ثيابك ،والحقي بأهلك ) .وقال لهلها ( :دلستم علي ) .
:أنه فرّق بين الزوجين للجذام ، وروى الشافعي رحمه ال عن عمر بن الخطاب
وقد ثبت في الحديث الصحيح ِ ":فرّ ومثل هذا ل يكون إل عن توقيف عن رسول ال
قال الشافعي رحمة ال تعالى في كتابه الم :وأما الجذام والبرص ،فإن كل منهما
يُعدي الزوج ،ول تكاد النفس أحد تطيب أن تجامع من هو فيه .
103
العيوب في الزوجة :
إذا وجد الزوج زوجته رتقاء ،أو قرناء ،ثبت له فسخ الزواج ،لن هذه العلة مانعة
إذا وجدت الزوجة زوجها مجبوبا ،أو عنينا ثبت لها حق فسخ الزواج .
وقد حكى المارودي الجماع على ثبوت الخيار بالجب والعنّة ،لنه يفوت بهما مقصود
إذا حدث شيء من العيوب السابقة بعد عقد النكاح في أيّ من الزوجين ،سواء كان ذلك
بعد الدخول ،أو قبله ،وسواء أكان العيب مانعا من الدخول كالجبّ والعنّة في الزوج ،والرتق
والقرن في الزوجة ،أو غير مانع ،كالجذام والبرص والجنون ،فإنه يثبت حق الخيار في فسخ
لكن يستثنى من ذلك العنّة فقط ،فإنها إذا حدثت بعد الدخول ،فإنه يسقط حق الزوجة
في فسخ الزواج ،لحصول مقصود الزواج بالنسبة لها ،وهو المهر ،والوطء ،وقد يتم ذلك
104
إزالة العيب :
إذا أمكن إزالة الرتق والقرن بنحو عملية جراحية ،ورضيت بها الزوجة ،فل خيار
وكذلك إذا زال الجنون والبرص والجذام بالتداوي ،فإن حقّ الفسخ يسقط ،لزوال ما يدعوا
إليه .
ي المرأة حق فسخ نكاحها بكل عيب وجد في الزوج قبل عقد النكاح ،سواء رضيت
ولول ّ
الزوجة بهذا الفسخ أو لم ترضَ ،وذلك لما يلحق الوليّ من العار من ذلك العيب .
وليس لوليّ الزوجة حق الفسخ بعيب حادث بعد الدخول إذ ل عار عليه في ال ُعرْف ،
وكذلك ل خيار للولي بعيب جب وعنّة حدثا مقارنين للعقد ،لختصاص الزوجة
والخيار في فسخ النكاح بهذه العيوب إذا ثبتت إنما يكون على الفور ،لنه خيار عيب ،
105
فتسرع الزوجة فورا ،ويسرع الزوج أيضا ,إلي الرفع إلى الحاكم ،والمطالبة بفسخ
النكاح .فلو علم أحدهما العيب بصاحبه ،ثم سكت عنه سقط حقه في الفسخ ،إل إذا كان
ل يستقل الزوج ،أو الزوجة في فسخ النكاح بسبب عيب من العيوب المذكورة ،بل ل
بدّ من الرفع إلى القاضي ،وطلب الفسخ عنده ،فإذا تحقق العيب عنده حكم القاضي بفسخ
الزواج .
وإذا ثبت عند القاضي العنة في الزوج ،ضرب له القاضي سنة قمرية ،لحتمال زوال
العنة باختلف الفصول ،فإذا زال عيبه فذاك ،وإل فسخ النكاح .
ودليل ذلك ما رواه والبيهقي ( النكاح ،باب :أجل العنين ،رقم )7/226 :عن عمر بن
:أنه قال في العنين :يؤجّل سنة ،فإن قدر عليها ،وإل فرّق بينهما ،ولها المهر ، الخطاب
سائر العيوب تثبت بالقرار ،أو إخبار الطبيب ،أما العنّة ،فل تثبت إل بإقرار الزوج عند
الحاكم .أو يمين الزوجة عند نكول الزوج عن اليمين ،إذا طلب منه القاضي أن يحلف على
106
ثانيا :ما يترتب على فسخ النكاح بهذه العيوب من الثار :
إذا تم فسخ الزواج من قبل الزوج ،أو من ِقبَل الزوجة ،بسبب عيب من العيوب السابقة
فل يخلو أن يكون الفسخ قبل الدخول ،أو بعده .ول يخلو أن يكون العيب قد حدث قبل
أ ـ فإن كان الفسخ قبل الدخول سقط المهر ،ول متعة للزوجة ،لنه إن كان العيب بالزوج
وإن كان العيب بها فل شيء أيضا ،لن الفسخ إنما كان لسبب فيها ،فكانت كأنها هي
الفاسخة .
ب ـ وإن كان الفسخ قد حصل بعد الدخول ،لكن بعيب قارن للعقد ،أو بعيب حادث بين العقد
ج ـ وإن كان الفسخ قد حصل بعد الدخول ،والعيب إنما حدث أيضا بعده ،فإنه يجب للزوجة
كامل المهر المسمى ،لن المهر قد استقر بالدخول قبل وجود سبب الخيار في الفسخ ،
ول يرجع الزوج بالمهر على من غرّه من وليّ أو زوجة ،لستيفاء منفعة البضع
المتقوم عليه بالعقد .وصورة التغرير :أن تسكت هي أو وليها عن بيان عيبها للزواج ،ما دام
107
ثانيا ً :الطلق وما يتعلق به وما يشبهه
الطـــلق
تعريف الطلق :
الطلق في اللغة :الحلّ والنحلل .يقال :أطلقت السير :إذا حَل ْلتَ إساره ،وخلّيت
عنه ،وأطلقت الناقة من عقالها :أرسلتها ترعى حيث تشاء .ودابة طالق :مُرسلَة بل قيد .
سرِيحٌ بِإِحْسَانٍ
أما الكتاب :فقول ال عز وجل :الطّلَقُ َم ّرتَانِ فَِإمْسَاكٌ ِب َم ْعرُوفٍ َأوْ تَ ْ
طلّقُوهُنّ
طلّ ْقتُ ُم النّسَاء فَ َ
يَا َأ ّيهَا ال ّنبِيّ إِذَا َ [ البقرة ] 229 :وقوله سبحانه وتعالى :
":أبغض الحلل إلى ال تعالى الطلق " . وأما السنّة :فقول النبي
[ أبو داود :الطلق ،باب :في كراهية الطلق ،رقم ، ) 2178 :وابن ماجه :أول كتاب
روى الترمذي ( في أبواب الطلق ،باب :ما جاء في الرجل يسأله أبوه أن يطلّق
زوجته ،رقـم ، ) 1189 :وابن ماجه ( في الطلق ،باب :الرجـل يأمره أبوه بطـلق
امرأتـه ،رقـــم ، )2088 ( :وأبو داود ( في الدب ،باب :في ب ّر الوالدين ،رقم :
، )5138عن ابن عمر رضي ال عنهما قال :كانت تحتي امرأة أحبّها ،وكان أبي يكرهها ،
فقال " :يا عبد ال بن عمر ،طلّق امرأتك فأمرني أبي أن أُطلقها ،فأبيت ،فذكر ذلك للنبي
108
أما الجماع :فقد اتفقت كلمة العلماء على مشروعيته ،ولم يخالف منهم أحد .
الصل في الزواج هو استمرار الحياة الزوجية بين الزوجين .وقد شرع ال سبحانه
وتعالى أحكاما كثيرة ،وآدابا جمة للزواج ،لستمرار وضمان بقائه ،ونمو العلقة الزوجية
بين الزوجين .غير أن هذه الداب والحكام قد ل تكون مرعيّة من قبل الزوجين أو احدهما :
كأن ل يهتم الزوج بحُسْن الختيار ،أو بأن ل يلتزم الزوجان أو أحدهما آداب العشْرة حتى ل
يبقى مجال لصلح ،ول وسيلة لتفاهم وتعايش بين الزوجين .فكن ل بدّ ـ والحالة هذه -من
تشريع قانون احتياطي ،يهرع إليه في مثل هذه الحالة ،لحلّ عقدة الزواج على نحو ل تُهدر
فيه حقوق أحد الطرفين ،ما دامت أسباب التعايش قد باتت معدومة فيما بينهما .وقد قال ال
فإن استعلمه الزوج وسيلة أخيرة عند مثل هذه الضرورة فذلك علج ضروري ،ل غِنى
عنه ،وإن جاء ُمرّا في كثير من الحيان .وأما إن استعمله لتحقيق رعوناته ،وتنفيذ أهوائه ،
وال تعالى يعلم المُصلح من المفسد ،وإليه مرجع هذا وذاك .
109
شرعة الطلق من مفاخر الشريعة السلمية :
ومن خلل ما ذكرنا يتأكد لنا أن مشروعية الطلق على النحو الذي نظمت الشريعة
السلمية أحكامه ونتائجه ،تُعدّ من مفاخر الشريعة السلمية ،ويُعدّ من أكبر الدلة على أن
أحكام هذه الشريعة متسقة تمام التّساق مع الفطرة النسانية ،والحاجات الطبيعية عند النسان .
وقد تجلّت هذه الحقيقة عندما رأينا المم المختلفة ،وهي تتراجع عمّا كانت تلزم نفسها
به من حّرمة الطلق ،واعتبار عقد الزواج سجنا أبديا ،يقرن فيه الزوجان إلى بعضهما ،
كرها ذلك أو رضيـا ،وذلك بعد أن رأت هذه الُمم أن هذا الحظر ل يقدّم للمجتمع إل أسوأ
النتائج ،وأخطر مظاهر الجـرام ،وبعد أن تنبهت إلى أن اقتران اثنين ببعضهما ل يمكن أن
يتم بالكراه ،إل إذا أُريد أن يكون الكراه ينبوع تعاسة وشقاء للُسرة كلها ،أو بركان دمار
ولقد اهتمت الشريعة السلمية بإيجاد أسباب التفاهم ،والوداد والتعايش المستمر بين
الزوجين .
ولكنها لم تعالج ذلك بربط جسد كل ّمنهما بالخر ،وإنما عالجته بالتنبيه والرشاد إلى
الضمانات اليجابية المختلفة التي تغذي الوداد بينهما ،وتشبع أسباب التفاهم ،وتطرد من بينهما
موجبات المشاكسة والتنافر ،ولقد كان من أهم هذه الضمانات التي أرشد إليها توفر الدين
الصحيح في الزوجين ،وقيام كلّ منهما بالواجبات المنوطة به ،والتزام كلّ من الزوجين
بالسلوك الخلقي السليم ،على النحو الذي نظمته شرعة ال عزّ وجلّ .
110
هذه الضمانات هي التي تحمي بيت الزوجية عن أن يتهدم ،وهي التي تجعل من شرعة
الطلق قانونا موضوعا على الرف ،يستنجد به عند الضرورة ،أي عندما يقصر أحد الزوجين
عن تحقيق الضمانات والداب التي شرعها ال تعالى حفاظا على الحياة الزوجية ،ورعاية
والدليل على هذا الذي نقول :أن حوادث الطلق ل تكاد ترى لها وجودا في البيوت
وإنما تبصر ،أو تسمع بأكثر هذه الحوادث في الُسر المتحلّلة من قيود السلم ،
فباعتبار وضوح اللفظ في الدللة عليه ،وعدم وضوحه ينقسم إلى :صريح وكناية .
وباعتبار حال الزوجة ،من طُهر وحيض ،وكبر وصغر ،ينقسم إلى :
وباعتبار كونه على بدل من المال ،وبدون بدل :ينقسم إلى خلع ،وطلق عادي .
إذا لحظت اللفاظ التي تستعمل للدللة على الطلق وجدت أن هذه اللفاظ :
111
إما أن تكون ذات دللة قاطعة على الطلق ،بحيث ل تحتمل غيره ،فهذه اللفاظ تسمى
:صريحة .
وإما أن تكون قاطعة في دللتها ،بحيث تحتمل غير الطلق ،فهذه اللفاظ تسمى :
كناية .
1ـ فالطلق الصريح :هو ما ل يحتمل ظاهر اللفظ إل الطلق ،وألفاظه ثلثة :هي :
كقوله :أنتِ طالق ،أو مسرّحة ،أو طلّقتك ،أو فارقتك ،أو سرّحتك .
وإنما كانت هذه اللفاظ صريحة في دللتها على الطلق لورودها في الشرع كثيرا ،
ومن الصريح :ترجمة لفظ الطلق بالعجمية ـ أي غير اللغة العربية ـ لشُهرة استعمال
هذه اللغات عند أهلها ،كشهوة استعمال العربية عند أهلها .
2ـ والكناية :وهي كل لفظ يحتمل الطلق وغيره .وألفاظها كثيرة :كقوله :
112
ـ أنت بتّة :أي مقطوعة الوصلة عني .
ـ حبلك على غاربك :أي خلّيت سبيلك ،كما يخلّى البعير .
فكلّ هذه اللفاظ ـ وغيرها كثير ـ تعتبر كناية في دللتها على الطلق ،لحتمالها
ما رواه البخاري ( في الطلق ،بـاب :من طلّق وهل يواجه الرجل امـرأته بالطلق
،رقـم ) 4955 :عن عائشة ،رضي ال عنهما أن ابنه الجون ،لما أُدخلت على رسول ال
ودنا منها ،قالت :أعوذ بال منك ،فقال " :لقد عذت بعظيم ،الحقي بأهلك " .
113
حكمُ كلّ من ألفاظ الصريح والكناية :
إذا عرفت ما ذكر ،فاعلم أن الطلق باللفاظ الصريحة يقع ،سواء توفرت فيه نيّه
الطلق أم ل .لن صراحة اللفظ ،وقطعية دللته على المعنى ،يغنيان عن اشتراط النيّة ،
أما ألفاظ الكناية ـ ولو اشتهرت على ألسنة الناس في الطلق :كعليّ الحرام ،وأنت
عليّ حرام ،فل يقع الطلق بها إل إذا قصد بها الزوج الطلق .
فإذا قصد بها شيئا آخر غير الطلق ،أو لم يقصد بها شيئا ،لم يقع بها شيء .
ودليل ذلك ما رواه البخاري ( في المغازي ،باب :حديث كعب بن مالك رضي ال عنه
… رقم )4156 :ومسلم ( في التوبة ،باب :حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه ،رقم :
أمره أن حينما تخلّف عن غزوة تبوك ،فإن رسول ال ) 2769في توبة كعب بن مالك
يعتزل امرأته ،فقال أُطلقها ،أم ماذا ؟ قال :بل اعتزلها ،فل تقربنّها ،قال :فقلت لمرأتي :
فلما نزلت توبته رجعت زوجته إليه ،ولم يؤمر بأن يعقد عليها من جـديد .فـدلّ ذلك
لم ينو به الطلق ، علـى أن ( الحقي بأهلك ) ل يقع به الطلق إل بالنيّة وحيث إن كعبا
المرأة التي يقع عليها الطلق ل تخلو من واحد من أحوال ثلثة :
114
الحالة الولى :أن تكون المرأة طاهرة عن الحيض والنفاس ،ولم يقربها زوجها في
الحالة الثانية :أن تكون متلبسة ـ بعد دخول الزوج بها ـ بحيض أو نفاس ،أو تكون
الحالة الثالثة :أن تكون صغيرة لم َتحِضْ بعد ،أو آيسة تجاوزت سن المحيض ،أو
حاملً ظهـر حملها ،أو غير مدخول بها بعد ،أو طالبة للخلع .
1ـ الطلق السني :إن الطلق السني جائز وواقع ،وهو الشكل المطابق للتعاليم الشرعية في
كيفية الطلق ،إذا كان الزواج ،ولبدّ مطلقا ،سواء أوْقَع الزوج طلقة واحدة ،أم
115
ولكن يسنّ أن يقتصر على طلقة ،أو طلقتين في الطهر الواحد كي يتمكن من إرجاعها
[ الطلق . ] 1 :أي في الوقت الذي يشرعن فيه في العدّة ،وهو الطهر ،إذ زمن الحيض ل
2ـ الطلق البدعي :إن الطلق البدعي محرم ،ولكنه واقع ،ويلزم وقوعه الثم ،لمخالفته
طلّقُوهُنّ
طلّ ْقتُ ُم النّسَاء فَ َ
إِذَا َ للصورة المشروعة للطلق التي وردت في قوله تعالى :
ويسنّ له الرجعة ،فقد روي البخاري ( في أول كتاب الطلق ،رقم ، )4953ومسلم
( في الطلق ،باب :تحريم طلق الحائض بغير رضاها ،رقم ) 1471 :عن عبدال بن عمر
فسأل عمر بن رضي ال عنهما أنه طلّق امرأته ،هي حائض ،على عهد رسول ال
ُ " :م ْرهُ فليراجعها ،ثم ليمسكها حتى عن ذلك ،فقال رسول ال رسول ال الخطاب
تطهر ،ثم تحيض ،ثم تطهر ،ثم إن شاء أمسك بعد ،وإن شاء طلّق قبل يمسّ ،فتلك العدّة
طلّقُوهُنّ
طلّ ْقتُ ُم النّسَاء فَ َ
التي أمر اله أن تطلقّ لها النساء " .أي بقوله تعالى :يَا َأ ّيهَا ال ّنبِيّ إِذَا َ
116
والمعنى :ليتركها بعد الرجعة حتى تطهر ،وعندئذ يوقع طلقة واحدة إذا شاء ،فإذا
حاضت ثم طهرت أوقع طلقه أُخرى إذا شاء ،فإذا طهرت للمرة الثالثة فلينظر :إن شاء
أمسكها بعد الرجعة ،وإن شاء أوقع طلقة ثالثة ،وتكون قد بانت بذلك منه .
وسبب تحريم الطلق البدعي ما يستلزمه من الضرار بالمرأة ،إذ يطول بذلك أجل
أخرجه مالك في الموطأ ( القضية ،باب :القضاء في المرفق ،رقم ، ) 2/745 :
وابن ماجه في سننه ( الحكام ،باب :مَن بني في حقه ما يضرّ بجاره ،رقم ، 2340 ،188 :
. ) 2341
أما حرمة الطلق في طهر جامع زوجته فيه :فلحتمال الحمل فيه ،وهو ل يرغب في
3ـ الطلق الذي ل يوصف بسنّة ول بدعة :إن الطلق الذي ل يوصف بسنّة ول بدعة
جائز ،وواقع ،وليس حراما ،إذ ل ضرر يلحق الزوجة بسببه ،إذ الصغيرة واليسة
تعتدّان بالشهر ،فل يلحقهما ضرر إطالة العدّة ،وكذلك الحامل ،فإن عدّتها على كل
حال بوضع الحمل ،وكذلك طالبة الخلع ،لن افتدائها نفسها من الزوج بالمال دليل على
117
1ـ الطلق العادي :وهو الطلق الذي يقع برغبة من الزوج ،وهذا الطلق ينطبق عليه
2ـ الخلع :وهو الطلق الذي يقع برغبة من الزوجة وإصرار منها على ذلك ،وقد شرع لذلك
سبيل الخلع ،وهو أن تفتدي نفسها من زوجها بشئ يتفقان عليه من مهرها تعطيه إياه .
فالخلع إذا قسم من الطلق :وهو كل ُفرْقةٍ جرت على عوض تدفعه الزوجة
للزوج .
وأما السنّة :فما رواه البخاري ( في الطلق ،باب :الخلع وكيف الطلق ،رقم :
فقالت :يا )4971عن ابن عباس رضي ال عنهما :أن امرأة ثابت بن قس أتت النبي
رسول ال ،ثابت بن قيس ،ما أعتب عليه في خلق ول دين ،ولكني أكره الكفر في السلم ،
" :اقبل الحديقة ، " :أتردّين عليه حديقته " قالت :نعم .فقال رسول ال فقال النبي
[ ل أعتب عليه :ل أعيب عليه .أكره الكفر في السلم :أكره جحود حقوق الزوج وأنا
مسلمة ]
118
أحكام الخلع :
1ـ الخلع جائز ،ول يقع إل بعوَض مالي تفرضه الزوجة للزوج .ثم إن كان ال َعوَض في
الخلع معلوما مذكورا في الخلع وجب ذلك العَوَض المعلَوم ،وإن لم يكن مذكورا على
أما إن استعمل الزوج لفظ الخلع ،ولم ينص علي عوَض ،ولم يخطر بباله
العوض أيضاَ ،فهو طلق عاديّ جرى بلفظ الخلع كناية .أي فهو كنايات الطلق ،ويقع به
الطلق رجعيا.
2ـ ل يقع الخلع من غير الزوجة الرشيدة ،لن غير الرشيدة ل تتمتع بأهلية اللتزام ،فل
تملك التصرّف ،فإن خالعها الزوج وقع طلقا رجعيا عاديا ،ول يثبت له به شيء من
مهرها .
3ـ إذا خالع الرجل امرأته ،ملكت المرأة بذلك أمر نفسها ،ولم يبق للزوج عليها من سلطان ،
فل رجعة له عليها أثناء العدّة ،كما هو الشأن ف الطلق العادي ،لن الخلع طلق
بائن ،إنما السبيل إلى ذلك عقد جديد تملك فيه المرأة كامل اختيارها ،وبمهر جديد
أيضا .
4ـ ل يلحق المرأة المُخالعة أي طلق ،أو ظهار ،أو إيلء ـ أثناء العدّة ـ من زوجها الذي
خالعها ،أي ل أثر لشيء من ذلك عليها ،لنها أصبحت بالخلع أجنبية عن الزوج ،فل
119
يسرى إليها تطليق ،ول ظهار ،ول إيلء .بخلف المطلّقة طلقا عاديا رجعيا ،فإن
الزوج يملك أن يطلّقها طاقة ثانية ،أو يظاهر منها أثناء العدة ،ويسري أثر ذلك عليها .
5ـ يجوز أن يُخالع الرجل زوجته في الحيض والطهر الذي جامعها فيه ،ما دامت رشيدة .
ذلك لنها ل تتضرر بذلك ،إذ الخلع إنما هو تحقيق لرغبتها في التخلّص من الزوج ،
فل يرِد فيه ما يمكن إيراده على الطلق العادي الذي يكون برغبة من الزوج ،من
[ البقرة . ] 237 :والذي بيده عقدة النكاح إنما هو الزوج َأوْ َيعْ ُفوَ الّذِي ِبيَ ِدهِ عُقْ َدةُ ال ّنكَاحِ
.
غير أن الزوجة أيضا تصبح صاحبة حق في ذلك ،في حالت خاصة ،من أهمها :
ـ أن يقصر في أداء شيء من حقوقها ،ثم تعذّر إصلح المر بينهما .فعندئذ يُوقع
كَم هي الطلقات التي يملكها الزوج ،ما دام هو صاحب هذا الحق في الصل ؟
لقد أجاب القرآن على ذلك ،وقرر عدد الطلقات التي يملكها الزوج :قال ال عز وجل :
120
[ .البقرة . ] 229 :ثم قال سبحانه سرِيحٌ بِإِحْسَانٍ
الطّلَقُ َم ّرتَانِ فَِإمْسَاكٌ ِب َم ْعرُوفٍ َأوْ تَ ْ
أي إن الزوج يملك أن يطلّق زوجته ثلث تطليقات ،اثنتان منهما رجعيتان ،والثالثة
تسريح ل رجعة بعده ،إل بشرط سنذكرها في موضعها إن شاء ال تعالى .
روى أبو داود ( في الطلق ،باب :نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلث ،رقم ، ) 2159 :
والنسائي ( في الطلق ،باب :نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلث :رقم )6/212 :عن ابن
قال :إن الرجل كان إذا طلق امرأته ،فهو أحقّ برجعتها ،وإن طلّقها ثلثا َ ،فنَسخ عباس
[ البقرة ] 229 :أي الطلق الذي يملك الزوج فيه الرجعة الطّلَقُ َم ّرتَانِ ذلك ،وقال :
مرتان فقط .ومن ثم فقد انعقد الجماع على أن الزوج يملك ثلث تطليقات ،ثالثتها بائنة ل
لبدّ لكي يملك الزوج ما ذكرنا من الطلقات ،ولبد لكي يقع ذلك منه ،من أن تتوفر في
فل يقع طلق الرجل من المرأة التي لم يعقد نكاحه عليها ،ول من التي سيعقد نكاحه
عليها ،سواء كان ذلك بأسلوب التنجيز ،أو التعليق :كأن يقول لمرأة لم يعقد عليها :أنت
121
حتُمُ
يَا َأ ّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا إِذَا َنكَ ْ ودليل ذلك من القرآن الكريم قول ال عزّ وجلّ :
.
فقد علّق سبحانه وتعالى نتائج الطلق وأحكامه على ثبوت النكاح أولً .
" ل طلق قبلَ نكاح " . والدليل من السنة أيضا :قول النبي
رواه الحاكم ( في الطلق ،باب :ل طلق لمن لم يملك ،رقم ) 2/205 :وصححه .
وروى أبو داود ( الطلق ،باب :في الطلق قبل النكاح ،رقم ، )2190 :والترمذي
قال : ( الطلق ،باب :ما جاء ل طلق قبل نكاح ،رقم ) 1181 :عن عبدال بن عمرو
ل يملكُ ".
ودليل ذلك :ما رواه أبو داود ( في الحدود ،باب :في المجنون يسـرق أو يصيب حدّا
" :رُفِع القلمُ عن ثلثة :عن قال :قال رسول ال ،رقــم ) 4403 :وغيره عن على
النائم حتى يستيقظ ،وعن الصبيّ حتى يحتِلم َ ،وعن المجنون حتى يْعقِلَ " والحتلم هو البلوغ
والكبر .
ويدخل في حكم هؤلء الثلثة :الساهي ،والجاهل بمعنى الكلم الذي يقوله :ولكن ل
تقبل دعواه أنه ساهٍ ،أو جاهل بمعنى ما يقول إل بقرينة أو بيّنة .
122
طلق السكران :
أما السكران ،فإن سكر بدواء ل مندوحة له عن استعماله ،وغاب من جرّائه عقله ،أو
أُكره على شرب مُسكِر ،بالتهديد ،أو صُبّ المُسِكر في جوفه ،فإن حكمه كالصبي والنائم
أما إن سكر متعديا ـ أي عن قصد واختيار وبدون عذر ـ فإن طلقه يقع ،ويعتبر
كالرشيد حكما ،وعقوبة له على تعدّيه بشرب المُسكر ،لن السكران مكلّف ،ولنه بإجماع
الصحابة مؤاخذ بما يتلفظ به حال سكره ،من عبارات القذف ،ونحوه .
فل يقع طلق المكره .لكن مع مراعاة الشروط التالية في الكراه :
1ـ أن يكون الكراه بغير حق ،فإن أُكره على الطلق بحق ـ كأن كان مُضارا لزوجته ،
2ـ أن يكون الكراه معتمدا على التهديد له مباشرة ،بما يحصل منه ضرر شديد :كالقتل ،
والقطع ،والضرب المبرح ،ومثله الضرب القليل واليذاء البسيط بالنسبة لمن هو من
" :ل طلق ول عتاق في إغْلَقٍ " . ودليل ذلك قول النبي
123
رواه ابن ماجه ( في الطلق ،باب :طلق المكره والناسي ،رقم ) 2046 :أي في
وروى ابن ماجه ( في الطلق ،باب :طلق المكره والناسي ،رقم ) 2045 :وغيره
قال " :إن ال وضع عن ُأمّتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " .أي وضع :أن النبي
عنهم حكـم ذلك ،ل نفس هذه المور ،لنها واقعة .
4ـ أن ل يصدر من الزوج ال ُم ْكرَه إل القدر الذي أُكره عليه ،فلو أُكره على الطلق مرة ،أو
إذا تأملت في الشروط التي ذكرناها لوقوع المكره علمت أن طلق الهازل واللعب واقع
،إذا كان رشيدا بالغا عاقلً مختارا ،ول يُعدّ لعبه وهزله عذرا في عدم وقوع الطلق .
ودليل ذلك :ما رواه الترمذي ( في الطلق ،باب :ما جاء في الجدّ والهزل في
الطــلق ،رقم ، ) 1184 :وأبو داود ( في الطلق ،باب :في الطلق على الهزل ،رقم
، ) 2149 :وابن ماجه ( في الطلق ،باب :من طلّق أو نكح أو راجع لعبا ،رقم :
" :ثلث جدّهنّ جد ،وهزلهنّ جد :النكاح قال :قال رسول ال ) 2039عن أبي هريرة
124
ـ أو إيقاع الطلق منجزا ،أو معلقا على شرط ،أو مع استثناء .
الشّارع طلق الرجل زوجته موزعا على ثلث مراحل ،هي :أن يطلّق طلقة واحدة في طهر
لم يجامع الرجل زوجته فيه ،فإذا بدا له وندم أرجعها إليه أثناء العدّة .
فإن عاودته الرغبة في الطلق طلقها طلّقة ثانية ،وكان في يده بعد ذلك طلقة واحدة ،
تبين بها زوجته عنه بينونة كبرى ،ول ترجع إليه إل بعد أن تنكح زوجا غيره نكاحا شرعيا
الطّلَقُ َم ّرتَانِ فَِإمْسَاكٌ وهذه الكيفية هي المفهومة من صريح قول ال عزّ وجلّ :
إذا لم يلتزم بالكيفية المفضلة للطلق ،فل يعني أن الطلق ل يقع ،بل يقع كيفما كان ،
ما دامت الشروط التي تحدّثنا عنها مجتمعة في الشخص المطلق .
وعلى ذلك ،فلو جمع الطلقات الثلث بلفظ واحد في وقت واحد ،فقال :أنتِ طالق ثلثا
ول يعتبر ذلك محرما ،بل هو خلف السنة ،وجنوح عن الطريقة المفضلة .
ودليل ذلك ما رواه الترمذي ( الطلق ،باب :ما جاء في الرجل يطلق امرأته البتّة ،رقم
، ) 1177 :وأبو داود ( في الطلق ،باب :في البتّة ،رقم ، ) 2208 :وابن ماجه ( في
125
الطلق ،باب :طلق البتة رقم ) 20511 :أن ركانة طلّق زوجته البتّة ـ أي قال لها أنت
:ـ وقد سأله ركانة عن سبيل لرجعتها ـ ( آل ما أردت إل طالق البتّة ـ فقال له النبي
واحدة ) .
فالحديث دليل على أن ركانة لو أراد بقوله ( البتّة ) ثلثا لوقعن ،ولما أذن له النبي
ومعنى تعليق الطلق :أن يعلّق الزوج وقوع الطلق على حدوث صفة ،أو شرط ،
سواء مما قد تتلبس به الزوجة أو غيرها ،كتعليقه طلقها على قدوم غائب ،أو على تصرّف
مثال تعليق طلقها على صفة :أن يقول :أنت طالق عند قدوم أبيك ،أو أنت طالق في
شهر رمضان فتطلق إذا قَدِم أبوها أو إذا دخل شهر رمضان .
ومثال تعليقه بالشرط أن يقول لها :أنت طالق إن خرجت من الدار ،أو أنت طالق إن
دخل أخوك الدار ،فتطلق إن هي خرجت من الدار ،أو إن دخل أخوها الدار .
ودليل صحة تعليق الطلق على صفة أو شرط ،و وقوعه إذا تحقق ذلك الشرط ،أو تلك
رواه الحاكم ( البيوع ،باب :المسلمون على شروطهم والصلح جائز . 2/49 :
126
إذ يُفهم من الحديث أن الشروط التي يعلّق النسان عليها إبرام شيء تكون محل اعتبار
وتقدير من الشارع ،ما لم تكن تحرم حللً ،أو تحلّ حراما .
1ـ عدم وقوع الطلق ما دام الشيء الذي عُلق الطلق به لم يحصل بعد .
2ـ تظل الحياة الزوجية مستمرة بكامل أحكامها ومستلزماتها ،ما دام الشرط المعلّق عليه لم
يتحقق بعد ،وإن كان حصوله على حكم المحقّق .كقوله :إذا جاء شهر رمضان فأنت
طالق .
3ـ يقع الطلق بمجرد حصول الشرط الذي علّق الزوج الطلق به ،دون حاجة إلى أن ينطق
وكما يصحّ الطلق المعلّق بصفة ،أو شرط ،كما ذكرنا يصحّ الطلق الذي دخله
الستثناء .
والمقصود بالستثناء في الطلق :أن يجمع بلفظ واحد أكثر من طلقة واحدة ،ثم يطرح
بعضا منها بأداة الستثناء ،وهي ( إلّ ) بأن يقول :أنت طالق ثلثا ،إل طلقة واحدة ،أو إل
طلقتين .
وذلك لن الستثناء من المعدود أسلوب عربي متّبع ،ومستعمل في كلّ من الكتاب والسنة
127
خمْسِينَ عَاما
سنَةٍ ِإلّا َ
َفَل ِبثَ فِيهِمْ َأ ْلفَ َ قال ال تعالى حكاية عن نوح عليه السلم :
[ العنكبوت ] 14 :
لذلك جاز استعمال الستثناء في التعبير عن الطلق ،وضبط عدد الطلقات المراد إيقاعها
1ـأن ينوي المطلّق إلحاق الستثناء بكلمه قبل فراغه من النطق بالكلم الصلي المستثنى منه
.فلو أتمّ كلمه الصلي ،ثم طرأ على باله أن يستثني منه شيئا ،لم يصح الستثناء ،
ووقع الطلق كما يقتضيه كلمه الصلي قبل تعليق الستثناء به .
فلو فصل بينهما بفاصل زمني يعتبره ال ُعرْف فاصلً :كدقيقة مثلً ،بطل استثناؤه ،
3ـ أن ل يكون الستثناء مستغرقا لكمية المستثنى منه :كأن يقول :أنت طالق ثلثا إل ثلث
طلقات ،فمثل هذا الستثناء يعتبر لغيا ،ويستقر الحكم على ما يقتضيه لفظ المستثنى
منه .
وينبغي أن تعلم بعد هذا أن الستثناء من الكلم المثبت يعتبر نفيا ،وأن الستثناء من
الكلم المنفي يعتبر إثباتا ،لن الستثناء يعطي نقيض الحكم الصلي للمستثنى ،فلو قال :ما
128
دليل صحة الستثناء في الطلق :
" :مَن أعتق ،أو طلّق واستثنى فله ويستدل لصحة الستثناء في الطلق بقول النبي
ثنياه . ":
يصحّ للزوج أن يفوّض إيقاع الطلق إلى زوجته ،وهذا التفويض إنما هو بمثابة تمليك
1ـ أن يكون الطلق منجزا ،فل يصحّ تعليقه على شيء :كإذا جاء الغد فطلّقي نفسك .
2ـ أن يكون الزوج المفوّض مكلفا ،فل يصحّ تفويض الصغير والمجنون .
3ـ أن تكون الزوجة أيضا مكلفة ،فل يصحّ تفويض صغيرة أو مجنونة .
4ـ أن تُطلّق نفسها على الفور ،بعد تفويضها مباشرة ،فلو أخّرت بقدر ما ينقطع به القبول
خيّر نساءه من بين المقام معه ،وبين مفارقته ، ويستدلّ على جواز ذلك ،بأن النبي
حيَاةَ ال ّد ْنيَا
جكَ إِن كُنتُنّ ُترِدْنَ الْ َ
يَا َأ ّيهَا ال ّنبِيّ قُل لَّأ ْزوَا ِ وذلك لمّا نزل قول ال عز وجل :
129
فلو لم يكن لختيارهنّ الفرقة لم يكن لتخييرهنّ معنى .
1ـ إذا تلفظ بالطلق باللغة العربية رجل غير عربي ،وهو ل يدري معناه ،فإنه ل يقع طلقه
،لنتفاء قصده ،ولو تلفظ به بلغته وقع ،ولو لم ينوه إذا كان اللفظ الذي استعمله في
الطلق صريحا في لغته ،أي ل يحتمل إل الطلق ،وإذا كان غير صريح اشترط
2ـ قال رجل لزوجته :أنا منكِ طالق ,فإن نوى تطليقها طلقت ,وإن لم ينو لم تطلق ,لن
اللفظ خرج عن الصراحة إلى الكناية ,بإضافته إلى غير محله ,فشرط فيه ما شرط في
3ـ قال رجل لزوجته :أنت طالق ،أنت طالق ،أنت طالق .
فإن تخلل سكوت بين هذه الجمل بما يعد فاصل عرفا ،وقعت ثلث طلقات ،ول يقبل
قضاء قوله أردت التأكيد ،لنه خلف الظاهر ،وإن لم يتخلل هذه الجمل فاصل ،فإن
نوى التأكيد وقعت طلقة واحدة ،فإن نوى الثلث وقعت ثلثاُ ،وإن أطلق ،ولم ينو
4ـ إذا قال لزوجته :إن شاء ال فأنت طالق :لم تطلق إن قصد التعليق بمشيئة ال عز وجل ،
لن المعلق عليه من مشيئة ال تعالى غير معلوم .فإن لم يقصد بالمشيئة التعليق ،وإنما
قصد بها التبرك ،أو لم يقصد شيئا ،فإن الطلق يقع .
130
5ـ لو خاطبت الزوجة زوجها بمكروه ،فقالت له يا سفيه ،أو يا خسيس ،فقال لها :إن كنتُ
فإن قصد بذلك مكافأتها بإسماعها ما تكره ،وإغاظتها بالطلق كما أغاظته بالشتم ،فإن
الطلق يقع ،وإن لم يكن سفيها ،ول خسيسا .وكأنه قال :إن كنت بزعمك كذلك فأنت
طالق .
أما إذا أراد تعليق الطلق على وجود السفه والخسّة ،أو أطلق ،ولم يرد شيئا اعتبرت
الصفة المعلّق عليها كما هو سبيل التعليقات ،فإن لم يكن سفيها أو خسيسا ،لم يقع الطلق ،
والخسيس :قيل هو :مَن باع دينه بدنياه .وقيل :هو مَن يتعاطى غير لئق به بخلً .
أحكام الرجعة
اعلم أن الرجل إذا طلق زوجته ،فلبدّ أن يقع الطلق على واحد من الحوال التالية :
ثانيا :أن يطلّقها على وجه المخالفة ،سواء كان ذلك قبل الدخول أم بعده .
ثالثا :أن يطلّقها طلقا عاديا بعد الدخول طلقه ،أو طلقتين .
هذه هي الكيفيات التي يمكن أن يقع عليها الطلق ،فلنشرح ما يترتب على كل حالة من
131
أولً :إذا طلقها قبل أن يدخل بها :
إذا طلّق الرجل زوجته قبل أن يدخل بها ،بانت منه ،ولم يجز له أن يراجعا ،إذا ل
حتُمُ ا ْل ُم ْؤ ِمنَاتِ
يَا َأ ّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا إِذَا َنكَ ْ يجب عليها أن تعتدّ منه ،لصريح قول ال عز وجل :
ثم إذا كان طلّقها في هذه الحالة طلقة واحدة ،أو طلقتين ،لم تحلّ له إل بعقد ومهر
وإن كان قد طلّقها ثلث تطليقات ،لم تحلّ له إل بعد أن تنكح زوجا غيره ،ويدخل بها
الزوج الثاني ،ثم يطلّقها ،ثم تعتدّ منه ،ثم يتزوجها هو بعقد ومهر جديدين .
إذا خالع الزوج زوجته ( وقد مرّ بك بيان الخلع ) بانت منه ،ولم يجز له أن يراجعها
بموجب العقد والمهر جديدين ،كزوج جديد ،سواء كان ذلك الخلع قبل الدخول بها ،أو بعده .
إذا طلّق الزوج زوجته بعد الدخول بها طلقة واحدة ،أو طلقتين ،جاز له أن يراجعها
بموجب العقد والمهر الثابتين ،بناءً على رغبته المنفردة ،إذا كانت عدّتها لم تنقض بعد .
َو ُبعُوَل ُتهُنّ أَحَقّ ِبرَدّهِنّ فِي َذِلكَ إِنْ َأرَادُواْ ِإصْلَحا ودليل ذلك صريح قول ال عزّ وجلّ :
132
سرِيحٌ
الطّلَقُ َم ّرتَانِ فَِإمْسَاكٌ ِب َم ْعرُوفٍ َأوْ تَ ْ والمراد بالردّ :الرجعة .وقال ال تعالى :
فإن المساك بمعروف بعد الطلق ل يكون إل بناءً على الرجعة .
ودليل ذلك من السنّة :ما رواه أبو داود ( الطلق ،باب :في المراجعة ،رقم 2283 :
طلق حفصة رضي ال عنها ،ثم راجعها . :أن رسول ال ) عن عمر
ويكفي لرجاعها إلى عصمة نكاحه أن يقول :أرجعتك إلى عصمتي ،و عقد نكاحي .
ويسنّ أن يشهد على كلمه هذا شاهدين .واستدلّ لهذا بقوله تعالى :
فإن أرجعها عادت إليه بما بقي له من الطلق ،فإن كان قد طلّقها طلقة ،بقيت له
اثنان ،وإن كان قد طلقها طلقتين ،بقيت له طلقة واحدة فقط .
فأما إذا لم يراجعها حتى انقضت عدّتها ،فإنها تصبح بذلك بائنة منه ،وعندئذ سبيل
ضلُوهُنّ أَن
جَلهُنّ فَلَ َت ْع ُ
طلّ ْقتُمُ النّسَاء َف َبَلغْنَ أَ َ
َوإِذَا َ ودليل ذلك :قول ال عزّ وجلّ
فلو كان حق الرجعة ثابتا لزوجها الول ،لما أباح لها النكاح ممن تشاء من الزواج .
133
إذا طلق الزوج زوجته ثلث تطليقات ،سواء كنّ متفرقات ،أم مجتمعات بلفظ واحد ،
وسواء كان الطلق قبل الدخول ،أو بعد الدخول ،بانت منه الزوجة ،ولم يعد له من سبيل
إليها ،سواء أثناء العدّة أو بعدها ،إل بعد اجتيازها خمس مراحل من الشروط :
2ـ أن يعقد نكاحها بعد انقضاء عدّتها على زوج غير الول عقدا طبيعيا صحيحا .
ثم إذا أراد بعد ذلك زوجها الول أن يعود إليها كان له ذلك ،لكن بناءً على رضاها ،
غ ْي َرهُ
ح ّتىَ تَنكِحَ َزوْجا َ
طلّ َقهَا فَلَ تَحِلّ لَهُ مِن َبعْدُ َ
َإِن َ وبعقد ومهر جديدين .قال ال تعالى :
وروى البخاري ( الشهادات ،باب :شهادة المختبي ،رقم ، ) 2496 :ومسلم ( في
النكاح ،باب :ل تحل المطلقة ثلثا لمطلّقها حتى تنكح … ،.رقم ) 1433 :عن عائشة رضي
فقالت :كنت عند رفاعة ،فطلقني فأبتّ ال عنها قالت :جاءت امرأة رفاعة القرظي النبي
طلقي ،فتزوجت عبد الرحمن بن الزّبير ،إنما معه مثل هُدْبة الثوب ،فقال ( :أتريدين أن
134
[ أبتّ طلقها :طلّقها ثلثا .هدبة الثوب :حاشيته ،شبّهت به استرخاء ذكره ،وأنه ل
يقدر على الوطء .تذوقي عسيلته :هذا كناية عن الجماع .وعسيلة :قطعة صغيرة من
ولعلّ الحكمة في إلزام المطلّقة بكل هذه الشروط التي ذكرنا لتحلّ لزوجها الول هي :
التنفير من الطلق الثلث ،وحمل الزواج بذلك على أن ل يتورطوا في الطلق الثلث .
( رجعية ) إن طلّقت طلقة واحدة أو طلقتين ،بعد الدخول بها ،وعدّتها لم تنقضِ بعد .
وحكمها :جواز مراجعة زوجها لها ،بعقدها ومهرها السابقين وبموجب إرادته المنفردة
2ـ المطلّقة طلقة واحدة أو طلقتين بعد الدخول بها ،وقد انقضت عدّتها .
وحكمها :ل سبيل للزوج إليها إل بعقد ومهر جديدين ،وباختيارها ورضاها .
( بائنة بينونة كبرى ) :وهي التي طلّقها زوجها ثلث تطليقات ،سواء قبل الدخول بها
وحكمها :ل تحلّ له إل بعد أن تنكح زوجا غيره ،على نحو ما قد سبق إيضاحه .
135
مشبهات الطلق
هنا ثلث مسائل ،تشبه في نتائجها الطلق ،أو هي قد تؤول إلى الطلق .وهذه
المسائل هي :اليلء ،الظهار ،اللعان .لذلك جمعناها إلى بعضها تحت هذا العنوان :
أول ً ـ اليلء
تعريف اليلء :
اليلء في اللغة من الليّة ،بمعنى اليمين .يقال :آلى فلن :أي أقسم ،وعليه قول ال
واليلء اصطلحا :فهو أن يقسم الزوج المالك لحق الطلق ألّ يجامع زوجته مطلقا ،أو مدة
إذا أقسم الزوج على أن يجامع زوجته مطلقا ،أو مدة تزيد على أربعة أشهر ،فهو مولٍ
يمهله الحاكم أربعة بدءا من اليوم الذي أقسم فيه أن ل يطأ زوجته ،كفرصة يمكنه من
فإذا انتهت الشهر الربعة ،وهو ملتزم يمينه ،فهو عندئذ مضار لزوجته ،ويلزمه
الحاكم بسبب ذلك ـ بناءً على طلب الزوجة ـ بأحد أمرين :
136
1ـ الرجوع عن يمينه ،والتصال بزوجته ،ويكفّر عن يمينه ،إن كان قد أقسم بال ،أو
بعض صفاته ،أو يأتي بما أقسم به إن كان قد حلف على أن يفعل عملً ،أو يتصدق
بصدقة .
فإن أبى الزوج ،ورفض سلوك أحد هذين السبيلين ،أوقع القاضي عنه طلقة واحدة ،
لنه حق توجه عليه لرفع الضرر عن الغير ،ول سبيل إلى ذلك إل بالتطليق عليه .
هذا إذا لم يكن بالزوج عذر يمنعه من الوطء ،فأما إن كان عذر من مرض
ونحوه ،طولب بالرجوع عن إيلئه بلسانه ،بأن يقول :إذا قدرت رجعت عن التزامي ويميني
ّللّذِينَ ُي ْؤلُونَ مِن نّسَآ ِئهِمْ َت َربّصُ ودليل أحكام اليلء التي ذكرناها قول ال عز وجل :
علِيمٌ
سمِيعٌ َ
ن اللّهَ َ
ع َزمُواْ الطّلَقَ فَإِ ّ
ش ُهرٍ فَإِنْ فَآؤُوا فَإِنّ اللّهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ{َ }226وإِنْ َ
َأ ْر َبعَةِ أَ ْ
[ يؤلون :يحلفون .تربص :انتظار .فاؤوا :رجعوا عن الحلف إلى الوطء .عزموا
وروى مالك رحمه ال تعالى في كتابه المؤطأ ( الطلق ،باب :اليلء ) 2/556عن
أنه كان يقول :إذا آلى الرجل من امرأته ،لم يقع عليه طلق ،وإن مضت الربعة علي
137
وروى مثل ذلك عن ابن عمر رضي ال عنهما .
ومثل هذا الحكم ل يقال من قبل الرأي ،لذلك كان لهذا الحديث حكم المرفوع إلى رسول ال
.
الظهار ـ لغة ـ مأخوذ من الظهر ،لن صورته الصلية أن يقول الرجل لزوجته :
وتعريف الظهار في الصطلح :أن تشبّه الزوج زوجته في الحرمة بإحدى محارمه :كأمه ،
وأخته .
وكان العرب في الجاهلية يعتبرون الظهار أسلوبا من أساليب الطلق .ولكن الشريعة
السلمية أعطته اعتبارا آخر ،و َبنَت عليه أحكاما أخرى غير الطلق .
الظهار حرام بإجماع المسلمين ،وهو كبيرة من الكبائر ،بدليل أن ال عز وجل سماه
[المجادلة: َوِإ ّنهُمْ َليَقُولُونَ مُنكَرا مّنَ الْ َقوْلِ َوزُورا منكرا من القول وزورا ،قال تعالى :
]2
تنقسم اللفاظ التي تعتبر دالّة على الظهار إلى قسمين :صريح ،وكناية .
138
أما اللفظ الصريح :وهو الذي ل يحتمل غير الظهار ـ فهو أن يقول لزوجته :أنت
عليّ كظهر أمي .أو أنت عندي – كظهر أُمي .فإذا تلفظ بهذا الكلم ،فهو مظاهر من
زوجته ،سواء وجت نيّة ذلك لديه أم لم توجد ،مادام ممّن يصحّ منهم الطلق ،أ ما دام رشيدا
أما اللفظ الكنائي ـ وهو ما يحتمل الظهار وغيره ـ فهو مثل أن يقول لزوجته :أنت عليّ
فإذا نطق بمثل هذه اللفاظ ،فإنها تنصرف إلى المعنى الذي أراده عند التلفّظ بها .
فإن كان قصد بها الظهار كان مظاهرا ،وإن كان قصد بها تشبيه زوجته بأمه أو أخته
إذا نطق الزوج بلفظ الظهار الصريح ،أو بشيء من ألفاظه الكنائية ،وأراد بذلك معنى
الظهار ،وهو تشبه الزوجة بمحارمه في الحرمة عليه ،فإنه ينظر :
ـ فإن أتبع كلمه هذا بالطلق ،فإن حكم الظهار يندرج في الطلق ،ول يبقى له من
أثر ،إذ يأتي الطلق بمثابة تفسير للفظ الظهار ،فيلغو حكم الظهار ،ويستقر الطلق .
ـ أما إن لم يتبع ذلك بالطلق ،ولم يحصل ما يقطع النكاح ،فإنه يعتبر عائدا في
كلمه ،مخالفا لما قاله ،فإن عدم انفصاله عن زوجته ،و قد شبّهها في الحرمة بمحاربة ـ
يعتبر نقضا منه لهذا التشبيه ،ومخالفة لمقتضاه .وعندئذ تلزمه كفّارة ،يُكلف بإخراجها على
الفور .
139
كفارة الظهار :
1ـ عتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب المُخلّة بالكسب والعمل ،كالزمانة ،أو فَقْد عضو ،
2ـ فإن لم يكن رقيق كعصرنا اليوم ،أو كان ،ولكنه عجز عنه ،فصيام شهرين قمريين
متتابعين .
3ـ فإن لم يستطيع الصوم ،أو لم يستطيع الصبر على تتابع الصوم ،لمرض ،أو هرم ،
فإطعام ستين مسكينا ،لكل مسكين مدّ من غالب قوت البلد .
والدليل على هذا الترتيب في كفّارة الظهار ـ ما سيأتي في أحكام الظهار عامة ـ وما
رواه الترمذي ( الطلق ،باب :ما جاء في كفارة الظهار ،رقم )1200 :وغيره :أن سلمان
بن صخر النصاري ،أحد بني بياضة ،جعل امرأته عليه كظهر أُمه ،حتى يمضي رمضان ،
،فذكر ذلك له ،فقال فلما مضى نصف من رمضان ،وقع عليها ليلً ،فأتى رسول ال
" :أعتق رقبة " .قال :ل أجدها ،قال " :فصم شهرين متتابعين " .قال :ل رسول ال
لفروة بن عمرو " :أعطه ذلك العرق " وهو مكتل يأخذ خمسة عشر أجد .فقال رسول ال
140
إن كفّارة الظهار يُطالب بها الزوج على الفور ،أي إنه ل يحلّ له وطء زوجته قبل
التفكير بأيّ النواع الثلثة التي سبق ذكرها ،فإذا وطىء زوجته قبل التفكير ،فقد عصى ،
ولزمته الكفّارة ،لن الوطء قبل التفكير حرام .لقول ال عزّ وجل :مّن َقبْلِ أَن َي َتمَاسّا
[ المجادلة . ] 3 :
روى الترمذي ( الطلق ،باب :ما جاء في المظاهر يواقع قبل أن يكفر ،رقم 1199 :
) ،وابن ماجه ( الطلق ،باب :المظاهر يجامع قبل أن يكفر ،رقم ) 2065 :وغيرهما عن
:يا رسول ال ،إني قد ظاهرت من زوجتي ،فوقعت عليها قبل أن أُكفّر ،فقال " :وما حملك
على ذلك ،يرحمك ال "؟ يرحمك ال " ؟ قال :رأيت خلخالها في ضوء القمر ،قال " :فل
ويستدل لحكام الظهار جملة :بما جاء عن عائشة رضي ال عنها أن امرأة أوس بن
وهي تقول :يا رسول الصامت ـ رضي ال عنها ـ جاءت تشتكي زوجها إلى رسول ال
ال ،أكل شبابي ونثرت له بطني ،حتى إذا كبرت سنّي وانقطع ولدي ظاهر مني ،اللّهمّ إني
… سمِعَ
قَدْ َ أشكو إليك ،فما برحت حتى نزل جبرائيل بهؤلء اليات :
رواه ابن ماجه ( الطلق ،باب :الظهار ،رقم ، ) 2063 :وأبو داود ( الطلق ،باب
:في الظهار ،رقم ، ) 2214 :والحاكم ( في المستدرك :التفسير ،تفسير سورة المجادلة :
.. ) 2/481
141
واليات هي :
سمِيعٌ َبصِيرٌ{ }1الّذِينَ يُظَا ِهرُونَ مِنكُم مّن نّسَا ِئهِم مّا هُنّ ُأ ّمهَا ِتهِمْ إِنْ ُأ ّمهَا ُتهُمْ ِإلّا اللّائِي َولَ ْد َنهُمْ
اللّهَ َ
َوِإ ّنهُمْ َليَقُولُونَ مُنكَرا مّنَ الْ َقوْلِ َوزُورا َوإِنّ اللّهَ َلعَ ُفوّ غَفُورٌ{ }2وَالّذِينَ يُظَا ِهرُونَ مِن نّسَا ِئهِمْ ثُمّ
خبِيرٌ{}3
حرِيرُ رَ َقبَةٍ مّن َقبْلِ أَن َي َتمَاسّا َذِلكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللّهُ ِبمَا َت ْع َملُونَ َ
َيعُودُونَ ِلمَا قَالُوا َفتَ ْ
سكِينا َذِلكَ
ستّينَ مِ ْ
طعَامُ ِ
ستَطِعْ َفإِ ْ
ش ْه َريْنِ ُم َتتَا ِب َعيْنِ مِن َقبْلِ أَن َي َتمَاسّا َفمَن لّمْ يَ ْ
صيَامُ َ
َفمَن لّمْ يَجِدْ َف ِ
[ المجادلة . ] 4-1 : ِل ُت ْؤ ِمنُوا بِاللّهِ َورَسُولِهِ َو ِت ْلكَ حُدُو ُد اللّهِ َوِللْكَا ِفرِينَ عَذَابٌ َألِيمٌ
ثالثا ً ـ اللعان
تعريف اللعان :
وأما اللعان شرعا :فهو كلمات معينة ،جعلت حجة للمضطر إلى قذف من لطّخ
وسمي لعانا ،لشتمال هذه الكلمات على لفظ اللعن ،ولن كل من المتلعنين يبتعد عن
142
الحكمة من مشروعية اللعان :
أعلم أن حكم اللعان جاء مخالفا لما يقتضيه عموم حكم القذف ،من استحقاق القاذف الحدّ
فما هي حكمة هذه المخالفة ؟ ولماذا لم تنطبق أحكام القذف على مَن جاء بقذف زوجته
بالفاحشة ؟
والجواب :أن غير الزوج بالنسبة لزوجته غير مضطر إلى أن يرمي أحدا من الناس
بل الدب السلمي يقضي بأن يستر المسلم ما قد ينكشف له من عيوب الخرين ،
أما الزوج بالنسبة لزوجته ،فإنه يشبه أن يكون مضطرا إلى الكشف عن حقيقتها ،
وواقع أمرها في ارتكاب الفاحشة ،لن ارتكابها ذلك تلطيخ لفراشه ،وإلحاق للعار به .وهو
ولو انفصل عنها بطلق لستلزم ذلك أن يقع في ظلم آخر يلحقه بنفسه ،وهو الحكم لها
بكامل المهر ،دون أن تستحق شيئا منه بسبب سوء سلوكها .
لذلك كان لبدّ ـ لنصافه ـ من أن يشرع حكم خاص بهذه الحالة ،يضمن بقاء كل
من الزوجين في كنف العدالة ،دون أن يذهب واحد منهما ضحّية لظلم الخر .
وكان هذا الحكم هو :حكم اللعان ،الذي سنقف على موجز لتفاصيله .
143
وبهذا تدرك الحكمة من أن قذف الزوج لزوجته ،إذا جاء على النحو الذي
رسمته الشريعة السلمية ،ل يستوجب حدّا أبد له ،فإن القاذف إنما يُحدّ لتهامه بالكذب من
أما الزوج فإنه يبعد جدا أ ،يقذف زوجته كاذبا ،لم يلحقه بسبب هذا الكذب من العار ،
وسوء السمعة ،وهو معذور في أن ل يستر حال زوجته ،لن ستره لها إلحاق للعار به ،وهو
القذف :هو أن يرمي زوجته بالزنى ،وللزوج الحق في أن يرميها بذلك إذا علم
زناها ،أو ظنه ظنا مؤكدا :كظهور زناها بفلن من الناس ،مع رؤيتهما في خلوة منفردين .
هذا الحكم ـ وهو إباحة رمي الزوجة بالزنى ـ إذا لم يكن هناك ولد ،أما إذا كان هناك ولد ،
والزوج يعلم أنه ليس منه ،فإنه والحالة هذه يجب عليه أن يرمي زوجته ،وينفي الولد عن
نفسه ،لن ترك نفسي الولد عن نفسه يتضمن استلحاقه ،واستلحاق من ليس منه حرام ،
كحرمة نفي مَن هو منه ،لكن كيف يعلم أن هذا الولد ليس منه .
طريق العلم بذلك أن يكون لم يطأ زوجته ،أو أن زوجته قد أتت بالولد لدون ستة أشهر
من الوطء ،التي هي أقل مدة الحمل ،أو ولدته لكثر من أربع سنين من الوطء ،التي هي
أكثر مدة الحمل ،ففي هذه الحالت يثبت أن الولد ليس من هذا الزوج ،وعندئذ يجب نفيه عن
144
كيفية لعان الزوج :
إذا رمى الرجل زوجته بالزنى فعليه حدّ القذف ،إل أن يقيم البيّنة ،والبيّنة أربعة شهداء
لما قذف امرأته لهلل بن أُمية وهذا هو الحكم العام لمقتضى القذف ،وقد قال النبي
":البينّة أو حدّ في ظهرك " فقال هلل :والذي نعثك بالحق إني صادق َ ،فلْينزلنّ عند النبي
وقد نزل حكم اللعان ،فكان السبيل الذي يدرأ به الزوج عن نفسه حدّ القذف ،إذا قذف
وُجهائهم ،وصالحيهم ،وأن يكون ذلك في المسجد ،فوق مكان مرتفع ،كمنبر وغيره ،يقول
أشهد بال إنني لمن الصادقين فيما رميت به زوجتي فلنة من الزنى ،وأن هذا الولد
يقول ذلك أربع مرات ،يشير في كل مرة بيده إلى زوجته ،إن كانت حاضرة .
ثم يقول في المرة الخامسة :بعد أن يعظه الحاكم ،ويحذّره من الكذب ،يقول :وعلىّ
ويستدلّ على تشريع اللعان بالنسبة للزوج يقول ال عزّ وجلّ :
145
شهَادَاتٍ
شهَا َدةُ أَحَدِهِمْ َأ ْربَعُ َ
سهُمْ فَ َ
شهَدَاء ِإلّا أَنفُ ُ
جهُمْ َولَمْ َيكُن ّلهُمْ ُ
وَالّذِينَ َي ْرمُونَ َأ ْزوَا َ
ويستدل من السنة بما رواه البخاري ( الطلق ،باب :التلعن في المسجد ،رقم :
:أن رجلً من ) 5003ومسلم ( أول كتاب اللعان ،رقم ) 1429 :عن سهل بن سعد
فقال :يا رسول ال .أرأيتَ رجلً وجد من امرأته رجلً ،أيقتله النصار جاء إلى رسول ال
":قد ،أم كيف يفعل ؟ فأنزل ال في شأنه ما ذُكرَ في القرآن من أمر المتلعنين ،فقال النبي
قضى ال فيك وفي امرأتك " .قال فتلعنا في المسجد وأنا شاهد .
إذا لعَنَ الزوج زوجته ،على الكيفية التي ذكرناها ،ترتب على ذلك خمسة أحكام :
2ـ وجوب حدّ الزنى على الزوجة ،إل أن تلعن هي أيضا .
4ـ نفي الولد ،وانقطاع نسبه عن الزوج إن نفاه في لعانه ،وإلحاقه بالزوجة .
روى البخاري ( الطلق ،باب :يلحق الولد بالملعنة ،رقم ، )5559 :ومسلم
لعَنَ بين رجل ( في اللعان ،رقم )1494 :عن ابن عمر رضي ال عنهما :أن النبي
وامرأته ،فانتفى مَن ولدها ،ففرق بينهما ،وألحق الولد بالمرأة .
146
قال وروى أبو داود ( الطلق ،باب :في اللعان ،رقم ) 2250 :عن سهل بن سعد
:مضت السنّة بعدُ في المتلعنين أن يفرّق بينهما ،ثم ل يجتمعان أبدا .
كما أن لعان الزوج هو السبيل الذي يدرأ عنه حدّ القذف ،فإن لعان الزوجة هو السبيل
الذي يدرأ عنها ح ّد الزنى ،الذي يتعلق بها بسبب لعان الزوج .
أشهد بال أن فلنا من الكاذبين فيما رماني به من الزنى .تقول ذلك أربع مرات ،ثم
تقول في المرة الخامسة :وعلىّ غضب ال إن كان من الصادقين .فإذا قالت ذلك سقط عنها
ح ّد الزنى
شهَادَاتٍ
شهَدَ َأ ْربَعَ َ
ع ْنهَا ا ْلعَذَابَ أَنْ تَ ْ
َويَ ْد َرأُ{َ }7 والدليل على ذلك قول ال عز وجلّ :
. ]9
3ـ أن يلتزم كل من الزوج والزوجة نصّ الكلمات التي ذكرناها ،فلو أبدل أحد الزوجين لفظ
الشهادة بغيرها :كالحلف ،أو القسم ،أو أبدل لفظ الغضب باللعن ،أو العكس ،لم
147
يصحّ اللعان .لن ألفاظ اللعان وردت بنصّها في صريح كتاب ال عزّ وجلّ ،فيجب
4ـ أن يكون بين الشهادات الخمس التي يشهدها كل من الزوجين موالة وتتابع ،فل يجوز أن
5ـ يجب على الحاكم أن ينصح كلً من الزوجين ،ويحذره الكذب ومغبّته ،وأن يقول لهما:
روى الترمذي ( الطلق ،باب :ما جاء في اللعان ،رقم ) 1202 :عن ابن
دعا الرجل ،فتل عليه اليات ،ووعظه وذكره ،وأخبره عمر رضي ال عنهما أن النبي
أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الخرة ،فقال :ل والذي بعثك بالحق ما كذبت عليها .
ثم ثنى بالمرأة فوعظها وذكرها ،وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الخرة ،
قال فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات إنه لمن الصادقين ،والخامسة إن لعنة ال عليه إن
ثم ثنى بالمرأة ،فشهدت أربع شهادات بال إنه لمن الكاذبين ،والخامسة أن غضب ال
وفي رواية عند البخاري ( الطلق ،باب :قول المام للمتلعنين :أحدكما كاذب …،.
لهما " حسابكما على ال ،أحدكما كاذب ،ل سبيل لك عليها " . رقم ) 5006 :قال النبي
148
وروى البخاري ( الطلق ،باب :يبدأ الرجل بالتلعن ،رقم ) 5001 :عن ابن
يقول " :إن عباس رضي ال عنهما :أن هلل بن أمّية قذف امرأته ،فجاء فشهد ،والنبي
وروى أبو داود ( الطلق ،باب :التغليظ في النتفاء ،رقم ) 2263وغيره عن أبي
يقول حين نزلت آية المتلعبين ":أيّما امرأة أدخلت على قوم :أنه سمع رسول ال هريرة
مَن ليس منهم ،فليست من ال في شيء ولن يدخلها ال جنته .وأيما رجل جحد ولده ،وهو
ينظر إليه احتجب ال منه ،وفضحه على رؤوس الولين والخرين ".
العــــدَّة
تعريف العدة :
العدّة ـ لغة ـ اسم مصدر عدّ يعدّ ،أما المصدر :فهو ( عدّ ) والعدّة :مأخوذة من
والعدة اصطلحا :اسم لمدة معينة تتربصها المرأة ،تعبدا ل عزّ وجلّ ،أو تفجعا على
لقد ثبتت مشروعية العدّة بعدد من آيات القرآن الكريم ،وبكثير من أحاديث النبي
149
وسيأتي ـ أثناء البحث ـ الكثير من أدلة الكتاب والسنّة التي تفصل أحكام العدّة
ـ أما المتوفى عنها زوجها ،فقد شرعت العدة في حقها ،للمعاني التالية :
أولً :للوفاء بحق زوجها الراحل ،فإن ما قد فرضه ال عليها من التقدير والوفاء وحُسن
المعاملة له ،ل يتناسب مع إعراضها عنه بمجرد وفاته ،ورحيله عنها .
ثانيا :للتعويض عن ال ُعرْف الجاهلي ،الذي كان يفرض على الزوجة إذا مات زوجها أن
تحبس نفسها في وكر مظلم عاما كاملً ،وأن تضمخ نفسها خلل ذلك بالسواد ،وتلبس
ذلك لن القضاء على عادة متطرفة في المجتمع ،ل يتم إل إذا ملىء مكان تلك العادة
بمبدأ معتدل سليم ،يحقّق محاسن العادة الولى دون أن يجرّ على الناس شيئا من مساوئها .
فإن كانت الزوجة من ذوات الحيض ،أو كانت حاملً :فإن الحكمة من وجوب العدّة
في حقها :ضبط النساب ،وحفظ المسؤوليات ،والتأكد من براءة الرحم ،والمر في ذلك
واضح .
أما إن كانت الزوجة صغيرة ،أو آيسة ل تحيض ،فالحكمة من وجوب العدّة عليها
150
1ـ المعنى التعبدي ،الذي يتضمن النصياع لمر ال عزّ وجلّ ،وهذا في الحقيقة معنى جدير
2ـ تفخيم أمر النكاح ،وإعطاؤه الهمية الشرعية التي تناسبه .وواضح أنه ل يتناسب مع
شيء من هذا التفخيم والهمية أن تتحول الزوجة في اليوم التالي من فراقها إلى زوج
آخر ،وإن كانت صغيرة ،أو آيسة مقطوعا ببراءة رحمها من الحمل من زوجها .إن
هذه السرعة في التنقل تُذيب أهمية النكاح ،وهيبته أمام النظار ،وتثير في النفس
والخيال شأن السفاح وصورته ،وكيف تنتقل البغي من شخص إلى آخر دون أي انتظار
3ـ مزيد من الحيطة للتأكد من براءة الرحم ،إذ ل يؤمن عدم وقوع أحوال ووقائع شاذة عن
أما عدّة الوفاة ،فهي التي تجب على من مات عنها زوجها :
أ ـ فإن كانت حاملً منه أثناء الوفاة فعدّتها تنتهي بوضع الحمل ،طالت المدة أو قصرت .
ب ـ وإن كانت المرأة غير حامل ،أو كانت حاملً بحمل ل يمكن أن يكون من زوجها
المتوفى عنها ،كأن يكون زوجها غير بالغ ،أو ثبت غيابه عنها منذ أكثر من أربع
151
سنوات ،فعدّتها تنتهي بنهاية أربعة أشهر وعشرة أيام ،سوا ء دخل بها الزوج ،أو لم
يدخل .
ح ْمَلهُنّ
ضعْنَ َ
جُلهُنّ أَن َي َ
حمَالِ أَ َ
َوُأ ْولَاتُ الْأَ ْ والدليل على ما ذكر قول ال عز وجل :
وَالّذِينَ ُي َتوَ ّفوْنَ مِنكُمْ َويَ َذرُونَ َأ ْزوَاجا َي َت َربّصْنَ [ الطلق . ]4 :وقوله سبحانه وتعالى :
خرج ول إثم .فيما فعلن في أنفسهنّ :أي من التزين ،والتعرّض للخطاب ،وللزواج .
فالية الثانية من اليتين عامّة تشمل المرأة الحامل وغيرها ،أما الولى منهما فقد
أخرجت من ذلك العموم النساء الحوامل ،وجعلت لهنّ حكما خاصا بهنّ ،فكان هذا هو دليل
التفريق بين عدّة المرأة التي توفي عنها زوجها وهي حامل منه ،وبين عدّة المرأة التي توفي
والدليل من السنة أن الحامل تنتهي عدّتها بوضع الحمل :ما رواه البخاري ( الطلق ،
فاستأذنه أن تنكح ، ستْ بعد وفاة زوجها بليال ،فجاءت النبي
السلمية رضي ال عنها نُف َ
152
ثانيا :عدة الفراق :
وأما عدّة الفراق فهي التي تجب على المرأة التي فارقت زوجها ،بفسخ أو طلق ،بعد
وطئها :
أ ـ فإن كانت حاملً فعدّتها تنتهي بوضع الحمل .ودليل ذلك عموم قول ال عزّ وجل :
ب ـ وإن كانت حامل ،وهي من ذوات الحيض ،فعدّتها بمرور ثلثة أطهار من بعد الفراق .
ج ـ وإن كانت ل ترى حيضا :بأن كانت صغيرة ،أو آيسة ،أي متجاوزة سن الحيض ذلك
ش ُهرٍ
وَاللّائِي َيئِسْنَ مِنَ ا ْلمَحِيضِ مِن نّسَا ِئكُمْ إِنِ ا ْر َتبْتُمْ َفعِ ّد ُتهُنّ َثلَاثَةُ أَ ْ قول ال تعالى :
[ واللئي لم يحضن :الصغيرات ،فع ّدتُهنّ أيضا ثلثة أشهر .إن ارتبتم :شككتم في
أما المرأة التي فارقها زوجها بفسخ ،أو طلق ،قبل الدخول بها ،فل يجب
153
طلّ ْق ُتمُوهُنّ
حتُمُ ا ْل ُم ْؤ ِمنَاتِ ثُمّ َ
يَا َأ ّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا إِذَا َنكَ ْ ودليل ذلك قول ال عزّ وجل ّ :
جمِيلً
سرَاحا َ
سرّحُوهُنّ َ
عَل ْيهِنّ مِنْ عِ ّدةٍ َت ْعتَدّو َنهَا َف َم ّتعُوهُنّ وَ َ
مِن َقبْلِ أَن َتمَسّوهُنّ َفمَا َلكُمْ َ
[ الحزاب . ] 49 :
إذا كانت المرأة معتدّة من زوجها عدّة طلق ،فإما أن يكون طلقها :رجعيا ،أو بائنا
الول :فإن كانت معتدّة من طلق رجعي ترتب على عدّتها الحكام التالية :
أ ـ وجوب المسكن لها مع الزوج ،والفضل أن يكون مسكن طلقها ،إن كان لئقا بها ،ولم
ب ـ وجوب النفقة لها بسائر أصنافها :من مؤنة ،وكسوة ،وغير ذلك ،سواء كانت حاملً ،
أو حـائلً ،وذلك لبقاء سلطان الزوج عليها ،وانحباسها تحت حكمه ،حيث يمكنه أن
ج ـ يجب عليها ملزمة مسكنها ،فل تفارقه إل لضرورة .ودليل هذه الحكام الثلثة قول ال
154
د ـ يحرّم عليها التعرّض لخطبة الرجال ،إذ هي ل تزال حبيسة على زوجها ،وهو الحقّ
َو ُبعُوَل ُتهُنّ أَحَقّ ِبرَدّهِنّ فِي َذِلكَ إِنْ والولى من سائر الرجال .قال ال عز وجل :
الثاني :
إن كانت معتدّة بفراق بائن ،وهي عندئذ :إما أن تكون حاملً ،وإما أن تكون حائلً ،
يَا َأ ّيهَا ال ّنبِيّ أ ـ وجوب المسكن لها على الزوج ،ودليل ذلك قوله تعالى في الية السابقة :
[ الطلق . ]1:والية هذه عامّة في المطلّقة خرُجْنَ ِإلّا أَن يَ ْأتِينَ بِفَاحِشَةٍ ّم َب ّينَةٍ
َولَا يَ ْ
الرجعية والبائنة.
حمْلٍ فَأَنفِقُوا
َوإِن كُنّ أُولَاتِ َ ب -النفقة بأنواعها المختلفة ،ودليل ذلك قول ال تعالى:
[ الطلق)6: ح ْمَلهُنّ
حتّى َيضَعْنَ َ
عَل ْيهِنّ َ
َ
ج – ملزمة البيت الذي تعتدّ فيه ،فل تخرج منه إل لحاجة ،كأن تحتاج إلى طعام ونحوه ،
أو تحتاج إلى بيع متاع لها تتكسب منه ،وليس ثمة مَن يقوم مقامها في ذلك ،أو كانت
موظفة في عمل ،ول يسمح لها بالبقاء في بيتها مدة عدّتها ،أو كانت تضطر – إزالة
لوحشتها – أن تسمر عند جارة لها ،فل يحرم خروجها من بيتها لمثل ذلك .
155
خرِجُوهُنّ مِن ُبيُو ِتهِنّ َولَا
لَا تُ ْ أما دليل المنع من الخروج لغير حاجة ،فقول ال تعالى:
[ الطلق)1: خرُجْنَ
يَ ْ
أما دليل جواز الخروج للحاجة :فما رواه مسلم ( الطلق ،باب :جواز خروج المعتدّة
قال :طلّقت خالتي ،فأرادت أن تجُدّ نخلها ، البائن ..لحاجتها ،رقم ) 1483 :عن جابر
فقال " :بلى اخرجي ،فجُدّي نخلك ،فإنك عسى أن فزجرها رجل أن تخرج ،فأتت النبي
وإن كانت حائلً :ترتب كل ما ذكر في الفقرة السابقة ،إل النفقة بأنواعها المختلفة من
مؤنة ،وملبس ،وغير ذلك .فل تثبت لها ،وإنما يجب لها المسكن ،وتجب عليها ملزمته .
ودليل ذلك :ما رواه أبو داود ( الطلق ،باب :في نفقة المبتوتة ،رقم ) 229 ( :في قصة
قال لها " :ل نفقة فاطمة بنت قيس ،حين طلّقها زوجها تطليقة كانت بقيت لها :أن النبي
وإن كانت المرأة معتدّة من وفاة ،وجبت في حقّها الحكام التالية :
أ ـ الحداد على الزوج :بأن تمتنع عن مظاهر الزينة والطيب ،فل تلبس ثيابا ذات ألوان
زاهية ،ول تكتحل ،ول تستعمل شيئا من الصباغ ،ول تتزين بشيء من الحلي :ذهبا
أو فضة ،أو غيرهما ،فإن فعلت شيئا من ذلك فهي آثمة .
":ل يحلّ لمرأة تؤمن بال واليوم الخر أن تُحدّ على ميت ودليل ذلك :قول النبي
فوق ثلث ليال ،إل على زوج أربعة أشهر وعشرا ".
156
رواه البخاري ( الطلق ،باب :تحدُ المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا ،رقم :
، ) 5024ومسلم ( الطلق ،باب :وجوب الحداد في عدّة الوفاة رقم 1486 :ـ ) 1489
دلّ هذا الحديث على حرمة إحداد المرأة على غير الزوج ،ووجوبها على الزوج أربعة
في إظهار الحزن ،وأمر بالتعزية خلل ثلثة أيام فقط ،لن أشهر وعشرة أيام .ورخّص
وروى البخاري ( الحيض ،باب :الطيب للمرأة عند غسلها من المحيض ،رقم ) 307
ومسلم (الجنائز ،باب :نهي النساء عن اتباع الجنائز ،رقم ) 938 :عن أُم عطية النصارية ،
رضي ال عنها قالت :كنا نُنهى أن نحدّ على ميت فوق ثلث ،إل على زوج أربعة أشهر
عند الطهر ،إذا اغتسلت إحدانا من محيضها ،في ُنبْذة من كست أظفار ،وكنا ننهى عن اتّباع
الجنائز .
خيوطها ،وتصبغ قبل نسجها .نبذة :قطعة صغيرة كُسْت أظفار :نوع من الطيب ] .
ب ـ يجب عليها ملزمة بيتها الذي تعتدّ فيه ،فل تخرج إل لحاجة ،كالتي ذكرناها بالنسبة
روى الترمذي ( الطلق ،باب :أين تعتدّ المتوفى عنها زوجها ،رقم )1204 :وأبـو
داود ( الطـلق ،باب :في المتوفى عنها تنتقل ،رقم ) 2300:وغيرهما ،عن زينب بنت
157
أخبرتها كعب بن عجرة :أن الفُريْعة بنت مالك بن سنان ـ وهي أُخت أبي سعيد الخدري
تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خُدْرة ،وأن زوجها خرج في طلب أنها جاءت رسول ال
أن أعبد له أبَقُوا ،حتى إذا كان بطوف القدوم لحقهم ،فقتلوه .قالت :فسألت رسول ال
": أرجع إلى أهلي ،فإن زوجي لم يترك لي مسكنا يملكه ،ول نفقة .قالت :فقال رسول ال
نعم " .قالت :فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة ( أو في المسجد ) ناداني رسول ال ـ أو
أمر بي فنوديت له ـ فقال :زوجني .قال :فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا .
،أرسل إلي فسألنيّ عن ذلك ،فأخبرته ،فاتبعه وقضى به . قالت :فلما كان عثمان
أما ما يتصوره كثير من العوّام من أنه ل يجوز للمعتدّة أن تكلم أحدا ،وأن أحدا من
الناس ل يجوز أن يسمع صوتها ،فل أصل له ،وإنما حكمه أثناء العدة وخارج العدة سواء .
والحاصل أن جميع أنواع العدّة تخضع لقدر مشترك من الحكم ،وهو :
ـ حُرمة الخروج من المسكن الذي تعتدّ فيه المرأة إل لحاجة .ثم تختصّ المعتدّة بالوفاة
بحكم مستقل ،وهو :وجوب الحداد على الزوج ،وذلك بأن تمتنع عن الطيب والزينة ،على
كما تختصّ المعتدّة بالطلق الرجعي مطلقا ،والطلق البائن إن كانت حاملً بوجوب
وتختصّ المعتدّة بالطلق البائن – إن لم تكن حاملً – بوجوب المسكن فقط ،دون سائر
158
خاتمة :
ونختم هذا البحث ببيان أمر هام ،أل وهو حُرمة إحداد النساء على مَن عدا الزوج من
أقاربهنّ ،نساءً وذكورا ،وهو إحداد بشع يتخذ شكلً من أشكال الجاهلية العتيقة ،حيث تلزم
المرأة التي توفي لها قريب أو قريبة لبس السواد ،أو ما يشبهه ،إعلنا عن حزنها ،وتتجنب
حضور الماكن العامة ،والظهور في مواسم الفراح ومناسباتها ،وتظل على ذلك عاما ،أو
يزيد ،وربما كانت نفسها خلل أكثر العام ل تنطوي على أيّ حزن أو كرب ،ولكنها تتصنع
في حديثة الواضح إن هذا اللتزام ليس إل معارضة صريحة وحادة لمر رسول ال
الصحيح ":ل يحلّ لمرأة تؤمن بال وباليوم الخر أن تُحدّ على ميت فوق ثلث ليال ،إل على
رواه البخاري ( الطلق ،باب :تحدّ المتوف عنها زوجها ،.رقم ) 5024 :ومسلم
( الطلق ،باب :وجوب الحداد في عدّة الوفاة ،رقم 1486 ( :ـ ) 1498عن أم حبيبة
وقد روى البخاري ومسلم ،عن زينب بنت أبي سلمة قالت :دخلت على زينب بنت
جحش رضي ال عنهما حين توفي أخوها ،فدعت بطيب فمست منه ثم قالت :وال ما لي في
يقول " :ل يحل لمرأة تؤمن بال واليوم الخر الطيب من حاجة غير أني سمعت رسول ال
أن تحد على ميت فوق ثلث ليال إل على زوج أربعة أشهر وعشرا " ( البخاري ومسلم
159
ول فرق في هذا الحكم بين هذا التصنّع المتكلّف الممجوج الذي تلتزمه النساء فيما بينهنّ
،وما يفعله الرجال من التزام شعارات الحزن ،في ربطة العنق ،ونحوها ،وهو تقليد أجنبي
نسأل ال تعالى أن يحقّقنا بمعنى العبودية الخالصة له ،وأن يلبسنا كسوة الرضى
وهو في الصل بمعنى الخراج ،والنفاد ،ول يستعمل النفاق إل في الخير .
والنفقة اصطلحا :كلّ ما يحتاجه النسان ،من طعام وشراب ،وكسوة ومسكن .
وسمي نفقة ،لنه ينفد ويزول ،في سبيل هذه الحاجات .
160
5ـ نفقات أخرى .
ولنبدأ بشرح أحكام كل نوع من هذه النواع على هذا الترتيب .
إن أدنى ما يجب على النسان من النفاق أن يبدأ بنفسه ،إذا قدر على ذلك ،وهي
وتشمل هذه النفقة كل ما يحتاجه المرء من مسكن ،ولباس ،وطعام ،وشراب ،وغير
ذلك .
ودليل ذلك ما رواه البخاري ( الحكام ،باب :بيع المام على الناس أموالهم
وضياعهم ،رقم ، ) 6763 :ومسلم ( الزكاة ،باب :البتداء في النفقة بالنفس … ،.رقم :
قال :أعتق رجل من بني عُ ْذرَة عبدّ له عن ُدبُر ،فبلغ ذلك رسول ) 997وغيره عن جابر
" :مَن يشتريه مني " ؟ فاشتراه نُعيم بن .فقال " :ألك ما غيره" .فقال :ل .فقال : ال
فدفعها إليه ،ثم قال " : عبدال العدوي رضي ال عنه بثمانمائة درهم ،فجاء بها رسول ال
ابدأ بنفسك فتصدّق عليها ،فإن فضل شيء فلهلك ،فإن فضل عن أهلك شيء فَلذي قرابتك ،
معنى قوله ":عن ُدبُر " أي علق عتقه بموته ،فقال :أنت حر يوم أموت .
161
يجب على الوالد ـ وإن عل ـ نفقة ولده ،وإن سفل .
فالب مكلف بالنفاق ـ على اختلف أنواع النفقة ـ على أولده ذكورا وإناثا ،فإن لم
يكن لهم أب ،كلّف بالنفاق عليهم الجد أبو الب القريب ،ثم الذي يليه .
[الطلق ]6:
فإيجاب الُجرة على الزوج لرضاعة أولده ،يقتضي إيجاب مؤونتهم المباشرة من باب
فإن نسبة الولد إلى أبيه بلم الختصاص ،وهي ( له ) تقتضي مسؤولية صاحب
الختصاص ،وهو الب ،عن نفقة ولده ومؤونته .وكذلك وجوب نفقة المُرضِعة للوليد
وكسوتها تدلّ على وجوب نفقة الولد وكسوته من باب أولى كما علمت .
وأما دليل ذلك من السنّة :فما رواه البخاري ( النفقات ،باب :إذا لم ينفق الرجل
فللمرأة أن تأخذ ،.رقم ، ) 5049:ومسلم ( القضية ،باب :قضية هند ،رقم )1714:عن
عائشة رضي ال عنها ،أن هند بنت عتبة قالت :يا رسول ال ،إن أبا سفيان رجل شحيح ،
وليس يعطيني ما يكفيني وولدي ،إل ما أخذت منه ،وهو ل يعلم ،فقال " ،خذي ما يكفيك
162
شروط وجوب نفقة الفروع على الصول:
أولً :أن يكون الصل موسرا بما يزيد عن قوت نفسه ،وقوت زوجته مدّة يوم وليلة.
فلو كان الذي يملكه ل يكفي – خلل هذه المدة – غير نفسه هو ،أو غير نفسه وزوجته
ثانيا :أن يكون الفرع فقيرا ،ويشترط مع فقره ،واحد من الوصاف الثلثة :
فالصغير الفقير يكلّف أبوه ،بالنفاق عليه ،فإن لم يكن أبوه فجده .
فلو كان الولد صحيحا بالغا ،قادرا على الكتساب ،لم تجب نفقته على أبيه ،وإن لم
163
فإن كان العلم متعلقا بواجباته الشخصية :كأمور العقيدة ،والعبادة ،فذلك يُعدّ عجزا عن
أما إن كان العلم الذي يشتغل به من العلوم الكفائية التي يحتاج إليها المجتمع ،كالطب ،
والصناعة ،وغيرهما ،فل يخرج الولد بالشتغال بها عن كونه قادرا على الكسب ،والب
عندئذ مخيّر :بين أن يمكّنه من العكوف على ذلك العلم الذي يشتغل به وينفق عليه ،وبين أن
مقدار النفقة:
ليس لهذه النفقة حدّ تقدّر به إل الكفاية ،والكفاية تكون حسب ال ُعرْف ،ضمن طاقة
هل تصير هذه النفقة دينا على الصل إذا فات وقتها :
ل تصير نفقة الفروع بمضي الزمان دينا على المنفق ،لنها مواساة من الصل لفرعه ،
فهي ليست تمليكا لحق معين ،ولكنها تمكين له بدافع صلة القربى .
أي يتناول حاجته من النفقة ،فإذا مرّت الحاجة ،ولم يشأ أن يسّدها بما قد مكّنة الصل
منه ،تعففا ،أو نسيانا ،أو غير ذلك ،فإن ذمّة أبيه ل يعقل أن تنشغل بدين لولده مقابل الحاجة
التي تعفّف ولده عنها ،أو شغل عنها ،أو نسيها حتى فات وقتها .
هذا هو الصل ،وهو الحكم ،عندما تكون المور بين الولد وأبيهم جارية على سَننها
الطبيعي .
164
فأما إذا وقع خلف ،تدخل القاضي بسببه فيما بينهم ،وفرض القاضي على الب نفقة
معينة ،أو أذِنَ للولد أن يستقرضوا على ذمّة أبيهم دينا معينا من المال ،أو القدر الذي
يحتاجون إليه ،فإن هذه النفقة تصبح دينا بذمة الوالد ،إذا فات وقتها ،ول تسقط بمضي الزمن
،لنها قد آلت ،بحكم القاضي ،إلى تمليك ،بعد أن كانت مجرد مواساة وتمكين .
كما تجب نفقة الفروع على أصولهم بالدلة والشروط التي أوضحناها .
كذلك تجب نفقة الصول ـ أي الب والم ،والجدّ والجدّة ،وإن علَ كل منهما ـ على
فروعهـم ،بناءً على الدلة التالية ،وطبقا للشروط التي سنذكرها .
ويستدل لوجوب النفقة على الصول ،بأدلة من الكتاب والسنّة ،والقياس :
[السراء: وَ َقضَى َر ّبكَ أَلّ َت ْعبُدُواْ إِلّ ِإيّاهُ َوبِا ْلوَالِ َديْنِ إِحْسَانا ]15وقوله سبحانه وتعالى :
. ]23
والمعروف الذي يقدّمه الولد لوالديه ،والحسان الذي يحسنه إليهما ،ل يكون إلّ
ـ وأما من السنّة :فما رواه أبو داود ( البيوع والجارات ،باب :في الرجل يأكل من
مال ولده ،رقم ) 3528 ( :والترمذي ( الحكام ،باب :الوالد يأخذ من مال ولده ،رقم :
":إن من أطيب ما ( ) 1358وغيرهما ،عن عائشة رضي ال عنها قالت :قال رسول ال
165
":أنت ومالك لوالدك ،إن أولدكم من أطيب أكل الرجل من كسبه ،وولده من كسبه " .وقال
رواه أبو داود ( البيوع والجازات ،باب :في الرجل يأكل من مال ولده ،رقم :
. ) 3530
قال : وروى النسائي ( الزكاة ،باب :أيّتهما اليد العليا )5/61 :عن طارق المحاربي
قائم على المنبر يخطب الناس ،وهو يقول " :يد المُعطي قَدِمت المدينة ،فإذا رسول ال
العليا ،وابدأ بمن تعول ،أُمك وأباك ،وأُختك وأخاك ،ثم أدناك أدناك ".
وروى أبو داود ( الدب ،باب :في ب ّر الوالدين ،رقم ) 5140 :عن كليب بن منفعة
فقال :يا رسول ال ،مَن أبر ؟ قال " :أُمك وأباك ،وأختك :أنه أتى النبي عن جده
وأخاك ،ومولك الذي يلي ذاك ،حق واجب ،ورحم موصولة ".
ـ أما دليل القياس والجتهاد :فقياس الصول على الفروع ،إذ كما وجبت نفقة الفروع
ـ عند العجز ـ على الصول كذلك تجب نفقة الصول عند العجز على الفروع ،بجامع
شيوع البعضية بينهما ،وهي أساس القرابة التي هي ثابتة الصول والفروع.
166
شروط وجوب نفقة الصول على الفروع :
أولً :أن يكون الفرع موسرا بما يزيد عن الضروري من نفقته ،و نفقة زوجته ،يومه وليلته ،
فلو كان الذي عنده من النفقة ل يكفي لكثر من حاجته ،وحاجة زوجته ،مدة يوم
وليلة ،لم يكلّف النفاق على أبيه وأُمه ،لن نفقة الفقير ل تجب على فقير مثله ،فإن
أيسر بجزء من نفقتهما الضرورية تقدم بها إليهما ،فإن ضاقت عنهما قدّم أمه على
ثانيا :أن يكون الصل فقيرا ،والمراد بالفقر هنا :أن ل يكتسب ما يسدّ حاجته الضرورية ،
سواء كان قادرا على الكسب ،أم ل .بخلف ما مرّ الزمانة ،أو الجنون ،أي مع صفة
العجز .
والفرق بينهما :أن الصل ل يقبح منه تكليف الفرع القادر على الكتساب .
ولكن الفرع يقبح منه أن يكلف أصله ـ الذي طالما اكتسب وجدّ من أجله ـ
ثالثا :أن ل تكون الم مكفيّة بنفقة زوجها فعلً ،أو حكما .ومعنى هذا الشرط :أن نفقة الُم
167
الحالة الثانية :أن يكون والده متوفى ،وهي خليّة على الزوج .وقدرتها على النكاح ل يلغي
هذا الواجب أي يجب على ولدها أن ينفق عليها حتى ولو كان ثمّة كفء يتقدم بطلب
الحالة الولى :أن يكون والده قادرا على النفاق عليها .
الحالة الثانية :أن تكون متزوجة من غير أبيه ،سواء كان زوجها موسرا بنفقتها ،أو مسعرا
بها .
فإذا طالبت الم في حالة إعسار زوجها بالفسخ ،وفسخ النكاح ،وجب حينئذ أن ينفق
إذا لحظت هذه الشروط ،سواء ما شرط منها لنفقة الصول على الفروع ،وما شرط منها
لنفقة الفروع على الصول ،أدركت أن وحدة الدين بين الصول والفروع ل تعتبر شرطا لوجوب
إذا فإن وجوب هذه النفقة من الصل والفرع ،ومن الفرع للصل ل يتأثر باختلف
الدين ] .
فيكلف الولد المسلم بالنفاق على والديه غير المسلمين ،ويكلُف الوالد المسلم بالنفاق
على أولده غير المسلمين ،إذا تحققت باقي الشروط التي ذكرناها.
168
ولكن يستثنى من ذلك المرتد ،فل تجري النفقة عليه ،سواء كان أصلً للمنفق ،أو
فرعا له .
ودليل جواز النفقة على الصل ،ولو كان مشركا :ما رواه البخاري ( الب ،باب :
صلة الوالد المشرك ،رقم ، )5633 :ومسلم ( الزكاة ،باب :فضل النفقة والصدقة على
القربين … ،رقم )1003 :وغيره عن أسماء بنت أبي بكر رضي ال عنهما ،قالت :قدمت
فقلت :يا عليّ أُمي ،وهي مشركة ،في عهد قريش إذ عاهَدَهُم ،فاستفتيت رسول ال
[ وهي راغبة :أي راغبة بالصلة ،أو راغبة عن السلم .في عهد قريش :أي ما بين
هذه النفقة أيضا ليست مقّدرة بحد معين ،وإنما هي مقدرة بالعرف المتبع .
وهي أيضا ل تصبح دينا في ذمة الفرع إذا مرّ وقتها ،ولم يتمتع الصل بها .إل إذا
وقع خلف بين الصل والفرع ،ففرض القاضي بموجبه جراية معينة على الفرع ،فإنها
تصبح حينئذ ـ كما قلنا سالفا ـ دينا في ذمته بمرور الوقت .
إذا كان الوالدين فقيرين ،وكان لهما فروع ،واستووا في القُرب ،أنفقوا عليهما ،لن
عّلة إيجاب النفقة تشملهم جميعا .وتكون حصة الُنثى من النفقة كنصف حصة الذكر ،كالرث
169
.وإن اختلفوا في درجة القُرب ،كابن ،وابن ابن ،فإن النفقة إنما تجب على القرب ،وارثا
كان أو غير وارث َ ،ذكَرا كان أو أُنثى ،لن ال ُقرْب أولى بالعتبار .
ومَن كان فقيرا ،وله أبوان موسران فنفقته على الب ،لنه هو المكلف بالنفاق على
وأما نفقة على الكبير الفقير ،فاستصحابا لما كان في الصغر .ومن كان فقيرا ،وله
أًصل وفرع غنيّان ،قدم الفرع في وجوب النفقة ،وإن بعد ،لن عصوبة الفرع أقوى من
عصوبة الصل ،وهو أولى بالقيام بشأن أبيه ،لعظم حرمته .
وإذا تعدّد المحتاجون من أُصول وفروع وغيرهم ،وكان ما يفضل عن حاجته ل يتسع
لنفقة جميعهم ،فإنه يقدّم بعضهم على بعض وفق الترتيب التالي :
أ ـ زوجته ،لن نفقتها آكد ،فإنها ل تسقط بمضي الزمان ،بخلف نفقة الصول والفروع ،
ب ـ ولده الصغير ،ومثله البالغ المجنون ،وذلك لشدّة عجزهما عن الكسب .
ج ـ الُم ،لعجزها أيضا ،ولتأكيد حقها بالحمل والوضع ،والرضاع والتربية .
هـ ـ البن الكبير الفقير ،لقربه من أبيه ،وللقرب مزية فضيلة .
و ـ الجد وإن عل ،لن حرمته من حرمة الب ،وهو أصل تجب رعاية حقوقه .
170
4ـ نفقة الزوجة على الزوج :
تجب نفقة الزوجة على الزوج بالجماع ،بشرط معينة سنذكرها ،فيما بعد .
فقد دلّت هذه الية على أن الزوج هو المسئول عن النفقة .وقوله ال سبحانه وتعالى :
ح ْوَليْنِ كَا ِمَليْنِ ِلمَنْ َأرَادَ أَن ُيتِ ّم ال ّرضَاعَةَ وَعلَى ا ْل َم ْولُودِ لَهُ
ضعْنَ َأوْلَدَهُنّ َ
وَا ْلوَالِدَاتُ ُي ْر ِ
عائد إلى الوالدات ،وهن ِرزْ ُقهُنّ والمولود له في الية هو الزوج ،والضميري في
الزوجات .
،رقم )1218 :عن وأما دليل السنة :فما رواه مسلم ( الحج ،باب :حجة النبي
" :فاتقوا ال في النساء ،فإنكم أخذتموهن بأمانة ال ،واستحللتم قال رسول ال
فروجهنّ بكلمة ال ،ولكم عليهنّ أن ل يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ،فإن فعلن ذلك
فاضربوهن ضربا غير مبرح ،ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ،وقد تركت فيكم ما
171
الحكمة من إيجاب نفقة الزوجة على الزوج :
إن الحياة الزوجية لبُدّ أن تنهض على أحد أُسس ثلثة :
الساس الول :أن يتولى الزوج الشراف على بيت الزوجية ،وأن يكون هو المسئول عن
الساس الثاني :أن تتولى الزوجة ذلك كله بدلً من الزوج .
الساس الثالث :أن يتعاون الزوجان في النهوض بالمسئوليات المادية ،وتقديم النفقة .
فما الذي يحدث لو استبعدنا الساس الول :الذي هو حكم الشريعة السلمية ،
فأما أن تتقدم المرأة بالمهر كله إلى الرجل ،أو أن يلزما بالشتراك في تقديمه .
ومن النتائج الحتمية لهذا الواقع أن تتحول المرأة ،فتصبح طالبة للزوج بعد أن شرّفها
ال عز وجل ،فجعلها مطلوبة .ذلك لن الذي يتقدم بالمال يكون هو الطالب لمن يأخذ المال .
وإذا أصبحت الزوجة هي الساعية بحثا عن زوجها ،فإنها لن تعثر على الزوج الذي تستطيع
أن تركن إليه ،حتى تسقط السقطات المتتالية ،بخِداع الرجال ،وأكاذيبهم عليها .
ثانيا :لبدّ أن تتجه المرأة هي الخرى إلى سبل الكدح ،والعمل من أجل الرزق ،وأن تناكب
وإذا فعلت المرأة ذلك ،أصبحت ـ ل محالة ـ عرضة للسوء والنحراف .
172
والواقع المشاهد أكبر دليل على ذلك .
كما أن البيت يعوزه عندئذ مَن يدبر شأنه ،ويرعى حاله ،ويربي صغاره ،إذ يصبح
عندئذ فارغا موحشا ،ومصدرا للفوضى ،والقلق والضطراب بدلً من أن يكون موئل للسعادة
ثالثا :إذا قامت الحياة الزوجية على أحد من الساسين المذكورين ،فل بد أن يكون حق
وقد علمت في باب الطلق الحكمة الباهرة من كون الطلق ـ في أعم الحوال ـ حقا
للزوج .
فمن أجل أن يكون كل من الزوجين عنصر إسعاد للخر ،ومن أجل أن يكون بيت
الزوجية عامرا بالرعاية والتهذيب والنس ،ومن أجل أن تظل المرأة عزيزة يطلبها الرجال ،
ول تصبح مهينة تلحق الرجال ،وهو عنها مُعرض ،أو لها مُخادع .من أجل ذلك كله كان
النفاق على بيت الزوجية واجبا على الزوج دون الزوجة .
أولً :تمكين الزوجة نفسها من الزوج ،بأن ل تمنعه من وجوه الستمتاع المشروع بها .فلو
منعته ،ولو عن بعض ذلك فقط ،لم تجب نفقتها على الزوج .
173
أما إن أرادها على وجه مُحرّم من الستمتاع ،كأن أراد أن يأتيها وهي في المحيض ،
ثانيا :أن تتبعه في المكان والبيت الذي يختاره ،ويستقر فيه ،ما لم يكن المكان أو البيت غير
صالح للسكن ،أو البقاء فيه شرعا .فلو كان يقيم في بلدة ل يلحقها ضرر شرعي
صحيح بالقامة معه فيها ،أو في بيت مستوف للشروط الشرعية المعتبرة ،ولم تقبل
بالقامة معه فيها ،أو في بيت مستوف للشروط الشرعية المعتبرة ،ولم تقبل بالقامة
معه في تلك البلدة ،أو ذلك المنزل ،لم يكلّف بالنفاق عليها ،لنها تُعدّ ناشزة حينئذ .
إذا توفرت هذه الشروط وجب على الزوج أن يقدّم للزوجة جميع النفقات التي تحتاجها ،
مما سيأتي تفصيله .وبذلك تعلم أن النفقة ل تجب على الزوج لمجرد العقد وحده .
اعلم أن النفقة على الزوجة مقدّرة ،ولكنها تتفاوت كّماّ ونوعا ،حسب تفاوت حال الزوج
ذلك لن التفاوت إنما يخضع لنسبة الستطاعة ،وهي عائدة إلى حال المنفق ،ل إلى
عَليْهِ ِرزْقُهُ
س َعتِهِ َومَن قُ ِدرَ َ
سعَةٍ مّن َ
والدليل على هذا :قول ال عزّ وجلّ ِ :ليُنفِقْ ذُو َ
174
فقد جعل ميزان النفاق تابعا إلى حالة الزوج سعة وضيقا ،ل إلى مستوى
الزوجة ومكانتها .إذا عرفت هذا ،فاعلم أن حالة الزوج تصنّف شرعا ضمن ثلث درجات :
1ـ درجة اليُسْر ( :الغنى ) 2 .ـ درجة التوسط 3 .ـ درجة الفقر .
والعُرف العام هو المحكم في تحديد ما يكون النسان به موسرا ،أو متوسط الحال ،أو
فقيرا .
أولً :ما يساوي مد ( حفنتين كبيرتين ) كل يوم غالب قوت البلد التي هي فيها ،مع
تكلفة طحنه وخبزه ،وما يتبع ذلك ،أو يقدم ذلك خبزا جاهزا .
ثانيا :يقدم من الدم ما اعتاده أهل تلك البلدة ،وما يقدّمه عادة أمثاله من أهل اليُسْر والغنى .
وقد أطال الفقهاء في تفصيل ذلك ،ولكن المدار فيه على كل حال إنما هو عرف أهل
البلدة .
ثالثا :الكسوة اللئقة بزوجات الموسرين في تلك البلدة ،ويظهر أثر العُرف في الكسوة ،في
نوعها جودة ورداءة ،أما العدد والكمية ،فإنما يتبع ذلك الحاجة ل ال ُعرْف .ويدخل في
حكم الكسوة ما يتبعها من أثاث وفراش ،وأدوات مطبخ ونحو ذلك .
وَعلَى ا ْل َم ْولُودِ لَهُ واعلم أن دليل ال ُعرْف في ذلك كله ،هو قول ال عزّ وجلّ :
أولً :ما يساوي مدّا ونصف مدّ من غالب قوت البلد التي هي فيه كل يوم .
175
مع مراعاة ما ذكرنا بالنسبة لحال الموسر .
ثانيا :الدم الذي جرت به عادة أهل تلك البلدة بالنسبة لوساط الناس ،نوعا وكما .
ثالثا :الكسوة اللئقة لزوجات أمثاله في ذلك المكان ،وما يتبعها من بقية حاجات المنزل
المختلفة .
أولً :ما يساوي مدّا واحدا من غالب قوت البلد كل يوم .
ثانيا :الدم الذي جرت به عادة الفقراء على اختلفه في تلك البلدة .
ويستدل لمراعاة حال الزوج في كل ما سبق بما رواه أبو داود ( النكاح ،باب :في
قال :أتيت رسول ال حق المرأة على زوجها ،رقم )2144عن معاوية القشيري
فقلت :ما تقول في نسائنا .قال ": :أطعموهنّ مما تأكلون ،واكسوهنّ مما تكتسون ،
ويدخل في نفقة الزوجة على اختلف حال الزوج إضافة لما سبق ما يلي :
أولً :منزل مناسب لحال الزوج يسكن في زوجته ،على أن تتوفر فيه الضرورات التي لبدّ
منها .
ثانيا :كلّ ما لبدّ منه للنظافة والتنزه من الدران والوساخ ،وأدوات الزينة ،إذا كان الزوج
176
ثالثا :الخادم إذا كانت الزوجة ممّن يخدم مثلها في بيت أبيها ،سواء كان الزوج موسرا ،أو
متوسط الحال ،أ ,كان فقيرا ،فيجب عليه أن يقدم لها مَن يخدمها بالقدر الذي تندفع به
الحاجة .
وينبغي أن يكون هذا الخادم أُنثى ،أو طفلً مميزا غير بالغ ،أو محرما لها .وأُجره هذا
لقد عرفت الفرق بين التمليك والتمكين ،عند حديثنا عن نفقة الصول على الفروع ،
إذا كانت الزوجة تأكل مع زوجها ـ كما هي الغالبة في أيامنا ـ وتسكن معه دون أن
يتفقا على قدر معين من القوت والدم ،يلتزم به الزوج ،فهذه النفقة ،تُعد من قبيل التمكين ،
ـ أما إذا كانت الزوجة قد اتفقت مع زوجها على قدر معين من النفقة يُجريه عليها ،أو
كان القاضي قد ألزمه بقدر معين من النفقة لها ،فهي عندئذ مقدّرة ،تطالب بها ،حتى بعد
مرور وقتها ،لنها تُعدّ ـ والحالة هذه ـ من قبيل التمليك ،ل التمكين ،ولها أن تعتاض
177
أثر ال ُعرْف في تقدير النفقة :
مما سبق تعلم أن القوت الساسي الذي لبدّ منه في الطعام ،ل أثر للعْرف في تقدير
كميته .
يقدّمه كل منهم لزوجته خبزا ،أو حبّا مع تقديم كلفة طحنه وخبزه .
أما ما زاد عليه من الدم والكساء ونحوهما ،فإنما يحدده العرف ،أي العُرف السائد في
تلك البلدة ،في ذلك العصر ،بشرط أن ل يكون العُرف مخالفا لشيء من الحكام الشرعية .
فل أثر لعُرف يقضي بالبذخ والتبذير بالنسبة لبعض النفقات ،أو بالنظر لبعض
إذا أعسر الزوج ،فإن كان إعبساره نزولً عن درجة اليُسْر إلى الدرجة الوسطى ،أو
إلى الدرجة الدنيا ،وهي درجة الفقر ،فل يترتب على هذا العسار شيء ،وتلزم بمتابعته ،
178
أما إذا أعسر الزوج حتى عن نفقة الدرجة الثالثة بكاملها ،فللزوجة عندئذ أن تُطالب بفسخ
النكاح .
وإذا طلبت ذلك وجب على القاضي أن يلبّي طلبها ويفرّق بينهما ،ولكن يجب أن يكون
ذلك ،بعد عجز الزوج عن النفقة بثلثة أيام على أقل تقدير ،لكي يتحقق عجزه ،إذ قد يكون
أن النبي روى الدارقطني ( في النكاح ،باب :المهر )3/297 :عن أبي هريرة
قال في الرجل ل يجد ما ينفق على امرأته " :يفرّق بينهما ".
وإذا رضيت بالبقاء مع زوجها على عجزه ،فلها أن تطلب فسخ النكاح بعد ذلك ،لن
الضرر بعجز الزوج عن النفقة بتجدّد كل يوم ،ولكل يوم حكم مستقل .
ولكن ل يجوز لها الفسخ إذا أعسر ببعض نفقة الدرجة الثالثة ،كأن أعسر عن تقديم
الدم ،لنه تابع ،وبالمكان أن تقوم النفس بدونه ،أو كأن عجز عن نفقة الخادم ،لن
أما إذا أعسر بمجموع نفقة هذه الدرجة ،فعندئذ يحقّ لها أن تطلب الفسخ .
هذا ويكلّف النسان بنفقات أخرى ـ غير ما ذكر ـ وذلك نحو ممتلكاته ،التي يملكها :
179
2ـ بهائم محترمة غير مأكولة .
وهذا الصنف ،كالنعام ونحوها من كل ما هو مأكول ،يخيّر مالكها بين أن يعلفها ،
ويسقيها ،بما يحفظ عليها حياتها بشكل سوي ،وبين أن يذبحها للكل ،أو أن يبيعها ،أو يهبها
للخرين ،فإن لم يذبح ،أو لم يفعل شيئا غير الذبح مما ذكر ،فإنه يجبر على نفقتها من علف
وسقي ،بالقدر الكافي لحفظ حياتها ،فإن لم يفعل أُجبر على بيعها ،فإن لم يفعل بِيعت عليه
غضبا .
وهذه البهائم المحترمة ،ككلب صيد غير عقور ،وهرّة ،وصقر ،ونحل ،ودود قز ،
ونحو ذلك ،فإن مالكها يلزم ببيعها ،فإن لم يفعل ،أو لم يوجد مَن يشتريها ،وجب عليه أن
وهذه البهائم غير المحترمة ،كالكلب العقور ،ومختلف الحيوانات المؤذية ،فل يلزم
ويستدل لذلك كله بحديث مسلم ( البرَ والصلة والدب ،باب :تحريم تعذيب الهرة
قال ":دخلت امرأة النار في عن رسول ال ونحوها … ،رقم )2619 :عن أبي هريرة
180
هرّة ،ربطتها ،فل هي أطعمتها ،ول هي أرسلتها تأكل مـن خَشَاش الرض ،حتى ماتت
هزلً " وأخـرجـه البخـاري ( المساقاة ،باب سقي الماء ،رقم ، )2236 :ومسلم
( السلم ،باب :تحريم قتل الهرة ،رقم )2242 :والهرّة مثال لكل حيوان محترم ،مأكولً
كان أو غير مأكول ،ويخرج بذلك ما هو غير محترم ،كالفواسق الخمس التي ذكرت في
الحديث .
روى البخاري ( الحصار وجزاء الصيد ،باب :ما يقتل المحرم من الدواب ،رقم :
، )1732ومسلم ( الحج ،باب :ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب … ،رقم )1198 :
أنه قال ":خمس فواسق ،يقتلن في الحلّ وغيرها عن عائشة رضي ال عنها ،عن النبي
والحرم :الحيّة ،والغراب البقع ،و الفأرة ،والكلب العقور ،والحُديّا ".
[ فواسق :الفاسق :الخارج عن الطاعة ،وسميت هذه الدواب الخمس فواسق ،
الغراب البقع :هو الذي في ظهره وبطنه بياض .الحُديّا :تصغير :الحدأة ،وهو طائر
خبيث ،بله هو أخس الطير ،يخطف الفراخ ،وصغار أولد الكلب ] .
والمقصود بنفقة الزروع والشجار ،سقيها ورعايتها ،فإن لم يكن بصاحبها رغبـة في
اقتلعها ،لعمارة ،ونحوها ،فإنه ينبغي عليه سقيها ورعايتها ،لن إهمالها يدخل في دائرة
181
أما إذا كان يريد اقتلع الشجر أو الزرع ليستفيد منهما ،أو ليستفيد من الرض في
عمارة ،أو نحوها ،فإن له قطع الشجار والزرع ،أو إهمالها إلى أن ييبسا ،لن له في ذلك
182
ها م اَ ك ح رابعا ً :الحصاَنة وأ َ
ُ َ ْ َ َ َ َ
ضاَنة :
ح َال َ
تعريف الحصانة :
والحضانة في اصطلح الشريعة السلمية :هي حفظ مَن ل يستقل بأمر نفسه ،
وتربيته بمختلف وجوه التنمية والصلح ،وتنتهي بالنسبة للصغير إلى سن التمييز .
أما رعايته بعد ذلك إلى سن البلوغ ،فتسمى :كفالة ،ل حضانة .
إن الحكمة من مشروعية الحضانة ،إنما هي تنظيم المسؤوليات المتعلقة برعاية الصغار
،وتربيتهم .
إذ ربما تفارق الزوجان ،أو اختلفا ،أو تعاسرا فيما يتعلق بالنظر لتربية صغارهما .
فلو ترك المر لما ينتهي إليه شقاقهما ،أو لما يقرره المتغلب من الطرفين في الخصومة ،
كان في ذلك ظلم كبير للصغار ،وإهدار لمصلحتهم .وربما كان في ذلك رج بهم في أسباب
لذلك كان لبدّ من وضع ضوابط تحدد أصناف المسؤولين عن حضانة الصغار ،
ورعايتهم ،وتصنفهم حسب الولوية ،بحيث ل تتأثر مصلحة الصغار ،بأيّ شقاق ،أو خلف
183
من هو الحق بالحضانة ؟
إذا فارق الرجل زوجته ،وكان له منها ولد ،ذكر أو أنثى ،وكان دون سن التمييز ،
2ـ لنها ألين بحضانة الطفال ،ورعايتهم ،وأقدر على بذل ما يحتاجون إليه من العاطفة
والحنو.
والدليل على أن الحضانة من حق الُم ،وأن حقها مقدّم على حق الب في ذلك :ما
:أن رواه أبو داود ( الطلق ،باب :مَن أحقّ بالولد ،رقم )2276 :عن عبدال بن عمرو
،جاءته امرأة ،فقالت :يا رسول ال ،إن ابني هذا ،كان بطني له وعاءً ، رسول ال
وثديي له سقاءً ،وحجري له حواءً ،وإن أباه طلّقني ،وأراد أن ينزعه منّي ،فقال لها رسول
184
إذا لم توجد أم الطفل ،أو وجدت ،ولكنها رفضت أن تحضنه ،كان الحق في الحضانة
لمن بعد الُم ،وكانت الفضلية لم الم .والمقصود بها :جدّة تدلي إلى الطفل بأنثى ،تقدّم
ثم للخت الشقيقة .ثم للخت من الب .ثم للخت من الم .
والحكمة في هذا التقديم للناث في حق الحضانة هي ما قلناه في الُم ،فإن الناث غالبا
ما يكن ألين بحضانة الطفال ،ورعايتهم ،وأصبر على مشاكلهم ،وأقدر على بذل ما
قلنا إن حق النساء في الحضانة مقدّم ،لنهن أليق بها ،ولكن إذا لم يكن هناك امرأة
قريبة للطفل ،أو كانت ،وأبت أن تحضنه ،فهل ينتقل هذا الحق إلى الرجال ؟ نعم ينتقل حق
الحضانة إلى الرجال ،فيقدّم منهم المحرم الوارث ،على ترتيب الرث ،إل الجد فإنه يقدّم
على الخوة ،ثم الوارث غير المحرم ،على ترتيب الرث أيضا .فيقدم :
185
ثم الخ الشقيق ،ثم الخ لب ،ثم ابن الخ الشقيق ،فابن الخ لب ،ثم العمّ الشقيق ،
ثم العم لب .ثم ابن العم الشقيق ،ثم ابن العم لب .
وإنما قدّم القرب فالقرب في حق الحضانة ،لن القرب أوفر شفقة على الغالب من
البعد ،وأكثر حرصا على حق الرعاية ،وحُسن التربية ؛ ومصلحة الصغار .
إذا اجتمع ذكور وإناث من أقارب الطفل ،وتنازعوا في الحضانة ،قدّمت :
الم ،لحديث أبي داود السابق ،ولنها ـ كما قلنا ـ أوفرهم شفقة على الطفل .
ثم أُمهات الم ،المدليات بإناث ،كما ذكرنا ،لنهنّ في معنى الم في الشفقة ،
فإذا استووا في القرب ،وكانوا ذكورا وإناثا :كإخوة أشقاء وأخوات شقيقات ،قدّم
الناث على الذكور ،لما قلنا ،من أن الحضانة بهنّ أليق ،وهنّ لها أفضل .
وإن كانوا ذكورا فقط ،أو كنّ إناثا فقط ،وتنازعوا في الحضانة ،أقرع بينهم ،فأيّهم
186
إلى متى تستمر الحضانة للطفل :
تستمر فترة الحضانة شرعا إلى أن تتكامل في الطفل التمييز ،والمقصود بالتمييز أن
يستقل الطفل بشؤونه الخاصة ،دون الحاجة إلى معونة أحد .
والمراد بشؤونه الخاصة :تناول الطعام والشراب ،وقضاء الحاجة ،والتنزّه من
الدران ،والقيام بأعمال الطهارة ،من وضوء ونحوه .وقد حدّد سن التمييز بسبع سنين ،إذ
يتكامل التمييز عنده غالبا .فإذا أتمّ الطفل السابعة من عمره ،وكان مميزا ،فإن مدّة الحضانة
فإذا أتمّ الطفل ،سن السابعة ،وكان مميزا ،فإنه يخيّر إذ ذاك بين أبويه ،فأيّهما اختار
ودليل ذلك :ما رواه الترمذي ( الحكام ،باب :ما جاء في تخيير الغلم بين أبويه إذا
خير غلما بين أبيه وأمه . :أن النبي اقترفا ،رقم )1357عن أبي هريرة
وفي رواية عند أبي داود ( الطلق ،باب :مَن أحق بالولد ،رقم )2277 :وغيره :أن امرأة
جاءت ،فقالت :يا رسول ال ،إن زوجي يريد أن يذهب بابني ،وقد سقاني من بئر أبي
" :استهما عليه " فقال زوجها :من يحاقني في ولدي ، عنبة ،وقد نفعني .فقال رسول ال
" هذا أبوك ،وهذه أُمك ،فخذ بيد أيّهما شئت " فأخذ بيد أُمه ،فانطلقت به . فقال النبي
187
[ بئر أبي عنبة :بئر معين ،والظاهر أنه كان في مكان بعيد .وهي تغني :أن ولدها
قد كبر ،وأصبح يستطيع القيام بما ينفعها ،بعد أن قامت بتربيته ،حيث كان صغيرا ،ل
ثم إن اختار المميز أباه ،ففقد الب ،أو سقطت أهليته ،نزل الجد منزلته ،وإن عل ،
ومثله الخ والعم ،ومثلهما ابن العم عند فَقْد الخ والعم ،على الترتيب الذي ذكرناه سابقا .
إل أن تكون فتاة مُشتهاة ،أو في سن المراهقة ،فل يجوز بقاؤها في كفالة ابن عمّها ،
فإن لم يكن غيره ،وجي أن تكون عند امرأة موثوقة يعينها ابن العم .
علمنا سبب تقديم حق الم في الحضانة على الب ،كما علمنا السبب في انتهاء مدة
الحضانة بتكامل التمييز عند الطفل ،أو الطفلة ،وذلك ،لن فترة ما قبل التمييز عند الطفل ،
أو الطفلة ،وذلك ،لن فترة ما قبل التمييز ،ل يستغني فيها الصغير عن رعاية الم ،ول
غير أن الكفالة ،إنما هي رعاية عامة ،قد يستوي في القدرة عليها كلّ من الب والم ،
وذلك بسبب قدرة الطفل على أن يستقل بالكثير من شؤونه ،وبسبب توفر الطاقة العقلية عنده
فناسب بعد هذا كله ،أن يعطى الطفل الخيار بين أبويه ،أو مَن يقوم مقامهما ،
188
شروط الحضانة :
فل حضانة لمجنون ،أو مجنونة ،ولو كان جنونا متقطعا ،لن الحضانة ولية ،وليس
المجنون من أهل الولية ،إذ يتأتى منه الحفظ والرعاية ،بل هو نفسه محتاج إلى الرعاية
والحفظ .
وذلك إذا كان المحضون مسلما ،ولو حكما ،بأن كان أحد أبويه مسلما ،فإنه يتبع
فل تجوز حضانة الكافر للمسلم ،ذلك لن الحضانة ،ولية ـ كما قلنا ـ ول
ولن الكافر ،ربما يفتن الصغير عن دينه ،بشتى الوسائل والساليب .
لكن إذا كان المحضون كافرا ،كان لكلّ من المسلم والكافر حضانته .
والمراد بالعفة والمانة :أن ل يكون الحاضن فاسقا ،إذ الفاسق ل يلي ،ول يؤتمن
189
ثم إن العدالة تثبت بالظاهر المشاهد ،ول يشترط لثبوتها شهادة وبيّنات ،إل إذا وقع
نزاع في أهلية الحاضن ،وعدالته ،فل بدّ عندئذ من ثبوت عدالته عند القاضي بناءً على الدلة
والبيّنات .
وذلك بأن يكون صاحب الحق في الحضانة مقيما في بلد الطفل .
فلو سافرت الم ـ وهي صاحبة الحق في حضانة طفلها ـ سفر حاجة :
كحج ،وتجارة ونزهة ونحوها ،لم تمكن من أخذ الطفل معها ،وكان المقيم عنده أولى منها
إلى أن تعود من السفر ،فيسلّم الولد إلى جدته إلى أن تعود الم .
أما السفر الذي يكون انتقالً إلى بلدة أخرى ،بدون قصد العودة ،فإنه ل يستوجب
سقوط حق الحضانة ،إذا كان الطريق آمنا ،وكانت البلدة التي تقصد الحاضن الستيطان فيها
فإذا اضطر كل من البوين إلى السفر لحاجة ،بقي حق الُم ،ولم يعد السفر
فإذا تزوجت الم سقط حقها في الحضانة ،وإن لم يدخل بها الزوج بعد ،أو رضي
والدليل على ذلك من السنة :فما رواه أبو داود ( ) 2276وذكرناه سابقا " أنت أحقّ به
190
والدليل من المعقول على سقوط حق الم في الحضانة إذا تزوجت ،هو أن الم إذا
تزوجت شغلت عن ولدها بحق الزوج ،فل توجد ضمانة لرعاية شأن الطفل ،والنظر في أمره
الحالة الولى :أن يتراضى والد الطفل مع زوج الم أن يبقى الولد عند أمه ،فإن ذلك
الحالة الثانية :أن يكون زوج الُم الجديد قريبا للطفل ،ممّن له حق حضانته ،وإن
كانت درجته بعيدة ،فإن الم في حضانة ولدها ل يسقط حينئذ إذا رضي زوجها بحضانته .
ذلك لن له حقا في رعايته ،ولن له من الشفقة عليه ما يحمله على التعاون مع
فلو كانت الُم تعاني من مرض عضال :كالسل ،والفالج ،أو كانت عمياء ،أو
صّماء ،لم يكن لها حق في حضانته ،لن من شأنها ما يشغلها عن القيام بحق الطفل .
إذا فُقِدَ شرط من هذه الشروط الستة التي ذكرناها لستحقاق الحضانة ،سقط حق
الحاضنة ،وانتقل هذا الحق من يليها ،مَن جدة ،ثم أخت ،ثم خالة ،وهكذا .
الثلثة التالية
191
المر الول :إقرار الحاضنة :
فإذا أقرّت الم بأنها متزوجة ،أو أنها تعاني من مرض عضال دائم العلّة ،سقط حقها
إذا ادّعى المعارض في الحضانة :أن الحاضنة فقدت شرطا من شروط الحضانة ،
وكانت دعواه تلك مصحوبة بالبيّنات المعتمدة ،فإن حقها في الحضانة يسقط عندئذ .
تحقيق القاضي ،أو الحاكم ،وذلك عندما يرتاب ويشكّ في توفر الشروط عند
الحاضنة ،فإذا ثبت لديه بموجب تحرياته فقدان شرط من شروط الحضانة ،فإنه يسقط
192
الرّضاع ،والرّضاعة ـ بفتح الراء ويجوز كسرها فيهما ـ معناه في اللغة :اسم لمصّ
والرضاع شرعا :اسم لحصول لبن امرأة ،أو ما حصل منه في معدة طفل ،أو دماغه
إرضاع الولد من غير أُمه التي ولدته جائز شرعا ،ولقد كان أمرا معروفا قبل السلم .
ولما جاء في السلم أقرّه ولم يحرمه ،لما فيه أحيانا من المصلحة ،والحاجة الملجئة ؛ كأن
تموت أُم الطفل ،مثلً ،أو يكون بها علّة تمنعها الرضاع ،فل بدّ والحالة هذه من امرأة
خرَى
س ُت ْرضِعُ لَهُ أُ ْ
س ْرتُمْ فَ َ
ويستدل على جواز الرضاع بقول ال عز وجل َ :وإِن َتعَا َ
[ الطلق . ] 6 :
تعاسرتم :اختلفتم في إرضاع الولد ،فسترضع الولد امرأة أخرى غير أمه .
. ]233:
193
إن قلت :الرضاع واجب على الم ،كان معنى ذلك ،أنها ملزمة بإرضاع طفلها ،
سواء رضيت بذلك ،أو لم ترضَ ،مادامت قادرة على الرضاع ،غير معذورة بأيّ سبب
شرعي .وإن قلت :الرضاع حق للم ،كان معنى ذلك المر عائد إلى اختيارها .
فإن رغبت في الرضاع لم يكن للزوج ،ول لغيره أن يصدّها عن حقها .
أما إن لم ترغب في إرضاعه ،فإن الزوج يصبح عندئذ ملزما بتدبر مُرضعة أخرى
لطفله .
إذا عرفت الفرق بين الواجب عليها ،والحق لها ،فما هي علقة الُم بإرضاع ولدها ؟.
المفتي به في مذهب المام الشافعي رحمة ال تعالى :أن الرضاع حق للم ،تطالب به
فل تلزم به إل إذا لم يوجد مَن يقوم مقامها ،فيصبح الرضاع واجبا عليها للضرورة .
ودليل كون الرضاع حقا للم ،وليس واجبا عليها :قول ال عز وجل :وَا ْلوَالِدَاتُ
[ البقرة ]233 : :مع قوله ح ْوَليْنِ كَا ِمَليْنِ ِلمَنْ َأرَادَ أَن ُيتِ ّم ال ّرضَاعَةَ
ُي ْرضِعْنَ َأوْلَدَهُنّ َ
ضعْنَ َلكُمْ
فَإِنْ َأ ْر َ .وقوله جلّ جلله : خرَى
س ُت ْرضِعُ لَهُ أُ ْ
س ْرتُمْ فَ َ
َوإِن َتعَا َ سبحانه تعالى :
194
وبيان وجه الدليل في هذه اليات على أن الرضاع حق للم وليس واجبا عليها :أن ال
ولو قال سبحانه وتعالى :وعلى الوالدات إرضاع أولدهنّ :لسقط الحتمال الثاني ،
خرَى
س ُت ْرضِعُ لَهُ أُ ْ
س ْرتُمْ فَ َ
َوإِن َتعَا َ وتعين الحتمال الول .فلما قرأنا قول ال عز وجل
ترجح المعنى الثاني في الية الولى ،وهو كان الرضاع حقا لها .إذ لو كان واجبا عليها ،لما
المعنى الثاني للية رجحانا ،بل تعين ذلك المعنى ،لن الرضاع لو كان واجبا على الم ،لما
استحقّت عليه أجرا ،إذ ل أجر على واجب ،فلما أمر سبحانه وتعالى بإعطائهنّ الجر على
الرضاع إن طلبنه ،دلّ ذلك على أنهنّ مخيّرات في الرضاع ،ل مجبرات عليه .
والخلصة :
أن الرضاع حق للم تجاب إليها ،إن طالبت به .وليس واجبا عليها ،فل تلزم به إن
لعلك أدركت مما أوضحنا ،المور التي تترتب على كون الرضاع مجرد حق للم ،
195
وهذه المور ،تتلخص فيما يلي :
أولً :ل يجوز للزوج إجبار زوجته على إرضاع طفلها ،فإن أجبرها ،فلم تستجب لجباره
يستثنى من ذلك ،ما لو لم يكن ثَمة من يصلح لرضاع الطفل غيرها .فإن الضرورة
عندئذ تقضي بقسرها على الرضاع ،وهي المحافظة على حياة الطفل .
ثانيا :
يجب على الزوج أن يعطي زوجته الجر حسب العُرف ،على ما تقوم من إرضاع
فإن لم تطالب بالجر ـ كما هو السائد في أعراف الناس اليوم ـ لم يلزم الزوج بدفع
الجر ،وسقط حقها في المطالبة ،إن كانت تبرعت به وأظهرت له عدم الرغبة فيه .
إذا أرضعت المرأة طفلً أجنبيا عنها ،صار الطفل ابنها بالرضاع ،وصار زوجها
صاحب اللبن أبا لذلك الطفل ،وترتب على هذا الرضاع المور التالية :
أولً :يحرم على الرضيع التزوج ممّن أرضعته ،ومن كل أنسبائها اللئي يحرم عليه
196
-وبنات أولد مرضعته ،ذُكورا كانوا أو إناثا ،لنهنّ بنات إخوته ،أو بنات أخواته من
الرضاعة .
وكذلك يحرم على هذا الرضيع التزويج من هؤلء أنفسهم ،إذا كانوا أنسباء والده من
-وبنت والده من الرضاعة ،ولو من زوجة أخرى ،لنها أُخت هذا الرضيع .
-وبنات أولد أبيه من الرضاعة ،ذكورا كانوا أم إناثا ،لنهنّ بنات أخوة الرضيع أو
ثانيا :يحرم على المرضع ،وعلى هؤلء النسباء للمرضع جميعا التزويج من الرضيع ،كما
نسب ،كان هؤلء النسباء محرّمات عليه فكذلك أُمومة الرضاع .
فكما ل يتزوج الرضيع من بنت مرضعته ،لنها أخته من الرضاع ،فكذلك ل يتزوج
ابن الرضيع منها لنها عمّته من الرضاعة .وهكذا إلى آخرة .
ثالثا :يجوز للمرضع ،وأنسبائها اللئي عدّدنا أسماءهنّ التزوج من حواشي الرضيع :
كأخيه ،ومن أصوله ،كأبيه ،وكعمّه ،لنهم أجانب عن المرضع وأنسبائها .
197
الدليل على حرمة الرضاع :
الرّضَاعَةِ
[ النساء ] 23 :
:فيما رواه البخاري ( ) 2553ومسلم ( ) 4144عن عائشة وأما السنّة :فقول النبي
" :إن الرضاعة تُحرّم ما يَحرُم من الولدة ". رضي ال عنها :قال رسول ال
وفي رواية عند البخاري ( الشهادات ،باب :الشهادة على النساب … ،رقم ) 2502 :
ومسلم ( الرضاع ،باب :تحريم ابنة الخ من الرضاعة ،رقم ) 1447 :عن ابن عباس
في بنت حمزة رضي ال عنه " :ل تحلّ لي ،يحرم من رضي ال عنهما قال :قال النبي
فقد دلّت الية على أن المرضع تصبح بسبب الرضاعة ُأمّا للرضيع ،وأن ابنتها ،تصبح
أُختا له .
وأما الحديثان فقد أوضحنا النتائج المترتبة على ذلك ،وهي :أن أُمومة الرضاع بمنزلة
فكلّ مَن تحرم على الولد من أقارب أمه وأخته نسبيا ،تحرم عليه من أقارب أمه أو
198
شروط الرضاع المحّرم :
ل يعتبر الرضاع موجبا للقرابة ،ومحرما للزواج ،إل إذا يؤثر فيه الشرطان التاليان :
الشرط الول :أن يكون الرضيع لم يتم سنتين من عمره عند الرضاع .فإن أرضعته بعد أن
تجاوز الستين من العمر ،لم يُؤثر هذا الرضاع في التحريم ،ولم يُفد في القرابة شيئا .
[ لقمان : وَ ِفصَالُهُ فِي عَا َميْنِ [ البقرة . ] 233 :وقول ال عزّ وجلّ : أَن ُيتِ ّم الرّضَاعَةَ
. ] 14
ويستدل لذلك من السنّة أيضا :بما رواه الدارقطني ( الرضاع )4/174قال رسول ال
وروى الترمذي ( الرضاع ،باب :ما جاء [ ما ذكر ] أن الرضاعة ل تحرم إل في
":ل يُحرّم الصغر … ،.رقم )1152 :عن أم سلمة رضي ال عنها قالت :قال رسول ال
فتق المعاء :شقها وسلك فيها .في الثدي :في الثدي ،في زمن الرضاع ،قبل الفطام
[ لقمان ] 14: وَ ِفصَالُهُ فِي عَا َميْنِ .والفطام يكون في تمام الحولين ،كما في قوله تعالى :
وروى البخاري ( النكاح ،باب :مَن قال ل رضـاع بعـد حوليـن … ،.رقم
، )4814 :ومسـلم ( الرضاع ،باب :إن الرضاعة من المجاعة ،رقم )1455 :عـن
199
دخل عليها وعندها رجل ،فكأنه تغير وجهه ،كأنه كره عائشة رضي ال عنها :أن النبي
ذلك ،فقالت :أنه أخي ،فقال ( :انظرن من إ خوانكن ،إنما الراضعة من المجاعة ) .
أي تحرم الرضاعة إذا كانت في الزمن الذي يجوع فيه الطفل لفقدها ،ويشبع بها ،وهذا
وتعتبر الرضاعة منفصلة ،أو غير منفصلة عن الخرى بالعُرف .فلو قطع الطفل
الرضاع إعراضا وشبعا ،كان ذلك رضعة مستقلة ،ولو قطعه للهو ،مثلً ،وعاد في الحال ،
أو تحول من ثدي إلى ثدي ،عُ ّد ذلك رضعة واحدة .
دليل هذا الحكم :والدليل على ذلك :ما رواه مسلم ( الرضاع ،باب :التحريم بخمس
رضـعات ،رقم )1452 :عن عائشة رضي ال عنها :كان فيما نزل من القرآن :عشر
وهنّ فيما يقرأ رضعات معلومات يحرمن .ثم نسخن بخمس معلومات ،فتوفي رسول ال
،وبعض الناس مازال يتلوها قرآنا أي إن نسخها كان متأخرا ،حتى إنه توفي
وروى مسلم ( الرضاع ،باب :في المصّة والمصّتان ،رقم )1451 :عن أم الفضل
قال " :ل تحرم الرضعة أو الرضعتان ،أو المصّة أو رضي ال عنها :أن نبي ال
المصّتان ".
200
ما يترتب على قرابة الرضاع من أحكام :
فإذا نشأت قرابة الرضاع بين طرفين ،كان لهذه القرابة من التأثير على حرمة النكاح
علَت
مثل ما لقرابة النسب ،ويتفرع عنها كل ما يتفرع عن قرابة النسب من الثار .فأُمك وإن َ
،وبنتك وإن سَفلت ،وأُختك لبويك ،أو لحدهما ،وعمتك وإن بعدت ،وبنت الخ لبوين ،
أو لحدهما ،وبنت الخت لبوين ،أو لحدهما ،محرّمات عليك بسبب هذه القرابة التي
فإن تولدت هذه القرابات عن طريق الرضاع ،ترتب عليها أيضا التحريم دون أيّ فرق
بينهما .
وتتفرع عن قرابة النسب حُرمة المصاهرة ،كما هو معلوم .فأم الزوجة نسبا تحرم
وكذلك بنت الزوجة نسبا ،وزوجة الب نسبا ،وزوجة البن نسبا .
كلهنّ يحرمن على الزوج في المثال الول ،وعلى البن في المثال الثاني ،وعلى الب
201
فإذا نشأت هذه القرابات نفسها من رضاع ،أورثت الحكم ذاته ،بالنسبة
للمصاهرة .
والسبب المصاهرة التي ترتبت على قرابة الرضاع .واعلم أن دليل ذلك كله :هو
فبيان ذلك :أن كل ما يحّل بينك وبين قريبة لك نسبا ممّن مضى ذكرهم ،يحلّ بينك
وبين مَن بينك وبينها رضاعة :فيحلّ بينهما النظر ،كما يحلّ ذلك بين الخ والخت من النسب
،وتحلّ بينهما الخلوة المحّرمة بين الجنبيين ،ويحلّ لها أن تسافر معه فوق ثلث ليالٍ .
غير أن هذا الحكم ل يسوغ نظر القريب رضاعة إليها بشهوة ،أو نظرها إليه كذلك .
ولذلك فقد كره متأخرو الفقهاء إرضاع المرأة لغير طفلها بدون ضرورة وحاجة .
202
كما أنهم كرهوا اختلط الذكور والناث الذي جمعتهم قرابة الرضاع ،وذلك بسبب ما
قد يتوصل به إلى شرور ومحّرمات مختلفة ،لضعف الوازع الديني ،ولعدم وجود الوازع
كالرث ،والنكاح حلّ وحرمة ،والولية ،والوصية ،وغير ذلك .من أجل ذلك كان
لبدّ من بيان الدلئل التي يثبت بها النسب ،وضبطها بما ل يدع مجالً لريبة ،أو اضطراب
في طريق إثباتها .فكيف يثبت النسب بين شخصين ثبوتا ِشرعيا ،تترتب بموجبه الحكام
الول :الشهادة :ويشترط في الشهادة رجلن ممّن توافرت فيهم شروط صحة الشهادة تحملً
وأداء ،وقد مّرت هذه الشروط في النكاح ،فل يثبت النسب بشهادة النساء ،ول بشهادة
رجل وامرأتين ،لن النسب فرع من النكاح ،والنكاح مما ل يطّلع عليه في الغالب إل
الثاني :القرار :وذلك بأن يقرّ الرجل أنه والد زيد مثلً ،أو أن يقرّ زيد بأنه ابن ذلك الرجل
203
وإنما يعتبر هذا الكلم من كلّ منهما ،ويعُدّ إقرارا ،إذا توفرت في الشروط التالية :
1ـ أن ل يكذب هذا القرار الحسنَُ ،وذلك بأن يكونا في سن يمكن أن يكون هذا البن من
فلو كان في سن ل يتصور أن يكون منه ،كأن كان مساويا له في السن لم يصحّ هذا
2ـ أن ل يكذب هذا القرار الشرعُ .وتكذيب الشرع له :أن الولد المستلحق بالقرار معروف
النسب من غير المقّر ،لن النسب الثابت من شخص ل ينقل إلى غيره بالقرار ،سواء
4ـ أن ل يجّر المقر بهذا القرار نفعا إلى نفسه ،أو يدفع عنها به ضررا ،فإن استلزم واحدا
منهما ،لم يُعد يسمى كلمه إقرارا ،بل هو ادّعاء ،ول يقبل الدعاء إل إذا ثبت ببينه
أن يقول عن شاب مات عن ثروة من المال :إنه ابني ،فل يقبل كلمه ،ول يعتبر
إقرارا ،ول شهادة ،لن القرار من شأنه أن يجرّ َمغْرما ،أو مسؤولية على المقرّ .
ولن الشهادة إنما تعتبر حيث ل تستلزم نفعا للشاهد ،ول تدفع عنه ضررا .
أنه ل تجوز شهادة الظّنين . ودليل ذلك ما جاء عن رسول ال
204
الترمذي ( الشهادات ،باب :ما جاء فيمن ل تجوز شهادته ،رقم . )2299 :
والظنّين :المتهم .والجارّ إلى نفسه نفعا ،والدافع عنها ضررا متهمان .
وإنما يدخل هذا الكلم عندئذ في الّدعاء ،والّدعاء ل يقبل إل إذا عزّرته البيّنة المعتبرة
شرعا .
الثالث :الستفاضة :وصورة الستفاضة :أن ينتسب الشخص إلى رجل ،أو قبيلة ،والناس
في تلك البلدة ينسبونه إلى ذلك الشخص ،أو تلك القبيلة ،دون وجود مخالف ،ودون أن يُحدّ
فهذه الستفاضة تنزل منزلة الشهادة الصحيحة ،وتعتبر دليلً شرعيا على صحة المر .
بشرط أن يكون الناس ـ الذين استفاض عنهم وبينهم ذلك ـ قد بلغوا من الكثرة مبلغا ،
والسبب في تنزيل الستفاضة في ثبوت النسب منزلة الشهادة الصحيحة :أن النسب من
إلى قبائلهم ،وأجدادهم ، وقد كان الصحابة رضي ال عنهم ينتسبون عند رسول ال
ـ يطالبهم بالشهود الذي يثبتون النكاح رؤية بالعين .بل كان يكتفي فما كان ـ
باستفاضة الخير بين الناس ،دون وجود مخالف .وكانت الحكام تبنى على ذلك .
205
لقد علمت سابقا أن الرضاعة لها حكم النسب في التحريم .فكذلك لها حكم النسب في
غير أن شهود الرضاعة ،ل يشترط فيهم أن يكونوا ذكورا ،كشهود النسب .
بل تجوز في الرضاع شهادة النساء فقط ،لن الرضاعة مما يغلب أن تطلع عليها النساء
إذا عرفت ما تقدم ،فاعلم أن هناك أحكاما كثيرة تترتب على ثبوت النسب بين شخصين
خامسا :الوصية وأحكامها من صحة وبطلن ،فإن كثيرا من أسباب ذلك إنما يعود إلى
النسب ،وإلى معرفة :هل الموصى له وارث ،أو غير موروث .
206
هذا عرض مختصر لهم الحكام المترتبة على ثبوت النسب .ومثل النسب في بعض
أما مجال تفصيل هذه الحكام ،فإن لكلّ منا بابا خاصا به ،بعض هذه البواب قد مرّ
ذكرها ،وبعضها يأتي بحثه إن شاء ال تعالى ،وإننا نحيل إليه تفصيل القول في ذلك ،وال
م الل ّ ِ َ
قيط . حكَا ُ عا :أ ْ
ساب ً
َ
قي ُ
ط الل ّ ِ
تعريف اللقيط :
اللقيط :على وزن فعيل ،بمعنى مفعول :كقتيل بمعنى مقتول .
واللقيط ،والملقوط ،والمنبوذ :أسماء تطلق على الطفل الموجود مطروحا في شارع
الصل في التقاطه وأخذه ،وتشريع أحكامه دلئل عامة كثيرة في القرآن والسنة :
وأما السنّة :فما رواه مسلم ( ال ِذكْر والدعاء والتوبة ،باب :فضل الجتماع على تلوة
" :من نفّس عن قال :قال رسول ال القرآن ،..رقم ) 2699 :وغيره عن أبي هريرة
207
مؤمن كربة من كرب الدنيا ،نفّس ال عنه كربة من كرب يوم القيامة ،ومَن يسّر على معُسر
يسّر ال عليه في الدنيا والخرة ،ومَن ستر مسلما ،ستره ال في الدنيا والخرة ،وال في
وروى البخاري ( الدب ،باب :فضل مَن يعول يتيما ،رقم )5679 :عن سهل بن
":أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا " وأشار بإصبعيه :السبّابة قال :قال رسول ال سعد
وروى الترمذي ( البّر والصلة ،باب :ما جاء في رحمة الناس ،رقم ) 1923 :
":مَن ل يرحمِ الناس ل يرحمْه ال ". قال :قال رسول ال وغيره عن جرير بن عبدال
إذا وجد لقيط بقارعة الطريق ،ول كافل معلوم له ،فأخذه وتربيته وكفالته ،فرض على
فإذا أهمل ،وبقي في مكانه الذي وجد فيه ،أثم جميع أهل تلك البلدة ،أو المنطقة ،أو
وإذا التقطه أحدهم ،واهتم بتربيته ،والنظر في شأنه ،ارتفع الثم عن الجميع .
يكون بالعتداء اليجابي على حياتها ،فإنه يكون بمنع المسعفات عنها ،مع قدرته على ذلك .
208
ومَن وجد طفلً مطروحا في مكان ،وأخذه ليكفله ويربيّه ،وجب عليه أن يشهد على
التقاطه ،وأخذه ،حفاظا على حريته ،ونسبه ،ويجب الشهاد أيضا على ما معه من مال ،إن
كان ما ذكرنا سابقا هو حكم أخذ اللقيط ،وقد علمت أنه فرض كفاية على جميع
فإذا أخذ اللقيط واحد من الناس أيا كان ،فقد ارتفع بذلك الفرض الكفائي عن سائرهم .
إل أنه ل يجوز إبقاء اللقيط عند هذا الذي التقطه إل بشروط أربعة :
الشرط الول :السلم :فل يقّر اللقيط عند الكافر ،إل إذا كان اللقيط محكوما بكفره ،كأن
عرف بطريقة ما أن أبويه كافران ،فل مانع عندئذ من إبقائه عنده .
الشرط الثاني :العدالة :فل يجوز إبقاء اللقيط عند مَن عُرف بالفسق ،ويعطى لمن ثبتت عدالته
وأمانته .
الشرط الثالث :الرشد :فلو التقطه غير رشيد ،بأن كان دون سن الرشد ،انتزع منه .ومنه
السفيه الذي طرأ عليه السفه بعد الرشد ،إذا كان محجورا عليه ،فل يجوز إقرار اللقيط
عنده .
الشرط الرابع :القامة :فلو عزم الملتقط على السفر به إلى مكان ما ،وجب انتزاعه منه ،
209
وإنما يراعي هذه الشروط ،ويُبقى أو ينتزع اللقيط على أساسها القاضي أو الحاكم وليّ
له .
إذا أخذ أحد اللقيط ،وأُقر في يده ،لتوفر الشروط التي ذكرناها فيه ،فإنه ينظر
:
فإن وجد في حوزته مال ،اعتبر هذا المال ملكا له ،لنه صاحب اليد عليه ،ول يوجد
منازع فيه ،وأنفق عليه من ماله .وعندئذ ينفق الحاكم عليه من ذلك المال ،وذلك بأن يأذن
للملتقط الذي يرعى شأنه ،بأن يصرف منه على مصالحه ،واحتياجاته .فلو استقل الملتقط
بالنفاق على اللقيط من ذلك المال ،دون إذن للحاكم ،أو القاضي ،ضمن ذلك المال ،وكلّف
كما لو كان لليتيم وديعة عند الولي ،فصرف الوليّ الوديعة عليه بدون إذن
الحاكم ،فإنه يضمنها ،ويكلّف بإعادة مثلها ،أو قيمتها إلى حوزة اليتيم .
وإنما توقف صرف هذا المال على إذن الحاكم ،لن ولية المال ل تثبت لقريب ،غير
210
ي المطلق لكل مَن ل وليّ له ،كان هو المرجع في التصرفات
ولما كان الحاكم هو الول ّ
فإما أن ينفق هو عليه مباشرة ،أو يأذن بالنفاق منه للملتقط الذي استحق الولية عليه .
وإن لم يوجد في حوزة اللقيط مال ،فنفقة ،وجوبا في بيت مال المسلمين ،من سهم
وقد روي :أن عمر بن الخطاب رضي ال عنه استشار الصحابة في نفقة اللقيط ،
":من ترك مالً فلورثته ، ويدخل اللقيط ـ إذا لم يكن له مال ـ في عموم قول النبي
ومن ترك كل فإلي " .وفي رواية ":ومن ترك دينا أو ضياعا فليأتني ،فأنا موله ".
رواه البخاري ( الستقراض ،باب :الصلة على مَن ترك دينا ،رقم 2268 :ـ ، )2269
. ومسلم ( الفرائض ،باب :من ترك مالً فلورثته ،رقم ) 1619 :عن أبي هريرة
[ والمراد بالكل :العيال الفقراء .ضياعا :ضائعا ليس له شيء .فإلّي :أنا أعوله وأُنفق
عليه ] .
هذا ،ول يرجع الحاكم بهذه النفقة التي أنفقها على اللقيط من بيت مال المسلمين ،عند
كبر اللقيط وغناه ،لنه هذه النفق ل تُصرف عليه دينا ،بل استحقاقا ،كما ينفق الزوج على
211
حكم النفقة على اللقيط إذا لم يكن في بيت المال مال :
وإذا لم يكن في بيت مال المسلمين ما يكفي لنفقات اللقيط ،لكثرة اللقطاء مثلً ،أو
لوجود مصارف أهم من النفاق على اللقطاء ،وجب على الحاكم أن يستقرض من الغنياء ،
على ذمة الدولة ،ما يكفي لسدّ حاجات اللقيط ،ويسدّد القرض لصحابه عند اليسر .
لحظت من خلل الحكام التي ذكرناها ،أن الشّارع جلّ جلله ،يضع مسؤولية رعاية
والدولة آثمة أيضا ،إن هي أهملت النظر في أمره ،ولم تعوضّه عن رعاية الوالد ،
وحنان الم ،بالقدر الممكن ،ويفرض الدّين على الدولة أن تستقرض من أغنياء
هذا الترغيب في تربية اللقيط ،والهتمام به ل يسوّغ تبنّيه ،واختلقَ نسب بين اللقيط ،
أما الرعاية ،والعناية ،والتربية ،فكل ذلك واجب ،ومصدر ذلك الخوة السلمية ،
والرحم النساني .وأما التبني ،وهو ما نعبر عنه :باختلق النسب ،فمحرم باطل .لن
مصدر النسب ولدة أو نكاح ،وليس بين اللقيط ومن يريد أن يتبناه شيء من ذلك .
212
ولن البنّوة لها حق في الميراث ،وعليها واجب في ذلك ،ولها حق في النفاق ،
ولنها أساس في تحريم النكاح ،وحلّ النظر والخلوة والختلط .فإذا قيس التبني عليها
،وجاز اعتبار اللقيط ابنا لمن تبناه ،كان في ذلك ظلم لمن سيشركهم في ميراثهم ،وظلم له
ولورثته الحقيقيين عندما يتقاسم أقاربه المزيفون ميراثه من دونهم ،أو يشاركونهم فيه .
وكان في ذلك ظلم للخُلق والفضيلة عندما يفرض قانون الخوة بينه وبين من ليست أختا
له بحال ،أن يخالطها مخالطة الشقيق ،وهو أجنبي عنها ،ويمنع حقّه في الزواج منها ،وهي
من أجل ذلك كله حرّم ال تعالى التبنّي ،الذي هو اختلق نسب غير موجود ،ثم
وشرّع الدين ما يُعني عن التبنّي ,ويحقّق مصلحة اللقيط ،وهو مبدأ الرعاية
213
دليل حُرمة التبنّي :
جوْفِهِ
ل اللّهُ ِلرَجُلٍ مّن َق ْل َبيْنِ فِي َ
جعَ َ
مّا َ ويدّل على حُرمة التبنّي ،قول ال عزّ وجلّ :
سبِيلَ{ }4ادْعُوهُمْ لِآبَا ِئهِمْ ُهوَ أَقْسَطُ عِن َد اللّهِ فَإِن لّمْ َت ْعَلمُوا
بِأَ ْفوَا ِهكُمْ وَاللّهُ يَقُولُ الْحَقّ وَ ُهوَ َيهْدِي ال ّ
جنَاحٌ فِيمَا أَخْطَ ْأتُم بِهِ َوَلكِن مّا َت َعمّ َدتْ ُقلُو ُبكُمْ
عَل ْيكُمْ ُ
خوَا ُنكُمْ فِي الدّينِ َو َموَالِيكُمْ َوَليْسَ َ
آبَاءهُمْ َفإِ ْ
هذا ولقد عاد الناس أدراجهم إلى الجاهلية ،فنجد بعض أولئك الذين لم يولد لهم يذهبون
إلى دور اللقطاء ،فيختارون لقيطا يدعونه ولدا ،ويثبتون نسبه لهم في السجلت المدنية ،
الحلل ،إذ يخالفون صريح القرآن وصحيح السنّة في تحريم التبني ومنعه ،بل إن ما يفعله
هؤلء أشد مما كان يفعله أهل الجاهلية لن أولئك كانا يعلنون أن هذا متبنى وليس بولد
حقيقي ،بينما هؤلء الناس يطمسون الحقيقة ويدّعون أنه ولد حقيقي لهم ،وبهذا يُدخلون على ا
لسرة من ليس منها ،فيخالط هذا الدعي النساء الجنبيات في السرة المدعية على أنهنّ
محارم له ،ويمنع من الزواج منهنّ على أساس ذلك ،ينما هنّ حلل له ،وإنما يحرم عليه
214
وأيضا بسببه يُحرم من الميراث مستحقّه ،ويأخذ هو مال غيره بالباطل ،وما إلى ذلك
من مفاسد يقع فيا هؤلء الجهّال العصاة ،عن سوء قصد أو بدون قصد ،فيقعون في غضب
ال تعالى ،ويستحقون شديد عقابه يوم القيامة ،وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا .
وال تعالى المسؤول أن يسدّد خطانا لما فيه مرضاته ،والحمد ل ربّ العالمين .
*************
215
فهــــــــرس
الصفحــة
1 مقدمة --------------------------------------- :
41 أركان عقد النكاح والتعريف بكل ركن ،وبيان شروطه --------- .
216
97 العيوب التي يترتب عليها فسخ النكاح والثار المترتبة على ذلك ----- .
217
202 اللقيط --------------------------------------- .
218