You are on page 1of 218

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫المقدمـــة‬
‫الحمد ل ربّ العالمين ‪ ،‬حمدا يوافي نعمه ‪ ،‬ويكافئ مزيده ‪ ،‬سبحانك يا ربّنا ل نُحصي‬
‫ثناء عليك أنَت كما أثنيت على نفسك ‪.‬‬
‫صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك سيدنا محمد صلة تُرضيك وترضيه وترضى لها‬
‫عنا برحمتك يا أرحم الراحمين ‪.‬‬
‫ض الّلهَم عن أصحاب نبيّك الذين اخترتهم لحمل هذه الشريعة ‪ ،‬واصطفيتهم لتبليغ‬
‫وار َ‬
‫هذه الرسالة ‪ ،‬فكانوا لذلك أهلً ‪ ،‬وغدوا لمن بعدهم قدوة صالحة ‪ ،‬ونبراسا يُهتدى بنوره ‪،‬‬
‫ويُستضاء به ‪ .‬وارحم يا إلَهنا كل من سار على هداهم ‪ ،‬واستنّ بسنتهم ‪.‬‬

‫والتمسك بسنّته ‪،‬واحفظنا يا ربنا من الزلل ‪ ،‬والعلل ‪،‬‬ ‫الّلهَم وفّقنا للقتداء ‪ ،‬بنبيك‬
‫والرياء ‪ ،‬واجعل عملنا هذا خالصا لوجهك الكريم ‪ ،‬وأجُرنا عليه بما أنت له أهل ‪ ،‬برحمتك‬
‫وفضلك يا أرحم الراحمين ‪.‬‬
‫وبعد ‪ ،‬فهذا هو الجزء الرابع في سلسة ( الفقه المنهجي ) على مذهب المام الشافعي ‪،‬‬
‫أودعنا فيه ما يتعلق بأحكام الُسرة ‪.‬‬
‫وجعلناه سبعة أقسام ‪:‬‬
‫‪-1‬النكاح ‪ ،‬وما يتعلق به ‪.‬‬

‫‪-2‬الطلق وما يتعلق به ‪ ،‬وما يشبهه من ظهار وإيلء ولعان ‪.‬‬

‫‪-3‬النفقات وما يتعلق بها ‪.‬‬


‫‪-4‬الحضانة وأحكامها ‪.‬‬
‫‪-5‬الرضاع وأحكامه ‪.‬‬

‫‪ -7‬اللقيط وأحكامه ‪.‬‬ ‫‪-6‬النسب وأحكامه ‪.‬‬

‫وال نسأل أن نكون قد وُفّقنا للصواب ‪ ،‬وتقريب هذا التراث العظيم من الفقه‬
‫السلمي للقرّاء الكارم وعلى ال توكلنا ‪ ،‬وهو حسبنا و ِنعَم الوكيل ‪.‬‬
‫المؤلفــون‬

‫‪2‬‬
‫أول ً ‪ :‬النكاح وما يتعلق به وما يشبهه ‪.‬‬
‫تمهيد ‪:‬‬
‫معنى الحوال الشخصية ‪:‬‬
‫يقصد بالحوال الشخصية ‪ :‬الوضاع التي تكون بين النسان وأُسرته ‪ ،‬وما يترتب عليه‬
‫هذه الوضاع من آثار حقوقية ‪ ،‬والتزامات مادية أو أدبية ‪.‬‬
‫وإطلق هذا الصطلح على هذا المعنى إطلق حديث ‪ ،‬أُطلق في مقابلة الحوال‬
‫المدنية ‪ ،‬التي تنظّم علقات النسان بأفراد المجتمع خارج حدود الُسرة ‪.‬‬
‫أما الفقهاء قديما ‪ ،‬فلم يكونوا يطلقون هذا السم ( الحوال الشخصية ) على المبادئ‬
‫والحكام الشاملة للسرة ومتعلقاتها ‪ ،‬وإنما كانوا يطلقون على كل باب اسما خاصا ‪ :‬مثل ‪:‬‬
‫كتاب النكاح ‪ .‬كتاب الصداق ‪ .‬كتاب النفقات ‪ .‬كتاب الطلق ‪ .‬كتاب الفرائض ‪ .‬وهكذا ‪.‬‬

‫النكـــــاح‬
‫تعريف النكاح ‪:‬‬
‫‪3‬‬
‫النكاح لغة ‪ :‬الضم والجمع ‪ .‬يقال ‪ :‬تناكحت الشجار ‪ ،‬إذا تمايلت وانضم بعضها إلى‬
‫بعض ‪.‬‬
‫والنكاح شرعا ‪ :‬عقد يتضمن إباحة استمتاع كل من الزوجين بالخر على الوجه‬
‫المشروع ‪.‬‬
‫وسُمي بذلك لنه يجمع بين شخصين ‪ ،‬ويضمّ أحدهما إلى الخر ‪.‬‬
‫والعرب تستعمل لفظ النكاح بمعنى العقد ‪ ،‬وبمعنى الوطء والستمتاع ‪.‬‬
‫لكن النكاح حقيقة يطلق علي العقد ‪،‬ويستعمل مجازا في الوطء ‪.‬‬
‫وعامة استعمال القرآن للفظ النكاح إنما هو في العقد ‪ ،‬ل في الوطء ‪.‬‬
‫طلّ ْق ُتمُوهُنّ مِن َقبْلِ أَن‬
‫حتُمُ ا ْل ُم ْؤ ِمنَاتِ ثُمّ َ‬
‫يَا َأ ّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا إِذَا َنكَ ْ‬ ‫ومنه قوله تعالى ‪:‬‬

‫عَل ْيهِنّ مِنْ عِ ّدةٍ َت ْعتَدّونَهَا ‪ ( ..‬الحزاب ‪. ) 49 :‬‬


‫َتمَسّوهُنّ َفمَا َلكُمْ َ‬

‫طلّ ْق ُتمُوهُنّ مِن َقبْلِ أَن‬


‫ثُمّ َ‬ ‫عقدتم عليهن ‪ .‬بدليل قوله ‪:‬‬ ‫حتُمُ ا ْل ُم ْؤ ِمنَاتِ‬
‫َنكَ ْ‬ ‫ومعنى‬

‫فمعناه ‪ :‬طلقتموهن قبل المسيس وهو الوطء والدخول ‪.‬‬ ‫َتمَسّوهُنّ‬

‫مشروعية النكاح ‪:‬‬


‫لقد شرع السلم الزواج ‪ ،‬وضع له نظاما محكما يقوم على أقوى المبادئ وأضمنها‬
‫لصيانة المجتمع ‪ ،‬وسعادة السرة ‪ ،‬وانتشار الفضيلة ‪ ،‬وحفظ الخلق ‪ ،‬وبقاء النوع النساني ‪.‬‬
‫دليل مشروعية النكاح ‪:‬‬
‫ويستدل لمشروعية النكاح بالقرآن الكريم ‪ ،‬والسنّة النبوية ‪ ،‬وإجماع المة ‪.‬‬
‫أما القرآن ‪ :‬فآيات كثيرة منها ‪:‬‬

‫( النساء ‪) 4 :‬‬ ‫لثَ َو ُربَاعَ‬


‫فَانكِحُواْ مَا طَابَ َلكُم مّنَ النّسَاء َم ْثنَى َوثُ َ‬ ‫قوله تعالى ‪:‬‬

‫عبَا ِدكُمْ َوِإمَا ِئكُمْ … النور ‪32 :‬‬


‫َوأَنكِحُوا الَْأيَامَى مِنكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ ِ‬ ‫وقوله تعالى ‪:‬‬

‫اليامى ‪ :‬جمع أيّم ‪ ،‬وهو من ل زوج له من الرجال ‪ ،‬ومَن ل زوج لها من النساء ‪.‬‬
‫عبادكم ‪ :‬الرجال المملوكين ‪.‬‬
‫إمائكم ‪ :‬النساء المملوكات ‪.‬‬
‫وأما السنة ‪ :‬فأحاديث كثيرة أيضا ‪ ،‬منها ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪" :‬يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ‪ ،‬فإنه أغض للبصر‬ ‫قوله‬
‫وأحصن للفرج ‪،‬ومن ثم يستطع فعليه بالصوم ‪ ،‬فإنه له وجاءٌ " ‪.‬‬
‫رواه البخاري ( في كتاب النكـاح ‪ ،‬بـاب ‪ :‬الترغيب في النكـاح ‪ ،‬رقم ‪) 4779 :‬‬
‫ومســلم ( في النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬استحباب الترغيب في النكاح لمن تاقت نفسه إليه … ‪ ،‬رقم ‪:‬‬

‫‪.‬‬ ‫‪ ) 1400‬عن عبدال بن مسعود‬

‫الباءة ‪ :‬القدرة على الجماع بتوفر القدرة على مؤن الزواج ‪.‬‬
‫وجاء ‪ :‬قاطع لشهوة الجماع ‪.‬‬
‫وأما الجماع ‪ :‬فقد اتفقت كلمة العلماء في كل العصور على مشروعيه ‪.‬‬
‫الترغيب بالزواج ‪:‬‬
‫لقد رغب السلم في الزواج ‪ ،‬وحضّ عليه ‪ ،‬لما فيه من المصالح والفوائد ‪ ،‬التي تعود‬
‫على الفرد والمجتمع ‪.‬‬

‫‪ " :‬الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة " رواه مسلم في كتاب‬ ‫قال رسول ال‬

‫الرضاع ‪ ،‬باب ‪ :‬خير متاع الدنيا المرأة الصالحة ‪ ) 1467 ،‬عن عبدال بن عمرو رضي ال‬
‫عنهما ‪.‬‬
‫( متاع ‪ :‬شيء ينتفع به ويتمتع به إلى أمدٍ قليل ) ‪.‬‬
‫وروى الترمذي ( كتاب النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في فضل التزويج والحثّ عليه ‪ ،‬رقم ‪:‬‬

‫‪ ":‬أربع من سنن المرسلين ‪ :‬الحياءُ ‪،‬‬ ‫قال ‪ :‬قال رسول ال‬ ‫‪ ) 1080‬عن أبي أيوب‬
‫وال ّتعَطُر ‪ ،‬والسّواكُ ‪ ،‬والنكاح " ‪.‬‬

‫الحكمة من مشروعية النكاح ‪:‬‬


‫إن لتسريع الزواج حكما جمّة ‪ ،‬وفوائد كثيرة ‪ ،‬نذكر بعضا منها ‪:‬‬
‫‪-1‬الستجابة لنداء الفطرة التي فطر ال النسان عليها ‪:‬‬
‫فلقد خلق ال هذا النسان ‪ ،‬وغرز في كيانه الغريزة الجنسية ‪ ،‬وركّز فيه ذلك التطلّع‬
‫إلى المرأة ‪ ،‬والرغبة فيها ‪ ،‬كما جعل مثل ذلك في كيان المرأة وفطرتها ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫ولمّا كان السلم دين الفطرة يستجيب لها ‪ ،‬وينظّم مجراها ‪ ،‬شَرع الزواج تلبية لهذا‬
‫النداء العميق المستقر في أعماق هذا النسان وكيانه ‪ ،‬وجعل الزواج هو الطريق الوحيد الذي‬
‫يعبّر عن إشباع هذه الرغبة وإروائها ‪.‬‬
‫فلم يكبت السلم هذه الغريزة ‪ ،‬ويحطم كيان هذا النسان بتشريع الحرمان من الزواج ‪،‬‬
‫والدعوة إلى الرهبنة والتبتل ‪.‬‬
‫روى الترمذي ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في النهي عن التبتّل ‪ ،‬رقم ‪ ) 1082 :‬عن‬

‫نهى عن التبتّل ) ‪.‬‬ ‫‪ ( :‬أن النبي‬ ‫سمرة‬

‫والتبتّل ‪ :‬النقطاع عن النساء ‪ ،‬وترك الزواج انصرافا إلى العبادة ‪.‬‬


‫وروى مسلم ( النكاح باب ‪ :‬استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ‪ ، ..‬رقم ‪) 1402 :‬‬
‫والترمذي ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في النهي عن التبتل ‪،‬رقم ‪ ) 1083 :‬عن سعد بن أبي‬

‫على عثمان بن مظعون التبتّل ‪ ،‬ولو أذن له لختصينا ) ‪.‬‬ ‫قال ‪ ( :‬ردّ رسول ال‬ ‫وقاص‬

‫لكن السلم لم ُيلْق حبل هذه الغريزة على غاربها ‪ ،‬ولم يترك النسان حرا طليقا في إشباع‬
‫نهمه الجنسي ‪ ،‬بحيث يفسد نفسه وغيره ‪ ،‬ويضرّ بالخلق ‪ ،‬ويهدم البيوت والُسر ‪ ،‬ويفتح‬
‫الباب واسعا لغواية الشيطان ووساوسه ‪ .‬وإنما وقف الموقف المتوسط المعتدل ‪ ،‬فاستجاب لنداء‬
‫الفطرة ونظمها ‪ ،‬بحيث تؤدي دورها النافع البنّاء في إيجاد هذا النوع ‪ ،‬واستمرار بقائه ‪.‬‬
‫‪2‬ـ إمداد المجتمع السلمي بنسل صالح ‪ ،‬ونشء مهذب ‪:‬‬
‫لقد دعا السلم إلى كثره النَسْل ‪ ،‬وجعله من بين أهدافه ‪ ،‬في إنشاء المجتمع السلمي‬

‫‪ " :‬تزوّجوا الوَُلوَد الودود فإني مُكاثر بكـم المـم يـوم‬ ‫المُهيب المرهوب ‪ ،‬قال رسول ال‬
‫القيامـة " ‪ ( .‬أخرجه أبو داود في سننه ‪ :‬كتاب النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬النهي عن تزويج من لم يلد من‬
‫النساء ‪ ،‬رقم ‪. 2050 :‬‬
‫والنسائي في النكاح أيضا ‪ ،‬باب ‪ :‬كراهية تزويج العقيم ‪. ] 65 / 6 :‬‬
‫ولذلك دعا القرآن إلى الزواج ‪ ،‬ووجّه نظر الولياء إلى تزويج أبنائهم وبناتهم ‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫عبَا ِدكُمْ َوِإمَا ِئكُمْ إِن َيكُونُوا فُ َقرَاء‬
‫َوأَنكِحُوا الَْأيَامَى مِنكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ ِ‬ ‫قال تعالى ‪:‬‬

‫( النور ‪. ) 23 :‬‬ ‫ضلِهِ‬


‫ُي ْغ ِنهِمُ اللّهُ مِن َف ْ‬

‫وإمداد المجتمع بنشئ يولدون في ظلل أبوين حانيين عطوفين ‪ ،‬يعرفان كيف تُصاغ‬
‫عقول هذا النشئ ‪ ،‬وكيف تُربى مواهبه ‪ ،‬أفضل النزوات المحّرمة الطائشة من السفاح‬
‫والزنى ‪ ،‬فهؤلء ل يعرفون أبا يرعاهم ‪ ،‬ول ُأمَا تحنو عليهم ‪ ،‬فينشؤون وفي أنفسهم عقد‬
‫الكراهية والحقد على أمتهم ومجتمعهم ‪ ،‬وعلى الناس جميعا ‪.‬‬
‫‪3‬ـ إيجاد السكن النفسي والستقرار الروحي ‪:‬‬
‫وفي هذا الزواج الشرعي الشريف تحصل هذه الطمأنينة ‪ ،‬و السكينة والهدوء النفسي ‪.‬‬
‫جعَلَ َب ْي َنكُم ّموَ ّدةً‬
‫س ُكنُوا ِإَل ْيهَا وَ َ‬
‫سكُمْ َأ ْزوَاجا ّلتَ ْ‬
‫خلَقَ َلكُم مّنْ أَنفُ ِ‬
‫َومِنْ آيَاتِهِ أَنْ َ‬ ‫قال تعالى ‪:‬‬

‫( الروم ‪. ) 21 :‬‬ ‫حمَةً إِنّ فِي َذِلكَ لَآيَاتٍ لّ َقوْمٍ َيتَ َف ّكرُونَ‬
‫َورَ ْ‬

‫وانظر إلى التعبير القرآني ما أروعه في إبراز معنى الحاجة للزواج ‪ ،‬وحصول الستر‬
‫والسعادة والستقرار فيه ‪.‬‬

‫( البقرة ‪. ) 117 :‬‬ ‫هُنّ ِلبَاسٌ ّلكُمْ َوأَنتُمْ ِلبَاسٌ ّلهُنّ‬ ‫قال تعالى ‪:‬‬

‫فالية شبهت كل من الزوجين باللباس للخر ‪ ،‬لن كلً منهما يستر الخر‪.‬‬
‫فحاجة كلّ من الزوجين للخر كحاجته إلى اللباس ‪ ،‬فإذا كان اللباس يستر معايب الجسد‬
‫‪ ،‬وبقية عاديات الذى ‪ ،‬فإن كلً من الزوجين يحفظ على صاحبه شرفه ‪ ،‬ويصون عرضه ‪،‬‬
‫ويوفّر له راحته وأُنسه ‪.‬‬
‫‪4‬ـ الحفاظ على الخلق من الهبوط والنهيار ‪:‬‬
‫فالنسان إذا منع من الزواج المشروع تاقت نفسه إلى تحصيل حاجته من الطريق‬
‫الممنوع ‪ ،‬ول يخفى على عاقل ما في السفاح والزنى من فساد الخلق ‪ ،‬وخراب الُسر ‪،‬‬
‫وهتك العراض ‪ ،‬وانتشار المراض ‪ ،‬وقلق النفوس والرواح ‪.‬‬

‫‪ " :‬إذا جاءكم من‬ ‫وللمحافظة على الخلق ‪ ،‬وللوقاية من الفساد قال رسول ال‬
‫خلُقَه فأنْكحُوه ‪ ،‬إلّ تفعلوا تكن فتنة في الرض وفَسَادُ " رواه الترمذي ( في‬
‫َت ْرضَوْنَ دينَه و ُ‬

‫‪7‬‬
‫النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء إذا جاءكم من ترضون دينه فزوجوه ‪ ،‬رقم ‪ ) 1085 :‬عن أبي حاتم‬

‫‪.‬‬ ‫المزني‬

‫‪8‬‬
‫‪5‬ـ المحافظة على النوع البشري سويا سليما ‪:‬‬
‫لقد جرت عادة ال سبحانه وتعالى أن ل يكون إنسان إل من أبوين ‪ :‬رجل و امرأة ‪ ،‬فإذا‬
‫علمنا أن السلم قد حرّم اقتران رجل بامرأة إل على أساس زواج شرعي ‪ ،‬فإن ذلك يعنى أن‬
‫ا لسلم قد حصر حفظ النوع البشري بالزواج ‪ ،‬فلو حرم الزواج لنقرض البشر ‪ ،‬ولو أباح‬
‫السفاح لكان هذا البشر شقيّا مريضا ‪ ،‬وال سبحانه وتعالى يريد بعباده الخير ‪ ،‬ول يحب لهم‬

‫( البقرة ‪. ) 114 :‬‬ ‫ن اللّهَ بِالنّاسِ َل َرؤُوفٌ رّحِيمٌ‬


‫إِ ّ‬ ‫الشـر ‪ .‬قال تعـالى ‪:‬‬

‫‪6‬ـ توسيع دائرة القرابة وبناء دعائم التعاون ‪:‬‬


‫ففي الزواج تمتد رقعة القرابة ‪ ،‬فتلقي عائلتان ‪ ،‬ويجمع شمل أسرتين ‪ ،‬وتنشأ بينهما‬
‫بسبب المصاهرة روابط جديدة ‪ ،‬ومحبة متبادلة ‪.‬‬
‫وبالزواج يتم التعاون بين الزوجين ‪ ،‬فالزوجة تُعين زوجها في شؤونه ‪ :‬في مأكله‬
‫وملبسه ومسكنه ‪ ،‬وتربية أولدة ‪ ،‬ورعاية بيته ‪ .‬والزوج يعاونها في تأمين حاجاتها ‪ ،‬وتحصيل‬
‫نفقتها ‪ ،‬والدفاع عنها ‪ ،‬وحمايتها ‪ ،‬والمحافظة على عرضها ‪.‬‬
‫والسلم دين التعاون والتكافل ‪ ،‬ولقد شرع الزواج لتحقيق هذه المصالح كلها ‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫عــــــا‬
‫شْر ُ‬ ‫حكــــــم النِكَـــــا ِ‬
‫ح َ‬ ‫ُ‬
‫للنكاح أحكام متعددة ‪ ،‬وليس حكما واحدا ‪ ،‬وذلك تبعا للحالة التي يكون عليها الشخص ‪،‬‬
‫وإليك بيان ذلك ‪:‬‬
‫‪1‬ـ مستحب ‪:‬‬
‫وذلك إذا كان الشخص محتاجا إلى الزواج ‪ :‬بمعنى أن نفسه تتوق إليه ‪ ،‬وترغب فيه ‪،‬‬
‫وكان يملك مؤنته ونفقته ‪ ،‬من مهر ‪ ،‬ونفقة معيشة له ولزوجته ‪ ،‬وهو في نفس الوقت ل يخشى‬
‫على نفسه الوقوع في الفاحشة إن لم يتزوج ‪.‬‬
‫ففي هذه الحالة يكون النكاح مستحبّا ‪ ،‬لما فيه من بقاء النَسْل وحفظ النسب ‪ ،‬و الستعانة‬
‫على قضاء المصالح‪.‬‬

‫قال ‪ :‬كنا مع النبي‬ ‫ويستدل لذلك بحديث البخاري ومسلم ‪ :‬عن عبدال بن مسعود‬

‫‪ " :‬يا معشر الشباب مَن استطاع منكم الباءة‬ ‫شبابا ل نجد شيئا ‪ ،‬فقال لنا رسول ال‬
‫‪1‬‬
‫ض للبصر وأحصن لفرج ‪ ،‬ومَن لم يستطع فعليه بالصوم ‪ ،‬فإنه له وِجاء "‬
‫فليتزوج ‪ ،‬فإنه أغ ّ‬
‫‪.‬‬
‫والزواج في هذه الحالة أفضل من التفرغ للعبادة ‪ ،‬والنقطاع لها ‪.‬‬

‫لولئك النفر من أصحابه الذين تعاهدوا على النقطاع‬ ‫وعلى هذا يحمل توجيه الرسول‬
‫للعبادة ‪ ،‬وترك الزواج ‪.‬‬
‫روى مسلم ( في النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬استحباب لمن تاقت نفسه إليه …‪ ،‬رقم ‪) 1401‬‬

‫عن عمله في السرّ ‪،‬‬ ‫سألوا أزواج النبي‬ ‫وغيره عن أنس ‪ :‬أن نفرا من أصحاب النبي‬
‫فقال بعضهم ‪ :‬ل أتزوج النساء ‪ ،‬وقال بعضهم ‪ :‬ل آكل اللحم ‪ ،‬وقال بعضهم ‪ :‬ل أنام على‬
‫فراش ‪ ،‬فحمد ال وأثنى عليه ‪ ،‬فقال ‪ " :‬ما بالُ أقوامٍ قالوا ‪ :‬كذا وكذا ‪ ،‬لكني أصلي وأنام ‪،‬‬
‫سنّتي فليسَ منّي " ‪.‬‬
‫وأصوم وأفطر ‪ ،‬وأتزوج النساءَ فم رغب عن ُ‬

‫انظر تخريجه وشرح ألفاظه ( ص ‪ 12 :‬عند الكلم عن مشروعية النكاح )‬ ‫‪1‬‬

‫‪10‬‬
‫ومعنى " فمن رغب عن سُنتي فليس مني " أي من تركها إعراضا عنها ‪ ،‬غير معتقد لها‬
‫على ما هي عليه ‪.‬‬
‫والمرأة في هذا الحكم مثل الرجل ‪ ،‬فإذا كانت محتاجة للزواج لصيانة نفسها ‪ ،‬وحفظ‬
‫دينها ‪ ،‬وتحصيل نفقتها ‪ ،‬استحبّ لها الزواج أيضا ‪.‬‬
‫‪2‬ـ مستحب تركه ( أي مكروه وفعله خلف الولى ) ‪:‬‬
‫وذلك إذا كان محتاجا للزواج ‪ ،‬لكنه ل يملك أُهبة النكاح ونفقاته ‪.‬‬
‫وعليه في هذه الحالة أن يعفّ ويستعين على ذلك بالعبادة والصوم ‪ ،‬لن النشغال‬
‫بالعبادة والصوم ‪ ،‬يشغله عن التفكير في الزواج ‪ ،‬واستشارة الرغبة فيه ‪ ،‬ريثما يغنيه ال من‬
‫فضله ‪.‬‬

‫ضلِه ِ‬
‫حتّى ُي ْغ ِن َيهُمْ اللّهُ مِن َف ْ‬
‫س َتعْ ِففِ الّذِينَ لَا يَجِدُونَ ِنكَاحا َ‬
‫ودليل ذلك قوله تعالى ‪َ :‬و ْليَ ْ‬

‫( النور ‪. ) 33 :‬‬

‫‪ " :‬مَن استطاع منكم الباءة فليتزوج " فإنه‬ ‫ويُفهم هذا الحكم أيضا من مفهوم قول النبي‬
‫إذا لم يملك الباءة كان ترك الزواج مستحّبا له ‪.‬‬
‫‪3‬ـ مكروه ‪:‬‬
‫وذلك إذا كان غير محتاج إلى الزواج ‪ :‬كأن ل يجد الرغبة فيه ‪ ،‬أما فطرة ‪ ،‬أو‬
‫لمرض ‪ ،‬أو علّة ‪ ،‬ول يجد أُهبه له ‪ ،‬وذلك لما فيه من التزام مال يقدر على القيام به ‪ ،‬لن‬
‫النكاح يترتب عليه المهر ‪ ،‬والنفقة ‪ ،‬وهو ل يقدر على ذلك‪ ،‬فيُكره النكاح له ‪.‬‬
‫‪4‬ـ الفضل تركه ‪:‬‬
‫وذلك إذا كان يجد الُهبة ‪ ،‬ولكنه ليس محتاجا إلى النكاح ‪ ،‬لن نفسه ل تتوق إليه ‪،‬‬
‫وكان منشغلً بالعبادة ‪ ،‬أو منقطعا لطلب العلم ‪ ،‬فإن التفرغ للعبادة وطلب العلم أفضل من‬
‫النكاح في هذه الحالة ‪ ،‬لن النكاح ربما يشغله عن ذلك ‪.‬‬
‫‪5‬ـ الفضل فعله ‪:‬‬
‫فإذا كان ليس منشغلً بالعبادة ‪ ،‬ول متفرغا لطلب العلم ‪ ،‬وهو يجد الُهبة للنكاح ‪ ،‬لكنه‬
‫غير محتاج إليه ‪ ،‬فالنكاح في هذه الحالة أفضل ‪ ،‬حتى ل تقضي به البطالة والفراغ إلى‬
‫الفواحش ‪ ،‬وبالزواج يحصل له الستعانة على قضاء المصالح ‪ ،‬وإنجا‬
‫‪11‬‬
‫مكانَة ال ُ‬
‫ه لَ َ‬
‫ها‬ ‫عايت َ ِ‬
‫ور َ‬
‫َ‬ ‫م‬‫َ‬ ‫السل‬ ‫في‬ ‫رة‬
‫َ‬ ‫س‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫تعريف السرة ‪:‬‬
‫السرة لغة ‪ :‬الرّهْط ـ أي الشخاص ـ ال َدنْون من الرجل ‪.‬‬
‫ويقصد بالُسلم اصطلحا في نظام السلم ‪ :‬تلك الخليّة التي تضم الباء والُمهات ‪،‬‬
‫والجداد والجدّات ‪ ،‬والبنات والبناء ‪ ،‬وأبناء البناء ‪.‬‬
‫السرة دعامة أساسية في المجتمع ‪:‬‬
‫إذا كان الفرد هو اللبنة الساسية في بناء المجتمع ‪ ،‬فإن الُسرة هي الخليّة الحيّة في‬
‫كيانه ‪.‬‬
‫والفرد جزء من الُسرة يأخذ خصائصه الُولى منها ‪ .‬قال تعالى ‪:‬‬

‫( آل عمران ‪ ) 34 :‬وينطبع بطابعها ‪ ،‬ويتأثر بتربيتها ‪.‬‬ ‫ضهَا مِن َبعْضٍ‬


‫ُذ ّريّةً َب ْع ُ‬

‫‪ " :‬ما من مولود إل يولد على الفطرة ‪ ،‬فأبواه يهودانه ‪ ،‬وينصرانه ‪،‬‬ ‫قال رسول ال‬
‫ويمجسانه ‪ ،‬كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء ‪ ،‬هل تحسون فيها من جدعاء ؟ " رواه مسلم ( في‬

‫كتاب القدر ‪ ،‬باب ‪ :‬معنى كل مولود يولد على الفطرة ‪ ،..‬رقم ‪ ) 2658 :‬عن أبي هريرة‬

‫الفطرة ‪ :‬الحالة المتهيئة للخير ‪ ،‬وهي حالة أصل الخلقة البشرية ‪ .‬كما تنتج البهيمة‬
‫بهيمة جمعاء ‪ :‬أي كما تلد البهيمة بهيمة كاملة العضاء ل نقص فيها ‪.‬‬
‫جدعاء ‪ :‬مقطوعة الُذن ‪ .‬أي إنما يحدث فيها الجدع والنقص بعد ولدتها ‪ ،‬بتأثير من‬
‫البيئة المحيطة بها من إنسان وغيره ‪ .‬وكذلك حال النسان ‪ ،‬تكون استقامته أو انحرافه رهن‬
‫البيئة التي ينشأ ويترعرع فيها ‪.‬‬
‫وبناءً على ما سبق نقول ‪ :‬إن الفرد جزء من الُسرة ‪ ،‬والسرة جزء من المجتمع ‪،‬‬
‫صلُح الفرد ‪ ،‬وإذا صلُح الفرد صلحت الُسرة ‪،‬‬
‫حتَ الُسرة َ‬
‫ودعامة أساسية فيه ‪ ،‬فإذا صلُ َ‬
‫وصلح المجتمع ‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫ولذلك أولى السلم السرة رعاية بالغة ‪ ،‬وعناية فائقة ‪ ،‬وشغلت الُسرة حّيزا كبيرا من‬
‫أحكام القرآن والسنّة ‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫مظاهر عناية السلم بالسرة ‪:‬‬
‫وتتبدى مظاهر عناية السلم بالُسرة من تلك التشريعات والحكام التي صاغها لتنظيم‬
‫الُسرة ‪ ،‬وترتيب شؤونها ‪ .‬ومن ذلك على سبيل المثال ل الحصر ‪:‬‬
‫أ ـ المر بالزواج ‪:‬‬
‫لتشييد دعائم الُسرة ‪ ،‬لنه ل أُسرة بغير زواج ‪ ،‬وكل علقة جنسية بين رجل وامرأة ل‬
‫تقوم على أساس الزواج ‪ ،‬فهي زنى وسفاح ‪.‬‬

‫( السراء ‪:‬‬ ‫سبِيلً‬


‫وَلَ تَ ْق َربُواْ ال ّزنَى ِإنّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء َ‬ ‫وال تعالى يقول ‪:‬‬

‫‪)32‬‬

‫( المائدة ‪) 5 :‬‬ ‫غ ْيرَ مُسَا ِفحِينَ وَلَ ُمتّخِذِي أَخْدَانٍ‬


‫صنِينَ َ‬
‫ح ِ‬
‫ُم ْ‬ ‫ويقول عز وجل ‪:‬‬

‫ب ـ تشريع حقوق الزوجين وواجباتهما ‪:‬‬


‫فقد أوجب السلم على الزوج لزوجته ‪:‬‬

‫( النساء ‪) 4 :‬‬ ‫حلَةً‬


‫وَآتُواْ النّسَاء صَدُقَا ِتهِنّ نِ ْ‬ ‫‪1‬ـ المهر‪ :‬قال تعالى ‪:‬‬

‫( البقرة ‪:‬‬ ‫س َو ُتهُنّ بِا ْل َم ْعرُوفِ‬


‫وَعلَى ا ْل َم ْولُودِ لَهُ ِرزْ ُقهُنّ َوكِ ْ‬ ‫‪2‬ـ النفقة ‪ :‬قال تعالى ‪:‬‬

‫‪. ) 233‬‬

‫‪ " :‬ولهنّ عليكم رزقُهنّ وكسو ُتهُنّ بالمعروفِ " ‪.‬‬ ‫وقال رسول ال‬

‫رقم ‪ ) 1218 :‬في حديث طويل ‪.‬‬ ‫رواه مسلم ( كتاب الحج ‪ ،‬باب حجّه النبي‬

‫شرُوهُنّ بِا ْل َم ْعرُوف ِ ( النساء ‪) 19 :‬‬


‫وَعَا ِ‬ ‫‪3‬ـ المعاشرة بالمعروف ‪ :‬قال ال تعالى ‪:‬‬

‫كما أوجب السلم على الزوجة لزوجها ‪:‬‬

‫( النساء ‪. ) 34 :‬‬ ‫علَى النّسَاء‬


‫الرّجَالُ َقوّامُونَ َ‬ ‫‪1‬ـ الطاعة في غير معصية ‪ :‬قال تعالى ‪:‬‬

‫والقوامة إنما هي ‪ :‬القيادة ‪ ،‬وحقّ الطاعة ‪.‬‬

‫‪ " :‬ولكم عليهنّ أن ل يوطئن‬ ‫‪2‬ـ أن ل تُدخل بيته أحدا بغير إذنه ورضاه ‪ :‬قال رسول ال‬

‫ُفرُشكم أحدا تكرهونه " رواه مسلم ( ‪ )1218‬من حديث طويل ‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫قال المام النووي رحمه ال تعالى ‪ :‬ل يأذنّ لحد تكرهونه في دخول بيوتكم ‪،‬‬
‫والجلوس في منازلكم ‪.‬‬

‫‪ ":‬أل أدُلكم‬ ‫‪3‬ـ أن تحفظ شرفه ‪ ،‬وتصون عرضه ‪ ،‬وتحافظ على ماله ‪ :‬قال رسول ال‬
‫على خير ما ّي ْك ِنزُ الرّجُلُ ؟ المرأةُ الصالحةُ ‪ ،‬التي إذا نظر إليها س ّرتْه ‪ ،‬وإذا أمرها‬
‫أطاعته ‪ ،‬وإذا غاب عنها حفظْته في نفسها ومَالِهِ " ‪ .‬رواه أبو داود ( الزكاة ‪ ،‬باب ‪ :‬في‬
‫حقوق المال ‪ ،‬رقـم ‪ ) 1664 :‬وصححه الحاكم في مستدركه ‪.‬‬
‫ج ـ تشريع حقوق الولد والوالدين ‪:‬‬
‫فقد أوجب السلم على الباء لولدهم ‪:‬‬

‫( الطلق ‪ ) 6 :‬فقد أوجب‬ ‫ضعْنَ َلكُمْ فَآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ‬


‫فَإِنْ َأ ْر َ‬ ‫‪ -1‬النفقة ‪ :‬قال ال تعالى ‪:‬‬
‫ال عزّ وجلّ أُجره المُرضع لنفقة الولد ‪.‬‬

‫‪ " :‬أدّبوا أولدَكم على ثلث‬ ‫‪2‬ـ حُسن التربية والتأديب على العبادات والخلق ‪ :‬قال رسول ال‬
‫خصالٍ ‪ :‬حُب نبيّكم ‪،‬وآل بيته ‪ ،‬وقراءة القرآن " رواه الديلمي [ انظر الجامع الصغير‬
‫للسيوطي ] ‪.‬‬
‫وقال عليه الصلة والسلم ‪ " :‬أل ُكلّكم راع ومسؤول عن رعيته ‪،‬‬
‫فالميرُ الذي على الناس راع ومسؤول عن رعّيته ‪ ،‬والرجلُ راع على أهل بيته ‪ ،‬وهو‬
‫مسئولّ عنهم ‪ ،‬والمرأة راعية على بيت بعلها وولده هي مسؤولة عنهم ‪ ،‬والعبد راعٍ‬
‫على مال سيده وهو مسؤول عنه ‪ ،‬أل فكُلكم راعٍ ‪ ،‬وكلّكم مسؤول عن رعيّته " ‪.‬‬
‫[ أخرجه البخاري في الجمعة ‪ ،‬باب ‪ :‬الجمة في القرى والمدن ‪ ،‬رقم ‪ . 853 :‬ومسلم‬
‫في المارة ‪ ،‬باب ‪ :‬فضيلة المام العادل …‪ ،‬رقم ‪ ] 1829 :‬وغيرهما ‪.‬‬
‫كما أوجب السلم على الولد ‪:‬‬
‫‪1‬ـ طاعة الوالدين في غير معصية ال تعالى ‪ ،‬والحسان إليهما ‪:‬‬

‫[ السراء‬ ‫وَ َقضَى َر ّبكَ أَلّ َت ْعبُدُواْ إِلّ ِإيّاهُ َوبِا ْلوَالِ َديْنِ إِحْسَانا‬ ‫قال ال تعالى ‪:‬‬

‫‪. ] 23 :‬‬

‫[ لقمان ‪. ] 15 :‬‬ ‫ح ْب ُهمَا فِي ال ّد ْنيَا َم ْعرُوفا‬


‫َوصَا ِ‬ ‫وقال تعالى ‪:‬‬

‫‪15‬‬
‫إن من أطيب ما‬ ‫‪2‬ـ النفقة للوالدين إن كانا فقيرين ‪ ،‬والولد موسرا ‪ ،‬قال رسول ال‬

‫‪ " :‬أنت ومَالُك لوالدك ‪ ،‬إن أولدكم من‬ ‫سبَه " ‪ .‬وقال‬
‫أكل الرجلُ من كسْبه ‪ ،‬وولَ ُدهُ مْن كَ ْ‬
‫أطيب كسبكم ‪ ،‬فكلوا من كسب أولدكم " [ أبو داود ‪ :‬البيوت والجازات ‪ ،‬باب ‪ :‬في الرجل‬
‫يأكل من مال والده ‪ ،‬رقم ‪ . 3530 ، 3528 :‬الترمذي ‪ :‬أبواب الحكام ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء أن‬
‫الوالد يأخذ من مال ولده رقم ‪. ] 1358 :‬‬
‫وهناك أحكام أخرى كثيرة تتعلق بتنظيم حياة الُسرة ‪ ،‬وترتيب أمورها ‪ ،‬ومن هذه‬
‫الحكام والتشريعات يتبين مدى اهتمام السلم بالُسرة ورعايته لها ‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫النساء اللتي يحرم نكاحهن‬
‫تمهيد ‪:‬‬
‫لما شرع السلم الزواج ‪ ،‬وحثّ عليه ‪ ،‬حرّم على النسان نكاح بعض النساء ‪:‬‬
‫أما لفرض الحترام والتقدير ‪ :‬كتحريم نكاح الُم ‪.‬‬
‫وإما لن الطبع السليم ل يستسيغ ذلك ‪ :‬كنكاح البنت والُخت ‪.‬‬
‫أو لن غرض الزواج ـ وهو الحصان ـ قد ل يتحقق على أتمّ وجه في نكاح‬
‫القريبات جدا ‪ :‬كنكاح بنات الخوة والخوات ‪ ،‬وبنات البناء والبنات ‪ ،‬وذلك لكثرة الخلطة‬
‫بينهم ‪ ،‬وظهور بعضهم على بعض ‪.‬‬
‫وأما لغرض تنظيمي ترتيبي في بناء الُسرة ‪ :‬كنكاح الخت وبنات الخ من الرضاع ‪.‬‬
‫فلهذه الغراض وغيرها من الحكم حرم السلم نكاح بعض النساء على بعض الرجال ‪،‬‬
‫كما حرم بعض الرجال على بعض النساء ‪ ،‬وإليك بيان ذلك ‪.‬‬
‫أقسام الحرمة في النكاح ‪:‬‬
‫والحرمة في نكاح بعض النساء على قسمين ‪:‬‬
‫حُرمة مؤبدة ‪.‬‬
‫وحُرمة مؤقتة ‪.‬‬
‫الحُرمة المؤبدة ‪:‬‬
‫ويقصد بها النساء اللتي ل يجوز للرجل أن يتزوج بواحدة منهنّ أبدا ‪ ،‬مهما كانت‬
‫الظروف والحوال ‪.‬‬
‫أسباب الحُرمة المؤبدة ‪:‬‬
‫والحرمة المؤبدة لها ثلثة أسباب ‪ ،‬وهي ‪:‬‬
‫القرابة ‪.‬‬
‫المصاهرة ‪.‬‬
‫الرضاع ‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫المُحرّمات بالقرابة ‪:‬‬
‫والمُحرّمات بسبب القرابة سبع ‪ ،‬وهنّ ‪:‬‬
‫‪1‬ـ الُم ‪ ،‬وأُم الُم ‪ ،‬وأُم الب ‪ ،‬ويعبّر عنهنّ بأُصول النسان ‪ ،‬فل يجوز نكاح واحدة منهُن ‪.‬‬
‫‪2‬ـ البنت ‪ ،‬وبنت البن ‪ ،‬وبنت البنت ‪ ،‬ويعبّر عنهنّ بفروع الِنسان ‪ ،‬فل يجوز نكاح واحدة‬
‫منهن ‪.‬‬
‫‪3‬ـ الخت ‪ ،‬شقيقة كانت ‪ ،‬أو لب ‪ ،‬أو لم ‪ ،‬ويعبّر عنهنّ بفروع البوين ‪ ،‬فل يجوز نكاح‬
‫واحدة منهنّ أبدا ‪.‬‬
‫‪4‬ـ بنت الخ الشقيق ‪ ،‬وبنت الخ لب ‪ ،‬أو لم ‪ ،‬فل يجوز نكاحهنّ ‪.‬‬
‫‪5‬ـ بنت الخت ‪ ،‬شقيقة كانت ‪ ،‬أو لب ‪ ،‬أو لم ‪ ،‬فهنّ حرام ل يجوز نكاحهنّ أبدا ‪.‬‬
‫‪6‬ـ العمّة ‪ ،‬وهي أُخت الب ‪ ،‬ومثلها عمّة الب ‪ ،‬وعمّة الم ‪ ،‬ويعبّر عنهنّ بفروع الجدين من‬
‫جهة الب ‪ ،‬فل يجوز نكاحهنّ بحال ‪.‬‬
‫‪7‬ـ الخالة ‪ ،‬وهي أخت الم ‪ ،‬ومثلها خالة الم وخالة الب ويعبّر عنهنّ بفروع الجدّين من‬
‫جهة الم ‪ ،‬فل يجوز نكاحهنّ أبدا ‪.‬‬
‫خوَا ُتكُمْ‬
‫عَل ْيكُمْ ُأ ّمهَا ُتكُمْ َو َبنَا ُتكُمْ َوأَ َ‬
‫ح ّر َمتْ َ‬
‫ُ‬ ‫وفي حُرمة هؤلء كلهنّ نزل قوله تعالى ‪:‬‬

‫ختِ ……‪ [ ..‬النساء ‪] 23 :‬‬


‫ل ُتكُمْ َو َبنَاتُ الَخِ َو َبنَاتُ الُ ْ‬
‫عمّا ُتكُمْ وَخَا َ‬
‫وَ َ‬
‫فإذا عقد على واحدة منهنّ كان العقد باطلً ‪ ،‬فإن استحلّ ذلك كان كافرا ‪.‬‬
‫هذا ‪ ،‬ويحرم على المرأة أبوها ‪ ،‬وأبو أبيها ‪ ،‬وأبو أُمها ‪ ،‬وجميع أُصولها ‪ .‬ويحرم عليها‬
‫ابنها وابن ابنها وابن بنتها ‪ ،‬وجميع فروعها ‪ .‬ويحرُم عليها أخوها شقيقا كان أو لب أو لم ‪،‬‬
‫وكذلك يحرُم عليها أبناء إخوتها ‪ ،‬وأبناء أخواتها ‪ ،‬كما يحرم عليها أعمامها ‪ ،‬وأخوالها ‪،‬‬
‫وأعمال أبيها ‪ ،‬وأعمام أمها ‪ ،‬وأخوال أبيها وأخوال أمها ‪.‬‬
‫المحرمات بالمصاهرة‪:‬‬
‫والمُحرمات بالمصاهرة أربع ‪ ،‬وهنّ ‪:‬‬

‫‪1‬ـ زوجة الب ‪ ،‬ومثلها زوجة الجد أب الب ‪ ،‬وزوجة الجد أب الم ‪ ،‬ويعبّر عن ذلك‬
‫بزوجات الصول ‪ ،‬فل يجوز نكاح واحدة منهن أبدا ‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫سَلفَ ِإنّهُ كَانَ فَاحِشَةً‬
‫ن النّسَاء إِلّ مَا قَدْ َ‬
‫وَلَ تَنكِحُواْ مَا َنكَحَ آبَا ُؤكُم مّ َ‬ ‫قال تعالى ‪:‬‬

‫[ النساء ‪] 22 :‬‬ ‫سبِيلً‬


‫َومَقْتا وَسَاء َ‬

‫‪2‬ـ زوجة البن ‪ ،‬وزوجة ابن البن ‪ ،‬وابن البنت ‪ ،‬وهكذا زوجات الفروع ‪ ،‬فل يجوز‬
‫نكاحهنّ بحال ‪.‬‬

‫[ النساء ‪. ] 23 :‬‬ ‫لئِلُ َأ ْبنَا ِئكُمُ الّذِينَ مِنْ َأصْلَ ِبكُمْ‬


‫وَحَ َ‬ ‫قال تعالى ‪:‬‬

‫زوجة البن المتبنّى ‪ ،‬فإنهم كانوا في‬ ‫ل ِبكُمْ‬


‫الّذِينَ مِنْ َأصْ َ‬ ‫وخرج بقوله تعالى ‪:‬‬
‫الجاهلية يتبنّون ‪ ،‬ويحرمون زوجة المتبنى ‪ ،‬فأبطل السلم التبني ‪ ،‬وأحلّ الزواج من‬
‫زوجة المتبنّى ‪.‬‬
‫عيَاءكُمْ َأ ْبنَاءكُمْ َذِلكُمْ َق ْوُلكُم ِبأَ ْفوَا ِهكُمْ وَاللّهُ يَقُولُ الْحَقّ وَ ُهوَ‬
‫جعَلَ أَدْ ِ‬
‫َومَا َ‬ ‫قال تعالى ‪:‬‬

‫[ الحزاب ‪. ] 4 :‬‬ ‫سبِيلَ‬


‫َيهْدِي ال ّ‬

‫ضوْا ِم ْنهُنّ‬
‫عيَا ِئهِمْ إِذَا َق َ‬
‫حرَجٌ فِي َأ ْزوَاجِ أَدْ ِ‬
‫علَى ا ْل ُم ْؤ ِمنِينَ َ‬
‫ِل َكيْ لَا َيكُونَ َ‬ ‫وقال تعالى ‪:‬‬

‫[ الحزاب ‪] 37 :‬‬ ‫وَطَرا َوكَانَ َأ ْم ُر اللّهِ مَ ْفعُولً‬

‫ضوْا ِم ْنهُنّ وَطَرا‪ :‬أي انتهت حاجتهم منهنّ ولم يبق لهم رغبة فيهنّ ] ‪.‬‬
‫[ َق َ‬

‫[ النساء ‪] 23 :‬‬ ‫َوُأ ّمهَاتُ نِسَآ ِئكُمْ‬ ‫‪3‬ـ أم الزوجة ‪ ،‬فل يجوز نكاحها ‪ ،‬قال ال تعالى ‪:‬‬
‫ومثل أمها جميع أصولها من النساء ‪.‬‬
‫وهؤلء الثلثة يحرمن بمجرد العقد ‪ ،‬سواء تبع ذلك دخول ‪ ،‬أو لم يتبعه ‪ ،‬وإذا عقد‬
‫على واحدة منهن كان العقد باطلً ‪.‬‬
‫‪4‬ـ بنت الزوجة ‪ ،‬وهي الربيبة ‪ ،‬فهي حرام على زوج أُمها ‪ ،‬ولكن ليس بمجرد العقد ‪ ،‬بل ل‬
‫تنشأ الحُرمة إل بالدخول على أُمها ‪.‬‬
‫خ ْلتُم ِبهِنّ فَإِن لّمْ‬
‫لتِي دَ َ‬
‫لتِي فِي حُجُو ِركُم مّن نّسَآ ِئكُمُ ال ّ‬
‫َو َربَا ِئ ُبكُمُ ال ّ‬ ‫قال تعالى ‪:‬‬

‫[ النساء ‪. ] 23 :‬‬ ‫عَل ْيكُمْ‬


‫جنَاحَ َ‬
‫خ ْلتُم ِبهِنّ فَلَ ُ‬
‫َتكُونُواْ دَ َ‬

‫‪19‬‬
‫هذا ول يشترط لحرمة الربيبة أن تكون في حجر زوج أُمها ‪ ،‬بل هي حرام عليه ‪ ،‬سواء‬
‫كانت في حجره أو كانت تعيش بعيدة عنه ‪.‬‬
‫وإنما ذكر القيد في الية لبيان الحالة الغالبة ‪ ،‬فإن الغالب على الربيبة أن تكون‬
‫في رعاية زوج أمها وحجره وكنفه ‪ .‬وكذلك يحرم على المرأة زوج أمها ‪ ،‬وزوج‬
‫بنتها ‪ ،‬وابن زوجها ‪ ،‬وأبو زوجها ‪.‬‬
‫المحرمات بالرضاع ‪:‬‬
‫ويحرم بسبب الرضاع أيضاَ سبع من النسوة ‪ ،‬ذكر القرآن الكريم منهّن اثنين‬
‫وألحقت السنة بقية السبع بهما ‪ ،‬وهؤلء السبع هّن ‪:‬‬
‫‪1‬ـ الُم بالرضاع ‪ ،‬وهي المرأة التي أرضعتك ‪ ،‬ويلحق بها أُمها ‪ ،‬وأُم أُمها وأُم أُبيها ‪ ،‬فل‬
‫يجوز نكاح واحدة منهنّ ‪.‬‬
‫‪2‬ـ الخت بالرضاع ‪ ،‬وهي التي رضعت من أُمك ‪ ،‬أو رضعت من أُمها ‪ ،‬أو رضعت أنت‬
‫وهي من امرأة واحدة ‪.‬‬
‫فإذا رضعت من أُمك صارت حراما عليك ‪ ،‬وعلى جميع إخوتك ‪ .‬ويحلّ لك أخواتها ‪،‬‬
‫لنهنّ لم يرضعن من أُمك ‪.‬‬
‫وإذا رضعت أنت من أُمها صرت حراما عليها ‪ ،‬وعلى جميع أخواتها ‪ ،‬وحلّت هي‬
‫وأخواتها لخوتك ‪ ،‬لنها لم ترضع من أمك ‪ ،‬ول رضع أخواتك من أمها ‪.‬‬
‫ض ْع َنكُمْ‬
‫لتِي َأ ْر َ‬
‫َُأ ّمهَا ُتكُمُ ال ّ‬ ‫وفي تحرم الم والخت من الرضاع نزل قوله تعالى ‪:‬‬

‫[ النساء ‪] 23 :‬‬ ‫ن ال ّرضَاعَةِ‬


‫خوَا ُتكُم مّ َ‬
‫َوأَ َ‬

‫‪3‬ـ بنت الخ من الرضاع ‪.‬‬


‫‪4‬ـ بنت الخت من الرضاع ‪.‬‬
‫‪5‬ـ العمّة من الرضاع ‪ :‬وهي التي رضعت مع أبيك ‪.‬‬
‫‪6‬ـ الخالة من الرضاع ‪ :‬وهي التي رضعت مع أمك ‪.‬‬
‫‪7‬ـ البنت من الرضاع ‪ :‬وهي التي رضعت من زوجتك ‪ ،‬فتكون أنت أباها من الرضاع ‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫‪ " :‬إن الرّضاعة تُحرّمُ ما يَحرُم من الولدة " رواه‬ ‫وفي هؤلء يقول الرسول‬
‫البخاري ومسلم عن عائشة رضي ال عنها ‪.‬‬

‫في بنت‬ ‫وروى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي ال عنهما ‪ ،‬قال ‪ :‬قال النبي‬
‫حرُم من الرضاع ما يحرُم من النسب ‪ ،‬هي بنت أخي‬
‫حمزة رضي ال عنها ‪ " :‬ل تَحِلّ لي ‪ ،‬ي ْ‬
‫من الرضاعة " ‪.‬‬
‫( البخاري ‪ :‬الشهادات ‪ ،‬باب ‪ :‬الشهادة على النساب والرضاع ‪ ،.‬رقم ‪، 2502:‬‬
‫‪ 2503‬مسلم ‪ :‬الرضاع ‪ ،‬باب ‪ :‬يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولدة ‪ ،‬وباب ‪ :‬تحريم ابنة‬
‫الخ من الرضاعة ‪ ،‬رقم ‪. ) 1447 ،1444 :‬‬
‫وكذلك يحرم على المرأة أبوها بالرضاع ‪ ،‬وابنها من الرضاع ‪ ،‬وأخوها وابن أخيها من‬
‫الرضاع ‪ ،‬وعمّها وخالها من الرضاع ‪.‬‬
‫وكذلك يحرم بالمصاهرة من الرضاع ‪:‬‬
‫‪1‬ـ أم الزوجة من الرضاع ‪ ،‬وهي التي أرضعت زوجتك ‪.‬‬
‫‪2‬ـ بنبت الزوجة من الرضاع ‪ ،‬وهي التي رضعت من زوجتك ‪ ،‬لكن من لبن زوج غيرك ‪.‬‬
‫‪3‬ـ زوجة الب من الرضاع ‪ ،‬وهي زوجة الب التي رضعت من زوجته الثانية ‪.‬‬
‫‪4‬ـ زوجة البن من الرضاع ‪ ،‬وهي زوجة من رضع من زوجتك ‪.‬‬
‫الحرمة المؤقتة ‪:‬‬
‫حرّمن على النسان لسبب من السباب ‪،‬‬
‫والنساء المحرمات حرمة مؤقتة ‪ :‬هن اللتي ُ‬
‫فإذا زال هذا السبب زالت الحُرمة ‪ ،‬وعاد الحل ‪ ،‬فإذا عقد على واحدة منهنّ قبل زوال سبب‬
‫الحرمة كان العقد باطلً ‪.‬‬
‫وهؤلء النساء هنّ ‪:‬‬
‫‪1‬ـ الجمع بين الختين ‪:‬‬
‫سواء كانتا من النسب ‪ ،‬أو من الرضاع ‪ .‬وسواء عقد عليهما معا أو في وقتين ‪.‬‬
‫فإذا عقد عليهما معا بطل العقد فيهما ‪ ،‬وإذا عقد عليهما واحده بعد الخرى بطل عقد‬
‫الثانية ‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫طلّقت ‪ ،‬وانقضت عدّتها حلّ له أن يعقد على أختها ‪ .‬قال ال عزّ‬
‫فإذا ماتت الولى ‪ ،‬أو ُ‬
‫وجلّ ‪:‬‬

‫[ النساء ‪] 23 :‬‬ ‫ن اللّهَ كَانَ غَفُورا رّحِيما‬


‫سَلفَ إِ ّ‬
‫خ َتيْنِ إَلّ مَا قَدْ َ‬
‫ج َمعُواْ َبيْنَ الُ ْ‬
‫َوأَن تَ ْ‬

‫‪2‬ـ الجمع بين المرأة وعمّتها ‪ ،‬وبين المرأة وخالتها ‪ ،‬وبين المرأة وبنت أختها ‪ ،‬أو بنت‬
‫أخيها ‪ ،‬أو بنت ابنها ‪ ،‬أو بنت بنتها ‪:‬‬
‫وقد وضع الفقهاء قاعدة بضبط من يحرم الجمع بينهنّ ‪ ،‬فقالوا ( يحرم الجمع بين كل‬
‫امرأتين لو فرضت إحداهما ذكرا لما جاز له أن يتزوج الخرى ) ‪ .‬وهي تشمل جميع من‬
‫ذكرنا ‪.‬‬

‫قال ‪ " :‬ل‬ ‫‪ ،‬أن رسول ال‬ ‫ودليل ذلك ‪ :‬ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة‬
‫عمّتها ‪ ،‬ول بين المرأة وخالتها " ‪.‬‬
‫يُجمعُ بين المرأة و َ‬
‫( البخاري ‪ :‬النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ل تنكح المرأة على عمّتها ‪ ،‬رقم ‪ . 4820 :‬مسلم ‪:‬‬
‫النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬تحريم الجمع بين المرأة وعمّتها …‪ ،‬رقم ‪. 1408 :‬‬
‫الحكمة من هذا التحريم ‪:‬‬
‫والحكمة من تحريم الجمع بين مَن ذكرنَ ما في هذا الجمع من إيقاع الضغائن بين‬
‫الرحام ‪ ،‬بسبب ما يحدث بين الضرائر من الغيرة ‪.‬‬

‫نهى أن تُزوّج المرأة على العمّة والخالة ‪ ،‬وقال ‪ :‬إنّكنّ‬ ‫روى ابن حبان ‪ ( :‬أن النبي‬
‫إذا فعلتنّ ذلك قطعتنّ أرحامكم ) ‪.‬‬

‫أن تنكح‬ ‫وأخرج أبو داود في المراسيل عن عيسى بن طلحة قال ‪ ( :‬نهى رسول ال‬

‫المرأة على قرابتها مخافة القطيعة ) ‪ [ .‬نيل الوطار ‪ . ] 6/157 :‬فإذا ماتت واحدة منهنّ أو‬
‫طلّقت ‪ ،‬وانقضت عدّتها حلّت الخرى ‪.‬‬
‫ٌ‬
‫‪3‬ـ الزائدة على أربع نسوة ‪:‬‬
‫فل يجوز أن يضم زوجة خامسة إلى نسائه الربع الموجودات عنده حتى يطلق واحدة‬
‫طلّقت ‪ ،‬حلت له الخامسة ‪ .‬قال ال عز‬
‫منهنّ ‪ ،‬وتنقضي عدّتها ‪ ،‬أو تموت ‪ ،‬فإذا ماتت ‪ ،‬أو ُ‬

‫[ النساء ‪. ] 3 :‬‬ ‫لثَ َو ُربَاعَ‬


‫فَانكِحُواْ مَا طَابَ َلكُم مّنَ النّسَاء َم ْثنَى َوثُ َ‬ ‫وجلّ ‪:‬‬
‫‪22‬‬
‫قال ‪ :‬أسلمت وعندي ثمان نسوة فذكرت‬ ‫وروى أبو داود وغيره عن قيس بن الحارث‬

‫ختَر منهنّ أربعا " ‪.‬‬


‫‪":‬اْ‬ ‫‪ ،‬فقال النبي‬ ‫ذلك للنبي‬

‫( سُنن أبي داود ‪ :‬الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬في مَن أسلم وعنده نساء أكثر من أربع أو أُختان ) ‪.‬‬
‫‪4‬ـ المشركة الوثنية ‪:‬‬
‫وهي التي ليس لها كتاب سماوي ‪ ،‬فإذا أسلمت حلّت ‪ ،‬وجاز الزواج بها ‪ ،‬قال ال تعالى‬
‫‪:‬‬

‫[ البقرة "‬ ‫ج َب ْتكُمْ‬


‫ش ِركَةٍ َوَلوْ أَعْ َ‬
‫خ ْيرٌ مّن مّ ْ‬
‫لمَةٌ ّم ْؤ ِمنَةٌ َ‬
‫حتّى ُي ْؤمِنّ وَ َ‬
‫ش ِركَاتِ َ‬
‫وَلَ تَنكِحُواْ ا ْلمُ ْ‬

‫‪] 221‬‬
‫تنبيهان ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬ل يجوز للمرأة المسلمة أن تتزوج برجل غير مسلم ‪ ،‬مهما كانت ديانته ‪ ،‬لن‬
‫للزوج ولية على الزوجة ‪ ،‬ول ولية لكافر على مسلم ‪ ،‬ولنها ل تأمن عنده على دينها ‪ ،‬لنه‬

‫[ النساء ‪:‬‬ ‫سبِيلً‬


‫علَى ا ْل ُم ْؤ ِمنِينَ َ‬
‫ل اللّهُ ِل ْلكَا ِفرِينَ َ‬
‫جعَ َ‬
‫َولَن يَ ْ‬ ‫ل يؤمن به ؟ قال ال عز وجل ‪:‬‬

‫خ ْيرٌ مّن‬
‫حتّى ُي ْؤ ِمنُواْ َوَل َعبْدٌ ّم ْؤمِنٌ َ‬
‫ش ِركِينَ َ‬
‫وَلَ تُنكِحُواْ ا ْلمُ ِ‬ ‫‪ ] 141‬وقال سبحانه وتعالى ‪:‬‬
‫جنّةِ وَا ْل َمغْ ِف َرةِ بِإِ ْذنِهِ َو ُي َبيّنُ آيَاتِهِ‬
‫عوَ ِإلَى الْ َ‬
‫ج َبكُمْ ُأ ْولَـ ِئكَ يَدْعُونَ ِإلَى النّارِ وَاللّهُ يَدْ ُ‬
‫ش ِركٍ َوَلوْ أَعْ َ‬
‫مّ ْ‬

‫[ البقرة‪. ] 221 :‬‬ ‫لِلنّاسِ َل َعّلهُمْ َيتَ َذ ّكرُونَ‬

‫فإذا أسلم حلت له ‪ ،‬وإذا عقد عليها قبل إسلمه كان العقد باطلً ‪ ،‬ووجب التفريق بينهما‬
‫فورا فإذا حصل وطء كان ذلك زنا ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬يجوز للمسلم أن يتزوج يهودية أو نصرانية ‪ ،‬لنه ربما يكون ذلك سببا‬
‫لسلمها ‪ ،‬وإسلم أهلها ‪ ،‬وإطّلعهم على السلم ‪ ،‬وترغيبهم فيه ‪.‬‬
‫ول يجوز لزوجها المسلم أن يٌُكرهها على تغيير دينها ‪ ،‬أو يضايقها في أداء عبادتها ‪.‬‬

‫صنَاتُ مِنَ‬
‫ح َ‬
‫طعَا ُمكُمْ حِلّ ّلهُمْ وَا ْلمُ ْ‬
‫طعَامُ الّذِينَ أُوتُواْ ا ْل ِكتَابَ حِلّ ّلكُمْ وَ َ‬
‫وَ َ‬ ‫قال ال تعالى ‪:‬‬
‫غ ْيرَ‬
‫صنِينَ َ‬
‫ح ِ‬
‫صنَاتُ مِنَ الّذِينَ أُوتُواْ ا ْل ِكتَابَ مِن َق ْبِلكُمْ إِذَا آ َت ْي ُتمُوهُنّ أُجُورَهُنّ مُ ْ‬
‫ح َ‬
‫ا ْل ُم ْؤمِنَاتِ وَا ْلمُ ْ‬

‫[ المائدة ‪. ] 5 :‬‬ ‫مُسَافِحِينَ وَلَ ُمتّخِذِي أَخْدَانٍ‬


‫‪23‬‬
‫[ المحصنات ‪ :‬العفيفات ‪ ،‬أو الحرائر‪ .‬أجورهنّ ‪ :‬مُهورهنّ ‪ .‬محصنين ‪ :‬متعففين‬
‫بالزواج بهنّ عن الزنى ‪ .‬غير مُسافحين ‪ :‬غير مجاهرين بالزنى ‪ .‬متخذي آخذان ‪ :‬مُصاحبي‬
‫خليلت للزنى سرا ] ‪.‬‬

‫‪5‬ـ المرأة المتزوجة ‪:‬‬


‫فل يجوز لرجل أن يعقد على امرأة لها زوج ‪ ،‬وهي ل تزال على عصمته ‪ ،‬حتى يموت‬
‫أو يطلقها وتنقضي عدّتها ‪ ،‬فإذا مات أو طّلقها وانقضت عدّتها حل الزواج بها ‪ .‬قال ال تعالى‬

‫[ النساء ‪ . ] 24 :‬أي‬ ‫ن النّسَاء‬


‫صنَاتُ مِ َ‬
‫ح َ‬
‫وَا ْلمُ ْ‬ ‫في تعداد المحرمات في الزواج ‪:‬‬
‫المتزوجات من النساء حرام عليكم ‪.‬‬
‫‪6‬ـ المرأة المعتدّة ‪:‬‬
‫فل يجوز لرجل أن ينكح امرأة ما تزال في عدّتها ‪ ،‬سواء كانت هذه العدة من طلق أو‬

‫ح ّتىَ‬
‫وَلَ َت ْع ِزمُواْ عُقْ َدةَ ال ّنكَاحِ َ‬ ‫وفاة ‪ ،‬فإذا انتهت عدّتها ‪ ،‬جاز الزواج بها ‪ .‬قال ال تعالى ‪:‬‬

‫[ البقرة ‪. ] 235 :‬‬ ‫جلَهُ‬


‫َي ْبلُغَ ا ْل ِكتَابُ َأ َ‬

‫أي ل تقصدوا إلى عقد النكاح لتعقدوه حتى تبلغ المرأة تمام عدّتها المكتوبة لها في كتاب‬
‫ال عزّ وجل ‪.‬‬
‫‪7‬ـ المرأة المطلقة ثلثا ‪:‬‬
‫فل يجوز لزوجها أن يعود إليها حتى تنكح زوجا غيره ‪ ،‬نكاحا شرعيا صحيحا ‪ ،‬ثم‬
‫يطلّقها الزوج الثاني ‪ ،‬وتنقضي عدّتها منه ‪ ،‬فإذا حصل ذلك جاز لزوجها الول أن يعود إليها ‪،‬‬

‫ح ّتىَ تَنكِحَ‬
‫طلّ َقهَا فَلَ َتحِلّ لَهُ مِن َبعْدُ َ‬
‫فَإِن َ‬ ‫ويعقد عليها عقد زواج جديد ‪ .‬قال ال تعالى ‪:‬‬
‫ظنّا أَن يُقِيمَا حُدُو َد اللّهِ َو ِت ْلكَ حُدُو ُد اللّهِ‬
‫جعَا إِن َ‬
‫عَل ْي ِهمَا أَن َي َترَا َ‬
‫جنَاحَ َ‬
‫طلّ َقهَا فَلَ ُ‬
‫غ ْي َرهُ فَإِن َ‬
‫َزوْجا َ‬

‫[ البقرة ‪. ] 230 :‬‬ ‫ُي َب ّي ُنهَا لِ َقوْمٍ َي ْعَلمُونَ‬

‫وروى البخاري ومسلم عن عائشة رضي ال عنها ‪ :‬جاءت امرأة رفاعة القرظي النبي‬

‫‪ ،‬فقالت ‪ :‬كنت عند رفاعة فطلّقني ‪ ،‬فأبت طلقي ‪ ،‬فتزوجت عبدال بن الزّبير ‪ ،‬إنما معه‬

‫‪24‬‬
‫مثل هُدبَة الثوب ‪ ،‬فقال ‪ ( :‬أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ ل ‪ ،‬حتى تذوقي عُسيلته ‪ ،‬ويذوق‬
‫عُسيلتك ) ‪.‬‬
‫( البخاري ‪ :‬الشهادات ‪ ،‬باب ‪ :‬شهادة المختبي ‪ ،‬رقم ‪ . 2469 :‬مسلم ‪ :‬النكاح ‪ ،‬باب ‪:‬‬
‫ل تحلّ المطلقة ثلثاُ لمطلّقها حتى تنكح …‪ ،..‬رقم ‪. ) 1432 :‬‬
‫أ َبتّ طلقي ‪ :‬من البتّ وهو القطع ‪ ،‬أي قطع طلقي قطعا كليا ‪ ،‬والمراد أنه طلّقها‬
‫الطلقة الثالثة التي تحصل بها البينونة الكبرى ‪ .‬هدبة الثوب ‪ :‬حاشيته ‪ ،‬وهو كناية عن عدم‬
‫قدرته على الجماع ‪ .‬تذوقي عسيلته ‪ :‬كناية عن الجماع ‪ .‬وعُسيلة ‪ :‬قطعة صغيرة من العسل ‪،‬‬
‫شبّه لذّة الجماع بلذة ذوق العسل ‪.‬‬

‫حكم تعدد الزوجات والحكمة من مشروعيته‬

‫‪1‬ـ حكم تعد الزوجات ‪:‬‬


‫َوإِنْ خِ ْفتُمْ أَلّ تُقْسِطُواْ فِي ا ْل َيتَامَى فَانكِحُواْ‬ ‫تعدّد الزوجات مُباح في أصله ‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬

‫[ النساء ‪. ] 3:‬‬ ‫لثَ َو ُربَاعَ‬


‫مَا طَابَ َلكُم مّنَ النّسَاء َم ْثنَى َوثُ َ‬

‫ومعنى الية ‪ :‬إن خفتم إذا نكحتم اليتيمات أن ل تعدلوا في معاملتهنّ ‪ ،‬فقد أُبيح لكم أن‬
‫تنكحوا غيرهن ‪ ،‬مثنى وثلث ورُباع ‪.‬‬
‫ولكن قد يطرأ على التعدّد ما يجعله مندوبا ‪ ،‬أو مكروها ‪ ،‬أو محرما ‪ ،‬وذلك تبعا‬
‫لعتبارات وأحوال تتعلق بالشخص الذي يريد تعدد الزوجات ‪:‬‬
‫أ ـ فإذا كان الرجل بحاجة لزوجة أخرى ‪ :‬كأن كان ل تعفّه زوجة واحدة ‪ ،‬أو كانت زوجته‬
‫الولى مريضة ‪ ،‬أو عقيما ‪ ،‬وهو يرغب بالولد ‪ ،‬وغلب على ظنه أن يقدر على العدل‬
‫بينهما ‪ ،‬كان هذا التعدد مندوبا ‪ ،‬لن فيه مصلحة مشروعة ‪ ،‬وقد تزوج كثير من‬
‫الصحابة رضي ال عنهم بأكثر من زوجة واحدة ‪.‬‬
‫ب ـ إذا كان التعدّد لغير حاجة ‪ ،‬وإنما لزيادة التنعّم والترفيه ‪ ،‬وشك في قدرته على إقامة‬
‫العدل بين زوجاته ‪ ،‬فإن هذا التعدد يكون مكروها ‪ ،‬لنه لغير حاجة ‪ ،‬ولنه ربما لحق‬
‫بسببه ضرر في الزوجات من عدم قدرته على العدل بينهنّ ‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫يقول ‪ " :‬دْع ما يريبُك إلى ما ل يَريبُك " ‪ ،‬أي دع ما تشك فيه إلى ما ل تشك‬ ‫والنبي‬
‫فيه ‪.‬‬
‫رواه الترمذي ( أبواب صفة القيامة ‪ ،‬باب ‪ :‬أعقلها وتوكل ‪ ،‬رقم ‪ ) 2520 :‬عن حسن‬
‫بن علي رضي ال عنهما ‪.‬‬
‫ج ـ وإذا غلب على ظنه ‪ ،‬أو تأكد أنه ل يستطيع إن تزوج أكثر من واحدة أن يعدل بينهنّ ‪:‬‬
‫إما لفقره ‪ ،‬أو لضعفه ‪ ،‬أو لعدم الوثوق من نفسه في الميل والحيف ‪ ،‬فإن التعدد عندئذ‬

‫يقول ‪ " :‬ل ضرر ول ضرَارَ " ‪.‬‬ ‫يكون حراما ‪ ،‬لن فيه إضرارا بغيره ‪ ،‬والنبي‬

‫( ابن ماجه ‪ :‬كتاب الحكام ‪ ،‬باب ‪ :‬من بني في حقه ما يضرّ جاره ‪ .‬موطأ مالك ‪:‬‬
‫القضية ‪ ،‬باب ‪ :‬القضاء في المرفق ) ‪.‬‬
‫فَإِنْ خِ ْفتُمْ أَلّ َتعْ ِدلُواْ َفوَاحِ َدةً َأوْ مَا َمَل َكتْ َأ ْيمَا ُنكُمْ َذِلكَ أَ ْدنَى أَلّ‬ ‫وقال ال عز وجل ‪:‬‬

‫[ النساء ‪. ] 3 :‬‬ ‫َتعُولُواْ‬

‫[ فواحدة ‪ :‬أي فانكحوا واحدة فقط ‪ .‬ذلك أدنى أن ل تعولوا ‪ :‬أي أقرب إلى عدم الميل‬
‫والجور ‪ ،‬لن أصل العول ‪ :‬الميل ] ‪.‬‬
‫ويجب أن يعلم أنه لو عدّد الزوج في الحالتين الخيرتين ‪ ،‬وعقد على ثانية ‪ ،‬أو ثالثة ‪،‬‬
‫كان العقد صحيحا ‪ ،‬وترتبت على آثاره ‪ :‬من حلّ المعاشرة ‪ ،‬ووجوب المهر ‪ ،‬والنفقة‬
‫وغيرها ‪ ،‬وإن كان مكروها في الثانية ‪ ،‬وحراما في الثالثة ‪ ،‬فالحُرمة توجب الثم ‪ ،‬ول‬
‫تبطل العقد ‪.‬‬
‫ما هو العدل المطلوب حصوله بين الزوجات ؟‬
‫والعدل الذي أوجبه السلم على الرجل الذي يجمع بين أكثر من زوجة ‪ ،‬إنما هو العدل‬
‫والمساواة في النفاق ‪ ،‬والسكان ‪ ،‬والمبيت ‪ ،‬وحُسن المعاشرة ‪ ،‬والقيام بواجبات الزوجة ‪.‬‬
‫أما المحبة القلبية التي ل تولّد ظلما عمليا لحداهنّ فليست من مقوّمات العدالة‬
‫المفروض تحصيلها بين الزوجات ‪ ،‬لنه ل سلطان للنسان على قلبه في موضوع المحبة ‪،‬‬

‫ستَطِيعُواْ أَن َتعْ ِدلُواْ َبيْنَ النّسَاء َوَلوْ‬


‫َولَن تَ ْ‬ ‫ولعلّ هذا هو الذي عناه القرآن الكريم بقوله تعالى ‪:‬‬

‫‪26‬‬
‫‪ [ .‬النساء ‪ . ] 129 :‬أي ل تستطيعون أن تمسكوا بزمام قلوبكم في تحقيق المساواة‬ ‫صتُمْ‬
‫ح َر ْ‬
‫َ‬
‫في المحبة ‪ ،‬فل يحملنكم الميل القلبي إلى إحداهما أكثر من الخرى على الظلم والضرار ‪.‬‬
‫أما العدل فيما ذكرنا من النفقة والسكان ‪ ،‬والمبيت وحُسن المعاشرة ‪ ،‬فهذا أمر ممكن‬
‫لكثير من الناس ‪.‬‬

‫يقول ـ بعد عدله في القسمة والمعاملة بين نسائه ـ ‪ " :‬اللهم هذا قسمي‬ ‫وكان النبي‬
‫فيما أملك فل تلمني فيما تملك ول أملك " ‪.‬‬
‫رواه أبو داود ( في النكـاح ‪ ،‬بـاب ‪ :‬في القسـم بين النسـاء ‪ ،‬رقـم ‪) 2134 :‬‬
‫والترمـذي ( في النكـاح ‪ ،‬باب ‪ :‬التسوية بين الضرائر ‪ ،‬رقم ‪ ) 1140 :‬وغيرهما عن‬
‫عائشة رضي ال عنهما ‪.‬‬

‫يحب عائشة أكثر من بقية نسائه ‪.‬‬ ‫وذلك فيما يتعلق بأمر الحب وميل القلب ‪ ،‬فقد كان‬

‫‪27‬‬
‫‪ 2‬ـ الحكمة من مشروعية التعدّد ‪.‬‬
‫إن السلم أباح تعدد الزوجات من حيث الصل ‪ ،‬ولم يجعله فرضا لزما ‪ ،‬ولقد‬
‫أباح السلم هذا التعدّد ‪ ،‬لنه يرمي إلى أهداف بعيدة الغور في الصلح الجتماعي ‪،‬‬
‫ل يدركها إل نافذ البصيرة ‪ .‬وإليك بعض هذه الحكم ‪:‬‬
‫أ ـ ليحمي من ل يمكن أن تعفّهم زوجة واحدة ‪ ،‬وهذا أمر فطري ‪ ،‬فيمكن أن يجرهم ذلك إلى‬
‫ما ليس بمشروع ‪.‬‬
‫فخير لهم وللمجتمع أن يتزوجوا امرأة أخرى في ظل سياج من الرعاية ‪،‬‬
‫وتشريع من الحقوق الملزمة‪ ،‬والكرامة اللئقة ‪ ،‬من أن يقعوا في الزنى ‪.‬‬
‫ب ـ وشرعه أيضا ليحمي المرأة من أن يلهث وراءها أصحاب الشهوات ‪ ،‬ل بعقد يضمن‬
‫ويحمي أبناءها ‪ ،‬وإنما عن طريق المسافحة والمخادنة ‪ ،‬مما يجعل تلك المرأة عُرضة‬
‫للطرد والحرمان من كل حق ‪ ،‬ويجعل أولدها محرومين من حقوق النسب ‪ ،‬وعطف‬
‫البوة ‪.‬‬
‫فلن تكون زوجة ثانية محفوظة الحقوق والكرامة خير لها ألف مرة من أن تظل‬
‫أيّما ‪ ،‬أو تعيش خدينة أو عشيقة ‪ ،‬مما يعرضها في النتيجة للبؤس والشقاء ‪ ،‬وحماية‬
‫المجتمع من النحلل والفساد ‪،‬والفوضى الخلقية ‪.‬‬
‫مبررات تعدد الزواج ‪:‬‬
‫وهناك مبررات تجعل تشريع تعدّد الزواج أمرا بادي الحكمة ‪ ،‬واضح الفائدة ‪،‬‬
‫وسنضرب لذلك بعض المثلة ‪:‬‬
‫‪1‬ـ رجل عنده نهم في النساء ‪ ،‬وعنده امرأة عزوف عن الرجال ‪ ،‬إما فطرة ‪ ،‬أو لمرض ‪.‬‬
‫فهل الفضل أن يزني هذا الرجل ‪ ،‬فيضيع الدين والمال والصحة ؟ أو يبقى منطويا‬
‫على حاجته ‪ ،‬معذبا نفسه ‪ ،‬أو أن يتزوج امرأة أخرى ‪ ،‬بشرط القدرة على العالة‬
‫والعدالة ‪ ،‬وعدم الظلم في المعاملة ؟‬
‫ول شك أن الحل الثالث هو الفضل لهذا الرجل ‪ ،‬وأنفع للمجتمع وأطهر ‪.‬‬
‫‪2‬ـ اندلعت نار الحروب ـ والحروب أصبحت اليوم سنّة الحياة ـ فأبادت الكثير من الرجال ‪،‬‬
‫أو شوّهتهم ‪ ،‬وأصبح عدد النساء وافرا يزيد على عدد الرجال كثيرا ‪ .‬فهل من الخير‬

‫‪28‬‬
‫للنساء أن يقتصر كل رجل على زوجة واحدة ‪ ،‬وتبقى كثرة كاثرة من النساء محرومة‬
‫من عطف الرجل المُعيل ‪ ،‬ومحرومة من إنجاب الولد الذي ل تجد غيره معينا ومعيلً‬
‫عند كبرها ‪ ،‬مما قد يضطرها ـ إرواء لحاجتها ـ إلى ارتكاب الثم والفواحش ؟ ‪.‬‬
‫أم الفضل أن نبيح للرجل أن يضمّ إليه أكثر من زوجة في ظل رعاية شرعية كاملة ؟ ‪.‬‬
‫إننا ل نظلم المنطق والحق في شيء إذا قلنا ‪ :‬إن التعدد في مثل هذه الظروف يعتبر‬
‫عملً إنسانيا تفرضه المروءة والغيرة ‪.‬‬

‫بأكثر من واحدة من نسائه كان معظمه‬ ‫ول نخالف الواقع إذا قلنا ‪ :‬إن زواج الرسول‬
‫من هذا النوع النساني الشريف ‪.‬‬
‫لقد هاجر بعضهنّ وحيدة ‪ ،‬و تركت أهلها ‪ ،‬أو مات عنها زوجها شهيدا ‪ ،‬وتركها أرملة‬

‫إلى نجدتها ‪ ،‬وضمّها إلى بيته ‪ ،‬فكان لها خير مُعيل ‪ ،‬و‬ ‫من غير مُعيل ‪ ،‬فخفّ رسول ال‬
‫كان لها شرف أمومة المؤمنين ‪ ،‬وفضيلة القتران بسيد المرسلين عليه أفضل الصلة والتسليم ‪.‬‬
‫ولما حرمت أوربه المسيحية التعدّد ‪ ،‬فماذا جنت غير الخيانات الزوجية ‪ ،‬أو العذاب النفسي ‪،‬‬
‫أو الحرمـان لكثير من الزواج ؟‬
‫‪3‬ـ إنسان متزوج من امرأة تحبه ويحبها ‪ ،‬لكنها عقيم ل تنجب ‪ ،‬وهو يتوق إلى الولد ‪ ،‬و يحنّ‬
‫إليه ‪.‬‬
‫فهل من الفضل أن نحرم هذا النسان الزواج من ثانية ‪ ،‬وندعه مظلوم الفؤاد محروم‬
‫الولد ؟‬
‫أم نأمره بأن يطلق زوجته التي يحبها ‪ ،‬أم نبيح له الزواج بامرأة أخرى ‪ ،‬مع حماية الولى‬
‫من الظلم ؟‬
‫إن هذا الحل هو الفضل من كل ما سبق ‪ ،‬فقد راعى مصالح الرجل والمرأة على‬
‫السواء ‪.‬‬
‫‪4‬ـ إن الشعوب التي حرمّت تعدد الزوجات وقعت بما هو أشدّ خطرا ‪ ،‬وأكثر ضررا من‬
‫ضرر التعدّد المزعوم ‪ .‬لقد كثر فيهم الفساد ‪ ،‬وانتشرت فيهم الخيانات الزوجية ‪،‬‬
‫والمخادنات السريّة ‪ ،‬مما يجعل عُقلءهم يصرخون مُطالبين بتشريع يحل التعدّد ‪ ،‬و‬
‫يقضي على تلك المفاسد المدمرة لحياتهم الجتماعية ‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫تنبيه ‪:‬‬
‫جهَلة لحق التعدّد ل يغضّ من حكمة السلم ‪ ،‬ول يحمّله تبعة‬
‫إن إساءة استعمال بعض ال َ‬
‫رعونة وسفاهة أولئك الجاهلين ‪ ،‬وسوء تصرفهم ‪.‬‬
‫فالسلم ‪ ،‬ما أباح التعدّد ليكون سلحا للجرح ‪ ،‬أو الذبح ‪ ،‬أو سوء المعاملة ‪ ،‬وإنما‬
‫شرعة تلبية للحاجة ‪ ،‬ووقاية للمجتمع ‪ ،‬ورعاية للفراد ‪ ،‬وقضاء على الرزيلة ‪.‬‬
‫لكن تلك المبررات ‪ ،‬وبتلك الشروط الشرعية أباح السلم التعدّد ‪ ،‬ولم يوجبه ‪ ،‬وأحاطه‬
‫بسياج من الضمانات الخلقية الحقوقية ‪.‬‬
‫فالسلم أشبه ( بصيدلية ) وَعَت جميع الدوية التي تفي بحاجة الناس جميعهم ‪ ،‬يأخذ‬
‫كل فرد الدواء الذي يتفق وحاجته ومرضه ‪ ،‬ليس معقولً أن نقلّل من أهمية هذه ( الصيدلية )‬
‫أو نقلّص من موادها بحيث ل تفي بالحاجة العامة لجميع الفراد ‪ ،‬أو نُبيح جميع ما فيها لكل‬
‫فرد ‪ ،‬ولو بغير حاجة ‪.‬‬
‫هذا وإذا كان أعداد السلم ل يعجبهم هذا التشريع ‪ ،‬لنه ل يتفق وأمزجتهم المنحرفة ‪،‬‬
‫وأذواقهم الفاسدة ‪ ،‬وشهواتهم الرخيصة ‪ ،‬فليموتوا بغيظهم ‪ ،‬وال من ورائهم محيط ‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫مقدمات الزواج‬
‫تمهيد ‪:‬‬
‫إن سعادة السرة ‪ ،‬ونجابة الولد ‪ ،‬واستمرار الحياة الزوجية تتوقف على حسن اختيار‬
‫كل من الزوجين للخر ‪ ،‬اختيارا واعيا ‪ ،‬غير متأثر بعاطفة هوجاء ‪ ،‬أو مصلحة مؤقتة ‪ ،‬وإنما‬
‫يكون قائما على أساس يبقى ‪ ،‬ويقوى مع مرور الزمن ؛ ولما كان عقد الزواج عقدا خطير‬
‫الثر‪ ،‬طويل المد ‪ ،‬كثير التكاليف ‪ ،‬كان لبدّ قبل إجراء هذا العقد من خطوات تتخذ من ِقبَل‬
‫كل من الخاطب والمخطوبة ‪ ،‬حتى إذا أقدما على عقد الزواج كانا قد أقدما عليه ‪ ،‬وقد اطمأن‬
‫كل منهما إلى الصفات والمؤهلت التي تحقق أغراضه ‪ ،‬وتطمئن نفسه إلى مستقبل ارتباطه مع‬
‫زوجه ‪.‬‬
‫وهذه الخطوات هي ‪:‬‬
‫أولً ‪ :‬البحث عن الصفات التي تطلب في كل من الزوجين ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬رؤية المخطوبة والنظر إليها ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬الخطبة ‪.‬‬
‫أولً ‪ :‬البحث عن الصفات التي ينبغي أن تطلب في كل من الزوجين ‪:‬‬
‫لقد أرشد السلم إلى عدة من الصفات تكون في المخطوبة ‪ ،‬كما تكون في الخاطب ‪ ،‬و‬
‫حث على تلمسها ‪ ،‬والبحث عنه ‪ ،‬وهذه الصفات هي ‪:‬‬
‫‪1‬ـ الدين الصحيح والخلق القويم ‪:‬‬
‫يُطلب في الزوج يُختار أن يكون دينا ‪ ،‬ذا خلق حسن ‪ ،‬كما يطلب في الزوجة أن تكون‬
‫دينة ‪ ،‬وذات خلق حسن ‪ ،‬و إلى ذلك أرشد النبي العظم عليه الصلة والسلم حين قال ‪ " :‬إذا‬
‫خطب إليكم من ترْضون دينه وخلقه فزوجوه ‪ ،‬إل تفعلوا تكن فتنة في الرض وفساد عريض "‬
‫( رواه الترمذي في النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء إذا جاءكم مَن ترضون دينه فزوّجوه ‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫‪) 1084‬‬

‫‪ " :‬تنكح المرأة لربع ‪ :‬لمالها ‪ ،‬ولحسبها ‪ ،‬ولجمالها ‪ ،‬ولدينها ‪ ،‬فاظفر بذات‬ ‫وقال‬
‫الدين َت ِر َبتْ يداك " ‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫رواه البخاري ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬الكفاء في الدين ‪ ،‬رقم ‪ ) 4802 :‬ومسلم ( الرضاع ‪،‬‬
‫باب ‪ :‬استحباب نكاح ذات الدين رقم ‪) 1466 :‬‬
‫[ تربت يداك ‪ :‬افتقرت ‪ ،‬وهذه كلمة جارية على ألسنة العرب ل يريدون بها الدعاء على‬
‫المخاطب ‪ ،‬و لكن يريدون بها الحثّ والتحريض ‪ ،‬والمراد بالدين والخلق ‪ :‬فعل الطاعات ‪،‬‬
‫والعمال الصالحات ‪ ،‬والعفّة عن المحرمات ‪ ،‬والقيام بحقوق الزوجية ] ‪.‬‬
‫‪2‬ـ الحكمة من تفصيل ذات الدين والخلق ‪:‬‬
‫إن الحكمة من ذلك هي أن الدين يقوى على مرور الزمن ‪ ،‬والخلق يستقيم مع توالي‬
‫اليام وتجارب الحياة ‪.‬‬
‫فإذا اختار كلّ من الزوجين الخر لدينه وخلقه ‪ ،‬كان ذلك أضمن لستمرار الحب ‪ ،‬ودوام‬
‫المودّة ‪.‬‬
‫ول يُفهم مما ذكرنا أن على النسان أن يعزف عن الحَسَب والجمال ‪ ،‬وإنما يجب أن‬
‫يفهم أنّ هذه الصفات إذا انفردت في المخطوبة ‪ ،‬كان الدين أفضلها ‪ ،‬وإذا اجتمعت كانت نورا‬
‫على نور ‪.‬‬
‫‪3‬ـ النسب في كل من الزوجين ‪:‬‬
‫ومعنى النسب ‪ :‬طيب الصل ‪ ،‬وكرم المنبت ‪ ،‬ودليل ذلك ما جاء في حديث الصحيحين‬
‫السابق تنكح المرأة لربع ‪ ،‬وذكر منها ‪( :‬ولحسبها ) ‪.‬‬
‫كذلك يسنّ في الزوج أن يكون ذا حسب ‪ ،‬وأصل طيب ‪ ،‬لن ذلك أعون على استدامة‬
‫الحياة الزوجية ‪ ،‬وأقرب إلى طيب العشرة ‪ ،‬لن صاحب الصل الطيب ل يصدر عنه إل‬
‫العِشْرة الكريمة ‪ ،‬إذا أحبّ أكرم ‪ ،‬وإذا أبغض ل يظلم ‪.‬‬
‫‪4‬ـ أن ل يكون بين الزوجين قرابة قريبة ‪:‬‬
‫وقد نصّ الشافعي رحمة ال تعالى على أنه ل يتزوج الرجل من عشيرتيه ‪ :‬أي‬
‫القربين ‪.‬‬
‫وقد علل الزنجاني ذلك بقوله ‪ :‬إن من مقاصد النكاح اتصال القبائل ‪ ،‬لجل التعاضد‬
‫والمعاونة ‪ ،‬وهذا حاصل في القرابة القريبة من غير زواج ‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫وقد روى ‪ ( :‬ل تنكحوا القرابة القريبة ‪ ،‬فإن الولد يُخلق ضاويا ) أي نحيفا ‪ ،‬وذلك‬
‫لضعف الشهوة بين القرابة ‪ .‬ذكر هذا الشربيني في شرحه لمنهاج النووي ‪.‬‬
‫لكن ذكر ابن الصلح أنه لم يجد لهذا الحديث أصلً معتمداّ ‪ ،‬وقد ذكره ابن الثير في‬
‫كتابه [ النهاية في غريب الحديث والثر ] ‪.‬‬

‫قد زوّج فاطمة من على رضي ال عنهما ‪ ،‬لنه‬ ‫ول يطعن في هذا الحكم أن النبي‬
‫فعل ذلك لبيان الجواز ‪ ،‬أو لنه ليس بينهما قرابة قريبة جدا ‪ ،‬ففاطمة هي بنت ابن عم علي ‪،‬‬
‫فهي بعيده عنه بالجملة ‪.‬‬
‫‪5‬ـ الكفاءة ‪:‬‬
‫ويقصد بالكفاءة ‪ :‬مساواة حال الرجل لحال المرأة اليوم في عدة وجوه ‪:‬‬

‫أ ـ الدين والصلح ‪ ،‬فليس الفاسق كفؤا لعفيفة صالحة ‪ ،‬قال تعالى ‪ } :‬أَ َفمَن كَانَ ُم ْؤمِنا َكمَن‬

‫س َتوُونَ { [ السجدة ‪. ] 18 :‬‬


‫كَانَ فَاسِقا لّا يَ ْ‬

‫ب ـ الحرفة ‪ ،‬فصاحب حرفه دنيئة ‪ ،‬ككنّاس وحجّام وراع وقيّم حمام ‪ ،‬ليس كفؤا لبت عالم‬
‫وقاض وتاجر ‪.‬‬
‫ج ـ السلمة من العيوب المثبتة للخيار في فسخ النكاح ‪ ،‬فمَن به جنون أو برص ليس كفؤا‬
‫للسليمة منها ‪.‬‬

‫والكفاءة في الزواج من حق الزوجة وأوليائها ‪ ،‬وهي وإن لم تكن شرطا في صحة‬

‫النكاح‪ ،‬لكن مطلوبة ومقررة دفعا للعار عن الزوجة وأوليائهما ‪ ،‬وضمانا لستقامة الحياة بين‬

‫الزوجين ‪ ،‬وذلك لن أسلوب حياتهما ‪ ،‬ونوع معيشتهما يكونان متقاربين ‪ ،‬ومألوفين لهما ‪ ،‬فل‬

‫يضطر أحدهما لتغيير مألوفة ‪.‬‬

‫فللزوجة وأوليائها إسقاط حق الكفاءة ‪ ،‬فلو زوّجها وليها غير كفء برضاها صحّ الزواج‬

‫‪ ،‬لن الكفاءة حقها وحق الولياء ‪ ،‬فإن رضوا بإسقاطها ‪ ،‬فل اعتراض عليهم ‪ .‬ويشير إلى‬

‫مراعاة الكفاءة ‪ ،‬قول النبي ‪ " : r‬تخيروا لنطفكم وانكحوا الكفاءَ وانكحوا إليهم " ‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫رواه الحاكم ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬تخيروا لنطفكم ‪ ،..‬رقم ‪ ) 2/163 :‬وصححه ‪.‬‬

‫‪ -6‬البكارة ‪:‬‬
‫والبكر ‪ :‬هي التي لم يسبق لها أن تزوجت ‪ ،‬وقد بيّن النبي ‪ r‬سبب اختيار الزوجة البكر‬

‫‪ ،‬حين قال ‪ " :‬عليكم بالبكارَ ‪ ،‬فإنهنّ أعْ ُذَبُ أفواها ‪ ،‬وأنتقُ أرحاما ‪ ،‬وأرضى باليسير " ‪.‬‬

‫رواه ابن ماجه في ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬تزوج البكار ‪ ،‬رقم ‪. ) 1860 :‬‬

‫[ أعذب أفواها ‪ :‬ألين كلما ‪ ،‬فهو كناية عن حُسن كلمها وقلّه بذائها وفحشها مع زوجها‬

‫‪ ،‬لبقاء حيائها ‪ ،‬لنها لم تُخالط زوجا قبله ‪ .‬أنتق أرحاما ‪ :‬أكثر أولدا ] ‪.‬‬

‫وروى البخاري ومسلم واللفظ له ‪:‬‬

‫عن جابر ‪ t‬قال ‪ :‬تزوجت امرأة في عهد رسول ال ‪ r‬فقلت النبي ‪ r‬فقال ‪ " :‬يا جابر ‪،‬‬

‫تزوجت ؟ قلت ‪ :‬نعم ‪ .‬قال ‪ :‬بكر أم ثّيب ؟ قلت ‪ :‬ثّيب ‪ .‬قال ‪ :‬فهلّ بكرا تلعبها ؟ قلتْ ‪ :‬يا‬

‫رسول ال ‪ :‬إن لي أخوات ‪ ،‬فخشيت أن تدخل بيني وبينهنّ ‪ .‬قال فذاك إذا ‪ ،‬إن المرأة تنكح‬

‫على دينها ومالها وجمالها ‪ ،‬فعليك بذات الدين تربت يداك " ‪.‬‬

‫( البخاري‪:‬النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬تزويج الثيّبات ‪ .‬ومسلم ‪ :‬الرضاع ‪ ،‬باب ‪ :‬استحباب نكاح‬

‫ذات نكاح ذات اليدين ) ‪.‬‬

‫جبِلت على‬
‫وكذلك يستحبّ أن يكون الزوج بكرا ‪ ،‬لم يسبق له أن تزوج ‪ ،‬لن النفوس ُ‬

‫الستئناس بأول مألوف ‪.‬‬

‫الولود ‪ :‬وتُعرف البكر الولود بأقاربها ‪ ،‬كأختها ‪ ،‬وعمتها ‪ ،‬وخالتها ‪ ,‬ويُعرف الرجل‬

‫الولود أيضا بأقربائه ‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫‪ " -‬تزوجوا الولود الودود فإني مُكاثر بكم المم يوم القيامة " ‪.‬‬ ‫قال رسول ال ‪-‬‬

‫رواه أحمد ‪ ،‬وابن حبّان ‪ ،‬والحاكم ‪ ،‬وصحّح إسناده ‪( .‬المستدرك ‪ :‬النكاح ‪ ،‬باب ‪،‬‬

‫تزوّجوا الودود الولود ‪) 2/162 :‬‬

‫ثانيا ‪ :‬رؤية المخطوبة والنظر إليها ‪:‬‬

‫ومن المور المستحبّة التي رغّب فيها السلم أن ينظر الخاطب إلى المخطوبة قبل‬

‫الخطبة ‪ ،‬إذا قصد نكاحها ‪ ،‬ورجا رجاء طاهرا أن يجاب إلى طلبه ‪ ،‬وإن لم تأذن له ‪ ،‬أو لم‬

‫تعلم بنظره ‪ ،‬اكتفاء بإذن الشرع له ‪ ،‬ولئل تتزين له ‪ ،‬فيفوت غرضه ‪.‬‬

‫وله تكرير النظر ثانيا وثالثا إن احتاج إليه ‪ ،‬ليتبين هيئتها ‪ ،‬فل يندم بعد النكاح ‪ ،‬إذ ل‬

‫يحصل الغرض غالبا بأول نظرة ‪.‬‬

‫روى المام الترمذي وحسّنه ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في النظر إلى المخطوبة ‪ ،‬رقم ‪:‬‬

‫‪ ، ) 1087‬وابن ماجه ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬النظر إلى المرأة إذا أراد أن يتزوجها ‪ ،‬رق ‪) 1865 :‬‬

‫وقد خطب امرأة ـ أي عزم على خطبتها ـ ‪:‬‬ ‫قال للمغيرة بن شعبة‬ ‫وغيرهما ‪ :‬أن النبي‬

‫" انظر إليها فإنه أحرى أنْ يؤدَمَ بينكما " ‪.‬‬

‫ومعنى يؤدم بينكما ‪ :‬أن تدوم المودّة واللفة بينكما ‪.‬‬

‫وروى البخاري ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬النظر إلى المرأة قبل التزويج ‪ ،‬رقم ‪، ) 4833 :‬‬

‫ومسلم ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬الصداق وجواز كونه تعليم قرآن ‪ ، ..‬رقم ‪ ) 1524 :‬عن سهل بن‬

‫فقالت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬جئت لهبَ لك نفسي ‪ ،‬فصعّد‬ ‫‪ :‬أن امرأة جاءت رسول ال‬ ‫سعد‬

‫النظر إليها وصّوبه ‪ ،‬ثم طأطأ رأسه ‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫[ لهب لك ‪ :‬أجعل أمري لك ‪ :‬تتزوجني بدون مهر ‪ ،‬أو تزوّجني لمن ترى ‪ .‬فصعد‬

‫النظر إليها وصوبه ‪ :‬نظر إلى أعلها وأسفلها وتأملها ‪ .‬طأطأ رأسه ‪ :‬خفض رأسه ‪ ،‬ولم يُعد‬

‫النظر إليها ] ‪.‬‬

‫وروى مسلم ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ندب النظر إلى وجه المرأة وكفّيها لمن يريد تزوجها ‪،‬‬

‫فأتاه رجل ‪ ،‬فأخبره أن تزوج امرأة‬ ‫قال ‪ :‬كنت عند النبي‬ ‫رقم ‪ ) 1434 :‬عن أبي هريرة‬

‫‪ ":‬أنظرتَ إليها ؟ " قال ‪ :‬ل ‪ .‬قال ‪ " :‬فاذهب فانظر إليها ‪،‬‬ ‫من النصار فقال له رسول ال‬

‫فإنّ في أعين النصار شيئا " أي يختلفن عن أعين غيرهنّ ربما ل يعجبك ‪.‬‬

‫‪ " :‬إذا خطب أحدكم امرأة فل جُناح‬ ‫قال ‪ :‬قال رسول ال‬ ‫وعن أبي حُميد الساعدي‬

‫عليه أن ينظر منها ‪ ،‬إذا كان إنما ينظر إليها لخطبته ‪ ،‬وإن كانت ل تعلم " ‪ .‬رواه أحمد (‬

‫‪)5/424‬‬

‫هذا ويحق لها أيضا أن تراه ‪ ،‬إذا أرادت الزواج منه ‪ ،‬لتتبين هيئته ‪ ،‬ول تندم بعد النكاح‬

‫‪ ،‬فإنها يعجبها منه ما يعجبه منها ‪.‬‬

‫حدود النظر ‪:‬‬

‫ول يجوز للخاطب أن ينظر من المخطوبة إلّ وجهها وكفّيها ظهرا وبطنا ‪ ،‬لنها‬

‫ظ َهرَ‬
‫َولَا ُيبْدِينَ زِي َن َتهُنّ ِإلّا مَا َ‬ ‫مواضع ما يظهر من الزينة المُشار إليها ‪ ،‬في قوله تعالى ‪:‬‬

‫[ النور ‪] 31 :‬‬ ‫ِم ْنهَا‬

‫والحكمة من القتصار على الوجه والكفّين ‪ ،‬أن الوجه يستدل به على الجمال ‪ ،‬واليدين‬

‫يستدل بهما على خصب البدن ولينه ‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫وإن لم يتيسر له أن ينظر إليها ‪ ،‬أرسل امرأة تتأملها ‪ ،‬وتصفها له ‪.‬‬

‫بعث أم سليم إلى امرأة ‪ ،‬وقال ‪ " :‬انظري عرقوبيها ‪ ،‬وشمي عوارضها " ‪.‬‬ ‫لنه‬

‫رواه الحاكم ( في النكاح ‪ ) 2/166 :‬وصححه ‪.‬‬

‫[ العرقرب ‪ :‬عصب غليظ فوق عقب النسان ‪ .‬وشمّي عوارضها ‪ :‬أي رائحة جسمها "‬

‫ويؤخذ من الحديث أن للمبعوث أن يصف للباعث زائدا على ما ينظره بنفسه ‪ ،‬فيستفيد‬

‫بالبعث ما ل يستفيده بنظره ‪.‬‬

‫حكم نظر الجنبي إلى المرأة ‪:‬‬

‫ويحرم نظر رجل بالغ عاقل مختار ـ ولو شيخا ‪ ،‬أو عاجزا ‪ ،‬وكذلك المراهق وهو مَن‬

‫قارب البلوغ ـ إلى أيّ جزء من جسم المرأة أجنبية كبيرة ‪ .‬والكبيرة هي من بلغت حدّا تشتهى‬

‫فيه ‪ ،‬ولو كانت غير بالغة ‪ ،‬ولو كان ذلك الجزء الوجه والكفّين ‪ ،‬ولو لم تكن هناك فتنة على‬

‫الصحيح في المذهب ‪.‬‬

‫وكذلك يحرم على المرأة أن تنظر إلى الرجل لغير حاجة ‪ .‬قال ال تعالى ‪:‬‬

‫خبِيرٌ ِبمَا‬
‫ن اللّهَ َ‬
‫جهُمْ َذِلكَ َأ ْزكَى َلهُمْ إِ ّ‬
‫قُل ّل ْل ُم ْؤ ِمنِينَ َي ُغضّوا مِنْ َأ ْبصَارِهِمْ َويَحْفَظُوا ُفرُو َ‬

‫[ النور‪. ] 31- 3 :‬‬ ‫جهُنّ‬


‫ص َنعُونَ{‪ }30‬وَقُل ّل ْل ُم ْؤ ِمنَاتِ َي ْغضُضْنَ مِنْ َأ ْبصَارِهِنّ َويَحْفَظْنَ ُفرُو َ‬
‫َي ْ‬

‫وروي عن أم سلمة رضي ال عنها قالت ‪ :‬كنت عند ميمونة رضي ال عنها ـ عند‬

‫‪ " :‬احتجبا منه ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا رسول ال ‪:‬‬ ‫فقال النبي‬ ‫ـ إذ أقبل ابن أمّ مكتوم‬ ‫رسول ال‬

‫أفعمياوان أنتما ؟ ألستما تبصرانه "‬ ‫أليس هو أعمى ل يبصر ول يعرفنا ؟ فقال ‪ :‬رسول ال‬

‫‪37‬‬
‫رواه الترمذي ( الب ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في احتجاب النساء من الرجال ‪ ،‬رقم ‪) 2779 :‬‬

‫وقال ‪ :‬حديث حسن صحيح ‪.‬‬

‫هذا ‪ ،‬وحيث حرّم النظر فيما ذكر حرّم المسّ ‪ ،‬لنه أبلغ منه في التلذذ وإثارة الشهوة ‪.‬‬

‫أما النظر إلى الصغيرة التي ل تُشتهى ‪ ،‬والصغير الذي هو دون المراهقة ‪ ،‬فإنه ل‬

‫يحرم النظر إل إلى الفرج منهما ‪ .‬لن النظر إليهما ليس في مظنة شهوة ‪ ،‬فل يحرم ذلك ‪.‬‬

‫النظر إلى المحارم ‪:‬‬


‫ويجوز نظر الرجل إلى محارمه من النساء إل ما بين السرّة والركبة ‪.‬‬

‫وكذلك المرأة تنظر إلى محارمها من الرجال ما عدا ما بين السرّة إلى الركبة ‪.‬‬

‫متى يباح النظر إلى الجنبية ؟‬


‫واعلم أن ما تقدم من حُرمة النظر إلى المرأة الجنبية ‪ ،‬والمسّ لهما ‪ ،‬إنما هو حيث ل‬

‫تدعوا الحاجة إليهما ‪ ،‬وأما إذا دعت الحاجة إلى النظر ‪ ،‬أو المسّ ‪ ،‬فإن ذلك يُباح ‪ ،‬وليس فيه‬

‫حرج ‪.‬‬

‫والحاجة تظهر في المور التية ‪:‬‬

‫‪1‬ـ عند المداواة ‪ ،‬لن في التحريم حرجا ‪ ،‬والسلم دين اليُسْر ورفع الحرج ‪ .‬قال تعالى ‪:‬‬

‫[ الحرج ‪ . ] 78 :‬فيُنظر إلى المواضع التي‬ ‫حرَجٍ‬


‫عَل ْيكُمْ فِي الدّينِ مِنْ َ‬
‫جعَلَ َ‬
‫َومَا َ‬

‫يحتاج إليها ‪.‬‬

‫روى مسلم ( السلم ‪ ،‬باب ‪ :‬لكل داء ودواء واستحباب التداوي ‪ ،‬رقم ‪ ) 2206 :‬عن‬

‫أبا‬ ‫في الحجامة ‪ ،‬فأمر النبي‬ ‫‪ ( :‬أن أم سلمة رضي ال عنهما استأذنت رسول ال‬ ‫جابر‬

‫طيبة أن يحجمها ) ‪ .‬فللرجل مداواة المرأة إذا كانت الضرورة تتطلب ذلك ‪ ،‬ولم توجد امرأة‬

‫‪38‬‬
‫تعالجها ‪ ،‬وكذلك للمرأة مداواة الرجل إذا لم يوجد رجل يعالجه ‪ ،‬ودعت الضرورة إلى ذلك ‪،‬‬

‫لكن ل يعالج الرجل المرأة إل بحضرة مَحرَم ‪ ،‬أو زوج ‪ ،‬أ‪ ,‬امرأة ثقة ‪.‬‬

‫وإذا وجد الطبيب المسلم ‪ ،‬ل يعدل إلى غيره ‪.‬‬

‫‪2‬ـ عند المعاملة من بيع وشراء ‪ ،‬إذا كانت هناك حاجة لمعرفة تلك المرأة ‪ ،‬ولم تعرف دون‬

‫النظر إليها ‪.‬‬

‫‪3‬ـ عند الشهادة تحملً وأداء ‪ ،‬لن الحاجة تدعوا إلى النظر إلى المشهود عليه ‪ ،‬أو المشهود له‬

‫‪4‬ـ عند التعليم ‪ :‬وذلك فيما ذكر ‪ ،‬فإنما يُباح بقدر الحاجة فقط ‪ ،‬لن النظر إنما أبيح للضرورة‬

‫أو الحاجة ‪ ،‬والضرورة والحاجة تقدر بقدّر ما يرفع الحرج ويحقق الغرض ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬الخطبة ‪:‬‬

‫فإذا ت ّم الوثوق من الصفات الحسنة ‪ ،‬وتحقق بالرؤية والنظر الرضا والرغبة ‪ ،‬جاء دور‬

‫الخطبة ‪.‬‬

‫والخطبة ـ بكسر الخاء ـ هي التماس الخاطب النكاح من جهة المخطوبة ‪.‬‬

‫متى تحل الخطبة ‪ ،‬ومتى تحرم ‪:‬‬

‫‪1‬ـ تحل الخطبة تصريحا وتعرضا ‪ ،‬إذا كانت المخطوبة خليّة من نكاح ‪ ،‬وعدة ‪ ،‬ومن كل‬

‫موانع النكاح التي مر ذكرها في المحرمات ‪.‬‬

‫‪2‬ـ تحل الخطبة تعريضا فقط ل تصريحا ‪ ،‬إذ كانت المرأة معتدّة من وفاة ‪ ،‬أو طلق بائن ‪ .‬قال‬

‫علِ َم اللّهُ‬
‫سكُمْ َ‬
‫طبَ ِة النّسَاء َأوْ َأ ْكنَنتُمْ فِي أَنفُ ِ‬
‫ضتُم بِهِ مِنْ خِ ْ‬
‫ع ّر ْ‬
‫عَل ْيكُمْ فِيمَا َ‬
‫جنَاحَ َ‬
‫وَلَ ُ‬ ‫ال تعالى ‪:‬‬

‫سرّا إِلّ أَن تَقُولُواْ َقوْلً ّم ْعرُوفا وَلَ َت ْع ِزمُواْ عُقْ َدةَ ال ّنكَاحِ‬
‫ستَ ْذ ُكرُونَهُنّ َولَـكِن لّ ُتوَاعِدُوهُنّ ِ‬
‫َأ ّنكُمْ َ‬

‫‪39‬‬
‫حلِيمٌ‬
‫ن اللّهَ غَفُورٌ َ‬
‫سكُمْ فَاحْ َذرُوهُ وَاعَْلمُواْ أَ ّ‬
‫ن اللّهَ َي ْعلَمُ مَا فِي أَنفُ ِ‬
‫عَلمُواْ أَ ّ‬
‫جلَهُ وَا ْ‬
‫ح ّتىَ َي ْبلُغَ ا ْل ِكتَابُ أَ َ‬
‫َ‬

‫[ البقرة " ‪] 235‬‬

‫[ ل جُناح ‪ :‬ل إثم ول حرج ‪ .‬أكننتم ‪ :‬أخفيتم ‪ .‬ل تواعدوهنّ سرّا ‪ :‬ل تعدوهن بالنكاح‬

‫خفية ‪ .‬قولً معروفا ‪ :‬موافقا للشرع ‪ ،‬وهو التعريض ‪ .‬ول تعزموا عقدة النكاح ‪ :‬ل تحققوا‬

‫جلَه ‪ :‬حتى تنقضي العدّة ‪ ،‬وهي المدة التي فرضها‬


‫العزم على عقد الزواج ‪ .‬حتى يبلغ الكتاب أ َ‬

‫ال على المعتدّة في كتابه أن ل تتزوج خللها ] ‪.‬‬

‫‪3‬ـ وتحرم الخطبة تعريضا وتصريحا فيما عدا ما ذكر ‪ ،‬في الفقرة الولى والثانية ‪.‬‬

‫فتحرم خطبة امرأة ما تزال على عصمة زوجها ‪ .‬كما تحرم خطبة كل امرأة ذكرت في‬

‫محرمات النكاح ‪ ،‬سواء كانت محرمة مؤبدة أم محرمة مؤقتة ‪.‬‬

‫وتحرم خطبة المرأة المعتدّة من طلق رجعي ‪ ،‬سواء كان ذلك بالتعريض أم‬

‫بالتصريح ‪ ،‬لنها زوجة ‪ ،‬أو في معنى الزوجة ‪ ،‬لن لزوجها الحق في مراجعتها ‪ ،‬قال تعالى‬

‫‪:‬‬

‫[ البقرة ‪. ] 228 :‬‬ ‫َو ُبعُوَل ُتهُنّ أَحَقّ ِبرَدّهِنّ فِي َذِلكَ إِنْ َأرَادُواْ ِإصْلَحا ً‬

‫معنى التصريح بالخطبة ‪:‬‬

‫والتصريح في الخطبة معناه ‪ :‬كل لفظ يقطع بالرغبة في النكاح ‪ :‬كأُريد أن أنكحك ‪ ،‬أو‬

‫‪ :‬إذا انقضت عدتك تزوجتك ‪.‬‬

‫معنى التعريض بالخطبة ‪:‬‬

‫‪40‬‬
‫والتعريض بالخطبة معناه ‪ :‬أن يستعمل لفظا يحتمل الرغبة في النكاح ‪ ،‬وعدمها ‪ ،‬كأن‬

‫يقول للمعتدّة ‪ :‬أنت جميلة ‪ ،‬أو ‪ :‬ربّ راغب فيك ‪ ،‬مَن يجد مثلك ‪ ،‬أو نحو ذلك ‪.‬‬

‫الخطبة على الخطبة ‪:‬‬

‫وتحرم خطبة إنسان على خطبة أخيه ‪ ،‬إذا كان قد صرح له بالجابة ‪ ،‬إل بإذنه ‪.‬‬

‫فإن لم يجب ولم يرد لم تحرم الخطبة ‪.‬‬

‫وهذه الحرمة حرمة توجب الثم ‪ ،‬ول توجب بطلن العقد ‪ ،‬فيما إذا خطب على خطبة‬

‫أخيه ‪ ،‬وعقد عقد الزواج ‪.‬‬

‫‪ " :‬ل يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يترك‬ ‫ودليل هذا التحريم ‪ :‬قول النبي‬

‫الخاطب قبله ‪ ،‬أو يأذن له الخاطب " ‪.‬‬

‫رواه البخاري ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ل يخطب على خطبة أخيـه ‪ ،…..‬رقـم ‪، ) 4848 :‬‬

‫ومسـلم ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬تحريم الخطبة على خطبة أخيه ‪ ،..‬رقم ‪ ) 1412 :‬عن ابن عمر‬

‫حكم الستشارة في خاطب أو مخطوبة ‪:‬‬

‫مَن استُشير في خاطب أو مخطوبة وجب عليه أن يذكر من العيوب والمساوئ ما يعرف‬

‫بصدق ‪ ،‬ليحـذر ‪ ،‬وذلك بذلً للنصيحة ‪ ،‬ول يعدّ ذلك من الغيبة المحرّمة ‪ .‬هذا إذا احتيج إلى‬

‫ذكر العيوب ‪ ،‬أما إذا اندفع بدون ذكر ذلك ‪ ،‬كقوله مثلُ ‪ :‬هذا ل يصلح لك ‪ ،‬أو هذه ل تصلح‬

‫لك ‪ ،‬وجب القتصار على ذلك ‪ .‬دليل هذا الحكم حديث فاطمة بنت قيس رضي ال عنهما عند‬

‫مسلم ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬المطلّقة ثلثا ل نفقة لها ‪ ،‬رقم ‪ ، ) 1480 :‬والترمذي ( النكاح ‪ ،‬بباب‬

‫‪ :‬إن‬ ‫‪ :‬ما جاء في أن الرجل ل يخطب على خطبة أخيه ‪ ،‬رقم ‪ ) 1135 :‬أنها قالت للنبي‬

‫‪41‬‬
‫‪ ":‬أما أبو جهم فل َيضَعُ عصاه‬ ‫معاوية بن أبي سفيان ‪ ،‬و أبا جهم خطباني ‪ ،‬فقال رسول ال‬

‫عن عاتقه ‪ ،‬وأما معاوي ُة فصعلوكّ ل مال له ‪ ،‬انكحي أسامة بن زيد ‪ ،‬فكرهته ‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬

‫انكحي أسامة ‪ ،‬فنكحته ‪ ،‬فجل ال فيه خيرا ‪ ،‬واغتبطتْ " ‪.‬‬

‫ي موليته على ذوي الصلح والتقوى ‪:‬‬


‫عرض الول ّ‬

‫ويسن لولي المرأة التي يرغب في تزويجها أن يعرض زواجها على أهل الصلح‬

‫حين عرض بنته عليه ‪ ،‬لما‬ ‫والتقوى ‪ ،‬تأسيا بما فعل شعيب عليه الصلة والسلم مع موسى‬

‫عرِف من أمانته وعفافه ‪ .‬قال تعالى حاكيا قصتهما ‪:‬‬


‫ُ‬

‫ج ْرتَ الْ َقوِيّ الَْأمِينُ{‪ }26‬قَالَ ِإنّي ُأرِيدُ‬


‫ستَ ْأ َ‬
‫خ ْيرَ مَنِ ا ْ‬
‫ج ْرهُ إِنّ َ‬
‫ستَأْ ِ‬
‫قَاَلتْ إِحْدَا ُهمَا يَا َأ َبتِ ا ْ‬

‫ج َرنِي َثمَا ِنيَ حِجَجٍ َفإِنْ َأ ْت َم ْمتَ عَشْرا َفمِنْ عِن ِدكَ َومَا‬
‫علَى أَن َتأْ ُ‬
‫حكَ إِحْدَى ا ْب َن َتيّ هَا َتيْنِ َ‬
‫أَنْ أُنكِ َ‬

‫جَليْنِ‬
‫ستَجِ ُدنِي إِن شَاء اللّهُ مِنَ الصّالِحِينَ{‪ }27‬قَالَ َذِلكَ َب ْينِي َو َب ْي َنكَ َأ ّيمَا الْأَ َ‬
‫عَليْكَ َ‬
‫ُأرِيدُ أَنْ أَشُقّ َ‬

‫[ القصص ‪ 26 :‬ـ ‪ .. ] 28‬وتأسيا أيضا‬ ‫علَى مَا نَقُولُ َوكِيلٌ‬


‫عَليّ وَاللّهُ َ‬
‫ض ْيتُ َفلَا عُ ْدوَانَ َ‬
‫َق َ‬

‫عندما عرض ابنته حفصة رضي ال عنها على عثمان ‪ ،‬ثم على‬ ‫بما فعل عمر بن الخطاب‬

‫‪.‬‬ ‫أبي بكر ‪ ،‬وتزوجها النبي‬

‫( البخاري ‪ :‬النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬عرض النسان ابنته أو أُخته على أهل الخير ) ‪.‬‬

‫سنن الخطبة ‪:‬‬

‫ويستحبّ للخاطب ‪ ،‬أو وكيله ‪ ،‬تقديم خُطبة ـ بضم الخاء ـ قبل الخطبة ـ بكسر الخاء‬

‫لحديث ‪ " :‬كل أمر ذي بال ل‬ ‫ـ وقبل العقد ‪ ،‬يبدؤها بحمد ال والصلة والسلم على النبي‬

‫يبدأ فيه بحمد ال فهو أبتر " ‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫( ابن ماجه ‪ :‬النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬خطبة النكاح ‪ ،‬رقم ‪. ) 1849 :‬‬

‫ثم يوصي بتقوى ال عز وجل ‪ ،‬ثم يظهر رغبته ‪ ،‬فيقول ‪ :‬جئتكم خاطبا كريمتكم ‪.‬‬

‫ويستحب أيضا لوليّ المخطوبة أن يخطب ‪ ،‬ويقول ‪ :‬بعد حمد ال والصلة والسلم على‬

‫النبي وآله والوصية بقوى ال عز وجل ‪ :‬ليس بمرغوب عنك ‪.‬‬

‫‪.‬‬ ‫والخُطبة قبل العقد آكد من الخُطبة قبل الخِطبة ‪ ،‬لورود ذلك عن السلف الصالح‬

‫موقوفا ومرفوعا قال ‪ :‬إذا‬ ‫وقد تبرك الئمة رضي ال عنهم بما روي عن ابن مسعود‬

‫أراد أحدكم أن يخطب لحاجة من نكاح وغيره ‪ ،‬فليقل ‪ ( :‬إن الحمد ل نحمده ونستعينه‬

‫ونستغفره ‪ ،‬ونعوذ بال من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ‪ ،‬من يهده ال فل مُضلّ له ومن‬

‫يضلل فل هادي له ‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له ‪ ،‬وأشهد أن محمدا عبده‬

‫[ آل عمران ‪:‬‬ ‫سِلمُونَ‬


‫يَا َأ ّيهَا الّذِينَ آ َمنُواْ اتّقُو ْا اللّهَ حَقّ تُقَاتِهِ وَلَ َتمُوتُنّ إِلّ َوأَنتُم مّ ْ‬ ‫ورسوله‬

‫جهَا َو َبثّ ِم ْن ُهمَا‬


‫خلَقَ ِم ْنهَا َزوْ َ‬
‫خلَ َقكُم مّن نّ ْفسٍ وَاحِ َدةٍ وَ َ‬
‫يَا َأ ّيهَا النّاسُ اتّقُواْ َر ّبكُمُ الّذِي َ‬ ‫‪. ] 102‬‬

‫[النساء‪:‬‬ ‫عَل ْيكُمْ رَقِيبا‬


‫ن اللّهَ كَانَ َ‬
‫لرْحَامَ إِ ّ‬
‫رِجَالً َكثِيرا َونِسَاء وَاتّقُو ْا اللّهَ الّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَا َ‬

‫‪]1‬‬

‫عمَاَلكُمْ َو َيغْ ِفرْ َلكُمْ ُذنُو َبكُمْ‬


‫صلِحْ َلكُمْ أَ ْ‬
‫يَا َأ ّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا اتّقُوا اللّهَ وَقُولُوا َقوْلً سَدِيدا{‪ُ }70‬ي ْ‬

‫[ الحزاب ‪70 :‬ـ ‪] 71‬‬ ‫َومَن يُطِعْ اللّهَ َورَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ َفوْزا عَظِيما‬

‫( انظر شرح الشربيني على المنهاج ‪ :‬كتاب النكاح ‪. ) 3/138 :‬‬

‫حكم الخلوة بالمخطوبة والختلط بها قبل العقد ‪:‬‬

‫‪43‬‬
‫لقد شاع وانتشر في بعض الوساط المسلمة ‪ ،‬البعيدة عن روح السلم في الزواج ‪ ،‬أن‬

‫الخاطب بمجرد أن يعلن خطبته يبدأ بالختلط بخطيبته ‪ ،‬والخلوة بها ‪ ،‬مدعيا أنه يفعل ذلك‬

‫ليتعرف أخلقها وطباعها ‪ ،‬وهو مقتنع في قرارة نفسه أنه لن يستطيع أن يكشف من حقيقة‬

‫أخلقها شيئا ‪ ،‬لنه كان يفكر هو بأن أمامها ـ تصنعا ـ بأنه فارس أحلمها المنشود في كرمه‬

‫‪ ،‬وتسامحه ‪ ،‬وكياسته ‪ ،‬فإنها هي أيضا تتصنع له أكثر مما يتصنع لها ‪ ،‬وتحاول أن تفهمه أنها‬

‫هي الفتاة التي رسمها في خيالها رقة وأنوثة ‪ ،‬وذوقا ‪ ،‬وأدبا وأخلقا وسلوكا ‪.‬‬

‫إن اختلط الخاطب بالمخطوبة وخلوته بها قبل عقد الزواج أمر حرام ل يقره شرع ال‬

‫ول يخلون رجل بامرأة إل ومعهما ذو محرم " ‪.‬‬ ‫عز وجل ‪ ،‬ول يرضى به ‪ .‬قال رسول ال‬

‫رواه البخاري ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ل يخلون رجل بامرأة …‪ ،‬رقم ‪ ) 4935 :‬ومسلم‬

‫( الحج ‪ ،‬باب ‪ :‬فرض الحج والعمرة مرة في العمر ‪ ،‬رقم ‪. ) 1314 :‬‬

‫عن ابن عباس رضي ال عنهما‪ .‬والخطيبة قبل العقد تعتبر امرأة أجنبية ‪.‬‬

‫إن الفتاة العاقلة هي التي تمتنع عن الظهور أما خطيبها بعد أن رآها رؤية الخطبة حتى‬

‫يتم العقد ‪ ،‬لن من الواجب عليها أن تفكر في مستقبلها ‪ ،‬وتحسب الحساب للعواقب التي يمكن‬

‫أن تواجهها ‪ ،‬وتفكر بأن هذا الخاطب إذا فسخ خطبته لها فلن يتقدم شاب آخر لخطبتها ‪ ،‬وهو‬

‫يعلم علقتها بخطيبها السابق ‪.‬‬

‫أما إذا تم العقد ‪ ،‬فقد حلّت الخلوة والخلطة لنها أصبحت زوجة له ‪ ،‬يرى منها وترى‬

‫منه ما بدا لهما ‪ ،‬من غير إثم ول حرج ‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫أركان عقد النكاح‬
‫والتعريف بكل ركن ‪ ،‬وبيان شروطه‬

‫للنكاح أركان خمسة ‪ :‬وهي ‪:‬‬

‫ي ‪ ،‬وشاهدان ‪.‬‬
‫صيغة ‪ ،‬وزوجة ‪ ،‬وزوج ‪ ،‬وول ّ‬

‫الركن الول ‪ :‬الصيغة ‪:‬‬


‫والصيغة ‪ :‬هي اليجاب من وليّ الزوجة ‪ ،‬كقوله ‪ :‬زوجتك ‪ ،‬أو ‪ :‬أنكحتك ابنتي ‪.‬‬

‫والقبول من الزوج كقوله ‪ :‬تزوجت ‪ ،‬أو نكحت ابنتك ‪ ،‬ويصحّ تقدّم لفظ الزوج على لفظ‬

‫الوليّ ‪ ،‬لن التقدم والتأخر سواء في إفادة المقصود ‪.‬‬

‫الحكمة من تشريع الصيغة ‪:‬‬


‫والحكمة ‪ :‬هي أنه لما كان عقد الزواج من العقود التي ل بدّ فيها من رضا العاقدين ‪،‬‬
‫والرضا أمر خفي ل يُطلع عليه ‪ ،‬اعتبر الشرع الصيغة ـ وهي اليجاب والقبول ـ دليلً‬
‫ظاهرا على الرضا في نفس كل من العاقدين ‪.‬‬
‫شروط الصيغة ‪:‬‬
‫ويشترط في الصيغة الشروط التالية ‪:‬‬

‫‪1‬ـ أن تكون بلفظ التزويج ‪ ،‬أو النكاح ‪:‬‬

‫وما يشتق منهما ؛ كزوّجتك وأنكحتك ‪ ،‬وقبلت تزويجا ‪ ،‬أو قبلت نكاحها ‪.‬‬

‫وإنما اشترط لفظ التزويج اليجابي ‪ ،‬وما اشتق منهما ‪ ،‬لنهما اللفظان الموضوعان في‬

‫اللغة والشرع ‪ ،‬للدللة على عقد الزواج ‪ ،‬وهما المستعملن في نصوص القرآن والسنة ‪ .‬ففي‬

‫القرآن قال تعالى ‪:‬‬

‫[ النساء ‪ ] 3 :‬وقال تعالى ‪:‬‬ ‫لثَ َو ُربَاعَ‬


‫فَانكِحُواْ مَا طَابَ َلكُم مّنَ النّسَاء َم ْثنَى َوثُ َ‬

‫‪45‬‬
‫عيَا ِئهِمْ‬
‫حرَجٌ فِي َأ ْزوَاجِ أَدْ ِ‬
‫علَى ا ْل ُم ْؤ ِمنِينَ َ‬
‫جنَا َكهَا ِل َكيْ لَا َيكُونَ َ‬
‫َفَلمّا َقضَى َزيْدٌ ّم ْنهَا وَطَرا َزوّ ْ‬

‫…‪ [ …..‬الحزاب ‪] 37 :‬‬

‫[ وطرا ‪ :‬حاجة ‪ ،‬ولم تبق له رغبة فيها ‪ .‬أدعيائهم ‪ :‬الذين ادّعوا أنهم أبناؤهم وهم ليسوا‬

‫كذلك ] ‪.‬‬

‫‪ " :‬يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج …‪. ".‬‬ ‫وفي السنّة قال رسول ال‬

‫( انظر دليل مشروعية النكاح ) ‪.‬‬

‫‪2‬ـ التصريح بلفظ الزواج ‪ ،‬أو النكاح في اليجاب وفي القبول ‪:‬‬

‫فلو قال الوليّ ‪ :‬زوجتك ابني ‪ ،‬فقال الزوج ‪ :‬قبلت ‪ ،‬لم ينعقد النكاح ‪ .‬ولو قال الزوج ‪:‬‬

‫زوّجني ابنتك ‪ ،‬فقال الوليّ ‪ :‬قبلت ‪ ،‬لم ينعقد النكاح أيضاَ ‪ ،‬لنهما لم يصرحا بلفظ الزواج ‪ ،‬أو‬

‫النكاح ‪.‬‬

‫عقد النكاح بغير العربية ‪:‬‬


‫ويصحّ عقد النكاح باللغات العجمية ‪ ،‬وهي مساعد اللغة العربية ‪ .‬فلو وجد اليجاب‬

‫والقبول بلغة عجمية صح عقد النكاح ‪ ،‬ولو كان الزواج ووليّ الزوجة يعرفان اللغة العربية ‪،‬‬

‫اعتبارا بالمعنى ‪ ،‬لن لفظ الزواج أو النكاح ل يتعلق بهما إعجاز ‪ ،‬فاكتفي بترجمتهما ‪.‬‬

‫عقد النكاح بألفاظ الكناية ‪:‬‬


‫ل يصحّ عقد الزواج بألفاظ الكناية بأيّ لغة كانت ‪.‬‬

‫وألفاظ الكناية ‪ :‬هي التي تحتمل الزواج وغيره ‪ :‬كأحللتك ابنتي ‪ ،‬أو وهبتها لك ‪ ،‬لن‬

‫ألفاظ الكناية تحتاج إلى النّية ‪ ،‬والنّية محلّها القلب ‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫وعقد النكاح يشترط فيه الشهود ‪ ،‬والشهود ل يطّلعون على ما في القلوب ‪ ،‬حتى يشهدوا ‪ :‬إن‬

‫كان العاقدان قد نويا النكاح ‪ ،‬أو غيره ‪.‬‬

‫عقد النكاح بالكتابة ‪:‬‬


‫وكذلك ل ينعقد النكاح بالكتابة ‪ ،‬سواء كان المتعاقدان حاضرين أو غائبين ‪.‬‬

‫فلو كتب وليّ الزوجة إلى غائب ‪ ،‬أو حاضر ‪ :‬زوجّتك ابنتي ‪ ،‬فوصل الكتاب إلى‬

‫الزوج ‪ ،‬فقـرأه ‪ ،‬وقال ‪ :‬قبلت زواج ابنتك ‪ ،‬لم يصحّ العقد ‪ ،‬لن الكتابة من الكناية ‪ ،‬والنكاح‬

‫ل ينعقد بالكناية ‪.‬‬

‫إشارة الخرس المفهمة ‪:‬‬


‫أما إشارة الخرس المفهمة ‪ ،‬وهي التي ل يختص بفهم المراد منها الفطنون الذكياء ‪،‬‬

‫فإنها ينعقد بها عقد النكاح لنها تنزل منزلة اللفظ الصريح ‪.‬‬

‫أما إذا كانت إشارته خفية ‪ ،‬ل يفهمها إل الذكياء الفطنون ‪ ،‬فل ينعقد بها الزواج ‪ ،‬لنها‬

‫عندئذ تنزل منزلة الكناية ‪ ،‬والكناية ل ينعقد بها الزواج ‪.‬‬

‫‪3‬ـ اتصال اليجاب بالقبول‪:‬‬


‫ومن شروط الصيغة أيضا أن يتصل اليجاب من الولي بالقبول من الزوج ‪ ،‬فلو قال‬

‫ولي الزوجة ‪ :‬زوّجتك ابنتي ‪ ،‬فسكت الزوج مدة طويلة ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬قبلت زواجها ‪ ،‬لم يصح‬

‫العقد ‪ ،‬لوجود الفاصل الطويل بين اليجاب والقبول ‪ ،‬مما يجعل أمر رجوع الوليّ في هذه المدة‬

‫عن الزواج أمرا محتملً ‪ ،‬أما السكوت اليسير‪ :‬كتنفس ‪ ،‬وعطاس ‪ ،‬فإنه ل يضرّ في صحة‬

‫العقد ‪.‬‬

‫‪4‬ـ بقاء أهلية العاقدين إلى أن يتم القبول‪:‬‬

‫‪47‬‬
‫ن الولي ‪،‬‬
‫فلو قال وليّ الزوجة ‪ :‬زوّجتك ابنتي ولكن قبل أن يصدر القبول من الزوج ج ّ‬

‫أو أغمي عليه ‪ ،‬فقبل الزوج ‪ ،‬لم يصح النكاح ‪.‬‬

‫وكذلك لو قال الزوج ‪ :‬زوّجني ابنتك ‪،‬ثم أغمي عليه قبل أن يقول وليّ الزوجة ‪:‬‬

‫زوّجتك ‪ ،‬بطل اليجاب ‪ ،‬ولم يصحّ العقد ولو وجد القبول ‪ ،‬لفقدان أهليّة أحد العاقدين قبل تمام‬

‫العقد ‪.‬‬

‫‪5‬ـ أن تكون الصيغة منجزة ‪:‬‬


‫فل تصح إضافة عقد الزواج إلى المستقبل ‪ ،‬ول تعليقه على شروط ‪.‬‬

‫فلو قال ولي الزوجة ‪ :‬إذا جاء رمضان فقد زوّجتك ابنتي ‪ ،‬فقال الزوج ‪ :‬تزوجتها ‪ ،‬لم‬

‫يصح العقد ‪.‬‬

‫ولو قال وليّ الزوجة ‪ :‬إن كانت ابنتي قد نجحت في المتحان فقد زوّجتك إياها ‪ ،‬فقال‬

‫الزوج ‪ :‬قبلت زواجها ‪ ،‬لم يصح الزواج أيضا ‪ ،‬لن عقد الزواج يجب أن يكون منجزا ‪،‬‬

‫تترتب عليه آثاره من حين إنشائه ‪ ،‬فإضافته إلى المستقبل ‪ ،‬أو تعليقه على شروط يقتضي‬

‫تأخير أحكام العقد إلى المستقبل ‪ ،‬أو إلى وجود الشرط ‪ ،‬وهذا يُنافي مقتضى العقد ‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫‪6‬ـ أن تكون الصيغة مطلقة ‪:‬‬
‫فل يصحّ توقيت النكاح بمدة معلومة ‪ :‬كشهر ‪ ،‬أو سنة ‪ ،‬أو مجهولة ‪ :‬كقدوم غائب ‪،‬‬

‫فلو قال وليّ الزوجة ‪ :‬زوّجتك ابنتي شهرا ‪ ،‬أو سنة ‪ ،‬أو إلى قدوم فلن ‪ ،‬فقال الزوج ‪ :‬قبلت‬

‫زواجها ‪ ،‬لم ينعقد الزواج في هذه الصور ‪ ،‬لن هذا من نكاح المتعة المحرّمة ‪.‬‬

‫روى مسلم ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬نكاح المتعة وبيان أنه أُبيح ثم نسخ …‪ ،.‬رقم ‪) 1406 :‬‬

‫فقال ‪ " :‬يا أيّها الناس ‪ ،‬إني قد كنت أذنت‬ ‫أنه كان مع رسول ال‬ ‫س ْبرَة الجهني‬
‫وغيره عن َ‬

‫لكم في الستمتاع من النساء ‪ ،‬وإن ال قد حرّم ذلك إلى يوم القيامة ‪ ،‬فمن كان عنده منهنّ شيء‬

‫فليخلّ سبيله ‪ ،‬ول تأخذوا مما آتيتموهنّ شيئا " ‪.‬‬

‫نكاح الشغار ‪:‬‬


‫ل يصحّ نكاح الشغار ‪ ،‬وهو ‪ :‬أن يقول وليّ الزوجة لرجل ‪ :‬زوّجتك ابنتي على أن‬

‫تُزوّجني ابنتك ‪ ،‬ويضع كل واحدة منهما صداق للُخرى ‪ .‬فيقول الخر‪ :‬تزوجت ابنتك ‪،‬‬

‫وزوجتك ابنتي على ما ذكرت ‪.‬‬

‫وسبب بطلن هذا الزواج هو تعليق زواج كلّ من الزوجين على الخرى ‪ ،‬والتعليق‬

‫مفسد للعقد كما سبق ‪.‬‬

‫نهى عن نكاح الشغار ‪.‬‬ ‫وأيضا ‪ ،‬فإن النبي‬

‫روى البخاري ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬الشغار ‪ ،‬رقم ‪ )4822 :‬ومسلم ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬تحريم‬

‫نهي عن‬ ‫‪ ( :‬أن رسول ال‬ ‫نكاح الشغار وبطلنه ‪ ،‬رقم ‪ )1415 :‬وغيرهما عن ابن عمر‬

‫الشّغار ‪ ،‬والشغار ‪ :‬أن يزوّج الرجل ابنته على أن يزوجه ابنته ‪ ،‬وليس بينهما صداق ‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫وسمي هذا الزواج شغارا أخذا من قولهم ‪ :‬شغر البلد من السلطان ‪ :‬إذا خل عنه ‪.‬‬

‫وهذا الزواج قد خل هو أيضا من المهر ‪ ،‬فأشبه البلد الشاغر من السلطان ‪.‬‬

‫الركن الثاني ‪ :‬الزوجة ‪:‬‬


‫ويشترط في الزوجة ليصحّ نكاحها الشروط التالية ‪:‬‬

‫‪1‬ـ خلوّها من موانع النكاح التي مر ذكرها في محرمات النكاح والخطبة ‪.‬‬

‫‪2‬ـ أن تكون الزوجة معينة ‪ ،‬فلو قال وليّ الزوجة لرجل ‪ :‬زوّجتك إحدى بناتي ‪ ،‬لم يصحّ‬

‫العقد ‪ ،‬لعدم تعيين البنت التي يزوجها ‪.‬‬

‫ح ِرمَةً بحج أو عمرة ‪.‬‬


‫‪3‬ـ أن ل تكون الزوجة مُ ْ‬

‫روى مسلم ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬تحريم نكاح المحرم وكراهة خطبته ‪ ،‬رقم ‪) 1409 :‬‬
‫‪ " :‬ل يُنكَح المحرم ‪ ،‬ول يُنكَح ‪ ،‬ول يَخْطب " أي‬ ‫وغيره عن عثمان قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫ل يتزوج المحرم ‪ ،‬ومثله المح َرمَة ‪ ،‬ول يزوّجه غيره امرأة محرمة ‪ ،‬أو غير محرمة ‪ ،‬سواء‬
‫كان بولية ‪ ،‬أو وكالة ‪ ،‬ول يطلب امرأة للتزويج ‪.‬‬
‫الركن الرابع ‪ :‬الزوج ‪:‬‬
‫ويشترط فيه الشروط التالية ‪:‬‬

‫‪1‬ـ أن يكون ممّن يحل للزوجة التزوّج به ‪ ،‬وذلك بأن ل يكون من المحرمين عليها ‪.‬‬

‫‪2‬ـ أن يكون الزوج معينا ‪ ،‬فلو قال الوليّ ‪ :‬زوّجت ابنتي إلى أحدكما ‪ ،‬لم يصحّ الزواج ‪ ،‬لعدم‬

‫تعيين الزوج ‪.‬‬

‫‪3‬ـ أن يكون الزوج حللً ‪ ،‬أي ليس محرما بحج أو عمرة ‪ ،‬للحديث السابق " ل َي ْنكِح‬
‫المحرم ‪ ،‬ول يُنكَح ‪ ،‬ول يخطب " ‪.‬‬
‫الركن الرابع ‪ :‬الوالي ‪:‬‬
‫معنى الولية ‪:‬‬

‫‪50‬‬
‫الولية في اللغة ‪ :‬تأتي بمعنى المحبة والنصرة ‪ .‬وعليه قوله تعالى ‪:‬‬

‫[ المائدة ‪. ] 56 :‬‬ ‫ب اللّهِ هُمُ ا ْلغَاِلبُونَ‬


‫ح ْز َ‬
‫ل اللّهَ َورَسُولَهُ وَالّذِينَ آ َمنُواْ فَإِنّ ِ‬
‫َومَن َي َتوَ ّ‬

‫والولية في الشرع ‪ :‬هي تنفيذ القول على الغير ‪ ،‬والشراف على شؤونه ‪.‬‬

‫والمراد بالغير ‪ :‬القاصر والمجنون ‪ ،‬والبالغة في ولية الختبار ‪.‬‬

‫ويعرّفها بعضهم ‪ :‬بأنها تنفيذ القول على الغير‪ ،‬شاء أو أبى ‪ ،‬فتشمل على هذا ولية‬

‫الجبار ‪.‬‬

‫ويسمى مَن أعطته الشريعة حق الولية ‪ :‬وليا ‪.‬‬

‫ستَطِيعُ أَن ُيمِلّ ُهوَ‬


‫ضعِيفا َأوْ لَ يَ ْ‬
‫عَليْهِ الْحَقّ سَفِيها َأ ْو َ‬
‫فَإن كَانَ الّذِي َ‬ ‫قال ال تعالى ‪:‬‬
‫[ البقرة ‪. ] 282 :‬‬ ‫َف ْل ُي ْملِلْ َوِليّهُ بِا ْلعَدْلِ‬
‫حكمة مشروعية الولية ‪:‬‬
‫والحكمة من مشروعية الولية على الصغار والقاصرين إنما هي رعاية مصالحهم ‪،‬‬

‫حتى ل تضيع هدرا ‪ ،‬وحفظ حقوقهم ‪ ،‬وتدبير شؤونهم ‪.‬‬

‫وجود الولي واجب في عقد الزواج ‪:‬‬


‫لبد في تزويج المرأة بالغة كانت أو صغيرة ‪ ،‬ثيّبا كانت أو بكرا ‪ ،‬من وليّ يلي عقد‬

‫زواجها ‪.‬‬

‫فل يجوز لمرأة تُزوّج نفسها ‪ ،‬ول أن تزوّج غيرها ‪ ،‬بإذن أو بغير إذن سواء صدر‬

‫منها اليجاب ‪ ،‬أو القبول ‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫‪ :‬أن النبي‬ ‫ودليل ذلك ما رواه الدارقطني ( في النكاح ‪ ) 3/227‬عن أبي هريرة‬
‫قال ‪ " :‬ل تزوّج المرأةُ المرأة ‪ ،‬ول تزوّج نفسها " وكنا نقول ‪ :‬التي تزوّج نفسها هي الفاجرة ‪.‬‬
‫وفي رواية ‪ :‬هي الزانية ‪.‬‬
‫الحكمة من اشتراط الولي في زواج المرأة ‪:‬‬
‫والحكمة من اشتراط الوليّ أنه ل يليق بمحاسن العادات دخول المرأة في مباشرة عقد‬

‫الزواج ‪ ،‬وذلك لما يجب أن تكون عليه من الحياء‪.‬‬

‫‪5‬ـ دليل وجوب الوليّ في عقد زواج المرأة ‪:‬‬

‫واستُدل على وجوب الوليّ في عقد زواج المرأة بالقرآن الكريم ‪ ،‬والسنّة النبوية ‪:‬‬

‫ضلُوهُنّ أَن‬
‫جَلهُنّ فَلَ َت ْع ُ‬
‫طلّ ْقتُمُ النّسَاء َف َبَلغْنَ أَ َ‬
‫َوإِذَا َ‬ ‫أما القرآن الكريم ‪ :‬فقوله تعالى ‪:‬‬

‫[ البقرة ‪. 232 :‬‬ ‫ض ْواْ َب ْي َنهُم بِا ْل َم ْعرُوفِ …‪.‬‬


‫جهُنّ إِذَا َترَا َ‬
‫يَنكِحْنَ َأ ْزوَا َ‬

‫قال الشافعي رحمة ال تعالى ‪ :‬هذه الية أصرح دليل على اعتبار الوليّ ‪ ،‬إذ لو لم يكن‬

‫معتبرا لما كان لعضله معنى ‪.‬‬

‫والعضل ‪ :‬منع المرأة من الزواج ‪.‬‬

‫قال ‪ " :‬ل نكاحَ إل َب ِولّي وشاه َديْ عدْل ‪،‬‬ ‫وأما السنّة ‪ :‬فما رواه ابن حبّان ‪ :‬أن النبي‬

‫وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل " ‪.‬‬

‫ي والشهود ) ‪.‬‬
‫( موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان ‪ :‬النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في الول ّ‬

‫وروى أبو داود ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬في الوليّ ‪ ،‬رقم ‪ ، ) 2085 :‬والترمذي ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ل‬

‫قال ‪ " :‬ل ِنكَاح إل‬ ‫أن النبي‬ ‫نكاح إل بوليّ ‪ ،‬رقم ‪ )1101 :‬عن أبي موسى الشعري‬

‫بوَليّ " ‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫‪6‬ـ حكم الزواج بغير وليّ وما يترتب عليه ‪:‬‬

‫فإذا زوجت المرأة نفسها من غير وليّ اعتبر زواجها باطلً ‪ ،‬ثم إن أعقب هذا الزواج‬

‫دخول وجب التفريق بينهما ‪ ،‬لبطلن العقد ‪ ،‬ووجب للمرأة مهر المثل ‪ ،‬سواء سمي لها في‬

‫العقد مهر ‪ ،‬أم لم يُسَمّ ‪.‬‬

‫‪ " :‬أيّما امرأُة نكحت بغير إذْن وليّها فنكاحُها باطلّ ـ ثلثا ـ‬ ‫ودليل ذلك ‪ :‬قول النبي‬

‫ن وليّ من ل وليّ له )‪.‬‬


‫فإن دخل بها فلها المهر بما استحلّ من فرجها ‪ ،‬فإن تشاجروا ‪ ،‬فالسلطا ُ‬

‫رواه أبو داود ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬في والولي ‪ ،‬رقم ‪ ) 2083 :‬وابن ماجه ( النكاح ‪ ،‬باب‬

‫‪ :‬ل نكاح إل بوليّ ‪ ،‬رقم ( ‪ ،) 1881‬والترمذي ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬إل بوليّ ‪ ،‬رقم ‪) 1102 :‬‬

‫عن عائشة رضي ال عنها ‪.‬‬

‫ول يجب على الواطئ في هذا النكاح الباطل ـ الذي تمّ بغير وليّ ‪ .‬ح ّد الزنى ‪ ،‬لشبهة‬

‫اختلف العلماء في صحة النكاح بغير وليّ ‪.‬‬

‫والحدود تدرأ بالشبهات ‪ ،‬لكن فيه التعزيز ‪.‬‬

‫والتعزيز عقوبة دون الحدّ يقدّرها القاضي بما يراه رادعا ومؤدبا ‪.‬‬

‫‪7‬ـ الولياء في الزواج حسب ترتيبهم ‪:‬‬

‫والولياء في الزواج هي على الترتيب التي ‪:‬‬

‫الب ‪.‬‬

‫ثم الجد أبو الب ‪.‬‬

‫ثم الخ الشقيق ‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫ثم الخ من الب ‪.‬‬

‫ثم ابن الخ الشقيق ‪.‬‬

‫ثم ابن الخ من الب ‪.‬‬

‫ثم العم الشقيق ‪.‬‬

‫ثم العم من الب ‪.‬‬

‫ثم ابن العم الشقيق ‪.‬‬

‫ثم ابن العم من الب ‪.‬‬

‫‪:‬‬ ‫وهكذا سائر العصبات ‪ ،‬فإن عُدمت العصبات فالقاضي ‪ ،‬لما سبق من قوله‬

‫" فالسلطان وليّ من ل وليّ له " ‪.‬‬

‫‪8‬ـ ولية البن في الزواج ‪:‬‬

‫هذا ول ولية للبن ‪ ،‬ول لبن البن في الزواج ‪ ،‬فل يزوج ابن أمه بولية البنوة ‪،‬‬
‫لنها ل مشاركة بينه وبينها في النسب ‪ ،‬إذ انتسابها إلى أبيها ‪ ،‬وانتساب البن إلى أبيه ‪ .‬إل أن‬
‫يكون من أبناء العمومة لُمه ‪ ،‬فإن كان ابن ابن عمّها ‪ ،‬ولم يوجد وليّ أقرب منها جاز له أن‬
‫يزوّجها ‪.‬‬
‫‪9‬ـ شروط الولي ‪:‬‬
‫ويشترط في الوليّ ‪ ،‬أبا كان أو غيره ‪ ،‬الشروط التالية ‪:‬‬

‫أ ـ السلم ‪:‬‬

‫َولَن‬ ‫فل يزوّج الكافر المسلمة ‪ ،‬لنه ل ولية لكافر على مسلم ‪ .‬قال ال تعالى ‪:‬‬

‫[ النساء ‪. ]1401 :‬‬ ‫سبِيلً‬


‫علَى ا ْل ُم ْؤ ِمنِينَ َ‬
‫ل اللّهُ ِل ْلكَا ِفرِينَ َ‬
‫جعَ َ‬
‫يَ ْ‬

‫ولن ولية الزوج مبنية على التعصب في الرث ‪ ،‬ول توارث بين مسلم وكافر ‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫ويزوج كافر كافرة ‪ ،‬ولو اختلف اعتقادها ‪ ،‬فيزوج اليهودي نصرانية ‪ ،‬والنصراني‬
‫ضهُمْ َأ ْوِليَاء َبعْضٍ‬
‫وَالّذينَ كَ َفرُواْ َب ْع ُ‬ ‫يهودية ‪ ،‬لن الكفر كله ملة واحدة ‪ .‬قال ال تعالى ‪:‬‬
‫[ النفال ‪. ] 73 :‬‬
‫ب ـ العدالة ‪:‬‬
‫والمقصود بالعدالة ‪ :‬عدم ارتكاب الكبائر من الذنوب ‪ ،‬وعدم الصرار على الصغائر ‪،‬‬

‫وعدم فعل ما يخلّ بالمروءة ‪ :‬كالبول في الطرقات ‪ ،‬والمشي حافيا ‪ ،‬وغير ذلك ‪.‬‬

‫فل يُزوّج الفاسق مؤمنة ‪ ،‬بل ينتقل حق تزويجها إلى الوليّ الذي يليه ‪ ،‬إن كان عدلً ‪.‬‬

‫‪ " :‬ل نكاحَ إل بوَليّ ُمرْشِد " رواه الشافعي في مسنده بسند صحيح ‪.‬‬ ‫قال رسول ال‬

‫وقال الشافعي رحمه ال تعالى ‪ :‬المراد بالمرشد في الحديث ‪ :‬العدل ‪.‬‬

‫ولن الفسق نقص يقدح في الشهادة ‪ ،‬فيمنع الولية في الزواج ‪.‬‬

‫وفي قول ‪ :‬ل تشترط العدالة في الزواج ‪ ،‬لن الولية في الزواج مبنية على التعصب ‪،‬‬

‫والعصبة تحمله وفرة الشفقة على تحرّي مصلحة موليته ‪ ،‬و هذه الشفقة ل تختلف بين العدل‬

‫وغيره ‪.‬‬

‫ولن اشتراط العدالة قد يؤدي إلى حرج كبير لقلّة العدول ‪ ،‬ولسيما في هذه اليام ‪ ،‬ولم‬
‫ي عصر من العصور ‪.‬‬
‫يعرف أن الفسقة كانوا يُمنعون من تزويج بناتهم في أ ّ‬
‫ج ـ البلوغ ‪:‬‬
‫فل ولية لصبي على غيره من الزواج ‪ ،‬لنه ل ولية له على نفسه ‪ ،‬فل ولية له على‬

‫غيره من باب أولى ‪.‬‬

‫د ـ العقل‪:‬‬
‫فل ولية لمجنون ‪ ،‬لنه ل ولية له على نفسه ‪ ،‬فأولى أن ل يكون له ولية على غيره‬
‫هـ ـ السلمة من الفاق المُخلّة بالنظر ‪:‬‬

‫‪55‬‬
‫فل ولية لمختلّ النظر بسبب هرم ‪ ،‬أو خبل ‪ ،‬لعجز هؤلء عن اختيار الكفّاء ‪ ،‬فإن‬

‫كان مريضا يغمى عليه انتظرت إفاقته ‪ ،‬لن الغماء قريب الزوال كالنوم ‪.‬‬

‫وـ أن ل يكون محجورا عليه بسفه ‪:‬‬

‫والمحجور عليه بسفه ‪ :‬هو الذي يبذر ماله ‪ ،‬لن السفيه ل ولية له على نفسه ‪ ،‬فأولى‬

‫أن ل يكون له ولية على غيره ‪.‬‬

‫زـ أن يكون حللً ‪:‬‬

‫‪ " :‬ل ينكح‬ ‫فل يزوّج المُحْرمُ بحج أو عمرة غيره ‪ ،‬وهو محرم ‪ ،‬لما سبق من قوله‬

‫المحرم ول ينكح " ‪.‬‬

‫رواه مسلم ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬تحريم نكاح المحرم وكراهة خطبته ‪ ،‬رقم ‪. ) 1409 :‬‬

‫تنبيـه ‪:‬‬
‫إذا فقدت هذه الشروط التي ذكرت في وليّ قريب من الولياء ‪ ،‬انتقل حق الولية إلى‬
‫الوليّ الذي يليه ‪ ،‬ممّن توفرت فيه شروط الولية كاملة ‪ ،‬إل المُحرم ‪ ،‬فإنه ل تنتقل الولية عنه‬
‫إلى البعد منه ‪ ،‬لن الحرام ل يسلب الولية ‪ ،‬لبقاء الرشد والنظر ‪ ،‬وإنما يمنع النكاح ‪ ،‬ولكن‬
‫ينتقل حق التزويج إلى السلطان عند إحرام الوليّ القريب ‪.‬‬
‫‪10‬ـ أقسام الولية ‪:‬‬
‫تنقسم الولية في الزواج إلى قسمين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬ولية إجبار ‪.‬‬

‫والثاني ‪ :‬ولية اختيار ‪.‬‬

‫ولية الَجبار‪:‬‬

‫وولية الجبار ثابتة للب ‪ ،‬والجد أبي فقط ‪ ،‬ول ولية إجبار لغيرهما ‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫وولية الجبار إنما تكون في تزويج البنت البكر ‪ ،‬صغيرة كانت أو كبيرة ‪ ،‬عاقلة أو‬

‫مجنونة ‪.‬‬

‫فلبيها ـ وكذلك لجدها أبي أبيها ـ أن يزوّجها بغير إذنها ورضاها ‪ ،‬لنه أدرى‬

‫بمصلحتها ‪ ،‬ولوفرة شفقته عليها ل يختار لها إل ما فيه مصلحة لها ‪.‬‬

‫‪ " :‬اليّم أحقّ بنفسها من وليّها …" وسيأتي بعد قليل ـ فإنه يدل‬ ‫واحتجّوا لهذا بقوله‬

‫بمفهومه أن البكر وليّها أحق بها من نفسها ‪ ،‬لن اليم هي الثيب ‪ ،‬وهي غير البكر ‪.‬‬

‫لكن شرطوا لصحة هذا الجبار ثلثة شروط ‪:‬‬

‫أ ـ أن ل يكون بينه وبينها عداوة ظاهرة ‪.‬‬

‫ب ـ أن يكون الزوج كفؤا ‪.‬‬

‫ج ـ أن يكون الزوج موسرا بمعجل المهر ‪.‬‬

‫الترغيب في استئذان البكر في الزواج ‪:‬‬

‫إذا قلنا إن ولية الب ـ ومثله أبو الب ـ هي ولية إجبار ‪ ،‬فليس معنى ذلك أن‬

‫الفضل أن يجبرها على الزواج ‪ ،‬ويمهل رأيها ‪ ،‬بل الفضل والمستحب أن يستأذنها في‬

‫تزويجها ‪ ،‬تقديرا لها ‪ ،‬وتطبيقا لقلبها ‪.‬‬

‫ح البكرُ حتى تستأذنُ ‪،‬‬


‫‪ " :‬ل ٌتُنْكحٌ اليم حتى تستأمر ‪ ،‬ول تنك ُ‬ ‫ودليل ذلك قول النبي‬

‫قالـوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬وكيف إذنُها ؟ قال ‪ :‬أن تسكُت " ‪.‬‬

‫رواه مسلم ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬استئذان الثّيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت ‪ ،‬رقم ‪:‬‬

‫‪ ) 1419‬والترمذي ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في استئذان البكر والثيب ‪ ،‬رقم ‪ ) 2107 :‬وروى‬

‫‪57‬‬
‫مسلم ( النكاح ‪ ،‬باب استئذان الثّيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت ‪ ،‬رقم ‪ ) 1421 :‬عن‬

‫قال ‪ " :‬اليم أحق بنفسها من وليها ‪ ،‬والبكرُ تستأذنُ في نفسها ‪،‬‬ ‫‪ :‬أنّ النبي‬ ‫ابن عباس‬

‫وإذنُها صُماتُها " ‪ .‬ورواه الترمذي أيضا ( النكاح‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في استئذان البكر والثيّب ‪،‬‬

‫رقم ‪. ) 1108 :‬‬

‫[ واليّم في الحديثين ‪ :‬هي الثيّب ] ‪.‬‬

‫والحديثان محمولن على الندب في حق البكر ‪.‬‬

‫ولية الختيار ‪:‬‬


‫ولية الختيار ‪ :‬فهي ثابتة لكل الولياء الذين ذكرناهم ‪ ،‬وعلى الترتيب الذي قدّمناه ‪.‬‬
‫وولية الختيار إنما تكون في تزويج المرأة الثيب ‪ ،‬فل يصح تزويجها من قبل أي من‬

‫أوليائها ـ ولو كان أبا ـ إل بإذنها ورضاها ‪.‬‬

‫ودليل ذلك حديث مسلم والترمذي السابق ‪ ( :‬ل تنكح اليم حتى تستأمر ) ‪.‬‬

‫وحديث مسلم والترمذي أيضا ‪ ( :‬اليم أحق بنفسها من وليها ) ‪.‬‬

‫والثيّب ‪ :‬هي التي زالت بكارتها بوطء حلل أو حرام ‪ ،‬ول بمرض أو سقطة ‪ ،‬أو غير ذلك ‪.‬‬

‫الحكمة من استئمار الثّيب‪:‬‬

‫والحكمة من استئمار الثيب ‪ ،‬وعدم تزويجها إل برضاها هي أنها عرفت مقصود‬

‫النكاح ‪ ،‬فل يجبر عليه ‪ ،‬ولنها لممارستها الزواج ل تستحي من التصريح به ‪،‬بخلف البكر‬

‫فإنها تستحي من التصريح به ‪.‬‬

‫تزويج الثيب الصغيرة ‪:‬‬

‫‪58‬‬
‫الثّيب الصغيرة التي هي دون البلوغ ‪ ،‬ل يجوز لبيها ‪ ،‬ول لي ولي من أوليائها‬

‫تزويجها حتى تبلغ ‪ ،‬لن إذن الصغيرة غير معتبر ‪ ،‬فامتنع تزويجها حتى تبلغ ‪ ،‬فيكون إذنها‬

‫معتبرا ‪.‬‬

‫عضل الولّي ‪:‬‬

‫العضل ‪ :‬منع المرأة من الزواج ‪.‬‬

‫فإذا طلبت امرأة بالغة عاقلة الزواج من كفء ‪ ،‬وجب علي وليّها أن يزوجها ‪ ،‬فإذا‬

‫امتنع الولي ـ ولو أبا ـ من تزويجها ‪ ،‬زوّجها السلطان ‪ ،‬لن تزويجها حق على أوليائها إذا‬

‫طلبها الكفؤ ‪ ،‬فإذا امتنعوا من وفاته لها ‪ ،‬وفّاه الحاكم ‪.‬‬

‫ودليل ذلك ‪ :‬مـا رواه أبو داود ( النكـاح ‪ ،‬بـاب ‪ :‬في الولي ‪ ،‬رقـم ‪، ) 2038‬‬

‫قال ‪" :‬‬ ‫والترمـذي ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء ل نكاح إل بولي ‪ ،‬رقم ‪ ) 1102‬أن النبي‬

‫السلطان ولي من ل ولي له " ‪.‬‬

‫لكن إذا عيّنت هو كفؤا ‪ ،‬وعّين الولي كفؤا غيره ‪ ،‬كان له أن يمنعها من الكفء الذي‬

‫عيّنته ‪ ،‬ويزوجها من الكفء الذي عيّنه ‪ ،‬إذا كانت بكرا ‪ ،‬لنه أكمل نظرا منها ‪.‬‬

‫غيبة الولّي ‪:‬‬

‫إذا تعدد الولياء ‪ ،‬وغاب الوليّ القرب ‪ ،‬فإن كان مكان غيبته بعيدا ـ مرحلتين فأكثر ‪،‬‬

‫والمرحلتان مسيرة يوم وليلة ـ فإنه ل ينتقل حق الولية إلى الولي البعد منه ‪ ،‬وإنما يزوجها‬

‫سلطان بلده ‪ ،‬لن الغائب وليّ ‪ ،‬والتزويج حق له ‪ ،‬فإن تعذر استيفاء حق الزوجة منه لغيبته ‪،‬‬

‫ناب عنه الحاكم ‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫أما إذا كان مكان غيبته قريبا ـ أي أقل من مرحلتين ـ فل يزوج السلطان إل بإذنه‪،‬‬

‫لقصر المسافة ‪ ،‬وإمكان مراجعته ‪ ،‬فإما أن يحضر ‪ ،‬أو يوكّل ‪ ،‬كما لو كان مقيما ‪.‬‬

‫اجتماع أولياء في درجة واحدة ‪.‬‬

‫إذا اجتمع أولياء المرأة وكانوا في درجة واحدة من النسب ‪ ،‬كإخوة أشقاء أو لب ‪،‬‬

‫استحب أن يزوّجها أفقههم بباب النكاح ‪ ،‬لنه أعلم بشرائطه ‪.‬‬

‫وبعده يزوجها أورعهم ‪ ،‬لنه أشق وأحرص على طلب الغبط لها ‪.‬‬

‫ثم أسنّهم لزيادة تجربته ‪.‬‬

‫ويزوّجها كل واحد من هؤلء برضا الخرين ‪ ،‬لتجتمع الراء ‪ ،‬ول بتشوش بعضهم‬

‫باستئثار بعض بالعقد ‪ .‬فإن اختلف الولياء ‪ ،‬وقال كل واحد منهم أنا أزوّج ‪ ،‬أقرع بينهم وجوبا‬

‫قطعا للنزاع ‪ ،‬فمن خرجت قرعته زوّجها ‪.‬‬

‫فلو زوجها المفضول ‪ ،‬أو غير مَن خرجت قرعته ‪ ،‬وكانت قد أذنت لكل منهم أن‬

‫يزوجها ‪ ،‬صح تزويجه لها للذن فيه ‪ ،‬أما لو كانت أذنت لواحد منهم ‪ ،‬فزوّجها غيره ‪ ،‬فإنه‬

‫ل يصحّ لعدم إذنها ورضاها ‪.‬‬

‫فقدان الولياء ‪:‬‬

‫إذا انعدم الولياء انتقلت الولية إلى القاضي ‪ ،‬لنه منصوب لتحقيق مصالح المسلمين ‪.‬‬

‫‪ ":‬السلطان‬ ‫وفي تزويج مَن ل ولي لها مصلحة يجب تحقيقها ‪ ،‬وقد تقدم قول النبي‬

‫ولي من ل ولي له " ‪.‬‬

‫رواه الترمذي ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء ل نكاح إل بولي ‪ ،‬رقم ‪. ) 1102 :‬‬

‫‪60‬‬
‫الوكالة في الزواج ‪:‬‬

‫يصحّ للوليّ المجبرـ وهو الب والجد أبو الب ـ في تزويج البكر ‪ ،‬التوكيل في‬

‫تزويجها بغير إذنها‪.‬‬

‫ول يشترط في صحة هذه الوكالة أن يعين الولي للوكيل الزوج ‪ ،‬لن الولي يملك التعيين‬

‫في التوكيل ‪ ،‬فيملك الطلق به ‪ ،‬وإذا أطلق الولي الوكالة ‪ ،‬وجب على الوكيل أن يحتاط‬

‫لمصلحة الزوجة ‪ ،‬فل يزوّجها من غير كفء ‪ ،‬لن التوكل عند الطلق يحمل على الكفء ‪.‬‬

‫أما غير المجبر من الولياء ـ وهو غير الب والجد أبي الب ـ فل يجوز له التوكيل‬

‫في التزويج إل بإذن المرأة ‪ ،‬لنه ل يملك تزويجها بغير إذنها ‪ ،‬فأولى أن ل يملك أن يوكل من‬

‫يزوّجها بغير إذنها ‪.‬‬

‫الركن الخامس ‪ :‬الشاهدان ‪:‬‬

‫تمهيـد ‪:‬‬

‫إن عقد الزواج ‪ ،‬وإن كان كغيره من العقود التي يشترط فيها الرضا واليجاب‬

‫والقبول ‪ ،‬لكن السلم أحاط هذا العقد بهالة من التعظيم والتفخيم ‪ ،‬وطبعه بطابع ديني ‪،‬‬

‫وصبغه صبغة تعبدية ‪ ،‬فجعل القدام عليه طاعة ل عز وجل ‪ ،‬وقربة من القربات التي يثاب‬

‫عليها‪.‬‬

‫ولما كان لعقد النكاح نتائج خطيرة تترتب عليه ـ من حل المعاشرة بين الزوجين ‪،‬‬

‫ووجوب المهر والنفقة ‪ ،‬وثبوت نسب الولد ‪ ،‬واستحقاق الرث ‪ ،‬ووجوب المتابعة ‪ ،‬ولزوم‬

‫الطاعة ‪ ،‬وكانت هذه النتائج عرضة للجحود والكنود من كل من الزوجين ـ احتاط الدين لها ‪،‬‬

‫‪61‬‬
‫وأوجب حضور شاهدين ـ على القل ـ يشهدان عقد الزواج ‪ ،‬وشرط فيهما شروطا تجعلهما‬

‫مكان الثقة والطمئنان لثبات تلك النتائج ‪ ،‬إذا ما دعت الحاجة إلى شهادتهما ‪ ،‬فيما إذا دبّ‬

‫شقاق بين الزوجين ‪ ،‬أو تنكر منهما أحد لحقوق هذا العقد ونتائجه ‪.‬‬

‫دليل وجوب الشاهدين في عقد النكاح ‪:‬‬

‫والدليل على وجوب شاهدين في عقد النكاح قوله ‪ ":‬ل نكاح إل بولي وشاهدي عدل ‪،‬‬

‫وما كان غير ذلك فهو باطل "‪.‬‬

‫رواه ابن حبان في صحيحه ‪ .‬انظر موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان ( النكاح ‪ ،‬باب ‪:‬‬

‫ما جاء في الولي والشهود ‪ ،‬رقم ‪. ) 1247 :‬‬

‫شروط الشاهدين ‪:‬‬

‫يشترط في الشاهدين الشروط التالية ‪:‬‬

‫أ ـ السلم ‪:‬‬

‫فل يصح عقد النساء بشهادة غير المسلمين ‪ ،‬لن لعقد الزواج اعتبارا دينيا ‪ ،‬فلبدّ أن‬

‫يشهده من يدين بدين السلم ‪ ،‬ولن غير المسلم ل يوفّق بشهادته على المسلمين ‪.‬‬

‫أضف إلى ذلك أن الشهادة ولية ‪ ،‬فل تقبل شهادة غير المسلم على المسلم ‪ ،‬لنه ل‬

‫[ التوبة ‪] 71 :‬‬ ‫ضهُمْ َأ ْوِليَاء َبعْضٍ‬


‫وَا ْل ُم ْؤ ِمنُونَ وَا ْل ُم ْؤ ِمنَاتُ َب ْع ُ‬ ‫ولية له عليه ‪ .‬قال تعالى ‪:‬‬

‫[ النساء ‪. ] 141 :‬‬ ‫سبِيلً‬


‫علَى ا ْل ُم ْؤ ِمنِينَ َ‬
‫جعَلَ اللّهُ ِل ْلكَا ِفرِينَ َ‬
‫َولَن يَ ْ‬ ‫وقال تعالى ‪:‬‬

‫ب ـ الذكورة ‪:‬‬

‫‪62‬‬
‫فل ينعقد عقد الزواج بشهادة النساء ‪ ،‬ول برجل وامرأتين ‪ .‬قال الزهري رحمه ال ‪:‬‬

‫‪ :‬أنه ل تجوز شهادة النساء في الحدود ‪ ،‬والنكاح والطلق )‬ ‫( مضت السنّة عن الرسول‬

‫على‬ ‫والزهري تابعي ‪ ،‬ومثل هذا القول من التابعي في حكم الحديث المرفوع إلى رسول ال‬

‫ما قرره العلماء ‪.‬‬

‫ج ـ العقل والبلوغ ‪:‬‬

‫فل ينعقد عقد الزواج بحضور المجانين والصبيان فحسب ‪ ،‬لن عقد الزواج له مكانته‬

‫الخطيرة ‪ ،‬فالقتصار على حضور المجانين والصبيان استخفاف به ‪.‬‬

‫د ـ العدالة ولو ظاهرا ‪:‬‬

‫يجب أن يكون الشاهدان عدلين ‪ ،‬ولو من حيث الظاهر ‪ ،‬أي بأن يكونا مستوري الحال ‪،‬‬

‫غير ظاهري الفسق ‪.‬‬

‫فل ينعقد الزواج بشهادة الفاسقين المُجاهرين بفسقهم لعدم الوثوق بشهادتهم ‪.‬‬

‫هـ ـ السمع ‪:‬‬

‫فل ينعقد الزواج بشهادة أصمّين ‪ ،‬أو نائمين ‪ ،‬لن الغرض من الشهادة ل يتحقق بأمثالها‬

‫‪ ،‬ولن المشهود عليه قول ‪ ،‬فلبدّ من سماعه ‪.‬‬

‫و ـ البصر ‪:‬‬

‫فل ينعقد بشهادة العميان ‪ ،‬لن القوال ل تثبت إل بالمعاينة والسماع ‪.‬‬

‫الشهاد على رضا الزوجة ‪:‬‬

‫‪63‬‬
‫يستحبّ الشهاد على رضا الزوجة بعقد النكاح ‪ ،‬وذلك بأن يسمع شاهدان ـ الشروط‬

‫ن المرأة ورضاها ‪ :‬بأن تقول ‪ :‬رضيت بهذا العقد ‪ ،‬أو‬


‫المذكورة في شروط الشاهدين ـ إذ َ‬

‫أذنت فيه ‪ ،‬وذلك احتياطا ‪ ،‬ليؤمن إنكارها بعد ذلك ‪.‬‬

‫إعفاف الب أو الجد ‪:‬‬


‫يجب على الولد ‪ ،‬سواء كان ذكرا أم أنثى ‪ ،‬مسلما أم كافرا ‪ ،‬إعفاف الب ‪ ،‬ومثله‬

‫الجد ‪ ،‬سواء كان من جهة الب ‪ ،‬أو من جهة الم ‪ ،‬وسواء كان مسلما أم كافرا ‪ :‬وذلك بأن‬

‫يعطيه مهر امرأة حرّة ‪ ،‬أو يقول له ‪ :‬تزوج وأنا أُعطيك المهر ‪.‬‬

‫لكن يشترط لوجوب ذلك على الولد ثلثة شروط ‪:‬‬

‫أ ـ أن يكون الولد موسرا بالمهر ‪.‬‬

‫ب ـ أن يكون الب ـ ومثله الجد ـ معسرا بالمهر‪.‬‬

‫ج ـ أن يكون الب ‪ ،‬أو الجد محتاجا إلى الزواج ‪ ،‬وذلك بأن كانت نفسه تتوق إليه ‪.‬‬

‫ووجهه ‪ :‬أن هذا العفاف للب ـ أو الجد ـ من وجوه حاجاته المهمة ‪ :‬كالنفقة‬

‫والكسوة ‪.‬‬

‫ولئل يعرّضه للزنى المفضي إلى الهلك ‪ ،‬وذلك ل يليق بحرمة البوة ‪ ،‬وليس هو من‬

‫ح ْب ُهمَا فِي ال ّد ْنيَا َم ْعرُوفا‬


‫َوصَا ِ‬ ‫وجوه المصاحبة بالمعروف ‪ ،‬المأمور بها بقوله تعالى ‪:‬‬

‫[ لقمان ‪. ] 15 :‬‬

‫أنكحة الكفار ‪:‬‬

‫‪64‬‬
‫نكاح الكفار فيما بينهم صحيح ‪ ،‬ودليل ذلك حديث غيلن وغيره ‪ ،‬ممّن أسلم وعنده أكثر‬

‫أمره أن يمسك أربعا ويفارق سائرهنّ ‪.‬‬ ‫من أربعة نسوة ‪ ،‬فإن النبي‬

‫عن شرائط نكاحهنّ ‪ ،‬فل يجب البحث عن ذلك ‪.‬‬ ‫فلم يسأله‬

‫ولو ترافعوا إلينا لم نبطل أنكحتهم ‪ ،‬ولو أسلموا أقررنا نكاحهم ‪.‬‬

‫إسلم الكفّار بعد زواجهم‪:‬‬

‫إذا كان الرجل كافرا ‪ ،‬وكان عنده امرأة كافرة ‪ ،‬فأسلما معا ‪ ،‬دام نكاحهما ‪ .‬وذلك لن‬

‫الفرقة إنما تقع باختلف الدين ‪ ،‬ولم يختلف دينهما في الكفر ول في السلم ‪.‬‬

‫روى الترمذي ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في الزوجين المشركين يسلم أحدهما ‪ ،‬رقم ‪:‬‬

‫‪ ، ) 1144‬وأبو داود ( الطلق ‪ ،‬باب‪ :‬إذا أسلم أحد الزوجين ‪ ،‬رقم ‪ ) 2283 :‬عن ابن عباس‬

‫‪ ،‬ثم جاءت امرأته مسلمة ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا‬ ‫رضي ال عنهما ‪ :‬أن رجلً جاء مسلما على عهد النبي‬

‫رسول ال ‪ ،‬إنها كانت أسلمت معي فرُدّها عليّ ‪ ،‬فردها عليه ‪.‬‬

‫أما إذا أسلم هو ‪ ،‬وأصرّت هي على الكفر ‪:‬‬

‫فإن كانت الزوجة كتابية دام نكاحه لها ‪ ،‬لجواز نكاح المسلم الكتابية ‪.‬‬

‫وإن كانت وثنية ‪ ،‬أو ملحدة ‪ ،‬ولم تسلم أثناء عدّتها ‪ ،‬تنجزت الفرقة بينهما من حين إسلم‬

‫زوجها ‪.‬‬

‫أما إذا أسلمت في العدّة ‪ ،‬فإنه يبقى النكاح بينهما ‪.‬‬

‫ولو أسلمت المرأة ‪ ،‬وأص ّر الزوج على الكفر ‪ ،‬فإنه يفرّق بينهما من حين إسلمها ‪ ،‬إل‬

‫أن يسـلم ‪ ،‬وهي ما تزال في العدّة ‪ ،‬فإنها ترُدّ إليه بنفس النكاح السابق ‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫أما إن عاد وأسلم بعد انقضاء عدّتها ‪ ،‬فإنها ل ترجع إليه إل بعقد جديد ‪.‬‬

‫ردّ بنته زينب على‬ ‫روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ‪ :‬أن رسول ال‬

‫أبي العاص بن الربيع بمهر جديد ونكاح جديد ‪.‬‬

‫أخرجه الترمذي ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في الزوجين المشركين يسلم أحدهما ‪ ،‬رقم ‪:‬‬

‫‪. ) 1142‬‬

‫قال الترمذي ‪ :‬هذا حديث في إسناده مقال ‪ ،‬والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم ‪ :‬أن‬

‫المرأة إذا أسلمت قبل زوجها ثم أسلم ز وجها وهي في العدّة ‪ ،‬أن زوجها أحقّ بها ما كانت في‬

‫العدّة ‪.‬‬

‫ال َّ‬
‫صــدَاق‬
‫أحكامه ـ المغالة في المهور‬
‫تعريف الصداق ‪:‬‬

‫الصداق هو المال الذي وجب على الزوج دفعه لزوجته بسبب عقد النكاح ‪.‬‬

‫وسمي صداقا ‪ ،‬لشعاره بصدق رغبة باذله في النكاح ‪.‬‬

‫أحكام الصداق ‪:‬‬

‫للصداق عدة أحكام نذكرها فيما يلي ‪:‬‬

‫أ ـ حكمه ‪:‬‬

‫‪66‬‬
‫الصداق واجب على الزوج بمجرد تمام عقد الزواج ‪ ،‬سواء سمي في العقد بمقدار معين‬

‫من المال ‪ :‬كألف ليرة سورية مثلُ ‪ ،‬أو لم يسمّ ‪ ،‬حتى لو اتفق على نفيه ‪ ،‬أو عدم تسميته ‪،‬‬

‫فالتفاق باطل ‪ ،‬والمهر لزم ‪.‬‬

‫ب ـ دليل وجوبه ‪:‬‬

‫ودليل وجوب الصداق القرآن ‪ ،‬والسنّة ‪ ،‬والجماع ‪.‬‬

‫[ النساء ‪ ] 4 :‬أي عطية ‪،‬‬ ‫حلَةً‬


‫وَآتُواْ النّسَاء صَدُقَا ِتهِنّ ِن ْ‬ ‫أما القرآن ‪ :‬فقوله تعالى ‪:‬‬

‫س َت ْم َت ْعتُم بِهِ ِم ْنهُنّ فَآتُوهُنّ ُأجُورَهُنّ‬


‫َفمَا ا ْ‬ ‫والمخاطب بذلك هم الزواج ‪ .‬وقوله عزّ وجلّ ‪:‬‬

‫طلّ ْقتُمُ النّسَاء مَا لَمْ‬


‫عَل ْيكُمْ إِن َ‬
‫جنَاحَ َ‬
‫لّ ُ‬ ‫[ النساء ‪ ] 24 :‬أي مهورهن ‪ .‬وقال تعالى ‪:‬‬ ‫َفرِيضَةً‬

‫[ البقرة ‪ ] 236 :‬أي تعينوا لهن مهرا ‪.‬‬ ‫َتمَسّوهُنّ َأوْ تَ ْف ِرضُواْ َلهُنّ َفرِيضَةً‬

‫وأما السنّة ‪ :‬فما رواه البخاري ( فضائل القرآن ‪ ،‬باب ‪ :‬خيركم مَن تعلم القرآن‬

‫وعلمـه ‪ ،‬رقـم ‪ ، ) 4741 :‬ومسلم ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم‬

‫حديد وغير ذلك من قليل وكثيـر واستحباب كونه خمسمائة درهم لمن ل يجحف بــه ‪ ،‬رقم‬

‫قالت ‪ " :‬ما لي في النساء من حاجة " فقال رجل ‪ :‬زوّجنيها ‪،‬‬ ‫‪ ) 1425 :‬عن سهل بن سعد‬

‫عتَلّ له ‪ .‬فقال ‪" :‬‬


‫قال ‪ " :‬أعطها ثوبا " قال ‪ :‬ل أجدْ ‪ .‬قال ‪ " :‬أعطها ولو خاتما من حديد " ‪ ،‬فا ْ‬

‫ما معك من القرآن ؟ " قال ‪ :‬كذا وكذا ‪ .‬قال ‪ " :‬فقد زوّج ُتكَها بما معك من القرآن ‪".‬‬

‫[ وهبت نفسها ‪ :‬جعلت له أمرها ‪ .‬فاعتلّ له ‪ :‬تعلل أنه ل يجده ] ‪.‬‬

‫وأما الجماع ‪ :‬فقد اتفقت كلمة العلماء على وجوبه من غير نكير من أحد ‪.‬‬

‫ج ـ حكمة تشريع الصداق ‪:‬‬

‫‪67‬‬
‫والحكمة من تشريع المهر إنما هي إظهار صدق رغبة الزوج في معاشرة زوجته‬

‫معاشرة شريفة ‪ ،‬وبناءً على حياة زوجية كريمة ‪.‬‬

‫كما أنه فيه تمكين للمرأة من أن تتهيأ للزواج بما تحتاجه من لباس ‪ ،‬ونفقات ‪.‬‬

‫وإنما جعل السلم الصداق على الزوج ‪ ،‬رغبة منه في صيانة المرأة ‪ ،‬من أن تمتهن‬

‫كرامتها في سبيل جمع المال ‪ ،‬الذي تقدمه مهرا للرجل ‪.‬‬

‫د ـ تسمية الصداق في العقد ‪:‬‬

‫لم يُخلِ نكاحا‬ ‫يسنّ تسمية المهر ـ أي تحديد مقداره ـ في عقد الزواج ‪ ،‬لن النبي‬

‫من تسمية المهر فيه ‪ ،‬ولن في تسميه دفعا للخصومة بين الزوجين ‪.‬‬

‫على الوجوب ‪ ،‬للجتماع على جواز إخلء عقد الزواج من‬ ‫وإنما لم يحملوا فعله‬

‫‪.‬‬ ‫تسمية المـهر ‪ ،‬وإن كان مع الكراهة ‪ ،‬لمخالفة فعل النبي‬

‫هـ ـ ملكية المهر ‪:‬‬

‫والمهر ملك الزوجة وحدها ‪ ،‬ل حق لحد فيه من أوليائها ‪ ،‬وإن كان لهم حق قبضه ‪،‬‬

‫شيْئا َأتَأْخُذُونَهُ ُب ْهتَانا َوِإثْما‬


‫فَلَ تَ ْأخُذُواْ ِمنْهُ َ‬ ‫لكنهم يقبضونه لحسابهم وملكها ‪ .‬قال ال تعالى ‪:‬‬

‫شيْءٍ ّمنْهُ نَفْسا َف ُكلُوهُ َهنِيئا ّمرِيئا‬


‫طبْنَ َلكُمْ عَن َ‬
‫فَإِن ِ‬ ‫[ النساء ‪ ] 20 :‬وقال عز وجل ‪:‬‬ ‫ّمبِينا‬

‫[ النساء ‪. ] 4 :‬‬

‫و ـ حدّ المهر ‪:‬‬

‫‪68‬‬
‫ل حدّ لقل المهر ‪ ،‬ول لكثره ‪ ،‬فكلّ ما صحّ عليه اسم المال ‪ ،‬أو كان مقابلً بمال ‪،‬‬

‫جاز أن يكون مهرا ‪ ،‬قليلً كان أو كثيرا ‪ ،‬عينا أو دينا ‪ ،‬أو منفعة ‪ :‬كسجادة ‪ ،‬أو ألف ليرة‪ ،‬أو‬

‫سكنى دار ‪ ،‬أو تعليم حرفة ‪.‬‬

‫[ النساء‬ ‫َوأُحِلّ َلكُم مّا َورَاء َذِلكُمْ أَن َت ْب َتغُواْ بَِأ ْموَاِلكُم…‬ ‫ودليل ذلك قول ال تعالى ‪:‬‬

‫‪. ] 24 :‬‬

‫فإنه أطلق المال ‪ ،‬ولم يقدره بحدّ معين ‪.‬‬

‫‪ " :‬أعطها ولو خاتما من حَديد " ‪.‬‬ ‫وقال‬

‫رواه البخاري ( فضائل القرآن ‪ ،‬باب ‪ :‬خيركم مَن تعلم القرآن وعلمه ‪ ،‬رقم ‪) 4741 :‬‬

‫‪ ،‬ومسـلم ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد وغير ذلك من قليل‬

‫وكثير واستحباب كونه خمسمائة درهم لمن ل يجحف به ‪ ،‬رقم‪ ، ) 1425 :‬وروى الترمذي‬

‫‪ ":‬أرضيت‬ ‫( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في مهور النساء ‪ ،‬رقم ‪ ) 113 :‬عن عامر بن ربيعة‬

‫س ِتبْدَالَ َزوْجٍ‬
‫َوإِنْ َأرَدتّمُ ا ْ‬ ‫من نفسك ومالك بنعلين " ؟ قالت ‪ :‬نعم ‪ ،‬فأجازه ‪ .‬وقال تعالى ‪:‬‬

‫[ النساء ‪ . ] 20 :‬فقد أباح أن يقدم‬ ‫شيْئاً‬


‫ّمكَانَ َزوْجٍ وَآ َت ْيتُمْ إِحْدَاهُنّ قِنطَارا فَلَ تَ ْأخُذُواْ ِمنْهُ َ‬

‫الزوج لزوجته قنطارا ‪ .‬والقنطار ‪ :‬المال الكثير فدلّ على أنه ل ح ّد للمهر في الكثرة ‪.‬‬

‫لكن يستحب أن ل يقل المهر عن عشرة دراهم ‪ ،‬خروجا من خلف من أوجب ذلك ‪،‬‬

‫وهم الحنفية ‪.‬‬

‫وكذلك يستحب أن ل يزيد عن خمسمائة درهم ‪ ،‬لنه الوارد في مهور بناته وزوجاته ‪،‬‬

‫عليه الصلة والسلم ‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫روى أحمد وأصحاب السنن ـ وصححه الترمذي ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في مهور‬

‫قال ‪ ( :‬ل تغلوا صدق النساء ‪ ،‬فإنها لو‬ ‫النساء ‪ ،‬رقم ‪ ) 1114 :‬ـ عن عمر بن الخطاب‬

‫‪ ،‬ما أصدق رسول‬ ‫كانت مكرمة في الدنيا ‪ ،‬أو تقوى في الخرة ‪ ،‬لكان أولكم بها رسول ال‬

‫امرأة من نسائه ‪ ،‬ول أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثني عشرة أوقية ) ‪.‬‬ ‫ال‬

‫والوقية ‪ :‬أربعون درهما ‪ ،‬فيكون مجموع المهر ‪ :‬أربعمائة وثمانين درهما ‪ .‬وهذا‬

‫المقدار يساوي نصابين ونصف للزكاة تقريبا كما هو معلوم في نصاب الزكاة الذي تجب فيه‬

‫الزكاة من الفضة ‪ ،‬وذلك يختلف حسب نقد البلد وتقويم هذا المقدار من الفضة ‪.‬‬

‫ز ـ تعجيل المهر وتأجيله ‪:‬‬

‫ل يشترط تعجيل المهر ‪ ،‬بل يصحّ تعجيله كله قبل الدخول ‪ ،‬ويصحّ تأجيله كله ‪ ،‬أو‬

‫تأجيل بعضه إلى ما بعد الدخول ‪ ،‬ولكن يشترط أن يكون الجل محددا ‪ ،‬وذلك لن المهر ملْك‬

‫الزوجة ‪ ،‬فلها الحق في تعجيل وتأجيل ما شاءت منه ‪.‬‬

‫وإذا كان المهر معجّلً ‪ ،‬كان للزوجة الحق في حبس نفسها عن زوجها حتى تقبض معجّل‬

‫مهرها ‪.‬‬

‫أما إذا كان المهر مؤجلً ‪ ،‬فل حق لها في حبس نفسها عن زوجها ‪ ،‬لنها رضيت‬

‫بالتأجيل ‪ ،‬فسقط حقها في حبس نفسها ‪.‬‬

‫ح ـ استقرار المهر ‪ ،‬أو نصفه ‪ ،‬وسقوطه ‪:‬‬

‫تبين مما ذكرنا سابقا أن المهر يجب للزوجة على لزوج بالعقد الصحيح ‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫وسنذكر الن الحالت التي يستقر بها المهر على الزوج كله ‪ ،‬أو نصفه ‪ ،‬والحالت التي‬

‫يسقط فيها المهر ‪:‬‬

‫‪1‬ـ استقرار كل المهر ‪:‬‬

‫ويستقر المهر كله في حالتين ‪:‬‬

‫الولى ‪ :‬فيما دخل الزوج بزوجته ‪ ،‬سواء كان ذلك الدخول في حال حل ‪ :‬كما إذا كانت‬

‫المرأة طاهرة من حيض ‪ ،‬أو كان في حال حُرمه ‪ :‬كما إذا كانت حائضا ‪ .‬فإذا دخل بها لزمه‬

‫المهر كله ‪ ،‬لنه استوفى المعقود عليه وهو الستمتاع ‪ ،‬فلزمه ال َعوَض ‪.‬‬

‫س َت ْم َت ْعتُم بِهِ ِم ْنهُنّ فَآتُوهُنّ ُأجُورَهُنّ َفرِيضَةً‬


‫َفمَا ا ْ‬ ‫دلّ على ذلك قوله تعالى ‪:‬‬

‫[ النساء ‪ ] 24 :‬والمراد بالستمتاع هنا الدخول والتلذّذ بالجماع ‪ ،‬والمراد بالجور المهور ‪،‬‬

‫وسمي المهر أجرا لنه استحقّ بمقابل المنفعة ‪ ،‬وهي ما ذكر من التلذّذ والستمتاع ‪.‬‬

‫وروى مالك في الموطأ ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في الصداق والحيـاء ‪) 2/526 :‬‬

‫‪ ( :‬أيّما رجل تزوج امرأة …‪.‬فمسّها فلها صداقها كاملً ) ‪ .‬فمسّها أي دخل بها‬ ‫عـن عمـر‬

‫ووطئها ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬موت أحد الزوجين ‪ ،‬سواء حصل الموت قبل الدخول ‪ ،‬أو بعده ‪.‬‬

‫ودليل ذلك إجماع الصحابة رضي ال عنهم ‪.‬‬

‫‪2‬ـاستقرار نصف المهر ‪:‬‬

‫ويستقر على الزوج نصف مهر زوجته في حالة واحدة ‪ ،‬وهي ‪:‬‬

‫‪71‬‬
‫ما إذا طلقها بعد عقد صحيح ‪ ،‬سمي المهر فيه تسمية صحيحة ‪ ،‬وكان هذا الطلق قبل‬

‫أن يدخل بها ‪.‬‬

‫ضتُمْ‬
‫طلّ ْق ُتمُوهُنّ مِن َقبْلِ أَن َتمَسّوهُنّ وَقَدْ َف َر ْ‬
‫َوإِن َ‬ ‫ودليل هذا الحكم قول ال عزّ وجلّ ‪:‬‬

‫[ البقرة ‪. ] 237 :‬‬ ‫صفُ مَا َف َرضْتُمْ‬


‫َلهُنّ َفرِيضَةً َف ِن ْ‬

‫ومعنى من قبل أن تمسّوهن ‪ :‬أي من قبل أن تدخلوا بهنّ ‪ .‬ومعنى فرضتم ‪ :‬أي سمّيتم لهن‬

‫مهرا ‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫‪3‬ـ سقوط المهر كله ‪:‬‬

‫ويسقط المهر كله عن الزوج إذا فارقت الزوجة زوجها قبل الدخول بها ‪ ،‬وكان هذا‬

‫الفراق ناشئا بسبب منها ‪ ،‬كما إذا أسلمت ‪ ،‬فانفسخ النكاح ‪ ،‬أو ارتدّت ‪ ،‬أو فسخت النكاح لعيب‬

‫في الزوج ‪ ،‬أو فسخ الزوج النكاح لعيب فيه ‪ ،‬فإنه يسقط المهر في هذه الحالت كلها ‪ ،‬لنها‬

‫هي السبب في هذه الفرقة ‪ ،‬وهي المختارة لها ‪ ،‬فكأنها أتلفت المعوّض قبل التسليم ‪ ،‬فسقط‬

‫العوَض ‪.‬‬

‫والمعرض ‪ :‬هنا ‪ :‬هو تمكينها زوجها من نفسها ‪ .‬والعوض ‪ :‬هو المهر ‪.‬‬

‫ط ـ مهر المثل ‪:‬‬

‫تعريف مهر المثل ‪:‬‬

‫ومهر المثل ‪ :‬هو المال الذي يطلب في الزواج لمثل الزوجة عادة ‪.‬‬

‫تقـــديره ‪:‬‬

‫ويقدّر مهر المثل بالنظر لقرباء المرأة بالنسب من جهة أبيها ‪.‬‬

‫فيراعي في المرأة المطلوب مهر مثلها أقرب مَن تنتسب إليه من نساء العصبة ‪.‬‬

‫وأقربهنّ ‪ :‬أخت لبوين ‪ ،‬ثم لب ‪ ،‬ثم بنات أخ ‪ ،‬ثم عمّات ‪.‬‬

‫كما يراعى كونهنّ مساويات لها في الصفات التي سيأتي ذكرها ‪.‬‬

‫فإن فقدَ نساء العصبة ‪ ،‬أو لم ينكحن ‪ ،‬اعتبر مهر القرب فالقرب من أرحامها ‪ ،‬وهنّ‬

‫أقرباؤها من جهة أمها ‪ ،‬كأم ‪ ،‬وجدّة ‪ ،‬وخالة ‪،‬وبنات أخوات ‪ ،‬لنهنّ أولى من الجنبيات ‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫فإن فقدت القريبات من جهة الم أعتبر مثلها من الجنبيات في بلدها ‪ ،‬ممّن يساويها في‬

‫الصفات التية ‪.‬‬

‫الصفات المعتبرة في تقدير مهر المثل ‪:‬‬

‫ثم يعتبر في تقدير مهر المثل مع النسب المساواة في الصفات التالية ‪:‬‬

‫السن ‪ ،‬والعقل ‪ ،‬والجمال ‪ ،‬واليسار ‪ ،‬والعفّة ‪ ،‬والدين ‪ ،‬والتقوى ‪ ،‬والعلم ‪ ،‬والبكارة ‪،‬‬

‫والثيوبة ‪ ،‬وكل ما اختلف به غرض صحيح ‪ ،‬لن المهور تختلف باختلف هذه الصفات ‪.‬‬

‫دليل مشروعية مهر المثل ‪:‬‬

‫ويستدل لثبوت مهر المثل وتقريره ‪ :‬بما رواه أبو داود ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬فيمن تزوج ولم‬

‫يسمّ صداقا حتى مات ‪ ،‬رقم ‪ ، ) 2114 :‬والترمذي ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في الرجل يتزوج‬

‫المرأة فيموت عنه قبل أن يفرض لها ‪ ،‬رقم ‪ ) 1145 :‬بسند حسن صحيح ‪ ،‬وغيرهما ‪ :‬عن‬

‫أنه سئل عن رجل تزوج امرأة ‪ ،‬ولم يفرض لها مثل صداقا ولم نسائها ‪ ،‬ول‬ ‫عبدال بن مسعود‬

‫َو ْكسَ ‪ ،‬ول شَطَطَ ‪ ،‬وعليها الع ّدةُ ‪ ،‬ولها الميراثُ ‪ ،‬فقام معقل بن منّا ‪ ،‬مثل الذي قضيتَ ‪ ،‬ففرح‬

‫‪.‬‬ ‫بها ابن مسعود‬

‫موجبات مهر المثل ‪:‬‬

‫ويجب مهر المثل للسباب التالية ‪:‬‬

‫أ ـ إذا كان عقد النكاح فاسدا ‪ ،‬وذلك كأن فَقَدَ العقد شرطا من شروط صحته ‪ ،‬كأن تزوجت‬

‫من غير شهود ‪ ،‬أو من غير وليّ ‪ .‬ثم تبع ذلك العقد الفاسد دخول بالزوجة ‪ .‬فإنه يجب لها‬

‫مهر المثل ‪ ،‬لفساد العقد والمسمى ‪ ،‬مع وجوب التفريق بينهما ‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫ويقدّر مهر المثل وقت الدخول بها ‪ ،‬ل وقت العقد عليها ‪ ،‬لن العقد الفاسد ل اعتبار له‬

‫ب ـ إذا فسخ المهر بسبب الخلف بين الزوجين في تسميته ‪ ،‬أو مقداره ‪ .‬فإذا اختلف الزوج‬

‫والزوجة في تسمية المهر ‪ ،‬فقالت الزوجة ‪ :‬سمّيت لي مهرا في العقد ‪ ،‬وقال الزوج ‪ :‬لم‬

‫أسَم مهرا ‪ ،‬حلفت الزوجة على ما تدّعي ‪ ،‬وحلف الزوج على ما يدّعي ‪ ،‬ثم يفسخ المهر ‪،‬‬

‫ويجب مهر المثل ‪.‬‬

‫كذلك إذا اختلفا في مقدار المهر ‪ ،‬فقالت الزوجة ‪ :‬إن ألفان ‪ ،‬وقال الزوج ‪ :‬إنه ألف ‪،‬‬

‫فإنهما يتحالفان ‪ ،‬ويفسخ المهر ‪ ،‬ويجب مهر المثل ‪.‬‬

‫ج ـ إذا سمي المهر تسمية فاسدة ‪:‬‬

‫ويكون فساد في مسائل نذكر منها ما يلي ‪:‬‬

‫المسألة الولى ‪ :‬أن يكون المهر المسمى غير مال شرعا ‪ :‬كخمر ‪ ،‬وخنزير ‪ ،‬وآلة لهو ‪ ،‬و‬

‫نحو ذلك مما ل يُعدّ مالً في عُرف الشرع ‪ ،‬لن الشرع أوجب أن يكون المهر مالً ‪ ،‬أو مقابلً‬

‫بمال ‪ ،‬وهذه ليست مالً شرعا ‪.‬‬

‫المسألة الثانية ‪ :‬أن يكون المال الذي سمّاه مهرا غير مملوك له ‪ :‬كأن أصدقها سجادة مغصوبة‬

‫المسألة الثالثة ‪ :‬أن ينكح امرأتين أو أكثر بمهر واحد ‪ ،‬فإن النكاح صحيح ‪ ،‬والمهر فاسد ‪،‬‬

‫ويجب مهر المثل لكل واحدة ‪ ،‬للجهل بما يخصّ كل واحدة من المهر عند العقد ‪.‬‬

‫المسألة الرابعة ‪ :‬أن يزوّج الوليّ صغيرا بأكثر من مهر المثل من مال الصبي ‪ ،‬أو أن يزوّج‬

‫صغيرة ‪ ،‬أو بكرا كبيرة بغير إذنها بأقل من مهل المثل ‪ ،‬فإن المهر يفسد في ذلك ‪،‬‬

‫ويجب مهر المثل ‪ ،‬لن الوليّ مأمور بفعل ما فيه المصلحة لهما ‪ ،‬والمصلحة منتقية هنا ‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫المسألة الخامسة ‪ :‬المفّوضة ‪ :‬وهي أن تقول امرأة رشيدة ـ بكرا كانت أو ثيبا ـ لوليّها ‪:‬‬

‫زوّجني بل مهر ‪ ،‬فزوجها وليها ونفي المهر ‪ ،‬أو زوجها وسكت عن المهر ‪ ،‬فإنه يجب‬

‫لها مهر المثل ‪ ،‬ولكن ل بنفس العقد ‪ ،‬وإنما بالدخول بها ‪ ،‬لن الدخول بها ل يُباح‬

‫بالباحة ‪ ،‬لما فيه من حق ال عز وجل ‪ ،‬ويعتبر مهر المثل عند العقد ‪ ،‬ل عند الدخول ‪.‬‬

‫ولها أن تطالب الزوج أن يفرض لها مهرا قبل الدخول ‪ ،‬وأن تحبس نفسها عنه‬

‫حتى يفرض لها مهر مثلها ‪.‬‬

‫المسألة السادسة ‪ :‬أن يشترط في عقد الزواج أن يكون جزء من المهر لغير الزوجـة ‪ :‬كأبيها‬

‫‪ ،‬أو أخيها ‪ ،‬فإن النكاح صحيح ‪ ،‬والمهر فاسد ‪ ،‬ويجب لها مهر المثل ‪.‬‬

‫تنبيـــه‪:‬‬

‫الشروط في عقد النكاح على ثلثة أقسام ‪:‬‬

‫القسم الول ‪ :‬أن يكون الشرط موافقا لمقتضى النكاح ‪ :‬كأن شرطت عليه أن ينفق عليها‬

‫‪ ،‬وأن يقسم لها ‪.‬‬

‫فهذا الشرط لغو ‪ ،‬وعقد النكاح والمهر المسمى صحيحان ‪.‬‬

‫القسم الثاني ‪ :‬أن يكون الشرط مخالفا لمقتضى النكاح ‪ ،‬لكنه غير مُخلّ بمقصود النكاح‬

‫الصلي وهو الوطء ‪ ،‬كأن تشترط عليه في عقد الزواج أن ل يتزوج عليها ‪ ،‬أو يشترط عليها أن‬

‫ل ينفق عليها ‪.‬‬

‫فإن عقد النكاح صحيح لعدم الخلل بمقصوده الصلي ‪ ،‬والشرط فاسد ‪ ،‬سواء كان له ‪،‬‬

‫‪ " :‬كل شرط ليس في كتاب ال فهو باطل ‪.‬‬ ‫أو لها ‪ .‬لقوله‬

‫‪76‬‬
‫رواه البخاري ( المساجد ‪ ،‬باب ‪ :‬ذكر البيع والشراء على المنبر في المسجد ‪ ،‬رقم ‪:‬‬

‫‪. ) 444‬‬

‫ويفسد المهر أيضا تبعا لفساد الشرط ‪ ،‬لن الرضا بالمهر قد علّق على شرط ‪ ،‬فلما فسد‬

‫الشرط فسد المهر ‪ ،‬لنتقاء الرضا بالمهر بغير ما شُرط فيه ‪.‬‬

‫القسم الثالث ‪ :‬أن يكون الشرط مخلً بمقصود النكاح الصلي ‪ ،‬وهو الوطء ‪ :‬كأن‬

‫شرطت عليه في العقد أن ل يطأها ‪ ،‬أو أن يطلقها بعد النكاح ‪.‬‬

‫فالنكاح باطل ‪ ،‬لن هذا الشرط ينافي مقصود النكاح ‪ ،‬فيبطله ‪.‬‬

‫المتــعة‬
‫تعريف المتعة ‪:‬‬

‫المتعة ـ بضم الميم ـ مشتقة من المتاع ‪ ،‬وهو ما يستمتع به وينتفع به ‪.‬‬

‫والمراد بها هنا ‪ :‬مال يجب على الزوج دفعه لمرأته المُفارِقة له بطلق ‪ ،‬أو فراق ‪.‬‬

‫لمن تجب المتعة ‪:‬‬

‫المتعة واجبة للمرأة في الحالت التالية ‪:‬‬

‫طلٌّقت بعد الدخول بها ‪.‬‬


‫أ ـ إذا ُ‬

‫طلّقت قبل الدخول بها ‪ ،‬ولم يكن سمّي لها مهر في عقد الزواج ‪.‬‬
‫ب ـ إذا ُ‬

‫ج ـ إذا حكم بفراقها لزوجها ‪ ،‬وكان الفراق بسبب منه ‪ ،‬كردّته ‪ ،‬ولعانه ‪ ،‬وكان هذا‬

‫الفراق قد وقع بعد الدخول ولكن بشرط أن ل يكون قد سمي لها مهر في عقد الزواج ‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫أما المرأة المطلّقة قبل الدخول ‪ ،‬وقد سمي لها مهر في عقد الزواج ‪ ،‬فل متعة لها ‪،‬‬

‫لنها قد نالت نصف المهر ‪ ،‬وهي لم تبذل لزوجها شيئا بعد ‪.‬‬

‫دليل وجوب المتعة ‪:‬‬

‫طلّ ْقتُ ُم النّسَاء مَا لَمْ‬


‫عَل ْيكُمْ إِن َ‬
‫جنَاحَ َ‬
‫لّ ُ‬ ‫أما دليل المتعة ذكرنا فهو قوله عزّ وجلّ ‪:‬‬

‫علَى ا ْلمُ ْق ِترِ قَ ْد ُرهُ َمتَاعا بِا ْل َم ْعرُوفِ‬


‫علَى ا ْلمُوسِعِ قَ َد ُرهُ وَ َ‬
‫َتمَسّوهُنّ َأوْ تَ ْف ِرضُواْ َلهُنّ َفرِيضَةً َو َم ّتعُوهُنّ َ‬

‫علَى‬
‫طلّقَاتِ َمتَاعٌ بِا ْل َم ْعرُوفِ حَقّا َ‬
‫َوِل ْلمُ َ‬ ‫[ البقرة ‪ ] 236 :‬وقال تعالى ‪:‬‬ ‫سنِينَ‬
‫علَى ا ْلمُحْ ِ‬
‫حَقّا َ‬

‫ا ْل ُمتّقِينَ‬

‫[ البقرة ‪. ] 241 :‬‬

‫مقدار المتعة ‪:‬‬

‫عند تقدر المتعة إما أن يتفق الزوجان على مقدارها ‪ ،‬وإما أن يختلفا ‪:‬‬

‫فإن اتفقنا على مقدار معين من المال ـ قل ذلك المال أو كثر ـ كان ذلك لها ‪ ،‬وصحّت‬

‫المتعة على ما اتفقنا عليه ‪.‬‬

‫وإن اختلفا في تقديرها ‪ ،‬فإن القاضي هو الذي يتولى تقديرها ‪ ،‬معتبرا حالهما ‪ :‬من يسار‬

‫علَى ا ْلمُوسِعِ قَ َد ُرهُ‬


‫َو َم ّتعُوهُنّ َ‬ ‫الزوج وإعساره ‪ ،‬ونسب الزوجة وصفاتها ‪ .‬قال ال تعالى ‪:‬‬

‫[البقرة ‪:‬‬ ‫طلّقَاتِ َمتَاعٌ بِا ْل َم ْعرُوفِ‬


‫َوِل ْلمُ َ‬ ‫[ البقرة ‪ ] 236 :‬وقال عزّ وجل ‪:‬‬ ‫علَى ا ْلمُ ْق ِترِ قَ ْد ُرهُ‬
‫وَ َ‬

‫‪] 241‬‬

‫لكن يستحبّ في المتعة أن ل تنقص علن ثلثين درهما ‪ ،‬أو ما قيمته ذلك ‪ ،‬وأن ل تلغ‬

‫نصف مهر المثل ‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫الحكمة من تشريع المتعة ‪:‬‬

‫والحكمة من تشريع المتعة تطييب قلب المرأة المطلقة ‪ ،‬عند مفارقتها بيت الزوجية ‪،‬‬

‫والتخفيف من استيحاشها بسبب ما يلحقها من مفارقة زوجها ‪ ،‬وكسر حدّة اللم والكراهية التي قد‬

‫يسببهما هذا الفراق ‪.‬‬

‫ثانيا ً ـ المغالة في المهور‬


‫يجعل كثير من الناس المهر كثمن للمرأة ‪ ،‬ويظن أن المغالة فيه إشعار برفعة أُسرتها ‪،‬‬

‫وعظيم منزلتها ‪ ،‬فذلك يشتطّون في مقدار المهر ‪ ،‬ويغالون في تكبيره وتكثيره إظهارا منهم‬

‫لقيمة المخطوبة ‪ ،‬وتعزيزا لمكانة أسرتها ‪ ،‬ومفاخرة على أمثالها في تجهيزها ‪ ،‬وأثاث بيتها ‪.‬‬

‫لقد غاب عن خاطر هؤلء أن المهر ل يعني شيئا من هذا أبدا ‪ .‬وإنما هو رمز لصدق‬

‫طيّة لتكريم المرأة والتودّد إليها في بناء الحياة الزوجية الكريمة ‪.‬‬
‫الرغبة في الزواج ‪ ،‬وع ِ‬

‫كما غاب عن خاطرهم المفاسد الجتماعية التي تنجم عن هذا الشَطط الممقوت ‪،‬‬

‫والضرر الذي يصيب المجتمع ‪ ،‬والرجل والمرأة نفسها ‪ ،‬كنتيجة لهذا الغلو البشع ‪.‬‬

‫يسلكون غير طريق البَركَة التي‬ ‫وغاب عن خاطرهم أيضا ‪ :‬أنهم يخالفون سنّة النبي‬

‫يسببّها يُسْر المهر وبساطته ‪.‬‬

‫ـ أما المفاسد الجتماعية التي تنجم عن المغالة في المهور فكثيرة نذكر بعضا منها ‪:‬‬

‫‪79‬‬
‫إن المغالة في المهور تصرف الشباب عن الزواج ‪ ،‬ولسيما الفقراء منهم ‪ ،‬وتحول‬

‫بينهم وبين الزواج ‪ ،‬مما يجعلهم يسيرون في طريق الشيطان ‪ ،‬ويلجؤون إلى الفاحشة ‪،‬‬

‫ويبحثون عن الرذيلة ‪ ،‬فيتبدل الصلح فسادا ‪ ،‬والطمأنينة ثورة ‪ ،‬فتتلوّث الغراض ‪ ،‬وتختلط‬

‫النساب ‪ ،‬وتكثر المراض ‪.‬‬

‫ولو كان للشباب أزواج يعففنهم لحفظوا أخلقهم ‪ ،‬وحصّنوا دينهم ‪ ،‬وضمنوا لمجتمعهم‬

‫السلمة من الثم والفجور ‪.‬‬

‫ـ وأما المفاسد التي تصيب المرأة نفسها كنتيجة للمغالة فيكفي أن نذكر منها ‪:‬‬

‫إن كثيرا من النساء سوف يبقين عوانس محرومات من أخص ما تتطلبه فطرتهنّ ‪،‬‬

‫وتهفوا نحوه نفوسهنّ ‪ ،‬وسيظللن يشعر بفراغ مؤرق يقض مضاجعهنّ ‪ ،‬ويشتقن إلى البيت‬

‫الذي يقضي على وساوسهنّ ‪ ،‬ويُشعرهنّ بنعمة الهدوء والستقرار ‪ ،‬فل يجدنه ‪ ،‬ول يظفرن به‬

‫‪ ،‬لن آباءهن طلبوا مهورا أعجز الكثير من خّطابهنّ ‪.‬‬

‫هذا إذا لم يخرجن إلى الطرقات يعرضن فتنتهنّ ‪ ،‬ويفسدن مجتمعهنّ ‪.‬‬

‫أما إذا خرجن ـ كما هو الغالب على هؤلء العوانس ـ فالضرر عليهنّ أبلغ ‪ ،‬والكارثة‬

‫أعمّ وأفدح ‪.‬‬

‫في المهر ‪:‬‬ ‫ـ أما مخالفة السنّة النبوية ‪ ،‬فلنستمع إلى ما يقوله النبي‬

‫‪ ":‬إن‬ ‫روى أحمد ( ‪ ) 6/82‬عن السيدة عائشة رضي ال عنها قالت ‪ :‬قال رسول ال‬

‫أعظم النكاح بركة أيسره مَؤونةً " ‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫سرُه " رواه أبو داود‬
‫" خيرُ النكاح أي َ‬ ‫قال ‪ :‬قال رسول ال‬ ‫وروى عمر بن الخطاب‬

‫( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬في التزويج على العمل يعمل ‪ ،‬رقم ‪ ) 2117 :‬والحاكم وصححه ‪.‬‬

‫فل بركة إذا ول خير إذا أصبح المهر تجارة يطلب من ورائها الثراء ‪ ،‬ووسيلة للمكاثرة‬

‫والمفاخرة بين القران ‪.‬‬

‫وروى البخاري ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬كيف يدعى للمتزوج ‪ ،‬رقم ‪ ) 4860 :‬ومسلم ( النكاح‬

‫‪ ،‬باب ‪ :‬الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد وغير ذلك من قليل وكثير واستحباب‬

‫أثر صُفوة ‪ ،‬فقال‬ ‫كونه خمسمائة درهم لمن ل يجحف به ‪ ،‬رقم ‪ ) 1427 :‬عن أنس بن مالك‬

‫‪ " :‬ما هذا " ؟ قال ‪ :‬تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب ‪ ،‬قال ‪ " :‬بارك ال لك ‪ ،‬أولِمْ ولو‬

‫بشاة " ‪.‬‬

‫[ أثر صفوة ‪ :‬أي صبغ على ثوبه ‪ .‬نواة ‪ :‬بزرة التمر ]‪.‬‬

‫لقد دعا له بالبركة كثرة الخير ـ والبركة كثرة الخير ‪ -‬في هذا الزواج وما كان المهر‬

‫فيه إل وزن نواة من التمر ‪.‬‬

‫فما هو نصيب هؤلء المُغالين من هذه البركة ؟‬

‫يقول ‪ :‬ل تغلو صُدُقَ النساء ‪ ،‬فإنها‬ ‫وعن أبي العوجاء قال ‪ :‬سمعت عمر بن الخطاب‬

‫ما أصدق رسول ال‬ ‫لو كانت مكرُمة في الدنيا ‪ ،‬أو تقوى في الخرة ‪ ،‬لكان أولكم بها النبي‬

‫امرأة من نسائه ‪ ،‬ول أصْدِقت امرأة من بناته ‪ ،‬أكثر من ثنتي عشرة أُوقية ‪.‬‬

‫رواه الخمسة ‪ ،‬وصححه الترمذي ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في مهور النساء ‪ ،‬رقم ‪:‬‬

‫‪. ) 1114‬‬

‫‪81‬‬
‫والخلصة ‪ :‬أن المغالة في المهور مكروهة شرعا ‪ ،‬وأن اليُسْر في المهور مندوب ‪ ،‬ومن‬

‫أسباب البركة والخير للرجال والنساء ‪ ،‬والمجتمع ‪.‬‬

‫عقد الزواج وما يترتب عليه‬


‫معنى الزواج ‪:‬‬

‫الزواج في اللغة ‪ :‬هو القتران ‪ ،‬والختلط ‪ .‬يقال ‪ :‬زوج فلن إبله ‪ :‬أي قرن بعضها‬

‫ظَلمُوا‬
‫شرُوا الّذِينَ َ‬
‫احْ ُ‬ ‫ببعض ‪ .‬ويقال ‪ :‬زوجه النوم ‪ :‬أي خالطه ‪ .‬ومنه قول ال عز وجل ‪:‬‬

‫[ الصدقات ‪ ] 22 :‬أي قرناءهم ‪.‬‬ ‫جهُمْ‬


‫َوَأ ْزوَا َ‬

‫والزواج في الشرع ‪ :‬عقد يتضمن إباحة استمتاع كلّ من الزوجين بالخر على وجه‬

‫مشروع ‪.‬‬

‫أنواع الزواج ‪:‬‬

‫الزواج نوعان ‪ :‬زواج باطل ‪ ،‬وزواج صحيح ‪.‬‬

‫أما الزواج الباطل ‪ :‬فهو الذي فقدَ ركنا من أركانه ‪ ،‬أو شرطا من شروط صحته ‪.‬‬

‫وهذا الزواج ل حكم له إل الحرمة ‪ ،‬ول يترتب عليه أيّ أثر من آثار الزواج ‪ ،‬اللّهمّ إل‬

‫مهر المثل في بعض صور البُطلن ‪.‬‬

‫كما إذا تزوج من غير وليّ للزوجة ‪ ،‬ودخل بها ‪.‬‬

‫‪ " :‬أيما امرأة نكحت بغير إذن وليّها فنكاحُها باطل ـ ثلثا ـ فإن‬ ‫قال رسول ال‬

‫دخل بها فهل مهر المثل بما اسحل من فرجها " ‪.‬‬

‫رواه الترمذي ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء ل نكاح إلى بولي ‪ ،‬رقم ‪) 1102‬‬

‫‪82‬‬
‫وأما الزواج الصحيح ‪ :‬فهو الذي استوفى أركانه ‪ ،‬وشروط صحته ‪ ،‬وهذا الزواج هو‬

‫الذي تترتب عليه آثاره التي ذكرها‪.‬‬

‫أحكام عقد الزواج ‪:‬‬

‫لعقد الزواج أحكام كثيرة ‪ ،‬وقد مرّت عند بحثنا عن النكاح وأركانه ‪ ،‬فلتُراجع هناك ‪.‬‬

‫ما يترتب على عقد الزواج الصحيح من حقوق وواجبات ‪:‬‬

‫إذا وقع عقد الزواج صحيحا تترتب عليه كثر من الحقوق والواجبات المتقابلة بين‬

‫الزوجين ‪.‬‬

‫وهذه الحقوق والواجبات لكل واحد منها بحث خاص به يُذكر في مكانه ‪.‬‬

‫ولكنّا نكتفي هنا أن نعدّها مع ذكر الدليل لكل واحد منها ‪ ،‬ونُحيل تفاصيلها إلى مواضعها‬

‫الخاصة بها ‪.‬‬

‫وهذه الحقوق والواجبات هي ‪:‬‬

‫أ ـ حلّ استمتاع كلّ من الزوجين بالخر على الوجه المشروع ‪ ،‬قال ال تعالى ‪:‬‬

‫[ البقرة ‪. ] 223 :‬‬ ‫ش ْئتُمْ‬


‫ح ْر َثكُمْ َأنّى ِ‬
‫ح ْرثٌ ّلكُمْ فَ ْأتُواْ َ‬
‫نِسَآ ُؤكُمْ َ‬

‫ب ـ وجوب متابعة المرأة لزوجها ‪ ،‬وطاعتها له ‪ ،‬وتمكينها له من نفسها ‪ ،‬ومحافظتها‬

‫على بيته ‪.‬‬

‫روى مسلم ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬تحريم امتناعها من فراش زوجها ‪ ،‬رقم ‪، ) 1436‬‬

‫والبخــاري ( النكاح باب ‪ :‬إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها ‪ ،‬رقم ‪ )4879 :‬عن أبي‬

‫‪83‬‬
‫قال ‪ " :‬إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملئكة حتى‬ ‫عن النبي‬ ‫هريرة‬

‫تصبح ) ‪.‬‬

‫وفي رواية أخرى ‪ ( :‬إذا دعا الرجل امرأتَه إلى فراشه ‪ ،‬فلم تأته ‪ ،‬فبات غضبان‬

‫عليها ‪ ،‬لعنتها الملئكةُ حتى تُصبِح ) ‪.‬‬

‫في خطبة حجة الوداع ‪ " :‬ولكم عليهنّ أل يوطئن ُفرُشكم أحدا تكرهونه " ‪.‬‬ ‫وقال‬

‫رقم ‪ ) 1218 :‬وغيره ‪.‬‬ ‫رواه مسلم من حديث طويل ( الحج ‪ ،‬باب ‪ :‬حجة النبي‬

‫حلَةً‬
‫وَآتُو ْا النّسَاء صَدُقَا ِتهِنّ نِ ْ‬ ‫ج ـ المهر ‪ ،‬وهو حق للزوجة على زوجها‪ .‬قال ال تعالى ‪:‬‬

‫[ النساء ‪. ] 4 :‬‬

‫د ـ النفقة ‪ ،‬وقد أجمع المسلمون على أن نفقة الزوجة واجبة على زوجها ‪ .‬قال ال عز جل ‪:‬‬

‫[ البقرة ‪ . ] 223 :‬وقال تعالى ‪:‬‬ ‫س َو ُتهُنّ بِا ْل َم ْعرُوفِ‬


‫وَعلَى ا ْل َم ْولُودِ لَهُ ِرزْ ُقهُنّ َوكِ ْ‬

‫عَل ْيهِنّ َ [ الطلق ‪:‬‬


‫ضيّقُوا َ‬
‫سكَنتُم مّن وُجْ ِدكُمْ َولَا ُتضَارّوهُنّ ِل ُت َ‬
‫ح ْيثُ َ‬
‫س ِكنُوهُنّ مِنْ َ‬
‫أَ ْ‬

‫‪]6‬‬

‫في خطبة حجة الوداع ‪ " :‬ولهنّ عليكم رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف "‬ ‫وقال رسول ال‬

‫‪ .‬رواه مسلم ‪ ) 1218‬وغيره والنفقة تشمل الطعام والشـراب ‪ ،‬والكسوة والمسكن ‪ ،‬وسيـأتي‬

‫تفصـيل ذلك إن شاء ال تعالى ‪:‬‬

‫هـ ـ القسم بين الزوجات ‪ ،‬إن كان للزوج أكثر من زوجة واحدة ‪ ،‬كما سيأتي ‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫‪ ":‬إذا كان الرجل امرأتان ‪ ،‬فلم يعدل بينهما ‪ ،‬جاء يوم القيامة وشقه‬ ‫قال رسول ال‬

‫ساقط " ‪.‬‬

‫رواه الترمذي ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في التسوية بين الضرائر ‪ ،‬رقم ‪، )1141 :‬‬

‫وابن ماجه ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬القسمة بين النساء ‪ ،‬رقم ‪ ، ) 1969 :‬وأبو داود ( النكاح ‪ ،‬باب ‪:‬‬

‫‪.‬‬ ‫في القسم بين النساء ‪ ،‬رقم ‪ ، ) 2123 :‬عن أبي هريرة‬

‫وروى الترمذي ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في التسوية بين الضرائر ‪ ،‬رقم ‪ )1140 :‬وأبو‬

‫داود ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬في القسم بين النساء ‪ ،‬رقم ‪ ) 2134 :‬وغيرهما ‪ :‬عن عائشة رضي ال‬

‫كان يقسم بين نسائه ‪ ،‬فيعدل ‪ ،‬ويقول ‪ " :‬اللهمّ هذه قسمتي فيما أملك ‪ ،‬فل‬ ‫عنها ‪ :‬أن النبي‬

‫تلمني فيما تملك ول أملك "‪.‬‬

‫[ هذه قسمتي ‪ :‬أي في المبيت والنفقة ‪ .‬فل تلمني فيما تملك ول أملك ‪ :‬أي في الحب‬

‫والمودّة ] ‪.‬‬

‫و ـ النسب ‪ ،‬ويثبت بالزواج بعد الدخول تسب الولد إلى أبيهم ‪ ،‬إذا جاءت بهم الزوجة‬

‫ضمن مدة الحمل المعروفة ‪ :‬وأقلها ستة أشهر ‪ ،‬وأكثرها أربع سنين ‪.‬كما مرّ ‪ .‬فولد كل‬

‫‪ " :‬الولد للفراش ‪ ،‬وللعاهر‬ ‫زوجة في زواج صحيح ينسب إلى زوجها ‪ .‬قال رسول ال‬

‫الحجر"‬

‫رواه مسلم ( الرضاع ‪ ،‬باب ‪ :‬الولد للفراش وتوقي الشبهات ‪ ،‬رقم ‪. )1457 :‬‬

‫[ والمراد بالفراش ‪ :‬حالة قيام الزوجية ‪ .‬وللعاهر الحجر ‪ :‬أي الزاني له الخيبة ‪ ،‬ول حقّ‬

‫له في الولد ] ‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫ز ـ التوارث بين الزوجين بشروطه المعروفة في باب الرث ‪ ،‬قال ال تعالى ‪:‬‬

‫جكُمْ إِن لّمْ َيكُن ّلهُنّ َولَدٌ َفإِن كَانَ َلهُنّ َولَدٌ َفَلكُ ُم ال ّربُعُ ِممّا َت َركْنَ‬
‫صفُ مَا َت َركَ َأ ْزوَا ُ‬
‫َوَلكُمْ ِن ْ‬

‫ن ال ّربُعُ ِممّا َت َر ْكتُمْ إِن لّمْ َيكُن ّلكُمْ َولَدٌ فَإِن كَانَ َلكُمْ‬
‫صيّةٍ يُوصِينَ ِبهَا َأوْ َديْنٍ َوَلهُ ّ‬
‫مِن َبعْدِ َو ِ‬

‫[ النساء ‪. ] 12 :‬‬ ‫صيّةٍ تُوصُونَ ِبهَا َأوْ َديْنٍ‬


‫َولَدٌ َفَلهُنّ ال ّثمُنُ ِممّا َت َر ْكتُم مّن َبعْدِ َو ِ‬

‫سنن عقد النكاح ‪:‬‬

‫ولعقد الزواج سنن يستحبّ التيان بها تعظيما لهذا العقد ‪ ،‬وإظهارا له ‪.‬‬

‫ومن هذه السنن ما يلي ‪:‬‬

‫أ ـ الخطبة قُبيل عقد الزواج ‪ ،‬وهذه الخطبة مستحبة من قبل الزوج أو نائبه ‪ ،‬وذلك لما روي‬

‫موقوفا ومرفوعا قال ‪ ( :‬إذا أراد أحدُكم أن يخطُب لحاجة من‬ ‫عن عبدال بن مسعود‬

‫نكاح وغيره فليقل …) إلى آخر الحديث ‪ ،‬وقد مرّ في بحث الخطبة ‪ ،‬فارجع إليه هناك‬

‫‪:‬‬ ‫ب ـ الدعاء للزوجين ‪ ،‬ويسنّ الدعاء للزوجين عند الزواج ‪ ،‬وذلك لما روى أبو هريرة‬

‫كان إذا رفّأ إنسانا إذا تزوج قال ‪ " :‬بارك ال لك ‪ ،‬وبارك عليك ‪ ،‬وجمع‬ ‫أن النبي‬

‫بينكما في الخير " ‪.‬‬

‫رواه الترمذي ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء فيما يُقال للمتزوج ‪ ،‬رقم ‪ ) 1091 :‬وأبو داود‬

‫( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما يُقال للمتزوج ‪ ،‬رقم ‪ ) 2130 :‬وابن ماجه ( النكاح ‪ ،‬باب‪ :‬تهنئة النكاح ‪،‬‬

‫رقم ‪. ) 1905 :‬‬

‫[ ومعنى رفّأ ‪ :‬دعا له بالرّفاء ‪ ،‬أي اللتئام وجمع الشمل ] ‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫ج ـ إعلن عقد الزواج ‪ ،‬وإظهار الفرح فيه بضرب الدف ‪ ،‬ويستحب إعلن عقد الزواج ‪،‬‬

‫واجتماع الناس عليه ‪ ،‬ويكره إسراره ‪.‬‬

‫كما يستحب إظهار الفرح ‪ ،‬وضرب الدف ‪ ،‬والغناء الطيب الذي يتضمن المعنى الحسن‬

‫الكريم ‪.‬‬

‫روى ابن ماجه ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬إعلن النكاح ‪ ،‬رقم ‪ ) 1895 :‬عن عائشة رضي ال‬

‫‪ " :‬أعلنوا هذا النكاح ‪ ،‬واضربوا عليه بالغُربال " أي الدف ‪.‬‬ ‫عنها قالت ‪ :‬قال رسول ال‬

‫وروى الترمذي ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في إعلن النكاح ‪ ،‬رقم ‪ ) 1088 :‬وغيره ‪:‬‬

‫قال ‪ " :‬فصل ما بين الحرام والحلل الدفّ والصوت " ‪.‬‬ ‫أن النبي‬

‫‪ ":‬أعلنوا هذا النكاح ‪ ،‬واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف " ‪.‬‬ ‫وقال‬

‫رواه الترمذي ( الموضع السابق ‪ ،‬رقم ‪. ) 1089 :‬‬

‫وكذلك يسنّ الفرح ‪ ،‬وإظهار البهجة ‪ ،‬واللهو الشريف البريء ‪.‬‬

‫روى البخاري ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬النسوة اللتي يهدين المرأة إلى زوجها ‪ ،‬رقم ‪:‬‬

‫‪ ) 4867‬عن عائشة رضي ال عنهما ‪ :‬أنها زَفّت امرأة إلى رجل من النصار ‪ ،‬فقال النبي‬

‫‪ " :‬يا عائشة ‪ ،‬ما كان معكم من لهو ؟ فإن النصار يعجبهم اللهو " ‪.‬‬

‫أما الغناء الذي فيه مجون ‪ ،‬وفجور وشرور ‪ ،‬ووصف للمحاسن والفاتن ‪ ،‬وإثارة‬

‫للشهوات والغرائز ‪ ،‬فإنه حرام بل شك ‪ ،‬في العراس وغيرها ‪.‬‬

‫د ـ الدعاء عند الدخول على الزوجة ‪ ،‬ويستحب عند الدخول على الزوجة ‪ ،‬والعزم على‬

‫جماعها ‪ ،‬بأن يقول ‪ :‬بسم ال ‪ ،‬اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫روى البخاري ( الوضوء ‪ ،‬باب ‪ :‬التسمية على كل حال وعند الوقاع ‪ ،‬رقم ‪) 141 :‬‬

‫مسلم ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما يستحب أن يقول عند الجماع ‪ ،‬رقم ‪ ) 1434 :‬عن ابن عباس رضي‬

‫‪ " :‬لو أن أحدهم إذا أراد أنْ يأتيَ أهلَه قال ‪:‬بسم ال ‪ ،‬اللّهم‬ ‫ال عنهما قال ‪ :‬قال رسول ال‬

‫جنّبنا الشيطان ‪ ،‬وجنب الشيطان ما رزقتنا ‪ ،‬فإنه إن يُقَدّر بينهما ولد في ذلك لم يضرهّ شيطان‬

‫أبدا " ‪.‬‬

‫هـ ـ الوليمة ‪ ،‬وهي مسنونة ‪ ،‬وسنتحدّث عنها بشيء من التفصيل ‪.‬‬

‫معنى الوليمة ‪ :‬الوليمة مشتقة من ال َولْم ‪ ،‬وهو الجتماع ‪ ،‬وسمّيت بذلك لن الزوجين‬

‫يجتمعان فيها ‪.‬‬

‫قال في القاموس ‪ :‬الوليمة طعام العرس ‪ ،‬أو كل طعام صنع لدعوة وغيرها ‪ ،‬وأولم ‪:‬‬

‫صنع الوليمة ‪.‬‬

‫قولً وفعلً ‪.‬‬ ‫حكم الوليمة ‪ :‬الوليمة للعرس سنّة مؤكدة ‪ ،‬لثبوتها عن النبي‬

‫أولم‬ ‫فقد روى البخاري ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬من أولم بأقل من شاة ‪ ،‬رقم ‪ ) 4877 :‬أن النبي‬

‫على بعض نسائه بمدين من شعير ‪.‬‬

‫أولَمَ على‬ ‫وروى الترمذي ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في الوليمة ‪ ،‬رقم ‪ ) 1095 :‬أن النبي‬

‫صفية بنت حُيي رضي ال عنها بسويق وتمر ‪.‬رواه داود ( الطعمة ‪ ،‬باب ‪ :‬في استحباب الوليمة‬

‫عند النكاح ‪ ،‬رقم ‪ ، ) 3744 :‬وابن ماجه ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬الوليمة ‪ ،‬رقم ‪. ) 1909 :‬‬

‫وروى مسلم ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬زواج زينب ‪ ..‬وإثبات وليمة العرس ‪ ،‬رقم ‪ ) 1428 :‬أن‬

‫قال لعبد الرحمن بن عوف رضي ال‬ ‫أولم على زينب رضي ال عنها بخبز ولحم ‪ .‬وأنه‬ ‫النبي‬

‫‪88‬‬
‫عنه ‪ " :‬أولم ولو بشاة " ‪ ،‬رواه البخاري ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬الوليمة ولو بشاة ‪ ،‬رقم ‪، ) 4872 :‬‬

‫ومسلم ( النكاح ‪ ،‬باب‪ :‬الصداق وجواز كونه تصليح قرآن …‪ ،‬رقم ‪. ) 1472‬‬

‫وقوله على الندب ‪.‬‬ ‫وقد حمل العلماء فعله‬

‫مقدار الوليمة ‪ :‬وأقل الوليمة للموسر شاة ‪ ،‬ول حدّ لكثرها ‪ ،‬ولغيره ما قدر عليه من‬

‫الطعام ‪.‬‬

‫وقت الوليمة ‪ :‬ووقت وليمة العرس موسّع من حين العقد إلى ما بعد الدخول ‪ ،‬وإن كان‬

‫لم ي ِولْم على نسائه إل بعد الدخول ‪ ،‬فقد جاء في‬ ‫الفضل فعلها بعد الدخول ‪ ،‬لن النبي‬

‫بها عروسا ‪ ،‬فدعا القوم ‪ ..‬وهكذا ‪.‬‬ ‫‪ :‬أصبح النبي‬ ‫أحاديث زواجه‬

‫انظر البخاري ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬الوليمة حق ) ‪ ،‬ومسلم ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬فضيلة إعتاقه‬

‫أمة ثم يتزوجها) ‪.‬‬

‫حكمة تشريع الوليمة ‪ :‬وحكمة تشريع وليمة العرس شكر ال عزّ وجل على ما وُفّق به‬

‫من الزواج ‪ .‬واجتماع الناس عليه ‪ ،‬حيث إن هذا الجتماع يدعو إلى التحابب والتآلف ‪.‬‬

‫وإظهار الزواج من السرّية إلى العلنية ‪ ،‬ليظهر الفرق بين النكاح المشروع ‪ ،‬والسفاح الممنوع‪.‬‬

‫حكم إجابة الدعوة إلى وليمة العرس‪ :‬وإجابة دعوة وليمة العرس فرض عين على مَن‬

‫دعي إليها ‪.‬‬

‫ودليل ذلك ما رواه البخاري ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬حق إجابة الوليمة والدعوة …‪ ،..‬رقم ‪:‬‬

‫‪ ) 4878‬ومسلم ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬المر بإجابة الداعي إلى دعوة ‪ ،‬رقم ‪ ) 1429 :‬عن ابن‬

‫‪ " :‬إذا دُعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها " ‪.‬‬ ‫عمر رضي ال عنهما قال ‪ :‬قال رسول ال‬

‫‪89‬‬
‫وفي رواية عند مسلم ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬المر بإجابة الداعي إلى دعوة ‪ ،‬رقم ‪) 1432 :‬‬

‫( ومَن لم يجب الدعوة فقد عصى ال ورسوله ) ‪.‬‬ ‫عن أبي هريرة‬

‫شروط وجوب إجابة دعوة وليمة العرس ‪ :‬لقد شرط العلماء لوجوب إجابة دعوة وليمة‬

‫العرس شروطا منها‪:‬‬

‫أ ـ أن ل يخصّ صاحب الدعوة بها الغنياء وحدهم ‪ ،‬فإذا خصّهم ل تجِب إجابتها ‪.‬‬

‫روى مسلم ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬المر بإجابة الداعي إلى دعوة ‪ ،‬رقم ‪ ) 1432 :‬عن أبي‬

‫أنه كان يقول ‪ ( :‬بئس الطعام طعام الوليمة ‪ ،‬يُدعى إليه الغنياء ‪ ،‬ويُترك المساكين ‪،‬‬ ‫هريرة‬

‫فمَن لم يأت الدعوة فقد عصى ال ورسوله ) ‪.‬‬

‫من مراعاة الغنياء في الولئم ‪،‬‬ ‫ومعنى الحديث الخبار بما يقع من الناس بعده‬

‫وتخصيصهم بالدعوة ‪ ،‬وإيثارهم بطيب الطعام مما هو غالب في الولئم اليوم ‪.‬‬

‫ب ـ أن يكون الداعي مسلما ‪ ،‬والمدعو مسلما ‪ ،‬فإن كان غير ذلك فل تجب إجابة الدعوة إليها‬

‫ج ـ أن يدعوه في اليوم الول ‪،‬إذا أولم في أكثر من يوم ‪ ،‬فإذا دعاه في اليوم الثاني استحبت‬

‫الجابة ‪ ،‬وفي اليوم الثالث تُكره إجابتها ‪.‬‬

‫روى الترمذي ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في الوليمة ‪ ،‬رقم ‪ ) 1079 :‬عن ابن مسعود‬

‫" طعام أول يوم حق ‪ ،‬وطعام يوم الثاني سنة ‪ ،‬وطعام يوم الثالث سُمعة‬ ‫قال ‪ :‬قال رسول ال‬

‫‪ ،‬ومن سمّع سمّع ال به " أي تفاخر وليسمع الناس به ‪.‬‬

‫قال ‪ " :‬الوليمة في اليوم الول حق ‪،‬‬ ‫وروى أحمد ( ‪ ) 5/28‬وغيره ‪ :‬أن رسول ال‬

‫وفي الثاني معروف ‪ ،‬وفي الثالث ريا ء وسُمعة " ‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫د ـ أن يدعوا للتودّد والتقرّب ‪ ،‬فإن دعاه لخوف منه ‪ ،‬أو طمع في جاهه ل تجب إجابتها ‪.‬‬

‫هـ ـ أن ل يكون الداعي ظالما أو شريرا ‪ ،‬أو صاحب مال حرام ‪ ،‬فإن كان كذلك ل َتجِب‬

‫إجابتها ‪.‬‬

‫و ـ أن ل يكون هناك منكر ‪ :‬كخمر ‪ ،‬واختلط بين الرجال والنساء ‪ ،‬أو صور إنسان ‪ ،‬أو‬

‫حيوان معلقة على الجدران ‪.‬‬

‫‪ " :‬من كان يؤمن بال واليوم الخر فل يقعدن على مائدة يُدار عليها‬ ‫قال رسول ال‬

‫الخمر " أخرجه الحاكم وصححه ‪.‬‬

‫( المستدرك ‪ :‬الدب ‪ ،‬باب ‪ :‬ل تجلسوا على مائدة يُدار عليها الخمر ‪. )4/288 :‬‬

‫فإن كان يزول المنكر بحضوره ‪ ،‬وجب حضوره ‪ ،‬وإجابة الدعوة ‪ ،‬وإزالة المنكر ‪.‬‬

‫الكل من طعام الوليمة ‪ :‬ل يجب على مُجيب دعوة الوليمة أن يأكل منها ‪ ،‬بل الواجب عليه أن‬

‫يحضـر ‪ ،‬ثم إن شاء أكل ‪ ،‬وإن شاء ترك ‪.‬‬

‫روى مسلم ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬المر بإجابة الداعي إلى دعوة ‪ ،‬رقم ‪ ) 1430 :‬عن جابر‬

‫طعِم ‪ ،‬وإن شاء ترك‬


‫" إذا دُعي أحدكم إلى طعام فلُيجب ‪ ،‬فإن شاء َ‬ ‫قال ‪ :‬قال رسول ال‬

‫وقيل ‪ :‬يجب أن يأكل إل إذا كان صائما ‪.‬‬

‫قال ‪:‬‬ ‫ودليل ذلك ‪ ،‬ما رواه مسلم ( الموضع السابق ‪ ،‬رقم ‪ ) 1431 :‬عن أبي هريرة‬

‫‪ " :‬إذا دُعي أحدكم فليُجب ‪ ،‬فإن كان صائماَ فليُصل ‪ ،‬وإن كان مفطرا فليطعم‬ ‫قال رسول ال‬

‫"‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫ومعنى ( ف ْليُصل ) ف ْليَدْع لهل الطعام بالمغفرة والبركة ‪ .‬والصلة في اللغة ‪ :‬الدعاء ‪ .‬قال‬

‫[ التوبة ‪ ] 103 :‬أي ادع لهم ‪.‬‬ ‫سكَنٌ ّلهُمْ‬


‫ل َتكَ َ‬
‫ن صَ َ‬
‫عَل ْيهِمْ إِ ّ‬
‫َوصَلّ َ‬ ‫تعالى ‪:‬‬

‫ويستحّب لمُجيب الدعوة أن يأكل مما قُدّم له ‪ ،‬ول يتصرف فيه إل بالكل ‪.‬‬

‫وله أن يأخذ منه إن علم رضا صاحب الدعوة‪.‬‬

‫ويحل َنثْر سكر وغيره ‪ :‬كجوز ولوز ودنانير ودراهم على المرأة في النكاح ‪ ،‬ويحلّ‬

‫التقاطه ‪ ،‬وتركه أولى ‪.‬‬

‫القسم بين الزوجات وما يتعلق بذلك‬


‫تعريف القسم ‪:‬‬

‫القسم ـ في اللغة ـ مصدر قسم يقسم ‪ ،‬والقسْم بكسر القاف ‪ :‬النصيب ‪.‬‬

‫والقَسْم اصطلحا ‪ :‬أن مَن كان له أكثر من زوجه ‪ ،‬وبات عند واحدة منهنّ لزمه المبيت‬

‫عند باقيهنّ ‪.‬‬

‫حكم القسم بين الزوجات‪:‬‬

‫القسم ابتداء بين الزوجات مندوب ‪ ،‬وليس بواجب ‪ ،‬فمن كان له نسوة استحبّ أن يقسم‬

‫لهنّ ‪ ،‬ويبيت عندهنّ ‪ ،‬ول يطلهنّ ‪ ،‬وإنما لم يجب ذلك عليه ‪ ،‬لن المبيت حقه ‪ ،‬فجاز له تركه‬

‫‪ .‬أما إذا بات عند واحدة منهنّ بقرعة ‪ ،‬أو غيرها ‪ ،‬لزمه المبيت عند الباقيات ‪ ،‬وأصبح القسم‬

‫لهّن واجبا تحقيقا للعدل بينهنّ ‪.‬‬

‫دليل وجوب العدل في القسم وغيره ‪:‬‬

‫ودليل وجوب العدل في القَسْم وغيره بين النساء ‪ :‬القرآن والسنّة ‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫َإِنْ خِ ْفتُمْ أَلّ َتعْ ِدلُواْ َفوَاحِ َدةً َأوْ مَا َمَل َكتْ َأ ْيمَا ُنكُمْ‬ ‫أما القرآن ‪ :‬فقول ال عزّ وجل ‪:‬‬

‫[ النساء ‪ ] 3:‬أي إن خفتم أن ل تعدلوا في القَسْم والنفاق فاقتصروا على تزوّجكم واحدة ‪.‬‬

‫فلقد أشعرت الية بوجوب العدل في القَسْم بينهنّ ‪.‬‬

‫وأما السنة ‪ :‬فما رواه أبو داود ( ‪ ) 2133‬والترمذي ( ‪ ) 1141‬وغيرهما عن أبي‬

‫قال ‪ ( :‬مَن كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما ـ وعند الترمذي ‪ :‬فلم‬ ‫‪ :‬أن النبي‬ ‫هريرة‬

‫يعدل بينهما ـ جاء يوم القيامة وشقّه مائل ـ وعند الترمذي ‪ :‬وشقّه ساقط ) ‪ .‬وهذه عقوبة ل‬

‫تكون إل على ترك واجب ‪.‬‬

‫وروى أبو داود ( ‪ ، ) 2134‬والترمذي ( ‪ ) 1140‬عن عائشة رضي ال عنها قالت ‪:‬‬

‫يقسم فيعدل ‪ ،‬ويقول ‪ ( :‬اللّهمّ هذا قسمي فيما أملك ‪ ،‬فل تلمني فيما تملك ول‬ ‫كان رسول ال‬

‫أملك ) ‪.‬‬

‫أبو داود ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬في القَسْم بين النساء ) ‪ ،‬والترمذي ( النكاح ‪ ،‬باب‪ :‬ما جاء‬

‫في التسوية بين الضرائر ) ‪.‬‬

‫من يستحق ال َقسْم ‪:‬‬

‫ويختص بالقَسْم الزوجات ‪ ،‬ولو كانت إحداهنَ مريضة ‪ ،‬أو حائضا أو نفساء ‪ ،‬ما دمن‬

‫من طائعات لزوجهنّ ‪.‬‬

‫أما إذا كانت المرأة ناشزا فل تستحق القَسْم ‪ ،‬لسقاطها حقها بنشوزها ‪ ،‬وسيأتي بيان‬

‫النشوز وحكمه ‪.‬‬

‫كيفية ال َقسْم بين الزوجات ‪:‬‬

‫‪93‬‬
‫ويجوز للزوج أن يجعل لكل زوجة ليلة ويوما قبلها ‪ ،‬أو بعدها ‪.‬‬

‫والصل الليل ‪ ،‬والنهار تبع له ‪ ،‬إل إذا كان الزوج يعمل ليلً ‪ :‬كحارس ‪ ،‬فإن الصل النهار ‪،‬‬

‫والليل تبع له ‪.‬‬

‫ن إليه ‪ ،‬كل واحدة في ليلتها‬


‫ثم إذا كان الزوج يبيت في بيت وحده جاز له أن يدعوه ّ‬

‫ويومها ‪.‬‬

‫والفضل أن يدور عليهنّ في بيوتهنّ ‪.‬‬

‫وإن كان يبيت عند واحدة منهنّ ‪ ،‬وجب عليه أن يدور عليهنّ في بيوتهنّ ‪ ،‬كل‬

‫واحدة في ليلتها ويومها ‪.‬‬

‫ويحرم عليه أن يبيت عند واحدة منهنّ ‪ ،‬ثم يدعوا الباقيات إليه ‪ ،‬لن إتيان بيت‬

‫الضرائر شاق على النفس ‪.‬‬

‫كما يحرم عليه أن يجمعهنّ في مسكن واحد بغير رضاهنّ ‪ ،‬لما يسبّبه ذلك من‬

‫التباغض بينهنّ ‪.‬‬

‫ويجوز أن يجعل مدة القَسْم يومين ‪ ،‬أو ثلثة أيام ‪.‬‬

‫ويحرم أكثر من ذلك ‪ ،‬لما في طول المدة من الوحشة عليهنّ ‪ ،‬وتجب القرعة للبدء‬

‫بالمبيت عند واحدة منهن ‪ ،‬تجنبا لترجيح إحداهنّ على الخرى ‪ ،‬ثم يقرع بين الباقيات ‪.‬‬

‫ويجوز أن يدخل نهارا على غير مَن لها النوبة إذا كان دخوله لحاجة ‪ ،‬وينبغي ألّ يطول‬

‫مكثه ‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫روى أبو داود ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬في القَسْم بين النساء ‪ ،‬رقم ‪:‬ك ‪ ، ) 2135‬والحاكم‬

‫( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬التشديد في العدل بين النساء رقم ‪ ) 2/186 :‬وقال صحيح السناد ‪ :‬عن‬

‫قال يوم إل وهو يطوف علينا جميعا ‪،‬‬ ‫عائشة رضي ال عنها قالت ‪ :‬وكان ـ أي رسول ال‬

‫فيدنوا من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ إلى التي هو يومها ‪ ،‬فيبيت عندها ‪.‬‬

‫ول يجوز أن يدخل ليلً إلى غير مَن لها النوبة إل لضرورة ‪ :‬كمرض مخوف ‪ ،‬أو‬

‫حريق ‪ ،‬أو نحو ذلك ‪.‬‬

‫وتختصّ بكر جديدة بسبع ليال متواليات وجوبا‪.‬‬

‫كما تختص ثيّب جديدة بثلث ليال متواليات وجوبا أيضا ‪.‬‬

‫روى البخاري ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬إذا تزوج الثّيب على البكر ‪ ،‬رقم ‪ ) 4916 :‬ومسلم‬

‫( الرضاع ‪ ،‬باب ‪ :‬قدر ما تستحقه البكر والثّيب من إقامة الزوج …‪ ،‬رقم ‪ ) 1461 :‬عن أنس‬

‫قال ‪ :‬من السنّة إذا تزوج البكر على الثّيب أقام عندها سبعا ثم قسم ‪ ،‬وإذا تزوج الثيب أقام‬

‫عندها ثلثا ثم قسم ‪ .‬قال ‪ :‬أبو قلبة ـ أحد رواة الحديث ـ لو شئت لقلت ‪ :‬إن أنسا رضي‬

‫‪.‬‬ ‫ال رفعه إلى النبي‬

‫وروى مسلم ( الموضع السابق ‪ ،‬رقم ‪ ) 1460 :‬عن أم سلمة رضي ال عنها قالت ‪:‬‬

‫‪ " :‬للبكر سبع ‪ ،‬وللثيّب ثلث " ‪.‬‬ ‫قال رسول ال‬

‫ولو وهبت إحداهنّ ليلتها لضرّتها بات عند الموهوب لها ليلتيهما ‪ ،‬كل ليلة في وقتها‬

‫الذي كان لها ‪ ،‬فإن كانت متتابعين تابع بينهما ‪ ،‬وإن كانتا متفرقين ‪ ،‬فرق بينهما فعل رسول ال‬

‫سوْدة بنت زمعة نوبتها لعائشة رضي ال عنهما ‪.‬‬


‫لما وهبت َ‬

‫‪95‬‬
‫روى البخاري ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬المرأة الثيّب تَهب يومها من زوجها لضرّتها ‪ ،‬رقم ‪:‬‬

‫‪ ) 4941‬ومسلم ( الرضاع ‪ ،‬باب ‪ :‬جواز هبتها نوبتها لضرتها ‪ ،‬رقم ‪ – ) 1463 :‬واللفظ‬

‫ب إلىّ أن أكون في مسْلخِها من‬


‫لمسلم – عن عائشة رضي ال عنها قالت ‪ :‬ما رأيت امرأة أح ّ‬

‫سودة بنت زمعة من امرأة فيها حدة ‪ ،‬قالت ‪ :‬فلما كبرت جعلت يومها من رسول ال‬

‫‪ ،‬يقسم لعائشة‬ ‫لعائشة ‪ ،‬قالت ‪ :‬يا رسول ال ‪ :‬قد جعلت يومي منك لعائشة ‪ ،‬فكان رسول ال‬

‫يومين ‪ :‬يومها ‪ ،‬ويوم سودة ‪.‬‬

‫[ مسلخها ‪ :‬المسلخ ‪ :‬هو الجلد ‪ ،‬ومعناه أن أكون أن هي ‪ .‬فيها حدّة ‪ :‬أي شدة ولم ترد‬

‫عائشة بذلك عيب سودة ‪ ،‬بل وضفتها بقوة النفس ‪ ،‬وجودة القريحة ‪ ،‬وهي الحدّة ] ‪.‬‬

‫كان‬ ‫وإذا أراد سفرا أقرع بين نسائه ‪ ،‬واستصحب معه من خرجت قرعتها ‪ ،‬لنه‬

‫يفعل ذلك ‪.‬‬

‫روى البخاري ( المغازي ‪ ،‬باب ‪ :‬حديث الفك ‪ ،‬رقم ‪ ، ) 3910 :‬ومسلم ( التوبة ‪،‬‬

‫باب ‪ :‬في حديث الفك وقبول توبة القاذف ‪ ،‬رقم ‪ ) 2770 :‬عن عائشة رضي ال عنهما أنها‬

‫إذا أراد السفر أقرع بين نسائه ‪ ،‬فأتيتهنّ خرج سهمها خرج بها ‪.‬‬ ‫قالت ‪ :‬كان رسول ال‬

‫النشــــوز‬
‫تعريف النشوز ‪:‬‬

‫النشوز ‪ :‬العصيان ‪ ،‬وهو مأخوذ من النّشْز ‪ ،‬بسكون الشين ‪ ،‬وفتحها ‪.‬‬

‫ونشوز المرأة ‪ :‬عصيانها زوجها ‪ ،‬وتعاليها عمّا أوجب ال عليها من طاعته ‪.‬‬

‫قال ابن فارس ‪ :‬نشزت المرأة ‪ :‬استعصت على بعلها ‪ .‬قال تعالى ‪:‬‬

‫‪96‬‬
‫لتِي َتخَافُونَ نُشُوزَهُنّ ‪ [ ..‬النساء ‪ . ]33 :‬أي تخافون عصيانهنّ ‪.‬‬
‫وَال ّ‬

‫حكم النشوز ‪:‬‬

‫ونشوز المرأة حرام ‪ ،‬وهو كبيرة من الكبائر‪.‬‬

‫‪ " :‬إذا دعا الرجل امرأتَه إلى فراشه ‪ ،‬فلم تأتِه ‪ ،‬فبات غضبان عليها‬ ‫قال رسول ال‬

‫‪.‬‬ ‫لعنتها الملئكة حتى تصبحَ " رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة‬

‫وفي رواية لمسلم ‪ " :‬والذي نفسي بيده ما من رجلٍ يدعو امرأته إلى فراشها ‪ ،‬فتأبى‬

‫عليه ‪ ،‬إل كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها "‪.‬‬

‫رواه البخاري ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها ) ‪ ،‬ومسلم‬

‫( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬تحريم امتناعها عن فراش زوجها ) ‪.‬‬

‫‪ ":‬والذي نفسي بيده ل تؤدي المرأة حق ربّها حتى تؤديَ حقّ زوجِها‬ ‫وقال رسول ال‬

‫"‪.‬‬

‫رواه أحمد ( ‪ ، ) 4/381‬وابن ماجه ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬حق الزواج على المرأة ‪ ،‬رقم ‪:‬‬

‫‪. )1853‬‬

‫بم يكون النشوز ‪:‬‬

‫ويكون نشوز المرأة بخروجها عن طاعة زوجها ‪ ،‬وعصيانها له ‪ ،‬وذلك كأن خرجت‬

‫من بيته بغير عذر من غير إذنه ‪ ،‬أو سافرت بغير إذنه ورضاه ‪ ،‬أو لم تفتح له الباب ليدخل ‪،‬‬

‫أو لم تمكّنه من نفسها بل عذر ‪ :‬كمرض ‪ ،‬أو دعاها فاشتغلت بحاجاتها ‪ ،‬وغير ذلك ‪.‬‬

‫معالجة النشوز ‪:‬‬

‫‪97‬‬
‫إذا ظهرت من المرأة علمات النشوز ‪ :‬كأن وجد منها زوجها إعراضا وعبوسا ‪ ،‬بعد‬

‫لُطف وطلقة وجه ‪ ،‬أو سمع منها كلما خشنا على خلف عادتها استحب له أن يعظها بكتاب‬

‫ال عز وجل ‪ ،‬ويذكّرها بما أوجب ال عليها ‪ .‬ويحذرها غضب ال سبحانه وتعالى وعقوبته ‪.‬‬

‫قال ‪ ":‬أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة‬ ‫ويستحبّ أن يقول لها ‪ :‬إن الرسول‬

‫رواه الترمذي ( الرضاع ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في حق الزواج على المرأة ‪ ،‬رقم ‪:‬‬

‫‪ ، ) 1161‬وابن ماجه ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬حق الزوج على المرأة ‪ ،‬رقم ‪. ) 1854 :‬‬

‫‪ ":‬إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملئكة‬ ‫ويقول لها ‪ :‬قال رسول ال‬

‫حتى تُصبِح "‪.‬‬

‫رواه البخاري ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬إذا باتت المرأة مُهاجرة فراش زوجها ) ‪ ،‬ومسلم‬

‫( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬تحريم امتناعها من فراش زوجها ) ‪ .‬فإن استقامت فبها ونعمت ‪.‬‬

‫وإن تحقّق نشوزها ‪ ،‬وأصرّت على إعراضها ‪ ،‬هجرها في المضجع ‪ ،‬لن في الهجر‬

‫أثرا ظاهرا في تأديبها ‪.‬‬

‫صلُحت فذاك ‪ ،‬وإن تكرر‬


‫والمراد بالهجر ‪ :‬أن يهجر فراشها ‪ ،‬فل يضاجعها فيه ‪ .‬فإن َ‬

‫نشوزها ‪ ،‬وأصرّت على عصيانها ‪ ،‬كان له أن يضربها ضرب تأديب غير مبرح ‪ ،‬ل يجرح‬

‫لحما ‪ ،‬و يكسر عظما ‪ ،‬ول يضرب وجها ول موضع مهلكة ‪.‬‬

‫وهذا الضرب إنما يُصار إليه إذا رجا صلحها به ‪ ،‬وغلب على ظنه أن تعود إلى‬

‫رشدها ‪.‬‬

‫فإن علم أن الضرب ل يصلحها ‪ ،‬بل يزيد في نفرتها ‪ ،‬فإنه ينبغي أل يضربها ‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫ودليل هذه الحكام التي ذكرناها قول ال عز وجل ‪:‬‬

‫ط ْع َنكُمْ فَلَ‬
‫ض ِربُوهُنّ َفإِنْ أَ َ‬
‫جرُوهُنّ فِي ا ْل َمضَاجِعِ وَا ْ‬
‫لتِي َتخَافُونَ نُشُوزَهُنّ َفعِظُوهُنّ وَاهْ ُ‬
‫وَال ّ‬

‫[ النساء ‪. ] 34 :‬‬ ‫عِليّا َكبِيرا‬


‫ن اللّهَ كَانَ َ‬
‫سبِيلً إِ ّ‬
‫عَل ْيهِنّ َ‬
‫َت ْبغُواْ َ‬

‫فإن استحكم الخلف بينهما ‪ ،‬وتعذرت إزالته بواسطة الزوجين ‪ ،‬ورُفعَ المر إلى الحاكم‬

‫‪ ،‬وجب عليه أن يوسّط للصلح بينهما حكمين مسلمين عدلين عارفين بطرق الصلح ‪.‬‬

‫ويندب أن يكون أحدهما من أهل الزوج ‪ ،‬والخر من أهل الزوجة ‪.‬‬

‫حكَمان وكيلن للزوجين ‪ ،‬فيشترط رضا كل من الزوجين بوكيله ‪ .‬فيشرع‬


‫وهذان ال َ‬

‫حكََمان في الصلح بين الزوجين ‪ ،‬ويبذلن وسعهما للوصول إليه ‪ ،‬فإن أفلحا فبها ونعمت ‪،‬‬
‫ال َ‬

‫وإن أخفقا ‪ ،‬وكّل الزوج حكمه بطلقها ‪ ،‬وقبول عوَضَ الخلع منها ‪.‬‬

‫حكَمها ببذل العوَض ‪ ،‬إن كانت رشيدة ‪ ،‬وقبول الطلق به ‪.‬‬


‫ووكّلت هي أيضا َ‬

‫ويفرّق الحكمان بينهما إن رأياه صوابا ‪.‬‬

‫حكَمين غيرهما حتى‬


‫حكَمان ‪ ،‬ولم يتوصل إلى رأي واحد ‪ ،‬بعث القاضي َ‬
‫وإذا اختلف ال َ‬

‫تجتمعا على شيء واحد ‪ .‬فإن لم يرضَ الزوجان ببعث الحكمين ‪ ،‬ولم يتفقا على شيء أدّب‬

‫القاضي الظالم منهما ‪ ،‬واستوفى للمظلوم حقه ‪ ،‬وعمل بشهادة الحكمين ‪ ,‬قال ال تعالى ‪:‬‬

‫حكَما مّنْ أَ ْهِلهَا إِن ُيرِيدَا ِإصْلَحا ُيوَفّقِ اللّهُ‬


‫حكَما مّنْ أَ ْهلِهِ وَ َ‬
‫َوإِنْ خِ ْفتُمْ شِقَاقَ َب ْي ِن ِهمَا فَا ْب َعثُواْ َ‬

‫[ النساء ‪. ] 34 :‬‬ ‫خبِيرا‬


‫علِيما َ‬
‫ن اللّهَ كَانَ َ‬
‫َب ْي َن ُهمَا إِ ّ‬

‫نشوز المرأة ‪:‬‬

‫‪99‬‬
‫وإذا كان الجحاف والعراض من قَبل الزوج ‪ :‬وذلك كأن منعها حقها في القسم ‪ ،‬أو‬

‫النفقة ‪ ،‬أو أغلظ عليها بالقول ‪ ،‬أو الفعل ‪ ،‬وعظته وذكّرته بحقها عليه ‪ ،‬بمثل قول ال عز وجل‬

‫خيْرا َكثِيرا‬
‫جعَلَ اللّهُ فِيهِ َ‬
‫شيْئا َويَ ْ‬
‫شرُوهُنّ بِا ْل َم ْعرُوفِ َفإِن َكرِ ْه ُتمُوهُنّ َفعَسَى أَن َت ْكرَهُواْ َ‬
‫وَعَا ِ‬

‫[ النساء ‪. ] 19 :‬‬

‫" خيرُكم خيركم لهله وأنا خيرُكم لهلي " ‪.‬‬ ‫وذكّرته بقول النبي‬

‫‪ ،‬رقم ‪ ) 3829 :‬عن عائشة‬ ‫رواه الترمذي ( المناقب ‪ ،‬باب ‪ :‬في فضل أزواج النبي‬

‫رضي ال عنهما ‪.‬‬

‫‪ " :‬استوصوا بالنساء خيرا " ‪.‬‬ ‫وقوله‬

‫رواه البخاري ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬الوصاة بالنساء ‪ ،‬رقم ‪ ، 4890 :‬ومسلم ( الرضاع ‪،‬‬

‫‪.‬‬ ‫باب ‪ :‬الوصية بالنساء ‪ ،‬رقم ‪ ) 1468‬عن أبي هريرة‬

‫وحذّرته من عواقب ظلمها ‪ ،‬فإن صلح فذاك ‪ ،‬وإن لم يصلح رفعت أمرها إلى القاضي‬

‫ليستخلص لها حقها لنه منصوب لردّ الحقوق إلى أصحابها ‪ ،‬ولنها ل يمكنها أن تأخذ حقها‬

‫بنفسها ‪.‬‬

‫ف الظلم عنها‪.‬‬
‫ويجب على القاضي أن يلزمه بالقسم لها ‪ ،‬وأداء حقوقها ‪ ،‬وك ّ‬

‫فإن ساء خلقه ‪ ،‬وآذاها بضربها ‪ ،‬أو بسبها بغير سبب نهاه القاضي عن ذلك ‪ ،‬فإن عاد‬

‫إليه ‪ ،‬وطلبت الزوجة من القاضي تعزيره ‪ ،‬عزره بما يراه سبيلً إلى إصلحه ‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫فإن اشتد الخلف أرسل حكمين كما سبق ليصلحا بينهما ‪ ،‬أو يفرقا بينهما بطلقة إن‬

‫جنَاْحَ‬
‫عرَاضا فَلَ ُ‬
‫َوإِنِ ا ْم َرأَةٌ خَا َفتْ مِن َب ْعِلهَا نُشُوزا َأوْ إِ ْ‬ ‫عسر الصلح ‪ .‬قال ال تعالى ‪:‬‬

‫[ النساء ‪. ] 127 :‬‬ ‫خ ْيرٌ‬


‫صلْحُ َ‬
‫صلْحا وَال ّ‬
‫عَل ْي ِهمَا أَن ُيصْلِحَا َب ْي َن ُهمَا ُ‬
‫َ‬

‫‪101‬‬
‫العيوب التي يترتب عليها فسخ النكاح‬
‫والثار المترتبة على ذلك‬
‫أولً ‪ :‬العيوب ‪:‬‬

‫العيوب التي يثبت فيها فسخ الزواج قسمان ‪:‬‬

‫القسم الول ‪ :‬عيوب تمنع من الدخول ‪ :‬كالجب ‪ ،‬والعنّة في الزواج ‪ .‬والقرن ‪ ،‬والرتق في‬

‫الزوجة ‪.‬‬

‫والجب ‪ :‬قطع عضو التناسل عند الرجل ‪ .‬والعنّة ‪ :‬العجز عن الوطء في ال ُقبُل خاصة ‪،‬‬

‫لعدم انتشار الذكر ‪ .‬والقرن ‪ :‬انسداد محل الجماع لدى المرأة بعظم ‪ .‬والرتق ‪ :‬انسداد محل‬

‫الجماع لدى المرأة بلحم ‪.‬‬

‫القسم الثاني ‪ :‬عيوب ل تمنع الدخول ‪ ،‬ولكنها أمراض مُنفرة ‪ ،‬أو ضارّه ‪ ،‬بحيث ل‬

‫يمكن ل مقام معها إل بضرر ‪ :‬كالجذام ‪ ،‬والبرص ‪ ،‬والجنون ‪.‬‬

‫والجذام ‪ :‬علّة يحمرّ منها العضو ‪ ،‬ثم يسودّ ‪ ،‬ثم ينقطع ويتناثر ‪.‬‬

‫والبرص ‪ :‬بياض شديد يبقع الجلد ‪ ،‬ويذهب بدمويته ‪.‬‬

‫أقسام هذه العيوب بالنسبة للزوجين ‪:‬‬

‫هذه العيوب بالنسبة للزوجين على ثلثة أقسام ‪:‬‬

‫‪1‬ـ قسم مشترك بين الزوجين ‪ :‬وهو الجذام ‪ ،‬والبرص ‪ ،‬والجنون ‪.‬‬

‫‪2‬ـ قسم خاص في الزوجة ‪ :‬كالرتق والقرن ‪.‬‬

‫ب والعنّة ‪.‬‬
‫‪3‬ـ قسم خاص في الزواج ‪ :‬كالج ّ‬

‫‪102‬‬
‫العيوب المشتركة ‪:‬‬

‫إذا وجد أحد الزوجين في الخر جنونا ‪ ،‬أو جذاما ‪ ،‬أو برصا ‪ ،‬ثبت له الخيار في فسخ‬

‫الزواج ‪ .‬سواء كان هو الخر مصابا به ‪ ،‬أو لم يكن ‪ ،‬لن النسان يعاف من غيره ما ل يعاف‬

‫من نفسه ‪.‬‬

‫دليل ثبوت الخيار بهذه العيوب ‪:‬‬

‫ودليل ثبوت الخيار بهذه العيوب ما رواه والبيهقي ( ‪ ) 7/214‬من رواية ابن عمر‬

‫تزوج امرأة من غفار ‪ ،‬فلما أُدخلت عليه رأى بكشحها بياضا ‪،‬‬ ‫رضي ال عنهما ‪ :‬أن النبي‬

‫فقال ‪ ( :‬البسي ثيابك ‪ ،‬والحقي بأهلك ) ‪ .‬وقال لهلها ‪ ( :‬دلستم علي ) ‪.‬‬

‫[ الكشح ‪ :‬الجنب ‪ .‬والمراد بالبياض ‪ :‬البرص ‪.‬دلستم‪ :‬أخفيتم العيب ] ‪.‬‬

‫‪ :‬أنه فرّق بين الزوجين للجذام ‪،‬‬ ‫وروى الشافعي رحمه ال عن عمر بن الخطاب‬

‫والبرص ‪ ،‬والجنون ‪.‬‬

‫وقد ثبت في الحديث الصحيح ‪ِ ":‬فرّ‬ ‫ومثل هذا ل يكون إل عن توقيف عن رسول ال‬

‫من المجذوم كما تفرّ من ا لسد "‪.‬‬

‫البخاري ( الطب ‪ ،‬باب ‪ :‬الجذام ‪ ،‬رقم ‪. )5380 :‬‬

‫قال الشافعي رحمة ال تعالى في كتابه الم ‪ :‬وأما الجذام والبرص ‪ ،‬فإن كل منهما‬

‫يُعدي الزوج ‪ ،‬ول تكاد النفس أحد تطيب أن تجامع من هو فيه ‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫العيوب في الزوجة ‪:‬‬

‫إذا وجد الزوج زوجته رتقاء ‪ ،‬أو قرناء ‪ ،‬ثبت له فسخ الزواج ‪ ،‬لن هذه العلة مانعة‬

‫من مقصود الزواج ‪ ،‬وهو الدخول بالزوجة ‪.‬‬

‫العيوب في الزوج ‪:‬‬

‫إذا وجدت الزوجة زوجها مجبوبا ‪ ،‬أو عنينا ثبت لها حق فسخ الزواج ‪.‬‬

‫وقد حكى المارودي الجماع على ثبوت الخيار بالجب والعنّة ‪ ،‬لنه يفوت بهما مقصود‬

‫النكاح ‪ ،‬كما قلنا بالرتق والقرن ‪.‬‬

‫حدوث العيب بعد عقد النكاح ‪:‬‬

‫إذا حدث شيء من العيوب السابقة بعد عقد النكاح في أيّ من الزوجين ‪ ،‬سواء كان ذلك‬

‫بعد الدخول ‪ ،‬أو قبله ‪ ،‬وسواء أكان العيب مانعا من الدخول كالجبّ والعنّة في الزوج ‪ ،‬والرتق‬

‫والقرن في الزوجة ‪ ،‬أو غير مانع ‪ ،‬كالجذام والبرص والجنون ‪ ،‬فإنه يثبت حق الخيار في فسخ‬

‫الزواج ‪ ،‬كما لو كان العيب قديما ‪.‬‬

‫لكن يستثنى من ذلك العنّة فقط ‪ ،‬فإنها إذا حدثت بعد الدخول ‪ ،‬فإنه يسقط حق الزوجة‬

‫في فسخ الزواج ‪ ،‬لحصول مقصود الزواج بالنسبة لها ‪ ،‬وهو المهر ‪ ،‬والوطء ‪ ،‬وقد يتم ذلك‬

‫قبل حدوث العنّة ‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫إزالة العيب ‪:‬‬

‫إذا أمكن إزالة الرتق والقرن بنحو عملية جراحية ‪ ،‬ورضيت بها الزوجة ‪ ،‬فل خيار‬

‫للزوج حينئذ ‪ ،‬لعدم وجود المقتضي للفسخ ‪.‬‬

‫وكذلك إذا زال الجنون والبرص والجذام بالتداوي ‪ ،‬فإن حقّ الفسخ يسقط ‪ ،‬لزوال ما يدعوا‬

‫إليه ‪.‬‬

‫حق ولي الزوجة في فسخ النكاح ‪:‬‬

‫ي المرأة حق فسخ نكاحها بكل عيب وجد في الزوج قبل عقد النكاح ‪ ،‬سواء رضيت‬
‫ولول ّ‬

‫الزوجة بهذا الفسخ أو لم ترضَ ‪ ،‬وذلك لما يلحق الوليّ من العار من ذلك العيب ‪.‬‬

‫وليس لوليّ الزوجة حق الفسخ بعيب حادث بعد الدخول إذ ل عار عليه في ال ُعرْف ‪،‬‬

‫بخلف ذلك في البتداء ‪.‬‬

‫وكذلك ل خيار للولي بعيب جب وعنّة حدثا مقارنين للعقد ‪ ،‬لختصاص الزوجة‬

‫بالضرر ‪ ،‬ورضاها به ‪ ،‬ول عار عليه في ال ُعرْف ‪.‬‬

‫الفسخ على الفور ‪:‬‬

‫والخيار في فسخ النكاح بهذه العيوب إذا ثبتت إنما يكون على الفور ‪ ،‬لنه خيار عيب ‪،‬‬

‫يجب المسارعة إلى العراب عن عدم الرضا به ‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫فتسرع الزوجة فورا ‪ ،‬ويسرع الزوج أيضا ‪ ,‬إلي الرفع إلى الحاكم ‪ ،‬والمطالبة بفسخ‬

‫النكاح ‪ .‬فلو علم أحدهما العيب بصاحبه ‪ ،‬ثم سكت عنه سقط حقه في الفسخ ‪ ،‬إل إذا كان‬

‫جاهلً أن له حق الفسخ ‪ ،‬فإنه ل يسقط حقه في الفسخ ‪.‬‬

‫الفسخ يحتاج إلى الرفع إلى القاضي ‪:‬‬

‫ل يستقل الزوج ‪ ،‬أو الزوجة في فسخ النكاح بسبب عيب من العيوب المذكورة ‪ ،‬بل ل‬

‫بدّ من الرفع إلى القاضي ‪ ،‬وطلب الفسخ عنده ‪ ،‬فإذا تحقق العيب عنده حكم القاضي بفسخ‬

‫الزواج ‪.‬‬

‫ضرب الجل في العنّة ‪:‬‬

‫وإذا ثبت عند القاضي العنة في الزوج ‪ ،‬ضرب له القاضي سنة قمرية ‪ ،‬لحتمال زوال‬

‫العنة باختلف الفصول ‪ ،‬فإذا زال عيبه فذاك ‪ ،‬وإل فسخ النكاح ‪.‬‬

‫ودليل ذلك ما رواه والبيهقي ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬أجل العنين ‪ ،‬رقم ‪ )7/226 :‬عن عمر بن‬

‫‪ :‬أنه قال في العنين ‪ :‬يؤجّل سنة ‪ ،‬فإن قدر عليها ‪ ،‬وإل فرّق بينهما ‪ ،‬ولها المهر ‪،‬‬ ‫الخطاب‬

‫وعليها العدّة ‪.‬‬

‫كيف تثبت العنّة ؟‬

‫سائر العيوب تثبت بالقرار ‪ ،‬أو إخبار الطبيب ‪ ،‬أما العنّة ‪ ،‬فل تثبت إل بإقرار الزوج عند‬

‫الحاكم ‪ .‬أو يمين الزوجة عند نكول الزوج عن اليمين ‪ ،‬إذا طلب منه القاضي أن يحلف على‬

‫عدم العنّة ‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫ثانيا ‪ :‬ما يترتب على فسخ النكاح بهذه العيوب من الثار ‪:‬‬

‫إذا تم فسخ الزواج من قبل الزوج ‪ ،‬أو من ِقبَل الزوجة ‪ ،‬بسبب عيب من العيوب السابقة‬

‫فل يخلو أن يكون الفسخ قبل الدخول ‪ ،‬أو بعده ‪ .‬ول يخلو أن يكون العيب قد حدث قبل‬

‫الدخـول ‪ ،‬أو بعده ‪.‬‬

‫أ ـ فإن كان الفسخ قبل الدخول سقط المهر ‪ ،‬ول متعة للزوجة ‪ ،‬لنه إن كان العيب بالزوج‬

‫فهي الفاسخة ‪ ،‬وعليه فل شيء لها ‪.‬‬

‫وإن كان العيب بها فل شيء أيضا ‪ ،‬لن الفسخ إنما كان لسبب فيها ‪ ،‬فكانت كأنها هي‬

‫الفاسخة ‪.‬‬

‫ب ـ وإن كان الفسخ قد حصل بعد الدخول ‪ ،‬لكن بعيب قارن للعقد ‪ ،‬أو بعيب حادث بين العقد‬

‫والدخول جهله الواطئ ‪ ،‬فإنه يجب لها مهر المثل ‪.‬‬

‫ج ـ وإن كان الفسخ قد حصل بعد الدخول ‪ ،‬والعيب إنما حدث أيضا بعده ‪ ،‬فإنه يجب للزوجة‬

‫كامل المهر المسمى ‪ ،‬لن المهر قد استقر بالدخول قبل وجود سبب الخيار في الفسخ ‪،‬‬

‫فل يغير ‪.‬‬

‫عدم رجوع الزوج بالمهر على من غره ‪:‬‬

‫ول يرجع الزوج بالمهر على من غرّه من وليّ أو زوجة ‪ ،‬لستيفاء منفعة البضع‬

‫المتقوم عليه بالعقد ‪ .‬وصورة التغرير ‪ :‬أن تسكت هي أو وليها عن بيان عيبها للزواج ‪ ،‬ما دام‬

‫العيب قد حدث قبل الدخول ‪.‬‬

‫وال عز وجل أعلم‬

‫‪107‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬الطلق وما يتعلق به وما يشبهه‬
‫الطـــلق‬
‫تعريف الطلق ‪:‬‬

‫الطلق في اللغة ‪ :‬الحلّ والنحلل ‪ .‬يقال ‪ :‬أطلقت السير‪ :‬إذا حَل ْلتَ إساره ‪ ،‬وخلّيت‬

‫عنه ‪ ،‬وأطلقت الناقة من عقالها ‪ :‬أرسلتها ترعى حيث تشاء ‪ .‬ودابة طالق ‪ :‬مُرسلَة بل قيد ‪.‬‬

‫والطلق شرعا ‪ :‬حلّ عقدة النكاح بلفظ الطلق ونحوه ‪.‬‬

‫دليل مشروعية الطلق ‪:‬‬

‫والصل في مشروعية الطلق ‪ :‬الكتاب ‪ ،‬والسنة ‪ ،‬والجماع ‪.‬‬

‫سرِيحٌ بِإِحْسَانٍ‬
‫أما الكتاب ‪ :‬فقول ال عز وجل‪ :‬الطّلَقُ َم ّرتَانِ فَِإمْسَاكٌ ِب َم ْعرُوفٍ َأوْ تَ ْ‬

‫طلّقُوهُنّ‬
‫طلّ ْقتُ ُم النّسَاء فَ َ‬
‫يَا َأ ّيهَا ال ّنبِيّ إِذَا َ‬ ‫[ البقرة ‪ ] 229 :‬وقوله سبحانه وتعالى ‪:‬‬

‫ِلعِ ّد ِتهِنّ [ الطلق ‪. ] 1:‬‬

‫‪ ":‬أبغض الحلل إلى ال تعالى الطلق " ‪.‬‬ ‫وأما السنّة ‪ :‬فقول النبي‬

‫[ أبو داود ‪ :‬الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬في كراهية الطلق ‪ ،‬رقم ‪ ، ) 2178 :‬وابن ماجه ‪ :‬أول كتاب‬

‫الطلق ‪ ،‬رقم ‪. ]2018 :‬‬

‫روى الترمذي ( في أبواب الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في الرجل يسأله أبوه أن يطلّق‬

‫زوجته ‪ ،‬رقـم ‪ ، ) 1189 :‬وابن ماجه ( في الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬الرجـل يأمره أبوه بطـلق‬

‫امرأتـه ‪ ،‬رقـــم ‪ ، )2088 ( :‬وأبو داود ( في الدب ‪ ،‬باب ‪ :‬في ب ّر الوالدين ‪ ،‬رقم ‪:‬‬

‫‪ ، )5138‬عن ابن عمر رضي ال عنهما قال ‪ :‬كانت تحتي امرأة أحبّها ‪ ،‬وكان أبي يكرهها ‪،‬‬

‫فقال ‪ " :‬يا عبد ال بن عمر ‪ ،‬طلّق امرأتك‬ ‫فأمرني أبي أن أُطلقها ‪ ،‬فأبيت ‪ ،‬فذكر ذلك للنبي‬

‫‪108‬‬
‫أما الجماع ‪ :‬فقد اتفقت كلمة العلماء على مشروعيته ‪ ،‬ولم يخالف منهم أحد ‪.‬‬

‫حكمة مشروعية الطلق ‪:‬‬

‫الصل في الزواج هو استمرار الحياة الزوجية بين الزوجين ‪ .‬وقد شرع ال سبحانه‬

‫وتعالى أحكاما كثيرة ‪ ،‬وآدابا جمة للزواج ‪ ،‬لستمرار وضمان بقائه ‪ ،‬ونمو العلقة الزوجية‬

‫بين الزوجين ‪ .‬غير أن هذه الداب والحكام قد ل تكون مرعيّة من قبل الزوجين أو احدهما ‪:‬‬

‫كأن ل يهتم الزوج بحُسْن الختيار ‪ ،‬أو بأن ل يلتزم الزوجان أو أحدهما آداب العشْرة حتى ل‬

‫يبقى مجال لصلح ‪ ،‬ول وسيلة لتفاهم وتعايش بين الزوجين ‪ .‬فكن ل بدّ ـ والحالة هذه ‪ -‬من‬

‫تشريع قانون احتياطي ‪ ،‬يهرع إليه في مثل هذه الحالة ‪ ،‬لحلّ عقدة الزواج على نحو ل تُهدر‬

‫فيه حقوق أحد الطرفين ‪ ،‬ما دامت أسباب التعايش قد باتت معدومة فيما بينهما ‪ .‬وقد قال ال‬

‫حكِيما ً [ النساء ‪. ]130 :‬‬


‫س َعتِهِ َوكَانَ اللّهُ وَاسِعا َ‬
‫َوإِن َيتَ َفرّقَا ُيغْنِ اللّهُ كُلّ مّن َ‬ ‫عزّ وجلّ ‪:‬‬

‫فإن استعلمه الزوج وسيلة أخيرة عند مثل هذه الضرورة فذلك علج ضروري ‪ ،‬ل غِنى‬

‫عنه ‪ ،‬وإن جاء ُمرّا في كثير من الحيان ‪ .‬وأما إن استعمله لتحقيق رعوناته ‪ ،‬وتنفيذ أهوائه ‪،‬‬

‫فهو بالنسبة له أبغض الحلل إلى ال عزّ وجلّ ‪.‬‬

‫وال تعالى يعلم المُصلح من المفسد ‪ ،‬وإليه مرجع هذا وذاك ‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫شرعة الطلق من مفاخر الشريعة السلمية ‪:‬‬

‫ومن خلل ما ذكرنا يتأكد لنا أن مشروعية الطلق على النحو الذي نظمت الشريعة‬

‫السلمية أحكامه ونتائجه ‪ ،‬تُعدّ من مفاخر الشريعة السلمية ‪ ،‬ويُعدّ من أكبر الدلة على أن‬

‫أحكام هذه الشريعة متسقة تمام التّساق مع الفطرة النسانية ‪ ،‬والحاجات الطبيعية عند النسان ‪.‬‬

‫وقد تجلّت هذه الحقيقة عندما رأينا المم المختلفة ‪ ،‬وهي تتراجع عمّا كانت تلزم نفسها‬

‫به من حّرمة الطلق ‪ ،‬واعتبار عقد الزواج سجنا أبديا ‪ ،‬يقرن فيه الزوجان إلى بعضهما ‪،‬‬

‫كرها ذلك أو رضيـا ‪ ،‬وذلك بعد أن رأت هذه الُمم أن هذا الحظر ل يقدّم للمجتمع إل أسوأ‬

‫النتائج ‪ ،‬وأخطر مظاهر الجـرام ‪ ،‬وبعد أن تنبهت إلى أن اقتران اثنين ببعضهما ل يمكن أن‬

‫يتم بالكراه ‪ ،‬إل إذا أُريد أن يكون الكراه ينبوع تعاسة وشقاء للُسرة كلها ‪ ،‬أو بركان دمار‬

‫وقتل وفتك ‪.‬‬

‫ولقد اهتمت الشريعة السلمية بإيجاد أسباب التفاهم ‪ ،‬والوداد والتعايش المستمر بين‬

‫الزوجين ‪.‬‬

‫ولكنها لم تعالج ذلك بربط جسد كل ّمنهما بالخر ‪ ،‬وإنما عالجته بالتنبيه والرشاد إلى‬

‫الضمانات اليجابية المختلفة التي تغذي الوداد بينهما ‪ ،‬وتشبع أسباب التفاهم ‪ ،‬وتطرد من بينهما‬

‫موجبات المشاكسة والتنافر ‪ ،‬ولقد كان من أهم هذه الضمانات التي أرشد إليها توفر الدين‬

‫الصحيح في الزوجين ‪ ،‬وقيام كلّ منهما بالواجبات المنوطة به ‪ ،‬والتزام كلّ من الزوجين‬

‫بالسلوك الخلقي السليم ‪ ،‬على النحو الذي نظمته شرعة ال عزّ وجلّ ‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫هذه الضمانات هي التي تحمي بيت الزوجية عن أن يتهدم ‪ ،‬وهي التي تجعل من شرعة‬

‫الطلق قانونا موضوعا على الرف ‪ ،‬يستنجد به عند الضرورة ‪ ،‬أي عندما يقصر أحد الزوجين‬

‫عن تحقيق الضمانات والداب التي شرعها ال تعالى حفاظا على الحياة الزوجية ‪ ،‬ورعاية‬

‫للمودّة واللفة بين الزوجين ‪.‬‬

‫والدليل على هذا الذي نقول ‪ :‬أن حوادث الطلق ل تكاد ترى لها وجودا في البيوت‬

‫والُسر الصالحة يتقيد أهلها بأحكام السلم وآدابه ‪.‬‬

‫وإنما تبصر ‪ ،‬أو تسمع بأكثر هذه الحوادث في الُسر المتحلّلة من قيود السلم ‪،‬‬

‫الخارجة على نُظُمه وآدابه ‪.‬‬

‫أنواع الطلق ‪:‬‬

‫الطلق له ثلث تقسيمات ‪ ،‬باعتبارات مختلفة ‪:‬‬

‫فباعتبار وضوح اللفظ في الدللة عليه ‪ ،‬وعدم وضوحه ينقسم إلى ‪ :‬صريح وكناية ‪.‬‬

‫وباعتبار حال الزوجة ‪ ،‬من طُهر وحيض ‪ ،‬وكبر وصغر ‪ ،‬ينقسم إلى ‪:‬‬

‫سنّي ‪ ،‬وإلى ما ل يوصف بسنّي ‪ ،‬ول بِدعي ‪.‬‬


‫بدْعي ‪ ،‬و ُ‬

‫وباعتبار كونه على بدل من المال ‪ ،‬وبدون بدل ‪ :‬ينقسم إلى خلع ‪ ،‬وطلق عادي ‪.‬‬

‫فلنشرح كلًُ من هذه التقسيمات الثلثة على حدة ‪:‬‬

‫التقسيم الول ‪ ( :‬الصريح ‪ ،‬والكناية ) ‪:‬‬

‫إذا لحظت اللفاظ التي تستعمل للدللة على الطلق وجدت أن هذه اللفاظ ‪:‬‬

‫‪111‬‬
‫إما أن تكون ذات دللة قاطعة على الطلق ‪ ،‬بحيث ل تحتمل غيره ‪ ،‬فهذه اللفاظ تسمى‬

‫‪ :‬صريحة ‪.‬‬

‫وإما أن تكون قاطعة في دللتها ‪ ،‬بحيث تحتمل غير الطلق ‪ ،‬فهذه اللفاظ تسمى ‪:‬‬

‫كناية ‪.‬‬

‫إذا فالطلق ينقسم إلى القسمين التاليين ‪ -1 :‬صريح ‪ -2 .‬كناية ‪.‬‬

‫‪1‬ـ فالطلق الصريح ‪ :‬هو ما ل يحتمل ظاهر اللفظ إل الطلق ‪ ،‬وألفاظه ثلثة ‪ :‬هي ‪:‬‬

‫الطلق ‪ ،‬والسراح ‪ ،‬والفراق ‪ ،‬وما اشتق من هذه اللفاظ ‪.‬‬

‫كقوله ‪ :‬أنتِ طالق ‪ ،‬أو مسرّحة ‪ ،‬أو طلّقتك ‪ ،‬أو فارقتك ‪ ،‬أو سرّحتك ‪.‬‬

‫وإنما كانت هذه اللفاظ صريحة في دللتها على الطلق لورودها في الشرع كثيرا ‪،‬‬

‫وتكرارها في القرآن الكريم بمعنى الطلق ‪ .‬قال ال تعالى ‪:‬‬

‫[ الطلق ‪. ] 1 :‬‬ ‫طلّقُوهُنّ ِلعِ ّد ِتهِنّ‬


‫طلّ ْقتُمُ النّسَاء فَ َ‬
‫يَا َأ ّيهَا ال ّنبِيّ إِذَا َ‬

‫[ الحزاب ‪ . ] 28 :‬وقال سبحانه وتعالى ‪:‬‬ ‫جمِيلً‬


‫سرَاحا َ‬
‫حكُنّ َ‬
‫سرّ ْ‬
‫َوأُ َ‬ ‫وقال عز وجل ‪:‬‬

‫[ الطلق ‪. ] 2 :‬‬ ‫َأوْ فَارِقُوهُنّ ِب َم ْعرُوفٍ‬

‫ومن الصريح ‪ :‬ترجمة لفظ الطلق بالعجمية ـ أي غير اللغة العربية ـ لشُهرة استعمال‬

‫هذه اللغات عند أهلها ‪ ،‬كشهوة استعمال العربية عند أهلها ‪.‬‬

‫‪2‬ـ والكناية ‪ :‬وهي كل لفظ يحتمل الطلق وغيره ‪ .‬وألفاظها كثيرة ‪ :‬كقوله ‪:‬‬

‫ـ أنت خلية ‪ :‬أي خالية مني ‪.‬‬

‫ـ أنت بريّة ‪ :‬أي منفصلة عني ‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫ـ أنت بتّة ‪ :‬أي مقطوعة الوصلة عني ‪.‬‬

‫ـ الحقي بأهلك ‪.‬‬

‫ـ اذهبي حيث شئت ‪.‬‬

‫ـ اعزُبي ‪ :‬أي تباعدي عني ‪.‬‬

‫ـ اغرُبي ‪ :‬أي صيري غريبة عني ‪.‬‬

‫ـ حبلك على غاربك ‪ :‬أي خلّيت سبيلك ‪ ،‬كما يخلّى البعير ‪.‬‬

‫والغارب ‪ :‬ما تقدم من الظهر ‪ ،‬وارتفع من العنق ‪.‬‬

‫ـ أنت عليّ حرام‪.‬‬

‫فكلّ هذه اللفاظ ـ وغيرها كثير ـ تعتبر كناية في دللتها على الطلق ‪ ،‬لحتمالها‬

‫الطلق وغيره ‪.‬‬

‫دليل استعمال ألفاظ الكناية في الطلق ‪:‬‬

‫ودليل استعمال ألفاظ الكناية في الطلق ‪:‬‬

‫ما رواه البخاري ( في الطلق ‪ ،‬بـاب ‪ :‬من طلّق وهل يواجه الرجل امـرأته بالطلق‬

‫‪ ،‬رقـم ‪ ) 4955 :‬عن عائشة ‪ ،‬رضي ال عنهما أن ابنه الجون ‪ ،‬لما أُدخلت على رسول ال‬

‫ودنا منها ‪ ،‬قالت ‪ :‬أعوذ بال منك ‪ ،‬فقال ‪ " :‬لقد عذت بعظيم ‪ ،‬الحقي بأهلك " ‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫حكمُ كلّ من ألفاظ الصريح والكناية ‪:‬‬

‫إذا عرفت ما ذكر ‪ ،‬فاعلم أن الطلق باللفاظ الصريحة يقع ‪ ،‬سواء توفرت فيه نيّه‬

‫الطلق أم ل ‪ .‬لن صراحة اللفظ ‪ ،‬وقطعية دللته على المعنى ‪ ،‬يغنيان عن اشتراط النيّة ‪،‬‬

‫عند التلفظ به ‪.‬‬

‫أما ألفاظ الكناية ـ ولو اشتهرت على ألسنة الناس في الطلق ‪ :‬كعليّ الحرام ‪ ،‬وأنت‬

‫عليّ حرام ‪ ،‬فل يقع الطلق بها إل إذا قصد بها الزوج الطلق ‪.‬‬

‫فإذا قصد بها شيئا آخر غير الطلق ‪ ،‬أو لم يقصد بها شيئا ‪ ،‬لم يقع بها شيء ‪.‬‬

‫ودليل ذلك ما رواه البخاري ( في المغازي ‪ ،‬باب ‪ :‬حديث كعب بن مالك رضي ال عنه‬

‫… رقم ‪ )4156 :‬ومسلم ( في التوبة ‪ ،‬باب ‪ :‬حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه ‪ ،‬رقم ‪:‬‬

‫أمره أن‬ ‫حينما تخلّف عن غزوة تبوك ‪ ،‬فإن رسول ال‬ ‫‪ ) 2769‬في توبة كعب بن مالك‬

‫يعتزل امرأته ‪ ،‬فقال أُطلقها ‪ ،‬أم ماذا ؟ قال ‪ :‬بل اعتزلها ‪ ،‬فل تقربنّها ‪ ،‬قال ‪ :‬فقلت لمرأتي ‪:‬‬

‫الحق بأهلك ‪.‬‬

‫فلما نزلت توبته رجعت زوجته إليه ‪ ،‬ولم يؤمر بأن يعقد عليها من جـديد ‪ .‬فـدلّ ذلك‬

‫لم ينو به الطلق ‪،‬‬ ‫علـى أن ( الحقي بأهلك ) ل يقع به الطلق إل بالنيّة وحيث إن كعبا‬

‫فإنه لم يقع به شيء ‪ ،‬ورجعت زوجته إليه ‪.‬‬

‫التقسيم الثاني ( السنّي البدعي ‪,‬غيرهما ) ‪:‬‬

‫المرأة التي يقع عليها الطلق ل تخلو من واحد من أحوال ثلثة ‪:‬‬

‫‪114‬‬
‫الحالة الولى ‪ :‬أن تكون المرأة طاهرة عن الحيض والنفاس ‪ ،‬ولم يقربها زوجها في‬

‫ذلك الطهر بعد ‪.‬‬

‫الحالة الثانية ‪ :‬أن تكون متلبسة ـ بعد دخول الزوج بها ـ بحيض أو نفاس ‪ ،‬أو تكون‬

‫في طُهر جامعها فيه زوجها ‪.‬‬

‫الحالة الثالثة ‪ :‬أن تكون صغيرة لم َتحِضْ بعد ‪ ،‬أو آيسة تجاوزت سن المحيض ‪ ،‬أو‬

‫حاملً ظهـر حملها ‪ ،‬أو غير مدخول بها بعد ‪ ،‬أو طالبة للخلع ‪.‬‬

‫فإن وقع الطلق في الحالة الولى ‪ ،‬سمي ‪ ( :‬طلقا سنّيا ) ‪.‬‬

‫وإن وقع في الحالة الثانية سمي ‪ ( :‬طلقا بدعيا ) ‪.‬‬

‫وإن وقع في الحالة الثالثة لم يكن ‪ ( :‬سنيا ‪ ،‬ول بدعيا ) ‪.‬‬

‫فأقسام الطلق بهذا العتبار إذا ثلثة ‪:‬‬

‫‪1‬ـ طلق سني ‪.‬‬

‫‪2‬ـ طلق بدعي ‪.‬‬

‫‪3‬ـ طلق ل يوصف بسنّي ‪ ،‬ول بدعي ‪.‬‬

‫حكم كل نوع من هذه النواع الثلثة ‪:‬‬

‫‪1‬ـ الطلق السني ‪ :‬إن الطلق السني جائز وواقع ‪ ،‬وهو الشكل المطابق للتعاليم الشرعية في‬

‫كيفية الطلق ‪ ،‬إذا كان الزواج ‪ ،‬ولبدّ مطلقا ‪ ،‬سواء أوْقَع الزوج طلقة واحدة ‪ ،‬أم‬

‫أوقع ثلث طلقات مجتمعات ‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫ولكن يسنّ أن يقتصر على طلقة ‪ ،‬أو طلقتين في الطهر الواحد كي يتمكن من إرجاعها‬

‫إذا ندم ‪.‬‬

‫طلّقُوهُنّ ِلعِ ّد ِتهِنّ‬


‫طلّ ْقتُ ُم النّسَاء فَ َ‬
‫يَا َأ ّيهَا ال ّنبِيّ إِذَا َ‬ ‫ودليل الطلق السني ‪ :‬قوله عز وجل‬

‫[ الطلق ‪ . ] 1 :‬أي في الوقت الذي يشرعن فيه في العدّة ‪ ،‬وهو الطهر ‪ ،‬إذ زمن الحيض ل‬

‫يحسب من العدة ‪.‬‬

‫‪2‬ـ الطلق البدعي ‪ :‬إن الطلق البدعي محرم ‪ ،‬ولكنه واقع ‪ ،‬ويلزم وقوعه الثم ‪ ،‬لمخالفته‬

‫طلّقُوهُنّ‬
‫طلّ ْقتُ ُم النّسَاء فَ َ‬
‫إِذَا َ‬ ‫للصورة المشروعة للطلق التي وردت في قوله تعالى ‪:‬‬

‫[ الطلق ‪] 1 :‬‬ ‫ِلعِ ّد ِتهِنّ‬

‫ويسنّ له الرجعة ‪ ،‬فقد روي البخاري ( في أول كتاب الطلق ‪ ،‬رقم ‪ ، )4953‬ومسلم‬

‫( في الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬تحريم طلق الحائض بغير رضاها‪ ،‬رقم ‪ ) 1471 :‬عن عبدال بن عمر‬

‫فسأل عمر بن‬ ‫رضي ال عنهما أنه طلّق امرأته ‪ ،‬هي حائض ‪ ،‬على عهد رسول ال‬

‫‪ُ " :‬م ْرهُ فليراجعها ‪ ،‬ثم ليمسكها حتى‬ ‫عن ذلك ‪ ،‬فقال رسول ال‬ ‫رسول ال‬ ‫الخطاب‬

‫تطهر ‪ ،‬ثم تحيض ‪ ،‬ثم تطهر ‪ ،‬ثم إن شاء أمسك بعد ‪ ،‬وإن شاء طلّق قبل يمسّ ‪ ،‬فتلك العدّة‬

‫طلّقُوهُنّ‬
‫طلّ ْقتُ ُم النّسَاء فَ َ‬
‫التي أمر اله أن تطلقّ لها النساء " ‪ .‬أي بقوله تعالى ‪ :‬يَا َأ ّيهَا ال ّنبِيّ إِذَا َ‬

‫[ الطلق ‪ ] 1 :‬أي لستقبال عدّتهن ‪.‬‬ ‫ِلعِ ّد ِتهِنّ‬

‫‪116‬‬
‫والمعنى‪ :‬ليتركها بعد الرجعة حتى تطهر ‪ ،‬وعندئذ يوقع طلقة واحدة إذا شاء ‪ ،‬فإذا‬

‫حاضت ثم طهرت أوقع طلقه أُخرى إذا شاء ‪ ،‬فإذا طهرت للمرة الثالثة فلينظر ‪ :‬إن شاء‬

‫أمسكها بعد الرجعة ‪ ،‬وإن شاء أوقع طلقة ثالثة ‪ ،‬وتكون قد بانت بذلك منه ‪.‬‬

‫سبب تحريم الطلق البدعي ‪:‬‬

‫وسبب تحريم الطلق البدعي ما يستلزمه من الضرار بالمرأة ‪ ،‬إذ يطول بذلك أجل‬

‫عدّتها ‪ ،‬لن حيضتها ل تحسب من العدّة ‪.‬‬

‫‪ " :‬ل ضرر ول ضرار " ‪.‬‬ ‫قال رسول ال‬

‫أخرجه مالك في الموطأ ( القضية ‪ ،‬باب ‪ :‬القضاء في المرفق ‪ ،‬رقم ‪، ) 2/745 :‬‬

‫وابن ماجه في سننه ( الحكام ‪ ،‬باب ‪ :‬مَن بني في حقه ما يضرّ بجاره ‪ ،‬رقم ‪، 2340 ،188 :‬‬

‫‪. ) 2341‬‬

‫أما حرمة الطلق في طهر جامع زوجته فيه ‪ :‬فلحتمال الحمل فيه ‪ ،‬وهو ل يرغب في‬

‫تطليق الحامل ‪ ،‬فيكون في ذلك الندم ‪.‬‬

‫‪3‬ـ الطلق الذي ل يوصف بسنّة ول بدعة ‪ :‬إن الطلق الذي ل يوصف بسنّة ول بدعة‬

‫جائز ‪ ،‬وواقع ‪ ،‬وليس حراما ‪ ،‬إذ ل ضرر يلحق الزوجة بسببه ‪ ،‬إذ الصغيرة واليسة‬

‫تعتدّان بالشهر ‪ ،‬فل يلحقهما ضرر إطالة العدّة ‪ ،‬وكذلك الحامل ‪ ،‬فإن عدّتها على كل‬

‫حال بوضع الحمل ‪ ،‬وكذلك طالبة الخلع ‪ ،‬لن افتدائها نفسها من الزوج بالمال دليل على‬

‫حاجتها إلى الخلص منه ‪ ،‬ورضاها بطول التربص ‪.‬‬

‫التقسيم الثالث ‪ ( :‬الطلق العادي والخلع ) ‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫‪1‬ـ الطلق العادي ‪ :‬وهو الطلق الذي يقع برغبة من الزوج ‪ ،‬وهذا الطلق ينطبق عليه‬

‫الحكام التي ذكرناها قبل ‪.‬‬

‫‪2‬ـ الخلع ‪ :‬وهو الطلق الذي يقع برغبة من الزوجة وإصرار منها على ذلك ‪ ،‬وقد شرع لذلك‬

‫سبيل الخلع ‪ ،‬وهو أن تفتدي نفسها من زوجها بشئ يتفقان عليه من مهرها تعطيه إياه ‪.‬‬

‫فالخلع إذا قسم من الطلق ‪ :‬وهو كل ُفرْقةٍ جرت على عوض تدفعه الزوجة‬

‫للزوج ‪.‬‬

‫دليل مشروعية الخلع ‪:‬‬

‫ويستدل لمشروعية الخلع ‪ :‬بالكتاب ‪ ،‬والسنّة ‪.‬‬

‫عَل ْي ِهمَا فِيمَا‬


‫جنَاحَ َ‬
‫فَإِنْ خِ ْفتُمْ أَلّ يُقِيمَا حُدُو َد اللّهِ فَلَ ُ‬ ‫أما الكتاب ‪ :‬فقول ال عزّ وجل ‪:‬‬

‫البقرة ‪. ] 229 :‬‬ ‫ا ْفتَ َدتْ بِهِ‬

‫وأما السنّة ‪ :‬فما رواه البخاري ( في الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬الخلع وكيف الطلق ‪ ،‬رقم ‪:‬‬

‫فقالت ‪ :‬يا‬ ‫‪ )4971‬عن ابن عباس رضي ال عنهما ‪ :‬أن امرأة ثابت بن قس أتت النبي‬

‫رسول ال ‪ ،‬ثابت بن قيس ‪ ،‬ما أعتب عليه في خلق ول دين ‪ ،‬ولكني أكره الكفر في السلم ‪،‬‬

‫‪ " :‬اقبل الحديقة ‪،‬‬ ‫‪ " :‬أتردّين عليه حديقته " قالت ‪ :‬نعم ‪ .‬فقال رسول ال‬ ‫فقال النبي‬

‫وطلّقها تطليقة " ‪.‬‬

‫[ ل أعتب عليه ‪ :‬ل أعيب عليه ‪ .‬أكره الكفر في السلم ‪ :‬أكره جحود حقوق الزوج وأنا‬

‫مسلمة ]‬

‫‪118‬‬
‫أحكام الخلع ‪:‬‬

‫للخلع أحكام نلخصها فيما يلي ‪:‬‬

‫‪1‬ـ الخلع جائز ‪ ،‬ول يقع إل بعوَض مالي تفرضه الزوجة للزوج ‪ .‬ثم إن كان ال َعوَض في‬

‫الخلع معلوما مذكورا في الخلع وجب ذلك العَوَض المعلَوم ‪ ،‬وإن لم يكن مذكورا على‬

‫وجه التحديد صحّ الخلع ‪ ،‬ووجب مهر المثل للزوج ‪.‬‬

‫أما إن استعمل الزوج لفظ الخلع ‪ ،‬ولم ينص علي عوَض ‪ ،‬ولم يخطر بباله‬

‫العوض أيضاَ ‪ ،‬فهو طلق عاديّ جرى بلفظ الخلع كناية ‪ .‬أي فهو كنايات الطلق ‪ ،‬ويقع به‬

‫الطلق رجعيا‪.‬‬

‫‪2‬ـ ل يقع الخلع من غير الزوجة الرشيدة ‪ ،‬لن غير الرشيدة ل تتمتع بأهلية اللتزام ‪ ،‬فل‬

‫تملك التصرّف ‪ ،‬فإن خالعها الزوج وقع طلقا رجعيا عاديا ‪ ،‬ول يثبت له به شيء من‬

‫مهرها ‪.‬‬

‫‪3‬ـ إذا خالع الرجل امرأته ‪ ،‬ملكت المرأة بذلك أمر نفسها ‪ ،‬ولم يبق للزوج عليها من سلطان ‪،‬‬

‫فل رجعة له عليها أثناء العدّة ‪ ،‬كما هو الشأن ف الطلق العادي ‪ ،‬لن الخلع طلق‬

‫بائن ‪ ،‬إنما السبيل إلى ذلك عقد جديد تملك فيه المرأة كامل اختيارها ‪ ،‬وبمهر جديد‬

‫أيضا ‪.‬‬

‫‪4‬ـ ل يلحق المرأة المُخالعة أي طلق ‪ ،‬أو ظهار ‪ ،‬أو إيلء ـ أثناء العدّة ـ من زوجها الذي‬

‫خالعها ‪ ،‬أي ل أثر لشيء من ذلك عليها ‪ ،‬لنها أصبحت بالخلع أجنبية عن الزوج ‪ ،‬فل‬

‫‪119‬‬
‫يسرى إليها تطليق ‪ ،‬ول ظهار ‪ ،‬ول إيلء ‪ .‬بخلف المطلّقة طلقا عاديا رجعيا ‪ ،‬فإن‬

‫الزوج يملك أن يطلّقها طاقة ثانية ‪ ،‬أو يظاهر منها أثناء العدة ‪ ،‬ويسري أثر ذلك عليها ‪.‬‬

‫‪5‬ـ يجوز أن يُخالع الرجل زوجته في الحيض والطهر الذي جامعها فيه ‪ ،‬ما دامت رشيدة ‪.‬‬

‫ذلك لنها ل تتضرر بذلك ‪ ،‬إذ الخلع إنما هو تحقيق لرغبتها في التخلّص من الزوج ‪،‬‬

‫فل يرِد فيه ما يمكن إيراده على الطلق العادي الذي يكون برغبة من الزوج ‪ ،‬من‬

‫الضرار بالزوجة ‪.‬‬

‫ما يملكه الزوج من الطلقات ‪:‬‬

‫ق للزوج في الصل ‪ .‬ودليل ذلك قول ال عز وجل ‪:‬‬


‫من المعلوم أن الطلق ح ُ‬

‫[ البقرة ‪ . ] 237 :‬والذي بيده عقدة النكاح إنما هو الزوج‬ ‫َأوْ َيعْ ُفوَ الّذِي ِبيَ ِدهِ عُقْ َدةُ ال ّنكَاحِ‬

‫‪.‬‬

‫غير أن الزوجة أيضا تصبح صاحبة حق في ذلك ‪ ،‬في حالت خاصة ‪ ،‬من أهمها ‪:‬‬

‫ـ أن ينالها ضرر من الزوج ‪.‬‬

‫ـ أن يقصر في أداء شيء من حقوقها ‪ ،‬ثم تعذّر إصلح المر بينهما ‪ .‬فعندئذ يُوقع‬

‫عنها القاضي طلقة بناءً على رغبتها ‪.‬‬

‫بعد هذا نقول ‪:‬‬

‫كَم هي الطلقات التي يملكها الزوج ‪ ،‬ما دام هو صاحب هذا الحق في الصل ؟‬

‫لقد أجاب القرآن على ذلك ‪ ،‬وقرر عدد الطلقات التي يملكها الزوج ‪ :‬قال ال عز وجل ‪:‬‬

‫‪120‬‬
‫‪ [ .‬البقرة ‪ . ] 229 :‬ثم قال سبحانه‬ ‫سرِيحٌ بِإِحْسَانٍ‬
‫الطّلَقُ َم ّرتَانِ فَِإمْسَاكٌ ِب َم ْعرُوفٍ َأوْ تَ ْ‬

‫[ البقرة ‪. ]230 :‬‬ ‫غ ْي َرهُ‬


‫ح ّتىَ تَنكِحَ َزوْجا َ‬
‫طلّ َقهَا فَلَ تَحِلّ لَهُ مِن َبعْدُ َ‬
‫فَإِن َ‬ ‫وتعالى ‪:‬‬

‫أي إن الزوج يملك أن يطلّق زوجته ثلث تطليقات ‪ ،‬اثنتان منهما رجعيتان ‪ ،‬والثالثة‬

‫تسريح ل رجعة بعده ‪ ،‬إل بشرط سنذكرها في موضعها إن شاء ال تعالى ‪.‬‬

‫روى أبو داود ( في الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلث ‪ ،‬رقم ‪، ) 2159 :‬‬

‫والنسائي ( في الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلث ‪ :‬رقم ‪ )6/212 :‬عن ابن‬

‫قال ‪ :‬إن الرجل كان إذا طلق امرأته ‪ ،‬فهو أحقّ برجعتها ‪ ،‬وإن طلّقها ثلثا ‪َ ،‬فنَسخ‬ ‫عباس‬

‫[ البقرة ‪ ] 229 :‬أي الطلق الذي يملك الزوج فيه الرجعة‬ ‫الطّلَقُ َم ّرتَانِ‬ ‫ذلك ‪ ،‬وقال ‪:‬‬

‫مرتان فقط ‪ .‬ومن ثم فقد انعقد الجماع على أن الزوج يملك ثلث تطليقات ‪ ،‬ثالثتها بائنة ل‬

‫رجعة بعدها ‪ ،‬إل بما سنذكره من الشروط إن شاء ال تعالى ‪.‬‬

‫شروط صحة الطلق ووقوعه ‪:‬‬

‫لبدّ لكي يملك الزوج ما ذكرنا من الطلقات ‪ ،‬ولبد لكي يقع ذلك منه ‪ ،‬من أن تتوفر في‬

‫الزوج المطلّق الشروط التالية ‪:‬‬

‫الشرط الول ‪ :‬ثبوت عقد النكاح ‪:‬‬

‫فل يقع طلق الرجل من المرأة التي لم يعقد نكاحه عليها ‪ ،‬ول من التي سيعقد نكاحه‬

‫عليها ‪ ،‬سواء كان ذلك بأسلوب التنجيز ‪ ،‬أو التعليق ‪ :‬كأن يقول لمرأة لم يعقد عليها ‪ :‬أنت‬

‫طالق ‪ ،‬أو يقول ‪ :‬إن تزوجتك فأنت طالق ‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫حتُمُ‬
‫يَا َأ ّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا إِذَا َنكَ ْ‬ ‫ودليل ذلك من القرآن الكريم قول ال عزّ وجلّ ‪:‬‬

‫[الحزاب‪]49:‬‬ ‫عَل ْيهِنّ مِنْ عِ ّدةٍ َت ْعتَدّو َنهَا‬


‫طلّ ْق ُتمُوهُنّ مِن َقبْلِ أَن َتمَسّوهُنّ َفمَا َلكُمْ َ‬
‫ا ْل ُم ْؤمِنَاتِ ثُمّ َ‬

‫‪.‬‬

‫فقد علّق سبحانه وتعالى نتائج الطلق وأحكامه على ثبوت النكاح أولً ‪.‬‬

‫" ل طلق قبلَ نكاح " ‪.‬‬ ‫والدليل من السنة أيضا ‪ :‬قول النبي‬

‫رواه الحاكم ( في الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬ل طلق لمن لم يملك ‪ ،‬رقم ‪ ) 2/205 :‬وصححه ‪.‬‬

‫وروى أبو داود ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬في الطلق قبل النكاح ‪ ،‬رقم ‪ ، )2190 :‬والترمذي‬

‫قال ‪:‬‬ ‫( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء ل طلق قبل نكاح ‪ ،‬رقم ‪ ) 1181 :‬عن عبدال بن عمرو‬

‫عتْقَ له فيما ل يملكُ ‪ ،‬ول طلقَ له فيما‬


‫‪ " :‬ل نذر لبن آدم فيما يملكُ ‪ ،‬ول ِ‬ ‫قال رسول ال‬

‫ل يملكُ "‪.‬‬

‫الشرط الثاني ‪ :‬تكامل الرشد ‪:‬‬

‫فالصبي والمجنون والنائم ل يقع طلقهم ‪.‬‬

‫ودليل ذلك ‪ :‬ما رواه أبو داود ( في الحدود ‪ ،‬باب ‪ :‬في المجنون يسـرق أو يصيب حدّا‬

‫‪ " :‬رُفِع القلمُ عن ثلثة ‪ :‬عن‬ ‫قال ‪ :‬قال رسول ال‬ ‫‪ ،‬رقــم ‪ ) 4403 :‬وغيره عن على‬

‫النائم حتى يستيقظ ‪ ،‬وعن الصبيّ حتى يحتِلم َ‪ ،‬وعن المجنون حتى يْعقِلَ " والحتلم هو البلوغ‬

‫والكبر ‪.‬‬

‫ويدخل في حكم هؤلء الثلثة ‪ :‬الساهي ‪ ،‬والجاهل بمعنى الكلم الذي يقوله ‪ :‬ولكن ل‬

‫تقبل دعواه أنه ساهٍ ‪ ،‬أو جاهل بمعنى ما يقول إل بقرينة أو بيّنة ‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫طلق السكران ‪:‬‬

‫أما السكران ‪ ،‬فإن سكر بدواء ل مندوحة له عن استعماله ‪ ،‬وغاب من جرّائه عقله ‪ ،‬أو‬

‫أُكره على شرب مُسكِر ‪ ،‬بالتهديد ‪ ،‬أو صُبّ المُسِكر في جوفه ‪ ،‬فإن حكمه كالصبي والنائم‬

‫والساهي ‪ ،‬بجامع العذر في كلّ ‪.‬‬

‫أما إن سكر متعديا ـ أي عن قصد واختيار وبدون عذر ـ فإن طلقه يقع ‪ ،‬ويعتبر‬

‫كالرشيد حكما ‪ ،‬وعقوبة له على تعدّيه بشرب المُسكر ‪ ،‬لن السكران مكلّف ‪ ،‬ولنه بإجماع‬

‫الصحابة مؤاخذ بما يتلفظ به حال سكره ‪ ،‬من عبارات القذف ‪ ،‬ونحوه ‪.‬‬

‫الشرط الثالث تكامل الختيار ‪:‬‬

‫فل يقع طلق المكره ‪ .‬لكن مع مراعاة الشروط التالية في الكراه ‪:‬‬

‫‪1‬ـ أن يكون الكراه بغير حق ‪ ،‬فإن أُكره على الطلق بحق ـ كأن كان مُضارا لزوجته ‪،‬‬

‫فأكرهه الحاكم على تطليقها ـ فإن الطلق يقع ‪.‬‬

‫‪2‬ـ أن يكون الكراه معتمدا على التهديد له مباشرة ‪ ،‬بما يحصل منه ضرر شديد ‪ :‬كالقتل ‪،‬‬

‫والقطع ‪ ،‬والضرب المبرح ‪ ،‬ومثله الضرب القليل واليذاء البسيط بالنسبة لمن هو من‬

‫ذوي القدار ‪.‬‬

‫‪3‬ـ وأن يكون المكره قادرا على تنفيذ ما هدد به ‪.‬‬

‫‪ " :‬ل طلق ول عتاق في إغْلَقٍ " ‪.‬‬ ‫ودليل ذلك قول النبي‬

‫‪123‬‬
‫رواه ابن ماجه ( في الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬طلق المكره والناسي ‪ ،‬رقم ‪ ) 2046 :‬أي في‬

‫إكراه ‪ ،‬لن المكره يغلق عليه أمره ‪ ،‬وتصرّفه ‪.‬‬

‫وروى ابن ماجه ( في الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬طلق المكره والناسي ‪ ،‬رقم ‪ ) 2045 :‬وغيره‬

‫قال ‪ " :‬إن ال وضع عن ُأمّتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " ‪ .‬أي وضع‬ ‫‪ :‬أن النبي‬

‫عنهم حكـم ذلك ‪ ،‬ل نفس هذه المور ‪ ،‬لنها واقعة ‪.‬‬

‫‪4‬ـ أن ل يصدر من الزوج ال ُم ْكرَه إل القدر الذي أُكره عليه ‪ ،‬فلو أُكره على الطلق مرة ‪ ،‬أو‬

‫مطلقا ‪ ،‬فطلق طلقتين ‪ ،‬أو ثلثا ‪ ،‬وقع الطلق ‪.‬‬

‫طلق الهازل واللعب ‪:‬‬

‫إذا تأملت في الشروط التي ذكرناها لوقوع المكره علمت أن طلق الهازل واللعب واقع‬

‫‪ ،‬إذا كان رشيدا بالغا عاقلً مختارا ‪ ،‬ول يُعدّ لعبه وهزله عذرا في عدم وقوع الطلق ‪.‬‬

‫ودليل ذلك ‪ :‬ما رواه الترمذي ( في الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في الجدّ والهزل في‬

‫الطــلق ‪ ،‬رقم ‪ ، ) 1184 :‬وأبو داود ( في الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬في الطلق على الهزل ‪ ،‬رقم‬

‫‪ ، ) 2149 :‬وابن ماجه ( في الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬من طلّق أو نكح أو راجع لعبا ‪ ،‬رقم ‪:‬‬

‫‪ " :‬ثلث جدّهنّ جد ‪ ،‬وهزلهنّ جد ‪ :‬النكاح‬ ‫قال ‪ :‬قال رسول ال‬ ‫‪ ) 2039‬عن أبي هريرة‬

‫‪ ،‬والطلق ‪ ،‬والرجعة " ‪.‬‬

‫الكيفيات المشروعة للطلق ‪:‬‬

‫يمكن إيقاع الطلق على كيفيات مختلفة ‪:‬‬

‫ـ كالجمع بين الطلقات بلفظ واحد ‪ ،‬أو التفريق بينها ‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫ـ أو إيقاع الطلق منجزا ‪ ،‬أو معلقا على شرط ‪ ،‬أو مع استثناء ‪.‬‬

‫الكيفية الولي للطلق ‪:‬‬

‫واعلم أن الكيفية التي هي أفضل في الطلق شرعا ‪ ،‬والمتفقة مع الحكمة من جعل‬

‫الشّارع طلق الرجل زوجته موزعا على ثلث مراحل ‪ ،‬هي ‪ :‬أن يطلّق طلقة واحدة في طهر‬

‫لم يجامع الرجل زوجته فيه ‪ ،‬فإذا بدا له وندم أرجعها إليه أثناء العدّة ‪.‬‬

‫فإن عاودته الرغبة في الطلق طلقها طلّقة ثانية ‪ ،‬وكان في يده بعد ذلك طلقة واحدة ‪،‬‬

‫تبين بها زوجته عنه بينونة كبرى ‪ ،‬ول ترجع إليه إل بعد أن تنكح زوجا غيره نكاحا شرعيا‬

‫كاملً ‪ ،‬وسيأتي بيان ذلك إن شاء ال تعالى ‪.‬‬

‫الطّلَقُ َم ّرتَانِ فَِإمْسَاكٌ‬ ‫وهذه الكيفية هي المفهومة من صريح قول ال عزّ وجلّ ‪:‬‬

‫[ البقرة ‪. ] 229 :‬‬ ‫سرِيحٌ بِإِحْسَانٍ‬


‫ِب َم ْعرُوفٍ َأوْ تَ ْ‬

‫حكم الطلق الثلث بلفظ واحد ‪:‬‬

‫إذا لم يلتزم بالكيفية المفضلة للطلق ‪ ،‬فل يعني أن الطلق ل يقع ‪ ،‬بل يقع كيفما كان ‪،‬‬

‫ما دامت الشروط التي تحدّثنا عنها مجتمعة في الشخص المطلق ‪.‬‬

‫وعلى ذلك ‪ ،‬فلو جمع الطلقات الثلث بلفظ واحد في وقت واحد ‪ ،‬فقال ‪ :‬أنتِ طالق ثلثا‬

‫‪ ،‬بانت منه بثلث طلقات ‪ ،‬كما لو نطق بهنّ متفرقات ‪.‬‬

‫ول يعتبر ذلك محرما ‪ ،‬بل هو خلف السنة ‪ ،‬وجنوح عن الطريقة المفضلة ‪.‬‬

‫ودليل ذلك ما رواه الترمذي ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في الرجل يطلق امرأته البتّة ‪ ،‬رقم‬

‫‪ ، ) 1177 :‬وأبو داود ( في الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬في البتّة‪ ،‬رقم ‪ ، ) 2208 :‬وابن ماجه ( في‬

‫‪125‬‬
‫الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬طلق البتة رقم ‪ ) 20511 :‬أن ركانة طلّق زوجته البتّة ـ أي قال لها أنت‬

‫‪ :‬ـ وقد سأله ركانة عن سبيل لرجعتها ـ ( آل ما أردت إل‬ ‫طالق البتّة ـ فقال له النبي‬

‫واحدة ) ‪.‬‬

‫قال ‪ :‬ال ما أردت إل واحدة فردّها إليه ‪.‬‬

‫فالحديث دليل على أن ركانة لو أراد بقوله ( البتّة ) ثلثا لوقعن ‪ ،‬ولما أذن له النبي‬

‫بردها ‪ ،‬وإل لم يكن لسؤاله وتحليفه له أيّ معنى ‪.‬‬

‫تعليق الطلق بصفة أو شرط ‪:‬‬

‫كما يصح الطلق ويقع منجزا ‪ ،‬فإنه يصحّ معلقا ‪.‬‬

‫ومعنى تعليق الطلق ‪ :‬أن يعلّق الزوج وقوع الطلق على حدوث صفة ‪ ،‬أو شرط ‪،‬‬

‫سواء مما قد تتلبس به الزوجة أو غيرها ‪ ،‬كتعليقه طلقها على قدوم غائب ‪ ،‬أو على تصرّف‬

‫معين قد تقوم به الزوجة أو غيرها ‪.‬‬

‫مثال تعليق طلقها على صفة ‪ :‬أن يقول ‪ :‬أنت طالق عند قدوم أبيك ‪ ،‬أو أنت طالق في‬

‫شهر رمضان فتطلق إذا قَدِم أبوها أو إذا دخل شهر رمضان ‪.‬‬

‫ومثال تعليقه بالشرط أن يقول لها ‪ :‬أنت طالق إن خرجت من الدار ‪ ،‬أو أنت طالق إن‬

‫دخل أخوك الدار ‪ ،‬فتطلق إن هي خرجت من الدار ‪ ،‬أو إن دخل أخوها الدار ‪.‬‬

‫ودليل صحة تعليق الطلق على صفة أو شرط ‪ ،‬و وقوعه إذا تحقق ذلك الشرط ‪ ،‬أو تلك‬

‫‪ " :‬المسلمون عند شروطهم " ‪.‬‬ ‫الصفة ‪ ،‬قول النبي‬

‫رواه الحاكم ( البيوع ‪ ،‬باب ‪ :‬المسلمون على شروطهم والصلح جائز ‪. 2/49 :‬‬

‫‪126‬‬
‫إذ يُفهم من الحديث أن الشروط التي يعلّق النسان عليها إبرام شيء تكون محل اعتبار‬

‫وتقدير من الشارع ‪ ،‬ما لم تكن تحرم حللً ‪ ،‬أو تحلّ حراما ‪.‬‬

‫الثار التي يترتب على الطلق المعلق ‪:‬‬

‫ويترتب على الطلق المعلّق ما يلي ‪:‬‬

‫‪1‬ـ عدم وقوع الطلق ما دام الشيء الذي عُلق الطلق به لم يحصل بعد ‪.‬‬

‫‪2‬ـ تظل الحياة الزوجية مستمرة بكامل أحكامها ومستلزماتها ‪ ،‬ما دام الشرط المعلّق عليه لم‬

‫يتحقق بعد ‪ ،‬وإن كان حصوله على حكم المحقّق ‪ .‬كقوله ‪ :‬إذا جاء شهر رمضان فأنت‬

‫طالق ‪.‬‬

‫‪3‬ـ يقع الطلق بمجرد حصول الشرط الذي علّق الزوج الطلق به ‪ ،‬دون حاجة إلى أن ينطق‬

‫نطقا جديدا بالطلق ‪.‬‬

‫الستثناء في الطلق ‪:‬‬

‫وكما يصحّ الطلق المعلّق بصفة ‪ ،‬أو شرط ‪ ،‬كما ذكرنا يصحّ الطلق الذي دخله‬

‫الستثناء ‪.‬‬

‫والمقصود بالستثناء في الطلق ‪ :‬أن يجمع بلفظ واحد أكثر من طلقة واحدة ‪ ،‬ثم يطرح‬

‫بعضا منها بأداة الستثناء ‪ ،‬وهي ( إلّ ) بأن يقول ‪ :‬أنت طالق ثلثا ‪ ،‬إل طلقة واحدة ‪ ،‬أو إل‬

‫طلقتين ‪.‬‬

‫وذلك لن الستثناء من المعدود أسلوب عربي متّبع ‪ ،‬ومستعمل في كلّ من الكتاب والسنة‬

‫‪ ،‬للتعبير عن المعاني ‪ ،‬وضبط الكميات والعداد ‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫خمْسِينَ عَاما‬
‫سنَةٍ ِإلّا َ‬
‫َفَل ِبثَ فِيهِمْ َأ ْلفَ َ‬ ‫قال ال تعالى حكاية عن نوح عليه السلم ‪:‬‬

‫[ العنكبوت ‪] 14 :‬‬

‫لذلك جاز استعمال الستثناء في التعبير عن الطلق ‪ ،‬وضبط عدد الطلقات المراد إيقاعها‬

‫شروط صحة الستثناء في الطلق ‪:‬‬

‫يشترط لصحة الستثناء في الطلق مراعاة الشروط التالية ‪:‬‬

‫‪1‬ـأن ينوي المطلّق إلحاق الستثناء بكلمه قبل فراغه من النطق بالكلم الصلي المستثنى منه‬

‫‪ .‬فلو أتمّ كلمه الصلي ‪ ،‬ثم طرأ على باله أن يستثني منه شيئا ‪ ،‬لم يصح الستثناء ‪،‬‬

‫ووقع الطلق كما يقتضيه كلمه الصلي قبل تعليق الستثناء به ‪.‬‬

‫‪2‬ـ أن يتصل لفظ الستثناء بلفظ المستثنى منه عُرفا ‪.‬‬

‫فلو فصل بينهما بفاصل زمني يعتبره ال ُعرْف فاصلً ‪ :‬كدقيقة مثلً ‪ ،‬بطل استثناؤه ‪،‬‬

‫ووقع الطلق كما يقتضيه لفظ المستثنى منه ‪.‬‬

‫‪3‬ـ أن ل يكون الستثناء مستغرقا لكمية المستثنى منه ‪ :‬كأن يقول ‪ :‬أنت طالق ثلثا إل ثلث‬

‫طلقات ‪ ،‬فمثل هذا الستثناء يعتبر لغيا ‪ ،‬ويستقر الحكم على ما يقتضيه لفظ المستثنى‬

‫منه ‪.‬‬

‫وينبغي أن تعلم بعد هذا أن الستثناء من الكلم المثبت يعتبر نفيا ‪ ،‬وأن الستثناء من‬

‫الكلم المنفي يعتبر إثباتا ‪ ،‬لن الستثناء يعطي نقيض الحكم الصلي للمستثنى ‪ ،‬فلو قال ‪ :‬ما‬

‫طلّقتك إل طلقتين ‪ ،‬وقعت طلقتان ‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫دليل صحة الستثناء في الطلق ‪:‬‬

‫‪ " :‬مَن أعتق ‪ ،‬أو طلّق واستثنى فله‬ ‫ويستدل لصحة الستثناء في الطلق بقول النبي‬

‫ثنياه ‪. ":‬‬

‫أي استثناؤه ‪ .‬ذكر ابن الثير في النهاية مادة ‪ ( :‬ثنا ) ‪.‬‬

‫تفويض الطلق إلى الزوجة ‪:‬‬

‫يصحّ للزوج أن يفوّض إيقاع الطلق إلى زوجته ‪ ،‬وهذا التفويض إنما هو بمثابة تمليك‬

‫الطلق لها ‪.‬‬

‫شروط وقوع طلق التفويض ‪:‬‬

‫يشترط لوقوع هذا الطلق الشروط التالية ‪:‬‬

‫‪1‬ـ أن يكون الطلق منجزا ‪ ،‬فل يصحّ تعليقه على شيء ‪ :‬كإذا جاء الغد فطلّقي نفسك ‪.‬‬

‫‪2‬ـ أن يكون الزوج المفوّض مكلفا ‪ ،‬فل يصحّ تفويض الصغير والمجنون ‪.‬‬

‫‪3‬ـ أن تكون الزوجة أيضا مكلفة ‪ ،‬فل يصحّ تفويض صغيرة أو مجنونة ‪.‬‬

‫‪4‬ـ أن تُطلّق نفسها على الفور ‪ ،‬بعد تفويضها مباشرة ‪ ،‬فلو أخّرت بقدر ما ينقطع به القبول‬

‫من اليجاب ‪ ،‬لم يصحّ طلقها ‪.‬‬

‫دليل جواز تفويض الطلق إلى الزوجة ‪:‬‬

‫خيّر نساءه من بين المقام معه ‪ ،‬وبين مفارقته ‪،‬‬ ‫ويستدلّ على جواز ذلك ‪ ،‬بأن النبي‬

‫حيَاةَ ال ّد ْنيَا‬
‫جكَ إِن كُنتُنّ ُترِدْنَ الْ َ‬
‫يَا َأ ّيهَا ال ّنبِيّ قُل لَّأ ْزوَا ِ‬ ‫وذلك لمّا نزل قول ال عز وجل ‪:‬‬

‫[ الحزاب ‪. ] 28:‬‬ ‫جمِيلً‬


‫سرَاحا َ‬
‫حكُنّ َ‬
‫سرّ ْ‬
‫َوزِي َن َتهَا َف َتعَاَليْنَ ُأ َم ّت ْعكُنّ َوأُ َ‬

‫‪129‬‬
‫فلو لم يكن لختيارهنّ الفرقة لم يكن لتخييرهنّ معنى ‪.‬‬

‫خاتمة في بعض مسائل الطلق ‪:‬‬

‫‪1‬ـ إذا تلفظ بالطلق باللغة العربية رجل غير عربي ‪ ،‬وهو ل يدري معناه ‪ ،‬فإنه ل يقع طلقه‬

‫‪ ،‬لنتفاء قصده ‪ ،‬ولو تلفظ به بلغته وقع ‪ ،‬ولو لم ينوه إذا كان اللفظ الذي استعمله في‬

‫الطلق صريحا في لغته ‪ ،‬أي ل يحتمل إل الطلق ‪ ،‬وإذا كان غير صريح اشترط‬

‫لوقوع الطلق النية ‪ ،‬كما هو الشأن في اللغة العربية ‪.‬‬

‫‪2‬ـ قال رجل لزوجته ‪ :‬أنا منكِ طالق ‪ ,‬فإن نوى تطليقها طلقت ‪ ,‬وإن لم ينو لم تطلق ‪ ,‬لن‬

‫اللفظ خرج عن الصراحة إلى الكناية ‪ ,‬بإضافته إلى غير محله ‪ ,‬فشرط فيه ما شرط في‬

‫الكناية من قصد إيقاع الطلق‪.‬‬

‫‪3‬ـ قال رجل لزوجته ‪ :‬أنت طالق ‪ ،‬أنت طالق ‪ ،‬أنت طالق ‪.‬‬

‫فإن تخلل سكوت بين هذه الجمل بما يعد فاصل عرفا ‪ ،‬وقعت ثلث طلقات ‪ ،‬ول يقبل‬

‫قضاء قوله أردت التأكيد ‪ ،‬لنه خلف الظاهر ‪ ،‬وإن لم يتخلل هذه الجمل فاصل ‪ ،‬فإن‬

‫نوى التأكيد وقعت طلقة واحدة ‪ ،‬فإن نوى الثلث وقعت ثلثاُ ‪ ،‬وإن أطلق ‪ ،‬ولم ينو‬

‫شيئا ‪ ،‬وقعت أيضا ثلثا ‪ .‬عملً بظاهر اللفظ ‪.‬‬

‫‪4‬ـ إذا قال لزوجته ‪ :‬إن شاء ال فأنت طالق ‪ :‬لم تطلق إن قصد التعليق بمشيئة ال عز وجل ‪،‬‬

‫لن المعلق عليه من مشيئة ال تعالى غير معلوم ‪ .‬فإن لم يقصد بالمشيئة التعليق ‪ ،‬وإنما‬

‫قصد بها التبرك ‪ ،‬أو لم يقصد شيئا ‪ ،‬فإن الطلق يقع ‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫‪5‬ـ لو خاطبت الزوجة زوجها بمكروه ‪ ،‬فقالت له يا سفيه ‪ ،‬أو يا خسيس ‪ ،‬فقال لها ‪ :‬إن كنتُ‬

‫كما تقولين فأنت طالق ‪.‬‬

‫فإن قصد بذلك مكافأتها بإسماعها ما تكره ‪ ،‬وإغاظتها بالطلق كما أغاظته بالشتم ‪ ،‬فإن‬

‫الطلق يقع ‪ ،‬وإن لم يكن سفيها ‪ ،‬ول خسيسا ‪ .‬وكأنه قال ‪ :‬إن كنت بزعمك كذلك فأنت‬

‫طالق ‪.‬‬

‫أما إذا أراد تعليق الطلق على وجود السفه والخسّة ‪ ،‬أو أطلق ‪ ،‬ولم يرد شيئا اعتبرت‬

‫الصفة المعلّق عليها كما هو سبيل التعليقات ‪ ،‬فإن لم يكن سفيها أو خسيسا ‪ ،‬لم يقع الطلق ‪،‬‬

‫وإن كانت كذلك ‪ ،‬وقع ‪.‬‬

‫والسفيه ‪ :‬هو من يستحق الحَجْر عليه لسوء تصرفه بأمواله ‪.‬‬

‫والخسيس ‪ :‬قيل هو ‪ :‬مَن باع دينه بدنياه ‪ .‬وقيل ‪ :‬هو مَن يتعاطى غير لئق به بخلً ‪.‬‬

‫أحكام الرجعة‬
‫اعلم أن الرجل إذا طلق زوجته ‪ ،‬فلبدّ أن يقع الطلق على واحد من الحوال التالية ‪:‬‬

‫أولً ‪ :‬أن يطلّقها قبل الدخول ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬أن يطلّقها على وجه المخالفة ‪ ،‬سواء كان ذلك قبل الدخول أم بعده ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬أن يطلّقها طلقا عاديا بعد الدخول طلقه ‪ ،‬أو طلقتين ‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬أن يطلّقها طلقا عاديا ثلث تطليقات ‪.‬‬

‫هذه هي الكيفيات التي يمكن أن يقع عليها الطلق ‪ ،‬فلنشرح ما يترتب على كل حالة من‬

‫أحكام الرجعة إذا أراد الزوج أن يراجع زوجته بعدها‬

‫‪131‬‬
‫أولً ‪ :‬إذا طلقها قبل أن يدخل بها ‪:‬‬

‫إذا طلّق الرجل زوجته قبل أن يدخل بها ‪ ،‬بانت منه ‪ ،‬ولم يجز له أن يراجعا ‪ ،‬إذا ل‬

‫حتُمُ ا ْل ُم ْؤ ِمنَاتِ‬
‫يَا َأ ّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا إِذَا َنكَ ْ‬ ‫يجب عليها أن تعتدّ منه ‪ ،‬لصريح قول ال عز وجل ‪:‬‬

‫[ الحزاب ‪ ] 49 :‬لذلك‬ ‫عَل ْيهِنّ مِنْ عِ ّدةٍ َت ْعتَدّو َنهَا‬


‫طلّ ْق ُتمُوهُنّ مِن َقبْلِ أَن َتمَسّوهُنّ َفمَا َلكُمْ َ‬
‫ثُمّ َ‬

‫ينتهي بها الطلق إلى البينونة رأسا ‪.‬‬

‫ثم إذا كان طلّقها في هذه الحالة طلقة واحدة ‪ ،‬أو طلقتين ‪ ،‬لم تحلّ له إل بعقد ومهر‬

‫جديدين ‪ ،‬بناء على اختيارها ورضاها ‪.‬‬

‫وإن كان قد طلّقها ثلث تطليقات ‪ ،‬لم تحلّ له إل بعد أن تنكح زوجا غيره ‪ ،‬ويدخل بها‬

‫الزوج الثاني ‪ ،‬ثم يطلّقها ‪ ،‬ثم تعتدّ منه ‪ ،‬ثم يتزوجها هو بعقد ومهر جديدين ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬إذا خالعها على مال ‪:‬‬

‫إذا خالع الزوج زوجته ( وقد مرّ بك بيان الخلع ) بانت منه ‪ ،‬ولم يجز له أن يراجعها‬

‫بموجب العقد والمهر جديدين ‪ ،‬كزوج جديد ‪ ،‬سواء كان ذلك الخلع قبل الدخول بها ‪ ،‬أو بعده ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬إذا طلّقها بعد الدخول طلقة أو طلقتين ‪:‬‬

‫إذا طلّق الزوج زوجته بعد الدخول بها طلقة واحدة ‪ ،‬أو طلقتين ‪ ،‬جاز له أن يراجعها‬

‫بموجب العقد والمهر الثابتين ‪ ،‬بناءً على رغبته المنفردة ‪ ،‬إذا كانت عدّتها لم تنقض بعد ‪.‬‬

‫َو ُبعُوَل ُتهُنّ أَحَقّ ِبرَدّهِنّ فِي َذِلكَ إِنْ َأرَادُواْ ِإصْلَحا‬ ‫ودليل ذلك صريح قول ال عزّ وجلّ ‪:‬‬

‫[ البقرة ‪. ] 228 :‬‬

‫‪132‬‬
‫سرِيحٌ‬
‫الطّلَقُ َم ّرتَانِ فَِإمْسَاكٌ ِب َم ْعرُوفٍ َأوْ تَ ْ‬ ‫والمراد بالردّ ‪ :‬الرجعة ‪ .‬وقال ال تعالى ‪:‬‬

‫[ البقرة ‪. ] 229 :‬‬ ‫بِإِحْسَانٍ‬

‫فإن المساك بمعروف بعد الطلق ل يكون إل بناءً على الرجعة ‪.‬‬

‫ودليل ذلك من السنّة ‪ :‬ما رواه أبو داود ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬في المراجعة ‪ ،‬رقم ‪2283 :‬‬

‫طلق حفصة رضي ال عنها ‪ ،‬ثم راجعها ‪.‬‬ ‫‪ :‬أن رسول ال‬ ‫) عن عمر‬

‫كيفية الرجعة ‪:‬‬

‫ويكفي لرجاعها إلى عصمة نكاحه أن يقول ‪ :‬أرجعتك إلى عصمتي ‪ ،‬و عقد نكاحي ‪.‬‬

‫ويسنّ أن يشهد على كلمه هذا شاهدين ‪ .‬واستدلّ لهذا بقوله تعالى ‪:‬‬

‫[ الطلق ‪. ] 2 :‬‬ ‫شهِدُوا َذ َويْ عَدْلٍ مّنكُمْ‬


‫َوأَ ْ‬

‫فإن أرجعها عادت إليه بما بقي له من الطلق ‪ ،‬فإن كان قد طلّقها طلقة ‪ ،‬بقيت له‬

‫اثنان ‪ ،‬وإن كان قد طلقها طلقتين ‪ ،‬بقيت له طلقة واحدة فقط ‪.‬‬

‫فأما إذا لم يراجعها حتى انقضت عدّتها ‪ ،‬فإنها تصبح بذلك بائنة منه ‪ ،‬وعندئذ سبيل‬

‫إليها إل بعقد ومهر جديدين ‪ ،‬باختيار منها ‪ ،‬كزوج جديد ‪.‬‬

‫ضلُوهُنّ أَن‬
‫جَلهُنّ فَلَ َت ْع ُ‬
‫طلّ ْقتُمُ النّسَاء َف َبَلغْنَ أَ َ‬
‫َوإِذَا َ‬ ‫ودليل ذلك ‪ :‬قول ال عزّ وجلّ‬

‫[ البقرة ‪. ] 232 :‬‬ ‫ض ْواْ َب ْي َنهُم بِا ْل َم ْعرُوفِ‬


‫جهُنّ إِذَا َترَا َ‬
‫يَنكِحْنَ َأ ْزوَا َ‬

‫فلو كان حق الرجعة ثابتا لزوجها الول ‪ ،‬لما أباح لها النكاح ممن تشاء من الزواج ‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬إذا طلقها ثلث تطليقات ‪:‬‬

‫‪133‬‬
‫إذا طلق الزوج زوجته ثلث تطليقات ‪ ،‬سواء كنّ متفرقات ‪ ،‬أم مجتمعات بلفظ واحد ‪،‬‬

‫وسواء كان الطلق قبل الدخول ‪ ،‬أو بعد الدخول ‪ ،‬بانت منه الزوجة ‪ ،‬ولم يعد له من سبيل‬

‫إليها ‪ ،‬سواء أثناء العدّة أو بعدها ‪ ،‬إل بعد اجتيازها خمس مراحل من الشروط ‪:‬‬

‫‪1‬ـ أن تنقضي عدّتها من زوجها ‪.‬‬

‫‪2‬ـ أن يعقد نكاحها بعد انقضاء عدّتها على زوج غير الول عقدا طبيعيا صحيحا ‪.‬‬

‫‪3‬ـ أن يدخل بها هذا الزواج الثاني دخولً حقيقيا ‪.‬‬

‫‪4‬ـ أن يطلّقها بعد ذلك ‪.‬‬

‫‪5‬ـ أن تنقضي عدّتها منه ‪.‬‬

‫ثم إذا أراد بعد ذلك زوجها الول أن يعود إليها كان له ذلك ‪ ،‬لكن بناءً على رضاها ‪،‬‬

‫غ ْي َرهُ‬
‫ح ّتىَ تَنكِحَ َزوْجا َ‬
‫طلّ َقهَا فَلَ تَحِلّ لَهُ مِن َبعْدُ َ‬
‫َإِن َ‬ ‫وبعقد ومهر جديدين ‪ .‬قال ال تعالى ‪:‬‬

‫[ البقرة ‪] 230 :‬‬ ‫ظنّا أَن يُقِيمَا حُدُو َد اللّهِ‬


‫جعَا إِن َ‬
‫عَل ْي ِهمَا أَن َي َترَا َ‬
‫جنَاحَ َ‬
‫طلّ َقهَا فَلَ ُ‬
‫فَإِن َ‬

‫وروى البخاري ( الشهادات ‪ ،‬باب ‪ :‬شهادة المختبي ‪ ،‬رقم ‪ ، ) 2496 :‬ومسلم ( في‬

‫النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ل تحل المطلقة ثلثا لمطلّقها حتى تنكح …‪ ،.‬رقم ‪ ) 1433 :‬عن عائشة رضي‬

‫فقالت ‪ :‬كنت عند رفاعة ‪ ،‬فطلقني فأبتّ‬ ‫ال عنها قالت ‪ :‬جاءت امرأة رفاعة القرظي النبي‬

‫طلقي ‪ ،‬فتزوجت عبد الرحمن بن الزّبير ‪ ،‬إنما معه مثل هُدْبة الثوب ‪ ،‬فقال ‪ ( :‬أتريدين أن‬

‫ترجعي إلّ رفاعة ؟ ‪ ،‬حتى تذوقي عسيلته ‪ ،‬ويذوق عسيلتك ) ‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫[ أبتّ طلقها ‪ :‬طلّقها ثلثا ‪ .‬هدبة الثوب ‪ :‬حاشيته ‪ ،‬شبّهت به استرخاء ذكره ‪ ،‬وأنه ل‬

‫يقدر على الوطء ‪ .‬تذوقي عسيلته ‪ :‬هذا كناية عن الجماع ‪ .‬وعسيلة ‪ :‬قطعة صغيرة من‬

‫العسل ‪ ،‬شبّه لذة الجماع بلذة ذوق العسل ] ‪.‬‬

‫الحكمة من توقف حل المطلقة ثلثا على هذه الشروط ‪:‬‬

‫ولعلّ الحكمة في إلزام المطلّقة بكل هذه الشروط التي ذكرنا لتحلّ لزوجها الول هي ‪:‬‬

‫التنفير من الطلق الثلث ‪ ،‬وحمل الزواج بذلك على أن ل يتورطوا في الطلق الثلث ‪.‬‬

‫الخلصة في الرجعة ‪:‬‬

‫اعلم أن المطلّقة بالنسبة لمكان رجوعها إلى زوجها تسمى ‪:‬‬

‫( رجعية ) إن طلّقت طلقة واحدة أو طلقتين ‪ ،‬بعد الدخول بها ‪ ،‬وعدّتها لم تنقضِ بعد ‪.‬‬

‫وحكمها ‪ :‬جواز مراجعة زوجها لها ‪ ،‬بعقدها ومهرها السابقين وبموجب إرادته المنفردة‬

‫( بائنة بينونة صغرى ) ‪ :‬وهي ‪:‬‬

‫‪1‬ـ المطلّقة طلقة واحدة أو طلقتين قبل الدخول بها ‪.‬‬

‫‪2‬ـ المطلّقة طلقة واحدة أو طلقتين بعد الدخول بها ‪ ،‬وقد انقضت عدّتها ‪.‬‬

‫‪3‬ـ المخالعة على بَدَلَ مالي ‪ ،‬كما سبق بيانه ‪.‬‬

‫وحكمها ‪ :‬ل سبيل للزوج إليها إل بعقد ومهر جديدين ‪ ،‬وباختيارها ورضاها ‪.‬‬

‫( بائنة بينونة كبرى ) ‪ :‬وهي التي طلّقها زوجها ثلث تطليقات ‪ ،‬سواء قبل الدخول بها‬

‫‪ ،‬أو بعده ‪.‬‬

‫وحكمها ‪ :‬ل تحلّ له إل بعد أن تنكح زوجا غيره ‪ ،‬على نحو ما قد سبق إيضاحه ‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫مشبهات الطلق‬
‫هنا ثلث مسائل ‪ ،‬تشبه في نتائجها الطلق ‪ ،‬أو هي قد تؤول إلى الطلق ‪ .‬وهذه‬

‫المسائل هي ‪ :‬اليلء ‪ ،‬الظهار ‪ ،‬اللعان ‪ .‬لذلك جمعناها إلى بعضها تحت هذا العنوان ‪:‬‬

‫( مشبّهات الطلق ) ثم لنشرح كلً منها على حدة ‪:‬‬

‫أول ً ـ اليلء‬
‫تعريف اليلء ‪:‬‬

‫اليلء في اللغة من الليّة ‪ ،‬بمعنى اليمين ‪ .‬يقال ‪ :‬آلى فلن ‪ :‬أي أقسم ‪ ،‬وعليه قول ال‬

‫سعَةِ أَن ُي ْؤتُوا ُأ ْولِي الْ ُق ْربَى وَا ْلمَسَاكِينَ … [ النور‬


‫عزّ وجلّ ‪َ :‬ولَا يَ ْأتَلِ ُأ ْولُوا الْ َفضْلِ مِنكُمْ وَال ّ‬

‫‪ ] 22 :‬أي ل يحلف ‪.‬‬

‫واليلء اصطلحا ‪ :‬فهو أن يقسم الزوج المالك لحق الطلق ألّ يجامع زوجته مطلقا ‪ ،‬أو مدة‬

‫تزيد على أربعة أشهر ‪.‬‬

‫حكم اليلء ‪:‬‬

‫إذا أقسم الزوج على أن يجامع زوجته مطلقا ‪ ،‬أو مدة تزيد على أربعة أشهر ‪ ،‬فهو مولٍ‬

‫بذلك من زوجته ‪ .‬ويترتب على الزوج من الحكام الشرعية ما يلي ‪:‬‬

‫يمهله الحاكم أربعة بدءا من اليوم الذي أقسم فيه أن ل يطأ زوجته ‪ ،‬كفرصة يمكنه من‬

‫الرجوع والتكفير عنها ‪ ،‬أو من تطليقها إن لم يرد الرجوع والتفكير ‪.‬‬

‫فإذا انتهت الشهر الربعة ‪ ،‬وهو ملتزم يمينه ‪ ،‬فهو عندئذ مضار لزوجته ‪ ،‬ويلزمه‬

‫الحاكم بسبب ذلك ـ بناءً على طلب الزوجة ـ بأحد أمرين ‪:‬‬

‫‪136‬‬
‫‪1‬ـ الرجوع عن يمينه ‪ ،‬والتصال بزوجته ‪ ،‬ويكفّر عن يمينه ‪ ،‬إن كان قد أقسم بال ‪ ،‬أو‬

‫بعض صفاته ‪ ،‬أو يأتي بما أقسم به إن كان قد حلف على أن يفعل عملً ‪ ،‬أو يتصدق‬

‫بصدقة ‪.‬‬

‫‪2‬ـ أو الطلق إن أبى إل التمسك بيمينه ‪.‬‬

‫فإن أبى الزوج ‪ ،‬ورفض سلوك أحد هذين السبيلين ‪ ،‬أوقع القاضي عنه طلقة واحدة ‪،‬‬

‫لنه حق توجه عليه لرفع الضرر عن الغير ‪ ،‬ول سبيل إلى ذلك إل بالتطليق عليه ‪.‬‬

‫وتقع النيابة فيه ‪ ،‬كقضاء الدين ‪ ،‬وأداء الحقوق العينية ‪.‬‬

‫هذا إذا لم يكن بالزوج عذر يمنعه من الوطء ‪ ،‬فأما إن كان عذر من مرض‬

‫ونحوه ‪ ،‬طولب بالرجوع عن إيلئه بلسانه ‪ ،‬بأن يقول ‪ :‬إذا قدرت رجعت عن التزامي ويميني‬

‫دليل أحكام اليلء ‪:‬‬

‫ّللّذِينَ ُي ْؤلُونَ مِن نّسَآ ِئهِمْ َت َربّصُ‬ ‫ودليل أحكام اليلء التي ذكرناها قول ال عز وجل ‪:‬‬

‫علِيمٌ‬
‫سمِيعٌ َ‬
‫ن اللّهَ َ‬
‫ع َزمُواْ الطّلَقَ فَإِ ّ‬
‫ش ُهرٍ فَإِنْ فَآؤُوا فَإِنّ اللّهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ{‪َ }226‬وإِنْ َ‬
‫َأ ْر َبعَةِ أَ ْ‬

‫[ البقرة ‪ 226 :‬ـ ‪. ] 227‬‬

‫[ يؤلون ‪ :‬يحلفون ‪ .‬تربص ‪ :‬انتظار ‪ .‬فاؤوا ‪ :‬رجعوا عن الحلف إلى الوطء ‪ .‬عزموا‬

‫الطلق ‪ :‬أوقعوه ] ‪.‬‬

‫وروى مالك رحمه ال تعالى في كتابه المؤطأ ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬اليلء ‪ ) 2/556‬عن‬

‫أنه كان يقول ‪ :‬إذا آلى الرجل من امرأته ‪ ،‬لم يقع عليه طلق ‪ ،‬وإن مضت الربعة‬ ‫علي‬

‫أشهر ‪ ،‬حتى يوقف ‪ :‬فإما أن يطلّق ‪ ،‬وإما أن يفيء‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫وروى مثل ذلك عن ابن عمر رضي ال عنهما ‪.‬‬

‫ومثل هذا الحكم ل يقال من قبل الرأي ‪ ،‬لذلك كان لهذا الحديث حكم المرفوع إلى رسول ال‬

‫‪.‬‬

‫ثانيا ً ‪ :‬الظهار ‪:‬‬


‫تعريف الظهار ‪:‬‬

‫الظهار ـ لغة ـ مأخوذ من الظهر ‪ ،‬لن صورته الصلية أن يقول الرجل لزوجته ‪:‬‬

‫أنت عليّ كظهر أمي ‪.‬‬

‫وتعريف الظهار في الصطلح ‪ :‬أن تشبّه الزوج زوجته في الحرمة بإحدى محارمه ‪ :‬كأمه ‪،‬‬

‫وأخته ‪.‬‬

‫وكان العرب في الجاهلية يعتبرون الظهار أسلوبا من أساليب الطلق ‪ .‬ولكن الشريعة‬

‫السلمية أعطته اعتبارا آخر ‪ ،‬و َبنَت عليه أحكاما أخرى غير الطلق ‪.‬‬

‫حكم الظهار من حيث الحلّ والحرمة ‪:‬‬

‫الظهار حرام بإجماع المسلمين ‪ ،‬وهو كبيرة من الكبائر ‪ ،‬بدليل أن ال عز وجل سماه‬

‫[المجادلة‪:‬‬ ‫َوِإ ّنهُمْ َليَقُولُونَ مُنكَرا مّنَ الْ َقوْلِ َوزُورا‬ ‫منكرا من القول وزورا ‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬

‫‪]2‬‬

‫ألفاظ الظهار ‪:‬‬

‫تنقسم اللفاظ التي تعتبر دالّة على الظهار إلى قسمين ‪ :‬صريح ‪ ،‬وكناية ‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫أما اللفظ الصريح ‪ :‬وهو الذي ل يحتمل غير الظهار ـ فهو أن يقول لزوجته ‪ :‬أنت‬

‫عليّ كظهر أمي ‪ .‬أو أنت عندي – كظهر أُمي ‪ .‬فإذا تلفظ بهذا الكلم ‪ ،‬فهو مظاهر من‬

‫زوجته ‪ ،‬سواء وجت نيّة ذلك لديه أم لم توجد ‪ ،‬مادام ممّن يصحّ منهم الطلق ‪ ،‬أ ما دام رشيدا‬

‫واعيا لمعنى ما يقول ‪.‬‬

‫أما اللفظ الكنائي ـ وهو ما يحتمل الظهار وغيره ـ فهو مثل أن يقول لزوجته ‪ :‬أنت عليّ‬

‫كأمي وأختي ‪ ،‬أو ‪ :‬أنت عندي مثل أمي وأختي ‪.‬‬

‫فإذا نطق بمثل هذه اللفاظ ‪ ،‬فإنها تنصرف إلى المعنى الذي أراده عند التلفّظ بها ‪.‬‬

‫فإن كان قصد بها الظهار كان مظاهرا ‪ ،‬وإن كان قصد بها تشبيه زوجته بأمه أو أخته‬

‫في الكرامة والتقدير لم يكن مظاهرا ‪ ،‬وليس عليه شئ أبدا ‪.‬‬

‫أحكام الظهار ‪:‬‬

‫إذا نطق الزوج بلفظ الظهار الصريح ‪ ،‬أو بشيء من ألفاظه الكنائية ‪ ،‬وأراد بذلك معنى‬

‫الظهار ‪ ،‬وهو تشبه الزوجة بمحارمه في الحرمة عليه ‪ ،‬فإنه ينظر ‪:‬‬

‫ـ فإن أتبع كلمه هذا بالطلق ‪ ،‬فإن حكم الظهار يندرج في الطلق ‪ ،‬ول يبقى له من‬

‫أثر ‪ ،‬إذ يأتي الطلق بمثابة تفسير للفظ الظهار ‪ ،‬فيلغو حكم الظهار ‪ ،‬ويستقر الطلق ‪.‬‬

‫ـ أما إن لم يتبع ذلك بالطلق ‪ ،‬ولم يحصل ما يقطع النكاح ‪ ،‬فإنه يعتبر عائدا في‬

‫كلمه ‪ ،‬مخالفا لما قاله ‪ ،‬فإن عدم انفصاله عن زوجته ‪ ،‬و قد شبّهها في الحرمة بمحاربة ـ‬

‫يعتبر نقضا منه لهذا التشبيه ‪ ،‬ومخالفة لمقتضاه ‪ .‬وعندئذ تلزمه كفّارة ‪ ،‬يُكلف بإخراجها على‬

‫الفور ‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫كفارة الظهار ‪:‬‬

‫وكفّارة الظهار مرتبة ـ حسب المكان ـ وفق ما يلي ‪:‬‬

‫‪1‬ـ عتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب المُخلّة بالكسب والعمل ‪ ،‬كالزمانة ‪ ،‬أو فَقْد عضو ‪،‬‬

‫كرجْل مثلً ‪.‬‬

‫‪2‬ـ فإن لم يكن رقيق كعصرنا اليوم ‪ ،‬أو كان ‪ ،‬ولكنه عجز عنه ‪ ،‬فصيام شهرين قمريين‬

‫متتابعين ‪.‬‬

‫‪3‬ـ فإن لم يستطيع الصوم ‪ ،‬أو لم يستطيع الصبر على تتابع الصوم ‪ ،‬لمرض ‪ ،‬أو هرم ‪،‬‬

‫فإطعام ستين مسكينا ‪ ،‬لكل مسكين مدّ من غالب قوت البلد ‪.‬‬

‫دليل ترتيب الكفّارة ‪:‬‬

‫والدليل على هذا الترتيب في كفّارة الظهار ـ ما سيأتي في أحكام الظهار عامة ـ وما‬

‫رواه الترمذي ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في كفارة الظهار ‪ ،‬رقم ‪ )1200 :‬وغيره ‪ :‬أن سلمان‬

‫بن صخر النصاري ‪ ،‬أحد بني بياضة ‪ ،‬جعل امرأته عليه كظهر أُمه ‪ ،‬حتى يمضي رمضان ‪،‬‬

‫‪ ،‬فذكر ذلك له ‪ ،‬فقال‬ ‫فلما مضى نصف من رمضان ‪ ،‬وقع عليها ليلً ‪ ،‬فأتى رسول ال‬

‫‪ " :‬أعتق رقبة " ‪ .‬قال ‪ :‬ل أجدها ‪ ،‬قال ‪ " :‬فصم شهرين متتابعين "‪ .‬قال ‪ :‬ل‬ ‫رسول ال‬

‫لفروة بن عمرو ‪ " :‬أعطه ذلك العرق " وهو مكتل يأخذ خمسة عشر‬ ‫أجد‪ .‬فقال رسول ال‬

‫صاعا ‪ ،‬أو ستة عشر ‪ ،‬إطعام ستين مسكينا ‪.‬‬

‫كفارة الظهار تخرج فورا ‪:‬‬

‫‪140‬‬
‫إن كفّارة الظهار يُطالب بها الزوج على الفور ‪ ،‬أي إنه ل يحلّ له وطء زوجته قبل‬

‫التفكير بأيّ النواع الثلثة التي سبق ذكرها ‪ ،‬فإذا وطىء زوجته قبل التفكير ‪ ،‬فقد عصى ‪،‬‬

‫ولزمته الكفّارة ‪ ،‬لن الوطء قبل التفكير حرام ‪ .‬لقول ال عزّ وجل ‪ :‬مّن َقبْلِ أَن َي َتمَاسّا‬

‫[ المجادلة ‪. ] 3 :‬‬

‫روى الترمذي ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في المظاهر يواقع قبل أن يكفر ‪ ،‬رقم ‪1199 :‬‬

‫) ‪ ،‬وابن ماجه ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬المظاهر يجامع قبل أن يكفر ‪ ،‬رقم ‪ ) 2065 :‬وغيرهما عن‬

‫قد ظاهر من امرأته ‪ ،‬فوقع عليها ‪ ،‬فقال‬ ‫ل أتى النبي‬


‫ابن عباس رضي ال عنهما ‪ :‬أن رج ً‬

‫‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إني قد ظاهرت من زوجتي ‪ ،‬فوقعت عليها قبل أن أُكفّر ‪ ،‬فقال ‪ " :‬وما حملك‬

‫على ذلك ‪ ،‬يرحمك ال "؟ يرحمك ال " ؟ قال ‪ :‬رأيت خلخالها في ضوء القمر ‪ ،‬قال ‪ " :‬فل‬

‫تقربها حتى تفعل ما أمرك ال به " ‪.‬‬

‫دليل أحكام الظهار عامة ‪:‬‬

‫ويستدل لحكام الظهار جملة ‪ :‬بما جاء عن عائشة رضي ال عنها أن امرأة أوس بن‬

‫وهي تقول ‪ :‬يا رسول‬ ‫الصامت ـ رضي ال عنها ـ جاءت تشتكي زوجها إلى رسول ال‬

‫ال ‪ ،‬أكل شبابي ونثرت له بطني ‪ ،‬حتى إذا كبرت سنّي وانقطع ولدي ظاهر مني ‪ ،‬اللّهمّ إني‬

‫…‬ ‫سمِعَ‬
‫قَدْ َ‬ ‫أشكو إليك ‪ ،‬فما برحت حتى نزل جبرائيل بهؤلء اليات ‪:‬‬

‫رواه ابن ماجه ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬الظهار‪ ،‬رقم ‪ ، ) 2063 :‬وأبو داود ( الطلق ‪ ،‬باب‬

‫‪ :‬في الظهار ‪ ،‬رقم ‪ ، ) 2214 :‬والحاكم ( في المستدرك ‪ :‬التفسير ‪ ،‬تفسير سورة المجادلة ‪:‬‬

‫‪.. ) 2/481‬‬

‫‪141‬‬
‫واليات هي ‪:‬‬

‫سمَعُ تَحَا ُو َر ُكمَا إِنّ‬


‫ش َتكِي ِإلَى اللّهِ وَاللّهُ يَ ْ‬
‫جهَا َوتَ ْ‬
‫سمِعَ اللّهُ َقوْلَ اّلتِي تُجَا ِدُلكَ فِي َزوْ ِ‬
‫قَدْ َ‬

‫سمِيعٌ َبصِيرٌ{‪ }1‬الّذِينَ يُظَا ِهرُونَ مِنكُم مّن نّسَا ِئهِم مّا هُنّ ُأ ّمهَا ِتهِمْ إِنْ ُأ ّمهَا ُتهُمْ ِإلّا اللّائِي َولَ ْد َنهُمْ‬
‫اللّهَ َ‬

‫َوِإ ّنهُمْ َليَقُولُونَ مُنكَرا مّنَ الْ َقوْلِ َوزُورا َوإِنّ اللّهَ َلعَ ُفوّ غَفُورٌ{‪ }2‬وَالّذِينَ يُظَا ِهرُونَ مِن نّسَا ِئهِمْ ثُمّ‬

‫خبِيرٌ{‪}3‬‬
‫حرِيرُ رَ َقبَةٍ مّن َقبْلِ أَن َي َتمَاسّا َذِلكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللّهُ ِبمَا َت ْع َملُونَ َ‬
‫َيعُودُونَ ِلمَا قَالُوا َفتَ ْ‬

‫سكِينا َذِلكَ‬
‫ستّينَ مِ ْ‬
‫طعَامُ ِ‬
‫ستَطِعْ َفإِ ْ‬
‫ش ْه َريْنِ ُم َتتَا ِب َعيْنِ مِن َقبْلِ أَن َي َتمَاسّا َفمَن لّمْ يَ ْ‬
‫صيَامُ َ‬
‫َفمَن لّمْ يَجِدْ َف ِ‬

‫[ المجادلة ‪. ] 4-1 :‬‬ ‫ِل ُت ْؤ ِمنُوا بِاللّهِ َورَسُولِهِ َو ِت ْلكَ حُدُو ُد اللّهِ َوِللْكَا ِفرِينَ عَذَابٌ َألِيمٌ‬

‫ثالثا ً ـ اللعان‬
‫تعريف اللعان ‪:‬‬

‫اللعان ـ لغة ـ مصدر لعن ‪ ،‬وهو الطرد ‪ ،‬والبعاد ‪.‬‬

‫منه ‪ :‬لعنه ال ‪ ،‬أي طرده وأبعده ‪.‬‬

‫وسمي بذلك لبعد الزوجين كلّ منهما عن الخر ‪.‬‬

‫وأما اللعان شرعا ‪ :‬فهو كلمات معينة ‪ ،‬جعلت حجة للمضطر إلى قذف من لطّخ‬

‫فراشة ‪ ،‬وألحق العار به ‪.‬‬

‫وسمي لعانا ‪ ،‬لشتمال هذه الكلمات على لفظ اللعن ‪ ،‬ولن كل من المتلعنين يبتعد عن‬

‫الخر باللعان ‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫الحكمة من مشروعية اللعان ‪:‬‬

‫أعلم أن حكم اللعان جاء مخالفا لما يقتضيه عموم حكم القذف ‪ ،‬من استحقاق القاذف الحدّ‬

‫‪ ،‬وبراءة المقذوف حكما مما قد رماه به القاذف ‪.‬‬

‫فما هي حكمة هذه المخالفة ؟ ولماذا لم تنطبق أحكام القذف على مَن جاء بقذف زوجته‬

‫بالفاحشة ؟‬

‫والجواب ‪ :‬أن غير الزوج بالنسبة لزوجته غير مضطر إلى أن يرمي أحدا من الناس‬

‫بالفاحشة ‪ ،‬صادقا كان في ذلك أم كاذبا ‪.‬‬

‫بل الدب السلمي يقضي بأن يستر المسلم ما قد ينكشف له من عيوب الخرين ‪،‬‬

‫ويكتفي بالنصح لهم ‪ ،‬في ستر ونَجْوة من الناس ‪.‬‬

‫أما الزوج بالنسبة لزوجته ‪ ،‬فإنه يشبه أن يكون مضطرا إلى الكشف عن حقيقتها ‪،‬‬

‫وواقع أمرها في ارتكاب الفاحشة ‪ ،‬لن ارتكابها ذلك تلطيخ لفراشه ‪ ،‬وإلحاق للعار به ‪ .‬وهو‬

‫عذر شرعي يعطيه حق النفصال عنها ‪.‬‬

‫ولو انفصل عنها بطلق لستلزم ذلك أن يقع في ظلم آخر يلحقه بنفسه ‪ ،‬وهو الحكم لها‬

‫بكامل المهر ‪ ،‬دون أن تستحق شيئا منه بسبب سوء سلوكها ‪.‬‬

‫لذلك كان لبدّ ـ لنصافه ـ من أن يشرع حكم خاص بهذه الحالة ‪ ،‬يضمن بقاء كل‬

‫من الزوجين في كنف العدالة ‪ ،‬دون أن يذهب واحد منهما ضحّية لظلم الخر ‪.‬‬

‫وكان هذا الحكم هو ‪ :‬حكم اللعان ‪ ،‬الذي سنقف على موجز لتفاصيله ‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫وبهذا تدرك الحكمة من أن قذف الزوج لزوجته ‪ ،‬إذا جاء على النحو الذي‬

‫رسمته الشريعة السلمية ‪ ،‬ل يستوجب حدّا أبد له ‪ ،‬فإن القاذف إنما يُحدّ لتهامه بالكذب من‬

‫جانب ‪ ،‬ولعدم اهتمامه بستر حال المسلمين من جانب آخر ‪.‬‬

‫أما الزوج فإنه يبعد جدا أ‪ ،‬يقذف زوجته كاذبا ‪ ،‬لم يلحقه بسبب هذا الكذب من العار ‪،‬‬

‫وسوء السمعة ‪ ،‬وهو معذور في أن ل يستر حال زوجته ‪ ،‬لن ستره لها إلحاق للعار به ‪ ،‬وهو‬

‫إسقاط لمروءته وحُسن سيرته بين الناس ‪.‬‬

‫حكم قذف الزوجة ‪:‬‬

‫القذف ‪ :‬هو أن يرمي زوجته بالزنى ‪ ،‬وللزوج الحق في أن يرميها بذلك إذا علم‬

‫زناها ‪ ،‬أو ظنه ظنا مؤكدا ‪ :‬كظهور زناها بفلن من الناس ‪ ،‬مع رؤيتهما في خلوة منفردين ‪.‬‬

‫هذا الحكم ـ وهو إباحة رمي الزوجة بالزنى ـ إذا لم يكن هناك ولد ‪ ،‬أما إذا كان هناك ولد ‪،‬‬

‫والزوج يعلم أنه ليس منه ‪ ،‬فإنه والحالة هذه يجب عليه أن يرمي زوجته ‪ ،‬وينفي الولد عن‬

‫نفسه ‪ ،‬لن ترك نفسي الولد عن نفسه يتضمن استلحاقه ‪ ،‬واستلحاق من ليس منه حرام ‪،‬‬

‫كحرمة نفي مَن هو منه ‪ ،‬لكن كيف يعلم أن هذا الولد ليس منه ‪.‬‬

‫طريق العلم بذلك أن يكون لم يطأ زوجته ‪ ،‬أو أن زوجته قد أتت بالولد لدون ستة أشهر‬

‫من الوطء ‪ ،‬التي هي أقل مدة الحمل ‪ ،‬أو ولدته لكثر من أربع سنين من الوطء ‪ ،‬التي هي‬

‫أكثر مدة الحمل ‪ ،‬ففي هذه الحالت يثبت أن الولد ليس من هذا الزوج ‪ ،‬وعندئذ يجب نفيه عن‬

‫نفسه ‪ ،‬لئل يلحق به ‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫كيفية لعان الزوج ‪:‬‬

‫إذا رمى الرجل زوجته بالزنى فعليه حدّ القذف ‪ ،‬إل أن يقيم البيّنة ‪ ،‬والبيّنة أربعة شهداء‬

‫‪ ،‬بما فيهم الزوج ‪.‬‬

‫لما قذف امرأته‬ ‫لهلل بن أُمية‬ ‫وهذا هو الحكم العام لمقتضى القذف ‪ ،‬وقد قال النبي‬

‫‪ ":‬البينّة أو حدّ في ظهرك " فقال هلل ‪ :‬والذي نعثك بالحق إني صادق ‪َ ،‬فلْينزلنّ‬ ‫عند النبي‬

‫ال ما يبرئ ظهري من الحدّ ‪.‬‬

‫وقد نزل حكم اللعان ‪ ،‬فكان السبيل الذي يدرأ به الزوج عن نفسه حدّ القذف ‪ ،‬إذا قذف‬

‫زوجته بالزنى ‪ ،‬فكيف تكون الملعنة إذا ؟‬

‫جمْع من الناس ‪ ،‬يسنّ أن يكونوا من‬


‫الملعنة ‪ :‬أن يقول الزوج عند الحاكم أمام َ‬

‫وُجهائهم ‪ ،‬وصالحيهم ‪ ،‬وأن يكون ذلك في المسجد ‪ ،‬فوق مكان مرتفع ‪ ،‬كمنبر وغيره ‪ ،‬يقول‬

‫أشهد بال إنني لمن الصادقين فيما رميت به زوجتي فلنة من الزنى ‪ ،‬وأن هذا الولد‬

‫( إن كان لها ولد ‪ ،‬أو حمل ) من الزنى وليس منّي ‪.‬‬

‫يقول ذلك أربع مرات ‪ ،‬يشير في كل مرة بيده إلى زوجته ‪ ،‬إن كانت حاضرة ‪.‬‬

‫ثم يقول في المرة الخامسة ‪ :‬بعد أن يعظه الحاكم ‪ ،‬ويحذّره من الكذب ‪ ،‬يقول ‪ :‬وعلىّ‬

‫لعنة ال إن كنت من الكاذبين ‪.‬‬

‫دليل هذا اللعان ‪:‬‬

‫ويستدلّ على تشريع اللعان بالنسبة للزوج يقول ال عزّ وجلّ ‪:‬‬

‫‪145‬‬
‫شهَادَاتٍ‬
‫شهَا َدةُ أَحَدِهِمْ َأ ْربَعُ َ‬
‫سهُمْ فَ َ‬
‫شهَدَاء ِإلّا أَنفُ ُ‬
‫جهُمْ َولَمْ َيكُن ّلهُمْ ُ‬
‫وَالّذِينَ َي ْرمُونَ َأ ْزوَا َ‬

‫[النور‪] 7 -6 :‬‬ ‫عَليْهِ إِن كَانَ مِنَ ا ْلكَا ِذبِينَ‬


‫بِاللّهِ ِإنّهُ َلمِنَ الصّادِقِينَ{‪ }6‬وَالْخَامِسَةُ أَنّ َل ْع َنتَ اللّهِ َ‬

‫ويستدل من السنة بما رواه البخاري ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬التلعن في المسجد ‪ ،‬رقم ‪:‬‬

‫‪ :‬أن رجلً من‬ ‫‪ ) 5003‬ومسلم ( أول كتاب اللعان ‪ ،‬رقم ‪ ) 1429 :‬عن سهل بن سعد‬

‫فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪.‬أرأيتَ رجلً وجد من امرأته رجلً ‪ ،‬أيقتله‬ ‫النصار جاء إلى رسول ال‬

‫‪ ":‬قد‬ ‫‪ ،‬أم كيف يفعل ؟ فأنزل ال في شأنه ما ذُكرَ في القرآن من أمر المتلعنين ‪ ،‬فقال النبي‬

‫قضى ال فيك وفي امرأتك " ‪ .‬قال فتلعنا في المسجد وأنا شاهد ‪.‬‬

‫‪.‬‬ ‫وفي رواية ‪ :‬فتلعنا وأنا مع الناس عند رسول ال‬

‫الحكام التي تترتب على لعان الزوج ‪:‬‬

‫إذا لعَنَ الزوج زوجته ‪ ،‬على الكيفية التي ذكرناها ‪ ،‬ترتب على ذلك خمسة أحكام ‪:‬‬

‫‪1‬ـ سقوط حدّ القذف عن الزوج ‪.‬‬

‫‪2‬ـ وجوب حدّ الزنى على الزوجة ‪ ،‬إل أن تلعن هي أيضا ‪.‬‬

‫‪3‬ـ زوال الفراش ‪ ،‬أي انقطاع النكاح بينهما ‪.‬‬

‫‪4‬ـ نفي الولد ‪ ،‬وانقطاع نسبه عن الزوج إن نفاه في لعانه ‪ ،‬وإلحاقه بالزوجة ‪.‬‬

‫‪5‬ـ حُرمة كلّ من الزوجين على الخر إلى البد ‪.‬‬

‫روى البخاري ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬يلحق الولد بالملعنة ‪ ،‬رقم ‪ ، )5559 :‬ومسلم‬

‫لعَنَ بين رجل‬ ‫( في اللعان ‪ ،‬رقم ‪ )1494 :‬عن ابن عمر رضي ال عنهما ‪ :‬أن النبي‬

‫وامرأته ‪ ،‬فانتفى مَن ولدها ‪ ،‬ففرق بينهما ‪ ،‬وألحق الولد بالمرأة ‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫قال‬ ‫وروى أبو داود ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬في اللعان ‪ ،‬رقم ‪ ) 2250 :‬عن سهل بن سعد‬

‫‪ :‬مضت السنّة بعدُ في المتلعنين أن يفرّق بينهما ‪ ،‬ثم ل يجتمعان أبدا ‪.‬‬

‫كيفية لعان الزوجة ‪:‬‬

‫كما أن لعان الزوج هو السبيل الذي يدرأ عنه حدّ القذف ‪ ،‬فإن لعان الزوجة هو السبيل‬

‫الذي يدرأ عنها ح ّد الزنى ‪ ،‬الذي يتعلق بها بسبب لعان الزوج ‪.‬‬

‫إما كيفية لعان الزوجة ‪ ،‬فهو أن تقول ‪:‬‬

‫أشهد بال أن فلنا من الكاذبين فيما رماني به من الزنى ‪ .‬تقول ذلك أربع مرات ‪ ،‬ثم‬

‫تقول في المرة الخامسة ‪ :‬وعلىّ غضب ال إن كان من الصادقين ‪ .‬فإذا قالت ذلك سقط عنها‬

‫ح ّد الزنى‬

‫دليل لعان الزوجة ‪:‬‬

‫شهَادَاتٍ‬
‫شهَدَ َأ ْربَعَ َ‬
‫ع ْنهَا ا ْلعَذَابَ أَنْ تَ ْ‬
‫َويَ ْد َرأُ{‪َ }7‬‬ ‫والدليل على ذلك قول ال عز وجلّ ‪:‬‬

‫[ النور ‪8 :‬ـ‬ ‫ن الصّادِقِينَ‬


‫عَل ْيهَا إِن كَانَ مِ َ‬
‫ضبَ اللّهِ َ‬
‫غ َ‬
‫بِاللّهِ ِإنّهُ َلمِنَ ا ْلكَا ِذبِينَ{‪ }8‬وَالْخَامِسَةَ أَنّ َ‬

‫‪. ]9‬‬

‫من أهم شرائط اللعان ‪:‬‬

‫‪1‬ـ أن يتقدم القذف على اللعان ‪.‬‬

‫‪2‬ـ أن يتقدم لعان الزوج على لعان الزوجة ‪.‬‬

‫‪3‬ـ أن يلتزم كل من الزوج والزوجة نصّ الكلمات التي ذكرناها ‪ ،‬فلو أبدل أحد الزوجين لفظ‬

‫الشهادة بغيرها ‪ :‬كالحلف ‪ ،‬أو القسم ‪ ،‬أو أبدل لفظ الغضب باللعن ‪ ،‬أو العكس ‪ ،‬لم‬

‫‪147‬‬
‫يصحّ اللعان ‪ .‬لن ألفاظ اللعان وردت بنصّها في صريح كتاب ال عزّ وجلّ ‪ ،‬فيجب‬

‫المحافظة عليها في صيغة الملعنة ‪.‬‬

‫‪4‬ـ أن يكون بين الشهادات الخمس التي يشهدها كل من الزوجين موالة وتتابع ‪ ،‬فل يجوز أن‬

‫يقع ما يعدّ في العُرف فاصلً بينهما ‪.‬‬

‫‪5‬ـ يجب على الحاكم أن ينصح كلً من الزوجين ‪ ،‬ويحذره الكذب ومغبّته ‪ ،‬وأن يقول لهما‪:‬‬

‫حسابكما على ال ‪ ،‬أحدكما كاذب ‪ ،‬فهل منكما من تائب ‪.‬‬

‫روى الترمذي ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في اللعان ‪ ،‬رقم ‪ ) 1202 :‬عن ابن‬

‫دعا الرجل ‪ ،‬فتل عليه اليات ‪ ،‬ووعظه وذكره ‪ ،‬وأخبره‬ ‫عمر رضي ال عنهما أن النبي‬

‫أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الخرة ‪ ،‬فقال ‪ :‬ل والذي بعثك بالحق ما كذبت عليها ‪.‬‬

‫ثم ثنى بالمرأة فوعظها وذكرها ‪ ،‬وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الخرة ‪،‬‬

‫فقالت ‪ :‬ل والذي بعثك بالحق ما صدق ‪.‬‬

‫قال فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات إنه لمن الصادقين ‪ ،‬والخامسة إن لعنة ال عليه إن‬

‫كان من الكاذبين ‪.‬‬

‫ثم ثنى بالمرأة ‪ ،‬فشهدت أربع شهادات بال إنه لمن الكاذبين ‪ ،‬والخامسة أن غضب ال‬

‫عليها إن كان من الصادقين ‪ .‬ثم فرّق بينهما ‪.‬‬

‫وفي رواية عند البخاري ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬قول المام للمتلعنين ‪ :‬أحدكما كاذب …‪،.‬‬

‫لهما " حسابكما على ال ‪ ،‬أحدكما كاذب ‪ ،‬ل سبيل لك عليها " ‪.‬‬ ‫رقم ‪ ) 5006 :‬قال النبي‬

‫‪148‬‬
‫وروى البخاري ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬يبدأ الرجل بالتلعن ‪ ،‬رقم ‪ ) 5001 :‬عن ابن‬

‫يقول ‪ " :‬إن‬ ‫عباس رضي ال عنهما ‪ :‬أن هلل بن أمّية قذف امرأته ‪ ،‬فجاء فشهد ‪ ،‬والنبي‬

‫ال أن أحدكما كاذب ‪ ،‬فهل منكما تائب " ‪.‬‬

‫وروى أبو داود ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬التغليظ في النتفاء ‪ ،‬رقم ‪ ) 2263‬وغيره عن أبي‬

‫يقول حين نزلت آية المتلعبين ‪ ":‬أيّما امرأة أدخلت على قوم‬ ‫‪ :‬أنه سمع رسول ال‬ ‫هريرة‬

‫مَن ليس منهم ‪ ،‬فليست من ال في شيء ولن يدخلها ال جنته ‪ .‬وأيما رجل جحد ولده ‪ ،‬وهو‬

‫ينظر إليه احتجب ال منه ‪ ،‬وفضحه على رؤوس الولين والخرين "‪.‬‬

‫نسأل ال تعالى اللطف في الدنيا والخرة ‪.‬‬

‫العــــدَّة‬
‫تعريف العدة ‪:‬‬

‫العدّة ـ لغة ـ اسم مصدر عدّ يعدّ ‪ ،‬أما المصدر ‪ :‬فهو ( عدّ ) والعدّة ‪ :‬مأخوذة من‬

‫العدد ‪ ،‬لشتمالها عليه ‪ ،‬من القراء ‪ ،‬والشهر ‪.‬‬

‫والعدة اصطلحا‪ :‬اسم لمدة معينة تتربصها المرأة ‪ ،‬تعبدا ل عزّ وجلّ ‪ ،‬أو تفجعا على‬

‫زوج ‪ ،‬أو تأكداّ من براءة الرحم ‪.‬‬

‫دليل مشروعية العدة ‪:‬‬

‫لقد ثبتت مشروعية العدّة بعدد من آيات القرآن الكريم ‪ ،‬وبكثير من أحاديث النبي‬

‫وانعقد إجماع المة على مشروعيتها ‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫وسيأتي ـ أثناء البحث ـ الكثير من أدلة الكتاب والسنّة التي تفصل أحكام العدّة‬

‫وتبيّنها ‪ ،‬وتدل على مشروعيتها ‪.‬‬

‫الحكمة من مشروعية العدة ‪:‬‬

‫ـ أما المتوفى عنها زوجها ‪ ،‬فقد شرعت العدة في حقها ‪ ،‬للمعاني التالية ‪:‬‬

‫أولً ‪ :‬للوفاء بحق زوجها الراحل ‪ ،‬فإن ما قد فرضه ال عليها من التقدير والوفاء وحُسن‬

‫المعاملة له ‪ ،‬ل يتناسب مع إعراضها عنه بمجرد وفاته ‪ ،‬ورحيله عنها ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬للتعويض عن ال ُعرْف الجاهلي ‪ ،‬الذي كان يفرض على الزوجة إذا مات زوجها أن‬

‫تحبس نفسها في وكر مظلم عاما كاملً ‪ ،‬وأن تضمخ نفسها خلل ذلك بالسواد ‪ ،‬وتلبس‬

‫البشع المستقذر من ثيابها ‪.‬‬

‫ذلك لن القضاء على عادة متطرفة في المجتمع ‪ ،‬ل يتم إل إذا ملىء مكان تلك العادة‬

‫بمبدأ معتدل سليم ‪ ،‬يحقّق محاسن العادة الولى دون أن يجرّ على الناس شيئا من مساوئها ‪.‬‬

‫ـ وأما المفارقة بفسخ أو طلق ‪:‬‬

‫فإن كانت الزوجة من ذوات الحيض ‪ ،‬أو كانت حاملً ‪ :‬فإن الحكمة من وجوب العدّة‬

‫في حقها ‪ :‬ضبط النساب ‪ ،‬وحفظ المسؤوليات ‪ ،‬والتأكد من براءة الرحم ‪ ،‬والمر في ذلك‬

‫واضح ‪.‬‬

‫أما إن كانت الزوجة صغيرة ‪ ،‬أو آيسة ل تحيض ‪ ،‬فالحكمة من وجوب العدّة عليها‬

‫تظهر فيما يلي ‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫‪1‬ـ المعنى التعبدي ‪ ،‬الذي يتضمن النصياع لمر ال عزّ وجلّ ‪ ،‬وهذا في الحقيقة معنى جدير‬

‫بالوقوف عنده ‪ ،‬وهو يتناول العدّة بكل أنواعها ‪.‬‬

‫‪2‬ـ تفخيم أمر النكاح ‪ ،‬وإعطاؤه الهمية الشرعية التي تناسبه ‪ .‬وواضح أنه ل يتناسب مع‬

‫شيء من هذا التفخيم والهمية أن تتحول الزوجة في اليوم التالي من فراقها إلى زوج‬

‫آخر ‪ ،‬وإن كانت صغيرة ‪ ،‬أو آيسة مقطوعا ببراءة رحمها من الحمل من زوجها ‪ .‬إن‬

‫هذه السرعة في التنقل تُذيب أهمية النكاح ‪ ،‬وهيبته أمام النظار ‪ ،‬وتثير في النفس‬

‫والخيال شأن السفاح وصورته ‪ ،‬وكيف تنتقل البغي من شخص إلى آخر دون أي انتظار‬

‫‪3‬ـ مزيد من الحيطة للتأكد من براءة الرحم ‪ ،‬إذ ل يؤمن عدم وقوع أحوال ووقائع شاذة عن‬

‫القانون وال ُعرْف الطبيعي ‪ ،‬بين كل حين وآخر من الزمن ‪.‬‬

‫أنواع العدّة ‪:‬‬

‫تنقسم العدّة التي تلزم بها المرأة إلى قسمين ‪:‬‬

‫‪1‬ـ عدة وفاة ‪.‬‬

‫‪2‬ـ وعدة فراق ‪.‬‬

‫أولً ‪ :‬عدّة الوفاة ‪:‬‬

‫أما عدّة الوفاة ‪ ،‬فهي التي تجب على من مات عنها زوجها ‪:‬‬

‫أ ـ فإن كانت حاملً منه أثناء الوفاة فعدّتها تنتهي بوضع الحمل ‪ ،‬طالت المدة أو قصرت ‪.‬‬

‫ب ـ وإن كانت المرأة غير حامل ‪ ،‬أو كانت حاملً بحمل ل يمكن أن يكون من زوجها‬

‫المتوفى عنها ‪ ،‬كأن يكون زوجها غير بالغ ‪ ،‬أو ثبت غيابه عنها منذ أكثر من أربع‬

‫‪151‬‬
‫سنوات ‪ ،‬فعدّتها تنتهي بنهاية أربعة أشهر وعشرة أيام ‪ ،‬سوا ء دخل بها الزوج ‪ ،‬أو لم‬

‫يدخل ‪.‬‬

‫دليل ذلك ‪:‬‬

‫ح ْمَلهُنّ‬
‫ضعْنَ َ‬
‫جُلهُنّ أَن َي َ‬
‫حمَالِ أَ َ‬
‫َوُأ ْولَاتُ الْأَ ْ‬ ‫والدليل على ما ذكر قول ال عز وجل ‪:‬‬

‫وَالّذِينَ ُي َتوَ ّفوْنَ مِنكُمْ َويَ َذرُونَ َأ ْزوَاجا َي َت َربّصْنَ‬ ‫[ الطلق‪ . ]4 :‬وقوله سبحانه وتعالى ‪:‬‬

‫سهِنّ بِا ْل َم ْعرُوفِ‬


‫عَل ْيكُمْ فِيمَا َف َعلْنَ فِي أَنفُ ِ‬
‫جنَاحَ َ‬
‫جَلهُنّ فَلَ ُ‬
‫ش ُهرٍ وَعَشْرا َفإِذَا َبَلغْنَ َأ َ‬
‫سهِنّ َأ ْر َبعَةَ أَ ْ‬
‫بِأَنفُ ِ‬

‫[ البقرة ‪. ] 234 :‬‬ ‫خبِيرٌ‬


‫وَاللّهُ ِبمَا َت ْع َملُونَ َ‬

‫ن المذكورة ‪ .‬فل جناح ‪ :‬ل‬


‫[ يتربصن ‪ :‬ينتظرن ‪ .‬بلغن أجلهنّ ‪ :‬انقضت عدّتهنّ ومدّته ّ‬

‫خرج ول إثم ‪ .‬فيما فعلن في أنفسهنّ ‪ :‬أي من التزين ‪ ،‬والتعرّض للخطاب ‪ ،‬وللزواج ‪.‬‬

‫بالمعروف ‪ :‬بالوجه الذي يقرّه الشرع ‪ ،‬ول ينكره] ‪.‬‬

‫فالية الثانية من اليتين عامّة تشمل المرأة الحامل وغيرها ‪ ،‬أما الولى منهما فقد‬

‫أخرجت من ذلك العموم النساء الحوامل ‪ ،‬وجعلت لهنّ حكما خاصا بهنّ ‪ ،‬فكان هذا هو دليل‬

‫التفريق بين عدّة المرأة التي توفي عنها زوجها وهي حامل منه ‪ ،‬وبين عدّة المرأة التي توفي‬

‫عنها زوجها وهي غير حامل ‪.‬‬

‫والدليل من السنة أن الحامل تنتهي عدّتها بوضع الحمل ‪ :‬ما رواه البخاري ( الطلق ‪،‬‬

‫‪:‬أن سُبيْعة‬ ‫حمَالِ …‪ ، .‬رقم ‪ ) 5014 :‬عن المسور بن مخرمة‬


‫َوُأ ْولَاتُ الَْأ ْ‬ ‫باب ‪:‬‬

‫فاستأذنه أن تنكح ‪،‬‬ ‫ستْ بعد وفاة زوجها بليال ‪ ،‬فجاءت النبي‬
‫السلمية رضي ال عنها نُف َ‬

‫فأذن لها ‪ ،‬فنكحت ‪ [ .‬نفست ‪ :‬ولدت ] ‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫ثانيا ‪ :‬عدة الفراق ‪:‬‬

‫وأما عدّة الفراق فهي التي تجب على المرأة التي فارقت زوجها ‪ ،‬بفسخ أو طلق ‪ ،‬بعد‬

‫وطئها ‪:‬‬

‫أ ـ فإن كانت حاملً فعدّتها تنتهي بوضع الحمل ‪ .‬ودليل ذلك عموم قول ال عزّ وجل ‪:‬‬

‫[ الطلق ‪.]4 :‬‬ ‫ح ْمَلهُنّ‬


‫ضعْنَ َ‬
‫جُلهُنّ أَن َي َ‬
‫حمَالِ أَ َ‬
‫َوُأ ْولَاتُ الْأَ ْ‬

‫ب ـ وإن كانت حامل ‪ ،‬وهي من ذوات الحيض ‪ ،‬فعدّتها بمرور ثلثة أطهار من بعد الفراق ‪.‬‬

‫لثَةَ ُق ُروَءٍ وَلَ يَحِلّ‬


‫سهِنّ ثَ َ‬
‫طلّقَاتُ َي َت َر ّبصْنَ بِأَنفُ ِ‬
‫وَا ْلمُ َ‬ ‫ودليل ذلك قول ال سبحانه وتعالى ‪:‬‬

‫[ البقرة‪] 228 :‬‬ ‫خرِ‬


‫ق اللّهُ فِي َأرْحَا ِمهِنّ إِن كُنّ ُي ْؤمِنّ بِاللّهِ وَا ْل َيوْمِ ال ِ‬
‫خلَ َ‬
‫َلهُنّ أَن َي ْك ُتمْنَ مَا َ‬

‫ج ـ وإن كانت ل ترى حيضا ‪ :‬بأن كانت صغيرة ‪ ،‬أو آيسة ‪ ،‬أي متجاوزة سن الحيض ذلك‬

‫ش ُهرٍ‬
‫وَاللّائِي َيئِسْنَ مِنَ ا ْلمَحِيضِ مِن نّسَا ِئكُمْ إِنِ ا ْر َتبْتُمْ َفعِ ّد ُتهُنّ َثلَاثَةُ أَ ْ‬ ‫قول ال تعالى ‪:‬‬

‫[ الطلق ‪. ] 4 :‬‬ ‫حضْنَ‬


‫وَاللّائِي لَمْ يَ ِ‬

‫[ واللئي لم يحضن ‪ :‬الصغيرات ‪ ،‬فع ّدتُهنّ أيضا ثلثة أشهر ‪ .‬إن ارتبتم ‪ :‬شككتم في‬

‫حكمهنّ ‪ ،‬ولم تعرفوا كيف يعتدن ] ‪.‬‬

‫المطلّقة قبل الدخول بها ‪:‬‬

‫أما المرأة التي فارقها زوجها بفسخ ‪ ،‬أو طلق ‪ ،‬قبل الدخول بها ‪ ،‬فل يجب‬

‫عليها أن تلتزم بأيّ عدّة ‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫طلّ ْق ُتمُوهُنّ‬
‫حتُمُ ا ْل ُم ْؤ ِمنَاتِ ثُمّ َ‬
‫يَا َأ ّيهَا الّذِينَ آ َمنُوا إِذَا َنكَ ْ‬ ‫ودليل ذلك قول ال عزّ وجل ّ ‪:‬‬

‫جمِيلً‬
‫سرَاحا َ‬
‫سرّحُوهُنّ َ‬
‫عَل ْيهِنّ مِنْ عِ ّدةٍ َت ْعتَدّو َنهَا َف َم ّتعُوهُنّ وَ َ‬
‫مِن َقبْلِ أَن َتمَسّوهُنّ َفمَا َلكُمْ َ‬

‫[ الحزاب ‪. ] 49 :‬‬

‫أحكام العدة وما تفرضه من التزامات ‪:‬‬

‫هناك أحكام والتزامات تفرضها العدّة ‪ ،‬وسنبيّنها فيما يلي ‪:‬‬

‫أولً عدّة الطلق ‪:‬‬

‫إذا كانت المرأة معتدّة من زوجها عدّة طلق ‪ ،‬فإما أن يكون طلقها ‪ :‬رجعيا ‪ ،‬أو بائنا‬

‫الول ‪ :‬فإن كانت معتدّة من طلق رجعي ترتب على عدّتها الحكام التالية ‪:‬‬

‫أ ـ وجوب المسكن لها مع الزوج ‪ ،‬والفضل أن يكون مسكن طلقها ‪ ،‬إن كان لئقا بها ‪ ،‬ولم‬

‫يمنع منه مانع شرعي ‪ ،‬ونحوه ‪.‬‬

‫ب ـ وجوب النفقة لها بسائر أصنافها ‪ :‬من مؤنة ‪ ،‬وكسوة ‪ ،‬وغير ذلك ‪ ،‬سواء كانت حاملً ‪،‬‬

‫أو حـائلً ‪ ،‬وذلك لبقاء سلطان الزوج عليها ‪ ،‬وانحباسها تحت حكمه ‪ ،‬حيث يمكنه أن‬

‫يرجعها ما دامت في العدّة ‪.‬‬

‫ج ـ يجب عليها ملزمة مسكنها ‪ ،‬فل تفارقه إل لضرورة ‪ .‬ودليل هذه الحكام الثلثة قول ال‬

‫عَل ْيهِنّ َوإِن‬


‫ضيّقُوا َ‬
‫سكَنتُم مّن وُجْ ِدكُمْ َولَا ُتضَارّوهُنّ ِل ُت َ‬
‫ح ْيثُ َ‬
‫س ِكنُوهُنّ مِنْ َ‬
‫أَ ْ‬ ‫عزّ وجلّ ‪:‬‬

‫[ الطلق ‪ ] 6 :‬وقال ال تعالى ‪:‬‬ ‫ح ْمَلهُنّ‬


‫ضعْنَ َ‬
‫حتّى َي َ‬
‫عَل ْيهِنّ َ‬
‫حمْلٍ فَأَنفِقُوا َ‬
‫كُنّ أُولَاتِ َ‬

‫[ الطلق ‪. ] 1 :‬‬ ‫خرُجْنَ ِإلّا أَن َي ْأتِينَ بِفَاحِشَةٍ ّم َب ّينَةٍ‬


‫خرِجُوهُنّ مِن ُبيُو ِتهِنّ َولَا يَ ْ‬
‫َا تُ ْ‬

‫‪154‬‬
‫د ـ يحرّم عليها التعرّض لخطبة الرجال ‪ ،‬إذ هي ل تزال حبيسة على زوجها ‪ ،‬وهو الحقّ‬

‫َو ُبعُوَل ُتهُنّ أَحَقّ ِبرَدّهِنّ فِي َذِلكَ إِنْ‬ ‫والولى من سائر الرجال ‪ .‬قال ال عز وجل ‪:‬‬

‫[ البقرة ‪. ] 228 :‬‬ ‫َأرَادُواْ ِإصْلَحا‬

‫الثاني ‪:‬‬

‫إن كانت معتدّة بفراق بائن ‪ ،‬وهي عندئذ ‪ :‬إما أن تكون حاملً ‪ ،‬وإما أن تكون حائلً ‪،‬‬

‫أي غير حامل ‪:‬‬

‫فإن كانت حاملً ‪ :‬ترتب على ذلك الحكام التالية ‪:‬‬

‫يَا َأ ّيهَا ال ّنبِيّ‬ ‫أ ـ وجوب المسكن لها على الزوج ‪ ،‬ودليل ذلك قوله تعالى في الية السابقة ‪:‬‬

‫خرِجُوهُنّ مِن ُبيُو ِتهِنّ‬


‫حصُوا ا ْلعِدّةَ وَاتّقُوا اللّهَ َر ّبكُمْ لَا تُ ْ‬
‫طلّقُوهُنّ ِلعِ ّد ِتهِنّ َوأَ ْ‬
‫طلّ ْقتُمُ النّسَاء فَ َ‬
‫إِذَا َ‬

‫[ الطلق‪ . ]1:‬والية هذه عامّة في المطلّقة‬ ‫خرُجْنَ ِإلّا أَن يَ ْأتِينَ بِفَاحِشَةٍ ّم َب ّينَةٍ‬
‫َولَا يَ ْ‬

‫الرجعية والبائنة‪.‬‬

‫حمْلٍ فَأَنفِقُوا‬
‫َوإِن كُنّ أُولَاتِ َ‬ ‫ب ‪ -‬النفقة بأنواعها المختلفة ‪ ،‬ودليل ذلك قول ال تعالى‪:‬‬

‫[ الطلق‪)6:‬‬ ‫ح ْمَلهُنّ‬
‫حتّى َيضَعْنَ َ‬
‫عَل ْيهِنّ َ‬
‫َ‬

‫ج – ملزمة البيت الذي تعتدّ فيه ‪ ،‬فل تخرج منه إل لحاجة ‪ ،‬كأن تحتاج إلى طعام ونحوه ‪،‬‬

‫أو تحتاج إلى بيع متاع لها تتكسب منه ‪ ،‬وليس ثمة مَن يقوم مقامها في ذلك ‪ ،‬أو كانت‬

‫موظفة في عمل ‪ ،‬ول يسمح لها بالبقاء في بيتها مدة عدّتها ‪ ،‬أو كانت تضطر – إزالة‬

‫لوحشتها – أن تسمر عند جارة لها ‪ ،‬فل يحرم خروجها من بيتها لمثل ذلك ‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫خرِجُوهُنّ مِن ُبيُو ِتهِنّ َولَا‬
‫لَا تُ ْ‬ ‫أما دليل المنع من الخروج لغير حاجة ‪ ،‬فقول ال تعالى‪:‬‬

‫[ الطلق‪)1:‬‬ ‫خرُجْنَ‬
‫يَ ْ‬

‫أما دليل جواز الخروج للحاجة ‪ :‬فما رواه مسلم ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬جواز خروج المعتدّة‬

‫قال ‪ :‬طلّقت خالتي ‪ ،‬فأرادت أن تجُدّ نخلها ‪،‬‬ ‫البائن ‪ ..‬لحاجتها ‪ ،‬رقم ‪ ) 1483 :‬عن جابر‬

‫فقال ‪ " :‬بلى اخرجي ‪ ،‬فجُدّي نخلك ‪ ،‬فإنك عسى أن‬ ‫فزجرها رجل أن تخرج ‪ ،‬فأتت النبي‬

‫َتصَدّقَي ‪ ،‬أو تفعلي معروفا " ‪.‬‬

‫وإن كانت حائلً ‪ :‬ترتب كل ما ذكر في الفقرة السابقة ‪ ،‬إل النفقة بأنواعها المختلفة من‬

‫مؤنة ‪ ،‬وملبس ‪ ،‬وغير ذلك ‪ .‬فل تثبت لها ‪ ،‬وإنما يجب لها المسكن ‪ ،‬وتجب عليها ملزمته ‪.‬‬

‫ودليل ذلك ‪ :‬ما رواه أبو داود ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬في نفقة المبتوتة ‪ ،‬رقم ‪ ) 229 ( :‬في قصة‬

‫قال لها ‪ " :‬ل نفقة‬ ‫فاطمة بنت قيس ‪ ،‬حين طلّقها زوجها تطليقة كانت بقيت لها ‪ :‬أن النبي‬

‫لك إل أن تكوي حاملً‬

‫ثانيا ‪ :‬عدّة الوفاة ‪:‬‬

‫وإن كانت المرأة معتدّة من وفاة ‪ ،‬وجبت في حقّها الحكام التالية ‪:‬‬

‫أ ـ الحداد على الزوج ‪ :‬بأن تمتنع عن مظاهر الزينة والطيب ‪ ،‬فل تلبس ثيابا ذات ألوان‬

‫زاهية ‪ ،‬ول تكتحل ‪ ،‬ول تستعمل شيئا من الصباغ ‪ ،‬ول تتزين بشيء من الحلي ‪ :‬ذهبا‬

‫أو فضة ‪ ،‬أو غيرهما ‪ ،‬فإن فعلت شيئا من ذلك فهي آثمة ‪.‬‬

‫‪ ":‬ل يحلّ لمرأة تؤمن بال واليوم الخر أن تُحدّ على ميت‬ ‫ودليل ذلك ‪ :‬قول النبي‬

‫فوق ثلث ليال ‪ ،‬إل على زوج أربعة أشهر وعشرا "‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫رواه البخاري ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬تحدُ المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا ‪ ،‬رقم ‪:‬‬

‫‪ ، ) 5024‬ومسلم ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬وجوب الحداد في عدّة الوفاة رقم ‪1486 :‬ـ ‪) 1489‬‬

‫عن أُم حبيبة رضي ال عنها ‪.‬‬

‫دلّ هذا الحديث على حرمة إحداد المرأة على غير الزوج ‪ ،‬ووجوبها على الزوج أربعة‬

‫في إظهار الحزن ‪ ،‬وأمر بالتعزية خلل ثلثة أيام فقط ‪ ،‬لن‬ ‫أشهر وعشرة أيام ‪ .‬ورخّص‬

‫النفوس ل تستطيع فيها الصبر ‪ ،‬وإخفاء الحزن ‪.‬‬

‫وروى البخاري ( الحيض ‪ ،‬باب ‪ :‬الطيب للمرأة عند غسلها من المحيض ‪ ،‬رقم ‪) 307‬‬

‫ومسلم (الجنائز ‪ ،‬باب ‪ :‬نهي النساء عن اتباع الجنائز‪ ،‬رقم ‪ ) 938 :‬عن أُم عطية النصارية ‪،‬‬

‫رضي ال عنها قالت ‪ :‬كنا نُنهى أن نحدّ على ميت فوق ثلث ‪ ،‬إل على زوج أربعة أشهر‬

‫عصْب ‪ ،‬وقد رخص لنا‬


‫وعشرا ‪ ،‬ول نكتحل ‪ ،‬ول نتطيب ‪ ،‬ول نلبس ثوبا مصبوغا ‪ ،‬إل ثوب َ‬

‫عند الطهر ‪ ،‬إذا اغتسلت إحدانا من محيضها ‪ ،‬في ُنبْذة من كست أظفار ‪ ،‬وكنا ننهى عن اتّباع‬

‫الجنائز ‪.‬‬

‫عصْب ‪ :‬نوع من الثياب ‪ ،‬تشدّ‬


‫[ ثوبا مصبوغا ‪ :‬مما يعدّ لبسه زينة في العادة ‪ .‬ثوب َ‬

‫خيوطها ‪ ،‬وتصبغ قبل نسجها ‪ .‬نبذة‪ :‬قطعة صغيرة كُسْت أظفار ‪ :‬نوع من الطيب ] ‪.‬‬

‫ب ـ يجب عليها ملزمة بيتها الذي تعتدّ فيه ‪ ،‬فل تخرج إل لحاجة ‪ ،‬كالتي ذكرناها بالنسبة‬

‫للمعتدّة من الطلق ‪.‬‬

‫روى الترمذي ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬أين تعتدّ المتوفى عنها زوجها ‪ ،‬رقم ‪ )1204 :‬وأبـو‬

‫داود ( الطـلق ‪ ،‬باب ‪ :‬في المتوفى عنها تنتقل ‪ ،‬رقم ‪ ) 2300:‬وغيرهما ‪ ،‬عن زينب بنت‬

‫‪157‬‬
‫أخبرتها‬ ‫كعب بن عجرة ‪ :‬أن الفُريْعة بنت مالك بن سنان ـ وهي أُخت أبي سعيد الخدري‬

‫تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خُدْرة ‪ ،‬وأن زوجها خرج في طلب‬ ‫أنها جاءت رسول ال‬

‫أن‬ ‫أعبد له أبَقُوا ‪ ،‬حتى إذا كان بطوف القدوم لحقهم ‪ ،‬فقتلوه ‪ .‬قالت ‪ :‬فسألت رسول ال‬

‫‪":‬‬ ‫أرجع إلى أهلي ‪ ،‬فإن زوجي لم يترك لي مسكنا يملكه ‪ ،‬ول نفقة ‪ .‬قالت ‪ :‬فقال رسول ال‬

‫نعم " ‪ .‬قالت ‪ :‬فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة ( أو في المسجد ) ناداني رسول ال ـ أو‬

‫أمر بي فنوديت له ـ فقال ‪ :‬زوجني ‪ .‬قال ‪ :‬فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا ‪.‬‬

‫‪ ،‬أرسل إلي فسألنيّ عن ذلك ‪ ،‬فأخبرته ‪ ،‬فاتبعه وقضى به ‪.‬‬ ‫قالت ‪ :‬فلما كان عثمان‬

‫أما ما يتصوره كثير من العوّام من أنه ل يجوز للمعتدّة أن تكلم أحدا ‪ ،‬وأن أحدا من‬

‫الناس ل يجوز أن يسمع صوتها ‪ ،‬فل أصل له ‪ ،‬وإنما حكمه أثناء العدة وخارج العدة سواء ‪.‬‬

‫خلصة في أحكام العدة ‪:‬‬

‫والحاصل أن جميع أنواع العدّة تخضع لقدر مشترك من الحكم ‪ ،‬وهو ‪:‬‬

‫ـ حُرمة الخروج من المسكن الذي تعتدّ فيه المرأة إل لحاجة ‪ .‬ثم تختصّ المعتدّة بالوفاة‬

‫بحكم مستقل ‪ ،‬وهو ‪ :‬وجوب الحداد على الزوج ‪ ،‬وذلك بأن تمتنع عن الطيب والزينة ‪ ،‬على‬

‫نحو ما قدّمنا ‪.‬‬

‫كما تختصّ المعتدّة بالطلق الرجعي مطلقا ‪ ،‬والطلق البائن إن كانت حاملً بوجوب‬

‫المسكن ‪ ،‬وجميع أنواع النفقة لها ‪.‬‬

‫وتختصّ المعتدّة بالطلق البائن – إن لم تكن حاملً – بوجوب المسكن فقط ‪ ،‬دون سائر‬

‫أنواع النفقات ‪..‬‬

‫‪158‬‬
‫خاتمة ‪:‬‬

‫ونختم هذا البحث ببيان أمر هام ‪ ،‬أل وهو حُرمة إحداد النساء على مَن عدا الزوج من‬

‫أقاربهنّ ‪ ،‬نساءً وذكورا ‪ ،‬وهو إحداد بشع يتخذ شكلً من أشكال الجاهلية العتيقة ‪ ،‬حيث تلزم‬

‫المرأة التي توفي لها قريب أو قريبة لبس السواد ‪ ،‬أو ما يشبهه ‪ ،‬إعلنا عن حزنها ‪ ،‬وتتجنب‬

‫حضور الماكن العامة ‪ ،‬والظهور في مواسم الفراح ومناسباتها ‪ ،‬وتظل على ذلك عاما ‪ ،‬أو‬

‫يزيد ‪ ،‬وربما كانت نفسها خلل أكثر العام ل تنطوي على أيّ حزن أو كرب ‪ ،‬ولكنها تتصنع‬

‫ذلك أمام أبصار الناس ‪ ،‬وتتكلفه ‪ ،‬وتتباهى به أمامهم ‪.‬‬

‫في حديثة الواضح‬ ‫إن هذا اللتزام ليس إل معارضة صريحة وحادة لمر رسول ال‬

‫الصحيح ‪ ":‬ل يحلّ لمرأة تؤمن بال وباليوم الخر أن تُحدّ على ميت فوق ثلث ليال ‪ ،‬إل على‬

‫زوج أربعة أشهر وعشرا "‪.‬‬

‫رواه البخاري ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬تحدّ المتوف عنها زوجها ‪ ،.‬رقم ‪ ) 5024 :‬ومسلم‬

‫( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬وجوب الحداد في عدّة الوفاة ‪ ،‬رقم ‪1486 ( :‬ـ ‪ ) 1498‬عن أم حبيبة‬

‫رضي ال عنها ‪.‬‬

‫وقد روى البخاري ومسلم ‪ ،‬عن زينب بنت أبي سلمة قالت ‪ :‬دخلت على زينب بنت‬

‫جحش رضي ال عنهما حين توفي أخوها ‪ ،‬فدعت بطيب فمست منه ثم قالت ‪ :‬وال ما لي في‬

‫يقول ‪ " :‬ل يحل لمرأة تؤمن بال واليوم الخر‬ ‫الطيب من حاجة غير أني سمعت رسول ال‬

‫أن تحد على ميت فوق ثلث ليال إل على زوج أربعة أشهر وعشرا " ( البخاري ومسلم‬

‫المواضع السابقة ) ‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫ول فرق في هذا الحكم بين هذا التصنّع المتكلّف الممجوج الذي تلتزمه النساء فيما بينهنّ‬

‫‪ ،‬وما يفعله الرجال من التزام شعارات الحزن ‪ ،‬في ربطة العنق ‪ ،‬ونحوها ‪ ،‬وهو تقليد أجنبي‬

‫بشع مغموس في الحُرمة والثم ‪.‬‬

‫نسأل ال تعالى أن يحقّقنا بمعنى العبودية الخالصة له ‪ ،‬وأن يلبسنا كسوة الرضى‬

‫بحكمه ‪ ،‬والتجمّل بشرعه ‪ ،‬وهدي نبيّه ‪ ،‬عليه الصلة والسلم ‪.‬‬

‫ثالثا ً ‪ :‬النفقات وما يتعلق بها ‪.‬‬


‫النفقات‬
‫تعرف النفقات ‪:‬‬

‫النفقات ‪ :‬جمع نفقه ‪ ،‬والنفقة لغة ‪ :‬مأخوذة من النفاق‪.‬‬

‫وهو في الصل بمعنى الخراج ‪ ،‬والنفاد ‪ ،‬ول يستعمل النفاق إل في الخير ‪.‬‬

‫والنفقة اصطلحا ‪ :‬كلّ ما يحتاجه النسان ‪ ،‬من طعام وشراب ‪ ،‬وكسوة ومسكن ‪.‬‬

‫وسمي نفقة ‪ ،‬لنه ينفد ويزول ‪ ،‬في سبيل هذه الحاجات ‪.‬‬

‫أنواع النفقات ‪:‬‬

‫للنفقات أنواع خمسة نذكرها فيما يلي ‪:‬‬

‫‪1‬ـ نفقة النسان على نفسه ‪.‬‬

‫‪2‬ـ نفقة الفروع على الصول ‪.‬‬

‫‪3‬ـ نفقة الصول على الفروع ‪.‬‬

‫‪4‬ـ نفقة الزوجة على الزوج ‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫‪5‬ـ نفقات أخرى ‪.‬‬

‫ولنبدأ بشرح أحكام كل نوع من هذه النواع على هذا الترتيب ‪.‬‬

‫‪1‬ـ نفقة النسان على نفسه ‪:‬‬

‫إن أدنى ما يجب على النسان من النفاق أن يبدأ بنفسه ‪ ،‬إذا قدر على ذلك ‪ ،‬وهي‬

‫مقدمة على نفقة غيرة ‪.‬‬

‫وتشمل هذه النفقة كل ما يحتاجه المرء من مسكن ‪ ،‬ولباس ‪ ،‬وطعام ‪ ،‬وشراب ‪ ،‬وغير‬

‫ذلك ‪.‬‬

‫ودليل ذلك ما رواه البخاري ( الحكام ‪ ،‬باب ‪ :‬بيع المام على الناس أموالهم‬

‫وضياعهم ‪ ،‬رقم ‪ ، ) 6763 :‬ومسلم ( الزكاة ‪ ،‬باب ‪ :‬البتداء في النفقة بالنفس …‪ ،.‬رقم ‪:‬‬

‫قال ‪ :‬أعتق رجل من بني عُ ْذرَة عبدّ له عن ُدبُر ‪ ،‬فبلغ ذلك رسول‬ ‫‪ ) 997‬وغيره عن جابر‬

‫‪ " :‬مَن يشتريه مني " ؟ فاشتراه نُعيم بن‬ ‫‪ .‬فقال ‪ " :‬ألك ما غيره" ‪ .‬فقال ‪ :‬ل ‪ .‬فقال ‪:‬‬ ‫ال‬

‫فدفعها إليه ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬‬ ‫عبدال العدوي رضي ال عنه بثمانمائة درهم ‪ ،‬فجاء بها رسول ال‬

‫ابدأ بنفسك فتصدّق عليها ‪ ،‬فإن فضل شيء فلهلك ‪ ،‬فإن فضل عن أهلك شيء فَلذي قرابتك ‪،‬‬

‫فإن فضل عن ذي قرابتك شيء ‪ ،‬فهكذا وهكذا "‪.‬‬

‫يقول ‪ :‬فبين يديك ‪ ،‬وعن يمينك ‪ ،‬وعن شمالك ‪.‬‬

‫معنى قوله ‪ ":‬عن ُدبُر " أي علق عتقه بموته ‪ ،‬فقال ‪ :‬أنت حر يوم أموت ‪.‬‬

‫‪2‬ـ نفقة الفروع على الصول ‪:‬‬

‫‪161‬‬
‫يجب على الوالد ـ وإن عل ـ نفقة ولده ‪ ،‬وإن سفل ‪.‬‬

‫فالب مكلف بالنفاق ـ على اختلف أنواع النفقة ـ على أولده ذكورا وإناثا ‪ ،‬فإن لم‬

‫يكن لهم أب ‪ ،‬كلّف بالنفاق عليهم الجد أبو الب القريب ‪ ،‬ثم الذي يليه ‪.‬‬

‫ضعْنَ َلكُمْ فَآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ‬


‫ودليل ذلك من الكتاب قول ال عز وجل ‪ :‬فَإِنْ َأ ْر َ‬

‫[الطلق ‪]6:‬‬

‫فإيجاب الُجرة على الزوج لرضاعة أولده ‪ ،‬يقتضي إيجاب مؤونتهم المباشرة من باب‬

‫ح ْوَليْنِ كَا ِمَليْنِ ِلمَنْ َأرَادَ أَن ُيتِمّ‬


‫ضعْنَ َأوْلَدَهُنّ َ‬
‫وَا ْلوَالِدَاتُ ُي ْر ِ‬ ‫أولى ‪ .‬وقال ال سبحانه وتعالى ‪:‬‬

‫[ البقرة ‪. ]233 :‬‬ ‫س َو ُتهُنّ بِا ْل َم ْعرُوفِ‬


‫الرّضَاعَةَ وَعلَى ا ْل َموْلُودِ لَهُ ِرزْ ُقهُنّ َوكِ ْ‬

‫فإن نسبة الولد إلى أبيه بلم الختصاص ‪ ،‬وهي ( له ) تقتضي مسؤولية صاحب‬

‫الختصاص ‪ ،‬وهو الب ‪ ،‬عن نفقة ولده ومؤونته ‪ .‬وكذلك وجوب نفقة المُرضِعة للوليد‬

‫وكسوتها تدلّ على وجوب نفقة الولد وكسوته من باب أولى كما علمت ‪.‬‬

‫وأما دليل ذلك من السنّة ‪ :‬فما رواه البخاري ( النفقات ‪ ،‬باب ‪ :‬إذا لم ينفق الرجل‬

‫فللمرأة أن تأخذ ‪ ،.‬رقم‪ ، ) 5049:‬ومسلم ( القضية ‪ ،‬باب ‪ :‬قضية هند ‪ ،‬رقم‪ )1714:‬عن‬

‫عائشة رضي ال عنها ‪ ،‬أن هند بنت عتبة قالت‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إن أبا سفيان رجل شحيح ‪،‬‬

‫وليس يعطيني ما يكفيني وولدي ‪ ،‬إل ما أخذت منه ‪ ،‬وهو ل يعلم ‪ ،‬فقال‪ " ،‬خذي ما يكفيك‬

‫وولدك بالمعروف "‪.‬‬

‫يقصد ‪ :‬خذي من مال أبي سفيان ‪.‬‬

‫هذا ‪ ،‬ويلحق الحفاد بالولد بجامع النسبة والحاجة في كل ‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫شروط وجوب نفقة الفروع على الصول‪:‬‬

‫ويشترط لوجوب نفقة الفروع على الصول تحقّق الشروط التالية‪:‬‬

‫أولً‪ :‬أن يكون الصل موسرا بما يزيد عن قوت نفسه ‪ ،‬وقوت زوجته مدّة يوم وليلة‪.‬‬

‫فلو كان الذي يملكه ل يكفي – خلل هذه المدة – غير نفسه هو ‪ ،‬أو غير نفسه وزوجته‬

‫‪ ،‬لم يكن مكلفا بالنفاق على فروعة ‪.‬‬

‫‪ ":‬ابدأ بنفسك "‪.‬‬ ‫ودليل ذلك قوله‬

‫رواه مسلم ( الزكاة ‪ ،‬باب ‪ :‬البتداء في النفقة بالنفس …‪ ،‬رقم ‪. )997‬‬

‫ثانيا ‪ :‬أن يكون الفرع فقيرا ‪ ،‬ويشترط مع فقره ‪ ،‬واحد من الوصاف الثلثة ‪:‬‬

‫‪1‬ـ فقر ‪ ،‬وصغر ‪.‬‬

‫‪2‬ـ فقر ‪ ،‬وزمانة ‪.‬‬

‫‪3‬ـ فقر ‪ ،‬وجنون ‪.‬‬

‫فالصغير الفقير يكلّف أبوه ‪ ،‬بالنفاق عليه ‪ ،‬فإن لم يكن أبوه فجده ‪.‬‬

‫وكذلك الفقير الزمن ‪ ،‬وهو العاجز عن العمل ‪.‬‬

‫وكذلك الفقير المجنون ‪.‬‬

‫والمقصود بالفقر ‪ :‬العجز عن الكتساب ‪.‬‬

‫فلو كان الولد صحيحا بالغا ‪ ،‬قادرا على الكتساب ‪ ،‬لم تجب نفقته على أبيه ‪ ،‬وإن لم‬

‫يكن مكتسبا بالفعل ‪.‬‬

‫فإن عاقه عن الكتساب اشتغال بالعلم مثلُ ‪ ،‬فإنه ينظر ‪:‬‬

‫‪163‬‬
‫فإن كان العلم متعلقا بواجباته الشخصية ‪ :‬كأمور العقيدة ‪ ،‬والعبادة ‪ ،‬فذلك يُعدّ عجزا عن‬

‫الكسب ‪ ،‬وتجب نفقته على أبيه ‪.‬‬

‫أما إن كان العلم الذي يشتغل به من العلوم الكفائية التي يحتاج إليها المجتمع ‪ ،‬كالطب ‪،‬‬

‫والصناعة ‪ ،‬وغيرهما ‪ ،‬فل يخرج الولد بالشتغال بها عن كونه قادرا على الكسب ‪ ،‬والب‬

‫عندئذ مخيّر ‪ :‬بين أن يمكّنه من العكوف على ذلك العلم الذي يشتغل به وينفق عليه ‪ ،‬وبين أن‬

‫يقطع عنه النفقة ‪ ،‬ويلجئه بذلك إلى الكسب والعمل ‪:‬‬

‫مقدار النفقة‪:‬‬

‫ليس لهذه النفقة حدّ تقدّر به إل الكفاية ‪ ،‬والكفاية تكون حسب ال ُعرْف ‪ ،‬ضمن طاقة‬

‫عَليْهِ ِرزْقُهُ َف ْليُنفِقْ ِممّا آتَاهُ اللّهُ‬


‫س َعتِهِ َومَن قُ ِدرَ َ‬
‫سعَةٍ مّن َ‬
‫ِليُنفِقْ ذُو َ‬ ‫المنفق ‪ ،‬قال ال عزّ وجل ‪:‬‬

‫[ الطلق ‪]7 :‬‬ ‫سرٍ يُسْرا‬


‫ل اللّهُ َبعْدَ عُ ْ‬
‫جعَ ُ‬
‫سيَ ْ‬
‫ف اللّهُ نَفْسا ِإلّا مَا آتَاهَا َ‬
‫لَا ُي َكّل ُ‬

‫هل تصير هذه النفقة دينا على الصل إذا فات وقتها ‪:‬‬

‫ل تصير نفقة الفروع بمضي الزمان دينا على المنفق ‪ ،‬لنها مواساة من الصل لفرعه ‪،‬‬

‫فهي ليست تمليكا لحق معين ‪ ،‬ولكنها تمكين له بدافع صلة القربى ‪.‬‬

‫أي يتناول حاجته من النفقة ‪ ،‬فإذا مرّت الحاجة ‪ ،‬ولم يشأ أن يسّدها بما قد مكّنة الصل‬

‫منه ‪ ،‬تعففا ‪ ،‬أو نسيانا ‪ ،‬أو غير ذلك ‪ ،‬فإن ذمّة أبيه ل يعقل أن تنشغل بدين لولده مقابل الحاجة‬

‫التي تعفّف ولده عنها ‪ ،‬أو شغل عنها ‪ ،‬أو نسيها حتى فات وقتها ‪.‬‬

‫هذا هو الصل ‪ ،‬وهو الحكم ‪ ،‬عندما تكون المور بين الولد وأبيهم جارية على سَننها‬

‫الطبيعي ‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫فأما إذا وقع خلف ‪ ،‬تدخل القاضي بسببه فيما بينهم ‪ ،‬وفرض القاضي على الب نفقة‬

‫معينة ‪ ،‬أو أذِنَ للولد أن يستقرضوا على ذمّة أبيهم دينا معينا من المال ‪ ،‬أو القدر الذي‬

‫يحتاجون إليه ‪ ،‬فإن هذه النفقة تصبح دينا بذمة الوالد ‪ ،‬إذا فات وقتها ‪ ،‬ول تسقط بمضي الزمن‬

‫‪ ،‬لنها قد آلت ‪ ،‬بحكم القاضي ‪ ،‬إلى تمليك ‪ ،‬بعد أن كانت مجرد مواساة وتمكين ‪.‬‬

‫‪3‬ـ نفقة الصول على الفروع ‪:‬‬

‫كما تجب نفقة الفروع على أصولهم بالدلة والشروط التي أوضحناها ‪.‬‬

‫كذلك تجب نفقة الصول ـ أي الب والم ‪ ،‬والجدّ والجدّة ‪ ،‬وإن علَ كل منهما ـ على‬

‫فروعهـم ‪ ،‬بناءً على الدلة التالية ‪ ،‬وطبقا للشروط التي سنذكرها ‪.‬‬

‫الدلة على وجوب هذه النفقة ‪:‬‬

‫ويستدل لوجوب النفقة على الصول ‪ ،‬بأدلة من الكتاب والسنّة ‪ ،‬والقياس ‪:‬‬

‫[ لقمان ‪:‬‬ ‫ح ْب ُهمَا فِي ال ّد ْنيَا َم ْعرُوفا‬


‫َوصَا ِ‬ ‫ـ أما من الكتاب ‪ :‬فقول ال عزّ وجلّ ‪:‬‬

‫[السراء‪:‬‬ ‫وَ َقضَى َر ّبكَ أَلّ َت ْعبُدُواْ إِلّ ِإيّاهُ َوبِا ْلوَالِ َديْنِ إِحْسَانا‬ ‫‪ ]15‬وقوله سبحانه وتعالى ‪:‬‬

‫‪. ]23‬‬

‫والمعروف الذي يقدّمه الولد لوالديه ‪ ،‬والحسان الذي يحسنه إليهما ‪ ،‬ل يكون إلّ‬

‫بنهوض الولد بمسؤولية نفقتهما عند الحتياج‪.‬‬

‫ـ وأما من السنّة ‪ :‬فما رواه أبو داود ( البيوع والجارات ‪ ،‬باب ‪ :‬في الرجل يأكل من‬

‫مال ولده ‪ ،‬رقم ‪ ) 3528 ( :‬والترمذي ( الحكام ‪ ،‬باب ‪ :‬الوالد يأخذ من مال ولده ‪ ،‬رقم ‪:‬‬

‫‪ ":‬إن من أطيب ما‬ ‫( ‪ ) 1358‬وغيرهما ‪ ،‬عن عائشة رضي ال عنها قالت ‪ :‬قال رسول ال‬

‫‪165‬‬
‫‪ ":‬أنت ومالك لوالدك ‪ ،‬إن أولدكم من أطيب‬ ‫أكل الرجل من كسبه ‪ ،‬وولده من كسبه "‪ .‬وقال‬

‫كسبكم ‪ ،‬فكلوا من كسب أولدكم "‪.‬‬

‫رواه أبو داود ( البيوع والجازات ‪ ،‬باب ‪ :‬في الرجل يأكل من مال ولده ‪ ،‬رقم ‪:‬‬

‫‪. ) 3530‬‬

‫قال ‪:‬‬ ‫وروى النسائي ( الزكاة ‪ ،‬باب ‪ :‬أيّتهما اليد العليا ‪ )5/61 :‬عن طارق المحاربي‬

‫قائم على المنبر يخطب الناس ‪ ،‬وهو يقول ‪ " :‬يد المُعطي‬ ‫قَدِمت المدينة ‪ ،‬فإذا رسول ال‬

‫العليا ‪ ،‬وابدأ بمن تعول ‪ ،‬أُمك وأباك ‪ ،‬وأُختك وأخاك ‪ ،‬ثم أدناك أدناك "‪.‬‬

‫وروى أبو داود ( الدب ‪ ،‬باب ‪ :‬في ب ّر الوالدين ‪ ،‬رقم ‪ ) 5140 :‬عن كليب بن منفعة‬

‫فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬مَن أبر ؟ قال ‪ " :‬أُمك وأباك ‪ ،‬وأختك‬ ‫‪ :‬أنه أتى النبي‬ ‫عن جده‬

‫وأخاك ‪ ،‬ومولك الذي يلي ذاك ‪ ،‬حق واجب ‪ ،‬ورحم موصولة "‪.‬‬

‫ـ أما دليل القياس والجتهاد ‪ :‬فقياس الصول على الفروع ‪ ،‬إذ كما وجبت نفقة الفروع‬

‫ـ عند العجز ـ على الصول كذلك تجب نفقة الصول عند العجز على الفروع ‪ ،‬بجامع‬

‫شيوع البعضية بينهما ‪ ،‬وهي أساس القرابة التي هي ثابتة الصول والفروع‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫شروط وجوب نفقة الصول على الفروع ‪:‬‬

‫أولً ‪ :‬أن يكون الفرع موسرا بما يزيد عن الضروري من نفقته ‪،‬و نفقة زوجته ‪ ،‬يومه وليلته ‪،‬‬

‫فلو كان الذي عنده من النفقة ل يكفي لكثر من حاجته ‪ ،‬وحاجة زوجته ‪ ،‬مدة يوم‬

‫وليلة ‪ ،‬لم يكلّف النفاق على أبيه وأُمه ‪ ،‬لن نفقة الفقير ل تجب على فقير مثله ‪ ،‬فإن‬

‫أيسر بجزء من نفقتهما الضرورية تقدم بها إليهما ‪ ،‬فإن ضاقت عنهما قدّم أمه على‬

‫أبيه ‪ ،‬ذلك لن ما ل يدرك كله ل ينبغي أن يترك كله ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬أن يكون الصل فقيرا ‪ ،‬والمراد بالفقر هنا ‪ :‬أن ل يكتسب ما يسدّ حاجته الضرورية ‪،‬‬

‫سواء كان قادرا على الكسب ‪ ،‬أم ل ‪ .‬بخلف ما مرّ الزمانة ‪ ،‬أو الجنون ‪ ،‬أي مع صفة‬

‫العجز ‪.‬‬

‫والفرق بينهما ‪ :‬أن الصل ل يقبح منه تكليف الفرع القادر على الكتساب ‪.‬‬

‫ولكن الفرع يقبح منه أن يكلف أصله ـ الذي طالما اكتسب وجدّ من أجله ـ‬

‫بالكتساب ‪ ،‬ول سيما مع كبر السن ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬أن ل تكون الم مكفيّة بنفقة زوجها فعلً ‪ ،‬أو حكما ‪ .‬ومعنى هذا الشرط ‪ :‬أن نفقة الُم‬

‫تجب على ولدها في حالتين ‪:‬‬

‫الحالة الولى ‪ :‬أن يكون والده عاجزا عن النفاق عليها ‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫الحالة الثانية ‪ :‬أن يكون والده متوفى ‪ ،‬وهي خليّة على الزوج ‪ .‬وقدرتها على النكاح ل يلغي‬

‫هذا الواجب أي يجب على ولدها أن ينفق عليها حتى ولو كان ثمّة كفء يتقدم بطلب‬

‫الزواج منها ‪.‬‬

‫كما أن معنى هذا الشرط أن نفقتها تسقط في حالتين ‪:‬‬

‫الحالة الولى ‪ :‬أن يكون والده قادرا على النفاق عليها ‪.‬‬

‫الحالة الثانية ‪ :‬أن تكون متزوجة من غير أبيه ‪ ،‬سواء كان زوجها موسرا بنفقتها ‪ ،‬أو مسعرا‬

‫بها ‪.‬‬

‫فإذا طالبت الم في حالة إعسار زوجها بالفسخ ‪ ،‬وفسخ النكاح ‪ ،‬وجب حينئذ أن ينفق‬

‫عليها ابنها ‪.‬‬

‫ل تتأثر نفقة الفروع والصول باختلف الدين ‪:‬‬

‫إذا لحظت هذه الشروط ‪ ،‬سواء ما شرط منها لنفقة الصول على الفروع ‪ ،‬وما شرط منها‬

‫لنفقة الفروع على الصول ‪ ،‬أدركت أن وحدة الدين بين الصول والفروع ل تعتبر شرطا لوجوب‬

‫هذه النفقة ‪.‬‬

‫إذا فإن وجوب هذه النفقة من الصل والفرع ‪ ،‬ومن الفرع للصل ل يتأثر باختلف‬

‫الدين ] ‪.‬‬

‫فيكلف الولد المسلم بالنفاق على والديه غير المسلمين ‪ ،‬ويكلُف الوالد المسلم بالنفاق‬

‫على أولده غير المسلمين ‪ ،‬إذا تحققت باقي الشروط التي ذكرناها‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫ولكن يستثنى من ذلك المرتد ‪ ،‬فل تجري النفقة عليه ‪ ،‬سواء كان أصلً للمنفق ‪ ،‬أو‬

‫فرعا له ‪.‬‬

‫ودليل جواز النفقة على الصل ‪ ،‬ولو كان مشركا ‪ :‬ما رواه البخاري ( الب ‪ ،‬باب ‪:‬‬

‫صلة الوالد المشرك ‪ ،‬رقم ‪ ، )5633 :‬ومسلم ( الزكاة ‪ ،‬باب ‪ :‬فضل النفقة والصدقة على‬

‫القربين …‪ ،‬رقم ‪ )1003 :‬وغيره عن أسماء بنت أبي بكر رضي ال عنهما ‪ ،‬قالت ‪ :‬قدمت‬

‫فقلت ‪ :‬يا‬ ‫عليّ أُمي ‪ ،‬وهي مشركة ‪ ،‬في عهد قريش إذ عاهَدَهُم ‪ ،‬فاستفتيت رسول ال‬

‫صلِي أُمك "‪.‬‬


‫رسول ال ‪ ،‬قدمت عليّ أمي ‪ ،‬وهي راغبة ‪ ،‬أفأصلُ أمي ؟ قال ‪ " :‬نعم ‪ِ ،‬‬

‫[ وهي راغبة ‪ :‬أي راغبة بالصلة ‪ ،‬أو راغبة عن السلم ‪ .‬في عهد قريش ‪ :‬أي ما بين‬

‫صلح الحديبية وفتح مكة ] ‪.‬‬

‫مقدار نفقة الصول على الفروع ‪:‬‬

‫هذه النفقة أيضا ليست مقّدرة بحد معين ‪ ،‬وإنما هي مقدرة بالعرف المتبع ‪.‬‬

‫وهي أيضا ل تصبح دينا في ذمة الفرع إذا مرّ وقتها ‪ ،‬ولم يتمتع الصل بها ‪ .‬إل إذا‬

‫وقع خلف بين الصل والفرع ‪ ،‬ففرض القاضي بموجبه جراية معينة على الفرع ‪ ،‬فإنها‬

‫تصبح حينئذ ـ كما قلنا سالفا ـ دينا في ذمته بمرور الوقت ‪.‬‬

‫ترتيب الصول والفروع في النفاق ‪:‬‬

‫إذا كان الوالدين فقيرين ‪ ،‬وكان لهما فروع ‪ ،‬واستووا في القُرب ‪ ،‬أنفقوا عليهما ‪ ،‬لن‬

‫عّلة إيجاب النفقة تشملهم جميعا ‪ .‬وتكون حصة الُنثى من النفقة كنصف حصة الذكر ‪ ،‬كالرث‬

‫‪169‬‬
‫‪ .‬وإن اختلفوا في درجة القُرب ‪ ،‬كابن ‪ ،‬وابن ابن ‪ ،‬فإن النفقة إنما تجب على القرب ‪ ،‬وارثا‬

‫كان أو غير وارث ‪َ ،‬ذكَرا كان أو أُنثى ‪ ،‬لن ال ُقرْب أولى بالعتبار ‪.‬‬

‫ومَن كان فقيرا ‪ ،‬وله أبوان موسران فنفقته على الب ‪ ،‬لنه هو المكلف بالنفاق على‬

‫[ الطلق ‪. ]6 :‬‬ ‫ضعْنَ َلكُمْ فَآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ‬


‫فَإِنْ َأ ْر َ‬ ‫ولده الصغير ‪ ،‬بدليل قوله تعالى ‪:‬‬

‫وأما نفقة على الكبير الفقير ‪ ،‬فاستصحابا لما كان في الصغر‪ .‬ومن كان فقيرا ‪ ،‬وله‬

‫أًصل وفرع غنيّان ‪ ،‬قدم الفرع في وجوب النفقة ‪ ،‬وإن بعد ‪ ،‬لن عصوبة الفرع أقوى من‬

‫عصوبة الصل ‪ ،‬وهو أولى بالقيام بشأن أبيه ‪ ،‬لعظم حرمته ‪.‬‬

‫وإذا تعدّد المحتاجون من أُصول وفروع وغيرهم ‪ ،‬وكان ما يفضل عن حاجته ل يتسع‬

‫لنفقة جميعهم ‪ ،‬فإنه يقدّم بعضهم على بعض وفق الترتيب التالي ‪:‬‬

‫يقدم بعد نفسه ‪:‬‬

‫أ ـ زوجته ‪ ،‬لن نفقتها آكد ‪ ،‬فإنها ل تسقط بمضي الزمان ‪ ،‬بخلف نفقة الصول والفروع ‪،‬‬

‫فإنها تسقط بمضي الوقت ‪ ،‬كما ذكرنا سابقا ‪.‬‬

‫ب ـ ولده الصغير ‪ ،‬ومثله البالغ المجنون ‪ ،‬وذلك لشدّة عجزهما عن الكسب ‪.‬‬

‫ج ـ الُم ‪ ،‬لعجزها أيضا ‪ ،‬ولتأكيد حقها بالحمل والوضع ‪ ،‬والرضاع والتربية ‪.‬‬

‫د ـ الب ‪ ،‬لعظيم فضله أيضا ‪.‬‬

‫هـ ـ البن الكبير الفقير ‪ ،‬لقربه من أبيه ‪ ،‬وللقرب مزية فضيلة ‪.‬‬

‫و ـ الجد وإن عل ‪ ،‬لن حرمته من حرمة الب ‪ ،‬وهو أصل تجب رعاية حقوقه ‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫‪4‬ـ نفقة الزوجة على الزوج ‪:‬‬

‫تجب نفقة الزوجة على الزوج بالجماع ‪ ،‬بشرط معينة سنذكرها ‪ ،‬فيما بعد ‪.‬‬

‫دليل وجوب هذه النفقة على الزوج ‪:‬‬

‫ويستدل لوجوب نفقة الزوجة على الزوج ‪ :‬بالكتاب ‪ ،‬والسنّة ‪.‬‬

‫علَى النّسَاء ِبمَا َفضّلَ اللّهُ‬


‫الرّجَالُ َقوّامُونَ َ‬ ‫أما دليل الكتاب ‪ :‬فقول ال عز وجل ‪:‬‬

‫[ النساء ‪. ] 34 :‬‬ ‫علَى َبعْضٍ َو ِبمَا أَنفَقُواْ مِنْ َأ ْموَاِلهِمْ‬


‫ضهُمْ َ‬
‫َب ْع َ‬

‫فقد دلّت هذه الية على أن الزوج هو المسئول عن النفقة ‪ .‬وقوله ال سبحانه وتعالى ‪:‬‬

‫ح ْوَليْنِ كَا ِمَليْنِ ِلمَنْ َأرَادَ أَن ُيتِ ّم ال ّرضَاعَةَ وَعلَى ا ْل َم ْولُودِ لَهُ‬
‫ضعْنَ َأوْلَدَهُنّ َ‬
‫وَا ْلوَالِدَاتُ ُي ْر ِ‬

‫[ البقرة ‪. ]233:‬‬ ‫س َو ُتهُنّ بِا ْل َم ْعرُوفِ‬


‫ِرزْ ُقهُنّ َوكِ ْ‬

‫عائد إلى الوالدات ‪ ،‬وهن‬ ‫ِرزْ ُقهُنّ‬ ‫والمولود له في الية هو الزوج ‪ ،‬والضميري في‬

‫الزوجات ‪.‬‬

‫والمعنى إذا ‪ :‬و على الزواج تَجِب نفقة الزوجات ‪.‬‬

‫‪ ،‬رقم ‪ )1218 :‬عن‬ ‫وأما دليل السنة ‪ :‬فما رواه مسلم ( الحج ‪ ،‬باب ‪ :‬حجة النبي‬

‫في حديث حجة الوداع الطويل ‪:‬‬ ‫جابر‬

‫‪ " :‬فاتقوا ال في النساء ‪ ،‬فإنكم أخذتموهن بأمانة ال ‪ ،‬واستحللتم‬ ‫قال رسول ال‬

‫فروجهنّ بكلمة ال ‪ ،‬ولكم عليهنّ أن ل يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ‪ ،‬فإن فعلن ذلك‬

‫فاضربوهن ضربا غير مبرح ‪ ،‬ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ‪ ،‬وقد تركت فيكم ما‬

‫لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به ‪ ،‬كتاب ال "‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫الحكمة من إيجاب نفقة الزوجة على الزوج ‪:‬‬

‫إن الحياة الزوجية لبُدّ أن تنهض على أحد أُسس ثلثة ‪:‬‬

‫الساس الول ‪ :‬أن يتولى الزوج الشراف على بيت الزوجية ‪ ،‬وأن يكون هو المسئول عن‬

‫النفقة على الزوجة والولد‪.‬‬

‫الساس الثاني ‪ :‬أن تتولى الزوجة ذلك كله بدلً من الزوج ‪.‬‬

‫الساس الثالث ‪ :‬أن يتعاون الزوجان في النهوض بالمسئوليات المادية ‪ ،‬وتقديم النفقة ‪.‬‬

‫فما الذي يحدث لو استبعدنا الساس الول ‪ :‬الذي هو حكم الشريعة السلمية ‪،‬‬

‫واستعضنا عنه بأحد الساسين الثاني ‪ ،‬أو الثالث ؟‪.‬‬

‫تحدث عندئذ مجموعة النتائج التالية ‪:‬‬

‫الول ‪ :‬لبد أن ينعكس ذلك على المهر أيضا ‪.‬‬

‫فأما أن تتقدم المرأة بالمهر كله إلى الرجل ‪ ،‬أو أن يلزما بالشتراك في تقديمه ‪.‬‬

‫ومن النتائج الحتمية لهذا الواقع أن تتحول المرأة ‪ ،‬فتصبح طالبة للزوج بعد أن شرّفها‬

‫ال عز وجل ‪ ،‬فجعلها مطلوبة ‪ .‬ذلك لن الذي يتقدم بالمال يكون هو الطالب لمن يأخذ المال ‪.‬‬

‫وإذا أصبحت الزوجة هي الساعية بحثا عن زوجها ‪ ،‬فإنها لن تعثر على الزوج الذي تستطيع‬

‫أن تركن إليه ‪ ،‬حتى تسقط السقطات المتتالية ‪ ،‬بخِداع الرجال ‪ ،‬وأكاذيبهم عليها ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬لبدّ أن تتجه المرأة هي الخرى إلى سبل الكدح ‪ ،‬والعمل من أجل الرزق ‪ ،‬وأن تناكب‬

‫الرجال سعيا وراء العمال المختلفة ‪.‬‬

‫وإذا فعلت المرأة ذلك ‪ ،‬أصبحت ـ ل محالة ـ عرضة للسوء والنحراف ‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫والواقع المشاهد أكبر دليل على ذلك ‪.‬‬

‫كما أن البيت يعوزه عندئذ مَن يدبر شأنه ‪ ،‬ويرعى حاله ‪،‬ويربي صغاره ‪ ،‬إذ يصبح‬

‫عندئذ فارغا موحشا ‪ ،‬ومصدرا للفوضى ‪ ،‬والقلق والضطراب بدلً من أن يكون موئل للسعادة‬

‫‪ ،‬ومنبعا للنس وملجأ للراحة والستجمام ‪.‬‬

‫والواقع المشاهد أيضا أكبر دليل على ذلك ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬إذا قامت الحياة الزوجية على أحد من الساسين المذكورين ‪ ،‬فل بد أن يكون حق‬

‫الطلق بيدها ‪ ،‬على سبيل المشاركة ‪ ،‬أو الستقلل ‪ .‬ذلك لن القــــانون‬

‫القتصادي والجتماعي يقــول ‪ ( :‬مَن ينفق يشرف )‪.‬‬

‫وقد علمت في باب الطلق الحكمة الباهرة من كون الطلق ـ في أعم الحوال ـ حقا‬

‫للزوج ‪.‬‬

‫فمن أجل أن يكون كل من الزوجين عنصر إسعاد للخر ‪ ،‬ومن أجل أن يكون بيت‬

‫الزوجية عامرا بالرعاية والتهذيب والنس ‪ ،‬ومن أجل أن تظل المرأة عزيزة يطلبها الرجال ‪،‬‬

‫ول تصبح مهينة تلحق الرجال ‪ ،‬وهو عنها مُعرض ‪ ،‬أو لها مُخادع ‪ .‬من أجل ذلك كله كان‬

‫النفاق على بيت الزوجية واجبا على الزوج دون الزوجة ‪.‬‬

‫شروط وجوب نفقة الزوجة على الزوج ‪:‬‬

‫إنما تجب نفقة الزوجة على الزوج بالشروط التالية ‪:‬‬

‫أولً ‪ :‬تمكين الزوجة نفسها من الزوج ‪ ،‬بأن ل تمنعه من وجوه الستمتاع المشروع بها ‪ .‬فلو‬

‫منعته ‪ ،‬ولو عن بعض ذلك فقط ‪ ،‬لم تجب نفقتها على الزوج ‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫أما إن أرادها على وجه مُحرّم من الستمتاع ‪ ،‬كأن أراد أن يأتيها وهي في المحيض ‪،‬‬

‫فإن امتناعها ل يسقط حقّها في النفقة عليها ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬أن تتبعه في المكان والبيت الذي يختاره ‪ ،‬ويستقر فيه ‪ ،‬ما لم يكن المكان أو البيت غير‬

‫صالح للسكن ‪ ،‬أو البقاء فيه شرعا ‪ .‬فلو كان يقيم في بلدة ل يلحقها ضرر شرعي‬

‫صحيح بالقامة معه فيها ‪ ،‬أو في بيت مستوف للشروط الشرعية المعتبرة ‪ ،‬ولم تقبل‬

‫بالقامة معه فيها ‪ ،‬أو في بيت مستوف للشروط الشرعية المعتبرة ‪ ،‬ولم تقبل بالقامة‬

‫معه في تلك البلدة ‪ ،‬أو ذلك المنزل ‪ ،‬لم يكلّف بالنفاق عليها ‪ ،‬لنها تُعدّ ناشزة حينئذ ‪.‬‬

‫إذا توفرت هذه الشروط وجب على الزوج أن يقدّم للزوجة جميع النفقات التي تحتاجها ‪،‬‬

‫مما سيأتي تفصيله ‪ .‬وبذلك تعلم أن النفقة ل تجب على الزوج لمجرد العقد وحده ‪.‬‬

‫النفقة على الزوجة تقدّر حسب حال الزوج ‪:‬‬

‫اعلم أن النفقة على الزوجة مقدّرة ‪ ،‬ولكنها تتفاوت كّماّ ونوعا ‪،‬حسب تفاوت حال الزوج‬

‫‪ ،‬في العسر والُيسر ‪.‬‬

‫أما اختلف حال الزوجة في ذلك فل أثر له في هذا التفاوت ‪.‬‬

‫ذلك لن التفاوت إنما يخضع لنسبة الستطاعة ‪ ،‬وهي عائدة إلى حال المنفق ‪ ،‬ل إلى‬

‫حال المنفق عليه ‪.‬‬

‫عَليْهِ ِرزْقُهُ‬
‫س َعتِهِ َومَن قُ ِدرَ َ‬
‫سعَةٍ مّن َ‬
‫والدليل على هذا ‪ :‬قول ال عزّ وجلّ ‪ِ :‬ليُنفِقْ ذُو َ‬

‫[ الطلق ‪] 7 :‬‬ ‫سرٍ يُسْرا‬


‫جعَلُ اللّهُ َبعْدَ عُ ْ‬
‫سيَ ْ‬
‫َف ْليُنفِقْ ِممّا آتَاهُ اللّهُ لَا ُي َكّلفُ اللّهُ نَفْسا ِإلّا مَا آتَاهَا َ‬

‫‪174‬‬
‫فقد جعل ميزان النفاق تابعا إلى حالة الزوج سعة وضيقا ‪ ،‬ل إلى مستوى‬

‫الزوجة ومكانتها ‪ .‬إذا عرفت هذا ‪ ،‬فاعلم أن حالة الزوج تصنّف شرعا ضمن ثلث درجات ‪:‬‬

‫‪1‬ـ درجة اليُسْر ‪ ( :‬الغنى ) ‪2 .‬ـ درجة التوسط ‪3 .‬ـ درجة الفقر ‪.‬‬

‫والعُرف العام هو المحكم في تحديد ما يكون النسان به موسرا ‪ ،‬أو متوسط الحال ‪ ،‬أو‬

‫فقيرا ‪.‬‬

‫أ ـ فأما الزوج الموسر ‪ ،‬فيكلف من النفقة ما يلي ‪:‬‬

‫أولً ‪ :‬ما يساوي مد ( حفنتين كبيرتين ) كل يوم غالب قوت البلد التي هي فيها ‪ ،‬مع‬

‫تكلفة طحنه وخبزه ‪ ،‬وما يتبع ذلك ‪ ،‬أو يقدم ذلك خبزا جاهزا ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬يقدم من الدم ما اعتاده أهل تلك البلدة ‪ ،‬وما يقدّمه عادة أمثاله من أهل اليُسْر والغنى ‪.‬‬

‫وقد أطال الفقهاء في تفصيل ذلك ‪ ،‬ولكن المدار فيه على كل حال إنما هو عرف أهل‬

‫البلدة ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬الكسوة اللئقة بزوجات الموسرين في تلك البلدة ‪ ،‬ويظهر أثر العُرف في الكسوة ‪ ،‬في‬

‫نوعها جودة ورداءة ‪ ،‬أما العدد والكمية ‪ ،‬فإنما يتبع ذلك الحاجة ل ال ُعرْف ‪ .‬ويدخل في‬

‫حكم الكسوة ما يتبعها من أثاث وفراش ‪ ،‬وأدوات مطبخ ونحو ذلك ‪.‬‬

‫وَعلَى ا ْل َم ْولُودِ لَهُ‬ ‫واعلم أن دليل ال ُعرْف في ذلك كله ‪ ،‬هو قول ال عزّ وجلّ ‪:‬‬

‫[ البقرة ‪. ] 233:‬‬ ‫س َو ُتهُنّ بِا ْل َم ْعرُوفِ‬


‫ِرزْ ُقهُنّ َوكِ ْ‬

‫ب ـ أما الزوج المتوسط فيكلف من النفقة بما يلي ‪:‬‬

‫أولً ‪ :‬ما يساوي مدّا ونصف مدّ من غالب قوت البلد التي هي فيه كل يوم ‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫مع مراعاة ما ذكرنا بالنسبة لحال الموسر ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬الدم الذي جرت به عادة أهل تلك البلدة بالنسبة لوساط الناس ‪ ،‬نوعا وكما ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬الكسوة اللئقة لزوجات أمثاله في ذلك المكان ‪ ،‬وما يتبعها من بقية حاجات المنزل‬

‫المختلفة ‪.‬‬

‫ج ـ أما الزوج الفقير فيكلّف من النفقة بما يلي ‪:‬‬

‫أولً ‪ :‬ما يساوي مدّا واحدا من غالب قوت البلد كل يوم ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬الدم الذي جرت به عادة الفقراء على اختلفه في تلك البلدة ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬الكسوة اللئقة لزوجات أمثاله في ذلك المكان ‪.‬‬

‫ويستدل لمراعاة حال الزوج في كل ما سبق بما رواه أبو داود ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬في‬

‫قال ‪ :‬أتيت رسول ال‬ ‫حق المرأة على زوجها ‪ ،‬رقم ‪ )2144‬عن معاوية القشيري‬

‫فقلت ‪ :‬ما تقول في نسائنا ‪ .‬قال ‪ ": :‬أطعموهنّ مما تأكلون ‪ ،‬واكسوهنّ مما تكتسون ‪،‬‬

‫ول تضربوهنّ ‪ ،‬ول تقبّحوهنّ ‪.‬‬

‫مما يدخل في نفقة الزوجة إضافة لما سبق ‪:‬‬

‫ويدخل في نفقة الزوجة على اختلف حال الزوج إضافة لما سبق ما يلي ‪:‬‬

‫أولً ‪ :‬منزل مناسب لحال الزوج يسكن في زوجته ‪ ،‬على أن تتوفر فيه الضرورات التي لبدّ‬

‫منها ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬كلّ ما لبدّ منه للنظافة والتنزه من الدران والوساخ ‪ ،‬وأدوات الزينة ‪ ،‬إذا كان الزوج‬

‫طالبا منها أو تتزين له ‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫ثالثا ‪ :‬الخادم إذا كانت الزوجة ممّن يخدم مثلها في بيت أبيها ‪ ،‬سواء كان الزوج موسرا‪ ،‬أو‬

‫متوسط الحال ‪ ،‬أ‪ ,‬كان فقيرا ‪ ،‬فيجب عليه أن يقدم لها مَن يخدمها بالقدر الذي تندفع به‬

‫الحاجة ‪.‬‬

‫وينبغي أن يكون هذا الخادم أُنثى‪ ،‬أو طفلً مميزا غير بالغ ‪ ،‬أو محرما لها ‪ .‬وأُجره هذا‬

‫الخادم إنما هي على الزوج ‪.‬‬

‫هل نفقة الزوجة تمليك أم تمكين ؟‬

‫لقد عرفت الفرق بين التمليك والتمكين ‪ ،‬عند حديثنا عن نفقة الصول على الفروع ‪،‬‬

‫ونفقة الفروع على الصول ‪.‬‬

‫ونقول الن ‪:‬‬

‫إذا كانت الزوجة تأكل مع زوجها ـ كما هي الغالبة في أيامنا ـ وتسكن معه دون أن‬

‫يتفقا على قدر معين من القوت والدم ‪ ،‬يلتزم به الزوج ‪ ،‬فهذه النفقة ‪ ،‬تُعد من قبيل التمكين ‪،‬‬

‫ل التمليك ‪ ،‬وتسقط بمضي الزمن ‪.‬‬

‫ـ أما إذا كانت الزوجة قد اتفقت مع زوجها على قدر معين من النفقة يُجريه عليها ‪ ،‬أو‬

‫كان القاضي قد ألزمه بقدر معين من النفقة لها ‪ ،‬فهي عندئذ مقدّرة ‪ ،‬تطالب بها ‪ ،‬حتى بعد‬

‫مرور وقتها ‪ ،‬لنها تُعدّ ـ والحالة هذه ـ من قبيل التمليك ‪ ،‬ل التمكين ‪ ،‬ولها أن تعتاض‬

‫عنها بما تحب ‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫أثر ال ُعرْف في تقدير النفقة ‪:‬‬

‫مما سبق تعلم أن القوت الساسي الذي لبدّ منه في الطعام ‪ ،‬ل أثر للعْرف في تقدير‬

‫كميته ‪.‬‬

‫وإنما هو محدّد ـ كما علمت ـ في سائر الظروف والحوال ‪:‬‬

‫بمدّين ‪ ،‬للموسر ‪.‬‬

‫ومدّ ونصف المدّ ‪ ،‬للمتوسط ‪.‬‬

‫ومدّ واحد ‪ ،‬للفقير ‪.‬‬

‫يقدّمه كل منهم لزوجته خبزا ‪ ،‬أو حبّا مع تقديم كلفة طحنه وخبزه ‪.‬‬

‫وذلك لن قوت ضروري ل يتأثر باختلف العُرْف ‪.‬‬

‫أما ما زاد عليه من الدم والكساء ونحوهما ‪ ،‬فإنما يحدده العرف ‪ ،‬أي العُرف السائد في‬

‫تلك البلدة ‪ ،‬في ذلك العصر ‪ ،‬بشرط أن ل يكون العُرف مخالفا لشيء من الحكام الشرعية ‪.‬‬

‫فل أثر لعُرف يقضي بالبذخ والتبذير بالنسبة لبعض النفقات ‪ ،‬أو بالنظر لبعض‬

‫المناسبات ‪ ،‬كما هو واقع ‪ ،‬وكثير ‪ ،‬ومرهق في هذه الزمان ‪.‬‬

‫ما يترتب على إعسار الزوج بالنفقة ‪:‬‬

‫إذا أعسر الزوج ‪ ،‬فإن كان إعبساره نزولً عن درجة اليُسْر إلى الدرجة الوسطى ‪ ،‬أو‬

‫إلى الدرجة الدنيا ‪ ،‬وهي درجة الفقر ‪ ،‬فل يترتب على هذا العسار شيء ‪ ،‬وتلزم بمتابعته ‪،‬‬

‫والرضا بحالته التي آل إليها أمره ‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫أما إذا أعسر الزوج حتى عن نفقة الدرجة الثالثة بكاملها ‪ ،‬فللزوجة عندئذ أن تُطالب بفسخ‬

‫النكاح ‪.‬‬

‫وإذا طلبت ذلك وجب على القاضي أن يلبّي طلبها ويفرّق بينهما ‪ ،‬ولكن يجب أن يكون‬

‫ذلك ‪ ،‬بعد عجز الزوج عن النفقة بثلثة أيام على أقل تقدير ‪ ،‬لكي يتحقق عجزه ‪ ،‬إذ قد يكون‬

‫العجز لعارض ‪ ،‬ثم يزول ‪.‬‬

‫أن النبي‬ ‫روى الدارقطني ( في النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬المهر ‪ )3/297 :‬عن أبي هريرة‬

‫قال في الرجل ل يجد ما ينفق على امرأته ‪ " :‬يفرّق بينهما "‪.‬‬

‫وإذا رضيت بالبقاء مع زوجها على عجزه ‪ ،‬فلها أن تطلب فسخ النكاح بعد ذلك ‪ ،‬لن‬

‫الضرر بعجز الزوج عن النفقة بتجدّد كل يوم ‪ ،‬ولكل يوم حكم مستقل ‪.‬‬

‫ولكن ل يجوز لها الفسخ إذا أعسر ببعض نفقة الدرجة الثالثة ‪ ،‬كأن أعسر عن تقديم‬

‫الدم ‪ ،‬لنه تابع ‪ ،‬وبالمكان أن تقوم النفس بدونه ‪ ،‬أو كأن عجز عن نفقة الخادم ‪ ،‬لن‬

‫الخدمة من المكمّلت التي يمكن للبدن أن يقوم بدونها‪.‬‬

‫أما إذا أعسر بمجموع نفقة هذه الدرجة ‪ ،‬فعندئذ يحقّ لها أن تطلب الفسخ ‪.‬‬

‫‪5‬ـ نفقات أخرى ‪:‬‬

‫هذا ويكلّف النسان بنفقات أخرى ـ غير ما ذكر ـ وذلك نحو ممتلكاته ‪ ،‬التي يملكها ‪:‬‬

‫أولً نفقة البهائم ‪:‬‬

‫تنقسم البهائم إلى الصناف الثلثة التالية ‪:‬‬

‫‪1‬ـ بهائم مأكولة ‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫‪2‬ـ بهائم محترمة غير مأكولة ‪.‬‬

‫‪3‬ـ بهائم غير محترمة ‪.‬‬

‫الصنف الول ( البهائم المأكولة ) ‪:‬‬

‫وهذا الصنف ‪ ،‬كالنعام ونحوها من كل ما هو مأكول ‪ ،‬يخيّر مالكها بين أن يعلفها ‪،‬‬

‫ويسقيها ‪ ،‬بما يحفظ عليها حياتها بشكل سوي ‪ ،‬وبين أن يذبحها للكل ‪ ،‬أو أن يبيعها ‪ ،‬أو يهبها‬

‫للخرين ‪ ،‬فإن لم يذبح ‪ ،‬أو لم يفعل شيئا غير الذبح مما ذكر ‪ ،‬فإنه يجبر على نفقتها من علف‬

‫وسقي ‪ ،‬بالقدر الكافي لحفظ حياتها ‪ ،‬فإن لم يفعل أُجبر على بيعها ‪ ،‬فإن لم يفعل بِيعت عليه‬

‫غضبا ‪.‬‬

‫الصنف الثاني ( البهائم المحترمة غير المأكولة ) ‪:‬‬

‫وهذه البهائم المحترمة ‪ ،‬ككلب صيد غير عقور ‪ ،‬وهرّة ‪ ،‬وصقر ‪ ،‬ونحل ‪ ،‬ودود قز ‪،‬‬

‫ونحو ذلك ‪ ،‬فإن مالكها يلزم ببيعها ‪ ،‬فإن لم يفعل ‪ ،‬أو لم يوجد مَن يشتريها ‪ ،‬وجب عليه أن‬

‫يدفعها لمن قد ينتفع بها ‪ ،‬صونا لها عن الهلك ‪.‬‬

‫الصنف الثالث ( البهائم غير المحترمة ) ‪:‬‬

‫وهذه البهائم غير المحترمة ‪ ،‬كالكلب العقور ‪ ،‬ومختلف الحيوانات المؤذية ‪ ،‬فل يلزم‬

‫حرَج في قتلها ما دامت كذلك ‪.‬‬


‫النسان بشيء مما ذكرنا نحوها ‪ ،‬إذ ل َ‬

‫الدليل على نفقة الحيوانات المحترمة ‪ ،‬والمأكولة ‪:‬‬

‫ويستدل لذلك كله بحديث مسلم ( البرَ والصلة والدب ‪ ،‬باب ‪ :‬تحريم تعذيب الهرة‬

‫قال ‪ ":‬دخلت امرأة النار في‬ ‫عن رسول ال‬ ‫ونحوها …‪ ،‬رقم ‪ )2619 :‬عن أبي هريرة‬

‫‪180‬‬
‫هرّة ‪ ،‬ربطتها ‪ ،‬فل هي أطعمتها ‪ ،‬ول هي أرسلتها تأكل مـن خَشَاش الرض ‪ ،‬حتى ماتت‬

‫هزلً " وأخـرجـه البخـاري ( المساقاة ‪ ،‬باب سقي الماء ‪ ،‬رقم ‪ ، )2236 :‬ومسلم‬

‫( السلم ‪ ،‬باب ‪ :‬تحريم قتل الهرة ‪ ،‬رقم ‪ )2242 :‬والهرّة مثال لكل حيوان محترم ‪ ،‬مأكولً‬

‫كان أو غير مأكول ‪ ،‬ويخرج بذلك ما هو غير محترم ‪ ،‬كالفواسق الخمس التي ذكرت في‬

‫الحديث ‪.‬‬

‫روى البخاري ( الحصار وجزاء الصيد ‪ ،‬باب ‪ :‬ما يقتل المحرم من الدواب ‪ ،‬رقم ‪:‬‬

‫‪ ، )1732‬ومسلم ( الحج ‪ ،‬باب ‪ :‬ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب …‪ ،‬رقم ‪)1198 :‬‬

‫أنه قال ‪ ":‬خمس فواسق ‪ ،‬يقتلن في الحلّ‬ ‫وغيرها عن عائشة رضي ال عنها ‪ ،‬عن النبي‬

‫والحرم ‪ :‬الحيّة ‪ ،‬والغراب البقع ‪ ،‬و الفأرة ‪ ،‬والكلب العقور ‪ ،‬والحُديّا "‪.‬‬

‫[ فواسق ‪ :‬الفاسق ‪ :‬الخارج عن الطاعة ‪ ،‬وسميت هذه الدواب الخمس فواسق ‪،‬‬

‫لخروجها باليذاء والفساد عن طريق معظم الدواب ‪.‬‬

‫الغراب البقع ‪ :‬هو الذي في ظهره وبطنه بياض ‪ .‬الحُديّا ‪ :‬تصغير ‪ :‬الحدأة ‪ ،‬وهو طائر‬

‫خبيث ‪ ،‬بله هو أخس الطير ‪ ،‬يخطف الفراخ ‪ ،‬وصغار أولد الكلب ] ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬نفقة الزروع والشجار‪:‬‬

‫والمقصود بنفقة الزروع والشجار ‪ ،‬سقيها ورعايتها ‪ ،‬فإن لم يكن بصاحبها رغبـة في‬

‫اقتلعها ‪ ،‬لعمارة ‪ ،‬ونحوها ‪ ،‬فإنه ينبغي عليه سقيها ورعايتها ‪ ،‬لن إهمالها يدخل في دائرة‬

‫إضاعة المال ‪ ،‬بدون مسوّغ شرعي ‪ ،‬وهو ل يجوز ‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫أما إذا كان يريد اقتلع الشجر أو الزرع ليستفيد منهما ‪ ،‬أو ليستفيد من الرض في‬

‫عمارة ‪ ،‬أو نحوها ‪ ،‬فإن له قطع الشجار والزرع ‪ ،‬أو إهمالها إلى أن ييبسا ‪ ،‬لن له في ذلك‬

‫غرضا شرعيا سليما ‪.‬‬

‫وال سبحانه وتعالى أعلم ‪..‬‬

‫‪182‬‬
‫ها‬ ‫م‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ح‬ ‫رابعا ً ‪ :‬الحصاَنة وأ َ‬
‫ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ضاَنة ‪:‬‬
‫ح َ‬‫ال َ‬
‫تعريف الحصانة ‪:‬‬

‫حضْن ‪ ،‬وهو الجنب ‪ ،‬لن الحاضنة من شأنها أن تردّ‬


‫الحصانة لغة ‪ :‬مأخوذة من ال ِ‬

‫المحضون إلى جنبها ‪.‬‬

‫والحضانة في اصطلح الشريعة السلمية ‪ :‬هي حفظ مَن ل يستقل بأمر نفسه ‪،‬‬

‫وتربيته بمختلف وجوه التنمية والصلح ‪ ،‬وتنتهي بالنسبة للصغير إلى سن التمييز ‪.‬‬

‫أما رعايته بعد ذلك إلى سن البلوغ ‪ ،‬فتسمى ‪ :‬كفالة ‪ ،‬ل حضانة ‪.‬‬

‫حكمة مشروعية الحضانة ‪:‬‬

‫إن الحكمة من مشروعية الحضانة ‪ ،‬إنما هي تنظيم المسؤوليات المتعلقة برعاية الصغار‬

‫‪ ،‬وتربيتهم ‪.‬‬

‫إذ ربما تفارق الزوجان ‪ ،‬أو اختلفا ‪ ،‬أو تعاسرا فيما يتعلق بالنظر لتربية صغارهما ‪.‬‬

‫فلو ترك المر لما ينتهي إليه شقاقهما ‪ ،‬أو لما يقرره المتغلب من الطرفين في الخصومة ‪،‬‬

‫كان في ذلك ظلم كبير للصغار ‪ ،‬وإهدار لمصلحتهم ‪ .‬وربما كان في ذلك رج بهم في أسباب‬

‫الشقاء والهلك ‪.‬‬

‫لذلك كان لبدّ من وضع ضوابط تحدد أصناف المسؤولين عن حضانة الصغار ‪،‬‬

‫ورعايتهم ‪ ،‬وتصنفهم حسب الولوية ‪ ،‬بحيث ل تتأثر مصلحة الصغار ‪ ،‬بأيّ شقاق ‪ ،‬أو خلف‬

‫يقع بين أولياء أُمورهم ‪.‬‬

‫‪183‬‬
‫من هو الحق بالحضانة ؟‬

‫إذا فارق الرجل زوجته ‪ ،‬وكان له منها ولد ‪ ،‬ذكر أو أنثى ‪ ،‬وكان دون سن التمييز ‪،‬‬

‫فإن الم أحق من الدب بحضانته ‪.‬‬

‫أسباب تقديم الم في الحضانة على الب ‪:‬‬

‫إن الم أحق بالحضانة من الب ‪ ،‬للسباب التالية ‪:‬‬

‫‪1‬ـ لوفور شفقتها ‪ ،‬وصبرها على أعباء الرعاية والتربية ‪.‬‬

‫‪2‬ـ لنها ألين بحضانة الطفال ‪ ،‬ورعايتهم ‪ ،‬وأقدر على بذل ما يحتاجون إليه من العاطفة‬

‫والحنو‪.‬‬

‫الدليل على حق الُم في الحضانة ‪:‬‬

‫والدليل على أن الحضانة من حق الُم ‪ ،‬وأن حقها مقدّم على حق الب في ذلك ‪ :‬ما‬

‫‪ :‬أن‬ ‫رواه أبو داود ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬مَن أحقّ بالولد ‪ ،‬رقم ‪ )2276 :‬عن عبدال بن عمرو‬

‫‪ ،‬جاءته امرأة ‪ ،‬فقالت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إن ابني هذا ‪ ،‬كان بطني له وعاءً ‪،‬‬ ‫رسول ال‬

‫وثديي له سقاءً ‪ ،‬وحجري له حواءً ‪ ،‬وإن أباه طلّقني ‪ ،‬وأراد أن ينزعه منّي ‪ ،‬فقال لها رسول‬

‫‪ ":‬أنت أحق به ما لم تنكحي "‪.‬‬ ‫ال‬

‫[ حواء ‪ :‬الحواء اسم للمكان الذي يحوي الشيء ويضمه ] ‪.‬‬

‫مَن أحقّ بالحضانة بعد الم ؟‬

‫‪184‬‬
‫إذا لم توجد أم الطفل ‪ ،‬أو وجدت ‪ ،‬ولكنها رفضت أن تحضنه ‪ ،‬كان الحق في الحضانة‬

‫لمن بعد الُم ‪ ،‬وكانت الفضلية لم الم ‪ .‬والمقصود بها ‪ :‬جدّة تدلي إلى الطفل بأنثى ‪ ،‬تقدّم‬

‫القربى ‪ ،‬فالقربى ‪.‬‬

‫ثم لم الب ‪ .‬ثم أُمهاتها ‪ ،‬تقدم القربى فالقربى ‪.‬‬

‫ثم للخت الشقيقة ‪ .‬ثم للخت من الب ‪ .‬ثم للخت من الم ‪.‬‬

‫ثم الخالة ‪ .‬ثم العمّة ‪.‬‬

‫ثم بنات الخ ‪ ،‬ثم بنات الُخت ‪.‬‬

‫الحكمة في تقديم الناث في الحضانة ‪:‬‬

‫والحكمة في هذا التقديم للناث في حق الحضانة هي ما قلناه في الُم ‪ ،‬فإن الناث غالبا‬

‫ما يكن ألين بحضانة الطفال ‪ ،‬ورعايتهم ‪ ،‬وأصبر على مشاكلهم ‪ ،‬وأقدر على بذل ما‬

‫يحتاجون إليه من الحنو والعاطفة ‪.‬‬

‫حضانة الرجال ‪:‬‬

‫قلنا إن حق النساء في الحضانة مقدّم ‪ ،‬لنهن أليق بها ‪ ،‬ولكن إذا لم يكن هناك امرأة‬

‫قريبة للطفل ‪ ،‬أو كانت ‪ ،‬وأبت أن تحضنه ‪ ،‬فهل ينتقل هذا الحق إلى الرجال ؟ نعم ينتقل حق‬

‫الحضانة إلى الرجال ‪ ،‬فيقدّم منهم المحرم الوارث ‪ ،‬على ترتيب الرث ‪ ،‬إل الجد فإنه يقدّم‬

‫على الخوة ‪ ،‬ثم الوارث غير المحرم ‪ ،‬على ترتيب الرث أيضا ‪ .‬فيقدم ‪:‬‬

‫الب ‪ ،‬ثم الجد ‪ ،‬وإن عل ‪.‬‬

‫‪185‬‬
‫ثم الخ الشقيق ‪ ،‬ثم الخ لب ‪ ،‬ثم ابن الخ الشقيق ‪ ،‬فابن الخ لب ‪ ،‬ثم العمّ الشقيق ‪،‬‬

‫ثم العم لب ‪ .‬ثم ابن العم الشقيق ‪ ،‬ثم ابن العم لب ‪.‬‬

‫وإنما قدّم القرب فالقرب في حق الحضانة ‪ ،‬لن القرب أوفر شفقة على الغالب من‬

‫البعد ‪ ،‬وأكثر حرصا على حق الرعاية ‪ ،‬وحُسن التربية ؛ ومصلحة الصغار ‪.‬‬

‫اجتماع الرجال والنساء من أقرباء الطفال ‪:‬‬

‫إذا اجتمع ذكور وإناث من أقارب الطفل ‪ ،‬وتنازعوا في الحضانة ‪ ،‬قدّمت ‪:‬‬

‫الم ‪ ،‬لحديث أبي داود السابق ‪ ،‬ولنها ـ كما قلنا ـ أوفرهم شفقة على الطفل ‪.‬‬

‫ثم أُمهات الم ‪ ،‬المدليات بإناث ‪ ،‬كما ذكرنا ‪ ،‬لنهنّ في معنى الم في الشفقة ‪،‬‬

‫تقدم القربى ‪ ،‬فالقربى ‪.‬‬

‫ثم يقدّم الب ‪ ،‬لنه الصل ‪.‬‬

‫ثم الجدّة أُم الب ‪ ،‬ثم الجد أبو الب ‪.‬‬

‫ثم الخت الشقيقة ‪ ،‬ثم الخ الشقيق ‪ ،‬وهكذا ‪.‬‬

‫فإذا استووا في القرب ‪ ،‬وكانوا ذكورا وإناثا ‪ :‬كإخوة أشقاء وأخوات شقيقات ‪ ،‬قدّم‬

‫الناث على الذكور ‪ ،‬لما قلنا ‪ ،‬من أن الحضانة بهنّ أليق ‪ ،‬وهنّ لها أفضل ‪.‬‬

‫وإن كانوا ذكورا فقط ‪ ،‬أو كنّ إناثا فقط ‪ ،‬وتنازعوا في الحضانة ‪ ،‬أقرع بينهم ‪ ،‬فأيّهم‬

‫سلّم إليه الطفل ‪.‬‬


‫خرجت قرعته ‪ُ ،‬‬

‫‪186‬‬
‫إلى متى تستمر الحضانة للطفل ‪:‬‬

‫تستمر فترة الحضانة شرعا إلى أن تتكامل في الطفل التمييز ‪ ،‬والمقصود بالتمييز أن‬

‫يستقل الطفل بشؤونه الخاصة ‪ ،‬دون الحاجة إلى معونة أحد ‪.‬‬

‫والمراد بشؤونه الخاصة ‪ :‬تناول الطعام والشراب ‪ ،‬وقضاء الحاجة ‪ ،‬والتنزّه من‬

‫الدران ‪ ،‬والقيام بأعمال الطهارة ‪ ،‬من وضوء ونحوه ‪ .‬وقد حدّد سن التمييز بسبع سنين ‪ ،‬إذ‬

‫يتكامل التمييز عنده غالبا ‪ .‬فإذا أتمّ الطفل السابعة من عمره ‪ ،‬وكان مميزا ‪ ،‬فإن مدّة الحضانة‬

‫تنتهي عند ذلك ‪.‬‬

‫وتبدأ مرحلة أخرى من الرعاية تسمي ‪ :‬كفالة ‪.‬‬

‫فإذا أتمّ الطفل ‪ ،‬سن السابعة ‪ ،‬وكان مميزا ‪ ،‬فإنه يخيّر إذ ذاك بين أبويه ‪ ،‬فأيّهما اختار‬

‫سلّم إليه ‪.‬‬

‫ودليل ذلك ‪ :‬ما رواه الترمذي ( الحكام ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في تخيير الغلم بين أبويه إذا‬

‫خير غلما بين أبيه وأمه ‪.‬‬ ‫‪ :‬أن النبي‬ ‫اقترفا ‪ ،‬رقم ‪ )1357‬عن أبي هريرة‬

‫وفي رواية عند أبي داود ( الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬مَن أحق بالولد ‪ ،‬رقم ‪ )2277 :‬وغيره ‪ :‬أن امرأة‬

‫جاءت ‪ ،‬فقالت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إن زوجي يريد أن يذهب بابني ‪ ،‬وقد سقاني من بئر أبي‬

‫‪ " :‬استهما عليه " فقال زوجها ‪ :‬من يحاقني في ولدي ‪،‬‬ ‫عنبة ‪ ،‬وقد نفعني ‪ .‬فقال رسول ال‬

‫" هذا أبوك ‪ ،‬وهذه أُمك ‪ ،‬فخذ بيد أيّهما شئت " فأخذ بيد أُمه ‪ ،‬فانطلقت به ‪.‬‬ ‫فقال النبي‬

‫‪187‬‬
‫[ بئر أبي عنبة ‪ :‬بئر معين ‪ ،‬والظاهر أنه كان في مكان بعيد ‪ .‬وهي تغني ‪ :‬أن ولدها‬

‫قد كبر ‪ ،‬وأصبح يستطيع القيام بما ينفعها ‪ ،‬بعد أن قامت بتربيته ‪ ،‬حيث كان صغيرا ‪ ،‬ل‬

‫ينفعها بشيء ‪ .‬استهما ‪ :‬أي اقترعا ‪ .‬يحاقني ‪ :‬يخاصمني ] ‪.‬‬

‫ثم إن اختار المميز أباه ‪ ،‬ففقد الب ‪ ،‬أو سقطت أهليته ‪ ،‬نزل الجد منزلته ‪ ،‬وإن عل ‪،‬‬

‫ومثله الخ والعم ‪ ،‬ومثلهما ابن العم عند فَقْد الخ والعم ‪ ،‬على الترتيب الذي ذكرناه سابقا ‪.‬‬

‫إل أن تكون فتاة مُشتهاة ‪ ،‬أو في سن المراهقة ‪ ،‬فل يجوز بقاؤها في كفالة ابن عمّها ‪،‬‬

‫فإن لم يكن غيره ‪ ،‬وجي أن تكون عند امرأة موثوقة يعينها ابن العم ‪.‬‬

‫حكمة تخيير الطفل بين أبويه عند بلوغه التمييز ‪:‬‬

‫علمنا سبب تقديم حق الم في الحضانة على الب ‪ ،‬كما علمنا السبب في انتهاء مدة‬

‫الحضانة بتكامل التمييز عند الطفل ‪ ،‬أو الطفلة ‪ ،‬وذلك ‪ ،‬لن فترة ما قبل التمييز عند الطفل ‪،‬‬

‫أو الطفلة ‪ ،‬وذلك ‪ ،‬لن فترة ما قبل التمييز ‪ ،‬ل يستغني فيها الصغير عن رعاية الم ‪ ،‬ول‬

‫يكاد يقوم مقامها الب ‪ ،‬أو غيره من الرجال ‪.‬‬

‫غير أن الكفالة ‪ ،‬إنما هي رعاية عامة ‪ ،‬قد يستوي في القدرة عليها كلّ من الب والم ‪،‬‬

‫وذلك بسبب قدرة الطفل على أن يستقل بالكثير من شؤونه ‪ ،‬وبسبب توفر الطاقة العقلية عنده‬

‫في الجملة ‪.‬‬

‫فناسب بعد هذا كله ‪ ،‬أن يعطى الطفل الخيار بين أبويه ‪ ،‬أو مَن يقوم مقامهما ‪،‬‬

‫يختار أيّهما شاء ‪.‬‬

‫‪188‬‬
‫شروط الحضانة ‪:‬‬

‫يشترط للحضانة أن يتوفر فيها الشروط التالية ‪:‬‬

‫أولً ‪ :‬العقل ‪:‬‬

‫فل حضانة لمجنون ‪ ،‬أو مجنونة ‪ ،‬ولو كان جنونا متقطعا ‪ ،‬لن الحضانة ولية ‪ ،‬وليس‬

‫المجنون من أهل الولية ‪ ،‬إذ يتأتى منه الحفظ والرعاية ‪ ،‬بل هو نفسه محتاج إلى الرعاية‬

‫والحفظ ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬السلم ‪:‬‬

‫وذلك إذا كان المحضون مسلما ‪ ،‬ولو حكما ‪ ،‬بأن كان أحد أبويه مسلما ‪ ،‬فإنه يتبع‬

‫أشرف البوين في الدين ‪.‬‬

‫فل تجوز حضانة الكافر للمسلم ‪ ،‬ذلك لن الحضانة ‪ ،‬ولية ـ كما قلنا ـ ول‬

‫ولية للكافر على المسلم ‪.‬‬

‫ولن الكافر ‪ ،‬ربما يفتن الصغير عن دينه ‪ ،‬بشتى الوسائل والساليب ‪.‬‬

‫لكن إذا كان المحضون كافرا ‪ ،‬كان لكلّ من المسلم والكافر حضانته ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬العفة والمانة ‪:‬‬

‫والمراد بالعفة والمانة ‪ :‬أن ل يكون الحاضن فاسقا ‪ ،‬إذ الفاسق ل يلي ‪ ،‬ول يؤتمن‬

‫على شيء ‪ ،‬وإنما ينبغي أن يكون عدلً ذا عفّة ودين ‪.‬‬

‫‪189‬‬
‫ثم إن العدالة تثبت بالظاهر المشاهد ‪ ،‬ول يشترط لثبوتها شهادة وبيّنات ‪ ،‬إل إذا وقع‬

‫نزاع في أهلية الحاضن ‪ ،‬وعدالته ‪ ،‬فل بدّ عندئذ من ثبوت عدالته عند القاضي بناءً على الدلة‬

‫والبيّنات ‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬القامة ‪:‬‬

‫وذلك بأن يكون صاحب الحق في الحضانة مقيما في بلد الطفل ‪.‬‬

‫فلو سافرت الم ـ وهي صاحبة الحق في حضانة طفلها ـ سفر حاجة ‪:‬‬

‫كحج ‪ ،‬وتجارة ونزهة ونحوها ‪ ،‬لم تمكن من أخذ الطفل معها ‪ ،‬وكان المقيم عنده أولى منها‬

‫إلى أن تعود من السفر ‪ ،‬فيسلّم الولد إلى جدته إلى أن تعود الم ‪.‬‬

‫أما السفر الذي يكون انتقالً إلى بلدة أخرى ‪ ،‬بدون قصد العودة ‪ ،‬فإنه ل يستوجب‬

‫سقوط حق الحضانة ‪ ،‬إذا كان الطريق آمنا ‪ ،‬وكانت البلدة التي تقصد الحاضن الستيطان فيها‬

‫آمنة أيضا ‪:‬‬

‫فإذا اضطر كل من البوين إلى السفر لحاجة ‪ ،‬بقي حق الُم ‪ ،‬ولم يعد السفر‬

‫عندئذ مانعا من الحضانة ‪:‬‬

‫خامسا ‪ :‬الخلو من زوج أجنبي ‪:‬‬

‫فإذا تزوجت الم سقط حقها في الحضانة ‪ ،‬وإن لم يدخل بها الزوج بعد ‪ ،‬أو رضي‬

‫زوجها أن يدخل الولد داره ‪.‬‬

‫والدليل على ذلك من السنة ‪ :‬فما رواه أبو داود ( ‪ ) 2276‬وذكرناه سابقا " أنت أحقّ به‬

‫ما لم تنكحي " ‪. 1‬‬


‫انظر الدليل على حق الم في الحضانة ( صفحة ‪. ) 192‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪190‬‬
‫والدليل من المعقول على سقوط حق الم في الحضانة إذا تزوجت ‪ ،‬هو أن الم إذا‬

‫تزوجت شغلت عن ولدها بحق الزوج ‪ ،‬فل توجد ضمانة لرعاية شأن الطفل ‪ ،‬والنظر في أمره‬

‫لكن يستثنى من ذلك حالتان ‪:‬‬

‫الحالة الولى ‪ :‬أن يتراضى والد الطفل مع زوج الم أن يبقى الولد عند أمه ‪ ،‬فإن ذلك‬

‫يبقي حقّها في الحضانة ‪ ،‬ويسقط حق الجدّة ‪.‬‬

‫الحالة الثانية ‪ :‬أن يكون زوج الُم الجديد قريبا للطفل ‪ ،‬ممّن له حق حضانته ‪ ،‬وإن‬

‫كانت درجته بعيدة ‪ ،‬فإن الم في حضانة ولدها ل يسقط حينئذ إذا رضي زوجها بحضانته ‪.‬‬

‫ذلك لن له حقا في رعايته ‪ ،‬ولن له من الشفقة عليه ما يحمله على التعاون مع‬

‫أُمه على كفالته ‪ ،‬والهتمام بشأنه ‪.‬‬

‫سادسا ‪ :‬الخلو من المراض الدائمة والعادات المؤثرة ‪:‬‬

‫فلو كانت الُم تعاني من مرض عضال ‪ :‬كالسل ‪ ،‬والفالج ‪ ،‬أو كانت عمياء ‪ ،‬أو‬

‫صّماء ‪ ،‬لم يكن لها حق في حضانته ‪ ،‬لن من شأنها ما يشغلها عن القيام بحق الطفل ‪.‬‬

‫ما يترتب على فَقْد شيء من شروط الحضانة ‪:‬‬

‫إذا فُقِدَ شرط من هذه الشروط الستة التي ذكرناها لستحقاق الحضانة ‪ ،‬سقط حق‬

‫الحاضنة ‪ ،‬وانتقل هذا الحق من يليها ‪ ،‬مَن جدة ‪ ،‬ثم أخت ‪ ،‬ثم خالة ‪ ،‬وهكذا ‪.‬‬

‫كيف يتم التأكد من فوات شرط من شروط الحضانة ‪:‬‬

‫يعتمد في التأكد من فوات شرط من شروط الحضانة على واحد من المور‬

‫الثلثة التالية‬

‫‪191‬‬
‫المر الول ‪ :‬إقرار الحاضنة ‪:‬‬

‫فإذا أقرّت الم بأنها متزوجة ‪ ،‬أو أنها تعاني من مرض عضال دائم العلّة ‪ ،‬سقط حقها‬

‫في الحضانة ‪.‬‬

‫المر الثاني ‪ :‬دعوى المعارض ‪:‬‬

‫إذا ادّعى المعارض في الحضانة ‪ :‬أن الحاضنة فقدت شرطا من شروط الحضانة ‪،‬‬

‫وكانت دعواه تلك مصحوبة بالبيّنات المعتمدة ‪ ،‬فإن حقها في الحضانة يسقط عندئذ ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬تحقيق القاضي ‪:‬‬

‫تحقيق القاضي ‪ ،‬أو الحاكم ‪ ،‬وذلك عندما يرتاب ويشكّ في توفر الشروط عند‬

‫الحاضنة ‪ ،‬فإذا ثبت لديه بموجب تحرياته فقدان شرط من شروط الحضانة ‪ ،‬فإنه يسقط‬

‫الحضانة عندئذ في الحضانة ‪.‬‬

‫وال سبحانه وتعالى أعلم …‪.‬‬

‫خامسا ً ‪ :‬الرضاع وأحكامه‬


‫الرضـــــاع‬
‫تعريف الرضاع ‪:‬‬

‫‪192‬‬
‫الرّضاع ‪ ،‬والرّضاعة ـ بفتح الراء ويجوز كسرها فيهما ـ معناه في اللغة ‪ :‬اسم لمصّ‬

‫الثدي وشرب لبنه ‪.‬‬

‫والرضاع شرعا ‪ :‬اسم لحصول لبن امرأة ‪ ،‬أو ما حصل منه في معدة طفل ‪ ،‬أو دماغه‬

‫دليل تشريع الرضاع ‪:‬‬

‫إرضاع الولد من غير أُمه التي ولدته جائز شرعا ‪ ،‬ولقد كان أمرا معروفا قبل السلم ‪.‬‬

‫ولما جاء في السلم أقرّه ولم يحرمه ‪ ،‬لما فيه أحيانا من المصلحة ‪ ،‬والحاجة الملجئة ؛ كأن‬

‫تموت أُم الطفل ‪ ،‬مثلً ‪ ،‬أو يكون بها علّة تمنعها الرضاع ‪ ،‬فل بدّ والحالة هذه من امرأة‬

‫أخرى ترضعه حفاظا على حياته ‪.‬‬

‫دليل هذا الجواز ‪:‬‬

‫خرَى‬
‫س ُت ْرضِعُ لَهُ أُ ْ‬
‫س ْرتُمْ فَ َ‬
‫ويستدل على جواز الرضاع بقول ال عز وجل ‪َ :‬وإِن َتعَا َ‬

‫[ الطلق ‪. ] 6 :‬‬

‫تعاسرتم ‪ :‬اختلفتم في إرضاع الولد ‪ ،‬فسترضع الولد امرأة أخرى غير أمه ‪.‬‬

‫[ البقرة‬ ‫عَل ْيكُمْ‬


‫جنَاحَ َ‬
‫ضعُواْ َأوْلَ َدكُمْ فَلَ ُ‬
‫س َت ْر ِ‬
‫َوإِنْ َأرَدتّمْ أَن تَ ْ‬ ‫وقوله سبحانه وتعالى ‪:‬‬

‫‪. ]233:‬‬

‫هل الرضاع واجب على الم أم هو حق لها ؟‬

‫‪193‬‬
‫إن قلت ‪ :‬الرضاع واجب على الم ‪ ،‬كان معنى ذلك ‪ ،‬أنها ملزمة بإرضاع طفلها ‪،‬‬

‫سواء رضيت بذلك ‪ ،‬أو لم ترضَ ‪ ،‬مادامت قادرة على الرضاع ‪ ،‬غير معذورة بأيّ سبب‬

‫شرعي ‪ .‬وإن قلت ‪ :‬الرضاع حق للم ‪ ،‬كان معنى ذلك المر عائد إلى اختيارها ‪.‬‬

‫فإن رغبت في الرضاع لم يكن للزوج ‪ ،‬ول لغيره أن يصدّها عن حقها ‪.‬‬

‫أما إن لم ترغب في إرضاعه ‪ ،‬فإن الزوج يصبح عندئذ ملزما بتدبر مُرضعة أخرى‬

‫لطفله ‪.‬‬

‫إذا عرفت الفرق بين الواجب عليها ‪ ،‬والحق لها ‪ ،‬فما هي علقة الُم بإرضاع ولدها ؟‪.‬‬

‫هل هي علقة حق لها ؟ أم هي علقة واجب عليها ؟‬

‫المفتي به في مذهب المام الشافعي رحمة ال تعالى ‪ :‬أن الرضاع حق للم ‪ ،‬تطالب به‬

‫عندما تشاء ‪ ،‬وليس واجبا عليها ‪.‬‬

‫فل تلزم به إل إذا لم يوجد مَن يقوم مقامها ‪ ،‬فيصبح الرضاع واجبا عليها للضرورة ‪.‬‬

‫دليل أن الرضاع حق للم وليس واجبا عليها ‪:‬‬

‫ودليل كون الرضاع حقا للم ‪ ،‬وليس واجبا عليها ‪ :‬قول ال عز وجل ‪ :‬وَا ْلوَالِدَاتُ‬

‫[ البقرة ‪ ]233 : :‬مع قوله‬ ‫ح ْوَليْنِ كَا ِمَليْنِ ِلمَنْ َأرَادَ أَن ُيتِ ّم ال ّرضَاعَةَ‬
‫ُي ْرضِعْنَ َأوْلَدَهُنّ َ‬

‫ضعْنَ َلكُمْ‬
‫فَإِنْ َأ ْر َ‬ ‫‪ .‬وقوله جلّ جلله ‪:‬‬ ‫خرَى‬
‫س ُت ْرضِعُ لَهُ أُ ْ‬
‫س ْرتُمْ فَ َ‬
‫َوإِن َتعَا َ‬ ‫سبحانه تعالى ‪:‬‬

‫[ الطلق ‪. ] 6 :‬‬ ‫فَآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ‬

‫‪194‬‬
‫وبيان وجه الدليل في هذه اليات على أن الرضاع حق للم وليس واجبا عليها ‪ :‬أن ال‬

‫احتمل أن يكون المعنى ‪ :‬الوالدات‬ ‫ضعْنَ َأوْلَدَهُنّ‬


‫وَا ْلوَالِدَاتُ ُي ْر ِ‬ ‫عزّ وجلّ ‪ ،‬عندما قال ‪:‬‬

‫يلزمن بإرضاع أولدهن ‪.‬‬

‫ولو قال سبحانه وتعالى ‪ :‬وعلى الوالدات إرضاع أولدهنّ ‪ :‬لسقط الحتمال الثاني ‪،‬‬

‫خرَى‬
‫س ُت ْرضِعُ لَهُ أُ ْ‬
‫س ْرتُمْ فَ َ‬
‫َوإِن َتعَا َ‬ ‫وتعين الحتمال الول ‪ .‬فلما قرأنا قول ال عز وجل‬

‫ترجح المعنى الثاني في الية الولى ‪ ،‬وهو كان الرضاع حقا لها ‪ .‬إذ لو كان واجبا عليها ‪ ،‬لما‬

‫‪ .‬ولما كان من سبيل إلى التعاسر والختلف مع‬ ‫خرَى‬


‫س ُت ْرضِعُ لَهُ أُ ْ‬
‫فَ َ‬ ‫قال سبحانه وتعالى ‪:‬‬

‫الزوج ‪ ،‬ولما كان لها المتناع عن الرضاع ‪.‬‬

‫ازداد‬ ‫ضعْنَ َلكُمْ فَآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ‬


‫فَإِنْ َأ ْر َ‬ ‫ولما قرأنا قول ال سبحانه وتعالى ‪:‬‬

‫المعنى الثاني للية رجحانا ‪ ،‬بل تعين ذلك المعنى ‪ ،‬لن الرضاع لو كان واجبا على الم ‪ ،‬لما‬

‫استحقّت عليه أجرا ‪ ،‬إذ ل أجر على واجب ‪ ،‬فلما أمر سبحانه وتعالى بإعطائهنّ الجر على‬

‫الرضاع إن طلبنه ‪ ،‬دلّ ذلك على أنهنّ مخيّرات في الرضاع ‪ ،‬ل مجبرات عليه ‪.‬‬

‫والخلصة ‪:‬‬

‫أن الرضاع حق للم تجاب إليها ‪ ،‬إن طالبت به ‪ .‬وليس واجبا عليها ‪ ،‬فل تلزم به إن‬

‫رفضته ‪ ،‬إل إن تعينت له ‪ ،‬فعندئذ يجب عليها للضرورة ‪.‬‬

‫ما يترتب على كون الرضاع حقا ل واجبا ‪:‬‬

‫لعلك أدركت مما أوضحنا ‪ ،‬المور التي تترتب على كون الرضاع مجرد حق للم ‪،‬‬

‫وأنه ليس واجبا عليها ‪.‬‬

‫‪195‬‬
‫وهذه المور ‪ ،‬تتلخص فيما يلي ‪:‬‬

‫أولً ‪ :‬ل يجوز للزوج إجبار زوجته على إرضاع طفلها ‪ ،‬فإن أجبرها ‪ ،‬فلم تستجب لجباره‬

‫وأمره ‪ ،‬فهي ليست بعاصية ‪ ،‬ول تُعدّ ناشزة ‪.‬‬

‫يستثنى من ذلك ‪ ،‬ما لو لم يكن ثَمة من يصلح لرضاع الطفل غيرها ‪ .‬فإن الضرورة‬

‫عندئذ تقضي بقسرها على الرضاع ‪ ،‬وهي المحافظة على حياة الطفل ‪.‬‬

‫ثانيا ‪:‬‬

‫يجب على الزوج أن يعطي زوجته الجر حسب العُرف ‪ ،‬على ما تقوم من إرضاع‬

‫الطفل ‪ ،‬إذا طلبت على ذلك أجرا ‪.‬‬

‫فإن لم تطالب بالجر ـ كما هو السائد في أعراف الناس اليوم ـ لم يلزم الزوج بدفع‬

‫الجر ‪ ،‬وسقط حقها في المطالبة ‪ ،‬إن كانت تبرعت به وأظهرت له عدم الرغبة فيه ‪.‬‬

‫ما يترتب على الرضاع من القرابة ‪:‬‬

‫إذا أرضعت المرأة طفلً أجنبيا عنها ‪ ،‬صار الطفل ابنها بالرضاع ‪ ،‬وصار زوجها‬

‫صاحب اللبن أبا لذلك الطفل ‪ ،‬وترتب على هذا الرضاع المور التالية ‪:‬‬

‫أولً ‪ :‬يحرم على الرضيع التزوج ممّن أرضعته ‪ ،‬ومن كل أنسبائها اللئي يحرم عليه‬

‫التزوج منهنّ لو كانت أُمه من النسب ‪.‬‬

‫فيدخل في هذا التحريم ‪:‬‬

‫‪-‬أُخت مرضعته ‪ ،‬لنها خالته من الرضاعة ‪.‬‬

‫‪-‬وبنت مرضعته ‪ ،‬لنها أُخته من الرضاعة ‪.‬‬

‫‪196‬‬
‫‪-‬وبنات أولد مرضعته ‪ ،‬ذُكورا كانوا أو إناثا ‪ ،‬لنهنّ بنات إخوته ‪ ،‬أو بنات أخواته من‬

‫الرضاعة ‪.‬‬

‫‪-‬أم مرضعته ‪ ،‬لنها جدّته من الرضاعة ‪.‬‬

‫وكذلك يحرم على هذا الرضيع التزويج من هؤلء أنفسهم ‪ ،‬إذا كانوا أنسباء والده من‬

‫الرضاعة ‪ ،‬وهو زوج المرضعة ‪ ،‬صاحب اللبن ‪.‬‬

‫فتحرم عليه ‪:‬‬

‫‪-‬أُخت والده من الرضاعة ‪ ،‬لنها عمّة الرضيع ‪.‬‬

‫‪-‬وبنت والده من الرضاعة ‪ ،‬ولو من زوجة أخرى ‪ ،‬لنها أُخت هذا الرضيع ‪.‬‬

‫‪-‬وبنات أولد أبيه من الرضاعة ‪ ،‬ذكورا كانوا أم إناثا ‪ ،‬لنهنّ بنات أخوة الرضيع أو‬

‫بنات أخواته ‪.‬‬

‫‪-‬وأم أبيه من الرضاعة ‪ ،‬لنها جدّة الرضيع ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬يحرم على المرضع ‪ ،‬وعلى هؤلء النسباء للمرضع جميعا التزويج من الرضيع ‪ ،‬كما‬

‫أوضـحنا ‪ ،‬والتزويج من فروعه ‪ ،‬لنك لو قدّرت أمومة المرضعة للطفل أُمومة‬

‫نسب ‪ ،‬كان هؤلء النسباء محرّمات عليه فكذلك أُمومة الرضاع ‪.‬‬

‫فكما ل يتزوج الرضيع من بنت مرضعته ‪ ،‬لنها أخته من الرضاع ‪ ،‬فكذلك ل يتزوج‬

‫ابن الرضيع منها لنها عمّته من الرضاعة ‪ .‬وهكذا إلى آخرة ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬يجوز للمرضع ‪ ،‬وأنسبائها اللئي عدّدنا أسماءهنّ التزوج من حواشي الرضيع ‪:‬‬

‫كأخيه ‪ ،‬ومن أصوله ‪ ،‬كأبيه ‪ ،‬وكعمّه ‪ ،‬لنهم أجانب عن المرضع وأنسبائها ‪.‬‬

‫‪197‬‬
‫الدليل على حرمة الرضاع ‪:‬‬

‫الصل في كل ما ذكرنا ‪ :‬القرآن ‪ ،‬والسنّة ‪:‬‬

‫خوَا ُتكُم مّنَ‬


‫لتِي َأ ْرضَ ْع َنكُمْ َوأَ َ‬
‫أما القرآن الكريم ‪ :‬فقول ال عز وجل ‪َ :‬وُأ ّمهَا ُتكُمُ ال ّ‬

‫الرّضَاعَةِ‬

‫[ النساء ‪] 23 :‬‬

‫‪ :‬فيما رواه البخاري ( ‪ ) 2553‬ومسلم ( ‪ ) 4144‬عن عائشة‬ ‫وأما السنّة ‪ :‬فقول النبي‬

‫‪ " :‬إن الرضاعة تُحرّم ما يَحرُم من الولدة "‪.‬‬ ‫رضي ال عنها ‪ :‬قال رسول ال‬

‫وفي رواية عند البخاري ( الشهادات ‪ ،‬باب ‪ :‬الشهادة على النساب …‪ ،‬رقم ‪) 2502 :‬‬

‫ومسلم ( الرضاع ‪ ،‬باب ‪ :‬تحريم ابنة الخ من الرضاعة ‪ ،‬رقم ‪ ) 1447 :‬عن ابن عباس‬

‫في بنت حمزة رضي ال عنه ‪ " :‬ل تحلّ لي ‪ ،‬يحرم من‬ ‫رضي ال عنهما قال ‪ :‬قال النبي‬

‫الرضاع ما يحرم من النسب ‪ ،‬هي بنت أخي من الرضاعة "‪.‬‬

‫فقد دلّت الية على أن المرضع تصبح بسبب الرضاعة ُأمّا للرضيع ‪ ،‬وأن ابنتها ‪ ،‬تصبح‬

‫أُختا له ‪.‬‬

‫وأما الحديثان فقد أوضحنا النتائج المترتبة على ذلك ‪ ،‬وهي ‪ :‬أن أُمومة الرضاع بمنزلة‬

‫أُمومة النسب ‪.‬‬

‫فكلّ مَن تحرم على الولد من أقارب أمه وأخته نسبيا ‪ ،‬تحرم عليه من أقارب أمه أو‬

‫أخته رضاعا ‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫شروط الرضاع المحّرم ‪:‬‬

‫ل يعتبر الرضاع موجبا للقرابة ‪ ،‬ومحرما للزواج ‪ ،‬إل إذا يؤثر فيه الشرطان التاليان ‪:‬‬

‫الشرط الول ‪ :‬أن يكون الرضيع لم يتم سنتين من عمره عند الرضاع ‪ .‬فإن أرضعته بعد أن‬

‫تجاوز الستين من العمر ‪ ،‬لم يُؤثر هذا الرضاع في التحريم ‪ ،‬ولم يُفد في القرابة شيئا ‪.‬‬

‫ح ْوَليْنِ كَا ِمَليْنِ ِلمَنْ َأرَادَ‬


‫ضعْنَ َأوْلَدَهُنّ َ‬
‫وَا ْلوَالِدَاتُ ُي ْر ِ‬ ‫ودليل ذلك قول ال عزّ وجلّ ‪:‬‬

‫[ لقمان ‪:‬‬ ‫وَ ِفصَالُهُ فِي عَا َميْنِ‬ ‫[ البقرة ‪ . ] 233 :‬وقول ال عزّ وجلّ ‪:‬‬ ‫أَن ُيتِ ّم الرّضَاعَةَ‬

‫‪. ] 14‬‬

‫[ والفصال ‪ :‬هو الفطام ‪ ،‬لنه يفصل فيه الرضيع عن أُمه ] ‪.‬‬

‫ويستدل لذلك من السنّة أيضا ‪ :‬بما رواه الدارقطني ( الرضاع ‪ )4/174‬قال رسول ال‬

‫حوْليْن " ‪.‬‬


‫‪ ":‬ل رضاعَ إل ما كان في ال َ‬

‫وروى الترمذي ( الرضاع ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء [ ما ذكر ] أن الرضاعة ل تحرم إل في‬

‫‪ ":‬ل يُحرّم‬ ‫الصغر …‪ ،.‬رقم ‪ )1152 :‬عن أم سلمة رضي ال عنها قالت ‪ :‬قال رسول ال‬

‫من الرضاعة إل فتقَ المعاء في الثدي ‪ ،‬وكان قبل الفطام "‪.‬‬

‫فتق المعاء ‪ :‬شقها وسلك فيها ‪ .‬في الثدي ‪ :‬في الثدي ‪ ،‬في زمن الرضاع ‪ ،‬قبل الفطام‬

‫[ لقمان ‪] 14:‬‬ ‫وَ ِفصَالُهُ فِي عَا َميْنِ‬ ‫‪ .‬والفطام يكون في تمام الحولين ‪ ،‬كما في قوله تعالى ‪:‬‬

‫وروى البخاري ( النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬مَن قال ل رضـاع بعـد حوليـن …‪ ،.‬رقم‬

‫‪ ، )4814 :‬ومسـلم ( الرضاع ‪ ،‬باب ‪ :‬إن الرضاعة من المجاعة ‪ ،‬رقم ‪ )1455 :‬عـن‬

‫‪199‬‬
‫دخل عليها وعندها رجل ‪ ،‬فكأنه تغير وجهه ‪ ،‬كأنه كره‬ ‫عائشة رضي ال عنها ‪ :‬أن النبي‬

‫ذلك ‪ ،‬فقالت ‪ :‬أنه أخي ‪ ،‬فقال ‪ ( :‬انظرن من إ خوانكن ‪ ،‬إنما الراضعة من المجاعة ) ‪.‬‬

‫أي تحرم الرضاعة إذا كانت في الزمن الذي يجوع فيه الطفل لفقدها ‪ ،‬ويشبع بها ‪ ،‬وهذا‬

‫ل يكون إل للصغير ‪.‬‬

‫الشرط الثاني ‪ :‬أن ترضعه خمس رضعات متفرقات ‪.‬‬

‫وتعتبر الرضاعة منفصلة ‪ ،‬أو غير منفصلة عن الخرى بالعُرف ‪ .‬فلو قطع الطفل‬

‫الرضاع إعراضا وشبعا ‪ ،‬كان ذلك رضعة مستقلة ‪ ،‬ولو قطعه للهو ‪ ،‬مثلً ‪ ،‬وعاد في الحال ‪،‬‬

‫أو تحول من ثدي إلى ثدي ‪ ،‬عُ ّد ذلك رضعة واحدة ‪.‬‬

‫دليل هذا الحكم ‪ :‬والدليل على ذلك ‪ :‬ما رواه مسلم ( الرضاع ‪ ،‬باب ‪ :‬التحريم بخمس‬

‫رضـعات ‪ ،‬رقم ‪ )1452 :‬عن عائشة رضي ال عنها ‪ :‬كان فيما نزل من القرآن ‪ :‬عشر‬

‫وهنّ فيما يقرأ‬ ‫رضعات معلومات يحرمن ‪ .‬ثم نسخن بخمس معلومات ‪ ،‬فتوفي رسول ال‬

‫من القرآن ‪.‬‬

‫‪ ،‬وبعض الناس مازال يتلوها قرآنا‬ ‫أي إن نسخها كان متأخرا ‪ ،‬حتى إنه توفي‬

‫‪ ،‬لنه لم يبلغه النسخ بعد ‪.‬‬

‫وروى مسلم ( الرضاع ‪ ،‬باب ‪ :‬في المصّة والمصّتان ‪ ،‬رقم ‪ )1451 :‬عن أم الفضل‬

‫قال ‪ " :‬ل تحرم الرضعة أو الرضعتان ‪ ،‬أو المصّة أو‬ ‫رضي ال عنها ‪ :‬أن نبي ال‬

‫المصّتان "‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫ما يترتب على قرابة الرضاع من أحكام ‪:‬‬

‫يترتب على القرابة الناشئة من الرضاع حكمان اثنان ‪:‬‬

‫‪1‬ـ حكم يتعلق بالحُرمة ‪2 .‬ـ حكم يتعلق بالحل ‪.‬‬

‫أما الحرمة ‪ :‬فتتعلق بالنكاح ‪.‬‬

‫وأما الحل ‪ :‬فيتعلق بالخلوة والنظر ‪.‬‬

‫فإذا نشأت قرابة الرضاع بين طرفين ‪ ،‬كان لهذه القرابة من التأثير على حرمة النكاح‬

‫علَت‬
‫مثل ما لقرابة النسب ‪ ،‬ويتفرع عنها كل ما يتفرع عن قرابة النسب من الثار ‪ .‬فأُمك وإن َ‬

‫‪ ،‬وبنتك وإن سَفلت ‪ ،‬وأُختك لبويك ‪ ،‬أو لحدهما ‪ ،‬وعمتك وإن بعدت ‪ ،‬وبنت الخ لبوين ‪،‬‬

‫أو لحدهما ‪ ،‬وبنت الخت لبوين ‪ ،‬أو لحدهما ‪ ،‬محرّمات عليك بسبب هذه القرابة التي‬

‫جاءت عن طريق النسب ‪.‬‬

‫فإن تولدت هذه القرابات عن طريق الرضاع ‪ ،‬ترتب عليها أيضا التحريم دون أيّ فرق‬

‫بينهما ‪.‬‬

‫وقد مضى بيان ذلك فل نعيده ‪.‬‬

‫وتتفرع عن قرابة النسب حُرمة المصاهرة ‪ ،‬كما هو معلوم ‪ .‬فأم الزوجة نسبا تحرم‬

‫على صهرها ‪ ،‬الذي هو زوج ابنتها ‪.‬‬

‫وكذلك بنت الزوجة نسبا ‪ ،‬وزوجة الب نسبا ‪ ،‬وزوجة البن نسبا ‪.‬‬

‫كلهنّ يحرمن على الزوج في المثال الول ‪ ،‬وعلى البن في المثال الثاني ‪ ،‬وعلى الب‬

‫في المثال الثالث ‪ .‬والسبب هو المصاهرة ‪.‬‬

‫‪201‬‬
‫فإذا نشأت هذه القرابات نفسها من رضاع ‪ ،‬أورثت الحكم ذاته ‪ ،‬بالنسبة‬

‫للمصاهرة ‪.‬‬

‫أي فأم الزوجة من رضاع تحرم على الزوج ‪.‬‬

‫وبنتها من رضاع تحرم عليه أيضا ‪.‬‬

‫وزوجة أبيك من رضاع ‪ ،‬وزوجة ابنك من رضاع محرّمتان عليك ‪.‬‬

‫والسبب المصاهرة التي ترتبت على قرابة الرضاع ‪ .‬واعلم أن دليل ذلك كله ‪ :‬هو‬

‫السابق ‪ " :1‬يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب "‪.‬‬ ‫قول النبي‬

‫رواه البخاري ( ‪ ، )2502‬ومسلم ( ‪ )1447‬عن ابن عباس رضي ال عنهما ‪.‬‬

‫هذا ما يتعلق بأثر التحريم المترتب على قرابة الرضاع ‪.‬‬

‫أما ما يتعلق بأثر الحل ‪:‬‬

‫فبيان ذلك ‪ :‬أن كل ما يحّل بينك وبين قريبة لك نسبا ممّن مضى ذكرهم ‪ ،‬يحلّ بينك‬

‫وبين مَن بينك وبينها رضاعة ‪ :‬فيحلّ بينهما النظر ‪ ،‬كما يحلّ ذلك بين الخ والخت من النسب‬

‫‪ ،‬وتحلّ بينهما الخلوة المحّرمة بين الجنبيين ‪ ،‬ويحلّ لها أن تسافر معه فوق ثلث ليالٍ ‪.‬‬

‫غير أن هذا الحكم ل يسوغ نظر القريب رضاعة إليها بشهوة ‪ ،‬أو نظرها إليه كذلك ‪.‬‬

‫لن هذا النظر محّرم حتى بين أقارب النسب ‪.‬‬

‫ولذلك فقد كره متأخرو الفقهاء إرضاع المرأة لغير طفلها بدون ضرورة وحاجة ‪.‬‬

‫انظر الدليل على حرمة الرضاع ( صفحة ‪. ) 207 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪202‬‬
‫كما أنهم كرهوا اختلط الذكور والناث الذي جمعتهم قرابة الرضاع ‪ ،‬وذلك بسبب ما‬

‫قد يتوصل به إلى شرور ومحّرمات مختلفة ‪ ،‬لضعف الوازع الديني ‪ ،‬ولعدم وجود الوازع‬

‫الفطري الذي يكون بين القريب والقريبة ‪.‬‬

‫سادسا ً ‪ :‬ثبوت النسب‬


‫ب‬ ‫الن َّ َ‬
‫س ُ‬
‫تمهيد ‪:‬‬

‫النسب ‪ :‬القرابة ‪ .‬والنسب أساس هام لحكام كثيرة متنوعة ‪:‬‬

‫كالرث ‪ ،‬والنكاح حلّ وحرمة ‪ ،‬والولية ‪ ،‬والوصية ‪ ،‬وغير ذلك ‪ .‬من أجل ذلك كان‬

‫لبدّ من بيان الدلئل التي يثبت بها النسب ‪ ،‬وضبطها بما ل يدع مجالً لريبة ‪ ،‬أو اضطراب‬

‫في طريق إثباتها ‪ .‬فكيف يثبت النسب بين شخصين ثبوتا ِشرعيا ‪ ،‬تترتب بموجبه الحكام‬

‫الشرعية المتعلقة به ؟ ‪.‬‬

‫مثبتات النسب ‪ :‬يثبت النسب شرعا بواحد من الموجبات التالية ‪:‬‬

‫الول ‪ :‬الشهادة ‪ :‬ويشترط في الشهادة رجلن ممّن توافرت فيهم شروط صحة الشهادة تحملً‬

‫وأداء ‪ ،‬وقد مّرت هذه الشروط في النكاح ‪ ،‬فل يثبت النسب بشهادة النساء ‪ ،‬ول بشهادة‬

‫رجل وامرأتين ‪ ،‬لن النسب فرع من النكاح ‪ ،‬والنكاح مما ل يطّلع عليه في الغالب إل‬

‫الرجال ‪ .‬فل تقبل شهادة النساء فيه ‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬القرار ‪ :‬وذلك بأن يقرّ الرجل أنه والد زيد مثلً ‪ ،‬أو أن يقرّ زيد بأنه ابن ذلك الرجل‬

‫شروط صحة القرار ‪:‬‬

‫‪203‬‬
‫وإنما يعتبر هذا الكلم من كلّ منهما ‪ ،‬ويعُدّ إقرارا ‪ ،‬إذا توفرت في الشروط التالية ‪:‬‬

‫‪1‬ـ أن ل يكذب هذا القرار الحسنَُ ‪ ،‬وذلك بأن يكونا في سن يمكن أن يكون هذا البن من‬

‫ذلك الب ‪.‬‬

‫فلو كان في سن ل يتصور أن يكون منه ‪ ،‬كأن كان مساويا له في السن لم يصحّ هذا‬

‫القرار ‪ ،‬ولم يثبت به نسب ‪ ،‬لتكذيب الحسّن له ‪.‬‬

‫‪2‬ـ أن ل يكذب هذا القرار الشرعُ ‪ .‬وتكذيب الشرع له ‪ :‬أن الولد المستلحق بالقرار معروف‬

‫النسب من غير المقّر ‪ ،‬لن النسب الثابت من شخص ل ينقل إلى غيره بالقرار ‪ ،‬سواء‬

‫صدّقة المستلحق أم غيره ‪.‬‬

‫ل للتصديق ‪ ،‬بأن يكون مكلفا ‪ ،‬لن‬


‫‪3‬ـ أن يصدّق المستحلقُ المقرٌَ‪ ،‬إن كان هذا المستلحق أه ً‬

‫له حقا في نسبه ‪ ،‬وهو أعرف به من غيره ‪.‬‬

‫‪4‬ـ أن ل يجّر المقر بهذا القرار نفعا إلى نفسه ‪ ،‬أو يدفع عنها به ضررا ‪ ،‬فإن استلزم واحدا‬

‫منهما ‪ ،‬لم يُعد يسمى كلمه إقرارا ‪ ،‬بل هو ادّعاء ‪ ،‬ول يقبل الدعاء إل إذا ثبت ببينه‬

‫من شهادة ونحوها ‪.‬‬

‫مثال ذلك ‪:‬‬

‫أن يقول عن شاب مات عن ثروة من المال ‪ :‬إنه ابني ‪ ،‬فل يقبل كلمه ‪ ،‬ول يعتبر‬

‫إقرارا ‪ ،‬ول شهادة ‪ ،‬لن القرار من شأنه أن يجرّ َمغْرما ‪ ،‬أو مسؤولية على المقرّ ‪.‬‬

‫ولن الشهادة إنما تعتبر حيث ل تستلزم نفعا للشاهد ‪ ،‬ول تدفع عنه ضررا ‪.‬‬

‫أنه ل تجوز شهادة الظّنين ‪.‬‬ ‫ودليل ذلك ما جاء عن رسول ال‬

‫‪204‬‬
‫الترمذي ( الشهادات ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء فيمن ل تجوز شهادته ‪ ،‬رقم ‪. )2299 :‬‬

‫والظنّين ‪ :‬المتهم ‪ .‬والجارّ إلى نفسه نفعا ‪ ،‬والدافع عنها ضررا متهمان ‪.‬‬

‫وإنما يدخل هذا الكلم عندئذ في الّدعاء ‪ ،‬والّدعاء ل يقبل إل إذا عزّرته البيّنة المعتبرة‬

‫شرعا ‪.‬‬

‫ومنها ‪ :‬أن يشهد شاهدان عدلن بصدق كلمه ‪.‬‬

‫الثالث ‪ :‬الستفاضة ‪ :‬وصورة الستفاضة ‪ :‬أن ينتسب الشخص إلى رجل ‪ ،‬أو قبيلة ‪ ،‬والناس‬

‫في تلك البلدة ينسبونه إلى ذلك الشخص ‪ ،‬أو تلك القبيلة ‪ ،‬دون وجود مخالف ‪ ،‬ودون أن يُحدّ‬

‫ذلك في فترة قصيرة من الزمن ‪.‬‬

‫فهذه الستفاضة تنزل منزلة الشهادة الصحيحة ‪ ،‬وتعتبر دليلً شرعيا على صحة المر ‪.‬‬

‫بشرط أن يكون الناس ـ الذين استفاض عنهم وبينهم ذلك ـ قد بلغوا من الكثرة مبلغا ‪،‬‬

‫يحيل العقل اتفاقهم على الكذب ‪.‬‬

‫والسبب في تنزيل الستفاضة في ثبوت النسب منزلة الشهادة الصحيحة ‪ :‬أن النسب من‬

‫سرَ إقامة البيّنة على ابتدائها ‪،‬‬


‫المور الثابتة المستمرة مع توالي الجيال ‪ ،‬فإذا طالت مدتها عَ ُ‬

‫فمسّت الحاجة إلى إثباتها بالستفاضة ‪.‬‬

‫إلى قبائلهم ‪ ،‬وأجدادهم ‪،‬‬ ‫وقد كان الصحابة رضي ال عنهم ينتسبون عند رسول ال‬

‫ـ يطالبهم بالشهود الذي يثبتون النكاح رؤية بالعين ‪ .‬بل كان يكتفي‬ ‫فما كان ـ‬

‫باستفاضة الخير بين الناس ‪ ،‬دون وجود مخالف ‪ .‬وكانت الحكام تبنى على ذلك ‪.‬‬

‫ثبوت الرضاعة ‪:‬‬

‫‪205‬‬
‫لقد علمت سابقا أن الرضاعة لها حكم النسب في التحريم ‪ .‬فكذلك لها حكم النسب في‬

‫طرق الثبوت ‪ .‬فتثبت الرضاعة من المثبتات الثلثة السابقة ‪:‬‬

‫الشهادة ‪ ،‬القرار ‪ ،‬الستفاضة ‪.‬‬

‫غير أن شهود الرضاعة ‪ ،‬ل يشترط فيهم أن يكونوا ذكورا ‪ ،‬كشهود النسب ‪.‬‬

‫بل تجوز في الرضاع شهادة النساء فقط ‪ ،‬لن الرضاعة مما يغلب أن تطلع عليها النساء‬

‫وبنا ًء على ذلك ‪ ،‬فالشهادة المقبولة في ثبوت الرضاع هي ‪:‬‬

‫أ ـ شهادة رجلين عدلين ‪.‬‬

‫ب ـ شهادة رجل عدل ‪ ،‬وامرأتين عادلتين ‪.‬‬

‫ج ـ شهادة أربع نسوة عادلت ‪.‬‬

‫الحكام المتعلقة بالنسب ‪:‬‬

‫إذا عرفت ما تقدم ‪ ،‬فاعلم أن هناك أحكاما كثيرة تترتب على ثبوت النسب بين شخصين‬

‫نذكر منها ما يلي ‪:‬‬

‫أولً ‪ :‬أحكام النكاح حلّ وحرمة‬

‫ثانيا ‪ :‬أحكام الفقه ‪ ،‬وتنسيق المسؤوليات المتعلقة بها ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬الولية ودرجاتها ‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬الميراث ‪ ،‬وتوزيع النصباء ‪ ،‬وتنسيق درجات الوارثين ‪.‬‬

‫خامسا ‪ :‬الوصية وأحكامها من صحة وبطلن ‪ ،‬فإن كثيرا من أسباب ذلك إنما يعود إلى‬

‫النسب ‪ ،‬وإلى معرفة ‪ :‬هل الموصى له وارث ‪ ،‬أو غير موروث ‪.‬‬

‫‪206‬‬
‫هذا عرض مختصر لهم الحكام المترتبة على ثبوت النسب ‪ .‬ومثل النسب في بعض‬

‫هذه الحكام الرضاع ‪.‬‬

‫أما مجال تفصيل هذه الحكام ‪ ،‬فإن لكلّ منا بابا خاصا به ‪ ،‬بعض هذه البواب قد مرّ‬

‫ذكرها ‪ ،‬وبعضها يأتي بحثه إن شاء ال تعالى ‪ ،‬وإننا نحيل إليه تفصيل القول في ذلك ‪ ،‬وال‬

‫سبحانه وتعالى أعلم ‪.‬‬

‫م الل ّ ِ‬ ‫َ‬
‫قيط ‪.‬‬ ‫حكَا ُ‬ ‫عا ‪ :‬أ ْ‬
‫ساب ً‬
‫َ‬
‫قي ُ‬
‫ط‬ ‫الل ّ ِ‬
‫تعريف اللقيط ‪:‬‬

‫اللقيط ‪ :‬على وزن فعيل ‪ ،‬بمعنى مفعول ‪ :‬كقتيل بمعنى مقتول ‪.‬‬

‫واللقيط ‪ ،‬والملقوط ‪ ،‬والمنبوذ ‪ :‬أسماء تطلق على الطفل الموجود مطروحا في شارع‬

‫ونحوه ‪ ،‬وليس َثمّة من يَدّعيه ‪.‬‬

‫الدلة على تشريع أخذ اللقيط ‪:‬‬

‫الصل في التقاطه وأخذه ‪ ،‬وتشريع أحكامه دلئل عامة كثيرة في القرآن والسنة ‪:‬‬

‫[ الحج ‪. ]77 :‬‬ ‫خ ْيرَ َل َعّلكُمْ تُ ْفلِحُونَ‬


‫وَا ْف َعلُوا الْ َ‬ ‫أما القرآن ‪ :‬فقول اله عزّ وجلّ ‪:‬‬

‫[ المائدة ‪ ] 2 :‬وقوله جلّ جلله في‬ ‫علَى الْبرّ وَالتّ ْقوَى‬


‫َو َتعَا َونُواْ َ‬ ‫وقوله سبحانه وتعالى ‪:‬‬

‫[ المائدة ‪. ] 32 :‬‬ ‫جمِيعا‬


‫حيَا النّاسَ َ‬
‫حيَاهَا َفكََأ ّنمَا أَ ْ‬
‫َومَنْ أَ ْ‬ ‫النفس البشرية ‪:‬‬

‫وأما السنّة ‪ :‬فما رواه مسلم ( ال ِذكْر والدعاء والتوبة ‪ ،‬باب ‪ :‬فضل الجتماع على تلوة‬

‫‪ " :‬من نفّس عن‬ ‫قال ‪ :‬قال رسول ال‬ ‫القرآن ‪ ،..‬رقم ‪ ) 2699 :‬وغيره عن أبي هريرة‬

‫‪207‬‬
‫مؤمن كربة من كرب الدنيا ‪ ،‬نفّس ال عنه كربة من كرب يوم القيامة ‪ ،‬ومَن يسّر على معُسر‬

‫يسّر ال عليه في الدنيا والخرة ‪ ،‬ومَن ستر مسلما ‪ ،‬ستره ال في الدنيا والخرة ‪ ،‬وال في‬

‫عون العبد ما كان العبد في عون أخيه "‪.‬‬

‫وروى البخاري ( الدب ‪ ،‬باب ‪ :‬فضل مَن يعول يتيما ‪ ،‬رقم ‪ )5679 :‬عن سهل بن‬

‫‪ ":‬أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا " وأشار بإصبعيه ‪ :‬السبّابة‬ ‫قال ‪ :‬قال رسول ال‬ ‫سعد‬

‫والوسطى إشارة إلى شدّة القرب بينهما ‪.‬‬

‫وروى الترمذي ( البّر والصلة ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في رحمة الناس ‪ ،‬رقم ‪) 1923 :‬‬

‫‪ ":‬مَن ل يرحمِ الناس ل يرحمْه ال "‪.‬‬ ‫قال ‪ :‬قال رسول ال‬ ‫وغيره عن جرير بن عبدال‬

‫حكم أخذ اللقيط ‪:‬‬

‫إذا وجد لقيط بقارعة الطريق ‪ ،‬ول كافل معلوم له ‪ ،‬فأخذه وتربيته وكفالته ‪ ،‬فرض على‬

‫الكفاية ‪ ،‬على كلّ مَن وجده ‪.‬‬

‫فإذا أهمل ‪ ،‬وبقي في مكانه الذي وجد فيه ‪ ،‬أثم جميع أهل تلك البلدة ‪ ،‬أو المنطقة ‪ ،‬أو‬

‫القرية الذي عملوا بوجوده ‪.‬‬

‫وإذا التقطه أحدهم ‪ ،‬واهتم بتربيته ‪ ،‬والنظر في شأنه ‪ ،‬ارتفع الثم عن الجميع ‪.‬‬

‫لرْضِ َفكََأ ّنمَا‬


‫ودليل ذلك قول ال عزّ وجلّ ‪َ :‬أنّهُ مَن َقتَلَ نَفْسا ِب َغ ْيرِ نَ ْفسٍ َأوْ فَسَادٍ فِي ا َ‬

‫[ المائدة ‪ ] 32 :‬وقتل النفس كما‬ ‫جمِيعا‬


‫حيَا النّاسَ َ‬
‫حيَاهَا َفكََأ ّنمَا َأ ْ‬
‫جمِيعا َومَنْ أَ ْ‬
‫َقتَلَ النّاسَ َ‬

‫يكون بالعتداء اليجابي على حياتها ‪ ،‬فإنه يكون بمنع المسعفات عنها ‪ ،‬مع قدرته على ذلك ‪.‬‬

‫الشهاد على أخذ اللقيط ‪:‬‬

‫‪208‬‬
‫ومَن وجد طفلً مطروحا في مكان ‪ ،‬وأخذه ليكفله ويربيّه ‪ ،‬وجب عليه أن يشهد على‬

‫التقاطه ‪ ،‬وأخذه ‪ ،‬حفاظا على حريته ‪ ،‬ونسبه ‪ ،‬ويجب الشهاد أيضا على ما معه من مال ‪ ،‬إن‬

‫ق اللقيط في ماله ‪ ،‬ولو كان الملتقط عدلً أمينا‬


‫وجد الملتقط معه مالً ‪ .‬دفعا للتهمة ‪ ،‬وضمانا لح ّ‬

‫شروط بقاء اللقيط مع ملتقطه ‪:‬‬

‫كان ما ذكرنا سابقا هو حكم أخذ اللقيط ‪ ،‬وقد علمت أنه فرض كفاية على جميع‬

‫المسلمين حيث وجد اللقيط ‪ ،‬دون قيد أو شرط ‪.‬‬

‫فإذا أخذ اللقيط واحد من الناس أيا كان ‪ ،‬فقد ارتفع بذلك الفرض الكفائي عن سائرهم ‪.‬‬

‫إل أنه ل يجوز إبقاء اللقيط عند هذا الذي التقطه إل بشروط أربعة ‪:‬‬

‫الشرط الول ‪ :‬السلم ‪ :‬فل يقّر اللقيط عند الكافر ‪ ،‬إل إذا كان اللقيط محكوما بكفره ‪ ،‬كأن‬

‫عرف بطريقة ما أن أبويه كافران ‪ ،‬فل مانع عندئذ من إبقائه عنده ‪.‬‬

‫الشرط الثاني ‪ :‬العدالة ‪ :‬فل يجوز إبقاء اللقيط عند مَن عُرف بالفسق ‪ ،‬ويعطى لمن ثبتت عدالته‬

‫وأمانته ‪.‬‬

‫الشرط الثالث ‪ :‬الرشد ‪ :‬فلو التقطه غير رشيد ‪ ،‬بأن كان دون سن الرشد ‪ ،‬انتزع منه ‪ .‬ومنه‬

‫السفيه الذي طرأ عليه السفه بعد الرشد ‪ ،‬إذا كان محجورا عليه ‪ ،‬فل يجوز إقرار اللقيط‬

‫عنده ‪.‬‬

‫الشرط الرابع ‪ :‬القامة ‪ :‬فلو عزم الملتقط على السفر به إلى مكان ما ‪ ،‬وجب انتزاعه منه ‪،‬‬

‫إذ ل يؤمن أن يسترقّه ‪ ،‬أو يغدر به ‪.‬‬

‫‪209‬‬
‫وإنما يراعي هذه الشروط ‪ ،‬ويُبقى أو ينتزع اللقيط على أساسها القاضي أو الحاكم وليّ‬

‫له ‪.‬‬

‫فلبدّ أن يكون هو المُحكّم في ولية الملتقط ‪ ،‬والنظر في صلحيته لذلك ‪.‬‬

‫نفقات اللقيط ‪:‬‬

‫إذا أخذ أحد اللقيط ‪ ،‬وأُقر في يده ‪ ،‬لتوفر الشروط التي ذكرناها فيه ‪ ،‬فإنه ينظر‬

‫‪:‬‬

‫‪1‬ـ فإما أن يكون في حوزة اللقيط مال ‪.‬‬

‫‪2‬ـ أو ليس في حوزته مال ‪.‬‬

‫فإن وجد في حوزته مال ‪ ،‬اعتبر هذا المال ملكا له ‪ ،‬لنه صاحب اليد عليه ‪ ،‬ول يوجد‬

‫منازع فيه ‪ ،‬وأنفق عليه من ماله ‪ .‬وعندئذ ينفق الحاكم عليه من ذلك المال ‪ ،‬وذلك بأن يأذن‬

‫للملتقط الذي يرعى شأنه ‪ ،‬بأن يصرف منه على مصالحه ‪ ،‬واحتياجاته ‪ .‬فلو استقل الملتقط‬

‫بالنفاق على اللقيط من ذلك المال ‪ ،‬دون إذن للحاكم ‪ ،‬أو القاضي ‪ ،‬ضمن ذلك المال ‪ ،‬وكلّف‬

‫برد قدره إلى حوزة الطفل ‪.‬‬

‫كما لو كان لليتيم وديعة عند الولي ‪ ،‬فصرف الوليّ الوديعة عليه بدون إذن‬

‫الحاكم ‪ ،‬فإنه يضمنها ‪ ،‬ويكلّف بإعادة مثلها ‪ ،‬أو قيمتها إلى حوزة اليتيم ‪.‬‬

‫وإنما توقف صرف هذا المال على إذن الحاكم ‪ ،‬لن ولية المال ل تثبت لقريب ‪ ،‬غير‬

‫الب والجد ‪ ،‬فضلً عن الجنبي الذي ل تربطه بالطفل أي قرابة ‪.‬‬

‫‪210‬‬
‫ي المطلق لكل مَن ل وليّ له ‪ ،‬كان هو المرجع في التصرفات‬
‫ولما كان الحاكم هو الول ّ‬

‫المختلفة بماله ‪.‬‬

‫فإما أن ينفق هو عليه مباشرة ‪ ،‬أو يأذن بالنفاق منه للملتقط الذي استحق الولية عليه ‪.‬‬

‫نفقة اللقيط في بيت المال إن لم يكن لديه مال ‪:‬‬

‫وإن لم يوجد في حوزة اللقيط مال ‪ ،‬فنفقة ‪ ،‬وجوبا في بيت مال المسلمين ‪ ،‬من سهم‬

‫المصالح العامة ‪ ،‬لن بيت المال مرصود لذلك ‪.‬‬

‫وقد روي ‪ :‬أن عمر بن الخطاب رضي ال عنه استشار الصحابة في نفقة اللقيط ‪،‬‬

‫فأجمعوا على أنها في بيت المال ‪.‬‬

‫‪ ":‬من ترك مالً فلورثته ‪،‬‬ ‫ويدخل اللقيط ـ إذا لم يكن له مال ـ في عموم قول النبي‬

‫ومن ترك كل فإلي "‪ .‬وفي رواية ‪ ":‬ومن ترك دينا أو ضياعا فليأتني ‪ ،‬فأنا موله "‪.‬‬

‫رواه البخاري ( الستقراض ‪ ،‬باب‪ :‬الصلة على مَن ترك دينا ‪ ،‬رقم ‪2268 :‬ـ ‪، )2269‬‬

‫‪.‬‬ ‫ومسلم ( الفرائض ‪ ،‬باب ‪ :‬من ترك مالً فلورثته ‪ ،‬رقم ‪ ) 1619 :‬عن أبي هريرة‬

‫[ والمراد بالكل ‪ :‬العيال الفقراء ‪ .‬ضياعا ‪ :‬ضائعا ليس له شيء ‪ .‬فإلّي ‪ :‬أنا أعوله وأُنفق‬

‫عليه ] ‪.‬‬

‫هل يرجع الحاكم بالنفقة على اللقيط إذا كبر ؟‬

‫هذا ‪ ،‬ول يرجع الحاكم بهذه النفقة التي أنفقها على اللقيط من بيت مال المسلمين ‪ ،‬عند‬

‫كبر اللقيط وغناه ‪ ،‬لنه هذه النفق ل تُصرف عليه دينا ‪ ،‬بل استحقاقا ‪ ،‬كما ينفق الزوج على‬

‫زوجته ‪ ،‬والوالد على أولده "‪.‬‬

‫‪211‬‬
‫حكم النفقة على اللقيط إذا لم يكن في بيت المال مال ‪:‬‬

‫وإذا لم يكن في بيت مال المسلمين ما يكفي لنفقات اللقيط ‪ ،‬لكثرة اللقطاء مثلً ‪ ،‬أو‬

‫لوجود مصارف أهم من النفاق على اللقطاء ‪ ،‬وجب على الحاكم أن يستقرض من الغنياء ‪،‬‬

‫على ذمة الدولة ‪ ،‬ما يكفي لسدّ حاجات اللقيط ‪ ،‬ويسدّد القرض لصحابه عند اليسر ‪.‬‬

‫الهتمام باللقيط ‪:‬‬

‫لحظت من خلل الحكام التي ذكرناها ‪ ،‬أن الشّارع جلّ جلله ‪ ،‬يضع مسؤولية رعاية‬

‫اللقطاء ‪ ،‬وتربيتهم والعناية بهم في أعلى درجات الخطورة والهمية ‪.‬‬

‫فالمسلمون كلهم آثمون إن ضُيع بينهم لقيط واحد ‪.‬‬

‫والدولة آثمة أيضا ‪ ،‬إن هي أهملت النظر في أمره ‪ ،‬ولم تعوضّه عن رعاية الوالد ‪،‬‬

‫وحنان الم ‪ ،‬بالقدر الممكن ‪ ،‬ويفرض الدّين على الدولة أن تستقرض من أغنياء‬

‫المسلمين ‪ ،‬إن هي أعسرت ‪ ،‬ولم تجد سبيلً للنفاق عليه ‪.‬‬

‫تربية اللقيط ل تسوّغ تبنَيه ‪:‬‬

‫هذا الترغيب في تربية اللقيط ‪ ،‬والهتمام به ل يسوّغ تبنّيه ‪ ،‬واختلقَ نسب بين اللقيط ‪،‬‬

‫وأي رجل أو امرأة من الناس ‪ ،‬مربيا كان أو غيره ‪.‬‬

‫لقد فصل الشّارع بين المرين فصلً حاسما ‪:‬‬

‫أما الرعاية ‪ ،‬والعناية ‪ ،‬والتربية ‪ ،‬فكل ذلك واجب ‪ ،‬ومصدر ذلك الخوة السلمية ‪،‬‬

‫والرحم النساني ‪ .‬وأما التبني ‪ ،‬وهو ما نعبر عنه ‪ :‬باختلق النسب ‪ ،‬فمحرم باطل ‪ .‬لن‬

‫مصدر النسب ولدة أو نكاح ‪ ،‬وليس بين اللقيط ومن يريد أن يتبناه شيء من ذلك ‪.‬‬

‫‪212‬‬
‫ولن البنّوة لها حق في الميراث ‪ ،‬وعليها واجب في ذلك ‪ ،‬ولها حق في النفاق ‪،‬‬

‫وعليها واجب في ذلك ‪.‬‬

‫ولنها أساس في تحريم النكاح ‪ ،‬وحلّ النظر والخلوة والختلط ‪ .‬فإذا قيس التبني عليها‬

‫‪ ،‬وجاز اعتبار اللقيط ابنا لمن تبناه ‪ ،‬كان في ذلك ظلم لمن سيشركهم في ميراثهم ‪ ،‬وظلم له‬

‫ولورثته الحقيقيين عندما يتقاسم أقاربه المزيفون ميراثه من دونهم ‪ ،‬أو يشاركونهم فيه ‪.‬‬

‫وكان في ذلك ظلم للخُلق والفضيلة عندما يفرض قانون الخوة بينه وبين من ليست أختا‬

‫له بحال ‪ ،‬أن يخالطها مخالطة الشقيق ‪ ،‬وهو أجنبي عنها ‪ ،‬ويمنع حقّه في الزواج منها ‪ ،‬وهي‬

‫غير محّرمة عليه ‪.‬‬

‫من أجل ذلك كله حرّم ال تعالى التبنّي ‪ ،‬الذي هو اختلق نسب غير موجود ‪ ،‬ثم‬

‫إعطاؤه جميع الحقوق والحكام الثابتة لرابطة النسب ‪.‬‬

‫وشرّع الدين ما يُعني عن التبنّي ‪ ,‬ويحقّق مصلحة اللقيط ‪ ،‬وهو مبدأ الرعاية‬

‫والعناية ‪ ،‬والتربية له ‪ .‬وحمل المسلمين في ذلك أخطر المسؤوليات ‪ ،‬وأهمها ‪.‬‬

‫‪213‬‬
‫دليل حُرمة التبنّي ‪:‬‬

‫جوْفِهِ‬
‫ل اللّهُ ِلرَجُلٍ مّن َق ْل َبيْنِ فِي َ‬
‫جعَ َ‬
‫مّا َ‬ ‫ويدّل على حُرمة التبنّي ‪ ،‬قول ال عزّ وجلّ ‪:‬‬

‫عيَاءكُمْ َأ ْبنَاءكُمْ َذِلكُمْ َق ْوُلكُم‬


‫جعَلَ أَدْ ِ‬
‫جكُ ُم اللّائِي تُظَا ِهرُونَ ِم ْنهُنّ ُأ ّمهَا ِتكُمْ َومَا َ‬
‫جعَلَ َأ ْزوَا َ‬
‫َومَا َ‬

‫سبِيلَ{‪ }4‬ادْعُوهُمْ لِآبَا ِئهِمْ ُهوَ أَقْسَطُ عِن َد اللّهِ فَإِن لّمْ َت ْعَلمُوا‬
‫بِأَ ْفوَا ِهكُمْ وَاللّهُ يَقُولُ الْحَقّ وَ ُهوَ َيهْدِي ال ّ‬

‫جنَاحٌ فِيمَا أَخْطَ ْأتُم بِهِ َوَلكِن مّا َت َعمّ َدتْ ُقلُو ُبكُمْ‬
‫عَل ْيكُمْ ُ‬
‫خوَا ُنكُمْ فِي الدّينِ َو َموَالِيكُمْ َوَليْسَ َ‬
‫آبَاءهُمْ َفإِ ْ‬

‫[ الحزاب ‪4 :‬ـ ‪. ]5‬‬ ‫ن اللّهُ غَفُورا رّحِيما‬


‫َوكَا َ‬

‫انحراف وعود إلى الجاهلية ‪:‬‬

‫هذا ولقد عاد الناس أدراجهم إلى الجاهلية ‪ ،‬فنجد بعض أولئك الذين لم يولد لهم يذهبون‬

‫إلى دور اللقطاء ‪ ،‬فيختارون لقيطا يدعونه ولدا ‪ ،‬ويثبتون نسبه لهم في السجلت المدنية ‪،‬‬

‫ل ويرتكبون أسوء ما نهى ال عنه من تحليل الحرام وتحريم‬


‫فيقعون في معصية ال عزّ وج ّ‬

‫الحلل ‪ ،‬إذ يخالفون صريح القرآن وصحيح السنّة في تحريم التبني ومنعه ‪ ،‬بل إن ما يفعله‬

‫هؤلء أشد مما كان يفعله أهل الجاهلية لن أولئك كانا يعلنون أن هذا متبنى وليس بولد‬

‫حقيقي ‪ ،‬بينما هؤلء الناس يطمسون الحقيقة ويدّعون أنه ولد حقيقي لهم ‪ ،‬وبهذا يُدخلون على ا‬

‫لسرة من ليس منها ‪ ،‬فيخالط هذا الدعي النساء الجنبيات في السرة المدعية على أنهنّ‬

‫محارم له ‪ ،‬ويمنع من الزواج منهنّ على أساس ذلك ‪ ،‬ينما هنّ حلل له ‪ ،‬وإنما يحرم عليه‬

‫مخالطتهنّ العيش معهنّ كمحارم ‪.‬‬

‫‪214‬‬
‫وأيضا بسببه يُحرم من الميراث مستحقّه ‪ ،‬ويأخذ هو مال غيره بالباطل ‪ ،‬وما إلى ذلك‬

‫من مفاسد يقع فيا هؤلء الجهّال العصاة ‪ ،‬عن سوء قصد أو بدون قصد ‪ ،‬فيقعون في غضب‬

‫ال تعالى ‪ ،‬ويستحقون شديد عقابه يوم القيامة ‪ ،‬وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ‪.‬‬

‫وال تعالى المسؤول أن يسدّد خطانا لما فيه مرضاته ‪ ،‬والحمد ل ربّ العالمين ‪.‬‬

‫*************‬

‫‪215‬‬
‫فهــــــــرس‬
‫الصفحــة‬
‫‪1‬‬ ‫مقدمة ‪--------------------------------------- :‬‬

‫‪2‬‬ ‫أولً ‪ :‬النكاح وما يتعلق به وما يشبهه ‪------------------- :‬‬

‫‪2‬‬ ‫تمهيد ‪--------------------------------------- :‬‬

‫‪3‬‬ ‫النكاح ‪ :‬تعريفه ‪ ،‬مشروعيته و حكمه والترغيب به ‪------------ :‬‬

‫‪8‬‬ ‫حكم النكاح شرعا ‪-------------------------------- .‬‬

‫‪10‬‬ ‫مكانة السرة في السلم ورعايته لها ‪--------------------.‬‬

‫‪14‬‬ ‫النساء اللتي يحرم نكاحهن ‪-------------------------- .‬‬

‫‪22‬‬ ‫حكم تعدد الزوجات والحكمة من مشروعيته ‪---------------- .‬‬

‫‪27‬‬ ‫مقدمات الزواج ‪ :‬صفات الزوجين ‪ ،‬الخطبة ‪---------------- .‬‬

‫‪41‬‬ ‫أركان عقد النكاح والتعريف بكل ركن ‪ ،‬وبيان شروطه ‪--------- .‬‬

‫‪63‬‬ ‫الصداق ‪ :‬أحكامه ـ المتعة ـ المغالة في المهور ‪----------- .‬‬

‫‪78‬‬ ‫عقد الزواج ‪ ،‬وما يترتب عليه ‪----------------------- .‬‬

‫‪81‬‬ ‫سنن عقد الزواج ‪-------------------------------- .‬‬

‫‪83‬‬ ‫الوليمة ‪-------------------------------------- .‬‬

‫‪88‬‬ ‫القسم بين الزوجات وما يتعلق بذلك ‪--------------------- .‬‬

‫‪92‬‬ ‫النشوز ‪------------------------------------- .‬‬

‫‪216‬‬
‫‪97‬‬ ‫العيوب التي يترتب عليها فسخ النكاح والثار المترتبة على ذلك ‪----- .‬‬

‫‪103‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬الطلق وما يتعلق به ويشبهه ‪--------------------- .‬‬

‫‪103‬‬ ‫الطلق ‪ :‬تعريفه ومشروعيته وأنواعه ‪-------------------- .‬‬

‫‪114‬‬ ‫الخلع و أحكامه ‪---------------------------------- .‬‬

‫‪116‬‬ ‫شروط صحة الطلق ووقوعه ‪------------------------ .‬‬

‫‪126‬‬ ‫أحكام الرجعة ‪----------------------------------- .‬‬

‫‪130‬‬ ‫مشبهات الطلق ‪---------------------------------- .‬‬

‫‪131‬‬ ‫اليلء ‪---------------------------------------- .‬‬

‫‪133‬‬ ‫الظهار ‪--------------------------------------- .‬‬

‫‪137‬‬ ‫اللعان ‪--------------------------------------- .‬‬

‫‪144‬‬ ‫العدة ‪---------------------------------------- :‬‬

‫‪155‬‬ ‫ثالثا ‪ :‬النفقات وما يتعلق بها ‪------------------------- .‬‬

‫‪155‬‬ ‫النفقات ‪-------------------------------------- .‬‬

‫‪178‬‬ ‫رابعا ‪ :‬الحضانة ‪--------------------------------- .‬‬

‫‪188‬‬ ‫خامسا ‪ :‬الرضاع وأحكامه ‪--------------------------- .‬‬

‫‪188‬‬ ‫الرضاع ‪-------------------------------------- .‬‬

‫‪198‬‬ ‫سادسا ‪ :‬ثبوت النسب ‪------------------------------ .‬‬

‫‪202‬‬ ‫سابعا ‪ :‬أحكام اللقيط ‪-------------------------------- .‬‬

‫‪217‬‬
‫‪202‬‬ ‫اللقيط ‪--------------------------------------- .‬‬

‫‪213‬‬ ‫الفهرس ‪---------------------------------------‬‬

‫‪218‬‬

You might also like