Professional Documents
Culture Documents
عودة التاريخ
-النتربولوجية المعرفية العربية
/دراسة في الناسة المعرفية العربية التاريخية -اللغوية
ووحدتها/
الجزء الول
ÍÊì ÇáÃáÝ ÇáËÇäí ÞÈá ÇáãíáÇÏ
-2-
الدكتور جمال الدين الخضور
عــودة الـتـاريـخ
-النتربولوجية المعرفية العربية
/دراسة في الناسة المعرفية العربية
التاريخية -اللغوية ووحدتها/
0
الجزء الول
ÍÊì ÇáÃáÝ ÇáËÇäí ÞÈá
ÇáãíáÇÏ
دراســــــــة
-3-
-4-
ÇáÝÕá ÇáÃæá
ãÞÏãÉ Ýí ÇáÃäÊÑÈæáæÌíÉ
-5-
المعرفي التالي للعروبة ،والذي ،شكلّ مع اللغة العربية تكوينا بنائيا أناسيا احتوى
في صل ب ارتقائه الطر العامة لما سبقه من تكوينات ميثولوجية وثيولوجية
ومظاهر توحيدية بحيثيّاتٍ أرقى.
لذلك لم تكن الرؤى الستشراقية التي نظر إليها كتكوين مقدّس إلّ منظومة
أيدلوجي ة هدف ت بالضرور ة إل ى مس خ الشخصي ة العربي ة ف ي وجهٍ صحراويّ
جاف ،خرج للتاريخ منذ ألف ونيفٍ من السنين فقط ،وتشوّهت سلسلة تاريخية
ودفعته بعبثي ة مرعبة هادفة إل ى خلخلة وحدة البنية الثقافي ة المعرفي ة العربية
وتشويه جذروها التاريخية العميقة في تقسيم للشعب العربي ليستند إلى تأسيس
علمي ،وغير قابل للخضوع للبحث العلمي أصلً.
ولقد بدأ ذلك بالتعبير عن منظومته اليديولوجية في فكر شلوتسر عندما
صاغ صفة " السامي" في مؤلفه المعروف والموسوم ب " فهرس الدب الشرقي
والتوراتي" عام .1781فقسم العرب إلى ساميين وحاميين ،ووضع خطوطا خاصة
لدخول اليافثيين " الريين" بطريقة أو أخرى إلى نسيج المنطقة ليخلخل بنيتها
الناسية الواحدة بهدف التأسيس اللحق والسافر لعقد النتماءات الثقافية " بل
والعرقية " لشعو ب " المنطق ة العربية ،وصولً للتبري ر اليدلوج ي التال ي في
المشاريع السايكس بيكويه وزرع الكيان الصهيوني لحقا.
وهكذا استقبلنا وتقبلنا تاريخنا كما كتبه الخرون ،بدون أدنى شك بما قدمه
لنا المستشرقون ،حتى بعد المكتشفات الركيولوجية التي تكثّفت في القرن التاسع
عش ر وبشك ل خا ص في نهاي ة القر ن العشرين ،والت ي ل م تخض ع حت ى الن
لدراسة أكاديمية مقارنة تعيد إظهار الحقيقة كما هي ،وتزيل ماتراكم عليها من
غبار الستشراق والزمن ،وتعتيم اليديولوجية المركزية الوربية ،والتي قدمت
لنا تاريخينا كما تشتهي هي ،وليس كما هو في واقع الحال.
فقدّم لنا أرنست رينان بأن الشوريين كانوا بالتأكيد ساميين ،أما الكلدانيون
فمن المستحيل معرفة من هم ومن أين أتوا!!!! أما المصريون فيقدمهم أحباشا أو
أنصاف ساميين أو مهجّنين عن الحاميين أو الفارقة البيض ،ويذهب بعضهم إلى
اعتبا ر أ ن القبائ ل السامية /بع د العترا ف البده ي م ن وجه ة نظره م بصحة
التسمية /قد هاجر ت إل ى آسي ا الغربية " ويقصدون الشر ق العربي وكأن هذه
المنطقة كانت خالية من الشعب العربي!!!!!
" وإنّها لميزة يمتاز بها جميع هؤلء الخبراء الذين ليتفقون فيما بينهم ،على
-6-
شيء ،إل على أمر واحد -وياللغرابة -إنه هو التعبير " سامي" الذي يتفقوا أبدا
على محتواه .إننا باختصار في جهل مطبق ،جهل علمي ،متفق عليه .وأن المر
سيكون بسيطا جدا فيما لو أننا تكلمّنا بدلً عن الساميين ،البطال المختلقين من
أصلٍ خيالي ...،لو أننا تكلّمنا عن العرب ،ذلكم الشعب الحقيقي والذي يمتلك
وجودا اجتماعيا مستمرا ،وجودا ثقافيا ولغويا يعطي حياة وتوازنا لهذا البحر
المتوسط منذ عدة آلف من السنين ..إن لغة واحدة مكتوبة ومتخاطب بها قد
انته ت إل ى فرض نفسه ا وتغطية هذ ا المجمو ع الكبير :إنها اللغ ة الرامي ة "
والغريقي ة تابعتها " والملحق ة بها ..ثم تطور ت الرامي ة منذئذٍ طبيعيا ،ودون
معارضة ،إلى اللغة العربية التي وجدت نفسها منذ ذلك الحين وارثة الماضي
المصري والكنعاني ...والبابلي .هاهوذا المعيار الدقيق للثقافة العربية أمّ الثقافة
الهيلينستية والموحية بها والتي شكّلت عقلها وقوانينها(.)2
فما هي المعطيات الناسية التي من الواجب مقاربتها بمنطقية وحيادية،
تأسيسا علميا دقيقا لكشف التزييف اليديولوجي الذي يركب صهوته الستشراق،
الذي كان من أهم مهماته زرع البنية التركيبية لثقافتنا كبديهة تقتضي بالضرورة
تناول اليديولوجيا اليهودية -الصهيونية بنصوصها التلفيقية كإحدى العلمات
الملزمة لتاريخنا العربي؟
لذلك سنبدأ بحثنا في التاريخ الناسي " النتروبولوجي" للوطن العربي منذ
عصر الباليوليث الدنى وحتى فجر التاريخ مع نهاية اللف الرابع قبل الميلد.
ث م سننطل ق لبح ث الوحد ة اللغوي ة للبنا ء الناس ي العرب ي عب ر قراء ة مقارنة
تأسيسي ة للهجا ت اللغ ة العربي ة الت ي كان ت سائد ة عل ى كام ل مساح ة الوطن
العربي .نع ّرجُ بعد ذلك على المفاصل المفقودة" أيديولوجيا" في التأصل التاريخي
والناسي للمظاهر الحضارية للوحدة المعرفية التاريخية العربية.
وبالضرورة لبد أن تدرس البنية الميثولوجية الواحدة في تطورها التاريخي
من ذ عصو ر م ا قب ل التاري خ وحت ى الرسال ة السلمي ة ف ي تسلس ل تاريخي
ثيولوجي -ثقافي علمي.قاصدين بذلك كشف التأسيس الناسي لوحدتنا التاريخية
عب ر وحد ة الخيا ل والذاكر ة الجمعيي ن العربية ،ووحد ة التاري خ الجغرافي،
والجغرافي ة التاريخية ،وبالتال ي وحد ة اللغة ،والسيكولوجي ا الجمعية ،وصولً
للتأسيس التلقائي التالي للهوية القومية العربية الناجزة تاريخيا ،بما يقدمه ذلك
من ارتكاز متين لنجاز المشروع النهضوي العربي عبر طموحه للوصول إلى
الدولة الوطنية العربية الواحدة على كامل التراب العربي.
-7-
لذل ك قمن ا بتقسي م التاري خ العرب ي إل ى مجموع ة مترابط ة متواشج ة من
المراحل ،يظهر فيها التاريخ اشتراطيا لن عملية الفصل بين مرحلة وأخرى
مستحيل ة خصوصا عندم ا نستن د ف ي قراءتن ا عل ى التأسي س المعرف ي بمعناه
الشمولي بما يملك من علقة وطيدة بمفهوم التأسيس الناسي الثقافي.
فاللغ ة ليمك ن أ ن تخل ق للتو ،ف ي لحظ ة معينة ،إنه ا منظوم ة سيرورية
اجتماعية تاريخية ...كما أن البنى الحضارية متداخلة ،لدرجة ليمكن أن نفصل
أو نميز في البناء الميتولوجي أو الحضاري أو غيره للبابليين عن الشوريين أو
عن الكنعانيين أو عن الليبيين أو عن اليمانيين أو الحبشيين أو المصريين ...الخ
كم ا أنن ا لنستطي ع إيجا د تحدي د معي ن لمفهو م المخيا ل الجمع ي ف ي مراحل
السللت الولى ونفصله عما سبقه أو تله.مثله مثل الحالة الفينيقية /الكنعانية/
التي ليمكن دراسة منظومة الذاكرة الجمعية والميثولوجية فيها بمعزل عن البنية
الناسية العامة المعرفية والثقافية " لشقيقاتها العروبيات في زمن معين وواقع
تاريخي وجغرافي معزول ،فكيف بنا باللغة وبعلقتها بالبنية الناسية المعرفية
العامة!!؟
وقبل أن يستعجل القارئ بحكمه على العمل ،لبدّ من المتابعة ،لبهذا الجزء
فقط ،بل بما سيتلوه من دراسات متتابعة ومكمّلة تشكل قراءة معرفية مقارنة
حيادية لتاريخنا العربي .فالمتابع لهذا التاريخ يدرك عناصر التواصل والتداخل
والتواشج المكونة لبنية واحدة غير منقطعة لبالمفهوم" أو بالقياس" الشاقولي ،ول
بالقيا س الفقي .وأعن ي بالشاقول ي البني ة الهرمي ة الحلزوني ة الشامل ة للناسة
العربية معرفيا وحضاريا وثقافيا ،قياسا تناسبيا مع الحلزون الزمني بمفهوميه
الفيزيائي ،والجتماعي .وأما الفقي فلقد قصدت به الرافعة الجغرافية -التاريخية
لمتداد ،وسعة رقعة النتشار العروبي -العربي .وهذا التكامل بين البعاد يجعل
من المستحيل بمكان لي باحث أو قارئٍ ،ولما سيكتشفه من وحدة مترابطة
ل عبر المنهج الشتراطي .أي الذي يستطيع أن العناصر ،أن يجزئ هذه البنية إ ّ
يحدّد من خلله الفواصل المحددة بين نشوء المظهر الكدي والبابلي والشوري،
وبين كلٍ منهم والوغاريتي أو العبلوي " اليبلوي" أو المصري أو الليبي أو
اليماني أو القرطاجوي أو غيرها ،إلّ عبر الشتراط المحدد لتأريخية معينة .وهنا
لنلجأ عادة لقراءة التاريخ الذي يرسم بخطوط هندسية " أو حسابية" معينة بحدث
ما ،بل نستخدم القراءة التاريخية المعرفية التي تعني المقاربة الداخلية للبنائية
المجتمعية " بارتكازاته ا الناسي ة " النتربولوجية " المعرفية ،والت ي يتع ّذ ر من
-8-
خللها تقسيم الحلزون التطوري الصاعد للبناء العروبي -العربي إلى مراحل
متمفصلة بتأريخية اشتراطية .لكن ،ونظرا لعوامل هامة سنذكرها لحقا ،حافظت
وبصيغة اشتراطية على بعض التسميات الكلسكية ،ريثما يقتنع معنا القارئ
بأهمية منهجها وحياديته في المقاربة.
ومن المهم التذكير بأهم العوامل التي تدفع تلك القراءة للوصول إلى الحقائق
التاريخية ،بحيث تبدو عناصر الفصل في جوانب منها ،محّددة بمعنى الفتراض
لأكثر:
- 1التاريخية المقارنة ،والتي تعني ضرورة اتباع منهج المقارنة بين بنى
تاريخية متوازية أو متماثلة أو متشابهة أو متطابقة ،للدللة على الوليّ ،والتالي،
وعلى المصدر الخلق للمعرفة كنتاج أولي ،وعلى التبني التمثلي ،أو المنمذج
كنتاج الولي ،وهذا ليمكن أن يتم إن لم نربطه بالبناء المعرفي ،بسبب ضرورة
وضعه في سياقه التاريخي الطبيعي ،بما يعنيه ذلك من رسم الخارطة المعرفية
لحداثيات تطور الفكر أو اللغة أو المظهر الحضاري ..ول أقصد بالتاريخية
المقارنة ،المعنى الحرفي ،بل ،المعنى الدللي ،لعلقته المباشرة بعلم الناسة
المعرفي " النتربولوجيا المعرفية" كحالة من المنظومة ،التي نتناول فيها وعبر
علم الناسة الثقافي العروبي -العربي دراسة التطور التاريخي المعرفي للغة
العربية البدئية " الولية" ومن ثم للية تطور لهجاتها وعلقة ذلك بالبنية الثقافية
العامة ،وهذا ما يحمل في جوانبه مجالين آخرين ،هما الثنولوجيا التاريخية
المعرفية للشعب العربي ،والتي نعني بها الدراسة التحليلية المقارنة للكم والنوع
الثنوغراف ي بهد ف الوصو ل إل ى التصورا ت النظري ة والتطبيقي ة والتعميمات
المختلف ة بم ا يخ ص النظ م الجتماعي ة العروبي ة م ن حي ث وصوله ا وتطورها
النوعي ،والمجال الخر هو الثنوغرافيا المعرفية والتي تعني الدراسة الوصفية
لسلو ب الحيا ة ومجموع ة التقاليد ،والبن ى الميتولوجي ة " بمظاه ر انتشارها"
والعادا ت والقي م والتقالي د والدوا ت والفنو ن والمأثورا ت الشعبي ة وعلقتها
بالتكوين الثقافي المعرفي العروبي -العربي.
وانطلقا من تعري ف مارغري ت مي د " M.Mead 1890-1979للنتروبولوجيا"
نح ن نص ف الخصائ ص النسانية ،البيولوجية ،والثقافي ة للنو ع البشر ي عبر
الزمان وفي سائر الماكن ونحلل الصفات البيولوجية والثقافية المحلية ،كأنساق
مترابطة ومتغيرة ،وذلك عن طريق نماذج ومقاييس ومناهج متطورة .كما نهتم
بوص ف وتحلي ل النظ م الجتماعي ة والتكنولوجيا ،ونعن ى أيضا ببح ث الدراك
-9-
العقل ي للنسان ،وابتكارات ه ومعتقدات ه ووسائ ل اتصالته .وبصف ة عامة ،نحن
نسعى لربط وتفسير نتائج الدراسات في إطار نظريات التطور أو مفهوم الوحدة
النفسية ) 3( " ..يمكنن ا أ ن نؤس س عل ى ذل ك تصوّرن ا المعرف ي للخصائص
التاريخية " القومية " /العروبية -كمرحل ة أولى -والعربية ،كمرحل ة ثانية/
والمرتبط ة بالحداثيا ت المعرفي ة " الذاكر ة الجمعي ة والمخيا ل الجتماعي،
والسيكيولوجيا الجمعية ،والدراك ،والختزان ،والستقبال والمعالجة
والتشفير.).الخاص ة واللغة ،وتطو ر تل ك الخصائ ص عب ر المراح ل التاريخية
ببعديها التأريخي والجتماعي ،وفي النتشار الجغرافي البيئي" من ثم تحليل تلك
السما ت بعلقاته ا المؤسسة ،كم ا قلنا ،بأنسا ق له ا احداثيا ت الوقائ ع المعرفية
الجتماعية .وهذا يرتبط بدوره بمفهوم المنظومة الجتماعية العروبية -العربية،
وكيفية النطلق لتحديد التالي من انتقال الفكر من حالة التراكم الموضوعي-
الوصفي -إلى التجريد فالفلسفة ،وهذا أعطى منظومة معتقدية ميثولوجية متطورة
ذات سمات خاصة ومميزة ترتبط بالبناء المعرفي الناسي الذي نحلله ونفككه من
خلل الهرمية البنائية الخاصة به ،وعلقتها باللغة ..وهذا ليعني أن علم الناسة
" النتروبولوجيا" وكما عرفه الدكتور شاكر سليم في قاموس النتروبولوجيا " إن
النتروبولوجيا هي علم دراسة النسان طبيعيا ،واجتماعيا وحضاريا" ( ) 4يفسر
الستناد الذي اتبعناه في دراستنا ،لن هذه القراءة تعميمية ،ونحن نحدد قراءتنا
بالتخصصية ،بمفهوم تطور الناسة المعرفية العربية ،لنبتعد ،عن مفهوم التطور
العرقي ،البعيد تماما عن البعاد النسانية لقراءة تطور الجماعات البشرية بما
حملت أثناء سيرورتها ،من تأثر وتأثير وتداخل وتماذج وتفاعل ومعالجة مع
جماعات قريبة وبعيدة خصوصا ما يعنيه ذلك من بنية تشريحية ومورفولوجية
لتمتّ للبحث الدقيق الموضوعي بصلة أساسية إل بما يخدم البناء المعرفي العام
في إحداثياته الزمانية.
لذلك ،نؤكد أن القراءة التاريخية المعرفية في محور الناسة المعرفية يعني
دراس ة الظاهر ة الثقافي ة بآلي ة تطوره ا النسان ي بخصائصه ا القومية .وهذا
يتعارض مع التجاه البنائي الوظيفي الذي يغفل الجانب الديناميكي التطوري .في
حين ندرس معرفيا منظومة ادراك الجماعة البشرية وأسلوبه ،للشياء والمبادئ
وما يكمن وراء هذا التفكير من منظومات معرفية متداخلة تخلق هوية الجماعة
التي تعرف من خللها وتتعامل مع العالم المحيط بواسطة منهجها الخاص .لذلك
كانت رؤيتنا للمفهوم التطوري من زمن لخر" اجتماعيا " وما يفرضه ذلك من
قراءة معرفية خاصة لعلقة اللغة بالثقافة .وما تعنيه الولى من منظومة مفتوحة،
- 10 -
لنه ا تعتم د عل ى آليا ت استقبا ل الواق ع ف ي المنظوم ة الفكرية ،وعلق ة هذه
المنظومة باللغة ذاتها.
لقد أجرى ليفي ستروس دراسات على أساس الفتراض القائل بأن لدى
العقل النساني طريقة تسمح له بتصنيف الشياء في ألفاظ أو معانٍ متقابلة،
الم ر الذ ي جع ل النسا ن يمي ز بي ن نفس ه وغيره ،أ و بي ن الحيوا ن والذات
النسانية ،وبين الطبيعة والثقافة .هذه القدرة على التمييز تمثل في نظر ليفي
ستروس جوهر الختلف بين النسان والحيوان ،كما أنها سهلت قيام النسان
بالتفاهم والتخاطب عن طريق استخدام مجموعة من التجريدات والرموز ،التي
ساهمت في بلورة تشكيل نمط الثقافة السائدة وتمييزها عن غيرها من الثقافات
النسانية .وأيا كان طابع أو طبيعة الثقافة ،فإن اللغة تمثل العمود الفقري فيها.
فالمجتمع -وبالتالي الثقافة -على حد تعبير رومان ياكوبسون مؤلف كتاب علم
اللغة -ما هو إلّ " شبكة محكمة جدا من التفاهم الجزئي أو الكلي بين أعضاء
الجماعات" واللغة بطبيعة الحال تمثل الداة الساسية بيد النسان لتحقيق أشكال
التصال والعلم والتفاهم كافة .ولقد حدد ليفي ستروس ثلثة أنواع من أنظمة
التصال بين الفراد والجماعات وهي :تواصل الوسائل " اللغة" وتواصل المنافع
" القتصاد" والتواصل الجنسي" الزواج" ( ) 5لكن تلك الدراسات وما بني عليها
من مدارس أخرى للقراءات النترولوجية ،لم تعنِ الجوانب الخرى المتعددة
التي تحملها المنظومة الثقافية في سيرورتها .وإن كان قد أشار إلى ثلثة عناصر
هامة" اللغة ،القتصاد ،القرابة" رغم ارتباطها أيضا فيما بينها ،فاللغة وإن كانت
ذات علقة هامة ،بالميتولوجيا ،والمعتقدات ،والبناء الديني مثلً ،وتحمل في
داخل تكوينها الكثيرَ المعبّرَ عن ذلك ،إلّ أن لهذه العناصر الخيرة بنى تبدو
علقة اللغة فيها محدودة بشكل أو بآخر .وللمخيال الجتماعي أيضا كمنظومة
حجمية جماعية لتصورات الجماعات البشرية عن سيرورية الحداث وتخيلها
وتحميله ا الجمالي ،خصائ ص معرفي ة رغ م ارتباطه ا الوثي ق بآلي ة التواصل
اللغوي ،إل أنها تحمل جوانب تخيلية خاصة ،تتحدّد فيها علقة اللغة ومثل ذلك
أيضا الذاكر ة الجمعي ة ف ي آلي ة الختزا ن والمعالج ة والتشفي ر والستحضار
والكتساب والتأصيل والتحديث .وأيضا تبدو علقة السيكيولوجيا الجمعية بآليات
الحراك الجماعي ،تجاه الظواهر الجتماعية والبيئية والطبيعية والقلق والخوف
والولد ة والمو ت والحرب . .ذا ت ملم ح خاص ة أبع د م ن قدر ة اللغ ة على
تحميلها .لذلك لتحمل مقاربتنا في هذا البحث جوانب طاغية معرفيا وأخرى
مقهورة بمقدار ما تحمل من تداخل هذه المكونات التي تحدثنا عنها أعله جوانب
- 11 -
الترابط والتداخل في المنظومة الناسية المعرفية العربية على مدى تطورها
التاريخي .وإن كنا قد خصصنا فصلً موسعا وهاما في هذا الكتاب لدراسة البنية
اللغوية الناسية المعرفية العربية وذلك لما تحمله هذه البنية من تقاطعات هامة
ورئيسية بين كل العناصر المكونة للمنظومة النتروبولوجية التطورية( التاريخ
الناسي ،الذاكرة الجمعية ،المخيال الجتماعي ،السيكيولوجيا الجمعية،
الميتولوجي ا والمعتقدات ،البني ة القتصادي ة والنمطية ،وتطو ر وسائ ل النتاج
الجماعي والفردي )..حملت آلية التعبير الخاصة بها عبر أنساق لغوية ذات
دللت هامة.
وانطلقا من تلك المقاربة حددنا المراحل التاريخية المعرفية " اشتراطيا"
لتطور اللغة العربية:
-1ـ ـاللغةـ ـالعروبيةـ ـالبدئية،ـ ـوهيـ ـشفاهية،ـ ـتركتـ ـبعضـ ـرموزها
وعناصرها في المراحل الخيرة من أزمنة ما قبل التاريخ.
م للهجات الكتابية العروبية التي ظهرت لحقاً. وهي ال ُّ
- 2اللهجات العروبية ،وهي كتابية ،ويمكن تحديدها تأريخيا ًـ في
نهايةـ ـاللفـ ـالرابعـ ـقبلـ ـالميلدـ ـمعـ ـظهورـ ـالمسمارية
والهيروغليفية ،وهي لهجات فرعية بقيت متمحورة حول لغةٍ
م ٍ -أساس وتمتد حتى النصف الثاني من اللف الثاني قبل أ ّ
الميلد.
-3ـ ـاللغةـ ـالعربيةـ ـويبدأـ ـتاريخهاـ ـمعـ ـظهورـ ـالبجديةـ ـالعربية
الفينيقية"ـ ـأبجد،ـ ـهوز،ـ ـحطي،ـ ـكلمنـ ـسعفص،ـ ـقرشت"
والسنياوية " نسبة إلى سيناء" والمسند.
-4ـ ـالعربيةـ ـالمعاصرة:ـ ـوالتيـ ـتمتدـ ـبتاريخهاـ ـمنذـ ـالرسالة
المحمدية العظيمة وحتى الن.
أما ما يخض العروبيّ ،والعربيّ ،فلنا في ذلك وجهة نظر محددة ،نتمنى من
القارئ أن يعيرنا شيئا من صبره لمواصلة الحوار:
فالعروبة :اسم يُرادُ به خصائص الجنس العربي ومزاياه " المعجم الوسيط"
وهذ ا يعن ي منظوم ة البنا ء المعرف ي الناس ي الت ي تحم ل ف ي مكوناته ا جملة
المواصفا ت المتمحور ة حو ل أسا س لغو ي واح د وبني ة ميتولوجي ة ومعتقدية
واحدة ،وجغرافية تاريخية واحدة ،وتاريخ جغرافي واحد ،وسيكيولوجيا جمعية
واحدة ،وتأسي س حضار ي واحد ،وتمحو ر تقن ي واحد ،ومرتكزا ت منظومة
بدورها عقلية واحدة ..تتعدد مظاهر حركيتها وتتنوع ،لكنها تبقى متمحورة حول
بنية مركزية واحدة متطورة بدورها تماما كما تتعدد مظاهر الخيال الجتماعي
- 12 -
الواحد أو أشكال الذاكرة الجمعية الواحدة " وسنأتي على كل واحدة من تلك،
بالتفصيل في حينه".ومنها" العروبي"
أما " العربي" :فهو من يحمل سمات المبادئ والمعاهد وجملة النساق
الناظمة للخصائص المميزة للجنس العربي .أي يختلف عن " العروبي" بتوفر
العناصر الناظمة للخصائص ،التي تكون متوفرة في التاريخ القبلي ولكنها لم
تص ل إل ى درج ة التعقي د للمنظوم ة الت ي تصو غ السيرور ة التالي ة لتطوّر
عناصرها.
فمثلً كان هناك في المرحلة اللغوية الثانية مجموعة لهجات" عروبية" تتمتع
بنفس الخصائص والمواصفات وتتقاطع فيما بينها بمعظم مفرداتها ،لكنها لم تكن
قد انتقلت بعد إلى مرحلة التعقيد في أبجديات متطورة .فاللهجات تلك كانت
تتمحور حول خصائص واسمة للغة العروبية ،أينما كان ذلك التوضع الجغرافي
لتلك اللهجات .فالخصائص التي تتمتع بها اللهجة الليبية " الجبالية" والحبشية،
والمسندية والكدية هي واحدة لكنها لم تحمل اشتراط التعقيد في أبجدية ناظمة
لحركيتها .وهذا مافرضه التطور التاريخي التالي .لكن ذلك بقي في كل مراحل
تطوره( كما سيمر معنا بالتفصيل وبالمثلة التطبيقية في الفصول الموافقة) يحمل
الصفات التي أصبحت واسمة للغة العربية فيما بعد .من هنا كان التعريف
المعرفي ،بأنه فعل سيروري .أي ليمكن أن نسمي شيئا قبل وجوده باحداثيات
ومواصفات معينة .فهل كان من الواجب على العرب أن يطلقوا على أنفسهم هذه
التسمية منذ عشرات السنين ثم يصوغون تطورهم بما يتناسب مع هذه التسمية.
والتاريخ المعرفي ليعنى بالواقع البعدي إلّ عبر قراءته السيرورية.
أيضا يمكن مناقشة البنية التطورية الشاقولية في الحلزون الجتماعي ،بنفس
المنهج .فالمسمارية والهيروغليفية سُبقت بنظام كلمي تطوّر عبر آلف السنين،
ولم تخترع الجماعة البشرية العروبية تلك الكتابات قبل أن تعرف اللغة الشفاهية.
فأتت لتحدد مواصفات معينة تواصلية للغةٍ ماسابقةٍ عليها .لكن اختراع البجدية
الذي أتى أيضا على نفس الرضية الناظمة ،حدّد المسار التالي وبشكل مبادئ
ومعاه د وقواع د ونظم ،وأعط ى تل ك الميزا ت تسمياتها .وعندم ا تحدثن ا عن
البجدي ة باعتباره ا الفاص ل بي ن العروبية ،فل ن دراستن ا المقارن ة للبجديات
الثلث خرجت بنتيجة مفادها ( أن اللغة المحورية لتلك اللهجات هي واحدة /كما
سيلحظ القارئ في الفصل المخصص لذلك .)/وهو مارُسّخ أكثر مع ظهور
- 13 -
أبجدية اللغة العربية المعاصرة التي حملها القرآن الكريم إلى أقاليم النتشار
العروب ي الساب ق والعرب ي اللحق .وهذ ا يفسّر ه عد م انتشا ر اللغ ة العربية
المعاصرة ( التي كانت لغة الدولة السلمية في كيانها السياسي من الصين شرقا
وحتى جبال اللب غربا) خارج النتشار الجغرافي التاريخي للجماعات البشرية
العروبية في رقعة الوطن العربي بامتداده المعاصر.
" أ و بالحر ي أ ن اللغ ة العربي ة ق د أعطت ،دو ن انقطا ع من ذ أصولها
النيوليتيكي ة والرافدي ة حت ى يومن ا هذ ا وف ي جمي ع أشكاله ا وصورها ،دون
استثناء ..أعطت تدينا صاغ منه مجتمعنا ،جميع التأملت والفلسفات،
والجماليات ،والعلو م الخفية ( الخاصة ) أ و العامة .فلق د كا ن كاه ن بع ل يتكلم
ي المؤم ن ب " إيزيس " أ و موس ى المصري، العربية ،وبه ا كذل ك يتعّب د التق ّ
وبالعربي ة يتكل م من ث م عيس ى المسيح عندم ا يتحاد ث مع قيافا أو مع شعب
فلسطين،ولعله ا بديه ة أ ن نسج ل هن ا أ ن محمدا ق د بشّر بالعربية ،وبه ا نشر
رسالته .وأن الخط المستقيم لثقافتنا لم يكن منحرفا يوما ما أدنى انحراف .وإنها
في الحقيقة ،لعبة أطفال بالنسبة لعالم لغة ،أن يجد في أصول اللهجات المصرية
والكنعانية والناضولية أو الشورية البابلية العناصر الساسية للغة العربية ،فلقد
نقل ت الكلمة أحيانا بكليتها خلل العصور بحيث تلخصها في كلمة مقصورة
مدهشة .فإذ ا م ا أردت م أمثل ة قدمن ا بعضه ا فيم ا يلي /سنعا ر ف ي النصوص
السومري ة والرامي ة والرافدي ة نسميه ا ف ي العربي ة المعاصر ة شنعار .والله"
شمش" يطابق في العربية الحديثة شمس .و" بعل" يعني بالعربية " المعلم والسيد"،
ورب " وهي كلمة من مابين النهرين" تعني " أ ب " ورب البيت" هو سيد
المنزل" ،ويُسمى إله الصاعقة البابلي" براك" وعربية القرن العشرين تسميه "
برقا" الله تموز أعطى اسمه لشهر تموز العربي .الله السوري الفلسطيني
للجحيم يسمى" موت" والتعبير نفسه في العربية يعني الموت .العيد الطقسي في
لغة ما بين النهرين" هاج" وهي" الحج" بالعربية ،الفريضة المعروفة .أما سبت،
فمرادف مباشر لكلمة " سباتو " البابلية ،وهي تحدد عيد القمر عندما يصير بدرا
( .)6وهناك آلف المثلة " سترد في حينها" .والرأي السابق ليس لباحث عربي،
إنه لصاحب مدينة إيزيس -التاريخ الحقيقي للعرب/ -بييروسي ،والذي يتابع
قائلً ":وإذا كنّا عازمين على أل نستعير شيئا من أحلمنا ،فيجب علينا عندئذٍ أن
نعرّف العروبة كثقافة الشرق الوحيدة" ( ) 7والتي امتدت عبر مساحة جغرافية
ذا ت تاريخي ة خاص ة ميزته ا عب ر آل ف السنين " وكان ت شعوبها ،المصرية
والكنعانية والناضولية والسورية والبابلية تنتمي للسرة العربية نفسها"( ) 8فهذه
- 14 -
الرض الشرقية قد عاشت من خلل إيقاعٍ وحيد النغمة لخمس امبراطوريات:
مصرية وبابلية وبيزنطية وفارسية واسلمية ...بحيث أنه منذ حكم أول فرعون
في اللف الخامس قبل الميلد وحتى سقوط آخر خلفة ،مرورا بالسكندر ..كان
المر استمرارا لانقطاع فيه قد تركّز في الشرق ،استمرارا للقوى ،استمرارا
للفكر ،استمرارا للقتصاد( " )9وانن ا عندم ا نؤك د من خل ل نظر ة شاملة ،أن
الشرق يتعين من خلل ثقافة عربية في مساحة عربية فإننا لنخترع شيئا ،إننا
لنفع ل شيئا جديدا سو ى جم ع وإحكا م العناص ر الجغرافي ة والثقافي ة الموطّدة
الواحد للخر"(.)10
وم ن خل ل الكلما ت القليل ة السابق ة نكتش ف مباشرةً العلق ة الحي ة بين
الميثولوجي ا والمعتقدات ،والدي ن والمثيولوجيا ،فاللغ ة ليس ت أدوا ت تواصل،
وتفكير فقط ،إنه ا الشك ل المتحرك من الفكر في " الفضاء" الجتماعي .إنها
النموذج الرقى" الحركي" لمنظومة الفكر .وهذا ما نجد نموذجه في كل أركان"
الدولة العروبية في الشرق .تلك الدولة التي ما عرفت صيغة الدولة بالمفهوم
السياسي قبل الرسالة السلمية ،ولكنها كانت قائمة على الرض ،في الواقع وإن
عرفت بعض التكوينات السياسية الضخمة التي شملت مناطق واسعة من الوطن
العرب ي وخصوصا بين واد ي الني ل وبل د الرافدي ن شامل ة البل د السوري ة ما
بينهما "،لننا نلحظ دون أن ندخل في التفاصيل أو نضيع في ضباب سمير
أميس السطوري أو فينوس ،إلى أي حدّ كان تاريخا مصر وما بين النهرين
متطابقين ،وإلى أي درجة تكون طيبة وبابل قطبي عالم ملتحم( ")11واحد مُؤسّس
في عمق التاريخ ويشكّل وحدة متوازنة واحدة .فلقد أعادت الرسالة السلمية
الشرق العربي إلى نفسه ،إلى ذاته أعادت الشرق بامتداده الجغرافي من بحر
الظلما ت " المحيط الطلسي " إل ى الخليج العربي " البح ر السفل " ومن شمال
هضب ة الناضو ل إل ى بح ر العر ب وعم ق الصحرا ء العربي ة ف ي لغ ة عربية
واحدة ،حملت حداثتها مع السلم لن القرآن حمل الكمال الجمالي والصوتي
والدللي والقواعدي والديني للغة شعب مصري -رافدي قديمة محكية( .)12فإذا
ما كانت سياسة السلم قد مركزت الدولة بمفهومها السياسي فإنها لم توحد
(القوميات) لن القومية الوحيدة التي كانت منتشرة في رقعة الوطن العربي في
حينه ،ه ي العروبة ،انتشارا جغرافيا وتاريخيا مثل ه وحد ة البنا ء المعرفي
الفرعوني والبابلي والكنعاني واليماني والفينيقي ..الخ.
إن السلم وقد خرج من الصحراء لم يعد إلى الصحراء ،بل توجّه إلى
- 15 -
الجماهير الكبيرة في لغتها وعقليتها ،وفي مدنها البحرية والنهرية ،لن الدين
الموحى إلى النبي كان متلئما مع فهم تلك الجماهير ،ذلك أنّه ليس بدعة ول
ثورة ،إنّه يكمّل بصورة عالية بسيطة التراثات العروبية السابقة،وإن عقليات
الشرق العربي المركبة المتنوعة ظاهريا ،قد كانت واحدة في جوهرها( ،)13الذي
يلخصها في إيمان واحد حول وحدانية ال .فالقرآن يجمع وليفرّق ،ويقرر ذلك
وليناقشه ،لنه موجود على ساحة الواقع الموضوعي" إنه يقرر الخضوع ل
الخالد الزلي -الحاضر في الماضي كما هو في المستقبل ،الواحد الثابت الدائم
غير المخلوق ،الموجود في كل مكان من الكون .وليس هذا بالتأكيد مفهوما
مولودا في صدىً ،في زاوية صحراء ،ولكن من زبدة تأمل المخلوقات الكنعاني،
والبعث المصري أو المسيحي ،والمل في رؤية مستقبلية ،فالسلم لم يفاجئ
أحدا أبدا من شعوب الشرق ،بل أنار من حولها ،ما هو متغاير ومتمايز .ولم يكن
هناك حاجة لسيف ول لضطهاد من أجل أن تعتنق هذه الشعوب دين السلم.
لقد اقتادهم إلى السلم الميل إلى اليمان المتوارث عن الجداد .إن السلم لم
يكن بحاجة إلى احتلل الشرق والمتوسط عسكريا ،حيث كانوا في وطنهم منذ
أماد بعيدة" ( )14فلتأتهم الوامر من ممفيس أو صور أو بابل أو آشور أو دمشق
أو بغداد أو القيروان أو مكة ،لقد كانوا يعبّرون عمّا في نفوسهم باللغة نفسها،
ويعبدون اللهة نفسها ،ويحكمهم موظفون من المقاطعات نفسها" (.)15
وقد يقودنا الحوار حول هذه النقطة إلى اعتبار ظهور الديانة التونية" ديانة
أخناتون" التوحيدية حلقة نوعية هامة في التطور المعتقدي العربي ،مما يعني
إيجا د التطاب ق الها م بي ن ظهو ر البجديا ت العروبية " الوغاريتي ة والمسندية
والسيناوية" وظهور التونية كديانة توحيدية ،وهذا ما يعني العلن عن النتقال
من العروبي ليس فقط على المستوى اللغوي كما تحدثنا أعله ،بل على المستوى
المعتقدي /المعرف ي /وهنا ،لب د م ن الشار ة إل ى أهمي ة التماث ل بي ن البنية
المعتقدية والنتشار الجغرافي التاريخي .هذا من جانب .أما الجانب الخر ،فإن
ظهور المسيحية لحقا ضمن المسار التطوري للبنية المعرفية العربية كان أهم
م ن سابقتها ،لك ن التغري ب الذ ي حص ل لحقا بالمسيحي ة بعيدا ع ن انتشارها
وجذورها العربية غطي في جانبٍ هام بما فعلته السلطات السياسية اللحقة حتى
ظهو ر السلم ،ومعظمه ا كان رومانيا أو بيزنطيا .ل م يوج د حلقا ت الترابط
المعروفة بين البنية المعتقدية المعرفية والتكوين التاريخي الجغرافي بشكل عام،
بما ينعكس كما لحظنا لحقا على بنية التكوين الشمولي العروبي بعد ظهور
السلم "،فعندما صرخ يسوع المسيح على الصليب صرخته الكبرى" :الهي،
- 16 -
إلهي ،لماذا شبقتني" فإنما بالعربية كان يصرخ ،وكل عربيّ يفهم معنى هذه
الصرخة"( ،)16كما أن رؤيا القديس يوحنا النجيلي ،والتي هي رسالة وحي في
نهاية القرن الول ،وجهت إلى سبع كنائس عربية في آسيا ،وهي نفسها بالذات
التي كانت تظل عقائد إيزيس وبعل(.)17
لكننا ،وإن كنا قد خصصنا جزءا هاما لدراسة وحدة الميثولوجيا والبنية
المعتقدية بمرحلتيها العروبية والعربية ،إل أننا وليضاح وجهة نظرنا عبرنا على
بعض المفاصل ذات العلقة بالتأسيس التاريخي المعرفي لقراءتنا" فإن نفتش على
طري ق جدل ي يقو د إل ى تفسي ر المسيحي ة باستناداته ا عل ى الديان ة المصرية
التوحيدية ،فذاك أمر مشروع ،فالناجيل تقدم لنا فرصة مثالية مع رحلة العائلة
المقدسة إلى مصر .ثم أليس هناك دليل الصليب ذي العروة ،إشارة الحياة التي
يتكرر فيها الموضوع على امتداد قبور وادي الملوك؟ أليس هنا الصليب الكلداني
الذي استعادته مصر أيضا ،والذي يمثل صليبا محاطا بدائرة رمزا لنصر الفاق
الربعة وكمالها والتي تمسك خطا مقوسا سماويا؟ ( ) 18والمسيحية والسلم لم
يأخذا طريق عاصمة بركليس ،لكنهما أخذا طريق دمشق والمدينة وبيت المقدس(
.)19
لذلك كان لبد من العبور في هذه المقدمة على نقاط هامة توضح مفهوم
المخيال الجتماعي والذاكرة الجمعية وعلقتهما بالتاريخ الجغرافي /والمعرفي/
العروب ي وعناص ر ارتسامهم ا وتطورهم ا الول ي واللحق -فحي ن قراء ة هذه
المعاني لبدّ أن نتذكر علقة الثالوث المسيحي بالثالوث الفرعوني ،ولبدّ أن
نتذك ر أ ن مفهوم " البعث " هو منظوم ة عربي ة مشرقية ،وبأن عقلي ة التصوف
العربية المعاصرة تعود إلى جلجاش وبأن العمال الثني عشر التي أتمها البطل
الطيبي والتي تطابق الثني عشر قسما لفلك البروج البابلي هذا من مكونات
المنظومة المعرفية العربية...
لذلك ،سيكون لدينا الكثير مما نتذكره ،وتطلب منّا متابعته ..لذلك قمنا ببحثنا
اللحق بتقسيم الميثولوجيا العربية إلى المراحل التالية:
- 1الميثولوجيا العروبية البدئية ،وتشكل المراحل المتأخرة من
عصرـ ــالباليوليتـ ــوالميزوليتـ ــوتتضمنـ ــالمرحلةـ ــالنباتية
والطوطميةـ ـوتتقابلـ ـمعـ ـمنظومةـ ـالفكرـ ـالوليةـ ـفيـ ـخلق
التصورات الموضوعية الواقعية واندغام الحلم بالواقع...
-2ـ ـالميثولوجياـ ـالعربيةـ ـالفلسفيةـ ـالولى-ـ ـوفيهاـ ـبدأـ ـالنسان
العروبىـ ـيجيبـ ـعنـ ـأسئلةـ ـالحياةـ ـالولى،ـ ـوآليةـ ـعلقته
- 17 -
بالطبيعةـ ـوبالجماعةـ ـالبشريةـ ـوآليةـ ـالنتاجـ ـالجتماعي،ـ ـوح َّ
ل
إشكالياتـ ـرؤيتهـ ـللزمانـ ـوالمكانـ ـوالخلقـ ـوالموتـ ـوالحياة
والبعثـ ـوالفرحـ ـوالحزن.ـ ـوانطلقـ ـبمنظومتهـ ـليجيبـ ـعن
أسئلةـ ـالسماءـ ـوالرض،ـ ـوارتفعـ ـبمكانهـ ـعبرـ ـالزقورات
والهرامـ ـوغيرها،ـ ـلنهـ ـليستطيعـ ـالتأثيرـ ـبفعلـ ـالسماءـ ـفبدأ
محاول ًـ الرتقاء بجسده نحو السماء ،فعندما اكتشف عجزه،
بدأـ ـبالتفكيرـ ـالتجريديـ ـالوليـ ـوطورهـ ـلحقا ًـ عبرـ ـمنظومة
ميثولوجية تطورت بانتظام.
-3ـ ـالدياناتـ ـالتوحيديةـ ـالعروبيةـ ـالولىـ ـوتمثلهاـ ـالديانةـ ـالتونية
والمسيحية والصابئة والحناف
- 4لسلم ،وقد أعطيناه مجموعته المستقلة لنه كان الشكل
الرقىـ ـبمفاهيمـ ـالجابةـ ـعنـ ـالتطورـ ـالتاريخيـ ـلعلقةـ ـالفكر
العربي بأسئلة الحياة والمجتمع والموت والحياة ..الخ.
وهكذ ا نلح ظ أ ن التاري خ العرب ي يشك ل ببنائ ه الشاقول ي تراكما كميا
ل صاعدا مع ارتقاءات نوعية هامة. متواص ً
فعلى الجانب اللغوي قدّمنا تصنيفنا الخاص بذلك ،وعلى الجانب المعتقدي
أيضا ،ويمكنن ا م ن الناحي ة الحقوقي ة اعتبا ر شريع ة حموراب ي صعودا نوعيا
خاصا ،عندما نحاول دراسة الفكر العروبي من جانب تطوره القانوني باعتباره
قفزة نوعية استندت على تراكمات كمية هامة تاريخيا وذلك ضمن السياق التالي:
أ -المنظومة الحقوقية العروبية البدئية حددّت علقة النسان بذاته وبمن حوله
في سيرورة التطور المجتمعي ،كما حدّدت علقته بالهرمية الميثولوجية
الملزمة لليات الملكية والتوزيع وغيرها (/المشاعية العروبية البدئية).
ب -المنظومة الحقوقية العروبية الجتماعية ،وظهرت مع شريعة حمورابي
بتنظيم علقات مجتمعية معقدة ".فلقد شكلت قوانين حمورابي ملك بابل
الذي حكم ما بي ن 1750 -1792ق.م أول مجموعة شاملة من النصوص
القانونية التي وصلتنا من الشرق العربي ،لكنها ليست أقدم قوانين باقية.
إذ من المعروف أنه حتى في الفترة التي سبقت أيام حمورابي ،استن
ملوك عديدون من الملوك الرافديين الذين حكموا المدينة " الدولة " قوانين
مماثلة .وكمثال على ذلك ما تبقى من قوانين عهد أوركاجينا في لغش "
لغ ش تللو " عام 2360ق .م والمبراطو ر سرغو ن الكدي 2300ق.م
وأورنامو في مدينة أور/2100 /ق.م بالضافة إلى قوانين لبث عشتار ملك
إي سين عا م 1930ق.م والتي كانت نوعا ما أكثر شمولية والتي وصلنا
- 18 -
منها ثمان وثلثون قانونا ،ومجموعة مدينة إشنونا التي تحتوي ستين
قانونا ( ،)20ومجموعة قوانين إيبل " تل مرديخ " وغيرها( /المشاعية
العروبية المقوننة).
إنّ شريعة حمورابي " تشكل بالضافة إلى كونها منظومة حقوقية قانونية
شاملة ،مظهرا آخر من مظاهر الحكمة العروبية بمظهرها البابلي لنها تنطلق
بقيمها المعنوية من عقيدة عامة في سلطة المعرفة النسانية " ( )21والتي تجلت
حقوقيا بتلك الشرائع والقوانين.
" "128لو اتخذ رجل امرأة ولم يعقد عليها ،هي ليست زوجه.
" "138لو رغب إنسان في طلق زوجته الولى التي لم تحمل
منه ،يعطيها مال ًـ بقيمة هدية زواجها ويردلها المهر الذي
أحضرته معها من بيت أبيها ويطلقها.
" "186لو تبنّى رجل طفل ً ثم أصر الولد بعد ذلك أن يبحث عن
والديه الحقيقيين ،يعود الطفل إلى والده.
ل حريقتل. " "14لو اختطف رجل ابنا ً رضيعا ً لرج ٍ
ل " بقصد السرقة" يُقتل ،يشنق أمام النقب " "21لو نقب رج ٌ
الذي نقبه.
" "265لو ـغي َّـر ـراٍع -ـأؤتمن ـلرعي ـقطي ٍع ـ ـمن ـالبقار ـوالغنام،
علمة القطيع خبثا ًـ ثم باعه يُدان ،وعليه تعويض المالك
كان أم بقراً. عشرة أضعاف ما سرق غنما ً
" " 33لو أن ضابط تجنيد أو مساعدا ًـ في الجيش ساق رجالً
معفيينـ ـمنـ ـالخدمةـ ـاللزامية،ـ ـأوـ ـقبلـ ـوساقـ ـبديلً
مستأجرا ًــ فيـ ـمهمةـ ـلصالحـ ـالملك،ـ ـيُقتلـ ـالضابطـ ـأو
المساعد.
ل آخر بجريمة قتل ثم لم يثبت ذلك" ضده" " "1إذا اتّهم رج ٌ
يُحكم على المتهم بالموت.
جرـ ـسيد ـحقلهـ ـلمستأجر ـواستلمـ ـأجرةـ ـالحقلـ ـثم " "45ـلوـ ـأ َّ
أغرق آداد حقله أو دمره طوفان تكون الخسارة خسارة
المستأجر فقط.
" "M/48لو أن رجل ً اقترض قرضا ً ولم يكن مايردّه فضة بل كان
عنده حب ،يأخذ التاجر المقرض حبا ًـ فائدة" بنسبة تتفق
ومراسيمـ ـالملك".ـ ـلكنـ ـلوـ ـرفعـ ـالتاجرـ ـفائدتهـ ـإلىـ ـأكثر
من" "100سيل من الحبوب على كل جور" أو" إلى مايزيد
عن 1/6ـالوحدة ـالنقدية وست قمحات وطالب بها ـويغّرم
بكل ما استرده "فوق القرض".
- 19 -
ل آخر فضة شراكة في تجارة ،عليهما أن " " 4 /48لو أعطى رج ٌ
يقسماـ ـالرباحـ ـأوـ ـالخسائرـ ـبينهماـ ـبشكلـ ـمتناسبـ ـوأمام
إله.
ل أثناء شق ترعة للري " في لو تقاعس " تكاسل" رج ٌ -55
حقله"ـ ـبحيثـ ـتركـ ـالمياهـ ـتتلفـ ـمحصولـ ـحقلـ ـمجاور
لحقله ،يزن لجاره حبا ًـ بمقدار ماكان في أرض جاره من
حب.
ضبطتـ ـزوجةـ ـرجلـ ـتضاجعـ ـرجل ًـ آخر،ـ ـ ـيُربطـ ـالثنان -129ـ ـلوـ ـ ُ
ماـ ـإنـ ـرغبـ ـزوجـ ـالمرأةـ ـمسامحة ّ ـأ ـالنهر،ـ ـفيـ لقيانـ وي ُ
زوجته والعفو عنها ،فللملك الحق في العفو عن مواطنه
الخر.
-136إن دخلت زوجة رجل ،هرب من مدينته وغادرها ،بيت رجل
آخر" بعد هروب الزوج" لتعود إلى زوجها الهارب إن عاد
ه حقر مدينته وهجرها. ورغب في استرداد زوجته ،لن ّ
- 153لو تسببت امرأة في مقتل زوجها بسبب رجل آخر توضع
على الخارق.
-168لو قرر رجل أن يحرم ابنه من الرث فقال للقضاة" أرغب
فيـ ـحرمانـ ـابني"ـ ـيبحثـ ـالقضاةـ ـعنـ ـماضيـ ـالبن،ـ ـفإن
وجدوا أنه لم يجترح ذنبا ً جسيما ً يبيح حرمانه ليحق للب
أن يحرمه.
-197لو كسر رجل عظم رجل آخر يكسرون عظما ً له.
ن رجل آخر من طبقته -يحطمون سنّه" _ ل س َّ -200لو حطّم رج ٌ
.)22
إن القراءة للمختارات العشوائية السابقة تقودنا إلى وضع تصور أوليّ لواقع
البنية" المدنية " المعيشة مع أوائل اللف الثاني قبل الميلد ،ليس فقط في بلد
الرافدين ،بل وفي البلد الشامية بداخلها وبسواحلها ،وفي بلد النيل والشمال
العربي الفريقي " الليبي" وتوضح أن السيرورة المجتمعية ببنيتها المعرفية هي
ك ل متكامل ،متراب ط ف ي البني ة المعتقدي ة " الميثولوجية " وتتداخ ل م ع الواقع
ل معالجتماعي واللغة والداب وغيرها ،لكن هذا الكتمال لم يبلغ ذروة نموّه إ ّ
القرن السادس للميلد وظهور الرسالة المحمدية.
لذلك كانت مقاربتنا وتصنيفنا للمراحل التاريخية قد أخذت بالعتبار تداخل
كل المكونات البنائية في السيرورة المجتمعية .والمتابع لنا في الفصول القادمة
سيجد نفسه بصورة أو بأخرى مقتنعا معنا بأن التاريخ العربي ببعديه الشاقولي
والفقي يشكل ببيانه الحلزوني الصاعد بناءً متماسكا ليمكن عزل أو فصل
- 20 -
ل اشتراطيا ،وبهدف الدراسة التحليلية.
عناصره عن بعضها إ ّ
فإذا كانت اللغة الشكل المتحرك للفكر ،والزمان النموذج المتحرك للزلية،
فهل يمكن أن تقف اللغة أو الزمان " التاريخ" عند حدّ معين للتطور ،تتحول
الشياء بعدها إلى مومياوات؟.
هنا لبد من إعادة القراءة بالنموذج " أو عبر المنهج" المعرفي الذي يأخذ
بالهمي ة والعتبار /المقدما ت القبلية والنتائج البعدية التالي ة لها ،ضمن الفعل
السيرور ي الجتماعي .وه و مايص ل بن ا هن ا إل ى قراء ة مفهو م الهوي ة قراءة
معرفية أكثر عمقا من القراءات السياسية واليديولوجية وغيرها.
فعندما نقول بأن التاريخ العربي م ّر بداية بمرحلة العروبة البدئية الولى،
فل ن ذل ك قائ م فعلً ف ي الزما ن والمكان .فالتوضعا ت المادي ة الموضوعية
والحيثيات الركيولوجية المكتشفة بنموها المتوازي والمتشابه إن لم نقل المتطابق
تؤكد ،بما ليدع مجالً للشك ،نموا حضاريا واحدا يشمل كل الجغرافية العربية
المعروفة اليوم ،وذلك في اللف السابقة لفجر التاريخ " كما سيرد ذلك معنا في
الفصل التالي" وقسمناه بدورنا إلى مرحلتين أولهما مرحلة الحراك الجولني الما
قبل خليجي وذلك عندما كان شط العرب" ملتقى نهري دجلة والفرات" ليصب في
بحر العرب عند مضيق هرمز ،وكانت المنطقة الممتدة من هرمز حاليا وحتى
الخليج العربي عند البصرة الحالية مأهولة بهؤلء الذين عاشوا في " الجنة"
سميت لحقا الدلمون= الديلم= البحرين حاليا.
ولهذه المرحلة خصائص معينة في الجزيرة العربية والبلد الشامية والشرق
الفريقي والدلتا " والصحراء" العربية الكبرى ،والتي لم تكن في حينها صحراء.
أما ثانيهما وهو مايمتد حتى المرحلة الدفئية حيث امتدت مياه الخليج العربي
مغطيةً ليس فقط ما تغطيه مياه الخليج العربي الن بل وكانت إلى الشمال مما
هو عليه مستوى المياه الن لمسافة تبلغ 160-149كم ،روفقت أيضا بخصائص
بيئي ة وتغيرا ت طبيعي ة وحرا ك جغراف ي تاريخ ي عل ى مستو ى ك ل المساحة
الجغرافية العربية.
أما المرحلة الثانية :
فتمتد حتى بداية التدوين الكتابي التصويري -الرمزي -التركيبي .مع
نهاية اللف الرابع قبل الميلد ،وقد سميناه /المرحلة العروبية الماقبل تاريخية
- 21 -
الخاصة /وقد صار بحوزتنا الن الكثير من الحيثيات والمكتشفات والدراسات
اللغوية والنمطية والميثولوجية عن تلك المرحلة.
أما المرحلة الثالثة
فنسميها الصعود الحضاري العروبي الول والذي يمتد حتى سقوط بابل
عل ى ي د كير ش قائ د الغز و الفارس ي لبل د العر ب عام 539ق.م .وق د تميز
بمرحلتين ،أولهم ا النهو ض العروب ي الو ل والذ ي توّ ج حقوقيا بالشرائع
الحمورابية كما ورد معنا ،وميثولوجيا ومعتقديا بالديانة التونية ،ولغويا بظهور
البجدية العروبية ،وجميعها تتمركز حوالي منتصف اللف الثاني قبل الميلد.
يتلوه النهوض العربي والذي تميز بالمتداد والنتشار خارج المساحة الجغرافية
العربية من ناحية المنظومة المعرفية الناسية بعناصرها البنائية كلها.
أما المرحلة الرابعة
والتي تمتد من سقوط بابل في نهاية اللف السادس قبل الميلد وحتى
الرسالة المحمدية فإنها تميزت بثلث صفات هامة:
ً
وحضاريا -1ـ ـاستمرارـ ـالنتشارـ ـالعربيـ ـمعرفيا ًـ وأناسيا ًـ وثقافيا ًـ
خارجـ ـالرقعةـ ـالجغرافيةـ ـالعربيةـ ـوخصوصا ًـ باتجاهـ ـالسواحل
الوروبية المتوسطية..
-2ـ ـتطورـ ـالبنيةـ ـالمعتقديةـ ـالتوحيديةـ ـوتطورهاـ ـإلىـ ـظهور
المسيحيةـ ـوالتيـ ـلمـ ـيكنـ ـفكرهاـ ـإل ّـ فكرـ ـالفلسفةـ ـالعرب
معاصري المسيح ،كما قال ستاندال في الحوليات اليطالية.
-3قيام الحضارات العربية البديلة البعيدة عن جغرافية الحتكاك
معـ ـالغزاةـ ـ(النباط،ـ ـتدمر،ـ ـممالكـ ـجنوبـ ـالجزيرةـ ـالعربية،
مدائن الشمال الفريقي العربي)...
ويمك ن أ ن نطل ق عل ى هذ ه المرحلة " الركو د العرب ي الول " والذ ي تلته
المرحلة الخامسة والهم وهي مرحلة النهوض العربي الشامل والذي امتد مع
الرسالة المحمدية ليشمل كل جوانب المنظومة المعرفية جغرافيا وسياسيا وثقافيا
وحضاريا ،واستمرت مراحل صعوده حتى سقوط الدولة العربية الكبرى لتبدأ
بعدها مرحلة الهبوط في الخط البياني العربي والذي بلغ أشدّه بسقوط غرناطة
مع نهاية القرن الخامس عشر للميلد عام 1492ميلدي ومعركة مرج دابق عام
. 1516عندم ا بد أ النهيا ر التآكل ي ينخ ر جس د الجغرافي ة العربي ة م ن الشرق
والغرب ،لتبدأ المرحلة التي ما زلنا نعيش نشوة هزائمها حتى الن.
- 22 -
أما ما نقصده بالحداثيات الفقية ،فهي مساحة النتشار العربي والعروبي
عبر الجغرافية التاريخية والتي قسمتها كما سيلحظ القارئ لحقا إلى المنطقة
الشرقية العروبية وتشمل مناطق حضرموت وعمان " الحالية " والساحل العربي
من الخليج العربي بما في ذلك عربستان " لنه جزء من الجغرافية التاريخية
العروبية" وبلد ما بين النهرين والجزيرة السورية بما في ذلك كيليكيا " سيلحظ
القارئ في جزئنا المخصص للميثولوجيا العروبية المقارنة الدور الهام الذي لعبته
حرّان /مركز عبادة القمر /أريحا في فلسطين تعني أيضا مدينة القمر /الله
سين" القمر" في جنوب الجزيرة العربية والميثولوجيا السومرية والبابلية ،والذي
ولد في جزيرة الديلم /البحرين /ومن أسمائه الكثيرة في العربية يشع ،يثع،
يشوع ،يسوع" "23و " حرام" = نانار = النو ر الذ ي رم ز ف ي البنا ء المعتقدي
الرافديني والنيلي معا إلى تحليق الم الكبرى العادلة في السماء مبددة بنورها
غربة الليل ومعطية القوة الخصابية للنساء جميعا" " 24وهذا الرمز سنجده بدون
استثناء على مجمل الرقم واللوحات والختام والنصاب والتماثيل على شكل
شجرة /شجرة الحياة /مبسطة تجريدية ،حيث يبدو القمر كأنه جزءٌ عضوي من
أجزائه ا قدمته ا السلطا ت م ن خل ل انزيا ح لليقونوغرافي ا السلطوي ة باتجاه
المومية التي كانت عشتارية /ثم أضحت /تموزية ،/أي قبل التشاركية بين
الرجل والمرأة كشكل من أشكال العدالة الذكورية_)25
أما المنطقة الوسطى العروبية فتضم سيناء والساحل الكنعاني على البحر
الحمر وتهامة ومنطقة اليمن في جنو ب غرب الجزيرة العربية وبلد الشام
ومنطقة القرن الفريقي والهضبة الحبشية وارتيريا والنوبة ووادي النيل والدلتا.
والثالثة هي المغاربية العربية وتضم الصحراء العربية الكبرى وليبيا وبلد
المغرب العربي الحالية.
وأعتقد أن القارئ سيقتنع بهذا التقسيم للجغرافيا التاريخية العربية بعد أن
يتابع تأسيسي " في الفصول اللحقة".
إذن للهوية كسيرورة تاريخية خصائص قائمة في الزمان والمكان مستقلة
عن ارداتنا ،وهذا ماهو قائم في الجغرافية التاريخية والتاريخ الجغرافي العربيين.
فالمقدمات الميثولوجية والمعتقدية مثلً في التثليث كانت قائمة قبل المسيحية "
بشكل غير مرتبط بإرادة الجماعة البشرية العربية" وهذا مقدّمة قبلية ..فلقد كان
الثالوث المسيحي المقدّس /الب والبن والروح القدس /تردادا حقيقيا لثالوث
- 23 -
ايزيس وأوزوريس وحور يس النيلية ،أنو انليل أنكي سن شمش حدد الرافدينية،
ومناة واللت والعزى في الجزيرة العربية.
ومع قدوم الهكسوس وبعده" نشأت حالة توحيدية في قمة السلطة الفرعونية،
حيث عبر التأزّم الجتماعي عن نفسه في قمة السلطة مما أدى إلى ظهور
الخناتونية ،والتي كانت اصلحا في الجوهر فعبرت عن نفسها دينيا ،بتبنيها إلها
واحدا هو الله الشمسي /آتون /من دون جميع اللهة الفرعية العديدة التي كانت
معبودة في العهد السابق عليه(.)26
"والهكسوس على ما أرجح لفظ مركب من هيق وسوس .ومعنى" هيق" ذكر
النعام ،ومن الرجال المفرط الطول .وجاء في لسان العرب في حديث أحد/
انخذل عبد ال بن أُبيّ في كتيبة كأنه هيق يقدمهم .ومعنى سوس :الخيل .وقد
بقي في العربية المعاصرة الشارة اليها في كلمة" ساس " فإنه عند الطلق
ينصرف إلى من يسوس الخيل ،وعليه فيجب أن يفهم من التركيب إما ملوك
الخيل ،أو أصحاب نعام الخيل ،والرجح أنهم كانوا فرسانا وادخلوا الخيول إلى
وادي النيل"(.)27
وتطورت تلك الرؤى التوحيدية لحقا لتترافق مع تراكمٍ كمي هائل من
الصياغات الجمالية العربية التي ترواحت ما بين التجريد البسيط في عصر الم
الكبرى ،والمحاكاة في عصر الطبقات ،والتجريد العميق التنزيهي في عصر
انتصار المستضعفين ،بحيث أضحى قيمة جمالية تاريخية ،تلح للتواصل معها
لنها حاضرةٌ في كل ماهيتنا البصرية والبصيرية للنطلق من كنه التكوين
الداخلي لهذه القيمة ،لتكوين خطاب جمالي معرفي مستقبلي يؤكد لمن أراد في
عصر ابتلع الهُويات والماهيات ،هويتنا وما هيتنا العربيتين .لكن العودة إليه
ينبغي أل تفهم كعودة سلفوية تلفيقوية لستعارة أشكال وأساليب ورموز ابداعية
وفنية رغم أهميتها ،بل العودة لفهم العلقة التي تربطه كشكل من أشكال الوعي
الجتماع ي بالنم ط النتاج ي المعي ش والبني ة المعرفي ة العام ة للتكوي ن الثقافي،
فالدائرة" نبع النور والطاقة" -المثلث " نبع الخصب والعطاء" الشجرة " نبع لدوام
الحياة" النسان" نبع الخلق والعقل"(.)28
( ) 1بييرروسي -مدينة ايزيس -التاريخ الحقيقي للعرب ترجمة فريد جحا وزارة
- 24 -
التعليم العالي-ج .ع.س دمشق 1980ص 9
()2المصدر السابق ص ..19-18
( ) 3حسينـ فهيم /قصة النتروبولوجيا/ـ فصولـ فيـ تاريخـ علمـ النسان /سلسلة
عالم المعرفة -الكويت -98 -شباط 1986ص 13
( )4المصدر السابق ص 18
( )5المصدر السابق ص 230
( )6بييرروسي -مدينة ايزيس -التاريخ الحقيقي للعرب
( )7المصدر السابق ص 34
( )8المصدر السابق ص 38
( )9المصدر السابق ص 37
( )10المصدر السابق ص 31
( )11المصدر السابق ص 50
( )12المصدر السابق ص 263
( )13المصدر السابق ص 35
( )14المصدر السابق ص 36-35
( )15المصدر السابق ص 54
( )16المصدر السابق ص 20
( )17المصدر السابق ص . 29
( )18المصدر السابق ص 72
( )19المصدر السابق ص 29
( )20مجموعة من المؤلفين -شريعة حمواربي وأصل التشريع في الشرق القديم
ترجمة أسامة سراس -دار علء الدين ص 9
( ) 21يوسف الحوارنيـ -جمالياتـ الحكمةـ في التراثـ البابلي -دار النهار ط 1
1993ص .13
( )22المصدر السابق.
( ) 23يفصل ذلك الدكتور سيد القمني ـ في كتابه التراث والسطورة في فصل
خاص عن الله القمر والثالوث المقدس -وفي كتابه أيضا ً " النبي ابراهيم
والتاريخـ ـالمجهول"ـ ـوبدراساتهـ ـالعلميةـ ـالدقيقةـ ـالموثقةـ ـالمنشورةـ ـوالتي
تمتاز برصانتها وعلميتها.
( ) 24تتطابق الدورة الخصابية عند أكثر النساء مع الدورة القمرية /الشهرية"/
شهر" أحد أسماء القمر بالعربية /وقد ربط العروبيون ذلك بالنساء فقط
قبل اكتشاف دور الرجل في اللقاح والخصاب "..سنفصل ذلك في جزئنا
التالي حول الميثولوجيا العروبية المقارنة".
( )25موريس سنكري -حول الوحدة الثقافية للمة العربية -مجلة الفكر العربي
العدد -78خريف .1994
( )26المصدر السابق.
( )27علي الشوك-مداخلة في المفردات المتشابهة-الكرمل العدد ()15ص 209
( )28موريس سنكري ،المصدر السابق.
ρϖρ
- 25 -
- 26 -
ÇáÝÕá ÇáËÇäí
:ÇáãÇÞÈá ÊÇÑíÎíÉ
ليمكن فصل فعاليات النسان وتطوره ،وعلقته بالبنية النتاجية ونموها
من الشكل الفردي إلى النتاج الجماعي ،عن الصفات البيئية ،والطبيعية الجغرافية
للموقع المعيش .فهو يشكل في وحدته مع الشرط الجغرافي والبيئي المقدّمة
التأسيسية اللزمة للجغرافية التاريخية .بما يعنيه هذا من تحديد الشروط الولية
للنتاج الجتماعي.
ولم تكن منطقة الشرق العربي الممتدة من الصحراء العربية الكبرى وحتى
الخليج العربي معزولة عن التغيرات البيئية والمناخية التي تطرأ على الكون ،بل
يمكن القول بأن جملة التغيرات التي طرأت عليها خلقت الظروف المناسبة لحياة
النسان ( الجماعات الناسية) المتطور من أشباه النسان .وقد بدأ هذا النسان
يرسم الخطى الولى لعلقته بالطبيعة بدخولٍ ليمكن تحديده بدقة خارج التأطير
العام للباليوليث الدنى والذي يشكل %99من تاريخ النسان والذي يمتد حتى (
) 100,000عام قبل يومنا هذا ،حيث شقّ هذا التطور نهاية لمرحلة طويلة من
التطور البيولوجي استمر حوال ي 14مليون سنة من تطور الهوميثيد " أشباه
النسان" منها 3-2مليون سنة الخيرة عكست الثار الولية لكثر الثقافات قدما
حيث تعلم النسان أن يحضر أدواته ،وبدأ تدريجيا يبني سكنه الولي ،ليتبعه
لحقا بالفن الصخري .ويتوضع كل هذا الزمن في الطور الجيولوجي الرابع.
بحيث تؤكد القراءات الولية لما تركه هذا النسان من أدوات وآثار على جدران
الكهوف أن التطور الفيزيائي -الفيزلوجي والثقافي مرتبطان بشكل وثيق .علما
بأن قسما ضئيلً جدا قد بقي فقط من الدوات التي استخدمها انسان مجتمع
الصيد ولقط الثمار .فلم تصمد حتى أيامنا تلك العمال والشغال والدوات التي
صنعت من الخشب والجلد ومن لحاء الشجر واللياف النباتية -وحتى الكثير من
الشغال العظيمة التي تحطمت في وسط غير ملئم _ كالطين والصلصال.
ألف سنة نوع بشري 200-150 لقد عاش على سطح الرض ،وعلى مدى
- 27 -
واحد وحيد ( هومو -سابينس)= النسان العاقل .وقد انتمت لهذا النوع ،وبدون
استثناء سللت الباليوليث المتوسط والخير .مثلها مثل كل السلل ت التالية
حتى المعاصرة وكل منها قدمت قسطها في مسألة تطور النسانية(.)1
فبعد كل النظريات والفتراضات التي كانت سائدة حول الموقع المفترض
لنشوء وتطور النسان العاقل الولي خرج علينا العالم كوبنز بنظريته" قصة
الجانب الشرقي -أصل الجنس البشري" والتي يؤكد فيها بأنه تطور على امتداد
وادي الخسيف عند منابع ومجرى النيل في إفريقيا الشرقية( ،)2قبل ثمانية مليين
من السنين وهذا ما يضعه في لب التأسيس التطوري للنتروبولوجيا العربية
اللحقة ،خصوصا لو أخذنا الرابط المناخي والمعيشي الوثيق بين جغرافية ذلك
الوادي وامتداده نحو القرن الفريقي ،وبين المناطق الجنوبية من شبه الجزيرة
العربية -خصوصا إذا عدنا بذاكرتنا إلى الخلف أكثر عندما كانت تلك المنطقة
تشكل وحدة تضاريسية واحدة ،واكتفت لحقا بالوحدة المناخية والبيئية ،وتزداد
أهمية هذه المعطيات الموثوقة والموثقة إذا أدركنا بأن أنهار الجليد كانت تغطي
أغلب مناطق أميركا الشمالية وشمال أوروبا حتى 15,000سنة من يومنا هذا فقط
وهذا يعني أنها لم تكن قابلة للحياة النتاجية قبل هذا التاريخ بالتأكيد.
ومع انتقالنا إلى فترة الباليوليث الوسط حوالي 100,000إلى 40,000عام قبل
يومنا ،تميزت المرحلة الناسية الثقافية بظهور وتطور إنسان النيارندرتال الذي
كان سائدا سابقا أنه تواجد في أوروبا! بشكل سابق لغيرها من المناطق( ) 4إلى
أن جاءت دراسة فاندرميرس وباريوسف الموسومة ب" النسان الحديث في بلد
المشرق( )5حيث يؤكدان أن جماعة النسان العاقل الحديث " استوطنت المشرق
العربي قبل النياندرتاليين واتبعت نمط عيش متماثل لنح و 60,000سنة ،بحيث
نسف ت المكتشفا ت الحديث ة التراب ط المتب ع سابقا بي ن عل م البيولوجي ا والباليو
أنثروبولوجيا " علم تطور النسان القديم" فيقولن ":إن هذا الترابط بين البيولوجيا
لحضارة يصعب تطبيقه في بلد المشرق .فقد وجد علماء المستحاثات الذين
ينقبون في مواقع هذه المنطقة مجموعات من المستحاثات تشتمل على عينات
يبدو أنها أقدم من مثيلتها التي في أوروبا ) 6 ( .ويتابعان " فقد استنتج بعض
هؤلء الباحثين ،بعد مقارنتهم لعدد كبير من عينات مأخوذة من جماعات بشرية
أقليمية تقطن في بقاع مختلفة من العالم ،أن أفراد النسان الحديث قد نشأت في
مناطق شبه صحراوية في افريقيا منذ أكثر من 100,000عام ( .)7وتناسى هؤلء
الباحثو ن التغيرا ت المناخي ة والبيئي ة الت ي طرأ ت عل ى الكون ،بحي ث تحولت
- 28 -
الكثير من المناطق التي كانت تشكل غابات تلك المراحل إلى مناطق صحرواية
أو شبه صحرواية ،كما هو الحال بالنسبة للصحراء العربية الكبرى -الليبية
نموذجا -والتي اكتشفت فيها نقوش كهفية جدارية تثبت أنها كانت غنية ومسكونة
بالحيوانات المدارية كما هو مبين 0في اللوحات المكتشفة في الصحراء العربية-
الليبية وهذا يرتبط مع التوضع المناخي الملئم التالي لوادي الخسيف ،بحيث كان
كل من وادي النيل والدلتا ،ومنطقة الرافدين مناطق مغمورة بعد انتهاء الطور
الجليدي الخير.
ويؤك د الباحثا ن المذكورا ن ف ي دراستهم ا المنو ه عنه ا أعل ه أ ن بعض
مكتشفات الدفن في مغارة قفزة في فلسطين على سبيل المثال يدل على شعور
ديني قبل ما ينوف عل ى 100,000سنة فقد وجدا في أحد المدافن هيكلً عظميا
لطفل عند قدمي الهيكل العظمي لمرأة شابة ،ربما تكون أمه.؟ يظهر هذان
الهيكل ن بمظه ر النسا ن الحدي ث ولك ن حضارتهم ا تشاب ه حضار ة النسان
النياندرتالي الشرقي عربي الكثر قوة .أما في أوروبا -وحسب قول الباحثين()8
فقد أقام الفراد ذوو المظهر الحديث وكذلك النياندرثاليوم حضارات مختلفة،
وذلك بعد مرور 60,000سنة مما كانت عليه في الشرق العربي .وهذا ما يتناقض
قطعيا مع رأي الدكتور فراس السواح الذي يقول في مؤلفه" دين النسان ":وفي
الواقع ،فإنه من غير المجدي التفتتيش عن دلئل وآثار الحياة الدينية لبشر ذلك
الزمان /ويقصد الباليوليث الدنى /بسبب غموض الوثائق وتبعثرها ،وصعوبة
الربط بينها ،فإذا أردنا البقاء في حدود ما تسمح به الوثيقة المادية من تفسير،
يتوجب علينا القول بأن انسان الباليوليث الدنى لم يتمتع بحياة دينية من أي نوع،
وأن وسطه الفكري لم يتطور عن أسلفه من الرئيسات العليا ،رغم صناعته
للدوات واستخدامها للتحكم بوسطه المادي" ( .)9أما ما يتابعه الباحثان حول
ضرورة الستناد إلى وثائق من المكتشفات من أن عملية الدفن تلك وغيرها مما
اكتشفوه في مغارة سخول بأن وضعيات الهياكل تدل على دفن مقصود ،وهو
أقدم عملية دفن عثر عليها حتى الن ،ويضيفان اكتشاف مجموعتين من الهياكل
ف ي مغار ة شانيدا ر ف ي سفو ح جبا ل زاكرو س ف ي العراق ،وكان ت كله ا من
النياندرتاليين وتبدي ما يدل على سلوك بشري راقٍ ،مع مجموعة في مغارة
عمود قرب بحيرة طبرية ،وهذا يعني النتقال بالضرورة إلى عنصر الباليوليث
الوسيط حيث تتقاطع في هذه المرحلة وجهة نظر الستاذ فراس السواح مع
الباحثين المذكورين حيث مارس النسان في منطقة الشرق العربي عملية الدفن
الطقسي "،فتظهر قبور النياندرتاليين في المشرق العربي تقاليد دفن تميزت بطي
- 29 -
الجثة ضمن حفرة صغيرة وتوجيه الجسم وفق محور غرب -شرق .وتظهر
الهياكل العظمية لنسان النياندرتاليين المشرقي " العربي" بوادر ابتعاد
مورفولوج ي (المورفولوجي ا ه و عل م شك ل الحياء ) ع ن الهيئ ة الكلسيكية
للنياندرتال النموذجي في أوروبا واقترابا من هيئة النسان العاقل.
وهنا تجدر الشارة إلى أن الحديث يدور في الشرق العربي عن إنسان
متطور طقسيا ومورفولوجيا عن إنسان النياندرتاليين الذي سكن أوروبا في هذا
الزمن -في المرحلة الفاصلة بين الباليوليث الدنى والمتوسط ،وفي المراحل
الخيرة من الباليوليث الدنى" فالوجود الواضح لفراد النسان بأشكال حديثة في
بلد المشرق منذ 100,000سنة يقدم حقائق جديدة لتفسير وجود مستحاثات أخرى
غربي آسيا .فقد يكون لفراد النسان سلسلة نسب "سللة" محلية واسعة المتداد
إلى حدٍ ما فبقايا الجمجمة التي وجدها ثورنطيل -بيتر في مغارة زوتّيّة بالقرب
من مغارة عمود مثلً -تثبت أن تأريخها يراوح بي ن 250.000 -200,000سنة
مضت .وقد يكون صاحب هذه الجمجمة أحد أفراد الجماعة التي انحدرت منها
جماعة النسان النحيل " الحديث" في كل من سخول وقفزة" (.)10
وليست البنية المورفولوجية للجمجمة ،أو الدوات المحيطة فقط هي التى
وفق ت هؤل ء العلما ء إل ى الجز م بوجو د ذل ك الفار ق الزمن ي ف ي التطو ر بل
عثورهم أيضا على العظم اللمي ( ) Hyoidوهو عظم منفصل يتحكم في حركة
النسان) وتم الستدلل من خلل دراسته الدقيقة على أن جهاز التصويت لدى
انسان الباليوليث الدنى -المتوسط في منطقة الشرق العربي يشبه مالدى النسان
الحديث وإلى أنه كان قادرا على إصدار الصوات الضرورية لكلم مقطع.
ومن جانب آخريتجه الباحثان إلى تفسير المرحلة اللحقة التي بدأت منذ
نح و 40,000سنة إلى افتراض" أن جماعات النسان الحديث في بلد المشرق
العرب ي انتقل ت وانتشر ت ف ي أوروب ا وذل ك بع د أ ن حلّو ا مح ل النياتدرتاليين
المحليين أو نتيجة لعمليات التكاثر فيما بينهم (.)11
وبالعودة إلى بلد الرافدين فلقد " وجدوا بقايا حضارة مختلفة تماما عن
حضارة أور على عمق ستة عشر قدما من مستوى سطح أور التي عاشت
حوالي 2700ق.م لقد وجدوا مدينة ذات منازل من الجر حسنة البناء عمرها ستة
- 45 -
ألف سنة .وعرف وولي أنه اكتشف أقدم حضارة على الرض" ( .)44وبحديثه
عن البنية المثيولوجية لتلك الجماعة البشرية يقول ليونارد وولي " :وكانوا يلقون
المي ت ف ي قبر ه عل ى أح د جانبي ه ويجمعو ن ركبتي ه إل ى صدره ،بدعو ى أن
النسان يأتي إلى الدنيا بهذا الشكل وعليه أن يغادرها على هذا النحو أيضا:
وكانوا يعتقدون أن الموت عبارة عن انتقال إلى عالم آخر ،ولذلك تراهم يضعون
إلى جانب الميت أواني الطعمة ووسائل الزينة وغيرها من الدوات البسيطة
التي يحتاج إليها الفرد في حياته العتيادية ،وذلك مما يدلنا على اعتقادهم بعودة
الروح إلى الجسم ،وحينئذ يحتاج الميت إلى ماوضع بجانبه"( ) 45لكن هل كان
ذلك نتيجةً لعدم قدرة النسان على الفصل بين الحلم والواقع ،بحيث كانت تتردد
في أحلمه وجوه أسلفه وأترابه المتوفين بشكلها الحي بحيث ليستطيع تمييز
ذلك عن واقعة الموت؟ أم كان نتيجة لبنية مثيولوجية كاملة تتوضع باليمان
اللهوتي ببعث الميت حيا في زمنٍ لحق؟ أم كان متوضعا في بداية ادراك
النسا ن لمعن ى المو ت وم ا يترك ه ف ي النفو س م ن خو ف يستدع ي اليمان
بالنبعاث كمخرج حتمي من هذا المصير؟ سنأتي على ذلك لحقا مع الستمرار
بالقراء ة النتروبولوجي ة المعرفي ة لتطو ر الميثولوجي ا العربي ة ف ي صعودها
اللحق.
ρ
- 46 -
åæÇãÔ ÇáÝÕá ÇáËÇäí
( ) 1يان ايلينيك -الفن عند النسان البدائي -ترجمة د .جمال الدين الخضور دار
الحصاد دمشق ص 279
( )2كوبنز .ي مجلة العلوم المجلد - 11العدد 2شباط 1995ص .12
( ) 3هيوتن د .أ ،وودوك ج .م -تغير مناخ الكرة الرضية -مجلة العلوم المجلد 6
العدد 22تشرين الثاني 1989ص 11
( )4فراس السواح -دين النسان ص ،124دار علء الدين دمشق ط 1994- 1
( )5فاندرميرش وبار -يوسف .النسان الحديث في الشرق -مجلة العلوم المجلد
-11العدد " -1-يناير" كانون الثاني 1995 -ص 30
( )6المصدر نفسه ص 31
( )7المصدر نفسه ص 32
( )8المصدر نفسه ص 31
( )9فراس السواح -دين النسان ص 124
()10ـ ـفاندرميرشـ ـوبارـ ـ-يوسفـ ـ-النسانـ ـالحديثـ ـفيـ ـبلدـ ـالشرقـ ـ-مجلدـ 1-11
كانون الثاني 1995
( )11المصدر نفسه
( )12فراس السواح -دين النسان ص 129
( )13يان ايلينيك -نفس المعطيات السابقة ص .306
( )14المصدر نفسه.ص 307
( ) 15مور أ.م.ت -قرية زراعية سورية مع نهر الفرات سبقت العصر الحجري
الحديث-ـ ـمجلةـ ـالعلومـ ـالمجلدـ -6ـ ـالعدد 10-ـتشرينـ ـالول-ـ -.1989نشرت
الدراسة في )Scintific American August (1979
( ) 16جاك كوفان -الوحدة الحضارية في بلد الشام بين اللفين التاسع والسابع
قبل المبلد ،ت ،قاسم طوير ط 1984ص 8
( )17المصدر نفسه ص 21
( )18يان ايلينيك ص 241وص 247 -246
( )19جاك كوفان ص 115
( )20المصدر نفسه ص 08
( )21المصدر نفسه
( )22المصدر نفسه - 149 -141وفراس السواح دين النسان ص .164 -163
( )23جاك كوفان هامش ص 149
( )24جاك كوفان ص 170
( )25جاك كوفان ص 170
( )26أنطون موتكارت ،تاريخ الشرق القديم ،بدون دار النشر ،ج ،1تعريب توفيق
سليمان وعلي أبو عساف وقاسم طوير -ص 24-23
( )27أنطون موتكارت ص 19
( )28د .عبد العزيز عثمان تاريخ الشرق القديم ص ،395ج 1
( )30فاند يفرب.ب -طليات الخزف القديمة -مجلة العلوم ،المجلد -9العددان "
"29يناير -فبراير.1993 -
( )31محمد وحيد خياطة -مجلة الفكر العربي ص 41العدد 52
( )32جواد علي .المفصل في تاريخ العرب قبل السلم ،دار العلم للمليين ،ط 2
- 47 -
،1978ج 1ص 523
( )33جواد علي المصدر السابق ،ج - 1ص 530عن George Journal Vol
( )34المصدر السابق ص .537
( )35د .جواد علي المصدر السابق ،ج 1ص 534
( )36د .جواد علي ،المصدر السابق ص 531
( ) 37ترجمةـ محمدـ دنيا-ـ -عندماـ انطلقـ العالمـ منـ الشرقـ " الوسط"،ـ مجلة
المعرفةـ ـدمشقـ ـ-ـ ـالعددـ 368ـأيار-ـ ـمايوـ 1994ـنقل ًـ عنـ ـمجلةـ ـ"ـ ـالعلم
والحياة" العدد الرابع لعام 1991
( )38المصدر السابق ص 202
( )39المصدر السابق ص 204
( )40جاك كوفان ص 108
( )41جاك كوفان ص 107
( )42جاك كوفان ص 107
( ) 43الطيب تيزيني ،الفكر العربي في بواكيره وآفاقه الولى ،دار دمشق ،ط 1
1982ص 409
( )44المصدر السابق ص 91
( ) 45السر ليونارد وولي وادي الرافدين مهد الحضارة -تعريب أحمد عبد الباقي
مكتبة المثنى ببغداد ط 1948 1ص .18
ρϖρ
- 48 -
:ÇáÝÕá ÇáËÇáË
نستنتنج مما سبق أن إنسان المشرق العربي بدأ مع نهاية اللف السادس قبل
الميلد بالنتقال من:
-1وحدة الواقع والحلم.
-2وحدة الرض والسماء.
-3وحدة القائم حاليا ً مع الخلف والسلف.
إلى:
-1التمييز بين الواقع والحلم.
-2فصل الرض عن السماء.
-3ـ ـالتمييزـ ـبينـ ـماـ ـهوـ ـقائمـ ـفيـ ـ"ـ ـالموضوع"ـ ـعنـ ـالخلف
والسلف.
لكن وبعد أن أثبتنا التوازي والتطابق في التطور ،وحتى تلك الفترة ،على
كام ل مساح ة الوطن العرب ي والتي ضبطناه ا جغرافيا وحددناها ضمن دائرة
البح ث بالشرق العربي " الدنى" /بلد الشام وبلد الرافدين وشبه الجزيرة
العربية /وبشمال افريقيا مضافا إليه السودان كامتداد جغرافي وطبيعي
وديمغراف ي لواد ي الني ل والساح ل الشرق ي للبح ر الحم ر وامتداد ه التال ي في
الساح ل الصومال ي مرورابالقر ن الفريقي ،لب ّد م ن المرو ر عل ى الحركية
الديمغرافي ة باحتمالته ا المفترض ة وبالسيا ق التاريخ ي المفسر .برغ م وجود
احتمالت نظرية أخرى لطبيعة واتجاهات حركات جولت الكتل البشرية في
المنطقة العربية المحددة أعله .فلقد " أكد عدد من مشاهير علماء الثار أن
الهجرات من جزيرة العرب لم تقتصر على سورية وفلسطين ولبنان /بلد
الشام /والعراق ،بل تعدتها إلى مصر أيضا حيث يعتقد بأن جماعات نزحت من
جزيرة العرب إلى وادي النيل واستقرت فيه في حدود اللف الرابع قبل الميلد،
- 49 -
فجاء ت هذه الجماعا ت إل ى مص ر من بزرخ السوي س أو من طريق جنوب
الجزيرة عبر مضيق باب المندب"(.)1
وهن ا لب د م ن التذكي ر بحقيقةٍ ثانية /بالضاف ة إل ى الحقيق ة الول ى التي
أوردناها في الفصل السابق /مفادها أن المتداد العربي في القارة الفريقية هو
أوسع في جغرافيته الطبيعية والديموغرافية مما هو عليه في آسيا ".فيذهب
البعض إلى أن الهيكل المنضدي المصدوع الذي يمثل سواحل اليمن والحجاز-
يظه ر بشك ل متشاب ه ف ي سواح ل أفريقي ا فيم ا ورا ء البح ر الحمر ،مم ا حدا
بالجغرافيين إلى اعتبار شبه الجزيرة العربية جزءا من القارة الفريقية يفصله
عنها شبه انحراف "( ) 2كما يذهب البعض الخر ،إلى أن البحر الحمر في
عهو د جيولوجي ة غابر ة كا ن عبار ة ع ن بحير ة مغلق ة تتوض ع بي ن القارتين
الفريقية والسيوية .أما الدراسات الحديثة لدى بعض المفكرين الفريقيين في
غرب أفريقيا فترى أن القبائل العربية عبرت مضيق باب المندب من اليمن إلى
شرق أفريقيا وعبرت القارة على طول خطوط العرض حتى استقرت في بلد
اليوربا ،غربي نيجيريا ،وفي السودان الغربي ،وأوغلت جنوبا عن طريق بحر
العرب والمحيط الهندي إلى زنجبار وشواطئ كينيا وتانجانيقا ومن هناك توغلت
على خطوط العرض حتى عرفت جبال القمر وهضبة البحيرات وأكثر من هذا
وصلت إلى تقسيم المياه بين نهري النيل والكونغو(.)3
إن الخذ بهذه المقولة يبدو سليما من الناحية العلمية خصوصا إذا أدركنا
طبيعة الحركية الديمغرافية مع الظروف والشروط البيئية والطبيعية .وقيام
الحضارات الولى في المناطق الزراعية المستقرة نسبيا مع بقاء حركة الجولن
في مناطق الرعي والصحراء مفتوحة على احتمالت عديدة ومتشعبة .بحيث لم
تكن الجزيرة العربية أشبه بكأس ماء على حد وصف المستشرق غوستاف لوبن
كلما زدنا امتلء الكأس فاض الماء عن الكأس وسال عن أطرافه إلى مالنهاية.
ففي العصور الماقبل تاريخية تذهب الدراسات إلى أن " هجرات " -لسباب
مختلف ة -تم ت بي ن مناط ق الوط ن العرب ي وحت ى فج ر التاريخ ،ول م تكن
الحضارات التي نشأت إلّ نتيجة امتزاج جديد بين العناصر العروبية ذات النشأة
الواحد ة بع د أ ن تفرق ت وعاد ت لتلتئم.فحضار ة واد ي الني ل العظيم ة نمت
وتطورت بتدفق الهجرات من جانبي الوادي ،من الصحراء الليبية غربا ،ومن
صحراء الجزيرة اللتين كانتا غزيرتي المياه مناسبتين للحياة من جهة ،وتجفيف
المساحات الشاسعة من مجرى النيل الذي كان مجرد مستنقعات ،بحيث صار من
- 50 -
الممكن العيش فيه من جهة أخرى .وتكونت " مملكتان " في الشمال والجنوب من
الوادي حتى تم توحيدهما أواخر اللف الرابع ق.م .وتكوين التاريخ المكتوب
لحضارة مصر القديمة ( .)4واستمرت الهجرات من الصحراء الليبية حتى بعد
ذلك .في نفس الوقت الذي دفعت فيه الجزيرة هي الخرى بموجات اتجهت هنا
وهناك .فإلى مصر عن طريق عبور البحر الحمر وصلت مجموعات كونت
دولة الصعيد" .وما يؤكد ذلك أن البلد المعروفة اليوم باسم " اثيوبيا" لم تُعرف
عند العرب -قبل السلم وبعده -بغير اسم الحبشة ومن التمسية العربية أخذ
الوربيون تسميتهم للبلد Abyssiniaوالتسمية " الحبشة" نسبة إلى قبيلة " حبشت"
ل
التي قدمت من اليمن /مهرة بحضرموت /أو تهامة اليمن .ويمكن القول إجما ً
إن الجنس الغالب في الحبشة شبيه عرقيا بسكان جنوب الجزيرة العربية .بل إن
تاريخ الحبشة يبدأ في الجزيرة العربية .وكانت الحبشة -عبر تاريخها الطويل-
جسرا بين قارتي آسيا وافريقيا .وكثير من سكانها قدموا من الجزيرة العربية منذ
زمن بعيد عبر مضيق باب المندب الذي ليتجاوز عرضه -حاليا -عشرين ميلً"
( ) 5والمتفحّص لتسمية الماكن والنهار والتضاريس منذ فجر التاريخ وحتى
الن ،يدركُ أ ن الحبش ة كان ت العتب ة الت ي وطأته ا أقدا م العر ب ف ي انتقالهم
اللمتقطع باتجاه القسم العربي من افريقيا ،فيكتشف أن أسماء تلك الماكن في
الجانب الفريقي من أصل يمني مثل :سبأ ،سَحرت ،هَوزن ،سراة ،مأرب(...)6
وهي بالتأكيد أسماء نقلها المهاجرون من وطنهم الصلي إلى حيث
استقروا(.بالنسب ة للتطاب ق ف ي الث ر اللغو ي والميثولوج ي والدين ي فسير د في
فصوله الموافقة) "ففي عام 1681أعرب هيبوب لودولف عن وجهة نظره بأن
حضارات الحبشة يمكن ارجاعها إلى مهاجرين قدموا من اليمن ،استنادا إلى
التشابه بين لغة البلدين ووجود عناصر مشتركة في دياناتهما وعاداتهما القديمة،
والتشابه في الملمح والهيئة ..وأشار لودولف على وجه الخصوص إلى أقوال
الجغرافيين القدامى .فقد أورد أحدهم -ستيفانوس البيزنطي -فقرة من" العربية
Arabicمن تأليف أورانيوس عرّف فيها الحباش بأنهم من أصل عربي قدموا من
اقليم يقع وراء سبأ وحضرموت .وأعرب لودولف عن اعتقاده بأن اسمهم لبد
وأن يُخفي اسم الجداد العرب للحباش .إلّ أنه لم يتمكن من تحديد الموضع
الذي قدموا منه من اليمن ،ويبدو أنه حسبهم قدموا من تهامة على ساحل اليمن.
كما أنه لم يتوصل إلى تحديد هجرتهم من اليمن واكتفى بالقول إنها هجرة قديمة
منذ ماقبل ميلد المسيح .والصول العربية للثقافة الحبشية أخذت طابع الحقيقة
المسلّم بها بعد أن قام النمساوي د .ه .ملر سن ة 1893بنشر قطع من سبعة
- 51 -
نقوش كتبت بحروف جنوب الجزيرة العربية " المسند" عُثر عليها في بلدة يحا
Yahaعلى بعد خمسين كيلو مترا شرقي أكسوم على الطريق المؤدية إلى ميناء
أووليس " عدولي" القديم ( .)7وعندما درس جليسر القضية سنة 1895رأى أن
التسمية " حبشة -حبشت" منذ زمن عريق في القدم كانت تسمية عامة لكافة
مزارعي وجامعي اللبّان ،لفي جنوب الجزيرة العربية فحسب بل أيضا في
الصومال والحبشة واعتبرهم استمرارا ثقافيا واحدا ،وبرر رأيه بورود الكلمة"
ألف مضة" حبستي في النصوص الهيروغليفية القديمة وبالرجوع إلى المعنى
الصلى للفعل العربي " حبش" وهو" جمع( ) 8ول أعتقد من ناحيتي بأن من
الضرورة بمكان تذكير القارئ بأن جنوب الجزيرة العربية كان المصدر والمنتج
الوحيد للبخور واللبان في كل نواحي العالم المعروف منذ ما قبل التاريخ وحتى
المراحل التالية من الحضارات الجليلة.
وفي عام 1962نشر الباحث الفرنسي دروز Drewesدراسة تحليلة للنصوص
الحبشية في كتاب صدر في ليدن بعنوان" نقوش من الحبشة القديمة" ومن أهم
النقاط التي أثارها تلك المتعلقة بهوية الشعب الذي أدخل ثقافة جنوب الجزيرة
ل بأن حبشت كانت في الصل قبيلة من العربية إلى الحبشة ،وبالتالي أصبح مقبو ً
جنوب الجزيرة العربية عبرت في وقت مبكر -قبل القرن الخامس قبل الميلد
بزمن طويل -البحر الحمر واستقرت بادئ المر على ساحل أرتيريا " سهل
سمهر" وتسربت تدريجيا إلى أقاليم المرتفعات في الداخل الحبشي حول يحا
وأكسوم(.)9
"أما المستشرق اليطالي كونتي روسيني فيرى أن شعب الحبشة قدم إلى
افريقيا من ساحل اليمن أو عسير /مما يسهل لقربه عملية العبور إلى ساحل
ارتيريا .وهو يرى أن أحد المواطن الرئيسية لحبشت كان بمقاطعة سحرمّان
القديمة"وفي هذا المنطقة يوجد جبلن يحمل أحدهما اسم" حبش " ويحمل الجبل
الخ ر اسم " جيش " وعل ى وج ه التحدي د عل ى مقرب ة م ن لحيّ ة حوال ي سبعين
كيلومترا شما ل غرب ي الحديدة ،مابين واد ي بي ش وواد ي سردود .كم ا يرى
روسيني أن مقاطعتي سحرت وهوزين في اقليم تيجري شمال الحبشة تقابلن
سحرتان وهوزن في اليمن .
ويفتر ض روسين ي أ ن بع ض هؤل ء الحبش ت كا ن ق د هاج ر قب ل القرن
السادس قبل الميلد إلى الحبشة حيث قامت على يديه أولً حضارة مركزها يحا،
ثم حضارة أكسوم ،ولكن بعضهم بقي في موطنه الصلي وظل يحتفظ بعلقات
- 52 -
تجارية وسياسية مع النازحين(.)10
[ وهكذا أدخل المهاجرون عبر موجاتهم المتتالية منذ ما قبل التاريخ وحتى
بداية اللف الول قبل الميلد إلى الساحل الفريقي من البحر الحمر ،لغتهم،
وفن البناء بالحجر ،والقراءة والكتابة وكانوا أول من أدخل الزراعة ،ومن هناك
توغلوا إلى عمق القارة الفريقية وجهاتها المتعددة.
أما المهاجرون من اليمن فلم يكونوا بدوا رحلً ،بل كانوا قوما مزارعين
مستقرين وأدخلوا إلى البلد استعمال المعادن وأسلحة لم يسمع بمثلها قبل قدومهم
وحيواناتٍ مدجّنة كالجمل والحصان والغنام ومحاصيل وأساليب زراعية جديدة
ونظما راقية في الري والفلحة وحلّت من الناحية الناسية المعرفية نظم المجتمع
البوي والتنظيم القليمي والملكية الجماعية بدلً من منظومة المجتمع المومي.
يضاف إلى ذلك نظام الزراعة بالمصاطب على سفوح الجبال والسدود.
ومما لشك فيه أن العرب باصطحابهم المحراث -الذي لم يكن معروفا في
افريقيا السوداء كان هبة قيمة من هؤلء الوافدين العرب كما اكتشفت البعثة
اللمانية سن ة 1905في حفرياتها قرب أكسوم مجموعة كبيرة من الثار هي
عبارة عن عدد من العمدة والمسلّت ليس منها سوى واحدة قائمة والباقي على
الرض ويبلغ طول المسلة القائمة 27م .ويبدو أن هذه المسلت كانت لغراض
دينية حينما كان السكان يعبدون الشمس وكان القرص في أعلى المسلّة -يمثل
قرصها -وهو يرسل أشعة إلى جميع الجهات .كما عثر عا م 1954-1953في
أزبي ديرا في أقصى شرق هضبة تتجري على تمثال حجري لملك يرتدي رداءً
ثمينا مزينا ،وهو جالس على كرسي ،وعن د قد م التمثا ل كتاب ة بالسبئية .كما
اكتشف في مدينة أفا "/"Avaتحا /حاليا" معبد للله شمس .ويبدو أن تحاكانت
المدين ة الرئيسي ة ف ي المملك ة الت ي سبق ت مملك ة اكسوم .واكتشف ت فيه ا في
السنوات الخيرة أوانٍ فخارية جيدة الصنع وقناديل ومصنوعات من البرونز
وحراب وفؤوس ومناجل وبعض الختام ،وأقدم المباني التي عثر على بقايا
مهمة منها في هضبة الحبشة شديد الشبه ليس فقط مع أطلل المباني في جنوب
الجزيرة العربية بل مع مباني العصر في تلك المنطقة ولغرابة في ذلك إذ أنها
معاب د أقامه ا القاطنو ن العر ب من جنو ب الجزير ة العربي ة للله ة الت ي كانوا
يعبدونها .وأقدم هذه المعابد معروف في يحا جنوب شرق عدوة .وهو مبني من
كتل صخرية كبيرة يشبه مباني مأرب أما المعبد الخر المهم وهو أقدم من
سابقه بكثير فيعرف باسم ميلزو ويتبين طابعه الديني من هدايا النذور ومعظمها
- 53 -
تماثيل صغيرة لماشية .بينما تدل اللوحات الحجرية المنقوشة على أن المعبد كان
مكرسا للله القمر] ( ) 12ومن المعروف دور موقع الله قمر " سين" كأقدم إله
في المنظومة الثيولوجية العربية ليس فقط في جنوب الجزيرة العربية،كما سنرى
لحقا ،بل في عموم أصقاع الوطن العربي .ومنطقة ميلزو المذكورة غنية
بالتماثيل التي تعود إلى فترة جنوب الجزيرة العربية .فثمة تمثال صغير لرجلٍ
يرتدي عباءة فضفاضة وعلى الجانب اليمن من القاعدة يرد اسم علم مذكور
مكتوب بالسبئية .وهناك تمثال صغير لمرأة جالسة وعلى القاعدة نقش اسم من
جنوب الجزيرة العربية " كنعان" ولهذا السم أهمية خاصة تاريخية
وأنتروبولوجية معرفية من حيث الحركة الديموجغرافية لهذا السم باتجاه الخليج
العربي ،م ن ث م لحقا باتجا ه بل د الشام ،ومن هناك باتجا ه الساح ل الشمالي
لفريقيا.
" كما عثر على كثير من مذابح حرق البخور ،ومعظمها ينتمي إلى النماط
المعروفة في جنوب الجزيرة العربية .وتشير العلمات على هذه المذابح إلى آلهة
جنوب الجزيرة :هلل فوقه قرص" (.)13
وهكذا نستنتج وبما ليدع مجالً للشك بعد كل تلك الذخيرة من الوثائق أن
الوحدة الناسية بشكليها التاريخي والجغرافي " وسنأتي لحقا على شكلها اللغوي
والثيولوج ي والديني " بين شب ه الجزيرة العربي ة والساح ل الفريق ي من البحر
الحمر تشكل البرهان الكيد على أن أحد المنافذ الساسية للهجرات التالية باتجاه
وادي النيل كان من ناحية باب المندب ،وهو مايتمم ما أتينا عليه سابقا من
الدور المؤسس لوادي الخسيف وامتداده في جنوب الجزيرة العربية قبل تشكل
الممر المائي في باب المندب وبعده ،في التطور الناسي التالي للثنية المعرفية "
ولي س العرقي ة العربي ة كمطلقٍ أكي د ف ي انبعا ث الحداثا ت التالي ة عب ر مراحل
الباليوليث والنيوليت وحتى الحضارات الجليلة.
وبالنطلق شمالً نحو السودان /الجزء الجنوبي من وادي النيل /نلحظ
وبنف س المعطيا ت السابق ة الت ي تحدثن ا م ن خلله ا حو ل الوحد ة الناسية
الجغرافية -التاريخية للساحل الفريقي المقابل للساحل السيوي من ضفتي البحر
الحمر ،نلحظ بأن سكان السودان يمثلون خليطا أيضا يغلب عليه أؤلئك الذين
وفدوا من جنوب الجزيرة العربية ،من جانب ،ومن الجانب الخر أولئك الذين
وفدوا عليه من الصحراء العربية الكبرى ،بعد جملة التغيرات البيئية والجغرافية،
حيث جفت الصحراوات العربية والليبية ،وتجف كذلك تلك المستنقعات الشاسعة
- 54 -
من مياه النيل ويتمدد -بشكل أفضل -مجراه ويصبح من الممكن زراعة أرضه
واستغل ل ميا ه النه ر ف ي الستنبات ،ويتدف ق عل ى الواد ي سكا ن الصحراوين
المهاجرين طلبا لمكان أنسب للحياة والستقرار .فالتشكيل السكاني" الديموغرافي"
الول لما عرف بعد ذلك باسم " المصريين" في اساسه مرتكز على مهاجرين من
شرق الوادي وغربه .وكان من الطبيعي أن يحمل القادمون إلى الوادي ثقافتهم
ودياناته م وأ ن تكو ن هذ ه الثقافة ،بم ا فيه ا الدين ،السا س الذ ي بني ت عليه
الحضارة المصرية(.)14
ولقد كان من المستحيل ذلك ،قبل انتهاء المراحل المتأخرة من العصر
الجليدي الخير ،حيث لم يكن مجرى النهر قد أصبح قابلً للحياة المستقرة ،كما
أن الصحراوين العربية والليبية كانتا قابلتين للحياة.
إذن تداخلت معنا ثلثة شروط مترابطة فيما بينها:
ل ـبالصحراءـ ـفيـ ـشبهـ ـالجزيرة -1ـ ـالجفافـ ـالعظيمـ ـالذيـ ـح َّـ
ً
قائما العربية ،والصحراء العربية الليبية الكبرى وهذا ما كان
في السنين القريبة من العصر الميزوليتي كما بينا ذلك في
الفصل الول من هذا الكتاب ،حيث تؤكد كل المكتشفات "
كماـ ـأسلفنا"ـ ـعلىـ ـأنهاـ ـكانتـ ـمناطقـ ـقريبةـ ـمنـ ـالبيئة
المدارية.
-2جفاف المستنقعات التي كانت تغطي كل وادي النيل ،والتي
كان يستحيل بوجودها ،التوضع الستنباتي المستقر.
-3حركية الهجرات التالية للعامل الول مما دفع تلك الكتل من
الشعبـ ـللنطلقـ ـبحثا ًــ عنـ ـمواقعـ ـللحياةـ ـأفضلـ ـقابلة
للستقرار ولستنبات تلكـ المكتسبات ـالثقافية والتقنية في
مواقع أفضل.
وإذا كان ما أكدناه وأثبتاه في بداية هذا الفصل يشكل الخزان البشري في
جناحه الشرقي لوادي النيل فهذا ليمنع أيضا من انبثاق الخزان الغربي باتجاه
الشرق والشمال نحو الساحل المتوسطي.الول وشكله تراكم الهجرات المغرقة
في القدم ،أو التواجد المتوازي المتطابق التاريخي الناسي بين جنوب الجزيرة
العربي ة والمنطق ة الممتد ة م ن القر ن الفريق ي وحت ى أبع د نقط ة م ن الساحل
الريتيري على البحر الحمر مع تمركز هام في هضبة الحبشة ودفعته تلك
التغيرات المناخية التالية إلى التجاه نحو وادي النيل ".وهذه الوضعية تكتسب
صيغة أكثر وضوحا وتدعيما ،حينما نتبين التكوين اللغوي الرئيسي الذي هيمن
في السودان القديم( والوسيط والحديث بمزيد من الوضوح) فهذا التكوين كان
- 55 -
أصلً وفرعا من جذور ( من شبه الجزيرة العربية) لغوية ،تبلورت هناك أكثر
فأكثر باتجاه اللهجة أو اللغة " العربية" .ويمكننا أن نورد مثالً على ذلك بعض
المفردات التي نواجهها في السودان /المشابهة لما لمسناه في الساحل الريتيري
والهضبة الحبشية /تلك هي /:ابريم ..أم بقول درمان -أبو هرار -أم شنقة -أبو
خراز -أبو دليق -بلل -بربر -باري -تنزه -الثيب -جبل تعلى -جنس -جبل
شنقول -جبل الداير -حلفا -حنك -صلة تركبان -خندق -دبور -ور -ونقلة-
وبة -ديكة -دارة -سواكن -سبوع -سمنة -سكوت -سبت -شكا -صلب-
صنم -عمده -فرص -كلكل -كلبشة -كوبان -كاكا -كتم -واو"
تلك المعطيات ،وأخرى عديدة تاريخية واقتصادية وثقافية ،تسمح لنا بأن
نوسع دائرة بحثنا ،بحيث تبرز السودان -أي معظم الشطر الجنوبي من وادي
النيل -بصفتها أحد مظاهر المجتمعات الشرقية العربية القديمة .بل إن وادي
النيل هنا ،يمثل في شطريه ،مستوى اقتصاديا ولغويا وثقافيا متكاملً بصورة
أساسية ،وذل ك ضم ن الوحد ة التاريخي ة الثنوغرافي ة والثنولوجي ة للشعوب
العربية(.)15
" وإذا كان من المسلم به أن أسماء الماكن واسماء الشخاص إذا وجدت
متفقة بين اقليمين في القديم فإنه برهان على وحدة هذين القليمين ،فإن دراسة
أسماء الماكن والمواقع واسماء الشخاص بين أقطار الوطن العربي تبين بشكل
ليقبل النقض هذه الوحدة .بل إن دراسة عن أسماء القبائل الليبية القديمة التي
يرجع تاريخها إلى القرن الثالث عشر قبل الميلد أثبتت بالقطع صلتها بقبائل
عربية موازية لها ،كما بنيت عن التسمية العربية لهذه القبائل بلغةٍ نفهمها اليوم..
ونظر ة واحد ة إل ى خارط ة الشما ل الفريق ي مثلً ترين ا كي ف أ ن قبيل ة ما-
كالمشوش -نجدها في عصر في ما يسمى تونس اليوم ،ثم نلقاها في الصحراء
الشرقية من ليبيا بعد مدة من الزمان .وهذا ما هو حادث حتى يومنا الذي نحياه،
إذ نجد قبيلة -كالفرجان مثلً -في وسط الجماهيرية وهي ذاتها في موريتانية
ونعث ر على العبيدا ت في شر ق الجماهيري ة وهي كذلك ف ي الردن ،والعنزة
موجودة في ليبيا والكويت أو شمال الجزيرة ( )16وحتى في كل بلد الشام.
وإذا كان باحث ما يتحدث عن طريق واحد للوصول إلى وادي النيل ،كما
يفعل كمال حسين مثلً" بأن المصريين والسودانيين من أصل واحد ،وأنهم جاءوا
إلى وادي النيل من بلد العرب ( الجزيرة العربية) عن طريق الصومال على ما
تدل عليه البحوث والستقراءات ( )17أو كما يضيف باحث آخر بوجود الهجرة
- 56 -
الليبية العظيمة ( ) 18إلى وادي النيل من الناحية الغربية بالضافة إلى الطريق
الولى ،فإن فريقا رابعا ،وهو محق أيضا في أبحاثه واستناداته على وجود
ل أن هناك باحثين طريق رابع للحركية الجولنية الديموغرافية عبر سيناء ،إ ّ
آخرين يؤكدون وجود حركة جولنية انطلقت في أزمنة ما قبل التاريخ ومطلع
اللف الرابع من وادي النيل باتجاه الشرق ،كما يفعل الباحث القدير الدكتور سيد
القمني في معظم أبحاثه .إلّ أن الجميع متفق على وجود حركية دائمة لم تتوقف
بين الجماعات البشرية للشعب العربي وعبر مواقع تواجده كلها.
وإذا كان من المسلم به أن الجزيرة العربية كانت" خزانا بشريا" كما هو
الستعمال الشائع يدفع بموجات الهجرة إلى مختلف الجهات في حقب متطاولة
من التاريخ ،فإن هذه الجزيرة ذاتها كانت " تستقبل" المهاجرين إليها من الشمال
ومن الجنوب ،بل ومن الغرب أيضا .فالهجرات بين مناطق ما نعرفه اليوم
بالوطن العربي كان ت متبادلة باستمرار ولم تكن تنبع من منبع واحد ،وذلك
بحسب الظروف والعوامل البيئية والقتصادية والسياسية والجتماعية المختلفة.
وهذا يعني من الناحية الناسية التاريخية أن قاطني هذا الموقع الجغرافي هم
مجموع ة بشري ة واحد ة نشأ ت حتما ف ي مكانٍ ما ،جماع ة صغير ة ث م نمت
وتفرعت وكثرت .أو أنها مجموعات متناثرة كونتها نفس الشروط والظروف
وتطابق المعطيات البيئية والشراطات الناسية بحيث تطورت بشكل متطابق
ومتوازٍ من أقصى الوطن العربي شرقا إلى أقصاه غربا وعلى مسار عشرات
اللوف من السنين بحيث أنتج وحدة أناسية وثقافية ولغوية ومعرفية واحدة /كما
أثبتنا ذلك في الفصل الول ".../ومهما كان المر في المكان الذي نشأت فيه هذه
الجماعة ،ما بين الجزيرة العربية ،وأرض الرافدين ،والشمال الفريقي ،وشرق
أفريقيا أو وادي النيل" ( ) 19أو أنها تطورت بشكل متطابق ومتوازٍ لتجد نفسها
ل أنه
وفي المراحل المتأخرة من زمن ما قبل التاريخ تشكل وحدة أناسية واحدة" إ ّ
من الثابت -بشكل قاطع -أن ثمة تشابها في المخلفات الثرية الولى ما بين
أماكن ومواطن تبدو متباعدة مما يدل على امتزاج حضاري بدرجات متفاوتة
تؤيده الكشوفات الثرية يومابعد يوم ،فحضارة وادي النيل في تكويناتها الولى
تؤك د ارتباطا وثيقا بينه ا وبي ن حضار ة الصحرا ء الليبي ة م ن جه ة وحضارة
الجزيرة من جهة أخرى .والثار الفخارية للنسان الحجري القديم في فلسطين "
بلد الشام" تبرز تشابها واضحا مع نفس ذلك العصر في الجبل الخضر ،وهذا
يدل على نوع وثيق من التواصل الحضاري(.)20
- 57 -
أما ما يخص المغرب العربي فلنا في ذلك وقفة كشبيهتها التي وقفناها مع
الساحل الفريقي من البحر الحمر وحتى القرن الفريقي /بداية هذا الفصل /إذ
لبد من التمييز بين ثلث معطيات هامة تشكل التسلسل التاريخي للهجرات
العربية إلى الشمال الفريقي من المغرب العربي ،وهي :الهجرات الولى في
مراحل ما قبل التاريخ وبداية اللف الثالث والتي شكلت الهجرات المازيغية
محورها الهام .وهجرات الفينيقيين في نهاية اللف الثاني ومطلع اللف الول
قبل الميلد ،من ثم المراحل الهامة من انتشار الرسالة السلمية.
فلقد أكدنا في الفصل الول التطور المتطابق والموازي في البنية الناسية
المعرفية لحضارة المغرب العربي الماقبل تاريخية مع مثيلتها في وادي النيل
وبلد الشام والجزيرة.ونكون بذلك وضمن المنهج الذي نتبعه قد حددنا واحدا من
الجذور الناسية التاريخية البعيدة لمنطقة عربية هامة راهنة .وإذا كنا سنخصص
ل أننا لبد أن نعرّج
ل خاصا بالتاريخية الناسية اللغوية للوطن العربي إ ّ
لحقا حق ً
في مقدمة طرحنا للموضوع باعتبار " البربر" كانوا يتكلمون لهجات ليبية يمتد
أصلها البعيد إلى أصل اللهجات " اللغة" العربية في الشرق ".وهذا يشير إلى أننا
غدونا في موضع تقصي الصول البعيدة " للبربر" وإذا كان المر كذلك ،فلبد
من أن نأتي على الواقعة التاريخية التالية والتي أجمع المؤرخون على صحتها.
تلك هي أن كلمة " بربري" لتنطوي على أي مدلول عنصري أو لغوي أو
ثقافي .إذ لم يطلق البربر على أنفسهم هذا السم ،بل أخذوه من دون أن يروموا
استعماله عن الرومان الذين كانوا يعتبرونهم أجانب عن حضارتهم وينعتونهم
بالهمج Barbriومنه استعمل العرب كلمة برابر وبرابرة "-مفرده بربري".)21("/
ويذكر عبد الرحمن بن محمد الجيلني في تاريخ الجزائر العام -الجزء
الول بيروت 1965ص 48ما يلي حول لفظ بربري :إنما هو وضعي يراد به
عند اليونان " صوت اللثغ" وهو كل إنسان أجنبي عنهم ليتكلم بلغتهم ،ومن ثمة
أطلقه اليونان أنفسهم على سكان هذا الوطن وعلى غيرهم ممن هو ليس يونانيا
كأمة الطاليان فإنها كانت تسمى عندهم " برباريا" ويتابع بأن اللغة البربرية هي
كغيرها من سائر لغات البشر ذات لهجات وصيغ مختلفة كما هو مشاهد من
أهلها إلى الن بين سكان القطر الجزائري والمراكشي ،فهناك لهج ة خاصة
بزواة -بلد القبائل -تختلف في بعض مصادرها عن لغة الشاوية وبني مصار "
مزاب " وبن ي صال ح بجب ل البليد ة والشلو ح والتوارك . ....ال خ وليزا ل اسم
( تماشغت )أو ( تمازغت) يطلق على جميعها بمعنى اللغة المازيقية .وكلها
- 58 -
ترجع إلى جذر واحد يمت بصلة إلى اللغت العربية" الجزيرية" وعثر الباحثون
من علماء الثار على نقوش مكتوبة بالخط الحميري على صخور من دوباعه
وثمو د ومشه د وواد ي ثق ب ه ي قريب ة الشب ه جدا م ن نقو ش الخ ط البربري
الموجود بناحية الهغار من القطر الجزائري .وفي موقع آخر يكت ب المؤلف
تسمية نهر النيل مايلي ":كما تشهد لنا بذلك أيضا كلمة " نيل" نفسها فهي تسمية
بربرية اسوبية لمحالة سمي بها مجرى نهر مصر المشهور ".ويذكر المؤلف في
موقع آخر بحادثة شهيرة بأنهم " المازيغ" كما جاء في تصريحهم أمام الخليفة
عمر بن الخطاب حينما ذهب إليه الوفد بعد فتح مصر فانتسبوا إلى مازيغ،
وأنهم أصحاب البلد الواقعة بين خليج " البحر الحمر" والبحر المحيط ولم
يقولوا له أنهم بربر"(.)22
"ولعل اللغة الليبية تعتبر من أهم مجالت المقارنة .فهي أم اللغة" البربرية"
ل لماالمازيغية ( تسمى الجبالية) والحكم في هذه الحالة ليمكن أن يكون إ ّ
يسمى" النقوش اللليبية " أو اللوبي ة Lybigueالقديمة .ودراسة هذه النقوش مفيدة
جدا ،فهي لم تتعرّب حسب منطقة بعض القوم !! وبالتالي فهي صافية خالصة.
ي منها توضح عروبية لغتها تماما.نظرة واحدة إلى أ ّ
وحجر" مسنسن" الذي يتكون من ضربين من الكتابة واللغة " البونيتية"
ل حجرا يحوي في لغتيه مفردات عربية " أو عروبية" ليرقى والليبية" ليس إ ّ
إليها الشك .وهكذا بقية النقوش التي كشفت في مايعرف اليوم باسم :ليبيا،
تونس ،الجزائر ،والمغر ب وم ا سو ف يكتش ف م ن نقو ش يج ب الهتما م به
اهتماما جديا وعرضها على محك الدراسة والمقارنة لثبات عروبتها ،وبالتالي
دحض أي فكرة تشكيكية في عروبة الشمال الفريقي كله منذ عصور التاريخ
الولى وما قبلها ،بما يعني ذلك وحدته الثنية والثقافية واللغوية مع بقية أهل
الوطن العربي القديم ،وأنه لم يتعرب" فقط بعد السلم كما هي المقولة الخاطئة
الشائعة .فتحلي ل السما ء الليبي ة القديم ة لقاد ة ورد ت أسماؤه م ف ي النقوش
المصرية من عصر " نارلر" وحتى عصر " مرنبتاح" و" رمسيس الثالث" يؤكد
حيث تترجم هذه السماء بأن معانيها عربية خالصة العروبة .وهذا ما دفع استاذا
جليلً مثل العالم اللماني " برغش" منذ أكثر من مائة عام إلى القول بأن أصول
السرة الثانية والعشرين اللليبية " أسرة شيشنق" التي حكمت مصر أوائل اللف
قبل الميلد إلى ما يقرب من مائتي عام -هذه الصول كانت" آشورية " لن
أسماء فراعينها تدل على ذلك .هذا أمر قد يبدو مدهشا لكن التفسير المنطقي
- 59 -
الوحيد المقبول ليس بالضرورة القول بأن فراعين السرة الثانية والعشرين جاؤوا
مباشرةً من الرافدين ،وإنما القول بوحدة أصل الليبيين والشوريين وتمتعهم بنفس
العناصر البنائية للتكوين الناسي المعرفي(.)23
أما كيف بلغ العروبيون شمال أفريقيا ،فهذا تم ،على سبيل الترجيح ،عن
طريق أحد أمرين ،أو عن طريقهما معا :الهجرات البشرية العربية باتجاه الهلل
الخصيب ووادي النيل وشمال افريقيا ،والتأثر والتأثير الناسي المعرفي بعوامله
المتعددة " اللغوية والتقنية والثقافية والدينية وغيرها" بشكل مباشر وغير مباشر.
فبالنسبة إلى هذا المر الخير ،ليستبعد أن تكون اللغة الجبالية " البربرية"( أخت
لغة قدماء المصريين والليبيين وخصوصا إذا ما اعتمدنا مقالة من يقول إن قدماء
المصريين هم من سللة سكان الجزائر ومراكش )(.)24
ويبدو من الضرورة إعادة التذكير بوجهة نظر من قالوا بأن افريقيا هي
موطن العروبيين الصلي ضمن القراءة النتربولوجية لتطور النسان .وقد قال
بذلك المستشرق نولوكد ومن بعده بارتون .وقد قال نولوكد برأيه ذلك انطلقا من
التشابه الكبير بين لهجتي اللغة الواحدة غرب وشرق البحر الحمر من التراب
العربي ".وبالتالي فإن الحديث عن شمال افريقي عربي ليبدأ مع دخول الفينيقيين
مع نهاية اللف الثاني وبداية اللف الول قبل الميلد وإنما يعود إلى أزمنة أقدم
بكثير ،وليختلف في عراقة قدمه الزمنية من الناحية الناسية عن بقية أهله في
المواقع الخر ى من أرض العرب " ،وهذ ا يجعلنا ننظر إل ى ذلك الجزء من
الشعب العروبي الذي أطلق عليه لفظ " بربري" على أنه ينتمي إلى عائلة الشعب
العربي.
أما المرحلة التالية فهي التي تخص الهجرات الفينيقية والتي تمتد حركيتهم
من الناحية الزمنية إلى مراحل ما قبل التاريخ ،حيث كان موطنهم الصلي في
جنوب الجزيرة العربية وفي منطقة اليمن تحديدا ،ولنفس السباب التي دفعت
بالهجرات العروبية إلى مواقع أخرى ،هاجر الفينيقيون إلى منطقة الخليج العربي
واستوطنوا في /وقرب جزيرة الديلم" البحرين حاليا " ويعتقد العالم راكوزين أن
الفينيقيين.الذين سكنوا الساحل الشامي كانوا قد قدموا من البحرين وقد تفرقوا إلى
قبائل وتوزعوا في أقسام عديدة من سوريا وأطلق على أحد فروعهم اسم بنط أو
بونا PUNE PUNTودعاهم الغريق بالفينيقيين والبونيون" الفينيقييون" كانوا شعبا
تجاريا وقد هاجروا إلى الماكن التي تزدهر فيها التجارة .كما سكنوا شمال
افريقيا ومنهم القرطاجيون .على أن أهم فرع لهم سكن في بلد اليمن وحول
- 60 -
مضيق با ب المند ب ثم انتق ل إل ى السواحل الفريقي ة الشرقي ة واستوطن بلد
الصومال وسيطر على البحر الهندي والبحر الحمر ،ويعتقد المؤرخون بأن
البونيين قبيلة من الكنعانيين استوطنت بلد سوريا منذ أقدم الزمان وما زالوا.
فتذكر أن الملك سهورع من السللة الخامسة كان يرسل السفن في البحر الحمر
إلى بلد البنط وهي بلد اليمن وسواحل الصومال وكانت هذه البلد تُعرف ببلد
البخور والطيب .ولم تقتصر أهمية بلد النبط على تصدير البخور بل كانت في
تصدير الشجار كذلك تغرسها أمام المعابد ،كمعبد دير البحري .وقد صورت
على جدرانه طريقة نقل هذه الشجار من بلد الصومال عبر البحر الحمر،
وظهر أمير بلد الصومال وأميرته وهما يحييان بعثة الملكة حنشيسوت البحرية
التي أرسلتها لستقدام الشجار والبخور ،وقد صور المير والميرة بهيأتهما
الحقيقية حيث يظهر عليهما تأثير الجنس السود بوضوح ،وهناك صلة وثيقة بين
سكان النبط وبين سكان بلد وادي النيل القدماء (.)25
وير ى المؤر خ هيرودوت أن موط ن الفينيقيين الصلي ه و االبحر
الريتيري( .)26أما مايؤكد هجرتهم باتجاه الخليج العربي فهو وجود نفس أسماء
المواقع التي أطلقها الفينيقيون حيثما حلّوا فاسترابون يشير إلى أن سكان الخليج
العربي أكدو ا أنه م يسمون عندهم ،باس م صيدا ،صور ،وأرواد ،وأراد ،وأن
المعاب د عنده م تشب ه معاب د الفينيقيين ( ) 27والمؤرخ جوستان يص ف الشعب
الفينيقي بأنه مكوّن من الفينيقيين الذين نزحوا من بلدهم الصلية حين أفزعتهم
الزلزل.
وقد نزلوا أولً على ضفاف الخليج العربي ثم على شواطئ البحر البيض
المتوسط .وهن ا بنو ا مدين ة سموه ا صيد ا بسب ب وفر ة الصي د م ن السمك،
والفينيقيون يسمون السمك صيدا (.)28
وقد أشارت رسائل تل العمارنة إلى سكان الساحل الفينيقي باسم كناهي أو
كناهوَن " كنعان"( )Kinahnوكلمة كنعان تعني في اللغة العربية القديمة" انخفض "
وهي مشتقة من فعل " كنع" ويقصد بها الرض المنخفضة هنا حيث انخفاض
الساحل الفينيقي بالنسبة لجبال الساحل الشامي التي هي امتداد طبيعي لجبال
طوروس .وبالتالي فالتسمية هنا هي عبارة عن مصطلح جغرافي.
لذل ك فإ ن التسمي ة كنعا ن أطلق ت عل ى الفينيقيي ن العر ب ف ي مرحل ة من
مراحل توضعهم الجغرافي تاريخيا على الساحل الشامي .ويقول بونفانت ":لقد
- 61 -
اشتق اسم فينيقي من اليونانية ، Phoinixأي أحمر أرجواني ،ليشير إلى صناعة
الرجوان التي اشتهر بها الفينيقيون وبعد أن أطلق اليونان هذا السم على
الكنعانيين الذين تاجروا معهم فإن كلمة فينيقي أصبحت حوالي 1200ق.م مرادفة
لكنعاني ( ،)29كما أشار بعض المؤرخين والنسّابين والخباريين العرب إلى أن
بعض العرب العماليق وصلوا إلى بلد الشام ،وكان منهم الجبابرة الذين دعوا
بالكنعانيين( .)30ومن الملفت للنتباه أن فينيكس تعني أيضا طائر العنقاء ،الطائر
السطور ي الذ ي يخر ج م ن قل ب الرماد ،ونظرا لهمي ة البخو ر واللبا ن في
المراحل الزمنية المغرقة في القدم قبل التاريخ وحتى مراحل الحضارات العربية
الجليلة ،كان لبد من تكوين بنية مخيالية اسطورية قادرة علىحماية هذا المصدر
الحياتي ،فيورد بعض المؤرخين القدماء /هيرودوت مثلً في ج / 3أن طائر
الفينيق كان يظهر عندما تمتد أي يد آثمة بهدف العبث أوسرقة البخور أو اللبان
من موقع زراعته أو جمعه في جنوب الجزيرة العربية.
ن "وبفضل النتائج التي قدمتها بحوث سفينة البحاث الميثيور اللمانية فإ ّ
أرضا يابسة في قاع الخليج العربي تشكل امتدادا طبيعيا للبر العراقي تماما مثلما
يشكل الخير المتداد الرضي للحوضة الولى السورية.ومن المرجح جدا أن
ضفاف مجرى النهر الصلي في قاع الخليج كانت موطنا لجماعات من صيادي
الباليوليثي ،وأن تكون الراضي الرسوبية الخصبة المجاورة لها قد سكنت من
قبل مزارعين -صيادين يشابهون في عيشهم وفي تطورهم نمط تطور جيرانهم
النطوفيين " نسبة إلى وادي النطوف قرب أريحا /مدينة القمر /وتحدثنا باسهاب
ع ن هذ ه الحضارا ت ف ي الفص ل السابق " سكا ن قر ى المريب ط وأب ي هريرة
وبقراص في حوض الفرات العلى .وقد يكتشف علم الثار الغارقة تحت المياه
فصلً جديدا وهاما من تاريخ منطقة متممة لما بين النهرين .إذ من المحتمل أن
تكون مراكز الستيطان الباكرة في الراضي المنخفض ة الت ي لنعر ف حاليا
اسمها والتي اقترح لتسميتها اصطلح منطقة ما قبل الخليج كانت جزءا من ثقافة
كبيرة معاصرة انتشرت مراكزها في الجنوب الرافدي وجواره قبل الخليج Pre-
Gulf Rejionقد شكلت المرحلة التحضيرية التي ستمهد لنشوء حضارات مدن
الجنوب الرافدي المزدهرة اعتبارا من اللف الرابع قبل الميلد .وهنالك احتمال
آخر ليقل رجحانا في أن منطقة ما قبل الخليج كانت جزءا من ثقافة كبيرة
معاصرة انتشرت مراكزها في الجنوب الرافدي وجواره قبل أن تجبر مياه البحر
الصاعدة أهلها على الرحيل تدريجيا إلى مواطن جديدة هذا الحتمال يؤكده عثور
الثاريين على فخاريات العبيد في / 32/موقعا أثريا على شواطئ شبه الجزيرة
- 62 -
العربية الشرقية مقابل جزيرة البحرين ،كما وعلى مبعدة 65/كم /إلى الداخل ()31
" بحيث نستطيع أن نتخيل الن ما كان عليه واقع بيئة منطقة ما قبل الخليج
العربي قبل بداية العصر الدفيء الحديث ،باعتبارها كانت تشكل منطقة متكاملة
متجانسة مع بنية الجزيرة العربية الجغرافية وحتى اليمن والساحل الشرقي للبحر
الحمر .بحيث شكلت حركة الجولن لجداد العرب القدماء في بقاع المنطقة
نمطا واحدا للحياة ،مم ا يستدع ي بالضرور ة رب ط التطو ر المواز ي لتواجد
الفينيقيين "البونتيين" ومنذ المراحل الماقبل تاريخية في تلك المنطقة .بحيث تبدو
عملية النتقال والتجوال في هذه الحالة مقنعة تماما ،نظرا للمساحة الواسعة التي
تمتد على أكبر رقعة من مساحة الوطن العربي الحالي ،تواجدت آثارهم فيها.
فمع من نقف نحن على سبيل المثال؟ مع مدرسة فرانكفورت التي أكدّت تواجدهم
ف ي منطق ة الماقب ل خليج ،أ م غيره ا م ن الباحثي ن الذي ن يطلقو ن عل ى مناطق
ارتيريا والصومال بلد الفينيقيين " البونت"؟ أم هيرودوت الذي يربطهم بجنوب
الجزيرة في اليمن؟ أم بعض الباحثين المعاصرين الذي يؤسسهم تماما في بلد
الشام ووادي النيل منذ مراحل ما قبل التاريخ؟
يبدو أن الجمي ع متفقٌ عل ى أ ن هذ ه الجماعا ت البشري ة قطن ت وتوالدت
وانتشرت واستنبتت واخترعت وابتكرت وتطورت بشكل متوازٍ ومتطابق من
عص ر لقط الثمار ورج ل الصي د إل ى مرحل ة التدجين الحيوان ي والنبات ي في
مرحلة كان فيها شط العرب كنهر يمتد حتى مضيق هرمز حيث كان مصب
نهري دجلة والفرات( كل الدراسات تشير إلى ملمح التدجين الموازية والمطابقة
للمرحل ة النطوفي ة والصفاقصي ة والسبيلي ة والعُماني ة وهذ ا ماتؤكد ه المكتشفات
والمستحاثات المأخوذة من قاع الخليج وعلى ضفتي النهر الذي كان) ".وفي
الوقت الذي كانت منطقة الخليج العربي تحت المياه تتألف من مناطق خصبة
ويجري في قرارها دجلة والفرات ،ووادي الرمّة ،بعد أن يتحد بوادي الدواسر،
ومجموع ة غيره ا م ن النها ر والجداو ل الخرى ،كان ت منطق ة شب ه جزيرة
العرب منطقة أمطار موزعة على جميع فصول السنة وبالتالي فقد كانت الوديان
أنهارا غزيرة دائمة الجريان .ومن المعروف أن منطقة كنعان ،وجميع المنطقة
الممتدة من عدن في أقصى جنوب اليمن إلى حدود بلد الشام على سواحل البحر
الحمر الشمالية إنما كانت من أخصب بقاع الرض"(.)32
ومع تقدم مرحلة العصر الدفيء ،وذوبان كتل الجليد السطورية الضخمة
التي تجثم على المنطقة الممتدة من أواسط أوروبا إلى القطب المتجمد الشمالي،
- 63 -
أخذت مياه البحر في التقدم والرتفاع تدريجيا ،كما بدأت كميات المطار التي
تتساقط على المنطقة بالتراجع ،وأخذ الجفاف يتقدم تدريجيا ليقلل من تجمعات
المياه الحلوة ومن غزارة النهار ذات الينابيع المحلية ،كما زادت في الوقت
نفسه ،غزارة كل من دجلة والفرات اللذين تنحدر مياههما من هضبة أرمينا في
أقصى الشمال .ومع اقتراب عصر الجليد من نهايته كان وادي الرمة يشكل
شريان التصال المباشر ما بين منطقة الخليج التي أخذت عملية انفجارها بمياه
البحر لتصير إلى ما هي عليه اليوم وبين المنطقة الزراعية الخصيبة في غربي
شب ه الجزير ة العربي ة عل ى سواح ل البح ر الحم ر الشرقية( ) 33مم ا أد ى إلى
الهجرات العروبية المعروفة منذ بداية اللف الرابع قبل الميلد بحيث تبدو كل
الهجرات مرتبطة ارتباطا وثيقا بحركية الفينيقيين " الكنعانيين" /البونيتيه /إن لم
تتطابق معها .ومن المعروف أن نفس الشتراطات تتطابق على وادي النيل الذي
تحدثنا عن التغيرات التي حصلت عليه سابقا .ويمكننا بسهولة أن نربطها مع
الهجرا ت الت ي حصل ت إل ى الشما ل الفريق ي ف ي الل ف الراب ع قب ل الميلد.
فالنجاح العظيم الذي حققه الفينيقيون في تلك المناطق خلل نشاطهم في الشمال
الفريق ي يشي ر إل ى وجو د طبق ة أقد م م ن المستوطني ن العروبيي ن ف ي شمال
افريقيا..وهناك ذكريات غامضة لمرويات تجعل العروبيين القدماء موجودين في
مناطق غرب البحر المتوسط ،واحتفظت بها الكتابات الكلسيكية والعربية .إن
هذا القول ينسجم مع قواعد العلم والمنطق ،لنه يدحض فكرة إمكان قيام شعب
أو ظاهرة على فراغ .فلول وجود الساس العربي منذ أقدم الزمنة في تلك
الصقاع -وهذا ما أكدته الكتابات العربية القديمة جميعا -لما تمكن الفينيقيون من
أن يوطدوا أقدامهم ويرسخوا وجودهم فيها ،كما أنه كان من المستحيل أن تثبت
ل كما ثبتت " عروبة" اسبانيا إبان الدولة العربية الموية ثم عروبة تلك المنطقة إ ّ
ل جزءا من العرب الذين العباسية فيما بعد ( .)34وهكذا فإن الفينيقيين ليسوا إ ّ
سكنوا الساحل الشامي وإن وجودهم في الشمال الفريقي تحديدا يعود إلى زمن
موغل في القدم منذ حوالي اللف الخامس قبل الميلد ويلي مباشرة الوجود
العربي في حوض النيل أو تزامن معه كما دلت كل المكتشفات الثرية(.)35
نستخلص من ذلك أن بعض الباحثين يطلق على الساحل الشرقي للبحر
الحمر بلد كنعان ،كما يطلق بعضهم على الساحل الشامي .مهما كان المر
فم ن الواض ح تماما أ ن التسمي ة باعتباره ا ذا ت بع د جغراف ي (تضاريسي)
كاحتمال أول فهذا يعني أن الفينيقيين هم من أهل هذه البلد ،حتى ولو كان
الحتمال الثاني هو الرجح بحيث ارتبطت التسمية بأسماء أخرى.
- 64 -
أما النتيجة الثانية والتي يجمع عليها كل الباحثين هو تواجدهم في المنطقة
الت ي أسميناه ا الماقبل الخليج العرب ي بدايةً ،ثم الساح ل الشرق ي لشب ه جزيرة
شكّلت لحقا،العرب بعد تشكل الخليج بوضعه الحالي وفي جزيرة البحرين التي ُ
وهذ ا ليعن ي بالضرور ة أنه م رحلو ا إل ى هذ ه المناط ق م ن جنو ب الجزيرة
العربية ،بل يعني أنهم تواجدوا كاحتمالٍ ثانٍ في المنطقتين معا ،وهذا ماتفسره لنا
الناسة التاريخية التي تعنى بالتطور المتوازن والمتوافق والذي يعني أن شبه
الجزيرة العربية كان يشكل واحةً واحدةً مترابطة حتى بدايات اللف الرابع قبل
الميلد.
تُربط كل تلك البحاث مع إمكانية النتقال أو التواجد إلى /وفي الشمال
الفريقي مع بداية اللف الرابع ،وهذا ما يفسره من خلل التسميات العديدة التي
اتسمت فيها تلك المناطق قبل التواجد الفينيقي المتأخر مع نهاية اللف الثاني
ل وموقعها في الميثولوجيا الفينيقية.
وبداية اللف الول قبل الميلد /ليبيا مث ً
وجود نفس المواقع بتسمياتها على الشاطئ الشرقي لجزيرة العرب وعلى
الشاطئ الشامي وعلى الساحل الشمال افريقي يؤكد بأنهم يدركون بأن النسان
هو الذي يصنع المكان ،ولتواجد للمكان بدون النسان ،وأن هذا النسان يتحرك
ل من خلل علقات سلمية ومودة ،في في مكان هو أهله ،بحيث لم يتم الجولن إ ّ
حين كانوا مقاتلين أشداء كما حدث مع الغزوات الغربية .ووجه القرطاجيون كل
عنايتهم إلى السطول الحربي منذ بداية القرن الخامس ق.م( ) 480عندما أدركوا
بالتأمر الغريقي الغربي عليهم ،فاصطدموا لول مرة في معركة هيمرا في
صقلية بذلك التحالف الذي كان يقوده الطاغية جيلون حاكم مدينة سيراكوزا(
.)36في حين لم يحدث أي شيء من ذلك القبيل لفي بلد النيل ول مع سكان
المناطق الداخلية أو الساحلية في الشمال الفريقي فكان اعتمادهم على علقاتهم
الودية /الطيبة /م ع سكا ن الداخ ل جعله م يحصلو ن عل ى منتوجا ت المناطق
الداخلية بدون عناء عن طريق هؤلء السكان ( )37بحيث كانت العلقات كما هي
في الدولة الواحدة بين سكان الساحل وسكان الداخل ".بينما على العكس من ذلك
تماما كانت سياسة الرومان تعتمد على السيطرة وتهدف إلى تحويل المغرب
العربي إلى مستعمرة تخدم القتصاد الروماني وحده وتشبع رغبة العسكرية
الرومانية .ولذلك نجد أن الرومان كانوا قد نفذوا إلى المناطق الداخلية وبنوا مدنا
وقلعا عسكرية" (.)38
إذن ،حت ى ولو افترضن ا أن الفينيقيين هاجرو ا بشك ل موج ة بشري ة إلى
- 65 -
السواحل العربية الفريقية فهم لم يجدوا صعوبة تذكر لفي التعامل ول في
مراحل بناء المدن والموانئ ،ولبعلقاتهم مع أبناء الداخل ،لمن الناحية اللغوية
ول م ن النواح ي الثقافي ة والعلئقي ة الخرى .فحت ى ل و افترضن ا أ ن السكان
السابقين في بلد المغرب العربي لحضور الفينيقيين لم يكونوا بنفس البناء
الناسي الثنولوجي ،أي لم يكونوا ينتمون لنفس الشعب ،فلبد أن نصل إلى
نتيجة مفادها أنهم كانوا يحملون نفس المواصفات التواصلية والناسية ،بحيث لم
يحدث ما يشير حتى ول إلى أي خلف بين الطرفين .وبالتالي ليمكن النظر إلى
توضع الفينيقيين في الشمال العربي الفريقي مع " الهجرات" العربية الولى،
والتي أكدنا أنها ذات نفس الصل الثنولوجي المعرفي والبناء الناسي إلّ تماما
كما ننظر لعلقات الكاديين والبابليين والشوريين باعتبارهم يشكلون بناء أناسيا
معرفيا لشعب واحد بتمظهرات فرعية جزئية يفرضها السياق التاريخي العام
للتطور.بحيث يبدو عنصر التصال الجغرافي التاريخي قائما في عمق الزمن
المعرفي .وعلى سبيل المثال ل الحصر يمكننا أن نأخذ صور كمدينة بُنيت ( ول
خلف على أن الفينيقيين هم بناتها) في بداية اللف الثالث قبل الميلد على
الساحل الشرقي لبحر أمور أو" البحر المتوسط" في حين بنوا قرطاجة " القرية
الحديثة= أوغاريت الجديدة نسبة إلى أوغاريت الساحل الشرقي" في بداية اللف
الول قبل الميلد " تم انجاز بنائها عام 840ق.م".
" فالمؤرخ هيرودوت يروي بأنه أثناء زيارته لمدينة صور سنة 450ق.م
أكد له كهنتها بناءها حوال ي 2300سنة قبل زيارته لها .وعلى ذلك يكون بناء
مدينة صور قد تم في حوالي 2750ق.م (.)39
ولم تكن علقات المظاهر الحضارية بأسمائها المختلفة ذات البناء الناسي
ل بالمفهو م التطوري
المعرف ي الواح د م ع الساح ل الشام ي علقا ت عدائي ة إ ّ
المعهود في داخل أية دولة واحدة ،وما علقة مدينة صور مع المظاهر السياسية
للحضار ة العربي ة الجليل ة " البابليين ،والمصريين ،والشوريي ن وغيرهم"..
ن لعلقات المدينة القوية في الدولة الواسعة.
ج بيّ ٌ
إلّنموذ ٌ
أم ا المرحل ة الثالث ة والهام ة والت ي لتحتا ج للوقو ف عنده ا فه ي انتشار
ي عظيم من مظاهر العروبة. الرسالة السلمية كمظهر معرف ّ
وبذلك يبدو التواجد العروبي في المغرب العربي هو الواسم الوحيد والوحد
للهوية الوطنية ليس فقط بعد انتشار الرسالة السلمية ،أو من خلل ما سبقها
- 66 -
بحوال ي ألف ي عا م م ن خل ل الجول ن العروب ي الفينيق ي والصر ح العظيم
الحضاري الذي انتشر على كل سواحل البحر المتوسط من الشرق إلى المحيط
الطلسي ،بل ومن خلل الهجرات العروبية الولى التي امتدت على مساحة
الزمن الواسمة منذ انتهاء العصر الباليوليثي /انتهاء العصر الجليدي الخير/
وابتدا ء الميزوليت ،وصولً إل ى الهجرا ت الثانية .والمتعم ق ف ي هذ ا التاريخ
يدرك ،أن المغرب العربي لم يكن ول في يوم من اليام ،بعيدا عن هويته
الديمغرافي ة العروبية ،وأعتق د م ن ناحيت ي أ ن لحاج ة للتذكي ر بالكثي ر من
المعلومات التي يعرفها الجميع وليستطيع أن يتغاضى عنها حتى المستشرقون
الذين يؤسسون نظراتهم على اشتراطات ايديولوجية تزييفية.
فالفينيقيون بتواجدهم المتواصل ،وتواصل حضاراتهم ،كانوا يبنون،
ويدخلو ن النشا ط أينم ا تواجدو ا لي س فق ط عل ى الشواط ئ العربي ة ب ل وعلى
الشوطئ الشمالية للبحر المتوسط ،فهم الذين بنوا الموانئ التجارية والمراكز
السكنية التي تميزت بحيويتها ،واتصلت فيما بينها بشبكة اتصالت بحرية ملحية
راقي ة امتد ت م ن سواح ل الشا م الشرقي ة وكيليكي ا والدلت ا المصري ة والشمال
الفريقي باتجاه اليونان وصقلية وقبرص وسردينيا -وأسسوا قادش في اسبانيا"
نسبة إلى قادش بلد الشام" أما قرطاجة ( كرت حديث= القرية الحديثة) فكانت
نموذجا لصور وأوغاريت وتؤكد الساطير الغريقية أن " ليبيا" وهذا السم
الذي أطلق على كل الشمال الفريقي العربي هي تسمية فينيقية ،وهي زوجة
برزيدون وأم جينوز.
نستنتج من ذلك ،أن التاريخ الناسي للفينيقيين العرب يمتد بعيدا إلى ما قبل
التاريخ على رقعة الوطن العربي كلها من الساحل الشرقي للبحر الحمر " كنعان
" 1إلى منطقة اليمن وجنوب الجزيرة إلى الساحل " كنعا ن " 2إلى دلتا النيل
والشمال الفريقي كاملً حتى بحر الظلمات .وهذا يعني أن الناسة التاريخية
والجغرافية الناسية للعرب الفينيقيين تشكل وحدة متواصلة متكاملة أما ما قدّمه
هؤل ء العر ب للبشري ة حت ى تاريخ ه ابتداءً م ن ف ن الملح ة وتنظي م المدن
والموانئ ،والتعدين ،وغيرها وصولً إلى أول أبجدية قدموها للبشرية ،وهي
مازالت حت الن الكتشاف الهم في التاريخ الناسي كله.
أما في منطقة الشرق العربي فلقد اشترك الكديون والسومريون في بناء
حضارة بلد النهرين ،من ثمّ انصهرت البُنى الناسية الحضارية مع نهاية اللف
الثالث قبل الميلد وبداية اللف الثاني ليظهر على مسرح الحداث التكوين الناتج
- 67 -
التالي لما يمكن أن نسميه البناء الكنعاني -الموري فظهرت معالمهم المكملّة
للبنية السابقة لهم :بابل في أواسط العراق ،وآشور في شماله ،وماري أواسط
الفرات ،وكركي ش عل ى حو ض الفرا ت العل ى ويمحا ض ف ي منطق ة حلب،
وقطنة /المشرفة /قر ب حم ص وجبل عل ى الساحل ،ودا ن عل ى مناب ع نهر
الردن ،وحاصور في سهل الحولة ،ومجدو في شمال فلسطين ..وكلمة آمور
الكادية -السومرية تعني الغرب ( لذلك سمي البحر المتوسط بحر أمورو) ،وقد
وص ف السومريون والكاديون تلك الحركة الديموغرافية القادمة من البادية
الشامية إلى بابل وسومر بالموريين أو أهل الغرب.
" هذا فيما يتعلق بآمورو ،أما فيما يتعلق بكنعان فإنّه أول ماذكر كاسم
جغرافي في النص ت.م 2367 /75 /المكتشف في تل مرديخ /عبلة /ايبل،
ويعود تاريخه إلى منتصف اللف الثالث قبل الميلد ويبدو أن منطقة كنعان التي
ذكرت في هذا النص كانت مجاورة لمملكة إيبل ..ومن المرجح أنها كانت تشمل
المنطقة الجنوبية الغربية من بلد الشام طبقا لما ورد في رسائل العمارنة ،حيث
وصفت السواحل الشامية الواقعة إلى الجنوب من حوض نهر الكبير الجنوبي
ببلد كنعان ،ومملكة حاصور في سهل الحولة على أنها من بلد كنعان وإلى
هذه المناطق انتسب الفينيقيون أيضا.ومهما يكن المر فإنه من الواضح أن معظم
مناطق بلد الشام كانت موضعا للكنعانيين فسميت بأسمهم .هذا من جهة -ومن
جهة أخرى فإن الوثائق التي وصلتنا من ماري وبابل وأوغاريت والعمارنة قد
كتبت بلغة واحدة هي الكنعانية .لكل هذا اعتقد كثير من العلماء أن القبائل التي
انتشرت في بلد الشام خلل القرنين الخيرين من اللف الثالث قبل الميلد
وانتقلت شرقا إلى بلد النهرين -كانت كنعانية" (.)40
"وقبي ل نهاي ة الل ف الثال ث وعن د مطل ع الثان ي ق .م كا ن ق د جل س على
عروش بابل ملوك كنعانيون /آموريون كما هو الحال في إسين ،لورسا ،بابل
وأشنونة ،ففي لرسا نابى نوم 2005-2025ق.م ،الذي أسس ملكا دام حتى عصر
الملك ريم شين 1763-1822أما في إسين فقد أسس الماري إشبي إ" را 1985-2017
ق.م ملكا دام حتى عصر سين مجير ، 1817-1827وفي اشنونة حكمت سللة
ضعيفة .وجلس على عرش بابل سومو آبو م 1881-1894الذي جاء بعده ملوك
أقوياء كان أشهرهم حمورابي 1750-1791الذي وحد البلد وبعث أمجاد المملكة
الكادية" ( ) 41فسلك نفس طريق سرغون الكادي ( مؤسس أو ل امبراطورية
في التاريخ بالمعنى السياسي) فوحّد بلد الشام وبلد الرافدين في امبرطورية
- 68 -
منبعثة جديدة مركزها بابل.
أم ا ممالكه م الخر ى آشور ،كركميش ،يمحاض ،ماري ،ايبل ،قطنة..
فجميعها ذات أهمية خاصة ،لكن ما يستحق الوقوف عنده ،ولو لبعض الوقت
فهي آشور وماري وايبل .لما لذلك من أهمية خاصة تؤكد الوحدة الناسية
التاريخية ليس في شرق التراب العربي ،بل وفي غربه أيضا .فبعد أن تحدثنا
عن دور ذلك الشعب في القسم الغربي من وطن العرب ،لبد من العودة إلى
بعض ملمح التاريخ الناسي في المشرق العربي ،لما لذلك من أهمية خاصة
تغلق نوافذ النعزالية في الهويات الوهمية .تماما كما فعلت مع بلد المغرب
واريتيريا والسودان والصومال ووادي النيل ،سنرى ماذا يقول التاريخ الناسي
عن آشور وماري وايبل ،لنعود لحقا بعكس الزمن الفيزيائي إلى دراسة التكوين
الناسي التاريخي للسومريين بزواياه التي تدحص فكر الستشراق المزيف.
بدأت آشور مملكة ضعيفة عند بداية اللف الثاني ق.م ولما تولى السلطة
الملك القوي شمشي حدد ( شمشي هدد) 1782-1815معاصر حمورابي البابلي،
وحّد المناطق الواقعة شرقي دجلة وغربه مع ماري ،حتى وفاته ،حيث ضمّ
حمورابي آشور لدولته بعد ذلك .أما المركز مدينة آشور ( قلعة شركت_ حاليا)،
فقد سميت بهذا السم على شرف الله آشور .وقد كان سكانها من العروبيين
القادمين من شبه الجزيرة العربية وبلد الشام ،وراحوا هنا يعبدون الله آشور
وباسمه سموا بالشوريين ( أتوراية) ( .)42بعد ذلك انتقل المركز إلى كلخو في
عصر ناصر بعل ثم نينوى ،حتى امتد تأثيرهم السياسي عام 671ق.م إلى بلد
وادي النيل .أما بالنظر لمنهجنا في قراءة التاريخ ،وأقصد بذلك التكوين الناسي
التاريخي ،فل يمكننا أن نجد حدودا للفصل بين كل تكوينات التاريخ العربي
ص تلكالقديم ،المعرفية منها والمثيولوجية واللغوية والحضارية ،ليس فقط بما يخ ّ
الممالك أو المناطق أو التكوينات السياسية المتلصقة أو المتقاربة ،بل أيضا تلك
المتباعدة منها ،من قادش غربا على بحر الظلمات وحتى قادش أواسط الشام،
ومن قرطاج جنة العظيمة إلى بابل الجليلة .وبالتالي ،ليمكننا أن نضع حدودا
ل
للفصل بين مكونات البنائية الناسية المعرفية للشوريين والبابليين ،بل أن ك ً
منهما يشكل وجها مطابقا أناسيا للوجه الخر ،مع التنوع في خصوصية الزمن
التاريخي الذي يتحدث عن مظهر هام من أهم مظاهر العروبة بتكوينها الثقافي-
الحضاري معبرا عن نفسه بحضارة جليلة تعيش نتاجها كل البشرية حتى اليوم،
ولنتذكر ما كتب ن .نيولسكي" لقد دخلت عناصر الثقافة الشورية -البابلية في
- 69 -
لحمنا ودمنا وتغيرت وتفاعلت لدرجة غير معقولة بحيث لم يراودنا الشك في
منشئها زمنا طويلً .إلّ أنها عديدة وتذكرنا بنفسها يوميا .فنحن اعتدنا مثلً على
اليام السبعة للسبوع لدرجة أنه لنتصور أن نسأل أنفسنا 60دقيقة في الساعة،
60ثانية في الدقيقة.
إن هذه التقسيمات الساسية الداخلة في لحمنا ودمنا ليست بمجملها منجزات
أصلية لحضارتنا بل إنها تأخذ منابعها من قديم الزل من بلد بابل العريقة .إن
النسان الفرنسي والنكليزي واللماني ..يلفظ تسمياته ليام السبوع بشكل آلي
دون أن نظن أبدا أن هذه التسميات هي ترجمة مبسطة لتسميات بابلية قديمة.
يتعلم مئات اللف من الطلب والطالبات في المدارس تقسيم الدائرة إل ى 360
درجة ويقيسون القواس والزوايا بالدرجات وليرد ببال أحد منهم السؤال لماذا
لم تقسم الدائرة إلى مئة أو ألف درجة وفق النظام العشري ،كما ليفكر أحد من
علماء الرياضيات بضرورة إجراء مثل هذه الصلحات .إذ أن مجمل علم
الهندسة المبني على هذا التقسيم قد دخل في لحم ودم علماء الرياضيات والتخلي
عنه صعب مثلما هو صعب التخلي عن تقسيم اليوم إلى 24ساعة والساعة إلى
60دقيقة .إنه يحمل مثل هذه العراقة المشرفة ويرجع في أصوله إلى هاتيك البلد
في بابل.
إن الموطن التاريخي لعلم الفلك هي بابل أيضا وإن الفلكيين البابليين هم
الذين وضعوا القواعد الساسية لعلم الفلك )43( ".وهناك اكتشاف آخر في تاريخ
الموسيقى حيث تكلم عنه أساتذة جامعة كاليفورينا سن ة 1975م ،إذ أنهم بعثوا
الحياة في رومانس آشوري مكتوب على لوح الرومانس .وكان يعتبر سابقا أن
الموسيقيين القدامى استنبطوا نوطة واحدة فقط في المرة الواحدة ،أما الن فقد تم
البرهان على أن الموسيقيين الشوريين -البابليين استنبطوا نوطتين في كل مرة،
واستخدمو ا المدر ج الموسيق ي السباع ي ولي س الخماس ي فقط ،إ ذ أ ن علماء
الموسيقى كانوا يعتقدون قبل هذا الكتشاف أن المدرج السباعي وضعه الغريق
سنة 400ق.م.
والختراع الخر لدى البابليين -الشوريين والذي مازال يستعمل على
نطاق واسع حتى يومنا الحاضر هو الساعات الشمسية والمائية والتي شاهدها
حتى هيرودوت .وقد أثبت العالم الثاري البلجيكي ف .كيومون أن الغريق
اقتبسوا الساعة الشمسية من الشرق العربي أثناء إقامة العلقات التجارية بين
الشر ق العرب ي والمد ن اليونانية( . )44واستعم ل البابليو ن الشوريو ن أيضا
- 70 -
الساعات الشمسية النصف دائرية لغراض الرصد الفلكي .كما استخدموا في
تلك الزمنة الغابرة الساعات المائية.
إ ن السبو ع السباع ي اليا م ه و م ن إر ث العر ب الشوريين -البابليين
ويرجع إلى آلهة الفلك السبعة ،الذين يمثلون تراتبية خاصة في كل مظهر من
مظاه ر المثيولوجي ا العربية :شم س ( الشمس) ،سي ن ( القمر) ،مردوخ
(المشتري) ،نيرغال ( المريخ) -عشتار ( الزهرة) ،تابر ( عطارد) ،فينورتا
(زحل) وقد حفظت هذه السماء في تسميات اليام باللغات اللمانية والفرنسية
والنكليزية ولغات أخرى.
يضا ف إل ى ذل ك الكثي ر م ن المكتشفا ت الت ي أنتجته ا العبقري ة البابلية-
الشورية بالتنظيم ،وفن التطريز والبنى القانونية...
وعندما نبدأ بدراسة الهندسة لبد لنا أن نتعلم نظرية فيثاغورث وقد اقتبسها
أثناء زيارته لبابل.
أما الرياضيون البابليون -الشوريون فقد عرفوها قبل ذلك الوقت بألف
عام ،كما عرفوا استخراج الجذر التربيعي والتكعيبي ووضعوا مبادئ الجبر.
ويكتب الكاديمي ستروف ":إن مصدر النجوم الذي يمكن رسمه دون استخدام
التلسكوب وضع في بابل وعبر الحثيين وصل إلى غربي البحر المتوسط .لقد
وصل الفلك في بابل إلى درجة عالية جدا بحيث كان له تأثير واضح على
المعارف الفلكية في بلد الغريق فيما بعد" (.)45
وفي بلد ما بين النهرين تم وضع أول تقويم قمري ما زال يستخدم حتى
الن ،لقد تمكن علماء هذه البلد من إيجاد العلقة بين الشمس وإشارات البراج
الفلكية في يوم العتدال الربيعي -كان بإمكانهم التنبوء بالكسوف والخسوف.
لق د جم ع علما ء الشر ق العربي النباتا ت واصطفوه ا وصنفوه ا ووضعوا
قوائم بالحيوانات المحلية والمستوردة ،وكذلك بالمعادن كما أجروا تجارب في
الزراعة والري .لقد حول سكان بلد الرافدين وطنهم إلى مركز ضخ م في
الزراعة وقد اشتهروا بزراعة العنب وصناعة الخمور منه .كما أسست في بابل
أول حديقة للحيوانات كما كان للنحت تطوره الرفيع الخاص.
وإذا عرجنا على مملكة ماري ،فإننا سنلحظ أن تاريخها في القرنين التاسع
والثامن عشر ق.م هو تاريخ بلد الشام الشمالية" ولول وثائق ماري لما استطعنا
- 71 -
كتابة تاريخ كركميش وإيحار ويمحاض وقطنه خلل هذين القرنين ،ناهيك عن
تاريخ الدولة الشورية في عهد شمشي حدد الول .ولغرابة في هذا ،فمن
ماري انطلقت القبائل الكنعانية المورية إلى بلد بابل وسومر وآشور .ومثل
مار ي كان ت عبلة " ايبل " أيضا فق د مر ت بنف س الظرو ف التاريخية .فسكان
المملكتين من أصل واحد وظروفهم الجتماعية واحدة .ففي النصف الول من
اللف الثالث قبل الميلد استقر شيوخ القبيلتين " ماري" و" عبلة" في المدينتين
اللتين سميتا بنفس السم وأسسوا دولتين قويتين ساهمتا في صنع حضارة بلد
الشام ) 46(.ولم تكن العلقة وثيقة فقط بين ماري وعبلة" ايبل" فقط ،بل بينهما
ومع أوغاريت وحلب( ،)47وبينهم جميعا وبلد وادي النيل ".فقد اكتشفت في
أوغاريت آثار مصرية من عصر المبراطورية الوسطى 1610-2052ق.م أهمها
منحوتات لزوجة الفرعون زيزستروس الثاني ( 1879-1897ق.م) وللملك أمنحت
الثالث ( 1792 -1840ق.م) وإن دلت هذه المكتشفات على شئ فإنها تدل على قيام
علقات صداقة ودية بين حكام أوغاريت وحكام مصر وحاشيتهم.
وقد أرسل المصريون هذه المنحوتات إلى أوغاريت للتقرب منها والحصول
على بركة أربابها.
أما في المراحل اللحقة فقد ظهرت مجموعة من الممالك كقادش ( تل النبي
مندو على الطرف الجنوبي لبحيرة قطينة إلى الغرب من حمص) فقد كانت من
أعمال الدولة المصرية في عهد تحوتمس الثالث ( ) 1436 - 1490من ثم عادت
ووقعت تحت السيطرة المصرية في عهد رعمسيس الثاني فبقيت هي وبلد الشام
الجنوبية تحت النفوذ" المصري يضاف إليها حاصور غرب طبرية ويانوعما في
حوض الردن وبيل وأكشف إلى الجنوب من عكا وشكما قرب نابلس ومجدو
والتي تعتبر من أهم وأقدم مدن كنعان ،وقد عين رعمسيس الثاني حاكما مصريا
عليها بعد القرن الثالث عشر قبل الميلد .ومملكة غزة وعاصمتها غزة من المدن
القديمة في بلد الشام .جعلها تحوتمس الثالث من أملك الفرعون الخاصة مثل
يافا .كانت مقر مملكة زاهرة ،ثم أصبحت مقر الممثلية الفرعونية ببلد كنعان في
القرن الرابع عشر قبل الميلد.
ولقد كان لوادي ودلتا النيل تأثير هام بالمفهوم الثقافي الذي يفضي إلى
تكوينا ت أناسي ة معرفي ة ضم ن علق ة التأث ر والتأثير ،كم ا نلح ظ م ن خلل
السياق ،وذل ك عل ى المتدا د العرب ي الكنعان ي -الفينيق ي المور ي الغرب ي "
وكانت تلك العلئق ذات صفة خاصة مع القسم الجنوبي من فينيقيا وخاصة جبيل
- 72 -
سمّ ى حكامه ا أنفسه م ملوكا مصريي ن وكتبو ا آثاره م ووثائقه م باللغةالت ي ّ
المصرية)48( ".
يضاف إلى ذلك أن استخدام اللغة الكادية ورموزها في الحياة اليومية كان
واحدا من أهم عناصر الثقافة الوغاريتية :باللغة الكادية وضع مختلف أنواع
الوثائ ق والمراسل ت الدولي ة والرسمي ة والخاصة .فير ى د .لري ا أ ن اللغتين
الكدية والوغاريتية استخدمتا على قدم المساواة في كتابة الرسائل والوثائق
القتصادية .أما في حقلي العبادة والمثيولوجيا فقد استخدمت الوغاريتية وحدها،
وفي مجال العلقات الدولية والمجال القانوني والثقافي استخدمت الكادية فقط.
ومع ذلك فثمة وثائق في العلقات الدولية والتجارية كتبت بالوغاريتيه .لكن
بالرغم من ذلك لريب في أن اللغة الكادية كانت اللغة الرئيسة للكتابة(.)49
أل يعني كلّ ما قلناه سابقا أن هناك وحدة أناسية معرفية مميزة لكل الشكال
السياسية ومظاهر الممالك التي عُرفت في بلد ما بين النهرين وبلد الشام .وبين
هاتي ن المنطقتي ن وشب ه الجزير ة العربية ،وم ع واد ي ودلت ا النيل ،والساحل
الفريقي من البحر الحمر ،امتدادا حتى الشمال الفريقي ،مرورا بليبيا.
أما النقطة الخيرة التي تحتاج الوقوف عندها قبل النتقال إلى النواحي
الخرى من البنية التطورية الناسية المعرفية العربية كاللغة والبناء الميثولوجي،
فتتمثل في الوقوف عند نقاط الستفهام في الحضارة السومرية -الكادية والتي
كانت موازية لبل بحيث حققت وثائق ايبل ثورة في معارفنا التاريخية عن
الشر ق الدن ى ف ي الل ف الثال ث قب ل الميلد ،هذ ه الفتر ة الت ي شهد ت بناء
الهرامات في مصر أو ما يسمى بعصر الملوك ،وشهدت الحضارة السومرية-
الكادية العظيمة في الرافدين .فإلى جانب أكبر مصدرين للمعلومات التاريخية
وهم ا مص ر وبل د الرافدين ،أصبح ت سوري ة بفض ل اكتشافاتن ا هذ ا المصدر
الرئيسي الثالث للتاريخ الحضاري والسياسي في الشرق الدنى" (.)50
ومن المهم جدا إعادة التذكير بالتطور المناخي -الجغرافي الذي تعرّضت
له منطقة الخليج العربي منذ نهاية العصر الجليدي الخير وبداية المرحلة الدفيئة
وحتى بداية اللف الرابع قبل الميلد.
فكما قلنا سابقا ،كان مجرى نهري دجلة والفرات يمتد حتى مضيق هرمز،
حيث كان مصب النهرين يطل مباشرة على بحر العرب ،وتشكلت على ضفاف
هذين النهرين مناطق ملئمة لجولن النسان الباليوليتي ( وهذا ما تثبته بحوث
- 73 -
السفينة اللمانية البحثية الميتيور) ،بحيث تشكلت حضارة ما قبل الخليج والتي
تؤك د كاف ة البحو ث والدراسا ت والمكتشفا ت أنه ا موازي ة ومطابق ة للمرحلة
النطوفية في بلد الشام والسبيلية في وادي النيل والحضارة الصفاقصية في
المغرب العربي .ومع نهاية العصر الجليدي وبداية العصر الدفيء تقدمت مياه
البحر لتغطي المساحة الممتدة بين مضيق هرمز وشط العرب مشكلة الخليج
العربي ،والذي كان يمتد مع نهاية اللف السابع قبل الميلد إلى ما يقارب 145كم
شمالً عما هو عليه الن ،بحيث كان الخليج يمتد حتى جنوب أور .وكان دجلة
والفرات يصبان فيه كل على حدة .لن مياه الخليج كانت تغطي ما يسمى الن
شط العرب .ومع مرور آلف السنين تراكم الطمي والمواد اللحقية من انسحاب
نسبي لمياه الخليج ،بحيث شكل سهل شط العرب الذي شكله النهر ان بالتقائهما.
وقد سادت في المرحلة الممتدة بين 3500- 4500ق.م ما نسميه حضارة تل العبيد
وتواف ق النص ف الو ل م ن العص ر الحجر ي النحاسي ،وم ا يواف ق ذل ك من
حضارة تل حلف .وقد سميت بذلك السم نسبة إلى تل العبيد الصغير ،في
جنوبي العراق ،وإلى الغرب من مدينة أور الشهيرة حوالي 6كم.
وقد امتد تأثير حضارة تل العبيد من سواحل شبه جزيرة العرب المطلة
على الخليج إلى بلد النهرين ،ليشمل النصف الشمالي من بلد الشام ،وخاصة
سهل العمق ،وأقام سكان تل الشيخ صناعة فخارية محلية ،لتقل جودة واتقانا
عن فخار الحلف والعبيد"( )51بالضافة إلى التطابق شبه الكامل في تلك العناصر
التقنية والمثيولوجية ،بامتداد يشمل الساحل الشرقي لجزيرة العرب على الخليج
ومنطقة الرافدين وبلد الشام "،ومع تطور المعتقدات الدينية ،ظهرت المعابد،
بيوت الرباب ،فيها يقيم الناس صلواتهم ،ويعبدون ربهم ،ويتقربون إليه .ودليلنا
على ذلك ما اكتشف من معابد في مدينة أريدو ،التي تقع في أقصى الجنوب من
بلد الرافدين .في هذا الموقع نقبت بعثة وطنية عراقية تحت الزقورة ،وكشفت
عن ثماني عشرة طبقة ،في كل طبقة معبد صغير بني للرب أنكي ،إله الماء.
في البدء كان المعبد عبارة عن مصلى مستطيل الشكل في وسطه منضدة لوضع
النذور والقرابين عليها .وبعد وقت ليس بالقصير ،أضيف إليه محراب ،قبالة
المدخل .ثم رفع فوق الرض المجاورة ،بواسطة مصطبة ،بُني فوقها المعبد.
ومع مرور الزمن كان لبد من توسيع المصلى ،الذي أصبحت الحاجة إليه ماسة
لسبب أو لخر .فبنى مصلى أكبر من السابق ،شكله بقي مستطيلً.ووضع أمام
الضل ع العرضان ي محرا ب يقابل ه أم ا الضل ع الخ ر المنضد ة وأحي ط المصلى
بمحراب ،وأصبح الدخول إليه من باب في أحد جانبيه.
- 74 -
ومع مقارنة هذا الشكل مع أشكال المعابد في العصر اللحق ،يمكننا القول
إن المخطط العام للمعابد السومرية -الكادية قد رسم في هذا العصر ،وأن
وظيفة المعبد الساسية قد حدّدت أيضا" ( )52ونفس المعبد بنفس المواصفات تم
اكتشافه في أقصى شمال بلد الرافدين في تبه جوار ومعابد تل أسود أيضا ( )53
كما أن المكتشفات في النسول على الساحل الشامي الفلسطيني أثبتت التطابق
والتوازي في التطور الناسي الحضاري على كافة المستويات ،بحيث تميزت
هذ ه المرحلة 3500-5500ق .م باكتشا ف النحاس ،وحص ر العباد ة ف ي أماكن
مخصصة هي المعابد.
فه ل يمك ن ضم ن هذ ا الواق ع المشخ ص بمعطيا ت اقتصادي ة واجتماعية
ومثيولوجية محدّدة أن نتساءل عن معنى وجود كيان سياسي بالمعنى المعاصر
للكلمة ،يضم كل بقاع الجغرافية التاريخية العربية التي تحدثنا عنها وما معنى
هذا الكيان بصيغته التطبيقية في ذلك الزمن.
إن تلك الحضارة بتوضعاتها الجغرافية المتعددة هي الناتج الناسي المعرفي
لتطور أ ّمةٍ واحدة ".وإن هذه المناطق الحضارية لم تكن تخصّ أمما ،بل أمة /
متشعّبة )54( "/تركزت أسسها الحضارية في كل مواقع هذا الوطن الجليل ،ومن
أهمها ،والتي تستوجب الوقفة المعرفية ،حضارة جنوب بلد الرافدين .لقد تميّزت
المرحلة السابقة للتاريخ بالتراكم القتصادي -الزراعي -البضاعي مما أدى إلى
التخصص في العمل والوظائف .وتطوير المقدرات التقنية وجوانبها النتاجية،
مما أدى إلى تشكل طبقة إدارية خاصة من رجال الدين بحيث تتحول البنية
المثيولوجية من ثيولوجيا الجماعة الكتلة إلى مؤسسة دينية قادرة على الربط
والتمييز بين المعبود والمكان.وهذا لم يكن مجرد طفرة في الزمان أو تأسيسا
من خارج المكان البشري ،ب ل كا ن نتاجا موضوعيا وطبيعيا لحركي ة الكتلة
الجتماعية ،بحيث أصبح النتاج الحضاري بإحداثياته الناسية واسما للجماعة
التي تقطن تاريخية هذا المكان .وهذا ما يعطي التحديد ُب ْعدَيْهِ الفقي والعمودي.
ل
فل تبدو مسألة الوحدة السياسية الكيانية في ذلك الزمن بتعبيرها المعاصر إ ّ
شكلً من الفانتازيا ،كسؤالنا تماما ،عن طبيعة البث التليفزيوني وبرامجه في
مراح ل م ا قب ل التاري خ فهذ ا النتا ج الموضوع ي والعضو ي ببعدي ه الفقي
والعمودي كان موسوما بوحدة عناصره التكوينية البنائية مما يعطي كل المكوّنات
اللزم ة للوحدة الناسي ة المعرفي ة ببعديه ا الجغرافي والتاريخي الواسمين
لحداثيات ذلك الزمن الجتماعي.
- 75 -
وهنا يبدو مفهوم الكتلة فعلً بنائيا قائما في لب الحركية الناسية ،مرتبطا
عضويا بم ا قبله ا وبم ا بعدها ،فليمكنن ا عز ل مرحل ة كتلي ة " بمفهو م الزمن
الجتماعي" عن سابقتها ولحقتها ،كما ليمكن أن نُدخل قسرا حركية كتلة من
خارج السياق العام الموضوعي للتطور الناسي ،إلّ إذا كانت موسومة بنفس
الملمح والعلمات الثقافية.
وانطلقا مم ا سب ق علين ا مقارب ة المرحل ة التالي ة م ن الناس ة العروبية
التاريخية والمسماة المرحلة السومرية -الكادية .وسومر هي المنطقة الممتدة من
بابل ( جنوبي بغداد) إلى الخليج العربي.
وقد تشكلت سهولها بعد انسحاب مياه الخليج نتيجة تراكم الطمي الذي حمله
نهر ا دجل ة والفرا ت عب ر آل ف السني ن التالي ة لذلك .بحي ث تبد و الحركية
الحضارية الباليوليتي ة والميزوليتي ت والنيوليتي ة بحضارا ت تل العبي د والورقاء
باتجاه الشمال نحو ماري وايبل( عبلة) -تل مرديخ متواصلة متداخلة ببداياتها
ونموها التالي بالتطور السومري -الكادي ،ومن ثم البابلي الشوري بحيث
يصعب من الناحية الناسية التاريخية مفصلة عناصرها إلى مكونات معزولة ..
سومر" شومرو" كلمة أكادية كتبت بالخط المسماري " كي -إن -جي "
وتعني البلد السيّدة وأنّ هذه المنطقة كانت عامرة بحضارة عريقة قبل فجر
التاريخ " مما يعني بالضرورة أن الحضارت السومرية هي استمرار معرفي
كامل متطور لما قبلها ،ونتاج عضوي وموضوعي للحضارة العروبية .والقارئ
لهم نص سومري:
- 76 -
-------
في :دلمون" لينعق الغراب السود
وطير" العتيدو" ليصيح وليصرخ
السد ليفترس
والذئب ليخطف الحمل
لم يعرف الكلب المتوحش الذي يلتهم الجدي
ولم يعرفوا الكوارث التي تدمر الغلة
لم توجد الرملة
والطير من العالي ليسقط
والحمامة لتحني رأسها
ما من أرمد يقول " عيني مربقة"
ول مصدوع يقول " في رأسي صداع"
عجوز " دلموت " لتقول " أنا عجوز"
العذراء ليست بحاجة إلى أن تغتسل
وليهدر الماء الرائق في المدينة
من يعبر نهر " الموت" ليتفوه بالموت
والكهنة النائحون ليدورون حوله
المنشد ليعول بالرثاء
وفي طرق المدينة لينوح ويندب"
يدرك بأن هناك تمثلً لزمنٍ ماضٍ ،يصف مرحلة سابقة قبل حدوث التراكم
المادي القتصادي الذي أدى إلى تشكل طبقة إدارية وطبقة ملّك " أو حيازة-
كما يحقّ للطيب تيزيني أن يسميها " بالضافة إلى تحول البنية الثيولوجية
المثيولوجية ( الدين) إلى واقع مؤسساتي ،تُفرز له شريحة خاصة من الكهنة
والسدنة وارباب المعابد.
والنص السابق ،يصف بما ليدع مجالً للشك منطقة الخليج العربي في
المراح ل المتأخر ة م ن النيولي ث والميزوليث .فالشارا ت المكاني ة واضحة،
مركزها دلمون " البحرين حاليا " أما جزيرة الديلم وهي الجنة الموصوفة في
غابر الزمان ،وهذا يعني أن الكتلة الجتماعية التي يخاطبها النص تعرف عبر
الذاكرة الجمعية والمخيال ما معنى الدلمون ،وأين هي ،وبالتالي فهي تعيش
الناتج الحضاري الناسي للتغيرات التي طرأت على الواقع الجغرافي
والديمغرافي بشكل عام في منطقة تعيش في لب التكوين الثقافي والتاريخي للكتلة
الجتماعي ة الت ي يخاطبه ا النص .وهذ ا يعن ي أ ن السومريي ن ه م أبنا ء هؤلء
الجداد الذين بنوا الحضارات السابقة على امتداد جغرافية المشرق العربي.
الشارات الخرى لوري ومارتو تعني معرفة دقيقة في المتداد الجغرافي
- 77 -
الشمالي لبلد الرافدين وبالمتداد الحضاري الجغرافي لها في سوريا .يضاف
إلى ذلك أن السومريين لو كانوا غرباء عن المنطقة كما يحلو لبعض المستشرقين
المتصهينين الدعاء بذلك ،فلماذا تركوا كل السياق الجغرافي وامتداده للرافدين
شمالً وقطنوا في المنطقة الجغرافية الواقعة شمال غرب الخليج العربي وبما
يرمز له النص بامتداد تاريخي نحو البحرين حاليا.
العتراف بالتراكم المادي وبفائض النتاج الذي أدى إلى فرز طبقة الكهنة
واضح في النص :
" والكهنة النائحون ليدورون حوله" يعني وجود طبقة من الكهنة وهي سمة
ملزمة للدين المؤسساتي ،بما يعنيه ذلك من توضع مادي عريق ،كان متوفرا
في تلك الحضارة ،ولو كان متوفرا للسومريين قبل قدومهم لو كانوا غرباء لما
احتاجوا إلى الهجرة والتنقل والبحث عن موقع للحياة.
النص يتحدث بصريح العبارة عن وحدة الحضارة أناسيا في منطقة الشرق
العربي " :وجمي ع الكو ن والبش ر ف ي وحد ة وإلف ة يمجدو ن ال نليل " بلسان
واحد.ومن المعروف ولدة الله " سين" /الله القمر /من خلل لقاء انليل وننليل
في جزيرة الديلم /الدلمون /والبحرين في الثيولوجيا السومرية ،وهذا بالتعبير
ل كنات ج أناس ي تطور ي للكتلة الناس ي الثقاف ي الدقي ق ليمك ن أ ن يكو ن إ ّ
الجتماعية العروبية في مظهرها السومري ،بحيث شكل ت الحركية الجولنية
نمطا ناقلً في المخيال والذاكرة الجمعيين المكونات البنائية الحضارية .فلول
تمتع السومريين بتلك المكونات العروبية لما استطاعوا إحداث تلك النقلة في
منطقة من الطمي والرسوبيات ".وعلى كل حال يبدو من نتائج الدراسات الحالية
وكأن جنوب بلد ما بين النهرين الذي عُرف فيما بعد ببلد سومر ،قد دخل
ل عن القاليم الشمالية لنهري دجلة والفرات .وقد تجلى مرحلة التطور متأخرا قلي ً
ذلك بالدرجة الولى مقابل ماعرف بعد ذلك ببلد آشور في ضواحي مدينة
الموصل الحالية وفي منطقة الخابور .وقد يكون هذا طبيعيا إذا اعتبرنا أن منطقة
الفيضان المستنقعية عند مصب دجلة والفرات قد امتدت إليهما يد النسان شيئا
فشيئا وقطنها بعد أن نفذ فيها طريقة ري بدائية وشق إلى جانب ذلك شبكة من
الطرق اللزمة.
إن الذي يدل على الستيطان المتأخر نسبيا -للجنوب ،هو أنه لم تظهر
هناك أية مكتشفا ت واضح ة من العصر الحجري أو حتى من فجر العصر
- 78 -
الحجري -النحاسي .وفي المقابل أصبح المر في هذا المجال عاديا لدينا في
شمال ما بين النهرين وفي شمال بلد الشام" ( .)55ومن البسيط جدا تفسير ذلك
بالعلقة مع حركة مياه الخليج العربي عبر التأكيد على حضارة ما قبل الخليج
التي تحدثنا عنه يضاف إلى ذلك أن شكل الجمجمة المورفولوجي المكتشف في
بعض المواقع ليعتبر دليلً ،لن النسان عبر تطوره التاريخي مرّ بمجموعة من
المراحل المورفولوجية .كما أن منطقة جنوب الرافدين ،والخليج العربي كانت
مستقرا لمجموعة من الحركيات الجولنية التاريخية.
بالضافة لذلك لبد من التأكيد على أن الوضعية المكتشفة لتماثيل مناطق
سوم ر ه ي مورفولوجي ا محسوب ة عل ى سكا ن الشر ق العربي .أم ا الجماجم
المستطيلة والطويلة فهذا تابع لما قلناه أعله.
يضاف إلى ذلك ما يذكره البعض من ارتداء سكان سومر للثياب الخشنة.
بحي ث يمكن أن نتساء ل ه ل ارتداء الثيا ب الخشن ة تاب ع لفولوكلور شعب ي أم
استجابة بيئية لمناخ معين؟؟ فحتى لو افترضنا أن السومريين قدموا من خارج
المنطقة ،فهل كان ذلك من خلل هبوطهم بالمظلّت بحيث لم يكن لديهم الوقت
اللزم لستبدال ثيابهم بأخف منها بما يستجيب لمنطقة الجنوب الرافدي الدفيئة؟!!
أليس ت الثيا ب واللغ ة حال ت اجتماعي ة قابل ة للتطو ر قياسا بالمفهو م الزمني
الجتماعي؟ أم أننا نطالب أجدادنا منذ ستة آلف عام أن يكتبوا الشعر بطريقة
ل فهم غرباء عن المنطقة فالعودة إلى البنية الميثولوجية بما بدر شاكر السياب ،وإ ّ
ل عروبيين راكمت من عناصر بنائية تمكننا من التأكيد أن السومريين لم يكونوا إ ّ
أقحاحا لم يتصفوا بعنصر تكويني واحد خارج البناء الناسي العروبي (.)56
ولتكفي في هذه الحالة الردود المحدودة المنشورة هنا وهناك إن كان على
صموئيل كريمر أوديورانت أو غيرهما ممن حاولوا أن يردّوا فجر التاريخ إلى
خارج المنظومة العروبية فعندما عجزوا عن تزوير أناسة المكان ،لنه قائم في
الثر المكتشف وفي احداثيات الموقع المدروس ،ارتدوا لتزوير أناسة الزمان "
التاريخ" ،فيتساءل كثير من المستشرقين" وحتى أنطون موتكارت نفسه" بأن تلك
الحضارة هل كانت ثمرة النضوج الفكري لشعب المنطقة أم أنها كانت بتأثير
شعب جديد قدم إلى هناك؟ ()57
بالضافة لما قلناه سابقا لبد لنا من العودة لما أسميناه" الحداثيات الناسية
المعرفية " ببعديه ا العمود ي المرتب ط بالماض ي والحاض ر والمستقبل ،وبالفقي
- 79 -
المرتبط بالبنى المعرفية الناسية التي سارت موازي ًة أو سبّاقة على تلك المقدّمات
التي أعطتها الحضارة السومرية.
ومن المهم التذكير به أولً ،أن السومريين لو كانوا قد قدموا إلى المنطقة
العربية من خارجها ،فمن أين جاؤوا؟ ومن أي منطقة أتوا ..وهم يحملون معهم
ما حملوا من تقدم حضاري ،لماذا لم يتركوا في المنطقة المزعومة التي تركوها،
ما يدل على آثارهم العظيمة؟ إن كانوا من بلد ماوراء القوقاز أو من الهضاب
الموزعة هنا وهناك خارج المنطقة العربية .وأعتقد جازما بأن أي شعب من
الشعوب المجاورة أو البعيدة عن الوطن العربي لن تبخل علينا لظهار أي قطعة
حصى أو حجر تؤكد انتماء السومريين لها .ول أعتقد كما قلت أعله ،بأنهم
نزلوا بالمظلت من سماء مجهولة ،لذلك نحن بانتظار تنقيبات الفضاء عن تلك
الحضارة .وليهمن ي ف ي هذ ا الطا ر الشار ة فق ط إل ى أدوا ت الستشراق
اليديولوجي الزائف ،بل يهمني أيضا الشارة إلى أولئك الباحثين العرب" الذين
يمكنن ي أ ن أتهمه م بأنهم ،إ ن كانو ا ع ن غي ر قص د ق د تبنو ا تل ك النظريات
الستشراقية فهم جهلة بالقراءة التاريخية المشخّصة .فكل ذلك اللفيف " بعربه
وعجمه" متفقٌ على السؤال ،ترى من أين جاء السومريون؟ وكأن السياق العام
الذي تقدمه إحداثيات التحليل الناسي يبتعد بالسؤال إلى خارج المنطقة العربية.
إن ذلك السياق يقدم كل المعطيات اللزمة للتأكيد على أن السومريين هم
النتا ج الطبيع ي والعضو ي والحتم ي للتطو ر الناس ي الساب ق له م ف ي المنطقة
العربية .فحتى لو افترضنا أنهم غرباء هل يمكن عزل ما قدموه عن المنظومة
الثقافية والحضارية /الناسية المعرفية /العربية؟!
إنّ المتفحص البرئ والحيادي لتطور المنطقة العربية كما أوردناه /منذ
عصو ر الباليولي ت وحت ى العص ر الحجري -النحاس ي ث م النحاس ي يدرك بما
ليدع مجالً للشك بأن النقلة النوعية الحضارية التي تحققت مع نهاية اللف
الرابع قبل الميلد هي الناتج الناسي الطبيعي لما سبقها .
حتى ولو كان السومريون من خارج المنطقة العربية فهم لم يقدموا ما هو
غريب عن سياقها التاريخي لمن ناحية البنية التقنية ول من النواحي الثقافية
والميثولوجية.
وهذا التداخل العمودي الذي نتحدث عنه يدفعنا للتأكيد على انعدام القدرة
على إيجاد حدود الفصل بين المرحلة الماقبل سومرية والمراحل التالية لذلك
- 80 -
لنر ى عيبا ف ي تسمي ة المرحل ة التالي ة كم ا يفع ل كثيرٌ م ن دارس ي التاريخ
بالسومرية -الكادية.
إن التراكم المادي الذي تحدثنا عنه والذي أدى إلى وجود فائض سلعي دفع
باتجاه تمايز شريحة الكهنة .وهذا ترافق بالضرورة مع تطور اللغة كسيرورة
اجتماعية تاريخية مميزة للجهاز الشاري الثاني لدى النسان وما يعنيه هذا من
أنها مرت بمراحل زمنية طويلة من التطور الشاري الصوتي قبل انتقالها إلى
مرحلة الكتابة .بحيث مرت هذه الخيرة أيضا بمراحل تطور تميزت بالتراكمات
الكمية وبالنقلت النوعية التي نحن بصدد الحديث عنها باختصار ".ونحن نعرف
أنه حيثما توجد كائنات بشرية تكون لها لغتها ،وفي كل الحوال تكون هذه اللغة
أساسا لغة محكية مسموعة في عالم الصوت.
وعلى الرغ م مم ا تحمل ه الشارة الجسدي ة من ثراء ،فإن لغا ت الشارة
المتطورة ليست إلّ بديلً للكلم ،تعتمد على نظمه الشفاهية ،حتى عند استخدامها
على يد الصم خلقيا .أما معظم اللغات فلم تعرف طريقها إلى الكتابة على
الطلق .وليس هناك من بين ال 3آلف لغة المتكلم بها اليوم سوى ما يقارب
78لغة فقط لها أدب مكتوب .وليس ثمة طريقة إلى الن لحصاء عدد اللغات
التي اختفت أو تحولت إلى لغات أخرى قبل أن تعرف الكتابة .كذلك فإن مئات
اللغات المستخدمة اليوم لم تكتب أبدا ،إذ لم ينجح أحد في التوصل إلى طريقة
فعالة لكتابتها .إن الصل الشفاهي لي لغ ٍة هو أن للغة سمة لصقة بها(.)58
ولبد من مرورها بمرحلة بينية قبل تحوّلها إلى لغة كتابية .وتتميز هذه
المرحلة البينية بتجميعية اللغة ،باصطفاف الكلمات والتصاقها سوية لتكوين لغة
مركبة ،ذات معنى مركب .وتعتمد على المقاطع اللفظية وليس على الحروف.
ومن الطبيعي أن تتميز طبقة الكهنة بامتلك هذا النتقال النوعي نظرا لرفعة
المؤسسة الدينية ( الميثولوجية) ودورها في التمايز التالي في الكتلة الجتماعية.
وإذا كانت اللغة السومرية عبارة عن صور أو رموز مجردة تعكس تعبيرا
ل أن بها كلمات
معينا كمرحلة بينية للنتقال إلى اللغة المكتوبة البجدية اللحقة إ ّ
عربية ترجع إلى القوام الولى قبل ظهور السومريين" ( ")59كما كانت هذه
الكتابة واسطة عملية لدارة اقتصاد المعبد المادي أكثر من أن تكون تعبيرا
لمفاهيم روحية سامية ،إذ أنها كانت عبارة عن واسطة عملية لتنظيم اقتصاد
المعبد فقط(.)60
- 81 -
وهذ ا يؤك د نخبويته ا وتخصصه ا ف ي الشريح ة العلي ا م ن المجتم ع ذات
التخصص الكهنوتي أو ما يرتبط به من إدارة .وهذا يؤكد أنها نتاج عروبي،
وإلّ لماذا ،وكيف دخلت بها كلمات عربية ترجع إلى القوام الولى قبل ظهور
السومريين ،فيما لو كان السومريون قد جاؤوا من خارج المنطقة حتى ولو من
جنوبه ا ؟ ! حي ث يتحد ث بعضه م وكأ ن جنو ب منطق ة سوم ر خار ج المنطقة
العربية أليس هو منطقة الخليج العربي ،والساحل الشرقي للجزيرة العربية؟ أليس
هو منطقة البحرين /الديلم؟ وهل منطقة الجزيرة العربية خالية من الجبال ليقول
بعضهم ،إن وجود" الجبل" في المثيولوجيا السومرية دليل على اغترابهم عن
المنطقة؟" ..وكذلك لهمية " الجبل" في اعتقاداتهم الدينية .إلّ أن غالبية الباحثين
تميل الى العتقاد بأن السومريين وصلوا عن طريق الخليج في الجنوب لن
تجمعهم كان في الجنوب" ( )61يضاف إلى ذلك أهمية ذلك التداخل العمودي في
التكوين الناسي المتوّاشج عضويا وموضوعيا" هو أن غالبية النصوص التي
تفس ر طريق ة النطق " باللغة " السومري ة ترج ع إل ى الكاديي ن الذي ن خلفوهم.
واستخدم ت الكتاب ة المسماري ة لتدوين " اللغات " الكادي ة والبابلي ة والشورية
والوغاريتية حتى عُممت البجدية الفينيقية " ( ) 62وبنفس التزامن ظهر معها
"اللغة المصرية القديمة " كلهجة من لهجات اللغة العروبية" ممايدل على أن سكان
مصر أقوام جاءت من الجزيرة العربية وشمال وشرق أفريقيا " فهي تشترك مع
تلك اللهجات العروبية في خاصتها الساسية التي تجعل كلماتها تُشتقّ من مصدر
واحد ،غالبا ما يتكون من ثلثة أحرف كما تشتمل على الكثير من الكلمات
والمفردات المشتركة /وسنعود بمزيد من التفصيل إلى هذا الحقل في الفصل
القادم.
أم ا م ا يخ ص التداخ ل الناس ي المعرف ي الفق ي فه و التطاب ق ف ي البنية
المثيولوجية ،ووجود مواقع أخرى موازية زمنيا تتفوق على المستوى الذي ميّز
النقلة السومرية فذلك التفوق كان حقيقة واقعة منذ قرون عديدة كما حدث في
ماري وكيش "،خاصة وأننا نملك منحوتات من مدينة ماري تحمل كتابة عروبية
أقدم من عصر سللة أور الولى" ( )63ويدعم ذلك بأن كريمات الحكام الكاديين
كنّ قد دخلن معبد إله القمر في أور كعرائس لللهة( )64حتى أن سرجون الول
كانت أمّه عروسا من عرائس اللهة ،ومن تلك الكاهنات اللواتي قطعن عهدا
على أنفسهن بعدم انجاب الولد منذ اللحظة التي بوركن فيها .ولكن عندما
أنجبت رغم ذلك طفلً في مدينة آزوبيرانو وضعته سرّا في صندوق من القصب
وألق ت ب ه ف ي نه ر الفرات( . )65كم ا أ ن المر ء ليش ك ال ن ف ي قيا م علقة
- 82 -
ومبادلت تجارية مع النوبة ( في وادي النيل) = ملوحة آنذاك ،بعد أن ثبت
وجود علقة قوية بين سومر في عصر فجر التاريخ ومصر في عصر تيكاد
الثان ي ) 66(.وبنف س الوق ت يتعذ ر عل ى المر ء أ ن يفر ق بي ن الديان ة الكادية
والعتقا د السومر ي بالله ة بع د ذل ك النصها ر القو ي بي ن عناص ر الديانة
السومرية والعروبية الشرقية ( .)67بحيث يتأكد بالبراهين الدقيقة أن السومريين
ه م النتا ج الطبيع ي الموضوع ي للتطو ر الناس ي العروب ي .وشكلو ا حلق ة من
حلزون التطور العروبي التالي ،فاسما آخر ملكين في سللة أور الثالثة شو-
زن وأبي -زن كانا عروبيين حتى أن من أبرز ما قام به الملك العروبي " شو-
ايلي -شو" أو " جميل -ايلي-شو" الذي حكم مدة عشر سنوات حربه مع
العيلميين وانتصاره الساحق عليهم مما أدى إلى استرجاع تمثال إله القمر (نناز)
الذي حمله العيلميون معهم إلى بلدهم قبل انتصارهم على ملك أور " أبي
-سن".
" لقد كانت سورية في العصر الحجري النحاسي كما كانت في العصر
الحديث المركز الحضاري الرئيسي في الشرق الدنى بأسره ،ويرجح بعض
العلماء أن معرفة النحاس قد انتشرت من سورية إلى جميع جهات الشرق الدنى
كمصر وبلد الرافدين ،كما أنهم يرجحون أن استعمال الخزف وتدجين القمح
والشعير وبعض الشجار كالتين والزيتون والكرمة وتدجين بعض الحيوانات
عِثرَ على دمى لها مصنوعة من الطين كالثور والغنم والماعز الهلية التي ُ
والخنزير وبعض الطيور كالحمام انتشرت من سورية إلى المناطق المجاورة" (
")68وقد يصع ب أحيانا بالنسبة لعلماء الثار تحديد مسار حضارةٍ ما وفقا
ل أن الرأي السائد هو أن نقطة النطلق لتعاقبها الزمني مع حضارة أخرى ،إ ّ
كانت في الشمال الرافدي ،ثم تحولت نحو الجنوب خلل أدوار العصر الحجري
النحاسي ،أي أن التحول انتقل من الشمال إلى الجنوب إلى المنطقة التي شهدت
ميل د الحضار ة السومري ة فيما بعد.ولي س من السه ل تحدي د الدوا ر المتعاقبة
للعصر الحجري النحاسي ب 2500 ،سنة أي في الفترة الواقعة ما بين 6000و
3000سنة قبل الميلد وتقع ضمن هذه الفترة مرحلة النتقال إلى عصر فجر
التاريخ(.)69فكيف ينحو أنطون موتكارت بعد قوله السابق للتساؤل عن الموقع
الساسي للسومريين ،بحيث يتساءل عنه وكأنه قد حسم موقفه بأنهم غرباء عن
المنطقة العربية .علما أن كل النصوص التي قمنا بإيرادها ،لتدع مجالً للشك
بأن السومريين هم من أبناء القبائل العربية تحديدا ،وهم حلقة من حلقات التطور
الناسي في حركيته المعرفية والحضارية.ففي عصر فجر السللت عرف أقدم
- 83 -
حاكم من حكام ( لجاش) يدعى" لوجال -شاج " -وقد ورد اسمه في نصٍ قديم
مسجل علىرأس دبوس قدّمه للله " نينجرسو" إله مدينة لجاش ملك عربي كان
يحكم مدينة " كيش" اسمه مسيليم وقد كتب النص المذكور كما يأتي:
" مسيليم ملك كيش ،الذي بنى معبد نينجرسو ،أودع رأس الدبوس هذا من
أجل نينجرسو ،حين كان لوجال -شاج -أنجور حاكما" ايشاج" على لجاش"(
.)70
ويشير نص آخر إلى أن ملك كيش قد قام بالتحكيم بين مدينتي " لجاش" و"
أوما" عندما اشتد الخلف على الحدود بينهما .ويشير النص المذكور إلى وضع
اتفاقية حددت بموجبها الحدود بين المدينتين ،كما يذكر أن تلك التفاقية وضعت
بناءً على رغبة الله " انليل" وأن كلً من إله " لجاش" وإله" أوما" قد وافقا
عليها .ووضعت لوحة مسيليم على خط الحدود الفاصل بين اراضي المدينتين
حسب التفاقية المذكورة.
ولذلك نرى في بعض المراجع ،إن لم يكن في معظمها ،أن مجموعة كبيرة
من المؤرخين تقسم تلك المرحلة إلى ماقبل مسيليم ،ومسيليم وما بعد مسيليم.
فكيف إذن يمكن أن نقول مع هؤلء المستشرقين ذوي اليديولوجية التزييفية
بأن السومريين قدموا من خارج المنطقة العربية؟ أليس حريا بنا نحن العرب أن
نعود لقراءة تاريخنا قراءة أناسيةمعرفية تضع الحداثيات التاريخية في سياقها
الزمني الصحيح وتضع الحداثيات الجغرافية في مواقعها المترابطة تاريخيا،
بحيث نعيد لتاريخنا مساره الصحيح.
وحتى إذا عرّجنا قليلً على إطلق التسميات وبحثنا في بعضٍ من تأسيسها
المعرفي لحظنا بأن الكتلة الجتماعية العروبية في تاريخها السحيق تشكل كتلة
أناسي ة معرفي ة " تاريخي ة وجغرافية " واحدة ،ذا ت سيرور ة بنائي ة متصاعدة
متكاملة .فيذكر د.منير يوسف طه :بأن سكان شبه جزيرة عمان ليمكن فصلهم
ع ن سكا ن الساح ل الغرب ي للخلي ج العرب ي مادا م هذ ا الساح ل يشك ل وحدة
جغرافية تتصل بسواحل البحر البيض عبر الفرات ،ويقترح بأن الموريين "
العموريين" هم كانوا سكان المنطقة الممتدة من عُمان إلى البحرين ،اعتمادا على
بعض اللقى الثرية ،وبعض الكتابات التي ذكرت أسماء أمورية " عمورية"
لفراد من منطقة ديلمون " البحرين".
- 84 -
وفي فترة متأخرة ،تعود إلى حوالي سن ة 640ق.م أيام الملك الشوري
أشور بانيبال يوجد هناك نص من معبد عشتار في نينوى يذكر أن الملك بادي (
)PADEملك أرض كادي " قادي" ( )Qadeوالمقيم في مدينة اسكي ،قدم إلى نينوى
ليقدم الجزية إلى الملك الشوري.)72(.
كما نلحظ أن النص ذكر بلدا باسم كادي ،وهو اسم لعُمان ،استخدم منذ
عهد الدولة الشورية الثالثة مرورا بزمن الدولة الكلدانية .والسم أكدي الصل"
كا -دي-ي )De-E- Qa-أو ( كاددو-و )Qa-Du-Uوكاد -دو -بالكادية .وهي
كلها تدل على اسم مكان واحد هو عُمان .أما اسم أسكي الوارد في النقش ،فهو
ربماإزكي ،وهو اسم لمدينة مشهورة تقع في المنطقة الداخلية من عُمان ،وتعتبر
من أقدم المدن العمانية(.)73
أما بعلقة العمالقة التاريخية وسكناهم في تلك المنطقة ،فعلى ذلك يتفق كل
الخباريين والمؤرخين والذين أطلق عليه م لحقا اس م الكنعانيّين " الفينيقيين"
والذين شرحنا باسهاب حركية تاريخهم الناسي في التاريخ والجغرافية العربيين
بالضافة لما أوردناه في هذا الفصل من حيثيات تأريخية وجغرافية دقيقة ونظرا
لضرورة إكمال هذا البحث باتجاه القراءة المتأنية والحيادية لصل السومريين
بالقراءة النسبية يمكن إضافة العناصر التالية:
-إن الدراسات النتروبولوجية Antrpolojyالتي أجريت على عظام وهياكل
قبور هيلي في رأس العين في المارات ،وشمل ،وغليله في شمال رأس الخيمة،
والتي تعود فتراتها إلى اللفين الثالث والثاني قبل الميلد ،تثبت أن السكان كانوا
يتمتعون بصحة جيدة ،وأنهم كانوا يتصفون بالرشاقة والطول والضخامة ،إضافة
إلى أن حياتهم كانت قصيرة حيث دلت الدراسات على أن أعمارهم تقدر بين
40-35سنة بالضافة إلى أنه توجد على هياكل قبور هيلي بعض الملمح
الفريقية مما يوحي بأن السكان ربما اختلطوا بجنس افريقي ()74
وهنا ليمكن مناقشة الختلط بشكل طفرة أو الختلط العابر .فهذه السمات
ل على العماليق= الكنعانيين= الفينيقيين ،تؤكد بأن علم الناسة الثنولوجية
التي تد ّ
يوضح لنا أن جولت القبائل العروبية بين اللفين السادس والثالث قبل الميلد لم
تختزل في القسم السيوي من الوطن العربي فقط ،بل شملت كل القسم الفريقي،
وخصوصا الساح ل الشرق ي الفريق ي المط ل عل ى البح ر الرتيري " الحمر"
مرورا بمضي ق با ب المند ب وحت ى الرأ س الفريق ي والساح ل الصومالي.
- 85 -
فبالضافة لما ذكرناه سابقا حول شهادة هيرودوت بناء مدينة صور من قبل
الفينيقيين على ساحل البحر الكبير= أمورو " عمورو"= البحر البيض= الساحل
الفينيقي الشرقي ،عام 2750ق.م يشير الجغرافي اليوناني سترابو "64ق.م 21 -م"
إلى أنه توج د في منطقة الخليج العربي معابد ومدن شبيهة بتلك التي على
الساحل الفينيقي ،كما أيّده بذلك بليني (79-23م) .أما المؤرخ الروماني جوستين "
القرن الثاني الميلدي" فيذكر أن الفينيقيين قد هاجروا من بلدهم الصلي بسبب
زلزال أصاب بلدهم واستقروا أولً بالقرب من بحيرة سورية " البحر الميت"
ومن هناك انتشروا على سواحل البحر البيض .كما استفاد السكندر المقدوني (
) 323-336ق.م من خبرة الفينيقيين في الملحة وصلتهم القديمة بمنطقة الخليج
العربي ( )75بارسالهم إلى مياه الخليج عبر نهر الفرات.
كما أن التشابه في بعض أسماء المدن والمواقع في الخليج والساحل الفينيقي
مثل :صور في عمان وصور في شمال فينيقيا على الساحل الشامي ،وجبيل على
الساحل الفينيقي وجبيل على ساحل الخليج في شمال شرق الجزيرة العربية..،
وم ا أوردنا ه أعل ه يؤك د أ ن الكنعانيين = الفينيقيي ن ه م نفسه م العمالق ة الذين
استوطنوا شبه جزيرة عمان ،وأجزاء كبيرة من شبه الجزيرة العربية وساحل
الخليج العربي وأنهم هاجروا إلى بلد الشام واستقروا على ساحل البحر البيض
قبل وأثناء اللف الرابع قبل الميلد كأحد المحاور من محاور جولنهم في شعاب
الوطن العربي وسواحله خصوصا كما قلنا أعله .بحيث يبدو من القراءة الدقيقة
أن السومريين جاؤوا فعلً من دلمون /البحرين /وفيها تعلموا الكتابة كما يقول
علي أكبر حبيب بوشهري .)76 -
ومما تجدر الشارة إليه في المحطة الخيرة من تقييمنا للتاريخ الناسي
المعرف ي الصل ي للكتل ة الجتماعي ة العروبي ة ف ي مراح ل الحضارا ت الجليلة
نماذج من العلئق المتينة التي تؤكد على وحدة التاريخ والجغرافية الناسيين
العربيين .بحيث لبدّ من الوقوف عند إحدى الحلقات الهامة التي تؤكد على
الطبيعة الواحدة في التركيب البنيوي الثقافي وبالتالي السياسي ،وذلك من خلل
العلقات التي كانت تربط بلد الشام كإحدى أهم حلقات الوصل بالمتداد العربي
مع وادي ودلتا النيل.
ففي نفس الوقت الذي تحدثنا فيه عن التماثيل في مراحل التاريخ الحضاري
للنطوفية والسبيلية انتقلنا إلى رسم التكوين الولي المعرفي أناسيا الذي أدى
بالضرورة إلى تكوين واقع فكري مميز لخصناه في السطور الولى من هذا
- 86 -
الفصل ،وفصّلناه باسهاب مع تطور اللغة الشفاهية إلى كتابية في مشرق الوطن
العربي بما عناه ذلك من ضرورة تمايز طبقة الكهنة كمؤسسة دينية ارتبطت
بوجود التراكم المادي والفائض القتصادي الذي وشى ببنية جوهر حركيته ما
يمكن أن نسميه تفرّغ هؤلء الكهنة ،وهذا ،طرح ضرورة الرتقاء بعلقات
الكهنة بالمعبود من خلل اللغة وبمكان العبادة من خلل تجسيد أفكار العتقاد
والعبادة " ميثولوجيا" عبر لغة تنتقل إلى صيغة التجسيد القائم المعزول عن وجود
النسان بحيث دفعت تلك الحاجة إلى نقل اللغة الشفوية ،التي يزول تأثيرها،
بانتفاء وجود النسان المتحدث بها ،إلى اللغة الكتابية أو المكتوبة والتي يبقى
تأثيرها قائما رغم انعدام وجود ناطقها .وهذا ما شكل أحد العلمات المميزة
الرابطة بين نقل التجسيد من واقع الصوت إلى واقع النقل الحركي له مكتوبا .كل
ذلك شكل أحد الملمح الساسية للنتقال في "فلسفة" القراءة المعرفية الناسية
لمعنى وجود النسان وعلقاته بمكوّنات وجود البنائية .فاعتبر قراءته للذات
مرتبطة بالنطق ،باللفظ ،بالكلمة الملفوظة ،ومع انتهاء آخر حركية صوتية كان
ن ذاته انتهت مع انتهاء تلك الحركة بما يعني بها من وشائج ربط مع كل يعتقد بأ ّ
إحداثيات وجوده المرتبط بالمعبود ،فحدا به ذلك إلى النتقال إلى حالة استمرارية
في قدرة تأثيره ،وهذا بالضبط ما تحققه الكلمة المكتوبة.
ومن المؤكد أن الكتابة نشأت وتكاملت بصورة تدريجية أيضا في بلد النيل
كما هي الحال في بلد الرافدين وديلمون "،فقد عثر على صور ورسوم متنوعة
من عصر ما قبل السرات ،دخلت فيما بعد في طريقة الكتابة الهيروغليفية التي
كان ت تتأل ف من مجموع ة من الصور المبسّطة..فالخ ط المتعرج يمث ل الماء،
العصا المقوّسة عند طرفها والتي يحملها الملك تدل على السلطة والسلطان ،رسم
الشجرة يدل على النبات ،والقدم على الرجل أو فعل المشي أو الذهاب..وقد
بدأت الكتابة بتصوير الشياء للدللة عليها ،ثم تطورت فأصبحت الصور تدل
عل ى الفعا ل المتعلق ة بتل ك الشياء ،ث م أصبح ت الصو ر تد ل عل ى الفكار
المرتبط ة به ا ( . )77وم ن الملف ت للنتبا ه أ ن هذ ا التطو ر ف ي الرتقا ء حدث
بالتوازي والتطابق مع مثيله في بلد الرافدين مع نهاية اللف الخامس وبدايات
اللف الرابع قبل الميلد .ففي عصر ما قبل السرات بين نهاية اللف - 4500
3200ق.م تقدم سكان الدلتا تقدما فكريا كبيرا في هذا العصر ،فاخترعوا الكتابة
ورتبوا العمليات الزراعية حسب تقويم أوجدوه من ملحظاتهم المتكررة لظاهرة
الفيضان السنوي التي تقع بانتظام ،فقد كان الفيضان يصل في يوم معين من كل
سنة إلى منف وهليوبوليس ،وقد تأكد السكان من ذلك بملحظة بعض الظواهر
- 87 -
الفلكية ،كما دفعتهم ضرورات الحياة الزراعية إلى النتباه لمثل هذه الملحظات،
فتمكنوا بذلك من معرفة عدد أيام السنة وقسموّها إلى اثني عشر شهرا ،وقسموا
الشهر إلى ثلثين يوما ،وخصّصوا للعياد اليام الخمسة الباقية وفيها ينصرفون
إلى اللهو والطرب" ( )78ولم يكن ذلك إلّ نتاجا لتطورات نوعية وتراكمات كمية
عبرت آلف السنين في علقات مناطق الوطن العربي مع بعضها ،فبعد أن
أخذت المطار تقل تدريجيا ،وأخذ الجفاف بالزدياد مع نهاية اللف العاشر قبل
الميلد ،بحي ث شهد ت هذه الفتر ة مول د نه ر النيل بشكل ه الحالي . .واستمرت
صناعة الحجار الصغيرة والدقيقة ذات الشكال الهندسية المختلفة التي كانت
منتشرة في الفترة الخيرة من الحضارة السبيلية وانتقلت من حلوان إلى فلسطين(
) 79ومنها إلى باقي بلد الشام فيما يسمى الحضارة النطوفية التي كانت سائدة
في بل الشام بين اللفين التاسع والثامن قبل الميلد.
إ ن تطو ر الرؤي ة الفلسفي ة بمعانيه ا الولي ة للوجو د بم ا عنت ه م ن علقة
الرض بالسماء ،بحيث تعبر النفس النسانية عن علقة التأثير فيما بينها ،بحيث
ل أن تدفع بالرض تجاه العلى في علقةٍ ما زال حتى إنساننا لتستطيع إ ّ
المعاصر يبحث عن جوهر تلك المحاولت في الصعود عبر الرتفاع بالرض
والتعبير بما تستطيع يداه فعله من خلل بناء المعابد الصاعدة أو المقابر التي
ترتفع" بالمتوفى" ولم يكن حل هذه المعادلة بالغريب عن فكرنا العربي بمقدماته
الولية والتالية ،بل كان عنصرا من عناصر تطوير البنية الناسية الحضارية
" فهرم سقارة المدرج الفريد من نوعه ،والذي يبلغ ارتفاعه ستين مترا،
وهو أول هرم عُرف في التاريخ يشبه بصورة عامة بناء الزقورة أي البراج
التي كانت تبنى في بلد الرافدين " (.)80
أما بالقراءة السياسية المباشرة" بما تعنيه في تلك العصور" فيمكن أن نختتم
قراءتنا في هذا الفصل ببعض ملمح الوحدة بين بلد الشام وبلد النيل ،بعد أن
بينا بمعطيات التاريخ الناسي هذه الوحدة:
فلقد وصلت حملة تحوتمس الول( 1495-1525ق.م) إلى منطقة النهارينا
( تقع بين نهر العاصي ونهر الفر ات وفروعه إذ تمتد حتى الخابور) وخلد
تحوتمس الول هذه الفتوحات بلوحة تذكارية أقامها على شاطئ الفرات وذكر
فيها أعماله وفتوحاته موحدا بذلك /وبالشكل السياسي /مصر وسوريا ( )81كما
أ ن الحمل ة الثامن ة لتحوتم س الثال ث وصل ت إل ى نه ر الفرا ت ( ، )82كم ا أن
- 88 -
أمنحوتب الثالث ( 1365-1397ق.م) تزوج بإمرأة مشهورة تسمى " تي" وهي ابنة
شيخ وأمير سوري ،كما كانت تتواجد في قصره أميرات سوريات وبابليات
وآشوريات عديدات.
كما أن زوجة أمنحوتب الرابع" ابن الملكة السورية " تي" " أخناتون ،تاو
وخيبا هي سورية وقد عرفت باسم نفرتيتي( .)83وأخناتون هذا أول من نادى
بعبادة الله الواحد -الديانة التوحيدية وهذا الله هو أتون الشمس المحرقة،،
وأدى به الحماس إلىالله الجديد إلى أن حرم على الناس إقامة التماثيل للله
أتون ،لن هذا الله حسب زعمه موجود في كل مكان ،ومن المعروف وحدة
انتشا ر هذ ه الفكر ة ورفع ة تأثيره ا باتجا ه شب ه الجزير ة العربي ة بالصابئة
والحناف ،كم ا أ ن تل ك الدعي ة الت ي تمج د إل ه الشم س أتو ن تذك ر بتمجيد
السوريين له إلى جانب شعب مصر والنوبة( ) 84وفي عصر رمسيس الثاني تمّ
ضم الساحل الفينيقي ( 1284ق.م) وفي العام الذي يليه تقدم رمسيس الثاني إلى
الداخل الشامي فانضم إليه ملك ّقطْنا العموري وبعد ذلك بفترة ليست طويلة حكم
المير السوري " ارسو" مصر كاملة (.)85
أمّا عن وحدة التطور الحضاري الناسي مع بلد الرافدين ،فبالضافة إلى
كل ما ذكرناه أعله ،يشير طه باقر إلى أن وحدة العلقات تعود" إلى أواخر
الطو ر الحجري -المعدن ي أ ي عه د م ا قب ل السللت ،كذل ك ف ي بداي ة عهد
السللت أي في المراحل الولى من نشوء الحضارة الراقية في كل القطرين" (
)86ومن أهم الدلئل على ذلك ظهور ووجود واكتشاف بعض الدوات والنماذج
الخاصة بحضارة بلد ما بين النهرين في مصر ( )87ويشار في هذا السياق إلى
" أواني الحجر المزينة بالنحت البارز وبعض الطرز القديمة الخاصة بالبنية
السومري ة الت ي وج د م ا يطابقه ا ف ي المقاب ر الملكي ة المصري ة ف ي المصاطب
القديمة ،وفي تخطيط اللحود الملكية الولى ولسيما لحود ملوك السللة الولى،
وكذلك استعمال الختام السطوانية" (.)88
حتى أن الدولة الشورية الحديثة أخضعت مصر الفراعنة نفسها لسلطانها (
.)89لذلك أرى من الضروري إعادة التذكير بما قدّمه الباحث إحسان جعفر في
بحثه" بين اللغة المصرية القديمة واللغة العربية " ،حيث يؤكد على الصل
الناسي الثنولوجي الواحد لعرب الجزيرة العربية ووادي النيل وشمال افريقيا
والذي يعود تأريخيا إلى اللف العاشر قبل الميلد ( ،)90ويشير إلى أن أكثر من
دراسة تاريخية أو آثارية أو لغوية قام بها عدد من المؤرخين والعلماء وتبين أن
- 89 -
الرأي الذي ذهب إلى أن الفراعنة عرب قدماء ما هو إلّ حقيقة واقعة ،وقد تبّنى
هذا الرأي كثير من علماء اللغة والثاريين اللمان ،وشاركهم في رأيهم هذا
الثاري العربي المصري الول أحمد كمال ،وشيخ العروبة أحمد زكي والدكتور
أحمد عيسى وغير هم ،وهم يرون أن المصريين القدماء جاؤوا من جزيرة
العرب ،وبهذا الصدد يقول المؤرخ اللغوي أحمد كمال في كتابه " الحضارة
القديمة" " :اختلف ت الرا ء حو ل الجه ة الت ي وف د منه ا قدما ء المصريي ن فقال
لبسيوس :إنهم دخلوا عن طريق برزخ السويس ،لكن قوله هذا نُبذ الن -وقال
غيره :إنهم اجتازوا البحر الحمر من الجهة التي تُعرف الن بميناء القصير،
فساروا منها إلى وادي الحمامات ،ثم إلى مدينة قنا الواقعة في مصر الوسطى
على مقربة من طيبة .ورجح نافيل انتقالهم من جنوب الجزيرة العربية عبر
البحر من جهة مصوع بما في ذلك من توافق مع الرواية المنقولة عن ديودور
الصقلي ،وقال نافيل :هذه الرواية المؤيدة لمجئ المصريين عبر مصوع كافية
بمفردها لثبات ماسبق بيانه من أن أصل المصريين القدماء من بلد العرب
الجنوبية لن في الرواية إشارة إلى أن أولئك الفاتحين بعد أن انتقلوا من مواطنهم
نزلو ا عل ى شواط ئ البح ر الحم ر ف ي الحبشة /كم ا أوردن ا وبتفصي ل أناسي
معرفي وتاريخي في بداية هذا الفصل واقاموا فيها زمنا قبل زحفهم على وادي
النيل (.)91
ويضيف أحمد كمال في موضع آخر من كتابه المشار إليه إنه ":لما جاء
الحوريّون -وهو يقصد بهم قدماء المصريين القادمين من بلد العرب -تغيرت
مظاهر الحياة ،وتبدلت معالم البلد بما انتشر فيها من الحضارة الجديدة ،فكانت
أعمال ملوكهم باكورة التقدم والنجاح ،وفاتحة كثي ٍر من الصلح.
ويفسّر لنا أحمد كمال اسم هؤلء الحوريين الوافدين من جزيرة العرب
فيقول ":إن الملوك القدماء حوريون ،أي يُنسبون لحوريس ،وبطريقة أوضح
لنهم أتباع " الحر "( )92إي البازي لن هذا الطائر الذي امتاز بسرعة الطيران
والقنص كان لهم بمثابة لواء تستظل به قبيلتهم الصلية ،وكان يرمز به لمعبودهم
حوريس سواءا كان على صورة طائر أو صورة إنسان برأس طائر ،والبازي
باللغة البوربائية ( ) 93إشارة هيروغليفية يلفظ بها" حُر" وهو لفظ عربي بحت
معناه البازي أو الباشق ،ولشك أن هذا المعنى يؤيّد ،من حيث الصل قوله :إن
الفاتحين أي أتباع حوريس كانوا من بلد الجزيرة العربية.
- 90 -
ρ
( ) 1محمد عزت دروزة :تاريخ الجنس العربي الجزء الثاني +ج 1صيدا وبيروت
1376ـص 26ـويستشهدـ أيضا ًـ بهذاـ النصـ أحمد سوسةـ فيـ كتابهـ " العرب
واليهود في التاريخ" ج 1دمشق 1975ص 127
والطيبـ ـتيزينيـ ـفيـ ـمشروعهـ ـالمعروفـ ـالجزءـ ـالثانيـ ـالفكر
العربي في بواكيره وآفاقه الولى -دار دمشق -ط 1982 1ص .48
(Duberete, Et Weulersee, Manuale De Georaphie: Fa Penisule Arobique,Beyrouth )2
1940
استشهد به الباحث محمود المحمود -الجذور التاريخية للعلقات العربية
الفريقية مجلة الوحدة العدد 97تـ .1992
( ) 3عودة د .عبد الملك ،سنوات الحسم في افريقيا (ـ ،)1969-1960ـ 1969ـمكتبة
النجلو المصرية القاهرة ص .30-29
( )4د .علي فهمي خشيم نحو دراسة علمية للتاريخ العربي القديم مجلة الوحدة
العدد 1988-42ص .78
( ) 5د :أمين توفيق الطيي -جريدة الحياة عدد" 14 "- 19770أيار -.1995العلقات
بين الجزيرة العربية والحبشة قبل السلم " 1من ."3
( )6المصدر السابق.
( )7المصدر السابق.
( )8المصدر السابق
( )9المصدر.السابق
( )10المصدر.السابق
( )11المصدر.السابق
( )12المصدر.السابق
()13ـ ـنذكرـ ـالمصادرـ ـالتيـ ـاعتمدـ ـعليهاـ ـالباحثـ ـأمينـ ـتوفيقـ ـالطييـ ـفيـ ـبحثه
المذكور أعله كما أوردها في نصه:
.Seligman, C.G Races Of Africa Oxford 1957 P,87 -1
Ullendorff,E, The Ethiopians, Oxford 1961 P,12q -2
Seligman P,87 -3
.Shohid, I,Pre-Islomic Arabice “In The Combridge History Of Islam Vol. IA (1977),P7-4
Irvine ,A. K. “ On The Identity Of Habashat In The South Aralion Inscriptions “,In -5
Journal Of Semitic Studies , Manchester 1965, Vol 10P-P 182-4
Ullendorf-P , 134-6
Shahid P,9 -7
Trimingham , J.S , Islam In Ethiopia London 1976 P.33-8
Trimingham P 34-9
Hurni G. Arab Seaforing Beirut 1963 P.33 -10
-11ابن خلدون .عبد الرحمن ،كتاب العِبَر بيروت 1979ج 2ص 8
-12الهمذاني الحسن بن أحمد ،صفة الجزيرة العربية بيروت 1983ص 194
-13ياقوت الحموي معجم البلدان ،بيروت 1979ج 4ص .250
- 91 -
-14المقريزي أحمد .اللمام بأخبار من بأرض الحبش من ملوك السلم -.القاهرة
1895ص 2
-15شهاب الدين أحمد بن عبد القادر ،كتاب فتوح الحبشة باريس 1897ص 319
Jones A .H. M And Monroe E.A History Of Ethiopic Oxford 1978 P33-16
Perhom ,M. The Government Of Ethiopic london 1948 P20-17
-14د .علي فهمي خشيم نحو دراسة علمية للتاريخ العربي القديم -مجلة الوحدة
العدد 42آذار 1988ص .79
( )15الطيب تيزيني الفكر العربي في بواكيره وأفاقه الولى ج 2ص .53
( )16علي فهمي خشيم نحو دراسة علمية للتاريخ..
ً
( )17الطيب تيزيني نفس الستشهاد المذكور سابقا ص .51
( )18علي فهمي خشيم المصدر السابق.
( )19المصدر السابق.
( )20المصدر السابق.
( )21الطيب تيزيني المصدر السابق ص .66
( )22استشهاد قاده الطيب تيزيني في مرجعه السابق ص .66
( )23علي فهمي خشيم المصدر السابق
( )24عبد الرحمن الجيلني -تاريخ الجزائر العام -مأخوذ من كتاب د .طيب تبزيني
المنوّه به المصدر السابق ص .67
()25ـ ـفرانكفورتـ ـهــ ـوفرانكفورتـ ـهــ 1ـوغيرهم.ماـ ـقبلـ ـالفلسفةـ ـالنسانـ ـفي
مغامرتهـ ـالفكريةـ ـالولىـ ـترجمةـ ـجبراـ ـابراهيمـ ـجبراـ ـ-ـ ـالمؤسسةـ ـالعربية
للدراسات والنشر الطبعة الثالثة 11982ص .57
()26ـ ـمحمدـ ـالصغيرـ ـغانمـ ـ"ـ ـالتوسعـ ـالفينيقيـ ـفيـ ـغربـ ـالبحرـ ـالمتوسط"
-المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع -السلسلة التاريخية ط 2
ص 18
( )27المصدر السابق ص .18
( )28المصدر السابق ص .19
(- R.B Smith Cathage And The Cathaginious )29عن تاريخ سوريا القديم -د .أحمد
داوود ط 1986 1ص .778
()30د .أحمد داوود -تاريخ سوريا القديم ط 1986 1ص .778
()31د .أحمد داوود -تاريخ سوريا القديم طـ 1986 1ص . 294المصدر السابق -د.
هشامـ ـالصفدي"ـ ـتاريخـ ـالشرقـ ـالقديم"ـ ـج 1ـصـ -.91-80ـ ـكماـ ـوتردـ ـنفس
المعطيات السابقة في كتاب جواد علي -المفصل في تاريخ العرب قبل
السلم في مواقع عديدة.
()32د .أحمد داوود -المصدر السابق ص 296-295ـ-تشايلد" الشرق القديم" ط 1
1964ص .16-15
( )33المصدر السابق ص .299
( )30د .أحمد داوود -المصدر السابق ص .792
( The Cambridge Anuet History Volume 3,P 7 138 )35ـ -د .أحمد داوود -المصدر
السابق ص .800
()36ـ ـمحمدـ ـالصغيرـ ـغانمـ ـ-ـ ـالتوسعـ ـالفينيقيـ ـفيـ ـغربيـ ـالبحرـ ـالمتوسطـ ـ-
المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع -ط 1982 2ص .129
( )37المصدر السابق ،نفس المعطيات ط 103
( )38المصدر السابق ،نفس المعطيات ص 103
( )39المصدر السابق ،نفس المعطيات ص 28
- 92 -
( )40د .علي أبو عساف آثار الممالك القديمة في سورية منشورات وزارة الثقافة
في ج .ع .س 1988 .ص .321-320
( )41د .علي أبو عساف -المصدر السابق ص .322
( )42ط .ما تغييف وأ .سازونوف :حضارة ما بين النهرين العريقة -ترجمة د .حنّا
آدم دار المجد ط 1991 1ص .173
( )43المصدر السابق .ص 206 -205
( )44المصدر السابق ص 207
( )45المصدر السابق - 210المصدر السابق نفس المعطيات ص 210
( )46د .علي أبو عساف -آثار الممالك القديمة في سورية -وزارة الثقافة في ج.
ع .س دمشق 1988ص 324
( ) 47د .علي أبو عساف -نصوص من أجاريت -نصوص من أجاريت -وزارة
الثقافة في ج .ع .س دمشق 1988ص 10
ويسردـ ـالدكتورـ ـأبوـ ـعسافـ ـمجموعةـ ـكبيرةـ ـمنـ ـالنصوص
والوثائق التي تؤكد طبيعة العلقة ( الودية الهلية) بين تلك المراكز في
حضارة بلد الشام".
( )48ثقافة أو غاريت -أ.ش .شيغمان -دار البجدية ط 1988 1ص .119
( )49المصدر السابق 114
( )50د .عفيف بهنسي " وثائق ايبل " ص .28
( )51د .علي أبو عساف -آثار الممالك القديمة في سورية وزارة الثقافة في ج.
ع .س 1988ص .11
( )52المصدر السابق ص 117
( )53المصدر السابق ص .121
( )54المصدر السابق ص 128
()55ـ ـأنطونـ ـموتكارتـ ـ-ـ ـتاريخـ ـالشرقـ ـالدنىـ ـالقديمـ ـ-ـ ـتعريبـ ـتوفيقـ ـسليمان
وعلي أبو عساف وقاسم طوير ص 17
( ) 56لدراسة التفصيل في هذا والرد على كريمر وديورانت -يمكن العودة إلى
كتاب أحمد يوسف داوود تاريخ سوريا القديم من الصفحة 199حتى .228
( )57أنطون موتكارت -المصدر السابق ص .31
( ) 58والترج .أونج /اللغة الكتابية والشفوية -./ترجمة د .حسن البنا عز الدين -
مراجعة د .محمد عصفور عالم المعرفة -182 -شباط 1994ص 54
( ) 59أحمد عثمان -هجرة قبائل العرب قبل اختراع الكتابة -الحياةـ 2ـحزيران
1995العدد 11789
( )60أنطون موتكارت -المصدر السابق نفس المعطيات.ص 32
( )61أحمد عثمان المصدر السابق نفس المعطيات
( )62أحمدعثمان -المصدر السابق.
( )63أنطون موتكارت -المصدر السابق ،نفس المعطيات ص 84-83
( )64المصدر السابق ،ص 86
( )65المصدر السابق ،ص 87
( )66المصدر السابق ،ص 92
( )67المصدر السابق ،ص 94
( )68عبد العزيز عثمان ج - 1تاريخ الشرق القديم ص 395
( ) 69أنطون موتكارت -فنون سومر وأكاد -ترجمة محمد وحيد خياطه -مكتب
الفيحاء دمشق ط 1988 1ص 8
- 93 -
( )70عبد العزيز عثمان ج - 1تاريخ الشرق القديم ص 252
( )71المصدر السابق ص 252
( )72د .حمد محمد صراي -السكان القدماء لشبه جزيرة ع ُمان -مجلة شؤون
اجتماعية العدد 43خريف 1994ص 54
( )73المصدر السابق ص 54
( )74المصدر السابق ص 58-57
( )75المصدر السابق ص 57
( )76د .حمد محمد صراي -المصدر السابق والهامش 37من الدراسة ص 65
( )77عبد العزيز عثمان -تاريخ الشرق القديم ج 1ص 69
( )78المصدر السابق ص 68
( )79المصدر السابق ص 59
( )80المصدر السابق ج 1ص - 83ص 83
( )81المرجع السابق ج 1ص 123
( )82ج 1ص 127المرجع السابق
( ( )83ج )1المصدر السابق ص 135-134
( )84عبد العزيز عثمان ج 1ص 138
( )85ج 1المصدر السابق ص 155
( )86طه باقر :مقدمة في تأريخ الحضارات القديمة ط 1955 1ص 54
( ) 87د .عبد الباسط سيدا من الوعي السطوري إلى بدايات التفكير الفلسفي
النظري ط 1995 1دار الحصاد دمشق ص 89
( )88المرجع السابق الذكر نفسه /د .عبد الباسط سيدا وطه باقر علقات العراق
القديم وبلدان الشرق الدنى -مجلة سومر العراقية ج ،1كانون الثاني 1948
المجلد الرابع ص .93-92
( )89عبد العزيز عثمان نفس المرجع والمعطيات ص 82
( ) 90إحسان جعفر" بين اللغة المصرية القديمة واللغة العربية" -مجلة الوحدة-
العدد ( )20أيار 1986ص .138
( ) 91أحمد كمال ،كتاب الحضارة القديمة -طبع مجلة الجامعة المصرية -القاهرة
و .ت 35 /1مأخوذة عن احسان جعفر -المصدر السابق
( )92الحر هو الصقر البازي .قال ابن سيده :الحر طائر صغير أعمر أصقح ،قصير
الذنب،ـ ـعظيمـ ـالمنكبينـ ـوالرأس،ـ ـوقيلـ ـ:ـ ـإنهـ ـيضربـ ـإلىـ ـالخضرةـ ـوهو
يصيد.
ة إلى برابي مصر ،وهي اللغة المصرية القديمة ( )93اللغة البربائية نسب ً
ρϖρ
- 94 -
- 95 -
ÇáÝÕá ÇáÑÇÈÚ
ت محوة ُ بالعجاج
قد بكر ْ فدمّرتـ ـبقيةـ ـالّرجاجـ
أما القسم الثاني من بشر تلك السطورة فهم "ع ك م و" =ع م و لن
الهمزة بين العين والميم مزيدة ،وهناك عدد ل يحصى من الكلمات العربية
الفصح ى المعاصر ة وق د حذف ت م ن مطابقاته ا ف ي اللهج ة المصري ة (القديمة)
اللف أو الواو أو الياء.
العربية الفصحى المعاصرة المصرية القديمة
واحة وءحت
بسة (هرة) بءست=
فاق ب ء ق=
فقس بءقس=
حيط حءت=
قبس قءبءس=
خار (الثور) خءب=
ص َّ
ب س ء ب=
كبو (حرق البخور) ..إلخ ك ء ب=
نستنتج من المثلة السابقة أن (ع ك م) =(ع م) = العمو= (ع م و) ومنها
"العمالقة" من عاد ،والعناقيم ،و"عامو" و "ع م" =الشعب بالكنعانية وهي نفسها
"أناس" بالكدية " -أم م" وبالعربية المعاصرة:
المّة والمّة = الدين( ومعنى القوة)
المّة = النعمة
والنحّاس :بفتح النون /ضربّ من الصّفَر والنية شديدة الحمرة .ابن بزرج:
يقولون :النّحاس بالضم ،الصفّر نفسه ،والنّحاس ،بالكسر وخانه ،وغيره يقول
للدخان نحاس (اللسان ،مادة نحس) وهذا يعني تحديدا عرب السودان الذين يميل
لونهم للحمرة أكثر منه إلى السواد].
هذا نموذج بين لما تعنيه المقارنة الناسية المعرفية لدراسة ظاهرة وحدة
البنية التاريخية العروبية ،ليس فقط من ناحية خارطتها الثقافية الواحدة وآلية
حملها اللغوية ،بل من ناحية الدراسة المقارنة الناسية للهجات العروبية على
مسارها التاريخي العميق العريق وهو ما يفضي بالنتيجة الموضوعية الحتمية
إلى حراك الخارطة الثنوغرافية العروبية على كامل مساحة الوطن العربي وبما
يعنيه ذلك من تداخل عضوي جدليّ بين البناء الشاقولي للغة والبناء الفقي
لحراكه ا التاريخ ي فيتداخ ل الماقب ل خليج ي م ع الماقب ل سومر ي م ع الكادي
والمسندي والمصري والمازيغي (البربري) والليبي والكنعاني والعبلوي عبر
ل إلى اللغة العربية المعاصرة.
سلّم تطور تاريخيّ واضح وصريح وصو ً
وعندما نتكلم على اللهجات العروبية الولية وتطورها اللحق ،فنحن ل
نتحدث من وجهة نظر لغوية فقط ،بل نتحدّث عن الواقع التاريخي الذي ارتبطت
- 119 -
به ،وعن الملمح والخارطة الثنوغرافية التي شكلت مساحة عمل وحراك الكلتة
الجتماعية.
فالسطور والكلمات القليلة السابقة والتي قدمها الباحث الجليل الدكتور علي
فهمي الخشيم ،تؤكد مجموعة من الحقائق التاريخية التي من الممكن تثبيتها في
منظومتنا الثقافية المعرفية كبنى راسخة ومن أهمها:
-إن القراءة الناسية المعرفية ل تعني الحركية الثنوغرافية إلّ بمقدار ما
توضح هذه الخيرة وحدة الجنس بمعناه المعرفي والسيروري التاريخي ،وليس
بمعناه العرقي،
-وإنّ علقة المكان (الجغرافية) بالكتلة الجتماعية ،ليست علقة أحادية
الجانب .فالعروبيون لم يُطلقوا أسماءهم على المكنة التي توضعوا فيها فقط،
بالمفهو م المطلق ،ب ل أثّرو ا وتأثّروا ،وأثْرو ا مخزونه م الحضار ي بم ا كانوا
يبدعون على كافة المستويات.
-إ ن اللهجا ت العروبي ة ف ي مراح ل تطوره ا الفقي ة والشاقولية ،بقيت
متمحورة حول عمود رئيسٍ واحد فما لحظناه مما سبق ،يؤكد أن الكنعانية
والمصرية والليبية وحتى التروسكية لم تفقد محورها الرئيس رغم حركيتها
الجغرافية المتتابعة والواسعة .فالكنعانية التي امتدت من الساحل الغربي لشبه
الجزيرة العربية ،ومن ثم امتدت إلى الجنوب اليماني ،فساحل الخليج العربي ،ثم
بل د الشام ،وم ن هنا ك إل ى الشما ل العروب ي الفريق ي وحت ى سواح ل البحر
المتوسط الشمالية بقيت متمحورة مع الليبية التي امتدت في جنوب وادي النيل ثم
إلى شماله في الدلتا ،ثم إلى الصحراء العربية الكبرى وعاد ت بدورتها بعد
الهجرة الليبية الكبرى إلى وادي النيل ،وانتشرت إلى الضفة المقابلة من البحر
المتوسط ،مما دفع العلماء الغربيين إلى النقسام بين من ر ّد اللغة التروسكية إلى
الكنعاني ة وإلى قس م آخ ر ردّها إل ى الليبية ،وذلك بسب ب جهله م بأن الكنعانية
والليبية هما لهجتان للغة العروبية الواحدة .والثنتان تتقاطعان مع المصرية التي
ل م تترك واقعه ا النسب ي ف ي جذو ر حراكها ،ل ف ي المراح ل السابق ة م ا قبل
تاريخية ،ول في حراكها في وادي النيل .مما أعطاها انطباعا خاصا بتقاطع كل
صفاته ا وخصائصه ا ومفرداته ا لي س فق ط م ع اللهجا ت العروبي ة الت ي كانت
متوضعة أفقيا وشاقوليا حينها وقبلها وبعدها ،بل ومع اللغة العربية الفصحى
المعاصرة (وهذا ما سنعود إليه في جداول لحقة).
- 120 -
-إن القراءة اللغوية المقارنة وحسب المنهج الناسي المعرفي -ل تعني
شيئا على الطلق ،إن ل م ترتبط بالجوان ب التاريخي ة من ناحية ،والتاريخية
الجغرافية من ناحية أخرى -وبالبنية الثقافية الحضارية ببنائها الشمولي وإذا كان
هذا يشي ر إل ى شي ء واح د فق ط هو أن التكوينا ت البنائي ة للمنظوم ة المعرفية
العروبية واحدة مهما كانت تنويعاتها التأريخية والتاريخية والجغرافية" ،فقد ظل
اللسان الكادي مثلً أهم أداة لنقل الثقافة والمعارف والفنون في منطقة المشرق
العربي 2500سنة .كما ظلت النجازات الثقافية للكاديين الوائل تتردد أصداؤها
حوالي ألفي سنة بعد زوالهم .وقد تحدرت إلينا وثيقة أصلية من ذلك المجتمع،
إنه نص أدبي حميم كتب في عهد سرجون مؤسس المبراطورية الكادية وأعظم
شخصية في تاريخ المشرق العربي القديم .وهذا النص هو "أخذة كش" :وهو
أشبه شيءٍ بآلةٍ لختراق الزمن تطلعنا على اللسان الكادي المحكي في القرن 23
ق .م نقرأ في هذا النص مثلً.
ك ـشـ ـُرفّ ـَ ِ
ت خذ ْ ـ فا ِـ
أ ُ رعيــ ــيطو ُــر ــالضأن"
و"ك ِ ِ
أي:
ك ذا الرقة:
ت فا ِ
أخذ ُ
تخذ ْ =أخذ ُ آ ُ
ك -فاك فا ِ
ش=ذا َ
ت= الرِقّة ُرفَّ ِ
أما الجملة الثانية=
كِرعي= كالراعي
يطوُر= يطور
ن= الضأن َ
ضأ َ َ
فتصبح جملة كِرعي يطورُ ضأن=كالراعي يطو ُر الضأن()47
وهنا أعود لذكّر بأسطورة اينوما ايليش= حينما عيليش ،والتي "ترجمت"
إلى العربية" حينما في العلى "فنرى:
حينما= حينما
عيلي= عالي =أعلى =أعالي
ش= ذا
َ
وأسماء علم :تاحز ،غر ،سالم ،عفيف ،حنّا ،طايحُ ،مرّة ،كميلة /رفيق،
فوح ،حنّان ،نيران ،علي ،حمدي ،كوكب ،سلمان ،ذيبان ،عصمان قادم ،تميم،
معن عمرو ،النمري ،عمان ،عكار ،صالح ،عباس ،أوس.
وهذا يعني تواجد كتابات لمراحل تأريخية متعاقبة وغير متوازية في نفس
الموقع الجغرافي فالثمودية تنتمي للمسند المنتشر في الجزيرة العربية في حين
تحدثنا عن اللهجة الوغاريتية (الكنعانية) وانتشارها لكن المتتبع للمسند المنتشر
ف ي الجزير ة العربي ة ف ي حي ن تحدثن ا ع ن اللهج ة الوغاريتي ة (الكنعانية)
وانتشارها .لكن المتتبع للمسند كما سنرى لحقا سيكتشف كيف شكلت اللهجات
العروبية بنى تداخلية شاقولية ،متداخلة فيما بينها ،بحيث تشكل الواحدة تكوينا من
الخرى بانتشارها الجغرافي والديموغرافي الفقي وبعلئقها التداخلية مع ما قبلها
ومع ما بعدها .فالحرف المتطابقة بين المسند ،والفينيقية هي التالية:
الحرف الفينيقية حروف المسند
ψ
ك ك كاف (كفّ)
ص ص صادي
د د دولت
ه ه هات
أما المتتبع لتسلسل البجدية الفينيقية فيلحظ بأنها تحمل التالي:
(أبجد ،هوز ،حطي ،كلمن ،سعفص ،قرشت) وهذا ما يحفظه أي عربي
معاصر ،أي أنها مكونة من 22حرفا:
ابجده وزحطيكلمنسعفصقرشت
الحرف بالعربية الحرف الفينيقي لفظه معناه
أ الف ثور
K
ρ
( ) 1قاسم العتمة ـ -اللغة العربية كأداة توحيد -الوحدة -العددـ - 34-33حزيران
وتموز .1987
()2المصدر السابق
( )3المصدر السابق.
( )4د.الغالي أحروشاو :مجلة دراسات عربية العدد /8/السنة الحادية والعشرون-
حزيران -.1985ومعنى القول مأخوذ من عالم اللغة بياجيه.
( ) 5هنري لوفيفر ،اللسان والمجتمع ،ترجمة مصطفى صالح -وزارة الثقافة في
ج.ع.س ص .135
( )6قاسم العتمة اللغة العربية كأداة توحيد.
( ) 7محمد السعد -في الشائع والموروث ..وأصل أم الحضارات -جريدة الحياة
/العدد /11793حزيران .1995
( )8محمد السعد -المصدر السابق
( )9محمد السعد -المصدر السابق
( ) 10بييرروسي -مدينةـ ايزيسـ -التاريخ الحقيقي للعرب -ترجمة فريد جحا -
وزارة التعليم العالي -دمشق 1980ص 8
( )11بييرروسي -المصدر السابق ص 18
( )12محمد السعد -المصدر السابق
( )13محمد السعد -المصدر السابق
( )14بييرروسي -المصدر السابق ص 31
( )15بييرروسي -المصدر السابق ص 31
( )16بييرروسي -المصدر السابق ص 37
( )17بييرروسي -المصدر السابق ص 49-48-18
( )18بييرروسي -المصدر السابق ص 34
( )19بييرروسي -المصدر السابق ص 38
( )20بييرروسي -المصدر السابق ص 25
( )21بييرروسي -المصدر السابق ص 50
( )22محمد السعد -المصدر السابق.
( ) 23احسان جعفر -بين اللغة المصرية القديمة واللغة العربية -مجلة الوحدة
العدد 20أيار .1986
( ) 24أحمد كمال -مجلة المقتطف ،المجلد التاسع والخمسون ،الجزء الثالث -
منقول عن دراسة احسان جعفر السابقة الذكر
( )25احسان جعفر -المصدر السابق .
()26احسان جعفر -المصدر السابق
()27أحمد كمال :أول أمين مصري لمتحف القاهرة وأستاذ للحضارة القديمة في
الجامعة المصرية القديمة وله من الكتب المطبوعة" :العقد الثمين في
تاريخ مصر القديم ".الللئ الدرية" اجرومية هيروغليفية -عربية " -بغية
الطالبين" في علوم قدماءـ المصريين" -.ترويح النفس" في مدينةـ عين
شمس-.ـ ـ"ترجمة"ـ ـدليلـ ـمتحفـ ـالقاهرة-.ـ ـ"صفائحـ ـالقبور"ـ ـفيـ ـالعصر
اليوناني والروماني -.الدر المكنوز في الجنايا والكنوز و"الموائد القديمة"
- 170 -
وغيرها.
( )28المعلومات السابقة مأخوذة من مقالة إحسان المصدر السابق .
( )29احسان جعفر المصدر السابق،
( )30د .عبد العزيز صالح ،حضارة مصر وآثارها الفصل الول.
( )31احسان جعفر -المصدر السابق
()32ـ ـقاسمـ ـالعتمةـ ـ-ـ ـاللغةـ ـالعربيةـ ـكأداةـ ـتوحيد-ـ ـمجلةـ ـالوحدةـ ـالعدد ـ 34-33
حزيران -تموز 1987ص 10
( ) 33قاسم العتمة المصدر السابق -ووردت نفس المعطيات أيضا ًـ في مقدمة
لدراسةـ ـالتطورـ ـالدلليـ ـفيـ ـالعربيةـ ـالفصحى،ـ ـمجلةـ ـعالمـ ـالفكرـ ـالعدد
4لعام 1986للدكتور أحمد محمد قدور ص 29وما بعدها.
( )34قاسم العتمة -المصدر السابق.
( )35د.عبده بدوي -دور الشعر وخدمته لعملية التنمية الثقافية عالم الفكر -العدد
-1986- 4ص .99
( )36قاسم العتمة -المصدر السابق
( )37أحمد عثمان -هجرة قبائل العرب قبل اختراع الكتابة -جريدة الحياة العدد
11789حزيران .1995
( )38أحمد عثمان -المصدر السابق.
()39ـ عليـ ـأبوـ عسافـ -ـ آثارـ الممالكـ القديمةـ فيـ سورية-.ـ وزارةـ الثقافةـ في
ج.ع.س 1988ص .129
( )40فك رموز اللغة المسمارية العالم اللماني جبمورج فريدريك عزوتغند وأكمل
عملـ ـهذاـ ـالباحثـ ـالنكليزيـ ـرولنسونـ ـعامـ ،1846ـ ـفيـ ـحينـ ـفكـ ـرموز
الهيروغليفية -العالم شامبليون.
( )41أحمد عثمان -.المصدر السابق.
( ) 42د.عليـ فهميـ خشيمـ ـ -أقسامـ البشرـ الربعةـ فيـ قصةـ الخلقـ المصريةـ -
مجلة الوحدة العدد 34-33حزيران -تموز 1987ص 100مأخوذة عن:
Budge,The Egyption Gods ,P.8
Budge, The Egyption Heaven And Hell P144
( )43انظر:
Gardiner, Eg P.618 Budge An En Heir Diet P432-6
( )44قارن:
Budge, An Eg. Hier Diet-6
Budge, Egyption Language P.10.7-210
(M.Grant, The Etrucons. Waidenfeld And Nicolson,London 1980 )45
( )46علي فهمي خشيم -المصدر السابق
( ) 47د.البر فريد النقاش -الثار وكتابة تاريخ العرب القديم -مجلة الفكر العدد
52ص 12-11
( )48د.عفيف بهنسي -وثائق ايبل دمشق .1984
( )49د.عفيف بهنسي -المصدر السابق ص 24
( )50د.عفيف بهنسي -المصدر السابق ص .25
( )51د.عفيف بهنسي -المصدر السابق ص 135
()52
P.Biggs: The Epla Tablette. An Interim Perspective Biolical Archaeology Spring 1980
واردا ً في وثائق ايبل للدكتور عفيف بهنسي ص 120
ρϖρ
لم تعد إعادة الحداثيات للتاريخ مسألة عدالة وتوازن حقيقي ،بل هي رؤية
معرفية نقدية تدفعنا لعادة استكشاف الفاق المستقبلية للصيرورة التالية للمة
العربية ،وهذا يعني من أحد جوانبه إعادة التوازن المعرفي لدوات القراءة،
وبالتال ي إعاد ة القراء ة الناسي ة المعرفي ة للتاري خ العربي ،بم ا يعني ه ذل ك من
استثما ر كاف ة الوسائ ل المتاحة ،م ن مناه ج وأدوا ت عل م اللسانيا ت المقارن،
والتاريخ المقارن ،والجغرافية التاريخية ،وغيرها ،بهدف وضع المقدّمات الولية
لعودة التاريخ العربي لحداثياته الحقيقية.
وأول ما يعنينا هذا الكلم ،يخص بالدرجة الساسية إعادة تقييم التسمية
المتداولة ،الستغرابية الستشراقية /والتي لم تعنِ أكثر من تأطير أيديولوجي
للمشروع الرأسمالي -اليهودي -الصهيوني في المنطقة العربية ،أل وهي تسمية
" السامية" ،وهل هناك ضرورة لضافة أن تعبير (سامي) لم يرد له ذكر بين
مفردات اللغة الغريقية ،أو اللغة اللتينية؟ وما يقال في هذا المجال طويل ،إننا
لن نجد هذا التعبير قبل نهاية القرن الثامن عشر ،ذلك أن العالم( )1ل .شلوتسر
هو الذي صاغ هذا النعت(السامي) في مؤلف نشره عام ، 1781وأعطاه العنوان
التالي (فهرس الدب التوراتي والشرقي) ،كأن الدب " التوراتي " ليس شرقيا(
،)1وليس مأخوذا بكامله عن الداب والمثيولوجيات العروبية السابقة والموازية
لتدوي ن التورا ة وخصوصا العه د القديم .وهذ ا م ا تش ي به ،القراءا ت غير
المنحازة ،الحيادية ،البعيدة عن التأثير اليديولوجي الصهيوني والذي تفصح عنه،
وبما ل يدع مجالً للشك ،القراءات المعرفية ذات المناهج المفتوحة والتي تعتمد
على القراءة التاريخية الناسية ،وليس التأريخية ،وعلى علم الجغرافية التاريخية
المقارنة " ،منها نحن لم نعثر حتى اليوم على أثر ،ول على أقل إشارة ،تجبرنا
على التحدث عن عاصمة عبرية ،أو عن ملوك عبريين ،ولم يسجّل في مكانٍ ما
اسم داوود أو سليمان ،ولم تسجّل في أي مكان الفتوحات الكبرى التي يمجدها
العهد القديم ،إن الديوان الفرعوني صامت في هذا الصدد ،وهو الذي يحلو له أن
يقص أدنى الحداث السياسية أوالعسكرية للمنطقة(.)2
-ـ ـبينـ ـالقطبينـ ـيشكرـ ـالحثيونـ ـاللهةـ ـأريناـ ـلنهاـ ـ"ـ ـرسمت
حدود البلد" ولم لم يكن العبرانيونـ قد تلقوا هذا الوعد،
لكانـ ـذلكـ ـاستثناءً ـ (،)15ـ ـولماـ ـاستطاعواـ ـإتمامـ ـمنظومة
السرقة والسطو حتى الوعد نفسه يرد في مواقع متعددة
من السفار بصيغ ثلث بتحديدها الجغرافي :فمّرة ًـ يحدد
بينـ ـالنيلـ ـوالفرات،ـ ـ ـومّرةـ ـبأرضـ ـكنعان،ـ ـومرة ً ـ أخرى
بالرضـ ـالتيـ ـترى،ـ ـومنـ ـالمعروفـ ـأنـ ـحدودـ ـالبصر
ً
تماما المحسوبة في قطر دائرة الناظر وعلى مساحة أفقية
-كسطح البحر مثلً -محدد بمايعادل ستة أميال فقط..
ل نمطا مثيولوجيا سائدا في
إذن لم يكن ذلك الوعد ،حتى بتناقضاته العديدة إ ّ
منطقة الشرق العربي ،يرتبط بالبنية الناسية المعرفية عبر منظومتها التكوينية،
كان لبدّ للعبرانيين = اليهود " ومن خلل تبنّيهم للمنظومة العروبية بعد سرقتها
من امتلك وعد ما ،كما هو سائد ومعروف ،من خلل علقة الله بالرعية
بتطور إحداثياتها عبر الزمان والمكان العروبيين.
وهذا ما يقودنا إلى اكتشاف التطابق بين أساطير الخلق والتكوين والطوفان
كما وردت في السفار السومرية والبابلية والكنعانية والمصرية والعبلوية ،وكما
ρ
( )1بييرروسي -مدينة إيزيس -التاريخ الحقيقي للعرب ترجمة فريد جحا -وزارة
التعليم العالي في ج.ع .س ط 1980 1ص .12
( )2بيروسي -المصدر السابق ص 48
( )3بيروسي -المصدر السابق ص 18
( )4بيروسي -المصدر السابق ص 39-38
( )5بيروسي -المصدر السابق ص .19
( )6بييروسي ص 23
( )7أحمد عثمان -النباط العرب يستخدمون الرامية لكتابة لغتهم -جريدة الحياة
العدد 30 11817حزيران 1995
( )8أحمد عثمان -المصدر السابق
( )9أحمد عثمان -المصدر السابق
( )10لمزيد من التفاصيل الدقيقة والمقارنات بين العربية ولهجتها الرامية يرجى
العودة إلى كتاب الشيخ نسيب وهيبة الخازن من الساميين إلى العرب-..
منشورات دار مكتبة الحياة -بيروت لبنان إصدارـ ، 1962من الصفحةـ 77
وحتى الصفحة .147
( )11ليوتاكسيل -التوراة -كتاب مقدس أم جمع من الساطير -ترجمة د .حسان
ميخائيل اسحق -.بدون دار نشر ط 1994 1ص 13
( )12ليوتاكسيل -المصدر السابق ص .14-13
( ) 13د .سيد محمود القمني -السطورة والتراث ،دار سينا ،ج,م.ع في مواقع
عديدة ط 1993
( ) 14د .عبد الوهاب المسيري -اليديولوجيا الصهيونية -سلسلة عالم المعرفة،
الكويت ص 118
( )15روجيه غارودي -الصوليات المعاصرة -دار ألفين ،فرنسا ،باريس ص .70
( ) 16بييروسي -المصدر السابق صـ 86ـ -نقل ًـ عن الحضارت الولى ،منشورات
فلماريون إصدار عام 1889ص .555
( )17فراس سواح -مغامرة العقل الولى -ص 121
( )18د .عفيف بهنسي -وثائق ايبل -دمشق 1984ص 91 -90
( )19د .عفيف بهنسي -وثائق إيبل -دمشق 1984ص 147
( )20سيد القمني -قصة الخلق -منابع سفر التكوين -دار كنعان ط 1994 1
( )21اسرائيل -التوراة -التاريخ -التضليل -دار كنعان ط 1994 1ص 19
( )33سيد القمني -المصدر السابق ص 20
( )24سيد القمني -المصدر السابق ص 20
( )24سيد القمني -المصدر السابق ص 20
( )25عفيف بهنسي -وثائق ايبل -دمشق 1984ص 114
( )26سفر التكوين -الصحاح الثالث ()6-1
( )27ليوتاكسيل -التوراة كتاب مقدس -أم جمع من الساطير -ترجمة د .حسان
ميخائيل اسحاق ص 534
( )28يرجى العودة بهذا الخصوص إلى مؤلف الدكتور سيد القمني :النبي ابراهيم
والتاريخ المجهول.
الكتابة الهيروغليفية
وقيل الب للحيوان كالفاكهة للنسان ،وقد وجدت الكلمة هذه ترد أيضا في
اللغة الوغاريتية ،وهي لغة سامية قريبة جدا من العربية ،ومعاني الب في كل
من المصرية والعربية والوغاريتية واحد..
-بس :اسم معبود مصري قديم يقابله في العربية بّس ،وهو بيت كان لغطفان
أنشأته للعبادة ،نقلت قبائل العناء عبادته لمصر (تاج العروس)..
َ -بعْنا :اسم البان " نوع من الشجر" ،حرف العين ينوب عن الفتحة في الكلمات
العربية المنقولة عن المصرية..
س َترْ :الصعتر..
-صعتا (أو) َ
-السب ط :بمعنى ابن البن وابن البنت يوجد في العربية والمصرية ولغات
سامية أخرى ،قال أحمد كمال :إن هذه اللفظة وجدت في نصائح " بتاح
حتب " على جدران مقبرة " أمست " بمعنى ما جاءت به في العربية .
-زبر :وذبر وسفر وكلها واحدة ،لفظها في العربية وفي النصوص المصرية،
وهذا القلب والبدال في الحروف له أصول متبعة في اللغتين المصرية
والعربية ،والسبب فيه تعدد القبائل ولهجتها.
-فوم :فوم.
-قمح :قمح.
-لذن :لذن.
-أبت :أبط.
-مسحو :تمساح.
-يتاح :فتاح.
-مناة :معبود مصري قديم ،وهي مناة التي كانت تعبد في الجاهلية كما هو
معروف.
-بوبو :بعبع.
وفيما يلي كلمات أخرى مصرية قديمة ل زالت حية في
بعض اللهجات العربية الدارجة على الخص في اللهجتين
المصرية والسورية.
/مجلة الوحدة /الرقام ،والباحث في متون النص/
مصري قديم عربي عامي المعنى
الهرم من الداخل
اسماء فينقية
/1986 /الحضارات -لبيب عبد الساتر ،دار المشرق
بالرغم من بعد الشقة ل تزال بعض السماء التي كان يستعملها الفينقيون
متداولة في لبنان اليوم ،وان يكن قد طرأ عليها بعض التحريف فإن الرومة التي
اشتقت منها لتزال ظاهرة ،ومن المثلة على ذلك اسماء العلم التالية:
زينون -ملكي -إشموني -سلّوم -زكّا -مالك ،أو أسماء القرى مثل :
بعلشميه -قرطاضه -قبر شمون -بزيزا -بيت مري -وكل المساء التي
تبدأ بلفظة كفر :كفر جره -كفر رمان -كفر دبيان -كفر فالوس ،وكفر
معناها القرية.
وقد يجد القارئ اللبناني سهولة في ترجمة بيت شعر بالفينقية إلى اللهجة
العامية ،واليك هذا البيت مكتوبا بالحرف العربية:
سفُح ِلكِرت ( اسم علم ِكرِت)
وبِحِل ْميْ إيْلْ يَأتين بِشَا َرتِيْ ،أب آدم ،ويَِلدْ ُ
غلَم ،لعبد إيل. وُ
وقد اصطلح الملمون بالفينيقية على ترجمة هذا البيت بما يلي :
وبحلمي بشّرني إيل وال ُد آدَمَْ ،أنْجِبْ ذريةًِ ،ل ِكرِتْ وغُلمَا ِل َع ْب ِد إيل:
ϖϖ
لوح طيني يختم بقلم خشبي برموز سومرية .تسمى الكتابة المسمارية وهي كتابة رمزية وليست
أبجدية .أما اللغة فهي أصل اللغة الرعبية.
في هذا الرقيم نلحظ أن السطر عمودية السطر الول يبدأ من اليسار وتقرأ الكتابة من العلى إلى
السفل.
5................................................................................................ÇÁÝÕÁ ÇÁÃÆÁ
5.............................................................................. ÃÞÏÃÉ ÝÍ ÇÁÃÄÊÑÈÆÁÆÌÍÉ
5.....................................................................ÇÁÃÚÑÝÍÉ ÇÁÚÑÈÍÉ ÇÁÊÇÑÍÎÍÉ:
27..............................................................................................ÇÁÝÕÁ ÇÁËÇÄÍ
27................................................................. ÇÁÃÄÇÓÉ ÇÁÃÚÑÝÍÉ ÇÁÚÑÆÈÍÉ
27.........................................................................................ÇÁÃÇÞÈÁ ÊÇÑÍÎÍÉ:
49............................................................................................ÇÁÝÕÁ ÇÁËÇÁË:
49..................................................... ÇÁÍÑÇSS ÇÁÌÛÑÇÝÍ ÇÁÃÄÇÓÍ ÇÁÚÑÆÈÍ-
49............................................................................................ÃÚ ÝÌÑ ÇÁÊÇÑÍÎ
96............................................................................................ ÇÁÝÕÁ ÇÁÑÇÈÚ
96.................................................... ÇÁÃÄÇÓÉ ÇÁÚÑÈÍÉ ÇÁÁÛÆÍÉ ÇÁÃÞÇÑÄÉ
96...............................................................................................ÆÇÁÃÍÊÆÁÆÌÍØÉ
176............................................................................................ÇÁÝÕÁ ÇÁÎÇÃÓ
176.............................................ÇÁÅÄÇÓÉ ÇÁÊÇÑÍÎÍÉ ÇÁÃÚÑÝÍÉ ÇÁÃÓÑÆÞÉ
ρϖρ
- 222 -
صدر للمؤلف
ρ