Professional Documents
Culture Documents
للمعاملت المالية
لرجال العمال
إعداد
/
تختص هذه الدراسة ببيان أهم الضوابط الشرعية التي تحكم المعاملت المالية ,و في ضوئها يكون
الحكم على شرعية وعدم شرعية المستحدث و المعاصر منها ,و على أساسها تحدد الهداف والسياسات
والستراتيجيات ,وتوضع الخطط والبرامج و تراقب وتقوم المعاملت والحداث المالية ,و تتخذ القرارات
اللزمة لتطوير الداء إلى الحسن و هذا كله وفقا لحكام و مبادئ الشريعة السلمية .
و من أهم هذه الضوابط ما يلي :
. ◆-
قبل البدء في أي معاملة ,يجب استحضار النية أن الغاية من العمل هو الحصول على المال الحلل
الطيب ليعين النسان على تحقيق المقاصد الشرعية التية :
-النفاق على الحاجات الصلية للنسان للتقوية على عبادة ال سبحانه وتعالى .
-أداء الفرائض الشرعية و الواجبات الدينية .
-إصلح الرض واستغللها وعمارتها .
-المساهمة في أعمال الخير والبر.
سكِي ون ُ ُ
صلتِي َ
ن َل إ ِ َّ و دليل هذا الضابط من القرآن الكريم قول ال تبارك وتعالى ُ " :
ق ْ
َ
ن " ( النعام , )162:وقول رسول ال صلى ال عليه وسلم : عال َ ِ
مي َ ب ال َ ماتِي لِل ّ ِ
ه َر ِّ م َ
و َ
ي َ
حيَا َ
م ْ
و َ
َ
" إنما العمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى .....الحديث " ( رواه مسلم ).
ولقد استنبط الفقهاء هذا الضابط من القاعدة الفقهية " :العمال بالنيات والمور بمقاصدها " وتأسيسا
على ما سبق يجب على كل مسلم قبل أن يهم بأي معاملة أن يجدد النية بأن هذا العمل ابتغاء مرضات ال
عز وجل وأن يكون العمل صالحا ولوجهه خالصا ليس فيه شيء لهوى النفس.
. ◆-
و يقصد بذلك أن تكون المعاملت مشروعة أي مطابقة لحكام و مبادئ الشريعة السلمية و الفتاوى
الصادرة عن مجامع الفقه السلمي في المسائل المعاصرة ,و كذلك أن تكون في مجال الطيبات ,و تجنب
الخبائث مهما كان قدرها .
َ
ما س كُلُوا ِ
م َّ ها النَّا ُ و دليل هذا الضابط من القرآن الكريم قول ال تبارك وتعالى " :يَا أي ُّ َ
ت ال َّ َ
ن" و ُّ
مبِي ٌ عدُ ٌّ
م َ ه لَك ُ ْن إِن َّ ُ
شيْطَا ِ خطُ َ
وا ِ عوا ُول َ تَتَّب ِ ُ
حلل ً طَيِّبا ً َ
ض َ
في الْر ِ
ِ
( البقرة , ) 168 :وقول رسول ال صلى ال عليه وسلم " :إن ال طيب ل يقبل إل طيبا " ( رواه مسلم ) .
و هذا الضابط مستنبط من القواعد الشرعية التية -:
-الصل في المعاملت الباحة ( الحل ) .
-وسائل الحرام حرام .
-من اختلط بماله الحلل حرام أخرج قدر الحرام و الباقي حلل .
-أكل المال بالباطل حرام .
و تأسيسا على ما سبق يجب على المسلم إذا هم بمعاملة ما أن يعرف هل هي من الحلل الطيب فيقبل
عليها ,أم من الحرام الخبيث فيمتنع عنها .
. ◆-
اللتزام بإبرام العقود والعهود و الوعود المطابقة لشرع ال عز وجل ,و القائمة على السلمة والرضا
الواجبة ,و لقد أكد ال سبحانه وتعالى على هذا الضابط والحق والوضوح و العدل ,و مستوفية كافة الشروط
َ َ َ
مى س ًّ ل ُّ
م َ ج ٍن إِلَى أ َ
دي ْ ٍ
تَدَايَنتُم ب ِ َمنُوا إِذَا نآ َذي َ ها ال ّ ِ بقوله عز وجل " :يَا أي ُّ َ
َ
"( البقرة ,)282 :و قوله سبحانه وتعالى ":يَا أي ُّ َ
ها لعدْ ِب بِال ْ َم كَات ِ ٌ ولْيَكْتُب بَّيْنَك ُ ْه َفاكْتُبُو ُ َ
َ َ
قوِد "( 0المائدة.)1: ع ُ فوا بِال ْ ُ و ُ
منُوا أ ْ
نآ َذي َ ال ّ ِ
و من مرجعية هذا الضابط من القواعد الفقهية التية :
-الصل في العقود اللزوم .
-المسلمون عند شروطهم إل شرط أحل حراما أو حرم حلل .
-العبرة في العقود بالمقاصد .
. ◆-
و يقصد بذلك أن تكون العقود وما في حكمها من العهود و الوعود خالية مما يبطلها أو يفسدها حسب
الحوال ,و من أمثلة ما يفسدها على سبيل المثال :الغرر والجهالة والذعان وكافة صور أكل أموال الناس
َّ
منُوا ل َ تَأْكُلُوا
نآ َ ذي َال ِ ها َ
بالباطل ,و لقد أكد القرآن على ذلك بقول ال تبارك وتعالى " :يَا أ ُّي َ
م( " ...النساء,)29: َ َ َ
منك ُ ْ
ض ِّ عن تََرا ٍ ة َ
جاَر ً ل إِل ّ أن تَكُو َ
ن ِت َ والَكُم بَيْنَكُم بِالْبَا ِ
ط ِ م َ
أ ْ
2
وسلم " :كل ونهانا رسول ال صلى ال عليه وسلم عن العتداء على أموال الغير ,فقال صلى ال عليه
المسلم على المسلم حرام ,دمه وماله وعرضه " ( رواه مسلم ) .
كما يجب أن تكون مستوفاة لكافة الشروط التي تضبط العمال ليجنب الغرر والجهالة التي تفضي إلى
النزاع المشكل .
و يستند هذا الضابط إلى مجموعة من القواعد الفقهية منها :
-الغرر الكثير يفسد العقود .
-الجهالة المفضية إلى نزاع مشكل تبطل العقود .
-حرمة أكل أموال الناس بالباطل .
-الصل في العقود اللزوم .
. ◆-
يعني ذلك أن تكون الغاية من المعاملت مشروعة ,و الوسائل التي تستخدم لتحقيقها مشروعة ,وأن
الوسائل التي تؤدي إلى معاملت محرمة حرام ,و هذا يتلخص في المقولة " :مشروعية الغاية و مشروعية
الوسيلة " .
َ َ
س ركُو َ
ن نَ َ
ج ٌ ش ِم ْ ما ال ُمنُوا إِن َّ َ نآ َ ذي َها ال ّ ِ و من أدلة ذلك قول ال عز و جل " :يَا أي ُّ َ
فو َس ْ
ف َة َ عيْل َ ً
م َفت ُ ْخ ْن ِ وإ ِ ْ
هذَا َ م َ ه ْ م ِ
عا ِ عدَ َ م بَ ْ
حَرا َ
جدَ ال َ س ِم ْ
قَربُوا ال َ فل َ ي َ ْ َ
َّ َ
م " (التوبة .)28 : حكِي ٌ م َ علِي ٌ ه َن الل َ شاءَ إ ِ َّ ه إِن َ ضل ِ ِ
ف ْمن َ م الل ّ ُ
ه ِ غنِيك ُ ُ يُ ْ
و يرتكن هذا الضابط إلى القواعد الفقهية التية -:
-وسائل الحرام حرام .
-مشروعية الوسيلة .
. ◆-
و يعتبر هذا الضابط من صور اللتزام بالخلق الحسنة والسلوكيات السوية مع الناس ,فالدين
المعاملة ,و الخلق الحسنة تقود إلى معاملت حسنة ,و الخلق السيئة تقود إلى معاملت سيئة .
سناً ( "...البقرة ,)83 :وقول
ح ْ
س ُ َ و ُ ُ
قولوا لِلن ّا ِ و دليل هذا قول ال تبارك وتعالىَ ..." :
الرسول صلى ال عليه وسلم " :أنما الدين المعاملة " ( متفق عليه) ,وقوله صلى ال عليه وسلم " :من
كان يؤمن بال واليوم الخر فليقل خيرا أو ليصمت " ( البخاري ومسلم) .
و من القواعد الفقهية التي توجب حسن المعاملة مع الناس جميعا :
-البيع بالتراضي.
-الدين المعاملة.
3
. ◆-
و يعني ذلك تسهيل المعاملت و الختيار من بين البدائل المشروعة اليسر منها ,وذلك لرفع الحرج
َ
سَر
م الي ُ ْه بِك ُ ُريدُ الل ّ ُعن الناس ,والدليل على ذلك من القرآن الكريم قول ال تبارك وتعالى " :ي ُ ِ
في م ِعلَيْك ُ ْ
ل َ ع َج َ
ما َ سَر " ( البقرة ) 182 :و قوله عز وجل َ " :
و َ ع ْ ريدُ بِك ُ ُ
م ال ُ ول َ ي ُ ِ
َ
ج " ( الحج , )78:و من وصايا رسول ال صلى ال عليه وسلم " :يسر ول تعسر ,و حَر ٍ
ن َم ْ
ن ِدّي ِ
ال ِ
بشر ول تنفر ,وتطاوعا ول تختلفا " ( رواه مسلم ).
و يستند هذا الضابط إلى القواعد الشرعية التية -:
-الضرورات تبيح المحظورات .
-للكثر حكم الكل ,أو يأخذ اليسير حكم الكثير .
-اليسير الحرام معفو عنه في كثير من الحوال .
-الغرر اليسير ل يفسد العقود .
-المعروف عرفا كالمشروط شرطا .
-إذا ضاق المر اتسع .
. ◆-
و يقصد بذلك أنه في حالة الضرورة يحول الحرام شرعا إلى حلل ,و لهذه الضرورة ضوابط
شرعية ول يجب أن تترك لهوى النفس ,و أحيانا تنزل الحاجة منزلة الضرورة لن المشقة توجب التيسير,
فلَ
عاٍد َول َ َ
غ َ ضطَُّر َ
غيَْر بَا ٍ نا ْ
م ِ و دليل ذلك من القرآن الكريم قول ال تبارك وتعالى َ " :
ف َ
َ
م " ( البقرة. )173 :حي ٌ غ ُ
فوٌر َّر ِ ن الل ّ َ
ه َ علَي ْ ِ
ه إ ِ َّ إِث ْ َ
م َ
و مرجعية هذا الضابط من القواعد الفقهية ما يلي :
-إذا ضاق المر اتسع .
-المشقة توجب التيسير .
-الحاجة تنزل منزلة الضرورة .
. ◆-
لقد حرمت الشريعة السلمية المال المكتسب من مصدر محظور منهي عنه شرعا ,ويجب تحريزه
وتجنيبه والتخلص منه في وجوه الخير العامة وليس بنية التصدق ,مع التوبة والستغفار والعزم الكيد على
تجنبه ,و الكثار من العمال الصالحات لتكفير الذنوب ,ودليل ذلك من القرآن الكريم قول ال تبارك وتعالى
َ عمل ً صالِحا ً َ ُ َ
م سيِّئَات ِ ِ
ه ْ ل الل ّ ُ
ه َ دّ ُ ولَئ ِ َ
ك يُب َ ِ فأ ْ َ ل َ َ م َ ع ِ
و َ
ن َ م َ
وآ َ ب َمن تَا َ " :إِل ّ َ
َ
حيما ً " ( الفرقان , )70 :و من السنة قول الرسول صلى ال عليه فورا ً َّر ِ ه َ
غ ُ ن الل ّ ُوكَا َ
ت َسنَا ٍح َ
َ
وسلم " :إن العبد إذا أذنب ذنبا ,نكت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب و رجع واستغفر صقل قلبه منها .....
الحديث " ( رواه الترمذي وآخرون ) .
و مرجعية هذا الضابط القاعدة الفقهية ":من اختلط بماله الحلل بالحرام يجب عليه إخراج قدر الحرام
و الباقي حلل " .
4
. ◆-
و يعني ذلك أنه يجب على المتعامل أن يلتزم بالولويات السلمية وهي الضرورات فالحاجيات
فالتحسينات ,و تجنب السراف والتبذير و النفاق الترفي والمظهري و ما في حكم ذلك,و دليل هذا الضابط
وكُلُوا
د َج ٍ
س ِ
م ْ عندَ ك ُ ِّ
ل َ زينَتَك ُ ْ
م ِ خذُوا ِ من القرآن قول ال تبارك وتعالى " :يَا بَنِي آدَ َ
م ُ
ن " ( العراف , )31 :و يوصينا الرسول
في َ
ر ِ
س ِ
م ْ
ب ال ُ ح ُّ فوا إِن َّ ُ
ه ل َ يُ ِ ر ُ ول َ ت ُ ْ
س ِ وا ْ
شَربُوا َ َ
صلى ال عليه وسلم في ترتيب النفاق بقوله " :ابدأ بنفسك فتصدق عليها ,فإن فضل شيء فلهلك ,فإن
فضل عن أهلك شيء فلذي قربتك ,فإن فضل عن ذوي قربتك شيء فهكذا وهكذا ( " ....رواه أحمد
والنسائي ) .
و لقد اهتم الفقهاء بهذا الضابط مثل المام الشاطبي قي كتابه الموافقات ,و هذا يستند إلى القواعد
الفقهية التية :
-الضرورات تبيح المحظورات .
-الحاجة تنزل منزلة الضرورة .
-ل اقتراض إل لضرورة .
. ◆-
تقوم المعاملت بصفة عامة على ربط العائد بالتضحية و الكسب بالخسارة و الخذ بالعطاء ,وهذا ما
يطلق عليه في كتب الفقه اسم " :الغنم بالغرم والخراج بالضمان " و يعني هذا العائد يقابل تضحية ,ول
كسب بل جهد ,ول جهد بل كسب ,ومن نماذج ذلك من القرآن الكريم صفقة التجارة مع ال في الجهاد
هم بِأ َ َّ فسهم َ َ َ حيث قال سبحانه وتعالى " :إ ِ َّ
ن وال َ ُ
م َ ن أن ُ َ ُ ْ َ
وأ ْ منِي َ م ْ
ؤ ِ ن ال ُ
م َ
شتََرى ِ ن الل ّ َ
ها ْ
ة " ( التوبة , )111 :و ربط الرسول صلى ال عليه وسلم بين الجهاد وتوزيع الغنائم . جن َّ َ
م ال َ لَ ُ
ه ُ
. ◆-
و يقصد بهذا الضابط أن تكون أولوية التعامل مع المؤمنين وهذا ما يطلق عليه اسم أولوية التعامل مع
المؤمنين ,
فالمسلم جزء من المة السلمية و يجب أن يحمل ولئه للمسلمين ,ومن الصور التطبيقية للولء
القتصادي أن تكون أولوية المعاملت التجارية والقتصادية والمالية بين المسلمين و دعم السوق السلمية
تمنَا ُ م ْ
ؤ ِ وال ْ ُ ن َ منُو َ م ْ
ؤ ِ وال ْ ُالمشتركة ,ودليل ذلك من القرآن الكريم قول ال تبارك وتعالى َ " :
ن منك َ ن بِال ْ ضهم أ َولِياءُ بعض يأ ْ
مو َ ُ قي وي ُ َِ ر
ِ ُ ن ال ِ ع
ن َ و َْ هويَن ْ َ
َ فعُرو ِ م ْ
َ مُرو َُ َ ْ ٍ َ ع ُ ُ ْ ْ َ بَ ْ
َ ُ َ
ه إ ِ َّ
ن م الل ّ ُ ه ُ م ُ ح ُسيَْر َ ك َ ولَئ ِ َ هأ ْ سول َ ُ وَر ُ
ه َن الل ّ َ عو َ ن الَّزكَاةَ َ
ويُطِي ُ وي ُ ْ
ؤتُو َ ال َّ
صلةَ َ
5
َ
ذ
خ ِم " ( التوبة , )71 :و حذرنا ال من موالة الكافرين فقال " :ل َ يَت َّ ِ حكِي ٌزيٌز َع ِ
ه َ الل ّ َ
فرين أ َ
ن
م َ
س ِ فلَي ْ َ َك َ ل ذَل ِ َ
ع ْف َمن ي َ ْ
َ َ و
َ ن
منِي َؤ ِم ُْ ن الِ من دُو ولِيَاءَ ِْ ن الكَا ِ ِ َ منُو َ ؤ ِم ْ ال َ ُ
ّ َ ّ َ َ َ
ه
وإِلى الل ِ ه َ س ُ
ف َه نَ ْم الل ُ ُ
ذُّرك ُح ِ
وي ُ َ َ
م ت ُقاةً َه ْ
من ْ ُ
قوا ِ ء إِل أن تَت ّ ُّ ي ٍ
ش ْ في َ ه ِ الل ّ ِ
صيُر " ( آل عمران. )28 : م ِ ال َ
ولقد أكد رسول ال صلى ال عليه وسلم على موالة المسلمين فقال " :المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد
بعضه بعضا " ( البخاري) ,وقال " :ل تصاحب إل مسلما ول يأكل طعامك إل تقي " (رواه أبو داوود
والترمذي) ,وقوله صلى ال عليه وسلم " :المسلم أخو المسلم .......الحديث " ( رواه مسلم ) .
و لقد أكد الفقهاء على أولوية التعامل مع المسلمين و ل يكون هناك تعامل مع غيرهم من المسالمين إل
في حالة الضرورة أو حاجة ملجئة إلى ذلك .
و من مبررات ذلك ما يلي :
-يجب دعم و عون المسلمين .
-يجب المحافظة على عزة و قوة المسلمين .
-يجب تجنب المعاملت غير المشروعة التي يقوم بها غير المسلمين أحيانا .
-تجنب استغلل و احتكار و مكر غير المسلمين .
-تدعيم السوق السلمية المشتركة .
◆-
.
و يقصد بذلك جواز التعامل مع غير المسلمين غير المحاربين عند الضرورة والحاجة من باب التيسير
و رفع الحرج والمشقة ,و كذلك من جانب المواطنة وتجنب الفتن ,ول يجوز التعامل مع غير المسلمين
التي تؤدي إلى مهلكة . المحاربين ( دار الحرب) إل عند الضرورة
َ َ
ن لَ ْ
م ذي َ ن ال ّ ِع ِ ه َ م الل ّ ُ هاك ُ ُ ومن أدلة ذلك من القرآن الكريم قول ال تبارك وتعالى " :ل َ يَن ْ َ
سطُوا خرجوكُم من ديارك ُ َ
ق ِ وت ُ ْ
مَ َ ه ْ
و ُ م أن َتَبَُّر َ ِ َ ِ ْ ِّ م يُ ْ ِ ُ ول َ ْن َدي ِ في ال ِ
َ
م ِقاتِلُوك ُ ْ يُ َ
ُ
قات َ َلوك ُ ْ
م ن َ ذي َ ّ
ن ال ِ ع
ه َ ّ
م الل ُ هاك ُ ُ
ما يَن ْ َ َ
ن ( )8إِن ّ َ سطِي َ ق ِ م ْ ب ال ُُ ح ّ ه يُ ِ ّ
ن الل َ َ م إِ ّه ْ إِلَي ْ
خراجك ُ َ ِ ِ
مه ْ و ُ ول ّ ْ م أن ت َ َ علَى إ ِ ْ َ ِ ْ هُروا َ وظَا َ م َرك ُ ْمن ِديَا ِ جوكُم ِّ خَر ُوأ َ ْ ن َدي ِ في ال ِّ ِ
َّ ومن يت َول ّهم َ َُ
ن ( ( " )9الممتحنة) مو َ م الظال ِ ُ ه ُك ُ ولَئ ِ َ فأ ْ ُ ْ َ َ َ َ
.
ولقد أكد رسول ال صلى ال عليه وسلم على ذلك ,فقد ثبت أنه اشترى من يهودي طعاما نسيئة ( بالجل ) ,كما
رهن درعه عند يهودي ,فقد روى أنس رضي ال عنه ,قال :رهن رسول ال صلى ال عليه وسلم درعا عند يهودي
بالمدينة ,وأخذ منه شعيرا لهله " .
و لقد وضع الفقهاء مجموعة من الضوابط الفقهية للتعامل مع غير المسلمين ( غير المحاربين) منها :
-أن يكون التعامل في حدود ما أباحته الشريعة السلمية .
6
-اللتزام بالقسط والعدل والمانة .
-حرمة العتداء على أموالهم وأعراضهم و دماءهم .
-وجود الضرورة أو الحاجة للتعامل معهم .
. ◆-
يقضي هذا الضابط بأن تحقق المعاملت النفع الذي يعود على الفرد نفسه وكذلك على الجماعة والمة السلمية ,
و يكون هذا النفع مرتبطا بتحقيق مقاصد الشريعة السلمية ,و كذلك تجنب أي معاملة فيها ضرر.
علَى الب ِ ّ ِ
ر ونُوا َ عا َ و أصل هذا الضابط من القرآن الكريم هو قول ال تبارك وتعالى َ " :
وت َ َ
َ َ وات َّ ُ والت َّ ْ
د
دي ُ ش ِه َن الل ّ َ
ه إ ِ َّقوا الل ّ َ ن َ
وا ِ وال ْ ُ
عدْ َ علَى الِثْم ِ َ
ونُوا َ ول َ ت َ َ
عا َ وى َ ق َ َ
ب " ( المائدة . )2 :
قا ِ ع َ ال ِ
و لقد نهى رسول ال صلى ال عليه و سلم عن مجموعة من المعاملت لنها تسبب أضرارا مثل التعامل في
الخمر ,و لحم الخنزير ,و الميتة ,والدم ,و الصنام ,والصلبان ,والتماثيل ,والكلب ,و كسب الماء ( الزنا) ,وبيع السلح
وقت الفتنة ,والتسعير في السواق بدون ضرورة معتبرة شرعا ,و قال صلى ال عليه و سلم " :من ضار ضار ال عليه
,و من شق شق ال عليه " (رواه الترمذي) .
و يستند هذا الضابط إلى مجموعة من القواعد الفقهية منها :
-ل ضرر ول ضرار .
-الضرر يزال .
-يتحمل الضرر الخاص .
◆-
.
و يعني ذلك أن أي معاملة تصد عن سبيل ال ول تمكن المسلم من أداء الفرائض والقيام بالواجبات
الدينية تعتبر حراما ,و لقد أشار القرآن إلى ذلك في العديد من اليات مثل قوله سبحانه و تعالى " :يَا
َ َ َ
ر الل ّ ِ
ه وا إِلَى ِذك ْ ِ
ع ْ
س َ ة َ
فا ْ ع ِ
م َ
ج ُ
وم ِ ال ُمن ي َ ْ ة ِ صل ِي لِل َّ
منُوا إِذَا نُوِد َ نآ َ ذي َها ال ّ ِ
أي ُّ َ
َ
ن " ( الجمعة ,)9:و من وصايا رسول ال مو َ عل َ ُم تَ ْم إِن كُنت ُ ْ خيٌْر ل ّك ُ ْ ع ذَلِك ُ ْ
م َ وذَُروا البَي ْ َ َ
صلى ال عليه وسلم الواردة في الثر " :ل يبارك ال في عمل يلهي عن الصلة " .
و من مرجعية هذا الضابط من القواعد الفقهية -:
-إنما العمال بالنيات .
-وسائل الحرام حرام .
-المحافظة على مقاصد الشريعة .
. ◆-
7
و معنى ذلك أن يتورع المسلم في معاملته عن مواطن الشبهات و تجنب أي معاملة فيها أدنى شبهة ,
محافظة على الدين وصونا للعرض واستغناءً بالحلل البين المقطوع بحله ,ولقد ورد عن الرسول صلى ال
قوله ... " :والمعاصي حمى ال ,من يرتع حول عليه وسلم العديد من الحاديث ما يؤكد ذلك ,منها
الحمى يوشك أن يواقعه "(الشيخان) ,وقوله صلى ال عليه وسلم " :دع ما يريبك إلى ما ل يريبك
" (الترمذي) .
و من مرجعية هذا الضابط من القواعد الفقهية -:
-دع ما يريبك إلى ما ل يريبك .
-العمال بالنيات .
◆-
.
و معنى ذلك تجنب أي معاملة تفتح الباب إلى مفسدة خاصة أو عامة لن الصل في المعاملت تحقيق
المنافع ,و دليل ذلك ما قاله جابر رضي ال عنه أنه سمع رسول ال صلى ال عليه مسلم عام الفتح يقول " :
إن ال و رسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والصنام" ,فقيل يا رسول ال :أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها
السفن و يدهن بها الجلود و يستصبح الناس بها قال " :ل هو حرام " " ,ثم قال صلى ال عليه وسلم " :قاتل ال
اليهود ,إن ال حرم عليهم الشحوم فأجملوها ,ثم باعوه فأكلوا ثمنه " ( البخاري) ,و قال كذلك " :من حبس العنب
أيام القطاف حتى يبيعه ليهودي أو نصراني أو من يتخذه خمرا فقد تقحم الناس على بصيرة " ( الطبراني في الوسط)
و يقوم هذا الضابط على القاعدة الفقهية التي تقول " :درء المفاسد مقدم على جلب المنافع" .
. ◆-
و يعني ذلك أن المسلم يأخذ بالسباب في المعاملت المالية التي تحمي المال من الهلك و عدم تعرضه للمخاطر
المالية التي تقود إلى الضياع ,كما يتخذ التدابير اللزمة للمحافظة على المال من السرقة والبتزاز والرشوة ,ولقد أشار
َ ْ َ َ
والَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِ ِ
ل منُوا ل َ تَأكُلُوا أْم َ نآ َ ها ال ّ ِ
ذي َ القرآن إلى ذلك في قول ال عز وجل " :يَا أي ُّ َ
ول َ تَأْكُلُوا
م ( " ..النساء )29 :و قوله سبحانه وتعالى َ " : منك ُ ْ ض ِّ
عن تََرا ٍ جاَرةً َ ن تِ َ
َ َ
إِل ّ أن تَكُو َ
س وا ِ َ
ل الن ّا ِ
َ
ريقا ً ِّم ْ
ن أْم َ حكَّام ِ لِتَأْكُلُوا َ
ف ِ ها إِلَى ال ُ وتُدْلُوا ب ِ َ والَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِ ِ
ل َ
َ
أْم َ
ن " ( ,البقرة , )188:ولقد أوصانا رسول ال صلى ال عليه وسلم بالمحافظة على الموال بالثْم َ
مو َ م تَْعل َ ُوأنْت ُ ْ
ِ ِ ِ َ
,فقال .. " :و من قتل دون ماله فهو شهيد "(متفق عليه) ,وقوله صلى ال عليه وسلم " :أن ال كره إليكم ثلث :قيل
وقال ,وإضاعة المال ,و كثرة السؤال " (البخاري ومسلم).
و دليل هذا الضابط من القواعد الفقهية ما يلي :
-أكل المال بالباطل حرام .
-ل ضرر ول ضرار .
. ◆-
8
و يعني ذلك عدم اكتناز المال و حبسه عن وظيفته التي خلقها ال له ,لن ذلك يؤدي إلى انخفاض قيمته بسبب
َ
ن
ذي َ أداء الزكاة والتضخم ,و في هذا المقام ينهانا ال عز وجل عن الكتناز و يحثنا على الستثمار فيقول َ " :
وال ّ ِ
َ
ب أَلِيم ٍ " ( التوبة
هم بَِعذَا ٍ
شْر ُ ل الل ّ ِ
ه َ
فب َ ّ ِ سبِي ِ
في َ
ها ِ
قون َ َ ول َ يُن ِ
ف ُ ة َ ف َّ
ض َ وال ْ ِ
ب َ ن الذَّ َ
ه َ يَكْنُِزو َ
,)34 :و يحذر الرسول صلى ال عليه وسلم من عدم الستثمار ,فيقول " :استثمروا أموالكم حتى ل تأكلها الصدقة
" (رواه أحمد) .
و يدخل هذا الضابط في نطاق تحقيق مقاصد الشريعة السلمية و منها حفظ المال .
. ◆-
و نعنى هذه القاعدة ذلك أنه على المسلم التقي الورع أن يكثر من الستغفار لتطهير الموال والمعاملت من
فُروا ستَْغ ِ
تا ْ قل ْ ُ الحرام ولتحقيق البركة ,و دليل هذا الضابط من القرآن الكريم قول ال تبارك وتعالى َ " :
ف ُ
َ غ َّ
جَعلوي َ ْ
ن َ وبَنِي َ
ل َوا ٍددْكُم بِأْم َ
م ِ دَراراًَ ,
وي ُ ْ علَيْكُم ِّم ْ
ماءَ َ ل ال َّ
س َ س ِفاراً ,يُْر ِ ن َ م إِن َّ ُ
ه كَا َ َربَّك ُ ْ
هارا ً " ( نوح ,)12-10:والدليل من السنة قول رسول ال صلى ال عليه و سلم : لَّك ُم جنَّات ويجعل لَّك ُ َ
م أن ْ َ
ْ ٍ َ َ ْ َ ْ َ
" من لزم الستغفار جعل ال له من كل ضيق مخرجا ,ومن كل هم فرجا ,و رزقه من حيث ل يحتسب " (رواه أبو
داوود).
و يدخل هذا الضابط في نطاق القاعدة الفقهية العامة " :إنما العمال بالنيات " والقاعدة " حفظ مقاصد الشريعة
السلمية " .
تعقيب على الضوابط الشرعية للمعاملت المالية .
تعتبر الضوابط الشرعية السابقة الدستور السلمي للمعاملت المالية و الذي يُنظر إليه على أنه الساس لوضع
اللوائح والنظم والجراءات التنفيذية في الواقع العملي ,و كذلك المرجع الساسي لختيار السبل والوسائل والدوات
المعاصرة التي تستخدم في تنفيذ المعاملت المالية ,كما تصلح أن تكون مرجعا لي برنامج اقتصادي إسلمي وبديل
للبرامج الوضعية الغير إسلمية .
◆-
.
من المنافع المرجوة من اللتزام بالضوابط الشرعية في المعاملت المالية ما يلي :
أول :الرتياح القلبي والطمئنان النفسي من أن المسلم يلتزم بشرع ال سبحانه وتعالى وتجنب محارمه ,
ول يستشعر بذلك إل أصحاب القلوب الخائفة من ال ,والراجية رضاه ,والطامعة في جنته .
ثانيا :تحقيق الخير والبركة والزيادة في الموال وفي الرباح وتجنب المحق والحياة الضنك وهذا في حد
ذاته يزيد من الطمئنان من أن ال هو الرازق وأن بيده كل شيء .
ثالثا :الوقاية من ارتكاب الذنوب والمعاصي والرذائل القتصادية التي تقود إلى فساد العقيدة والخلق
أحيانا ,حيث يقول العلماء أن للفساد القتصادي أثرا على الفساد الخلقي كما يقود الفساد الخلقي إلى
فساد اقتصادي .
9
رابعا :تجنب الشك والريبة والخصام والشجار بين المسلمين والمحافظة على رابطة الخوة الصادقة والحب
في ال ,فاللتزام بالضوابط الشرعية من موجبات المحافظة على العلقات الطيبة بين الناس .
خامسا :سلمة واستقرار المعاملت بين الناس الخالية من الغش والغرر والجهالة والتدليس والربا ....
وغير ذلك من صور أكل أموال الناس بالباطل ,و هذا من موجبات وجود السوق الحرة الطاهرة .
سادسا :تقديم السلم للناس على أنه دين شامل ومنهج حياة وليس دين عبادات وشعائر وعواطف فقط بل
يمزج بين الروحانيات والماديات ,وبين العبادات والمعاملت وصالح للتطبيق في كل زمان ومكان .
سابعا :تفيد هذه الضوابط رجال الدعوة السلمية من وعاظ وعلماء ونحوهم في الدعوة إلى ال على
بصيرة وعلم وكيفية ربط المفاهيم والقواعد والضوابط بالتطبيق العملي ,كما تساعدهم في الجابة على
الستفسارات المالية المعاصرة وبيان الجائز والمنهي عنه شرعا .
ثامنا :تقديم نماذج عملية من المعاملت المالية التي تقوم على مرجعية فقهية مرنة وقابلة للتطبيق و
تستوعب مستجدات العصر ,وفي هذا بيان لعظمة السلم و عراقة الحضارة السلمية ,والتأكيد على
أن سبب تخلف الدول السلمية يرجع إلى عدم اللتزام بالسلم عقيدة وشريعة .
تاسعا :تساعد هذه الضوابط الفراد والشركات والمؤسسات ورجال العمال و من في حكمهم على أن
يضعوا اللوائح المالية في ضوء الضوابط الشرعية و ليس وفقا لما يخالف شريعة السلم .
عاشرا :تساعد هذه الضوابط كذلك في إعادة النظر في القوانين القتصادية والمالية والستثمارية و ما في
حكمها في البلد العربية والسلمية لتتفق مع أحكام ومبادئ الشريعة السلمية و أن يكون نظامها
القتصادي والمالي والساليب والسبل التنفيذية مطابقة للشريعة كذلك .
. ◆-
لقد تناولنا في الصفحات السابقة الطار العام للقواعد الفقهية ذات الصلة بالمعاملت المالية ,واستنبطنا
منها أهم الضوابط الشرعية التي يمكن اعتبارها الدستور السلمي للمعاملت المالية المعاصرة .
والغاية الكبرى من ذلك هو بيان المعاملت الحلل لللتزام بها ,والمنهي عنها شرعا لنتجنبها ,و
مواطن الشبهات فنبتعد عنها ,و عندما تتحقق هذه الغاية في معاملت الناس يكون قد تحقق رضا ال سبحانه
وتعالى ,وزيادة البركة في المال والرباح والمكاسب ,واستقرار المعاملت و تقوية الروابط النسانية بين
الناس و تطبيق شرع ال عز و جل .
10
و من موجبات تطبيق هذه الضوابط في الواقع العملي ما يلي :
الفهم الصحيح للسلم عقيدة وشريعة ,وفهم قواعده وضوابطه الشرعية ,واليمان بأن اللتزام بها
ضرورة شرعية و حاجة اقتصادية يثاب عليها المسلم .
11