Professional Documents
Culture Documents
ملحوظـة :
* لكي تظهر حروف اللغة السريانية على جهازك ،
ارجع للصفحة الرئيسية لتنـزيل الط السريان،
وخط الرموز الصوتية .
القرآن الكريم هو كلم ال المعجز ،المنزّل من لّدنه تعالى على قلب رسوله
محمد ـ صلى ال عليه وسلم ـ بلسان عربى مبين ،كما أنه معجزة السلم
الباقية على مر العصور ،والنبى ـ صلى ال عليه وسلم ـ هو مُبلّغ هذا
الكتاب الكريم ،المنقول عنه بالتواتر والمحفوظ فى صدور المسلمين .
وقد لقت هذه اللغة انتشارا واسعا في البلد الرامية ،وتجاوزتها إلى
البلدان المجاورة ،مثل أسيا الصغرى وأرمينيا ،وصولً إلى بلد الصين والهند،
وقد تبناها اليهود أنفسهم وفضلوها على اللغة العبرية ،وكتبوا بها بعض أسفار
الكتاب المقدس ،واستمروا يتكلمون بها حتى زمن المسيح ( . )2وكان المسيح
نفسه يتحدث بها إلى تلميذه ،ومن ثم فإن إنجيله كان كتوبا بها ،ذلك الذى
لنجد له إل نصا مترجما إلى اليونانية القديمة .
- 1السريانية نوها وصرفها ،د .زاكية رشدي ،دار الثقافة للطباعة والنشر ،الطبعـة الثانية ،
القاهرة 1978م ،ص . 9
- 2السريان قديا وحديثا ،سي عبده ،دار الشروق للنشر والتوزيع ،عمان – الردن 1977م ،ص . 25
64
سارعوا إلى الخذ بكلمة سريان ،تلك التسمية التى أطلقها عليهم اليونانيون
الذين كانوا يحتلون بلدهم ( 312ق.م ) وقد سموا لغتهم السريانية ،على
حين ظل اسم الراميين لصيقا بسكان القرى الوثنية ،وصـارت كلمة آرامى
. ()1
تطلق على الوثنى ،وكلمة سريانى تطلق على النصرانى
وقد يتساءل البعض ماعلقة القرآن بلغة السريان؟ ونجيب فنقول :إن
المستشرقين قد توهموا أن كلمة القرآن لفظة سريانية الصل ،وقبلوا النظرية
التى قالها المستشرق اللمانى " Schwallyشڤالى" ،وهى تعنى أن لفظة
قريُنُا .)2( qeryānā
القرآن مأخوذة من الكلمة السريانية ِ
ولشك أن الكاتب يهدف من ـ وراء ـ نظريته إلى اقناع القارىء أن
هناك صلة وثيقة بين القرآن واللغة السريانية ،وبمعنى آخر بين القرآن ولغة
النجيل ،وقد بدأ الكاتب بكلمة القرآن ،لكى يوصل القارىء إلى التشكيك فى
أصالة اللفاظ الرئيسية فى القرآن الكريم ،وردها إلى أصول سريانية ،وهو
تمهيد لقناع القارىء بأن القرآن الكريم لم ينزل على رسول ال -صلى ال
عليه وسلم – ولم يوح إليه ،بل أخذه لغة ومضمونا من المصادر السريانية
المسيحية .
-السريانية وعلقتها بالعربية ،د .زاكية رشدي ،ملة الدراسات الشرقية ،العدد الثالث ، 1
وقد اعتمد المستشرقون على الراء التى أكدت على وجود ألفاظ
أعجمية فى القرآن( ، )1وأخذوا كتاب " التقان " للسيوطى ( )2مصدرا أساسيا
لتأكيد وجود كلمات أعجمية بصفة عامة ،وكلمات سريانية بصفة خاصة فى
القرآن.
ومن البحاث التى تناولت دراسة هذه اللفاظ ،بحث بعنوان :
" الستدراك على السيوطى فيما نسبه من المعرب فى القرآن الكريم إلى
العبرية والسريانية " للدكتور /محمد جلء إدريس ( ، )3حيث رد أكثر اللفاظ
التى وردت فى كتاب التقان إلى أصول عربية ،وقد جاءت نتائج دراسته فى
خمس نقاط ،هى :
ـ الهذب فيما وقع ف القرآن من العرب ،جلل الدين عبد الرحن السيوطى ،تقيق :د .ابراهيم ممد أبو
سكي ،مطبعة المانة ،القاهرة 1980م .
ـ هل ف القرآن أعجمى ،نظرة جديدة إل موضوع قدي ،د .على فهمى خشيم ،دار الشرق الوسط ،
بيوت 1997 ،م .
-التقان ف علوم القرآن ،جلل الدين عبد الرحن السيوطى ،تقيق :ممد أبو الفضل إبراهيم ،اليئة 2
وهناك دراسات أخرى تناولت هذه اللفاظ فى إطار اللغة العربية فقط ،
. ()2
ومن ثم كانت نتائج دراساتهم تخص العربية دون غيرها
ـ دفاع عن القرآن ضد منتقديه ،عبد الرحن بدوى ،الدار العالية للكتب والنشر ،القاهرة 1999م.
ـ القرآن الكري من النظور الستشراقى،دراسة نقدية تليلية ،د.ممد ممود أبو ليلة ،دار النشر
للجامعات2002 ،م .
67
كما ستتناول دراستنا أيضا لفظين وردا فى القرآن الكريم على لسان
عيسى عليه السلم ،اختلفت فيهما المصادر ،وهما ( سريا ـ أحمد ) .
{ َوإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ َمرْ َيمَ يَا بَنِي ِإسْرائيلَ إِنّي َرسُولُ الّل ِه إِلَ ْيكُمْ
س ُمهُ
ي مِنَ ال ّت ْورَاةِ َومُ َبشّرا بِ َرسُو ٍل يَأْتِي ِمنْ َبعْدِي ا ْ
مُصَدّقا ِلمَا بَيْنَ يَ َد ّ
. ()2
سحْ ٌر مُبِينٌ }
حمَدُ فَ َلمّا جَا َء ُهمْ بِالْبَيّنَاتِ قَالُوا هَذَا ِ
َأ ْ
وبذلك تكون دراستنا الحالية مختلفة عن الدراسات السابقة ،التى خلت منها
هذه اللفاظ الثلثة :
ـ إمام فقه اللغة أبو عبيدة (ت 210هـ ـ 835م) الذى استنكر بشدة أن
يكون فى القرآن ألفاظا غير عربية ،لقول أبى عبيدة :إنما أُنزِل القرآن
بلسان عربى مبين ،فمن زعم أن فيه غير العربية فقد أعظم القول .
ـ المفسر والمؤرخ ابن جرير الطبرى (ت 310هـ ـ 923م) الذى قال :إن
ماورد عن ابن عباس وغيره من تفسير ألفاظ من القرآن أنها بالفارسية أو
الحبشية أو السريانية أو نحو ذلك ،إنما اتفق فيها توارد اللغات ،فتكلمت بها
. ()1
العرب والفرس والحبشة بلفظ واحد
- 1انظر :
ـ الصاحب ف فقه اللغة وسنن العربية ف كلمها ،أحد بن زكريا بن فارس ،تقيق :السيد أحد
صقر،مكتبة عيسى اللب ،القاهرة 1997م ،ص . 45
ـ التقان ف علوم القرآن ،السيوطى ،جـ . 129 / 2
-البهان ف علوم القرآن ،بدر الدين ممد بن عبد ال الزركشى ،تقيق :ممد أبو الفضل إبراهيم ،دار 2
ويرى الكاتب أن لفظة "القرآن" قد وردت فى الخط الكوفى القديم بدون همزة،
هكذا "القران" ويرى أنها ـ بهذا الشكل ـ مشتقة من الفعل " :قرن" ،وليس
من "قرأ" .ومن ثم يرى الكاتب أن أفضل النتائج وأقربها قبولً ،أن مصطلح
"القرآن" قد ظهر لول مرة بظهور القرآن لكى يمثل كلمة ِ
قريُنُا qeryān
āالسريانية ودللتها .وقد بُنى على وزن عربى وهو فُعلن المشتق من "قرأ"
. ()2
ليكون مناسبا ومنسجما مع التراكيب القرآنية العربية
1
- Noldeke, Theodor und Friedrich Schwally, Geschichte des Qorans,
Leipzig 1909 , 1, 32 .
2
- The Encyclopedia of Islam , Liede 1986, 5,400 .
72
"قرآن" يمثل المفتاح لفهم اللغة القرآنية ،وأن الغرب توصل إلى أن المفاهيم
الحضارية مثل "قرأ" وكذلك "كتب" ليمكن أن تكون من أصل عربى .ولذلك
يمكننا أن نفترض أنها قد انتقلت إلى المناطق العربية من الناحية الشمالية،
را "قرأ" ـ السم
ومادامت اللغة السريانية تمتلك ـ إلى جانب الفعل ق ُ
قريُنُا qeryānāبمعنيه :القراءة أو التلوة ،فإن ذلك يقوى الظن ِ
بعدم كون مصطلح "القرآن" قد تطور فى العربية ،وإنما هو لفظ مستعار من
الكلمة السريانية على وزن فعلن .
ثم يقرر أن الصل السريانى لكلمة "قرآن" الذى افترضه نولدكه فى كتابه
قد انتشر منذ ذلك الحين فى ()1
" Geschichte des Qoransتاريخ القرآن"
الكتابات الغربية ،حتى إن الشارة إلى الصل المسيحى السريانى للقرآن فى
الموسوعات الغربية صار أمرا بديهيا .
-كتاب تاريخ القرآن تأليف مشترك بي نولدكه وشفال ،انظر : 1
وقد أدى ذلك التطور إلى التخلى عن النطق الرامى السريانى الصلى
()1
قريُن qeryānأمام النطق المعرب "قُرءان" على غرار "فُرقان"
ِ
.
والعبرية ،والحبشية ،إذ يبدو أن للغة الولى تأثيرا واضحا على نص القرآن.
ويستدل على ذلك بقوله :إذا أخذنا العدد ( )100كوحدة للتأثيرات الجنبية على
أسلوب القرآن ومصطلحاته ،فإننا نستطيع أن نورد بثقة ـ لحدٍ ما ـ النسب
التالية :الحبشية تمثل 5بالمئة من الكل ،والفارسية حوالى 5بالمئة،
والعبرية 10بالمئة ،واليونانية واللتينية 10بالمئة ،والسريانية حوالى 70
بالمئة (.)1
لقد أنكر المستشرقون على القرآن أن يكون من عند ال ،كما استعظموا
أن يكون من تأليف محمد ـ صلى ال عليه وسلم ـ بدون الرجوع إلى
المصادر النصرانية ،فخاضوا بغير علم فى إثبات نقل كلمة "القرآن" من
السريانية ،وهم بذلك يستدلون بعجمة اللفظ على عجمة الفكر ،وهذا يتضح من
عنوان مقالة "منجانا" الذى استعمل كلمة "أسلوب القرآن" بد ًل من "ألفاظ
القرآن" .
وإذا كان "منجانا" قد ذكر أن علماء المسلمين كانت نتائجهم غير صحيحة
لعدم إلمامهم باللغات السامية ،فإننا نرى أنهم قدموا الكثير من الدراسات
اللغوية فى القرآن الكريم ،ول نقلل من جهودهم العظيمة فى هذا المجال ،وكما
ل لكلمة القرآن فى
أن العلم البشرى يكمل بعضه البعض ،فإننا سنقدم تحلي ً
ضوء علم اللغة المقارن بين العربية والسريانية للوصول إلى أصلها .
1
- A.Mingana , Syriac influence on the style the Kur’ān ,Cambridge 1927 .
ـ وانظر ترجة مقالة منجانا :
التأثي السريان على أسلوب القرآن ،ألفونس مينجانا ،ترجة :مالك مسلمان 2005 ،م.
ـ والترجة منشورة على شبكة العلومات الدولية ( النترنت )
http://www.muhammadanism.org/Quran/syriac_influence_quran_arabic.pd
75
- 1الفعل الناقص ف اللغة العربية ،دراسة صرفية مقارنة ،د .عمر صابر ،القاهرة 1999م ،ص . 127 – 125
76
وأدى ذلك إلى ظهور الياء لفظا وخطا فى المصدر السمى ،فنقول
" rāəqقرأ" المهموز الصل،قُريُا " qərāyāالقراءة" من الفعـل قُرا
ما " rəmāرمى" الناقص
ميُا " rəmāyāالرمى" من الفعل ر ُمثل :ر ُ
بالياء .
- 1انظر :
ـ التحليل الصرف للنص السريان ،د.أحد المل ،القاهرة 2007م ،ص . 41
ـ الورفيم ف اللغة السريانية ،د.أحد المل ،ملة كلية اللغات والترجة ،جامعة الزهر،
عدد 33لسنة 2002م .
78
أما علماء اللغة العربية فلم يذكروا النسب بالنون ،على الرغم من وجود
كلمات كثيرة من هذا النوع فيها ،ونرى أن النســب الذاتــي (بالنون) الذى
يأتى على سبيل الحقيقة ،يتجلى بوضوح في كلمة " :الرحمن " فهي صفة ذاتية
لرب العزة تدل على أن المنسوب هو ذات المنسوب إليه حقيقة .لذلك نرى
{ بسم ال الرحمن الرحيم } افتتاحية سور القرآن الكريم بقوله تعالى:
فكلمة (الرحمن) تدل على الرحمة ،وكلمة (الرحيم) تدل على الرحمة
أيضا ،إل أن كلمة (الرحمن) تدل على صفة ذاتية ل يجوز اتصاف غيره بها.
أما كلمــة (الرحــيم) فهــي تدل على صفة عامة يجوز اتصاف غير ال
بها .وقد وصف رب العزة رسوله بأنه رحيم فى قوله تعالىَ {:لقَدْ جَا َء ُكمْ َرسُولٌ
(،)1
ص عَلَ ْي ُكمْ بِا ْل ُم ْؤمِنِينَ َرؤُوفٌ َرحِيمٌ}
سكُمْ عَزِي ٌز عَلَ ْي ِه مَا عَنِ ّتمْ حَرِي ٌ
مِنْ أَ ْن ُف ِ
المر الذى يعطينا دللة للنون المسبوقة بالفتحة الطويلة ،تكمن فى أن الرحمة
فى الرحيم ،هى صورة من صور الرحمة ،حتى ولو كانت رحمة الرسول ـ
صلى ال عليه وسلم ـ أما الرحمة فى الرحمن فهى حقيقة الرحمة ،فالنسب
بالنون يعطى حقيقة الرحمة وذات الرحمة ،أما ماعداها فهو صورة من صور
الرحمة.
ونرى أن النسب الذاتي الذى يأتى على سبيل الحقيقة ،يتضح لنا فى كلمة
{الحيوان}* التى وردت فى قوله تعالى َ { :وإِنّ الدّارَ الْآخِرَةَ َلهِيَ ا ْلحَ َيوَانُ َلوْ
وهذا أمر له دللة عظيمة ،هى أن الحياة الدنيا صورة من صور الحياة،
أما الحياة فى الدار الخرة فهى الحيوان أي حقيقة الحياة ،وقس على ذلك
الفرق بين القراءة والقرءان ،فالقراءة فى أى كتاب هى صورة للقراءة ،أما
القرءان فهو حقيقة القراءة ،وكذلك الفرق بين الرضى والرضوان والفرق
والفرقان (.)1
وهناك شواهد كثيرة على وجود مورفيم النون المسبوقة بالفتحة الطويلة
للدللة على النسب الذاتى فى كلم الشعراء العرب قبل نزول القرءان ،نذكر
منها على سبيل :
* 2عند النسب إل كلمة "حياة " تذف تاء التأنيث وترد اللف إل أصلها فنقول ف النسب بالياء "حيوي"
ونقول ف النسب بالنون "حيوان" .
-سورة العنكبوت ،الية . 64
- 1صيغ النسب ف اللغتي العربية والسريانية ،د.أحد المل ،ملة كلية اللغات والترجة ،جامعة الزهر،
عدد 32لسنة 2001م ،ص 242ـ . 244
80
خطُــهُ يرْضينــي(.)3
سْك ُ
إنّي وربّ َ غَضْبانَ ممتلئا عليّ إهابـ ُه
فالكلمة بدون النون المسبوقة بالفتحة الطويلة تدل على صفة فى الفاعل.
أما السم المنسوب بالنون المسبوقة بالفتحة الطويلة ،فإنه يدل على أن
المنسوب من جنس المنسوب إليه وذاته وحقيقته ،وكأنه يقول فى ظمآن أنا
الظمأ الذى يشعر به الناس على سبيل المبالغة .
وجود جذر القاف والراء والهمزة فى اللغات الثلث ـ ففى العربية َق َرأَ
rāəqـ قُرا qara’aوفى العبرية קָרָא qārāوفى السريانية
إنما يدل بوضوح على أنه جذر سامى الصل ،هذه واحدة .
- 1انظر :ـ اللمعة الشهية ف نو اللغة السريانية ،اقليمس يوسف داود ،الوصل 1896م ،ص . 224-223
ـ غرامطيق اللغة السريانية ،بولس الورى ،مطبعة الرهبانية اللبنانية الارونية ،بيوت ،الطبعة الثانية
1962م ،ص . 73
82
الثانية :افترض (لوكسنبرج) أن كلمة " القرآن " قد مرت بمراحل أربع لكى
قريُنُا qeryānāإلى
تصل إلى هذه الصيغة ،بداية من اللفظ السريانى ِ
كلمة "قرآن" ،ونحن نقول :العكس هو الصحيح ،لن معظم الفعال المهموزة
فى اللغة السريانية قد صيغت قياسا على الفعال الناقصة بالياء ،وصار الفعل
شا " nəšāنسى " كما قُلبت الهمزة ياءً
قُرا " qərāقرأ " مثل الفعل ن ُ
ـ لفظا وخطا ـ فى المصدر السمى والسم المنسوب ،حيث نقول فى المصدر
ريُا " qərāyāالقراءة " ،ونقول فى السم المنسوب بالنونالسمى ق ُ
قريُنُا qeryānāعلى وزن الفعال المعتلة الخر بالياء ،تماما مثل
ِ
نِشيُنُا " nešyānāنسيان" .
وإذا كان المستشرقون قد افترضوا أن كلمة " القرآن " مشتقة من الفعل
"قرن" وأن النون أصلية فى الكلمة ،فهذا افتراض ل أساس له من الصحة ،لن
النون ـ كما أوضحنا ـ هى مورفيم مشترك ،مستخدم فى اللغتين العربية
والسريانية ،للدللة على النسب الذاتى سواء ،أكان على سبيل الحقيقة ،أم
المجاز.
83
بالسريانية ،و حدثنا القاسم ،قال :ثنا الـحسين ،قال :ثنا أبو بكر بن عياش،
ك سَرِيّا } قال:
ك تَـحْتَ ِ
جعَلَ رَبّ ِ
عن أبـي حصين ،عن سعيد بن جبـير { قَ ْد َ
هو الـجدول ،النهر الصغير ،وهو بـالنبطية ( : )1السريّ .وحدثنا بشر ،قال:
ك سَرِيّا }
ج َعلَ رَبّكِ تَـحْتَ ِ
ثنا يزيد ،قال :ثنا سعيد ،عن قتادة ،عن الـحسن{ قَدْ َ
والسريّ :عيسى نفسه.وحدثنـي يونس ،قال :أخبرنا ابن وهب ،قال :قال ابن
ك سَرِيّا } يعنـي نفسه ،قال :وأيّ شيء
ك تَـحْتَ ِ
جعَلَ رَبّ ِ
زيد ،فـي قوله { قَ ْد َ
أسرى منه ،قال :والذين يقولون :السريّ :هو النهر لـيس كذلك النهر ،لو
كان النهر لكان إنـما يكون إلـى جنبها ،ول يكون النهر تحتها (.)2
وقال القرطبى ( ت 671هـ ) فى تفسيره { :فَنَادَاهَا مِن َتحْ ِتهَآ }
قرىء بفتح الميم وكسرها .قال ابن عباس :المراد بـ«ـمن» جبريل ،ولم
يتكلم عيسى حتى أتت به قومها؛ وقاله علقمة والضحاك وقتادة؛ ففي هذا لها
آية وأمارة أن هذا من المور الخارقة للعادة التي ل تعالى فيها مراد عظيـم
{َألّ َتحْزَنِي} تفسير النداء« ،وأَنْ» مفسرّة بمعنى أي؛ المعنى :فل تحزني
ي من الرجال العظيم
ك سَرِيّا } يعني عيسى .والسر ّ
ج َعلَ رَبّكِ َتحْتَ ِ
بولدتك { .قَدْ َ
- 1النبطية لجة آرامية كتب با النباط نقوشهم ,والنباط هم قبائل من العرب عاشوا ف أقصى شال الزيرة
العربية وجنوب بلد الشام ,بعد أن هاجروا من جنوب الزيرة الهد الصلي لم ,وكانت أعظم فترات
ازدهارهم هي الفترة المتدة من القرن الول قبل اليلد حت ناية القرن الول اليلدي ,هذا على الرغم من أن
تاريهم يرجع إل أبعد من ذلك ,كما اتذوا البتراء (الردن) عاصمة لم ف القرن الرابع قبل اليلد المر الذي
يؤكد نفوذ النباط السياسي شال حت شل دمشق ,وجنوبا حت شل مدائن صال (شال السعودية) الت كانت
عاصمة ثانية لم ,إل أن الرومان قضوا على استقلل النباط عام 106م ,وظلوا تابعي لروما عدة قرون.
انظر :تاريخ دولة النباط ،إحسان عباس ،دار الشروق ،الردن 1987م .
- 2تفسي جامع البيان ف تفسي القرآن للطبى ،موقع التفسي على شبكة العلومات الدولية ( النترنت )
http://www.altafsir.com/indexArabic.asp
85
الخصال السيّد .قال الحسن :كان وال سريّا من الرجال .ويقال :سَرِي فلن
سرَاة .وقال الجمهور :أشار لها إلى
على فلن أي تكرم .وفلن سريّ من قوم َ
الجدول الذي كان قريبا من جذع النخلة (.)1
- 1تفسي الامع لحكام القرآن للقرطب ،موقع التفسي على شبكة العلومات الدولية ( النترنت )
http://www.altafsir.com/indexArabic.asp
- 2الصدر السابق .
86
كلم ـة { ت ـحـت }
روى السيوطى عن أبى القاسم صاحب كتاب " لغات القرآن " أن كلمـة
{ تحت } نبطية تعنى البطن( ، )1واتخذ لوكسنبرج رأى السيوطى ـ نقلً عن
أبى القاسم ـ منطلقا اعتمد عليه فى إثبات عجمة الكلمة ،وأشار إلى أن كلمة
{ تحت } ل أصل لها فى العربية ،وأنها مشتقة من الفعل السريانى ن ِ
حة nə
" ½heنزل – انحدر" المشتق منه الفعل العربى "نحت" المفهوم منه نحت
الحجر وغيره لتسويته أو صقله ،وأنه علينا أن نفهم حرف "من" ليس بمعنى
ظرف المكان {من تحتها} بل يجب أن نفهمها على أنها ظرف زمان أى :حال
حة " ½nəheنزل –
وضعها ،ثم يوضح أن معنى الوضع والولدة فى الفعل ن ِ
انحدر" لم يرد فى المراجع السريانية ،وإنما ورد فى فعل مرادف له وهو
فل " nəfalهبط" ولن القرآن الكريم لم يرد منه سوى الفعل "ولد" و
ن َ
"وضع" للتعبير عن الولدة الطبيعية ،فقد جاء بهذا التعبير الذى لم يرد إل فى
هذه الية تعبيرا عن ولدة عيسى – عليه السلم – غير الطبيعية ،ويكون
. ()2
معنى الية { فناداها حال وضعها أل تحزنى قد جعل ربك وضعك سريا }
-التقـان ف علوم القرآن ،جلل الدين عبد الرحن السيوطى ،تقيق :ممد أبو الفضل إبراهيم ،جـ ، 2 1
ص . 131
2
- Luxenberg , Christoph : Die Syro Aramaische lesart des Koran . Ein
Beitrag zur Entschlusslung der Koransprache , 135-143 .
87
وجاءت كلمة تحت مضافة إلى الضمائر ،بمعنى الظرف أيضا ،نذكر منها على
سبيل المثال :
وذلك كله يؤكد استعمال العربية لكلمة " تحت " بمعنى الظرف قبل نزول القرآن
الكريم .
وإذا نظرنا إلى هذه الكلمة فى اللغات السامية الثلثة ،وجدناها كمايلى :
وبمقارنة اللفظ ومعناه فى اللغات الثلث السابقة ،نجد أنها تشير إلى
اتفاق فى اللفظ والمعنى ،المر الذى يؤكد لنا أن هذه الكلمة من المشترك
السامى ،دون أن تختص بها السريانية أو النبطية .
سرِيّا
شريُا šaryāو َ
َ
نقل السيوطى عن ابن حاتم عن مجاهد أن كلمة " سريا " هى النهر
بالسريانية ( ،)1ويرى الدكتور جلء إدريس أن مقارنة كلمة " سريا " فى
القرآن الكريم بنظائرها فى السريانية وغيرها من اللغات السامية ،تشير إلى
عدم وجود مقابل اسمى لفظا ومعنى ،وأنه ربما كانت لفظة "السرى" بمعنى
النهر الصغير فى العربية مأخوذة من الفعل "سرى" بمعنى :مضى ،ومنه كذلك
السارية وهى السحابة ،ويرى بذلك أنها ليست مستعارة من السريانية أو
. سامى()2 غيرها ،وأنها عربية ذات أصل
-التقـان ف علوم القرآن ،جلل الدين عبد الرحن السيوطى ،تقيق :ممد أبو الفضل إبراهيم /2 ، 1
. 134
-الستدراك على السيوطى فيما نسبه من العرب ف القرآن الكري إل العبية والسريانية ،د /ممد جلء 2
ن مَا
خوفها لتهام قومها لها بالحمل الحرام ،كما ورد فى قوله { يَا ُأخْتَ هَارُو َ
. ()1
ك َبغِيّا }
سوْءٍ َومَا كَانَتْ ُأمّ ِ
ك امْ َرأَ َ
كَانَ أَبُو ِ
ثم يتناول لوكسنبرج الفعل "انتبذت" فى قوله تعالى { وَا ْذكُرْ فِي ا ْلكِتَابِ
الذى يرى أنه جاء على صيغة ()2
ن أَهْ ِلهَا َمكَانا شَرْقِيّا }
ت مِ ْ
مَرْ َيمَ إِذِ انْتَبَذَ ْ
المجهول ،مستشهدا بجواز ذلك فى النحو السريانى الذى يجيز استخدام
المجهول مع ذكر الفاعل ،فمعنى الفعل " انتبذت " عنده :طُردت من أهلها .
وإن كان يرى أنه ليعقل أن يكون أول كلم ينطق به عيسى – عليه السلم –
لمه لكى يخفف عنها حزنها ،لفظة تشير إلى ماء جعله ربُها تحتها ،إنما
المنطقى أن يكون فى كلمه مايخفف عنها ويزيل هذا العار الذى لُصق بها.
ولما كان عكـس "ابن الحرام" عند العامــة "ابن الحلل" يرى أن
را šərā كلمة َ
شريُا šaryāصفة فعلية مشتقة من الفعل السريانى ش ُ
"حل" وبذلك تكون كلمة "سريا" بمعنى "الحلل" ،وهو يرى بذلك أنه يجب قراءة
الية كمايلى :فناداها من نُحاتها أل تحزنى قد جعل ربك نُحاتك شريا ،ويكون
المعنى الجمالى للية :فناداها حال وضعها أل تحزنى قد جعل ربك وضعك
حللً (.)3
3
- Luxenberg , Christoph : Die Syro Aramaische lesart des Koran . Ein
Beitrag zur Entschlusslung der Koransprache , 144-153 .
90
تقابل كلمة "نَهر" فى العربية لفظا ومعنى ،وهو مايدل على أن هذه الكلمة من
المشترك السامى ،كما أننا لم نجد فى العربية كلمة السرى بمعنى النهر .
على أننى اختلف مع لوكسنبرج فى معنى كلمة { سريا } الذى ذكر أنها
بمعنى "الحلل" وذلك لن كلمه ل يستند إلى قاعدة لغوية ينطلق منها لثبات
شريُا šaryāصفة فعلية بمعنى
هذا المعنى البعيد الذى يرى فيه أن كلمة َ
حلّ " وذلك لن
را šərāبمعنى " َ
"الحلل" عكس "الحرام" من الفعل ش ُ
حلّ الشىء حل ًل أى صار مباحا ،ولكن
ل يأتى بمعنى َ الفعل شُرا
حلّ هنا التحرر من القيد ،ويظهر
يأتى بمعنى "حرّر" و "أطلق" ،ويكون معنى َ
ذلك بوضوح من استخدام الفعل فى الناجيل السريانية ،مثل :
ܟܘܢ ܘܶܡܚ݂ܳܕܐ ܶܡܫ݁ܟܺܚܝܢ ܶܘܐܰܡܪ ܠܽܗܘܢ ܶܙܠܘ ܰܠܩܺܪܝ݂ܳܬܐ ܳܗ݂ܶܕܐ ݁ܰܕܠܽܩܘ݂ܰܒܠ ݂ ܽ
ܰ ܰ ܰ ܐܢ݁ܽܬܘܢ ܚܳܡܳܪܐ ݁ܰܕܐܺܣܝܳܪܐ ܘ ܺ
ܥܝܳܠܐ ܰܥܳܡܗ ܫܪܘ ܐܝ ݁ܬܘ ܺܠܝ ݈
( وقال لهما اذهبا إلى القرية التي أمامكما فللوقت تجدان أتانا مربوطة
وجحشا معها فحلهما و اتياني بهما ) ()1܂
ܰ ܶ ܽ ܳ
ܰܘܐܺܡܝܢ ܐܰܡܪ ݈ܐܳܢܐ ܶܠ݂ܽܟܘܢ ݁ܕ݂ܽܟܠ ܳܡܐ ݁ܕ ݂ܬܐܣܪܘܢ ݁ܰܒܐܪܳܥܐ ܶܢܗܶܘܐ ܐܺܣܝܪ
ܶ ܽ
݁ܰܒܫܰܡܳܝܐ ܘܶܡ݁ܶܕܡ ݁ܕ ݂ܬܫܪܘܢ ݁ܰܒܐܪܳܥܐ ܶܢܗܶܘܐ ܫܪܐ ݁ܰܒܫܰܡܳܝܐ
( الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الرض يكون مربوطا في السماء و كل
. ()2
ما تحلونه على الرض يكون محلولً في السماء )
را šəreبمعنى
ويُلحظ أن الكاتب قد استعمل اسم المفعول النكرة ش ِ
شريُا " šaryāالمحلول" ،أى
"محلول" ،واسم المفعول المعرفة منه َ
المحرر من القيد ،ولم يأت بمعنى الحلل .
-إنيل مت ، 2 – 21وانظر أيضا :مرقس ، 4-11 ، 7-1لوقا ، 33-19يوحنا . 27-1 1
شريُا : šaryāاسم مفعول مفرد مذكر معرفة ،أو مفرد مؤنث نكرة،
َ
وذلك لن السريانية تستخدم اللف المسبوقة بالفتحة الطويلة فى نهاية السم
للدللة على التعريف ،أو التأنيث فى حالة الطلق ،ويدل السياق على أنه مفرد
را šəreمن الفعل المعتل الخر
مذكر معرف .أما السم المنكر فهو ش ِ
را " šərāحرر – أطلق – حلّ " .
ش ُ
را ãəreههىونرى أن الكسرة الممالة فى اسم المفعول النكرة ش ِ
عبارة عن اجتماع ياء لم الفعل مع فتحة لمناسبة اللف ،وهى تشبه علمة
ملكُا " malkæالملك " للمفرد،
جمع المذكر المعرفة ،كما نقول َ
ملكًِا " malkeالملوك" ،فالكسرة الممالة هنا عبارة عن
والجمع منها َ
اجتماع ياء الجمع مع فتحة التعريف ،وتظهر الياء بعد حذف فتحة التعريف
ملكًَي . malkay
للضافة ،فنقول َ
را ãəreترد فيه الياء ،فتصير
ولذلك نجد أن التعريف من ش ِ
شريُا šryāنحرك حرف الشين بالفتحة القصيرة لجتماع حرفين ساكنين
شريُا ، šaryāوتعد حركة الشين هى الفارق
فى أول الكلمة ،فتصير َ
المميز بين اسم الفاعل واسم المفعول فى حالة التعريف ،فهى فتحة طويلة مع
شريُا ، šæryāوفتحة قصيرة مع اسم المفعول ،
اسم الفاعل ،نقول ُ
شريُا . šaryā
نقول َ
شريُا šaryāالتى تُلفظ " سَريا " ـ على
وعلى ذلك يكون معنى َ
اعتبار أن الشين فى السريانية تقابل السين فى العربية ـ بمعنى اسم المفعول
92
من الفعل " حرّر " أى " المُحرّر " .وقد فسر القرآن الكريم هذه الكلمة فى
ت لَكَ
ع ْمرَانَ َربّ إِنّي نَذَرْ ُ
ت امْ َرأَتُ ِ
سورة آل عمران ،فى قوله تعالى { إِذْ قَالَ ِ
فامرأة عمران هذه ،هى أم مريم عليهما السلم ،التى ()1
مَا فِي َبطْنِي ُمحَرّرا }
نذرت أن يكون مافى بطنها ال ُمحَرّر ،أى :الخالص ل عز وجل ،الذى ليشوبه
شىء من أمر الدنيا ،ولن النذر ليكون إل فى الغلمان ،فقد وفّى ال النذر
فى بنتها مريم ،وجاء ال ُمحَرّر عيسى عليه السلم ليتحقق النذر .
نقول :إن معنى الفعل "حرّر" فى العربية أشمل وأعم ،أى أنه يفيد
معنى التحرر من القيد ،والتحرر من العبودية والرق ،فى حين تفرق السريانية
بين المعنيين ،فتستعمل الفعل شُرا šərāواسم المفعول منه َ
شريُا
šaryāالتى تقابل { سريا } ـ فى العربية ـ بمعنى التحرر من القيد ،
رر …mə حَرر … arrarواسم المفعول منه م َ
ح َ وتستخدم الفعل َ
arrarـ وهو موافق للعربية لفظا ومعنى ـ بمعنى التحرر من الرق ،وعلى
ذلك فاستخدام القرآن الكريم للكلمة السريانية وهى من لغة عيسى وأمه
عليهما السلم تعد إعجازا لغويا لنها تفيد التأكيد على أن التحرر هنا تحرر من
كل أمور الدنيا إل عبادة ال ،وليس التحرر من الرق .
ت أَرطىً طِـوال
وَتَقرو مَـعَ النَب ِ ض ٍة
لَها عَينُ حَوراءَ في رَو َ
ال ولى :أن يُذكر السم العلم بلفظه معربا ،مثل كلمة َ
مريَم maryam
" مَرْيَـم " ،وإذا كان الستاذ رؤوف أبو سعدة يرى أن اسم مريم أم عيسى
عليهما السلم ،اسم آرامى َمزْجى مُرخّم ،أصله :مَارى +أما ،المقطع الول
يعنى بالرامية " الرب " والمقطع الثانى " أما " يعنى بالرامية أيضا نفس
" المَة " عربيا ،فاسمها عليها السلم يعنى " أمة الرب " قُدّم فيه ماتعنيه
المضاف إليه على المضاف تعظيما لسم الرب تبارك وتعالى ،وكان حقه أن
ينطق :مَاري أمَا ،كاملً ،ولكن المزجية سهلت الهمزة ،فأصبح :مَاريما،
ثم ُرخِم بحذف ألف المد الخاتمة ،فأصبح " مَريَم " طبق الصل من نطقه
اليونانى mariamفى الناجيل اليونانية ،وهو نفس نُطقه فى القرآن (.)1
عل
نَف ِ المستقبل: ’af ’el اَف ِ
عل الماضى:
naf ’el
maf عل اسم المفعولَ :
مف َ عل maf ’el اسم الفاعلَ :
مف ِ
’al
ويلحظ أن اسم الفاعل فى اللغة السريانية يأتى من المستقبل بقلب حرف
الستقبال ميما بنفس الحركة ،أعنى الفتحة القصيرة ،ويأتى اسم المفعول على
-من إعجاز القرآن ف أعجمى القرآن ،رؤوف أبو سعدة ،دار اللل ،القاهرة 1994م ، 1
وزن اسم الفاعل مع فتح ماقبل الخر ،ويكون كسر ما قبل الخر مميزا لسم
الفاعل ،وفتح ما قبل الخر مميزا لسم المفعول ،كما فى العربية .
بيد أن هذا الفعل قد جاء مخالفا للقياس ،على الوجه التالى :
ي إِ َلهَيْنِ
ن مَرْ َيمَ َأأَنْتَ ُقلْتَ لِلنّاسِ ا ّتخِذُونِي َوُأمّ َ
{ َوإِذْ قَالَ الّل ُه يَا عِيسَى ابْ َ
ق إِنْ كُنْتُ قُلْ ُتهُ
مِنْ دُونِ الّلهِ قَا َل سُ ْبحَانَكَ مَا َيكُونُ لِي أَنْ أَقُو َل مَا لَيْسَ لِي ِبحَ ّ
()1
ك أَنْتَ عَلّامُ ا ْلغُيُوبِ}
عِلمْ َتهُ َتعْ َلمُ مَا فِي َن ْفسِي وَل أَعْ َلمُ مَا فِي َن ْفسِكَ إِنّ َ
َفقَدْ َ
ال ثا نية :أن يذكر السم العلم معرّبا ولكن مع قلب أو إبدال بعض
الحروف ،من ذلك مثلً :اسم عيسى ،فالمسيح عليه السلم اسمه فى القرآن
وع ‛yešūالتى تلفظ " يشوع "
الكريم عيسى ،بينما هو فى الناجيل يِش ٌ
والثابت أن العرب لم يسمعوا من نصرانييهم اسم "عيسى" الذى ورد فى القرآن
الكريم ،وإنما سمعوها منهم " يسوع " بالسين ،على اعتبار أن الشين فى
السريانية تقابل السين فى العربية .
أما لماذا قال القرآن "عيسى" ولم يقل " يسوع " التى عرفها العرب
اسما للمسيح ،فهذا من فرائد إعجاز القرآن الكريم فى أعلمه العجمية ،لنه
لو قالها "يسوع" لفهمها العرب من العربية على معنى " الذى ساع " من ساع
يَسوع سوعا يعنى ضاع وهلك ،ولذلك جاء القرآن الكريم بالسم "عيسى"
مقلوبا لسم يسوع لفادة عكس معناه :ليس هو الضائع الهالك وإنما هو
()2
المُخلّص الناجى
-من إعجاز القرآن ف أعجمى القرآن ،رؤوف أبو سعدة ،جـ 2ص . 271 2
98
ال ثـ الث ـة :وهى حالة فريدة فى القرآن الكريم تتمثل فى كلمة { أحمد }
التى وردت فى قوله تعالى َ { :وإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ َمرْ َيمَ يَا بَنِي ِإسْرائيلَ إِنّي
ن ال ّتوْرَاةِ َومُ َبشّرا بِ َرسُولٍ يَأْتِي مِنْ
ن يَ َديّ مِ َ
َرسُولُ الّل ِه إِلَ ْيكُمْ مُصَدّقا ِلمَا بَيْ َ
. ()1
ن}
سحْرٌ مُبِي ٌ
حمَدُ فَ َلمّا جَاءَ ُهمْ بِالْبَيّنَاتِ قَالُوا هَذَا ِ
سمُهُ َأ ْ
َبعْدِي ا ْ
وقوله تعالىَ { :أحْمَ ُد } يحتمل معنيين أحدهما :المبالغة في الفاعل ،يعني أنه
أكثر حمدا ل من غيره وثانيهما :المبالغة من المفعول ،يعني أنه يحمد بما فيه
من الخلص والخلق الحسنة أكثر ما يحمد غيره (. .)2
لقد عُرف خاتم الرسل بين الناس قبل النبوة باسم " محمد " ،وعرف
بينهم بعد النبوة باسم " محمد " ،وذكره القرآن بهذا السم أربع مرات ،وردت
فى قوله تعالى :
سلُ } (.)4
حمّ ٌد إِلّا َرسُولٌ قَ ْد خَلَتْ مِنْ قَبْ ِلهِ ال ّر ُ
{ َومَا ُم َ
- 1سورة الصف ،الية . 6
- 2تفسي مفاتيح الغيب ،التفسي الكبي للرازى ،موقع التفسي على شبكة العلومات الدولية ( النترنت )
http://www.altafsir.com/indexArabic.asp
- 3تفسي فتح القدير للشوكان ،الصدر السابق .
- 4سورة آل عمران ،الية .144
99
حمّدٌ أَبَا َأحَدٍ مِنْ ِرجَا ِل ُكمْ وَ َلكِنْ َرسُولَ الّلهِ َوخَا َتمَ النّبِيّينَ} (.)1
{ مَا كَانَ ُم َ
ق مِنْ رَ ّب ِهمْ } (.)2
حمّ ٍد وَ ُهوَ ا ْلحَ ّ
{ وَآمَنُوا ِبمَا نُ ّز َل عَلَى ُم َ
حمَا ُء بَيْ َن ُهمْ } (.)3
ن َمعَ ُه َأشِدّا ُء عَلَى ا ْل ُكفّارِ ُر َ
حمّدٌ َرسُو ُل الّلهِ وَالّذِي َ
{ ُم َ
وذكره القرآن مرة واحدة باسم { أحمد } ،ولو كان القرآن من عند محمد
ـ كما يدعون ـ لكان أولى به أن يذكر اسم " محمد " فى بشارة " عيسى "
ن َبعْدِي
عليه السلم التى وردت فى سورة الصف { َومُ َبشّرا ِب َرسُولٍ يَأْتِي مِ ْ
حمَدُ } .
س ُمهُ َأ ْ
ا ْ
وتبين لنا الية أن عيسى عليه السلم قد ذَكر اسم خاتم الرسل أمام
قومه ،ولو افترضنا أن المسيح عليه السلم ذكر اسم "محمد" صلى ال عليه
وسلم دون ترجمة إلى السريانية لما فهم اتباع المسيح كلمة "محمد" ،ويبدو
أنه ترجمها إلى لغته حتى يصل إليهم معنى السم بما فيه من معانى الحمد
والثناء ،يتضح من هذا أنهم قد سمعوا هذا السم وعرفوا معناه فى لغتهم .
ولنا أن نتساءل ماهى الكلمة الصلية التى استعملها المسيح عليه السلم
بلغته الرامية السريانية ،هل يجوز أن يبشر المسيح عليه السلم برسول يأتى
حمّد " ،
من بعده اسمه أحمد ،ثم يأتى خاتم الرسل ويُنادى طول حياته باسم " ُم َ
ربما أن هذا السم قيل بلغة المسيح ،ونقل لنا القرآن المعنى الذى وصل إليهم.
حمَدُ
ُمحَمّد و َأ ْ
حمِدَه،
حمِد ،ويقال َ
حمَدُ " فعل مضارع مسند إلى ضمير المتكلم من الفعل َ
ـ " َأ ْ
حمَدُ ،والمضارع مع المتكلم:
أى:أثنى عليه ،والمضارع مع ضمير الغائبَ :ي ْ
حمَدُ.
َأ ْ
ولو ترجم المسيح ـ عليه السلم ـ لهم اسم خاتم الرسل إلى لغتهم لكى
يصل إليهم اسم محمد بما فيه من معانى الحمد والثناء لقال م َ
شبَح məša
. …bbaوورد فى قاموس " زهريرا " أن السريانية تستخدم اسم المفعول
شبَح …šabbaللدللة على الحُرّ
شبَح …məšabbaمن المضعف َ
م َ
من الناس وهو خيرهم وأفضلهم (.)1
-زهريرا ،قاموس عرب – سريان ،الب شليمون أيشو خوشابا والب عمانوئيل بيتو يوحنا ،دهوك 1
شبَح …məšabbaأيضا
الستقبال ميما بنفس الحركة ،واسم المفعول م َ
.
ويُلحظ أن صيغة اسم الفاعل نفسها هى صيغة اسم المفعول ،وذلك لن
السريانية تميل إلى فتح ما قبل حروف الحلق إذا وقعت فى نهاية الكلمة،
والصل أن يُكسر ما قبل الخر مع اسم الفاعل ،وتقلب كسرة اسم الفاعل
فتحة مع اسم المفعول كما فى العربية ،ولن آخر الفعل حرف الحاء وهو من
الحروف الحلقية ،جاء اسم الفاعل مشابها لسم المفعول.
واللغة السريانية لها خصائصها المميزة لها ،ومن ذلك أنها تستعمل اسم
الفاعل إذا كان نكرة للدللة على الزمن الحالى ،وينتقل إلى السمية بالتعريف،
ولن السم العلم ل يجوز تعريفه ،فقد جاء منكرا ً .ولذلك فهم السريان لفظ
شبَح - …məšabbaوهى عندهم اسم فاعل أو مفعول نكرة -على
م َ
أنها فعل مضارع مسند إلى المتكلم وهو المسيح عليه السلم ،فيكون
حمَدُ " وقد نقل لنا القرآن
شبَح …məšabbaفى لغة السريان بمعنى " َأ ْ
م َ
فهم أتباع المسيح للفظ السريانى .
ܰ
"برقليط " التى وردت فى إنجيل وتذكر أكثر المصادر أن كلمة ݁ܰܦܪܩܺܠܳܛܐ
يوحنا( )1كلمة يونانية الصل ،وهى بشارة للنبى محمد صلى ال عليه وسلم ،
ܥܡ݂ܽܟܘܢ ܠ ܳ
ܥܰܠܡ܂ َوَأنَا أَ ْطلُ ُ
ب ܥܐ ܶܡܢ ܳܐ݂ܒܝ ܰܘܐܚܺܪܳܢܐ ݁ܰܦܰܪܩܺܠܳܛܐ ܶܢ݁ܶܬܠ ܠ݂ܽܟܘܢ ݁ܕܶܢܗܶܘܐ ܰ ܶ - 1ܘܐܳܢܐ ܶܐ݂ܒ ܶ
݈
ِم َن البِ َفيُ ْعطِي ُكمْ ُمعَ ّزيًا آخَ َر ِلَيمْ ُكثَ مَ َع ُكمْ إِلَى ا َلبَ ِد (يوحنا ، )16-14وانظر يوحنا ، 26 -15ويوحنا
. 7 -16
- 2انظر على سبيل الثال - :إظهار الق ،رحة ال الكيانوى ،الكتبة التوفيقية ،القاهرة ،بدون تاريخ .
-هداية اليارى ف أجوبة اليهود والنصارى ،ابن القيم الوزية ،مكتبة الصفا ،القاهرة 2005م .
102
وعلى ذلك فإننا نرى أن كلمة برقليط كلمة آرامية الصل ،نقلها كاتب
النجيل بلفظها إلى اليونانية ،وبتحليل الكلمة نجد أنها كلمة مركبة من
رق +ليٍطُا . مقطعين ،هما ُ :
ف ِ
رق pāreqفهىاسم فاعل مفرد مذكر نكرة ،من الفعل فأما كلمة ُ
ف ِ
رق p فَرق pəraqبمعنى " خَلّص – أنقذ " وحينئذ يكون معنى كلمة ُ
ف ِ
" āreqمُخلّص – مُنقِذ " ،وأما كلمة ليٍطُا līƒāفهى اسم مفعول مفرد
مذكر معرفة من الفعل لُط " lāƒلعن " ومن ثم يكون معنى كلمة ليٍطُا l
" īƒāالملعون".
ال خاتمة
- 1بشارة أحد ف النيل ،السين مصطفى الريس ،مكتبة النافذة ،القاهرة 2007م ،ص . 153
103
وختاما فهذه بعض النتائج التى تم رصدها فى البحث ،نوردها على النحو
التالى :
.3وبتحليل كلمتى " القرآن " و " قريان " فى ضوء علم اللغة المقارن،
وجدنا جذر القاف والراء والهمزة فى كل من العربية والعبرية
والسريانية ،المر الذى يؤكد أنه جذر سامى الصل ،كما أثبتنا أن
العربية قد احتفظت بالهمزة لفظا وخطا فى الفعل " قرأ " والمصدر "
قراءة " والسم المنسوب بالنون " قرءان " ،ومالت السريانية إلى
قلب الهمزة ياء لفظا وخطا ،مما يدل على أن الصل احتفظت به
104
.4ونقل السيوطى عن ابن حاتم عن مجاهد أن كلمة " سريا " هى
النهر بالسريانية ،على حين يرى لوكسنبرج أنها سريانية الصل
ولكن بمعنى " الحلل " وبتحليل الكلمة وجدنا أنها من الكلمات
العجمية التى تعد لونا من ألوان العجاز اللغوى الذى جاء مفسرا
فى القرآن نفسه ،حيث جاءت بمعنى اسم المفعول من الفعل " حرّر
" أى " ال ُمحَرّر " وقد فسر القرآن الكريم هذه الكلمة فى سورة آل
ب إِنّي نَ َذرْتُ َلكَ
عمْرَانَ رَ ّ
ت ِ
عمران ،فى قوله تعالى { إِذْ قَالَتِ امْ َرأَ ُ
مَا فِي َبطْنِي ُمحَرّرا } فامرأة عمران هذه هى أم مريم عليهما
السلم التى نذرت أن يكون مافى بطنها المحرر ،أى :الخالص ل
عز وجل ،الذى ليشوبه شىء من أمر الدنيا ،ولن النذر ليكون
إل فى الغلمان ،فقد وفّى ال النذر فى بنتها مريم وجاء المحرر
عيسى عليه السلم ليتحقق النذر .
.5وبدراسة كلمة " أحمد " التى وردت فى قوله تعالى َ { :ومُ َبشّرا
حمَدُ } وجدنا أنها تفسير كلمة "
س ُمهُ َأ ْ
ن َبعْدِي ا ْ
بِ َرسُولٍ يَأْتِي مِ ْ
محمد " إذا دخلت السريانية ،وأنها ل علقة لها بكلمة " فارقليط "
إذ أن كلمة " فارقليط " ماهى إل صفة لخاتم الرسل ،بمعنى مخلص
أو منقذ الملعون .
وختاما ل أدعى أن هذه الدراسة قد بحثت كل اللفاظ القرآنية التى قيل إنها
سريانية الصل ،بل أعتبرها بداية لعمال قادمة إن شاء ال ،لذا أوجه الدعوة
لساتذتى وزملئى فى التخصص إلى عمل جماعى ،يعيد النظر فى آراء
105
السلف فى ضوء علم اللغة المقارن ،والرد على مزاعم المستشرقين لتصحيح
هذه الراء وجمعها فى مجلد واحد .
و ال و لى الت وفيق ،وه و نعم ا لمو لى ون عم الن صير .
ø ¾
سكون ضمة ضمة كسـرة كسـرة كسرة كسرة فتحة فتحة
فى أول صريحة صريحة ممالة ممالة
طويلة قصيرة طويلة قصيرة
المقطع* طويلة قصيرة طويلة قصيرة
)22هل فى القرآن أعجمى ،نظرة جديدة إلى موضوع قديم ،د .على
فهمى خشيم ،دار الشرق الوسط ،بيروت 1997 ،م .