You are on page 1of 2

‫انعكاسات الزمة العالمية على المغرب‬

‫م‬

‫إدريس‬
‫الضربة ستكون شاملة وموجعة‬

‫جاء في كتاب “روزا لوكسمبورغ” “القتصاد السياسي”‪ ،‬منذ مائة سنة‪ ،‬أن قانون الرأسمالية‪ ،‬هو قانون التنافس الحر الذي لم يتبدل‪ ،‬وبالتالي فإن تغييب‬
‫كل تخطيط وتنظيم‪ ،‬يجعل ثمار النشاط القتصادي للبشر بعيدا عن إرادتهم‪ ،‬ول يعني ذلك القانون سوى العتراف بأن الفوضى هي أساس النظام‬
‫الرأسمالي‪ ،‬لهذا فالزمة المالية الحالية‪ ،‬هي في واقع المر أزمة سياسية‪ .‬ول محالة أن آثارها السلبية ستنعكس علينا‪ ،‬على القل في إطار تقليص‬
‫‪.‬المساعدات المقدمة لنا والمزيد من التخلي عن القطاع العام وتأخير تفعيل آليات التنمية‪ ،‬وهو ما يعني استمرار انتظار المغاربة لغد أفضل‬

‫لذا يستغرب المرء عندما يسمع تصريحات بعض المسؤولين تدافع عن ترهات‪ ،‬من قبيل أن بلدنا ستظل عن منأى تداعيات وانعكاسات الزمة العالمية‬
‫الحالية التي أقامت الدنيا ولم تقعدها في كل مكان ما عدا في “مغربنا السعيد”‪ ،‬فكيف لبلدنا أن تكون بمعزل عن هذه الزمة وطبيعة منظومتنا‬
‫القتصادية والجتماعية تكذب تلك الترهات المصرح بها‪ ،‬جملة وتفصيل‪ .‬أليس نمط النتاج المعتمد بالمغرب رأسمالي تبعي‪ ،‬وهو السائد‪ ،‬وتبعيته أكثر‬
‫من كافية‪ ،‬للبرهنة على عدم صحة ما تفّوه به هؤلء المسؤولين؟‬

‫وعلوة على ذلك‪ ،‬هل تناسى هؤلء أن الستراتيجية التنموية الرسمية‪ ،‬والتي هم مطالبون بالسهر على تطبيقها‪ ،‬تراهن بالساس على الستثمارات‬
‫‪.‬الخاصة‪ ،‬سيما الجنبية منها‪ ،‬وكلها مستقاة من الرأسمال العالمي الذي يعيش أزمة خانقة حاليا‬

‫إذن ما الغرض من تلك التّرهات‪ ،‬هل ترمي إلى استبلد المغاربة؟ أم هي محاولة يائسة لبعث الطمئنان‪ ،‬كون الوضاع هي أصل متأزمة؟ فكيف يكون‬
‫الحال إذا انضافت تداعيات وانعكاسات الزمة العالمية؟‬

‫طبعا‪ ،‬هناك بعض التصريحات المحتشمة من طرف بعض المسؤولين تناقض تلك الترهات‪ ،‬ومنها تصريحات وزير القتصاد والمالية‪ ،‬صلح الدين‬
‫مزوار‪ ،‬ووالي بنك المغرب‪ ،‬عبد اللطيف الجواهري الذي قال إن المغرب مهدد بانكماش اقتصادي في ظل توقعات بتراجع الطلب الخارجي وتأثر‬
‫‪.‬قطاعات حيوية‪ ،‬وهذا ما أكده بعض القائمين على قطاع السياحة‬

‫الواقع يفضح الترهات‬

‫خلفا لدعاءات بعض المسؤولين‪ ،‬من المنتظر أن يكون للزمة العالمية وقع بالغ على القتصاد المغربي الهش أصل‪ .‬ولعل من بين هذه النعكاسات‬
‫الواضحة منذ الن‪ ،‬والتي قد يلحظها العام والخاص‪ ،‬تراجع تحويلت الجاليات المغربية بالخارج‪ ،‬وهو المورد الول للعملة الصعبة‪ .‬كما أنه من‬
‫‪.‬المنتظر أن يتأثر القطاع السياحي وأن تتقلص الستثمارات ويتراجع الطلب العالمي على الفوسفاط ومشتقاته‬

‫ول محالة أن هذه الزمة ستتجلى في تدهور أسعار السهم وانخفاض ربحية المصارف الضخمة وارتفاع البطالة‪ ،‬ويتوقع الخبراء أن تستمر إلى حدود‬
‫‪.‬سنة ‪2013‬‬

‫فأول قطاع تأثر بالزمة العالمية هو قطاع السياحة‪ ،‬المعّول عليه لتسريع وتيرة التنمية بالمغرب‪ ،‬وأغلب القائمين على هذا القطاع ينتظرون سنة سياحية‬
‫‪.‬صعبة للغاية بجميع المقاييس‪ ،‬علما أنه قطاع يدر على البلد ما يناهز ‪ 59‬مليار درهم‬

‫لن يفلت المغرب من النعكاسات‬

‫أغلب الخبراء القتصاديين يتوقعون أن تكون تأثيرات الزمة كبيرة على القتصاد الوطني‪ ،‬لسيما في قطاع السياحة والطلب الخارجي على العقار‬
‫‪.‬وصادرات النسيج وقطاع الستثمارات الخارجية‬

‫‪.‬ويرى إدريس بنعلي أن هذه النعكاسات وتداعياتها ستكون ظاهرة للعيان إذ ستتجلى بقوة على نفس القطاعات المذكورة أعله‬
‫في حين يرى الرشيد ماجيدي‪ ،‬الستاذ المغربي بجامعة “إيكس مارسيليا” بفرنسا‪ ،‬أنه يجب النظر إلى انعكاسات الزمة من الناحية‪ ،‬المالية والقتصادية‪.‬‬
‫فعلى الصعيد المالي‪ ،‬اعتبارا لمحدودية ترابط سوق البورصة والبناك‪ ،‬فإن التأثير على هذا المستوى قد ل تكون له أهمية‪ ،‬لكن على الصعيد‬
‫‪.‬القتصادي سيكون التأثير أقوى وأهم‪ ،‬كما قد تصير النعكاسات موجعة جدا‬

‫أما يحيى اليحياوي فيرى أن الزمة ضربت أمريكا‪ ،‬لكنها طالت بالتدريج باقي الدول الوروبية والسيوية‪ ،‬وقد رأينا كيف أن معظم هذه الدول قد‬
‫سمحت لبنوكها المركزية‪ ،‬بضخ مليير الدولرات في النظام البنكي والمالي لتفادي الزمة‪ ،‬بل العالم بات اليوم على قناعة بضرورة إعادة تشكيل‬
‫‪.‬النظام ‪ -‬إذا لم يكن ‪ -‬الرأسمالي برمته‪ ،‬فعلى القل رافده المالي المتأزم‬

‫وفيما يخص تأثير ذلك على القتصاد المغربي‪ ،‬يقول يحيى اليحياوي‪ ،‬قد يكون تأثيرا هامشيا بالقياس العام‪ ،‬على اعتبار أن اقتصاد المغرب اقتصاد‬
‫‪.‬متخلف‪ ،‬غير ذي قيمة كبرى‪ ،‬ول أثر له يذكر على مستوى السواق‪ ،‬سواء طالتها الطفرات اليجابية أم انتكست‬

‫غير أنه يذهب إلى القول بأن الثر سيكون نسبيا‪ ،‬بالحتكام إلى التصريح بأن ل مخافة على الضعيف أصل‪ ،‬لنه يكسب خلل أوقات الربح كما في‬
‫أوقات الخسارة‪ ،‬لكنه يتصور جديا أن اقتصادنا سيطاله التأثير المتأتي مما يسميه علماء القتصاد بالعدوى التي ستتمكن منه‪ ،‬بحكم تمكنها من شريكه‬
‫الوروبي مباشرة‪ ،‬والذي يبحث اليوم عن حل لزمته البنيوية‪ .‬ويقر اليحياوي بحتمية هذه التأثيرات على قطاعي النسيج والغزل والجلد بحكم انكماش‬
‫السوق الوروبي )التصدير(‪ ،‬وكذلك التأثير على مستوى حجم ما يأتي من استثمار أجنبي للمغرب‪ ،‬وأيضا مدخرات المغاربة العاملين بالخارج‪ ،‬وتراجع‬
‫وثيرة الستثمار في العقار إذا ضيقت البنوك على قروض ما يسمى بالمنعشين‪ .‬وسنرى بالمحصلة أن ذلك سيترجم اجتماعيا إلى حالت تسريح جماعية‬
‫‪.‬للعمال‪ ،‬وارتفاع منسوب البطالة سيما بالقطاعات المذكورة‪ ،‬والمرتبطة بنيويا بالطلب الخارجي‪ ،‬وإلى حد ما الداخلي‬

‫في حين يرى عبد السلم أديب أن النعكاسات ستكون وخيمة اقتصاديا واجتماعيا‪ ،‬ول مجال للشك أننا سنشهد تدخل للدولة‪ ،‬مما سيكرس سوء توزيع‬
‫المداخيل والثروات ويجسد بالملموس مقولة إفقار الفقير وإغناء الغني‪ .‬فمداخيل الدولة من النقد الجنبي ستعرف انحسارا كبيرا سواء عبر تراجع عدد‬
‫السواح أو تقلص تحويلت المهاجرين أو تراجع الطلب الجنبي‪ ،‬وبالتالي فإن مستوى مداخيل الدولة من الضرائب قد تتأثر عكس ما تم العلن عنه‪،‬‬
‫‪.‬وذلك رغم أن مؤشر بورصة الدار البيضاء تراجع مؤخرا‪ ،‬وظل خطاب التفاؤل والطمأنينة سائدا‬

‫تدابير اتخذها بنك المغرب‬

‫‪.‬لقد اتخذ بنك المغرب جملة من التدابير‪ ،‬غير أنها في نظر الكثيرين لن تغني عن تفادي انعكاسات الزمة العالمية‬

‫ويبدو أن بنك المغرب ظل حذرا منذ ظهور أولى شرارات الزمة العالمية في صيف سنة ‪ ،2007‬وقد تجلت آنذاك كأزمة مرتبطة بالرهون العقارية‪،‬‬
‫ل أن القتصاد الوطني يسير نحو أداء يفوق قدراته‬
‫وزاد حذره مع ملحظة ارتفاع نسبة التضخم من ‪ 1.8‬إلى ما بين ‪ 3.6‬و‪ 3.9‬بالمائة‪ ،‬مما يد ّ‬
‫الحقيقية‪ ،‬وهو ما دفع والي بنك المغرب إلى القرار برفع سعر الفائدة الرئيسية‪ ،‬وأدى بالتالي إلى اتساع القروض البنكية بشكل خطير‪ ،‬إذ ارتفعت إلى‬
‫‪ 40‬بالمائة منذ ‪ 2007‬وبنسبة ‪ 26‬بالمائة سنة ‪ ،2008‬وهي قروض لم تقتصر على العقار وإنما مست قطاعات أخرى‪ ،‬مما شجع البعض على‬
‫‪.‬التصريح بعدم الخوف من انعكاسات الزمة العالمية على المغرب‬

‫وكان لزاما‪ ،‬من أجل كبح جماح حركية القروض والتضخم أيضا‪ ،‬الذي يفضي إلى ارتفاع السعار والزيادة فيها‪ ،‬أن يطالب المواطنون برفع الجور‪،‬‬
‫وهذا ما أدخل بلدنا في دوامة العلقة بين السعار والمداخيل‪ ،‬ولتجاوز احتداد هذه المطالبة تّم رفع سعر الفائدة الرئيسية التي أضحت مفروضة للحفاظ‬
‫على سعر صرف الدرهم بالخارج‪ ،‬لكي ل يشكل انخفاضه عائقا في وجه الصادرات وتنافسية القتصاد الوطني على الصعيد العالمي‪ ،‬سيما وأن‬
‫احتياطي المغرب من العملة الصعبة قد تراجع بفعل ارتفاع أسعار النفط والغذاء‪ ،‬لكن دون أي اختلل‪ ،‬ورغم اتخاذ مثل هذه الجراءات فإنها ل تغني‬
‫‪.‬بلدنا عن الستعداد لمواجهة انعكاسات الزمة العالمية الحالية على القتصاد الوطني‬

‫ما العمل أمام إشكال كهذا؟‬

‫ل مناص من انعكاسات الزمة على المغرب‪ ،‬ذلك أن منظومتنا القتصادية تعتمد بدرجة كبيرة على تحويلت مغاربة الخارج والستثمار الخارجي‬
‫وبعض الصادرات )الفوسفاط ومواد فلحية(‪ ،‬والزمة العالمية ستجعل هذه الموارد تتصدع جراء ارتفاع أسعار الفائدة وتراجع النشاط القتصادي‪ ،‬فإذا‬
‫ما تأكد ذلك لن يبقى أمام حكومتنا إل المصادر الداخلية‪ ،‬الضرائب والرسوم وتقليص النفقات الجتماعية والمزيد من عرض ممتلكات الشعب للبيع‬
‫‪.‬بالمزاد العلني )الخوصصة(‪ ،‬وهذا يعني أن مستوى معيشة المغاربة سيتعرض للمزيد من التدني والتراجع‬

You might also like