You are on page 1of 34

‫أصول التشريع السلمي‬

‫المبحث الول‪ :‬القرآن الكريم‪.‬‬

‫القسسرآن الكريسسم هسسو المصسسدر الول للتشسسريع السسسلمي وهسسو كلم ال س سسسبحانه‬
‫وتعالى والموحى به إلسسى رسسسوله عليسسه الصسسلة والسسسلم وهسسو المعجسسزة البيانيسسة‬
‫الخالدة الذي ل يأتيه الباطل من حوله‪ ،‬ومن خلل هذا المبحسسث نتطسسرق لتعريسسف‬
‫القرآن الكريم ثم تبيان بعض خصائصه وأحكامه وحجيته عليها‪.‬‬

‫المطلب الول‪ :‬ماهية القرآن الكريم‪.‬‬

‫أول‪ :‬تعريف القرآن الكريم‪.‬‬

‫‪ -1‬القرآن في اللغة‪ :‬مصسدر قسسرأ بمعنسة تل‪ ،‬أو بمعنسى جمسسع‪ ،‬نقسول قسسرأ فلن‬
‫قراءة وفي هذا يقول عز وجسسل »وقرآن الفجر إن قككرآن الفجككر كككان‬
‫مشهودا«‪ 1‬فعلسسى المعنسسى الول تل يكسسون مصسسدر بمعنسسى إسسسم المفعسسول‪ ،‬أي‬
‫بمعنى متلو وعلى المعنى الثاني جمع يكون مصدرا بمعنى إسم الفاعل أي بمعنى‬
‫جامع لجمعه الخبار والحكام ويمكن أن يكون بمعنسسى إسسسم المفعسسول أيضسسا‪ ،‬أي‬
‫بمعنى مجموع‪ ،‬لنه جمع في المصاحف والصدور‪.2‬‬
‫‪ -2‬تعريف القرآن في الشرع‪ :‬كلم ال تعالى المنزل على رسوله وخاتم أنبيائه‬
‫محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬قال ال تعالى‪» :‬إنا نحن نزلنا عليك القككرآن‬
‫تنزيل« وباللغسسة العربيسسة والمنقسسول عنسسه إلسسى يومنسسا هسسذا متسسواثرا بل شسسبهة‪،‬‬
‫الموجود بين دفتي المصحف‪ ،‬المبدوء بسورة الفاتحة‪ ،‬والمختسسوم بسسسورة النسساس‪.‬‬
‫وقال تعسسالى‪» :‬إنا أنزلناه قرآنا عربيككا لعلكككم تعقلككون‪ .«3‬ورغسسم أن‬
‫القرآن الكريم غني عن التعريف فإنه عرف مجموعة من التعاريف نذكر البعض‬
‫منها رغم أنها ل تخرج عن التعريف أعله‪.‬‬
‫»القرآن كلم ال تعالى المنزل على رسوله وخاتم أنبيائه محمسسد صسسلى الس عليسسه‬
‫وسلم المبدوء بسورة الفاتحة والمختوم بسورة الناس‪«4‬‬

‫‪-1‬‬
‫‪ - 2‬محمد بن صالح العثيمين‪ ،‬تفسير القرآن الكريم‪ ،‬الفاتحة‪ ،‬البقرة‪ ،‬المجلد الول‪WWW.attasmeem.com.‬‬
‫‪ - 3‬سورة يوسف‪ ،‬الية ‪ 2‬المصحف الكريم‪.‬‬
‫‪ - 4‬محمد بن صالح العثيمين‪.‬م‪.‬س‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫»القرآن كلم ال الموحى به إلى محمد بن عبد ال عليسسه الصسسلة والسسسلم باللغسسة‬
‫العربية‪ ،‬المنقول بالتواثر‪ ،‬المعجزة لفظا ومعنسى‪ ،‬المتعبسد بتلوتسه الموجسود بيسن‬
‫دفتي المصحف المبدوء بسورة الفاتحة والمختوم بسورة الناس‪.«5‬‬

‫هذه التعاريف رغم إختلفهسا فسي الصسياغة فهسي لهسا نفسس المعنسى ومنهسا يمكسن‬
‫إستخراج مجموعة من الخصائص التي يتميز بها القرآن الكريم‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬خصائص القرآن الكريم‪.‬‬

‫يمتاز القرآن الكريم بخصائص عديدة منها‪:‬‬


‫‪ -1‬ىىى ىىىى ىىىى ىى ىىى ىىىىىى ىى ىىى‬
‫ىىىىى ىىى ىىىى ىىىى ىىىى‪ :‬تعنسسي هسسذه الخاصسسية أن‬
‫القرآن ومعانيه كلهما منزل من عند ال تعالى فهو النظم والمعنى جميعسسا أي أن‬
‫القرآن الكريم إسم لكل من النظم المعجز والمعنى المستفاد وهسسو مسسا عليسسه الئمسسة‬
‫الربع‪ ،‬وظيفة الرسول إنما هي تلقيه عن ال تعالى وتبليغه إلى الناس وبيسسان مسسا‬
‫يحتاج إلى البيان‪.2‬‬
‫أن القرآن الكريم وحي من عند ال بألفاظه وبمعانيه العربية وهسسذا ثسسابت بسسالقرآن‬
‫نفسسسه السسذي جسساء فيسسه‪» :‬وإنه لتنزيل رب العالمين‪ ،‬نكزل بكه الكروح‬
‫المين على قلبك لتكون من المنذرين بلسكان عربككي مككبين‪«3‬‬
‫وقال عز وجل‪» :‬وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيككا لتنككذر أم القككرى‬
‫ومن حولها‪ «4‬فالرسول صلى ال عليه وسلم ما كسسان إل تاليسسا للقسسرآن الكريسسم‬
‫ومبلغا له ومبينا ما يحتاج إلى البيان وهذا يدل على أنه‪:5‬‬
‫‪ -‬ما نزل على الرسول من وحي بالمعنى والمضمون دون اللفسسظ ل يعتسسبر قرآنسسا‬
‫بل يعتبر حديث الرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -‬تفسير القرآن الكريم ل يعد بقرآن مهما تم إحكام هذا التفسير‪.‬‬
‫‪ -‬ترجمة القرآن الكريم إلى لغة غير العربية ل تعد قرآن كريسسم ول يعتسسد بهسسا ول‬
‫يصح العتماد عليها لستنباط الحكام ول يمكن الصلة بها‪.‬‬
‫• حكم ترجمة القرآن الكريم‪.6‬‬
‫قبسسل إعطسساء حكمهسسا لبسسد مسسن الشسسارة إلسسى أن الترجمسسة نوعسسان ترجمسسة حرفيسسة‬
‫وترجمة معنوية‪.‬‬
‫‪ - 5‬محمد بن صالح العثيمين‪ ،‬م‪.‬س‪WWW.attasmeem.com .‬‬
‫‪ - 2‬عبد اللطيف الحلفي‪ ،‬المدخل لدراسة الشريعة السلمية‪.‬ص‪.113 :‬‬
‫‪ - 3‬سورة الشعراء‪ ،‬اليات من ‪ 192‬إلى ‪.195‬‬
‫‪ - 4‬سورة الشورى‪ ،‬الية ‪.7‬‬
‫‪ - 5‬عبد اللطيف الخلفي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.115 :‬‬
‫‪ - - 6‬محمد بن صالح العثيمين‪ ،‬م‪.‬س‪WWW.attasmeem.com .‬‬

‫‪2‬‬
‫الترجمة الحرفية هي ترجمة الية كلمة بكلمسسة وهسسذه الترجمسسة مسستحيلة عنسسد أهسل‬
‫العلم وهي ممنوعة شرعا‪.‬‬
‫الترجمة المعنوية‪ :‬هي ترجمة معاني القرآن الكريم فهي جائزة في الصل لنسسه ل‬
‫محظور فيها‪ ،‬وقسسد تجسسب حيسسث تكسسون وسسسيلة إلسسى إبلغ القسسرآن والسسسلم لغيسسر‬
‫الناطقين باللغة العربية‪ ،‬لن إبلغ ذلك واجسسب‪ ،‬ومسسا ل يتسسم السسواجب إل بسسه فهسسو‬
‫واجب‪ ،‬وهذا مع إشتراط‪.‬‬
‫أن ل تجعل بديل للقرآن الكريم‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫أن يكون المترجم عالما بمعاني اللفاظ الشرعية في القرآن‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫أن يكون عالما بمدلولت اللفاظ في اللغتين المترجم منها وإليها‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ول تقبل ترجمة معاني القرآن الكريم إل مسسن مسسأمون عليهسسا بحيسسث يكسسون مسسسلما‬
‫مستقيما في دينه‪.‬‬
‫‪ -2‬ىىىى ىىىىىى ىىى ىىىىى‪:‬‬
‫يعني أن القرآن الكريم نزل مفرق فسسي مسسدى ثلث وعشسسرين سسنة وهسسي سسسنوات‬
‫الرسالة المحمدية التي بلغ فيها رسالته عليسسه السسسلم وقسسد نسسزل البعسسض فسسي مكسسة‬
‫والبعض الخر في المدينة المنورة‪.1‬‬
‫الحكمة من نزول القرآن منجما أي مفرقا هي‪:‬‬
‫‪ -‬تتبث فؤاد الرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -‬تحدي المشركين والرد عليهم‪.‬‬
‫‪ -‬تيسير حفظ القرآن الكريم وفهمه‪.‬‬
‫‪ -‬مسايرة الحوادث والتدرج في التشريع ومراعاة النسخ‪.‬‬
‫‪ -3‬ىىى ىىى ىىىىى ى ىىى ىىىى ىى ىىى‬
‫ىىىىىى‪.‬‬
‫ينقسم نزول القرآن إلى قسمين‪:‬‬
‫إبتدائي‪ :‬هو ما لم يتقدم نزوله سبب يقتضيه‪ ،‬وهو غالب آيات القسسرآن ومنسسه قسسوله‬
‫تعسسالى‪» :‬ومنهم مككن عاهككد اللككه لئن أتانككا مككن فضككله لنصككدقن‬
‫ولنكونن من الصالحين‪«2‬‬
‫سببي‪ :‬وهو ما تقدم نزوله سبب يقتضيه ويكون إما سؤال يجيسسب عنسسه عسسز وجسسل‬
‫كقسسوله تعسسالى‪» :‬يسككألونك غككن الهلككة قككل هككي مككواقيت للنككاس‬
‫والحج‪ «3‬أو حادثة وقعت تحتاج إلى بيسسان وتحسسذير مثسسل قسسوله تعسسالى‪» :‬ولئن‬
‫سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب‪ «4‬اليتين نزلتا فسسي رجسسل مسسن‬

‫‪ - 1‬عبد اللطيف الخلفي‪ .‬م‪.‬س‪ .‬ص‪.117 :‬‬


‫‪ 2‬سورة التوبة‪ ،‬الية‪.75 :‬‬
‫‪ - 3‬سورة البقرة‪ ،‬الية‪.189 :‬‬
‫‪ - 4‬سورة التوبة‪ ،‬من الية ‪.65‬‬

‫‪3‬‬
‫المنافقين قال في غسزوة تبسوك فسسي مجلسس‪ :‬مسا رأينسسا مثسسل قرائنسا هسؤلء أرغسسب‬
‫بطونا‪ ،‬ول أكذب ألسنا‪ ،‬ول أجبن عند اللقاء‪ ،‬يعنسسي رسسسول الس وأصسسحابه‪ ،‬فبلسغ‬
‫ذلك رسول ال ونزل القرآن فجاء الرجل يعتذر إلى النبي صسسلى الس عليسه وسسسلم‬
‫فيجيبه‪» :‬أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون« أو فعسسل وقسع يحتسساج‬
‫إلى معرفة حكمه مثل قول عز وجل »قد سمع قول التي تجادلك فككي‬
‫زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن اللككه سككميع‬
‫بصير‪.«1‬‬
‫بالضافة إلى أنه إبتدائي وسببي النزول فهو مكي ومدني‪ ،‬ما نزل على الرسسسول‬
‫بمكة هو مكي وما نزل على الرسول صلى ال عليه وسلم في المدينة المنورة هو‬
‫مدني‪ .‬أي ما بعد الهجرة وقبل الهجرة‪.‬‬
‫‪ -4‬ىىى ىىى ىىىىى ى ىىى ىى ىىىى ى‬
‫ىىىىىىىى‪.‬‬
‫ومعنى التواثر في عرف فقهاء السلم القدامى والمحسسدثون أن القسسرآن نقلسسه إلينسسا‬
‫جمع عن جمع يمنع العقل تواطؤهم على الكذب أو الوهم وبسسذلك هسسو يفيسسد القطسسع‬
‫واليقين بصحته دون أي خلف أو شك ويعتبر عن هذا بأن القرآن قطعي الثبوت‬
‫بأنه مصدر أول وأصلي في بيان حكم الشريعة السلمية‪ ،2‬كما أن ال عز وجسسل‬
‫أراد إلى القرآن الحفظ من عنده من كل تحريف أو تغيير وقال أعسسز قسسائل‪» :‬إنا‬
‫نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون‪.«3‬‬
‫‪ -5‬ىىىىىى ىىىىىى ىىىى ىىىىىىى‪.‬‬
‫يتنوع القرآن الكريم بإعتبار الحكام والتشابه إلى ثلث أنواع‪:‬‬
‫‪ -1‬الحكام العام الذي وصف بسسه القسسرآن كلسسه‪ ،‬مثلسسه قسسوله تعسسالى‪» :‬ألر كتاب‬
‫أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير‪ «4‬ومعنى هنا الحكسسام‬
‫والتقان والجودة في ألفاظه ومعانيه فهو فسسي غايسسة الفصسساحة والبلغسسة‪ ،‬أخبسساره‬
‫كلها صدق نافعة‪ ،‬ليسس فيهسا كسذب ول تنساقض‪ ،‬ول لغسو‪ ،‬وأحكسامه كلهسا عسدل‪،‬‬
‫وحكمه ليس فيه جور ول تعارض ول حكم سفيه‪.‬‬
‫ب‪ -‬التشابه العام الذي وصف به القسسرآن كلسسه‪ ،‬مثسسل قسسوله تعسسالى‪ » :‬الله نزل‬
‫أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشككعر منككه جلككود الككذين‬
‫يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله‪ «5‬ومعنسسسى‬

‫‪ - 1‬سورة المجادلة‪ .‬الية ‪.1‬‬


‫‪ - 2‬علي عمي‪ :‬المدخل لدراسة الشريعة السلمية‪ ،‬دار النشر الجسور‪ ،‬الطبعة الولى ‪.1998‬‬
‫‪-3‬‬
‫‪ - 4‬سورة هود‪ ،‬الية‪.1 :‬‬
‫‪ - 5‬سورة الزمر‪ ،‬الية ‪.23‬‬

‫‪4‬‬
‫التشابه العام أن القسرآن كلسه يشسبه بعضسسه بعضسا فسي الكمسسال والجسودة والغايسسات‬
‫الحميدة‪» 1‬ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه إختلفا كثيرا‪.«2‬‬
‫ج‪ -‬الحكام الخاص ببعضه‪ ،‬والتشابه الخسساص ببعضسسه‪ ،‬مثسسل قسسوله تعسسالى‪ » :‬هو‬
‫الذي أنزل عليك الكتاب منككه آيككات محكمككات هككن أم الكتككاب‬
‫وآخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشككابه‬
‫منككه إبتغككاء الفتنككة وإبتغككاء تككأويله ومككا يعلككم تككأويله إل اللككه‬
‫والراسخون في العلم يقولون آمنا به كككل مككن عنككد ربنككا ومككا‬
‫يذكر إل أولو اللباب‪ «3‬ومعنى هذا الحكام أن يكون معنسسى اليسسة واضسسحا‬
‫جليا‪ ،‬ل خفاء فيه‪ ،‬مثل قوله تعالى‪» :‬وأحل الله البيع وحرم الربا‪.«4‬‬
‫ومعنى التشابه الخاص ببعضه‪ :‬أن يكون معنى الية مشسستبها خفيسسا بحيسسث يتسسوهم‬
‫منه الواهم ما ل يليق بال تعالى‪ ،‬أو كتابه أو رسسسوله‪ ،‬ويفهسسم منسسه العسسالم الراسسسخ‬
‫في العلم خلف ذلك‪.5‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أحكام القرآن وحجيته في التشريع‪.‬‬

‫أول‪ :‬أحكام القرآن الكريم‪.‬‬

‫يشمل القرآن‪ ،‬دستور السلم على العديد من أنواع الحكام‪:6‬‬


‫‪ -‬الحكام العتقادية‪ :‬وهي أحكام تتعلق بوجسسوب اليمسسان بسسال وملئكتسسه وكتبسسه‬
‫ورسله واليوم الخر وما فيه من بعث ونشور وبالقدر شره وخيره‪.‬‬
‫‪ -‬الحكييام الخلقييية‪ :‬هسسي الحكسسام السستي تسسستلزم التحلسسي بالمكسسارم والتخلسسي عسسن‬
‫الرذائل‪.‬‬
‫‪ -‬الحكام العملييية‪ :‬وهي الستي تتعلسق بأفعسال وأقسوال وتصسرفات العبساد وتنقسسم‬
‫بدورها إلى‪:‬‬
‫‪‬أحكام الحوال الشخصية‪ :‬وتهتم بالسرة من بداية تكوينهسسا بعقسسد السسزواج ومسسا سسسبقه‪،‬‬
‫وحياته من حقسسوق وواجبسسات متبادلسة بيسسن أفرادهسسا ومسسا قسسد يسترتب علسسى إنحللهسسا‬
‫وإنفراد عقدها‪.‬‬
‫‪‬الحكام المدنية‪ :‬وتتعلق بمعاملت الفسسراد ومبسسادلتهم مسسن بيسسوع ورهسسون وتجسسارة‬
‫وشركات وكفالة ومدانيات‪.‬‬

‫‪ - 1‬محمد بن صالح العثيمين‪ ،‬م‪.‬س‪WWW.attasmeem.com .‬‬


‫‪ - 2‬سورة النساء‪ ،‬الية‪.82 :‬‬
‫‪ - 3‬سورة آل عمران‪ ،‬الية‪.7 :‬‬
‫‪ - 4‬سورة البقرة‪ ،‬الية‪.275 :‬‬
‫‪ - 5‬محمد بن صالح العثيمين‪.‬م‪.‬س‪.‬‬
‫‪ - 6‬أمحمد المراني زنطار‪ ،‬المدخل لدراسة الفقه السلمي‪ ،‬طبعة ‪ 1998‬ص‪.137 :‬‬

‫‪5‬‬
‫‪‬الحكام الجنائية‪ ،‬وتتعلق بما يصدر عن النسان من جرائم وما يستحق من عقوبات‬
‫بقصد الحفاظ علسسى أرواح النسساس وأعراضسسهم وأمسسوالهم وحمايسسة الجماعسسة وحفسسظ‬
‫أمنها‪.‬‬
‫‪‬أحكييام المرافعييات المدنييية والتجارييية والجييراءات الجنائييية‪ :‬تتعلق بالقضسساء والشسسهادة‬
‫وكافة إجراءات إقامة العدل بين الناس وكيفية إثبات الحقوق‪.‬‬
‫‪‬أحكييام دسيييتورية‪ :‬تتعلسسق بنظسسام الحكسسم أسسسسه وأصسسوله وتحديسسد علقسسة الحسساكم‬
‫بالمحكومين وحقوق الفراد‪.‬‬
‫‪‬الحكام المالية والقتصادية‪ :‬وتحدد مالية الدولة من إيرادات ونفقات وتنظيسسم العلقسسة‬
‫القتصادية بين الغنياء والفقراء وبين الدولة والفراد‪.‬‬
‫وهذه الحكام‪ ،‬القرآن الكريم ل يتناولها بنفس الطريقسسة بحيسسث منهسسا مسسا تسسم تناولهسسا‬
‫مفصلة كالعبادات والمواريث لغلبة التعبد فيهسسا أو لصسسعوبة إدراك حكمتهسسا بالعقسسل‬
‫وفي البعض الخر إهتم بالقواعد الكليسسة والمبسسادئ الساسسسية بهسسدف تسسرك تفصسسيل‬
‫الحكام وتطبيق الكليات على الفروع لعلماء المة والمجتهدين من المسلمين حسستى‬
‫يسايروا روح العصر وظروف البيئة فتبقى الشريعة السلمية شابة خالدة صالحة‬
‫لكل زمان ومكان‪.1‬‬

‫ثانيا‪ :‬حجية القرآن في التشريع‪.‬‬

‫يبقى الكتاب )القرآن الكريم( هو المصسسدر الول فسسي التشسسريع السسسلمي ودسسستور‬
‫المة والرجوع إليه يبقى دائما ضروري من أجل إيجسساد الحلسسول لهسسم الشسسكالت‬
‫التي يطرحها التعامل في كل المجسسالت حيسسث تجسسد حكمسا لكسل نازلسة إمسسا نصسسا أو‬
‫إستنباطا‪ ،‬وحتى المصادر الخرى فهي تستمد منه حجيتها على الحكام‪.‬‬
‫القرآن الكريم قطعي التبوث بمعنى أننا ل يجب إبداء أدنى شك بسسأن مسسا يوجسسد بيسسن‬
‫دفتي المصحف هو ما نزل على رسول الس عليسسه الصسسلة والسسسلم دون زيسسادة أو‬
‫نقصان أو تغيير أو تحريف‪ ،‬وأما دللته على الحكام فقد تكون قطعيسسة وقسسد تكسسون‬
‫ظنية كالشأن في السنة‪ ،‬وتكسسون دللسسة اللفسسظ قطعيسسة إذا دل علسسى معنسسى ل يحتمسسل‬
‫غيره كدللة لفظ النصف على معناه في قوله تعالى‪» :‬ولكم نصف مككا تككرك‬
‫أزواجكم‪«2‬‬
‫ولفسسظ المسسائة فسسي قسسوله تعسسالى‪» :‬الزانية والزاني فأجلككدوا كككل واحككد‬
‫منهما مائة جلدة‪.«3‬‬
‫أما إذا إحتمل اللفظ أكثر مسسن معنسسى فسسإنه يكسسون ظنسسي علسسى كسسل معنسسى مسسن هسسذه‬
‫المعاني كدللته على لفظ القرء إما يدل على الطهر أو الحيسسض‪ ،‬وذلسسك فسسي قسسوله‬
‫‪ - 1‬أمحمد المراني زنطار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.138 :‬‬
‫‪ - 2‬سورة النساء الية‪.12 :‬‬
‫‪ - 3‬سورة النور الية‪.2 :‬‬

‫‪6‬‬
‫تعسسالى‪» :‬والمطلقات يتربصن بأنفسككهن ثلثككة قككروء« فسسإن القسسرء‬
‫يحتمل أن يكون هذا الحيض أو الطهر فدللته على واحد منها دللة ظنية‪.1‬‬
‫ويعني أنه ما دل على معناه قطعسسا‪ ،‬ل يحتمسسل الجتهسساد أي نسسص‪) ،‬لإجتهسساد مسسع‬
‫النص( وإما ما دل معناه ظاهرا أي ظنا فإنه يكون محل للجتهاد وعمل المجتهد‬
‫يقتصسر علسى ترجيسح الدلسسة المقصسود الشسارع منهسسا‪ ،‬وعليسه فنصسوص القسسرآن‬
‫الكريم إما أن تكون قطعية الثبوت والدللسسة كلفسسظ المسسائة‪ ،‬وإمسسا أن تكسسون قطعيسسة‬
‫الثبوت وظنية الدللة كلفظ القرء‪ ،2‬وفي الحالة الولى يقال أن النص فسسي القسسرآن‬
‫جاء قطعي الدللة )عندما يكون اللفظ على معنى واحد ل يحتاج إلى إجتهاد( أمسسا‬
‫الحالة الثانية يقال أن النص القرآني جاء بلفظ عام أو مشترك أو بلفسسظ مطلسسق أي‬
‫أن النص القرآني جاء بلفظ غير واضح يحتسساج إلسسى تغييسسر إمسسا بسسالقرآن نفسسسه أو‬
‫السنة أو القياس الذي يعتبر مصدر ل يفترق عن القرآن والسنة أو إجتهاد علمسساء‬
‫المة بعد وفاة الرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫السنة‬
‫السنة لغة‪ :‬الطريقة المعتادة سسسواء كسسانت حسسسنة أم سسسيئة‪ ،‬يقسسول تعسسالى‪» :‬سنة‬
‫الله في الذين خلوا مكن قبكل‪ ،‬ولكن تجكد لسكنة اللكه تبكديل‪«3‬‬
‫ويقول صلى ال عليه وسلم‪» :‬من سن سنة حسنة فله أجرهككا وأجككر‬
‫من عمل بها إلى يوم القيامككة‪ ،‬ومككن سككن سككنة سككيئة فعليككه‬
‫وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة«‪.‬‬
‫أما في الصطلح الفقهسسي فيقصسسد بهسسا مسسا صسسدر عسسن الرسسسول )ص( ممسسا ليسسس‬
‫قرآنا‪ ،‬من أقوال أو أفعال أو تقريرات‪ ،‬مما يصلح أن يكسون دليل لحكسسم شسرعي‪،‬‬
‫وعنسسد علمسساء الحسسديث فبعضسسهم يوافسسق تعريسسف الصسسوليين أمسسا البعسسض الخسسر‬
‫فيضيف إلى ما سبق ذكره أقوال الصحابة رضسسوان ال س عليهسسم وأفعسسالهم‪ ،‬وذلسسك‬
‫إستنادا إلى حديثه صسسلى ال س عليسسه وسسسلم السسذي يقسسول فيسسه‪» :‬عليكم بسنتي‬
‫وسنة الخلفاء الراشككدين المهككديين مككن بعككدي‪ ،‬عضككوا عليهككا‬
‫بالنواجد‪«4‬‬
‫وللحديث عن السنة النبوية كمصدر أساسسسي ومتفسسق عليسسه مسسن مصسسادر التشسسريع‬
‫السلمي سنقسمها إلى قسمين‪ ،‬نتناول فسسي القسسسم الول أنسسواع السسسنة وأقسسسامها‪،‬‬
‫وفي القسم الثاني تدوينها وحجيتها ومنزلتها من القرآن الكريم‪.‬‬

‫القسم الول‪ :‬أنواع السنة وأقسامها‪.‬‬

‫‪ - 1‬أمحمد المراني زنطار‪.‬م‪.‬س‪.‬ص‪.144 :‬‬


‫‪ - 2‬أمحمد المراني زنطار‪.‬م‪.‬س‪.‬ص‪144 :‬‬
‫‪ - 3‬سورة الحزاب‪ :‬الية‪.62 :‬‬
‫‪ - 4‬رواه أبو داوود والترمذي‪ ،‬وهو الحديث الثامن والعشرون من الحاديث النبوية‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫الفرع الول‪ :‬أنواع السنة‪.‬‬

‫تنقسم السنة إلى ثلثة أنواع‪ :‬سنة قولية وسنة فعلية وأخرى تقريرية‪.‬‬
‫‪ -1‬السنة القولية‪ :‬هي ما صدر عن الرسول صلى ال عليه وسسسلم مسسن أحسساديث‬
‫في مختلف المناسبات والغراض‪ ،‬ويطلق عليها مصسسطلح »الحسساديث النبويسسة«‬
‫وهي بذلك أخص من السنة لن هذه الخيسسرة تعنسسي كسسل مسسا صسسدر عسسن الرسسسول‬
‫)ص( من قول أو فعل أو تقرير أما الحديث فهو ما صدر عنسسه عليسسه السسسلم مسسن‬
‫أقوال يريد بها المسسر أو النهسسي أو الجبسسار‪ ،1‬والمثلسسة عسسن السسنة القوليسسة كسسثيرة‬
‫وكثيرة جدا كقوله )ص(‪» :‬إنما العمال بالنيات‪ ،‬وإنما لكل إمرئ ما‬
‫نوى‪ «2‬وقوله )ص(‪» :‬ل ضرر ول ضرار‪ «3‬وقسسوله عليسسه السسسلم »مككن‬
‫رأى منكم منكرا فليغيره بيده‪ ،‬فإن لم يسككتطع فبلسككانه فككإن‬
‫لم يستطع فبقلبككه‪ ،‬وذلككك أضككعف اليمككان‪ «4‬وقسسوله‪» :‬ل يككؤمن‬
‫أحدكم حتى يحب لخيه ما يحب لنفسه‪.«5‬‬
‫‪ -2‬السنة الفعلية‪ :‬تنقسم السنة الفعلية إلى نوعين‪:‬‬
‫النوع الول‪ :‬ما صدر منه بمقتضى الجهة النسسسانية والطبيعسسة البشسسرية‪ :‬كالقيسسام‬
‫والقعود‪ ،‬والمشي والنوم‪ ،‬والكل والشرب‪ ،‬وما فعلسسه بمقتضسى خسبرته وتجسساربه‬
‫في شؤون الدنيا من تجارة‪ ،‬وتدبير حربي‪ ،‬ووصف دواء لمريض إلى غير ذلسسك‬
‫ول يدل وقوع مثل هذا منه صلى ال عليه وسلم إل على الباحة‪.‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬ما صدر عنه بمقتضى رسالته‪ :‬وهو أنواع‪:‬‬
‫‪ -1‬ما دل الدليل على أنه خاص به‪ ،‬فل تكون المة فيه مثله موجوب التهجد من‬
‫قوله تعالى‪» :‬ومن الليل فتجهد به نافلة لك« وجواز مواصسسلة الصسسوم‬
‫من قوله صسسلى الس عليسسه وسسسلم حيسسن نهسساهم عسسن الوصسسال فقسسالوا إنسسك تواصسسل‪:‬‬
‫»فأيكم مثلي؟ إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني« وإباحة التزوج‬
‫بأكثر من أربع من فعله صلى ال عليه وسلم مع نهي غيره عسسن الزيسسادة وإبسساحته‬
‫لسسه بغيسسر مهسسر مسسن قسسوله تعسسالى‪» :‬وإمرأة مؤمنككة إن وهبككت نفسككها‬
‫للنبي‪«6...‬‬
‫‪ -2‬ما ثبت أنه بيسسان للكتسساب‪ ،‬فيكسسون متممسسا لسسه‪ ،‬ويكسسون حكمسسه كحكسسم مسسا بينسسه‪،‬‬
‫ويعرف كون الفعل بيانا إما بدليل قولي‪ ،‬كقسوله صسسلى الس عليسه وسسسلم فسسي شسأن‬
‫الصلة » صلوا كما رأيتموني أصلي« وقوله في الحسسج »خذوا عنككي‬
‫مناسككم« أو بقرينة حال‪ ،‬كأي يرد في المتاب لفظ مجمل فيقع عنسسد الحاجسسة‬
‫‪ - 1‬عبد اللطيف خالفي‪ :‬المدخل لدراسة الشريعة السلمية الطبعة الولى ‪ 99 -98‬ص‪.139 :‬‬
‫‪ - 2‬رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن الربعة‪.‬‬
‫‪ - 3‬رواه أحمد وإبن ماجة‪.‬‬
‫‪ - 4‬رواه مسلم‪.‬‬
‫‪ - 5‬رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫‪ - 6‬سورة الحزاب الية‪.50 :‬‬

‫‪8‬‬
‫إلى بيانه أو تطبيقه عمل‪ ،‬كالقطع من الكوع عند تنفيسسذ حسسد السسسرقة والسستيمم إلسسى‬
‫المرفقين عند الحاجة إلسسى السستيمم‪ .‬ومنسسه مسسا روى أن أنصسساريا قبسسل إمرأتسسه وهسسو‬
‫صائم‪ ،‬فوجد من ذلك وجدا شديدا‪ :‬فأرسل إمرأته تسأل عن ذلك‪ ،‬فدخلت علسسى أم‬
‫سلمة أم المسسؤمنين فأخبرتهسسا فقسالت أم سسلمة‪ ،‬فسرداه ذلسسك شسرا وقسال‪ :‬لسسنا مثسسل‬
‫رسول ال‪ ،‬يحل ال لرسوله ما شاء فرجعت المرأة إلى أم سلمة فوجسسدت رسسسول‬
‫ال عندها فقال‪ :‬ما بال هذه المرأة؟ فأخبرته أم سلمة فقال أل أخبرتيها أنسسي أفعسسل‬
‫ذلك؟ فقالت أم سلمة قد أخبرتها فذهبت إلى زوجها فأخبرته فزاده ذلك شرا وقسسال‬
‫لسنا مثل رسول ال‪ ،‬يحل ال لرسوله ما شسساء‪ ،‬فغضسسب رسسسول الس وقسسال‪ :‬والس‬
‫إنني لتقاكم ل وأعلمكم بحدوده‪.‬‬
‫ج‪ -‬مسسا عسسدا النسسوعين السسسابقين وهسسذا إن عرفسست صسسفته الشسسرعية بالضسسافة إلسسى‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم فعلينا التأسي بسسه لقسسوله تعسسالى »لقد كان لكككم‬
‫في رسككول اللككه إسككوة حسككنة لمككن كككان يرجككو اللككه واليككوم‬
‫الخر‪.«1‬‬
‫وقد كان الصحابة أحسسرص النسساس علسسى متابعسسة الرسسسول صسسلى الس عليسسه وسسسلم‬
‫يفعلون مثل فعله ويحتجون بعمله‪ 2‬ومن ذلك قول عمر حينما قبل الحجسسر السسسود‬
‫) لول أني رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقبلك ما قبلتك(‪.‬‬
‫‪ -3‬السنة التقريرية‪ :‬هي ما أقره الرسول صلى ال عليه وسسسلم ممسسا صسسدر عسسن‬
‫بعسسسض أصسسسحابه أو حسسستى مسسسا جسسساء فسسسي بعسسسض المسسسم السسسسابقة مثسسسل صسسسيام‬
‫عاشوراء‪.‬بحضوره أو في غيبته وعلم به‪ ،‬من أقوال أو أفعال‪ ،‬وذلك إما بسسسكوته‬
‫عليه السلم وعدم إنكاره‪ ،‬أو بموافقته وإظهسسار إستحسسسانه‪ ،‬فيعتسسبر بهسسذا القسسرار‬
‫والموافقة عليه صادرا عن الرسول نفسه‪.‬‬
‫ومن أمثلة السنة التقريريسسة مسسا روى أن صسسحابيين خرجسسا فسسي سسسفر فحضسسرتهما‬
‫الصلة ولم يجدا ماء فتيمما وصليا ثم وجدا الماء بعد ذلك فأعاد أحسسدهما صسسلته‬
‫ولم يعدها الخر فلما قصا أمرهما على الرسسسول )ص( أقسسر كل منهمسسا علسسى مسسا‬
‫فعل فقال للذي لم يعد أصبت السنة وأجزأتك صلتك وقال للذي أعساد لسسك الجسسر‬
‫مرتين‪.3‬‬
‫كذلك روى أنه لما بعث معاذ بن جبل إلى اليمن قال لسسه بسسم تقضسسي؟ قسسال أقضسسي‬
‫بكتاب ال قال فإن لم تجد في كتاب ال؟ قال فبسنة رسول ال )ص( قسسال فسسإن لسسم‬
‫تجد في سنة رسسسول الس ول فسسي كتسساب الس قسسال أجتهسسد رأيسسي ول آلسسو‪ 4‬فضسسرب‬

‫‪ - 1‬سورة الحزاب الية‪.21 :‬‬


‫‪ - 2‬علي حسب ال‪ :‬أصول التشريع السلمي‪ ،‬الطبعة الخامسة ‪ 1976‬ص‪ 69 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ - 3‬رواه أبو داوود والنسائي‪.‬‬
‫‪ - 4‬أي ل أقصر‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫رسول ال )ص( صدره وقال الحمد ل الذي وفق رسول رسول الس لمسا يرضسي‬
‫ال‪.5‬‬
‫ومما لشك فيه أن القرار الذي يصسسحبه مسسا يسسدل علسسى الرضسسا بالفعسسل أو القسسول‬
‫يكون أبلغ وأقوى من مجرد السكوت وعدم النكار ومثاله‪ ،‬إقرار الرسول )ص(‬
‫لمن توضأ بالتيمم بالتراب لعدم وجود الماء‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬أقسام السنة‪.‬‬

‫أقسام السنة من حيث سندها‪:‬‬ ‫‪-1‬‬

‫‪ -‬السنة المتواثرة‪ :‬وهي السنة التي رويت عن الرسول )ص( في جميع العصور‬
‫)من العصر النبوي الشريف إلى عصر التدوين( بواسطة جمع يستحيل تسسواطئهم‬
‫على الكذب وبالتسسالي تكسسون الحسساديث متسسواثرة إذ رواهسسا جمسسع عسسن رسسسول الس‬
‫)ص( ينتفي في حقهم التواطؤ على الكذب ثم يروي عنهسسم جمسسع آخسسر مثلهسسم فسسي‬
‫الثقة والطمئنان وهكذا يروي جمع عن جمع حسستى يصسسل إلينسسا سسسواء كسسان سسسنة‬
‫قولية أو فعلية أو تقريرية‪.‬‬
‫ومن تم فالعبرة في التواثر هي تحقق الجمع الذي يمتنع إتفاقهم على الكسذب عسادة‬
‫في عصر من العصور الثلثة وهي عصسسر الصسسحابة وعصسسر التسسابعين وعصسسر‬
‫تابعي التابعين أما بعد عصر تابعي التابعين فل عسسبرة بسه لن السسنة قسد صسسارت‬
‫بعد هذا العصر مشهورة مستفيضة‪ ،‬نظرا لقبسال الفقهساء علسى جمعهسا وتسدوينها‬
‫في مؤلفات خاصة‪.‬‬
‫ولتحقق التواثر في الخبر لبد من توافر مجموعة من الشروط وهي‪:‬‬
‫أن يرويه عدد من الرواة ول يشترط في ذلك عدد معين‪ ،‬بسسل يكفسسي أن‬ ‫‪-‬‬
‫تتم الرواية بالنقل الجماعي ويتحقق إطمئنان النفس إلى الرواة وعدم تصسسور‬
‫التواطؤ على كذبهم إما لكثرتهم أو لكونهم من صالح المة‪.‬‬
‫أن توجد كثرة الرواة في جميع طبقات السند‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫أن يؤمن عادة تواطؤهم على الكذب أو النسيان أو الغلط أو نحو ذلك‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫أن يكون مسسستند خسسبرهم الحسسسن كقسسولهم سسسمعنا أو رأينسسا أمسسا إذا كسسان‬ ‫‪-‬‬
‫مستند خبرهم العقل ل يسمى الخبر حينئذ متواثرا‪.‬‬
‫وينقسم المتواثر إلى قسمين‪ :‬متواثر لفظي‪ :‬وهو ما إتفق فيسسه جميسسع السسرواة علسسى‬
‫نقل الخبر المتسسواثر بلفسسظ واحسسد مثسسل قسسوله عليسسه الصسسلة والسسسلم »الحلل بيسسن‬
‫والحرام بين وبينهما أمور متشابهات فدع ما يريبك إلى ما ل يريبك«‪.‬‬

‫‪ - 5‬رواه أبو داوود‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫ومتواثرمعنوي وهو ما تسسواثر معنسساه دون لفظسسه أي إتفسساق روايسسات الحسسديث فسسي‬
‫المعنى دون اللفظ ولكنه متفق معه في المعنى وذلك مثل قوله )ص(‪» :‬ل تجتمسسع‬
‫أمتي على ضللة« وقوله عليه الصلة والسلم »ل تجتمع أمتي على الخطأ«‪.‬‬
‫ول خلف بين الفقهاء أن السنة المتواثرة سواء كسسانت لفظيسسة أو بسسالمعنى تسسوجب‬
‫العلم القطعي اليقيني‪ ،‬مما يوجب العمل بمسسا تتضسسمنه مسسن أحكسسام تشسسريعية لنهسسا‬
‫قطعية الثبوت عن الرسول )ص(‪.‬‬
‫بقيت الشارة إلى أن السنة المتواثرة كثيرة الوجود في السنن الفعلية كالذي روي‬
‫عنه )ص( في كيفية الوضوء والصسسلة والحسسج وغيرهسسا مسسن شسسعائر السسدين السستي‬
‫إطلع عليها جمهور المسلمين ونقلها عنه جمع يمتنع إتفاقه على الكذب عادة‪ ،‬أمسسا‬
‫السنن القولية فإن وجود السنة المتواثرة فيهسسا محسسل خلف بيسسن الفقهسساء فبعضسسهم‬
‫ينكر وجودها والبعض الخر قال بوجودها‪ .‬وإن أشار إلى قلتها‪.1‬‬
‫ب‪ -‬السنة المشهورة‪ :‬هي الحاديث التي يرويها عن الرسول )ص( صحابي أو‬
‫مجموعة من الصحابة بنقل الجماعي ل يبلغ حسسد التسواثر ثسم يرويهسسا عسن هسؤلء‬
‫جمع من التابعين والرواة الثقات ثم يروي عنهسسم جمسسع آخسسر بهسسذه الصسسفة وهكسسذا‬
‫حتى تصل إلينا هذه الحاديث ويذكر بعض آراء فقه السنة بأن الفرق بيسسن السسسنة‬
‫المشهورة والسنة المثواترة أن سند هذه الخيرة جمع متواثر مسسن الرسسسول )ص(‬
‫إلى عصر التدوين‪ 2‬أما السنة الولى ففسسي سسسندها صسسحابى أو قلسسة مسسن الصسسحابة‬
‫إبتداء وبعد ذلك نقلها عنهم جمع بلغ حد الثواتر لذلك‪ ،‬فسسإن السسسنة المشسسهورة مسسن‬
‫حيث الحكم ل تفيد سوى الظن القريب من اليقين المفيد للطمأنينة‪.‬‬
‫والحقيقة أن السنة المشهورة تعتبر‪ ،‬وهذا عند جمهور الفقهاء ‪ -‬سنة آحسساد‪ ،‬إل أن‬
‫الحنسساف السسذين قسسسموا الحسسديث إلسسى ثلثسسة أقسسسام جعلوهسسا وسسسطا بيسسن المثسسواثر‬
‫والحاد‪ ،‬لنها تواثرت في عصر التابعين إلى عصر التدوين‪.‬‬
‫ومن الفروق أيضا السنة المتواثرة قطعية الثبسسوث عسسن الرسسسول )ص( فسسي حيسسن‬
‫السنة المشهورة قطعية الثبوت بالنسبة للصحابي الذي يروي عن الرسسسول )ص(‬
‫فقط‪.‬‬
‫ومن المثلة عسن السسسنة المشسهورة قسسول الرسسسول )ص( »إنمسسا العمسسال بالنيسسات‬
‫وإنما لكل إمرئ ما نوى‪ «...‬فهو حديث لم يسسروه عسن النسبي )ص( إل عمسر إبسسن‬
‫الخطاب )ض( ولم يروه عن عمر إل علقمسة إبسن وقساص الليسثي ولسم يسروه عسن‬
‫علقمة غير محمد بن إبراهيم اليتمي ولم يروه عن محمسسد هسسذا إل يحيسسا بسسن سسسعيد‬
‫النصاري ثم رواه عن يحيا هذا عدد من الرواة الثقات فأصبح مشسسهورا متسسداول‬
‫بكثرة بين علماء السلم في إستخراج العديد من الحكام الشرعية‪.‬‬

‫‪ - 1‬عبد اللطيف خالفي‪ .‬المرجع السابق‪ .‬ص‪.147 -146 :‬‬


‫‪ - 2‬على عمى‪ .‬المدخل للدراسة الشريعة السلمية ‪ .‬الطبعة الولى ‪ .1998‬ص‪.94 :‬‬

‫‪11‬‬
‫ج‪ -‬حديث الحاد‪ :‬هو الحديث الذي رواه عن الرسول )ص(عدد من الصحابة لسسم‬
‫يبلغ حد التواثر سواء في عهسسد النسسبي أو مسسن بعسسده حسستى عهسسد التسسابعين‪ .‬وحسسديث‬
‫الحاد يفيد العلسسم الظنسسي الراجسسح ول يفيسسد العلسسم القطعسسي‪ ،‬إذ التصسسال بالرسسسول‬
‫)ص( فيه شسبهة‪ ،‬ولهسذه الشسبهة فسسي إسسناد الحسسديث بالرسسول عليسه السسلم قسسال‬
‫جمهور الفقهاء بالعمل له ما لم يعارضه معارض‪ ،‬ولم يأخذوا به في العقيسسدة لن‬
‫المور العتقادية تبنى على الجزم واليقين ول تبنى على الظن ولو كان راجحسسا‪،‬‬
‫لن الظن في العتقاد ل يغني عن الحق شيئا‪.‬‬
‫ويذكر مؤرخوا فقه السنة النبويسسة الشسسريفة بسسأن حسسديث الحسساد هسسو الكسسثر عسسددا‬
‫بالمقارنة مع السنة المشهورة والسنة المتواثرة‪.‬‬
‫غيسسر أن فقهسساء السسسلم إختلفسسوا فسسي شسسروط إعتبسسار حسسديث الحسساد حجسسة علسسى‬
‫المسلمين ومصدر من مصسسادر التشسسريع وذلسسك تبعسسا لختلفهسسم فسسي التجسساه إلسسى‬
‫التشدد في الموضوع أو العكس التجاه إلى التساهل في الخذ بأحكام ما ورد فسسي‬
‫هذا الحديث‪.‬‬
‫وأهسسم شسسروطهم سسسواء كسسانوا مشسسددين أو متسسساهلين تتمحسسور حسسول كسسون راوي‬
‫حديث الحاد عدل وثقة‪ ،‬ل يعرف عنه الكذب متدين عالما بأمور دينسسه‪ ،‬ضسسابطا‬
‫لما يسسسمع أي معسسروف بملكسسة الفهسسم والحفسسظ وتثبسست سسسماعه للحسسديث فعل ممسسن‬
‫يروي عنه بسند متصل أساسه اللقاء بينهما‪.‬‬
‫وينكر الخوارج والمعتزلة ومن تبعهم من فقهاء السلم أية حجية لحديث الحسساد‬
‫ويدعون إلى إهماله وعسسدم العمسسل بسسه لنسسه يحتمسسل دخسسول الخطسسأ والسسوهم وحسستى‬
‫الكذب عليه الشيء الذي يجعله بعيدا عن درجة العلم وأحسسرى اليقيسسن وهسسو العلسسم‬
‫المقطوع به‪ .‬بينما المام الشافعي يقبل الحاد معلل توجهه بسسأن الرجسسل كسسان يفسسد‬
‫على الرسول )ص( فيتعلم منه الدين ثم يعود إلى قومه مبلغا ومعلما‪.‬‬

‫أقسام السنة من حيث درجة الصحة أو الضعف‪.‬‬ ‫‪-2‬‬

‫‪ -1‬الحديث الصحيح‪ :‬وهو الحديث المسند الذي إتصل سنده بنقل العدل الضسسابط‬
‫عن العدل الضابط‪ ،‬حتى ينتهي إلى رسول ال )ص( مسسن غيسسر شسسذوذ ول تعليسسل‬
‫بعلة قادحة‪ ،‬ويذكر علماء الشسريعة السسسلمية بسسأن الحسسديث الصسحيح ل يتصسف‬
‫بهذا الوصف إل إذا توافرت فيه الشروط التالية‬
‫• أن يكون الحديث الصسسحيح مسسسندا أي يتصسسل إسسسناده مسسن روايسسة تنتهسسي إلسسى‬
‫الرسول )ص( فيقال عنه أنه حديث متصل أو موصول‪.‬‬
‫• أن تتوفر في راوي الحديث العدالة والضبط وعدالة السسراوي هسسي أن يعسسرف‬
‫بإستقامته التامة في شؤون الدين‪ ،‬مسلما‪ ،‬بالغا‪ ،‬عاقل‪ ،‬سالما من الفسسسق‪ .‬وشسسرط‬

‫‪12‬‬
‫الضبط في الراوي هو أن يعرف بضبط سسسماعه للروايسسة كمسسا يلسسزم‪ ،‬وفهمسسه لهسسا‬
‫فهما دقيقا‪ ،‬وحفظه لها حفظا كامل ل تردد فيسسه وثبسساته علسسى الداء فسسي هسسذا مسسن‬
‫وقت التلقي إلى وقت التبليغ‪.‬‬
‫• أن يسلم الحديث من الشذوذ والعلة ويقصد بالشذوذ أن يروي الحسسديث راوي‬
‫ثقة مخالفا به ما أجمع عليه غيره من الرواة الثقات‪ ،‬ويعني هذا أنه إذا روى هسسذا‬
‫الراوي إنفرد بروايته ل يوصم بالشذوذ‪ .‬أما عن خلو الحسسديث مسسن العلسسة القادمسسة‬
‫فيعني ضرورة خلوه من أية علة خفية مسسن شسسأنها المسسساس بصسسحة الحسسديث إلسسى‬
‫الرسول صلى الس عليسسه وسسسلم‪ ،‬وذلسسك كسسأن يسسروى عمسسن عاصسسره بلفسسظ "عسسن"‬
‫والحال أنه لم يسمع منه شيئا‪.‬‬
‫ب‪ -‬الحديث الحسن‪ :‬ويقصد به ما إتصل سنده بنقل عدل خفيف الضبط من غيسسر‬
‫شذوذ ول علة‪ ،‬ويتضح من هذا التعريف أن وجسسه الخلف بيسسن الحسسديث الحسسسن‬
‫والحديث الصحيح هو أن الول فيه الراوي متصف بالعدالة لكنه خفيسسف الضسسبط‬
‫في النقل بينما الثاني الراوي يتوفر على شرط العدالة والضبط التام‪.‬‬
‫وما عدا هذا الخلف فل فرق بين الصحيح والحسن من حيث الحتجاج ووجوب‬
‫العمل به‪ ،‬لن كل منهما حال من الشذوذ والعلة وإن كسسان الحسسسن دون الصسسحيح‬
‫من حيث القوة‪.‬‬
‫ج‪ -‬الحديث الضعيف‪ :‬هو ثالث أقسام الحديث من حيث درجة الصحة والضسسعف‬
‫وخير تعريف له أنه »ما لم يجتمسع فيسه حسسنات الصسحيح ول صسفات الحسسن«‪.‬‬
‫ومعنى ذلك أن الحديث الضعيف فقد شرطا مسسن شسروط الصسحيح أو شسرطا مسن‬
‫شروط الحسسن لسذلك فالحسديث الضسعيف يرجسع ضسعفه لعسدة أسسباب‪ ،‬قسد تتعلسق‬
‫بالمتن‪ ،‬وقد تتعلق بالسند وقد تتعلسسق بهمسسا معسسا أو بغيرهمسسا‪ 1‬ممسسا يجعسسل الحسسديث‬
‫المنسوب إلى الرسول صلى ال عليه وسلم ل تطمئن النفسسس إلسسى القطسسع بصسسحته‬
‫أو حتى غلبة الظن بالنسبة لمن يريد أن يأخذه عن غيره‪.‬‬

‫القسم الثاني‪ :‬تدوين السنة وحجيتها ومنزلتها من القرآن الكريم‪.‬‬

‫تدوين السنة وحجيتها‪.‬‬ ‫‪-1‬‬

‫‪ -1‬تدوين السنة‪.‬‬
‫يذكر مؤرخسسوا السسسلم أن تسسدوين السسسنة وكتابسسة الحسساديث النبويسسة مسسر بسسأطوار‬
‫مختلفة‪ 2‬ففي عهد الرسول )ص( لم تدون السنة النبوية الشريفة لكسسونه صسسلى الس‬
‫عليه وسلم نهى أصحابه عن تدوينها خشسسية إختلطهسسا بسسالقرآن السسذي كسسان يكتسسب‬

‫‪ - 1‬كما لو إختلت شروط العدالة في الرواة أو بعضهم أو حتى مجرد أحدهم أو إشتمل على شذوذ أو علة‪.‬‬
‫‪ - 2‬علي عمي‪ .‬المرجع السابق‪ .‬ص‪ 82 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫حينذاك‪ .‬حيث قال عليه السلم »ل تكتبسسوا عنسسي‪ ،‬ومسسن كتسسب عنسسي غيسسر القسسرآن‬
‫‪1‬‬
‫فليمحه‪ ،‬وحدثوا عني ول حرج‪ ،‬ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار«‬
‫وأيضا لسعة حفظ الصحابة بالضافة إلى أن أكثرهم كانوا ل يعرفون الكتابة‪.‬‬
‫ومع ذلك يذكر أن بعض الصحابة كتبسسوا فسسي عهسسد الرسسسول)ص( مجموعسسة مسسن‬
‫الحاديث‪ ،‬بل إن منهم من كتبها بسسإذن خسساص منسسه )ص( وذلسسك قبسسل الذن العسسام‬
‫بكتابة الحديث لكل من رغب فيه وقدر عليه وذلك في السنوات الخيرة من بعثته‬
‫عليه السلم حيث نزل أكثر الوحي وحفظه الكثيرون‪ ،‬ولم يعد يخشى من إختلط‬
‫الحديث بالقرآن أو إلتباس أقواله وشروحه وسيرته بكتاب ال‪.‬‬
‫ومن أشهر مسسن عسسرف بكتابسسة الحسسديث فسسي عهسسد الرسسسول)ص( سسسعد بسسن عبسسادة‬
‫النصاري وعبد ال إبن عمرو بن العاص الذي كتسسب أشسسهر صسسحيفة للحسساديث‬
‫النبوية وكانت تسمى الصحيفة الصادقة وقد إشتملت على ألف حديث من أحاديث‬
‫النبي عليه السلم‪.2‬‬
‫ولما جاء عهد الخلفاء الراشدون ظسسل الموقسسف مسسن كتابسسة السسسنة وتسسدوينها شسسبيها‬
‫تماما بما كان عليه الحال في العهد النبوي الشسسريف‪ ،‬فمسن عسروة إبسن الزبيسسر أن‬
‫عمر بن الخطاب )ض( أراد أن يكتب السنن فإستشار في ذلسسك أصسسحاب رسسسول‬
‫ال )ص( فثار عليه عامتهم بذلك فلبث الخليفة عمر شهرا يسسستخير ال س فسسي ذلسسك‬
‫شاكا فيه‪ ،‬ثم أصبح يوما وقد عزم ال له فقال "إن كنت قد ذكرت لكسسم مسسن كتابسسة‬
‫السنن ما قد علمتم ثم تذكرت فإذا أناس من أهل الكتاب قبلكم قد كتبسسوا مسسع كتسساب‬
‫ال كتبا فأكبوا عليها وتركوا كتاب ال وإني وال ل ألبس كتاب ال بشيء" فترك‬
‫كتابة السنة‪.3‬‬
‫وظل المر على هذا النحو حتى جاء عهسسد الخليفسة عمسر بسن عبسد العزيسز )ض(‬
‫الذي نبه إلى جمع السنة وإعتبارها علما من العلوم السستي لهسسا قواعسدها ورجالهسسا‪،‬‬
‫وقد كان ذلك على رأس القرن الثاني للهجرة‪ ،‬حيسسث أمسسر الخليفسسة عمسسر بسسن عبسسد‬
‫العزيز أبا بكر بن حزم قاضي المدينسسة المنسسورة أن يجمسسع السسسنة‪ ،‬فإمتثسسل‪ ،‬ولكسسن‬
‫الخليفة توفي بعد ذلك بمدة لم تكن كافية لتحقيق رغبتسسه‪ ،‬ولسسم يعسسن مسسن جسساء بعسسد‬
‫الخليفة عمر بن عبد العزيز من خلفاء في أمية بتدوين السنة لنشسسغالهم بالسياسسسة‬
‫وأمور الحكم‪.‬‬
‫ولم تبدأ الخطوات الحقيقية لتدوين السنة وتبويبها إل في العهد العباسي حيسسث بسسدأ‬
‫جمعها وتدوينها مسسع منتصسسف ق‪ .2.‬وقسسد كسسان الحسسديث فيمسسا‪.‬جمسسع منسسه فسسي هسسذه‬
‫المرحلة مختلطا بأقوال الصحابة والتابعين‪ ،‬بحيث لم يعسسن الفقهسساء آنسسذاك بتمييسسز‬
‫السنة عن أقوال وفتاوى الصحابة والتابعين ول بترتيبها‪.‬‬

‫‪ - 1‬رواه مسلم عن أبي سعيد الخذري‪.‬‬


‫‪ - 2‬عبد اللطيف الخالفي‪ .‬المرجع السابق‪ .‬ص‪.136 :‬‬
‫‪ - 3‬ويذكر في هذا الطار أن أبا بكر الصديق )ض( جمع بعض الحاديث وحرقها‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫وقد تلت هذه الخطسسوة خطسسوات أخسسرى عنسسي فيهسسا بتسسدوين السسسنة وتمييزهسسا عسسن‬
‫فتاوى الصحابة والتابعين‪ ،‬حيث تبلور عن ذلك علم قسسائم بسسذاته يعسسرف ب »علسسم‬
‫مصطلح الحديث« وكانت ذلك مسع منتصسف القسرن الثساني الهجسري‪ ،‬وبعسد ذلسك‬
‫ظهرت طريقة جديدة‪ ،‬وهي تمييز الحاديث الصحيحة عن غيرهسسا والبحسسث فسسي‬
‫الرواة‪ ،‬فكان هذا أزهى عصور الحديث‪.1‬‬
‫ب‪ -‬حجيتها‪:‬‬
‫أجمسسع المسسسلمون علسسى أن السسسنة مصسسدر التشسسريع‪ 2‬وقسسد دل علسسى هسسذا الكتسساب‬
‫بنصوصه الكثيرة وبأساليب مختلفة من ذلك‪ ،‬التصريح بأن النبي )ص( ل ينطسسق‬
‫عن الهوى وإنما هو وحي من ال‪ ،‬وما كان من عند ال يلزم إتبسساعه قسسال تعسسالى‪:‬‬
‫»وما ينطق عن الهوى إن هككو إل وحككي يككوحى‪ «3‬والمسسر بطاعسسة‬
‫الرسول »قل أطيعوا الله والرسول« وجعسسل طاعسسة الرسسسول طاعسسة لس‬
‫»من يطع الرسول فقد أطاع الله« وكذلك المسسر بإتبسساع مسسا يأتينسسا بسسه‬
‫الرسول »وما آتاكم الرسول فخذوه ومككا نهككاكم عنككه فككإنتهوا‪«4‬‬
‫ووجوب رد المتنازع فيه إلى ال أي إلى كتابه وإلى الرسسسول أي إلسسى سسسنته قسسال‬
‫تعالى‪ » :‬فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى اللككه والرسككول إن‬
‫كنتم تؤمنككون بككالله واليككوم الخككر ذلكك خيككر وأحسككن تككأويل«‬
‫ووجوب تحكيم الرسول )ص( فيما يحصل فيه الختلف وقبول ما يحكسسم بسسه‪» :‬‬
‫فل وربك ل يؤمنككون حككتى يحكمككوك فيمككا شككجر بينهككم ثككم ل‬
‫يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما‪ «5‬ومن تم‬
‫ل خيار للمسلم فيما قضى به ال أو قضى به رسوله »وما كان لمككؤمن ول‬
‫مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهككم الخيككرة مككن‬
‫أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلل مبينا‪ «6‬وقد حسسذر‬
‫سبحانه بالعذاب الليم من مخالفة الرسول)ص( »فلبحذر الذين يخككالفون‬
‫عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم«‪.‬‬
‫وبإعطاء ال رسسسوله سسسلطة بيسسان أحكسسام القسسرآن لن فسسي القسسرآن أحكامسسا مجملسسة‬
‫تحتاج إلى تفصيل وبيسسان حستى يصسسح بهسا التكليسسف‪ ،‬تكسون السسنة حجسسة وواجبسة‬
‫التباع ومتسمة للكتاب ومصدر للتشريع يقول تعالى‪» :‬وأنزلنا إليك الككذكر‬
‫لتبين للناس ما نزل إليهم«‪.‬‬

‫‪ - 1‬فيه ألف البخاري ومسلم صحيحيهما وألف أبو داوود وإبن ماجة والترمذي والنسائي سننهم وكتب هؤلء معروفة بالكتب الستة‪.‬‬
‫‪ - 2‬المدخل لدراسة الشريعة السلمية ص‪.121 -120 :‬‬
‫‪ - 3‬سورة النجم اليتان ‪.3‬‬
‫‪ - 4‬سورة النجم اليتان ‪.4‬‬
‫‪ - 5‬سورة النساء الية‪.80.‬‬
‫‪ - 6‬سورة النور الية ‪.63‬‬

‫‪15‬‬
‫وإذا كان القرآن الكريم يؤكد حجية السنة النبوية‪ ،‬فإن هذه الخيرة نفسها تتضمن‬
‫ما يدل على أنها دليل من الدلة الشرعية‪ ،‬فالرسول الكريم )ص( حين بعث معاذ‬
‫بن جبل إلى اليمن قاضيا‪ ،‬قال له بم تقضي فقال بكتاب ال‪ ،‬فقال له الرسول‪ ،‬فإن‬
‫لن تجد قال‪ ،‬فبسنة رسسسول السس‪ ،‬فسسإن لسسن تجسسد؟ قسسال أجتهسسد رأيسسي ول آلسسو‪ ،‬فقسسال‬
‫الرسول)ص( الحمد ل الذي وفق رسول ال إلى ما يرضي ال س ورسسسوله‪ ،‬فكسسان‬
‫هذا إقرار من الرسول عليسسه الصسسلة والسسسلم بسسأن السسسنة مصسسدر مسسن المصسسادر‬
‫التشريعية وإذا كان كل من القرآن والسنة والجماع يدل على حجيسسة السسسنة‪ ،‬فسسإن‬
‫العقل نفسه يذهب على هذه الحجية‪ ،‬ذلك أن القسسرآن يتضسسمن العديسد مسن الحكسسام‬
‫التي وردت بصفة مجملة تحتاج معها إلسسى تفصسسيل وذلسسك مثسسل فسسرائض الصسسلة‬
‫والزكاة والحج‪ ،‬حيث تولت السنة تفصيل أحكام هذه الفرائض‪ ،‬فلو لم تكن واجبة‬
‫التباع لكافة المسلمين لما كان بالمكسان تطسبيق وتفسسير آيسات القسرآن المجملسة‪،‬‬
‫ولبقيت أحكامها غير قابلة للتطبيق‪.‬‬

‫منزلة السنة من القرآن الكريم‪.‬‬ ‫‪-2‬‬

‫السنة النبوية هي المصدر الثاني للتشريع بع كتاب ال تعالى‪ ،‬وهذا بإجماع المة‬
‫سلفها وخلفها‪ ،‬إذ الناس لم يتنازعوا فسسي دليلهسسا الشسسرعي‪ ،‬وقبسسول أصسسلها‪ ،‬وإنمسسا‬
‫فصل الخلف من جهة ثبوت بعض الحاديث في روايتها‪ ،‬أو عدم ثبوتهسسا وهسسذه‬
‫مسألة مستقلة عن حجيتها‪.‬‬
‫والسنة بإعتبارها الصل الساسي الثاني للتشريع السلمي‪ ،‬فهي تتولى توضيح‬
‫أحكام القرآن وتفصيل مجمله وتقييد مطلقه وتخصيص عامه‪ ،‬بالضافة إلى أنهسسا‬
‫إستقلت بأحكام لم يرد لها ذكر في القرآن وإن كانت أصولها راجعة إليسسه‪ ،‬وهكسسذا‬
‫فالسنة النبوية جاءت مؤكدة لما جاء في القرآن أو مبينة له‪ ،‬كمسسا أنهسسا فسسي بعسسض‬
‫الحيان منشئة لحكام لم ينص عليها القرآن‪.‬‬
‫أول‪ :‬تأكيد السنة لحكام القرآن‪.‬‬
‫السنة المؤكدة هي التى يكون مسا تشستمل عليسه مسن حكسم مطسابق لمسا فسي القسرآن‬
‫الكريم‪ ،‬بحيث يكون الحكم حينئذ مستمد من مصدرين القسسرآن مثبسست لسسه و السسسنة‬
‫مؤيدة له‪ ،‬والسنة المؤكدة لما جاء في القرآن كثيرة منها قوله )ص( »ليحل مسسال‬
‫إمسسرئ إل بطيسسب منسسه « فسسإنه مؤكسسد لقسسوله تعسسالى‪» :‬يا أيها الككذين آمنككوا‬
‫لتأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إل أن تكون تجارة عككن تككراض‬
‫منكم« وقوله عليه الصلة والسسسلم‪» :‬إستوصسسوا بالنسسساء خيسسرا فسسإنهن عسسوان‬
‫عنسسدكم‪ ,‬أخسسذتموهن بأمانسسة السس« فقسسد جسساء هسسذا الحسسديث تأكيسسدا لقسسوله عسسز وجسسل‬
‫»وعاشروهن بالمعروف« إلى غير ذلك من الحسساديث الشسسريفة تؤكسسد مسسا‬
‫جاء في القرآن الكريم من أحكام‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫ثانيا‪ :‬بيان السنة لحكام القرآن‪.‬‬
‫‪ -1‬بيان مجمل‪ :‬سبق القول بسسأن القسسرآن الكريسسم يتضسسمن مسسن الحكسسام مسسا نسسزل‬
‫مجمل يحتاج معها إلى بيان وتفصيل‪ ،‬أحكام فرض ال سبحانه من خللهسسا علسسى‬
‫الناس فرائض دون أن يبين القرآن كيفية أدائهسسا‪ ،‬مثسسل الصسسلة والصسسوم والزكسساة‬
‫والحج‪ ،‬فسسالمولى سسسبحانه وتعسسالى فسسرض فسسرائض دون أن يتعسسرض لتفاصسسيلها‪،‬‬
‫حيث تولت السنة النبوية بنوعيها القولية والعملية تبيان ذلك‪.‬‬
‫‪ -2‬تخصيص العام‪ :‬جسساء القسسرآن الكريسسم بأحكسسام عامسسة‪ ،‬لكسسن السسسنة خصصسست‬
‫بعض هذه الحكسسام مسسن ذلسسك قسسوله تعسسالى‪» :‬يوصيكم الله في أولدكككم‬
‫للذكر مثل حظ النثيين« فهذا الحكم عام في كل أصل مورث‪ ،‬وكسسل ولسسد‬
‫وارث ولكن السنة خصصت الوارث بغير القاتل‪ ،‬فقد قال صلى ال س عليسسه وسسسلم‬
‫»ليرث القاتل« كما قصرت السنة الصل المورث على غير النبياء لقوله عليه‬
‫الصلة والسلم‪» :‬نحن معشر النبياء ل نورث‪ ،‬ما تركناه صدقة«‪.‬‬
‫‪ -3‬تقييد المطلق‪ :‬السنة قيدت بعض الحكام التي جاءت في القسسرآن مطلقسسة مسسن‬
‫ذلك قوله سبحانه‪» :‬والسارق والسارقة فأقطعوا أيديهما جزاء بما‬
‫كسبا نكال من الله‪ ،‬والله عزيز حكيم« فاليسسة الكريمسسة هنسسا ذكسسرت‬
‫اليدي مطلقا‪ ،‬ولم تقييد ذلك بكون اليد التي يجب قطعها هسسي اليمنسسى أو اليسسسرى‬
‫ولكن السنة دلت على تقييدها باليمين وأن القطع يكون من الرسسغ مسن ذلسك قسوله‬
‫تعسسالى‪» :‬وليطوفوا بالبيت العككتيق« فسسالطواف منصسسوص عليسسه بكيفيسسة‬
‫مطلقة‪ ،‬ولكن السنة قيدته بالطهارة من الحدث الكبر والصغر ومن النجاسة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬السنة منشئة لحكام ليست في القرآن‪.‬‬
‫إستقلت السنة في بعض الحيان برضع أحكام لم يرد لها ذكر فسي القسرآن الكريسم‬
‫وإن كانت راجعة في ذلك إليه‪ ،‬وهكذا نجد السنة النبوية موجبسسة لبعسسض الحكسسام‬
‫التي سكت القرآن عن فرضها‪ ،‬أو محرمة لما سكت عن تحريمه ومثال ذلك‪.‬‬
‫‪ -1‬تشريع زكساة الفطسر‪ :‬فقسد روى البخساري ومسسلم عسن إبسن عمسر رضسي الس‬
‫عنهما‪ :‬قال‪ :‬فرض رسول ال )ص( زكاة الفطر من رمضان صاعا مسسن تمسسر أو‬
‫صسساعا مسسن شسسعير علسسى العبسسد والحسسر‪ ،‬والسسذكر والنسسثى والصسسغير والكسسبير مسسن‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫‪ -2‬نصت السنة النبوية على ميسسراث الجسسدة‪ :‬فقسسد روى أبسسو داوود عسسن بريسسدة أن‬
‫النبي جعل للجدة السدس إذا لم يكن دونها أم‪.‬‬
‫‪ -3‬حرمت السنة النبويسسة الجمسسع بيسسن المسسرأة وعمتهسسا أو خالتهسسا‪ :‬والمسسرأة وإبنسسة‬
‫أخيها أو إبنة أختها‪ ،‬فقد روى البخاري ومسلم وغيرها أن النسسبي )ص( قسسال‪» :‬ل‬
‫تنكح المرأة على عمتها ول على خالتها ول على إبنة أخيها ول علسى إبنسة أختهسا‬
‫فإنكم إن فعلتم قطعتم أرحامكم«‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫‪ -4‬وحرمت السنة من الرضاع ما يحرم من النسب‪ ،‬فقسسد روى البخسساري ومسسسلم‬
‫وغيرهما أن رسول ال )ص( قال‪» :‬يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب«‪.‬‬
‫‪ -5‬إن القرآن الكريم أحل صيد البحر فقال تعالى‪» :‬أحل لكم صككيد البحككر‬
‫وطعامه‪ «1‬وحرم الميتسة‪ ،‬فبقيست ميتسة البحسر مسترددة بيسن الطرفيسن‪ ،‬فألحقهسا‬
‫الرسول )ص( بالحلل‪ ،‬حيث قال في البحر‪» :‬هو الطهور ماؤه‪ ،‬الحل ميتته«‪.‬‬
‫‪ -6‬إن ال عز وجل حرم الميتة وأبسساح المسسذكاة‪ ،‬فسسدار الجنيسسن الخسسرج مسسن بطسسن‬
‫المذكاة ميتا بين الطرفين‪ ،‬فجاءت السنة النبوية وألحقته بالثاني‪ ،‬حيسسث قسسال عليسسه‬
‫الصلة والسلم‪» :‬ذكاة الجنين ذكاة أمه«‪.‬‬
‫‪ -7‬كمسسا نصسست السسسنة علسسى حسسد الزانسسي المحصسسن وهسسو الرجسسم بالحجسسارة حسستى‬
‫الموت‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬المصادر العقلية‪.‬‬

‫ينضوي تحت لواء هذه المصادر‪ :‬القياس‪ ،‬والستحسان‪ ،‬والمصالح المرسلة‪ ،‬وسسسد‬
‫الذرائع والستصحاب‪ ،‬والعرف‪.‬‬

‫المطلب الول‪ :‬القياس‪.‬‬

‫أول‪ :‬القياس في اللغة والصطلح‪:‬‬


‫القياس في اللغة‪ :‬التقدير والتسوية‪ ،‬ومنه قول العرب فلن ل يقسساس إلسسى فلن فسسي‬
‫كرمه وجوده‪ ،‬ويقولون‪ :‬قس هذا الثوب بهذا لتعرف تساويهما في الجودة والحسن‪.‬‬
‫وفي الصطلح‪ :‬عرفه الباجي بقوله‪ :‬حمل أحد المعلسسومين علسسى الخسسر فسسي إثبسسات‬
‫حكم‪ ،‬أو إسقاطه بأمر جامع بينهما‪.‬‬
‫وأقرب تعريف للقياس هو ما أورده أبو عبد ال الشريف التلمسسساني بقسسوله »إلحسساق‬
‫صورة مجهولة الحكم‪ ،‬بصورة معلومة الحكم‪ ،‬لجل أمر جامع بينهما يقتضي ذلسسك‬
‫الحكم«‪.‬‬
‫ومسسن خلل التعريفيسسن يسسستفاد أن القيسساس ينبنسسي علسسى عمليسسة إلحسساق واقعسسة‪-‬غيسسر‬
‫منصسسوص علسسى حكمهسسا وتسسسمى الفسسرع‪ -‬بواقعسسة أخسسرى لهسسا حكسسم معيسسن‪-‬تسسسمى‬
‫بالصل‪ -‬لمساوتها لها في علة الحكم‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أركان القياس‪.‬‬
‫مما سبق يتضح أن أركان القياس أربعة هي‪:‬‬
‫أ‪ -‬الصل‪ :‬وهو ما ورد نص بحكمه ويسمى المقيس عليه‪ ،‬أو هو الواقعة السستي ورد‬
‫التنصيص على حكمها‪.‬‬
‫‪ - 1‬سورة المائدة الية ‪.96‬‬

‫‪18‬‬
‫ب‪ -‬الفرع‪ :‬وهو ما لم يرد نص بحكمه‪ ،‬ويسمى المقيس أو هو الحادثة التي ل حكسسم‬
‫لها من الشرع‪.‬‬
‫ج‪ -‬الحكم‪ :‬وهي ما ثبت للفرع بعد ثبوته للصل وهو نتيجة القياس‪.‬‬
‫د‪ -‬العلة‪ :‬وهي الوصف الجامع بين الصل والفرع‪ ،‬وبناءا على وجوده فسسي الفسسرع‬
‫يعطي حكم الصل‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬قضايا إستعمل فيها القياس‪.‬‬
‫‪ -1‬من ذلك مبايعة سيدنا أبي بكر الصديق للخلفسسة‪ ،‬قياسسسا علسسى إمسسامته للصسسلة إذ‬
‫صلى إماما بالنبي )ص( وبأصحابه رضي ال عنهم‪.‬‬
‫‪ -2‬من ذلك قياس النبيذ على الخمر في التحريم‪.‬‬
‫‪ -3‬ومن ذلك قتل الموصى له للموصي قياسا على قتل الوارث لمورثه‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬حجية القياس‪.‬‬
‫القياس مقرر بالقرآن والسنة‪ ،‬وعمل الصحابة رضوان ال عليهسسم بعسسد وفسساته عليسسه‬
‫الصلة والسلم‪.‬‬
‫‪ -‬أما القرآن فيدل عليه قوله تعالى‪» :‬فإعتبروا يا أولي البصار« الحشسسر ‪،2‬‬
‫قال المام الباجي رحمه ال‪ :‬والعتبار في اللغة هو تمثيل الشيء بالشيء‪ ،‬وإجراء‬
‫حكمه عليه‪.‬‬
‫وقسسال تعسسالى‪» :‬يأيهكا الكذين آمنكوا أطيعكوا اللكه وأطيعكوا الرسكول‬
‫وأولي المر منكككم‪ ،‬فككإن تنككازعتم فكي شككيء فكردوه إلككى اللكه‬
‫والرسول إن كنتم تومنون بالله واليوم الخر ذلك خيككر وأحسككن‬
‫تاويل« النساء ‪.8‬‬
‫وليس الرد إلى ال وإلى الرسول إل بتعريف المارات الدالة منهما على ما يرميان‬
‫إليه‪ ،‬وذلك بتعليل أحكامهما والبناء عليها‪ ،‬وذلك هو القياس‪.‬‬
‫‪ -‬أما السنة‪ ،‬فالستدلل بها على حجية القياس كسسثير‪،‬فمسسن ذلسسك قسسوله )ص(‪» :‬مثسسل‬
‫المؤمن مثسسل السسزرع لتسسزال الريسسح تميلسسه‪ ،‬وليسسزال المسسؤمن يصسسيبه البلء‪ ،‬ومثسسل‬
‫المنافق كمثل شجرة كمثل شجرة الرز‪ ،‬لتهتز حتى تستحصد« رواه مسلم‪.‬‬
‫وقوله )ص( للذي ولد له ولد فأنكر لونه‪» :‬هل لسسك مسسن إبسسل؟ قسسال‪ :‬نعسسم‪ ،‬قسسال‪ :‬فمسسا‬
‫ألوانهسسا‪ ،‬قسسال‪ :‬حمسسر‪ ،‬قسسال‪ :‬هسسل فيهسسا مسسن أورق )أورق‪ :‬أبيسسض مسسائل إلسسى السسسواد‬
‫)رمادي(( قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فأنى ترى ذلك؟ قسسال‪ :‬عسسرق نزعسسه )العسسرق الصسسل مسسن‬
‫النسب‪ ،‬ومعنى نزعه أشبهه وإجتذبه أي أن أحد أجداده كسسان فسسي لسسونه‪ ،‬قسسال‪ :‬فلعسسل‬
‫هذا عرق نزعه« متفق عليه‪ ،‬إلى غير ذلك من الحاديث والوقائع التي يستفاد منها‬
‫أصل القياس‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫‪ -‬أما عمل الصحابة رضوان ال عليهم فأكثر مسسن أن يحصسسى‪ ،‬قسسال إبسسن عبسسد السسبر‬
‫القرطبي رحمه ال‪» :‬وقد جاء عن الصسحابة رضسسي الس عنهسسم مسن إجتهساد السرأي‬
‫والقول بالقياس على الصل عند عدمها ما يطول ذكره«‪.‬‬
‫ومن ذلك قياس سيدنا علي رضي ال عنه حسسد شسسرب الخمسسر علسسى حسسد القسسذف لن‬
‫الشرب قد يؤدي إليه‪ ،‬جاء في الموطسسأ‪ :‬أن عمسسر بسسن الخطسساب إستشسسار فسسي الخمسسر‬
‫يشربها الرجل فقال له علي بسسن أبسسي طسسالب نسسرى أن تجلسسده ثمسسانين فسسإنه إذا شسسرب‬
‫سكر‪ ،‬وإذا سكر هذى‪ ،‬وإذا هذى إفترى أو كما قال فجلد عمر في الخمر ثمانين«‪.‬‬
‫وقياس الجد علسسى الب فسسي الب فسسي حجسسب الخسسوة‪ ،‬وذلسسك فسسي مسسذهب أبسسي بكسسر‬
‫الصديق‪ ،‬وعبد ال بن عباس‪ ،‬وعائشة رضي ال عنهسسم‪ ،‬وقيسساس الجسسدة للب علسسى‬
‫الجدة للم في ميراثها السدس‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬دور القياس في التشريع‪.‬‬

‫قال إبن جسسزي فسسي القيسساس‪ :‬وهسسو أكمسسل السسرأي ومجسسال الجتهسساد‪ ،‬وبسسه ثبسست أكسسثر‬
‫الحكسسام‪ ،‬فسسإن نصسسوص الكتسساب والسسسنة محصسسورة‪ ،‬ومواضسسع الجمسساع معسسدودة‪،‬‬
‫والوقائع غير محصورة‪ ،‬وله الدور الكبر في التعسرف علسى الحكسم الشسرعي لكسل‬
‫واقعة مستجدة‪ ،‬وحادثة طارئة‪ ،‬وفي مجال القياس يلتقي العقل والنقسسل ويظهسسر أثسسر‬
‫التدبر في معرفة العلل والمقاصسسد‪ ،‬وإجسسراء طسسرق الفهسسم والسسستنباط لتظهسسر نعمسسة‬
‫العقل الذي بسسه تميسسز النسسسان‪ ،‬وشسسرفه خسسالقه سسسبحانه فسسي عسسالم الكسسوان‪ ،‬ولتسسبرز‬
‫مجالت الختبسسار والبتلء فسسي الجتهسساد بالفكسسار والعمسسال ولسسه شسساء الس العليسسم‬
‫الحكيم لجعل لكل واقعة حكما معينا ولكسسن ليظهسسر منسساط التكليسسف فسسي التوفيسسق بيسسن‬
‫العقل النساني وبيسسن الشسسرع الربسساني السسذي أنزلسسه الس سسسبحانه ليعمسسل الجميسسع فسسي‬
‫دائرته‪ .‬كذلك كانت عملية القياس متعلقة بالجتهاد وللجتهاد أجر ولو لسسم يصسسادف‬
‫الصواب‪ ،‬غاية ما هنالك أن يكون مستعمل القياس أخذ بمعاقد الشرع‪ ،‬مطلعسا علسى‬
‫نصوصه ومداركه‪ ،‬له من أدوات الجتهاد ما يمكن من النظسسر الفسسسيح حسستى يكسسون‬
‫قياسه صحيحا‪ ،‬ومآله محمودا‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الستحسان‪.‬‬

‫أول‪ :‬معنى الستحسان‪.‬‬


‫الستحسان في اللغة مشتق من الحسن‪ ،‬وهسسو عسسد الشسسيء حسسسنا‪ ،‬يقسسال إستحسسسنت‬
‫كذا‪ ،‬إعتقدته‪ ،‬وعددته حسنا‪.‬‬
‫في الصطلح‪ :‬عرف بعدة عبارات‪ ،‬فجاء عن إبسسن رشسسد‪ :‬الستحسسسان السسذي يكسسثر‬
‫إستعماله حتى يكون أعم من القياس‪-‬هو أن يكون طرحا لقياس يؤدي إلسسى غلسسو فسسي‬

‫‪20‬‬
‫الحكمة‪ ،‬ومبالغة فيه فيعدل عنه في بعض المواضع لمعنى يؤثر في الحكسسم يختسسص‬
‫به ذلك الموضع‪.‬‬
‫قال أستاذنا علل الفاسي رحمه ال‪ :‬ويظهر أن الجميسسع متفسسق علسسى أن الستحسسسان‬
‫هو العدول على الدليل ل يثار دليل آخر أو لتخصيصه أو تقييده بناء على دليل آخر‬
‫شرعي أو مصلحة أو عرف متفق مع الشريعة أيضا‪...‬‬
‫والخلصة أنه إيثار دليل على دليل يعارضه لمرجح يعتد به‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬قضايا مبنية على الستحسان‪.‬‬
‫‪ -1‬تخصيص الدليل بالعرف‪ ،‬كمسسن حلسسف أل يسسدخل بيتسسا‪ ،‬فهسسو يحنسست بسسدخول كسسل‬
‫موضع يسمى بيتا في اللغة‪ ،‬ويدخل في حكمه المسجد‪ ،‬إل أن العرف ل يطلق على‬
‫المسجد مجرد بيت‪ ،‬فهو بيت بالضافة فيقال بيت ال أو مسجد فينبني عليه أن مسسن‬
‫دخل المسجد ل يحنسسث‪ ،‬ودليلسسه الستحسسسان ومثلسسه مسسن حلسسف أل يأكسسل لحمسسا فأكسسل‬
‫سمكا‪ ،‬فإنه يحنث لن السمك ولو أنه من جنس اللحم إل أنه ل يقال لسسه فسسي العسسرف‬
‫لحم‪ ،‬وإنما يقال له سمك‪.‬‬
‫‪ -2‬ميراث الخوة الشقاء مع الخسسوة للم وإشسستراكهم جميعسسا فسسي الثلسسث‪ ،‬فالقيسساس‬
‫يقتضسسي عسسدم تسسوريث الخسسوة الشسسقاء لنهسسم عصسسبة يبسسق لهسسم شسسيء فسسي صسسورة‬
‫المشتركة‪ ،‬وكل نازلة من هذا النوع يعطي لها نفسس الحكسم‪ ،‬لكسن لمسا كسان للخسوة‬
‫الشقاء وصف خفي وهو مشاركتهم للخوة للم في جهة المومسسة‪ ،‬كسسان مسسن بسساب‬
‫العسسدل ورفسسع الحسسرج الخسسذ بهسسذا العتبسسار وإعمسساله فسسي الحكسسم وهسسذا هسسو معنسسى‬
‫الستحسان هنا‪ ،‬وفي هذا التجاه ذهب عمر بن الخطاب‪ ،‬وزيد بن ثابت وغيرهمسسا‬
‫رضي ال عنهم‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬حجية الستحسان‪.‬‬
‫عمل بمبسسدأ الستحسسسان كمسسا رأينسسا كبسسار الصسسحابة رضسسوان الس عليهسسم كعمسسر بسسن‬
‫الخطاب‪ ،‬وزيد بن ثابت كما في مسألة المشتركة وغيرها‪ ،‬وعلسسي بسسن أبسسي طسسالب‪،‬‬
‫وسار في نفس التجاه الئمة مالك‪ ،‬وأبو حنيفة‪ ،‬وأحمد بن حنبل‪ ،‬ويذكر عن المام‬
‫مالك أنه قال‪» :‬تسعة أعشار العلسسم الستحسسسان‪ ،‬وخسسالف فسسي ذلسسك المسسام الشسسافعي‬
‫الذي يروي عنه أن »من إستحسن فقد شسسرع«‪ ،‬والحقيقسسة أن الشسسافعية نظسسروا إلسسى‬
‫الستحسان كأنه رأي محصن ل يستند لدليل فأنكروه‪ ،‬ونظر إليه الخرون على أنه‬
‫رأي ناتسسج عسسن المقارنسسة بيسسن الدلسسة‪ ،‬وترجيسسح بعضسسها علسسى الخسسر فقبلسسوه وإذن‬
‫فالخلف في غير موضوع‪ ،‬ولذلك قال الشاطبي‪ :‬إن الخلف يرجع إلى الطلقات‬
‫اللفظية ول حاصل له‪.‬‬

‫مقدمة‬

‫‪21‬‬
‫أمرنا ال بإستعمال عقولنا في غير موضع من القرآن الكريم من ذلسسك قسسوله‬
‫تعالى‪» :‬أو لم ينظروا في ملكوت السككماوات والرض ومككا خلككق‬
‫الله من شيء« فإستعمال الرأي أمر ل منساص منسه شسريطة اللستزام بمبسادئ‬
‫الشريعة العامة وقواعدها الكلية وذلك بحكم الضرورة الناجمة عن كون النصسسوص‬
‫متناهية والوقائع غير متناهية‪.‬‬
‫لم تنضبط شريعة من الشسرائع إل بسسإقتران الجتهسساد بهسا لن مسن ضسسرورة‬
‫النتشار في العالم الحكم بأن الجتهاد معتبر‪.‬‬
‫يعتبر الجتهاد مصدرا من مصادر الحكام الشرعية فيما لم يكسسن فيسسه نسسص قطعسسي‬
‫من الكتاب والسنة وكان ضروريا في حياة المة السسسلمية تبعسسا لمسسا يحسسدث ويجسسد‬
‫فيها عبر العصور والجيال من قضايا وأحوال إجتماعية تقتضي البحث عن إيجسساد‬
‫أساس شرعي لها والتعرف على حكم ال فيها‪.‬‬
‫إن أسسساس الجتهسساد الكتسساب والسسسنة وكسسل إجتهسساد ل يعتمسسد علسسى هسسذين‬
‫المصدرين يعد صسساحبه خارجسسا عسسن جماعسسة المسسسلمين والرجسسوع إلسسى النصسسوص‬
‫الشرعية مأمور به صراحة في قوله تعسسالى‪» :‬يا أيها الككذين آمنككوا أطيعككوا‬
‫الله والرسول وأولي المر منكم‪ ،‬فإن تنازعتم في شيء فردوه‬
‫إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الخر ذلك خيككر‬
‫وأحسن تأويل«‪.‬‬
‫بسسدأ الجتهسساد فسسي حيسساة الرسسسول)ص( حيسسث إجتهسسد فسسي كسسثير مسسن الوقسسائع‬
‫والحداث التي لم يكن عنده وحي من ال فيهسسا ودعسسا إليسسه المسسؤهلين مسسن الصسسحابة‬
‫وشجعهم عليه وكان عهد الخلفاء الراشدين زاخسسرا بإجتهسسادات مشسسهورة فسسي أمسسور‬
‫وقضايا مستجدة وتوسعت دائرة الجتهاد الفقهي مسسع عهسسد الفقهسساء والتسسابعين بحكسسم‬
‫الوقائع المستجدة والحداث الجتماعية الطارئة‪.‬‬
‫وجاء عهد أئمة المذاهب فأسسسسوا مسسذاهبهم الفقهيسسة وأصسسولها علسسى الكتسساب‬
‫والسسسنة وإجتهسسدوا فسسي إسسستنباط الحكسسام الشسسرعية ووضسسعوا لسسذلك منهجسسا محكمسسا‬
‫وقواعد وضوابط وأسس يتعين أن ينبني عليها الجتهاد وتعرف بها طرق إسسستنباط‬
‫الحكام وإشترطوا في المجتهد شروطا ومواصفات يجب توافرها‪.‬‬

‫تعريف الجتهاد والمجتهد والمجتهد فيه‪.‬‬

‫الجتهاد‪ :‬لغة هو بذل الوسع والمقصسسود هسسو بسسذل الجهسسد أو الوسسسع وبلسسوغ‬
‫الغاية في الطلب والمبالغة في العمل لتحقيق أمر من المور سواء كسسان هسسذا العمسسل‬
‫عضليا أو فكريا‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫أما الجتهاد إصطلحا فلسسم يتفسسق الصسسوليون علسسى تعريسسف معيسسن فحسسسب‬
‫بعضهم هو‪" :‬إستفراغ الوسع في طلب الظن بشيء من الحكام الشرعية على وجه‬
‫يحس من النفس العجز عن المزيد" وقيل هو "بذل المجتهد وسسسعه فسسي طلسسب العلسسم‬
‫بأحكام الشريعة‪ ،‬والجتهاد التام أن يبذل الوسع في الطلب بحيسسث يحسسس مسسن نفسسسه‬
‫بالعجز عن مزيد من الطلب‪.‬‬
‫وحسب بعض الفقهاء المحدثين هو‪ :‬بذل الفقيه وسعه في طلب العلم بأحكسسام‬
‫الشريعة‪ ،‬والجتهاد التام أن يبذل الوسع في الطلب بحيث يحسسس مسسن نفسسسه بسسالعجز‬
‫عن مزيد الطلب‪.‬‬
‫وعليه يكون المقصود من الجتهاد هو الوصول إلى الحكم الشرعي حسسسب‬
‫رأي المجتهد الذي إستفرغ وسعه وإطمأن قلبه إلى ما وصل إليه‪.‬‬
‫المجتهد فيه‪:‬‬
‫عرف بعض الفقهاء المجتهد فيه بأنه كل حكم شرعي ليس فيه دليسسل قطعسسي‬
‫وعرفه البعض الخر بأن الحكم الشرعي العملي‪.‬‬
‫تعريف المجتهد‪:‬‬
‫نظرا لصعوبة تعريف المجتهد بصفة مستقل عسسن شسسروط الجتهسساد لسسم يقسسم‬
‫الكثير من الوصوليين بتعريفه وإكتفوا بتعريفه من خلل الشسسروط اللزمسسة لجعسسل‬
‫الشخص أهل للجتهاد‪.‬‬
‫وهناك من حاول تعريفه بصورة مسسستقلة فقسسال‪" :‬المجتهسسد كسسل مسسن إتصسسف‬
‫بصفة الجتهاد" وعرفه البعض بأنه "الفقيه المستفرغ لوسعه لتحصسسيل ظسسن بحكسسم‬
‫شرعي"‪.‬‬
‫أحكام الجتهاد‪:‬‬

‫قسم بعض الصوليين أحكام الجتهاد إلى ثلثة أنواع‪:‬‬


‫‪ -1‬قد يكون الجتهاد واجبا وجوبسسا عينيسسا إذا حلسست الواقعسسة بالمجتهسسد نفسسسه‬
‫حيث ل يجوز له أن يقلد غيره‪.‬‬
‫‪ -2‬قد يكون واجبا كفائيا إذا نزلت الحادثة وكان هنسساك مجتهسسدون متعسسددون‬
‫وكان هناك متسع من الوقت وفي هذه الحالة يأتمون إذا تركسسوا الجتهسساد كلهسسم فسسإن‬
‫أفتى أحدهم سقط الطلب عن الباقين‪.‬‬
‫‪ -3‬قد يكون الجتهاد مندوبا إذا تعلسسق بإيجسساد حكسسم لحادثسسة لسسم تحصسسل بعسسد‬
‫سواء سئل المجتهد أو لم يسأل‪.‬‬

‫موضوع الجتهاد‬

‫‪23‬‬
‫إن مجال الجتهاد واسع يشمل البحسسث عسسن الحكسسام إنطلقسسا مسسن نصسسوص‬
‫الشريعة أول فإن لم نجسسد الحلسسول المطلوبسسة بحثنسسا عنهسسا فسسي مصسسادر أخسسرى غيسسر‬
‫النصوص بإستعمال الرأي والعتبار كالمصالح المرسلة والستحسان والقياس‪.‬‬
‫فنصوص الشريعة إما أن تكون قطعية الثبوت والدللة وفسسي هسسذه الحالسسة ل‬
‫يبقى مجسسال للجتهسساد مسسا دام النسسص ثابتسسا ثبوتسسا قطعيسسا ويسسدل علسسى معنسساه بصسسورة‬
‫قطعية‪ ،‬وإما إذا كانت النصوص ظنيسة الثبسسوت أو ظنيسة الدللسة فحينئذ نحتسساج إلسسى‬
‫بذل الجهد في تحقيق هذه النصوص للتأكد من ثبوتها أو تفسيرها أو تأويلها لمعرفسة‬
‫مقصود الشارع منها‪ ،‬ذلك أن الشريعة جسساءت بكليسسات المسسور فسسي غسسالب الحيسسان‬
‫وتركت أمر الجزئيات والتفاصيل لولسي المسر مسن المسسلمين كسي يجسدوا الحلسول‬
‫المناسبة لمصالحهم الدينية والدنيوية‪.‬‬
‫إن المسسور العتقاديسسة ل مجسسال للجتهسساد فيهسسا قطعسسا والمسسور المتعلقسسة‬
‫بالعبادات مجال الجتهاد فيها ضيق جدا ومحدود لكونها تتصل بمسسسائل قسسارة غيسسر‬
‫قابلة للتغيير والتبديل لن الدين قد إكتمل عند نزول قوله تعالى‪» :‬اليوم أكملت‬
‫لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم السلم دينا« فلم‬
‫يعد بإستطاعة أي كان أن يزيد في الدين أو ينقص منه وإن بقي مجال للجتهاد فسسي‬
‫العبادات فيمكن حصسسره فسسي البحسسث عسسن أصسسح الحسساديث المتعلقسسة بسسأمور جزئيسسة‬
‫تفصيلية ل تمس الفرائض والواجبات‪ ،‬وإنما تتعلق بأمور غير جوهرية‪.‬‬
‫أما المور المتعلقسسة بالمعسساملت والسستي تنقسسسم إلسسى قسسسمين يتعلسسق بالسسسرة‬
‫وبخصوصه ونظسسرا لن الشسسريعة السسسلمية أغنسست موضسسوعه ووثقتسسه بنصسسوص‬
‫فصلت أحكامه فإننا نكاد نستغني عن الجتهاد في هذا الشأن لكن تبقى أمور جزئية‬
‫وتفاصيل تعود إلى أمور تنظيميسسة أمسسا المسسور الساسسسية فقسسد نبهنسسا الس تعسسالى إلسسى‬
‫وجوب التقيد بما شرع ال لنا في هذا الشأن نظرا لهمية السرة في بنسساء المجتمسسع‬
‫المسلم ولنها الساس الذي يقوم عليه بناؤه‪.‬‬
‫يبقى المجال الخصب للجتهسساد هسو ميسسدان المعسساملت بأوسسع معانيهسا مسن‬
‫عقود وتصرفات وما يترتب عليها من مسؤوليات‪.‬‬
‫مصادر الجتهاد‪.‬‬

‫إن مصسسادر الجتهسساد الرئيسسسية السستي إعتمسسدها الئمسسة أصسسحاب المسسذاهب‬


‫والمناهج التشريعية هي‪ :‬الكتاب والسنة والجمسساع والقيسساس وهسذه المصسسادر متفسسق‬
‫عليها بين جمهور الفقهاء وكانت موجودة من عهد الصحابة وتضاف إليها مصسسادر‬
‫أخسسرى ثانويسسة يختسسص بهسسا هسسذا المسسام أو ذاك كالمصسسلحة المرسسسلة والستحسسسان‬
‫والستصحاب والصرف وشرع من قبلنا ومذهب الصحابي وسد الذرائع‪.‬‬

‫إن الجتهاد والستنباط ل يلجأ إليه إل في حالت معينة مثل‪:‬‬

‫‪24‬‬
‫‪ -1‬لثبات النص الشرعي وهذا أمر خاص بالسسسنة لنهسسا ليسسست كلهسسا علسسى‬
‫درجة من الثبوت بل إن منها من ثبسست بطريسسق ظنسسي لسسذلك يبقسسى علسسى المجتهسسد أن‬
‫يثبت من صحة هذا النوع من السنة وذلك بالرجوع إلى صحاح السنة‪.‬‬
‫‪ -2‬الجتهاد في معرفة دللة النص الشرعي على الحكم إذا كان هذا النسسص‬
‫يدل على الحكم لطريق ظني وحينئذ تنحصر مهمة المجتهد في البحسسث عسسن تفسسسير‬
‫النص وتأويله بالعتماد على القواعد اللغويسسة والشسسرعية وهسسو مسسا يسسسمى الجتهسساد‬
‫التفسيري‪.‬‬
‫‪ -3‬الجتهاد فيما فيه نص ظني الثبوت ظني الدللة ففي هذه الحالسسة تجتمسسع‬
‫الصعوبتان معا حيث يكون على المجتهد أن يبحث عن ثبوت النص أول ثسسم يبحسسث‬
‫بعد ذلك عن تفسيره وتأويله لمعرفة مقصود الشارع منه‪.‬‬
‫‪ -4‬الجتهاد في المسائل التي لم يرد بشأنها نص أصل فسسإذا عرضسست علسسى‬
‫المجتهد قضية أو مسسسألة ل نسسص علسسى حكمهسسا فسسي الكتسساب والسسسنة يجسسب عليسسه أن‬
‫يبحث عسسن فسسي مصسسادر أخسسرى كالقيسساس أو الستحسسسان أو المصسسلحة المرسسسلة أو‬
‫العرف‪.‬‬
‫ومن المور التي تكون محل للجتهاد تحقيق المناط وتنقيح المناط وتخريج‬
‫المناط‪.‬‬
‫تحقيق المناط من مسالك العلة ومعناه أن يقع التفاق عليه وصسسف بنسسص أو‬
‫إجماع فيكون على المجتهد التأكد من وجود العلة فسسي صسسورة النسسزاع )قضسسية علسسة‬
‫إعتزال النسساء فسسي المحيسض هسسي الذى( وسسمي تحقيسسق المنساط لن المنسساط وهسو‬
‫الوصف علم أنه مناط لكن بقي النظر في تحقيق وجوده فسسي الصسسورة الجديسسدة‪ ،‬أي‬
‫أن المجتهد يتحقق من وجود علة الصل في الفرع ليتعدى حكم الصل إليه‪.‬‬
‫تنقيسسح المنسساط والمسسراد بسسه تهسسذيب العلسسة وتخليصسسها ممسسا إقسسترن بهسسا مسسن‬
‫الوصاف التي ل مدخل لها في العلة )قصة العرابي(‪.‬‬
‫تخريسسج المنساط ويعسبر عنسه بالمناسسسبة وبالخالسة وبالمصسلحة وبالسسستدلل‬
‫ورعاية المقاصد ويقصد به تعييسسن العلسسة بمجسسرد إبتسسداء المناسسسبة أي الملءمسسة مسسع‬
‫السلمة من القوادح ل بنص ول بغيره‪.‬‬
‫شروط الجتهاد‪:‬‬

‫‪ -1‬للللل لللل لللل لل للل‪ :‬لنه المصدر الول‬


‫والساسي فل مناص من معرفة نصوص القرآن الكريم وخصوصا آيات الحكسسام‪،‬‬
‫على أن الحفظ وحده ل يكفي بل لبد من معرفة بعض علوم القرآن ليتسنى للمجتهد‬
‫الستنباط منه ومن بينها معرفة الناسخ والمنسوخ ومعرفة مجمسسل القسسرآن ومفصسسله‬

‫‪25‬‬
‫وخاصه وعسامه ومحكمسسه ومتشسابه ومعرفسسة أسسسباب التنزيسل السستي ترشسد إلسى فهسم‬
‫المقصود‪.‬‬
‫‪ -2‬لللل ل للل لل لللللل ل‪ :‬تعسسد السسسنة النبويسسة‬
‫المصدر الثاني للشريعة السلمية وهسسي تسسساعد علسسى فهسسم القسسرآن لسسذلك كسسان لبسسد‬
‫للمجتهد من معرفة السنة النبوية وخاصة منها تلك التي تتعلق بالحكام وكذا معرفة‬
‫العلوم الحديثة حتى يمكن الستفادة من هذه الحاديث بصورة سليمة فلبد أن يكون‬
‫للمجتهد تمييز بين الصحيح والحسن والضعيف من السنة وشروط التواثر والحسساد‬
‫والمسند والمرسل ومعرفة الرواة في القبول والرد ومعرفة الناسسسخ والمنسسسوخ مسسن‬
‫السنة‪.‬‬
‫‪ -3‬للللل للللل للللللل‪ :‬يشترط فسسي المجتهسسد أن‬
‫يكون عارفا بمسائل الجماع حتى ل يفتي بما يخالف ما وقع عليه الجماع‪.‬‬
‫‪ -4‬للللل للل لللل للللل‪:‬‬
‫إن معرفة علم أصول الفقه أمر جد ضروري لنه علم يحتوي علسى مفاتيسح‬
‫الجتهاد وأدواته إبتداء من مصادر التشسسريع ومسسا يتصسسل بهسسا إلسسى مبسساحث اللفسساظ‬
‫ودللتها ومرورا بمعرفسسة التعسسارض والترجيسسح والطلع علسسى مقاصسسد الشسسريعة‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫‪ -5‬لللل ل لللل ل لللللل ل‪:‬يعتسسبر هسسذا الشسسرط‬
‫ضروريا للجتهاد لن الشريعة عربية ول يمكسسن فهسسم القسسرآن والسسسنة علسسى السسوجه‬
‫المطلوب إل إذا كان اللسان عربيا غير أنه في نظر جمهور الصسسوليين ل يشسسترط‬
‫إل الدرجة الوسطى في معرفة العربية‪.‬‬
‫‪ -6‬للل للللل‪ :‬إشسسترط بعسسض الوصسسوليين أن يكسسون المجتهسسد‬
‫فقيه النفسسس شسسديد الفهسسم بسسالطبع لمقاصسسد الكلم فبسسدون تسسوفر هسسذا الشسسرط ل يمكسسن‬
‫للنسان أن يقارن بين الدلسسة ويميسسز بيسسن راجحهسسا ومرجوحهسسا وينفسسذ إلسسى مقاصسسد‬
‫الشريعة وما ترمي إليه من جلب المصالح ودرء المفاسد‪.‬‬
‫‪ -7‬للللللل‪ :‬يجب أن يعلم المجتهد الرب تعالى وما يجب له مسسن‬
‫الصفات وما يستحقه من الكمالت حسستى يتصسسور منسسه التكليسسف وأن يكسسون مصسسدقا‬
‫بالرسول وما جاء به من الشرع المنقول‪.‬‬
‫تجزئة الجتهاد‬

‫إختلفت الراء حول تجزئة الجتهاد بيسن مؤيسسدين ومعارضسسين‪ ،‬فالمؤيسسدون‬


‫يعتسبرون أن الجتهسساد ليسسس أمسرا ل يقبسل التجسسزئة والنقسسام بسسل قسد يكسون المسرء‬
‫مجتهدا فسي فسسن أو بساب أو مسسسألة دون غيرهسا‪ ،‬كمسا أن الجتهساد فسسي حكسسم بعسسض‬
‫المسائل يكفي فيه معرفة ما يتعلق بتلك المسسائل ومسا لبسد فيهسا ول يضسر المجتهسد‬

‫‪26‬‬
‫جهله بما ل يتعلق بتلك المسألة مسا يتعلسسق ببساقي المسسسائل الفقهيسسة أمسسا المعارضسسون‬
‫لتجزئة الجتهاد وهم أقلية فيرون أن المسألة من نوع في الفقه ربما كان أصلها فسسي‬
‫نوع آخر منه‪ ،‬كما أن من ل يقتدر على الجتهاد في بعض المسسسائل ل يقتسسدر عليسسه‬
‫في البعض الخر لن أكثر علوم الجتهاد يتعلق بعضها ببعسسض ول سسسيما مسسا كسسان‬
‫من علومه مرده إلى ثبوت الملكة فإنها إن تمت كان مقتدرا على الجتهاد في جميع‬
‫المسائل‪ ،‬وإن إحتاج بعضها إلى بحث مسسستقل‪ ،‬وإن نقصسست الملكسسة لسسم يقتسسدر علسسى‬
‫شيء من ذلك ول يثق في نفسه لتقصيره ول يثق به الغير لذلك‪.‬‬

‫الجماع‬
‫إن الحاجة الماسة إلى الحكم على القضسسايا الجديسسدة‪ ،‬فسسي عصسسر الصسسحابة‪،‬‬
‫بعد وفاة النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬هي التي كانت سسسببا فسسي ولدة أو نشسسوء فكسسرة‬
‫الجماع عن طريق الجتهاد الجماعي‪ ،‬إحتياطا في الدين‪ ،‬وتوزيعا للمسؤولية على‬
‫جماعة المجتهدين خشية تعثر الجتهاد الفردي‪ ،‬أو وقوع المجتهد من الصحابة فسسي‬
‫الخطأ‪ ،‬بالرغم مسن رفسع الحسرج والثسم عسن الخطسأ فسي الجتهساد‪ ،‬وتشسجيعا علسى‬
‫التصدي للفتوى‪ ،‬بعد التثبت والتحري المطلوب‪.1‬‬
‫ويعتسسبر الجمسساع السسدليل السسذي يلسسي كل مسسن القسسرآن والسسسنة فسسي القسسوة‬
‫والحتجاج‪ ،‬حيث إنه في مرتبة تلي مباشرة المصدرين الساسيين الصليين‪ ،‬وهسسو‬
‫يعتمد عليهما‪.‬‬
‫ولتناول الجماع كمصدر من مصادر التشريع السلمي نتعرض لتعريفه‪،‬‬
‫مستنده وأركانه )المطلب الول( ثم نتطرق إلى أنواعه وحجيته )المطلب الثاني(‪.‬‬

‫المطلب الول‪ :‬تعريف الجماع‪ ،‬مستنده وأركانه‪.‬‬

‫الفقرة الولى‪ :‬تعريف الجماع ومستنده‪.‬‬

‫أول‪ :‬تعريف الجماع‪:‬‬

‫الجماع في اللغة يطلق على أحد معنيين‪:‬‬


‫العزم على الشيء والتصميم عليه‪ ،‬يقال‪ :‬أجمسسع فلن علسسى المسسر أي عسسزم‬
‫عليه‪ ،‬ومنسسه قسسوله تعسسالى‪» :‬فأجمعوا أمركم وشكركاءكم« ‪ 2‬أي أعزمسسوا‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫ومنه قوله عليه الصلة والسلم‪» :‬من لم يجمع الصيام قبسسل الفجسسر فل صسسيام لسسه«‬
‫أي يعزم‪.‬‬
‫‪ - 1‬وهبة الزحيلي‪ ،‬أصول الفقه السلمي‪ ،‬الجزء الول‪ ،‬دار الفكر‪ ،1986 ،‬ص‪.486 :‬‬
‫‪ - 2‬سورة يونس‪ ،‬الية‪.71 :‬‬
‫‪ - 3‬حديث حسن رواه عن حفصة أحمد في مسنده وأبو داود والترمذي والنسائي‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫وثانيهما‪ ،‬التفاق‪ ،‬يقال‪ :‬أجمع القوم علسسى كسسذا أي إتفقسسوا عليسسه‪ ،‬ومنسسه قسسوله‬
‫سبحانه وتعالى‪» :‬فلما ذهبوا به‪ ،‬وأجمعككوا أن يجعلككوه فككي غيابككات‬
‫الجب«‪.1‬‬
‫ويقصسسد بالجمسساع فسسي إصسسطلح الفقهسساء وعلمسساء الصسسول إتفسساق جميسسع‬
‫المجتهدين من المسلمين في عصر مسن العصسسور بعسد وفسساة الرسسول عليسه الصسسلة‬
‫والسلم على حكم شرعي‪.2‬‬
‫فإذا وقعت حادثسة وعرضست علسى جميسع المجتهسدين مسن المسة السسلمية‬
‫وقت حسسدوثها وإتفقسسوا علسسى حكسسم فيهسسا‪ ،‬فسسإن هسسذا التفسساق يسسسمى إجماعسسا‪ ،‬وإعتسسبر‬
‫إجماعهم على حكم واحسسد فيهسسا دليل علسسى أن هسسذا الحكسسم هسسو الحكسسم الشسسرعي فسسي‬
‫الواقعة‪.3‬‬
‫وهكسسذا فجمهسسور الفقهسساء يشسسترطون لتحقيسسق الجمسساع أن يتفسسق جميسسع‬
‫المجتهدين على هذا الحكم‪ ،‬ومن هنا طرح إشكالية إمكان الجماع وهل وقع فعل؟‬
‫فقد إدعى البعسسض أن الجمسساع بشسسروطه المسسذكورة فسسي التعريسسف ل يمكسسن‬
‫وقسسوعه لن المجتهسسدين متفرقسسون ول سسسبيل إلسسى معرفتهسسم ول معرفسسة آرائهسسم‪ ،‬ثسسم‬
‫يقولون ولهذا لم يقع الجماع فيما مضى‪.‬‬
‫وقسال الكسثرون أن الجمساع بشسروطه ممكسن الوقسوع وقسد وقسع فعل فيمسا‬
‫مضى‪ ،‬وإن كانت المسألة تحتاج إلى تفصيل ففي عصر الخلفسساء الراشسسدين لسسسيما‬
‫في عصر أبي بكر وعمر‪ ،‬حيث كان المجتهدون معروفين ومسسستقرهم فسسي المدينسسة‬
‫والرجسسوع إليهسسم لمعرفسسة آرائهسسم ميسسسور‪ ،‬ففسسي هسسذا العصسسر وقسسع الجمسساع فعل‬
‫وحصلت إجماعات كثيرة منها إجماعهم على قتسال مسانعي الزكساة‪ ،‬وجمسع القسرآن‪،‬‬
‫أما بعد هذا العصر حيث تفرق المجتهدون في القطار وكسسثر عسسددهم فمسسن العسسسير‬
‫القول بوقوع الجماع‪ ،‬وأقصى ما يستطاع قوله إن أحكاما إجتهاديسسة إشسستهرت ولسسم‬
‫يعرف لها مخالف‪ ،‬ولكن ل يخفى أن عدم معرفة المخالف ل يدل على عسسدم وجسسود‬
‫المخالف‪ ،‬وإن كان يرى البعض‪ 4‬أن إسستحالة وجسود الجمساع نسسبية لعسدم إمكانيسة‬
‫جمع علماء الدنيا‪ ،‬والذي هو في حد ذاته ليس مستحيل إستحالة مطلقة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬مستند الجماع‪.‬‬

‫يرى جمهور الصوليون أن الجماع لبد له من دليل يرجع إليه المجمعون‬


‫وهذا الدليل يسمى مستند أو سند الجماع‪ ،‬وهو قد يكسسون نصسسا مسسن كتسساب أو سسسنة‪،‬‬
‫وقد يكون قياسا‪.‬‬
‫‪ - 1‬سورة يوسف‪ ،‬الية‪.15 :‬‬
‫‪ - 2‬أنظر في تعريف الجماع الحكام لبن حزم‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص‪.129 :‬‬
‫‪ - 3‬عبد اللطيف خالفي‪:‬‬
‫‪ - 4‬أستاذنا الدكتور حمداني ماء العينين‪ ،‬محاضراته في مادة فقه المعاملت‪ ،‬للسنة الجامعية ‪.2006 -2005‬‬

‫‪28‬‬
‫فلبد إذن‪ ،‬أن يكون إجمسساع المجتهسسدين علسسى دليسسل لئل تجتمسسع المسسة علسسى‬
‫خطأ‪ ،‬لن غير المجتهدين تبع للمجتهسسدين فسسإذا وقسسع المجتهسسدون فسسي الخطسسأ وقعسست‬
‫المة في الخطأ وهذا منفي عنها بنص الحاديث‪ ،1‬وفوق ذلك فإن الغفلة التي تؤدي‬
‫إلى الخطأ قد تكون في بعض المجتهدين ول تكون عسامتهم‪ ،‬يقسول الشسافعي‪» :‬إنمسا‬
‫تكون الغفلة في الفرقة‪ ،‬فأما الجماعة فل يمكن أن يكون فيها كافة غفلسسة مسسن معنسسى‬
‫كتاب ول سنة‪ ،‬ول قياس إن شاء ال«‪.2‬‬
‫فمن أمثلة الجماع المسسستند إلسسى كتسساب الس تعسسالى‪ :‬إجمسساع المسسسلمين علسسى‬
‫تحريم نكاح الجدات مهما علون‪ ،‬ومن أية جهة كن‪ ،‬وكذلك تحريسسم التزويسسج ببنسسات‬
‫الولد ومهمسسا نزلسست درجتهسسن‪ ،‬وذلسسك إسسستنادا إلسسى قسسوله عسسز وجسسل‪» :‬حرمت‬
‫عليكم أمهاتكم وبناتكم«‪ ،3‬فالمراد بالمهات في هذه الية الكريمة الصول‬
‫من النساء مهما علون‪ ،‬والجدة كأصل كالمهات‪ ،‬كما أن المراد بالبنات الفروع من‬
‫النساء‪.‬‬
‫ومن الجماع المستند إلى السنة النبوية الشريفة إجمسساع الصسسحابة رضسسوان‬
‫ال عليهم على إعطاء الجدة السدس في الميراث‪ ،‬و السسذي جسساء بنسساء علسسى مسسا رواه‬
‫المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة من أنه عليه الصلة والسلم أعطاها السدس‪.‬‬
‫وقد يكون الجماع إستنادا إلى القياس‪ ،‬كما في إجماع المسلمين على خلفة‬
‫أبي بكر الصديق رضي ال عنه بعد وفاة الرسول صلى ال عليه وسلم قياسسسا علسسى‬
‫إمامته لهم في الصلة أثناء مرض الرسول عليه الصلة والسلم‪.‬‬
‫وقد يكون الجماع مستندا على المصلحة عند من يقول بحجيتها‪ ،‬وقسسد وقسسع‬
‫ذلك في عهد الصحابة‪ ،‬فعمر بن الخطاب أشار على أبي بكسسر الصسديق رضسي الس‬
‫عنهما بجمع القرآن في مصحف واحد‪ ،‬والذي قبسسل بعسد تسسردد كسبير حيسسث قسسال لسه‪:‬‬
‫كيف نفعل شيئا لم يفعلسه رسسول الس )ص(؟ فقسال عمسر‪ :‬إنسه والس خيسر ومصسلحة‬
‫للسلم‪ ،‬وقد وافق بقية الصحابة على جمع القرآن في مصحف واحسسد إسسستنادا إلسسى‬
‫مصلحة السلم والمسلمين في ذلك‪.‬‬
‫ومثله أيضا زيادة أذان ثالث لصلة الجمعة في عهد عثمسسان‪ ،‬لعلم النسساس‬
‫بالصلة‪ ،‬وتنبيه كثير من المسلمين القاطنين في منازل بعيدة عن المسسسجد‪ ،‬حسستى ل‬
‫تفوتهم الصلة‪ ،‬وكان مستندهم هو المصلحة ودفع المفسدة المترتبة على بقاء المر‬
‫على ما كان عليه في عهد النسسبي صسسلى الس عليسسه وسسسلم وخلفسسائه أبسسي بكسسر وعمسسر‬
‫رضي ال عنهما‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬أركان الجماع‪.‬‬

‫‪ - 1‬عبد الكريم زيدان‪ ،‬المدخل لدراسة الشريعة السلمية‪ ،‬دار الوفاء للنشر ‪ ،1992‬ص‪.165 :‬‬
‫‪ - 2‬الشافعي في كتابه الرسالة‪ ،‬ص‪.476 :‬‬
‫‪ - 3‬سورة النساء‪ ،‬الية ‪.23‬‬

‫‪29‬‬
‫يتبين من تعريف الجماع المشار إليه آنفا ضرورة توافر الركسسان الربعسسة‬
‫التالية‪:‬‬

‫أول‪ :‬ركن الجماع أو إتفاق جميع المجتهدين‪.‬‬

‫لكي نكون إزاء إجماع بإعتبسساره مصسسدرا مسسن مصسسادر التشسسريع السسسلمي‬
‫لبد من موافقة جميع المجتهدين‪ ،‬فإذا خالف أحدهم لسسم ينعقسسد الجمسساع‪ ،‬كمسسا أنسسه ل‬
‫يكفي صدور الجماع من مجتهد واحد إذا إنفرد وجوده فسسي زمسسن مسسا‪ ،‬لن التفسساق‬
‫لبد فيه من متعدد‪ ،‬وقد يخطئ المجتهد حينئذ‪ ،‬ومن هنا ل يكون رأيه حجسسة قطعيسسة‬
‫كما هو شأن الجمسساع‪ ،‬لن المنفسسي عنسسد الخطسسأ هسسو الجمسساع‪ ،‬وهسسذا رأي جمهسسور‬
‫الصوليين في أنه ليس حجة ول إجماعا‪ ،‬لنه رأي فردي يجوز أن يخطئ‪.‬‬
‫ومن جهة ثانية لبد وأن يكون الجماع صادرا عن مجتهدي المسلمين‪ ،‬أي‬
‫من المسلمين الذين تتوافر فيهم شروط الجتهاد كما حددها الفقهاء‪.1‬‬

‫ثانيا‪ :‬أن يكون المجمعون من أمة محمد )ص(‪.‬‬

‫يشترط أن يكون أهل الجماع ‪-‬الذي هو محل البحث‪ -‬من المسلمين‪ ،‬وهسسم‪:‬‬
‫كل من أجاب دعوة رسول ال )ص( وآمن بما جاء به‪ .‬والعلماء إتفقوا علسسى أنسسه ل‬
‫عبرة بالكافر في هذا الموضوع‪ ،‬لن الكافر غير مقبول في مسائل ديننا‪ ،‬فهو متهسسم‬
‫بقوله بسبب مخالفته في الدين‪ ،‬ومن ناحية ثانية‪ ،‬فإن المسسة السسسلمية قسسد إختصسسها‬
‫ال عز وجل بالعصمة من الخطأ عند التفساق‪ ،‬ولسم يشساركها فسي ذلسك أمسة أخسرى‬
‫حسبما جاءت بذلك الدلة‪.2‬‬

‫ثالثا‪ :‬إتفاق المجتهدين بعد وفاة الرسول عليه الصلة والسلم‪.‬‬

‫إتفق جمهور الفقهاء على أن ل عبرة بالجماع في عصسسره )ص(‪ ،‬لنسسه إذا‬
‫وافق الرسول )ص( المجتمعين‪ ،‬فالحجة هو قوله )ص(‪ ،‬وإن خالفهم فل عبرة بمسسا‬
‫أجمعوا عليه‪ ،‬لنه صاحب التشريع‪ ،‬وعليه ل ينعقد في عهد الرسول )ص(‪.‬‬
‫ثم إن الرسول )ص( إذا وافق الصحابة على حكم كان الحكم ثابتا بالسسسنة ل‬
‫بالجماع‪ ،‬وإن خالفهم سقط إتفاقهم‪ ،‬ول يكون حينئذ حكما شرعيا‪.3‬‬

‫رابعا‪ :‬إتفاق المجتهدين في عصر من العصور‪.‬‬


‫‪ - 1‬ومن ضمنها توفره على ملكة الستنباط وعلمه بالقرآن وبالسنة وبمسائل الجماع وأن يكون ملما بعلم أصول الفقه وبعلوم اللغة‪.‬‬
‫‪ - 2‬عبد اللطيف خالفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.171 :‬‬
‫‪ - 3‬وهبة الزحيلي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.525 :‬‬

‫‪30‬‬
‫ليس المراد بداهة جميع مجتهدي المة في جميع العصور إلى يوم القيامسسة‪،‬‬
‫وإل أدى إلى عدم تحقق الجماع أصل‪ ،‬والمراد بالعصر‪ :‬هو عصر مسسن كسسان مسسن‬
‫أهل الجتهاد في الوقت الذي حدثت فيه المسألة الجديدة التي تتطلسسب حكمسسا شسسرعيا‬
‫فيها وعليه فل يعقد الجماع بمن صار مجتهدا بعد حدوث تلك المسسسألة‪ ،‬حسستى ولسسو‬
‫كان المجتهدون الذين أصدروا حكما فيها مازالوا على قيد الحياة‪ ،‬وإنمسسا مسستى إتفسسق‬
‫المجتهدون في عصر من العصور على حكم حادثة‪ ،‬إنعقد الجماع وصسسار واجسسب‬
‫التباع‪ ،‬في اللحظة التي صدر فيها الحكم‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬أن يقع الجماع على حكم شرعي‪.‬‬

‫ينبغي أن يكون موضوع التفاق هو حكسسم الشسسريعة السسسلمية فسسي المسسسألة‬


‫المعروضة فل يعتبر إجماعا بهذا المعنى إتفاق علماء اللغسسة أو المنطسسق أو غيرهسسم‬
‫على قاعدة من القواعد‪ 1‬ككون الفاء للتعقيب‪ ،‬أو القضايا العقلية كحدوث العالم‪ ،‬قال‬
‫إمام الحرمين في البرهان‪» :‬ول أثر للجماع في العقليات‪ ،‬فإن المشجع فيها الدلسسة‬
‫القطعية‪ ،‬فإذا إنتصبت لم يعارضها شقاق ولم يعضدها وفاق«‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أنواع الجماع وحجيته‪.‬‬

‫الفقرة الولى‪ :‬أنواع الجماع‪.‬‬

‫الجماع بحسب طريقة تكوينه نوعان‪ :‬إجماع صريح وآخر سكوتي‪.‬‬

‫أول‪ :‬الجماع الصريح‪.‬‬

‫ويطلق عليه أيضا الجماع النطقي أو الجماع القولي‪ ،‬وهو أن ينفق جميسسع‬
‫مجتهدي العصر على حكم واقعة‪ ،‬بإبداء كل منهم رأيه صسسراحة بفتسسوى أو قضسساء‪،‬‬
‫وهذا قد يكون بإجتماعهم في مكان واحد‪ ،‬ثم بحثهسسم للواقعسسة أو النازلسسة المعروضسسة‬
‫وتصريح كل مجتهد برأيه فيها‪ ،‬كما قد يتحقسسق الجمسساع الصسسريح عنسسد عسسدم تيسسسر‬
‫تواجد كسل المجتهسسدين المسسلمين فسي مكسسان واحسد‪ ،‬بسأن يعسسبر كسل منهسم عسن رأيسه‬
‫صراحة في المسألة محل الجتهاد بأية طريقسسة مسسن الطسسرق‪ ،‬ثسسم تجمسسع هسسذه الراء‬
‫المتفرقة‪ ،‬ويتكون من إتفاقها إجماعا‪.‬‬
‫ويعتبر الجماع الصريح‪ ،‬عند الجمهور‪ ،‬حجسسة قطعيسسة فسسي ثبسسوت الحكسسام‬
‫الشرعية‪.‬‬

‫‪ - 1‬حسين حامد حسان‪ :‬أصول الفقه‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،1،‬ص‪.57 :‬‬

‫‪31‬‬
‫ثانيا‪ :‬الجماع السكوتي أو الضمني‪.‬‬

‫وهو أن يبدي بعض المجتهدين رأيه في مسألة ويعلم بهسا البساقون فيسسكتون‬
‫ول يصدر عنهم صراحة إعتراف ول إنكار‪ ،1‬ومثاله ما روي عن عثمان بن عفان‬
‫رضي ال عنه‪ ،‬أنه أفتى بوجوب الزكاة عن المسسوال المدينسسة علسسى السسدائن‪ ،‬وسسسمع‬
‫بهذه الفتوى الصحابة رضوان ال عليهم‪ ،‬وسكتوا‪ ،‬فإن سكوتهم هسسذا يعسسد مسسن قبيسسل‬
‫الموافقة‪ ،‬وبالتسسالي يعتسسبر أن هنساك إجماعسا سسكوتيا علسى الحكسسم القاضسسي بوجسوب‬
‫الزكاة على الموال المدينة‪.‬‬
‫وإذا كان الجماع الصريح يعد بإتفاق الفقهاء حجة قطعية في ثبوت الحكام‬
‫الشرعية‪ ،‬فإن الجماع السكوتي إختلف فيه‪ ،‬على إعتبار أن الساكت من المجتهدين‬
‫ل جزم بأنه موافق‪ ،‬فل جزم بتحقق التفاق وإنعقاد الجمسساع‪ ،‬لسسذلك ذهسسب البعسسض‬
‫إلى أنه ليس بحجة‪ ،2‬وأنه ل يخرج عن كونه رأي بعسسض الفسسراد مسسن المجتهسسدين‪،‬‬
‫ذلك أنه من شروط الجماع أن يتفق جميع المجتهدين على الحكم‪ ،‬وهذا الشسسرط لسسم‬
‫يتحقق في الجماع السكوتي‪ ،‬لن بعسسض المجتهسسدين سسسكتوا ولسسم يسسدلوا بسسرأي‪ ،‬ول‬
‫يصح أن يفسر سكوتهم على أنه موافقة منهم لما أبدي من رأي‪ ،‬إذ السكوت قد ينشأ‬
‫في بعض الحيان عن أسباب أخرى غير الموافقة‪ ،‬كالخوف مسسن القسسائل أو المهابسسة‬
‫منه‪ ،‬أو لنه يرى عدم وجوب النكار على القائل‪ ،‬لن كل مجتهد مصيب‪.‬‬
‫أما القائلون بحجية الجماع السكوتي‪ ،‬وهم الحنفية والحنابلة‪ ،‬فقد إشسسترطوا‬
‫في توافر هذا الجماع‪:‬‬
‫‪-1‬أن يكون السكوت مجردا عن علمة الرضا أو الكراهة‪.‬‬
‫‪-2‬وأن ينتشر الرأي المقول به من مجتهد بين أهل العصر‪.‬‬
‫‪-3‬وتمضي مدة كافية للتأمل والبحث في المسألة‪.‬‬
‫‪-4‬وأن تكون المسألة إجتهادية‪.‬‬
‫‪-5‬وأن تنتفسسي الموانسسع السستي تمنسسع مسسن إعتبسسار هسسذا السسسكوت موافقسسة‬
‫كالخوف من سلطان جائر‪ ،‬أو عسسدم مضسسي مسسدة تكفسسي للبحسسث‪ ،‬أو أن‬
‫يكون الساكت ممن يرون أن كل مجتهسسد مصسسيب‪ ،‬فل ينكسسر مسسا يقسسوله‬
‫غيره‪ ،‬لنه من مواضع الجتهاد‪ ،‬أو يعلم أنه لسسو أنكسسر ل يلتفسست إليسسه‪،‬‬
‫ونحو ذلك‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬حجية الجماع‪.‬‬

‫‪ - 1‬عبد الكريم زيدان‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.166 :‬‬


‫‪ - 2‬وهم بالخصوص المالكية والشافعية‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫الجمسساع حجسسة قطعيسسة ل يسسسع أحسسدا أن يجتهسسد علسسى خلفسسه إذا تحققسست‬
‫بشروطه‪ ،‬فهو إذن يفيد الحكم قطعا‪ ،‬بعد أن كان هذا الحكم ظنيا قبل تحققسسه‪ ،‬وعلسى‬
‫المكلف أن يمتثل لهذا الحكم كما يمتثل للحكم الثسابت بنسص الكتساب والسسنة‪ ،1‬وهسذا‬
‫سواء تعلق المر بالجماع الصريح أو السكوتي‪ ،‬لن هسسذا الخيسسر وإن كسسان محسسل‬
‫إختلف الفقهاء فإنه إذا تسسوافرت لسسه شسسروط الصسسحة المتطلبسسة يعتسسبر شسسرعية عنسسد‬
‫جمهور الفقهاء‪.2‬‬
‫وقد إستدل الجمهور على حجية الجماع بالكتسساب والسسسنة وعمسسل الصسسحابة‬
‫والعقل عند جمهور الفقهاء‪.‬‬

‫أول‪ :‬الدليل من الكتاب‪.‬‬

‫إن الصل في حجية الجماع مسسن الكتسساب قسسوله سسسبحانه وتعسسالى‪» :‬ومن‬
‫يشاقق الرسول مككن بعككدما تككبين لككه الهككدى ويتبككع غيككر سككبيل‬
‫المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا«‪ 3‬وهسسذه اليسسة‬
‫التي تمسك بها الشافعي على حجية الجماع في "الرسالة" ووجه الستدلل بهسسا أن‬
‫سبيل المؤمنين هو ما يتفقون عليه‪ ،‬ويجمعون على الخذ به‪ ،‬فمتى تحقق إجمسساعهم‬
‫على حكم شرعي‪ ،‬فإن هذا الجماع يحرم إتباع سبيل غيره فهذا الخير كمشاقة ال‬
‫ورسوله‪ ،‬إذ جعل سبحانه وتعالى‪ ،‬جزاءهما واحدا‪ ،‬وهو الوعيد حيث قال‪» :‬نوله‬
‫ما تولى ونصله جهنم«‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الدليل من السنة‪.‬‬

‫وهو أقوى الدلسسة كمسسا قسسال الغزالسسي‪ ،‬فقسسد وردت أحسساديث عسسن رسسسول الس‬
‫)ص( تدل على عصسسمة المسسة مسسن الخطسسأ‪ ،‬وإشسستهر ذلسسك علسسى لسسسان جماعسسة مسسن‬
‫الصحابة المرموقين الموثوقين كعمر إبن مسعود وأبي هريرة وغيرهم ممن يطسسول‬
‫ذكرهم‪ ،‬حتى إن كسسثرة الحسساديث بألفاظهسسا المختلفسسة‪ ،‬وإن لسسم تتسسواثر آحادهسسا‪ ،‬لكسسن‬
‫القدر المشترك بينها‪ ،‬وهو عصمة المة من الخطأ متواثر لوجوده في هذه الخبسسار‬
‫الكثيرة‪.‬‬
‫هذه الحاديث هي‪» :‬ل تجتمع أمسستي علسسى خطسسأ«‪» ،‬يسسد الس مسسع الجماعسسة‪،‬‬
‫ومن شذ شذ في النار«‪ ،‬وقوله )ص(‪» :‬مسسن فسسارق الجماعسسة بسسثرا‪ ،‬فمسسات إل مسسات‬
‫ميتة جاهلية«‪.‬‬

‫‪ - 1‬أمحمد المراني زنطار‪ ،‬المدخل لدراسة الفقه السلمي‪ ،1998 ،‬ص‪.165 :‬‬
‫‪ - 2‬عبد اللطيف خالفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.175 :‬‬
‫‪ - 3‬سورة النساء‪ ،‬الية‪.115 :‬‬

‫‪33‬‬
‫ثالثا‪ :‬عمل الصحابة‪.‬‬

‫من الثابت أن الصحابة رضوان ال عليهم لجأوا إلى الجماع في الكثير من‬
‫الحوادث والمسائل التي لم يجدوا فيها حكما شرعيا من كتاب ال عز وجسسل أو سسسنة‬
‫رسوله عليه الصلة والسلم‪ ،‬ومن المثلة على ذلك إجماعهم على تسسولي أبسسي بكسسر‬
‫الصديق الخلفة بعد وفاة الرسول )ص( وإجماعهم علسسى جمسسع القسسرآن الكريسسم فسسي‬
‫مصحف واحد‪ ،‬وإجماعهم على محاربة أهل الردة عند إمتناعهم عن إعطاء الزكسساة‬
‫إلى غير ذلك من المور التي حصل فيها إجماع الصحابة وإتفاقهم‪.‬‬

‫‪34‬‬

You might also like