Professional Documents
Culture Documents
المستدامة
وحماية البيئة
في السنة النبوية
د .محمد عبد القادر الفقي
)(1
الدراسات التي تزاوج بين القضايا الكونية المعاصرة وبين
الشريعة السلمية ،وهي دراسات تتطلب الجمع بين تخصصات
مختلفة ،بالضافة إلى اللمام بمصادر التشريع السلمي،
والقدرة على الربط بين النواحي العلمية والشرعية وفق منهجية
محددة وضوابط عامة .وهذا النمط من الدراسات ذو أهمية بالغة
في معالجة القضايا المعاصرة والتقعيد لها ،استنادا لما جاء في
القرآن الكريم والسنة النبوية .وفي الوقت نفسه ،فإن هذه
الدراسات خير دليل لغير المسلمين على مرونة الشريعة
السلمية ،وملءمتها لحل المشكلت المستعصية التي باتت تئن
من ويلتها المجتمعات البشرية المعاصرة.
وهذا البحث هو محاولة لدراسة موضوع من الموضوعات التي
لها صلة مباشرة بالقتصاد العالمي ،وعلوم البيئة ،والتشريعات
المختلفة ،بما فيها التشريع السلمي ،وهو موضوع التنمية
المستدامة .ومن المعروف أن هذا النمط من أنماط التنمية ي ُعَد ّ
إحدى الغايات التي تسعى دول العالم قاطبة في القرن الحادي
والعشرين الميلدي إلى الوصول إليها ،واتخاذ كل التدابير اللزمة
لتحقيقها ،باعتبار أنها الوسيلة المثلى لتحقيق التقدم الحضاري
المنشود بشتى صوره )اقتصاديًا ،واجتماعيًا ،وبشريًا( ،مع
المحافظة في الوقت نفسه على الموارد والثروات الطبيعية من
الستنـزاف والتلوث ،بحيث يظل كوكب الرض قادرا على الوفاء
بمعطيات التنمية وضمان ديمومتها للجيال القادمة ،انطلقا من
كون هذه الموارد ليست حكرا على جيل بعينه ،بل هي ملكية
عامة للبشر جميعا في كل زمان ومكان .كما أن التنمية
المستدامة تمثل في الوقت نفسه إحدى القيم الحضارية
المرتبطة بأخلقيات التعامل مع البيئة ،والتعامل الرشيد مع
عناصرها ونظمها ومواردها.
ويعرض هذا البحث لقضية التنمية المستدامة من منظور علمي
وإسلمي ،استنادا ً إلى ما ورد في السنة النبوية من أحاديث
شريفة ذات صلة بهذه القضية ،وما ورد في المراجع العلمية
الحديثة المتعلقة بهذه القضية .وقد كان سبب اختياري لهذا
البحث هو ندرة الدراسات التي تطرقت إلى تلك القضية،
والحاجة الماسة إلى إبراز موقف السلم من هذا النمط من
أنماط التنمية.
منهج البحث:
يقوم البحث على المنهج العلمي الستقرائي الستنباطي
المقارن .فقد عنيت فيه ببيان مفهوم التنمية المستدامة في
العلم الحديث ،وقارنت بين ذلك المفهوم والمفهوم السلمي
)(2
الذي تم استنباطه من خلل استقراء آيات القرآن الكريم
والحاديث النبوية الشريفة المرتبطة بعناصر التنمية المستدامة.
وقمت بتأصيل المفاهيم الواردة في البحث تأصيل ً علميا ً استنادا ً
إلى ما ورد في المعاجم اللغوية .كما قمت بعزو اليات القرآنية
إلى مواضعها من السور الكريمة ،وتخريج الحاديث الواردة في
البحث من غير الصحيحين ،مع شرح معاني الكلمات الغريبة.
تقسيم البحث:
قسمت البحث إلى مقدمة وستة مباحث وخاتمة على النحو
التالي:
المبحث الول :المفهوم العلمي للتنمية المستدامة والصطلحات
ذات الصلة.
المبحث الثاني :حماية البيئة والتنمية المستدامة باعتبارهما
قيمتين حضاريتين.
المبحث الثالث :العناصر الساسية للتنمية المستدامة.
المبحث الرابع :مفهوم التنمية المستدامة في السلم.
المبحث الخامس :ركائز التنمية المستدامة في السنة النبوية.
المبحث السادس :القواعد الفقهية المتعلقة برعاية البيئة.
وقد تضمنت الخاتمة أهم النتائج والتوصيات.
المبحححث الول :المفهححوم العلمححي للتنميححة المسححتدامة
والصطلحات ذات الصلة:
أول :مفهوم التنمية المستدامة:
يتكون اصطلح التنمية المستدامة من لفظتين ،هما :التنمية،
والمستدامة.
مى( .يقال :أنميت الشيء والتنمية في اللغة مصدر من الفعل )ن ّ
ميته :جعلته ناميا) .(1أما كلمة )المستدامة( فمأخوذة من ون ّ
)(2
استدامة الشيء ،أي :طلب دوامه .
ومن الناحية الصطلحية يــراد بالتنميــة زيــادة المــوارد والقــدرات
والنتاجية .وهذا المصطلح – برغم حداثته -يستعمل للدللة علــى
أنماط مختلفة من النشطة البشــرية ،مثــل :التنميــة الاقتصــادية،
والتنمية الجتماعية ،والتنمية البشرية ،الخ .وفــي الصــطلاح ي ُــراد
بالتنميـــة الاقتصـــادية :الســـتخدام المثـــل للمـــوارد الطبيعيـــة
والبشــرية ،لغــرض تحقيــق زيــادات مســتمرة فــي الــدخل تفــوق
معدلت النمو السكاني .أما التنمية الجتماعيــة فــالمراد منهــا هــو
إصلح الحوال الجتماعية للسكان عن طريق زيادة قدرة الفــراد
()1لسان العرب ،ابن منظور ،دار صادر ،بيروت ،الجزء الخامس عشر،
صفحة .341
()2المرجع السابق ،الجزء الثاني عشر ،صفحة .213
)(3
على استغلل الطاقة المتاحة إلى أقصــى حــد ممكــن ،وبتحصــيل
أكبر قدر من الحرية والرفاهية .وتعنــي التنميــة البشــرية :تخويــل
البشر سلطة انتقاء خياراتهم بأنفسهم ،سواء فيما يتصــل بمــوارد
الكسب ،أو بالمن الشخصـي ،أو بالوضـع السياسـي .ويلحـظ أن
ثمة تداخل بين كل هذه النماط التنموية ،إذ يرتبط كل نمط منهــا
مع سائر النماط الخرى ارتباطا ً وثيقا ً من حيــث التــأثير المتبــادل
بينهما .ولذلك وجدنا مـن يدمـج كــل هـذه النمـاط المختلفـة مـن
التنمية تحت مسمى واحد هو التنمية المتكاملة.
ولما كــانت التنميــة المتكاملــة تقتصــر دللتهــا الصــطلحية علــى
العمليات التي تجرى في الوقت الحاضــر فقــط لتلبيــة احتياجــات
أفراد المجتمع الموجودين حاليا ،دون مراعاة لحتياجــات الجيــال
القادمــة ،فقــد قــام كــاتبو تقريــر لجنــة )برونتلنــد( المعنــون:
)مستقبلنا المشــترك( فــي عــام 1987بوضــع مصــطلح )التنميــة
المستدامة( للدللة على التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر دون
أن تؤثر في قدرة الجيال المقبلة على تلبية احتياجاتها .وعلى هذا
فقد عرفت التنمية المستدامة بأنهــا" :العمــال الــتي تهــدف إلــى
استثمار المــوارد البيئيــة بالقــدر الــذي يحقــق التنميــة ،ويحــد مــن
ورها ،بــدل ً مــن استنـــزافها
التلوث ،ويصون الموارد الطبيعية ويط ّ
ومحاولة السيطرة عليها .وهي تنمية تراعي حق الجيــال القادمــة
في الثروات الطبيعية للمجــال الحيــوي لكــوكب الرض ،كمــا أنهــا
تضع الحتياجات الساسية للنسان فــي المقــام الول ،فأولوياتهــا
هي تلبية احتياجات المرء مـن الغــذاء والمســكن والملبــس وحــق
العمل والتعليم والحصول على الخدمات الصحية وكــل مــا يتصــل
بتحسين نوعية حياته المادية والجتماعية .وهي تنميــة تشــترط أل
نأخذ من الرض أكثر مما نعطي") ،(1أي إنهـا تتطلـب تضـامنا ً بيـن
الجيل الحالي والجيل المستقبلي ،وتضمن حقوق الجيال المقبلــة
في الموارد البيئية .وتتمثل أهداف التنمية المستدامة في تحسين
ظروف المعيشة لجميع سـكان العـالم ،وتـوفير أســباب الرفاهيـة
والصحة والستقرار لكل فرد.
ثانيا :مفهوم البيئة:
تــدل كلمــة )الــبيئة( فــي معــاجم اللغــة العربيــة علــى )النـــزول
والحلول في المكــان( ،ثــم أطلقــت الكلمــة مجــازا ً علــى المكــان
الــذي يتخــذه النســان )مســتقرا ً لنـــزوله وحلــوله( ،أي علــى:
)(4
المنـزل ،والموطن والموضع الذي يرجع إليه النسـان فيتخـذ فيـه
منـزله وعيشه).(1
و)البيئة( في العلم هي" :الوسط أو المجال المكاني الذي يعيــش
فيه النسان ،بما يضم من ظواهر طبيعية وبشرية يتأثر بها ويــؤثر
فيهـــا") .(2وقـــد عرفتهـــا موســـوعة Van Nostrand’s Scientific
Encyclopediaبأنها" :مجموعة الظروف والعوامل المادية المحيطة
بالكائن الحي ومكوناته").(3
وعلى هذا يمكننا القول بأن البيئة )في إطارها العام( هي "كل ما
هــو خــارج جســم النســان" ويــؤثر فيــه ،ويتــأثر بالنشــطة الــتي
يمارسها النسان نفسه.
ثالثا :حماية البيئة ورعايتها:
الحماية في اللغة :المنع والدفع .يقال :حمى فلنا ،أي :منعه ودفع
عنــه) .(4وعلــى هــذا فــإن اصــطلح )حمايــة الــبيئة( يــدل علــى
"المحافظة على البيئة من كل ما يفســدها أو يضــر بهــا ويلوثهــا".
أما الرعاية فإنها تعني :حفظ الشيء وتولي أمره) ،(5قال تعالى) :
،(6)( أي :مـا
حفظوها وصانوها حق المحافظة والصيانة) .(7وعلــى هــذا فرعايــة
البيئة تعني :إحاطتها بالحفظ والعناية والصيانة.
المبحث الثاني :حماية البيئة والتنمية المستدامة
باعتبارهما قيمتين حضاريتين
مع كثرة المشكلت التي تعرضت لها البيئة منذ عهد الثورة
الصناعية ،ومع الزيادة المطردة في حجم هذه المشكلت ،نشأ
ما يعرف بالفكار الخضراء ،وهي الفكار التي تنادي بحماية البيئة
من أجل الحفاظ على كوكب الرض وما فيه من أحياء ،والحيلولة
دون تردي جودة كل من الماء والهواء والتربة .وصارت
)(5
المحافظة على البيئة قيمة من قيم الحضارة المعاصرة يتبناها
السياسيون في برامجهم النتخابية ،والمخططون في
إستراتيجياتهم التنموية ،والعلميون في دعاواهم الحضارية.
وانتشرت الفكار الخضراء في العديد من البلدان ،مثل تلك
الفكار التي تنادي بإنقاذ الطبيعة والمحافظة على الشجار وعدم
قطع الغابات والمحافظة على التنوع الحيوي) (1وحماية طبقة
الوزون...إلخ.
ونتيجة لنتشار الفساد البيئي وتفاقم المشكلت البيئية )المتمثلة
في التلوث ،والضطرابات الكبيرة في النظم البيئية ،والحتباس
الحراري ،والتصحر ،وكثرة الحياء المهددة بالنقراض( فقد أصاب
الهلع الكثيرين من سوء المآل والمنحدر الخطير الذي ستهوي
فيه الحضارة الحديثة إذا استمرت القضايا البيئية بل علج ناجع.
وارتفعت أصوات الدعوة إلى تبني القيم الخضراء وإلى إعادة
النظر في علقة النسان بالبيئة .ونشطت الجمعيات الهلية
والمنظمات غير الحكومية التي تنادي بالمحافظة على البيئة.
وفي العقدين الخيرين وصل المد ّ البيئي إلى مدى كبير ،فحفلت
أدبيات السياسة الخضراء برؤى جديدة تضع البشر "على مستوى
متكافئ مع جميع الكائنات الحية الخرى").(2
وفي قمة الرض الولى التي عقدت في ريودي جانيرو بالبرازيل
في عام ،1992وهي القمة التي حضرها معظم ملوك دول
العالم ورؤسائه ،تم تبني مفهوم التنمية المستدامة باعتباره قيمة
حضارية .وصار تحقيق هذه التنمية أحد الطموحات والهداف
الكبرى للعديد من دول العالم المعاصر ،وبخاصة بعد ما تعرضت
له كثير من موارد الرض وثرواتها غير المتجددة لخطر
الستنـزاف ،حتى صار بعضها على شفا النضوب .ومع مطلع
اللفية الميلدية الثالثة ازداد الهتمام بتأصيل القيم الخلقية في
مجال التعامل مع البيئة ،والربط بين هذه القيم وبين أهداف
التنمية المستدامة التي تسعى إلى تنفيذها الوكالت والبرامج
)(6
المتخصصة بحماية البيئة .وبادرت الهيئات المتخصصة في حماية
البيئة إلى توظيف القيم الدينية المرتبطة بحماية البيئة لتفعيل
برامجها الخاصة بتحقيق التنمية المستدامة التي توازن بين
الستغلل الرشيد للموارد البيئية وبين توفير متطلبات التنمية
الصناعية والزراعية والعمرانية والبشرية.
المبحث الثالث :العناصر الساسية للتنمية المستدامة:
تقوم التنمية المستدامة على ثلثة عناصر أساسية ،هي :القتصاد
والمجتمع والبيئة.
ومن الملحظ أن هذه العناصر يرتبط بعضها ببعض ،وتتداخل فيما
بينها تداخل كبيرا .فالقتصاد أحد المحركات الرئيسية للمجتمع،
وأحد العوامل الرئيسية المحددة لماهيته )مجتمع صناعي أو
كل مش ّ زراعي أو رعوي ،إلخ( .والمجتمع هو صانع القتصاد ،وال ُ
الساسي للنماط القتصادية التي تسود فيه ،اعتمادا على نوع
الفكر القتصادي الذي يتبناه المجتمع )الرأسمالي ،الشتراكي،
السلمي(.
والبيئة هي الطار العام الذي يتأثر بالنشطة القتصادية ويؤثر
فيها .كما تتأثر البيئة بسلوكيات أفراد المجتمع وتؤثر في أحوالهم
الصحية وأنشطتهم المختلفة .ولذلك فإن أي برنامج ناجح للتنمية
المستدامة ل بد له أن يحقق التوافق والنسجام بين هذه العناصر
الثلثة ،وأن يصهرها كلها في بوتقة واحدة تستهدف الرتقاء
بمستويات الجودة لتلك العناصر معا :أي تحقيق النمو القتصادي،
وتلبية متطلبات أفراد المجتمع ،وضمان السلمة البيئية ،مع
المحافظة في الوقت نفسه على حقوق الجيال القادمة من
الموارد الطبيعية وعلى التمتع ببيئة نظيفة .والعلقة بين التنمية
المستدامة وحماية البيئة علقة وثيقة .وفي هذا الصدد تمثل
حماية البيئة الهدف الول في برامج التنمية المستدامة ،ويرجع
ذلك إلى أن البيئة هي المصدر الساسي لجميع الموارد التي
تتطلبها برامج التنمية المستدامة ومشروعاتها .والخلل بالتوازن
البيئي يؤدي إلى تدمير النظم البيئية وتدهور حالة الموارد
الطبيعية )الحية وغير الحية( والتعجيل بنفاد بعضها أو إفسادها
بحيث يتعذر استخدامها بشكل مناسب اقتصاديا .ولهذا فإن حماية
البيئة تتطلب وضع ضوابط خاصة لبرامج التنمية المستدامة
بحيث تكفل هذه الضوابط عدم تدهور النظم البيئية الطبيعية.
وتتضمن هذه الضوابط ما يلي:
المحافظة على سلمة البيئة )خصوبة التربة ،تدوير -1
عناصر الغذاء ،نظافة المياه ،جودة الهواء(.
)(7
المحافظة على الموارد الوراثية للحياء الحيوانية -2
والنباتات ،والحد من فقدان التنوع الحيوي.
-3ترشيد الستخدام المتواصل للموارد الطبيعية )وبخاصة
الموارد النباتية والحيوانية( ،بحيث ل يكون الستهلك
أكبر من قدرة هذه الموارد على التكاثر والنتاج.
وتقضي التنمية المستدامة بأن يراعي النسان هذه الضوابط،
ويراعي أهمية صون النظم البيئية ،وأن يخطط معدلت استهلكه
بحيث يحافظ على التوازن بين احتياجاته وبين طاقة تلك النظم
وقدرتها على الستمرارية والعطاء.
المبحث الرابع :مفهوم التنمية المستدامة في
السلم:
على الرغم من حداثة مصطلح )التنمية المستدامة( فإن مفهومه
ليس بجديد على السلم والمسلمين .فقد حفل القرآن الكريم
والسنة النبوية المطهرة بالعديد من النصوص التي تمثل الركائز
الساسية للتنمية المستدامة ،وتضع الضوابط التي تحكم علقة
النسان بالبيئة من أجل ضمان استمراريتها صالحة للحياة إلى أن
يأتي أمر الله .ومن الجدير بالذكر أن مفهوم التنمية المستدامة
في السلم أكثر شمول ،بل إنه أكثر إلزاما من المفهوم المناظر
الذي تم تبنيه في أجندة القرن الحادي والعشرين المنبثقة عن
قمة )ريو( .فالنظرة السلمية الشاملة للتنمية المستدامة توجب
أل تتم هذه التنمية بمعزل عن الضوابط الدينية والخلقية ،لن
هذه الضوابط هي التي تحول دون أية تجاوزات تفقد التنمية
المستدامة مبررات استمراريتها .وفي الوقت نفسه فإن النظرة
السلمية الشاملة للتنمية المستدامة تعنى بالنواحي المادية ،جنبا
إلى جنب مع النواحي الروحية والخلقية ،فل تقتصر التنمية
المستدامة على النشطة المرتبطة بالحياة الدنيا وحدها ،وإنما
تمتد إلى الحياة الخرة ،بشكل يضمن تحقيق التوافق بين
الحياتين ،ويجعل صلحية الولى جسر عبور إلى النعيم في الحياة
الخروية التي هي الحيوان ،أي الحياة الحقيقية المستمرة بل
انقطاع وبل منغصات.
وهكذا ،فإن مهمة التنمية المستدامة في المنظور السلمي هي
توفير متطلبات البشرية حاليا ومستقبل ،سواء أكانت مادية أو
روحية ،بما في ذلك حق النسان في كل عصر ومصر في أن
خلقية والثقافية والجتماعية .وهذا يكون له نصيب من التنمية ال ُ
ُبعد مهم تختلف فيه التنمية المستدامة في المنظور السلمي
عن التنمية المستدامة في النظم والفكار الخرى ،لنه يعتمد
على مبدأ التوازن والعتدال في تحقيق متطلبات الجنس البشري
)(8
بشكل يتفق مع طبيعة الخلقة اللهية لهذا الكائن .والتنمية
المستدامة في المنظور السلمي ل تجعل النسان ندا للطبيعة،
ول متسلطا عليها ،بل تجعله أمينا بها ،محسنا لها ،رفيقا بها
وبعناصرها ،يأخذ منها بقدر حاجته وحاجة من يعولهم ،بدون
إسراف ،وبل إفراط ول تفريط .كما أنها ت ُعَد ّ لونا من ألوان شكر
خلقه ،انطلقا من كون العمل في المنِعم على ما أنعم به على َ
الرض نمطا من أنماط الشكر لله ،كما قال تعالى) :
.(1) ( والتنمية
المستدامة من هذا المنظور توجب على الغنياء مساعدة
الفقراء ،فالمال مال الله ،وهم مستخلفون فيه ،قال تعالى) :
) ،(2)(وقال:
(3) ( ؛ ولن
الغنياء إن لم يفعلوا قد يضطرون الفقراء إلى الضغط على
الموارد الطبيعية واستنـزافها من أجل الحصول على قوتهم
وقوت أولدهم .وما تقوم به الدول الفقيرة من قطع جائر
لغاباتها ،وإقامة للصناعات الملوثة للبيئة على أراضيها ي ُعَد ّ مثال
لما يمكن أن يفعله الفقر من دمار بيئي.
المبحث الخامس :ركائز التنمية المستدامة في السنة
النبوية:
يمكن تقسيم ركائز التنمية المستدامة في السنة النبوية إلى
ثلث ركائز أساسية ،كما يلي:
أول – عمارة الرض:
ذكرنا من قبـل أن القتصـاد ي َُعـد ّ أحـد العناصـر الرئيسـية للتنميـة
المستدامة .ولكننا هنا نؤثر استعمال المصطلح السلمي )عمــارة
الرض( لن دللت هذا المصطلح تتضــمن معــاني الوســيلة الــتي
تتحقق بها التنمية المستدامة ،كما تتضمن -فــي الــوقت نفســه -
الهدف من هذه التنمية) .(4وتتمثل عمارة الرض في الســلم فــي
كل الوسائل التي يمكن من خللها إحداث مختلف أنــواع التنميــة،
سواء أكانت اقتصادية )صناعية /زراعية( أم حضــرية أم اجتماعيــة
أم صــحية أم روحيــة...إلــخ .كمــا أن عمــارة الرض تمثــل الهــدف
الرئيسي للتنمية المستدامة ،فضل عن كونها غاية دينيــة ومقصــدا
()1سبأ.13 /
()2النور.33 /
()3الحديد.7 /
عمر أرضه يعمرها عمارة.
َ ()4العمارة في اللغة :نقيض الخراب .يقال:
انظر :معجم مفردات ألفاظ القرآن الكريم ،الراغب الصفهاني ،دار
الكتب العلمية ،بيروت ،صفحة .388
)(9
شرعيا .فالله خلق النسان لكي يضطلع بثلث مهام رئيسية ،هي:
عبادة الله لقولـه تعـالى ) :
،(1)( وخلفتــه فــي
الرض لقـــوله عـــز وجـــل ) :
)(2
، ( وعمارتها اســتنادا إلــى قــول
الحـــق تبـــارك وتعـــالى ) :
.(3)(
ومن الناحية اللغويــة فــإن معنــى )(
هو :فوّض إليكم أن تعمروها).(4
ومــن الملحــظ أن ثمــة ارتباطــا وثيقــا بيــن هــذه المهــام الثلث،
وتــداخل أيضــا .فعبــادة اللــه هــي مــن الخلف ـة فــي الرض ومــن
عمارتها .والخلفة هي من عبادة الله ،ومن عمارة الرض كذلك.
وتحفل السنة النبوية بالعديد مـن الحـاديث الشـريفة الـتي تحـث
على عمارة الرض.
-1ففي الحث على الغرس والتشجير والزرع :روى البخاري
عن أنس )رضي الله عنه( أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال" :إن قامت الساعة ،وفي يد أحدكم فسيلة ،فإن
استطاع أل تقوم حتى يغرسها ،فليغرسها") .(5وليس هناك
تحريض على الغرس إلى آخر رمق في حياة النسان أقوى
من هذا الحديث ،لنه يدل على الطبيعة المنتجة والخيرة
()1الذاريات.56 /
()2البقرة.30 /
()3هود.61 /
()4معجم مفردات ألفاظ القرآن الكريم ،الراغب الصفهاني ،صفحة
.388
()5رواه البخاري في الدب المفرد ،وأحمــد فــي مســنده ،والــبزار .وروايــة
َ
ة فَل ْي َغْرِ ْ
ســها" .انظــر: س ـل َ ٌ
ة وفي ي َدِهِ فَ ْ
م ُ
قَيا َ حدِك ُ ُ
م ال ِ ت على أ َ
م ْن قا َ
أحمد" :إ ْ
الدب المفرد ،الحافظ محمد بن إسماعيل البخاري ،تحقيــق :ســمير بــن
أمين الزهيري ،مكتبة المعارف للنشــر والتوزيــع ،الريــاض) ،بــاب اصــطناع
المال ،الحــديث رقــم ،(479الجــزء الول ،صــفحة .242وانظــر :مسند
أحمد بن حنبل ،أحمد بن حنبل أبو عبــد اللــه الشــيباني ،مؤســة قرطبــة،
القاهرة ،مسند أنــس بــن مالــك رضــي اللــه عنــه ،رقــم الحــديث ،12925
الجزء الثالث ،صفحة .183وجاء في مجمع الزوائد" :رواه الــبزار ورجــاله
أثبات ثقات" .انظر :مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ،علــي بــن أبــي بكــر
الهيثمي ،دار الريان للتراث /دار الكتاب العربــي ،القــاهرة /بيــروت ،الجــزء
الرابع ،صفحة .63والفسيلة :الصغيرة من النخل .والفسل :قضبان الكــرم
للغرس ،وهو ما أخذ من أمهاته ثم غرس ،حكاه أبــو حنيفــة .انظــر :لســان
العرب ،ابن منظور ،الجزء الحادي عشر ،صفحة .519
)(10
التي يجب أن يتحلى بها الإنسان المسلم .والعمل هنا يجب
أن يؤدى لذات العمل ،لنه ضروري للقيام بحق خلفة لله
في الرض.
وقد رغبت السنة النبوية في الغرس والتشجير وفلحة الرض،
وجعلت ثواب ذلك أجرا عظيما ،فكل ما يصاب من ثمار الشجار
والزروع هو صدقة ينميها الله عز وجل لصاحبها إلى يوم القيامة،
بما في ذلك ما تصيبه أحياء البيئة من طير وسباع وحيوان ودواب
وحشرات .فعن أنس )رضي الله عنه( ،قال :قال رسول الله
س غ َْرسًا ،أو ي َْزَرع ُ َزْرعا ًمسلم ٍ َيغرِ ُن ُ
م ْ
صلى الله عليه وسلم) :ما ِ
)(1
دقة( .وعن ص َ ة ،إل ّ كان ل ُ
ه به ِ َ ل منه ط َي ٌْر أو إنسا ٌ
ن أو بهيم ٌ فيأك ُ ُ
خلد بن السائب عن أبيه قال :قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم) :من زرع زرعا ً فأكل منه الطير أو العافية كان له به
صدقة().(2
ومن الملحظ أن هذه الحاديث تحث المسلم – من طرف خفي
– على أن يدع أحياء البيئة )من طير وحشرات وغيرها( تأكل من
زرعه غير آسف على ذلك .فالله هو الرزاق ،وهو يرزق كل ما
خلق ،وليس على النسان أن يمنع مخلوقات الله من أن تحصل
ظم الجزاء ع َ على طعامها مما أنبته الله ،وعليه أن يطمئن إلى ِ
الذي سيكون له عند موله نظير ما أخذته هذه المخلوقات من
ثماره وحبوبه وزروعه.
()1رواه الشيخان .انظر :صحيح البخاري ،المام الحافظ أبو عبد الله
محمد بن إسماعيل البخاري ،مراجعة وضبط :الشيخ محمد علي القطب
والشيخ هشام البخاري ،المكتبة العصرية ،صيدا /بيروت ،كتاب الحرث
والمزارعة ،باب :فضل الزرع والغرس إذا أكل منه ،الحديث رقم ،2320
صفحة .397وانظر :صحيح مسلم :صحيح مسلم بشرح النووي،
يحيى بن شرف النووي ،مكتبة اليمان ،المنصورة بمصر ،كتاب المساقاة،
باب :فضل الغرس والزرع ،الحديث رقم ،(1543) -89الجزء الخامس،
صفحة .364
()2مسند أحمد بن حنبل ،أحمد بن حنبل أبو عبد الله الشــيباني ،مســند
سعد بن أبي وقاص رضي الله عنــه ،حــديث الســائب بــن خلد أبــي ســهلة
رضي الله تعالى عنــه ،الحــديث رقــم ،16607الجــزء الرابــع ،صــفحة .55
وقــال المنــذري" :رواه أحمــد والطــبراني وإســناد أحمــد حســن" .انظــر:
الترغيب والترهيب ،الحــافظ المنــذري ،الحــديث رقــم ،3927ــ الجــزء
الثالث ،صفحة .287وقال الحافظ الهيثمي" :رواه أحمــد والطــبراني فــي
الكبير ،وإسناده حسن" .انظر :مجمع الزوائد ،باب اتخاذ الشجر وغير ذلك،
بس والــدوا ّ ِ لن
ِ ق من اِ نص رقم ،6295صفحة .117والعافية :ط ُل ّ ُ
ب الرز
ل مــن جــاَءك يطل ُــب فضـل ً َأوف ،وهــو كـ ّوالط ّْير .والواحد ُ من العافية :عــا ٍ
رزقًا .انظر :لسان العرب ،ابن منظور ،الجزء الخامس عشر ،صفحة .74
)(11
ولما كان حفر النهار والقنوات من مستلزمات الزراعة حثت
السنة النبوية على ذلك ،وجعلت شق النهار من العمال التي
سولل َر ُلَ :قا َ
ة؛ َقا َ
يلحق ثوابها المؤمن بعد موته .فَعن أِبي هَُري َْر َ
مَ) :أن مما يلحق المؤمن من عمله سل ّ ْ
صلى الّله ع َل َي ْهِ وَ َالّله َ
وحسناته ب َْعد موته :علما علمه ونشره ،وولدا صالحا تركه،
ومصحفا ورثه ،أو مسجدا بناه ،أو بيتا لبن السبيل بناه ،أو نهرا
أجراه ،أو صدقة أخرجها من ماله ِفي صحته وحياته ،تلحقه من
ب َْعد موته().(1
وإذا عجز المرء عن زراعة أرضه لي سبب كان )لعذر جسماني
أو مادي مثل( فإن عليه أل يترك الرض لتبور ،بل عليه أن يعطيها
للقادر على زراعتها .فعن جابر رضي الله عنه قال :قال النبي
ض فَل ْي َْزَرع َْها ،أو ليمنحها كانت ل َ َ
ه أْر ٌن َ َ ْ ُم ْصلى الله عليه وسلمَ ) :
)(2
أخاه ،فإن أبى فليمسك أرضه( .وعن أبي النجاشي مولى رافع
بن خديج ،قال :سمعت رافع بن خديج بن رافع عن عمه ظهير بن
رافع ،قال ظهير" :لقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
أمر كان بنا رافقا .قلت :ما قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم فهو حق .قال :دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم،
()1رواه ابن ماجه .وفي سند الحديث مرزوق بن الهذيل .ومرزوق مختلف
سَناد ُهُ سَناد ُهُ حسن .وِفي ال َْزَوائ ِ ِ
د :إ ِ ْ ل :إ ِ ْ عن اْبن المنذر ا َن ّ ُ
ه َقا َ قل َ
ِفيه .وُن ِ
غريب .انظر :سنن ابن ماجه ،محمد بن يزيد القزويني ،تحقيق :محمد
فؤاد عبد الباقي ،دار الفكر ،بيروت ،كتاب اتباع السنةَ ،باب :ثواب معلم
الناس الخير ،الحديث رقم ،3605الجزء الول ،صفحة .88ورواه البيهقي
عن أنس ،وفي سنده محمد بن عبيد الله العزرمي .ومتن الحديث عند
البيهقي هكذا) :سبعة يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته :من علم
علما ،أو كرى نهرا ،أو حفر بئرا ،أو غرس نخل ،أو بنى مسجدا ،أو وّرث
مصحفا ،أو ترك ولدا يستغفر له بعد موته( .فجعل غرس النخل مما
يستمر ثوابه وأجره بعد موت صاحبه .وقال البيهقي" :محمد بن عبد الله
العزرمي ضعيف ،غير أنه قد تقدمه ما يشهد لبعضه والله أعلم" .انظر:
شعب اليمان ،أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ،تحقيق :محمد السعيد
بسيوني زغلول ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،الباب الثاني والعشرين من
شعب اليمان وهو باب في الزكاة ،فصل :في الختيار في صدقة التطوع،
الحديث رقم ،3449الجزء الثالث ،صفحة .248وانظر أيضا :الترغيب
والترهيب ،الحافظ المنذري ،المكتب الثقافي للنشر والتوزيع ،القاهرة،
الحديث رقم ،3927الجزء الثالث ،صفحة .287
()2رواه الشيخان .انظر :صحيح البخاري ،كتاب الحرث والمزارعة ،باب:
ما كان أصحاب النبي صــلى اللــه عليــه وســلم يواســي بعضــهم بعضــا فــي
الزراعــة والثمــرة ،الحــديث رقــم ،2342 :صــفحة .401وانظــر :صحيح
مسلم بشرح النووي ،كتـاب الــبيوع ،بـاب :كــراء الرض ،الحـديث رقـم
،(1553) -12الجزء الخامس ،صفحة .379
)(12
قال) :ما تصنعون بمحاقلكم؟( قلت :نؤاجرها على الربيع وعلى
الوسق من التمر والشعير .قال) :ل تفعلوا .ازرعوها ،أو
)(1
أزرعوها ،أو أمسكوها( .قال رافع :قلت سمعا وطاعة" .
بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك خيبر لليهود )قبل
إجلئهم منها( ليزرعوا أرضها مقابل شطر ما تغله أرض تلك
البلدة ،وهذا يعني أنه "ل فرق في جواز هذه المعاملة ببن
المسلمين وأهل الذمة") .(2فعن عبد الله بن عمر )رضي الله
عنهما( )أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى خيبر اليهود،
على أن يعملوها ويزرعوها ،ولهم شطر ما خرج منها() .(3وعن
ابن عمر أن "عمر بن الخطاب )رضي الله عنهما( أجلى اليهود
)(13
والنصارى من أرض الحجاز ،وكان رسول الله صلى الله عليه
وسلم لما ظهر على خيبر أراد إخراج اليهود منها ،وكانت الرض
حين ظهر عليها لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين،
فسألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقرّهم بها أن
يكفوا عملها ولهم نصف الثمر ،فقال لهم رسول الله صلى الله
عليه وسلم) :نقّركم بها على ذلك( ما شئنا ،فقرّوا بها حتى
أجلهم عمر إلى تيماء وأريحاء").(1
-2في مجال إحياء الرض الموات) (2حثت السنة النبوية على
إصلح تلك الرض وزراعتها وجلب الماء إليها .فعن عائشة
)رضي الله عنها( عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
)من أعمر أرضا ليست لحد فهو أحق() ،(3أي أحق بها).(4
وقال عمر )رضي الله عنه() :من أحيا أرضا ميتة فهي له(
) .(5ول يخفى أثر إحياء الرض في زيادة النتاج الزراعي
()1صحيح البخاري ،كتاب الحرث والمزارعة ،باب :إذا قــال رب الرض:
اترك ما أقرك الله ولم يــذكر أجل معلومــا فهمــا علــى تراضــيهما ،الحــديث
رقــم ،2338 :صــفحة .400قــال ابــن حجــر" :فقَـرّوا )بفتــح القــاف( أي:
ســكنوا .وتيمــاء )بفتــح المثنــاة وســكون التحتانيــة والمــد( ،وأريحــاء )بفتــح
الهمزة وكسر الراء بعــدها تحتانيــة ســاكنة ثــم مهملــة وبالمــد أيضــا( :همــا
موضعان مشهوران بقرب بلد طيء على البحر في أول طريق الشام مــن
المدينــة" .انظــر :فتححح البححاري بشححرح صحححيح البخححاري ،ابــن حجــر
العسقلني ،الجزء الخامس ،صفحة .26
()2قال القزاز" :المــوات الرض الــتي لــم تعمــر ،شــبهت العمــارة بالحيــاة
وتعطيلها بفقد الحياة .وإحياء الموات أن يعمد الشخص لرض ل يعلم تقدم
مالك عليها لحد فيحييها بالسقي أو الزرع أو الغرس أو البناء ،فتصير بذلك
ملكه ،سواء أكانت فيما قرب من العمران أم بعد ،سواء أذن له المام في
ذلك أم لم يأذن ،وهذا قول الجمهور" .انظر :فتح الباري بشرح صحححيح
البخاري ،ابن حجر العسقلني ،الجزء الخامس ،صفحة .23
()3صحيح البخاري ،كتاب الحرث والمزارعة ،باب :من أحيا أرضا مواتــا،
الحديث رقم ،2336 :صفحة .400
()4قال ابن حجر" :قوله) :من أعمر( بفتــح الهمــزة والميــم مــن الربــاعي،
قال عياض كذا وقع ،والصواب) :عمر( ثلثيا .قــال تعــالى) :وعمروهــا أكــثر
مما عمروها( ،إل أن يريد أنه جعل فيها عمارا ،قال ابن بطــال :ويمكــن أن
يكون أصله من اعتمر أرضا أي اتخذها ،وسقطت التــاء مــن الصــل ،وقــال
غيره قد سمع فيه الرباعي ،يقال أعمر الله بك منـزلك .فالمراد من أعمــر
أرضا بالحياء فهو أحق به من غيره ،وحذف متعلق أحق للعلم به ...،ووجــه
آخــر عــن يحيــي بــن بكيــر شــيخ البخــاري فيــه .قــوله) :فهــو أحــق( زاد
السماعيلي) :فهو أحق بها( أي من غيره ...انظــر :فتححح البححاري بشححرح
صحيح البخاري ،ابن حجر العسقلني ،الجزء الخامس ،صفحة .23
()5رواه البخاري في عنوان بــاب :مــن أحيــا أرضــا مواتــا ،ولــم يــذكر ســند
الحديث ،وإنما قال" :ويروى عن عمر وابن عوف عن النبي صلى الله عليه
)(14
والحيواني ،فضل عن دوره في المحافظة على التربة ومنع
تفككها وتعرضها للتصحر.
ّ
)(1
في مجال العمل والصناعة ،حثت السنة على العمل -3
اليدوي للستغناء به عن سؤال الناس .فعن المقدام رضي
الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) :ما أكل
أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده ،وإن نبي
الله داود عليه السلم كان يأكل من عمل يده() .(2ومن
المعروف أن نبي الله داود كان يصنع الحديد كما أخبرنا
القرآن الكريم عنه في قوله تعالى ) :
،(3)( وقوله عز
وجل ) :
وسلم .ويروى فيه عن جــابر عــن النــبي صــلى اللــه عليــه وســلم" .انظــر:
صحيح البخاري ،كتاب الحرث والمزارعــة ،بــاب :مــن أحيــا أرضــا مواتــا،
صفحة .400وقال ابن حجر" :قوله -أي :البخاري) :-وقال عمر مــن أحيــا
أرضا ميتة فهي له( وصله مالك في )الموطأ( عــن ابـن شــهاب عـن ســالم
عن أبيه مثله .وروينا في )الخراج ليحيى بن آدم( سبب ذلــك فقــال :حــدثنا
سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه قال :كان النــاس يتحجــرون -يعنــي
الرض -على عهد عمر ،قال :من أحيا أرضا فهي له .قال يحيــى :كــأنه لـم
يجعلها له بمجرد التحجير حتى يحييها" .انظر :فتح الباري بشرح صحيح
البخاري ،ابن حجر العسقلني ،الجزء الخامس ،صفحة .23
()1من الجدير بالذكر أن تعريــف الصــناعة عنــد العــرب يختلــف كــثيرا عــن
تعريفنا لها ،فقــد جــاء فــي )لسان العرب(" :صــنعه يصــنعه صــنعا ،فهــو
مله ...والصناعة :حرفة الصانع ...والصناعة :مــا تستصــنع صْنع :عَ ِ
مصنوع ،و ُ
من أمر" .انظر :لسان العرب ،ابن منظور ،الجزء الثــامن ،صــفحة :208
.209أما الصناعة في عالمنا المعاصر فتعني" :كل عمل من شأنه تحويل
مادة خام ،أو منتج نصف مصنوع إلــى منتــج آخــر تتــوافر فيــه المواصــفات
الفنيــة الــتي تجعلــه صــالحا للســتخدام ،بواســطة المســتهلك النهــائي ،أو
لستكماله بمرحلـة أو بعـدة مراحــل إنتاجيـة بواسـطة صــناعة أو صـناعات
أخرى .انظر :عناية القتصاد السلمي بالصناعة على المستويين
النظري والعملي ،د .بيلي إبراهيم أحمد العليمي ،بــدون ناشــر ،صــفحة
.11
()2صحيح البخحاري ،كتــاب الــبيوع ،بــاب :كســب الرجــل وعملــه بيــده،
الحديث رقم ،2072صفحة .354
()3النبياء.80 /
)(15
)(1
ن عبدِ . ( فعن عبد ِ الله ب ِ
ل الله صلى الله عليه ن رسو َ نأ ّ سي ْ ٍح َ
ن أبي ُ نب ِ الرح ٰم ِ
ة:ة الجن ّ َسهم ِ الواحد ِ ثلث ً ل بال ّ ه لُيدخ ُ ن الل َ
وسلم قال) :إ ّ
ه(...
مد ّ ب ِم ِ
ه ،وال ُمي ب ِخي َْر ،والّرا ِ ْ
صن ْعَت ِهِ ال َب في َ س ُ
حت َ ِ
ه يَ ْ
صان ِعَ ُ
َ
).(2
وإذا لم يتمكن النسان من الحصول على عمل ،فإن على أولي
أمر المسلمين أن يهيئوا له عمل مناسبا .فعن أنس بن مالك
)رضي الله عنه( أن رجل من النصار أتى إلى النبي صلى الله
عليه وسلم فسأله ،فقال) :أما في بيتك شيء؟( .قال :بلى،
()1سبأ.11 :10 /
ن .انظر :سنن س ٌح َث َ دي ٌ
ح ِ ()2رواه الترمذي ،وقال عنه أبو عيسى :هذا َ
الترمذي ،المام الحافظ محمد بن عيسى بن سورة الترمذي ،ضبط
وفهرسة :أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان ،مكتبة المعارف للنشر
ه عََلي ِ
ه صّلى الل ّ ُل الل ّهِ َسو ِ والتوزيع ،الرياض ،كتاب فضائل الجهاد عن َر ُ
ه ،الحديث رقم ،1637 ل الل ِل الّرمي في سبي ِجاَء في فض ِ ما َسّلم ،بابَ :
و َ
صفحة .385وقد ورد هذا الحديث في سنن أبي داود برواية أخرى عن
طريق عقبة بن عامر ،قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول) :إن الله عز وجل يدخل بالسهم الواحد ثلثة نفر الجنة :صانعه
يحتسب في صنعته الخير ،والرامي به ،ومنبله (..انظر :سنن أبي داود،
أبو داود سليمان بن الشعث السجستاني ،ضبط وفهرسة :أبو عبيدة
مشهور بن حسن آل سلمان ،مكتبة المعارف للنشر والتوزيع ،الرياض،
كتاب الجهاد ،باب :في الرمي ،الحديث رقم ،2513صفحة .382 :381
وقال الهيثمي" :رواه الطبراني في الوسط ،وفيه سويد بن عبد العزيز،
قال أحمد :متروك ،وضعفه الجمهور ،ووثقه دحيم ،وبقية رجاله ثقات".
انظر :مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ،علي بن أبي بكر الهيثمي ،الجزء
الخامس ،صفحة .269وجاء في تحفة الحوذي" :قوله )أي :الترمذي(:
)هذا حديث حسن صحيح( الظاهر أن الترمذي أشار بقوله هذا إلى حديث
عقبة بن عامر ل إلى حديث عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين فإنه
مرسل ،وفي سنده محمد بن إسحاق وهو مدلس ،ورواه عنه بالعنعنة.
وأما حديث عقبة فرواه أبو داود والنسائي والحاكم ،وقال :صحيح السناد،
والبيهقي من طريق الحاكم وغيرها .وفي لفظ أبي داود) :ومنبله( مكان،
)والممد به( ...قال البغوي :هو الذي يناول الرامي النبل ،وهو يكون على
وجهين :أحدهما :أن يقوم بجنب الرامي أو خلفه يناوله النبل واحدا ً بعد
واحد حتى يرمي .وا ۤلخر أن يرد عليه النبل المرمي به ...قال المنذري:
ويحتمل أن يكون المراد بقوله) :منبله( أي :الذي يعطيه للمجاهد ،ويجّهز
به من ماله إمدادا ً له وتقوية .ورواية البيهقي تدل على هذا .انتهى" .انظر:
كفوري )أبو العل( ،دار الفكر ،الجزء الخامس ،صفحة مَباَر ْ
تحفة الحوذي ،ال ُ
.213وجاء في )عون المعبود(" :والسهم :واحد من النبل ،وقيل :السهم
نفس النصل ...والنبل :السهام العربية" .انظر :عون المعبود في شرح
سنن أبي داود ،العظيم آبادي )أبو الطيب( ،دار الفكر ،الجزء السابع،
صفحة .189
)(16
حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه ،وقعب نشرب فيه من الماء.
قال) :ائتني بهما( .فأتاه بهما ،فأخذهما رسول الله صلى الله
عليه وسلم بيده ،وقال) :من يشتري هذين؟( .قال رجل :أنا
آخذهما بدرهم .قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) :من يزيد
على درهم؟( مرتين أو ثلثا .قال رجل :أنا آخذهما بدرهمين.
فأعطاهما إياه ،وأخذ الدرهمين فأعطاهما النصاري ،وقال:
)اشترِ بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك ،واشتر بالخر قدوما ً
فائتني به( .فأتاه به ،فشد ّ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم
عودا بيده ،ثم قال) :اذهب فاحتطب وبع ،ول أرينك خمسة عشر
يومًا( ،ففعل ،فجاء وقد أصاب عشرة دراهم ،فاشترى ببعضها
ثوبا ،وببعضها طعاما .فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
)هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة.
إن المسألة ل تصلح إل لثلث :لذي فقر مدقع ،أو لذي غرم
مفظع ،أو لذي دم موجع().(1
()1رواه أبو داود .انظر :سنن أبي داود ،كتاب الزكاة ،باب :ما تجوز فيه
المسألة ،الحديث رقم ،1641صفحة .254وفي سند الحديث الخضر بن
عجلن .جاء في )تاريخ أسماء الثقات( أن "عبد الله بن أحمد )بن
حنبل( قال :قال أبي :الخضر بن عجلن ،ما أرى بأسا .وفي رواية العباس
عن يحيى أخضر بن عجلن :ليس به بأس .وفي رواية إسحاق عنه:
صالح" .انظر :تاريخ أسماء الثقات ،عمر بن أحمد أبو حفص الواعظ،
تحقيق :صبحي السامرائي ،الدار السلفية ،الكويت ،الجزء الول ،صفحة
.40وجاء في )عون المعبود(" :والخضر بن عجلن ،قال يحيى بن معين:
صالح ،وقال أبو حاتم الرازي :يكتب حديثه ...والحلس :كساء غليظ يلي
ظهر البعير تحت القتب) .نلبس( :بفتح الباء )بعضه( :أي بالتغطية لدفع
البرد) ،ونبسط بعضه( :أي بالفرش) .والقعب( :قدح ويستخدم للفرش
والغطاء .والقعب :إناء من الفخار) .بأحدهما( :أي أحد الدرهمين) .فانبذه(:
أي اطرحه) .إلى أهلك( :أي ممن يلزمك مؤنته) .قدومًا( :بفتح القاف
وضم الدال أي فأسا ً) .فشد ّ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا
بيده( المعنى :أن النبي صلى الله عليه وسلم أحكم في القدوم مقبضا ً من
العود والخشب ليمسك به القدوم لن القدوم بغير المقبض ل يستطيع
الرجل به قطع الحطب وغيره بل كلفة ،فلذلك فعله صلى الله عليه وسلم
تفضل وامتنانا ً عليه) .فاحتطب( :أي اطلب الحطب واجمع) .ول أرينك
خمسة عشر يومًا( :أي ل تكن هنا هذه المدة حتى ل أراك ...والمراد نهي
الرجل عن ترك الكتساب في هذه المدة ل نهي نفسه عن الرؤية.
والنكتة :أثر كالنقطة ،أي حال كونها علمة قبيحة أو أثرا ً من العيب) .ل
تصلح( :أي ل تحل ول تجوز) .فقر مدقع( :أي شديد يفضي بصاحبه إلى
الدقعاء وهو التراب) .أو لذي غرم( :أي غرامة أو دين) .مقطع( :أي فظيع
وثقيل وفضيح) .دم موجع( :أي مؤلم ،والمراد دم يوجع القاتل أو أولياءه
بأن تلزمه الدية وليس لهم ما يؤدي به الدية ،ويطلب أولياء المقتول منهم
وتنبعث الفتنة والمخاصمة بينهم ،وقيل هو أن يتحمل الدية فيسعى فيها
)(17
ويستفاد من هذا الحديث أن على صاحب الحاجة والمتعطل عن
العمل مع قدرته عليه رفع شكواه إلى أولي المر لكي يدبروا له
أمره ،وعلى أولي المر العمل على توفير العمل المناسب
)(1
للشاكي تبعا لظروف المجتمع واحتياجات المتعطلين فيه .ول
يفهم مما سبق أن السلم ضد التكافل الجتماعي وضد إعانة
الفقراء والمساكين .فالسلم هو الدين الوحيد الذي جعل أداء
الزكاة ركنا من أركان العبادة ،وجعل إطعام المسكين من لوازم
اليمان ،فقال تعالى ) :
.(2) (
ثانيا :الهتمام بالنسان
لما كان النسان هو أساس برامج التنمية المستدامة ،وهو غايتها،
والقائم بها ،لذلك أعلت السنة النبوية قيمة النســان واهتمــت بــه
وبتنمية قدراته ،باعتبــاره أهــم عنصــر مــن عناصــر الــبيئة ،بــل إن
البيئة نفسها مسخرة لخــدمته ،وهــو خليفــة اللــه فــي الرض دون
غيره من سائر المخلوقات.
-1ففي مجال المحافظة على النفس شددت السنة النبوية على
حرمة الدماء حتى لغير المسلمين ،فعن أبي هريرة )رضي
الله عنه( عن النبي صلى الله عليه وسلم قال) :أل من قتل
نفسا معاهدة له ذمة الله وذمة رسوله ،فقد أخفر بذمة
الله ،فل ي َُرح رائحة الجنة ،وإن ريحها ليوجد من مسيرة
سبعين خريفا( ) .(3وإذا كان السلم قد نهى عن قتل نفس
ويسأل حتى يؤديها إلى أولياء المقتول لتنقطع الخصومة وليس له ولوليائه
مال ،ول يؤدي أيضا ً من بيت المال فإن لم يؤدها قتلوا المتحمل عنه وهو
أخوه أو حميمه فيوجعه قتله" .انظر :عون المعبود في شرح سنن أبي
داود ،العظيم آبادي ،الجزء الخامس ،صفحة .54 :51
()1د .إســماعيل إبراهيــم البــدوي ،عناصححر النتححاج فححي القتصححاد
السححلمي والقتصححاد الوضححعي :دراسححة مقارنححة ،مجلــس النشــر
العلمي بجامعة الكويت ،الكويت ،صفحة .182 :181
()2المدثر.44 :38 /
()3رواه الترمذي ،وقال أبو عيسى :وفي الباب عن أبي بكرة .حــديث أبــي
هريرة حديث حسن صــحيح .انظــر :سنن الترمحذي ،كتــاب الــديات عــن
جاَء فيمن يقتل نفســا معاهــدة، سّلم ،بابَ :
ما َ ه عََليهِ و َ
صّلى الل ّ ُ
ل الل ّهِ َ
سو ِ
َر ُ
الحديث رقم ،1403صفحة .331وجاء في تحفة الحــوذي" :قــوله) :أل(:
حرف التنبيه) .من قتل نفسا ً معاهدة( :أي رجل ً معاهدًا) .له ذمة الله وذمة
)(18
الخر إل بحقها ،فإنه نهى أيضا عن قتل النسان لنفسه.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال) :من تردى من جبل فقتل نفسه ،فهو في
سىنار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا فيها أبدا ،ومن تح ّ
سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا
مخلدا فيها أبدا ،ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده
يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا() .(1وقد
علل الفقهاء ذلك بأن النفس ملك لله عز وجل ،فهو المالك
الحقيقي لها وجودا وعدما وتصرفا ،وليس النسان إل
حارسا وأمينا عليها ،وهذه المانة تقتضي منه وجوب
حفظها ،ومن ذلك تناول الكل والشرب لما فيه من قوامها.
فعن سعد بن أبي وقاص )رضي الله عنه( عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه قال" :عجبت للمسلم إذا أصابه خير
حمد الله وشكر ،وإذا أصابته مصيبة احتسب وصبر ،المسلم
يؤجر في كل شيء حتى في اللقمة يرفعها إلى فيه").(2
وانظر إلى رحمة المصطفى صلى الله عليه وسلم
)(19
بالمسلمين وأبنائهم ،حتى ولو كان المسلم قد عصي ربه،
وجاء ولده من حرام .فعن بريدة قال :جاءت الغامدية
فقالت :يا رسول الله ،إني قد زنيت فطهّرني ،وأنه ردّها.
فلما كان من الغد قالت يا رسول الله :لم تردني؟ لعلك أن
دني كما رددت ماعزا؟ فوالله إني لحبلى .قال" :أما لا، تر ّ
فاذهبي حتى تلدي" .فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة.
قالت :هذا قد ولدته .قال" :اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه".
فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز ،فقالت :يا نبي
الله قد فطمته ،وقد أكل الطعام .فدفع الصبي إلى رجل
من المسلمين ...إلخ الحديث).(1
-2في مجال توفير المن الغذائي والكسائي ،حثت السنة النبوي ـة
على إطعام الجائع ،وجعلت ذلـك ركنــا مـن أركـان اليمـان .فعـن
أنس بن مالك )رضي الله عنه( قال :قال النبي صــلى اللــه عليــه
وسلم" :ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلــى جنبــه ،وهــو
يعلم به") .(2وجاء في الحديث القدسي ما يؤكد ذلك ويجعل ثــواب
هذا العمـل عظيمـا ،بمـا فـي ذلـك كسـوة العـاري .فعـن أبـي ذر
)رضي الله عنه( عن النبي صلى الله عليه وســلم فيمــا روى عــن
الله تبارك وتعالى أنه قال) :يا عبــادي :إنــي حرمــت الظلــم علــى
نفسي ،وجعلته بينكم محرما ،فل تظالموا .يا عبادي :كلكــم ضــال
إل من هديته فاستهدوني أهــدكم .يــا عبــادي :كلكــم جــائع إل مــن
أطعمته ،فاســتطعموني أطعمكــم .يـا عبــادي :كلكــم عــارٍ إل مــن
كسوته فاستكسوني أكسـكم ....الحـديث() .(3فالنسـان الـذي بـه
عوز إلى الطعام والشراب والكساء ل يستطيع أن ينتج ،وينعكــس
()1صحيح مسلم بشرح النووي ،كتاب الحدود ،باب :من اعترف على
نفسه بالزنى ،الحديث رقم ،(1695) -23الجزء السادس ،صفحة :174
.175
()2رواه الطبراني ،انظر :المعجم الكبير ،أبو القاسم سليمان بن أحمــد
بن أيوب الطبراني ،تحقيق :حمدي بن عبد المجيد السلفي ،مكتبــة العلــوم
والحكم ،الموصل ،باب :ومما أسند أنس بن مالك رضي اللــه عنــه ،الجــزء
الول ،صفحة .259وقال عنه المنذري" :رواه الطبراني والبزار ،وإسناده
حسن" .انظر :الترغيب والترهيب ،الحافظ المنذري ،كتاب البر والصلة
وغيرهما ،باب الترهيب من أذى الجار وما جاء في تأكيد حقه ،الحديث رقم
،3874الجزء الثالث ،صفحة .276
()3صحيح مسلم بشرح النححووي ،كتــاب الــبر والصــلة والداب ،بــاب:
تحريم الظلم ،الحديث رقم ،(2577) -55الجزء الثامن ،صفحة .308
)(20
عجزه هذا على البيئة الطبيعية فتتدهور .وخير مثال على ذلك مــا
نراه في المجتمعات الفقيرة اليوم في إفريقيا .فالفقر يقف حجر
عثرة أمام استغلل ثروات البيئة في هذه المجتمعــات ،فــي حيــن
أن الدول الغنيــة تنتــج مــا يفيــض عنهــا فتلجــأ إلــى إغــراق فــائض
الحبوب في البحر ،حفاظا على السعار.
-3في مجال تحقيق المن النفسي نجد أن الرسول الكريم صلى
يحرم ترويع المسلم ،حتى لو كــان ذلــك مقصــده ّ الله عليه وسلم
المزح ،كأن يجّر أحدهم حبل فوق نائم فيفزعه لعتقاده أن الحبل
أفعى .فعن عبد الرحمن بن أبي ليلى ،قال :حدثنا أصحاب محمــد
صلى الله عليه وسلم أنهم كــانوا يســيرون مــع النــبي صــلى اللــه
عليه وسلم ،فنـام رجـل منهــم ،فـانطلق بعضـهم إلــى حبــل معـه
فأخذه ففزع ،فقال رسول الله صلى اللــه عليــه وســلم" :ل يحـ ّ
ل
لمسلم أن يرّوع مسلما").(1
ويندرج تحت حماية النسان وعدم ترويعه أن يشير امرؤ إلى آخر
بالسلح .فعن أبي هريرة )رضي الله عنه( عن الرسول صلى الله
عليه وسلم قال" :ل يشير أحدكم إلى أخيه بالسلح ،فإنه ل يدري
لعل الشيطان ينـزع في يده فيقع فــي حفــرة مــن النــار") .(2وقــد
اعتبرت الشارة بحديدة أيضا مــن وســائل الــترويع المنهــي عنهــا.
فعن أبي هريرة )رضي الله عنه( قال :قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم" :من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملئكة تلعنه حــتى
ينتهي ،وإن كان أخاه لبيه وأمه").(3
()1رواه أبو داود .انظر :سنن أبي داود ،كتاب الدب ،باب :من يأخذ
الشيئ على المزاح ،الحديث رقم ،5004صفحة .749وجاء في مجمع
الزوائد" :رواه الطبراني في الكبير والوسط .ورجال الكبير ثقات" .انظر:
مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ،علي بن أبي بكر الهيثمي ،باب فيمن
أخاف مسلما ،الجزء السادس ،صفحة .256وجاء في عون المعبود:
"والحديث سكت عنه المنذري) ...ففزع( :من الفزع :الذعر والفرق.
)يروع مسلمًا( :أي يخوفه" .انظر :عون المعبود في شرح سنن أبي داود،
العظيم آبادي ،الجزء الثالث عشر ،صفحة .346
()2رواه الشيخان .انظر :صحيح البخاري ،كتاب الفتن ،باب :قول النبي
صلى الله عليه وسلم) :من حمل علينا السلح فليس منا( ،الحديث رقم
،7072صفحة .1258وقال النووي)" :لعل الشيطان ينـزع( ومعناه:
يرمي في يده ويحقق ضربته ورميته .انظر :صحيح مسلم بشرح
النووي ،كتاب البر والصلة والداب ،باب :النهي عن الشارة بالسلح إلى
مسلم ،الحديث رقم ،(2617) 126الجزء الثامن ،صفحة .342و"نزع في
القوس ينـزع نزعا :مد بالوتر ،وقيل :جذب الوتر بالسهم" .انظر :لسان
العرب ،ابن منظور ،الجزء الثامن ،صفحة .351
)(21
-4وفي مجال المحافظة على سلمة عقل النسان ،نهــت الســنة
النبوية المسلم عن كل ما يــذهب بالعقــل أو يتســبب فــي تغييــب
الوعي وفتور البدن ،بمــا فــي ذلــك الخمــور بمســمياتها المختلفــة
والمخــدرات بأنواعهــا المتعــددة .فعــن النعمــان بــن بشــير قــال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ) :إن الخمــر مـن
العصير والزبيب والتمر والحنطة والشــعير والــذرة ،وإنــي أنهــاكم
عن كل مسكر() .(1وعن أم سلمة -رضي الله عنهــا – )أن رســول
الله نهى عن كل مسـكر ومفّتـر() .(2ومـن المعـروف أن النسـان
المدمن ل يمكنه أن يشارك في النتــاج وبرامــج التنميــة بالشــكل
المناسب.
-5في مجال تغيير سلوكيات الناس وتحويل اليدي العاطلة إلى
أيد ٍ عاملة ،ثمة أحاديث كثيرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم
عالجت مشكلة التكسب بسؤال الناس ،عن طريق تحويل من
يمارسون المسألة من عاطلين إلى عاملين .وهي أحاديث تقدم
لنا نموذجا عمليا يمكننا القتداء به لتغيير سلوكيات هذه الفئة
ظف طاقاتها وقدراتها التي تستمرئ التسول والسؤال ،وجْعلها تو ّ
لخدمة المجتمع وخدمة أهلها .ومن ذلك الحديث الذي رواه أبو
هريرة )رضي الله عنه( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
()3صحيح مسلم بشرح النححووي ،كتــاب الــبر والصــلة والداب ،بــاب:
النهي عن الشارة بالسلح إلى مسلم ،الحديث رقم ،(2616) 125الجزء
الثامن ،صفحة .341
()1رواه أبو داود .انظر :سنن أبي داود ،كتاب الشربة ،باب :الخمر :مــا
هو؟ ،الحديث رقم ،3677صفحة .557 :556جـاء فـي )عــون المعبــود(:
"قال المنذري :في إسناده أبو حريز عبد الله بــن الحســين الزدي الكــوفي
قاضي سجستان ،وثقه يحيى بن معين وأبــو زرعــة الــرازي ،واستشــهد بــه
البخاري ،وتكلم فيه غير واحد" .انظر :عون المعبود فحي شحرح سحنن
أبي داود ،العظيم آبادي ،الجزء العاشر ،صفحة .114
()2رواه أبو داود .انظر :سنن أبي داود ،كتاب الشربة ،باب :النهي عــن
المســكر ،الحــديث رقــم ،3686صــفحة .558والحــديث فيــه شــهر بــن
حوشب .جاء في )عــون المعبــود(" :قــال المــام المنــذري :فيــه شــهر بــن
حوشب ،وثقه المام أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ،وتكلم فيه غير واحد،
والترمذي يصحح حــديثه .وقــال الشــوكاني فــي بعـض فتــاواه :هــذا حــديث
صالح للحتجاج به لن أبا داود سكت عنه ،وقد روي عنــه أنــه ل يســكت إل
عما هو صالح للحتجاج به ،وصرح بمثل ذلك جماعة من الحفاظ مثــل ابــن
الصلح ،وزين الدين العراقــي ،والنــووي وغيرهــم .وإذا أردنــا الكشــف عــن
حقيقة رجال إسناده فليس منهم من هو متكلم فيه إل شــهر بــن حوشــب،
وقد اختلف في شأنه أئمة الجرح والتعديل ،فوثقه المام أحمد ويحيــى بــن
معين وهما إماما الجرح والتعديل ما اجتمعا على توثيق رجل إل وكان ثقــة،
ل أحوال حــديث شــهر المــذكور ول على تضعيف رجل إل وكان ضعيفًا ،فأق ّ
أن يكون حسنًا ،والترمذي يصحح حديثه كما يعرف ذلــك مــن لــه ممارســة
بجامعه ...والمفتر هو الذي إذا شرب أحمى الجسـد وصـار فيـه فتـور وهـو
ضــعف وانكســار" .انظــر :عــون المعبــود ،العظيــم آبــادي ،الجــزء العاشــر،
صفحة .136 ،135 ،123
)(22
قال) :لن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره ،خير من أن يسأل
أحدا ،فيعطيه أو يمنعه() .(1وعن الزبير بن العوام )رضي الله
عنه( قال :قال النبي صلى الله عليه وسلم) :لن يأخذ أحدكم
أحبله خير له من أن يسأل الناس() .(2وعن أبي هريرة )رضي
الله عنه( قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
)لن يغدو أحدكم فيحطب على ظهره فيتصدق به ،ويستغني به
من الناس ،خير له من أن يسأل رجل أعطاه أو منعه ذلك ،فإن
اليد العليا أفضل من اليد السفلى ،وابدأ بمن تعول() .(3وعن عبد
الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال -وهو
على المنبر -وهو يذكر الصدقة والتعفف عن المسألة) :اليد
العليا خير من اليد السفلى ،واليد العليا المنفقة ،والسفلى
السائلة().(4
ذر من وثمة أحاديث نبوية أخرى تنهي عن المسألة إلحافا ،وتح ّ
طى له .فعن معاوية )رضي يفعل ذلك من فقدان البركة مما ُيع َ
الله عنه( ،قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) :ل تلحفوا
في المسألة فوالله ل يسألني أحد منكم شيئا فتخرج له مسألته
مني شيئا وأنا له كاره فيبارك له فيما أعطيته() .(5كما أن السنة
ذر من مغبة المسألة يوم القيامة .فعن حمزة بن عبد النبوية تح ّ
الله عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال) :ل تزال
)(6
المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم( .
وتنظر المجتمعات الغربية )ومن سار سيرها في المشرق( إلى
العمل باعتباره قيمة اقتصادية في الزمن الحالي ،حتى أننا نرى
أن مقياس تقدم الفرد في الدول الكبرى حاليا هو :ماذا يعمل؟،
وكم يكسب؟ ونرى في المقابل أن من ل يعمل يفقد احترامه
كبشر ،فإن لم يكن له مال تحول إلى إنسان بل مأوى أو لص أو
قاطع طريق .أما في السلم ،فإنه عني برعاية الفقراء وذوي
الحاجة والضعف ،وطلب منا أن نعلمهم عمل يتكسبون به ،أو
نساعدهم في أدائه إذا كانت ملكاتهم الذهنية أو البدنية ل تمكنهم
)(23
من ذلك ،انطلقا من مبدأ الخوة السلمية التي يجسدها ما جاء
في الحديث الذي رواه أبو هريرة )رضي الله عنه( أنه قال :قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم) :المسلم أخو المسلم،(1)(...
والحديث الذي رواه أبو ذر )رضي الله عنه( ،وفيه أنه قال :قلت:
يا رسول الله ،أي العمال أفضل؟ قال) :اليمان بالله ،والجهاد
في سبيله( .قال :قلت :أي الرقاب أفضل؟ قال) :أنفسها عند
أهلها وأكثرها ثمنا( .قال :قلت :فإن لم أفعل؟ قال) :تعين صانعا
أو تصنع لخرق.(2)(...
-6في مجال الحث على طلب العلم والخذ به ،عنيت السنة
النبوية بهذا الموضوع .ول يخفى دور العلم والتعلم في تنفيذ
برامج التنمية المستدامة .فمن دون العلم ل يكون هناك بحث أو
تطوير أو إدراك لسس أداء العمل بشكل صحيح وبدون حدوث
مشكلت تؤثر في مستوى السلمة الصناعية والصحة المهنية
والبيئة .ونكتفي هنا بحديث نبوي في الدعوة إلى طلب العلم
والتماس أي طريق له .فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) :من سلك
طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة ،وإن
الملئكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم ،وإن طالب العلم
يستغفر له من في السماء ومن في الرض حتى الحيتان في
الماء ،وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر
الكواكب .وإن العلماء ورثة النبياء .إن النبياء لم يورثوا دينارا ول
درهما ،إنما ورثوا العلم ،فمن أخذه أخذ بحظ وافر().(3
()1صحيح مسلم بشرح النووي ،كتاب البر والصلة والداب ،باب:
تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله ،الحديث رقم
،(2564) 32الجزء الثامن ،صفحة .297
()2رواه الشيخان .انظر :صحيح مسلم بشرح النووي ،كتــاب اليمــان،
باب :بيان كون اليمـان بـالله أفضـل العمـال ،الحـديث رقــم ،(84) 136
الجزء الول ،صفحة .278وانظر :فتح الباري بشرح صحيح البخاري،
ابن حجر العسقلني ،كتاب العتق ،باب :أي الرقـاب أفضـل ،الحـديث رقـم
،2518ـ الجزء الخامس ،صفحة .176قوله) :وأنفسها عنــد أهلهــا( أي مــا
اغتباطهم بها أشد ،فإن عتق مثل ذلك ما يقع غالبا إل خالصا .الخــرق :هــو
الذي ليس بصانع ول يحسن العمل ...قال أهل اللغة :رجل أخــرق ل صــنعة
له والجمع خرق بضم ثم سكون ،وامرأة خرقاء كذلك .انظر :فتح الباري
بشرح صحيح البخاري ،الجزء الخامس ،صفحة .178 :177
()3سنن ابن ماجه ،محمد بن يزيد القزويني ،باب :فضل العلماء والحث
على طلــب العلــم ،الحــديث رقــم ،223الجــزء الول ،صــفحة .81وقــال
المنذري" :رواه أبو داود والترم ـذي وابــن ماجــة وابــن حبــان فــي صــحيحه
والبيهقي ،وقال الترمذي :ل يعرف إل من حديث عاصم بن رجاء بــن حيــوة
وليس إسناده عندي بمتصل ،وإنما يروي عن عاصم بن رجاء بن حيوة عــن
داود بن جميل عن كثير بن قيس عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه
)(24
-7في مجال مكافحة الفقر نجد أن السلم ينظر إلى الفقر
ده بلء فيراه خطرا على العقيدة والخلق والمجتمع والسرة ،ويع ّ
يستعاذ منه .فعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان يتعوذ ،فيقول) :اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم،
والمأثم والمغرم ،ومن فتنة القبر ،وعذاب القبر ،ومن فتنة النار
وعذاب النار ،ومن شر فتنة الغنى ،وأعوذ بك من فتنة الفقر().(1
وعن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
)(2
كان يقول) :اللهم إني أسألك الهدى والتقى ،والعفاف والغنى( .
وسلم وهذا أصح .قال المملي رحمه الله :ومن هذه الطريق رواه أبــو داود
وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والبيهقي في الشعب وغيرها .وقــد روي
عن الوزاعي عن كثير بن قيس عن يزيد بــن ســمرة عنــه وعــن الوزاعــي
عن عبد السلم بن سليم عن يزيد بن ســمرة عــن كــثير بــن قيــس عنــه...
وُروي غير ذلــك .وقــد اختلــف فــي هــذا الحــديث اختلفــا كــثيرا ."...انظــر:
الترغيب والترهيب ،الحافظ المنذري ،كتاب العلم ،بــاب :الــترغيب فــي
العلــم وطلبــه وتعلمــه وتعليمــه ومــا جــاء فــي فضــل العلمــاء والمتعلميــن،
الحديث رقم ،106الجزء الول ،صفحة .47
()1صحيح البخاري ،كتاب الدعوات ،باب :التعــوذ مــن المــأثم والمغــرم،
الحــديث رقــم ،6386صــفحة .1139والمــأثم :المــر ال ـذي يــأثم بــه بــه
النسان ،أو هو الثم نفســه .انظــر :لسان العححرب ،ابــن منظــور ،الجــزء
الثاني عشر ،صفحة .6والمغرم :الغرامــة ،وهــي مــا يلــزم الشــخص أداؤه
كالدين .انظــر :فتح الباري بشححرح صحححيح البخححاري ،الجــزء الحــادي
عشر ،صفحة .181
()2صحححيح مسححلم بشححرح النححووي ،كتــاب الــذكر والــدعاء والتوبــة
والستغفار ،باب :التعوذ من شر ما عمل ومن شر مــا لــم يعمــل ،الحــديث
رقــم ،(2721) 72الجــزء التاســع ،صــفحة .35وقــال النــووي" :العفــاف
والعفة :التنـزه عما يباح ،والكف عنه .والغنى هنا :غنى النفس ،والســتغناء
عن النــاس ،وعمــا فــي أيــديهم" .انظــر :المرجـع الســابق ،الجــزء التاســع،
صفحة .38
)(25
ولما كان الفقر أحد أسباب التدهور البيئي ،فالجائع ل يستطيع أن
يفلح أرضا ،وكانت مكافحة الفقر أحد عناصر برامج تحقيق
التنمية المستدامة فقد دعا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى
مكافحة الفقر بتوفير أدوات النتاج وتحقيق التكافل الجتماعي
والحسان إلى الفقراء .فعن عبد الله بن عمرو بن العاص )رضي
الله عنهما( قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) :أربعون
خصلة أعلهن منيحة العنـز ،ما من عامل يعمل بخصلة منها
رجاء ثوابها ،وتصديق موعدها ،إل أدخله الله بها الجنة() .(1وعن
أبي هريرة )رضي الله عنه( ،عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال) :يا نساء المسلمات ،ل تحقرن جارة لجارتها ،ولو فرسن
شاة().(2
كما حث الرسول صلى الله عليه وسلم على الصدقة ،ودفعها
إلى الفقراء والمساكين ،وبخاصة إلى المتعففين الذين ل يسألون
الناس إلحافا .فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال) :ليس المسكين بالذي ترده التمرة والتمرتان ،ول
اللقمة واللقمتان ،إنما المسكين المتعفف ،اقرءوا إن شئتم :
.(4)((3)
ولم يبح السلم المسألة إل لمن هم في أمس الحاجة إلى
المال ،ويوضح ذلك الحديث الذي رواه قبيصة بن مخارق الهللي،
قال :تحملت حمالة ،فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
أسأله فيها ،فقال) :أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها( .قال:
ثم قال) :يا قبيصة :إن المسألة ل تحل إل لحد ثلثة :رجل تحمل
حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك ،ورجل أصابته
جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من
()1صحيح البخاري ،كتاب الهبة وفضلها ،بــاب :فضــل المنيحــة ،الحــديث
رقم ،2631صفحة .453والمنيحة :منحة اللبن كالناقة أو الشاة ،تعطيهــا
دها إليك .انظر :لسان العححرب ،ابــن منظــور ،الجــزء غيرك يحتلبها ،ثم ير ّ
الثاني عشر ،صفحة .607
()2رواه الشيخان .انظر :صحيح البخاري ،كتاب الهبة وفضلها ،باب:
فضلها والتحريض عليها ،الحديث رقم ،2566صفحة .443وانظر :صحيح
مسلم بشرح النووي ،كتاب الزكاة ،باب :الحث على الصدقة ولو
بالقليل ول تمتنع من القليل لحتقاره ،الحديث رقم ،(1030) 90الجزء
فرسن من البعير :بمنـزلة الحافر من الدابة ،وربما الرابع ،صفحة .123وال ِ
استعير في الشاة .انظر :لسان العرب ،ابن منظور ،الجزء الثالث عشر،
صفحة .323
()3البقــرة .273 /واللحــاف :شــدة اللحــاح فــي المســألة .انظــر :لسان
العرب ،الجزء التاسع ،صفحة .314
()4صحيح مسلم بشرح النووي ،الجــزء الرابــع ،كتــاب الزكــاة ،بــاب:
المسكين الذي ل يجد غنى ول يفطن له فيتصدق عليه ،الحديث رقــم 101
) ،(1039صفحة .132 :131
)(26
عيش أو قال سدادا من عيش ،ورجل أصابته فاقة حتى يقول
ثلثة من ذوي الحجا من قومه :لقد أصابت فلنا فاقة فحّلت له
المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو قال سدادا من عيش،
)(1
فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتا يأكلها صاحبها سحتا( .
ثالثا :حماية الموارد الطبيعية وصيانتها وحماية البيئة
تحتاج التنمية المستدامة إلى حماية الموارد الطبيعية اللزمة
لنتاج المواد الغذائية وتوفير مصادر الطاقة ومواد البناء .وتتمثل
هذه الموارد في التربة الصالحة للزراعة ،ومصادر المياه اللزمة
للري ،والثروة الحيوانية )بما فيها مصائد السماك( ،ومختلف
أنواع الوقود ،والمعادن.
والخفاق في صيانة الموارد الطبيعية التي تعتمد عليها الزراعة
كفيل بحدوث نقص في الغذية في المستقبل .كما أن الخفاق
في صيانة الموارد اللزمة للصناعة كفيل بحدوث نقص في توفير
متطلبات الحياة والحضارة من معدات وآلت وإنشاءات ...إلخ.
ولهذا فإن ترشيد استهلك الموارد والثروات الطبيعية ي ُعَد ّ إحدى
الليات الساسية لتحقيق التنمية المستدامة .كما أن ترشيد
استهلك الموارد الطبيعية ي ُعَد ّ من أهم الوسائل العملية لحماية
البيئة ،والمحافظة عليها.
ث الفراد على العتدال في وقد اهتم السلم بهذه القضية ،فح ّ
شؤون الحياة كافة ،فل إفراط ول تفريط ،ول إسراف ول تقتير.
وقد جعل الله عز وجل قضية الترشيد في النفاق والستهلك من
صفات المؤمنين ،فقال تعالى " :
)(2
وقال تعالى أيضا" : "
.(3)" ويكون
الترشيد باستخدام أو استهلك الموارد حسب الحاجة إليها
()1صحيح مسلم بشرح النححووي ،كتــاب الزكــاة ،بــاب :مــن تحــل لــه
المســألة ،الحــديث رقــم ،(1044) 109الجــزء الرابــع ،صــفحة .135
مــل الحمالــة أي: حمالة :الدية والغرامة التي يحملها قوم عن قــوم .وتح ّ وال َ
حملها .والجائحة :المصيبة تحل بالرجل في ماله فتجتاحه كله .والقوام من
العيش :ما يقوم بحاجته الضرورية .وقوام العيش :عمــاده الـذي يقــوم بــه.
سد به .وسداد من عيش :أي ما تســد بــه الحاجــة .والســحت: والسداد :ما ُ
م عنــه َ
ح ـُرم فل ـزِ َ
مكاســب و َ ث من ال َ
خب ْ َ
ذكر؛ وقيل :هو ما َل حرام قبيح ال ّ ك ّ
ح الذ ّكر كَثمن الكلب والخمر والخنـزير .انظــر :لسحان العححرب،َ ْ َ
العاُر وقبي ُ
ابن منظــور ،الجــزء الحــادي عشــر ،صــفحة ،180والجــزء الثــاني ،صــفحة
،431والجزء الثاني عشر ،صفحة ،504والجزء الثالث ،صفحة .207
()2الفرقان .67 /والقــوام :العــدل .انظــر :لسان العححرب ،ابــن منظــور،
الجزء الثاني عشر ،صفحة .499
()3العراف.31 /
)(27
وبشكل منظم ومخطط ،إذ إن هناك ثروات وموارد غير متجددة
)مثل مصادر الوقود الحفوري من النفط والفحم( تنفد
بالستهلك بشكل تدريجي ،ولكي نستفيد من هذه الموارد أطول
فترة ممكنة يجب علينا ترشيد استهلكها.
والسراف في استنـزاف الموارد واستهلكها يمثل نوعا من
النانية المذمومة ،إذ إنه يؤدى إلى حرمان الخرين من هذه
الموارد ،كما أنه يؤدي إلى قصور وسائل النتاج بشتى صورها
عن توفير المتطلبات الساسية للمجتمع .وعلوة على ذلك ،فإن
في السراف إهدارا لنعم الله عز وجل ،ومضيعة لها ،على
النقيض من الترشيد والعتدال ،فهما يعنيان المحافظة على هذه
النعم والعمل على استدامتها والنتفاع بها .ويندرج تحت هذه
الركيزة أيضا عدم الفساد في الرض بإهلك الحرث والنسل،
وتجنب السراف في استخدام الموارد ،أو في استخدام المواد
التي تؤثر في جودة هذه الموارد ونوعيتها ،كالسراف في
استخدام السمدة الكيميائية والمبيدات ،مما يؤدي إلى تدهور
نوعية مياه النهر والبحيرات ،وتهديد الحياة البرية ،وتلويث غذاء
الإنسان والحيوان والطيور.
وقــد ربطــت الســنة النبويــة الشــريفة بيــن التنميــة المســتدامة
والمحافظة على البيئة ورعايتها ،كما ربطت بينهما وبيــن اليمــان،
فجعلــت إماطــة الذى مــن الطريــق شــعبة مــن شــعب اليمــان،
والحسان إلى أحياء البيئة مدعاة إلى الفوز برضوان اللـه وجنتــه،
والساءة إليها توجب دخول المسيء النار.
وتحفل السنة النبوية بالعديد من النصوص التي تحث على حمايــة
الموارد الطبيعية وصيانتها.
) (1ففي مجال المحافظة علــى الحيــاة الفطريــة نجــد أن الســنة
حبشي أن رســول النبوية نهت عن قطع السدر .فعن عبد الله بن ُ
الله صلى الله عليه وســلم قــال" :مــن قطــع ســدرة صــوب اللــه
ن المعروف أن السدر ينبت في الصحارى، رأسه في النار") .(1و ِ
م َ
()1رواه أبو داود في سننه .وقــد ســئل أبــو داود عــن معنــي هــذا الحــديث
فقال" :هذا الحديث مختصر ،يعني :من قطع سدرة فــي فلة يســتظل بهــا
وب اللــه رأســه ابن السبيل والبهائم عبثا وظلما بغير حق يكون له فيهـا صـ ّ
في النار" .انظر :سنن أبي داود ،كتاب الدب ،بــاب :فــي قطــع الســدر،
الحديث رقم ،5239صفحة .784وجاء في مجمع الزوائد" :رواه أبــو داود
خل من قــوله :مــن ســدر الحــرم .ورواه الطــبراني فــي الوســط ،ورجــاله
ثقــات" .انظــر :مجمححع الححزوائد ومنبححع الفححوائد ،علــي بــن أبــي بكــر
الهيثمي ،باب :في حرمة مكة والنهي عن استحللها ،الجزء الثالث ،صــفحة
.284وجاء في )عون المعبود(" :قال المنذري :والحديث أخرجــه النســائي
وقال :فيه عبد الله الخثعمي ...وقوله) :من قطع سدرة( :أي شــجرة نبــق،
زاد في رواية للطبراني )من سدر الحرم( ...وقال في النهاية :قيل أراد بــه
سدر مكة لنها حرم .وقيل :سدر المدينة ،نهى عن قطعه ليكون أنسا ً وظل ً
)(28
ويصبر على العطش ،ويقــاوم الحــر ،وينتفــع النــاس بتفيــؤ ظللــه
والكل من ثماره إذا اجتازوا الفيافي في سفر أو في رحلة أو في
بحثهم عن الكل والمرعى .والوعيد بالنار لمــن قطــع ســدرة يــدل
على تأكيد المحافظة على مقومــات الــبيئة الطبيعيــة ،لمــا تــوفّره
من حفظ التوازن بين المخلوقات ،وما يمثّله العتــداء عليهــا مــن
فقدان بعض العناصر الضرورية لسلمة الحياة والنسان.
ويتســع نطــاق المحافظــة علــى الحيــاة ليشــمل أزمنــة الحــروب
وأراضي العداء والخصوم .وإذا عدنا إلى غزوات الرســول صــلى
الله عليه وسلم وسراياه نرى أنه كان حريصا على الرفق بالنساء
والطفــال والشــيوخ .فعــن نــافع أن عبــد اللــه أخــبره )أن امــرأة
وجدت في بعض مغـازي النـبي صـلى اللـه عليـه وسـلم مقتولـة،
فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان().(1
وعن ُبريدة قال :كان رسول الله صلى اللـه عليـه وسـلم إذا أمـر
أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه
من المسلمين خيرا ،ثم قال) :اغزوا باسم اللــه فــي ســبيل اللــه،
قاتلوا من كفر بالله ،اغــزوا ول تغلــوا ،ول تغــدروا ،ول تمثلــوا ،ول
تقتلوا وليدا() .(2وعن أنـس بـن مالـك أن رسـول اللـه صـلى اللـه
لمن يهاجر إليها .وقيل :أراد السدر الذي يكون في الفلة يستظل بــه أبنــاء
السبيل والحيوان ،أو في ملك إنسان فيتحامل عليــه ظــالم ،فيقطعــه بغيــر
حق" .انظر :عون المعبود في شرح سنن أبي داود ،العظيم آبــادي ،الجــزء
الرابع عشر ،صفحة .153 :152
()1رواه الشيخان .انظر :صحيح البخاري ،كتــاب الجهــاد والســير ،بــاب:
قتــل الصــبيان فــي الحـرب ،الحــديث رقــم ،3014صــفحة .528وانظـر:
صحيح مسلم بشرح النووي ،كتاب الجهاد والســير ،بــاب :تحريــم قتــل
النساء والصبيان في الحرب ،الحديث رقم ،(1744) 24الجزء السادس،
صفحة .243وقد جاء هذا الحديث برواية أخرى عند الشيخين أيضا .فعــن
دت امــرأة مقتولــة فــي بعــض مغــازي ج َ
ابن عمر رضي الله عنهما قال) :وُ ِ
رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فنهى رسول الله صلى الله عليه وســلم
عن قتل النساء والصبيان( .انظر :صحيح البخاري ،كتاب الجهاد والســير،
باب :قتل النساء في الحرب ،الحديث رقــم ،3015صــفحة .528وانظــر:
صحيح مسلم بشرح النووي ،كتاب الجهاد والســير ،بــاب :تحريــم قتــل
النساء والصبيان في الحرب ،الحديث رقم ،(1744) 25الجزء السادس،
صفحة .243
()2صحيح مسلم بشرح النححووي ،كتــاب الجهــاد والســير ،بــاب :تــأمير
المام المراء على البعوث ووصية إياهم بآداب الغزو وغيرها ،الحديث رقم
،(1731) -3الجزء السادس ،صفحة .233والسرية :قطعة من الجيــش
تخرج منه تغير وترجع إليه .قال إبراهيم الحربي :هي الخيــل تبلــغ أربعمــائة
ونحوها .قالوا :سميت سرية لنها تسري في الليل .انظر :المرجع السابق،
الجزء السادس ،صفحة .234وقــوله) :باســم اللــه( :أي مســتعينين بــذكر
اسمه) .ول تغدِروا( :أي ل تنقضــوا عهــدكم) .ول تُغلــوا( :أي ل تخونــوا فــي
الغنيمة) .ول تمثلوا( :من مثل به يمثل كقتل إذا قطع أطرافه) .وليــدًا( :أي
)(29
عليه وسلم قال) :انطلقوا باسم الله ،وبالله ،وعلــى مل ّــة رســول
الله ،ول تقتل ـوا شــيخا فانيــا ،ول طفل ،ول صــغيرا ،ول امــرأة ،ول
تغلــوا ،وضــموا غنــائمكم ،وأصــلحوا ،وأحســنوا إن اللــه يحــب
المحسنين().(1
) (2في مجال المحافظة على المصادر المائية من التلوث ،نهى
النبي صلى الله عليه وسلم عن التبول في الماء الراكد حفاظا
على سلمة الماء من التلوث؛ حيث إن الماء النجس ل يستفاد
منه في طهارة أو شرب أو غير ذلك .ومثل البول تلويث الماء
بأي ملوث )من المخلفات الصناعية أو المواد الكيماوية مثل(.
فعن جابر )رضي الله عنه( عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنه )نهى أن ُيبال في الماء الراكد() .(2وعن أبي هريرة )رضي الله
عنه( قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) :ل يبولن
أحدكم في الماء الدائم الذي ل يجري ،ثم يغتسل فيه() .(3وعن
معاذ بن جبل )رضي الله عنه( قال :لقد سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول) :اتقوا الملعن الثلث :البراز في الموارد،
صبيًا .انظر :عون المعبود في شرح سنن أبي داود ،العظيــم آبــادي،
الجزء السابع ،صفحة .272
()1رواه أبو داود في سننه .انظر :سنن أبي داود ،كتــاب الجهــاد ،بــاب:
في دعاء المشركين ،الحديث رقم ،2614صفحة .396والحديث فيه خالد
بن الفزر ،قال عنه يحيى ابن معين" :ليــس بــذاك" .انظــر :نصب الرايححة
في تخريج أحاديث الهداية ،جمال الدين عبد الله بن يوسف أبو محمد
الزيلعــي ،تحقيــق :محمــد يوســف البنــوري ،دار الحــديث ،القــاهرة ،الجــزء
الثالث ،صفحة .386وجاء في )تهذيب الكمال(" :روى عنه الحســن بــن
صالح بن حي الهمداني .قال عباس الدوري :وسألته ،يعني يحيى بن معيــن
عن خالد بن الفزر فقال :يروي عنه حسن بن صالح ،ما سمعت أحدا يروي
عنه غيره ،ولم أر له فيه رأيا .وقيــل عــن عبــاس عــن يحيــى :ليــس بــذاك.
وقــال أبــو حــاتم :شــيخ روى لــه أبــو داود حــديثا واحــدا" .انظــر :تهححذيب
الكمال في أسماء الرجال ،يوسف بن الزكي عبد الرحمن أبو الحجــاج
المزي ،تحقيق :د .بشار عواد معروف ،مؤسســة الرســالة ،بيــروت ،الجــزء
الثامن ،صفحة .151 :150وقوله) :ل تقتلوا شيخا ً فانيـًا( :أي :إل إذا كــان
مقــــاتل ً أو ذا رأي) .وضــــموا( :أي اجمعــــوا) .وأصــــلحوا( :أي أمــــوركم.
)وأحسنوا( :أي فيما بينكم .انظر :عون المعبود في شرح سححنن أبححي
داود ،العظيم آبادي ،الجزء السابع ،صفحة .272
()2صحيح مسلم بشرح النووي ،كتاب الطهارة ،باب النهي عن البــول
في الماء الراكد ،الحديث رقم ،(281) 94الجزء الثاني ،صفحة .162
()3رواه الشيخان .انظر :صحيح البخاري ،كتاب الوضوء ،باب :البول في
الماء الدائم ،الحديث رقم ،239صفحة .59 :58وانظر :صحيح مسلم
بشرح النووي ،كتاب الطهارة ،باب النهي عن البول في الماء الراكد،
الحديث رقم ،(282) 95الجزء الثاني ،صفحة .162
)(30
وقارعة الطريق ،والظل() .(1ول يخفى وجه النهي في ذلك؛ حيث
إن مثل هذه التصرفات تحرم الخرين من الستفادة من كميات
كبيرة من الماء .كما أن ممارسة هذه السلوكيات )أي :التبول
والتبرز في الموارد( تتسبب في إفساد تلك الموارد .فالتبول أو
التبرز في الماء الراكد يجعله بيئة خصبة لتكاثر الميكروبات
والفيروسات التي تساعد على انتشار المراض المعدية .ونحن
حاليا أن هناك أمراضاً كثيرة تنتج من الستحمام في الماءً نعلم
الراكد الذي سبق أن تبول فيه شخص ما ،من ذلك :البلهارسيا
البولية ،والكوليرا ،والسيلن ،ومرض ريترز .كما أن الماء الراكد
ملئما لنمو الكثير من البكتيريا )مثل :السالمونيل،
ً يعد وسطاً
والشيجل ،والليبتوسايرا ،وغيرها( .ويحتاج كثير من الديدان
والطفيليات )مثل :الزحار الميبي ،والديدان المستديرة،
والبلهارسيا( إلى إكمال دورة الحياة خارج جسم النسان.
ويساعد التبول والتبرز على نمو هذه الديدان وسرعة تكاثرها
وانتشارها) .(2ومما يؤسف له أن بعض مرافق الخدمات البلدية
تقوم بتصريف مياه المجاري الصحية دون معالجة إلى البحار
والنهار والبحيرات .ومما يزيد من حجم الذى الناتج عن هذا
السلوك أن هذه المياه ل تحتوي على البراز فقط ،بل تحتوي
أيضا على كميات كبيرة من المواد الكيميائية والعضوية والجراثيم
الضارة .وتمارس الشركات الصناعية سلوكا يضر بالبيئة والبشر
والحياء المائية عندما تقوم بضخ مخلفاتها من المياه العادمة
الناتجة من الصناعات المختلفة في المسطحات المائية ،متجاهلة
أخطارها.
()1رواه أبــو داود ،وقــال :هــذا مرســل .انظــر :سنن أبححي داود ،كتــاب
الطهارة ،باب :المواضع التي نهى النبي صلى الله عليه وســلم عــن البــول
فيها ،الحديث رقم ،26صفحة .9و)الملعن( :جمع ملعنــة ،وهــي مواضــع
اللعن .والمراد بالموارد :المجاري ،والطرق إلى الماء ،واحدها مورد ،يقال:
وردت الماء إذا حضرته لتشرب .والورد :المــاء الــذي تــرد عليــه) .وقارعــة
الطريق( :أي الطريقة التي يقرعهــا النــاس بــأرجلهم ونعـالهم ،أي يــدقونها
ويمرون عليها ...وهي وسط الطريق) .والظل( :أي ظل الشــجرة وغيرهــا.
انظر :عون المعبود في شرح سنن أبي داود ،العظيم آبادي ،الجــزء
الول ،صفحة .47
()2المبادئ السلمية المتعلقة بالتحكم في المححراض السححارية
وأثرها في الوقاية من هذه المراض ،د .عدنان أحمد البار و د .جنق
ليو ،مجلة البحوث الفقهية المعاصرة ،العدد الحادي عشــر ،الســنة الثالثــة،
ربيع الخر -جمادى الولى -جمادى الخرة 1412هــ /أكتــوبر – نوفمــبر –
ديسمبر 1991م ،صفحة .105 :104
)(31
) (3في مجال المحافظة على المصادر المائية من الهدر؛ لنا فــي
رسول الله صلى الله عليه وسلم خير قدوة يحتــذى بهــا فــي هــذا
المجال .فعن ابن جبر قال :سمعت أنسا يقول) :كان النبي صــلى
الله عليه وســلم يغســل -أو كــان يغتســل -بالصــاع إلــى خمسـة
أمداد ،ويتوضأ بالمدّ() .(1فهذا الحديث يدل علـى كراهـة السـراف
فــي المــاء للغســل والوضــوء ،واســتحباب القتصــاد .وقــد عّلــم
الرسول صلى الله عليه وسلم أتباعه هذا اللون من القتصاد فــي
استخدام الماء .فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جــده أن رجل ً
أتى النبي صــلى اللــه عليــه وســلم فقــال :يـا رســول اللــه :كيــف
الطُهور؟ فدعا بماء في إناء ،فغسل كفيه ثلث ـًا ،ثــم غســل وجهــه ّ
ثلثًا ،ثم غســل ذراعيــه ثلث ـًا ،ثــم مســح برأســه ،فأدخــل إصــبعيه
الســباحتين فــي أذنيــه ،ومســح بإبهــاميه علــى ظــاهر أذنيــه،
وبالسباحتين باطن أذنيــه ،ثــم غســل رجليــه ثلثـا ً ثلثـًا ،ثــم قــال:
)هكذا الوضوء ،فمن زاد على هذا أو نقص ،فقد أساء وظلــم( ،أو
)ظلم وأساء().(2
()1صحيح البخاري ،كتاب الوضوء ،بــاب :الوضــوء بالمــد ،الحــديث رقــم
لهل المدينــة يْأخــذ َأربعــة َأمــداٍد ،يــذكر ل َ كيا ٌ م ْ ،201صفحة .54والصاعِ :
َ َ
مــدادٍ ةأ ْ ي صلى الله عليــه وســلم الــذي بالمدينــة أربع ـ ُ ويؤنث ...وصاعُ النب ّ
َ
عياُر الصاِع عنــدهم أربعــة ُ
ف عندهم ...وأهل الكوفة يقولون َِ
دهم المعرو ِ م ّب ُ
َ
فيـُز الحجــازي ،ول يعرفــه أهــل َ
ق ِ
عهم هــذا هــو ال َ مـد ّ ُربعُــه .وصــا ُمنــاٍء ،وال ُأ ْ
خَتلــف فيــه ،فقيــل :هــو رِط ْــل وثلــث م ْ َ
م ـد ّ ُالمدينــة .قــال ابــن الثيــر :وال ُ
ي ،وبه يقول الشافعي وفقهاء الحجاز ،فيكون الصاع خمسة أ َْرطال بالِعراق ّ
َ َ
وثلثا ً على رأيهم .وقيل :هــو رطلن ،وبــه أخــذ أبــو حنيفــة وفقهــاء العــراق، ْ
فيكــون الصــاع ثمانيــة َأرطــال علــى رْأيهــم .انظــر :لسان العححرب ،ابــن
منظور ،الجزء الثامن ،صفحة .215وجـاء فـي فتـح البـاري" :الصـاع :إنـاء
يسع خمسة أرطال وثلثا ً بالبغــدادي ،وقــال بعــض الحنفيــة ثمانيــة" .انظــر:
فتح الباري بشرح صحيح البخاري ،ابن حجر العسقلني ،الجزء الول،
صفحة .365وجاء في الموســوعة الفقهيــة" :والمــد :كيــل مقــداره رطــل
وثلث عند أهل الحجــاز ،وهــو ربــع صــاع" .انظــر :الموسوعة الفقهيححة،
وزارة الوقاف والشــئون الســلمية ،الكــويت ،الجــزء الســادس والثلثــون،
صفحة .284
()2رواه أبو داود .انظر :سنن أبي داود ،كتاب الطهــارة ،بــاب :الوضــوء
ثلثا ً ثلثًا ،الحديث رقم ،135صفحة .25والحديث فيه عمــرو بــن شــعيب.
جاء في )عون المعبود(" :قال المنذري :وعمرو بن شــعيب تــرك الحتجــاج
بحــديثه جماعــة مـن الئمــة ،ووثقـه بعضــهم .وقــال القطـان :إذا روى عـن
الثقات فهو ثقة حجة يحتج به .وقال الترمذي في جــامعه :ومــن تكلــم فــي
حديث عمرو بن شعيب إنما ضعفه لنه يحدث عن صحيفة جده ،كأنهم رأوا
أنه لم يسمع هذه الحاديث من جده ...وفي شرح ألفية العراقي للمصنف:
وقد اختلف في الحتجاج برواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ،وأصــح
القوال أنها حجة مطلقا ً إذا صــح الســند إليــه ...ومحصــل الكلم أن الكــثر
)(32
ومن خلل الفهم الواعي لمقاصــد الحــاديث النبويــة الــتي تتعلــق
باستخدام الماء أجمـع علمـاء الفقـه علـى ضـرورة القتصـاد فـي
الماء ،وعدم السراف في استهلكه ،ولو كان المرء على شــاطئ
النهر .وقال بعــض أصــحاب الشــافعي :إن هــذا الســراف حــرام،
وقال بعضهم :إنه مكروه كراهة تنـزيه).(1
) (4في مجال المحافظة على الموارد الطبيعيــة الساســية )مثــل
المياه والمراعـي( نهــت الســنة النبويـة عـن الحتكــار ،فعــن أبــي
هريرة )رضي الله عنه( أن رســول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم
قـال" :ل يمنـع فضـل المـاء ليمنـع بـه الكل") .(2كمـا نهـت السـنة
ي رضــي ن ع َب ْد ٍ ال ْ ُ
مَزن ِـ ّ س بْ ِ
ن إ َِيا ِ
النبوية عن بيع الموارد المائية .فعَ ْ
ن ب َي ْـِع
ي صــلى اللــه عليــه وســلم ع َـ ْ اللــه عنــه ،قَــا َ
ل" :ن َهَــى الن ّب ِـ ّ
ماِء") .(3وقال أبو يوسف" :وتفسير هذا عندنا ،واللــه أعلــم ،أنــه ال ْ َ
نهى عن بيعــه قبــل أن يحــرز .والحــراز ل يكــون إل فــي الوعيــة
)(33
والنية ،فأما البار والحواض فل") .(1وفي حديث آخر عن جابر بن
عبد الله )رضي الله عنه( قال" :نهى رسول الله صلى اللــه عليــه
وسلم عن بيع فضل الماء").(2
) (5في مجال المحافظة على سلمة الطرق وأماكن الظــل )بمــا
فيها الحدائق والمنتزهــات العامــة ومــا يماثلهــا( ،روى أبــو هريــرة
)رضي الله عنــه( أن رســول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم قــال:
)اتقوا اللعانين( .قالوا :وما اللعانان يا رســول اللــه؟ قــال) :الــذي
يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم().(3
) (6في مجال زرع السلوكيات اليجابيــة المســئولة لــدى الفــراد
تجاه حماية الموارد وصيانتها نجد أن السنة النبوية جعلت كل فرد
في المة مسئول عن رعيته ،وهذا يعني أن يكون قدوة لغيره في
أعماله .فعن عبــد اللــه بــن عمــر )رضــي اللــه عنهمــا( أنــه ســمع
رسول الله صلى الله عليه وســلم يقــول) :كلكــم راع ،ومســؤول
عن رعيته.(4)(...
) (7في مجال الحسان إلى البيئة ،نجد أن السنة النبوية جعلت
ذلك الحسان مدعاة إلى اكتساب الثواب .فقد جعل رسول الله
صلى الله عليه وسلم تنظيف الشوارع من القاذورات والقمامة
)وما يشابهها مثل :عوادم وسائل النقل الضارة( ،وإماطة الذى
عنها ،مما يحصل به الثواب ،فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال) :يميط الذى عن الطريق
صدقة() .(5وإماطة الذى كلمة جامعة لكل ما فيه إيذاء الناس
ممن يستعملون الشوارع والطرقات .وقد أوضحت السنة النبوية
ذلك .فعن المستنير بن أخضر قال :حدثني معاوية بن قرة قال:
"كنت مع معقل المزني ،فأماط أذى عن الطريق ،فرأيت شيئا
()1الخراج ،أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم ،تحقيق :د .محمد إبراهيم البنا،
دار العتصام ،القاهرة ،صفحة .97
()2صحيح مسلم بشرح النووي ،كتاب المساقاة ،باب تحريم فضل بيع
الماء الذي يكون بالفلة ويحتاج إليه لرعي الكل وتحريم منع بذله وتحريم
بيع ضراب الفحل ،الحديث رقم ،(1565) 34الجزء الخامس ،صفحة
.390
()3صحيح مسلم بشرح النووي ،كتاب الطهارة ،باب النهي عن
التخلي في الطرق والظلل ،الحديث رقم ،(269) 68الجزء الثاني،
صفحة .140
()4صحيح البخاري ،كتاب الستقراض وأداء الديون والحجــر والتفليــس،
باب :العبد راٍع في مال ســيده ،ول يعمــل إل بــإذنه ،الحــديث رقــم ،2409
صفحة .412
()5صحيح البخاري ،كتاب المظــالم ،بــاب :إماطــة الذى ،الحــديث رقــم
،2827صفحة .423
)(34
فبادرته ،فقال :ما حملك على ما صنعت يا ابن أخي؟ قال :رأيتك
تصنع شيئا فصنعته .فقال :أحسنت يا ابن أخي! سمعت النبي
صلى الله عليه وسلم يقول) :من أماط أذى عن طريق
)(1
المسلمين كتبت له حسنة ،ومن تقبلت له حسنة دخل الجنة( .
بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل إماطة الذى شعبة
من شعب اليمان ،فعن أبي هريرة )رضي الله عنه( قال :قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم) :اليمان بضع وسبعون أو بضع
وستون شعبة ،فأفضلها قول ل إله إل الله ،وأدناها إماطة الذى
عن الطريق ،والحياء شعبة من اليمان() .(2والحسان إلى البيئة
أيضا وسيلة لنوال مغفرة الله والفوز بالجنة .فقد روى أبو هريرة
)رضي الله عنه( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) :بينا
رجل بطريق ،اشتد عليه العطش ،فوجد بئرا فنـزل فيها ،فشرب
ثم خرج ،فإذا كلب يلهث ،يأكل الثرى من العطش ،فقال الرجل:
لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني ،فنـزل
البئر فمل خفه ماء ،فسقى الكلب ،فشكر الله له فغفر له(.
قالوا :يا رسول الله ،وإن لنا في البهائم لجرا؟ فقال) :في كل
ذات كبد رطبة أجرا() .(3وعن أبي هريرة )رضي الله عنه( قال:
قال النبي صلى الله عليه وسلم) :بينما كلب يطيف بركية ،كاد
يقتله العطش ،إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل ،فنـزعت
موقها ،فسقته فغفر لها به() .(4وفي مقابل ذلك فإن الساءة إلى
البيئة وما فيها من أحياء مدعاة إلى التعذيب في نار جهنم والعياذ
()1رواه البخاري في الدب المفرد ،والطبراني في الكبير .انظر :الدب
المفرد ،الحافظ محمد بن إسماعيل البخاري) ،باب البغي ،الحديث رقم
،(593الجزء الول ،صفحة .306وانظر أيضا :المعجم الكبير ،أبو
القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني ،باب :ما أسند معقل بن
يسار الحسن بن أبي الحسن ،الحديث رقم ،502الجزء العشرون ،صفحة
.216وجاء في مجمع الزوائد" :رواه الطبراني في الكبير .وقال المزي
صوابه عن المستنير بن أخضر بن معاوية بن قرة عن جده كما رواه
البخاري في كتاب الدب ،فإن كان كما قال المزي فإسناده حسن إن شاء
الله ،وإن كان فيه عن أبيه أخضر فلم أجد من ذكر أخضر .والله أعلم".
انظر :مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ،علي بن أبي بكر الهيثمي ،باب:
عزل الذى عن الطريق ،الجزء الثالث ،صفحة .136
()2صحيح مسلم بشرح النووي ،كتاب اليمان ،باب :بيان عدد شعب
اليمان وأفضلها وأدناها وفضيلة الحياء وكونه من اليمان ،الحديث رقم 58
) ،(35الجزء الول ،صفحة .218
()3رواه الشيخان .انظر :صحيح البخاري ،كتاب المظالم ،باب :البار
على الطرق إذا لم يتأذ بها ،الحديث رقم ،2466صفحة .423وانظر:
صحيح مسلم بشرح النووي ،كتاب السلم ،باب :فضل ساقي البهائم
المحترمة وإطعامها ،الحديث رقم ،(2244)153الجزء السابع ،صفحة
.408
)(35
بالله .فعن أبي هريرة )رضي الله عنه( أن رسول الله صلى الله
ذبت امرأة في هرة ،سجنتها حتى ماتت، عليه وسلم قال) :عُ ّ
فدخلت فيها النار ،ل هي أطعمتها ول سقتها إذ حبستها ،ول هي
تركتها تأكل من خشاش الرض().(1
وما من شك في أن تحقيق مبدأ التنمية المســتدامة يتطلــب مــن
النسان أن يتعامل مع البيئة برفق وإحسان ،فيأخذ منها ويعطيها،
ويرعى لها حقها لتؤتي له حقه .فعــن شــداد بــن أوس قــال :قــال
رسول الله صلى الله عليه وسلم) :إن الله كتــب الحســان علــى
كــل شــيء .(2) (...والحســان يعنــي :الحكــام والتقــان ،والرفــق
والشــفاق .ويتضــمن ذلــك الحســان :المحافظــة علــى المــوارد
الزراعية والبيئة الطبيعية وبخاصــة أن فــي ذلــك منــافع اقتصــادية
ضخمة للنسان .فعلى سبيل المثال ،فإن المحافظة طويلة المــد
على الغابــات ،أو الســياحة البيئيــة بشــكل عــام ،تتفــوق علــى أي
مكسب قصير الجل ينتــج مــن اســتغلل الحيــاة البريــة والمــوارد
الطبيعيــة .والحفــاظ علــى الشــعاب المرجانيــة يمكــن أن يجلــب
المزيد من السياحة أكثر مما يجلبه الصيد على مستوى واسع في
مثل هذه الماكن البيئية الهشة.
) (8في مجال حماية البيئة والماكن العامة مـن الـروائح الكريهـة
نجد أن السنة النبوية نهت من أكل ثوما عن مجرد القــتراب مــن
المسجد حتى ل يــؤذي المصــلين برائحــة الثــوم الــتي تنبعــث مــن
ن النبي صلى الله عليــه َ
مَر -رضي الله عنهما -أ ّ فمه .فعن اْبن ع ُ َ
جَرةِ -ي َعْن ِــى ن هَـذ ِهِ ال ّ َ
ن أك َـ َ ل في غ َْزوَةِ َ وسلم َقا َ
شـ َ مـ ْ
ل ِ م ْخي ْب ََرَ ) :
)(36
ن أ َِبي هَُري َْرة َ )رضي الله عنــه(، )(1
جد ََنا( .وع َ ْ س ِم ْن َ قَرب َ ّ م -فَل َ ي َ ْ الّثو َ
َ
ه
ن ه َ ـذ ِ ِ
مـ ْ
ل ِن أك َـ َ ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلمَ ) :
م ْ سو ُ ل َر ُ لَ :قا َ َقا َ
ح الّثـو ِ جد ََنا ،وَل َ ي ُؤ ْذ ِي َّنـا ب ِ ِ جَرةِ فَل َ ي َ ْ ال ّ
)(2
م( .وتنـدرج ريـ ِ سـ ِ
م ْ ن َقَرَبـ ّ شـ َ
تحت قائمة الروائح الكريهة أية روائح مماثلة لرائحة الثــوم )مثــل
رائحة البصــل والكــراث ،أو رائحــة حـرق التبــغ ،أو روائح الغــازات
الكبريتيــة المنبعثــة مــن محطــات معالجــة ميــاه المجــاري ،ومــن
المصافي النفطية( ،أو تلك الــروائح الــتي تســبب ضــررا للنســان
كما تفعله رائحة الثوم.
) (9في مجال الصحة الوقائية نهت السنة النبوية عن مخالطة
النسان المريض بمرض معد ٍ لخر صحيح ،وذلك درءا للضرر
الذي قد يلحق النسان الصحيح من هذا المصاب .فعن أبي
هريرة )رضي الله عنه( قال :قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم) :ل يوردن ممرض على مصح() .(3وإذا كان ورود الصحيح
ممنوعا على المريض ،فكيف المر بمن يتسبب ،بغيا وعدوانا ،في
نشر التلوث الكيميائي أو الشعاعي أو الميكروبي .إن دفع مثل
هذا الذى له أولية وأولوية .فعن إبراهيم بن سعد قال :سمعت
أسامة بن زيد يحدث سعدا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
)إذا سمعتم بالطاعون بأرض فل تدخلوها ،وإذا وقع بأرض وأنتم
بها فل تخرجوا منها() .(4ويفهم من هذا الحديث الشريف أنه إذا
ظهر مرض معد ٍ في بلد ما ،فيجب أن يضرب حوله حصار شديد،
فيمنع الدخول إليه والخروج منه ،وذلك حتى تنكمش رقعة الداء
في أضيق نطاق .وقياسا على ذلك ،إذا حدث طاعون بيئي
معاصر )مثل :انفجار معمل للغازات السامة ،أو مفاعل نووي(
فيجب حظر الدخول إلى منطقة هذا الطاعون ،ول يسمح بذلك
دد أثر الملوثات ،أو اتخاذ الحتياطات الكفيلة بعدم إل بعد تب ّ
()1صحيح البخاري ،كتاب صفة الصلة ،باب :ما جاء في الثوم النيء
والبصل والكراث ،الحديث رقم ،853صفحة .153
()2صحيح مسلم بشرح النووي ،كتاب المساجد ومواضع الصلة ،باب:
نهي من أكل ثوما أو بصل أو كراثا أو نحوها ،الحديث رقم ،(562) 71
الجزء السابع ،صفحة .42
()3رواه الشيخان .انظر :صحيح البخاري ،كتاب الطب ،باب :ل هامة،
الحديث رقم ،5770صفحة .1051وانظر :صحيح مسلم بشرح
النووي ،كتاب السلم ،باب :ل عدوى ول طيرة ول هامة ول صفر ،ول نوء
ول غول ،ول يورد ممرض على مصح ،الحديث رقم ،(2221) 104الجزء
السابع ،صفحة .384
()4صحيح البخاري ،كتاب الطب ،باب :ما يذكر في الطاعون ،الحديث
رقم ،5728صفحة .1044
)(37
تعرض الداخلين للذى )مثل :ارتداء معدات الوقاية الشخصية،
واستعمال القنعة الواقية من الغازات السامة ،...إلخ(.
) (10في مجال تنظيم استخدام الموارد الطبيعية كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم هو أول من قضى بين المتخاصمين
في حقوق استغلل الماء في دولة السلم .فعن عروة بن الزبير
أن عبد الله بن الزبير رضى الله عنهما أنه حدثه أن رجل من
النصار خاصم الزبير عند النبي صلى الله عليه وسلم في شراج
الحرة التي يسقون بها النخل ،فقال النصاري :سّرح الماء يمر.
فأبى عليه .فاختصما عند النبي صلى الله عليه وسلم ،فقال
ق يا زبير ،ثم أرسل س ِ
رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير" :ا ْ
الماء إلى جارك" ،فغضب النصاري ،فقال :أن كان ابن عمتك؟،
ون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ثم قال" :اسق يا فتل ّ
زبير ،ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر" .فقال الزبير :والله
إني لحسب أن هذه الية نـزلت في ذلك) :
)(1
(
).(2
()1النساء.65 /
()2رواه الشيخان .انظر :صحيح البخاري ،كتاب المســاقاة ،بــاب :ســكر
النهار ،الحديث رقم ،2360 -2359صفحة .404وانظر :صحيح مسلم
بشرح النووي ،كتــاب الفضــائل ،بــاب :وجــوب اتبــاعه صــلى اللــه عليــه
وسلم ،الحديث رقم ،(2357) 129الجزء الثامن ،صفحة .96 :95وجــاء
ش ـْرج ،وحكــى القرطــبي: شراج الحرة( جمع َ في فتح الباري" :قوله) :في ِ
شرجة ،والمراد بها هنا مسيل الماء ،وإنما أضيفت إلى الحرة لكونهــا فيهــا،
والحرة موضع معروف بالمدينـة ،...وهـي فـي خمسـة مواضـع :المشـهور
منها اثنتان :حرة واقم ،وحرة ليلى) ...ســرح( فعــل أمــر مــن التســريح أي
أطلقه ...قوله) :أن كان ابــن عمتــك( بفتــح همــزة أن وهــي للتعليــل ،كــأنه
قال :حكمت له بالتقديم لجل أنه ابــن عمتــك ...قــوله) :فتلــون( أي تغيــر،
وهو كناية عن الغضــب ...قـوله) :حــتى يرجـع إلـى الجــدر( أي يصــير إليـه،
در هو المســناة ،وهــو مــا وضــع بيــن شــربات النخــل كالجــدار ،وقيــل:
ج ْ
وال َ
المراد الحواجز التي تحبس الماء ،وجزم به السهيلي .ويروى الجــدار بضــم
الدال ،حكاه أبو موسى ،وهو جمع جدار .وقال ابن الــتين :ضــبط فـي أكــثر
الروايات بفتح الدال وفي بعضها بالسكون ،وهو الذي في اللغة ،وهو أصــل
الحائط .وقال القرطــبي :لــم يقــع فــي الروايــة إل بالســكون ،والمعنــى أن
يصل المـاء إلـى أصــول النخـل ،قـال :ويـروى بكســر الجيــم ،وهـو الجـدار
والمراد به جدران الشربات التي في أصول النخل فإنها ترفــع حــتى تصــير
تشبه الجدار .والشربات بمعجمة وفتحات هي الحفر التي تحفر في أصــول
النخل .وحكى الخطابي :الجذر بسكون الذال المعجمة ،وهو جذر الحساب،
والمعنى حتى يبلغ تمام الشرب .قال الكرماني :المراد بقوله )أمســك( أي
أمسك نفسك عن السقي ،ولو كــان المــراد أمســك المــاء لقــال بعــد ذلــك
أرسل الماء إلى جارك" .انظر :فتح الباري بشححرح صحححيح البخححاري،
ابن حجر العسقلني ،الجزء الخامس ،صفحة .46 :44
)(38
) (11في مجال المحافظة على التوازن البيئي ،دعا السلم إلــى
المحافظة على هذا التــوازن .ومــن المعــروف أن اللــه خلــق كــل
شيء بقدر ،وجعل التوازن ينتظم كل شيء ،قال تعــالى) :
) .(1)( وقـــال عـــز وجـــل:
)(2
. ( وقال تعالى) :
.(3)(
ولتحقيق مقصد المحافظة علــى التــوازن الــبيئي دعــت الشــريعة
الســلمية إلــى نبــذ الســراف بشــتى صــوره ،بمعنــى أن تســتغل
النظــم البيئيــة اســتغلل علميــا رشــيدا ومســتداما ،وفقــا لمنهــج
"الوسطية" ،فل إفراط أو تفريط .فعن عمرو بن شعيب عن أبيــه
عن جده قال :قــال رســول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم) :كلــوا
واشربوا وتصدقوا والبسوا ،ما لم يخالطه إسراف أو مخيلة().(4
) (12في مجال المحافظة على التنوع الحيوي دعت السنة
النبوية إلى عدم إفناء أمم الطير والحيوان ،نظرا لهمية ذلك في
تحقيق التوازن البيئي ،إذ إن التنوع الحيوي يوفّر القاعدة
د الحياة الفطرية مصدرا رئيسيا وتَع ّ
الساسية للحياة على الرضُ .
لتزويد النسان بالغذاء والمواد الخام اللزمة لصناعة ملبسه،
وتتيح له المجال لممارسة هواياته في الصيد أو في التريض
والترويح عن النفس .ولعل ما هو أهمّ من ذلك أن لكثير من
النواع الحية دورا ً أساسيا في استقرار المناخ وحماية موارد
المياه والتربة .كما أن كثرة النواع الحية توفر مخزونا غنيا
للمعلومات عن السمات الوراثية )الشيفرات( التي ترشدنا إلى
اختيار محاصيل جديدة وتساعدنا على تحسين النواع الموجودة
فقد بعض هذه المعلومات نهائيا عندما يختفي نوع حاليا .وتُ َ
)(5
رئيسي أو فرعي من أنواع الكائنات الفطرية ،حتى لو كان هذا
النوع من الكلب أو النمل .فعن عبد الله بن مغفل قال :قال
()1الحجر.19 /
()2الرعد.8 /
()3القمر.49 /
()4سنن ابن مححاجه ،محمــد بــن يزيــد القزوينــي ،كتــاب اللبــاس ،بــاب:
الصــفرة للرجــال ،الحــديث رقــم ،3605الجــزء الثــاني ،صــفحة .1192
خيلة :الكبر .انظر :لسان العرب ،ابن منظور ،الجـزء الحـادي عشـر، والم ِ
عمــر ثقــات يحتــج بهــم فــي
صــفحة .228وقــال المن ـذري" :ورواتــه إلــى ُ
الصــحيح" .انظــر :الــترغيب والــترهيب ،الحــافظ المن ـذري ،كتــاب الطعــام
وغيــره ،بــاب الــترهيب مــن المعــان فــي الشــبع والتوســع فــي المآكــل
والمشارب بطرا ،الجزء الثالث ،صفحة .147
()5التنوع الحيائي ،د .عبد الحكيم بدران ،صفحة .11 :10
)(39
النبي صلى الله عليه وسلم) :لول أن الكلب أمة من المم
لمرت بقتلها كلها ،فاقتلوا منها كل أسود بهيم() .(1وعن أبي
هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) :نزل نبي من
النبياء تحت شجرة ،فلدغته نملة ،فأمر بجهازه فأخرج من تحتها
ثم أمر ببيتها فأحرق بالنار ،فأوحى الله إليه :فهل نملة واحدة؟(
)(2
ي الكلب والنمل ينطبق على سائر أمم .وما ينطبق على أمت ّ
الحيوان والطير والحشرات.
) (13في مجال المحميات الطبيعية ألغى رسول الله صلى الله
عليه وسلم نظام المحميات القبلية التي كانت مصدرا للحروب
والنـزاعات البيئية في الجاهلية .فقد كانت ندرة الموارد الطبيعية
ضر سببا في نشأة خ ْ بسبب ظروف الجفاف وقِّلة المسطحات ال ُ
نظام المحميات في بلد العرب وشيوعه في الجاهلية .وكان
الشريف من العرب إذا نـزل بلدا في عشيرته استعوى كلبا،
فحمى لخاصته مدى عواء الكلب ،فل يرعى في هذه المنطقة
أحد غيره .وعلى الرغم من الفوائد التي جناها أصحاب هذه
المحميات منها ،فإن محمياتهم كانت سببا في العديد من
دتها بينهم وبين الخرين .فكان النـزاعات البيئية التي احتدمت ح ّ
مى في الجاهلية ،إذ ح َ
من الطبيعي أن تحدث تجاوزات لنظام ال ِ
كانت المحميات عرضة للمطامع دائمًا ،ومحل ً للصراع بين
القبائل .وجاء السلم فوضع حدا لهذه النـزاعات من خلل ما
سنته الشريعة السلمية من قواعد تنظم أسس التعامل مع
البيئة ،وتحفظ حقوقها ،وتمنع العتداء عليها .كما وضع السلم
)(40
حدا ً للحروب التي كانت تقوم بين القبائل بسبب المراعي وآبار
جّثامة قال" :إن رسول الله صلى الله المياه .فعن الصعب بن َ
عليه وسلم قال) :ل حمى إل لله ولرسوله( ،وقال :بلغنا أن النبي
صلى الله عليه وسلم حمى النقيع ،وأن عمر حمى الشرف
والربذة") .(1ويرى السمهودي أن قوله صلى الله عليه وسلم) :ل
حمى إل لله ورسوله( يعني :أنه ل حمى على هذا المعنى الخاص،
ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان يحمي لمصالح
مى له غيره من خاصة نفسه ،وذلك أنه عامة المسلمين ،ل لما ح َ
لم يملك إل ما ل ِغنى به وبعياله عنه ...وقال" :وقد حمى بعده
)عمر( رضي الله عنه أرضا لم يعلم أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم حماها") .(2وعن ابن عمر -رضي الله عنهما – )أن
النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع لخيله() .(3وقد حمى
رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة كما حمى
إبراهيم عليه الصلة والسلم منطقة الحرم في مكة ،فل يمس
فيهما حيوان إل المؤذي ،ول نبات إل ما اقتضته الضرورة.
وحددت السنة النبوية حمى كل من المدينة المنورة ومكة ّ
المكرمة الذي ل يجوز انتهاكه عن طريق العدوان على النسان
أو صيد الحيوان أو قطع الشجار .فعن إبراهيم التيمي ،عن أبيه
ب اللهقال :قال علي رضي الله عنه :ما عندنا كتاب نقرؤه إل كتا ُ
()1صحيح البخاري ،كتاب المساقاة ،باب :ل حمى إل لله ورسوله صلى
الله عليه وسلم ،الحديث رقم ،2370صفحة .406 :405و)النقيع( :هو
بالنون موضع قريب من المدينة كان يستنقع فيه الماء ،أي يجتمع .انظر:
عون المعبود في شرح سنن أبي داود ،العظيم آبادي ،الجزء
الثامن ،صفحة .339و)الشرف( :كبد نجد .و)الربذة( :من قرى المدينة
على ثلثة أيام من ذات عرق على طريق الحجاز إذا رحلت من فيد تريد
مكة ،وبهذا الموضع قبر أبي ذر الغفاري رضي الله عنه .والربذة :هي
الحمى اليمن .انظر :معجم البلدان ،أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله
الحموي ،دار الفكر ،بيروت ،الجزء الثالث ،صفحة .24
()2وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى ،السمهودي )نور الدين علي بن
أحمد( ،تحقيق :محمد محيي الدين عبد الحميد ،دار الكتب العلمية ،بيروت،
الجزء الثالث ،صفحة .1087 :1086
()3مسند أحمد بن حنبل ،أحمد بن حنبل ،مسند عبد الله بــن عمــر بــن
الخطاب رضي الله عنهما ،الحديث رقم ،5655الجزء الثاني ،صــفحة .91
صــص خ ّوثمة رواية أخرى في )مسند أحمد( أيضا توضح ملكية الخيل الــتي ُ
حمى النقيع لها .فعن ابن عمر رضي الله عنهما )أن النبي صلى اللــه عليــه
وسلم حمى النقيع للخيل .قــال حمــاد :فقلــت لــه :لخيلــه؟ قــال :ل ،لخيــل
المسلمين( .انظر :مسند أحمد بن حنبل ،أحمد بــن حنبــل ،مســند عبــد
الله بن عمر بن الخطاب رضي اللــه عنهمــا ،الحــديث رقــم ،6238الجــزء
الثاني ،صفحة .155
)(41
غير هذه الصحيفة ،قال :فأخرجها ،فإذا فيها أشياء من الجراحات
وأسنان البل .قال :وفيها" :المدينة حرم ما بين عير إلى ثور،
فمن أحدث فيها حدثا ،أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملئكة
والناس أجمعين .(1)"...وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى
حد فقال) :هذا جبل يحبنا ونحبه .اللهم ُ
الله عليه وسلم طلع له أ ُ
إن إبراهيم حّرم مكة ،وإني أحّرم ما بين لبتيها() .(2وعن أبي
هريرة )رضي الله عنه( أنه كان يقول :لو رأيت الظباء بالمدينة
ترتع ما ذعرتها ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) :ما بين
لبيتها حرام( ،وزاد في رواية بعد قول أبي هريرة :ما ذعرتها:
"وجعل اثني عشر ميل حول المدينة حمى") .(3وعن ابن عباس
رضي الله عنهما قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم
فتح مكة) :إن هذا البلد حّرمه الله يوم خلق السماوات والرض،
ل القتال فيهفهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ،وإنه لم يح ّ
ل لي إل ساعة من نهار ،فهو حرام بحرمة الله لحد قبلي ،ولم يح ّ
ضد شوكه ،ول ينفر صيده ،ول يلتقط لقطته إلى يوم القيامة ،ل يع َ
()1رواه الشيخان .انظر :صحيح البخاري ،كتاب الفرائض ،باب :إثم مــن
تــبرأ مــن مــواليه ،الحــديث رقــم ،6374صــفحة .1202وانظــر :صحيح
مسلم بشرح النووي ،كتــاب الحــج ،بــاب :فضــل المدينــة ودعــاء النــبي
صلى الله عليه وسلم فيها بالبركة وبيان تحريمها وتحريم صيدها وشــجرها،
وبيان حدود حرمها ،الحديث رقم ،(1370) - 467الجزء الخامس ،صفحة
.115 :114وعيــر وثــور :جبلن بالمدينــة .انظــر :لسححان العححرب ،ابــن
منظور ،الجزء الرابع ،صفحة .626
()2رواه الترمذي .وقال أبو عيسى :هذا حديث حسن صحيح .انظر :سححنن
سّلم ،بــابَ :
مــا ه عََليهِ و َ
صّلى الل ّ ُ
ل الل ّهِ َ
سو ِ
الترمذي ،كتاب المناقب عن َر ُ
جاَء في فضل المدينة ،الحديث رقم ،3922صفحة .880وجاء فــي تحفــة َ
الحوذي " :قوله) :طلع له أحد( أي ظهــر) .هــذا جبــل يحبنــا( قـال النــووي:
الصحيح المختار أن معناه أن أحدا ً يحبنا حقيقة ،جعل الله فيه تمييـزا ً يحــب
به كما قال سبحانه وتعالى) :وإن منها لما يهبط من خشــية اللــه( )البقــرة/
،(74وكما حن الجذع اليابس ،وكما ســبح الحصــى ...وقيــل المــراد :يحبنــا
أهله فحذف المضاف وأقام المضــاف إليــه مقــامه .انتهــى" .انظــر :تحفة
كفوري ،الجــزء العاشــر ،صــفحة .320و)لبتيهــا( مثنــى مَبــاَر ْ
الحوذي ،ال ُ
لبتها .واللبة :الحرة .وقال الصمعي :هي الرض التي قد ألبســتها حجــارة
سود .ولبتا المدينة :حرتان تكتنفانها .انظر :لسان العححرب ،ابــن منظــور،
الجزء الول ،صفحة .746 :745
()3رواه الشيخان .انظر :صحيح البخاري ،كتاب أبواب فضــائل المدينــة،
باب :لبــتي المدينــة ،الحــديث رقــم ،1873صــفحة .322 :321وانظــر:
صحيح مسلم بشرح النووي ،كتاب الفضائل ،باب :وجوب اتباعه صــلى
الله عليه وسـلم ،الحـاديث أرقـام ،(1372) 472الجـزء السـابع ،صـفحة
.405
)(42
إل من عرفها ،ول يختلى خله( .فقال العباس :يا رسول الله ،إل
الذخر ،فإنه لقينهم ولبيوتهم ،قال) :إل الذخر().(1
وحظرت الشريعة السلمية على كل من أحرم بالحج أو العمرة
أن يقتل صيدا أو يقطع شجرة في الحرم أو يكسرها أو يحرقها،
أو يزيل نباتا إل ما كان منه يابسا ولحاجته .ولو تصورنا أن العداد
مح لها بقطع الشجار في موسم الحج س ِ
الكبيرة من الحجيج ُ
وحده )الذي يتغير موعده عاما بعد عام( فإن النتيجة النهائية
لذلك هي استئصال مظاهر الحياة النباتية جميعها في مكة
المكرمة ،وستختفي مع ذلك الحياء الحيوانية التي تعتمد على
هذه النباتات في غذائها ومأواها.
) (14في مجال القدوة الحسنة في السلوكيات اليجابية
المرتبطة بالتنمية المستدامة ورعاية البيئة كانت أفعال الرسول
صلى الله عليه وسلم نفسه خير مثال يحتذى بها في هذا
المضمار .ففي القتصاد في استخدام الماء حتى في غرض ديني
مثل الوضوء ،قال أنس )رضي الله عنه() :كان النبي صلى الله
عليه وسلم يغسل -أو كان يغتسل -بالصاع إلى خمسة أمداد
ويتوضأ بالمد() .(2وعن عائشة )رضي الله عنها( أنها )كانت
تغتسل هي والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد يسع ثلثة
)(43
أمداد ،أو قريبا من ذلك() .(1وكان أبو جعفر عند جابر بن عبد الله
هو وأبوه وعنده قوم فسألوه عن الغسل ،فقال :يكفيك صاع،
فقال رجل :ما يكفيني .فقال جابر) :كان يكفي من هو أوفى منك
شعرا ،وخير منك() ،(2يعني النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي تحمل الجوع والقتصاد في تناول الطعام ،قال جابر )رضي
الله عنه(" :إنا يوم الخندق نحفر ،فعرضت كيدة شديدة ،فجاءوا
النبي صلى الله عليه وسلم ،فقالوا :هذه كدية عرضت في
الخندق ،فقال) :أنا نازل( .ثم قام وبطنه معصوب بحجر ،ولبثنا
ثلثة أيام ل نذوق ذواقا ...الحديث") .(3وقالت عائشة )رضي الله
عنها() :ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة
من طعام بر ثلث ليال تباعا حتى قبض() (4وفي رواية لمسلم
عن عائشة )رضي الله عنها( أنها قالت) :ما شبع آل محمد صلى
الله عليه وسلم من خبز شعير ،يومين متتابعين ،حتى ُقبض().(5
وعن عروة عن عائشة أنها قالت لعروة) :والله يا ابن أختي :إن
كنا لننظر إلى الهلل ،ثم الهلل ،ثم الهلل :ثلثة أهلة في
شهرين ،وما أوقد في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم
نار .قال :قلت :يا خالة :فما كان يعيشكم؟ قالت :السودان:
التمر والماء ،إل أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم
جيران من النصار ،وكانت لهم منائح ،فكانوا يرسلون إلى رسول
)(44
الله صلى الله عليه وسلم من ألبانها ،فيسقيناه() .(1وقالت
عائشة )رضي الله عنها( أيضا) :ما أكل آل محمد صلى الله عليه
وسلم أكلتين في يوم إل إحداهما تمر() .(2وعن أبي سعيد
المقبري عن أبي هريرة )رضي الله عنه( أنه مر بقوم بين أيديهم
شاة مصلية ،فدعوه ،فأبى أن يأكل .وقال) :خرج رسول الله
)(3
صلى الله عليه وسلم من الدنيا ،ولم يشبع من خبز الشعير( .
وكان صلى الله عليه وسلم يكثر من الصيام في غير رمضان،
فعن عائشة )رضي الله عنها( أنها قالت) :كان النبي صلى الله
عليه وسلم يتحرى صوم الثنين والخميس() .(4وعن معاذة
العدوية أنها سألت عائشة) :أكان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يصوم من كل شهر ثلثة أيام؟ قالت :نعم .فقلت :من أي
الشهر كان يصوم؟ قالت :لم يكن يبالي من أي الشهر يصوم().(5
وفي الرفق بالحيوان روى ابن عباس )رضي الله عنهما( أن النبي
سم في وجهه ،فقال: صلى الله عليه وسلم مر عليه حمار قد وُ ِ
()1رواه الشيخان .انظر :صحيح البخاري ،كتاب الرقائق ،باب :كيف كان
عيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصــحابه وتخليهــم مــن الــدنيا ،الحــديث
رقم ،6059صفحة .1154وانظر :صحيح مسلم بشرح النووي ،كتاب
الزهد والرقائق ،الحديث رقم ،(2972) - 28الجزء التاسع ،صفحة :260
.261
()2صحيح البخاري ،كتاب الرقائق ،باب :كيف كان عيش النبي صلى الله
عليه وســلم وأصــحابه وتخليهــم مــن الــدنيا ،الحــديث رقــم ،6455صــفحة
.1154
()3صحيح البخاري ،كتاب الطعمة ،باب :ما كان النبي صــلى اللــه عليــه
وسلم وأصحابه يأكلون ،الحديث رقم ،5414صفحة .994وقوله )مصلية(
أي :مشــوية .والصــلء بالمــد والكســر :الشــواء لنــه يصــلى بالنــار .انظــر:
لسان العرب ،ابن منظور ،الجزء الرابع عشر ،صفحة .467
ب من ن غري ٌ ث حس ٌ ة حدي ٌث عاِئش َ سى :حدي ُ ()4رواه الترمذي ،وقال أ َُبو ِ
عي َ
صّلى الل ّ ُ
ه ل الل ّهِ َ
سو ِ
ه .انظر :سنن الترمذي ،كتاب الصوم عن َر ُ هَ َ
ذا الوج ِ
جاَء في صوم يوم الثنين والخميس ،الحديث رقم سّلم ،بابَ :
ما َ عََليهِ و َ
جَرشي .جاء في تحفة ،745صفحة .185 :184وفي الحديث ربيعة ال ُ
الحوذي" :قوله) :عن ربيعة الجرشي( مختلف في صحبته ،وثقه
الدارقطني وغيره كذا في التقريب .وقوله) :يتحرى صوم الثنين
والخميس( أي :يقصده ويطلبه .والتحري طلب الحرى والولى ،وقيل
التحري طلب الثواب والمبالغة في طلب شيء ...وقوله) :حديث عائشة
حديث حسن غريب من هذا الوجه( وأعله ابن القطان بالراوي عنها وأنه
مجهول ،وأخطأ في ذلك فهو صحابي ،كذا في التلخيص" .انظر :تحفة
كفوري ،الجزء الثالث ،صفحة .389 مَباَر ْ
الحوذي ،ال ُ
()5صحيح مسلم بشرح النووي ،كتاب الصــيام ،بــاب :اســتحباب ثلثــة
أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة وعاشوراء والثنين والخميس ،الحــديث
رقم ،(1160) - 194الجزء الرابع ،صفحة .263
)(45
لعن الله الذي وسمه() .(1وعن عبد الله بن جعفر )رضي الله
عنهما( قال :أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه
ذات يوم ،فأسرّ إلي حديثا ل أحدث به أحدا من الناس ،وكان
أحب ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته هدف
أو حائش النخل ،فدخل حائطا لرجل من النصار فإذا جمل ،فلما
رأى النبي صلى الله عليه وسلم حن وذرفت عيناه ،فأتاه النبي
صلى الله عليه وسلم فمسح ذفراه فسكن ،فقال :من رب هذا
الجمل؟ لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من النصار فقال :لي يا
رسول الله ،فقال) :أفل تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك
الله إياها؟! فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه() .(2وعن سهل بن
الحنظلية قال :مر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعير قد
لحق ظهره ببطنه فقال) :اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة
)(3
فاركبوها صالحة ،وكلوها صالحة( .
المبحث السادس :القواعححد الفقهيححة المتعلقححة برعايححة
البيئة:
ثمة قواعد فقهية عامة اســتنبطها علمــاء المســلمين مـن القــرآن
الكريم والسنة النبوية ،وهي قواعد تعد ّ مفخرة للمسلمين ،لكونها
()1صحيح مسلم بشرح النووي ،كتاب اللباس والزينة ،باب :النهي عن
ضرب الحيوان في وجهــه ،ووســمه فيــه ،الحــديث رقــم ،(2117) - 107
سم( أيُ :أثّر فيه بسمة وكيّ .انظــر: الجزء السابع ،صفحة .281وقوله )وُ ِ
لسان العرب ،ابن منظور ،الجزء الثاني عشر ،صفحة .635
()2رواه أبو داود .انظر :سنن أبي داود ،كتاب الجهاد ،باب :ما يؤمر بــه
من القيام على الدواب والبهائم ،الحــديث رقــم ،2549صــفحة .387جــاء
في )عون المعبود(" :قال المنذري :وأخرجه مسلم وابن ماجه وليــس فــي
حديثهما قصة الجمل) ...فأسرّ( :من إســرار أي الكلم علــى وجــه ل يطلــع
عليــه غيــره) .لحــاجته( :أي الحاجــة النســانية) .هــدفًا( :كــل بنــاء مرتفــع
مشرف) .حائش نخل( :هو النخل الملتف) .حائطًا( :أي بســتانًا) .حــن( :أي
رجع صوته وبكى) .وذرفــت عينــاه( :جــرت) .ذفــراه( :الــذفرى مــن البعيــر
مؤخر رأسه وهو الموضع الذي يعرف من قفــاه ،وهمــا ذفريــان) .وتــدئبه(:
أي تكرهه وتتعبه .انظر :عون المعبححود فححي شححرح سححنن أبححي داود،
الجزء السابع ،صفحة .220
()3رواه أبو داود .انظر :سنن أبي داود ،كتاب الجهاد ،باب :ما يؤمر به من
القيام على الدواب والبهائم ،الحديث رقــم ،2548صــفحة .387جــاء فــي
)عون المعبود( :والحديث سكت عنه المنذري) ...قد لحــق ظهــره ببطنــه(:
أي من الجوع) .البهائم( :جمع بهيمــة وهـي كــل ذات أربـع قـوائم ولـو فـي
المــاء ،وكــل حــي ل يميــز) .المعجمــة( :أي الــتي ل تقــدر علــى النطــق...
)وكلوها صالحة( :أي حال كونهــا صــالحة للكــل ،أي ســمينة .انظــر :عون
المعبود في شرح سححنن أبححي داود ،العظيــم آبــادي ،الجــزء الســابع،
صفحة .220
)(46
قد سبقت التشريعات البيئية المعاصرة وتفوقت عليها .وعلين ـا أن
نسعى إلى تفعيلها في مجال دفع الضرر بكل صوره وألــوانه ،بمــا
في ذلك الضرر الذي قد يحيق بالبيئة من جراء تصرفات النســان
وســلوكياته غيــر الحميــدة .وعلينــا أيضــا أن نعمــل علــى إحيائهــا
والحتكام إليها لحل النـزاعات البيئية التي تواجهها البشرية حاليا،
سواء على المستوى الدولي أو القليمي أو الفراد.
وهذه القواعد هي:
)أ( قاعدة )الضرر يزال( .وتستند هذه القاعدة إلى الحديث الذي
رواه عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قضى أن )ل ضرر ول ضرار() .(1وتعني هذه القاعدة أن لكل فرد
مطلق الحرية في أن يتصرف فيما يملك إذا انعدم الضرر ،فإذا
حدث ضرر للغير فلولي المر الحق في التدخل واتخاذ كل ما من
شأنه أن يحول دون وقوع الضرر الذي قد يلحق ببعض مكونات
البيئة أو التخفيف منه أو حتى إزالة مصدر هذا الضرر ،لسد
الذرائع المؤدية إلى الفساد .وعلى سبيل المثال ،من غير الجائز
لحد أن يفسد على الجماعة حقها في النتفاع بأحد مواردها .كما
أنه ليس من حق أحد أن يسيء استخدام ممتلكاته بحيث يلحق
الضرر بالخرين" .فإذا وضع رجل في بيته آلة تصدر اهتزازات
تؤثر في سلمة حائط الجار ،كان للقاضي أن يحكم بإزالة هذه
اللة ،وكان على السلطة التنفيذية تحقيق ذلك") .(2وما ينطبق
على الفرد ينطبق على الدول أيضا ،فليس من حق دولة أن
تتصرف في مياهها القليمية بالشكل الذي يلحق أضرارا بيئية
بجاراتها أو بدول أخرى يمكن أن ينتقل إليها التلوث البحري الذي
()1سنن ابن ماجه ،محمد بن يزيد القزويني ،كتاب الحكــام ،بــاب :مــن
بنى في حقه ما يضّر بجـاره ،الحـديث رقـم ،2340الجـزء الثـاني ،صـفحة
.748وانظر أيضا :موطأ مالك ،مالك بن أنس أبــو عبــد اللــه الصــبحي،
كتاب القضية ،باب القضــاء فــي أمهــات الولد ،الحــديث رقــم ،1429دار
إحياء التراث العربي ،القاهرة ،الجزء الثاني ،صفحة .745وجاء في مجمــع
الزوائد" :عن جابر بن عبــد اللــه قــال :قــال رســول اللــه صــلى اللــه عليــه
وسلم) :ل ضرر ول ضرار في السلم( رواه الطبراني فـي الوسـط ،وفيـه
ابن إسحاق وهو ثقــة ولكنــه مــدلس .وعــن عائشــة )رضــي اللــه عنهــا( أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) :ل ضرر ول ضرار( رواه الطــبراني
في الوسط ،وسمر بن أحمد بن رشدين ،وهو ابن محمــد بــن الحجــاج بــن
رشدين ،وقال ابن عدي :كذبوه" .انظر :مجمع الزوائد ومنبع الفوائد،
علي بن أبي بكر الهيثمي ،بــاب ل ضــرر ول ضــرار ،الجــزء الرابــع ،صــفحة
.110
()2عمارة الرض في السلم ،جميل أكبر ،دار القبلة للثقافة
السلمية ومؤسسة علوم القرآن ،صفحة .201
)(47
يتصف بأنه ل يعترف بالحدود الجغرافية .ويمتد دفع الضر ليشمل
الطير والحيوان .فعن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه قال :كنا
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ،فانطلق لحاجته،
فرأينا حمرة معها فرخان ،فأخذنا فرخيها ،فجاءت الحمرة
فجعلت تفرش ،فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال) :من
فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها( .ورأى قرية نمل قد حرقناها
فقال) :من حرق هذه؟( قلنا :نحن .قال) :إنه ل ينبغي أن يعذب
بالنار إل رب النار().(1
)ب( قاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح :وقد استنبط
الفقهاء هذه القاعدة من الحديث الذي رواه أبو هريرة أن رسول
صلى الله عليه وسلم قال) :ما نهيتكم عنه فاجتنبوه .وما أمرتكم
به فافعلوا منه ما استطعتم .فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة
مسائلهم ،واختلفهم على أنبيائهم() .(2فإذا كان استغلل موارد
البيئة لتحقيق منفعة ذاتية ومؤقتة سوف يتسبب في الضرار
مح بها،بهذه الموارد وإفسادها ،ويتسبب في استنـزافها ،فل ُيس َ
إذ إن منع الضرر والفساد يجب أن يقدم على أي منفعة عند
استغلل البيئة.
)ج( قاعدة الضرر يزال بقدر المكان )ولسيما الضرر الفــاحش(.
ولولة المور الحق فـي إجبـار مـن يحـدث ضـررا فـي الـبيوت أو
الشوارع أو السواق أو البيئة بــوجه عــام بإزالــة الضــرار الناتجــة
عن أعمالهم وتصرفاتهم ،والتي قد يترتب عليها الضــرار بالنــاس
أو بالحيوانات أو بجودة البيئة.
)د( قاعدة الضرر ل يزال بضرر مثله )بله بما هو أكبر منــه( .فــإذا
تساوى الضرر الذي يلحق بالبيئة بالضرر الــذي ينتــج منــه حرمــان
صاحب حق الملكية لمشروع ما من استعمال حقه ،فإنه ل يجــوز
()1سنن أبي داود ،كتاب الجهاد ،باب :في كراهية حرق العدو بالنار،
الحديث رقم ،2675صفحة .405وجاء في )عون المعبود(" :قال
المنذري :ذكر البخاري وعبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي أن عبدالرحمن
بن عبد الله بن مسعود سمع من أبيه ،وصحح الترمذي حديث عبدالرحمن
عن أبيه في جامعه) .حمرة( :طائر صغير كالعصفور) .فرخان( :تثنية
الفرخ .والفرخ ولد الطائر) .تفرش( :بفتح التاء وضم الراء من فرش
الطائر إذا فرش جناحيه ،وبفتحها وتشديد الراء أي تفرش فحذف إحدى
جع( :أوجعه... التائين أي ترفرفت بجناحيها وتقربت من الرض انتهى) .ف ّ
)قرية نمل( :أي موضع نمل" .انظر :عون المعبود في شرح سنن
أبي داود ،العظيم آبادي ،الجزء السابع ،صفحة .220
()2صحيح مسلم بشرح النووي ،كتاب الفضائل ،باب :توفيره صلى الله
عليه وسلم وترك إكثار سؤاله عما ل ضرورة إليه أو ل يتعلق به تكليف وما ل
يقع ونحو ذلك ،الحديث رقم ،(2357) - 130الجزء الثامن ،صفحة .97
)(48
لزالــة الضــرر الــذي يلحــق بــالبيئة حرمــان صــاحب الحــق مــن
استعمال حقه .وإذا كان هناك مصدر لتلــويث الهــواء فــي منطقــة
معينة )مصنع مثل( ،فل يزال المصنع لتنشأ مكانه محرقة قمامة.
)هـ( قاعدة الضرر الشد يزال بــالخف :حينمــا تتعــارض المصــالح
المتعلقة بالبيئة مع مصالح الفرد تطبق هذه القاعدة .ويتفرع مــن
هذه القاعدة قاعدتان أخريان هما:
-1يتحمل الضــرر الخــاص لــدفع ضــرر عــام :ومثــال ذلــك :تقييــد
استعمال حق المالك في إقامة فرن خبز فــي ســوق الــبزازين)(1؛
حتى ل يتسبب الشرر الناتــج مــن الفــرن فــي احــتراق المنتجــات
الحريرية المعروضة في السوق .وانطلقا من هــذه القاعــدة نجــد
الكثير من الفقهــاء يجيــزون انــتزاع ملكيــة عقــار خــاص إذا ضــاق
الطريـق علـى المـارة) .(2وقياسـا علـى ذلـك ،يمنـع إقامـة مصـنع
للسمنت مثل وسط حي سكني ،منعا للضرر الذي يعود على أهل
هذا الحي).(3
-2يختار أهــون الشــرين أو أخــف الضــررين .فمثل إذا تعــذر نقــل
النفايات المنـزلية إلى مناطق غير مأهولة بالسكان ،وأريد حرقهــا
للتخلص منها ،فيمكن أن يجرى ذلك قرب المناطق البعيدة نســبيا
ذات التعدد السكاني القـل ،بـدل مـن حرقهــا فـي المنــاطق ذات
الكثافة السكانية العالية).(4
)و( قاعدة الموازنة بين المصالح :وتعني هذه القاعدة أن
المصالح إذا تعددت وتعارضت فإنه يعمل بالترجيح بينها ،وتغليب
الهم منها على ما دونها .ومثال ذلك أن يقدم المرء شراء
المنتجات الصديقة للبيئة على المواد الضارة بها أو المستنـزفة
لطبقة الوزون مثل.
)ز( ما جاز بعذر بطل بزوالــه :مــن حــق ولــي المــر وقــف بعــض
العمال إذا كان ضررها علــى بيئة النســان أكــثر مــن نفعهــا ،لن
درء المفاســد مقــدم علــى جلــب المصــالح .وإذا كــانت الجماعــة
)(49
تحتاج إلى العمال الــتي يــترتب عليهــا ضــرر فــإن حاجتهــا تنــزل
منـزلة الضرورة في إباحة المحظور ،على أن يــدفع الضــرر بقــدر
المكان ،وأن تقدر الضرورة بقــدرها .وبمجــرد زوال الحاجــة إلــى
تلك العمــال ،فعلــي ولــي المــر وقفهــا لن مــا جــاز بعــذر بطــل
بزواله.
)ح( ما يؤدي إلى الحرام فهو حرام :يقع تحت طائلــة الحــرام هنــا
كل ما يضــر النــاس ،ومــن ثــم فــإن أي مصــدر يضــر النــاس فــي
صحتهم أو راحتهم ،مثل ابتعاث غازات تؤذيهم ،أو إحداث ضوضاء
تقلق راحتهم ،يعد ّ أمرا غير مقبول.
)ط( مــا ل يتــم الــواجب إل بــه فهــو واجــب :فمثل ،إذا كــان مــن
مقتضيات الحد مــن تلــوث الــبيئة فــي بلــد مــا ضــرورة استصــدار
مرسوم أو وضع معايير تحدد مواصفات الملوثات التي تقذف بهــا
عوادم المصانع والسيارات في بيئة هذا البلد ،فإن استصدار مثــل
هذا المرسوم يصبح واجبا ،لن الواجب الصلي )حماية الناس من
أضرار التلوث( ل يتم إل به).(1
)ي( ولــي المــر فــي خدمــة الرعيــة :وهــذا يقتضــي أن تعمــل
الســلطات جميعهـا بمـا يحمــي المجتمـع مـن خطـر يحــدق بـه أو
يتهدده ،أي التــوقي مــن الضــرر حــتى ل يقــع ،واتخــاذ الجــراءات
التصحيحية لعلج هذا الخطر في حالــة وقــوعه .فمثل ،إذا تعــرض
الناس لخطر تلوث الهواء في منطقة معينة بسبب ســوء الصــيانة
في مصنع معين فيها ،فعلى ولي المر العمل علــى إزالــة مصــدر
هذا الخطر.
)ك( تدخل ولي المر منوط بالمصلحة :من واجب ولي المر
رعاية مصالح الرعية والمحافظة على تنفيذ الحكام .وولي المر
نائب عن المة في تنفيذ شرع الله ،ولهذا فتدخله في شئون
الرعية منوط بتحقيق مصالحهم ورعاية شئونهم) .(2فإذا وقعت
مفسدة كان على ولي المر التدخل لدرئها ،ولكن هذا التدخل
ليس مطلقا ،وإنما هو مقيد – فقط – في حدود ما يجلب النفع
ويبعد الضرر.
الخاتمة:
()1تلوث الهواء :المشكلة والحل ،د .صبري الدمرداش ،المانة العامة
للوقــاف ،الصــندوق الــوقفي للمحافظــة علــى الــبيئة ،الكــويت2000 ،م،
صفحة .93
()2الشباه والنظائر ،السبكي )تاج الــدين عبــد الوهــاب بــن علــي( ،دار
الكتب العلمية ،بيروت ،الجــزء الول ،صــفحة .41وانظــر أيضــا :الشباه
والنظائر في قواعد وفروع الشافعية ،الســيوطي )جلل الــدين بــن
عبد الرحمن( ،دار الباز للنشر والتوزيع ،مكة المكرمة ،بدون تاريخ ،صــفحة
.86
)(50
من استقراء السنة النبوية يجد الباحث أنها وضعت قواعد وقيما
عظمى لتحقيق التنمية المستدامة وحماية البيئة ،وأنها حثت على
العمل وتحقيق التنمية المتكاملة بمختلف صورها ،وعملت على
حماية المخلوقات التي تعيش على الرض والحسان إليها ،بما
في ذلك حماية النسان من شرور نفسه ومن ظلم أخيه
النسان ،مع الستفادة مما في الرض من موارد ومقدرات وفق
ضوابط خاصة من غير إفراط ول تفريط .ولم تقتصر السنة
النبوية في هذا المجال على تحديد أساليب الثواب للمحسنين
دت ذلك إلى جعل أخلقيات للبيئة والعقاب للمسيئين لها ،بل تع ّ
التعامل مع البيئة سلوكا حميدا يجب أن يلتزم به المسلم ويراقب
في أدائه ربه.
)(51
أهم نتائج الدراسة
-1إن طبيعة القضايا البيئية المستجدة تقتضي المعالجة
الشرعية لها ،حتى نحافظ على الكوكب الذي نعيش فيه
ونتركه سالما لبنائنا والجيال القادمة.
-2إن نجاح برامج التنمية المستدامة يعتمد بصورة أساسية
على مراعاة القيم الخلقية في مجال التعامل مع البيئة
واستغلل الموارد الطبيعية.
إن العمل والنفاق لعمارة البيئة والكون من فروض الكفاية -3
التي إذا قام بها بعضهم سقطت عن الخرين.
يجب أن ننظر إلى عمارة الرض على أنها نوع مــن العبــادة -4
التي كلف بها النسان في السلم.
-5إن المقصد العام لرعاية البيئة والمحافظة عليها في
السلم هو توفير الحياة المنة للنسان ،وحماية مصالحه
القتصادية ،وتوفير حاجاته المعيشية وغيرها ،وحماية سائر
الحياء والمخلوقات الخرى التي هي مسخرة لخدمته.
أهم التوصيات:
-1ضرورة التأصيل للقيم الحضارية المعاصرة استنادا إلى
القرآن الكريم والسنة النبوية.
-2إعادة قراءة السنة النبوية من منظور عصري لستخلص
المبادئ والفكار التي تفيد في حل قضايا التنمية المستدامة
المعاصرة والمحافظة على البيئة وثرواتها ،وضرورة ترجمة هذه
المبادئ إلى اللغات الخرى لتعريف غير المسلمين بالدور
العظيم لنبي السلم في هذا الموضوع ،وكيف أنه كان رحيما
بالبيئة محسنا لهان على النقيض من أولئك الزعماء الذين
يتشدقون الن ببرامجهم البيئية وفي الوقت نفسه ل يتورعون
عن تدمير البيئة باستخدام أسلحة الدمار الشامل في حروبهم.
-3يجب دراسة قضايا التنمية المستدامة وحماية البيئة من
منظور إسلمي ،وتعريف الخرين بذلك ،نظرا لهمية ذلك في
التصدي للمشكلت البيئية التي يعاني منها العالم حاليا.
-4التأكيد على أهمية التعاون بين الباحثين الشرعيين والبيئيين
لمعالجة قضايا التنمية المستدامة والبيئة.
-5يجب أن تراعى القيم الخلقية المتعلقة بحماية البيئة في
برامج التنمية المستدامة ومشروعاتها التي يجري تنفيذها في
دول العالم السلمي.
-6تضمين مناهج التعليم في المراحل المختلفة منهج السلم في
حل قضايا التنمية المستدامة والتعامل مع البيئة والمحافظة
عليها ،ووضع الحلول لمشكلتها وفق الشريعة السلمية.
)(52
-7دعوة المفكرين والفقهاء والباحثين وخبراء التنمية المستدامة
إلى التعاون فيما بينهم لعرض الرؤية السلمية الشاملة للتنمية
المستدامة وسبل تحقيقها في دول العالم السلمي ،والعمل
على تصحيح المسار وبيان مواطن الخلل كلما أتيحت لهم
الفرصة في المحافل العلمية والفكرية.
)(53
فهرس المصادر والمراجع
-1القرآن الكريم
ب -الكتب:
-1الدب المفرد ،الحافظ محمد بن إسماعيل البخاري،
تحقيق :سمير بن أمين الزهيري ،مكتبة المعارف للنشر
والتوزيع ،الرياض1419 ،هـ 1998 /م.
-2الشباه والنظائر ،السبكي )تاج الــدين عبــد الوهــاب بــن
علي( ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،بدون تاريخ.
-3الشباه والنظححائر فححي قواعححد وفححروع الشححافعية،
السيوطي )جلل الدين بن عبد الرحمن( ،دار الباز للنشر
والتوزيع ،مكة المكرمة ،بدون تاريخ.
-4بعيدا عححن اليسححار واليميححن ،أنطــوني جيــدنز ،ترجمــة:
شوقي جلل ،المجلس الوطني للثقافة والفنون والداب،
الكــويت ،سلســلة عــالم المعرفــة ،الكتــاب رقــم ،286
رجب 1423هـ /أكتوبر 2002م.
-5البيئة :مشاكلها وقضححاياها وحمايتهححا مححن التلححوث
)رؤية إسلمية( ،محمد عبد القادر الفقي ،مكتبــة ابــن
سينا ،القاهرة.1993 ،
-6البيئة والتنمية المستدامة ،ســعاد عبــد اللــه العوضــي،
الجمعية الكويتية لحماية البيئة ،الكويت ،الطبعــة الولــى،
1424هـ2003 /م.
-7تاريخ أسماء الثقات ،عمر بن أحمد أبو حفــص الــواعظ،
تحقيــق :صــبحي الســامرائي ،الــدار الســلفية ،الكــويت،
الطبعة الولى 1404 ،هـ1994 /م.
كفوري )أبــو العل( ،دار الفكــر، مَبــاَر ْ
-8تحفححة الحححوذي ،ال ُ
بيروت ،بدون تاريخ ،الجزء الخامس ،صفحة .213
-9تلوث الهواء :المشححكلة والحححل ،د .صــبري الــدمرداش،
المانــة العامــة للوقــاف ،الصــندوق الــوقفي للمحافظــة
على البيئة ،الكويت2000 ،م.
-10التنوع الحيائي ،د .عبد الحكيم بدران ،سلسلة قضــايا
بيئية ،الكتاب رقم ،44الجمعيــة الكويتيــة لحمايــة الــبيئة،
الكويت ،ربيع الخر 1416هـ /سبتمبر 1995م.
-11تهحذيب الكمحال فحي أسحماء الرجحال ،يوســف بــن
الزكي عبد الرحمن أبو الحجاج المزي ،تحقيــق :د .بشــار
عواد معروف ،مؤسسة الرسالة ،بيروت ،الطبعة الولى،
1400هـ 1980 /م.
-12الخراج ،أبو يوســف )يعقــوب بــن إبراهيــم( ،تحقيــق :د.
محمد إبراهيم البنا ،دار العتصام ،القاهرة.1981 ،
)(54
سنن ابن ماجه ،محمــد بــن يزيــد القزوينــي ،تحقيــق: -13
محمد فؤاد عبد الباقي ،دار الفكر ،بيروت ،بدون تاريخ.
سححنن أبححي داود ،أبـــو داود ســـليمان بـــن الشـــعث -14
السجســتاني ،ضــبط وفهرســة :أبــو عبيــدة مشــهور بــن
حســن آل ســلمان ،مكتبــة المعــارف للنشــر والتوزيــع،
الرياض ،الطبعة الولى1417 ،هـ.
سنن الترمذي ،المام الحــافظ محمــد بـن عيســى بـن -15
سورة الترمذي ،الضبط والفهرسة :أبو عبيدة مشهور بن
حســن آل ســلمان ،مكتبــة المعــارف للنشــر والتوزيــع،
الرياض 1417 ،هـ.
شعب اليمان ،أبــو بكــر أحمــد بــن الحســين الــبيهقي، -16
تحقيــق :محمــد الســعيد بســيوني زغلــول ،دار الكتــب
العلمية ،بيروت ،الطبعة الولى 1410 ،هـ .
صحيح البخاري ،المام الحافظ أبو عبد الله محمــد بــن -17
إسماعيل البخاري ،مراجعة وضــبط :الشــيخ محمــد علــي
القطب والشيخ هشام البخاري ،المكتبة العصرية ،صــيدا/
بيروت 1424 ،هـ2004 /م.
صحححيح الححترغيب والححترهيب للحححافظ المنححذري، -18
اختيــار وتحقيــق :محمــد ناصــر الــدين اللبــاني ،المكتــب
السلمي ،بيروت ،الطبعة الولى1402 ،هـ1982 /م.
صحيح الجامع الصححغير وزيححادته )الفتححح الكححبير(، -19
محمد ناصر الــدين اللبــاني ،أشــرف علــى طبعــه :زهيــر
الشاويش ،المكتب الســلمي ،بيــروت /دمشــق ،الطبعــة
الثالثة1408 ،هـ.1988 /
صحيح مسلم بشرح النووي ،محيي الدين أبو زكريا -20
يحيى بن شرف النووي ،مكتبة اليمان ،المنصورة بمصر،
بدون تاريخ.
عمارة الرض في السلم ،جميل عبـد القـادر أكـبر، -21
دار القبلــة للثقافــة الســلمية بجــدة ومؤسســة علــوم
القرآن ببيروت1412 ،هـ 1992 /م.
عناصر النتاج في القتصاد السلمي والنظم -22
القتصادية المعاصرة :دراسة مقارنة ،الدكتور
صالح حميد العلي ،اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع،
دمشق /بيروت ،بدون تاريخ.
عناية القتصاد السلمي بالصناعة على -23
المستويين النظري والعملي ،د .بيلي إبراهيم أحمد
)(55
العليمي ،بدون ناشر ،الطبعة الولى 1422 ،هـ/
2001م.
عون المعبود في شرح سنن أبي داود ،العظيم -24
آبادي )أبو الطيب( ،دار الفكر ،بيروت ،بدون تاريخ.
غمز عيون البصائر على الشباه والنظائر لبن -25
نجيم الحنفي ،الحموي )أبو العباس ،شهاب الدين
أحمد بن محمد مكي الحسيني( ،دار الطباعة العامرة،
الستانة 1290 ،هـ.
فتح الباري بشرح صحيح البخاري ،المام الحافظ -26
أحمد بن علي بن حجر العسقلني ،رّقم كتبه وأبوابه
وأحاديثه :محمد فؤاد عبد الباقي ،دار الريان للتراث،
القاهرة ،الطبعة الولى 1407 ،هـ 1987 /م.
لسان العرب ،ابن منظور ،دار صادر ،بيروت ،الطبعة -27
الولى1410 ،هـ1990 /م.
مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ،الهيثمي )علي بن أبي -28
بكر( ،دار الريان للتراث /دار الكتاب العربي ،القاهرة/
بيروت 1407 ،هـ.
مسند أحمد بن حنبل ،أحمد بن حنبل أبو عبد الله -29
الشيباني ،مؤسة قرطبة ،القاهرة ،بدون تاريخ.
معجم ألفاظ القرآن الكريم ،مجمع اللغة العربية، -30
الدارة العامة للمعجمات وإحياء التراث1409 ،هـ/
1989م.
معجم البلدان ،أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله -31
الحموي ،دار الفكر ،بيروت ،بدون تاريخ.
المعجم الكبير ،أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب -32
الطبراني ،تحقيق :حمدي بن عبد المجيد السلفي ،مكتبة
العلوم والحكم ،الموصل ،الطبعة الثانية 1404 ،هـ /
1989م.
معجم مفردات ألفاظ القرآن الكريم ،أبو القاسم -33
الحسين بن محمد المفضل المعروف بالراغب
الصفهاني ،ضبطه وصححه وخرج آياته وشواهده:
إبراهيم شمس الدين ،دار الكتب العلمية ،بيروت،
الطبعة الولى 1418 ،هـ1997 /م.
المعجم الوجيز ،مجمع اللغة العربية ،وزارة التربية -34
والتعليم ،القاهرة1422 ،هـ2002 /م.
)(56
-35المعجم الوسيط ،مجمع اللغة العربية بالقاهرة ،دار
المواج للطباعة والنشر والتوزيع ،بيروت ،الطبعة الثانية،
1407هـ1987 /م.
-36الموسوعة الفقهية ،وزارة الوقاف والشئون
السلمية ،الكويت1417 ،هـ 1996 /م.
-37موطأ مالك ،مالك بن أنس )أبو عبد الله الصبحي(،
دار إحياء التراث العربي ،القاهرة ،بدون تاريخ.
-38نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية ،جمال
الدين عبد الله بن يوسف أبو محمد الزيلعي ،تحقيق:
محمد يوسف البنوري ،دار الحديث ،القاهرة 1357 ،هـ .
-39نيل الوطار ،محمــد بــن علــي الشــوكاني ،دار الجيــل،
بيروت ،بدون تاريخ.
-40وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى ،السمهودي )نور
الدين علي بن أحمد( ،تحقيق :محمد محيي الدين عبد
الحميد ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،الطبعة الرابعة،
1984م.
41- Van Nostrand Scientific Encyclopedia، Edited by Douglas
M. Considine، Van Nostrand Reinhold Company، New
York، U.S.A 1976.
ج_ الدوريات:
السلم وحماية البيئة ،د .محمود صالح العادلي، -1
مجلة البحوث الفقهية المعاصرة ،الرياض ،العدد ،23
السنة السادسة ،ربيع الخر -جمادى الخرة 1415هـ/
أكتوبر -ديسمبر 1994م.
المبادئ السلمية المتعلقة بالتحكم في -2
المراض السارية وأثرها في الوقاية من هذه
المراض ،د .عدنان أحمد البار و د .جنق ليو ،مجلة
البحوث الفقهية المعاصرة ،العدد الحادي عشر ،السنة
الثالثة ،ربيع الخر -جمادى الولى -جمادى الخرة
1412هـ /أكتوبر – نوفمبر – ديسمبر 1991م.
منهححج السححلم فححي الحفححاظ علححى الححبيئة مححن -3
التلححوث ،د .عــدنان أحمــد الصــمادي ،مجلــة الشــريعة
والدراســات الســلمية ،الســنة الســابعة عشــرة ،العــدد
الحادي والخمسون ،شوال 1423هـ /ديسمبر 2002م.
)(57