Professional Documents
Culture Documents
للمام المجدد
شيخ السلم محمد بن عبد الوهاب .رحمه الله
تأليف
سليمان ناصر بن عبد الله العلوان
الطبعة السادسة
وقف لله تعالى
هذه النسخة متوافقه مع طبعة دار المسلم للنشر والتوزيع
2 التبيان شرح نواقض السلم
أو يقال :إن النواقض الكثيرة التي ذكرها الفقهاء في باب حكم المرتد
مرجعها إلى هذه العشرة.
***
6 التبيان شرح نواقض السلم
()1النساء.48 :
()2المائدة.72 :
7 التبيان شرح نواقض السلم
ن َذِل َ
ك ك ِبِه َوَيْغِفُر َما ُدو َ
شَر َ
ن ُي ْ
ل ل َيْغِفُر َأ ْ
ن ا َّ
قال ال -جل وعلِ) :-إ ّ
شاُء().(1
ن َي َ
ِلَم ْ
طُفُه
خَ
سَماِء َفَت ْ
ن ال ّ
خّر ِم َل َفَكَأّنَما َ
ك ِبا ِّ
شِر ْ
ن ُي ْ
وقال –تعالىَ) :-وَم ْ
)(2
ق). ((31 حي ٍ سِ
ن َ ح ِفي َمَكا ٍطْيُر َأْو َتْهِوي ِبِه الّري ُ
ال ّ
عّباد قبور وغيرهم للهتهم في النار: ولذلك يقول المشركون من ُ
ن).(3)((98ب اْلَعاَلِمي َ
سّويُكْم ِبَر ّ
ن )ِ (97إْذ ُن َ
ضلٍل ُمِبي ٍ
ن ُكّنا َلِفي َ
ل ِإ ْ
)َتا ِّ
وهم لم يسووهم به في خلق ول رزق ول إحياء ول إماتة إنما سّووهم
ب العبادة ،وكذلك التعظيم الذي هو قربة من أجلبه في المحبة التي هي ُل ّ
القربات وعبادة من أعظم العبادات؛ ولذلك ذّم ال الذين ل يعظمونه ،فقال:
ل َوَقارًا)(4)((13؛ أي :عظمة.
ن ِّ
جو َ
)َما َلُكْم ل َتْر ُ
ولذلك نقول :إن الشّر كّله عائٌد إلى الشراك بال جل وعل.
والشرك الكبر أنواعه كثيرة ،مدارها على أربعة أنواع) ،(5نذكرها
مجملة مع شيء من البيان يكون مختصرًا لئل يطول بنا الكلم ،مع أن
طول الكلم في هذه المسائل أحسن وأقوم ،ولكن لتقاصر الهمم نكتفي بما
ينفع مع الختصار.
النوع الول :شرك الدعوة:
ن َلُه
صي َ
خِل ِ
ل ُم ْ
عُوا ا َّ
ك َد َ
ودليله قوله -تعالىَ) :-فِإَذا َرِكُبوا ِفي اْلُفْل ِ
)(6
ن). ((65 شِرُكو َجاُهْم ِإَلى اْلَبّر ِإَذا ُهْم ُي ْ
ن َفَلّما َن ّ
الّدي َ
قال المصنف -رحمه ال- -تعالى -في "القواعد الربع"" :القاعدة
الرابعة :أن مشركي زماننا أغلظ شركًا من الولين؛ لن الولين يشركون
في الرخاء ويخلصون في الشدة ,ومشركو زماننا شركهم دائماً في الرخاء
والشدة".
()1النساء.48 :
()2الحج.31 :
()3الشعراء.98-97 :
()4نوح.13 :
()5انظر "مجموعة التوحيد" )ص .(5
()6العنكبوت.65 :
8 التبيان شرح نواقض السلم
وقال -رحمه ال -في مقدمة "القواعد الربع" :إذا دخل الشرك في
العبادة؛ فسدت كالحدث إذا دخل في الطهارة ،فإذا عرفت أن الشرك إذا
خالط العبادة أفسدها ،وأحبط العمل ،وصار صاحبه من الخالدين في النار؛
عرفت أن أهم ما عليك معرفة ذلك؛ لعل ال أن يخلصك من هذه الشبكة،
وهي الشرك بال".
النوع الثاني :شرك النية والرادة والقصد:
حَياَة الّدْنَيا َوِزيَنَتَها ُنَوفّ ِإَلْيِهمْ
ن ُيِريُد اْل َ
ن َكا َ
والدليل قوله -تعالىَ) :-م ْ
خَرِة
ن َلْيسَ َلُهْم ِفي ال ِ ك اّلِذي َ
ن )ُ (15أوَلِئ َ سو َ خ ُ
عَماَلُهْم ِفيَها َوُهْم ِفيَها ل ُيْب َ
َأ ْ
)(1
ن). ((16 طٌل َما َكاُنوا َيْعَمُلو َ صَنُعوا ِفيَها َوَبا ِ
ط َما َ حِب َ
إل الّناُر َو َ
قال العلمة ابن القيم -رحمه ال " :-أما الشرك في الرادات
والنيات؛ فذلك البحر الذي ل ساحل له ،وقل من ينجو منه ،من أراد بعمله
غير وجه ال ،ونوى شيئًا غير التقرب إليه ،وطلب الجزاء منه فقد أشرك
في نيته وإرادته".
وجعل شرك النية شركًا أكبر محمول على من كانت جميع أعماله
مرادًا بها غير وجه ال ،أما من طرأ عليه الرياء ،فهو شرك أصغر،
وسيأتي إن شاء ال إيضاحه.
النوع الثالث :شرك الطاعة:
وهي طاعة الحبار والرهبان في معصية ال -تعالى-؛ كما قال –
ن َمْرَيَم
ح اْب َ
سي َ
ل َواْلَم ِ
ن ا ِّن ُدو ِ
حَباَرُهْم َوُرْهَباَنُهْم َأْرَبابًا ِم ْ
خُذوا َأ ْ تعالى) :-اّت َ
ن)((31 شِرُكو َعّما ُي ْحاَنُه َ
سْب َ
حدًا ل ِإَلَه إل ُهَو ُ َوَما ُأِمُروا إل ِلَيْعُبُدوا ِإَلهًا َوا ِ
).(2
()1ج .5/259
()2جامع البيان .10/114
()3كذا في "الفتاوى" وهو غلط مطبعي والصواب "بتحريم الحرام وتحليل
الحلل".
" ()4مجموعة الفتاوى" ).(70/ 7
()5البقرة.165 :
10 التبيان شرح نواقض السلم
فمن ذبح للولياء أو للصنام أو للجن -كما يفعله كثير من الجهلة في
البلد الجنوبية وفي بعض ضواحي مكة عند سكنى المنزل -؛ فقد خرج عن
السلم ،ودخل في دائرة الكفر والضلل ،لصرفه عبادة من أجل العبادات
لغير ال.
ومن ذلك :النذر لغير ال :فهو شرك أكبر؛ لن النذر عبادة؛ كما قال
ن ِبالّنْذِر() ،(1وقال-تعالىَ) :-وَما َأْنَفْقُتْم ِم ْ
ن َنَفَقٍة َأْو َنذَْرُتْم -تعالىُ) :-يوُفو َ
ل َيْعَلُمُه().(2
ن ا َّ
ن َنْذٍر َفِإ ّ
ِم ْ
فمن نذر لولي الشموع أو اللحوم وغيرهما؛ فقد خلع ربقة السلم من
عنقه؛ لنه ل يجوز النذر إل ل ،وصرفه لغير ال مناقض لما بعث ال به
محمدًا فما يفعله عباد القبور من أهل البلد المجاورة وغيرها من النذر
لمن يعتقدون فيه ضّرا أو نفعًا شرك أكبر مخرج عن السلم ،ومن قال :إن
ذلك شرك أصغر؛ فقد أبعد النجعة وقفا ما ل علم له به ،وال المستعان،
وعليه التكلن ،ول حول ول قوة إل بال.
ومن ذلك :الستعاذة والستغاثة :كل ذلك صرفه لغير ال شرك.
النوع الثاني :الشرك الصغر:
وصاحبه إن لقي ال به؛ فهو تحت المشيئة على القول الصحيح إن
شاء ال عفا عنه وأدخله الجنة ،وإن شاء عذبه ،ولكن مآله إلى الجنة؛ لن
الشرك الصغر ل يخلد صاحبه في النار ،ولكنه معرض للوعيد ،فيجب
الحذر منه.
ومن أنواع الشرك الصغر :الحلف بغير ال :إن لم يقصد تعظيم
المحلوف به ،وإل؛ صار شركًا أكبر.
وقد قال النبي " :من حلف بغير ال ،فقد كفر أو أشرك".
رواه أحمد ،وأبو داود والترمذي والحاكم وصححه وقال" :على
شرط الشيخين" ،وسكت عنه الذهبي ،من حديث ابن عمر.
ومنه :يسير الرياء والتصنع للخلق:
()1النسان.7 :
()2البقرة.270 :
12 التبيان شرح نواقض السلم
وقد قال النبي " :أخوف ما أخاف عليكم الشرك الصغر" ،ف ُ
سِئل
عنه؟ فقال" :الرياء" .رواه أحمد وغيره من حديث محمود بن لبيد وسنده
حسن.
فإذا كان الشرك الصغر مخوفًا على الصحابة الذين مع النبي
وأدركوا نزول الوحي؛ فعلى غيرهم من باب أولى ممن قل علمه وضعف
إيمانه.
ول يسلم المسلم من الشرك إل بالخلص ل وبتجريد المتابعة
للرسول .
عباد الشمس والقمر ولما ذكر العلمة ابن القيم -رحمه ال -شرك ُ
وعباد النار وغيرهم؛ قال" :وأما الشرك في العبادة؛ فهو أسهل من هذا
الشرك ،وأخف أمرًا ،فإنه يصدر ممن يعتقد أنه ل إله إل ال ،وأنه ل يضّر
ول ينفع ول يعطي ول يمنع إل ال ،وأنه ل إله غيره ول رب سواه ولكن ل
يخص ال في معاملته وعبوديته ،بل يعمل لحظ نفسه تارة ،ولطلب الدنيا
تارة ،ولطلب الرفعة والمنزلة والجاه عند الخلق تارة ،فلله من عمله وسعيه
نصيب ،ولنفسه وحظه وهواه نصيب ،وللشيطان نصيب ،وللخلق نصيب،
وهذا حال أكثر الناس.
وهو الشرك الذي قال فيه النبي فيما رواه ابن حبان في
"صحيحه"" :الشرك في هذه المة أخفى من دبيب النملة" .قالوا :كيف
ننجو منه يا رسول ال؟! قال" :قل اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا
أعلم ،وأستغفرك لما ل أعلم" .فالرياء كله شرك.
حدٌ
ي َأّنَما ِإَلُهُكْم ِإَلٌه َوا ِ
حى ِإَل ّ
شٌر ِمْثُلُكْم ُيو َ
قال-تعالىُ) :-قْل ِإّنَما َأَنا َب َ
حدًا)
ك ِبِعَباَدِة َرّبِه أَ َشِر ْصاِلحًا َول ُي ْل َ عَم ًجوا ِلَقاَء َرّبِه َفْلَيْعَمْل َ
ن َيْر ُ
ن َكا َ
َفَم ْ
.(1)((110
أي :كما أنه إله واحٌد ،ول إله سواه؛ فكذلك ينبغي أن تكون العبادة له
وحده ،فكما تفرد باللهية يجب أن يفرد بالعبودية؛ فالعمل الصالح هو
الخالي من الرياء المقيد بالسنة.
()1الكهف.110 :
13 التبيان شرح نواقض السلم
()1رواه أحمد في " الزهد " من رواية الحسن عن عمر وهو لم يسمع منه.
()2البينة.5 :
()3رواه :مسلم ،وابن ماجة ،والسياق قريب من سياق ابن ماجة.
()4النساء.142 :
14 التبيان شرح نواقض السلم
()1النازعات.41-40 :
" ()2جامع العلوم والحكم" )ص .(15
15 التبيان شرح نواقض السلم
فالول :ثبت فيه حديث أبي أمامة عند النسائي) (1بسند حسن :أن
ل غزا يلتمس الجر ل أتى النبي فقال :يا رسول ال! أرأيت رج ً رج ً
والذكر؟ فقال النبي " :ل شيء له" ,فأعادها عليه ثلث مرات .يقول له
رسول ال ":ل شيء له" .ثم قال" :إن ال ل يقبل من العمل إل ما كان
ى به وجهه".
خالصًا وابُتِغ َ
وأما الثاني :فقد قدمنا الكلم عليه ،وال أعلم.
ك َفإِنْ
ضّر َك َول َي ُل َما ل َيْنَفُع َ ن ا ِّ
ن ُدو ِع ِم ْ
وقال -تعالىَ) :-ول َتْد ُ
ف َلُه إل
ش َ ضّر َفل َكا ِل ِب ُك ا ُّ سَ س ْ
ن َيْم َ
ن )َ (106وِإ ْ ظاِلِمي َ
ن ال ّك ِإذًا ِم َ
ت َفِإّن َ
َفَعْل َ
عَباِدِه َوُهَو
ن ِ
شاُء ِم ْ ن َي َب ِبِه َم ْ
صي ُضِلِه ُي ِ
خْيٍر َفل َراّد ِلَف ْك ِب َ
ن ُيِرْد َ
ُهَو َوِإ ْ
)(1
حيُم ). ((107 اْلَغُفوُر الّر ِ
ي الُّن َأَراَدِن َ
ل ِإ ْ
ن ا ِّ
ن ُدو ِ ن ِم ْ
عو َ وقال -تعالىُ) :-قْل َأَفَرَأْيُتْم َما َتْد ُ
حَمتِِه ُقْل
ت َر ْسَكا ُ ن ُمْم ِحَمٍة َهْل ُه ّضّرِه َأْو َأَراَدِني ِبَر ْ ت ُ شَفا ُ
ن َكا ِ ضّر َهْل ُه ّ ِب ُ
ن ).(2)((38 عَلْيِه َيَتَوّكُل اْلُمَتَوّكُلو َ
ل َ ي ا ُّ
سِب َ
ح َْ
وفي القرآن أكثر من ذلك مما يدل على وجوب إخلص العبادة ل
وحده ،وعدم جعل الوسائط بينه وبين خلقه.
عَوةَ
ب َد ْ
جي ُ
ب ُأ ِ
عّني َفِإّني َقِري ٌ عَباِدي َك ِ سَأَل َ
وقد قال -تعالىَ) :-وِإَذا َ
ن ).(3)((186 شُدو َجيُبوا ِلي َوْلُيْؤِمُنوا ِبي َلَعّلُهْم َيْر ُسَت ِ
ن َفْلَي ْ
عا ِ
ع ِإَذا َد َ
الّدا ِ
وكذلك النبي لما قيل له :ما شاء ال وشئت؛ قال" :أجعلتني ل
ل؟ ما شاء ال وحده)(4؛ لن الواو في قوله" :وشئت"؛ تقتضي المساواة،عد ً
وال جل وعل تفرد باللهية ،فيجب أن يفرد بالعبودية ،ول يساوى بأحد من
خلقه في جلب نفع أو دفع ضّر.
وقد قال النبي في الحديث العظيم الذي خّرجه الترمذي وح ّ
سنه
عن ابن عباس" :احفظ ال يحفظك ،احفظ ال تجده ُتجاهك ،وإذا سألت
فاسأل ال ن وإذا استعنت فاستعن بال ،واعلم أن المة لو اجتمعت على أن
ينفعوك بشيء ،لم ينفعوك إل بشيء قد كتبه ال لك ،وإن اجتمعوا على أن
يضّروك بشيء ،لم يضروك إل بشيء قد كتبه ال عليكُ ،رِفَعت القلم،
وجفت الصحف".
قال شيخ السلم ابن تيمية -رحمه ال" :-ومع علم المؤمن أن ال
ب كل شيء ومليكه؛ فإنه ل ينكر ما خلقه ال من السباب؛ كما جعل ر ّ
ن َماٍءسَماِء ِم ْ
ن ال ّ
ل ِم َ
المطر سببًا لنبات النبات؛ قال -تعالىَ) :-وَما َأْنَزَل ا ُّ
ن ُكّل َداّبٍة() ،(1وكما جعل الشمس ث ِفيَها ِم ْ
ض َبْعَد َمْوِتَها َوَب ّ
حَيا ِبِه الْر َ
َفَأ ْ
والقمر سببًا لما يخلقه بهما ،وكما جعل الشفاعة والدعاء سبباً لما يقضيه
بذلك؛ مثل صلة المسلمين على جنازة الميت؛ فإن ذلك من السباب التي
يرحمه ال بها ،ويثيب عليها المصلين عليه ،لكن ينبغي أن ُيعرف في
السباب ثلثة أمور:
أحدها :أن السبب المعين ل يستقل بالمطلوب ،بل لبد معه من أسباب
أخر ،ومع هذا؛ فلها موانع؛ فإن لم يكمل ال السباب ،ويدفع الموانع؛ لم
يحصل المقصود ،وهو سبحانه ما شاء كان وإن لم يشأ الناس ،وما شاء
الناس ل يكون إل أن يشاء ال.
الثاني :أنه ل يجوز أن يعتقد أن الشيء سبب إل بعلم ،فمن أثبت شيئاً
ل ،مثل من يظن أن النذر سبب في سببًا بل علم أو يخالف الشرع؛ كان مبط ً
دفع البلء وحصول النعماء ،وقد ثبت في "الصحيحين" عن النبي أنه
نهى عن الذر ،وقال" :إنه ل يأتي بخير ،وإنما يستخرج به من البخيل".
الثالث :أن العمال الدينية ل يجوز أن يتخذ منها شيء سببًا ،إل أن
تكون مشروعة؛ فإن العبادات مبناها على التوقيف ،فل يجوز للنسان أن
يشرك بال فيدعو غيره ،وإن ظن أن ذلك سبب في حصول بعض
أغراضه ،ولذلك ل ُيعبد ال بالبدع المخالفة للشريعة ،وإن ظن ذلك؛ فإن
الشياطين قد تعين النسان على بعض مقاصده إذا أشرك ،وقد يحصل
بالكفر والفسوق والعصيان بعض أغراض النسان ،فل يحل له ذلك؛ إذ
المفسدة الحاصلة بذلك أعظم من المصلحة الحاصلة به؛ إذ الرسول
ث بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها ،فما أمر ال به،
ُبع َ
)(2
فمصلحته راجحة ،وما نهى عنه؛ فمفسدته راجحة" اهش كلمه .
()1البقرة.164 :
()2انظر الفتاوى ] .[ 138- 137/ 1
19 التبيان شرح نواقض السلم
()1البقرة.254 :
()2النعام.51 :
()3البقرة.255 :
()4النبياء.28 :
()5الزمر.44 :
()6النجم.26 :
20 التبيان شرح نواقض السلم
عنَْدُه إل
شَفُع ِ
ن َذا اّلِذي َي ْ
الول :إذن ال للشافع ،كما قال -تعالىَ) :-م ْ
ِبِإْذِنه().(1
شَفُعونَ
الثاني :رضا الرب عن المشفوع له؛ كما قال –تعالىَ) :-ول َي ْ
ضى()(2؛ أي :قوله وعمله ،أما المشركون؛ فتكون أعمالهم هباء ن اْرَت َ
إل ِلَم ِ
منثورًا ،فل شفاعة لهم؛ معاملة لهم بنقيض قصدهم ،فمن استعجل شيئًا قبل
أوانه؛ عوقب بحرمانه.
*****
()1البقرة.255 :
()2النبياء.28 :
21 التبيان شرح نواقض السلم
سَ
كسَتْم َ
ل َفَقِد ا ْ
ن ِبا ِّ
ت َوُيْؤِم ْ
غو ِ
طا ُ
ن َيْكُفْر ِبال ّ
وقال -تعالىَ) :-فَم ْ
ِباْلُعْرَوِة اْلُوْثَقى().(1
قال المام محمد بن عبد الوهاب قّدس ال روحه" :وصفة الكفر
بالطاغوت :أن تعتقد بطلن عبادة غير ال ،وتتركها ،وتبغضها ،وتكفر
أهلها ،وتعاديهم"
وبهذا البيان يتبين لك ما عليه كثير من حكام البلد التي تنتسب إلى
السلم؛ لنهم والوا أهل الشراك ،وقربوهم ،وعظموهم ،وجعلوا بينهم
علقات تدل على أنهم إخوان لهم ،إضافة إلى ذلك أنهم عادوا أهل الدين
وآذوهم وأودعوهم في السجون؛ فهل يبقى إسلم بعد هذا؟!".
صاَرى َأْوِلَياَء خُذوا اْلَيُهوَد َوالّن َ ن آَمُنوا ل َتّت ِ قال -تعالىَ) :-يا َأّيَها اّلِذي َ
ل ل َيْهِدي اْلَقْوَمن ا َّ
ن َيَتَوّلُهْم ِمْنُكْم َفِإّنُه ِمْنُهْم ِإ ّ
ض َوَم ْ
ضُهْم َأْوِلَياُء َبْع ٍ
َبْع ُ
ن).(2)((51 ظاِلِمي َ
ال ّ
ن ُدو ِ
ن ن َأْوِلَياَء ِم ْ
ن اْلَكاِفِري َ
خِذ اْلُمْؤِمُنو َ
وقال -تعالى) :-ل َيّت ِ
)(3
يٍء( . ش ْل ِفي َ ن ا ِّ
س ِم َك َفَلْي َ ن َيْفَعْل َذِل َ
ن َوَم ْ
اْلُمْؤِمِني َ
فل بد لكل مسلم يدين دين السلم أن ُيَكّفَر المشركين ،وأن يعاديهم،
وأن يبغضهم ،ويبغض من أحبهم ،أو جادل عنهم ،أو ذهب إلى ديارهم من
غير عذر شرعي يرضاه ال ورسوله.
وعلى المسلمين جميعًا أن يرجعوا إلى دينهم؛ فبه يحصل العز ،وبه
يحصل النصر ،وبه تستقيم البلد ،وبه يحصل الفرقان بين أولياء الرحمن
الذين ينصرون دينه وبين أولياء الشيطان الذين ل يبالون بما جرى على
الدين إذا سلمت لهم مآكلهم ومشاربهم.
ويجب على جميع المسلمين أن يكون لهم أسوة بإبراهيم الخليل )َوِإذْ
طَرِني َفِإّنُه
ن ) (26إل اّلِذي َف َ
َقاَل ِإْبَراِهيُم َلِبيِه َوَقْوِمِه ِإّنِني َبَراٌء ِمّما َتْعُبُدو َ
ن)(4)((27؟!. سَيْهِدي َِ
()1البقرة.256 :
()2المائدة.51 :
()3آل عمران.28 :
()4الزخرف.27 :
23 التبيان شرح نواقض السلم
وعلينا أن نرجع إلى عقيدتنا وديننا ونمتثل أمر ال –جل وعل – في
ن اْلُكّفاِر
ن َيُلوَنُكْم ِم َ
ن آَمُنوا َقاِتُلوا اّلِذي َ
حكمه في الكفارَ) :يا َأّيَها اّلِذي َ
)(1
ن). ((123 ل َمَع اْلُمّتِقي َ
ن ا َّعَلُموا َأ ّ
ظًة َوا ْ غْل َ
جُدوا ِفيُكْم ِ
َوْلَي ِ
خُذوُهمْجْدُتُموُهْم َو ُ
ث َو َ
حْي ُ
ن َ شِرِكي َ وقال -تعالىَ) :-فاْقُتُلوا اْلُم ْ
صلَة َوآَتُوا الّزَكاَة ن َتاُبوا َوَأَقاُموا ال ّ
صٍد َفِإ ْصُروُهْم َواْقُعُدوا َلُهْم ُكّل َمْر َ
ح ُ
َوا ْ
سِبيَلُهْم().(2
خّلوا َ
َف َ
وكلما أعرض الناس عن تحكيم الكتاب والسنة؛ سّلط ال عليهم
عدوهم ،فلما أعرض كثير من حكام الدول عن تحكيم شرع ال ورضوا
بالقوانين الوضعية الملعونة الملعون محكمها؛ تدهورت بلدهم وتشتتت،
وسامهم العدو سوم العذاب من حيث ل يشعون ،لن كثير من الرؤساء ل
يهمهم إل المحافظة على المناصب التي يتولونها ،سواٌء استعز الدين أم ل،
مع أن العز والتمكين ل يكون إل بالقيام بنصر هذا الدين؛ لنه فرض لزم
على كل من له قدرة وملكة يستطيع ذلك ،ولكن أكثرهم ل يعلمون ،وسبب
ذلك بطانة السوء مع تقصير كثير من الدعاة إلى ال في التركيز على هذا
الجانب .وال المستعان.
وليعلم كل مسلم أن الكفار يسعون سعيًا شديدًا ،ويحرصون كل
الحرص ،على إبعاد المسلم عن دينه حسدًا من عند أنفسهم ،فإن لم ينتبه
الغيور على دينه من هذه الرقدة؛ فسوف يعض أصابع الندم حين ل ينفع،
ي"
غِز َوسوف يجني ثمرة فعله" ,ومن لم يغُز ُ
ويجب على كل عالم وداعية وخطيت وإمام مسجد أن يبين للناس
خطورة موالة الكفار بالدلة الشرعية من كتاب ال وسنة رسوله ،ويبين
لهم خطورة الذهاب إلى ديارهم ،أو استقدامهم إلى ديار المسلمين؛ لن ال
قطع الموالة والصلة بين المسلم والكافر ،حتى ولو كان أقرب قريب؛ كما
خَواَنُكْم َأْوِلَياَء ِإ ِ
ن خُذوا آَباَءُكْم َوِإ ْ
ن آَمُنوا ل َتّت ِ
قال -تعالىَ) :-يا َأّيَها اّلِذي َ
)(3
ن( . عَلى اِليَما ِ حّبوا اْلُكْفَر َ
سَت َ
ا ْ
()1التوبة.123 :
()2التوبة.5 :
()3التوبة.23 :
24 التبيان شرح نواقض السلم
ن َم ْ
ن خِر ُيَواّدو َ
ل َواْلَيْوِم ال ِ ن ِبا ِّجُد َقْومًا ُيْؤِمُنو َ وقال -تعالى) :-ل َت ِ
شيَرَتُهْم
ع ِ
خَواَنُهْم َأْو َسوَلُه َوَلْو َكاُنوا آَباَءُهْم َأْو َأْبَناَءُهْم َأْو ِإ ْ
ل َوَر ُحاّد ا ََّ
)(1
ح ِمْنُه( . ن َوَأّيَدُهْم ِبُرو ٍ ب ِفي ُقُلوِبِهُم اِليَما َك َكَت َُأوَلِئ َ
عُدّوُكْم َأْوِلَياَءعُدّوي َو َ خُذوا َ ن آَمُنوا ل َتّت ِ وقال -تعالىَ) :-يا َأّيَها اّلِذي َ
سوَل ن الّر ُ جو َ خِر ُق ُي ْ
حّ ن اْل َجاَءُكْم ِم َ ن ِإَلْيِهْم ِباْلَمَوّدِة َوَقْد َكَفُروا ِبَما َُتْلُقو َ
سِبيِلي َواْبِتَغاءَ جَهادًا ِفي َ جُتْم ِخَر ْ ن ُكْنُتْم َ ل َرّبُكْم ِإ ْ
ن ُتْؤِمُنوا ِبا ِّ
َوِإّياُكْم َأ ْ
ن َيْفَعْلُه
عَلْنُتْم َوَم ْخَفْيُتْم َوَما َأ ْ
عَلُم ِبَما َأ ْ
ن ِإَلْيِهْم ِباْلَمَوّدِة َوَأَنا َأ ْ
سّرو َ
ضاِتي ُت ِ َمْر َ
)(2
سِبيِل). ((1 سَواَء ال ّ ضّل َِمْنُكْم َفَقْد َ
ولذلك قال النبي فيما رواه عنه الشيخان من حديث أسامة" :ل
يرث المسلم الكافر ،ول الكافر المسلم"؛ لئل يقع بين المسلم والكافر علئق؛
حسم النبي المادة وقطع بينهما التوارث.
وقال فيما صح عنه):ل يقتل مسلم بكافر() ،(3وما ذاك إل لهوان
الكافر.
س()(4؟!.
ج ٌ
ن َن َ
شِرُكو َ
كيف ل ،وال -جل وعل يقولِ) :إّنَما اْلُم ْ
وليْعلم كل مسلم أن الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم لن
يصطلحوا مع المسلمين ،ولن يسالموهم ويرضوا عنهم؛ حتى يتبع المسلمون
ك اْلَيُهوُد َول عْن َ
ضى َ ن َتْر َ
ملتهم ،ويحذوا حذوهم؛ كما قال -تعالىَ) :-وَل ْ
ت َأْهَواَءُهْم
ن اّتَبْع َ
ل ُهَو اْلُهَدى َوَلِئ ِن ُهَدى ا ِّ حّتى َتّتِبَع ِمّلَتُهْم ُقْل ِإ ّ
صاَرى َ الّن َ
)(5
صيٍر). ((120 ي َول َن ِ ن َوِل ّ
ل ِم ْ
ن ا ِّ
ك ِم َن اْلِعْلِم َما َل َك ِم َ جاَء َ
َبْعَد اّلِذي َ
فهذا تهديد من ال ووعيد شديد على من اتبع دين الكفار ،وأنه ليس له
من دون ال ولي ول تصير.
()1المجادلة.22 :
()2الممتحنة.1 :
()3رواه البخاري )– 204 /1فتح( من حديث أبي جحيفة عن علي به.
()4التوبة.28 :
()5البقرة.120 :
25 التبيان شرح نواقض السلم
وقد أمر النبي بمفارقة المشركين؛ لئل يصير منهم ،بل عظم
المر وقال" :أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين" .قالوا :يا
رسول ال! ِلَم؟ قال" :ل تراءى ناراهما").(6
وروى النسائي وغيره بسند جيد من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن
ل أوجده عن النبي أنه قال" :ل يقبل ال من مشرك بعدما أسلم عم ً
يفارق المشركين إلى المسلمين".
ونشكوا إلى ال -جل وعل -غربة الدين ،وتغير أحوال المسلمين فهششم
يسمعون هذه النصوص الصريحة المخيفة ،ومع ذلك يششذهبون إلششى ديششارهم،
ويجلسون معهم ،ويؤاكلونهم ،ويضاحكونهم!
وقد قال النبي " :من جامع المشرك ،وسكن معه ،فإنه مثله".
رواه أبو داود من حديث سمرة بن جندب ،وفيه ضعف ،ولكن يشهد
له ما تقدم.
أين ملة إبراهيم؟!
أين الحب والبغض في ال؟!
كل هذا ل يرفع به كثير من الناس رأسًا.
ول دّر العلمة سليمان بن سمحان حيث يقول:
()6رواه :أبو داود ،والترمذي ،من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن قيس
بن أبي حازم عن جرير به ،ورواته ثقات ،ولكن أعله الترمذي وغيره
بالرسال .وهو الحق ولكن يشهدله ما بعده.
26 التبيان شرح نواقض السلم
ت طاِمسا ِ
ت ح ْ ضَعفاًء َفأَ ْ َ جها غودَر َنْه ُ َوِمَلُة إْبراهيَم ُ
الَمعاِلِم سَف ْ
ت ف وَقْد َ ت فينا َوَكْي َ عِدَم َْوَقْد ُ
سواِفي في جَميِع عَلْيها ال ّ َ ب والُبْغ ُ
ض ح ّ ل ال ُنإ ّ وَما الّدي ُ
القاِلِم والَول
ل غاٍو وآِثِم ن ُك ّك البَرا ِم ْ َكذا َ سٍ
ك ك ُمَتَم ّن ساِل ٍ س َلها ِم ْ َوَلْي َ
شِمن َها ِ ي اب ِحّ طِ ي الْب َ ن الّنِب ّ ِبدي ِ ح ْ
ت ن واْنَم َ ل بالّدي ِحّ سنا َنرى َما َ َفل ْ
حدى حاُء إ ْ سْم َِبهِ اِلمّلُة ال ّ على الّتقصيِر ِمّنا َوَنْلَتجي سى َ َفنْأ َ
صِمالَقوا ِ س ْ
ت ب اّلتي َق َ ل الُقلو َ شكوا إلى ا ِ فَن ْ
حو الّذنو ِ
ب ل في َم ْ إلى ا ِ ضّم ٌ
خ جاَءنا ُمَت َ سنا إذا َما َ َأَل ْ
الَعظاِئِم ش إَلْيِهْم بالّتحّيِة والّثناَنُه ّ
ك المآِثِم ب ِتْل َ
س ُ عَلْيها َك ْن َ َورا َ سِلٍم
ل ُم ْن ُك ّ وَقْد َبِرئ الَمْعصوُم ِم ْ
ن ُك ّ
ل ك ِم ْشْر ِ ل ال ِّبأْوضاِر أْه ِ عْنَدنا
ي ِ شّ ل الَمعي ِ ولِكّنما الَعْق ُ
ظاِلِم
ع في إْكراِمِهْم بالَولِئِم وُنْهَر ُ
غْيَر ُمصاِرِم ك َ شر ِ ُيقيُم ِبداِر ال ّ
ل آِثِمن ُك ّن ِم ْ ساَلَمُة الَعاصي َ ُم َ
قول الشيخ رحمه ال" :أو صحح مذهبهم" :يدخل فيه ما يدعو إليه
كثير من أهل هذا الزمان ،ممن يدعون إلى الشتراكية ،أو يدعو إلى
العلمانية ،أو إلى البعثية؛ فهذه كلها فرق ضالة كافرة ،وإن تسمى أصحابها
باسم السلم؛ لن السماء ل تغير الحقائق.
ل بنا في هذا العصر الغريب ،فقد انقلبتونشكوا إلى ال ما ح ّ
الموازين فأصبح الكثير يتعاملون مع السماء دون المسميات ومع الدعاوي
ل ونهارًا سّرا وجهارًا قد صار
دون البينات .فعدو ال الذي يحارب الدين لي ً
مؤمنًا موحدًا عند الجهال المغفلين وأهل الشهوات ،بدعوى أنه يتلفظ
بالشهادتين ،وما يغني عنه تلفظه بالشهادتين وقد صار جندّيا من جنود
إبليس ،وحربًا على هذا الدين بالنفس والمال فال المستعان.
*****
27 التبيان شرح نواقض السلم
قال رحمه ال)) :ومن اعتقد أن غير هدي النبي أكمل من هديه،
أو حكم غيره أحسن من حكمه؛ كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكمه((.
المسألة الولى:
أما المسألة الولى ،وهي" :من اعتقد أن غير هدي النبي أكمل
من هديه" ،فهي مسألة عظيمة خطيرة ،تردي بمعتقدها إلى الجحيم؛ لن
ذلك مصادمة للمنقول والمعقول.
وقد كان النبي يقول في خطبة الجمعة" :أما بعد؛ فإن خير
الحديث كتاب ال ،وخير الهدي هدي محمد".
أخرجه مسلم) (1وغيره من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر
به.
فل شك ول ريب أن هدي محمد أكمل الهدي؛ لنه وحي يوحى
حى).(2)((4
ي ُيو َ
حٌن ُهَو إل َو ْ
إليه؛ كما قال ال –جل وعلِ) :-إ ْ
ولذلك أجمع العلماء الذين يعتد بإجماعهم على أن السنة هي الصل
الثاني من أصول التشريع السلمي ،وأنها مستقلة بتشريع الحكام ،وهي
كالقرآن في التحليل والتحريم.
ولذلك جاء عن النبي أنه قال لعمر لما رأى معه كتابًا أصابه من
بعض أهل الكتاب ":أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟! والذي نفسي بيده؛ لقد
جئتكم بها بيضاء نقية "..الحديث ،أخرجه أحمد وغيره وفي إسناده مجالد
بن سعيد قال عنه أحمد ليس بشيء وضعفه يحيى ابن سعيد وابن مهدي
وغيرهما.
فشريعة محمد ناسخة لجميع الشرائع ،وهي أسهلها وأيسرها؛ كما
قال النبي " :أحب الديان إلى ال الحنيفية السمحة".
()1المائدة.3 :
()2آل عمران.19 :
()3آل عمران.85 :
29 التبيان شرح نواقض السلم
ت ِإَلى
ظُلَما ِ
ن ال ّ
ج الّناسَ ِم َ
خِر َ
ك ِلُت ْ
ب َأْنَزْلَناُه ِإَلْي َ
قال -تعالى) :-الر ِكَتا ٌ
)(1
حِميِد). ((1 ط اْلَعِزيِز اْل َ صَرا ِن َرّبِهْم ِإَلى ِ
الّنوِر ِبِإْذ ِ
وينبغي لكل مسلم ومسلمه أن يعلم أن حكم ال ورسوله مقدٌم على كل
حكٍم ،فما من مسألة تقع بين الناس؛ إل ومردها إلى حكم ال ورسوله ،فمن
تحاكم إلى غير حكم ال ورسوله؛ فهو كافر؛ كما ذكر ال ذلك في سورة
النساء:
ن َأّنُهْم آَمُنوا ِبَما ُأْنِزَل ِإَلْي َ
ك عُمو َن َيْز ُفقال –تعالىَ) :-أَلْم َتَر ِإَلى اّلِذي َ
ت َوَقْد ُأِمُروا َأ ْ
ن غو ِ طا ُ حاَكُموا ِإَلى ال ّ ن َيَت َ
ن َأ ْ
ك ُيِريُدو َ ن َقْبِل َ
َوَما ُأْنِزَل ِم ْ
ضلًل َبِعيدًا) ((60الية إلى أن قال ضّلُهْم َ ن ُي ِ ن َأ ْ
طا ُشْي َ
َيْكُفُروا ِبِه َوُيِريُد ال ّ
جَر َبْيَنُهْم ُثّم ل
شَ ك ِفيَما َ حّكُمو َحّتى ُي َن َ ك ل ُيْؤِمُنو َ جل وعلَ) :فل َوَرّب َ
سِليمًا).(2)((65 سّلُموا َت ْ
ت َوُي َ
ضْي َ حَرجًا ِمّما َق َ سِهْم َ جُدوا ِفي َأْنُف ِ َي ِ
أقسم ال -جل وعل -بنفسه أنهم ل يؤمنون حتى يستكملوا ثلثة
أشياء:
-1أن يحكموا الرسول في جميع المور.
-2أن ل يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضى به.
ل لحكمه.
-3أن يسلموا تسليمًا كام ً
وكيف يرضى العاقل أن تجري عليه أحكام المخلوقين التي هي ُنحاتة
ل من حكم ال الذي أنزله على رسوله ،ليخرج الناس أفكار وزبالة أذهان بد ً
من الظلمات إلى النور؟!
وكذلك أيضًا فإن أحكام المخلوقين مبنية على الظلم والجور وأكل
أموال الناس بالباطل.
()1إبراهيم.1 :
()2النساء :اليات .65-60
30 التبيان شرح نواقض السلم
باللم كما في قوله " ليس بين العبد وبين الكفر أو الشرك إل ترك الصلة" وبين كفر
منكر في الثبات [ ا .هش فالكفر المعرف باللف واللم ل يحتمل في الغالب إل الكبر
ن( فيمن حكم بغير ما أنزل ال ،وما جاء عن ابن عباس ك ُهُم اْلَكاِفُرو َ
كقوله تعالىَ) :فُأوَلِئ َ
رضي ال عنه من قوله )كفر دون كفر( فل يثبت عنه فقد رواه الحاكم في مستدركه )/2
(313من طريق هشام بن حجير عن طاوس عن ابن عباس به وهشام ضعفه أحمد
ويحيى .وقد خولف فيه أيضًا فرواه عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن ابن طاوس عن
ن)ك ُهُم اْلَكاِفُرو َ
ل َفُأوَلِئ َ
ل ا ُّ
حُكْم ِبَما َأْنَز َ
ن َلْم َي ْ
أبيه قال سئل ابن عباس عن قوله تعالىَ) :وَم ْ
((44قال هي كفر ،وهذا هو المحفوظ عن ابن عباس أي أن الية على إطلقها،وإطلق
الية يدل على أن المراد بالكفر هو الكبر إذ كيف يقال بإسلم من نحى الشرع واعتاض
عنه بآراء اليهود والنصارى وأشباههم .فهذا مع كونه تبديل للدين المنزل هو إعراض
أيضًا عن الشرع المطهر ،وهذا كفر آخر مستقل .وأما ما رواه ابن جرير في تفسيره عن
ابن عباس أنه قال )ليس كمن كفر بال واليوم الخر وبكذا وبكذا( فليس مراده أن الحكم
بغير ما أنزل ال كفر دون كفر .ومن فهم هذا فعليه الدليل وإقامة البرهان على زعمه،
والظاهر من كلمه أنه يعني أن الكفر الكبر مراتب متفاوتة بعضها أشد من بعض ،فكفر
من كفر بال وملئكته واليوم الخر أشد من كفر الحاكم بغير ما أنزل ال .ونحن نقول
أيضًا :إن كفر الحاكم بغير ما أنزل ال أخف من كفر من كفر بال وملئكته ..ول يعني هذا
أن الحاكم مسلم وأن كفره كفر أصغر ،كل بل هو خارج عن الدين لتنحيته الشرع ،وقد نقل
ابن كثير الجماع على هذا ،فانظر البداية والنهاية ] .[ 119 / 13
31 التبيان شرح نواقض السلم
قال -رحمه ال)) :-من أبغض شيئًا مما جاء به الرسول ولو
عمل به؛ كفر((.
وهذا باتفاق العلماء؛ كما نقل ذلك صاحب "القناع" وغيره.
وبغض شيء مما جاء به الرسول - سواء كان من القوال أو
الفعال -نوع من أنواع النفاق العتقادي الذي صاحبه في الدرك السفل من
النار.
فمن أبغض شيئًأ مما جاء به الرسول ،أمرًا كان أونهيًا؛ فهو على
خطر عظيم.
فمن ذلك ما يتفوه به كثير من الكتاب الملحدين الذين تغذوا بألبان
الفرنج ،وخلعوا ربقة السلم من رقابهم من كراهيتهم لتعدد الزوجات؛
فهم يحاربون تعدد الزوجات بشتى الوسائل ،وما يعلم هؤلء أنهم يحاربون
ال ورسوله ،وأنهم يردون على ال أمره.
ومثل هؤلء في الكفر والبغض لما جاء به الرسول من يكره كون
المرأة ليست بمنزلة الرجل؛ ككرههم أن تكون دية المرأة نصف دية الرجل،
وأن شهادة امرأتين بشهادة رجل واحد ،وغير ذلك؛ فهم مبغضون لقول
النبي :
"ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من
إحداكن "..الحديث ،متفق عليه ،من حديث أبي سعيد الخدري رضي ال
عنه.
فلذلك تجدهم يمدون ألسنتهم نحو هذا الحديث العظيم :إما بصرفه عن
ظاهره ،وإما بتضعيفه ،بحجة أن العقل يخالفه ،وإما بمخالفته للواقع ..وغير
ذلك مما هو دال ومؤكد لبغضهم لما جاء به الرسول.
33 التبيان شرح نواقض السلم
وهؤلء كفار ،وإن عملوا بمدلول النص ،فهم لم يستكملوا شروط )ل
إله إل ال( لن من شروطها :المحبة لما دلت عليه ،والسرور بذلك،
وانشراح الصدر ،وهؤلء ضاقت صدورهم وحرجت وأبغضوا ما دلت
عليه وهذا هو عين فعل المنافقين ،الذين يفعلون كثيرًا من محاسن الشريعة
الظاهرة لشيء ما ،مع بغضهم لها.
ولذلك قال النبي " :من قال :ل إله إل ال خالصًا من قلبه؛ دخل
الجنة") ،(1فقوله" :خالصًا من قلبه" خرج بذلك المنافق؛ لنه لم يقلها
خالصة من قلبه ،إنما قالها ليعصم دمه وماله.
قال ال -تعالى -حاكمًا بكفر من كره ما أنزل على رسولهَ) :والِّذينَ
حَب َ
ط ل َفَأ ْ
ك ِبَأّنُهْم َكِرُهوا َما َأْنَزَل ا ُّ
عَماَلُهْم )َ (8ذِل َ
ضّل َأ ْ
َكَفُروا َفَتْعسًا َلُهْم َوَأ َ
عَماَلُهْم).(2)((9 َأ ْ
فششال -جششل وعل -أحبششط أعمششالهم ،وجعلهششا هبششاًء منثششورًا؛ بسششبب
كراهيتهم ما أنششزل علششى رسششوله مششن القششرآن الششذي جعلششه الش فششوزًا وفلحشًا
للمتمسكين به ،المؤتمرين بأمره ،المنتهين عن نهيه.
وكل من كره ما أنزل ال؛ فعمله حابط ،وإن عمل بما كره؛ كما قال
عَماَلُهْم
ط َأ ْ
حَب َ
ضَواَنُه َفَأ ْ
ل َوَكِرُهوا ِر ْ
ط ا َّ
خَ
سَ
ك ِبَأّنُهُم اّتَبُعوا َما َأ ْ
–تعالىَ) :-ذِل َ
).(3)((28
وهذا من أعظم ما يخيف المسلم :أن يكون كارهاً لما جاء به الرسول
.
وقد يكمن هذا في النفس ،ول يشعر به إل بعد برهة من عمره ،ولذلك
ينبغي الكثار من قوله" :يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك"؛ لن
القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
()1رواه :أحمد ) ،(236 / 5وابن حبان ) (429 / 1من طريق سفيان عن
عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله ،وسنده صحيح.
()2محمد.9-8 :
()3محمد.28 :
34 التبيان شرح نواقض السلم
قال رحمه ال)) :من استهزأ بشيء من دين الرسول ،أو ثوابه،
سوِلِه ُكْنُتْم
ل َوآَياِتِه َوَر ُ
أو عقابه؛ كفر ،والدليل قوله –تعالىُ) :-قْل َأِبا ِّ
)(1
ن ) (65ل َتْعَتِذُروا َقْد َكَفْرُتْم َبْعَد ِإيَماِنُكْم( .
سَتْهِزُئو َ
َت ْ
الستهزاء بشيء مما جاء به الرسول كفر بإجماع المسششلمين ،ولششو لششم
يقصد حقيقة الستهزاء؛ كما لو هزل مازحًا.
وقد روى ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وغيرهم عن عبد ال
ابن عمر؛ قال :قال رجل في غزوة تبوك في مجلس يومًا :ما رأينا مثل
قرائنا هؤلء :أرغب بطونًا ،ول أكذب ألسنًا ،ول أجبن عند اللقاء .فقال
رجل في المجلس :كذبت! ولكنك منافق ،لخبرن رسول ال .فبلغ ذلك
رسول ال ،ونزل القرآن .قال عبد ال :فأنا رأيته متعلقاً بحقب ناقة
رسول ال والحجارة تنكبه وهو يقول :يا رسول ال! إنما كنا نخوض
ن).(2)((65 سَتْهِزُئو َ
سوِلِه ُكْنُتْم َت ْ ونلعب ،والنبي يقولَ) :أِبا ِّ
ل َوآَياِتِه َوَر ُ
فقششولهم" :إنمششا كنششا نخششوض ونلعششب"؛ أي :إننششا لششم نقصششد حقيقششة
الستهزاء ،وإنما قصدنا الخوض واللعب ،نقطع به عناء الطريششق ،كمششا فششي
بعض روايات الحديث ،ومع ذلك كّفرهم ال -جل وعل-؛ لن هششذا البششاب ل
يدخله الخششوض واللعششب؛ فهششم كفششروا بهششذا الكلم ،مششع أنهششم كششانوا مششن قبششل
مؤمنين.
وأما قول من قال" :إنهم كفروا بعد إيمانهم بلسانهم مع كفرهم أولً
بقلوبهم"؛ فقد رده شيخ السلم ابن تيمية -رحمه ال ،-وقال" :إن اليمان
باللسان مع كفر القلب قد قارنه الكفر ،فل ُيقالَ) :قْد َكَفْرُتْم َبْعَد ِإيَماِنُكْم()،(3
فإنهم لم يزالوا كافرين في نفس المر").(4
()1التوبة.66 – 65 :
()2التوبة.65 :
()3التوبة.66 :
()4وقال رحمه الله في كتاب "اليمان" )ص (273على هذه الية) :قَد ْ
مان ِك ُ ْ
م (...الية. م ب َعْد َ ِإي َ كَ َ
فْرت ُ ْ
ً
"دل على أنهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفرا ،بل ظنوا أن ذلك ليس
بكفر ،فبين أن الستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر يكفر به صاحبه بعد
إيمانه ،فدل على أنه كان عندهم إيمان ضعيف ،ففعلوا هذا المحرم الذي
36 التبيان شرح نواقض السلم
فمن سمع آيات ال يكفر بها ،ويستهزأ بها وهو جالس معهم مع رضاه
بالجلوس معهم ،فهو مثلهم في الثم والكفر والخروج عن السلم؛ كما قال
جُهْم() ،(4أي :شبهاءهم ونظراءهم.
ظَلُموا َوَأْزَوا َ
ن َ
شُروا اّلِذي َ
ح ُ
–تعالى) :-ا ْ
*****
()4الصافات.22 :
38 التبيان شرح نواقض السلم
قال -رحمه ال )) :-السحر ،ومنه الصرف والعطف ،فمن فعله أو
حُ
نحّتى َيُقول ِإّنَما َن ْ
حٍد َ
ن َأ َ
ن ِم ْ
رضي به؛ كفر ،والدليل قول الَ) :وَما ُيَعّلَما ِ
ِفْتَنٌة َفل َتْكُفر().(((1
السحر ُيطلق في اللغة على ما خفي ولطف مأخذه ودق.
ومنه قول العرب في الشيء إذا كان شديدًا خفاؤه" :أخفى من
السحر".
ومنه قول مسلم بن الوليد النصاري:
()1البقرة.102 :
39 التبيان شرح نواقض السلم
فصل
()1الفلق.4 :
()2البقرة.102 :
()3طه.66 :
41 التبيان شرح نواقض السلم
قال العلمة ابن القيم رحمه ال)" :(1وهذا خلف ما تواترت به الثار
عن الصحابة والسلف ،واتفق عليه الفقهاء وأهل التفسير والحديث وأرباب
القلوب من أهل التصوف ،وما يعرفه عامة العقلء ،والسحر الذي يؤثر
ل وعقدًا وحّبا وبغضًا وتزييفًا وغير ذلك من الثار موجود
ل وح ّ
مرضًا وثق ً
تعرفه عامة الناس "..إلخ كلمه.
وقال القرطبي بعدما ذكر قول المعتزلة واستدللهم" :وهذا ل حجة
فيه؛ لنا ل ننكر أن يكون التخيل وغيره من جملة السحر ،ولكن ثبت وراء
ذلك أمور جّوزها العقل ،وورد بها السمع:
فمن ذلك ما جاء في هذه الية من ذكر السحر وتعليمه )يعني :قوله
ن ِبَباِبَل َهاُروتَ
عَلى اْلَمَلَكْي ِحَر َوَما ُأْنِزَل َسْ
س ال ّ ن الّنا َ-تعالىُ) :-يَعّلُمو َ
ن ِفْتَنٌة َفل َتْكُفْر( الية)،((2 حُ حّتى َيُقول ِإّنَما َن ْحٍد َ
ن َأ َ
ن ِم ْ
ت َوَما ُيَعّلَما ِ
َوَماُرو َ
ولو لم يكن له حقيقة؛ لم يمكن تعليمه ،ول أخبر أنهم يعلمونه الناس ،فدل
على أن له حقيقة.
ظيٍم).(3)((116
عِ
حٍر َ
سْ
جاُءوا ِب ِ
وقوله -تعالى -في قصة فرعونَ) :و َ
وسورة الفلق ،مع اتفاق المفسرين على أن سبب نزولها ما كان من
سحر لبيد بن العصم".
ثم ساق الحديث -وقدمناه -ثم قال" :وفيه أن النبي قال لما حل
السحر" :إن ال شفاني" والشفاء إنما يكون برفع العلة وزوال المرض ،فدل
على أن له حّقا وحقيقة ،فهو مقطوع به ،بإخبار ال تعالى ورسوله عن
وجوده ووقوعه ،وعلى هذا أهل الحل والعقد الذين ينعقد بهم الجماع ،ول
عبرة مع اتفاقهم بحثالة المعتزلة ومخالفتهم أهل الحق "..إلخ.
المسألة الثانية :في حكم الساحر:
اختلف العلماء رحمهم ال في الساحر :هل يكفر أم ل؟
ظاهر كلم المصنف -رحمه ال -أنه يكفر؛ لقوله -تعالىَ) :-وَما
ن ِفْتَنٌة َفل َتْكُفْر() ،(1وهو مذهب المام
حُ
حّتى َيُقول ِإّنَما َن ْ
حٍد َ
ن َأ َ
ن ِم ْ
ُيَعّلَما ِ
أحمد -رحمه ال -ومالك وأبي حنيفة ،وعليه الجمهور.
وذهب الشافعي -رحمه ال -إلى أنه إذا تعلم السحر ،يقال له :صف
لنا سحرك .فإن وصف ما يستوجب الكفر -مثل سحر أهل بابل من التقرب
للكواكب ،وأنها تفعل ما يطلب منها-؛ فهو كافر ،وإن كان ل يصل إلى حد
الكفر واعتقد إباحته ،فهو كافر لستحلله المحرم ،وإل؛ فل.
وقال العلمة الشنقيطي رحمه ال" :التحقيق في هذه المسألة هو
التفصيل:
فإن كان السحر مما ُيعظم فيه غير ال ،كالكواكب والجن وغير ذلك
مما يؤّدى إلى الكفر؛ فهو كفر بل نزاع ،ومن هذا النوع سحر هاروت
وماروت المذكور في سورة البقرة؛ فإنه كفر بل نزاع؛ كما دل عليه قوله
حَر(سْ س ال ّ
ن الّنا َن َكَفُروا ُيَعّلُمو َ
طي َشَيا ِن ال ّ ن َوَلِك ّسَلْيَما ُ
-تعالىَ) :-وَما َكَفَر ُ
ن ِفْتَنٌة َفل
حُ
حّتى َيُقول ِإّنَما َن ْ
حٍد َ ن َأ َ
ن ِم ْ ) ،(2وقوله -تعالىَ) :-وَما ُيَعّلَما ِ
خَرِة ِم ْ
ن شَتَراُه َما َلُه ِفي ال ِ نا ْعِلُموا َلَم َِتْكُفْر() ،(3وقوله -تعالىَ) :-وَلَقْد َ
ث َأَتى).(5)((69 حْي ُحُر َ
سا ِح ال ّ ق() ،(4وقوله -تعالىَ) :-ول ُيْفِل ُ خل ٍ
َ
وإن كان السحر ل يقتضي الكفر؛ كالستعانة بخواص بعض الشياء
من دهانات وغيرها؛ فهو حرام حرمة شديدة ،ولكنه ل يبلغ بصاحبه الكفر.
وهذا هو التحقيق إن شاء ال) (6تعالى في هذه المسألة التي اختلف
فيها العلماء" اهش كلمه رحمه ال.
()1البقرة.102 :
()2البقرة.102 :
()3البقرة.102 :
()4البقرة.102:
()5طه.69 :
()6أضواء البيان.456 / 4 :
43 التبيان شرح نواقض السلم
.(294/ 3) ()3
46 التبيان شرح نواقض السلم
()1المائدة.51 :
()2أي :الصلح.
47 التبيان شرح نواقض السلم
قال رحمه ال)) :من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن
شريعة محمد كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه
السلم فهو كافر((.
سَتِقيمًا
طي ُم ْ
صَرا ِ
ن َهَذا ِ
وذلك لتضمنه تكذيب قول ال تعالىَ) :وَأ ّ
)(1
سِبيِلِه( .ن َعْق ِبُكْم َ
سُبَل َفَتَفّر َ
َفاّتِبُعوُه َول َتّتِبُعوا ال ّ
وأخرج أحمد وأبو داود والطيالسي والدارمي وغيرهم عن ابن
طا ،ثم قال" :هذا مسعود -رضي ال عنه-؛ قال "خط لنا رسول ال خ ّ
سبيل ال" ثم خط خطوطًا عن يمينه وعن شماله ،ثم قال" :هذه سبل
طي
صَرا ِ
ن َهَذا ِ
متفرقة ،على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه" ،ثم قرأَ) :وَأ ّ
سِبيِلِه().(2
ن َ
عْ
ق ِبُكْم َ
سُبَل َفَتَفّر َ
سَتِقيمًا َفاّتِبُعوُه َول َتّتِبُعوا ال ّ
ُم ْ
وأخرجه الحاكم وقال" :صحيح السناد".
فمن رغب الخروج عن شريعة محمد ،أو ظن الستغناء عنها؛
فقد خلع ربقة السلم من عنقه.
وقد بوب المام محمد بن عبد الوهاب رحمه ال في "فضل السلم"
بابًا عظيمًا ،فقال:
")باب وجوب الستغناء بمتابعة الكتاب عن كل ما سواه(":
ول شك أن الكتاب يأمرنا بمتابعة الرسول ،وعدم الخروج عن
طاعته ،بل إن الخروج عن طاعته من السباب الموجبة للنار؛ كما في
"مسند أحمد" و"صحيح البخاري" عن أبي هريرة -رضي ال عنه-؛ قال:
قال رسول ال " :كل أمتي يدخلون الجنة؛ إل من أبى" .قالوا :ومن يأبى
يا رسول ال؟ قال" :من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى".
()1النعام.153 :
()2النعام.153 :
49 التبيان شرح نواقض السلم
ب ِتْبَيانًا
ك اْلِكَتا َ
عَلْي َ
ثم ساق الشيخ -رحمه ال -قوله -تعالىَ) :-وَنّزْلَنا َ
يٍء( الية).(1
ش ْ
ِلُكّل َ
روى النسائي وغيره عن النبي :أنه رأى في يد عمر بن الخطاب
رضي ال عنه ورقة من التوراة ،فقال :أمتهوكون يا ابن الخطاب؟! لقد
جئتكم بها بيضاء نقية ،ولو كان موسى حّيا ،واتبعتموه ،وتركتموني،
لضللتم".
وفي رواية" :ولو كان موسى حّيا ،ما وسعه إل اتباعي" .فقال عمر:
رضيت بال رّبا ،وبالسلم دينًا ،وبمحمد نبّيا.
وهذا الحديث نص على أنه ل يسع أحدًا الخروج عن شريعة محمد
والدلة على هذا كثيرة.
ولما كان الصحابة رضي ال عنهم أعلم الناس بال ،وأقوى الناس
إيمانًا؛ ما كانوا يعرفون غير اتباعه واحترامه وتوقيره واتباع النور الذي
أنزل إليه ،وما ذاك إل لن ال اصطفاهم لصحبة نبيه؛ فقد أخرج المام
أحمد والبزار وغيرهما بسند حسن عن عبد ال بن مسعود رضي ال عنه؛
قال" :إن ال نظر في قلوب العباد ،فوجد قلب محمد خير قلوب العباد،
فاصطفاه لنفسه ،فابتعثه برسالته ،ثم نظر في قلوب العباد ،فوجد قلوب
أصحابه خير قلوب العباد ،فجعلهم وزراء نبيه ،يقاتلون على دينه فما رأى
المسلمون حسنًا؛ فهو عند ال حسن ،وما رأوا سيئًا؛ فهو عند ال سيئ".
وافترض ال على جميع الناس طاعته ،فمنهم من أطاع ،ومنهم من
عصى.
وانقسمت المة إلى قسمين:
أ -أمة إجابة ،وهم الذين أطاعوه واتبعوا النور الذي معه.
ب -وأمة دعوة ،وهم الذين استكبروا عن طاعته ومتابعته.
()1النحل.89 :
50 التبيان شرح نواقض السلم
قال شيخ السلم ابن تيمية -رحمه ال -بعد كلم سبق)" :(1ومن
هؤلء من يظن أن الستمساك بالشريعة أمرًا ونهياً إنما يجب عليه ما لم
يحصل له من المعرفة أو الحال ،فإذا حصل له؛ لم يجب عليه حينئذ
الستمساك بالشريعة النبوية ،بل له حينئذ أن يمشي مع الحقيقة الكونية
القدرية ،أو يفعل بمقتضى ذوقه ووجده وكشفه ورأيه؛ من غير اعتصام
بالكتاب والسنة ،وهؤلء منهم من يعاقب بسلب حاله حتى يصير منقوصًا
عاجزًا محرومًا ،ومنهم من يعاقب بسلب الطاعة حتى يصير فاسقًا ،ومنهم
من يعاقب بسلب اليمان حتى يصير مرتدًا منافقًا أو كافرًا معلنًا ،وهؤلء
كثيرون جّدا ،وكثير من هؤلء يحتج بقصة موسى والخضر".
وقال -رحمه ال -بعد هذا الكلم بورقة" :وأما احتجاجهم بقصة
موسى والخضر ،فيحتجون بها على وجهين:
أحدهما :أن يقولوا :إن الخضر كان مشاهدًا الرادة الربانية الشاملة
والمشيئة اللهية العامة -وهي الحقيقة الكونية -فلذلك سقط عنه الملم فيما
خالف فيه المر والنهي الشرعي ،وهو من عظيم الجهل والضلل ،بل من
عظيم النفاق والكفر؛ فإن مضمون هذا الكلم :أن من آمن بالقدر ،وشهد أن
ال رب ك شيء؛ لم يكن عليه أمر ول نهي وهذا كفر بجميع كتب ال
ورسوله وما جاؤوا به من المر والنهي ..إلخ.
وأما الوجه الثاني :فإن من هؤلء من يظن أن من الولياء من يسوغ
له الخروج عن الشريعة النبوية كما ساغ للخضر الخروج عن متابعة
موسى ،وأنه قد يكون للولي في المكاشفة والمخاطبة ما يستغني به عن
متابعة الرسول في عموم أحواله أو بعضها ،وكثير منهم يفضل الولي في
زعمه -إما مطلقًا وإما من بعض الوجوه -على النبي؛ زاعمين أن في قصة
الخضر حجة لهم.
وكل هذه المقالت من أعظم الجهالت والضللت ،بل من أعظم
علم بالضطرار من دين السلم أن أنواع النفاق واللحاد والكفر ،فإنه قد ُ
رسالة محمد بن عبد ال لجميع الناس؛ عربهم وعجمهم ،وملوكهم
وزهادهم؛ وعلمائهم وعامتهم ،وأنها باقية دائمة إلى يوم القيامة ،بل عامة
الثقلين الجن والنس ،وأنه ليس لحد من الخلئق الخروج عن متابعته
وطاعته وملزمته ما يشرعه لمته من الدين ،وما سنه لهم من فعل
المأمورات وترك المحظورات ،بل لو كان النبياء المتقدمون قبله أحياء؛
لوجب عليهم متابعته ومطاوعته".
إلى أن قال رحمه ال" :بل قد ثبت بالحاديث الصحيحة :أن المسيح
عيسى ابن مريم :إذا نزل من السماء؛ فإنه يكون متبعاً لشريعة محمد بن عبد
ال .
فإذا كان يجب اتباعه ونصره على من يدركه من النبياء؛ فكيف
بمن دونهم؟!
بل مما ُيعلم بالضطرار من دين السلم أنه ل يجوز لمن بلغته
دعوته أن يتبع شريعة رسول غيره؛ كموسى وعيسى؛ فإذا لم يجز الخروج
عن شريعته إلى شريعة رسول فكيف بالخروج عنه والرسل."..
إلى أن قال" :ومما يبين الغلط الذي وقع لهم في الحتجاج بقصة
موسى والخضر على مخالفة الشريعة :أن موسى عليه السلم لم يكن مبعوثًا
إلى الخضر ،ول أوجب ال على الخضر متابعته وطاعته ،بل قد ثبت في
"الصحيحين" أن الخضر قال له :يا موسى! إني على علم من علم ال
علمنيه ال ل تعلمه ،وأنت على علم من علم ال علمكه ال ل أعلمه" ،وذلك
أن دعوة موسى كانت خاصة.
وقد ثبت في الصحاح من غير وجه عن النبي :أنه قال فيما فضله
ال به على النبياء؛ قال" :كان النبي يبعث إلى قومه خاصة ،وبعثت إلى
الناس عامة".
فدعوة محمد شاملة لجميع العباد ،ليس لحد الخروج عن متابعته
وطاعته ،ول استغناء عن رسالته ،كما ساغ للخضر الخروج عن متابعة
موسى وطاعته؛ مستغنيًا عنه بما علمه ال ،وليس لحد ممن أدركه السلم
أن يقول لمحمد :إنني على علم من علم ال علمنيه ال ل تعلمه ،ومن سوغ
هذا ،أو اعتقد أن أحدًا من الخلق الزهاد والعباد أو غيرهم له الخروج عن
دعوة محمد ومتابعته؛ فهو كافر باتفاق المسلمين ،ودلئل هذا في الكتاب
والسنة أكثر من أن تذكر هنا.
وقصة الخضر ليس فيها خروج عن الشريعة ،ولهذا؛ لما بين الخضر
لموسى السباب التي فعل لجلها ما فعل؛ وافقه موسى ،ولم يختلفا حينئذ،
ولو كان ما فعله الخضر مخالفًا لشريعة موسى ،لما وافقه "..اهش المقصود
من كلمه رحمه ال ،وفيه البيان الشافي في هذه المسألة العظيمة.
52 التبيان شرح نواقض السلم
()1الحجر.99 :
53 التبيان شرح نواقض السلم
()1السجدة.22 :
()2العراف.179 :
()3طه.124 :
()4الدرر السنية ).(473-472 / 10
54 التبيان شرح نواقض السلم
ومن هذا البيان لمعنى العراض يتبين لك حكم كثير من عباد القبور
في زماننا هذا وقبله؛ فإنهم معرضون عما جاء به الرسول إعراضًا كلّيا
بأسماعهم وقلوبهم ،ل يصغون لنصح ناصح وإرشاد مرشد ،فمثل هؤلء
كفار لعراضهم.
ن ).(1)((3
ضو َ
عّما ُأْنِذُروا ُمْعِر ُ
ن َكَفُروا َ
قال -تعالىَ) :-واّلِذي َ
ول يقال :إنهم جهال فل يكفرون لجهلهم؛ لنه يقال :إن الجاهل إذا
ُبّين له خطؤه؛ انقاد للحق ،ورجع عن الباطل ،وهؤلء مصرون على
عبادتهم الوثان ،ول يصغون لكلم ال ول لكلم رسوله ويصدون عن
إرشاد الناصحين صدودًا ،ولعلهم يتعرضون بالذى لمن أنكر عليهم
أباطيلهم وفجورهم ،فقد قامت عليهم الحجة؛ فل عذر لهم سوى العناد.
عْنَها ِإّنا
ض َ
عَر َ
ت َرّبِه ُثّم َأ ْ
ن ُذّكَر ِبآيا ِ
ظَلُم ِمّم ْ
ن َأ ْ
قال –تعالىَ) :-وَم ْ
ن).(2)((22 ن ُمْنَتِقُمو َ
جِرِمي َ
ن اْلُم ْ
ِم َ
*****
()1الحقاف.3 :
()2السجدة.22 :
55 التبيان شرح نواقض السلم
ثم إن المصنف -رحمه ال -لما ذكر هذه النواقض العشرة ،قال
بعدها" :ول فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف)،(1
إل المكره".
ن َبْعِد ِإيَمانِِه إل
ل ِم ْ
ن َكَفَر ِبا ِّ
ودليل العذر بالكراه :قوله -تعالىَ) -م ْ
ض ٌ
ب غ َ
صْدرًا َفَعَلْيِهْم َ ح ِباْلُكْفِر َشرَ َ
ن َن َم ْ
ن َوَلِك ْ
ن ِباِليَما ِ
طَمِئ ّن ُأْكِرَه َوَقْلُبُه ُم ْ
َم ْ
ظيٌم).(2)((106 عِب َ عَذا ٌل َوَلُهْم َ ن ا ِِّم َ
والكراه يكون بالقول والفعل؛ خلفًا لمن قال :إن الفعال ل يكون
فيها إكراه ،فإن هذا خلف ظاهر الية.
ثم قال الشيخ -رحمه ال" :-وكلها من أعظم ما يكون خطرًا وأكثر ما
يكون وقوعًا".
*****
()1أي :خوف المال والجاه ؛ كما سيأتي عن المصنف فيما سننقله عنه إن
شاء الله.
()2النحل.106 :
56 التبيان شرح نواقض السلم
خاتمة
ونختم هذا الشرح بما قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه ال في
"كشف الشبهات"؛ فإنه كلم ،عظيم ،يبين ما تقدم ويزيل اللبس والشكال،
لكثرة الواقعين فيه؛ لعراضهم عن تعلم دينهم ،وما أوجب ال عليهم.
قال -رحمه ال" :-ل خلف أن التوحيد لبد أن يكون بالقلب واللسان
والعمل ،فإن اختل شيء من هذا؛ لم يكن الرجل مسلمًا.
فإن عرف التوحيد ولم يعمل به؛ فهو كافٌر معانٌد؛ كفرعون وإبليس
وأمثالهما ،وهذا يغلط فيه كثيٌر من الناس؛ يقولون :هذا حق ،ونحن نفهم
هذا ،ونشهد أنه الحق ،ولكنا ل نقدر أن نفعله ،ول يجوز عند أهل بلدنا؛ إل
من وافقهم ..أو غير ذلك من العذار ،ولم يدر المسكين أن غالب أئمة الكفر
يعرفون الحق ولم يتركوه إل لشيء من العذار؛ كما قال -تعالى) :-اشَْتَرْوا
ل() (1وغير ذلك من اليات؛ كقولهَ) :يْعِرُفوَنُه َكَمال َثَمنًا َقِلي ً
ت ا ِّ
ِبآيا ِ
ن َأْبَناَءُهْم().(2 َيْعِرُفو َ
ل ظاهرًا وهو ل يفهمه أو ل يعتقده بقلبه؛ فهو فإن عمل بالتوحيد عم ً
سَفِل ِم َ
ن ك اَل ْ
ن ِفي الّدْر ِ
ن اْلُمَناِفِقي َ
منافق ،وهو شر من الكافر الخالصِ) :إ ّ
الّناِر().(3
وهذا المسألة مسألة كبيرة طويلة ،تتبين لك إذا تأملتها في ألسنة
)(4
الناس ،ترى من يعرف الحق ويترك العمل به ،لخوف نقص دنيا أو جاه
أو مداراٍة لحد ،وترى من يعمل به ظاهرًا ،ل باطنًا فإذا سألته عما يعتقد
بقلبه؛ فإذا هو ل يعرفه.
ولكن عليك بفهم آيتين من كتاب ال:
أولهما :قوله -تعالى) :-ل َتْعَتِذُروا َقْد َكَفْرُتْم َبْعَد ِإيَماِنُكْم().(5
()1التوبة.9 :
()2البقرة.146 :
()3النساء.145 :
()4وهذا كثير في زماننا وقد والله وصل المر إلى ما هو أعظم من ذلك
فترى من يحارب أهل التوحيد والتباع ويتقرب إلى أسياده بذمهم
وشكايتهم لئل يقطعو عنه الرشاء ومع ذلك يزعم اليمان ويظهر التأسف
على من نابذ أعداء الله وتقرب إلى الله بمقتهم فقد جمع مع النفاق
التفريط في التوحيد وإهمال حقوقه فالله المستعان.
()5التوبة.66 :
57 التبيان شرح نواقض السلم
ملحق
إذا علم ما تقدم من النواقض التي تحبط العمال وتجعل صاحبها من
ل قد دل الكتاب
ل أو يفعل فع ً
الخالدين في النار ،فليعلم أن المسلم قد يقول قو ً
والسنة وإجماع سلف المة على أنه كفر ورده عن السلم ،ولكن ل تلزم
عند أهل العلم بين القول بأن هذا كفر وبين تكفير الرجل بعينه.
فليس كل من فعل مكفرًا حكم بكفره؛ إذ القول أو الفعل قد يكون كفرًا،
لكن ل يطلق الكفر على القائل أو الفاعل إل بشرطه؛ لنه ل بد أن تثبت في
حقه شروط التكفير ،وتنتفى موانعه؛ فالمرء قد يكون حديث عهد بإسلم،
ن له؛ رجع وقد ينكر شيئًا متأو ً
ل وقد يفعل مكفرًا ول يعلم أنه مكفر ،فإذا ُبّي َ
أخطأ بتأويله ..وغير ذلك من الموانع التي تمنع من التكفير .
وهذا أصل عظيم ،يجب تفهمه والعتناء به؛ لن التكفير ليس حّقا
للمخلوق ،يكفر من يشاء على وفق هواه ،بل يجب الرجوع في ذلك إلى
الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح ،فمن كّفره ال ورسوله ،وقامت
عليه الحجة؛ فهو كافر ،ومن ل فل.
وفي "الصحيحين" وغيرهما عن أبي هريرة -رضي ال عنه -عن
النبي ؛ قال" :أسرف رجل على نفسه ،فلما حضره الموت؛ أوصى بنيه؛
ت؛ فأحرقوني ،اسحقوني ،ثم ذروني في الريح في البحر ،فو فقال :إذا أنا ُم ّ
ي ربي؛ ليعذبني عذابًا ما عذبه أحدًا" .قال " :ففعلوا ذلك به،
ال ،لئن قدر عل ّ
فقال للرض أدى ما أخذت .فإذا هو قائم ،فقال له :ما حملك على ما
صنعت؟ فقال :خشيتك يا رب )أو قال مخافتك(! فغفر له بذلك".
قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه ال في "الفتاوى" ) :(231 /3فهذا
رجل شك في قدرة ال وفي إعادته إذا ُذّري ،بل اعتقد أنه ل ُيعاد ،وهذا كفر
ل ل يعلم ذلك ،وكان مؤمنًا يخاف ال أن باتفاق المسلمين ،لكن كان جاه ً
يعاقبه ،فغفر له بذلك ،والمتأول من أهل الجتهاد الحريص على متابعة
الرسول ،أولى بالمغفرة من مثل هذا".
59 التبيان شرح نواقض السلم
فهرس الموضوعات
وليْعلم كل مسلم أن الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم لن يصطلحوا مع المسلمين ،ولن يسالموهم ويرضوا عنهم؛ حتى يتبع
ل ُهَو اْلُهَدى ن ُهَدى ا ِّ ل ِإ ّ
حّتى َتّتِبَع ِمّلَتُهْم ُق ْ
صاَرى َ ك اْلَيُهوُد َول الّن َعْن َ
ضى َ ن َتْر َ المسلمون ملتهم ،ويحذوا حذوهم؛ كما قال -تعالىَ) :-وَل ْ
صيٍر)24............................................... .()((120 ي َول َن ِ ن َوِل ّ ل ِم ْ
ن ا ِّ ك ِم َ ن اْلِعْلِم َما َل َك ِم َجاَء َ ت َأْهَواَءُهْم َبْعَد اّلِذي َ ن اّتَبْع َ َوَلِئ ِ
ول دّر العلمة سليمان بن سمحان حيث يقول25.................................................................................................... :
الناقض الرابع من نواقض السلم 27.......................................................................................................................
المسألة الولى27.......................................................................................................................................... :
المسألة الثانية28.......................................................................................................................................... :
وينبغي لكل مسلم ومسلمه أن يعلم أن حكم ال ورسوله مقدٌم على كل حكٍم ،فما من مسألة تقع بين الناس؛ إل ومردها إلى حكم ال
ورسوله ،فمن تحاكم إلى غير حكم ال ورسوله؛ فهو كافر؛ كما ذكر ال ذلك في سورة النساء29........................................... :
)( المائدة .44 :قال شيخ السلم في القتضاء ] ] [ 208 1وفرق بين الكفر المعروف باللم كما في قوله " ليس بين العبد وبين
الكفر أو الشرك إل ترك الصلة" وبين كفر منكر في الثبات [ ا .هش فالكفر المعرف باللف واللم ل يحتمل في الغالب إل الكبر
ن( فيمن حكم بغير ما أنزل ال ،وما جاء عن ابن عباس رضي ال عنه من قوله )كفر دون كفر( فل ك ُهُم اْلَكاِفُرو َ كقوله تعالىَ) :فُأوَلِئ َ
يثبت عنه فقد رواه الحاكم في مستدركه ) (313 /2من طريق هشام بن حجير عن طاوس عن ابن عباس به وهشام ضعفه أحمد
ويحيى .وقد خولف فيه أيضًا فرواه عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال سئل ابن عباس عن قوله تعالى:
ن ) ((44قال هي كفر ،وهذا هو المحفوظ عن ابن عباس أي أن الية على ك ُهُم اْلَكاِفُرو َ ل َفُأوَلِئ َل ا ُّحُكْم ِبَما َأْنَز َ
ن َلْم َي ْ)َوَم ْ
إطلقها،وإطلق الية يدل على أن المراد بالكفر هو الكبر إذ كيف يقال بإسلم من نحى الشرع واعتاض عنه بآراء اليهود
والنصارى وأشباههم .فهذا مع كونه تبديل للدين المنزل هو إعراض أيضًا عن الشرع المطهر ،وهذا كفر آخر مستقل .وأما ما رواه
ابن جرير في تفسيره عن ابن عباس أنه قال )ليس كمن كفر بال واليوم الخر وبكذا وبكذا( فليس مراده أن الحكم بغير ما أنزل ال
كفر دون كفر .ومن فهم هذا فعليه الدليل وإقامة البرهان على زعمه ،والظاهر من كلمه أنه يعني أن الكفر الكبر مراتب متفاوتة
بعضها أشد من بعض ،فكفر من كفر بال وملئكته واليوم الخر أشد من كفر الحاكم بغير ما أنزل ال .ونحن نقول أيضًا :إن كفر
الحاكم بغير ما أنزل ال أخف من كفر من كفر بال وملئكته ..ول يعني هذا أن الحاكم مسلم وأن كفره كفر أصغر ،كل بل هو خارج
عن الدين لتنحيته الشرع ،وقد نقل ابن كثير الجماع على هذا ،فانظر البداية والنهاية ] 30................................. .[ 119 / 13
الناقض الخامس من نواقض السلم 32....................................................................................................................
وهذا باتفاق العلماء؛ كما نقل ذلك صاحب "القناع" وغيره32.................................................................................... .
فمن أبغض شيئًأ مما جاء به الرسول ،أمرًا كان أونهيًا؛ فهو على خطر عظيم32......................................................... .
فمن ذلك ما يتفوه به كثير من الكتاب الملحدين الذين تغذوا بألبان الفرنج ،وخلعوا ربقة السلم من رقابهم من كراهيتهم لتعدد
الزوجات؛ فهم يحاربون تعدد الزوجات بشتى الوسائل ،وما يعلم هؤلء أنهم يحاربون ال ورسوله ،وأنهم يردون على ال أمره32. . .
ومثل هؤلء في الكفر والبغض لما جاء به الرسول من يكره كون المرأة ليست بمنزلة الرجل؛ ككرههم أن تكون دية المرأة نصف
دية الرجل ،وأن شهادة امرأتين بشهادة رجل واحد ،وغير ذلك؛ فهم مبغضون لقول النبي 32........................................... :
ومما ينبغي التنبيه عليه أن كثيرًا من الناس قد تبين له منكرًا ما ،فيرفض القبول ،ول يقبل ما تقول؛ خصوصًا عند ارتكابه ،فهذا ل
يطلق عليه أنه مبغض لما جاء به الرسول دون تفصيل؛ لنه قد ل يقبل الحق الذي جئته به ،ل لنه حق ،ولكن لسوء تصرفك في
المر بالمعروف والنهي عن المنكر ،فلو جاءه غيرك ،وبّين له نفس المنكر ،لقبل وانقاد ،أو أنه ل يقبل منك لما بينك وبينه من شيء
ما ،فهذا ل يسمى مبغضًا لما جاء به الرسول 34................................................................................................. .
ل وغيرهم ببغض ما وهناك من الناس من ُيلِزُم صاحب المعصية بما ل َيْلَزُم ،فُيلِزُم حالق اللحية ومسبل الزار وشارب الخمر مث ً
جاء به الرسول من المر بإعفاء اللحية وعدم السبال والنهي عن شرب الخمر ،فيقول لهم :لول أنكم تبغضون ما جاء به محمد
،لما فعلتم هذه المنكرات34.......................................................................................................................... .
الناقض السادس من نواقض السلم 35.....................................................................................................................
سوِلِهل َوآَياِتِه َوَر ُ قال رحمه ال)) :من استهزأ بشيء من دين الرسول ،أو ثوابه ،أو عقابه؛ كفر ،والدليل قوله –تعالىُ) :-ق ْ
ل َأِبا ِّ
ن ) (65ل َتْعَتِذُروا َقْد َكَفْرُتْم َبْعَد ِإيَماِنُكْم()(35......................................................................................... سَتْهِزُئو َ ُكْنُتْم َت ْ
وقد قسم غير واحد من أهل العلم)( الستهزاء بشيء مما جاء به الرسول إلى قسمين36................................................. :
أحدهما :الستهزاء الصريح؛ كالذي نزلت فيه الية وهو قولهم" :ما رأينا مثل قرائنا هؤلء :أرغب بطونًا ،ول أكذب ألسنًا ،ول
أجبن عند اللقاء" ،أو نحو ذلك من أقوال المستهزئين36........................................................................................ .
الثاني :غير الصريح :وهو البحر الذي ل ساحل له ،مثل :الرمز بالعين ،وإخراج اللسان ،ومد الشفة ،والغمزة باليد عند تلوة
كتاب ال أو سنة رسول ال أو عند المر بالمعروف والنهي عن المنكر36............................................................ .
ويجب على كل مسلم أن يصارم المستهزئين بدين ال وبما جاء به الرسول ،ولو كانوا أقرب الناس إليه ،وأن ل يجالسهم ،لئل
حّتى سَتْهَزُأ ِبَها َفل َتْقُعُدوا َمَعُهْم َ ل ُيْكَفُر ِبَها َوُي ْ
ت ا ِّ
سِمْعُتْم آَيا ِ
ن ِإَذا َ
ب َأ ْعَلْيُكْم ِفي اْلِكَتا ِ ل َ يكون منهم؛ كما قال ال -جل وعلَ) :-وَقْد َنّز َ
جِميعًا)36......................................()((140 جَهّنَم َ
ن ِفي َ ن َواْلَكاِفِري َ جاِمُع اْلُمَناِفِقي َل َ ن ا َّغْيِرِه ِإّنُكْم ِإذًا ِمْثُلُهْم ِإ ّ
ث َ حِدي ٍ ضوا ِفي َ خو ُ َي ُ
الناقض السابع من نواقض السلم 38.......................................................................................................................
السحر ُيطلق في اللغة على ما خفي ولطف مأخذه ودق38............................................................................................
ومن السحر الصرف والعطف39....................................................................................................................... :
فصل40...........................................................................................................................................................
المسألة الولى :هل للسحر حقيقة؟ 40.......................................................................................................................
ت ِفي اْلُعَقِد) ()((4على أن للسحر حقيقة ،وإل ،لم يأمر ال بالستعاذة منه40................. . شّر الّنّفاَثا ِ ن َ قد دل قوله -جل وعلَ) :-وِم ْ
ل ِإَلْيِه ِم ْ
ن خّي ُوذهب بعضهم إلى أنه ل حقيقة له ،وهو مذهب المعتزلة المنعزلة عن الكتاب والسنة ،واستدلوا بقوله -تعالىُ) :-ي َ
سَعى) ،()((66ولم يقل :تسعى على الحقيقة ,وقالوا :إن السحر إنما هو تمويه وتخيل وإيهام لكون الشيء ل حقيقة له، حِرِهْم َأّنَها َت ْسْ ِ
ب من الشعوذة! 40.............................................................................................................................. وأنه ضر ٌ
62 التبيان شرح نواقض السلم
قال العلمة ابن القيم رحمه ال)(" :وهذا خلف ما تواترت به الثار عن الصحابة والسلف ،واتفق عليه الفقهاء وأهل التفسير
ل وعقدًا وحّبا وبغضاً ل وح ّ والحديث وأرباب القلوب من أهل التصوف ،وما يعرفه عامة العقلء ،والسحر الذي يؤثر مرضًا وثق ً
وتزييفًا وغير ذلك من الثار موجود تعرفه عامة الناس "..إلخ كلمه41........................................................................ .
وقال القرطبي بعدما ذكر قول المعتزلة واستدللهم" :وهذا ل حجة فيه؛ لنا ل ننكر أن يكون التخيل وغيره من جملة السحر ،ولكن
ثبت وراء ذلك أمور جّوزها العقل ،وورد بها السمع41............................................................................................ :
المسألة الثانية :في حكم الساحر41.......................................................................................................................... :
اختلف العلماء رحمهم ال في الساحر :هل يكفر أم ل؟ 41...........................................................................................
وقال العلمة الشنقيطي رحمه ال" :التحقيق في هذه المسألة هو التفصيل42.................................................................... :
المسألة الثالثة :في قتل الساحر والساحرة43...............................................................................................................:
القول الول :وهو قول الجمهور :إنه يقتل ،وبه قال مالك وأحمد رحمهما ال43.................................................................
ل يبلغ به الكفر ،وهو قول الشافعي رحمه ال43.................................................... . القول الثاني :إنه ل يقتل إل إذا عمل عم ً
واحتج أصحاب القول الول بأدلة43................................................................................................................... :
وأما الذين قالوا :إن الساحر ل يقتل إذا لم يبلغ بسحره الكفر ،فاستدلوا بقول النبي " :ل يحل دم امرئ مسلم إل بإحدى ثلث :الثيب
الزاني ،والنفس بالنفس ،والتارك لدينه المفارق للجماعة"44........................................................................................
المسألة الرابعة :حل السحر عن المسحور44............................................................................................................. :
قال العلمة ابن القيم -رحمه ال" :-حل السحر عن المسحور نوعان44......................................................................... :
وأما الذهاب إلى السحرة والكهان والمنجمين والعرافين لسؤالهم فهذا جرم عظيم وخطأ كبير ،يترتب عليه عدم قبول صلة أربعين
ليلة ،لما روى مسلم في صحيحه ) (2230من حديث يحيى بن سعيد عن عبيد ال عن نافع عن صفية عن بعض أزواج النبي عن
النبي قال" :من أتى عرافًا فسأله عن شيء لم تقبل له صلة أربعين ليلة"45............................................................... .
الناقض الثامن من نواقض السلم 46.......................................................................................................................
قوله" :المظاهرة" ،أي :المناصرة46................................................................................................................... .
سئل العلمة عبد ال بن عبد اللطيف عن الفرق بين الموالة والتولي؟ فأجاب بأن التولي" :كفر يخرج عن الملة ،وهو كالّذ ّ
ب وقد ُ
عنهم وإعانتهم بالمال والبدن والرأي"46.............................................................................................................. .
الناقض التاسع من نواقض السلم 48.......................................................................................................................
سِبيِلِه()(48.................... ن َ عْق ِبُكْم َ
ل َفَتَفّر َ
سُب َ
سَتِقيمًا َفاّتِبُعوُه َول َتّتِبُعوا ال ّ
طي ُم ْ
صَرا ِ
ن َهَذا ِ
وذلك لتضمنه تكذيب قول ال تعالىَ) :وَأ ّ
وقد بوب المام محمد بن عبد الوهاب رحمه ال في "فضل السلم" بابًا عظيمًا ،فقال48....................................................:
قال شيخ السلم ابن تيمية -رحمه ال -بعد كلم سبق)(" :ومن هؤلء من يظن أن الستمساك بالشريعة أمرًا ونهيًا إنما يجب عليه ما
لم يحصل له من المعرفة أو الحال ،فإذا حصل له؛ لم يجب عليه حينئذ الستمساك بالشريعة النبوية ،بل له حينئذ أن يمشي مع الحقيقة
الكونية القدرية ،أو يفعل بمقتضى ذوقه ووجده وكشفه ورأيه؛ من غير اعتصام بالكتاب والسنة ،وهؤلء منهم من يعاقب بسلب حاله
حتى يصير منقوصًا عاجزًا محرومًا ،ومنهم من يعاقب بسلب الطاعة حتى يصير فاسقًا ،ومنهم من يعاقب بسلب اليمان حتى يصير
مرتدًا منافقًا أو كافرًا معلنًا ،وهؤلء كثيرون جّدا ،وكثير من هؤلء يحتج بقصة موسى والخضر"50..................................... .
وما أحسن ما قاله العلمة ابن القيم في "نونيته"52.................................................................................................. :
الناقض العاشر من نواقض السلم 53.....................................................................................................................
ت َرّبِه ُثّم
ن ُذّكَر ِبآيا ِ
ظَلُم ِمّم ْ
ن َأ ْ
قال رحمه ال)) :العراض عن دين ال تعالى؛ ل يتعلمه ،ول يعمل به ،والدليل قوله –تعالىَ) :-وَم ْ
ن) 53...................................................................................................()((22 ن ُمْنَتِقُمو َ
جِرِمي َ
ن اْلُم ْ
عْنَها ِإّنا ِم َ
ض َ
عَر َ
َأ ْ
والمراد بالعراض الذي هو ناقض من نواقض السلم :هو العراض عن تعلم أصل الدين الذي به يكون المرء مسلمًا ،ولو كان
ل بتفاصيل الدين؛لن هذا قد ل يقوم به إل العلماء وطلبة العلم53........................................................................... . جاه ً
سئل العلمة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن عن العراض الذي هو ناقض من نواقض السلم؟ 53.................. وقد ُ
قال الشيخ العلمة سليمان بن سحمان" :فتبين من كلم الشيخ أن النسان ل يكفر إل بالعراض عن تعلم الصل الذي يدخل به
النسان في السلم ،ل بترك الواجبات والمستحبات")(53........................................................................................ .
وقال العلمة ابن القيم -رحمه ال -في "مدارج السالكين"" :وأما الكفر الكبر؛ فخمسة أنواع"53.......................................... .
حكم الهازل والجاد والخائف والمكره 55....................................................................................................................
خاتمة56...........................................................................................................................................................
وهذا المسألة مسألة كبيرة طويلة ،تتبين لك إذا تأملتها في ألسنة الناس ،ترى من يعرف الحق ويترك العمل به ،لخوف نقص دنيا أو
جاه)( أو مداراٍة لحد ،وترى من يعمل به ظاهرًا ،ل باطنًا فإذا سألته عما يعتقد بقلبه؛ فإذا هو ل يعرفه56............................... .
ملحق58...........................................................................................................................................................
فهرس الموضوعات60.........................................................................................................................................