You are on page 1of 13

‫القانون الجنائي الدولي‬

‫بقلم دكتور ‪ /‬حنا عيسى أستاذ القانون الدولي‬

‫ً بحل القضايا الجوهرية‬


‫ً وثيقا‬
‫ترتبط مسألة إنشاء القانون الجنائي الدولي وتطويره ارتباطا‬
‫للعلقات الدولية العصرية أل وهي حفظ السلم وأمن البشرية ودرء أعمال العدوان ومنع‬
‫النتهاكات الواسعة للحقوق والحريات الساسية وغيرها من القضايا التي تعكر الجواء الدولية‬
‫اليوم‪.‬‬
‫إن رفع مستوى التعاون بين الدول في المقاضاة الجنائية للشخاص المذنبين بمخالفة القانون‬
‫الدولي ومعاقبتهم من شأنه أن يساعد على تفعيل الكفاح في سبيل درء أخطر أصناف الجرائم‬
‫الدولية ووضع حد لها‪.‬‬
‫ً في مجال‬
‫ً خاصا‬
‫استأثرت مسألة جوهر وآفاق القانون الجنائي الدولي ول تزال تستأثر اهتماما‬
‫العلم‪ ،‬وثمة عدد ل بأس به من المذاهب في هذا الصدد‪ ،‬المتناقضة‪ ،‬كالعادة‪ ،‬وغير الموضوعة بشكل‬
‫ً من هذه النقطة ينبغي في رأينا القيام بتحليل القانون الجنائي الدولي من زاوية‬
‫كاف‪ .‬وانطلقا‬
‫مصادره ونظريته من أجل فهم جوهر الموضوع‪.‬‬
‫إن مصادر القانون الجنائي الدولي شأنها شأن مصادر القانون الدولي يجب فهمها بمعنى مزدوج‪،‬‬
‫ًا‪ ،‬بمعنى أسلوب‬
‫ً على القانون الجنائي الدولي‪ ،‬ثاني‬
‫ً حاسما‬
‫أول‪ ،‬بمعنى ذلك الساس الذي يؤثر تأثيرا‬
‫أول شكل يظهر هذا الساس من خلله‪ .‬وفي الحالة الولى يجب أن نفهم بمصدر القانون الجنائي‬
‫ً مادية بما في ذلك نضال الدول وتعاونها ومصلحتها المشتركة وتعلقها المتبادل في‬
‫الدولي أسبابا‬
‫الكفاح ضد الجرائم الدولية‪ .‬وفي الحالة الثانية ينبغي أن نفهم مصدر القانون الجنائي الدولي‬
‫بالمعنى القانوني أي بمعنى ذلك الشكل الذي يتجلى من خلله هذا الغرض أو ذاك وبمعنى ذلك‬
‫الشكل الذي تتخذه قاعدة من قواعد القانون الجنائي الدولي‪.‬‬
‫ولدى الحديث عن مصادر القانون الجنائي الدولي بالمعنى القانوني يجب أل يغيب عن بالنا أن‬
‫ً ل يتجزأ من ميثاق المم المتحدة‬
‫المادة ‪ 38‬من نظام المحكمة الدولية الساسي الذي يشكل جزءا‬
‫ً منها خلفات محالة عليها على قاعدة‬
‫تحدد المصادر التي يتوجب على المحكمة أن تسوي انطلقا‬
‫القانون الدولي على الشكل التالي‪:‬‬
‫‪ -1‬التفاقيات الدولية سواء أكانت عامة أو خاصة‪.‬‬
‫ً للممارسة العامة المعترف بها بصفة القاعدة القانونية‪.‬‬
‫‪ -2‬العرف الدولي بصفته إثباتا‬

‫‪1‬‬
‫‪ -3‬المبادئ العامة للقانون‪.‬‬
‫‪ -4‬أحكام المحاكم ومقرراتها ووثائقها‪.‬‬
‫وكان الحق مع الحقوقيين الدوليين أ‪ .‬بولتوراك ول‪ .‬سافينسكي حين كتبا أنه لدى تقييم تطور‬
‫ً أن ما يسمى بـ "قانون‬
‫ً صائبا‬
‫قواعد القانون الدولي في المجال قيد البحث يستخلصون استنتاجا‬
‫نورنبرغ" أي مجموعة من القواعد الخاصة بالمسؤولية الجنائية عن الجرائم ضد السلم والنسانية‬
‫وجرائم الحرب قد تشكل ويمارس فعله وذلك على أساس مبادئ نورنبرغ التي تم تطويرها‬
‫واستكمالها في اتفاقيات جنيف بشأن حماية ضحايا الحرب وفي اتفاقية لهاي لعام ‪ 1954‬حول‬
‫حماية القيم الثقافية في حالة نشوب نزاع مسلح وكذلك )الضافة من المؤلف( البروتوكولين‬
‫الضافيين ‪ 1‬و ‪ 2‬الملحقين باتفاقيات جنيف لعام ‪ 1977‬والتفاقية حول عدم تطبيق مبدأ مضى‬
‫المدة على جرائم حرب والجرائم ضد النسانية لعام ‪ 1968‬والتفاقية بشأن البادة بالجملة‬
‫والتمييز العنصري‪.‬‬
‫ً للقانون الجنائي الدولي بالدرجة‬
‫وينبغي اعتبار التفاقيات والمعاهدات الدولية قبل غيرها مصدرا‬
‫الولى‪ .‬وتعد التفاقية حول تأسس المحكمة العسكرية الدولية لمحاكمة مجرمي الحرب اللمان‬
‫والخرى لمحاكمة مجرمي الحرب اليابانيين الرئيسين وكذلك نظاما هاتين المحكمتين والحكام‬
‫الصادرة عنهما مواثيق أساسية منها في أيامنا هذه‪ .‬إن الوثائق المذكورة آنفا التي تم إعدادها‬
‫ً لعلن حكومات التحاد السوفيتي والوليات المتحدة وبريطانيا الصادر في ‪2‬‬
‫وإقرارها وفقا‬
‫نوفمبر عام ‪ 1943‬حول مسؤولية الهتلريين عن الجرائم الوحشية المقترفة ولقرارات مؤتمري‬
‫القرم وبودسنام‪ ،‬تعتبر في حقيقة المر أول قوانين جنائية دولية إجرائية لنها بصفتها وثائق‬
‫ً لجراءات مقاضاة‬
‫دولية تتضمن لول مرة عناصر للجرائم الدولية وكذلك ترتيبها مفصل‬
‫المجرمين والنظر في الدعاوى الخاصة بالجرائم التي تشملها دائرة اختصاص المحكمة الدولية‪.‬‬
‫على وجه الخصوص‪ .‬نص نظام محكمة نورنبرغ العسكرية الدولية على عناصر لثلثة أصناف من‬
‫الجرائم التي تجر المسؤولية الجنائية إلى الشخاص الطبيعيين أل وهي الجرائم ضد السلم‬
‫وجرائم الحرب والجرائم ضد النسانية‪(1).‬‬
‫والحق مع العضو االمراسل لكاديمية العلوم الروسية غ‪ .‬تونكين حين كتب يقول إنه "يجري‬
‫إحداث قواعد من خلل التوفيق بين إرادة الدول المختلفة أو غيرها من ذوات )أو أهال( القانون‬
‫الدولي‪ .‬وتعتبر المعاهدة الدولية والعرف الدولي مشكلين أساسيين من التوفيق‪ .‬وتجري عملية‬
‫ًا‪،‬‬
‫ل‪ ،‬التوفيق بين إرادات الدول بصدد قواعد السلوك بحد ذاته‪ ،‬ثاني‬
‫ً‬‫التوفيق عبر مرحلتين‪ ،‬أو‬
‫التوفيق بين إرادات الدول بصدد العتراف المتبادل بهذه القاعدة كقاعدة ملزمة من الناحية‬

‫‪2‬‬
‫القانونية‪ .‬وتجدر الشارة إلى أن عملية التوفيق بين إرادات الدول ل سيما عند إحداث القواعد‬
‫العادية من القانون الدولي قد تكون طويلة بما فيه الكفاية وتدريجية لذا وفي كل حالة من‬
‫الحالت يمكن أن نتعاطى مع بداية هذه العملية أو أطوارها المرحلية أو نهاياتها‪ .‬وتكمن ميزة هامة‬
‫ً في توسيع مجال هذه العملية بواسطة إما المعاهدة‬
‫لعملية إحداث القواعد في القانون الدولي أيضا‬
‫الدولية إما العرف الدولي)‪.(2‬‬
‫وبين الدلة التي تثبت وجود قواعد القانون الجنائي الدولي يجب بالدرجة الولى ذكر قرار‬
‫الجمعية العامة للمم المتحدة رقم ‪) 95‬د‪ (1 /‬الذي تم اقراره بالجماع في ‪ 11‬ديسمبر عام ‪.1946‬‬
‫وأكد هذا القرار أن مبادئ نورنبرغ تعتبر مبادئ للقانون الدولي‪ .‬وصاغت لجنة القانون الدولي‬
‫التابعة للمم المتحدة مبادئ القانون الدولي المعترف بها في نظام محكمة نورنبرغ والحكم‬
‫ً للمادة ‪ 6‬من ذلك‬
‫ً للمادة بهذا الخصوص‪ .‬ووفقا‬
‫الصادر عنها وناقشت في عام ‪ 1950‬مشروعا‬
‫المشروع تشكل الجرائم ضد السلم وجرائم حرب جرائم في نظر القانون الدولي‪ .‬أما المادة ‪ 1‬من‬
‫ً من حيث القانون الدولي عليه أن‬
‫ً إجراميا‬
‫نفس المشروع فنصت على أن أي شخص يرتكب عمل‬
‫يتحمل المسؤولية عنه ويخضع للعقاب‪.‬‬

‫كما نص مشروع لئحة الجرائم ضد السلم وأمن النسانية الذي أعدته لجنة القانون الدولي‬
‫وقدمته للجمعية العامة للمم المتحدة في عام ‪ 1954‬على أن الجريمة ضد السلم وأمن البشرية‬
‫ً من حيث القانون الدولي يعاقب من يقترفها من الشخاص‪ .‬ورغم أن الجمعية‬
‫تعتبر جريمة أيضا‬
‫ً بصدد كل من الوثيقتين وتم إرجاء بحثها إلى ما بعد‪ ،‬إل أنها لم تقدم‬
‫ً نهائيا‬
‫العامة لم تصدر قرارا‬
‫اعتراضات على مبدأ المسؤولية الجنائية للشخاص الطبيعيين عن الجرائم الدولية وبذلك أصبحت‬
‫ً للقانون الجنائي الدولي‪ .‬وينبغي هنا القول أن الجمعية العامة في قرارها‬
‫هذه الوثائق مصدرا‬
‫ً بأن مشروع القرار قد طرح من قبل ‪14‬‬
‫المتعلق بلئحة الجرائم ضد السلم وأمن البشرية )علما‬
‫دولة بما فيها التحاد السوفيتي( كلفت المين العام للمم المتحدة بالتوجه إلى الدول أعضاء‬
‫المنظمة بطلب تقديم تعليقاتها وملحظاتها حول مشروع لجنة القانون الدولي حتى ‪ 31‬ديسمبر‬
‫ً ليقدم إلى الدورة الجديدة للجمعية العامة‪.‬‬
‫ً مناسبا‬
‫عام ‪ 1979‬على أن تعد السكرتاريا تقريرا‬
‫وتعتبر التفاقية الخاصة بعدم تطبيق مبدأ مضي المدة على مجرمي الحرب والجرائم ضد النسانية‬
‫التي أقرتها الجمعية العامة للمم المتحدة في ‪ 26‬نوفمبر عام ‪) 1968‬في قرارها رقم ‪(2391‬‬
‫وثيقة أخرى تدخل في دائرة مصادر القانون الجنائي الدولي‪.‬‬
‫ويجب أل يغيب عن البال أن ثمة اتفاقيات أخرى مثل التفاقية بشأن درء جرائم البادة بالجملة‬
‫والمعاقبة عليها والتفاقية الدولية حول القضاء على كافة أشكال التمييز العنصري والتفاقية‬
‫‪3‬‬
‫ً بأن المادة ‪ 4‬منها تحدد بوضوح مسؤولية‬
‫بشأن درء جرائم التمييز العنصري والمعاقبة عليها علما‬
‫الشخاص الطبيعيين عن ارتكاب جرائم البادة بالجملة أمام المجتمع الدولي‪ .‬وجاء فيها أن‬
‫"الشخاص الذين اقترفوا جرائم البادة بالجملة وأية من الجرائم المسرودة في المادة ‪ 3‬تخضع‬
‫ً غير‬
‫ً مسؤولين بموجب الدستور أو موظفين أو أشخاصا‬
‫للعقاب بغض النظر عن كونهم حكاما‬
‫رسميين")‪(4‬‬
‫يمكن مواصلة قائمة القوانين والوثائق والتفاقيات التي تضبط بصورة مباشرة القانون الجنائي‬
‫الدولي وتعتبر مصادر له‪ (5).‬مع ذلك يمكن استخلص استنتاج من الن مؤداه أنه رغم كون هذه‬
‫التفاقيات تثبت المبادئ الساسية للقانون الدولي بصورة عامة‪ .‬إل أنها تضبط المسؤولية الجنائية‬
‫للشخاص الطبيعيين في الزمن والمجال وبهذا تصبح هذه المبادئ مصادر للقانون الجنائي الدولي‪.‬‬
‫وتنص التفاقيات والمعاهدات العديدة على التزام الدول المشاركة فيها بتمرير عبر هيئاتها‬
‫التشريعية وفي حالة نقص القوانين الجنائية الوطنية إجراءات ضرورية لمقاضاة الجرائم‬
‫المنصوص عليها في هذه القوانين‪ .‬وجاء في بعض التفاقيات أن الحكومة تتعهد بمعاقبة من يخالف‬
‫تنفيذ اللتزامات وذلك بحرمان المسؤولين من الحرية وغيرها من أصناف العقاب‪.‬‬
‫ً للقانون الدولي الجنائي‪ .‬وفي رأي‬
‫ً مصدرا‬
‫وإلى جانب المعاهدة يمكن اعتبار العرف الدولي أيضا‬
‫ًا‪ ،‬خاصة وأن دور‬
‫ً ثاني‬
‫العديد من الحقوقيين المشهورين‪ ،‬ل يجوز اعتبار القانون العرفي مصدرا‬
‫العراف يتزايد باستمرار‪ .‬وبهذا الخصوص كان الحق مع الباحث غ‪ .‬دانيلينكو حين قال أثناء‬
‫انعقاد الجتماع السنوي الثاني والعشرين للجمعية السوفيتية للقانون الدولي في عام ‪ 1984‬إن‬
‫"المعاهدة والعرف لهما قوة قانونية متساوية ومماثلة"‪.‬‬
‫ً على‬
‫وبموجب المادة ‪ 38‬من نظام المحكمة الدولية الساس يعتبر العرف الدولي بصفته برهانا‬
‫ً من مصادر القانون الدولي‪ .‬في بادئ المر‬
‫الممارسة العامة المعترف بها كقاعدة قانونية واحدا‬
‫تظهر ظاهرة جديدة من خلل الممارسة التي ل تنكرها أكثرية الدول ومحاكم القانون الدولي‬
‫ً يتخذ صفة القاعدة العرفية القانونية‪.‬‬
‫بل وتعترف بها في صمت‪ .‬ثم تصبح هذه الممارسة عرفا‬
‫وفي كافة الحالت يظهر عنصران مترابطان هما الحاجة العملية الموضوعية التي ل تتوقف‪،‬‬
‫ل‪ ،‬وقرار الذوات العملي الواعي بشأن العتراف بهذه‬
‫ً‬‫كالعادة‪ ،‬على إرادة الناس ووعيهم‪ .‬أو‬
‫ًا‪" ،‬توافق أو‪ ،‬بالحرى‪ ،‬تطبق إرادة ذوات القانون الدولي كما يجب أن يقال في هذا‬
‫الممارسة‪ ،‬ثاني‬
‫الصدد"‪.‬‬
‫ويشير غ‪ .‬تونكين بحق إلى أن "مشكلة القواعد العرفية للقانون الدولي تعتبر إحدى أكثر القضايا‬
‫ً في الوقت ذاته‪ (6).‬وبالفعل‪ ،‬ثمة كثير من النظريات‬
‫النظرية في القانون الدولي أهمية وتعقيدا‬

‫‪4‬‬
‫في روسيا وفي الدبيات الجنبية التي ل يضع صاحب هذه السطور تحليلها نصب عينيه لن مثل هذا‬
‫التحليل يخرج عن نطاق الطروحة‪ .‬مع ذلك ينبغي التنويه بأن أغلبية الحقوقيين يعترفون‬
‫بضرورة العتراف بين العوامل الخرى بما يسمى بقاعدة عرفية في القانون الدولي ‪pinion junis‬‬
‫من قبل الدول أي توفيق إرادتها حسب قول غ‪ .‬تونكين‪(7).‬‬
‫وفي القرن التاسع عشر أدى تطور العلقات بين الدول على قاعدة الرأسمالية الصناعية إلى وجوب‬
‫خوض النضال المشترك ضد "الجرائم الدولية" مثل القرصنة وتجارة العبيد‪.‬‬
‫في رأينا‪ ،‬كان القانون الجنائي الدولي الذي نشأ في نهاية القرن التاسع عشر‪ ،‬ما زال في "حالة‬
‫الجنين" في مطلع القرن العشرين‪.‬‬
‫ًا‪.‬‬
‫ً للقانون الجنائي الدولي أيض‬
‫ً مساعدا‬
‫ويمكن اعتبار مقررات المنظمات والهيئات الدولية مصدرا‬
‫ويمكن أن تنسب إليها قرارات المم المتحدة الخاصة بتسليم مجرمي الحرب وقرارات مجلس‬
‫الرقابة على ألمانيا وبالخص القانون رقم ‪ 10‬الصادر عن مجلس الرقابة حول جرائم الحرب‬
‫والقانون رقم ‪ 11‬حول إبطال مفعول بعض القوانين الجنائية التي جرى تطبيقها في ألمانيا‬
‫بضمنها قانون عدم جواز تسليم الرعايا اللمان وغيرها من القوانين‪ .‬وتتضمن كل هذه المقررات‪،‬‬
‫بالتأكيد‪ ،‬الحكام الكفيلة بإحداث قواعد للقانون الجنائي الدولي‪.‬‬
‫ً للقانون الجنائي الدولي إذا لقيت هذه التشريعات‬
‫ً مساعدا‬
‫ً مصدرا‬
‫وتعد التشريعات الوطنية أيضا‬
‫ً بها على النطاق الدولي أي خارج حدود هذه الدولة أو تلك‪ .‬على سبيل المثال‪ ،‬يمكن أن يقر‬
‫اعترافا‬
‫قانون هذه الدولة أو تلك الخاص بتسليم الجناة قواعد مبنية على أسس المعاملة بالمثل مع دول‬
‫ً للقانون الجنائي‬
‫أخرى‪ .‬ثم يمكن للقانون ذاته أن يكتب أهمية اتفاقية دولية ليصبح هكذا مصدرا‬
‫الدولي‪ .‬وتتضمن قوانين بعض الدول قواعد تنص على إلقاء المسؤولية الجنائية عن الجرائم‬
‫ًا‬
‫ً خاص‬
‫المخلة بأمن دول أخرى‪ .‬على سبيل المثال‪ ،‬تضن القانون الجنائي اللماني لعام ‪ 1971‬فصل‬
‫عنوانه "العمال المعادية للدول الصديقة" كما تضمن القانون الجنائي السويسري لعام ‪1937‬‬
‫ً الجرائم أو الجنح التي تعرض للخطر العلقات مع الدول الجنبية"‪...‬إلخ‪ ،‬ما‬
‫ً معنونا‬
‫ً خاصا‬
‫فصل‬
‫عدا ذلك يمكن سياقة مثال دستور التحاد السوفيتي لعام ‪ 1977‬الذي نص على إنزال عقوبة لقاء‬
‫الدعاية للحرب والتحريض عليها‪.‬‬
‫بالتالي‪ ،‬يمكن أن ينص التشريع الجنائي الوطني على نشوء حالت حين تصبح أسس المعاشرة‬
‫ً للقانون الجنائي الدولي‪.‬‬
‫ً للعتداء مما يجعل هذا التشريع مصدرا‬
‫الدولية هدفا‬
‫على صعيد النظرية والقانون الجنائي الدولي يتبين لدى تحليل المؤلفات الروسية والجنبية أنه‬
‫ليس ثمة تعريف دقيق لمفهوم هذا الفرع القانوني في نظام القانون العام‪ .‬ومن أجل تبيان مواقف‬

‫‪5‬‬
‫كبار المؤلفين المتخصصين في هذا المجال ينبغي‪ ،‬في اعتقادنا‪ ،‬تناول عدد من الراء التي أدلى بها‬
‫ممثلو الجيال السابقة‪ .‬لقد اعتقدوا بالخص أن مسائل مفعول القانون الجنائي في المجال المعين‬
‫وحق الحصانة وتسليم الجناة وحق اللجوء كانت أساسية في القانون الجنائي الدولي في القرن‬
‫ً في بعض التعريفات النظرية‪.‬‬
‫التاسع عشر‪ ،‬مما وجد انعكاسا‬
‫ل‪ ،‬أن "القانون الجنائي الدولي يتكون من مجموعة القواعد التي ترمي‬
‫ً‬‫ورأى الستاذ ترافرس‪ ،‬مث‬
‫إلى إحدى الغايات التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬الشارة إلى قانون قابل للتطبيق في الحالة المعينة أو مجموعة من القوانين‪.‬‬
‫‪ -2‬تحديد العواقب التي يجب أن يعترف بها سواء في أحد القوانين الجنائية المقرة في بلد آخر أو‬
‫المعينة في أحد الحكام الصادرة في مجال مفعول هذه القوانين وتقرير هل يمكن أو يجب أن تكون‬
‫هناك منافسة في مسائل إنزال الجزاء بين السلطة المحلية والقائمة في بلد آخر وإثبات عناصر‬
‫التفاق بشأن التوحيد المحتمل إذا سنحت الفرصة‪(8).‬‬
‫ًا‪ ،‬الذي تبناه‪ ،‬في رأينا‪ ،‬الحقوقيون في ذلك الوقت أسهم‬
‫ولكن رغم الموقف غير الصحيح‪ ،‬عموم‬
‫العلماء الروس بقسط كبير في قضية إنشاء القانون الجنائي الدولي الحديث بمؤلفاتهم‪ .‬وكان ن‪.‬‬
‫كوركونوف من بين الوائل الذين دعموا بالحجج والبراهين في الدبيات الصادرة قبل "تجربة‬
‫إنشاء القانون الجنائي الدولي"‬
‫ًا)‪ (10‬في اعتقاده‪ ،‬اعترفت نظرية‬
‫ً عالج فيه هذه المسألة أيض‬
‫ً شامل‬
‫)‪ (9‬ثم ألف ف‪ .‬مارتنس كتابا‬
‫القانون الدولي في ذلك الوقت بأصناف معينة من مخالفات القانون ذات الطابع الدولي بصفة‬
‫الجرائم وألقت اللتزام الدولي على عاتق كافة الدول بمعاقبة مرتكبي هذه الجرائم‪ .‬وكان‬
‫ً إذ كتب أن أي إنكار فعلي وغير شروط لحقوق‬
‫الحقوقي اللماني أ‪ .‬جفتر يشاطر هذا الرأي أيضا‬
‫الفراد والشعوب وأي اعتداء على هذه الحقوق ذا طابع عام أو خاص مقرونين بعدم اتخاذ تدابير‬
‫ً عامة لهدار هذه‬
‫ً للقانون الدولي وإهانة لجميع الدول ويخلقان ظروفا‬
‫مناسبة يشكلن خرقا‬
‫الحقوق"‪(11).‬‬
‫أما الحقوقي السويسري المعروف بلونشلي فقد نسب إلى عداد الجرائم المقترفة من قبل الشخاص‬
‫القرصنة ونهب ممتلكات الجانب واضطهاد الجانب بشكل مكشوف وقاس والستعباد وأشار في هذا‬
‫الصدد إلى أنه "ليست الدولة المتضررة وحدها بل وكل الدول الخرى التي تملك طاقات كفيلة‬
‫بالدفاع عن القانون الدولي يجب أن تتصدى لي انتهاك للقانون الدولي وبذل جهود فعالة من أجل‬
‫ل"‪ (12) .‬ويجب‬
‫ً‬‫ً شام‬
‫استعادة النظام القانوني وتأمينه إذا كان ذلك النتهاك يحمل في طياته خطرا‬
‫ً بين‬
‫ً واضحا‬
‫القول مع ذلك أن نظرية القانون الجنائي الدولي لم تميز في الماضي تمييزا‬

‫‪6‬‬
‫المسؤولية الدولية للدول‪ ،‬من جهة‪ ،‬والمسؤولية الجنائية الدولية للشخاص الطبيعيين وصاغت‬
‫ً لن هذه المبادئ‬
‫مبدأ المسؤولية الجنائية الدولية بشكل مبهم‪ .‬وكان مثل هذا الموقف مفهوما‬
‫ًا‬
‫كانت تجتاز مرحلة التكوين في ذلك الوقت‪ .‬بيد أن التأثير السلبي لمثل هذا الموقف وجد انعكاس‬
‫ًا‪.‬‬
‫ًا‪ ،‬المر الذي سنتناوله لحق‬
‫له في أيامنا هذه أيض‬
‫وكانت لمسألة مكانة القانون الدولي الجنائي في النظام العام للقانون أهمية كبيرة من حيث حل‬
‫المسائل المحددة النظرية والعملية‪ .‬وكانت المحاولت الرامية إلى صياغة مفهوم القانون الجنائي‬
‫الدولي تستند ول تزال تستند إلى الفكار التالية‪:‬‬
‫ً في القانون الدولي‪.‬‬
‫ً مستقل‬
‫‪ -1‬يعتبر القانون الجنائي الدولي فرعا‬
‫ً من القانون الدولي‪.‬‬
‫‪ -2‬يعتبر القانون الجنائي الدولي جزءا‬
‫ً من القانون الجنائي‪.‬‬
‫‪ -3‬يعتبر القانون الجنائي الدولي جزءا‬
‫ً في القانون‪.‬‬
‫ً وشامل‬
‫ً مركبا‬
‫ً مستقل‬
‫‪ -4‬يعتبر القانون الجنائي الدولي فرعا‬

‫يتبـــــــــــــــــــــــــــــع ‪...........................‬‬

‫ولكي نفهم ونميز المواقف يجب أن ننظر في بعض الفكار التي طرحها ويطرحها من يقفها‪ .‬على‬
‫وجه الخصوص‪ ،‬كتب الستاذ الروسي ي‪ .‬كاربيتس الذي يؤيد الفكرة الولى يقول إنه "من‬
‫المنطقي استخلص استنتاج مؤداه أن القانون الجنائي الدولي يساعد على التنمية الطبيعية للعلقات‬
‫ً من القانون الدولي الذي يعالج مهمات‬
‫الدولية‪ .‬مع ذلك ل يشكل القانون الجنائي الدولي جزءا‬
‫أوسع بكثير من مسائل مسؤولية المجرمين القانونية الدولية‪ .‬ول يجوز اعتبار القانون الجنائي‬
‫ً من القانون الدولي العام")‪ (13‬في رأينا‪ ،‬أن مثل هذا التحديد لمفهوم القانون الجنائي‬
‫الدولي جزءا‬
‫ً بين‬
‫ً بمعنى أن القانون الجنائي الدولي‪ ،‬في أساسه‪ ،‬يعتبر تعاونا‬
‫الدولي وجوهره غير صحيح تماما‬
‫ً من ذلك وضع القانون‬
‫الدول والمنظمات الدولية أي ذوات القانون الدولي‪ .‬ول يمكن انطلقا‬
‫الجنائي الدولي بشكل مصطنع خارج القانون الدولي‪ ،‬المر الذي يؤكده كاربيتس نفسه في‬
‫تعريفه لماهية القانون الجنائي الدولي‪.‬‬
‫وكان العلماء البارزون الخرون مثل ب‪ .‬روماشيكن و د‪ .‬ليفين و أ‪ .‬تراينين قد طرحوا في‬
‫ً عن استقللية القانون الجنائي الدولي كفرع من فروع القانون الدولي‪.‬‬
‫مؤلفاتهم أفكارا‬
‫ً في القانون الدولي فكان الستاذ مايلي‬
‫ً شامل‬
‫ً مركبا‬
‫أما فكرة كون القانون الجنائي الدولي فرعا‬
‫والباحثة ل‪ .‬جالينسكايا)‪ (14‬من أنصارها إذ أشارا في مؤلفاتهما إلى أن القانون الجنائي الدولي‬

‫‪7‬‬
‫كفرع مستقل في القانون الدولي ليس له وجود‪ ،‬بل وما هو الموجود هو القانون الجنائي الدولي‬
‫كفرع مركب في علم القانون الدولي‪ .‬ويتمسك الستاذ مايلي بنفس الخط‪ ،‬إذ وصف القانون‬
‫الجنائي الدولي في كتابه المعنون "القانون الجنائي الدولي والمرافعات الجنائية"‪ ،‬إذ يعترف‬
‫بوجود القانون الجنائي الدولي كفرع متكامل مستقل من القانون‪ ،‬وصفه بـ "مجموعة متكاملة من‬
‫القواعد والشروط والحكام القانونية التي تنبثق من واقع خضوع العمال الجرامية حقيقة أو‬
‫ً تحت مفعول القوانين الجنائية لعدد من الدول المستقلة بعضها عن البعض من الناحية‬
‫افتراضا‬
‫السياسية"‪ .‬لكن لدى مثل هذا التعريف ل تعود إلى القانون الجنائي الدولي إل تلك القواعد أو‬
‫الحكام التي تعالج "تصادم" القانونيين الوطنيين أو أكثر وتقتصر على مسائل القانون الجنائي‬
‫ً رأي كل من‬
‫الدولي على معالجة مسألة مفعول القانون الجنائي في مجال ما‪ .‬ويكمن في ذلك أيضا‬
‫الحقوقيين المشهورين بيل وبوزيا‪(15).‬‬
‫أما أحد أشهر الحقوقيين الدوليين في أمريكا اللتينية بوستامنتي فيقسم القانون الجنائي الدولي‬
‫إلى‪ :‬القانون العام والقانون الخاص كما هو الحال بالنسبة للقانون الدولي‪ .‬ويعتقد الباحث أن‬
‫القانون الجنائي الدولي العام يجب أن يتولى مسائل تعيين مسؤولية الشخاص المعنويين عن‬
‫الجرائم المقترفة من جانبهم‪ (16).‬غير أن مثل هذا التحديد لمادة القانون الجنائي الدولي‪ ،‬من‬
‫ٍض‪ .‬كما نعترض على أساس نظرية بوستامنتي حول تقسيم‬
‫وجهة نظرنا‪ ،‬ل يمكن اعتباره مر‬
‫القانون الجنائي الدولي إلى قسمين دون التمييز بينها وبين الصنفين من القانون الدولي‪.‬‬
‫أما علم القانون الروسي فلدى تحليله لنظام القانون ينطلق من أن تقسيم الفرع يجب أن يكون‬
‫حسب مادة ضبط العلقات وأسلوبه‪.‬‬
‫ً للقانون الجنائي الدولي أل وهو‪:‬‬
‫ويقدم غ‪ .‬شفارتسينبرغر مفهوما فريدا‬
‫‪ -1‬القانون الجنائي الدولي من حيث الوجه القليمي لتطبيق القانون الجنائي الوطني‪.‬‬
‫‪ -2‬القانون الجنائي الدولي بمعنى أحكام القانون الجنائي الوطني التي يعنيها القانون الدولي‪.‬‬
‫‪ -3‬القانون الجنائي الدولي بمعنى أحكام القانون الجنائي الوطني التي يسمح القانون الدولي بها‪.‬‬
‫‪ -4‬القانون الجنائي الدولي بمعنى القانون الجنائي الوطني الذي يخص المم المتحضرة كلها‪.‬‬
‫‪ -5‬القانون الجنائي الدولي بمعنى التعاون الدولي عند تحقيق العدل الجنائي على المستوى‬
‫الوطني‪.‬‬
‫‪ -6‬القانون الجنائي الدولي في مغزى الكلمة المادي‪.‬‬
‫إننا نوافق على تعليق الستاذ ي‪ .‬ريشيتوف على مثل التصنيف)‪ (17‬بحيث قال إن المعنى الول‬
‫والمعنى الخاص من هذا المفهوم متطابقان‪ ،‬إذ يدور الحديث فيهما عن تعاون الدول في حل‬

‫‪8‬‬
‫الخلفات والنزاعات القانونية عن طريق إما استخدام القواعد الخاصة بحالة النزاع إما عقد‬
‫ًا‪ ،‬فليست للمعنى الثاني والمعنى الثالث علقة‬
‫ل‪ .‬أما ثاني‬
‫ً‬ ‫اتفاقيات حول المساعدة القانونية‪ .‬هذا أو‬
‫مباشرة بالقانون الجنائي الدولي لن مادتها تتمثل في أحكام القانون الجنائي الداخلي وإن تنجم‬
‫ًا‪ ،‬يعتبر شفارتسينبرغر من‬
‫هذه الحكام عن القانون الدولي‪ ،‬في نظر غ‪ .‬شفارتسينبرغر‪ .‬ثالث‬
‫مناصري المذهب الباطل لمسؤولية الدول الجنائية‪ .‬من هنا ينبع تشاؤمه حيال القانون الجنائي‬
‫الدولي بمعنى أهميته بحد ذاته"‪.‬‬
‫هذا وينسب بعض العلماء القانون الجنائي الدولي إلى القانون الجنائي الوطني‪ .‬ويجب أن نتوقف‬
‫عند هذا الموضوع‪ .‬ومن أجل تبيان بطلن هذا الموقف وخطأه نتناول نظام المحكمة العسكرية‬
‫الدولية‪ .‬تنص المادة ‪ 6‬من النظام على ثلثة أصناف أساسية من الجرائم الدولية هي‪:‬‬
‫أ‪ -‬جرائم ضد السلم‪.‬‬
‫ب‪ -‬جرائم الحرب‪.‬‬
‫ج‪ -‬جرائم ضد النسانية‪.‬‬
‫إن هذه الجرائم الدولية تتميز بميزة مبدئية جوهرية عن مفهوم عناصر الجريمة المحددة في‬
‫القانون الجنائي الوطني من هنا ينجم الختلف في تركيبة عناصر الجريمة‪.‬‬
‫ل‪ ،‬يفترض العدوان تنفيذ مجموعة من الجراءات المتعلقة باستخدام مختلف مؤسسات الدولة‬
‫ً‬‫مث‬
‫ومنظماتها وهيئاتها ويشتمل على أعمال القتل الواسعة النطاق ضد السكان المدنيين‪ .‬والعكس‬
‫ً للتشريع الوطني‪ ،‬مثل القتل أو السرقة أو السلب وغيرها من‬
‫بالعكس‪ ،‬تفترض الجريمة وفقا‬
‫ً مثل الطعن بالسكين أو إطلق طلقة نارية منفردة أو السطو على الشقة‪...‬إلخ‪،‬‬
‫ل فرديا‬
‫ً‬‫الجرائم عم‬
‫غير أن العلقة بين القانون الجنائي الدولي والقانون الجنائي الوطني تتمثل من خلل صيرورة‬
‫ً من التشريع الوطني‪ .‬ويتم إنشاء المؤسسات‬
‫بعض الحكام المنفردة من القانون الدولي جزءا‬
‫والنظم الخاصة في القانون الجنائي الدولي‪ ،‬بدورها‪ ،‬على قاعدة المبادئ العامة من القانون الجنائي‬
‫ً من طابع الجريمة الدولي أو الوطني‪ .‬وإذا اعتبر‬
‫الوطني‪ .‬هكذا يجب إجراء التمييز بينهما انطلقا‬
‫ً بأن‬
‫ً على العلقات الجتماعية السائدة في هذه الدولة بالذات علما‬
‫التشريع الوطني جريمة ما تطاول‬
‫ً على الطبقة الحاكمة فيها‪ ،‬فإن الجريمة الدولية من‬
‫الفعال الجرامية هي تلك التي تشكل خطرا‬
‫ٍ‬
‫ّد على أسس المعاشرة الدولية‪ .‬وينجم عما قيل أن القانون‬
‫وجهة نظر القانون الدولي تعتبر تع‬
‫ً من القانون الجنائي الوطني‪.‬‬
‫الجنائي الدولي ل يعتبر جزءا‬
‫ً من كون القانون الدولي قد اعترف بمبادئ‬
‫وأبدى بعض الحقوقيين البرجوازيين انطلقا‬
‫المسؤولية الفردية للشخاص الطبيعيين في نظام محكمة نورنبرغ العسكرية والقرار الخاص‬

‫‪9‬‬
‫الصادر عن الجمعية العامة لمنظمة المم المتحدة في ‪ 11‬ديسمبر عام ‪ 1946‬حول تأكيد مبادئ‬
‫القانون الدولي المعترف بها في نظام محكمة نورنبرغ العسكرية‪ ،‬أبدو رأيهم حول ظهور نوع‬
‫جديد من مسؤولية الدولة أل وهي المسؤولية الجنائية‪ .‬وكان الستاذ بيل من أنشط العاملين على‬
‫ً للقانون الجنائي الدولي على شكل ملحق بمؤلفة المعنون‬
‫معالجة هذه المسألة‪ ،‬إذ وضع مشروعا‬
‫"الحرب الجرامية ومجرمو الحرب"‪ .‬وفي هذا العمل سمي الباحث تلك العقوبات التي يجب أن‬
‫تنزل بحق الدولة الجانية وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬العقوبات الدبلوماسية )مثل النذارات وقطع العلقات الدبلوماسية‪...‬إلخ(‪.‬‬
‫‪ -2‬العقوبات القانونية )مثل مصادرة ممتلكات المواطنين‪...‬إلخ( والعقوبات القتصادية )مثل الحصار‬
‫القتصادي وفرض الحظر‪...‬إلخ(‪.‬‬
‫‪ -3‬غيرها من العقوبات الغرامة والحرمان من التمثيل في منظمة دولية لفترة معينة من‬
‫الوقت‪...‬إلخ‪ ،‬وحتى نزع الستقلل‪.‬‬
‫ً بمعنى أنها تنسف ميثاق المم المتحدة ونشاط مجلس المن الذي عهد إليه‬
‫وتثير هذه الفكرة جدال‬
‫بإصدار قرارات بشأن فرض عقوبات على دول وكذلك سيادة الدول‪.‬‬
‫ً بمسؤولية الشخاص‬
‫وينبغي في الختام ذكر نظرية برجوازية أخرى يبرهن على أساسها استشهادا‬
‫الجنائية الدولية من الجرائم ضد السلم وأمن البشرية أي عن التخطيط للحرب العدوانية‬
‫وإعدادها وشنها وخوضها‪ .‬على أن الشخاص‪ ،‬حسب زعم أصحاب النظرية يعتبرون ذوات )أو أهال(‬
‫للقانون الدولي‪ .‬وينطلق أنصار هذه النظرية‪ ،‬في رأينا‪ ،‬من تصورات خاطئة عن تحول القانون‬
‫الدولي المزعوم إلى قانون الدولة العالمي الذي يجب أن تصبح الدول والشخاص في آن معا ذوات‬
‫له )أو أهال له(‪.‬‬
‫ل ينحصر موضوع هذا البحث في تناول مسألة الهلية القانونية‪ ،‬إذ ثمة الكثير من أعمال المؤلفين‬
‫الجانب والروس المكرسة لها‪ .‬في اعتقادنا‪ ،‬يعتبر مبدأ مسؤولية الشخص الطبيعي الجنائية‬
‫ً في القانون الدولي مؤسسة هامة‬
‫الدولية من الجرائم ضد السلم وأمن البشرية‪ ،‬المعترف به حاليا‬
‫من مؤسسات القانون الجنائي الدولي‪.‬‬
‫ً من فروع القانون الدولي وأنظمة قائمة تعتمد‬
‫في رأينا‪ ،‬يعتبر القانون الجنائي الدولي فرعا‬
‫قواعده وعلئمه على المصادر التقليدية من القانون الدولي وتضبط التعاون بين الدول في مجال‬
‫البحث عن الشخاص الطبيعيين والقبض عليهم ومعاقبتهم وكذلك مسؤولية الدولة والشخاص‬
‫بغض النظر عن مكانتهم والتي تعتبر ذوات أو أهال المسؤولية عن الجرائم الدولية وجرائم ذات‬
‫الطابع الدولي‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫* ملحظة‪" :‬لقد ذكرنا في دراستنا المذكورة أعله اسم )التحاد السوفييتي(‪ ..‬والمقصود الفترة‬
‫ً فيها على شكل دولة‪ ،‬أي قبل النهيار"‪.‬‬
‫الزمنية التي كان التحاد السوفييتي موجودا‬

‫العرف الدولي‬
‫العرف من أهم مصادر القانون الدولي العام‪ ،‬لنه أوجد معظم قواعد هذا القانون‪ ،‬ولنه يشمل جميع‬
‫الدول التي تعارفت عليه‪.‬‬
‫ونشأ العرف الدولي بعد أن طبقت الدول لمدة طويلة مجموعة من التصرفات وبصورة متكررة‪ ،‬ثم‬
‫ً في القبول والتعامل‪ ،‬وإن كان غير جامد يراعي التطور والتبدل‪.‬‬
‫أصبح إلزاميا‬
‫ويفسر الفقهاء أسباب إلزام العرف‪ ،‬في أنه يستمد قوته من رضى الدول به‪ ،‬أو لنه خارج عن ارادات‬
‫الدول‪ ،‬التي تلتزم به حتى تدخل في نطاق المجتمع الدولي‪.‬‬
‫وحتى يقوم العرف الدولي لبد من التكرار والعادة في التعامل معه‪ ،‬وله صفة عالمية لنه يعالج‬
‫أمور عامة تخص جميع الدول‪.‬‬
‫وينحدر العرف الدولي من مصدرين‪:‬‬
‫ـ الهيئات الحكومية‪ :‬ونعني بها سلطات الدولة‪ :‬التنفيذية التي تشرف على العلقات الخارجية‪،‬‬
‫والتشريعية التي تضع القوانين الداخلية وبعضها يتعلق بأمور دولية‪ ،‬والقضائية التي تصدر الحكام‬
‫القانونية‪.‬‬
‫ـ الهيئات الدولية‪ :‬مثل المؤتمرات الدولية )في مؤتمر فيينا ‪ 1815‬اتفقت الدول المجتمعة على‬
‫اتباع نظام معين في ترتيب السفراء‪ ،‬وفي معاهدات لهاي ‪ 1907‬اتفق على قوانين الحرب‪.(..‬‬
‫وتساعد المعاهدات الخاصة‪ :‬معاهدات التحكيم‪ ،‬ومعاهدات تسليم المجرمين‪ ،‬والمعاهدات الخاصة‬
‫بالقوانين الدولية ‪ ..‬على ظهور الحكام العرفية عندما تبرم بين عدد كبير من الدول وتتضمن‬
‫ً مماثلة‪.‬‬
‫أحكاما‬
‫ً لنشوء العرف‪ ،‬من خلل ما تصدره من‬
‫ً أساسيا‬
‫كما ويمكن للمحاكم الدولية أن تشكل مصدرا‬
‫أحكام‪ ،‬وقد ظهر أثرها بعد الحرب العالمية الولى بصورة جلية‪.‬‬
‫* المصدر ‪ :‬مجلة الموقف‪/‬العدد ‪30/1985‬م‬

‫العرف الدولي والعرف السلمي‬


‫هناك نظريتان في ماهية العرف الدولي فبعض فقهاء القانون الدولي يعرف العرف الدولي بأنه ‪:‬‬
‫عبارة عن معاهدة ضمنية بين الدول ‪ .‬ويرى آخرون أنه ‪ :‬عبارة عن نتاج متطلبات الحياة الدولية ]‬
‫‪ . [1‬وذهب بعض شراح القانون الدولي إلى أن الحكم بالعرف يستمد قوته من رضا الدول بالخضوع‬

‫‪11‬‬
‫له في تصرفاتها‪ ،‬شأنه في ذلك شأن المعاهدات ‪.‬وإن كان ثمة فارق بين الساس اللزامي لهذين‬
‫المصدرين ‪ ،‬فهو أن رضا الدول صريح في حالة المعاهدات ‪ ،‬في حين أنه ضمني في حالة العرف ‪.‬‬
‫ًا‬
‫ويذهب فريق آخر إلى نفي الرضا الضمني للعرف بدليل أن الحكم المستمد من العرف يعد حكم‬
‫ً حتى بالنسبة للدول التي نشأت بعد نشوئه وإستقراره ‪ ،‬تلك الدول التي ل يمكن أن ينسب لها‬
‫ملزما‬
‫الرضا بالخضوع للحكم وقت قيامه ‪ .‬ويصور أصحاب هذا الرأي العرف بأنه أحكام رتبتها حكمة‬
‫ً لحكامها ‪،‬‬
‫الجيال ‪ ،‬وشاع العتقاد لدى أعضاء الجماعة الدولية بوجوب الذعان لها والتصرف وفقا‬
‫وذلك لن تنظيم حياة السرة الدولية والمحافظة على بقائها يتطلبان الذعان والخضوع ]‪. [2‬‬
‫ويضطلع العرف في المجتمع الدولي بوظائف متعددة ‪ .‬فقد يتكيف العرف مع حاجيات كل الدول ‪،‬‬
‫ً ‪ .‬إلى جانب ذلك يلعب‬
‫ً مختلفا‬
‫ً جغرافيا‬
‫أو بعضها أو لدولتين فقط ‪ .‬ومعنى ذلك أن للعرف نطاقا‬
‫ً في استتباب القاعدة القانونية ‪ .‬وقد أقرت محكمة العدل الدولية‬
‫العرف من الناحية التقليدية دورا‬
‫بوجود عرف إقليمي في قضية اللجوء السياسي المعروفة بقضية )هيادي لتوري( ]‪. [3‬‬
‫ل; تحديد‬
‫ً‬ ‫إن الفقه السلمي يعترف بالعرف ‪ ،‬وينصح بالرجوع اليه في العديد من الحالت ‪ ،‬مث‬
‫ً من قبل ‪ ،‬ومعاملت التجارة والسوق والعمل والخدمات وغيرها‬
‫مهر الزوجة إذا لم يكن مشروطا‬
‫مما تعارف الناس عليه‪ .‬ويمكن توسيع مفهوم العرف من الدائرة المحلية إلى الدائرة الدولية‬
‫ليشمل تأثر الدولة وسلوكها وعلقاتها يالعرف الدولي ‪ ،‬مما ل يخالف الشريعة السلمية ‪.‬‬
‫يقول تعالى )خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين()العراف ‪ ، (199 :‬حيث يؤكد القرآن‬
‫على أهمية العراف السليمة والتقاليد الحسنة ‪ ،‬فيدعو الرسول)صلى ال عليه وآله وسلم( إلى أمر‬
‫الناس به والتقيد بالعراف والعادات الحميدة ‪ ،‬بإعتبارها من السنن الحسنة في كل مجتمع ‪،‬‬
‫ولتشجيع الناس على الخير والصلح ‪ .‬يعرف العلمة الطباطبائي العرف بأنه ‪ :‬ما يعرفه عقلء‬
‫المجتمع من السنن والسير الجميلة الجارية بينهم بخلف ما ينكره المجتمع وينكره العقل‬
‫الجتماعي من العمال النادرة الشاذة ]‪ . [4‬ويقول الشيخ الطبرسي ‪ :‬أن العرف ضد النكر ‪ ،‬ومثله‬
‫المعروف والعارفة وهو كل خصلة حميدة تعرف صوابها العقول ‪ ،‬وتطمئن إليها النفوس ]‪. [5‬‬
‫ورغم أن مسألة العرف قضية نسبية ‪ ،‬إذ أنها تختلف من مجتمع إلى مجتمع ‪ ،‬ومن زمن إلى زمن‬
‫آخر ‪ ،‬فإن المقصود هو العرف الخاص بمجتمع معين في زمن معين ‪ .‬أما في المجتمعات السلمية‬
‫ً عليه هو أن ل يخالف أحكام الشريعة ول مفاهيم‬
‫ً أو معول‬
‫فيشترط في اعتبار العرف مقبول‬
‫العقيدة السلمية ‪.‬‬
‫والدول السلمية تأخذ اليوم بالعراف الدولية وتلتزم بها في القانون الدولي وإجراءات المعاهدات‬
‫والمفاوضات وغيرها ‪ .‬ويمكن أن نشير إلى احترام الدول السلمية للعرف الدبلوماسي الذي‬

‫‪12‬‬
‫يجري اللتزام به في الزيارات الرسمية واستقبال الوفود الرسمية والمشاركة في المؤتمرات‬
‫الدولية وغيرها ]‪. [6‬‬
‫ويؤيد الفقهاء المسلمون إحترام العراف الدولية كجزء من الواجب السلمي ‪ ،‬فقد جاء في وثيقة‬
‫مكة الصادرة في عام ‪ 1991‬أن علماء السلم يدعون »كافة الدول العربية والسلمية ودول العالم‬
‫إلى اللتزام بالعهود والمواثيق والعراف الدولية ‪.[7] «...‬‬
‫ً من مصادرها القانونية ‪ .‬فقد نصت‬
‫واعتبرت محكمة العدل السلمية الدولية العرف الدولي واحدا‬
‫المادة ‪ 27‬ـ ب على ما يلي ‪:‬‬
‫»تسترشد المحكمة بالقانون الدولي والتفاقات الدولية الثنائية أو متعددة الطراف ‪ ،‬أو العرف‬
‫الدولي المعمول به ‪ ،‬أو المبادئ العامة للقانون ‪ ،‬أو الحكام الصادرة عن المحاكم الدولية ‪ ،‬أو‬
‫مذاهب كبار فقهاء القانون الدولي في مختلف الدول«‪.‬‬
‫وإذا كان العرف الدولي يسمح بوجود أعراف إقليمية ‪ ،‬فل يبدو هناك عائق لنشوء )عرف إسلمي(‬
‫يجري اللتزام به في المعاهدات والتصالت والنشاطات التي تمارسها الدول السلمية ‪ .‬ويمكن أن‬
‫ً عليه بفعل الستمرار‬
‫يبدأ اللتزام به من قبل الدول السلمية فيما بينها ‪ ،‬حتى يغدو متعارفا‬
‫ً ‪ ،‬خاصة وأن الدول السلمية‬
‫ً دوليا‬
‫بالعمل به ‪ ،‬وتقادم الزمان عليه ‪ ،‬كي يصبح بعد ذلك عرفا‬
‫تشكل حوالي ثلث الدول العضاء في منظمة المم المتحدة ‪ .‬والكثير منها لها ثقلها القتصادي‬
‫والسكاني والسياسي والستراتيجي ‪ .‬ويمكن التخلص من كثير من العراف الدبلوماسية التي‬
‫ً للشخصيات الملتزمة بتعاليم السلم‪.‬‬
‫تخالف الشريعة السلمية والخلق ‪ ،‬وتسبب إحراجا‬

‫منقول‬

‫‪13‬‬

You might also like