Professional Documents
Culture Documents
المفهوم والممارسة
إعداد
دكتور /أحمد إبراهيم مصطفى
مستشار الكاديمية الملكية للشرطة
بالرغم من أن فكرة إنشاء محكمة جنائية دائمة ترجع إلى عام ،1948منذ أن دعت الجمعية العامة للمم
المتحدة لدراسة مدى إمكانية إنشاء جهاز قضائي دولي لمحاكمة المتهمين بارتكاب جرائم البادة الجماعية أو غيرها من
الجرائم الدولية ،وقيام اللجنة بالفعل بوضع مشروع نظام أساسي لمحكمة جنائية دولية عام ،1951وتقديمه إلى
الجمعية العامة للمم المتحدة عام 1954بعد تنقيحه ..إل أنه تم إرجاء اتخاذ خطوات حاسمة وجادة نحو إنشاء المحكمة
على ضوء سلبية المناخ السياسي الدولي ،نتيجة تصاعد الحروب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي في ذلك
الوقت .((1
وقد تواصلت الجهود الدولية لعداد مشروع التفاقية المتعلقة بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية ،إلى أن انعقد
المؤتمر الدبلوماسي بالعاصمة اليطالية روما ،وانتهى باعتماد ما يسمى نظام روما الساسي للمحكمة الجنائية الدولية
في 17يوليه عام ،1998بعد موافقة 120دولة على إنشاء المحكمة ،وامتناع 21دولة عن التصويت ،ومعارضة 7دول
من بينها أمريكا وإسرائيل ،وفتح باب التوقيع على النظام الساسي للمحكمة بدًءا من 18يوليه ،1998حتى 31ديسمبر
2000بمقر المم المتحدة ،وتم اكتمال النصاب المطلوب لعمل المحكمة في 11أبريل 2002ودخلت حيز التنفيذ في
1يوليه ،2002ول تعد المحكمة أحد الجهزة التابعة لمنظمة المم المتحدة ولكنها شخصية قانونية مستقلة .((2
وتجدر الشارة إلى أن النظام الساسي للمحكمة أرجأ اختصاص المحكمة بالنظر في جريمة العدوان لحين
اعتماد حكم بهذا الشأن يعـرف جريمة العدوان ،ويضع الشروط التي بموجبها تمارس المحكمة اختصاصها فيما يتعلق
بهذه الجرائم ) المادة .( 5/2
ولم تتضمن المادة الخامسة من النظام الساسي لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية بين الجرائم التي تختص بها
المحكمة ،الجريمة الرهابية ،ولعل السبب الرئيسي في ذلك يرجع إلى عدم التفاق على تعريف محدد للرهاب.
وباستقراء الباب السابع المعنون باسم " العقوبات " من مشروع النظام الساسي للمحكمة الجنائية الدولية،
ل ،مما يعد نقطة تحول جوهرية في القانون الدولي أسهمت في التقارب يتضح بجلء انتهاجه سياسة عقابية أكثر تفصي ً
صا طبيعيين أم ً أشخا أكانوا سواء الجناة إزاء دولي اجتماعي فعل رد بوصفه فيما بينه وبين الجزاء في القانون الوطني،
معنويين ،توقعه السلطة القضائية المختصة ،متمثلة في محكمة جنائية دولية ،متى ارتضت الدول الطراف ذلك ونسب
للجاني أي من الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة المذكورة.
وسوف ألقي الضوء على حدود اختصاصات المحكمة الجنائية الدولية من خلل استعراض المطالب التالية :
المطلب الول :أهمية إدراج جرائم الرهاب ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية.
المطلب الثاني :تقرير المسئولية المدنية الدولية للدولة التي ترعى الرهاب.
السباب الحقيقية لعدم إدراج جرائم الرهاب وإقرار مبدأ المسئولية الجنائية الدولية عن المطلب الرابع :
جرائم الرهاب ضمن اختصاص المحكمة.
المطلب الول
أهمية إدراج جرائم الرهاب ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية
اقترح الفريق العامل المعني بوضع مشروع نظام أساسي للمحكمة الجنائية الدولية إدخال الفعال الخطيرة
التي جرمها المجتمع الدولي في أحكام التفاقيات الدولية ،ضمن دائرة اختصاص المحكمة الجنائية الدولية ،ومن بينها
جرائم المخدرات الخطيرة والجرائم ضد سلمة الطيران ،وهي من الجرائم الرهابية ،وأكد الفريق العامل على أن جريمة
ما دولًيا بوصفها من الجرائم ضد النسانية ،وهو ما يجعلها في مصافالرهاب من الجرائم الخطيرة التي نالت اهتما ً
الجرائم المنصوص عليها في المادة /7ك من النظام الساسي للمحكمة الجنائية الدولية – الفعال اللإنسانية التي
دا في معاناة شديدة أو في أذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية – وفضل ً عن ذلك فإن تتسبب عم ً
المبررات التي قدمت لدراج جرائم الرهاب والمخدرات ضمن اختصاص هذه المحكمة ترجع إلى اعتبارهما من الجرائم
الدولية.
)
(1د .أبو الخير أحمد عطية " :المحكمة الجنائية الدولية الدائمة " ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،1999 ،ص .13
)
(2لمزيد من التفصيل حول النظام الساسي للمحكمة الجنائية الدولية ،راجع مركز معلومات المحكمة الجنائية الدولية على
الشبكة الدولية للنترنت.http:// www.icc.arsbic.org/docs - .
2
ويرى جانب من الفقه أن إدراج جريمة الرهاب ضمن اختصاص المحكمة هو أفضل سبيل لقمع هذا النوع من
عا أًيا كانت
الجرائم ،إذ يمكن أن ينال مرتكبو جرائم الرهاب ومن يموله أو يرعاه أو يخطط له أو يسانده عقابًا راد ً
مواقعهم التي يعملون من خللها ،ومن خلل إجراءات قضائية تتوافر فيها المحاكمة الجدية العادلة ،وسوف تكون الدولة
ملتزمة بالتعاون بما هو متاح لديها من معلومات حول هذه النشطة وتمويلها واتصالتها ،فضل ً عن المعاونة في أعمال
التحقيقات والقبض والتفتيش وسماع القوال ،وسوف يتعذر على الدول التي تعلن أنها تنبذ الرهاب ول تحميه أو تأويه أن
تتصرف في الواقع على خلف ما تعلن ،أو بما ينـاقض التزامها بالتعاون مع المحكمة التي تمثل العدالة الجنائية الدولية
والتي تكمل القضاء الوطني ول تتعارض معه.((1
وأعتقد أن إدراج جرائم الرهاب ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية الدائمة ضرورة حتمية لعدة
اعتبارات :
(1 )
د .عبد العظيم وزير " :عضو الوفد المصري في مؤتمر إنشاء المحكمة الجنائية الدولية " ،وثائق غير منشورة ،1998 ،ص
.3
) (2د .إبراهيم العنانى " :إنشاء المحكمة الجنائية الدولية " ،دراسة في ضوء نظام روما عام ،1998مجلة المن والقانون ،كلية
الشرطة ،دبي ،السنة الثامنة ،العدد الول ،يناير ،2000ص .256
3
العتبار الثالث :
ما يتعلق بمجال تحديد الجرائم التي تدخل في نطاق الختصاص الموضوعي للمحكمة ،والتي نصت عليها المادة
الخامسة من النظام الساسي في الفقرات من أ – د )جرائم البادة الجماعية ،الجرائم ضد النسانية ،جرائم الحرب،
جرائم العدوان( وذلك بالنظر لجسامة هذه الجرائم وخطورة الثار المترتبة عليها.
والواقع أن ما يترتب على جرائم الرهاب من تهديد لمن وسلمة المجتمع الدولي ،والعتداء على أبسط حقوق
النسان ،وهو الحق في الحياة ،يؤكد ضرورة إدراجها ضمن الجرائم ضد النسانية باعتبارها عمل ً غير إنساني يرتكب ضد
السكان المدنيين ،والتي تدخل في نطاق اختصاص المحكمة.
المطلب الثاني
تقرير المسئولية المدنية الدولية للدولة التي ترعى الرهاب
المبدأ الساسي للقانون الدولي هو أنه عندما تخل دولة ما بالتزامات دولية فإنها تكون مسئولة عن نتائج ذلك
ضا العجز عن اتخاذ الجراء المناسب لتنفيذ التزاماتها ،ومنع الضرر عن
الخلل ،وإخلل الدولة بالتزاماتها الدولية يشمل أي ً
الدول الخرى ومواطني أو مصالح الدول الخرى ،تلك المسئولية كانت من الناحية التاريخية ذات طبيعة مدنية ،رغم أنه
كانت هناك جهود لتوسيع المسئوليات الجنائية للدولة ،إل أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر أثارت السؤال مرة أخرى،
صا في ضوء قرار مجلس المن ((1
هل يجب أن تتضمن مبادئ مسئولية الدولة مفهوم المسئولية الجنائية للدولة ؟ ،خصو ً
رقم 1373الصادر بتاريخ 28سبتمبر 2001م ،بشأن التدابير المتصلة بمكافحة الرهاب على المستوى الدولي.
ويمكن تعريف المسئولية الدولية بأنها الجزاء القانوني الذي يرتبه القانون الدولي العام ،عند قيام شخص قانوني
كا للتزام دولي ،ومقتضى ذلك، قا للقانون الدولي العام انتها ً
دولي بتصرف يتمثل في عمل أو امتناع عن عمل يشكل طب ً
أن يقوم الشخص القانوني الدولي المنسوب إليه العمل غير المباح دولًيا بالتعويض عما ترتب عن فعله من نتائج.((2
وأهم ما يثار في هذا الصدد هو أساس المسئولية المدنية الدولية ....وهل هي مسئولية شخصية تقوم على
فكرة الخطأ ،أم مسئولية موضوعية قوامها الخطر؟ ،المسئولية القائمة على نظرية الخطأ تتلخص في فكرة بسيطة
مقتضاها أن الدولة ل تعتبر مسئولة ما لم تخطئ ،ومن ثم ل تنعقد مسئوليتها الدولية ما لم يثبت أن الدولة قد ارتكبت
دا أم نتيجة إهمال ،أما المسئولية الموضوعية القائمة على أساس خطأ سبب ضرًرا لغيرها من الدول ،سواء أكان متعم ً
نظرية المخاطر أو تحمل التبعة ،فمؤداها أن تنعقد المسئولية إذا ما صدر عن الدولة فعل يمثل خطورة استثنائية ترتب
عا ،فالمسئولية هنا تقوم على الضرر ل الخطأ ،فما دام الضرر عليه الإضرار بدولة أخرى ،ولو كان الفعل في ذاته مشرو ً
قد وقع من جراء نشاطها انعقدت المسئولية ولو بغير خطأ منها.((1
وبالضافة إلى حدوث الفعل ووقوع الضرر ،يلزم هنا وجود علقة سببية بينهما ،أي أن تكون النتيجة ناتجة عن
نشاط هذا الفعل أو أن يكون هذا الفعل سبًبا في حدوث الضرر ،وهو أمر ليس محل خلف في الفقه الجنائي الدولي.((2
وعلى الرغم من أن القانون الدولي المعاصر يمضي إلى إقرار مسئولية الدولة جنائًيا ،وتبنى جانب كبير من
الفقه الدولي مبدأ المسئولية الجنائية الدولية ،وهو ما يستتبع توقيع الجزاءات المتمثلة في وسـائل القسر على الدول
المنتهكة لللتزام الدولي ،وذلك في حالة عدم وفاء الدولة المخـلة بالتزاماتها وإصـلح الضرر الذي أوقعته ،إل أن مفهوم
المسئولية الجنائية للدولة قد لقى قدًرا كبيًرا من المعارضة ،كما ظهر جلًيا من حقيقة أن النظام الساسي للمحكمة
الجنائية الدولية ل يحتوى على نوعية تلك المسئولية.
ومع ذلك ففي السنوات الخيرة فرض مجلس المن عقوبات على ليبيا والسودان ،على أساس أن الدولتين
المذكورتين قد أعطت الفرصة للمنظمات الرهابية أن تعمل من اراضيهما ،وعلى الرغم من أن المسئولية الجنائية
للدولة لم يتم إقرارها رسمًيا فقد لحقت العواقب القاسية مع ذلك بالدولتين ،كلما قرر مجلس المن أن فعل مثل هذه
الدولة يشكل انتها ً
كا للسلم بموجب الفصل السابع من ميثاق المم المتحدة.((3
وللسف الشديد فإن هذه المعادلة ليست بالمعادلة الثـابتة ،فقد أدت التـغيرات التي يشهدها المناخ الدولي إلى
محو القيود التقـليدية ،وأصبح بإمكان الحكومات الراعية للرهاب أن تقدم التمويل اللزم للهجمات التي يتم شنها على
أهداف جديدة خارج حدودها.
)
(1د .شريف بسيونى " :وسائل السيطرة القانونية على الرهاب الدولي " ،أبحاث غير منشورة ضمن أعمال الدورة التدريبية
السادسة بعنوان " الجريمة المنظمة والرهاب ووسائل التعاون الدولى لمكافحتها " ،المعهد الدولى للدراسات العليا،
سيراكوزا ،إيطاليا ،2002 ،ص .14
) (2د .ماجد إبراهيم علي" :قانون العلقات الدولية -دراسة في إطار القانون الدولي والتعاون الدولي المني" ،الطوبجى،
القاهرة ،2005 ،ص .99
) (1د .يحيى أحمد البنا " :الرهاب والتعاون والمسئولية الدولية " ،كلية الحقوق،جامعة المنصورة ،1998 ،ص .11
)
(2د .أحمد الرفاعى " :النظرية العامة للمسئولية الجنائية الدولية " ،رسالة دكتوراه مقدمة لكلية الحقوق ،جامعة القاهرة،
،2005ص .57
) (3د .شريف بسيونى " :وسائل السيطرة القانونية على الرهاب الدولي " ،مرجع سابق ،ص .14
4
ولم تقتصر التغيرات الجوهرية التي شهدها العالم على مدار العقد الماضي على الجماعات الرهابية وأنشطتها
فحسب ،بل امتدت لتظهر إقبال بعض الدول على تدريب وتجهيز وتوجيه هذه الجماعات كأداة استراتيجية تدعم وترعى
العمال الرهابية بغرض تحقيق أهدافها السياسية ،ومع وقوف أجهزة المخابرات القومية خلف عدد من الجماعات
ضا.الرهابية ،أصبحت الغراض السياسية القابعة وراء أعمال الرهاب أكثر غمو ً
من هنا تأتي الحاجة ملحة إلى تكاتف دولي سريع يعتمد على العداد الجيد والمسبق ،من خلل أوراق عمل
تطرح صيًغا توفيقية لوجهات النظر المختلفة ،حول مسئولية الدول التي تأوي قادة الرهاب عن الضرار الناشئة عن
أفعالهم الرهابية ،وللسف المجتمع الدولي تراخى في الستجابة ،بل والدهى أن الدول الكبرى مثل :أمريكا وبريطانيا
كانت تقوم بإيواء المشتبهه فيهم وتشجعهم على الرهاب ،إلى أن عانت من الهجمات الرهابية هي الخرى.
وإذا كان المجتمع الدولي – من أجل ما تقدم – أخذ بالمسئولية الموضوعية كأساس للمسئولية الدولية في
مجال حماية البيئة ،فمن باب أولى ان يعتد بها كأساس للمسئولية المدنية في مجال الحوادث الرهابية ،فاستقرار فكرة
أن الرهاب جريمة دولية يجعل الدولة ضامنة للنظام الدولي واحترامه ،ومن ثم تعد مسئولة عن كل نشاط لها ساهم في
عا في ذاته ،وإذا ما انعقدت المسئولية المدنية للدولة التي تأوي الرهاب ،فإن
حادث إرهابي حتى لو كان نشاطًا مشرو ً
ما
الثر المترتب على انعقادها أن تتحمل هذه الدولة النتائج في مواجهة الدولة المتضررة من الحادث الرهابي التزا ً
بإصلح الضرر ،ويقصد بإصلح الضرر – في القانون الدولي – كافة التدابير التي يتعين على الدولة المسئولة أن تتخذها
لعادة الحال إلى ما كان عليه قبل وقوع الفعل الضار.((1
) (1د .يحيى أحمد البنا " :الرهاب والتعاون والمسئولية الدولية " ،مرجع سابق ،ص .13
5
المطلب الثالث
المسئولية الجنائية الدولية الشخصية عن جرائم الرهاب
حدد النظام الساسي للمحكمة اختصاصها بمحاكمة الشخاص الطبيعيين دون الدول ،وهذا ما أشارت إليه
صراحة الفقرة الولى من المادة ) (25من النظام الساسي " يكون للمحكمة اختصاص على الشخاص الطبيعيين عمل ً
بهذا النظام الساسي ".
وعلى ذلك ل تخضع الدول لختصاص المحكمة ،ولم تحظ فكرة إخضاع الدولة كشخص معنوي للمسئولية
الجنائية بالقـبول حتى الن ،ولكن اختصاص المحكمة هذا ل يتعارض وإثارة مسئولية الدولة المدنية وإلزامها بتعويض
الضرار الناشئة عن الفعل المجرم متى ثبتت مسئوليتها عنه.((1
ومن استقراء نص المادة 25من النظام الساسي للمحكمة الجنائية الدولية ،يعد الشخص مسئول ً جنائًيا إذا كان
قد ارتكب الجريمة بمفرده أو بالشتراك مع آخرين ،أو أمر بها أو حث أو شجع على ارتكابها ،أو ساعد أو ساهم في
ارتكابها.((2
ول يستثنى أي شخص من المسئولية الجنائية بسبب صفته الرسمية مثلما قد يكون وارًدا في القانون الداخلي
)المادة .(27
وتنعقد المسئولية الجنائية في حق القائد أو الرئيس عن أعمال مرؤوسيه ،عندما يتوفر العلم أو تتوافر السباب
المؤدية لعلمه بأن المرؤوس على وشك ارتكاب أفعال إجرامية ،أو أنه قد ارتكب بالفعل مثل تلك الفعال ،إل أن الرئيس
فشل في اتخاذ الجراءات الضرورية والمعقولة لمنع ارتكاب مثل هذه الفعال أو لمعاقبة الجاني )المادة .(28
ويمكن القول إن النظام الساسي لم يأخذ بالحصانة كسبب لنفي المسئولية ،فالمحكمة الجنائية الدولية لم
سا إل لمحاكمة كبار مسئولي الدولة عن الفعال التي اقترفوها والتي يجرمها القانون الدولي ،وبالتالي أصبح منتنشأ أسا ً
الممكن الن إحالة أي مسئول مهما علت درجته أو وظيفته وإدانته وتنفيذ العقوبة بحقه.((3
ول يكون الشخص مسئول ً جنائًيا في ظروف معينة ،مثل المرض العقلي ،أو أي ظروف أخرى تحول دون تحكم
هذا الشخص في سلوكه ،أو التصرف في حالة الدفاع عن النفس أو إذا كان تحت تأثير إكراه )المادة .(31
وهكذا يتبين لنا من مراجعة النظام الساسي للمحكمة الجنائية الدولية ،أن هناك العديد من القواعد التي تحدد
المسئولية الجنائية الدولية للفراد المرتكبين للجرائم التي تدخل في نطاق الختصاص الموضوعي للمحكمة.
والواقع أن نجاح الجهود الدولية في إقامة قضاء جنائي دولي دائم – المحكمة الجنائية الدولية – تخضع له الدول
ما ،ول غنى عنه لتحقيق الشرعية الدولية.
العضاء في المجتمع الدولي ،يعد أمًرا مه ً
ولكن نتيجة لتطور الجريمة الرهابية – حيث أصبحت جريمة عالمية عابرة للحدود – كان من الضروري أن
تتكاتف الجهود من أجل صياغة سياسة جنائيـة متكاملة للتصدي لشكالها الجديدة ،وإلى اكتساب الفرد الشخصية
القانونية الدوليـة ليكون أهل للمسئولية الجنائية الدولية ،وهي من الموضوعات التي أثارت جدل ً فقهًيا ما بين معارض
ومؤيد.((1
) (1د .على يوسف الشكري " :القضاء الجنائي الدولي في عالم متغير " ،ايتراك للنشر والتوزيع ،القاهرة ،2005 ،ص .99
) (2المستشار /شريف عتلم " :المحكمة الجنائية الدولية -المواءمات الدستورية والتشريعية " ،اللجنة الدولية للصليب الحمر ،ط ،2
،2004ص .43
) (3د .على يوسف الشكري " :القضاء الجنائي الدولي في عالم متغير " ،مرجع سابق ،ص .99
) (1د .فائزة يونس الباشا " :الجريمة المنظمة في ظل التفاقيات الدولية والقوانين الوطنية " ،دار النهضة العربية ،القاهرة،2002 ،
ص .273
) (2د .ماجد إبراهيم " :قانون العلقات الدولية في السلم والحرب " ،الطوبجى ،القاهرة ،1993 ،ص .42
) (3د.محمد سليم غزوى":جريمة إبادة الجنس البشري"،مؤسسة شباب الجامعة،السكندرية ،ط ،1982 ،2ص .64
) (4للمزيد انظر :د .حامد سلطان ،د .عائشة راتب ،د .صلح عامر " :القانون الدولي العام " ،مرجع سابق ،ص.ص .83 - 82
6
ومبدأ المسئولية الجنائية الدولية الشخصية أصبح من المبادئ المستقرة في ضمير الجماعة الدولية ،مما
يستلزم أن يأخذ طريقه للتطبيق العملي على نحو أكثر فعالية ،ول يبقى مجرد عمل إنشائي في دائرة العدالة الجنائية،((1
ويصدق ذلك بالنسبة للجرائم الرهابية التي تعد من طائفة الجرائم ضد النسانية لنتهاكها أهم الحقوق النسانية ،وأولها
حق النسان في أن يحيا بسلم.
ولكن قصر اختصاص المحكمة على الجرائم التي حددتها المادة ) (5من النظام الساسي ،دون إدراج الجرائم
الرهابية باعتبارها مـن الجرائم التي تهدد أمن وسلمة المجتمع الدولي ،وتدخـل في نطـاق الجـرائم ضد النسـانية
باعتبارها عمل ً ل إنساني يرتكب ضد السـكان المدنيين وعدم إقرار مبدأ المسئولية الجنائية الدوليـة تجاه أحد أشخاص
القانون الجنائي الدولي إذا ارتكب إحدى الجرائم الرهابية ،أمـر يتطلب إعادة النظر في النظام الساسي للمحكمة
الجنائية الدولية.
ولذلك كانت هناك ضرورة للنص على مبدأ المسئولية الجنائية الدولية عن جرائم الرهاب في النظام الساسي
للمحكمة .فلشك أن هناك بعض الفعال الخطرة التي ل يمكن الموافقة عليها أبدًا ،والتي ترتب بالتالي تلك المسئولية.((2
ولكن نفاذ وحسن تطبيق العقوبة المترتبة على ثبوت المسئولية الجنائية الدولية الشخصية يعود لرادة الدول أطراف
الجماعة الدولية.((3
المطلب الرابع
السباب الحقيقية لعدم إدراج جرائم الرهاب وإقرار مبدأ المسئولية الجنائية الدولية
إن تبرير عدم إدراج جرائم الرهاب وعدم إقرار مبدأ المسئولية الجنائية الدولية عن هذه الجرائم ضمن النظام
الساسي للمحكمة ،يرجع إلى القلق المريكي من عدم القدرة على التحكم في الحكام التي تصدرها المحكمة ،حيث
إنها ل تخضع للفيتو المريكي ،كما هو الحال في مجلس المن ،على الرغم من الحصول على عدة تنازلت تمت الموافقة
عليها ،منها حق مجلس المن في إحالة القضايا بموجب الفصل السابع من ميثاق المم المتحدة إلى المحكمة للتحقيق،
وطلب إرجاء التحقيق أو المقاضاة لمدة اثني عشر شهًرا قابلة للتجديد )المادة .((4(16 ،13
وا
كما يرجع إلى رفض المجتمع الدولي منح مجلس المن الدولي – الذي تشكل الوليات المتحدة المريكية عض ً
ما فيه يتمتع بحق النقض – الشراف على الحالت التي تنظر فيها المحكمة.
دائ ً
حا في سعي حكومة الوليات المتحدة المريكية لبرام اتفاقيات ثنائية مع أكبر عدد
ولقد ظهر هذا المر واض ً
ممكن من الدول ،بغرض إعفاء مسئوليها من الخضوع لية إجراءات تجريها المحكمة بشأن ارتكاب البادة الجماعية أو
الجرائم ضد النسانية أو جرائم الحرب ،وهي ما تسمى باتفاقيات الفلت من العقاب أو اتفاقيات الحصانة من العقاب.((1
وخلصة القول إن النتهاكات والفظائع والهوال البشعة وإرهاب المدنيين ،والمخالفات الجسيمة التي يرتكبها
العدو الصهيوني في فلسطين وترتكبها الوليات المتحدة المريكية في العراق ،والتي تعد من أخطر الجرائم التي ترتكب
ضد النسانية ،هو الذي دفع السياسة المريكية إلى عدم إدراج الجرائم الرهابية – على اعتبار أنها من الجرائم ضد
النسانية – وإقرار مبدأ المسئولية الجنائية الدولية ضمن النظام الساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
ويترتب على توافر أو ثبوت المسئولية لحد أشخاص القانون الجنائي الدولي توقيع الجزاء الجنائي الدولي
المناسب على من يثبت في حقه المسئولية ،وقد يكون الجزاء ذا طابع مدني مثل التعويض عن الضرر في صورته العينية
أو المالية أو ذا طابع أدبي مثل الترضية ،وقد يكون ذا طابع قسري عقابي مثل إنزال العقوبات على شخص مرتكب
الفعل غير المشروع دولًيا ،ويستلزم لتوقيع العقوبة الجنائية ثبوت المسئولية الجنائية الدولية ،وهذا بالطبع يستلزم خضوع
الفعل المرتكب لنص تجريمي يكسبه الصفة غير المشروعة ،بالضافة إلى عدم خضوع الفعل المجرم لسبب من أسباب
نفي المسئولية ،((2وعلى ذلك فان المر يقتضي بالضرورة إدراج جرائم الرهاب ضمن اختصاص المحكمة الجنائية
الدولية ،فضل ً عن إقرار المسئولية الجنائية الدولية على أحد أشخاص القانون الجنائي الدولي الذي يثبت مسئوليته
الجنائية عن السلوك الذي تضمن ارتكاب إحدى جرائم الرهاب بشكل فردي أو جماعي .
وعلى الرغم من هذا الفيض التشريعي العارم دولًيا وإقليمًيا في مجال مكافحة الرهاب ،إل أن هذه الجهود
الدولية أخفقت في وضع عقوبات دولية على ممارسة الدول للرهاب ،أو الوصول إلى إقرار أداة قانونية دولية ترتكز
) (1د .محمد حافظ غانم " :المسئولية الدولية " ،بحث مقدم لمعهد الدراسات العربية ،جامعة الدول العربية ،1962 ،ص .33
(
2) J.Brohmer, State Immunity and Human Rights, M.Nijhoff, Th Hague, 1997, P. 243.
) (3د .أحمد الرفاعي " :النظرية العامة للمسئولية الجنائية الدولية " ،مرجع سابق ،ص .304
) (4وبمنح هذه الصلحية لمجلس المن تصبح لديه الصلحيات ذات التأثير الدولي : (1) :وهي الصلحية السياسية المتمثلة في حق
التدخل المباشر لحفظ السلم والمن الدوليين والمخولة له بموجب الفصل السابع من الميثاق ،وكذلك استخدام حق الفيتو :(2 )،وهي
صلحية قضائية تتمثل في إرجاء التحقيق والمقاضاة ،وبذلك تصبح الدول الدائمة العضوية في مجلس المن – وعلى رأسها
الوليات المتحدة المريكية – بمثابة القوة المحركة للنظام السياسي والقضائي على المستوى الدولي ،وهو أمر ل يمكن تصوره في
ظل غياب توازن القوى في النظام العالمي الجديد ..راجع د .عبد الفتاح محمد سراج" :مبدأ التكامل القضائي الجنائي الدولي " ،دار
النهضة العربية ،القاهرة ،2001 ،ص .111
) (1الموقع اللكتروني لمنظمة العفو الدولية . File // A : Us Threats To Th ICC -Htm :
) (2د .أحمد الرفاعي " :النظرية العامة للمسئولية الجنائية الدولية " ،مرجع سابق ،ص .308
7
على القاعدة العريضة ممثلة في منظمة المم المتحدة ،إل أننى أرى ضرورة أن يطرح على الساحة الدولية التساؤل
حول مسئولية الدول التي تأوي قادة الرهاب عن الأضرار الناشئة عن أفعالهم الرهابية ،وهذا اللتزام الدولي يقرر
لضروريات المصلحة المشتركة لجميع الدول في مواجهة الرهاب المنظم ،ويجد أساسه القانوني في المبادئ العامة
للقانون الدولي.
8
قائمة المراجع
أو ً
ل :المراجع العربية:
د .إبراهيم العناني " :إنشاء المحكمة الجنائية الدولية " ،دراسة في ضوء نظام روما عام ،1998مجلة .1
المن والقانون ،كلية الشرطة ،دبي ،السنة الثامنة ،العدد الول ،يناير .2000
د .أبو الخير أحمد عطية " :المحكمة الجنائية الدولية الدائمة " ،دار النهضة العربية ،القاهرة.1999 ، .2
د .أحمد الرفاعي " :النظرية العامة للمسئولية الجنائية الدولية " ،كليـة الحقوق ،جامعة القاهرة، .3
.2005
د .حامد سلطان ،د .عائشة راتب ،د .صلح عامر " :القانون الدولي العام " ،دار النهضة العربية، .4
القاهرة.1978 ،
د .شريف بسيونى " :وسائل السيطرة القانونية على الرهاب الدولي " ،بحث غير منشور ضمن أعمال .5
الدورة التدريبية السادسة بعنوان " الجريمة المنظمة والرهاب ووسائل التعاون الدولي لمكافحتها " ،المعهد
الدولي للدراسات العليا ،سيراكوزا ،إيطاليا.2002 ،
المستشار /شريف عتلم " :المحكمة الجنائية الدولية – المواءمات الدستورية والتشريعية " ،اللجنة .6
الدولية للصليب الحمر ،ط .2004 ،2
د .عبد الفتاح محمد سراج" :مبدأ التكامل القضائي الجنائي الدولي " ،دار النهضة العربية ،القاهرة، .7
.2001
د .علي يوسف الشكري " :القضاء الجنائي الدولي في عالم متغير " ،ايتراك للنشر والتوزيع ،القاهرة، .8
.2005
د .فائزة يونس الباشا " :الجريمة المنظمة في ظل التفاقيات الدولية والقوانين الوطنية " ،دار .9
النهضة العربية ،القاهرة.2002 ،
د .ماجد إبراهيم علي" :قانون العلقات الدولية – دراسة في إطار القانون الدولي والتعاون الدولي .10
المني" ،الطوبجي ،القاهرة.2005 ،
د .ماجد إبراهيم " :قانون العلقات الدولية في السلم والحرب " ،الطوبجي ،القاهرة.1993 ، .11
د .محمد حافظ غانم " :المسئولية الدولية " ،بحث مقدم لمعهد الدراسات العربية ،جامعة الدول .12
العربية.1962 ،
د .يحيى أحمد البنا " :الرهاب والتعاون والمسئولية الدولية " ،كلية الحقوق،جامعة المنصورة.1998 ، .13
د.محمد سليم غزوى":جريمة إبادة الجنس البشري"،مؤسسة شباب الجامعة،السكندرية ،ط ،2 .14
،1982ص .64
1. J.Brohmer, State Immunity and Human Rights, M.Nijhoff, Th Hague, 1997.
9