You are on page 1of 144

‫الدليل العقلي في العقيدة عند المدارس‬

‫السلمية‬

‫إعداد‬
‫ضيف الله أحمد العنانزة‬

‫المشرف‬
‫الدكتور راجح عبد الحميد كردي‬
‫قدمت هذه الرسالة استكمال ً لمتطلبات الحصول‬
‫على درجة الماجستير في‬
‫العقيدة‬
‫كلية الدراسات العليا‬
‫الجامعة الردنية‬
‫آذار‪2009 ،‬م‬

‫‪1‬‬
‫إهداء‬
‫إلى والدي الكريمين‪ ،‬حفظهما الله تعالى‪ ،‬وأحسن‬
‫خاتمتهما‪ ،‬ورضي عنهما‪ ،‬وأرضاهما عني حق الرضا‪.‬‬
‫وإلى إخوتي الكرام وأخواتي الغاليات‪.‬‬
‫وإلى إخواني في الله‪ :‬فادي الشامي "أبو الفضل"‪ ،‬وعبد‬
‫الرزاق الجيلني‪ ،‬وموسى عمرو "أبو العبد"‪ ،‬والستاذ محمد‬
‫العبروني "أبو موسى"‪.‬‬
‫وإلى أخي الستاذ الكاتب القاص خالد تيلخ "أبو عبادة"‪.‬‬

‫شكر وتقدير‬
‫أشههكر فههي البدايههة صههاحب الفضههل الكههبير‪ ،‬والجهههد‬
‫العظيههم‪ ،‬المههؤدب والمعلههم‪ ،‬السههتاذ والب‪ ،‬الههذي وجهنههي‬
‫بلسههان اللطههف ويههد العطههف تههارة‪ ،‬وجلههدني بعصهها الجههد‬
‫وم‬‫والحرص والخوف على مصلحتي تارة أخههرى‪ ،‬إلههى أن قه ّ‬
‫وب رميتي‪ ،‬ولم يههدخر جهههدا ً فههي كههل ذلههك‪،‬‬ ‫اعوجاجي‪ ،‬وص ّ‬
‫أستاذي الدكتور راجح عبد الحميد كردي‪ ،‬حفظهه اللهه ونفههع‬
‫به وبعلمه المة‪ ،‬وجزاه خيرًا‪.‬‬
‫ول أنسههى أسههاتذتي فههي كليههة الشههريعة‪ -‬الجامعههة‬
‫الردنيهههة‪ ،‬الهههذين درسهههت علهههى أيهههديهم فهههي مرحلهههتي‬
‫البكالوريوس والماجستير‪ ،‬فلهم جزيل الشكر‪.‬‬
‫ملوا عنههاء قههراءة‬‫وأشكر الساتذة المناقشين الذين تح ّ‬
‫هههذه الرسههالة‪ ،‬ومناقشههتها وتصههويبها وتوجيهههها لخراجههها‬
‫بصههورتها النهائيههة‪ ،‬وهههم‪ :‬السههتاذ الههدكتور محمههد أحمههد‬
‫الخطيب والدكتور محمد نبيل العمري من الجامعة الردنية‪،‬‬
‫والستاذ الههدكتور حسههين بنههي خالههد مههن جامعههة اليرمههوك‪،‬‬
‫الههذين درسههت عنههدهم جميعهههم فههي مرحلههة الماجسههتير‬
‫واستفدت منهم الشهيء الكهثير‪ ،‬وأسهأل اللهه أن ينفهع بههم‬
‫وبعلمهم‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫فهرس المحتويات‬
‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫ب‬ ‫قرار لجنة المناقشة‬
‫ج‬ ‫الهداء‬
‫د‬ ‫شكر وتقدير‬
‫هه‬ ‫فهرس المحتويات‬
‫و‬ ‫ملخص الرسالة‬
‫‪1‬‬ ‫المقدمة‬
‫‪5‬‬ ‫الفصل التمهيدي‪ :‬مصطلحات البحث‬
‫‪6‬‬ ‫المبحث الول‪ :‬الدليل‬
‫‪10‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬العقل‬
‫‪14‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬العقيدة‬
‫‪17‬‬ ‫المبحث الرابع‪:‬التعريف بالمدارس السلمية‬
‫المقصودة في البحث‬
‫‪33‬‬ ‫الفصل الول‪ :‬النظر العقلي في‬
‫العقيدة‪ ،‬نشأته وتطوره‬
‫‪34‬‬ ‫المبحث الول‪ :‬النظر العقلي في القرآن الكريم‬
‫‪42‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬النظر العقلي في عهد الرسول‬
‫‪ ‬وصدر السلم‬
‫‪47‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬نشأة علم الكلم‬
‫‪49‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬الدليل العقلي في‬
‫العقائد ومواقف المدارس السلمية‬
‫منه‬
‫‪51‬‬ ‫المبحث الول‪ :‬دور الستدلل بالعقل على‬
‫العقائد عند المعتزلة‬
‫‪67‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬دور الستدلل بالعقل على‬
‫العقائد عند الحنابلة‬
‫‪76‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬دور الستدلل بالعقل على‬
‫العقائد عند الشاعرة‬
‫‪85‬‬ ‫المبحث الرابع‪ :‬دور الستدلل بالعقل على‬
‫العقائد عند الماتريدية‬
‫‪91‬‬ ‫المبحث الخامس‪ :‬مناقشة مواقف الفرق من‬

‫‪3‬‬
‫دور الستدلل بالعقل على العقائد‬
‫‪107‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬نماذج من الثار الناشششئة‬
‫عن الختلف في الستدلل بالعقل‬
‫‪108‬‬ ‫المبحث الول‪ :‬الموقف من التكليف‬
‫‪108‬‬ ‫المطلب الول‪ :‬في أول ما يجب على المكلف‬
‫‪112‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬في إيمان المقلد‬
‫‪116‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬الموقف من بعض مستلزمات‬
‫اللوهية‬
‫‪116‬‬ ‫المطلب الول‪ :‬إثبات الجهة في حق الله تعالى‬
‫أو نفيها‬
‫‪119‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬إثبات صفات المعاني لله تعالى‬
‫أو نفيها‬
‫‪122‬‬ ‫خاتمة‬
‫‪123‬‬ ‫المراجع‬
‫‪132‬‬ ‫ملخص باللغة النجليزية‬

‫‪4‬‬
‫ملخششص‬

‫تناولت الدراسهة مفههومي العقهل والهدليل‪ ،‬والتعريهف‬


‫بالمدارس الربعة المعنية في الدراسة‪ ،‬ثم انتقلت إلى بيان‬
‫كيفية تطههور النظههر العقلههي فههي العقيههدة عنههد المسههلمين‪،‬‬
‫ابتداء بالقرآن الكريم‪ ،‬ثم عهد الرسول ‪ ‬وصههدر السههلم‪،‬‬
‫إلى أن وصلت إلى أوجها في علم الكلم‪.‬‬
‫وتناولت كذلك دور الستدلل بالعقل على العقائد عنههد‬
‫المعتزلة والحنابلة والشاعرة والماتريدية‪.‬‬
‫ثههم تنههاولت أهههم ملمههح دور السههتدلل بالعقههل علههى‬
‫العقائد عند كل مدرسة من المدارس الربع على حههدة‪ ،‬ثههم‬
‫جحت بعضها على الخر‪.‬‬ ‫ناقشت بين وجهات النظر ور ّ‬
‫وختمت الرسههالة بعههرض بعههض النمههاذج الناشههئة عههن‬
‫الختلف في الستدلل بالعقل‪.‬‬
‫وقد خلصت الدراسة إلى مجموعة من النتائج تتلخههص‬
‫في أن العقل يعتبر أصل النقل بمعنى أنه أصل صدق ثبوته‪،‬‬
‫وأن القواطههع العقليههة مقدمههة علههى ظههواهر النههص الظنيههة‬
‫حسههن والقبههح ل ي ُههدركان بالعقههل‬‫الموهمههة للتشههبيه‪ ،‬وأن ال ُ‬
‫وحده‪ ،‬وأن المعارض العقلي مبدأ سليم‪.‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫المقدمة‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬والصلة والسلم على أشرف‬
‫الخلق سيدنا محمد وعلى آله وصحبه‪.‬‬
‫لقد رأيت أثناء مطههالعتي لكتههب العقيههدة عنههد مختلههف‬
‫المدارس أن الباحثين اختلفوا في تقييم العقل وتقييم دوره‬
‫فههي العقيههدة السههلمية‪ ،‬فمنهههم الههذين يسههتعملون العقههل‬
‫ويحكمونه في أمور العتقاد‪ ،‬ومنهم من ينكههر ذلههك ويحكههم‬
‫عليه بالخطأ وبالضلل أحيانًا‪ ،‬وبحكم قربههي مههن كتههب علههم‬
‫الكلم وتكرر النزاع في هذا الموضوع أحببت أن أخوض فيه‬
‫لتبّين وأبين ما هي حدود العقل وما هو دوره في العقائد‪.‬‬
‫فالتنازع والتخاصم القديم والحديث حول العقل ودوره‬
‫كان الداعي الول والخير لي في طرق هذا الباب‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫وتكمن أهمية هههذا الموضههوع فههي اتصههاله بههأهم علههوم‬
‫الدين‪ ،‬وهو علم العقائد‪ ،‬ثم لمعالجته هذا العلم مههن أصههله‪،‬‬
‫أي أن هذا البحههث سههيناقش العقههائد مههن حيههث السههتدلل‬
‫عليها من جهة مصدرها‪.‬‬

‫وقههد بحثههت عههن كتههب ورسههائل جامعيههة ذات صههلة‬


‫بموضوعي حتى أستفيد منها في بحثي‪ ،‬فوجدت ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬كتاب )القرآن والنظر العقلههي( لفاطمههة إسههماعيل‬
‫محمد إسماعيل‪ ،‬وهي رسالة جامعية )ماجسههتير( بإشههراف‬
‫د‪ .‬سهير فضل الله‪ ،‬من كلية البنات‪-‬عين شمس‪1989 ،‬م‪.‬‬
‫وقد تكلمت الباحثة في الفصل الول عن دعوة القرآن‬
‫الكريم إلى النظر العقلي ومعنى العقل واسههتخدامه‪ ،‬وهههذا‬
‫المبحث يوجههد عنههد الكههثيرين ممههن كتبههوا عههن العقههل فههي‬
‫القرآن الكريم‪.‬‬
‫وجاء الحديث في الفصل الثاني عن منهج القههرآن فههي‬
‫إزالههة العههوائق مههن أمههام العقههل مثههل ذم التقليههد والهههوى‬
‫والظن‪ ،‬ومن ثم طرق الستدلل العقلههي الههتي جههاءت فههي‬
‫القرآن الكريم والستدلل الستقرائي في عههالم الكونيههات‪،‬‬
‫ت الفصل بالحديث عن العلقة بين الستدلل القرآني‬ ‫وختم ْ‬
‫واليوناني وإبراز الفروق التي يمتاز بههها السههتدلل القرآنههي‬
‫على اليوناني‪.‬‬
‫وجههاء الحههديث فههي الفصههل الثههالث عههن دور النظههر‬
‫العقلي في بناء العقيدة السلمية‪ ،‬وكان المبحث الول عههن‬
‫دور النظر العقلي فههي تأكيههد الوجههود اللهههي بههدليل الخلههق‬
‫ودليل العناية‪ ،‬وكان المبحث الثاني عن دور النظههر العقلههي‬
‫في إثبات الوحدانية‪ ،‬والثههالث عههن دور النظههر العقلههي فههي‬
‫إثبات البعث والجزاء‪.‬‬
‫ولكن القرب إلى بحثي هو الفصل الخيههر‪ :‬أثههر النظههر‬
‫العقلي في القرآن على الفكر السلمي‪ ،‬وتكلمت فيههه عههن‬
‫دور النظر العقلي في فهههم المتشههابه مههن القههرآن الكريههم‬
‫وعن التأويل وموقف السلف والخلف منه‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫وكان المبحث الثاني في هذا الفصل عههن العلقههة بيههن‬
‫العقل والنقل عند بعض متكلمي السلم مههع الههتركيز علههى‬
‫مواقف المعتزلة والشاعرة والظاهرية‪.‬‬
‫وختمت الباحثة بالكلم عن قضية التوفيههق بيههن الههدين‬
‫والفلسفة عند بعض فلسفة السلم‪.‬‬
‫وهذه الرسالة مفيدة مشكورة صاحبتها‪ ،‬إل أنههها تتبههاين مههع‬
‫بحثي من حيث أنها تنطلق من الدليل القرآني مباشرة بأحد‬
‫أنواعه وهو الدليل العقلي القرآنههي‪ ،‬ولكههن بحههثي سههينطلق‬
‫من الدليل العقلي كدليل مستقل ومن ثم تسويغ استخدامه‬
‫أو عههدمه مههن القههرآن الكريههم والسههنة النبويههة الشههريفة‬
‫وعموميات الشريعة السلمية‪ ،‬وهذا تباين منهجي‪.‬‬

‫‪ -2‬كتاب )نشأة الفكر الفلسفي في السلم( للدكتور علههي‬


‫سامي النشار وهو كتاب كبير يقع في ثلثة أجزاء ضخمة‪.‬‬
‫يوجد في هذا الكتاب المفيد الجامع بابهان قريبهان مهن‬
‫بحثي‪ ،‬أولهمهها‪ :‬البههواكير الولههى للحركههة العقليههة السههلمية‬
‫وثانيهما‪ :‬نشأة التفكير العقلي في السلم‪ ،‬وقد تطرق فههي‬
‫هذين البحثين إلى الكثير مههن الشههخاص والراء والمهدارس‬
‫السلمية التي شاركت في الحههوار العقههدي آنههذاك‪ ،‬ومنهههم‬
‫الئمههة الربعههة وأهههل السههنة الوائل والقههدريون والمجههبرة‬
‫الوائل ثم المعتزلة بطبقاتهم ورجالهم‪.‬‬
‫ولكههن هههذا الكتههاب كههان يههبرز القههوال والحههداث‬
‫والمسائل التي يبرز فيها دور العقل عند المدارس السههابقة‬
‫ويركههز علههى ذكههر أقههوالهم وتلخيههص عقههائدهم بالتحليههل‬
‫والتههوجيه ولكههن دون الخههروج بنتههائج لطههرائق السههتدلل‬
‫بالعقل عند كل منهم من خلل آرائهم وأفكههارهم‪ ،‬وهههذا مهها‬
‫سأفعله إن شاء الله‪.‬‬

‫إشكالية الدراسة‪:‬‬
‫وهذا البحث سيجيب القارئ عن أسئلة مهمة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -‬هل للعقل دور في بناء المعتقدات‬
‫‪ -‬ما هي حدود العقل في الخوض في أمههور العقيههدة إن كههان‬
‫له دور‬

‫‪7‬‬
‫‪ -‬ما هو موقف المدارس السلمية من استعمال العقههل فههي‬
‫باب العقائد‬
‫‪ -‬مهها هههي الثههار الناشههئة عههن اختلف المههدارس فههي دور‬
‫الستدلل بالعقل على العقائد‬
‫‪ -‬ما هو موقف المدارس السلمية في حالههة تعههارض العقههل‬
‫مع النقل‬

‫منهج البحث‪:‬‬
‫وسأستخدم في هذه الدراسة المنهجية التالية‪:‬‬
‫ل‪ :‬المنهج الجمعي‬ ‫أو ً‬
‫ويكههون بتجميههع آراء المههدارس السههلمية فههي العقههل‬
‫والههدليل العقلههي وتحديههد مواقفههها‪ ،‬وذلههك بههالرجوع إلههى‬
‫المصههادر المعتههبرة الصههيلة المتههوفرة عنههد كههل مدرسههة‬
‫ودرسها درسا ً شام ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬المنهج التحليلي‬
‫حيههث قمههت بدراسههة النصههوص وتحليلههها واسههتنباط‬
‫وجهات النظر وطرق التفكير وموضع الخلف وتحرير النزاع‬
‫بين المدارس‪ ،‬وهذا ما فتح لي باب المنهج المقارن‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬المنهج المقارن‬
‫ويكون بربط المتشابهات‪ ،‬ومْيز المتناقضههات‪ ،‬وتحديههد‬
‫نقهههاط التفهههاق والختلف‪ ،‬وإجهههراء المقابلهههة بيهههن الراء‪،‬‬
‫وتنقيحههها بههالحوار والههدليل‪ ،‬كههي أتمكههن مههن الوصههول إلههى‬
‫وة من قضايا هذه الرسالة‪.‬‬ ‫النتيجة المرج ّ‬
‫خطة البحث‪:‬‬
‫الفصل التمهيدي‪ :‬مصطلحات البحث‬
‫المبحث الول‪ :‬الدليل‬
‫المبحث الثاني‪ :‬العقل‬
‫المبحث الثالث‪ :‬العقيدة‬
‫المبحث الرابع‪ :‬المدارس السلمية المقصودة في البحث‬
‫الفصل الول‪ :‬النظر العقلي في العقيدة‪ ،‬نشأته وتطوره‬
‫المبحث الول‪ :‬النظر العقلي في القرآن الكريم‬
‫المبحث الثاني‪ :‬النظر العقلي في عهد الرسول ‪ ‬وصدر‬
‫السلم‬

‫‪8‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬نشأة علم الكلم‬
‫الفصل الثاني‪ :‬الدليل العقلي في العقائد ومواقف‬
‫المدارس السلمية منه‬
‫المبحث الول‪ :‬دور الستدلل بالعقل على العقائد عند‬
‫المعتزلة‬
‫المبحث الثاني‪ :‬دور الستدلل بالعقل على العقائد عند‬
‫الحنابلة‬
‫المبحث الثالث‪ :‬دور الستدلل بالعقل على العقائد عند‬
‫الشاعرة‬
‫المبحث الرابع‪ :‬دور الستدلل بالعقل على العقائد عند‬
‫الماتريدية‬
‫المبحث الخامس‪ :‬مناقشة مواقف الفرق من دور‬
‫الستدلل بالعقل على العقائد‬
‫الفصل الثالث‪ :‬نماذج من الثار الناشئة عن الختلف في‬
‫الستدلل بالعقل‬
‫المبحث الول‪ :‬الموقف من التكليف‬
‫المطلب الول‪ :‬في أول ما يجب على المكلف‬
‫المطلب الثاني‪ :‬في إيمان المقلد‬
‫المبحث الثاني‪ :‬الموقف من مستلزمات اللوهية‬
‫المطلب الول‪ :‬إثبات الجهة في حق الله تعالى أو نفيها‬
‫المطلب الثاني‪ :‬إثبات صفات المعاني لله تعالى أو نفيها‬

‫الفصل التمهيدي‪ :‬مصطلحات البحث‬


‫المبحث الول‪ :‬الدليل‬
‫المبحث الثاني‪ :‬العقل‬
‫المبحث الثالث‪ :‬العقيدة‬
‫المبحث الرابع‪ :‬المدارس السلمية المقصودة في البحث‬
‫المبحث الول‪ :‬الدليل‬
‫الدليل لغة‪:‬‬
‫دال‪ ،‬وقد د َّله على‬
‫دليل ال ّ‬
‫ل به‪ ،‬وال ّ‬ ‫ست َد َ ّ‬
‫يطلق على ما ي ُ ْ‬
‫)‪(1‬‬
‫ة بفتح الههدال وكسههرها‪،‬‬ ‫ة ودِ َ‬
‫لل ً‬ ‫لل ً‬‫طريق ي َد ُّله –بالضم‪ -‬د َ َ‬
‫ال ّ‬

‫‪ ()1‬ابن منظور‪ ،‬محمد بن مكرم الفريقي المصري )ت ‪ 711‬هه(‪ .‬لسان العششرب‪ ،‬ط‪ ،1‬ه ‪15‬م‪ ،‬دار صههادر‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬م‪ 11‬ص‪ ،249‬الرازي‪ ،‬محمد بن أبي بكر بن عبد القادر‪ .‬مختار الصحاح‪ ،‬ط‪) ،1‬تحقيههق‪ :‬محمههود‬

‫‪9‬‬
‫دللة بالكسههر والفتههح‪.‬‬
‫دللة وال ّ‬ ‫والجمع أ َدِّلة وأ َدِ ّ‬
‫لء والسم ال ّ‬
‫)‪(1‬‬

‫والدليل‪ :‬هو المرشد‪ ،‬وما به الرشاد‪.‬‬


‫)‪(2‬‬

‫وفي لسان العرب‪ :‬إن تسمية الههدال بالههدليل هههو مههن‬


‫)‪(3‬‬
‫باب المبالغة‪.‬‬
‫وقهههد وردت فهههي )تهههاج العهههروس( وفهههي )كشهههاف‬
‫)‪(4‬‬
‫اصطلحات الفنون(‪ ,‬هذه المعاني الثلثة‪.‬‬
‫ل به أو المرشههد ومهها بههه‬‫ل أو ما ُيستد ّ‬
‫فالدليل لغة الدا ّ‬
‫الرشاد‪ ،‬ويجمع كل هذه المعاني تحققُ الدللة بههها‪ ،‬فسههواء‬
‫اعتبرنا الدليل بمعنى الدال أو ما يسههتدل بههه‪ ،‬فههإن كل مههن‬
‫المعنيين فيه وسيلة وصول إلههى المههدلول عليههه‪ ،‬والتعريههف‬
‫الذي أورده الزبيدي والجرجاني "المرشد‪ ،‬وما بههه الرشههاد"‬
‫هو تعريف لطيف جامع لصل المعنى اللغوي‪ ،‬وهذا ما يفهم‬
‫إذا أطلق لفظ الدليل‪.‬‬

‫الدليل اصطلحا‪:‬‬
‫دة تعريفات‪ ،‬منها‪:‬‬‫لقد عُّرف الدليل في الصطلح بع ّ‬
‫‪" -1‬ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلههى مطلههوب‬
‫صل هو الوصول بكلفة" )‪.(5‬‬ ‫خبري‪ ،‬والتو ّ‬
‫ونلحظ من هذا التعريف أنههه اشههترط النظههر الصههحيح‬
‫فههي الههدليل‪ ،‬أي أن الههدليل وحههده ل يكفههي‪ ،‬فل بههد مههن‬

‫خاطر(‪ ،‬مكتبة لبنان ناشرون‪ ،‬بيروت‪1995 ،‬م‪ ،‬ص ‪.218‬‬


‫‪ ()1‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬م‪ 11‬ص‪.249‬‬
‫‪ ()2‬المدي‪ ،‬علي بن أبي علي بن محمد بن سالم )ت ‪631‬هه(‪ .‬أبكار الفكار في أصششول الششدين‪ ،‬ط ‪،3‬‬
‫‪5‬م‪) ،‬تحقيق‪ :‬أحمد محمد المهدي(‪ ،‬دار الكتب والوثهائق القوميهة‪ ،‬مصهر‪-‬القههاهرة‪2007 ،‬م‪ ،‬م ‪ ،1‬ص ‪.189‬‬
‫الجرجاني‪ ،‬علي بن محمد بن علي )ت ‪816‬هه(‪ .‬التعريفات‪ ،‬ط ‪) ،1‬تحقيق‪ :‬إبراهيم البياري(‪ ،‬دار الكتاب‬
‫العربي‪ ،‬بيروت‪1405 ،‬هه‪ ،‬ص ‪.140‬‬
‫‪ ()3‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬م‪ 11‬ص‪.249‬‬

‫‪ ()4‬انظر‪ :‬التهانوي )‪1158‬هه(‪ ،‬محمد بن علي بن محمد‪ .‬كشششاف اصششطلحات الفنششون‪ ،‬ط‪ ،1‬ه ‪4‬م‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪1998 ،‬م‪ ،‬م‪ ،2‬ص‪ .127‬الزبيدي )ت ‪ 1205‬هه(‪ ،‬محمد مرتضى‪ .‬تاج العروس‪،‬‬
‫د ط‪10 ،‬م‪ ،‬دار ليبيا للنشر والتوزيع‪ ،‬بنغازي‪1966 ،‬م‪ ،‬م‪ ،7‬ص‪.325‬‬
‫‪ ()5‬المحلي )ت ‪ 864‬هه(‪ ،‬محمد بن أحمد‪ .‬البدر الطالع في حل جمع الجوامع‪ ،‬ط ‪،1‬هه ‪2‬م‪) ،‬تحقيههق‪:‬‬
‫أبو الفداء مرتضى الداغستاني(‪ ،‬مؤسسة الرسالة ناشرون‪ ،‬دمشق‪2005 ،‬م‪ ،‬م ‪ 1‬ص ‪.116‬‬

‫‪10‬‬
‫استعماله بنظر صحيح في مقدماته والربط بينها وصول ً إلى‬
‫النتيجة‪.‬‬
‫والنظر الصحيح يعتمد علههى كيفيههة ترتيههب المقههدمات‪،‬‬
‫وعلههى كيفيههة الوصههول إلههى النتيجههة‪ ،‬فههالنظر الصههحيح هههو‬
‫الستعمال السليم للمقدمات المتوفرة للمستدل‪.‬‬
‫صل فيه إلى مطلههوب خههبري‪،‬‬ ‫وقد نّبه أيضا ً إلى أنه يتو ّ‬
‫أي نتيجة تحتمههل الصههدق والكههذب‪ ،‬فنطلههب الههدليل لثبههات‬
‫صدقها‪ ،‬وأما النشاء فهههو ل يحتمههل الصههدق والكههذب حههتى‬
‫يحتاج إلى دليل على صدقه‪.‬‬
‫‪" -2‬الذي يلزم من العلم به العلم بشههيء آخههر" )‪ ،(1‬أو‬
‫هو "الذي يلزم من العلم به العلم بوجود المدلول")‪.(2‬‬
‫وهذان التعريفان أكثر إجمال ً من السابق‪.‬‬
‫‪ -3‬ما "يتوصل بصحيح النظر فيه إلههى مهها ل ُيعلههم فههي‬
‫مسهههتقر العهههادة اضهههطرارًا‪ ،‬وههههو ينقسهههم إلهههى العقلهههي‬
‫)‪(3‬‬
‫والسمعي"‪.‬‬
‫وهذا التعريف قريب من التعريف الول‪ ،‬إل أنه أضههاف‬
‫صههل بههه إلههى مطلههوب‬ ‫إضافة تنبيهية‪ ،‬وهي كون الههدليل يتو ّ‬
‫نظري ل ضروري‪ ،‬وذلك لن الضروري ل ُيطلب عليه دليههل‪،‬‬
‫مي تنبيه ها ً ل‬ ‫ُ‬
‫سه ّ‬
‫وإن أورد عليه مهها هههو علههى صههورة الههدليل ُ‬
‫دلي ً‬
‫ل‪.‬‬

‫والضروري ما يتوصههل إليههه بههدون مقههدمات أو تفك ّههر‪ ،‬وهههو‬


‫)‪(4‬‬
‫عكس النظري الذي ُيطلب بالدليل والنظر‪.‬‬
‫‪ ()1‬الجرجاني‪ ،‬التعريفات‪ ،‬ص ‪.140‬‬
‫‪ ()2‬الههرازي )ت ‪ 606‬هههه(‪ ،‬محمههد بههن عمههر‪ .‬محصل أفكار المتقششدمين والمتششأخرين مششن العلمششاء‬
‫والحكماء والمتكلمين‪ ،‬د ط‪ ،‬مكتبة الكليات الزهرية‪ ،‬مصر‪ ،‬د ت‪ ،‬ص ‪.50‬‬
‫‪ ()3‬الجويني‪ ،‬عبد الملك بن عبد الله بن يوسف )ت ‪ 478‬هه(‪ .‬الرشاد إلى قواطع الدلة في أصول‬
‫العتقاد‪ ،‬د ط‪) ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬محمد يوسف موسى وعلي عبد المنعم عبد الحميد(‪ ،‬مكتبههة الخههانجي‪ ،‬مصههر‪،‬‬
‫‪1950‬م‪ ،‬ص ‪.8‬‬
‫‪ ()4‬انظر‪ :‬الرازي )ت ‪ 606‬هه(‪ ،‬محمد بن عمر‪ .‬معالم أصول الدين‪ ،‬ط ‪) ،1‬تحقيق‪ :‬د أحمد عبد الرحيم‬
‫السايح و د سامي عفيفي حجازي(‪ ،‬مركز الكتههاب للنشههر‪ ،‬القههاهرة‪2000 ،‬م‪ ،‬ص ‪ ،7‬وانظههر‪ :‬البههاقلني )ت‬
‫‪ 403‬هه(‪ ،‬محمد بن الطيب‪ .‬النصاف فيما يجب اعتقاده ول يجوز الجهل به‪ ،‬ط ‪) ،2‬تحقيق‪ :‬المام‬
‫محمد زاهههد الكههوثري(‪ ،‬مؤسسههة الخههانجي‪1963 ،‬م‪ ،‬ص ‪ ،14‬وانظههر‪ :‬الههبزدوي )ت ‪ 493‬هههه(‪ ،‬محمههد أبههو‬
‫اليسر‪ .‬أصول الدين‪ ،‬د ط‪) ،‬تحقيق‪ :‬هانز بيتر لنس(‪ ،‬المكتبة الزهرية للتراث‪ ،‬القاهرة‪2003 ،‬م‪ ،‬ص ‪.23‬‬

‫‪11‬‬
‫‪" -4‬هو المرشد إلى معرفة الغائب عن الحواس وما ل‬
‫يعرف باضطرار وهو الذي ينصب من المههارات ويههورد مههن‬
‫اليماء والشارات مما يمكن التوصل به إلى معرفة ما غاب‬
‫)‪(1‬‬
‫عن الضرورة والحس"‪.‬‬
‫وههذا التعريهف نب ّههه علههى أمهور مهّرت فهي التعريفههات‬
‫السابقة‪ ،‬إل أنه طويل‪.‬‬
‫صههل بصههحيح النظههر فيههه إلههى‬‫‪" -5‬هو ما يمكههن أن يتو ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫مطلوب تصديقي"‪.‬‬
‫وهذا التعريف يختلف من حيههث العبههارة عههن التعريههف‬
‫الول في الكلمة الخيههرة‪ ،‬حيههث إن التعريههف الول يقههول‪:‬‬
‫"مطلوب خبري" وهذا التعريف يقول‪" :‬مطلوب تصههديقي"‪،‬‬
‫وهمهها بنفههس المعنههى‪ ،‬لن التصههديقي ل يكههون إل خبريههًا‪،‬‬
‫وكذلك الخبري ل يكون إل تصديقيًا‪ ،‬فل فرق إذا‪.‬‬
‫وري‪ ،‬إذ التصههور إدراك‬ ‫والمطلوب التصديقي غير التص ّ‬
‫ور )الصههخرة(‬ ‫مفرد ليس له علقة في النفي والثبات كتصهه ّ‬
‫أو )الثلج( أو )السماء(‪ ،‬والتصديق إدراك نسبة بين مفرديههن‬
‫فأكثر على وجه النفي أو الثبات كإدراك أن اللههه واحههد وأن‬
‫)‪(3‬‬
‫الجنة موجودة‪ ،‬وهذا الكلم مبسوط في كتب المنطق‪.‬‬
‫والذي يختاره الباحث في تعريف الدليل بنههاء علههى مهها‬
‫سبق هو ما ذهب إليههه المحلههي وهههو ‪" :‬مهها ُيمكههن التوصههل‬
‫بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري"‪.‬‬
‫مع الشارة إلههى أن الخههبري ل بههد أن يكههون تصههديقيًا‪،‬‬
‫وإلى أنه من المسّلم الذي ل خلف فيه أن المطلوب يجههب‬
‫أن يكههون نظريهًا‪ ،‬أي بحاجههة إلههى دليههل وليههس ضههروريًا‪ ،‬إذ‬
‫الضروري ليس بحاجة إلى دليل‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬العقل‬


‫‪ ()1‬الباقلني )ت ‪ 403‬هه(‪ ،‬محمد بن الطيب‪ .‬التمهيد في الرد على الملحدة والمعطلة والرافضة‬
‫والخوارج والمعتزلة‪ ،‬د ط‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪1947 ،‬م‪ ،‬ص ‪.39‬‬
‫‪ ()2‬المدي‪ ،‬أبكار الفكار في أصول الدين‪ ،‬م ‪ ،1‬ص ‪.189‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ :‬الرازي‪ ،‬معالم أصول الدين‪ ،‬ص ‪ ،7‬الميداني‪ ،‬عبد الرحمن حسن حبنكة‪ .‬ضوابط المعرفششة‬
‫وأصول الستدلل والمناظرة‪ ،‬ط ‪ ،7‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪2004 ،‬م‪ ،‬ص ‪.18‬‬

‫‪12‬‬
‫مفهوم العقل شأنه شأن أي مفهوم من المفههاهيم‪ ،‬لههه‬
‫عدة معان في أصل اللغة وله كذلك عدة معههان اصههطلحية‬
‫لها نصيب من أصل المعنى اللغوي وتزيد عليه بمهها يتناسههب‬
‫مع ذلك النتقال من اللغة إلى الصطلح المههراد أو المتفههق‬
‫عليه‪.‬‬

‫العقل لغة‪:‬‬
‫دة معههان‪ ،‬أورد منههها ابههن‬ ‫يطلههق العقههل لغههة علههى ع ه ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫منظور ثلثة‪ ،‬هي‪ :‬المنع‪ ،‬والجمع‪ ،‬والحبس والمساك‪.‬‬
‫والذي رأيتههه مههن خلل القههراءة فههي المعههاجم أن كههل‬
‫المعاني اللغوية الواردة في معنى )عقل( راجعة إلى معنههى‬
‫واحد وهو )المنع(‪ ،‬فالحبس واضح فيه معنى المنههع‪ ،‬وكههذلك‬
‫المساك‪ ،‬وأما الجمع فليس بواضح فيه معنى المنههع‪ ،‬ولكههن‬
‫يتضح المعنى إذا دققنا النظر‪ ،‬فقد قالوا‪" :‬عََقْلت الَبعيههَر ِإذا‬
‫مْعت قوائمه")‪ ،(2‬فمن هذا المثال الذي استدّلوا بههه يتضههح‬ ‫ج َ‬
‫َ‬
‫أن غاية الجمع هي المنع‪ ،‬فليس المقصود مههن جمههع قههوائم‬
‫البعير إل منعه من النطلق‪ ،‬فُيرجع الجمع إلى المنع أيضًا‪.‬‬

‫العقل اصطلحًا‪:‬‬
‫وهناك تعريفات كثيرة للعقل من حيث الصطلح‪ ،‬نذكر‬
‫منها‪:‬‬
‫‪" -1‬هو عبارة عههن جملههة مههن العلههوم المخصوصههة‪ ،‬مههتى‬
‫حصلت في المكلههف صههح منههه النظههر والسههتدلل والقيههام‬
‫)‪(3‬‬
‫بأداء ما ك ُّلف"‪.‬‬
‫حسِنها وُقب ِ‬
‫حههها وكماِلههها‬ ‫ت الشياِء من ُ‬
‫م بصفا ِ‬ ‫‪" -2‬الِعل ُ‬
‫)‪(4‬‬
‫وُنقصاِنها"‪.‬‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬م‪ ،11‬ص‪ ،459-458‬وانظر‪ :‬الرازي‪ ،‬مختار الصحاح‪ ،‬ص‪.467‬‬

‫‪ ()2‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬م‪ ،11‬ص‪ ،458‬الزبيدي‪ ،‬تاج العروس‪ ،‬م‪ 8‬ص‪.25‬‬

‫‪ ()3‬القاضي عبد الجبار )ت ‪ 415‬هههه(‪ ،‬عبههد الجبههار بههن أحمههد الهمههذاني‪ .‬المغني في أبششواب التوحيششد‬
‫والعدل‪ ،‬د ط‪20 ،‬م‪ ،‬حققه مجموعة مهن البهاحثين‪ ،‬بإشهراف د طهه حسهين‪ ،‬المؤسسهة المصهرية العامهة‬
‫للتأليف والنباء والنشر‪ ،‬د ت‪ ،‬م‪ 11‬ص‪.375‬‬
‫‪ ()4‬الزبيدي‪ ،‬تاج العروس‪ ،‬م‪ 8‬ص‪.25‬‬

‫‪13‬‬
‫ره إذا‬‫‪" -3‬علههوم ضههرورية بههها يتميههز العاقههل مههن غي ه ِ‬
‫اّتصهههف)‪ ،(1‬وههههي العلهههم بوجهههوب الواجبهههات واسهههتحالة‬
‫)‪(2‬‬
‫المستحيلت وجواز الجائزات"‪.‬‬
‫‪" -4‬القوة المتهيئة لقبول العلم‪ ،‬ويقال للذي يسههتنبطه‬
‫)‪(3‬‬
‫النسان بتلك القوة عقل"‪.‬‬
‫‪" -5‬قوة للنفس‪ ،‬بههها تسههتعد للعلههوم والدراكههات وهههو‬
‫)‪(4‬‬
‫غريزة يتبعها العلم بالضروريات عند سلمة اللت"‪.‬‬
‫ف بهه فهي القلهب أو الهدماغ بهه‬ ‫‪" -6‬نور ُروحهاني يقهذ ُ‬
‫)‪(5‬‬
‫ة"‪.‬‬
‫ة والنظري َ‬ ‫م الضروري َ‬ ‫س العلو َ‬
‫تدرك النف ُ‬
‫)‪(6‬‬
‫‪" -7‬نور في القلب يعرف الحق والباطل"‪.‬‬
‫‪" -8‬جههههوهر مجههههرد يههههدرك الغائبههههات بالوسههههائط‬
‫)‪(7‬‬
‫والمحسوسات بالمشاهدة"‪.‬‬
‫‪" -9‬آلة وقوع العلم بالشياء‪ ،‬كالعين آلههة وقههوع العلههم‬
‫)‪(8‬‬
‫بالمرئيات‪ ،‬والذن آلة وقوع العلم بالمسموعات"‪.‬‬
‫وأقههول‪ :‬إن مهها ورد مههن هههذه التعريفههات ينقسههم إلههى‬
‫قسمين‪،‬‬
‫الول‪ :‬ما جعل العقل علم ها ً أو علوم ها ً كههالتعريف الول‬
‫والثاني‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬ما جعل العقل قوةً أو غريزة أو نورا ً أو جههوهرا ً‬
‫أو آلة كباقي التعريفات‪.‬‬

‫‪ ()1‬الجويني‪ ،‬الرشاد إلى قواطع الدلة في أصول العتقاد‪ ،‬ص‪.15‬‬

‫‪ ()2‬الزبيدي‪ ،‬تاج العروس‪ ،‬م‪ 8‬ص‪.25‬‬

‫‪ ()3‬الزبيدي‪ ،‬تاج العروس‪ ،‬م‪ 8‬ص‪ ،25‬وانظر‪ :‬الغزالي‪ ،‬محمد بن محمد بن محمد )ت ‪ 505‬هههه(‪ .‬إحيششاء‬
‫علوم الدين‪ ،‬ط‪5 ،1‬م‪ ،‬دار الفجر للتراث‪ ،‬مصر‪-‬القاهرة‪1999 ،‬م‪ ،‬م‪ 1‬ص‪.124‬‬
‫‪ ()4‬التفتازاني‪ ،‬مسعود بن عمر )ت ‪ 791‬هه(‪ .‬شرح العقائد النسفية‪ ،‬ط‪ ،1‬دار البيروتي ودار ابههن عبههد‬
‫الهادي‪2007 ،‬م‪ ،‬ص‪.44‬‬
‫‪ ()5‬الزبيدي‪ ،‬تاج العروس‪ ،‬م‪ 8‬ص‪.25‬‬

‫‪ ()6‬الجرجاني‪ ،‬التعريفات‪ ،‬ص‪.196‬‬

‫‪ ()7‬الجرجاني‪ ،‬التعريفات‪ ،‬ص‪.196‬‬

‫‪ ()8‬البزدوي‪ ،‬أصول الدين‪ ،‬ص‪.212‬‬

‫‪14‬‬
‫ويرى الباحث أن تعريف العقل بأنه قوة أو غريههزة هههو‬
‫أقوى من تعريفه بأنه علم أو علوم‪ ،‬لن العلههوم المجههردة ل‬
‫ور عند ذكر مفهههوم العقههل‬ ‫تكون وسيلة للتعقل‪ ،‬فإننا ل نتص ّ‬
‫إل شيئا ً نستطيع به كسب العلوم وإدراكها‪ ،‬فلذا كان تعريف‬
‫وة أو‬ ‫العقل بأنه علم أو علوم أقل وجاهة من تعريفه بأنه قهه ّ‬
‫غريزة أو نور‪.‬‬
‫جه المام الغزالي قول من ذهبوا إلى أن العقههل‬ ‫وقد و ّ‬
‫هو علوم توجيها ً لطيفًا‪ ،‬بعد ما ذكر تعريفههات أخههرى للعقههل‬
‫غير التي مّرت معنا الن‪ ،‬من ضمنها التعريفين الذين ُأشههيَر‬
‫إليهما آنفا‪.‬‬
‫وذكر أن العقل يطلق على أربعة معان‪ ،‬هي‪:‬‬
‫الول‪" :‬الوصف الذي ُيفارق النسان به سههائر البهههائم‪،‬‬
‫وهو الذي استعد به لقبول العلوم النظرية وتدبير الصناعات‬
‫)‪(1‬‬
‫الخفية الفكرية"‪.‬‬
‫الثاني‪" :‬هي العلوم التي تخههرج إلههى الوجههود فههي ذات‬
‫الطفههل المميههز‪ ،‬بجههواز الجههائزات واسههتحالة المسههتحيلت‪،‬‬
‫)‪(2‬‬
‫كالعلم بأن الثنين أكثر من الواحد"‪.‬‬
‫الثالث‪" :‬العلههوم الههتي تسههتفاد مههن التجههارب بمجههاري‬
‫ل‪ :‬إنه‬ ‫ذبته المذاهب يقا ُ‬ ‫ن حّنكته التجارب وه ّ‬ ‫م ْ‬‫ن َ‬ ‫الحوال‪ ،‬فإ ّ‬
‫)‪(3‬‬
‫عاقل في العادة"‪.‬‬
‫ف‬‫الرابههع‪" :‬أن تنتهههي قههوة تلههك الغريههزة إلههى أن َيعههر َ‬
‫عواقب المور ويقمهع الشههوة الداعيهة إلهى اللههذة العاجلهة‬
‫ً )‪(4‬‬
‫مي صاحبها عاقل"‪.‬‬ ‫س ّ‬
‫وة ُ‬‫ويقهرها‪ ،‬فإذا حصلت هذه الق ّ‬
‫س والسنخ والمنبع‪.‬‬
‫)‪(5‬‬
‫ثم قال الغزالي‪" :‬فالول‪ :‬هو ال ّ‬
‫والثاني‪ :‬هههو الفههرع القههرب إليههه‪ .‬والثههالث‪ :‬هههو فههرع الول‬
‫وة الغريزة والعلههوم الضههرورية تسههتفاد علههوم‬ ‫والثاني‪ ،‬إذ بق ّ‬

‫‪ ()1‬الغزالي‪ ،‬إحياء علوم الدين‪ ،‬م‪ 1‬ص‪.124‬‬

‫‪ ()2‬الغزالي‪ ،‬إحياء علوم الدين‪ ،‬م‪ 1‬ص‪.124‬‬

‫‪ ()3‬الغزالي‪ ،‬إحياء علوم الدين‪ ،‬م‪ 1‬ص‪.124‬‬

‫‪ ()4‬الغزالي‪ ،‬إحياء علوم الدين‪ ،‬م‪ 1‬ص‪.125‬‬

‫‪ ()5‬السنخ هو الصل‪ ،‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬م‪ 3‬ص‪.29‬‬

‫‪15‬‬
‫التجههارب‪ .‬والرابههع‪ :‬هههو الثمههرة الخيههرة والغايههة القصههوى‪.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫فالولن بالطبع والخيران بالكتساب"‪.‬‬
‫فنرى أن الغزالي جعل أساس العقل هو ما يسههتعد بههه‬
‫النسان للعلم والدراك‪ ،‬وجعل العلوم الههتي سههميت عقههول ً‬
‫حههه أو جعْل ُههه‬
‫على ثلث درجات؛ قريههب وبعيههد وأبعههد‪ .‬وترجي ُ‬
‫الول الساس هو موافق لقول من قالوا‪ :‬إن العقل قههوة أو‬
‫غريزة‪.‬‬
‫وقد قال المحاسبي في كتابه )مائيههة العقههل(‪" :‬والههذي‬
‫)‪(2‬‬
‫هو عندنا أنه غريزة والمعرفة عنه تكون"‪.‬‬
‫وة المتهّيئة لقبههول‬ ‫ويختار الباحث أن العقل هو‪ :‬القهه ّ‬
‫العلم‪ ،‬وذلك بعد ما تبّين أن كون العقل علوما ً ليس بههالرأي‬
‫الوجيه‪ ،‬فالعقل هو ما ُيعقل به‪ ،‬وههذه العلهوم ل ُيعقهل بهها‪،‬‬
‫ن العقل ل يستغني عههن هههذه العلههوم‬ ‫بل هي معقولت‪ ،‬ولك ّ‬
‫الضرورية حتى يتهيأ للتعقل‪ ،‬ولذلك قال الرازي في تعريههف‬
‫العقل إنه "غريزة يلزمها هذه العلههوم البديهيههة عنههد سههلمة‬
‫)‪(3‬‬
‫الحواس"‪.‬‬
‫ضح بههأن هههذه‬ ‫فالرازي قائل بأن العقل غريزة‪ ،‬ولكنه و ّ‬
‫الغريزة ل تستغني عن العلوم البديهية‪ ،‬كهالعلم بهأن الواحهد‬
‫أصغر من الثنين‪ ،‬وأن الجسم ل يكون ساكنا ً ومتحركهها فههي‬
‫نفس الوقت‪.‬‬
‫ومن هنا يتضح سبب قول من قال‪ :‬إن العقل هو علوم‬
‫نظرية‪ ،‬فقولهم أتى من باب أن الفهههم والدراك ل يسههتغني‬
‫عن هذه العلوم الضرورية‪ ،‬ويمكننا تصويب قولهم مههن هههذا‬
‫الههوجه‪ ،‬ولكههن يبقههى التعريههف الوجههه للعقههل أنههه القههوة أو‬
‫الغريزة‪.‬‬

‫وبعد أن تبّين لنا مفهوم الدليل ومفهوم العقههل كههان ل‬


‫بد أن نعرف المصطلح المركب منهما‪ ،‬وهو الدليل العقلي‪.‬‬

‫‪ ()1‬الغزالي‪ ،‬إحياء علوم الدين‪ ،‬م‪ 1‬ص‪.125‬‬

‫‪ ()2‬المحاسبي‪ ،‬الحههارث بههن أسههد بههن عبههد اللههه‪ ،‬مائية العقل ومعنششاه واختلف النششاس فيششه‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫)تحقيق‪ :‬حسين القوتلي(‪ ،‬دار الكندي و دار الفكر‪ ،‬بيروت‪1398 ،‬هه‪ ،‬ص‪.205‬‬
‫‪ ()3‬الرازي‪ ،‬محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين من العلماء والحكماء والمتكلمين‪ ،‬ص‪.104‬‬

‫‪16‬‬
‫سههم علمههاء الكلم الههدليل بشههكل عههام إلههى ثلثههة‬ ‫يق ّ‬
‫أقسام‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫الول‪ ،‬الدليل العقلي المحض‪ :‬وهو الذي كههل مقههدماته‬
‫عقلية‪ ،‬فل يتوقف على النقل أبدًا‪.‬‬
‫الثاني‪ ،‬الدليل النقلي المحض‪ :‬وهو الذي كل مقههدماته‬
‫نقليههة‪ ،‬فل يتوقههف علههى العقههل أبههدًا‪ ،‬وهههذا ل ُيتص ه ّ‬
‫ور عنههد‬
‫جمهور علماء الكلم‪.‬‬
‫الثالث‪ ،‬الدليل المركب منهما‪ :‬وهههو الههذي يتكههون مههن‬
‫مقدمات عقلية ونقلية معًا‪ ،‬وهو ما ُيطِلق عليههه المتكلمههون‬
‫)‪(1‬‬
‫الدليل النقلي‪.‬‬
‫فتههبين إذا أن الههدليل العقلههي هههو الههذي تكههون كههل‬
‫مقدماته مأخوذة من العقل‪.‬‬
‫وسيأتي الكلم عن هههذه القسههام الثلثههة فههي الفصههل‬
‫الثاني من هذه الدراسة إن شاء الله تعالى‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬العقيدة‬

‫لغة‪:‬‬
‫قال ابن منظور‪" :‬عََقد َ العَهْد َ واليميههن ي َعِْقههدهما عَْقههدًا‪،‬‬
‫)‪(2‬‬
‫وعَّقدهما َأكدهما"‪.‬‬
‫وقال تعالى‪ :‬ﭽ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﭼ)‪ (3‬وجاء‬
‫ن وتوثيقههها عليههه‬ ‫في تفسير هذه الية‪" :‬أي بتعقيدكم ا َ‬
‫ليمهها َ‬
‫بالقصد والنية‪ ،‬والمعنههى ولكههن يؤاخههذكم بمهها عّقههدتموه إذا‬
‫)‪(4‬‬
‫ث ما عّقدتم "‪.‬‬ ‫حِنثتم أو بن َك ْ ِ‬

‫‪ ()1‬انظههر‪ :‬التهههانوي‪ ،‬كشششاف اصششطلحات الفنششون‪ ،‬م‪ 2‬ص‪ ،133‬وانظههر‪ :‬الغزالههي‪ ،‬القتصششاد فششي‬
‫العتقاد‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪2004 ،‬م‪ ،‬ص‪ ،115‬والرازي‪ ،‬معالم أصول الششدين‪ ،‬ص‬
‫‪ ،11‬ش والرازي )ت‪606‬هه(‪ ،‬محمد بن عمر بن الحسين‪ .‬الربعين فششي أصششول الششدين‪ ،‬ط‪) ،2‬تحقيههق د‪.‬‬
‫أحمد حجازي السقا(‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ -‬القاهرة‪ -‬تههونس‪ ،2004 ،‬ص‪ ،416‬و الشههريف الجرجههاني‪ ،‬شرح‬
‫المواقف‪ ،‬م‪ ،2‬ص‪ ،48‬وانظر مثله عنههد‪ :‬الجههويني )ت ‪ 478‬هههه(‪ ،‬الرشاد إلششى قواطششع الدلششة فششي‬
‫أصول العتقاد‪ ،‬ص‪.8‬‬
‫‪ ()2‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬م‪ 3‬ص‪.296‬‬

‫‪ ()3‬سورة المائدة‪ ،‬الية ‪.89‬‬

‫‪ ()4‬أبو السعود‪ ،‬محمد بن محمد العمادي‪ ،‬إرشاد العقل السليم إلشى مزايشا القشرآن الكريشم‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪9‬م‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬م‪ 3‬ص‪.74‬‬

‫‪17‬‬
‫اصطلحا‪:‬‬
‫"وقههد أطلقههت هههذه الكلمههة علههى العلههم الههذي يتعلههق‬
‫بقضايا التوحيد واليمان‪ .‬وهههي ُتقابههل الشههريعة‪ ،‬إذ السههلم‬
‫عقيدة وشريعة‪ ،‬فالعقيدة هي المور النظرّية اليمانية الههتي‬
‫يجب على المسلم أن يعتقدها في قلبه‪ ،‬لن الله أخبره بههها‬
‫بطريقة كتاب أو بطريق وصهّية إلههى رسههوله ‪ .‬والشههريعة‬
‫تعني التكاليف العملية التي جاء بههها السههلم فههي العبههادات‬
‫والمعاملت"‪ (1).‬وهههذا الكلم ينطبههق وينطلههق مههن الحههديث‬
‫النبوي الشريف المشهور‪ ،‬حينما أتههى جبريههل عليههه السههلم‬
‫على صورة إنسان وسأل الرسول ‪ ‬عن اليمان والسههلم‬
‫والحسان‪ (2).‬فاليمههان يتعلههق بههالمور العتقاديههة والسههلم‬
‫يتعلق بالمور العملية‪ ،‬والعتقاد هو اليمان‪.‬‬
‫"والعقيههدة بمعنههى اليمههان‪ ،‬اعتقههد بكههذا أي آمههن بههه‪،‬‬
‫دق بههه‬‫واليمان بمعنى التصديق‪ُ ،‬يقال‪ :‬آمن بالشيء أي صهه ّ‬
‫ك معه‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﭵ ﭶ‬ ‫تصديقا ً ل ريب فيه ول ش ّ‬
‫ق لنا‪ ،‬فيخرج منه الوهم والشك والظن"‪.‬‬ ‫ﭷ ﭸﭼ أي بمصد ّ ٍ‬
‫)‪(3‬‬

‫)‪(4‬‬

‫وجاء فههي )كشههاف اصههطلحات الفنههون( أن "العتقههاد‬


‫هو‬ ‫ي جازم يقبل التشكيك"‪ (5).‬وهو المشهور‪،‬أو‬ ‫حكم ذهن ّ‬
‫حكم ذهنههي جههازم ل يقبههل التشههكيك‪ .‬فالعتقههاد بههالمعنى‬
‫)‪(6‬‬

‫المشهور يقابل العلم‪ ،‬وبالمعنى الخر يشمل العلم والظن‪.‬‬


‫أو هو "التصديق مطلقًا‪ ،‬أعههم مههن أن يكههون جازم ها ً أو‬
‫)‪(7‬‬
‫غير جازم‪ ،‬مطابق ها ً أو غيههر مطههابق‪ ،‬ثابت ها ً أو غيههر ثههابت"‪.‬‬

‫‪ ()1‬قرعوش‪ ،‬كايد يوسف‪ ،‬وكههردي‪ ،‬راجههح عبههد الحميههد‪ ،‬والخطيههب‪ ،‬محمههد أحمههد‪ ،‬والحههاج‪ ،‬محمههد أحمههد‪،‬‬
‫العقيدة السلمية‪ ،‬ط‪ ،1‬ه ‪2‬م‪ ،‬منشورات جامعة القدس المفتوحة‪ ،‬عمههان‪1993 ،‬م‪ ،‬م‪ 1‬ص‪ .10‬والكلم‬
‫للدكتور محمد الحاج‪.‬‬
‫‪ ()2‬انظر‪ :‬البخاري‪ ،‬محمد بههن إسههماعيل الجعفههي‪ ،‬الجامع الصششحيح المختصششر‪ ،‬ط‪ ،3‬ه ‪6‬م‪) ،‬تحقيههق‪ :‬د‪.‬‬
‫مصطفى ديب البغا(‪ ،‬دار ابن كثير‪ ،‬اليمامة – بيروت‪1987 ،‬م‪ ،‬م‪ 4‬ص‪.1793‬‬
‫‪ ()3‬سورة يوسف‪ ،‬الية ‪.17‬‬

‫‪ ()4‬قرعوش وآخرون‪ ،‬العقيدة السلمية‪ ،‬م‪ 1‬ص‪ .10‬والكلم للدكتور محمد الحاج‪.‬‬

‫‪ ()5‬التهانوي‪ ،‬كشاف اصطلحات الفنون‪ ،‬م‪ 3‬ص‪.208‬‬

‫‪ ()6‬انظر‪ :‬التهانوي‪ ،‬كشاف اصطلحات الفنون‪ ،‬م‪ 3‬ص‪.208‬‬

‫‪ ()7‬التهانوي‪ ،‬كشاف اصطلحات الفنون‪ ،‬م‪ 3‬ص‪.208‬‬

‫‪18‬‬
‫وُيقصد بالمطاِبق المطابق للواقع‪ ،‬والثههابت أي الثههابت فههي‬
‫نفس المر وهو نفس المطابق‪.‬‬
‫ج ممهها سههبق أن العقيههدة هههي التصههديق وعقههد‬ ‫نسههتنت ُ‬
‫النفس على الشيء‪ ،‬ويبقههى السههؤال قائمهها‪ ،‬هههل يجههب أن‬
‫يكون التصديق جازمًا؟ وهل يجب أن يكون مطابقا ً للواقع؟‬
‫ب أن يكون مطابقا ً‬ ‫يرى الباحث أن هذا التصديق ل يج ُ‬
‫للواقع حتى ُيسمى عقيدة‪ ،‬لن النصارى واليهود والمجههوس‬
‫مي تصديقهم‬ ‫دقون بأمور غير مطابقة‪ ،‬ومع ذلك فإنا ُنس ّ‬ ‫ُيص ّ‬
‫هذا المخالف لمهها عليههه العقيههدة فههي نفههس المههر والواقههع‬
‫ة‪ ،‬فنقول‪) :‬عقيدة النصارى( أو )عقيدة المجههوس(‪ ،‬ول‬ ‫عقيد ً‬
‫ث مانعهها ً لغوّيهها أو شههرعّيا أو اصههطلحيا ً لهههذا‬
‫يههرى البههاح ُ‬
‫دل علههى‬ ‫الطلق‪ ،‬وإذا قال قائل‪ :‬إن أصل المعنى اللغوي ي ه ُ‬
‫الستيثاق والتأكههد والربههط واللههزوم‪ ،‬ول يتحقههق شههيء مههن‬
‫ذلك إل إذا كهان التصههديق مطابقها ً للواقههع‪ُ .‬يجههاب عههن ههذا‬
‫السههؤال بههأن المطابقههة للواقههع ليههس شههرطا فههي الجههزم‬
‫واليقين‪ ،‬بل قد يجزم النسان أو يتيقن من أمر وهو مخالف‬
‫للواقع‪ ،‬وذلك كالنصارى الذين صلبوا رجل ً واعتقدوا اعتقههادا ً‬
‫جازما ً أن هذا المصلوب هو المسههيح‪ ،‬وهههو مخطئون بدللههة‬
‫صريح القرآن الكريم‪ ،‬ولكنهم جههازمون‪ .‬وكههل هههذا الجههواب‬
‫في حال أننا سّلمنا أن العتقاد يجب أن يكون جازمهًا‪ ،‬وهههذا‬
‫غيُر مسّلم‪.‬‬

‫م أم ل؟‬ ‫ب في العتقاد الجز ُ‬ ‫هل يج ُ‬


‫م في التصديق حتى ُيسمى‬ ‫يرى الباحث أنه يجب الجز ُ‬
‫دل على ذلك‪،‬‬ ‫اعتقادًا‪ ،‬وذلك لن المعاني اللغوية المذكورة ت ُ‬
‫وهي الربط واللزوم والستيثاق‪ ،‬وذلك لن التصههديق أمههر ل‬
‫ل القسمة على اثنين‪.‬‬ ‫يتجزأ ول يقب ُ‬
‫ة في العقيدة‪ ،‬فهههل‬ ‫وإذا قال قائل‪ :‬إن هناك أمورا ً ظني ّ ً‬
‫مى ؟‬ ‫ُتسمى اعتقادا ً أم ل ُتس ّ‬
‫والجواب‪ :‬أن كونها ظنّية راجع إلههى طريههق ورودههها أو‬
‫التشكك بصهحة ثبوتهها‪ ،‬أو التشهكك بدللهة النهص الشهرعي‬
‫عليها‪ ،‬ل إلى كونها أمههورا تصههديقية‪ ،‬فل مههانع مههن تسههميتها‬

‫‪19‬‬
‫عقههائد وإن كههان طريههق التصههديق بههها ظنّيههًا‪ ،‬إذا ً تعريههف‬
‫العتقاد‪ :‬هو التصديق الجازم‪ .‬ول ُيشترط فيه المطابقة‪.‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬المدارس السلمية المقصودة في البحث‬

‫حيث يتناول البحث دور الدليل العقلهي عنهد المهدارس‬


‫السلمية‪ ،‬فقههد اكتفينهها بههإبراز أربههع منههها وهههي‪ :‬المعتزلههة‪،‬‬
‫والحنابلههة‪ ،‬والشههاعرة‪ ،‬والماتريديههة‪ ،‬وسههيتعرض البههاحث‬
‫للتعريههف بهههذه المههدارس بصههورة مههوجزة فيمهها لههه علقههة‬
‫بالبحث هنا‪.‬‬

‫أو ً‬
‫ل‪ :‬مدرسة المعتزلة‬
‫تشههير المصههادر إلههى أن رأس المعتزلههة ورئيسهههم هههو‬
‫واصل بن عطاء )‪130-80‬هه()‪ ،(1‬ويرجع كههثير مههن البههاحثين‬
‫تسمية المعتزلههة بهههذا السههم إلههى قصههة واصههل بههن عطههاء‬
‫المشهورة مع الحسههن البصههري حيههن اعههتزل مجلسههه بعههد‬
‫الخلف على مسألة المنزلهة بيههن المنزلههتين)‪ ،(2‬الههتي تنبنهي‬
‫على مسألة مرتكب الكبيرة‪ ،‬وهناك آراء أخرى في موضوع‬
‫أصل تسميتهم‪ ،‬وهي‪ :‬أنهم اعتزلوا عامة المة فههي مرتكههب‬
‫الكبيرة‪ ،‬أو لعتزالهم البههدع كمهها يقولههون عههن أنفسهههم‪ ،‬أو‬
‫لنهم اعتزلوا المة بأنهم لم يروا بيعة علي رضي اللههه عنههه‬
‫وليسوا من شيعة عثمان‪ ،‬أو لنهم اعههتزلوا أمههر الفتنههة فههي‬
‫‪ ()1‬انظر‪ :‬البغدادي )ت ‪ 429‬هه(‪ ،‬عبد القاهر بن طاهر بن محمد‪ ،‬الفرق بين الفششرق‪ ،‬ط ‪ ،2‬دار الفههاق‬
‫الجديدة‪ ،‬بيروت‪1977 ،‬م‪ ،‬ص ‪ ،96‬الشهرستاني‪ ،‬محمد بن عبد الكريم بن أبي بكههر )ت ‪ 548‬هههه(‪ .‬الملل‬
‫والنحل‪ ،‬د ط‪2 ،‬م‪) ،‬تحقيق‪ :‬محمد سيد كيلني(‪ ،‬دار صعب‪ ،‬بيروت‪1986 ،‬م‪ ،‬م ‪ 1‬ص ‪ ،30‬والنشار‪ ،‬علههي‬
‫سامي الن ّ‬
‫شار‪ .‬نشأة الفكر الفلسفي في السلم‪ ،‬ط ‪ ،9‬ه ‪3‬م‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القههاهرة‪1995 ،‬م‪ ،‬م ‪1‬‬
‫ص ‪ .381‬وأما واصل فهو‪ :‬واصل بن عطاء الغّزال )‪ 131 - 80‬هه(‪ ،‬أبو حذيفة‪ ،‬رأس المعتزلة ومههن أئمههة‬
‫البلغاء والمتكلمين‪ ،‬سمي أصحابه بالمعتزلة لعتزاله حلقهة درس الحسهن البصههري‪ ،‬ومنهههم طائفهة تنسهب‬
‫إليه‪ ،‬تسمى " الواصلية "‪ ،‬له تصانيف‪ ،‬منها " أصههناف المههرجئة " و " المنزلههة بيههن المنزلههتين " و " معههاني‬
‫القرآن " و " طبقات أهل العلم والجهل " و " السبيل إلى معرفة الحق " و " التوبة "‪ .‬الّزرِ ْ‬
‫كلي )ت ‪1976‬‬
‫م(‪ ،‬خير الدين بن محمود بن محمد‪ .‬العلم‪ ،‬ط ‪،16‬ه ‪8‬م‪ ،‬دار العلم للملييههن‪ ،‬بيههروت‪-‬لبنههان‪3005 ،‬م‪ ،‬م ‪8‬‬
‫ص ‪.108‬‬
‫‪ ()2‬انظر‪ :‬الرازي‪ ،‬محمد بن عمر )ت ‪ 606‬هه(‪ .‬اعتقادات فرق المسششلمين والمشششركين‪) ،‬تحقيههق‪:‬‬
‫علي سامي النشار(‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪1402 ،‬هه‪ ،‬ص ‪ ،37‬الشهرسههتاني‪ ،‬الملشل والنحشل‪،‬‬
‫ص ‪.30‬‬

‫‪20‬‬
‫وقعة الجمل وفي حرب علي كّرم الله وجهه مع معاويههة‪ ،‬أو‬
‫أنهم قالوا باعتزال صاحب الكبيرة عن المؤمنين والكافرين‪،‬‬
‫أو لن أئمتهههم يعههتزلون العههالم ويعيشههون حيههاة التقشههف‬
‫والزهد‪ ،‬أو أنهم سموا معتزلة نسههبة إلههى فرقههة الفروشههيم‬
‫)‪(1‬‬
‫اليهودية والتي معناها المعتزلة‪.‬‬
‫وقههد اجتمعههت المعتزلههة)‪ (2‬علههى أصههول خمسههة فههي‬
‫العقائد‪ ،‬توضح الفرق بينهم وبين غيرهههم‪ ،‬يقهول الخيههاط)ت‬
‫‪ 300‬هه( )‪- (3‬وهههو مههن شههيوخ المعتزلههة‪" :-‬ولسههنا نههدفع أن‬
‫شٌر كههثيٌر يوافقونهها فههي العدل ويقولههون بالتشههبيه‪،‬‬ ‫يكون ب َ َ‬
‫وبشٌر كثير يوافقونا في التوحيد ويقولون بالجبر‪ ،‬وبشٌر كثير‬
‫يوافقونا بالعههدل والتوحيههد ويخالفونهها فههي الوعههد والسههماء‬
‫والحكام‪ ،‬وليههس يسههتحق أحهد ٌ منهههم اسههم العههتزال حههتى‬
‫يجمعَ القول بالصههول الخمسههة‪ :‬التوحيههد‪ ،‬والعههدل‪ ،‬والوعههد‬
‫والوعيد‪ ،‬والمنزلة بين المنزلتين‪ ،‬والمر بههالمعروف والنهههي‬
‫ملت في النسان هذه الخصههال الخمههس‬ ‫عن المنكر‪ ،‬فإذا ك َ ُ‬
‫)‪(4‬‬
‫فهو معتزلي"‪.‬‬
‫‪ ()1‬انظر‪ :‬البلخي )ت ‪ 319‬هه(‪ ،‬عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي‪ ،‬مقالت السلميين‪ ،‬بششاب ذكششر‬
‫المعتزلة‪ ،‬د ط‪) ،‬تحقيق‪ :‬فؤاد سيد(‪ ،‬الدار التونسية للنشر‪1974،‬م‪ ،‬ص ‪ .115‬والكتاب مطبوع مع كتههابين‬
‫آخرين تحت عنوان‪ :‬فضل العتزال وطبقات المعتزلة‪ ،‬وهو مههن تحقيههق فههؤاد سههيد‪ ،‬فرغههل‪ ،‬نشأة الراء‬
‫والمذاهب والفرق الكلمية‪ ،‬ص ‪ 198‬و ص ‪ ،200‬وانظههر‪ :‬النشههار‪ ،‬نشششأة الفكششر الفلسششفي فششي‬
‫السلم‪ ،‬م ‪ 1‬ص ‪ ،380-373‬بدوي‪ ،‬د عبد الرحمههن بههدوي‪ .‬مذاهب السششلميين‪3 ،‬م‪ ،‬ط ‪ ،2‬دار العلههم‬
‫للمليين‪ ،‬بيروت‪1979 ،‬م‪ ،‬م ‪ 1‬ص ‪ ،37‬جار الله‪ ،‬زهدي جار الله‪ .‬المعتزلة‪ ،‬ط ‪ ،1‬الهلية للنشر والتوزيههع‪،‬‬
‫بيروت‪1974 ،‬م‪ ،‬ص ‪.1‬‬
‫)( وقههد أورد إجمههاع المعتزلههة كههثيرون ممههن ألفههوا فههي الفههرق العقههائد‪ ،‬ومنهههم‪ :‬البلخههي‪ ،‬مقششالت‬ ‫‪2‬‬

‫السلميين‪ ،‬باب ذكر المعتزلة‪ ،‬ص ‪ ،.63‬القاضههي عبههد الجبههار )ت ‪ 415‬هههه(‪ ،‬عبههد الجبههار بههن أحمههد‬
‫الهمذاني‪ .‬المنية والمل‪ ،‬د ط‪ ،‬جمعه‪ :‬أحمهد بهن يحيههى المرتضهى‪ ،‬وحققهه‪ :‬د عصههام الهدين العلهي‪ ،‬دار‬
‫المعرفة الجامعية‪ ،‬السكندرية‪1985 ،‬م‪ ،‬ص ‪ ،13‬بدوي‪ ،‬مذاهب السلميين‪ ،‬م ‪ 1‬ص ‪.47‬‬
‫‪ ()3‬ابن الخياط )ت ‪ 300‬هه( عبد الرحيم بن محمد بن عثمههان‪ ،‬أبههو الحسههين ابههن الخيههاط‪ ،‬شههيخ المعتزلههة‬
‫ببغداد‪ ،‬تنسهب إليهه فرقهة منههم تهدعى "الخياطيهة"‪ ،‬لهه كتهب‪ ،‬منهها "النتصهار – ط" فهي الهرد علهى ابهن‬
‫الراوندي‪ ،‬و "الستدلل" و "نقض نعت الحكمة"‪ .‬الّزرِ ْ‬
‫كلي‪ ،‬العلم‪ ،‬م‪ 3‬ص‪.347‬‬
‫قلت‪ :‬والمشهور هو الخياط وليس ابن الخياط‪ ،‬ولكن المقصود واحد‪ ،‬فقد ترجهم لههه مقههدم كتههاب النتصههار‬
‫وهو نيبرج الستاذ بجامعة ابسالة من مملكة السويد‪ ،‬وقد ذكره نيههبرج بهه الخيهاط وليههس ابهن الخيهاط‪ ،‬مههع‬
‫تطابق في كونه أستاذا للكعبي وفي السم وفي كتاب النتصار‪ ،‬وهذا يؤكد أن المقصود واحد‪.‬‬
‫‪ ()4‬الخياط )ت ‪ 300‬هه(‪ ،‬أبو الحسين عبههد الرحيههم بههن محمههد بههن عثمههان‪ ،‬النتصار والرد علششى ابششن‬
‫الراوندي الملحد‪ ،‬ط‪) ،1‬تحقيق‪ :‬الستاذ نيبرج(‪ ،‬الستاذ بجامعة ابسالة مههن مملكههة السههويد‪ ،‬دار النههدوة‬
‫السلمية‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،1988 ،‬ص ‪.127‬‬

‫‪21‬‬
‫وهذا قول المعتزلة أنفسهم‪ ،‬إذ الخّياط أحد شههيوخهم‪،‬‬
‫وهم متفقون على ذلهك‪ ،‬ولنسههمع الن قههول أصهحاب كتهب‬
‫الملل والفرق فيهم‪.‬‬
‫يقول الرازي‪" :‬اعلم أن المعتزلة كلههم متفقهون علهى‬
‫نفههي صههفات اللههه تعههالى‪ ،‬مههن العلههم والقههدرة‪ ،‬وعلههى أن‬
‫دث ومخلوق‪ ،‬وأن الله تعالى ليس خالقا ً لفعههال‬ ‫مح َ‬‫القرآن ُ‬
‫)‪(1‬‬
‫العبد"‪.‬‬
‫ويذكر الشهرستاني المور التي اتفههق عليههها المعتزلههة‬
‫فيقول‪" :‬ونفوا الصفات القديمههة‪ ،‬فقههالوا‪ :‬هههو عههالم لههذاته‪،‬‬
‫قادر لذاته‪ ،‬حههي لههذاته‪ ،‬ل بعلههم وقههدرة وحيههاة‪ ،....‬واتفقههوا‬
‫دث مخلههوق فههي محههل‪ ....‬واتفقههوا علههى‬ ‫مح َ‬
‫على أن كلمه ُ‬
‫نفي رؤية اللههه تعههالى‪ ،‬واتفقههوا علههى أن العبههد قههادر خههالق‬
‫لفعاله‪ ،‬والرب تعالى منزه أن يضاف إليه شر وظلم‪ ،‬وفعل‬
‫هو كفر ومعصية لنه لو خلههق الظلههم كههان ظالمهها‪ ،‬كمهها لههو‬
‫ل‪ ،‬واتفقوا على أن الحكيههم ل يفعههل إل‬ ‫خلق العدل كان عاد ً‬
‫الصههلح والخيههر‪ ،‬ويجههب مههن حيههث الحكمههة رعايههة مصههالح‬
‫العباد‪ ،‬وأمهها الصههلح واللطههف ففههي وجههوبه خلف عنههدهم‪،‬‬
‫وسموا هذا النمط عدل واتفقههوا علههى أن المههؤمن إذا خههرج‬
‫مههن الههدنيا علههى طاعههة وتوبههة اسههتحق الثههواب والعههوض‬
‫والتفضل ومعنى آخر وراء الثواب‪ ،‬وإذا خرج مههن غيههر توبههة‬
‫عن كههبيرة ارتكبههها اسههتحق الخلههود فههي النههار‪ ،‬لكههن يكههون‬
‫عقابه أخف من عقاب الكفههار‪ ،‬وسههمموا هههذا النمههط وعههدا‬
‫ووعيههدا‪ ،‬واتفقههوا علههى أن أصههول المعرفههة وشههكر النعمههة‬
‫ح يجههب معرفتهمهها‬ ‫ن والقبيه َ‬
‫واجب قبل ورود السمع‪ ،‬والحس َ‬
‫)‪(2‬‬
‫بالعقل‪.‬‬
‫ويشير بعضهم )‪ (3‬إلى أن واصل بن عطاء قد أتى بهذه‬
‫الصول كلههها علههى وجههه الجمههال‪ ،‬وأن أصههحابه أو تلميههذه‬
‫بعده هم الذين سموها بهذه التسميات‪.‬‬

‫‪ ()1‬الرازي‪ ،‬اعتقادات فرق المسلمين والمشركين‪ ،‬ص‪.38‬‬

‫‪ ()2‬انظر‪ :‬الشهرستاني‪ ،‬الملل والنحل‪ ،‬م‪ 1‬ص ‪.45-43‬‬


‫‪ ()3‬فرغل‪ ،‬نشأة الراء والمذاهب والفرق الكلمية‪ ،‬ص ‪.208‬‬

‫‪22‬‬
‫شههار إلههى أن مصههطلح الصههول‬ ‫ويشههير الههدكتور الن ّ‬
‫)‪(4‬‬
‫الخمسة ظهر في على يد تلميذ واصل بن عطاء‪.‬‬
‫وملخص مفهوم هذه الصول عندهم هو‪:‬‬
‫الصههل الول‪ ،‬التوحيههد‪ :‬هههو أن اللههه واحههد مههن كههل‬
‫الجهات‪ ،‬وأنه قديم‪ ،‬والقدم أخص وصف له ل يشههاركه فيههه‬
‫أحد‪ .‬ولذلك نفوا صفات المعاني القديمة‪ ،‬لنها لو ثبههت أنههها‬
‫صفات وجودية قديمة –كمهها يقههول أهههل السههنة‪ -‬لههزم –فههي‬
‫نظرهم‪ -‬تعدد القدماء‪ ،‬وهذا مخالف للتوحيد فيمهها يزعمههون‬
‫لنه يؤدي إلى تعدد القدماء‪ ،‬أي تعدد اللهة‪.‬‬
‫ويلزم عههن التوحيههد عنههدهم أن رؤيههة اللههه تعههالى فههي‬
‫الدارين محالههة‪ ،‬لنههها يلههزم عنههها –فههي نظرهههم‪-‬الجسههمية‪،‬‬
‫والجسمية مخالفة للتوحيد لنها يلزم عنها التجزؤ والههتركب‪،‬‬
‫وهو مناف للتوحيد‪.‬‬
‫وكذلك قالوا بأن كلم الله محدث مخلوق‪ ،‬لنه لو كههان‬
‫قهديما للهزم التعهدد‪ ،‬لن الكلم لهو شهارك اللهه فهي أخهص‬
‫وصف له وهو القدم‪ ،‬للزم أن يشاركه فيما دون القدم مههن‬
‫الخصوصية‪ ،‬فمن بههاب أولههى أن يكههون مشههتركا معههه فيمهها‬
‫دون القههدم‪ ،‬وهههذا يعنههي وجههود أكههثر مههن إلههه‪ ،‬وهههو منههاف‬
‫للتوحيد‪.‬‬
‫الصههل الثههاني‪ ،‬العههدل‪ :‬أي أن اللههه عههادل ل يوصههف‬
‫بالظلم‪ ،‬فل ينسب إليه ظلههم ول شههر‪ ،‬ويلههزم عههن ذلههك أن‬
‫أفعال العباد كلها من شههر وظلههم وخيههر صههادرة عههن العبههاد‬
‫أنفسهم وهم يخلقونها‪ ،‬لن الله تعالى يتنههزه عههن أن يخلههق‬
‫ل‪ ،‬سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫الشر والظلم‪ ،‬ولو خلقهما لم يكن عاد ً‬
‫ي على تحّفظيههن‪ ،‬الول‪ :‬عههدم الوقههوع‬ ‫وهذا الصل مبن ٌ‬
‫في الجبار؛ أي عدم القول بأن العبد مجبر على فعله‪ ،‬وهذا‬
‫عندهم لزم لكون الله خالقا لفعل العبد‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬عدم نسبة الظلههم والشههر إلههى اللههه تعههالى‪ ،‬إذ‬
‫)‪(2‬‬
‫فاعل الشر شرير وفاعل الظلم ظالم‪.‬‬

‫‪ ()4‬النشار‪ ،‬نشأة الراء والفرق والمذاهب الكلمية‪ ،‬م ‪ 1‬ص ‪.416‬‬


‫‪ ()2‬انظر‪ :‬القاضي عبد الجبار )ت ‪ 415‬هه(‪ ،‬عبد الجبار بن أحمد الهمذاني‪ .‬شرح الصول الخمسششة‪ ،‬ط‬
‫‪) ،3‬تحقيق‪ :‬د عبد الكريم عثمان(‪ ،‬مكتبة وهبة‪ ،‬القاهرة‪1996 ،‬م‪ ،‬ص ‪.299‬‬

‫‪23‬‬
‫الصل الثالث‪ ،‬الوعد والوعيههد‪ :‬وهههو ‪-‬عنههدهم‪ -‬أن اللههه‬
‫تعالى ل يخلف وعده للمؤمنين‪ ،‬فيجههب عليههه إثابههة المطيههع‬
‫وتعذيب العاصههي‪ ،‬لن إخلف الوعههد أو الوعيههد كههذب‪ ،‬وهههو‬
‫محال على الله تعالى‪ .‬وعليه ينبنههي أن صههاحب الكههبيرة إن‬
‫لم يتب عنها فهو خالد مخلد في نار جهنم‪ .‬ومن هنهها أنكههروا‬
‫الشفاعة للعصاة‪.‬‬
‫الصل الرابع‪ ،‬المنزلة بين المنزلتين‪ :‬أن فاعل الكبيرة‬
‫ل يستحق اسم اليمان ول يدخل الجنههة‪ ،‬وكههذلك ل يسههتحق‬
‫اسم الكفر‪ ،‬وهو في منزلة بين اليمان والكفر‪ ،‬وله الخلههود‬
‫في جهنم‪.‬‬
‫الصل الخامس‪ ،‬المر بالمعروف والنهي عههن المنكههر‪:‬‬
‫يقههول القاضههي عبههد الجبههار‪" :‬اعلههم أن المقصههود بههالمر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر هو أن ل يضههيع المعههروف ول‬
‫يقع المنكر‪ .‬فإذا ارتفع هذا الفرض ببعههض المكلفيههن سههقط‬
‫)‪(1‬‬
‫عن الباقين‪ ،‬فلهذا قلنا إنه من فروض الكفايات"‪.‬‬
‫ويقول زهدي جار الله "وأما المههر بههالمعروف والنهههي‬
‫عن المنكر‪ ،‬فإنه على رأيهم واجههب علههى سههائر المههؤمنين‪،‬‬
‫ل على قدر استطاعته‪ ،‬بالسههيف فمهها دونههه‪ ،‬فههإن قههاوموا‬ ‫ك ّ‬
‫بالسيف كان ذلك كالجهاد‪ ،‬فل فرق بين الجهاد فههي الحههرب‬
‫وبين مقاومة الكافرين والفاسههقين‪ .‬وهههذا المبههدأ هههو الههذي‬
‫جعلهم يضههطهدون مخههالفيهم ويقسههون عليهههم‪ ،‬لعتقههادهم‬
‫ً )‪(2‬‬
‫أنهم بمخالفتهم قد أتوا منكرا"‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬مدرسة الحنابلة‬

‫وتنتسب هذه المدرسههة إلههى المههام أحمههد بههن حنبههل)‬


‫‪241-164‬هههه( ‪-‬رحمههه اللههه تعههالى‪ -‬الههذي وقههف فههي وجههه‬
‫المعتزلة في محنته المشهورة‪ ،‬فههي مسههألة خلههق القههرآن‪،‬‬
‫فكان أعند خصم ٍ لهم‪ ،‬رحمه وجزاه عن السلم وأهلههه كههل‬
‫خير‪.‬‬

‫‪ ()1‬القاضي عبد الجبار‪ ،‬شرح الصول الخمسة‪ ،‬ص ‪.148‬‬


‫‪ ()2‬جار الله‪ ،‬المعتزلة‪ ،‬ص ‪.52‬‬

‫‪24‬‬
‫وجاء بعههد المههام أحمههد رجههال حملههوا اسههمه‪ ،‬فسههموا‬
‫بالحنابلة أو بالسلفية أو بأهل الثر أو بأهل النص بعههد ذلههك‪،‬‬
‫وظلوا على ذلك إلى أن جههاء عههالم كههبير لينصههر أتبههاع هههذا‬
‫المنهج ويؤسس له من الناحية الفكرية‪ ،‬وهههو ابههن تيميههة)‪،(1‬‬
‫ثم تلميذه ابن قيم الجوزية )‪–(2‬رحمهما الله تعههالى‪ ،-‬فهههذان‬
‫الرجلن وابن تيمية بالخص‪ ،‬بنيا منهجا ً فكريا ً متكامل ً سمي‬
‫بمنهج الحنابلة أو بمنهج السلفية كمهها م هّر‪ .‬فمههع نسههبة هههذا‬
‫المنهههج إلههى المههام أحمههد إل أن آراءه الدقيقههة ومعههالمه‬
‫الواضحة تبّينت على يد ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزيههة‬
‫من بعده )‪.(3‬‬
‫ولذا فعند إطلق كلمة الحنابلة في البحههث ل ي ُههراد بههها‬
‫ل واضههحة عنههده فههي التحسههين‬ ‫ابن حنبل‪ ،‬لعدم وجود أقههوا ٍ‬
‫والتقبيح أو في تقديم العقههل علههى النقههل ومهها شههابه ذلههك‪،‬‬
‫فمن التكلف نسبة القوال لبههن حنبههل فههي المسههائل الههتي‬
‫ستأتي في هذا البحث‪.‬‬
‫وهذا ل يعني أن منهههج مههن أتههوا بعههد ابههن حنبههل ممههن‬
‫سموا بأهل الثر ليس له علقة بمنهج ابن حنبل نفسههه‪ ،‬بههل‬
‫هنههاك إطههار عههام يشههتركون فيههه‪ ،‬وهههو عههدم قبههول تأويههل‬
‫الصفات الخبرية‪ ،‬ويؤثر في ذلك قول عن ابن حنبههل عنههدما‬
‫سههئل قبههل مههوته عههن أحههاديث الصههفات فقههال‪ُ" :‬تمهّر كمهها‬
‫‪ ()1‬ابن تيمية )ت ‪ 728‬هه( أحمد بن عبد الحليههم بههن عبههد السههلم بههن عبههد اللههه بههن أبههي القاسههم الخضههر‬
‫النميري الحّراني الدمشقي الحنبلي‪ ،‬أبو العباس‪ ،‬تقي الدين ابن تيمية‪ ،‬مات معتقل بقلعة دمشق‪،‬من كتبه‪:‬‬
‫"الجوامع ‪ -‬ط " في السياسة اللهية واليات النبوية ويسمى "السياسة الشرعية" و "الفتاوى ‪ -‬ط" خمههس‬
‫مجلدات‪ ،‬و"اليمان‪ -‬ط " و "درء التعارض بين العقل والنقل" و "منهاج السنة ‪ -‬ط" و "الفرقان بين أوليههاء‬
‫الله وأولياء الشيطان ‪ -‬ط" و "الواسطة بين الحههق والخلهق ‪ -‬ط "‪ ،‬وغيرهها الكههثير مهن الكتهب‪ .‬الّزرِ ْ‬
‫كلهي‪،‬‬
‫العلم‪ ،‬م‪ 1‬ص‪.144‬‬
‫ملحوظة‪ :‬يقصد الّزرِ ْ‬
‫كلي من الحرف )ط( أن الكتاب مطبوع‪ ،‬ومن الحرف )خ( أن الكتاب مخطوط‪.‬‬
‫‪ ()2‬ابن قيم الجوزية )‪ 751‬هه( محمد بن أبي بكر بن أيههوب بههن سههعد الزرعههي الدمشههقي‪ ،‬أبههو عبههد اللههه‪،‬‬
‫شمس الدين‪ ،‬تتلمذ لشيخ السلم ابن تيمية حتى كان ل يخرج عن شئ من أقواله‪ ،‬بل ينتصر له في جميههع‬
‫ما يصدر عنه‪ ،‬ألف تصانيف كثيرة منها‪" :‬إعلم الموقعين ‪ -‬ط" و "الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ‪-‬‬
‫ط" و "شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل ‪ -‬ط"‪ ،‬و"كشف الغطاء عن حكههم سههماع‬
‫الغناء ‪ -‬خ" و"أحكام أهل الذمة ‪ -‬ط" جزآن‪ ،‬و"اجتماع الجيوش السلمية علههى غههزو المعطلههة والجهميههة ‪-‬‬
‫ط‪ ،‬وغيرها‪ .‬الّزرِ ْ‬
‫كلي‪ ،‬العلم‪ ،‬م‪ 6‬ص‪.56‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ :‬الزنيدي‪ ،‬د عبههد الرحمههن بههن زيههد‪ .‬مناهج البحث فششي العقيششدة السششلمية فششي العصششر‬
‫الحاضر‪ ،‬ط‪ ،1‬مركز الدراسات والعلم‪-‬دار شبيليا‪ ،‬الرياض‪1998 ،‬م‪ ،‬ص‪ 70‬وص‪.95‬‬

‫‪25‬‬
‫جههاءت‪ ،‬ويههؤمن بههها ول ي ُههرد ّ منههها شههيء إذا كههانت بأسههانيد‬
‫صحاح‪ ،‬ول يوصف الله بأكثر مما وصف به نفسه‪ ،‬بل حد ول‬
‫غاية‪ ،‬ليس كمثله شيء وهو السميع البصير‪ ،‬ومن تكلم فههي‬
‫)‪(1‬‬
‫معناهما ابتدع"‪.‬‬
‫وملخص منهج المام أحمششد فههي النظههرة العقليههة‬
‫في العقيدة أنه لم يكن يقبل التأويل‪ ،‬بل كان يقول "أمّروها‬
‫كما جاءت"‪ ،‬ويرى عدم الخوض في مسائل الصفات وكثرة‬
‫الجدل فيها بالعقل‪ ،‬بل يجهب التسهليم بمها جهاء بهه القههرآن‬
‫وجاءت به السنة من غير زيههادة أو نقصههان تحههت شههعار "ل‬
‫تقولوا ما لم ُيقل"‪ ،‬وكما قال أيضًا‪" :‬ول يوصف بشيء أكثر‬
‫مما وصف به نفسه عز وجل")‪.(2‬‬
‫ثالثًا‪ :‬مدرسة الشاعرة‬
‫وهم أتباع أبي الحسن الشههعري)‪) (3‬ت ‪324‬هههه( الههذي‬
‫عاش في أواخر القههرن الثههالث الهجههري وتههوفي فههي أوائل‬
‫القرن الرابع‪.‬‬
‫وقههد نشههأت هههذه المدرسههة فههي أوج التههوّتر المههذهبي‬
‫العقدي فههي العههالم السههلمي‪ ،‬وكههان المعتزلههة آنههذاك فههي‬
‫وتهم‪ ،‬وكههانوا شههوكة فههي حلههوق أهههل السهّنة‪ ،‬حههتى جههاء‬ ‫قه ّ‬
‫الشعري الذي كههان موجههودا ً بيههن رجههال المعتزلههة‪ ،‬وكههانت‬
‫قصته المشهورة مع شيخه أبههي علههي الجبههائي ثههم خروجههه‬
‫عههن العههتزال‪ .‬وكههان أبههو الحسههن يمثههل المنهههج العقلههي‬
‫المدافع عن أهل السنة الوائل الذين لم يكونوا يشجعون أو‬
‫يميلون إلى الخذ بالعقل‪ ،‬كما رأينا ذلك عند المام أحمد بن‬
‫حنبل‪ ،‬فمن هنا كان هذا هو الجديههد الههذي قههدمه الشههعري‪،‬‬
‫وهو التمسك بالسنة والقرآن وعدم الغلو في التأويل‪ ،‬وفههي‬
‫نفس الوقت الدفاع عههن ذلههك بالحجههج العقليههة والههبراهين‪،‬‬
‫‪ ()1‬ابن حنبل )ت ‪ 241‬هه(‪ ،‬أحمد بن محمد الشيباني‪ .‬العقيدة‪ ،‬رواية أبي بكر الخلل‪ ،‬ط ‪) ،1‬تحقيق‪ :‬عبد‬
‫العزيز عز الدين السيروان(‪ ،‬دار قتيبة‪ ،‬دمشق‪ 1408 ،‬هه‪ ،‬ص ‪.127‬‬
‫‪ ()2‬الحمدي‪ ،‬عبد الله بن سلمان بن سالم‪ .‬المسائل والرسششائل المرويششة عششن المششام أحمششد بششن‬
‫حنبل في العقيدة‪ ،‬د ط‪2 ،‬م‪ ،‬دار طيبة‪ ،‬د ت‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.276‬‬
‫‪ ()3‬أبو الحسن الشعري )ت ‪ 324‬هه( علي بههن إسههماعيل بههن إسههحاق‪ ،‬مههن نسههل الصههحابي أبههي موسههى‬
‫الشعري‪ ،‬مؤسس مذهب الشاعرة‪ ،‬كان من الئمة المتكلمين المجتهدين‪ ،‬ولد في البصرة‪ ،‬وتلقهى مهذهب‬
‫المعتزلة وتقدم فيهم ثم رجع وجهاهر بخلفههم‪ ،‬وتهوفي ببغهداد‪ ،‬مهن كتبهه‪) :‬مقهالت السهلميين( جهزآن‪ ،‬و‬
‫)البانة عن أصول الديانة( و )استحسان الخوض في الكلم( رسالة‪ .‬الّزرِ ْ‬
‫كلي‪ ،‬العلم‪ ،‬م‪ 4‬ص‪.263‬‬

‫‪26‬‬
‫فالشهعري لهم يهأت بجديهد مهن حيهث الفكهار الهتي تمهس‬
‫سهك بهها‪ ،‬وإنمها زاد علهى ذلهك بهالرد‬ ‫أصول العتقاد بهل تم ّ‬
‫على المخالفين وإثبات العقائد بالعقههل‪ ،‬وهههذه الخيههرة مههن‬
‫أهم الشياء التي أخذها عن المعتزلة‪.‬‬
‫ومما يؤيد عدم إتيانه بجديد مههن حيههث الراء فههي العتقههاد؛‬
‫القبههول الههذي لقيههه مههذهبه ومنهجههه الفكههري فههي العههالم‬
‫السلمي آنذاك وإلى يومنا هذا‪ ،‬فلو زاد أو أنقص لرد ّ عليههه‬
‫أهل العلم من المسلمين ولوقفوا في وجهه كما حههدث مههع‬
‫المعتزلة‪ ،‬فأمثال ابن حنبل موجودون في كل عصر‪ ،‬لسيما‬
‫القرون الثلثة الولى‪ ،‬ومما جعل فكره مقبول لدى المجتمع‬
‫ما جاء به من توسط بين العقل والنقل‪.‬‬
‫وكذلك فإن طريقته أيضا ً في عرض العقائد والحجههاج عنههها‪،‬‬
‫لها أصل قبله‪ ،‬فالحارث بن أسد المحاسبي )‪ ،(1‬وأبو العباس‬
‫لب )‪ (3‬يعتههبرون أسههلفا ً‬
‫القلنسههي )‪ ،(2‬وعبههد اللههه بههن ك ُ ّ‬
‫للشعري حتى في أسلوبه‪.‬‬
‫وفي ذلك يقول الشهرستاني‪" :‬حتى انتهى الزمان إلى‬
‫عبههد اللههه بههن سههعيد الكلبههي‪ ،‬وأبههي العبههاس القلنسههي‪،‬‬
‫والحههارث بههن أسههد المحاسههبي‪ ،‬وهههؤلء كههانوا مههن جملههة‬
‫السلف‪ ،‬إل أنهم باشروا علم الكلم‪ ،‬وأيههدوا عقههائد السههلف‬
‫بحجج كلمية وبراهين أصولية‪ ،‬وصنف بعضهم ودّرس بعض‪،‬‬
‫حتى جرى بين أبي الحسن الشعري وبين أسههتاذه منههاظرة‬
‫‪ ()1‬الحارث المحاسبي )ت ‪‍ 243‬‬
‫هه( الحارث بن أسد المحاسبي‪ ،‬أبههو عبههد اللههه‪ ،‬مههن أكههابر الصههوفية‪ ،‬كههان‬
‫عالما ً بالصول والمعاملت‪ ،‬واعظا ً مبكيًا‪ ،‬وله تصانيف في الزهد والرد على المعتزلههة وغيرهههم‪ ،‬ولههد ونشههأ‬
‫بالبصرة‪ ،‬ومات ببغداد‪ ،‬وهو أستاذ أكثر البغداديين في عصره‪ ،‬من كتبه‪) :‬آداب النفوس(‪ ،‬و)شرح المعرفههة(‬
‫تصوف‪ ،‬و)المسائل في أعمال القلوب والجوارح( رسالة‪ ،‬و)المسائل فههي الزهههد وغيههره( رسههالة و)البعههث‬
‫والنشور( رسالة‪ ،‬و "مائية العقل ومعناه واختلف النههاس فيههه" و"الرعايههة لحقههوق اللههه عههز وجهل ‪ -‬ط " و‬
‫"الخلوة والتنقل في العبادة‪ -‬ط" و"معاتبة النفهس"‪ ،‬و" كتههاب التههوهم‪ -‬ط " و"رسههالة المسترشههدين‪ -‬ط"‪.‬‬
‫الّزرِ ْ‬
‫كلي‪ ،‬العلم‪ ،‬م ‪ 2‬ص ‪.153‬‬
‫‪ ()2‬قال النشار‪" :‬إن النصوص ل تصهّرح لنهها بههالكثير ول بالقليههل عنههه‪ ....،‬ولكههن يمكننهها أن نقههول‪ :‬إنههه مههن‬
‫لب‪ ،‬وإن كان قد تههأخر عنههه قلي ً‬
‫ل"‪.‬‬ ‫متكلمي أهل السنة في القرن الثالث‪ ،‬ويبدو أنه كان صديقا ً صنوا ً لبن ك ّ‬
‫الن ّ‬
‫شار‪ ،‬نشأة الفكر الفلسفي في السلم‪ ،‬م ‪ 1‬ص ‪.278‬‬
‫‪ ()3‬عبد الله بن سعيد بن كلب) ت ‪ 245‬هه(‪ ،‬متكلم من العلماء يقال له "ابن كلب"‪ ،‬قال السبكي‪ :‬وكلب‬
‫ب بها لنه كان يجتذب الناس إلههى معتقههده إذا نههاظر عليههه كمهها يجتههذب‬ ‫بضم الكاف وتشديد اللم‪ ،‬قيل‪ :‬ل ُ ّ‬
‫ق َ‬
‫كلههي‪ ،‬العلم‪ ،‬م ‪4‬‬ ‫الكلب الشئ‪ ،‬له كتب منها؛ "الصفات" و"خلق الفعال" و"الههرد علههى المعتزلههة"‪ .‬الّزرِ ْ‬
‫ص ‪.90‬‬

‫‪27‬‬
‫في مسألة من مسائل الصههلح والصههلح فتخاصههما‪ ،‬وانحههاز‬
‫الشعري إلى هذه الطائفههة‪ ،‬فأيههد مقههالتهم بمناهههج كلميههة‪،‬‬
‫وصار ذلههك مههذهبا ً لهههل السههنة والجماعههة‪ .‬وانتقلههت سههمة‬
‫)‪(1‬‬
‫الصفاتية إلى الشعرية"‪.‬‬
‫وحين ينتهي ابن خلدون من الكلم عههن المعتزلههة ونشههأتهم‬
‫يقول‪" :‬إلى أن ظههر الشهيخ أبهو الحسهن الشهعري ونهاظر‬
‫بعههض مشههيختهم فههي مسههائل الصههلح والصههلح‪ ،‬فرفههض‬
‫طريقتهم‪ ،‬وكان على رأي عبد الله بن سعيد بن كلب وأبههي‬
‫العباس القلنسي والحارث بههن أسههد المحاسههبي مههن أتبههاع‬
‫)‪(2‬‬
‫السلف وعلى طريقة السنة"‪.‬‬
‫فالشهرستاني وابن خلدون يؤكدان إذا أن هؤلء –الشههعري‬
‫وأسلفه‪ -‬كانوا من جملة السلف‪ ،‬وحملوا عقائدهم ثم زادوا‬
‫عليهم بأن أّيدوها بالحجج الكلمية والبراهين الصولية‪.‬‬

‫‪ ()1‬الشهرستاني‪ ،‬الملل والنحل‪ ،‬م ‪ 1‬ص ‪.93‬‬


‫‪ ()2‬ابن خلدون )ت ‪ 808‬هه(‪ ،‬عبد الرحمن بن محمد‪ .‬المقدمة‪ ،‬ط ‪) ،1‬تحقيق‪ :‬حامههد أحمههد الطههاهر(‪ ،‬دار‬
‫الفجر للتراث‪ ،‬القاهرة‪ ،2004 ،‬ص ‪.571‬‬

‫‪28‬‬
‫ولقد حمل الراية من بعههد المههام الشههعري عههدد كههبير مههن‬
‫علماء السلم‪ ،‬ومههن أبرزهههم‪ :‬البههاقلني)‪ ،(1‬وابههن فههورك)‪،(2‬‬
‫والبغدادي)‪،(3‬والجويني)‪ ،(4‬والشهرستاني)‪،(5‬‬
‫والغزالههي)‪ ،(6‬والههرازي)‪ ،(7‬والبيضههاوي)‪،(8‬واليجههي)‪ ،(9‬وابههن‬
‫خلدون)‪،(10‬والجرجاني)‪ ،(11‬وغيرهم‪.‬‬
‫أما عقيدة الشاعرة‪:‬‬
‫فهم يثبتون صفات الله تعالى الههتي أثبتههها لنفسههه فههي‬
‫الشههرع‪ ،‬ويؤولههون ظههواهر النصههوص الموهمههة للتشههبيه أو‬

‫‪ ()1‬القاضي الباقلني )‪ 403 - 338‬هه(‪ ،‬محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر‪ ،‬أبههو بكههر‪ ،‬قههاض‪ ،‬مههن كبههار‬
‫علماء الكلم‪ ،‬انتهت إليه الرياسة في مذهب الشاعرة‪ ،‬من كتبه )إعجاز القرآن‪ -‬ط ( و ) النصاف ‪ -‬ط ( و‬
‫) مناقب الئمة( و ) دقائق الكلم ( و ) الملل والنحههل ( و ) هدايههة المرشههدين ( و ) الستبصههار ( و) تمهيههد‬
‫الدلئل( و ) البيان عن الفرق بين المعجزة والكرامة الخ ‪ -‬خ ( و ) كشف أسرار الباطنية ( و ) التمهيد‪ ،‬في‬
‫كلي‪ ،‬العلم‪ ،‬م‪ 6‬ص‪ .176‬باختصار‪.‬‬ ‫الرد على الملحدة والمعطلة والخوارج والمعتزلة ‪ -‬ط (‪ .‬الّزرِ ْ‬
‫وأقول إن كتاب تمهيد الوائل وتلخيص الدلئل هو نفس كتاب التمهيههد فههي الههرد علههى الملحههدة والمعطلههة‬
‫والخوارج والمعتزلة‪ ،‬وقد اطلعت على الكتابين في مكتبههة الجامعههة الردنيههة مطبههوعين باسههمين مختلفيههن‬
‫وبنفس المحتوى‪.‬‬
‫‪ ()2‬ابن فورك )‪ 406‬هه‍( محمد بن الحسن بن فورك النصاري الصبهاني‪ ،‬أبههو بكههر‪ ،‬واعههظ عههالم بالصههول‬
‫والكلم‪ ،‬من فقهاء الشافعية‪ ،‬له كتب كثيرة‪ ،‬قال ابن عساكر ‪ :‬بلغههت تصههانيفه فههي أصههول الههدين وأصههول‬
‫الفقه ومعاني القرآن قريبا من المئة‪ ،‬منها )مشكل الحديث وغريبههه‪ -‬ط( و) النظههامي( فههي أصههول الههدين‪،‬‬
‫ألفه لنظام الملك‪ ،‬و) الحههدود( فههي الصههول‪ ،‬و)أسههماء الرجههال( و) التفسههير(‪) ،‬حههل اليههات المتشههابهات(‬
‫و) غريب القرآن(‪ .‬الّزرِ ْ‬
‫كلي‪ ،‬العلم‪ ،‬م‪ 6‬ص‪ .83‬باختصار‪.‬‬
‫‪()3‬عبد القاهر البغدادي )ت‪ 429‬ه‍هه(‪ ،‬عبهد القهاهر بههن طههاهر بهن محمهد بهن عبهد اللههه البغههدادي التميمههي‬
‫السفراييني‪ ،‬أبو منصور‪ ،‬عالم متفنن‪ ،‬من أئمة الصول‪ ،‬كان صدر السههلم فههي عصههره‪ ،‬كههان يههدرس فههي‬
‫سبعة عشر فنا‪ ،‬من تصانيفه )أصول الدين ‪ -‬ط ( و ) الناسخ والمنسوخ( و )تفسههير أسههماء اللههه الحسههنى(‬
‫و)فضائح القدرية( و)التكملة في الحساب( و )تأويل المتشابهات في الخبهار واليهات( و)تفسهير القهرآن( و‬
‫)فضائح المعتزلة( )الملل والنحل( و)الفرق بين الفرق – ط(‪ .‬الّزرِ ْ‬
‫كلي‪ ،‬العلم‪ ،‬م‪ 4‬ص‪ .48‬باختصار‪.‬‬
‫‪()4‬إمام الحرمين ) ‪ 478 - 419‬هه( عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بهن محمهد الجهويني‪ ،‬أبهو المعهالي‪،‬‬
‫ركن الدين‪ ،‬الملقب بإمام الحرميهن‪ ،‬أعلهم المتهأخرين مهن أصهحاب الشهافعي‪ ،‬كهان يحضهر دروسهه أكهابر‬
‫العلماء‪ ،‬له مصنفات كثيرة‪ ،‬منها‪) :‬العقيدة النظامية في الركان السلمية( و)البرهههان( فههي أصههول الفقههه‪،‬‬
‫و)نهاية المطلب في دراية المذهب( في فقه الشافعية‪ ،‬اثنا عشر مجلدا‪ ،‬و)الشامل( فههي أصهول الههدين‪ ،‬و)‬
‫الرشههاد ‪ -‬ط ( فههي أصهول الههدين‪ ،‬و)الورقههات – ط( فههي أصههول الفقههه‪ .‬الّزرِ ْ‬
‫كلههي‪ ،‬العلم‪ ،‬م‪ 4‬ص‪.160‬‬
‫باختصار‪.‬‬
‫‪ ()5‬الشهرستاني )‪ 548 - 479‬هه(‍‪ ،‬محمد بن عبد الكريم بن أحمد‪ ،‬أبو الفتح الشهرستاني‪ ،‬كان إماما في‬
‫علم الكلم وأديان المم ومذاهب الفلسفة‪ ،‬يلقب بالفضل‪ ،‬من كتبه )الملل والنحل‪ -‬ط ( و) نهاية القههدام‬
‫في علم الكلم( و)الرشاد إلى عقائد العباد ( و)تلخيص القسام لمذاهب النام ( و )مصههارعة الفلسههفة( و‬
‫)تاريخ الحكماء( و )المبدأ والمعاد( و)تفسير سورة يوسف( و) مفاتيح السرار ومصابيح البههرار(‪ .‬الّزرِ ْ‬
‫كلههي‪،‬‬
‫العلم‪ ،‬م‪ 6‬ص‪ .215‬باختصار‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫التجسيم أو تلحق نقصا بالذات اللهية‪ ،‬ويقولههون بالكسههب‪،‬‬
‫والكلم النفسي القديم لله تعالى‪ ،‬وإثبههات صههفات المعههاني‬
‫السبعة‪ ،‬وإثبات رؤية الله تعالى في الخرة مع عههدم القههول‬
‫بالجهة‪ ،‬ويسّلمون بكل ما ورد من أمور الغيههب فههي الشههرع‬
‫ولو كان ظني ّا ً ما دام واقعا ً في دائرة الممكن العقلي‪ ،‬وذلك‬
‫كههالبعث والميههزان والصههراط وعههذاب القههبر والشههفاعة‪،‬‬
‫وغيرها‪.‬‬

‫‪ ()6‬الغزالي )‪ 505 -450‬هه‍(‪ ،‬محمد بن محمههد بههن محمههد الغزالههي الطوسههي‪ ،‬أبههو حامههد‪ ،‬حجههة السههلم‪،‬‬
‫متصوف‪ ،‬له نحو مئتي مصنف‪ ،‬من كتبه ) إحياء علوم الدين ‪ -‬ط (‪ ،‬و ) تهافت الفلسفة ‪ -‬ط ( و ) القتصاد‬
‫في العتقاد ‪ -‬ط ( و ) محك النظر ‪ -‬ط ( و ) معارج القههدس فههي أحههوال النفههس( و ) الفههرق بيههن الصههالح‬
‫وغير الصالح( و ) مقاصد الفلسفة ‪ -‬ط ( و ) إلجام العوام عن علم الكلم ‪ -‬ط ( و ) المستصفى مههن علههم‬
‫الصول ‪ -‬ط ( مجلههدان‪ ،‬و ) المنخههول مههن علههم الصههول ‪ -‬خ ( و ) الههوجيز ‪ -‬ط ( فههي فههروع الشههافعية‪ ،‬و‬
‫) ياقوت التأويل في تفسير التنزيل ( كبير‪ ،‬قيل ‪ :‬فههي نحهو أربعيههن مجلههدا‪ .‬الّزرِ ْ‬
‫كلههي‪ ،‬العلم‪ ،‬م‪ 7‬ص‪.22‬‬
‫باختصار‪.‬‬
‫‪ ()7‬الفخر الرازي‪ 606 - 544 ) ،‬ه‍ه( محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري‪ ،‬أبو عبد اللههه‪،‬‬
‫فخر الدين الرازي‪ ،‬المام المفسر‪ ،‬أوحد زمانه في المعقول والمنقول وعلوم الوائل‪ ،‬وهو قرشي النسب‪،‬‬
‫من تصانيفه )مفاتيح الغيب ‪ -‬ط ( ثماني مجلدات في تفسير القرآن الكريم‪ ،‬و) معالم أصول الدين ‪ -‬ط ( و‬
‫) محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين من العلماء والحكماء والمتكلمين‪ -‬ط ( و ) المسائل الخمسههون فهي‬
‫أصول الدين ‪ -‬ط ( و)المباحث المشرقية ‪ -‬ط ( و ) أنموذج العلوم ‪ -‬خ ( و ) أساس التقديس ‪ -‬ط ( رسالة‬
‫في التوحيد‪ ،‬و ) المطالب العالية ‪ -‬خ ( في علههم الكلم‪ ،‬و ) الربعههون فههي أصههول الههدين ‪ -‬ط (‪ .‬الّزرِ ْ‬
‫كلههي‪،‬‬
‫العلم‪ ،‬م‪ 6‬ص‪ .313‬باختصار‪.‬‬
‫‪ ()8‬البيضاوي )ت ‪ 685‬هه(‪ ،‬عبد الله بن عمر بن محمد بن علي الشيرازي‪ ،‬أبو سهعيد‪ ،‬أو أبهو الخيهر‪ ،‬ناصهر‬
‫الدين البيضاوي‪ ،‬قاض‪ ،‬مفسر‪ ،‬علمة‪ ،‬من تصههانيفه )أنههوار التنزيههل وأسههرار التأويههل – ط( يعههرف بتفسههير‬
‫البيضاوي‪ ،‬و)طوالع النوار – ط( في التوحيد‪ ،‬و)منهاج الوصول إلى علم الصهول – ط( و )لههب اللبههاب فهي‬
‫علم العراب( و)نظام التواريخ( و)الغاية القصوى في دراية الفتوى( في فقه الشافعية‪ .‬الّزرِ ْ‬
‫كلي‪ ،‬العلم‪،‬‬
‫م‪ 4‬ص‪ .110‬باختصار‪.‬‬
‫‪ ()9‬عضد الدين اليجي )ت‪ 756‬هه‍(‪ ،‬عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار‪ ،‬أبو الفضل‪ ،‬عضد الدين اليجههي‪،‬‬
‫عالم بالصول والمعاني والعربية‪ ،‬من تصانيفه ) المواقف ‪ -‬ط ( في علم الكلم‪ ،‬و ) العقائد العضدية ‪ -‬ط (‬
‫و ) الرسالة العضدية ‪ -‬ط ( فههي علهم الوضههع‪ ،‬و ) شههرح مختصههر ابههن الحههاجب ‪ -‬ط ( فههي أصههول الفقههه‪.‬‬
‫الّزرِ ْ‬
‫كلي‪ ،‬العلم‪ ،‬م‪ 3‬ص‪ .295‬باختصار‪.‬‬
‫‪ ()10‬ابن خلدون )‪ 808 - 732‬هه(‪ ،‬عبد الرحمن بن محمد بههن محمههد‪ ،‬ابههن خلههدون أبههو زيههد‪ ،‬ولههي الههدين‬
‫الحضرمي الشبيلي‪ ،‬من ولد وائل بن حجر‪ ،‬المؤرخ‪ ،‬العالم الجتماعي البحاثة‪ ،‬اشتهر بكتابه )العبر وديههوان‬
‫المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والعجم والبربر ‪ -‬ط ( في سبعة مجلدات‪ ،‬أولها ) المقدمة ( وههي تعهد مهن‬
‫أصول علم الجتماع‪ .‬الّزرِ ْ‬
‫كلي‪ ،‬العلم‪ ،‬م‪ 3‬ص‪ .330‬باختصار‪.‬‬
‫‪ ()11‬الجرجاني ) ‪ 816 - 740‬ه‍ه(‪ ،‬علي بن محمد بن علي‪ ،‬المعروف بالشريف الجرجاني‪ ،‬من كبار العلماء‬
‫بالعربيههة‪ ،‬لههه نحههو خمسههين مصههنفا‪ ،‬منههها‪) :‬التعريفههات ‪ -‬ط ( و)شههرح مواقههف اليجههي ‪ -‬ط ( و )الكههبرى‬
‫والصغرى في المنطق – ط( و )الحواشههي علههى المطههول للتفتههازاني – ط(‪ .‬الّزرِ ْ‬
‫كلههي‪ ،‬العلم‪ ،‬م‪ 5‬ص‪.7‬‬

‫‪30‬‬
‫وستتوضهح خلل البحهث تفاصهيل بعهض ههذه العقهائد‪،‬‬
‫كإثبات رؤية الله تعالى مع نفههي أن يكههون سههبحانه وتعههالى‬
‫في جهة‪ ،‬وكإثبات صفات المعاني السبعة القديمة‪.‬‬

‫رابعًا‪ :‬مدرسة الماتريدية‬

‫تنسب المدرسة الماتريدية للمههام أبههي منصههور الماتريههدي‬


‫)‪ ،(1‬وقد كان في زمن الشعري‪ ،‬ولكنه كان في بلد ما وراء‬
‫النهر‪ ،‬وهو في الفروع على مذهب أبي حنيفة‪ ،‬وقد أي ّههد آراء‬
‫أبي حنيفة في الصول ودافع عنها بالحجج العقلية‪ ،‬فاشههتهر‬
‫وصار له طلب وأتبههاع‪ ،‬وصههار الحنههاف كلهههم فههي الصههول‬
‫على مذهب الماتريدي‪ (2) .‬وذلك لنتشههار المههذهب الحنفههي‬
‫في تلك البلد‪ ،‬فاشترك المذهبان في نفس المكان‪.‬‬
‫وقههد حمههل المههذهب مههن بعههده عههدد كههبير مههن العلمههاء‪،‬‬
‫كالبزدوي)‪ ،(3‬وأبي المعين النسفي)‪،(4‬‬

‫باختصار‪.‬‬
‫‪ ()1‬الماتريدي )ت ‪ 333‬هه( محمد بن محمد بن محمههود‪ ،‬أبههو منصههور الماتريههدي‪ ،‬مههن أئمههة علمههاء الكلم‪،‬‬
‫نسبته إلى "ماتريد" محلة بسمرقند من كتبه "التوحيد" و"أوهام المعتزلة" و"الرد على القرامطة" و"مآخههذ‬
‫الشرائع" في أصول الفقه‪ ،‬وكتاب "الجههدل" و"تههأويلت القههرآن" و"تههأويلت أهههل السههنة"‪ ،‬و"شههرح الفقههه‬
‫الكبر"‪ ،‬مات بسمرقند‪ .‬الّزرِ ْ‬
‫كلي‪ ،‬العلم‪ ،‬م‪ 7‬ص‪ .19‬باختصار‬
‫‪ ()2‬انظر‪ :‬شافعي‪ ،‬الدكتور حسن محمههود الشههافعي‪ ،‬المدخل إلششى دراسششة علششم الكلم‪ ،‬ط ‪ ،2‬مكتبههة‬
‫وهبة‪ ،‬مصر‪1991 ،‬م‪ ،‬ص ‪.91-89‬‬
‫‪ ()3‬البزدوي ) ‪ 493 - 421‬ه‍ه( محمد بن محمد بن الحسهين بهن عبهد الكريهم‪ ،‬أبهو اليسهر‪ ،‬صهدر السهلم‬
‫البزدوي‪ ،‬فقيه بخاري‪ ،‬ولي القضاء بسمرقند‪ ،‬انتهت إليه رياسة الحنفية في ما وراء النهر‪ ،‬له تصانيف‪ ،‬منها‬
‫) أصول الدين ‪ -‬ط (‪ .‬الّزرِ ْ‬
‫كلي‪ ،‬العلم‪ ،‬م‪ 7‬ص‪ .22‬باختصار‪.‬‬
‫‪ ()4‬النسفي ) ‪ 508 - 418‬ه‍ه ( ميمون بن محمد بن محمههد بههن معبههد بههن مكحههول‪ ،‬أبههو المعيههن النسههفي‬
‫الحنفي‪ ،‬عهالم بالصههول والكلم‪ ،‬مههن كتبهه‪ ) :‬بحههر الكلم ‪ -‬ط ( و ) تبصهرة الدلهة( فههي الكلم‪ ،‬و)التمهيهد‬
‫لقواعد التوحيد( و )مناهج الئمة ( في الفروع‪ .‬الّزرِ ْ‬
‫كلي‪ ،‬العلم‪ ،‬م ‪ 7‬ص ‪ .341‬باختصار‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫وأبهههي البركهههات‬ ‫)‪(2‬‬
‫والصهههابوني‬
‫وأبهههي حفهههص النسهههفي‪،‬‬
‫)‪(1‬‬

‫النسفي)‪ (3‬المفسر‪،‬‬
‫والسنوسي)‪ ،(4‬وغيرهم‪.‬‬
‫ويلتقههي الماتريديههة مههع الشههاعرة فههي كههثير مههن الصههول‬
‫والفروع العقدية بههل فههي أغلبههها‪ ،‬حههتى إن المههذهبين يشههار‬
‫جمون مههن‬ ‫إليهما وكأنهما مههذهب واحههد‪ ،‬وكههذلك فههإنهم يههها َ‬
‫خصومهم على أنهم فرقههة واحههدة‪ .‬ولههم نشهههد علههى مههدى‬
‫التاريخ تلك المنازعات بين هذين المذهبين الكبيرين‪ ،‬بل مهها‬
‫ُألف من كتب في الفههروق والخلفهات بيههن المههذهبين يؤكهد‬
‫تقارب المذهبين‪ ،‬وذلك لدقة المسائل المطروقههة وجزئيتههها‬
‫والحكم على كثير منها بههأنه خلف لفظههي‪ .‬وهههذا يفسههر مهها‬
‫سيمر معنا في البحههث مههن أن دور السههتدلل بالعقههل عنههد‬
‫الطرفين متقارب‪.‬‬
‫ومن الصعب على الباحث أن يفصل بين هاتين المدرسههتين‬
‫‪-‬الشاعرة والماتريدية‪ -‬فصل ً تامًا‪ ،‬فهما متقاربتان في الراء‬
‫وفي المنهج وفي تاريخ النشأة‪ ،‬بل في كل شيء‪ ،‬حتى أنههه‬
‫ل ُيفصههل بينهمهها فههي كههثير مههن الحيههان‪ ،‬وكأنهمهها مدرسههة‬
‫واحدة‪ ،‬بل إن الخلفات التي بينهما تعد على أصههابع اليههدين‬

‫‪ ()1‬النسفي )‪ 537-461‬ه‍ه( عمر بن محمد بن أحمد بن إسماعيل‪ ،‬أبو حفص‪ ،‬نجههم الههدين النسههفي‪ ،‬عههالم‬
‫بالتفسير والدب والتاريخ‪ ،‬من فقهاء الحنفية‪ ،‬له نحو مئة مصنف‪ ،‬منها‪) :‬القند في علماء سمرقند( عشرون‬
‫جههزءا‪ ،‬و)تاريههخ بخههارى( و)العقههائد – ط( يعههرف بعقههائد النسههفي‪ ،‬وكههان يلقههب بمفههتي الثقليههن‪ .‬الّزرِ ْ‬
‫كلههي‪،‬‬
‫العلم‪ ،‬م‪ 5‬ص‪ .60‬باختصار‪.‬‬
‫‪ ()2‬الصابوني )ت ‪ 580‬هه( أحمد بن محمود بن أبي بكر‪ ،‬نور الدين الصابوني البخاري‪ ،‬من علماء الكلم من‬
‫الحنفية‪ ،‬مولده ووفاته في بخارى‪ ،‬نسبته إلى عمل الصابون أو بيعه‪ ،‬له ) البداية مههن الكفايههة( فههي أصههول‬
‫الدين‪ .‬الّزرِ ْ‬
‫كلي‪ ،‬العلم‪ ،‬م ‪ 1‬ص ‪ .253‬باختصار‪.‬‬
‫‪()3‬النسفي )ت ‪ 710‬ه‍ه(عبد الله بن أحمد بن محمود النسههفي‪ ،‬أبههو البركههات‪ ،‬حههافظ الههدين‪ ،‬فقيههه حنفههي‪،‬‬
‫مفسر‪ ،‬له مصنفات جليلة‪ ،‬منها )مدارك التنزيل – ط( ثلثة مجلدات‪ ،‬في تفسير القهرآن‪ ،‬و)كنهز الههدقائق –‬
‫ط( في الفقه‪ ،‬و) المنار – ط(‪ .‬الّزرِ ْ‬
‫كلي‪ ،‬العلم‪ ،‬م ‪ 4‬ص ‪ .67‬باختصار‪.‬‬
‫‪ ()4‬السنوسي )‪ 895 - 832‬ه‍ه( محمد بن يوسف بن عمر بن شعيب السنوسي الحسنى‪ ،‬من جهة الم‪ ،‬أبو‬
‫حها‪ ،‬له تصانيف كثيرة‪ ،‬منها ) شرح صحيح البخاري ( لم يكملههه‪ ،‬و‬
‫عبد الله‪ ،‬عالم تلمسان في عصره‪ ،‬وصال ُ‬
‫) شرح جمل الخونجي ( في المنطق‪ ،‬و ) تفسير سورة ص وما بعدها من السور( و ) عقيدة أهل التوحيد ‪-‬‬
‫ط ( ويسمى العقيدة الكبرى‪ ،‬و ) أم البراهين ‪ -‬ط ( ويسمى العقيدة الصغرى‪ ،‬و ) شرح كلمتي الشهههادة(‪،‬‬
‫و ) مختصر في علم المنطق ‪ -‬ط ( و ) مكمل إكمهال الكمهال ‪ -‬ط ( فهي شهرح صهحيح مسهلم‪ ،‬و ) شهرح‬
‫الجرومية(‪ ،‬و ) العقيدة الوسطى(‪ .‬الّزرِ ْ‬
‫كلي‪ ،‬العلم‪ ،‬م ‪ 7‬ص ‪ .154‬باختصار‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫عند بعض من صنفوا في ذكر الختلفات بينهما‪ ،‬وكذلك فإن‬
‫ن معظم الخلفات لفظية ل غير‪.‬‬ ‫بعضهم يرجح أ ّ‬

‫وجههاء فههي كتههاب )الروضههة البهيههة فيمهها بيههن الشههاعرة‬


‫والماتريديههة( لبههي عذبههة )‪-(1‬رحمههه اللههه‪ -‬أن الخلف بيههن‬
‫الشاعرة والماتريديههة يقههع فههي ثلث عشههرة مسهألة‪ ،‬سههبع‬
‫)‪(2‬‬
‫منها الخلف فيها لفظي‪ ،‬وست منها الخلف فيها معنوي‪.‬‬
‫والمسائل الست التي ذكرها ابههن عذبههة الههتي الخلف فيههها‬
‫معنوي هي‪:‬‬
‫ذب العبد المطيع‬ ‫المسألة الولى‪ :‬هل يجوز لله تعالى أن يع ّ‬
‫أم ل؟‬
‫"اتفق الشعرية والماتريدية في أنه يجههوز شههرعًا‪ ،‬ول يقههع‪.‬‬
‫وإنما الخلف بين الطههائفتين فههي الجههواز العقلههي‪ ،‬فالشههيخ‬
‫وزه شههرعا ً لمهها ورد فههي الخههبر‬
‫وزه عقل ً ولم يج ّ‬‫الشعري ج ّ‬
‫وزه مطلقًا‪،‬‬ ‫الصادق من عدة طرق‪ ،‬والمام أبو حنيفة لم يج ّ‬
‫ً )‪(3‬‬
‫ل عقل ً ول شرعا"‪.‬‬
‫وينقههل أبههو عذبههة رأي المههام أبههي حنيفههة بوصههفه سههلفا ً‬
‫للماتريديههة‪ ،‬فالماتريديههة يعتههبرون أبهها حنيفههة والماتريههدي‬
‫رئيسي المذهب‪ ،‬بل إن الماتريدية يطلقههون اسههم الحنههاف‬
‫ويقصدون به الماتريديههة‪ ،‬وذلههك لن الغالبيههة العظمههى مههن‬
‫الحنههاف ماتريههديون فههي العقيههدة‪ ،‬وُيضههاف إلههى ذلههك أن‬
‫الحناف يعتمدون علههى كتههاب )الفقهه الكههبر( لبههي حنيفههة‪،‬‬
‫الذي شرحه الماتريدي نفسه‪.‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬وهي أن معرفة الله تعالى هههل هههي واجبههة‬
‫بالشرع أم بالعقل؟‬
‫‪ ()1‬أبو عذبة )ت بعد ‪‍ 1172‬‬
‫هه(‪ ،‬حسن بن عبد المحسن أبو عذبة‪ ،‬متكلم له كتب منها‪" :‬الروضشة البهيشة‬
‫فيما بين الشاعرة والماتريدية – ط"‪ ،‬فرغ من تأليفه سنة ‪ ،1172‬و"بهجة أهههل السههنة علههى عقيههدة‬
‫ح لمنظومههة بائيههة لههه" فههي دار الكتههب‪ ،‬و"المطههالع السههعيدة فههي شههرح القصههيدة‪،‬‬ ‫ابههن الشههحنة"‪ ،‬و"شههر ٌ‬
‫كلي‪ ،‬العلم‪ ،‬م ‪ 2‬ص ‪.198‬‬ ‫للسنوسي" في العقائد‪ .‬الّزرِ ْ‬
‫‪ ()2‬انظر‪ :‬أبو عذبة)ت بعد ‪‍ 1172‬‬
‫هه(‪،‬حسن بن عبد المحسههن‪ ،‬الروضة البهيششة فيمششا بيششن الشششاعرة‬
‫والماتريدية‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار ابن حزم‪ ،‬لبنان‪2003 ،‬م‪ ،‬ص ‪ ،83‬والكتاب مطبوع مههع كتههابين آخريههن فههي مجلههد‬
‫واحد مسمى بـ "المسائل الخلفية بين الشاعرة والماتريدية" وقد جمعها بسام عبد الوههاب الجهابي‪ .‬علهى‬
‫أن بعض الباحثين يعدون الفروق بضعا وخمسين فرقًا‪ ،‬انظر "نظم الفرائد وجمع الفوائد في بيان المسههائل‬
‫التي وقع فيها الخلف بين الماتريدية والشاعرة في العقائد" لشيخ زاده عبد الرحيم بن علي‪.‬‬
‫‪ ()3‬أبو عذبة‪ ،‬الروضة البهية فيما بين الشاعرة والماتريدية‪ ،‬ص ‪.115‬‬

‫‪33‬‬
‫)‪(1‬‬
‫"فعنههد الشههعري بالشههرع‪ ،‬وعنههد الماتريههدي بالعقههل"‪.‬‬
‫وسيأتي بيان هذه المسألة عند دور الستدلل بالعقههل علههى‬
‫العقائد عند الماتريدية في الفصل الثاني من هذه الدراسة‪.‬‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬صفات الفعال‬
‫"وتحريرها‪ :‬أن صفات الفعال كالتخليق والههترزيق والحيههاء‬
‫والماتة والتكوين‪ ،‬هل هي قديمة أو حادثة؟‬
‫فعنههد الحنفيههة أنههها كلههها قديمههة‪ ،‬ل هههو ول غيههره‪ ،‬كصههفات‬
‫الذات"‪ (2).‬والمقصود فههي قههوله "ل هههو ول غيههره" أن هههذه‬
‫الصفات ليس نفس الذات وليسههت غيههر الههذات‪" ،‬كصههفات‬
‫مى صفات المعاني‪.‬‬ ‫الذات" التي تس ّ‬
‫)‪(3‬‬
‫ثم يقول‪" :‬وعند الشعري أنها حادثة"‪.‬‬
‫والمقصهههود فهههي ههههذه المسهههألة أن اللهههه تعهههالى يخلهههق‬
‫المخلوقههات بقههدرته علههى وفههق العلههم والرادة‪ ،‬والقههدرة‬
‫قديمة‪ ،‬ولكنها تتعلق بالمخلوق تعّلقا ً حادثا ً عند الخلق‪ ،‬وهذا‬
‫التعلههق أمههر اعتبههاري عنههد الشههاعرة‪ ،‬وأمهها الماتريديههة‬
‫فيقولون‪ ،‬إن هذا التعلق يكههون بصههفة قديمههة قائمههة بههذات‬
‫الله تعالى هي صفة التكوين‪.‬‬
‫المسألة الرابعة‪ :‬في كلم الله تعالى النفسي القههديم‪ ،‬هههل‬
‫يسمع أم ل؟‬
‫ل‪ ،‬وعنههد الماتريديههة ل‬ ‫عه عق ً‬‫وعند الشاعرة أنه يجوز سههما ُ‬
‫ل‪ ،‬وتعتمههد المسههألة علههى إمكههان سههماع مهها ليههس‬ ‫يجوز عق ً‬
‫بصوت‪ ،‬فالذين اعتههبروا أن كلم اللههه النفسههي ُيسههمع فقههد‬
‫انطلقوا من أنه يمكن سههماع مهها ليههس بصههوت‪ ،‬عق ً‬
‫ل‪ ،‬وأمهها‬
‫الذين قالوا باستحالة سماع كلم الله النفسي‪ ،‬فقد انطلقوا‬
‫)‪(4‬‬
‫من أنه ل يمكن سماعُ ما ليس بصوت‪.‬‬
‫وسماع الكلم النفسههي للههه تعههالى أو لغيههره هههو مههن بههاب‬
‫الجائزات العقلية‪ ،‬فليس فيه محال‪.‬‬
‫ويترتب على ذلك أن موسى عليه السلم قد سمع مهها يههدل‬
‫على كلم الله النفسي عند الماتريدية‪ ،‬وعند الشههاعرة أنههه‬
‫سمع نفس كلم الله النفسي‪.‬‬
‫‪ ()1‬أبو عذبة‪ ،‬الروضة البهية فيما بين الشاعرة والماتريدية‪ ،‬ص ‪.118‬‬
‫‪ ()2‬أبو عذبة‪ ،‬الروضة البهية فيما بين الشاعرة والماتريدية‪ ،‬ص ‪.122‬‬
‫‪ ()3‬أبو عذبة‪ ،‬الروضة البهية فيما بين الشاعرة والماتريدية‪ ،‬ص ‪.122‬‬
‫‪ ()4‬انظر‪ :‬أبو عذبة‪ ،‬الروضة البهية فيما بين الشاعرة والماتريدية‪ ،‬ص ‪ 127‬و ‪.128‬‬

‫‪34‬‬
‫المسألة الخامسة‪ :‬تكليف ما ل ُيطاق‬
‫فالشاعرة على أن يجوز لله تعالى أن يكل ّههف عبههاده بمهها ل‬
‫)‪(1‬‬
‫ُيطاق‪ ،‬واستدلوا بقوله تعالى‪ :‬ﭽﯻ ﯻ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯻﯻ ﭼ‬
‫كن التكليف بما ل ُيطاق جائزا لما اسُتعيذ منه‪.‬‬ ‫فلو لم ي ُ‬
‫والماتريدية على أن ل يجوز‪ ،‬لن تكليف العههاجز خههارج عههن‬
‫ب إلههى الحكيههم‬ ‫الحكمة‪ ،‬كتكليههف العمههى بههالنظر‪ ،‬فل ُينسه ُ‬
‫)‪(2‬‬
‫سبحانه‪.‬‬
‫ُ‬
‫المسههألة السادسههة‪ :‬عصههمة النبيههاء عليهههم السههلم عههن‬
‫الصغائر‬
‫يرى الماتريدية أن النبياء معصومون عن الصههغائر مطلقههًا‪،‬‬
‫ويرى الشاعرة أنه من الجائز أن تقع منهم الصغائر سهههوا‪.‬‬
‫)‪(3‬‬

‫ويقههول الههدكتور فتههح اللههه خليههف محقههق كتههاب التوحيههد‬


‫للماتريدي‪" :‬يسلك الماتريدي –كما يسلك الشعري‪ -‬منهج ها ً‬
‫وسطا ً بين الحرفيين والعقليين‪ ،‬بين الحرفيين من الحشوية‬
‫والمشبهة والمكّيفة والمحههددة والمجسههمة‪ ،‬وبيههن العقلييههن‬
‫من المعتزلة‪ .......،‬ويلتقيان فههي المنهههج كمهها يلتقيههان فههي‬
‫المذهب‪ ،‬فليههس المههذهب إل تطبيق ها ً للمنهههج‪ .‬يلتقيههان فههي‬
‫إثبات صفات الله وفي كلمه الزلي‪ ،‬وفي جواز رؤيته‪ ،‬وفي‬
‫بيان عرشه واستوائه‪ ،‬وفي أفعال عباده‪ ،‬وفي أمر مرتكههب‬
‫الكبيرة منهم‪ ،‬وفي شفاعة رسوله‪ ،‬وتلك هي أهم المسائل‬
‫التي وقع فيها الخلف بيههن فههرق المسههلمين‪ ،‬بههل إنههها أهههم‬
‫)‪(4‬‬
‫موضوعات علم الكلم"‪.‬‬

‫‪ ()1‬سورة البقرة‪ ،‬الية ‪.286‬‬


‫‪ ()2‬انظر‪ :‬أبو عذبة‪ ،‬الروضة البهية فيما بين الشاعرة والماتريدية‪ ،‬ص ‪.138‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ :‬أبو عذبة‪ ،‬الروضة البهية فيما بين الشاعرة والماتريدية‪ ،‬ص ‪.142‬‬
‫‪ ()4‬الماتريدي )ت ‪ 333‬هه(‪ ،‬محمد بن محمد بن محمود‪ .‬التوحيد‪ ،‬د ط‪) ،‬تحقيق‪ :‬د فتههح اللههه خليههف(‪ ،‬دار‬
‫المشرق‪ ،‬بيروت‪ ،1986 ،‬ص ‪ 10‬من المقدمة‪ .‬والكلم للمحقق الدكتور خليف‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫الفصل الول‬
‫النظر العقلي في العقيدة‪ ،‬نشأته وتطوره‬

‫المبحث الول‪ :‬النظر العقلي في القرآن الكريم‬


‫المبحث الثاني‪ :‬النظر العقلي في عهههد الرسههول ‪ ‬وصههدر‬
‫السلم‬
‫المبحث الثالث‪ :‬نشأة علم الكلم‬

‫المبحث الول‪ :‬النظر العقلي في القرآن الكريم‬

‫من خصائص القرآن أنههه يههدعو إلههى إعمههال العقههل ول‬


‫يعطله‪ ،‬والعقل هو مناط التكليههف‪ ،‬وهههو مههوجه الرادة فههي‬
‫الختيههار بيههن الخيههر والشههر‪ ،‬والصههواب والخطههأ‪ ،‬فههبزواله‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫يتوقف التكليف‪ ،‬وْلنقل تجاوزًا‪ :‬بزواله يزول الدين‪ ،‬في َ‬
‫س تلقههي‬ ‫ن بل عقههل‪ ،‬إذ العقههل أسهها ُ‬ ‫عقل ُههه‪ ،‬فل ديه َ‬ ‫ل َ‬‫ن َزا َ‬‫مه ْ‬ ‫َ‬
‫ذه‪.‬‬‫خ ِ‬‫الدين وأساس مأ َ‬
‫ن الكريم كثرة المخاطبههات‬ ‫س القارئُ للقرآ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ولذلك َيل َ‬
‫ب‬ ‫جهة فيه إلههى النسههان لسههتخدام عقلههه‪ ،‬فهههذا الكتهها ُ‬ ‫المو ّ‬
‫أنزله الله تعالى يشتمل على نوعين من الخطاب‪،‬‬
‫كههر‬ ‫ل والُعقلِء إلههى الت َّف ّ‬‫الول‪ :‬مهها كههان دافعهها ً للعقهه ِ‬
‫والتفكير‪.‬‬
‫ما ً للذين َأوقَُفوا عقوَلهم عههن العمههل‪،‬‬ ‫ن ذا ّ‬ ‫الثاني‪ :‬ما كا َ‬
‫أو أعرضههوا عههن الحههق الههذي عرفههوهُ بأنفسهههم‪ ،‬أو تركههوا‬
‫ف آبههائهم بل تفكههر ول‬ ‫خل ْه َ‬
‫عقوَلهم وراَء ظهوِرهم وانسههاقوا َ‬ ‫ُ‬
‫)‪(1‬‬
‫تمحيص‪ ،‬وقالوا‪ :‬ﭽﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯻ ﯻ ﯻ ﯻ ﯻ ﯻﭼ‪.‬‬
‫ص القههوام ِ‬ ‫ي سههرد ُهُ لقصه ِ‬ ‫ومههن طبيعهةِ الن ّههص الُقرآن ه ّ‬
‫عنههاِدهم‪ ،‬وانقيههاِدهم‬ ‫ذعههانهم و ِ‬ ‫كفرهههم‪ ،‬وإ ْ‬ ‫الساِبقةِ بإيماِنهم و ُ‬
‫هم وَغَّيهم‪ ،‬فتجلت في كثير من القصص‬ ‫شدِ ِ‬ ‫واستبداِدهم‪ ،‬وُر ْ‬
‫ه بها المعانههدين الظههالمين لنفسهههم‪،‬‬ ‫ت الل ُ‬ ‫ج َبه َ‬ ‫ج ٌ‬‫ح َ‬
‫القرآنية ُ‬

‫‪ ()1‬سورة الزخرف‪ ،‬الية ‪.22‬‬

‫‪36‬‬
‫ي ظهاهر‬ ‫ل عقله ّ‬ ‫ومن هذه القصص التي اشهتملت علهى جهد ٍ‬
‫من النبياء مع أقوامهم ما يلي‪:‬‬
‫أول ً‪ :‬قصة سيدنا إبراهيهم الخليهل عليهه السهلم الهتي‬
‫وردت في سورة النعام‪ ،‬قال تعالى‪:‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ ﭬﭭﭮ‬ ‫ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫)‪(1‬‬
‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﮊ‬
‫يقول البيضاوي في تفسيره‪" :‬وقوله ‪ :‬ﮋ ﭴ ﭵ ﮊ على‬
‫سبيل الوضع‪ ،‬فإن المستدل على فساد قول يحكيه على ما‬
‫يقوله الخصم‪ ،‬ثم يكر عليهه بالفسهاد‪ ،‬أو علهى وجهه النظهر‬
‫)‪(2‬‬
‫والستدلل"‪.‬‬
‫ويقول الزمخشري‪" :‬أراد أن ينبههههم علههى الخطههأ فههي‬
‫دينههههم‪ ،‬وأن يرشهههدهم إلهههى طريهههق النظهههر والسهههتدلل‪،‬‬
‫ويعّرفهم أن النظر الصحيح مؤد إلى أن شههيئا منههها ل يصههح‬
‫حههدثا‬
‫م ْ‬
‫أن يكون إلها‪ ،‬لقيام دليل الحدوث فيها‪ ،‬وأن وراءههها ُ‬
‫أحدثها وصانعا ً صنعها‪ ،‬مدبرا ً دبر طلوعههها وأفولههها وانتقالههها‬
‫ومسيرها وسائر أحوالها‪ .‬ﮋ ﭴ ﭵ ﮊ قول من ينصف خصمه‬
‫مع علمه بأنه مبطل‪ ،‬فيحكههي قههوله كمهها هههو غيههر متعصههب‬
‫لمذهبه‪ ،‬لن ذلك أدعى إلى الحق وأنجى مههن الشههغب‪ ،‬ثههم‬
‫يكر عليه بعد حكايته فيبطله بالحجة ﮋ ه ﭺه ﭻه ﭼه ﮊ‪ ،‬ل أحههب‬
‫عبادة الرباب المتغيرين من حال إلى حههال‪ ،‬المتنقليههن مههن‬
‫مكان إلى آخههر‪ ،‬المحتجههبين بسههتر‪ ،‬فههإن ذلههك مههن صههفات‬
‫)‪(3‬‬
‫الجرام"‪.‬‬
‫وتتجلههى فههي هههذه القصههة الرائعههة حكمههة هههذا النههبي‬
‫الكريم إبراهيم عليه السههلم فههي التربيههة والنقههاش وجههذب‬
‫مه وأبههاه‬ ‫َ‬
‫ئ قههو َ‬
‫م اللطيف يفاج ُ‬ ‫النتباه‪ ،‬فها هو ذا الّواهُ الحلي ُ‬
‫‪ ()1‬سورة النعام‪.79-74 ،‬‬
‫‪ ()2‬البيضاوي ) ت ‪ 685‬هه(‪ ،‬عبد الله بن عمههر بههن محمههد‪ .‬أنوار التنزيل وأسششرار التأويششل )تفسششير‬
‫البيضاوي(‪ ،‬د ط‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬د ت‪ ،‬ص ‪.181‬‬
‫‪ ()3‬الزمخشري )ت ‪ 538‬هه(‪ ،‬محمود بن عمر‪ .‬الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون القاويششل فششي‬
‫وجوه التأويل‪ ،‬د ط‪4 ،‬م‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪1997 ،‬م‪ ،‬م ‪ 2‬ص ‪ ،39‬وانظههر‪ :‬النسههفي‬
‫)ت ‪ 701‬هه(‪ ،‬عبد الله بن أحمد بن محمود‪ ،‬تفسير النسفي‪ ،‬مدارك التنزيششل وحقششائق التأويششل‪ ،‬د‬
‫ط‪2 ،‬م‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬د ت‪ ،‬م ‪ 2‬ص ‪.20‬‬

‫‪37‬‬
‫ه بقوله‪ :‬ﮋه ﮁ ﮊ )‪ (1‬بهذه العبارة الصعبة‬ ‫طب ُ‬‫الذي طالما خا َ‬
‫كن في‬ ‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠه ﮊ‪ ،‬فََقد ْ َتم ّ‬ ‫على نفوسهم وهي ﮋه ﭛ‬
‫ن مهن ُقلهوبهم‬ ‫َ‬
‫ل أن يتمكه َ‬ ‫مه ِ‬
‫ن آذاِنههم علهى أ َ‬ ‫م ْ‬‫هذه اللحظة ِ‬
‫عقولهم‪ ،‬ثم يثّنهي عليههم بقهوله عهن الكهوكب‪ :‬ﮋه ﭴه ﭵ ﮊ‬ ‫و ُ‬
‫ي كبير‪ ،‬وفههي رحلهةٍ سههريعةٍ كههبيرة‬ ‫ف ذِهْن ِ ّ‬
‫ص ٍ‬ ‫خل ُُهم في عَ ْ‬ ‫فَُيد ِ‬
‫ب اسهتنهض عقهولهم‬ ‫ل الكهوك ُ‬ ‫للبحهث عهن الحهق‪ ،‬فلمها أ ََفه َ‬
‫وحاول إيقاظها من سباتها العميق فقال‪ :‬ﮋ ﭺ ﭻ ﭼ ﮊ‪.‬‬
‫ب هنهها بمعنههى‬ ‫ح ّ‬‫ة ل أُ ِ‬ ‫وقد ذكر بعض المفسرين أن كلم َ‬
‫ل أريد )‪ (2‬فيكههون المعنههى؛ ل أريههد إلهها ً يغيههب عنههي طرفههة‬
‫ل‬ ‫عيههن‪ .‬وهههذا عيههن العقههل وهههو أمههر مركههوز فههي الُعقههو ِ‬
‫ل‬‫ه فههي ك ُه ّ‬ ‫خلَق ه ُ‬‫ن يتعاهههد َ‬ ‫ن الله من شأنه أ ْ‬ ‫والن ُّفوس وهو أ ّ‬
‫حواِلهم وأوقاتهم‪ ،‬ومهن كهان علههى غيههر ذلهك فليهس بههإله‪.‬‬ ‫َ‬
‫أ ْ‬
‫ن‬ ‫ة لهههؤلِء الك ُّفههارِ الههذي َ‬ ‫عقلي قوي‪ ،‬وفيه رسال ٌ‬ ‫ب َ‬ ‫خ َ‬
‫طا ٌ‬ ‫وهذا ِ‬
‫ن الصههنام أو الكههواكب الههتي تشههترك فههي الغيههاب‬ ‫يعبههدو َ‬
‫والفول عن عابدها‪ ،‬بأن هذه المعبودات تأفل وتغيب عنهههم‬
‫َ‬
‫معِي ّت ِهِههم‬ ‫ة َلهم إذا لم تكههن فههي َ‬ ‫ن آله ً‬ ‫ن َتكو َ‬ ‫ت جديرةً بأ ْ‬ ‫فَليس ْ‬
‫ل أحوالهم‪.‬‬ ‫ِفي ك ُ ّ‬
‫ي‬
‫داُر ُبرهههاِنه ‪-‬عليههه السههلم‪ ،-‬وَهِه َ‬ ‫م َ‬ ‫هذهِ الفكرة َ‬ ‫على َ‬ ‫وَ َ‬
‫خلِقههِ ويتغّيهر مهن حهال‬ ‫ب عهن َ‬ ‫ل الذي َيحَتج ُ‬ ‫أن المت َغَي َّر الف َ‬
‫حق ل ُ‬
‫للوهية‪.‬‬ ‫مست َ ِ ّ‬ ‫سه شيئا ً فهو لي َ‬
‫س بِ ُ‬ ‫ك لنف ِ‬ ‫إلى حال ول َيمل ُ‬
‫م ‪-‬عليه السلم‪ -‬الفكرةَ في مثالين‬ ‫دنا إبراهي ُ‬ ‫ويكرر سي ُ‬
‫آخرين زيادة للتذكير والتنبيه لهم‪ ،‬بقههوله تعههالى عههن سههيدنا‬
‫إبراهيم عليه السلم‪ :‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﭼ و قوله‪ :‬ﭽ ﮒ ﮓ‬
‫ﮔه ﮕه ﮖ ﮗ ﮘ ﭼ‪ُ ،‬ثم يقول لهم إّنهه يعبهد ُ الهذي خلهق ههذه‬
‫الشياَء‪ ،‬ومن مسلمات العقههول أن الخههالق أولههى باللوهيههة‬
‫من المخلوق‪.‬‬

‫دنا يوسف عليه السلم حينما كههان فههي‬


‫ة سي ِ‬
‫ص ُ‬‫ثانيا ً‪ :‬ق ّ‬
‫حبيه‪ ،‬فقال لهما‪ :‬ﮋ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬ ‫السجن مع صا ِ‬
‫)‪(3‬‬
‫ﮊ‬
‫‪ ()1‬سورة مريم‪.43 ،‬‬
‫‪ ()2‬انظههر‪ :‬ابههن عاشههور)ت ‪ 1393‬هههه(‪ ،‬محمههد الطههاهر بههن عاشههور‪ .‬التحرير والتنوير‪ ،‬د ط‪12 ،‬م‪ ،‬دار‬
‫سحنون للنشر والتوزيع‪ ،‬تونس‪ ،‬د ت‪ ،‬م ‪ 3‬ص ‪.320‬‬
‫‪ ()3‬سورة يوسف‪.39 ،‬‬

‫‪38‬‬
‫يقول ابن عاشور فههي تفسههير هههذه اليههة‪" :‬وقههد رتههب‬
‫لهما الستدلل بوجه خطههابي قريههب مههن أفهههام العامههة‪ ،‬إذ‬
‫فرض لهما إلها ً واحدا ً متفههردا ً باللهيههة‪ ،‬كمهها هههو حههال ملتههه‬
‫التي أخبرهم بها‪ ،‬وفرض لهما آلهة متفرقين؛ كل إلههه منهههم‬
‫إنما يتصرف في أشياء معينة مههن أنههواع الموجههودات تحههت‬
‫سلطانه ل يعدوها إلى ما هو من نطاق سلطان غيره منهههم‬
‫وذلك حال ملة القبط‪ ،‬ثم فرض لهما مفاضههلة بيههن مجمههوع‬
‫الحالين حال الله المنفرد باللهية والحوال المتفرقة لللهة‬
‫المتعههددين ليصههل بههذلك إلههى إقناعهمهها بههأن حههال المنفههرد‬
‫)‪(1‬‬
‫باللهية أعظم وأغنى‪ ،‬فيرجعان عن اعتقاد تعههدد اللهههة"‪.‬‬
‫إلى التوحيد‪.‬‬
‫سههيدَنا‬ ‫ن َ‬ ‫ففي هههذه اليههة الكريمههة الههواردةِ علههى ِلسهها ِ‬
‫يوسف عليه السلم استعمال وتوظيف لبداهَةِ الَعقههل الههتي‬
‫ل الُعقلء بغض الّنظر عههن دينهههم أو مسههتوى‬ ‫ك فِيها ك ُ ّ‬ ‫يشت َرِ ُ‬
‫هة أمر يستوي فيه جميع الناس‪،‬‬ ‫تفكيرهم أو ثقافتهم‪ ،‬فالبدا َ‬
‫ك‬‫وكههون المههدبر واحههدا ً خي هٌر مههن كههوِنه متعههددا ً أم هٌر مههدر ٌ‬
‫ك‬ ‫مل ِ ٍ‬
‫ل جميِع الممالك التي صلحها ب َ َ‬ ‫ل هذا أحوا ُ‬ ‫مث ْ ُ‬‫بالبداهة‪ ،‬و ِ‬
‫دها بأكثر‪ ،‬ولله المثل العلى‪.‬‬ ‫واحد وفسا ُ‬
‫رد علههى هههذه اليههة سههؤالن‬ ‫ويقول المام الرازي إنه ي ِ‬
‫هما‪" :‬السؤال الول‪ :‬لم سماها أربابا ً وليست كذلك ؟‬
‫والجواب‪ :‬لعتقادهم فيها أنها كذلك‪ ،‬وأيضا ً الكلم خرج‬
‫على سبيل الفرض والتقدير‪ ،‬والمعنى‪ :‬أنها إن كههانت أرباب ها ً‬
‫فهي خيٌر أم الله الواحد القهار ؟‬
‫السؤال الثاني ‪ :‬هل يجوز التفاضل بيهن الصهنام وبيهن‬
‫الله تعالى حتى يقال إنها خير أم الله الواحد القهار؟‬
‫الجواب ‪ :‬أنه خرج على سههبيل الفههرض‪ ،‬والمعنههى‪ :‬لههو‬
‫سلمنا أنه حصل منههها مهها يههوجب الخيههر فهههي خيههر أم اللههه‬
‫)‪(2‬‬
‫الواحد القهار"‪.‬‬
‫وههههذا السهههلوب مهههن أسهههاليب المنهههاظرة العقليهههة‬
‫والحتجاج‪ ،‬وهههو التنهّزل إلههى مسهّلمات الخصههم‪ ،‬ثههم البنههاء‬

‫‪ ()1‬ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬م ‪ 5‬ص ‪.274‬‬


‫‪ ()2‬الرازي )ت ‪ 606‬هه(‪ ،‬محمود بن عمر‪ .‬مفاتيح الغيب )التفسششير الكبيششبر(‪ ،‬ط ‪،2‬هه ‪11‬م‪ ،‬دار إحيههاء‬
‫التراث العربي‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪1997 ،‬م‪ ،‬م ‪ 6‬ص ‪.459‬‬

‫‪39‬‬
‫عليها لبيان أن اللزم عنها باطل‪ ،‬وهذا يؤذن ببطلنههها‪ ،‬وهههو‬
‫ما أشار إليه الرازي‪.‬‬
‫ﯫﯬﮊ‬ ‫ثالثا ً‪ :‬قوله تعالى ﮋ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧﯧ ﯨ ﯩ ﯪ‬
‫)‪(1‬‬

‫يقول الشوكاني‪" :‬ووجه الفساد أن كون مههع اللههه إلههها‬


‫آخر يستلزم أن يكون كل واحد منهما قادرا علههى السههتبداد‬
‫بالتصرف‪ ،‬فيقع عند ذلك التنههازع والختلف ويحههدث بسههببه‬
‫)‪(2‬‬
‫الفساد"‪.‬‬
‫ويشرح هذه الية ويوضحها قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬ ‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬
‫)‪(3‬‬
‫ﭱﭼ‬
‫وهههذا دليههل عقلههي محههض يسههميه المتكلمههون دليههل‬
‫التمانع )‪ ،(4‬ولئمههة التفسههير مههن المتكلميههن كلم كههثير فههي‬
‫سوِْقه‪ ،‬وطريقة الستدلل الصههحيحة بههه‪،‬‬ ‫لو َ‬ ‫دلي ِ‬
‫ط هذا ال ّ‬ ‫َبس ِ‬
‫ن‬
‫ص روعهةِ القههرآ ِ‬ ‫بحيث يفهمه الخاصة والعامههة‪ ،‬فمههن خههوا ّ‬
‫ب العلماء والعامة في آن واحههد‪ ،‬فيخههاطب‬ ‫ه ُيخاط ِ ُ‬‫الكريم أن ّ ُ‬
‫كاكههة أو‬‫ة دون َر َ‬ ‫ب العام ه َ‬
‫م‪ ،‬ويخههاط ِ ُ‬
‫العلماء دون تعقيد للعوا ّ‬
‫سطحية في نظر العلمههاء‪ ،‬فللمتبحههر أن يسههتنتج وأن يشههبع‬
‫غريزة المعرفة وحههب الطلع لههديه‪ ،‬وللعههامي أن يأخههذ مهها‬
‫يكفيه وتقر به نفسه‪.‬‬
‫جه للعقل والوجدان‪ ،‬ولذلك‬ ‫وخطاب القرآن الكريم مو ّ‬
‫أّثر هذا التأثير الكبير في المجتمع‪.‬‬
‫رابعا ً‪ :‬ما ورد في سورة ﮋ يس ﮊ عند قوله تعالى‪ :‬ﮋ‬
‫ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬
‫ﯔﯕﯖ ﯗ‬ ‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬

‫‪ ()1‬سورة النبياء‪.22 ،‬‬


‫‪ ()2‬الشوكاني )ت ‪ 1250‬هههه(‪ ،‬محمههد بههن علههي بههن محمههد‪ ،‬فتح القدير الجشامع بيشن فنششي الروايشة‬
‫والدراية مششن علششم التفسششير‪ ،‬ط ‪ ،2‬ه ‪5‬م‪) ،‬تحقيههق‪ :‬د عبههد الرحمههن عميههرة(‪ ،‬دار الوفههاء‪ ،‬المنصههورة‪،‬‬
‫‪1997‬م‪ ،‬م ‪ ،3‬ص ‪.551‬‬
‫‪ ()3‬سورة المؤمنون‪ ،‬الية ‪.91‬‬
‫‪ ()4‬انظر‪ :‬الشهرستاني‪ ،‬محمد بن عبههد الكريههم )ت ‪ 548‬هههه(‪ .‬نهاية القششدام فششي علششم الكلم‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫)تحقيق‪ :‬أحمد فريههد المزيههدي(‪ ،‬دار الكتههب العلميههة‪ ،‬بيههروت‪-‬لبنههان‪2004 ،‬م‪ ،‬ص ‪ ،56‬وانظههر‪ :‬التفتههازاني‪،‬‬
‫شرح العقائد النسفية‪ ،‬ص ‪ ،61‬وانظر‪ :‬القاضي عبد الجبار‪ ،‬المغني في أبواب التوحيششد والعششدل‪،‬‬
‫م ‪ 4‬ص ‪.275‬‬

‫‪40‬‬
‫ﯳﯴ ﯵﯶﯷ‬ ‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯧ ﯡﯧﯧ ﯢ ﯧ ﯣ ﯤﯧ ﯥﯧﯧ ﯦﯧ ﯧﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫)‪(1‬‬
‫ﯻﯻ ﯼﯽ ﮊ‬ ‫ﯻﯻ‬
‫بدأت هذه القصة بتساؤل أحهد المشهركين حينمها قهال‬
‫ي عليه‪ ،‬قال‬ ‫مستنكرًا‪ :‬ﮋه ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟه ﮊ فجاء الرد ّ القرآن ّ‬
‫تعالى‪ :‬ﮋه ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮊ وهذا من باب قياس العادة على‬
‫النشاء‪ ،‬ومن الواضح في العقول عند الناس أن الخلق مههن‬
‫العدم أبعد وأصعب من إعادة الخلق‪ ،‬إذ من المسّلم أن من‬
‫صنع شيئا فإنه قادر على إعادة صنعه فقال تعالى‪ :‬ﮋ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮊ‪ ،‬وهذا مجرد تمثيل للبشر‪ ،‬ولكن الله أعلى وأجل من‬
‫ذلك فل فرق لديه بين كل الممكنات ول شيء أصعب عنده‬
‫من شيء‪.‬‬
‫وَرد ّ عليه القرآن أيضا ً ﮋ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﮊ وهذا‬
‫أيضا من باب قياس الولى‪ ،‬فالذي يخلههق الشههياء العظيمههة‬
‫خلههقُ السههماوات‬ ‫يقدر على خلق الصغائر من باب أولى‪ ،‬إذ ْ َ‬
‫ق النسان‪ ،‬وقد قال تعالى ﮋ ﯔ ﯕ ﯖ‬ ‫ِ‬
‫والرض أعظم من خل ْ‬
‫)‪(2‬‬
‫ﯜﯧﯧﯧﯧ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﮊ‪.‬‬ ‫ﯗ ﯘ ﯙﯚﯛ‬
‫خامسا ً‪ :‬قوله تعالى في سورة الطور‪ :‬ﮋ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮه ﭯه ﭰه ﭱه ﭲه ﮊ )‪ (3‬والية فيههها تههذكير بههأمر بههدهي‪ ،‬وهههو‬
‫دث‪ ،‬وتقريههر الحجههة فههي هههذه‬ ‫مح ه ِ‬ ‫استحالة وجود حادث بل ُ‬
‫الية‪" :‬أنه ل يخلو إما أن يكونوا خلقههوا مههن غيههر شههيء )أي‬
‫بغير خالق( أو أنهم خلقوا أنفسهم أو خلقهم غيرهم‪ ،‬والول‬
‫باطل‪ ،‬إذ الشههيء ل يهؤثر فههي إيجهاد نفسهه لسههتلزام ذلهك‬
‫كههونه موجههودا معههدوما فههي حالههة واحههدة‪ ،‬فتعي ّههن القسههم‬
‫الثالث‪ ،‬هذا القسم الثالث لتعينه عقل ً لم يذكر في الية لن‬
‫من أساليب القرآن الكتفاء بالدللة بأي شيء حصههلت وهههو‬
‫طريقة العرب‪ ،‬وإذا ثبت أن غيرهم خلقهم فههذلك الغيههر هههو‬
‫)‪(4‬‬
‫الله القديم"‪.‬‬
‫يشير الرازي إلى قههوله تعههالى‪" :‬مههن غيههر شههيء" أنههه‬
‫ن منها أن المقصود فيه أي من‬ ‫س ُ‬
‫يحتمل عدة معان‪ ،‬وَيستح ِ‬

‫‪ ()1‬سورة يس‪.83-77 ،‬‬


‫‪ ()2‬سورة غافر‪.57 ،‬‬
‫‪ ()3‬سورة الطور‪.35 ،‬‬
‫‪ ()4‬الطوفي‪ ،‬نجم الدين الحنبلي‪ ،‬علم الجذل في علم الجدل‪ ،‬ص‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫غير خالق)‪ ،(1‬ومع هذا الكلم يتسق ما ذكرناه من أن معنههى‬
‫دث‪.‬‬ ‫مح ِ‬‫الية إنكار وجود حادث من غير ُ‬
‫ة تحتههوي علههى مسههتحيلين مسهّلمين فههي عقههول‬ ‫واليه ُ‬
‫البشههر‪ ،‬الول‪ :‬وجههود حههادث بل محههدث‪ ،‬والثههاني‪ :‬أن ّههه مههن‬
‫المسههتحيل أن يخلههق الشههيء نفسههه‪ ،‬لنههه يلههزم عنههه أن‬
‫الشيء موجههود ومعههدوم فههي نفههس الههوقت‪ ،‬وهههذا اجتمههاع‬
‫ل‪ ،‬وهذا ما يسهميه علمهاء الكلم‬ ‫للنقيضين وهو مستحيل عق ً‬
‫)‪(2‬‬
‫بالدور‪.‬‬
‫ل‬
‫ن الكريههم الكههثيُر مههن الّرسههائ ِ ِ‬ ‫جههد ُ فههي القههرآ ِ‬‫َويو َ‬
‫والمخاطبات الموجهة إلى العقل والعقلء‪ ،‬وهههذا يههدل علههى‬
‫كثرة مخاطبة القرآن للعقل وتركيزه على وظيفتههه الكههبرى‬
‫التي هي التفكير‪.‬‬
‫وينقسم هذا الخطاب كما مّر إلى قسههمين‪ ،‬الول فههي‬
‫كر‪ ،‬والثاني فههي ذم الكههافرين‬ ‫س إلى التعّقل والتف ّ‬ ‫دعوة النا ِ‬
‫دوا عنههه‬ ‫ن‪ ،‬والذين عرفوا الحق بعقولهم وحهها ُ‬ ‫الذين ل يعقلو َ‬
‫م الههذين اتبعههوا آبههاءهم بغيههر اسههتدلل ونظههر وتمحيههص‪،‬‬ ‫وذ ّ‬
‫فالنسان مطالب بالنظر والتفكر‪.‬‬
‫مهههل‬ ‫والوظيفهههة الولهههى للعقهههل فههههي التفكهههر والتأ ّ‬
‫والستنتاج‪ ،‬إلى أن يصههل بعقلههه إلههى دللههة المعجههزة علههى‬
‫وة‪ ،‬وأن يصههل إلههى اليمههان بههالنظر والسههتدلل‪،‬‬ ‫صدق النب ه ّ‬
‫وذلك كقوله تعالى‪ :‬ﮋ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮊ )‪ (3‬وقوله تعالى‪ :‬ﮋ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬ ‫ﮛ‬‫ﮚ‬
‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬ ‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ‬
‫ﮝﮡ ﮊ)‪ (4‬وهذه الوظيفة هي وظيفههة العقههل الههتي ُدعههي إليههها‪،‬‬
‫ص الله بها أهل العلم والنظههر عههن دون خلقهه‪،‬‬ ‫وهي التي خ ّ‬
‫)‪(5‬‬
‫فقال تعالى ﮋ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮊ‪.‬‬

‫‪ ()1‬الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب )التفسير الكبيبر(‪ ،‬م ‪ 10‬ص ‪.217‬‬


‫‪ ()2‬الدور هو توقف الشيء على ما يتوقف عليه‪ ،‬كما أن يتوقف "أ" على "ب" و "ب" على "أ" في الوجود‪.‬‬
‫انظر‪ :‬الجرجاني‪ ،‬التعريفات‪ ،‬ص‪ ،140‬أو هههو توقههف كههل مههن الشههيئين علههى الخههر‪ .‬التهههانوي‪ ،‬كشاف‬
‫اصطلحات الفنون‪ ،‬م‪ 2‬ص‪.94‬‬
‫‪ ()3‬سورة آل عمران‪.191-190 ،‬‬
‫‪ ()4‬سورة الرعد‪.3 ،‬‬
‫‪ ()5‬سورة النساء‪.83 ،‬‬

‫‪42‬‬
‫والوظيفهة الثانيههة للعقههل‪ ،‬ههي الصهغاء إلهى الغيبيههات‬
‫ن القههرآن‬ ‫والسمعيات والتصههديق والتسههليم بههها‪ ،‬وقههد َ َ‬
‫طمهأ َ‬
‫الكريم العقل بشههواهد ونظههائر لهههذه الغيبي ّههات‪ ،‬أل تههرى أن‬
‫ه إحيههاء المههوتى ‪-‬الههذي هههو البعههث وهههو مههن‬ ‫الله تعالى شب ّ َ‬
‫المور الغيبية التي يجب اليمان بههها‪ -‬بإنبههات الههزرع وإحيههاء‬
‫الرض الميتة‪ ،‬فقال تعالى‪ :‬ﮋ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩﮪﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﯚ ﯛ ﮊ )‪ (1‬وقال تعالى ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬ ‫ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ‬
‫ﮐ ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ ﮛ ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ‬ ‫ﮏ‬
‫ﯜﯧﯧﯧﯧ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬ ‫ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬
‫ﯢ ﯧ ﯣﯧﯧ ﯤ ﯥﯧﯧﯦﯧ ﯧﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﮊ)‪ ،(2‬في هذه اليات حجتان على‬
‫منكري البعث‪ ،‬الولى‪ :‬قياس العادة على البتههداء‪ ،‬الثانيههة‪:‬‬
‫قياس إحياء الناس بعد موته علههى إحيههاء الرض بعههد موتههها‬
‫بالنبات‪.‬‬
‫ففي اليتين الكريمههتين قيههاس تمثيههل لحيههاء المههوات‬
‫مُر البعههث مههن الغيبيههات‬ ‫ت‪ ،‬فههأ ْ‬
‫بإحياء الرض بالماء حتى تنب ِ َ‬
‫التي أخبرنا الله تعالى بههها‪ ،‬وأمرنهها باليمههان والتسههليم بههها‪،‬‬
‫ولكن هذا المر غير مشاهد بالنسبة لنا‪ ،‬ول تسهتطيع عقهول‬
‫الناس أن تبرهن عليه ولو اجتمعوا له‪ ،‬وإن كههان واقع ها ً فههي‬
‫حّيز المكان العقلي‪ ،‬فكانت رحمة الله تعههالى بنهها أن ق هّرب‬
‫لعقولنا القاصرة العاجزة هذا الثر من آثار قدرته العظيمههة‪،‬‬
‫لتطمئن قلوبنا به‪.‬‬
‫ويقول الشهيد سيد قطب –رحمه اللههه‪" :-‬إن دور هههذا‬
‫العقل أن يتلقى عن الرسالة‪ ،‬ووظيفته أن يفهههم مهها يتلقههاه‬
‫عههن الرسههول‪ ،‬ومهمههة الرسههول أن يبلههغ ويههبين ويسههتنقذ‬
‫الفطرة النسانية مما يرين عليها من الركههام‪ ،‬وينبههه العقههل‬
‫النسههاني إلههى تههدبر دلئل الهههدى وموحيههات اليمههان فههي‬
‫النفس والفاق‪ ،‬وأن يرسم له منهج التلقي الصحيح‪ ،‬ومنهج‬
‫النظر الصحيح‪ ،‬وأن يقيم له القاعدة التي ينهض عليها منهج‬
‫الحياة العملية المؤدي إلى خير الههدنيا والخههرة‪ ،‬وليههس دور‬
‫العقههل أن يكههون حاكم ها ً علههى الههدين ومقرراتههه مههن حيههث‬
‫الصحة والبطلن‪ ،‬والقبول أو الرفض بعد أن يتأكد من صحة‬
‫‪ ()1‬سورة ق‪.11-9 ،‬‬
‫‪ ()2‬سورة الحج‪ ،‬الية ‪.5‬‬

‫‪43‬‬
‫صهههدورها عهههن اللهههه‪ ،‬وبعهههد أن يفههههم المقصهههود بهههها؛ أي‬
‫)‪(1‬‬
‫المدلولت اللغوية والصطلحية للنص"‬
‫وما أكثر النصوص التي رفعت من شأن العقل ودفعتههه‬
‫إلى النطلق في ملكههوت اللههه تعههالى‪ .‬ومهها أكههثر النصههوص‬
‫سلمون عقولهم لغيرهم‪ .‬ومن هذا البههاب‬ ‫التي لمت الذين ي ْ‬
‫قال بعض العلماء إن النظر العقلههي واجههب علههى النسههان‪،‬‬
‫فهذا المدي يقول‪" :‬أجمع أكثر أصحابنا والمعتزلة وكثير من‬
‫أهههل الحههق مههن المسههلمين علههى أن النظههر المههؤدي إلههى‬
‫معرفههة اللههه تعههالى واجههب‪ ،‬غيههر أن مههدَرك وجههوبه عنههدنا‬
‫الشرع‪ ،‬خلفا ً للمعتزلة في قولهم‪ :‬إن مدَرك وجوبه العقههل‬
‫)‪(2‬‬
‫دون الشرع"‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬النظر العقلي فششي عهششد الرسششول‬


‫‪ ‬وصدر السلم‬

‫دنا محمههد ‪ ‬إلههى أهههل مكههة بههأمر ربههه‬ ‫ث سههي ُ‬


‫حين ب ُعِ َ‬
‫بالقرآن العظيم لم يسأله أحد من المشههركين عههن القههرآن‬
‫هل هو قديم أم مخلوق ؟ ولههم يطلههب الرسههول ‪ ‬شهههادة‬
‫في الفلسفة أو علم الكلم ممههن أراد اليمههان بههالله تعههالى‬
‫ده‪ .‬وبقي المر كذلك طيلة حياة الرسول ‪ ،‬مههن حيههث‬ ‫وح َ‬
‫طريقته في عرض أفكار الدين الجديد‪ ،‬ومههن حيههث طريقههة‬
‫المتلقي في التلقي وثقافته‪.‬‬
‫فوظيفههة الرسههول ‪ ‬تبليههغ الههوحي‪ ،‬والبيههان والتههبيين‬
‫وعْرض القرآن الكريم بحججه وأدّلته الواضحة السهلة لمههن‬
‫أراد الهداية‪ ،‬وإقناع البشرية بما لديه‪ ،‬وأنه جاء به مههن عنههد‬
‫ربههه‪ ،‬وهههذه هههي الوظيفههة الولههى للرسههول ‪ ،‬وقههد قههال‬
‫تعالى‪ :‬ﮋ ﯧﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯧﯧ ﯫﯧﯧ ﯬﯧﯧ ﯭﯧﯧ ﯮﯧﯧ ﯯﯧﯧ ﮊ‪ (3)،‬ووظيفة الناس إعمال‬
‫العقههول فههي صههحة هههذه الرسههالة ببراهينههها وتعاليمههها‪ ،‬ثههم‬
‫عها وحمل رايتها‪ ،‬وهذا ما كان فعل مههن رسههول اللههه ‪‬‬ ‫اّتبا ُ‬

‫‪ ()1‬قطب‪ ،‬سيد قطب‪ .‬في ظلل القرآن‪ ،‬ط ‪6 ،34‬م‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪-‬بيروت‪2004 ،‬م‪ ،‬م ‪ ،2‬ص‬
‫‪.806‬‬
‫‪ ()2‬المدي‪ ،‬أبكار الفكار في أصول الدين‪ ،‬م ‪ ،1‬ص ‪.155‬‬
‫‪ ()3‬سورة العلى‪.10-9 ،‬‬

‫‪44‬‬
‫حههوَله فههي ذلههك الزمههن‬ ‫مههن كههانوا َ‬
‫م َ‬
‫حاَبتهِ الكههرام ِ‬ ‫صه َ‬ ‫ن َ‬‫مه َ‬‫وَ ِ‬
‫المبارك‪.‬‬
‫ولكن الله تعالى أمر نبيه بأن يجادل أهل الكتاب بالتي‬
‫هههي أحسههن‪ ،‬وهههذا مههن بههاب التعامههل مههع كههل أنههاس بمهها‬
‫يناسبهم‪ ،‬وهو من الحكمة الرّبانية التي أوحى بها الله تعالى‬
‫إلى نبيه الكريم‪.‬‬
‫ة بالحجههج‬ ‫وهناك قصة للرسول ‪ ‬مع أهل الكتاب مليئ ٌ‬
‫والستدللت العقليههة‪ ،‬وهههذه القصههة تناقلتههها معظههم كتههب‬
‫التفسير‪ ،‬حتى ل يكاد يخلو كتاب تفسههير منههها‪ ،‬وهههي قصههة‬
‫نصارى نجران‪ ،‬حينما جادلوا الرسول ‪ ‬فههي عيسههى عليههه‬
‫دعين أنه ولد ُ الله –تعالى الله عن ذلك‪ ،-‬والقصههة‬ ‫السلم‪ ،‬م ّ‬
‫كما يلي‪:‬‬
‫"إن النصارى أتوا رسول الله ‪ ‬فخاصموه في عيسى‬
‫ابن مريههم وقههالوا لهه‪ :‬مههن أبههوه؟ وقههالوا علههى اللهه تعههالى‬
‫الكذب والبهتان‪ ،‬فقال لهم النبي ‪ :‬ألستم تعلمههون أنههه ل‬
‫يكههون ولههد إل وهههو يشههبه أبههاه؟ قههالوا‪ :‬بلههى‪ ،‬قههال‪ :‬ألسههتم‬
‫ت‪ ،‬وأن عيسى يأتي عليه الفناء؟‬ ‫ي ل يمو ُ‬ ‫ن رّبنا ح ّ‬ ‫تعلمون أ ّ‬
‫م على كل شيء‬ ‫قالوا ‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬ألستم تعلمون أن ربنا قي ّ ٌ‬
‫ظه ويرزقه؟ قالوا‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬فهل يملك عيسى‬ ‫َيكَلؤهُ وَيحَف ُ‬
‫من ذلك شيئًا؟ قالوا‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬ألستم تعلمون أن الله تعههالى‬
‫ل يخفى عليه شيء في الرض ول في السماء؟ قالوا‪ :‬بلى‪،‬‬
‫م عيسى من ذلك شيئا ً إل ما عُل ّههم؟ قههالوا‪ :‬ل‪،‬‬ ‫قال‪ :‬فهل َيعل ُ‬
‫ور عيسههى فههي الّرحههم كيههف‬ ‫قال‪ :‬ألستم تعلمون أن رّبنا ص ّ‬
‫ل الطعههام‪ ،‬ول يشههرب الشههراب‪ ،‬ول‬ ‫شههاء‪ ،‬وأن رّبنهها ل يأك ه ُ‬
‫يحدث الحدث؟ قالوا‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬ألستم تعلمههون أن عيسههى‬
‫ضهع المههرأة‬ ‫ه كمهها ت َ َ‬ ‫ه كما تحمل المرأة‪ ،‬ثهم وضهعت ُ‬ ‫م ُ‬
‫حملته أ ّ‬
‫دها‪ ،‬ثم غههذي كمهها يغههذى الصههبي ثههم كههان يأكههل الطعههام‬ ‫وَل َ َ‬
‫ويشرب الشراب ويحدث الحدث؟ قالوا‪ :‬بلى‪ ،‬قههال‪ :‬فكيههف‬
‫يكون هذا كما زعمتم؟ فعرفوا‪ ،‬ثههم أبههوا إل جحههودًا‪ ،‬فههأنزل‬
‫)‪(2‬‬
‫الله تعالى‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﮊ)‪".(1‬‬
‫‪ ()1‬سورة آل عمران‪ ،‬الية ‪.2-1‬‬
‫‪ ()2‬اللوسي‪ ،‬محمههود اللوسههي أبههو الفضههل‪ ،‬روح المعاني في تفسششير القششرآن العظيششم والسششبع‬
‫المثششاني‪3 ،‬م‪ ،‬دار إحيههاء الههتراث العربههي‪ ،‬بيههروت‪ ،‬م ‪ ،3‬ص ‪ ،75‬وانظههر‪ :‬البخههاري‪ ،‬الجششامع الصششحيح‬
‫المختصر‪ ،‬م ‪ 4‬ص ‪ ،1591‬وانظر‪ :‬مسلم‪ ،‬مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري‪ ،‬صششحيح مسششلم‪5 ،‬م‪،‬‬

‫‪45‬‬
‫فالنصهههارى كفهههار ل يعهههترفون بسهههيدنا محمهههد ‪ ‬ول‬
‫بالقرآن الكريم‪ ،‬وهذا دفهع الرسهول ‪ ‬إلهى العتمهاد علهى‬
‫أمرين في هذه المناقشة‪ ،‬وهمهها؛ العقههل ومهها لههدى الخصههم‬
‫من المسلمات‪ ،‬وأما العقل فهو أمر يشترك به كههل العقلء‪،‬‬
‫ة الجميع‪ ،‬وأما الرتكههاز علههى مهها عنههد الخصههم مههن‬ ‫وهي لغ ُ‬
‫المسههلمات فهههو مههن السههاليب الصههحيحة فههي المنههاظرة‪،‬‬
‫ة علههى مسههّلماتهم‪،‬‬ ‫وبههذلك بنههى الرسههول ‪ ‬لههواز َ‬
‫م باطلهه ً‬
‫ر‬
‫وألجأهم إلى التسليم بهذه اللههوازم‪ ،‬وإذا ترتههب علههى المه ِ‬
‫ن ببطلن المر‪.‬‬ ‫ة فإن هذا يؤذِ ُ‬ ‫م باطل ٌ‬ ‫لواز ُ‬
‫ض‬‫ل من رسول الله ‪ ،‬إذ فَ هَر َ‬ ‫وفي هذه المناظرة تنّز ٌ‬
‫ة ما يقولهون‪ ،‬مهن أن عيسهى عليهه السهلم ولهد ٌ للهه –‬ ‫ح َ‬‫ص ّ‬
‫تعالى الله عن ذلك‪ -‬ليصل إلى مطلوبه في النهاية‪.‬‬
‫وقههد اعتمههد الرسههول ‪ ‬علههى المقارنههة بيههن صههفات‬
‫رض وجههود‬ ‫الخالق وصفات المخلوق‪ ،‬وبي ّههن أن اللههه ‪-‬إذا فُ ه ِ‬
‫إله آخر‪ -‬ل بد أن يكون كامل من جميع الجهههات‪ ،‬فيجههب أن‬
‫م العلههم‬‫مههه كههامل ً محيطها ً بجميههع الشههياء لن عَهد َ َ‬ ‫يكون عل ُ‬
‫ص‪ ،‬والنقص محال على الله‪ ،‬وكذلك يجب أن يكون الله‬ ‫نق ٌ‬
‫غني ًّا؛ غيَر محتاج إلى شيء‪ ،‬كالطعام أوالشراب أو الولد‪.‬‬
‫ي في استخدام العقل في أمور العقيدة من‬ ‫وما مّر جل ّ‬
‫ِقبل الحبيب المصطفى ‪ ،‬ل سّيما مههع الخصههوم‪ ،‬ل س هّيما‬
‫إذا كانوا كفارا ً ل يعترفون بما لدينا‪ ،‬وهههذا مؤشههر كههبير فههي‬
‫ميزان النظرة العقلية في عهد تنّزل القرآن العظيم‪.‬‬
‫ت عههن الرسههول ‪ ‬أخبههاٌر تههوحي بمشههروعية‬ ‫كما وََرد َ ْ‬
‫ن القيههاس‪،‬‬ ‫مو َ‬ ‫الجتهاد العقلي‪ ،‬وأخبار يشههبه مضههموُنها مضه ُ‬
‫منها‪:‬‬
‫أول‪ :‬قصة سيدنا معاذ بن جبل رضي اللههه عنههه‪ ،‬حينمهها‬
‫أراد رسول الله ‪ ‬أن يبعثههه إلههى اليمههن فقههال لههه‪" :‬كيههف‬
‫تقضي إذا عرض لك قضاء؟ قال‪ :‬أقضي بكتاب اللههه‪ .‬قههال‪:‬‬
‫فإن لم تجد في كتاب اللههه؟ قههال‪ :‬فبسههنة رسههول اللههه ‪.‬‬
‫قال‪ :‬فإن لم تجد في سنة رسول الله ول فههي كتههاب اللههه؟‬
‫ل اللههه ‪ ‬صههدَرهُ‬ ‫قال‪ :‬أجتهههد رأيههي ول آلههو‪ ،‬فضههرب رسههو ُ‬

‫)تحقيق ‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي(‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬م ‪ 4‬ص ‪.1882‬‬

‫‪46‬‬
‫ل اللههه لمهها يرضههي‬‫ل رسو ِ‬‫وقال‪ :‬الحمد لله الذي وّفق رسو َ‬
‫)‪(1‬‬
‫رسو َ‬
‫ل الله"‪.‬‬
‫فهههذا إقههرار مههن الرسههول ‪ ‬للصههحابة علههى الجتهههاد‬
‫وتشجيع عليه‪ ،‬الذي هو إعمال للعقههل‪ ،‬فههالرأي مههن إنسههان‬
‫ل عند رسول الله‬ ‫عارف بالشريعة وباللغة وأحكامهما‪ ،‬مقبو ٌ‬
‫‪.‬‬
‫)‪(2‬‬
‫ثانيًا‪ :‬ما ورد عن الرسههول ‪ ‬أن امههرأة مههن جهينههة‬
‫جاءته فقالت‪ :‬إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حههتى مههاتت‪،‬‬
‫أفأحج عنها ؟ قال "نعم حجي عنها‪ .‬أرأيت لو كان على أمك‬
‫)‪(3‬‬
‫دين أكنت قاضية ؟ اقضوا الله‪ ،‬فالله أحق بالوفاء"‪.‬‬
‫ة‬
‫وهكذا فقد كانت الّنظرةُ العقلية في هذه الفترة قريب ً‬
‫ة به‪ ،‬بالضافة إلههى وجههود مههن يحسههم أي‬ ‫من النص متمسك ً‬
‫كل يسر ولين‪ ،‬وهو رسول الله‬ ‫خلف يحدث بين هذا وذاك ب ُ‬
‫‪ ،‬وبوحي السماء‪ ،‬فهي بحقّ "مرحلة الصفاء في المصدر‬
‫والمنهج")‪ (4‬كما عبر الدكتور راجههح كههردي‪ ،‬وقههد علههل هههذه‬
‫التسههمية ووضههحها بقههوله‪" :‬وقههد كهان العمههل العقلههي فيههها‬
‫منصب ّا ً على فهم الدين الجديد‪ ،‬والنظر والتفكر والتدبر‪ ،‬فههي‬
‫اليات التي تنزل تترى‪ ،‬تنقذ البشرية من الهههذيان الفكههري‪،‬‬
‫وكانت الروح العربية الصيلة التي تمتاز بالبساطة والصههفاء‬
‫تسههاعد علههى فهههم الههدليل القرآنههي‪ ،‬القههائم علههى مخاطبههة‬
‫النسان بكلّيته؛ عقله وقلبههه ووجههدانه‪ ،‬بشههكل بسههيط بعيههد‬
‫عن دائرة السفسطة والتعقيد واللتههواء‪ ،‬فالعقههل فههي هههذه‬
‫المرحلة نشيط يقظ فمتفكر فمتدبر‪ ،‬فمتجاوب مههع المنهههج‬
‫)‪(5‬‬
‫الرباني"‬
‫‪ ()1‬أبو داود‪ ،‬سليمان بههن الشههعث أبههو داود السجسههتاني الزدي‪ .‬سنن أبي داود‪4 ،‬م‪) ،‬تحقيههق‪ :‬محمههد‬
‫محيي الدين عبد الحميد(‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬م‪ 2‬ص ‪ ،327‬وقد وجههدت الحههديث فههي أكههثر مههن عشههرة كتههب مههن‬
‫المسانيد والسنن وغيرها‪ ،‬إل أن اللباني ضّعفه في‪ :‬الترمذي‪ ،‬محمد بن عيسى السلمي‪ .‬الجامع الصحيح‬
‫)سنن الترمذي(‪5 ،‬م‪) ،‬حققها‪ :‬أحمد محمد شاكر وآخرون‪ ،‬والحاديث مذيلة بأحكام اللبههاني عليههها(‪ ،‬دار‬
‫إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت م‪ 3‬ص‪.616‬‬
‫‪2‬‬
‫جَهينة اسم قبيلة عربية‪ ،‬انظر‪ :‬الرازي‪ ،‬مختار الصحاح‪ ،‬ص‪.119‬‬
‫)( ُ‬

‫‪ ()3‬البخاري‪ ،‬الجامع الصحيح المختصر‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.116‬‬


‫‪ ()4‬الكردي‪ ،‬راجح عبد الحميد كردي‪ ،‬علقة صفات اللششه تعششالى بششذاته‪ ،‬ط ‪ ،1‬منشههورات دار العههدوي‬
‫للتوزيع والنشر عمان‪-‬الردن‪ .1980 ،‬ص ‪.38‬‬
‫‪ ()5‬الكردي‪ ،‬علقة صفات الله تعالى بذاته‪ ،‬ص ‪.38‬‬

‫‪47‬‬
‫وكذلك فإن من سمات هذه المرحلة عدم الخوض في‬
‫المتشههابهات‪ ،‬وعههدم التفلسههف ومحاولههة إيجههاد التفسههير‬
‫ل على ذلك مههن قصههة الرسههول ‪‬‬ ‫لمسلمات الدين‪ ،‬ول أد ّ‬
‫مع الصحابة الذين كانوا يتجادلون فههي القههدر‪" ،‬حينمهها خهرج‬
‫رسول الله ‪ ‬من باب الههبيت‪ ،‬وهههو يريههد الحجههرة‪ ،‬فسههمع‬
‫ناسا ً يختصمون في القدر‪ ،‬يقول أحدهم‪ :‬ألم يقههل اللهه فههي‬
‫آية كذا وكذا؟ ويقول الخر‪ :‬ألم يقل الله في آية كذا وكههذا؟‬
‫فخرج رسول اللههه ‪ ‬مههن بههاب الحجههرة‪ ،‬كأنمهها فقههئ فههي‬
‫حههب الرمههان‪ ،‬فقههال‪" :‬أبهههذا ُأمرتههم ؟ أو بهههذا‬
‫وجهههه مثههل َ‬
‫بعثتم ؟ إنما هلك من كان قبلكم بأشباه هههذا‪ ،‬ضههربوا كتههاب‬
‫ضه ببعض‪ ،‬أمركههم اللههه بههأمر فههاقبلوه‪ ،‬ونهههاكم عههن‬ ‫الله بع َ‬
‫شيء فانتهوا عنه‪ .‬فما سمع الناس أحدا بعد ذلك تكلم فههي‬
‫)‪(1‬‬
‫القدر"‪.‬‬
‫كان هذا هو منهج الرسول ‪ ‬في التعامل مع مثل‬
‫هذه المواقف يتسم بالبساطة‪ ،‬فقد كان منهجا ً عمليًا‪،‬‬
‫ويتجلى ذلك في قوله‪" :‬أمركم الله بأمر فاقبلوه‪ ،‬ونهاكم‬
‫عن شيء فانتهوا عنه" يأمر بترك الجدال والنقاش في‬
‫أمور العقيدة‪ ،‬ويحث على التسليم بأحكامها الواضحة‪ ،‬لنه‬
‫يعرف حق المعرفة أن الخلف والختلف سبب الهلك لمن‬
‫كان قبلهم ولمن يمشي على نهجهم من بعدهم‪ ،‬وهذا‬
‫يبرهن أيضا ً على أن إعمال العقل في تلك المرحلة كان‬
‫كزا ً على التلقي وفهم تعاليم الدين وتصوراته‪ ،‬ول ُيقال‪:‬‬ ‫مر ّ‬
‫إن الرسول ‪ ‬أمر بترك التفكر والتفكير‪ ،‬بل حض على‬
‫ذلك في مجال الفهم والتلقي عن السماء‪ ،‬والتدبر في آيات‬
‫الله تعالى في هذا الكون الفسيح‪.‬‬
‫وهكذا كان منهج الصحابة رضوان اللههه تعههالى عليهههم‪،‬‬
‫فهذا عمر بن الخطاب ‪ ‬سههمع أن رجل ً يقههال لههه "صههبيغ"‬
‫قدم المدينة فجعل يسأل عن متشابه القرآن‪ ،‬فأرسههل إليههه‬
‫عمر وقد أعد ّ له عراجين النخل‪ ،‬فقال‪ :‬من أنههت؟ قههال‪ :‬أنهها‬
‫‪ ()1‬الطبراني‪ ،‬أبو القاسم سليمان بن أحمد الطههبراني )ت ‪ 360‬هههه(‪ ،‬المعجم الوسششط‪10 ،‬م‪) ،‬تحقيههق‬
‫طارق بن عوض الله بن محمد و عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني(‪ ،‬دار الحرمين‪ ،‬القاهرة‪1415 ،‬هه‪ ،‬م ‪7‬‬
‫ص ‪ ،124‬قال عنه الشيخ شعيب الرناؤوط‪ :‬صحيح‪ ،‬وهذا إسناد حسن‪ ،‬انظر‪ :‬الشيباني‪ ،‬أحمد بن حنبههل)ت‬
‫‪ 241‬هه(‪ ،‬مسند المام أحمد بن حنبل‪6 ،‬م‪) ،‬والحاديث مذيلههة بأحكههام شههعيب الرنههاؤوط(‪ ،‬مؤسسههة‬
‫قرطبة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬م ‪ 2‬ص ‪.178‬‬

‫‪48‬‬
‫عبد الله صبيغ‪ ،‬فأخذ عمر عرجونا من تلك العراجين فضربه‬
‫وقال‪ :‬أنا عبد الله عمر‪ ،‬فجعل له ضربا ً حههتى دمههي رأسههه‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين حسبك‪ ،‬قههد ذهههب الههذي كنههت أجههد‬
‫)‪(1‬‬
‫في رأسي‪.‬‬
‫وهكذا كان منهج صحابة رسول الله ‪ ‬منهج معلمهم‬
‫الكريم؛ عدم فتح المجال للختلف في أمور العتقاد‪،‬‬
‫صر النظر العقلي على تلقي أفكار الدين وفهمها دون‬ ‫وقَ ْ‬
‫جدال أو تعقيد‪.‬‬
‫وقد يقول قائل‪ :‬كيف تدعي أن النظر العقلي في‬
‫صدر السلم كان مقصورا ً على التلقي والفهم‪ ،‬وقد ثبتت‬
‫للنبي ‪ ‬مجادلت مع الكفار والنصارى؟‬
‫والجواب أن الرسول ‪ ‬كان يستعمل الجدل مع‬
‫الخصوم فقط‪ ،‬وبمقدار الحاجة‪ ،‬ولم يثبت عنه أنه جادل‬
‫أحد الصحابة‪ ،‬بل كانوا يسألونه عن بعض المور‪ ،‬فيجيب‬
‫عنها‪ ،‬وكان يأمرهم بالكف عما ل فائدة فيه‪ ،‬وينهى عن‬
‫المراء والجدال‪ ،‬وعن كثرة السؤال‪.‬‬
‫ومما يذكر عن الصحابة أيضا ما ذكره ابن قيم الجوزية‬
‫حين قال‪" :‬وفي كتاب عمههر ابههن الخطههاب إلههى شههريح‪ :‬إذا‬
‫وجدت شيئا في كتاب الله فاقض به‪ ،‬ول تلتفت إلههى غيههره‪،‬‬
‫وإن أتاك شيء ليس في كتاب الله فاقض بما سههن رسههول‬
‫الله ‪ ،‬فإن أتاك ما ليس في كتاب الله ولم يسههن رسههول‬
‫الله ‪ ‬فاقض بما أجمع عليه الناس‪ ،‬وإن أتاك ما ليس فههي‬
‫كتاب الله ول سنة رسول الله ‪ ‬ولم يتكلم فيه أحههد قبلههك‬
‫فههإن شههئت أن تجتهههد رأيههك فتقههدم‪ ،‬وإن شههئت أن تتههأخر‬
‫فتأخر‪ ،‬وما أرى التأخر إل خيههرا ً لههك‪ .‬ذكههره سههفيان الثههوري‬
‫)‪(2‬‬
‫عن الشيباني عن الشعبي عن شريح أن عمر كتب إليه"‬
‫وهذا يدل على أن الجتهاد العقلي في أمور الفقه كان‬
‫حاضرا ً في أذهان الصحابة رضوان الله عليهم‪ ،‬وإن كان فيه‬
‫‪ ()1‬انظر‪ :‬الدارمي‪ ،‬عبد الله بن عبد الرحمن أبو محمد الدارمي)ت ‪‍ 255‬‬
‫هه(‪ ،‬سنن الدارمي‪ ،‬ط ‪2 ،1‬م‪،‬‬
‫)تحقيق‪ :‬فواز أحمد زمرلي وخالد السبع العلمي‪ ،‬والحاديث مذيلة بأحكههام حسههين سههليم أسههد عليههها(‪ ،‬دار‬
‫الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ 1407 ،‬هه‪ ،‬م ‪ ،1‬ص ‪ .66‬قال حسههين سهليم أسههد‪ :‬رجههاله ثقههات‪ ،‬غيههر أنههه منقطههع‪،‬‬
‫سليمان بن يسار لم يدرك عمر بن الخطاب‪،‬‬
‫‪ ()2‬ابن القيم )ت ‪ 751‬هه(‪ ،‬محمد بههن أبههي بكههر الزرعههي‪ .‬إعلم الموقعين عششن رب العششالمين‪4 ،‬م‪،‬‬
‫)تحقيق‪ :‬طه عبد الرءوف سعد(‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪1973 ،‬م‪ ،‬م ‪ 1‬ص ‪.61‬‬

‫‪49‬‬
‫إشارة على شديد تحفظ سيدنا عمر بن الخطاب على ذلك‪،‬‬
‫ولكههن هههذا مههن سههمات ذلههك العصههر القريههب مههن المعيههن‬
‫الصافي الذي نهل منه الصحابة‪.‬‬
‫وهكذا كانت النظرة العقلية في عصر الرسههالة وصههدر‬
‫السلم‪ ،‬ولكن بقيت هكذا أم طرأت عليههها ظههروف حّتمههت‬
‫تفاعلت جديدة للنظههرة العقليههة عنههد المسههلمين أدت إلههى‬
‫ورها؟ وهذا ما سههيتبّين لنهها مههن نشههأة علههم الكلم الههتي‬
‫تط ّ‬
‫ستأتي الن‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬نشأة علم الكلم‬

‫قههال المههام الههرازي )ت ‪ 606‬هههه( عههن علههم الكلم‪:‬‬


‫"وأنت لو فتشههت علههم الكلم لههم تجههد فيههه إل تقريههر هههذه‬
‫الههدلئل والههذب عنههها ودفههع المطههاعن والشههبهات القادحههة‬
‫مْثبتة لصههول‬ ‫صد ُ بالههدلئل الههدلئل القرآنيههة الهه ُ‬
‫فيها")‪ ،(1‬وََيق ِ‬
‫العتقاد‪.‬‬
‫وقال اليجههي )ت ‪ 756‬هههه( وطههاش كههبرى زاده )ت‬
‫)‪(2‬‬

‫‪ 968‬هه(‪ " :‬هو علم يقتدر معه علههى إثبههات العقههائد الدينيههة‬
‫)‪(3‬‬
‫بإيراد الحجج ودفع الشبهة "‪.‬‬
‫وقههال ابههن خلههدون)ت ‪ 808‬هههه(‪" :‬وهههو علههم يتضههمن‬
‫الحجاج عن العقهائد اليمانيههة‪ ،‬بالدلهة العقليههة‪ ،‬والههرد علههى‬
‫المبتدعة المنحرفين فههي العتقههادات عههن مههذاهب السههلف‬
‫)‪(4‬‬
‫وأهل السنة"‪.‬‬
‫‪ ()1‬الرازي‪ ،‬مفاتيح الغيب )التفسير الكبير(‪ ،‬م‪ 1‬ص‪.325‬‬
‫‪ ()2‬طاش كبرى زاده )‪‍ 968‬‬
‫ه( أحمد بن مصطفى بههن خليههل أبههو الخيههر‪ ،‬عصههام الههدين طههاش كههبرى زاده‪،‬‬
‫مؤرخ‪ ،‬تركي الصل‪ ،‬مستعرب‪ ،‬ولد في بروسة‪ ،‬ونشأ في أنقرة‪ ،‬وتههأدب وتفقههه‪ ،‬وتنقههل فههي البلد التركيههة‬
‫مههد وكههف بصههره سهنة‬
‫مدرسا للفقه والحديث وعلوم العربية‪ ،‬وولي القضاء بالقسطنطينية سنة ‪ 958‬هه ‍فَر ِ‬
‫‪ 961‬له كتاب "الشقائق النعمانيههة فههي علمههاء الدولههة العثمانيههة – ط"‪ ،‬و"مفتههاح السههعادة – ط" و "نههوادر‬
‫الخبار في مناقب الخيار – خ" معجم تراجم‪ ،‬و "الشفاء ل دواء الوبههاء – ط" رسههالة‪ ،‬و "الرسههالة الجامعههة‬
‫كلي‪ ،‬العلم‪ ،‬م ‪ 1‬ص ‪.257‬‬ ‫لوصف العلوم النافعة – خ"‪ .‬الّزرِ ْ‬
‫‪ ()3‬الجرجاني‪ ،‬علي بن محمههد بههن علههي )ت ‪816‬هههه(‪ ،‬شرح المواقف‪ ،‬ط ‪ ،1‬ه ‪4‬م‪ ،‬دار الكتههب العلميههة‪،‬‬
‫بيروت‪-‬لبنان‪1998 ،‬م‪ ،‬م ‪ 1‬ص ‪ .40‬والتعريف لليجي الماتن‪ ،‬طههاش كههبرى زاده‪ ،‬أحمههد بههن مصههطفى بههن‬
‫خليل)ت ‪ 968‬هه(‪ ،‬مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم‪ ،‬ط ‪2 ،1‬م‪) ،‬تحقيق‪ :‬د‬
‫علي دحروج(‪ ،‬مكتبة لبنان ناشرون‪1998 ،‬م‪ ،‬م ‪ 1‬ص ‪.207‬‬
‫‪ ()4‬ابن خلدون‪ .‬المقدمة‪ ،‬ص‪.551‬‬

‫‪50‬‬
‫لههو تأملنهها جيههدا هههذه التعريفههات لوجههدنا فيههها اختلفهها‬
‫واضحا‪ ،‬فالول دفاع عن علم الكلم‪ ،‬والثاني بيههان لوظيفههة‬
‫علم الكلم ومهمته‪ ،‬والثالث بيههان لههوظيفته والقههائمين بههها‪،‬‬
‫وتجع هههذه التعههاريف علههى أن غايههة هههذا العلههم هههي إثبههات‬
‫العقائد الدينية ودحض شبه المخالفين‪ ،‬وهذه هي حقيقته‪.‬‬
‫ول داعي للتعرض لحكم الشتغال بهذا العلههم والخلف‬
‫الذي حدث في هذه المسألة‪ ،‬لننا في دراسة وصههفية لمههر‬
‫واقع بغض النظر عن حكمه‪ ،‬فلو حكمنا بالحرمة أو الحل أو‬
‫الوجوب فههإن هههذا لههن يزيههد أو ينقههص فههي وصههفنا للنظههرة‬
‫ورها‪.‬‬
‫العقلية ومراحل تط ّ‬
‫ويتصل علم الكلم بالنظر العقلههي اتصههال ً وثيقهًا‪ ،‬حههتى‬
‫أن ابن خلدون ‪-‬رحمه الله‪ -‬عّرفه بأنه "علم يتضمن الحجاج‬
‫عن العقائد اليمانية‪ ،‬بالدلة العقليههة‪ ،‬والههرد علههى المبتدعههة‬
‫المنحرفين في العتقادات عن مذاهب السلف وأهل السههنة‬
‫" فحصره فههي الدلههة العقليههة فقههط‪ ،‬فهههو إذا ً مرتكههز علههى‬
‫العقل ومتصل به اتصال ً وثيقًا‪ ،‬ومن نظر في أي كتههاب مههن‬
‫كتههب علههم الكلم سههيعرف إلههى أي مههدى يسههتعمل العقههل‬
‫والعقلّيات في أبواب هذا العلم‪.‬‬
‫ويقههول الشههيخ مصههطفى عبههد الههرازق‪" :‬إن العبههارات‬
‫المختلفة في تعريف علم الكلم متفقة علهى أن هههذا العلهم‬
‫يعتمد على البراهين العقلية فيما يتعلههق بالعقههائد اليمانيههة‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫أي البحث في العقائد السلمية اعتمادا ً على العقل"‬
‫ده نقطة القمة في سلسلة‬ ‫فعلم الكلم نستطيع أن نع ّ‬
‫تطههورات النظههرة العقليههة إلههى العقيههدة عنههد المههدارس‬
‫السلمية‪ ،‬لنه يعتمد اعتمادا ً كبيرا ً على العقل‪.‬‬
‫ويضاف إلى ذلك أن متأخري المتكلمين اعتمدوا علههى‬
‫المقدمات المنطقية لمراعاة ضههرورة التحههول العقلههي فههي‬
‫زمنهم )‪ ،(2‬ويبدو ذلك مههن خلل مقههدمات بعههض كتههب علههم‬
‫)‪(3‬‬
‫الكلم‪.‬‬
‫‪ ()1‬عبد الرازق‪ ،‬الشيخ مصطفى عبد الرازق‪ ،‬تمهيد لتاريخ الفلسفة السلمية‪ ،‬ط ‪ ،2‬مطبعههة لجنههة‬
‫التأليف والترجمة والنشر‪ ،‬القاهرة‪1959 ،‬م‪ ،‬ص ‪ .268‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫ورية أو التصههديقية مههن‬
‫)( علههم المنطههق‪ :‬هههو علههم ُيتع هّرف منههه علههى كيفيههة اكتسههاب المجهههولت التص ه ّ‬
‫‪2‬‬

‫معلوماتها‪.‬طاش كبرى زاده‪ ،‬مفتاح السعادة ومصباح السيادة‪ ،‬م ‪ 1‬ص ‪.937‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ :‬أمين‪ ،‬أحمد أمين‪ .‬ضحى السلم‪ ،‬م ‪ ،3‬ص ‪.10-8‬‬

‫‪51‬‬
‫علهههى أن هنهههاك مهههن البهههاحثين مهههن يشهههير إلهههى أن‬
‫المتكلمين قههد خلطههوا أفكههارهم ببعههض الفكههار الفلسههفية‪،‬‬
‫فتكون علم مزيج منهما‪ ،‬يقول أحمد أمين‪" :‬ومن قههال إنههه‪-‬‬
‫علم الكلم‪ -‬إسلمي بحت لم يتأثر أي تأثر بفلسفة اليونههان‬
‫وسائر الديان فقد أخطههأ‪ ،‬واسههتعراض بسههيط لموضههوعات‬
‫هذا العلم يكفي للههرد عليههه‪ ،‬ومههن قههال إنههه وليههد الفلسههفة‬
‫اليونانية وحدها فقد أخطأ كهذلك‪ ،‬لن السهلم هههو أساسهه‪،‬‬
‫وهههو محههوره الههذي يههدور عليههه‪ ،‬وكههان استشهههادهم بآيههات‬
‫القرآن تعويلهم عليها فوق استشهادهم بالفلسههفة اليونانيههة‬
‫والتعويهههل عليهههها‪ ،‬فهههالحق أنهههه مزيهههج منهمههها‪ ،‬وشخصهههية‬
‫)‪(1‬‬
‫المسلمين فيه أقوى من شخصيتهم في دراسة الفلسفة"‬
‫دث‬ ‫وسنتعرض لتفاصيل أكثر عن علم الكلم عنههد التحه ّ‬
‫عن المدارس التي زاولت علم الكلم‪ ،‬لن نشأة بعض هههذه‬
‫المدارس كان لها أثر في علههم الكلم‪ ،‬ولننهها ل نسههتطيع أن‬
‫نقسم علم الكلم والمرحلة المدرسية قسمة تاريخية‪ ،‬فعلم‬
‫ون‬‫الكلم هههو فعل ً علههم مسههتقل بههذاته‪ ،‬ولكن ّههه كنشههأةٍ وتكه ّ‬
‫يتداخل مع معظم الفرق الههتي سندرسههها‪ ،‬فهههذه المههدارس‬
‫أثرت فيه وأفادت منه بنفس الوقت‪.‬‬

‫‪()1‬أمين‪ ،‬أحمد أمين‪ .‬ضحى السلم‪،‬م ‪ ،3‬ص ‪.9‬‬

‫‪52‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫الدليل العقلي في العقائد ومواقف المدارس‬
‫السلمية منه‬

‫المبحث الول‪ :‬دور الستدلل بالعقل على العقائد عند‬


‫المعتزلة‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬دور الستدلل بالعقل على العقائد عند‬
‫الحنابلة‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬دور الستدلل بالعقل على العقائد عند‬
‫الشاعرة‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬دور الستدلل بالعقل على العقائد عند‬
‫الماتريدية‪.‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬مناقشة مواقف المدارس من دور‬
‫الستدلل بالعقل على العقائد‪.‬‬

‫الفصششل الثششاني‪ :‬الششدليل العقلششي فششي العقششائد‬


‫ومواقف المدارس السلمية منه‬

‫في هذه المرحلة التي انتقل فيههها العمههل العقلههي مههن‬


‫التسليم لما جاء في كتاب الله تعالى وسنة رسوله ‪ ،‬فيما‬
‫يتعلق بههأمور العقيههدة إلههى محههاولت الشههرح والستقصههاء‪،‬‬
‫وبدأت العقول تتضارب فههي فهمههها للنصههوص الههواردة فههي‬
‫مجال الذات والصفات‪ ،‬وانقسم المسلمون على ضوء نتائج‬
‫العقل إلى فرق‪ ،‬كل فرقههة تسههتند إلههى النههص فيمهها تههذهب‬
‫إليه‪ ،‬بل كانت كل فرقة حريصة جدا ً علههى جههذب النصههوص‬
‫لصالحها‪ ،‬لن اللتجاء إلى النصوص يجعل للفرقة مكانا ً بيههن‬
‫)‪(1‬‬
‫صفوف المسلمين‪.‬‬
‫وكههانت النتيجههة افههتراق المسههلمين إلههى فههرق عديههدة‬
‫متباينة في طريقة أخذها للعقيدة‪ ،‬ومدى إعمال العقل فههي‬
‫مباحثها‪.‬‬

‫‪ ()1‬الكردي‪ ،‬علقة صفات الله تعالى بذاته‪ ،‬ص ‪ ،52‬بتصرف يسير‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫ونسههتطيع أن نعتههبر أن دور السههتدلل بالعقههل علههى‬
‫العقههائد عنهد المهدارس مظههٌر مهن مظهاهر تطهور النظههرة‬
‫العقلية في المرحلههة المدرسههية الههتي ظهههرت فيههها الفههرق‬
‫بمسمياتها بحسب تنوع إعمال العقل لديها‪ ،‬إل أننا نسههتطيع‬
‫أن نفصل بين دور الستدلل بالعقل على العقائد وبين علههم‬
‫الكلم في أغلب الموضوعات‪ ،‬إذ أن دور الستدلل بالعقههل‬
‫على العقائد هو الخطوط العريضة التي اعتمد عليها علمههاء‬
‫المة في الرد على الشبهات الواردة على أصههول العتقههاد‪،‬‬
‫أما عند المتأخرين من العلماء الذين اشتهروا باسههم علمههاء‬
‫الكلم‪ ،‬فقد كان للمقدمات المنطقية دور في صياغة أدلتهم‬
‫سواء كانت ردا على الشبهات أو إثباتا للعقائد‪.‬‬
‫وسيتناول هذا الفصل ملمههح السههتدلل بالعقههل علههى‬
‫العقائد عند كل مدرسة من المدارس على حههدة‪ ،‬بالعتمههاد‬
‫علههى كتبهههم المعتههبرة ومصههادرهم المتههوفرة‪ ،‬مههن خلل‬
‫مدارس السلمية الكبرى؛ المعتزلههة والحنابلههة أو السههلفية‪،‬‬
‫والشاعرة والماتريدية‪ ،‬وسيعرض الباحث دور كههل مدرسههة‬
‫لوحدها‪ ،‬ثم يجعل المناقشة فيها بعد الستعراض‪.‬‬

‫المبحشششث الول‪ :‬دور السشششتدلل بالعقشششل علشششى‬


‫العقائد عند المعتزلة‪.‬‬

‫ُتعد هذه المدرسة من أكثر المههدارس السههلمية أخههذا ً‬


‫بالعقل‪ ،‬وينظر إليها كثير من الغربيين والشرقيين إليها على‬
‫أنها المدرسة العقلية في السلم‪ ،‬وهذا يجعل الحديث عنههها‬
‫في موضوع العقيدة في غاية الهمية‪ .‬يضههاف إلههى ذلههك أن‬
‫هذه المدرسة أثرت في غيرها من المدارس السلمية على‬
‫مدى التاريخ‪ ،‬وإلى يومنا هههذا‪ ،‬فالشههيعة مثل ً يأخههذون بكههثير‬
‫من أفكار المعتزلة في باب اللهيات‪ ،‬ويعتقدون بها‪ ،‬وكذلك‬
‫الباضية والزيدية‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫وقد تأثر المعتزلة وأخذوا بمن قبلهم‪ ،‬وهذا واضح عنههد‬
‫المقارنة بين عقائدهم وعقائد من سههبقهم‪ ،‬وقههد أشههار إلههى‬
‫)‪(1‬‬
‫ذلك غير واحد من المؤرخين‪.‬‬
‫ويقههول الشهرسههتاني عههن الواصههلية الههذين هههم أتبههاع‬
‫واصل بن عطاء‪" :‬وإنما سلكوا في ذلك ‪ -‬أي القدر‪ -‬مسلك‬
‫معبد الجهنههي )‪ (2‬وغيلن الدمشههقي )‪ (4) ،"(3‬ونحههن نعلههم أن‬
‫القدرية المتمثلة بغيلن الدمشقي ومعبهد الجهنههي‪ ،‬ههم أول‬
‫من قالوا بالقدر‪ ،‬وهم أسبق من واصل بن عطاء إلههى هههذه‬
‫الفكرة‪ ،‬وقد توفي معبد عام ‪ 80‬هه‪ ،‬وتوفي غيلن بعد عههام‬
‫‪ 105‬هه كما يذكر الزركلي في ترجمته‪ ،‬بينمها تههوفي واصههل‬
‫بن عطاء عام ‪ 131‬هه‪.‬‬
‫ويذكر ابن كثير عن الجهم بن صفوان والجعد بن درهم‬
‫أنهما كانا يقولن بخلق القرآن ونفههي الصههفات الزليههة عههن‬
‫الله تعالى‪ (5).‬ومن المعروف أن المعتزلة قالوا بهههذا القههول‬
‫ذه عندهم غيههر مأخههذ جهههم بههن صههفوان‪،‬‬ ‫بعدهم‪ ،‬ولكن مأخ َ‬
‫فقد نفى جهم الصفات الزلية "لنه –كما يههرى‪ -‬ل يجههوز أن‬
‫يوصههف البههاري تعههالى بصههفة يوصههف بههها خلقههه؛ لن ذلههك‬
‫يقتضي تشبيهًا"‪ (6)،‬أما المعتزلههة فقههد نفوههها مههن بههاب آخههر‬
‫سيأتي بيانه إن شههاء اللههه تعههالى‪ ،‬عنههد الكلم علههى تفسههير‬
‫المعتزلة للتوحيد على أساس عقلي‪.‬‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬الشهرستاني‪ ،‬الملل والنحل‪ ،‬م ‪ ،1‬ص ‪ 30‬و ‪ 31‬و ‪ 46‬و ‪ ،.50‬البغدادي‪ ،‬الفرق بين الفششرق‪،‬‬
‫ص ‪.98‬‬
‫‪ ()2‬معبد الجهني )ت ‪ 80‬هه( معبد بن عبد الله بن عليم الجهني البصري‪ ،‬أول من قال بالقههدر فههي البصههرة‪،‬‬
‫ج صبرا ً بعد أن عذبه‪ ،‬وقيل‪ :‬صلبه عبد الملك ابن مروان بدمشق‪،‬‬
‫وعنه أخذ غيلن‪ ،‬من التابعين‪ ،‬قتله الحجا ُ‬
‫كلي‪ ،‬العلم‪ ،‬م ‪ 7‬ص ‪.264‬‬ ‫على القول في القدر‪ ،‬ثم قتله‪.‬الّزرِ ْ‬

‫‪()3‬غيلن القدري )بعد ‪ 105‬هه( غيلن بن مسلم الدمشقي‪ ،‬أبو مروان‪ :‬كاتب‪ ،‬من البلغاء‪ :‬تنسب إليه فرقة‬
‫" الغيلنية " من القدرية‪ ،‬وهو ثاني من تكلم في القدر ودعا إليه‪ ،‬لم يسبقه سوى معبد الجهني‪ ،‬قتله هشام‬
‫بن عبد الملك‪ ،‬بفتوى من الوزاعي‪ .‬الّزرِ ْ‬
‫كلي‪ ،‬العلم‪ ،‬م‪ 5‬ص‪ .124‬باختصار‬
‫‪ ()4‬الشهرستاني‪ ،‬الملل والنحل‪ ،‬م ‪ ،1‬ص ‪.47‬‬
‫‪ ()5‬انظر‪ :‬ابن كثير‪ ،‬إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي أبو الفداء)ت ‪ 774‬هه(‪ ،‬البدايششة والنهايششة‪14 ،‬م‪،‬‬
‫مكتبة المعارف – بيروت‪ ،‬م ‪ 9‬ص ‪.350‬‬
‫‪ ()6‬الشهرسههتاني‪ ،‬الملششل والنحششل‪ ،‬م ‪ 1‬ص ‪ ،86‬وانظههر‪ :‬فرغههل‪ ،‬يحيههى هاشههم فرغههل‪ ،‬نشششأة الراء‬
‫والمذاهب والفرق الكلمية‪ ،‬بدون ط‪ ،‬من مطبوعات مجمع البحوث السلمية‪1972 ،‬م‪ ،‬ص ‪.199‬‬

‫‪55‬‬
‫وقد تأثر المعتزلة بالفلسههفة)‪ (1‬أيضها ً رغههم أنهههم كههانوا‬
‫يجههادلونهم‪ ،‬يقههول الشهرسههتاني عههن واصههل بههن عطههاء‬
‫وأصههحابه فههي نفيهههم لصههفات المعههاني الزليههة كالقههدرة‬
‫والرادة‪" :‬وإنمهها شههرعت أصههحابه فيههها بعههد مطالعههة كتههب‬
‫الفلسفة‪ ،‬وانتهى نظرهم فيها إلههى رد جميههع الصههفات إلههى‬
‫كونه عالمًا‪ ،‬قههادرًا؛ ثههم الحكههم بأنهمهها صههفتان ذاتيتههان همهها‬
‫اعتباران للذات القديمة؛ كما قههال الجبههائي‪ ،‬أو حههالن؛ كمهها‬
‫قال أبو هاشم‪ ،‬ومال أبههو الحسههين البصههري )‪ (2‬إلههى ردهمهها‬
‫إلههى صههفة واحههدة؛ وهههي العاِلميههة‪ ،‬وذلههك عيههن مههذهب‬
‫ظام )‪ :(4‬إنه" قد طالع كثيرا ً من‬ ‫الفلسفة")‪ ،(3‬ويقول عن الن ّ‬
‫كتب الفلسههفة‪ ،‬وخلهط كلمهههم بكلم المعتزلههة" )‪ (5‬ويقههول‬
‫أيضًا‪ ":‬ثم طالع بعههد ذلههك شههيوخ المعتزلههة كتههب الفلسههفة‬
‫حين نشرت أيام المههأمون")‪ (6‬ويقههول عههن الجههاحظ‪ " :‬وقههد‬
‫طههالع كههثيرا ً مههن كتههب الفلسههفة‪ ،‬وخلههط وروج كههثيرا ً مههن‬
‫مقالتهم بعباراته البليغة‪ ،‬وحسن براعته اللطيفة‪ ،‬وكان فههي‬
‫)‪(7‬‬
‫أيام المعتصم والمتوكل"‬
‫)‪(8‬‬
‫وكذلك قال المام الشعري عن أبههي الهههذيل العلف‬
‫في شرحه لنفي صفات المعاني‪" :‬وهههذا أخههذه أبههو الهههذيل‬
‫عن أرسطاطاليس‪ ،‬وذلك أن أرسطاطاليس قال في بعههض‬

‫‪ ()1‬جار الله‪ ،‬المعتزلة‪ ،‬ص ‪.46‬‬


‫‪()2‬محمد بن علي الطيب )ت ‪‍ 436‬‬
‫ه(‪ ،‬أبو الحسين‪ ،‬البصري‪ ،‬أحد أئمة المعتزلة‪ ،‬ولهد فهي البصهرة وسهكن‬
‫بغداد وتوفي بها‪ ،‬قال الخطيب البغههدادي‪" :‬لهه تصهانيف وشههرة بالهذكاء والديانهة علههى بههدعته"‪ ،‬مهن كتبهه‬
‫"المعتمد في أصول الفقه ط" جزآن‪ ،‬و "تصفح الدلة" و "غرر الدلة" و "شرح الصهول الخمسهة"‪ ،‬وكتهاب‬
‫في "المامة"‪ .‬الّزرِ ْ‬
‫كلي‪ ،‬العلم‪ ،‬م‪ 6‬ص‪.275‬‬
‫‪ ()3‬الشهرستاني‪ ،‬الملل والنحل‪ ،‬م ‪.54 ،1‬‬
‫‪ ()4‬النظام )ت ‪ 231‬هه( إبراهيم بن سيار بن هانئ البصري‪ ،‬أبو إسحاق‪ ،‬من أئمة المعتزلة‪ ،‬قههال الجههاحظ ‪:‬‬
‫"الوائل يقولون في كل ألف سنة رجل ل نظير له فان صح ذلك فأبو إسحاق من أولئك "‪ ،‬تبحر فههي علههوم‬
‫الفلسفة واطلع على أكثر ما كتبه رجالها من طبيعيين وإلهيين‪ ،‬وانفرد بههآراء خاصههة تههابعته فيههها فرقههة مههن‬
‫المعتزلة سميت "النظامية" نسبة إليه‪ .‬الّزرِ ْ‬
‫كلي‪ ،‬العلم‪ ،‬م ‪ 1‬ص ‪.43‬‬
‫‪ ()5‬الشهرستاني‪ ،‬الملل والنحل‪ ،‬م ‪.54 ،1‬‬
‫‪ ()6‬المصدر السابق‪ ،‬م ‪ ،1‬ص ‪.30‬‬
‫‪ ()7‬المصدر السابق‪ ،‬م ‪ ،1‬ص ‪.75‬‬
‫‪()8‬أبو الهذيل العلف )ت ‪‍ 235‬‬
‫ه( محمد بن محمد بن الهذيل بن عبد اللههه بههن مكحههول العبههدى‪ ،‬مههن أئمههة‬
‫المعتزلة‪ ،‬ولد في البصرة واشتهر بعلم الكلم‪ ،‬له كتب كثيرة منها كتاب سماه )ميلس( على اسم مجوسي‬
‫أسلم على يده‪ .‬الّزرِ ْ‬
‫كلي‪ ،‬العلم‪ ،‬م ‪ 7‬ص ‪.131‬‬

‫‪56‬‬
‫كتبه‪ :‬إن البارئ علم كله‪ ،‬قدرة كله‪ ،‬حياة كلههه‪ ،‬سههمع كلههه‪،‬‬
‫سههن اللفههظ عنههد نفسههه وقههال علمههه هههو هههو‬ ‫بصر كله‪ ،‬فح ُ‬
‫)‪(1‬‬
‫وقدرته هى هو"‪.‬‬
‫ويبدو َأن أخذ المعتزلة من الفلسفة أمر ل خلف فيه‪،‬‬
‫ولم أجد من يقول بنفي هذا عنهم فيما وقع تحت يدي‪.‬‬
‫وهنالك من يبرر هذا الطلع ويشجع عليه‪ ،‬وهنههاك مههن‬
‫يحارب وينكر على هذا التأثر بوصفه مصدرا غير نقي أو غير‬
‫موثوق‪.‬‬
‫وإفادة المعتزلة مههن الفلسههفة فيههها مؤشههر كههبير فههي‬
‫تقييم النظرة العقلية لديهم‪ ،‬وهذا التههأثر الواضههح بالفلسههفة‬
‫جعلهههم أكههثر الفههرق السههلمية اسههتعمال ً للعقههل وأخههذا ً‬
‫بأحكامه‪.‬‬
‫ويتضههح دور السههتدلل بالعقههل علههى العقههائد عنههد‬
‫المعتزلة من خلل آرائهم المنثورة في كتبهم‪ ،‬وقههد حههاولت‬
‫البحث عما يجّلي موقفهم من هذا الموضوع‪ ،‬فوجدت بعض‬
‫المبادئ التي ُيمكن أن نبني عليها تصورا ً كامل ً ع ّ‬
‫مهها لههديهم‪،‬‬
‫وهي‪:‬‬

‫أول‪ :‬العقل أصل للشرع‬

‫يقسم المعتزلة الدللت في علم العقههائد بشههكل عههام‬


‫إلى أربع دللت هي‪ :‬حجة العقل وهي الولى وهههي الصههل‬
‫)‪(2‬‬
‫لما بعدها‪ ،‬ثم الكتاب والسنة والجماع‪.‬‬
‫ويقولون إن معرفة الله تعالى ل تنال إل بحجة العقههل‪.‬‬
‫)‪ (3‬والمعنى أن النسان إنما يعرف وجود الله تعالى بعقله ل‬
‫بشرع قبل الشرع الذي جاءه لن الشرع الثاني يطلب فيههه‬
‫‪ ()1‬الشعري )ت ‪ 324‬هه(‪ ،‬علي بههن إسههماعيل الشههعري أبههو الحسههن‪ .‬مقالت السشلميين واختلف‬
‫المصلين‪ ،‬ط ‪) ،3‬تحقيق هلموت ريهتر(‪ ،‬دار إحيهاء الهتراث العربهي‪ ،‬بيهروت‪ .‬ص ‪ ،485‬وانظهر‪ :‬الهمهذاني‪،‬‬
‫القاضي عبد الجبار‪ ،‬المنية والمل‪ ،‬جمعه‪ :‬أحمههد بههن يحيههى المرتضههى‪) ،‬تحقيههق‪ :‬الههدكتور عصههام الههدين‬
‫العلي(‪ ،‬ط غير موجودة‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬ص ‪ .155‬ويظههن البعههض أن هههذا الكتههاب لبههن المرتضههى‪،‬‬
‫ن الدكتور عصام الههدين العلههي‪ ،‬يرجههح ويؤكههد أن الكتههاب مههن تههأليف القاضههي عبههد الجبههار وجمههع ابههن‬
‫ولك ّ‬
‫المرتضى‪.‬‬
‫‪ ()2‬انظر‪ :‬القاضي عبد الجبار الهمذاني‪ ،‬شرح الصول الخمسة‪ ،‬ص ‪.88‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ :‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.88‬‬

‫‪57‬‬
‫ما يطلب من الشرع الول وهكذا إلى غير نهايههة‪ ،‬فل بههد إذا‬
‫من حجههة العقههل لمعرفههة وجههود اللههه تعههالى أو ً‬
‫ل‪ ،‬ثههم ل بههد‬
‫لمعرفة صدق النبي من العقل‪ ،‬وذلك بدللة المعجههزة علههى‬
‫صدق النبي‪ ،‬وهههي دللههة عقليههة أو عاديههة أو جاريههة مجههرى‬
‫التصديق والقبول‪ ،‬أو مشههعرة بقهرائن الحهوال‪ ،‬وهههي كلههها‬
‫دللت تنتهي إلى دللت عقلية بالمفهوم العام‪ (1) ،‬ومن هذا‬
‫الباب يعتبر المعتزلة العقل أصل ً للشرع‪ ،‬ول يجوز أن يتوهم‬
‫أحد أن العقل مشرع أو أن العقل هو الههذي اخههترع الشههرع‬
‫من ذاته‪ ،‬فهذا كلم بعيد عما يعنيه المعتزلة أو يعتقدونه‪.‬‬
‫وفي إثبات هذا المبدأ يقول القاضههي عبههد الجبههار‪" :‬إن‬
‫معرفة الله تعالى ل تنال إل بحجة العقل‪ ،‬لن ما عداها فرع‬
‫على معرفة الله تعالى بتوحيده وعدله‪ ،‬فلو استدللنا بشههيء‬
‫منها على الله كنا مستدلين بفرع الشيء على أصله‪ ،‬وذلههك‬
‫)‪(2‬‬
‫ل يجوز"‬
‫والمعنههى أن النسههان حينمهها يههدرك وجههود اللههه تعههالى‬
‫ويدرك أن هههذا الههرب عههادل ل يجههوز عليههه ول يحسههن منههه‬
‫الكذب‪ ،‬يصدق بالشرع الذي جاء مههن هههذا الخههالق سههبحانه‬
‫وتعالى‪.‬‬

‫وستتضح المسألة بشكل أكبر عند الكلم عههن الحسههن‬


‫والقبح عند المعتزلة‪ ،‬وعند الكلم عههن وجههوب معرفههة اللههه‬
‫تعالى بالعقل عنههد الماتريديههة‪ ،‬لن هههاتين المسههألتين علههى‬
‫صلة وثيقة بكلم الدكتور راجح‪.‬‬
‫ويقول الكاتب هانم إبراهيم يونس‪" :‬يرى المعتزلههة أن‬
‫العقههل أصههل الشههرع‪ ،‬إذ أن صههحة الشههرع متوقفههة علههى‬
‫العقههل‪ ،‬فل يمكههن أن نسههتدل علههى أصههل التوحيههد والعههدل‬
‫بدللة السههمع بههل نسههتدل عليههها بالعقههل‪ ،‬لن معرفههة اللههه‬
‫تعههالى ل تنههال إل بحجههة العقههل‪ ،‬ولن مهها عههداها فههرع عههن‬
‫معرفة الله تعالى بتوحيده وعدله‪ ،‬فالقرآن الكريم ل يمكههن‬
‫الستدلل به على ما يدل عليه من معان إل بعد معرفههة أن‬

‫‪ ()1‬استفدت هذا من مشرفي على الرسالة‪ ،‬الدكتور راجح كردي‪ ،‬أثناء مراجعاتي له‪.‬‬
‫‪ ()2‬القاضي عبد الجبار الهمذاني‪ ،‬ص ‪ ،88‬وانظر‪ :‬هانم‪ ،‬هانم ابراهيم يونس‪ .‬أصل العدل عند المعتزلة‪،‬‬
‫ط ‪ ،1‬دار الفكر العربي‪1993 ،‬م‪ ،‬ص ‪.48‬‬

‫‪58‬‬
‫قههائله صههادق فههي إخبههاره وأنههه ل يكههذب‪ ،‬ول يجههوز عليههه‬
‫الكذب‪ ،‬وذلك متوقف على كونه عدل ً حكيما ل يفعل القبيح‪،‬‬
‫ح القبيههح‬ ‫ً‬
‫وذلك بدوره متوقف على معرفههة كههونه عالمها ب ُِقبه ِ‬
‫مستغن عنه‪ ،‬وهههذه الصههول العتقاديههة ل يجههوز السههتدلل‬
‫عليها بالسمع‪ ،‬لن إثباته متوقف علههى ثبههوت تلههك الصههول‪،‬‬
‫وفي هذا نكون مستدلين بفرع الشيء على أصله‪ ،‬وذلههك ل‬
‫يجوز لن فيه دورا واضحًا‪ ،‬وينتهي القاضي عبد الجبههار إلههى‬
‫ه‬
‫أن طريق معرفة الله وإثبات أصل العدل والتوحيههد طريُقهه ُ‬
‫)‪(1‬‬
‫العقل‪ ،‬ل السمع‪ ،‬والعقل متقدم على السمع في ذلك"‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬نفي الشفاعة للعصاة عن طريق العقل‬


‫جَتههها عنههد المعتزلههة؛‬ ‫ومن العقائد الههتي كههان العق ه ُ‬
‫لح ّ‬
‫نفيهههم الشههفاعة لهههل الكبههائر مههن أمههة سههيدنا محمههد ‪،‬‬
‫)‪(2‬‬
‫ولهل الصغائر كذلك‪.‬‬
‫وخالف أبو الهذيل العلف )‪ (3‬في الصههغائر‪ ،‬وقههال‪" :‬إن‬
‫الشفاعة تثبت لصحاب الصغائر‪ ،‬وقد اعترض القاضي على‬
‫كلم العلف‪ ،‬وقال‪ :‬ذلك ل يصح‪ ،‬لن الصههغائر تقههع مكفههرة‬
‫في جنب الطاعات"‪ (4) .‬فالصغائر غير داخلههة فههي الشههفاعة‬
‫للمههؤمنين‪ ،‬لنههها قههد ك ُّفههرت بالطاعههات‪ ،‬أي بإنقههاص أجههر‬
‫المؤمن من الطاعات‪.‬‬
‫وقههد اسههتأنس المعتزلههة بنصههوص عامههة فههي نفههي‬
‫الشفاعة‪ ،‬إلى جانب الدليل العقلي‪ ،‬مثل قوله تعالى‪ :‬ﭽﯰﯧﯧ ﯱﯧﯧ‬
‫ﯻ ﯻ ﯻ ﯻ ﯻ ﯻ ﯻ ﯻ ﯻ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯻ ﯻ ﯻ ﭼ)‪ (5‬وقوله تعالى‪:‬‬
‫ﭽﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭼ)‪ (6‬وقوله‬
‫تعالى‪ :‬ﭽ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﭼ)‪ (7‬وغير هذه من النصوص العامة‪.‬‬
‫ولكن لن يقف الباحث كثيرا ً هنهها بمهها أن الموضههوع هههو دور‬
‫‪ ()1‬هانم‪ ،‬أصل العدل عند المعتزلة‪ ،‬ص ‪.48‬‬
‫‪ ()2‬انظر‪ :‬القاضي عبد الجبار‪ ،‬شرح الصول الخمسة‪ ،‬ص ‪ ،691‬وانظر‪ :‬زهدي جار الله‪ ،‬المعتزلة‪ ،‬ص‬
‫‪.52-51‬‬
‫‪ ()3‬سبقت ترجمته‪ ،‬في الفصل الول‪.‬‬
‫‪ ()4‬القاضي عبد الجبار‪ ،‬شرح الصول الخمسة‪ ،‬ص ‪.691‬‬
‫‪ ()5‬سورة البقرة‪ ،‬الية ‪.48‬‬
‫‪ ()6‬سورة غافر‪ ،‬الية ‪.18‬‬
‫‪ ()7‬سورة الزمر‪ ،‬الية ‪.19‬‬

‫‪59‬‬
‫العقل في البنهاء العقهدي لهديهم‪ ،‬وليهس دور النهص‪ ،‬ولكهن‬
‫تجدر الشارة أيضا إلى أنهم لم ُيهملوا النص على الطلق‪.‬‬
‫وأما بالنسههبة لههدور العقههل فههي نفههي الشههفاعة فههذلك‬
‫ينبنههي علههى أمريههن عنههد المعتزلههة؛ الول‪ :‬أصههل "الوعههد‬
‫والوعيههد"‪ ،‬والثههاني‪ :‬تفسههيرهم العقلههي للشههفاعة‪ .‬فهههم‬
‫ده وهههذا أصههل‬ ‫يقولون‪ :‬إن الله تعالى ل يخلف وعد َهُ أو وعي َ‬
‫ف وعههده‬ ‫من أصولهم الخمسههة‪ ،‬لمههاذا؟ لن الحكيههم ل ُيخل ه ُ‬
‫عق ً‬
‫ل‪.‬‬
‫وأمهها تفسههيرهم العقلههي لمفهههوم الشههفاعة فهههو‪ :‬أن‬
‫الشفاعة ُتفهم عقل ً بغيههر مغفههرة الههذنوب‪ ،‬فالشههفاعة كمهها‬
‫تكون بتكفير الذنوب تكون أيضا ً برفع الدرجات‪ ،‬ويسههتدّلون‬
‫على ذلك بـ "أن الوزيَر مثل ً كما يشفع إلى السلطان ليزيههل‬
‫ضههرر‪ ،‬فقههد يشههفع لههه ليخلههع عليههه‬ ‫جابه ال ّ‬ ‫عن حاجب من ح ّ‬
‫سوا المههؤمن علههى الحههاجب‬ ‫جاب" فقد قا ُ‬
‫)‪(1‬‬
‫ح ّ‬
‫ويميزه من ال ُ‬
‫الذي يطمع في زيههادة رتبتههه‪ ،‬وقاسههوا الفاسههق أو العاصههي‬
‫على الحاجب الذي يرجو ارتفاع الضههرر عنههه‪ ،‬ول يخفههى أن‬
‫هذا القياس عقلي‪ ،‬ولكنهم يوجهون بعد ذلك النصوص الههتي‬
‫تشير إلى ضههد فكرتهههم ويؤولونههها بمهها يتوافههق مههع فهمهههم‬
‫العقلي‪ .‬ونستنتج مههن ذلههك أن الههدليل النقلههي يحمههل علههى‬
‫سيق النص ‪-‬بظاهره أو بتأويله‪-‬‬ ‫حك َ َ‬
‫م أوّل ً ثم ِ‬ ‫العقل‪ ،‬فالعقل َ‬
‫للمؤازرة‪ ،‬وهذه من العلمات الكبيرة عندهم في استدللهم‬
‫بالعقل على العقائد‪.‬‬
‫ومن هنا فالخلف يعود أيضا إلى تحديد المشفوع فيههه‪،‬‬
‫فهههل هههي المعاصههي تكفيههرًا‪ ،‬أم هههي الههدرجات رفعهها ً ؟‪،‬‬
‫فالمعتزلة يرون أنها الدرجات ل المعاصي‪.‬‬
‫وبالنسبة للنصوص التي تثبت الشههفاعة لهههل الكبههائر‪،‬‬
‫فالمعتزلة يقولون بأنها محمولة علههى مههن يتههوب عههن هههذه‬
‫الكبائر‪ ،‬ويقول القاضي عبد الجبار‪" :‬ومتى قالوا‪ :‬إن التائب‬
‫في غنى عن الشفاعة ول فائدة فيها‪ ،‬قلنا‪ :‬ليس كذلك‪ ،‬فإن‬
‫ما استحق التائب من الثواب قد انحبط بارتكابه الكبيرة‪ ،‬ول‬

‫‪ ()1‬عبد الجبار )ت ‪ 415‬هه(‪ ،‬القاضي عبد الجبار الهمذاني‪ .‬شرح الصول الخمسة‪ ،‬ص ‪.690‬‬

‫‪60‬‬
‫ثواب له إل مقدار مهها اسههتحقه بالتوبههة‪ ،‬فبههه حاجههة إلههى أن‬
‫)‪(1‬‬
‫يشفع له فيتفضل عليه"‪.‬‬
‫ومعنى ذلك أن القاضي مصّر على أن الشهفاعة زيهادة‬
‫ص‪ ،‬ولههذلك قههال بههأن الشههفاعة‬ ‫درجات وليست غفران معهها ٍ‬
‫لهل الكبائر هي للتائبين منهههم‪ ،‬وهههؤلء التههائبون قههد حبههط‬
‫عملهم بعد الكبيرة‪ ،‬وليس لهههم مههن الجههر شههيء‪ ،‬ولكنهههم‬
‫تحصلوا على شيء من الجر بالتوبة عن الكبيرة‪ ،‬ولكن هذا‬
‫المقدار ل يسعفهم بالنجاة عند الله تعالى فيكونوا محتاجين‬
‫إلى الشفاعة‪ ،‬أي إلى مزيد من الجههر أو الههدرجات‪ ،‬ويبقههى‬
‫الباب مغلقا ً أمام أصحاب الكبائر الذين لم يتوبوا عنها‪ ،‬فهههم‬
‫مخلدون في النار‪.‬‬
‫ول ب ُد ّ من التأكيههد علههى أن مبههدأ نفههي الشههفاعة لهههل‬
‫الذنوب والمعاصي مرتبط بأصل الوعد والوعيد‪ ،‬وفههي ذلههك‬
‫يقول زهدي جار الله‪" :‬أما الوعد والوعيد فقد قالوا فيههه إن‬
‫الله تعالى صادق في وعده ووعيههده‪ ،‬ل مبههدل لكلمههاته‪ ،‬فل‬
‫يغفر الكبائر إل بعد التوبة‪ ،‬فإذا خرج المؤمن من الدنيا على‬
‫طاعة وتوبة استحق الثواب‪ ،‬وإذا خههرج مههن غيههر توبههة عههن‬
‫كبيرة ارتكبها خل ّههد فههي النههار وكههان عههذابه فيههها أخههف مههن‬
‫عذاب الكفههار‪ .‬لههذلك فههإن المعتزلههة أنكههروا الشههفاعة يههوم‬
‫القيامة‪ ،‬فتجاهلوا اليات القرآنية التي تقول بههها‪ ،‬وتمسههكوا‬
‫باليات التي تنفيها‪ ،‬لن الشههفاعة تتعههارض مههع مبههدأ الوعههد‬
‫والوعيد‪ ،‬فل يستطيع أحد أن يشفع عنههد اللههه لحههد ويجعلههه‬
‫ينجو من العقاب‪ ،‬بل تجد كل نفس يومئذ من الثههواب بقههدر‬
‫)‪(2‬‬
‫عملها الصالح ومن العذاب بقدر عملها السيئ"‪.‬‬

‫ثالث شًا‪ :‬تفسششيرهم لمفهششوم التوحيششد علششى أسششاس‬


‫عقلي‬

‫جتههه العقههل فههي‬ ‫وكههذلك مفهههوم التوحيههد عنههدهم‪ ،‬فح ّ‬


‫معظم تفاصيله‪ ،‬فالتوحيد عندهم "هو العلم بأن اللههه تعههالى‬
‫واحد ل يشاركه غيره فيما يستحق من الصفات نفيا ً أو إثباتا ً‬

‫‪ ()1‬القاضي عبد الجبار‪ ،‬شرح الصول الخمسة‪ ،‬ص ‪.691‬‬


‫‪ ()2‬زهدي جار الله‪ ،‬المعتزلة‪ ،‬ص ‪.52-51‬‬

‫‪61‬‬
‫على الحد الذي يستحقه والقرار به‪ .‬ول بد من اعتبار هذين‬
‫الشرطين؛ العلم والقرار جميعًا‪ ،‬لنه لو علههم ولههم يقههر‪ ،‬أو‬
‫ً )‪(1‬‬
‫حدا"‬‫أقّر ولم يعلم‪ ،‬لم يكن مو ّ‬
‫والواحد عندهم يطلق على ثلثة وجوه‪ ،‬أحههدها‪ :‬بمعنههى‬
‫أنه ل يتجزأ ول يتبعض‪ ،‬والثاني‪ :‬بمعنى أنه متفرد بالقدم ول‬
‫ثاني له‪ ،‬والثههالث‪ :‬أنههه متفههرد بمهها بسههائر مهها يسههتحقه مههن‬
‫الصفات النفسية من كونه قادرا ً لنفسه وعالما ً لنفسه وحي ّا ً‬
‫)‪(2‬‬
‫لنفسه‪.‬‬
‫ويقول القاضي عبد الجبار في بيان هذا التعريف ‪" :‬مهها‬
‫يلزم المكلف معرفته من علوم التوحيد هو؛ أن يعلم القديم‬
‫تعالى بما يستحق من الصفات‪ ،‬ثههم يعلههم كيفيههة اسههتحقاقه‬
‫لها‪ ،‬ويعلم ما يجب له في كل وقت‪ ،‬وما يستحيل عليه فههي‬
‫)‪(3‬‬
‫كل وقت‪ ،‬وما يستحقه في وقت دون وقت"‪.‬‬
‫ويقصد بالصفات التي تجب له في كل وقت تلك الههتي‬
‫ل يمكهههن أن يوصهههف بأضهههدادها‪ ،‬وههههي الصهههفات الربهههع‬
‫المشهورة عندهم وهي؛ الوجههود والحيههاة والقههدرة والعلههم‪،‬‬
‫وهم ل يقولون‪ :‬الحياة والعلم والقههدرة‪ ،‬بههل يقولههون‪ :‬كههونه‬
‫موجودا ً حيا ً عالما ً قادرًا‪ ،‬وذلك تحرزا ً من إثبات معان قديمة‬
‫مع الذات اللهية‪ ،‬فتكون هذه المعههاني شههاركته فههي أخههص‬
‫قدم‪ ،‬فتكون مههن بههاب أولههى شههاركته فيمهها‬ ‫وصف له وهو ال ِ‬
‫دونه في الخصوصية‪ ،‬فيلزم عههن ذلههك تعههدد القههدماء‪ ،‬وهههو‬
‫مخالف للتوحيد‪ ،‬فهربوا من ذلههك بقههولهم‪ :‬كههونه قههادرًا‪ ،‬أي‬
‫ن ذاته مستحّقة لهذا‬ ‫مستحقا ً لها لما هو عليه في ذاته‪ ،‬أي أ ّ‬
‫الوصف دون معنى زائدٍ عليها‪ ،‬فنفس الذات صههالحة للعلههم‬
‫والقدرة والحياة والوجود‪ ،‬من دون صفات قديمة معههها مههن‬
‫)‪(4‬‬
‫الزل‪.‬‬
‫‪ ()1‬القاضي عبد الجبار الهمذاني‪ .‬شرح الصول الخمسة‪ ،‬ص ‪.128‬‬
‫‪ ()2‬انظر‪ :‬القاضي عبد الجبار‪ ،‬المغني في أبواب التوحيد والعدل‪ ،‬م ‪ 4‬ص ‪.241‬‬
‫‪ ()3‬القاضي عبد الجبار‪ ،‬شرح الصول الخمسة‪ ،‬ص ‪ ،128‬القاضي عبد الجبار )ت ‪ 415‬هه(‪ ،‬عبد الجبههار‬
‫بن أحمد الهمذاني‪ .‬المجموع في المحيط بالتكليف‪ ،‬د ط‪ ،‬المطبعة الكاثوليكية‪ ،‬بيروت‪ ،‬د ت‪ ،‬ص ‪،26‬‬
‫وانظر‪:‬عبد الكريم‪ ،‬الدكتور عبد الكريم عثمان‪ ،‬نظرية التكليف‪ ،‬آراء القاضي عبد الجبار الكلميششة‪،‬‬
‫د ط‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،1971 ،‬ص ‪ 197‬و ‪ 215‬و ‪.243‬‬
‫‪ ()4‬انظر‪ :‬القاضي عبد الجبار‪ ،‬شرح الصول الخمسة‪ ،‬ص ‪ ،187-182‬وانظهر‪ :‬الهمهذاني‪ ،‬القاضهي عبهد‬
‫الجبار‪ ،‬المنية والمل‪ ،‬ص ‪ .109‬وانظر‪ :‬محمد‪ ،‬الدكتور محمد عزيز نظمي سالم‪ .‬إبراهيششم بششن سششيار‬

‫‪62‬‬
‫ثم يبين الصفات الههتي تسههتحيل عليههه تعههالى فههي كههل‬
‫وقت‪ ،‬وهي صفات النقص بشكل عام‪ ،‬مثل العجز والجهههل‪،‬‬
‫وهذا ل خلف فيه‪.‬‬
‫وأما ما يستحقه الله تعالى في وقت دون وقت‪ ،‬فذلك‬
‫مثل كونه تعالى مريدًا‪ ،‬فههإن ذلههك مسههتند إلههى وجههود إرادة‬
‫)‪(1‬‬
‫الله تعالى الحادثة الموجودة ل في محل‪.‬‬
‫وقد قالوا إن إرادة الله حادثههة هروبهها مههن إثبههات إرادة‬
‫قديمة‪ ،‬لنه يلزم عن قدم الرادة عنههدهم قههدم العههالم‪ ،‬لن‬
‫وجود الرادة يترتب عليه وجههود المههرادات؛ أي المخلوقههات‬
‫فيلزم عنه قدمها في‪-‬زعمهم‪ -‬وهو محال‪.‬‬
‫وقد قالوا إنها مخلوقة ل في محل‪ ،‬لكيل يقولوا إنها‬
‫مخلوقة في ذات الله تعالى‪ ،‬لن ذات الله تعالى يستحيل‬
‫أن تكون محل ً للحوادث‪ ،‬لن الذي تحل فيه الحوادث‬
‫حادث‪ ،‬لنه "لو جاز قيام الحادث بذاته لجاز أزل‪ ،‬واللزم‬
‫باطل" )‪.(2‬‬
‫وقد يقول قائل‪ :‬أيههن بههاقي الصههفات عنههدهم‪ ،‬كالقههدم‬
‫والبقههاء والوحدانيههة وغيرههها‪ ،‬والجههواب أن هههذه الصههفات‬
‫السلبية ل يعتبرهها المعتزلهة صهفات‪ ،‬لنهها ل تضهيف معنهى‬
‫زائدا ً على الذات‪ ،‬بل هي تسلب أضدادها فقط‪ ،‬فالوحدانيههة‬
‫تسلب عنه تعالى أن يكههون لههه شههريك‪ ،‬وهههذا ل خطههأ فيههه‪،‬‬
‫ولذلك لم يقع بينهم وبين أهل السنة إشكال في ذلك‪.‬‬
‫فهههذا معنههى التوحيههد عنههدهم )الههذي هههو أول أصههولهم‬
‫خصههه أن اللههه تعههالى واحههد‬ ‫مها(‪ ،‬ومل ّ‬
‫الخمسة المعروفة وأه ّ‬
‫مههن كههل وجههه‪ ،‬ل يقههال إن لههه صههفات قديمههة زائدة علههى‬
‫)‪(3‬‬
‫الذات‪ ،‬لن هذا يوجب تعدد القدماء‪.‬‬
‫وقد اعتمدوا كما لحظنا على القيههاس العقلههي‪ ،‬وذلههك‬
‫حينما قالوا عن الصفات التي يستحقها في كههل وقههت‪ :‬إنههها‬
‫لو كانت قديمة مع الله تعالى لشاركته في أخص وصف لههه‬
‫النظام والفكر النقدي في السلم‪ ،‬مؤسسة شباب الجامعة‪ ،‬السكندرية‪1983 ،‬م‪ ،‬ص ‪.27‬‬
‫واد بههن عبههد اللههه‬
‫)( انظر‪ :‬القاضي عبد الجبار‪ ،‬شرح الصول الخمسششة‪ ،‬ص ‪ ،130‬وانظههر‪:‬المعتههق‪ ،‬ع ه ّ‬
‫‪1‬‬

‫المعتق‪ .‬المعتزلة وأصولهم الخمسة وموقف أهل السششنة منهششم‪ ،‬ط ‪ ،3‬مكتبههة الرشههيد‪ ،‬الريههاض‪،‬‬
‫‪1996‬م‪ ،‬ص ‪.103‬‬
‫‪ ()2‬اليجي‪ ،‬المواقف‪ ،‬م ‪ 3‬ص ‪.53‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ :‬القاضي عبد الجبار‪ ،‬المنية والمل‪ ،‬ص ‪.149‬‬

‫‪63‬‬
‫قدم‪ ،‬فقالوا‪ :‬ولو شاركته في أخص وصف لههه‬ ‫تعالى‪ ،‬وهو ال ِ‬
‫دم لكان من الولى أن تشاركه في ما دون ذلك في‬ ‫وهو الِق َ‬
‫دد القههدماء‪ .‬فمأخههذ هههذه القضههية عنههدهم‬ ‫الخصوصههية ولتعه ّ‬
‫م أصولهم قههد بنههي‬ ‫العقل وحده‪ ،‬فأصل التوحيد الذي هو أه ّ‬
‫على العقل‪ ،‬فهم إذا يعتمدون على العقل اعتمادا ً كبيرا ً فههي‬
‫بناء عقائدهم‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬نفي الرؤية بدعوى استحالتها عقل ً‬
‫ومن لوازم الستدلل بالعقل على العقائد عندهم نفههي‬
‫رؤية الله تعالى في الههدارين‪ .‬ولههن يتعههرض البههاحث لوجهههة‬
‫نظرهم النقلية في هذا الموضههوع‪ ،‬بههل إلههى وجهههة نظرهههم‬
‫العقلية وحسب‪.‬‬
‫فهم كما سبق عند الكلم على الشفاعة‪ ،‬بعد أن ينتهوا‬
‫من دلئلهم العقلية يؤّولون النص القطعي بما يتوافق معها‪،‬‬
‫أمهها خههبر الواحههد فيردونههه )‪ (1‬إذا كههان غيهَر متوافههق مههع مهها‬
‫يقتضيه العقل على وجههه الوجههوب أو السههتحالة‪ ،‬فنسههتطيع‬
‫أن نقههول إن المعتزلههة ينطلقههون مههن العقههل أكههثر مههن‬
‫انطلقهم من النص في كثير من مسائل العتقاد المهمة‪.‬‬
‫وملخص قولهم في نفي الرؤيههة عههن اللههه تعههالى عههن‬
‫طريق العقل أن النسان راٍء بحاسة هي حاسههة البصههر‪ ،‬ول‬
‫ي الههذي تههراه هههذه الحاسههة أن يكههون فههي مقابلههة‬ ‫بد للمرئ ّ‬
‫الرائي أو حال ّ في المقابل أو في حكم المقابل‪ ،‬والله تعالى‬
‫يستحيل عليه أن يكون في مقابلة شههيء مههن الشههياء‪ ،‬لن‬
‫المقابلة إنمها تكهون فهي حهق الجسهام أو العهراض‪ ،‬وههذا‬
‫مستحيل على الله تعالى‪ ،‬فثبت أن الرؤيههة مسههتحيلة علههى‬
‫)‪(2‬‬
‫الله تعالى‪.‬‬
‫فنفي الرؤية عندهم يعتمد على ثلثة أحكههام وهههي؛ أن‬
‫النسان ل يههرى إل بالحاسههة‪ ،‬وأنههه يشههترط فههي الرؤيههة أن‬
‫يكون المرئي مقابل ً للرائي‪ ،‬وان الله تعههالى تسههتحيل عليههه‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬القاضي عبد الجبار‪ ،‬شرح الصول الخمسة‪ ،‬ص ‪.690‬‬


‫‪ ()2‬انظر‪ :‬القاضي عبد الجبار‪ ،‬شرح الصششول الخمسششة‪ ،‬ص ‪ ،249-248‬وانظههر‪ :‬القاضههي عبههد الجبههار‪،‬‬
‫المنية والمل‪ ،‬ص ‪.133-132‬‬

‫‪64‬‬
‫مقابلههة الشههياء مقابلههة مكانيههة‪ ،‬وأن المقابلههة ل تكههون إل‬
‫)‪(1‬‬
‫للجسام أو العراض‪.‬‬
‫وهذه الحكام العقلية الربعة التي أطلقوها تههبّين مههدى‬
‫اهتمامهم بالعقل وعمق النظرة العقليههة لههديهم‪ ،‬فقههد رتبههوا‬
‫هذا الدليل العقلي على أربع أسس‪ ،‬فالدليل العقلههي لههديهم‬
‫ن ممنهههج‬ ‫ليس بديهيا ً أو عفويا ً أو فطري ًّا‪ ،‬بههل هههو نظههر مقن ّه ٌ‬
‫يدل على طول باع في استعمال العقل وبراهينه‪.‬‬

‫خامسششًا‪ :‬اسششتدللهم بالعقششل علششى خلششق القششرآن‬


‫الكريم‬

‫ل شك في أن المعتزلة يقولون بأن القههرآن الههذي هههو‬


‫كلم الله مخلوق‪ ،‬ويقههول القاضههي عبههد الجبههار‪" :‬ول خلف‬
‫بين أهل العدل في أن القرآن مخلوق محههدث مفعههول‪ ،‬لههم‬
‫يكن ثم كان‪ ،‬وأنه غيههر اللهه عهز وجههل‪ ،‬وأنههه أحهدثه حسهب‬
‫مصالح العباد‪ ،‬وهو قادر على أمثاله‪ ،‬وأنه يوصف بأنه مخِبههٌر‬
‫)‪(2‬‬
‫م به"‪.‬‬
‫ه‪ ...،‬وكلهم يقول‪ :‬إنه عز وجل متكل ٌ‬ ‫به‪ ،‬وآمٌر نا ٍ‬
‫ومن استدللتهم العقلية التي ول ّههدت عقههائد يعتقههدونها‬
‫طئون مههن خههالفهم فيههها‪،‬‬ ‫ويههدينون للههه تعههالى بههها ويخ ّ‬
‫استدللهم بالعقل على خلق القرآن الكريم‪.‬‬
‫ويستدلون على خلق القرآن –حدوثه بلغة المتكلميههن‪-‬‬
‫بقههولهم؛ إن الكلم هههو مهها انتظههم مههن حرفيههن فصههاعدا ً‬
‫والقرآن الكريم هههو كلم اللههه تعههالى‪ ،‬ويتقههدم بعضههه علههى‬
‫ن من حروف‪ ،‬وبما أنه يتقدم بعضههه علههى‬ ‫بعض بما أنه مكوّ ٌ‬
‫بعض فهو حادث‪ ،‬لن القديم ما ل يتقدمه غي هُره‪ ،‬فثبههت أنههه‬
‫حادث‪ ،‬وكذلك الحال في جميع القرآن‪ ،‬لنه مكون من سور‬
‫)‪(3‬‬
‫وآيات وأرباع وأحزاب‪.‬‬
‫وهذا برهان صحيح علههى اعتبههار أن الكلم هههو حههروف‬
‫كما يحصره القاضي فيقول في تعريفه‪" :‬أنه ما حصههل فيههه‬
‫نظام مخصههوص مههن هههذه الحهروف المعقولهة؛ حصههل فهي‬
‫‪ ()1‬انظر‪ :‬القاضي عبد الجبار‪ ،‬المغني في أبواب التوحيد والعدل‪ ،‬م ‪ 4‬ص ‪ ،36‬القاضهي عبهد الجبهار‪،‬‬
‫شرح الصول الخمسة‪ ،‬ص ‪ ،249-248‬وانظر‪ :‬القاضي عبد الجبار‪ ،‬المنية والمل‪ ،‬ص ‪.133-132‬‬
‫‪ ()2‬القاضي عبد الجبار‪ ،‬المغني في أبواب التوحيد والعدل‪ ،‬م ‪ 7‬ص ‪.3‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ ،‬القاضي عبد الجبار‪ ،‬شرح الصول الخمسة‪ ،‬ص ‪.532 -529‬‬

‫‪65‬‬
‫حرفين أو حروف‪ ،‬فما اختص بذلك وجب كههونه كلم هًا‪ ،‬ومهها‬
‫ً )‪(1‬‬
‫فارقه لم يجب كونه كلما"‪.‬‬
‫فنههرى أنههه حصههر الكلم فههي الحههروف المركبههة مههن‬
‫حرفين فصاعدًا‪ ،‬ثم استدل على حدوثها‪ ،‬بالبرهان المذكور‪.‬‬
‫وقد ب ََنوا هذا الستدلل على حكمين‪ ،‬الول‪ :‬أن القرآن‬
‫دم بعضههه علههى‬ ‫دم بعضه على بعض‪ ،‬والثاني‪ :‬أن مهها يتقه ّ‬ ‫يتق ّ‬
‫بعض فهو حادث‪.‬‬
‫وقد بين القاضي عبد الجبار أن الصههوت والكلم يكههون‬
‫باصطكاك الجسههام ببعضههها البعههض‪ ،‬وأنههها ل تسههتغني فههي‬
‫وجودها عن الجسام‪ ،‬وهي كاللوان والكوان‪ ،‬التي يسههميها‬
‫المتكلمون أعراضًا‪ ،‬وهذه العراض ل توجههد قائمههة بنفسههها‬
‫بل في جسم‪ (2)،‬ويستحيل على الله عند المعتزلة أن يكههون‬
‫جسما ً لن هذا ينافي الوحدانيههة‪ ،‬فثبههت عنههدهم أن الكلم ل‬
‫يمكن أن يقوم بذات الله تعالى‪.‬‬
‫ولكن هناك إشكال ً مهمهًا‪ ،‬هههو‪ :‬أنههه كيههف يوصههف اللههه‬
‫تعههالى بههأنه متكلههم وقههد ادعيتههم أيههها المعتزلههة أنههه مههن‬
‫المستحيل قيام الكلم بذات الله تعالى؟‬
‫وقد أجابوا بأن المتكلم في الحقيقههة هههو فاعههل الكلم‬
‫ل فيههه الكلم‪ ،‬ودليههل ذلههك أن‬ ‫أو خالق الكلم‪ ،‬وليس من ح ّ‬
‫الجن حينما يتكلم على لسان المصروع فإن الناس ينسبون‬
‫الكلم إلى الجن‪ ،‬فيقولون‪ :‬قههال الجههن‪ ،‬ول ينسههبون الكلم‬
‫إلى المصروع‪ ،‬مههع أن المصههروع هههو الههذي قههام بههه الكلم‪،‬‬
‫فنسبوا الكلم إلى الجن لنه فاعل الكلم‪ ،‬وهههذا هههو الحههق‬
‫)‪(3‬‬
‫عند المعتزلة‪.‬‬
‫ول نقول إن المعتزلة لم يعتمدوا على غير العقههل فههي‬
‫هذه المسألة‪ ،‬بل لهم شبهاتهم واستدللتهم النصية‪ ،‬ولكههن‬
‫ل داعي لذكرها‪ ،‬للكتفاء ببيان النظههرة العقليههة لههديهم فههي‬
‫العتقاد‪.‬‬

‫سن وال ُ‬
‫قْبح عقلّيان‬ ‫ح ْ‬
‫سادسا‪ :‬ال ُ‬

‫‪ ()1‬القاضي عبد الجبار‪ ،‬المغني في أبواب التوحيد والعدل‪ ،‬م ‪ 7‬ص ‪.6‬‬
‫‪ ()2‬انظر‪ :‬القاضي عبد الجبار‪ ،‬المغني في أبواب التوحيد والعدل‪ ،‬م ‪ 7‬ص ‪.26‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ :‬القاضي عبد الجبار‪ ،‬المغني في أبواب التوحيد والعدل‪ ،‬م ‪ 7‬ص ‪.28‬‬

‫‪66‬‬
‫للحسههن والقبههح علقههة وثيقههة بههدور السههتدلل علههى‬
‫العقههائد بالعقههل‪ ،‬وستتضههح هههذه العلقههة بعههد بيههان مفهههوم‬
‫الحسن والقبح عند المعتزلة‪.‬‬

‫ومدار الكلم في هذه المسههألة علههى محههورين‪ ،‬الول‪:‬‬


‫مفهوم الحسن والقبح‪ ،‬والثاني‪ :‬طريههق الوصههول إلههى قبههح‬
‫الفعال وحسنها‪ ،‬هل هو العقل أم الشرع‪.‬‬
‫وملخص رأي المعتزلة في هذين المحورين هو‪:‬‬
‫سن هو ما استحق فاعله المدح والثواب‪،‬‬ ‫ح َ‬ ‫الول‪ :‬أن ال َ‬
‫والقبيح هو ما استحق فاعله الههذم والعقههاب )‪ ،(1‬وذلههك فههي‬
‫الدنيا والخرة‪.‬‬
‫فالفعل الذي فيه مههدخل لسههتحقاق الههذم هههو القبيههح‪،‬‬
‫)‪(2‬‬
‫سن‪.‬‬ ‫والفعل الذي فيه مدخل لستحقاق المدح هو الح َ‬
‫والقبيح هو ما إذا فعله القادر عليه استحق الذم عليههه‪.‬‬
‫)‪(4‬‬
‫ح"‪.‬‬ ‫ب من وجوده فهو قبي ٌ‬ ‫ك منعَ الواج َ‬‫)‪" (3‬وكذلك كل ت َْر ٍ‬
‫الثاني‪ :‬إن الوصول إلى حسههن الفعههال وقبحههها يكههون‬
‫صههل إليههه بالعقههل أو‬ ‫بالعقههل ‪ ،‬والمقصههود أن بعضههها يتو ّ‬
‫)‪(5‬‬

‫بإمكههان العقههل التوصههل إليههه‪ ،‬ول يههدعي المعتزلههة أن كههل‬


‫حسن وكل قبيح ُيتوصل إليه بالعقل‪ ،‬بل عندهم مههن القبيههح‬
‫والحسههن مهها ل ُيتوصههل إليههه إل بالشههرع‪ ،‬وذلههك كالصههلة‬
‫والزكاة والصيام وغيرههها )‪ ،(6‬فتههبين أن الخلف إذا علههى أن‬
‫العقل هههل يتوصههل إلههى ُقبههح وحسههن بعههض الفعههال أم ل‪،‬‬
‫وليس كل الفعال‪.‬‬
‫ة ووافقهههم‬ ‫ة المعتزلهه َ‬
‫وقههد خههالف الشههاعرةُ والحنابلهه ُ‬
‫ة بهذا القدر من مسألة الحسن والقبههح‪ ،‬وستتضههح‬ ‫الماتريدي ُ‬
‫‪ ()1‬انظر‪ :‬القاضي عبد الجبار‪ ،‬المجموع في المحيط بالتكليف‪ ،‬ص ‪ ،231‬وانظر‪ :‬القاضي عبد الجبار‪،‬‬
‫شرح الصول الخمسة‪ ،‬ص ‪ ،41‬وانظر‪ :‬حنفي‪ ،‬الدكتور حسن حنفي‪ ،‬من العقيدة إلى الثششورة‪5 ،‬م‪،‬‬
‫د ط‪ ،‬مكتبة مدبولي‪ ،1988 ،‬م ‪ ،3‬ص ‪.405‬‬
‫‪ ()2‬انظر‪ :‬القاضي عبد الجبار‪ ،‬المجموع في المحيط بالتكليف‪ ،‬ص ‪.231‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ :‬القاضي عبد الجبار‪ ،‬شرح الصول الخمسة‪ ،‬ص ‪.41‬‬
‫‪ ()4‬انظر‪ :‬القاضي عبد الجبار‪ ،‬شرح الصول الخمسة‪ ،‬ص ‪.41‬‬
‫‪ ()5‬انظر‪ :‬القاضي عبد الجبار‪ ،‬شرح الصول الخمسة‪ ،‬ص ‪.328-326‬‬
‫‪ ()6‬انظر‪ :‬القاضي عبد الجبار‪ ،‬شرح الصول الخمسة‪ ،‬ص ‪.327‬‬

‫‪67‬‬
‫آراء هذه المدارس في هههذه المسههألة فههي المبحههث الخيههر‬
‫من هذا الفصل‪ ،‬مبحث المناقشة‪.‬‬
‫وأما عن علقة مفهوم الحسههن والقبههح عنههد المعتزلههة‬
‫بدور الستدلل بالعقل على العقائد عندهم فهو؛ أن الحسن‬
‫والقبح الذي هههو مهها اسههتحق فههاعله الثههواب أو العقههاب قههد‬
‫يوصل إليه بالعقل‪ ،‬فالعقل بدون الحاجة إلى الشههرع وقبههل‬
‫مجيههء الرسههول قههد ُيلههزم النسههان بأفعههال معينههة يكههون‬
‫مسؤول ً عنها أمههام اللههه تعههالى يههوم القيامههة‪ ،‬لنههه يسههتحق‬
‫الثواب أو العقههاب عليههها‪ ،‬فيكههون النسههان عنههدهم معتقههدا‬
‫ومكلفا ً على أساس عقلي صرف‪ ،‬وهذا من أبههرز مهها يمكههن‬
‫معرفته عن دور العقل في الستدلل على العقائد عندهم‪.‬‬

‫سابعًا‪ :‬أن الله تعالى ل يعرف ضرورة‬


‫الضرورة في أصل اللغة هي اللجاء‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽ ﭠ ﭡ‬
‫ﭢ ﭣ ﭼ )‪ (1‬أي ما ألجئتم إليه‪ ،‬وإذا أضيف إلى العلم قيل‪:‬‬
‫علم ضروري‪ ،‬فهو العلم الذي يحصل فينا‪ ،‬ل مههن قبلنهها‪ ،‬ول‬
‫)‪(2‬‬
‫يمكننا نفيه عن النفس بوجه من الوجوه‪.‬‬
‫وذلك كالعلم بأن الجزء أصغر مههن الكههل‪ ،‬وغيرههها مههن‬
‫المعلومات التي ي ُههدركها العقههل بههدون جهههد أو نظههر‪ ،‬بههل ل‬
‫يستطيع دفعها أو عههدم تصههديقها أو نفيهها عهن النفهس كمهها‬
‫قال القاضي‪ ،‬والعلم الضروري عكس العلم النظههري الههذي‬
‫يتحصل في النفس بالجهد والنظر‪ ،‬كالعلم بأن الواحد نصف‬
‫)‪(3‬‬
‫سدس الثني عشر‪.‬‬
‫والمسألة الن في أن العلم بوجود الله تعالى هههل هههو‬
‫من النههوع الول الههذي هههو العلههم الضههروري‪ ،‬أم مههن النههوع‬
‫الثاني الذي هو النظري ؟ والمعتزلة في ذلك على أن العلم‬

‫‪ ()1‬سورة النعام‪ ،‬الية ‪.119‬‬


‫‪ ()2‬انظر‪ :‬الرازي‪ ،‬مختار الصحاح‪ ،‬ص ‪ ،403‬نظر‪ :‬القاضي عبد الجبههار‪ ،‬شرح الصششول الخمسششة‪ ،‬ص‬
‫‪ ،48‬انظر‪ :‬زينه‪ ،‬حسني زينه‪ ،‬العقل عند المعتزلة‪ ،‬تصور العقل للقاضششي عبششد الجبششار‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار‬
‫الفاق الجديدة‪ ،‬بيروت‪ ،1978 ،‬ص ‪.59‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ :‬ابن تيمية‪ ،‬أحمد بن عبد الحليم )ت ‪ 728‬هه(‪ .‬نقض المنطق‪ ،‬ط ‪) ،1‬تحقيق الشيخ محمههد بههن‬
‫عبد الرزاق وسليمان بن عبد الرحمن الضيع(‪ ،‬مطبعة السنة المحمدية‪ ،‬القههاهرة‪1951 ،‬م‪ ،‬ص ‪ ،38‬وانظههر‪:‬‬
‫حنفي‪ ،‬الدكتور حسن حنفي‪ ،‬من العقيدة إلى الثورة‪5 ،‬م‪ ،‬د ط‪ ،‬مكتبة مدبولي‪ ،1988 ،‬م ‪ ،3‬ص ‪.464‬‬

‫‪68‬‬
‫بالله ليهس ضههروريا بهل هههو نظهري)‪ ،(1‬وقهد خهالف بعضههم‬
‫كالجاحظ )‪ (3) (2‬وأبي علههي السههواري‪ (4) .‬إذ قههال‪ :‬المعههارف‬
‫كلها ضرورية‪.‬‬
‫وقد اعتمهد القههائلون بهأن معرفهة اللهه تعههالى تتحصهل‬
‫ضرورة أو اضههطرارا‪ ،‬وقههد بنههى القههائلون بههأن معرفههة اللههه‬
‫تعههالى تتحصههل ضههرورة أو اضههطرارا ً رأيهههم هههذا علههى أن‬
‫المعرفة ضرورية لجميع المكلفين‪ ،‬لن وجوبها الضههطراري‬
‫)‪(5‬‬
‫يعين النسان المكلف على اجتناب القبيح وفعل الحسن‪.‬‬
‫فهم يرون أنه لبد من استواء جميع المكلفيههن فههي معرفههة‬
‫الله تعالى حتى يكونوا ملزمين‬
‫بالحسن منهيين عن القبيح علههى السههواء‪ ،‬فلههو كههان المههر‬
‫مرتبطا بالنظر ل بالضرورة لما تمكن جميع الخلق مههن هههذا‬
‫النظر‪ ،‬ولسقط التكليف عن كثير من الناس‪.‬‬
‫وفي المقابل يدافع القاضي عههن رأيههه ورأي المعتزلههة‬
‫ويدعمه ويقول‪ :‬إنه تعالى لو كان العلم بههه ضههروريا لههوجب‬
‫أن ل يختلف العقلء فيه‪ ،‬كمهها فههي سههائر الضههروريات‪ ،‬مههن‬
‫سههواد الليههل وبيههاض النهههار‪ ،‬ومعلههوم أنهههم مختلفههون فيههه‪،‬‬
‫)‪(6‬‬
‫فمنهم من أثبته ومنهم من نفاه"‪.‬‬
‫وكلم القاضي هذا وجيه قوي‪ ،‬فمسألة وجود الله تعالى‬
‫وإن كانت ليس من المسائل المعقهدة الهتي ل يحسهم فيهها‬
‫الحكم‪ ،‬إل أنها بحاجة إلى شيء من التأمل‪ ،‬وهههذا مهها أمرنهها‬

‫‪ ()1‬القاضي عبد الجبار‪ ،‬شرح الصول الخمسة‪ ،‬ص ‪ ،89‬وانظر‪ :‬جار الله‪ ،‬زهدي جههار اللههه‪ .‬المعتزلششة‪،‬‬
‫ط ‪ ،1‬الهلية للنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت ‪ 1974‬والقاهرة ‪ ،1947‬ص ‪.110‬‬
‫‪ ()2‬الجاحظ )ت ‪ 255‬هه( عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولء‪ ،‬الليثي‪ ،‬أبههو عثمههان‪ ،‬الشهههير بالجههاحظ‪:‬‬
‫كبير أئمة الدب‪ ،‬ورئيس الفرقة الجاحظية من المعتزلة‪ ،‬مولده ووفاته في البصهرة‪ ،‬فلهج فهي آخهر عمهره‪،‬‬
‫وكههان مشههوه الخلقههة‪ ،‬لههه تصههانيف كههثيرة‪ ،‬منههها‪ " :‬الحيههوان ‪ -‬ط "‪ ،‬و " البيههان والتههبيين ‪ -‬ط "‪ .‬الّزرِ ْ‬
‫كلههي‪،‬‬
‫العلم‪ ،‬ج‪.3‬‬
‫‪ ()3‬خّيون‪ ،‬رشيد الخيون‪ ،‬معتزلة البصرة وبغداد‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الحكمة‪ ،‬لندن‪ ،1997 ،‬ص‪.142‬‬

‫‪ ()4‬السواري )بعد ‪ 200‬هه( عمرو بن فائد‪ ،‬أبو علي السواري التميمي‪ ،‬معتزلي‪ ،‬من القراء القصاص‪ ،‬مههن‬
‫أهل البصرة‪ ،‬كان منقطعا إلى أميرها محمد بن سليمان‪ ،‬أخذ عن عمرو بن عبيد‪ ،‬وله معه مناظرات‪ ،‬وكههان‬
‫متروك الحديث‪ ،‬ليس بثقة ول يكتب حديثه‪ ،‬وقيل‪ :‬له " تفسير " كبير‪ ،‬قههال ابههن حجهر‪ :‬مهات بعههد المههائتين‬
‫بيسير‪ .‬الّزرِ ْ‬
‫كلي‪ ،‬العلم‪ ،‬م‪ 5‬ص‪.83‬‬
‫‪ ()5‬الراوي‪ ،‬العقل والحرية‪ ،‬دراسة في فكر القاضي عبد الجبار المعتزلي‪ ،‬ص‪.243‬‬

‫‪ ()6‬انظر‪ :‬القاضي عبد الجبار‪ ،‬شرح الصول الخمسة‪.54 ،‬‬

‫‪69‬‬
‫به الله تعالى في كتابه العزيز في كثير من المواضههع‪ ،‬فهههي‬
‫ليست كعلمنا بضوء النهار أو سواد الليل‪ ،‬ووجود الملحههدين‬
‫على مدى التاريخ دليل على هذا‪ ،‬ول نستطيع أن نقههول‪ :‬إن‬
‫كل الملحدين جاحدون‪ ،‬بل منهم من ختههم اللههه علههى قلبههه‪،‬‬
‫فلم يهده رّبه إلى نوره وأعمى بصيرته‪ ،‬ولو كههان العلههم بههه‬
‫جد مثل هؤلء‪.‬‬ ‫تعالى ضروريا لما وُ ِ‬
‫ويقول القاضي في موضع آخر‪" :‬لو كههان ‪-‬العلههم بههالله‪-‬‬
‫ضروريا لوجب في العادم له أن يكون معذورا‪ ،‬لن ذلك عند‬
‫الخصم موقوف على الله تعالى‪ ،‬حتى إذا اختار اللههه تعههالى‬
‫كههان‪ ،‬وإل فل‪ ،‬وهههذا يههوجب فههي الكفههار كلهههم أن يكونههوا‬
‫)‪(1‬‬
‫معذورين في تركهم معرفة الله تعالى"‪.‬‬
‫وهذا صحيح باعتبار أن العلم الضروري هو الذي يحصههل‬
‫فينا‪ ،‬ل من قبلنا‪ ،‬فليس لحائزه –وهو المؤمن‪ -‬فضل وليههس‬
‫معدمه –وهو الكافر‪ -‬لههوم‪ ،‬والعلههم بههالله تعههالى ليههس‬ ‫على ُ‬
‫كذلك بل خلف‪.‬‬
‫وهذا الموضوع وثيق صلة بدور الستدلل بالعقههل علههى‬
‫العقائد عند المعتزلة‪ ،‬مههن حيههث يههرون أن السههتدلل علههى‬
‫أهم العقائد وعلى أعظهم أصهول الهدين ل يكهون إل بهالنظر‬
‫العقلي والتأمل‪ ،‬ل بالضرورة‪.‬‬

‫ثامنًا‪ :‬أن النظر العقلي أول الواجبات‬


‫وقههد قههالوا‪ :‬إن النظههر أول الواجبههات علههى المكل ّههف‪،‬‬
‫وذلك أن النظر المؤدي إلههى معرفههة اللههه تعههالى عنههدهم ل‬
‫يعرف بالضرورة ول بالمشههاهدة‪ ،‬فههوجب علههى المكلههف أن‬
‫)‪(2‬‬
‫يتوصل إليه بالتفكر والنظر‪ ،‬وهو الستدلل العقلي‪.‬‬
‫ويقصدون بالضرورة البديهة التي ل تحتاج إلى تأمل أو‬
‫استدلل‪ ،‬كمعرفههة أن الجههزء أصههغر مههن الكههل‪ ،‬فالضههرورة‬
‫والمشههاهدة ل تصههلحان للتوصههل إلههى معرفههة اللههه تعههالى‪،‬‬

‫‪ ()1‬القاضي عبد الجبار‪ ،‬شرح الصول الخمسة‪.54 ،‬‬


‫‪ ()2‬انظر‪ :‬القاضي عبد الجبار‪ ،‬شرح الصول الخمسة‪ ،‬ص ‪ ،39‬وانظر‪ :‬الهمههذاني )ت ‪ 415‬هههه(‪ ،‬قاضههي‬
‫القضاة أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد‪ ،‬المجموع في المحيط بالتكليف‪ ،‬د ط‪ ،‬المطبعههة الكاثوليكيههة‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬م ‪ ،1‬ص ‪ ،19‬وانظر‪ :‬أبو سعدة‪ ،‬مهرى حسن أبو سعدة‪ .‬التجاه العقلي في مشكلة المعرفة‬
‫عند المعتزلة‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪1993 ،‬م‪ ،‬ص ‪.165-159‬‬

‫‪70‬‬
‫فوجب علههى النسههان أن ينظههر ويتفكههر حههتى يتوصههل إلههى‬
‫معرفة خالقه‪.‬‬
‫فالسههتدلل علههى أهههم وأّول أصههول الههدين واجههب‪،‬‬
‫والستدلل عقلي ووجوبه عقلي‪ ،‬وهذا ل تخفى أهميته فههي‬
‫دور الستدلل بالعقل على العقائد‪ ،‬وسُيناقش موضههوع أول‬
‫الواجبات على المكلف في مكانه؛ الفصل الثههالث‪ ،‬إن شههاء‬
‫الله تعالى‪.‬‬

‫المبحششث الثششاني‪ :‬دور السششتدلل بالعقششل علششى‬


‫العقائد عند الحنابلة )السلفية(‬

‫وسيتناول البحههث ملمههح دور السههتدلل بالعقههل علههى‬


‫العقائد عند الحنابلة من خلل نقاط تم اختيارها عههبر قههراءة‬
‫فكر )السلفية(‪ ،‬ويرى الباحث أن فههي هههذه النقههاط مهها هههو‬
‫مهم لرسم شكل السههتدلل بالعقههل ودوره عنههدهم‪ ،‬وهههذه‬
‫النقاط هي‪:‬‬
‫)‪(1‬‬
‫أول‪ :‬ما يعلم بصريح العقل ل يخالفه سمع قط‪.‬‬
‫وهذا القاعدة تشههير إلههى مبههدأ التوافههق المطلههق بيههن‬
‫السمع والعقل‪ ،‬أي في حقيقة المر‪ ،‬بغض النظر عن الدلة‬
‫قطعيههها وظنّيههها‪ ،‬ومهها يعلههم بالعقههل علههى وجههه القطههع‬
‫والصراحة ل يمكن أن يخالف السههمع القههاطع‪ ،‬وقههد يخههالف‬
‫حههديثا موضههوعا أو دللههة ضههعيفة وهههذا ل يقههوم دليل ً بههدون‬
‫)‪(2‬‬
‫مناقضات‪ ،‬فكيف لو ناقضه صريح العقل‪.‬‬
‫وكههذلك نسههتنتج مههن هههذا الكلم نههوعَ اعتبههار للههدليل‬
‫العقلهي فهي الخهذ والهرد‪ ،‬فقهد زاد العقهل الصهريح ضهعف‬
‫هذين الستدللين – بالدللة الضعيفة أو الحديث الموضههوع‪-‬‬
‫ضعفًا‪ ،‬فالعقل إذا له نوع مشاركة في بناء التصههور العقههدي‬
‫لدى الحنابلة‪.‬‬

‫‪ ()1‬ابن تيمية )ت ‪ 872‬هه(‪ ،‬أحمد بن عبههد الحليههم‪ ،‬الفتوى الحمويششة الكششبرى‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار ابههن الجههوزي‪،‬‬
‫مصر‪ ،2006 ،‬ص ‪ ،.81‬ابن تيمية )ت ‪ 728‬هه(‪ ،‬أحمد بن عبد الحليم‪ .‬درء تعارض العقل والنقل‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫‪5‬م‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪1997 ،‬م‪ ،‬م ‪ 1‬ص ‪.85‬‬
‫‪ ()2‬انظر‪ :‬ابن تيمية‪ ،‬درء تعارض العقل والنقل‪ ،‬م ‪ 1‬ص ‪.85‬‬

‫‪71‬‬
‫ثانيًا‪ :‬ذم من ل يستعملون العقل في باب العقائد‬
‫على الطلق‪.‬‬
‫يقول ابن تيمية‪" :‬إن كثيرا ً مههن المنتسههبين إلههى العلههم‬
‫والدين قاصرون أو مقصههرون فههي معرفههة مهها جههاء بههه –أي‬
‫الرسول ‪ -‬مههن الههدلئل السههمعية والعقليههة‪ ،‬فطائفههة قههد‬
‫ابتدعت أصول ً تخالف ما جاء به من هذا وهذا‪ ،‬وطائفههة رأت‬
‫أن ذلك بدعة فأعرضت عنه وصههاروا ينتسههبون إلههى السههنة‬
‫لسلمتهم من بدعههة أولئك‪ ،‬ولكههن هههم مههع ذلههك لههم يتبعههوا‬
‫السههنة علههى وجهههها‪ ،‬ول قههاموا بمهها جههاء بههه مههن الههدلئل‬
‫السمعية والعقلية‪ ،‬بل الههذي يخههبر بههه مههن السههمعيات ممهها‬
‫يخبر به عن ربه‪ ،‬وعن اليوم الخر غايتهم أن يؤمنهوا بلفظهه‬
‫من غير تصورٍ لما أخبر به‪ ،‬بل قد يقولون مع هذا إنه نفسههه‬
‫لم يكن يعلم معنى ما أخبر بههه لن ذلههك عنههدهم هههو تأويههل‬
‫)‪(1‬‬
‫المتشابه الذي ل يعلمه إل الله‪".‬‬
‫فههابن تيميههة ينكههر علههى مههن أعرضههوا عههن المبتدعههة‬
‫وخالفوهم في مسألة استعمال الههدلئل العقليههة‪ ،‬ويخرجهههم‬
‫عن دائرة السههنة‪ ،‬ويههوجب علههى المسههلم أن يأخههذ بالعقههل‬
‫والسمع دون التفريط بأحدهما‪ ،‬مع العلم بههأن العقههل ليههس‬
‫أصل للشرع‪.‬‬
‫ُ‬
‫ثالثًا‪ :‬القرار بأن العقل يتوصل إلششى أشششياء أ ِ‬
‫مرنششا‬
‫باليمان بها وهي من صلب ديننا‪.‬‬

‫يؤكد الحنابلة علههى أن العقههل قههد يوصههلنا إلههى أشههياء‬


‫كثيرة قد وصلتنا عن طريق السمع‪ ،‬وكذلك كون القرآن قههد‬
‫ل علههى مفاتيههح السههتدللت العقليههة الههتي توصههل إلههى‬ ‫د ّ‬
‫مطلوباته‪ ،‬ولذلك قال ابههن تيميههة‪" :‬إن كههثيرا ممهها دل عليههه‬
‫ن ما يستدل به العقل‬ ‫السمع ُيعلم بالعقل أيضا‪ ،‬والقرآن ُيبي ُ‬
‫ويرشد إليه وينبه عليه؛ كما ذكر الله ذلك فههي غيههر موضههع‪،‬‬
‫فهإّنه سههبحانه وتعههالى بيهن مهن اليهات الدالهة عليههه وعلهى‬

‫‪ ()1‬ابن تيمية‪ ،‬مجموع الفتاوى‪ ،‬م ‪ 3‬ص ‪.433‬‬

‫‪72‬‬
‫وحدانيته وقههدرته وعلمههه وغيههر ذلههك مهها أرشههد العبههاد إليههه‬
‫)‪(1‬‬
‫ودلهم عليه"‪.‬‬
‫فالشرع أعطانا بعض مفاتيح الستدللت العقلية علههى‬
‫الصول‪ ،‬والعقل بإمكانه وحده أن يصل إلى أصول الشههرع‪،‬‬
‫عما ً‬
‫وهذه مرتبة وقيمة مهمة للعقل‪ ،‬إذ بإمكانه أن يكون مد ّ‬
‫ومؤيدا ً للشرع‪.‬‬

‫رابعشًا‪ :‬كششون الشششرع قششد أعطانششا الصششول العقليششة‬


‫الدالة على صحة ما يخبر به‪.‬‬
‫"وأما الدلة العقلية فقد ل يتصورون أنه أتههى بالصههول‬
‫العقلية الدالة على ما يخبر به‪ ،‬كالدلة الدالة علههى التوحيههد‬
‫والصفات‪ ،‬وكثير من هؤلء يعتقدون أن في ذلك ما ل يجههوز‬
‫ن التوحيهد والعهدل والصهدق‪،‬‬ ‫سه ِ‬
‫ح ْ‬‫أن يعلم بالعقل كالمعاد و ُ‬
‫ح الشرك والظلم والكذب‪ ،‬والقرآن يبين الدلههة العقليههة‬ ‫وُقب ِ‬
‫الدالة على ذلك‪ ،‬وينكر على من لم يستدل بههها‪ ،‬ويههبين أنههه‬
‫بالعقل يعرف المعاد‪ ،‬وحسن عبادته وحده‪ ،‬وحسن شههكره‪،‬‬
‫)‪(2‬‬
‫وقبح الشرك وكفر النعمة"‬

‫خامسًا‪ :‬الحكم بجششواز الخششوض فششي أمششور العقششائد‬


‫بالعقل‪.‬‬

‫ف‬
‫وكذلك يقول ابن تيمية في موضع آخر‪" :‬ظههن طههوائ ُ‬
‫من عامة أهل الحديث والفقه والتصههوف أنههه ل ُيتكل ّههم فههي‬
‫أصول الدين ول ُيتكلم في باب الصههفات بالقيههاس العقلههي‪،‬‬
‫مه السلف‪ ،‬وكان هههذا‬ ‫وأن ذلك بدعة وهو من الكلم الذي ذ ّ‬
‫مما أطمع الولين فيهم لما رأوهم ممسههكين عههن هههذا كلههه‬
‫إما عجههزا ً أو جهل ً وإمهها لعتقههاد أن ذلههك بدعههة وليههس مههن‬
‫الدين‪ .‬وقال لهم الولون ردكم أيضا علينا بدعة فإن السلف‬
‫‪ ()1‬ابن تيمية‪ ،‬مجموع الفتاوى‪ ،‬م ‪ 1‬ص ‪ ،223‬وانظر‪ :‬ابن تيمية‪ ،‬أحمد بههن عبههد الحليههم )ت ‪ 728‬هههه(‪.‬‬
‫الرسالة التدمرية فشي التوحيشد والسشماء والصشفات والقضشاء والقشدر‪ ،‬ط ‪) ،1‬تحقيههق‪ :‬سههعيد‬
‫اللحام(‪ ،‬دار الفكر اللبناني‪ ،‬بيروت‪1993 ،‬م‪ ،‬ص ‪ 84‬و ص ‪ ،86‬وانظر‪ :‬ابن تيمية‪ ،‬أحمد بن عبد الحليههم )ت‬
‫‪ 728‬هه(‪ .‬الرد على المنطقيين "‪ "2‬مبحث الستدللت‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار الفكههر اللبنههاني‪ ،‬بيههروت‪-‬لبنههان‪،‬‬
‫‪1993‬م‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫‪ ()2‬ابن تيمية‪ ،‬مجموع الفتاوى‪ ،‬م ‪ 3‬ص ‪.433‬‬

‫‪73‬‬
‫والئمة لم يردوا مثهل مها رددتهم وصهار أولئك يقولهون عهن‬
‫هؤلء إنهم ينكههرون العقليههات وإنهههم ل يقولههون بههالمعقول‪.‬‬
‫واتفهههق أولئك المتكلمهههون مهههع طهههوائف مهههن المشهههركين‬
‫والصائبين والمجههوس وغيرهههم مههن فلسههفة الههروم والهنههد‬
‫ل‪ ،‬يقيسون فيه الحق‬ ‫والفرس وغيرهم على ما جعلوه معقو ً‬
‫ل أخههرى‪ .‬وحصههل مههن هههؤلء تفريههط وعههدوان‪،‬‬ ‫تارةً والباط َ‬
‫ومههن هههؤلء تفريههط وعههدوان أوجههب تفرقهها واختلفهها بيههن‬
‫)‪(1‬‬
‫المة"‬
‫فههابن تيميههة ينفههي مهها يتههوهمه بعههض النههاس مههن أن‬
‫الحنابلة ل يستعملون العقل إطلقها ً فههي العقههائد‪ ،‬ول سههيما‬
‫في باب الصفات‪.‬‬

‫سادسًا‪ :‬نفي قاعدة أن العقل أصل للنقل‪.‬‬

‫ويرد ابن تيمية على الذين يقولون بهذه القاعدة ‪-‬وهههم‬


‫المعتزلة‪ -‬فيقول‪ " :‬وذلك لن قوله‪ :‬إن العقل أصههل للنقههل‬
‫إما أن يريد به‪ :‬أنه أصل في ثبوته في نفس المر‪ ،‬أو أصهه ُ‬
‫ل‬
‫علمنا بصحته‪ ،‬والول ل يقوله عاقل‪ ،‬فإن مهها هههو ثههابت‬ ‫في ِ‬
‫في نفس المههر بالسههمع أو بغيههره‪ ،‬هههو ثههابت سههواء علمنهها‬
‫بالعقل أو بغير العقل ثبههوته‪ ،‬أو لههم نعلههم ثبههوته ل بعقههل ول‬
‫بغيههره‪ ،‬إذ عههدم العلههم ليههس علمهها بالعههدم‪ ،‬وعههدم علمنهها‬
‫بالحقائق ل ينفي ثبوتها في أنفسها‪ ،‬فمهها أخههبر بههه الصههادق‬
‫المصدوق ‪ ‬هو ثابت في نفس المر سواء علمنا صدقه أو‬
‫لم نعلمه‪ ،‬ومن أرسله الله تعالى إلههي النههاس فهههو رسههوله‬
‫سواء علم الناس أنه رسول أو لم يعلموا‪ ،‬وما أخبر به فهههو‬
‫حق‪ ،‬وإن لم يصدقه الناس‪ ،‬وما أمر به عن الله فههالله أمههر‬
‫به وإن لم يطعه الناس‪ ،‬فثبوت الرسالة في نفسههها وثبههوت‬
‫صدق الرسول وثبوت مهها اخههبر بههه فههي نفههس المههر ليههس‬
‫موقوفا على وجودنا فضل ً عن أن يكون موقوفا على عقولنا‬
‫أو على الدلة التي نعلمها بعقولنا‪ ،‬وهذا كما أن وجود الههرب‬

‫‪ ()1‬ابن تيميههة )ت ‪ 728‬هههه(‪ ،‬أحمههد بههن عبههد الحليههم‪ .‬بيان تلبيس الجهميششة فششي تأسششيس بششدعهم‬
‫الكلمية‪ ،‬ط ‪ ،1‬ه ‪2‬م‪) ،‬تحقيق محمد بن عبد الرحمن بن قاسم(‪ ،‬مطبعة الحكومههة‪ ،‬مكههة المكّرمههة‪1392 ،‬‬
‫هه‪ ،‬م ‪ 2‬ص ‪.536‬‬

‫‪74‬‬
‫تعالى وما يستحقه من السماء والصههفات ثههابت فههي نفههس‬
‫المر سواء علمناه أو لم نعلمه‪ ،‬فتبين بذلك أن العقل ليس‬
‫أصل ً لثبوت الشرع في نفسه ول معطيا ً لههه صههفة لههم تكههن‬
‫ل‪ ،‬إذ العلههم مطههابق للمعلههوم‬ ‫لههه‪ ،‬ول مفيههدا لههه صههفة كمهها ٍ‬
‫)‪(1‬‬
‫المستغني عن العلم تابع له ليس مؤثرا فيه"‬
‫ويقصد ابن تيمية مهها يههردده المتكلمههون مههن أن صههفة‬
‫العلم صههفة كاشههفة ل مههؤثرة‪ ،‬وهههذه قاعههدة توافههق عليههها‬
‫المتكلمون‪ ،‬ومعناها كما عند ابههن تيميههة أن علمنهها بالشههيء‬
‫بعقل أو بغيههره ل يههؤثر فههي ذات الشههيء فههي الخههارج‪ ،‬لن‬
‫العلم هههو مجههرد كشههف عههن الواقههع أو عههن الخههارج‪ ،‬وهههذا‬
‫الكشف ل يؤثر في الخارج إن وجد وإن لم يوجد‪ ،‬فإن وجههد‬
‫بالعقل ل يؤثر‪ ،‬وإن وجد بالسمع ل يههؤثر أيض هًا‪ ،‬فهههو مجههرد‬
‫كشف‪ .‬والشاهد هنا مههن كلم ابههن تيميههة أنههه يريههد أن يههرد‬
‫على من قالوا إن العقههل أصههل للشههرع‪ ،‬أي أنههه أصههل فههي‬
‫كر من أن العقل كاشف عن الواقع –‬ ‫ثبوته في نفسه‪ ،‬لما ذ ُ ِ‬
‫الذي هو الشرع‪ -‬وهذا الكاشف ل يكون مؤثرًا‪ ،‬فتبين بطلن‬
‫أن العقل أصل للشرع على هههذا العتبههار الول‪ ،‬وسههنعرض‬
‫الن العتبارات الباقية وكيف رد عليها ابن تيمية‪.‬‬
‫ويرد على أصحاب العتبهار الثههاني وهههم القهائلون بههأن‬
‫العقل أصل معرفتنا بالسمع ودليل لنا على صحته‪.‬‬
‫فيقول ابن تيمية لهههؤلء‪" :‬أتعنههي بالعقههل هنهها الغريههزة‬
‫)‪(2‬‬
‫التي فينا‪ ،‬أم العلوم التي استفدناها بتلك الغريزة؟"‬
‫فيههرد علههى العتبههار الول ويحكههم عليههه بالخطههأ‪ ،‬لن‬
‫الغريزة –التي هي أحههد مفههاهيم العقههل بههأنه الغريههزة الههتي‬
‫وضعها الله في النسههان ليههدرك بههها الشههياء‪ -‬ليسههت علمهها‬
‫يتصور أن يعارض النقل الههذي هههو عبههارة عههن علههم‪ ،‬وهههذه‬
‫الغريزة شرط كل علم عقلي أو سمعي‪ ،‬كالحياة‪ ،‬وما كههان‬
‫شههرطا فههي الشههيء امتنههع أن يكههون منافيهها لههه‪ ،‬فالحيههاة‬
‫والغريزة شرط في كل العلوم؛ سمعّيها وعقلّيها‪ ،‬فامتنع أن‬
‫تكون منافية لها‪ ،‬وهههي أيضهها شههرط فههي العتقههاد الحاصههل‬

‫‪ ()1‬ابن تيمية‪ ،‬درء تعارض العقل والنقل‪ ،‬م ‪ 1‬ص ‪.50‬‬


‫‪ ()2‬ابن تيمية‪ ،‬درء تعارض العقل والنقل‪ ،‬م ‪ 1‬ص ‪.51‬‬

‫‪75‬‬
‫بالستدلل وإن لم تكن علمهًا‪ ،‬فيمتنههع أن تكههون منافيههة لههه‬
‫)‪(1‬‬
‫ومعارضة له‪.‬‬
‫وقد أورد ابن تيمية هنا قاعدة سليمة استند عليها وهي‬
‫"ما كان شرطا في الشيء امتنع أن يكون منافيا له" وذلههك‬
‫لنههه ل يتصههور التنههافي والتضههاد إل مههن شههيئين مسههتقلين‬
‫أحدهما عن الخر‪ ،‬يقههوم كههل منهمهها بنفسههه دون أن يكههون‬
‫أحدهما شرطا ً للخههر أو مشههروطا بههه حههتى يتصههور التضههاد‬
‫والتنههاقض بينهمهها‪ ،‬ذلههك مثههل سههاق الشههجرة وفرعههها‪ ،‬فل‬
‫مههر أكههثر مههن الخههر‪ ،‬لن فههرع‬ ‫نسههتطيع أن نقههول أيهمهها يع ّ‬
‫الشجرة يستمد حياته من أصلها‪ ،‬فل حياة له بههدون الصههل‪،‬‬
‫ول تتصور حياة الفرع مستقل ً بذاته‪ ،‬فالمقارنة باطلة‪.‬‬
‫ويرد ابههن تيميههة علههى العتبههار الثههاني وهههو أن العقههل‬
‫المقصود هو العلوم التي استفدناها بتلك الغريزة‪.‬‬
‫فيقول‪" :‬من المعلوم أنه ليس كههل مهها يعههرف بالعقههل‬
‫يكون أصل للسمع ودليل على صحته فإن المعههارف العقليههة‬
‫أكثر من أن تحصر والعلههم بصههحة السههمع غههايته أن يتوقههف‬
‫على ما به يعلم صدق الرسول ‪‬وليس كل العلوم العقليههة‬
‫يعلم بها صدق الرسول ‪ ‬بل ذلك يعلم بما يعلم به أن الله‬
‫تعالى أرسله مثل إثبات الصانع وتصههديقه للرسههول باليههات‬
‫وأمثال ذلك وإذا كان كذلك لم تكن جميههع المعقههولت أصههل‬
‫للنقل ل بمعني توقف العلم بالسمع عليها ول بمعنى الدللة‬
‫)‪(2‬‬
‫علي صحته ول بغير ذلك"‬

‫سابعًا‪ :‬رد القول بالشششهادة بصششحة السششمع مششا لششم‬


‫يعارض العقل‪.‬‬
‫وقههد أطههال ابههن تيميههة الكلم فههي الههرد علههى هههذه‬
‫القاعدة‪ ،‬وقد أخذ عليها مآخذ‪ ،‬هي‪:‬‬
‫‪ -1‬الدليل العقلههي دل علههى صههدق الرسههول ‪ ‬وثبههوت مهها‬
‫أخبر به مطلقًا‪ ،‬فل يجهوز أن يكهون صهدقه مشهروطا بعهدم‬
‫)‪(3‬‬
‫المعارض‪.‬‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬ابن تيمية‪ ،‬درء تعارض العقل والنقل‪ ،‬م ‪ 1‬ص ‪.51‬‬
‫‪ ()2‬ابن تيمية‪ ،‬درء تعارض العقل والنقل‪ ،‬م ‪ 1‬ص ‪.51‬‬
‫‪ ()3‬ابن تيمية‪ ،‬درء تعارض العقل والنقل‪ ،‬م ‪ 1‬ص ‪.101‬‬

‫‪76‬‬
‫والمعنى أننا علمنا صههدق الرسههول ‪ ‬وثبههوت الشههرع‬
‫بالعقل أساسا ً فل يمكن أن يثبت الشرع إل بطريههق العقههل‪،‬‬
‫وبما أن العقل شرط لثبوت صحة الشرع فكيف يمكن أصل ً‬
‫أن يعارضه وهو الذي حكم بداية بصحته‪.‬‬
‫وزت عليههه أن يعارضههه العقههل الههدال علههى‬‫‪ -2‬أنههك إن جهه ّ‬
‫فساده لم تثق بشههيء مههن الشههرع‪ ،‬فقههد يكههون فههي عقههل‬
‫غيرك ما يدل على فساده‪ ،‬فتتطرق الحتمههال إلههى كههل مهها‬
‫)‪(1‬‬
‫اعتقدته‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يعارض هذا القول بأن يقال‪ :‬إن دليل العقل مشروط‬
‫بعدم معارضة الشرع‪ ،‬لن العقل ضعيف عههاجز‪ ،‬والشههبهات‬
‫تعرض له كثيرا‪ ،‬وهههذه المتههائه والمحههارات الههتي اضههطرب‬
‫)‪(2‬‬
‫فيها العقلء ل أثق فيها بعقل يخالف الشرع‪.‬‬
‫وسههنناقش هههذه القاعههدة والههتي تليههها فههي مبحههث‬
‫المناقشة‪ ،‬المبحث الخامس من هذا الفصههل‪ ،‬إن شههاء اللههه‬
‫تعالى‪.‬‬

‫ثامنششًا‪ :‬إنكششار أن يكششون العقششل منطلقششا ً للنفششي‬


‫والثبات في العقائد‬

‫والنزاع هنهها بيههن الحنابلهة ومخههالفيهم عههائد إلههى كههون‬


‫العقل قد أحال بعض المور التي تفهم من ظههاهر النصههوص‬
‫الشرعية‪ ،‬كما يفهم النزول والحركة والغضب في حق اللههه‬
‫تعالى من ظاهر كههثير مههن النصههوص‪ ،‬فههإن هههؤلء الخصههوم‬
‫يحيلون كون الله تعالى متحركا ً مثل ً وذلك لن العقههل يحيههل‬
‫ذلك علههى اللههه تعههالى فههي نظرهههم‪ ،‬فأخههذوا يتههأّولون هههذه‬
‫دون ما هو ثابت منها عن طريق الحاد‪.‬‬ ‫النصوص‪ ،‬أو ير ّ‬
‫وفي ذلك يرد ابن تيمية على هؤلء الذين يقولههون‪ :‬مهها‬
‫لههم تثبتههه عقههولكم فههانفوه‪ ،‬أو مههن يقولههون‪ :‬مهها لههم تثبتههه‬
‫عقولكم فتوقفوا فيه‪ (3) .‬فهو يرى أنه لو كان المر على مهها‬
‫ذكره هؤلء فلن يكون القرآن الكريم كتاب هدى للنههاس ول‬
‫‪ ()1‬انظر‪ :‬ابن تيمية‪ ،‬درء تعارض العقل والنقل‪ ،‬م ‪ 1‬ص ‪.102‬‬
‫‪ ()2‬ابن تيمية‪ ،‬درء تعارض العقل والنقل‪ ،‬م ‪ 1‬ص ‪.108‬‬
‫‪ ()3‬ابن تيمية‪ ،‬أحمد بن عبد الحليههم )ت ‪ 728‬هههه(‪ .‬الفتوى الحمويششة الكششبرى‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار ابههن الجههوزي‪،‬‬
‫مصر‪ ،2006 ،‬ص ‪.45-44‬‬

‫‪77‬‬
‫بيان ها ً ول شههفاء لمهها فههي الصههدور ول نههورًا‪ ،‬ول مههرد ّا ً عنههد‬
‫التنازع‪ ،‬لن هذا القههول يفضههي إلههى كههون مهها يقههوله هههؤلء‬
‫الناس هو الحق الههذي يجههب اعتقههاده‪ ،‬وهههذا لههم يههدل عليههه‬
‫ً )‪(1‬‬
‫الكتاب والسنة ل نصا ول ظاهرا‪.‬‬
‫وهذا الكلم ل يتعارض مع قول الحنابلة بههه "أن العقههل‬
‫يتوصل إلى أشياء أمرنا باليمان بها وهي مههن صههلب ديننهها"‬
‫لن المنطلق الول في هذه القاعدة هو الشههرع فهههو الههذي‬
‫يقهرر العقهائد ويبينهها‪ ،‬مهع إمكهان توصههل العقهل إلهى ههذه‬
‫العقائد بمفرده كمؤي ّدٍ ومؤازر‪ ،‬وهذا تطابق بين القاعههدتين‪،‬‬
‫ولكن الذي ينكره الحنابلة هو أن يكون العقل هههو المنطلههق‬
‫في إثبات العتقادات أو نفيها‪.‬‬
‫ويقول ابن تيمية أيضا ً رادا ً علههى أصههحاب هههذا القههول‪:‬‬
‫"ويكفيك دليل ً على فساد قول هؤلء أنه ليس لواحههد منهههم‬
‫قاعدة مستمرة فيما يحيله العقل‪ ،‬بهل منههم مهن يزعهم أن‬
‫)‪(2‬‬
‫دعي الخر أن العقل أحاله"‪.‬‬ ‫وز أو أوجب ما ي ّ‬ ‫العقل ج ّ‬
‫ثم يختم بقههوله‪" :‬إذا كههان هكههذا فههالواجب تلقههي علههم‬
‫)‪(3‬‬
‫ذلك من النبوات على ما هو عليه"‪.‬‬
‫ومثل هذا الكلم قال السفاريني)‪ (4‬في متن عقائده‪:‬‬
‫ح في الخبار‬ ‫أو ص ّ‬ ‫فكل ما جاء من اليات‬
‫ت‬‫عن ثقا ِ‬
‫قد جاء فاسمع‬ ‫مّرهُ كما‬
‫من الحاديث ن ُ ِ‬
‫نظامي واعلما‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬ابن تيمية‪ ،‬الفتوى الحموية الكبرى‪ ،‬ص ‪ ،54‬وانظر‪ :‬ابن تيمية‪ ،‬أحمد بن عبد الحليم )ت ‪728‬‬
‫هه(‪ .‬الرد على المنطقيين "‪ "2‬مبحث الستدللت‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار الفكر اللبناني‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪1993 ،‬م‪،‬‬
‫ص ‪.121‬‬
‫‪ ()2‬ابن تيمية‪ ،‬الفتوى الحموية الكبرى‪ ،‬ص ‪.81‬‬
‫‪ ()3‬ابن تيمية‪ ،‬الفتوى الحموية الكبرى‪ ،‬ص ‪ ،84‬وانظر‪ :‬الللكائي‪ ،‬أبو القاسم هبة الله بههن الحسههن بههن‬
‫منصور )ت ‪ 418‬هه(‪ .‬شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعششة مششن الكتششاب والسششنة وإجمششاع‬
‫الصحابة والتابعين ومن بعدهم‪2 ،‬م‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪2002 ،‬م‪ ،‬م ‪ ،1‬ص ‪.115‬‬
‫‪ ()4‬محمد بن أحمد بن سالم السههفاريني) ‪‍ 1188 - 1114‬‬
‫ه(‪ ،‬شههمس الههدين‪ ،‬أبههو العههون‪ ،‬عههالم بالحههديث‬
‫والصول والدب‪ ،‬محقق‪ ،‬من كتبه )الدراري المصنوعات في اختصار الموضوعات(‪ ،‬و)كشف اللثههام‪ ،‬شههرح‬
‫عمدة الحكام( في الظاهرية بدمشق‪ ،‬و)القول العلي لشرح أثر المههام علههي( و)الملههح الغراميههة( و) غههذاء‬
‫اللباب‪ ،‬شرح منظومة الداب‪-‬ط( جزآن‪ ،‬و)لوائح النوار البهية وسواطع السرار الثريهة المضههية فههي عقههد‬
‫أهل الفرقة المرضية‪-‬ط(‪.‬الّزرِ ْ‬
‫كلي‪ ،‬العلم‪ ،‬م ‪ 6‬ص ‪.14‬‬

‫‪78‬‬
‫)‪(1‬‬
‫جهو ْ‬
‫ل‬ ‫لقول مفترٍ به َ‬ ‫ل"‬‫ول نرد ذاك به "العقو ْ‬
‫وقال الحنابلة أيضًا‪" :‬إن العقل ل مههدخل لههه فههي بههاب‬
‫السماء والصههفات‪ ،‬لن مههدار إثبههات السههماء والصههفات أو‬
‫نفيههها علههى السههمع‪ ،‬خلفها ً للشههعرية والمعتزلههة والجهميههة‬
‫وغيرهم من أهل التعطيل‪ ،‬الذين جعلههوا المههدار فههي إثبههات‬
‫الصفات أو نفيههها علههى العقههل‪ ،‬فقههالوا‪ :‬مهها اقتضههى العقههل‬
‫إثباته أثبتناه‪ ،‬سواء أثبته الله لنفسه أم ل‪ ،‬وما اقتضههى نفيههه‬
‫نفيناه‪ ،‬وإن أثبته الله ! وما ل يقتضي العقل إثبههاته ول نفيههه؛‬
‫فههأكثرهم نفههاه‪ ..........‬فصههار هههؤلء يحكمههون العقههل فيمهها‬
‫يجب أو يمتنع على اللههه عههز وجههل‪ ،‬فيتفههرع علههى هههذا‪ :‬مهها‬
‫اقتضى العقل وصف الله به ُوصف الله به‪ ،‬وإن لم يكن في‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬وما اقتضى العقل نفيه عن الله نفههوه‪ ،‬وإن‬
‫كان في الكتاب والسنة‪ ،‬ولهذا يقولون‪ :‬ليههس للههه عيههن ول‬
‫وجه ول يد ول استوى على العههرش ول ينههزل إلههى السههماء‬
‫الدنيا‪ ،‬لكنهم يحرفون ويسمون تحريفهم تههأويل ً ولههو أنكههروا‬
‫إنكار جحد لكفههروا‪ ،‬لنهههم كههذبوا‪ ،‬لكنهههم ينكههرون إنكههار مهها‬
‫)‪(2‬‬
‫يسمونه تأويل ً وهو عندنا تحريف"‪.‬‬

‫تاسعًا‪ :‬تقديم النقل على العقل مطلقًا‪.‬‬

‫وفي هذا يقول ابن تيمية‪" :‬إذا تعارض الشههرع والعقههل‬


‫وجب تقديم الشرع‪ ،‬لن العقل مصدقٌ للشرع فههي كههل مهها‬
‫دق العقل في كل مهها أخههبر بههه‪ ،‬ول‬‫أخبَر به‪ ،‬والشرعُ لم يص ّ‬
‫العلم بصدقه موقوف على كل مهها يخههبر بههه العقههل" ‪ ،‬أي‬
‫)‪(3‬‬

‫العلم بصدق الشرع‪.‬‬

‫‪ ()1‬ابن مانع‪ ،‬محمد عبد العزيز‪ ،‬شرح العقيدة السفارينية‪ ،‬ط ‪) ،1‬تحقيق‪ :‬أشرف بههن عبههد المقصههود(‪،‬‬
‫مكتبة أضواء السلف‪ ،‬الرياض‪1997 ،‬م‪ ،،‬ص ‪ .42‬والبيات للسفاريني لنها من المتن ل الشرح‪.‬‬
‫‪ ()2‬ابن عثيمين‪ ،‬محمد بن صالح‪ ،‬والهراس‪ ،‬محمههد خليههل‪ ،‬والفههوزان‪ ،‬صههالح بههن فههوزان‪ .‬شرح العقيشدة‬
‫الواسطية‪ ،‬د ط‪ ،‬دار ابن الجوزي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د ت‪ ،‬ص ‪ .51‬والنص لبن عثيمين‪.‬‬
‫‪ ()3‬ابن تيمية‪ ،‬درء تعارض العقل والنقل‪ ،‬م ‪ 1‬ص ‪ ،79‬وانظر‪ :‬ابن أبههي العههز‪ ،‬علههي الحنفههي )ت ‪792‬‬
‫هه(‪ .‬المنحة اللهية في تهششذيب شششرح الطحاويششة‪ ،‬ط ‪ ،2‬دار الصههحابة‪ ،‬بيههروت‪-‬لبنههان‪1996 ،‬م‪ ،‬ص‬
‫‪.392‬‬

‫‪79‬‬
‫ولبهههن قيهههم الجوزيهههة مثهههل ههههذا الكلم فهههي كتهههابه‬
‫)‪(4‬‬
‫"الصواعق المرسلة"‪.‬‬
‫ونكتفي بذكر ملخص سههريع عههن هههذا الموضههوع‪ ،‬لنههه‬
‫س هُيناقش فههي مبحههث المناقشههة والترجيههح‪ ،‬وهههو المبحههث‬
‫الخامس من هذا الفصل‪ ،‬ولن موضوع تقههديم النقههل علههى‬
‫العقل منبن على موضوعين لحقين همهها‪ :‬الحسههن والقبههح‪،‬‬
‫والمعارض العقلي‪.‬‬

‫عاشرًا‪ :‬العقل يدل على الشرع وحسب‬


‫قال ابن تيمية‪" :‬والعقل يدل على صدق الرسول دللة‬
‫ن المفههتي‬ ‫عامة مطلقة‪ ،‬وهههذا كمهها أن العههامي إذا علههم عيه َ‬
‫ل غيَرهُ عليه‪ ،‬وبّين له أنه عالم مفت ثههم اختلههف العههامي‬ ‫ود ّ‬
‫الدال والمفتي وجب على المستفتي أن يقدم قول المفتي‪،‬‬
‫فإذا قال له العامي‪ :‬أنا الصل في علمههك بههأنه مفههت‪ ،‬فههإذا‬
‫قدمت قوَله على قولي عنههد التعههارض قههدحت فههي الصههل‬
‫مهها‬
‫الذي به علمههت بههأنه مفههت‪ ،‬قههال لههه المسههتفتي‪ :‬أنههت ل ّ‬
‫شهدت بأنه مفت ودللت على ذلك شهههدت بوجههوب تقليههده‬
‫مي الههذي يههدل‬ ‫دون تقليدك" فيشبه ابن تيمية العقل بالعا ّ‬
‫)‪(2‬‬

‫المستفتي الذي هو النسان على المفتي الذي هههو القههرآن‪،‬‬


‫فالقرآن هو المفتي‪ ،‬والعقل يدلنا على المفههتي وحسههب فل‬
‫نأخذ منه سوى دللته على هذا المفههتي‪ ،‬ولكههن يجههوز عنههده‬
‫أن يدّلل العقل على ما ثبت بالشرع‪.‬‬

‫حادي عشر‪ :‬الستدلل علششى صششفة العلششو والجهششة‬


‫بالعقل‬

‫ويستدل ابن تيمية علههى صههفة العلههو بقههوله‪" :‬إذا ثبههت‬


‫بالعقل أنه ‪-‬أي الباري سبحانه وتعههالى‪ -‬مبههاين للمخلوقههات‪،‬‬

‫‪ ()4‬انظر‪ :‬ابن القيم )ت ‪ 751‬هه(‪ ،‬محمد بن أبي بكر أيوب الزرعههي أبههو عبههد اللههه‪ ،‬الصواعق المرسششلة‬
‫على الجهمية والمعطلة‪ ،‬ط ‪ ،4‬ه ‪3‬م‪) ،‬تحقيق ‪ :‬د‪ .‬علي بن محمد الدخيل اللههه(‪ ،‬دار العاصههمة‪ ،‬الريههاض‬
‫‪ 1418‬هه ‪1998‬م‪ ،‬م ‪ 2‬ص ‪.632‬‬
‫‪ ()2‬ابن تيمية‪ ،‬درء تعارض العقل والنقل‪ ،‬م ‪ 1‬ص ‪ ،80‬و ابن أبههي العههز‪ ،‬علههي الحنفههي )ت ‪ 792‬هههه(‪.‬‬
‫المنحة اللهية في تهذيب شرح الطحاوية‪ ،‬ص ‪.391‬‬

‫‪80‬‬
‫وثبت أن العالم كروي‪ ،‬وأن العلو المطلق فوق الكرة‪ ،‬لههزم‬
‫أن يكون في العلو بالضرورة‪.‬‬
‫وهذه المقدمات عقلية ليس فيههها خطههابي‪ ،‬وذلههك لن‬
‫العالم إذا كان مستديرا ً فله جهتان حقيقيتان؛ العلو والسفل‬
‫فقط‪ ،‬وإذا كان مباينهها للعههالم امتنههع أن يكههون فههي السههفل‬
‫)‪(1‬‬
‫داخل فيه‪ ،‬فوجب أن يكون في العلو مباينا ً له"‪.‬‬
‫وهذا استدلل عقلي محض من ابن تيميههة علههى صههفة‬
‫العلو‪ ،‬والعلو ثابت لديه بالشرع قبل أن يثبت بالعقل‪ ،‬وهههذا‬
‫جزء من منهجيته العقلية فهي أن العقهل يهدل علهى الشهرع‬
‫وحسب‪.‬‬
‫وكههذلك يسههتدل ابههن القيههم علههى الجهههة بالعقههل‪ ،‬وبنفههس‬
‫)‪(2‬‬
‫ت عند ابن تيمية‪.‬‬
‫الضوابط التي ذكر ُ‬

‫ثششاني عشششر‪ :‬محاربششة علششم المنطششق وعلششم الكلم‬


‫والعاملين بهما‬
‫وهذا من المعروف المألوف عن الحنابلة عموم هًا‪ ،‬مههن‬
‫أنهم يحاربون المنطق والمناطقههة والكلم والمتكلميههن‪ ،‬بههل‬
‫إن كثيرا منهم على القول بتحريمهما‪ ،‬ويدل على ذلك كتاب‬
‫ابن تيمية "الرد على المنطقييههن" وكتههابه "نقههض المنطههق"‬
‫الذين رجعت إليهما في هذا البحث‪.‬‬
‫وقههد عقههد ابههن أبههي العههز الحنفههي فههي كتههابه " شههرح‬
‫ن هجمة عنيفههة‬ ‫الطحاوية" فصل ً بعنوان "ذم الكلم" وقد ش ّ‬
‫عليهههم‪ ،‬ونقههل أقههوال كههثيرة عههن الشههافعي وأبههي يوسههف‬
‫والغزالي وغيرهم عههن ذم علههم الكلم وأهلههه‪ ،‬وكههذلك ذكههر‬
‫)‪(3‬‬
‫أمثلة من حيرة أهل الكلم وتخبطهم‪.‬‬

‫المبحششث الثششالث‪ :‬دور السششتدلل بالعقششل علششى‬


‫العقائد عند الشاعرة‬

‫‪ ()1‬ابن تيمية‪ ،‬درء تعارض العقل والنقل‪ ،‬م ‪ 3‬ص ‪.288‬‬


‫‪ ()2‬انظر‪ :‬ابن القيم‪ ،‬الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة‪ ،‬م ‪ 2‬ص ‪.408‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ :‬ابن أبي العز‪ ،‬المنحة اللهية في تهذيب شرح الطحاوية‪ ،‬ص ‪.391‬‬

‫‪81‬‬
‫دور الستدلل بالعقل علههى العقههائد عنههد الشههاعرة واضههح‬
‫المعالم‪ ،‬وقد رّدت هذه المدرسة علههى مدرسههتين عقليههتين‬
‫كبيرتين هما؛ المعتزلة والفلسفة المسههلمين‪ ،‬بههل إن نهايههة‬
‫هههاتين المدرسههتين كههانت علههى يههد أتبههاع الشههعري‪ ،‬وقههد‬
‫استخدم الشاعرة سلحهما في الرد عليهمهها‪ ،‬وهههذا مؤشههر‬
‫كبير في ميزان تقييم دور العقل في الستدلل على العقائد‬
‫عنههدهم‪ ،‬ولههذلك نجههد أن الشههاعرة هههم مههن أكههثر الفههرق‬
‫السلمية ‪-‬الموجودة حاليًا‪ -‬معرفههة وتمسههكا ً بعلههم المنطههق‬
‫وعلههم الكلم‪ ،‬وهههذا مظهههر أيضهها ً مههن مظههاهر السههتدلل‬
‫بالعقل‪ ،‬بالضافة إلى اهتمامهم بالبراهين العقلية في كتبهم‬
‫التي ألفوها في علم العقائد‪ ،‬وكذلك ردههم علهى خصهومهم‬
‫بطرق عقلية بحتة في كثير من الحيان‪.‬‬
‫ويدل على اهتمامهم بعلههم المنطههق تههآليفهم الكههثيرة فيههه‪،‬‬
‫وكثرة شروحهم على كتبه‪ ،‬ومن ذلك كتاب "محك النظر" و‬
‫"معيههار العلههم" وهمهها للغزالههي )ت ‪ 505‬هههه(‪ ،‬و "الكههبرى‬
‫والصغرى في المنطق" للشريف الجرجاني )ت ‪ 816‬هه(‪.‬‬
‫وكههذلك اهتمههامهم بعلههم الكلم‪ ،‬فكتبهههم فيههه ل تحصههى‪،‬‬
‫أبزرها؛ نهاية القدام في علم الكلم للشهرستاني )ت ‪548‬‬
‫هه(‪ ،‬والربعين في أصول الدين للرازي )ت ‪ 606‬هه(‪ ،‬وغاية‬
‫المرام في علم الكلم وأبكار الفكههار وكلهمهها للمههدي )ت‬
‫‪ 631‬هه(‪ ،‬المواقف في علم الكلم لعضد الدين اليجههي )ت‬
‫‪ 756‬هه(‪ ،‬شرح المواقف للجرجاني )ت ‪ 816‬هههه(‪ ،‬وغيرههها‬
‫الكثير‪.‬‬
‫ويعههد اهتمههامهم بعلههم المنطههق وعلههم الكلم مههن مظههاهر‬
‫النظرة العقليههة ودور السههتدلل بالعقههل عنههدهم‪ ،‬لن علههم‬
‫المنطق هو علم عقلي نظري محض‪ ،‬وأما فكما سبق معنهها‬
‫أنه يعتمد في الغلب على البراهين والحجههج العقليههة‪ ،‬وهههذا‬
‫ظاهر في تعريف ابن خلههدون كمهها سههبق معنهها فههي مبحههث‬
‫"نشههأة علههم الكلم"‪ ،‬بالضههافة إلههى أن علههم الكلم يعتمههد‬
‫بشكل كبير أيضا ً على علم المنطق‪.‬‬
‫دوا علههى المعتزلههة والفلسههفة‬ ‫ولقد مر معنا أن الشاعرة ر ّ‬
‫وتصههدوا لهههم‪ ،‬بههل إنهههم هههم الههذين قضههوا علههى المعتزلههة‬
‫والفلسفة‪ ،‬ومما يدل علههى ذلههك كتبهههم الكههثيرة فههي الههرد‬

‫‪82‬‬
‫علههى المعتزلههة والفلسههفة‪ ،‬وهههذا ظههاهر فههي الكتههب الههتي‬
‫ألفوههها خالصههة فههي الههرد علههى هههؤلء‪ ،‬وكههذلك فههي كتههب‬
‫المذهبية المليئة بالردود عليهم ومناقشة آرائهم‪.‬‬
‫ومن كتبهم الخالصة في الههرد علههى المعتزلههة؛ "الههرد علههى‬
‫المعتزلة" وهو لبن كلب )ت ‪ 245‬هه(‪ ،‬وهو قبل الشههعري‬
‫زمنيًا‪ ،‬ولكنه كما مّر كان يحمههل نفههس المنهههج الههذي حملههه‬
‫الشعري لحقهًا‪ ،‬و "فضههائح المعتزلههة " للبغههدادي )ت ‪429‬‬
‫هه(‪ ،‬و"التمهيد‪ ،‬في الرد على الملحدة والمعطلههة والخههوارج‬
‫والمعتزلة" للقاضي أبي بكر الباقلني )ت ‪ 403‬هه(‪ ،‬وكذلك‬
‫كتههب الفههرق الههتي ألفههها علمههاء الشههاعرة وتعّرضههوا فيههها‬
‫لقاويل المعتزلهة وغيرهههم‪ ،‬مثهل كتهاب الشهعري )ت ‪324‬‬
‫ههههه(؛ "مقهههالت السهههلميين واختلف المصهههلين"‪ ،‬وكتهههاب‬
‫البغهههدادي)ت ‪ 429‬ههههه(؛ "الفهههرق بيهههن الفهههرق"‪ ،‬وكتهههاب‬
‫الشهرستاني )ت ‪ 548‬هههه( المشهههور المسههمى بـ ه "الملههل‬
‫والنحل"‪.‬‬
‫ومن كتبهم الخالصة في الههرد علههى الفلسههفة السههلميين؛‬
‫"تهافت الفلسفة" الكتاب المشهور للغزالي )ت ‪ 505‬هههه(‪،‬‬
‫وكتههاب "تعجيههز الفلسههفة" للههرازي )ت ‪ 606‬هههه(‪ ،‬وكههذلك‬
‫كتههب العقههائد المطولههة‪ ،‬المليئة بههالردود والمناقشههات لراء‬
‫الفلسفة‪.‬‬
‫وردهم على المعتزلة والفلسفة نستطيع أن نعههده مظهههرا ً‬
‫دوا عليهههم‬ ‫من مظههاهر السهتدلل بالعقههل عنهدهم‪ ،‬فههإنهم ر ّ‬
‫غلهم في العلههوم العقليههة‬ ‫بنفس سلحهم‪ ،‬والشاعرة لول تو ّ‬
‫وفهمهم واستعمالهم وممارسههتهم لههها لمهها اسههتطاعوا الههرد‬
‫على المعتزلة والفلسفة‪.‬‬
‫وسههتأتي الن إن شههاء اللههه أهههم النقههاط الههتي تههبرز دور‬
‫الستدلل بالعقل على العقائد عند الشاعرة‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫أول ً‪ :‬قشششولهم بوجشششوب النظشششر‪ ،‬وثبشششوت الوجشششوب‬


‫بالشرع‬

‫‪83‬‬
‫يجمع الشاعرة على وجوب النظر الموصل إلى معرفة الله‬
‫)‪(1‬‬
‫ص على الجماع اليجي والجرجاني‪.‬‬ ‫تعالى‪ ،‬وقد ن ّ‬
‫ويلتقي الشاعرة مههع المعتزلههة فههي هههذا القههول‪ ،‬غيههر‬
‫مهههد َْرك الوجهههوب ‪-‬أي طريههق ثبهههوت‬ ‫أنهههم اختلفهههوا فهههي َ‬
‫الوجوب‪ ،-‬فعند الشاعرة أن الشرع هههو طريههق معرفههة أن‬
‫النظر واجب‪ ،‬وعند المعتزلة أن العقل هو طريق المعرفههة‪.‬‬
‫)‪(2‬‬

‫ويقول الجويني‪" :‬أجمعهت المههة علههى وجهوب معرفههة‬


‫الباري تعالى‪ ،‬واسههتبان بالعقههل أنههه ل يتههأتى الوصههول إلههى‬
‫اكتساب المعارف إل بالنظر‪ ،‬وما ل يتوصل إلى الههواجب إل‬
‫)‪(3‬‬
‫به فهو واجب"‪.‬‬
‫فالجويني هنا يحصر طريق المعرفة بالله تعالى بالنظر‬
‫دون الضرورة‪ ،‬ونجد مثل هذا الكلم عند المدي حين يقههول‬
‫إن معرفة الله تعالى إما أن تكون ضههرورية وإمهها أن تكههون‬
‫نظرية‪ ،‬ومحال أن تكون ضرورية‪ ،‬فثبت أنها نظرية‪ (4)،‬أي ل‬
‫تتحصل إل بالنظر‪ ،‬ومعرفته تعالى واجبة‪ ،‬ول طريق إليها إل‬
‫النظر فالنظر واجب من هذا الباب‪.‬‬
‫ويستدل المدي والجرجههاني علههى اسههتحالة أن تكههون‬
‫معرفة الله تعالى ضههرورية بقههوله‪" :‬إنههه لههو خلههى النسههان‬
‫وه مههن غيههر نظههر لههم يجههد فههي‬
‫ودواعي نفسه من مبدأ نش ّ‬
‫)‪(5‬‬
‫ل‪ ،‬وليس الضروري كذلك"‪.‬‬ ‫نفسه العلم بذلك أص ً‬
‫والمعنى أنههه لههو فرضههنا وجههود إنسههان لههم ينظههر فههي‬
‫معرفة الله تعالى منذ نشوئه ولههم يههدّله إنسههان علههى ذلههك‬
‫فلن يجد نفسه على معرفة بوجود الله تعالى‪ ،‬وهذا صههحيح‪،‬‬
‫فمن الواضح أن معرفة الله تعالى ليست مهن الضهروريات‪،‬‬
‫بل إن القول بإن معرفة الله تعالى ضرورية أمر مسههتغرب‪،‬‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬الشريف الجرجاني )ت ‪ 816‬هه(‪ .‬شرح المواقف‪ ،‬م ‪ ،1‬ص ‪.257‬‬


‫‪ ()2‬انظر‪ :‬الجويني )ت ‪ 478‬هه(‪ .‬الرشاد إلى قواطع الدلة فششي أصششول العتقششاد‪ ،‬ص ‪ ،8‬وانظههر‪:‬‬
‫المدي )ت ‪ 631‬هه(‪ .‬أبكار الفكار في أصول الششدين‪ ،‬م ‪ 1‬ص ‪ ،155‬وانظههر‪ :‬الشههريف الجرجههاني)ت‬
‫‪ 816‬هه(‪ .‬شرح المواقف‪ ،‬م ‪ ،1‬ص ‪.257‬‬
‫‪ ()3‬الجويني )ت ‪ 478‬هه(‪ .‬الرشاد إلى قواطع الدلة في أصول العتقاد‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪ ()4‬انظر‪ :‬المدي )ت ‪ 631‬هه(‪ .‬أبكار الفكار في أصول الدين‪ ،‬م ‪ 1‬ص ‪.156‬‬
‫‪ ()5‬المدي )ت ‪ 631‬هه(‪ .‬أبكار الفكار في أصول الدين‪ ،‬م ‪ 1‬ص ‪.156‬‬

‫‪84‬‬
‫ويقصد المدي بقوله‪" :‬وليههس الضههروري كههذلك" أن العلههم‬
‫الضروري يتحصل عند النسان ولو لم ينظر منذ نشوئه‪.‬‬

‫وكذلك يستدل الشههاعرة )‪ (1‬بظههواهر النصههوص الدالههة‬


‫على وجوب النظر‪ ،‬ومن هذه النصوص قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﮈ ﮉ ﮊ‬
‫)‪(3‬‬
‫ﮋ ﮌ ﮍ ﭼ )‪ (2‬وقوله تعالى‪ :‬ﭽ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯻ ﯻ ﯻ ﯻ ﯻ ﭼ‪.‬‬
‫وملخص ما مضى‪ :‬أن الشاعرة يقولون بوجوب النظر‬
‫في معرفة الله تعالى‪ ،‬وأن معرفة الله تعالى ليسههت تههدرك‬
‫بضرورة العقل‪ ،‬وأننا عرفنا وجوب النظر عن طريق الشرع‬
‫ل العقل‪.‬‬
‫وبما أننا ندرس دور الستدلل بالعقل على العقائد عند‬
‫الشههاعرة‪ ،‬وبمهها أن معرفههة اللههه تعههالى مههن أهههم أصههول‬
‫العقائد‪ ،‬وبما أن هذه المعرفة تتحصل بالنظر العقلههي‪ ،‬كههان‬
‫ل بد من إيراد هذه النقطة في دور الستدلل بالعقههل علههى‬
‫العقائد‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬ترّتب العلم على النظر ترّتبا عاديا ً‬


‫ِ‬
‫وملخص المسههألة؛ أن النسههان العاقههل إذا تمكههن مههن‬
‫النظر الصحيح‪ ،‬فليس من الواجب أن يصل إلى العلم‪ ،‬كمهها‬
‫أنه ليس من اللزم أن يصل من أكههل الطعههام إلههى الشههبع‪،‬‬
‫فالشبع يخلقه الله فههي العههادة بعههد تنههاول الطعههام‪ ،‬ولربمهها‬
‫خلقه الله في النسان بل طعههام‪ ،‬ولربمهها ل ُيوصههل الطعههام‬
‫إلى الشبع‪.‬‬
‫وقد أشار إلى كون العلم مترتبا ترتبا عاديا على النظر‬
‫الصحيح أكثر علماء الشاعرة‪ ،‬وهو قول شيخ المهذهب أبهي‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬المههدي )ت ‪ 631‬هههه(‪ .‬أبكار الفكششار فششي أصششول الششدين‪ ،‬م ‪ 1‬ص ‪ ،155‬وانظههر‪ :‬الشههريف‬
‫الجرجاني)ت ‪ 816‬هه(‪ .‬شرح المواقف‪ ،‬م ‪ ،1‬ص ‪.258‬‬
‫‪ ()2‬سورة يونس‪ ،‬الية ‪.101‬‬
‫‪ ()3‬سورة الروم‪ ،‬الية ‪.50‬‬

‫‪85‬‬
‫)‪(3‬‬
‫والههرازي‬ ‫الحسههن الشههعري‪ (1) ،‬وبههه قههال الجههويني‬
‫)‪(2‬‬

‫)‪(5‬‬
‫المدي)‪ (4‬واليجي والجرجاني‪.‬‬
‫وينبع هذا القول مههن صههميم مههذهب الشهاعرة القههائل‬
‫بأن الله تعالى هو المؤثر الوحيد‪ (6)،‬فل خههالق بالفعههل غيههره‬
‫سبحانه وتعالى‪ ،‬وما يحدث في الكون مههن إجههراء القههوانين‬
‫هههو بمحههض إرادتههه وقههدرته‪ ،‬وهههو قههادر علههى إيقههاف هههذه‬
‫ب الههري ول خههالقه‪،‬‬ ‫القوانين أو العادات‪ ،‬فليس المههاُء مههوج َ‬
‫كما ليست المماسة موجبة الحراق‪ ،‬والدليل علههى ذلههك أن‬
‫المماسة قد تتحقق أحيانا ً ويتخلف عنههها الحههراق‪ ،‬كمهها فههي‬
‫قصة سيدنا إبراهيم عليه السلم‪.‬‬
‫ولذلك يقول الجرجاني‪" :‬ول علقة بوجه بين الحههوادث‬
‫المتعاقبههة‪ ،‬إل بههإجراء العههادة‪ ،‬بخلههق بعضههها عقيههب بعههض‪،‬‬
‫كالحراق عقيب مماسة النار‪ ،‬والري بعد شرب الماء‪ ...،‬بل‬
‫)‪(7‬‬
‫الكل واقع بقدرته واختياره"‬
‫وهذا أساس هذه القاعدة‪ ،‬فلو كان النظر موّلدا ً للعلههم‬
‫أو موجبا ً له لكان هنالك اشتراك في الخلق بين اللههه تعههالى‬
‫ومخلوقههاته‪ ،‬وهههذا مرفههوض فههي مههذهب الشههاعرة‪ ،‬الههذين‬
‫يقولون‪ :‬إن الله تعالى يخلق حههتى فعههل العبههد المختههار‪ ،‬ول‬
‫مدخلية للعبههد فههي الخلههق‪ ،‬وإنمهها يكسههب الفعههل مههن اللههه‬
‫كسبًا‪ ،‬فالخلق لله والكسب للعبد‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬ل حكم قبل ورود السمع‬

‫والمراد في ذلك أن العقل بنظههره واسههتدلله ل يتههأتى‬


‫منه معرفة الحكام التي يترتب عليها الثواب والعقاب‪ ،‬وهذا‬

‫‪ ()1‬أشار إلى ذلك‪ :‬الرازي )ت ‪ 606‬هه(‪ ،‬محمد بن عمر بن الحسين‪ .‬الشارة في أصول الكلم‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫)تحقيق‪ :‬محمد صبحي العايدي وربيع صبحي العايدي(‪ ،‬مركز نور العلوم للبحوث والدراسههات‪2007 ،‬م‪ ،‬ص‬
‫‪ ،65‬والشريف الجرجاني)ت ‪ 816‬هه(‪ .‬شرح المواقف‪ ،‬م ‪ ،1‬ص ‪.248‬‬
‫‪ ()2‬انظر‪ :‬الجويني )ت ‪ 478‬هه(‪ .‬الرشاد إلى قواطع الدلة في أصول العتقاد‪ ،‬ص ‪.6‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ :‬الرازي‪ ،‬معالم أصول الدين‪ ،‬ص ‪.10‬‬
‫‪ ()4‬انظر‪ :‬المدي )ت ‪ 631‬هه(‪ .‬أبكار الفكار في أصول الدين‪ ،‬م ‪ 1‬ص ‪.155‬‬
‫‪ ()5‬انظر‪ :‬الشريف الجرجاني)ت ‪ 816‬هه(‪ .‬شرح المواقف‪ ،‬م ‪ ،1‬ص ‪.248‬‬
‫‪ ()6‬انظر‪ :‬الشريف الجرجاني)ت ‪ 816‬هه(‪ .‬شرح المواقف‪ ،‬م ‪ ،1‬ص ‪.249‬‬
‫‪ ()7‬انظر‪ :‬الشريف الجرجاني)ت ‪ 816‬هه(‪ .‬شرح المواقف‪ ،‬م ‪ ،1‬ص ‪.249‬‬

‫‪86‬‬
‫مهم في دور الستدلل بالعقل على العقائد عنههد الشههاعرة‬
‫حد ّ من حدود العقل في السههتدلل‪ ،‬فل يمكههن‬ ‫من حيث أنه َ‬
‫للعقل أن يستدل أو أن يبحث في ما وراء ذلك الحد‪ ،‬وبذلك‬
‫نكون قد أخذنا سمة مهمههة مههن سههمات السههتدلل بالعقههل‬
‫عندهم‪ ،‬وقههد اسههتدل الشههاعرة علههى ذلههك بالدلههة النقليههة‬
‫والعقلية‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬

‫ﯭ ﭼ )‪ (1‬ووجه الستدلل‬ ‫ﯪ ﯫ ﯬ‬ ‫قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﯨ ﯩ‬


‫ن ل عذاب قبل بعثة الرسل‪ ،‬وهذا يدل على أنههه‬ ‫بهذه الية أ ْ‬
‫ل وجوب ول حرمة‪ ،‬إذ العذاب يترتب على تههرك الواجبههات‪،‬‬
‫فثبههت أن العقههل غيههر مههوجب ول محههرم ول حكههم لههه‪ ،‬وإل‬
‫ً )‪(2‬‬
‫لقال‪ :‬وما كّنا معذبين حتى نرزقهم عقول‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪ :‬ﭽ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﭼ ووجه الستدلل‬
‫)‪(3‬‬

‫بها "أنههه نفههى احتجههاجهم علههى المؤاخههذة بههترك الواجبههات‪،‬‬


‫وارتكههاب المحرمههات بعههد بعثههة الرسههل‪ ،‬وأثبههت بمفهههومه‬
‫الحجة قبل البعثة‪ ،‬وذلك يدل على نفههي المههوجب والمحهّرم‬
‫)‪(4‬‬
‫قبل البعثة‪ ،‬وعلى إثباته بعد البعثة"‪.‬‬
‫وكذلك يستدلون بالدليل العقلي فيقولون إن العقههل ل‬
‫يسههتطيع أن يعههرف الحكههام مههن واجههب وحههرام لوحههده‬
‫بالستقلل عن الشرع‪ ،‬ووجه ذلك أن العقل إذا توصل إلههى‬
‫كون الصلة واجبة‪ ،‬فل يخلو إما أن يوجب الصلة لفههائدة أو‬
‫لغير فائدة‪ ،‬فإن كان ل لفائدة فهذا عبههث والعقههل ل يههوجب‬
‫العبث‪ ،‬وإن كههان لفههائدة فإمهها أن ترجههع هههذه الفههائدة إلههى‬
‫المعبود أو إلى العبد‪ ،‬ومههن المحههال أن ترجههع إلههى المعبههود‬
‫فإنه تعالى يتقدس عن الغههراض‪ ،‬فهههي راجعههة إلههى العبههد‪،‬‬
‫وهي راجعة إليه إما في الدنيا وإما في الخرة‪ ،‬ول يمكن أن‬
‫ظ للنسههان فههي الههدنيا مههن‬ ‫تعههود إليههه فههي الههدنيا‪ ،‬إذا ل حه ّ‬
‫الصلة أو من أي واجههب إل التعههب والنصههب‪ ،‬ول يمكههن أن‬

‫‪ ()1‬سورة السراء‪ ،‬الية ‪.15‬‬


‫‪ ()2‬المدي )ت ‪ 631‬هه(‪ .‬أبكار الفكار في أصول الدين‪ ،‬م ‪ ،2‬ص ‪ .146‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫‪ ()3‬سورة النساء‪ ،‬الية ‪.165‬‬
‫‪ ()4‬المدي )ت ‪ 631‬هه(‪ .‬أبكار الفكار في أصول الدين‪ ،‬م ‪ ،2‬ص ‪.148‬‬

‫‪87‬‬
‫ترجع إليه في الخرة‪ ،‬فإن العقل ل يستقل بمعرفة مهها فههي‬
‫)‪(1‬‬
‫الخرة دون إخبار الشرع عنها‪.‬‬
‫وهذا المبدأ يحصر دور الستدلل بالعقل علههى العقههائد‬
‫عندهم من جهة معينة‪ ،‬وهي كون العقل بمفرده عاجزا ً عههن‬
‫الوصول إلى ما يترتب عليه الثواب والعقاب في الخرة‪.‬‬

‫رابعًا‪ :‬أقسام الدلة في العقائد‬

‫سههم الشههاعرة الدلههة فههي بههاب العقههائد إلههى ثلثههة‬


‫يق ّ‬
‫أقسام‪:‬‬
‫الول‪ :‬الدليل العقلي المحض بجميع مقدماته‪.‬‬
‫الثههاني‪ :‬الههدليل النقلههي العقلههي‪ ،‬الههذي تكههون بعههض‬
‫مقدماته عقلية وبعضها نقلية‪ ،‬وهو المشهور بالدليل النقلي‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬الدليل النقلي المحههض‪ ،‬الههذي جميههع مقههدماته‬
‫)‪(2‬‬
‫نقلية‪ ،‬وهذا ل يتصور وجوده عندهم فهو محال‪.‬‬
‫أما الول فهو الذي جميع مقههدماته عقليههة‪ ،‬ول يتوقههف‬
‫علههى السههمع أبههدًا‪ ،‬ول خلف فههي اعتمههاده دليل ً فههي بههاب‬
‫العقائد عندهم‪.‬‬
‫"فإن كانت جميع مقدماته يقينية‪ ،‬كههانت النتيجههة أيض ها ً‬
‫يقينية‪ ،‬إذ اللزم عن المقدمات الحقههة لزوم ها ً حقهها ل بههد أن‬
‫يكون حقًا‪ ،‬وأما إن كانت المقدمات بأسههرها ظنيههة‪ ،‬أو كههان‬
‫بعضها يقينيا ً وبعضها ظنيًا‪ ،‬كانت النتيجة ل محالة ظنيههة‪ ،‬لن‬
‫الفرع ل يكون أقوى من الصل‪ ،‬فإذا كههان الصههل بكلّيتههه أو‬
‫)‪(3‬‬
‫ببعض أجزائه ظنيًا‪ ،‬كان الفرع أولى بأن يكون كذلك"‪.‬‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬الغزالي‪ ،‬القتصاد في العتقاد‪ ،‬ص ‪ ،102‬المدي‪ ،‬أبكار الفكار في أصول الدين‪ ،‬م ‪،1‬‬
‫ص ‪ ،168‬وانظر‪ :‬الرازي )ت ‪606‬هه(‪ ،‬محمد بن عمر بن الحسين‪ .‬الربعين فششي أصششول الششدين‪ ،‬ط ‪،2‬‬
‫)تحقيق د‪ .‬أحمد حجازي السقا(‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ -‬القاهرة‪ -‬تونس‪ ،2004 ،‬ص ‪.237‬‬
‫‪ ()2‬انظر هذا التقسيم عند ‪ :‬الغزالي )ت ‪ 505‬هه(‪ ،‬القتصاد في العتقاد‪ ،‬ص ‪ ،115‬والههرازي‪ ،‬معششالم‬
‫أصول الدين‪ ،‬ص ‪ .11‬و الرازي‪ ،‬الربعين فششي أصششول الششدين‪ ،‬ص ‪ .416‬و الشههريف الجرجههاني)ت‬
‫‪ 816‬هه(‪ .‬شرح المواقف‪ ،‬م ‪ ،2‬ص ‪ .48‬وانظر مثله عند‪ :‬الجويني )ت ‪ 478‬هه(‪ ،‬الرشاد إلى قواطع‬
‫الدلة في أصول العتقاد‪ ،‬ص ‪.8‬‬
‫‪ ()3‬الرازي )ت ‪ 606‬هه(‪ ،‬محمد بن عمر بن الحسين‪ ،‬الربعين في أصول الدين‪ ،‬م ‪ ،2‬ص ‪.416‬‬

‫‪88‬‬
‫والمقصههود بالصههل هههو مقههدمات الههدليل‪ ،‬والمقصههود‬
‫بالفرع النتيجة‪ ،‬إذ شّبه المقدمات بالصل لنههها تظهههر منههها‬
‫النتيجة التي شبهها بالفرع‪.‬‬
‫وأما الثاني‪ :‬فهو الذي بعههض مقههدماته عقليههة وبعضههها‬
‫نقلية‪ ،‬وهو المشهور بالنقلي‪ ،‬وهههو محههل اتفههاق عنههد جميههع‬
‫المدارس وإن اختلفت التسميات‪.‬‬
‫وأما الثالث‪ :‬فهو النقلي بجميع مقدماته‪ ،‬وهو محههال ل‬
‫ور عنههد الشههاعرة‪ ،‬وذلههك لن صههحة وثبههوت الشههرع ل‬ ‫يتصه ّ‬
‫تستغني عن العقل‪ ،‬فالتصديق بالكتاب والسههنة والسههتدلل‬
‫عليهما موقوف على العلم بصدق الرسههول ‪ ‬وهههذا العلههم‬
‫إل يثبت إل بالعقل لن دللة المعجزة علههى صههدق الرسههول‬
‫دللة عقلية‪ ،‬وليست نقلية‪ ،‬ولو كانت نقلية للزم الدور‪ ،‬كما‬
‫مّر معنا عند الكلم على أن العقل أصل للنقل عند المعتزلة‬
‫في هذا الفصل‪.‬‬
‫وهذا القسم الثالث هو الهم بالنسبة لبحثي لنه ُيظهر‬
‫التقاء الشاعرة مع المعتزلة في هههذه النقطههة‪ ،‬وهههي كههون‬
‫العقل أصل الشرع عند المعتزلة‪ ،‬وكون الشههرع ل يسههتغني‬
‫عن العقل عند الشاعرة‪ ،‬وهما وإن اختلفت العبارة بنفههس‬
‫المعنى‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫وهذا الموضوع سنناقش ‪-‬إن شاء الله تعههالى‪ -‬التفههاق‬
‫والختلف فيه في المبحث الخامس من هذا الفصل‪.‬‬

‫خامسًا‪ :‬ال ُ‬
‫معارض العقلي‬

‫والمعارض العقلي عند الشاعرة هو‪ :‬القواطع العقليههة‬


‫)‪(1‬‬
‫التي تتعارض مع ظواهر النصوص المفيدة للظن‪.‬‬
‫معارض وتأويههل مهها‬ ‫ويجب ‪-‬عند الشاعرة‪ -‬الخذ بهذا ال ُ‬
‫يناقضههه مههن ظههواهر النصههوص‪ ،‬فكههل مهها قضههى العقههل‬
‫باسههتحالته يجههب تأويههل النصههوص الههتي ظاهرههها ثبههوته أو‬
‫ت هذا التعريف من فهمي لما كتبه كل من‪ :‬الغزالي )ت ‪ 505‬هه(‪ ،‬القتصاد فششي العتقششاد‪ ،‬ص‬
‫صغ ُ‬
‫)( ُ‬
‫‪1‬‬

‫‪ ،116‬والرازي )ت ‪ 606‬هه(‪ ،‬محمد بههن عمههر بههن الحسههين‪ ،‬أساس التقشديس‪ ،‬ط ‪) ،1‬تحقيههق د‪ .‬أحمههد‬
‫حجازي السقا(‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪1993 ،‬م‪ ،‬ص ‪ 193‬و ‪ ،194‬والرازي )ت ‪ 606‬هه(‪ ،‬محمههد بههن عمههر بههن‬
‫الحسين‪ .‬الربعين في أصول الدين‪ ،،‬ص ‪ ،418‬و الشريف الجرجاني )ت ‪ 816‬هه(‪ .‬شرح المواقف‪،‬‬
‫ج ‪ ،2‬ص ‪ 53‬و ‪.54‬‬

‫‪89‬‬
‫جهوازه‪ ،‬مهع العلهم بهأنه ل يتصهور أن يهرد فهي السهمع أمهر‬
‫)‪(1‬‬
‫قطعي مخالف لقواطع العقول‪.‬‬
‫فهذه‬ ‫)‪(2‬‬
‫ومثال ما مضى قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﭼ‬
‫الية يدل ظاهرها على الجلوس‪ ،‬والجلوس محال على اللههه‬
‫ل‪ ،‬فوجب تأويلها‪ ،‬كأن تأّول بالكناية عههن الملههك أو‬ ‫تعالى عق ً‬
‫)‪(3‬‬
‫الستيلء‪.‬‬
‫وأما ما كان واردا ً في الشرع وواقعها ً فههي بههاب الجههائز‬
‫العقلههي فيجههب التصههديق بههه ظّنهها إن كههان ظنيههًا‪ ،‬ويجههب‬
‫ً )‪(4‬‬
‫التصديق به قطعا ً إن كان قطعيا‪.‬‬
‫ويعقب الغزالي على الموضوع بملحظة مهمة فيقول‪:‬‬
‫إن هناك فرقا ً كبيرا بين أن تقول‪ :‬إن المههر جههائز‪ ،‬وبيههن أن‬
‫تقول‪ :‬ل ندري هل هو محال أم جائز‪ ،‬ويقههول الغزالههي عههن‬
‫هذين المعنيين‪" :‬وبينهما ما بيههن السههماء والرض")‪ (5‬ويعلههل‬
‫الفرق الكبير بين المعنيين فيقول‪" :‬إذ الول جائز على اللههه‬
‫تعالى‪ ،‬والثاني غير جائز‪ ،‬فإن الول معرفة بالجواز‪ ،‬والثاني‬
‫)‪(6‬‬
‫عدم معرفة بالحالة"‬
‫والمعنى أن المور التي نحكم بجوازها على الله تعالى‬
‫كأن يخلق شمسا ً أخههرى وكههالبعث والحشههر وعههذاب القههبر‬
‫تختلف عن المور التي اختلف أنها جائزة أم مستحيلة بحههق‬
‫الله تعالى كالجهههة والمكههان والجسههمية‪ ،‬فل مجههال للخلههط‬
‫بين المرين‪.‬‬
‫س بحثنهها؛ أن‬ ‫منهها مههن كههل هههذا الموضههوع ويمه ّ‬
‫ومهها يه ّ‬
‫الشاعرة جعلوا للستدلل العقلي فههي بههاب العقههائد تههأثيرا ً‬
‫علههى فهههم النصههوص لههديهم وبنههاء التصههورات عنههدهم‪،‬‬
‫فههالظواهر الظنيههة مههن النصههوص الشههرعية مقي ّههدةٌ عنههدهم‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬الغزالي )ت ‪ 505‬هه(‪ ،‬القتصاد في العتقاد‪ ،‬ص ‪ ،116‬والههرازي )ت ‪ 606‬هههه(‪ ،‬محمههد بههن‬
‫عمههر بههن الحسههين‪ .‬أساس التقششديس‪ ،‬ص ‪ 193‬و ‪ ،194‬والههرازي )ت ‪ 606‬هههه(‪ ،‬محمههد بههن عمههر بههن‬
‫الحسههين‪ .‬الربعيششن فششي أصششول الششدين‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ ،418‬و الشههريف الجرجههاني)ت ‪ 816‬هههه(‪ .‬شششرح‬
‫المواقف‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ 53‬و ‪.54‬‬
‫‪ ()2‬سورة طه‪ ،‬الية رقم ‪.5‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ :‬الشريف الجرجاني)ت ‪ 816‬هه(‪ .‬شرح المواقف‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.54‬‬
‫‪ ()4‬انظر‪ :‬الغزالي )ت ‪ 505‬هه(‪ ،‬القتصاد في العتقاد‪ ،‬ص ‪115‬و ص ‪.116‬‬
‫‪ ()5‬الغزالي )ت ‪ 505‬هه(‪ ،‬القتصاد في العتقاد‪ ،‬ص ‪.116‬‬
‫‪ ()6‬الغزالي )ت ‪ 505‬هه(‪ ،‬القتصاد في العتقاد‪ ،‬ص ‪.116‬‬

‫‪90‬‬
‫بالحكام العقلية الثلثة؛ الوجوب والستحالة والجواز‪ ،‬وُتأّول‬
‫هذه الظواهر بناء على التصور العقلههي‪ ،‬وهههذا مههن ل ّههب دور‬
‫السههتدلل بالعقههل علههى العقههائد عنههد الشههاعرة‪ ،‬وهههو مهها‬
‫مى بالمعارض العقلي‪.‬‬ ‫يس ّ‬

‫المبحششث الرابششع‪ :‬دور السششتدلل بالعقششل علششى‬


‫العقائد عند الماتريدية‬

‫كل ما مر معنهها عههن دور العقههل فههي السههتدلل علههى‬


‫العقائد عند الشاعرة موجههود عنههد الماتريديههة‪ ،‬فالماتريديههة‬
‫دوا للمعتزلة والفلسههفة‪ ،‬وكههذلك اهتمههوا بعلههم المنطههق‬ ‫تص ّ‬
‫وعلم الكلم اهتماما ً كبيرًا‪ ،‬وقد دّللوا أيضا ً على صفات اللههه‬
‫تعالى وغيرها من أصول العتقاد بالعقل والنقل‪.‬‬
‫ومن كتبهم في علم الكلم ‪ :‬كتاب "التوحيد" و"شرح الفقه‬
‫الكبر" لبي منصور الماتريدي )ت ‪ 333‬هه(‪ ،‬كتاب "العقائد‬
‫النسههفية" لنجههم الههدين أبههي حفههص النسههفي )ت ‪ 537‬هههه(‬
‫و"شرح العقائد النسفية" للسههعد التفتههازاني )ت ‪ 793‬هههه(‪،‬‬
‫و"متن السنوسية" المسماة "أم البراهين" للمام أبههي عبههد‬
‫الله السنوسي )ت ‪ 895‬هه(‪ ،‬وشروح السنوسية كثيرة جههدا‬
‫ومنههها شههرح للسنوسههي نفسههه‪ ،‬ومههن كتبهههم أيض هًا؛ متههن‬
‫"المسايرة" لكمال الههدين محمههد بههن عبههد الواحههد الحنفههي‬
‫المعههروف بههابن الهمههام )ت ‪861‬هههه(‪ ،‬وشههرحها المسههمى‬
‫"المسامرة" لكمال الدين بن أبي شريف )ت ‪905‬هه(‪ ،‬ومن‬
‫كتبهههم فههي علههم المنطههق‪" :‬تهههذيب المنطههق" للسههعد‬
‫التفتازاني )ت ‪ 793‬هههه(‪" ،‬مختصههر فههي علههم المنطههق" و"‬
‫شرح جمههل الخههونجي" لبههي عبههد اللههه محمههد بههن يوسههف‬
‫السنوسههي )ت ‪ 895‬هههه(‪ ،‬ومههن كتبهههم فههي الههرد علههى‬
‫المعتزلة‪ ،‬كتهاب "أوههام المعتزلههة" و "الهرد علهى الكعهبي"‬
‫لبي منصور الماتريدي )ت ‪ 333‬هه(‪.‬‬

‫ومن خلل استقراء كتب الشاعرة والماتريدية والكتب‬


‫التي صنفت في الخلف بينهما وجد الباحث نقطههتين فيهمهها‬

‫‪91‬‬
‫شيء مههن الفههرق بينهمهها فههي دور السههتدلل بالعقههل علههى‬
‫العقائد عندهم‪ ،‬وهما‪:‬‬

‫الولى‪ :‬الحسن والقبح‬


‫لقد قال الماتريدية‪ :‬إن العقل من الممكن له أن يدرك‬
‫)‪(1‬‬
‫حسن بعض الشياء وقبح بعضها‪.‬‬
‫والحسن والقبح بشكل عام‪ ،‬عنههد الماتريديههة وغيرهههم‬
‫يفهم على ثلثة معان )‪ (2‬هي‪:‬‬

‫‪ -1‬ما كان صفته صفة كمههال فهههو حسههن‪ ،‬ومهها كههان صههفته‬
‫)‪(3‬‬
‫صفة نقص فهو قبيح‪.‬‬
‫وهذا كالعلم والجهل‪ ،‬فالجهههل نقههص ويتوصههل إلههى أن‬
‫الجهل قبيح ‪-‬بمعنههى أنههه صههفة نقههص‪ -‬بمحههض العقههل دون‬
‫حاجة إلى شرع‪ ،‬وكذلك يتوصل إلى أن العلم حسن ‪-‬بمعنى‬
‫أنه صفة كمال‪ -‬بالعقل دون الحاجة للشرع‪.‬‬
‫ويخطههئ بعضهههم حيههن يظههن أن الخلف فههي مسههألة‬
‫الحسن والقبح على المعنى الول‪ ،‬ولكههن ل خلف علههى أن‬
‫الحسن والقبح بهذا المعنى يدرك بالعقل‪.‬‬

‫‪ -2‬ما وافق الغرض فهو حسن‪ ،‬وما خالفه فهو قبيح‪.‬‬


‫)‪(4‬‬

‫وذلك كالكذب علههى العههدو والكههذب المطلههق‪ ،‬فههالول‬


‫يوافههق الغههرض والمصههلحة فهههو حسههن‪ ،‬والثههاني يخههالف‬

‫‪ ()1‬ابن الهمام‪ ،‬المسايرة‪ ،‬ص ‪.152‬‬


‫‪ ()2‬انظر‪ :‬الخّيالي )ت ‪ 862‬هه(‪ ،‬أحمد بن موسى‪ .‬شرح العلمة الخّيالي على النونية‪ ،‬ط ‪) ،1‬تحقيق‪:‬‬
‫عبد النصير ناتور أحمد المليباري الهندي(‪ ،‬مكتبة وهبة‪ ،‬القههاهرة‪-‬مصههر‪2008 ،‬م‪ ،‬ص ‪ ،232‬وانظههر‪ :‬حنفههي‪،‬‬
‫من العقيدة إلى الثورة‪ ،‬م ‪ ،3‬ص ‪ .393‬تكلم الدكتور عن هذه المعاني بشكل موسع في هذا الموضع‪.‬‬
‫‪ ()3‬ابن الهمام‪ ،‬المسايرة‪ ،‬ص ‪ ،152‬و شيخ زاده )ت ‪ 944‬هه(‪ ،‬عبد الرحيم بن علي بن المؤيد الماسههي‪،‬‬
‫نظم الفرائد وجمع الفشوائد فششي بيشان المسشائل الششتي وقشع فيهشا الخلف بيشن الماتريديشة‬
‫والشعرية في العقائد مع ذكر أدلة الفريقين‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار ابن حزم‪ ،‬بيروت‪-‬لبنههان‪ ،2003 ،‬ص ‪.217‬‬
‫والكتاب مطبوع مع كتابين آخرين في مجلد واحد تحت عنوان المسائل الخلفية بين الشاعرة والماتريديههة‪،‬‬
‫بعناية بسام عبد الوهاب الجابي‪.‬‬
‫‪ ()4‬ابن الهمام‪ ،‬المسايرة‪ ،‬ص ‪ ،152‬و شيخ زاده‪ ،‬نظم الفرائد وجمع الفوائد في بيان المسششائل‬
‫التي وقع فيها الخلف بين الماتريدية والشعرية في العقشائد مشع ذكشر أدلشة الفريقيشن‪،‬ص‬
‫‪.217‬‬

‫‪92‬‬
‫الغرض والمصلحة فهو قبيح‪ ،‬وعلهى ههذين المعنييهن –الول‬
‫والثاني‪ -‬ل خلف على أنهما يدركان بالعقل‪.‬‬

‫‪ -3‬أن يفهم الحسن على أنه ما يتعلق به المدح في العاجل‬


‫والثواب في الجل‪ ،‬أو ما ورد بههه أمههر الشههارع وأثنههى علههى‬
‫فاعله‪ ،‬وأن يفهههم القبههح علههى أنههه مهها يتعلههق بهه الههذم فههي‬
‫العاجل والعقاب في الجل‪ (1) ،‬أو "ما ورد عنه النهي")‪ (2‬هههو‬
‫القبيح‪ ،‬والحسن العكس‪.‬‬
‫والخلف على هذا المعنى الثالث‪ ،‬وقد قال الماتريديههة‬
‫)‪(3‬‬
‫إن الحسن والقبح على هذا المعنى يثبتان بالعقل‪،‬‬
‫وقد قال صاحب النونية المولى خضر بههن جلل الههدين‬
‫)ت ‪ 860‬هه(‪:‬‬
‫نقول بالعقل‬ ‫الحسن والقبح شرعّيان لكنا‬
‫)‪(4‬‬
‫أيضا ً قد ينالن‬
‫سههن بعههض‬ ‫ح ْ‬‫أي أن العقل من الممكن أن يتوصل إلى ُ‬
‫الفعال وقبههح بعضههها‪ ،‬ول يعنهي ههذا أنهههم يقولهون أنهه ههو‬
‫المشّرع أو أنه وحده مصدر الحكام والتحسين والتقبيح‪ ،‬بل‬
‫إن بعههض الفعههال يههدرك حسههنها أو قبحههها بالعقههل‪ ،‬ولكههن‬
‫العمدة في التحسين والتقبيح هو الشرع‪.‬‬
‫وحجة الماتريدية في هذا القول هههي "أن تصههديق أول‬
‫ل‪ ،‬لنههه لههو كههان واجب ها ً‬
‫ب عق ً‬ ‫إخبارات من َثبتههت نب ه ّ‬
‫وته واج ه ٌ‬
‫ص‬‫شرعا ً لتوقف على آخر بنص آخههر يههوجب تصههديقه‪ ،‬فههالن ّ‬
‫ب تصههديِقه بنفسههه لههزم توقههف الشههيء‬ ‫الثاني إن كان وجو ُ‬
‫ص‬‫م الدوُر‪ ،‬وإن كان بن ّ‬ ‫على نفسه‪ ،‬وإن كان بالنص الول ل َزِ َ‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬ابن الهمام‪ ،‬المسايرة‪ ،‬ص ‪ ،152‬وانظر‪ :‬الخّيالي‪ ،‬شرح العلمة الخّيالي على النونية‪ ،‬ص‬
‫‪ ،232‬وانظر‪ :‬شيخ زاده‪ ،‬نظم الفرائد وجمع الفوائد في بيان المسائل التي وقع فيها الخلف‬
‫بين الماتريدية والشعرية في العقائد مع ذكر أدلة الفريقين‪ ،‬ص ‪.217‬‬
‫‪ ()2‬النسفي)ت ‪ 508‬هه(‪ ،‬ميمون بن محمد‪ .‬تبصرة الدلة في أصول الدين‪ ،‬ط ‪2 ،1‬م‪) ،‬تحقيق‪ :‬كلود‬
‫فان والجابي‪ ،‬قبرص‪1993 ،‬م‪ ،‬م ‪ 2‬ص ‪.661‬‬
‫سلمة(‪ ،‬دار الج ّ‬
‫‪ ()3‬انظر‪ :‬الخّيالي‪ ،‬شرح العلمة الخّيالي على النونية‪ ،‬ص ‪ ،232‬وانظر‪ :‬شههيخ زاده‪ ،‬نظم الفششرائد‬
‫وجمع الفوائد في بيان المسائل التي وقششع فيهششا الخلف بيششن الماتريديششة والشششعرية فششي‬
‫العقائد مع ذكر أدلة الفريقين‪ ،‬ص ‪.218‬‬
‫‪ ()4‬انظر‪ :‬الخّيالي‪ ،‬شرح العلمة الخّيالي على النونية‪ ،‬ص ‪.232‬‬

‫‪93‬‬
‫ب‬‫م التسلسههل‪ ،‬فثبههت أن بعههض الفعههال من ّهها واج ه ٌ‬ ‫ثالث ل َهزِ َ‬
‫)‪(5‬‬
‫ل‪ ،‬وكل واجب عقل ً فهو حسن عقل"‬ ‫عق ً‬
‫والمعنى أن أي نبي حينمهها يههأتي إلههى قههوم مهها يعههرض‬
‫ن ههذا‬‫ب عليهم تصديقها‪ ،‬ولكه ّ‬ ‫وته‪ ،‬فيج ُ‬
‫عليهم دلئل صدق نب ّ‬
‫الوجوب مستفاد من أين؟ إن قلنا إنههه مسههتفاد ٌ مههن العقههل‬
‫فهو عين ما يطلبههه الماتريديههة‪ ،‬وإن قلنهها إنههه مسههتفاد مههن‬
‫النههص الشههرعي فيقههال‪ :‬كيههف ثبههت أو صههدق هههذا النههص‬
‫الشرعي؟ فل يثبههت إل بإحههدى ثلث؛ إمهها أن يكههون وجههوب‬
‫تصديقه بنفسه وهو باطههل لنههه يعنههي توقههف الشههيء علههى‬
‫نفسه وهذا مسههتحيل‪ ،‬كمههن يقههول إن العههالم أوجههد نفسههه‬
‫بنفسه‪ ،‬أو أن يكون وجوب تصديقه ثابتا ً بالنص الول ويلههزم‬
‫عنه الدور وهو مثل أن يتوقف وجود )س( على وجههود )ص(‬
‫وأن يتوقههف وجههود )ص( علههى وجههود )س(‪ ،‬وبطلن هههذا‬
‫واضح‪ ،‬وإما أن يكون وجوب تصديقه ثابتا ً بنص ثالث‪ ،‬ويلزم‬
‫عنههه التسلسههل بمعنههى أن وجههوب التصههديق علمنههاه بنههص‬
‫وعلمنا صدق هذا النص بنص آخر وعلمنا صدق النص الخههر‬
‫الثالث بنص آخر أيضا ً إلى ما ل نهايههة‪ ،‬وهكههذا‪ ،‬وهههذا واضههح‬
‫البطلن أيضًا‪ ،‬فثبت أن وجوب التصههديق الول للنههبي ثههابت‬
‫بالعقل ل بغيره‪ ،‬وهذا ما يطلبه الماتريدية‪.‬‬
‫وما نحتاجه في هذا البحث ليس مبحث الحسن والقبح‬
‫عند الماتريدية لذاته‪ ،‬بل لنه يوضههح جانبهها مههن جههوانب دور‬
‫الستدلل بالعقل عندهم‪ ،‬فمن خلل ما شاهدناه في ما مّر‬
‫آنفا نعلم أن مجههال العقههل عنههد الماتريديههة واسههع‪ ،‬فالعقههل‬
‫عندهم بإمكانه أن يصل إلى حسن بعض الشههياء أو قبحههها‪،‬‬
‫بمعنى أن العقل يدل دللة قاطعة على وجوب أمر ما علههى‬
‫العبد‪ ،‬وأي أمر هو؟ إنه التصديق بههالنبوة الههذي ينبنههي عليههه‬
‫كل الدين‪ ،‬ولم يريدوا هذه المسألة بعينههها بههل أرادوا إثبههات‬
‫المبدأ على العموم‪.‬‬
‫فالثواب والعقاب يصل العقل إلى ترتبهما علههى بعههض‬
‫الفعال عندهم‪ ،‬وذلك بدون مساعدة الشههرع‪ ،‬وهههذا فيصههل‬
‫وفههارق مهههم فههي السههتدلل بالعقههل عنههدهم يميزهههم عههن‬
‫‪ ()5‬شيخ زاده )ت ‪ 944‬هه(‪ ،‬نظم الفرائد وجمع الفوائد فششي بيششان المسششائل الششتي وقششع فيهششا‬
‫الخلف بين الماتريدية والشعرية في العقائد مع ذكر أدلة الفريقين‪ ،‬ص ‪.218‬‬

‫‪94‬‬
‫الشاعرة من حيههث المبههدأ‪ ،‬وهههو أبههرز مهها بينهمهها فههي هههذا‬
‫المجال‪.‬‬

‫الثانية‪ :‬وجوب معرفة الله تعالى بالعقل‬

‫وهذا الموضوع فرع عن الذي سبقه "الحسن والقبح"‪ ،‬وهههو‬


‫ة الشههاعرة ووافقههوا‬ ‫من المور التي خههالف فيههها الماتريديه ُ‬
‫المعتزلههة ونسههتطيع أن نعههدها مههن مظههاهر دور السههتدلل‬
‫بالعقل على العقائد عند الماتريدية؛ قههولهم إن معرفههة اللههه‬
‫تعالى واجبة بالعقل‪ ،‬ومعنى ذلههك أن العقههل وحههده عنههدهم‬
‫ط كاف لوجهوب معرفههة اللهه تعهالى‪ ،‬وبمعنههى آخههر؛ إن‬ ‫شر ٌ‬
‫العقل آلة للوجوب‪ ،‬وليس معنههى هههذا أن العقههل مشهّرعٌ أو‬
‫ده‬
‫مصدر للحكام بل هههو آلههة للوجههوب أو شههرط كههاف وح ه َ‬
‫للوجوب ل موجب‪ ،‬وثمرة ذلك أنه لو فرضههنا أن إنسههانا ً لههم‬
‫ه الدعوة أصل ً ونشأ على جبل شههاهق ولههم يههؤمن بههالله‬ ‫تبلغْ ُ‬
‫ذب فههي ذلههك أم ل؟ والجههواب عنههد‬ ‫تعههالى ومههات‪ ،‬هههل يع ه ّ‬
‫الماتريدية‪ :‬نعم‪ ،‬لوجود شرط الوجههوب وهههو العقههل‪ ،‬وعنههد‬
‫)‪(1‬‬
‫الشاعرة‪ :‬ل‪ ،‬لنتفاء شرط الوجوب وهو ورود السمع‪.‬‬
‫وفهي ذلهك يقهول تهاج الههدين السههبكي )‪ (2‬فههي نهونّيته الهتي‬
‫نظمها في المسائل الخلفية بين الشاعرة والماتريدية‪:‬‬
‫يّ يقول ذاك بشرعة‬ ‫"ووجوب معرفة الله الشعر‬
‫ن‬
‫الدّيا ِ‬
‫ك ل حكم على‬ ‫إدرا ُ‬ ‫والعقل ليس بحاكم لكن له ال‬
‫ن‬
‫الحيوا ِ‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬أبو عذبة )ت بعد ‪‍ 1172‬‬


‫هه(‪ ،‬حسن بن عبد المحسههن أبههو عذبههة‪ .‬الروضة البهيششة فيمششا بيششن‬
‫الشاعرة والماتريدية‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار ابن حههزم‪ ،‬لبنههان‪2003 ،‬م‪ ،‬ص ‪ .122-118‬وهههذا الكتههاب مطبههوع مههع‬
‫كتابين آخرين بعنوان‪ :‬المسائل الخلفية بين الشاعرة والماتريدية‪ ،‬وقد جمعه واعتنى به بسام عبد‬
‫الوهاب الجابي‪.‬‬
‫‪ ()2‬هو تاج الدين السبكي )ت‪ 771‬هه( عبد الوهاب بن علههي بههن عبههد الكههافي‪ ،‬أبههو نصههر‪ :‬قاضههي القضههاة‪،‬‬
‫المؤرخ‪ ،‬الباحث‪ ،‬ولد في القاهرة‪ ،‬نسبته إلى سبك )من أعمال المنوفية بمصر( وكان طلق اللسههان‪ ،‬قههوي‬
‫الحجة‪ ،‬انتهى إليه القضاء في الشام وعزل‪ ،‬من تصانيفه " طبقات الشافعية الكبرى ط " سههتة أجههزاء‪ ،‬و "‬
‫معيد النعم ومبيد النقم ‪ -‬ط " و " جمع الجوامع ‪ -‬ط "أصول الفقه‪ .‬الّزرِ ْ‬
‫كلي‪ ،‬العلم‪ ،‬م‪.3‬‬

‫‪95‬‬
‫لصحبنا‬ ‫الفروع‬ ‫كتب‬ ‫وََقضوا بأن العقل يوجبها وفي‬
‫)‪(3‬‬
‫ن"‬
‫وجها ِ‬
‫ويقصههد بقههوله "لكههن لههه الدراك" أن العقههل يههدرك هههذه‬
‫الحكام ل أنه يوجبههها أو يحكههم بههها عنههد الشههاعرة‪ ،‬وقههوله‬
‫"وقضوا بههأن العقههل يوجبههها" يقصههد بههه الماتريديههة‪ ،‬وقههوله‬
‫)‪(2‬‬
‫"لصحبنا وجهان" أي الشافعية لن السبكي شافعي‪.‬‬
‫وقال البزدوي‪" :‬قال عامة أهههل السههنة والجماعههة‪ :‬ل يجههب‬
‫على العاقل أداء شيء ما إل بالخطاب من الله تعالى علههى‬
‫لسان واحد من عباده‪ ،‬وكذا ل يجب عليه المتناع عن شيء‬
‫ما إل به‪ ،‬وبه قال الشعري‪ .‬وعند المعتزلههة‪ :‬يجههب اليمههان‬
‫بالله تعالى والشكر له قبل بلوغ الخطاب‪ ،‬وقال الشيخ أبههو‬
‫)‪(3‬‬
‫منصور الماتريدي بمثل ما قالت به المعتزلة"‪.‬‬
‫والبزدوي يميل إلى رأي الشههاعرة ل الماتريديههة‪ ،‬ويسههتدل‬
‫بأن النسان ل يستطيع أن ينظر في اليات لشتغاله بههاللهو‬
‫في أعمال الدنيا‪ ،‬إل بعد منبه ينبهه إلى ذلههك أو داع يههدعوه‬
‫)‪(4‬‬
‫إلى التفكر والتأمل‪.‬‬
‫وبالنسههبة لسههتدلل الماتريديههة علههى وجهههة نظرهههم‪ ،‬فهههو‬
‫نفس استدللهم على مسألة الحسن والقبح‪ ،‬وقد مههر معنهها‬
‫أن هذه المسألة مترتبة على مسألة الحسن والقبههح‪ ،‬وهمهها‬
‫ن فههي‬ ‫سهه ُ‬
‫ح ْ‬‫كههالفرع والصههل‪ ،‬وذلههك لن الوجههوب هههو ال ُ‬
‫سن ما استحق فههاعله الثههواب فههي الخههرة‪،‬‬ ‫ح َ‬
‫الحقيقة‪ ،‬إذ ال َ‬
‫حسههن‬ ‫صههل إلههى ُ‬ ‫وكذا الواجب‪ ،‬فمن قال إن العقههل قههد يتو ّ‬
‫الفعال وقبحها دون حاجة إلههى الشههرع‪ ،‬فمههن الطههبيعي أن‬
‫يقول‪ :‬إن وجوب معرفة الله تعالى يثبت بالعقل دون حاجههة‬
‫إلى الشرع‪.‬‬
‫ويؤكد ذلك أن القائلين بالحسههن والقبههح العقلييههن هههم‬
‫وحدهم القائلون بوجوب معرفة الله تعالى بالعقل‪.‬‬

‫‪ ()3‬السبكي‪ ،‬عبههد الوهّههاب بههن علههي )ت ‪ 771‬هههه(‪ .‬القصيدة النونيششة فششي الخلف بيششن الشششاعرة‬
‫والماتريدية‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار ابن حزم‪ ،‬لبنان‪2003 ،‬م‪ ،‬ص ‪ .71‬وهذا الكتاب مطبوع مع كتابين آخريههن بعنههوان‪:‬‬
‫المسائل الخلفية بين الشاعرة والماتريدية‪ ،‬وقد جمعه واعتنى به بسام عبد الوهاب الجابي‪.‬‬
‫‪ ()2‬انظر‪ :‬أبو عذبة‪ ،‬الروضة البهية فيما بين الشاعرة والماتريدية‪ ،‬ص ‪.121-118‬‬

‫‪ ()3‬البزدوي‪ ،‬أصول الدين‪ ،‬ص ‪.214‬‬

‫‪ ()4‬البزدوي‪ ،‬أصول الدين‪ ،‬ص ‪.217‬‬

‫‪96‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬مناقشة مواقف الفرق مششن دور‬
‫الستدلل بالعقل على العقائد‬

‫لقد استعرض الباحث خلل هذا الفصل بمباحثه الربعة‬


‫دور الستدلل بالعقههل عنههد المعتزلههة والحنابلههة والشههاعرة‬
‫والماتريدية‪ ،‬وقد كان ههذا السهتعراض خاليها مهن المقارنهة‬
‫والمناقشة‪ ،‬بل قد تحّرى الباحث البعههد عههن المقارنههة خلل‬
‫العرض‪ ،‬حتى يكون البحث أكثر ترتيبا ً ومنهجية‪.‬‬
‫وسيبدأ الباحث في هذا المبحث ‪-‬إن شاء اللههه تعههالى‪-‬‬
‫بمناقشههة آراء الفههرق وتحليلههها وبيههان مواقفههها مههن دور‬
‫الستدلل بالعقههل‪ ،‬وذلههك مههن خلل التيههان بمجموعههة مههن‬
‫المحاور التي َتمركز حولها الخلف في هذا الموضوع‪.‬‬
‫وهناك مجموعة من النقاط ظهر حولها الخلف في مها‬
‫يتعلق بدور الستدلل بالعقل على العقائد‪ ،‬وأغلب ما سواها‬
‫من المسائل راجع إليها متفرع عنها‪.‬‬

‫موجز بأهم ملمح دور الستدلل بالعقل على‬


‫العقائد عند المدارس المقصودة‬

‫دور الستدلل بالعقل على العقائد عند المعتزلة‬


‫أول‪ :‬أن العقل أصل للشرع‬
‫ثانيا‪ :‬نفي الشفاعة للعصاة عن طريق العقل‬
‫ثالثًا‪ :‬تفسيرهم لمفهوم التوحيد على أساس عقلي‬
‫رابعا‪ :‬نفي الرؤية بدعوى استحالتها عقل ً‬
‫خامسًا‪ :‬استدللهم بالعقل على خلق القرآن الكريم‬
‫سن والُقْبح العقليان‬
‫ح ْ‬
‫سادسا‪ :‬ال ُ‬
‫سابعًا‪ :‬أن الله تعالى ل يعرف ضرورة‬
‫ثامنًا‪ :‬أن النظر العقلي أول الواجبات‬

‫دور الستدلل بالعقل على العقائد عند الحنابلة‬


‫أول‪ :‬ما يعلم بصريح العقل لم يخالفه سمع قط‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫ثانيًا‪ :‬ذم من ل يستعملون العقل في باب العقائد على‬
‫الطلق‪.‬‬
‫ُ‬
‫مرنا باليمان بههها‬‫ثالثًا‪ :‬القرار بأن العقل يتوصل إلى أشياء أ ِ‬
‫وهي من صلب ديننا‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬كون الشرع قد أعطانا الصههول العقليههة الدالههة علههى‬
‫صحة ما يخبر به‪.‬‬
‫خامسهًا‪ :‬الحكههم بجههواز الخههوض فههي أمههور العقههائد بالعقههل‬
‫والقياس العقلي‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬نفي قاعدة أن العقل أصل للنقل‪.‬‬
‫سههابعًا‪ :‬رد القههول بالشهههادة بصههحة السههمع مهها لههم يخههالف‬
‫العقل‪.‬‬
‫ثامنًا‪ :‬إنكههار أن يكههون العقههل منطلقها ً للنفههي والثبههات فههي‬
‫العقائد‬
‫تاسعًا‪ :‬تقديم النقل على العقل مطلقًا‪.‬‬
‫عاشرًا‪ :‬العقل يدل على الشرع وحسب‬
‫حادي عشر‪ :‬الستدلل على صفة العلو والجهة بالعقل‬
‫ثاني عشر‪ :‬محاربههة علههم المنطههق وعلههم الكلم والعههاملين‬
‫بهما‬

‫دور الستدلل بالعقل على العقائد عند الشاعرة‬


‫ل‪ :‬قولهم بوجوب النظر‪ ،‬وثبوت الوجوب بالشرع‬ ‫أو ً‬
‫ثانيًا‪ :‬ترّتب العلم على النظر ترّتبا عاديا ً‬
‫ِ‬
‫ثالثا‪ :‬ل حكم قبل ورود السمع‬
‫رابعًا‪ :‬أقسام الدلة في العقائد‬
‫معارض العقلي‬ ‫خامسًا‪ :‬ال ُ‬
‫دور الستدلل بالعقل على العقائد عند الماتريدية‬
‫الولى‪ :‬الحسن والقبح‬
‫الثانية‪ :‬وجوب معرفة الله تعالى بالعقل‬

‫وقههد رأى البههاحث أن ينههاقش مجموعههة مههن النقههاط‬


‫المهمة والرئيسة التي توضح الفرق بين المههدارس فههي دور‬
‫الستدلل بالعقل‪ ،‬وقد اقتصرت على هههذه النقههاط لن كههل‬
‫المور الخلفية في دور الستدلل بالعقل على العقائد عنههد‬

‫‪98‬‬
‫المدارس تعود إليها‪ ،‬وسيتبين هذا خلل المناقشة أو بعههدها‪،‬‬
‫وهذه النقاط هي‪:‬‬

‫ل‪ :‬هل العقل أصل للشرع‬ ‫أو ً‬


‫ثانيا‪ :‬الحسن والقبح‬
‫ثالث شًا‪ :‬المعششارض العقلششي‪ ،‬أو تقششديم العقششل علششى‬
‫النقل‬

‫أو ً‬
‫ل‪ :‬هل العقل أصل للشرع‬

‫لقههد م هّر معنهها الكلم فههي هههذه النقطههة عنههد الحنابلههة‬


‫والمعتزلههة والشههاعرة‪ ،‬والمههدارس فههي هههذا الموضههوع‬
‫فريقان‪ ،‬فريق يقول بأن العقل أصل للشرع وهم المعتزلههة‬
‫والشاعرة‪ ،‬وفريق ينفي ذلك وهم الحنابلة‪.‬‬

‫ورأي المعتزلههة والشههاعرة فههي هههذا الموضههوع‪ :‬أن‬


‫الشههرع ل يمكههن التوصههل إلههى صههحته وثبههوته إل بالعقههل‪،‬‬
‫فيكون العقل أصهل ً للشههرع مههن هههذه الجهههة‪ ،‬أي مههن جهههة‬
‫ثبوته‪ ،‬فلو صغنا القاعدة بلغة أخرى نقول‪ :‬إن العقههل أصههل‬
‫ثبوت الشرع‪.‬‬
‫فجعل الله المعجههزة دليل ً علههى إثبههات الشههرع وصههحة‬
‫نسبته إليه‪ ،‬فلو جاء رسول إلى قوم وقال لهم‪ :‬إني رسههول‬
‫دقوني‪ ،‬فقالوا له‪ :‬ومهها دليههل صههدقك‪ ،‬فقههال‪:‬‬ ‫الله إليكم فص ّ‬
‫إني معي كتاب يقول إني صادق‪ ،‬لقالوا له‪ :‬فما الدليل على‬
‫صدق كتابك‪ ،‬فيضطر إلى إثبات ذلك بالعقل أو بالمعجزة‪.‬‬
‫وهذا ملخص رأي المعتزلة والشاعرة في الموضوع‪.‬‬
‫وأما الحنابلة فقد خالفوا هذا الرأي‪ ،‬وقد رد ابن تيميههة‬
‫عليهم ردا طويل في كتابه درء تعارض العقل مع النقل‪ ،‬وقد‬
‫مّر معنا هذا الرد‪ ،‬ونأتي إلى عرض كلمه في الموضوع‬
‫وتحليله تحليل منطقيا‪.‬‬
‫يقول ابن تيميههة‪ :‬إذا قلهت‪" :‬إن العقههل أصههل للسههمع"‬
‫فهل تقصد بذلك أنه أصل في ثبوته في نفس المر أو أصل‬
‫في علمنا بصحته؟‬

‫‪99‬‬
‫والول ل يقوله عاقل‪" ،‬فإن ما هههو ثههابت فههي نفههس المههر‬
‫بالسمع أو بغيره هو ثابت سواء علمنا بالعقل أو بغير العقل‬
‫ثبوته‪ ،‬أو لم نعلههم ثبههوته ل بعقههل ول بغيههره‪ ،‬إذ عههدم العلههم‬
‫ليس علما ً بالعدم‪ ،‬وعدم علمنا بالحقائق ل ينفي ثبوتها فههي‬
‫)‪(1‬‬
‫أنفسها"‪.‬‬
‫والثاني نقول له‪ :‬أتعني بالعقل هنا الغريزة الههتي فينهها‪،‬‬
‫أم العلوم التي استفدناها بتلك الغريزة ؟‬
‫"ول يمكن أن تكون الغريزة‪ ،‬لن الغريزة ليست علمهها‬
‫يتصور أن يعارض النقههل الههذي هههو عبههارة عههن علههم‪ ،‬وهههي‬
‫)الغريزة( شرط في كل علم عقلي أو سمعي كالحياة‪ ،‬ومهها‬
‫كان شرطا في الشيء امتنع أن يكههون منافيهها لههه‪ ،‬فالحيههاة‬
‫والغريزة شرط في كل العلوم سمعّيها وعقليها‪ ،‬فههامتنع أن‬
‫تكون منافية لها‪ ،‬وهي أيضا شرط في العتقاد الحاصل في‬
‫بالستدلل‪ ،‬وإن لم تكن علمهها فيمتنههع أن تكههون منافيههة لههه‬
‫)‪(2‬‬
‫ومعارضة"‪.‬‬
‫ول يمكن أن يكههون تلههك العلههوم الههتي اسههتفدناها مههن‬
‫الغريزة‪ ،‬لنه من المعلوم أنه ليههس كههل مهها يعههرف بالعقههل‬
‫يكون أصل للسمع ودليل على صحته فإن المعههارف العقليههة‬
‫أكثر من أن تحصر والعلههم بصههحة السههمع غههايته أن ُيتوقههف‬
‫)‪(3‬‬
‫على ما به يعلم صدق الرسول‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬إن التفريع الول وهو قوله‪" :‬هل تقصههد بههذلك‬
‫أنه أصههل فههي ثبههوته فههي نفههس المههر أو أصههل فههي عملنهها‬
‫بصههحته؟"‪ ،‬تفريههع صههحيح‪ ،‬واسههتثناء الول اسههتثناء صههحيح‬
‫أيضًا‪ ،‬لن العلم كاشف غير مؤثر‪ ،‬فإذا علمنا بثبههوت أمههر أو‬
‫نفيه أو لو لم نعلم بثبوت أمر أو نفيه كل ذلك ل يههؤثر علههى‬
‫ذلك المر‪.‬‬
‫وأما التفريههع الثههاني‪ ،‬وهههو قههوله‪" :‬أتعنههي بالعقههل هنهها‬
‫الغريزة التي فينا‪ ،‬أم العلوم التي استفدناها بتلك الغريزة"‪،‬‬
‫ن تيمية القارئ في متاهة الصطلحات‪ ،‬مع‬ ‫فقد أدخل فيه اب ُ‬
‫أن قصد القائلين بأن العقل أصل للشرع واضح بههأن العقههل‬
‫‪()1‬ابن تيمية‪ ،‬درء تعارض العقل والنقل‪ ،‬م ‪ 1‬ص ‪ 50‬و ‪.51‬‬
‫‪()2‬ابن تيمية‪ ،‬درء تعارض العقل والنقل‪ ،‬م ‪ 1‬ص ‪ 50‬و ‪.51‬‬
‫‪ ()3‬تم اختصار وتجميع وتلخيص هذا الكلم من‪ :‬ابن تيميههة‪ ،‬درء تعارض العقششل والنقششل‪ ،‬م ‪ 1‬ص ‪ 50‬و‬
‫‪.51‬‬

‫‪100‬‬
‫ل به إلههى صههحة الشههرع‪ ،‬فل داعههي لدخههال‬ ‫ص ُ‬
‫هنا هو ما يتو ّ‬
‫موضههوع الخلف فههي تعريههف العقههل فههي هههذه المسههألة‪،‬‬
‫فالخلف في هذه المسألة كما رأينا في المبحههث التمهيههدي‬
‫أمر لم يحسم إلى اليهوم‪ ،‬فنضهطر إلهى تهرك الصهطلحات‬
‫والتعريفات والتمسك بالمفاهيم‪ ،‬وهههذا هههو المنهههج السههديد‬
‫الموصل إلى الحق‪ ،‬ويرى الباحث أن ابههن تيميههة استصههعب‬
‫قههول المتكلميههن مههن معتزلههة وأشههاعرة بههأن العقههل أصههل‬
‫للنقل‪ ،‬فأراد أن ينفي ذلك بأي وسيلة‪.‬‬
‫ونسهتطيع أن نمشهي مهع ابهن تيميهة فهي التفريهع مهع‬
‫العلههم أنههه ل داعههي لههه‪ ،‬فهههو يقههول‪" :‬ول يمكههن أن تكههون‬
‫الغريزة‪ ،‬لن الغريزة ليست علما يتصهور أن يعههارض النقههل‬
‫الذي هو عبارة عن علم"‪ ،‬والجواب أن هذه الغريزة ليسههت‬
‫علما ً ولكنههها توصههلنا إلههى العلههم‪ ،‬ومههن هههذا البههاب قيههل إن‬
‫العقل أصل للنقل‪.‬‬
‫وأما بالنسبة للتفريع الخير‪ ،‬وهو قههوله‪" :‬ول يمكههن أن‬
‫يكون ‪-‬أي العقل‪ -‬تلك العلوم التي استفدناها مههن الغريههزة‪،‬‬
‫لنه من المعلوم أنه ليس كل ما يعرف بالعقل يكههون أصههل‬
‫للسمع ودليل على صحته فإن المعارف العقلية أكثر مههن أن‬
‫تحصر والعلم بصحة السههمع غههايته أن ُيتوقههف علههى مهها بههه‬
‫يعلم صدق الرسول"‪ ،‬فنقول لههه‪ :‬لههم يقههل المتكلمههون مههن‬
‫المعتزلة والشاعرة "إن كل ما يعرف بالعقههل يكههون أص هل ً‬
‫للسمع ودليل ً على صحته" بل هذا الكلم الذي لو فرضنا أن‬
‫إنسانا ً قاله لكان من باب الهذيان‪ ،‬بل هم يقصدون أن جزءا ً‬
‫من المعارف العقلية أصل للسمع ودليل على صحته‪ ،‬فههأين‬
‫المشكلة؟‬
‫ونقف مع العبارة الخيرة وهي "والعلم بصههحة السههمع‬
‫غايته أن ُيتوقف على ما به يعلم صدق الرسول"‪ ،‬فنقول أن‬
‫في هذا حيدة عن الجابة‪ ،‬فالعلم بالسههمع غههايته أن يتوقههف‬
‫على ما به يعلم صدق الرسول‪ ،‬نعم‪ ،‬ولكن أين "ما به ُيعلم‬
‫صدق الرسول"‪ ،‬إنه العقل‪ ،‬ول غيره‪.‬‬
‫وابن تيمية نفسه يذكر في موضههع آخههر أن العقههل هههو‬
‫)‪(1‬‬
‫الذي دل على صدق الرسول وثبوت الشرع‪.‬‬
‫‪ ()1‬انظر‪ :‬ابن تيمية‪ ،‬درء تعارض العقل والنقل‪ ،‬م ‪ 1‬ص ‪.101‬‬

‫‪101‬‬
‫فثبت إذا أن العقل أصل للنقل بمعنى أنه أصههل إثبههاته‬
‫والعلم بصحته‪ ،‬والله تعالى أعلم‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الحسن والقبح‬

‫لقههد مههر معنهها ثلثههة معههان محتملههة لمفهههوم الحسههن‬


‫والقبح قد نص عليها جمع من العلماء‪ ،‬وهذه المعاني هي‪:‬‬
‫الول‪ :‬ما كان صفته صفة كمال فهو حسن‪ ،‬وما كان صههفته‬
‫)‪(1‬‬
‫صفة نقص فهو قبيح‪.‬‬
‫وهذا كالعلم والجهل‪ ،‬فالجهههل نقههص ويتوصههل إلههى أن‬
‫الجهل قبيح ‪-‬بمعنههى أنههه صههفة نقههص‪ -‬بمحههض العقههل دون‬
‫حاجة إلى شرع‪ ،‬وكذلك يتوصل إلى أن العلم حسن ‪-‬بمعنى‬
‫أنه صفة كمال‪ -‬بالعقل دون الحاجة للشرع‪.‬‬
‫ويخطههئ بعضهههم حيههن يظههن أن الخلف فههي مسههألة‬
‫الحسن والقبح على المعنى الول‪ ،‬ولكههن ل خلف علههى أن‬
‫الحسن والقبح بهذا المعنى يدرك بالعقل‪.‬‬
‫)‪(2‬‬
‫الثاني‪ :‬ما وافق الغرض فهو حسن‪ ،‬وما خالفه فهو قبيح‪.‬‬
‫وذلك كالكذب علههى العههدو والكههذب المطلههق‪ ،‬فههالول‬
‫يوافههق الغههرض والمصههلحة فهههو حسههن‪ ،‬والثههاني يخههالف‬
‫الغرض والمصلحة فهو قبيح‪ ،‬وعلهى ههذين المعنييهن –الول‬
‫والثاني‪ -‬ل خلف في أنهما يدركان بالعقل‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن يفهم الحسن على أنه مها يتعلهق بهه المهدح فههي‬
‫العاجل والثواب في الجههل‪ ،‬وأن يفهههم القبههح علههى أنههه مهها‬
‫)‪(3‬‬
‫يتعلق به الذم في العاجل والعقاب في الجل‪.‬‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬الههرازي‪ ،‬الربعين‪ ،‬ص ‪ ،237‬ابههن الهمههام‪ ،‬المسششايرة‪ ،‬ص ‪ ،152‬شههيخ زاده‪ ،‬نظششم الفششرائد‬
‫وجمع الفوائد في بيان المسائل التي وقششع فيهششا الخلف بيششن الماتريديششة والشششعرية فششي‬
‫العقائد مع ذكر أدلة الفريقين‪ ،‬ص ‪.218‬‬
‫‪ ()2‬انظر‪ :‬الرازي‪ ،‬الربعين‪ ،‬ص ‪ ،237‬ابههن الهمههام‪ ،‬المسششايرة‪ ،‬ص ‪ ،152‬شههيخ زاده‪ ،‬نظششم الفششرائد‬
‫وجمع الفوائد في بيان المسائل التي وقششع فيهششا الخلف بيششن الماتريديششة والشششعرية فششي‬
‫العقائد مع ذكر أدلة الفريقين‪ ،‬ص ‪.218‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ :‬الرازي‪ ،‬الربعين‪ ،‬ص ‪ ،237‬ابههن الهمههام‪ ،‬المسششايرة‪ ،‬ص ‪ ،152‬شههيخ زاده‪ ،‬نظششم الفششرائد‬
‫وجمع الفوائد في بيان المسائل التي وقششع فيهششا الخلف بيششن الماتريديششة والشششعرية فششي‬
‫العقائد مع ذكر أدلة الفريقين‪ ،‬ص ‪.218‬‬

‫‪102‬‬
‫والخلف فهههي ههههذا المعنهههى الثهههالث‪ ،‬ول خلف فهههي‬
‫المعنيين الولين)‪ ،(1‬وقد قههالت المعتزلههة والماتريديههة )‪ (2‬إنههه‬
‫مههن الممكههن أن يتوصههل العقههل إلههى قبههح بعههض الفعههال‬
‫وحسههن بعضههها بههدون الشههرع )‪ ،(3‬وقههد قههال الشههاعرة‪ :‬إن‬
‫العقل ل يمكن له أن يتوصل لحسن شههيء مههن الفعههال ول‬
‫لقبحه‪ ،‬لن الشرع هو وحده الههذي يحكههم بالحسههن والقبههح‪،‬‬
‫فمصدر الحسن والقبح الشرع‪ ،‬فما ورد الشرع بحظره فهو‬
‫القبيح عند الشاعرة‪ ،‬وما ورد الشرع بإطلقه فهههو الحسههن‬
‫عندهم‪ ،‬فلذلك ل يمكن أن يتوصل إليه بالعقل‪ ،‬لن العقل ل‬
‫يستقل بمعرفة الغيبيات إل بإخبههار الشههرع عنههها‪ ،‬والحكههام‬
‫)‪(4‬‬
‫قبل مجيء الرسل والشرائع هي من المغيبات‪.‬‬

‫وحجههة المعتزلههة والماتريديههة فههي ذلههك تعتمههد علههى‬


‫وته‪.‬‬
‫مسألة تصديق أول إخبارات من ثبتت نب ّ‬
‫وته واجههب‬ ‫مههن ثبتههت نب ه ّ‬ ‫حيث إن تصديق أول إخبارات َ‬
‫ل‪ ،‬لنه لو كان واجبا ً بطريق الشرع‪ ،‬لكههان متوقف ها ً علههى‬ ‫عق ً‬
‫ب تصههديقه‬ ‫نهص مههن الشههرع‪ ،‬والنهص الثههاني إن كههان وجههو ُ‬
‫بنفسه لزم توّقف الشيء علههى نفسههه‪ ،‬وهههذا باطههل‪ ،‬أو أن‬
‫يكهون بههالنص الول فيلههزم الههدور‪ ،‬وهههو باطههل أيضهًا‪ ،‬أو أن‬
‫يكون بنص ثههالث‪ ،‬ويلههزم التسلسههل وهههو باطههل‪ ،‬فثبههت أن‬
‫وجوبه معههروف بالعقههل ل بالشههرع‪ ،‬وكههل واجههب عقل ً فهههو‬
‫ً )‪(5‬‬
‫حسن عقل‪.‬‬
‫سنه ل‬‫ح ْ‬ ‫سن‪ ،‬و ُ‬ ‫ح َ‬
‫وته َ‬ ‫فتصديق أول إخبارات من ثبتت نب ّ‬
‫يثبت إل بالعقل وهذا ُيثبههت أن الحسههن والقبههح قههد ي ُههدركان‬
‫بالعقل‪ ،‬عند المعتزلة والماتريدية‪.‬‬

‫مام‪ ،‬المسايرة‪ ،‬ص ‪.152‬‬


‫)( انظر‪ :‬ابن الهُ َ‬
‫‪1‬‬

‫‪ ()2‬لقد أشار الكمال بههن الهمههام إلههى أن الحنفيههة قاطبههة وافقههوا المعتزلههة فههي مسههألة الحسههن والقبههح‪،‬‬
‫انظر‪:‬ابن الُهمام‪ ،‬المسايرة‪ ،‬ص ‪.152‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ :‬القاضي عبد الجبار‪ ،‬شرح الصول الخمسة‪ ،‬ص ‪ ،565‬الصابوني‪ ،‬البداية من الكفاية في‬
‫الهداية‪ ،‬ص ‪.150‬‬
‫‪ ()4‬انظر‪ :‬المدي‪ ،‬أبكار الفكار في أصول الشدين‪ ،‬م ‪ ،1‬ص ‪ ،168‬وانظههر‪ :‬الههرازي‪ ،‬الربعيشن فشي‬
‫أصول الدين‪ ،‬ص ‪.237‬‬
‫‪ ()5‬انظر‪ :‬الخيالي‪ ،‬شرح الخيالي على النونية‪ ،‬ص ‪.232‬‬

‫‪103‬‬
‫وهذا عائد إلى أن للفعال في نفسها –عنههد المعتزلههة‪-‬‬
‫حسنا ً وّقبحا ً ذاتيين‪ .‬أو هما أمران إضافيان في الفعال عنههد‬ ‫ُ‬
‫)‪(1‬‬
‫الماتريدية‪.‬‬
‫وأما الشاعرة فقد اعترضوا على ذلك وقالوا‪ :‬ل يمكن‬
‫أن يكون للفعال حسههن أو قبههح ذاتههي‪ ،‬لن المههر الههذاتي ل‬
‫ينفك عما قام به‪ ،‬ونحن نعلم أن القتل قههد يكههون حسههنا ً إذا‬
‫كان علههى العههدو المحههارب أو علههى القاتههل المعتههدي‪ ،‬وقههد‬
‫يكون قبيحا ً إذا كان على النسان الههبريء‪ ،‬فلههو كههان الُقبههح‬
‫ذاتيا ً في القتل لما انفههك عنههه أبههدًا‪ ،‬ولكههان قبيحها ً فههي كههل‬
‫صوره‪ ،‬ولكنه لم يكن قبيحا عند قتل العدو المحارب‪ ،‬فانفك‬
‫القبح عن القتل في هذه الحالة‪ ،‬فثبت أن القبح ليههس ذاتي ها ً‬
‫في القتههل‪ ،‬وكههذلك الحسههن‪ ،‬وهههذا ينجههر فههي كههل الفعههال‬
‫)‪(2‬‬
‫كالكذب وغيره‪.‬‬

‫ي‬ ‫ُ‬
‫وقد أجيب عن هذا العتراض بأن الحسن والقبح ذاتهه ّ‬
‫كب من الفعل والضافة‪" ،‬كالضرب للتأديب"‬ ‫للمجموع المر ّ‬
‫فالضرب فعل والتههأديب إضههافته‪ ،‬والمجمههوع المركههب مههن‬
‫)‪(3‬‬
‫سههن‪،‬‬
‫ح َ‬‫الفعل وإضافته –الذي هو الضرب بقصد التههأديب‪َ -‬‬
‫حسن فيه ذاتي ل ينفك عنه في حال من الحوال‪ ،‬وعلى‬ ‫وال ُ‬
‫هذا يقاس كل فعل‪ ،‬فنسههتطيع أن نقههول‪ :‬إن القتههل للقاتههل‬
‫ن في كل الحوال‪ ،‬وإن القتل‬ ‫س ٌ‬
‫ح َ‬
‫الباغي أو للعدو المحارب َ‬
‫ي لههذا‪،‬‬ ‫للنسان البريء قبيح في كهل الحهوال‪ ،‬فالقبهح ذاته ّ‬
‫ي لذاك‪.‬‬‫والحسن ذات ّ‬

‫ولكن نقول‪ :‬إذا س هّلمنا أن الحسههن والقبههح ذات ه ّ‬


‫ي فههي‬
‫صههل إلههى أن‬‫هذه الفعال وإضافاتها فكيههف نسههتطيع أن نتو ّ‬
‫هذه الفعال حسنة أو قبيحههة وبمعنههى آخههر كيههف سنتوصههل‬
‫إلى أن هذه الفعال سيترتب عليههها العقههاب فههي الخههرة أو‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬القاضي عبد الجبار‪ ،‬المجموع في المحيط بالتكليف‪ ،‬ص ‪ 234‬و ‪ ،235‬وانظر‪ :‬القاضي عبد‬
‫الجبار‪ ،‬شرح الصول الخمسة‪ ،565 ،‬وانظر‪ :‬ابن الهمام‪ ،‬المسايرة‪ ،‬ص ‪.152‬‬
‫‪ ()2‬انظر‪ :‬الجرجاني‪ ،‬شرح المواقف‪ ،‬م ‪ 4‬ص ‪.209-208‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ :‬شيخ زاده‪ ،‬نظم الفرائد وجمع الفوائد في بيان المسائل الششتي وقششع فيهششا الخلف‬
‫بين الماتريدية والشعرية في العقائد مع ذكر أدلة الفريقين‪ ،‬ص ‪.220‬‬

‫‪104‬‬
‫الثههواب؟ فيههرى البههاحث أن ذلههك غيههر ممكههن فيمهها سههوى‬
‫وته‪.‬‬
‫تصديق أول إخبارات من ثبتت نب ّ‬

‫ي فل يمكههن لعقههل أن‬ ‫فالحسن إن كان ذاتيا ً أو غير ذات ّ‬


‫يتوصل إليه‪ ،‬وكذلك القبههح‪ ،‬ولكههن أول إخبههارات مههن ثبتههت‬
‫نبهوته لههها شهأن آخهر‪ ،‬ول يثبهت غيرههها‪ ،‬لنهه يتعههذر وصهول‬
‫الشرع إلى الناس بدونها‪ ،‬وكذلك فإن إثباتها بالشرع باطل‪،‬‬
‫وهذا مثل ملك أرسل جنوده لرجل فههي الصههحراء‪ ،‬فههأمروه‬
‫بالخضوع إلههى الملههك وأروه مهها يثبههت نسههبتهم إلههى الملههك‬
‫بشكل قاطع كختم الملك أو أمر ل يملكه غيههره‪ ،‬فعنههد ذلهك‬
‫الموقف يستطيع هذا الرجههل أن يعههرف أنههه مكلههف بطاعههة‬
‫الملك وسيحاسب على عصيان أمههره‪ ،‬وأمهها لههو بقههي طههول‬
‫عمره يتفكر بشأن المِلك فلن يخطر ببههاله أنههه مكلههف منههه‬
‫بشيء‪.‬‬
‫فيههرى البههاحث أن الحسههن والقبههح ل يههدركان بالعقههل‬
‫وحده‪ ،‬سواء كانا ذاتيين أو غير ذاتييههن‪ ،‬ويسههتثنى مههن ذلههك‬
‫وته‪ ،‬والله تعالى أعلم‪.‬‬ ‫تصديق أول إخبارات من ثبتت نب ّ‬

‫ثالث شًا‪ :‬المعششارض العقلششي‪ ،‬أو تقششديم العقششل علششى‬


‫النقل‬

‫لقد مر معنا عند الحههديث عههن دور السههتدلل بالعقههل‬


‫على العقائد عنههد الشههاعرة موضههوع "المعههارض العقلههي"‪،‬‬
‫صلت مههن خلل السههتقراء والمطالعههة إلههى تعريههف‬ ‫ولقد تو ّ‬
‫المعارض العقلي‪ ،‬وهو‪ :‬القواطع العقلية الههتي تتعههارض مههع‬
‫الظواهر النصية المفيدة للظن‪ ،‬وقد مّر معنهها عنههد الحههديث‬
‫عن دور الستدلل بالعقل على العقائد عند الحنابلة موضوع‬
‫"تقديم النقل على العقل مطلقًا"‪.‬‬
‫والمدارس الربع المقصودة فهي هههذا البحههث افههترقت‬
‫حيههال المعههارض العقلههي إلههى فريقيههن؛ مؤيههد ومعههارض‪،‬‬
‫ت عنههدهم المفهههوم والتسههمية به ه‬‫فالشههاعرة الههذين وجههد ُ‬
‫"المعارض العقلي" لم ينفردوا بهذا المبدأ‪ ،‬وإن لم أجد عند‬
‫غيرهم من القائلين بهذا المبههدأ نفههس التسههمية‪ ،‬فالمعتزلههة‬

‫‪105‬‬
‫والماتريدية لديهم هذا المبدأ واستعمالته وتطبيقاته متناثرة‬
‫في كتبهم بكثرة‪ ،‬وأما الحنابلة فقد رفضوا هههذا المبههدأ مههن‬
‫أساسه‪.‬‬
‫فتبين لنا إذا أن الذين قالوا بهههذا المبههدأ هههم المعتزلههة‬
‫والشههاعرة والماتريديههة‪ ،‬وأن الههذين رفضههوه هههم الحنابلههة‪،‬‬
‫وعلى ضوء هذا التقسههيم سههنناقش المسههألة إن شههاء اللههه‬
‫تعالى‪.‬‬
‫ول بد من ملحظة أن موضههوع المعههارض العقلههي هههو‬
‫نفس موضوع تقديم العقل على النقل‪ ،‬فمن أي ّههد المعههارض‬
‫دم العقل على النقل‪ ،‬ومههن رفههض المعههارض‬ ‫العقلي فقد ق ّ‬
‫دم النقل على العقل‪.‬‬ ‫العقلي فقد ق ّ‬
‫ونعههود إلههى تعريههف المعههارض العقلههي مههرة أخههرى‪،‬‬
‫فنقههول‪ :‬هههو القواطههع العقليههة الههتي تتعههارض مههع ظههواهر‬
‫النصوص المفيدة للتشبيه‪.‬‬
‫وقد سمى المام الرازي هذا المبدأ المعههارض العقلههي‬
‫ماه القههانون‬‫في كتابه "الربعين فههي أصههول الههدين" وسه ّ‬
‫)‪(1‬‬

‫الكلي في كتابه "أساس التقديس")‪ ،(2‬ولكن المفهوم واحد‪،‬‬


‫ويقول الرازي‪" :‬اعلههم أن الههدلئل العقليههة إذا قههامت علههى‬
‫ثبوت شيء‪ ،‬ثم وجدنا أدلة نقلية ُيشعر ظاهرها بخلف ذلك‬
‫)‪(3‬‬
‫فهناك ل يخلو الحال من أحد أمور أربعة"‪.‬‬

‫وهذه المور الربعة يحصرها الرازي فيما يلههي‪ :‬إمهها أن‬


‫نصدقهما معا ً وهذا محال لنه جمع بيههن النقيضههين‪ ،‬وإمهها أن‬
‫نكذبهما معا ً فيلزم تكذيب النقيضين وهو أيضها ً محههال‪ ،‬وإمهها‬
‫دق الظههواهر النقليههة ونكههذب الظههواهر العقليههة‪ ،‬وهههذا‬
‫نص ه ّ‬
‫باطل‪ ،‬ويعلل بطلن ذلك بأن الظواهر النقلية أصل ً لم تكههن‬
‫لتثبت إل بالعقل – وهذا متسق مع قولهم بههأن العقههل أصههل‬
‫ثبوت النقل‪ -‬فبعد أن أثبتنا بالدلئل العقلية وجود الله تعالى‬
‫وصدق النبي ‪ ‬عرفنا بعد ذلههك صههدق النقههل‪ ،‬فههإذا قههدحنا‬
‫‪ ()1‬الرازي‪ ،‬الربعين في أصول الدين‪ ،‬ص ‪.418‬‬
‫‪ ()2‬الرازي‪ ،‬أساس التقديس‪ ،‬ص ‪.194‬‬
‫‪ ()3‬الرازي‪ ،‬أساس التقديس‪ ،‬ص ‪.193‬‬

‫‪106‬‬
‫بهذا العقل الذي أثبت لنا الشههرع نكههون قههد قههدحنا بالعقههل‬
‫وبالشرع أيضا ً لننا قدحنا بأصل الشرع الذي هو العقل )‪.(1‬‬
‫ثههم يقههول‪" :‬لههم يبههق إل أن ُيقطههع بمقتضههى الههدلئل‬
‫العقلية القاطعة‪ ،‬وبأن هذه الدلئل النقلية إما أن يقههال إنههها‬
‫غيُر صحيحة‪ ،‬أو يقال إنها صههحيحة‪ ،‬إل أن المههراد منههها غي هُر‬
‫ظواهرها" )‪.(2‬‬
‫ويقههول الجرجههاني فههي "شههرح المواقههف" بهههذا الكلم‬
‫بطريقة مشابهة إلى حد كبير)‪ (3‬لطريقة الرازي‪ ،‬وقد سههماه‬
‫المعارض العقلي أيضًا‪.‬‬
‫وأما الغزالي فيقول‪" :‬وأما ما قضى العقههل باسههتحالته‬
‫ور أن يشههمل‬ ‫فيجب فيه تأويل مهها ورد السههمع بههه‪ ،‬ول ُيتص ه ّ‬
‫الشههرع علههى قههاطع مخههالف للعقههول‪ ،‬وظههواهر أحههاديث‬
‫التشبيه أكثرها غيُر صحيحة‪ ،‬والصحيح منها ليس بقاطع‪ ،‬بههل‬
‫هو قابههل للتأويههل"‪ (4).‬فكلم الغزالههي وكلم الههرازي بمعنههى‬
‫واحد‪.‬‬
‫وللماتريدية كلم فههي نفههس المعنههى أو فههي تطبيقههات‬
‫على مبدأ المعارض‪ ،‬ومنهم أبو المعين النسفي)‪ (5‬التفتازاني‬
‫والنسفي أبو حفص)‪ ،(6‬وابن الُهمام )‪ ،(7‬والخّيالي)‪.(8‬‬

‫ما المعتزلة فهم رّواد ٌ في هههذا المجههال‪ ،‬وقههد أكههثروا‬


‫وأ ّ‬
‫فيه وأوغلوا‪ ،‬حتى إنهم أنكروا ‪-‬اعتمادا على مبدأ المعارضههة‬
‫العقلية لظواهر النصوص‪ -‬أمورا ً هههي مههن بههاب المس هّلمات‬
‫عند الخذين بالمعارض العقلي‪ ،‬فقد أنكروا الرؤية كمهها مههّر‬
‫معنهها وقههالوا إنههها مسههتحيلة عقل ً وهههذا الكلم هههو عيههن‬
‫المعارضة العقلية من حيههث المبههدأ‪ ،‬فلههم ينكههروا الرؤيههة إل‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬الرازي‪ ،‬أساس التقديس‪ ،‬ص ‪.193‬‬


‫‪ ()2‬الرازي‪ ،‬أساس التقديس‪ ،‬ص ‪.194‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ :‬الجرجاني‪ ،‬شرح المواقف‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪.55-53‬‬
‫‪ ()4‬الغزالي‪ ،‬القتصاد في العتقاد‪ ،‬ص ‪.116‬‬
‫‪ ()5‬انظر‪ :‬النسفي‪ ،‬تبصرة الدلة في أصول الششدين‪ ،‬م ‪ 1‬ص ‪ ،129‬النسههفي )ت ‪ 508‬هههه(‪ ،‬التمهيششد‬
‫جيب الله حسن أحمد(‪ ،‬دار الطباعة المحمدية‪ ،‬ص ‪161‬و ص ‪.164‬‬
‫لقواعد التوحيد‪ ،‬ط ‪) ،1‬تحقيق‪ِ :‬‬
‫‪ ()6‬انظر‪ :‬التفتازاني‪ ،‬شرح العقائد النسفية‪ ،‬ص ‪.75-74‬‬
‫‪ ()7‬انظر‪ :‬ابن الُهمام‪ ،‬المسايرة‪ ،‬ص ‪.48-46‬‬
‫‪ ()8‬انظر‪ :‬الخّيالي‪ ،‬شرح العلمة الخّيالي على النونية‪ ،‬ص ‪.180‬‬

‫‪107‬‬
‫لنه يلزم عنها الجهة والمقابلة والجسههمية واتصههال الشههعاع‬
‫وكل ذلك محال على الله تعالى عقل ً عندهم‪ ،‬فالمعتزلههة إذا‬
‫هههم مههن الفريههق الههذي يؤيههد مبههدأ المعههارض العقلههي‪ ،‬هههذا‬
‫الفريق الذي يضم الشاعرة والماتريدية مع المعتزلة‪ ،‬ولكن‬
‫الفرق بينهم في تطبيقات هذا المبدأ‪ ،‬فالمعتزلة غََلو وبالغوا‬
‫فيه حتى أنكروا الشههفاعة لعصههاة المههؤمنين وأنكههر بعضهههم‬
‫عذاب القبر وأنكروا رؤية المؤمنين لله تعالى فههي الههدارين‪،‬‬
‫منا هنا أنهم قائلون بالمعارض العقلي‪.‬‬ ‫ولكن ما يه ّ‬
‫دوا هذا المبدأ‪ ،‬وهذا يتضح جليا ً فههي‬ ‫وأما الحنابلة فقد ر ّ‬
‫مبحث دور الستدلل بالعقل على العقائد عنههدهم‪ ،‬وتحديههدا‬
‫في قههولهم بـه "رد القههول بالشهههادة بصههحة السههمع مهها لههم‬
‫يخالف العقل" وقولهم بـه "إنكههار أن يكههون العقههل منطلق ها ً‬
‫للنفي والثبات في العقائد" وقولهم بـهه"تقههديم النقههل علههى‬
‫ملنا هذه النقاط عنههد الحنابلههة‬‫العقل مطلقًا"‪ ،‬فلو رجعنا وتأ ّ‬
‫ض رد على القائلين بمبدأ "المعارض العقلي"‪،‬‬ ‫لرأينا أنها مح ُ‬
‫وهذا واضح في كلم ابن تيمية وكلم السههفاريني الههذي م هّر‬
‫وسيأتي‪.‬‬
‫فقههد قههال ابههن تيميههة بعههد أن انتهههى مههن الههرد علههى‬
‫القائلين بالمعارض العقلي‪" :‬فالواجب تلقي علههم ذلههك مههن‬
‫النبوات على ما هو عليه"‪ (1).‬وقال السفاريني في متنه‪:‬‬

‫ح في الخبار‬
‫أو ص ّ‬ ‫فكل ما جاء من اليات‬
‫ت‬‫عن ثقا ِ‬
‫فاسمع‬ ‫جاء‬ ‫قد‬ ‫مّرهُ كما‬
‫من الحاديث ن ُ ِ‬
‫نظامي واعلما‬
‫)‪(2‬‬
‫جهو ْ‬
‫ل‬ ‫لقول مفترٍ به َ‬ ‫ول نُرد ّ ذاك به "العقو ْ‬
‫ل"‬

‫واعترض الحنابلة على هذا المبدأ باعتراضات هي‪:‬‬

‫‪ ()1‬ابن تيمية‪ ،‬الفتوى الحموية الكبرى‪ ،‬ص ‪ ،84‬وانظر‪ :‬الللكائي‪ ،‬شرح أصول اعتقاد أهل السششنة‬
‫والجماعة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم‪ ،‬م ‪ ،1‬ص ‪.115‬‬
‫‪ ()2‬ابن مانع‪ ،‬شرح العقيدة السفارينية‪ ،‬ص ‪ .42‬والبيات للسفاريني لنها من المتن ل الشرح‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫أول‪ :‬إن الدليل العقلههي دل علههى صههدق الرسههول ‪‬‬
‫وثبههوت مهها أخههبر بههه مطلقههًا‪ ،‬فل يجههوز أن يكههون صههدقه‬
‫)‪(1‬‬
‫مشروطا بعدم المعارض‪.‬‬
‫والمقصود أن العقل هههو الههذي دل علههى صههدق النبههوة‬
‫وثبوت ما جاء عن النبي ‪ ‬مههن أخبههار‪ ،‬فل يجههوز أن يكههون‬
‫صههدق النههبي والشههرع مشههروطان بعههدم معارضههة العقههل‬
‫للشرع‪ ،‬فالعقل أصل ً مثبت للشرع فكيف يكون معارضا ً له‪،‬‬
‫فهذا ل يجوز‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬نعم‪ ،‬إن العقل دل على ثبوت الشههرع وصههدقه‬
‫مههن حيههث أصههله وأصههل ثبههوته‪ ،‬والمعتزلههة والشههاعرة‬
‫والماتريدية مسّلمون بههذلك‪ ،‬ولكههن لههم يقههل أحههد منهههم إن‬
‫كلهها‪ ،‬فمها المهانع مهن‬‫العقل دل علهى صهدق أخبهار الحهاد ُ‬
‫معارضة العقل لها‪ ،‬فضل ً عن أنهم يقصدون معارضة العقههل‬
‫لظواهرها ل لها‪.‬‬
‫فالقائلون بالمعارض يعترفون بإثبات الشرع من حيههث‬
‫أصله بالعقههل‪ ،‬وابههن تيميههة يحمههل كلمهههم علههى أن العقههل‬
‫مصد ّقٌ لكل ما جاء في الشرع من تفاصيل وأخبار‪ ،‬وهذا لم‬
‫يعنيه أحد ٌ منهم‪.‬‬
‫ل لم تثههق‬‫وزت أن يعارض الشرعَ العق ُ‬ ‫ثانيا‪ :‬أنك إن ج ّ‬
‫بشيء من الشرع‪ ،‬فقد يكون في عقل غيرك ما يههدل علههى‬
‫)‪(2‬‬
‫فساده‪ ،‬فيتطرق الحتمال إلى كل ما اعتقدته‪.‬‬
‫وُيقههال للحنابلههة‪ :‬إن الخههذين بالمعههارض العقلههي لههم‬
‫يقولوا‪ :‬إن أي شههبهة عقليههة تعههرض علههى إنسههان يصههح أن‬
‫يعارض بها الشرع‪ ،‬بل قالوا إن القواطع العقلية التي يتفههق‬
‫ل أو أغلههب العقلء هههي الههتي يصههح أن تعههارض بههها‬ ‫فيههها كه ّ‬
‫الظواهر الظنيههة الههتي تههوهم النقههص للههه سههبحانه وتعههالى‪،‬‬
‫وبهذا الكلم ُيجاب على كلم ابن تيمية حينما قال‪" :‬ويكفيك‬
‫دليل ً على فساد قول هههؤلء أنههه ليههس لواحههد منهههم قاعههدة‬
‫مستمرة فيما يحيله العقل‪ ،‬بل منهههم مههن يزعههم أن العقههل‬
‫)‪(3‬‬
‫دعي الخر أن العقل أحاله"‪.‬‬ ‫وز وأوجب ما ي ّ‬ ‫ج ّ‬
‫‪ ()1‬ابن تيمية‪ ،‬درء تعارض العقل والنقل‪ ،‬م ‪ 1‬ص ‪.101‬‬
‫‪ ()2‬انظر‪ :‬ابن تيمية‪ ،‬درء تعارض العقل والنقل‪ ،‬م ‪ 1‬ص ‪.102‬‬
‫‪ ()3‬ابن تيمية‪ ،‬الفتوى الحموية الكبرى‪ ،‬ص ‪.81‬‬

‫‪109‬‬
‫ثالثا‪ :‬أن ُيعارض هذا القول بأن يقال‪ :‬إن دليل العقههل‬
‫مشروط بعدم معارضة الشههرع‪ ،‬لن العقههل ضههعيف عههاجز‪،‬‬
‫والشبهات تعرض له كثيرا‪ ،‬وهههذه المتههائه والمحههارات الههتي‬
‫)‪(1‬‬
‫اضطرب فيها العقلء ل أثق فيها بعقل يخالف الشرع‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬إن الغزالي بعد أن تكلم عن مفهوم المعههارض‬
‫ور أن يشههتمل الشههرع علههى مخههالف‬ ‫العقلي قال‪" :‬ول ُيتصه ّ‬
‫للعقههول" )‪ (2‬فالصههل عنههدهم أن ل تعههارض بيههن العقليههات‬
‫القاطعة وما ثبت بالشرع عن طريق القطع‪ ،‬فإن قصد ابههن‬
‫تيميههة الدلههة العقليههة الظنيههة الههتي تصههطدم مههع قواطههع‬
‫الشريعة فل بأس‪ ،‬وإن كان يقصههد معارضههة الدلههة العقليههة‬
‫القطعيهههة الهههتي يقصهههدها القهههائلون بالمعهههارض‪ ،‬بظهههواهر‬
‫الشريعة فل‪.‬‬
‫ول بد من الشارة إلى أن المعارض مأخوذ ٌ به في هههذا‬
‫المجال فقط –القواطع العقلية مع الظواهر النقلية‪.-‬‬
‫ولو أتينا الن إلى حصر احتمالت التعارض –مههع العلههم‬
‫أنه ل يمكن أن يكون هناك تعههارض فعلههي‪ ،‬وإنمهها التعههارض‬
‫في عقول البشر فقط‪ -‬بين العقل والنقل لقلنا‪ :‬إنها تنحصر‬
‫فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬معارضة القطعي العقلي للقطعههي الشههرعي‪ ،‬أو معارضههة‬
‫القطعي الشرعي للقطعي العقلي‪.‬‬
‫‪ -‬معارضههة الظنههي العقلههي للظنههي الشههرعي‪ ،‬أو معارضههة‬
‫الظني الشرعي للظني العقلي‪.‬‬
‫‪ -‬معارضة القطعي الشرعي للظني العقلي‪.‬‬
‫‪ -‬معارضة القطعي العقلي للظني الشرعي‪.‬‬
‫ل بشّقيه ولم يقل أحد به‪ ،‬لنه‬ ‫محا ٌ‬‫فأما القسم الول ف ُ‬
‫ل تعارض حقيقة بين الشرع والعقل‪ ،‬وأما القسم الثاني فل‬
‫ظر إليه فهو داخل في قسم الجتهادات‪ ،‬والمهم أنههه غيههر‬ ‫ُين َ‬
‫مقصود في كههل المسههألة الههتي أوردناههها‪ ،‬ولههم تحههدث مههن‬
‫جهته مشكلة‪ ،‬وأمهها القسههم الثههالث فل ب ُهد ّ فيههه مههن تقههديم‬
‫القطعي الشرعي‪ ،‬ولم أعلم أن أحدا ً قال بخلف ذلك‪ ،‬وأما‬
‫‪ ()1‬ابن تيمية‪ ،‬درء تعارض العقل والنقل‪ ،‬م ‪ 1‬ص ‪.107‬‬
‫‪ ()2‬الغزالي‪ ،‬القتصاد في العتقاد‪ ،‬ص ‪.116‬‬

‫‪110‬‬
‫القسههم الرابههع فهههو الههذي وقههع عنههده الخلف‪ ،‬وقههد بههان‬
‫الصواب فيه بترجيح الخذ بالمعارض العقلههي‪ ،‬واللههه تعههالى‬
‫أعلم‪.‬‬
‫ط ارتباطا ً وثيقا بكل من‬ ‫إذا‪ ،‬إن المعارض العقلي مرتب ٌ‬
‫المواضههيع التاليههة وهههي‪ -1 :‬هههل العقههل أصههل للنقههل؟‪-2 .‬‬
‫التأويل‪ -3 .‬تقديم العقل على النقل‪.‬‬
‫وبقي فهي الخيهر أن نهرد علهى القهول الهذي ورد فهي‬
‫المبحث الثاني مههن هههذا الفصههل‪ ،‬وهههو قههول للحنابلههة‪" :‬إن‬
‫العقل ل مدخل له فههي بههاب السههماء والصههفات‪ ،‬لن مههدار‬
‫إثبههات السههماء والصههفات أو نفيههها علههى السههمع‪ ،‬خلفهها ً‬
‫للشعرية والمعتزلة والجهمية وغيرهههم مههن أهههل التعطيههل‪،‬‬
‫الذين جعلوا المدار في إثبات الصفات أو نفيها على العقههل‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬مهها اقتضههى العقههل إثبههاته أثبتنههاه‪ ،‬سههواء أثبتههه اللههه‬
‫لنفسه أم ل‪ ،‬وما اقتضى نفيه نفيناه‪ ،‬وإن أثبته الله ! ومهها ل‬
‫يقتضي العقل إثباته ول نفيه؛ فههأكثرهم نفههاه‪ ..........‬فصههار‬
‫هؤلء يحكمههون العقههل فيمهها يجههب أو يمتنههع علههى اللههه عههز‬
‫وجل‪ ،‬فيتفرع على هذا‪ :‬مهها اقتضههى العقههل وصههف اللههه بههه‬
‫ُوصف الله به‪ ،‬وإن لم يكن في الكتاب والسنة‪ ،‬وما اقتضى‬
‫العقل نفيه عن اللهه نفهوه‪ ،‬وإن كهان فهي الكتهاب والسهنة‪،‬‬
‫ولهذا يقولون‪ :‬ليس لله عين ول وجه ول يد ول استوى على‬
‫العههرش ول ينههزل إلههى السههماء الههدنيا‪ ،‬لكنهههم يحرفههون‬
‫ويسمون تحريفهههم تههأويل ً ولههو أنكههروا إنكههار جحههد لكفههروا‪،‬‬
‫لنهم كذبوا‪ ،‬لكنهههم ينكههرون إنكههار مهها يسههمونه تههأويل ً وهههو‬
‫)‪(1‬‬
‫عندنا تحريف"‬
‫وكما قلنا‪ ،‬فإن المعتزلة والشاعرة والماتريديههة الههذين‬
‫يطلق عليهم ابن عثيمين "الجهميههة"‪ .‬و "أهههل التعطيههل"‪ .‬ل‬
‫ينفون ما ثبت فههي القههرآن والسههنة ل بعقههل ول بغيههره‪ ،‬بههل‬
‫يؤولون ظواهر اليات التي توهم التشبيه إلى مهها يتفههق مههع‬
‫النقل من أن الله ليس كمثله شيء‪ ،‬ومع العقل من أن الله‬
‫ل يمكن أن يشبه أحدا من خلقه‪.‬‬

‫‪ ()1‬ابن عثيمين‪ ،‬وآخرون‪ .‬شرح العقيدة الواسطية‪ ،‬ص ‪ .51‬والنص لبن عثيمين‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫نماذج من الثار الناشئة عن الختلف في‬
‫الستدلل بالعقل‬

‫المبحث الول‪ :‬الموقف من التكليف‬


‫المطلب الول‪ :‬في أول ما يجب على المكلف‬
‫المطلب الثاني‪ :‬في إيمان المقلد‬
‫المبحث الثاني‪ :‬الموقف من لوازم اللوهية‬
‫المطلب الول‪ :‬إثبات الجهة في حق الله تعالى أو‬
‫نفيها‬
‫المطلب الثاني‪ :‬إثبات صفات المعاني لله تعالى أو‬
‫نفيها‬

‫الفصل الثالث‬
‫نماذج من الثار الناشئة عن الختلف في‬
‫الستدلل بالعقل‬
‫سههتتناول الدراسههة فههي هههذا الفصههل أهههم الثههار الههتي‬
‫نتجت عههن اختلف المههدارس فههي السههتدلل بالعقههل علههى‬
‫العقائد‪.‬‬
‫المبحث الول‪ :‬الموقف من التكليف‬
‫المطلب الول‪ :‬في أول ما يجب على المكلف‬
‫لقههد نشههأ عههن الختلف فههي السههتدلل بالعقههل علههى‬
‫ب‬‫العقائد خلف في بعض التصورات التي كان للعقههل نصههي ٌ‬
‫كبيٌر من رسم سمات ذلك التصور فيها‪.‬‬
‫وعلى رأس هذه المسائل مسألة التكليهف الهتي تفهرع‬
‫الخلف فيها إلى أكثر من فرع‪ ،‬وقد مر معنا خلل بيههان دور‬
‫السههتدلل بالعقههل عنههد العقههائد عههن المههدارس المههذكورة‬
‫بصيص من ذلك الختلف‪.‬‬
‫وبين يههدينا الن مسههألة أول مهها يجههب علههى المكلههف‪،‬‬
‫وسيعرض الباحث الراء المعتبرة الواردة في هذه المسههألة‬
‫منسوبة إلى أصههحابها‪ ،‬ثههم ننههاقش الراء والدلههة بعههد ذلههك‬
‫مجردة من أسماء حامليها‪ ،‬إن شاء الله تعالى‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫قال المعتزلة‪ :‬إن أول واجب على المكلف هو "النظههر‬
‫المؤدي إلى معرفة الله تعالى‪ ،‬لنه تعالى ل ُيعرف ضههرورة‬
‫ول بالمشاهدة‪ ،‬فيجب أن نعرفه بالتفكر والنظر" )‪.(1‬‬
‫وقهال أبههو هاشهم مههن المعتزلههة‪ :‬إن أول واجهب علههى‬
‫المكلف هو الشك‪ ،‬لن القصههد إلههى النظههر بل سههابقة شههك‬
‫يقتضي طلب تحصيل الحاصل‪ ،‬أو وجود النظر مع ما يمنعه‪.‬‬
‫)‪(2‬‬

‫وقههال الحنابلههة‪ :‬إن أول واجههب علههى المكلههف هههو‬


‫الشهادتان‪ ،‬لن الرسول ‪ ‬لهم يههدعُ أحههدا ً مهن الخلههق إلههى‬
‫النظر ابتداًء‪ ،‬ول إلى مجرد إثبات الصانع‪ ،‬بل أول ما دعاهم‬
‫إليه الشهادتان‪ ،‬وبذلك أمر أصحابه‪ .‬وقد اسههتدل ابههن تيميههة‬
‫بحديث معاذ بن جبل رضي الله عنه حين بعثههه الرسههول ‪‬‬
‫إلى اليمن فقههال لههه‪" :‬إنههك سههتأتي قومهها أهههل كتههاب فههإذا‬
‫جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن ل إله إل الله وأن محمههدا ً‬
‫رسول الله‪ ،‬فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن اللههه قههد‬
‫فرض عليهم خمس صلوات فههي كههل يههوم وليلههة‪ ،‬فههإن هههم‬
‫أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فههرض عليهههم صههدقة‬
‫تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم‪ ،‬فإن هم أطههاعوا لههك‬
‫بذلك فإياك وكرائم أموالهم‪ ،‬واتق دعوة المظلوم فإنه ليس‬
‫)‪(3‬‬
‫بينه وبين الله حجاب"‬
‫وفي العقيدة السفارينية‪:‬‬
‫معرفة الله بالتسديدِ‬ ‫أول واجب على العبيدِ‬
‫)‪(4‬‬
‫ه ول وزيُر‬
‫شب ْ ٌ‬
‫له ول ِ‬ ‫بأّنه واحد ل نظير‬
‫فالسههفاريني يخههالف ابههن تيميههة‪ ،‬وأظههن أن ابههن مههانع‬
‫كذلك لنه لم ينكر على هذا البيت‪ ،‬مع أنه خالف السفاريني‬
‫في عدة مسائل‪.‬‬
‫وقههال الشههاعرة‪ :‬إن أول واجههب هههو المعرفههة )‪ ،(5‬أي‬
‫معرفههة اللههه تعههالى‪ ،‬لن معرفههة اللههه تعههالى هههي أصههل‬
‫‪ ()1‬القاضي عبد الجبار‪ ،‬شرح الصول الخمسة‪ ،39 ،‬وانظر‪ :‬أبو سعدة‪ ،‬مهرى حسن‪ .‬التجاه العقلي‬
‫في مشكلة المعرفة عند المعتزلة‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪1993 ،‬م‪ ،‬ص ‪.165-159‬‬
‫‪ ()2‬نسبه إليه‪ ،‬الجرجاني‪ ،‬شرح المواقف‪،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،282‬والتفتازاني‪ ،‬شرح المقاصد‪ ،‬م ‪ ،1‬ص ‪.121‬‬
‫‪ ()3‬ابن تيمية‪ ،‬درء التعارض‪ ،‬م ‪ 4‬ص ‪ ،107‬والحديث في صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬برقم ‪ ،1496‬باب‬
‫أخذ الصدقة من الغنياء‪ ،‬م ‪ 4‬ص ‪.138‬‬
‫‪ ()4‬ابن مانع‪ ،‬شرح العقيدة السفارينية‪ ،‬ص ‪ .57‬والبيات للسفاريني الماتن ل لبن مانع‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫المعارف‪ ،‬وعليها يتفههرع وجههوب كههل واجههب مههن الواجبههات‬
‫)‪(1‬‬
‫الشرعية‪.‬‬
‫وقال بعض الشاعرة‪ :‬إن النظر الموصل إلههى معرفههة‬
‫الله تعالى هو أول الواجبههات‪ ،‬لن مهها ل يتههم الههواجب إل بههه‬
‫فهو واجب‪ (2) ،‬وهذا القول هو عين قول المعتزلة‪.‬‬
‫وقال بعض الشاعرة‪ :‬بل إن القصد إلى النظر هو أول‬
‫الواجبات‪ ،‬لن النظر ل يتم إل به‪ ،‬وما ل يتم الههواجب إل بههه‬
‫فهو واجب‪ ،‬وذلك أن الله أمرنا بالعبادة‪ ،‬والعبادة ل تصح إل‬
‫بنية‪ ،‬والنية هي القصد‪ ،‬وقصد من ل يعرف محههال‪ ،‬فههوجبت‬
‫معرفته تعالى بوجوب العبادة‪ ،‬ومعرفتههه ل يتوصههل إليههها إل‬
‫بالنظر‪ ،‬والنظر يسههبقه القصههد إلههى النظههر‪ ،‬فثبههت أنههه أول‬
‫)‪(3‬‬
‫الواجبات‪.‬‬
‫وقد أورد الجرجاني رأيهها آخههرا غيههر منسههوب‪ ،‬وهههو أن‬
‫أول جزء من النظر هو أول واجب على المكلف‪ ،‬وذلههك لن‬
‫وجوب الكل يستلزم وجوب أجزائه‪ ،‬فأول جههزء مههن النظههر‬
‫)‪(4‬‬
‫واجب‪ ،‬وهو متقدم على النظر المتقدم على المعرفة‪.‬‬
‫وقال الماتريديههة‪" :‬إن أريههد أول الواجبههات المقصههودة‬
‫بالههذات فهههو المعرفههة‪ ،‬وإن أريههد العههم فهههو القصههد إلههى‬
‫النظههر"‪ (5) .‬وهههذا توفيههق بيههن القههولين المههذكورين‪ ،‬أنههه‬
‫المعرفة أو القصد إلى النظر‪.‬‬
‫وقد لمسههت مههن كلم الجرجههاني أنههه يميههل إلههى هههذا‬
‫الرأي –التوفيق على هذه الصورة‪ -‬بل وينقههل كلم ها ً للمههام‬
‫الرازي يفيد التوفيق أيضا ً على هذا الشههكل‪ ،‬ولكههن الههرازي‬
‫‪ ()5‬انظر‪ :‬الجرجاني‪ ،‬شرح المواقف‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،282‬الصاوي )ت ‪ 1241‬هه(‪ ،‬أحمد بههن محمههد المههالكي‪.‬‬
‫شرح جوهرة التوحيد‪ ،‬ط ‪) ،1‬تحقيق الدكتور عبد الفتاح البزم(‪ ،‬دار ابههن كههثير‪ ،‬دمشههق‪-‬بيههروت‪،1997 ،‬‬
‫ص ‪ ،121‬وقد نسب الجرجاني والتفتازاني والصاوي هذا القول لبي الحسن الشعري‪ ،‬ولجمهور الشاعرة‪.‬‬
‫‪ ()1‬الجرجاني‪ ،‬شرح المواقف‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.282‬‬
‫‪ ()2‬ونسبه الجرجاني إلى أبي إسحق السفرائيني والمعتزلة‪ ،‬شرح المواقف‪ ،‬م ‪ 1‬ص ‪.282‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ :‬الشيرازي‪ ،‬الشارة إلى مذهب أهل الحق‪ ،‬ص ‪ .272‬ونسبه الجرجاني إلى ابن فورك وإمام‬
‫الحرمين‪ ،‬وانظر‪ :‬الجويني‪ ،‬الرشاد إلى قواطع الدلة في أصول العتقاد‪ ،‬ص ‪ ،3‬وانظر‪ :‬الجههويني‪،‬‬
‫عبد الملك بن عبد الله بن يوسف )ت ‪ 478‬هههه(‪ .‬الشامل فشي أصشول الششدين‪ ،‬د ط‪) ،‬تحقيههق‪ :‬د‪ .‬علههي‬
‫سامي النشار وفيصل بهدير عهون وسهههير محمهد مختهار(‪ ،‬دار المعهارف‪ ،‬مصههر‪ -‬السههكندرية‪1969 ،‬م‪ ،‬ص‬
‫‪.120‬‬
‫‪()4‬الجرجاني‪ ،‬شرح المواقف‪ ،‬م ‪ ،1‬ص ‪.282‬‬
‫‪ ()5‬التفتازاني‪ ،‬شرح المقاصد‪ ،‬م ‪ ،1‬ص ‪.121‬‬

‫‪114‬‬
‫يضههيف إلههى هههذين الرأييههن رأي مههن قههال إنههه النظههر‪،‬‬
‫فالتفتازاني يجمع بين المعرفة والقصد إلى النظر‪ ،‬والههرازي‬
‫يجمع بين المعرفة والقصد إلى النظر والنظر‪.‬‬
‫ويرى البههاحث أن هههذا التوفيههق هههو الرجههح بيههن هههذه‬
‫القههوال ‪-‬واللههه أعلههم‪ ،-‬لن المعرفههة هههي المقصههود الول‬
‫لذاته‪ ،‬وهو المطلوب من المكلف‪ ،‬فقد طلب مّنا الله تعالى‬
‫معرفته‪ ،‬ولم يطلب منا النظر ول القصد إلى النظههر لههذاته‪،‬‬
‫بل طلب منا النظر باعتباره وسههيلة موصههلة إلههى المعرفههة‪،‬‬
‫كقوله تعالى‪ :‬ﮋ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮊ )‪ (1‬وقوله تعالى ﮋ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌه ﮊ )‪ (2‬فقد جاءت هذه اليات لتحض‬
‫الكافرين على النظر والتفكر في آيات الكون للوصول إلههى‬
‫معرفة الله تعالى وأنههه خههالق هههذا الكههون وأنههه قههادر علههى‬
‫ده‪ ،‬وكههذلك لههو رأى أحههد أن‬ ‫البعههث وعههالم بمهها يفع ه ُ‬
‫ل عبهها ُ‬
‫المعرفة ل تكون إل بالنظر فالنظر قبههل المعرفههة وهههو أول‬
‫الواجبات فنقول إن كلمه صحيح من هذه الجههة‪ ،‬وههو مهن‬
‫باب ما ل يتم الواجب إل به فهو واجب‪ ،‬مثل إعههداد المكههان‬
‫الطاهر للصلة أو السههفر لداء الحههج وغيههره‪ ،‬وكههذلك ُيقههال‬
‫لمن قال إن القصد إلى النظر يسبق النظر نفسه‪.‬‬
‫وأما من قال إن الشك أول الواجبات لن الشك يسبق‬
‫القصد إلى النظر‪ ،‬ولن النظر والقصد إليه من باب تحصيل‬
‫الحاصل فَُيرد عليه بأن ُيقال‪ :‬نعم إن الشك يبقى فههي ذهههن‬
‫الناظر حتى يتبهن لهه المهر فيسهتيقن مهن ثبهوته أو عهدمه‪،‬‬
‫ولكن هههل طههالب اللههه النسههان بههأن يشههك؟ وهههل يطههالب‬
‫النسان بالنظر أصل ً لو لم يكن على غيههر يقيههن؟ والجههواب‬
‫طبعا ل‪ .‬فهذا القول كمههن قههال إن النسههان يجههب عليههه أن‬
‫يبلغ قبل أن ُيكّلف‪ ،‬والبلوغ ليههس فههي يههد النسههان كمهها أن‬
‫الشك ليس في يده‪ ،‬فأرى أن الشك بمثابة شرط الوجههوب‬
‫في العبادات‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫ومن قال إن أول جههزء مههن النظههر هههو الههواجب فهههذا‬
‫القول يرجع إلى قول من قال إن الواجب الول هو النظههر‪،‬‬
‫وذلك لن الجميع يسلم بأن النظر أجزاء متعددة ول يحصههل‬
‫‪ ()1‬سورة يونس‪ ،‬الية ‪.101‬‬
‫‪ ()2‬سورة ق‪ ،‬الية ‪.6‬‬

‫‪115‬‬
‫دفعة واحههدة‪ ،‬فهههذا القههول عههاد إلههى القههول بههأن الول هههو‬
‫النظر‪.‬‬
‫وأما من قال بأن الشهادتين أول الواجبات فُيقههال لههه‪:‬‬
‫هل يطالب الشرعُ العباد َ بالشهادة قبههل القتنههاع بالسههلم؟‬
‫هذا أمر غير ممكن وهو يعارض القاعدة السلمية الشهههيرة‬
‫ﮋﯿ ﯻ ﯻ ﯻﮊ‪ (1).‬وأما ما مر معنا من حديث سيدنا معاذ بن‬
‫جبل رضي الله عنه فالمقصههود بههه العلن‪ ،‬إعلن السههلم‪،‬‬
‫لن أمههر السههلم قههد اشههتهر فههي تلههك الونههة‪ ،‬ومعجههزات‬
‫الرسول ‪ ‬صارت من المور المعروفة المتههواترة‪ ،‬فطلههب‬
‫الشهادة هو للدخول فههي السههلم وإعلن ذلههك فقههط‪ ،‬وهههو‬
‫مبني على معرفة أن الله تعالى موجود خالق لهههذا الكههون‪،‬‬
‫وأن سيدنا محمدا ً ‪ ‬صادق مبل ّغٌ من ربههه سههبحانه وتعههالى‪،‬‬
‫وأن هذه المعجزات دليل صدقه‪ .‬وعلى هذا المعنههى تحمههل‬
‫أحههاديث متعههددة ورد فيههها المههر بالشهههادة بدايههة‪- ،‬واللههه‬
‫أعلم‪.-‬‬
‫فإن كان المقصود بالقول أن الشهادتين أول أمر يجب‬
‫على المسلم المبادرة به بعد القتناع بالسلم فُنسّلم بذلك‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬في إيمان المقلد‬

‫لقههد قصههدت مههن هههذا الفصههل عمومهها ً إبههراز بعههض‬


‫المسههائل الههتي ترتبههت علههى الخلف فههي دور السههتدلل‬
‫بالعقل‪ ،‬وكههان الختيههار لنمههاذج يكههون الفههرق فيههها واضههحًا‪،‬‬
‫كمسألة التكليف وما يندرج تحتهها كهأول مها يجهب وكإيمهان‬
‫المقلد‪.‬‬
‫فبالنسبة ليمان المقلد فإن الحديث فيه علههى شههقين‪،‬‬
‫الول‪ :‬هل يصح إيمانه أم ل ؟ والثاني‪ :‬إن صح إيمههانه فهههل‬
‫هو آثم أم ل ؟ وسأتكلم إن شاء الله تعالى عن الولههى لنههه‬
‫يترتب عليها اليمان والكفر وهو مههن صههميم الصههول‪ ،‬وأمهها‬
‫ترتههب الثههواب والعقههاب علههى الحههرام والحلل فهههو مههن‬
‫الفروع‪.‬‬

‫‪ ()1‬سورة البقرة‪ ،‬الية ‪.256‬‬

‫‪116‬‬
‫قال المعتزلة‪ :‬إن إيمان المقلد غير صههحيح‪ ،‬بههل يجههب‬
‫على المقلد أن يستدل علههى كههل مسههألة وأن يكههون قههادرا ً‬
‫على رد الشبه‪ .‬ويستدلون على ذلك بأن معرفههة اللههه الههتي‬
‫هههي واجبههة علههى المكلههف ل تتههأتى بالضههرورة‪ ،‬بههل بههالنظر‬
‫)‪(1‬‬
‫من لم ينظر‪.‬‬ ‫والستدلل‪ ،‬فل اعتداد بتصديق وإيمان َ‬
‫ويستدلون أيضا على بطلن التقليههد بههأن الصههل الههذي‬
‫ل‪ ،‬فههإن‬ ‫يقلده النسان إما أن يكون حقا ً وإما أن يكههون بههاط ً‬
‫كان باطل ً كتقليد اليهود والمجوس والنصارى لسلفهم فهذا‬
‫التقليد باطل بالتفاق‪ ،‬وإن كان حق ها ً فإمهها أن ُتعل َههم أحقيتههه‬
‫)‪(2‬‬
‫بالتقليد‪ ،‬وهذا دور‪ ،‬وإما أن تعلم بالدليل‪ ،‬وهذا تناقض‪.‬‬
‫ووجه لههزوم الههدور فههي هههذا أنههه أثبههت أحقيههة التقليههد‬
‫بالتقليد ل بالدليل وهذا باطل‪ ،‬ووجه التناقض في الثههاني أن‬
‫المقلد هو من ل يملك الدليل على صدق دعواه‪ ،‬فههإن ملههك‬
‫الدليل علهى صهدق دعهوى مهن ُيقلهده فمهن بهاب أولهى أن‬
‫يملكه على صدق دعواه‪ ،‬فيكون مقلدا ً وغيههر مقلههد فههي آن‬
‫واحد‪ ،‬وهذا عين التناقض‪.‬‬
‫ومن أدّلهة فسههاد التقليهد عنههدهم‪" :‬أن القهول بالتقليههد‬
‫يههؤدي إلههى جحههد الضههرورة‪ ،‬لن تقليههد مههن يقههول بقههدم‬
‫الجسام ليس بأولى من تقليد من يقول بحدوثها‪ ،‬فيجب إما‬
‫أن يعتقههد حههدوثها وقههدمها وذلههك محههال‪ ،‬أو يخههرج عههن كل‬
‫ً )‪(3‬‬
‫العتقادين وهو محال أيضا"‪.‬‬
‫وُيجاب عن هذا القول بأمرين‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن التقليد فههي شههيء مخههالف لضههرورة العقههل‬
‫ليس تقليههدًا‪ ،‬وإنمهها هههو جحههود‪ ،‬فههالمور الضههرورية حسههب‬
‫مفهومها هي المههور الواضههحة الحاضههرة فههي أذهههان جميههع‬
‫العقلء بحيث ل يمكن للعاقل التكذيب بها في نفسههه‪ ،‬فمههن‬
‫قّلد في ذلك فهو جاحد ل مقلد‪.‬‬
‫الثههاني‪ :‬أن حههدوث الجسههام ليههس مههن الضههروريات‪،‬‬
‫وذلك لن النسان العاقل ل يتبادر لههذهنه مههن مجههرد إدراك‬
‫مفهوم الجسم أنه حادث‪ ،‬كما أن علماء الكلم قههد بسههطوا‬
‫‪ ()1‬انظههر‪ :‬القاضههي عبههد الجبههار‪ ،‬ششرح الصشول الخمسشة‪ ،‬ص ‪ 50‬و ‪ 52‬و ‪ ،54‬القاضههي عبههد الجبههار‪،‬‬
‫المغني في أبواب التوحيد والعدل‪ ،‬م ‪ 12‬ص ‪.123‬‬
‫‪ ()2‬انظر‪ :‬القاضي عبد الجبار‪ ،‬شرح الصول الخمسة‪ ،‬ص ‪.63-62‬‬
‫‪ ()3‬القاضي عبد الجبار‪ ،‬المغني في أبواب التوحيد والعدل‪ ،‬م ‪ 12‬ص ‪.123‬‬

‫‪117‬‬
‫أدلة طويلة صعبة فههي إثبههات حههدوث الجسههام‪ ،‬ولههو كههانت‬
‫ضرورية لما احتاجوا إلى ذلك‪.‬‬
‫جع بعض العلماء عههدم تصههحيح إيمههان المقلههد عنههد‬ ‫فَُير ِ‬
‫المعتزلة إلى أنههه فههي منزلههة بيههن المنزلههتين‪ ،‬فإيمههانه غيههر‬
‫صحيح ولكنه لم يتلبس بموجبات الكفر‪ ،‬فليس مؤمنا وليس‬
‫سب إلى أبي هاشم الجبائي أنه صرح بكفههر‬ ‫كافرًا‪ (1) ،‬وقد ن ُ ِ‬
‫)‪(2‬‬
‫المقلد‪.‬‬
‫ويههرد القاضههي علههى القههائلين بتقليههد الزهههدين )أهههل‬
‫الزهد والصلح( أو تقليد الكثرين‪ ،‬واعترض علههى ذلههك بههأن‬
‫الزهد ليس دليل كافيا على الحق لن الزهاد موجودون فههي‬
‫كل طائفة‪ ،‬حتى النصارى كان منهم زهاد ورهبان كههثير‪ ،‬مههع‬
‫أنهههم علههى الضههلل المههبين‪ .‬وكههذلك اعههترض علههى تقليههد‬
‫الكههثرين‪ ،‬لن الكههثرة ليسههت دليل مطلقهها علههى الحههق‪،‬‬
‫والنصوص النبوية والقرآنية مدحت القلة تارة والكههثرة تههارة‬
‫)‪(3‬‬
‫أخرى‪.‬‬
‫وأمهها الحنابلههة والشههاعرة والماتريديههة فههأغلبهم علههى‬
‫)‪(4‬‬
‫صحة إيمان المقلد‪ ،‬مع الخلف في كونه عاصيا ً أم ل‪.‬‬
‫"فالمقلد الذي ل دليل معه مؤمن‪ ،‬وحكههم السههلم لههه‬
‫لزم‪ ،‬وهو مطيع للههه تعههالى باعتقههاده وسههائر طاعههاته‪ ،‬وإن‬
‫)‪(5‬‬
‫كان عاصيا ً بترك النظر والستدلل"‪.‬‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬التفتازاني‪ ،‬شرح المقاصد‪ ،‬م ‪ 3‬ص ‪.455‬‬


‫‪ ()2‬انظر‪ :‬الصاوي‪ ،‬شرح جوهرة التوحيد‪ ،‬ص ‪ ،105‬التفتازاني‪ ،‬شرح المقاصد‪ ،‬م ‪ 3‬ص ‪.455‬‬
‫‪ ()3‬انظههر‪ :‬القاضههي عبههد الجبههار‪ ،‬شرح الصششول الخمسششة‪ ،‬ص ‪ ،61-60‬وانظههر‪ :‬القاضههي عبههد الجبههار‪،‬‬
‫المغني في أبواب التوحيد والعدل‪ ،‬م ‪ 12‬ص ‪ ،124‬و انظههر‪ :‬الههراوي‪ ،‬عبههد السههتار‪ ،‬العقههل والحريههة‪،‬‬
‫دراسة في فكر القاضي عبد الجبار المعتزلي‪ ،‬ط ‪ ،1‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪،1980 ،‬‬
‫ص ‪.247-245‬‬
‫‪ ()4‬انظر‪ :‬ابن تيمية‪ ،‬مجموع الفتاوى‪ ،‬م ‪ 4‬ص ‪ ،235‬ابن تيمية‪ ،‬درء التعارض‪ ،‬م ‪ 4‬ص ‪ ،73‬الشيرازي‪،‬‬
‫الشارة إلى مذهب أهل الحق‪ ،‬ص ‪ ،373‬الصههاوي‪ ،‬شششرح جششوهرة التوحيششد‪ ،‬ص ‪ ،107‬الماتريههدي‪،‬‬
‫التوحيد‪ ،‬ص ‪،3‬النسفي‪ ،‬تبصرة الدلة في أصول الدين‪ ،‬م ‪ 1‬ص ‪ ،28‬التفتازاني‪ ،‬شرح المقاصد‪ ،‬م‬
‫‪ 3‬ص ‪ ،452‬الصابوني‪ ،‬أحمد بن محمود بن بكر )ت ‪ 580‬هه(‪ .‬البداية من الكفاية فششي الهدايششة‪ ،‬د ط‪،‬‬
‫)تحقيق‪ :‬د‪ .‬فتح الله خليف(‪ ،‬دار المعههاف‪ ،‬مصههر‪1969 ،‬م‪ ،‬ص ‪ ،154‬الههبزدوي‪ ،‬أصول الششدين‪ ،‬ص ‪،155‬‬
‫الخّيالي‪ ،‬شرح العلمة الخيالي على النونية‪ ،‬ص ‪.365‬‬
‫‪ ()5‬النسفي‪ ،‬تبصرة الدلة في أصول الدين‪ ،‬م ‪ 1‬ص ‪.28‬‬

‫‪118‬‬
‫والدليل علههى ذلههك "أن المههة جميعهههم قضههوا بإيمههان‬
‫العامة صحيحًا‪ ،‬وكذلك الصحابة رضي الله عنهم‪ ،‬ومن قههال‬
‫)‪(1‬‬
‫خلف ذلك فقد خالف جميع المة"‪.‬‬
‫وُيقال للمعتزلة‪ :‬إن كنتم تقصدون من يعيههش فههي دار‬
‫السهلم بيهن المسهلمين فههذا قهد وصهلته الهدعوة بهالتواتر‬
‫والتواتر يفيد اليقين‪ ،‬ول يخلو إنسان مسلم من القدرة على‬
‫الستدلل على وجود الله من وجههود الكههون بشههكل مجمههل‬
‫م عرفههت‬ ‫كاف‪ ،‬كما قال العرابي البسيط الذي قيل له‪" :‬ب ِه َ‬
‫الّرب ؟ فقال‪ :‬البعرة تدل على البعيههر‪ ،‬وآثههار المشههي تههدل‬
‫علههى المسههير‪ .‬فسههماء ذات أبههراج‪ ،‬وأرض ذات فجههاج‪ ،‬أفل‬
‫تدلن على الصانع الخبير"‪ (2) .‬فمثههل هههذا السههتدلل يكفههي‬
‫المسههلم‪ .‬وهههذا مركههوز فههي نفههوس النههاس يعرفههه الكههبير‬
‫والصغير‪.‬‬
‫وأما أن ُيطلب مههن كههل مكلههف أن يكههون قههادرا علههى‬
‫الستدلل على كل مسألة مع القدرة على دفع الشبه فهههذا‬
‫غير مستطاع‪ ،‬ولو كان كذلك لما كان هناك فرق بين العالم‬
‫والعامي‪.‬‬
‫مههن يعيههش فههي دار السههلم‬ ‫وإذا قصد المعتزلههة غيههر َ‬
‫ووصلته الدعوة من شخص وهو ساكن في صحراء فإن هذا‬
‫الشخص يجب عليه الستدلل‪ ،‬فنقول‪ :‬إن هههذا المبل ّههغ هههل‬
‫صدق بالسلم دون أن يعرف ما هو السلم واليمان ؟ فإن‬
‫كان كذلك فهو ليس بمههؤمن‪ ،‬وإن كههان قههد عههرف السههلم‬
‫وأن الله خالق هذا الكون وأنههه وحههده المتصههرف فيههه وأنههه‬
‫أرسل رسول ً اسمه محمد ‪ ‬إلههى النههاس وأن هههذا القههرآن‬
‫ذكر من كلم العرابي‪،‬‬ ‫معجزته‪ ،‬فسيدله عقله على مثل ما ُ‬
‫وإن لم يتلفظ به فإنه ثابت مركوز في نفسه‪.‬‬
‫وأخيرا ً فإن تصور وجود إنسان آمن بوجود الله سبحانه‬
‫تعالى وبنبيه محمد ‪ ‬من غيهر أن يمتلهك مثهل ههذه الدلهة‬
‫البسيطة التي خاطب الله بههها عبههاده جميعهههم فههي القههرآن‬
‫الكريم مثل قوله تعالى‪ :‬ﮋﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﮊ )‪ (3‬وغيره‬

‫‪ ()1‬البزدوي‪ ،‬أصول الدين‪ ،‬ص ‪.155‬‬


‫‪ ()2‬ابن عذبة‪ ،‬الروضة البهية‪ ،‬ص ‪.103‬‬
‫‪ ()3‬سورة الطور‪ ،‬الية ‪.35‬‬

‫‪119‬‬
‫من اليات غير ممكن‪ ،‬وأن مثل هذه السههتدللت البسههيطة‬
‫تكفي النسههان العههامي‪ .‬ويؤيههد هههذا حههال الرسههول ‪ ‬مههن‬
‫عرض السلم على القبههائل والفههراد‪ ،‬فكههان يقبههل إيمههانهم‬
‫بمجرد التلفظ بالشهادتين‪ ،‬دون أن يطلب منهم الدليل على‬
‫إيمانهم‪.‬‬
‫ب من كل مسلم أن يقيم الدليل على كل‬ ‫وأما أن ُيطل َ‬
‫ب‬
‫مسألة ففيه مشقة‪ ،‬والحرج مهدفوع فهي ديننها‪ .‬وقهد ُنسه َ‬
‫إلى بعض المعتزلة كالكعبي )‪ (1‬قبول إيمههان العههوام والعبيههد‬
‫)‪(2‬‬
‫وكثير من النسوان‪ ،‬دون الحاجة إلى هذا الستدلل‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬الموقف من بعض مستلزمات‬


‫اللوهية‬

‫المطلب الول‪ :‬إثبات الجهة في حق الله تعالى أو‬


‫نفيها‬
‫تنقسم المدارس المقصودة في هذا البحث في مسألة‬
‫إثبات الجهة أو نفيها إلى فريقين‪ ،‬الول أثبتها وهم الحنابلة‪،‬‬
‫والثاني نفاها وهم المعتزلة والشاعرة والماتريدية‪.‬‬
‫لقد صرح الحنابلههة أن اللههه سههبحانه تعههالى فههي جهههة‪،‬‬
‫واسههتدلوا علههى ذلههك بأدلههة متعههددة مههن الكتههاب والسههنة‬
‫دوا على مخالفيهم في ذلك‪.‬‬ ‫والعقل‪ ،‬ور ّ‬
‫وقد صرح ابن تيميههة بالجههة وقههال‪" :‬والنسههان يحههس‬
‫من نفسه أنه إذا قصد شيئا أو أحبه غيههر نفسههه فل بههد وأن‬
‫يكون بجهة منه وانه إذا قيل له اقصههد أو اطلههب أو اعبههد أو‬
‫أحب من ل يكون بجهة منك ول هو فيك ول فوقك ول تحتك‬
‫ول أمامك ول وراءك ول عن يمينك ول عن شمالك كان هذا‬
‫أمرا بالممتنع لذاته ليس هو أمرا بممكن ل يطيقه والممتنههع‬
‫لذاته يمتنههع المههر الشههرعي بههه باتفههاق المسههلمين ويكههون‬
‫حقيقة المر اعبد من يمتنههع أن تعبههد واقصههد مههن يمتنههع أن‬
‫‪ ()1‬الكعبي )ت ‪‍ 319‬‬
‫ه) عبد الله بن أحمد بهن محمهود الكعههبي‪ ،‬مهن بنهي كعههب‪ ،‬البلخهي الخراسههاني‪ ،‬أبهو‬
‫القاسم‪ ،‬أحد أئمة المعتزلة‪ ،‬كان رأس طائفة منهم تسمى "الكعبية" وله آراء ومقالت في الكلم انفرد بها‪،‬‬
‫وهو من أهل بلخ‪ ،‬أقام ببغداد مدة طويلة‪ ،‬وتوفي ببلخ‪ ،‬له كتب منها "التفسير" و "تأييد مقالة أبي الهذيل"‪.‬‬
‫الّزرِ ْ‬
‫كلي‪ ،‬العلم‪ ،‬م ‪ 4‬ص ‪.65‬‬
‫‪ ()2‬التفتازاني‪ ،‬شرح المقاصد‪ ،‬م ‪ 3‬ص ‪.456‬‬

‫‪120‬‬
‫تقصد وادع من يمتنع أن يدعى ووجه وجهك إلى مههن يمتنههع‬
‫)‪(1‬‬
‫التوجه إليه وهذا أمر بالجمع بين النقيضين"‪.‬‬
‫وقال أيضهًا‪" :‬إن كههون الههرب إلهها ً معبههودا ً يسههتلزم أن‬
‫يكون بجهة من عابدِهِ بالضرورة‪ ،‬وذلههك أن العبههادة تتضههمن‬
‫)‪(2‬‬
‫قصد المعبود وإرادته وتوجه القلب اليه"‪.‬‬
‫وتتلخص الستدللت على ثبوت الجهة بما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬أن ثبوت الرؤية يلزم عنه ثبوت الجهة‪ ،‬لنه ل تتصور رؤيههة‬
‫)‪(3‬‬
‫من غير مقابلة وجهة‪.‬‬
‫‪ -‬أن العبادة ل تتصور دون أن يكون المعبههود فههي جهههة مههن‬
‫)‪(4‬‬
‫عابده بالضرورة‪.‬‬
‫‪" -‬أن كون الله ُيرى بجهة من الرائي ثبههت باجمههاع السههلف‬
‫)‪(5‬‬
‫والئمة"‬
‫‪ -‬ظواهر اليات والحاديث الكثيرة الواردة في ذلك‪ .‬كقههوله‬
‫تعالى‪ :‬ﭽه ﮀه ﮁه ﮂ ﮃ ﮄ ﭼ‪ (6).‬ويههرى الحنابلههة أن كههونه فههي‬
‫السماء يستلزم كونه في جهة‪ ،‬وهكههذا يتعههاملون مههع بههاقي‬
‫النصوص التي يوهم ظاهُرها بالجهة‪.‬‬
‫أما الفريق الثاني فكان له رأي آخر في ذلك‪ ،‬فقد نفى‬
‫المعتزلة والشاعرة والماتريديههة جميعهههم الجهههة عههن اللههه‬
‫سبحانه وتعالى‪ ،‬وجعلوا ذلك من بههاب التنزيههه الههواجب للههه‬
‫)‪(7‬‬
‫سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫وقد استدلوا على نفي الجهة بأدلة متعددة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -‬أنه لو كان الله تعالى في جهة للزم قدم هذه الجهههة معههه‬
‫منذ الزل‪ ،‬واللزم باطل لما ثبت من حدوث ما سههوى اللههه‬

‫‪ ()1‬ابن تيمية )ت ‪ 728‬هه(‪ ،‬أحمد عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس‪ ،‬بيان تلبيس الجهميششة فششي‬
‫تأسيس بدعهم الكلمية‪2 ،‬م‪ ،‬ط‪) ،1‬تحقيق محمد بن عبد الرحمن بن قاسم(‪ ،‬مطبعههة الحكومههة‪ ،‬مكههة‬
‫المكرمة‪1392 ،‬هه‪ ،‬م‪ 2‬ص ‪.467‬‬
‫‪ ()2‬ابن تيمية )ت ‪ 728‬هه(‪ ،‬بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلمية‪ ،‬م ‪ 2‬ص ‪.466‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ :‬تيمية )ت ‪ 728‬هه(‪ ،‬بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلمية‪ ،‬م ‪ 2‬ص ‪.409‬‬
‫‪ ()4‬انظر‪ :‬ابن تيمية )ت ‪ 728‬هه(‪ ،‬بيان تلششبيس الجهميششة فششي تأسششيس بششدعهم الكلميششة‪ ،‬م ‪ 2‬ص‬
‫‪.466‬‬
‫‪ ()5‬ابن تيمية )ت ‪ 728‬هه(‪ ،‬بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلمية‪ ،‬م ‪ 2‬ص ‪.415‬‬
‫‪ ()6‬سورة الملك‪ ،‬الية ‪.17‬‬
‫‪ ()7‬انظر‪ :‬القاضي عبد الجبار‪ ،‬شرح الصول الخمسة‪ ،‬ص ‪ ،249‬الجرجاني‪ ،‬شرح المواقششف‪ ،‬ج ‪ 4‬ص‬
‫‪ ،22‬التفتازاني‪ ،‬شرح المقاصد‪ ،‬م ‪ 3‬ص ‪.30‬‬

‫‪121‬‬
‫وصفاته‪ ،‬وقد ثبههت أنههه تعههالى القههديم وحههده )‪ ،(1‬وقههد قههال‬
‫الرسول ‪" :‬كان الله ولم يكن شههيء غيههره وكههان عرشههه‬
‫على الماء وكتب فههي الههذكر كههل شههيء وخلههق السههماوات‬
‫والرض")‪.(2‬‬
‫‪ -‬أنه لو كان في جهة بمعنى أنه ل يتصور وجوده بدون هههذه‬
‫الجهة لكان محتاجا إليها‪ ،‬والمحتاج إلى الغير ممكههن فيلههزم‬
‫إمكان الواجب‪ ،‬ولكان المكان مستغنيا عنه والمستغني عن‬
‫الواجب يكون مسههتغنيا عمهها سههواه بطريههق الولههى فيكههون‬
‫واجبا‪ (3)،‬وهههذا منههاف لكههون اللههه تعههالى مسههتغنيا عههن كههل‬
‫خلقه‪.‬‬
‫‪ -‬وقد أولوا اليات والحههاديث الههواردة علههى وفههق منهجهههم‬
‫في التأويل‪ ،‬كتأويل قوله تعالى‪ :‬ﭽﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍه ﭼ)‪ ،(4‬بأن‬
‫)‪(5‬‬
‫الستواء هو الستيلء‪.‬‬
‫ويرى الباحث أن إطلق الجهههة علههى اللههه تعههالى غيههر‬
‫صحيح‪ ،‬وذلك لن هذا اللفظ غير وارد أصل ً فههي القههرآن ول‬
‫دعون أنهههم متمسههكون بالنصههوص ل‬ ‫في السّنة‪ ،‬والحنابلة يه ّ‬
‫يزيدون عليها ول ينقصون‪ ،‬فمن أين جاؤوا بلفظ الجهة ؟‬
‫وبالنسههبة لكههون الرؤيههة مسههتلزمة للجهههة فهههذا قههول‬
‫الحنابلة والمعتزلههة‪ ،‬طبع ها ً مههع العلههم بههأن الحنابلههة مثبتههون‬
‫للرؤيههة والمعتزلههة نههافون لههها‪ ،‬ومههن الجههدير بالههذكر أن‬
‫المعتزلة نفوا الرؤية والجهة‪ ،‬والحنابلة أثبتوا الرؤية والجهة‪،‬‬
‫والشاعرة والماتريدية أثبتوا الرؤية ونفوا الجهة‪.‬‬
‫ولزوم الجههة عهن ثبهوت الرؤيههة أو عههدم لزومههها أمهٌر‬
‫م هّرت معنهها مناقش هُته فههي الفصههل الثههاني فههي الكلم عههن‬
‫المعتزلههة‪ ،‬وملخصههه أن الرؤيههة هههي نههوع انكشههاف وعلههم‪،‬‬
‫والجهة والمقابلة والمحل أو اللة التي هي العين والجسمية‬
‫كلها ليست أمورا ً ذاتيههة فههي مفهههوم هههذا النكشههاف الههذي‬
‫يسمى رؤية‪ ،‬وكذلك القول في العبادة التي قال ابن تيميههة‪:‬‬
‫إنها ل تتصور بدون الجهة‪.‬‬
‫‪ (2)1‬انظر‪ :‬الجرجاني‪ ،‬شرح المواقف‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪ ،23‬التفتازاني‪ ،‬شرح المقاصد‪ ،‬م ‪ 3‬ص ‪.32‬‬
‫‪ ()2‬البخاري‪ ،‬الصحيح‪ ،‬م ‪ 9‬ص ‪ ،58‬برقم‪.3191 :‬‬
‫‪()3‬انظر‪ :‬الجرجاني‪ ،‬شرح المواقف‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪ ،24‬التفتازاني‪ ،‬شرح المقاصد‪ ،‬م ‪ 3‬ص ‪.33‬‬
‫‪ ()4‬سورة طه‪ ،‬الية ‪.5‬‬
‫‪ ()5‬انظر‪ :‬ابن الُهمام‪ ،‬المسايرة‪ ،‬ص ‪.45‬‬

‫‪122‬‬
‫وأما بالنسبة ِلهههقولهم "إن كههون اللههه ي ُههرى بجهههة مههن‬
‫ّ‬
‫الرائي ثبت بإجماع السلف والئمة " فهذا أمههر غيههر مسهلم ٍ‬
‫إطلقهًا‪ ،‬نعههم هنههاك نصههوص كههثيرة يفهههم منههها الحنابلههة أن‬
‫ن هههذا ل يعنههي ثبههوت‬ ‫الرؤية تتضمن المقابلههة والجهههة‪ ،‬ولكه ّ‬
‫مة على أن الرؤية تتضههمن الجهههة‪ ،‬فهههذا‬ ‫إجماع السلف والئ ّ‬
‫أمر وذلك أمر بعيد كل البعد عنه‪.‬‬
‫وأما النصوص الواردة التي فهم منههها الحنابلههة الرؤيههة‬
‫وأّولها غيرهم فمرد ّ ذلك إلى مسألة التأويههل وعههدم التأويههل‬
‫وشروط التأويل‪.‬‬
‫ظ هنهها كيههف أث ّههر منهههج الشههاعرة والمعتزلههة‬ ‫حه ُ‬
‫والمل َ‬
‫والماتريديههة السههتدللي علههى هههذه التصههورات‪ ،‬حيههث إن‬
‫اليات والحاديث الواردة اعتبرت دللتها على الجهههة ظنيههة‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫دم الدليل العقلي النافي لها لن دللته قطعية‪.‬‬ ‫فُق ّ‬

‫المطلب الثاني‪ :‬إثبات صفات المعششاني للششه تعششالى‬


‫أو نفيها‬

‫انقسمت المدارس المقصههودة فههي هههذا البحههث تجههاه‬


‫صههفات المعههاني مههن حيههث الثبههات والنفههي إلههى فريقيههن‪،‬‬
‫الفريق الول أثبتههها وهههم الحنابلهة والشههاعرة والماتريديههة‪،‬‬
‫والفريق الثاني نفاها وهم المعتزلة‪.‬‬
‫وُيقصههد بصههفات المعههاني تلههك الصههفات الههتي تضههيف‬
‫معنههى زائدا ً علههى الههذات غيههر الههذات‪ ،‬كههالعلم والقههدرة‬
‫والرادة‪ .‬فهذه الصههفات حينمهها تههذكر يتصههور النسههان ذات ها ً‬
‫يلزمها شيء آخر لزم لها يسمى صفات المعاني‪ .‬وهي غير‬
‫الصفات السلبية التي ل تضيف معنى للذات‪ ،‬بل تنفي أمههرا‬
‫عنها ل يليق بههها‪ ،‬كالوحدانيههة‪ ،‬فعنههدما نقههول )وحدانيههة اللههه‬
‫تعالى( ل يتصور شيء آخر مع الذات‪ ،‬بل كل مها فهي المههر‬
‫أننا نتصور وجود ذات ل يوجد شريك لها‪ ،‬فهذه الصفة ن ََفههت‬
‫فقط الكْثرة أو التعدد عههن الههذات‪ .‬ول خلف فههي الصههفات‬
‫السلبية‪ ،‬وإنما الخلف في صفات المعاني‪.‬‬
‫لقد نفى المعتزلة صفات المعاني بالحجج التالية‪:‬‬
‫‪ ()1‬انظر‪ :‬التفتازاني‪ ،‬شرح المقاصد‪ ،‬م ‪ 3‬ص ‪ ،36‬و الجرجاني‪ ،‬شرح المواقف‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪.28‬‬

‫‪123‬‬
‫الولششى‪ :‬أن القههول بوجههود صههفات أو معههان قديمههة‬
‫يستحقها الخالق ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬في الزل يلزم عنه تعههدد‬
‫)‪(1‬‬
‫القدماء‪ ،‬وتعدد القدماء باطل باتفاق المسلمين‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أنه تعالى لو كان عالما ً بعلم لكههان يجههب فههي‬
‫علمه أن يكون مثل ً لعلمنا‪ ،‬وفي علمنا أن يكون مثل علمههه‪،‬‬
‫وهههذا يههوجب أن يكونهها قههديمين أو محههدثين‪ ،‬لن المثليههن ل‬
‫يجوز افتراقهما في قدم ول حدوث‪ ،‬وذلههك محههال‪ (2) .‬ومثههل‬
‫هذا الكلم ينطبق على بقية الصفات عندهم‪.‬‬
‫ميههن قههديمين أو حههادثين‪ ،‬لن‬ ‫والمحال عنده كههون العِل ْ َ‬
‫كونها قديمين يلزم عنه أن يكههون النسههان الحههادث ذا علههم‬
‫قديم‪ ،‬وهذا واضح البطلن‪ ،‬وكونهمهها حههادثين يلههزم عنههه أن‬
‫الله يقههوم بهه علهم حههادث‪ ،‬وهههذا متفههق علههى بطلنههه عنههد‬
‫الفريقين‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬أن هههذه الصههفات ‪-‬صههفات المعههاني عموم هًا‪-‬‬
‫صفات كمال‪ ،‬فيلزم عنها أن كماله سبحانه وتعالى مسههتمد‬
‫)‪(3‬‬
‫من غيره‪ ،‬وهذا ينافي الستغناء الواجب لله تعالى‪.‬‬

‫وأما الحنابلة والشههاعرة والماتريديههة فقههد أثبتههوا هههذه‬


‫الصهههفات القديمهههة‪ ،‬ورّدوا علهههى المعتزلهههة فهههي آرائههههم‬
‫واستدللتهم‪.‬‬
‫فقد قال الشاعرة والماتريديههة أن للههه صههفات قائمههة‬
‫)‪(4‬‬
‫بذاته سبحانه‪ ،‬ل هي غير الذات ول هي عين الذات‪.‬‬
‫دوا على أقوال المعتزلة بما يلي‪:‬‬ ‫وقد ر ّ‬
‫الولششى‪ :‬أن القههول بتعههدد القههدماء باطههل بالتفههاق‪،‬‬
‫والسؤال هنا للمعتزلة‪ ،‬هل يلزم عن إثبات الصفات القديمة‬
‫مطلق التعدد‪ ،‬والجواب‪ :‬ل‪ ،‬لن هذه الصفات عندهم ل هههي‬
‫)‪(5‬‬
‫عين ول غير الذات‪ ،‬فل يلزم التعدد‪.‬‬
‫‪ ()1‬انظر‪ :‬القاضي عبد الجبار‪ ،‬شرح الصول الخمسة‪.195 ،‬‬
‫‪ ()2‬القاضي عبد الجبار‪ ،‬شرح الصول الخمسة‪.201 ،‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ :‬التفتازاني‪ ،‬شرح المقاصد‪ ،‬م ‪ ،3‬ص ‪.57‬‬
‫‪ ()4‬انظر‪ :‬التفتازاني‪ ،‬شرح المقاصشد‪ ،‬م ‪ 3‬ص ‪ ،57‬والنسههفي‪ ،‬التمهيششد لقواعشد التوحيشد‪ ،‬ص ‪،171‬‬
‫النسفي )ت ‪ 508‬هه(‪ ،‬ميمون بن محمد‪ .‬بحر الكلم‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار الفرفور‪ ،‬دمشق‪1997 ،‬م‪ ،‬ص ‪.92‬‬
‫‪ ()5‬انظر مثله‪ :‬التفتههازاني‪ ،‬شرح المقاصششد‪ ،‬م ‪ 3‬ص ‪ ،.57‬والنسههفي‪ ،‬التمهيششد لقواعششد التوحيششد‪ ،‬ص‬
‫‪.172‬‬

‫‪124‬‬
‫الثانية‪ :‬أنه ل يسلم التماثل من استوائهما ‪-‬علههم اللههه‬
‫وعلم البشر‪ -‬في وجه واحد‪ ،‬فالستواء هو من حيث التعلههق‬
‫ن هنههاك أمههورا ً كههثيرة فيههها‬ ‫بشههيء مخصههوص مسهّلم‪ ،‬ولكه ّ‬
‫سّلم أن هناك تماثل ً‬ ‫افتراق بين علم الله تعالى وعلمنا‪ ،‬ولو ُ‬
‫فالتماثههل ل يههوجب التسههاوي فههي القههدم والحههدوث‪ ،‬وذلههك‬
‫ن هههذا ل‬ ‫كالوجود‪ ،‬فالله سبحانه موجود والعبد موجود‪ ،‬ولكهه ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫دم‪.‬‬
‫يوجب تماثلهما في الوجود والِق َ‬
‫الثالثة‪ :‬لقد سبق القول بعدم لزوم التغاير بين الذات‬
‫والصفات من لزوم إثبات معان قديمة لله سبحانه وتعههالى‪،‬‬
‫وهذا يرد القول بأنه محتههاج لغيههره سههبحانه‪ ،‬أو أنههه يتحقههق‬
‫)‪(2‬‬
‫كماله بغيره جل وعز‪.‬‬
‫ويضاف إلى ما سبق أنه ل يتصور عالم إل بعلم‪ ،‬فإنههك‬
‫إذا قلت )ذات عالمة( تتصور مباشههرة أمريههن‪ ،‬ذات ها ً وعلم هًا‪،‬‬
‫ذاتا ً قام بها علم‪ ،‬فل يمكن لقولك فلن عالم أن يفيد مجههرد‬
‫وجود تلك الذات‪.‬‬
‫ونعود إلى تحرير قول المعتزلههة فههي كيفيههة كههون اللههه‬
‫تعالى متصفا ً بهذه الصههفات‪ ،‬فمنهههم مههن يقههول‪ :‬إنههه عههالم‬
‫بذاته‪ ،‬ومنهم من يقول‪ :‬إنه عالم لذاته‪ ،‬ومنهههم مههن يقههول‪:‬‬
‫إنه عالم بعلم هو هو وقادر بقههدرة هههي هههو وهههذا رأي أبههي‬
‫)‪(4‬‬
‫الهذيل العلف)‪ ،(3‬أي أن الصفات عين الذات‪.‬‬
‫والمعتزلة كلهم ل ُيقهّرون بصههفات المعههاني‪ ،‬وإنمهها يقولههون‬
‫بالصهفات المعنويهة‪ ،‬وههي كهونه موجهودا ً حيها ً عالمها ً قهادرا ً‬
‫مريدًا‪ ،‬وهذه الصفات عندهم تفيد السلب‪ ،‬فكونه عالمهها ً أي‬
‫ل‪ ،‬وكونه قادرا ً أي ليس عههاجزًا‪ ،‬وكههونه مريههدا ً أي‬ ‫ليس جاه ً‬
‫ليس مجبرا ً سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ويرى الباحث أن القوال الثلثة –عالم لذاته أو بذاته أو‬
‫بعلم هو هو‪ -‬تصب في مصب واحد‪ ،‬والختلف بينها شههكلي‬
‫لفظههي‪ ،‬وإنمهها كههان القههائل بههأن اللههه عههالم بعلههم هههو هههو‬
‫حهم‪ ،‬لن أصحاب القولين الوَلين حاولوا الهههروب مههن‬ ‫أصر َ‬
‫لوازم هذا القول‪ ،‬ولكن أقوالهم عائدة إليه‪.‬‬
‫‪ ()1‬انظر‪ :‬التفتازاني‪ ،‬شرح المقاصد‪ ،‬م ‪ 3‬ص ‪.64‬‬
‫‪ ()2‬انظر‪ :‬الجرجاني‪ ،‬شرح المواقف‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪ ،56‬التفتازاني‪ ،‬شرح المقاصد‪ ،‬م ‪ 3‬ص ‪.57‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ :‬انظر‪ :‬القاضي عبد الجبار‪ ،‬المنية والمل‪.155-154 ،‬‬
‫‪ ()4‬انظر‪ :‬القاضي عبد الجبار‪ ،‬شرح الصول الخمسة‪ ،‬ص ‪.183-182‬‬

‫‪125‬‬
‫ويلزم عن هذا الكلم أن قولنا‪ :‬إنه موجود نفس قولنهها‬
‫إنه قادر ونفس قولنا إنه عالم‪ ،‬وهذا باطل‪.‬‬
‫وكذلك فإن هناك نصوصا ً أثبتت نسههبة العلههم والقههدرة‬
‫إلى الله تعالى‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫)‪(2‬‬
‫قوله تعالى ‪ :‬ﭽ ﮖ ﮗﭼ )‪ (1‬وقوله تعالى‪ :‬ﮋ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﮊ‬
‫سبت العلم‬ ‫وقوله تعالى‪ :‬ﮋﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮊ فهذه اليات ن َ َ‬
‫)‪(3‬‬

‫والقدرة صراحة إلى الله تعالى‪.‬‬


‫خاتمة‬

‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬في البدء والختام‪ ،‬والصلة على‬


‫سيدنا محمد وعلى آله وصحبه‪ ،‬وبعد‪.‬‬

‫لقد توصلت بعد هذه الدراسة إلى النتائج التية‪:‬‬

‫إن العقل أصل الشرع‪ ،‬أي أصل ثبوته‪ ،‬وهههذا مهها أراده‬ ‫•‬
‫القائلون بأن العقل أصل للشرع‪.‬‬
‫حسن والُقبح ل ُيدركان بالعقل‪ ،‬وإنههه ينبنههي علههى‬ ‫إن ال ُ‬ ‫•‬
‫مبههدأ الحسههن والقبههح الشههيء الكههثير فههي دور السههتدلل‬
‫بالعقل على العقائد‪.‬‬
‫إن المعارض العقلي مبدأ سههليم‪ ،‬ويؤخههذ بههه فههي بههاب‬ ‫•‬
‫العقائد‪.‬‬
‫إن مبدأ المعارض العقلي‪ ،‬ومبدأ التأويل‪ ،‬ومبدأ تقههديم‬ ‫•‬
‫العقل علههى النقههل‪ ،‬كلههها مرتبطههة ببعضههها البعههض ارتباطها ً‬
‫وثيقًا‪ ،‬ولذا فههإن القههائل بالمعههارض العقلههي ل بههد أن يكههون‬
‫قائل ً بالتأويل‪ ،‬ومن قال بتقديم العقل على النقل فل بههد أن‬
‫يكون قائل ً بالمعارض العقلي وبالتأويل‪.‬‬
‫إن تقديم العقل على النقههل ل يجههوز أن يؤخههذ بشههكل‬ ‫•‬
‫عههام‪ ،‬بههل لبههد مههن التفصههيل فههي ذلههك‪ ،‬وهههو أن القواطههع‬
‫العقليههة مقدمههة علههى ظههواهر النصههوص الموهمههة للتشههبيه‬
‫الظنّية الدللة‪.‬‬
‫‪ ()1‬سورة النساء‪ ،‬الية ‪.166‬‬
‫‪ ()2‬سورة هود‪ ،‬الية ‪.14‬‬
‫‪ ()3‬سورة الذاريات‪ ،‬الية ‪.58‬‬

‫‪126‬‬
‫إن هذه النقاط هي أهم النقاط التي يجب بحثههها علههى‬ ‫•‬
‫من أراد البحث في الدليل العقلي عند المدارس السلمية‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫المراجع‬

‫‪ -‬المدي‪ ،‬علي بن أبي علي بههن محمههد بههن سههالم )ت‬


‫‪631‬هه(‪ ،‬أبكار الفكار فششي أصششول الششدين‪ ،‬ط ‪،3‬‬
‫‪5‬ج‪) ،‬تحقيهههق‪ :‬أحمهههد محمهههد المههههدي(‪ ،‬دار الكتهههب‬
‫والوثائق القومية‪ ،‬مصر‪-‬القاهرة‪2007 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬الحمدي‪ ،‬عبد الله بن سلمان بن سهههالم‪ ،‬المسائل‬


‫والرسائل المروية عن المام أحمد بششن حنبششل‬
‫في العقيدة‪ ،‬د ط‪2 ،‬م‪ ،‬دار طيبة‪ ،‬د ت‪.‬‬

‫‪ -‬الشعري‪ ،‬علي بن إسماعيل)ت ‪ 324‬هه(‪ ،‬مقششالت‬


‫السششلميين واختلف المصششلين‪ ،‬ط ‪) ،3‬تحقيههق‪:‬‬
‫هلموت ريتر(‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬د ت‪.‬‬

‫‪ -‬اللوسهههي‪ ،‬محمهههود اللوسهههي أبهههو الفضهههل‪ ،‬روح‬


‫المعاني في تفسير القششرآن العظيششم والسششبع‬
‫المثاني‪3 ،‬ج‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫‪ -‬أمين‪ ،‬أحمد أميههن‪ .‬ضحى السششلم‪ ،‬ط ‪،10‬هه ‪ 3‬م‪،‬‬


‫دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت – لبنان‪ ،‬د ت‪.‬‬

‫‪ -‬الباقلني‪ ،‬محمد بن الطيب)ت ‪ 403‬ههههه(‪ ،‬النصاف‬


‫فيما يجب اعتقاده ول يجششوز الجهششل بششه‪ ،‬ط ‪،2‬‬
‫)تحقيههق‪ :‬المههام محمههد زاهههد الكههوثري(‪ ،‬مؤسسههة‬
‫الخانجي‪1963 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬الباقلني‪ ،‬محمد بن الطيههب)ت ‪ 403‬هههه(‪ ،‬التمهيششد‬


‫في الرد علششى الملحششدة والمعطلششة والرافضششة‬
‫والخششوارج والمعتزلششة‪ ،‬د ط‪ ،‬دار الفكههر العربههي‪،‬‬
‫القاهرة‪1947 ،‬م‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫‪ -‬البخههاري‪ ،‬محمههد بههن إسههماعيل الجعفههي‪ ،‬الجششامع‬
‫الصحيح المختصر‪ ،‬ط ‪6 ،3‬م‪) ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬مصطفى‬
‫ديب البغا(‪ ،‬دار ابن كثير‪ ،‬اليمامة – بيروت‪1987 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬بدوي‪ ،‬د عبد الرحمن بدوي‪ .‬مذاهب السششلميين‪،‬‬


‫‪3‬م‪ ،‬ط ‪ ،2‬دار العلم للمليين‪ ،‬بيروت‪1979 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬الههبزدوي‪ ،‬محمههد أبههو اليسههر)ت ‪ 493‬هههه(‪ ،‬أصششول‬


‫الششدين‪ ،‬د ط‪) ،‬تحقيههق‪ :‬هههانز بيههتر لنههس(‪ ،‬المكتبههة‬
‫الزهرية للتراث‪ ،‬القاهرة‪2003 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬البغدادي‪ ،‬عبد القاهر بههن طههاهر بههن محمههد)ت ‪429‬‬


‫هههه(‪ ،‬الفههرق بيههن الفههرق‪ ،‬ط ‪ ،2‬دار الفههاق الجديههدة‪،‬‬
‫بيروت‪1977 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬البلخي‪ ،‬عبد اللههه بههن أحمههد بههن محمههود الكعههبي)ت‬


‫‪ 319‬ههههه(‪ ،‬مقشششالت السشششلميين‪ ،‬بشششاب ذكشششر‬
‫المعتزلة‪ ،‬د ط‪) ،‬تحقيق‪ :‬فؤاد سيد(‪ ،‬الههدار التونسههية‬
‫للنشر‪1974،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬البيضاوي‪ ،‬عبد الله بن عمر بن محمد) ت ‪ 685‬هههه(‪،‬‬


‫أنشششوار التنزيشششل وأسشششرار التأويشششل )تفسشششير‬
‫البيضاوي(‪ ،‬د ط‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬د ت‪.‬‬

‫‪ -‬الترمههذي‪ ،‬محمههد بههن عيسههى السههلمي‪ .‬الجششامع‬


‫الصششحيح )سششنن الترمششذي(‪5 ،‬م‪) ،‬تحقيههق‪ :‬أحمههد‬
‫محمد شاكر وآخرون‪ ،‬الحاديث مذيلة بأحكههام اللبههاني‬
‫عليها(‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫‪ -‬التفتههازاني‪ ،‬مسههعود بههن عمههر )ت ‪ 791‬هههه(‪ ،‬شرح‬


‫العقائد النسفية‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار البيروتي ودار ابههن عبههد‬
‫الهادي‪2007 ،‬م‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫‪ -‬التفتههازاني‪ ،‬مسههعود بههن عمههر )ت ‪ 791‬هههه(‪ ،‬شرح‬
‫المقاصششد‪ ،‬ط ‪،1‬هه ‪3‬م‪ ،‬دار الكتههب العلميههة‪ ،‬بيههروت‪-‬‬
‫لبنان‪2001 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬التهههانوي‪ ،‬محمههد بههن علههي بههن محمههد)‪1158‬هههه(‪،‬‬


‫كشاف اصطلحات الفنون‪ ،‬ط ‪4 ،1‬م‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪1998 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬ابن تيمية‪ ،‬أحمد بن عبد الحليم )ت ‪ 728‬هه(‪ ،‬نقض‬


‫المنطق‪ ،‬ط ‪) ،1‬تحقيق الشيخ محمد بن عبد الههرزاق‬
‫وسههليمان بههن عبههد الرحمههن الضههيع(‪ ،‬مطبعههة السههنة‬
‫المحمدية‪ ،‬القاهرة‪1951 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬ابههن تيميههة‪ ،‬أحمههد بههن عبههد الحليههم)ت ‪ 872‬هههه(‪،‬‬


‫الفتوى الحموية الكششبرى‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار ابههن الجههوزي‪،‬‬
‫مصر‪.2006 ،‬‬

‫‪ -‬ابن تيمية‪ ،‬أحمد بن عبههد الحليههم )ت ‪ 728‬هههه(‪ ،‬درء‬


‫تعششارض العقششل والنقششل‪ ،‬ط ‪،1‬هه ‪5‬م‪ ،‬دار الكتههب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪1997 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬ابههن تيميههة‪ ،‬أحمههد بههن عبههد الحليههم )ت ‪ 728‬هههه(‪،‬‬


‫الرسششالة التدمريششة فششي التوحيششد والسششماء‬
‫والصفات والقضاء والقدر‪ ،‬ط ‪) ،1‬تحقيهق‪ :‬سهعيد‬
‫اللحام(‪ ،‬دار الفكر اللبناني‪ ،‬بيروت‪1993 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬ابن تيمية‪ ،‬أحمد بن عبد الحليم )ت ‪ 728‬هههه(‪ ،‬الششرد‬


‫على المنطقيين‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار الفكر اللبناني‪ ،‬بيههروت‪-‬‬
‫لبنان‪1993 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬ابن تيمية‪ ،‬أحمد بن عبد الحليم )ت ‪ 728‬هههه(‪ ،‬بيششان‬


‫تلبيس الجهمية في تأسيس بششدعهم الكلميششة‪،‬‬

‫‪130‬‬
‫ط ‪،1‬ه ‪2‬م‪) ،‬تحقيق محمد بن عبد الرحمن بن قاسههم(‪،‬‬
‫مطبعة الحكومة‪ ،‬مكة المكّرمة‪ 1392 ،‬هه‪.‬‬

‫‪ -‬جار الله‪ ،‬زهدي جار اللههه‪ ،‬المعتزلششة‪ ،‬ط ‪ ،1‬الهليههة‬


‫للنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪1974 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬الجرجههاني‪ ،‬علههي بههن محمههد بههن علههي )ت ‪816‬هههه(‪،‬‬


‫التعريفششات‪ ،‬ط ‪ ،1‬ه )تحقيههق‪ :‬إبراهيههم البيههاري(‪ ،‬دار‬
‫الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪1405 ،‬هه‪.‬‬
‫‪ -‬الجرجههاني‪ ،‬علههي بههن محمههد بههن علههي)ت ‪816‬هههه(‪،‬‬
‫شششرح المواقششف‪ ،‬ط ‪،1‬هه ‪4‬م‪ ،‬دار الكتههب العلميههة‪،‬‬
‫بيروت‪-‬لبنان‪1998 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬ابن الجوزي‪ ،‬عبد الرحمن أبههو الفههرج )ت ‪ 597‬هههه(‪،‬‬


‫الباز الشهب المنقض على مخالفي المذهب‪،‬‬
‫ط ‪) ،1‬تحقيق‪ :‬محمد منير المام(‪ ،‬دار الجنههان‪ ،‬لبنههان‪-‬‬
‫بيروت‪1987 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬الجويني‪ ،‬عبد الملك بن عبد الله بن يوسف )ت ‪478‬‬


‫هههه(‪ ،‬الرشششاد إلششى قواطششع الدلششة فششي أصششول‬
‫العتقششاد‪ ،‬د ط‪) ،‬تحقيههق‪ :‬د‪ .‬محمههد يوسههف موسههى‬
‫وعلي عبد المنعم عبد الحميد(‪ ،‬مكتبة الخانجي‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫‪1950‬م‪.‬‬

‫‪ -‬الجويني‪ ،‬عبد الملك بن عبد الله بن يوسف )ت ‪478‬‬


‫هه(‪ .‬الشامل في أصول الششدين‪ ،‬د ط‪) ،‬تحقيههق‪ :‬د‪.‬‬
‫علي سامي النشار وفيصل بههدير عههون وسهههير محمههد‬
‫مختار(‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬مصر‪ -‬السكندرية‪1969 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬ابن حنبل‪ ،‬أحمد بهن محمهد الشهيباني )ت ‪ 241‬ههه(‪،‬‬


‫العقيدة‪ ،‬رواية أبي بكههر الخلل‪ ،‬ط ‪) ،1‬تحقيههق‪ :‬عبههد‬
‫العزيز عز الدين السيروان(‪ ،‬دار قتيبة‪ ،‬دمشق‪1408 ،‬‬
‫هه‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫‪ -‬ابن حنبل‪ ،‬أحمههد بههن حنبههل الشههيباني )ت ‪ 241‬هههه(‪،‬‬
‫مسششند المششام أحمششد بششن حنبششل‪6 ،‬م‪ ،‬مؤسسههة‬
‫قرطبة‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪ -‬حنفي‪ ،‬الههدكتور حسههن حنفههي‪ ،‬من العقيششدة إلششى‬


‫الثورة‪5 ،‬م‪ ،‬د ط‪ ،‬مكتبة مدبولي‪1988 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬ابن خلدون‪ ،‬عبههد الرحمههن بههن محمههد )ت ‪ 808‬هههه(‪،‬‬


‫المقدمة‪ ،‬ط ‪) ،1‬تحقيههق‪ :‬حامههد أحمههد الطههاهر(‪ ،‬دار‬
‫الفجر للتراث‪ ،‬القاهرة‪2004 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬الخيههاط‪ ،‬أبههو الحسههين عبههد الرحيههم بههن محمههد بههن‬


‫عثمههان)ت ‪ 300‬هههه(‪ ،‬النتصششار والششرد علششى ابششن‬
‫الراوندي الملحد‪ ،‬ط ‪) ،1‬تحقيق‪ :‬الستاذ نيبرج(‪ ،‬دار‬
‫الندوة السلمية‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪1988 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬الخّيههالي‪ ،‬أحمههد بههن موسههى )ت ‪ 862‬هههه(‪ ،‬شششرح‬


‫العلمة الخّيالي على النونية‪ ،‬ط ‪) ،1‬تحقيق‪ :‬عبههد‬
‫النصير نههاتور أحمههد المليبههاري الهنههدي(‪ ،‬مكتبههة وهبههة‪،‬‬
‫القاهرة‪-‬مصر‪2008 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬خّيون‪ ،‬رشيد الخيون‪ ،‬معتزلة البصرة وبغششداد‪ ،‬ط‬


‫‪ ،1‬دار الحكمة‪ ،‬لندن‪1997 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬الدارمي‪ ،‬عبد اللهه بهن عبهد الرحمهن أبهو محمهد )ت‬


‫هه(‪ ،‬سنن الدارمي‪ ،‬ط ‪ ،1‬ه ‪2‬م‪) ،‬تحقيق‪ :‬فههواز‬ ‫‪‍ 255‬‬
‫أحمد زمرلي وخالد السههبع العلمههي‪ ،‬والحههاديث مذيلههة‬
‫بأحكام حسين سليم أسد عليها(‪ ،‬دار الكتههاب العربههي‪،‬‬
‫بيروت‪ 1407 ،‬هه‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫‪ -‬أبو داود‪ ،‬سليمان بن الشههعث أبههو داود السجسههتاني‬
‫الزدي‪ ،‬سنن أبي داود‪4 ،‬م‪) ،‬تحقيق‪ :‬محمههد محيههي‬
‫الدين عبد الحميد(‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬

‫‪ -‬الرازي‪ ،‬محمد بن أبي بكر بههن عبههد القههادر‪ ،‬مختششار‬


‫الصحاح‪ ،‬ط ‪) ،1‬تحقيق‪ :‬محمود خاطر(‪ ،‬مكتبههة لبنههان‬
‫ناشرون‪ ،‬بيروت‪1995 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬الههرازي‪ ،‬محمههد بههن عمههر )ت ‪ 606‬هههه(‪ ،‬محصششل‬


‫أفكششار المتقششدمين والمتششأخرين مششن العلمششاء‬
‫والحكمشششاء والمتكلميشششن‪ ،‬د ط‪ ،‬مكتبهههة الكليهههات‬
‫الزهرية‪ ،‬مصر‪ ،‬د ت‪.‬‬

‫‪ -‬الههرازي‪ ،‬محمههد بههن عمههر )ت ‪ 606‬هههه(‪ ،‬معششالم‬


‫أصول الشدين‪ ،‬ط ‪) ،1‬تحقيههق‪ :‬د أحمههد عبههد الرحيههم‬
‫السههايح و د سههامي عفيفههي حجههازي(‪ ،‬مركههز الكتههاب‬
‫للنشر‪ ،‬القاهرة‪2000 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬الرازي‪ ،‬محمههد بههن عمههر )ت ‪ 606‬هههه(‪ ،‬اعتقادات‬


‫فرق المسششلمين والمشششركين‪) ،‬تحقيههق‪ :‬د علههي‬
‫سههامي النشههار(‪ ،‬دار الكتههب العلميههة‪ ،‬بيههروت‪-‬لبنههان‪،‬‬
‫‪1402‬هه‪.‬‬

‫‪ -‬الرازي‪ ،‬محمد بن عمههر بههن الحسههين )ت ‪ 606‬هههه(‪،‬‬


‫الشارة في أصول الكلم‪ ،‬ط ‪) ،1‬تحقيههق‪ :‬محمههد‬
‫صههبحي العايههدي وربيههع صههبحي العايههدي(‪ ،‬مركههز نههور‬
‫العلوم للبحوث والدراسات‪2007 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬الرازي‪ ،‬محمههد بههن عمههر بههن الحسههين )ت ‪606‬هههه(‪،‬‬


‫الربعين في أصول الدين‪ ،‬ط ‪) ،2‬تحقيق د‪ .‬أحمد‬
‫حجازي السقا(‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيههروت‪ -‬القههاهرة‪ -‬تههونس‪،‬‬
‫‪.2004‬‬

‫‪133‬‬
‫‪ -‬الرازي‪ ،‬محمد بن عمههر بههن الحسههين )ت ‪ 606‬هههه(‪،‬‬
‫أساس التقششديس‪ ،‬ط ‪) ،1‬تحقيههق د‪ .‬أحمههد حجههازي‬
‫السقا(‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪1993 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬الههرازي‪ ،‬محمههود بههن عمههر )ت ‪ 606‬هههه(‪ ،‬مفاتيششح‬


‫الغيب )التفسير الكبيششبر(‪ ،‬ط ‪،2‬هه ‪11‬م‪ ،‬دار إحيههاء‬
‫التراث العربي‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪1997 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬الراوي‪ ،‬عبد الستار‪ ،‬العقههل والحريههة‪ ،‬دراسة فششي‬


‫فكششر القاضششي عبششد الجبششار المعششتزلي‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪.1980 ،‬‬

‫‪ -‬أبههو ريههان‪ ،‬د محمههد علههي أبههو ريههان‪ ،‬تاريخ الفكششر‬


‫الفلسشششفي فشششي السشششلم‪ ،‬د ط‪ ،‬دار المعرفهههة‬
‫الجامعية‪ ،‬السكندرية‪1984 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬الزبيهههدي‪ ،‬محمهههد مرتضهههى )ت ‪ 1205‬ههههه(‪ ،‬تهههاج‬


‫العروس‪ ،‬د ط‪10 ،‬م‪ ،‬دار ليبيا للنشر والتوزيع‪ ،‬بنغازي‪،‬‬
‫‪1966‬م‪.‬‬

‫‪ -‬الزِِركلي‪ ،‬خير الدين بن محمود بن محمد )ت ‪1976‬‬


‫م(‪ ،‬العلم‪ ،‬ط ‪ ،16‬ه ‪8‬م‪ ،‬دار العلم للملييههن‪ ،‬بيههروت‪-‬‬
‫لبنان‪3005 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬الزمخشهههري‪ ،‬محمهههود بهههن عمهههر )ت ‪ 538‬ههههه(‪،‬‬


‫الكشاف عن حقائق التنزيل وعيششون القاويششل‬
‫فششي وجششوه التأويششل‪ ،‬د ط‪4 ،‬ج‪ ،‬دار إحيههاء الههتراث‬
‫العربي‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪1997 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬الزنيدي‪ ،‬د عبد الرحمن بن زيد‪ ،‬مناهج البحث في‬


‫العقيدة السششلمية فششي العصششر الحاضششر‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫مركههههز الدراسههههات والعلم‪-‬دار شههههبيليا‪ ،‬الريههههاض‪،‬‬
‫‪1998‬م‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫‪ -‬زينه‪ ،‬حسني زينه‪ ،‬العقل عند المعتزلششة‪ ،‬تصششور‬
‫العقششل للقاضششي عبششد الجبششار‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار الفههاق‬
‫الجديدة‪ ،‬بيروت‪.1978 ،‬‬

‫هههاب بههن علههي )ت ‪ 771‬هههه(‪،‬‬


‫‪ -‬السههبكي‪ ،‬عبههد الو ّ‬
‫القصشيدة النونيشة فشي الخلف بيشن الششاعرة‬
‫والماتريدية‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار ابن حزم‪ ،‬لبنان‪2003 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬أبههو سههعدة‪ ،‬مهههرى حسههن‪ ،‬التجاه العقلششي فشي‬


‫مشكلة المعرفة عنششد المعتزلششة‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار الفكههر‬
‫العربي‪ ،‬القاهرة‪1993 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬أبههو السههعود‪ ،‬محمههد بههن محمههد العمههادي‪ ،‬إرشششاد‬


‫العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريششم‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫‪9‬م‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫‪ -‬شههافعي‪ ،‬حسههن محمههود الشههافعي‪ ،‬المدخل إلششى‬


‫دراسششة علششم الكلم‪ ،‬ط ‪ ،2‬مكتبههة وهبههة‪ ،‬مصههر‪،‬‬
‫‪1991‬م‪.‬‬

‫‪ -‬ابن أبي شريف‪ ،‬محمههد بههن محمههد كمههال الههدين )ت‬


‫‪ 905‬ههههه(‪ ،‬المسششامرة‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار الكتهههب العلميهههة‪،‬‬
‫بيروت‪-‬لبنان‪2002 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬الشهرستاني‪ ،‬محمد بن عبد الكريم بن أبي بكههر )ت‬


‫‪ 548‬هه(‪ ،‬الملل والنحل‪ ،‬د ط‪2 ،‬ج‪ ،‬تحقيههق‪ :‬محمههد‬
‫سيد كيلني‪ ،‬دار صعب‪ ،‬بيروت‪1986 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬الشهرستاني‪ ،‬محمد بن عبد الكريم بن أبي بكههر )ت‬


‫‪ 548‬هه(‪ ،‬نهاية القششدام فششي علششم الكلم‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫)تحقيههق‪ :‬أحمههد فريههد المزيههدي(‪ ،‬دار الكتههب العلميههة‪،‬‬
‫بيروت‪-‬لبنان‪2004 ،‬م‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫‪ -‬الشوكاني‪ ،‬محمد بن علي بن محمد )ت ‪ 1250‬هههه(‪،‬‬
‫فتح القدير الجامع بين فني الروايششة والدرايششة‬
‫مششن علششم التفسششير‪ ،‬ط ‪،2‬هه ‪5‬م‪) ،‬تحقيههق‪ :‬د عبههد‬
‫الرحمن عميرة(‪ ،‬دار الوفاء‪ ،‬المنصورة‪1997 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬شيخ زاده )ت ‪ 944‬هههه(‪ ،‬عبههد الرحيههم بههن علههي بههن‬


‫المؤيد الماسي‪ ،‬نظم الفرائد وجمع الفوائد في‬
‫بيششان المسششائل الششتي وقششع فيهششا الخلف بيششن‬
‫الماتريدية والشعرية في العقائد مع ذكر أدلة‬
‫الفريقيششن‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار ابهههن حهههزم‪ ،‬بيهههروت‪-‬لبنهههان‪،‬‬
‫‪2003‬م‪.‬‬

‫‪ -‬الشيرازي )ت ‪476‬هه(‪ ،‬إبراهيم ين علههي‪ ،‬الشششارة‬


‫إلى مذهب أهل الحق‪ ،‬ط ‪) ،1‬تحقيق‪ :‬محمد حسن‬
‫محمد حسن إسماعيل(‪ ،‬دار الكتب العلمية‪2004 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬الصابوني‪ ،‬أحمد بههن محمههود بههن بكههر )ت ‪ 580‬هههه(‪،‬‬


‫البداية من الكفاية فششي الهدايششة‪ ،‬د ط‪) ،‬تحقيههق‪:‬‬
‫فتح الله خليف(‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬مصر‪1969 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬الصاوي‪ ،‬أحمههد بههن محمههد المههالكي )ت ‪ 1241‬هههه(‪،‬‬


‫شرح جوهرة التوحيد‪ ،‬ط ‪) ،1‬تحقيههق الههدكتور عبههد‬
‫الفتاح البزم(‪ ،‬دار ابن كثير‪ ،‬دمشق‪-‬بيروت‪1997 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬صبحي‪ ،‬أحمههد محمههود صههبحي‪ ،‬في علششم الكلم‪،‬‬


‫المعتزلة‪ ،‬د ط‪ ،‬مؤسسة الثقافة الجامعية‪1978 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬طاش كبرى زاده‪ ،‬أحمد بههن مصههطفى بههن خليههل)ت‬


‫‪ 968‬هه(‪ ،‬مفتاح السعادة ومصباح السيادة فششي‬
‫موضششوعات العلششوم‪ ،‬ط ‪،1‬هه ‪2‬م‪) ،‬تحقيههق‪ :‬د علههي‬
‫دحروج(‪ ،‬مكتبة لبنان ناشرون‪1998 ،‬م‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫‪ -‬الطبراني‪ ،‬أبو القاسم سههليمان بههن أحمههد الطههبراني‬
‫)ت ‪ 360‬هههه(‪ ،‬المعجششم الوسششط‪10 ،‬م‪) ،‬تحقيههق‬
‫طارق بن عوض اللههه بههن محمههد و عبههد المحسههن بههن‬
‫إبراهيم الحسيني(‪ ،‬دار الحرمين‪ ،‬القاهرة‪1415 ،‬هه‪.‬‬

‫‪ -‬ابن عاشههور‪ ،‬محمههد الطههاهر بههن عاشههور )ت ‪1393‬‬


‫هههه(‪ ،‬التحريششر والتنششوير‪ ،‬د ط‪12 ،‬م‪ ،‬دار سههحنون‬
‫للنشر والتوزيع‪ ،‬تونس‪ ،‬د ت‪.‬‬

‫‪ -‬عبد الرازق‪ ،‬الشههيخ مصههطفى عبههد الههرازق‪ ،‬تمهيد‬


‫لتاريخ الفلسششفة السششلمية‪ ،‬ط ‪ ،2‬مطبعههة لجنههة‬
‫التأليف والترجمة والنشر‪ ،‬القاهرة‪1959 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬عبد الكريم‪ ،‬عبد الكريم عثمان‪ ،‬نظريششة التكليششف‪،‬‬


‫آراء القاضششي عبششد الجبششار الكلميششة‪ ،‬ط غيهههر‬
‫معروفة‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪1971 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬ابن عثيمين‪ ،‬محمد بن صالح‪ ،‬والهراس‪ ،‬محمد خليل‪،‬‬


‫والفهههوزان‪ ،‬صهههالح بهههن فهههوزان‪ ،‬ششششرح العقيشششدة‬
‫الواسطية‪ ،‬د ط‪ ،‬دار ابن الجوزي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د ت‪.‬‬

‫‪ -‬أبو عذبة‪ ،‬حسههن بههن عبههد المحسههن )ت بعههد ‪1172‬‬


‫ههههه(‪ ،‬الروضششة البهيششة فيمششا بيششن الشششاعرة‬ ‫‍‬
‫والماتريدية‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار ابن حزم‪ ،‬لبنان‪2003 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬ابن أبي العز‪ ،‬علههي الحنفههي )ت ‪ 792‬هههه(‪ ،‬المنحة‬


‫اللهية فششي تهششذيب شششرح الطحاويششة‪ ،‬ط ‪ ،2‬دار‬
‫الصحابة‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪1996 ،‬م‪.‬‬

‫وا‪ ،‬الكلم والفلسشششفة‪ ،‬د ط‪،‬‬


‫وا‪ ،‬عهههادل العههه ّ‬
‫‪ -‬العههه ّ‬
‫مطبعة جامعة دمشق‪1961 ،‬م‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫‪ -‬غرديه‪ ،‬لويس غرديه وقنههواتي‪ ،‬ج قنههواتي‪ ،‬فلسششفة‬
‫الفكر الششديني بيشن السششلم والمسششيحية‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫‪2‬م‪) ،‬نقلههه إلههى العربيههة‪ :‬د صههبحي الصههالح‪ ،‬ود فريههد‬
‫جبر(‪ ،‬دار العلم للمليين‪ ،‬بيروت‪1967 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬الغزالي‪ ،‬محمد بن محمههد بههن محمههد )ت ‪ 505‬هههه(‪،‬‬


‫إحياء علوم الششدين‪ ،‬ط ‪ ،1‬ه ‪5‬م‪ ،‬دار الفجههر للههتراث‪،‬‬
‫مصر‪-‬القاهرة‪1999 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬الغزالي‪ ،‬محمد بن محمههد بههن محمههد )ت ‪ 505‬هههه(‪،‬‬


‫القتصاد في العتقاد‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار الكتههب العلميههة‪،‬‬
‫بيروت‪-‬لبنان‪2004 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬فرغل‪ ،‬يحيى هاشم‪ ،‬عوامل وأهداف نشأة علششم‬


‫الكلم فشي السشلم‪ ،‬د ط‪ ،‬مههن مطبوعههات مجمههع‬
‫البحوث السلمية‪1972 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬فرغههههل‪ ،‬يحيههههى هاشههههم فرغههههل‪ ،‬نششششأة الراء‬


‫والمذاهب والفرق الكلمية‪ ،‬د ط‪ ،‬من مطبوعههات‬
‫مجمع البحوث السلمية‪1972 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬فروخ‪ ،‬عمر فروخ‪ ،‬تاريخ الفكر العربي إلى أيام‬


‫ابن خلدون‪ ،‬ط ‪ ،2‬دار العلم للمليين‪1979 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬القاضي عبد الجبار‪ ،‬عبد الجبههار بههن أحمههد الهمههذاني‬


‫)ت ‪ 415‬ههههه(‪ ،‬ششششرح الصشششول الخمسشششة‪ ،‬ط ‪،3‬‬
‫)تحقيق‪ :‬د عبد الكريم عثمان(‪ ،‬مكتبة وهبههة‪ ،‬القههاهرة‪،‬‬
‫‪1996‬م‪.‬‬

‫‪ -‬القاضي عبد الجبار‪ ،‬عبد الجبههار بههن أحمههد الهمههذاني‬


‫)ت ‪ 415‬هه(‪ ،‬المجموع في المحيط بالتكليف‪ ،‬د‬
‫ط‪ ،‬المطبعة الكاثوليكية‪ ،‬بيروت‪ ،‬د ت‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫‪ -‬القاضي عبد الجبار‪ ،‬عبد الجبههار بههن أحمههد الهمههذاني‬
‫)ت ‪ 415‬ههههه(‪ ،‬المغنشششي فشششي أبشششواب التوحيشششد‬
‫والعدل‪ ،‬د ط‪20 ،‬م‪) ،‬حققه مجموعههة مههن البههاحثين‪،‬‬
‫بإشراف د طههه حسههين(‪ ،‬المؤسسههة المصههرية العامههة‬
‫للتأليف والنباء والنشر‪ ،‬د ت‪.‬‬

‫‪ -‬القاضي عبد الجبار‪ ،‬عبد الجبههار بههن أحمههد الهمههذاني‬


‫)ت ‪ 415‬هه(‪ ،‬المنية والمششل‪ ،‬د ط‪) ،‬جمعههه‪ :‬أحمههد‬
‫بن يحيى المرتضى‪ ،‬وحققههه‪ :‬د عصههام الههدين العلههي(‪،‬‬
‫دار المعرفة الجامعية‪ ،‬السكندرية‪1985 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬قرعوش‪ ،‬كايد يوسف‪ ،‬وكههردي‪ ،‬راجههح عبههد الحميههد‪،‬‬


‫والخطيهههب‪ ،‬محمهههد أحمهههد‪ ،‬والحهههاج‪ ،‬محمهههد أحمهههد‪،‬‬
‫العقيدة السششلمية‪ ،‬ط ‪ ،1‬ه ‪2‬م‪ ،‬منشههورات جامعههة‬
‫القدس المفتوحة‪ ،‬عمان‪1993 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬قطههب‪ ،‬سههيد قطههب الشههاذلي )ت ‪ 1966‬م(‪ ،‬فششي‬


‫ظلل القرآن‪ ،‬ط ‪ ،34‬ه ‪6‬م‪ ،‬دار الشههروق‪ ،‬القههاهرة‪-‬‬
‫بيروت‪2004 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬ابن القيم‪ ،‬محمد بن أبي بكر الزرعي )ت ‪ 751‬هههه(‪،‬‬


‫إعلم الموقعين عن رب العالمين‪4 ،‬م‪) ،‬تحقيق‪:‬‬
‫طه عبد الرءوف سعد(‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪1973 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬ابن القيم‪ ،‬محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي )ت ‪751‬‬


‫هههههه(‪ ،‬الصشششواعق المرسشششلة علشششى الجهميشششة‬
‫والمعطلة‪ ،‬ط ‪ ،3‬ه ‪4‬م‪ ،‬تحقيق ‪) :‬د‪ .‬علههي بههن محمههد‬
‫الهههدخيل اللهههه(‪ ،‬دار العاصهههمة‪ ،‬الريهههاض ‪ 1418‬ههههه‬
‫‪1998‬م‪.‬‬

‫‪ -‬ابن كثير‪ ،‬إسماعيل بن عمههر بههن كههثير القرشههي أبههو‬


‫الفداء )ت ‪ 774‬هههه(‪،‬البداية والنهايششة‪14،‬م‪ ،‬مكتبههة‬
‫المعارف – بيروت‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫‪ -‬الكردي‪ ،‬راجح عبد الحميد الكردي‪ ،‬علقششة صششفات‬
‫اللششه تعششالى بششذاته‪ ،‬ط ‪ ،1‬منشههورات دار العههدوي‬
‫للتوزيع والنشر عمان‪-‬الردن‪1980 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬الللكائي‪ ،‬أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور‬


‫)ت ‪ 418‬هه(‪ ،‬شرح أصششول اعتقششاد أهششل السششنة‬
‫والجماعة من الكتاب والسنة وإجماع الصششحابة‬
‫والتششابعين ومششن بعششدهم‪2 ،‬م‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار الكتهههب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪2002 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬الماتريدي‪ ،‬محمد بن محمد بن محمود )ت ‪ 333‬هه(‪،‬‬


‫التوحيشششد‪ ،‬د ط‪ ،‬تحقيهههق‪ :‬د فتهههح اللهههه خليهههف‪ ،‬دار‬
‫المشرق‪ ،‬بيروت‪1986 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬ابههن مههانع‪ ،‬محمههد عبههد العزيههز‪ ،‬شششرح العقيششدة‬


‫السشششفارينية‪ ،‬ط ‪) ،1‬تحقيهههق‪ :‬أشهههرف بهههن عبهههد‬
‫المقصود(‪ ،‬مكتبة أضواء السلف‪ ،‬الرياض‪1997 ،‬م‪،‬‬

‫‪ -‬المحاسبي‪ ،‬الحههارث بههن أسههد بههن عبههد اللههه‪ ،‬مائية‬


‫العقشششل ومعنشششاه واختلف النشششاس فيشششه‪ ،‬ط ‪،2‬‬
‫)تحقيههق‪ :‬حسههين القههوتلي(‪ ،‬دار الكنههدي و دار الفكههر‪،‬‬
‫بيروت‪1398 ،‬هه‪.‬‬

‫‪ -‬المحلههي‪ ،‬محمههد بههن أحمههد )ت ‪ 864‬هههه(‪ ،‬البششدر‬


‫الطششالع فششي حششل جمششع الجوامششع‪ ،‬ط ‪،1‬هه ‪2‬م‪،‬‬
‫)تحقيق‪ :‬أبههو الفههداء مرتضههى الداغسههتاني(‪ ،‬مؤسسههة‬
‫الرسالة ناشرون‪ ،‬دمشق‪2005 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬محمد‪ ،‬الدكتور محمد عزيز نظمي سههالم‪ ،‬إبراهيششم‬


‫ين سيار النظام والفكر النقدي في السششلم‪،‬‬
‫مؤسسة شباب الجامعة‪ ،‬السكندرية‪1983 ،‬م‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫‪ -‬مسههلم‪ ،‬مسههلم بههن الحجههاج القشههيري النيسههابوري‪،‬‬
‫صششحيح مسششلم‪5 ،‬م‪) ،‬تحقيههق‪ :‬محمههد فههؤاد عبههد‬
‫الباقي(‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫واد بههن عبههد اللههه المعتههق‪ ،‬المعتزلششة‬


‫‪ -‬المعتههق‪ ،‬عهه ّ‬
‫وأصولهم الخمسة وموقف أهل السنة منهششم‪،‬‬
‫ط ‪ ،3‬مكتبة الرشيد‪ ،‬الرياض‪1996 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬ابن منظور‪ ،‬محمد بن مكرم الفريقههي المصههري )ت‬


‫‪ 711‬هههه(‪ ،‬لسششان العششرب‪ ،‬ط ‪،1‬هه ‪15‬م‪ ،‬دار صههادر‪،‬‬
‫بيروت‪.‬‬

‫‪ -‬الميههداني‪ ،‬عبههد الرحمههن حسههن حبنكههة‪ ،‬ضششوابط‬


‫المعرفة وأصول السششتدلل والمنششاظرة‪ ،‬ط ‪،7‬‬
‫دار القلم‪ ،‬دمشق‪2004 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬النسفي‪ ،‬عبد الله بن أحمد بن محمود )ت ‪ 701‬هه(‪،‬‬


‫تفسششير النسششفي؛ مششدارك التنزيششل وحقششائق‬
‫التأويل‪ ،‬دط‪2 ،‬م‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬د ت‪.‬‬

‫‪ -‬النسههفي‪ ،‬ميمههون بههن محمههد )ت ‪ 508‬هههه(‪ ،‬بحششر‬


‫الكلم‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار الفرفور‪ ،‬دمشق‪1997 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬النسفي‪ ،‬ميمههون بههن محمههد )ت ‪ 508‬هههه(‪ ،‬تبصرة‬


‫الدلة في أصول الدين‪ ،‬ط ‪ ،1‬ه ‪2‬م‪) ،‬تحقيق‪ :‬كلههود‬
‫سلمة(‪ ،‬دار الجّفان والجابي‪ ،‬قبرص‪1993 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬النسفي‪ ،‬ميمون بن محمههد )ت ‪ 508‬هههه(‪ ،‬التمهيششد‬


‫جيههب اللههه حسههن‬‫لقواعد التوحيد‪ ،‬ط ‪) ،1‬تحقيههق‪ِ :‬‬
‫أحمد(‪ ،‬دار الطباعة المحمدية‪ ،‬د ت‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫‪ -‬النشهههار‪ ،‬علهههي سهههامي الن ّ‬
‫شهههار‪ .‬نششششأة الفكشششر‬
‫الفلسفي في السلم‪ ،‬ط ‪ ،9‬ه ‪3‬م‪ ،‬دار المعههارف‪،‬‬
‫القاهرة‪1995 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬هههانم‪ ،‬هههانم إبراهيههم يههونس‪ .‬أصششل العششدل عنششد‬


‫المعتزلة‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار الفكر العربي‪1993 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬ابههن الُهمههام‪ ،‬محمههد بههن عبههد الواحههد )ت ‪ 861‬هههه(‪،‬‬


‫المسايرة في العقائد المنجية في الخششرة‪ ،‬ط‬
‫‪ ،1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪2002 ،‬م‪.‬‬

‫‪142‬‬
THE RATIONAL EVIDENCE ON CREEDS
ACCORDING TO ISLAMIC SCHOOLS OF
.THOUGHT

By
Dayfullah Ahmad Abdelkader ananzeh

Supervisor
Dr. Rajah Abd Al-Hamid Kurdi

ABSTRACT
This study dealt with the role of reasoning as a means
of proving the creeds according to Mutazilites, Hanbalites,
Asharites and Maturidites.
It has dealt with the concepts of reason and evidence. Also
it defined the above mentioned four schools of thought
then it moved to demonstrate the development of
reasoning in creeds in the Muslim thought starting from
the Quran and the prophetic tradition until it reached its
highest level in theology.
Then the study dealt with the important aspects of the
stage of reasoning of each of these four schools separately
and in comparison with the other schools to reach to the
stronger opinion.

Finally, the study discussed some samples of


disagreement which resulted from the reasoning and
concluded that reason is the foundation of the text i.e. the
foundation of its authenticity. In principle, the definitive of
reason are more reliable than speculative texts. At last, the
study concluded that goodness and badness can not be
recognized by reason.

143
144

You might also like