You are on page 1of 184

‫طوق الحمامة‬

‫ابن حزم‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‪ ،‬وبه نستعين‬

‫قال أبا محمد عفا ال عنه‪ :‬أفضل ما أبتدئ به حمد ال عز وجل بما هو أهله‪،‬‬

‫ثعم الصعلة على محمعد عبده ورسعوله خاصعة‪ ،‬وعلى جميعع أنعبيائه عامعة‪ ،‬وبععد‪.‬‬

‫عصعمنا ال واياك معن الحيرة‪ ،‬ول حملنعا مال طاقعة لنعا بعه‪ ،‬وقيعض لنعا معن جميعل‬

‫عونعه دليل هادياً إلى طاعتعه‪ ،‬ووهبنعا معن توفيقعه أدباً صعارفاً ععن معاصعيه ول‬

‫وكلنا إلى ضعف عزائمنا وخور قوانا و وهاء بنيتنا وتلدد آرابنا وسوء اختيارنا‬

‫وقلة تمييزنعا وفسعاد أهوائنعا‪ ،‬فإن كتابعك وردنعي معن مدينعة المريعة إلى مسعكني‬

‫بحضرة شاطبعة تذكعر معن حسعن حالك معا يسعرني وحمدت ال ععز وجعل عليعه‬

‫واستدمه لك واستزدته فيك‪ .‬ثم لم ألبث أن اطلع على شخصك وقصدتني بنفسك‪،‬‬

‫على بعد الشقة وتنائي الديار وشحط المزار وطول المسافة وغول الطريق وفي‬

‫دون هذا ما سلى المشتاق ونسي الذاكر‪ ،‬إل من تمسك بحبل الوفاء مثلك ورعى‬

‫سالف الذمة و وكيد المودات وحق النشأة ومحبة الصبي وكانت مودته ل تعالى‬
‫ولقد أثبت ال بيننا من ذلك ما نحن عليه حامدون وشاكرون‪ .‬وكانت معانيك في‬

‫كتابععك زائدة على مععا عهدتععه مععن سععائر كتبععك‪ ،‬ثععم كشفععت إلي بإقبالك غرضععك‬

‫وأطلعتنعي على مذهبعك‪ ،‬سعجية تلم تزل علينا معن مشاركتعك لي فعي حلوك ومرك‬

‫وسعرك وجهرك‪ ،‬يحدوك الود الصعحيح الذي أنعا لك على أضعافعه‪ ،‬أبتغعي جزاء‬

‫غيعر مقابلتعه بمثله‪ .‬وفعي ذلك أقول مخاطباً لعبيعد ال بعن عبعد الرحمعن بعن المغيرة‬

‫بن أمير المؤمنين الناصر رحمه ال في كلمة لي طويلة وكان لي صديقا‪:‬‬

‫وبعض مـودات الـرجـال سـراب‬ ‫أودك ودا لـيس فـيه غـضــاضة‬


‫وأمحضتك النصح الصريح وفي الحشى لودك نـقـش ظـاهـر وكـتــاب‬
‫ومزق بالـكـفـين عـنـه إهـاب‬ ‫فلو كان في روحي هواك اقتلـعـتـه‬
‫ول في سواه لـي إلـيك خـطـاب‬ ‫ومـا لـي غـير الـود مـنـك إرادة‬
‫هبـاء وسـكـان الـبـلد ذبــاب‬ ‫إذا حزته فالرض جمعـاء والـورى‬

‫وكلفتنععي أعزك ال أن أصععنف لك رسععالة فععي صععفة الحععب ومعانيععه وأسععبابه‬

‫وأعراضعه‪ ،‬ومعا يقعع فيعه وله على سعبيل الحقيقعة ل متزيداً ول مفتنعا‪ ،‬لكعن مورداً‬

‫لما يحضرني على وجهه وبحسب وقوعه‪ ،‬حيث انتهى حفظي وسعة باعي فيما‬

‫أذكره‪ ،‬فبدرت إلى مرغوبعععك ولول اليجاب لك لمعععا تكلفتعععه‪ ،‬فهذا معععن الفقعععر‪،‬‬

‫والولى بنععا مععع قصععر أعمارنععا أل نصععرفها إل فيمععا نرجععو بععه رحععب المنقلب‬

‫وحسعن المآب غداً‪ .‬وإن كان القاضعي حمام بعن أحمعد حدثنعي ععن يحيعى بعن مالك‬

‫عععن عائذ بإسععناد يرفعععه إلى أبععي الدرداء أنععه قال‪ :‬أجمعوا النفوس بشيععء مععن‬

‫الباطعل ليكون عونعا لهعا على الحعق‪ .‬ومعن أقوال الصعالحين معن السعلف المرضعي‪.‬‬
‫معن لم يحسعن يتفتعى لم يحسعن يتقوى‪ .‬وفعي بععض الثعر‪ :‬أريحعو النفوس فإنهعا‬

‫تصدأ كما يصدأ الحديد‪.‬‬

‫والذي كلفتني ل بد فيه من ذكر ما شاهدته حضرتي وأدركته عنايتي وحدثني به‬

‫الثقات من أهل زمانه‪ ،‬فاغتفر لي الكناية عن السماء فهي إما عورة ل نستجيز‬

‫كشفها وإما نحافظ في ذلك صديقاً ودوداً ورجلً جليلً‪ ،‬وبحسبي أن أسمى من ل‬

‫ضرر فعي تسعميته ول يلحقنعا والمسعمى عيعب فعي ذكره‪ ،‬وإمعا لشتهار ل يغنعي‬

‫عنعه الطعي وترك التعبيين؛ وإمعا لرضعا معن المخعبر عنعه بظهور خعبره وقلة إنكار‬

‫منه لنقله‪.‬‬

‫وسأورد في نفي رسالتي هذه أشعارًا قلتها فيما شاهدته‪ ،‬فل تنكر أنت ومن رآها‬

‫على أنعي سالك فيها مسعلك حاكي الحديعث عن نفسعه‪ ،‬فهذا مذهب المتحلين بقول‬

‫الشعععر‪ ،‬وأكثععر مععن ذلك فإن إخوانععي يجمشونععي القول فيمععا يعرض لهععم على‬

‫طرائقهعم ومذاهبهعم‪ .‬وكفانعي أنعي ذاكعر لك معا عرض لي ممعا يشاكعل معا نحوت‬

‫نحوه وناسبه إلي‪.‬‬

‫والتزمعت فعي كتابعي هذا الوقوف عنعد حدك‪ ،‬والقتصعار على معا رأيعت أوضعح‬

‫عندي بنقل الثقات‪ ،‬ودعني من أخبار العراب والمتقدمين‪ ،‬فسبيلهم غير سبيلنا‪،‬‬

‫وقعد كثرت الخبار عنهعم‪ ،‬ومعا مذهعبي أن أنضعي مطيعة سعواي‪ ،‬ول أتحلى بحلى‬

‫مستعار‪ ،‬وال المستغفر والمستعان ل رب غيره‪.‬‬


‫الباب الول‬

‫تقسيم الرسالة‬

‫وقسمت رسالتي هذه على ثلثين باباً‪ ،‬منها في أصول الحب عشرة فأولها هذا‬

‫الباب‪ ،‬ثعم باب فعي علمات الحعب‪ ،‬ثعم باب فيعه ذكعر معن أحعب فعي النوم‪ ،‬ثعم باب‬

‫فيه ذكر من أحب بالوصف‪ ،‬ثم باب ذكر من أحب من نظرة واحدة ثم باب فيه‬

‫ذكععر مععن ل تصععح محبتععه إل مععع المطاولة‪ ،‬ثععم باب التعريععض بالقول ثععم باب‬

‫الشارة بالعععععععععععي‪ ،‬ثععععععععععم باب المراسععععععععععلة‪ ،‬ثععععععععععم باب السععععععععععفير‪.‬‬

‫ومنها في أعراض الحب وصفاته المحمود والمذمومة أثناء عشر بابا‪ ،‬وإن كان‬

‫الحععب عرضاً والعرض ل يحتمععل العراض‪ ،‬وصععفة والصععفة ل توصععف فهذا‬

‫على مجاز اللغعة فعي إقامعة الصعفة مقام الموصعوف‪ .‬وعلى معنعى قولنعا‪ :‬وجودنعا‬

‫عرضًا أقعل فعي الحقيقعة معن عرض غيره‪ ،‬وأكثعر وأحسعن وأقمعح فعي إدار كنالهعا‬

‫علمنعا أنهعا متباينعة فعي الزيادة والنقصعان معن ذاتهعا المرئيعة والمعلومعة؛ إذ ل تقعع‬

‫فيهعا الكميعة ول التجزي‪ ،‬لنهعا ل تشغعل مكاناً وهعي‪ :‬باب الصعديق المسعاعد‪ ،‬ثعم‬

‫باب الوصعل ثعم باب طعي السعر‪ ،‬ثعم باب الكشعف والذاععة‪ ،‬ثعم باب الطاععة‪ ،‬ثعم‬

‫باب المخافة‪ ،‬ثم باب من أحب صفة لم يحب بعدها غيرها مما يخالفها‪ ،‬ثم باب‬

‫القنوع‪ ،‬ثععععم باب الوفاء‪،‬ثععععم باب الغدر‪ ،‬ثععععم باب الضنععععى‪ ،‬ثععععم باب الموت‪.‬‬

‫ومنهععا فععي الفات الداخلة على الحععب سععتة أبواب‪ ،‬وهععي باب العاذل‪ ،‬ثععم باب‬

‫الرقيعب‪ ،‬ثعم باب الوشعي‪ ،‬ثعم باب الهجعر‪ ،‬ثعم باب البيعن؛ ثعم باب السعلو‪ .‬معن هذه‬
‫البواب الستة بابان لكل واحد منهما ضد من البواب المتقدمة الذكر‪ ،‬وهما باب‬

‫العاذل‪ :‬وضده باب الصععديق المسععاعد؛ باب الهجععر وضده باب الوصععل ومنهععا‬

‫أربععة أبواب ل ضعد معن معانعي الحعب‪ ،‬وهعي باب الرقيعب‪ ،‬وباب الواشعي‪ ،‬ول‬

‫ضععد لهمععا إل ارتفاعهمععا‪ .‬وحقيقععة الضععد مععا إذا وقععع ارتفععع الول‪ ،‬وإن كان‬

‫المتكلمون قععد اختلفوا فععي ذلك‪ .‬ولول خوفنععا إطالة الكلم فيمععا ليععس مععن جنععس‬

‫الكتاب لتقصيناه‪.‬‬

‫وباب البيعن وضده تصعاقب الديار‪ ،‬وليعس التصعاقب معن معانعي الحعب التعي نتكلم‬

‫فيها‪ .‬وباب السلو وضده الحب بعينه‪ ،‬إذ معنى السلو ارتفاع الحب وعدمه ومنها‬

‫بابان ختمنعا بهمعا الرسعالة‪ ،‬وهمعا‪ :‬باب الكلم فعي قبعح المعصعية‪ ،‬وباب فعي فضعل‬

‫التعفعف‪ .‬ليكون خاتمعة إيرادنعا وآخعر كلمنعا الحعض على طاععة ال ععز وجعل‪،‬‬

‫والمعععر بالمعروف والنهعععي ععععن المنكعععر‪ ،‬فذلك مفترض على كعععل مؤمعععن‪.‬‬

‫لكنعا خالفنعا فعي نسعق بععض هذه البواب هذه الرتبعة المقسعمة فعي درج هذا الباب‬

‫الذي هعو أول أبواب الرسعالة‪ ،‬فجعلناهعا على مباديهعا إلى منتهاهعا واسعتحقاقها فعي‬

‫التقدم والدرجات والوجود‪ ،‬ومععن أول مراتبهععا إلى آخرهععا‪ ،‬وجعلنععا الضععد إلى‬

‫جنعععععععب ضده فاختلف المسعععععععاق فعععععععي أبواب يسعععععععيرة وال المسعععععععتعان‪.‬‬

‫وهيئتها في اليراد أولها هذا الباب الذي نحن فيه صدر الرسالة وتقسيم البواب‬

‫والكلم فععي باب ماهيععة الحععب‪ ،‬ثععم باب علمات الحععب‪ ،‬ثععم باب مععن أحععب‬

‫بالوصععف‪ ،‬ثععم باب مععن أحععب مععن نظرة واحدة‪ ،‬ثععم باب مععن ل يحععب إل مععع‬

‫المطاولة‪ ،‬ثعم باب معن أحعب صعفة لم يحعب بعدهعا غيرهعا ممعا يخالفهعا‪ ،‬ثعم باب‬
‫التعريعض بالقول‪ ،‬ثعم باب الشارة بالعيعن‪ ،‬ثعم باب المراسعلة‪ ،‬ثعم باب السعفير‪ ،‬ثعم‬

‫باب طي السر‪ ،‬ثم باب إذاعته‪ ،‬ثم باب الطاعة‪ ،‬ثم باب المخالفة‪ ،‬ثم باب العاذل‪،‬‬

‫ثعم باب المسعاعد معن الخوان؛ ثعم باب الرقيعب‪ ،‬ثعم باب الوشعي‪ ،‬ثعم باب الوصعل‪،‬‬

‫ثعم باب الهجعر‪ ،‬ثعم باب الوفاء‪ ،‬ثعم باب الغدر‪ ،‬ثعم باب البيعن‪ ،‬ثعم باب القنوع‪ ،‬ثعم‬

‫باب الضنععى‪ ،‬ثععم باب السععلو ثععم باب الموت؛ ثععم باب قبععح المعصععية؛ ثععم باب‬

‫التعفف‪.‬‬

‫الكلم في ماهية الحب‬

‫الحعععب ‪ -‬أعزك ال ‪ -‬أوله هزل وآخره جعععد‪ .‬دقعععت معانيعععه لجللتهعععا ععععن أن‬

‫توصعف‪ ،‬فل تدرك حقيقتهعا إل بالمعاناة‪ .‬وليعس بمنكعر فعي الديانعة ول بمحظور‬

‫في الشريعة‪ ،‬إذ القلوب بيد ال عز وجل وقد أحب من الخلفاء المهدبين والئمة‬

‫الراشديعن كثيعر‪ ،‬منهعم بأندلسعنا عبعد الرحمعن بعن معاويعة الدعجاء‪ ،‬والحكعم بعن‬

‫هشام‪ ،‬وعبععد الرحمععن بععن الحكععم وشغفععه بطروب أم عبععد ال ابنععة أشهععر مععن‬

‫الشمععس‪ ،‬ومحمععد بععن عبععد الرحمععن وأمره مععع غَزلن أم بنيععه عثمان والقاسععم‬

‫والمُطرف معلوم‪ ،‬والحاكم المستنصر وافتتانه بصبح أم هاشم المؤيد بال رضي‬

‫ال عنه وعن جميعهم وامتناعه عن التعرض للولد من غيرها‪ .‬ومثل هذا كثير‪،‬‬

‫ولول أن حقوقهم على المسلمين واجبة ‪ -‬وإنما يجب أن نذكر من أخبارهم ما فيه‬

‫الحزم وإحياء الديعن وإنمعا هعو شيعء كانوا ينفردون بعه فعي قصعورهم معع عيالهعم‬

‫فل ينبغعي الخبار بعه عنهعم ‪ -‬لوردت معن أخبارهعم فعي هذا الشأن غيعر قليعل‪.‬‬

‫وأما كبار رجالهم ودعائم دولتهم فأكثر من أن يحصوا‪ ،‬وأحدث ذلك ما شاهدناه‬
‫بالمعس معن كلف المظفعر بعن عبعد الملك بعن أبعي عامعر بواحعد‪ ،‬بنعت رجعل معن‬

‫الجبائين حتى حمله حبها أن يتزوجها‪ ،‬وهي التي خلف عليها بعد فناه العامر بن‬

‫الوزيععر عبععد ال بععن مسععلمة‪ ،‬ثععم تزوجهععا بعععد قتله رجععل مععن رؤسععاء البربر‪.‬‬

‫وممعا يشبعه هذا أن أبعا العيعش بعن ميمون القرشعي الحسعيني أخعبرني أن نزار بعن‬

‫مععد صعاحب مصعر لم يعر ابنعه منصعور بعن نزار‪ ،‬الذي ولى الملك بعده وادععى‬

‫اللهيععة إل بعععد مدة مععن مولده‪ ،‬مسععاعدة لجاريععة كان يحبهععا حبًا شديداً‪ ،‬هذا ولم‬

‫يكععععععععن له ذكععععععععر ول مععععععععن يرث ملكععععععععه ويحيععععععععي ذكره سععععععععواه‪.‬‬

‫ومعن الصعالحين والفقهاء فعي الدهور الماضيعة والزمان القديمعة معن قعد اسعتغنى‬

‫بأشعارهم عن ذكرهم‪ :‬وقد ورد من خبر عبيد ال عتبة بن مسعود وشعره ما فيه‬

‫الكفايعة‪ .‬وهعو أحعد فقهاء المدينعة السعبعة وقعد جاء معن فتيعا ابعن عباس رضعي ال‬

‫عنععه مال يحتاج معععه إلى غيره حيععن يقول‪ :‬هذا قتيععل الهوى ل عقععل ول قود‪.‬‬

‫وقعد اختلف الناس فعي ماهيتعه وقالوا وأطالوا‪ ،‬والذي أذهعب إليعه أنعه اتصعال بيعن‬

‫أجزاء النفوس المقسعومة فعي هذه الخليقعة فعي أصعل عنصعرها الرفيعع‪ ،‬ل على معا‬

‫حكاه محمد بن داود رحمه ال عن بعض أهل الفلسفة‪ .‬الرواح أكر مقسومة لكن‬

‫على سبيل مناسبة قواها في مقر عالمها العلوي ومجاورتها في هيئة تركيبها وقد‬

‫علمنععا أن سععر التمازج والتبايععن فععي المخلوقات إنمععا هععو التصععال والنفصععال‬

‫والشكعل دأباً يسعتدعى شكله‪ ،‬والمثعل إلى مثله سعاكن‪ ،‬وللمجانسعة عمعل محسعوس‬

‫وتأثيعر مشاهعد‪ ،‬والتنافعر فعي الضداد والموافقعة فعي النداد‪ ،‬والنزاع فيمعا تشابعه‬

‫موجود فيمععا بيننععا فكيععف بالنفععس وعالمهععا العالم الصععافي الخفيععف وجوهرهععا‬

‫الجوهععععر الصعععععاد المعتدل‪ ،‬وسععععنخها المهيععععأ لقبول التفاق والميععععل والتوق‬


‫والنحراف والشهوة النفار‪ .‬كعل ذلك معلوم بالفطرة فعي أحوال تصعرف النسعان‬

‫فيسعكن إليهعا‪ ،‬وال ععز وجعل يقول‪( :‬هعو الذي خلقكعم معن نفعس واحدة وخلق منهعا‬

‫زوجهعا ليسعكن إليهعا)‪ ،‬فجععل علة السعكون أنهعا منعه‪ .‬ولو كان علة الحعب حسعن‬

‫الصعورة الجسعدية لوجعب أل يسعتحسن النقعص معن الصعورة‪ .‬ونحعن نجعد كثيرا‬

‫ممعن يؤثعر الدنعى ويعلم فضعل غيره ول يجعد محيداً لقلبعه عنعه‪ .‬ولو كان للموافقعة‬

‫فعي الخلق لما أحعب المرء معن ل يساعده ول يوافقعه‪ .‬فعلمنعا أنعه شيعء فعي ذات‬

‫النفس وربما كانت المحبة لسبب من السباب‪ ،‬وتلك تفنى بفناء سببها‪ .‬فمن ودك‬

‫لمر ولى مع انقضائه‪.‬‬

‫وفي ذلك أقول‪:‬‬

‫تناهى فلم ينقص بشيء ولم يزد‬ ‫ودادي لك الباقي على حسب كونه‬
‫ول سبب حاشاه يعلـمـه أحـد‬ ‫وليست لـه غـير الرادة عـلة‬
‫فذاك وجود ليس يفنى على البد‬ ‫إذا ما وجدنا الشيء علة نفـسـه‬
‫فإعدامه في عدمنا ما لـه وجـد‬ ‫وإما وجدناه لـشـيء خـلفـه‬

‫وممعا يؤكعد هذا القول أننعا علمنعا أن المحبعة ضروب‪ .‬فأفضلهعا محبعة المتحابيعن‬

‫في ال عزوجل؛ إما لجتهاد في العمل‪ ،‬وإما لتفاق في أصل النحلة والمذهب‪،‬‬

‫وإمعا لفضعل علم يمنحعه النسعان ومحبعة القرابعة‪ ،‬ومحبعة اللفعة والشتراك فعي‬

‫المطالب‪ ،‬ومحبععة التصععاحب والمعرفععة ومحبععة البر يضعععه المرء عنععد أخيععه‪،‬‬

‫ومحبعة الطمعع فعي جاه المحبوب‪ ،‬ومحبعة المتحابيعن لسعر يجتمعان عليعه يلزمهمعا‬

‫سعتره‪ ،‬ومحبعة بلوغ للذة وقضاء الوطعر‪ ،‬ومحبعة العشعق التعي ل علة لهعا إل معا‬
‫ذكرنعا معن اتصعال النفوس‪ ،‬فكعل هذه الجناس منقضيعة معع انقضاء عللهعا وزائدة‬

‫بزيادتهعا وناقصعة بنقصعانها‪ ،‬متأكدة بدنوهعا فاترة ببعدهعا‪ .‬حاشعى محبعة العشعق‬

‫الصعععععحيح الممكعععععن معععععن النفعععععس فهعععععي التعععععي ل فناء لهعععععا إل بالموت‪.‬‬

‫وإنعك لتجعد النسعان السعالي برغمعه‪ .‬وذا السعن المتناهيعة‪ ،‬إذا ذكرتعه تذكعر وارتاح‬

‫وصبا واعتاده الطرب واهتاج له الحنين‪.‬‬

‫ول يعرض فععي شيععء مععن هذه الجناس المذكورة‪ ،‬مععن شغععل البال والخبععل‬

‫والوسعععواس وتبدل الغرائز المركبعععة واسعععتحالة السعععجايا المطبوععععة والنحول‬

‫والزفيعر وسعائر دلئل الشجعا معا يعرض فعي العشعق‪ ،‬فصعح بذاك أنعه اسعتحسان‬

‫روحانعي وامتزاج نفسعاني‪ .‬فإن قال قائل‪ :‬لو كان هذا كذلك لكانعت المحبعة بينهمعا‬

‫مسعتوية‪ ،‬إذ الجزآن مشتركان فعي التصعال وحظهمعا واحعد فالجواب ععن ذلك أن‬

‫نقول‪ :‬هذه لعمري معارضة صحيحة‪ ،‬ولكن نفس الذي ل يحب من يحبه مكتنفة‬

‫الجهات ببععض العراض السعاترة والحجعب المحيطعة بهعا معن الطبائع الرضيعة‬

‫فلم تحععس بالجزء الذي كان متصعلً بهععا قبععل حلولهععا حيععث هععي‪ ،‬ولو تخلصععت‬

‫لسعتويا فععي التصعال والمحبعة‪ .‬ونفعس المحعب متخلصعة عالمعة بمكان معا كان‬

‫يشركها في المجاورة‪ ،‬طالبة له قاصدة إليه باحثة عنه مشتهية لملقاته‪ ،‬جاذبة له‬

‫لو أمكنهععا كالمغنطيععس والحديععد‪ ،‬فقوة جوهععر المغنطيععس المتصععلة بقوة جوهععر‬

‫الحديعد لم تبلغ معن تحكمهعا ول معن تصعفيتها أن تقصعد إلى الحديعد على أنعه معن‬

‫شكلها وعنصرها‪ ،‬كما أن قوة الحديد لشدتها قصدت إلى شكلها وانجذبت نحوه‪،‬‬

‫إذ الحركعة أبداً إنمعا تكون معن القوى‪ ،‬وقوة الحديعد متروكعة الذات غيعر ممنوععة‬
‫بحابععس‪ ،‬تطلب مععا يشبههععا وتنقطععع إليععه وتنهععض نحوه بالطبععع والضرورة‬

‫وبالختيار والتعمد‪ .‬وأنت متى أمسكت الحديد بيدك لم ينجذب إذ لم يبلغ من قوته‬

‫أيضاً مغالبعة الممسعك له ممعا هعو أقوى منعه‪ .‬ومتعى كثرت أجزاء الحديعد اشتغعل‬

‫بعضها ببعض واكتفت بأشكالها عن طلب اليسير من قواها النازحة عنها‪ ،‬فمتى‬

‫عظععم جرم المغناطيععس ووازت قواه جميععع قوى جرم الحديععد عادت إلى طبعهععا‬

‫المعهود‪ .‬وكالنار فعي الحجعر ل تعبرز على قوة الحجعر فعي التصعال والسعتدعاء‬

‫لجزائها حيث كانت إل بعد القدح ومجاورة الجرمين بضغطهما واصطكاكهما‪،‬‬

‫وإل فهي كامنة في حجرها ل تبدو ول تظهر‪.‬‬

‫ومعن الدليعل على هذا أيضاً أنعك ل تجعد اثنيعن يتحابان إل وبينهمعا مشاكلة واتفاق‬

‫الصعفات الطبيعيعة ل بعد معن هذا وإن قعل‪ ،‬وكلمعا كثرت الشباه زادت المجانسعة‬

‫وتأكدت المودة فانظععر هذا تراه عياناً‪ ،‬وقول رسععول ال صععلى ال عليععه وسععلم‬

‫يؤكده‪( :‬الرواح جنود مجندة مععا تعارف منهععا ائتلف ومععا تناكععر منهععا اختلف)‪،‬‬

‫وقول مروى عععن أحععد الصععالحين‪ :‬أرواح المؤمنيععن تتعارف‪ .‬ولهذا مععا اغتععم‬

‫أبقراط حيعن وصعف له رجعل من أهعل النقصعان يحبعه‪ ،‬فقيعل له فعي ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬ما‬

‫أحبني إل وقد وافقته في بعض أخلقه‪.‬‬

‫وذكععر أفلطون أن بعععض الملوك سععجنه ظلماً‪ ،‬فلم يزل يحتععج عععن نفسععه حتععى‬

‫اظهععر براءتععه‪ ،‬وعلم الملك أنععه له ظالم‪ ،‬فقال له وزيره الذي كان يتولى إيصععال‬

‫كلمعه إليعه‪ :‬أيهعا الملك‪ ،‬قعد اسعتبان لك أنعه بريعء فمالك وله؟ فقال الملك‪ :‬لعمري‬
‫مالي إليعه سعبيل‪ ،‬غيعر أنعي أجعد لنفسعي اسعتثقالً ل أدري معا هعو‪ .‬فأدى ذلك إلى‬

‫أفلطون‪ .‬قال‪ :‬فاحتجعت أن أفتعش فعي نفسعي وأخلقعي أجعد شيئاً أقابعل بعه نفسعه‬

‫وأخلقهمععا ممععا يشبههععا‪ ،‬فنظرت فععي أخلقععه فإذا هععو محععب للعدل كاره للظلم‪،‬‬

‫فميزت هذا الطبععع فععي‪ ،‬فمععا هععو إل أن حركتععه هذه الموافقععة وقابلت نفسععه بهذا‬

‫الطبع الذي بنفسي فأمر بإطلقي وقال لوزيره‪ :‬قد انحل كل ما أجد في نفسي له‪.‬‬

‫وأمعا العلة التعي توقعع الحعب أبدًا فعي أكثعر المعر على الصعورة الحسعنة‪ ،‬فالظاهعر‬

‫أن النفعس حسعنة وتولع بكعل شيعء حسعن وتميعل إلى التصعاوير المنقنعة‪ ،‬فهعي إذا‬

‫رأت بعضهعا تثبتعت فيعه‪ ،‬فإن ميزت وراءهعا شيئاً معن أشكالهعا اتصعلت وصعحت‬

‫المحبة الحقيقية‪ ،‬وإن لم تميز وراءها شيئاً من أشكالها لم يتجاوز حبها الصورة‪،‬‬

‫وذلك هو الشهوة‪.‬‬

‫وإن للصعور لتوصعيل عجيباً بيعن أجزاء النفوس النائيعة‪ .‬وقرأت فعي السعفر الول‬

‫معن التوراة أن النعبي يعقوب عليعه السعلم أيام رعيعه غنماً لبعن خاله مهراً ل بنتعه‬

‫شارطعه على المشاركعة فعي إنسعالها‪ ،‬فكعل بهيعم ليعقوب وكعل أغعر للبان‪ ،‬فكان‬

‫يعقوب عليه السلم يعمد إلى قضبان الشجر يسلخ نصفاً ويترك نصفاً بحاله‪ ،‬ثم‬

‫يلقعى الجميعع فعي الماء الذي ترده الغنعم‪ ،‬ويتعمعد إرسعال الطروقعة فعي ذلك الوقعت‬

‫فل تلد إل نصفين‪ ،‬نصفاً بهماً ونصفاً غراً‪.‬‬

‫وذكر عن بعض القافة أنه أتى بابن أسود لبيضين‪ ،‬فنظر إلى أعلمه فرآه لهما‬

‫غير شك‪ .‬فرغب أن يوقف على الموضع الذي اجتمعا عليه‪ .‬فأدخل البيت الذي‬
‫كان فيععه مضجعهمععا‪ ،‬فرأى فيمععا يوازي نظععر المرأة صععورة أسععود فععي الحائط‪،‬‬

‫فقال لبيه‪ :‬من قبل هذه الصورة أتيت في إبنك‪.‬‬

‫وكثيراً مععا يصععرف شعراء أهععل الكلم هذا المعنععى فععي أشعارهععم‪ ،‬فيخاطبون‬

‫المرئي فعي الظاهعر خطاب المعقول الباطعن‪ ،‬وهعو المسعتفيض فعي شععر النظام‬

‫إبراهيم بن سيار وغيره من المتكلمين‪ ،‬وفي ذلك أقول شعراً‪ ،‬منه‪:‬‬

‫وعلة الفر منهـم أن يفـرونـا‬ ‫ما علة النصر في العداء تعرفها‬


‫إليك يا لؤلؤا في الناس مكنونـا‬ ‫إل نزاع نفوس النـاس قـاطـبة‬
‫فهم إلى نورك الصعاد يعشونـا‬ ‫من كنت قدامه ل ينـتـئى أبـدا‬
‫إليك طوعا فهم دأبـا يكـرونـا‬ ‫ومن تكن خلفه فالنفس تصرفـه‬

‫ومن ذلك أقول‪:‬‬

‫أبن لي فقد أزرى بتميزي العـي‬ ‫أمن عالم الملك أنت أم أنـسـى‬
‫إذا أعمل التفكير فالجرم علـوي‬ ‫أرى هـيئة إنـسـية غـير أنـه‬
‫على أنك النور النيق الطبيعـي‬ ‫تبارك منسوى مذاهب خـلـقـه‬
‫إلينا مثال في النفوس اتصـالـي‬ ‫ول شك عندي أنك الروح ساقـه‬
‫نقيس عليه غـير أنـك مـرئي‬ ‫عد منا دليلً في حدوثك شـاهـدا‬
‫سوى أنك العقل الرفيع الحقيقـي‬ ‫ولول وقوع العين في الكون لم نقل‬

‫وكان بعض أصحابنا يسمى قصيدة لي الدراك المتوهم‪ ،‬منها‪:‬‬

‫فكيف تحد اختلف المعاني‬ ‫ترى كل ضد بـه قـائمـا‬


‫ويا عرضا ثابتا غير فـان‬ ‫فيأيها الجسم ل ذا جـهـات‬
‫فما هو مذ لحت بالمستبان‬ ‫نقضت علينا وجوه الكـلم‬
‫وهذا بعينه موجود في البغضة‪ ،‬ترى الشخصين يتباغضان ل لمعنى‪ ،‬ول علة‪،‬‬

‫ويسعتثقل بعضهعا بعضاً بل سععبب‪ .‬والحعب أعزك ال داء عياء وفيععه الدواء منععه‬

‫على قدر المعاملة‪ ،‬ومقام مسععتلذ‪ ،‬وعلة مشهاة ل يود سععليمها البرء‪ ،‬ول يتمنععى‬

‫عليلها الفاقة‪ .‬يزين المرء ما كان يأنف منه‪ ،‬ويسهل عليه ما كان يصعب عنده‬

‫حتعى يحيعل الطبائع المركبعة والجبلة المخلوقعة‪ .‬وسعيأتي كعل ذلك ملخصعًا فعي بابعه‬

‫إن شاء ال‪.‬‬

‫خبر‪ :‬ولقد علمت فتى من بعض معار في قد وحل من الحب وتورط في حبائله‪،‬‬

‫وأضربعه الوجعد‪ ،‬وأنضحعه الدنعف‪ ،‬ومعا كانعت نفسعه تطيعب بالدعاء إلى ال ععز‬

‫وجعل فعي كشعف معا بعه ول ينطعق بعه لسعانه‪ ،‬وما كان دعاؤه إل بالوصعل والتمكعن‬

‫ممعن يحعب‪ ،‬على عظيعم بلئه وطويعل همعه‪ ،‬فمعا الظعن بسعقيم ل يريعد فقعد سعقمه‬

‫ولقد جالسته يوماً فرأيت من إكبابه وسعوء حاله وإطراقه معا سعاءني فقلت له فعي‬

‫بععض قولي‪ :‬فرج ال عنعك فلقعد رأيعت أثعر الكراهيعة فعي وجهعه‪ .‬وفعي مثله أقول‬

‫من كلمة طويلة‪:‬‬

‫ولست عنك مدى اليام أنصرف‬ ‫وأستلذ بلئي فـيك يا أمـلـي‬


‫فما جوابي إل الـلم واللـف‬ ‫إن قيل لي تتسلى عن مـودتـه‬

‫خبر‪ :‬وهذه الصفات مخالفة لما أخبرني به عن نفسه أبو بكر محمد بن قاسم بن‬

‫محمعد القرشعي‪ .‬المعروف بالشلشعي‪ ،‬معن ولد المام هشام بعن عبعد الرحمعن بعن‬
‫معاويععة أنععه لم يحععب أحداً قععط‪ ،‬ول أسععف على إلف بان منععه‪ ،‬ول تجاوز حععد‬

‫الصحبة واللفة إلى حد الحب والعشق منذ خلق‪.‬‬

‫الباب الثاني‬

‫علمات الحب‬

‫وللحععب علمات يقفوهععا الفطععن‪ ،‬ويهتدي إليهععا الذكععي‪ .‬فأولهععا إدمان النظععر‪،‬‬

‫والعيعن باب النفعس الشارع‪ ،‬وهعي المنقبعة ععن سعرائرها‪ ،‬والمععبرة لضمائرهعا‬

‫والمعربعة ععن بواطنهعا‪ .‬فترى الناظعر ل يطرف‪ ،‬يتنقعل بتنقعل المحبوب وينزوي‬

‫بانزوائه‪ ،‬ويميل حيث مال كالحرباء مع الشمس‪ .‬وفي ذلك أقول شعراً‪ ،‬منه‪:‬‬

‫كأنك ما يحكون من حجر البهـت‬ ‫فليس لعيني عند غيرك مـوقـف‬


‫تقلبت كالمنعوت في النحو والنعت‬ ‫أصرفها حيث انصرفت وكيفـمـا‬

‫ومنهعا القبال بالحديعث‪ .‬فمعا يكاد يقبعل على سعوى محبوبعه ولو تعمعد ذلك‪ ،‬وإن‬

‫التكلف ليسعتبين لمعن يرمقعه فيعه‪ ،‬والنصعات لحديثعه إذا حدّث‪ ،‬واسعتغراب كعل معا‬

‫يأتي به ولو أنه عين المحال وخرق العادات‪ ،‬وتصديقه وإن كذب‪ ،‬وموافقته وإن‬

‫ظلم‪ ،‬والشهادة له وإن جار‪ ،‬واتباععععه كيعععف سعععلك وأي وجعععه معععن وجوه القول‬

‫تناول‪.‬‬

‫ومنها السعراع بالسعير نحعو المكان الذي يكون فيعه‪ ،‬والتعمعد للقعود بقربعه والدنعو‬
‫منعه‪ ،‬واطراح الشغال الموجبعة للزوال عنعه‪ ،‬والسعتهانة بكعل خطعب جليعل داع‬

‫إلى مفارقته‪ ،‬والتباطؤ في الشيء عند القيام عنه‪ .‬وفي ذلك أقول شعراً‬

‫مشي عان يقاد في نحو الفناء‬ ‫وإذا قمت عنك لم أمـش إل‬
‫ر إذا كان قاطعا للسمـاء‬ ‫في مجيئي إليك أحتّث كالبد‬
‫لية الثابتات في البـطـاء‬ ‫وقيامي إن قمت كالنجم العا‬

‫ومنهعا بهعت يقعع وروععة تبدو على المحعب عنعد رؤيعة معن يحعب فجأة وطلوععه‬

‫بغتعععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععه‪.‬‬

‫ومنهعا اضطراب يبدو على المحعب عنعد رؤيعة معن يشبعه محبوبعه أو عنعد سعماع‬

‫إسمه فجأة وفي ذلك أقول قطعة‪ ،‬منها‪.‬‬

‫تقطع قلبي حسرة وتفـطـرا‬ ‫إذا ما رأت عيناي ل بس حمرة‬


‫وضرج منها ثوبه فتعصفـرا‬ ‫غدا لدماء الناس باللحظ سافكـا‬

‫ومنهعا أن يجود المرء ببذل كعل معا كان يقدر عليعه ممعا كان ممتنعاً بعه قبعل ذلك‪،‬‬

‫كأنعه هعو الموهوب له والمسععي فعي حظعه‪ ،‬كعل ذلك ليبدي محاسعنه ويرغعب فعي‬

‫نفسععه‪ .‬فكععم بخيععل جاد‪ ،‬وقطوب تطلق‪ ،‬وجبان تشجععع‪ ،‬وغليععظ الطبععع تطرب‪،‬‬

‫وجاهل تأدب‪ ،‬وتفل تزين‪ ،‬وفقير تجمل‪ .‬وذي سن تفتى‪ ،‬وناسك تفتك‪ ،‬ومصون‬

‫تبذل‪.‬‬

‫وهذه العلمات تكون قبعععل اسعععتعار نار الحعععب وتأجعععج حريقعععه وتوقعععد شعله‬

‫واسعععتطارة لهبعععه‪ .‬فأمعععا إذا تمكعععن وأخعععذ مأخذه فحينئذ ترى الحديعععث سعععراراً‪،‬‬
‫والعراض ععن كعل معا حضعر إل ععن المحبوب جهاراً‪ .‬ولي أبيات جمععت فيهعا‬

‫كثيراً من هذه العلمات‪ ،‬منها‪:‬‬

‫فيه ويعبق لي عن عنـبـر أرج‬ ‫أهوى الحديث إذا ما كان يذكر لي‬
‫إلى سوى لفظة المستطرف الغنج‬ ‫إن قال لم أستمع ممن يجالسـنـي‬
‫ما كنت من أجله عنه بمنـعـرج‬ ‫ولو يكون أمير المؤمنـين مـعـي‬
‫أزال ملتفتا والمشي مشي وجـي‬ ‫فإن أقم عنه مضطـرا فـإنـي ل‬
‫مثل ارتقاب الغريق البر في اللجج‬ ‫عيناي فيه وجسمي عنه مرتـحـل‬
‫كمن تثاءب وسط النقع والوهـج‬ ‫إغص بالماء إن أذكر تـبـاعـده‬
‫نعم وإني لدري موضع الـدرج‬ ‫وإن تقل ممكن قصد السماء أقـل‬

‫ومعععن علماتعععه وشواهده الظاهرة لكعععل ذي بصعععر النبسعععاط الكثيعععر الزائد‪،‬‬

‫والتضايععق فععي المكان الواسععع‪ ،‬والمجاذبععة على الشيععء يأخذه أحدهمععا‪ ،‬وكثرة‬

‫الغمز الخفي‪ ،‬والميل بالتكاء‪ ،‬والتعمد لمس اليد عند المحادثة‪ ،‬ولمس ما أمكن‬

‫معععن العضاء الظاهرة‪ .‬وشرب فضلة معععا أبقعععى المحبوب فعععي الناء‪ ،‬وتحري‬

‫المكان الذي يقابله فيععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععه‪.‬‬

‫ومنهعا علمات متضادة‪ ،‬وهعي على قدر الدواععي والعوارض الباعثعة والسعباب‬

‫المحركعة والخواطعر المهيجعة‪ ،‬والضداد أنداد‪ ،‬والشياء إذا أفرطعت فعي غايات‬

‫تضادها‪ .‬ووقفت في انتهاء حدود اختلفها تشابهت‪ ،‬قدرة من ال عز وجل تضل‬

‫فيهعا الوهام‪ ،‬فهذا الثلج إذا أدمعن حبسعه فعي اليعد فَععل فِععل النار‪ ،‬ونجعد الفرح إذا‬

‫أفرط قتل‪ ،‬والغم إذا أفرط قتل‪ ،‬والضحك إذا كثر واشتد أسال الدمع من العينين‪.‬‬

‫وهذا فعي العالم كثيعر‪ ،‬فنجعد المحعبين إذا تكافيعا فعي المحبعة وتأكدت بينهمعا تأكداً‬

‫شديداً أكثععر بهمععا جدهمععا بغيععر معنععى‪ ،‬وتضادهمععا فععي القول تعمداً‪ ،‬وخروج‬
‫بعضهمعا على بععض فعي كعل يسعير معن المور‪ ،‬وتتبعع كعل منهمعا لفظعة تقعع معن‬

‫صاحبه وتأولها على غير معناها‪ ،‬كل هذه تجربة ليبدو ما يعتقده كل واحد منهما‬

‫في صاحبه‪ .‬والفرق بين هذا وبين حقيقة الهجرة والمضادة المتولدة عن الشحناء‬

‫ومخارجعة التشاجعر سعرعة الرضعى‪ ،‬فإنعك بينمعا ترى المحعبين قعد بلغعا الغايعة معن‬

‫الختلف الذي ل يقدر يصعلح عنعد السعاكن النفعس السعالم معن الحقاد فعي الزمعن‬

‫الطويععل ول ينجععبر عنععد الحقود أبداً‪ ،‬فل تلبععث أن تراهمععا قععد عادا إلى أجمععل‬

‫الصعحبة‪ ،‬وأهدرت المعاتبعة‪ ،‬وسعقط الخلف وانصعرفا فعي ذلك الحيعن بعينعه إلى‬

‫المضاحكعة والمداعبعة‪ ،‬هكذا فعي الوقعت الواحعد مراراً‪ .‬وإذا رأيعت هذا معن اثنيعن‬

‫فل يخالجك شك ول يدخلنك ريب البتة ول تتمارى في أن بينهما سراً من الحب‬

‫دفينعا‪ ،‬واقطعع فيعه قطعع معن ل يصعرفه عنعه صعارف‪ .‬ودونكهعا تجربعة صعحيحة‬

‫وخععبرة صععادقة‪ .‬هذا ل يكون إل عععن تكلف فععي المودة وائتلف صععحيح‪ ،‬وقععد‬

‫رأيته كثيراً‪.‬‬

‫ومن علماته أنك تجد المحب يستدعي سماع اسم من يحب‪ ،‬ويستلذ الكلم في‬

‫أخباره ويجعلها هجيراه‪ ،‬ول يرتاح لشيء ارتياحه لها ول ينهه عن ذلك تخوف‬

‫أن يفطعن السعامع ويفهعم الحاضعر‪ ،‬وحبعك الشيعء يعمعي ويصعم‪ .‬فلو أمكعن المحعب‬

‫أل يكون حديععث فععي مكان يكون فيععه إل ذكععر مععن يحبععه لمععا تعداه‪ .‬ويعرض‬

‫للصادق المودة أن يبتدئ في الطعام وهو له مشته فما هو إل وقت‪ ،‬ما تهتاج له‬

‫معن ذكعر معن يحعب صعار الطعام غصعة فعي الحلق وشجعى فعي المرء‪ .‬وهكذا فعي‬

‫الماء وفععي الحديععث فإنععه يفاتحكعه متبهجاً فتعرض له خطرة معن خطرات الفكععر‬
‫فيمعن يحعب فتسعتبين الحوالة فعي منطقعه والتقصعير فعي حديثعه‪ ،‬وآيعة ذلك الوجوم‬

‫والطراق وشدة النفلق‪ ،‬فبينمعا هعو طلق الوجعه خفيعف الحركات صعار منطبقاً‬

‫متثاقلً حائر النفعس جامعد الحركعة يعبرم معن الكلمعة ويضجعر معن السعؤال ومعن‬

‫علماتععه حععب الوحدة والنععس بالنفراد‪ ،‬ونحول الجسععم دون حععد يكون فيععه ول‬

‫وجع مانع من التقلب والحركة والمشي‪ .‬دليل ل يكذب ومخبر ل يخون عن كلمة‬

‫في النفس كامنة‪.‬‬

‫والسعهر معن أعراض المحعبين‪ ،‬وقعد أكثعر الشعراء فعي وصعفه وحكوا أنهعم رعاة‬

‫الكواكعب وواصعفو طول الليعل‪ .‬وفعي ذلك أقول وأذكعر كتمان السعر وأنعه يتوسعم‬

‫بالعلمات‪:‬‬

‫فعمت بالحيا السكب الهتون‬ ‫تعلمت السحائب من شؤوني‬


‫بذلك أم على سهري معيني‬ ‫وهذا الليل فيك غدا رفيقي‬
‫أل ما أطبقت نوما جوفوني‬ ‫فإن لم ينقض الظلم فجرا‬
‫وسهد زائد في كل حـين‬ ‫فليس إلى النهار لنا سبـيل‬
‫سناها عن ملحظة العيون‬ ‫كأن نجومه والغيم يخـفـي‬
‫فليس يبين إل بالظـنـون‬ ‫ضميري في ودادك يا منايا‬

‫وفي مثل ذلك قطعة منها‪:‬‬

‫أرعى جميع ثبوتها والخـنـسـي‬ ‫أرعى النجوم كأننـي كـلـفـت أن‬


‫قد أضرمت في فكرتي من حندس‬ ‫فكأنها والـلـيل نـيران الـجـوى‬
‫خضراء وشح نبتها بالـنـرجـس‬ ‫وكأني أمـسـيت حـارس روضة‬
‫لو عاش بطليمـوس أيقـن أنـنـي أقوى الورى في رصد جرى الكنس‬
‫والشيعء قعد يذكعر لمعا يوجبعه‪ :‬وقعع لي فعي هذه البيات تشعبيه شيئيعن بشيئيعن فعي‬

‫بيت واحد‪ .‬وهو البيت الذي أوله فكأنها والليل وهذا مستغرب في الشعر‪ .‬ولي ما‬

‫هعو أكمعل منعه‪ ،‬وهعو تشعبيه أشياء فعي بيعت واحعد‪ ،‬وتشعبيه أربععة أشياء فعي بيعت‬

‫واحد‪ .‬وكلهما في هذه القطعة أوردها‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫بخمر التجني مـا يزال يعـربـد‬ ‫مشوق معنى مـا ينـام مـسـهـد‬
‫يمر ويستحلـي ويدنـي ويبـعـد‬ ‫ففي ساعة يبدي إلـيك عـجـائبـا‬
‫قران وأنداد ونـحـس وأسـعـد‬ ‫كأن النوى والعتب والهجر والرضى‬
‫وأصبحت محسودا وقد كنت أحسد‬ ‫رئى لغرامي بعد طـول تـمـنـع‬
‫سقته الغوادي فهو يثني ويحـمـد‬ ‫نعمنا على نور من الروض زاهـر‬
‫دمـوع وأجـفـان وخـد مـورد‬ ‫كأن الحيا والمزن والروض عاطرا‬

‫ول ينكعر على منكعر قولي قران فأهعل المعرفعة بالكواكعب يسعمون التقاء كوكعبين‬

‫في درجة قراناً‪.‬‬

‫لي أيضاً معا هعو أتعم معن هذا‪ ،‬وهعو تشعبيه خمسعة أشياء فعي بيعت واحعد فعي هذه‬

‫القطعة‪ ،‬هي‪:‬‬

‫وجنح ظلم الليل قد مد ما انـبـلـج‬ ‫خلوت بهـا والـراح ثـالـثة لـهـا‬


‫فتاة عدمت العـيش إل بـقـربـهـا فهل في ابتغاء العيش ويحك من حرج‬
‫ثرى وحيا والدر والتبـر والـسـنـج‬ ‫كأني وهي والكأس والخمر والدجـى‬
‫فهذا أمعر ل مزيعد فيعه ول يقدر أحعد على أكثعر منعه‪ ،‬إذ ل يحتمعل العروض ول‬

‫بنية السماء أكثر من ذلك‪.‬‬

‫ويعرض للمحعبين القلق عنعد أحعد أمريعن‪ :‬أحدهمعا عنعد رجائه ملقاة معن يحعب‬

‫فيعرض عند ذلك حائل‪.‬‬


‫خعبر‪ :‬وإنعي لعلم بععض معن كان محبوبعه يعده الزيارة‪ ،‬فمعا كنعت أراه إل جاثياً‬

‫وذاهباً ل يقربه القرار ول يثبت في مكان واحد‪ ،‬مقبلً مدبراً قد استخفه السرور‬

‫بعد ركانة‪ ،‬وأشاطه بعد رزانة‪ .‬ولي في معنى انتظار الزيارة‪:‬‬

‫لقاءك يا سؤلي ويا غاية المل‬ ‫أقمت إلى أن جاءني الليل راجيا‬
‫ليأس يوما إن بدا الليل يتصل‬ ‫فأيأسني الظلم عنك ولم أكـن‬
‫بأمثاله في مشكل المر يستدل‬ ‫وعندي دليل ليس يكذب خبـره‬
‫ظلم ودام النور فينا ولم يزل‬ ‫لنك لو رمت الزيارة لم يكـن‬

‫والثانععي عنععد حادث يحدث بينهمععا مععن عتاب ل تدري حقيقتععه إل بالوصععف‪.‬‬

‫فعنععد ذلك يشتععد القلق حتععى توقععف على الجليلة‪ ،‬فإمععا أن يذهععب تحمله إن رجععا‬

‫العفعععععععو‪ ،‬وإمعععععععا أن يصعععععععير القلق حزنًا وأسعععععععفاً إن تخوف الهجعععععععر‪.‬‬

‫ويعرض للمحعب السعتكانة لجفاء المحبوب عليعه‪ .‬وسعيأتي مفسعراً فعي بابعه إنشاء‬

‫ال تعالى‪.‬‬

‫ومعن أعراضعه الجزع الشديعد والحمرة المقطععة تغلب عنعد معا يرى معن إعراض‬

‫محبوبه عنه ونفاره منه‪ ،‬وآية ذلك الزفير وقلة الحركة والتأوه وتنفس الصعداء‪.‬‬

‫وفي ذلك أقول شعراً‪ ،‬منه‪:‬‬

‫ودمع العين مسفوح‬ ‫جميل الصبر مسجون‬

‫ومعن علماتععه أنععك ترى المحععب يحعب آهععل محبوبععه وقرابتععه وخاصععته حتععى‬

‫يكونوا أحظععععععى لديععععععه مععععععن أهله ونفسععععععه ومععععععن جميععععععع خاصععععععته‪.‬‬


‫والبكاء مععن علمات المحععب ولكععن يتفاضلون فيععه‪ ،‬فمنهععم غزيععر الدمععع هامععل‬

‫الشؤون تجيبعه عينعه وتحضره ععبرته إذا شاء‪ ،‬ومنهعم جمود العيعن عديعم الدمعع‪،‬‬

‫وأنا منهم‪ .‬وكان الصل في ذلك إدماني أكل الكندر لخفقان القلب‪ ،‬وكان عرض‬

‫لي في الصبا‪ ،‬فإني لصاب بالمصيبة الفادحة فأجد قلبي يتفطر ويتقطع وأحس‬

‫في قلبي غضة أمر من العلقم تحول بيني وبين توفية الكلم حق مخارجه‪ ،‬وتكاد‬

‫تشوقنعي النفعس أحياناً ول تجيعب عينعي البتعة إل فعي الندرة بالشيعء اليسعير معن‬

‫الدمععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععع‪.‬‬

‫خعبر‪ :‬ولقعد أذكرنعي هذا الفصعل يومعا‪ :‬ودععت أنعا وأبعو بكعر محمعد بعن إسعحاق‬

‫صاحبي أبا عامر محمد بن عامر صديقنا رحمه ال في سفرته إلى المشرق التي‬

‫لم نره بعدها‪ ،‬فجعل أبو بكر يبكي عند وداعه وينشد متمثلً بهذا البيت‪:‬‬

‫عليك بباقي دمعها لجمـود‬ ‫أل إن عينا لم تجد يوم واسط‬

‫وهعو فعي رثاء يزيعد بعن عمعر بعن هعبيرة رحمعه ال‪ .‬ونحعن وقوف على سعاحل‬

‫البحر بمالقة‪ ،‬وجعلت أنا أكثر التفجع والسف ول تساعدني عيني‪ ،‬فقلت مجيباً‬

‫لبي بكر‪:‬‬

‫عليك وقد فارقتـه لـجـلـيد‬ ‫وإن أمرأ لم يفن حسن اصطباره‬


‫فإن دموع العين تبدي وتفضـح‬ ‫إذا كتم المشغوف سر ضلوعـه‬
‫ففي القلب داء للغرام مبـرح‬ ‫إذا ما جفون العين سالت شئونها‬

‫ويعرض في الحب سوء الظن واتهام كل كلمة من أحدهما وتوجيهها إلى غير‬

‫وجههعا‪ ،‬وهذا أصعل العتاب بيعن المحعبين‪ .‬وإنعي لعلم معن كان أحسعن الناس ظناً‬
‫وأوسععهم نفسعاً وأكثرهعم صعبراً وأشدهعم احتمال وأرحبهعم صعدراً‪ ،‬ثعم ل يحتمعل‬

‫ممعن يحعب شيئاً ول يقعع له مععه أيسعر مخالفعة حتعى يبدي معن التعديعد فنوناً ومعن‬

‫سوء الظن وجوها‪ .‬وفي ذلك أقول شعراً‪ ،‬منه‪:‬‬

‫تأتي به والحقير من حـقـر‬ ‫أسيء ظني بكل مـحـتـقـر‬


‫فالنار في بدء أمرهـا شـرر‬ ‫كي ل يرى أصل هجرة وقلى‬
‫ومن صغير النوى ترى الشجر‬ ‫وأصل عظم المور أهونـهـا‬

‫وترى المحععب‪ ،‬إذا لم يثععق بنقاء طويععة محبوبععه له‪ ،‬كثيععر التحفععظ ممععا لم يكععن‬

‫يتحفعظ منعه قبعل ذلك‪ ،‬مثقفاً لكلمعه‪ ،‬مزيناً لحركاتعه ومرامعي طرفعه‪ ،‬ول سعيما إن‬

‫دهى بمتجن وبلى بمعربد‪.‬‬

‫ومن آياته مراعاة المحب لمحبوبه‪ ،‬وحفظه لكل ما يقع منه‪ ،‬وبحثه عن أخباره‬

‫حتعى ل تسعقط عنعه دقيقعة ول جليلة‪ ،‬وتتبععه لحركاتعه‪ .‬ولعمري لقعد ترى البليعد‬

‫يصير في هذه الحالة ذكياً‪ ،‬والغافل فطناً‪.‬‬

‫خععبر‪ :‬ولقععد كنععت يوماً بالمريععة قاعداً فععي دكان إسععماعيل بععن يونععس الطععبيب‬

‫السرائيلي‪ ،‬وكان بصيراً بالفراسة محسناً لها‪ ،‬وكنا في لمة‪ ،‬فقال له مجاهد بن‬

‫الحصين القيسي‪ :‬ما تقول في هذا؟ وأشار إلى رجل منتبذ عنا ناحية اسمه حاتم‬

‫ويكنععى أبععا البقاء‪ ،‬فنظععر إليععه سععاعة يسععيرة ثععم قال‪ :‬هععو رجععل عاشععق فقال له‪:‬‬

‫صعدقت‪ ،‬فمعن أيعن قلت هذا؟ قال‪ :‬لبهعت مفرط ظاهعر على وجهعه فقعط دون سعائر‬

‫حركاته‪ ،‬فعلمت أنه عاشق وليس بمريب‪.‬‬


‫الباب الثالث‬

‫من أحب في النوم‬

‫ول بعد لكعل حعب معن سعبب يكون له أصعلً‪ ،‬وأنعا مبتدئ بأبععد معا يمكعن أن يكون‬

‫مععن أسععبابه ليجري الكلم على نسععق‪ ،‬أو أن يبتدأ أبداً بالسععهل والهون‪ .‬فمععن‬

‫أسععععععععععبابه شيععععععععععء لول أنععععععععععي شاهدتععععععععععه لم أذكره لغرابتععععععععععه‪.‬‬

‫خععبر‪ :‬وذلك أنععي دخلت يوماً على أبععي السععري عمار بععن زياد صععاحبنا مولى‬

‫المؤيعد فوجدتعه مفكراً مهتمًا فسعألته عمعا بعه‪ ،‬فتمنعع سعاعة ثعم قال‪ :‬لي أعجوبعة معا‬

‫سعُمعت قعط‪ ،‬قلت‪ :‬ومعا ذاك؟ قال‪ :‬رأيعت فعي نومعي الليلة جاريعة فاسعتيقظت وقعد‬

‫ذهب قلبي فيها وهمت بها وإني لفي أصعب حال من حبها‪ ،‬ولقد بقي أياماً كثيرة‬

‫تزيد على الشهر مغموماً مهموماً ل يهنئه شيء وجداً‪ ،‬إلى أن لمته وقلت له‪ :‬من‬

‫الخطعأ العظيعم أن تشغعل نفسعك بغيعر حقيقعة‪ ،‬وتعلق وهمعك بمعدوم ل يوجعد‪ ،‬هعل‬

‫تعلم معن هعي؟ قال‪ :‬ل وال‪ ،‬قلت‪ :‬إنعك لقليعل الرأي مصعاب البصعيرة إذ تحعب معن‬

‫لم تره قط ول خلق ول هو في الدنيا‪ ،‬ولو عشقت صورة من صور الحمام لكنت‬

‫عندي أعذر‪ .‬فمعععععععععععا زلت بعععععععععععه حتعععععععععععى سعععععععععععل ومعععععععععععا كاد‪.‬‬

‫وهذا عندي معن حيعث النفعس وأضغاثهعا‪ ،‬وداخعل فعي باب التمنعي وتخيعل الفكعر‪.‬‬

‫وفي ذلك أقول شعراً‪ ،‬منه‪:‬‬

‫أطلعة الشمس كانت أم هي القمـر‬ ‫يا ليت شعري من كانت وكيف سرت‬
‫أو صورة الروح أبدتها لي الفكـر‬ ‫أظنة الـعـقـل أبـداه تـتـدبـره‬
‫فقد تخيل في إدراكهـا الـبـصـر‬ ‫أو صورة مثلت في النفس من أملي‬
‫أو لم يكن كل هـذا فـهـي حـادثة أتى بها سببا في حتـفـي الـقـدر‬

‫الباب الرابع‬

‫من أحب بالوصف‬

‫ومعن غريعب أصعول العشعق أن تقعع المحبعة بالوصعف دون المعاينعة‪ ،‬وهذا أمعر‬

‫يترقعى منعه إلى جميعع الحعب‪ ،‬فتكون المراسعلة والمكاتبعة والهعم والوجعد والسعهر‬

‫على غيعر البصعار‪ ،‬فإن للحكايات ونععت المحاسعن ووصعف الخبار تأثيرًا فعي‬

‫النفععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععس ظاهراً‪.‬‬

‫وأن تسمع نغمتها من وراء جدار‪ ،‬فيكون سبباً للحب واشتغال البال‪ .‬وهذا كله قد‬

‫وقعع لغيعر معا واحعد‪ ،‬ولكنعه عندي بنيان هار على غيعر أس‪ ،‬وذلك أن الذي أفرغ‬

‫ذهنعه فعي هوى معن لم يعر ل بعد له إذ يخلو بفكره أن يمثعل لنفسعه صعورة يتوهمهعا‬

‫وعيناً يقيمها نصب ضميره‪ ،‬ل يتمثل في هاجسه غيرها‪ ،‬قد مال بوهمه نحوها‪،‬‬

‫فإن وقعت المعاينة يوماً ما فحينئذ يتأكد المر أو يبطل بالكلية‪ ،‬وكل الوجهين قد‬

‫عرض وعرف‪ ،‬وأكثععر مععا يقععع هذا فععي ربات القصععور المحجوبات مععن أهععل‬

‫البيوتات معع أقاربهعن معن الرجال‪ ،‬وحعب النسعاء فعي هذا أثبعت معن حعب الرجال‬

‫لضعفهعن وسعرعة إجابعة طبائعهعن إلى هذا الشأن‪ ،‬وتمكنعه منهعن‪ .‬وفعي ذلك أقول‬

‫شعراً‪ ،‬منه‪:‬‬

‫ويا من لمني في حب من لم يره طرفي‬


‫لقد أفرطت في وصفك لي في الحب بالضعف‬
‫فقل هل تعرف الجنة يوما بسوى الوصف‬

‫وأقول شعراً في استحسان النغمة دون وقوع العين على العيان منه‪:‬‬

‫وهو على مقلتـي يبـدو‬ ‫قد حل جيش الغرام سمعي‬

‫وأقول أيضًا في مخالفة الحقيقة لظن المحبوب عند وقوع الرؤية‪:‬‬

‫وصفوا علمت بـأنـه هـذيان‬ ‫وصفوك لي حتى إذا أبصرت ما‬


‫يرتاع منه ويفـرق النـسـان‬ ‫فالطبل جلد فـارغ وطـنـينـه‬

‫وفي ضد هذا أقول‪:‬‬

‫فصار الظن حقا في العيان‬ ‫لقد وصفوك لي حتى التقينـا‬


‫على التحقيق عن قدر الجنان‬ ‫فأوصاف الجنان مقصـرات‬

‫وإن هذه الحوال لتحدث بيععععععععن الصععععععععدقاء والخوان‪ ،‬وعنععععععععي أحدث‪.‬‬

‫خبر‪ :‬إنه كان بيني وبين رجل من الشراف ود وكيد وخطاب كثير‪ ،‬وما تراءينا‬

‫قعط‪ .‬ثعم منعح ال لي لقاءه‪ ،‬فمعا مرت إل أيام قلئل حتعى وقععت لنعا منافرة عظيمعة‬

‫ووحشة شديدة متصلة إلى الن‪ ،‬فقلت في ذلك قطعة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫كما الصحائف قد يبدلن بالنسـخ‬ ‫أبدلت أشخاصنا كرها وفرط قلى‬

‫ووقعع لي ضعد هذا معع أبعي عامعر بعن أبعي عامعر رحمعة ال عليعه‪ ،‬فإنعي كنعت له‬

‫على كراهة صحيحة وهو لي كذلك‪ ،‬ولم يرني ول رأيته‪ ،‬وكان أصل ذلك تنقيلً‬
‫يحمل إليه عني وإلي عنه‪ ،‬ويؤكده انحراف بين أبوينا لتنافسهما فيما كانا فيه من‬

‫صعحبة السعلطان ووجاهعة الدنيعا‪ ،‬ثعم وفعق ال الجتماع بعه فصعار لي أود الناس‬

‫وصرت له كذلك‪ ،‬إلى أن حال الموت بيننا‪ .‬وفي ذلك أقول قطعة؛ منها‪:‬‬

‫وأوجدني فيه علقا شريفـا‬ ‫أخ لي كسبنـيه الـلـقـاء‬


‫وما كنت أرغبه لي أليفـا‬ ‫وقد كنت أكره منه الجـوار‬
‫وكان الثقيل فصار الخفيفا‬ ‫وكان البغيض فصار الحبيب‬
‫فصرت أديم إليه الوجيفـا‬ ‫وقد كنت أدمن عنه الوجيف‬

‫وأمعا أبعو شاكعر عبعد الرحمعن بعن محمعد القعبري فكان لي صعديقاً مدة على غيعر‬

‫رؤية‪ ،‬ثم التقينا فتأكدت المودة واتصلت وتمادت إلى الن‪.‬‬

‫الباب الخامس‬

‫من أحب من نظرة واحدة‬

‫وكثيراً مععا يكون لصععوق الحععب بالقلب مععن نظرة واحدة‪ .‬وهععو ينقسععم قسععمين‪،‬‬

‫فالقسم الواحد مخالف للذي قبل هذا‪ ،‬وهو أن يعشق المرء صورة ل يعلم من هي‬

‫ول يدري لهععععععا اسععععععما ول مسععععععتقراً‪ ،‬وقععععععد عرض هذا لغيععععععر واحععععععد‪.‬‬

‫خبر‪ :‬حدثني صاحبنا أبا بكر محمد بن أحمد بن إسحاق عن ثقة أخبره سقط عني‬
‫اسععمه‪ ،‬وأظنععه القاضععي ابععن الحذاء‪ ،‬أن يوسععف بععن هارون الشاعععر المعروف‬

‫بالرمادي كان مجتازاً عنععد باب العطاريعن بقرطبععة‪ ،‬وهذا الموضعع كان مجتمععع‬

‫النسعاء‪ ،‬فرأى جاريعة أخذت بمجامعع قلبعه وتخلل حبهعا جميعع أعضائه‪ ،‬فانصعرف‬

‫عععن طريععق الجامععع وجعععل يتبعهععا وهععي ناهضععة نحععو القنطرة‪ ،‬فجازتهععا إلى‬

‫الموضعع المعروف بالربعض‪ .‬فلمعا صعارت بيعن رياض بنعي مروان رحمهعم ال‬

‫المبنية على قبورهم في مقبرة الربض خلف النهر نظرت منه منفرداً عن الناس‬

‫ل همعة له غيرهعا فانصعرفت إليعه فقالت له‪ :‬مالك تمشعي ورائي؟ فأخبرهعا بعظيعم‬

‫بليته بها‪ .‬فقالت له‪ :‬دع عنك هذا ول تطلب فضيحتي فل مطمع لك في النية ول‬

‫إلى معا ترغبعه سعبيل فقال‪ :‬إنعي أقنعع بالنظعر‪ .‬فقالت‪ :‬ذلك مباح لك‪ .‬فقال لهعا‪ :‬يعا‬

‫سعيدتي‪ :‬أحرة أم مملوكعة؟ قالت‪ :‬مملوكعة‪ .‬فقال لهعا‪ :‬معا اسعمك؟ قالت‪ :‬خلوة‪ .‬قال‪:‬‬

‫ولمعن أنعت؟ فقالت له‪ :‬علمعك وال بمعا فعي السعماء السعابعة أقرب إليعك ممعا سعألت‬

‫عنعه‪ ،‬فدع المحال‪ .‬فقال لهعا‪ :‬يعا سعيدتي‪ ،‬وأيعن أراك بععد هذا؟ قالت‪ :‬حيعث رأيتنعي‬

‫اليوم فعي مثعل تلك السعاعة معن كعل جمععة‪ .‬فقالت له‪ :‬إمعا أن تنهعض أنعت وإمعا أن‬

‫أنهععض أنععا فقال لهععا‪ :‬انهضععي فععي حفععظ ال‪ .‬فنهضععت نحععو القنطرة ولم يمكنععه‬

‫أتباعها لنها كانت تلتفعت نحوه لترى أيسايرها أم ل‪ .‬فلمعا تجاوزت باب القنطرة‬

‫أتى يقفوها فلم يقع لها على مسألة‪.‬‬

‫قال أبععو عمرو‪ ،‬وهععو يوسععف بععن هارون‪ :‬فوال لقععد لزمععت باب العطاريععن‬

‫والربععض مععن ذلك الوقععت إلى الن فمععا وقعععت لهععا على خععبر ول أدري أسععماء‬
‫لحسعتها أم أرض بلعتهعا‪ ،‬وإن فعي قلبعي منهعا لحعر معن الجمعر‪ .‬وهعي خلوة التعي‬

‫يتغزل بها في أشعاره‪.‬‬

‫ثعم وقععع بععد ذلك على خبرهععا بعععد رحيله فععي سععببها إلى سععر قسعطة فععي قصععة‬

‫طويلة‪ .‬ومثل ذلك كثير‪ .‬وفي ذلك أقول قطعة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫فأرسل الدمع مقتصا من البصر‬ ‫عيني جنت في فؤادي لوعة الفكر‬


‫منها بإغراقها في دمعها الـدرر‬ ‫فكيف تبصر فعل الدمع منتصفـا‬
‫وآخر العهد منها ساعة النظـر‬ ‫لم ألقها قبل إبصاري فأعرفـهـا‬

‫والقسم الثاني مخالف للباب الذي يأتي بعد هذا الباب إن شاء ال‪ ،‬وهو أن يعلق‬

‫المرء معن نظرة واحدة جاريعة معروفعة السعم والمكان والمنشعأ‪ ،‬ولكعن التفاضعل‬

‫يقع في هذا في سرعة الفناء وإبطائه‪ ،‬فمن أحب من نظرة واحدة وأسرع العلقة‬

‫مععن لمحععة خاطرة فهععو دليععل على قلة البصععر‪ ،‬ومخععبر بسععرعة السععلو‪ ،‬وشاهععد‬

‫الظرافعة والملل‪ .‬وهكذا فعي جميعع الشياء أسعرعها نمواً أسعرعها فناء‪ .‬وأبطؤهعا‬

‫حدوثاً أبطؤها نفاذاً‪.‬‬

‫خبر‪ :‬إني لعلم فتى من أبناء الكتاب ورأته امرأة سرية النشأة‪ ،‬عالية المنصب‪،‬‬

‫غليظععة الحجاب‪ ،‬وهععو مجتاز‪ ،‬ورأتععه فععي موضععع تطلع منععه كان فععي منزلهععا‪،‬‬

‫فعلقتعه وعلقهعا وتهاديعا المراسعلة زماناً على أرق معن حعد السعيف‪ ،‬ولول أنعي لم‬

‫أقصد في رسالتي هذه كشف الحيل وذكر المكائد لوردت مما صح عندي أشياء‬
‫تحيعر اللبيعب وتدهعش العاقعل‪،‬أسعبل ال علينعا سعتره وعلى جميعع المسعلمين بمنعه‪،‬‬

‫وكفانا‪.‬‬

‫الباب السادس‬

‫من ل يحب إل مع المطاولة‬

‫ومعن الناس معن ل تصعح محبتعه إل بععد طول المخافتعة وكثيعر المشاهدة وتمادي‬

‫النععس‪ ،‬وهذا الذي يوشععك أن يدوم ويثبععت ول يحيععك فيععه مُر الليالي فمععا دخععل‬

‫عسعيراً لم يخرج يسعيراً‪ ،‬وهذا مذهعبي‪ .‬وقعد جاء فعي الثعر أن ال ععز وجعل قال‬

‫للروح حيععن أمره أن يدخععل جسععد آدم‪ ،‬وهععو فخار‪ ،‬فهاب وجزع‪ :‬ادخععل كرهاً‬

‫حدِثناه عن شيوخنا‪.‬‬
‫واخرج كرهاً‪ُ .‬‬

‫ولقد رأيت من أهل هذه الصفة من إن أحس من نفسه بابتداء هوى أو توجس من‬

‫استحسانه ميلً إلى بعض الصور استعمل الهجر وترك اللمام‪ ،‬لئل يزيد ما يجد‬

‫فيخرج المر عن يده‪ ،‬ويحال بين العير والنزوان‪ .‬وهذا يدل على لصوق الحب‬

‫بأكباد أهل هذه الصفة‪ ،‬وأنه إذا تمكن منهم لن يرحل أبداً‪ .‬وفي ذلك أقول قطعة‪،‬‬

‫منها‪:‬‬

‫رأيت الحزم من صفة الرشيد‬ ‫سأبعد عن دواعي الحب إنـي‬


‫بعينك في أزاهير الـخـدود‬ ‫رأيت الحب أوله التـصـدي‬
‫إذا قد صرت في حلق القيود‬ ‫فبينا أنت مغتبـط مـخـلـى‬
‫فزل فغاب في غمر المـدود‬ ‫كمغتر بضحـضـاح قـريب‬

‫وإني لطيل العجب منكل من يدعي أنه يحب من نظرة واحدة ول أكاد أصدقه‬

‫ول أجععل حبعه إل ضرباً معن الشهوة‪ ،‬وأمعا أن يكون فعي ظنعي متمكناً معن صعميم‬

‫الفؤاد نافذًا فعي حجاب القلب فمعا أقدر ذلك‪ ،‬ومعا لصعق بأحشائي حعب قعط إل معع‬

‫الزمعن الطويعل وبععد ملزمعة الشخعص لي دهراً وأخذي مععه فعي كعل جعد وهزل‪،‬‬

‫وكذلك أنعا فعي السعلو والتوقعي‪ ،‬فمعا نسعيت وداً لي قعط‪ ،‬وإن حنينعي إلى كعل عهعد‬

‫تقدم لي ليغصعني بالطعام ويشرقنعي بالماء‪ ،‬وقعد اسعتراح معن لم تكعن هذه صعفته‪.‬‬

‫وما مللت شيئاً قط بعد معرفتي به‪ ،‬ول أسرعت إلى النس بشيء قط أول لقائي‬

‫له‪ ،‬وما رغبت في الستبدال الى سبب من أسبابي مذ كنت‪ ،‬ل أقول في اللف‬

‫والخوان وحدهععم‪ ،‬لكععن فععي كععل مععا يسععتعمل النسععان مععن ملبوس ومركوب‬

‫ومطعوم وغير ذلك‪ ،‬وما انتفعت بعيعش ول فارقني الطراق والنفلق مذ ذقت‬

‫طعم فراق الحبة‪ ،‬وإنه لشجي يعتادني وولوع هم ما ينفك يطرقني‪ ،‬ولقد نغص‬

‫تذكري ما مضى كل عيش أستأنفه‪ ،‬وإني لقتيل الهموم في عداد الحياء‪ ،‬ودفين‬

‫السعى بيعن أهعل الدنيعا‪ .‬وال المحمود على كعل حال ل إله إل هعو‪ .‬وفعي ذلك أقول‬

‫شعراً‪ ،‬منه‪:‬‬

‫ول وريث حين ارتياد زنادها‬ ‫محبة صدق لم تكن بنت ساعة‬
‫بطول امتزاج فاستقر عمادها‬ ‫ولكن على مهل سرت وتولدت‬
‫ولم ينأ عنها مكثها وازديادهـا‬ ‫فلم يدن منها عزمها وانتقاضها‬
‫تتم سريعا عن قريب معادهـا‬ ‫يؤكد ذا أنا نرى كـل نـشـأة‬
‫منيع إلى كل الغروس انقيادها‬ ‫ولكنني أرض عزاز صلـيبة‬
‫فليست تبالي أن تجود عهادها‬ ‫فما نفدت منها لديها عروقهـا‬

‫ول يظعن ظان ول يتوهعم متوهعم أن كعل هذا مخالف لقولي المسعطر فعي صعدر‬

‫الرسالة‪ ،‬أن الحب اتصال بين النفوس في أصل عالمها العلوي‪ ،‬بل هو مؤكد له‪.‬‬

‫فقععد علمنععا أن النفععس فععي هذا العالم الدنععى قععد غمرتهععا الحجععب‪ ،‬ولحقتهععا‬

‫الغراض‪ ،‬وأحاطعت بهعا الطبائع الرضيعة الكونيعة‪ ،‬فسعترت كثيراً معن صعفاتها‬

‫وإن كانععت لم تحله‪ ،‬لكععن حالت دونععه فل يرجععى التصععال على الحقيقععة إل بعععد‬

‫التهيؤ من النفس والستعداد له‪ ،‬وبعد إيصال المعرفة إليها بما يشاكلها ويوافقها‪،‬‬

‫ومقابلة الطبائع التععي خفيععت ممععا يشابههععا مععن طبائع المحبوب‪ ،‬فحينئذ يتصععل‬

‫اتصععععععععععععععععععععععععععععالً صععععععععععععععععععععععععععععحيحاً بل مانععععععععععععععععععععععععععععع‪.‬‬

‫وأمعا معا يقعع معن أول وهلة ببععض أعراض السعتحسان الجسعدي‪ ،‬واسعتطراف‬

‫البصر الذي ل يجاوز اللوان‪ ،‬فهذا سرّ الشهوة ومعناها على الحقيقة فإذا غلبت‬

‫الشهوة وتجاوزت هذا الحد ووافق الفصل اتصال نفساني تشترك فيه الطبائع مع‬

‫النفعس يسعمى عشقاً‪ .‬ومعن هنعا دخعل الخلط على معن يزععم أن يحب اثنين ويعشعق‬

‫شخصععين متغايريععن‪ ،‬فإنمععا هذا مععن جهععة الشهوة التععي ذكرنععا آنفاً‪ ،‬وهععي على‬

‫المجاز تسعمى محبعة ل على التحقيعق‪ ،‬وأمعا نفعس المحعب فمعا فعي الميعل بعه فضعل‬

‫بصرفه من أسباب دينه ودنياه فكيف بالشتغال بحب ثان‪ .‬وفي ذلك أقول‪:‬‬

‫مثـل مـا فـي الصـول أكـذب‬ ‫كذب الـمـدعـي هـوى اثـنـين‬


‫مــانـــي‬ ‫حـتــمـــا‬
‫ن ول أحـدث المـــور‬ ‫ليس فـي الـقـلـب مـوضـع‬
‫بـــثـــانـــي‬ ‫لـحـبـيبـــي‬
‫خالـقــا غـــير واحـــد‬ ‫فكـمـا الـعـقـــل واحـــد‬
‫رحـــمـــان‬ ‫لـــيس يدري‬
‫غير فــرد مـــبـــاعـــد أو‬ ‫فكـذا الـقـلـب واحـــد لـــيس‬
‫مـــدان‬ ‫يهـــوى‬
‫هو في شرعة المودة ذو شك بعيد من صحه‬
‫اليمان‬
‫وكـفــور مـــن عـــنـــده‬
‫وكذا الدين واحد مستقيم‬
‫دينـــان‬

‫وإنعي لعرف فتعى مععن أهععل الجعد والحسعب والدب كان يبتاع الجاريعة وهعي‬

‫سعالمة الصعدر معن حبعه‪ ،‬وأكثعر معن ذلك كارهعة له لقلة حلوة شمائل كانعت فيعه‪،‬‬

‫وقطوب دائم كان ل يفارقعه ول سعيما معع النسعاء‪ ،‬فكان ل يلبعث إل يسعيراً ريثمعا‬

‫يصعل إليهعا بالجماع ويعود ذلك الكره حبا مفرطاً وكلفاً زائداً واسعتهتاراً مكشوفاً‪،‬‬

‫ويتحول الضجعر لصعحبته ضجراً لفراقعه‪ .‬صعحبه هذا المعر فعي عدة منهعن‪ .‬فقال‬

‫بعععض إخوانععي‪ :‬فسععألته عععن ذلك فتبسععم نحوي وقال‪ :‬إذاً وال أخععبرك أنععا أبطععأ‬

‫الناس إنزالً‪ ،‬تقضي المرأة شهوتها وربما ثنت وإنزالي وشهوتي لم ينقضيا بعد‪،‬‬

‫وما فترت بعدها قط‪ ،‬وإني لبقى بمنتي بعد انقضائها الحين الصالح‪ .‬وما لقى‬

‫صعدري صعدر امرأة قعط عنعد الخلوة إل عنعد تعمدي المعانقعة‪ ،‬وبحسعب ارتفاع‬

‫صدري نزول مؤخري‪.‬‬

‫فمثععل هذا وشبهععه إذا وافععق أخلق النفععس ولد المحبععة‪ ،‬إذا العضاء الحسععاسة‬

‫مسالك النفوس ومؤديات نحوها‪.‬‬


‫الباب السابع‬

‫من أحب صفة‬

‫لم يستحسن بعدها غيرها مما يخالفها‬

‫واعلم أعزك ال أن للحب حكماً على النفوس ماضياً‪ ،‬وسلطاناً قاضياً‪ ،‬وأمراً ل‬

‫يخالف‪ ،‬وحداً ل يعصععى‪ ،‬وملكاً ل يتعدى‪ ،‬وطاعععة ل تصععرف‪ ،‬ونفاذاً ل يرد؛‬

‫وأنه ينقض المرر‪ ،‬ويحل المبرم‪ ،‬ويحلل الجامد‪ ،‬ويخل الثابت‪ ،‬ويحل الشغاف‪،‬‬

‫ويحل الممنوع‪ ،‬ولقد شاهدت كثيراً من الناس ل يتهمون في تمييزهم‪ ،‬ول يخاف‬

‫عليهم سقوط في معرفتهم‪ ،‬ول اختلل بحسن اختيارهم‪ ،‬ول تقصير في حدسهم‪،‬‬

‫قععد وصعفوا أحباباً لهعم فعي بعععض صعفاتهم بمعا ليعس بمسععتحسن عنعد الناس ول‬

‫يرضى في الجمال‪ ،‬فصارت هجيراهم‪،‬وعرضة لهوائهم‪ ،‬ومنتهى استحسانهم‬

‫ثم مضى أولئك إما بسلو أو بين أو هجر أو بعض عوارض الحب‪ ،‬وما فارقهم‬

‫اسععتحسان تلك الصععفات ول بان عنهععم تفضيلهععا‪ ،‬على مععا هععو أفضععل منهععا فععي‬

‫الخليقععة‪ ،‬ول مالوا إلى سععواها؛ بععل صععارت تلك الصععفات المسععتحبة عنععد الناس‬

‫مهجورة عندهعم وسعاقطة لديهعم إلى أن فارقوا الدنيعا وانقضعت أعمارهعم‪ ،‬حنينعا‬

‫منهم إلى من فقدوه‪ ،‬وألفة لمن صحبوه‪ .‬وما أقول إن ذلك كان تصنعاً لكن طبعاً‬

‫حقيقياً واختياراً ل دخل فيه‪ ،‬ول يرون سواه‪ ،‬ول يقولون في طي عقدهم بغيره‪.‬‬

‫وإني لعرف من كان في جيد حبيبه بعض الوقص فما استحسن أغيد ول غيداء‬

‫بععد ذلك‪ .‬وأعرف معن كان أول علقتعه بجارة مائلة إلى القصعر فمعا أحعب طويلة‬
‫بععد هذا‪ .‬وأعرف أيضاً معن هوى جاريعة فعي فمهعا فوه لطيعف فلقعد كان يتقذر كعل‬

‫فم صغير ويذمه ويكرهه الكراهية الصحيحة‪ .‬وما أصف عن منقوصي الحظوظ‬

‫فعي العلم والدب لكعن ععن أوفعر الناس قسعطاً فعي الدراك‪ ،‬وأحقهعم باسعم الفهعم‬

‫والدرايعععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععة‪.‬‬

‫وعني أخبرك أني أحببت في صباي جارية لي شقراء الشعر فما استحسنت من‬

‫ذلك الوقعت سعوداء الشععر‪ ،‬ولو أنعه على الشمعس أو على صعورة الحسعن نفسعه‬

‫وإني لجد هذا في أصل تركيبي من ذلك الوقت‪ ،‬ل تؤاتيني نفسي على سواه ول‬

‫تحعب غيره البتعة‪ ،‬وهذا العارض بعينعه عرض لبعي رضعي ال عنعه وعلى ذلك‬

‫جرى إلى أن وافاه أجله‪.‬‬

‫وأمعا جماععة خلفاء بنعي مروان ‪ -‬رحمهعم ال ‪ -‬ول سعيم ولد الناصعر منهعم‪ ،‬فكلهعم‬

‫مجبولون على تفضيععل الشقرة‪ ،‬ل يختلف فععي ذلك منهععم مختلف‪ .‬وقععد رأيناهععم‬

‫ورأينعا معن رآهعم معن لدن دولة الناصعر إلى الن فمعا منهعم إل أشقعر نزاعاً إلى‬

‫أمهاتهعم‪ ،‬حتعى قعد صعار ذلك فيهعم خلقعة‪ ،‬حاشعى سعليمان الظافعر رحمعه ال‪ ،‬فإنعي‬

‫رأيته أسود اللمة واللحية‪.‬‬

‫وأمعا الناصعر والحكعم والمسعتنصر رضعي ال عنهمعا فحدثنعي الوزيعر أبعي رحمعه‬

‫ال وغيره أنهما كانا أشقرين أشهلين‪ ،‬وكذلك هشام المؤيد ومحمد المهدي وعبد‬

‫الرحمعن المرتضعى رحمهعم ال‪ ،‬فإنعي قعد رأيتهعم مراراً ودخلت عليهعم فرأيتهعم‬

‫شقراً شهلً‪ ،‬وهكذا أولدهعم وأخوتهعم وجميعع أقاربهعم‪ ،‬فل أدري أذلك اسعتحسان‬
‫مركعب فعي جميعهعم أم لروايعة كانعت عنعد أسعلفهم فعي ذلك فجروا عليهعا‪ .‬وهذا‬

‫ظاهععر فععي شعععر عبععد الملك بععن مروان بععن عبععد الرحمععن بععن مروان بععن أميععر‬

‫المؤمنين الناصر وهو المعروف بالطليق‪ ،‬وكان أشعر أهل الندلس في زمانهم‬

‫وأكثر تغزله فبالشقر‪ ،‬وقد رايته وجالسته‪.‬‬

‫وليعس العجعب فيمعن أحعب قعبيحاً ثعم لم يصعحبه ذلك فعي سعواه فقعد وقعع معن ذلك‪،‬‬

‫ول فيمعن طلع معذ كان على تفضيعل الدنعى‪ ،‬ولكعن فيمعن كان ينظعر بعيعن الحقيقعة‬

‫ثم غلب عليه هوى عارض بعد طول بقائه في الجماعة فأحاله عما عهدته نفسه‬

‫حوالة صارت له طبعاً‪ :‬وذهب طبعه الول وهو يعرف فضل ما كان عليه أولً‪.‬‬

‫فإذا رجعع إلى نفسعه وجدهعا تأبعى إلى الدنعى فأعجعب لهذا التغلب الشديعد والتسعلط‬

‫العظيععم‪ ،‬وهععو أصععدق المحبععة حقاً‪ ،‬ل مععن يتحلى بشيععم قوم ليععس منععه‪ ،‬ويدعععي‬

‫غريزة ل تقبله فيزععم أنعه يتخيعر معن يحعب‪ ،‬أمعا لو شغعل الحعب بصعيرته‪ ،‬وأطاح‬

‫فكرتععه‪ ،‬وأجحععف بتمييزه‪ ،‬لحال بينععه وبيععن التخيععل والرتياد‪ .‬وفععي ذلك أقول‬

‫شعراً‪ ،‬منه‪:‬‬

‫كأنما الغيد في عينـيه جـنـان‬ ‫منهم فتى كان في محبوبه وقص‬


‫بحجة حقها في القول تـبـيان‬ ‫وكان منبسطا في فضل خبرتـه‬
‫ل ينكر الحسن فيه الدهر إنسان‬ ‫إن المها وبها المثـال سـائرة‬
‫وهل تزان بطول الجيد بعـران‬ ‫وقص فليس بها عنقـاء واحـدة‬
‫يقول حسي في الفواه غزلن‬ ‫وآخر كان في محبـوبـه قـوة‬
‫يقول إن ذوات الطول غـيلن‬ ‫وثالث كان في محبوبه قـصـر‬

‫وأقول أيضاً‪:‬‬
‫فقلت لهم هذا الذي زانها عـنـدي‬ ‫يعيبونها عندي بشقـرة شـعـرهـا‬
‫لرأى جهول في الغواية مـمـتـد‬ ‫يعيبون لون النور والـتـبـر ضـلة‬
‫ولون النجوم الزاهرات على البعـد‬ ‫وهل عاب لون النرجس الغض عائب‬
‫مفضل جرم فاحم اللـون مـسـود‬ ‫وأبعد خلق ال مـن كـل حـكـمة‬
‫ولبسة باك مثكل الهـل مـحـتـد‬ ‫به وصفت ألـوان أهـل جـهـنـم‬
‫ومذ لحت الرايات سواد تـيقـنـت نفوس الورى أن لسبيل إلى الرشـد‬

‫الباب الثامن‬

‫التعريض بالقول (‪)36‬‬

‫ول بععد لكععل مطلوب مععن مدخععل إليععه‪ ،‬وسععبب يتوصععل بععه نحوه فلم ينفرد‬

‫بالختراع دون واسعععطة إل العليعععم الول جعععل ثناؤه‪ .‬فأول معععا يسعععتعمل طلب‬

‫أوصعل وأهعل المحبعة فعي كشعف معا يجدونعه إلى أحبتهعم التعريعض بالقول‪ ،‬إمعا‬

‫بإنشاد شعععر‪ ،‬أوبإرسععأ ومثععل‪ ،‬أو تعميععة بيععت‪ ،‬أو طرح لغععز‪ ،‬أو تسععليط كلم‬

‫وللناس يختلفون فعي ذلك على قدر إدراكهعم‪ ،‬وعلى حسعب مايرونعه معن أحبتهعم‬

‫معن نفار أو أنعس أو فطنعة أو بلدة‪ .‬وإنعي لعرف معن ابتدأ كشعف محبتعه إلى معن‬

‫كان يحععب بأبيات قلتهععا‪ .‬فهذا وشبهععه يبتدئ بععه الطالب للمودة‪ ،‬فإن رأى أنسععا‬

‫وتسهيلً زاد‪ ،‬وإن يعاين شيئاً من هذه المور في حين إنشاده لشيء مما ذكرنا‪،‬‬

‫أو إيراده لبعض المعاني التي حددنا‪ ،‬فانتظاره الجواب‪ ،‬إما بلفظ أو بهيئة الوجه‬

‫والحركات‪ ،‬لموقعععف بيعععن أرجاء واليأس هائل‪ ،‬وإن كان حينًا قصعععيراً‪ ،‬ولكنعععه‬

‫إشراف على بلوغ المل أو انقطاعه‪.‬‬


‫ومن التعريض بالقول‪ :‬جنس ثان‪ ،‬ول يكون إل بعد التفاق ومعرفة المحبة من‬

‫المحبوب‪ ،‬فحينئذ يقعععع التشكعععي وعقعععد المواعيعععد والتغريعععر وأحكعععم المودات‬

‫بالتعريض‪ ،‬وبكلم يظهر لسامعه منه معنى غير ما يذهبان إليه‪ ،‬فيجيب السامع‬

‫عنه بجواب غير ما يتأدى إلى المقصود بالكلم‪ ،‬على حسب ما يتأدى إلى سمعه‬

‫ويسعبق إلى وهمعه‪ ،‬وقعد فهعم كعل واحعد منهمعا ععن صعاحبه وأجابعه بمعا ل يفهمعه‬

‫غيرهمعا إل معن أيعد بحعس نافعذ‪ ،‬وأعيعن بذكاء‪ ،‬وأمعد بتجربعة‪ ،‬ول سعيما إن أحعس‬

‫معن معانيهمعا بشيعء وقلمعا يغيعب ععن المتوسعم المجيعد‪ ،‬فهنالك ل خفاء عليعه فيمعا‬

‫يريدان‪.‬‬

‫وأنا أعرف فتى وجارية كانا يتحابان‪ ،‬فأرادها في بعض وصلها على بعض مال‬

‫يجمل‪ .‬فقالت‪ :‬وال لشكونك في المل علنية ولفضحنك فضيحة مستورة‪ .‬فلما‬

‫كان بععد أيام حضرت الجاريعة مجلس بععض أكابر الملوك وأركان الدولة وأجعل‬

‫رجال الخلفعة‪ ،‬وفيعه ممعن يتوقعى أمره معن النسعاء والخدم عدد كثيعر‪ ،‬وفعي جملة‬

‫الحاضرين ذلك الفتى‪ ،‬لنه كان بسبب من الرئيس‪ ،‬وفي المجلس مغنيات غيرها‬

‫فلما انتهى الغناء إليها سوت عودها واندفعت تغني بأبيات قديمة‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫كشمس قد تجلت من غمـام‬ ‫غزال قد حكى بدر التـمـام‬


‫وقد الغصن في حسن القـوام‬ ‫سبى قلبي بألحـاظ مـراض‬
‫له وذللت ذلة مـسـتـهـام‬ ‫خضعت خضوع صب مستكين‬
‫فما أهوى وصالً في حـرام‬ ‫فصلني يا فديتك فـي حـلل‬

‫وعلمت أنا هذا المر فقلت‪:‬‬


‫أتت من ظالم حكم وخصـم‬ ‫عتاب واقع وشكـاة ظـلـم‬
‫سوى المشكو ما كانت تسمى‬ ‫تشكت ما بها لم يدر خـلـق‬

‫الباب التاسع‬

‫الشارة بالعين‬

‫ثعم يتلو التعريعض بالقبول‪ ،‬إذا وقعع القبول والموافقعة‪ ،‬الشارة بلحعظ العيعن وإنعه‬

‫ليقوم في هذا المعنى المقام المحمود‪ ،‬ويبلغ المبلغ العجيب‪ ،‬ويقطع به ويتواصل‪،‬‬

‫ويوععد ويهدد‪ ،‬وينتهعر ويبسعط ويؤمعر وينهعي‪ ،‬وتضرب بعه الوعود‪ ،‬وينبعه على‬

‫الرقيعععععععب‪ ،‬ويضحعععععععك ويحزن‪ ،‬ويسعععععععأل ويجاب‪ ،‬ويمنعععععععع ويعطعععععععي‪.‬‬

‫ولكعل واحعد مععن هذه المعانعي ضرب معن هيئة اللحععظ ل يوقععف على تحديده إل‬

‫بالرؤية‪ ،‬ول يمكن تصويره ول وصفه إل بالقل منه‪ .‬وأنا واصف ما تيسر من‬

‫هذه المعانعي‪ :‬فالشارة بمؤخعر العيعن الواحدة نهعى ععن المعر‪ ،‬وتفتيرهعا إعلم‬

‫بالقبول وإدامعة نظرهعا دليعل على التوجعع والسعف‪ ،‬وكسعر نظرهعا آيعة الفرح‪.‬‬

‫والشارة إلى إطباقهعا دليعل على التهديعد‪ ،‬وقلب الحدقعة إلى جهعة معا ثعم صعرفها‬

‫بسرعة تنبيه على مشار إليه‪.‬‬

‫والشارة الخفية بمؤخر العينين كلتاهما سؤال‪ ،‬وقلب الحدقة من وسط العين إلى‬

‫الموق بسرعة شاهد المنع‪ ،‬وترعيد الحدقتين من وسط العينين نهي عام‪ .‬وسائر‬

‫ذلك ل يدرك إل بالمشاهدة‪.‬‬


‫وأعلم أن العين تنوب عن الرسل‪ ،‬ويدرك بها المراد والحواس الربع أبواب إلى‬

‫القلب ومنافذ نحو النفس‪ ،‬والعين أبلغها وأصحها دللة وأوعاها عملً وهي رائد‬

‫النفععس الصععادق ودليلهععا الهادي ومرآتهععا المجلوة التععي بهععا تقععف على الحقائق‬

‫وتميز الصفات وتفهم المحسوسات‪ .‬وقد قيل ليس المخبر كالمعاين وقد ذكر ذلك‬

‫افليمون صاحب الفراسة وجعلها معتمدة في الحكم وبحسبك من قوة إدراك العين‬

‫أنهعا إذا لقعى شعاعهعا شعاعاً مجلواً صعافياً‪ ،‬إمعا حديداً مفصعولً أو زجاجاً أو ماء‬

‫أو بععععض الحجارة الصعععافية أو سعععائر الشياء المجلوة البراقعععة ذوات الرفيعععف‬

‫والبصيص واللمعان‪ ،‬يتصل أقصى حدوده بجسم كثيف ساتر مناع كدر‪ ،‬انعكس‬

‫شعاعهعا فأدرك الناظعر نفسعه ومعا زاهعا عياناً‪ .‬وهعو الذي ترى فعي المرآة‪ ،‬فأنعت‬

‫حينئذ كالناظععر إليععك بعيععن غيرك‪ .‬ودليععل عيانععي على هذا أنععك تأخععذ مرآتيععن‬

‫كعبيرتين فتمسعك إحداهمعا بيمينعك خلف رأسعك والثانيعة بيسعارك قبالة وجهعك ثعم‬

‫تزويهعععا قليلً حتعععى يلتقيان بالمقابلة‪ ،‬فإنعععك ترى قفاك وكعععل معععا وراءك‪ .‬وذلك‬

‫لنعكاس ضوء العيعن إلى ضوء المرآة التعي خلفعك‪ ،‬إذ لم تجعد منفذًا فعي التعي بيعن‬

‫يديعك‪ ،‬ولمعا لم يجعد وراء هذه الثانيعة منفذاً انصعرف إلى معا قابله معن الجسعم‪ .‬وإن‬

‫صالح غلم أبي إسحاق النظام خالف في الدراك فهو قول ساقط لم يوافقه عليه‬

‫أحعد ولو لم يكعن معن فضعل العيعن إل أن جوهرهعا أرفعع الجواهعر وأعلهعا مكاناً‪،‬‬

‫لنهعا نوريعة لتدرك اللوان بسعواها‪ ،‬ول شيعء أبععد مرمعى ول أنأى غايعة منهعا‪،‬‬

‫لنهعا تدرك بهعا أجرام الكواكعب التعي فعي الفلك البعيدة‪ ،‬وترى بهعا السعماء على‬

‫شدة ارتفاعها وبعدها‪ ،‬وليس ذلك إل لتصالها في طبع خلقتها بهذه المرآة‪ ،‬فهي‬
‫تدركها وتصعل إليهعا بالنظعر‪ ،‬ل على قطعع الماكعن والحلول فعي المواضعع وتنقعل‬

‫الحركات‪ ،‬وليعععس هذا لشيععء مععن الحواس مثعععل الذوق واللمععس ل يدركان إل‬

‫بالمجاورة‪ ،‬والسعمع والشعم ل يدركان إل معن قريعب‪ .‬ودليعل على معا ذكرناه معن‬

‫النظعر أنعك ترى المصعوت قبعل سعماع الصعوت‪ ،‬وإن تعمدت إدراكهمعا معاً‪ .‬وإن‬

‫كان إدراكهما واحداً لما تقدمت العين السمع‪.‬‬

‫الباب العاشر‬

‫المراسلة‬

‫ثعم يتلو ذلك إذا امتزجعا المراسعلة بالكتعب‪ .‬وللكتعب آيات‪ .‬ولقعد رأيعت أهعل هذا‬

‫الشأن يبادرون لقطع الكتب وبحلها في الماء وبمحو أثرها‪ ،‬فرب فضيحة كانت‬

‫بسبب كتاب‪ .‬وفي ذلك أقول‪:‬‬

‫ولكنه لم يلف للود قاطـع‬ ‫عزيز على اليوم قطع كتابكم‬


‫مداد فإن الفرع للصل تابع‬ ‫فآثرت أن يبقى ودادٌ وينمحي‬
‫ولم يدره إذ نمقته الصابع‬ ‫فكم من كتاب فيه ميتة ربه‬

‫وينبغي أن يكون شكل الكتاب ألطف الشكال‪ ،‬وجنسه أملح الجناس‪ .‬ولعمري‬

‫إن الكتاب للسعان فعي بععض الحاييعن‪ ،‬إمعا لحصعرٍ فعي النسعان وإمعا لحياء وإمعا‬

‫لهيبعة‪ .‬نععم‪ ،‬حتعى إن لوصعول الكتاب إلى المحبوب وعلم المحعب أنعه قعد وقعع بيده‬

‫ورآه للذة يجدهعا المحعب عجيبعة تقوم مقام الرؤيعة‪ ،‬وإن لرد الجواب والنظعر إليعه‬

‫سععروراً يعدل اللقاء‪ ،‬ولهذا مععا ترى العاشععق يضععع الكتاب على عينيععه وقلبععه‬
‫ويعانقه‪ .‬ولعهدي ببعض أهل المحبة‪ ،‬ممن كان يدري ما يقول ويحسن الوصف‬

‫ويععبر عمعا فعي ضميره بلسعانه عبارة جيدة ويجيعد النظعر ويدقعق فعي الحقائق‪ ،‬ل‬

‫يدع المراسلة وهو ممكن الوصل قريب الدار آتى المزار‪ ،‬ويحكي أنها من وجوه‬

‫اللذة‪ .‬ولقد أخبرت عن بغض السقاط الوضعاء أنه كان يضع كتاب محبوبه على‬

‫إحليله‪ .‬وإن هذا النوع مععععن الغتلم قبيععععح وضرب مععععن الشبععععق فاحععععش‪.‬‬

‫وأمعا سعقي الحعبر بالدمعع فأعرف معن كان يفععل ذلك ويقارضعه محبوبعه‪ ،‬يسعقي‬

‫الحبر بالريق‪ ،‬وفي ذلك أقول‪:‬‬

‫فسكن مهتاجا وهيج سـاكـنـا‬ ‫جواب أتاني عن كتاب بعثـتـه‬


‫فعال محب ليس في الود خائنـا‬ ‫سقيت بدمع العين لما كتـبـتـه‬
‫فيا ماء عيني قد محوت المحاسنا‬ ‫فما زال ماء العين يمحو سطوره‬
‫وأضحى بدمعي آخر الحظ بائنا‬ ‫غدا بدموعي أول الحظ بـينـنـا‬

‫خعبر‪ :‬ولقعد رأيعت كتاب المحعب إلى محبوبعه‪ ،‬وقعد قطعع فعي يده بسعكين له فسعال‬

‫الدم واسععتمد منععه وكتععب بععه الكتاب أجمععع‪ .‬ولقععد رأيععت الكتاب بعععد جفوفععه فمععا‬

‫شككت أنه لصبغ اللك‪.‬‬

‫الباب الحادي عشر‬

‫السفير‬

‫ويقععع فععي الحععب بعععد هذا‪ ،‬بعععد حلول الثقععة وتمام السععتئناس‪ ،‬إدخال السععفير‪.‬‬

‫ويجب تخيره وارتياده واستجادته واستفراهه‪ ،‬فهو دليل عقل المرء‪ ،‬وبيده حياته‬
‫وموته‪ ،‬وستره وفضيحته بعد ال تعالى‪ .‬فينبغي أن يكون الرسول ذا هيئة‪ ،‬حاذقاً‬

‫يكتفعي بالشارة‪ ،‬وبقرطعس ععن الغائب‪ ،‬ويحسعن معن ذات نفسعه ويضعع معن عقله‬

‫معا أغفله باعثعه‪ ،‬ويؤدي إلى الذي أرسعله كععل معا يشاهععد على وجهعه كأنمعا كان‬

‫للسععرار حافظاً‪ ،‬وللعهععد وفياً‪ ،‬قنوعاً ناصععحاً‪ .‬ومععن تعدى هذه الصععفات كان‬

‫ضرره على باعثه بمقدار ما نقصه منها‪ .‬وفي ذلك أقول شعراً‪ ،‬منه‪:‬‬

‫حساما ول تضرب به قبل صقله‬ ‫رسولك سيف في يمينك فاستجـد‬


‫يعود على المعنى منه بجهـلـه‬ ‫فمن يك ذا سيف كهام فـضـره‬

‫وأكثعر معا يسعتعمل المحبون فعي إرسعالهم إلى معن يحبونعه‪ ،‬إمعا خاملً ل يؤبعه له‬

‫ول يهتدي للتحفعععععظ منعععععه‪ ،‬لصعععععباه أو لهيئة رثعععععة أو بدادة فعععععي طلعتعععععه‪.‬‬

‫وإمععععا جليلً ل تلحقععععه الظنععععن لنسععععك يظهره أو لسععععن عاليععععة قععععد بلغهععععا‪.‬‬

‫وما أكثر هذا في النساء ول سيما ذوات العكاكيز والتسابيح والثوبين الحمرين‬

‫وإنعي لذكعر بقرطبعة التحذيعر للنسعاء المحدثات معن هذه الصعفات حيثمعا رأيتهعا‪.‬‬

‫أو ذرات صععناعة يقرب بهععا مععن الشخاص‪ .‬فمععن النسععاء كالطبيبععة والحجامععة‬

‫والسعراقة والدللة والماشطعة والنائحعة والمغنيعة والكاهنعة والمعلمعة والمسعتخفة‬

‫والصعععععععععععناع فعععععععععععي المغزل والنسعععععععععععيج‪ ،‬ومعععععععععععا أشبعععععععععععه ذلك‪.‬‬

‫أو ذا قرابعة معن المرسعل إليعه ل يشعح بهعا عليعه‪ .‬فكعم منيعع سعهل بهذه الوصعاف‪،‬‬

‫وعسعير يسعر‪ ،‬وبعيعد قرب‪ .‬وجموح أنعس‪ ،‬وكعم داهيعة دهعت الحجعب المصعونة‪،‬‬

‫والسععتار الكثيععف‪ ،‬والمقاصععير المحروسععة‪ ،‬والسععدد المضبوطععة‪ ،‬لرباب هذه‬

‫النعوت‪ .‬ولول أن أنبعه عليهعا لذكرتهعا‪ ،‬ولكعن لقطعع النظعر فيهعا وقلة الثقعة بكعل‬
‫واحعد‪ .‬والسععيد معن وععظ بغيره‪ .‬وبالضعد تتميعز الشياء‪ .‬أسعبل ال علينعا وعلى‬

‫جميععععععع المسععععععلمين سععععععتره‪ ،‬ول أزال عععععععن الجميععععععع ظععععععل العافيععععععة‪.‬‬

‫خعبر‪ :‬وإنعي لعرف معن كانعت الرسعول بينهمعا حمامعة مؤدبعة‪ ،‬ويعقعد الكتاب فعي‬

‫جناحها‪ .‬وفي ذلك أقول قطعة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫لديها وجاءت نحوه بالبشائر‬ ‫تخيرها نوح فما خاب ظنـه‬


‫رسائل تهدي في قوادم طائر‬ ‫سأودعها كتبي إليك فهاكهـا‬

‫الباب الثاني عشر‬

‫طي السر‬

‫ومعن بععض صعفات الحعب الكتمان باللسعان‪ ،‬وجحود المحعب إن سعئل‪ ،‬والتصعنع‬

‫بإظهار الصععبر‪ ،‬وأن يرى أنععه عععز هاة خلى‪ .‬ويأبععى السععر الدقيععق‪ ،‬ونار الكلف‬

‫المتأججعة فعي الضلوع‪ ،‬إل ظهورًا فعي الحركات والعيعن‪ ،‬ودبيباً كدبيعب النار فعي‬

‫الفحعم والماء فعي يعبيس المدر‪ .‬وقعد يمكعن التمويعه فعي أول المعر على غيعر ذي‬

‫الحععس اللطيععف‪ ،‬وأمععا بعععد اسععتحكامه فمحال‪ ،‬وربمععا يكون السععبب فععي الكتمان‬

‫تصععاون المحععب عععن أن يسععم نفسععه بهذه السععمة عنععد الناس‪ ،‬لنهععا بزعمععه مععن‬

‫صفات أهل البطالة‪ ،‬فيفر منها ويتفادى‪ ،‬وما هذا وجه التصحيح‪ ،‬فبحسب المرء‬

‫المسلم أن يعف عن محارم ال عز وجل التي يأتيها باختياره ويحاسب عليها يوم‬

‫القيامة‪ .‬وأما استحسان الحسن وتمكن الحب فطبع ل يؤمر به ول ينهى عنه‪ ،‬إذ‬

‫القلوب بيععد مقلبهععا‪ ،‬ول يلزمععه غيععر المعرفععة والنظععر فععي فرق مععا بيععن الخطععأ‬
‫والصعواب وأن يعتقعد الصعحيح باليقيعن‪ .‬وأمعا المحبعة فخلقعة‪ ،‬وإنمعا يملك النسعان‬

‫حركات جوارحه المكتسبة‪ .‬وفي ذلك أقول‪:‬‬

‫وسيان عندي فيك ل ح وساكت‬ ‫يلوم رجال فيك لم يعرفوا الهوى‬


‫وأنت عليهم بالشريعة قـانـت‬ ‫يقولون جانبت التصاون جـمـلة‬
‫صراحا وزي للمرائين ماقـت‬ ‫فقلت لهم هذا الرياء بـعـينـه‬
‫وهل منعه في محكم الذكر ثابت‬ ‫متى جاء تحريم الهوى عن محمد‬
‫محبي يوم البعث والوجه باهت‬ ‫إذا لم أواقع محرما أتـقـى بـه‬
‫سواء لعمري جاهر أو مخافت‬ ‫فلست أبالي في الهوى قول لئم‬
‫وهل بخبايا اللفظ يؤخذ صامـت‬ ‫وهل يلزم النسان إل اخـتـياره‬

‫خبر‪ :‬وإني لعرف بعض من امتحن بشيء من هذا فسكن الوجد بين جوانحه‪،‬‬

‫فرام جحده إلى أن غلظ المر‪ ،‬وعرف ذلك في شمائله من تعرض للمعرفة ومن‬

‫لم يتعرض‪ .‬وكان معععن عرض له بشيعععء نجهعععه وقبحعععه‪ .‬إلى أن كان معععن أراد‬

‫الحظوة لديه من إخوانه يوهمه تصديقه في إنكاره وتكذيب من ظن به غير ذلك‪،‬‬

‫فسععر بهذا‪ .‬ولعهدي بععه يوماً قاعداً ومعععه بعععض مععن كان يعرض له بمععا فععي‬

‫ضميره‪ ،‬وهععو ينتفععي غايععة النتفاء‪ ،‬إذ اجتاز بهمععا الشخععص الذي كان يتهععم‬

‫بعلقتعه‪ ،‬فمعا هعو إل أن وقععت عينعه على محبوبعه حتعى اضطرب وفارق هيئتعه‬

‫الولى واصععفر لونععه وتفاوتععت معانععي كلمععه بعععد حسععن تثقيععف‪ ،‬فقطععع كلمععه‬

‫المتكلم مععه‪ .‬فلقعد اسعتدعى معا كان فيعه معن ذكره‪ .‬فقيعل له‪ :‬معا عدا عمعا بدا‪ .‬فقال‪:‬‬

‫هو ما تظنون‪ ،‬عذر من عذر‪ ،‬وعذل من عذل‪ .‬ففي ذلك أقول شعراً‪ ،‬منه‪:‬‬

‫مما يرى من تباريح الضنى فيه‬ ‫ما عاش إل لن الموت يرحمه‬


‫وأنا أقول‪:‬‬

‫وسائر الصب ينتهك‬ ‫دموع الصب تنسفك‬


‫قطاة ضمها شرك‬ ‫كأن القلب إذ يبـدو‬
‫فإن الرأي مشترك‬ ‫فيا أصحابنا قولـوا‬
‫وما لي عنه مترك‬ ‫إلى كم ذا أكاتـمـه‬

‫وهذا إنمعا يعرض عنعد مقاومعة طبعع الكتمان‪ ،‬والتصعاون لطبعع المحعب وغلبتعه‪،‬‬

‫فيكون صععاحبه متحيراً بيععن ناريععن محرقتيععن‪ .‬وربمععا كان سععبب الكتمان إبقاء‬

‫المحب على محبوبه‪ ،‬وإن هذا لمن دلئل الوفاء وكرم الطبع‪ .‬وفي ذلك أقول‪:‬‬

‫كئيب معنى ولكـن بـمـن‬ ‫درى الناس أني فتى عاشـق‬


‫وإن فتشوا رجعوا في الظنن‬ ‫إذا عاينوا حالتـي أيقـنـوا‬
‫وإن طلبوا شرحه لـم يبـن‬ ‫كخط يرى رسمه ظـاهـرا‬
‫يرجع بالصوت في كل فن‬ ‫كصوت حمام عـلـى أيكة‬
‫ومعناه مستعجـم لـم يبـن‬ ‫تلذ بفحـواه أسـمـاعـنـا‬
‫نفى حبه عنك طيب الوسن‬ ‫يقولون بلـلـه سـم الـذي‬
‫ذهاب العقول وخوض الفتن‬ ‫وهيهات دون الذي حاولـوا‬
‫بظن كقطع وقطع كـظـن‬ ‫فهم أبدا في اختلج الشكوك‬

‫وفي كتمان السر أقول قطعة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫حى إذا ل اهتدى ريب المنون لـه‬ ‫للسر عندي مكـان لـو يحـل بـه‬
‫كما سرور المعنى في الهوى الوله‬ ‫أميته وحـياة الـسـر مـيتـتـه‬

‫وربمعا كان سعبب الكتمان توقعي المحعب على نفسعه معن إظهار سعره‪ ،‬لجللة قدر‬

‫المحبوب‪.‬‬
‫خعبر‪ :‬ولقعد قال بععض الشعراء بقرطبعة شعراً تغزل فيعه بصعبح أم المؤيعد رحمعه‬

‫ال‪ .‬فغنعت بعه جاريعة أدخلت على المنصعور محمعد بعن أبعي عامعر ليبتاعهعا‪ ،‬فأمعر‬

‫بقتلهععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععا‪.‬‬

‫خبر‪:‬‬

‫وعلى مثعل هذا قتعل أحمعد بعن مغيعث‪ .‬واسعتئصال آل مغيعث والتسعجيل عليهعم أل‬

‫يستخدم بواحد منهم أبداً حتى كان سبباً لهلكهم وانقراض بيتهم فلم يبق منهم إل‬

‫الشريعععد الضال‪ .‬وكان سعععبب ذلك تغزله بإحدى بنات الخلفاء ومثعععل هذا كثيعععر‪.‬‬

‫ويحكعى ععن الحسعن بعن هانعئ أنعه كان مغرماً بحعب محمعد بعن خارون المعروف‬

‫بابن زبيدة‪ .‬وأحس منه ببعض ذلك فانتهره‪ ،‬على إدامة النظر إليه‪ .‬فذكر عنه أنه‬

‫قال إنعه كان ل يقدر أن يديعم النظعر إليعه إل معع غلبعة السعكر على محمعد‪ .‬وربمعا‬

‫كان سعبب الكتمان أل ينفعر المحبوب أو ينفعر بعه‪ .‬فإنعي أدري معن كان محبوبعة له‬

‫سعكناً وجليسعاً‪ ،‬لوباح بأقععل سععبب معن أنععه يهواه لكان منعه مناط الثريعا قععد تعلت‬

‫نجومهعا‪ .‬وهذا ضرب معن السعياسة‪ ،‬ولقعد كان يبلغ معن انبسعاط هذا المذكور معع‬

‫محبوبعه إلى فوق الغابعة وأبععد النهايعة‪ ،‬فمعا هعو إل أن باح إليعه بمعا يجعد فصعار ل‬

‫يصل إلى التافه اليسير مع التيه ودالة الحب وتمنع الثقة بملك الفؤاد‪ ،‬وذهب ذلك‬

‫النبساط ووقع التصنع والتجني‪ ،‬فكان أخاً فصار عبداً‪ ،‬ونظيراً فعاد أسيراً‪ ،‬ولو‬

‫زاد في بوحه شيئاً إلى أن يعلم خاصة المحبوب ذلك لما رآه إل في الطيف‪ ،‬ول‬

‫نقطع القليل والكثير‪ ،‬ولعاد عليه بالضرر‪.‬‬

‫وربمععا كان مععن أسععباب الكتمان الحياء الغالب على النسععان‪ ،‬وربمععا كان مععن‬
‫أسعباب الكتمان أن يرى المحعب معن محبوبعه انحرافاً وصعداً ويكون ذا نفعس أبيعة‪،‬‬

‫فيستتر بما يجد لئل يشمت به عدو‪ ،‬أو يريهم ومن يحب هوان ذلك عليه‪.‬‬

‫الباب الثالث عشر‬

‫الذاعة‬

‫وقد تعرض في الحب الذاعة‪ ،‬وهو منكر ما يحدث من أعراضه‪ ،‬ولها أسباب‪،‬‬

‫منهعا‪ :‬أن يريعد صعاحب هذا الفععل أن يتزيعا بزي المحعبين ويدخعل فعي عدادهعم‪،‬‬

‫وهذه خلفععععة ل ترضععععى‪ ،‬وتخليععععج بغيععععض‪ ،‬ودعوى فععععي الحععععب زائفععععة‪.‬‬

‫وربمعا كان معن أسعباب الكشعف غلبعة الحعب وتسعور الجهعر على الحياء‪ .‬فل يملك‬

‫النسان حينئذ لنفسه صرفاً ول عدلً‪ .‬وهذا من أبعد غايات العشق وأقوى تحكمه‬

‫على العقل‪ ،‬حتى يمثل الحسن في تمثال القبيح‪ ،‬والقبيح في هيئة الحسن‪ .‬وهنالك‬

‫يرى الخيعر شراً‪ ،‬والشعر خيراً‪ .‬وكعم مصعون السعتر مسعبل القناع مسعدول الغطاء‬

‫قعد كشعف الحعب سعتره‪ ،‬وأباح حريمعه‪ ،‬وأهمعل حماه فصعار بععد الصعيانة علماً‪،‬‬

‫وبعد السكون مثلً‪ .‬وأحب شيء إليه الفضيحة فيما لو مثل له قبل اليوم لعتراه‬

‫النافعض ععن ذكره‪ ،‬ولطالت اسعتعاذته منعه‪ .‬فسعهل معا كان وعراً‪ ،‬وهان معا كان‬

‫عزيزاً‪ ،‬ولن ما كان شديداً‪.‬‬

‫ولعهدي بفتى من سروات الرجال وعلية إخواني قد دهى بمحبة جارية مقصورة‬

‫هام بها وقطعه حبها عن كثير من مصالحه‪ ،‬وظهرت آيات هواء لكل ذي بصر‪،‬‬
‫إلى أن كانعععععت هعععععي تعذله على ماظهعععععر منعععععه ممعععععا يقوده إليعععععه هواه‪.‬‬

‫خعبر‪ :‬وحدثنعي موسعى بعن عاصعم بعن عمرو قال‪ :‬كنعت بيعن يدي أبعي الفتعح والدي‬

‫رحمعه ال وقعد أمرنعي بكتاب أكتبعه إذ لمحعت عينعي جاريعة كنعت أكلف بهعا‪ ،‬فلم‬

‫أملك نفسععي ورميععت الكتاب عععن يدي وبادرت نحوهععا‪ .‬وبهععت أبععي وظععن أنععه‬

‫عرض لي عارض‪ .‬ثعم راجعنعي عقلي فمسعحت وجهعي ثعم عدت واعتذرت بأنعه‬

‫غلبني الرعاف‪.‬‬

‫وأعلم أن هذا داعية نفار المحبوب‪ ،‬وفساد في التدبير‪ ،‬وضعف في السياسة وما‬

‫شيء من الشياء إل وللمأخذ فيه سنة وطريقة‪ ،‬متى تعداها الطالب‪ ،‬أو خرق في‬

‫سلوكها انعكس عمله عليه‪ ،‬وكان كده عناء‪ .‬وتعبه هباء‪ ،‬وبحثه وباء‪ .‬وكلما زاد‬

‫عن وجعه السعيرة انحرافًا وفعي تجنبها إغراقاً وفعي غيعر الطريعق إيغال ازداد ععن‬

‫بلوغ مراده بعداً‪ .‬وفي ذلك أقول قطعة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫ول تسع جهرا في اليسير تريده‬ ‫ول تسع في المر الجسيم تهازءا‬
‫عليك فإن الـدهـر جـم وروده‬ ‫وقابل أفانين الزمان مـتـى يرد‬
‫يسير بغير والـشـريد شـريده‬ ‫فأشكالها من حسن سعيك يكفك ال‬
‫وإشعاله بالنفخ يلطـفـا وقـوده‬ ‫ألم تبصر المصبـاح أول وقـده‬
‫فنفخك يذكـيه وتـبـدو مـدوده‬ ‫وإن يتصرم لفـحـه ولـهـيبـه‬

‫خبر‪:‬‬
‫وإني لعرف من أهل قرطبة من أبناء الكتاب وجلة الخدمة من اسمه أحمد بن‬

‫فتعح‪ ،‬كنعت أعهده كثيعر التصعاون‪ ،‬معن بغاة العلم وطلب الدب يبعز أصعحابه فعي‬

‫النقباض‪ ،‬ويفوتهععم فععي الدعععة‪ ،‬ل ينظععر إل فععي حلقععة فضععل‪ ،‬ول يرى إل فععي‬
‫محفععل مرضععى‪ ،‬محمود المذاهععب‪ ،‬جميععل الطريقععة‪ ،‬بائناً بنفسععه‪ ،‬زاهياً بهععا ثععم‬

‫أبعدت القدار داري معن داره‪ ،‬فأول خعبر طرأ علي بععد نزولي شاطبعة أنعه خلع‬

‫عذاره في حب فتى من أبناء الفتانين يسمى إبراهيم بن أحمد أعرفه‪ ،‬ل تستأهل‬

‫صعفاته محبعة معن بيتعه خير وتقدم؛ وأموال عريضعة ووفعر تالد‪ ،‬وصعح عندي أنعه‬

‫كشف رأسه وأبدى وجهه ورمى رسنه وحسر محياه وشمر عن ذراعيه وصمد‬

‫صعمد الشهوة‪ ،‬فصعار حديثًا للسعمار ومدافعاً بيعن نقلة الخبار‪ ،‬وتهودى ذكره فعي‬

‫القطار‪ ،‬وجرت نقلته في الرض راحلة بالتعجب‪ ،‬ولم يحصل من ذلك إل على‬

‫كشعف الغطاء‪ ،‬وإذاععة السعر‪ ،‬وشنععة الحديعث‪ .‬وفتعح الحدوثعة وشرود محبوبعه‬

‫عنععه جملة‪ .‬والتحظيععر عليععه مععن رؤيتععه ألبتععة‪ ،‬وكان غنياً عععن ذلك وبمندوحععه‬

‫ومعزل رحب عنه‪ .‬ولو طوى مكنون سره‪ ،‬وأخفى بليات ضميره لستدام لباس‬

‫العافية‪ :‬ولم ينهج برد الصيانة؛ ولكان له في لقاء من بلى به ومحادثته ومجالسته‬

‫أمل من المال؛ وتعلل كاف؛ وإن حبل العذر ليقطع به‪ ،‬والحجة عليه قائمة؛ إل‬

‫أن يكون مختلطًا فعي تمييزه؛ أو مصعاباً فعي عقله بحليعل معا فدحعه‪ .‬فربمعا آل ذلك‬

‫لعذر صحيح‪ ،‬وأما إن كانت بقية من عقل أو ثبتت مسكه فهو ظالم في تعرضه‬

‫معا يعلم أن محبوبعه يكرهعه ويتأذى بعه‪ .‬هذا غيعر صعفة أهعل الحعب؛ وسعيأتي هذا‬

‫مفسععععععععععععععععععععراً فععععععععععععععععععععي باب الطاعععععععععععععععععععععة إن شاء ال تعالى‪.‬‬

‫ومن أسباب الكشف وجه ثالث وهو عند أهل العقول وجه مرذول وفعل ساقط؛‬

‫وذلك أن يرى المحععب مععن محبوبععه غدراً أو مللً أو كراهععة؛ فل يجععد طريععق‬

‫النتصععاف منععه إل بمععا ضرره عليععه أعود منععه على المقصععود مععن الكشععف‬

‫والشتهار‪ .‬وهذا أشعععد العار وأقبعععح الشنار وأقوى بشواهعععد عدم العقعععل ووجود‬
‫السعخف‪ .‬وربمعا كان الكشعف معن حديعث ينتشعر وأقاويعل تفشعو‪ ،‬توافعق قلة مبالة‬

‫من المحب بذلك‪ ،‬ورضى بظهور سره‪ ،‬إما لعجاب وإما لستظهار على بعض‬

‫ما يؤمله‪ .‬وقد رأيت هذا الفعل لبعض إخواني من أبناء القواد‪ ،‬وقرأت في بعض‬

‫أخبار العراب أن نسعاءهم ل يقنععن ول يصعدقن عشعق عاشعق لهعن حتعى يشتهعر‬

‫ويكشعف حبعه ويجاهعر ويعلن وينوه بذكرهعن‪ ،‬ول أدري معا معنعى هذا‪ ،‬على أنعه‬

‫يذكعر عنهعن العفاف‪ ،‬وأي عفاف معع امرأة أقصعى مناهعا وسعرورها الشهرة فعي‬

‫هذا المعنى‪.‬‬

‫الباب الرابع عشر‬

‫الطاعة‬

‫ومن عجيب ما يقع في الحب طاعة المحب لمحبوبه‪ ،‬وصرفه طباعه قسرًا إلى‬

‫طباع ن يحبعه وربمعا يكون المرء شرس الخلق‪ ،‬صععب الشكيمعة‪ ،‬جموح القيادة‪،‬‬

‫ماضعي العزيمعة‪ ،‬حمعى النعف‪ ،‬أبعى الخسعف‪ ،‬فمعا هعو إل أن يتنسعم نسعيم الحعب‪،‬‬

‫وبتورط عمره‪ ،‬ويعوم فععععي بحره‪ ،‬فتعود الشراسععععة لياناً‪ ،‬والصعععععوبة سععععهلة‬

‫والمضاء كللة؛ والحمية استسلماً‪ .‬وفي ذلك أقول قطعة‪ ،‬منها‪:‬‬


‫وهل لتصاريف ذا الدهر حد‬ ‫فهل للوصال إلـينـا مـعـاد‬
‫وأضحى الغزال السير أسد‬ ‫فقد أصبح السيف عبد القضيب‬

‫وأقول شعراً؛ منه‪:‬‬

‫كذائب نقر زل من يد جهبذ‬ ‫وإني وإن تعتب لهون هالك‬


‫فيا عجبا من هالك متـلـذذ‬ ‫على أن قتلى في هواك لذاذة‬

‫ومنها‪:‬‬

‫لعناهم عن هرمزان وموبـذ‬ ‫ولو أبصرت أنوار وجهك فارس‬

‫وربمعععا كان المحبوب كارهاً لظهار الشكوى متعععبرماً بسعععماع الوجعععد؛ فترى‬

‫المحعب حينئذ يكتعم حزنعه ويكظعم أسعفه وينطوي على علتعه‪ .‬وإن الحعبيب متجعن‪،‬‬

‫فعندها يقع العتذار عند كل ذنب والقرار بالجريمة‪ ،‬والمرء منها برئ‪ ،‬تسليما‬

‫لقوله وتركاً لمخالفتعه‪ .‬وإنعي لعرف معن دهعى بمثعل هذا فمعا كان ينفعك معن توجعه‬

‫الذنوب نحوه ول ذنععععب له‪ ،‬وإيقاع العتاب عليععععه والسععععخط وهونقععععي الجلد‪.‬‬

‫وأقول شعراً إلى بعض إخواني‪ ،‬ويقرب مما نحن فيه وإن لم يكن منه‪:‬‬

‫تدان وللهجران عن قربه سـخـط‬ ‫وقد كنت تلقاني بوجـه لـقـربـه‬


‫على أنه قد عيب في الشعر الوخط‬ ‫وما تكره العتب اليسير سـجـيتـي‬
‫فقد يتعب النسان في الفكر نفـسـه وقد يحسن الخيلن في الوجه والنقط‬
‫إذا أفرطت يوما وهل يحمد الفـرط‬ ‫تزين إذا قلت ويفـحـش أمـرهـا‬
‫ومنه‪:‬‬
‫يبكي إذ القرطاس والحبر والخط‬ ‫أعنه فقد أضحى لفرط همومـه‬
‫ول يقولن قائل إن صعبر المحعب على دلة المحبوب دناءة فعي النفعس فقعد أخطعأ‪،‬‬

‫وقد علمنا أن المحبوب ليس له كفواً ول نظيراً فيقارض بأذاه‪ ،‬وليس سبه وجفاه‬

‫ممععا يعيععر بععه النسععان ويبقععى ذكره على الحقاب‪ ،‬ول يقععع ذلك فععي مجالس‬

‫الخلفاء‪ ،‬ول فععي مقاعععد الرؤسععاء‪ ،‬فيكون الصععبر جاراً للمذلة‪ ،‬وضراعععة قائدة‬

‫للستهانة‪ ،‬فقد ترى النسان ل يكلف بأمته التي يملك رقها‪ ،‬ول يحول حائل بينه‬

‫وبين التعدي عليها فكيف النتصار منها‪ .‬وسبل المتعاض من السبب غير هذه‪،‬‬

‫إنما ذلك بين علية الرجال الذين تحصل أنفاسهم وتتبع معاني كلمهم فتوجه لها‬

‫الوجوه البعيدة‪ ،‬لنهم ل يوقعونها سدى ول يلقونها هملً‪ ،‬وأما المحبوب فصعدة‬

‫ثابتة‪ ،‬وقضيب منآد‪ ،‬يجفو ويرضى متى شاء ل لمعنى‪ .‬وفي ذلك أقول‪:‬‬

‫فالحب فيه يخضع المستكبـر‬ ‫ليس التذلل في الهوى يستنكـر‬


‫قد ذل فيها قلبي المستبصـر‬ ‫ل تعجبوا من ذلتي في حـالة‬
‫فيكون صبرك ذلة إذ تصبـر‬ ‫ليس الحبيب مماثلً ومكـافـيا‬
‫هل قطعها منك انتصارا يذكر‬ ‫تفاحة وقعت فآلم وقـعـهـا‬

‫خععبر‪ :‬وحدثنععي أبععو دلف الوراق عععن ملسععمة بععن أحمععد الفيلسععوف المعروف‬

‫بالمرجيطى أنه قال في المسجد الذي بشرقي مقبرة قريش بقرطبة الموازي لدار‬

‫الوزير ابن عمرو أحمد بن محمد جدير رحمه ال‪ :‬في هذا المسجد كان مقدم بن‬

‫الصععفر مريضاً أيام حداثتععه لعشععق بعجيععب فتععى الوزيععر أبععي عمرو المذكور‪.‬‬

‫وكان يترك الصلة في مسجد مسرور وبها كان سكناه‪ ،‬ويقصد في الليل والنهار‬

‫إلى هذا المسجد بسبب عجيب‪ ،‬حتى أخذه الحرس غير ما مرة في الليل في حين‬

‫انصعرافه ععن صعلة العشاء الخرة‪ ،‬وكان يقععد وينظعر منعه إلى أن كان الفتعى‬
‫يغضععب ويضجععر ويقوم إليععه فيوجعععه ضرباً ويلطععم خديععه وعينيععه‪ ،‬فيسععر بذلك‬

‫ويقول‪ :‬هذا وال أقصعى أمنيتعي والن قرت عينعي‪ ،‬وكان على هذا زماناً يماشيعه‪.‬‬

‫قال أبو دلف‪ :‬ولقد حدثنا مسلم بهذا الحديث غير مرة بحضرة عجيب عندما كان‬

‫يرى معن وجاهعة مقدم بعن الصعفر وعرض جاهعه وعافيتعه‪ ،‬فكانعت حال مقدم بعن‬

‫الصععفرهذا قععد جلت جداً واختععص بالمظفععر بععن أبععي عامععر اختصععاصًا شديداً‬

‫واتصعل بوالدتعه وأهله وجرى على يديعه معن بنيان المسعاجد والسعقايات وتسعهيل‬

‫وجوه الخير غير قليل‪ ،‬مع تصرفه في كل ما يتصرف فيه أصحاب السلطان من‬

‫العناية بالناس وغير ذلك‪.‬‬

‫خعبر‪ :‬وأشنعع معن هذا أنعه كانعت لسععيد بعن منذر بعن سععيد صعاحب الصعلة فعي‬

‫جامععع قرطبععة أيام الحكععم المسععتنصر بال رحمععه ال جاريععة يحبهععا حبًا شديداً‪،‬‬

‫فعرض عليها ِأن يعتقها ويتزوجها‪ .‬فقالت له ساخرة به‪ ،‬وكان عظيم اللحية‪ :‬إن‬

‫لحيتك أستبشع عظمها فإن حذفت منها كان ما ترغبه‪ .‬فأعمل الجملين فيها حتى‬

‫لطفعت‪ ،‬ثعم دععا بجماععة شهود وأشهدهعم على عتقهعا‪ ،‬ثعم خطبهعا إلى نفسعه فلم‬

‫ترض بععه‪ .‬وكان فععي جملة مععن حضععر أخوه حكععم بععن منذر فقال لمععن حضععر‪:‬‬

‫اعرض عليهعا أنعي أخطبهعا أنعا‪ ،‬ففععل فأجابعت إليعه‪ .‬فتزوجهعا فعي ذلك المجلس‬

‫بعينه ورضي بهذا العار الفادح على رورعه ونسكه واجتهاده‪.‬‬

‫فأنعا أدكعت سععيداً هذا وقعد قتله البربر يوم دخولهعم قرطبعة عنوة وانتهابهعم إياهعا‬

‫وحكعم المذكور أخوه هعو رأس المعتزلة بالندلس وكعبيرهم وأسعتاذهم ومتكلمهعم‬
‫وناسععكهم‪ ،‬وهععو مععع ذلك شاعععر طيععب وفقيععه‪ .‬وكان أخوه عبععد الملك ابععن منذر‬

‫متهماً بهذا المذهعب أيضاً‪ .‬ولي خطبعة الرد أيام الحكعم رضعي ال عنعه وهعو الذي‬

‫صلبه المنصور بن أبي عامر إذ اتهمه هو وجماعة من الفقهاء والقضاة بقرطبة‬

‫أنهعم يبايعون سعراً لعبعد الرحمعن بعن عبيعد ال ابعن أميعر المؤمنيعن الناصعر رضعي‬

‫ال عنهعم‪ ،‬فقتعل عبعد الرحمعن وصعلب عبعد الملك بعن منذر وبدد شمعل جميعع معن‬

‫اتهعم‪ .‬وكان أبوهعم قاضعي القضاة منذر بعن سععيد متهماً بمذهعب العتزال أيضاً‪.‬‬

‫وكان أخطعب الناس وأعلمهعم بكعل فعن وأورعهعم وأكثرهعم هزلً ودعابعة‪ .‬وحكعم‬

‫المذكور في الحياة في حين كتابتي إليك بهذه الرسالة قد كف بصره وأسن جداً‪.‬‬

‫خبر‪:‬‬

‫ومعن عجيعب طاععة المحعب لمحبوبعه أنعي أعرف معن كان سعهر الليالي الكثيرة‬

‫ولقعى الجهعد الجاهعد فقطععت قلبعه ضروب الوجعد ثعم ظفعر بمعن يحعب وليعس بعه‬

‫امتناع ول عنده دفعع‪ ،‬فحيعن رأى منعه بععض الكراهعة لمعا نواه تركعه وانصعرف‬

‫عنعه‪ ،‬ل تعففاً ول تخوفاً لكعن توقفاً عنعد موافقعة رضاه‪ ،‬ولم يجعد معن نفسعه معيناً‬

‫على إتيان معا لم يعر له إليعه نشاطاً وهعو يجعد معا يجعد‪ .‬وإنعي لعرف منفقعل هذا‬

‫الفعل ثم تندم لعذر ظهر من المحبوب‪ .‬فقلت في ذلك‪:‬‬

‫كمضي البرق تمضي الفرص‬ ‫غافص الفرصة واعلم أنـهـا‬


‫هي عندي إذ تولت غصـص‬ ‫كم أمور أمكنت أمـهـلـهـا‬
‫وانتهز صبرا كبارز يقنـص‬ ‫بادر الكنـز الـذي ألـفـيتـه‬

‫ولقععد عرض مثععل هذا بعينععه لبععي المظفععر عبععد الرحمععن بععن محمود صععديقنا‬

‫وأنشدتععععه أبياتاً لي فطار بهععععا كععععل مطار‪ ،‬وأخذهععععا منععععي فكانععععت هجيراه‪.‬‬
‫خعبر‪ :‬ولقعد سعألني يوماً أبعو عبعد ال محمعد بعن كليعب معن أهعل القيروان أيام كونعي‬

‫بالمدينعة‪ ،‬وكان طويعل اللسعان جداً مثقفًا للسعؤال فعي كعل فعن‪ ،‬فقال لي وقعد جرى‬

‫بععض ذكعر الحعب ومعانيعه‪ :‬إذا كره معن أحعب لقائي وتجنعب قربعي فمعا أصعنع؟‬

‫قلت‪ :‬أرى أن تسععى فعي إدخال الروح على نفسعك بلقائه وإن كره‪ .‬فقال‪ :‬لكنعي ل‬

‫أرى ذلك بععل أوثععر هواه على هواي ومراده على مرادي‪ ،‬واصععبر ولو كان فععي‬

‫ذلك الحتف‪ .‬فقلت له‪ :‬إني إنما أحببته لنفسي ول لتذاذها بصورته فأنا أتبع قياسي‬

‫وأقود أصعلي وأقفعو طريقتعي فعي الرغيبعة فعي سعرورها‪ .‬فقال لي‪ :‬هذا ظلم معن‬

‫القياس‪ ،‬أشعد معن الموت معا تمنعى له الموت‪ .‬وأععز معن النفعس معا بذلت له النفعس‪.‬‬

‫فقلت له‪ :‬إن بذلت نفسك لم يكن اختياراً بل كان اضطراراً‪ ،‬ولو أمكنك أل تبذلها‬

‫لمعا بذلتهعا‪ ،‬وتركعك لقاءه اختياراً منعك أنعت فيعه ملوم لضرارك بنفسعك وإدخالك‬

‫الحتف عليها‪ .‬فقال لي‪ :‬أنت رجل جدلي ول جدل في الحب يلتفت إليه‪ .‬فقلت له‪:‬‬

‫إذاً كان صاحبه مؤوفاً فقال‪ :‬وأي آفة أعظم من الحب‪.‬‬

‫الباب الخامس عشر‬

‫المخالفة‬

‫وربما اتبع المحب شهوته وركب رأسه فبلغ شفاءه من محبوبه‪ ،‬وتعمد مسرته‬

‫منعه على كعل الوجوه سعخطاً ورضعى‪ .‬ومعن سعاعده على الوقعت هذا وثبعت جنانعه‬

‫وأتيحعت له القدار اسعتوفى لذتعه جميعهعا وذهعب غمعه وانقطعع همعه ورأى أمله‬

‫وبلغ مرغوبه‪ .‬وقد رأيت من هذه صفته‪ ،‬وفي ذلك أقول أبياتاً‪ ،‬منها‪:‬‬
‫من رشأ مازال لي ممرضا‬ ‫إذا بلغت نفسـي الـمـنـى‬
‫ول أبالي سخطا من رضـا‬ ‫فما أبالي الكره من طـاعة‬
‫أطفي به مشعل جمر الغضا‬ ‫إذا وجدت المـاء ل بـد أن‬

‫الباب السادس عشر‬

‫العاذل‬

‫وللحب آفات‪ ،‬فأولها العاذل‪ ،‬والعذال أقسام‪ ،‬فأصلهم صديق قد أسقطت مؤونة‬

‫التحفعظ بينعك وبينعه فعذله أفضعل معن كثيعر المسعاعدات؟ وهعي معن الحعظ والنهعي‪،‬‬

‫وفعي ذلك زاجعر للنفعس عجيعب‪ ،‬وتقويعة لطيفعة لهعا عرض‪ ،‬وعمعل ودواء تشتعد‬

‫عليعه الشهوة‪ ،‬ول سعيما إن كان رفيقًا فعي قوله حسعن التوصعل إلى معا يورد معن‬

‫المعانعي بلفظعه‪ ،‬عالماً بالوقات التعي يؤكعد فيهعا النهعي‪ ،‬وبالحيان التعي يزيعد فيهعا‬

‫المعر‪ .‬والسعاعات التعي يكون فيهعا واقفاً بيعن هذيعن‪ ،‬على قدر ما يرى معن تسعهيل‬

‫العاشق وتوعره‪ ،‬وقبوله وعصيانه‪.‬‬

‫ثعم عاذل زاجعر ل يفيعق أبداً معن الملمعة‪ ،‬وذلك خطعب شديعد وعبعء ثقيعل‪ .‬ووقعع‬

‫لي مثعل هذا‪ ،‬وإن لم يكعن معن جنعس الكتاب ولكنعه يشبهعه‪ ،‬وذلك أن أبعا السعرى‬

‫عمار بعن زياد صعديقنا أكثعر معن عذلى على نحعو نحوتعه وأعان على بععض معن‬

‫لمني في ذلك الوجه أيضاً‪ ،‬وكنت أظن أنه سيكون معي مخطئاً كنت أو مصيباً‪.‬‬

‫لو كيد صداقتي وصحيح أخوتي به‪.‬‬


‫ولقعد رأيعت معن اشتعد وجوده وعظعم كلفعه حتعى كان العذل أحعب شيعء إليعه‪ ،‬ابرى‬

‫العاذل عصعيانه ويسعتلذ مخالفتعه‪ ،‬ويحصعل مقاومتعه للئمعة وغلبتعه إياه‪ .‬كالملك‬

‫الهازم لعدوه والمجادل الماهر الغالب لخصمه‪ ،‬ويسر بما يقع منه في ذلك وربما‬

‫كان هذا المسععتجلب لعذل العاذل بأشياء يوردهععا توجععب ابتداء العذل وفععي ذلك‬

‫أقول أبياتاً‪ ،‬منها‪:‬‬

‫كي أسمع اسم الذي ذكراه لي أمل‬ ‫أحب شيء إلي اللـوم والـعـذل‬
‫وباسم مولي بعدي الشرب أنتقـل‬ ‫كأنني شارب بالـعـذل صـافـية‬

‫الباب السابع عشر‬

‫المساعد من الخوان‬

‫ومن السباب المتمناة في الحب أن يهب ال عز وجل للنسان صديقاً مخلصاً‪،‬‬

‫لطيعف القول‪ ،‬بسعيط الطول‪ .‬حسعن المآخعذ دقيعق المنفعذ‪ .‬متمكعن البيان‪ ،‬مرهعف‬

‫اللسعان‪ ،‬جليعل الحلم‪ ،‬واسعع العلم‪ ،‬قليعل المخالفعة‪ ،‬عظيعم المسعاعفة شديعد الحتمال‬

‫صعابراً على الدلل‪ ،‬جعم الموافقعة‪ ،‬جميعل المخالفعة‪ ،‬مسعتوى المطابقعة‪ ،‬محمود‬

‫الخلئق‪ ،‬مكفوف البوائق‪ ،‬محتوم المسعععاعدة‪ ،‬كارهاً للمباعدة‪ ،‬نبيعععل المدخعععل‪،‬‬


‫مصععروف الغوائل‪ ،‬غامععض المعانععي عارفاً ل لمانععي‪ ،‬طيععب الخلق‪ ،‬سععري‬

‫العراق‪ ،‬مكتوم السر‪ ،‬كثير البر‪ ،‬صحيح المانة‪ ،‬مأمون الخيانة‪ ،‬كريم النفس‪،‬‬

‫نافععذ الحععس‪ ،‬صععحيح الحدس‪ ،‬مضمون العون‪ ،‬كامععل الصععون‪ ،‬مشهورالوفاء‪،‬‬

‫ظاهععر الغناء‪ ،‬ثابععت القريحععة‪ ،‬مبذول النصععيحة‪ ،‬مسععتيقن الوداد‪ ،‬سععهل النقياد‪،‬‬

‫حسعن العتقاد‪ ،‬صعادق اللهجعة‪ ،‬خفيعف المهجعة‪ ،‬عفيعف الطباع‪ ،‬رحعب الذراع‪،‬‬

‫واسعع الصعدر‪ ،‬متخلقاً بالصعبر‪ ،‬يألف المحاض‪ ،‬ول يعرف العراض‪ ،‬يسعتريح‬

‫إليعه بلبله‪ ،‬ويشاركعه فعي خلوة فقره‪ ،‬ويفاوضعه فعي مكتوماتعه‪ ،‬وإن فيعه للحعب‬

‫لعظععم الراحات‪ ،‬وأيععن هذا‪ ،‬فإن ظفرت بععه يداك فشدهمععا عليععه شععد الضنيععن‪،‬‬

‫وأمسك بهما إمساك البخيل‪ ،‬وصنه بطارفك وتالدك‪ ،‬فمعه يكمل النس‪ ،‬وتنجلي‬

‫الحزان‪ ،‬ويقصعر الزمان‪ ،‬وتطيعب الحوال ولن يفقعد النسعان معن صعاحب هذه‬

‫الصعععفة عوناً جميلً‪ ،‬ورأياً حسعععناً‪ ،‬ولذلك اتخعععذ الملوك الوزراء والدخلء كعععي‬

‫يخففوا عنهععم بعععض مععا حملوه معن شديععد المور وطوقوه معن باهععض الحمال‪.‬‬

‫ولكعي يسعتغنوا بآرائهعم ويسعتمدوا بكفايتهعم‪ .‬وإل فليعس فعي قوة الطبيععة أن تقاوم‬

‫كععععل مععععا يرد عليهععععا دون اسععععتعانة بمععععا يشاكلهععععا وهععععو مععععن جنسععععها‪.‬‬

‫ولقد كان بعض المحبين‪ ،‬لعدمه هذه الصفة من الخوان وقلة ثقته منهم لما جربه‬

‫من الناس وأنعه لم يعدم معن باح إليعه بشيعء من سعره أحعد وجهين إمعا إزراء على‬

‫رأيعه وإمعا إذاععة لسعره‪ ،‬أقام الوحدة مقام النعس‪ .‬وكان ينفرد فعي المكان النازح‬

‫عععن النيععس‪ ،‬ويناجععي الهوى‪ ،‬ويكلم الرض‪ ،‬ويجععد فععي ذلك راحععة كمععا يجععد‬

‫المريععض فععي التأوه والمحزون فععي الزفيععر؛ فإن الهموم إذا ترادفععت فععي القلب‬

‫ضاق بها‪ ،‬فإن لم ينض منها شيء باللسان‪ ،‬ولم يسترح إلى الشكوى لم يلبث أن‬
‫يهلك غمعا ويموت أسعفاً‪ .‬ومعا رأيعت السععاد أكثعر منعه فعي النسعاء‪ .‬فعندهعن معن‬

‫المحافظة على هذا الشأن والتواصي بكتمانه والتواطؤ على طيه إذا اطلعن عليه‬

‫معا ليعس عنعد الرجال‪ ،‬ومعا رأيعت امرأة كشفعت سعر متحابيعن إل وهعي عنعد النسعاء‬

‫ممقوتة مستثقلة مرمية عن قوس واحدة‪ .‬وإنه ليوجد عند العجائز في هذا الشأن‬

‫مال يوجععد عنععد الفتيات‪ ،‬لن الفتيات منهععن ربمععا كشفععن مععا علمععن على سععبيل‬

‫التغايععر‪ ،‬وهذا ل يكون إل فععي الندرة‪ .‬وأمععا العجائز فقععد يئسععن مععن أنفسععهن‬

‫فانصرف الشفاق محضاً إلى غيرهن‪.‬‬

‫خععبر‪ :‬وإنععي لعمععل امرأة موسععرة ذات جوار وخدم فشاع على إحدى جواريهععا‬

‫أنهعا تعشعق فتعى معن أهلهعا ويعشقهعا وأن بينهمعا معانعي مكروهعة‪ ،‬وقيعل لهعا‪ :‬إن‬

‫جاريتعك فلنعة تعرف ذلك وعندهعا جليعة أمرهعا‪ .‬فأخذتهعا وكانعت غليظعة المقوبعة‬

‫فأذاقتهععا مععن أنواع الضرب واليذاء مال يصععبر على مثله جلداء الرجال‪ ،‬رجاء‬

‫أن تبوح لهععععععععا بشيععععععععء ممععععععععا ذكععععععععر لهعععععععا‪ ،‬فلم تفعععععععععل البتععععععععة‪.‬‬

‫خبر‪:‬‬

‫وإنعي لعلم امرأة جليلة حافظعة لكتاب ال ععز وجعل ناسعكة مقبلة على الخيعر‪،‬‬

‫وقد ظفرت بكتاب لفتى إلى جارية كان يكلف بها‪ ،‬وكان في غير ملكها‪ ،‬فعرفته‬

‫المععر فرام النكار فلم يتهيععأ له ذلك‪ ،‬فقالت له‪ :‬مالك؟ ومععن ذا عصععم؟ فل تبال‬

‫بهذا فوال ل أطلعععت على سععر كمععا أحداً أبداً‪ ،‬ولو أمكنتنععي أن أبتاعهععا لك مععن‬

‫مالي ولو أحاط به كله لجعلتها لك في مكان تصل إليها فيه ول يشعر بذلك أحد؛‬

‫وإنك لترى المرأة الصالحة المسنة المنقطعة الرجاء من الرجال‪ ،‬وأحب أعمالها‬
‫إليهععا وأرجاهععا للقبول عندهععا سعععيها فععي تزويععج يتيمععة‪ ،‬وإعارة ثيابهععا وحليهععا‬

‫لعروس مقلة‪ .‬ومعا أعلم علة تمكعن هذا الطبعع معن النسعاء إل أنهعن متفرغات البال‬

‫مععن كععل شيععء إل مععن الجماع ودواعيععه‪ ،‬والغزل وأسععبابه‪ ،‬والتآلف ووجوهععه‬

‫لشغعل لهعن غيره ول خلقعن لسعواه‪ .‬والرجال مقتسعمون فعي كسعب المال وصعحبة‬

‫السععععلطان وطلب العلم وحياطععععة العيال ومكابدة السععععفار والصععععيد وضروب‬

‫الصعناعات ومباشرة الحروب وملقاة الفتعن وتحمعل المخاوف وعمارة الرض‪،‬‬

‫وهذا كله متحيععف للفراغ‪ ،‬صععارف عععن طريععق البطععل وقرأت فععي سععير ملوك‬

‫السععودان أن الملك منهععم يوكععل ثقععة له بنسععائه يلقععى عليهععن ضريبععة مععن غزل‬

‫الصوف يشتغلن بها أبد الدهر؛ لنهم يقولون‪ :‬إن المرأة إذا بقيت بغير شغل إنما‬

‫تشوق إلى الرجال‪ ،‬وتحن إلى النكاح ولقد شاهدت النساء وعلمت من أسرارهن‬

‫مال يكاد يعلمععه غيري؛ لنععي ربيععت فععي حجورهععن‪ ،‬ونشأت بيععن أيديهععن‪ ،‬ولم‬

‫أعرف غيرهعن‪ .‬ول جالسعت الرجال إل وأنعا فعي حعد الشباب وحيعن تفيعل وجهعي‪.‬‬

‫وهعن علمننعي القرآن ورويننعي كثيراً معن الشعار وردبننعي فعي الخعط‪ ،‬ولم يكعن‬

‫وكدي وإعمال ذهني مذ أول فهمي وأنا في سن الطفولة جداً إل تعرف أسبابهن‪،‬‬

‫والبحث عن أخبارهن‪ ،‬وتحصيل ذلك‪ .‬وأنا ل أنسى شيئاً مما آرى منهن‪ ،‬وأصل‬

‫ذلك غيرة شديدة طبععت عليهعا‪ ،‬وسعوء ظعن فعي جهتهعن فطرت بعه‪ ،‬فأشرفعت معن‬

‫أسبابهن على غير قليل‪ .‬وسيأتي ذلك مفسرًا في أبوابه إن شاء ال تعالى‪.‬‬

‫الباب الثامن عسر‬

‫الرقيب‬
‫ومععن آفات الحععب الرقيععب‪ ،‬وإنععه لحمععى باطنععة‪ ،‬وبرسععام ملح‪ ،‬وفكععر مكععب‪.‬‬

‫والرقباء أقسام‪ ،‬فأولهم مثقل بالجلوس غير متعمد في مكان اجتمع فيه المرء مع‬

‫محبوبععه‪ ،‬وعزمععا على إظهار شيععء مععن سععرهما والبوح بوجدهمععا والنفراد‬

‫بالحديث‪ .‬ولقد يعرض للمحب من القلق بهذه الصفة مال يعرض له مما هو أشد‬

‫منهععا‪ ،‬وهذا وإن كان يزول سععريعًا فهععو عائق حال دون المراد وقطععع متوفععر‬

‫الرجاء‪.‬‬

‫خبر‪ :‬ولقد شاهدت يوماً محبين تفي مكان قد ظنا أنهما انفردا فيه وتأهبا للشكوى‬

‫فاستحليا ما هما فيه من الخلوة‪ ،‬ولم يكن الموضع حمي‪ ،‬فلم يلبثا أن طلع عليهما‬

‫من كانا يستثقلنه‪ ،‬فرأى فعدل إلي وأطال الجلوس معي‪ ،‬فلو رأيت الفتى المحب‬

‫وقعد تمازج السعف البادي على وجهعه معع الغضعب لرأيعت عجباً‪ .‬وفعي ذلك أقول‬

‫قطعة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫ويبدي حديثا لست أرضى فنونه‬ ‫يطيل جلوسا وهو أثقل جالـس‬
‫ولبنان والصمان والحرب دونه‬ ‫شمام ورضوى واللكام ويذبـل‬

‫ثم رقيب قد أحس من أمرهما بطرف‪ ،‬وتوجس من مذهبهما شيئاً‪ ،‬فهو يريد أن‬

‫يسعتبين حقيقعة ذلك‪ ،‬فيدمعن الجلوس‪ ،‬ويطيعل القعود‪ ،‬ويتخفعى بالحركات‪ ،‬ويرمعق‬

‫الوجوه‪ ،‬ويحصععل النفاس‪ .‬وهذا أعدى مععن الحرب‪ ،‬وإنععي لعرف مععن هععم أن‬

‫يباطش رقيباً هذه صفته‪ .‬وفي ذلك أقول قطعة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫أعظم بهذا الوصال غما‬ ‫مواصل ل يغب قصـدا‬


‫يزول كالسم والمسمى‬ ‫صار وصرنا لفرط مالً‬
‫ثم رقيب على المحبوب‪ ،‬فذلك ل حيلة فيه إل بترضية‪ .‬وإذا أرضى فذلك غاية‬

‫اللذة‪ ،‬وهذا الرقيعععععععب هعععععععو الذي ذكرتعععععععه الشعراء فعععععععي أشعارهعععععععا‪.‬‬

‫ولقعد شاهدت معن تلطعف فعي اسعترضاء رقيعب حتعى صعار الرقيعب عليعه رقيبًا له‪،‬‬

‫ومتغافلً في وقت التغافل‪ ،‬ودافعاً عنه وساعيًا له‪ .‬ففي ذلك أقول‪:‬‬

‫على سيدي عمدا ليبعدني عنه‬ ‫ورب رقيب ارقبوه فلـم يزل‬
‫إلى أن غدا خوفي له آمنا منه‬ ‫فما زالت اللطاف تحكم أمره‬
‫فعاد محبا مالنعمتـه كـنـه‬ ‫وكان حساما سل حتى يهدنـي‬

‫وأقول قطعة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫وكان سما فصار درياقـا‬ ‫صار حياة وكان سهم ردي‬

‫وإني لعرف من رقب على بعض من كان يشفق عليه رقيباً وثق به عند نفسه‪ ،‬فكان‬
‫أعظم الفة عليه وأصل البلء فيه‪.‬‬
‫وأمععا إذا لم يكععن فععي الرقيععب حيلة ول وجععد إلى ترضيععه سععبيل فل طمععع إل‬

‫بالشارة بالعيعن همسعاً وبالحاجعب أحياناً والتعريعض اللطيعف بالقول‪ ،‬وفعي ذلك‬

‫متعة وبلغ إلى حين يقنع به المشتاق‪ .‬وفي ذلك أقول شعراً أوله‪:‬‬

‫وفي لمن واله ليس بناكـث‬ ‫على سيدي مني رقيب محافظ‬

‫ومنه‪:‬‬

‫ويفعل فيها فعل بعض الحوارث‬ ‫ويقطع أسباب اللبانة في الهولي‬


‫وفي كل عين مخبر بالحـادث‬ ‫كأن له في قلـبـه ريبة تـرى‬

‫ومنه‪:‬‬
‫وقد خصني ذو العرش منهم بثالث‬ ‫على كل من حولي رقيان رتـبـا‬

‫وأشنعع معا يكون الرقيعب إذا كان ممعن امتحعن بالعشعق قديماً ودهعى بعه وطالت‬

‫مدتعه فيعه ثعم عرى عنعه بععد إحكامعه لمعانيعه‪ ،‬فكان راغباً فعي صعيانة معن رقعب‬

‫عليعه‪ ،‬فتبارك ال أي رقبعة تأبعي منعه‪ ،‬وأي بلء مصعبوب يحعل على أهعل الهوى‬

‫من جهته‪ .‬وفي ذلك أقول‪:‬‬

‫وقاسى الوجد وامتنع المنامـا‬ ‫رقيب طالما عرف الغـرامـا‬


‫وكاد الحب يورده الحمـامـا‬ ‫ولقى في الهوى ألما ألـيمـا‬
‫ولم يضع الشارة والكـلمـا‬ ‫وأتقن حلية الصب المعـنـى‬
‫وصار يرى الهوى عارا وذاما‬ ‫وأعقبه التسلـي بـعـد هـذا‬
‫ليبعد عنه صبا مستـهـامـا‬ ‫وصير دون من أهوى رقيبـا‬
‫وأي مصيبة حلت لـمـامـا‬ ‫فإي بلية صـبـت عـلـينـا‬

‫ومن طريف معاني الرقباء أني أعرف محبين مذهبهما واحد في حب محبوب‬

‫واحد بعينه‪ ،‬فلعهدي بهما كل واحد منهما رقيب على صاحبه‪ .‬وفي ذلك أقول‪:‬‬

‫كلهما عن خدنه منحرف‬ ‫صبان هيمانان فـي واحـد‬


‫وليخلى الغير أن يعتلـف‬ ‫كالكلب في الرى ل يعتلف‬

‫الباب التاسع عشر‬

‫الوشي‬
‫ومعن آفات الحعب الوشععي‪ ،‬وهععو على ضربيعن أحدهمععا واش يريععد القطعع بيعن‬

‫المتحابين فقط‪ ،‬وإن هذا لفترهما سوءة‪ ،‬على أنه السم الذعاف والصاب الممقر‬

‫والحتعف القاصعد والبلء الوارد‪ .‬وربمعا لم ينجعع ترقيشعه‪ .‬وأكثعر معا يكون الوشعي‬

‫فإلى المحبوب‪ ،‬وأما الحب فهيهات‪ ،‬حال الجريض دون القريض‪ .‬ومنع الحرب‬

‫معن الطرب‪ ،‬شغله بمعا هعو مانعع له معن اسعتماع الواشعي‪ .‬وقعد علم الوشاة ذلك‪،‬‬

‫وإنمعا يقصعون إلى الخلي البال‪ ،‬الصعائل بحوزة الملك‪ ،‬المتعتعب عنعد أقعل سعبب‪.‬‬

‫وإن للوشاة ضروباً معن التنقيعل‪ ،‬فمنهعا أن يذكعر للمحبوب عمعن يحعب أنعه غيعر‬

‫كاتععم للسععر‪ ،‬وهذا مكان صعععب المعاناة‪ ،‬بطيععء البرء إل أن يوافععق معارضاً‬

‫للمحععب فععي محبتععه وهذا أمععر بوجععب النفار‪ ،‬فل فرج للمحبوب إل بأن تسععاعده‬

‫القدار بالطلع على بععض أسعرار معن يحعب‪ ،‬يععد أن يكون المحبوب ذا عقعل‪،‬‬

‫وله حظ من تمييز‪ ،‬ثم يدعه والمطاولة‪ .‬فإذا تكدب عنده نقل الواشي مع ما أظهر‬

‫مععن الجفاء والتحفععظ ولم يسععمع لسععره إذاعععة علم أنععه إنمععا زور له الباطععل‪،‬‬

‫واضمحل ما قام في نفسه ولقد شاهدت هذا بعينه لبعض المحبين مع بعض من‬

‫كان يحبععن‪ ،‬وكان المحبوب شديععد المراقبععة عظيععم الكتمان‪ ،‬وكثععر الوشاة بينهمععا‬

‫حتععى ظهرت أعلم ذلك فععي وجهععه وحدث فععي حععب لم يكععن‪ ،‬وركبتععه رحمععة‪،‬‬

‫وأظلته فكرة‪ .‬ودهمته حيرة‪ ،‬إلى إن ضاق صدره وباح بما نقل إليه‪ .‬فلو شاهدت‬

‫مقام المحب في اعتذاره لعلمت أن الهوى سلطان مطاع‪ ،‬وبناء مشدود الواخي‪،‬‬

‫وسنان نافذ‪ ،‬وكان اعتذاره بين الستسلم والعتراف‪ ،‬والنكار والتوبة والرمي‬

‫بالمقاليد‪ ،‬فبعد لي ما صلح المر بينهما‪.‬‬


‫وربما ذكر الواشي أن ما يظهر المحب من المحبة ليست بصحيحة‪ ،‬وأن مذهبه‬

‫في ذلك شفاء نفسه وبلوغ وطره‪ .‬وهذا فصل وإن كان شديداً في النقل فهو أيسر‬

‫معاناة ممعا قبله‪ ،‬فحالة المحعب غيعر حالة المتلذذ‪ ،‬وشواهعد الوجعد متفرقعة بينهمعا‪.‬‬

‫وقد وقع من هذا نبذ كافية في باب الطاعة‪ .‬وربما نقل الواشي أن هوى العاشق‬

‫مشترك وهذه النار المحرقة والوجع الفاشي في العضاء‪ ،‬وإذا وافق الناقل لهذه‬

‫ل إلى‬
‫المقالة أن يكون المحععب فتععى حسععن الوجععه حلو الحركات مرغوبًا فيععه مائ ً‬

‫اللذات دنياوي الطبعععع‪ ،‬والمحبوب امرأة جليلة القدر سعععرية المنصعععب‪ ،‬فأقرب‬

‫الشياء سعيها في إهلكه وتصديها لحتفه‪ .‬فكم صريع على هذا السبب‪ ،‬وكم من‬

‫سقى السم فقطع أمعاءه لهذا الوجه‪ .‬وهذه كانت ميتة مروان بن أحمد بن حدير‪،‬‬

‫والد أحمد المتنسك‪ ،‬وموسى وعبد الرحمن‪ ،‬المعروفين بابني لبنى‪ ،‬من قبل قطر‬

‫الندى جاريته‪ .‬وفي ذلك أقول محذراً لبعض أخواتي قطعة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫جهول لسباب الردي متـأرض‬ ‫وهل يأمن النسوان غير مغـفـل‬


‫ترشفه من طيب الطعم أبـيض‬ ‫وكم وارد حوضا من الموت أسود‬

‫والثاني واش يسعى للقطع بين المحبين لينفرد بالمحبوب ويستأثر به وهذا أشد‬

‫شيعععععععععععء وأقطععععععععععععه وأجزم لجتهاد الواشعععععععععععي واسعععععععععععتفادة جهده‪.‬‬

‫ومن الوشاة جنس ثالث‪ ،‬وهو واش يسعى بهما جميعاً ويكشف سرهما‪ ،‬وهذا ل‬

‫يلتفت إليه إذا كان المحب مساعداً‪ .‬وفي ذلك أقول‪:‬‬

‫ومابسوي أخبارنا يتـنـفـس‬ ‫عجبت لواش ظل يكشف أمرنا‬


‫أنا آكل الرمان والولد تضرس‬ ‫وماذا عليه من عنائي ولوعتي‬
‫ول بد أن أورد ما يشبه ما نحن فيه‪ ،‬وإن كان خارجاً منه‪ ،‬وهو شيء في بيان‬

‫التنقيل والنمائم‪ .‬فالكلم يدعو بعضه بعضاً كما شرطنا في أول الرسالة‪ ،‬وما في‬

‫جميععع الناس شععر مععن الوشاة‪ ،‬وهععم النمامون‪ ،‬وإن النميمععة لطبععع يدل على نتععن‬

‫الصعل ورداءة الفرع وفسعاد الطبعع وخبعث النشأة‪ ،‬ول بعد لصعاحبه معن الكذب‬

‫والنميمعة فرع معن فروع الكذب ونوع معن أنواععه‪ ،‬وكعل نمام كذاب‪ ،‬ومعا أحببعت‬

‫كذاباً قعط‪ ،‬وإني لسعامح فعي إخاء كعل ذي عيب وإن كان عظيماً‪ ،‬وأكعل أمره إلى‬

‫خالقعه ععز وجعل‪ ،‬وآخعذ معا ظهعر معن أخلقعه‪ ،‬حاشعى من أعلمعه يكذب فهعو عندي‬

‫ماح لكعل محاسعنه‪ ،‬ومععف على جميعع خصعاله‪ ،‬ومذهعب كعل معا فيعه‪ ،‬فمعا أرجعو‬

‫عنده خيراً أصلً‪ ،‬وذلك لن كل ذنب فهو يتوب عنه صاحبه وكل ذام فقد يمكن‬

‫الستتار به والتوبة منه‪ ،‬حاشى الكذب فل سبيل إلى الرجعة عنه ول إلى كتمانه‬

‫حيعث كان‪ .‬ومعا رأيعت قعط ول أخعبرني معز رأى كذاباً ترك الكذب ولم يععد إليعه‪،‬‬

‫ول بدأت قعط بقطيععة ذيعب معرفعة إل أن أطلع أله على الكذب‪ ،‬فحينئذ أكون أنعا‬

‫القاصعد إلى مجانبتعه والمتعرض لمتاركتعه‪ ،‬وهعي سعمة معا رأيتهعا قعط فعي أحعد إل‬

‫وهو مزنون في نفسه إليه بشق‪ ،‬مغموز عليه لعاهة سوء في ذاته‪ .‬نعوذ بال من‬

‫الخذلن‪.‬‬

‫و قال بععض الحكماء‪ :‬آخ معن شئت واجتنعب ثلثعة‪ :‬الحمعق فإنعه يريعد أن ينفععك‬

‫فيضرك والملول فشأنعععه أوثعععق معععا تكون بعععه لطول الصعععحب وتأكدهعععا يخذلك‬

‫والكذاب فإنعه يجنعي عليعك آمعن معا كنعت فيعه معن حيعث ل تشععر‪ .‬وحديعث ععن‬

‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬حسن العهد من اليمان‪ .‬وعنه عليه السلم‪ :‬ل‬

‫يؤمن الرجل باليمان كله حتى يدع الكذب في المزاح حدثنا بهذا أبو عمر أحمد‬
‫بن محمعد ععن محمعد بعن علي بن رفاععة ععن علي بعن عبعد العزيعز ععن أبعي عبيعد‬

‫القاسم بن سلم عن شيوخه‪ ،‬والخر منهما مسند إلى عمر بن الخطاب وابنه عبد‬

‫ال رضععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععي ال عنهمععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععا‪.‬‬

‫وال ععز وجعل يقول‪( :‬يعا أيهعا الذيعن آمنوا لم تقولون معا ل تفعلون‪ .‬كعبر مقتاً عنعد‬

‫ال أن تقولوا معا ل تفعلون) وععن رسعول ال صعلى ال عليعه وسعلم أنعه سعئل هعل‬

‫يكون المؤمعن بخيلً؟ فقال‪ :‬نععم‪ .‬قيعل‪ :‬فهعل يكون المؤمعن جباناً؟ فقال‪ :‬نععم‪ .‬قيعل‪:‬‬

‫فهعععععععععععععععععععععععععععععععععععل يكون المؤمعععععععععععععععععععععععععععععععععععن كذاباً؟ قال‪ :‬ل‪.‬‬

‫حدثنا أحمد بن محمد بن أحمد عن أحمد بن سعيد عن عبيد ال بن يحيى عن أبيه‬

‫عن مالك بن أنس عن صفوان بن سليم‪.‬‬

‫وبهذا السعناد‪ ،‬أن رسعول ال صعلى ال عليعه وسعلم قال‪ :‬ل خيعر فعي الكذب فعي‬

‫حديث سئل فيه‪.‬‬

‫وبهذا السعناد ععن مالك أنعه بلغعه ععن ابعن مسععود أنعه كان يقول‪ .‬ل يزال العبعد‬

‫يكذب وينكت في قلبه نكتة سوداء حتى يسود القلب فيكتب عن ال من الكذابين‪.‬‬

‫وبهذا السناد عن ابن مسعود رضي ال عنه أنه قال‪ :‬عليكم بالصدق فإنه يهدي‬

‫إلى البر ويهذي إلى الجنة‪ .‬وإياكم والكذب فإنه يهذي إلى الفجور والفجور يهذي‬

‫إلى النار‪.‬‬

‫وروى أنه أتاه صلى ال عليه وسلم رجل فقال‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬إني أستتر بثلث‬
‫الخمر والزنا والكذب‪ .‬فمرني أيهما أترك‪ .‬قال‪ :‬اترك الكذب فذهب منه‪ .‬ثم أراد‬

‫الزنا ففكر فقال‪ :‬آتي رسول ال صلى ال عليه وسلم فيسألني‪ :‬أزنيت؟ فإن قلت‪.‬‬

‫نععم‪ ،‬حدنعي‪ ،‬وإن قلت‪ :‬ل‪ .‬نقضعت العهعد‪ ،‬فتركعه‪ .‬ثعم كذلك فعي الخمعر‪ .‬فعاد إلى‬

‫رسععول ال صععلى ال عليععه وسععلم فقال‪ :‬يععا رسععول ال‪ ،‬إنععي تركععت الجميععع‪.‬‬

‫فالكذب أصعل كعل فاحشعة‪ ،‬وجامعع كعل سعوء‪ ،‬وجالب لمقعت ال ععز وجعل‪ .‬وععن‬

‫أبعي بكعر الصعديق رضعي ال عنعه أنعه قال كعل الخلل يطبعع عليهعا المؤمعن إل‬

‫الخيانة والكذب‪ .‬وعن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال‪ :‬ثلث من كن فيه‬

‫كان منافقاً‪ :‬معععععععن إذا وععععععععد أخلف‪ ،‬وإذا تحدث كذب‪ ،‬وإذا أؤتمعععععععن خان‪.‬‬

‫وهعل الكفعر إل كذب على ال ععز وجعل‪ ،‬وال الحعق وهعو يحعب الحعق وبالحعق‬

‫قامعت السعموات والرض‪ .‬ومعا رأيعت أخزى معن كذاب‪ ،‬ومعا هلكعت الدول ول‬

‫هلكعت الممالك ول سعفكت الدماء ظلماً ول هتكعت السعتار بغيعر النمائم والكذب‪،‬‬

‫ول أكدت البغضاء والحععن المرديععة إل بنمائم ل يحظععى صععاحبها إل بالمقععت‬

‫والخزي والذل‪ ،‬وأن ينظر منه الذي ينقل إليه فضلً عن غيره بالعين التي ينظر‬

‫بها من الكلب‪ .‬وال عز وجل يقول‪( :‬ويل لكل همزة لمزة)‪ .‬ويقول جل من قائل‪:‬‬

‫(يعا أيهعا الذيعن آمنوا إذ جاءكعم فاسعق بنبعإ فتعبينوا)‪ .‬فسعمى النقعل باسعم الفسعوق‪.‬‬

‫ويقول‪( :‬ول تطع كل حلف مهين هماز مشاء بنميم‪ .‬مناع للخير معتد أثيم‪ .‬عتل‬

‫بعععد ذلك زنيععم)‪ .‬والرسععول عليععه السععلم يقول‪( :‬ل يدخععل الجنععة قتات)‪ .‬ويقول‪:‬‬

‫(وإياكم وقاتل الثلثة)‪ .‬يعني المنقل والمنقول إليه والمنقول عنه والحنف يقول‪:‬‬

‫الثقعة ل يبلغ‪ ،‬وحعق لذي الوجهيعن أل يكون عنعد ال وجيهاً‪ .‬وهعو معا يجعله معن‬

‫أخس الطبائع وأرذلها‪.‬‬


‫ولي إلى أبعي إسعحاق إبراهيعم بعن عيسعى الثقفعي الشاععر رحمعه ال‪ ،‬وقعد نقعل إليعه‬

‫رجعل معن إخوانعي عنعي كذباً على جهعة الهزل‪ ،‬وكان هذا الشاععر كثيعر الوهعم‬

‫فأغضبعه وصعدقه‪ ،‬وكلهمعا كان لي صعديقاً‪ ،‬ومعا كان الناقعل إليعه معن أهعل هذه‬

‫الصعفة ولكنعه كان كثيعر المزاح جعم الدعابعة‪ .‬فكتبعت إلى أبعي إسعحاق‪ ،‬وكان يقول‬

‫بالخبر‪ ،‬شعراً منه‪:‬‬

‫ول تتبدل قـالة قـد سـمـعـتـهـا تقال ول تدري الصحيح بمـا تـدري‬
‫فلقى الردى في الفيح المهمة القفر‬ ‫كمن قد أراق المـاء لـلل إن بـدا‬

‫وكتبت إلى الذي نقل عني‪ ،‬شعراً منه‪:‬‬

‫فساد علج النفس طي صلحهـا‬ ‫ول تزعما في الجد مزحا كمولـج‬


‫كمثل الحبارى تتقي بسـلحـهـا‬ ‫ومن كان نقل الزور أمضى سلحه‬

‫وكان لي صديق مرة؛ وكثر التدخيل بيني وبينه حتى كدح ذلك فيه واستبان في‬

‫وجهه وفي لحظه‪ ،‬وطبعت على التأني والتربص والمسالمة ما أمكنت‪ ،‬ووجدت‬

‫بالنخفاض سبيلً إلى معاودة‪ ،‬المودة‪ ،‬فكتبت إليه شعراً منه‪:‬‬

‫بدت ما ادعى حسن الرماية وهرز‬ ‫ولي في الذي أبدى مرام لوانـهـا‬

‫وأقول مخاطباً لعبيعد ال بعن يحيعى الجزيري الذي يحفعظ لعمعه الرسعائل والبليغعة‬

‫وكان طبعع الكذب قعد اسعتولى عليعه واسعتحذ على عقله وألفعه وألفعة النفعس المعل‬

‫ويؤكععد نقله وكذبععه باليمان المؤكدة المغلطععة‪ ،‬مجاهراً بهععا أكذب مععن السععراب‬
‫مسعتهتراً بالكذب مشغوفاً بعه‪ ،‬ل يزال يحدث معن قعد صعح عنده أنعه ل يصعدقه فل‬

‫يزجره ذلك عن أن يحدث بالكذب‪:‬‬

‫وحال أرتني قبح عقدك بينـا‬ ‫بدا كل ما كتمته بين مخـبـر‬


‫كما تثبت الحكام بالحبل الزنا‬ ‫وكم حالة صارت بياننا بحالة‬

‫وفيه أقول قطعة منها‪:‬‬

‫وأقطع بين الناس من قصب الهند‬ ‫أنم من المرآة في كـل مـا درى‬
‫تحليله بالقطـع بـين ذوي الـود‬ ‫أظن المنايا والزمان تـعـلـمـا‬

‫وفيه أيضاً أقول من قصيدة طويلة‪:‬‬

‫وأقبح من دين وفـقـر مـلزم‬ ‫وأكذب من حسن الظنون حديثـه‬


‫وأهون من شكوى إلى غير راحم‬ ‫أوامر رب العرش أضيع عنـده‬
‫فلم يبق شتما في المقال أشـاتـم‬ ‫تجمع فيه كل خزي وفـضـحة‬

‫وأبرد بردا من مدينة سـالـم‬ ‫وأثقل من عذل على غير قابل‬


‫جمعن على حران حيران هائم‬ ‫وأبغض من بين وهجر ورقبة‬

‫وليعس معن نبعه غافلً‪ ،‬أو نصعح صعديقاً‪ ،‬أو حفعظ مسعلماً‪ ،‬أو حكعى ععن فاسعق‬

‫وأحدث ععععن عدو معععا لم يكعععن يكذب ول يكذب‪ ،‬ول تعمعععد الضغائن‪ ،‬متنقلً‪.‬‬

‫وهل هلك الضعفاء وسقط من ل عقل له إل في قلة المعرفة بالناصح من النمام‪،‬‬

‫وهما صفتان متقاربتان في الظاهر متفاوتتان فعي الباطن‪ ،‬أحدهما داء والخرى‬

‫دواء والثاقعب القريحعة ل يخفعى عليعه أمرهمعا‪ ،‬لكعن الناقعل معن كان تنقيله غيعر‬
‫مرضعى فعي الديانعة‪ ،‬ونوى بعه التشتيعت بيعن الولياء‪ ،‬والتضريعب بيعن الخوان‪،‬‬

‫والتحريش والتوبيش والترقيش‪ .‬فمن خاف إن سلك طريق النصيحة أن يقع في‬

‫طريععق النميمععة‪ ،‬ولم يثععق لنفاذ تمييزه ومضاء تقديره فيمععا يرده مععن أموره دنياه‬

‫ومعاملة أهل زمانه‪ ،‬فليجعل دينه دليلً له وسراجاً يستضيء به‪ ،‬فحيثما سلك به‬

‫سلك وحيثما أوقفه وقعف‪ .‬فشارع الشريعة وباعث الرسول عليه السلم ومرتب‬

‫الوامر والنواهي أعلم بطريق الحق وأدري بعواقب السلمة ومغبات النجاة من‬

‫كل ناظر لنفسه بزعمه؛ وباحث بقياسه في ظنه‪.‬‬

‫الباب العشرون‬

‫الوصل‬

‫ومعن وجوه العشعق الوصعل‪ ،‬وهعو حعظ رفيعع‪ ،‬ومرتبعة سعرية‪ ،‬ودرجعة عاليعة‪،‬‬

‫وسععد طالع‪ .‬بعل هعو الحياة المجدة‪ ،‬والعيعش السعني‪ ،‬والسعرور الدائم ورحمعة معن‬

‫ال عظيمعة‪ .‬ولول أن الدنيعا دار ممعر ومحنعة وكدر‪ ،‬والجنعة دار جزاء وأمان معن‬

‫المكاره‪ ،‬لقلنعا إن وصعل المحبوب هعو الصعفاء الذي ل كدر فيعه‪ ،‬والفرح الذي ل‬

‫شائبععة ول حزن معععه‪ ،‬وكمال المانععي؛ ومنتهععى الراجععي‪ .‬ولقععد جربععت اللذات‬

‫على تصرفها‪ ،‬وأدركت الحظوظ على اختلفها‪ ،‬فما للدنو من السلطان ول للمال‬

‫المسععتفاد‪ ،‬ول الوجود بعععد العدم‪ ،‬ول الوبععة بعععد طول الغيبععة ول المععن بعععد‬

‫الخوف‪ ،‬ول التروح على المال‪ ،‬معن الموقعع فعي النفعس معا للوصعل؛ ل سعيما بععد‬

‫طول المتناع‪ ،‬وحلول الهجعر حتعى يتأجعج عليعه الجوى‪ ،‬ويتوقعد لهيعب الشوق‪،‬‬
‫وتنصعرم نار الرجاء‪ .‬ومعا أصعناف النبات بععد غعب القطعر‪ ،‬ول إشراق الزاهيعر‬

‫بعععد إقلع السععحاب السععاريات فععي الزمان السععجسج ول خريععر المياه المتخللة‬

‫لفانين النوار‪ ،‬ول تأنق القصور البيض قد أحدقت بها الرياض الخضر‪ ،‬بأحسن‬

‫مععن وصععل حععبيب قععد رضيععت أخلقععه‪ ،‬وحمدت غرائزه‪ ،‬وتقابلت فععي الحسععن‬

‫أوصعافه‪ .‬وأنعه لمعجعز ألسعنة البلغاء‪ ،‬ومقصعر فيعه بيان الفصعحاء‪ ،‬وعنده تطيعش‬

‫اللباب‪ ،‬وتعزب الفهام‪ .‬وفي ذلك أقول‪:‬‬

‫وقد رأى الشيب في الفودين والعذر‬ ‫وسائل لي عما لي من الـعـمـر‬


‫عمرا سواها بحكم العقل والنظـر‬ ‫أجبته ساعة ل شـيء أحـسـبـه‬
‫أخبرتني أشنع النباء والـخـبـر‬ ‫فقال لي كيف ذا بينه لي فـلـقـد‬
‫قبلتها قبـلة يوم عـلـى خـطـر‬ ‫فقلت إن التي قلبي بـهـا عـلـق‬
‫تلك السويعة بالتحقيق من عمـري‬ ‫فما أعد ولو طالت سـنـي سـوى‬

‫ومعن لذيعذ معانعي الوصعل المواعيعد‪ ،‬وإن للوععد المنتظعر مكاناً لطيفاً معن شغاف‬

‫القلب‪ ،‬وهععو ينقسععم قسععمين‪ ،‬أحدهمعا الوعععد بزيارة المحععب لمحبوبععه وفيعه أقول‬

‫قطعة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫في نوره من سنا إشراقها عرضا‬ ‫أسامر البدر لما أبـطـأت وأرى‬
‫والوصل منبسطا والهجر منقبضا‬ ‫فبت مشترطا والود مختـلـطـا‬

‫والثاني انتظار الوعد من المحب أن يزور محبوبه‪ ،‬وإن لمبادئ الوصل وأوائل‬

‫السعععاف لتولجاً على الفؤاد ليععس لشيععء مععن الشياء‪ .‬وإنععي لعرف مععن كان‬

‫ممتحنعا بهوى فعي بععض المنازل المصعاقبة فكان يصعل متعى شاء بل مانعع ول‬

‫سععبيل إلى غيععر النظععر والمحادثععة زماناً طويلً‪ ،‬ليل متععى أحععب ونهاراً‪ ،‬إلى أن‬
‫ساعدته القدار بإجابة‪ ،‬ومكنته بإسعاد بعد يأسه‪ ،‬لطول المدة ولعهدي به قد كاد‬

‫أن يختلط عقله فرحاً‪ ،‬وما كاد يتلحق كلمه سروراً‪ ،‬فقلت في ذلك‪:‬‬

‫لكان ذنبي عند الـلـه مـغـفـورا‬ ‫برغبة لو إلى ربي دعـوت بـهـا‬
‫ولو دعوت بها أسد الـفـل لـغـدا إضرارها عن جميع الناس مقصورا‬
‫فاهتاج من لوعتي ما كان مغمـورا‬ ‫فجاد باللثم لي من بعد مـنـعـتـه‬
‫فغص فانصاع في الجداث مقبورا‬ ‫كشارب الماء كي يطفي الغليل بـه‬
‫وقلت‪:‬‬
‫وأعطيت عيني عنان الفـرس‬ ‫جرى الحب مني مجرى النفس‬
‫وربما جاد لي في الخـلـس‬ ‫ولي سـيد لـم يزل نـافـرا‬
‫فزاد أليل بقلـبـي الـيبـس‬ ‫فقبـلـتـه طـالـبـا راحة‬
‫يبيس رمى فيه رام قبـسـي‬ ‫وكان فؤادي كتبـت هـشـيم‬

‫ومنها‪:‬‬

‫عنيت بياقـوتة النـداس‬ ‫ويا جوهر الصين سحقا فقد‬

‫خعبر‪ :‬وإنعي لعرف جاريعة اشتعد وجدهعا بفتعى معن أبناء الرؤسعاء‪ ،‬وهعو ل علم‬

‫عنده‪ ،‬وكثععر غمهععا وطال أسععفها إلى أن ضنيععت بحبععه‪ ،‬وهععو بغرارة الصععبي ل‬

‫يشععر‪ .‬ويمنعهعا معن إبداء أمرهعا إليعه الحياء منعه لنهعا كانعت بكراً بخاتمهعا‪ ،‬معع‬

‫الجلل له عن الهجوم عليه بما ل تدري لعله ل يوافقه‪ .‬فلما تمادى المر وكانا‬

‫إلفين في النشأة‪ ،‬شكت ذلك إلى امرأة جزلة الرأي كانت تثق بها لتوليها تربيتها‪،‬‬

‫فقالت لهعا‪ :‬عرضعي له بالشععر‪ .‬ففعلت المرة بععد المرة وهعو ل يأبعه فعي كعل هذا‪،‬‬

‫ولقععد كان لقنًا ذكياً لم يظععن ذلك فيميععل إلى تنتيععش الكلم بوهمععه‪ ،‬إلى أن عيععل‬

‫صعبرها وضاق صعدرها ولم تمسعك نفسعها فعي قعدة كانعت لهعا مععه فعي بععض‬
‫الليالي منفردين‪ ،‬ولقد كان يعلم ال عفيفاً متصاوناً بعيداً عن المعاصي‪ ،‬فلما حان‬

‫قيامهعا عنعه بدرت إليعه فقبلتعه فعي فمعه ثعم ولت فعي ذلك الحيعن ولم تكلمعه بكلمعة‪،‬‬

‫وهي تتهادى في مشيها‪ ،‬كما أقول في أبيات لي‪:‬‬

‫قضيب نرجسة في الروض مياس‬ ‫كأنها حين تخطو فـي تـأودهـا‬


‫ففيه من وقعها خطر ووسـواس‬ ‫كأنما خلدها في قلب عاشـقـهـا‬
‫كد يعـاب ول بـطء بـه بـاس‬ ‫كأنما مشيها مشي الـحـمـامة ل‬

‫فبهعت وسعقط فعي يده وفعت فعي عضده ووجعد فعي كبده وعلتعه وجمعة‪ ،‬فمعا هعو إل‬

‫أن غابعت عنعه ووقعع فعي شرك الردى واشتعلت فعي قلبعه النار وتصععدت أنفاسعه‬

‫وترادفعت أرجاله وكثعر قلقعه وطال أرقعه‪ ،‬فمعا غمعض تلك الليله عيناً‪ ،‬وكان هذا‬

‫بدء الحععب بينهمععا دهراً‪ ،‬إلى أن جذت جملتهععا يععد النوى‪ .‬وإن هذا لمععن مصععائد‬

‫إبليععس ودواعععي الهوى التععي ل يقععف لهععا أحععد أل مععن عصععمه ال عععز وجععل‪.‬‬

‫ومن الناس من يقول‪ :‬إن دوام الوصل يودي بالحب‪ ،‬وهذا هجين من القول‪ ،‬إنما‬

‫ذلك لهععععععععععل الملل‪ ،‬بععععععععععل كلمععععععععععا زاد وصععععععععععلً زاد اتصععععععععععالً‪.‬‬

‫وعني أخبرك أني ما رويت قط من ماء الوصل ول زادني إل ظلماً‪ .‬وهذا حكم‬

‫معن تداوى برأيعه وإن ربعه عنعه سعريعاً‪ .‬ولقعد بلغعت معن التمكعن بمعن أحعب أبععد‬

‫الغايات التي ل يجد النسان وراءها مرمى‪ ،‬فما وجدتني إل مستزيداً‪ ،‬ولقد طال‬

‫بي ذلك فما أحسست بسآمة ول رهقتني فترة‪ ،‬ولقد ضمني مجلس مع بعض من‬

‫كنعت أحعب فلم أجعل خاطري فعي فعن معن فنون الوصعل إل وجدتعه مقصعراً ععن‬

‫مرادي وغيععر شاف وجدي ول قاض أقععل لبانععة مععن لباناتععي‪ ،‬ووجدتنععي كلمععا‬
‫ازددت دنواً ازددت ولوعاً‪ ،‬وقدحعت زناد الشوق نار الوجعد بيعن ضلوععي‪ ،‬فقلت‬

‫في ذلك المجلس‪:‬‬

‫وادخلت فيه ثم أطبق في صدري‬ ‫وددت بأن القلـب شـق بـمـدية‬


‫إلى مقتضى يوم القيامة والحشـر‬ ‫فأصبحت فيه ل تحـلـين غـيره‬
‫سكنت شغاف القلب في ظلم القبر‬ ‫تعيشين فيه ما حييت فـإن أمـت‬
‫ومععا فععي الدنيععا حالة تعدل محععبين إذا عدمععا الرقباء‪ ،‬وأمنععا الوشاة‪ ،‬وسععلما مععن‬

‫البيعن‪ ،‬ورغبعا ععن الهجعر‪ ،‬وبعدا ععن الملل‪ ،‬وفقدا العذال‪ ،‬وتوافقعا فعي الخلق‪،‬‬

‫وتكافيعا فعي المحبعة‪ ،‬وأتاح ال لهمعا رزقاً دارا‪ ،‬وعيشاً قاراً‪ ،‬وزماناً هادياً‪ ،‬وكان‬

‫اجتماعهمععا على مععا يرضععي الرب مععن الحال‪ ،‬وطالت صععحبتهما واتصععلت إلى‬

‫وقعت حلول الحمام الذي ل مرد له ول بعد منعه‪ ،‬هذا عطاء لم يحصعل عليعه أحعد‪،‬‬

‫وحاجة لم تقض لكل طالب‪ ،‬ولو ل أن مع هذه الحال الشفاق من بغتات المقادير‬

‫المحكمعة فعي غيعب ال ععز وجعل‪ ،‬معن حلول فراق لم يكتسعب؛ واخترام منيعة فعي‬

‫حال الشباب أو معا أشبعه ذلك‪ ،‬لقلت إنهعا حال بعيدة معن كعل آفعة‪ ،‬وسعليمة معن كعل‬

‫داخلة‪ .‬ولقد رأيت من اجتمع له هذا كله إل أنه كان دهى فيمن كان يحبه بشراسة‬

‫الخلق‪ ،‬ودالة على المحبة‪ ،‬فكانا ل يتهنيان العيش ول تطلع الشمس في يوم إل‬

‫وكان بينهمعا خلف فيعه‪ ،‬وكلهمعا كان مطبوعاً بهذا الخلق‪ .‬لثقعة لك واحعد منهمعا‬

‫بمحبععة صععاحبه‪ ،‬إلى أن دنععت النوى بينهمععا فتفرقععا بالموت المرتععب لهاذ العالم‪،‬‬

‫وفي ذلك أقول‪:‬‬

‫وكـــل أخـــلق مـــن‬ ‫كيف أذم الـــنـــوى‬


‫أحـــب نــــوى‬ ‫وأظـــلـــمـــهـــا‬
‫قد كان يكفي هوى أضيق به فكيف إذ حل‬
‫بي نوى وهوى‬

‫وروى ععن زياد بعن أبعي سعفيان رحمعه ال أنعه قال لجلسعاته‪ :‬معن أنععم الناس‬

‫عيشعة؟ قالوا‪ :‬أميعر المؤمنيعن‪ .‬فقال‪ :‬وأيعن معا يلقعى معن قريعش؟ قيعل‪ :‬فأنعت‪ .‬قال‪:‬‬

‫أيعن معا ألقعى معن الخوارج والثغور؟ قيعل فمعن أيهعا الميعر‪ .‬قال‪ :‬رجعل مسعلم له‬

‫زوجعة مسعلمة لهمعا كفاف معن العيعش قعد رضيعت بعه ورضعى بهعا ل يعرفنعا ول‬

‫نعرفعععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععه‪.‬‬

‫وهعل فيمعا وافعق إعجاب المخلوقيعن‪ ،‬وجل القلوب‪ ،‬واسعتمال الحواس‪ .‬واسعتهوى‬

‫النفوس‪ ،‬واسععتولى على الهواء‪ ،‬واقتطععع اللباب‪ ،‬واختلس العقول‪ ،‬مسععتحسن‬

‫يعدل إشفاق محعب على محبوب ولقعد شاهدت معن هذا المعنعى كثيراً‪ ،‬وإنعه لمعن‬

‫المناظعر العجيبعة الباعثعة على الرقعة الرائقعة المعنعى ل سعيما إن كان هوى يتكتعم‬

‫بعه‪ .‬فلو رأيعت المحبوب حيعن يعرض بالسعؤال ععن سعبب تغضبعه بحبعه‪ ،‬وخجلتعه‬

‫فععي الخروج ممععا وقععع فيععه بالعتذار‪ ،‬وتوجيهععه إلى غيععر وجهععه‪ ،‬وتحليله فععي‬

‫اسعتنباط معنعى يقيمعه عنعد جلسعائه‪ ،‬لرأيعت عجباً ولذة مخيفعة ل تقاومهعا لذة‪ ،‬و‬

‫رأيت أجلب للقلوب ول أغوص على حياتها ول أنفذ للمقاتل من هذا الغفل‪ ،‬وإن‬

‫للمحبين في الوصعل من العتذار ما أعجز أهل الذهان الذكية والفكار القوية‪.‬‬

‫ولقد رأيت في بعض المرات هذا فقلت‪:‬‬

‫جوزت ما شئت على الغافل‬ ‫إذا مزجت الحق بالبـاطـل‬


‫علمة تبدو إلى العـاقـل‬ ‫وفيهما فرق صـحـيح لـه‬
‫جازت على كل فتى جاهل‬ ‫كالتبر إن تمزج بـه فـضة‬
‫ميز بين المحض والحـائل‬ ‫وأن تصادف صائغا ماهـرا‬
‫وإني لعلم فتى وجارية كان يكلف كل واحد منهما بصاحبه‪ ،‬فكانا يضطجعان‬

‫إذا حضرهمعا أحعد وبينهمعا المسعند العظيعم معن المسعاند الموضوععة عنعد ظهور‬

‫الرؤسععاء على الفرش ويلتقععي رأسععاهما وراء المسععند ويقبععل كععل واحععد منهمععا‬

‫صاحبه ول يريان‪ ،‬وكأنهما إنما يتمدادن من الكلل‪ .‬ولقد كان بلغ من تكافئهما في‬

‫المودة آمراً عظيماً‪ ،‬إلى أن كان الفتععى المحععب ربمععا اسععتطال عليهععا‪ .‬وفععي ذلك‬

‫أقول‪:‬‬

‫طمت على السامع والقائل‬ ‫ومن أعاجيب الزمان التـي‬


‫وذلة المسـؤل لـلـسـائل‬ ‫رغبة مركوب إلى راكـب‬
‫وصولة المقتول للقـاتـل‬ ‫وطول مأسور إلـى آسـر‬
‫خضوع ممول إلـى آمـل‬ ‫ما إن سمعنا في الورى قبلها‬
‫تواضع المفعول للفـاعـل‬ ‫هل هاهنا وجه تراه سـوى‬

‫ولقعد حدثتنعي امرأة أثعق بهعا أنعه شاهدت فتعى وجاريعة كان يجعد كعل واحعد منهمعا‬

‫بصاحبه فضل وجد‪ ،‬قد اجتمعا في مكان على طرب‪ ،‬وفي يد الفتى سكين يقطع‬

‫بهععا بعععض الفواكععه‪ ،‬فجراهععا جراً زائداً فقطععع إبهامععه قطعاً لطيفاً ظهععر فيععه دم‪،‬‬

‫وكان على الجاريععة غللة قصععب خزائنيععة لهععا قيمععة‪ ،‬فصععرفت يدهعا وخرقيتهععا‬

‫وأخرجعت منهعا فضلة شعد بهعا إبهامعه‪ .‬وأمعا هذا الفععل للمحعب فقليعل فيمعا يجعب‬

‫عليعه‪ ،‬وفرض لزم وشريععة مؤداة‪ ،‬وكيعف ل وقعد بذل نفسعه ووهعب روحعه فمعا‬

‫يمنع بعدها‪.‬‬
‫خبر‪ :‬وأنا أدركت بنت زكريا بن يحيى التميمي المعروف بابن برطال‪ ،‬وعمها‬

‫كان قاضي الجماعة بقرطبة محمد بن يحيى‪ ،‬وأخوه الوزير القائد الذي كان قتله‬

‫غالب وقائدين له في الوقعة المشهورة بالثغور‪ ،‬وهما مروان بن أحمد بن شهيد‬

‫ويوسف ابن سعيد العكي‪ ،‬وكانت متزوجة بيحيى بن محمد ابن الوزير يحيى بن‬

‫إسحاق‪ ،‬فعاجلته المنية وهو في أغض عيشه وأنضر سرورهما‪ ،‬فبلغ من أسفها‬

‫عليه أن باتت معه في دثار واحد ليلة ما ت وجعلته آخر العهد به وبوصله‪ ،‬ثم لم‬

‫يفارقها السف بعده حين موتها‪.‬‬

‫وإن للوصععل المختلس الذي يخاتععل بععه الرقباء ويتحفععظ بععه مععن الحضععر‪ ،‬مثععل‬

‫الضحععك المسععتور‪ ،‬والنحنحععة‪ ،‬وجولن اليدي‪ ،‬والضغععط بالجناب‪ ،‬والقرص‬

‫باليد والرجل‪ ،‬لموقعاً من النفس شهياً‪ .‬وفي ذلك أقول‪:‬‬

‫ليس للوصل المكين الجلي‬ ‫إن للوصل الخفي محـلً‬


‫كمسير في خلل النقـي‬ ‫لذة أمرهـا بـارتـقـاب‬

‫خبر‪:‬‬
‫ولقعد حدثنعي ثقعة معن إخوانعي جليعل معن أهعل البيوتات أنعه كان علق فعي صعباه‬

‫جاريععة كانععت فععي بعععض دور آله‪ ،‬وكان ممنوعاً منهععا فهام عقله بهععا‪ .‬قال لي‪:‬‬

‫فتنزهنععا يوماً إلى بعععض ضياعناً بالسععهلة غربععي قرطبععة مععع بعععض أعمامععي‪،‬‬

‫فتمشينعا فعي البسعاتين وأبعدنعا ععن المنازل وانبسعطنا على النهار‪ .‬إلى أن غيمعت‬

‫السعماء وأقبعل الغيعث‪ ،‬فلم يكعن بالحضرة معن الغطاء معا يكفعي الجميعع‪ .‬قال‪ :‬فأمعر‬
‫عمعي ببععض الغطيعة فأليقعى علي وأمرهعا بالكتنان مععي‪ ،‬فظعن بمعا شئت معن‬

‫التمكععن على أعيععن المل وهععم ل يشعرون‪ ،‬ويالك مععن جمععع كخلء‪ ،‬واحتفال‬

‫كانفراد‪ .‬قال لي‪ :‬فوال ل نسععيت ذلك اليوم أبداً‪ .‬ولعهدي بععه وهععو يحدثنععي بهذا‬

‫الحديث وأعضاؤه كلها تضحك وهعو يهتز فرحاً على بععد العهعد وامتداد الزمان‪.‬‬

‫ففي ذلك أقول شعراً‪ ،‬منه‪:‬‬

‫كحبيب رآه صـب مـعـنـى‬ ‫يضحك الروض والسحائب تبكي‬

‫خبر‪ :‬ومن بديع الوصل ما حدثني به بعض إخواني أنه كان في بعض المنازل‬

‫المصعاقبة له هوى‪ ،‬وكان فعي المنزليعن موضعع مطلع معن أحدهمعا على الخعر‪،‬‬

‫فكانت تقف له في ذلك الموضع‪ ،‬وكان فيه بعض البعد‪ ،‬فتسلم عليه ويدها ملفوفة‬

‫فعي قميصعها‪ .‬فخاطبهعا مسعتخبراً لهعا عن ذلك‪ .‬فأجابتعه‪ :‬إنعه ربمعا أحعس معن أمرنعا‬

‫شيعء فوقعف لك غيري فسعلم عليعك فرددت عليعه‪ ،‬فصعح الظعن‪ ،‬فهذه علمعة بينعي‬

‫وبينععك فإذا رأيععت يداً مكشوفععة تشيععر نحوك بالسععلم فليسععت يدي فل تجاوب‪.‬‬

‫وربما استحلى الوصال واتفقت القلوب حتى يقع التخلج في الوصال‪ ،‬فل يلتفت‬

‫إلي لئم ول يسعتتم معن حافعظ ول يبالي بناقعل‪ ،‬بعل العذل حينئذ يغري‪ .‬وفعي صعفة‬

‫الوصل أقول شعراً‪ ،‬منه‪:‬‬

‫حصلت فيه كحصول الفراش‬ ‫كم درت حول الحب حتى لقد‬

‫ومنه‪:‬‬

‫كماسرى نحو سنا النار عـاش‬ ‫تعشو إلى الوصل دواعي الهوى‬
‫ومنه‪:‬‬

‫كمثل تعليل الظلماء العطاش‬ ‫عللني بالوصل مـن سـيدي‬

‫ومنه‪:‬‬

‫فالحسن فيه مستزيد وباش‬ ‫ل توقف العين على غاية‬

‫وأقول من قصيدة لي‪:‬‬

‫أم هل لعاني الحب من فادي‬ ‫هل لقيل الحـب مـن وادي‬


‫كمثل يوم مر فـي الـوادي‬ ‫أم هل لدهري عودة نحوهـا‬
‫يا عجبا للسابح الصـعـادي‬ ‫ظللت فيه سابـحـا صـاديا‬
‫تبصرني ألحـاظ عـوادي‬ ‫ضنيت يا مولي وجدا فمـا‬
‫عن أعين الحاضر والبـادي‬ ‫كيف اهتدي الوجد إلى غائب‬
‫يرحمني للسقـم حـسـادي‬ ‫مل مداواتي طبيبـي فـقـد‬

‫الباب الحادي والعشرون‬

‫الهجر‬

‫ومعن آفات الحعب أيضاً الهجعر‪ ،‬وهعو على ضروب‪ :‬فأولهعا هجعر يوجبعه تحفعظ‬

‫معن رقيعب حاضعر؛ وإنعه لحلى معن كعل وصعل‪ ،‬ولول أن ظاهعر اللفعظ وحكعم‬

‫التسعمية يوجب إدخاله فعي هذا الباب لرجععت بعه عنعه ولجللتعه ععن تسعطيره فيعه‪.‬‬

‫فحينئذ ترى الحععععبيب منحرفاً عععععن محبععععه مقبلً بالحديععععث على غيره معرضاً‬
‫بمعرض لئل تلحعق ظنتعه أو تسعبق اسعترابته‪ .‬وترى المحعب أيضاً كذلك‪ .‬ولكعن‬

‫طبععه له جاذب‪ ،‬ونفسعه له صعارفة بالرغعم‪ ،‬فتراه حينئذ منحرفاً كمقبعل‪ ،‬وسعاكناً‬

‫كناطق‪ ،‬وناظراً إلى جهة نفسه في غيرها‪ .‬والحاذق الفطن إذا كشف بوهمه عن‬

‫باطعن حديثهمعا علم أن الخافعي غيعر البادي‪ ،‬ومعا جهعر بعه غيعر نفعس الخعبر‪ ،‬وأنعه‬

‫لمن المشاهد الجالبة للفتن والمناظر المحركة للسواكن الباعثة للخواطر المهيجة‬

‫للضمائر الجاذبة للفتوة‪ .‬ولي أبيات في شيء من هذا أوردتها‪ .‬وإن كان فيها غير‬

‫هذا المعنى على ما شرطنا‪ ،‬منها‪:‬‬

‫كما عير الحوت النعامة بالصدى‬ ‫يلوم أبو العباس جهلً بطبـعـه‬

‫ومنها‪:‬‬

‫ول مكره إل لمر تـعـمـدا‬ ‫وكم صاحب أكرمته غير طائع‬


‫كما نصبوا للطير بالحب مصيدا‬ ‫وما كان ذاك البر إل لـغـيره‬

‫وأقول من قصيدة محتوية على ضروب من الحكم وفنون الداب الطبيعية‪:‬‬

‫وسراء أبنائي لـمـن أتـحـبـب‬ ‫وسراء أحشائي لمـن أنـا مـؤثـر‬


‫ويترك صفو الشهد وهو محـبـب‬ ‫فقد يشرب الصاب الكـريه لـعـلة‬
‫أريد وإني فيه أشـقـى وأتـعـب‬ ‫وأعدل في إجهاد نفسي فـي الـذي‬
‫يهل اللؤلؤ المكنـون والـدر كـلـه رأيت بغير الغوص في البحر يطلب‬
‫إذا في سواها صح ما أنـا أرغـب‬ ‫وأصرف نفسي عن وجوه طباعهـا‬
‫بما هو أدنى للـصـلح وأقـرب‬ ‫كما نسخ ال الـشـرائع قـبـلـنـا‬
‫ونعت سجاياي الصحيح المـهـذب‬ ‫وألقى سجايا كل خلق بـمـثـلـهـا‬
‫كما صار لون الـمـاء لـون إنـائه وفي الصل لون الماء أبيض معجب‬
‫ومنها‪:‬‬

‫حياتي بها والموت منهن يرهب‬ ‫أقمت ذوي ودي مقام طبائعـي‬

‫ومنها‪:‬‬

‫ول يقتضي ما في ضميري التجنب‬ ‫وما أنا ممـن تـطـبـيه بـشـاشة‬


‫وفي ظاهري أهل وسهل ومرحب‬ ‫أزيد نفارا عـنـد ذلـك بـاطـنـا‬
‫ومبدؤها في أول المر مـلـعـب‬ ‫فإني رأيت الحرب يعلو إشتعالـهـا‬
‫عجيب وتحت الوشي سم مـركـب‬ ‫وللحية الرقشاء وشـي ولـونـهـا‬
‫وفيه إذا هز الحـمـام الـمـذرب‬ ‫وإن فرند السيف أعجب مـنـظـرا‬
‫إذا هي نالت ما بها فيه مـذهـب‬ ‫وأجعل ذل النفس عـزة أهـلـهـا‬
‫ليأتي غدا وهو المصون المقـرب‬ ‫فقد يضع النسان في الترب وجهـه‬
‫من العز يتلوه من الذل مـركـب‬ ‫فذل يسوق العز أجود لـلـفـتـى‬
‫ورب طوى بالخصب آت ومعقـب‬ ‫وكم مأكل أربـت عـواقـب غـيه‬
‫وما ذاق عز النفس مـن ل يذلـهـا ول التذ طعم الروح من ليس ينصب‬
‫ألذ من العل الـمـكـين وأعـذب‬ ‫ورودك نهل الماء من بعد ظـمـأة‬

‫ومنها‪:‬‬

‫فرد طيبا إن لـم يتـح لـك أطـيب‬ ‫وفي كل مخلوق تـراه تـفـاضـل‬
‫ول ترضى ورد الريق إل ضـرورة إذا لم يكن في الرض حاشاه مشرب‬
‫ول تقربن ملـح الـمـياه فـإنـهـا شجى والصدى بالحر أولى وأوجـب‬

‫ومنها‪:‬‬

‫ل بمن هو يغلب‬
‫ول تك مشغو ً‬ ‫فخذ من جراها ما تيسر واقتنع‬
‫ول هي إن حصلت أم ول أب‬ ‫فما لك شرط عندهـا ل ول يد‬
‫ومنها‪:‬‬

‫وإن بعدت فالمر ينأى ويصعـب‬ ‫ول تيأسن مـمـا ينـال بـحـيلة‬
‫ول تلتبس بالضوء فالشمس تغرب‬ ‫ول تأمن الظلم فالفجر طـالـع‬
‫ومنها‪:‬‬

‫إذا طال ما يأتي عليه ويذهب‬ ‫ألح فإن الماء يكدح في الصفا‬
‫فعلت فماء المزن جم وينضب‬ ‫وكثر ول تفشل وقلل كثير مـا‬
‫وقام له منه غذاء مـجـرب‬ ‫فلو يتغذى المرء بالسم قـاتـه‬

‫ثعم هجعر يوجبعه التذلل‪ ،‬وهعو ألذ معن كثيعر الوصعال‪ ،‬ولذلك ل يكون إل ععن ثقعة‬

‫كعل واحعد معن المتحابيعن بصعاحبه‪ ،‬واسعتحكام البصعيرة فعي صعحة عقده فحينئذ‬

‫يظهعععر المحبوب هجراناً ليرى صعععبر محبعععه‪ ،‬وذلك لئل يصعععفو الدهعععر البتعععة‪،‬‬

‫وليأسف المحب إن كان مفرط العشق عند ذلك ل لما حل‪ ،‬لكن مخافة أن يترقى‬

‫المر إلى معا هعو أجعل‪ ،‬يكون ذلك الهجعر سعبباً إلى غيره‪ ،‬أو خوفاً من آفعة حادث‬

‫ملل‪ .‬ولقعد عرض لي فعي الصعبا هجعر معع بععض من كنعت آلف‪ ،‬على هذه الصعفة‬

‫وهعو ل يلبعث أن يضمحعل ثعم يعود‪ .‬فلمعا كثعر ذلك قلت على سعبيل المزاح شعراً‬

‫بديهياً ختمت كل بيت منه بقسم من أو قصيدة طرفة بن العبد المعلقة‪ ،‬وهي التي‬

‫قرأناهعا مشروحعة على أبعي سععيد الفتعى الجعفري ععن أبعي بكعر المقرئ ععن أبعي‬

‫جعفر النحاس‪ ،‬رحمهم ال‪ ،‬في المسجد الجامع بقرطبة‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫لخولة أطلل ببـرقة ثـمـهـد‬ ‫تذكرت ودا للـحـبـيب كـأنـه‬


‫يلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد‬ ‫وعهدي بعهد كان لي منه ثـابـت‬
‫ول آيسا أبكي وأبكي إلى الـغـد‬ ‫وقفت به ل موقنـا بـرجـوعـه‬
‫يقولون ل تهلك أسى وتـجـلـد‬ ‫إلى أن أطال الناس عذلي وأكثروا‬
‫خليا سفين بالعواصـف مـن دد‬ ‫كأن فنون السخط ممـن أحـبـه‬
‫يجور به الملح طورا ويهتـدي‬ ‫كأن انقلب الهجر والوصل مركب‬
‫كما قسم الترب المفـايل بـالـيد‬ ‫فوقت رضي يتلوه وقت تسـخـط‬
‫مظاهر سمطى لؤلؤ وزبـرجـد‬ ‫ويبسم نحوي وهو غضبان معرض‬

‫ثم هجر يوجبه العتاب لذنب يقع من المحب‪ ،‬وهذا فيه بعض الشدة‪ ،‬لكن فرحة‬

‫الرجععة وسعرور الرضعى يعدل معا مضعى‪ ،‬فإن لرضعى المحبوب بععد سعخطه لذة‬

‫في القلب ل تعدلها لذة‪ .‬وموقفاً من الروح ل يفوقه شيء من أسباب الدنيا‪ .‬وهل‬

‫شاهعد مشاهعد أو رأت عيعن أرقام فعي فكعر ألذ وأشهعى معن مقام قعد قام عنعه كعل‬

‫رقيععب‪ ،‬وبعععد عنععه كععل بغيععض‪ ،‬وغاب عنععه كععل واش‪ ،‬واجتمععع فيععه محبان قععد‬

‫تصعارما لذنعب وقعع معن المحعب منهمعا وطال ذلك قليلً‪ ،‬وبدأ بععض الهجعر ولم‬

‫يكعن ثعم مانعع معن الطالة للحديعث‪ ،‬فابتدأ المحعب فعي العتذار والخضوع والتذلل‬

‫والدلة بحجتععه مععن الدلل والذلل والتذمععم بمععا سععلف‪ ،‬فطوراً يدلي بععبراءته‪،‬‬

‫وطوراً يرد بالعفو ويستدعى المغفرة ويقر بالذنب ول ذنب له‪ ،‬ولحبوب في كل‬

‫ذلك ناظعر إلى الرض يسعارقه اللحععظ الخفععي وربمعا أدامععه فيعه ثعم يبسعم مخفياً‬

‫لتبسمه‪ ،‬وذلك علمة الرضى‪ .‬ثم ينجلي مجلسهما عن قبول العذر‪ ،‬ويقبل القول‪،‬‬

‫وامتحعت ذنوب النقعل‪ ،‬وذهبعت آثار السعخط‪ ،‬ووقعع الجواب بنععم وذنبعك مغفور‪،‬‬

‫ولو كان فكيععف ول ذنععب‪ ،‬وختمععا أمرهمععا بالوصععل الممكععن وسععقوط العتاب‬

‫والسعاد وتفرقا على هذا‪.‬‬

‫هذا مكان تتقاصععر دونععه الصععفات وتتلكععن بتحديده اللسععنة؛ ولقععد وطئت بسععاط‬
‫الخلفاء وشاهدت محاضععر الملوك فمععا رأيععت هيبععة تعدل هيبععة محععب لمحبوبععه‪،‬‬

‫ورأيعت تمكعن المتغلبيعن على الرؤسعاء وتحكعم الوزراء‪ .‬وانبسعاط مدبري الدول‪،‬‬

‫فمععا رأيععت أشععد تبجحاً ول أعظععم سععروراً بمعا هععو فيععه معن محععب أيقععن أن قلب‬

‫محبوبععععععععععه عنده ووثععععععععععق بميله إليععععععععععه وصععععععععععحة مودتععععععععععه له‪.‬‬

‫وحضرت مقام المعتذيعن بيعن أيدي السعلطين‪ ،‬ومواقعف المتهميعن بعظيعم الذنوب‬

‫مع المتمردين الطاغين‪ ،‬فما رأيت أذل من موقف محب هيمان بين يدي محبوب‬

‫غضبان قعد غمره السعخط وغلب عليعه الجفاء‪ .‬ولقعد امتحنعت المريعن وكنعت فعي‬

‫الحالة الولى أشعد معن الحديعد وأنفعذ معن السعيف‪ ،‬ل أجيعب إلى الدنيعة ول أسعاعد‬

‫على الخضوع‪ ،‬وفعي الثانيعة أذل معن الرداء‪ ،‬وأليعن معن القطعن‪ ،‬أبادر إلى أقصعى‬

‫غايات التذلل‪ ،‬وأغتنعم فرصعة الخضوع لو نجعع‪ ،‬وأتحلل بلسعاني‪ ،‬وأغوص على‬

‫دقائق المعانعي بعبياني‪ ،‬وأفنعن القول فنوناً‪ ،‬وأتصعدى لكعل معا يوجعب الترضعي‪.‬‬

‫والتجني بعض عوارض الهجران‪ ،‬وهو يقع في أول الحب وآخره‪ ،‬فهو في أوله‬

‫علمععععة لصععععحة المحبععععة‪ ،‬وفععععي آخره علمععععة لفتورهععععا وباب للسععععلو‪.‬‬

‫خعبر‪ :‬واذكعر فعي مثعل هذا أنعي كنعت مجتازًا فعي بععض اليام بقرطبعة فعي مقعبرة‬

‫باب عامر في أمة من الطلب وأصحاب الحديث‪ ،‬ونحن نريد مجلس الشيخ أبي‬

‫القاسعم عبعد الرحعم بعن أبعي يزيعد المصعري بالرصعافة أسعتاذي رضعي ال عنعه‪،‬‬

‫ومعنا أبو بكر عبد الرحمن بن سليمان البلوي من أهل سبتة‪ ،‬وكان شاعراً مفلقاً‬

‫وهو ينشد لنفسه في صفة متجن معهود أبياتاً له‪ ،‬منها‪:‬‬

‫إلى نقض أسباب المودة يسرع‬ ‫سريع إلى ظهر الطريق وإنه‬
‫إذا كان في ترقيعه يتقـطـع‬ ‫يطول علينـا أن نـرفـع وده‬
‫فوافعق إنشاد البيعت الول معن هذيعن البيتيعن خطور أبعي الحسعين بعن علي الفاس‬

‫رحمعه ال تعالى وهعو يؤم أيضاً مجلس ابعن أبعي يزيعد‪ ،‬فسعمعه فتبسعم رحمعه ال‬

‫نحونا وطوانا ماشياً وهو يقول‪ :‬بل إلى عقد المودة إن شاء ال‪ ،‬هذا على جد أبي‬

‫الحسين رحمه ال وفضله وتقربه وبراءته ونسكه وزهده وعلمه فقلت في ذلك‪:‬‬

‫واعقد حبال وصالنا يا ظالم‬ ‫دع عنك نقض مودتي متعمدا‬


‫كرها لما قال الفقيه العالـم‬ ‫ولترجعن أردته أو لم تـرد‬

‫ويقعع فيعه الهجعر والعتاب‪ .‬ولعمري إن فيعه إذا كان قليلً للذة‪ ،‬وأمعا إذا تفاقعم فهعو‬

‫فأل غير محمود‪ ،‬وأمارة وبيئة المصدر‪ ،‬وعلمة سوء‪ ،‬وهي بجملة المر مطية‬

‫الهجران‪ ،‬ورائد الصعريمة‪ ،‬ونتيجعة التجنعي‪ ،‬وعنوان الثقعل‪ ،‬ورسعول النفصعال‪،‬‬

‫وداعية القلى‪ ،‬ومقدمة الصد‪ ،‬وإنما يستحسن إذا لطف وكان أصله الشفاق‪ .‬وفي‬

‫ذلك أقول‪:‬‬

‫بما منه عتبت وأن تـزيدا‬ ‫لعلك بعد عتبك أن تجـودا‬


‫وأسمعنا بآخره الرعـودا‬ ‫فكم يوم رأينا فيه صحـوا‬
‫وأنت كذاك نرجو أن تعودا‬ ‫وعاد الصحو بعد كما علمنا‬

‫وكان سععبب قولي هذه البيات عتاب وقععع فععي يوم هذه صععفته مععن أيام الربيععع‬

‫فقلتها في ذلك الوقت‪ ،‬وكان لي في بعض الزمن صديقان وكانا أخوين فغابا في‬

‫سعفر ثعم قدمعا‪ ،‬وقعد أصعابني رمعد فتأخرا ععن عيادتعي‪ ،‬فكتبعت إليهمعا‪ ،‬والمخاطبعة‬

‫للكبر منهما‪ ،‬شعراً منه‪:‬‬


‫أخيك بمؤلمة السـامـع‬ ‫وكنت أعدد أيضا عـلـى‬
‫ء فما الظن بالقمر الطالع‬ ‫ولكن إذا الدجن عطى ذكا‬

‫ثعم هجعر يوجبعه الوشاة‪ ،‬وقعد تقدم القول فيهعم وفيمعا يتولد معن دبيعب عقاربهعم‪،‬‬

‫وربما كان سبباً للمقاطعة البتة‪.‬‬

‫ثم هجر الملل‪ ،‬والملل من الخلق المطبوعة في النسان‪ ،‬وأحرى لمن دهى به‬

‫أل يصعفو له صعديق‪ ،‬ول يصعح له إخاء‪ ،‬ول يثبعت على عهعد‪ ،‬ول يصعبر على‬

‫إلف‪ ،‬ول تطول مسععاعدته لمحععب‪ ،‬ول يعتقععد منععه ود ول بغععض‪ .‬وأولى المور‬

‫بالناس أل يغروه منهععم وأن يفروا عععن صععحبته ولقائه‪ .‬فلن يظفروا منععه بطائل‪،‬‬

‫ولذلك أبعدنا هذه الصفة عن المحبين وجعلناها في المحبوبين‪ ،‬فهم بالجملة أهل‬

‫التجني والتظني‪ .‬والتعرض للمقاطعة‪ .‬وأما من تزيا باسم الحب وهو ملول فليس‬

‫منهم‪ ،‬وحقه أل يتجرع مذاقه‪ ،‬وينفي عن أهل هذه الصفة ول يدخل في جملتهم‪.‬‬

‫وما رأيت قعط هذه الصفة أشعد تغلباً منها على أبي عامر محمعد بن عامر رحمه‬

‫ال‪ ،‬فلو وصعف لي واصعف بععض معا علمتعه منعه لمعا صعدقته وأهعل هذا الطبعع‬

‫أسعععرع الخلق محبعععة‪ ،‬وأقلهعععم صعععبراً على المحبوب وعلى المكروه والصعععد‪،‬‬

‫وانقلبهعم على الود على قدر تسعرعهم إليعه‪ .‬فلتثعق بملول ول تشغعل بعه نفسعك‪،‬‬

‫ول تعنهععا بالرجاء فععي وفائه‪ .‬فإن دفعععت إلى محبتععه ضرورة فعده ابععن سععاعته‪،‬‬

‫واسعتأنفه كعل حيعن معن أحيانعه بحسعب معا تراه معن تلونعه‪ ،‬وقابله بمعا يشاكله‪ .‬ولقعد‬

‫كان أبععو عامععر المحدث عنععه يرى الجاريععة فل يصععبر عنهععا‪ ،‬ويحيععق بععه مععن‬
‫الغتنام والهععم مععا يكاد أن يأتععي عليععه حتععى يملكهععا‪ ،‬ولو حال دونععه ذلك شوك‬

‫القتاد‪ ،‬فإذا أيقعن بتصعيرها إليعه عادت المحبعة نفاراً‪ ،‬وذلك النعس شروداً‪ ،‬والقلق‬

‫إليها قلقاً منها‪ ،‬ونزاعه نحوها نزاعاً عنها‪ ،‬فيبيعها بأوكس الثمان هذا كان دأبه‬

‫حتعى أتلف فيمعا ذكرنعا معن عشرات ألوف الدنانيعر عدداً عظيماً‪ ،‬وكان رحمعه ال‬

‫مععع هذا مععن أهععل الدب والحذق الذكاء والنبععل والحلوة والتوقععد‪ ،‬مععع الشرف‬

‫العظيععم والمنصععب الفخععم والجاه العريععض‪ .‬وأمععا حسععن وجهععه وكمال صععورته‬

‫فشيعء تقعف الحدود عنعه وتكعل الوهام عن وصعف أقله ول يتعاطى أحعد وصعفه‪.‬‬

‫ولقععد كانععت الشوارع تخلو مععن السععيارة ويتعمدون الخطور على باب داره فععي‬

‫الشارع الخذ من النهر الصغير على باب دارنا في الجانب الشرقي بقرطبة إلى‬

‫الدرب المتصعل بقصعر الزاهرة‪ ،‬وفعي هذا الدرب كانعت داره رحمعه ال ملصعقة‬

‫لنا‪ ،‬ل لشيء إل للنظر منه‪ .‬ولقد مات من محبته جوار كن علقن أو هامهن به‪،‬‬

‫ورثيعععن له فخانهعععن ممعععا أملنعععه منعععه‪ ،‬فصعععرن رهائن البلى وقتلتهعععن الوحدة‪.‬‬

‫وأنا أعرف جارية منهن كانت تسمى عفراء‪ ،‬عهدي بها ل تتستر بمحبته حيثما‬

‫جلسعت‪ ،‬ول تجعف دموعهعا‪ ،‬وكانعت قعد تصعيرت معن داره إلى البركات الخيال‬

‫صاحب الفتيان‪ .‬ولقد كان رحمه ال يخبرني عن نفسه أنه يمل اسمه فضلً عن‬

‫غير ذلك‪.‬‬

‫وأما إهوانه فإنه تبدل بهم في عمره على قصره مراراً‪ ،‬وكان ل يثبت على زي‬

‫واحععد كأبععي براقععش‪ ،‬حيناً يكون فععي ملبععس الملوك وحينًا فععي ملبععس الفتاك‪.‬‬

‫فيجعب على معن امتحعن بمخالطعة معن هذه صعفته على أي وجعه كان أل يسعتفرغ‬
‫عامعة جهده فعي محبتعه‪ ،‬وأن يقيعم اليأس معن دوامعه خصعما لنفسعه؛ فإذا لحعت له‬

‫مخايل الملل قاطعة أياماً حتى ينشط باله‪ ،‬ويبعد به عنه‪ ،‬ثم يعاوده‪ ،‬فربما دامت‬

‫المودة مع هذا‪ .‬وفي ذلك أقول‪:‬‬

‫ليس الملول بعده‬ ‫ل ترجون ملولً‬


‫عارية مستـرده‬ ‫ود الملول فدعه‬

‫ومعن الهجعر ضرب يكون متوليعه المحعب‪ ،‬وذلك عندمعا يرى معن جفاء محبوبعه‬

‫والميل عنه إلى غيره‪ ،‬أو لثقيل يلزمه‪ ،‬فيرى الموت ويتجرع غصص السى‪،‬‬

‫والععض على نقيعف الحنظعل أهون من رؤيعة مايكره‪ ،‬فينقطع وكبده تتقطعع‪ ،‬وفعي‬

‫ذلك أقول‪:‬‬

‫يا عجبا للعاشق الـهـاجـر‬ ‫هجرت من أهواه ل عن قلى‬


‫إلى محبا الـرشـأ الـغـادر‬ ‫لكن عيني لم تطـق نـظـرة‬
‫يباح لـلـوارد والـصـادر‬ ‫فالموت أحلى مطمعا من هوى‬
‫فاعجب لصب جزع صابـر‬ ‫وفي الفؤاد الـنـار مـذكـية‬
‫تقية الـمـأسـور لـلسـر‬ ‫وقد أبـاح الـلـه فـي دينـه‬
‫حتى ترى المؤمن كالكـافـر‬ ‫وقد أحل الكفر خوف الـردى‬

‫خبر‪:‬‬
‫ومن عجيب ما يكون فيها وشنيعه أني أعرف من هام قلبه بمتناه عنه نافر منه‪،‬‬

‫فقاسى الوجد زمناً طويلً‪ ،‬ثم سنحت له اليام بسانحة عجيبة من الوصل أشرف‬

‫بهعا على بلوغ أمله‪ ،‬فحيعن لم يكعن بينعه وبيعن غايعة رجائه إل كهؤلء عاد الهجعر‬

‫والبعد إلى أكثر ما كان قبل‪ .‬فقلت في ذلك‪:‬‬

‫مقرونة في البعد بالمشتـرى‬ ‫كانت إلى دهري لي حـاجة‬


‫كانت من القرب على محجر‬ ‫فساقها باللطـف حـتـى إذا‬
‫لم تبد للعين ولم تـظـهـر‬ ‫أبعدها عني فـعـادت كـأن‬

‫وقلت‪:‬‬

‫يدا فانثني نحو الـمـجـرة راحـلً‬ ‫دنا أمـلـي حـتـى مـددت لخـذه‬
‫فأصبحت ل أرجو وقد كنت موقـنـا وأضحى مع الشعري وقد كان حاصلً‬
‫ل فأصبـحـت آمـلً‬
‫وقد كنت مأمو ً‬ ‫وقد كنت محسودا فأصبحت حـاسـدا‬
‫فل يأمنن الدهر من كـان عـاقـلً‬ ‫كذا الدهر في كراتـه وانـتـقـالـه‬

‫ثعم هجعر القلى‪ ،‬وهنعا ضلت السعاطير ونفدت الحيعل وعظعم البلء؛ وهعو الذي‬

‫خلى العقول ذواهل‪ ،‬فمن دهى بهذه الداهية فليتصد لمحبوب محبوبه‪ ،‬وليتعمد ما‬

‫يعرف أنعه يسعتحسنه‪ .‬ويجعب أن يجتنعب معا يدري أنعه يكرهعه‪ ،‬فربمعا عطفعه ذلك‬

‫عليعه إن كان المحبوب ممعن يدري قدر الموافقعة والرغبعة فيعه‪ ،‬وأمعا معن لم يعلم‬

‫قدر هذا فل طمععع فععي اسععتصرافه‪ ،‬بععل حسععناتك عنده ذنوب‪ .‬فإن لم يقدر المرء‬

‫على اسععتصرافه فليتعمععد السععلوان وليحاسععب نفسععه بمععا هععو فيععه مععن البلء‬

‫والحرمان‪ ،‬ويسععى فعي نيعل رغبتعه على أي وجعه أمكنعه‪ .‬ولقعد رأيعت معن هذه‬

‫صفته‪ ،‬وفي ذلك أقول قطعة أولها‪:‬‬

‫لقال إذا يا ليتني في المقابـر‬ ‫دهيت بمن لو أدفع الموت دونه‬

‫ومنها‪:‬‬

‫إلى الورد والدنيا تسيء مصادري‬ ‫ول ذنب لي إذ صرت أحدو ركائبي‬
‫إذا قصرت عنها ضعاف البصائر‬ ‫وماذا على الشمس المنيرة بالضحى‬
‫وأقول‪:‬‬

‫وأحسن الوصل بعد هجر‬ ‫ما أقبح الهجر بعد وصل‬


‫والفقر يأتيك بعـد وفـر‬ ‫كالو فر تحويه بعد فقـر‬

‫وأقول‪:‬‬

‫والدهر فيك اليوم صنفـان‬ ‫معهود أخلقك قـسـمـان‬


‫وكان للنعـمـان يومـان‬ ‫فإنك النعمان فيما مـضـى‬
‫ويوم بـأسـاه وعــدوان‬ ‫يوم نعيم فيه سعـد الـورى‬
‫مى منك ذو بؤس وهجران‬ ‫فيوم نعماك لـغـيري ويو‬
‫لن تجـازيه بـإحـسـان‬ ‫أليس حبي لك مـسـاهـلً‬

‫وأقول قطعة منها‪:‬‬

‫فيه كنظم الدر في العقـد‬ ‫يا من جميع الحسن منتظم‬


‫قصدا ووجهك طالع السعد‬ ‫ما بال حتفي منك يطرقني‬

‫وأقول قصيدة أولها‪:‬‬

‫وليلة بيني منك أم ليلة الـقـشـر‬ ‫أساعة توديعك أم ساعة الـحـشـر‬


‫ويرجو التلقي أم عذاب ذوي الكفر‬ ‫وهجرك تعذيب الموحد ينقـضـي‬

‫ومنها‪:‬‬

‫تحاكي لنا النيلوفر الغض في النشر‬ ‫سقى ال أياما مـضـت ولـيالـيا‬


‫وأوسطه الليل المقصر للـعـمـر‬ ‫فأوراقه اليام حـسـنـا وبـهـجة‬
‫تمر فل ندري وتأتي فـل نـدري‬ ‫لهونا بها فـي غـمـرة وتـآلـف‬
‫ول شك حسن العقد أعقب بالغـدر‬ ‫فأعقبـنـا مـنـه زمـان كـأنـه‬

‫ومنها‪:‬‬

‫يعود بوجه مقبل غير مدبـر‬ ‫فل تيأسي يا نفس عل زماننا‬


‫إليهم ولوذي بالتجمل والصبر‬ ‫كما صرف الرحمن ملك أمية‬

‫وفي هذه القصيدة أمدح أبا بكر هشام بن محمد أخا أمير المؤمنين عبد الرحمن‬

‫المرتضى رحمه ال‪.‬‬

‫فأقول‪:‬‬

‫أليس يحيط الروح فينـا بـكـل مـا دنا وتناءى وهو في حجب الصـدر‬
‫محيط بما فيه وإن شئت فاستـقـر‬ ‫كذا الدهر جسم وهو في الدهر روحه‬

‫ومنها‪:‬‬

‫تقبلها منهم يقاوم بـالـشـكـر‬ ‫إتاوتها تـهـدي إلـيه ومـنـه‬


‫غزارته ينصب في لجج البحر‬ ‫كذا كل نهر في البلد وأن طمت‬
‫الباب الثاني والعشرون‬

‫الوفاء‬

‫ومن حميد الغرائز وكريم الشيم وفاضل الخلق في الحب وغيره الوفاء‪ ،‬وإنه‬

‫لمععن أقوى الدلئل وأوضععح البراهيععن على طيععب الصعععل وشرف العنصععر‪،‬‬

‫يتفاضل بالتفاضل اللزم للمخلوقات‪ .‬وفي ذلك أقول قطعة منها‪:‬‬

‫والعين تغنيك عن أن تطلب الثرا‬ ‫أفعال كل أمرئ تنبى بعنـصـره‬

‫ومنها‪:‬‬

‫أو تذخر النحل في أوكارها الصبرا‬ ‫وهل ترى قط دفلى أنبتت عـنـبـا‬

‫وأول مراتب الوفاء أن يفي النسان لمن يفي له‪ ،‬وهذا فرض لزم وحق واجب‬

‫على المحععب والمحبوب‪ ،‬ل يحول عنععه إل خععبيث المحتععد ل خلق له ول خيععر‬

‫عنده‪ .‬ولول أن رسععالتنا هذه لم نقصععد بهععا الكلم فععي أخلق النسععان وصععفاته‬

‫المطبوععة والتطبعع ومعا يزيعد من المطبوع بالتطبعع ومعا يضمحعل معن التطبع بععد‬

‫الطبعع‪ ،‬لزدت فعي هذا المكان معا يجعب أن يوضعع فعي مثله‪ ،‬ولكنعا إنمعا قصعدنا‬

‫التكلم فيمعا رغبتعه معن أمعر الحعب فقعط‪ .‬وهذا أمعر كان يطول جداً إذ الكلم فيعه‬

‫يتفتن كثيراً‪.‬‬

‫خعبر‪ :‬ومعن أرفعع معا شاهدتعه معن الوفاء فعي هذا المعنعى وأهوله شأنًا قصعة رأيتهعا‬
‫عياناً‪ ،‬وهو أني أعرف من رضي بقطيعة محبوبه وأعز الناس عليه؛ ومن كان‬

‫الموت عنده أحلى معن هجعر سعاعة فعي جنعب طيعه لسعر أودععه‪ ،‬وألزوم محبوبعه‬

‫يميناً غليظعة أل يكلمعه أبداً ول يكون بينهمعا خعبر أو يفضعح إليعه ذلك السعر‪ .‬على‬

‫أن صعاحب ذلك السعر كان غائبًا فأبعى معن ذلك وتمادى وهعو على كتمانعه والثانعي‬

‫على هجرانععععععععععععععععععععه إلى أن فرقععععععععععععععععععععت بينهمععععععععععععععععععععا اليام‪.‬‬

‫ثععم مرتبععة ثانيععة وهععو الوفاء لمععن غدر‪ ،‬وهععي للمحععب دون المحبوب‪ ،‬وليععس‬

‫للمحبوب هاهنعا طريعق ول يلزمعه ذلك‪ ،‬وهعي خطعة ل يطيقهعا إل جلد قوي واسعع‬

‫الصعدر حعر النفعس عظيعم الحلم جليعل الصعبر حصعيف العقعل ماجعد الخلق سعالم‬

‫النيعة‪ .‬ومعن قابعل الغدر بمثله فليعس بمسعتأهل للملمعة‪ ،‬ولكعن الحال التعي قدمنعا‬

‫تفوفهععا جدا وتفوتهععا بعداً‪ .‬وغايععة الوفاء فععي هذه الحال ترك مكافأة الذى بمثله‪،‬‬

‫والكعف ععن سعيء المعارضعة بالفععل والقول‪ ،‬والتأنعي فعي جعر حبعل الصعحبة معا‬

‫أمكن‪ ،‬ورجيت اللفة‪ ،‬وطمع فعي الرجعة‪ ،‬ولحت للعودة أدنعى مخيلة‪ ،‬وشيمعت‬

‫منهعا أقعل بارقعة‪ ،‬أو توجعس منهعا أيسعر علمعة‪ .‬فإذا وقعع اليأس واسعتحكم الغيعظ‬

‫حينئذ والسعلمة معن غرك والمعن معن ضرك والنجاة معن أذاك‪ ،‬وأن يكون ذكعر‬

‫معا سعلف مانعاً معن شفاء الغيعظ فيمعا وقعع‪ ،‬فرععى الذمعة حعق وكيعد على أهعل‬

‫العقول‪ ،‬والحنيعن إلى معا مضعى وأل ينسعى معا قعد فرغ منعه وفنيعت مدتعه أثبعت‬

‫الدلئل على صحة الوفاء وهذه الصفة حسنة جداً وواجب استعمالها في كل وجه‬

‫معععععععععن وجوه معاملت الناس فيمعععععععععا بينهعععععععععم على أي حال كانعععععععععت‪.‬‬

‫خعبر‪ :‬ولعهدي برجعل معن صعفوة إخوانعي قعد تعلق بجاريعة فتأكعد الود بينهمعا‪ ،‬ثعم‬

‫غدرت بعهده ونقضعععععععت وده وشاع خبرهمعععععععا‪ ،‬فوجعععععععد لذلك وجدًا شديداً‪.‬‬
‫خبر‪ :‬وكان لي مرة صديق ففسدت نيته بعد وكيد مودة ل يكفر بمثلها‪ ،‬وكان علم‬

‫كل واحد منا سر صاحبه‪ ،‬وسقطت المؤونة‪ ،‬فلما تغير علي أفشعى كل ما اطلع‬

‫لي عليه مما كنت اطلعت منه على أضعافه‪ ،‬ثم اتصل به أن قوله في قد بلغني‪،‬‬

‫فجزع لذلك وخشعي أن أقارضعه على قبيعح فعلتعه‪ .‬وبلغنعي ذلك فكتبعت إليعه شعراً‬

‫أؤنسه فيه وأعمله أني ل أقارضه‪.‬‬

‫خعبر‪ :‬وممعا يدخعل فعي هذا الدرج‪ ،‬وإن كان ليعس منعه ول هذا الفصعل المتقدم معن‬

‫جنس الرسالة والباب ولكنه شبيه له على ما قد ذكرنا وشرطنا‪ ،‬وذلك أن محمعد‬

‫بعن وليعد بعن مكسعير الكاتعب كان متصعلً بعي ومنقطعاً إلى أيام وزارة أبعي رحمعة‬

‫ال عليعه‪ ،‬فلمعا وقعع بقرطبعة معا وقعع وتغيرت أحوال خرج إلى بععض النواحعي‬

‫فاتصعل بصعاحبها فعرض جاهعه وحدثعت له وجاهعة وحال حسعنة‪ .‬فحللت أنعا تلك‬

‫الناحيعة فعي بععض رحلتعي فلم يوفنعي حقعي بعل ثقعل عليعه مكانعي وأسعاء معاملتعي‬

‫وصحبتي‪ ،‬وكلفته في خلل ذلك حاجة لم يقم فيها ول قعد واشتغل عنها لما ليس‬

‫فعي مثله شغعل‪ .‬فكتبعت إليعه شعراً أعاتبعه فيعه‪ ،‬فجاوبنعي مسعتعتباً على ذلك‪ .‬فمعا‬

‫كلفته حاجة بعدها‪ .‬ومما لي في هذا المعنى وليس من جنس الباب ولكنه يشبهه‬

‫أبياتاً قلتها‪ ،‬منها‪:‬‬

‫لكن كتمك ما أفشاه مغـشـيه‬ ‫وليس يحمد كتمان لمكـتـتـم‬


‫قل الوجود له أوضن معطـيه‬ ‫كالجود بالوفر أسنى ما يكون إذا‬
‫ثععم مرتبععة ثالثععة وهععي الوفاء مععع اليأس البات‪ ،‬وبعععد حلول المنايععا وفجاءات‬

‫المنون‪ .‬وإن الوفاء في هذه الحالة لجل وأحسن منه في الحياة ومع رجاء اللقاء‪.‬‬
‫وخبر‪:‬‬
‫ولقد حدثتني امرأة أثق بها أنها رأت في دار محمد بن أحمد بن وهب المعروف‬

‫بابعن الركيزة معن ولد بدر الداخعل معع المام عبعد الرحمعن بعن معاويعة رضعي ال‬

‫عنه جارية رائعة جميلة كان لها مولى فجاءته المنية فبيعت في تركته‪ ،‬فأبت أن‬

‫ترضععى‪ ،‬بالرجال بعده ومعا جامعهععا رجععل إلى أن لقيعت ال عععز وجععل‪ .‬وكانعت‬

‫تحسن الغناء فأنكرت علمها به ورضيت بالخدمة والخروج عن جملة المتخذات‬

‫للنسل واللذة والحال الحسنة‪ ،‬وفاء منها لمن قد دثرووارته الرض والتأمت عليه‬

‫الصفائح ولقد رامها سيدها المذكور أن يضمها إلى فراشه مع جواريه ويخرجها‬

‫مما هي فيه فأبت‪ ،‬فضربها غير مرة وأوقع بها الدب‪ ،‬فصبرت على ذلك كله‪.‬‬

‫فأقامععععععععععت على امتناعهععععععععععا‪ .‬وإن هذا مععععععععععن الوفاء غريععععععععععب جداً‪.‬‬

‫وأعلم أن الوفاء على المحععب أوجلب منععه على المحبوب وشرطععه له الزم‪ ،‬لن‬

‫المحععب هععو البادي باللصععوق والتعرض لعقععد الذمععة والقاصععد لتأكيععد المودة‬

‫والمسععتدعى صععحة العشرة‪ ،‬ول أول فععي عدد طلب الصععفياء‪ ،‬والسععابق فععي‬

‫ابتغاء اللذة باكتسععاب الخلة‪ ،‬والمقيععد نفسععه بزمام المحبععة قععد عقلهععا بأوثععق عقال‬

‫وخطمهععا بأشععد خطام‪ ،‬فمععن قسععره على هذا كله إن لم يرد إتمامععه؟ ومععن أجععبره‬

‫على اسعتجلب المقعة وإن لم ينعو ختمها بالوفاء لمعن أراده عليهعا؟ والمحبوب إنمعا‬

‫هععو مجلوب إليععه ومقصععود نحوه ومخيععر فععي القبول أو الترك فإن قبععل فغايععة‬

‫الرجاء‪ ،‬وإن أبععى فغيععر مسععتحق للذم‪ .‬وليععس التعرض للوصععل واللحاح فيععه‬

‫والتأني لكل ما يستجلب به من الموافقة وتصفية الحضرة والمغيب من الوفاء في‬

‫شيعء فحعظ نفسعه أراد الطالب‪ ،‬وفعي سعروره سععى وله احتطعب‪ .‬والحعب يدعوه‬
‫ويحدوه على ذلك شاء أو أبعى‪ ،‬وإنمعا يحمعد الوفاء ممعن يقدر على تركعه‪ .‬وللوفاء‬

‫شروط على المحععبين لزمععة‪ .‬فأولهععا أن يحفععظ عهععد محبوبععه ويرعععى غيبتععه‪،‬‬

‫وتسععتوي علنيتععه وسععريرته‪ ،‬ويطوي شره وينشععر خيره‪ ،‬ويغطععي على عيوبععه‬

‫ويحسعن أفعاله‪ ،‬ويتغافعل عمعا يقعع منعه على سعبيل الهفوة ويرضعى بمعا حمله ول‬

‫يكثر عليه بما ينفر منه‪ ،‬وأل يكون طلعة ثؤوباً ول ملة طروقاً‪ .‬وعلى المحبوب‬

‫إن سععاواه فععي المحبععة مثععل ذلك‪ ،‬وإن كان دونععه فيهععا فليععس للمحععب أن يكلفععه‬

‫الصعود إلى مرتبته ول له الستشاطة عليه بأن يسومه الستواء معه في درجته‪.‬‬

‫وبحسعبه منععه حينئذ كتمان خعبره وأل يقابله بمعا يكره ول يخيفععه بعه‪ ،‬وإن كانعت‬

‫الثالثعة وهعي السعلمة ممعا يلقعى بالجملة فليقنعع بمعا وجعد‪ ،‬وليأخعذ معن المعر معا‬

‫اسعتدف ول يطلب شرطاً ول يقترح حقاً‪ .‬وإنمعا له معا سعنح بحده أو معا حان بكده‪،‬‬

‫وأعلم أنعه ل يسعتبين قبعح الفععل لهله‪ ،‬ولذلك يتضاععف قبحعه عنعد معن ليعس معن‬

‫ذويععه ول أقول قولي هذا ممتدحاً ولكععن آخذاً بأدب ال عععز وجععل‪( :‬وأمععا بنعمععة‬

‫ربك فحدث)‪.‬‬

‫لقعد منحنعي ال ععز وجعل معن الوفاء لكعل معن يمعت إلى بلقيعه واحدة‪ ،‬ووهبنعي معن‬

‫المحافظعة لمعن يتذمعم منعي ولو بمحادثتعه سعاعة حظاً؟ أنعا له شاكعر وحامعد ومنعه‬

‫مسعتمد ومسعتزيد‪ ،‬ومعا شيعء أثقعل علي معن الغدر‪ ،‬ولعمري معا سعمعت نفسعي قعط‬

‫فعي الفكرة فعي إضرار معن بينعي وبينعه أقعل ذمام‪ ،‬وإن عظمعت جريرتعه وكثرت‬

‫إلى ذنوبه‪ ،‬ولقد دهمني من هذا غير قليل فما جزيت على السوءى إل بالحسني‪،‬‬
‫والحمد ل على ذلك كثيراً‪ ،‬وبالوفاء أفتخر في كلمة طويلة ذكرت فيها ما مضنا‬

‫من النكبات‪ ،‬ودهمنا من المحل والترحال والتحول في القاق‪ .‬أولها‪:‬‬

‫وصرح الدمع ما تخفيه أضلعه‬ ‫ولي فولى جميل الصبر يتبعـه‬


‫حل الفراق عليه فهو موجعـه‬ ‫جسم ملول وقلـب آلـف فـإذا‬
‫ول تدفأ منه قط مضـجـعـه‬ ‫لم تستقـر بـه دار ول وطـن‬
‫تزال ريح إلى الفاق تدفـعـه‬ ‫كأنما صيغ من رهو السحاب فما‬
‫نفس الكفور فتأبى حين تودعـه‬ ‫كأنما هو توحـيد تـضـيق بـه‬
‫فالسير يغربه حينا ويطـلـعـه‬ ‫أو كوكب قاطع في الفق منتقل‬
‫ألقت عليه انهمال الدمع يتبعـه‬ ‫أظنه لو جزتـه أو تـسـاعـده‬

‫وبالوفاء أيضاً أفتخعر فعي قصعيدة لي طويلة أوردتهعا‪ .‬وإن كان أكثرهعا ليعس معن‬

‫جنععس الكتاب‪ ،‬فكان سععبب قولي لهععا أن قوماً مععن مخالفععي شرقوا بععي فأسععاءوا‬

‫العتب في وجهي وقذفوني بأني أعضد الباطل بحجتي‪ ،‬عجزاً منهم عن مقاومة‬

‫معا أوردتعه معن نصعر الحعق وأهله‪ .‬وحسعداً لي‪ .‬فقلت‪ ،‬وخاطبعت بقصعيدتي بععض‬

‫إخواني وكان ذا فهم‪ ،‬منها‪:‬‬

‫ولو أنهم حيات ضال نضـانـض‬ ‫وخذني عصا موسى وهات جميعهم‬

‫ومنها‪:‬‬

‫وقد بتمني الليث والليث رابض‬ ‫يريغون في عيني عجائب جمة‬

‫ومنها‪:‬‬

‫يرجى محال في المام الروافض‬ ‫ويرجون مال يبلغون كمثـل مـا‬


‫ومنها‪:‬‬

‫لما أثرت فيها العيون الـمـرائض‬ ‫ولو جلدي في كل قلـب ومـهـجة‬


‫كما أبت الفعل الحروف الخوافض‬ ‫أبت عن دنيء الوصف ضربة لزب‬

‫ومنها‪:‬‬

‫كما تسلك الجسم العروق النوابض‬ ‫ورأيي له في كل ما غاب مسلـك‬


‫ويستر عنهم للقبول المـرابـض‬ ‫يبين مدب النمل في غير مشكـل‬

‫الباب الثالث والعشرون‬

‫الغدر‬

‫وكمععا أن الوفاء مععن سععرى النعوت ونبيععل الصععفات‪ ،‬فكذلك الغدر مععن ذميمهععا‬

‫ومكروهعا‪ ،‬وإنمعا يسعمى غدراً معن البادي‪ .‬وأمعا المقارض بالغدر على مثله‪ ،‬وإن‬

‫استوى معه في حقيقة الفعل فليس بغدر ول هو معيبًا بذلك‪ ،‬وال عز وجل يقول‪:‬‬

‫(وجزاء سعيئة سعيئة مثلهعا)‪ .‬وقعد علمنعا أن الثانيعة ليسعت بسعيئة ولكعن لمعا جانسعت‬

‫الولى فعي الشبعه أوقعع عليهعا مثعل اسعمها‪ ،‬وسعيأتي هذا مفسعرًا فعي باب السعلو إن‬

‫شاء ال‪ .‬ولكثرة وجود الغدر فعععي المحبوب اسعععتغرب الوفاء منعععه فصعععار قليله‬

‫الواقع منهم يقاوم الكثير الموجود في سواهم‪ .‬وفي ذلك أقول‪:‬‬


‫وعظم وفاء من يهوى يقل‬ ‫قليل وفاء من يهوى يجـل‬
‫يجيء به الشجاع المستقل‬ ‫فنادرة الجبان أجل مـمـا‬

‫ومععن قبيععح الغدر أن يكون للمحععب سععفير إلى محبوبععه يسععتريح إليععه بأسععراره‬

‫فيسعى حتى يقلبه إلى نفسه ويستأثر به دونه‪ .‬وفيه أقول‪:‬‬

‫وثقت به جهل فضرب بـينـنـا‬ ‫أقمت سفيرا قاصدا في مطالبـي‬


‫وأبعد عني كل ما كان ممكـنـا‬ ‫وحل عـرى ودي وأثـبـت وده‬
‫وأصبحت ضيفا بعد ما كان ضيفنا‬ ‫فصرت شهيدا بعد ما كنت مشهدا‬

‫خبر‪ :‬ولقد حدثنعي القاضعي يونعس بن عبعد ال قال‪ :‬أذكعر في الصبى جارية فعي‬

‫بععض السعدد يهواهعا فتعى معن أهعل الدب معن أبناء الملوك وتهواه ويتراسعلن‪،‬‬

‫وكان السععفير بينهمععا والرسععول بكتبهمععا فتععى مععن أترابععه كان يصععل إليهععا‪ ،‬فلمععا‬

‫عرضععت الجاريععة للبيععع أراد الذي كان يحبهععا ابتياعهععا‪ ،‬فبدر الذي كان رسععولً‬

‫فاشتراهععا‪ .‬فدخععل عليهععا يومًا فوجدهععا قععد فتحععت درجاً لهععا تطلب فيععه بعععض‬

‫حوائجهعا‪ ،‬فأتعى إليهعا وجععل يفتعش الدرج‪ ،‬فخرج إليعه كتاب معن ذلك الفتعى الذي‬

‫كان يهواها مضمخاً بالغالية مصوناً مكرماً‪ ،‬فغضب وقال‪ :‬من أين هذا يا فلسقة؟‬

‫قالت‪ :‬أنعت سعقته إلي‪ .‬فقال‪ :‬لعله محدث بععد ذاك الحيعن‪ .‬فقالت‪ :‬معا هعو إل معن‬

‫قديم تلك التي تعرف‪ .‬قال فكأنما ألقمته حجراً‪ ،‬فسقط في يديه وسكت‪.‬‬

‫الباب الرابع والعشرون‬

‫البين‬
‫وقعد علمنا أنعه ل بد لكعل مجتمع من افتراق‪ ،‬ولكعل دان من تناء‪ ،‬وتلك عادة ال‬

‫فعي العباد والبلد حتعى يرث ال الرض ومعن عليهعا وهعو خيعر الوارثيعن‪ .‬ومعا‬

‫شيء من دواهي الدنيا يعدل الفتراق‪ ،‬ولو سألت الرواح به فضلً عن الدموع‬

‫كان قليلً‪ .‬وسعمع بععض الحماء قائلً يقول‪ :‬الفراق أخعو الموت‪ ،‬فقال‪ :‬بعل الموت‬

‫أخو الفراق‪.‬‬

‫والبيعن ينقسعم أقسعاماً‪ :‬فأولهعا مدة يوقعن بانصعرامها وبالعودة ععن قريعب‪ ،‬وإنعه‬

‫لشجي في القلب‪ ،‬وغصة في الحلق ل تبرأ إل بالرجعة‪ ،‬وأنا أعلم من كان يغيب‬

‫من يحب عن بصره يومًا واحداً فيعتريه من الهلع والجزع وشغل البال وترادف‬

‫الكرب ما يكاد يأتي عليه‪.‬‬

‫ثعم بيعن منعع معن اللقاء‪ ،‬وتحظيعر على المحبوب معن أن يراه محبعه‪ ،‬فهذا ولو كان‬

‫مععن تحبععه ومعععك فععي دار واحدة فهععو بيععن‪ :‬لنععه بائن عنععك‪ .‬وإن هذا ليولد مععن‬

‫الحزن والسف غير قليل‪ ،‬ولقد جربناه فكان مراً‪ ،‬وفي ذلك أقول‪:‬‬

‫ولكن من في الدار عني مغيب‬ ‫أرى دارها في كل حين وساعة‬


‫على وصلهم مني رقيب مراقب‬ ‫وهل نافعي قرب الديار وأهلهـا‬
‫وأعلم أن الصين أدنى وأقـرب‬ ‫فيالك جار الجنب أسمع حـسـه‬
‫وليس إليه من سبـيل يسـبـب‬ ‫كصاد يرى ماء الطوى بعـينـه‬
‫وما دونه إل الصفيح المنصـب‬ ‫كذلك من في الحد عنك مغـيب‬

‫وأقول من قصيدة مطولة‪:‬‬


‫وتصقب دار قد طوى أهلها البعد‬ ‫متة تشتفي نفس أضر بها الوجـد‬
‫وأقرب من هند لطالبها الهـنـد‬ ‫وعهدي بهند وهي جارة بيتـنـا‬
‫كما يمسك الظمآن أن يدنو الورد‬ ‫بلى إن في قرب الديار لـراحة‬

‫ثم بين يتعمده المحب بعداً عن قول الوشاة‪ ،‬وخوفاً أن يكون بقاؤه سبباً إلى منع‬

‫اللقاء‪ ،‬وذريعععععععععععة إلى أن يفشععععععععععو الكلم فيقععععععععععع الحجاب الغليععععععععععظ‪.‬‬

‫ثعم بيعن يولده المحعب لبععض معا يدعوه إلى ذلك معن آفات الزمان‪ ،‬وعذره مقبول‬

‫أو مطرح على قدر الجافعععععععععععععععععععععععععععععز له إلى الرحيعععععععععععععععععععععععععععععل‪.‬‬

‫خعبر‪ :‬ولعهدي بصععديق لي داره المريععة‪ ،‬فعنعت له حوائج إلى شاطبععة فقصععدها‪،‬‬

‫وكان نازلً بها في منزلي مدة إقامته بها‪ ،‬وكان له بالمرية علقة هي أكبر همه‬

‫وأدهعى غمعه‪ ،‬كان يؤمعل بتهعا وفراغ أسعبابه وأن يوشعك الرجععة ويسعرع الوبعة‪،‬‬

‫فلم يكن إل حين لطيف بعد احتلله عندي حتى جيش الموفق أبو الحسن مجاهد‬

‫صععاحب الجزائر الجيوش وقرب العسععاكر ونابععذ خيران صععاحب المريععة وعزم‬

‫على استئصاله‪ ،‬فانقطعت الطرق بسبب هذه الحرب‪ ،‬وتحوميت السبل واحترس‬

‫البحعر بالسعاطيل‪ ،‬فتضاععف كربعه إذ لم يجعد إلى النصعراف سعبيلً البتعة‪ ،‬وكاد‬

‫يطفععأ أسععفاً‪ ،‬وصععار ل يأنععس بغيععر الوحدة‪ ،‬ول يلجععأ إل إلى الزفيععر والوجوم‪.‬‬

‫ولعمري لقععد كان ممععن لم أقدر قععط فيععه أن قلبععه يذعععن للود‪ ،‬ول شراسععة طبعععه‬

‫وتجيب إلى الهوى‪.‬‬

‫وأذكعر أنعي دخلت قرطبعة بععد رحيلي عنهعا ثعم خرجعت منصعرفاً عنهعا فضمنعي‬

‫الطريق مع رجل من الكتاب قد رحل لمر مهم وتخلف سكن له‪ ،‬فكان يرتمض‬
‫لذلك‪ .‬وإني لعلم من علق بهوى له وكان في حال شظف وكانت له في الرض‬

‫مذاهععب واسعععة ومناديععح رحبععة ووجوه متصععرف كثيرة‪ ،‬فهان عليععه ذلك وآثععر‬

‫القامة مع من يجب‪ ،‬وفي ذلك أقول شعراً‪ ،‬منه‪:‬‬

‫والسيف غفل أو يبين قرابه‬ ‫لك في البلد منادح معلومة‬

‫ثم بين رحيل وتباعد ديار‪ ،‬ول يكون من الوبة فيه على يقين خبر‪ ،‬ول يحدث‬

‫تلق‪ .‬وهععو الخطععب الموجععع‪ ،‬والهععم المفظععع‪ ،‬والحادث الشنععع‪ ،‬والداء الدوي‪.‬‬

‫وأكثعععر معععا يكون الهلع فيعععه إذا كان النائي و المحبوب‪ ،‬وهعععو الذي قالت فيعععه‬

‫الشعراء كثيراً‪ .‬وفي ذلك أقول قصيدة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫ستوردني ل شك منهل مصرعي‬ ‫وذي علة أعيا الطبيب علجهـا‬


‫كجارع سم في رحيق مشعشـع‬ ‫رضيت بأن أضحى قتـيل وداده‬
‫وأولعها بالنفس من كل مـولـع‬ ‫فما لليالي مـا أقـل حـياءهـا‬
‫أعنت على عثمان أهل التشـيع‬ ‫كأن زماني عبشمي يخـالـنـي‬

‫وأقول من قصيدة‪:‬‬

‫لمجتهد النساك من أوليائه‬ ‫أطنك تمثال الجنان أباحه‬


‫وأقول من قصيدة‪:‬‬

‫توقع نيران الغضي هيمانه‬ ‫ل من الهوى‬


‫لبرد باللقيا غلي ً‬

‫وأقول شعراً منه‪:‬‬

‫فاعجب بأعراض تبين ول شخص‬ ‫خفيت عن البصار والوجد ظاهر‬


‫محيط بما فيه وأنـت لـه فـض‬ ‫غدا الفلك الدوار حـلـقة خـاتـم‬
‫وأقول من قصيدة‪:‬‬

‫كما غنيت شمس السماء عن الحلى‬ ‫غنيت عن التشبيه حسنا وبـهـجة‬


‫وهجرانه دفني وفقدانـه نـعـيي‬ ‫عجبت لنفسي بعده كيف لم تمـت‬
‫تذبـه يد خـشـــنـــاء‪.....‬‬ ‫وللجسد الغض المنعـم كـيف لـم‬

‫وإن للوبععة مععن البيععن الذي تشفععق منععه النفععس لطول مسععافته وتكاد تيأس مععن‬

‫العودة فيه‪ ،‬لروعة تبلغ مال حد وراءه وربما قتلت‪ .‬في ذلك أقول‪:‬‬

‫كسرور المفيق حانت وفـاتـه‬ ‫للتلقي بعد الـفـراق سـرور‬


‫من دنا منه بالفراق مـمـاتـه‬ ‫فرحة تبهج النفـوس وتـحـي‬
‫ت وتودي بأهله هـجـمـاتـه‬ ‫ربما قد تكـون داهـية الـمـو‬
‫ن فزار الحمام وهـو حـياتـه‬ ‫كم رأينا من عب في الماء عطشا‬

‫وإنععي لعلم مععن نأت دار محبوبععه زمناً ثععم تيسععرت له أوبععة فلم يكععن إل بقدر‬

‫التسليم واستيفائه‪ ،‬حتى دعته نوى ثانية فكاد أن يهلك‪ .‬وفي ذلك أقول‪:‬‬

‫زمان النوى بالقرب عدت إلى البعد‬ ‫أطلت زمان البعد حتى إذا انقضـى‬
‫وعاودكم بعدي وعاودنـي وجـدي‬ ‫فلم يك إل كرة الطرف قـربـكـم‬
‫رأى البرق في داج من الليل مسود‬ ‫كذا حائر في الليل ضاقت وجوهـه‬
‫وبعض الراجي ل تفيدو ول تجدي‬ ‫فأخلـفـه مـنـه رجـاء دوامـه‬

‫وفي الوبة بعد الفراق أقول قطعة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫كما سخنت أيام يطويكم الـبـعـد‬ ‫لقد قرت العينان بالقرب مـنـكـم‬
‫ول فيما قد قضى الشكر والحمـد‬ ‫فلله فيما قد مضى الصبر والرضى‬
‫خعبر‪ :‬ولقعد نععى إلى بععض معن كنعت أحعب معن بلدة نازحعة‪ ،‬فقمعت فاراً بنفسعي‬

‫نحو المقابر وجعلت أمشي بينها وأقول‪:‬‬

‫وأن البطن منها صار ظهرا‬ ‫وددت بأن ظهر الرض بطن‬
‫أتى فأثار في الكباد جمـرا‬ ‫وأني مت قبل ورود خطـب‬
‫وأن ضلوع صدري كن قبرا‬ ‫وأن دمى لمن قد بان غسـل‬

‫ثم اتصل بعد حين تكذيب ذلك الخبر فقلت‪:‬‬

‫والقلب في سبع طباق شـداد‬ ‫بشرى أتت واليأس مستحـكـم‬


‫كان فؤادي لبسا لـلـحـداد‬ ‫كست فؤادي خضرة بعـدمـا‬
‫يجلي بلون الشمس لون السواد‬ ‫جلى سواد الغم عنـي كـمـا‬
‫صدق وفاء بـقـديم الـوداد‬ ‫هذا وما آمل توصـلً سـوى‬
‫لكن لظل بارد ذي امـتـداد‬ ‫فالمرن قد تطلب ل لـلـحـيا‬

‫ويقععع فععي هذيععن الصععنفين مععن البيععن الوداع‪ ،‬أعنععي رحيععل المحععب أو رحيععل‬

‫الحبوب‪ .‬وإنعه لمعن المناظعر الهائلة والمواقعف الصععبة التعي تفتضعح فيهعا عزيمعة‬

‫كععل ماضععي العزائم‪ ،‬وتذهععب قوة كععل ذي بصععيرة‪ ،‬وتسععكب كععل عيععن جمود‪،‬‬

‫ويظهر مكنون الجوى‪ .‬وهو فصل من فصول البين يجب التكلم فيه‪ ،‬كالعتاب في‬

‫باب الهجر‪ .‬ولعمري لو أن ظريفاً يموت في ساعة الوداع لكان معذوراً إذا تفكر‬

‫فيمععا يحععل بععه بعععد سععاعة مععن انقطاع المال‪ ،‬وحلول الوجال‪ ،‬وتبدل السععرور‬

‫بالحزن‪ .‬وإنهععا سععاعة ترق القلوب القاسععية‪ ،‬وتليععن الفئدة الغلظ‪ .‬وإن حركععة‬

‫الرأس وإدمان النظر والزفرة بعد الوداع لهاتكة حجاب القلب‪ ،‬وموصلة إليه من‬

‫الجزع بمقدار مععععععععا تفعععععععععل حركععععععععة الوجععععععععه فععععععععي ضععععععععد هذا‪.‬‬


‫والشارة بالعيعن والتبسععم ومواطعن الموافقعة والوداع ينقسععم قسععمين‪ ،‬أحدهمعا ل‬

‫يتمكعن فيعه إل بالنظعر والشارة‪ ،‬والثانعي يتمكعن فيعه بالعناق والملزمعة‪ ،‬وربمعا‬

‫لعله كان ل يمكعن قبعل ذلك البتعة معع تجاور المحال وإمكان التلقعي‪ ،‬ولهذا تمنعى‬

‫بععععض الشعراء البيعععن ومدحوا يوم النوى‪ ،‬ومعععا ذاك بحسعععن ول بصعععواب ول‬

‫بالصعيل معن الرأي‪ ،‬فمعا يفعي سعرور سعاعة بحزن سعاعات‪ ،‬فكيعف إذا كان البيعن‬

‫أياماً وشهوراً وربمععا أعواماً‪ ،‬وهذا سععوء مععن النظععر ومعوج مععن القياس‪ ،‬وإنمععا‬

‫أثنيعععت على النوى فعععي شعري تمنياً لرجوع يومهعععا‪ ،‬فيكون فعععي كعععل يوم لقاء‬

‫ووداع‪ .‬على أن تحمل مضض هذا السم الكريه‪ ،‬وذلك عند ما يمضي من اليام‬

‫التعي ل التقاء فيهعا‪ ،‬يرغعب المحعب ععن يوم الفراق لو أمكنعه فعي كعل يوم‪ .‬وفعي‬

‫الصنف الول من الوداع أقول شعراً‪ ،‬منه‪:‬‬

‫كما تنوب عن النيران أنفاسي‬ ‫تنوب عن بهجة النوار بهجته‬

‫وفي الصنف الثاني من الوداع أقول شعراً‪ ،‬منه‪:‬‬

‫والوجه تم فلم ينقـص ولـم يزد‬ ‫وجه تخر لـه النـوار سـاجـدة‬
‫وبارد ناعم والشمس فـي السـد‬ ‫دفء وشمس الضحى بالجدي نازلة‬

‫ومنه‪:‬‬

‫يوم الفراق لعمـري لـسـت أكـرهـه أصلن وإن شت شمل الروح عن جسدي‬
‫ففيه عانقـت مـن أهـوى بـل جـزع وكان من قبـلـه إن سـبـل لـم يجـد‬
‫أليس من عجب دمعـي وعـبـرتـهـا يوم الوصال لـيوم الـبـين ذو حـسـد‬
‫وهل هجس في الفكار أو قام في الظنون أشنع وأوجعمن هجر عتاب وقع بين‬

‫محععبين‪ ،‬ثععم فجأتهععا النوى قبععل حلول الصععلح وانحلل عقدة الهجران‪ ،‬فقامععا إلى‬

‫الوداع وقععد نسععي العتاب‪ ،‬وجاء مععا طععم عععن القوى وأطار الكرى وفيععه أقول‬

‫شعراً‪ ،‬منه‪:‬‬

‫وجاءت جيوش البين تجري وتسرع‬ ‫وقد سقط العتب المقدم وامـحـى‬
‫فولى فما يدري له اليوم موضـع‬ ‫وقد ذعر البين الصـدود فـراعـه‬
‫هزبر له من جانب الغيل مطلـع‬ ‫كذئب خل بالصيد حتـى أضـلـه‬
‫لبعاده عني الحبـيب لـمـوجـع‬ ‫لئن سرني في طرده الهجر أننـي‬
‫وفي غيها الموت الوحى المصرع‬ ‫ول بد عند الموت من بعض راحة‬

‫وأعرف مععن أتععى ليودع محبوبععه يوم الفراق فوجده قععد فات‪ ،‬فوقععف على آثاره‬

‫سعاعة وتردد فعي الموضعع الذي كان فيعه ثعم انصعرف كثيباً متغيعر اللون كاسعف‬

‫البال‪ ،‬فما كان بعد أيام قلئل حتى اعتل ومات رحمه ال‪.‬‬

‫وإن للبيعن فعي إظهار السعرائر المطويعة عملً عجباً‪ ،‬ولقعد رأيعت معن كان حبعه‬

‫مكتومععا وبمععا يجععد فيععه مسععتتراً حتععى وقععع حادث الفراق فباح المكنون وظهععر‬

‫الخفي‪ .‬وفي ذلك أقول قطعة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫منعت وأعطيتنيه جـزافـا‬ ‫بذلت من الود ما كان قـبـل‬


‫ولو وجدت قبل بلغت الشفافا‬ ‫وما لي به حاجة عـنـد ذاك‬
‫وينفع قبل الردى من تلفـا‬ ‫وما ينفع الطب عند الحمـام‬

‫وأقول‪:‬‬

‫بخفى حب كنت تبدي بخله‬ ‫الن إذ حل الفراق جدت لي‬


‫ويحي فهل كان هذا قبلـه‬ ‫فزدتني في حسرتي أضعافها‬

‫ولقععد أذكرنععي هذا أنععي حظيععت فععي بعععض الزمان بمودة رجععل مععن وزراء‬

‫السعلطان أيام جاهعه فأظهعر بععض المتسعاك‪ ،‬فتركتعه حتعى ذهبعت أيامعه وانقضت‬

‫دولته‪ ،‬فأبدى لي من المودة والخوة غير قليل‪ ،‬فقلت‪:‬‬

‫وتبذل لي القبال والدهر معرض‬ ‫بذلت لي العراض والدهر مقبل‬


‫فهل أبحت البسط إذ كنت تقبض‬ ‫وتبسطني إذ ليس ينفع بسطـكـم‬

‫ثم بين الموت وهو الفوت‪ ،‬وهوى الذي ل يرجى له إياب‪ ،‬وهو المصيبة الحالة‬

‫وهو قاصمة الظهر‪ ،‬وداهية الدهر‪ ،‬وهو الويل‪ ،‬وهو المغطى على ظلمة الليل‪،‬‬

‫وهو قاطع كل رجاء‪ ،‬وماحي كل طمع والمؤيس من اللقاء‪ .‬وهنا حادث اللسن؛‬

‫وانجذام حبعل العلج‪ ،‬فل حيلة إل الصعبر طوعاً أو كرهاً‪ .‬وهعو أجعل معا يبتلي بعه‬

‫المحببون‪ ،‬فمعا لمعن دععى بعه إل النوح والبكاء إلى أن يتلف أو يمعل‪ ،‬فهعي القرحعة‬

‫التعي ل تنكعي‪ ،‬والوجعع الذي ل يفنعى‪ ،‬وهعو الغعم الذي يتجدد على قدر بلء معن‬

‫اعتمدته‪ ،‬وفيه أقول‪:‬‬

‫فموجي لم يفـت‬ ‫كل بـين واقــع‬


‫لم يفت من لم يمت‬ ‫ل تعجل قـنـطـا‬
‫يأس عنه قد ثبـت‬ ‫والذي قد مات فال‬

‫وقععد رأينععا مععن عرض له هذا كثيراً‪ .‬وعنععي أخععبرك أنععي أحععد مععن دهععى بهذه‬

‫الفادحعة وتعدلت له هذه المصعيبة‪ ،‬وذلك أنعي كنعت أشعد الناس كلفاً وأعظمهعم حباً‬
‫بجارية لي‪ ،‬كانت فيما خل اسمها نعم‪ .‬وكانت أمنية المتمني وغاية الحسن خلقاً‬

‫وخلقًا وموافقة لي‪ ،‬وكنت أبا عذرها‪ ،‬وكنا قد تكافأنا المودة‪ ،‬ففجعتني بها لقدار‬

‫واحترمتهععا الليالي ومععر النهععر وصععارت ثالثععة التراب والحجار‪ .‬وسععيء حيععن‬

‫وفاتهعا دون العشريعن سعنة‪ ،‬وكانعت هعي دونعي فعي السعن‪ ،‬فلقعد أقمعت بعدهعا سعبعة‬

‫أشهععر ل أتجرد ععن ثيابععي ول تفتععر لي دمعععة على جمود عينععي وقلة إسعععادها‪.‬‬

‫وعلى ذلك فوال ما سلوت حتى الن‪ .‬ولو قبل فداء لفديتها بكل ما أملك من تالد‬

‫وطارف وببعععض أعضاء جسععمي العزيزة علي مسععارعاً طائعاً ومععا طاب لي‬

‫عيش بعدها ول نسيت ذكرها ول أنست بسواها‪ .‬ولقد عفى حي لها على كل ما‬

‫قبله‪ ،‬وحرم ما كان بعده‪ .‬ومما قلت فيها‪.‬‬

‫وسائر ربات الحجال نـجـوم‬ ‫مهذبة بيضاء كالشمس إن بدت‬


‫فبعد وقوع ظل وهـو يحـوم‬ ‫إطار هواها القلب عن مستقره‬

‫ومن مرائي فيها قصيدة منها‪:‬‬

‫على عقد اللباب هن نوافث‬ ‫كأني لم آنسى بألفاظك التـي‬


‫لفراط ما حكمت فيهن عابث‬ ‫ولم ِأتحكم في الماني كأننـي‬

‫ومنها‪:‬‬

‫ويقسمن في هجري وهن حوانث‬ ‫ويبدين إعراضـا وهـن أوالـف‬

‫وأقول أيضًا فعي قصعيدة أخاطعب فيهعا ابعن عمعي أبعو المغيرة عبعد الوهاب أحمعد‬

‫ابن عبد الرحمن بن حزم بن غالب وأقرضه‪ ،‬فأقول‪:‬‬


‫أمرت عليها بالبلى الملـوان‬ ‫قفا فاسأل الطلل أين قطينها‬
‫كأن المغاني في الخفاء معاني‬ ‫على دارسات مقفرات عواطل‬

‫واختلف الناس فعي أي المريعن أشعد‪ :‬البيعن أم الهجعر؟ وكلهمعا مرتقعى صععب‬

‫ومرت أحمر وبلية سوداء وسنة شهباء‪ .‬وكل يستبشع من هذين ما ضاد طبعه‪،‬‬

‫فأمعا ذو النفعس البيعة‪ ،‬اللوف الحنانعة‪ ،‬الثابتعة على العهعد‪ ،‬فل شيعء يعدل عنده‬

‫مصعيبة البيعن‪ ،‬لنعه أتعى قصعداً‪ ،‬وتعمدتعه النوائب عمداً‪ ،‬فل يجعد شيئاً يسعلى نفسعه‬

‫ول يصعرف فكرتعه فعي معنعى معن المعانعي إل وجعد باعثاً على صعبابته؛ ومحركاً‬

‫لشجانه‪ ،‬وعليه ل له‪ ،‬وحجة لوجوده‪ .‬وخاضا على البكاء على إلفه‪ .‬وأما الهجر‬

‫فهو داعية السلو‪ ،‬ورائد القلع‪.‬‬

‫وأمععا ذو النفععس التواقععة الكثيرة النزوع والتطلع‪ ،‬القلوق العزوف‪ ،‬فالهجععر داؤه‬

‫وجالب حتفه‪ .‬والبين له مسلة ومنساة‪.‬‬

‫وأمععا أنععا فالموت عندي أسععهل مععن الفراق‪ ،‬ومععا الهجععر إل جالب للكمععد فقععط‪.‬‬

‫ويوشك إن دام أن يحدث إضراراً‪ ،‬وفي ذلك أقول‪:‬‬

‫يكون وترغب أن ترغـبـه‬ ‫وقالوا ارتحل فلعل السـلـو‬


‫ومن يشرب السم عن تجربه‬ ‫فقلت الردي لي قبل السلـو‬

‫وأقول‪:‬‬
‫وأودت بها نـواه‬ ‫سبي مهجي هواه‬
‫وروحي غدا قراه‬ ‫كأن الغرام ضيف‬

‫ولقعد رأيعت معن يسعتعمل هجعر محبوبعه ويتعمده خوفاً معن مرارة يوم البيعن ومعا‬

‫يحدث بعه معن لوععة السعف عنعد التفرق‪ ،‬وهذا وإن لم يكعن عندي معن المذاهعب‬

‫المرضيعة‪ ،‬فهعو حجعة قاطععة‪ .‬على أن البيعن أصععب معن الهجعر‪ ،‬وكيعف ل وفعي‬

‫الناس معن يلوذ بالهجعر خوفاً معن البيعن‪ ،‬ولم أجعد أحداً فعي الدنيعا يلوذ بالبيعن خوفاً‬

‫من الهجر‪ ،‬إنما يأخذ الناس أبداً السهل ويتكلفون الهون‪ .‬وإنما قلنا إنه ليس من‬

‫المذاهب المحمودة لن أصحابه قد استعجلوا البلء قبل نزوله‪ ،‬وتجرعوا غصة‬

‫الصبر قبل وقتها ولعل ما تخوفوه ل يكون وليس من يتعجل المكروه‪ ،‬وهو على‬

‫غير يقين مما يتعجل‪ ،‬بحكيم‪ ،‬وفيه أقول شعراً‪ ،‬منه‪:‬‬

‫لسي من جانب الحبة منا‬ ‫ليس الصب للصبابة بينـا‬


‫خوف نقرو نقره قدا مـا‬ ‫كغي العيش عيش فقـير‬

‫وأذكعر لبعن عمعي أبعي المغيرة هذا المعنعى‪ ،‬معن أن البيعن أصععب معن الصعد‪،‬‬

‫أبياتاً من قصيدة خاطبني بها وهو ابن سبعة عشر عاماً أو نحوها‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫وولهت أن نص الـذمـيل‬ ‫أجزعت أن أزف الرحـيل‬


‫وأجل فراقـهـم جـلـيل‬ ‫كل مـصـابـك فــادح‬
‫مرتـعـــه وبـــيل‬ ‫كذب اللى زعموا بأن الصد‬
‫ل وقد تحملت الحـمـول‬ ‫لم يعرفوا كنـه الـغـلـي‬
‫للمـوت إن أهـوى دلـيل‬ ‫أمـا الـفـراق فـإنــه‬
‫ولي في هذا المعنى قصيدة مطولة‪ ،‬أولها‪:‬‬

‫في منظر حسن وفي تـنـغـيم‬ ‫ل مثل يومك ضحوة التـنـعـيم‬


‫وصواب خاطئة وولـد عـقـيم‬ ‫قد كان ذاك اليوم ندرة عـاقـر‬
‫عندي ول روض الهوى بهشـيم‬ ‫أيام برق الوصل ليس بـخـلـب‬
‫سيرى أمامك والزار أقـيمـى‬ ‫من كل غانية تـقـول ثـديهـا‬
‫خجل من التأخـير والـتـقـديم‬ ‫كل يجاذبها فحـمـرة خـدهـا‬
‫برئي سواها في الورى بزعـيم‬ ‫ما بي سوى تلك العيون وليس في‬
‫أجسادهـا إبـاء لـدغ سـلـيم‬ ‫مثل الفاعي ليس في شيء سوى‬
‫والبيعن أبكعى الشعراء على المعاهعد فأدروا على الرسعوم الدموع‪ ،‬وسعقوا الديار‬

‫ماء الشوق‪ ،‬وتذكعر معا قعد سعلف لهعم فيهعا فأعولوا وانتخبوا‪ ،‬وأحيعت الثار دفيعن‬

‫شوقهم فناحوا وبكوا‪.‬‬

‫ولقعد أخعبرني بععض الوراد معن قرطبعة وقعد اسعتخبرته عنهعا‪ ،‬أنعه رأى دورنعا‬

‫ببلط مغيعث‪ ،‬فعي الجانعب الغربعي منهعا وقعد امحعت رسعومها‪ ،‬وطمسعت أعلمهعا‪،‬‬

‫وخفيت معاهدها‪ ،‬وغيرها البلى وصارت صحاري مجدبة بعد العمران‪ ،‬وقيافي‬

‫موحشعة بععد النعس‪ ،‬وخرائب منقطععة بععد الحسعن‪ ،‬وشعاباً مفزععة بععد المعن‬

‫ومأوى للذئاب‪ ،‬ومعازف للغيلن‪ ،‬وملععععب للجان‪ ،‬ومكامعععن للوحوش‪ ،‬بععععد‬

‫رجال كالليوث‪ ،‬وخرائد كالدمى تفيض لديهم النعم الفاشية‪ .‬تبدد شملهم فصاروا‬

‫فععي البلد أيادي سععبا‪ ،‬فكأن تلك المحارب المنمقععة‪ .‬والمقاصععير المزينععة‪ ،‬التععي‬

‫كانت تشرق إشراق الشمس‪ ،‬ويجلو الهموم حسن منظرها‪ ،‬حين شملها الخراب‪،‬‬

‫وعمهععا الهدم‪ ،‬كأفواه السععباع فاغرة‪ ،‬تؤذن بفناء الدنيععا‪ ،‬وتريععك عواقععب أهلهععا‪،‬‬

‫وتخبرك عما يصير إليه كل من تراه قائماً فيها‪ .‬وتزهد في طلبها بعد أن طالما‬
‫زهدت فعي تركهعا‪ ،‬وتذكرت أيامعي بهعا ولذاتعي فيهعا وشهور صعباي لديهعا‪ ،‬معع‬

‫كواععب إلى مثلهعن صعبا الحليعم‪ ،‬ومثلت لنفسعي كونهعن تحعت الثرى وفعي الثار‬

‫النائية والنواحي البعيدة وقد فرقتهن يد الجلء‪ ،‬ومزقتهن أكف النوى‪ ،‬وخيل إلى‬

‫بصرى بقاء تلك النصبة بعد ما علمته من حسنها وغضارتها والمراتب المحكمة‬

‫التعي نشأت فيمعا لديهعا‪ ،‬وخلء تلك الفنيعة بععد تضايقهعا بأهلهعا‪ ،‬وأوهمعت سعمعي‬

‫صعوت الصعدى والهام عليهعا‪ ،‬بععد حركعة تلك الجماعات التعي ربيعت بينهعم فيهعا‪،‬‬

‫وكان ليلهععا تبعاً لنهارهععا فععي انتشار سععاكنها والتقاء عمارهععا‪ ،‬فعاد نهارهععا تبعاً‬

‫لليلهعا فعي الهدوء والسعتيحاش‪ ،‬فأبكعى عينعي‪ ،‬وأوجعع قلبعي‪ ،‬وقرع صعفاة كبدي‪،‬‬

‫وزاد في بلء لبي‪ ،‬فقلت شعراً منه‪:‬‬

‫وإن ساءنا فيها فقد طالما سرا‬ ‫لئن كان أظلمانا فقد طالما سقى‬

‫والبين يولد الحنين والهتياج والتذكر‪ .‬وفي ذلك أقول‪:‬‬

‫يبين بينهم عني فـقـد وقـفـا‬ ‫ليت الغراب يعيد اليوم لي فعسى‬
‫وقد تألى بأل ينقضـي فـوفـى‬ ‫أقول والليل قد أرخى أجـلـتـه‬
‫يمضي ول هو للتغوير منصرفا‬ ‫وللنجم قد حار في أفق السماء فما‬
‫أو راقبا موعدا أو عاشقا دنـفـا‬ ‫تخاله مخطئا أو خـائفـا وجـلً‬

‫الباب الخامس والعشرون‬

‫القنوع‬
‫ول بععد للمحععب‪ ،‬إذا حرم الوصععل‪ ،‬مععن القنوع بمععا يجععد! وإن فععي ذلك لمتعللً‬

‫للنفعس‪ ،‬وشغلً للرجعا‪ ،‬وتجديداً للمنعى‪ ،‬وبععض الراحعة‪ .‬وهعو مراتعب على قدر‬

‫الصابة والتمكن‪.‬‬

‫فأولهعا الزيارة‪ ،‬وإنهعا لمعل معن المال‪ ،‬ومعن سعرى معا يسعنح فعي الدهعر معع معا‬

‫تبدى من الخفر والحياء‪ ،‬لما يعلمه كل واحد منها مما نفس صاحبه‪ .‬وهي على‬

‫وجهين‪ :‬أحدهما أن يزور المحب محبوبه‪ ،‬وهذا الوجه واسع‪ .‬والوجه الثاني أن‬

‫يزور المحبوب محبه‪ .‬ولكن ل سبيل إلى غير النظر والحديث الظاهر‪ .‬وفي ذلك‬

‫أقول‪:‬‬

‫سأرضى بلحظ العين إن لم يكن وصل‬ ‫فإن تنأ عني بـالـوصـال فـإنـنـي‬
‫وما كنت أرضى ضعف ذامنك لي قبل‬ ‫فحسبي أن ألقـاك فـي الـيوم مـرة‬
‫ويرضى خلص النفس إن وقع العزل‬ ‫كذا همه الـوالـي تـكـون رفـيعة‬

‫وأمعا رجعع السعلم والمخاطبعة فأمعل معن المال‪ ،‬وإن كنعت أنعا أقول فعي قصعيدة‬

‫لي‪:‬‬

‫برجع سلم إن تيسر في الحين‬ ‫فها أنا ذا أخفي وأقنع راضـيا‬

‫فإنما هذا لمن ينتقل من مرتبة إلى ما هو أدنى منها‪ .‬وإنما يتفاضل المخلوقات‬

‫فعي جميعع الوصعاف على قدر إضافتهعا إلى معا هعو فوقهعا أو دونهعا‪ .‬وإنعي لعلم‬

‫من كان يقول لمحبوبه‪ :‬عدني واكذب‪ ،‬قنوعاً بأن يسلى نفسه في وعده وإن كان‬

‫غير صادق‪ .‬فقلت في ذلك‪:‬‬


‫والقرت ممنوع فعدني واكذب‬ ‫إن كان وصلك ليس فيه مطمع‬
‫لحياة قلب بالصدود مـعـذب‬ ‫فعسى التعلل بالتقائك ممسـك‬
‫في الفق يلع ضوء برق خلب‬ ‫فلقد يسلى المجـدبـين إذا رأوا‬

‫ومعا يدخعل فعي هذا الباب شيعء رأيتعه ورآه غيري مععي‪ ،‬أن رجلً معن إخوانعي‬

‫جرحعه معن كان يحبعه بمديعة‪ ،‬فلقعد رأيتعه وهعو يقبعل مكان الجرح ويندبعه مرة بععد‬

‫مرة‪ .‬فقلت في ذلك‪:‬‬

‫فقلت لعمري ما شـجـى‬ ‫يقولون شجك من همت فيه‬


‫فطار إلـيه ولـم ينـثـن‬ ‫ولكن أحس دمى قـربـه‬
‫فديتك من ظالم محـسـن‬ ‫قافيا تلى ظلما محـسـنـا‬

‫ومن القنوع أن يسر النسان ويرضى ببعض آلت محبوبه‪ ،‬وإن له من النفس‬

‫لموقعاً حسعناً وإن لم يكعن فيعه إل معا نعص ال تعالى علينعا‪ ،‬ومعن ارتداد يعقوب‬

‫بصيراً حين شم قميص يوسف عليهما السلم‪ ،‬وفي ذلك أقول‪:‬‬

‫ولج في هجري ولم ينصف‬ ‫لما منعت القرب من سيدي‬


‫أو بعض ما قد مسه أكتفي‬ ‫صرت بإبصاري أثـوابـه‬
‫إذ شفه الحزن على يوسف‬ ‫كذاك يعقوب نبي الـهـدى‬
‫وكان مكفوفا فمنه شفـي‬ ‫شم قميصا جاء من عـنـده‬

‫ومععا رأيععت قععط متعاشقيععن إل وهمععا يتهاديان خصععل الشعععر مبخرة بالعنععبر‬

‫مرشوشععة بماء الورد‪ ،‬وقععد جمعععت فععي أصععلها بالمصععطكي وبالشمععع البيععض‬

‫المصفى ولفت في تطاريف الوشي والخز وما أشبه ذلك لتكون تذكرة عند البين‪.‬‬
‫وأمعا تهادي المسعاويك بععد مضغهعا والمصعطكي إثعر اسعتعمالها فكثيعر بيعن كعل‬

‫متحابين قد حظر عليهما اللقاء‪ .‬وفي ذلك أقول قطعة منها‪:‬‬

‫أرى ريقها ماء الـحـياة تـيقـنـا على أنها لم تبق لي في الهوى حشى‬
‫خبر‪ :‬وأخبرني بعض إخواني عن سليمان بن أحمد الشاعر أنه رأى ابن سهل‬

‫الحاجب بجزيرة صقلبة‪ ،‬وذكر أنه كان غاية في الجمال‪ ،‬فشاهده يوماً في بعض‬

‫المتنزهات ماشيا وامرأة خلفه تمشي إليه‪ ،‬فلما أبعد أتت إلى المكان الذي قد أثر‬

‫فيه مشيه فجعلت تقبله وتلثم الرض التي فيها أثر رجله‪ .‬وفي ذلك أقول قطعة‪،‬‬

‫أولها‪:‬‬

‫ولو علموا عاد الذي لم يحـسـد‬ ‫يلومونني في موطى خفه خـطـا‬


‫خذوا بوصاتي تستقلوا وتحمـدوا‬ ‫فيأهل أرض لتجود سحـابـهـا‬
‫وأضمن أن المحل عنكم يبـعـد‬ ‫خذوا من تراب فيه موضع وطئه‬
‫فذاك صعيد طيب ليس يجـحـد‬ ‫فكل تراب واقـع فـيه رجـلـه‬
‫لعينيه من جبريل إثر مـمـجـد‬ ‫كذلك فعل السامـري وقـد بـدا‬
‫فقام له مـنـه خـوار مـمـدد‬ ‫فصير جوف العجل من ذلك الثرى‬

‫وأقول‪:‬‬

‫وبورك من فيها وحل بها السعد‬ ‫لقد بوركت أرض بها أنت قاطن‬
‫وأموالها شهد وتربـتـهـا نـد‬ ‫فأحجارها در وسعداتـهـا ورد‬

‫ومعن القنوع الرضعا مزار الطيعف‪ ،‬وتسعليم الخيال‪ .‬وهذا إنمعا يحدث ععن ذكعر ل‬

‫يفارق‪ ،‬وعهععد ل يحول‪ ،‬وفكععر ل ينقضععي‪ .‬فإذا نامععت العيون وهدأت الحركات‬

‫سرى الطيف‪ .‬وفي ذلك أقول‪:‬‬


‫على احتفاظ من الحراس والحفظة‬ ‫زار الخيال فتى طالت صبابـتـه‬
‫ولذة الطيف تنسى لـذة الـيقـظة‬ ‫فبت في ليلتي جذلن مبتـهـجـا‬

‫وأقول‪:‬‬

‫ولليل سلطـان وظـل مـمـدد‬ ‫أتى طيف نعم مضجعي بعد هـدأة‬
‫وجاءت كما قد كنت من قبل أعهد‬ ‫وعهدي بها تحت التراب مـقـيمة‬
‫كما قد عهدنا قبل والعود أحـمـد‬ ‫فعدنا كما كنـا وعـاد زمـانـنـا‬

‫وللشعراء فعي علة مزار الطيعف أقاويعل بديععة بعيدة المرمعى‪ ،‬مخترععة‪ ،‬سعبق‬

‫إلى معنعى معن المعانعي‪ ،‬فأبعو إسعحاق بعن سعيار النظام رأس المعتزلة جععل علتعه‬

‫مزار الطيعف خوف الرواح معن الرقيعب المرقعب‪ ،‬على بهاء البدان‪ .‬وأبعو تمام‬

‫حعبيب بعن أوس الطائي جععل علتعه أن نكاح الطيعف ل يفسعد الحعب ونكاح الحقيقعة‬

‫يفسعععده‪ .‬والبحتري جععععل علة إقباله اسعععتضاءته بنار وجده‪ ،‬وعلة زواله خوف‬

‫الغرق فعي دموععه‪ .‬وأنعا أقول معن غيعر أن أمثعل شعري بأشعارهعم‪ ،‬فلهعم فضعل‬

‫التقدم والسعابقة إنمعا نحعن لقطون وهعم الحاصعدون‪ ،‬ولكعن اقتداء بهعم وجريعا فعي‬

‫ميدانهعم وتتبعاً لطريقتهعم التعي نهجوا وأوضحوا‪ ،‬أبياتاً بينعت فيهعا مزار الطيعف‬

‫مقطعة‪:‬‬

‫وأشفق أن يذيبك لمس كـفـي‬ ‫أغار عليك من إدراك طـرفـي‬


‫وأعتمد التلقي حـين أغـفـي‬ ‫فأمتنع الـلـقـاء حـذار هـذا‬
‫من العضاء مستتر ومخـفـي‬ ‫فروحي إن أنم بك ذو انـفـراد‬
‫من الجسم المواصل ألف ضعف‬ ‫ووصل الروح ألطف فيك وقعـا‬
‫وحال المزور فعي المنام ينقسعم أقسعاماً أربععة‪ :‬أحدهمعا محعب مهجور قعد تطاول‬

‫غمعه‪ ،‬ثعم رأى فعي هجعتعه أن حعبيبه وصعله فسعر بذلك وابتهعج‪ ،‬ثعم اسعتيقظ فأسعف‬

‫وتلهف حيث علم أن ما كان فيه أماني النفس وحديثها‪ .‬وفي ذلك أقول‪:‬‬

‫وإذا الليل جن كنت كريما‬ ‫أنت في مشرق النهار بخيل‬

‫هات ماذا الفعال منك قـويمـا‬ ‫تجعل الشمس منك لي عوضا هي‬
‫واصلً لـي وعـائدا ونـديمـا‬ ‫زارني طيفك البـعـيد فـيأتـي‬
‫ش لكن أبحت لي التشـمـيمـا‬ ‫غير أني منعتني من تمام العـي‬
‫دوس داري ول أخاف الجحيمـا‬ ‫فكأني من أهل العراف ل الفر‬

‫والثاني محب مواصل مشفق من تغير يقع‪ ،‬قد رأى في وسنه أن حبيبه يهجره‬

‫فاهتععم لذلك همًا شديداً‪ ،‬ثععم هععب مععن نومععه فعلم أن ذلك باطععل وبعععض وسععاوس‬

‫الشفاق‪ :‬والثالث محب داني الديار يرى أن النتائي قد فدحه‪ ،‬فيكترث ويوجل ثم‬

‫ينتبه فيذهب مابه ويعود فرحاً‪ .‬وفي ذلك أقول قطعة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫وقمنا إلى التوديع والدمع هامل‬ ‫رأيتك في نومي كأنك راحـل‬


‫وغمي إذا عاينـت ذلـك زائل‬ ‫وزال للكرى عني وأنت معانقي‬
‫عليك من البين المفرق واجـل‬ ‫فجددت تعنيقا وضما كأنـنـي‬

‫والرابععع محععب نائي المزار‪ ،‬يرى أن المزار قععد دنععا‪ ،‬والمنازل قععد تصععاقبت‬

‫فيرتاح ويأنعس إلى فقعد السعى‪ ،‬ثعم يقوم معن سعنته فيرى أن ذلك غيعر صعحيح‪،‬‬

‫فيعود إلى أشد ما كان فيه من الغم‪ ،‬وقد جعلت في بعض قولي علة النوم والطمع‬

‫في طيف الخيال‪ ،‬فقلت‪:‬‬


‫لول ارتقاب مزار الطيف لم ينم‬ ‫طاف الخيال على مستهتر كلف‬
‫فنوره مذهب في الرض للظلم‬ ‫ل تعجبوا إذ سرى والليل معتكر‬

‫ومعن القنوع أن يقنعع المحعب بالنظعر إلى الجدران ورؤيعة الحيطان التعي تحتوي‬

‫على من يحب‪ ،‬وقد رأينا من هذه صفته‪ .‬ولقد حدثني ِأبو الوليد أحمد بن محمد‬

‫ابن إسحاق الخازن رحمه ال عن رجل جليل‪ ،‬أنه حدث عن نفسه بمثل هذا ومن‬

‫القنوع أن يرتاح المحعب‪ ،‬إلى أن يرى معن رأى محبوبعه ويأنعس بعه ومعن أتعى معن‬

‫بلده‪ ،‬وهذا كثير‪ .‬وفي ذلك أقول‪:‬‬

‫مساكن عاد أعقبته ثمود‬ ‫توحش من سكانه فكأنهم‬

‫وما يدخل في هذا الباب أبيات لي‪ ،‬موجبها أني تنزهت أنا وجماعة من إخواني‬

‫معن أهعل الدب والشرف إلى بسعتان لرجعل معن أصعحابنا‪ ،‬فجلنعا سعاعة ثعم أفضعى‬

‫بنعا القعود إلى مكان دونعه يتمنعى‪ ،‬فتمددنعا فعي رياض أريضعة‪ ،‬وأرض عريضعة‬

‫لبصعر فيهعا منفسعح‪ ،‬وللنفعس لديهعا مسعرح‪ ،‬بيعن جداول تطرد كأباريعق اللجيعن‬

‫وأطيار تغرد بألحان تزري بمعا أبدععه معبعد‪ ،‬والغريعض‪ ،‬وثمار مهدلة قعد ذللت‬

‫لليدي ودنعت للمتناول‪ ،‬وظلل مظلة تلحظنعا الشمعس معن بينهعا فنتصعور بيعن‬

‫أيدينعا كرقاع الشطرنعج والثياب المدبجعة‪ ،‬وماء عذب يوجدك حقيقعة طععم الحياة‬

‫وأنهار متدفقععة تنسععاب كبطون الحيات لهععا خريععر يقوم ويهدأ‪ ،‬ونواويععر مونقععة‬

‫مختلفععة اللوان تصععفقها الرياح الطيبععة النسععيم‪ ،‬وهواء سععجسج‪ ،‬وأخلق جلس‬

‫تفوق كل هذا‪ ،‬في يوم ربيع ذي شمس ظليلة‪ ،‬تارة يغطيها العيم الرقيق والمزن‬

‫اللطيعف‪ ،‬وتارة تتجلى‪ ،‬فهعي كالعذراء الخفرة والخريدة الخجلة تتراءى لعاشقهعا‬
‫معن بيعن السعتار ثعم تغيعب فيهعا‪ ،‬حذر عيعن مراقبعة‪ .‬وكان بعضنعا مطرقاً كأنعه‬

‫يحادث أخرى‪ ،‬وذلك لسععر كان له فعرض لي بذلك‪ ،‬وتداعبنععا حينععا فكلفععت أن‬

‫أقول إلى لسععانه شيئًا فععي ذلك‪ ،‬فقلت بديهععة‪ ،‬ومععا كتبوهععا إل مععن تذكرهععا بعععد‬

‫انصرافنا‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫مهدلة الفنان في تربها النـدي‬ ‫ولما تروحنا بـأكـنـاف روضة‬


‫أساورها في ظل فيء مـمـدد‬ ‫وقد ضحكت أنوارها وتضوعت‬
‫فمن بين شاك شجوه ومـغـرد‬ ‫وأبدت لنا الطيار حسن صريفها‬
‫وللعين مرتاد هـنـاك ولـلـيد‬ ‫وللماء فيما بيننـا مـتـصـرف‬
‫كريم السجايا للفخـار مـشـيد‬ ‫وما شئت من أخلق أروع ماجد‬
‫ولم يهنني إذ غاب عني سـيدي‬ ‫تنغض عندي كل ما قد وصفتـه‬
‫وأنتم معا في قصر دار المجدد‬ ‫فيا ليتني في السجن وهو معانقي‬
‫بحال أخيه أو بملـك مـخـلـد‬ ‫فمن رام منا أن يبـدل حـالـه‬
‫ول زال في بؤسي وخزي مردد‬ ‫فل عاش إل في شقاء ونـكـبة‬

‫فقال هو ومن حضر‪ :‬آمين آمين‪ .‬وهذه الوجوه التي عددت وأوردت في حقائق‬

‫القناعة هي الموجودة في أهل المودة‪ ،‬بل تزيد ول إعياء‪.‬‬

‫وللشعراء فععن مععن القنوع أرادوا فيععه إظهار غرضهععم وإبانععة اقتدارهععم على‬

‫المعانعي الغامضعة والمرمعى البعيدة‪ ،‬وكعل قال على قدر قوة طبععه‪ ،‬إل أنعه تحكعم‬

‫باللسان وتشدق في الكلم واستطال بالبيان‪ ،‬وهو غير صحيح في الصل‪ :‬فمنهم‬

‫مععن قنععع بأن السععماء تظله هععو ومحبوبععه والرض تقلهمععا‪ .‬ومنهععم مععن قنععع‬

‫باسععتوائهما فععي إحاطععة الليععل والنهار بهمععا‪ ،‬وأشباه هذا‪ :‬وكععل مبادر إلى احتواء‬

‫الغايعة فعي السعتقصاء‪ ،‬وإحراز قصعب السعبق فعي التدقيعق‪ .‬ولي فعي هذا المعنعى‬
‫قول ل يمكن لمتعقب أن يجد بعده متناولً‪ ،‬ول وراءه مكاناً‪ ،‬مع تبيني علة قرب‬

‫المسافة البعيدة‪ ،‬وهو‪:‬‬

‫معي في زمان ل يطيق محيدا‬ ‫وقالوا بعيد قلت حسبي بـأنـه‬


‫به كل يوم يستـنـير جـديدا‬ ‫تمر على الشمس مثل مرورها‬
‫سوى قطع يوم هل يكون بعيدا‬ ‫فمن ليس بيني في المسير وبينه‬
‫كفى ذا التداني ما أريد مزيدا‬ ‫وعلم إله الخلق يجمعنا مـعـا‬

‫فعبينت كمعا ترى أنعي قانعع بالجتماع معع معن أحعب فعي علم ال‪ ،‬الذي السعموات‬

‫والفلك والعوالم كلها وجميع الموجودات ل تنفصل منه ول تتجزأ فيه ول يشذ‬

‫عنه منها شيء‪ ،‬ثم اقتصرت من علم ال تعالى على أنه في زمان‪ ،‬وهذا أعم مما‬

‫قاله غيري فععي إحاطععة الليععل والنهار‪ ،‬وإن كان الظاهععر واحداً فععي البادي إلي‬

‫السععامع؛ لن كععل المخلوقات واقعععة تحععت الزمان‪ ،‬وإنمععا الزمان اسععم موضوع‬

‫لمرور السعاعات وقطعع الفلك وحركاتعه وأجرامعه‪ ،‬والليعل والنهار متولدان ععن‬

‫طلوع الشمععس وغروبهععا‪ ،‬وهمععا متناهيان فععي بعععض العالم العلى‪ ،‬وليععس هذا‬

‫الزمان‪ ،‬فإنهمععا بعععض الزمان‪ ،‬وإن كان لبعععض الفلسععفة قول إن الظععل متماد‪،‬‬

‫فهذا يخطئه العيان‪ ،‬وعلل الرد عليعه بينعة ليعس هذا موضعهعا‪ ،‬ثعم بينعت أنعه وإن‬

‫كان في أقصى المعمور من المشرق وأنا في أقصى المعمور من المغرب‪ ،‬وهذا‬

‫طول السعكنى‪ ،‬فليعس بينعي وبينعه إل مسعافة يوم؛ إذ الشمعس تبدو فعي أول النهار‬

‫فعععععععي أول المشارق وتغرب فعععععععي آخعععععععر النهار فعععععععي آخعععععععر المغارب‪.‬‬

‫ومععن القنوع فصععل أورده وأسععتعيذ بال منععه ومععن أهله‪ ،‬واحمده على مععا عرف‬

‫نفوسعنا معن منافرتعه‪ ،‬وهعو أن يضعل العقعل جملة‪ ،‬ويفسعد القريحعة‪ ،‬ويتلف التمييعز‬
‫ويهون الصعب‪ ،‬ويذهب الغيرة‪ ،‬ويعدم النفة‪ ،‬فيرضى النسان بالمشاركة فيمن‬

‫يحب‪ .‬وقعد عرض هذا لقوم أعاذنا ال من البلء‪ .‬وهذا ل يصح إل معع كلبيعة في‬

‫الطبع‪ ،‬وسقوط من العقل الذي هو عيار على ما تحته‪ ،‬وضعف حس‪ .‬ويؤيد هذا‬

‫كله حعب شديعد مععم‪ .‬فإذا اجتمععت هذه الشياء وتلحقعت بمزاج الطبائع ودخول‬

‫بعضهعا فعي بععض نتعج بينهمعا هذا الطبعع الخسعيس‪ ،‬وتولدت هذه الصعفة الرذلة‪،‬‬

‫وقام منها هذا الفعل المقذور القبيح‪ ،‬وأما رجل معه أقل همة وأيسر مروءة فهذا‬

‫منعه أبععد معن الثريعا ولو مات وجداً وتقطعع حبًا وفعي ذلك أقول زارياً على بععض‬

‫المسامحين في هذا الفصل‪:‬‬

‫وأفضل شيء أن تلين وتـسـمـحـا‬ ‫رأيتك رحب الصدر ترضى بمـا أتـى‬
‫فحظك من بعض السواني مـفـضـل على أن يحوز الملك من أصلها الرحى‬
‫تقدره في الجدي فاعص الذي لـحـا‬ ‫وعضو بعير فيه في الوزن ضعف مـا‬
‫فكن ناحيا في نحوه كـيفـمـا نـحـا‬ ‫ولعب الذي تهوى بسيفين مـعـجـب‬

‫الباب السادس والعشرون‬

‫الضنى‬

‫ول بعد لكعل محعب صعادق المودة ممنوع الوصعل‪ ،‬إمعا بعبين وإمعا بهجعر وإمعا‬

‫بكتمان واقععع لمعنععى‪ ،‬مععن أن يؤول إلى حععد السععقام والضنععى والنحول‪ ،‬وربمععا‬

‫أضجععه ذلك‪ .‬وهذا المعر كثيعر جداً موجود أبداً‪ ،‬والعراض الواقععة معن المحبعة‬
‫غير العلل الواقعة من هجمات العلل‪ ،‬ويميزها الطبيب الحاذق والمتفرس الناقد‪.‬‬

‫وفي ذلك أقول‪:‬‬

‫تداو فأنت يا هذا علـيل‬ ‫يقول لي الطبيب بغير علم‬


‫ورب قادر ملك جلـيل‬ ‫ودائي ليس يدريه سوائي‬
‫يلزمني وإطراق طويل‬ ‫أأكتمه ويكشفه شـهـيق‬
‫وجسم كالخيال ضن نحيل‬ ‫ووجه شاهدات الحزن فيه‬
‫بل شك إذا صح الدلـيل‬ ‫وأثبت ما يكون المر يوما‬
‫فل وال تعرف ما تقول‬ ‫فقلت له أبن عني قلـيلً‬
‫وعلتك التي تشكو ذبـول‬ ‫ل زادجـدا‬
‫فقال أرى نحو ً‬

‫جوارح وهي حمى تستحـيل‬ ‫فقلت له الذبول تعل مـنـه ال‬


‫وإن الحر في جسمي قـلـيل‬ ‫وما أشكو لعمر اللـه حـمـى‬
‫وأفكارا وصـمـتـا ل يزول‬ ‫فقال أرى التفاتا وارتـقـابـا‬
‫لنفسك إنها عـرض ثـقـيل‬ ‫وأحسب أنها السوء فانـظـر‬
‫فما للدمع من عينـي يسـيل‬ ‫فقلت له كلمـك ذا مـحـال‬
‫أل في مثل ذا بهت النـبـيل‬ ‫فأطرق بـاهـتـا مـمـا رآه‬
‫أل في مثل ذا ضلت عقـول‬ ‫فقلت لـه دوائي مـنـه دائي‬
‫فروع النبت إن عكست أصول‬ ‫وشاهد ما أقول يرى عـيانـا‬
‫سواه ببره ما لدغت كـفـيل‬ ‫وترياق الفاعي لـيس شـيء‬

‫وحدثنعي أبعو بكعر محمعد بعن بقعي الحجري‪ ،‬وكان حكيعم الطبعع عاقلً فهيماً‪ ،‬ععن‬

‫رجعل معن شيوخنعا ل يمكعن ذكره‪ ،‬أنعه كان ببغداد فعي خان معن خاناتهعا فرأى ابنعة‬

‫لوكيلة الخان فأحبهعا وتزوجهعا‪ ،‬فلمعا خل بهعا نظرت إليعه وكانعت بكراً‪ ،‬وهعو قعد‬

‫تكشعف لبععض حاجتعه‪ ،‬فراعهعا كعبر أيره‪ ،‬ففرت إلى أمهعا وتفادت منعه‪ .‬فرام بهعا‬

‫كعل معن حواليهعا أن ترد إليعه‪ ،‬فأبعت وكادت أن تموت‪ ،‬ففارقهعا ثعم ندم‪ ،‬ورام أن‬
‫يراجعهعا فلم يمكنعه‪ ،‬واستعان بالبهري وغيره‪ .‬فلم يقدر أحد منهم على حيلة في‬

‫أمره‪ ،‬فاختلط عقله وأقام فعي المارسعتان يعانعي مدة طويلة حتعى نقعه وسعل ومعا‬

‫كاد‪ ،‬ولقعععععععععععععععد كان إذا ذكرهعععععععععععععععا يتنفعععععععععععععععس الصععععععععععععععععداء‪.‬‬

‫قععد تقدم فععي أشعاري المذكورة فععي هذه الرسععالة‪ :‬مععن صععفة النحول مفرقاً مععا‬

‫اسععتغنيت بععه عععن أن أذكععر هنععا مععن سععواها شيئاً خوف الطالة‪ .‬وال المعيععن‬

‫والمسععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععتعان‪.‬‬

‫وربمععا ترقععت إلى أن يغلب المرء على عقله ويحال بينععه وبيععن ذهنععه فيوسععوس‪.‬‬

‫خععبر‪ :‬وإنععي لعرف جاريععة مععن ذوات المناصععب والجمال والشرف مععن بنات‬

‫القواد‪ ،‬وقد بلغ بها حب فتى من إخواني جداً من أبناء الكتاب مبلغ هيجان المرار‬

‫السععود‪ ،‬وكادت تختلط‪ .‬واشتهععر المععر وشاع جداً حتععى علمععه الباعععد‪ ،‬إلى أن‬

‫تدوركععت بالعلج‪ ،‬وهذا إنمععا يتولد عععن إدمان الفكععر‪ ،‬فإذا غلبععت الفكرة وتمكععن‬

‫الخلط وترك التداوي خرج المععر عععن حععد الحععب إلى حععد الوله والجنون‪ ،‬وإذا‬

‫أغفعل التداوي فعي الول إلى المعاناة قوى جداً ولم يوجعد له دواء سعوى الوصعال‪.‬‬

‫ومن بعض ما كتبت إليه قطعة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫أي خلق يعـيش دون فـؤاد‬ ‫قد سلبت الفؤاد منها اختلسـا‬
‫وتفز بالثواب يوم الـمـعـاد‬ ‫فأغثها بالوصل تحي شريفـا‬
‫من خلخيلها حلـي القـياد‬ ‫وأراها تعتـاض أن دام هـذا‬
‫عشقها بين ذا الورى لك بادي‬ ‫أنت حقا متيم الشمس حـتـى‬
‫خعبر‪ :‬وحدثنعي جعفعر مولى أحمعد بعن محمعد بعن جديعر‪ ،‬المعروف بالبلبينعي‪ :‬أن‬

‫سعبب اختلط مروان بعن يحيعى بعن أحمعد بعن جديعر وذهاب عقله اعتلقعه بجاريعة‬

‫لخيععه‪ ،‬فمنعهععا وباعهععا لغيره‪ ،‬ومععا كان فععي إخوتععه مثله ول أتععم أدباً منععه‪.‬‬
‫وأخعبرني أبعو العافيعة مولى محمعد بعن عباس بن أبعي عبدة‪ ،‬أن سعبب جنون يحيعى‬

‫بعن أحمعد بعن عباس بعن أبعي عبدة بيعع جاريعة له كان يجعد بهعا وجداً شديداً‪ ،‬كانعت‬

‫أمعععععععه أباعتهعععععععا وذهبعععععععت إلى إنكاحعععععععه معععععععن بععععععععض العامريات‪.‬‬

‫فهذان رجلن جليلن مشهوران فقدا عقولهمعععا واختلطعععا وصعععارا فعععي القيود‬

‫والغلل‪ ،‬فأمععععا مروان فأصععععابته ضربععععة مخطئة يوم دخول البربر قرطبععععة‬

‫وانتهائهعم إليهعا‪ ،‬فتوفعى رحمعه ال‪ .‬وأمعا يحيعى بعن محمعد فهعو حعي على حالتعه‬

‫المذكورة في حين كتابتي لرسالتي هذه‪ ،‬وقد رأيته أنا مراراً وجالسته في القصر‬

‫قبععل أن يمتحععن بهذه المحنععة‪ .‬وكان أسععتاذي وأسععتاذه الفقيععه أبععو الخيار اللغوي‪.‬‬

‫وكان يحيعععععععععععععععععععى لعمري حلواً معععععععععععععععععععن الفتيان نعععععععععععععععععععبيلً‪.‬‬

‫وأمعا معن دون هذه الطبقعة فقعد رأينعا منهعم كثيراً‪ ،‬ولكعن لم نسعمهم لخفائهعم وهذه‬

‫درجععة إذا بلغ المشغوف إليهععا فقععد أنيععت الرجاء وانصععرم الطمععع‪ ،‬فل دواء له‬

‫بالوصعل ول بغيره‪ ،‬إذ قعد اسعتحكم الفسعاد فعي الدماغ‪ ،‬وتلفعت المعرفعة وتغلبعت‬

‫الفة‪ .‬أعاذنا ال من البلء بطوله‪ ،‬وكفانا النقم منه‪.‬‬

‫الباب السابع والعشرون‬

‫السلو‬
‫وقعد علمنعا أن كعل ماله أول فل بعد معن آخعر‪ ،‬حاشعى نعيعم ال ععز وجعل‪ ،‬الجنعة‬

‫لوليائه وعذابه بالنار لعدائه‪ .‬وأما أعراض الدنيا فنافذة فانية وزائلة مضمحلة‪،‬‬

‫وعاقبعة كعل حعب إلى أحعد أمريعن‪ :‬إمعا احترام منيعة‪ ،‬وإمعا سعلو حادث‪ .‬وقعد نجعد‬

‫النفس تغلب عليها بعض القوى المصرفة معها في الجسد‪ ،‬فكما نجد نفساً ترفض‬

‫الراحات والملذ للعمععل فععي طاعععة ال تعالى والرياء فععي الدنيععا‪ ،‬حتععى تشتهععر‬

‫بالزهعد‪ ،‬فكذلك نجعد النفعس تغلب عليهعا بععض القوى المصعرفة معهعا فعي الجسعد‪،‬‬

‫فكمعا نجعد نفسعاً ترفعض الراحات والملذ للعمعل فعي طاععة ال تعالى وللرياء فعي‬

‫الدنيا‪ ،‬حتى تشتهر بالزهذ‪ ،‬فكذلك نجد نفساً تنصرف عن الرغبة في لقاء شكلها‬

‫للنفعة المسعتحكمة المنافرة للغدر‪ ،‬أو اسعتمرار سعوء المكافأة فعي الضميعر‪ ،‬وهذا‬

‫أصعح السعلو‪ ،‬ومعا كان معن غيعر هذيعن الشيئيعن فليعس إل مذموماً‪ .‬والسعلو المتولد‬

‫من الهجر وطوله إنما هو كاليأس يدخل على النفس من بلوغها إلى أملها‪ ،‬فيفتر‬

‫نزاعها ول تقوى رغبتها‪ .‬ولي في ذم السلو قصيدة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫وإن نطقت قلت السلم رطاب‬ ‫إذا ما رنت فالحي ميت بلحظها‬
‫فلحمى طعام والنجيع شـراب‬ ‫كأن الهوى ضيف ألم بمهجتي‬

‫ومنها‪:‬‬

‫ولو امطرنه بالحريق سـحـاب‬ ‫صبور على الزم الذي العز خلفه‬
‫خمول وفي بعض النعيم عـذاب‬ ‫جزوعا من الراحات إن أنتجت له‬

‫والسلو في التجربة الجميلة ينقسم قسمين‪ :‬سلو طبيعي‪ ،‬وهو المسمى بالنسيان‬

‫يخلو بععه القلب ويفرغ بععه البال‪ ،‬ويكون النسععان كأنععه لم يحععب قععط‪ :‬وهذا القسععم‬
‫ربمععا لحععق صععاحبه الذم لنععه حادث عععن أخلق ومذمومععة‪ ،‬وعععن أسععباب غيععر‬

‫موجبععة اسععتحقاق النسععيان‪ .‬وسععتأتي مبينععة إن شاء ال تعالى‪ ،‬وربمععا لم تلحقععه‬

‫اللئمعة لعذر صعحيح والثانعي سعلو تطبععي‪ ،‬قهعر النفعس‪ ،‬وهعو المسعمى بالتصعبر‪،‬‬

‫فترى المرء يظهععر التجلد وفععي قلبععه أشععد لدغاً مععن وخععز الشفععي‪ ،‬ولكنععه يرى‬

‫بعض الشر أهون من بعض‪ ،‬أو يحاسب نفسه بحجة ل تصرف ول تكسر وهذا‬

‫قسعم ل يذم آتيعه‪ ،‬ول يلم فاعله لنعه ل يحدث إل ععن عظيمعة‪ ،‬ول يقعع إل ععن‬

‫فادحة‪ ،‬إما لسبب ل يصبر على مثله الحرار‪ ،‬وإما لخطب ل مرد له تجري به‬

‫القدار وكفاك معن الموصعوف بعه أنعه ليعس بناس لكنعه ذاكعر‪ ،‬وذو حنيعن واقعف‬

‫على العهعد‪ ،‬ومتجزع مرارات الصعبر‪ ،‬والفرق العامعي بيعن المتصعبر والناسعي‪،‬‬

‫أنعك ترى المتصعبر وإن أبدي غايعة الجلد وأظهعر سعب محبوبعه والتحمعل عليعه‪،‬‬

‫يحتمل ذلك من غيره‪ .‬وفي ذلك أقول قطعة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫وإن كنت أبدي الهجر لست معاديا‬ ‫دعوني وسبي للحبيب فـإنـنـي‬
‫أجاد فلـقـاه اللـه الـدواهـيا‬ ‫ولكن سبى للحبيب كـقـولـهـم‬

‫والناس ضعد هذا‪ ،‬وكعل هذا فعلى قدر طبيععة النسعان وإجابتهعا وامتناعهعا وقوة‬

‫تمكن الحب من القلب أو ضعفه‪ ،‬وفي ذلك أقول‪ ،‬وسميت السالي فيه المتصبر‪،‬‬

‫قطعة منها‪:‬‬

‫حكم المقصر غير حكم المقصر‬ ‫ناسي الحبة غير من يسلـوهـم‬


‫ما الصابر المطبوع كالمتصبـر‬ ‫ما قاصر للنفس غير مجيبـهـا‬
‫والسعباب الموجبعة للسعلو المنقسعم هذيعن القسعمين كثيرة‪ ،‬وعلى حسعبها وبمقدار‬

‫الواقع منها يعذر للسالي ويذم‪.‬‬

‫فمنها الملل‪ ،‬وقد قدمنا الكلم عليه‪ ،‬وإن من كان سلوه عن ملل فليس حبه حقيقة‪،‬‬

‫والمتسعم بعه صعاحب دعوى زائفعة‪ ،‬وإنمعا هعو طالب لذة ومبادر شهوة‪ ،‬والسعالي‬

‫معن هذا الوجعه ناس مذموم ‪ 0‬ومنهعا السعتبدال‪ ،‬وهعو وإن كان يشبعه الملل ففيعه‬

‫معنععععى زائد‪ ،‬وهععععو بذلك المعنععععى أقبععععح مععععن الول وصععععاحبه أحععععق بالذم‪.‬‬

‫ومنهععا حياء مركععب يكون فععي المحععب يحول بينععه وبيععن التعريععض بمععا يجععد‪،‬‬

‫فيتطاول المعر‪ ،‬وتتراخعى المدة‪ ،‬ويبلى جديعد المودة‪ ،‬ويحدث السعلو‪ .‬وهذا وجعه‬

‫إن كان السعالي عنعه ناسعيًا فليعس بمنصعف‪ ،‬إذ منعه جاء سعبب الحرمان‪ ،‬وإن كان‬

‫متصبرًا فليس بملوم‪ ،‬إذ آثر الحياء على لذة نفسه‪ .‬وقد ورد عن رسول ال صلى‬

‫ال عليعه وسعلم أنعه قال‪( :‬الحياء معن اليمان والبذاء من النفاق)‪ .‬وحدثنا أحمعد بعن‬

‫محمد عن أحمد بن مطرف عن عبعد ال بن يحيعى عن أبيه عن مالك عن سعلمة‬

‫بن صفوان الزرقي عن زيد بن طلحة بن ركانة يرفعه إلى رسول ال صلى ال‬

‫عليعععععععه وسعععععععلم أنعععععععه قال‪ :‬لكعععععععل ديعععععععن خلق وخلق السعععععععلم الحياء‪.‬‬

‫فهذه السعباب الثلثعة أصعلها معن المحعب وابتداؤهعا معن قبله‪ ،‬والذم لصعق بعه فعي‬

‫نسيانه لمن يحب‪.‬‬

‫ثعم منهعا أسعباب أربععة هعن معن قبعل المحبوب وأصعلها عنده‪ ،‬فمنهعا‪ :‬الهجعر‪ ،‬وقعد‬

‫مر تفسير وجوهه‪ .‬ول بد لنا أن نورد منه شيئاً في هذا الباب يوافقه‪ ،‬والهجر إذا‬

‫تطاول وكثر العتاب واتصلت المفارقة يكون باباً إلى السلو وليس من وصلك ثم‬
‫قطععك لغيرك معن باب الهجعر فعي شيعء‪ ،‬لنعه الغدر الصعحيح‪ ،‬ول معن مال إلى‬

‫غيرك دون أن يتقدم لك معععه صععلة مععن الهجععر أيضاً فععي شيععء‪ ،‬إنمععا ذاك هععو‬

‫النفار‪ .‬وسعيقع الكلم فعي هذيعن الفصعلين بععد هذا إن شاء ال تعالى‪ .‬لكعن الهجعر‬

‫ممعن وصعلك ثعم قطععك لتنقيعل واش‪ ،‬ولذنعب واقعع‪ ،‬أو لشيعء قام فعي النفعس‪ ،‬ولم‬

‫يمعل إلى سعواك ول أقام أحداً غيرك مقامعك‪ .‬والناس فعي هذا الفصعل معن المحعبين‬

‫ملوم دون سعائر السعباب الواقععة معن المحبوب؛ لنعه ل تقعع حالة تقيعم العذر فعي‬

‫نسعيانه‪ ،‬وإنمعا هعو راغعب ععن وصعلك‪ ،‬وهعو شيعء ل يلزمعه‪ .‬وقعد تقدم معن أذمعة‬

‫الوصال وحق أيامه‪ ،‬ما يلزم التذكر ويوجب عهد اللفة‪ ،‬ولكن السالي على جهة‬

‫التصعبر والتجلد هعا هنعا معذور‪ ،‬إذا رأى الهجعر متمادياً ولم يعر للوصعال علمعة‬

‫ول للمواجهة دللة‪ .‬وقد استجاز كثير من الناس أن يسموا هذا المعنى غدراً‪ ،‬إذ‬

‫ظاهرهمعا واحعد‪ ،‬ولكعن علتيهمعا مختلفتان‪ .‬فلذلك فرقنعا بينهمعا فعي الحقيقعة‪ .‬وأقول‬

‫في ذلك شعراً‪ ،‬منه‪:‬‬

‫كآخر لم تدروا ولم تصلـوه‬ ‫فكونوا كمن لم أدر قط فإنني‬


‫فما شئنموه اليوم فاعتمـدوه‬ ‫أنا كالصدى ما قال كل أجببه‬
‫وأقول أيضًا قطععة‪ ،‬ثلثة أبيات قلتها وأنا نائم‪ ،‬واسعتيفظت فأضفت إليها البيت‬

‫الرابع‪:‬‬

‫أعز على من روحي وأهلي‬ ‫أل للـه دهـر كـنـت فـيه‬


‫طواك بنانها كي الـسـجـل‬ ‫فما برحت يد الهجران حتـى‬
‫سقاني الحب وصلكم بسجـل‬ ‫سقاني الصبر هجركم كما قـد‬
‫وطول الهجر أصلً للتسلـي‬ ‫وجدت الوصل أصل الوجد حقا‬
‫وأقول أيضًا قطعة‪:‬‬

‫أن سوف تسلو من تود‬ ‫لو قيل لي من قبـل ذا‬


‫ل كان ذا أبـد البـد‬ ‫فخلفت ألف فـسـامة‬
‫معه من السلوان بـد‬ ‫وإذا طويل الهجر مـا‬
‫ساع لبرئي مجتـهـد‬ ‫للـه هـجـرك إنـه‬
‫و وكنت أعجب للجلد‬ ‫فالن أعجب للـسـل‬
‫نحت الرماد لها مـدد‬ ‫وأرى هواك كجمـرة‬

‫وأقول‪:‬‬

‫فلقد أراها نـار إبـراهـيمـا‬ ‫كانت جهنم في الحشى من حبكم‬

‫ثم السباب الثلثة الباقية التي هي من قبل المحبوب‪ ،‬فالمتصبر من الناس فيها‬

‫غيععععععر مذموم‪ .‬لمععععععا سععععععتورده إن شاء ال فععععععي كععععععل فصععععععل منهععععععا‪.‬‬

‫فمنهعععععععععععععا نفار يكون فععععععععععععععي المحبوب وانزواه قاطعععععععععععععع للطماع‪.‬‬

‫خبر‪:‬‬

‫وإنعي لختعر عنعي أنعي ألفعت فعي أيام صعباي ألفعة المحبعة جاريعة نشأت فعي دارنعا‬

‫وكانعت فعي ذلك الوقعت بنعت سعتة عشعر عاماً؛ وكانعت غايعة فعي حسعن وجههعا‬

‫وعقلهعا وعفافهعا وطهارتهعا وخفرهعا ودماثهعا‪ ،‬عديمعة الهزل؛ منيععة البذل بديععة‬

‫البشر‪ ،‬مسبلة الستر؛ فقيدة الذام‪ ،‬قليلة الكلم؛ مغضوضة البصر‪ ،‬شديدة الحذر؛‬

‫نقيععة مععن العيوب‪ ،‬دائمععة القطوب؛ حلوة العراض‪ ،‬مطبوعععة النقباض مليحععة‬

‫الصعدود‪ ،‬رزينعة العقود؛ كثيرة الوقار‪ ،‬مسعتلذة النفار‪ ،‬ل توجعه الراجعي نحوهعا‪،‬‬

‫ول تقعف المطامعع عليهعا‪ ،‬ول معرس للمعل لديهعا‪ ،‬فوجههعا جالب كعل القلوب‪،‬‬
‫وحالهعا طارد معن أمهعا‪ .‬تزدان فعي المنعع والبخعل‪ ،‬مال يزدان غيرهعا بالسعماحة‬

‫والبذل‪ ،‬موقوفعة على الجعد فعي أمرهعا غيعر راغبعة فعي اللهعو‪ ،‬على أنهعا كانعت‬

‫تحسععن العود إحسععاناً جيدًا فجنحععت إليهععا وأحببتهععا حباً مفرطًا شديداً‪ ،‬فسعععيت‬

‫عاميعن أو نحوهمعا أن تجيبنعي بكلمعة وأسعمع معن فيهعا لفظعة‪ ،‬غيعر معا يقعع فعي‬

‫الحديث الظاهر إلى كل سامع‪ ،‬بأبلغ السعي فما وصلت من ذلك إلى شيء البتة‪،‬‬

‫فلعهدي بمصطنع كان في دارنا لبعض ما تصطنع له في دور الرؤساء‪ ،‬تجمعت‬

‫فيعه دخلتنعا ودخلة أخعي رحمعه ال معن النسعاء ونسعاء فتياننعا ومعن لث بنعا معن‬

‫خدمنعا‪ ،‬ممعن يخعف موضععه ويلطعف محله‪ ،‬فلبئن صعدراً معن النهار ثعم تنقلن إلى‬

‫قصعة كانعت فعي دارنعا مشرفعة على بسعتان الدار ويطلع منهعا على جميعع قرطبعة‬

‫وفحوصها‪ ،‬مفتحة البواب‪ .‬فصرن ينظرن من خلل الشراجيب وأنا بينهن فإني‬

‫لذكر أني كنت أقصد نحو الباب الذي هي فيه أنساً بقربها متعرضًا للدنو منها‪،‬‬

‫فمععا هععو إل أن ترانععي فععي جوارهععا فتترك ذلك الباب وتقصععد غيره فععي لطععف‬

‫الحركة‪ .‬فأتعمد أنا القصد إلى الباب الذي صارت إليه‪ ،‬فتعود إلى مثل ذلك الفعل‬

‫معن الزوال إلى غيره‪ .‬وكانعت قعد علمعت كلفعي بهعا ولم يشععر سعائر النسعوان بمعا‬

‫نحععن فيععه‪ ،‬لنهععن كععن عدداً كثيراً‪ .‬وإذ كلهععن يتنقلن مععن باب إلى باب لسععبب‬

‫الطلع من بعض البواب على جهات ل يطلع من غيرها عليها وأعلم أن قيافة‬

‫النسعاء فيمعن يميعل إليهعن أنفعذ معن قيافعة مدلج فعي الثار‪ .‬ثعم نزلن إلى البسعتان‬

‫فرغعب عجائزنعا وكرائمنعا إلى سعيدتها فعي سعماع غنائهعا‪ ،‬فأمرتهعا‪ ،‬فأخذت العود‬

‫وسعوته بخفعر وخجعل ل عهعد لي بمثله‪ ،‬وإن الشيعء يتضاععف حسعنه فعي عيعن‬

‫مستحسنه ثم اندفعت تغني بأبيات العباس بن الحنف حيث يقول‪:‬‬


‫كانت مغاربها جوف المقاصير‬ ‫إني طربت إلى شمس إذا غربت‬
‫كأن أعطافها طي الطـوامـير‬ ‫شمس ممثلة في خلـق جـارية‬
‫ول من الجن إل في التصـاوير‬ ‫لست من النس إل في مناسـبة‬
‫والريح عنبرة والكل من نـور‬ ‫فالوجه جوهرة والجسم عبهـرة‬
‫تخطوعلى البيض أوحد للقوارير‬ ‫كأنها حين تخطو في مجاسدهـا‬

‫فلعمري لكأن المضراب إنما يقع على قلبي‪ ،‬وما نسيت ذلك اليوم ول أنساه إلى‬

‫يوم مفارقتعي الدنيعا‪ .‬وهذا أكثعر معا وصعلت إليعه معن التمكعن معن رؤيتهعا وسعماع‬

‫كلمها‪ ،‬وفي ذلك أقول‪:‬‬

‫وصل ما هذا لها بنـكـير‬ ‫ل تلمها على النفار ومنع ال‬


‫أو يكون الغزال غير نفور‬ ‫هل يكون الهلل غير بعـيد‬

‫وأقول‪:‬‬

‫ولفظك قد ضننت به عليا‬ ‫منعت جمال وجهك مقلتـيا‬


‫فلست تكلمين الـيوم حـيا‬ ‫أراك نذرت للرحمن صوما‬
‫هنيئا ذا لعبـاس هـنـيا‬ ‫وقد غنيت للعباس شعـرا‬
‫لفوز قانيا وبكـم شـجـيا‬ ‫فلو يلقاك عباس لضحـى‬

‫ثعم انتقعل أبعي رحمعه ال معن دورنعا المحدثعة بالجانعب الشرقعي معن قرطبعة فعي‬

‫ربض الزاهرة إلى دورنا القديمة في الجانب الغربي من قرطبة ببلط مغيث في‬

‫اليوم الثالث معن قيام أميعر المؤمنيعن محمعد المهدي بالخلفعة‪ .‬وانتقلت أنعا بانتقاله‪،‬‬

‫وذلك فععي جمادى الخرة سععنة تسععع وتسعععين وثلثمائة‪ ،‬ولم تنتقععل هععي بانتقالنععا‬

‫لمور أوجبععت ذلك‪ .‬ثععم شغلنععا بعععد قيام أميععر المؤمنيععن هشام المؤيععد بالنكبات‬
‫وباعتداء أرباب دولتعه‪ ،‬وامتحنا بالعتقال والترقيعب والغرام الفادح والسعتتار‪،‬‬

‫وأرزمت الفتنة وألقت باعها وعمت الناس‪ ،‬وخصتنا‪ ،‬إلى أن توفي أبي الوزير‬

‫رحمعه ال ونحعن فعي هذه الحوال بععد العصعر يوم السعبت لليلتيعن بقينعا معن ذي‬

‫القعدة عام اثنتيععن وأربعمائة‪ .‬واتصععلت بنععا تلك الحال بعده إلى أن كانععت عندنععا‬

‫جنازة لبععض أهلنعا فرأيتهعا‪ .‬وقعد ارتفععت الواعيعة‪ ،‬قائمعة فعي المأتعم وسعط النسعاء‬

‫فععي جملة البواكععي والنوادب فلقععد أثارت وجداً دفيناً وحركععت سععاكناً‪ ،‬وذكرتنععي‬

‫عهداً قديماً وحباً تليداً ودهراً ماضياً وزمناً عافياً وشهوراً خوالي وأخباراً بوالي‬

‫ودهوراً فوانععي وأيامًا قععد ذهبععت وآثارًا قععد دثرت‪ ،‬وجددت أحزانععي وهيجععت‬

‫بلبلي‪ ،‬على أنعي كنعت فعي ذلك الهنار مرزاً مصعاباً معن وجوه‪ ،‬ومعا كنعت نسعيت‬

‫لكععن زاد الشجععى وتوقدت اللوعععة وتأكععد الحزن وتضاعععف الشععف‪ ،‬واسععتجلب‬

‫الوجد ما كان منه كامناً فلباه مجيباً‪ .‬فقلت قطعة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫وللحي أولى بالدموع الذوارف‬ ‫يبكي لميت مات وهو مـكـرم‬


‫وما هو للمقتول ظالما بآلـف‬ ‫فيا عجبا من آسف ل مرئ ثوى‬

‫ثم ضرب الدهر ضربانه وأجلينا عن منازلنا وتغلب علينا جند البربر‪ ،‬فخرجت‬

‫عن قرطبة أول المحرم سنة أربع وأربعمائة وغابت عن بصرى بعد تلك الرؤية‬

‫الواحدة ستة أعوام وأكثر‪ ،‬ثم دخلت قرطبة في شوال سنة تسع وأربعمائة فنزلت‬

‫على بععض نسعائنا فرأيتهعا هنالك‪ ،‬ومعا كدت أن أميزهعا حتعى قيعل لي هذه فلنعة‬

‫وقعد تغيعر أكثعر محاسعنها‪ ،‬وذهبعت نضارتهعا‪ ،‬وفنيعت تلك البهجعة‪ ،‬وغاض ذلك‬

‫الماء الذي كان يرى كالسععيف الصععقيل والمرآة الهنديععة‪ ،‬وذبععل ذلك النوار الذي‬
‫كان البصر يقصد نحوه متنوراً‪ ،‬ويرتاد فيه متخيراً‪ ،‬وينصرف عنه متحيراً‪ .‬فلم‬

‫يبق إل البعض المنبئ عن الكل‪ ،‬والخبر المخبر عن الجميع‪ ،‬وذلك لقلة اهتبالها‬

‫بنفسعها‪ ،‬وعدمهعا الصعيانة التعي كانعت غذيعت بهعا أيام دولتنعا وامتداد ظلنعا ولتبذلهعا‬

‫في الخروج فيما ل بد لها منه مما كانت تصان وترفع عنه قبل ذلك وإنما النساء‬

‫رياحين متى لم تتعاهد نقصت‪ ،‬وبنية متى لم يهتبل بها استهدمت‪ ،‬ولذلك قال من‬

‫قال‪ :‬إن حسعن الرجال أصعدق صعدقاً وأثبعت أصعلً وأعتعق جودة لصعبره على معا‬

‫لو لقعى بعضعه وجوه النسعاء لتغيرت أشعد التغيعر‪ ،‬مثعل الهجيعر والسعموم والرياح‬

‫واختلف الهواء وعدم الكعن‪ ،‬وإنعي لو نلت منهعا أقععل وصعل وأنسعت لي بععض‬

‫النعس لخولطعت طرباً أو لمعت فرحاً‪ ،‬ولكعن هذا النفار الذي صعبرني وأسعلني‪.‬‬

‫وهذا الوجه من أسباب السلو صاحبه في كل الوجهين معذور وغير ملوم؛ إذ لم‬

‫يقعع تثبعت يوجعب الوفاء‪ ،‬ول عهعد يقتضعي المحافظعة‪ ،‬ول سعلف ذمام‪ ،‬ول فرط‬

‫تصادف يلم على تضييعه ونسيانه‪.‬‬

‫ومنهعا جفاء يكون معن المحبوب‪ ،‬فإذا أفرط فيعه وأسعرف وصعادف معن المحعب‬

‫نفسعاً لهعا بععض النفعة والعزة تسعلى‪ ،‬وإذا كان الجفاء يسعيراً منقطعاً أو دائماً أو‬

‫كعبيراً منقطعاً أحتمعل وأغضعى عليعه‪ ،‬حتعى إذا كثعر ودام فل بقاء عليعه‪ .‬ول يلم‬

‫الناس لمن يحب في مثل هذا‪.‬‬

‫ومنها الغدر‪ ،‬وهو الذي ل يحتمله أحد‪ ،‬ول يغضى عليه كريم‪ ،‬وه المسلة حقاً‪.‬‬

‫ول يلم السالي عنه على أي وجه كان ناسياً أو متصبراً‪ ،‬بل اللئمة لحقة لمن‬
‫صعبر عليعه‪ .‬ول أن القلوب بيعد مقلبهعا ل إله إل هعو ول يكلف المرء صعرف قلبعه‬

‫ول إحاطععة اسععتحسانه‪ ،‬ول ذاك لقلت إن المتصععبر فععي سععلوه مععع الغدر يكاد أن‬

‫يستحق الملمة والتعنيف‪ .‬ول أدعى إلى السلو عند الحر النفس وذوي الحفيظة‬

‫والسعرى السعجايا معن الغدر‪ ،‬فمعا يصعبر عليعه إل دنيعء المروءة خسعيس الهمعة‬

‫ساقط النفة‪ ،‬وفي ذلك أقول قطعة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫وأنت لكل من يأتي سرير‬ ‫هواك فلست أقربه غـرور‬


‫فحولك منهم عدد كـثـير‬ ‫وما إن تصبرين على حبيب‬
‫لقاءك خوف جمعهم المير‬ ‫فلو كنت المير لما تعاطى‬
‫يلم بها ولو كثروا غـرور‬ ‫رأيتك كالماني ما على من‬

‫ولو حشد النام لهم نفير‬ ‫ول عنها لمن يأتي دفاع‬
‫ثم سبب ثامن‪ ،‬وهو ل من المحب ول من المحبوب‪ ،‬ولكنه من ال تعالى‪ ،‬وهو‬

‫اليأس‪ .‬وفروععه ثلثعة‪ :‬إمعا موت‪ ،‬وإمعا بيعن ل يرجعى مععه أوبعة‪ ،‬وإمعا عارض‬

‫يدخععل على المتحابيععن بعلة المحععب التععي مععن أجلهععا وثععق المحبوب فيغيرهععا‪.‬‬

‫وكل هذه الوجوه من أسباب السلو والتصبر‪ ،‬وعلى المحب الناسي في هذا الوجه‬

‫المنقسم إلى هذه القسام الثلثة من الغضاضة والذم واستحقاق اسم اللوم والغدر‬

‫ل فعي النفوس عجيباً‪ .‬وثلجاً لحعر الكباد كعبيراً‪ .‬وكعل‬


‫غيعر قليعل‪ ،‬وإن لليأس لعم ً‬

‫هذه الوجوه المذكورة أولً وآخراً فالتأنععي فيهععا واجععب‪ ،‬والتربععص على ِأهلهععا‬

‫حسععن‪ ،‬فيمععا يمكععن فيععه التأنععي ويصععح لديععه التربععص‪ ،‬فإذا انقطعععت الطماع‬

‫وانحسمت المال فحينئذ يقوم العذر‪.‬‬


‫وللشعراء فععن مععن الشعععر يذمون فيععه الباكععي على الدمععن‪ ،‬تويثنون على المثابر‬

‫على اللذات‪ .‬وهذا يدخل في باب السلو‪ .‬ولقد أكثر الحسن بن هانئ في هذا الباب‬

‫وافتخر به‪ ،‬وهو كثيراً ما يصف نفسه بالغدر الصريح في أشعاره‪ ،‬تحكماً بلسانه‬

‫واقتداراً على القول‪ ،‬وفي مثل هذا أقول شعراً‪ ،‬منه‪:‬‬

‫في رياض الربى مطي القفار‬ ‫خل هذا وبادر الدهر وأرحـل‬
‫مود كيما تحث بالـمـزمـار‬ ‫واحدها بالبديع من نغمـات ال‬
‫ر وقوف البنـان بـالوتـار‬ ‫إن خيرا من الوقوف علىالـدا‬
‫حائر الطرف مائلً كالمـدار‬ ‫وبدأ النرجس البديع كـصـب‬
‫وهو ل شك هائم بالـبـهـار‬ ‫لونه لون عاشق مـسـتـهـام‬

‫ومعاذ ال أن يكون نسعععيان مادرس لنعععا طبعاً‪ ،‬ومعصعععبة ال بشرب الراح لنعععا‬

‫خلقاً‪ ،‬وكسعاد الهمعة لنعا صعفة‪ ،‬ولكعن حسعبنا قول ال تعالى‪ ،‬ومعن أصعدق معن ال‬

‫قيلً في الشعراء‪( :‬ألم تر أنهم في كل واد يهيمون‪ .‬وأنهم يقولون ما ل يفعلون)‪.‬‬

‫فهذه شهادة ال العزيعز الجبار لهعم‪ ،‬ولكعن شذوذ القائل للشععر ععن مرتبعة الشععر‬

‫خطععأ‪ .‬وكان سععبب هذه البيات أن حفنععي العامريععة‪ ،‬إحدى كرائم المظفععر عبععد‬

‫الملك ابن أبي عامر‪ ،‬كلفتني صنعتها فأحببتها‪ ،‬وكنت أجلها‪ ،‬ولها فيها صنعة في‬

‫طريقة النشيد والبسيطرائقة جدا‪ .‬ولقد أنشدتها بعض إخواني من أهل الدب فقال‬

‫سععععععروراً بهععععععا‪ :‬يجععععععب أن توضععععععع هذه فععععععي جملة عجائب الدنيععععععا‪.‬‬

‫فجميع فصول هذا الباب كما ترى ثمانية‪ :‬منها ثلثة هي من المحب‪ ،‬اثنان منها‬

‫يذم السالي فيهما على كل وجه‪ ،‬وهما الملل والستبدال‪ ،‬وواحد منها يذم السالي‬
‫فيعه ول يذم المتصعبر‪ ،‬وهعو الحياء كمعا قدمنعا‪ .‬وأربععة معن المحبوب‪ ،‬منهعا واحعد‬

‫يذم الناي فيععه ول يذم المتصععبر‪ ،‬وهععو الهجععر الدائم‪ .‬وثلثععة ل يذم السععالي فيهععا‬

‫على أي وجعه كان ناسعياً أو متصعبراً‪ ،‬وهعي النفار والجفاء والغدر‪ .‬ووجعه ثامعن‬

‫وهعو معن قبعل ال ععز وجعل‪ ،‬وهعو اليأس إمعا بموت أو بيعن أو آفعة تزمعن‪ .‬فعي هذه‬

‫معذور‪.‬‬

‫وعنعي أخعبرك أنعي جبلت على طعبيعتين ل يهنئنعي معهمعا عيعش أبداً‪ ،‬وإنعي لبرم‬

‫بحياتي باجتماعهما وأود التثبت من نفسي أحيانًا لفقدها أنا بسببه من النكد من‬

‫أجلهمعا‪ ،‬وهمعا‪ :‬وفاء ل يشوبعه تلون قعد اسعتوت فيعه الحضرة والعيعب‪ ،‬والباطعن‬

‫والظاهعر‪ ،‬تولده اللفعة التعي لم تعزف بهعا نفسعي عمعا دربتعه‪ ،‬ول تتطلع إلى عدم‬

‫معن صعحبته‪ ،‬وعزة نفعس لتقعر على الضيعم‪ ،‬مهتمعة لقعل معا يرد عليهعا معن تغيعر‬

‫المعارف مؤثرة للموت عليعه‪ .‬فكعل واحدة معن هاتيعن السعجيتين تدععو إلى نفسعها‬

‫وإنعي لجفعى فأحتمعل‪ ،‬وأسعتعمل الناة الطويلة‪ ،‬والتلوم الذي ل يكاد يطيقعه أحعد‪،‬‬

‫فإذا أفرط المععر وحميععت نفسععي تصععبرت‪ ،‬وفععي القلب مععا فيععه وفععي ذلك أقول‬

‫قطعة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫ونغصا عيشي واستهلكا جلدي‬ ‫لي حلتان أذاقاني السى جرعا‬


‫كالصيد ينشب بين الذئب والسد‬ ‫كلتاهما تطبينى نحو جبلـتـهـا‬
‫فزال حزني عليه آخر البـد‬ ‫وفاء صدق فما فارقت ذا مـقة‬
‫صرامة فيه بالموال والولـد‬ ‫وعزة ل يحل الضيم ساحتـهـا‬

‫وممعا يشبعه معا نحعن فيعه‪ ،‬وإن كان أيعس منعه‪ ،‬أن رجلً معن إخوانعي كنعت أحللتعه‬

‫معن نفسعي محلهعا‪ ،‬وأسعقطت المؤونعة بينعي وبينعه‪ ،‬وأعددتعه ذخراً وكنزاً‪ ،‬وكان‬
‫كثيعر السعمع معن كعل قائل‪ ،‬فدب ذو النميمعة بينعي وبينعه‪ ،‬فحاكوا له وأنجعح سععيهم‬

‫عنده‪ ،‬فانقبععض عمععا كنععت أعهده‪ .‬فتربصععت عليععه مدة فععي مثلهععا أوب الغائب‪،‬‬

‫ورضي العاتب‪ ،‬فلم يزدد إل انقباضاً فتركته وحاله‪.‬‬

‫الباب الثامن والعشرون‬

‫الموت‬

‫وربما تزايد المر ورق الطبع وعظم الشفاق فكان سبباً للموت ومفارقة الدنيا‪،‬‬

‫وقد جاء في الثار‪ :‬من عشق فعف فمات فهو شهيد‪ .‬وفي ذلك قطعة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫وإن تمنن بقيت قرير عـين‬ ‫فإن أهلك هوى أهلك شهـيدا‬
‫ثووا بالصدق عن جرح ومين‬ ‫روى هذا لنـا قـوم ثـقـات‬

‫ولقعد حدثنعي أبعو السعرى عمار بعن زياد صعاحبنا عمعن يثعق بعه‪ ،‬أن الكاتعب ابعن‬

‫قزمان امتحن بمحبة أسعلم بن عبعد العزيعز‪ ،‬أخى الحاجب هاشم بن عبعد العزيز‪.‬‬
‫وكان أسلم غاية في الجمال‪ ،‬حتى أضجره لما به وأوقعه في أسباب المنية‪ .‬وكان‬

‫أسعلم كثيعر اللمام بعه والزيارة له ول علم له بأنعه أصعل دائه‪ ،‬إلى أن توفعي أسعفاً‬

‫ودنفاً‪.‬‬

‫قال المخععبر‪ :‬فأخععبرت أسععلم بعععد وفاتععه بسععبب علتععه وموتععه فتأسععف وقال‪ :‬هل‬

‫أعلمتنعي؟ فقلت‪ :‬ولم؟ قال‪ :‬كنعت وال أزيعد فعي صعلته ومعا أكاد أفارقعه‪ ،‬فمعا علي‬

‫في ذلك ضرر‪ .‬وكان أسلم هذا من أهل الدب البارع والتفين‪ ،‬مع حظ من الفقه‬

‫وافعر‪ ،‬وذا بصعارة فعي الشععر‪ ،‬وله شععر جيعد‪ ،‬وله معرفعة بالغانعي وتصعرفها‪،‬‬

‫وهعو صعاحب تأليعف فعي طرائق غناء زرياب وأخباره‪ ،‬وهعو ديوان عجيعب جدا‪.‬‬

‫وكان أحسعن الناس خلقاً وخلقعا‪ ،‬وهعو والد أبعي الجععد الذي كان سعاكناً بالجانعب‬

‫الغربي من قرطبة‪.‬‬

‫وأنا أعلم جارية كانت لبعض الرؤساء فعزف عنها لشيء بلغه في جهتها لم يكن‬

‫يوجب السخط‪ ،‬فباعها‪ .‬فجزعت لذلك جزعًا شديداً وما فارقها النحول والسف‪،‬‬

‫ول بان ععن عينهعا الدمعع إلى أن سعلت‪ ،‬وكان ذلك سعبب موتهعا‪ .‬ولم تععش بععد‬

‫خروجهعا عنعه إل أشهراً ليسعت بالكثيرة‪ .‬ولقعد أخعبرتني عنهعا امرأة أثعق بهعا أنهعا‬

‫لقيتهعا وهعي قعد صعارت كالخيعل نحولً ورقعة فقالت لهعا‪ :‬أحسعب هذا الذي بعك معن‬

‫محبتعك لفلن؟ فتنفسعت الصععداء وقالت‪ :‬وال لنسعيته أبداً‪ ،‬وإن كان جفانعي بل‬

‫سععععععععععععبب‪ .‬ومععععععععععععا عاشععععععععععععت بعععععععععععععد هذا القول إل يسععععععععععععيراً‪.‬‬

‫وأنععا أخععبرك عععن أبععي بكععر أخععي رحمععه ال‪ ،‬وكان متزوجاً بعاتكععة بنععت قنععد‪،‬‬

‫صعاحب الثغعر العلى أيام المنصعور أبعي عامعر محمعد بعن عامعر‪ ،‬وكانعت التعي ل‬
‫مرمعى وراءهعا فعي جمالهعا وكريعم خللهعا‪ ،‬ول تأتعي الدنيعا بمثلهعا فعي فضائلهعا‪.‬‬

‫وكانعا فعي حعد الصعبا وتمكعن سعلطانه تغضعب كعل واحعد منهمعا الكلمعة التعي ل قدر‬

‫لهعا‪ ،‬فكانعا لم يزال فعي تغاضعب وتعاتعب مدة ثمانيعة أعوام‪ ،‬وكانعت قعد شفهعا حبعه‬

‫واضناها الوجد فيه وانحلها شدة كلفها به حتى صارت كالخيال المتوسم دنفاً‪ ،‬ل‬

‫يلهيهعا معن الدنيعا شيعء‪ ،‬ول تسعر معن أموالهعا على عرضهعا وتكاثرهعا بقليعل ول‬

‫كثيععر إذا فاتهععا اتفاقععه معهععا وسععلمته لهععا‪ .‬إلى أن توفععي أخععي رحمععه ال فععي‬

‫الطاعون الواقععع بقرطبععة فععي شهععر ذي القعدة سععنة إحدى وأربعمائة‪ ،‬وهععو ابععن‬

‫اثنتيععن وعشريععن سععنة‪ ،‬فمععا انفكععت منععذ بان عنهععا مععن السععقم الدخيععل والمرض‬

‫والذبول إلى أن ماتت بعده بعام في اليوم الذي أكمل هو فيه تحت الرض عاماً‪.‬‬

‫ولقد أخبرتني عنها أمها وجميع جواريها أنها كانت تقول بعده‪ :‬ما يقوى صبري‬

‫ويمسك رمقي في الدنيا ساعة واحدة بعد وفاته إل سروري وتيقني أنه ل يضمه‬

‫وامرأة مضجععع أبداً‪ ،‬فقععد أمنعت هذا الذي معا كنعت أتخوف غيره‪ ،‬وأعظععم آمالي‬

‫اليوم اللحاق به‪.‬‬

‫ولم يكن له قبلها ول معها امرأة غيرها‪ ،‬وهي كذلك لم يكن لها غيره‪ ،‬فكان كما‬

‫قدرت‪ .‬غفر ال لها ورضي عنها‪.‬‬

‫وأمعا خعبر صعاحبنا أبعي عبعد ال محمعد بعن يحيعى بعن محمعد بعن الحسعين التميمعي‪،‬‬

‫المعروف بابعن الطنعبي‪ .‬فإنعه كان رحمعه ال كأنعه قعد خلق الحسعن على مثاله أو‬

‫خلق معن نفعس كعل معن رآه‪ ،‬لم أشعد له مثلً حسعناً وجمال وخلقاً وعفعة وتصعاوناً‬
‫وأدباً وفهماً وحلماً ووفاء وسعععععؤدداً وطهارة وكرماً ودماثعععععة وحلوة ولباقعععععة‬

‫وإغضامعو عقل ومروءة وديناً وداريعة وحفظاً للقرآن والحديعث والنحعو واللغعة‪،‬‬

‫وشاعراً مفلقاً حسععن الخععط‪ ،‬وبليغاً مفنناً‪ ،‬مععع حععظ صععالح مععن الكلم والجدال‪،‬‬

‫وكان معن غلمان أبعي القاسعم عبعد الرحمعن بعن أبعي يزيعد الزدي أسعتاذي فعي هذا‬

‫الشأن‪ ،‬وكان بينعه وبيعن أبيعه اثنعا عشعر عامًا فعي السعن‪ ،‬وكنعت أنعا وهعو متقاربيعن‬

‫فعي السعنان‪ .‬وكنعا أليفيعن ل نفترق‪ ،‬وخذنيعن ل يجري الماء بيننعا إل صعفاء‪ ،‬إلى‬

‫أن ألقعت الفتنعة جرانهعا وأرخعت ععز إليهعا ووقعع انتهاب جنعد البربر منازلنعا فعي‬

‫الجانعب الغربعي بقرطبعة ونزولهعم فيهعا‪ ،‬وكان مسعكن أبعي عبعد ال فعي الجانعب‬

‫الشرقعي ببلط مغيعث‪ ،‬وتقلبعت بعي المور إلى الخروج ععن قرطبعة وسعكن مدينعة‬

‫المريعة‪ ،‬فكنعا نتهادى النظعم والنثعر كثيراً وآخعر معا خاطبنعي بعه رسعالة فعي درجهعا‬

‫هذه البيات‪:‬‬

‫سي جديدا لـدي غـير رثـيث‬ ‫ليت شعري عن حبل ودك هل يم‬
‫وأناجيك فـي بـلط مـغـيث‬ ‫وأرانـي أرى مـحـياك يومـا‬
‫ق أناك البلط كالمسـتـغـيث‬ ‫فلو أن الديار ينهضهـا الـشـو‬
‫سار قلبي إليك سير الحـثـيث‬ ‫ولو أن القلوب تسطـيع سـيرا‬
‫ليس لي غير ذكركم من حديث‬ ‫كن كما شئت لي فإني مـحـب‬
‫في صميم الفؤاد غير نـكـيث‬ ‫لك عندي وإن تناسـيت عـهـد‬

‫فكنععا على ذلك إلى أن انقطعععت دولة بنععي مروان وقتععل سععليمان الظافععر أميععر‬

‫المؤمنيعععن وظهرت دولة الطالبيعععة وبويعععع علي بعععن حمود الحسعععني‪ ،‬المسعععمى‬

‫بالناصعر بالخلفعة‪ ،‬وتغلب على قرطبعة وتملكهعا واسعتمر فعي قتاله إياهعا بجيوش‬
‫المتغلبيععن والثوار فععي أقطار الندلس‪ .‬وفععي إثععر ذلك نكبنععي خيران صععاحب‬

‫المريعة‪ ،‬إذ نقعل إليعه معن لم يتعق ال ععز وجعل معن الباغيعن ‪ -‬وقعد انتقعم ال منهعم ‪-‬‬

‫عنعي وعن محمد بن إسعحاق صاحبي أنا نسععى فعي القيام بدعوة الدولة المويعة‪،‬‬

‫فاعتقلنعا عنعد نفسعه أشهراً ثعم أحرجنعا على جهعة التغريعب‪ ،‬فصعرنا إلى حصعن‬

‫القصعر‪ .‬ولقينعا صعاحبه أبعو القاسعم عبعد ال بعن هذيعل التجيعبي‪ ،‬المعروف بابعن‬

‫المقفعل‪ ،‬فأقمنعا عنده شهورًا فعي خيعر دار إقامعة‪ ،‬وبيعن خيعر أهعل وجيران‪ ،‬وعنعد‬

‫أجعل الناس همعة وأكملهعم معروفاً وأتمهعم سعيادة‪ .‬ثعم ركبنعا البحعر قاصعدين بلنسعية‬

‫عنعد ظهور أميعر المؤمنيعن المرتضعى عبعد الرحمعن ابعن محمعد‪ ،‬وسعاكناه بهعا‪.‬‬

‫فوجدت ببلنسعية أبعا شاكعر عبعد الرحمعن بعن محمعد بعن موهعب العنعبري صعديقنا‪،‬‬

‫فنععى إلى أبعا عبعد ال بعن الطنعبي وأخعبرني بموتعه رحمعه ال ثعم أخعبرني بععد ذلك‬

‫بمدينة القاضي أبو الوليد يونس بن محمد المردي وأبو عمر وأحمد ابن محرز‪،‬‬

‫أن أبعا بكعر المصععب بعن عبعد ال الزدي‪ ،‬المعروف بابعن الفرضعى‪ ،‬حدثهمعا‪،‬‬

‫وكان والد المصععععب هذا قاضعععي بلنسعععية أيام أميعععر المؤمنيعععن المهدي؛ وكان‬

‫المصعععب لنععا صععديقاً وأخاً وأليفاً أيام طلبنععا الحديععث على والده وسععائر شيوخ‬

‫المحدثين بقرطبة قال‪ :‬قال لنا المصعب‪ :‬سألت أبا عبد اله بن الطنبي عن سبب‬

‫علتعه‪ ،‬وهعو قعد نحعل وخفيعت محاسعن وجهعه بالضنعى فلم يبعق إل عيعن جوهرهعا‬

‫المخعبر ععن صعفاتها السعالفة‪ ،‬وصعار يكاد أن يطيره النفعس‪ ،‬وقرب معن النحناء‪،‬‬

‫والشجا باد على وجهه‪ ،‬ونحن منفردان‪ .‬فقال لي‪ .‬نعم‪ :‬أخبرك أني كنت في باب‬

‫داري بقديععد الشماس فععي حيععن دخول علي بععن حمود قرطبععة؛ والجيوش واردة‬

‫عليهعا معن الجهات تتسعارب فرأيعت فعي جملتهعم فتعى لم أقدر أن للحسعن صعورة‬
‫قائمة حتى رأيته‪ ،‬فغلب على عقلي وهام به لبي‪ ،‬فسألت عنه فقيل لي‪ :‬هذا فلن‬

‫بن فلن‪ ،‬من سكان جهة كذا‪ ،‬ناحية قاصية عن قرطبة بعيدة المأخذ‪ .‬فيئست من‬

‫رؤيتععه بعععد ذلك‪ .‬ولعمري يععا أبععا بكععر ل فارقنععي حبععه أو يوردنععي رمسععى‪.‬‬

‫فكان كذلك‪ ،‬وأنعا أعرف ذلك الفتعى وأدريعه‪ ،‬وقعد رأيتعه لكنعي أضربعت ععن اسعمه‬

‫لنعععه قعععد مات والتقعععى كلهمعععا عنعععد ال ععععز وجعععل‪ .‬عفعععا ال ععععن الجميعععع‪.‬‬

‫هذا على أن أبعععا عبعععد ال‪ ،‬أكرم ال نزله‪ ،‬ممعععن لم يكعععن له وله قعععط‪ ،‬ول فارق‬

‫الطريقة المثلى؛ ول وطئ حراماً قط؛ ول قارف منكراً؛ ول أتى منهياً عنه يحل‬

‫بدينه ومروءته؛ ول قارض من جفا عليه؛ وما كان في طبقتنا مثله‪ .‬ثم دخلت أنا‬

‫قرطبعة فعي خلفعة القاسعم بعن حمود المأمون فلم أقدم شيئاً على قصعد أبعي عمرو‬

‫القاسعم بعن يحيعى التميمعي أخعي عبعد ال رحمعه ال‪ .‬فسعألته ععن حاله وعزيتعه ععن‬

‫أخيعه ومعا كان أولى بالتعزيعة عنعه منعي‪ .‬ثعم سعألته ععن أشعاره ورسعائله إذ كان‬

‫الذي عندي منعه قعد ذهعب بالنهعب فعي السعبب الذي ذكرتعه فعي صعدر هذه الحكايعة‬

‫فأخبرني عنه أن لما قربت وفاته وأيقن بحضور المنية ولم يشك في الموت دعا‬

‫بجميع شعره وبكتبي التي كنت خاطبته أنا بها‪ ،‬فقطعها كلها ثم أمر بدفنها‪ .‬قال‬

‫أبو عمرو‪ :‬فقلب له‪ :‬يا أخي دعها تبقعي‪ .‬فقال‪ :‬إني أقطعهعا وأنا أدري أنعي أقطع‬

‫فيهعا أدباً كثيراً‪ ،‬ولكعن لو كان أبعو محمعد بعينعي حاضراً لدفعتهعا إليعه تكون عنده‬

‫تذكرة لمودتعي‪ ،‬ولكنعي ل أعلم أي البلد أضمرتعه ول أحعي هعو أم ميعت‪ .‬وكانعت‬

‫نكبتععي اتصععلت بععه ولم يعلم مسععتقري ول إلى مععا آل إليععه أمري فمععن مرائي له‬

‫قصيدة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫فوجدي بعدك ل سـتـتـر‬ ‫لئي سترتك بطول اللحـود‬
‫وللدهر فينا كـرور ومـر‬ ‫قصدت ديارك قصد المشوق‬
‫فأسكبت عيني عليك العبر‬ ‫فألفيتها منك قفـرا خـلء‬

‫وحدثنعي أبعو القاسعم الهمذانعي رحمعه ال قال‪ :‬كان معنعا ببغداد أخ لعبعد ال ابعن‬

‫يحيعى بعن أحمعد بعن دحون العقبعة‪ ،‬الذي عليعه مدار الفتيعا بقرطبعة‪ ،‬وكان أعلم معن‬

‫أخيععه وأجععل مقدراً‪ ،‬مععا كان فععي أصععحابنا ببغداد مثله‪ ،‬وأنععه اجتاز يوماً بدرب‬

‫قطنة؛ في زقاق ل ينفذ‪ .‬فدخل فيه فرأى في أقصاه جارية واقفة مكشوفة الوجه‪،‬‬

‫فقالت له‪ :‬يعا هذا‪ ،‬إن الدرب ل ينفعذ‪ ،‬قال‪ :‬فنظعر إليهعا فهام بهعا‪ .‬قال‪ :‬وانصعرف‬

‫إلينا فتزايد عليه أمرها‪ ،‬وخشى الفتنة فخرج إلى البصرة فمات بها عشقاً رحمه‬

‫ال‪ ،‬وكان فيما ذكر من الصالحين‪.‬‬

‫حكايعة‪ :‬لم أزل أسعمعها ععن بعبعض ملوك البرابر‪ ،‬أن رجل أندلسعياً باع جاريعة‪،‬‬

‫كان يجعد بهعا وجدا شديدا‪ ،‬لفاقعة أصعابته‪ ،‬معن رجعل معن أهعل ذلك البلد‪ ،‬ولم يظعن‬

‫بائعهععا أن نفسععه تتبعهععا ذلك التتبععع‪ .‬فلمععا حصععلت عنععد المشتري كادت نفععس‬

‫الندلسعي تخرج‪ .‬فأتعى إلى الذي ابتاعهعا منعه وحكمعه فعي ماله أجمعع وفعي نفسعه‪،‬‬

‫فأبعى عليعه‪ ،‬فتحمعل عليعه بأهعل البلد فلم يسععف منهعم أحعد‪ .‬فكاد عقله أن يذهعب‬

‫ورأى أن يتصععدى إلى الملك فتعرض له وصععاح‪ ،‬فسععمعه فأمععر بإدخاله‪ ،‬والملك‬

‫قاععد فعي عليعة له مشرفعة عاليعة فوصعل إليعه‪ .‬فمعا مثعل بيعن يديعه أخعبره بقصعته‬

‫واسعترحمه وتضرع إليعه‪ ،‬فرق له الملك فأمعر بإحضار الرجعل المبتاع فحضعر‪،‬‬

‫فقال له‪ :‬هذا رجعل غريعب وهعو كمعا تراه وأنعا شفيععه إليعك‪ .‬فأبعى المتاع وقال‪ :‬أنعا‬
‫أشد حباً لها منه وأخشى أن صرفتها إليه أن أستغيث بك غداً أو أنا في أسوأ من‬

‫حالته‪ .‬فعرض له الملك ومن حواليه من أموالهم‪ ،‬فأبى ولج واعتذر بمحبته لها‪،‬‬

‫فلمعا طال المجلس ولم يروا منعه البتعة جنوحاً إلى السععاف قال للندلسعي‪ :‬يعا هذا‬

‫مالك بيدي أكثر مما ترى‪ ،‬وقد جهدت لك بأبلغ سعي‪ ،‬وهو تراه يعتذر بأنه فيها‬

‫أحب منك وأنه يخشى على نفسه شراً مما أنت فيه‪ ،‬فاصبر لما قضى ال عليك‪.‬‬

‫فقال له الندلسي‪ :‬فمالي بيدك حيلة؟ قال له‪ :‬وهل ها هنا غير الرغبة والبذل‪ ،‬ما‬

‫ِأستطيع لك أكثر‪ .‬فلما يئسي الندلسي منها جمع يديه ورجليه وانصب من أعلى‬

‫العليعة إلى الرض‪ .‬فارتاع الملك وصعرخ‪ ،‬فابتدر الغلمان معن أسعفل‪ ،‬فقضعى أنعه‬

‫لم يتأذ فععي ذلك الوقوع كععبير أذى‪ ،‬فصعععد بععه إلى الملك‪ ،‬فقال‪ :‬ماذا أردت بهذا؟‬

‫فقال‪ :‬أيها الملك‪ ،‬ل سبيل لي إلى الحياة بعدها ثم هم أن يرمي نفسه ثانية‪ ،‬فمنع‪.‬‬

‫فقال الملك‪ :‬ال أكععبر‪ ،‬قععد ظهععر وجععه الحكععم فععي هذه المسععألة‪ ،‬ثععم التفععت إلى‬

‫المشتري فقال‪ :‬يعا هذا‪ ،‬إنعك ذكرت أنعك أود لهعا منعه وتخاف أن تصعير فعي مثعل‬

‫حاله‪ ،‬فقال‪ :‬نعععم‪ .‬قال‪ :‬فإن صععاحبك هذا أبدى عنوان محبتععه وقذف بنفسععه يريععد‬

‫الموت لول أن ال ععز وجعل وقاه‪ ،‬فأنعت قعم فصعحح حبعك وترام معن أعلى هذه‬

‫القصعبة كمعا فععل صعاحبك‪ ،‬فإن معت فبأجلك وإن عشعت كنعت أولى بالجاريعة‪ ،‬إذ‬

‫هععي فععي يدك ويمضععي صععاحبك عنععك‪ ،‬وإن أبيععت نزعععت الجاريععة منععك رغماً‬

‫ودفعتها إليه‪ ،‬فتمنع ثم قال‪ ،‬أترامى‪ .‬فلما قرب من الباب ونظر إلى الهوى تحته‬

‫رجعع القهقري‪ ،‬فقال له الملك‪ :‬هعو وال معا قلت‪ ،‬فهعم ثعم نكعل‪ ،‬فلمعا لم يقدم قال له‬

‫الملك‪ :‬ل تتلععب بنعا‪ ،‬يعا غلمان‪ ،‬خذوا بيديعه وأرموا بعه إلى الرض فلمعا رأى‬

‫العزيمععة قال‪ :‬أيهععا الملك‪ ،‬قععد طابععت نفسععي بالجاريععة‪ .‬فقال له‪ :‬جزاك ال خيراً‪.‬‬
‫فاشتراها منه ودفعها إلى بائعها‪ ،‬وانصرفا‪.‬‬

‫الباب التاسع والعشرون‬

‫قبح المعصية‬

‫قال المصععنف رحمععه ال تعالى‪ :‬وكثيععر مععن الناس يطيعون أنفسععهم ويعصععون‬

‫عقولهم ويتبعون أهواءهم‪ ،‬ويرفضون أديانهم‪ ،‬ويتجنبوا ما حض ال تعالى عليه‬

‫ورتبعه في اللباب السليمة من العفعة وترك المعاصعي ومقارعة الهوى ويخالفون‬

‫ال ربهم‪ ،‬ويوافقون إبليس فيما يحبه من الشهوة المعطية فيواقعون المعصية في‬

‫حبهم‪ .‬وقد علمنا أن ال عز وجل ركب في النسان طبيعتين متضادتين‪ :‬إحداهما‬

‫ل تشير إل بخير ول تحض إل على حسن ول يتصور فيها إل كل أمر مرضي‪،‬‬

‫وهي العقل‪ ،‬وقائده العدل‪.‬‬

‫والثانيعععة‪ :‬ضعععد لهعععا ل تشيعععر إل إلى الشهوات‪ ،‬ول تقود إل إلى الردى‪ ،‬وهعععي‬
‫النفععس‪ ،‬وقائدهععا الشهوة‪ .‬وال تعالى يقول‪( :‬إن النفععس لمارة بالسععوء)‪ .‬وكنععى‬

‫بالقلب عن العقل فقال‪( :‬إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو‬

‫شهيععد)‪ .‬وقال تعالى‪( :‬وحبععب ألكععم اليمان وزينععه فععي قلوبكععم)‪ .‬وخاطععب أولي‬

‫اللباب‪.‬‬

‫فهاتان الطعبيعتان قطبان فعي النسعان‪ ،‬وهمعا قوتان معن قوى الجسعد الفعال بهمعا‪،‬‬

‫ومطرحان معن مطارح شعاعات هذيعن الجوهريعن العجيعبين الرفيعيعن العلوييعن‬

‫ففي كل جسد منهما حظه على قدر مقابلته لهما في تقدير الواحد الصمد‪ ،‬تقدست‬

‫أسععماؤه حيععن خلقععه وهيأه‪ .‬فهمععا يتقابلن أبداً ويتنازعان دأباً‪ ،‬فإذا غلب العقععل‬

‫النفعس ارتدع النسعان وقمعع عوارضعه المدخولة واسعتضاء بنور ال واتبعع العدل‬

‫وإذا غلبعت النفعس العقعل عميعت البصعيرة‪ ،‬ولم يصعح الفرق بيعن الحسعن والقبيعح‪،‬‬

‫وعظعععم اللتباس وتردى فعععي هوة الردى ومهواة الهلكعععة‪ ،‬وبهذا حسعععن المعععر‬

‫والنهععي‪ ،‬ووجععب الكتمال‪ ،‬وصععح الثواب والعقاب‪ ،‬واسععتحق الجزاء‪ .‬والروح‬

‫وأصععل بيععن هاتيععن الطععبيعتين‪ ،‬وموصععل مععا بينهمععا‪ ،‬وحامععل اللتقاء بهمععا وإن‬

‫الوقوف عنععد حععد الطاعععة لمعدوم إل بطول الرياضععة وصععحة المعرفععة ونفاذ‬

‫التمييععز‪ ،‬ومععع ذلك اجتناب التعرض للفتععن ومداخله الناس جملة والجلوس فععي‬

‫البيوت‪ ،‬وبالحري أن تقعع السعلمة المضمونعة أن يكون الرجعل حصعوراً ل أرب‬

‫له في النساء ول جارحة له تعبنه عليهن قديماً‪ .‬وورد‪ :‬من وقى شر لقلقه وقبقبه‬

‫وذبذبععه فقععد وقععى شععر الدنيععا بحذافيراهععا‪ .‬واللقلق‪ :‬اللسععان‪ .‬والقبقععب‪ :‬البطععن‪.‬‬

‫والذبذب‪ :‬الفرج ولقععد أخععبرني أبععو حفععص الكاتععب هععو مععن ولد روح بععن زنباع‬

‫الجذامعي‪ ،‬أنعه سعمع بععض المتسعمين باسعم الفقعه معن أهعل الروايعة المشاهيعر‪ ،‬وقعد‬
‫سعععععععععععئل ععععععععععععن هذا الحديعععععععععععث فقال‪ :‬القبقعععععععععععب‪ .‬البطيعععععععععععخ‪.‬‬

‫وحدثنعا أحمعد بعن محمعد بعن أحمعد‪ ،‬ثنعا وهعب بعن مسعرة ومحمعد بعن أبعي دليعم ععن‬

‫محمعد بعن وضاح ععن يحيعى بعن يحيعى ععن مالك بعن أنعس ععن زيعد بعن أسعلم ععن‬

‫عطاء ابن يسار‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال في حديث طويل‪( :‬من‬

‫وقاه ال شعر اثنتيعن دخعل الجنعة)‪ .‬فسعئل ععن ذلك فقال‪( :‬معا بيعن لحييعه ومعا بيعن‬

‫رجليعععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععه)‪.‬‬

‫وإنعي لسعمع كثيراً ممعن يقول‪ :‬الوفاء فعي قمعع الشهوات فعي الرجال دون النسعاء‬

‫فأطيعل العجعب معن ذلك‪ ،‬وإن لي قولً ل أحول عنعه‪ :‬الرجال والنسعاء فعي الجنوح‬

‫إلى هذيعن الشيئيعن سعواه‪ ،‬ومعا رجعل عرضعت له امرأة جميلة بالحعب وطال ذلك‬

‫ولم يكعن ثعم معن مانعع إل وقعع فعي شرك الشيطان واسعتهوته المعاصعي واسعتفزه‬

‫الحرص وتغوله الطمععع‪ ،‬ومععا امرأة دعاهععا رجععل بمثععل هذه الحالة إل وأمكنتععه‪،‬‬

‫حتماً مقضياً وحكماً نافذا ل محيعععععععععععععععععععد عنعععععععععععععععععععه البتعععععععععععععععععععة‪.‬‬

‫ولقد أخبرني ثقة صدق من إخواني من أهل النماء في الفقه والكلم المعرفة وذو‬

‫صلبة في دينه‪ ،‬أنه أحب جارية نبيلة أديبة ذات جمال بارع‪ ،‬قال‪ :‬فعرضت لها‬

‫فنفرت‪ ،‬ثععم عرضععت فأبععت‪ .‬فلم يزل المععر يطول وحبهععا يزيععد‪ ،‬وهععي ل تطيععع‬

‫البتة‪ ،‬إلى أن حملني فرط حبي لها مع عمي الصبي على أن نذرت أني متى نلت‬

‫منهعا مرادي أن أتوب إلى ال توبعة صعادقة‪ .‬قال‪ :‬فمعا مرت اليام والليالي حتعى‬

‫أذعنعععت بععععد شماس ونفار‪ .‬فقلت له‪ :‬أنعععا فلن‪ ،‬وفيعععت بعهدك؟ فقال‪ :‬أي وال‪،‬‬

‫فضحكععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععت‪.‬‬

‫وذكرت بهذه الفعلة مععا لم يزل يداول فععي أسععماعنا مععن أن فععي بلد البربر التععي‬
‫تجاور أندلسعنا يتعهعد الفاسعق على أنععه إذا قضععى وطره ممعن أراد أن يتوب إلى‬

‫ال‪ ،‬فل يمنعع معن ذلك‪ .‬وينكرون على معن تعرض له بكلمععة ويقولون له‪ :‬أتحرم‬

‫رجلً مسلماً التوبة‪.‬‬

‫قال‪ :‬ولعهدي بهعا تبكعي وتقول‪ :‬وال لقعد بلغتنعي بملغاً معا خطعر قعط لي ببال‪ ،‬ول‬

‫قدرت أن أجيب إليه أحداً‪.‬‬

‫ولسعت أبععد أن يكون الصعلح فعي الرجال والنسعاء موجوداً‪ .‬وأعوذ بال أن أظعن‬

‫غير هذا‪ ،‬وإني رأيت الناس يغلطون في معنى هذه الكلمة‪ ،‬أعني الصلح‪ ،‬غلطاً‬

‫بعيداً والصحيح في حقيقة تفسيرها أن الصالحة من النساء هي التي إذا ضبطت‬

‫انضبطعت‪ ،‬وإذا قطععت عنهعا الذرائع أمسعكت‪ .‬والفاسعدة هعي التعي إذا ضبطعت لم‬

‫تنضبععط‪ ،‬وإذا حيععل بينهععا وبيععن السععباب التععي تسععهل الفواحععش تحيلت فععي أن‬

‫تتوصععل إليهععا بضروب مععن الحيععل‪ .‬والصععالح مععن الرجال مععن ل يداخععل أهععل‬

‫الفسعوق ول يتعرض إلى المناظعر الجالبعة للهواء‪ ،‬ول يرفعع طرفعه إلى الصعور‬

‫البديععععة الصعععنعة‪ ،‬ويتصعععدى للمشاهعععد المؤذيعععة‪ ،‬ويحعععب الخلوات المهلكات‬

‫والصعالحان معن الرحال والنسعاء كالنار الكامنعة فعي الرماد ل تحرق معن جاورهعا‬

‫إل بأن تحرك والفاسقان كالنار المشتعلة تحرق كل شيء‪.‬‬

‫وأمععا امرأة مهملة ورجععل متعرض فقععد هلكععا وتلفععا‪ .‬ولهذا حرم على المسععلم‬

‫اللتذاذ بسعماع نغمعة امرأة أجنبيعة‪ .‬وقعد جعلت النظرة الولى لك والخرى عليعك‬

‫وقد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬من تأمل امرأة وهو صائم حتى يرى‬
‫حجم عظامها فقد أفطر)‪ .‬وإن فيما ورد من النهي عن الهوى بنص التنزيل لشيئاً‬

‫مقنعاً‪ .‬وفععي إيقاع هذه الكلمععة‪ ،‬أعنععي الهوى‪ .‬اسععماً على معان‪ ،‬واشتقاقهععا عنععد‬

‫العرب‪ ،‬وذلك دليععل على ميععل النفوس وهويهععا إلى هذه المقامات‪ .‬وإن المتمسععك‬

‫عنها مقارع لنفسه محارب لها‪.‬‬

‫وشيعء أصعفه لك تراه عياناً‪ ،‬وهعو أنعي معا رأيعت قعط امرأة فعي مكان تحعس أن‬

‫رجلً يراها أو يسمع حسها إل وأحدثت حركة فاضلة كانت عنها بمعزل‪ ،‬وأنت‬

‫بكلم زائد كانعت عنعه فعي غنيعة‪ ،‬مخالفيعن لكلمهعا وحركتهعا قبعل ذلك‪ .‬ورأيعت‬

‫التهمعم لمخارج لفظهعا وهيئة تقلبهعا لئحاً فيهعا ظاهراً عليهعا ل خفاء بعه‪ .‬والرجال‬

‫كذلك إذا أحسعوا بالنسعاء‪ .‬وأمعا إظهار الزينعة وترتيعب المشعي وإيقاع المزح عنعد‬

‫خطور المرأة بالرجععل واجتياز الرجععل بالمرأة فهذا أشهععر مععن الشمععس فععي كععل‬

‫مكان‪ .‬وال عععز وجععل يقول‪( :‬وقععل للمؤمنيععن يغضوا مععن أبصععارهم ويحفظوا‬

‫فروجهععم)‪ ،‬وقال تقدسععت أسععماؤه‪( :‬ول يضربععن بأرجلهععن ليعلم مععا يخفيععن مععن‬

‫زينتهن)‪ .‬فلول علم ال عز وجل برقة إغماضهن في السعي ليصال حبهن إلى‬

‫القلوب‪ ،‬ولطععف كيدهععن فععي التحيععل لسععتجلب الهوى‪ ،‬لمععا كشععف ال عععن هذا‬

‫المعنعى البعيعد الغامعض الذي ليعس وراءه مرمعى‪ ،‬وهذا حعد التعرض فكيعف بمعا‬

‫دونعععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععه‪.‬‬

‫ولقد اطلعت من سر معتقد الرجال والنساء في هذا على أمر عظيم‪ ،‬وأصل ذلك‬

‫أني لم أحسن قط بأحد ظنا في هذا الشأن‪ ،‬مع غيرة شديدة ركبت في‪ .‬وحدثنا أبو‬

‫عمر وأحمد بن أحمد‪ ،‬ثنا أحمد‪ ،‬ثنا محمد بن علي بن رفاعة‪ ،‬حدثنا علي بن عبد‬
‫العزيعز‪ ،‬حدثنعا أبعو عبيعد القاسعم بعن سعلم ععن شيوخعه‪ :‬أن رسعول ال صعلى ال‬

‫عليععه وسععلم قال‪( :‬الغيرة مععن اليمان)‪ .‬فلم أزل باحثاً عععن أخبارهععن كاشفاً عععن‬

‫أسعرارهن‪ ،‬وكعن قعد أنسعن منعي بكتمان‪ ،‬فكعن يطلعننعي على غوامعض أمورهعن‪.‬‬

‫ولول أن أكون منبهاً على عورات يستعاذ بال منها لوردت من تنبهن في السر‬

‫ومكرهن فيه عجائب تذهل اللباب‪ ،‬وإني لعرف هذا وأتقنه‪ ،‬ومع هذا يعلم ال‬

‫وكفعى بعه علماً أنعي بريعء السعاحة‪ ،‬سعليم الديعم‪ ،‬صعحيح البشرة‪ ،‬نقعي الحجزة‪،‬‬

‫وإنععي أقسععم بال أجععل القسععام أنععي مععا حللت مئزري على فرج حرام قععط‪ ،‬ول‬

‫يحاسععبني ربععي بكععبيرة الزنععا مععذ علقععت إلى يومععي هذا‪ .‬وال المحمود على ذلك‬

‫والمشكور فيمعععععععععععا مضعععععععععععى والمسعععععععععععتعصم فيمعععععععععععا بقعععععععععععي‪.‬‬

‫حدثنععا القاضععي أبععو عبععد الرحمععن بععن عبععد ال بععن عبععد الرحمععن بععن حجاف‬

‫المعافري‪ ،‬وإنععه لفضععل قاض رأيتععه‪ ،‬عععن محمععد بععن إبراهيععم الطليطلي عععن‬

‫القاضي بمصر بكر بن العلء في قول ال عز وجل‪( :‬وأما بنعمة ربك فحدث)‪.‬‬

‫أن لبعض المتقدمين فيه قول‪ ،‬وهو أن المسلم يكون مخبراً عن نفسه بما أنعم ال‬

‫تعالى به عليه من طاعة ربه التي هي من أعظم النعم‪ ،‬ول سيما في المفترض‬

‫على المسلمين اجتنابه وأتباعه‪ .‬وكان السبب فيما ذكرته أني كنت وقت تأجج نار‬

‫الصععبا وشرة الحداثععة وتمكععن غرارة الفتوة مقصععوراً محظراً على بيععن رقباء‬

‫ورقائب‪ ،‬فلمعا ملكعت نفسعي عقلت صعحبت أبعا علي الحسعين بعن علي الفاس فعي‬

‫مجلس أبي القاسعم عبد الرحمن بن أبي يزيد الزدي شيخنا وأستاذي رضي ال‬

‫عنعه‪ ،‬وكان أبعو علي المذكور عاقلً عاملً عالماً ممعن تقدم فعي الصعلح والنسعك‬

‫الصعحيح فعي الزهعد فعي الدنيعا والجتهاد للخرة‪ ،‬وأحسعبه كان حصعوراً لنعه لم‬
‫تكن له امرأة قط‪ ،‬وما رأيت مثله جملة علماً وعملً وديناً وورعاً‪ ،‬فنفعني ال به‬

‫كثيراً وعلمععت موقععع السععاءة وقبععح المعاصععي‪ :‬ومات أبععو علي رحمععه ال فععي‬

‫الطريق الحج‪.‬‬

‫ولقععد ضمنععى المععبيت ليلة فععي بعععض الزمان عنععد امرأة مععن بعععض معارفععي‬

‫مشهورة بالصلح والخير والحزم‪ ،‬ومعها جارية من بعض قراباتها من اللتي‬

‫قعد ضمنهعا مععي النشأة فعي الصعبا‪ ،‬ثعم غبعت عنهعا أعواماً كثيرة‪ .‬وكنعت تركتهعا‬

‫حيععن أعصععرت ووجدتهععا قععد جرى على وجههععا ماء الشباب ففاض وأنسععاب‪،‬‬

‫وتفجرت عليهععا ينابيععع الملحععة فترددت وتحيرت‪ ،‬وطلعععت فععي سععماء وجههععا‬

‫نجوم الحسععن فأشرقععت وتوقدت‪ ،‬وانبعععث فععي خديهععا أزاهيععر الجمال فتمععت‬

‫وأعتمت‪ ،‬فأتت كما أقول‪:‬‬

‫جلت ملحتها عن كـل تـقـدير‬ ‫خريدة صاغها الرحمن مـن نـور‬


‫يوم الحساب ويم النفخ في الصور‬ ‫لو جاءني عملي في حسن صورتها‬

‫بالجنتين وقرب الخرد الحور‬ ‫لكنت أحظى عباد ال كلهـم‬

‫وكانعت معن أهعل بيعت صعباحة‪ ،‬وقعد ظهرت على صعورة تعجعز الوصعاف‪ ،‬وقعد‬

‫طبق وصف شبابها قرطبة‪ ،‬فبت عندها ثلث ليال متوالية ولم تحجب عني على‬

‫جاري العادة فعي التربيعة‪ .‬فلعمري لقعد كاد قلبعي أن يصعبو ويثوب إليعه مرفوض‬

‫الهوى‪ ،‬ويعاوده منسعى الغزل‪ .‬ولقعد امتنععت بععد ذلك معن دخول تلك الدار خوفاً‬
‫على لبعي أن يزدهيعه السعتحسان‪ .‬ولقعد كانعت هعي وجميعع أهلهعا ممعن ل تتعدى‬

‫الطماع إليهن‪ ،‬ولكن الشيطان غير مأمون الغوائل‪ .‬وفي ذلك أقول‪:‬‬

‫ودع التعرض للمحن‬ ‫ل تتبع النفس الهوى‬


‫والعين باب للفـتـن‬ ‫إبليس حي لم يمـت‬

‫وأقول‪:‬‬

‫ظن يزيدك غــيا‬ ‫وقـائل لـي هـذا‬


‫أليس إبلـيس حـيا‬ ‫فقلت دع عنك لومي‬

‫وما أورد ال تعالى علينا من قصة يوسف بن يعقوب وداود بن إيشى رسل ال‬

‫عليهم السلم إل ليعلمنا نقصاننا وفاقتنا إلى عصمته‪ ،‬وأن بنيتنا مدخولة ضعيفة‪،‬‬

‫فإذا كانعا صعلى ال عليهمعا وهمعا نعبيان رسعولن أبناء أنعبياء رسعل ومعن أهعل بيعت‬

‫نبوة ورسععالة متكرريععن فععي الحفععظ مغموسععين فععي الوليععة‪ ،‬محفوفيععن بالكلءة‪،‬‬

‫مؤيديعن بالعصعمة‪ ،‬ل يجععل للشيطان عليهمعا سعبيل ول فتعح لوسعواسه نحوهمعا‬

‫طريعق وبلغعا حيعث نعص ال ععز وجعل علينعا فعي قرءانعه المنزل بالجبلة الموكلة‬

‫والطبعع البشري والخلقعة الصعلية‪ ،‬ل بتعمعد الخطيئة ول القصعد إليهعا‪ ،‬إذ النعبيون‬

‫مبرؤون من كل ما خالف طاعة ال عز وجلن لكنه استحسان طبيعي في النفس‬

‫للصور‪ ،‬فمن ذا الذي يصف نفسه مملكها ويتعاطى ضبطها إل بحول ال وقوته‪.‬‬

‫وأول دم سععفك فععي الرض فدم أحععد ابنععي آدم على سععبب المنافسععة فععي النسععاء‪.‬‬

‫ورسعول ال صعلى ال عليععه وسعلم يقول‪( :‬باعدوا بيعن أنفاس الرجال والنسعاء)‪.‬‬
‫وهذه امرأة من العرب تقول وقد حبلت من ذي قرابة لها حين سئلت‪ :‬ما ببطنك‬

‫يا هند؟ فقالت‪ :‬قرب الوساد وطول السواد‪ .‬وفي ذلك أقول شعراً‪ ،‬منه‪:‬‬

‫ليس يرضى غيره عند المحن‬ ‫ل تلم من عرض النفس لمـا‬


‫ومتى قربته قـامـت دحـن‬ ‫ل تقرب عرفجا من لـهـب‬
‫فسد الناس جميعا والـزمـن‬ ‫تصـرف ثـقة فـي أحــد‬
‫خلق الفحل بل شك لـهـن‬ ‫خلق النسوان للفحـل كـمـا‬
‫ل تكن عن أحد تنفى الظنـن‬ ‫كل شكل يتشهـى شـكـلـه‬
‫عن قبيح أظهر الطوع الحسن‬ ‫صفة الصالح من إن صنـتـه‬
‫أعمل الحيلة في خلع الرسن‬ ‫وسواه مـن إذا ثـقـفـتـه‬

‫وإني لعلم فتى من أهل الصيانة قد أولع بهوى له‪ ،‬فاجتاز بعض إخوانه فوجده‬

‫قاعداً معع معن كان يحعب‪ ،‬فاسعتجلبه إلى منزله‪ ،‬فأجابعه إلى منزله بامتثال المسعير‬

‫بعده‪ .‬فمضعى داعيعه إلى منزله وانتظره حتعى طال عليعه التربعص فلم يأتعه‪ .‬فلمعا‬

‫كان بعععد ذلك اجتمععع بععه داعيععه فعدد عليععه وأطال لومععه على إخلفععه موعده‪،‬‬

‫فاعتذر وورى‪ .‬فقلت أنعا للذي دعاه‪ :‬أنعا أكشعف عذره صعحيحاً معن كتاب ال ععز‬

‫وجعل إذ يقول‪( :‬معا أخلفنعا موعدك بملكنعا ولكنعا حملنعا أوزاراً معن زينعة القوم)‪.‬‬

‫فضحك من حضر‪ .‬وكلفت أن أقول في ذلك شيئاً فقلت‪:‬‬

‫ولكن جرح الحب غير جـبـار‬ ‫وجرحك لي جرح جبار فل تلـم‬


‫كنيلوفر حفـتـه روض بـهـار‬ ‫وقد صارت الخيلن وسط بياضـه‬
‫مقالة محلول الـمـقـالة زاري‬ ‫وكم قال لي من مت وجدا بحبـه‬
‫ألـح عـلـيه تـــارة وأداري‬ ‫وقد كثرت مني إليه مـطـالـب‬
‫ويذهب شوقا في ضلوعك ساري‬ ‫أما في التـوائي مـا يبـرد غـلة‬
‫عداوة جار فـي النـام لـجـار‬ ‫فقلت له لو كان ذلك لـم تـكـن‬
‫وبينهما للـمـوت سـيل بـوار‬ ‫وقد تتراءى العسكر أن لدي الوغي‬

‫ولي كلمتان قلتهما معرضاً بل مصرحاً برجل من أصحابنا كنا نعرفه كلنا من‬

‫أهععل الطلب والعنايععة والورع وقيام الليععل واقتفاء آثار النسععاك وسععلوك مذاهععب‬

‫المتصعوفين القدماء باحثًا مجتهداً‪ ،‬وقعد كنعا نتجنعب المزاح بحضرتعه‪ ،‬فلم يمعض‬

‫الزمعن حتعى مكعن الشيطان معن نفسعه‪ ،‬وفتعك بععد لباس النسعاك‪ ،‬وملك إبليعس معن‬

‫خطامععه فسععول له الغرور‪ ،‬وزيععن له الويععل والثبور‪ ،‬وأجره رسععنه بعععد إباء‪.‬‬

‫وأعطاه ناصيته بعد شماس‪ ،‬فخب في طاعته وأوضع‪ ،‬واشتهر بعد ما ذكرته في‬

‫بععض المعاصعي القبيحعة الوضرة‪ ،‬ولقعد أطلت ملمعه وتشددت فعي عذله إذ أعلن‬

‫بالمعصية بعد استتار‪ ،‬إلى أن أفسد ذلك ضميره علي‪ ،‬وخبثت نيته لي‪ ،‬وتربص‬

‫بي دوائر السوء‪ ،‬وكان بعض أصحابنا يساعده بالكلم استجراراً إليه‪ ،‬فيأنس به‬

‫ويظهعر له عداوتعي‪ ،‬إلى أن أظهعر ال سعريرته‪ ،‬فعلمهعا البادي والحاضعر‪ ،‬وسعقط‬

‫معن عيون الناس كلهعم بععد أن كان مقصعداً للعلماء ومنتاباً للفضلء‪ ،‬ورذل عنعد‬

‫إخوانعه جملة‪ .‬أعاذنعا ال معن البلء‪ ،‬وسعترنا فعي كفايتعه‪ ،‬ول سعلبنا معا بنعا معن‬

‫نعمتعه‪ .‬فيعا سعوءتاه لمعن بدأ باسعتقامة ولم يعلم أن الخذلن يحعل بعه وأن العصعمة‬

‫سععتفارقه‪ ،‬ل إله إل ال‪ ،‬مععا أشنععع هذا وأفظعععه‪ .‬لقععد دهمتععه إحدى بنات الحرس‪،‬‬

‫وألقعت عصعاها بعه أم طبعق‪ .‬معن كان ل أولً ثعم صعار للشيطان آخراً‪ ،‬ومعن إحدى‬

‫الكلمتين‪:‬‬

‫وأنه كان مستورا فقـد هـتـكـا‬ ‫أما الغلم فقد حانت فضـيحـتـه‬
‫فالن كل جهول منه قد ضحـكـا‬ ‫مازال يضحك من أهل الهوى عجبا‬
‫يرى التهتك في دين الهوى نسكـا‬ ‫إليك ل تلح صبا هائمـا كـلـفـا‬
‫نحو المحدث يسعى حيث ما سلكا‬ ‫ذو مخبر وكـتـاب ل يفـارقـه‬
‫كأنه من لجين صبغ أو سـبـكـا‬ ‫فاعتلص من سمر أقلم بنان فتـي‬
‫تشهد جبينين يوم الملتقى اشتبـكـا‬ ‫يا لئمي سفها في ذاك قـل فـلـم‬
‫إليك عني كذا ل أبتغي البـركـا‬ ‫دعني ووردي في البار أطلـبـه‬
‫تركت يوما فإن الحب قد تـركـا‬ ‫إذا تعففت عف الحب عـنـك وإن‬
‫إل إذا ما حللت الزر والتكـكـا‬ ‫ول تحل من الهجران منـعـقـدا‬
‫أو تدخل البرد عن إنفاذه السككـا‬ ‫ول تصحح للسلطـان مـمـلـكة‬
‫يعلو الحديد من الصداء إن سبكـا‬ ‫ول بغير كثير المسح يذهـب مـا‬

‫وكان هذا المذكور من أصحابنا قد أحكم القراءات إحكاماً جيداً‪ ،‬واختصر كتاب‬

‫النباري فعي الوقعف والبتداء اختصعاراً حسعناً أعجعب بعه معن رآه معن المقرئيعن‪،‬‬

‫وكان دائباً على طلب الحديععث وتقييده‪ ،‬والمتولي لقراءة مععا يسععمعه على الشيوخ‬

‫المحدثين‪ ،‬مثابراً على النسخ مجتهداً به‪ .‬فلما امتحن بهذه البلية مع بعض الغلمان‬

‫رفععض مععا كان معتنياً وباع أكثععر كتبععه واسععتحال اسععتحالة كليععة‪ ،‬نعوذ بال مععن‬

‫الخذلن‪ ،‬وقلت فيعه كلمعة وهعي التاليعة للكلمعة التعي ذكرت منهعا فعي أول خعبره ثعم‬

‫تركتهععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععا‪.‬‬

‫وقععد ذكععر أبععو الحسععين أحمععد بععن يحيععى بععن إسععحاق الرويدي فععي كتاب اللفععظ‬

‫والصلح‪ :‬أن إبراهيم بن سيار النظام رأس المعتزلة‪ ،‬من علو طبقته في الكلم‬

‫وتمكنعه وتحكمعه فعي المعرفعة‪ ،‬تسعبب إلى معا حرم ال عليعه معن فتعى نصعراني‬

‫عشقعه بأن وضعع له كتابًا فعي تفضيعل التثليعث على التوحيعد‪ .‬فيعا غوثاه عياذك يعا‬

‫رب مععععن تولج الشيطان ووقوع الخذلن‪ .‬وقععععد يعظععععم البلء‪ ،‬وتكلب الشهوة‪،‬‬
‫ويهون القبيعح وبرق الديعن حتعى يرضعى النسعان فعي جنعب وصعوله إلى مراده‬

‫بالقبائح والفضائح‪ ،‬كمثععل مععا دهععم عبيععد ال بععن يحيععى الزدي المعروف بابععن‬

‫الحزيري‪ ،‬فإنعه رضعي بإهمال داره وإباحعة حريمعه والتعريعض بأهله طمعًا فعي‬

‫الحصعول على بغيتعه معن فتعى كان علقعه‪ .‬نعوذ بال معن الضلل ونسعأله الحياطعة‬

‫وتحسين آثارنا وإطابة أخبارنا‪ ،‬حتى لقد صار المسكين حديثاً تعمر به المحافل‪،‬‬

‫وتصاغ فيه الشعار‪ ،‬وهو الذي تسميه العرب الديوث‪ .‬وهو مشتق من التدييث‪،‬‬

‫وهعو التسعهيل‪ .‬ومعا بععد تسعهيل معن تسعمح نفسعه بهذا الشأن تسعهيل‪ ،‬ومنعه بعيعر‬

‫مديععث‪ .‬أي مذلل‪ .‬ولعمري إن الغيرة لتوجععد فععي الحيوان بالخلقععة‪ ،‬فكيععف وقععد‬

‫أكدتهععا عندنععا الشريعععة‪ ،‬ومععا بعععد هذا مصععاب‪ .‬ولقععد كنععت أعرف هذا المذكور‬

‫مسعتوراً إلى أن اسعتهواه الشيطان ونعوذ بال معن الخذلن‪ .‬وفيعه يقول عيسعى بعن‬

‫محمد بن محمل الحولني‪:‬‬

‫شركا لصيد جآذر الغزلن‬ ‫يا جاعلً إخراج حر نسائه‬


‫تحظى بغير مذلة الحرمان‬ ‫إني أرى شركا يمزق ثم ل‬

‫وأقول أنا أيضاً‪:‬‬

‫ليبلغ ما يهوى من الرشأ الفرد‬ ‫أباح أبو مروان حـر نـسـائه‬


‫فأنشدني مستبـصـر جـلـد‬ ‫فعاتبته الديوث في قبح فعـلـه‬
‫يعيرني قومي بإداركها وحدي‬ ‫لقد كنت أدركت المني غير أنني‬

‫وأقول أيضاً‪:‬‬

‫قليل الرشاد كثير السـفـاه‬ ‫رأيت الحزيرى فيما يعانـي‬


‫أمور وجدك ذات اشتـبـاه‬ ‫يبيع ويبتاع عرضا بعـرض‬
‫أل هكذا فليكن ذو النواهي‬ ‫ويأخذ ميما بإعطـاء هـاء‬
‫بأرض تحف بشوك العضاه‬ ‫وبيدل أرضا تغذي النبـات‬
‫مهب الرياح بمجرى المياه‬ ‫لقد خاب في تجره ذو ابتياع‬

‫ولقعد سعمعته فعي المسعجد الجامعع يسعتعيذ بال معن العصعمة كمعا يسعتعاذ بعه معن‬

‫الخذلن‪.‬‬

‫وممعا يشبعه هذا أنعي أذكعر أنعي كنعت فعي مجلس فيعه إخوان لنعا عنعد بععض مياسعير‬

‫أهعل بلدنان فرأيعت بيعن بععض معن حضعر وبيعن معن كان بالحضرة أيضاً معن أهعل‬

‫صععاحب المجلس أمراً أنكرتععه وغمزًا اسععتبشعته‪ ،‬وخلوات الحيععن بعععد الحيععن‪،‬‬

‫وصععاحب المجلس كالغائب أو النائم‪ ،‬فنبهتععه بالتعريععض فلم ينتبععه‪ ،‬وكحرمتععه‬

‫بالتصريح فلم يتحرك‪ ،‬فجعلت أكرر عليه بيتين قديمين لعله يفطن‪ .‬وهما هذان‪:‬‬

‫س أتوا للزناء ل للغنـاء‬ ‫إن إخوانه المقيمين بـالم‬


‫موقر من بلدة وغبـاء‬ ‫قطعوا أمرهم وأنت حمار‬

‫وأكثرت معن إنشادهعن حتعى قال لي صعاحب المجلس‪ :‬قعد أمللتنعا معن سعماعهما‬

‫فتفضعل بتركهمعا أو إنشاد غيرهمعا‪ .‬فأمسعكت وأنعا ل أدري أغافعل هعو أم متغافعل‪.‬‬

‫وما أذكر أني عدت إلى ذلك المجلس بعدها‪ .‬فقلت فيه قطعة منها‪:‬‬

‫ويقينـا ونـية وضـمـيرا‬ ‫أنت ل شك أحسن الناس ظنا‬


‫س جليسا لنا يعاني كبـيرا‬ ‫فانتبه أن بعض من كان بالم‬
‫ل ول كل ذي لحاظ بصيرا‬ ‫ليس كل الركوع فاعلم صلة‬
‫وحدثنعي ثعلب بعن موسعى الكلذانعي قال‪ :‬حدثنعي سعليمان بعن أحمعد الشاععر قال‪:‬‬

‫حدثتنععي امرأة اسععمها هنععد كنععت رأيتهععا فععي المشرق‪ ،‬وكانععت قععد حجععت خمععس‬

‫حجات‪ ،‬وهعي معن المتعبدات المجتهدات‪ ،‬قال سعليمان‪ :‬فقالت لي‪ :‬يعا بعن أخعي‪ ،‬ل‬

‫تحسعن الظعن بامرأة قعط فإنعي أخعبرك ععن نفسعي بمعا يعلمعه ال ععز وجعل‪ :‬ركبعت‬

‫البحر منصرفة من الحج وقد رفضت الدنيا وأنا خامسة نسوة‪ ،‬كلهن قد حججن‪،‬‬

‫وصعرنا فعي مركعب فعي بحعر القلزم‪ ،‬وفعي بععض ملحعي السعفينة رجعل مضمعر‬

‫الخلق مديعد القامعة واسعع الكناف حسعن التركيعب‪ ،‬فرأيتعه أول ليلة قعد أتعى إلى‬

‫إحدى صواحبي فوضع إحليله في يدها وكان ضخمًا جداً‪ .‬فأمكنته في الوقت من‬

‫نفسعها‪ .‬ثعم معر عليهعن كلهعن فعي ليالي متواليات‪ ،‬فلم يبعق له غيرهعا‪ ،‬تعنعي نفسعها‪،‬‬

‫قالت‪ :‬فقلت فعي نفسعي‪ :‬لنتقمعن منعك‪ .‬فأخذت موسعى وأمسعكتها بيدي‪ .‬فأتعى فعي‬

‫الليعل على جاري عادتعه‪ .‬فلمعا فععل كفعله فعي سعائل الليالي سعقطت الموسعى عليعه‬

‫فارتاع وقام لينهعض‪ .‬قالت‪ :‬فأشفقعت عليعه وقلت له‪ :‬وقعد أمسعكته‪ :‬ل زلت أو آخعذ‬

‫نصععععععععععيبي منععععععععععك‪ .‬قالت العجوز‪ :‬فقضععععععععععى وطره وأسععععععععععتغفر ال‪.‬‬

‫وإن للشعراء من لطف التعريض عن الكناية لعجبا‪ .‬ومن بعض ذلك قولي حيث‬

‫أقول‪:‬‬

‫كمحض لجين إذ يمد ويسـبـك‬ ‫أتاني وماء المزن في الجو يسفك‬


‫فقل في محب نال ما ليس يدرك‬ ‫هلل الدياجي انحط من جو أفقه‬
‫فمالي جواب غير أني أضحـك‬ ‫وكان الذي إن كنت لي عنه سائلً‬
‫فيا عجبا من موقنه يتـشـكـك‬ ‫لفرط سروري خلتني عنه نائمـا‬

‫وأقول أيضًا قطعة منها‪:‬‬


‫قبيل قرع التساري للـنـواقـيس‬ ‫أتيتني وهلل الـجـو مـطـلـع‬
‫وإخمص الرجل في لطف وتقويس‬ ‫كحاجب الشيخ عم الشيب أكـثـره‬
‫من كل لون كأذناب الـطـواويس‬ ‫ولح في الفق قوس ال مكتسـيا‬

‫وإن فيمعا يبدو إلينعا معن تعادي المتواصعلين فعي غيعر ذات ال تعالى بععد اللفعة‪،‬‬

‫وتدابرهم بعد الوصال‪ ،‬وتقاطعهم بعد المودة‪ ،‬وتباغضهم بعد المحبة‪ ،‬واستحكام‬

‫الضغائن وتأكععد السععخائم فععي صععدورهم‪ ،‬لكاشفاً ناهياً لو صععادف عقولً سععليمة‬

‫وآراء نافذة وعزائم صعحيحة‪ .‬فكيعف بمعا أععد اله لمعن عصعاه معن النكال الشديعد‬

‫يوم الحسعاب وفعي دار الجزاء‪ ،‬ومعن الكشعف على رؤوس الخلئق‪( :‬يوم تذهعل‬

‫كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما‬

‫هععم بسععكارى ولكععن عذاب ال شديععد)‪ .‬جعلنععا ال ممععن يفوز برضاه ويسععتحق‬

‫رحمتعععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععه‪.‬‬

‫ولقعد رأيعت امرأة كانعت مودتهعا فعي غيعر ذات ال ععز وجعل‪ .‬فعهدتهعا أصعفى معن‬

‫الماء وألطعف معن الهواء وأثبعت معن الجبال وأقوى معن الحديعد وأشعد امتزاجاً معن‬

‫اللون فععي الملون‪ ،‬وأنفذا اسععتحكاماً مععن العراض فععي الجسععام‪ ،‬وأضوأ مععن‬

‫الشمعس‪ ،‬وأصعح معن العيان‪ ،‬وأثقعب معن ألنجعم‪ ،‬وأصعدق معن كدر القطعا وأعجعب‬

‫من الدهر‪ ،‬وأحسن من البر‪ ،‬وأجمل من وجه أبي عامر‪ ،‬وألذ من العافية وأحلى‬

‫من المنى‪ ،‬وأدنى من النفس‪ ،‬وأقرب من النسب‪ ،‬وأرسخ من النقش في الحجر‬

‫ثعم لم ألبعث أن رأيعت تلك المودة قعد اسعتحالت عداوة أفظعع معن الموت‪ ،‬وأنفعذ معن‬

‫السهم‪ ،‬وأمر من السقم‪ ،‬وأوحش من زوال النعم‪ ،‬وأقبح من حلول النقم وامضى‬

‫معن عقعم الرياح‪ ،‬وأضعر معن الحمعق‪ ،‬وأدمعر معن غلبعة العدو‪ ،‬وأشعد معن السعر‪،‬‬
‫وأقسعى معن الصعخر‪ ،‬وأبغعض معن كشعف السعتار‪ ،‬وأنأى معن الجوزاء‪ ،‬وأصععب‬

‫معن معاناة السعماء‪ ،‬وأكعبر معن رؤيعة المصعاب‪ ،‬وأشنعع معن خرق العادات وأقطعع‬

‫من فجأة البلء‪ ،‬وأبشع من السم الزعاف؛ وما ل يتولد مثله عن الذحول والترات‬

‫وقتععل الباء وسععبي المهات‪ .‬وتلك عادة ال فععي أهععل الفسععق القاصععدين سععواه‪،‬‬

‫الميين غيره؛ وذلك قوله عز وجل‪( :‬يا ليتني لم أتخذ فلناً خليلً لقد أضلني عن‬

‫الذكعر بععد إذ جاءنعي)‪ .‬فيجعب على اللبيعب السعتجارة بال ممعا يورط فيعه الهوى‪.‬‬

‫فهذا خلف مولى يوسف بن قمقام القائد المشهور‪ ،‬كان أحد القائمين مع هشام بن‬

‫سعليمان بعن الناصعر‪ ،‬فلمعا أسعر هشام وقتعل وهرب الذيعن وازروه فعر خلف فعي‬

‫جملتهعم ونجعا‪ .‬فلمعا أتعى القسعطلت لم يطعق الصعبر ععن جاريعة كانعت له بقرطبعة‬

‫فكعر راجعاً‪ .‬فظفعر بعه أميعر المؤمنيعن المهدي‪ ،‬فأمعر بصعلبه‪ .‬فلعهدي بعه مصعلوباً‬

‫فعععععععي المرج على النهعععععععر العظعععععععم وكأنعععععععه القنفعععععععذ معععععععن النبعععععععل‪.‬‬

‫ولقد أخبرني أبو بكر محمد بن الوزير عبد الرحمن بن الليث رحمه ال أن سبب‬

‫هروبعه إلى محلة البرابر أيام تحولهعم معع سعليمان الظافعر إنمعا كعن لجاريعة يكلف‬

‫بهععا تصععيرت عنععد بعععض مععن كان فععي تلك الناحيععة؛ ولقععد كاد أن يتلف فععي تلك‬

‫السععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععفرة‪.‬‬

‫وهذان الفصعلن وإن لم يكونعا معن جنعس الباب فإنهمعا شاهدان على معا يقود إليعه‬

‫الهوى مععن الهلك الحاضععر الظاهععر‪ ،‬الذي يسععتوي فععي فهمععه العالم والجاهععل؛‬

‫فكيف من العصمة التي ل يفهمها من ضعفت بصيرته‪ .‬ول يقولن امرؤ‪ :‬خلوت‬

‫فهعو وإن انفرد فبمرأى ومسعمع معن علم الغيوب (الذي يعلم خائنعة العيعن ومعا‬

‫تخفععي الصععدور)‪( ،‬ويعلم السععر وأخفععى)‪( ،‬ومععا يكون مععن نجوى ثلثععة إل هععو‬
‫رابعهم ول خمسة إل هو سادسهم ول أدنى من ذلك ول أكثر إل هو معهم أينما‬

‫كانوا وهعو عليعم بذات الصعدور)‪ .‬وهعو عالم الغيعب والشهادة‪( ،‬ويسعتخفون معن‬

‫الناس ول يسعتخفون معن ال وهعو معهعم)‪ ،‬وقال‪( :‬ولقعد خلقنعا النسعان ونعلم معا‬

‫توسوس به نفسه ونحن أقرب أليه من حبل الوريد‪ .‬إذ يتلقى الملتقيان عن اليمين‬

‫وعن الشمال قعيد‪ .‬ما يلفظ من قول إل لديه رقيب عتيد)‪.‬‬

‫وليعم المستخف بالمعاصي‪ .‬المتكل على التسويف‪ .‬المعرض عن طاعة ربه أن‬

‫إبليعس كان فعي الجنعة معع الملئكعة المقربيعن فلمعصعية واحدة وقععت منعه اسعتحق‬

‫لعنعة البعد وعذاب الخلد وصعير شيطاناً رجيماً وأبععد ععن رفيعع المكان وهذا آدم‬

‫صلى ال عليعه وسلم بذنب واحعد أخرج من الجنة إلى شقاء الدنيا ونكدها‪ .‬ولول‬

‫أنعه تلقعى معن ربعه كلمات وتاب عليعه لكان معن الهالكيعن‪ .‬أفترى هذا المغتعر بال‬

‫ربعه وبإملئه ليزداد إثماً يظعن أنعه أكرم على خالقعه معن أبيعه آدم الذي خلقعه بيده‬

‫ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملئكته الذين هم أفضل خلقه عنده؟ أو عقابه أعز‬

‫عليععه مععن عقوبتععه إياه؟ كل‪ ،‬ولكععن اسععتعذاب التمنععي واسععتيطاء مركععب العجععز‬

‫وسعععخف الرأي قائدة أصعععحابها إلى الوبال والخزي‪ ،‬ولو لم يكعععن عنعععد ركوب‬

‫المعصععية زاجععر مععن نهععى ال تعالى ول حام مععن غليععظ عقابععه لكان فععي قبيععح‬

‫الحدوثة عن صاحبه وعظيم الظلم الواقع في نفس فاعله أعظم مانع وأشد رادع‬

‫لمعن نظعر بعيعن الحقيقعة واتبعع سعبيل الرشعد‪ ،‬فكيعف وال ععز وجعل يقول‪( :‬ول‬

‫يقتلون النفعععس التعععي حرم ال إل بالحعععق ول يزنون ومعععن يفععععل ذلك يلق أثاماً‬

‫يضاعععععععععععععععععف له العذاب يوم القيامععععععععععععععععة ويخلد فيهععععععععععععععععا مهاناً)‪.‬‬


‫حدثنععا الهمدانععي فععي مسععجد القمرى بالجانععب الغربععي مععن قرطبععة سععنة إحدى‬

‫وأربعمائة‪ .‬حدثنعا ابعن سعبويه وأبعو إسعحاق البلخعي بخراسعان سعنة خمعس وسعبعين‬

‫وثلثمائة‪ .‬قال‪ :‬ثنا محمد بن يوسف‪ :‬ثنا محمد بن إسماعيل‪ :‬ثنا قتيبة بن سعيد‪:‬‬

‫ثنعا جريعر ععن العمعش ععن أبعي وائل ععن عمرو بعن شرحبيعل قال‪ :‬قال عبعد ال‬

‫وهعو ابعن مسععود‪ :‬قال رجعل‪ :‬يعا رسعول ال‪ ،‬أي الذيعب أكعبر عنعد ال؟ قال‪( :‬أن‬

‫تدعو ل ندا وهو خلقك)‪ .‬قال‪ :‬ثم أي؟ قال‪( :‬أن تقتل ولدك أن يطعم معك)‪ .‬قال‪:‬‬

‫ثم أي؟ قال‪( :‬أن تزاني حليلة جارك)‪ .‬فأنزل ال تصديقها‪( :‬والذين ل يدعون مع‬

‫ال إلهاً آخععر ول يقتلون النفععس التععي حرم ال إل بالحععق ول يزنون)‪ .‬وقال عععز‬

‫وجل‪( :‬الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ول تأخذكم بهما رأفة‬

‫في دين ال إن كنتم تؤمنون بال)‪.‬‬

‫حدثنعا الهمدانعي ععن أبعي إسعحاق البلخعي وابعن سعبويه ععن محمعد بعن يوسعف ععن‬

‫محمد بن إسماعيل عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب الزهري عن أبي بكر بن‬

‫عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وسعيد بن المسيب المخزوميين وأبي سلمة بن‬

‫عبععد الرحمععن بععن عوف الزهري أن رسععول ال صععلى ال عليععه وسععلم قال‪( :‬ل‬

‫يزنعي الزانعي حيعن يزنعي وهعو مؤمعن)‪ .‬وبالسعند المذكور إلى محمعد بعن إسعماعيل‬

‫عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن أبي سلمة وسعيد بن‬

‫المسيب عن أبي هريرة قال أنى رجل إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو‬

‫فعي المسعجد فقال يعا رسعول ال‪ ،‬إنعي زنيعت‪ .‬فأعرض عنعه‪ .‬ثعم رد عليعه أربعع‬

‫مرات‪ .‬فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه النبي صلى ال عليه وسلم فقال‪:‬‬
‫أبك جنون؟ قال‪ :‬ل‪ .‬قال فهل أحصنت قال‪ :‬نعم‪ .‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪:‬‬

‫اذهبو به فارجموه‪.‬‬

‫قال ابععن شهاب‪ :‬فأخععبرني مععن سععمع جابر بععن عبععد ال قال‪ :‬كنععت فيمععن رجمععه‬

‫فرجمناه بالمصعععععلى‪ ،‬فلمعععععا أذلقتعععععه الحجارة هرب فأدركناه بالحرة فرجمناه‪.‬‬

‫حدثنعا أبعو سععيد مولى الحاجعب جعفعر فعي المسعجد الجامعع بقرطبعة ععن أبعي بكعر‬

‫المقرئ ععن أبعي جعفعر النحاس ععن سععيد بعن بشعر ععن عمرو بعن رافعع ععن‬

‫منصور عن الحسن عن حطان بن عبد ال الرقاشي عن عبادة بن الصامت عن‬

‫رسعول ال صعلى ال عليعه وسعلم قال‪( :‬خذوا عنعي خذوا عنعي‪ ،‬قعد جععل ال لهعن‬

‫سعبيلً‪ :‬البكعر بالبكعر جلد‪ ،‬وتغريعب سعنة‪ ،‬والثيعب بالثيعب جلد مائة والرجعم‪ .‬فيعا‬

‫لشنععة ذنعب أنزل ال وحيعه معبيناً بالتشهيعر بصعاحبه‪ ،‬والعنعف بفاعله‪ ،‬والتشديعد‬

‫لمقترفععه‪ ،‬وتشدد فععي أل يرجععم إل بحضرة أوليائه عقوبععة رجمععه‪ ،‬وقععد أجمععع‬

‫المسععلمون إجماعاً ل ينقضععه إل ملحععد أن الزانععي المحصععن عليععه الرجععم حتععى‬

‫يموت)‪.‬‬

‫فيعا لهعا قتلة معا أهولهعا‪ ،‬وعقوبعة معا أفظعهعا‪ ،‬وأشعد عذابهعا وأبعدهعا معن الراحعة‬

‫وسرعة الموت‪.‬‬

‫وطوائف مععن أهععل العلم منهععم الحسععن بععن أبععي الحسععن وابععن راهويععه وداود‬

‫وأصعحابه يرون عليعه معع الرجعم جلد مائة‪ ،‬ويحتجون عليعه بنعص القرآن وثبات‬

‫السنة عن رسول ال صلى ال عليه وسلم وبفعل علي رضي ال عنه بأنه رجم‬

‫امرأة محصعنة فعي الزنعا بععد أن جلدهعا مائة‪ .‬وقال‪ :‬جلدتهعا بكتاب ال ورجمتهعا‬
‫بسععنة رسععول ال‪ .‬والقول بذلك لزم لصععحاب الشافعععي‪ ،‬لن زيادة العدل فععي‬

‫الحديعث مقبولة‪ ،‬وقعد صعح فعي إجماع المعة المنقول بالكافعة الذي يصعحبه العمعل‬

‫عنعد كعل فرقعة وفعي أهعل كعل نحلة معن نحعل أهعل القبلة‪ ،‬حاشعى طائفعة يسعيرة معن‬

‫الخوارج ل يعتعد بهعم‪ ،‬أنعه ل يحعل دم امرئ مسعلم إل بكفعر بععد إيمان‪ ،‬أو نفعس‬

‫بنفس‪ ،‬أو بمحاربة ال ورسوله يشهر فيها سيفه ويسعى في الرض فساداً مقبلً‬

‫عيعر مدبر‪ ،‬وبالزنعا بععد الحصعان‪ .‬فإن حعد معا جععل ال معع الكفعر بال ععز وجعل‬

‫ومحاربتعه وقطعع حجتعه فعي الرض ومنابذتعه دينعه لجرم كعبير ومعصعية شنعاء‪،‬‬

‫وال تعالى يقول‪( :‬إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم)‪( .‬والذين‬

‫يجتنبون كبائر الثعم والفواحعش إل اللمعم إن ربعك واسعع المغفرة)‪ .‬وإن كان أهعل‬

‫العلم اختلفوا فعي تسعميتها فكلهعم مجمعع مهمعا اختلفوا فيعه منهعا أن الزنعا يقدم فيهعا‪،‬‬

‫ل اختلف بينهعم فعي ذلك ولم يوععد ال ععز وجعل فعي كتابعه بالنار بععد الشرك إل‬

‫فععي سععبع ذنوب‪ ،‬وهععي الكبائر‪ :‬الزنععا أحدهععا‪ ،‬وقذف المحصععنات أيضاً منهععا‪،‬‬

‫منصوصاً ذلك كله في كتاب ال عز وجل‪.‬‬

‫وقعد ذكرنعا أنعه ل يجعب القتعل على أحعد معن ولد آدم إل فعي الذنوب الربععة التعي‬

‫تقدم ذكرهعا‪ .‬فأمعا الكفعر منهعا فإن عاد صعاحبه إلى السعلم أو بالذمعة إن لم يكعن‬

‫مرتداً قبل منه‪ ،‬ودرئ عنه الموت‪ .‬وأما القتل فإن قبل الولي الدية في قول بعض‬

‫الفقهاء أو عفا في قول جميعهم سقط عن القاتل القتل بالقصاص‪ .‬وأما الفساد في‬

‫الرض فإن تاب صعاحبه قبعل أن يقدر عليعه هدر عنعه القتعل‪ ،‬ول سعبيل فعي قول‬

‫أحد مؤالف أو مخالف في ترك رجم المحصن‪ ،‬ول وجه لرفع الموت عنه البتة‪.‬‬
‫وممعا يدل على شنععة الزنعا معا حدثنعا القاضعي أبعو عبعد الرحمعن‪ :‬ثنعا القاضعي أبعو‬

‫عيسى عن عبد ال بن يحيى عن أبيه يحيى بن يحيى عن الليث عن الزهري عن‬

‫القاسم بن محمد بن أبي بكر عن عبيد بن عمير‪ :‬أن عمر بن الخطاب رضي ال‬

‫عنه أصاب في زمانه ناساً من هذيل‪ ،‬فخرجت جارية منهم فأتبعها رجل يريدها‬

‫ععن نفسعها فرمتعه بحجعر فقضعت كبده‪ ،‬فقال عمعر‪ :‬هذا قتيعل ال‪ ،‬وال ل يودي‬

‫أبداً‪.‬‬

‫وما جعل ال عز وجل فيه أربعة شهود وفي كل حكم شاهدين إل حياطة منه أل‬

‫تشيعع الفاحشعة فعي عباده‪ ،‬لعظمهعا وشنعتهعا وقبحهعا‪ ،‬وكيعف ل تكون شنيععة ومعن‬

‫قذف بهعا أخاه المسعلم أو أختعه المسعلمة دون صعحة علم أو تيقعن معرفعة فقعد أتعى‬

‫كبرة من الكبائر استحق عليها النار غداً‪ ،‬ووجب عليه بنص التنزيل أن تضرب‬

‫بشرته ثمانين سوطاً‪.‬‬

‫ومالك رضعي ال عنعه يرى أل يؤخعذ فعي شيعء معن الشياء حعد بالتعريعض دون‬

‫التصريح إل في قذف‪.‬‬

‫وبالسعند المذكور ععن الليعث بعن سععيد ععن يحيعى بعن سععيد ععن محمعد بعن عبعد‬

‫الرحمن ععن أمعه عمرة بنعت عبعد الرحمعن عن عمعر بعن الخطاب رضعي ال عنعه‬

‫أنععععه أمععععر أن يجلد الرجععععل قال لخععععر‪ :‬مععععا أبععععي بزان ول أمععععي بزانيععععة‪.‬‬

‫فعي حديعث طويعل وبإجماع معن المعة كلهعا دون خلف معن أحعد نعلمعه أنعه إذا قال‬

‫رجعل لخعر‪ :‬يعا كافعر‪ ،‬أو يعا قاتعل النفعس التعي حرم ال‪ ،‬لمعا وجعب عليعه حعد؛‬
‫احتياطاً معععن ال ععععز وجعععل إل يثبعععت هذه العظيمعععة فعععي مسعععلم ول مسعععلمة‪.‬‬

‫ومععن قول مالك رحمععه ال أيضاً أنععه ل حععد فععي السععلم إل والقتععل يغنععي عنععه‬

‫وبنسعخه إل حعد القذف‪ ،‬فإنعه إن وجعب على معن قعد وجعب عليعه القتعل حعد ثعم قتعل‪.‬‬

‫قال ال تعالى‪( :‬والذيعن يرمون المحصعنات ثعم لم يأتوا بأربععة شهداء فاجلدوهعم‬

‫ثمانين جلدة ول تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون‪ .‬إل الذين تابوا)‪ .‬وقال‬

‫تعالى‪( :‬إن الذين يرمون المحصنات الغافلت المؤمنات لعنوا في الدنيا والخرة‬

‫ولهم عذاب عظيم)‪ .‬وروي عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال‪ :‬الغضب‬

‫واللعنة المذكوران في اللعان إنهما موجبتان‪.‬‬

‫حدثنعا الهمدانعي ععن أبعي إسعحاق ععن محمعد بعن يوسعف ععن محمعد بعن إسعماعيل‬

‫ععن عبعد العزيعز بعن عبعد ال‪ ،‬قال‪ :‬ثنعا سعليمان ععن ثور بعن يزيعد ععن أبعي الغيعث‬

‫عععن أبععي هريرة عععن النععبي صععلى ال عليععه وسععلم أنععه قال‪( :‬اجتنبوا السععبع‬

‫الموبقات)‪ .‬قالوا‪ :‬ومععا هععن يععا رسععول ال؟ قال‪( :‬الشرك بال‪ ،‬والسععحر‪ ،‬وقتععل‬

‫النفععس التععي حرم ال إل بالحععق‪ ،‬وأكععل الربععا‪ ،‬وأكععل مال اليتيععم‪ ،‬والتولي يوم‬

‫الزحععععععععععععععععععععععععف‪ ،‬وقذف المحصععععععععععععععععععععععععنات الغافلت المؤمنات)‪.‬‬

‫وإن في الزنا من إباحة الحريم‪ ،‬وإفساد النسل‪ ،‬والتفريق بين الزواج الذي عظم‬

‫ال أمره‪ ،‬مال يهون على ذي عقل أومن له أقل خلق‪ ،‬ولو ل مكان هذا العنصر‬

‫مععن النسععان وأنععه غيععر مأمون الغلبععة لمععا خفععف ال عععن البكريععن وشدد على‬

‫المحصنين‪ .‬وهذا عندنا وفي جميع الشرائع القديمة النازلة من عند ال عز وجل‬

‫حكمعا باقياً لم ينسعخ ول أزيعل‪ ،‬فيترك الناظعر لعباده الذي لم يشغله عظيعم معا فعي‬

‫خلقه ول يحيف قدرته كبير ما في عوالمه عن النظر لحقير ما فيها‪ ،‬فهو كما قال‬
‫ععز وجعل‪( :‬الحعي القيوم ل تأخذه سعنة ول نوم)‪ .‬وقال‪( :‬يعلم معا يلج فعي الرض‬

‫ومععا يخرج منععا ومععا ينزل مععن السععماء ومععا يعرج فيهععا)‪ .‬وقال‪( :‬عالم الغيععب ل‬

‫يعزب عنعععععععععععه مثقال ذرة فعععععععععععي الرض ول فعععععععععععي السعععععععععععماء)‪.‬‬

‫وإن أعظم ما يأتي به العبد هتك ستر ال عز وجل في عباده‪ .‬وقد جاء في حكم‬

‫أبعي بكعر الصعديق رضعي ال عنعه فعي ضربعه الرجعل الذي ضعم صعبيا حتعى أمنعى‬

‫ضرباً كان سبباً للمنية‪ .‬ومن إعجاب مالك رحمه ال باجتهاد المير الذي ضرب‬

‫صبياً مكن رجلً من تقبيله حتى أمنى الرجل‪ ،‬ضربه إلى أن مات‪ ،‬ما ينسى شدة‬

‫دواععي هذا الشأن وأسعبابه‪ .‬والتزيعد فعي الجتهاد‪ ،‬وإن كنعا ل نراه فهعو قول كثيعر‬

‫معن العلماء يتبععه على ذلك عالم معن الناس‪ .‬وأمعا الذي نذهعب أليعه فالذي حدثناه‬

‫الهمداني عن البلخي عن البخاري عن الفربري عن البخاري قال‪ :‬ثنا يحيى بن‬

‫سعليمان‪ ،‬ثنعا ابعن وهعب قال‪ :‬أخعبرني عمرو أن بكيراً حدثعه ععن سعليمان بعن يسعار‬

‫عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه عن أبي بردة النصاري قال‪ :‬سمعت رسول‬

‫ال صلى ال عليه وسلم يقول‪( :‬ل يجلد فوق عشرة أسواط إل في حد من حدود‬

‫ال عز وجل)‪.‬‬

‫وبععععه يقول أبععععو جعفععععر محمععععد بععععن علي النسععععائي الشافعععععي رحمععععه ال‪.‬‬

‫وأما فعل قوم لوط فشنيع بشيع قال ال تعالى‪( :‬أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من‬

‫أحعد معن العالميعن)‪ .‬وقعد قذف ال فاعليعه بحجارة معن طيعن مسعومة‪ .‬ومالك رحمعه‬

‫ال يرى على الفاععل والمفعول بعه الرجعم أحصعنا أو لم يحصعنا‪ .‬واحتعج بعبعض‬

‫المالكييعن فعي ذلك بأن ال ععز وجعل يقول فعي رجمعه فاعليعه بالحجارة‪ :‬ومعا هعي‬
‫من الظالمين ببعيد‪ .‬فوجب بهذا أنه من ظلم الن بمثل فعلهم قربت منه والخلف‬

‫في هذه المسألة ليس هذا موضعه‪ .‬وقد ذكر أبو إسحاق إبراهيم بن السري أن أبا‬

‫بكعر رضعي ال عنعه أحرق فيعه بالنار‪ .‬وذكعر أبعو ععبيدة معمعر بعن المثنعى اسعم‬

‫المحرق فقال‪ :‬هعو شجاع بعن ورقاء السعدي أحرقعه بالنار أبعو بكعر الصعديق لنعه‬

‫يؤتي في دبره كما تؤتى المرأة‪.‬‬

‫وأن عن المعاصي لمذاهب للعقل واسعة‪ ،‬فما حرم ال شيئاً إل وقد عوض عباده‬

‫معععععن الحلل معععععا هعععععو أحسعععععن معععععن المحرم وأفضعععععل‪ ،‬ل إله إل هعععععو‪.‬‬

‫وأقول في النهي عن إتباع الهوى على سبيل الوعظ‪:‬‬

‫وما الناس إل هالك وابـن هـالـك‬ ‫أقول لنفسي ما مـبـين كـحـالـك‬


‫فإن الهوى مفتاح باب المـهـالـك‬ ‫صن النفس عما عابها وارفض الهوى‬
‫وعقباه مر الطعم ضنك المسـالـك‬ ‫رأيت الهوى سهل المبادي لـذيذهـا‬
‫فما لذة النسان والمـوت بـعـدهـا ولو عاش ضعفي عمر نوح بن لمك‬
‫فقد أنذرتنا بالفـنـاء الـمـواشـك‬ ‫فل تتـبـع دارا قـلـيلً لـبـائهـا‬
‫وكم تارك إضمـاره غـير تـارك‬ ‫وما تركها إل إذا هـي أمـكـنـت‬
‫كتار كهاذات الضروع الحـواشـك‬ ‫فما تارك المال عـجـبـا جـؤاذرا‬
‫بشهوة مشتـاق وعـقـل مـبـارك‬ ‫وما قابل المر الذي كـان راغـبـا‬
‫لدى جنة الفـردوس فـوق الرائك‬ ‫لجدى عباد ال بـالـفـوز عـنـده‬
‫رأى سببا ما في يدي كـل مـالـك‬ ‫ومن عرف المر بالذي هو طـالـب‬

‫ولو أنه يعطه جميع الـمـمـالـك‬ ‫ومن عرف الرحمن لم يعص أمـره‬
‫وسالكها مستبصـر خـير سـالـك‬ ‫سبيل التقي والنسك خير المسـالـك‬
‫ول طاب عيش لمري غير سالـك‬ ‫فما فقد التنغيص من عـاج دونـهـا‬
‫بخـفة أرواح ولــين عـــرائك‬ ‫وطوبى لقوام يؤمـون نـحـوهـا‬
‫لقد فقدوا غل النفـوس وفـضـلـوا بعز سلطـين وأمـن صـعـالـك‬
‫وفازوا بدار الخلد رحب المـبـارك‬ ‫فعاشوا كما شاءوا وماتوا كما اشتهوا‬
‫بنور محل ظلمة الـغـي هـاتـك‬ ‫عصوا طاعة الجساد في كـل لـذة‬
‫فلول اعتداد الجسم أيقـنـت أنـهـم يعيشون عيشا مثل عيش الـمـلئك‬
‫وصل عليهم حيث حـلـوا وبـارك‬ ‫فيا رب قدمهم وزد في صلحـهـم‬
‫ويا نفس حدي ل تملـي وشـمـري لنيل سرور الدهر فيمـا هـنـالـك‬
‫علمت بأن الـحـق لـيس كـذلـك‬ ‫وأنت متى دمرت سعيك في الهـوى‬
‫بأبين من زهر النجوم الـشـوابـك‬ ‫فقد بين اللـه الـشـريعة لـلـورى‬
‫فيا نفس جدي ف في خلصك وانفذي نفاذ السيوف المرهفات الـبـواتـك‬
‫له خلقوا ما كان حي بـضـاحـك‬ ‫فلو أعمل الناس التفكـر فـي الـذي‬

‫الباب الثلثون‬

‫فضل التعفف‬

‫ومععن أفضععل مععا يأتيععه النسععان فععي حبععه التعفععف‪ ،‬وترك ركوب المعصععية‬

‫والفاحشة‪ ،‬وأل يرغب عن مجازاة خالقه له بالنعيم في دار المقامة‪ ،‬وأل يعصي‬

‫موله المتفضعل عليعه الذي جععل له مكاناً وأهل لمره ونهيعه‪ :‬وأرسعل إليعه رسعله‬

‫وجعل كلمه ثابتًا لديه‪ ،‬عناية منه بنا وإحساناً إلينا‪ .‬وإن من هام قلبه وشغل باله‬

‫واشتعد شوقعه وعظعم وجده ثعم ظفعر فرام هواه أن يغلب عقله وشهوتعه‪ ،‬وأن يقهعر‬
‫دينععه‪ ،‬ثععم أقام العدل لنفسععه حصععناً‪ ،‬وعلم أنهععا النفععس المارة بالسععوء‪ ،‬وذكرهععا‬

‫بعقاب ال تعالى وفكر في اجترائه على خالقه وهو يراه‪ ،‬وحذرها من يوم المعاذ‬

‫والوقوف بيعن يدي الملك العزيعز الشديعد العقاب الرحمعن الرحيعم الذي ل يحتاج‬

‫إلى بينعة‪ ،‬ونظعر بعيعن ضميره إلى انفراده ععن كعل مدافعع بحضرة علم الغيوب‬

‫(يوم ل ينفع مال ول بنون إل من أتى ال بقلب سليم)‪( .‬يوم تبدل الرض غير‬

‫الرض والسعموات)‪( .‬يوم تجعد كعل نفعس معا عملت معن خيعر محضراً ومعا عملت‬

‫معن سعوء تود لو أن بينهعا وبينعه أمداً بعيداً)‪ .‬يوم (وعنعت الوجوه للحعي القيوم وقعد‬

‫خال معن حمعل ظلماً)‪ .‬يوم (ووجدوا معا عملوا حاضراً ول يظلم ربعك أحداً)‪ .‬يوم‬

‫الطامة الكبرى‪( ،‬يوم يتذكر النسان ما سعى وبرزت الجحيم لمن يرى فأما من‬

‫طغعى وآثعر الحياة الدنيعا فإن الجحيعم هعي المأوى‪ .‬وأمعا معن خاف مقام ربعه ونهعى‬

‫النفعس ععن الهوى فإن الجنعة هعي المأوى)‪ .‬واليوم الذي قال ال تعالى فيعه‪( :‬وكعل‬

‫إنسعععان ألزمناه طائره فعععي عنقعععه ونخرج له يوم القيامعععة كتاباً يلقاه منشوراً اقرأ‬

‫كتابعك كفعى بنفسعك اليوم عليعك حسعيباً)‪ .‬عندهعا يقول العاصعي‪ :‬يعا ويلتعي! معا لهذا‬

‫الكتاب ل يغادر صغيرة ول كبيرة إل أحصاها‪ .‬فكيف بمن طوى قلبه على أحر‬

‫من جمر الغضى‪ .‬وطوى كشحه على أحد من السيف‪ ،‬وتجرع غصصاً أمر من‬

‫الحنظعل‪ ،‬وصعرف نفسعه كرهاً عمعا طمععت فيعه وتيقنعت ببلوغعه وتهيأت له ولم‬

‫يحعل دونهعا حائل‪ ،‬لحرى أن يسعر غداً يوم البععث ويكون معن المقربيعن فعي دار‬

‫الجزاء وعالم الخلود‪ ،‬وأن يأمعن روعات القيامعة وهول المطلع‪ ،‬وأن يعوضعه ال‬

‫مععععععععععععععععععن هذه القرحععععععععععععععععععة المععععععععععععععععععن يوم الحشععععععععععععععععععر‪.‬‬

‫حدثنعي أبعو موسعى هارون بعن موسعى الطعبيب قال‪ :‬رأيعت شاباً حسعن الوجعه معن‬
‫أهعل قرطبعة قعد تعبعد ورفعض الدنيعا‪ ،‬وكان له أخ فعي ال قعد سعقطت بينهمعا مؤونعة‬

‫التحفععظ‪ ،‬فزاره ذات ليلة وعزم على المععبيت عنده‪ ،‬فعرضععت لصععاحب المنزل‬

‫حاجة إلى بعض معارفه بالبعد عن منزله‪ .‬فنهض لها على أن ينصرف مسرعاً‪.‬‬

‫ونزل الشاب في داره مع امرأته‪ ،‬وكنت غاية الحسن وترباً للضيف في الصبى‬

‫فأطال رب المنزل المقام إلى أن مشعى العسعس ولم يمكنه النصعراف إلى منزله‪،‬‬

‫فلمعا علمعت المرأة بفوات الوقعت وأن زوجهعا ل يمكنعه المجيعء تلك الليلة تاقعت‬

‫نفسعها إلى ذلك الفتعى فعبرزت إليعه ودعتعه إلى نفسعها‪ ،‬ول ثالث لهمعا إل ال ععز‬

‫وجعل‪ ،‬فهعم بهعا ثعم ثاب إليعه عقله وفكعر فعي ال ععز وجعل فوضعع إصعبعه على‬

‫السراج فتفقع ثم قال‪ :‬يا نفس‪ ،‬ذوقي هذا وأين هذا من نار جهنم‪ .‬فهال المرأة ما‬

‫رأت‪ ،‬ثععم عاودتعه فعاودتعه الشهوة المركبععة فعي النسععان فعاد إلى الفعلة الولى‪.‬‬

‫فانبلج الصعععععععععععععععباح وسعععععععععععععععبابته قعععععععععععععععد اصعععععععععععععععطمتها النار‪.‬‬

‫أفتظن بلغ هذا من نفسه هذا المبلغ إل لفرط شهوة قد كلبت عليه؟ أو ترى أن ال‬

‫تعالى يضيععععععععععععععع له المقام؟ كل إنععععععععععععععه لكرم مععععععععععععععن ذلك وأعلم‪.‬‬

‫ولقد حدثتني امرأة أثق بها أنها علقها فتى مثلها من الحسن وعلقته وشاع القول‬

‫عليهمعا‪ ،‬فاجتمععا يومعا خالييعن فقال‪ :‬هلمعي نحقعق معا يقال فينعا‪ .‬فقالت‪ :‬ل وال ل‬

‫كان هذا أبداً‪ .‬وأنعععععا أقرأ قول ال‪( :‬الخلء يومئذ بعضهعععععم لبععععععض عدو إل‬

‫المتقيععععععععن)‪ .‬قالت‪ :‬فمععععععععا مضععععععععى قليععععععععل حتععععععععى اجتمعععععععععا حلل‪.‬‬

‫ولقعد حدثنعي ثقعة معن إخوانعي أنعه خل يوماً بجاريعة كانعت له مفاركعة فعي الصعبى‪،‬‬

‫فتعرضعت لبععض تلك المعانعي‪ ،‬فقال لهعا‪ :‬كل‪ .‬إن معن شكعر نعمعة ال فيمعا منحعى‬

‫مععن وصععالك الذي كان أقصعععى آمالي أن أجتنععب هواي لمره ولعمري إن هذا‬
‫لغريعب فيمعا خل معن الزمان‪ ،‬فكيعف فعي مثعل هذا الزمان الذي قعد ذهعب خيره‬

‫وأتى شره‪.‬‬

‫ومعا أقدر فعي هذه الخبار ‪ -‬وهعي صعحيحة ‪ -‬إل أحعد وجهيعن ل شعك فيهمعا‪ :‬إمعا‬

‫طبعع قعد مال إلى غيعر هذا الشأن واسعتحكمت معرفتعه بفضعل سعواه عليعه فهعو ل‬

‫يجيب دواعي الغزل في كلمة ول كلمتين ول في يوم ول يومين‪ ،‬ولو طال على‬

‫هؤلء الممتحنيعن معا امتحنوا بعه لجادت طباعهعم وأجابوا هاتعف الفتنعة‪ ،‬ولكعن ال‬

‫عصععمهم بانقطاع السععبب المحرك نظراً لهععم وعلماً بمععا فععي ضمائرهععم مععن‬

‫السععععععتعاذة بععععععه مععععععن القبائح‪ ،‬واسععععععتدعاء الرشععععععد‪ .‬ل إله إل هععععععو‪.‬‬

‫وإما بصيرة حضرت في ذلك الوقت‪ ،‬وخاطر تجرد أن قمعت به طوالع الشهوة‬

‫في ذلك الحين‪ ،‬لخير أراد ال عز وجل لصاحبه‪ .‬جعلنا ال ممن يخافه ويرجوه‪.‬‬

‫آميعععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععن‪.‬‬

‫وحدثني أبو عبد ال محمد بن عمر وبن مضائ عن رجال من بني مروان ثقات‬

‫يسعندون الحديعث إلى أبعي العباس الوليعد بعن غانعم أه ذكعر أن المام عبعد الرحمعن‬

‫ابعن الحكعم غاب فعي بععض غزواتعه شهوراً وثقعف القصعر بابنعه محمعد الذي ولى‬

‫الخلفعة بعده ورتبعه فعي السعطح وجععل معبيته ليلً وقعوده نهاراً فيعه‪ ،‬ولم يأذن له‬

‫فعي الخروج البتعة‪ .‬ورتعب مععه فعي كعل ليلة وزيراً معن الوزراء وفتعى معن أكابر‬

‫الفتيان يعبيتان مععه فعي السعطح‪ .‬قال أبعو العباس‪ :‬فأقام على ذلك مدة طويلة وبععد‬

‫عهده بأهله وهو في سن العشرين أو نحوها‪ ،‬إلى أن وافق مبيتي في ليلتي نوبة‬

‫فتعى معن أكابر الفتيان‪ ،‬وكان صعغيراً فعي سعنه وغايعة فعي حسعن وجهعه‪ .‬قال أبعو‬
‫العباس‪ :‬فقلت فعي نفسعي‪ :‬إنعي أخشعى الليلة على محمعد بعن عبعد الرحمعن الهلك‬

‫بمواقععه المعصعية وتزيعن إبليعس وأتباععه له قال‪ :‬ثعم أخذت مضجععي فعي السعطح‬

‫الخارج ومحمعد فعي السعطح الداخعل المطعل على حرم أميعر المؤمنيعن‪ ،‬والفتعى فعي‬

‫الطرف الثاني القريب من المطلع فظلت أرقبه ول أغفل وهو يظن أني قد نمت‬

‫ول يشعر باطلعي عليه‪ .‬قال‪ :‬فلما مضى هزيع من الليل رأيته قد قام واستوى‬

‫قاعداً ساعة لطيفة ثم تعوذ من الشيطان ورجع إلى منامه‪ .‬ثم قام بعد حين ولبس‬

‫قميصه واستوفز ثم نزعه عن نفسه وعاد إلى منامه‪ .‬ثم قام الثالثة ولبس قميصه‬

‫ودلى رجليه من السرير وبقي كذلك ساعة ثم نادى الفتى باسمه فأجابه‪ ،‬فقال له‪:‬‬

‫انزل ععن السعطح وابعق فعي الفصعيل الذي تحتعه‪ .‬فقام الفتعى مؤتمراً له‪ .‬فلمعا نزل‬

‫قام محمعد وأغلق الباب معن داخله وعاد إلى سعريره‪ .‬قال أبعو العباس‪ :‬فعلمعت معن‬

‫ذلك الوقت ن ال فيه مراد خير‪.‬‬

‫حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور عن أحمد بن مطرف عن عبيد ال بن يحيى‬

‫عن أبيه عن مالك عن حبيب بن عبد الرحمن النصاري عن حفص بن عاصم‬

‫ععن أبعي هريرة ععن رسعول ال صعلى ال عليعه وسعلم أنعه قال‪( :‬سعبعة يظلهعم ال‬

‫فععي ظله يوم ل ظععل إل ظله‪ :‬إمام عادل؛ وشاب نشععأ فععي عبادة ال عععز وجععل؛‬

‫ورجعل قلبعه معلق بالمسعجد إذا خرج منعه حتعى يعود إليعه؛ ورجلن تحابعا فعي ال‬

‫اجتمعا على ذلك وتفرقا‪ ،‬ورجل ذكر اله خالياً ففاضت عيناه‪ ،‬ورجل دعته امرأة‬

‫ذات حسب وجمال فقال إني أخاف ال‪ ،‬ورجل تصدق صدقة فأخفى حتى ل تعلم‬

‫شماله ما تنفق يمينه)‪.‬‬


‫وإنعي أذكعر أنعي دعيعت إلى مجلس فيعه بععض معن تسعتحسن البصعار صعورته‬

‫وتألف القلوب أخلقه‪ ،‬للحديث والمجالسة دون منكر ول مكروه‪ ،‬فسارعت إليه‬

‫وكان هذا سعحراً‪ .‬فبععد أن صعليت الصعبح وأخذت زيعي طرقنعي فكعر فسعنحت لي‬

‫أبيات‪ ،‬ومعععي رجععل مععن إخوانععي فقال لي‪ :‬مععا هذا الطراق؟ فلم أجبععه حتععى‬

‫أكملتهعا‪ ،‬ثعم كتبتهعا ودفعتهعا إليعه وأمسعكت ععن المسعير حيعث كنعت نويعت‪ .‬ومعن‬

‫البيات‪:‬‬

‫وتبريد توصل سره فيك تحريق‬ ‫أراقك حسن غيبـه لـك تـأريق‬
‫وشكا ولول القرب لم يك تفريق‬ ‫وقرب مزار يقتضي لك فـرقة‬
‫وصابا وفسح في تضاعيفه ضيق‬ ‫ولذة طعم معقب لك علـقـمـا‬

‫ولو لم يكععععن جزاء ول عقاب ول ثواب لوجععععب علينععععا إفناء العمار وإتعاب‬

‫البدان وإجهاد الطاقععة واسععتناد الوسععع واسععتفراغ القوة فععي شكععر الخالق الذي‬

‫ابتدأنا بالنعم قبل استئقالها‪ ،‬وأمتن علينا بالعقل الذي به عرفناه‪ ،‬ووهبنا الحواس‬

‫والعلم والمعرفععة ودقائق الصععناعات‪ ،‬وصععرف لنععا السععموات جاريععة بمنافعهععا‪،‬‬

‫ودبرنعا التدبيعر الذي لو ملكنعا خلقنعا لم نهتعد إليعه‪ ،‬ول نظرنعا لنفسعنا نظره لنعا‪،‬‬

‫وفضلنعا على أكثعر المخلوقات‪ ،‬وجعلنعا مسعتودع كلمعه ومسعتقر دينعه‪ ،‬وخلق لنعا‬

‫الجنععة دون أن نسععتحقها‪ ،‬ثععم لم يرضععى لعباده أن يدخلوهععا إل بأعمالهععم لتكون‬

‫واجبة لهم‪ :‬قال ال تعالى‪( :‬جزاء بما كانوا يعملون)‪ .‬رشدنا إلى سبيلها وكصرنا‬

‫وجعه ظلهعا‪ ،‬وجععل غايعة إحسعانه إلينعا وامتنانعه علينعا حقاً معن حقوقنعا قبله‪ ،‬وديناً‬
‫لزماً له‪ ،‬وشكرنعا على معا أعطانعا معن الطاععة التعي رزقنعا قواهعا‪ ،‬وأثابنعا بفضله‬

‫على تفضله‪.‬‬

‫وهذا كرم ل تهتدي إليععه العقول‪ ،‬ول يمكععن أن تكيفععه اللباب‪ .‬ومععن عرف ربععه‬

‫ومقدار رضاه وسعخطه هانعت عنده اللذات الذاهيعة والحطام الفانعي‪ ،‬فكيعف وقعد‬

‫أتعى من وعيده معا تقشععر اسعماعه الجسعاد‪ ،‬وتذوب له النفوس‪ ،‬وأورد علينعا معن‬

‫عذابه ما لم ينته إليه أمل فأين المذهب عن طاعة هذا الملك الكريم‪ ،‬وما الرغبة‬

‫فعي لذة ذاهيعة ل تذهعب الندامعة عنهعا‪ ،‬ول تفنعى التباععة منهعا‪ ،‬ول يزول الخزي‬

‫ععن راكبهعا‪ ،‬وإلى كعم هذا التمادي وقعد أسعمعنا المتادى‪ ،‬وكأن قعد حدا بنعا الحادي‬

‫إلى دار القرار‪ ،‬فإمععا إلى جنععة وإمععا إلى نار‪ ،‬أل إن التثبععط فععي هذا المكان لهععو‬

‫الضلل المبين‪ ،‬وفي ذلك أقول‪:‬‬

‫وعف في حبه وفي عربـه‬ ‫أقصر عن لهوه وعن طربـه‬


‫ول اقتناص الظباء من أربـه‬ ‫فليس شرب المدام هـمـتـه‬
‫يزيل ما قد عله من حجبـه‬ ‫قد آن للقلـب أن يفـيق وأن‬
‫خيفة يوم تبلى السـرائر بـه‬ ‫ألهاه عما عهدت يعـجـبـه‬
‫عنك ابتاع الهوى على لغبـه‬ ‫يا نفس جدي وشمري ودعـي‬
‫ساعية في الخلص من كربه‬ ‫وسارعي في النجاة واجتهدي‬
‫أنجو من ضيقه ومن لهـبـه‬ ‫علي أحظى بالفوز فـيه وأن‬
‫دهر أما تتقي شبا نـكـبـه‬ ‫يأبها اللعب المجـد بـه ال‬
‫ما قد أراك الزمان من عجبه‬ ‫كفاك من كل ما وعظت بـه‬
‫ومكسبا ل عبا بمكتـسـبـه‬ ‫دع عنك دارا نفنى غضارتهـا‬
‫إل نبا حدها بمضـطـربـه‬ ‫لم يضطرب في محلها أحـد‬
‫لوى وحل الفؤاد في رهبـه‬ ‫من عرف ال حق مـعـرفة‬
‫ول صحيح التقى كمؤتشبـه‬ ‫ما منقضى الملك مثل خالـده‬
‫وليس صدق الكلم من كذبه‬ ‫ول تقي الورى كفاسـقـهـم‬
‫نخشى من ال متقى غضبـه‬ ‫فلو أمنا من العـقـاب ولـم‬
‫لكل جاني الكلم محتقـبـه‬ ‫ولم نخف ناره التي خلـقـت‬

‫ورد وفد الهوى على عقـبـه‬ ‫لكان فرضا لـزوم طـاعـتـه‬


‫يلحق تفنيدنـا بـمـرتـقـبـه‬ ‫وصحة الزهد في البـقـاء وأن‬
‫له كفعل الشواظ في حطـبـه‬ ‫فقد رأينا فعـل الـزمـان بـأه‬
‫راحته في الكريه من تعـبـه‬ ‫كم متعب في الله مهـجـتـه‬
‫دنيا عداه المنون عن طـلـبـه‬ ‫وطالب باجتـهـاده زهـر ال‬
‫حل به ما يخاف من سـبـبـه‬ ‫ومدرك ما ابتـغـاه ذي جـدل‬
‫فإنما بحثه عـلـى عـطـبـه‬ ‫وباحث جـاهـد لـبـغـيتـه‬
‫صار إلى السفل من ذرى رتبه‬ ‫بينا ترى المرء ساميا مـلـكـا‬
‫أن ينم حسن النمو في قصبـه‬ ‫كالزرع للرجل فوقـه عـمـل‬
‫في إثر جد يجد فـي هـربـه‬ ‫كم قاطع نفسه أسـى وشـجـا‬
‫يزيد ذا اللب في حلـى أدبـه‬ ‫أليس في ذاك زاجـر عـجـب‬
‫عاج عن المستقيم من عقـبـه‬ ‫فكيف والنار لـلـمـسـيء إذا‬
‫له ويبدي الخفـى مـن ريبـه‬ ‫ويوم عرض الحساب يفضحه ال‬
‫موصولة بالمزيد من نـشـبـه‬ ‫من قد حباه اللـه رحـمـتـه‬
‫فيما نهى ال عنه في كتـبـه‬ ‫فصار من جهله يصـرفـهـا‬
‫بالوقع في ويله وفي حـربـه‬ ‫أليس هذا أحرى العـبـاد غـدا‬
‫فينا كحبل الوريد في كـثـبـه‬ ‫شكرا لرب لـطـيف قـدرتـه‬
‫من كان من عجمه ومن عربه‬ ‫رازق أهل الزمان أجمعـهـم‬
‫وقمعه للزمـان فـي نـوبـه‬ ‫والحمد ل فـي تـفـضـلـه‬
‫في الجو من مائه ومن شهبـه‬ ‫أخدمنا الرض والسمـاء ومـن‬
‫ل يحمل الحمل غير محتطبـه‬ ‫فاسمع ودع من عصاه نـاحـية‬
‫وأقول أيضاً‪:‬‬

‫غضارة عيش سوف يذوي اخضرارها‬ ‫أعارتك دنيا مـسـتـرد مـعـارهـا‬


‫وقد حان من دهم المنـايا مـزارهـا‬ ‫وهل يتمنى المحـكـم الـرأي عـيشة‬
‫وقد طال فيما عاينته اعـتـبـارهـا‬ ‫وكيف تلذ الـعـين هـجـعة سـاعة‬
‫قد استيقنت أن ليس فيهـا قـرارهـا‬ ‫وكيف تقر النفـس فـي دار ثـقـلة‬
‫ولم تدر بعد الموت أين مـحـارهـا‬ ‫وأتى له في الرض خاطـر فـكـرة‬
‫أما في توفيها العـذاب ازدجـارهـا‬ ‫أليس لها في السعي للفـوز شـاغـل‬
‫إلى حر نار ليس يطـفـي أوارهـا‬ ‫فخابت نفوس قـادهـا لـهـو سـاعة‬
‫إلى غير ما أضحى إلـيه مـدارهـا‬ ‫لهـا سـائق حـاد حـثـيث مـبـادر‬
‫وتقصد وجها في سـواه سـفـارهـا‬ ‫تراد لمر وهـي تـطـلـب غـيره‬
‫وقد أيقنت أ‪ ،‬العـذاب قـصـارهـا‬ ‫أمسـرعة فـيمـا يسـوء قـيامـهـا‬
‫لقد شفها طغيانـهـا واغـتـرارهـا‬ ‫تعطل مفروضا وتعـنـي بـفـضـلة‬
‫وعما لها منه النـجـاح نـفـارهـا‬ ‫إلى ما لها منه البـلء سـكـونـهـا‬
‫وتتبع دنيا جـد عـنـهـا مـرارهـا‬ ‫وتعرض عن رب دعاها لـرشـدهـا‬
‫فلله دار لـيس تـخـمـد نـارهـا‬ ‫فيأيها الـمـغـرور بـادر بـرجـعة‬
‫دليل على محض العقول اختـيارهـا‬ ‫ول تـتـخـير فـانـيا دون خـالـد‬
‫وتسلك سبلً ليس يخفـى عـوارهـا‬ ‫أتعلم أن الـحـق فـيمـا تـركـتـه‬
‫لبهماء يؤذي الرجل فيها عـثـارهـا‬ ‫وتترك بيضـاء الـمـنـاهـج ضـلة‬
‫إذا ما انقضى ل ينقص مستثـارهـا‬ ‫تسر بـلـهـو مـعـقـب بـنـدامة‬
‫وتبقى تباعات الـذنـوب وعـارهـا‬ ‫وتفنى الليالي والمـسـرات كـلـهـا‬
‫تبين من سر الخطوب استـتـارهـا‬ ‫فهل أنت يا مغبون مستـيقـظ فـقـد‬
‫نواهيه إذ قد تـجـلـي مـنـارهـا‬ ‫فعجل إلى رضوان ربك واجـتـنـب‬
‫وتغرى بدنيا سـاء فـيك سـرارهـا‬ ‫يجد مرور الدهر عـنـك بـلعـب‬
‫وهاتيك منهـا مـقـفـرات ديارهـا‬ ‫فكم أمة قد غرها الدهـر قـبـلـنـا‬
‫فإن المذكي للعقـول اعـتـبـارهـا‬ ‫تذكر على ما قد مضى واعتـبـر بـه‬
‫وكان ضمانا في العادي انتصارها‬ ‫تحامى ذرها كـل بـاغ وطـالـب‬
‫وعاد إلى ذي ملكه اسـتـعـارهـا‬ ‫توافت ببطن الرض وانشت شملهـا‬
‫مشمرة في القصد وهو سعـارهـا‬ ‫وكم راقد في غفـلة عـن مـنـية‬
‫مدلي بأيد عند ذي العرش ثـارهـا‬ ‫ومظلمة قد نـالـهـا مـتـسـلـط‬
‫على أنـهـا بـاد إلـيك أزوارهـا‬ ‫أراك إذا حاولـت دنـياك سـاعـيا‬
‫وتبدي أناة ل يصـح اعـتـذارهـا‬ ‫وفي طاعة الرحمن يقعدك الـونـى‬
‫وتنسى التي فرض عليك حذارهـا‬ ‫تحاذر إخوانا ستفنى وتـنـقـضـي‬
‫مبينا إذا القدار حل اضطـرارهـا‬ ‫كأني أرى منك التـبـرم ظـاهـرا‬
‫مضت كان ملكا في يدي خـيارهـا‬ ‫هناك يقول المرء من لي بأعـصـر‬
‫عصيب يوافي النفس فيها احتضارها‬ ‫تنـبـه لـيوم قـد أظـلــك ورده‬
‫وإن من المال فـيه انـهـيارهـا‬ ‫تبرأ فيه مـنـك كـل مـخـالـط‬
‫يلوح عليها للعـيون إغـبـرارهـا‬ ‫فأودعت في ظلماء ضنك مقـرهـا‬
‫وقد حط عن وجه الحياة خمـارهـا‬ ‫تنادي فل تدري المنـادي مـفـردا‬
‫وساعة حشر ليس يخفى اشتهارهـا‬ ‫تنـادي إلـى يوم شـديد مـفــزع‬
‫صحائفنا وإنثال فينا انـتـثـارهـا‬ ‫إذا حشرت فيه الوحوش وجمـعـت‬
‫وأذكى من نار الجحيم استعـارهـا‬ ‫وزينت الجـنـات فـيه وأزلـفـت‬
‫وأسرع من زهر النجوم إنكدارهـا‬ ‫وكورت الشمس المنيرة بالضـحـى‬
‫وقد حل أمر كان منه انتـثـارهـا‬ ‫لقد جل أمر كان منه انتـظـامـهـا‬
‫وقد عطلت من مالكيها عشـارهـا‬ ‫وسيرت الجبـال والرض بـدلـت‬
‫وإمـا لـدار ل يفـك إسـارهــا‬ ‫فإما لدار ليس يفنـى نـعـيمـهـا‬
‫فتحصى المعاصي كبرها وصغارها‬ ‫بحضرة جبـار رفـيق مـعـاقـب‬
‫وتهلك أهليها هـنـاك كـبـارهـا‬ ‫ويندم يوم البعث جاني صـغـارهـا‬
‫إذا ما ستوى إسرارها وجهـارهـا‬ ‫ستغبط أجساد وتحـيا نـفـوسـهـا‬
‫وأسكنهم دارا حـللً عـقـارهـا‬ ‫إذا حفهم عفـو اللـه وفـضـلـه‬
‫بجلبة سبق طرفهـا وحـمـارهـا‬ ‫سيلحقهم أهل الفسوق إذا اسـتـوى‬
‫يظن على أهل الحظوظ اقتصارهـا‬ ‫يفر بنو الدنـيا بـدنـياهـم الـتـي‬
‫وليس بغير البذل يحمى ذمـارهـا‬ ‫هي الم خير البر فيها عقـوقـهـا‬
‫وما الهلك إل قربها واعتـمـارهـا‬ ‫فما نال منها الحظ إل مـهـينـهـا‬
‫وقد بان للب الذكي اخـتـبـارهـا‬ ‫تهافت فيها طامع بـعـد طـامـع‬
‫لها ذا اعتمار يجتنبك غـمـارهـا‬ ‫تطامن لغمر الحادثـات ول تـكـن‬
‫فقد صح في العقل الجلي عيارهـا‬ ‫وإياك أن تغتر منهـا بـمـا تـرى‬
‫ولذة نفس يستطـاب اجـتـرارهـا‬ ‫رأيت ملوك الرض يبـغـون هـدة‬
‫لمتبعه الصفار جـم صـغـارهـا‬ ‫وخلوا طريق القصد في مبتغاتـهـم‬
‫مكين لطلب الخلص اختصارهـا‬ ‫وإن التي يبـغـون نـهـج بـقـية‬
‫إذا صان همات الرجال انكسارهـا‬ ‫هل العز إل همة صح صـونـهـا‬
‫قنوع غني النفـس بـاد وقـارهـا‬ ‫وهـل رايح إل امـرؤ مـتـوكـل‬
‫تضيق بها ذرعا ويفنى اصطبارهـا‬ ‫ويلقى ولة الملك خوفـا وفـكـرة‬
‫أحاطت بنا ما إن يفيق خـمـارهـا‬ ‫عيانا ترى هـذا ولـكـن سـكـرة‬
‫وفي علمه معمورها وقـفـارهـا‬ ‫قد برهن الباني على الرض سقفهـا‬
‫بل عمد يبنـي عـلـيه قـرارهـا‬ ‫ومن يمسك الجرام والرض أمـره‬
‫فصح لديها لـيلـهـا ونـهـارهـا‬ ‫ومن قدر التدبير فيهـا بـحـكـمة‬
‫فمنها يغذي حبـهـا وثـمـارهـا‬ ‫ومن فتق المواه في صفح وجههـا‬
‫فأشرق فيها وردهـا وبـهـارهـا‬ ‫ومن صير اللوان في نور نبـتـهـا‬

‫ومنهن ما يغشى اللحاظ احمرارها‬ ‫فمنهن مخضر يروق بـصـيصـه‬


‫فصار من الصم الصلب انفجارها‬ ‫ومن حفر النهار دون تـكـلـف‬
‫غدوا ويبدو بالعشي اصفـرارهـا‬ ‫ومن رتب الشمس المنير أبيضاضها‬
‫وأحكمها حتى استقـام مـدارهـا‬ ‫ومن خلق الفلك فامند جـريهـا‬
‫فلس إلى حي سواه افتـقـارهـا‬ ‫ومن إن ألمت بالـعـقـول رزية‬
‫له ملكها منقـادة وائتـمـارهـا‬ ‫تجد كل هذا راجع نحـو خـالـق‬
‫فأمكن بعد العجز فيها اقـتـداهـا‬ ‫أبـان لـنـا اليات فـي أنـبـيائه‬
‫وما حلها إثغارهـا وأتـغـارهـا‬ ‫فأنطق أفواها بألـفـاظ حـكـمة‬
‫وأسمعهم في الحين منها حوارهـا‬ ‫وأبرز من صم الحـجـارة نـاقة‬
‫أتاها بأسباب الهـلك قـدارهـا‬ ‫ليوقن أقوام وتـكـفـر عـصـبة‬
‫وبان من المواج فيه انحسارهـا‬ ‫بوشق لموسى البحر دون تكـلـف‬
‫فلم يؤذه إحراقها واعـتـرارهـا‬ ‫وسلم من نار الونـوق خـلـيلـه‬
‫به أمة أبدى الفسـوق شـرارهـا‬ ‫ونجى من الطوفان نوحا وقد هدت‬
‫فتعسيرها ملقـى لـه وبـدارهـا‬ ‫ومـكـن داودا بـأيد وابـنـــه‬
‫وعلم من طير السماء حـوارهـا‬ ‫وذلـل جـبـار الـبـلد لمـره‬
‫ومكن في أقصى البلد مغارهـا‬ ‫وفضل بـالـقـرآن أمة أحـمـد‬
‫بآيات حق ل يخـل مـعـارهـا‬ ‫وشق له بدر السـمـاء وخـصـه‬
‫وكان على قطب الهلك منارهـا‬ ‫وأنقذنا من كفـر أربـابـنـا بـه‬
‫لنسلم من نار ترامـى شـرارهـا‬ ‫فما بالنا ل نترك الـجـل ويحـنـا‬

‫هنعا أعزك ال انتهعى معا تذكرتعه إيجاباً لك‪ ،‬وتقمنًا لمسعرتك‪ ،‬ووقوفاً عنعد أمرك‪.‬‬

‫ولم أمتنععع أن أورد لك فععي هذه الرسععالة أشياء يذكرهععا الشعراء ويكثرون القول‬

‫فيهععا‪ ،‬موفيات على وجوههععا‪ ،‬ومفردات فععي أبوابهععا‪ ،‬ومنعمات التفسععير‪ ،‬مثععل‬

‫الفراط فععي صععفة النحول وتشععبيه الدموع بالمطار وأنهععا تروي السععفار وعدم‬

‫النوم البتعة‪ ،‬وانقطاع الغذاء جملة‪ ،‬إل أنهعا أشياء ل حقيقعة لهعا‪ ،‬وكذب ل وجعه له‬

‫ولكل شيء حد‪ ،‬وقد جعل ال لكل شيء قدراً‪ .‬والنحول قد يعظم ولو صار حيث‬

‫يصععفونه لكان تفععي قوام الذرة أو دونهععا‪ ،‬ولخرج ععن حععد المعقول‪ .‬والسععهر قععد‬

‫يتصل ليالي‪ ،‬ولكن لو عدم الغذاء أسبوعين لهلك‪ .‬وإنما قلنا أن الصبر عن النوم‬

‫أقععل مععن الصععبر عععن الطعام؛ لن النوم غذاء الروح والطعام غذاء الجسععد‪ ،‬وإن‬

‫كانععا يشتركان فععي كليهمععا ولكنععا حكينععا على الغلب‪ .‬وأمععا الماء فقععد رأيععت أن‬

‫ميسوراً البناء جارنا بقرطبة يصبر عن الماء أسبوعين في حمارة القيظ ويكتفي‬

‫بما في غذائه من رطوبة‪.‬‬

‫وحدثنعي القاضعي أبعو عبعد الرحمعن بعن جحاف أنعه كان يعرف معن كان ل يشرب‬
‫الماء شهراً‪.‬‬

‫وإنمعا اقتصعرت فعي رسعالتي على الحقائق المعلومعة التعي ل يمكعن وجود سعواها‬

‫أصعل‪ ،‬وعلى أنعي قعد أوردت معن هذه الوجوه المذكورة أشياء كثيرة يكتفعى بهعا‬

‫لئل أخرج عن طريقة أهل الشعر ومذهبهم‪ ،‬وسيرى كثير من إخوننا أخباراً لهم‬

‫في هذه الرسالة مكنياً فيها من أسمائهم على ما شرطنا في ابتدائها‪ .‬وأنا أستغفر‬

‫ال تعالى مما يكتب الملكان ويحصيه الرقيبان من هذا وشبهه‪ ،‬استغفار من يعلم‬

‫أن كلمعه معن عمله‪ .‬ولكنعه إن لم يكعن معن اللغعو الذي ل يؤاخعذ بعه المرء فهعو إن‬

‫شاء ال معن اللمعم المعفعو‪ ،‬وإل فليعس معن السعيئات والفواحعش التعي يتوقعع عليهعا‬

‫العذاب‪ .‬وعلى كعععععل حال فليعععععس معععععن الكبائر التعععععي ورد النعععععص فيهعععععا‪.‬‬

‫وأنعا أعلم أنعه سعينكر على بععض المتعصعبين على تأليفعي لمثعل هذا ويقول‪ :‬إنعه‬

‫خالف طريقته‪ ،‬وتجافى عن وجهته‪ ،‬وما أحل لحد أن يظن في غير ما قصدته‪،‬‬

‫قال ال ععز وجعل‪( :‬يعا أيهعا الذيعن آمنوا اجتنبوا كثيراً معن الظعن إن بععض الظعن‬

‫إثععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععععم)‪.‬‬

‫وحدثنعي أحمعد بعن محمعد بعن الجسعوري‪ ،‬ثنعا ابعن أبعي دليعم‪ ،‬ثنعا ابعن وضاح ععن‬

‫يحيعى ابعن مالك بعن أبعي أنعس ععن أبعي الزبيعر المكعي ععن أبعي شريعح الكععبي ععن‬

‫رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬إياكم والظن فإنه أكذب الكذب)‪.‬‬

‫وبه إلى مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن العرج عن أبي هريرة عن‬

‫رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬من كان يؤمن بال واليوم الخر فليقل‬

‫خيراً أو ليصمت)‪.‬‬
‫وحدثني صعاحبي أبعو بكعر محمعد بن إسحاق‪ ،‬ثنا عبد اله بن يوسف الزدي‪ ،‬ثنا‬

‫يحيى بن عائذ‪ ،‬ثنا أبو عدي عبد العزيز بن علي بن محمد بن إسحاق بن الفرج‬

‫المام بمصعر‪ ،‬ثنعا أبعو علي الحسعن بعن قاسعم بعن دحيعم المصعري‪ ،‬ثنعا محمعد بعن‬

‫زكريا الغلبي‪ ،‬ثنا أبو العباس‪ ،‬ثنا أبو بكر عن قتادة عن سعيد بن المسيب أنه‬

‫قال‪ :‬وضع عمر بن الخطاب رضي ال عنه للناس ثماني عشر كلمة من الحكمة‬

‫منهعععا‪ :‬ضعععع أمعععر أخيعععك على أحسعععنه حتعععى يأتيعععك على معععا يغلبعععك عليعععه‪.‬‬

‫ول تظن بكلمة خرجت من في امرئ مسلم شراً وأنت تجد لها في الخير محملً‪:‬‬

‫فهذا أعزك ال أدب ال وأدب رسعوله صعلى ال عليعه وسعلم وأدب أميعر المؤمنيعن‬

‫وبالجملة فإنععي ل أقول بالمراياة ول أنسععك نسععكاً أعجمياً‪ .‬ومععن أدى الفرائض‬

‫المأمور بهعا‪ ،‬واجتنعب المحارم المنهعى عنهعا‪ ،‬ولم ينسعى الفضعل فيمعا بينعه وبيعن‬

‫الناس فقععد وقععع عليععه اسععم الحسععان‪ ،‬ودعنععي ممععا سععوى ذلك وحسععبي ال‪.‬‬

‫والكلم في مثل هذا إنما هو مع خلء الذرع وفراغ القلب‪ ،‬وإن حفظ شيء وبقاء‬

‫رسعم وتذكعر فائت لمثعل خاطري لعجعب على معا مضعى ودهمنعي‪ .‬فأنعت تعلم أن‬

‫ذهنعي متقلب وبالي مهصعر بمعا نحعن فيعه معن نبعو الديار‪ .‬والخلء ععن الوطان‬

‫وتغير الزمان‪ ،‬ونكبات السلطان‪ ،‬وتغير الخوان‪ ،‬وفساد الحوال‪ ،‬وتبدل اليام‪،‬‬

‫وذهاب الوفر‪ ،‬والخروج عن الطارف والتالد‪ ،‬واقتطاع مكاسب الباء والجداد‪،‬‬

‫والغربة في البلد‪ ،‬وذهاب المال والجاه‪ ،‬والفكر في صيانة الهل والولد واليأس‬

‫ععن الرجوع إلى موضعع الهعل‪ ،‬ومدافععة الدهعر‪ ،‬وانتظار القدار ل جعلنعا ال‬

‫معن الشاكيعن إل إليعه‪ ،‬وأعادنعا إلى أفضعل معا عودنعا‪ .‬وإن الذي أبقعى لكثعر ممعا‬
‫أخععذ‪ ،‬والذي ترك أعظععم مععن الذي تحيععف‪ .‬ومواهبععه المحيطععة بنععا ونعمععه التععي‬

‫غمرتنا ل تحد‪ .‬ول يؤدي شكرها‪ ،‬والكل منحه وعطاياه‪ ،‬ول حكم لنا في أنفسنا‬

‫ونحن منه‪ ،‬وإليه منقلبنا‪ ،‬وكل عارية فراجعة إلى معيرها‪ .‬وله الحمد أول وآخراً‬

‫وعوداً وبدءا وأنا أقول‪:‬‬

‫فلم أليس ثياب المستـضـام‬ ‫جعلت اليأس لي حصنا ودرعا‬


‫يسير صـائنـي دون النـام‬ ‫وأكثر من جميع الناس عندي‬
‫فلست لما تولى ذا اهتـمـام‬ ‫إذا ما صح لي ديني وعرضي‬
‫أأدركه ففيما ذا اغـتـمـام‬ ‫تولى المس والغد لست أدري‬

‫جعلنا ال وإياك من الصابرين الشكرين الحامدين الذاكرين‪ .‬آمين آمين والحمد‬

‫ل رب العالمين وصلى ال على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً‪.‬‬

You might also like