Professional Documents
Culture Documents
PRINT
July يوليو 1191م
1991
القاهرة
Cairo
*******
في المسيحية يوجد رجاء للفراد ويوجد رجاء للهيئات ،ويوجد رجاء
للكنائس ويوجد رجاء للبلد ويوجد رجاء للعالم كله
*******
لنا رجاء في افتقاد الرب للبشرية في كل وقت .هذا الرجاء ل
يضعف أبدا ً عند المؤمنين مهما بدا المر صعبا ً وكيف ذلك ؟
*******
لقد كان هناك رجاء ليونان النبى وهو في بطن الحوت .
هل إنسان يكون في جوف الحوت ويكون له رجاء ؟ ولكن يونان ركع
علي ركبتيه وصلى وهو في جوف الحوت .وقال للرب " أعود فأرى
هيكل قدسك " .كان له رجاء ،وقد تحقق .
وكان هناك رجاء حتي للثلثه فتية وهم في أتون النار ،ولدانيال وهو
في جب السود
*******
وكان هناك رجاء حتي للعاقر التي لم تلد ،
التي قال لها الرب في سفر اشعياء " ترنمى أيتها العاقر ،ووسعى
خيامك ،لن نسلك سيرثون أمما ً ويعمرون مدنا ً خربة " ) اش . (54
كان هناك رجاء أعطاه لنا الرب في رمز الذين قاموا من بين الموات
.حتي لعازر الذي قالت عنه اخته مرثا أنه قد أنتن ) يو (11قدم لنا
الرب رجاء في ان يقوم من الموات .
*******
وهنبباك رجبباء قببدمه الببرب فببي شببفاء الببرب فببي شببفاء المببراض
المستعصية …
في اعطاء البصر للعميان ،و الصحه للجدع والعرج و المشلولين ،
وكل ذى عاهة ،وصاحب اليد اليابسة ،حتى النسان الذي قضي
ثمانى وثلثين سنة إلي جوار البركة ل يجد من يلقيه فيها ،كان له
رجاء ان ياتي له المسيح ويقول له " احمل سريرك وامش ") يو . (5
مهما كان المر مستعصيا ً ،ومهما بدا للناس معقدا ً ،هناك رجاء
يقدمه الله .
ولعل الرب أعطانا مثال ً جميل ً في هذا حينما قال " غير المستطاع
عند الله " بل صدقونى هناك آيه اعمق من هذه جدا ً ،وهى قول
الكتاب " كل شئ مستطاع للمؤمن ".
*******
عبارة " كل شئ مستطاع ") مر (23 :9تعطينا رجاء ل حدود له .
وهكذا يقول بولس الرسول في الرجاء " استطيع كل شئ في
المسيح الذى يقويني " ) فى . ( 13 :14عبارة كل شئ هي مدى
أوسع جدا يعطينا فكرة أنه ل حدود للرجاء ،مادام ل حدود لقدرة الله
ولمحبته .
إذا ل حدود للرجاء في المسيحية .
والنسان المسيحى يجد اختبارا ً لفضيلة الرجاء فيه ،حينما يقع في
ضيقة أو في تجارب متنوعة ،أو في آلم صعبة ،أو في مشاكل تبدو
ل حلول لها ،يعرف بالرجاء أن الرب عنده حلول كثيرة ،وان الرب
لبد أن يأتي مهما بدا امام الناس أنه قد تاخر .
*******
صدقوني أنني في بعض الحيان كنت اعبباتب أبببى ومعلمببى القببديس
داود النبى ،حينما كان يقول للرب " اسرع ول تبطئ " .
لن الرب يا أخوتي ليس عنده اسراع ول ابطاء .الله يعمل ،ويعمل
في كل حين ،وهو ل يتأخر مهما ظن التلميذ أنه قد مر الهزيع
الرابع من الليل ولم يأت بعد الرب لبد سيأتى ،إذا كان عندنا إيمان ،
نؤمن ان الله لبد سيعمل وسيعمل بقوة وسيعمل في الوقت
المناسب أما عبارة التأخير ،فهى تحمل مفهوما ً نسبيا ً عند البشر ،
يظنون أنه قد تأخر ،ولكن مواعيد الله هي ،تحددها حكمته ،
وتحددها رؤيته الصادقة للمور علي حقيقتها .فالله يعمل
باستمرار ،وإن ظننا في وقت من الوقات أنه قد تأخر ،يقول لنا
المرنم في المزمور " أنتظر الرب ،تقو ليتشدد قلبك ،وأنتظر الرب
") مز . ( 14 : 27
*******
وهنا نعرف معني الرجاء على حقيقته …
إن النسان يرجوا الرب وينتظر الرب ،ليس في قلق ،ولضببجر ،ول
في تذمر ،ول في شك .
ولكن ينتظر الرب ،وقد تشدد قلبه ،هو قوي القلب في الداخل ،
قوى باليمان إن الرب يعمل ،ل أقول أن الرب سيعمل ،فهذا
مستوى ضعيف .وإنما أقول أن النسان يكون عنده رجاء أن الرب
يعمل فعل ً .
أنت ل تؤمن أن الله سيعمل في المستقبل ،وإنما ينبغي أن تؤمن
ان الله يعمل حاليا ً .ولذلك يكون عندك رجاء ،فيما ل تراه من عمل
الله ،ولكن توقن تماما ً وتثق أن الله يعمل .إن الطائرة قد تبدو لمن
يستخدمها لول مرة انها واقفة في الجو ،بينما تكون في سرعة
أكثر من ثمانمائة كيلو مترا في الساعه ،ولكنها تبدو واقفه ! وبعض
المراوح الشديده الحركة تبدو متوقفة ،وهي تكون في اقوي درجة
من السرعة ،وكذلك الكثير من الجهزة .
*******
الله يعمل ،أنت ل تببراه يعمببل لكببن تببؤمن بببذلك ،ويكببون لببك رجبباء
بنتيجة عمله التي ستراها بعد حين .
في الضيقات … النسان الذي يرجو الله ينفعه قول المزمور " إن
يحاربني جيش فلن يخاف قلبي ،وأن قام علي قتال ففي هذا أنا
مطمئن ".
ولماذا هو مطمئن ؟ لنه يرجو عمل الله فيه ،ويري كما كان أليشع
يري ،أن هناك جيوش الرب تحارب حول المدينة " وان الذين معنا
اكثر من الذين علينا ") 2مل ( 16 :6ويقول مع المرنم " نجت
أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين ،الفخ أنكسر ونحن نجونا
") مز . (124
*******
النسان الذي عنده رجاء ،ل ينظر إلي الضيقات ،إنما ينظر إلي اللببه
الذي ينتصر علي الضيقات .
الذي قال " أنا قد غلبت العالم " ويظل فيه هذا الرجاء إلي أخر
نسمة ،في كل حين ،في كل حال ،في كل موقف ،الرجاء ل
يفارقة .
وهذا الرجاء ل يعطى النسان سلما ً في القلب ،طمأنينه في
الداخل ،فرحا ً قلبيا ً علي اساس ،ولهذا يقول الرسول في الصحاح
الثاني عشر من رسالته إلي رومية " فرحين في الرجاء ) رو . (12
*******
الرجاء بأن الله ل يعسر امر عليه وأنه قادر علي كل شئ ،الرجاء في
محبة الله وفي مواعيد الله ،الرجاء في الله الذي قال " ل أهملك ول
اتركك " الله الذي قال " ها انا معكم كل اليام وألي أنقضاء الدهر "
الذي قال " نقشتكم علي كفي " الذي قال " إن ابواب الجحيم لن
تقوي عليها ..الرجاء في الله الذي عمل في القديم ،والذي يعمل
كل حين ،الذي نقول له مثلما قالوا في القديم قم أيها الرب الله و
ليتبدد جميع اعدائك ،وليهرب من قدام وجهك كل مبغضى اسمك
القدوس " .الله الذي غلب العالم ،نرجوه ان يغلب العالم ايضا ً مرة
اخري ،يغلب اللحاد الذي في العالم يغلب الباحية و المادية ،ويغلب
الحقد و الكراهية التي في العالم و يغلب النقسام و التفكك الذي
في العالم ويغلب العنف واستخدامة الذي في العالم .
*******
هذا هو الله الذي نرجوه الذي يعيد الرض إلي صورتها الولي .
وأيضا ً الله الذي يقف إلي جوار اولده باستمرار ،الذي رآه يوحنا في
رؤياه وهو " في وسط المنائر السبع ،وفي يمينه ملئكة الكنائس
السبع ") رؤ . (20 :1
فالله ما يزال وسط أولده ،وفي يمينه رعاه الكنائس وقادتها ،وهو
يقول لنا اغنيته الجميله " ل يخطف احد من يد أبي شيئا ً ") يو :1
. ( 29
*******
لنا رجاء في الله الذي قال عنه يوحنا الحبيب في رؤيا :
" أبصرت وإذا باب مفتوح في السماء ") رؤ .(1 :4
ً ً
فالنسان الذي يعيش في الرجاء باستمرار ينظر بابا مفتوحا في
السماء ويري الله واقفا ً في هذا البابا يقول إنه يفتح ول احد يغلق
")رؤ . (7 :3
*******
الله الذي يسعي لخلصنا دون ان نسعي نحن ،والذي يحبنا اكثر مما
نعرف الخير لنفسنا الله ضابط الكل الذي يقود الكون كله و الذي
حياة العالم كله في يدية .هو يدبر المور حسب حكمته التي ل تحد ،
نحن نرجوا هذا الله ،ونحن نغني مع الرسول قائلين :
*******
" كل الشياء تعمل معا ً للخير للذين يحبون الله ") رؤ . (28 :8
ونقصد الخير بالمقاييس اللهية وليس الخير بمفاهيمنا البشرية .
الله هذا صانع الخيرات ،هو الذي نرجوه .وهو الذي نعلق كل رجائنا
عليه .وهو الذي نقول له في بعض الصلوات القداس اللهي "
يارجاء من ليس له رجاء .معين من ليس له معين " .ونقول في
المزمور "التكال علي الرب خير من التكال علي البشر ،الرجاء ،
بالرب خير من الرجاء بالرؤساء ") مز . ( 118
*******
الرجاء في مواعيد الله الصادقة و الرجاء في الحياة البدية الجميلة ،
في القيامة السعيدة ،الرجاء الذي نعلقة ل في امور العالم ،وإنما
في ذلك الوطن السماوي " ،المدين التي لها الساسات التي صنعها
وبارئها الرب " ) عب . (11
ً
اليمان في حياة أخري جديدة ل تعرف خطية ،ول تعرف أثما ،
اليمان في التجديد العجيب الذي نناله في السماء ،حيث ترجع الينا
الصورة اللهية الولى ،وفي وضع ل يخطئ فيما بعد ،الرجاء في
الحرية التي ننالها من الرب ،بحيث تكون حرية تفعل الخير فقط ،
ول تعود تعرف الخطية بعد ،اليمان بملكوت الله الذي نعيش فيه في
ذلك البد ،ونعد انفسنا له من الن .هذا هو الرجاء الحقيقي الذى
نرجوا فيه ما ل يرى .لن الشياء التي ترى تدخل في العيان ،وليس
الرجاء .غنما نحن نرجو ما ننظره بالصبر ،وليس ما نراه كما يقول
الرسول " هذا الرجاء المفروض ان ندعو الجميع إليه ".
*******
المفروض أن نقول لكل احد :إن كل باب مغلق له ألف مفتاح ،والله
يستطيع أن يفتح جميع البواب المغلقة ونقول له أن كل ظلمه لبد
بعدها نور ،وكل مشكلة لها حل أو عشرات الحلول وكل ضيقة لها
إله هو إلهنا الصالح الذي يخرج من الجافى حلوة ،ومن الكل آكل ً .
و الذي يحول كل المور إلي الخير ،كل المور التي نمر بنا في
حياتنا إن كانت خيرا ً ستصل إلينا صانع الخيرات يحول الشر إلي الخير
.
*******
لذلك نحن نعيش في الرجاء فرحين باستمرار يمل قلوبنا ،لننا ل
نعتمد علي ذواتنا ول علي وسائط عالمية ،إنما نعتمد علي الله الذي
يعمل كل خير في هذا الرجاء أحب أن نعيش جميعا ً ،ككنيسة ترجوا
ملكوت الله وتنتظره ،وترجو عمل الله فيها كل حين ،ونؤمن
بعمله ،وكعالم واسع الرخاء في كل قاراته ،يرجو من الله ان يسود
السلم في كل مكان و يسود الخير في كل مكان ، ،ويرجع الحب
إلي قلوب الناس جميعا ً ،فيرتبطون به ،ويعيشون به وكما قال
المسيح " بهذا يعرف الناس أنكم تلميذى إن كان لكم حب بعضكم
نحو بعض ".
هذا الرجاء إن لم يكن فينا فلنطلبة كعطية مجانية من الله ،الذي
يمل القلوب بسلمه وبرجائه .له المجد الدائم من الن وغلي البد
آمين …
*******
حياة الرجاء يلزمها الثقة في الله ،و الثقة في مواعيده ،وفي عمله
وفي محبتة لك وللكل ،وفي حكمة تدبيرة .لكي يمتلئ قلبك بالرجاء
،ينبغى أن تثق بإن الله يحبك أكثر مما تحب نفسك وانه تعرف ما هو
الخير لك اكثر مما تعرف أنت بما ل يقاس .وأن كل تدابير الله من
جهتك هي في عمق الحكمة و الخير ،مهما غير ذلك من خلل
الشك ..
*******
ولبد أنك تعلم انك في يد الله وحده ،و لست في يد الناس ول في
أيدى التجارب و الحداث ،ول في ايدى الشياطين …
أنت في يد الله وحده .و الله قد نقشك علي كفه ) إش . (16 :49
وقد يظلل عليك بجناحيه )مز ( 90ويحرسك الليل و النهار ،ويحفظ
دخولك وخروجك ) مز . ( 120ومن محبته لك ،دعاك أبنا ً له) 1يو : 3
. (1وهو الراعي الذى يرعاك فل يعوزك شئ ) مز . (1 :23نحن كلنا
شعبه وغنم رعيته .ول يمكن لله كراع صالح أن يغفل عن غنمه .ول
يمكن له كأب أن يغفل عن اولده .
*******
أما ان كان لديك مشكلة ،فيريحك جدا ً أن تنتظر الرب .ولبد أنه
سينقذك منها .فهذه نصيحة مباركة يقدمها لنا أحد مزامير صله باكر
،يقول فيها المرتل : :
" انتظر الرب .تقو و ليتشدد قلبك ،وانتظر الرب ") مز . ( [27] 26
و النصيحة التي يقدمها لنا هذا المزمور ،ليس مجرد أن ننتظر
الرب ،وإنما أن ننتظره في قوة ،ونحن متشدون في الداخل … ل
ننتظر الرب في ضيقة ،أو في ضجر و تذمر واحتجاج :لماذا لم يعمل
الرب حتى الن ؟ أين محبته ؟ أين عمله ؟! ول ننتظر ونحن نشك في
عمل الله ،أو نشك في قيمه الصلة و فاعليتها !! ول ننتظر الرب
في ضعف داخلى ،وفي انهيار ،وقد فقدنا معنوياتنا !! كل ،فكل
هذه المشاعر ضد فضيلة الرجاء … فالنسان المضطرب أو اليائس
أو الخائف أو المنهار ،يدل علي انه فاقد الرجاء … لن الذي ينتظر
الرب في رجاء ،إنما يمنحه الرجاء قوة .وكما قال إشعياء النبى " :
واما منتظرو الرب ،فيجددون قوة .يرفعون اجنحة كالنسور .
يركضون ول يتعبون .ويمشون ول يعيون ") إش ( 31 :40فما معني
عبارة " يجددون قوة " ؟ معناها أنه كلما حاربهم الشيطان بالقلق أو
بالضعف و الضطراب ،تتجدد القوة فيهم من تذكرهم لمواعيد الله
الصادقة ،وصفاته اللهية المحبوبة باعتبارة الب و الراعي و الحافظ
والسائر و المعين … الله الحنون ،المحب ،صانع الخيرات ،الذي ل
يغفل ول ينام … فكلما يتذكرون صفه من هذه الصفات تتجدد
القوة فيهم ،ويرفعون أجنحة كالنسور .
إن منتظر الرب يثق ثقة ل تحد بمحبة الله الفائقة للبشر ،وبحكمة
الله التي هي فوق ادراكنا البشري …
*******
يثق أن الله يعطينا باستمرار دون ان نطلب ،وقبل أن نطلب .فكم
بالحرى إن طلبنا … وهو يثق ايضا ً أن الله يعطينا ما ينفعنا ،وليس
حرفية ما نطلبه .لنه ربما تكون بعض طلباتنا غير نافعة لنا … وهنا
تظهر حكمة الله في محبته …
لذلك في حياة الرجاء ،لبد أن تثق بحكمة الله في تدبيرة
ل تطلب وتصر .أنما أطلب وقل :لتكن مشيئتك … وحينما تقول " :
لتكن مشيئتك " ليكن ذلك بفرح ،بغير ألم ول حزن .
*******
هناك أمور كثيرة ل تدريها .وهي معروفه ومكشوفة أمام الله .
ربما الذي تطلبة ،ل يكون مناسبا ً لك ول نافعا ً لك .وربما الوقت
الذي تحدده ،يعرف الله تماما ً أنه غير صالح ،ويري أن تأجيل
الستجابة أفضل … لذلك تواضع ،وأترك الحكمه الله أن تتصرف .
وانتظر الرب في ثقة …
أليس من المخجل أننا نثق بذكائنا وفطنتنا أكثر مما نثق بالله !
إننا نضع حلول ً للمور ،وأثقين أنها أفضل الحلول ،أو انها الوحيدة
النافعة .وربما يكون في ذهن الله حل آخر لم يخطر لنا علي بال ،
هو أفضل بما ل يقاس من كل تفكيرنا .ليتنا إذن نثق بالله …
وننتظر حله في رجاء .
*******
وكما نثق بمحبة الله وحكمته ،نثق بمحبة الله وحكمته ،نثق أيضا ً
بمواعيده المليئة بالرجاء ….
نثق بموعده الصادق " ها أنا معكم كل اليام وإلي إنقضاء الدهر
") متي . (20 :28نثق بقوله " ل تخف لني معك " ) تك " (24 : 26
ل أهملك ول اتركك .تشدد وتشجع " " ل يقف إنسان في وجهك كل
أيام حياتك ") يش " (6 ،5 :1تشدد وتشجع .ل ترهب و ل ترتعب ،
لن الرب إلهك معك حيثما تذهب " ) يش " ( 9 : 1ل تخف أيها
القطيع الصغير " ) لو … " (32 : 12أنا معك ،ول تقطع بك احد
ليؤذيك " ) أع " ( 10 : 18يحاربونك ول يقدرون عليك ،لني ان معك
– يقول الرب – لنقذك " ) أر .( 19 : 1
وما اكثر عبارات الرجاء التي تحفل بها المزامير …
ليتك تجمع هذه اليات وتقرآها أو تتذكرها كلما كنت في حاجة إلي
الرجاء في حياتك .يكفي أن تسترجع مثل ً مزمور ( 91 ) 90أو 120
) ( 121حيث يقول لك الوحى اللهي " :يسقط عن يسارك ألوف،
وعن يمينك ربوات واما انت فل يقتربون إليك .بل بعينيك تتأمل ،
ومجازاة الخطاة تبصر ") لنه يوصى ملئكته بل ليحفظوك في سائر
طرقك …" " تطأ الفعي وملك الحيات ،وتسحق السد و التنين ،لنه
علي اتكل انجية .أستره لنه عرف اسمي " ) مز " (90ل يسلم
رجلك للزلل … الرب يحفظك " " الرب يحفظك من كل سوء .الرب
يحفظ نفسك .الرب يحفظ دخولك وخروجك ") مز ( 120
كلها آيات تبعث الرجاء في النفس ،وتقوي القلب في الداخل
*******
ويزيد الرجاء فيك أيضا ً ،تذكرك معاملت الله لقديسيه … إن تذكرت
كل هذا ،يمتلئ قلبك بالرجاء ،وتنتظر الرب في ثقة .
من محاضرة ألقيت في الكاتدرائية يوم الجمعة 20/2/76
إنسان يقسو عليه اخوته ،ويلقونه في بئر ،ثم يبيعونه كعبد لتجار
من السماعيليين .وبعد أن يخلص لسيدة كل الخلص ،وينجح في
عمله جدا ً ،تلفق ضده تهمة رديئة من امرأة سيدة ،ويلقي في
السجن .وتطول به اليام في سجنه …
ولكن كل هذه المور ،كانت تعمل للخير .
فلول التهمه التي أوصلته إلي السجن ،ما كان خبرة يصل إلي
فرعون فيجعله وزيره الول و الثاني في المملكة .
وطبعا ً لول قسوة اخوته ،ما كان قد بيع إلي بيت فوطيفار .ولول
أن أمرأة فوطيفار كانت خاطئة ،ما كانت تشتهيه ،ثم تلفق له
التهمة التي اوصلته إلي السجن . .ولول سجنه ما كان قد تعرف
علي رئيس سقاه فرعون الذي أخبر فرعون الذي أخبر فرعون الذي
اخبر فرعون بقدرته علي تفسير الحلم ،فاستدعاه فرعون .وخرج
من السجن إلي المملكه ) تك . ( 41 -39
*******
وبدون كل هذا ،ما كان اخوته قد تابوا ،وبكوا ،واعترافوا بخطيئتهم
،وعادت المحبة إلي السرة ،ونجوا من المجاعة ،واجتمعوا كلهم
في مصر …
المشكلة ان الناس تحصرهم المشكله ،ول يكون لهم الرجاء في أنها
ستؤول إلي الخير .يقفون عند البداية التي تبدو سيئة أو مؤلمه ،ول
يتابعون العمل اللهي ،الذي يحول الشر إلي خير ،والذي يخرج من
الجافى حلوة ) قض . (14 : 14ل شك أن قصة يوسف الصديق ، ،
هي درس في الرجاء ،وفي أن كل الشياء تعمل معا ً للخير .
نتدرج إلي نقطة أخري تبدو غريبة و عجيبة ،وهي :
المرض آفة يحاربها الناس و يهربون منها إلي الطب و الدواء ..و مع
ذلك فإن المراض " تعمل معا ً للخير ،للذين يحبون الرب ") رو : 8
… ( 28
أمراض كثيرة قادت إلي التوبة ،وفعلت ما لم تفعلببه أعمببق العظببات
…
وبخاصة المراض الخطيرة و المؤلمه … كم قد أدخلت كثيرين في
عهود مع الله ،وفي نذور قدموها إلي الله ،وفي حياة جديدة مع
الله ،أو ادخلتهم في توبه و استعداد للموت … وهكذا كانت تعمل
معا ً للخير .
*******
وأمراض قادت الناس إلي الصلة و إلي الصوم .
وإلي زيارة الماكن المقدسة ، ،و التشفع بالملئكة و القديسين ،
وإلي إقامه القداسات ،و القيام بأعمال الرحمه نحو الفقراء و
المساكين .
وهكذا كما استفادة المريض نفسه أقترابا ً إلي الله ،استفاد ايضا ً
اقاربة ومحبوه فوائد روحية عديدة …
بل المراض كانت نافعة للقديسين ،لشعارهم بضعفهم ومنع المجببد
الباطل عنهم .
وفي ذلك يقول القديس الرسول " ولكي ل ارتفع بفرط العلنات ،
أعطيت شوكة في الجسد .ملك الشيطان ليلطمني لئل أرتفع ") 2
كو . (7 : 12
وقد صلى بولس ثلث مرات ،ليشفيه الله من ذلك المرض .ولكن
الله قال له " تكفيك نعمتي " .واستبقي مع بولس هذه الشوكة التي
في الجسد ، ،لنه – تبارك اسمه – كان يعرف كم تعمل مع قديسه
للخير ،وكم تجلب له من اتضاع قلب …
وقصة القديس بولس مع المرض ،تذكرنا بيعقوب أبي الباء .
لقد صارع مع الله وغلب ) تك ، ( 28 : 32ونال البركة .ومع ذلك
ضرب الله حق فخذه فانخلع ز وظل يخمع علي فخذه ) تك ، 27 : 32
. ( 31وبقي هذا المرض معه ،كعطية من الله ،يعمل معه للخير ،
ويهبه التضاع إذ يشعر بضعفه ،لئل يرتفع قلبه بسبب أنه نال البركة
،وأنه صارع مع الله وغلب ….
لعل إنسانا ً يسأل :لماذا هذه التجربة تحل علي إنسان قديس ،شهد
له الله مرتين بأنه " رجل كامل ومستقيم ،وليس مثله في الرض "
) أي )( 8 : 1أي … (3 :2
و الحقيقية أن هذه التجربة كانت للخير من عدة نواح :
كانت التجربة لخير أيوب ،أوصلته إلي التضاع .
كان محاربا ً بشئ من المجد الباطل … كان بارا ً ،ويعرف عن نفسه
أنه بار .ولهذا قال " لبست البر فكساني .كجبة وعمامة كان عدلي
" ) أي . (9 : 29وقيل عنه أنه " كان بارا ً في عيني نفسه " ) أي
… ( 1 : 32فكانت التجربة لزمة له ،لتعمل معه للخير ، ،توصله إلي
إنسحاق القلب ،وإلي معرفة الله .ولما وصل إلي عبارة " أندم في
التراب و الرماد ") أي .. (6 :42رفع الله عند التجربة * وكانت
التجربة نافعه لصحاب أيوب الثلثة :
ذلك لنهم كانوا " معزين متعبين ") أي . ( 2 :16وقد استذنبوا أيوب
وأساءوا إليه ) أي . (3 : 32وحتي من جهة الله ،لم يتكلموا عنه
بالصواب ) أي . (8 : 42فكانت التجربة لزمه لهم ، ،لتصحيح
مفاهيمهم الروحية . .وقد قادتهم إلي التوبة " واصعدوا محرقات
لجل انفسهم " ) أي . (7 :42
*******
• وكانت التجربة نافعه للعالم كله .
تلقي بها العالم درسا ً في الصبر ،كما قال القديس يعقوب الرسول
" خذوا يا اخوتي مثال ً لحتمال المشقات والناه … ها نحن نطوب
الصابرين .قد سمعتم بصبر ايوب ،ورأيتم عاقبة الرب ) "..يع :5
. (11 ،10
*******
• وحتي تجربة أيوب ،من الناحيتين العائلية و المادية ،كانت
نافعة له .فقد " زاد الرب علي كل ما كان ليوب ضعفا ً … وبارك
الرب آخرة أيوب أكثر من أوله " ) أي . (12 ، 10 : 42اعطاه
الرب ضعف ما كان له من الخيرات المادية .ووهبة الرب بنين و
بنات " ولم توجد نساء جميلت ،كبنات أيوب في كل الرض ") أي
. ( 15 : 42ووهب الرب أيوب عمرا ً طويل ً " ،فعاش بعد التجربة
140سنة ،ورأي بنيه وبني بنيه إلي أربعة أجيال "….
• وهكذا كانت التجربة لخيره ،لما احتملها .
• وكانت تجربة أيوب خجل ً للشيطان .
• أو كانت هزيمة جديدة له ،لن الشيطان قد ل يخجل من
أخطائة .لذلك نقول كانت هذه التجربة سبب خزي له .فتعبير "
خزي " أكثر موافقه للمعني … .وهكذا كانت تجربة تعمل معا ً للخير
لكل الطراف …
*******
يخاف البعض من التجارب ،وقد يضطرب لها .بينما يقول الرسول :
" احسبوه كل فرح يا أخوتي ،حينما تقعون في تجارب متنوعة " ) يع
.(2:1
المسألة تحتاج إلي ثقة في عمل الله معنا أثناء التجربة ،وكيف
يجعلها تؤول إلي خيرنا .وهنا نري القديس يعقوب الرسول ،ل
يدعونا فقط إلي الحتمال و الصبر ،وإنما بالكثر يدعونا إلي الفرح
بالتجارب .
وهكذا ندخل في حياة الفرح الدائم .في .في النعمة نفرح ،وفي
التجربة أيضا ً نفرح .ونقول :
المر الذي يختاره الرب لي ،خير من الشهد الذي اختاره لنفسى …
نقول كل طرقك يارب ،بحكمة قد صنعتها … كله للخير …
*******
هيرودس أراد ان يقتل المسيح وهو طفل ،فصار هذا خير لمصر
جاءها المسيح .
بارك الرب أرض مصر ،وصارت لنا مقادس فيها .وسقطت كثير من
الصنام ) اش (22-19 :19وكانوا حينما يطردون العائلة المقدسة
من بلد بسبب سقوط الصنام ،تذهب إلي بلد مصرى آخر .فكثرت
البلد التي تقدست بزيارة العائلة المقدسة لمصرنا ،وصار ذلك
تمهيدا ً ل نتشارك اليمان المسيحي فيها …
بتذكرنا لكل هذا ،نسعد بكل ما يحدث لنا ،مؤمنين أنه :
إن لم يكن المر خيرا ً في ذاته
فلبد سيكون خيرا ً في نتيجته
*******
خذوا كمثال :متاعب داود من شاول الملك .
لقد طارده من مدينة إلي مدينه ،ومن برية إلي أخرى .وعاش بسببه
هاربا ً في البرارى و القفار ،يترصده الموت في كل خطوة .و لكن
كل ذلك التعب أعده لتحمل مسئوليات الملك فيما بعد .إذ نضج داود
سنا ً وشخصية .وصار جبار بأس ،كثير الحتمال .يعرف كيف ينتظر
الرب بإيمان و يؤمن بتدخله .
و الضيقات التي أحتملها ،صارت نبعا ً لمزاميره .
يغنيها علي العود و القيثار والمزمار .وصارت ينبوعا ً لتأملت روحية
وصلوات عميقة ،تصليها الجيال من بعده . .وتري فيها كيف يختلط
الطلب بالشكر باليمان … واعطانا ً أسلوبا ً نصلي به ونحن في
وقت أللم و الضيقة .وصار داود رجل صلة ،صقلته التجارب ،
وصاحب خبرة بالعشرة مع الله .
ولو عاش داود مدلل ً ،ترى ماذا كانت شخصيته ستكون ؟!
*******
الضيقات لو لم تنته إلي خير علي الرض ،فعلى القل ستعد لنا
أكاليل يهبها لنا في ذلك اليوم الديان العادل .
*******
إن الضيقات هي مدرسة للصلة .
ربما حياة التنعم تبعدنا عن الله .أما حياة اللم فإنها تقربنا إليه .
فتصير صلواتنا أعمق وأكثر ،وتصير أصوامنا أكثر روحانية .كما
نقترب إلي الله بالتوبة و المصالحة معه ،فنرجع إليه .إن الضيقة
التي وقع فيها اخوه يوسف ،جعلتهم يتذكرون خطيئتهم إليه "
وقالوا بعضهم لبعض :حقا ً إننا مذنبون إلي أخينا ،الذي رأينا ضيقة
نفسه لما استرحمنا ولم نسمع له .لذلك جاءت علينا هذه الضيقة …
فهوذا دمه يطلب ) منا ( " ) تك . (22 ، 21 : 42
*******
حتي سقوط الناس في الخطية كان يؤول بالتوبه إلي خير
عاش أوغسطينوس في الخطية زمنا ً طويل ً ،بكت عليه فيه امه
القديسة مونيكا …
ثم تاب أغسطينوس ،وكان من نتائج حياته الولي كتابة الرائع عن
اعترافاته ،وهو كنز روحي ،وسبب منفعة روحية للمليين ،يعرفنا
كيف يعترف النسان علنا ً ،ويعترف حتي بخطاياه وهو طفل رضيع
…
*******
و بالمثل يمكن أن نتحدث عن خطية داود النبي .
كيف أوصلته الخطية إلي حاله عجيبة من أنسحاق النفس ،قال فيها
" ابلل في كل ليله سريرى .بدموعى أبل فراشى ") مز . (50وكيف
اعترف إلي الرب قائل ً " لك وحدك أخطأت ،والشر قدامك صنعت …
قلبا ً نقيا ً أخلق في يا الله وروحا ً مستقيما ً جدده في أحشائي "… إلي
ما حواه المزمور الخمسون ،مزمور التوبة وما حوته باقي مزاميره
من مشاعر النسحاق … كان ملكا ً عظيما ً ،محترما ً ومبجل ً من الكل .
ولكن الخطية أذلته ،فقال :
" خير لي يارب أنك أذللتني ،حتي أتعلم وصاياك ") مز .( 119
وحينما اهانه شمعي بن جيرا إهانة مؤلمه ،وهو هارب من أبشالوم ،
لم يمسح لنصاره أن ينتقموا من هذا النسان ،بل قال في اتضاع "
دعوة يسب .لن الرب قال له :سب داود … لعل الرب ينظر إلي
مذلته ") 2صم . ( 10 : 16
*******
و بالمثل ما استفاده خاطئ كورنثوس من خطيئته و عقوبته .
كم أوجد فيه ذلك من الحزن و البكاء ،حتي ان القديس بولس
الرسول في رسالته الثانية إلي أهل كورنثوس ،امرهم ان يمنكوا له
المحبة " لئل يبتلع مثل هذا من الحزن المفروض " ) 2كو … (7 : 52
وكان دسا ً للمدينه كلها في أن " يعزلوا الخبيث من وسطهم ") 1كو
. (13 :5
*******
سقوط إنسان في خطية ،تدعوه إلي الشفقة علي الذين
يسقطون .
لنه قد أدرك بالخبرة ،قوة حروب الشياطين وسهوله السقوط في
الخطية التي " طرحت كثيرين جرحي ،وكل قتلها أقوياء ") أم :7
. (26و لذلك يقول القديس بولس " اذكروا المقيدين كأنكم مقيدون
معهم ،والمذلين كأنكم أنتم أيضا ً في الجسد " ) عب . (3 :13
*******
و السقوط أيضا ً يكشف للنسان ذاته و ضعفه .
وهذا يؤول إلي الخير ،إذ يجعله يكون أكثر حرصا ً وتدقيقا ً في
المستقبل ،ويبعد عن التهاون .كما أن اكتشاف ضعفه يعطية فرصه
للرد علي كل فكر كبرياء أو افتخار يحاربة فيما بعد .
*******
لذلك عيشوا باستمرار في بشاشة وفرح
" أفرحوا في الرب كل حين " ) في . (4:4في كل ما يحدث لكم
قولوا :أننا تحت رعاية الله محب البشر ،الله الذي يحبنا أكثر مما
نحب أنفسنا ،والذي يعرف خيرنا أكثر مما نعرفه … الله الذي يسخر
جميع المور لكي تعمل من أجل خيرنا … الذي جعل قوانين الطبيعه
تعمل معا ً للخير ،و الذي خلق الحيوانات و الطيور و النباتات أيضا ً
لجل خيرنا .وخلق الهواء و الشمس و القمر و النجوم من اجلنا …
كلها تعمل معا ً للخير ،من أجل راحتنا و سعادتنا .
*******
ً
فلنشكر الله الذي جعل كل الشياء تعمل معا للخير ،لجلنا .
الله صانع الخيرات ،الذي قيل عن ملئكته " أليسوا جميعا ً أرواحا ً
خادمه ،مرسلة للخدمة لجل العتيدين أن يرثوا الخلص " ) عب :1
. (14ولجلنا أيضا ً عين الرب رتبا ً في الكنيسة " أعطي البعض أن
يكونوا رسل ً ،والبعض أنبياء ،والبعض مبشرين ،و البعض رعاة و
معلمين .لجل تكميل القديسين ،لعل الخدمه ،لبنيان جسد المسيح
" ) أف . ( 12 ،11 :4
*******
عش سعيدا ً مهما حدث لك .قل :كله للخير .
بهذا يكون إنسان الله خاليا ً من كل المراض النفسية .خاليا ً من
الكآبة ،والضطراب ،و الحزن السئ ،والتعقيد و اليأس ..بل
باستمرار يملك السلم علي قلبه ..السلم القائم علي اليمان بالله
وعمله …
*******
ولكن كل ذلك علي شروط واضح في الية ،وهو " كل الشياء تعمل
معا ً للخير ،للذين يحبون الرب " ) رو . (28 :8
إذن الشرط هو :أن تكون ممن يحبون الرب .
لن هناك أناسا ً ل تعمل الضيقات معهم للخير :بل ربما الضيقة
تسبب له ألوانا ً من التذمر و التعب و التجديف و اليأس .
هناك اناس ل يحبون الرب المحبة التي تجعلهم يثقون به وبمواعيده
و بتدخله و بحلوله .ليس لديهم اليمان الكافي ،لذلك تعصرهم
الضيقة ،و تجعل نفوسهم متأزمة معقده ،تعيش في رعب
المشكلة ،وليس في حلها .
*******
ليتنا بدل ً من أن ننظر إلي الحاضر المتعب الذي امامنببا ،ننظببر بعيببن
الرجاء إلي المستقبل المبهج الذى في يد الله
*******
كل مشكله تبدو معقده أمامنا ،لها عند الله حلول كثيرة .وكببل ببباب
مغلق ،له في يد الله مفتاح بل مفاتيح عديدة … هو الذي يفتببح
ول أحد يغلق ) رؤ . (3:7
*******
الرجاء يمنع الخوف ،ويمنع القلق و الضطراب ،و يبعث الطمئنان .
بل أننا نكون " فرحين في الرجاء " ) رو . (12 :12
*******
ل ننظر إلي المتاعب مجردة ،بدون عمل الله ،الذي يقببدر أن يحببول
الشر إلي خير …
*******
الله قادر ان يحول كل مجريات المور ،في اتجاه مشيئته .
*******
الذي ل يستطيعه الضعف البشري ،تقدر عليببه قببوة اللببه .و الببذي ل
تستطيعه حكمه الناس ،تقدرون عليه حكمه الله .
*******
ثق أنك ليست وحدك .انت محاط بمعونة إلهية .
وقوات سمائية تحيط بك ،وقديسون يشفعون فيك .
من محاضرة ألقيت في الكاتدرائية يوم الربعاء . 86 /15/10
كل إنسان في الدنيا له متاعبه الخاصة ،
سواء كانت متاعب ظاهرة للخرين ،أو مكتومة في القلب ،سواء
كانت متاعب روحية ،أو متاعب نفسية ،أو متاعب جسدية ،أو
متاعب عائلية اجتماعية .
والسيد المسيح قد جاء من أجلي التعابي .
جاء " يطلب ويخلص ما قد هلك " ) متي . ( 11 : 18جاء ليخلص
العالم من خطيئته كما قال اشعياء النبي " كلنا كغنم ضللنا .ملنا كل
واحد إلي طريقه و الرب وضع عليه إثم جميعنا ") اش ( 6 : 53
وأيضا ً جاء المسيح ليخلص العالم من آلمه ومتاعبه ،ولذا قال نفس
النبي " لكن أحزاننا حملها ،وأوجاعنا تحملها ) اش . ( 4 : 53وهو
أيضا ً قال " تعالوا إلي يا جميع المتعبين و الثقيلي الحمال ،وأنا
أريحكم " ) متي . ( 28 : 11
لماذا قال " يا ثقيلي الحمال ؟" ربما لن الذي حمله خفيف يحتمل ويسكت .أما
الذي حمله ثقيل ،فليس أمامه إل أن يقول :يارب ...
ً
المفروض أن نلجأ إلي الرب ،سواء كان الحمل ثقيل ً أو خفيفا .
ولكن علي القل إذا كان النسان مضغوطا ً جدا ً من ثقل أحماله ،
فلن يجد أمامه سوي وعد الرب بأن يريحه .
تعالوا ...وأنا أريحكم .إنها دعوة ووعد .
دعوة من الله ،ووعد إلي عالم تعبان ،مثقل بمشاكل من كل نوع :
مشاكل النشقاقات و الحروب ،ومشاكل السكان و التموين ،
ومشاكل الزواج و الطلق ،ومشاكل التطرف والرهاب ،ومشاكل
الفساد والدمان .وفي كل هذه المشاكل ،يقول الرب تعالوا إلي يا
جميع المتعبين ...وأنا أريحكم .
*******
وهنا نجد صفة جميلة من صفات الرب ،وهو أنه مريح .
مريح التعابي و الثقيلي الحمال ،كثيرون في متاعبهم يجلسون مع
آخرين فيزيدونهم تعبا ً علي تعبهم .وقد يلجأون إلي البعض ،فل
يجدون منهم سوي الهمال واللمبالة .لكن المسيح المريح ،كل من
يلجأ إليه تستريح .إنه دائما ً يعطي .يعطي الناس راحة وهدوا ً وعزاءا ً
،وسلما ً وطمأنينة في الداخل .ويرفع عن الناس أثقالهم ،ويحملها
بدل ً عنهم ويريحهم .وهكذا يفعل من لهم صورة الله ...
قال الرب :أدعني في يوم الضيق ،أنقذك فتمجدني ) مز .( 15 : 50
البعض إذا أصابته ضيقة ،يظل يغلي باللم و الحزن داخل نفسه .
أفكاره تتعبه ،ونفسيته تتعبه ،وربما اليأس يتعبه .وربما ل يجد
أمامه سوي الشكوى أو التذمر أو البكاء .وفي كل ذلك ل يفكر أن
يلجأ إلي الله ،ول أن يضع أمامه قول المزمور :
" إلقي علي الرب همك .وهو يعولك ") مز . ( 252 : 55
تعال إذن وكلم الرب عن متاعبك بكل صراحة ،سواء كانت تتعبك
معاملة الخرين أو ضغوطهم .أو ظلمهم أو قسوتهم ...أو كانت
تتعبك شكوك أو أفكار ،أو خطايا ،أو عادات مسيطرة عليك ،وتأكد
أن الرب يعرف متاعبك أكثر مما تعرفها أنت ويريد أن يخلصك منها
جميعًا .فاطلبه في رجاء وثقة ،واضعا ً أمامك قول المزمور :
" يستجيب لك الرب في يوم شدتك .ينصرك إسم إله يعقوب " )مز ( 1 : 20
وثق أن الكنيسة أيضا ً تصلي من أجلك ،حينما تقول في آخر صلة
الشكر " كل حسد وكل تجربة ،وكل فعل الشيطان ،ومؤامرة الناس
الشرار ،وقيام العداء الخفيين و الظاهرين انزعها عنا وعن سائر
شعبك " ...كذلك تذكر كل متاعبك في صلوات القداس اللهي .
*******
تأكد أيضا أن الضيقات ليست لونا ً من التخلي .
فالله سمح أن رسله وقديسيه تصيبهم الشدائد ،ولكنه كان واقفا ً
إلي جوارهم يريحهم . .وهكذا قال القديس بولس الرسول عن
نفسه وعن زملئه في الخدمة " مكتئبين في كل شي ،لزكن غير
متضايقين .متحيرين لكن غير يائيسين ،مضطهدين لكن غير
متروكين 2 ) "...كو . ( 9 ، 8
ً
نعم ،ما أكثر متاعب الناس ...و المسيح مستعد أن يريحهم جميعا .
هناك شخص يتعبه الخرون .وهناك من تتعبه نفسه .كإنسان مغلوب
من شهواته ،أو مغلوب من طباعه ،أو من عاداته .أو تعبان من
أفكاره و ضغطها عليه ويريد أن ينتصر علي نفسه ول تستطيع ...
هذا يستند علي قول الرب " تعالوا إلي يا جميع المتعبين ...وأنا
أريحكم "
وهناك إنسان تتعبه الخطية ول يستطيع فكاكا ً منها ...
كلما يتوب ،يرجع فيخطئ مرة أخري .ومهما اعترف بخطية ،يعود
إليها ويكرر اعترافاته .يضع لنفسه تداريب روحية ،ولكنه ل يثبت
فيها .يحاول أن يغصب نفسه علي حياة البر ،ومع ذلك فل يزال
يحيا في الخطية .خطيته هي هي منذ سنوات ،وطبعه الردئ هو
هو ،ول تحسن ! إنه مغلوب وساقط .تكاد الخطية أن تصبح طبيعة
له .وقد لجأ إلي الباء و المرشدين الروحيين ،وإلي القراءات
وأقوال الباء القديسين وسيرهم ،ول فائدة .هذا النسان ليس
أمامه سوي قول الرب " :تعالوا إلي يا جميع المتعبين و الثقلي
الحمال وأنا أريحكم ".
*******
لماذا تجعل الرب آخر من تلجأ إليه .ابدأ به حتي تصل ول تضل .
هوذا الرب يعاتبنا قائل ً :
ً ً
" تركوني أن ينبوع المياة الحية .وحفروا لنفسهم آبارا ،آبارا مشققة ل تضبط
ماء " ) ار . ( 13 : 2
نعم ،كثيرون يلجأون إلي الباء المشققة ،سواء من جهة الخرين أو
أنفسهم .يقع أحدهم في مشكلة .فيحاول أن يحلها بذكائه الخاص و
تفكيره ،بحيله و تدبيره .أو يلجأ إلي الخرين لكي يسندوه في
مشكلته .ول ينتفع من كل ذلك شيئا ً ،لنه لم يلق همه علي الله
وحده وهو يعوله .لم يطلب المسيح لكي يريحه .إنه يحاول العتماد
علي الذراع البشري ! ويتجاهل قول الرب " تعالوا إلي " ...لذلك
يفشل ويبقي في مشاكله بل حل .آخاب الملك اشتهي شهوة .
أشتهي حقل نابوت اليزرعيلي .ولم يلجأ إلي الله ،بل لجأ إلي
إيزابل ،فضيعته .أسند رأسه المتعبة علي إيزابل فضاع .
كذلك شمشون أسند رأسه المتعبة علي دليل ن فضاع !
ولم يحدث أن أحدا ً منهما وجد حل ً ...كذلك اليهود لما لجأوا إلي
فرعون ،لكي يخفف عنهم تعبهم ،لم يخففه ،بل أزاد أثقالهم ،
قائل ً لهم " :متكاسلون أنتم متكاسلون " ) خر .( 17 : 5ولما لجأ
الشعب إلي رحبعام ليخفف عنهم نير سليمان أبيه ،أجابهم " أبي
أدبكم بالسياط و أنا أؤدبكم بالعقارب ") 1مل . ( 14 : 12
إن الذراع البشري ليس هو الذي ينقذ النسان .إنما الذي ينقذه هو الله .
لذلك إرفع بصرك إلي الله وقل له " كل حملي سألقيه عليك ،ول
أعود أفكر فيه ثانية ،أنت الذي تحله ،لنك أنت حلل المشاكل
وليس غيرك .وكلما ألجأ إلي غير تزداد مشاكلي و تتعقد ...
*******
عجيب أن البعض يحاول مشاكله بخطايا !
هناك أشخاص لم يكن لهم حل سوي الله ز مثال ذلك :الثلثة فتية ،
حينما ألقوا في أتون النار .ويونان النبي حينما كان في جوف
الحوت .ودانيال النبي حينما ألقوه في جب السود .حقا ً من كان
ينقذ كل هؤلء سوي الله وحده ؟ ! الذي أرسل ملكه فسد أفواه
السود ) دا ، ( 22 : 6وأمر الحوت فقذف يونان إلي البر ) يون : 2
. ( 10ولم يسمح للنار أن تؤذي الفتية .
كذلك تدخلت يد الله في المشكلة الريوسية ...
لقد قامت الكنيسة كلها علي أريوس الهرطوقي .حرمه المجمع
المسكوني ،ورد عليه القديس أثناسيوس .ولكنه استمر يشكك
الناس في اليمان ،ويلجأ إلي سلطة المبراطور لحمايته فأمر
بإرجاعه .و التفت الرب إلي الكنيسة قائل ً " :تعالوا إلي وأنا أريحكم
" .وأقيمت الصلوات ،فانسكبت أحشاء أريوس ،ومات ...
كذلك فعل الله مع جيش سنحاريب ،ومع فرسان فرعون .
حزقيا ً الملك مزق ثيابه وتغطي بمسح ،ودخل بيت الرب ،ملقيا همه
ً
عليه فخرج ملك الرب وضرب من جيش أشور 185ألفا ً ) 2مل : 19
. ( 35 ، 1وأغرق الرب فرعون وفرسانه في البحر الحمر .ذلك لن
موسي النبي قال للشعب " قفوا وانظروا خلص الرب ..الرب يقاتل
عنكم وأنتم تصمتون ") خر . ( 14 ، 13 : 14
*******
حقا ً :حينما تفشل جميع الحلول ،يبدو حل الله واضحا ً .و الرب يقاتل عنكم وأنتم
تصمتون .
إنه أمين في قوله " أنا أريحكم " .ما أجمل الترتيلة التي تقول " لما
أكون تعبان أروح لمين غيرك " ...بنفس الوضع أراح الرب الكنيسة
من ديوقلديانوس الذي سفك دماء آلف الشهداء بل دماء مدن
بأسرها ،كشهداء أخميم وشهداء إسنا .وأرواحنا الله من دقلديانوس
،وجاء قسطنطين بمرسوم ميلن للتسامح الديني ...وأرواح الله
الكنيسة من اضطهاد شاول الطرسوسي لها .وحوله بنعمته إلي
أقوي كارز بالمسيحية فصار بولس .ول ننسي أيضا ً كيف أراح الله
داود النبي من شاول الملك الذي كان يطارده من برية إلي أخري ...
*******
إن حلول الله هي أقوي الحلول وانجح الحلول .فعلينا أن نلجأ إليها ونتمسك بها .
يعقوب أبو الباء ،كان خائفا ً من أخية عيسو ،وعاجزا ً عن ملقاته ،
ولكنه عندما تمسك بالرب وقال له " ل أتركك حتي تباركني " ) تك
" ، ( 26 : 32نجني من يد أخي ،من يد عيسو ،لني خائف منه أن
يأتي ويضربني ،الم مع البنين ) تك ... ( 11 : 32حينئذ ركض عيسو
للقائه وعانقه وقبله باكيا ً ) تك 33ك . ( 4
وأنت إن استطعت أن تغلب في صراعك مع الله – كيعقوب – لبد سيريحك من
كل متاعبك .
ً
لقد تعب سمعان بطرس الليل كله ولم يصطد شيئا .ولكنه لما تلقي
مع الرب وعلي كلمته ألقي الشبكة ،حينئذ اصطاد سمكا ً كثيرا ً حتي
كادت الشبكة تتخرق ) لو . ( 6 – 4 : 5و المرأة الخاطئة حينما
أمسكت بقدمي المسيح وبللتهما بدموعها ،أمكنها أن تتخلص من
خطاياها ،وتنال المغفرة .وما كان ممكنا ً ،لول ذهابها إليه .
المهم أن تأتي إلي الله ولكن كيف تأتي ؟.
أن زيارات النعمة ( تمر علي البيوت الجميع ،ولم تغفل أحدا ً ،بل كل
خاطئ كان له نصيب منها …! قيل عنه إنه كان يجول يصنع خيرا ً ) أع
( 38 : 10يفتش عن النفوس الضائعة ،مهما كانت حالتها تدعو إلي
اليأس .وهنا نقول قاعدة هامة وهي :
إن الله ل ييأس مطلقا ً من خلص الناس ،مهما يئسواهم …
الله دائما ً يعمل ،ويعمل مع الكل .ليس فقط مع المريض روحيا ً ،
وإنما حتي مع الميت الذي قد أنتن ) يو ،( 39 : 11حتي مع اللص
في آخر ساعات حياته علي الرض ) لو ، ( 43 : 23حتي مع رئيس
العشارين ،زكا …! ومع السامرية التي عاشت مع خمسة ) أزواج (!!
) يو .( 18 : 4
وهو يبحث عن هذه المرأة الضائعة ،ويجذبها إلي التوبه …
هو الذي ذهب إلي البئر حيث تستقي .وهو الذي دببر المقابله
بحكمته ،ورتب موعد اللقاء .وهو الذي جر الحديث معها ،وكلهما
عن الماء الحي ،وهو الذي فتح الموضوع وشجعها علي العتراف
وهو الذي نطق باعترافاتها الصعبة حتي ل تحرج ،وقبل منها مجرد
الموافقة ولم يبال في كل ذلك بأن اليهود ل يعاملون السامريين
") .ول بأن تلميذه " كانوا يتعجبون من أنه يتكلم مع إمرأة ") يو : 4
. ( 27 ، 9
*******
حقا ً كما قال القديس يوحنا ذهبي الفم عن محبة الله :
إن الله يجول ملتمسا ً لخلصنا ،ولو دمعة تسكبها … يأخذ هل الله – قبل أن
يخطفها شيطان المجد الباطل – ويجعلها سببا ً لخلصك … حقا ً أنه ل
يوجد أحن من قلب الله علينا … أحن منا علي أنفسنا ! إنه هو الذي
قال ":بسطت يدي طول النهار إلي شعب معاند ومقاوم ") رو :10
، 21أش ( 2 : 65حتي إلي هذا الشعب المتمرد السائر وراء أفكاره ،
بسط الله يده ،طالبا ً خلصه …! ولعل هذا يذكرنا بمثل الزارع .
*******
لقد ققبل الرب دموع المرأة الخاطئة ،وقال لها مغفورة لك
خطاياك .وقال للمتكئين إن خطاياها الكثيرة قد غفرت لها لنها
أحبت كثيرا ً .وشرح كيف أنها كانت أفضل من الفرسي …
هذه الدموع أمام الله محت كل الماضي الثيم الذي للمرأة .
لم يذكر لها كل خطاياها القديمة ،أمام هذا النسحاق الحاضر .حقا ً
ما اجمل قول الرب عن خطايانا " ل أعود أذكرها "
إن سفر يونان يعينا مثل جميل ً عن سعي الله لخلص البشر :
ما كان أهل نينوي يفكرون في خلص أنفسهم .وما كان بحارة السفينة التي ركبها
يونان يسعون إلي خلصهم .ول يونان شعر أنه أخطأ وطلب الخلص لنفسه !
ولكن الله بنفسه سعي لخلص كل هؤلء ،وخلصهم …
الله هو الذي بدأ .والمبادرة أتت منه .ثم اتت استجابتهم هم لعمله
اللهي مباشرة من بحارة السفينة وأهل نينوي ،وبعد اقناع وبعد
وقت من جانب يونان النبي …
*******
اجتذب الله أهل السفينه إليه بخطة بارعة …
بالمواج التي لطمت السفينة حتي كادت تنكسر ،وبالخوف الذي
أصاب البحارة حتي صرخ كل واحد إلي إلهه ،وليس إلي الله الواحد ،
ثم بعمل الله في القرعة التي ألقوها ،وأيضا ً باعتراف يونان .ثم
بهدوء البحر بعد القاء يونان ونجحت الخطية اللهية مع البحارة "
فخاف الرجال من الرب خوفا ً عظيما ً ،وذبحوا ذبيحة للرب نذورا ً "
) يون . ( 16 : 1وكان البحارة قد استخدموا أول ً طرقهم البشرية ،
فلم تنجح " إذ طرحوا المتعه التي في السفينة ليخففوا عنهم "
ولكن " البحر كان يزداد هيجانا ً " كذلك فإنهم " جدفوا ليرجعوا
السفينه إلي البر ففلم يستطيعوا " ولو استطاعوا ما خلصوا إيمانيا ً .
ولكن الله تدخل بطريقته التي أمكنها أن تخلصهم من البحر
وتخلصهم من جهة اليمان .ونجحت خطة الله في خلصهم …
*******
واجتذب الرب أهل نينوي ،بالنذار اللهي ،ومناداة يونان .
وما كان أهل نينوي قادرين علي خلص أنفسهم إذ كانوا أمميين
بعيدين عن اليمان ،كما أنهم كانوا جهلة " ل يعرفون يمينهم من
شمالهم ") يون . ( 11 : 4ولكن انذر الله لهم بأن المدينة ستنقلب
وتهلك ،اتي بثماره ،فخافوا وتابوا وصاموا " ورجعوا عن طريقهم
الرديئة ،وقلب الله توبتهم "…
*******
وبقي يونان .وخلصه الله أيضا ً ،علي دفعتين …
في المرة الولي سعي الله لتخليص يونان من عواقب مخالفته
وهروبة .واستخدم لذلك الخطر الذي تهدده في البحر .والذي قالبه
يونان أول ً بلمبالة .وكان نائما ً حتي في الوقت الذي صلي فيه كل
البحارة المميون ،لدرجة أن رئيس النوتية وبخه قائل ً " :ماللك نائما ً
،قم اصرخ إلي إلهك ،عسي أن يفتكر الله فينا فل نهلك ) يون : 1
. ( 6ثم أكمل الله خطته اللهية بإنه " اعد حوتا ً عظيما ً فابتلع يونان
".
*******
وتخلص يونان من عصيانه ،وبقي أن يتخلص من محبته لكرامته
وفعل الله ذلك بالشمس التي ضربت رأس يونان فذبل ،واليقطينة
التي ظللت عليه ،والدودة التي أكلت اليقطينة ،ثم تفهم الله معه .
وهكذا استطاع الله أن يخلص يونان ،كما خلص نينوي وأهل السفينة
.وكان عند هؤلء جميعا ً استجابة لعمل الله فيهم وعمل الله فيههم
وعمله من أجلهم .ولعل هذا يقودنا إلي نقطة وهي :
كثيرا ً ما ينظر البعض إلي حياة القديسين ،وإلي القمم العالية التي
وصلوا إليه في حياة الروح ،وإلي عمق الصلة التي عاشوا فيها مع
الله
وهنا يشعر النسان بصغر نفس ويتساءل :هل يمكن أن أكون مقبول ً أمام الله ،
وأنا في هذا المستوي الضعيف ،وليس لي شئ علي الطلق مما وصل إليه
القديسون ؟!
هل يمكن أن تقبل الله حياتي البسيطة الصغيرة التافهة … التي إذا
قسيت بسير القديسين تكون ل شئ ؟! هنا وأريد أن أحدثكم عن الله
،الذي هو إله الصغار … الله الذي اهتم بالشياء الصغيرة جدا ً ،وجعل
لها قيمة كبيرة قدامه … و الذي قيل عنه لتعزيتنا :
" المقيم المسكين من التراب ،والرافع البائس من المزبلة ،لكي يجلس مع
رؤساء شعبه ") مز .( 8 ، 7 : 113
الله الذي اختار أناسا ً صغارا ً لم تكن لهم قيمة عند الناس ،ولكن الله
كان يعرف قيمتهم ،أو جعل لهم قيمة وامتدت يد الله فرفعتهم .
*******
*******
نجد أن أحب التلميذ إلي المسيح كان يوحنا أصغرهم سنا ً …
وهو الذي جعله الرب أحد العمده الثلثة في رسله ) غل . ( 9 : 2
وأطال عمره أكثر من جميعهم ،وكشف له رؤي السماء ،وجعله
كاتب النجيل المملوء باللهوتيات .ولعل من الصغار الذي أكرمهم
الرب القديس مرقس الرسول الذي كتب أول النجيل .وكان شابا ً
صغيرا ً حدثا ً في فترة كرازة السيد المسيح علي الرض ،وبدأ حياته
خادما ً مع القديس بولس و القديس بطرس .وبولس الرسول اخا
شابا ً صغيرا ً ليخدم معه ،هو تيموثاوس الذي صار أسقفا ً لفسس ،
وقال له " ل يستهين احد بحداثتك ") 1تي . ( 12 : 4
*******
ومن الصغار الذين اختارهم الرب القديس العظيم النبا بيشوي .
أختاره الملك من بين اخوته ليكون نذيرا ً للرب ،وكان انحفهم جسما ً
،واضعفهم وأصغرهم .وعرضت أمه علي الملك أن يختار أحد أخوته
الكبار القوياء ليخدم الرب بقوة .ولكن هذا الصغير النحيف الضعيف
كان هو الذي اختاره الرب ليكون " الرجل الكامل حبيب المسيح الذي
غسل قدمي مخلصنا الصالح "…ل تقل أنا صغير .فعجيب هو الرب
في اختياره للصغار …
ً ً
القديس أثناسيوس الرسولي كان شابا صغيرا في مجمع نيقية .
وكان في هذا المجمع المسكوني العظيم 318من أشهر الباء
الساقفة في العالم المسيحي .ومن حيث الرتبة كان أثناسيوس
مجرد شماس .ومع ذلك وضعه الله في القمة .واعطاه القوة في
النتصار علي أريوس وفي دحض بدعته ،وفي صياغة قانون اليمان
المسيحي .
وصار هذا الشماس الصغير أعظم اللهوتيين في تاريخ الكنيسة …
وفي تاريخ الرهبنة ،من أشهر الصغار العظام القديس تادرس تلميذ النبا
باخوميوس ،والقديس يوحنا القصير ،والنبا ميصائيل السائح .لقد سمح أن
يكون الشاب الصغير تادرس هو المرشد الروحي في كل أديرة
القديس باخوميوس الكبير بل هو الذي أسس كثيرا ً من هذه الديرة ،
وعين المسئولين فيها … كذلك اختار الرب شابا ً صغيرا ً آخر ليكون
المرشد الروحي في برية شيهيت ،ذلك هو القديس يوحنا القصير ،
الذي قيل عنه أن السقيط كله كان معلقا ً باصبعه .وكان الرهبان
يجلسون حوله ويستفيدون من تعليمه … وكان شابا ً حدثا ً ،ولكن له
نعمة أكثر من الشيوخ ! و القديس ميصائيل صار من الباء السواح
وعمره حوالي 17عاما ً وأول دير في برية شهيت " دير البراموس " ،
تسمي باسم قديسين شابين ،هما مكسيموس ودوماديوس … ومن
أشهر السواح القديس النبا ميصائيل الذي وصل إلي درجة السياحة
وهو في حوالي السابعة عشرة من عمره …
*******
إن الله حينما شاء هزيمة جليات ،هزمه بفتي صغير .
فتي ل يعرف أن يلبس ملبس الحرب ،لنه لم يتعود عليها ) 1صم
، ( 39، 38 : 17بل استخدم خمس حصوات ملساء من البرية .وهذا
الصغير مسحه الرب ملكا ً دون أخوته السبعة الكبار ،وهكذا غني داود
أغنيته المشهورة " صغيرا ً كنت في اخوتي ،ومحتقرا ً عند بني أمي
… اخمتي كبار وسمان … ولكن الله لم يسر بهم "…
*******
" انظروا ل تحتقروا أحد هؤلء الصاغر ") متي .( 10 : 18اهتمام الرب بالطفال
واضح جدا ً في الكتاب المقدس ،فهو الذي أقام طفل ً وسط تلميذه
وقال لهم " إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الولد ،فلن تدخلوا ملكوت
الله " ) لو ., ( 17 ، 16 : 18وقال أيضا ً " أحمدك أيها الب … لنك
أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للطفال ") متي 25 : 11
( .وقال " من أعثر أحد هؤلء الصغار المؤمنين بي ،فخير له أن
يعلق في عنقه حجر الرحي ويغرق في لجة البحر " ) متي . ( 6 : 18
أعرف باستمرار ان " الحرب للرب ") ) 1صم ، ( 47 : 17و " ليس
للرب مانع ان يخلص بالكثير أو القليل ") 1صم . ( 6 : 14
*******
ما أعظم المواهب الروحية و الذهنية التي وهبها الله للصغار .
ما أكثر مواهبه للطفال و الفتيان .داود النبي مثل ً :وهبة الشعر و
الموسيقي .فكان رجل القيثار و المزمار و العشرة الوتار ،وهو بعد
حدث صغير وكان يحسن الضر علي العود ،ويسطيع أن يبعد أن يبعد
الروح النجس عن شاول الملك ) 1صم . (23 : 16وفوق كل ذلك
كان رجل حرب وجبار بأس ،وهو بعد فتي صغير …
*******
و القديس النبا شنودة رئيس المتوحدين وهبه الله نضوجا ً روحيا ً وهو طفل
صغير .
فكان يمار الزهد و الصوم و الصلة وهو حدث صغير … إنها موهبة
إلهية تدل علي اهتمام الله بالصغار .وهكذا كان أيضا ً القديس
مرقس المتوحد يصوم إلي الساعة التاسعة وهو طفل .
*******
والقديس تكل هيمانوت وهبه الله صنع المعجزات وهو طفل .
إنها ليست أمرا ً موروثا ً ،وإنما هي هبة إلهية ،ومواهب الله ليست
قاصرة علي الكبار ،وإنما الصغار أيضا ً يتمتعون بها .وما أكثرها في
حياة القديسين الذين بدأوا حياتهم صغارا ً ،لن نعمة الله شاءت ان
تعمل فيهم في هذه السن المبكرة ،كما عملت في أرمياء الذي لم
يكن يعرف ان يتكلم لنه ولد ،وكما عملت في صموئيل الطفل ،
وفي سليمان وهو فتي صغير .
*******
ونفس النضوج الروحي كان في السيدة العذراء وهي طفلة .
العمق في الصلة وفي التأمل وفي دراسة الكتاب … كل ذلك وهي
طفلة صغيرة يتيمة تتربي في الهيكل … وتسبحتها المشهورة ) لو 1
( 55 – 46 :تدل علي مدي حفظها للمزامير وآيات الكتاب … كل ذلك
وهي صغيرة السن .ولكنها نعمة الله العاملة في هذه الممتلئة
نعمة ،التي أختارها الله صغيرة ،ولكن مملوءة بمواهبه .لعل يوحنا
المعمدان كان ايضا ً أحد الطفال الموهوبين .
و التفسير الوحيد لذلك هو قول الملك المبشر عنه " ومن بطن أمه
يمتلئ من الروح القدس ") لو ... ( 15 :1وهكذا كان الروح القدس
يعمل فيه وهو بعد في بطن أمه لذلك استطاع أن يرتكض وهو جنين
في بطن امه لها سمعت سلم العذراء ،بل أنه ارتكض بابتهاج ،وهو
جنين في بطن أمه لما سمعت سلم العذراء ،بل أنه ارتكض بابتهاج
وهو جنين ) لو . ( 44 – 41 : 1
إن النضوج المبكر للطفال الموهوبين ،ليس له تفسير إل موهبة الله الغنية التي
تنسكب علي الطفال بغني ل يعبر عنه .
المهم أن المواهب التي يعطيها الله للطفال ،تعطيك رجاء ،
وتجعلك تكرر العبارة التي قالها رب المجد " :أحمدك أيها الب …
لنك أخفيت هذه عن الحكماء و الفهماء وأعلنتها للطفال ") متي
" ، ( 25 : 11لنه هكذا صارت المسرة أمامك ".
*******
لقد اختار الله الصغار في العدد ،لكي يبارك أو يصنع بهؤلء الصغار
عجبا ً …
اختار الله الخمس خبزات و السمكتين ليصنع معجزة عظيمة .
إنه لم يحتقر هذه الكمية الصغيرة ،إنما باركها ،واطعم بها خمسة
آلف من الرجال .وحتي هذا القدر الضئيل كان يحمله غلم صغير
) يو . ( 9 : 6وفي معجزة اشباع الربعة آلف من سبعة أرغفة كان
معهم " قليل من صغار السمك " ) مر . ( 7 : 8وبهذا القليل ،وبهذا
القليل وبهذه الصغار ،وأشبع الرب تلك اللف من الناس …
وأختار الله هذه القلة الضئيلة ،ليعطي رجاء لكل قلة ضئيلة .
أن الله يبارك القليل فيصير كثيرا ً .إن العدد ليس هو المهم ،إنما
الهمية كلها هي في البركة التي في هذا العدد .وبهذه البركة يصنع
الله عجبا ً .
ففي خدمتك ل تيأس من قلة مواهبك .وقل له " استخدمني
لطعامهم كأنني من صغار السمك ".
*******
انظروا في مثل الزارع :ماذا قال الرب عن الزرع الذي كان في
الرض الجيدة ؟ لقد قال :
" فأعطي ثمرا ً :بعض مئة ،وآخر ستين ،وأخر ثلثين " ) متي . ( 8 : 13نحن
نعقل يارب أن الزرع الذي يعطي مئه هو زرع جيد .ولكن هل يقال
كذلك عن الذي يعطي ستين ؟ وهل يسمي جيدا ً من يعطي ستين ؟!
وهل هذا النتاج الضئيل هو مقبول عند الله ؟
ولعل الرب يجيب :مادامت الرض أعطت ثمرا ً ،إذن فهي أرض جيدة ،حتي إن
اعطت ثلثين …
لذلك ل ييأس ول يفقد الرجاء ،أصحاب الثلثين .إن الله يقبل هذا
القليل منهم ،مادام هذا هو جهدهم .ويبارك الرب هذا الجهد كأنه
شئ كثير .انظروا ماذا نقول في أوشية القرابين :
أصحاب الكثير وأصحاب القليل .والذين يريدون أن يقدموا وليس لهم مجرد هذه
الرغبة ،حتي من غير عطاء ،هي شئ مقبول عند الله ،الذي ل
يحتقر الشئ القليل .عجيب هو الرب في إحكامه ،وفي قبوله
للقليل .يذكرني هذا بقول أحد القديسين :
العنقود وإن كانت فيه حبة واحدة ،ل تزال فيه ببركة .
ونفس المعني كرره اشعياء النبي ) اش .( 8 : 65إن الله يعمل في
القليل ،لكي ل نفتخر نحن بقوتنا ،ونظن اننا ننتصر بالكثرة و ليس
بقوة الله ،فيكسرنا هذا الفكر .
*******
وهذا واضح من قصة الحرب التي دخلها جدعون بعدد قليل …
كان جدعون قد جمع من الشعب جيشا ً كبيرا ً من اثنين وثلثين ألفا ً
ليحارب المديانيين .ولكن الرب قال له ":هذا الشعب كثير علي
لدفع المديانيين بيدهم ،لئل يفتخر إسرائيل علي قائل ً :يدي
خلصتني ") قض ( 2 : 7وظل الرب يغربل هذا العدد الكبير حتي
وصل إلي ثلثمائة جندي فقط .وبارك الله في هذا العدد القليل ،
فانتصر علي جيش المديانيين الذي كان منتشرا ً كالجراد علي
الرض .وماذا أيضا ً :
*******
ً
لما اراد الرب الكرازة بالنجيل اختار لذلك اثني عشر رسول فقط …
واستطاع هؤلء – علي الرغم من قلتهم – أن يكرزوا بالنجيل
للخليقة كلها ) مر – ( 15 : 16وإلي أقطار المسكونة بلغت
أقوالهم .من ثمانية أنفس فقط في الفلك ،أعاد الله تكوين
البشرية من جديد .ولم يختر لغرضه سوي هذا العدد الضئيل …
ومن ابن واحد هو اسحق ،استطاع الله أن يأتي بنسل مثل نجوم السماء ورمل
البحر في الكثرة …
وكما تحدثنا عن اهتمام الله بالصغير في السن ،وبالقليل في
العدد ،ومباركته هذا وذاك ،ننتقل إلي أخري وهي :
*******
لما شاء أن يهزم جليات الجبار ،هزمه بحصاة ملساء في مقلع صبي
صغير هو داود .
فل تفقد أنت رجاءك ،ول تقل مواهبي قليلة ،وأنا صغير ،ضئيل
الشأن لست علي مستوي قوة من يبغضونني .فلتكن حصاة صغيرة
في مقلع الرب .وليعمل الرب بك عمل ً ،مهما كان جهدك قليل ً .
لن " الحرب للرب " ) 1صم . ( 47 : 17و" ليس لدي الرب مانع عن أن يلخص
بالكثير أو القليل ") 1صم . ( 6 : 14
*******
أنظر كيف نشر الله ملكوته علي الرض … إنه لم يختر لذلك جماعة
من الفللسفة أو العلماء أو الجبابرة بل اختار مجموعة من الصيادين
البسطاء ،وعمل فيهم وبهم … وكما قال الرسول "
" اختار الله جهال العالم ليخزي الحكماء .واختار الله ضعفاء العالم ليخزى
القوياء .واختار الله ادنياء العالم و المزدري وغير الموجود ،ليبطل الموجود ،
لكي ل يفتخر كل ذي جسد امامه ") 1كو . ( 29 – 27 : 1
ونحن نقف أمام هذه العبارة مبهورين !..قد تعبر في فهمنا كلمة
الجهال و الضعفاء … لكن ماذا عن المزدري وغير الموجود ؟! … ما
هذا العجب ؟ كيف يمكن للرب أن يختار ؟! ل شك ان هذه العبارة
تحيي الرجاء في نفس كل إنسان ،مهما كان ضعيفا ً ومهما كان بل
مواهب وبل امكانيات وبل قدرات من كل ناحية ...لذلك أن حوربت
بالياس قل له :اعتبرني يارب ضمن المزدري وغير الموجود ،ول
تحرمني من العمل معك ...ليكن لي كيان قدامك ،مع أنني في نظر
نفسي وربما في نظر الناس مزدري وغير موجود ...
ربما يظن البعض أن السيد المسيح لو كان قد جاء في أيامنا ،لكانا يختار أصحاب
الشهادات العالية جدا وأساتذة البحوث !
كل ،صدقوني ،لنه ل يحب أن يفتخر كل ذي جسد أمامه ،ولئل
تنسب البشارة إلي عقله البشري وليس إلي عمل الروح القدس .
فلو كان المسيح جاء في أيامنا ،ما كنت أستغرب أن يختار بعض من
البسطاء كما فعل من قبل ،أو مجموعة من عمال التراحيل ...
فليس مصدر القوة هو النسان وإنما روح الله العامل فيه .
والله يحب أن يستخدم الصغار ،لكي ليفتخروا ،ولكي ل ييأس أحد
من عمل الله فيه فل يفشل أحد ،ول تصغر نفس إنسان ما .
الله نشر الكرازة بإثني عشر رجل ً ،وما اصحاب مواهب .
بل كانت غالبيتهم من الصيادين ،إنما المهم هو عمل الله فيهم .
والثالث عشر الذي هو بولس ،لم يعتمد علي الثقافة والمواهب ،بل
قال لهل كورنثوس " وأنا لما اتيت أليكم أيها الخوة ،أتيت ليس
بسمو الكلم أو الحكمة " ) 1كو . ( 1 : 2لماذا ؟ يقول " ليس بحكمة
كلم ،لئل يتعطل صليب المسيح " ) 1كو ، ( 17 : 1لئل تحسب
المسيحية فلسفة ،أ ,ينسب نجاح الكرازة إلي الحكمة وليس إلي
عمل النعمة .
*******
إن باب الملكوت مفتوح للكل ،وكذلك باب الخدمة …
ليس فقط للذين يقولون إنهم وصلوا إلي الملء ،و يتكلمون
بألسنة !! ولهم المواهب ،ويرتعشون في الصلة !..بل أن باب
الملكوت مفتوح أيضا ً أمام المبتدئ ،الحديث في العمل الروحي ،
الذي ل يعرف أن يتكلم لنه ولد ) أر . ( 6 : 1
فل تظن أحد أنه إن لم يصعد إلي القمة في الروحيات ،فهو لم يصل بعد إلي الله
!
ول تحتقروا امثال هؤلء الذين لم يصلوا إلي القمم .ول تصغر
نفوس هؤلء ،فإن الله يعمل في الكل ،ويستخدم حتي " القليل من
صغار السمك "… وما اجمل العبارة المعزية التي قالها القديس يوحنا
المعمدان :
ً
إن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولدا لبراهيم ) لو . ( 9 : 3
وإلي من ترمز الحجارة ؟ إلي صم بكم ل يتحدثون ،بل حركة وبل
حياة … هؤلء ،الرب قادر أن يقيم منهم أولدا ً لبراهيم .إذن ل
تفقد رجاءك مطلقا ً ،مهما كنت بل حياة .فإنت ول شك أفضل من
حجارة كثيرة …
*******
أمامنا مثل آخر في ميلد المسيح يدل علي اهتمام الله بالصغار :
لقد ولد في مزود بقر ،وليس في قصر ضخم .وولد في قرية صغيرة هي بيت
لحم ،وليس في المدينة العظمي أورشليم .
واستطاع أن يحاول المزود إلي مزار عالمي ومقدس من المقدسات
الكبري .اما بيت لحم فقال لها :من الن فصاعدا ً " لست الصغري
بين رؤساء يهوذا " ) متي . ( 6 : 2رفعها فوق بلد كثيرة ،ومنحها
قيمة بميلده فيها .ولعل هذا يذكرنا بدعوة الرب لجدعون ،الذي
شعر بصغر نفس ،لضآلة أصله وبلده فقال :
ها عشيرتي هي الذلي في منسي ،وأنا الصغر في بيت أبي ) قض . ( 15 : 6
ولكن الرب كان يبحث عن هذا الصغر ،ليظهر مجد الله فيه .
لذلك ل تفقد رجاءك إن كنت صغيرا ً .إن كنت مزودا ً ،أو قرية صغيرة
،أو كنت الصغر في بيت أبيك ،أو ان كانت عشيرتك هي الذلي بين
باقي العشائر …! إن الله قادر أن يعمل فيك ،ويرفع شأنك فتصير
شيئا ً آخر ما كنت تفكر فيه …
إنه موقف يشجع الضعفاء و المساكين ،الصغار والذلء …
*******
انظروا في اختيار موسي النبي ،تروا موقفا ً عجيبا ً … كان موسي "
ثقيل الفم و اللسان … وليس صاحب كلم ل من اليوم ول أمسا ً ،ول
قبل ً من أمس ") خر . ( 10 : 4
ومع ذلك اختار الله هذا الثقيل الفم واللسان ليكون كليم الله …
لم ينزع منه هذا النقص ،وإنما أرسل له هارون أخاه ،لكي " يكون
له فما ً " وقال الله لموسي " :وأنا اكون مع فمك ،وأعلمك ما تتكلم
به " ) خر . ( 12 ، 16 : 4وبهذا النسان الثقيل الفم و اللسان ،أذل
الله فرعون … إن قلة المواهب ل تعوق عمل الله ،ولتدعو النسان
إن يفقد الرجاء في القدرة علي القيام بالمسئوليات … فباستمرار
ثق بالله الذي قيل إنه " يعطي المعيى قدرة ،ولعديم القوة يكثر
شدة ") إش . ( 29 : 40
*******
ً
إن الله يستخدم الصغار و الضعفاء .وهنا نسأل سؤال :عندما قاد الله يونان النبي
إلي التوبة و الصلح معه ،بماذا هداه ؟
استخدم الله في هداية يونان :الدودة ،واليقطينة ،والرياح و
الموج ،وأشعة الشمس .فكانت كل منها تؤدي رسالة إلهية … ) يون
. ( 4 ، 1اليقطينة التي بنت ليلة هلكت ،استخدمها الله في تحقيق
مقاصده ،وكذلك الدودة التي ل قيمة لها عند أحد ! قل له :احسبني
يارب دودة ،احسبني يقطينة ،احسبني موجة ،احسبني شعاعا ً .
فلكن أي شئ مهما كان تافها ً في ملكوتك ،ولكن يصنع مشيئتك .
وإن كنت دودة ل تفقد رجاءك ،سيكون لك دورة عند الله … وإن
كنت يقطينة ل تصغر نفسك .سيأتي وقت تعطي فيه درسا ً لنبي
كيونان ويكتب إسمك في كتاب الله …!
*******
لقد ضرب لنا ثلثة امثلة في اهتمامه بالصغار في الصحاح الخاص بقبوله للتائبين
وبحثه عنهم ) لو . ( 15
رجوع البن الضال بانسحاق قلب ،قابله الرب بفرح كبير ومكافآت
عديدة … ثم ماذا عن الخروف الضال ؟ من ذا الذي يستطيع أن ينظر
إلي حظيرة فيها مائة خروف فيلمح أنها مجرد ، 99ويبحث عن
الواحد الناقص إلي أن يحمله علي منكبيه فرحا ً ،بل من ذا الذي يهتم
بدرهم واحد مفقود ،ويظل يبحث عنه حتي يجده ،ويفرح بوجوده أل
يعطيك هذا رجاء في عمل الله من أجلك ! هو يبحث عنك ،إن لم
تبحث انت عنه …
ومن اهتمام الله بالصغار ،اهتمامه بقرية بيت لحم الصغيرة .
هذه التي قال لها الوحي اللهي " وأنت يا بيت لحم … لست الصغري
بين رؤساء يهوذا ،لتكوني قدسا ً ومكانا ً للميلد المجيد …"
ومن اهتمامه بالصغار ،اختاره ليئة المكروهة العينين ) تك . ( 33 ، 17 : 29
ليئة هذه التي كانت صغيرة القدر و المكانة بالنسبة إلي اختها راحيل
،هي التي اختارها الرب لتكون أما ً ليهوذا سبط الملوك ،وأما ً للوي
سبط الكهنوت ،وجدة للمسيح ،فأتي من نسلها ولم يأت من نسل
راحيل …
*******
بل اختار الرب راحاب الزانية وكذلك ثامار ضمن سلسة النساب ،
واختار راعوث الموآبية ضمن سلسة النساب أيضا ً ) متي ( 5 ، 3 : 1
… بل اختار مريم المجدلية التي كان عليها سبعة شياطين لتكون
مبشرة للرسل ) مر . ( 10 ، 9 : 16بل أنه اختار التراب ليجعل منه
صورته ومثالة .فل تيأس إذن من عمل الله معك واختياره لك …
*******
إنه " المقيم المسكين من التراب ،والرافع البائس من المزبلة ،ليجلسه مع
رؤساء شعبه ") مز . ( 112
ً
إذن الله قادر ان يقيمك مهما كانت حالتك ،بل يرفعك أيضا لتجلس
مع رؤساء شعبه أليس هو الذي ل يحتقر قصبة مرضوضة ،ول فتيلة
مدخنة ،يأمر بتشجيع صغار النفوس ،وأن نسند الضعفاء و نتأني
علي الجميع ") 1تس . ( 15 : 5بل ما أجمل قول الكتاب " قوموا
اليادي المسترخية و الركب المخلعة ") عب ،( 12 : 12حتي إن كنت
من هذا النوع ،سوف ل يهملك الله ،بل سيرسل لك من يقومك …
بل خذ مثال اهتمامه بالعصفور ،كرمز لهتمامه بك .
إنه يقول " أليس عصفوران يبعان بفلس وواحد منهما ل يسقط علي
الرض بدون أبيكم " ) متي ( 29 : 10فالذي يهتم بالعصفور ل شك
يهتم بك أيضا ً .ولذلك يقول بعدها مباشرة " وأما أنتم فحتى شعور
رؤوسكم جميعها محصاة .فل تخافوا ،أنتم أفضل من عصافير كثيرة
") متي . ( 30 : 10ويعجب الرب بالعصافير في إيمانهم بأن الله
يقوتها ويقول في ذلك " انظروا إلي طيور السماء .إنها ل تزع ول
تحصد ول تجمع إلي مخازن .وأبوكم السماوي يقوتها ) متي : 6
. ( 26وهكذا يذكرها ويضرب بها مثل ً لنا ،هي " وفراخ الغربان
الغربان التي تدعوه " ) مز . ( 9 : 147إنه يهتم بالدودة التي تسعي تحت
حجر ،ويعطيها طعامها …
كم بالولي أنت ،يعطيك طعام الروح ،وطعام الروح ،وطعام الجسد
أيضا ً .أليس النسان أفضل من ديدان كثيرة ؟! الدودة الصغيرة
استخدمها الله ليعطي درسا ً ليونان النبي حينما أعدها الله لتضرب
اليقطينة ) يون .( 7 : 4حسن أن هذه الدودة ذكرت في الكتاب
المقدس ،وهي تؤدي رسالة تؤول إلي توبة نبي .
*******
تدرج معنا تدرجا ً كبيرا ً من وصايا العهد القديم إلي الكما ل العهد
الجديد .وقد لم الكتبة و الفريسيين لنهم يحملون الناس أثقال ً
عسرة الحمل ،وهم ل يريدون أن يحركوها باصابعهم وقال لهم أنهم
في ذلك قد اغلقوا أبواب الملكوت ،فما دخلوا ول جعلوا الداخلين
يدخلون ) متي .( 13 : 4 : 23وهكذا نري تلميذ الرب في أول مجمع
لهم في أورشليم الخاص بقبول المم يقولون " ل يثقل علي
الراجعين إلي الله من المم ،بل يرسل إليهم أن يمتنعوا عن
نجاسات الصنام و الزني و المخنوق و الدم ") أع ( 20 ، 19 : 15
والقديس بولس الرسول يقول لهل كورنثوس :
" سقيتكم لبنا ً ل طعاما ً ،لنكم لم تكونوا بعد تستطيعون " ) 1كو .( 2 : 3
ومن رأفة الله وعطفه ،إنه حينما يعطي معها قوة لتنفيذها ،
فترافقنا نعمته لكيما نستطيع ويعطينا روحه القدوس ليعمل فينا ،
لكي نستطيع أن نعمل .والله في رأفته يتراءف علي خليقته كلها ،
ليس النسان فحسب ،بل حتي الحيوان و الطبيعة .
أن الله الذي منح النسان راحة في السبت ،اعطي ذلك للحيوان
أيضا ً ،فقال " وأما اليوم السابع فسبت للرب إلهك ..ل تعمل فيه
عمل ً ما ،أنت وأبنك و أبنتك و عبدك وامتك ن وثورك ،وحمارك وكل
بهائمك ") تث . ( 14 : 5
*******
ً
ولم يهتم فقط براحه الحيوان بل براحة الرض أيضا .
فقال :ست سنين تزرع أرضك وتجمع غلتها … وأما في السابعة
فتريحها و تتركها " ) خر ، 11 ، 10 : 23ل .( 5 -3 : 25وعلي الرغم
من التشديد في حفظ السبت ،وعدم العمل فيه ،قال الرب " من
منكم يسقط حمارة أو ثورة في بئر ،ول ينشله حال ً في يوم
السبت ؟! " ) لو ( 5 : 14وقال ايضا ً " من منكم له خروف واحد .
فإن سقط هذا في السبت في حفرة ،افما يمسكه ويقيمه ؟! "
) متي ( 1 : 12وقال كذلك لمن لمه علي ابراء المرأة المنحنية في
يوم السبت " ،يا مرائي ،أل يحل كل واحد منكم في السبت ثورة او
حمارة من المذود ويمضي به ويسقيه ( ) لو . ( 5 : 13
هكذا جعل انقاذ أو إطعام ثور أو حمار أو خروف استثناء واجبا ً من وصية عدم
العمل في السبت .
ومن شفقته علي الحيوان أيضا ً قال " ل تطبخ جديا ً بلبن امه ") خر
، 19 : 23ثت ( 21 : 14وقال أيضا ً " ل تكلم ثورا ً دراسا ً ") 1كو : 9
. ( 9وحتي ا؟لن الثور أثناء الدراسة ل يكمم ،بل يمد فمه ويأكل
كيفما يشاء ،ومن اهتمام الله بالعطف علي الحيوان ،قال أيضا ً :
" ل تحرث علي ثورك وحمار معا ً ") تث . ( 10 : 22
ذلك لنهما ليسا بقوة واحدة فإن اسرع الثور سيرهق الحمار و الله
يشفق علي هذا الحمار من الرهاق .وهكذا عندما دخل السيد
المسيح إلي أورشليم ركب علي أتان وجحش إبن اتان ) متي : 21
( 5حتي يريحهما في الطريق ،إذ يستبدلهما ،فيركب علي الواحد
ويريح الخر وظهرت شفقة الرب علي الحيوان باشفاقه علي حمار
بلعام و توبيخه بلعام علي ضرب حماره ظلما ً ") عد . ( 32 : 22
*******
وظهرت شفقة الرب حتي علي العصافير :يحميها ويقيتها .
وهكذا يقول " أليس عصفوران يباعان بفلس ،وواحد منهما ل
يسقط علي الرض بدون أبيكم ؟" ) متي (29 : 10أي بدون سماح
منه ل يسقط عصفور … ويقول أيضا ً " انظروا إلي طيور السماء ،
إنها ل تزرع ول تحصد ول تجمع إلي مخازن وأبوكم السماوي يقوتها
") متي ( 26 : 6وليست هي فقط بل يقول المزمور :
" يعطي البهائم طعامها ،وفراخ الغربان التي تدعوه ") مز . ( 9 : 147
حتي فراخ الغربان يارب ؟! نعم .فالغربان أيضا ً ذكرها الكتاب وكانت
لها رسالة ! إيليا النبي في وقت المجاعة ،كانت الغربان تأتيه بطعام
1 0مل ( 6 -4 : 17وهكذا كان يحدث مع النبا بول السائح ،وكما
اهتم الرب بالطيور ،والعصافير و البهائم " اهتم أيضا ً بالخروف
الضال وبحث عنه حتي وجده ") لو . ( 15
واهتم الله بالحيوانات و بالطيور في فلك أبينا نوح !
ادخلها جميعها في الفلك ،ولم يهمل أحدا ً منها حتي الحشرات و
الهوام ن استبقي لها حياة لتعيش ن وكان أبونا نوح يقدم لها
الطعام كل يوم … إن في ذلك لعجبا ً ...أقصد هذا العطف العجيب .
*******
وكما يشفق الله علي الحيوان فيمنحه حماية من الطبيعة ومن الفتراس .
الدب القطبي ،او الثعلب القطبي ،يعيش الواحد منهما في جو بارد
جدا ً ،لذلك يمنحه الله فراء ثمينا ً لتدفئته ،تشتهيه النساء الثريات ،
وتدفع في شرائه ثمنا ً وفيرا ً ،أما حيوانات البلد الحارة فل تحتاج
إلي فراء فيعفيها الرب منه … ولن الجمل يعيش في الصحراء ،
لذلك يعطيه الله قوة عجيبة يتحمل بها العطش و الجوع ،ويعطي
نفس القوة علي الحتمال للنخلة في الصحراء.
*******
وكما يعطي الحيوانات المفترسة مخالب وأنياب لتعيش كذلك يعطي الحيوانات
الضعيفة وسيلة للهرب .
السد اقوي من الغزال ،يستطيع أن يفترسه .ولكن الرب يعطي
الغزال قوة عجيبة في الجرى ،يمكنه أن يهرب من السد ،كذلك
الكلب يستطيع ان يفترس القط .ولكن الرب يعطي القط القدرة
التي يمكنه بها القفز علي الشجار و الجدران فينجو من الكلب ...
وبنفس الطريقة يعطي العصافير خاصية الطيران فتنجو ،كما يعطي
الفأر القدرة علي الحفر و الختباء ،فينجو … ما أعجب شفقة الله .
*******
أنظروا جمال الصوت الذي يعطيه الرب للبلبل و للطيور المغردة ...
انظروا جمال الشكل الذي يعطيه الرب للطاووس ،بل للفراشة ،
أنظروا جمال الرائحة التي يعطيها الرب للورود و الفل والياسمين ن
والزهار العطرة .تأملوا القدرات العجيبة التي يعطيها الله للنحلة
في صنع بيوتها بهندسة دقيقة ،وفي صنع الشهد من الرحيق ،بل
في صنع غذاء الملكات ،كل ذلك الذي يأخذه البشر منها طعاما ً ودواء
...بل تأملوا النملة في نشاطها وحركتها الدائبة … إن الله يعطي
خليقته من هذه الصفات ما يكون أمثولة أمام النسان يشتهي ان
يحاكيها .
وإن كان هذا عطف الله علي مخلوقاته ،فكم بالولي علي النسان .
يكفي أن الله أوجده بطبيعته ممتازة :له عقل وروح واردة .له العقل الذي
استطاع أن يصل إلي الختراع ،ويصنع القمار الصناعية وسفن
الفضاء ويصل إلي القمر ،ويمشي في الجو في مناطق انعدام
الوزن … واعطاه الراده الحرة التي يمكنه بها أن يفعل ما يشاء …
واعطاه الذكاء لكي يفهم … ولم يشأ الله أن ينزع الذكاء حتي من
الشرار الذين يعصونه ...وفوق المواهب الطبيعية ،أعطي الله
لبعض البشر مواهب فائقة للطبيعة وقدرة علي صنع المعجزات ،
بقوة منه … ما أعجب ما قيل إن النسان خلق علي صورة الله
ومثالة ) تك . ( 1
*******
ومنح الله للنسان الخلود و الحياة البدية .
منحه ان تكون له حياة دائمة في ملكوته بعد قيامة الجسد من
الموت ،ووعده بالنعيم البدي
في عشرة الله وملئكته ،في أورشليم السمائية " مسكن الله مع
الناس ") رؤ . ( 3 : 21وقال للبرار " حيث أ كون أنا ،تكونون أنتم
أيضا ً ) يو ( 4 : 13بل وعد الذين يحبونه بأن يتمتعوا بحياة عجيبة في
البدية ،يكفي أنها قيل عنها " ما لم تره عين ،ولم تسمع به إذن ،
ولم يخطر علي بال إنسان ،ما أعده الله للذين يحبونه ") 1كو 9 : 2
(.
*******
ومن محبة الله للبشر أنه دعاهم ابناءه :
وفي هذا يقول القديس يوحنا الرسول " انظروا أيه محبة أعطانا
الب ،أن ندعي اولد الله " ) 1يو . ( 1 : 3وأعطانا أن نصلي له
قائلين " ابانا الذي في السموات ) متي ( 6بل أنه يقول " ل أعود
أسميكم عبيدا ً … بل سميتكم عبيدا ً … بل سميتكم أحباء ") يو : 15
. ( 15
وهكذا جعل الله الرابطة التي تربطنا به هي رابطة الحب .
وقيل إنه " أحب خاصته الذين في العالم ،أحبهم حتي المنتهي ") يو
. ( 1 : 13وشبه هذا الحب بمحبة الب لبنيه ،وهكذا قال داود النبي
في المزمور ":كما يتراءف الب علي البنين ،يتراءف الرب علي
خائفيه ") مز ( 13 : 103بل وصل الحب إلي أن لقبنا الله بعروس له
،ووصف حبه لنا بطريقة رمزية في سفر نشيد الناشيد .
*******
ووصلت محبة الله للنسان إلي حد البذل و الفداء ...
" هكذا احب الله العالم حتي بذل إبنه الوحيد ،لكي ل يهلك كل من
يؤمن به ،بل تكون له الحياة البدية ") يو ( 16 : 3وقال السيد
المسيح " أنتم احبائي إن فعلتم ما أوصيتكم به " " ،وليس لحد
أعظم من هذا ،أن يضع احد نفسه لجل احبائه " ) يو ( 13 ، 14 : 15
وبسبب هذا الحب و البذل و الفداء ،كان التجسد واخلء الذات ) في
( 7 : 2وقيل عنه في فدائه لنا " كلنا كغنم ضللنا ،ملنا كل واحد إلي
طريقه .والرب وضع عليه إثم جميعا ً " ) أش . ( 6 : 53
*******
ومن محبة الله لنا … اعطانا طريق التوبة لمغفرة الخطايا .
فلم يمسكنا في خطايانا ليعاقبنا عليها ،غنما فتح لنا طريقا ً للخلص
بالتوبة .وقيل في الكتاب ":إن الله أعطي المم ايضا ً التوبة للحياة
" ) أع ( 18 : 11بل قال أيضا ً " :هكذا يكون فرح في السماء بخاطي
واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين بارا ً ل يحتاجون إلي توبة … إن
الله يتوبنا فنتوب ") ار ( 18 : 31بل " يقودنا في موكب نصرته ")
2كو . ( 14 : 2
*******
ومن عطف الله علي النسان انه منحه الوحي اللهي .
وهكذا " كلم الله الباء بالنبياء بأنواع وطرق شتي ") عب ( 1 : 1
ومنح البشرية وصاياه وتكلم مع موسى النبي فما ً لذن كما تكلم
أيضا ً مع ابراهيم … .وأعطانا الله الشريعة المكتوبة " تكلم بها أناس
الله القديسون مسوقين من الروح القدس ") 2بط . ( 21 : 1وهكذا
علمنا الرب طرقه ،وفهمنها سبله وانار بصائرنا حتي ل نضل
الطريق .
*******
بل جعل الله روحه فينا ..وجعلنا مسكنا ً لروحه القدوس .
وفي هذا يقول القديس بولس الرسول " اما تعملون أنكم هيكل الله
،وروح علي الناس وفي الناس صار روح الله يعمل فيهم ،وصارت
لهم ثمار الروح ) غل ( 23 ، 22 : 15وصارت لهم ثمار الروح ) غل
( 23 ، 22 : 15وصارت لهم ايضا مواهب الروح المتعددة ) 1كو ( 12
و الدخول في شركة الروح القدس ) 2كو ( 14 : 13بل صاروا "
شركاء الطبيعة اللهية " ) 2بط ( 4 : 1أي يشتركون معها في عمل
الخلص … شركاء في العمل ،وليس في الجوهر أو الطبيعة طبعا ً
*******
ومن عطف الله علي النسان ان منحه البركة و النعمة .
وبركات الله ل تحصي ،أما نعمته فهي موضوع طويل ،قد احدثكم
عنه باستفاضة فيما بعد .وبدأت بركة الله للنسان منذ أن خلقه ،
وتتابعت البركة علي الباء والبرار ،بل قيل لبينا ابراهيم "
أباركك ..وتكون بركة " ) تك ( 2 : 12وهكذا سمعنا عن البركة التي
منحها الباء لبنائها …ز
*******
ومن عطف الله علي النسان الحفظ و التدبير وخدمة الملئكة .
ً
جميع ومعز ما قيل .عن الملئكة " أليسوا جميعهم أرواحا خادمة
مرسلة للخدمة لجل العتيدين ان يرثوا الخلص ") عب ( 14 : 1
وعمل الملئكة في انقاذ البشرية الله في السماء ") متي ( 30 : 22
وتسمي بعض البشر ملئكة ) رؤ ( 3 ، 2مثل يوحنا المعمدان ) مر
( 2 : 1وما أجمل ما يقال عن الملك الحارس .
*******
ومن عطف الله معنا في التجارب .
ل يجربنا فوق ما نطيق ،ويعطي مع التجربة الحتمال ،ويعطي معها
المنفذ ،واكاليل وبركات المهم أن نقابل محبة الله وعطفه ،
بمحبة ،ول يقودنا عطفه إلي اللمبالة .
ألقيت هذه المحاضرة في الكاتدرائية الكبري بالقاهرة مساء الجمعة
1977 / 6 / 3
أريد أن أقرأ لكم عبارة قالها الرب لبينا يعقوب أبي الباء ونأخذها
مجال ً لتأملنا … قال له الرب :
" وها أنا معك ،وأحفظك حيثما تذهب " " .وأردك إلي هذه الرض ".
" لني ل أتركك ،حتي أفعل ما كلمتك به " ) تك ( 15 : 28
*******
يعقوب أبو الباء ،كان خارجا ً من بيت أبيه ،خائفا ً من أخيه عيسو .
وكان سائرا
في الطريق ،ول يعرف ماذا ينتظره .كل ما كان يعرفه ،أنه وضع
أمامه نصيحة أمه رفقة التي له ":هوذا عيسو أخوك متسل أخوك
متسل من جهتك بأنه يقتلك … قم أهرب إلي أخي لبان إلي حاران ،
وأقم عنده أياما ً قليلة ،حتي يرتد سخط أخيك ،حتي يرتد غضب
أخيك ،حتي يرتد غضب أخيك عنك ) "..تك . ( 45 ، 43 : 27وفيما
هو هارب من أخيه المزمع أن يقتله ،طمأنه الرب بقوله ":ها أنا
معك ،وأحفظك حيثما تذهب ن وأردك إلي هذه الرض ".
إنه حنو من الحفظ اللهي .
ً
إلهنا الحنون الطيب ،يرافق إنسانا في هربه ،ليحفظه ،حيثما
يذهب ،ويكون معه ،ويرده إلي أرضه .ويظهر حنو الله وحفظة في
هذه القصة ،مما يأتي :
كان عمل الله رجاء مقدما ً لنسان ضعيف عاجز :
• فأبونا يعقوب ما كان قادرا ً أن يحمي نفسه .
• وكان أضعف من عيسو بكثير ،وعدوه كان قادرا ً علي قتله .
• وما كان يعقوب قادرا ً أن يحفظ نفسه في الطريق ،ول أن
يرجع بقوته إلي تلك الرض … وهنا تدخل الله ،إله الضعفاء،
ليحفظ ويحمي ويرد
هناك عمل إلهي في حياة كل إنسان …
• عمل إلهي مصحوب بمواعيد ،تعطي رجاء للنفس المتعبة …
وسنحاول أن نتتبع أمثلة لهذا العمل اللهي ،وهذا الحفظ
اللهي ،كما يبدو قصص الكتاب المقدس .
*******
• حينما أخذ شعب الله مسبيا ً إلي بابل وإلي آشور ،وكانوا هناك
مستعبدين ،أسري الحرب ،عاجزين عن حماية أنفسهم … وقد
ملكتهم الكآبة ،وعلقوا قيثاراتهم علي أشجار الصفصاف ،ورددوا
قول المزمور " :علي أنهار بابل هناك جلسنا ،فبكينا حينما
تذكرنا صهيون ") مز . ( 1 : 136هنا تدخل الله ،وهمس في إذن
الشعب بكلمة رجاء ،قال له فيها ":ها أنا معك .وأحفظك حيثما
تذهب ،وأردك إلي هذه الرض "… وقد كان :
عادوا من المسبي ،وبنوا أسوار أورشليم المهدمة ،وأصلحوا أبوابها المحروقة
بالنار ،وردهم الرب إلي تلك الرض ..
• وقد شرح نحيما في فرح عظيم قصة هذا الرجوع ،وعمل الله
معه فيه .وكما نفذ الله وعده لفرد واحد هو يعقوب ،نفذ أيضا ً
نفس الوعد لشعب بأكمله …
*******
* هناك شخص آخر ،كانت حالته أسواء ..هو أبونا آدم :
• أخطأ أبونا آدم وكسر الوصية .وطرده الرب من الجنة .وقال
له بالتعب تأكل من الرض كل أيامك .ووضع الرب الكاروبيم
بلهيب سيف متقلب لحماية شجرة الحياة ،حتي ،حتي ل يأكل
منها آدم ول حواء .وأغلقت أبواب الفردوس أمامها ) تك … ( 3
وماذا بعد؟وسط كل هذا المتعب ،ومع هذه العقوبة وهذا الطرد ،
كان نفس الوعد اللهي مقدما ً لبينا آدم " ها أنا معك ،وأحفظك
حيثما تذهب ،وأردك إلي هذه الرض "… ومتي رده الرب إلي
الفردوس ؟… كان ذلك بعد أكثر من خمسة آلف سنة ؟… ليكن ..
• إن وعد الله قائم ،مهما طالت اليام عليه ..لقد مرت آلف
السنوات ،انقضت وأختفت .ولكن لم تمر أبدا ً ولم تختف عن نظر
أحد من الباء ، ،تلك العبارة المعزية " ها أنا معك … وأردك إلي
هذه الرض ".
ورقدوا جميعهم علي رجاء ..
• يرتل كل منهم عبارة المزمور " وأنا أؤمن أني أعاين خيرات
الرب في أرض الحياء .انتظر الرب ) "..مز . ( 13 : 27إن
عقوبة الله لم تستمر ...الله ل يغضب إلي البد ،ول يحقد إلي
الدهر ) مز . ( 9 : 103لقد طرد آدم لنه أخطأ .ولكنه مع
الطرد ،أعطاه الوعد بالخلص … وعندما سمر ربنا يسوع المسيح
علي الصليب ،وحمل جميع خطايانا ،ودفع الثمن كامل ً للعدل
اللهي ،ماذا حدث ؟
• فتح الرب أبواب الفردوس ،ورد آدم إلي تلك الرض ورد معه جميع بنيه
،الذين رقدوا علي رجاء ،وكذلك اللص اليمين الذي مات علي
رجاء الوعد اللهي " اليوم تكون معي في الفردوس " .ونحن
نسبح الرب ونقول له :
صادقة يار ب هي مواعيدك .وحقيقي كل رجاء تقدمه .
ً
حينما تقول لحد " أردك إلي هذه الرض ،لبد أن ترده فعل .
يعقوب أبو الباء ،مرت عشرون سنة ،ورددته إلي أرضه .والشعب
المسبي ،مرت سبعون سنة ورددته .إلي الفردوس .مواعيد الله لبد
أن تنفذ .ل يهم بعد عشرين سنة ،أو سبعين ،أو خمسة آلف … المهم أن
يحقق الله وعده ،في الموعد الذي يحدده وفي محبة وقوة ،يرد تلك
النفس التي وعدها وهنا تظهر قوة العمل اللهي في حياة الفرد ،
أو الجماعة .ونلحظ ملحظتين في هذه المثلة الثلثة التي
ذكرناها .
هذه المثلة الثلثة تدور حول نفوس كانت عاجزة ،وأيضا ً خاطئة …
ل شك أن أبانا يعقوب كان عاجزا ً عن رد نفسه إلي أرضه .وكذلك
الشعب في السبي .وأيضا ً آدم كان في عجز مطلق عن رد نفسه
إلي الفردوس … وهذه المثلة الثلثة ،تدور حول نفوس قد أخطأت
إلي الرب ،وبالتالي ما كانت مستحقة لوعوده … آدم معروفة خطيته
أو خطاياه العديدة ) . ( 1ويعقوب خدع أباه الضرير ،وأخذ البركة
بالغش والحتيال ،كما سبق أن أخذ البكورية من أخيه باستغلل اعياء
أخيه في جوعه .وشعب إسرائيل كان قد وقع في عبادة الصنام ،
مع خطايا أخري كثيرة جدا ً أغضب بها الرب ،حتي دفعه إلي أيدي
أعدائه .
*******
ولكن الله ل يعطي مواعيده وحفظه للبرار فقط ..
حتي الخطاة أيضا ً ،ل يسقطهم الرب من رعايته وحفظه ..ولو كان
الخطاة محرومين من عناية الله ،ما خلص أحد … ولكن الرب جاء
ليطلب ويخلص ما قد هلك ..وقد أعلن أن المرضي هم الذين
يحتاجون إلي طيب ،وليس الصحاء .وأنه جاء ليدعو الخطاة – وليس
البرار – إلي التوبة
ما أكثر وعود الرب للخطاة ،بردهم إلي تلك الرض ..
________________ ) ( 1أنظر كتابنا آدم وحواء
حتي في سقوط النسان وفي خطيئته ،يقول له الرب :أنا معك ،
وأردك إلي هذه الرض ،أرض الحياء .
الخروف الضال الذي خرج من الحظيرة وتاه ،ولم يعرف يعيد نفسه
إلي حظيرته ،قال له الرب أيضا ً :ل تخف ،انا معك ،واحفظك حيثما
تذهب ،واردك إلي هذه الرض " .وفعل ً حمله علي منكبية فرحا ً ،
وأعاده إلي حيث كان .والدرهم المفقود أيضا ً ،ما كان بقدرته أن
يرجع إلي جيب صاحبه أو صندوقه ولكن الرب كان معه ،وحفظه
ورده إلي تلك الرض .
*******
ولنا مثل آخر ،في قصة يونان النبي :
يونان بخطيئته القي في البحر ،وبخطيئته ابتلعه الحوت ..وظل في
بطن الحوت .
من الذي يقدر أن يخرجه ؟! ولكنه في بطن الحوت ،صلي إلي الدرب
،لكي يعود فيري هيكل قدسه .ونظر الله إليه وهو في جوف الحوت
وقال له :ل تخف .ها أنا معك ،وأردك إلي تلك الرض … وقد كان ..
*******
عجيب هو الله .كل شئ مستطاع عنده …
حتي ما يبدو مستحيل ً أو غير مستطاع ،عند الناس …
• هل كان يجول في ذهن الثلثة فتية ،وهو يلقون في أتون النار
،أنهم سيعودون مرة أخري إلي بيوتهم ؟! ولكن في وسط النار ،
كان الرب يهمس في أذن كل واحد منهم " أنا معك … وأردك إلي
هذه الرض ".
• ودانيال أيضا ً ،وهو في جب السود ،ملقي في وسط السود
الجائعة ،يقول له الرب نفس العبارة ..وفعل ً ،أخرج الله دانيال
سالما ً من الجب وأخرج الثلثة فتية من أتون النار كما سبق وأخرج
يونان من جوف الحوت وردهم جميعا ً … حقا ً عجيب هو الرب !
عجيب في محبته ،وفي حفظه ،وعجيب في عمله اللهي !
عجيب في كل مرة قال فيها لحد أحبائه :أنا معك ،وأردك إلي
هذه الرض .
*******
علي أن هذه العبارة ،يمكن أن تؤخذ بطريقة روحية أخري .ولنبدأ ببطرس
الرسول كمثال .
ً
• إنه بعد أن أنكر السيد المسيح ،بكي بكاء مرا ،إذ شعر أنه قد
أنفصل عن الرب وعن محبته .وانفضل عن باقي الرسل ،وعن
الخدمة وكل العمل الرعوي … ول شك أنه قد زنت في اذنيه عبارة
الرب " من أنكرني قدام الناس ،ينكر قدام ملئكة الله " ) لو
. ( 9 : 12ولكن الرب عزاه بنفس العبارة ،التي سبق فعزي بها
أبانا يعقوب " أنا معك وأردك ."..ولكن كيف رده الرب ،ومتي ؟
حينما ظهر له ، ،وقال له في حنو " إرع غنمي .وارع خرافي
") يو … ( 15 : 21وحينئذ شعر بطرس أن الرب قد رده إلي
جماعة الرسل ..
*******
• وداود النبي ،حينما زني وقتل ن وسقط من ذلك العلو العظيم الذي كان
فيه .ولعله كانت في فكره عبارة أوريجانوس ] أيها البرج العالي ،
كيف سقطت ؟![ وبكي داود بكاء شديد مستمرا ً ،وفي كل ليلة
كان يبلل فراشة بدموعه ،ولكن إلهنا الحنون الطيب ،لم يتركه
وحيدا ً في أحزانه ،بل قال له " :أنا معك ،وأردك إلي تلك الرض
"..
أردك إلي أرض التوبة و النقاوة ،والمصالحة مع الله .واستطاع الرب أن يرد
داود ،وأن يغسله فيبيض أكثر من الثلج ،وأن يرد له بهجة خلصه ) مز ( 12 : 51
.
*******
وبنفس الوضع رد الرب شمشون بعد سقوطه ..
ولعله بنفس الوضع أيضا ً رد سليمان بن داود ،الذي قال له عنه ":
إن تعوج اؤدبه … ولكن رحمتي ل تنزع منه ،كما نزعتها من شاول ")
2صم . ( 15 ، 14 : 7
لقد مر وقت علي داود ،ظن أنه ل خلص ..
وهكذا صرخ إلي الرب قائل ً ":يارب لماذا كثر الذين يحزنونني ؟
كثيرون قاموا علي كثيرون يقولون لنفسي :ليس له خلص بإلهه ")
مز . ( 3ووسط هذه الفكار التي يزرعها الشياطين ،تبدو وعود
الرب مملوءة رجاء " أنا معك ،وأردك إلي هذه الرض " …
هذه العبارات هي أقوي سلح في التوبة و الرجوع … كثيرين أنهم يظنون
بأنهم سيعودون إلي الله ،بقوة إرادتهم ،وبعزيمتهم ،وبصدق
عزمهم علي الرجوع ،دون أن يضعوا العامل اللهي في قصة
عودتهم إلي الله !!
كل ،صدقوني … فلو كان النسان الخاطئ هو الذي يعيد نفسه إلي الله ،ما عاد
أحد …
إنما النسان يصرخ إلي الله :توبني فأتوب ،خلصني فإخلص ) أر 17
. ( 14 :والسيد المسيح يقول في وضوح " بدوني ل تقدرون أن
تعملوا شيئا ً ") يو . ( 5 : 15إن النفس الميالة إلي الخطية ،وكذلك
الرادة الضعيفة ،وحروب الشياطين و المعطلت الروحية … كل هذه
تصد النسان ،وتحاول منعه عن الرجوع إلي الله .ولكن نعمة الله
تقف أمام هذه المعطلت .وصوت الرب يقول في حنو للخاطئ ":ل
تخف .أنا معك .أحفظك … وأردك إلي تلك الرض ".
أنا أردك إلي تلك الرض ،مهما بعدت أنت وضللت …
ومهما كان يبدو لك أو لغيرك ،أن الخلص بعيد عنك او مستحيل ،أو
أن التوبة غير ممكنة …
أنا معك ،عندما يحاربك الشيطان باليأس ….
حينما يحاربك عدو الخير ،ويقول لك :أن الخطية لم تعد مجرد عادة
عندك ،بل صارت طبيعة فيك .ولن تقدرعلي تركها .لقد صارت
ملتصقة بك .أكثر من التصاق جلدك بلحمك .وصارت تسري فيك
أكثر من سريان دمك في عروقك …!!ل تخف منه ومن افكاره ،بل
قل له في ثقة :
أنا لن أرجع إلي الله وحدي ،أو بقوتي …
هو الله الذي سيردني إليه ،الله الذي قال " :أنا معك .وأحفظك .
وأردك إلي تلك الرض " .مادام الله هو الذي يردني ن إذن فغير
المستطاع عند الناس ،هو مستطاع عند الله ) مر . ( 27 : 10
إن الله يقول لنا في وعوده :
" أعطيكم قلبا ً جديدا ً ،وأجعل روحا جديدة في داخلكم .وأنزع قلب
ً
الحجر من لحمكم ،وأعطيكم قلب لحم .وأجعل روحي في داخلكم .
وأجعلكم تسلكون في طرقي وتحفظون أحكامي " ) حز ، 26 : 36
. ( 27ويقول أيضا ً " هلم نتحاجج – يقول الرب – إن كانت خطاياكم
كالقرمز ،تبيض كالثلج " ) إش . ( 18 : 1
إنه الرب الذي يعمل العمل كله ،ويردنا إليه …
*******
بأنواع وطرق شتي ،يردنا الرب إلي أرضه :
بالحب و الحنان ،يردنا الرب إلي تلك الرض … وإل … فبالشدة و
العقوبة يردنا ،أو بالتجارب و الضيقات .أو بالتعليم والرشاد…
أوبصبره علينا وطول أناته .بأيه الطرق … بالوسيلة المناسبة لكل
نفس علي حدة … المهم ،أنه يخلص علي كل حال قوما ً .لنه يريد
أن الجميع يخلصون ،وإلي معرفة الحق يقبلون ) 1تي . ( 4 : 2وهو
ل يسر بموت الخاطئ ،بل بالحري أن يرجع ويحيا ) حز . ( 11 : 33
إنه الرب الراعي الشفوق ،الذي يحافظ علي غنمه ..هو الذي يحنن عليك قلوب
الناس … وهو الذي يحنن عليك قلوب الناس … وهو الذي من أجلك
يربط الشيطان ،فل يستطيع أن يؤذيك .هو الذي يحوط حولك من
كل ناحية ،فتغني وتقول سبحي الرب يا أورشليم ،سبحي إلهك يا
صهيون لنه قوي مغاليق أبوابك ،وبارك بنيك فيك الذي جعل تخومك
في سلم ،ويملك من شحم الحنطة .الله هو الذي يقوي مغاليق
أبوابك ،ويجعل تخومك في سلم .ضع امامك باستمرار ،عمل الله في
حياتك ،وليس عملك أنت .
ما هو عمل الله في حياتك ؟ ماذا عن يد الله معك ،يمين الله التي
صنعت قوة التي تمسك بك وتسندك … ماذا يفعل الروح القدس من
أجلك ؟ وماذا تعمل قوة الله ونعمة ربنا يسوع المسيح من أجلك ؟…
ماذا تفعل تشفعات الملئكة وصلوات القديسين من اجلك ؟
أما عملك أنت ،فله المكان الثاني ،أو المكان الخري …
أما المكان الول ،والمكانة الولي ،فلعمل الله ،ولوعد الله
القائل :أنا معك .أحفظك ،وأردك إلي تلك الرض .
*******
ياليت هذا الوعد اللهي ،يكون ثابتا ً في ذاكرتنا :
نضعة امامنا باستمرار ،فنتعزي ونتقوي … كلما تيأس أنه ل خلص ،
أو أنه ل فائدة من كل جهادك ،تذكر هذه العبارة اللهية .
كلما يضغط عليك الشيطان ،ويقول أنت في قبضتي !
أو يقول لك :لن أتركك ،لقد وقعت في يدي ! قل له :ما هي
قضيتك ؟ وما هي قوتك ؟! أين شوكتك يا موت أين غلبتك يا
هاوية ؟! ) 1كو . ( 55 : 15هناك الوعد اللهي " :انا معك ،
وأحفظك حيثما تذهب ".
حسن يارب قولك .ولكن ماذا عن عيسو أخي ؟
عيسو الشديد القاسي الذي يتهددني ،الذي قال في غضبه " أقوم
وأقتل يعقوب أخي " ؟ يرد الرب ويقول " :ل تخف .انا معك .
أحفظك حيثما تذهب " .مبارك أنت يارب ،ومبارك هو حنوك .ليكن
لي كقولك .
*******
ولتكن قويا ً من الداخل ،مهما أطبقت حولك الضيقات … مهما تآمر عليك
الشرار ،وماجت حولك المياة الكثيرة … مهما تفكرت الشعوب
بالباطل ،تآمر الرؤساء معا ً علي الرب وعلي مسيحه ،قائلين :
لنقطع اغللهما ،ولنطرح عنا نيرهما .ل تلتفت إلي كل هذا ،بل
ضع أمامك الوعد اللهي :أنا معك ،واحفظك حيثما تذهب ..
حقا ً ،مادامت انت يارب معي ،فالدنيا بأسرها كل شئ قدامي … هذه الدنيا
كلها ،كقبض الريح ،كالهباء ،بكل ما فيها من مؤامرات الناس
الشرار ،وكل الهياج ،وصوت المياة الكثيرة …
بما فيها من مكر لبان خالي ،الذي غير اجرتي عشر مرات ) تك : 31
. ( 7واعطاني ليئة بدل ً من راحيل ) تك …( 29مادام وعدك يارب
قائما ً أمامي ،فلن أخاف البحر الحمر أن اعترض سبيلي .أنت قادر
أن تشقه ،وتمهد لي طريقا ً في داخله ،وتقول لي :امش فيه ،وأنا
معك ،أحفظك حيثما تذهب … حتي إن وقف أمامي جليات الجبار ،
وعيرني طول النهار ،وهددني برمحه الذي مثل نول النساجين ،
وبسيفه وقوته وشماتته ..أقول له :أنت تأتيني بسيف ورمح ولكن
الحرب للرب ،فإنا لذلك أتيك ومعي الوعد اللهي القائل :أنا
معك ، ،احفظك حيثما تذهب …
*******
لهذا كله ،كان أولد الله دائما ً فرحين ومطمئنين .
عاشوا بقلب مطمئن في جهادهم الروحي ،وفي كل الحروب
الروحية .ولم يتعبوا من حروب الشياطين ،ومن صراعهم مع أجناد
الشر ،قوات هذا العالم المظلم .بل تركوا العالم يضطرب حولهم
كما يشاء ،وتمسكوا بالوعد اللهي المملوء رجاء وعزاء .وأنت كذلك
في كل حروبك الروحية ،وفي كل ضيقاتك ومشاكلك ،ل تنظر إلي
القوي الخارجية التي تحاربك ،ول تفكر من سيقابلك في الطريق و
يعترضك .بل ركز فكرك ومشاعرك في وعود الله ،التي تشجعك
وتسندك وتعزيك .
كم انت حنون ياإلهي وطيب …
وكم هي معزية ،وعودك التي ترافق أولدك طول مسيرتهم في
غربة هذه الحياة .زز كم انت تعمل ،وقوتك الحافظة تعمل … مفرحة
هي أقوالك ،التي تشجع بها أولدك … لقد كثر العداء حول داود
النبي ،حتي قال ذات مرة " أكثر من شعر رأسي ،الذين يبغضونني
بل سبب ") مز ( 4 : 69ز ومع ذلك نراه في كل ضيقاته ،ومع كثرة
أعدائي ن ينسي كل هذا ويقول للرب ":ناموسك هو درسي "
) شهاداتك هي تلوتي ") مز . ( 119
أيه شهادات يا داود ،تعزيك في كل ضيقاتك ؟
يجيب :أنها كثيرة جدا ً ،ولكن تكفيني منها واحدة ،وهي قول
الرب ":انا معك ،وأحفظك حيثما تذهب ،وأردك إلي هذه الرض ".
لست أريد سوي هذه العبارة .ومادمت معي أيها الرب الله ،
ومادامت وعودك في فكري ،فلن أخاف شرا ً ،حتي ان سرت في
وادي الموت ،لنك أنت معي ) مز . ( 23ستجدني كلي شجاعة
وإيمان ،ورجاء ،بموعدك اللهي ..حقا ً يارب أنك عجيب .وحسن
قولك لمنوح والد شمشون .
" لماذا تسأل عن أسمي ،وهو عجيب ") قض .( 18 : 13
إنه منظر عجيب حقا ً ،أن نري أولد الله سائرين في طريق الحياة ،
ونري الله ممسكا ً بيد كل منهم ،يقول له وهو يشجعه :ها أنا معك ،
واحفظك حيثما تذهب …
*******
إن قوة المسيحية ،في أنها ل تعتمد علي بشرية أو إنسانية أو ذاتية ،إنما تعتمد
علي الموعد اللهي :أنا معك ،وأحفظك ..
احفظك من الشياطين ،ومن الناس الشرار واحفظك من نفسك…
احفظك من كل سوء .احفظ نفسك .أحفظ دخولك وخروجك ) مز
. ( 121ويسقط عن يسارك ألوف ،وعن يمينك ربوات .وأما أنت
فل يقتربون إليك ) مز " ( 91ل تخشي من خوف الليل ،ول من
سهم يطير في النهار ،ول من أمر يسلك في الظلمة ") مز . ( 91
وإن سرت في وادي ظل الموت ،ل تخاف شرا ً .لماذا ؟
لني انا معك – بعد الموت – أحفظك حيثما تذهب – وأردك إلي هذه الرض
..وهنا ونتأمل :
*******
إننا من عند الله خرجنا .نفخة قديسة خرجنا من فمه اللهي ،ودخلنا
في هذا التراب ،وعشنا فيه زمنا ً .
وجودنا في التراب ،هو فترة غربة ،
يصرخ فيها المرتل قائل ً في المزمور ":ويل لي ،فإن غربتي قد
طالت علي ") مز ( 120وفيما نحن نعيش في هذا التراب ،ونتعب
من هذا الجسد الترابي ،نصرخ مع القديس بولس الرسول ":من
ينقذني من جسد هذا الموت ") رو ، ( 24 : 7حينئذ يقول الله لكل
منا " ها انا معك ،واحفظك حيثما تذهب ،وأردك إلي هذه الرض ".
وماهي هذه الرض ؟
ً
يقول القديس يوحنا الرائي ":أبصرت وإذا سماء جديدة وأرضا جديدة
.لن السماء الولي والرض الولي قد مضتا ،والبحر ل يوجد فيما
بعد ") رؤ . ( 1: 21وينظر النسان مبهورا ً إلي هذه الرض الجديدة ،
التي بارئها وصانعها الرب ) عب … ( 10 : 11الرض المقدسة ،التي
ل توجد فيها خطية ول موت .ول تحتاج إلي شمس ول إلي قمر
ليضيئا فيها ،لن مجد الرب ينيرها ) رؤ ( 23 : 21
ويشير الله إلي هذه الرض ويقول :
" ها انا معك ،وأحفظك حيثما تذهب ،واردك إلي هذه الرض " ليكن
إسم الرب مباركا ً ،من الن وإلي البد ،آمين
*******
القيت هذه المحاضرة في الكاتدرائية الكبري بالقاهرة مساء الجمعة
11/1980/ 14
لعل أحدكم يقول :كيف يكون لي رجاء ،و أنا ل أصلي ،ول أطلب من الله نعمة
ول قوة ول ملكوت الله وبره ؟ هلي مثلي يكون له خلص ؟!
نعم ،إن الخلص للكل .وإن كنت أنت ل تطلب خلصك ،فإن السيد
الرب قد قيل عنه إنه ":جاء لكي يخلص ما قد هلك ") لو . ( 10 : 19
إنه يسعي لخلصك أكثر مما تسعي أنت إليه .وهو في كل مجال
يعطينا دون أن نطلب .
إنه شئ مفرح أن يعطينا الله ما نطلب .ولكن عمق الفرح يظهر في أنه يعطينا
دون أن نطلب …
هنا عمق المحبة اللهية نحو البشر .بل هنا أبوة الله الحانية ،التي
تدرك تماما ً ما نحتاجه وما يلزمنا ،فيعطينا من فيض محبته ،وليس
لمجرد استجابته لصلواتنا .وسأحاول يا أخوتي أن أثبت لكم هذه
الحقيقة بأمثلة عديدة ن حتي يكون لكم عمق الرجاء في عمل الله
لجلكم .
*******
طبيعة الله الذي يعطي دون أن نطلب ،ظهرت واضحة منذ البدء ،من أول قصة
الخليقة بل في عملية الخلق ذاتها.
إنه منحنا الوجود دون أن نطلب .ومنح الوجود لكل الكائنات التي
خلقها العاقلة و الجامدة ،التي لها حياة و التي ليس لها ،طبعا ً دون
أن تطلب .لقد خلقها كلها من العدم .و العدم ليس له كيان لكي
يطلب .
*******
وخلقنا الله علي صورته ومثاله دون أن نطلب ..
حتي علي فرض المستحيل ،لو كانت لنا المكانية أن نطلب الصورة
التي نخلق عليها ،ما كنا نطلب أن نخلق علي صورة الله ومثاله ،كما
شاء الله وتحنن ) تك .( 27 ، 26 : 1
*******
ودون أن نطلب خلق الله لنا هذه الطبيعة و سلطانا عليها .
ً
أعد لنا كل شئ قبل أن نكون .بسط لنا السماء سقفا ،ومهد لنا
الرض كي نمشي عليها .وكما قال القديس غريغوريوس في قداسه
":لم تدعني معوزا ً شيئا ً من أعمال كرامتك … من أجلي اخضعت
طبيعة الحيوان " … ومن أجلنا خلق الله الشجار والثمار ،والعشب
و البقول ن والزهار والطيار .ومن أجلنا خلق النور ،ووضع قوانين
الفلك … كل ذلك دون أن نطلب … ولم يكتف بهذا وإنما قال لنا في
حنوه " اثمروا وأكثروا واملوا الرض واخضعوها .وتسلطوا علي
سمك البحر ،وعلي طير السماء ،وعلي كلي حيوان يدرب علي
الرض ") تك . ( 28 : 1
*******
وخلق الله حواء لدم دون أن يطلب ..
كان يعلم أن آدم ل يجد له معينا ً نظيره ،مثلما تجد باقي الكائنات
) تك . ( 20 : 2فخلق له حواء .وهكذا أمكن أن تنمو البشرية وتمل
الرض وتعمرها ،وكل ذلك دون أن نطلب
*******
إن هذه هي طريقة الله كأب محب وكراع صالح …
أنه ل ينتظر من أولده ومن رعيته ومن خليقته ان يطلبوا فيعطيهم .
بل هو من تلقاء ذاته يعرف ما يحتاجون إليه ،فيعطيهم دون أن
يطلبوا …
*******
حقا ً ماذا يدركه الطفل الصغير من احتياجاته حتي يطلبها ؟!
ولكن أباه يعلم ويفهم ماذا يحتاج إليه ابنه ،فيعطيه دون أن يطلب .
هكذا نحن مع أبينا السماوي ،أنه أدري بما نحتاج إليه .وهو كأب
حنون يدبر احتياج كل إنسان ،ويدبر احتياجات المم و الشعوب
والجماعات .ول ينتظر من كل هؤلء حتي يطلبوا … وربما ل يطلبون
ما يفيدهم وما يفيد غيرهم معهم
*******
إن كان الكاهن العادي يفتقد رعيته ،ويوفي احتياجاتها دون أن تطلب فكم بالولي
الله رئيس الكهنة العظم وراعي الرعاة
؟
*******
نعم كم بالولي الله " :راعي نفوسنا واسقفها " ) 1بط ( 25 : 2
الذي قال في حنوه ط أنا أرعي غنمي وأربضها -يقول السيد الرب –
وأطلب الضال ،واسترد المطرود ،وأجبر الكسير وأعصب الجريح
") حز . ( 16 ، 15 : 34
إنه يرعي شعبه ،لن هذا هو عمله ،وهذا هو حبه .
ولينظر أن ينبهه احد إلي هذا .إنما نحن نطلب ،لن هذا الطلب
يشعرنا ببنوتنا لله ،ويعمق الدالة بيننا وبينه ،ويعطينا فرحا ً داخليا ً
حينما تستجاب طلبتنا .ولهذا قال الرب لتلميذه :
" إلي الن لم يطلبوا شيئا ً باسمي .اطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم
كامل ً " ) يو . ( 24 : 16
*******
فرح الستجابة أو فرح الدالة ،هو الذي يجعلنا نطلب .
ولكن الله يمنحنا كل شئ ،حتي دون أن نطلب .وفي الكتاب
المقدس توجد أمثلة عديدة ،تثبت لنا هذه الحقيقة ،فلنحاول أن
نتأمل بعضها حتي يكون لنا من ذلك عزاء ،وحتي يكون لنا رجاء
باستمرار في يد الله الذي يعمل من أجل سعادتنا كأب وراع وخالق
…
*******
لوط :أنقذه الله مرتين دون أن يطلب ….
مرة حينما سبي مع أهل سادوم في حرب أربعة ملوك مع خمسة
ملوك التي وردت في ) تك ( 14ودون أن يطلب لوط ،حرك الله
قلب إبرآم عمه فجمع رجاله المدربين ،وأنقذه من السبي ،كما أنقذ
أهله و المدينة كلها .والمرة الثانية حينما قرر الله حرق سادوم .
ودون أن يطلب لوط أرسل الله له ملكين ،فأخذاه هو وأسرته بقوة
،وكانا يدفعانه إلي الخارج دفعا ً وهو متوان ) تك . ( 16 : 19وذلك
لشفقة الرب عليه ورغبته اللهية في أنقاذه .
*******
أن الله ل ينتظر حتي يصرخ النسان إليه ،وإنما … من أجل شقاء المساكين
وتنهد البائسين ،الن أقوم – يقول الرب – أصنع الخلص علنية ") مز . ( 11
لم يقل " من أجل صلواتهم وطلباتهم " ،وإنما من أجل حالتهم التي
رآها ،من أجل شقائهم وتنهدهم ،يقوم الرب ويصنع الخلص ،سواء
طلبوا أو لم يطلبوا لم يطلبوا ...وهكذا في كل مرة يري فيها الله
مذلة شعبه ) خر ، ( 7: 3يرسل لهم مخلصا ً يخلصهم ،كما فعل أيام
موسي وأيام جدعون ) ضق . ( 6وأنقذ إسحق من الذبح ،في
اللحظة الخيرة ،والسكين فوق رقبته ،دون أن يطلب ) تك … ( 22
*******
والله يشبع كل حي من رضاه ،دون أن يطلب … يرسل المطر و
الشمس ،ويعطي الطعام لكل ذي جسد ،حتي للملحدين الذين ل
يطلبون منه شيئا ً .ويعطي جمال ً لزنابق الحقل .إنه يمنح الكل من
أجل جوده وهو وخيريته ،وليس بسبب استحقاق الناس ول بسبب
طلبهم ..ونذكر في هذا المجال بعض النعم العظيمة التي منحها الله
:
إنها مواهب ما كان يحلم بها أحد ن وليس فقط أن يطلبها .ولعل
في مقدمة كل هذه المواهب :التبرير و التجديد ،والتقديس .وكل
ما نناله في المعمودية المقدسة .وكما قال بولس الرسول ":الذين
دعاهم ،فهؤلء بررهم أيضا ً .والذين بررهم فهؤلء مجدهم أيضا ً "
) رو . ( 30 : 8بل أننا نقف مذهولين أمام قول هذا الرسول :
" لنكم جميعكم الذين اعتمدتم للمسيح ،قد لبستم المسيح ") غل .( 27 : 3
وقوله أيضا ً إننا أعضاء جسد المسيح " ألستم تعلمون أن أجسادكم
هي أعضاء جسد المسيح ") 1كو . 15 : 6من ذا الذي يطلب ،أو
يفكر أن يطلب ،أن يكون جسده هو أعضاء المسيح ،أو أن يلبس
المسيح ؟! ولكن الله يهبنا دون أن نطلب .
*******
بل من كان يطلب أن يكون جسده هو هيكل الروح القدس ؟!
ولكن هوذا الرسول يؤكد لنا هذه الحقيقة ) 1كو ( 19 : 6ويكررها
أيضا ً قائل ً ":أما تعلمون أنكم هيكل الله ،وروح الله يسكن فيكم ")
1كو . ( 16 : 3إنها حقا ً هبة مقدسة معطاه لنا من الله ،دون أن
نطلب … كذلك أعطانا أن نكون شركاء الروح القدس ) 1كو : 13
( 14وشركاء الطبيعة اللهية ) 2كو ( 4 : 1في العمل زز كل ذلك
دون أن نطلب .
*******
وموهبة أخري اعطينا إياها أن نصير أولد الله .
أنظروا أيه محبة أعطانا الب ،حتي ندعي أولد الله " ) 1يو : 3
. ( 1بل أن ندعي أيضا ً أخوة المسيح .وأصبح هو ل يستحي أن
يدعونا أخوة ) عب .( 12 ، 11 : 2وهناك موهبة أخري عظيمة جدا ً
أعطينا إياها في العهد الجديد وهي :
*******
اعطينا أيضا ً سر الفخارستيا ن دون أن نطلب …
في ساعة لم يكن يتوقعها التلميذ ،وهبهم المسيح سر الفخارستيا
) متي . ( 28 – 26 : 26أعطانا أن نأكل جسده ونشرب دمه ) يو : 6
( 56 -54لكي نثبت فيه وتكون لنا فيه حياة .أكنا نتخيل أن نطلب
طلبا ً كهذا .ولكنها منحة مجانية فوجئنا بها ،كسائر نعم الله التي
يهبها حسب عمق جودة ،دون أن نطلب .
أقصي ما كانت تطلب القديسة اليصابات ،أن يكون لها ابن .ولعلها
نسيت هذه الطلبة بعد أن شاخت ،بل أن زوجها زكريا الكاهن
استصعب هذا المر حينما بشره به الملك ولم يصدقة ) لو (18 : 1
كأن أوان طلبه قد فات .
ولكن الرب وهب زكريا و اليصابات ،أعظم من ولدته النساء
وهبهما هذا المر العظيم دون أن يطلباه .وهبهما الملك الذي يهيئ
الطريق قدامه ) مر . ( 2 : 1وهبهما إنسانا ً يكون عظيما ً أمام الرب ،
ومن بطن أمه يمتلئ من الروح القدس ،ويتقدم امام الله بروح إيليا
وقوته ) لو . ( 17 – 15 : 1وهبهما إنسانا ً قال عنه المسيح إنه "
أعظم من نبي " و أنه " لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من
يوحنا المعمدان ") متي . ( 11-9 : 11
كل هذا ما كانت تطلبه اليصابات ،ول طلبه زكريا ..
*******
أنه عظم كرم الله الذي يعطي بسخاء فوق ما نطلب … مهما طلبنا
ستكون طلباتنا أقل بكثير من مستوي جود الله وكرمه ،الذي يعطي
بسخاء .
كل ما تطلبه العاقر أن يكون لها ولد .ولكن الرب يقول لها في سفر إشعياء
النبي ":أوسعي مكان خيمتك ،ولتبسط شقق مساكنك … لنك تمتدين إلي
اليمين وإلي اليسار .ويرث نسلك أمما ً ،ويعمر مدنا ً خربة ") إش . ( 3 -1 : 54
كل هذا يعطيه لها دون أن تطلب .
ألعل هذا يشير إلي كنيسة المم العاقر التي لم تطلبه ؟!
أو ألعل هذا يشير إلي أيه أقلية ضئيلة ،أو إلي أيه نفس خالية من
الفضائل ،عاقرا ً من جهة عمل الروح فيها !..
*******
ومثال أخر تلك الخاطئة المدوسة بدمها في سفر حزقيال .
لعل كل ما كانت تطلبه أن يغسلها الرب فتطهر ،مجرد أن تتوب و
يقبل توبتها أما الرب الحنون الكريم في عطاياه فيقول لها ":حليتك
بالحلي … ووضعت تاج جمال علي رأسك … وجملت جدا ً جدا ً فصلحت
لمملكة .وخرج لك أسم في المم لجمالك ،لنه كان كامل ً ببهائي
الذي جعلته عليك يقول السيد الرب") حز . ( 14-11 : 16
إنها درس في الرجاء .التي لم تنتظر شيئا ً ،نالت كل شئ …
إن الله ل يستح من بنوتنا له ،إن وجد نفوسنا مطروحة علي
الحقل ،مدوسة بدمها ،عارية ومكروهة ) حز . ( 6 ، 5 : 16بل إنه
يغسلنا و يطهرنا ،وينزع عنا عارنا ،فنصير له ،ويطرح علينا بهاءه
… ويضع تاج جمال علي رؤوسنا … حقا ً ما أعظم الرجاء بالرب .
*******
ً
إن الله ل يعطي بمكيال ،بل يسكب سكبا ،بسخاء ،إنه يفتح لنا كوي
السماء ،ويفيض علينا بركه ل توسع ) مل ( 10 : 3حتي نقول له :
كفانا كفانا … كل هذا دون أن نطلب …
إنه ل يغسل الخاطئ فقط ،بل يجعله أبيض من الثلج …
لم يسمح فقط بقبول البن الضال ،بل اغدق عليه من كرمه وحنوه ،
حتي جعل خاتما ً في اصبعه ،والبسوه الحلة الولي ،وذبحوا له
العجل المسمن ،وأقاموا فرحا ً برجوعه ) لو . ( 23 ، 22 : 15أكان
هذا البن يطلب شيئا ً من هذا كله ،وهو الذي فكر أن يقول لبيه "
إجعلني كأحد أجرائك ") لو .( 19 : 15ولكن أباه اعطاه كل هذا دون
ان يطلب ،وفي وقت كان يستحي فيه أن يطلب شيئا ً …
إن الله ل يعطي من أجل طلباتنا أو استحقاقنا … إنما يعطي من أجل جوده
وكرمه ،وزمن اجل احتاجاتنا .
طبعه هكذا كريم وحنون وطيب .وطبعه هذا يغرس في قلوبنا الرجاء
مهما كان حالنا ،ومهما كنا غير مستحقين لشئ .وقصص الكتاب ل
تنتهي في هذا المجال ،إنما نحن نذكر منها مجرد مثال أو بعضا ً من
مثال …
*******
يوسف الصديق كل ما كان يطلبه أن يخرج من السجن … ولكن الله جعله الوزير
الول في مصر و الثاني في المملكة …
أكان يوسف الصديق يطلب هذا أو يحلم به ،كل بل شك .ولكن الله
الحنون يعطي دائما ً دون أن نطلب .وقصة يوسف تبعث الرجاء في
كل قلب … هذا الذي ساءت حالته إلي أبعد حد وبيع كعبد ،وإلقي
في السجن ،وطالت به المدة في سجنه ،ولحقته تهمة هو برئ
منها … ومع ذلك أصلح له الله كل أموره ،وأعطاه ما لم يخطر له
علي بال …
*******
ويظهر كرم الله وعطاياه في مواعيده العجيبة .
هذا الذي قال ":ها أنا معكم كل اليام وإلي أنقضاء الدهر ") متي
" ( 20 : 28حيثما اجتمع إثنان أو ثلثة باسمي ،فهناك أكون في
وسطهم ") متي . ( 20 : 18إنه يعطينا هذه الوعود المعزية كلها
دون ان نطلب .
ً
وتظهر محبة الله لنا أيضا في دعوته اللهية .
كل تلميذ المسيح اعطاهم شرف الرسولية ،دون أن يطلبوا ..أكان يطلب
هذا بطرس واندرواس وهما مشغولن بالصيد و الشباك ؟! أكان
يطلب هذا متي وهو في مكان الجباية ؟! … وهكذا كل الباقين .
والرب قد وضح هذا المر حينما قال لتلميذه " :لستم أنتم
اخترتموني ،بل أنا أخترتكم ،وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر ،ويدوم
ثمركم ") يو . (16 : 15
*******
وكذلك ايضا ً النبياء نالوا جميعهم النبوة ،دون أن يطلبوا …
داود ،وهو صبي صغير يرعي الغنيمات القليلت في البرية ،أكان
يفكر أو يطلب أن يصير مسيح الرب ،وأن يختاره الرب دون أخوته
الكبار ودون كل الشعب ليصير نبيا ً له ..أما اختاره الله دون أن
يطلب ؟! وكذلك أرمياء الصغير الذي قال ":ل أعرف أن اتكلم لني
ولد " أكان يحلم أن يصير نبيا ً للشعوب ،او اكن يطلب هذا .أم أن
الله دعاه دون ان يطلب ؟! وهكذا إبراهيم أبو الباء ،الله هو الذي
دعاه ) تك ( 1 : 12و بالمثل كل النبياء ،الذين انطبق عليهم قول
الكتاب " :الذي سبق فعرفهم ،سبق فعينهم ...والذين سبق
فعينهم ،هؤلء دعاهم أيضا ً " ) رو ( 30 ، 29 : 8هو الله الذي اختار
كل هؤلء دون أن يطلبوا …
*******
ومثال واضح جدا ً هو شاول الطرسوس الذي كان يضطهد الكنيسة .
أكان شاول يفكر أن يصير رسول ً من رسل المسيح ؟! مستحيل .بل
إنه كان يقاوم المسيحية بافراط .ومع ذلك نقرأ ان السيد المسيح
ظهر له في الطريق دمشق ،ودعاه دون أن يطلب ،وأختاره رسول ً
للمم .ونسمع الروح القدس يقول للرسل " :افرزوا لي برنابا
وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه " ) اع .( 12 : 13
*******
وبالمثل ،هل كانت راعوث تفكر ان تكون جدة للمسيح ؟!
قطعا ً ما كان يخطر لها هذا ببال ،وهي إمرأة أممية غريبة الجنس !
ولكن الله " يدعو الشياء غير الموجودة كانها موجودة " ) رو : 4
. ( 17أل يعطي هذا الرجاء للناس ؟!
*******
وأكثر من هذا راحاب .أكانت تطلب أن تصير جدة للمسيح ؟!
لعل اقصي ما كانت تطلبه المان لنفسها ولهلها في وقت اقتحام
أريحا .أما أن تصير ضمن شعب الله ،فقد كان هذا كثيرا ً عليها جدا ً .
ولكن أن تصير جدة للمسيح فهذا لم تطلبه اطلقا ً ،بل لم يخطر
علي بالها ،ولم تحلم به ولكن الله الحنون يعطي دون أن نطلب .
يحتاج المر أن نؤمن بمحبة وكرمه واهتمامه بنا
القديسون ليمانهم بأن الله يعطي دون ان نطلب ،كانوا يخجلون أن يطلبوا
شيئا ً .طلبتهم الوحيدة كانت هي الله نفسه …
ولهذا يقول داود النبي في صلته ":طلبت وجهك ،ولوجهك يارب
التمس .ل تحجب وجهك عني ") مز . ( 26ويقول في نفس
المزمور " واحدة طلبت من الرب وإياها التمس ،أن أسكن في بيت
الرب كل أيام حياتي ،لكي أنظر نعيم الرب واتفرس في هيكله
") مز . ( 26أما باقي المور فهي بسيطة يقضيها لنا الرب دون أن
نطلب أليس هذا هو ما قاله لنا السيد الرب :
" اطلبوا أول ً ملكوت الله وبره .وهذه كلها تزاد لكم " ) متي ( 33 : 6لم
يقل ":وهذه تطلبوها بعد ذلك " وإنما قال :هذه تزاد لكم .أي
يعطيها الله لكم دون أن تطلبوا ولهذا أيضا ً كانت كل طلبتنا في
الصلة الربية ،هي صوات روحية تتعلق بملكوت الله وبره .والباقي
يزاد لنا من الله دون أن نطلب .هو يعلم اننا نحتاج إلي هذه كلها ،
فيعطيها لنا من عنده كأب شفوق يعرف احتياجات اولده ،دون أن
يجشمهم اللحاح عليه في طلبها …
*******
ومع ذلك ،اعطي الله الضعفاء أن يطلبوا ما يشاءون …
اطلبوا تجدوا ) متي ( 7 : 7فتفرح قلوبكم بالله الذي يعطي ،ويزداد
إيمانكم به .وكلما تعمق إيمانكم في أن الله يعطي كل شئ ،حينئذ
سوف ل تطلبون سوي الله وحده ،وملكوته وبره … " أطلبوا
تأخذوا ،لكي يكون فرحكم كامل ً ") يو . ( 24 : 16وكل طلبه
يسمعها الله منكم يتقبلها بحنو ،كما من أفواه أطفاله الصغار .
عجيب هو إلهنا الحنون ،المعطي ،والمستجيب لطلبه أولده .
*******
أن الذي يؤمن بالله وعطائه ،ينام في حضن الله ويستريح ..
ويكون واثقا ً أن الله يدبر له كل شئ .زز كما كان بطرس نائما ً في
السجن مطمئنا ً إلي عمل الله من أجله .وكان نومه ثقيل ً لدرجه أن
الملك الذي انقذه ، ،لكزه أول ً وأيقظة ) أع ( 7 : 12بينما كان
هيرودس مزمعا ً أن يقتله ) أع . ( 4 : 12ومع ذلك نام ،واثقا ً أن الله
مستيقظ وساهر علي خلصه .ولهذا أيضا ً نسمع داود النبي يقول
في المزمور :
" الرب يرعاني ،فل يعوزني شئ ") مز ( 1 : 23ومادام ل عوزه شئ ،إذن
فهو ل يطلب ،لن الله لم يتركه معوزا ً شيئا ً يطلبه ولهذا نقول نحن
أيضا ً في القداس الغريغوري ":لم تدعني معوزا ً شيئا ً من أعمال
كرامتك ".
*******
فإن قال لك الله ماذا تطلب ،أتراك تجيب قائل ً :
وهل تركت لي شيئا ً أطلبه ؟! إنني لو قضيت عمري كله شاكرا ً ،فلن يكفي .
لذلك أن رأيتني يار ب احتاج شيئا ً ،أعطني إياه .
إنك اغرقتني بعطاياك ،وأعطيتني فوق ما أطلب .ولم تدعني معوزا ً
شيئا ً … كما إنك أدري بما ينقصني ،إن كان هناك شئ ينقصني .
عملي الوحيد هو أن أشكر وان أسبحك علي كرمك ،ل أن أطلب ...
*******
ولعل البعض يسأل :ماذا إذن عن الضيقات ؟ نقول :إن أولد المؤمنين
برعايته وعطاياه ،ل ينزعجون ول يقلقون .ويرون أنه مادام المر في يد الله ،
فهذا يكفي ….
هذا يكفي لطمئنانهم وسلمهم .لنه ل يوجد أحب من الله لهم ،ول
يوجد من هو أكثر عناية منه بهم .مادام الله قد تسلم كل أمورهم ،
لم يعد لهم شئ يقولونه أو طلب يطلبونه .
*******
يكفي للنسان أن يطلب محبة الله ،لنه يريد قلوبنا .
هو ل يرغمنا علي محبته .يريدنا أن نحبه برضانا .وأن احوجتنا
المحبة نطلبها منه .وهو يسكبها في قلوبنا بالروح القدس .إنه ل
يرهبنا بلهوته ،بل يجذبنا بمحبتها ويريدنا أن نبادله حبا ً بحب ،لذلك
يقول ":يا أبني اعطني قلبك ") أم ( 23والذي تملك محبة الله علي
قلبه ،ل يشتهي في العالم شيئا ً ليطلبه .
بل هو يقول للرب ":معك ل أريد شيئا ً علي الرض ") مز ( 25 : 23
ويقول مع القديس بولس الرسول " :خسرت كل الشياء وانا
أحسبها نفاية ،لكي أربح المسيح وأوجد فيه ") في . ( 9 ، 8 : 3
*******
هذا هو طلبك الوحيد :الله ومحبته وملكوته وبره ،وكفي وكل المور
الخري ،يمتلئ قلبك بالرجاء أن الله سيحلها دون أن تطلب .هو
يعلم ما تحتاجه ،له المجد في محبته ورعايته .
*******
هناك أسباب جوهرية … تجعل عمل الله معنا ضرورة :
منها قول الرب " ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدي إلي
الحياة … وقليلون هم الذين يجدونه " ) متي ، ( 14 :7فإن كان المر
هكذا ،فإن العدل اللهي يقتضي أن توجد معونة إلهية ،يمكننا بها
أن نجتاز الباب الضيق … ولهذا يقول الرب :
" بدوني ل تقدرون أن تفعلوا شيئا ً ") يو :( 5 : 15
مادام المر هكذا ،إذن لبد أن يكون الله معنا في كل عمل نعمله ،
وإل فإننا سنقف عاجزين تماما ً في كل ما تكافح فيه ارادتنا سواء
في الجهاد ضد الخطية ،أو في خدمتنا للملكوت ،أو في اكتساب أيه
فضيلة .
ً
وبخاصة لننا مطلبون بالقداسة ومطلبون أيضا بالكمال … إذ يقول الكتاب " نظير
القدوس الذي دعاكم ،كونوا أنتم أيضا ً قديسين في كل سيرة لنه
مكتوب :كونوا قديسين لني أن قدوس " ) 1بط ( 16 ، 15 : 1نحن
لسنا مطالبين بالقداسة فقط ،بل أيضا ً بالكمال في هذه القداسة
.ز .وذلك حسب قول الرب " كونوا أنتم كاملين ،كما أن أباكم الذي
في السموات هو كامل ") متي ( 48 : 5ولكي نصل إلي القداسة و
الكمال ،لبد بالضرورة أن معونة إلهية تحملنا في الطريق .
*******
يضاف إلي هذا أن عدونا قوي … وحيله كثيرة وماكرة .
قال عنه الكتاب " ابليس عدوكم مثا أسد زائر … فقاوموه راسخين
في اليمان " ) 1بط . ( 9 ، 8 : 5تري بأي إيمان نقاومه ؟ باليمان
أن الله هو الذي يغلبه في حربه معنا . ..كما قيل في سفر أيوب "
الله يغلبه ل النسان ") أعي . ( 13 : 32نعم إننا ل نستطيع بغير
عمل الله معنا أن نغلب تلك الخطية التي قيل عنها إنها طرحت
كثيرين جرحي ،وكل قتلها أقوياء " ) أم ( 26 : 7الضرورة إذن
تلزم وجود معونة لنه بالضافة إلي قوة عدونا طبيعتنا أيضا ً ضعيفة .
وهكذا فإن داود النبي في حديثة عن عظم مغفرة الله ،يقول " لنه
يعرف جبلتنا يذكر أننا تراب نحن " ) مز . ( 14 : 103ويقول في
كثير من مزاميره " ارحمني يارب فإني ضعيف ") مز . (2 : 6هذا
الضعيف الذي بسببه تحدث الكتاب عن أخطاء النبياء … فإن كان
هؤلء العظام قد أخطأوا ،فماذا يحدث لنا ،أن لم تسندنا معونة الله
… وهي لبد تفعل ،حسب قول الرسول :
" حيث كثرت الخطية ،ازدادت النعمة جدا ً ") رو .( 9 20 : 5
نعم تزداد النعمة ،لكي تنقذنا من هذه الخطية ...وهكذا يصرخ داود
النبي إلي الرب ويقول " وانت يارب عرفت سبلي ..في الطريق
التي أسلك ،اخفوا لي فخا ً … تأملت عن اليمين وأبصرت ،فلم يكن
من يعرفني .ضاع المهرب مني ،ولي سمن يسأل عن نفسي …
فصرخت إليك يارب وقلت انت هو رجائي وحظي في أرض الحياء ..
نجني من الذين يضطهدونني لنهم قد اعتزوا اكثر مني ") مز ( 141
وأحمني من قوتهم ومن ضعفي .
*******
ومن ضعف الطبيعة البشرية :الجهل و الشهوة وعدم الرادة .
أحيانا ً يجهل النسان الطريق إلي الله ،يجهل الوسيلة التي بها
يخلص .لهذا يقول المرتل في المزمور " علمني يارب طرقك …
فهمني سبلك ") مز "( 119علمني يارب الطريق التي اسلك فيها …
علمني أن اصنع مشيئتك ") مز ( 143ويتغني بارشاد الرب فيقول :
" الرب صالح ومستقيم … لذلك يرشد الذين يخطئون في الطريق …
يعلم الودعاء طرقه ") مز ( 25إذن لبد ان يتدخل الله ،ليرشد
النسان في الطريق .
والنسان قد يعرف … ومع ذلك إرادته ل تساعده .
أما أنه ل يريد الخير ،بسبب محبته للخطية ،وإما انه يريد ول
يستطيع … وهكذا يقول القديس بولس الرسول " إني اعلم أنه ليس
ساكنا ً في – أي في جسدي – شئ صالح .لنه الرادة حاضرة عندي ،
وأما ان أفعل الحسني فلست اجد ،لني لست افعل الصالح الذي
أريده ،بل الشر الذي لست أريده فإياه أفعل ..لست بعد أفعله انا
بل الخطية الساكنة في " ) رو . ( 20 – 18 : 7
لذلك فإن الله – بنعمته يعمل في النسان .
وهكذا فإن القديس بولس الرسول ينسب كل ما يعمله إلي نعمة الله
العاملة فيه فيقول " ولكن ل أن ،بل نعمة الله التي معي " …"
ولكن بنعمة الله انا ما أنا …" ) 1كو … ( 10 : 15ولهمية النعمة … فإن
الباء الرسل يبدأون بها رسائلهم .هكذا في رسائل القديس بولس تتكرر
في مقدمتها عبارة " نعمة لكم وسلم ") رو 1، 7 : 1كو 2 ، 3 : 1
كو ( 3 : 1غل ، 3 : 1أف ، 2 : 1في ..( 2 : 1و القديس بطرس
الرسول يقول في بدء رسالتيه لتكثر لكم النعمة و السلم ) 1بط
2 ، 1 : 1بط ، ( 2 : 1والقديس يوحنا يقول للسبع الكنائس في
مقدمة سفر الرؤيا " نعمة لكم وسلم " ) رؤ ( 4 : 1ويميز النعمة
التي نلناها في العهد الجديد بقوله الجديد بقوله " لن الناموس
أعطي … وأما النعمة و الحق ،فبيسوع المسيح صارا ") يو : 1
. ( 17
هذه النعمة هي قوة من الله تعمل معنا وفينا .
وهي أيضا ً التي كانت تعمل في آبائنا الرسل ،حتي امكنهم ان
يقوموا برسالتهم ،ويشهدوا للرب " وبقوة عظيمة كانوا يؤدون
الشهادة … ونعمة عظيمة كانت علي جميعهم ") أع ( 33 : 4و
القديسة الطاهرة العذراء مريم ،حياها الملك بعبارة " ،سلم لك
أيتها الممتلئة نعمة الرب معك ") لو . ( 28 : 1
*******
الله يعمل فينا بنعمته … وبشركة روحه القدوس .
فالروح القدس يشترك معنا في العمل ،ويعطينا قوة … ولذلك
السيد المسيح لتلميذه القديسين " ولكنكم ستنالون قوة متي حل
الروح القدس عليكم ،وحينئذ تكونون لي شهودا ً ") أع . ( 8 : 1
وبهذا كانت " شركة الروح القدس " بركة توهب للمؤمنين إذ يقول
القديس بولس الرسول في آخر رسالته الثانية إلي أهل كورنثوس "
نعمة ربنا يسوع المسيح ومحبة الله ،وشركة الروح القدس مع
جميعكم ") 2كو ، ( 14 : 13وهذه هي البركة التي تمنحها الكنيسة
لولده في أخر كل اجتماع .
*******
وبالضافة إلي شركة الروح القدس ،يقول لنا السيد المسيح :
" ها أنا معكم كل اليام وإلي أنقضاء الدهر ") متي . ( 20 : 28
إنه وعد عظيم يمنحنا رجاء أن يكون الرب معنا كل اليام .ويقول
أيضا ً " حيثما اجتمع إثنان أو ثلثة بإسمي فهناك أكون في وسطهم
") متي . ( 20 : 18وقد صور لنا سفر الرؤيا السيد الرب في وسط
الكنائس السبع ورعاة هذه الكنائس عن يمينه ) رؤ : 16 ، 13 : 1
. ( 20إنه معنا ،يعمل فينا ،ويعمل بنا ،ويعمل معنا … هذا عن
البن ،وماذا عن الب ؟ يقول الرب :
" أبي يعمل حتي الن ،وأنا أيضا ً أعمل ") يو . ( 17 : 5
إن عمل الله لم ينته بالخلق ،حينما استراح الله في اليوم السابع !
فالله يعمل باستمرار يري كل شئ ويرقب ،كضابط للكل ..وهو
يعمل في رعاية هذه البشرية ،ويسند ويساعد ويعين ويحفظ … وقد
قيل عن الباء الرسل " فخرجوا ،وكرزوا في كل مكان .والرب
يعمل معهم ،ويثبت الكلم باليات التابعة ") مر . ( 20 : 16وقال
داود النبي عن عمل الرب " ما أعظم اعمالك يارب … كلها بحكمة
صنعت " ) مز . ( 24 : 104
الثالوت القدوس إذن يعمل معنا ،وتعمل معنا ملئكته .
قال الرسول عن الملئكة ،أليسوا جميعا ً أرواحا خادمة مرسلة
ً
للخدمة لجل العتيدين أن يرثوا الخلص ") عب ( 14 : 1ملك من
السارافيم طار بسرعة وأخذ جمرة من علي المذبح ومسح بها شفتي
اشعياء النبي لما سمعه يقول " ويل لي قد هلكت ،لني إنسان
نجس الشفتين ") اش ( 7 – 5 : 6وملك آخر وقف يدافع عن يهوشع
الكاهن لما رأي الشيطان وقال له " لينتهزك الرب ") زك .( 2 : 3
ويعوزني الوقت إن تحدثت عن عمل الملئكة من أجل البشر بأمر من
الرب :مثل قول دانيال النبي " إلهي ارسل ملكه فسد أفواه السود
") دا ، ( 22 : 6ومثل انقاذ الملك لبطرس من السجن ) أع ( 12
ومثل قول الكتاب " ملك الرب حال حول خائفيه و ينجيهم ") مز 34
. ( 7 :ومثل قول الكتاب عن عمل الله من أجلنا في ضيقتنا " في
كل ضيقهم تضايق وملك خلصهم ") )اش ( 9 : 63
*******
الله يعمل لجلنا في كل ضيقاتنا وتجاربنا …
إنه يقول لكل منا " ل أهملك ول أتركك ،تشدد وتشجع .لترهب ول
ترعب لن الرب إلهك معك حيثما تذهب ") يش . ( 9 ، 5 : 1وقال
لرمياء النبي " ل تخف من وجوههم لني أنا معك لنقذك ") أر 8 : 1
( .وقال القديس بولس الرسول " ل تخف ،بل تكلم ول تسكت ،
لني أنا معك .ول يقع بك أحد ليؤذيك " ) أع . ( 10 ، 9 : 18
*******
حتي في الكلم ،الله يكون معنا ،ليتكلم علي ألسنتنا .
إنه يقول لنا " ل تهتموا كيف أو بما تتكلمون ،لنكم تعطون في تلك
الساعة ما تتكلمون به لن لستم انتم المتكلمين ،بل روح أبيكم الذي
يتكلم فيكم " ) متي . ( 20 ،19 : 10وبولس الرسول يطلب طلة
أهل أفسس لكي يعطي له كلم عند افتتاح فمه ) أف ، ( 19 : 6
وداود النبي يقول " افتح يارب فتي ،لكي يخبر فمي بتسبيحتك
") مز ( 50وأرمياء النبي قال له الرب " ها قد جعلت كلمي في
فمك " ) ار .( 9 : 1
*******
ومن جهة التوبة ،الله هو الذي يعمل فينا لنتوب ،لذلك يقول الكتاب :
" توبني فأتوب ،لنك أنت الرب إلهي ") ار ( 18 : 21
روح الله هو الذي يبكتنا علي خطية )يو ( 8 : 16وهو الذي يرشدنا
إلي طريق البر .والمرنم يقول عن عمل الرب في التوبة "
انضج علي بزوفاك ،فاطهر واغسلني فأبيض أكثر من الثلج " ) مز
. ( 50ونحن نصلي في قداستنا ونقول " طهر نفوسنا وأجسادنا
وأرواحنا " ) والله هو الذي منحنا في المعمودية غسيل الميلد الثاني
) تي . ( 5 : 3ووعدنا في سفر اشعياء بهذا التطهير ) اش : 1
، ( 18وكذلك في سفر حزقيال ) حز ( 25 : 36ومن العبارات التي
تستحق شيئا ً من التأمل قول المرتل في المزمور :
" قلبا ً نقيا ً أخلق في يا الله وروحا ً مستقيما ً جدده في أحشائي ")مز ( 50
إذن فوجد هذا القلب النقي هو من عمل الله ،يخلقه خلقا ً من ل
شئ ،ويجدد الروح … ويقول الرب في سفر حزقيال " وأعطيكم
قلبا ً جديدا ً ،وأجعل روحا ً جديدا ً في داخلكم … وأجعل روحي في
داخلكم … وأجعلكم تسلكون في فرائضي .وتحفظون احكمي
وتعلمون بها " ) حز ( 27 ، 26 : 36واضح أنه عمل الرب فينا .
*******
" أنه الله الذي يريد أن الجميع يخلصون وإلي معرفة الحق يقبلون " ) 1تي 4 : 2
(.
وهو ل يريد فقط ،وإنما يريد ويعمل علي خلصنا .وهو الذي دبر
طريقة الفداء و الكفارة … وهو الذي أخلي ذاته وتجسد … هو الذي
أحب " أحب العالم حتي بذل إبنه الوحيد ،لكي ل يهلك كل من يؤمن
به ،بل تكون له الحياة البدية ") يو .( 9 14 : 3
*******
هو الذي أعطي الرسل المصالحة … ليصالحونا معه .وفي ذلك يقول
القديس بولس الرسول "… الله الذي صالحنا لنفسه بيسوع المسيح
وأعطانا خدمة المصالحة … إذن نسعي كسفراء عن المسيح ،كأن
الله يعظ بنا … نطلب عن المسيح :تصلحوا مع الله ") 2كو ، 18 : 5
. ( 19
*******
هو الذي قال :أنا واقف علي الباب وأقرع ) رؤ . ( 20 : 3
إنه يقرع علي باب كل نفس ويبحث عن خلص علي كل نفس ،كما
بحث عن الخروف الضال و الدرهم المفقود ) لو ( 15وهو من أجل
هذا الخلص أرسل النبياء و الرسل ،والرعاة و المعلمين ،وارسل
لنا كلمه بالوحي اللهي .
الله أيضا ً يعمل لجلنا بالحفظ اللهي …
وبهذا يتغني المرتل فيقول في المزمور " لول أن الرب كان معنا
حين قام الناس علينا لبتلعونا ونحن احياء … مبارك الرب الذي لم
يسلمنا لسنانهم … نجت أنفسنا مثل العصفور من الصادين " ) مز
، ( 123وداود النبي يقول لجليات " الحرب للرب ،وهو يدفعكم ليدنا
") 1صم .( 47 : 17وموسي النبي قال للشعب " قفوا وانظروا
خلص الرب … .الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون ") خر ، 14 : 4
. ( 14
إن الشيطان يريد أن يوقعنا في اليأس …بأن ينسينا عمل الله من أجلنا .
ومن السهل أن نرد عليه .إن قال لنا ان طريق الرب صعبة نقول له
يكفي أن الله معنا في الطريق ...وهو يجعل الصعب سهل ً …وإن
قال لواحد منا أن نفسك ل تريد التوبة ،نقول له :يكفي أن الله
يريدها لنا وهو ل شك سيقودنا إليها … وإن أخفنا من العداء
الكثيرين نقول له :إن الذين معنا أكثر من الذين علينا .
*******
إن الله يعمل لجلنا .ولكن يجب علينا الستجابة له … و الشركة معه .
وفي هذا يقول الرسول "،إن سمعتم صوته ،فل تقسوا ققلوبكم ")
عب ( 8 : 3الله يعمل … ولكن ينبغي أن نشترك معه في العمل ...
هو يرسل روحه القدوس لجل تقويتنا ،وارشادنا .ولكن ينبغي لنا
أن ندخل في شركة الروح القدس .
وبهذا يكون الخلص هو نتيجة عمل الله فينا ...ومعه قبولنا لهذا العمل …
واشتراكنا مع الروح في وسائط النعمة .
وكل ذلك يبعث الرجاء في النفس .ولكن …
لعل إنسانا ً يقول إنني طلبت من الله وهو لم يستجب ! ومازلت في
ضيقة ،والله لم يتدخل ! فأين الرجاء إذن ؟ لمثل هذا النسان ،قال
المرتل في المزمور :
" انتظر الرب .تقو وليتشدد قلبك ،وأنتظر الرب ") مز . ( 27
عن محاضرتين ألقيتا في الكاتدرائية الكبري بدير النبا رويس بالقاهرة أحدهم
مساء الجمعة 1976 / 12 : 10م /والثانية نساء الجمعة 2/5/1980م
ل شك أن الله يعمل ويعمل في هدوء ،من أجل كل مخلوقاته ،كراع
صالح للجميع ،يريد الخير للكل .
غير أن البعض إذا تعبوا ،أو إذ ظنو أن الله قد تأخر عليهم ،يخيل إليهم أنه ل
يعمل !!
يظنون هذا خلل مشاكلهم ،بينما يكون الله في عمق العمل من
أجلهم ،وهم ل يعملون .أو أن هؤلء يعوزهم ان ينتظروا ليروا عمل
الرب ،أو ليروا نتيجة عمله علي وجه أصح … ليروا بالعيان ما كان
يجب ان يصدقوه باليمان … " انتظر الرب .تقو و ليتشدد قلبك ،
وانتظر الرب ") مز . ( 27، 26
*******
ب -رجاؤك أيضا ً في انتظار الرب ،يرتكز علي إيمانك بحكمته :
حكمته غير محدودة ،التي هي فوق مستوي تفكيرك ،وفوق مستوي
تفكيرغيرك الحكمة التي تعرف ما هو الخير لنها تري كل شئ ،
وتبصره مال تبصره أنت هذه الحكمة التي أدركها أيوب الصديق
أخيرا ً ،فقال " قد نطقت بما لم أفهم .بعجائب فوقي لم أعرفها ")
أي . ( 3 : 42تأكد إذن أن الله يدبر امورك بحكمة ،سواء فهمتها أم
لم تفهمها … سلم قلبك لحكمته وانتظر …
*******
ج – رجاؤك أيضا ً في انتظار الرب ،يرتكز علي إيمنك بمواعيده :
مواعيده التي قال فيها " ها انا معكم كل اليام وإلي انقضاء الدهر
") متي . ( 20 : 28إن نسيت الم رضيعها أن ل أنساكم ) اش : 49
" ( 15نقشتكم عب كفي ) اش . ( 16 : 49ط تشدد وتشجع ل
ترهب ول ترتعب .لن الرب إلهك معك حيثما تذهب ") يش " ( 9 :1
ل يقف إنسان في وجهك كل أيام حياتك ") يش " ( 5 :1أنا معك ول
يقع بك أحد ليؤذيك ") أع . ( 10 : 18
الذي ييأس من انتظار الرب ب ،قد يلجأ إلي الطريق البشرية .يعتمد
علي الذكاء أو المكر و الدهاء .كما فعلت رفقة ،عندما ظنت أن
الوقت قد فلت ،وسوف تضيع البركة التي وعد بها ليعقوب ) تك
، ( 23 : 25فلجأت إلي طريق بشري ،خدع فيه يعقوب أباه القديس
اسحق ) تك . ( 27وأيضا ً أبونا ابراهيم لما يئس من انتظار الرب ،
لجأ إلي الطرق البشرية ،فأخذ هاجر لتلد له ثم عاد ابراهيم واخذ
قطورة ) تك . ( 1 : 25وكانت طرقا ً مرفوضة من الرب .
*******
و البعض حينما ييأس من انتظار الرب ،قد يلجأ إلي السحرة و العرافين ،وإلي
طرق بشرية كاللجوء إلي استشارة الموتي !!
المر الذي اعتبره الرب من رجس المم .وقال في ذلك "… ل تتعلم
أن تفعل مثل رجس تلك المم .ل يوجد فيك من يجيز إبنه او تبنته
في النار ،ول من يعرف عرافة ،ول عائف ،ول متفائل ،ول ساحر .
ول من يرقي رقية ،ول من يسأل جانا ً ول تابعة ول من يستشير
الموتي .لن كل من يفعل ذلك مكروه عند الرب ") تث ( 12-9 : 18
كلها طرق بشرية مرفوضة من الله .وبعضها طرق شيطانية .
ومثل ذلك من يلجأ إلي التنويم المغناطيسي ،وما يعرف بالسلة .ومن يؤمن
بالعمل وإبطاله ،ومن يلجأ إلي من يقرأ الفنجان ،ومن يقرأ الكف ،ومن "
يضرب الرمل " ومن " يعرف البخت " ،وأمثال هذه الطرق …
ً
إن الله يريدك أن تكون تحت قيادته :تأخذ معرفتك منه .وكثيرا ما
تغني داود النبي بأن خلصه من عند الرب أو أن الرب نفسه قد صار
له خلصا ً .والعجيب أن بعض الذين يلجأون إلي هذه المور يريحون
ضمائرهم الثائرة عليهم أو ضمائر الناس الساخطة عليهم ،بأن هذه
المور تدخل تحت نطاق العالم ،وأن الكنيسة ل يجوز لها أن تقاوم
العلم !!
*******
في الكتاب المقدس يقول الرب إن استشارة الموتي هي من رجس المم ،وأنها
مكروهة عند الرب ،فيقول البعض إنها علم ،ول يجوز للكنيسة أن تقف ضد العلم
!!
الله ل يتأخر مطلقا ً .عبارة " تأخر " هنا لها معني نسبي ،بالنسبة
إليك ! وكذلك عبارة " ل تبطئ " ) مز .( 69أي ل تجعلني أشعر أنك
قد أبطأت علي وتأخرت !
ً
إن الله يعمل بطريقة هادئة متزنة ،قد نحسبها نحن بطئا .
كل أعمال الله تكون في وقتها المناسب .ل سرعة فيها ول تأخير .
وتوقيتها محسوب بحكمة إلهية عجيبة ،بكل دقة .
*******
لقد وعد الله آدم وحواء بالخلص … ومرت آلف السنوات …
قال لهما أن نسل المرأة سوف يسحق رأس الحية .ومرت آلف
السنوات ،والحية ل تزال رافعة رأسها في شموخ ! وبدا أن نسل
المرأة في انهيار ستمر ...حتي أن الله اغرق العالم بالطوفان ،
وأحرق سادوم بالنار ،وأمر الرض أن تفتح فاها لتبتلع قورح ودثان
وابيرام … وبقي وعد الله قائما ً …
هلك هذا النسل .ولو !! لنا رجاء في نسل آت للخلص ..
كان الرجاء معلقا ً في أولد نوح .أفسد أغلبهم ؟! يبقي الرجاء في
أولد إبراهيم .أفسد أغلبهم ؟ يبقي الرجاء في أولد يعقوب … لبد
سيحقق الله وعده بالخلص ..ومهما انتظر سمعان الشيخ طويل ً ،
لبد سيأتي عليه الوقت الذي يقول فيه – وهو يحمل المسيح – " الن
يارب تطلق عبدك بسلم ،لن عيني قد ابصرتا خلصك ") لو ، 29 : 2
. (30حتي المرأة السامرية – علي الرغم من كثرة خطاياها – لم
يفارقها مطلقا ً هذا الرجاء في مجئ المسيح ،المسيح ،لذلك
قالت ":أنا أعلم أن مسيا ،الذي يقال له المسيح ،يأتي …") يو : 4
. ( 25
وكثيرون رقدوا قبل أن يبصروا الخلص .ولكن رقدوا علي رجاء …
وفي ذلك يقول معلمنا القديس بولس الرسول " :في اليمان مات
هؤلء اجمعون وهم لم ينالوا المواعيد .بل من بعيد نظروها ،
وحيوها وأقروا بأنهم غرباء ونزلء علي الرض ") عب . ( 13 : 11
هؤلء رتلوا مع المزمور " لنك لن تترك نفسي في الجحيم ،ولن
تدع قدوسك يري فسادا ً ") مز . ( 10 : 16وفي كل ذلك سنسأل
سؤال ً هاما ً وهو :
*******
هل حقا ً تأخر الله في تنفيذ وعده بخلص العالم ؟
كل ،إنه لم يتأخر الوقت علي الرغم من مرور آلف السنين .بل انه
كان يعد البشرية لستقبال هذا الخلص … يعدهم بالنبوات وبالرموز
وبالتوبة وباليمان .كم من الذبائح و المحرقات قدموها ،حتي صارت
عقيدة الكفارة و الفداء راسخة في أذهانهم ،وصارت المغفرة بالدم
أمرا ً سهل ً مقبول ً … وانتظر الرب حتي اصبح اليمان أذهانهم ،
وصارت المغفرة بالدم أمرا ً سهل ً … وانتظر الرب حتي اصبح اليمان
ممكنا ً ،حتي وسط المم .وانتظر الرب حتي يوجد المعمدان الذي
يعد الطريق قدامه وحتي توجد العذراء الطاهرة التي تكون اناء
للتجسد ،والتي تقدر علي احتمال ذلك المجد العظيم .إذن لم تكن
مرحلة تأخير ،إنما مرحلة إعداد تقوي الرجاء ..ونفذ الله وعده الذي لم
ينسه مطلقا ً خلل آلف السنين ،بل كان يمهد له … وأخيرا ً استطاع
نسل المرأة ان يستحق رأس الحية ) تك . ( 15 : 3وتم فعل ً ما قاله
لبينا إبراهيم ":بنسلك تتبارك جميع قبائل الرض ") تك ، 18 : 22
أع . ( 25 : 3
لقد خلصهم " في ملء الزمان ") غل ( 4 : 4
*******
نحن نقول انتظر الرب .فهل ننتظر الرب حتي يبدأ العمل ،واثقا ً أنه
سوف يعمل ؟ كل .فهذه تعبيرات مقدمة للمستوي البشري في
الفهم .فما الحقيقة إذن ؟
انتظر الرب واثقا ً ،ليس أنه سيعمل ،بل واثقا أنه يعمل فعل ً .وربما قبل أن
ً
نطلب منه نحن .
ربما كنيسة محتاجة إلي كاهن يرعاها ،وتطلب من الرب هذا ،ويبدو
أن الرب قد تأخر عليها عامين أو ثلثة ،حتي أرسل لها الكاهن
المطلوب …! بينما تكون الحقيقة أن الله كان يعد لها هذا الكاهن منذ
ثلثين أو أربعين عاما ً مضت ،قبل أن تطلب يعده بروحيات معينة ،
ويعلم ومعرفة وحكمة وتداريب ،ويعده ربما بتجارب وضيقات ،
وبخبرات روحية ،تجعله الشخص النافع و المناسب لهذه الكنيسة …
ونحن الذين ل نري ول نعرف اعدادت الله ،ونظنة قد تأخر !!
*******
أن أعمال الهه عجيبة ،تدل علي قوته الفائقة للعقل … يقف
أمامها النسان منذهل ً ،ل يملك إل إن يردد عبارة قالها من قبل
القديس أيوب الصديق :
" علمت أنك تستطيع كل شئ ول يعسر عليك أمر ") أي . ( 2 : 42إننا نقرأ
في الكتاب المقدس عجبا ً ..من قصص المعونة ،وقصص التوبة
وتغيير الحياة ،ومن قصص اليمان أيضا ً ..ز حتي ليقف النسان
منذهل ً ،يقول من أعماقه :من كان يظن ،أن مثل هذا سيحدث ؟…
من كان يظن ؟
خذوا كمثال الطفل موسي …
طفل صغير ،ولد في عصر مظلم ،واكن محكوما ً عليه بالموت قبل
أن يولد ،وقد أخفاه أبواه خوفا ً لمدة ثلثة أشهر ن وإذ لم يستطيعا
اخفاءه أكثر ،وضعاه في سفط ) سبت ( ،وألقياه عند حافة النهر ،
في المياه …
من كان يظن أن هذه الطفل المحكوم عليه بالموت ،و الملقي في الماء ،يصير
نبي الله العظيم ،وكليم الله ..؟!
يصير موسي النبي ،الذي نسبت الشريعة إلي اسمه ،فيقال شريعة
موسي ،وناموس موسي … بل يصير رجل المعجزات واليات ،الذي
شق البحر الحمر بعصاه ،وضرب الصخرة فتفجرت ماء ،وأنزل من
السماء المن و السلوي !..
من كان يظن أن هذا المحكوم عليه بالموت من فرعون ،يعيش أربعين سنة في
قصر فرعون ،كأحد المراء ،ويدعي ابن ابنة فرعون … ويصبح فيما بعد
القوة الجبارة التي يعمل لها ألف حساب … يصير النسان الذي
يصرخ أمامه فرعون ويقول أخطأت ) خر ، ( 27 : 9ويتضرع إليه أكثر
من مرة أن يصلي من أجله ،ليرفع الرب عنه الضربات .من كان
يظن أن أن الطفل الصغير الملقي مصيره هكذا ؟ ولكنها يد الله
حينما تتدخل في الحداث وتدبر مصائر الناس … إنه اله الذي قال له
أيوب الصديق " علمت أنك تستطيع كل شئ ،ول يعسر عليك أمر ".
قصة الطفل موسي تعطينا دسا ً في الرجاء ،أن الله يستطيع أن يحول الضعف
إلي قوة ويغير المصائر حسبما يشاء …
حقا ً إن الله يستطيع أن يعمل أعمال عجيبة ل تخطر علي بال .
ً
إننا ننظر إلي الحاضر فقط .وقد نري فيه أمورا ً صعبة معقدة ،
تجلب الحزن أو اليأس .أو قد نري فيه أمورنا صعبه معقدة ،تجلب
الحزن أو اليأس .أو قد نري مخاطر ليس من السهل الخروج منها …
بينما يكون المستقبل ،الذي يمسكه الرب في يده ،هو غير الذي
نراه في الحاضر ،غيره تماما ً ،وربما عكسه تماما ً
ليتنا بدل ً من أن نظر إلي الحاضر المتعب الذي أمامنا ،ننظر بالرجاء إلي
المستقبل المبهج الذي في يد الله …
*هذا الرجاء وضعه الله امامنا ،منذ اليات الولي التي تتحدث عن
قصة الخليقة ،حيث يقول الوحي اللهي :
• " كانت الرض خربة وخالية ،وعلي وجه الغمر ظلمه ") تك : 1
. ( 2إنها صورة كئيبة للطبيعة من أول القصة .ولكن ليس من
الصالح أن نقف عند حدود هذه الصورة فالقصة لم تتم فصولها …
فمع وجود هذه الصورة الكئيبة ،كان هناك ما يبعث الرجاء … كانت
هناك عبارة " وروح الله يرف علي وجه المياه " وماذا أيضا ً ؟
• " وقال الرب ليكن نور ،فكان نور ،ورأي الله النور أنه حسن
") تك .( 1وهكذا فتحت امام الصورة الكئيبة المظلمه نافذة من نور .
• وإذا كل شئ قد تغير ..وبدأت يد الله تعمل :تنظم هذه
الطبيعة ،وتنقسها ،وتخلق فيها الحياة ،وتضع لها النظم ،
وتلبسها ثوبا ً من الجمال و البهاء ،وينظر الله إلي كل ما عمله ،
فإذا هو حسن جدا ً … من كان يظن أن الطبيعة الخربة ،الخاوية ،
المغمورة بالمياة ،المغطاة بالظلمة ،تتحول إلي هذا الجمال الذي
نعيش فيه ،الشجار والزهار وألثمار ،والبحار والنهار ،والطيور
و الفراشات ذات اللوان ،وجمال السماء و القمر و النجوم ،
والجبال و التلل و البحيرات ،جمال يتغني به الشعراء .ويبدع في
رسمه الفنانون .
إن قصة الطبيعة في نشأتها ،فيها رمز ،وفيها رجاء .
أنها رمزا ً لكل حياة خربة وخالية ومظلمة ،وتنتظر في رجاء قول
الرب " ليكن نور "… تنتظر يد الله في اليام السته … حتي تتكامل
صورتها ،وتنتهي إلي عبارة " حسن جدا ً "… فل تقف يا أخي عند
عبارة " خربة وخالية " وتكتئب .زز إنما تطلع إلي المستقبل في
رجاء ،وانتظر الرب ..ز وفي كل يوم يمر عليك .كلما يقول الوحي
اللهي " وكان مساء وكان صباح " ن اهتف من كل قلبك " يا جميع
المم صفقوا بأيديكم . .هللوا لله بصوت البتهاج " )مز ، ( 1 : 46
قد علمت يارب أنك تستطيع كل شئ ،ول يعسر عليك أمر ….
الله قادر أن يغير كل شئ … إلي أفضل ،وإلي العكس .وليس المهم عنده
البدايات ،وإنما ما تنتهي إليه المور .
4كتب .
4كتب .
5كتب .