You are on page 1of 261

‫تنبيه الغافلين‬

‫بأحاديث سيد النبياء والمرسلين‬

‫للفقيه الزاهد العالم العامل والستاذ المحدث‬


‫المتقن الكامل مولنا الشيخ نصر بن‬
‫محمد بن إبراهيم السمرقندي‬
‫رضي الله عنه‬
‫آمين‬

‫}ويليه كتاب "بستان العارفين" للمؤلف أيضا رحمه الله{‬

‫]ص ‪[3‬‬

‫ن{‬
‫مِني َ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ع ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن الذّك َْرى ت َن ْ َ‬
‫ف ُ‬ ‫وذَك ّْر َ‬
‫فإ ِ ّ‬ ‫} َ‬

‫بسم الّله الرحمن الرحيم‬


‫الحمد لّله الذي هدانا لكتابه وفضلنا على سائر المم بأكرم أحبابه حمدا ً‬
‫يستجلب المرغوب من رضائه ويستعطف المخزون من عطائه ويجعلنا من‬
‫الشاكرين لنعمائه والعارفين لوليائه وآلئه‪ ،‬وصلى الّله على سمميدنا محمممد‬
‫رسوله المصطفى ونبيه المجتبى وعلى آله وعترته الطيبين وعلى أصممحابه‬
‫وأمته أجمعين‪.‬‬
‫)قال الفقيه( الزاهد العالم نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندي رضممي‬
‫الّله تعالى عنهم وأرضاهم‪ :‬إنممي لممما رأيممت الممواجب علممى مممن رزقممه الل ّممه‬
‫تعالى المعرفة في الدب والحظ في العلم والنظر بما نطق به كتمماب الل ّممه‬
‫م{ اليممة‪ ،‬وبممما‬ ‫جماد ِل ْهُ ْ‬‫سمن َةِ وَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫عظ َمةِ ال َ‬ ‫موْ ِ‬ ‫حك ْ َ‬
‫ممةِ َوال َ‬ ‫ل َرب ّ َ‬
‫ك ِبال ِ‬ ‫}اد ْع ُ إ َِلى َ‬
‫سِبي ِ‬
‫وردت به السنة وهو ما روى عن عبد الّله بن مسعود رضممي الل ّممه عنممه أنممه‬
‫ولنا بالموعظة‬ ‫قال‪" :‬كان النبي صلى الّله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يتخ ّ‬
‫أحيانا ً مخافة السآمة علينمما" جمعممت فممي كتممابي هممذا شمميئا ً مممن الموعظممة‬
‫والحكمة شافيا ً للناظر فيه ووصيتي له أن ينظر فيه بالتذكر والتفكر لنفسه‬
‫أوّل ً ثم بالحتساب بالتذكير لغيممره ثاني ما ً فممإن الل ّممه تعممالى أمرنمما بممذلك كلممه‬
‫ن‬‫مممو َ‬ ‫م ت ُعَل ّ ُ‬
‫ممما ك ُن ْت ُم ْ‬ ‫ن بِ َ‬‫كون ُمموا َرب ّممان ِّيي َ‬ ‫والسممنة وردت فيممه قممال الل ّممه تعممالى‪ُ } :‬‬
‫ب{ قال بعممض المفسممرين‪ :‬معنمماه كونمموا عمماملين بممما كنتممم تعلمممون‬ ‫الك َِتا َ‬
‫ه‬
‫عب َمماد ِ ِ‬‫ن ِ‬ ‫مم ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ّ‬
‫شممى اللم َ‬ ‫خ َ‬ ‫ممما ي َ ْ‬‫الناس من الكتاب‪ ،‬وقممال فممي آيممة أخممرى‪} :‬إ ِن ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م فَأنمذ ِْر{‬ ‫ممد ّث ُّر‪ ،‬قُم ْ‬ ‫ماُء{ وقال لنبيه صلى الّله عليه وسمملم‪} :‬ي َمما أي ّهَمما ال ُ‬ ‫العُل َ َ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫فعُ ال ُ‬ ‫ن الذ ّك َْرى َتن َ‬ ‫وقال الّله تعالى في آية أخرى‪} :‬وَذ َك ّْر فَإ ِ ّ‬
‫وروى عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنه قال‪" :‬تفك ّممر سمماعة خيممر‬
‫من عبادة سممنة" ومممن أعممرض عممن النظممر فممي الحكممم والمممواعظ وسممير‬
‫السلف ل يعدو إحدى خصليتن إما أن يقتصر على قليل مممن العمممل يتمموهم‬
‫أنه من جملة السابقين إلى الخيرات أو يجتهد بعض الجهد فيعظم ذلك في‬
‫عينه ويفضل‬

‫]ص ‪[4‬‬
‫بذلك نفسه على غيره فيبطل بذلك سممعيه ويحبممط عملممه‪ ،‬فممإذا نظممر فيهمما‬
‫ازداد حرصما ً علممى الطاعممات وغممرف قصمموره عممن بلمموغهم فممي الممدرجات‬
‫فنسأل الّله التوفيق لزكى العمال وأعظم البركات إنه منان قدير‪.‬‬

‫باب الخلص‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله‪ :‬حدثنا محمد بن الفضل بن أحنممف قممال‪ :‬حممدثنا‬
‫محمد بن جعفر الكرابيسممي قمال‪ :‬حممدثنا إبراهيممم بمن يوسمف قممال‪ :‬حمدثنا‬
‫إسمعيل بن جعفر عن عمرو مولى المطلب عن عاصم عن محمد بن لبيممد‬
‫أن النبي صلى الّله عليممه وسمملم قممال‪" :‬أخمموف ممما أخمماف عليكممم الشممرك‬
‫الصغر‪ .‬قالوا يا رسول الّله وما الشرك الصممغر؟ قممال الريمماء‪ ،‬يقممول الل ّممه‬
‫تعالى يوم يجازي العباد بأعمممالهم‪" :‬اذهبمموا إلممى الممذين كنتممم تممراءون فممي‬
‫الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم خيرا"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله‪ :‬إنما يقال لهم ذلك لن عملهم في الممدنيا كممان‬
‫على وجه الخداع فيعاملون في الخرة على وجه الخداع وهو كما قال الّلممه‬
‫م{ يعنممي يجممازيهم جممزاء‬ ‫خمماد ِع ُهُ ْ‬ ‫ن الّله وَهُموَ َ‬ ‫عو َ‬ ‫خاد ِ ُ‬‫ن يُ َ‬‫قي َ‬
‫مَنافِ ِ‬ ‫ن ال ُ‬
‫تعالى‪} :‬إ ّ‬
‫الخداع فيبطل ثواب أعمالهم ويقول لهم اذهبوا إلى الممذين عملتممم لجلهممم‬
‫فإنه ل ثمواب لكمم عنمدي لنهما لمم تكمن خالصمة لموجه الّلمه تعمالى‪ ،‬وإنمما‬
‫يستوجب العبد الثواب إذا كممان عملممه خالصما ً لمموجه الل ّممه تعممالى فممإذا كممان‬
‫لغيره فيه شركة فالله بريء منه‪ .‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن الفضل حدثنا محمد‬
‫بن جعفر حدثنا إبراهيم بن يوسف حدثنا إسمعيل عن عمرو عن سممعيد بممن‬
‫أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الّله عليممه وسمملم قممال‪:‬‬
‫"يقول الّله تعالى أنا أغنى الشركاء عن الشرك أنا غنممي عممن العمممل الممذي‬
‫فيه شركة لغيري فمن عمل عمل ً أشرك فيه غيري فأنا منممه بريممء" يعنممي‬
‫من ذلك العمل‪ ،‬ويقال يعني من العامل‪ .‬ففي هذا الخبر دليل على أن الّله‬
‫تعالى ل يقبل من العمل شيئا ً إل ما كان خالصا ً لوجهه فإذا لم يكن خالصمما ً‬
‫فل يقبل منه ول ثواب له في الخرة ومصيره إلى جهنم‪ .‬والدليل على ذلك‬
‫ه ِفيهَمما{ يعنممي مممن أراد بعملممه‬ ‫جل َْنا ل َ ُ‬
‫ة عَ ّ‬ ‫جل َ َ‬‫ريد ُ الَعا ِ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫م ْ‬‫قوله تعالى‪َ } :‬‬
‫الدنيا ول يريد ثواب الخرة أعطيناه في الدنيا مقممدار ممما شممئنا مممن عممرض‬
‫الدنيا لمن نريممد يعنممي لمممن نريممد أن نهلكممه" ويقممال لمممن نريممد أن نعطيممه‬
‫م{ يعني أوجبنا له فممي الخممرة‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ه َ‬ ‫جعَل َْنا ل َ ُ‬ ‫م َ‬‫بإرادتنا أيّ متاع ل بإرادته }ث ُ ّ‬
‫مومًا{ يستوجب المذمة يعني يذم نفسممه‬ ‫مذ ْ ُ‬‫ها{ يعني يدخلها } َ‬ ‫صل َ‬ ‫جهنم }ي َ ْ‬
‫ن‬ ‫مم ْ‬ ‫حورًا{ يعني مطرودا ً مبعدا ً من رحمممة الل ّممه تعممالى }وَ َ‬ ‫مد ْ ُ‬‫ويذمه غيره } َ‬
‫س معْي ََها{ يعنممي عمممل‬ ‫سَعى ل ََها َ‬ ‫ة{ يعني من أراد ثواب الخرة }وَ َ‬ ‫خَر َ‬‫أ ََراد َ ال ِ‬
‫ن{ يعنممي مممع‬ ‫م مؤ ْ ِ‬
‫م ٌ‬ ‫للخرة عمل ً من العمال الصالحة خالصا ً لمموجهه }وَهُموَ ُ‬
‫ك{ يعنمي المذين‬ ‫العمل يكون مؤمنا ً لنه ل يقبل العمل بغيمر إيممان }َفمأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫م‬ ‫س معْي ُهُ ْ‬ ‫يعملممون ويطلبممون ثممواب الخممرة ول يعملممون لريمماء الممدنيا }ك َمما َ‬
‫ن َ‬
‫ؤلِء‬‫ؤلء وَهَ ُ‬ ‫مد ّ ه َ ُ‬ ‫كل ن ُ ِ‬ ‫كورًا{ يعني عملهم مقبول ً } ُ‬ ‫ش ُ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬

‫]ص ‪[5‬‬
‫ن ع َط َمماُء‬
‫ممما ك َمما َ‬ ‫ن عَ َ‬
‫طاِء َرب ّ َ‬
‫ك{ يعني يعطي كل الفريقين من رزق ربك }وَ َ‬ ‫مِ ْ‬
‫ظورًا{ يعني ما كان رزق ربك ممنوعا ً من المممؤمن والكممافر والممبر‬ ‫ح ُ‬ ‫م ْ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫ك َ‬
‫والفاجر‪ ،‬فقد بين الّله تعالى في هذه الية أن من عمل لغير وجممه الل ّممه فل‬
‫ثواب له في الخرة ومأواه جهنم ومن عمل لوجه الّله تعالى فعمله مقبول‬
‫وإذا عمل لغير وجه الّله تعالى فل نصيب لممه مممن عملممه إل العنمماء والتعممب‬
‫كما جاء في الخبر‪ .‬قال حدثنا محمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جعفممر‬
‫حدثنا إبراهيم بن يوسف حدثنا إسمعيل عن عمرو عن أبي هريرة أن النبي‬
‫صلى الّله عليه وسلم قال‪" :‬رب صائم ليس له حظ مممن صممومه إل الجمموع‬
‫والعطش‪ ،‬ورب قائم ليس له حظ من قيامه إل السهر والنصب"‪ .‬يعني إذا‬
‫لم يكن الصوم والصلة لوجه الّله تعالى فل ثواب لممه كممما روى عممن بعممض‬
‫الحكماء أنه قال‪ :‬مثل ممن يعمممل الطاعممات للريمماء والسمممعة كمثممل رجممل‬
‫خرج إلى السوق ومل كيسه حصاة فيقول الناس ما أمل كيس هممذا الرجممل‬
‫ول منفعة له سوى مقالة الناس ولو أراد أن يشتري لممه شمميئا ً ل يعطممى بممه‬
‫شيء‪ ،‬كذلك الذي عمل للرياء والسمعة ل منفعة له من عمله سوى مقالة‬
‫مل ُمموا‬ ‫مَنا إ َِلى َ‬
‫ممما ع َ ِ‬ ‫الناس ول ثواب له في الخرة كما قال الّله تعالى‪} :‬وَقَد ِ ْ‬
‫من ُْثورًا{ يعني العمال التي عملوها لغيممر وجممه الل ّممه‬ ‫جعَل َْناه ُ هََباًء َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫م ٍ‬‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬‫ِ‬
‫تعالى أبطلنا ثوابها وجعلناها كالهباء المنثور وهو الغبار الذي يرى في شعاع‬
‫الشمس‪ .‬وروى وكيع عن سفيان الثوري عمممن سمممع مجاهممدا ً يقممول‪ :‬جمماء‬
‫رجل إلى النبي صلى الّله عليه وسلم وقممال‪ :‬يمما رسممول الل ّممه إنممي أتصممدق‬
‫بالصدقة فألتمس بها وجه الّله تعالى وأحب أن يقال لي خيممر فنزلممت هممذه‬
‫ه{ يعني مممن خمماف المقممام بيممن يممدي الل ّممه‬ ‫قاَء َرب ّ ِ‬
‫جوا ل ِ َ‬ ‫ن ي َْر ُ‬
‫كا َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫الية‪} :‬فَ َ‬
‫صاِلحًا{ يعنممي خالص ما ً‬ ‫مل ً َ‬‫ل عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫تعالى‪ .‬ويقال من كان يريد ثواب الّله }فَل ْي َعْ َ‬
‫حدًا{‪.‬‬ ‫َ‬ ‫شرِ ْ‬ ‫}َول ي ُ ْ‬
‫ك ب ِعَِباد َةِ َرب ّهِ أ َ‬
‫وقال حكيم من الحكماء‪ :‬من عمل سبعة دون سبعة لم ينتفع بممما يعمممل‪.‬‬
‫أولها‪ :‬أن يعمل بالخوف دون الحذر‪ ،‬يعني يقول إني أخاف عممذاب الّلممه ول‬
‫يحذر من الذنوب فل ينفعه ذلممك القممول شمميئًا‪ .‬والثمماني‪ :‬أن يعمممل بالرجمماء‬
‫دون الطلب‪ ،‬يعني يقول إني أرجممو ثممواب الل ّممه تعممالى ول يطلبممه بالعمممال‬
‫الصالحة لم تنفعه مقالته شمميئًا‪ .‬والثممالث‪ :‬بالنيممة دون القصممد‪ ،‬يعنممي ينمموي‬
‫بقلبه أن يعمل بالطاعات والخيرات ول يقصد بنفسه لم تنفعممه نيتممه شمميئًا‪.‬‬
‫والرابع‪ :‬بالدعاء دون الجهممد‪ ،‬يعنممي يممدعو الل ّممه تعممالى أن يمموفقه للخيممر ول‬
‫يجتهد لم ينفعه دعاؤه شيئًا‪ :‬وينبغي له أن يجتهممد ليمموفقه الل ّممه تعممالى كممما‬
‫ع‬
‫مم َ‬ ‫ن الل ّممه ل َ َ‬
‫س مب ُل ََنا وَإ ِ ّ‬
‫م ُ‬ ‫دوا ِفين َمما ل َن َهْ مد ِي َن ّهُ ْ‬
‫جاهَ م ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫قممال الل ّممه تعممالى‪َ} :‬وال ّم ِ‬
‫ن{ يعني الذين جاهممدوا فممي طاعتنمما وفممي ديننمما لنمموفقنهم لممذلك‪.‬‬ ‫سِني َ‬‫ح ِ‬ ‫م ْ‬‫ال ُ‬
‫والخامس‪ :‬بالستغفار دون الندم يعني يقول أستغفر الّله ول يندم على ممما‬
‫كان منه من الذنوب لم ينفعه السممتغفار يعنممي بغيممر الندامممة‪ .‬والسممادس‪:‬‬
‫بالعلنية دون السريرة‪ ،‬يعنممي يصمملح أممموره فممي العلنيممة ول يصمملحها فممي‬
‫السر لم تنفعه علنيته شيئًا‪ .‬والسابع‪ :‬أن يعمل بالكممد دون الخلص‪ ،‬يعنممي‬
‫يجتهد‬

‫]ص ‪[6‬‬
‫في الطاعات ول تكون أعماله خالصة لوجه الل ّممه تعممالى لممم تنفعممه أعممماله‬
‫بغير إخلص ويكون ذلك اغترارا ً منه بنفسممه‪ ،‬وروى أبممو هريممرة عممن النممبي‬
‫صلى الّله عليه وسلم أنه قال‪" :‬يخرج في آخر الزمان أقوام لجتلب الدنيا‬
‫مثل الحلب" وفي نسخة أخممرى "يجلبممون" أي يممأكلون الممدنيا بالممدين وفممي‬
‫أخرى "يجتلبون الدنيا" يعني يأخممذونها فيلبسممون لبمماس جلممود الضممأن فممي‬
‫اللين ألسنتهم أحلى من السكر وقلوبهم قلمموب الممذئاب يقممول الل ّممه }أبممي‬
‫تغترون أم علي تجترئون{ الجتراء أن يجعل نفسه شجاعا ً مممن غيممر تفكممر‬
‫ول روية "فبي حلفممت ُ‬
‫لبعثممن علممى أولئك فتنممة تممدع الحكيممم العاقممل فيهمما‬
‫حيران" وروى وكيع عن سفيان عن حبيب عن أبي صالح قال‪" :‬جمماء رجممل‬
‫إلى النبي صلى الّله عليه وسلم فقممال يمما رسممول الل ّممه إنممي أعمممل العمممل‬
‫فأسره في ُط ّل َعُ عليه فيعجبني ذلك ألي فيه أجر؟ قال لك فيممه أجممران‪ :‬أجممر‬
‫السر وأجر العلنية"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬معناه أنه يطلع على عمله ويقتدى به فله‬
‫أجران أجر لعمله وأجر للقتداء به كما قال النبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم‪:‬‬
‫ن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامممة‪ ،‬ومممن‬ ‫"من س ّ‬
‫ن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلممى يمموم القيامممة وأممما إذا‬ ‫س ّ‬
‫كان يعجبمه أن يطلمع علممى عملممه ل لجمل القتممداء بمه فممإنه يخماف ذهماب‬
‫أجره"‪ .‬وروى عبد الّله بن المبارك عن أبي بكر بن أبي مريم عممن ضممميرة‬
‫عن أبي حبيب قال‪ :‬قال رسول الله صلى الل ّممه عليممه وسمملم "إن الملئكممة‬
‫يرفعون عمل عبد من عباد الّله فيستكثرونه ويزكونه حممتى ينتهمموا بممه إلممى‬
‫حيث شاء الّله تعالى من سلطانه فيوحي الل ّممه تعممالى إليهممم‪ :‬إنكممم حفظممة‬
‫على عمل عبدي وأنا رقيب على ما في نفسه إن عبدي هذا لم يخلص لممي‬
‫عمله فاكتبوه في سجين‪ ،‬ويصعدون بعمل عبد فيستقلونه ويحتقرونه حممتى‬
‫ينتهوا به إلى حيث شاء الّله من سلطانه فيوحي الل ّممه إليهممم‪ :‬إنكممم حفظممة‬
‫على عمل عبدي وأنا رقيب على ما فمي نفسمه إن عبمدي همذا أخلمص لمي‬
‫عمله فاكتبوه في عليين"‪ .‬ففي هذا الخبر دليممل علممى أن قليممل العمممل إذا‬
‫كان لوجه الّله تعالى خير من الكثير لغيممر وجممه الل ّممه تعممالى لن القليممل إذا‬
‫كان لوجه الّله تعالى فإن الّله يضاعفه بفضمله كمما قمال الّلمه تعمالى }وَإ ِ ْ‬
‫ن‬
‫ظيمًا{ وأما الكممثير إذا لممم يكممن‬ ‫فها ويؤ ْت من ل َدن َ‬
‫جرا ً ع َ ِ‬
‫هأ ْ‬‫ع ْ َ َُ ِ ِ ْ ُْ ُ‬ ‫ضا ِ‬
‫ة يُ َ‬
‫سن َ ً‬
‫ح َ‬ ‫ت َك ُ ْ‬
‫ن َ‬
‫لوجه الّله تعالى فل ثواب له ومأواه جهنم‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الله‪ :‬حدثني جماعة من الفقهاء بأسانيدهم عن عقبة‬
‫بن مسلم عن سمير الصبحي حدثه أنه دخممل المدينممة فممإذا هممو برجممل قممد‬
‫اجتمع عليه الناس فقلمت ممن هممذا؟ فقممالوا أبمو هريمرة فممدنوت منمه وهمو‬
‫يحدث الناس‪ ،‬فلما سكت وخل قلت له أنشدك الّله حممدثني حممديثا ً سمممعته‬
‫من رسول الله صلى الّله عليه وسلم وحفظته حدثك به وعلمته؟ فقال أبو‬
‫هريرة اقعد لحدثك بحديث حدثنيه رسول الّله صلى الل ّممه عليممه وسمملم ممما‬
‫معنا أحد غير وغيره‪ ،‬ثممم نشممغ نشمغة أي شممهق شمهقة فخمّر مغشميا ً عليممه‬
‫فمكث عليه قليل ً ثم أفمماق ومسممح وجهممه فقممال لحممدثنكم بحممديث حممدثنيه‬
‫رسول الّله صلى الّله عليه وسلم‪ ،‬ثم نشغ نشغة أخرى فمكممث طممويل ً ثممم‬
‫أفاق ومسح وجهه فقال‪ :‬لحدثنكم بحديث حدثنيه‬

‫]ص ‪[7‬‬
‫رسول الّله صلى الّله عليه وسلم‪ ،‬ثم نشغ نشغة أخرى فمكممث طممويل ً ثممم‬
‫أفاق ومسح وجهه فقال حدثني رسول الله صلى الّلمه عليمه وسملم فقمال‪:‬‬
‫"إن الّله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة يقضي بين خلقه فكل أمة جاثية‬
‫فأّول من يدعى به رجل قد جمع القرآن ورجل قتل في سبيل الل ّممه ورجممل‬
‫كثير المال‪ ،‬فيقول الّله تعالى للقارئ ألمم أعلممك مما أنزلمت علمى رسملي‬
‫قال بلى يا رب قال فماذا عملت فيما علمت؟ قال كنت أقوم به آناء الليل‬
‫والنهار فيقول الّله تعالى له كذبت وتقول الملئكة كذبت بل أردت أن يقال‬
‫فلن قارئ فقد قيل ذلك‪ ،‬ويقال لصاحب المممال ممماذا عملممت فيممما آتيتممك؟‬
‫قال كنت أصل بممه الرحممم وأتصممدق بممه فيقممول الل ّممه تعممالى كممذبت وتقممول‬
‫والملئكة كذبت بل أردت أن يقال فلن جواد سخي وهو ض مد ّ البخيممل فقممد‬
‫قيل ذلك‪ ،‬ويؤتى بالذي قتل في سبيل الل ّممه فيقممول لممه لممماذا قتلممت؟ قممال‬
‫قاتلت في سبيلك حتى قتلممت فيقممول الل ّممه تعممالى كممذبت وتقممول الملئكممة‬
‫كذبت بل أردت أن يقال لك فلن جرئ فقد قيممل ذلممك‪ ،‬ثممم ضممرب رسممول‬
‫الّله صلى الّله عليه وسلم بيده على ركبتي فقال‪ :‬يا أبا هريرة أولئك الثلثة‬
‫أّول خلق الّله تعالى تسعر بهم النار يوم القيامة" قال‪ :‬فبلغ ذلك الخبر إلى‬
‫ن‬
‫ممم ْ‬ ‫معاوية فبكى بكاء شديدا ً وقال صدق الّله ورسوله ثم قرأ هذه اليممة } َ‬
‫ف إل َيه م َ‬
‫م ِفيهَمما ل‬ ‫م ِفيهَمما وَهُ م ْ‬‫مممال َهُ ْ‬
‫م أع ْ َ‬
‫حي َمماة َ ال مد ّن َْيا وَِزين َت َهَمما ن ُموَ ّ ِ ْ ِ ْ‬
‫ري مد ُ ال َ‬ ‫ِ‬ ‫ن يُ‬‫ك َمما َ‬
‫صمن َُعوا ِفيهَمما‬
‫ممما َ‬ ‫ط َ‬ ‫حب ِ َ‬‫خَرةِ ِإل الّناُر وَ َ‬‫م ِفي ال ِ‬ ‫س ل َهُ ْ‬ ‫ن ل َي ْ َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن‪ ،‬أ ُوْل َئ ِ َ‬‫سو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ي ُب ْ َ‬
‫ن{‪ .‬وقال عبد الّله بن حنيممف النطمماكي‪ :‬يقممول الل ّممه‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬ ‫وََباط ِ ٌ‬
‫تعالى لعبده يوم القيامة إذا التمس ثواب عمله "ألم نعجل لممك ثوابممك ألممم‬
‫نوسع لك في المجالس ألممم تكممن المممرأس فممي دنيمماك ألممم نرخممص بيعممك‬
‫وشممراءك ألممم تكممن مثممل هممذا وأشممباهه؟"‪ .‬وقيممل لبعممض الحكممماء‪ :‬مممن‬
‫المخلممص؟ قممال المخلممص الممذي يكتممم حسممناته كممما يكتممم سمميئاته‪ .‬وقيممل‬
‫لبعضهم ما غاية الخلص؟ قال أن ل يحب محمدة الناس‪ ،‬وقيل لذي النون‬
‫المصري متى يعلم الرجل أنه ممن صممفوة الّلمه تعمالى‪ :‬يعنمي ممن خواصمه‬
‫الذين اصطفاهم الّله تعالى؟ قال يعرف ذلك بأربعة أشياء‪ :‬إذا خلع الراحممة‬
‫يعني ترك الراحة‪ ،‬وأعطممى مممن الموجممود يعنممي يعطممي مممن القليممل الممذي‬
‫عنده‪ ،‬وأحب سقوط المنزلة‪ ،‬واستوت عنده المحمدة والمذمممة‪ .‬وقممد روى‬
‫عدي بن حاتم الطائي عن رسمول اللمه صملى الّلمه عليمه وسملم أنمه قمال‪:‬‬
‫"يممؤمر بأنمماس مممن النمماس يمموم القيامممة إلممى الجنممة حممتى إذا دنمموا منهمما‬
‫واستنشقوا رائحتها ونظروا إلى قصورها وإلى ما أعد الّله لهلهمما نممودوا أن‬
‫اصرفوهم عنها ل نصيب لهم فيها فيرجعون بحسرة وندامة ما رجع الّولون‬
‫والخرون بمثلها‪ ،‬فيقولون يا ربنا لو أدخلتنا النار قبل أن ترينا ما أريتنا مممن‬
‫ثواب ما أعممددته لوليممائك؟ فيقممول الل ّممه تعممالى‪ :‬أردت بكممم ذلممك كنتممم إذا‬
‫خلوتم بممارزتموني بالعظممائم‪ ،‬وإنمما لقيتممم النمماس لقيتممموهم مخبممتين يعنممي‬
‫متواضعين تراءون الناس بأعمالكم خلف ما تنطوى عليه‬

‫]ص ‪[8‬‬
‫قلوبكم‪ ،‬هبتم النمماس ولممم تهممابوني وأجللتممم للنمماس ولممم تجل ّمموني وتركتممم‬
‫للناس ولم تتركوا لي‪ ،‬فاليوم أذيقكم أليم عقابي مع ما حرمتكم من جزيل‬
‫ثوابي"‪.‬‬
‫وروى عن ابن عباس رضي الّله عنهما عن رسول الّله صلى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم أنه قال‪" :‬لما خلق الّله تعالى جنة عدن خلق فيها ممما ل عيممن رأيممت‬
‫ول أذن سمعت ول خطر على قلب بشر‪ ،‬ثم قال لها تكلمممي فقممالت }قَ مد ْ‬
‫ن{ ثلثًا‪ ،‬ثم قالت‪ :‬إني حرام على كل بخيل ومنافق ومممراء"‪.‬‬ ‫َ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫أفْل َ َ‬
‫ح ال ُ‬
‫ي بمن أبمي طمالب رضمي الّلمه عنمه أنمه قمال‪ :‬للممرائي أربمع‬ ‫وروى عن عل ّ‬
‫علمات‪ :‬يكسل إذا كان وحده‪ ،‬وينشط إذا كان مع الناس‪ ،‬ويزيد في العمل‬
‫م به‪ .‬وروى عن شقيق بممن إبراهيممم الزاهممد أنممه‬ ‫إذا أثنى عليه‪ ،‬وينقص إذا ذ ّ‬
‫قال‪ :‬حسن العمل ثلثة أشممياء‪ :‬أّولهمما أن يممرى أن العمممل مممن الل ّممه تعممالى‬
‫ليكسر به العجب‪ ،‬والثاني أن يريد به رضا الّله ليكسر بممه الهمموى‪ ،‬والثممالث‬
‫أن يبتغي ثواب العمل ممن الّلمه تعمالى ليكسمر بمه الطممع والريمماء‪ ،‬وبهممذه‬
‫الشياء تخلص العمال‪ :‬فأما قوله أن يرى أن العمل من الّله تعممالى يعنممي‬
‫يعلم أن الّله هو الذي وفقه لذلك العمممل لنممه إذا علممم أن الل ّممه تعممالى هممو‬
‫الذي وفقه فإنه يشتغل بالشكر ول يعجب بعمله‪ .‬وأما قمموله يريممد بممه رضمما‬
‫الّله تعالى‪ :‬يعني ينظر في ذلك العمممل فمإن كمان العمممل للمه تعممالى وفيممه‬
‫رضاه فإنه يعمله وإن علم أنه ليس لله فيه رضا فل يعمله كيل يكون عامل ً‬
‫سمموِء{ يعنممي تممأمر‬ ‫َ‬ ‫بهوى نفسه لن الّله تعالى قال‪} :‬إ ِ ّ‬
‫ممماَرة ٌ ِبال ّ‬
‫سل ّ‬‫ف َ‬‫ن الن ّ ْ‬
‫بالسوء وبهواها‪ ،‬وأما قوله أن يبتغي ثممواب العمممل مممن الل ّممه تعممالى‪ :‬يعنممي‬
‫يعمل خالصا ً لوجه الّله تعالى ول يبممالي مممن مقالممة النمماس؛ كممما روى عممن‬
‫بعض الحكماء أنه قال‪ :‬ينبغي للعامل أن يأخذ الدب في عملممه مممن راعممي‬
‫الغنم قيل وكيف ذلك؟ قال لن الراعي إذا صلى عند غنمممه فممإنه ل يطلممب‬
‫بصلته محمدة غنمه‪ ،‬كذلك العامل ينبغي أن ل يبالي من نظر النمماس إليممه‬
‫فيعمل لله تعالى عند الناس وعند الخلء بمنزلة واحممدة ول يطلممب محمممدة‬
‫الناس‪ .‬وقال بعض الحكماء‪ :‬يحتاج العمممل إلممى أربعممة أشممياء حممتى يسمملم‪.‬‬
‫أولها‪ :‬العلم قبل بدئه لن العمل ل يصلح إل بمالعلم فمإذا كمان العممل بغيمر‬
‫علم كان ما يفسده أكثر مما يصلحه‪ .‬والثاني‪ :‬النية في مبدئه لن العمل ل‬
‫يصلح إل بالنية كما قال صلى الّله عليه وسلم "إنما العمال بالنيممات وإنممما‬
‫لكل امرئ ما نوى" فالصمموم والصمملة والحممج والزكمماة وسممائر الطاعممات ل‬
‫تصلح إل بالنية فل بد ّ من النية في مبدئها ليصمملح العمممل‪ .‬والثممالث‪ :‬الصممبر‬
‫في وسطه يعني يصبر فيها حتى يؤديها على السكون والطمأنينة‪ .‬والرابممع‪:‬‬
‫الخلص عند قراءته لن العمل ل يقبل بغير إخلص فإذا عملممت بممالخلص‬
‫يتقبل الّله تعالى منك وتقبل قلوب العباد إليك‪ .‬وروى عممن هممرم بممن حيممان‬
‫أنه قال‪ :‬ما أقبل عبد بقلبه إلى الّله تعالى إل أقبل الّله تعالى بقلمموب أهممل‬
‫دتهم ورحمتهم‪.‬‬ ‫اليمان إليه حتى يرزقه مو ّ‬
‫]ص ‪[9‬‬
‫وروى سهيل بن صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النممبي صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم أنه قال "إن الّله تعالى إذا أحب عبدا ً قممال لجبريممل إنممي أحممب فلنما ً‬
‫فأحبه فيقول جبريل لهل السماء إن ربكم يحب فلنا ً فممأحبوه فيحبممه أهممل‬
‫السماء فيوضع له القبول في الرض‪ ،‬وإذا أبغض الّله عبدا ً فمثل ذلك"‪.‬‬
‫وروى عن شقيق بممن إبراهيممم الزاهممد أن رجل ً سممأله فقممال‪ :‬إن النمماس‬
‫يسمونني صالحا ً فكيف أعلم أنممي صممالح أو غيممر صممالح؟ فقممال لممه شممقيق‬
‫رحمه الّله أظهر سرك عند الصالحين فإن رضوا به فمماعلم أنممك صممالح وإل‬
‫فل‪ .‬والثاني اعرض الدنيا على قلبك فإن ردها فمماعلم أنمك صممالح‪ ،‬والثممالث‬
‫اعممرض الممموت علممى نفسممك فممإن تمنتممه فمماعلم أنممك صمالح وإل فل‪ ،‬فممإذا‬
‫اجتمعت فيك هذه الثلثة فتضممرع إلممى الل ّممه تعممالى لكيل يممدخل الريمماء فممي‬
‫عملك فيفسد عليك أعمالك‪.‬‬
‫وروى ثابت البناني عن أنس بن مالك عن النبي صلى الّله عليممه وسمملم‬
‫قال "أتدرون من المؤمن؟ قالوا الّله ورسمموله أعلممم‪ ،‬قممال الممذي ل يممموت‬
‫حتى يمل الّله مسامعه مما يحب‪ ،‬ولو أن رجل ً عمل لطاعة الّله تعالى فممي‬
‫بيت في جوف بيت إلى سبعين بيتا ً على كل بيممت بمماب مممن حديممد للبسممه‬
‫الّله تعالى رداء عمله حتى يتحدث الناس بذلك ويزيدوا‪ .‬قيل يا رسول الل ّممه‬
‫وكيف يزيدون؟ قال إن المؤمن يحب ما زاد في عمله‪ ،‬ثم قال أتدرون من‬
‫الفاجر؟ قالوا الّله ورسوله أعلم قال الذي ل يموت حتى يمل الّله مسامعه‬
‫مما يكره‪ ،‬ولو أن عبدا ً عمل بمعصية الّله تعالى في بيممت فممي جمموف بيممت‬
‫إلى سبعين بيتا ً على كل بيت باب من حديد للبسه الل ّممه تعممالى رداء عمممل‬
‫حتى يتحدث الناس بذلك ويزيدوا‪ .‬قيل وكيف يزيدون يا رسول اللممه؟ قممال‬
‫إن الفاجر يحب ما زاد في فجوره"‪.‬‬
‫وروى عن عوف بن عبد الّله أنه قال‪ :‬كان أهل الخير يكتب بعضهم إلى‬
‫بعض بثلث كلمات‪ :‬من عمل لخرته كفاه الّله أمر دنياه‪ ،‬ومن أصمملح فيممما‬
‫بينه وبين الّله أصلح الّله تعالى فيما بينه وبين الناس‪ ،‬ومن أصمملح سممريرته‬
‫أصلح الّله علنيته‪ .‬وقال حامد اللفاف‪ :‬إذا أراد الّله هلك امرئ عاقبه بثلثة‬
‫أشياء‪ :‬أولها‪ :‬يرزقه العلم ويمنعه عن عمل العلماء‪ .‬والثاني‪ :‬يرزقممه صممحبة‬
‫الصممالحين ويمنعممه عممن معرفممة حقمموقهم‪ .‬والثممالث‪ :‬يفتممح الل ّممه عليممه بمماب‬
‫الطاعات ويمنعه من إخلص العمل‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬إنما يكممون ذلممك لخبممث نيتممه وسمموء‬
‫سريرته لن النية لو كانت صحيحة لرزقه الّله تعالى منفعة العلم والخلص‬
‫للعمل ومعرفة حرمة الصالحين‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الله‪ :‬أخبرني الثقة بإسناده عن جبلة اليحصي قممال‪:‬‬
‫كنا في غزوة مع عبد الملك بن ممروان فصممحبنا رجمل مسمهار ل ينمام ممن‬
‫الليل إل أقله فمكثنا أياما ً ل نعرفه ثم عرفناه فممإذا هممو رجممل مممن أصممحاب‬
‫رسول الله صلى الّله عليه وسلم‪ ،‬وكان فيما حدثنا أن قائل ً من المسلمين‬
‫قال يا رسول الّله فيم النجاة غدًا؟ قال أن ل تخادع الله‪ .‬قال وكيف نخادع‬
‫الله؟ قال أن تعمل بما أمرك الّله وتريد بممه غيممر وجممه اللممه‪ ،‬واتقمموا الريمماء‬
‫فإنه الشرك بممالله وإن المممرائي ينممادى يمموم القيامممة علممى رؤوس الخلئق‬
‫ل عملك وبطل‬ ‫بأربعة أشياء‪ :‬يا كافر يا فاجر يا غادر يا خاسر ض ّ‬

‫]ص ‪[10‬‬
‫أجرك فل خلق لك اليوم فالتمس أجرك ممن كنممت تعمممل لممه يمما مخممادع"‬
‫قال‪ :‬قلت له بالله الذي ل إله إل هو أنت سمعت هذا من رسول الّله صلى‬
‫الّله عليه وسلم؟ فقال والله الذي ل إله إل هو إني سمعته من رسول الّله‬
‫صلى الّله عليه وسلم إل أن أكون قد أخطأ شيئا ً لم أكممن أتعمممده‪ ،‬ثممم قممرأ‬
‫م{‪.‬‬ ‫ن الّله وَهُوَ َ‬
‫خاد ِع ُهُ ْ‬ ‫عو َ‬
‫خاد ِ ُ‬
‫ن يُ َ‬
‫قي َ‬
‫مَنافِ ِ‬
‫ن ال ُ‬
‫}إ ِ ّ‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬من أراد أن يجد ثواب عمله في الخممرة‬
‫ينبغي له أن يكون عمله خالصا ً لله تعالى بغير رياء ثمم ينسمى ذلمك العممل‬
‫لكيل يبطله العجب لنه يقال حفظ الطاعة أشد ّ من فعلهمما‪ .‬وقممال أبممو بكممر‬
‫الواسطي‪ :‬حفظ الطاعة أشممد ممن فعلهمما لن مثلهمما كمثممل الزجمماج سممريع‬
‫الكسمر ول يقبممل الجممبر‪ ،‬كممذلك العممل إن مسمه الريماء كسمره وإذا مسمه‬
‫العجب كسره‪ ،‬وإذا أراد الرجل أن يعمل عمل ً وخاف الرياء من نفسه فممإن‬
‫أمكنه أن يخرج الرياء من قلبه فينبغي له أن يجتهد في ذلك وإن لم يمكنممه‬
‫فينبغي أن يعمل ول يترك العمل لجل الرياء ثم يسممتغفر الل ّممه تعممالى مممما‬
‫فعل فيه من الرياء فلعل الل ّممه تعممالى أن يمموفقه للخلص فممي عمممل آخممر‪.‬‬
‫ويقال في المثل إن الدنيا خربت منذ مات المممراءون لنهممم كممانوا يعملممون‬
‫أعمال البر مثل الرباطات والقناطر والمسمماجد فكممان للنمماس فيهمما منفعممة‬
‫وإن كانت للرياء فربما ينفعه دعاء أحد من المسلمين‪ .‬كما روى عن بعممض‬
‫المتقدمين أنه بنى رباطا ً وكان يقول في نفسه ل أدري أكان عملي هذا لله‬
‫تعالى أم ل فأتاه آت في منامه فقال له إن لم يكن عملك لله تعالى فدعاء‬
‫المسلمين الذين يدعون لك فهو لله تعممالى فسممر بممذلك‪ .‬وقممال رجممل عنممد‬
‫حذيفة بن اليمان‪ :‬اللهم أهلك المنافقين‪ ،‬فقال حذيفة لو هِلكوا ما انتصفتم‬
‫دو‪ .‬وروى عممن‬ ‫دوكم‪ :‬يعني أنهممم يخرجممون إلممى الغممزو ويقمماتلون العم ّ‬ ‫من ع ّ‬
‫سلمان الفارسي رضي الل ّممه تعممالى عنممه قممال‪ :‬يؤيممد الل ّممه المممؤمنين بقمموة‬
‫المنافقين وينصر المنافقين بدعوة المؤمنين‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬تكلم الناس في الفرائض‪ .‬فقال بعضهم ل‬
‫يدخل فيها الرياء لنها فريضة على جميع الخلق فإذا أدى ما هو فرض عليه‬
‫ل يدخل فيه الرياء‪ .‬وقال بعضهم يدخل الرياء في الفرائض وغيرها‪.‬‬
‫)قال الفقيه( هذا عندي على وجهين‪ :‬إن كان يؤدي الفرائض رئاء الناس‬
‫ولو لم يكن رثاء الناس لكان ل يؤديها فهذا منافق تام وهو من الممذين قممال‬
‫ن الن ّمماِر{ يعنممي فممي‬ ‫قين ِفي الد ّر ِ َ‬ ‫الّله تعالى فيهم }إ ِ ّ‬
‫مم ْ‬
‫ل ِ‬‫ف ِ‬
‫سم َ‬
‫ك ال ْ‬ ‫ْ‬ ‫مَنافِ ِ َ‬‫ن ال ُ‬
‫الهاوية مع آل فرعون لنه لو كان توحيده صحيحا ً خالصا ً لكان ل يمنعه عممن‬
‫أداء الفرائض‪ ،‬وإن كان يؤدي الفممرائض إل أنممه يؤديهمما عنممد النمماس أحسممن‬
‫وأتم وإن لم يره أحممد يؤديهمما ناقصممة فلممه الثممواب النمماقص ول ثممواب لتلممك‬
‫الزيادة وهو مسؤول عنها محاسب عليها‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬

‫]ص ‪[11‬‬
‫}باب هول الموت وشدته{‬
‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رحمه الّله تعالى قال‪ :‬حدثنا محمممد‬
‫بن فضل حدثنا محمد بن جعفر حدثنا إبراهيم بن يوسف حمدثنا الخليممل بمن‬
‫أحمد حدثنا الحسين المروزي حدثنا ابن أبي عديّ عن حميد عممن أنممس بممن‬
‫ب لقاء اللممه" أي‬ ‫مالك قال‪ :‬قال رسول الّله صلى الّله عليه وسلم "من أح ّ‬
‫المصير إلى دار الخرة‪ ،‬ومعنى محبته أن المؤمن إذا كممان عنممد النممزع فممي‬
‫حالة ل يقبل اليمان فيها يبشر برضوان الّله وجنته فيكون موته أحممب إليممه‬
‫من حياته "أحب الّله لقاءه" أي أفاض عليه فضله وأكثر العطايما لمه‪ ،‬وإنممما‬
‫فسرناه به لن المحبة على مما فسممروها ميلن النفممس وهمو ل يليمق بمالله‬
‫تعالى فيحمل على غايته "من كره لقاء الّله كره الل ّممه لقمماءه" فممإن الكممافر‬
‫حين يرى ما أعد ّ له من العقوبة يبكي لضلله ويكممره الممممات فيكممره الل ّممه‬
‫لقاءه‪ ،‬ومعنى كراهة الّله له تبعيممده عممن رحمتممه وإرادة نقمتممه ل الكراهيممة‬
‫التي هي المشقة لنه ل يليق إسنادها إلى الّله تعمالى‪ .‬قمال النمووي‪ :‬ليممس‬
‫معنى الحديث أن حبهم لقاء الّله سبب حب الّله لهم ول أن كراهتهم سبب‬
‫لكراهته‪ ،‬بل الغرض بيان وصفهم بأنهم يحبممون لقمماء الل ّممه حيممن أحممب الل ّممه‬
‫لقاءهم انتهى كلمه‪ .‬وتوضيحه أن المحبة صفة لله ومحبة العبد ربممه تابعممة‬
‫لها ومنعكسة منها كظهور عكس الماء علممى الجممدار‪ ،‬ويؤيممده ممما روى أنممه‬
‫عليه الصلة والسلم قال "إذا أحب الّله عبدا ً شغله به" وفي تقديم يحبهممم‬
‫على يحبونه في القرآن إشارة إلى ذلك أذاقنا الّله لقاء محبته وأكرمنا بهمما‪،‬‬
‫ثم إنهم قالوا‪ :‬يا رسول الّله كلنمما نكممره الممموت قممال "ليممس ذلممك بكراهممة‬
‫ولكن المؤمن إذا احتضر جاءه البشير من الل ّممه تعمالى بمما يرجممع إليمه ممن‬
‫الخير فليس شيء أحب إليه من لقمماء الل ّممه تعممالى فممأحب الل ّممه لقمماءه وإن‬
‫الفاجر أو قال الكافر إذا احتضر جاءه النذير بما هممو صممائر إليممه مممن الشممر‬
‫فكره لقاء الّله فكره الّله لقاءه"‪.‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا محمد بن فضل حممدثنا محمممد بممن جعفممر حممدثنا إبراهيممم بممن‬
‫يوسف حدثنا وكيع عن الربيع بن سعيد عن محمد بن سابط عن سممعيد بممن‬
‫ضابط عن جابر عن عبد الّله عن النبي صلى الّله عليه وسلم قممال "حممدثوا‬
‫عن بني إسرائيل ول حرج فإنهم قوم قممد كممان فيهممم العمماجيب‪ ،‬ثممم أنشممأ‬
‫دث فقال‪ :‬خرجت طائفة من بني إسرائيل حممتى أتموا مقممبرة فقممالوا لممو‬ ‫يح ّ‬
‫صلينا ثم دعونا ربنا حتى يخرج لنا بعض الموتى فيخبرنا عن الموت‪ ،‬فصلوا‬
‫ودعوا ربهم‪ ،‬فبينما هم كذلك إذا رجل قد أطلع رأسه من قبر أسود خلسيا ً‬
‫ت منممذ تسممعين سممنة فممما ذهبممت‬ ‫فقال‪ :‬يا هؤلء ما تريدون فمموالله لقممد مم ّ‬
‫مرارة الموت مني حتى كأنه الن فادعوا الّله تعالى أن يعيممدني كممما كنممت‬
‫وكان بين عينيه أثر السجود"‪.‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا محمد بن فضل حممدثنا محمممد بممن جعفممر حممدثنا إبراهيممم بممن‬
‫يوسف حدثنا النضر بن الحارث عممن الحسممن عممن النممبي صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم قال "قدر شدة الممموت وكربممه علممى المممؤمن كقممدر ثلثمممائة ضممربة‬
‫بالسيف"‪.‬‬

‫]ص ‪[12‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الله‪ :‬من أيقن بالموت وعلم أنه نازل به ل محالة فل‬
‫بد ّ له من الستعداد له بالعمال الصالحة وبالجتنماب عممن العممال الخبيثمة‬
‫دة‬ ‫فإنه ل يدري متى ينزل به‪ ،‬وقد بيممن النممبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم ش م ّ‬
‫الموت ومرارته نصيحة منه لمته لكي يسممتعدوا لممه ويصممبروا علممى شممدائد‬
‫الدنيا‪ ،‬لن الصبر على شدائد الدنيا أيسر من شدة الموت لن شدة الموت‬
‫من عذاب الخرة وعذاب الخرة أشد من عذاب الدنيا‪ .‬وروى عن عبد الّله‬
‫بن مسور الهاشمي قال‪" :‬جمماء رجممل إلممى النممبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم‬
‫وقال‪ :‬جئتك لتعلمني من غرائب العلممم قممال مما صممنعت فممي رأس العلممم؟‬
‫قال وما رأس العلم؟ قال هل عرفت الرب عز وجل؟ قال نعم‪ ،‬قال فماذا‬
‫فعلت في حقه؟ قال ما شاء الله‪ .‬قال وهل عرفت الموت؟ قال نعم‪ :‬قال‬
‫فماذا أعددت له؟ قال ما شاء الله‪ .‬قال اذهب فاحكم بممما هنمماك ثممم تعممال‬
‫حتى أعلمك من غرائب العلم‪ ،‬فلما جاءه بعد سنين قال النممبي صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم‪ :‬ضع يدك على قلبممك فممما ل ترضممى لنفسممك ل ترضمماه لخيممك‬
‫المسلم وما رضيته لنفسك فارضه لخيك المسلم" وهو من غممرائب العلممم‬
‫فبين النبي صلى الّله عليممه وسمملم أن السممتعداد للممموت مممن رأس العلممم‬
‫فالولى أن يشتغل به‪.‬‬
‫وروى عن عبد الّله بن مسور الهاشمي قال "قرأ رسول الّله صلى الل ّممه‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مم ْ‬‫سمملم ِ وَ َ‬
‫صد َْره ُ ل ِل ِ ْ‬
‫ح َ‬ ‫ه يَ ْ‬
‫شَر ْ‬ ‫ن ي ُرِد ْ الّله أ ْ‬
‫ن َيهد ِي َ ُ‬ ‫م ْ‬‫عليه وسلم هذه الية }فَ َ‬
‫حَرجمًا{ ثممم قممال‪ :‬إذا دخممل نممور السمملم‬ ‫َ‬
‫ضمّيقا ً َ‬ ‫صمد َْره ُ َ‬
‫ل َ‬‫جعَ ْ‬ ‫ضل ّ ُ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫ن يُ ِ‬
‫ي ُرِد ْ أ ْ‬
‫القلب انفسح وانشرح‪ ،‬فقيل هل لذلك من علمة؟ قال نعم التجممافي عممن‬
‫دار الغرور والنابة إلى دار الخلود والستعداد للموت قبل نزوله"‪.‬‬
‫وروى جعفر بن يرقان عن ميمون بن مهران أن النبي صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم قال لرجل وهو يعظه "اغتم خمسا ً قبل خمس‪ :‬شبابك قبممل هرمممك‪،‬‬
‫وصحتك قبل سقمك‪ ،‬وفراغك قبل شغلك‪ ،‬وغناك قبل فقرك‪ ،‬وحياتك قبل‬
‫موتك" فقد جمع النبي صلى الّله عليه وسلم في هذه الخمس علمما ً كممثيرا ً‬
‫لن الرجل يقدر على العمال في حال شممبابه ممما ل يقممدر عليممه فممي حممال‬
‫ود على المعصية ل يقدر على المتناع منهمما فممي‬ ‫هرمه‪ ،‬ولن الشباب إذا تع ّ‬
‫حال هرمه فينبغي للشاب أن يتعود في حال شممبابه أعمممال الخيممر لتسممهل‬
‫عليه في حال هرمه‪ .‬وقوله‪ :‬صحتك قبممل سممقمك لن الصممحيح نافممذ المممر‬
‫فيممما لممه ونفسممه فينبغممي للصممحيح أن يغتنممم صممحته ويجتهممد فممي العمممال‬
‫الصالحة في ماله وبدنه لنه إذا مرض ضممعف بممدنه عممن الطاعممة وقصممرت‬
‫يده عن ماله إل في مقدار ثلثه‪ ،‬وفراغك قبل شغلك‪ :‬يعني في الليل يكون‬
‫فارغا ً وبالنهار مشغول ً فينبغمي أن يصملي بالليمل فمي حمال فراغمه ويصموم‬
‫بالنهار في وقت شغله سيما في أيام الشتاء‪ ،‬كما روى عن النبي صلى الّله‬
‫عليه وسلم أنه قال "الشتاء غنيمة المؤمن طال ليله فقممامه وقصممر نهمماره‬
‫فصامه" وفي رواية أخرى "الليل طويل فل تقصره بمنامك والنهار مضمميء‬
‫فل تكدره بآثامك"‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬وغناك قبل فقرك‪:‬‬

‫]ص ‪[13‬‬
‫يعني إذا كنت راضيا ً بما آتاك الّله من القوت فمماغتنم ذلممك ول تطمممع فيممما‬
‫في أيدي الناس‪ .‬وقوله‪ :‬وحياتك قبل موتممك لن الرجممل ممما دام حي ما ً يقممدر‬
‫على العمل فإذا مات انقطع عمله‪ .‬فينبغي للؤمن أن ل يضيع أيامه الفانيممة‬
‫ويغتنم أيامه الباقية‪.‬‬
‫قممال الحكيممم بالفارسممية‪ :‬بكممودكى بممازي‪ :‬بمموابي مسممتي بيممبرى سممتي‬
‫خداراكي برستي يعني‪ :‬إذا كنت صبيا ً تلعمب ممع الصمبيان‪ ،‬وإذا كنمت شمابا ً‬
‫غفلت باللهو‪ ،‬وإذا كنت شيخا ً صرت ضعيفًا‪ .‬فمتى تعمل لله تعالى‪ :‬يعني ل‬
‫تقدر أن تعبد الّله تعالى بعد موتك وإنما تقدر على الجتهاد في حال حياتك‬
‫وتستعد لقدوم ملك الموت وتذكره في كل وقت فإنه ليس بغافل عنك‪.‬‬
‫وروى عن علي رضي الّله عنه "أن النبي صلى الّله عليه وسلم رأى ملك‬
‫الموت عند رأس رجل من النصار فقال له النبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم‬
‫ارفق بصاحبي فإنه مؤمن فقال أبشر يما محمممد فممإني بكممل ممؤمن رفيممق‪،‬‬
‫والله يا محمد إني لقبض روح ابن آدم فإذا صرخ صارخ من أهله قلممت ممما‬
‫هذا الصراخ فوالله ما ظلمناه ول سبقنا أجلممه ول اسممتعجلنا قممدره فممما لنمما‬
‫في قبضه ممن ذنمب فمإن ترضموا بمما صمنع الّلمه تمؤجروا وإن تسمخطوا أو‬
‫تجزعوا تأثموا وتؤزروا وما لكم عندنا من عتبة وإن لنا عليكم لقيممة وعممودة‬
‫فالحذر الحذر‪ ،‬وما من أهل بيت شعر أو مدر في بّر أو بحر إل وأنا أتصممفح‬
‫وجموههم فمي كمل يموم وليلمة خممس ممرات حمتى إنمي لعمرف صمغيرهم‬
‫وكبيرهم وأعرف منهم بأنفسهم‪ ،‬واللمه يما محمممد لمو أنممي أردت أن أقبممض‬
‫روح بعوضة ما قدرت على ذلك حتى يكون الّله تعالى هو المر بقبضها"‪.‬‬
‫وروى أبو سمعيد الخممدري "أن النمبي صمملى الّلمه عليممه وسملم رأى أناسما ً‬
‫يضحكون قال أما إنكم لو أكثرتم من ذكر هاذم اللذات لشغلكم عممما أرى‪،‬‬
‫ثم قال‪ :‬أكثروا ذكر هاذم اللذات" يعني الموت ثم قال "إنممما القممبر روضممة‬
‫من رياض الجنة أو حفرة من حفممر النيممران" وقممال عمممر رضممي الل ّممه عنممه‬
‫لكعب‪ :‬اكعب حدثنا عن الموت قال‪ :‬إن الموت كشجرة شوك أدخلت فممي‬
‫جوف ابن آدم فأخذت كل شوكة بعرق منه ثممم جممذبها رجممل شممديد القمموى‬
‫فقطع منها ما قطع وأبقى ما أبقى‪ .‬وذكر عن سممفيان الثمموري أنمه كممان إذا‬
‫ذكر عنده الموت كان ل ينتفع به أياما ً فإذا سئل عن شيء قممال‪ :‬ل أدري ل‬
‫أدري‪ .‬وقال الحكيم‪ :‬ثلثممة ليممس للعاقممل أن ينسمماهن‪ :‬فنمماء الممدنيا وتصممرم‬
‫أحوالها‪ ،‬والموت‪ ،‬والفات التي ل أمان له منها‪.‬‬
‫)وقال حاتم الصم( رحمه الّله تعالى‪ :‬أربعممة ل يعممرف قمدرها إل أربعمة‪:‬‬
‫قدر الشممباب ل يعرفممه إل الشمميوخ‪ ،‬وقممدر العافيمة ل يعرفممه إل أهمل البلء‪،‬‬
‫وقدر الصحة ل يعرفه إل المرضى‪ ،‬وقدر الحياة ل يعرفه إل الموتى‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الله‪ :‬هذا موافق للخبر الذي ذكرنمماه‪ :‬اغتنممم خمس ما ً‬
‫قبل خمس‪ .‬وروى عن عبد الّله بن عمرو بممن العمماص أنممه قممال‪ :‬كممان أبممي‬
‫كثيرا ً ما يقول‪ :‬إني لعجب من الرجل‬
‫]ص ‪[14‬‬
‫الذي ينزل به الموت ومعه عقله ولسانه فكيف ل يصفه‪ :‬قال‪ :‬ثممم نممزل بممه‬
‫الموت ومعه عقله ولسانه فقلت‪ :‬يا أبت قد كنت تقول‪ :‬إنممي لعجممب مممن‬
‫رجل ينزل به الموت ومعممه عقلممه ولسممانه كيممف ل يصممفه؟ فقممال‪ :‬يمما بنممي‬
‫الموت أعظم من أن يوصف ولكن سأصف لك منه شيئًا‪ ،‬واللممه كممأن علممى‬
‫كتفي جبل رضوى‪ ،‬وكأن روحي تخممرج مممن ثقممب إبممرة‪ ،‬وكممأن فممي جمموفي‬
‫ن السماء أطبقت على الرض وأنمما بينهممما‪ ،‬ثممم قممال‪ :‬يمما‬ ‫شوكة عوسج‪ ،‬وكأ ّ‬
‫حول إلى ثلثة أنممواع‪ :‬فكنممت أّول المممر أحممرص النمماس‬ ‫بني إن حيالي قد ت ّ‬
‫على قتل محمد صلى الّله عليه وسلم فيا ويلتاه لو مت في ذلك الوقت ثم‬
‫هداني الّله تعالى للسلم‪ ،‬وكان محمد صلى الّله عليه وسلم أحممب النمماس‬
‫ي وولني على السرايا فيا ليتني مت في ذلك الوقت لنال دعمماء رسممول‬ ‫إل ّ‬
‫ي ثم اشتغلنا بعده في أمر الممدنيا‪ ،‬فل‬ ‫الّله صلى الّله عليه وسلم وصلته عل ّ‬
‫أدري كيف يكون حالي عند الّله تعالى‪ ،‬فلم أقم من عنده حتى مات رحمه‬
‫اللممه‪ .‬قممال شممقيق بممن إبراهيممم‪ :‬وافقنممي النمماس فممي أربعممة أشممياء قممول ً‬
‫ل‪ .‬أحدها‪ :‬أنهم قالوا‪ :‬إنا عبيد الّله تعالى ويعملممون عمممل‬ ‫وخالفوني فيها فع ً‬
‫الحرار‪ ،‬والثاني‪ :‬قممالوا‪ :‬إن الل ّممه كفيممل لرزاقنمما ول تطمئن قلمموبهم إل مممع‬
‫شيء من الدنيا‪ ،‬والثالث‪ :‬قالوا‪ :‬إن الخرة خيممر مممن الممدنيا وهممم يجمعممون‬
‫المال للدنيا‪ ،‬والرابع قالوا‪ :‬ل بمد ّ لنمما ممن المموت ويعملمون أعممال قمموم ل‬
‫يموتون‪.‬‬
‫وروى عن أبي الدرداء وفي بعض الخبار عن أبي ذر وفي بعض الخبممار‬
‫عن سلمان الفارسي رضي الّله تعالى عنهم‪ ،‬والمعروف عن أبي ذر قممال‪:‬‬
‫ثلث أعجبتني حتى أضممحكتني‪ ،‬وثلث أحزنتنممي حممتى أبكتنممي‪ .‬فأممما الثلث‬
‫التي أضحكتني فأّولها‪ :‬مؤمل الدنيا والمموت يطلبممه‪ :‬يعنممي يطيمل أملمه ول‬
‫يتفكر في الموت‪ ،‬والثاني‪ :‬غافل وليممس بمغفممول عنممه يغفممل عممن الممموت‬
‫وبين يديه القيامة‪ ،‬والثالث‪ :‬ضاحك ملء فيه ل يدري الّله سمماخط عليممه أم‬
‫راض عنه‪ .‬وأما التي أبكتني ففراق الحبة‪ :‬يعنممي ممموت محمممد صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم وأصحابه رضي الّله عنهم‪ ،‬والثاني‪ :‬هول المطلممع‪ :‬يعنممي نممزول‬
‫الموت‪ ،‬والثالث‪ :‬الوقوف بين يدي الّله ل أدري إلى أين يأمر بي ربممي إلممى‬
‫الجنة أم إلى النار‪.‬‬
‫وروى عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنه قال "لو تعلم الحيوانات‬
‫أي البهائم "ما تعلمون من الموت ما أكلتم لحما ً سمينا ً أبدًا" وذكر عن أبي‬
‫حامد اللفاف أنه قال‪ :‬من أكثر من ذكر الموت‪ :‬أكرم بثلثة أشممياء‪ :‬تعجيممل‬
‫التوبة‪ ،‬وقناعة القوت‪ ،‬ونشاط العبممادة‪ .‬ومممن نسممي الممموت عمموقب بثلثممة‬
‫أشياء‪ :‬تسويف التوبة‪ ،‬وترك الرضا بالكفاف‪ ،‬والتكاسل في العبممادة‪ .‬وذكممر‬
‫أن عيسى عليه السلم كان يحيي الموتى بإذن الّله تعالى‪ ،‬فقال لممه بعممض‬
‫الكفرة‪ :‬إنك قد أحييت من كان حديث الموت ولعله لم يكن ميتا ً فأحيي لنا‬
‫من مات في الزمن الّول‪،‬‬

‫]ص ‪[15‬‬
‫فقال لهم اختاروا من شئتم فقالوا أحيي لنا سام بن نموح فجمماء إلممى قمبره‬
‫وصلى ركعتين ودعا الّله تعالى فأحيا الّله سام بن نوح فممإذا رأسممه ولحيتممه‬
‫قد ابيضتا فقيل ما هذا فإن الشيب لم يكن في زمانك؟ قال سمعت النممداء‬
‫فظننت أن القيامة قد قامت فشاب شعر رأسي ولحيتي من الهيبة‪ ،‬فقيممل‬
‫منذ كم أنت ميت؟ قممال منممذ أربعممة آلف سممنة وممما ذهبممت عنممي سممكرات‬
‫الموت‪ .‬ويقال ما من مؤمن يموت إل وقد عرضممت عليممه الحيمماة والرجمموع‬
‫إلى الدنيا فيكره لما لقي من شممدة الممموت إل الشممهداء فممإنهم لممم يجممدوا‬
‫شدة الموت فيتمنون الرجوع لكي يقاتلوا ثانيا ً فيقتلوا‪ .‬وروى عممن إبراهيممم‬
‫بن أدهم رحمه الّله تعالى أنه قيل له لممو جلسممت حممتى نسمممع منممك شمميئا ً‬
‫فقال إني مشغول بأربعة أشياء فلو فرغت منهما لجلسمت معكمم‪ ،‬قيمل مما‬
‫هي؟ قال أّولها أني تفكرت يوم الميثاق حين أخذ الميثاق من بني آدم قممال‬
‫ل جلله وتقدست أسماؤه "هؤلء في الجنممة ول أبممالي وهممؤلء‬ ‫الّله تعالى ج ّ‬
‫في النار ول أبالي" فلم أدر من أيّ الفريقين كنت أنا‪ ،‬والثاني تفكممرت بممأن‬
‫الولد إذا قضى الّله تعالى بخلقه في بطن أمه ونفخ فيه الروح فقال الملك‬
‫ي أم سعيد؟ فلم أدر كيف خرج جمموابي فممي ذلممك‬ ‫الذي وكل به يا رب أشق ّ‬
‫الوقت‪ ،‬والثالث حين ينزل ملك الموت فإذا أراد أن يقبض روحي فيقول يما‬
‫رب أمممع المسمملمين أم الكممافرين؟ فل أدري كيممف يخممرج جمموابي‪ ،‬والرابممع‬
‫ن{ فل‬ ‫تفكرت في قول الّله سبحانه وتعالى }وامتازوا اليو َ‬
‫مممو َ‬‫جرِ ُ‬ ‫م ْ‬
‫م أي َّهما ال ُ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ ْ َ ُ‬
‫أدري من أي الفريقين أكون‪.‬‬
‫)قال الفقيه( "طوبى لمن رزقه الل ّممه الفهممم وأيقظممه مممن سممنة الغفلممة‬
‫ووفقه للتفكر في أمر خاتمته" فنسممأل الل ّممه تعممالى أن يجعممل خاتمتنمما فممي‬
‫خير‪ ،‬ويجعل خاتمتنا مع البشارة فإن المؤمن له بشارة من الّله تعالى عنممد‬
‫موا{ يعنممي آمنمموا‬ ‫قا ُ‬‫س مت َ َ‬‫ما ْ‬ ‫ن َقاُلوا َرب َّنا الّله ث ُ ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫موته وهو قوله تعالى }إ ِ ّ‬
‫بالله ورسوله وثبتوا على اليمان‪ ،‬ويقال ثم اسممتقاموا يعنممي أدوا الفممرائض‬
‫ونهوا عن المحارم‪ ،‬وقال يحيى بن معمماذ الممرازي رحمممه الل ّممه تعممالى يعنممي‬
‫ل‪ ،‬وقال بعضممهم اسممتقاموا علممى السممنة‬ ‫استقاموا أفعال ً كما استقاموا أقوا ً‬
‫ة{ يعني على الذين آمنوا واستقاموا تتنزل‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫م ال َ‬ ‫ل ع َل َي ْهِ ْ‬
‫والجماعة }ت َت َن َّز ُ‬
‫َ‬
‫حَزُنوا{ يعنمي يقولمون‬ ‫خاُفوا َول ت َ ْ‬ ‫عليهم عند الموت الملئكة بالبشارة }أل ت َ َ‬
‫َ‬
‫جن ّمةِ ال ّت ِممي ك ُن ْت ُم ْ‬
‫م‬ ‫شمُروا ِبال َ‬ ‫لهم ل تخافوا ما بين أيديكم مممن أمممر الممدنيا }وَأب ْ ِ‬
‫ن{ يعني الجنة التي وعدكم الّله بهمما علممى لسممان نممبيكم صمملى الل ّممه‬ ‫دو َ‬ ‫ُتوع َ ُ‬
‫عليه وسلم‪ ،‬ويقال البشارة عند الموت علممى خمسممة أوجممه‪ :‬أّولهمما‪ :‬لعامممة‬
‫خاُفوا{ تأبيد العذاب‪ ،‬يعنممي ل تبقممون فممي العممذاب‬ ‫المؤمنين يقال لهم }ل ت َ َ‬
‫حَزن ُمموا{ علممى فمموت الثممواب‬ ‫أبممدا ً ويشممفع لكممم النبيمماء والصممالحون }َول ت َ ْ‬
‫ة{ يعني مرجعكم إلى الجنة‪ .‬والثاني‪ :‬للمخلصين يقال لهممم‬ ‫َ‬
‫جن ّ ِ‬
‫شُروا ِبال َ‬‫}وَأب ْ ِ‬
‫حَزن ُمموا{ علممى فمموت‬ ‫خاُفوا{ رد ّ أعمالكم فممإن أعمممالكم مقبولممة }َول ت َ ْ‬ ‫}ل ت َ َ‬
‫الثواب فإن لكم الثواب مضاعفًا‪ ،‬ول تحزنوا على ما فعلتم‬

‫]ص ‪[16‬‬
‫خمماُفوا{ مممن ذنموبكم فإنهمما‬ ‫بعممد التوبممة‪ .‬والثممالث‪ :‬للتممائبين يقممال لهممم }ل ت َ َ‬
‫حَزُنوا{ على فوت الثواب علممى ممما فعلتممم بعممد التوبممة‪.‬‬ ‫مغفورة لكم }َول ت َ ْ‬
‫حَزن ُمموا{ مممن نقصممان‬ ‫خاُفوا{ الحشممر والحسمماب }َول ت َ ْ‬ ‫والرابع‪ :‬للزهاد }ل ت َ َ‬
‫ة{ بل حسمماب ول عممذاب‪ .‬والخممامس‪ :‬للعلممماء‬ ‫َ‬
‫جن ّم ِ‬‫ش مُروا ِبال َ‬ ‫الضممعاف }وَأب ْ ِ‬
‫خمماُفوا{ مممن‬ ‫الذين يعلمون النمماس الخيممر وعملمموا بممالعلم يقممال لهممم‪} :‬ل ت َ َ‬
‫ة{‬ ‫َ‬
‫جن ّ ِ‬‫شُروا ِبال َ‬ ‫حَزُنوا{ فإنه يجزيكم بما عملتم }وَأب ْ ِ‬ ‫أهوال يوم القيامة }َول ت َ ْ‬
‫لكم ولمن اقتدى بكم‪ ،‬وطوبى لمن كان آخمر أمممره البشمارة‪ ،‬فإنمما تكمون‬
‫البشارة لمن كان مؤمنا ً محسنا ً في عمله فتتنزل عليممه الملئكممة فيقولممون‬
‫للملئكة من أنتم؟ فما رأينا أحسن وجوها ً ول أطيب ريحا ً منكم؟ فيقولممون‬
‫نحن أولياؤكم‪ :‬يعني حفظتكم الذين كنا نكتب أعممالكم فمي الحيماة المدنيا‪،‬‬
‫ونحن أولياؤكم في الخرة‪ ،‬فينبغي للعاقل أن يتنبه من رقدة الغفلة‪.‬‬
‫وعلمة من انتبه من رقدة الغفلة أربعة أشياء‪ :‬أّولها‪ :‬أن يدبر أمر الممدنيا‬
‫بالقناعممة والتسممويف‪ .‬والثمماني‪ :‬أن يممدبر أمممر الخممرة بممالحرص والتعجيممل‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬أن يدبر أمر الدين بالعلم والجتهاد‪ .‬والرابممع أن يممدبر أمممر الخلممق‬
‫بالنصيحة والمداراة‪ ،‬ويقال أفضل الناس من كان فيه خمس خصال‪ .‬أّولها‪:‬‬
‫ل‪ .‬والثمماني‪ :‬أن يكممون نفعممه للخلممق ظمماهرًا‪.‬‬ ‫أن يكون على عبممادة ربممه مقب ً‬
‫والثالث‪ :‬أن يكون الناس من شره آمنين‪ .‬والرابع‪ :‬أن يكون عما في أيممدي‬
‫الناس آيسًا‪ .‬والخامس‪ :‬أن يكون للموت مستعدًا‪.‬‬
‫ت‬‫مي ّ ٌ‬ ‫ك َ‬‫واعلم يا أخي أنا خلقنا للموت فل مهرب منه‪ .‬قال الّله تعالى }إ ِن ّ َ‬
‫ت أ َْو‬ ‫موْ ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن فََرْرت ُ ْ‬ ‫فَراُر إ ِ ْ‬ ‫فعَك ُ ْ‬
‫م ال ِ‬ ‫ل لَ ْ‬
‫ن ي َن ْ َ‬ ‫ن{ وقال تعالى }قُ ْ‬ ‫مي ُّتو َ‬
‫م َ‬
‫وَإ ِن ّهُ ْ‬
‫ل{ فالواجب على كل مسلم الستعداد للممموت قبممل نزولممه قممال الل ّممه‬ ‫قت ْ ِ‬
‫ال َ‬
‫ن{‪ .‬فممبين الل ّممه تعممالى أن الصممادق‬ ‫صمماد ِِقي َ‬‫م َ‬ ‫ن ُ‬
‫كنت ُم ْ‬ ‫ت إِ ْ‬
‫م مو ْ َ‬
‫وا ال َ‬ ‫تعالى }فَت َ َ‬
‫من ّ ْ‬
‫يتمنى الموت‪ ،‬وأن الكاذب يفّر من الممموت مممن سمموء عملممه‪ ،‬لن المممؤمن‬
‫الصادق قد استعد للموت فهو يتمناه اشتياقا ً إلى ربممه‪ ،‬كممما روى عممن أبممي‬
‫الدرداء أنه قال‪ :‬أحب الفقر تواضعا ً لربي‪ ،‬وأحب المرض تكفيممرا ً للخطايمما‪،‬‬
‫وأحب الموت اشتياقا ً إلى ربي‪ .‬وروى عن عبد الّله بن مسعود رضممي الل ّممه‬
‫تعالى عنه أنه قال‪ :‬ما من نفس بارة أو فاجرة إل والممموت خيممر لهمما‪ ،‬فممإن‬
‫خي ْمٌر ل ْل َب ْمَراِر{ وإن كممانت‬ ‫عن ْمد َ الل ّممه َ‬ ‫ممما ِ‬ ‫كانت بارة فقد قال الل ّممه تعممالى }وَ َ‬
‫ب‬‫ذا ٌ‬ ‫م ع َم َ‬‫دوا إ ِْثمما ً وَل َهُم ْ‬
‫دا ُ‬ ‫مل ِممي ل َهُم ْ‬
‫م ل ِي َمْز َ‬ ‫فاجرة فقد قال الل ّممه تعممالى }إ ِن ّ َ‬
‫ممما ن ُ ْ‬
‫ن{‪ .‬وروى عن أنس بن مالك عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال‪:‬‬ ‫مِهي ٌ‬‫ُ‬
‫"الموت راحة للمؤمن" وروى ابن مسعود عن النبي صلى الّله عليه وسمملم‬
‫أنه سئل‪" :‬أي المؤمنين أفضل؟ قال‪ :‬أحسنهم خلق مًا‪ ،‬قيممل‪ :‬وأي المممؤمنين‬
‫أكيس؟ قال‪ :‬أكثرهم للموت ذكرا ً وأحسنهم له استعدادًا" قال النبي صمملى‬
‫الّله عليه وسلم "الكيس من دان نفسه وعمممل لممما بعممد الممموت‪ ،‬والفمماجر‬
‫من أتبع نفسه هواها وتمنى على الّله تعالى الماني" يعني المغفرة‪.‬‬

‫]ص ‪[17‬‬

‫باب عذاب القبر وشدته‬


‫حدثنا الخليل بن أحمد حدثنا ابن معاذ حدثنا حسين المممروزي حممدثنا أبممو‬
‫معاوية الضرير عن العمش عن المنهال بن عمرو‪.‬‬
‫عن البراء بن عازب قال‪ :‬خرجنا مع رسول الّله صلى الّله عليممه وسمملم‬
‫في جنازة رجل من النصار فانتهينا إلى القبر ولم يلحد بعد‪ ،‬فجلممس النممبي‬
‫صلى الّله عليه وسلم وجلسنا حوله فكأن علممى رؤوسممنا الطيممر وفممي يممده‬
‫عود ينكث به الرض‪ :‬يعني يحفر به الرض‪ ،‬فرفع رأسممه وقممال "اسممتعيذوا‬
‫بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلثا ً ثم قال إن العبد المممؤمن إذا كممان فممي‬
‫إقبال من الخممرة وانقطمماع مممن الممدنيا نزلممت إليممه ملئكممة بيممض وجمموههم‬
‫كالشمس ومعهم كفن من الجنة وحنوط من حنمموط الجنممة فيجلسممون مممد‬
‫البصر‪ ،‬ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسممه فيقممول أيتهمما النفممس‬
‫المطمئنة اخرجي إلى مغفرة الّله ورضمموانه‪ .‬قممال النممبي صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسمملم‪ :‬فتخممرج وتسمميل كممما تسمميل القطممرة مممن السممقاء‪ ،‬فيأخممذونها فل‬
‫يدعونها في يده طرفة عين حتى يأخذوها في ذلك الكفن والحنوط فيخممرج‬
‫منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الرض‪ ،‬فيصعدون بها فل يمرون‬
‫بها على مل من الملئكة إل قممالوا ممما هممذه الممروح الطيبممة؟ فيقولممون روح‬
‫فلن ابن فلن بأحسن أسمائه‪ ،‬ثم ينتهون بها إلى سماء الدنيا فيسممتفتحون‬
‫لها فيفتح لهم فيستقبلها ويشيعها من كل سماء مقربوها إلى السماء الممتي‬
‫تليها حتى ينتهوا بها إلى السماء السابعة‪ ،‬فيقول الل ّممه تعممالى‪ :‬اكتبمموا كتممابه‬
‫في عليين وأعيدوه إلى الرض منها خلقتهم وفيها أعيممدهم ومنهمما أخرجهممم‬
‫تارة أخرى‪ ،‬فتعاد الروح في جسده ويممأتيه ملكممان فيقممولن لممه مممن ربممك؟‬
‫فيقول ربي الله‪ ،‬فيقولن له وما دينك؟ فيقول ديني السمملم‪ ،‬فيقممولن لممه‬
‫ما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول هو رسول الّله صلى الّلمه‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فيقولن له وما علمك؟ فيقول قرأت كتاب الّله تعالى وآمنممت‬
‫به وصممدقته‪ ،‬فينممادى منمماد‪ :‬صممدق عبممدي فافرشمموا لممه فراشما ً مممن الجنممة‬
‫وألبسوه لباسا ً من الجنة وافتحوا له بابا ً إلى الجنة يأتيه من ريحها وطيبهمما‪،‬‬
‫ويفسح له في قبره مد بصره‪ ،‬ويأتيه رجل حسن الوجه طيب الريح فيقول‬
‫له أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد به‪ ،‬فيقول لممه مممن أنممت؟‬
‫فيقول أنا عملك الصالح‪ ،‬فيقمول رب َأقمم ِ السماعة حمتى أرجمع إلمى أهلمي‬
‫وخدمي‪ ،‬قال النبي صلى الّله عليه وسلم‪ :‬وإن العبممد الكممافر إذا كممان فممي‬
‫إقبال من الخرة وانقطاع من الممدنيا نممزل إليممه ملئكممة مممن السممماء سممود‬
‫الوجوه معهم المسوح فيجلسون منه مممد البصممر‪ ،‬ثممم يجيممء ملممك الممموت‬
‫حتى يجلس عند رأسه فيقول‪ :‬أيتها النفس الخبيثة أخرجي إلى سخط الل ّممه‬
‫وغضبه‪ ،‬فتتفرق في أعضائه كلها فينزعها كما ينممزع السممفود مممن الصمموف‬
‫المبلول فينقطع معها العروق والعصب‪ ،‬فيأخذها وإذا‬

‫]ص ‪[18‬‬
‫أخذها لم يدعوها في يمده طرفممة عيممن حممتى يأخممذوها فيجعلوهمما فممي تلمك‬
‫المسوح ويخرج منها كأنتن ريح جيفة فيصعدون بها فل يمرون بها علممى مل‬
‫من الملئكة إل قالوا ما هذه الروح الخبيثممة؟ فيقولممون روح فلن ابممن فلن‬
‫بأقبح أسمائه حتى ينتهوا بها إلى سماء الدنيا فيستفتحون فل يفتح لهمما‪ ،‬ثممم‬
‫فتمح ل َهم َ‬
‫ب‬ ‫وا ُ‬ ‫قرأ رسول الّله صمملى الل ّممه عليممه وسمملم هممذه اليممة‪} :‬ل ت ُ َ ّ ُ ُ ْ‬
‫م أب ْم َ‬
‫ة{ ثم يقول الّله تعالى‪ :‬اكتبوا كتابه في سجين‪ ،‬ثم‬ ‫جن ّ َ‬
‫ن ال َ‬ ‫خُلو َ‬ ‫ماِء َول ي َد ْ ُ‬ ‫س َ‬
‫ال ّ‬
‫َ‬
‫ماِء‬‫سم َ‬‫ن ال ّ‬ ‫مم ْ‬‫خمّر ِ‬
‫ممما َ‬ ‫ك ِبمالل ّهِ فَك َأن ّ َ‬
‫شمرِ ْ‬ ‫ن يُ ْ‬‫مم ْ‬‫تطرح روحه طرحًا‪ ،‬ثم قممرأ }وَ َ‬
‫َ‬
‫ق{ يعني ترد فتعمماد روحممه‬ ‫حي ٍ‬ ‫س ِ‬‫ن َ‬ ‫م َ‬
‫كا ٍ‬ ‫ح ِفي َ‬ ‫وي ب ِهِ الّري ُ‬ ‫ه الط ّي ُْر أوْ ت َهْ ِ‬ ‫خط َ ُ‬
‫ف ُ‬ ‫فَت َ ْ‬
‫في جسده‪ ،‬فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولن لممه مممن ربممك؟ فيقممول همماه ل‬
‫أدري‪ ،‬فيقولن له وما دينك؟ فيقول هاه ل أدري‪ ،‬فيقولن له ما تقممول فممي‬
‫هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول هاه ل أدري‪ ،‬فينادي مناد من السممماء‪:‬‬
‫كذب عبدي فافرشوا له من فرش النار وافتحوا له باب ما ً إلممى النممار فيممدخل‬
‫سمومها ويضيق عليه قممبره فتختلممف فيممه أضمملعه‪ ،‬ويممأتيه‬ ‫عليه من حرها و ّ‬
‫رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فيقول لممه‪ :‬أبشممر بالممذي يسمموءك‬
‫فهذا يومك الذي كنت توعد به‪ ،‬فيقول من أنت؟ فيقول أنا عملك السمميء‪،‬‬
‫فيقول رب ل تقم الساعة رب ل تقم الساعة"‪.‬‬
‫)قال( حدثنا الفقيه أبو جعفر حدثنا أبو القاسممم أحمممد بممن حمممزة حممدثنا‬
‫محمد بن سلمة حدثنا أبو أيوب حدثنا القاسم بن الفضل عن الحراني عممن‬
‫قتادة عن قسامة بن زهير عن أبي هريرة رضي الّله عنه قال‪ :‬قال رسممول‬
‫الّله صلى الّله عليه وسلم "إن المممؤمن إذا احتضممر أتتممه الملئكممة بحريممرة‬
‫ل روحممه كممما تسممل الشممعرة مممن العجيممن‬ ‫فيها مسك وضبائر الريحان وتس ّ‬
‫ة{ عنممك‬ ‫ض مي ّ ً‬
‫مْر ِ‬
‫ة َ‬‫ض مي َ ً‬
‫ك َرا ِ‬ ‫جِعي إ َِلى َرب ّم ِ‬ ‫ة‪ ،‬اْر ِ‬ ‫مط ْ َ‬
‫مئ ِن ّ ُ‬ ‫س ال ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ويقال }َيا أ َي ّت َُها الن ّ ْ‬
‫إلى رحممة الّلمه تعمالى ورضموانه‪ ،‬وإذا أخرجمت روحمه وضمعت علمى ذلمك‬
‫المسك والريحان وطوبت عليها الحريرة وبعث بها إلى عليين‪ ،‬وإن الكممافر‬
‫إذا احتضر أتته الملئكة بمسمح ممن شمعر فيمه جممر فتنمزع روحمه انتزاعما ً‬
‫شديدا ً ويقال لها أيتها النفس الخبيثة اخرجي ساخطة مسخوطا ً عليك إلممى‬
‫هوان الّله وعذابه‪ ،‬فإذا خرجت روحممه وضمعت علممى تلمك الجممرة وإن لهما‬
‫نشيجا ً كنشيج الغليان ويطوى عليها المسح فيذهب بها إلى سجين‪.‬‬
‫)قال(‪ :‬وروى الفقيه أبو جعفر بإسناده عن عبد الّله بن عمر رضي الل ّممه‬
‫عنهما "إن المؤمن إذا وضع في القبر يوسع عليه في قبره سممبعون ذراعمما ً‬
‫طول ً وتنشر عليه الرياحين ويستر بالحرير‪ ،‬فإن كان معه شيء من القرآن‬
‫كفاه نوره فإن لم يكن جعل له نور مثل الشمس فمي قمبره‪ ،‬ويكمون مثلمه‬
‫كمثل العروس تنام ول يوقظها إل أحب أهلها إليها فتقوم مممن نومهمما كأنهمما‬
‫لم تشبع منه وإن الكافر يضيق عليه قبره حتى تممدخل أضمملعه فممي جمموفه‬
‫ويرسل عليه حيات كأمثال أعناق البخت فتأكلن لحمه حممتى ل يممذرن علممى‬
‫عظمه لحمًا‪ ،‬فترسل له ملئكة‬

‫]ص ‪[19‬‬
‫العذاب صم بكم عمي معهممم مقممامع مممن حديممد يضممربونه بهمما ل يسمممعون‬
‫صوته فيرجموه ول يبصرونه فيرأفوا به فتعرض عليه النار بكر وعشيًا"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الله‪ :‬من أراد أن ينجممو مممن عممذاب القممبر فعليممه أن‬
‫يلزم أربعممة أشممياء ويجتنممب أربعممة أشممياء‪ ،‬فأممما الربعممة الممتي يلزمهمما‪:‬‬
‫فمحافظة الصلوات‪ ،‬والصدقة وقراءة القرآن‪ ،‬وكممثرة التسممبيح‪ ،‬فممإن هممذه‬
‫الشياء تضيء القبر وتوسعه‪ .‬وأما الربعة التي يجتنبها‪ :‬فالكذب‪ ،‬والخيانممة‪،‬‬
‫والنميمة‪ ،‬والبول‪ .‬فقد روى عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنه قممال‬
‫"تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه" وروى عن رسول الّله صلى‬
‫الّله عليه وسلم أنه قال "إن الّله تعالى كره لكم أربعًا‪ :‬العبث في الصمملة‪،‬‬
‫واللغو في القراءة‪ ،‬والرفث في الصيام‪ ،‬والضحك عند المقابر" وروى عممن‬
‫محمد بن السممماك أنممه نظممر إلممى مقممبرة فقممال‪ :‬ل يغرنكممم سممكوت هممذه‬
‫القبور‪ ،‬فمما أكمثر المغممومين فيهما‪ ،‬ول يغرنكمم اسمتواء القبمور فمما أشمد‬
‫تفاوتهم فيها‪ ،‬فينبغي للعاقل أن يكثر من ذكر القبر قبل أن يدخله‪.‬‬
‫)قال سفيان الثوري( رحمه الله‪ :‬من أكثر من ذكر القبر وجده روضة من‬
‫ي‬
‫رياض الجنة‪ ،‬ومن غفل عنه وجده حفرة من حفر النيران‪ .‬وروى عن علمم ّ‬
‫كرم الّله وجهه أنه قال في خطبته‪ :‬يا عباد الّله الممموت الممموت ليممس منممه‬
‫فوت إن أقمتم له أخذكم وإن فررتم منه أدرككم‪ ،‬الموت معقود بنواصيكم‬
‫فالنجاة النجاة الوحا الوحا فإن وراءكم طالبا ً حثيثا ً وهو القبر‪ ،‬أل وإن القبر‬
‫روضة من رياضي الجنة أو حفرة من حفر النيران‪ ،‬أل وإنه يتكلممم فممي كممل‬
‫يوم ثلث مرات فيقول‪ :‬أنا بيت الظلمة أنا بيت الوحشة أنمما بيممت الديممدان‪،‬‬
‫أل وإن وراء ذلك اليوم يوما ً أشد من ذلك اليوم‪ ،‬يوما ً يشمميب فيممه الصممغير‬
‫ويسكر فيه الكبير‪ ،‬وتذهل كل مرضعة عما أرضعت‪ ،‬وتضع كممل ذات حمممل‬
‫حملها‪ ،‬وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عممذاب الل ّممه شممديد‪ ،‬أل‬
‫وإن وراء ذلك اليوم نارا ً حرها شديد‪ ،‬وقعرها بعيممد‪ ،‬وحليهمما حديممد‪ ،‬وماؤهمما‬
‫صديد وليس لله فيها رحمة‪ .‬قال‪ :‬فبكى المسلمون بكاء شممديدًا‪ ،‬فقممال إن‬
‫وراء ذلك اليوم جنة عرضها السموات والرض أعدت للمتقين‪ ،‬أجارنمما الل ّممه‬
‫وإياكم من العذاب الليم‪ ،‬وأحلنا وإياكم دار النعيم‪.‬‬
‫وروى عن أسيد بن عبد الرحمن أنممه قممال‪ :‬بلغنممي أن المممؤمن إذا مممات‬
‫فحمل قال أسرعوا بي‪ ،‬فإذا وضع في لحده كلمته الرض وقالت إني كنت‬
‫ي‪ ،‬وإذا مات الكافر فحمل قممال‬ ‫أحبك وأنت على ظهري فأنت الن أحب إل ّ‬
‫ارجعوني فإذا وضع في لحده كلمته الرض فقالت إني كنت أبغضممك وأنممت‬
‫ي‪.‬‬
‫على ظهري فأنت الن أبغض إل ّ‬
‫وروى عن عثمان بن عفان رضي الّله عنه‪ :‬أنممه وقممف علممى قممبر فبكممى‬
‫فقيل له إنك تذكر الجنة والنار ول تبكي وتبكي من هممذا؟ فقممال إن رسممول‬
‫الّله صلى الّله عليه وسلم قال "القبر أّول منزلممة ممن منممازل الخممرة فممإن‬
‫نجا منه فما بعده أيسر منه‪ ،‬وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه"‪.‬‬

‫]ص ‪[20‬‬
‫وروى عن عبد الحميمد بمن محممود المغمولي قممال‪ :‬كنممت جالسما ً عنممد ابممن‬
‫عباس رضي الّله عنهما فأتاه قوم فقالوا خرجنا حجاج ما ً ومعنمما صمماحب لنمما‬
‫حتى انتهينا إلى حي ذات الصفاح فمات فهيأنمما لمه ثممم انطلقنما فحفرنمما لمه‬
‫قبرا ً ولحدا ً فإذا نحن بأسود قد مل اللحد‪ :‬يعني الحية‪ ،‬فتركناه‪ ،‬فحفرنمما لممه‬
‫في مكان آخر فإذا نحن بأسود قد مل اللحد فتركناه‪ ،‬فحفرنا لممه ثالث ما ً فممإذا‬
‫نحن بأسود قمد مل اللحمد‪ ،‬فتركنماه وأتينماك‪ .‬قمال ابمن عبماس رضمي الّلمه‬
‫عنهما‪ :‬ذلك الفعل الذي كان يفعله انطلقوا فادفنوه في بعضممها فمموالله لممو‬
‫حفرتم الرض كلها لوجدتموه فيها فمأخبروا قمومه‪ .‬قمال‪ :‬فانطلقنما فمدفناه‬
‫في بعضها فلما رجعنا أتينا أهله بمتاع له كان معنا فقلنا لمرأته ما كان لممه‬
‫من عمل؟ قالت كان يبيع الطعام يعني الحنطة وكممان يأخممذ كممل يمموم قممدر‬
‫قوته ثم يعرض القصب مثله ومن الكعبرة يعني عيدان الطعام فيلقيه فيه‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الله‪ :‬فممي هممذا الخممبر دليممل علممى أن الخيانممة سممبب‬
‫لعذاب القبر فكان فيما رأوه عبرة للحياء ليمتنعوا مممن الخيانممة‪ ،‬ويقممال إن‬
‫الرض تنادي كل يوم خمس مرات‪ ،‬أّول نداء تقول‪ :‬يا ابن آدم تمشي على‬
‫ظهري ومصيرك إلى بطني‪ ،‬والثاني تقول‪ :‬يا ابممن آدم تأكممل اللمموان علممى‬
‫ظهري وتأكلك الديدان في بطني‪ ،‬والثالث تقول يمما ابممن آدم تضممحك علممى‬
‫ظهري فسوف تبكممي فممي بطنممي‪ ،‬والرابممع‪ :‬تقممول يمما ابممن آدم تفممرح علممى‬
‫ظهري فسوف تحزن في بطني‪ ،‬والخامس‪ :‬تقول يمما ابممن آدم تممذنب علممى‬
‫ظهري فسوف تعذب في بطني‪.‬‬
‫وروى عن عمرو بن دينار قال‪ :‬كان رجل من أهل المدينة له أخممت فممي‬
‫ناحية المدينة فاشتكت فكان يأتيها يعودها‪ ،‬ثم ماتت فجهزهمما وحملهمما إلممى‬
‫قبرها فلما دفنت ورجع إلى أهلها ذكر أنه نسي كيسما ً كممان معممه فاسممتعان‬
‫برجل من أصحابه فأتيا القبر فنبشها فوجد الكيس فقال للرجممل تنممح حممتى‬
‫أنظر على أي حال أختي‪ ،‬فرفع بعض ما كان على اللحد فإذا القبر مشتعل‬
‫وى القبر‪ ،‬فرجع إلممى أمممه فقممال أخممبريني عممما كممانت أخممتي‬ ‫نارا ً فرده فس ّ‬
‫عليه؟ فقالت‪ :‬ولم تسأل عممن أختممك وقممد هلكممت؟ قممال فممأخبريني‪ .‬قممالت‬
‫كانت أختك تؤخر الصلة ول تصلي بطهارة تامة‪ ،‬وتأتي في أبواب الجيممران‬
‫إذا نمماموا فتلقممم أذنهمما أبمموابهم فتخممرج حممديثهم‪ :‬يعنممي أنهمما كممانت تسممتمع‬
‫الحديث لكي تمشي بالنميمة وهو سبب عممذاب القممبر‪ ،‬فمممن أراد أن ينجممو‬
‫من عذاب القبر فعليه أن يتحرز عن النميمة وعن سائر الذنوب فينجو مممن‬
‫ن‬
‫ذي َ‬‫ت الل ّممه ال ّم ِ‬
‫عذابه ويسهل عليه سؤال منكر ونكير‪ ،‬قال الّله تعممالى }ي ُث َب ّم ُ‬
‫ة{ وروى البراء بممن عممازب‬ ‫خَر ِ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي ال ِ‬‫ت ِفي ال َ‬ ‫ل الّثاب ِ ِ‬‫قو ْ ِ‬ ‫مُنوا ِبال َ‬
‫آ َ‬
‫رضي الّله عنه عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال "إذا سئل المسمملم‬
‫في القبر فيشهد أن ل إله إل الّله وأن محمدا ً عبممده ورسمموله فممذلك قمموله‬
‫ة{‬‫خَر ِ‬‫حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي ال ِ‬ ‫ت ِفي ال َ‬ ‫ل الّثاب ِ ِ‬
‫قو ْ ِ‬
‫مُنوا ِبال َ‬‫نآ َ‬ ‫ت الّله ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫تعالى }ي ُث َب ّ ُ‬
‫ويكون التثبيت في ثلثة أحوال‬

‫]ص ‪[21‬‬
‫لمن كان مؤمنا ً مخلصا ً مطيعا ً للممه تعممالى‪ :‬أحممدها‪ :‬فممي مثممل معاينممة ملممك‬
‫ل سؤال منكر ونكير‪ ،‬والثالث في حال سممؤاله عنممد‬ ‫الموت‪ ،‬والثاني في حا ُ‬
‫المحاسبة يوم القيامة‪ .‬فأما التثبيت عند معاينة ملك الموت فهو على ثلثممة‬
‫أوجه‪ :‬أحدها‪ :‬العصمة من الكفممر‪ ،‬وتوفيممق السممتقامة علممى التوحيممد حممتى‬
‫تخممرج روحممه وهممو علممى السمملم‪ ،‬والثمماني أن تبشممره الملئكممة بالرحمممة‪،‬‬
‫والثالث أن يرى موضعه من الجنة‪ .‬والتثمبيت فمي القمبر علمى ثلثممة أوجممه‪.‬‬
‫أحدها‪ :‬أن يلقنه الّله تعالى الصواب حتى يجيبهممما بممما يرضممى منممه الممرب‪،‬‬
‫والثاني أن يزول عنه الخوف والهيبة والدهشة‪ ،‬والثالث أن يرى مكانه فممي‬
‫الجنة فيصير القبر روضة من رياض الجنة‪ ،‬وأما التثبيت عند الحسمماب فهممو‬
‫على ثلثة أوجه أحدها‪ :‬أن يلقنه الحجة عما يسأل عنمه‪ ،‬والثمماني أن يسمهل‬
‫عليه الحساب‪ ،‬والثالث أن يتجاوز عنه الزلل والخطايا‪ ،‬ويقال التثممبيت فممي‬
‫أربعة أحوال‪ .‬أحدها‪ :‬عند الموت‪ ،‬والثاني في القبر حممتى يجيممب بل خمموف‪،‬‬
‫والثالث عند الحساب‪ ،‬والرابع عنممد الصممراط حممتى يمممر كممالبرق الخمماطف‪،‬‬
‫فإن سئل عن سؤال القبر كيف هو؟ قيل له قد تكلم العلماء فيه واختلفت‬
‫الروايات فقال بعضممهم‪ :‬يكممون السممؤال الممروح دون الجسممد وحينئذ تممدخل‬
‫الروح في جسده إلى صدره‪ ،‬وقيل تكون الممروح بيممن جسممده وكفنممه وفممي‬
‫ذلك كله قد جاءت الثار‪ ،‬والصحيح عند أهل العلم أن يقّر النسممان بسممؤال‬
‫القبر‪ ،‬ول يشتغل بكيفيته ويقممول الل ّممه أعلممم كيممف يكممون‪ ،‬وإنممما نعمماينه إذا‬
‫صرنا إليه فإذا أنكر أحد سؤال منكمر ونكيمر فمإن إنكماره ل يخلمو ممن أحمد‬
‫الوجهين‪ :‬إممما أن يقممول‪ :‬إن هممذا ل يجمموز مممن طريممق العقممل إذ هممو خلف‬
‫الطبيعة‪ ،‬أو يقول يجوز ذلك ولكممن لممم يثبممت‪ ،‬فممإن قممال هممذا ل يجمموز مممن‬
‫وة وإبطممال المعجممزة‪ ،‬لن‬ ‫طريق العقل فإن قمموله يممؤدي إلممى تعطيممل النبم ّ‬
‫الرسل كانوا مممن الدمييممن وطممبيعتهم مثممل طبيعممة غيرهممم‪ ،‬وقممد شمماهدوا‬
‫الملئكة وأنزل عليهم الوحي وانفلق البحر لموسى عليممه السمملم وصممارت‬
‫عصاه ثعبانًا‪ ،‬فهذا كله خلف الطبيعة فمنكممر هممذا يخممرج مممن السمملم مممن‬
‫حيث دخل‪ ،‬وإن قال إنه ل يجوز ولكن لم يثبت فنحن قد روينا مممن الخبممار‬
‫ما فيه مقنع لمن سمعها‪ ،‬وفي كتاب الّله تعالى دليل علممى ذلممك قممال الل ّممه‬
‫تعالى‪} :‬وم َ‬
‫مةِ‬
‫قَيا َ‬
‫م ال ِ‬ ‫ح ُ‬
‫شُره ُ ي َوْ َ‬ ‫ضنكا ً وَن َ ْ‬
‫ة َ‬ ‫ش ً‬‫مِعي َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ري فَإ ِ ّ‬ ‫ن ذ ِك ْ ِ‬‫ض عَ ْ‬ ‫ن أع َْر َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ّ‬
‫مى{ قال جماعة من المفسرين‪ :‬المعيشة الضنك سؤال القبر قال اللممه‬ ‫َ‬
‫أع ْ َ‬
‫حي َمماةِ ال مد ّن َْيا وَفِممي‬
‫ت فِممي ال َ‬ ‫ل الث ّمماب ِ ِ‬‫قو ْ ِ‬‫من ُمموا ب ِممال َ‬‫نآ َ‬ ‫ت الل ّممه ال ّم ِ‬
‫ذي َ‬ ‫تعممالى }ي ُث َب ّم ُ‬
‫ة{‪.‬‬
‫خَر ِ‬‫ال ِ‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬حمدثني الفقيممه بإسممناده عممن سممعيد بمن‬
‫المسيب عن عمر رضي الّله عنهما قال‪ :‬قال رسول الّله صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم "إذا دخل المؤمن قبره أتاه فتانا القبر فأجلسمماه فممي قممبره وسممأله‬
‫وإنه ليسمع خفق نعالهم إذا ولوا مدبرين‪ ،‬فيقولون له من ربممك وممما دينممك‬
‫ومن نبيك؟ فيقول الّله ربي والسلم ديني ومحمد نبيي‪ ،‬فيقولن له يثبتممك‬
‫الّله نم قرير العين‪،‬‬

‫]ص ‪[22‬‬
‫حي َمماةِ المد ّن َْيا‬ ‫ل الث ّمماب ِ ِ‬
‫ت فِممي ال َ‬ ‫من ُمموا ب ِممالقَوْ ِ‬
‫نآ َ‬ ‫ت الّله ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫وهو قوله تعالى }ي ُث َب ّ ُ‬
‫ل الّله الظممالمين يعنممي‬ ‫ة{ يعني يثبتهم الّله على قول الحق ويض ّ‬ ‫خَر ِ‬
‫وَِفي ال ِ‬
‫الكافرين ول يوفقهم للقول الحق‪ ،‬وإذا دخل الكافر أو المنممافق قممبره قممال‬
‫لمه ممن ربمك ومما دينمك وممن نبيمك؟ فيقمول ل أدري‪ ،‬فيقمولن‪ :‬ل دريمت‪،‬‬
‫فيضرب بمرزبة يسمعها ما بين الخافقين إل الجن والنس"‪.‬‬
‫وروى أبو حازم عن ابن عمر رضي الّله عنهممما قممال‪ :‬قممال رسممول الل ّممه‬
‫صلى الّله عليه وسلم "يا عمر كيف بك إذا جاءك فتانمما القممبر منكممر ونكيممر‬
‫ملكممان أسممودان أزرقممان ينحتممان الرض بأنيابهممما ويطممآن فممي شممعورهما‪،‬‬
‫أصواتهما كالرعد القاصف وأبصارهما كالبرق الخاطف؟ فقممال عمممر رضممي‬
‫الّله عنه‪ :‬يا رسول الّله أمعي عقل وأنا على ما أنا عليه اليمموم؟ قممال نعممم‪.‬‬
‫قال إذن أكفيكهما بإذن الّله تعالى‪ ،‬فقال النبي صلى الل ّممه عليممه وسمملم إن‬
‫عمر لموفق"‪.‬‬
‫قال‪ :‬وحدثني أبو القاسم بن عبد الرحمن بن محمممد الشمماباذي بإسممناده‬
‫عن أبي هريرة رضي الّله عنه عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال "ما‬
‫من ميت يموت إل وله خوار يسمعه كل دابة عنده إل النسان فلممو سمممعه‬
‫لصعق فإذا انطلق به إلى قبره فإن كان صالحا ً قال عجلوا بي لممو تعلمممون‬
‫ما أمامي من الخير لقدمتموني‪ ،‬وإن كان غير ذلممك قممال ل تعجلمموا بممي لممو‬
‫تعلموني ما تقدموني له من الشر لما عجلتموني‪ ،‬فإذا ووري في قبره أتاه‬
‫ملكان أسودان أزرقان‪ ،‬فيأتيانه من قبل رأسه فتقممول صمملته ل يممؤتى مممن‬
‫قبلي فرب ليلة قد بات فيها ساهرا ً حذرا ً من هذا المضجع‪ ،‬فيؤتي من قبل‬
‫رجليممه فيجيممء بممر الوالممدين فيقممول ل يممؤتي مممن قبلنمما فقممد كممان يمشممي‬
‫وينتصب علينا حذرا ً لهذا المضجع‪ ،‬فيؤتى من قبل يمينممه فتقممول صممدقته ل‬
‫يؤتى من قبلي لقد كان يتصدق بي حذرا ً لهممذا المضممجع‪ ،‬فيممؤتى مممن قبممل‬
‫شماله فيقول صومه ل يؤتى من قبلي فقد كممان يظمممأ ويجمموع حممذرا ً لهممذا‬
‫المضجع‪ ،‬فيوقظ كما يوقظ النائم فيقال له‪ :‬أرأيت هذا الرجممل الممذي كممان‬
‫يقول ما يقول‪ ،‬علم كنت منه؟ فيقول‪ :‬من هو؟ فيقممال محمممد صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فيقول أشهد أنه رسول الّله صلى الّله عليممه وسمملم‪ ،‬فيقممولن‬
‫له عشت مؤمنا ً ومت مؤمنًا‪ ،‬فيفسح له في قبره وينشر له من كل كرامممة‬
‫الّله تعالى ما شمماء اللممه" فنسممأل الل ّممه التوفيممق والعصمممة وأن يعيممذنا مممن‬
‫الهواء الضالة المضلة والغفلممة وأن يعيممذنا مممن عممذاب القممبر‪ ،‬فممإن النممبي‬
‫صلى الّله عليه وسلم كان يتعوذ بالله منه‪.‬‬
‫وذكر عن عائشة رضي الّله عنها أنها قالت‪ :‬كنت لم أعلم بعممذاب القممبر‬
‫ي يهودية فسألت شمميئا ً فأعطيتهمما فقممالت أعمماذك الل ّممه مممن‬ ‫حتى دخلت عل ّ‬
‫عذاب القبر" فظننت أن قولها من أباطيل اليهممود حممتى دخممل النممبي صمملى‬
‫الّله عليه وسلم فذكرت ذلك له فأخبرني أن عذاب القبر حق‪.‬‬
‫فالواجب على كل مسلم أن يستعيذ بالله تعالى ممن عمذاب القمبر‪ ،‬وأن‬
‫يستعد للقبر بالعمال الصالحة قبل أن يدخل فيه‪ ،‬فإنه قد سهل عليه المر‬
‫ما دام في الدنيا فإذا دخل القبر فإنه يتمنى أن يؤذن له بحسنة واحممدة فل‬
‫يؤذن له فيبقى في حسرة وندامة‪ ،‬فينبغي للعاقل أن‬

‫]ص ‪[23‬‬
‫يتفكر فممي أمممور الممموتى فممإن الممموتى يتمنممون أن يممؤذن لهممم بممأن يصمّلوا‬
‫ركعتين أو يؤذن لهم أن يقولمموا مممرة ل إلممه إل الل ّممه محمممد رسممول الل ّممه أو‬
‫يؤذن لهم بتسبيحة واحدة فل يؤذن لهم فيتعجبون من الحياء أنهم يضيعون‬
‫أيامهم في الغفلة والبطالة‪ ،‬يا أخي فل تضيع أيامك فإنها رأس مالممك فإنممك‬
‫مما دممت قمادرا ً علمى رأس مالمك قمدرت علمى الربمح لن بضماعة الخمرة‬
‫كاسدة في يومك هذا فاجتهد حتى تجمع بضاعة الخرة كاسممدة فممي وقممت‬
‫الكساد فإنه يجيء يوم تصير هذه البضاعة فيه عزيزة‪ ،‬فاسممتكثر منهمما فممي‬
‫يوم الكساد ليوم العز فإنك ل تقدر على طلبها في ذلك اليوم‪ .‬فنسأل الل ّممه‬
‫تعالى أن يوفقنا للسممتعداد ليمموم الفقممر والحاجممة ول يجعلنمما مممن النممادمين‬
‫الذين يطلبون الرجعة فل يقالون ويسهل علينا سكرات الموت وشدة القبر‬
‫وعلى جميممع المسمملمين والمسمملمات‪ ،‬آميممن يمما رب العممالمين فممإنه أرحممم‬
‫الراحمين وهو حسبنا ونعم الوكيل ول حول ول قوة إل بالله العلي العظيم‪..‬‬

‫باب أهوال القيامة وأفزاعها‬


‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬أخبرنا الخليل بن أحمد قال‪ :‬أخبرنا يحيى‬
‫بن محمد بن صاعد قال‪ :‬حدثنا محمد بممن المنصممور الطوسممي قممال‪ :‬حممدثنا‬
‫يحيى بن إسحاق الصالح قال‪ :‬حدثنا أحمد بن لهيعة عممن خالممد بممن عمممران‬
‫عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الّله عنهمما وعنهممم قممالت‪ :‬قلممت يمما‬
‫رسول الّله هل يذكر الحبيب حبيبه يوم القيامة؟ قال أما عند ثلث مواضممع‬
‫فل‪ :‬عند الميزان حتى يعلم إما أن يخف وإما أن يثقل وعند تطاير الصممحف‬
‫إما أن يعطى بيمينه وإما أن يعطى بشمماله‪ ،‬وحيمن يخمرج عنمق ممن النمار‬
‫فينطوى عليهم ويقول‪ :‬وكلت بثلثة‪ :‬وكلممت بمممن دعمما مممع الل ّممه إله ما ً آخممر‪،‬‬
‫وبكل جبار عنيد وبكل مممن ل يممؤمن بيمموم الحسمماب‪ ،‬فيطمموى عليهممم حممتى‬
‫يرمى بهم في غمممرات جهنممم‪ ،‬ولجهنممم جسممر أدق مممن الشممعر وأح مد ّ مممن‬
‫السيف عليه كلليب وحسك والناس يمرون عليه كالبرق الخاطف وكالريممح‬
‫العاصف فناج مسلم ومخدوش مثلهم ومكبوب في النار على وجهه‪.‬‬
‫وحدثنا محمد بن الفضل قال‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر قال‪ :‬أخبرنا إبراهيم‬
‫بن يوسف قال‪ :‬أخبرنا أبو معاوية عن العمممش عممن أبممي صممالح عممن أبممي‬
‫هريممرة رضممي الل ّممه عنممه أن النممبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم قممال "ممما بيممن‬
‫النفختين أربعون سنة ثم ينزل الّله ماء من السماء كمنى الرجممال فينبتممون‬
‫كما ينبت البقل" وأخبرني الثقة بإسناده عممن أبممي هريممرة رضممي الل ّممه عنممه‬
‫بأسانيد مختلفة عن أبي هريرة رضي الّله عنه عن رسول الل ّممه صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم قال "لما فرغ الل ّممه تعممالى مممن خلممق السممموات والرض خلممق‬
‫الصور فأعطاه إسرافيل فهو واضعه في فيه شاخصا ً ببصممره إلممى العممرش‬
‫صور؟ قال قرن مممن نممور‪:‬‬ ‫ينتظر متى يؤمر‪ .‬قال‪ :‬قلت يا رسول الّله وما ال ّ‬
‫قلت يا رسول الّله كيف هو؟ قال عظيم الممدارة والممذي بعثنممي بممالحق نبيما ً‬
‫لعظم دارته‬

‫]ص ‪[24‬‬
‫كعرض السماء والرض ينفخ فيه ثلث نفخات‪ ،‬وذكممر فممي بعممض الروايممات‬
‫أنه "نفختان" نفخة للهلك ونفخة للبعث‪ ،‬وفي رواية كعب "نفختممان" وفممي‬
‫رواية أبي هريرة رضي الّله عنه "ثلث نفخات للفزع نفخة للصممعق ونفخممة‬
‫للبعث فيأمر الّله تعالى إسرافيل في النفخة الولى فينفخ فيه فيفممزع مممن‬
‫صمموِر‬
‫خ فِممي ال ّ‬‫فم ُ‬‫م ُين َ‬
‫في السموات ومن في الرض‪ ،‬وهو قوله تعممالى }وَي َموْ َ‬
‫َ‬
‫ه{ وتمتزلزل‬ ‫شمماَء الّلم ُ‬‫ن َ‬ ‫مم ْ‬
‫ض ِإل َ‬
‫ن ِفمي الْر ِ‬
‫مم ْ‬
‫ت وَ َ‬
‫ماَوا ِ‬
‫سم َ‬
‫ن ِفمي ال ّ‬
‫مم ْ‬ ‫فَ َ‬
‫فزِع َ َ‬
‫الرض وتذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمممل حملهمما وتممرى‬
‫الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عمذاب الل ّممه شمديد‪ ،‬وتصمير الولممدان‬
‫َ‬
‫ن‬‫م إِ ّ‬ ‫قوا َرب ّك ُ ْ‬ ‫س ات ّ ُ‬ ‫شيبا ً وتطير الشياطين هاربة وهو قوله تعالى }َيا أي َّها الّنا ُ‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل ك ُم ّ‬ ‫م ت ََروْن َهَمما ت َمذ ْهَ ُ‬ ‫ساع َةِ َ‬ ‫َزل َْزل َ َ‬
‫ض معَ ْ‬‫ممما أْر َ‬ ‫ضمعَةٍ ع َ ّ‬ ‫مْر ِ‬ ‫ل ُ‬ ‫م‪ ،‬ي َوْ َ‬ ‫ظي ٌ‬ ‫يٌء ع َ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ة ال ّ‬
‫ن‬ ‫كاَرى وَل َ ِ‬
‫كم ّ‬ ‫سم َ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫هم ْ‬ ‫مما ُ‬ ‫كاَرى وَ َ‬ ‫سم َ‬ ‫س ُ‬ ‫مل ََها وَت ََرى الّنا َ‬ ‫ح ْ‬‫ل َ‬ ‫م ٍ‬ ‫ح ْ‬‫ت َ‬ ‫ذا ِ‬‫ل َ‬ ‫ضعُ ك ُ ّ‬ ‫وَت َ َ‬
‫ّ‬
‫د{ فيمكثون ما شمماء اللممه‪ ،‬ثممم يممأمر اللممه تعممالى إسممرافيل‬ ‫دي ٌ‬‫ش ِ‬ ‫ّ‬
‫ب الله َ‬ ‫ذا َ‬ ‫عَ َ‬
‫فينفخ نفخة الصعق فيصعق أهممل السممماء وأهممل الرض يعنممي يممموت أهممل‬
‫صمموِر‬ ‫خ فِممي ال ّ‬ ‫السماء والرض إل مممن شمماء اللممه‪ ،‬وهممو قمموله تعممالى }وَن ُفِ م َ‬
‫َ‬
‫ه{ والسممتثناء‬ ‫شمماَء الل ّم ُ‬ ‫ن َ‬ ‫مم ْ‬ ‫ض ِإل َ‬ ‫ن فِممي الْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ِفي ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫صعِقَ َ‬ ‫فَ َ‬
‫يعني به أرواح الشهداء وقيل يعني به جبرائيل وميكائيممل وإسممرافيل وملممك‬
‫الموت صلوات الّله تعممالى عليهممم أجمعيممن‪ ،‬فيقممول الل ّممه عممز وجممل لملممك‬
‫الموت‪ :‬من بقي من خلقي وهو أعلم فيقول يا رب أنت حي ل تموت بقممي‬
‫جبريل وميكائيل وإسرافيل وحملة عرشممك وبقيممت أنمما‪ ،‬فيممأمر الل ّممه تعممالى‬
‫ملك الموت بقبض أرواحهم‪ ،‬هكذا ذكر فممي روايممة الكلممبي وروايممة مقاتممل‪،‬‬
‫وقال في رواية محمد بن كعب عن رجل عن أبي هريرة رضي الل ّممه تعممالى‬
‫عنمه "إن الّلمه سمبحانه وتعمالى يقمول ليممت جبريمل وميكائيمل وإسمرافيل‬
‫وليمت حملة العرش‪ ،‬ثم يقول الّله عز وجل‪ :‬يا ملك الموت من بقممي مممن‬
‫خلقي؟ فيقول أنت الحي الذي ل تموت وبقي عبدك الضعيف ملك الموت‪،‬‬
‫ت{ وأنممت‬ ‫م مو ْ ِ‬ ‫ة ال َ‬ ‫قم ُ‬ ‫س َ‬
‫ذائ ِ َ‬ ‫فم ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬‫فيقول يا ملك الموت ألم تسمع قممولي }ك ُم ّ‬
‫خلق من خلقي خلقتك لما رأيت فمت فيموت" وروى فممي خممبر آخممر "أنممه‬
‫يأمره بأن يقبض روح نفسه فيجيممء إلممى موضممع بيممن الجنممة والنممار وينممزع‬
‫روحه بنفسه فيصيح صيحة لو كان الخلمق كلهمم أحيماء لمماتوا ممن صميحته‬
‫ويقول لو كنت علمت أن لنزع الروح مثل هذه الشدة والمرارة لكنت على‬
‫قبض أرواح المؤمنين أشمد شمفقة‪ ،‬ثممم يمموت فل يبقمى أحمد ممن الخلممق‪،‬‬
‫فيقول الّله عز وجل للدنيا الدنية أين الملوك أين أبناء الملوك أين الجبابرة‬
‫وأين أبناء الجبابرة وأين الممذين كممانوا يممأكلون خيممري ويعبممدون غيممري؟ ثممم‬
‫م{ فل يجيب أحد فيجيب سبحانه وتعالى‬ ‫ك الي َوْ َ‬ ‫مل ْ ُ‬‫ن ال ُ‬ ‫م ْ‬ ‫يقول الّله تعالى }ل ِ َ‬
‫نفسه فيقول‪ :‬لله الواحممد القهمار‪ ،‬ثمم يمأمر الل ّممه تعممالى السمماء أن تمطممر‬
‫فتمطر السماء كمنى الرجال أربعين يوما ً حتى يعلو الماء فمموق كممل شمميء‬
‫اثني عشر ذراعا ً فينبت الّله الخلق بذلك الماء كنبممات البقممل حممتى تتكامممل‬
‫أجسامهم فتعود كما كانت‪ ،‬ثم يقول الل ّممه تعممالى ليحيممى إسممرافيل وحملممة‬
‫العرش فيحيون بأمر الّله تعالى‪ ،‬ويأمر الّله تعالى‬

‫]ص ‪[25‬‬
‫ّ‬
‫إسرافيل فيأخممذ الصممور ويضممعه فممي فيممه ثممم يقممول اللممه ليحيممى جبرائيممل‬
‫وميكائيل فيحييان بأمر الّله تعالى‪ ،‬ثم يدعو الل ّممه تعممالى الرواح فيممؤتى بهمما‬
‫فيجعلها في الصور‪ ،‬ثم يأمر الّله تعالى إسرافيل فينفخ نفخة البعث فتخرج‬
‫الرواح كأنها النحل قد ملت مما بيمن السمماء والرض فتمدخل الرواح فمي‬
‫الرض إلى الجساد فممي الخياشمميم فتنشممق الرض عنهممم‪ ،‬ثممم قممال النممبي‬
‫صلى الّله عليه وسلم أنا أّول من تنشق عنممه الرض" وفممي خممبر آخممر "إن‬
‫الّله تعالى إذا أحيا جبريل وميكائيل وإسرافيل فينزلون إلى قبر النبي صلى‬
‫الّله عليه وسلم ومعهم البراق وحلل من الجنة فتنشق عنممه الرض فينظممر‬
‫النبي صلى الّله عليه وسلم إلى جبريل فيقول‪ :‬يمما جبريممل ممما هممذا اليمموم؟‬
‫فيقول هذا يوم القيامة هذا يوم القارعمة‪ ،‬فيقمول يما جبريمل مما بعمث الّلمه‬
‫بأمتي؟ فيقول جبريل أبشر فإنك أّول من تنشق عنه الرض‪ ،‬ثم يممأمر الل ّممه‬
‫تعالى إسرافيل فينفخ في الصور فإذا هم قيام ينظرون )رجعنا إلى حممديث‬
‫أبي هريرة( رضي الّله تعالى عنه قال‪ :‬فيخرجممون منهمما سممراعا ً إلممى ربهممم‬
‫ينسلون‪ :‬يعني يخرجون من قبورهم حفاة عراة‪ ،‬ثممم يقفممون موقفما ً واحممدا ً‬
‫مقدار سبعين عاما ً ل ينظر الّله إليهم ول يقضى بينهم فيبكون حتى تنقطممع‬
‫الدموع‪ ،‬ثم يبكوا ندمًا‪ ،‬ويعرقون حتى يبلغ ذلك منهم بأن يلجمهم‪ ،‬وأن يبلغ‬
‫ن إ ِل َممى‬
‫مهْط ِِعيم َ‬ ‫الذقان ثم ي ُممدعون إلممى المحشممر‪ ،‬وذلممك قمموله عممز وجممل } ُ‬
‫عي{ أي ناظرين قاصممدين مسممرعين فممإذا اجتمممع الخلئق كلهممم الجممن‬ ‫دا ِ‬
‫ال ّ‬
‫س ما ً مممن السممماء شممديدا ً‬ ‫ح ّ‬ ‫والنس وغيرهم‪ ،‬فبينما هممم وقمموف إذ سمممعوا ِ‬
‫فهالهم ذلك فتنشق السماء وتنممزل ملئكممة السممماء الممدنيا كمثممل مممن فممي‬
‫صافُّهم‪ ،‬فقال لهم الناس أفيكم ربنا‪ :‬يعني أفيكم أمر ربنمما‬ ‫م َ‬ ‫الرض فأخذوا َ‬
‫بالحساب؟ قالوا ل وهو يممأتي يعنممي يممأتي أمممره بالحسمماب‪ ،‬ثممم ينممزل أهممل‬
‫السماء الثانية فيقومون صفا ً خلف أهل سماء الدنيا‪ ،‬ثم تنزل ملئكممة أهممل‬
‫السماء الثالثة حممتى تنممزل ملئكممة السممموات السممبع علممى قممدر التضممعيف‬
‫ويقومون حول أهل الدنيا‪.‬‬
‫)قال الفقيه(‪ :‬حدثنا محمد بن الفضل قال‪ :‬أنبأنا محمد بمن جعفمر قممال‪:‬‬
‫أنبأنا إبراهيم ابن يوسممف قممال‪ :‬أنبأنمما محمممد بممن الفضممل عممن الجلممح عممن‬
‫الضحاك قال‪ :‬إن الّله تعالى يأمر سماء الدنيا فتنشق بما فيها من الملئكممة‬
‫فينزلون فيحيطون بالرض ومن فيها‪ ،‬ثم الثانية ومن فيها ثممم الثالثممة ومممن‬
‫فيها‪ ،‬ثم الرابعة ومن فيها‪ ،‬ثم الخامسة ومن فيها‪ ،‬ثم السادسة ومن فيهمما‪،‬‬
‫ثم السابعة ومن فيها حتى يكونوا سبع صممفوف مممن الملئكممة بعضممهم فممي‬
‫جوف بعض‪ ،‬وأهل الرض ل يأتون قطرا ً من أقطارها إل وجدوا عنممده سممبع‬
‫ن‬‫س إِ ْ‬‫لن م ِ‬ ‫ن َوا ِ‬ ‫جم ّ‬ ‫ش مَر ال ِ‬‫معْ َ‬ ‫صممفوف مممن الملئكممة فممذلك قمموله تعممالى }ي َمما َ‬
‫َ‬ ‫ذوا مم َ‬ ‫استط َعت َ‬
‫ن ِإل‬ ‫ذو َ‬ ‫فم ُ‬‫ذوا ل َتن ُ‬ ‫ض َفان ُ‬
‫فم ُ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫ن أقْط َممارِ ال ّ‬
‫سم َ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ف ُ‬
‫ن َتن ُ‬
‫مأ ْ‬‫ْ َ ُْ ْ‬
‫زي ً‬
‫ل{‪.‬‬ ‫ة َتن ِ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬‫ل ال َ‬‫مام ِ وَن ُّز َ‬
‫ماُء ِبالغَ َ‬‫س َ‬
‫ققُ ال ّ‬ ‫م تَ َ‬
‫ش ّ‬ ‫ن{ وقال }وَي َوْ َ‬ ‫سل ْ َ‬
‫طا ٍ‬ ‫بِ ُ‬
‫وروى أبو هريرة رضي الّله عنه عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال‬
‫"إن الّله تعالى يقول ما معشر الجن والنس إني نصممحت لكممم‪ ،‬فإنممما هممي‬
‫أعمالكم في صحفكم فمن وجد خيرا ً فليحمد الّله‬

‫]ص ‪[26‬‬
‫تعالى ومن وجد غير ذلك فل يلومن إل نفسه‪ ،‬ثممم يممأمر الل ّممه تعممالى جهنممم‬
‫فيخرج منها عنق طويل ساطع مظلم متكلما ً فيقول الّله }أ َل َ َ‬
‫م‬ ‫م أع ْهَمد ْ إ ِل َي ْك ُم ْ‬ ‫ْ‬
‫ذا‬ ‫هم َ‬‫دوِني َ‬ ‫َ‬ ‫ه لَ ُ‬ ‫شمي ْ َ‬ ‫دوا ال ّ‬ ‫يا بِني آد َ‬
‫ن اع ُْبم ُ‬ ‫ن‪ ،‬وَأ ْ‬ ‫مِبيم ٌ‬ ‫عمد ُوّ ُ‬ ‫م َ‬‫كم ْ‬ ‫ن إ ِّنم ُ‬
‫طا َ‬ ‫ن ل ت َعْب ُ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ن‪ ،‬هَمذ ِ ِ‬ ‫قل ُممو َ‬ ‫كون ُمموا ت َعْ ِ‬‫م تَ ُ‬ ‫جب ِل ً ك َِثيممرا ً أفَل َم ْ‬ ‫م ِ‬ ‫من ْك ُم ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ضم ّ‬ ‫قد ْ أ َ‬ ‫م‪ ،‬وَل َ َ‬ ‫قي ٌ‬ ‫ست َ ِ‬‫م ْ‬‫ط ُ‬ ‫صَرا ٌ‬ ‫ِ‬
‫ن{ فتجثموا الممم‬ ‫فمُرو َ‬ ‫ْ‬
‫م ت َك ُ‬ ‫ُ‬
‫مما كنُتم ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ها الي َوْ َ‬ ‫صلوْ َ‬ ‫َ‬ ‫ن‪ ،‬ا ْ‬ ‫دو َ‬‫م ُتوع َ ُ‬ ‫ُ‬
‫م الِتي كنت ُ ْ‬ ‫ّ‬ ‫جهَن ّ ُ‬ ‫َ‬
‫عى إ ِل َممى ك َِتاب ِهَمما{ اليممة‪،‬‬ ‫مةٍ ت ُمد ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ة كُ ّ‬ ‫ُ‬ ‫وذلك قوله تعالى }وَت ََرى ك ُ ّ‬
‫لأ ّ‬ ‫جاث ِي َ ً‬
‫مةٍ َ‬ ‫لأ ّ‬
‫فيقضي الّله تعالى بين خلقه ويقضي بين الوحوش والبهائم حتى إنه لينتقم‬
‫للشاة الجماء من ذات القرن‪ .‬ثم يقول كوني ترابا ً فعند ذلك يقول الكافر‪:‬‬
‫ت ت َُرابًا{ ثم يقضى بين العباد‪.‬‬ ‫كن ُ‬ ‫}َيا ل َي ْت َِني ُ‬
‫وروى نافع عن ابن عمر رضي الّله عنهممما عممن النممبي صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم أنه قال يحشر الناس يوم القيامة كما ولممدتهم أمهمماتهم حفمماة عممراة‬
‫فقالت عائشة رضي الّله عنها الرجال والنساء؟ قال‪ :‬نعمم‪ ،‬فقمالت عائشمة‬
‫واسوأتاه ينظر بعضهم إلى بعض‪ ،‬فضرب على منكبهمما وقممال‪ :‬يمما ابنممة ابممن‬
‫أبي قحافة شغل الناس يومئذ عن النظر وشخصوا بأبصارهم إلممى السممماء‬
‫موقوفين أربعين سنة ل يأكلون ول يشربون‪ ،‬فمنهم من يبلغ العرق قممدميه‬
‫ومنهم من يبلغ ساقيه ومنهم من يبلغ بطنه ومنهم من يلجمه العرق إلجاما ً‬
‫من طول الوقوف‪ ،‬ثم تقوم الملئكة حافين من حممول العممرش فيممأمر الل ّممه‬
‫تعالى مناديا ً ينادي أين فلن ابن فلنممة فيشممرف النمماس‪ :‬أي فيرفممع النمماس‬
‫رؤوسهم لذلك الصوت‪ ،‬ويخرج ذلك المنادي من ذلك الموقممف فممإذا وقممف‬
‫بين يدي رب العالمين قيل أين أصحاب المظالم؟ فينادى رجل ً رجل ً فيؤخممذ‬
‫من حسناته وتدفع إلى مممن ظلمممه فيممومئذ ل دينممار ول درهممم إل أخممذ مممن‬
‫الحسنات ورد من السيآت‪ ،‬فل يزالون يستوفون من حسناته حتى ل يبقممى‬
‫له حسنة فيؤخذ من سيآتهم فترد ّ عليه فإذا فرغ من حسناته قيل له ارجممع‬
‫ب{‬ ‫سمما ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ريعُ ال ِ‬ ‫سم ِ‬‫ن الل ّممه َ‬ ‫م إِ ّ‬‫م الي َوْ َ‬ ‫إلى أمك الهاوية‪ :‬أي جهنم‪ ،‬فإنه }ل ظ ُل ْ َ‬
‫يعني سريع المجازاة‪ ،‬فل يبقى يومئذ ملك مقرب ول نبي مرسل ول شممهيد‬
‫إل ظن لما يرى من شدة الحساب أن ل ينجو إل من عصمه الّله تعالى"‪.‬‬
‫وروى عن معاذ بن جبل رضي الّله عنه عن النبي صلى الّله عليه وسلم‬
‫أنه قال "ل تزول قدما عبد حتى يسمأل عممن أربممع‪ :‬عممن عمممره فيممم أفنمماه‪،‬‬
‫وعن جسده فيم أبله‪ ،‬وعن علمه فيم عمل به‪ ،‬وعن ماله من أين اكتسممبه‬
‫وفيم أنفقه" وعن عكرمممة رضممي الّلمه تعمالى عنممه قمال "إن الوالمد يتعلممق‬
‫بولده يوم القيامة فيقول‪ :‬يا بني إنممي كنمت لمك والممدا ً فمي المدنيا وأبما ً لمك‬
‫فيثنى عليه خيرًا‪ ،‬فيقول له يا بني قد احتجت إلى مثقال ذرة من حسممناتك‬
‫وف علممى نفسممي مثممل الممذي‬ ‫لعّلي أنجو مما ترى فيقول له ولده إنممي أتخ م ّ‬
‫تخوفت فل أطيق أن أعطيك شيئًا‪ ،‬ثم يتعلق بزوجته فيقول لها يا فلنة إني‬
‫كنت لك زوجا ً في الدنيا فتثنممى عليممه خيممرًا‪ ،‬فيقممول لهمما إنممي أطلممب منممك‬
‫حسنة واحدة تهديها لي لعّلي أنجو مممما تريممن‪ ،‬فتقممول ل أطيممق ذلممك إنممي‬
‫أتخوف‬

‫]ص ‪[27‬‬
‫قل َم ٌ‬
‫ة‬ ‫مث ْ َ‬
‫ن ت َمد ْع ُ ُ‬‫على نفسي مثل الذي تخوفت منه‪ ،‬فيقول الّله عز وجل }وَإ ِ ْ‬
‫ذا قُْرَبى{ يعني الذي أثقلته الذنوب‬ ‫ن َ‬ ‫يٌء وَل َوْ َ‬
‫كا َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ل ِ‬‫م ْ‬ ‫مل َِها َل ي ُ ْ‬
‫ح َ‬ ‫إ َِلى ِ‬
‫ح ْ‬
‫ل يحمل أحد عنه شيئا ً من ذنوبه‪.‬‬
‫وروى ابن مسعود رضي الّله عنه عن النبي صلى الّله عليممه وسمملم أنممه‬
‫قال "إن الكممافر ليلجممم بعرقممه مممن طممول ذلممك اليمموم حممتى يقممول يمما رب‬
‫ارحمني ولو إلى النار"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( أبو جعفر رحمه الّله تعالى‪ :‬حدثنا محمد بن الفضممل قممال‪:‬‬
‫حدثنا مومل قال‪ :‬حدثنا حماد عن علي بن زيد عن أبي نضرة بإسناده عممن‬
‫ابن عباس رضي الّله تعالى عنهما عن رسول الّله صلى الل ّممه عليممه وسمملم‬
‫ي قط إل ّ كانت له دعوة مسممتجابة فعجلهمما فممي الممدنيا‪،‬‬ ‫أنه قال "لم يكن نب ّ‬
‫وإني استخبأت دعوتي شفاعة لمتي يوم القيامة‪ ،‬أل وأنا سمميد ولممد آدم ول‬
‫فخر‪ ،‬وأنا أّول من تنشق عنممه الرض ول فخممر‪ ،‬ولممواء الحمممدي بيممدي يمموم‬
‫القيامة تحته آدم ومن دونه من البشر ول فخر‪ ،‬ثم قال‪ :‬يشتد يوم القيامممة‬
‫غمه وكربه في الناس فيأتون آدم عليه السلم فيقولون لممه‪ :‬يمما أبمما البشممر‬
‫اشفع لنا إلى ربك ليقضي بيننا فيقول لست هنمماك‪ ،‬إنممي قممد أخرجممت مممن‬
‫الجنة بخطيئتي وليس يهمني اليوم إل نفسي‪ ،‬ولكن عليكم بنمموح فممإنه أّول‬
‫المرسلين‪ ،‬فيأتون نوحا ً عليه السلم ويقولون‪ :‬اشفع لنا إلى ربممك ليقضممي‬
‫بيننا فيقول‪ :‬لست هناك‪ ،‬إني دعمموت دعمموة أغرقممت بهمما أهممل الرض وإنممه‬
‫ليس يهمني اليوم إل نفسممي‪ ،‬ولكممن ائتمموا إلممى إبراهيممم الممذي اتخممذه الل ّممه‬
‫ل‪ ،‬فيأتون إبراهيم عليه السلم‪ ،‬فيقولمون اشمفع لنما إلمى ربمك ليقضمي‬ ‫خلي ً‬
‫بيننا‪ ،‬فيقول‪ :‬لست هناك إنممي قممد كممذبت فممي السمملم ثلث كممذبات‪ ،‬قممال‬
‫رسول الّله صلى الّله عليه وسلم والثلثة جادل بهن عممن ديممن الل ّممه تعممالى‬
‫م{ والثانيممة‬ ‫قي ٌ‬ ‫سم ِ‬ ‫ل إ ِن ّممي َ‬ ‫م‪ ،‬فَ َ‬
‫قمما َ‬ ‫إحداها قوله تعالى }فَن َظ ََر ن َظ َْرة ً ِفي الن ّ ُ‬
‫جممو ِ‬
‫ذا{ والثالثممة قمموله }لمرأتممه إنهمما أخممتي{ وليممس‬ ‫م هَ َ‬ ‫ه ك َِبيُرهُ ْ‬‫ل فَعَل َ ُ‬
‫قوله }ب َ ْ‬
‫يهمني اليوم إل ّ نفسي‪ ،‬ولكن ائتوا موسى الذي كلمممه الل ّممه تكليم ما ً فيممأتون‬
‫موسى فيقولون‪ :‬اشفع لنا إلى ربك ليقضي بيننا‪ ،‬فيقول لسممت هنمماك إنممي‬
‫قتلت نفسا ً بغير حق وإني ل يهمني اليوم إل نفسي‪ ،‬لكن ائتوا عيسى روح‬
‫الّله وكلمته‪ ،‬فيأتونه فيقولون اشفع لنا إلى ربك ليقضي بيننا فيقول لسممت‬
‫هناك إني اتخذت أنا وأمممي إلهيممن مممن دون الل ّممه وإنممي ل يهمنممي اليمموم إل‬
‫نفسي‪ ،‬ولكن أرأيتم لو كان لحدكم بضاعة فجعلها في كيممس وختممم عليهمما‬
‫أكان يصل إلى ما في الكيس حتى يفض الختممم؟ فيقولممون‪ :‬ل‪ ،‬فيقممول‪ :‬إن‬
‫محمدا ً صلى الّله عليه وسلم ختمت به النبياء وقد وافممى اليمموم وقممد غفممر‬
‫الّله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر‪ ،‬ائتوه‪ .‬قال رسول الّله صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم‪ :‬فيأتيني الناس فأقول نعم‪ ،‬أنا لها‪ ،‬أنا لها‪ ،‬حتى يأذن الّله لمن يشمماء‬
‫ويرضى‪ ،‬فيلبث ما شاء الّله أن يلبث فممإذا أراد الل ّممه أن يقضممي بيممن خلقممه‬
‫نادى مناد أين محمد صلى الّله عليه وسلم وأمته فنحن الخممرون الولممون‪:‬‬
‫يعني آخر الناس في الدنيا وأولهم فممي الحسمماب يمموم القيامممة‪ ،‬فممأقوم أنمما‬
‫وأمتي فيفرج المم عن طريقنا فنمر غرا ً محجلين من آثار الطهور‪ ،‬ويقول‬
‫لنا الناس‪ :‬كادت هذه الئمة أن تكون كلها‬

‫]ص ‪[28‬‬
‫أنبياء‪ ،‬ثم أتقدم إلى باب الجنة فأستفتح فيقال من هذا؟ فممأقول أنمما محمممد‬
‫رسول الله‪ ،‬فيفتح لممي فأدخممل وأخمّر لربممي سمماجدًا‪ ،‬وأحمممده بمحامممد لممم‬
‫يحمده بها أحد قبلي‪ ،‬ول يحمده أحد بهمما بعممدي‪ ،‬فيقممال ارفممع رأسممك وقممل‬
‫تسمع وسل تعط واشفع تشفع‪ ،‬فأرفع رأسي فأشفع لمممن كممان فممي قلبممه‬
‫مثقال شعيرة أو ذرة من اليمان‪ :‬يعني من اليقين مع شممهادة أن ل إلممه إل‬
‫الّله وأن محمدا ً رسول الله"‪.‬‬
‫وروى عن عمر بن الخطاب رضي الّله عنممه أنممه دخممل المسممجد وكعممب‬
‫الحبار يحدث الناس‪ ،‬فقال له عمر رضي الّله عنه خوفنا يمما كعممب الحبممار‪،‬‬
‫فقال‪ :‬والله إن لله ملئكة قيامما ً مممن يمموم خلقهممم الل ّممه ممما ثنمموا أصمملبهم‪،‬‬
‫وآخرين سجدوا ما رفعوا رؤوسهم‪ ،‬حتى ينفخ في الصور‪ ،‬فيقولون جميع مًا‪:‬‬
‫سبحانك اللهم وبحمدك ما عبدناك حق عبادتك وحق ما ينبغي لك أن تعبممد‪،‬‬
‫والذي نفسي بيده إن جهنم لتقرب يوم القيامة لها زفيممر وشممهيق حممتى إذا‬
‫ي ول شممهيد إل جثمما علممى ركبممتيه‬ ‫دنت وقربممت زفممرت زفممرة فلممم يبممق نممب ّ‬
‫ساقطًا‪ ،‬يقول كل نبي وكل صديق وكل شهيد يمما رب ل أسممألك إل نفسممي‪،‬‬
‫وينسى إبراهيم إسمعيل وإسحق‪ ،‬فيقممول يمما رب أنمما خليلممك إبراهيممم‪ :‬فلممو‬
‫كان لك يا ابن الخطاب يومئذ عمل سبعين نبيا ً لظننت أنك ل تنجممو‪ ،‬فبكممى‬
‫القوم حتى شجوا فلما رأى عمر رضي الّله تعالى عنه ذلك قممال‪ :‬يمما كعممب‬
‫بشرنا‪ ،‬فقال أبشروا فإن للمه تعمالى ثلثممائة وثلثممة عشممر شممريعة ل يمأتي‬
‫العبد يوم القيامة بواحممدة منهممن مممع كلمممة الخلص إل أدخلممه الل ّممه الجنممة‪،‬‬
‫والله لو تعلمون كنه رحمة الّله تعالى لبطأتم في العمل‪.‬‬
‫يا أخي استعد ّ لمثل هذا اليوم بالعمال الصالحة والجتناب عن المعاصي‬
‫فإنك عن قريب تعاين يوم القيامة وتندم علممى ممما فممات مممن أيممام عمممرك‪.‬‬
‫ت فقد قامت قيامتك كممما قممال المغيممرة بممن شممعبة‪ :‬إنكممم‬ ‫واعلم أنك إذا م ّ‬
‫تقولون القيامة القيامة إنما قيامة أحدكم موته‪ ،‬وذكر عن علقمة بن قيممس‬
‫إنه كان في جنازة رجل فقام على القبر فلما دفن قال أما هذا العبممد فقممد‬
‫قامت قيامته وإنممما قممال ذلممك لن النسمان إذا ممات فقمد عماين أمممر يموم‬
‫القيامة لنه يرى الجنة والنار والملئكة‪ ،‬ول يقدر علممى عمممل مممن العمممال‬
‫فصار بمنزلة من حضر يوم القيامة فختم على عملممه بممالموت فيقمموم يمموم‬
‫القيامة على ما مات عليه فطوبى لمن كانت خاتمته بالخير‪ .‬قممال أبممو بكممر‬
‫الواسطي‪ :‬الدول ثلثة‪ :‬دولة الحياة‪ ،‬ودولة عند الموت‪ ،‬ودولة يوم القيامة‪،‬‬
‫فأما دولة الحياة فإنه يعيش في طاعة الّله تعالى‪ ،‬وأما دولتممه عنممد الممموت‬
‫بأن تخرج روحه مع شهادة أن ل إله إل الله‪ ،‬وأما الدولممة الصممحيحة فدولممة‬
‫يوم القيامة البشرى فحين يخرج من قبره يأتيه البشير بالجنممة‪ .‬وذكممر عممن‬
‫يحييى بن معاذ الرازي رحمه الّله أنه قممرئ فممي مجلسممه هممذه اليممة }ي َموْ َ‬
‫م‬
‫ن إ ِل َممى‬
‫مي م َ‬
‫جرِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن وَفْممدًا{ أي ركبان ما ً }وَن َ ُ‬
‫سمموقُ ال ُ‬ ‫ممما ِ‬ ‫ن إ َِلى الّر ْ‬
‫ح َ‬ ‫قي َ‬
‫مت ّ ِ‬
‫شُر ال ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫نَ ْ‬
‫م وِْردًا{ يعني مشاة عطاشا ً فقال‪ :‬أيها الناس مهل ً مهل ً غمدا ً تحشمرون‬ ‫جهَن ّ َ‬‫َ‬
‫ً‬
‫إلى الموقف حشرا حشرا‪ ،‬وتأتون من الطراف‬ ‫ً‬

‫]ص ‪[29‬‬
‫فوجا ً فوجًا‪ ،‬وتوقفون بين يدي الّله فردا ً فردًا‪ ،‬وتسألون عممما فعلتممم حرف ما ً‬
‫حرفًا‪ ،‬وتقاد الولياء إلى الرحمن وفدا ً وفدًا‪ ،‬ويرد العاصون إلى عذاب الل ّممه‬
‫ض د َك ّما ً‬ ‫َ‬ ‫وردا ً وردًا‪ ،‬ويدخلون جهنم حزبا ً حزبًا‪ ،‬وكممل هممذا }ك َّل إ ِ َ‬
‫ذا د ُك ّم ْ‬
‫ت الْر ُ‬
‫ل‪ .‬إخممواني‬ ‫فًا{ ويجمماء بجهنممم يممومئذ ويل ً وي ً‬ ‫صم ّ‬‫فا ً َ‬ ‫صم ّ‬
‫ك َ‬ ‫مل َ ُ‬‫ك َوال َ‬‫جاَء َرب ّ َ‬‫د َك ًّا‪ ،‬وَ َ‬
‫الويل لكم من يوم كممان مقممداره خمسممين ألممف سممنة‪ ،‬يمموم الراجفممة‪ ،‬يمموم‬
‫الزفة يوم القيامة يمموم الحسممرة والندامممة فممذلك يمموم عظيممم‪ ،‬يمموم يقمموم‬
‫الناس لرب العالمين‪ ،‬وهو يوم المناقشة ويموم المحاسمبة‪ ،‬ويموم الموازنمة‬
‫ويوم المساءلة‪ ،‬ويوم الزلزلة‪ ،‬ويوم الصيحة ويوم الحاقممة‪ ،‬ويمموم القارعممة‪،‬‬
‫ويوم النشور ويوم ينظر المرء ما قممدمت يممداه ويمموم التغممابن ويمموم يصممدر‬
‫الناس أشتاتا ً ليروى أعمممالهم‪ ،‬ويمموم تممبيض وجممود وتسممود ّ وجمموه‪ ،‬ويمموم ل‬
‫يغنى مولى عن مولى شيئًا‪ ،‬ويوم ل يغنى عنهم كيدهم شيئًا‪ ،‬ويوم ل يجزى‬
‫ش مّرهُ‬ ‫ن َ‬ ‫وم ما ً ك َمما َ‬
‫والممد عممن ولممده ول مولممود هممو جمماز عممن والممده شمميئا ً }ي َ ْ‬
‫طيرًا{ أي منتشرا ً فاشيًا‪ ،‬يوم ل ينفع الظالمين معذرتهم ولهممم اللعنممة‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫م ت ََروْن َهَمما‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫}‬ ‫ها{‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫د‬ ‫ما‬
‫م‬ ‫ج‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫تي‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫}‬ ‫الدار‬ ‫سوء‬ ‫ولهم‬
‫َ ْ َ‬ ‫َ ْ َ ِ َ‬ ‫ٍ ُ َ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ َ ِ‬
‫س‬ ‫َ‬ ‫ل َ‬ ‫ضعُ ك ُم ّ‬ ‫َ‬ ‫ل كُ ّ‬ ‫ت َذ ْهَ ُ‬
‫ملهَمما وَت َمَرى الن ّمما َ‬ ‫ح ْ‬
‫ل َ‬ ‫مم ٍ‬‫ح ْ‬‫ت َ‬‫ذا ِ‬ ‫ت وَت َ َ‬ ‫ضعَ ْ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫ضعَةٍ ع َ ّ‬‫مْر ِ‬ ‫ل ُ‬
‫د{ وقممال مقاتممل بممن‬ ‫دي ٌ‬ ‫شم ِ‬‫ب الل ّممه َ‬ ‫ذا َ‬‫ن ع َم َ‬ ‫كاَرى وَل َك ِم ّ‬ ‫سم َ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫ممما هُم ْ‬‫كاَرى وَ َ‬ ‫سم َ‬ ‫ُ‬
‫سليمان‪ :‬تقف الخلق يوم القيامة مممائة سممنة فممي العممرق ملجمممون‪ ،‬ومممائة‬
‫سنة في الظلمة متحيرون‪ ،‬ومائة سنة يموج بعضهم فممي بعممض عنممد ربهممم‬
‫يختصمون‪ ،‬ويقال إن يوم القيامة مقداره خمسون ألف سنة‪ ،‬وإنه ليمضممي‬
‫على المؤمن المخلص كما يمضي عليه ساعة واحممدة‪ ،‬فعليممك أيهمما العاقممل‬
‫بأن تصبر على شدائد الدنيا في طاعة الل ّممه تعممالى ليسممهل عليممك الشممدائد‬
‫يوم القيامة‪ ،‬والله الموفق للصواب‪.‬‬

‫باب صفة النار وأهلها‬


‫)قال الفقيه( أبو الليث رحمه الله‪ :‬حدثنا الفقيه أبو جعفر حدثنا محمد بن‬
‫عقيل الكندي حدثنا العباس الدوري حدثنا يحيممى بممن أبممي بكممر قممال‪ :‬أنبأنمما‬
‫شريك عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الل ّممه عنهممم قممال‪ :‬قممال رسممول‬
‫الّله صلى الّله عليه وسلم "أوقد على النممار ألممف سممنة حممتى احمممرت‪ ،‬ثممم‬
‫أوقد عليها ألف سنة أخرى حتى ابيضت‪ ،‬ثممم أوقممد عليهمما ألممف سممنة حممتى‬
‫اسودت‪ ،‬فهي سوداء كالليل المظلم"‪.‬‬
‫وروى عن يزيد بن مرثد‪ :‬أنه كان ل تنقطع دمموع عينيمه ول يمزال باكيمًا‪،‬‬
‫فسئل عن ذلك فقال لو أن الّله أوعدني بأني لو أذنبت ذنب ما ً لحبسممني فممي‬
‫ي أن ل تنقطممع دممموعي‪ ،‬فكيممف وقممد أوعممدني أن‬ ‫الحمام أبدا ً لكان حقا ً عل ّ‬
‫يحبسني في نار قد أوقد عليها ثلثة آلف سنة‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر قال‪ :‬أنبأنا إبراهيم‬
‫بن يوسف قال‪ :‬أنبأنا أبو معاوية عن العمش عن مجاهد رضي الّله تعممالى‬
‫عنهم قال‪ :‬إن لجهنم جبابا ً‬

‫]ص ‪[30‬‬
‫فيها حيات كأمثال أعناق البخت وعقارب كأمثال البغال الدهم‪ ،‬فيهرب أهل‬
‫النار إلى تلك الحيممات فيأخممذن بشممفاههن فيكشممطن ممما بيممن الشممعر إلممى‬
‫الظفر فما ينجيهم منها إل الهرب إلى النار‪ ،‬وروى عن عبممد الل ّممه بممن جممبير‬
‫عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنه قال‪" :‬إن فممي النممار حيممات مثممل‬
‫أعناق البل تلسع أحدهم لسعة يجممد حمتهمما أربعيممن خريفمًا‪ ،‬وإن فممي النممار‬
‫لعقارب كأمثال البغال تلسع أحدهم لسعة يجد حمتها أربعين خريفًا"‪.‬‬
‫وروى عن العمش عن يزيد بن وهب عن ابن مسعود رضممي الل ّممه تعممالى‬
‫أنه قال‪ :‬إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءا ً من تلك النار ولو أنها ضربت‬
‫في البحر مرتين لما انتفعتممم منهمما بشمميء‪ .‬وقممال مجاهممد‪ :‬إن نمماركم هممذه‬
‫تتعوذ من نار جهنم‪ .‬وقال النبي صلى الّله عليه وسلم‪" :‬إن أهون أهل النار‬
‫عممذابا ً لرجممل فممي رجليممه نعلن مممن نممار يغلممي منهممما دممماغه كممأنه مرجممل‬
‫مسامعه جمر وأضراسه جمر وأشفاره لهب النيران‪ ،‬وتخرج أحشمماء بطنممه‬
‫من قدميه وإنه ليرى أنه أشد أهل النار عممذابًا‪ ،‬وإنممه مممن أهممون أهممل النممار‬
‫عذابًا" قال‪ :‬حدثنا محمد بن الفضل قال‪ :‬أنبأنا محمد بن جعفر قممال‪ :‬أنبأنمما‬
‫إبراهيم بن يوسف قال‪ :‬أنبأنا أبو حفص عن سعيد عن قتادة عن أبي أيوب‬
‫الزدي عن عبد الّله بن عمرو بن العمماص رضممي الل ّممه عنهممم قممال‪ :‬إن أهممل‬
‫ممماك ُِثون‬ ‫م َ‬ ‫النار يدعون مالكا ً فل يرد ّ عليهم أربعين عامًا‪ ،‬ثم يرد عليهم }إ ِن ّك ُ ْ‬
‫ن ع ُمد َْنا فَإ ِن ّمما‬ ‫من ْهَمما فَمإ ِ ْ‬
‫جن َمما ِ‬ ‫َ{يعني دائمون أبممدا ً ثممم يممدعون ربهممم }َرب ّن َمما أ َ ْ‬
‫خرِ ْ‬
‫سممُئوا‬ ‫خ َ‬ ‫ن{ فل يجيبهم مقدار ما كانت الدنيا مرتين‪ ،‬ثم يرد عليهم }ا ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬‫َ‬
‫موِني{ قال‪ :‬فوالله ما ينطق القوم بعدها بكلمة واحدة ما كممان‬ ‫ِفيَها َول ت ُك َل ّ ُ‬
‫بعد ذلك إل الزفير والشهيق في النار‪ ،‬تشبه أصواتهم أصمموات الحمممر أولممه‬
‫د‪ ،‬أم هممل لكممم‬ ‫زفير وأخره شهيق‪ .‬قال قتادة‪ :‬يا قوم هل لكممم مممن هممذا بم ّ‬
‫على هذا صبر؟ يا قوم طاعة الّله أهون عليكممم فممأطيعوه‪ ،‬ويقمال‪ :‬إن أهممل‬
‫النار يجزعون ألف سنة فل ينفعهم‪ ،‬ثم يقولممون‪ .‬كنمما فممي الممدنيا إذا صممبرنا‬
‫كممان لنمما الفممرج فيصممبرون ألمف سممنة فل يخفمف عنهممم العممذاب فيقولممون‬
‫ص{ فيسممألون الل ّممه تعممالى‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حيم ٍ‬ ‫م ِ‬
‫ن َ‬ ‫ممما ل َن َمما ِ‬
‫مم ْ‬ ‫صب َْرَنا َ‬
‫م َ‬ ‫واٌء ع َل َي َْنا أ َ‬
‫جزِع َْنا أ ْ‬ ‫س َ‬ ‫} َ‬
‫الغيث ألف سنة لما بهم من العطش وشدة العذاب لكي يزول عنهم بعض‬
‫الحرارة والعطش‪ ،‬فإذا تضرعوا ألف سممنة يقممول الل ّممه تعممالى لجبريممل‪ :‬أي‬
‫شيء يطلبون؟ فيقول جبريل يا رب أنت أعلم بهممم إنهممم يسممألون الغيممث‪،‬‬
‫فتظهر لهم سحابة حمراء فيظنون أنهم يمطرون فترسل عليهممم العقممارب‬
‫كأمثال البغال فتلممدغ الواحممد منهممم فل يممذهب عنممه الوجممع ألممف سممنة‪ ،‬ثممم‬
‫يسألون الل ّممه ألممف سممنة أن يرزقهممم الغيممث فتظهممر لهممم سممحابة سمموداء‪،‬‬
‫فيقولون هذه سحابة المطممر فترسممل عليهممم الحيممات كأعنمماق البممل كلممما‬
‫م‬
‫لسعت لسعة ل يذهب وجعها ألف سنة‪ ،‬وهذا معنى قمموله تعممالى }زِد ْن َمماهُ ْ‬
‫ن{ يعنمي بمما كمانوا يكفمرون ويعصمون‬ ‫دو َ‬ ‫س ُ‬‫ف ِ‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي ُ ْ‬ ‫ب بِ َ‬
‫ذا ِ‬‫ذابا ً فَوْقَ العَ َ‬ ‫عَ َ‬
‫الّله تعالى‪ ،‬فمن أراد أن ينجو من عذاب الّله تعالى وينممال ثمموابه فعليممه أن‬
‫يصبر على شدائد الدنيا‬

‫]ص ‪[31‬‬
‫في طاعة الّله تعالى‪ ،‬ويجتنممب المعاصممي وشممهوات الممدنيا فممإن الجنممة قممد‬
‫حفت بالمكاره وحفت النار بالشهوات كما جاء في الخبر‪ ،‬وأنشد‪:‬‬
‫وفي الشيب ما ينهى الحليم عن الصبا إذا استوقدت نيرانه في عذاره‬
‫إذا اصفر عود الزرع بعد اخضراره‬ ‫أرى امرأ يرجو العيش غبطة‬
‫وإن لم تطق عنه محيصا فداره‬ ‫تجنب لخدن السوء واحذر وصاله‬
‫كريما كريم الجد تعلو بجاره‬ ‫ً‬ ‫وجاور قرين الصدق واحذر مراءه‬
‫يجده وراء البحر أو في قراره‬ ‫فمن يصنع المعروف مع غير أهله‬
‫ولله في عرض السموات جنة ولكنها محفوفة بالمكاره‬
‫وبإسناده قال‪ :‬أنا محمد بن الفضل قال‪ :‬أنا محمممد بمن جعفممر قممال‪ :‬أنما‬
‫إبراهيم بن يوسف قال‪ :‬أنا إسماعيل بن جعفر عن محمممد بممن عمممرو عممن‬
‫أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي صلى الّله عليه وسلم قممال‪" :‬دعمما الل ّممه‬
‫عز وجل جبريل فأرسله في الجنة فقال انظر إليها وما أعددت لهلها فيها‪،‬‬
‫فرجع وقال وعزتك ل يسمع بها أحد إل دخلها‪ ،‬فحفت بالمكاره‪ ،‬فقال ارجع‬
‫ارجع إليها وانظر إليها فرجع وقال وعزتك لقد خشيت أن ل يدخلها أحد‪ ،‬ثم‬
‫أرسله إلى النار فقال انظر إليها وما أعددت لهلها فيها فرجممع إليممه فقممال‪.‬‬
‫وعزتك ل يدخلها أحد سمع بها‪ ،‬فحفت بالشهوات‪ ،‬فقممال عممد إليهمما فممانظر‬
‫إليها فرجع وقال‪ :‬وعزتك وجللممك لقممد خشمميت أن ل يبقممى أحممد إل دخلهمما‬
‫وعن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال‪" :‬أذكروا مممن النممار ممما شممئتم فل‬
‫تذكرون منها شيئا ً إل وهي أشد منه" وقال‪ :‬حدثنا أبي قال‪ :‬أنا العباس بممن‬
‫الفضل المروزي قال‪ :‬أنا موسى ابن نصر عن محمد بن زيمماد عممن ميمممون‬
‫عمدهُ َ‬
‫ن{‬ ‫مِعيم َ‬ ‫ج َ‬
‫مأ ْ‬ ‫م لَ َ‬
‫موْ ِ ُ ْ‬ ‫جهَن ّم َ‬ ‫ن َ‬
‫بن مهران أنه قال‪ :‬لما نزلت هممذه اليممة }وَإ ِ ّ‬
‫وضع سلمان يده على رأسه وخرج هاربا ً ثلثة أيام ل يقدر عليه حتى جيممء‬
‫به‪ .‬وروى يزيد الرقاشي عن أنس بن مالممك قممال‪ :‬جمماء جبريممل إلممى النممبي‬
‫صلى الّله عليه وسلم في ساعة ما كان يأتيه فيهمما متغيممر اللممون فقممال لممه‬
‫النبي صلى الّله عليه وسلم مالي أراك متغير اللون‪ ،‬فقال يا محمممد جئتممك‬
‫في الساعة التي أمر الّله بمنافخ النار أن تنفخ فيها ول ينبغي لمن يعلم أن‬
‫جهنم حق‪ ،‬وأن النار حق وأن عذاب القبر حق وأن عذاب الّله أكبر أن تقمّر‬
‫عينه حتى يأمنها‪ ،‬فقال النبي صلى الّله عليه وسملم‪ :‬يما جبريمل‪ :‬صمف لمي‬
‫جهنم؟ قمال نعممم‪ ،‬إن الّلمه تعمالى لمما خلممق جهنممم أوقمد عليهمما ألمف سمنة‬
‫فأجمرت‪ ،‬ثم أوقد عليهمما ألممف سممنة فابيضممت‪ ،‬ثممم أوقممد عليهمما ألممف سممنة‬
‫فاسودت‪ ،‬فهي سمموداء مظلمممة ل ينطفممئ لهبهمما ول جمرهمما‪ ،‬والممذي بعثممك‬
‫بالحق لو أن مثل خرم إبرة فتح منها لحترق أهممل الممدنيا عممن آخرهممم مممن‬
‫حرها‪ ،‬والذي بعثك بالحق لو أن ثوبا ً من أثواب أهل النار علق بيمن السمماء‬
‫والرض لمات جميع أهل الرض من نتنها وحرهمما عممن آخرهممم لممما يجممدون‬
‫من حرها‪ ،‬والذي‬

‫]ص ‪[32‬‬
‫بعثك بالحق نبيا ً لو أن ذراعا ً من السلسلة التي ذكرها الّله تعالى في كتابه‬
‫وضع على جبل لذاب حتى يبلغ الرض السابعة‪ ،‬والذي بعثك بالحق نبي ما ً لممو‬
‫أن رجل ً بالمغرب يعذب لحترق الذي بالمشممرق مممن شممدة عممذابها‪ ،‬حرهمما‬
‫شديد وقعرها بعيد وحليها حديد وشرابها الحميم والصديد وثيابها مقطعممات‬
‫م{ مممن الرجممال‬ ‫ب ل ِك ُم ّ‬ ‫النيران }ل َهمما سمبع ُ َ‬
‫سممو ٌ‬
‫ق ُ‬‫م ْ‬
‫جمْزٌء َ‬‫م ُ‬‫من ْهُم ْ‬
‫ب ِ‬‫ل ب َمما ٍ‬ ‫وا ٍ‬‫ة أب ْم َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ‬
‫والنساء‪ ،‬فقال صلى الّله عليه وسمملم‪ :‬أهممي كأبوابنمما هممذه؟ قممال ل ولكنهمما‬
‫مفتوحة بعضها أسفل من بعض من باب إلى باب مسيرة سبعين سممنة كممل‬
‫باب منها أشد حرا ً من الذي يليه سبعين ضعفًا‪ ،‬يساق أعداء الّله إليها فممإذا‬
‫انتهوا إلى بابها استقبلتهم الزبانيممة بممالغلل والسلسممل فتسمملك السلسمملة‬
‫في فمه وتخرج من دبره‪ ،‬وتغل يده اليسرى إلى عنقه وتدخل يده اليمنممى‬
‫في فؤاده فتنزع من بين كتفيممه وتشممد بالسلسممل‪ ،‬ويقممرن كممل آدمممي مممع‬
‫شيطان في سلسلة ويسممحب علممى وجهممه وتضممربه الملئكممة بمقممامع مممن‬
‫دوا ِفيَها{ فقال النممبي صمملى‬ ‫م أُ ِ‬
‫عي ُ‬ ‫ن غَ ّ‬‫م ْ‬‫من َْها ِ‬‫جوا ِ‬ ‫خُر ُ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫َ‬
‫دوا أ ْ‬
‫َ‬
‫ما أَرا ُ‬‫حديد }ك ُل ّ َ‬
‫الّله عليه وسلم‪ :‬من سكان هذه البواب؟ فقممال أممما البمماب السممفل ففيممه‬
‫المنافقون ومن كفممر ممن أصمحاب الممائدة وآل فرعممون واسممها الهاويممة‪،‬‬
‫والباب الثاني فيه المشركون واسمه الجحيم‪ ،‬والباب الثالث فيه الصممابئون‬
‫واسمه سقر‪ ،‬والباب الرابع فيه إبليس ومن تبعه والمجوس واسمه لظممى‪،‬‬
‫والباب الخامس فيه اليهود واسمه الحطمة‪ ،‬والباب السادس فيه النصممارى‬
‫واسمه السعير‪ ،‬ثم أمسك جبريل حيماء ممن رسممول الّلمه صملى الّلمه عليمه‬
‫وسلم‪ ،‬فقال له عليه الصلة والسلم‪ :‬أل تخبرني من سكان الباب السابع؟‬
‫فقال فيه أهل الكبائر من أمتك الذين ماتوا ولم يتوبمموا‪ ،‬فخممر النممبي صمملى‬
‫الّله عليه وسلم مغشيا ً عليه‪ ،‬فوضع جبريل رأسه على حجممره حممتى أفمماق‪،‬‬
‫فلما أفاق قال‪ :‬يا جبريل عظمت مصيبتي واشتد حزني أو يمدخل أحمد ممن‬
‫أمتي النار؟ قال نعم أهل الكبائر من أمتك‪ ،‬ثم بكى رسول الّله صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم وبكى جبريل‪ ،‬ودخل رسول الّله صلى الّله عليممه وسمملم منزلممه‬
‫واحتجب عن الناس‪ ،‬فكان ل يخرج إل إلى الصلة يصمملي ويممدخل ول يكلممم‬
‫أحدا ً ويأخذ في الصلة ويبكي ويتضممرع إلممى الل ّممه تعممالى‪ :‬فلممما كممان اليمموم‬
‫الثالث أقبل أبو بكر رضي الّله عنه حتى وقف بالباب وقال السمملم عليكممم‬
‫يا أهل بيت الرحمة هل إلى رسول الّله صلى الّله عليه وسلم مممن سممبيل؟‬
‫فلم يجبه أحد فتنحى باكيًا‪ ،‬فأقبل عمر رضي الّله عنه فوقف بالباب وقال‪:‬‬
‫السلم عليكم يا أهل بيت الرحمة هممل إلممى رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم من سبيل؟ فلم يجبه أحد فتنحى وهو يبكي‪ ،‬فأقبل سلمان الفارسي‬
‫حتى وقف بالباب وقال‪ :‬السلم عليكم يا أهل بيت الرحمة‪ ،‬هل إلى مولي‬
‫رسول الّله صلى الّله عليه وسلم من سبيل؟ فلم يجبممه أحممد فأقبممل يبكممي‬
‫مرة ويقع مرة ويقوم أخرى حتى أتى بيت فاطمة ووقف بالبمماب ثممم قممال‪:‬‬
‫السلم عليك يا ابنة رسول الّله صلى الّله عليه وسمملم‪ ،‬وكممان علممي رضممي‬
‫الّله عنه غائبا ً فقال‪ :‬يا ابنة رسممول الل ّممه إن رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم قد احتجب عن الناس فليس يخرج إل إلى الصلة فل يكلممم أحممدا ً ول‬
‫يأذن لحد في الدخول عليه‪ ،‬فاشتملت فاطمة بعباءة‬

‫]ص ‪[33‬‬
‫قطوانية وأقبلت حتى وقفت على باب رسول الّله صلى الّله عليه وسمملم‬
‫ثم سلمت وقالت‪ :‬يا رسول الّله أنا فاطمة ورسول الّله ساجد يبكي فرفممع‬
‫رأسه وقال‪ :‬ما بال قرة عيني فاطمة حجبت عني افتحوا لها البمماب‪ ،‬ففتممح‬
‫لها الباب فدخلت فلما نظرت إلى رسول الّله صلى الّله عليه وسمملم بكممت‬
‫بكاءا ً شديدا ً لما رأت من حاله مصفرا ً متغيرا ً قد ذاب لحم وجهه من البكاء‬
‫والحزن‪ ،‬فقالت‪ :‬يا رسممول الل ّممه ممما الممذي نممزل عليممك؟ فقممال‪ :‬يمما فاطمممة‬
‫جاءني جبريل ووصف لي أبواب جهنم‪ ،‬وأخممبرني أن فممي أعلممى بابهمما أهممل‬
‫الكبائر من أمتي فذلك الذي أبكاني وأحزنني‪ .‬قالت‪ :‬يمما رسممول الل ّممه كيممف‬
‫يدخلونها؟ قال بلى تسوقهم الملئكة إلى النار ول تسود وجوههم ول تزرق‬
‫أعينهم ول يختم على أفواههم ول يقرنون مع الشممياطين ول يوضممع عليهممم‬
‫السلسل والغلل‪ .‬قالت‪ :‬قلت‪ :‬يا رسممول الل ّممه وكيممف تقممودهم الملئكممة؟‬
‫فقال‪ :‬أما الرجال فباللحى وأما النساء فبالذوائب والنواصي‪ ،‬فكم مممن ذي‬
‫شيبة من أمتي يقبممض علممى لحيتممه ويقماد إلممى النممار وهممو ينممادي واشمميبتاه‬
‫واضعفاه‪ ،‬فكم من ذي شاب قد قبمض علمى لحيتمه يسماق إلمى النمار وهمو‬
‫ينادي واشباباه وأحسن صورتاه‪ ،‬وكم من امرأة من أمممتي قممد قبممض علممى‬
‫ناصيتها تقاد إلى النار وهي تنادي وافضيحتاه وأهتك ستراه‪ ،‬حتى ينتهي بهم‬
‫ي من‬ ‫إلى مالك فإذا نظر إليهم مالك قال للملئكة‪ :‬من هؤلء؟ فما ورد عل ّ‬
‫الشقياء أعجب شأنا ً من هؤلء لم تسود وجوههم ولممم تممزرق أعينهممم ولممم‬
‫يختم على أفواههم ولم يقرنوا مع الشياطين ولم توضع السلسل والغلل‬
‫في أعناقهم‪ ،‬فتقول الملئكة هكذا أمرنا أن نأتيممك بهممم علممى هممذه الحالمة‪،‬‬
‫فيقول لهم مالك يا معشر الشقياء من أنتم؟ "وروي في خممبر آخممر "أنهممم‬
‫لما قادتهم الملئكة ينادون وامحمممداه فلممما رأوا مالكما ً نسمموا اسممم محمممد‬
‫صلى الّله عليه وسلم من هيبته‪ ،‬فيقول لهم من أنتم؟ فيقولون نحن ممممن‬
‫أنزل علينا القرآن ونحن ممن يصوم رمضان‪ ،‬فيقول مالك ما نممزل القممرآن‬
‫إل على أمة محمد صلى الّله عليه وسلم فإذا سمممعوا اسممم محمممد صمماحوا‬
‫وقالوا نحن من أمة محمد صلى الّله عليه وسلم فيقول لهم مالك أما كممان‬
‫لكم في القرآن زاجر عن معاصي الّله تعالى؟ فإذا وقف بهممم علممى شممفير‬
‫جهنم ونظروا إلى النار وإلى الزبانية قالوا يمما مالممك ائذن لنمما فنبكممي علممى‬
‫أنفسنا‪ ،‬فيأذن لهم فيبكون الدموع حتى لم يبق لهم دممموع‪ ،‬فيبكممون الممدم‪،‬‬
‫فيقول مالك ما أحسن هذا البكاء لو كان في الدنيا‪ ،‬فلو كان هذا البكاء في‬
‫الدنيا من خشية الّله ما مستكم النار اليوم‪ ،‬فيقول مالك للزبانيممة‪ :‬ألقمموهم‬
‫ألقوهم في النار‪ ،‬فإذا ألقوا في النار نادوا بممأجمعهم ل إلممه إل الل ّممه فممترجع‬
‫النار عنهم‪ ،‬فيقول مالك يا نار خذيهم‪ ،‬فتقول كيف آخذهم وهممم يقولممون ل‬
‫إله إل الله‪ ،‬فيقول مالك للنار خذيهم‪ ،‬فتقول كيف آخممذهم وهممم يقولممون ل‬
‫إله إل الله‪ ،‬فيقول مالك‪ :‬نعم بذلك أمر رب العرش فتأخذهم‪ ،‬فمنهممم مممن‬
‫تأخذه إلى قدميه‪ ،‬ومنهم من تأخممذه إلممى ركبممتيه‪ ،‬ومنهممم مممن تأخممذه إلممى‬
‫حقويه‪ ،‬ومنهم من تأخذه إلى حلقه‪ ،‬فإذا هوت النار إلى وجهه قممال مالممك‪:‬‬
‫ل تحرقي‬

‫]ص ‪[34‬‬
‫وجموههم فطالمما سمجدوا للرحمممن فمي المدنيا ول تحمرق قلموبهم فطالمما‬
‫عطشوا في شهر رمضان فيبقمون مما شماء الل ّممه فيهمما‪ ،‬ويقولمون يما أرحمم‬
‫الراحمين يا حنان يا منان فإذا أنفذ الّله تعالى حكمه قال‪ :‬يا جبريل ما فعل‬
‫العاصون من أمة محمد صلى الّله عليممه وسمملم‪ ،‬فيقممول اللهممم أنممت أعلممم‬
‫بهم‪ ،‬فيقول انطلق فانظر ما حالهم فينطلق جبريل عليممه الصمملة والسمملم‬
‫إلى مالك وهو على منبر من نار فممي وسممط جهنممم‪ ،‬فممإذا نظممر مالممك إلممى‬
‫جبريل عليه الصلة والسلم قام تعظيما ً له فيقول‪ :‬يا جبريل ما أدخلك هذا‬
‫الموضع؟ فيقول ما فعلت بالعصابة العاصية من أمة محمد؟ فيقول مالممك‪:‬‬
‫ما أسمموأ حممالهم وأضمميق مكممانهم قممد أحرقممت أجسممامهم وأكلممت لحممومهم‬
‫وبقيت وجوههم وقلوبهم يتلل فيهمما اليمممان فيقممول جبريممل‪ :‬ارفممع الطبممق‬
‫عنهم حتى أنظر إليهم قال‪ :‬فيأمر مالممك الخزنممة فيرفعممون الطبممق عنهممم‪،‬‬
‫فإذا نظروا إلممى جبريممل وإلممى حسممن خلقممه علممموا أنممه ليممس مممن ملئكممة‬
‫العذاب‪ ،‬فيقولون من هذا العبد الذي لم نر أحدا ً قط أحسممن منممه؟ فيقممول‬
‫مالك‪ :‬هذا جبريل الكريم على ربه الذي كان يأتي محمدا ً صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم بالوحي‪ ،‬فممإذا سمممعوا ذكممر محمممد صمملى الل ّممه عليممه وسمملم صمماحوا‬
‫بأجمعهم وقالوا‪ :‬يا جبريل أقرئ محمدا ً صلى الّله عليه وسمملم منمما السمملم‬
‫وأخبره أن معاصينا فرقت بيننا وبينك وأخبره بسوء حالنمما فينطلممق جبريممل‬
‫حتى يقوم بين يدي الّله تعالى فيقول الّله تعالى كيممف رأيممت أمممة محمممد؟‬
‫فيقول يا رب ما أسوأ حالهم وأضميق مكمانهم‪ ،‬فيقمول همل سمألوك شميئًا؟‬
‫فيقول يا رب نعممم سممألوني أن أقممرئ نممبيهم منهممم السمملم وأخممبره بسمموء‬
‫حالهم‪ ،‬فيقول الّله تعالى‪ :‬انطلق وأخبره‪ ،‬فينطلق جبريل إلى النممبي صمملى‬
‫الّله عليه وسلم وهو في خيمة من درة بيضاء لها أربعة آلف باب لكل باب‬
‫مصراعان من ذهب‪ ،‬فيقول يا محمد قد جئتممك مممن عنممد العصممابة العصمماة‬
‫الذين يعذبون من أمتك في النار وهم يقرءونك السلم ويقولون‪ :‬ممما أسمموأ‬
‫حالنا وأضيق مكاننا فيأتي النبي صلى الّله عليه وسمملم إلممى تحممت العممرش‬
‫فيخر ساجدا ً ويثني على الّله تعالى ثناء لم يثن عليه أحد مثله‪ ،‬فيقول الّلممه‬
‫تعالى‪ :‬ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع‪ ،‬فيقممول يمما رب الشممقياء مممن‬
‫أمتي قد أنفذت فيهم حكمك وانتقمت منهم فشممفعني فيهممم‪ ،‬فيقممول الل ّممه‬
‫تعالى قد شفعتك فيهم فممائت النممار فممأخرج منهمما مممن قممال ل إلممه إل اللممه‪،‬‬
‫فينطلق النبي صلى الّله عليه وسلم فإذا نظر مالك النبي صلى الّلممه عليممه‬
‫وسلم قام تعظيما ً له فيقول‪ :‬يا مالك ما حمال أممتي الشمقياء؟ فيقمول مما‬
‫أسوأ حالهم وأضيق مكانهم‪ ،‬فيقممول محمممد صمملى الل ّممه عليممه وسمملم افتممح‬
‫الباب وارفع الطبق فإذا نظر أهل النار إلى محمد صمملى الل ّممه عليممه وسمملم‬
‫صاحوا بأجمعهم فيقولون يا محمد أحرقت النممار جلودنمما وأحرقممت أكبادنمما‪،‬‬
‫فيخرجهم جميعا ً وقد صاروا فحما ً قد أكلتهم النممار‪ ،‬فينطلممق بهممم إلممى نهممر‬
‫بباب الجنة يسمى نهر الحيوان فيغتسلون منه فيخرجون منممه شممبابا ً جممردا‬
‫مردا مكحلين وكأن وجوههم مثل القمر مكتوب علممى جبمماههم الجهنميممون‬
‫عتقاء الرحمن من النار فيدخلون الجنة‪ ،‬فإذا‬

‫]ص ‪[35‬‬
‫رأى أهل النار أن المسلمين قد أخرجوا منهما قمالوا‪ :‬يما ليتنما كنما مسملمين‬
‫كماُنوا‬ ‫فمُروا َلموْ َ‬‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬‫مما َيموَد ّ اّلم ِ‬‫وكنا نخرج من النار وهمو قموله تعمالى‪ُ} :‬رب َ َ‬
‫ن{‬‫مي َ‬
‫سل ِ ِ‬
‫م ْ‬
‫ُ‬
‫وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قممال "يممؤتى بممالموت كممأنه‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كبممش أملممح فيقممال يمما أهممل الجنممة هممل تعرفممون الممموت؟ فينظممرون إليممه‬
‫ويعرفونه‪ ،‬ويقال يا أهل النممار هممل تعرفممون الممموت؟ فينظرونممه فيعرفممونه‬
‫فيذبح بين الجنة والنار‪ ،‬ثم يقال يا أهل الجنة خلممود بل ممموت يمما أهممل النممار‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م مُر{‬ ‫ي ال ْ‬ ‫س مَرةِ إ ِذ ْ قُ ِ‬
‫ضم َ‬ ‫ح ْ‬ ‫م ال َ‬ ‫م ي َموْ َ‬‫خلود بل موت‪ ،‬وذلك قوله تعالى}وَأنذ ِْرهُ ْ‬
‫وقال أبو هريرة رضي الّله عنه‪ :‬ل يغبطممن فمماجر بنعمممة فممإن وراءه طالب ما ً‬
‫حثيثا ً وهي جهنم كلما خبت زدناهم سعيرًا‪ ،‬والله سبحانه وتعالى أعلم‪.‬‬
‫باب صفة الجنة وأهلها‬
‫قال‪ :‬حدثنا محمد بن الفضل قال‪ :‬حممدثنا محمممد بمن جعفممر قممال‪ :‬حمدثنا‬
‫إبراهيم بن يوسف قال‪ :‬حدثنا محمد بن يحيى بممن الفضممل عممن حمممزة بممن‬
‫الزياد الكوفي عن زياد للطائي عن أبي هريرة رضي الّله تعممالى عنممه قممال‬
‫"قلنا يا رسول الّله مما خلقت الجنة؟ قال من الماء قلنمما أخبرنمما عممن بنمماء‬
‫الجنة؟ قال لبنة من ذهممب ولبنممة مممن فضممة وملطهمما‪ :‬أي طينهمما‪ ،‬المسممك‬
‫الذفر وترابها الزعفران وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت‪ ،‬وممن يمدخلها ينعمم ول‬
‫ييأس ويخلد ول يموت ول تبلى ثيابه ول يفنى شبابه‪ ،‬ثممم قممال النممبي صمملى‬
‫الّله عليه وسلم ثلث ل ترد دعوتهم‪ :‬المام العادل‪ ،‬والصممائم حيممن يفطممر‪،‬‬
‫ل جللممه فيقممول‪:‬‬ ‫ودعوة المظلوم‪ ،‬فإنها ترفع فوق الغمام فينظر الممرب ج م ّ‬
‫وعزتي وجللي لنصرنك ولو بعد حين"‪.‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا محمد بن الفضل قال‪ :‬حممدثنا محمممد بمن جعفممر قممال‪ :‬حمدثنا‬
‫إبراهيم بن يوسف قال‪ :‬حدثنا اسمعيل بن جعفر عن محمد بن عمممرو عممن‬
‫أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الّله تعالى عنه عن النبي صلى الّلممه عليممه‬
‫وسلم أنه قال "إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مممائة عممام ول‬
‫دوٍد{ وفممي الجنممة ممما ل عيممن رأت ول‬ ‫م ُ‬‫م ْ‬
‫ل َ‬‫يقطعها‪ ،‬اقرءوا إن شئتم }وَظ ِ ّ‬
‫ممما‬
‫س َ‬‫فمم ٌ‬ ‫م نَ ْ‬‫أذن سمعت ول خطر على قلب بشر اقرءوا إن شئتم }َفل ت َعْل َ ُ‬
‫َ‬ ‫أُ ْ‬
‫ن{ الية‪ .‬ولموضع سوط في الجنة خي مُر مممن الممدنيا‬ ‫ٍ‬ ‫ن قُّرةِ أع ْي ُ‬
‫م ْ‬ ‫ي ل َهُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ف َ‬
‫خ ِ‬
‫قممد ْ َفمماَز{‪.‬‬‫ة فَ َ‬ ‫جن ّ َ‬
‫ل ال َ‬ ‫ن الّنارِ وَأ ُد ْ ِ‬
‫خ َ‬ ‫ح عَ ْ‬‫حزِ َ‬‫ن ُز ْ‬
‫م ْ‬‫وما فيها‪ ،‬اقرءوا إن شئتم }فَ َ‬
‫وعن ابن عباس رضي الّله عنهما أنه قال‪" :‬إن في الجنة حمموراء يقممال لهمما‬
‫لعبة خلقت من أربعة أشممياء‪ :‬مممن المسممك والعنممبر والكممافور والزعفممران‪،‬‬
‫وعجن طينها بماء الحيوان‪ ،‬فقال لها العزيممز كمموني فكممانت‪ ،‬وجميممع الحممور‬
‫عشاق لها‪ ،‬ولو بزقممت فممي البحممر بزقممة لعممذب ممماء البحممر‪ ،‬مكتمموب علممى‬
‫نحرها‪ :‬من أحب أن يكون له مثلي فليعمل بطاعة ربي"‪.‬‬
‫وقال مجاهد‪ :‬أرض الجنة من فضممة وترابهمما مسممك وأصممول شممجرها فضممة‬
‫وأغصانها لؤلؤ وزبرجد والورق‬

‫]ص ‪[36‬‬
‫والثمر تحت ذلك‪ ،‬فمن أكل قائما ً لم يؤذه ومن أكل جالسا ً لم يممؤذه‪ ،‬ومممن‬
‫ل{ يعني قربت ثمرتهمما‬ ‫ت قُ ُ‬
‫طوفَُها ت َذ ِْلي ً‬ ‫أكل مضطجعا ً لم يؤذه ثم قرأ }وَذ ُل ّل َ ْ‬
‫حتى ينالها القائم والقاعد‪ .‬وعن أبي هريممرة رضممي الل ّممه عنممه قممال‪ :‬والممذي‬
‫أنزل الكتاب على محمد صلى الل ّممه عليممه وسمملم إن أهممل الجنممة ليممزدادون‬
‫جمال ً وحسنا ً كما يزدادون في الدنيا هرمًا‪) ،‬قال حدثنا" إبراهيممم بممن أحمممد‬
‫قال‪ :‬حدثنا الحسن بن نصر قال‪ :‬حدثنا أسد بن موسممى قممال‪ :‬حممدثنا حممماد‬
‫بن سلمة عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبممي ليلممى عممن صممهيب أن‬
‫رسول الّله صلى الّله عليه وسلم قال‪" :‬إذا دخل أهل الجنممة الجنممة‪ ،‬وأهممل‬
‫النممار النممار نممادى منمماد يمما أهممل الجنممة إن لكممم عنممد الل ّممه موعممدا ً يريممد أن‬
‫ينجزكموه‪ ،‬فيقولون ما هو؟ ألم يثقل موازيننا ويبيض وجوهنا وأدخلنا الجنة‬
‫وأخرجنا من النار؟ قال فيكشف الحجاب فينظرون إليممه فممو الممذي نفسممي‬
‫بيده ما أعطاهم شيئا ً هو أحب إليهم من النظر إليه"‪.‬‬
‫وروى أنس بن مالك رضي الّله عنه قال "جاء جبريل إلممى النممبي صمملى‬
‫الّله عليه وسلم بمرآة بيضاء فيها نكتة سوداء فقال النبي صلى الّلممه عليممه‬
‫وسلم يا جبريل ما هذه المممرآة البيضمماء؟ قممال هممذه الجمعممة وهممذه النكتممة‬
‫السوداء الساعة التي تقوم في الجمعة قد فضلت أنممت بهمما وقومممك علممى‬
‫من كان قبلك‪ ،‬فالناس لكم فيها تبع‪ :‬يعني اليهود والنصارى‪ ،‬وفيها ساعة ل‬
‫يوافقها مؤمن يسأل الّله تعالى من خير إل اسممتجاب الل ّممه لممه ول يسممتعيذه‬
‫من شر إل أعاذه منه‪ .‬قال‪ :‬وهي عندنا يوم المزيد‪ .‬قال رسول الل ّممه صمملى‬
‫الّله عليه وسلم‪ ،‬وما يوم المزيد؟ قال إن ربك اتخممذ وادي ما ً فممي الفممردوس‬
‫فيه كثيب من مسك فمإذا كمان يموم الجمعمة حفمت بمنمابر ممن نمور عليهما‬
‫النبيون‪ ،‬وحفت بمنابر من ذهب مكللة بالياقوت والزبرجد عليها الصديقون‬
‫والشهداء والصالحون‪ ،‬وينزل أهل الغرف فيجلسون من ورائهم علمى ذلمك‬
‫الكثيب‪ ،‬فيجتمعون إلى ربهم فيحمممدونه ويثنممون عليممه فيقممول الل ّممه تعممالى‬
‫لهم‪ :‬سمملوني؟ فيقولممون نسممألك الرضمما‪ ،‬فيقممول قممد رضمميت عنكممم رضمماًء‬
‫أحلكم داري وأنيلكم كرامتي‪ ،‬فيتجلى لهممم حممتى يرونممه فليممس يمموم أحممب‬
‫إليهم من يوم الجمعة لما يزيدهم من الكرامة"‬
‫وروى في خبر آخر‪" :‬إن الّلمه تعمالى يقمول لملئكتمه‪ :‬أطعمموا أوليمائي‪،‬‬
‫فيؤتى بألوان الطعمة فيجدون لكل لقمة لذة غير ما يجدون للخرى‪ ،‬فممإذا‬
‫فرغوا من الطعام يقول الل ّممه تعممالى لهممم‪ :‬أسممقوا عبممادي‪ ،‬فيممؤتى بأشممربة‬
‫فيجدون لكل نفس لذة بخلف الخرى‪ ،‬فإذا فرغوا يقول الل ّممه تعممالى لهممم‪:‬‬
‫أنا ربكم قد صدقتكم وعدي فسألوني أعطكم؟ قالوا‪ :‬ربنا نسألك رضمموانك‬
‫مرتين أو ثلثمًا‪ ،‬فيقممول‪ :‬قممد رضمميت عنكممم ولممدي المزيممد‪ ،‬اليمموم أكرمكممم‬
‫بكرامة أعظم من ذلك كله فيكشف الحجاب فينظرون إليه ممما شمماء اللممه‪،‬‬
‫فيخرون له سجدا ً فكانوا في السجود ما شاء اللممه‪ ،‬ثممم يقممول لهممم ارفعمموا‬
‫رؤوسكم ليس هذا موضع عبادة‪،‬‬

‫]ص ‪[37‬‬
‫فينسون كل نعمة كانوا فيها‪ ،‬ويكون النظر أحب إليهم من جميع النعم‪ ،‬ثممم‬
‫يرجعون فتهيج ريح من تحت العرش على تل من مسك أبيممض فينممثر ذلممك‬
‫على رؤوسهم ونواصي خيولهم‪ ،‬فإذا رجعوا إلممى أهليهممم يرونهممم أزواجهممم‬
‫في الحسن والبهاء أفضممل مممما تركمموهن فيقممول لهممم أزواجهممم‪ :‬إنكممم قممد‬
‫رجعتم على أحسن ما كنتم‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬معنى يرفع الحجاب‪ ،‬يعني الحجاب الذي‬
‫عليهم وهو الستر الذي يحجبهم من النظر إليممه‪ ،‬وأممما قمموله ينظممرون إليممه‬
‫فقال بعضهم ينظرون إلى كرامة لم يروها قبل ذلك وقال أكثر أهممل العلممم‬
‫هو على ظمماهره يرونممه بغيممر كيممف ول تشممبيه كممما يعرفممونه فممي الممدنيا بل‬
‫تشبيه‪.‬‬
‫وقال عكرمة‪ :‬أهل الجنة كأمثال أولد ثلث وثلثين سنة رجالهم ونسائهم‪،‬‬
‫والقامة ستون ذراعا ً على قامة أبيهم آدم عليه الصلة والسلم شباب جرد‬
‫مرد مكحولون‪ ،‬عليهم سبعون حلة تتلون كل حلة فممي كممل سمماعة سممبعين‬
‫لونا ً فيرى وجهه فممي وجههمما‪ :‬يعنممي فممي وجممه زوجتممه‪ ،‬وفممي صممدرها وفممي‬
‫سمماقها وتممرى هممي وجههمما فممي وجهممه وصممدره وسمماقه‪ ،‬ول يممبزقون ول‬
‫يتمخطون وما كان فوق ذلك من الذى فهو أبعد‪.‬‬
‫وروي في الخبر "أنه لو اطلعت امرأة من أهل الجنة كفها مممن السممماء‬
‫لضاءت ما بين السماء والرض" قال‪ :‬حدثنا الحكيمم أبمو الفضمل الحمدادي‬
‫قال‪ :‬حدثنا محمد بن يحيى المروزي قال‪ :‬حدثنا محمد بن نافع النيسابوري‬
‫قال‪ :‬حدثنا مصعب بن كمرام قممال‪ :‬حمدثنا داود الطمائي عممن العممش عمن‬
‫ثمامة بن عقبة عن زيد بن أرقم قممال‪" :‬جمماء رجممل مممن أهممل الكتمماب إلممى‬
‫النبي صلى الّله عليممه وسمملم فقممال يمما أبمما القاسممم أتزعممم أن أهممل الجنممة‬
‫يأكلون ويشربون؟ فقال نعم والذي نفسممي بيممده إن أحممدهم ليعطممى قمموة‬
‫مائة رجل في الكممل والشممرب والجممماع" قممال فممإن الممذي يأكممل ويشممرب‬
‫ويكون له حاجة والجنة طيبة ليس فيها أذى قال‪ :‬حاجممة أحممدهم عممرق هممو‬
‫كريح المسك" قال‪ :‬حدثنا محمد بن الفضل بإسناده عممن أبممي معاويممة عممن‬
‫العمش عن أبممي الشممرس عممن معتممب بمن سمممى فممي قممول الل ّممه تعممالى‬
‫ب{ قال‪ :‬طوبى شجرة في الجنة ليممس فممي الجنممة‬ ‫مآ ٍ‬
‫ن َ‬‫س ُ‬
‫ح ْ‬ ‫طوَبى ل َهُ ْ‬
‫م وَ ُ‬ ‫} ُ‬
‫دارا ً ل يظلها غصن من أغصانها فيه ألوان الثمار‪ ،‬ويقع عليهمما طيممر كأمثممال‬
‫البخت فإذا اشتهى أحدهم طيرا ً دعمماه فوقممع علممى خمموانه وأكممل مممن أحممد‬
‫جانبيه قديدا ً ومن الخر شواء ثم يعود طيرا ً فيذهب‪.‬‬
‫وروى عن العمش عن أبي صالح عن أبممي هريممرة رضممي الل ّممه عنممه أن‬
‫النبي صلى الّله عليه وسلم قال‪" :‬أول زمرة تدخل الجنة مممن أمممتي علممى‬
‫صورة القمر ليلة البدر‪ ،‬ثم الذين يلونهم على صورة أشد نجم في السممماء‬
‫إضاءة‪ ،‬ثم هم بعد ذلك على منازل ل يبولون ول يتغوطون‬

‫]ص ‪[38‬‬
‫ول يبزقون ول يتمخطون‪ ،‬أمشاطهم الذهب ومحممامرهم اللمموة‪ :‬أي العمود‪.‬‬
‫ورشحهم المسك وأخلقهم على خلق رجممل واحممد‪ ،‬علممى طممول أبيهممم آدم‬
‫عليه الصلة والسلم ستون ذراعًا" وعن ابن عباس رضي الّله عنهما قممال‪:‬‬
‫قال رسول الّله صلى الّله عليه وسمملم‪" :‬إن أهممل الجنممة شممبان جممرد مممرد‬
‫ليس لهم شعر إل في الرأس والحاجبين وأهداب العينيممن يعنممي ليممس لهممم‬
‫شعر عانة ول شعر إبط‪ ،‬طول آدم ستون ذراع مًا‪ ،‬علممى مولممد عيسممى ابممن‬
‫مريم ثلثة وثلثين سنة‪ ،‬بيض اللوان خضر الثياب يضع أحممدهم مممائدة بيممن‬
‫يديه فيقبل طائر فيقول يا ولي الّله أما إني قد شربت من عين السلسبيل‬
‫ورعيت من رياض الجنممة تحممت العممرش وأكلممت مممن ثمممار كممذا طعممم أحممد‬
‫الجانبين مطبوخ وطعم الجانب الخر مشوي‪ ،‬فيأكممل منهمما ممما شمماء وعلممى‬
‫الولي سبعون حلة ليس فيها حلة إل على لون آخممر‪ ،‬فممي أصممابعهم عشممرة‬
‫خُلوهَمما‬ ‫م{ وفممي الثمماني }اد ْ ُ‬ ‫صب َْرت ُ ْ‬‫ما َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫م ع َل َي ْك ُ ْ‬ ‫سل ٌ‬ ‫خواتيم كتب على الول } َ‬
‫ُ‬
‫ن{ وفممي‬ ‫مُلو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫ما ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫ها ب ِ َ‬‫مو َ‬ ‫ة أورِث ْت ُ ُ‬ ‫جن ّ ُ‬‫م ال َ‬ ‫ن{ وفي الثالث }ت ِل ْك ُ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫سلم ٍ آ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫الرابع‪ :‬رفعت عنكم الحممزان والهممموم‪ .‬وفممي الخممامس‪ :‬ألبسممناكم الحلممي‬
‫ممما‬‫والحلل‪ .‬وفي السادس‪ :‬زوجنمماكم الحممور العيممن‪ .‬وفممي السممابع }وَِفيهَمما َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫شت َهيهِ ا َ‬
‫ن{ وفممي الثممامن‪ :‬وافقتممم‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِم ُ‬ ‫م ِفيهَمما َ‬ ‫ن وَأن ْت ُم ْ‬ ‫س وَت َل َمذ ّ الع ْي ُم ُ‬‫ف ُ‬ ‫لن ُ‬ ‫تَ ْ ِ‬
‫النبيين والصديقين‪ .‬وفي التاسع‪ :‬صممرتم شممبابا ً ل تهرمممون‪ .‬وفممي العاشممر‪:‬‬
‫سكنتم في جوار من ل يؤذي الجيران"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬من أراد أن ينال هذه الكرامات فعليه أن‬
‫يداوم على خمسة أشياء‪ :‬أولها أن يمنع نفسه من جميع المعاصي قال الّله‬
‫مأ َْوى{ الية والثاني‪ :‬أن‬ ‫ي ال َ‬ ‫ة هِ َ‬ ‫جن ّ َ‬
‫ن ال َ‬ ‫وى‪ ،‬فَإ ِ ّ‬ ‫ن الهَ َ‬ ‫س عَ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫تعالى‪} :‬وَن ََهى الن ّ ْ‬
‫يرضى باليسير من الدنيا لنه روي في الخبر "أن ثمممن الجنممة تممرك الممدنيا"‬
‫والثالث‪ ،‬أن يكون حريصا ً علممى الطاعممات فيتعلممق بكممل طاعممة فلعممل تلممك‬
‫ة‬
‫جن ّم ُ‬
‫ك ال َ‬ ‫الطاعة تكون سببا ً للمغفرة ووجوب الجنة قال الل ّممه تعممالى‪} :‬وَت ِل ْم َ‬
‫ُ‬
‫ممما ك َمماُنوا‬ ‫ج مَزاًء ب ِ َ‬ ‫ن{ وفممي آيممة أخممرى } َ‬ ‫مل ُممو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬‫كنت ُم ْ‬‫ممما ُ‬
‫موهَمما ب ِ َ‬‫ال ّت ِممي أورِث ْت ُ ُ‬
‫ن{ وإنما ينالون ما ينالون بالجتهاد في الطاعات‪ .‬والرابممع‪ :‬أن يحممب‬ ‫مُلو َ‬ ‫ي َعْ َ‬
‫الصالحين وأهل الخير ويخالطهم ويجالسهم فممإن واحممدا ً منهممم إذا غفممر لممه‬
‫يشفع لصحابه وإخوانه كما روي عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قممال‪:‬‬
‫"أكثر الخوان فإن لكل أخ شفعة يوم القيامة" والخامس‪ :‬أن يكممثر الممدعاء‬
‫ويسأل الّله تعالى أن يرزقه الجنة وأن يجعل خاتمته إلى خير‪.‬‬
‫وقال بعض الحكماء‪ :‬الركون إلى الدنيا مع ما يعاين مممن الثممواب جهممل‪،‬‬
‫وإن ترك الجهد في العمال بعدما عرف ثوابه عجز‪ ،‬وإن فممي الجنممة راحممة‬
‫ما يجدها إل من لم يكن له في الدنيا راحة‪ ،‬وفيها غنى ل يجده إل من تممرك‬
‫فضول الدنيا وأقتصر على اليسير من الدنيا‪.‬‬

‫]ص ‪[39‬‬
‫وذكر عن بعض الزهاد أنه كان يأكل بقل ً وملحا ً من غير خممبز‪ ،‬فقممال لممه‬
‫رجل قد اقتصرت على هذا فقال إني إنما جعلت الدنيا للجنة وأنممت جعلممت‬
‫الدنيا للمزبلة‪ :‬يعني تأكل الطيبات فتصير إلى المزبلة‪ ،‬وإنممي لكممل لقامممة‬
‫الطاعة لعلي أصير إلى الجنة‪ .‬وذكر عن إبراهيم بن أدهم رحمه الّله تعالى‬
‫أنه أراد أن يدخل الحمام فمنعه صاحب الحمام وقال‪ :‬ل تدخل إل بممالجرة‪،‬‬
‫فبكى إبراهيم وقال‪ :‬اللهممم ل يممؤذن لممي أن أدخممل بيممت الشممياطين مجان ما ً‬
‫فكيف لي بالدخول بيت النبيين والصديقين مجانمًا‪ .‬وذكمر أن فمي بعمض مما‬
‫أنزل الّله تعممالى علممى بعممض أنبيمماءه عليهممم الصمملة والسمملم‪ :‬يمما ابممن آدم‬
‫ل ول تشممتري الجنمة بثممن رخيممص‪ ،‬وتفسمير ذلمك أن‬ ‫تشتري النار بثمن غا ٍ‬
‫فاسقا ً لو أراد أن يتخذ ضيافة للفساق فربما ينفق فيهمما المممائة أو المممائتين‬
‫ل‪ ،‬ولو أنه اتخذ ضيافة لجل الّله‬ ‫ويخف عليه ذلك فهو يشتري النار بثمن غا ٍ‬
‫تعالى بدرهم أو درهمين فيممدعوا إليهمما بعممض المحتمماجين لثقممل عليممه ذلممك‬
‫فيكون ذلك ثمن الجنة‪.‬‬
‫وروي عن أبي حازم أنه قال‪ :‬لو كممانت الجنممة ل يمدخل فيهمما أحممد إل بممترك‬
‫جميع ما يحب من الدنيا لكان يسيرا في جانبها ولو كانت النار ل ينجوا منها‬
‫إل بتحمل جميع ما يكره لكان يسيرا في جانبها‪ ،‬فكيممف وقممد تممدخل الجنممة‬
‫بترك جزء من ألف جزء مما تحب وقد تنجو من النار بتحمل جزء من ألممف‬
‫مما تكره‪ .‬قال يحيى بن معاذ الرازي‪ :‬ترك الدنيا شديد وتممرك الجنممة أشممد‬
‫منه وإن مهر الجنة ترك الدنيا‪.‬‬
‫وعن أنس بن مالك رضي الّله عنه عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنممه‬
‫قال "من يسأل الل ّممه تعممالى الجنممة ثلث مممرات قممالت الجنممة اللهممم أدخلممه‬
‫الجنة‪ ،‬ومن استجار من النار ثلث مرات قالت النار اللهم أجره من النممار"‬
‫فنسأل الّله تعالى أن يجيرنا من النار وأن يدخلنا الجنة‪ ،‬ولممو لممم يكممن فممي‬
‫الجنة سوى لقاء الخوان واجتماعهم لكان هنيئا ً طيبا ً فكيف وفيهمما ممما فيهمما‬
‫من فنون الكرامات‪.‬‬
‫وروي عن أنس بن مالك رضي الّله عنه عن النبي صلى الّله عليه وسلم‬
‫أنه قال‪" :‬إن في الجنة أسواقا ً ل شراء فيهمما ول بيممع يجتمعممون فيهمما حلق ما ً‬
‫حلقا ً يتذاكرون كيف كممانت الممدنيا وكيممف كممانت عبممادة الممرب‪ ،‬وكيممف كممان‬
‫فقراء أهل الدنيا وأغنياؤها‪ ،‬وكيف كان الموت وكيف صرنا بعد طول البلممى‬
‫إلى الجنة" قال‪ :‬أخبرنا الثقة بإسناده عن أسباط عن السدي عن أبي مممرة‬
‫عن ابممن مسممعود رضممي الل ّممه عنممه أنممه قممال‪ :‬يممرد النمماس جميعما ً الصممراط‬
‫وورودهم قيامهم حول النار ثم يمرون على الصراط بأعمالهم‪ ،‬فمنهم مممن‬
‫يمر مثل البرق ومنهم من يمممر مثممل الريممح ومنهممم مممن يمممر مثممل الطيممر‪،‬‬
‫ومنهم من يمر كأجود الخيل‪ ،‬ومنهم من يمر كأجود البل‪ ،‬ومنهم مممن يمممر‬
‫كعدو الرجل‪ ،‬حتى إذا أخرهم رجل يمر على موضع إبهامي قدميه ثم يتكفأ‬

‫]ص ‪[40‬‬
‫به الصراط‪ ،‬والصراط دحض منزلة حده كحد السيف‪ ،‬عليه حسك كحسممك‬
‫القتاد‪ ،‬على حافتيه ملئكة معهم كلليب من نار يختطفون بها النمماس فمممن‬
‫بين مار ناج ومن بين مخدوش ناج ومن بين مكدوش في النممار‪ ،‬والملئكممة‬
‫يقولون رب سلم سلم‪ ،‬فيمر رجل وهممو أخممر أهممل الجنممة دخممول ً فممإذا جمماز‬
‫الصراط رفع له باب من الجنة فل يرى له في الجنة مقعدا ً فإذا نظممر إليهمما‬
‫قال‪ :‬رب أنزلنممي ههنمما‪ ،‬فيقممول لممه‪ :‬فلعلممك إن أنزلتممك هنمما تسممألني غيممره‬
‫فيقول ل وعزتك فينزله‪ ،‬ثم يرفممع لممه فممي الجنممة منممازل فيتحمماقر إليممه ممما‬
‫أعطي مما يرى فيقول رب أنزلني هناك‪ ،‬فيقول فلعلك إن أنزلتممك هنمما أن‬
‫تسألني غيره‪ ،‬فيقول ل وعزتك‪ ،‬فينزله ثم يرفع له في الجنة حتى الرابعة‪،‬‬
‫فإذا كانت الرابعة رفع له فيتحاقر إليه كل شيء أعطى فيسكت فل يسممأل‬
‫شيئًا؛ فيقول له أل تسأل؟ فيقول سألت حتى استحييت‪ ،‬فيقول الّله تعالى‬
‫ل‪ .‬قممال عبممد‬ ‫لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها" فهذا هو أوضع أهل الجنممة منممز ً‬
‫الّله بن مسعود‪ :‬كان النبي صلى الّله عليه وسلم ل يتحدث بذلك إل ضممحك‬
‫حتى بدت نواجذه‪ .‬وروي في الخبر "أن نساء أهمل المدنيا ممن جعمل منهمن‬
‫في الجنة يفضلون على الحور العين بأعمالهم في الدنيا" قممال الل ّممه تعممالى‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن أ َب ْ َ‬ ‫}إنا َأن َ ْ‬
‫ن{‪.‬‬‫مي ِ‬‫ب الي َ ِ‬
‫حا ِ‬ ‫كارًا‪ ،‬ع ُُربا ً أت َْرابًا‪ ،‬ل ْ‬
‫ص َ‬ ‫جعَل َْناهُ ّ‬
‫شاًء‪ ،‬فَ َ‬
‫ن ِإن َ‬
‫شأَناهُ ّ‬ ‫ِّ‬
‫باب ما يرجى من رحمة الّله تعالى‬
‫قال أخبرنا الخليل بن أحمد قال‪ :‬أنبأنا ابممن معمماذ الممماليني قممال‪ :‬حممدثنا‬
‫الحسين المروزي قال‪ :‬حدثنا حجاج بن أبي منيه عن جده عن الزهري عن‬
‫سعيد بن المسيب عن أبا هريرة قال‪ :‬سمعت رسول الّله صلى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم يقول "جعل الّله الرحمة مممائة جممزء فأمسممك عنممده تسممعة وتسممعين‬
‫جزءا ً وأنزل إلى الرض جزءا ً واحممدا ً فيممه يممتراحم الخلممق حممتى إن الفممرس‬
‫لترفع حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه" قال رحمممه اللممه‪ :‬حممدثنا الخليممل‬
‫حدثنا الدبيلى حدثنا عبممد الحميممد حممدثنا السممود عممن عمموف العرابممي عممن‬
‫الحسن قال‪ :‬قال رسول الّله صلى الل ّممه عليممه وسمملم إن للممه تعممالى مممائة‬
‫رحمة أهبط منها رحمة واحدة إلى أهل الدنيا فوسممعتهم إلممى آجممالهم‪ ،‬وإن‬
‫الّله قابض تلك الرحمة يوم القيامة فيضمها إلى التسعة والتسعين فيكملها‬
‫مائة رحمة لوليائه وأهل طاعاته"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الل ّممه عنممه‪ :‬قممد بيممن النممبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم‬
‫للمممؤمنين مممن الرحمممة ليحمممدوا الل ّممه علممى ممما أكرمهممم بممه مممن رحمتممه‬
‫ويشكروه ويعملوا عمل ً صالحا ً لن مممن يرجمموا رحمتممه فممإنه يعمممل ويجتهممد‬
‫ن‬‫مم ْ‬‫ب ِ‬‫ريم ٌ‬‫ة الل ّممه قَ ِ‬ ‫مم َ‬‫ح َ‬‫ن َر ْ‬ ‫لكممي ينممال مممن رحمتممه لن الل ّممه تعممالى قممال }إ ِ ّ‬
‫مل ً‬
‫ل عَ َ‬ ‫قمماَء َرب ّمهِ فَل ْي َعْ َ‬
‫مم ْ‬ ‫جمموا ل ِ َ‬ ‫ن ك َمما َ‬
‫ن ي َْر ُ‬ ‫مم ْ‬‫ن{ وقال الّله تعممالى }فَ َ‬
‫سِني َ‬
‫ح ِ‬
‫م ْ‬
‫ال ُ‬
‫يٍء{ يعنممي لكممل‬ ‫شم ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ت ك ُم ّ‬ ‫سمعَ ْ‬ ‫مِتي وَ ِ‬ ‫ح َ‬‫صاِلحًا{ الية‪ ،‬وقال الّله تعالى }وََر ْ‬ ‫َ‬
‫شيء نصيب من رحمتي‪.‬‬

‫]ص ‪[41‬‬
‫مِتي‬ ‫ح َ‬ ‫عن ابن عباس رضي الّله عنهما أنه قال‪ :‬لما نزلت هذه الية }وََر ْ‬
‫يٍء{ تطاول إبليس عليه اللعنة وقال أنمما شمميء مممن الشممياء‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫سعَ ْ‬‫وَ ِ‬
‫يكون لي نصيب من رحمته‪ ،‬وتطمماولت اليهممود والنصممارى فلممما نممزل قمموله‬
‫تعالى }فَ َ‬
‫ن الّزك َمماة َ { يعنممي سممأجعل رحمممتي‬ ‫ن وَي ُؤ ْت ُممو َ‬ ‫قممو َ‬
‫ن ي َت ّ ُ‬ ‫سأك ْت ُب َُها ل ِل ّم ِ‬
‫ذي َ‬ ‫َ‬
‫م ِبآَيات َِنا‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫للذين يتقون الشرك ويؤتون الزكاة يعني يعطون الزكاة }َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن{ يعني يصدقون بآيات الّله فيئس إبليس من رحمته‪ ،‬وقالت اليهود‬ ‫ي ُؤ ْ ِ‬
‫مُنو َ‬
‫والنصارى نحن نتقي الشممرك ونممؤتي الزكمماة ونممؤمن بآيمماته ثممم نممزل قمموله‬
‫ي{ يعني الممذين يصممدقون بمحمممد‬ ‫ُ‬ ‫سو َ‬ ‫تعالى }ال ّ ِ‬
‫م ّ‬‫ي ال ّ‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫ن ي َت ّب ُِعو َ‬ ‫ذي َ‬
‫صلى الّله عليه وسلم فيمأس اليهمود والنصممارى وبقيمت الرحمممة للممؤمنين‬
‫خاصة‪ ،‬فالواجب على كل مؤمن أن يحمد الّله تعالى على ما أكرمه به من‬
‫اليمان وجعل اسمه من جملة المؤمنين ويسأل ربه أن يتجاوز عممن ذنمموبه‪،‬‬
‫كما روى عن يحيى بن معاذ الرازي رحمة الّله تعالى عليه أنممه كممان يقممول‪:‬‬
‫إلهي قد أنزلت إلينا رحمة واحدة وأكرمتنا بتلك الرحمة وهي السلم‪ ،‬فممإذا‬
‫أنزلت علينا مائة رحمة فكيف ل نرجوا مغفرتك وذكر عنه أنممه قممال‪ :‬إلهممي‬
‫إن كان ثوابك للمطيعين ورحمتك للمذنبين فممإني وإن كنممت لسممت مطيع ما ً‬
‫لرجو ثوابك فأنا من المذنبين فأرجو رحمتممك‪ ،‬وذكممر عنممه أنممه قممال‪ :‬إلهممي‬
‫خلقت الجنة وجعلتها وليمة لوليائك وأيست الكفار منها‪ ،‬وخلقممت ملئكتممك‬
‫ن عنها‪ ،‬فإن لممم تعطنمما الجنممة فلمممن تكممون‬ ‫غير محتاجين إليها وأنت مستغ ٍ‬
‫الجنة‪.‬‬
‫)قال الفقيه( حدثنا الخليل بن أحمد حدثنا أبو بكر السراج حدثنا عبد اللهّ‬
‫بن الحكم حدثنا معاوية بن هاشم عن سممفيان عممن فممراس بممن يحيممى عممن‬
‫عطية عن أبي سعيد الخدري رضي الّله تعالى عنه وعن رسول الّله صمملى‬
‫الّله عليه وسلم أنه قال‪" :‬لقد دخل رجل الجنة ما عمل يرا ً قط قال لهلممه‬
‫حين حضره الممموت إذا أنمما مممت فممأحرقوني بالنممار ثممم اسممحقوني ثممم ذروا‬
‫نصفي في البحر ونصفي في البر‪ ،‬فلما مات فعلوا ذلممك فممأمر الل ّممه تعممالى‬
‫البر والبحر فجمعاه‪ ،‬فقال ما حملك على ما صنعت؟ قممال مخافتممك يمما رب‬
‫فغفر الّله له بذلك"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( أبو الجعفر‪ :‬حدثنا إسحق بمن عبممد الرحممن القمماري حمدثنا‬
‫محمد بن شاذان حدثنا محمد بن مقاتل حمدثنا عبممد الل ّممه بممن المبممارك عممن‬
‫مصعب بن ثابت عن عاصم بن عبد الّله عن عطاء عن رجممل مممن أصممحاب‬
‫رسول الّله صلى الّله عليه وسلم قال‪" :‬اطلع علينا رسول الّله صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم ونحن نضحك فقال‪ :‬أتضحكون والناس من ورائكم والله لراكم‬
‫تضحكون ثم أدبر فكان على رؤوسنا الرخم‪ ،‬ثم رجع إلينا القهقممري وقممال‪:‬‬
‫جاء جبريل عليه الصملة والسمملم وقممال‪ :‬إن الل ّممه تعمالى يقمول‪ :‬لمم تقنمط‬
‫و‬ ‫ن عَ َ‬ ‫َ‬ ‫عَباِدي أ َّني أ ََنا الغَ ُ‬
‫ذاِبي هُ َ‬ ‫م )‪ (49‬وَأ ّ‬‫حي ُ‬
‫فوُر الّر ِ‬ ‫ئ ِ‬
‫عبادي من رحمتي }ن َب ّ ْ‬
‫م{‪.‬‬ ‫َ‬ ‫العَ َ‬
‫ب الِلي ُ‬
‫ذا ُ‬

‫]ص ‪[42‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى حدثنا الفقيه أبو جعفر حدثنا أبممو القاسممم‬
‫أحمد بن حمزة حدثنا محمد بممن الفضممل حممدثنا أبممو عبممد الرحمممن المقممري‬
‫حدثنا عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الفريقي عن عبد الّله بن يزيد بن عبممد‬
‫الّله بن عمر بن العاص رضي الّله عنهممم أن رسممول الّلمه صمملى الّلمه عليمه‬
‫وسلم قال‪" :‬إن الّله تعممالى ل يتعمماظمه ذنممب عبممده أن يغفممره كممان رجممل‬
‫فيمن كان قبلهم قتل تسعة وتسعين نفسا ً ثم أتى رهبانا ً فقممال إنممي قتلممت‬
‫تسعة وتسعين نفسا ً فهل تجد لي من توبة؟ فقال ل لقد أسرفت فقام إليه‬
‫فقتله ثم أتى راهبا ً آخر‪ ،‬فقال‪ :‬إني قتلت مائة نفس فهل تجد لي من توبممة‬
‫فقال لقد أسرفت وما أدري ولكن ههنا قريتممان إحممداهما يقممال لهمما بصممرى‬
‫والخرى يقال لها كفرة فأما أهل بصرى فهم يعملون بأعمال أهل الجنممة ل‬
‫يلبث فيها غيرهم‪ ،‬وأما أهل كفره فهم قمموم يعملممون بأعمممال أهممل النممار ل‬
‫يلبث فيها غيرهم فإن أنت أتيت بصممرى فعملممت بأعمممالهم فل تشممكن فممي‬
‫توبتممك‪ ،‬فممانطلق الرجممل يريممدها فلممما كممان بيممن القريممتين أدركممه الممموت‬
‫فاختصمت فيه ملئكة العذاب وملئكة الرحمة فسألت الملئكة ربهمما عنممه؟‬
‫فقيل لهم قيسوا ما بين القريتين فإلى أيتهما كممان أقممرب فهممو مممن أهلهمما‪،‬‬
‫فقاسوا بين القريتين فوجدوه أقممرب إلممى بصممرى بقممدر أنملممة فكتممب مممن‬
‫أهلها"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( حدثنا محمد بن الفضل حدثنا محمد بن خزيمة حدثنا محمد‬
‫بن الزهري عن يعلى بن عبيد عن إسماعيل بن أبممي خالممد عممن عمممر عممن‬
‫عبد الرحمن عن عبد الّله بمن مسمعود رضمي الّلمه تعمالى عنمه قمال‪ :‬ثلثمة‬
‫أقسمت عليهن والرابعة لو أقسمت عليها لصدقت ل يتولى الّله أحممدا ً فممي‬
‫الدنيا فيوليه غيره يوم القيامممة‪ ،‬ول يجعممل ذا السممهم فممي السمملم كمممن ل‬
‫سهم له‪ ،‬ول يحب أحد قوما ً إل كان معهممم يمموم القيامممة والرابعممة ل يسممتر‬
‫الّله على عبد في الدنيا إل ستر الّله عليه في الخرة‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى حدثنا محمد بن الفضل حممدثنا محمممد بممن‬
‫خزيمة بإسناده عن معاوية بن قرة قال‪ :‬قال ابن مسعود رضي الل ّممه عنممه‪:‬‬
‫أربع آيات في سورة النساء خير للمسلمين من الدنيا جميعا ً قوله عز وجل‬
‫َ‬
‫ك‬ ‫ش مرِ ْ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫مم ْ‬‫شمماُء وَ َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك لِ َ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬
‫دو َ‬ ‫ما ُ‬ ‫فُر َ‬ ‫ك ب ِهِ وَي َغْ ِ‬ ‫شَر َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫فُر أ ْ‬ ‫ن الّله َل ي َغْ ِ‬ ‫}إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫سهُ ْ‬
‫ف َ‬ ‫موا أن ُ‬ ‫م إ ِذ ْ ظ َل َ ُ‬‫ظيمًا{ وقوله عز وجل }وَل َوْ أن ّهُ ْ‬ ‫قد ْ افْت ََرى إ ِْثما ً ع َ ِ‬ ‫ِبالل ّهِ فَ َ‬
‫حيممًا{‬ ‫وابما ً َر ِ‬‫دوا الل ّممه ت َ ّ‬ ‫جم ُ‬ ‫ل ل َوَ َ‬ ‫سممو ُ‬
‫م الّر ُ‬ ‫فَر ل َهُ ْ‬ ‫فُروا الّله َوا ْ‬
‫ست َغْ َ‬ ‫ست َغْ َ‬ ‫ك َفا ْ‬ ‫جاُءو َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫سمي َّئات ِك ْ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫فمْر ع َن ْكم ْ‬ ‫َ‬
‫ه ن ُك ّ‬ ‫ن ع َن ْم ُ‬ ‫ممما ت ُن ْهَموْ َ‬ ‫َ‬
‫جت َن ِب ُمموا كب َممائ َِر َ‬‫ن تَ ْ‬‫وقوله عز وجممل }إ ِ ْ‬
‫ل سمموءا ً أوَ‬
‫ْ‬ ‫مم ْ ُ‬ ‫ن ي َعْ َ‬
‫مم ْ‬ ‫ريمًا{ يعني الجنة‪ ،‬وقمموله تعممالى }وَ َ‬ ‫خل ً ك َ ِ‬ ‫مد ْ َ‬‫م ُ‬ ‫خل ْك ُ ْ‬‫وَن ُد ْ ِ‬
‫ً‬
‫حيما{‪.‬‬ ‫ً‬
‫فورا َر ِ‬ ‫ّ‬
‫جد ْ الله غ َ ُ‬ ‫ّ‬
‫فْر الله ي َ ِ‬ ‫ست َغْ ِ‬‫م يَ ْ‬ ‫ه ثُ ّ‬‫س ُ‬‫ف َ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫ي َظ ْل ِ ْ‬
‫وروي عن جابر بن عبد الّله النصاري رضي الّله عنهما عن النبي صمملى‬
‫الّله عليه وسلم أنه قال‪" :‬شفاعتي لهل الكبائر من أمتي من كذب بها لم‬
‫ينلها" قال جابر بن عبد الله‪ :‬من لم يكن من أهل‬

‫]ص ‪[43‬‬
‫الكبائر فماله وللشفاعة‪ :‬يعني ل يحتاج إلى الشفاعة وروى أنس بن مالممك‬
‫رضي الّله تعالى عنه عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنمه قمال‪" :‬شمفاعتي‬
‫لهل الكبائر من أمتي من كذب بها لم ينلها" وعن محمد بممن المنكممدر عممن‬
‫جابر بن عبد الّله النصاري رضي الّله عنهما قال‪ :‬خممرج علينمما رسممول الل ّممه‬
‫صلى الّله عليه وسلم فقال‪" :‬خرج من عندي خليلمي جبريممل صملوات الّلمه‬
‫وسلمه عليه آنفا ً فقال يا محمد والذي بعثك بممالحق نبيما ً إن للممه عبممدا ً مممن‬
‫عباده عبد الّله تعالى خمسمائة سنة على رأس جبل عرضه وطوله ثلثممون‬
‫ذراعا ً في ثلثين ذراعا ً والبحر محيط به أربعة آلف فرسخ مممن كممل ناحيممة‪،‬‬
‫أجرى الّله له عينا ً عذبة بعرض الصبع بماء عذب يستنفع من أسفل الجبممل‬
‫وشجرة رمان كل يوم يخرج له منها رمانة‪ ،‬فإذا أمسممى نممزل فأصمماب مممن‬
‫الوضوء وأخذ تلك الرمانممة فأكلهمما ثممم قممام لصمملته فسممأل ربممه أن يقبضممه‬
‫ساجدا ً وأن ل يجعل للرض ول لشيء على جسده سممبيل ً حممتى يبعثممه وهممو‬
‫ساجد ففعل الّله ذلك له‪ .‬قال جبريممل عليممه الصمملة والسمملم‪ :‬فنحممن نمممر‬
‫عليه إذا هبطنا وعرجنمما وهممو علممى حمماله فممي السممجود‪ .‬قممال جبريممل عليممة‬
‫الصلة والسلم فنجد في العلم أنه يبعث يوم القيامة فيوقف بين يدي الّله‬
‫تعالى‪ ،‬فيقول الرب تبارك وتعالى‪ :‬أدخلوا عبدي الجنة برحمتي‪ ،‬فيقول بممل‬
‫بعملي‪ ،‬فيقول الّله تعممالى للملئكممة حاسممبوا عبممدي بنعمممتي عليممه وبعملممه‬
‫فيوجد نعمة البصر قد أحاطت بعبادته خمسمائة سنة وبقيت نعمة الجسممد‪،‬‬
‫فيقول أدخلوا عبدي النار فيجر إلى النممار فينممادي يمما رب برحمتممك أدخلنممي‬
‫الجنة‪ ،‬فيقول ردوه فيوقف بين يديه فيقول‪ :‬عبدي من خلقك ولم تك شيئا ً‬
‫فيقممول أنممت يمما رب فيقممول‪ :‬أكممان ذلممك بعملممك أو برحمممتي؟ فيقممول بممل‬
‫برحمتك فيقول من قواك على عبادتي خمسمائة سنة؟ فيقول أنت يا رب‪،‬‬
‫فيقول من أنزلك في جبل في وسط اللجة وأخرج الماء العذب من المالممح‬
‫وأخرج لك رمانة في كل ليلة‪ ،‬وإنما تخممرج فممي السممنة مممرة‪ ،‬وسممألتني أن‬
‫أقبض روحك ساجدا ً ففعلت ذلك بك من فعممل ذلممك؟ فيقممول أنممت يمما رب‪.‬‬
‫قال‪ :‬فكل ذلك برحمتي‪ ،‬وبرحمتي أدخلك الجنة‪ .‬قال جبريل عليممة الصمملة‬
‫والسلم‪ :‬إنما الشياء برحمة الله"‪.‬‬
‫وروي عن الحسن عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال‪" :‬ممما اجتمممع‬
‫الرجاء والخوف في قلب امرأ مسلم عند الموت إل أعطاه الل ّممه ممما يرجمموا‬
‫وصرف عنه ما يخاف" وروي عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي‬
‫الّله تعالى عنه أن النبي صلى الل ّممه عليممه وسمملم قممال‪" :‬لممن ينجمموا أحممدكم‬
‫بعمله‪ .‬قالوا ول أنت يا رسول الله؟ قال‪ :‬ول أنا إل أن يتغمدني الّله برحته‪،‬‬
‫فقاربوا وسددوا واغدوا وروحوا شيئا ً من الدلجة القصد تبلغوا" وروى أنممس‬
‫بن مالك رضي الّله تعالى عنه عن النبي صلى الّله عليممه وسمملم أنممه قممال‪:‬‬
‫"يسروا ول تعسروا وبشروا ول تنفروا" وقال ابن مسعود‪ :‬لن تزال الرحمة‬
‫بالناس يوم القيامة حتى أن إبليس يرفع رأسه مما يممرى مممن سممعة رحمممة‬
‫الّله وشفاعة الشافعين‪ .‬وعن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال‪" :‬ينممادي‬
‫مناد من تحت العرش يوم القيامة يا أمة محمد‬

‫]ص ‪[44‬‬
‫أما ما كان لي قبلكم فقد وهبتممه لكممم وبقيممت التبعممات فتواهبوهمما وادخلمموا‬
‫الجنة برحمتي" وكان فضيل بن عياض رحمة الّله عليممه يقممول‪ :‬الخمموف ممما‬
‫دام الرجل صحيحا ً فإذا مرض وعجز عن العمل فالرجمماء أفضممل‪ :‬يعنممى أن‬
‫الرجممل إذا كممان صممحيحا ً كممان الخمموف أفضممل حممتى يجتهممد فممي الطاعممات‬
‫ويجتنب المعاصي فإذا مرض وعجز عن العمل كان الرجاء له أفضل‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله عنه‪ :‬حدثنا محمد بن الفضل بإسممناده عممن ابممن‬
‫أبي رواد عن أبيه قال‪ :‬أوحى الّله تعالى إلممى داود النممبي صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم أن يا داود بشر المذنبين وأنذر الصديقين‪ ،‬فقال كيف أبشر المذنبين‬
‫وأنذر الصديقين؟ قممال بشممر المممذنبين بممأني ل يتعمماظمني ذنممب أن أغفممره‬
‫وأنذر الصديقين أن ل يعجبوا بأعمالهم فإني ل أضع عممدلي وحسممابي علممى‬
‫أحد إل أهلكه" وروى ابن أبي رواد عن أبيه عممن بعممض أهممل الكتمماب قممال‪:‬‬
‫الّله تعالى يقول إني أنا الّله مالك الملك قلمموب الملمموك بيممدي فأيممما قمموم‬
‫رضيت عنهم جعلت قلوب الملوك عليهم رحمة‪ ،‬وأيما قوم سخطت عليهم‬
‫جعلت قلوب الملوك عليهم نقمة‪ ،‬فل تشغلوا أنفسكم بلعن الملوك وتوبمموا‬
‫ي أرفقهم عليكم‪ .‬وروى العلء بن عبد الرحمن عن أبيه عممن أبممي هريممرة‬ ‫إل ّ‬
‫رضي الّله تعالى عنه أن النبي صلى الّله عليه وسلم قال" لو يعلم المؤمن‬
‫ما عند الّله من العقوبة ما طمع في جنته أحد‪ ،‬ولو يعلم الكافر ما عند الّله‬
‫من الرحمة ما قنط من رحمته أحد" وقال أبممو يعلممى الحسممين ابممن محمممد‬
‫النيسابوري‪ :‬حدثنا بديل بمن محممد السممفرايني‪ .‬حمدثنا الحسممين بمن عممر‬
‫الكوفي‪ .‬حدثنا هرون بن محمد عن أحمد بن سممهل قمال‪ :‬رأيممت يحيمى بمن‬
‫أكثم في المنام فقلت لهو يا يحيى ما فعل بك ربك؟ قال دعاني فقممال لممي‬
‫يا شيخ السوء فعلت ما فعلت‪ ،‬فقلت يا رب ما بهذا حدثت عنك‪ .‬قال‪ :‬وبما‬
‫حدثت؟ قال‪ :‬قلت حدثني عبد الرزاق عن معمممر عممن الزهممري عممن عممروة‬
‫عن عائشة رضي الّله تعالى عنها عممن النممبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم عممن‬
‫جبريل عليه الصلة والسلم أنك قلت "ما من مسلم يشيب في السلم إل‬
‫وأنا أريد أن أعذبه إل وإني استحي أن أعذبه" وأنا شيخ كممبير‪ .‬قممال‪ :‬صممدق‬
‫عبد الرزاق وصدق معمر وصدق الزهممري وصممدق عممروة وصممدقت عائشممة‬
‫وصدق النبي صلى الّله عليه وسلم وصممدق جبريممل عليممه الصمملة والسمملم‬
‫وصدقت أنا‪ ،‬يا يحيى إني ل أعذب من شاب في السمملم ثممم أمممرت بممذات‬
‫اليمين إلى الجنة وروى عن عمر رضي الّلمه تعممالى عنممه " أنممه دخممل علممى‬
‫النبي صلى الّله عليه وسلم فوجده يبكي فقال ما يبكيممك يمما رسممول اللممه؟‬
‫قال جاءني جبريل عليه الصلة والسمملم وقممال إن الّلمه يسمتحي أن يعممذب‬
‫أحدا ً قد شاب في السلم‪ ،‬فكيممف ل يسممتحي مممن شمماب فممي السمملم أن‬
‫يعصي الّله تعالى"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬فممالواجب علممى الشمميخ أن يعممرف هممذه‬
‫الكرامة ويشكر الل ّممه ويسممتحي مممن الل ّممه عممز وجممل ويسممتحي مممن الكممرام‬
‫الكاتبين ويمتنع عن المعاصي ويكممون مقبل ً علممى طاعممة الل ّممه تعممالى‪ ،‬فممإن‬
‫الزرع إذا دنى حصاده ل ينتظر به‪ ،‬وكذلك الشاب يجب‬

‫]ص ‪[45‬‬
‫ّ‬
‫عليه أن يتقي الله ويتجنب المعاصي ويقبممل علممى الطاعممات فممإنه ل يممدري‬
‫متى يأتي أجله‪ ،‬فإن الشاب إذا كان مقبل ً على طاعة الّله تعالى أظله الل ّممه‬
‫يوم القيامة تحت عرشه كما جاء في الخبر‪ .‬قال‪ :‬حدثنا أبو الحسن القاسم‬
‫بن محمد بن برزوبة‪ ،‬حدثنا عيسى بن خشنام حممدثنا سممويد عممن مالممك بممن‬
‫حبيب عن عبد الرحمن بن حفص عن عاصممم عممن أبممي هريممرة رضممي الل ّممه‬
‫تعالى عنه قال‪ :‬قال رسول الّله صلى الّله عليه وسلم‪" :‬سبعة يظلهم الل ّممه‬
‫تعالى يوم القيامة في ظل عرشه يوم ل ظل إل ظله‪ :‬إمام عممادل‪ ،‬وشمماب‬
‫نشأ في عبادة الله‪ ،‬ورجل كان قلبممه معلق ما ً بالمسممجد إذا خممرج منممه حممتى‬
‫يعود إليه‪ ،‬ورجلن تحابا في الّله تعالى اجتمعا عليممه وافترقمما عليممه‪ ،‬ورجممل‬
‫ذكر الّله عز وجل خاليا ً ففاضت عيناه‪ ،‬ورجل تصدق بصدقة فأخفاهمما حممتى‬
‫ل تعلم شماله ما فعلت يمينة‪ ،‬ورجل دعته امرأة ذات حسممن وجمممال إلممى‬
‫نفسها فقال إني أخاف الّله عز وجل" والله سبحانه وتعالى أعلم‪.‬‬

‫باب المر بالمعروف والنهي عن المنكر‬


‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رحمه الله‪ :‬حدثنا أبممو القاسممم عبممد‬
‫الرحمن بن محمد حدثنا فارس بن مردويه‪ ،‬حدثنا محمد بن الفضممل‪ ،‬حممدثنا‬
‫علي بن عاصم تلميذ أبي حنيفة رضي الّله تعالى عنه عن يحيى بممن سممعيد‬
‫عن إسماعيل بن أبي حكيم قال‪ :‬قال عمر بن عبد العزيز رضي الّله تعالى‬
‫عنممه‪ :‬إن الل ّممه تعممالى ل يعممذب العامممة بعمممل الخاصممة ولكممن إذا أظهممرت‬
‫المعاصي فلم ينكر فقد استحق القوم جميعا ً العقوبة‪ ،‬وذكر أن الل ّممه تعممالى‬
‫أوحى إلى يوشع بن نممون عليممه الصمملة والسمملم "إنممي مهلممك مممن قومممك‬
‫أربعين ألفما ً مممن خيممارهم وسممتين ألفما ً مممن شممرارهم فقممال يمما رب هممؤلء‬
‫الشرار فما بال الخيار‪ ،‬قال إنهم لم يغضبوا لغضبي وأكلوهم وشمماربوهم"‬
‫روى أبو هريرة رضي الّله تعالى عنه عن النبي صلى الّله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫"مروا بالمعروف وإن لم تعملوا به وانهوا عن المنكر وإن لممم تنتهمموا عنممه"‬
‫وروى أنس بن مالك رضي الّله تعالى عنه عن النبي صلى الّله عليه وسلم‬
‫أنه قال‪" :‬إن من الناس ناسا ً مفاتيح للخير مغمماليق للشممر وإن مممن النمماس‬
‫ناسا ً مفاتيح للشر مغاليق للخيممر‪ ،‬فطمموبى لمممن جعممل الل ّممه تعممالى مفاتيممح‬
‫الخير على يديه‪ ،‬وويل لمن جعل الّله تعالى مفاتيح الشر على يديه" يعنممي‬
‫الذي يأمر بالمعروف وينهى عمن المنكممر فهممو مفتمماح للخيممر ومغلق للشمر‬
‫م‬
‫ض مه ُ ْ‬
‫ت ب َعْ ُ‬
‫من َمما ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫ن َوال ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫من ُممو َ‬ ‫وهو من المؤمنين كما قممال الل ّممه تعممالى }َوال ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ر{ فأما الذي يأمر بالمنكر‬ ‫منك َ ِ‬ ‫ن ال ُ‬
‫ن عَ ْ‬‫ف وَي َن ْهَوْ َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال َ‬ ‫مُرو َ‬‫ض ي َأ ُ‬‫أوْل َِياُء ب َعْ ٍ‬
‫وينهى عمن المعممروف فهمو ممن علممات المنممافقين كمما قمال الل ّممه تعممالى‬
‫ْ‬
‫ن‬‫عم ْ‬‫ن َ‬ ‫من ْك َرِ وَي َن َْهموْ َ‬
‫ن ِبمال ُ‬‫مُرو َ‬ ‫ض َيمأ ُ‬‫ن ب َْعم ٍ‬‫مم ْ‬‫م ِ‬ ‫ضمهُ ْ‬‫ت ب َعْ ُ‬‫قا ُ‬ ‫مَنافِ َ‬
‫ن َوال ُ‬ ‫قو َ‬‫مَنافِ ُ‬
‫}ال ُ‬
‫ف{ قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الّله وجهه‪ :‬أفضممل‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ال َ‬
‫العمال المر بالمعروف والنهي عن المنكر وشنآن الفاسق‪ :‬يعنممي بغضممه‪،‬‬
‫فمن أمر بالمعروف‬

‫]ص ‪[46‬‬
‫فقد شد ّ ظهر المؤمن ومن نهى عن المنكر أرغم ألف منافق‪ ،‬وروى سعيد‬
‫عن قتادة قال‪ :‬ذكر لنا "أن رجل ً أتممى النممبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم وهممو‬
‫يومئذ بمكة فقال‪ :‬أنت الذي تزعم أنك رسول اللممه؟ قممال نعممم‪ :‬قممال فممأي‬
‫العمال أحب إلى الّله تعالى؟ قال اليمان بالله قممال ثممم ممماذا؟ قممال صمملة‬
‫الرحم‪ ،‬قال ثم ماذا؟ قال المر بالمعروف والنهممي عممن المنكممر قممال فممأي‬
‫العمال أبغض إلى الّله سبحانه وتعالى؟ قال الشرك بمالله قمال ثممم مماذا؟‬
‫قال‪ :‬قطيعة الرحم‪ ،‬قال ثم ماذا؟ قال ترك المممر بممالمعروف والنهممي عممن‬
‫المنكر" قال سفيان الثوري رحمه الله‪ :‬إذا رأيت القارئ محببا ً فممي جيرانممه‬
‫محمودا ً عند إخوانه فاعلم أنه مداهن قال‪ :‬حدثنا محمممد بممن الفضممل قممال‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن خزيمة قال‪ :‬حدثنا محمد بن الزهر بإسناده عممن عبممد الل ّممه‬
‫بن جرير عن أبيه قال‪ :‬قال رسول صلى الّله عليممه وسمملم‪" :‬ممما مممن قمموم‬
‫يكون فيهم رجل يعمل بالمعاصي ويقدرون أن يغيروه فل يغيرونه إل عمهم‬
‫الّله بعذاب قبل أن يموتوا"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬قد اشترط النبي صلى الّله عليه وسمملم‬
‫القدرة يعني إذا كانت الغلبة لهل الصلح فالواجب عليهممم أن يمنعمموا أهممل‬
‫المعاصي من المعصممية إذا أظهممروا المعاصممي‪ ،‬لن الل ّممه تعممالى مممدح هممذه‬
‫ْ‬
‫ن‬ ‫ف وَت َن ْهَ موْ َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ب ِممال َ‬
‫مُرو َ‬ ‫س ت َأ ُ‬
‫ت ِللّنا ِ‬ ‫ج ْ‬‫خرِ َ‬ ‫مة ٍ أ ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫خي َْر أ ّ‬ ‫م َ‬ ‫المة بذلك قال }ك ُن ْت ُ ْ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫من ُْهم ْ‬‫م ِ‬ ‫خْيمرا ً ل َُهم ْ‬ ‫ن َ‬ ‫كما َ‬ ‫ب لَ َ‬ ‫ل الك َِتما ِ‬ ‫هم ُ‬‫نأ ْ‬ ‫مم َ‬ ‫ن ِبمالل ّهِ وََلموْ آ َ‬ ‫مُنمو َ‬ ‫منك َرِ وَت ُؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫عَ ْ‬
‫َ‬
‫ن{ ويقممال معنمماه كنتممم مكتمموبين فممي اللمموح‬ ‫قو َ‬ ‫سم ُ‬‫فا ِ‬ ‫م ال َ‬ ‫ن وَأك ْث َُرهُ م ْ‬ ‫مُنو َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ُ‬
‫ّ‬
‫المحفمموظ خيممر أمممة أخرجممت للنمماس‪ :‬يعنممي أخرجكممم اللممه لجممل النمماس‪،‬‬
‫تأمرون بالمعروف‪ :‬يعني لكي تممأمروا بالطاعممة وتنهمموا عممن المنكممر‪ :‬يعنممي‬
‫تمنعون أهل المعاصي من المعصممية‪ ،‬فممالمعروف مما كممان موافقما ً للكتمماب‬
‫والعقل والمنكممر ممما كممان مخالفما ً للكتمماب والعقممل‪ ،‬وقممال فممي آيممة أخممرى‬
‫ْ‬ ‫كم ُ‬
‫ن‬ ‫عم ْ‬
‫ن َ‬ ‫ف وَي َن َْهموْ َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبمال َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫خي ْمرِ وَي َمأ ُ‬ ‫ن إ َِلمى ال َ‬ ‫عو َ‬ ‫ة َيمد ْ ُ‬ ‫مم ٌ‬‫مأ ّ‬ ‫من ْ ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫}وَل ْت َك ُ ْ‬
‫ن{ وهممذه اللم لم المممر يعنممي لتكممن منكممم‬ ‫حممو َ‬ ‫فل ِ ُ‬
‫م ْ‬‫م ال ُ‬ ‫ك هُ م ْ‬ ‫من ْك َمرِ وَأ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫ال ُ‬
‫جماعة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكممر وقممد ذم الل ّممه تعممالى أقوامما ً‬
‫منك َم ٍ‬
‫ر‬ ‫ن ُ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫كاُنوا َل ي َت ََناهَوْ َ‬ ‫بترك المر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال } َ‬
‫ممما ك َمماُنوا‬ ‫س َ‬ ‫ه{ يعنممي ل ينهممى بعضممهم بعضما ً عممن منكممر فعلمموه }ل َب ِئ ْ َ‬ ‫فَعَل ُممو ُ‬
‫ن َوال َ ْ‬
‫حب َمماُر{ يعنممي هل‬ ‫ن{ وقال في آية أخرى }ل َموَْل ي َن ْهَمماهُ ْ‬
‫م الّرب ّممان ِّيو َ‬ ‫فعَُلو َ‬
‫يَ ْ‬
‫ينهاهم علماؤهم وفقهائهم وقرائهم عن قولهم الثم وأكلهم السحت‪ :‬يعنممي‬
‫قممول الفحممش وأكممل الحممرام‪ ،‬لممبئس ممما كممانوا يصممنعون‪ ،‬وينبغممي للمممر‬
‫بممالمعروف أن يممأمر فممي السممر إن اسممتطاع ذلممك ليكممون أبلممغ منممه فممي‬
‫الموعظة والنصيحة‪.‬‬
‫قال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه‪ :‬من وعظ أخاه فممي العلنيممة فقممد‬ ‫ّ‬
‫شانه‪ ،‬ومن وعظ أخاه في السر فقد زانه‪ ،‬فممإن لممم تنفعممه الموعظممة فممي‬
‫السر يأمره في العلنية‪ ،‬ويستعين بأهل الصلح وأهل الخيممر ليزجممروه عممن‬
‫المعصية فممإنهم إن لممم يفعلمموا ذلممك غلممب عليهممم أهممل المعصممية‪ ،‬فيممأتيهم‬
‫العذاب فيهلكهم جميعا ً قال حدثنا الخليل بن أحمد‬

‫]ص ‪[47‬‬
‫الدبيلي‪ .‬حممدثنا عبممد اللممه‪ :‬حممدثنا سممفيان عممن مجاهممد عممن الشممعبي قممال‪:‬‬
‫سمعت النعمان بن بشير رضي الّله تعالى عنه يقول سمممعت رسممول الل ّممه‬
‫صلى الّله عليه وسلم يقول‪" :‬مثل المداهن في حقوق الّله تعممالى والواقممع‬
‫فيها والقائم عليها كمثل ثلثة رجال كممانوا فممي سممفينة فاقتسممموا منممازلهم‬
‫وصار لحدهم أعلها ولحدهم أوسطها ولحدهم أسفلها فبينما هم كذلك إذ‬
‫أخذ أحدهم القدوم فقالوا له ما تريد؟ قال أخرق في مكاني خرق ما ً فيكممون‬
‫ي ويكون فيها مخلتي ومهراق دمائي‪ ،‬فقال بعضممهم اتركمموه‬ ‫الماء أقرب إل ّ‬
‫أبعده الّله يخرق في حقه ما شاء‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬ل تدعوه يخرقهمما فيهلكنمما‬
‫ويهلك نفسه فإن هم أخذوا على يديه نجا ونجوا وإن هممم لممم يأخممذوا علممى‬
‫يديه هلكوا وهلممك" وروي عممن أبممي الممدرداء رضممي الل ّممه تعممالى عنممه قممال‪:‬‬
‫"لتأمرن بالمعروف ولتنهن عممن المنكممر أو ليسمملطن الل ّممه عليكممم سمملطانا ً‬
‫ظالما ً ل يجل كبيركم ول يرحم صغيركم‪ ،‬وتدعوا خياركم فل يسممتجاب لهممم‬
‫ويستنصمرون فل ينصمرون ويسمتغفرون فل يغفمر لهمم" وروي عمن حذيفمة‬
‫رضي الّله تعالى عنه عن النبي صلى الل ّممه عليممه وسمملم أنممه قممال‪" :‬والممذي‬
‫نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشك أن يبعث الّله‬
‫عليكم عقابا ً من عنده ثم تدعونه فل يستجيب لكم" وروي عممن علممي كممرم‬
‫الّله وجهه عن النبي صلى الّله عليه وسمملم أنممه قممال‪" :‬إذا هممابت أمممتي أن‬
‫يقولوا للظالم أنت ظالم فتودع منهم" وروى أبو سعيد الخدري رضي الّلممه‬
‫تعالى عنه عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال‪" :‬إذا رأى أحدكم منكرا ً‬
‫فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلممك أضممعف‬
‫اليمان" يعني أضعف فعل أهل اليمان‪ .‬قال بعضهم‪ :‬التغيير باليد للمممراء‪،‬‬
‫وباللسان للعلماء‪ ،‬وبالقلب للعامة‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬كل مممن قممدر علممى ذلممك‬
‫فالواجب عليه أن يغيره‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬ينبغي للذي يأمر بالمعروف أن يقصد‬
‫به وجه الّله تعالى وإعزاز الدين ول يكون لحمية نفسممه‪ ،‬فممإنه إن قصممد بممه‬
‫وجه الّله تعالى وإعزاز الدين نصره الّله تعالى‪ ،‬ووفقه لذلك وإن كان أمره‬
‫لحمية نفسه خذله الّله تعالى فإنه بلغنا عن عكرمة رضي الّله تعممالى عنممه‪:‬‬
‫أن رجل ً مّر بشجرة تعبد من دون الّله تعالى فغضب وقممال‪ :‬هممذه الشممجرة‬
‫تعبد من دون الّله ثم إنه أخذ فأسه وركب حماره ثممم تمموجه نحممو الشممجرة‬
‫ليقطعها فلقيه إبليس عليه اللعنة في الطريق على صورة إنسان فقال لممه‬
‫إلى أين؟ رأيت شجرة تعبد من دون الّله عز وجل فأعطيت الّلممه عهممدا ً أن‬
‫أركب حماري وأخذ فأسي وأتوجه نحوها فأقطعها‪ ،‬فقمال لمه إبليممس مالمك‬
‫ولها دعها ومن يعبدها أبعدهم الل ّممه تعممالى فتخاصممما وتضمماربا ثلث مممرات‪،‬‬
‫فلما عجز إبليس لعنه الّله تعالى ولم يرجع لقوله قال له إبليس لعنممه الّلممه‬
‫ارجع وأنا أعطيك كل يمموم أربعممة دراهممم فممترفع كممل يمموم طممرف فراشممك‬
‫فتأخذها‪ ،‬فقال‪ :‬أو تفعل ذلك؟ قال نعم‪ ،‬ضمنت لممك ذلممك كممل يمموم فرجممع‬
‫إلى منزله فوجد ذلك يومين أو ثلثا ً أو ما شاء اللممه‪ ،‬فلممما أصممبح بعممد ذلممك‬
‫طرف فراشه فلم يرى شيئا ً ثم يوما ً أخر‪،‬‬

‫]ص ‪[48‬‬
‫فلما رأى أنه ل يجد الدراهم أخذ الفأس وركب الحمار فلقيممه إبليممس علممى‬
‫صورة إنسان فقال له‪ :‬أين تريد؟ قال شجرة تعبد من دون الّله تعالى أريد‬
‫أن أقطعها‪ ،‬فقال له إبليممس ل تطيممق ذلممك‪ ،‬أممما أول مممرة فكممان خروجممك‬
‫غضبا ً لله تعممالى فلممو اجتمممع أهممل السممماوات والرض ممما ردوك وأممما الن‬
‫فإنما خروجك لنفسك حيث لممم تجممد الممدراهم فلئن تقممدمت لنممدقن عنقممك‬
‫فرجع إلى بيته وترك الشجرة‪ .‬قال الفقيه أبو الليث رضي الّله تعالى عنممه‪:‬‬
‫فالذي يأمر بالمعروف يحتاج إلى خمسة أشياء أولهمما العلممم لن الجاهممل ل‬
‫يحسن المر بالمعروف والثاني أن يقصد به وجه الّله تعالى وإعزاز الممدين‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬الشفقة على من يأمر باللين والتممودد ول يكممون فظما ً غليظما ً قممال‬
‫قوَل ل َ ُ‬
‫ه‬ ‫لموسى وهارون عليهما الصلة والسلم حين بعثهما إلى فرعون }فَ ُ‬
‫قَوْل ً ل َّينًا{ والرابع‪ :‬أن يكون صمبورا ً حليمما ً لن الّلمه تعمالى قمال فمي قصمة‬
‫صب ِْر ع َل َممى‬ ‫ْ‬
‫منك َرِ َوا ْ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫ه عَ ْ‬ ‫ف َوان ْ َ‬
‫معُْرو ِ‬ ‫مْر ِبال َ‬ ‫لقمان عليه الصلة والسلم }وَأ ُ‬
‫ك{ والخامس‪ :‬أن يكون عامل ً بما يأمر به لكيل يعير به ولئل يممدخل‬ ‫صاب َ َ‬ ‫ما أ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م{‪ .‬وروى أنس بن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫سك ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ن أن ُ‬ ‫سوْ َ‬‫س ِبالب ِّر وََتن َ‬‫ن الّنا َ‬ ‫مُرو َ‬
‫تحت قوله تعالى }أت َأ ُ‬
‫مالك رضي الّله تعالى عنممه عممن النممبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم أنممه قممال‪:‬‬
‫"رأيت ليلة أسري بي إلى السماء رجال ً تقرض شفاههم بالمقاريض فقلممت‬
‫من هؤلء يا جبريل؟ قال خطبمماء أمتممك الممذين كممانوا يممأمرون النمماس بممالبر‬
‫وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفل يعقلمون" يعنمي يتلمون كتماب الّلمه‬
‫وهم ل يعملون بما فيه وقال قتادة‪ :‬ذكر لنا أن في التمموراة مكتوب ما ً يمما ابممن‬
‫آدم تذكرني وتنساني وتدعوا إلي وتفر مني فباطل ممما تممذهبون‪ .‬وروى أبممو‬
‫معاوية الفزاري بإسناده عن النبي صلى الّله عليممه وسمملم أنممه قممال‪" :‬أنتممم‬
‫على بينة من ربكم" يعني على بيان من ربكم‪" ،‬قممد بيممن الل ّممه تعممالى لكممم‬
‫طريقكم ما تظهر فيكم السكرتان سممكرة العيممش وسممكرة الجهممل‪ ،‬فممأنتم‬
‫اليوم تأمرون بالمعروف وتنهون عممن المنكممر وتجاهممدون فممي سممبيل اللممه‪،‬‬
‫وستحولون عن ذلك إذا فشى فيكم حب الممدنيا فل تممأمرون بممالمعروف ول‬
‫تنهون عن المنكر وتجاهدون في غير سبيل الّله والقائمون يممومئذ بالكتمماب‬
‫ة كالسابقين الولين من المهاجرين والنصار"‪.‬‬ ‫سرا ً وعلني ً‬
‫وروى الحسن رحمه الّله تعالى عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال‪:‬‬
‫"من فر بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبرا ً فقد أستوجب الجنة وكان‬
‫رفيق إبراهيم ونبينا محمد عليهما الصلة والسلم" يعني أن إبراهيممم همماجر‬
‫ه‬‫جٌر إ َِلى َرّبي إ ِن ّ ُ‬ ‫مَها ِ‬‫ل إ ِّني ُ‬ ‫من أرض حران إلى الشام وهو قوله تعالى }وََقا َ‬
‫ديِني{ يعني إلى طاعممة‬ ‫سي َهْ ِ‬‫ب إ َِلى َرّبي َ‬ ‫ذاه ِ ٌ‬‫م{ وقال }إ ِّني َ‬ ‫كي ُ‬
‫ح ِ‬
‫زيُز ال َ‬
‫هُوَ العَ ِ‬
‫ربي وإلى رضا ربي‪ .‬وقد هاجر النبي صلى الّله عليه وسلم مممن مكممة إلممى‬
‫المدينة‪ ،‬فمن كان في أرض فيها المعاصي فخرج منها ابتغمماء مرضمماة الل ّممه‬
‫تعالى فقد اقتدى بإبراهيم ومحمد المصطفى صلوات الّله وسمملمه عليهممما‬
‫ه‬
‫ن ب َي ْت ِم ِ‬
‫مم ْ‬ ‫ج ِ‬‫خ مُر ْ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫فيكون رفيقهما في الجنة‪ .‬قال الّله سبحانه وتعالى }وَ َ‬
‫جرا ً‬‫مَها ِ‬ ‫ُ‬

‫]ص ‪[49‬‬
‫ه{ يعني إلى طاعة الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع‬ ‫ّ‬ ‫إَِلى الّله وََر ُ‬
‫سول ِ ِ‬
‫ن الل ّممه‬ ‫َ‬
‫جمُره ُ ع َل َممى الل ّممه وَك َمما َ‬
‫قمد ْ وَقَمعَ أ ْ‬‫ت فَ َ‬
‫م مو ْ ُ‬
‫ه ال َ‬ ‫أجره على الّله }ث ُ ّ‬
‫م ي ُد ْرِك ْ ُ‬
‫حيمًا{ يعني وجب ثوابه على الل ّممه تعممالى‪ ،‬وقممال النممبي صمملى الل ّممه‬ ‫فورا ً َر ِ‬
‫غَ ُ‬
‫عليه وسلم‪" :‬أيما مسلم خرج من بيتممه مهمماجرا ً إلممى الل ّممه تعممالى ورسمموله‬
‫ووضع رجله في غرز راحلته ولو خطوة واحدة ثم نممزل بممه الممموت أعطمماه‬
‫الّله تعالى مثل أجور المهاجرين‪ ،‬وأيما مسلم يخممرج مممن بيتممه قاصممدا ً فممي‬
‫سبيل الّله فرفصته دابته قبل القتال أو لدغته هامة أو مات كيفما مات فهو‬
‫شهيد‪ ،‬وأيما مسلم خرج من بيته إلى بيت الّله الحرام ثم نممزل بممه الممموت‬
‫قبل بلوغه أوجب الّله تعالى له الجنة"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬ومن لم يهاجر من أرضه وهو يقدر على‬
‫أداء فرائض الّله تعالى فل بأس أن يقيم هناك ويكون كارها ً لمعاصيهم فهو‬
‫معذور‪ .‬وروي عن عبد الّله ابن مسممعود رضممي الل ّممه تعممالى عنممه أنممه قممال‪:‬‬
‫بحسب امرأ منكم أنه إذا رأى منكرا ً ل يستطيع له تغييرا ً أن يعلم الل ّممه مممن‬
‫قلبه أنه له كاره‪ .‬وروي عن بعض الصحابة رضي الّله تعالى عنه أنممه قممال‪:‬‬
‫إذا رأى أحد منكم منكرا ً ل يستطيع النكير عليه فليقممل ثلث مممرات‪ :‬اللهممم‬
‫إن هذا منكر فل تؤاخذني به‪ ،‬فإذا قال ذلك فله ثواب مممن أمممر بممالمعروف‬
‫ونهى عن المنكر‪ .‬وروى عن عمر بممن جممابر اللخمممي عممن أبممي أميممة قممال‪:‬‬
‫َ‬
‫م‬‫من ُمموا ع َل َي ْك ُم ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫سممألت أبمما ثعلبممة الخشممني عممن هممذه اليممة }ي َمما أي ّهَمما ال ّم ِ‬
‫م{ فقال لقد سألت عنها خبيرًا‪ ،‬فقال لقد سألت عنهمما رسممول الل ّممه‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫َأن ُ‬
‫صلى الّله عليه وسلم فقال‪" :‬يا أبا ثعلبممة ائتمممروا بممالمعروف وتنمماهوا عممن‬
‫المنكر‪ ،‬فإذا رأيت دنيا مممؤثرة وشممحا ً مطاع ما ً وإعجمماب كممل ذي رأي برأيممه‬
‫فعليك نفسك‪ ،‬فإن من بعدكم أيام الصبر وللمتمسك يومئذ بمثل الذي أنتم‬
‫ل‪ ،‬فقالوا يا رسممول الل ّممه كممأجر خمسممين عممامل ً منهممم أو‬ ‫كأجر خمسين عام ً‬
‫منا؟ فقال رسول الّله صلى الّله عليه وسمملم ل بممل كممأجر خمسممين عممامل ً‬
‫منكم"‪.‬‬
‫وعن قيس بن أبي حازم قال‪ :‬سمعت أبا بكر الصديق رضي الّله تعممالى‬
‫َ‬
‫مُنوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫عنه يقول تقرءون هذه الية وتضعونها في غير موضعها }َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ميع مًا{‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫جعُك ُم ْ‬ ‫مْر ِ‬‫م إ َِلى الل ّممه َ‬ ‫ض ّ‬
‫ل إِ َ‬
‫ذا اهْت َد َي ْت ُ ْ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫م َ‬ ‫م َل ي َ ُ‬
‫ضّرك ُ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫م َأن ُ‬
‫ف َ‬ ‫ع َل َي ْك ُ ْ‬
‫وإني سمعت رسول الّله صلى الّله عليه وسلم يقول "مما ممن قموم يعمممل‬
‫فيهم بالمعاصي ول يغيرونها إل أوشك أن يعمهم الّله بعقاب منه" وعن ابن‬
‫مسعود رضي الّله تعالى عنه أنه سئل عن هذه الية فقال‪ :‬ليممس ذا زمممان‬
‫ذلك‪ ،‬ولكن إذا كثرت أهواؤهم وألفوا الجدال فعلى كممل امممرئ نفسممه جمماء‬
‫‪.‬‬
‫تأويلها‪.‬‬

‫باب التوبة‬
‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رضي الّله تعالى عنه وأرضاه‪ :‬حدثنا‬
‫الفقيه أبو جعفر‪ .‬حدثنا أبو القاسم أحمد بن حنبل‪ .‬حدثنا نصممير بممن يحيممى‪.‬‬
‫حدثنا أبو مطيع عن حماد بن سلمة عن حميد عممن عبممد الل ّممه بممن عبيممد بممن‬
‫عمير قال‪ :‬قال آدم صلوات الّله وسلمه عليه‪ :‬يا رب إنك‬

‫]ص ‪[50‬‬
‫ي إبليس ول أستطيع أن أمتنع منه إل ّ بك‪ ،‬قال ل يولممد لممك ولممد‬ ‫سلطت عل ّ‬
‫إل ّ وكلت عليه من يحفظه من مكر إبليس عليه اللعنة ومن قربمماء السمموء‪،‬‬
‫قال يممارب زدنممي؟ قممال الحسممنة بعشممر أمثالهمما وأزيممدها والسمميئة بواحممدة‬
‫وأمحوها‪ .‬قال يارب زدني؟ قال التوبة مقبولة ما دامت الروح في الجسممد‪.‬‬
‫طوا‬ ‫قن َ ُ‬
‫م ل تَ ْ‬ ‫سهِ ْ‬‫ف ِ‬ ‫سَرُفوا ع ََلى أ َن ْ ُ‬ ‫نأ ْ‬
‫عبادي ال ّذي َ‬
‫ِ َ‬ ‫ل َيا ِ َ ِ‬ ‫قال يارب زدني؟ قال }قُ ْ‬
‫م{‬ ‫حي ُ‬‫فوُر الّر ِ‬ ‫ه هُوَ الغَ ُ‬ ‫ميعا ً إ ِن ّ ُ‬ ‫ج ِ‬‫ب َ‬‫فُر الذ ُّنو َ‬ ‫ن الّله ي َغْ ِ‬ ‫مةِ الّله إ ِ ّ‬‫ح َ‬ ‫ن َر ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬
‫)قال( وحدثني الثقة بإسناده عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما "أن‬
‫وحشيا ً قاتل حمزة عم النبي صلى الّله عليه وسلم كتب إلممى رسممول الل ّممه‬
‫صلى الّله عليممه وسمملم مممن مكممة إنممي أريممد أن أسمملم ولكممن يمنعنممي عممن‬
‫ع‬
‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ل ي َد ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫السلم آية من القرآن نزلت عليك وهي قوله تعالى }َوال ّ ِ‬
‫ن‬ ‫مم ْ‬‫ن وَ َ‬ ‫حقّ َول ي َْزن ُممو َ‬ ‫م الل ّممه إ ِل ّ ب ِممال َ‬ ‫حمّر َ‬ ‫س ال ِّتي َ‬ ‫ف َ‬‫ن الن ّ ْ‬ ‫قت ُُلو َ‬‫خَر َول ي َ ْ‬ ‫الّله إ َِلها ً آ َ‬
‫ك ي َل ْقَ أ ََثامًا{ وأني قد فعلت هذه الشياء الثلثة فهل لي ممن توبممة‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬ ‫فعَ ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫ل الل ّممه‬ ‫ُ‬
‫صاِلحا ً فَ مأوْل َئ ِ َ‬
‫ك ي ُب َمد ّ ُ‬ ‫مل ً َ‬ ‫ل عَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن وَع َ ِ‬‫م َ‬ ‫ب َوآ َ‬
‫ن َتا َ‬ ‫م ْ‬ ‫فنزلت هذه الية }إ ِل ّ َ‬
‫ت{ فكتب بذلك إلى وحشي‪ ،‬فكتب إليه إن في الية شرطا ً‬ ‫سَنا ٍ‬ ‫ح َ‬‫م َ‬ ‫سي َّئات ِهِ ْ‬‫َ‬
‫وهو العمل الصالح ول أدري هل أقدر على العمل الصالح أم ل؟ فنزل قوله‬
‫َ‬
‫شاُء{ فكتب‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬‫ك لِ َ‬‫ن ذ َل ِ َ‬‫دو َ‬‫ما ُ‬
‫فُر َ‬ ‫شَر َ‬
‫ك ب ِهِ وَي َغْ ِ‬ ‫ن يُ ْ‬‫فُر أ ْ‬‫ن الّله ل ي َغْ ِ‬ ‫تعالى }إ ِ ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بذلك إلى وحشي‪ ،‬فكتب إليه إن في الية شرطا أيض ما فل أدري أيشمماء أن‬
‫سمَرُفوا ع َل َممى‬ ‫عبممادي ال ّمذي َ‬ ‫يغفر لممي أم ل؟ فنممزل قمموله تعممالى }قُم ْ‬
‫نأ ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫ل ي َمما ِ َ ِ‬
‫فوُر‬ ‫ه هُوَ الغَ ُ‬‫ميعا ً إ ِن ّ ُ‬ ‫ج ِ‬‫ب َ‬ ‫فُر الذ ُّنو َ‬‫ن الّله ي َغْ ِ‬ ‫مةِ الّله إ ِ ّ‬‫ح َ‬‫ن َر ْ‬
‫م ْ‬ ‫طوا ِ‬ ‫قن َ ُ‬
‫م ل تَ ْ‬ ‫سه ِ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫أ َن ْ ُ‬
‫م{ فكتب إلى وحشي فلم يجد فيها شرطا ً فقدم المدينة وأسلم"‪.‬‬ ‫حي ُ‬‫الّر ِ‬
‫)قال( أنبأنا الخليل بن أحمد أنبأنا ابممن معمماذ‪ .‬أنبأنمما الحسممين المممروزي‪.‬‬
‫حدثنا عبد الّله ابن سفيان قال‪ :‬كتب محمد بن عبد الرحمن السمملمي إلمم ّ‬
‫ي‬
‫قال‪ :‬حدثنا أبي قال‪ :‬جلست إلى نفر من أصممحاب النممبي صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم بالمدينة فقال رجل منهم‪ :‬سمعت رسول الّله صلى الّله عليه وسلم‬
‫يقول "من تاب قبممل ممموته بنصممف يمموم تمماب الل ّممه عليممه"‪ .‬قممل قلممت أنممت‬
‫سمعت رسول الّله صلى الّله عليه وسلم يقول؟ قال نعم‪ ،‬فقال رجل آخر‬
‫سمعت رسول الّله صلى الّله عليه وسلم يقممول "مممن تمماب قبممل الغرغممرة‬
‫تاب الّله عليه" قال‪ :‬حدثنا محمد بن الفضمل بمن أحنممف‪ .‬حمدثنا محممد بمن‬
‫جعفر‪ .‬حدثنا إبراهيم بن يوسف حدثنا سعيد بن سالم القداح عن بشممر بممن‬
‫جبلة عن عبد العزيز بن اسماعيل عن محمد بممن مطممرف قممال‪ :‬قممال الل ّممه‬
‫تعممالى "ويممح ابممن آدم يممذنب الممذنب فيسممتغفرني فمماغفر لممه ثممم يعممود‬
‫فيسممتغفرني فمماغفر لممه‪ ،‬ويحممه ل هممو يممترك ذنبممه ول ييممأس مممن رحمممتي‪،‬‬
‫أشهدكم يا ملئكتي أني قد غفرت له" قال‪ :‬حدثنا محمد بن الفضل‪ .‬حممدثنا‬
‫محمد بن جعفر‪ .‬حدثنا إبراهيم بن يوسف‪ .‬حدثنا أبو معاويممة عممن العمممش‬
‫ي قال‪ :‬كان‬ ‫عن رجل عن مغيث بن سم ّ‬

‫]ص ‪[51‬‬
‫رجل ممن كان قبلكم يعمل بالمعاصي فبينما هممو يسممير ذات يمموم إذ تفكممر‬
‫فيما سلف فقممال‪ :‬اللهممم غفرانممك ثلث مممرات فممأدركه الممموت علممى تلممك‬
‫الحالة فغفر الّله له‪ .‬وروى محمد ابن عجلن عن مكحممول قممال‪ :‬بلغنممي أن‬
‫إبراهيم عليه الصلة والسلم لما عرج به إلى ملكوت السموات أبصممر بممدا ً‬
‫يزني فدعا عليه فأهلكه الّله تعالى‪ ،‬ثم رأى عبدا ً يسرق فدعا عليه فممأهلكه‬
‫الّله تعالى‪ ،‬فقال الّله تعالى "يا إبراهيم دع عنممك عبممادي‪ ،‬فممإن عبممدي بيممن‬
‫ثلث خصال بين أن يتوب فأتوب عليه‪ ،‬وبين أن أستخرج له ذريممة تعبممدني‪،‬‬
‫وبين أن يغلب عليه الشقاء فمن ورائه جهنم"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬في هذا الخبر دليل على أن العبد إذا تاب‬
‫فبل الّله توبته فل ينبغي للعبد أن ييممأس مممن رحمممة الل ّممه تعممالى فممإن الل ّممه‬
‫ن{ يعني من رحمة‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫م ال َ‬ ‫قو ْ ُ‬‫ح الّله إ ِل ّ ال َ‬ ‫ن َروْ ِ‬ ‫م ْ‬‫س ِ‬ ‫ه ل ي َي ْئ َ ُ‬ ‫تعالى قال }إ ِن ّ ُ‬
‫فممو‬ ‫عب َمماد ِهِ وَي َعْ ُ‬
‫ن ِ‬ ‫ة ع َم ْ‬ ‫ل الت ّوْب َم َ‬ ‫ذي ي َقْب َ ُ‬ ‫الّله تعالى‪ ،‬وقال في آية أخرى }وَهُوَ ال ِ‬
‫ّ‬
‫ت{ فينبغي للعاقل أن يتوب إلى الل ّممه فممي كممل وقممت ول يكممون‬ ‫سي َّئا ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫عَ ْ‬
‫مصرا ً على الذنب فإن الراجع عن ذنبه ل يكون مصرا ً وإن عمماد فممي اليمموم‬
‫سبعين مرة‪ ،‬كما روى عن أبي بكممر الصممديق رضممي الل ّممه تعممالى عنممه عممن‬
‫النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال " ما أصممر مممن اسممتغفر وإن عمماد فممي‬
‫اليوم سبعين مرة" وروي عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنممه قممال "واللممه‬
‫إني لتوب إلى الّله تعالى في اليوم مائة مممرة" وروي عممن علممي ابممن أبممي‬
‫طالب كرم الّله وجهه أنه قال‪ :‬كنت إذا سمعت من رسول الّله صملى الّلمه‬
‫عليه وسلم شيئا ً نفعني الّله به ما شاء الّله وإذا حممدثني غيممره حلفتممه فممإن‬
‫حلف صدقته‪ .‬وحدثني أبو بكر رضي الّله تعالى عنه قال‪ :‬قال رسممول الل ّممه‬
‫صلى الّله عليه وسلم "وما من عبممد يممذنب ذنب ما ً فيتوضممأ فيحسممن الوضمموء‬
‫ن‬‫مم ْ‬ ‫ويصلي ركعتين وسيستغفر الّله إل ّ غفر الل ّممه لممه‪ ،‬ثممم تل هممذه اليممة }وَ َ‬
‫حيمممًا{" وفممي‬ ‫فورا ً َر ِ‬ ‫جد ْ الّله غ َ ُ‬ ‫َ‬
‫فْر الّله ي َ ِ‬ ‫ست َغْ ِ‬
‫م يَ ْ‬ ‫ه ثُ ّ‬‫س ُ‬‫ف َ‬ ‫م نَ ْ‬‫سوءا ً أوْ ي َظ ْل ِ ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫م ْ‬‫ي َعْ َ‬
‫م ذ َك َُروا الّله‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سه ُ ْ‬ ‫ف َ‬‫موا أن ْ ُ‬ ‫ة أوْ ظ َل َ ُ‬ ‫ش ً‬ ‫ذا فَعَُلوا َفا ِ‬
‫ح َ‬ ‫ن إِ َ‬‫ذي َ‬ ‫رواية "تل هذه الية }َوال ّ ِ‬
‫ممما فَعَل ُمموا‬ ‫صمّروا ع َل َممى َ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫ب إ ِل ّ الّله وَل َم ْ‬ ‫فُر الذ ُّنو َ‬ ‫ن ي َغْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫فُروا ل ِذ ُُنوب ِهِ ْ‬ ‫َفا ْ‬
‫ست َغْ َ‬
‫حت ِهَمما‬
‫ن تَ ْ‬
‫مم ْ‬
‫ري ِ‬
‫جم ِ‬
‫ت تَ ْ‬
‫جن ّمما ٌ‬
‫م وَ َ‬
‫ن َرب ّهِم ْ‬
‫مم ْ‬
‫مغْفِمَرة ٌ ِ‬‫م َ‬‫جَزاؤ ُهُ ْ‬‫ك َ‬ ‫ن‪ ،‬أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫مو َ‬ ‫م ي َعْل َ ُ‬
‫وَهُ ْ‬
‫ن{ وروى الحسن البصري رحمممه الل ّممه‬ ‫َ‬ ‫ال َن َْهاُر َ‬
‫مِلي َ‬‫جُر الَعا ِ‬‫مأ ْ‬ ‫ن ِفيَها وَن ِعْ َ‬ ‫دي َ‬‫خال ِ ِ‬
‫تعالى عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال "لما الل ّممه عممز وجممل إبليممس‬
‫عليه اللعنة قال بعزتك وعظمتك إني ل أفارق ابن آدم حممتى تفممارق روحممه‬
‫جسده‪ ،‬فقال الرب تعمالى وعزتمي وعظممتي ل أحجمب التوبمة عمن عبمدي‬
‫حتى يغرغر بها"‪ .‬وروى القاسم عن أبي أمامة البمماهلي رضممي الل ّممه تعممالى‬
‫عنه أن النبي صلى الّله عليه وسلم قال "صاحب اليمين أمين على صاحب‬
‫الشمال‪ ،‬فإذا عمل العبد حسنة كتب له صاحب اليميممن عشمرة‪ ،‬وإذا عمممل‬
‫سيئة فأراد أن يكتبها صاحب الشمال قال صاحب اليميممن أمسممك فيمسممك‬
‫ست ساعات من النهار أو سبع ساعات فإن استغفر الل ّممه لممم يكتممب عليممه‬
‫شيئا ً وإن لم يستغفر يكتب عليه سيئة واحدة"‪.‬‬

‫]ص ‪[52‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬وهذا موافق لما روى عن رسول الّله‬
‫صلى الّله عليه وسلم أنه قال "التائب من المذنب كممن ل ذنمب لمه" وروي‬
‫في رواية أخرى "إن العبد إذا أذنب لم يكتب عليه حتى يذنب ذنبا ً آخممر ثممم‬
‫إذا أذنب ذنبا ً آخر فلم يكتب عليه حتى يذنب ذنبا ً آخر‪ ،‬فممإذا اجتمعممت عليممه‬
‫خمسة من الذنوب وعمل حسنة واحممدة كتممب لممه خمممس حسممنات وجعممل‬
‫الخمس بإزاء خمس سيئات فيصيح عنممد ذلممك إبليممس عليممه اللعنممة ويقممول‬
‫كيف أستطيع على ابن آدم وإني وإن اجتهدت عليممه يبطممل بحسممنة واحممدة‬
‫جميع جهدي"‪ .‬وروى صفوان بن عسال المرادي رضي الّله تعالى عنه عممن‬
‫النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال‪" :‬مممن قبممل المغممرب بمماب خلقممه الل ّممه‬
‫تعالى للتوبة عرضه مسيرة سبعين سنة أو أربعين سمنة ل يمزال مفتوحما ً ل‬
‫يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها"‪ .‬وعن سعيد بن المسمميب فممي قمموله‬
‫فورًا{ قال‪ :‬هو الرجل يذنب ذنبا ً ثم يتوب ثم‬ ‫ن غَ ُ‬ ‫كا َ َ‬ ‫ه َ‬
‫ن ل ِلّواِبي َ‬ ‫عز وجل }فَإ ِن ّ ُ‬
‫يذنب ذنبا ً ثم يتوب‪ .‬وقيل للحسن البصري‪ :‬إلى متى هممذا؟ قممال‪ :‬ل أعممرف‬
‫هذا إل ّ مممن أخلق المممؤمنين‪ .‬وقممال بعممض الحكممماء‪ :‬حرفممة العممارف سممتة‬
‫أشياء‪ :‬إذا ذكر الّله افتخر‪ ،‬وإذا ذكر نفسه احتقر‪ ،‬وإذا نظر فممي آيممات الل ّممه‬
‫اعتبر‪ ،‬وإذا هم بمعصية أو شهوة انزجر‪ ،‬وإذا ذكر عفممو الل ّممه استبشممر‪ ،‬وإذا‬
‫ذكر ذنوبه استغفر‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الله‪ :‬حدثني أبي رحمه الّله تعالى‪ .‬حدثنا أبو الحسن‬
‫الفراء‪ .‬حدثنا أبو بكر الجرجاني عن محمد بن إسحق عمن حدثه عن معمر‬
‫عن الزهري قال "دخل عمر ابن الخطاب على رسول الّله صلى الّله عليممه‬
‫وسلم وهو يبكي فقال له رسول الّله صلى الّله عليممه وسمملم ممما يبكيممك يمما‬
‫عمر؟ فقال يا رسول الّله بالباب شاب قد أحرق فؤادي وهمو يبكممي‪ ،‬فقمال‬
‫ي؟ قال‪ :‬فدخل وهممو‬ ‫له رسول الّله صلى الّله عليه وسلم يا عمر أدخله عل ّ‬
‫يبكي فقال له رسول الّله ما يبكيك يا شاب؟ قال‪ :‬يمما رسممول الل ّممه أبكتنممي‬
‫ي‪ ،‬فقممال رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه‬
‫ذنوب كثيرة وخفت من جبار غضبان علم ّ‬
‫عليه وسلم أشركت بالله شيئا ً يما شماب؟ قمال ل‪ ،‬قمال أقتلمت نفسما ً بغيمر‬
‫حق؟ قال ل‪ ،‬قال فإن الل ّممه يغفممر ذنبممك‪ ،‬ولممو كممان مثممل السممموات السممبع‬
‫والرضين السبع والجبال الرواسي‪ .‬قال يمما رسممول الل ّممه ذنممبي أعظممم مممن‬
‫السموات السبع والرضين السبع والجبال الرواسي‪ ،‬فقال له رسممول الّلممه‬
‫صلى الّله عليه وسلم ذنبك أعظممم أم الكرسممي؟ قممال ذنممبي أعظممم‪ .‬قممال‬
‫ذنبك أعظم أم العرش؟ قممال ذنممبي أعظممم‪ .‬قممال ذنبممك أعظممم أم إلهمك؟"‬
‫يعني عفو الله‪" .‬قال بل الّله أعظم وأجل‪ .‬قال فإنه ل يغفر الذنب العظيم‬
‫إل ّ الّله العظيم" يعني العظيم التجاوز "قال أخبرني عن ذنبممك؟ قممال فممإني‬
‫أستحي منك يا رسول الله‪ .‬قال أخبرني عن ذنبك؟ قال يا رسول الّله إنممي‬
‫كنت رجل ً نباشا ً أنبش القبور منذ سبع سنين حتى ممماتت جاريممة مممن بنممات‬
‫النصار فنبشممت قبرهمما فأخرجتهمما مممن كفنهمما فمضمميت غيممر بعيممد إذ غلممب‬
‫الشمميطان علممى نفسممي‪ ،‬فرجعممت فجامعتهمما فمضمميت غيممر بعيممد إذ قممامت‬
‫الجارية وقالت‪ :‬ويلك يا شاب‬

‫]ص ‪[53‬‬
‫أما تستحي من ديان يوم الدين يضع كرسيه للقضمماء ويأخممذ للمظلمموم مممن‬
‫الظالم تركتني عريانة في عسكر الموتى وأوقفتني جنبا ً بين يدي الل ّممه عممز‬
‫وجل‪ ،‬فوثب رسول الّله صلى الّله عليه وسمملم وهممو يممدفع فممي قفمماه وهممو‬
‫يقول‪ :‬يا فاسق ما أحوجك إلى النار أخرج عنممي‪ ،‬فخممرج الشمماب تائبما ً إلممى‬
‫م لممه أربعممون ليلممة رفممع رأسممه إلممى السممماء‬ ‫الّله تعالى أربعين ليلة‪ ،‬فلما ت ّ‬
‫فقال‪ :‬يا إله محمد وآدم وحواء إن كنت غفرت لي فأعلم محمدا ّ صلى الّله‬
‫عليه وسلم وأصحابه وإل فأرسل نارا ً من السماء فأحرقني بها ونجنمي ممن‬
‫عذاب الخرة‪ .‬قال‪ :‬فجاء جبريل إلى النبي صلى الل ّممه عليممه وسمملم فقممال‪:‬‬
‫السلم عليك يا محمد ربك يقرئك السلم‪ ،‬فقال هو السمملم ومنممه السمملم‬
‫وإليه يرجع السلم‪ .‬قال‪ :‬يقول الّله تعالى‪ :‬أنت خلقت الخلق؟ قال بمل هممو‬
‫الذي خلقني وخلقهم‪ .‬قال يقول‪ :‬أنت ترزقهم؟ قال بل الّله يرزقهم وإياي‪.‬‬
‫ي وعليهممم‪ .‬قممال يقممول‬ ‫قال يقول‪ :‬أنت تتوب عليهم؟ قال بل الّله يتوب عل ّ‬
‫الّله تعالى‪ :‬تب على عبدي فإني تبت عليممه‪ ،‬فممدعا النممبي صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم الشاب وبشره بأن الّله تعالى تاب عليه"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬ينبغي للعاقممل أن يعتممبر بهممذا الخممبر‬
‫ي أعظممم ذنبما ً مممن الزنممى مممع الميممت‪ ،‬وينبغممي أن‬ ‫ويعلم بأن الزنى مع الح ّ‬
‫يتوب توبة حقيقية لن الشاب لما علم الّله تعالى أن تمموبته حقيقيممة تجمماوز‬
‫عنه‪ ،‬وينبغي أن تكون التوبة على قدر الذنب‪ .‬وروى عن ابن عبمماس رضممي‬
‫صمموحًا{‬ ‫مُنوا ُتوُبوا إ َِلى الّله ت َوْب َ ً‬ ‫َ‬
‫ة نَ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫الّله عنهما في قوله تعالى }َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫قال‪ :‬التوبة النصوح الندم‬

‫]ص ‪[54‬‬
‫بالقلب والستغفار باللسان والضمار أن ل يعود إليه أبدًا‪ .‬وعن النبي صلى‬
‫الّلممه عليممه وسمملم أنممه قممال "المسممتغفر باللسممان المص مّر علممى الممذنوب‬
‫كالمستهزئ بربه" وذكر عن رابعة رضي الّله تعالى عنها أنها كممانت تقممول‪:‬‬
‫إن استغفارنا يحتاج إلى استغفار كثير‪ :‬يعني إذا استغفر باللسممان ونيتممه أن‬
‫يعود إلى الذنب فإن توبته توبة الكذابين‪ ،‬وهذا ل يكون توبة وإنما التوبة أن‬
‫يستغفر باللسان وينوي أن ل يعود إلى الذنب‪ ،‬فإذا فعل ذلك غفممر الل ّممه لممه‬
‫ذنبه وإن كان عظيما ً لن الّله تبارك وتعالى ذو التجاوز رحيم بعبمماده‪ .‬وذكممر‬
‫أن في بني إسرائيل كان ملك فوصف لمه رجمل ممن العبماد فمدعاه وراوده‬
‫على صحبته ولزوم بابه فقال له العابد أيها الملك حسنا ً ما تقول‪ ،‬ولكن لممو‬
‫ت يوما ً في بيتك فوجدتني ألعب مع جاريتك ماذا كنممت تفعممل؟ فغضممب‬ ‫دخل َ‬
‫ي بمثممل هممذا‪ ،‬فقممال لمه العابممد إن لممي ربما ً‬
‫الملك فقال يا فاجر أتجترئ عل ّ‬
‫ي ول طردنممي عممن‬ ‫كريما ً لو رأى مني سبعين ذنبا ً في اليوم ممما غضممب عل م ّ‬
‫ي قبممل‬ ‫بابه ول أحرمني رزقه‪ ،‬فكيف أفارق بابه وألزم باب من يغضممب علم ّ‬
‫أن أغضبه‪ ،‬فكيف لو رأيتني في المعصية ثم خرج‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬الذنب على وجهين‪ :‬ذنب فيما بينممك‬
‫وبين الّله تعالى‪ ،‬وذنب فيما بينك وبين العباد‪ .‬أما الممذنب الممذي بينممك وبيممن‬
‫الّله تعالى فتوبته الستغفار باللسان والنممدم بممالقلب والضمممار أن ل تعممود‬
‫فإن فعل ذلك ل يبرح من مكانه حتى يغفر الّلمه لمه إل ّ أن يممترك شميئا ً ممن‬
‫الفرائض فل تنفعه التوبة مما لممم يقممض مما فمماته ثمم ينممدم ويسمتغفر‪ ،‬وأمما‬
‫الذنب الذي بينك وبين العباد فما لم ترضهم ل تنفعك التوبة حمتى يحللموك‪.‬‬
‫وروى عن بعض التابعين رضي الّله تعالى عنهم أنه قال‪ :‬إن المذنب يممذنب‬
‫فل يزال نادما ً مستغفرا ً حتى يمدخل الجنممة فيقمول الشميطان يما ليتنممي لمم‬
‫أوقعه فيه‪ .‬وذكر عن أبي بكر الواسمطي أنمه قمال‪ :‬التمأني فمي كمل شميء‬
‫حسن إل ّ في ثلث خصال‪ :‬عند وقت الصمملة‪ ،‬وعنممد دفممن الميممت‪ ،‬والتوبممة‬
‫عند المعصية‪ :‬وقمال بعمض الحكمماء‪ :‬إنمما تعمرف توبمة الرجمل فمي أربعمة‬
‫أشياء‪ .‬أحدها‪ :‬أن يمسك لسانه من الفضول والغيبة والكذب‪ .‬والثاني أن ل‬
‫يرى لحد في قلبه حسدا ً ول عممداوة‪ .‬والثممالث أن يفممارق أصممحاب السمموء‪.‬‬
‫والرابع أن يكممون مسممتعدا ً للممموت نادمما ً مسممتغفرا ً لممما سمملف مممن ذنمموبه‬
‫مجتهدا ً على طاعة ربه‪ .‬وقيل لبعض الحكماء هل للتائب من علمممة يعممرف‬
‫أنه قبلت توبته؟ قال‪ :‬نعم علمته أربعة أشياء‪ .‬أّولها أن ينقطع عن أصحاب‬
‫السمموء ويريهممم هيبممة مممن نفسممه ويخممالط الصممالحين‪ .‬والثمماني‪ :‬أن يكممون‬
‫منقطعا ً عن كل ذنب ومقبل ً على جميع الطاعات‪ .‬والثالث أن يممذهب فممرح‬
‫الدنيا كلها من قلبه ويرى حزن الخرة كلها دائما ً في قلبه‪ .‬والرابع إن يممرى‬
‫نفسه فارغا ً عما ضمن لله تعالى له من الممرزق مشممتغل ً بممما أمممر بممه فممإذا‬
‫ن‬ ‫وجدت فيه هذه العلمات فهو من الذين قممال الل ّممه تعممالى فممي حقهممم }إ ِ ّ‬
‫ن{ ووجب له على الناس أربعة أشممياء‪:‬‬ ‫مت َط َهّ ِ‬
‫ري َ‬ ‫ب ال ُ‬‫ح ّ‬ ‫ن وَي ُ ِ‬
‫واِبي َ‬‫ب الت ّ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫الّله ي ُ ِ‬
‫أولها أن يحبوه فإن الّله تعالى قد أحبه‪ .‬والثاني أن يحفظوه بالممدعاء علممى‬
‫أن يثبته الّله على توبته‪ .‬والثالث أن ل يعيروه بما سلف من ذنوبه‪ .‬والرابممع‬
‫أن يجالسوه ويذاكروه ويعينوه‪ .‬ويكرمه الّله تعالى بأربع كرامات‪ :‬أحدها أن‬
‫يخرجه الّله تعالى من الذنوب كأنه لممم يممذنب قممط‪ .‬والثمماني أن يحبممه الل ّممه‬
‫تعالى‪ .‬والثالث أن ل يسلط عليه الشيطان ويحفظه منه‪ .‬والرابع أن يممؤمنه‬
‫م‬ ‫ل ع َل َي ْهِم ْ‬
‫من الخوف قبل أن يخممرج مممن الممدنيا لنممه عممز وجممل قممال }ت َت َن َمّز ُ‬
‫َ‬ ‫ة أ َل ّ ت َ َ‬
‫ن{ وروى‬ ‫دو َ‬
‫م ُتوع َم ُ‬ ‫جن ّمةِ ال ّت ِممي ك ُن ْت ُم ْ‬
‫شُروا ِبال َ‬
‫حَزُنوا وَأب ْ ِ‬‫خاُفوا َول ت َ ْ‬ ‫مَلئ ِك َ ُ‬‫ال َ‬
‫عن خالد بن معدان أنه قال‪ :‬إذا دخل التوابون الجنة قالوا ألم يعدنا ربنا أن‬
‫نرد النار قبل أن ندخل الجنة؟ قيل لهم إنكم مررتم بها وهي خامدة‪ .‬وروى‬
‫الحسن عن النبي صلى الّله عليه وسلم "أنممه رجممم امممرأة زنممت ثممم صمملى‬
‫عليها‪ ،‬فقال له بعض الصحابة يا رسول الّله رجمتها وصممليت عليهمما؟ فقممال‬
‫لقد تابت توبة لو فعلت مثل ذلك سممبعين مممرة تمماب الل ّممه عليهمما" يعنممي أن‬
‫توبتها كانت حقيقية والتوبة إذا كانت حقيقية تقبل وإن كان الذنب عظيمممًا‪.‬‬
‫وروى عن رسول الّله صلى الل ّممه عليممه وسمملم أنممه قممال "مممن عي ّممر مؤمن ما ً‬
‫بفاحشة فهو كفاعلها وكان حقا عن الّله أن يوقعه فيهمما‪ ،‬ومممن عي ّممر مؤمن ما ً‬
‫بجريمة لم يخرج من الدنيا حتى يرتكبها ويفتضح بها"‪.‬‬

‫]ص ‪[55‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الله تعممالى عنممه‪ :‬إن المممؤمن ل يقصممد أن يقممع فممي‬ ‫ّ‬
‫ق‬
‫سممو َ‬ ‫ف ُ‬
‫ف مَر َوال ُ‬ ‫الممذنب ول يتعمممده لن الل ّممه تعممالى قممال }وَك َمّره َ إ ِل َي ْك ُم ْ‬
‫م الك ُ ْ‬
‫ن{ فأخبر أنه قد بغض إلى المؤمنين المعصية فل يتعمدها المممؤمن‬ ‫صَيا َ‬ ‫َوالعِ ْ‬
‫ولكن يقع فيها في حالة الغفلة فل يجمموز أن يعممبر بهمما إذا تمماب‪ .‬وروى عممن‬
‫ابن عباس رضي الّله تعالى عنهما أنه قال‪ :‬إذا تمماب العبممد تمماب الل ّممه عليممه‬
‫وأنسى الحفظة ممما كممانوا كتبمموا مممن مسمماوئ عملممه‪ ،‬وأنسممى جمموارحه ممما‬
‫عملت من الخطايا وأنسى مقامه من الرض‪ ،‬وأنسى مقممامه مممن السممماء‬
‫ليجيء يوم القيامة وليس شيء من الخلق يشممهد عليممه بممذلك‪ .‬وروى عممن‬
‫علي بن أبي طالب كرم الّله وجهه عن النبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم أنممه‬
‫قال‪" :‬مكتوب حول العرش قبل أن يخلق الخلق بأربعممة آلف عممام }وَإ ِن ّممي‬
‫دى{" والله أعلم‪.‬‬ ‫صاِلحا ً ث ُ ّ‬
‫م اهْت َ َ‬ ‫م َ‬
‫ل َ‬ ‫ن وَع َ ِ‬
‫م َ‬
‫ب َوآ َ‬
‫ن َتا َ‬
‫م ْ‬ ‫ل َغَ ّ‬
‫فاٌر ل ِ َ‬

‫باب آخر من التوبة‬


‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رحمه الّله تعالى‪ :‬حدثنا أبممي رحمممه‬
‫الّله تعالى‪ :‬حدثنا أحمد بن محمد وهو أبو الحسين الفراء الفقيه بسممرقند‪.‬‬
‫حدثنا الشيخ أبو بكر أحمد بن إسممحق الجرجمماني‪ .‬حممدثنا داود بممن إبراهيممم‪.‬‬
‫حدثنا نوح بن أبي مريم عن مقاتل بن حبان عممن عكرمممة عممن ابممن عبمماس‬
‫رضي الّله تعالى عنهما "أن رسول الّله صلى الل ّممه عليممه وسمملم ذكممر بمماب‬
‫التوبة فقال عمر بن الخطاب يا رسول الّلمه ممما بماب التوبممة؟ فقممال النممبي‬
‫صلى الّله عليه وسلم‪ :‬باب التوبة خلف المغرب لممه مصممراعان مممن ذهممب‬
‫مكللن بالدّر والياقوت‪ ،‬ما بين المصراع والمصممراع الخممر مسمميرة أربعيممن‬
‫عاما ً للراكب المسرع‪ ،‬وذلك الباب مفتوح منذ يوم خلق الل ّممه تعممالى خلقممه‬
‫إلى صبيحة ليلة طلوع الشمس من مغربها‪ ،‬ولم يتممب عبممد مممن عبمماد الل ّممه‬
‫تعالى توبة نصوحا ً إل ّ دخلت تلك التوبة من ذلك الباب‪ .‬قال معمماذ بممن جبممل‬
‫رضي الّله تعالى عنه بأبي أنت وأمي يا رسممول الل ّممه وممما التوبممة النصمموح؟‬
‫قال‪ :‬أن يندم المذنب على الذي أصاب فيعتذر إلى الّله تعممالى ثممم ل يعممود‬
‫فيها‪ ،‬ثم تغرب الشمس والقمر في ذلك الباب ثم يرصد المصرعان فيلتئم‬
‫ما بينهما ويصير كأن لم يكن بينهما صدع قط‪ ،‬فعند ذلك ل تقبل مممن العبممد‬
‫توبة ول تنفعه حسنة يعملها في السلم إل ّ من كان قبل ذلك محسممنا ً فممإنه‬
‫م ي َأ ِْتي‬
‫يجري له عمله وعليه ما كان يجري قبل ذلك‪ ،‬وذلك قوله تعالى }ي َوْ َ‬
‫فسا ً إيمانها ل َم تك ُن آمنت من قَبم ُ َ‬
‫ت فِممي‬ ‫ل أوْ ك َ َ‬
‫سمب َ ْ‬ ‫ْ َ ْ َ َ ْ ِ ْ ْ‬ ‫ِ َ َُ‬ ‫فعُ ن َ ْ‬ ‫ت َرب ّ َ‬
‫ك ل َين َ‬ ‫ض آَيا ِ‬
‫ب َعْ ُ‬
‫خْيرًا{"‪ .‬وعن عبد الّله بن مسعود رضي الّله تعممالى عنممه أنممه قممال‪:‬‬ ‫مان َِها َ‬
‫ِإي َ‬
‫التوبة النصوح أن يتوب ثم ل يعود‪ .‬وعنه أنه قال‪ :‬باب التوبة مفتمموح وهممي‬
‫مقبولة من كل أحممد إل ّ مممن ثلثممة‪ :‬إبليممس رأس الكفممرة‪ ،‬وقابيممل ابممن آدم‬
‫رأس الخاطئين‪ ،‬ومن قتل نبيا ً من النبياء‪ .‬وقال باب التوبة للتائبين مفتمموح‬
‫من قبل المغرب مسيرة أربعين سنة ل يغلق عليهممم حممتى تطلممع الشمممس‬
‫من مغربها‪.‬‬

‫]ص ‪[56‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬حدثنا أبي رحمه الل ّممه تعممالى‪ :‬حممدثنا أبممو‬
‫الحسين الفراء‪ ،‬حدثنا أبو بكر أحمد بن إسحق‪،‬حدثنا عبد الرحمن بن حبيب‬
‫عن إسمعيل عن يحيى عن أبي لهيعة عن عبممد الرحمممن العممرج عممن أبممي‬
‫هريرة رضي الّله تعالى عنه قال‪ :‬قال رسول الّله صمملى الل ّممه عليممه وسمملم‬
‫"التوبة معلقة في الهواء تنادي لليممل والنهممار ل تفممتر مممن يقبلنممي ل يعممذب‬
‫فهي الدهر كله علممى هممذا حممتى تطلممع الشممس مممن مغربهمما فممإذا طلعممت‬
‫الشمس من مغربها رفعت" ففي هذه الخبار حث على التوبة وفيهمما بيممان‬
‫أن العبد إذا تاب قبلت التوبة منه‪ ،‬والله تعممالى دعمما المممؤمنين إلممى التوبممة‬
‫َ‬
‫ن{ يعنممي لكممي‬ ‫حممو َ‬ ‫فل ِ ُ‬
‫م تُ ْ‬‫ن ل َعَل ّك ُم ْ‬ ‫من ُممو َ‬‫مؤ ْ ِ‬‫ميعا ً أي َّها ال ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫فقال }وَُتوُبوا إ َِلى الّله َ‬
‫تنجوا من عذابه وتنالوا من رحمته فممبين الل ّممه تعممالى أن التوبمة مفتماح كممل‬
‫خير وأن فلح المؤمن في توبته‪ ،‬وأمر المؤمن بالتوبة فقال تعالى }َيا أ َي َّهمما‬
‫صوحا ً { ثم بين ما لهممم مممن الكرامممة فممي‬ ‫ة نَ ُ‬ ‫مُنوا ُتوُبوا إ َِلى الّله ت َوْب َ ً‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫التوبة فقال تعالى }ع َسى ربك ُم َ‬
‫م{ يعنممي يتجمماوز‬ ‫سمي َّئات ِك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫فمَر ع َن ْك ُم ْ‬ ‫ن ي ُك َ ّ‬ ‫مأ ْ‬ ‫َ ّ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫حت َِها الن َْهاُر{ يعني يعطيكم فممي‬ ‫ن تَ ْ‬
‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫خل َك ُ ْ‬
‫عنكم ذنوبكم }وَي ُد ْ ِ‬
‫الخممرة بسمماتين تجممري مممن تحممت غرفهمما ومسمماكنها وأشممجارها النهممار‪،‬‬
‫ذا فَعَل ُمموا‬ ‫ن إِ َ‬ ‫وابين فقممال عممز ذكممره }َوال ّم ِ‬
‫ذي َ‬ ‫وأخممبرهم أنممه غفممار لممذنوب التم ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه{ يعنممي دون الكبممائر‬ ‫م ذ َك َُروا الل م َ‬ ‫سه ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫موا أن ْ ُ‬ ‫ة{ يعني الكبائر }أوْ ظ َل َ ُ‬ ‫ش ً‬ ‫ح َ‬ ‫َفا ِ‬
‫ويقممال أو هنمما بمعنممى الممواو‪ ،‬ومعنمماه والممذين إذا فعلمموا فاحشممة أو ظلممموا‬
‫م‪،‬‬ ‫فُروا ِلمذ ُُنوب ِهِ ْ‬‫سمت َغْ َ‬ ‫أنفسهم ذكروا الله‪ :‬يعني خممافوا الل ّممه عنممد المعصممية َفا ْ‬
‫ما فَعَُلوا{ يعني لم يثبتوا علممى‬ ‫صّروا ع ََلى َ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫ب إ ِل ّ الّله }وَل َ ْ‬ ‫فُر الذ ُّنو َ‬‫ن ي َغْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫معصيتهم وهم يعلمون أنها معصية‪.‬‬
‫وروى سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جده عن النممبي صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم أنه قال "إني لستغفر الّله وأتوب إليه فممي اليمموم مممائة مممرة" وفممي‬
‫خبر آخر قال "يا أيها الناس توبوا إلى الّله فإني أتوب إليه في اليوم والليلة‬
‫مائة مرة" فإذا كان النبي صلى الّله عليه وسلم يستغفر ويتمموب وقممد غفممر‬
‫الّله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فالذي لم يظهر حاله أنممه أغفممر لممه أم ل‬
‫كيف ل يتوب إلى الل ّممه تعممالى فممي كممل وقممت وكيممف ل يجعممل لسممانه أبممدا ً‬
‫مشغول ً بالستغفار‪ .‬وقال ابن عباس رضي الّله عنهما في قول الّله تعممالى‬
‫ه{ يعنممي يقممدم ذنمموبه ويممؤخر تمموبته ويقممول‬ ‫َ‬ ‫}ب َ ْ‬
‫م ُ‬‫ممما َ‬
‫جَر أ َ‬‫ف ُ‬‫ن ل ِي َ ْ‬
‫سا ُ‬
‫لن َ‬ ‫ريد ُ ا ِ‬
‫ل يُ ِ‬
‫سأتوب حتى يأتيه الموت على شر ما كان عليه فيممموت عليممه‪ .‬وروى عممن‬
‫دويبر عن الضحاك عن ابن عباس رضي الّله عنهما عممن النممبي صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم أنه قال "هلك المسوفون" والمسوف من يقول سمموف أتمموب‪،‬‬
‫فالواجب على كل إنسان أن يتوب إلى الّله تعالى في كل وقت حتى يممأتيه‬
‫قب َم ُ‬
‫ل‬ ‫الموت وهو تائب لن الّله تعالى قابل التوبة حيممث قممال }وَهُموَ ال ّم ِ‬
‫ذي ي َ ْ‬
‫ت{ يعني يتجمماوز عممن سمميئاتهم إذا تممابوا‬ ‫سي َّئا ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫فو ع َ ْ‬‫عَباد ِهِ وَي َعْ ُ‬‫ن ِ‬
‫ة عَ ْ‬ ‫الت ّوْب َ َ‬
‫ورجعوا فالتوبة أن يندم على ذنبه بالقلب ويستغفر باللسممان ويضمممر أن ل‬
‫يرجع إليه أبدًا‪ .‬قال عبد الّله بن مسعود رضي الّله تعممالى عنممه‪" .‬مممن قممال‬
‫أستغفر الّله العظيم الذي ل إله إل ّ هو الحي القيوم وأتوب إليه‬

‫]ص ‪[57‬‬
‫ثلثا ً غفرت له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر" وروى أيوب عممن أبممي قلبممة‬
‫قال‪ :‬إن الّله تعالى لما لعن إبليس سأله النظرة فأنظره‪ ،‬فقممال وعزتممك ل‬
‫أخرج من صدر عبدك حتى تخممرج نفسممه‪ ،‬فقممال الممرب وعزتممي وجللممي ل‬
‫أحجب التوبة عن عبدي حتى تخرج نفسه‪ .‬فانظر إلممى رحمممة الل ّممه ورأفتممه‬
‫على عباده أن سماهم مؤمنين بعد ما أذنبوا فقال تعالى }وَُتوُبوا إ ِل َممى الل ّممه‬
‫ن الل ّممه‬ ‫َ‬
‫ن{ وأحبهممم بعممد التوبممة فقممال }إ ِ ّ‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫ن ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ميعا ً أي َّها ال ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫َ‬
‫ن{‪ .‬وروي عن رسول الّله صمملى الل ّممه عليممه‬ ‫ري َ‬ ‫مت َط َهّ ِ‬ ‫ب ال ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن وَي ُ ِ‬ ‫واِبي َ‬ ‫ب الت ّ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫يُ ِ‬
‫وسلم أنه قال‪" :‬التائب من الذنب كمن ل ذنممب لممه"‪ .‬وروي عممن علممي بممن‬
‫أبي طالب رضي الّله تعممالى عنممه أن رجل ً سممأله فقممال‪ :‬إنممي أصممبت ذنب مًا‪،‬‬
‫فقال له علي كرم الّله وجهه تب إلى الّله تعالى ثم ل تعممد‪ .‬قممال فممإني قممد‬
‫فعلت ثم عدت‪ .‬قال تب إلى الّله تعالى ثم ل تعد‪ ،‬قال إلى متى قال حممتى‬
‫ة‬ ‫ممما الت ّوْب َم ُ‬ ‫يكون الشيطان هو المحسور‪ .‬وقال مجاهد فممي قمموله تعممالى }إ ِن ّ َ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ي َُتوُبو َ‬ ‫ة{ قال الجهالة العمد }ث ُ ّ‬ ‫جَهال َ ٍ‬ ‫سوَء ب ِ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ن ي َعْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ع ََلى الّله ل ِل ّ ِ‬
‫ب{ قال كل شيء دون الموت فهو قريب‪ .‬وروى أبو هريرة رضي الل ّممه‬ ‫ري ٍ‬ ‫قَ ِ‬
‫تعالى عنه عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال "إذا أذنممب الرجممل ذنبما ً‬
‫فقال رب إني ذنبت ذنبا ً أو قال عملت ذنبا ً فاغفر لي قال الّله تعالى عبدي‬
‫عمل ذنبا ً فعلم أن له ربا ً يغفر الذنب ويأخذ بمه فقمد غفمرت لعبمدي" وهمذا‬
‫كله لكرامة محمد صلى الّله عليه وسلم وكان في المم الماضية إذا أذنبمموا‬
‫ذنبا ً حرم عليهم الحلل‪ ،‬وإذا أذنب واحد منهم ذنبا ً وجممد علممى بمابه أو علممى‬
‫جسده إن فلن بن فلن قد أذنب كذا وتوبته كممذا فسممهل الممر علمى همذه‬
‫جمد ْ الل ّممه‬ ‫َ‬
‫فْر الل ّممه ي َ ِ‬ ‫سمت َغْ ِ‬
‫م يَ ْ‬‫ه ث ُم ّ‬‫سم ُ‬ ‫ف َ‬ ‫سوءا ً أوْ ي َظ ْل ِ ْ‬
‫م نَ ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َعْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫المة فقال }وَ َ‬
‫حيمًا{ فالواجب على كممل مسمملم أن يتمموب إلممى الل ّممه تعممالى حيممن‬ ‫فورا ً َر ِ‬ ‫غَ ُ‬
‫يصبح وحين يمسي‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬من لم يتممب إذا أمسممى وإذا أصممبح فهممو‬
‫من الظالمين‪ :‬وينبغي للعبد أن يتوب إلى الّله تعالى في كل وقممت ويجتهممد‬
‫في حفظ الصلوات الخمس فإن الّله تعالى جعل الصلوات الخمس تطهيرا ً‬
‫لذنوب العباد فيما دون الكبممائر‪ .‬وروى علقمممة عممن عبممد الل ّممه بممن مسممعود‬
‫رضي الّله تعالى عنه قال‪" :‬جاء رجل إلممى النممبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم‬
‫ي وقبلتهمما‬ ‫فقال يا رسول الّله إني لقيت امممرأة فممي البسممتان فضممممتها الم ّ‬
‫وباشرتها وفعلت بها كل شيء غير أنني لم أجامعهمما‪ ،‬فسممكت النممبي صمملى‬
‫صلة َ ط ََرِفي الن َّهارِ وَُزَلفمما ً‬ ‫َ‬
‫م ال ّ‬ ‫الّله عليه وسلم ساعة فنزلت هذه الية }وَأقِ ْ‬
‫ل{ يعني‪ :‬صممل للممه تعممالى فممي طرفممي النهممار وهممي صمملة الفجممر‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫والظهر والعصر‪ ،‬وزلفا من الليل يعني صلة المغرب وصلة العشاء الخرة‬
‫ت{ يعني الصلوات الخمس تكفر الذنوب التي‬ ‫سي َّئا ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ت ي ُذ ْه ِب ْ َ‬‫سَنا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫}إ ِ ّ‬
‫ن{ يعني توبة للتائبين فدعاه‬ ‫ري َ‬ ‫ك ذ ِك َْرى ِلل ّ‬
‫ذاك ِ ِ‬ ‫بينها يعني ما دون الكبائر }ذ َل ِ َ‬
‫النبي صلى الّله عليه وسلم وقرأ عليه فقال عمر رضي الّله تعالى عنممه يمما‬
‫رسول الّله أله خاصة أم للناس عامة‪ ،‬فقال النبي صلى الل ّممه عليممه وسمملم‬
‫بل للناس عامة"‪ .‬وروى يونس بن عبيد عن الحسن عن النممبي صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم أنه قال "ليس من عبد إل ّ وعليه ملكان وصاحب اليمين أمين‬

‫]ص ‪[58‬‬
‫على صاحب الشمال فإذا عمل العبد السيئة قال صاحب الشمممال أأكتبهمما؟‬
‫قال له دعه حتى يعمل خمس سيئات فإذا عمل خمسا ً قممال أأكتبهمما؟ قممال‬
‫دعه حتى يعمل حسنة‪ ،‬فإذا عمل حسنة قال صاحب اليمين‪ :‬قد أخبرنمما أن‬
‫الخمسة بعشر أمثالها فتعال حتى نمحو خمسا ً بخمس ونثبت له خمسا ً من‬
‫الحسنات‪ .‬قال فيصيح الشيطان ويقول متى أدرك ابن آدم"‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬حدثنا أبممي رحمممه الل ّممه تعممالى قمال‪:‬‬
‫حدثنا أبو الحسين الفراء عن أبي بكر بإسناده عن أبممي هريممرة رضممي الل ّممه‬
‫تعالى عنه قال‪ :‬خرجت ذات ليلة بعدما صليت العشمماء الخممرة مممع رسممول‬
‫الّله صلى الّله عليممه وسمملم فممإذا أنمما بممامرأة منتقبممة قائمممة علممى الطريممق‬
‫فقالت يا أبا هريرة إني قد ارتكبت ذنبا ً عظيما ً فهل لممي مممن توبممة؟ فقلممت‬
‫وما ذنبك؟ قالت إني زنيت وقتلممت ولممدي مممن الزنممى‪ ،‬فقلممت لهمما؛ هلكممت‬
‫وأهلكت والله مالك من توبة قالت فشهقت شممهقة وخممرت مغشمميا ً عليهمما‪،‬‬
‫ومضيت وقلت في نفسي أفتي ورسول الّله صمملى الل ّممه عليممه وسمملم بيممن‬
‫أظهرنا‪ ،.‬فلما أصبحت غدوت إلى رسول الّله صلى الّله عليه وسلم فقلت‪:‬‬
‫يا رسول الّله إن امرأة استفتني البارحة في كذا وكممذا وغنممي أفتيتهمما بكممذا‬
‫وكذا‪ ،‬فقال رسول الّله صلى الّله عليه وسلم‪ :‬إنمما للممه وإنمما إليممه راجعممون‪،‬‬
‫أنت والله يا أبا هريرة هلكت وأهلكت أين كنت يا أبا هريرة عن هممذه اليممة‬
‫م الل ّممه إ ِل ّ‬ ‫س ال ّت ِممي َ‬
‫ح مّر َ‬ ‫فم َ‬ ‫ن الن ّ ْ‬ ‫قت ُُلو َ‬ ‫خَر َول ي َ ْ‬ ‫معَ الّله إ َِلها ً آ َ‬ ‫ن َ‬‫عو َ‬ ‫ن ل ي َد ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫}َوال ّ ِ‬
‫ن الّله‬ ‫ُ‬
‫كا َ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫سَنا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫سي َّئات ِهِ ْ‬‫ل الّله َ‬ ‫ك ي ُب َد ّ ُ‬‫ن{ إلى قوله }فَأوْل َئ ِ َ‬ ‫حقّ َول ي َْزُنو َ‬ ‫ِبال َ‬
‫حيمًا{ قال فخرجت من عند رسول الّله صلى الّله عليه وسلم وأنا‬ ‫فورا ً َر ِ‬ ‫غَ ُ‬
‫أعدو في سكك المدينة وأقول من يدلني على امرأة استفتتني البارحة في‬
‫ن أبو هريرة حتى إذا كان الليل لقيتها في ذلممك‬ ‫كذا وكذا والصبيان يقولن ج ّ‬
‫الموطن فأعلمتها بقول رسول الّله صلى الل ّممه عليممه وسمملم أن لهمما التوبممة‬
‫فشهقت شهقة من السرور وقالت‪ :‬إن لي حديقة وهي صممدقة للمسمماكين‬
‫صاِلحا ً‬
‫مل ً َ‬ ‫ل عَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن وَع َ ِ‬ ‫م َ‬‫ب َوآ َ‬ ‫ن َتا َ‬ ‫م ْ‬ ‫وكفارة لذنبي‪ .‬وذكر في قوله تعالى }إ ِل ّ َ‬
‫ت{ قممال بعضممهم‪ :‬إن العبممد إذا تمماب مممن‬ ‫س مَنا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫ل الّله َ‬
‫سي َّئات ِهِ ْ‬ ‫ك ي ُب َد ّ ُ‬‫فَأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫الذنوب صارت الذنوب الماضية كلها حسنات‪ .‬وروي هكذا عن ابن مسممعود‬
‫رضي الّله تعالى عنه أنه قال ينظر النسان يموم القياممة فمي كتمابه فيمرى‬
‫في أوله معاصي وفي آخره حسنات فممإذا رجمع إلممى أول الكتماب رأى كلممه‬
‫حسنات‪ .‬وروى أبو ذر الغفاري رضي الّله تعالى عنه عن النممبي صمملى الل ّممه‬
‫ت{‬ ‫سممَنا ٍ‬‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫ل الّله َ‬
‫سممي َّئات ِهِ ْ‬ ‫ك ي ُب َد ّ ُ‬ ‫عليه وسلم نحوه‪ ،‬وهذا معنى قوله }فَأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ويقال‪ :‬معناه أنه يحول من العمل السيئ إلى العمل الصممالح فيمموفقه الل ّممه‬
‫تعالى لكي يعمل الحسنات مكممان ممما يعمممل السمميئات فممذلك قمموله تعممالى‬
‫حيمًا{‪.‬‬ ‫فورا ً َر ِ‬ ‫ن الّله غ َ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫سَنا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫ل الّله َ‬
‫سي َّئات ِهِ ْ‬ ‫ك ي ُب َد ّ ُ‬ ‫}فَأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ل‬ ‫واعلم يا أخي أنه ليس ذنب أعظم من الكفر وقد قال الّله تعمالى }ُقم ْ‬
‫ف{ فممما ظنمك بمما دونممه‪ .‬وروى‬ ‫سل َ َ‬ ‫ما قَد ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫فْر ل َهُ ْ‬‫ن َينت َُهوا ي ُغْ َ‬‫فُروا إ ِ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ِل ّ ِ‬
‫الحسن عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال‬

‫]ص ‪[59‬‬
‫ّ‬
‫"لو أخطأ أحدكم حتى مل ما بين السماء والرض ثم تاب تاب اللممه عليممه"‪.‬‬
‫وروى عن يزيد القاشي قال‪ :‬خطبنا أبو هريرة رضي الّله تعالى عنممه علممى‬
‫منبر رسول الّله صلى الّله عليه وسلم فقال فممي خطبتممه‪ :‬سمممعت رسممول‬
‫الّله صلى الّله عليه وسلم يقول "آدم أكرم البشر على الّله يعتذر الّله إليمه‬
‫يوم القيامة بثلث معاذير يقول الّله تعالى يا آدم لممول أنممي لعنممت الكممذابين‬
‫وأبغض الكذب وأوعدت عليه وقد حق القول مني لملن جهنممم مممن الجنممة‬
‫والناس أجمعين لرحمت ذريتك اليوم أجمعين ويقول له يا آدم إني ل أدخل‬
‫أحدا ً من ذريتك النار ول أعذبه بالنار إل ّ من علمت بعلمي أنه لو رددته إلمى‬
‫الدنيا لعاد إلى شر ما كان فيه ثم لم يرجع ولم يتب‪ ،‬ويقول لممه يمما آدم قممد‬
‫جعلتك حكما ً بيني وبين ذريتك قم عند الميزان فمانظر إلمى مما يرفمع إليمك‬
‫من أعمالهم فمن رجح له خير مثقال ذرة فله الجنة حتى تعلم أني ل أدخل‬
‫النار إل ّ كل ظالم"‪ .‬روت عائشة رضي الل ّممه تعممالى عنهمما عممن رسممول الل ّممه‬
‫صلى الّله عليممه وسمملم أنممه قممال‪" :‬الممدواوين ثلثممة‪ :‬ديمموان ل يغفممره اللممه‪،‬‬
‫وديوان يغفره الله‪ ،‬وديوان ل يترك الل ّممه منممه شمميئًا‪ ،‬فأممما الممديوان الممذي ل‬
‫ق مد ْ‬‫ك ب ِممالل ّهِ فَ َ‬
‫شرِ ْ‬
‫ن يُ ْ‬
‫م ْ‬
‫ه َ‬‫يغفره الّله فالشرك بالله تعالى قال الّله تعالى }إ ِن ّ ُ‬
‫مأ َْواه ُ الّناُر{ وأمما المديوان المذي يغفمره الّلمه تعمالى‬ ‫ة وَ َ‬ ‫م الّله ع َل َي ْهِ ال َ‬
‫جن ّ َ‬ ‫حّر َ‬
‫َ‬
‫فظلم العبد لنفسه فيما بينه وبين ربه‪ ،‬وأما الديوان الذي ل يترك الّله منممه‬
‫شيئا ً فظلم العباد بعضهم بعضًا" وروى أبو هريرة رضي الّله تعالى عنه عن‬
‫النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال "لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامممة‬
‫حتى يقاد للشاة الجماء من الشاة القرناء نطحتها" فينبغي للعبد أن يجتهممد‬
‫في رضا الخصوم وإذا كان الذنب بينممه وبيممن العبمماد فممإنه مطممالب بممه مممن‬
‫محله ول ينفعه الستغفار ول التوبة ما لم يرض الخصم وإن لم يرضممه فممي‬
‫الدنيا آخذ من حسناته يوم القيامة كما جاء في الخبر‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬حدثنا أبو الحسين الفراء حدثنا أبممو بكممر‬
‫حدثنا أحمد بن عبد الّله عن صالح بن محمد عن القاسم بن عبممد الل ّممه عممن‬
‫العلء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النممبي صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم أنه قال "أتدرون من المفلس من أمتي؟ قالوا المفلممس فينمما مممن ل‬
‫درهممم لممه ول دينممار ول متمماع‪ ،‬فقممال رسممول الل ّممه صملى الل ّممه عليممه وسمملم‬
‫المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلته وصيامه ويأتي قد شتم هذا‬
‫وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هممذا وضممرب هممذا‪ ،‬فيقتممص لهممذا مممن‬
‫حسناته ولهذا من حسناته فإذا فنيت حسناته قبل أن يقضي ممما عليممه أخممذ‬
‫من خطاياهم فطرحت عليمه ثمم طممرح فممي النممار" فنسمأل الّلمه تعممالى أن‬
‫يوفقنا للتوبة وأن يثبتنا عليها فإن الثبات على التوبة أشد من التوبة‪ .‬وقممال‬
‫محمد بن سيرين رحمه الّله تعالى‪ :‬إياك أن تعمل شيئا ً من الخير ثم تممدعه‬
‫فإنه ما من أحد تاب ثم رجع فأفلح فينبغي للتائب أن يجعل أجله بين عينيه‬
‫لكي يثبت على التوبة ويتفكر فيما مضى من ذنوبه ويكثر الستغفار ويشكر‬
‫الله‬

‫]ص ‪[60‬‬
‫تعالى على ذلك وعلى ما رزقه من التوبة ووفقه لذلك‪ ،‬ويتفكممر فممي ثممواب‬
‫يوم القيامة فإن من تفكر في ثواب الخرة رغب في الحسنات ومن تفكممر‬
‫في العقاب انزجر عن السيئات‪ .‬وروى زيد بن وهب عن أبي ذر رضي الّله‬
‫تعالى عنه قال قلت "يا رسول الّله أخبرنا ما كان في صحف موسى؟ قال‬
‫كان فيها ست كلمات‪ :‬عجبت لمن أيقن بالنار كيف يضحك؟ وعجبممت لمممن‬
‫أيقممن بممالموت كيممف يفممرح؟ وعجبممت لمممن أيقممن بالحسمماب كيممف يعمممل‬
‫السيئات؟ وعجبت لمن أيقن بالقمدر كيمف ينصمب" وفمي خمبر آخمر "كيمف‬
‫يحزن؟ وعجبت لمن يرى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليهمما؟ وعجبممت‬
‫لمن أيقن بالجنة وهو ل يعمل الحسنات؟ ل إله إل ّ الّله محمد رسول الله"‪.‬‬
‫وروي عن عبد الّله بن مسعود رضي الّله تعالى عنه أنه م مّر ذات يمموم فممي‬
‫موضع من نواحي الكوفة فإذا الفسمماق قممد اجتمعمموا وهممو يشممربون الخمممر‬
‫ن يقال له زاذان وكان يضرب ويغني وكان له صوت حسن‪ ،‬فلممما‬ ‫وفيهم مغ ّ‬
‫سمع ذلك عبد الّله بن مسعود قال‪ :‬ما أحسن هذا الصوت لو كممان لقممراءة‬
‫كتاب الّله تعالى‪ ،‬وجعل الرداء في رأسه ومضى فسمع زاذان قوله فقممال‪:‬‬
‫من كان هذا؟ قالوا عبد الّله بن مسعود صاحب رسول الّله صلى الّله عليه‬
‫وسلم قال‪ :‬فأي شيء قال؟ قالوا إنه قل ما أحسن هممذا الصمموت لممو كممان‬
‫لقراءة القرآن‪ ،‬فدخلت الهيبة في قلبممه فقممام وضممرب العممود علممى الرض‬
‫فكسره ثم أسرع حتى أدركه المنديل في عنق نفسه وجعل يبكي بين يدي‬
‫عبد الّله فاعتنقه عبد الّله وجعل يبكي كل واحد منهمما‪ ،‬ثمم قمال عبمد الّلمه‬
‫كيف ل أحب من أحبه الّله تعالى‪ ،‬فتاب مممن ذنمموبه وجعممل يلزم عبممد الل ّممه‬
‫حتى تعلم القرآن وأخذ حظا ً من القرآن والعلم حتى صار إماما ً في العلممم‪.‬‬
‫وقد جاء في كثير من الخبار عن زاذان عن عبد الّله بن مسعود رضي الّله‬
‫تعالى عنهما‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬سمعت أبي يحكي أن في بني إسممرائيل‬
‫كانت امرأة بغيا ً وكانت مفتنة للناس بجمالها وكان باب دارها أبممدا ً مفتوح ما ً‬
‫فكل من مّر ببابها رآها قاعدة في دارها على السرير بحذاء الباب فكل من‬
‫نظر إليها افتتن بها فإذا أراد الدخول إليها احتاج إلى إحضممار عشممرة دنممانير‬
‫أو أقل أو أكثر حتى تأذن له بالدخول عليهمما‪ ،‬فممّر بهمما ذات يمموم عابممد مممن‬
‫العباد فوقع بصره في الدار وهي قاعدة علممى السممرير فممافتتن بهمما فجعممل‬
‫يجاهد نفسه ويدعو الّله تعالى ليزيل ذلك من قلبه فلم يزل ذلك عنه وكان‬
‫يكابد نفسه المكابدة الشديدة حتى باع قماشا ً كان له وجمع من الدنانير ما‬
‫يحتاج إليه فجاء إلى بابها وأمرت أن يسلم ذلك إلى وكيل لها وواعدته وقتا ً‬
‫لمجيئه فجاء إليها في ذلممك المموقت وقممد تزينممت وجلسممت فممي بيتهمما علممى‬
‫سريرها فدخل عليها العابد وجلس معها على السرير‪ ،‬فلممما مممد يممده إليهمما‬
‫وانبسط إليها تداركه الّله تعالى برحمته وبركة عبادته المتقدممة فوقمع فمي‬
‫قلبه أن الّله تعالى يراني في هذه الحالة‬

‫]ص ‪[61‬‬
‫فوق عرشه وأنا في الحرام وقد أحبط عملي كله‪ ،‬فوقعت الهيبة في قلبممه‬
‫وارتعدت فرائصه وتغير لونه فنظرة المرأة إليه فرأته متغير اللممون فقممالت‬
‫أي شيء أصابك؟ قال إني أخاف ربي فأذني لي بالخروج‪ ،‬فقالت له ويحك‬
‫إن كثيرا ً من الناس يتمنون الذي وجمدته فمأي شميء همذا المذي أنمت فيمه‪،‬‬
‫فقال لها إني أخاف الّله تعالى وإن المال المذي دفعتمه إليمك همو حلل لمك‬
‫فأذني لي بالخروج‪ ،‬فقممالت لمه كأنمك لممم تعممل هممذا العمممل قمط؟ قمال ل‬
‫فقالت المرأة من أين أنت وما اسمك؟ فأخبرها أنه من قريممة كممذا واسمممه‬
‫كذا‪ ،‬فأذنت له بالخروج فخرج من عندها وهو يدعو بالويممل والثبممور ويبكممي‬
‫على نفسه ويحثو التراب على رأسه‪ .‬فوقعت الهيبة في قلب المرأة ببركة‬
‫ذلك العابد فقالت في نفسها‪ :‬إن هذا الرجل أول ذنب أذنبه وقد دخل عليه‬
‫من الخوف ما دخل وإني قد أذنبت منذ كذا وكذا سنة وإن ربه الذي يخاف‬
‫منه هو ربي فخمموفي منممه ينبغممي أن يكممون أشممد‪ ،‬فتممابت إلممى الل ّممه تعممالى‬
‫وأغلقت بابها عن الناس ولبست ثيابا ً خلقة وأقبلت على العبادة وكانت في‬
‫عبادتها ما شاء الّله فقالت في نفسممها‪ :‬إنممي لممو انتهيممت إلممى ذلممك الرجممل‬
‫فلعله يتزوجني فأكون عنده فأتعلم من أمممر دينممي ويكممون عون ما ً لممي علممى‬
‫عبادة الّله تعالى‪ ،‬فتجهزت وحملت معها من الموال والخدم مما شمماء الّلمه‬
‫فانتهت إلى تلك القرية وسألت عنه فأخبر العابد أنممه قممدمت امممرأة تسممأل‬
‫عنك فخرج العابد إليها فلما رأته المرأة كشفت عن وجههمما ليعرفهمما‪ ،‬فلممما‬
‫رآها العابد عرف وجهها وتذكر المر الممذي كممان بينممه وبينهمما فصمماح صمميحة‬
‫وخرجت روحه‪ ،‬وبقيت المرأة حزينة وقالت‪ :‬إني خرجت لجلممه وقممد مممات‬
‫فهل من أقربائه أحد يحتاج إلى امرأة؟ فقالوا إن لممه أخما ً صممالحا ً ليممس لممه‬
‫مال‪ ،‬فقالت ل بأس وإن لي من المال ما فيه غنية‪ ،‬فجاء أخوه فممتزوج بهمما‬
‫فولد له منها سبعة من البنين كلهم صاروا أنبياء فممي بنممي إسممرائيل‪ ،‬واللممه‬
‫سبحانه وتعالى أعلم‪.‬‬
‫باب حق الوالدين‬
‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رحمه الّله تعالى‪ :‬حدثنا أبو القاسممم‬
‫عبد الرحمن ابن محمد الشمذي‪ .‬أنبأنا فارس بن مردويه‪ .‬حدثنا محممد بمن‬
‫الفضل العابد‪ .‬حدثنا يزيد ابن هرون قال‪ :‬حدثنا سليمان التيمي عممن سممعيد‬
‫بن مسعود عن ابن عباس رضي الّله تعالى عنهما قال‪ :‬ممما مممن مممؤمن لممه‬
‫أبوان فيصبح وهو محسن إليهما إل ّ فتح الّله له بابين من الجنمة ول يسمخط‬
‫عليه واحد منهممما فيرضممى الل ّممه تعممالى عنممه حممتى يرضممى‪ .‬قيممل‪ :‬وإن كممان‬
‫ظالما؟ قال وإن كان ظالمًا‪ .‬وروى هذا الخبر مرفوعا ً فيممه زيممادة‪ :‬قممال ول‬
‫يصبح وهو مسيء إليهما إل ّ فتح الل ّممه لممه بممابين مممن النممار وإن كممان واحممدا ً‬
‫فواحد‪ .‬قال رضي الّله تعالى عنه‪ :‬حمدثنا أبمو القاسممم حممدثنا فممارس حممدثنا‬
‫محمد بن الفضل حدثنا عبيد الّله بن موسى عن‬

‫]ص ‪[62‬‬
‫سفيان عن ابن جريج عن عطاء قال‪ :‬قال موسممى عليممه الصمملة والسمملم‪:‬‬
‫يارب أوصني؟ قمال أوصميك بمي‪ .‬قمال أوصمني؟ قمال أوصميك بأممك‪ .‬قمال‬
‫أوصني‪ .‬قال‪ :‬أوصيك بأمك‪ .‬قال‪ :‬أوصني‪ .‬قممال أوصمميك بأبيممك‪ .‬وروي عممن‬
‫عبد الّله بن عمر رضي الّله تعالى عنهما قل‪" :‬جاء رجل إلممى النممبي صمملى‬
‫ي أبممواك؟ قممال نعممم قممال‬ ‫الّله عليه وسلم فقال إني أريممد الجهمماد قممال أحم ّ‬
‫ففيهما جاهد"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬في هذا الخبر دليل على أن بّر الوالممدين‬
‫أفضل من الجهاد في سبيل الّله تعالى لن النممبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم‬
‫أمره أن يترك الجهاد ويشتغل ببر الوالدين‪ ،‬وهكذا نقول إنه ل يجوز للرجل‬
‫أن يخرج إلى الجهاد في سبيل الّله إذا لم يأذن له أبواه ما لممم يقممع النفيممر‬
‫عامًا‪ ،‬وتكون طاعة الوالدين أفضل من الخروج إلى الغممزو‪ .‬وروى بهممز بممن‬
‫حكين عن أبيه عن جده قال "قلت يا رسول الّله من أب مّر قممال أمممك‪ .‬قممال‬
‫قلت ثم من؟ قال أمك‪ .‬قال قلت ثم من؟ قال أمممك‪ .‬قممال قلممت ثممم مممن؟‬
‫قال أباك ثم القرب فالقرب"‪.‬‬
‫)قال رحمه الّله تعالى( حدثنا أبو القاسم حدثنا فارس بن مردويه قممال‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن الفضل قال حدثنا أصرم بن حوشب قال‪ :‬حدثنا عيسى بممن‬
‫عبد الّله عن زيد بن علي عن أبيه عن جده قممال‪ :‬قممال رسممول الل ّممه صمملى‬
‫ُ‬
‫ف لنهى عن ذلك‬ ‫الّله عليه وسلم "لو علم الّله شيئا ً من العقوق أدنى من أ ٍ‬
‫فليعمل العاق ما شاء أن يعمل فلن يدخل الجنة‪ ،‬وليعمل الباّر ممما شمماء أن‬
‫يعمل فلن يدخل النار"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه لو لم يذكر الّله تعالى في كتابه حرمة‬
‫الوالدين ولم يموص بهمما لكمان يعممرف بالعقمل أن حرمتهممما واجبمة‪ ،‬وكممان‬
‫الواجب على العاقل أن يعرف حرمتهما ويقضي حقهممما‪ ،‬فكيممف وقممد ذكممر‬
‫الّله تعالى في جميع كتبه في التوراة والنجيل والزبور والفرقان‪ ،‬وقد أمممر‬
‫في جميع كتبه وأوحى إلى جميع النبياء وأوصاهم بحرمة الوالدين ومعرفممة‬
‫حقهما‪ ،‬وجعل رضاه في رضا الوالدين وسخطه في سخطهما‪ .‬ويقال ثلث‬
‫آيات نزلت مقرونة بثلث ل يقبممل الل ّممه واحممدة منهممن بغيممر قرينتهمما‪ .‬أّولهمما‪:‬‬
‫ة{ فمن صلى ولم يممؤد الزكمماة لممم‬ ‫صلة َ َوآُتوا الّز َ‬
‫كا َ‬ ‫َ‬
‫موا ال ّ‬ ‫قوله تعالى }وَأِقي ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل{‬ ‫سممو َ‬ ‫طيعُمموا الل ّممه وَأ ِ‬
‫طيعُمموا الّر ُ‬ ‫تقبل منه الصلة والثاني قوله تعممالى‪} :‬وَأ ِ‬
‫َ‬
‫فمن أطاع الّله ولم يطع الرسول لم يقبل منه‪ .‬والثالث قمموله تعممالى‪} :‬أ ْ‬
‫ن‬
‫صيُر{ فمن شكر الل ّممه ولممم يشممكر لوالممديه لممم‬ ‫م ِ‬ ‫ك إ ِل َ ّ‬
‫ي ال َ‬ ‫شك ُْر ِلي وَل ِ َ‬
‫وال ِد َي ْ َ‬ ‫ا ْ‬
‫يقبل منه‪.‬‬
‫والدليل على ذلك ما روي عن رسول الّله قال "إن لعنة الوالدين تبممتر‪ :‬أي‬
‫تقطع‪ .‬أصل ولدهما إذا عقهما فمن أرضى والديه فقد أرضممى خممالقه ومممن‬
‫أسخط والديه فقد أسخط خالقه ومن أدرك والديه أو أحدهما فلممم يبرهممما‬
‫فدخل النار فأبعده الله" وسئل النبي صلى الّله عليممه وسمملم "أي العمممال‬
‫أفضل؟ قال الصلة لوقتها ثم بّر الوالدين ثم الجهاد في سبيل الله"‪ .‬وعممن‬
‫فرقد‬

‫]ص ‪[63‬‬
‫السيخي قال‪ :‬قرأت في بعض الكتب‪ :‬إنه ل ينبغي للولد أن يتكلم إذا شممهد‬
‫والديه إل ّ بإذنهما‪ ،‬ل يمشي ببين يديهما ول عن يمينهما ول عن شمالهما إل ّ‬
‫أن يدعواه فيجيبهما‪ ،‬ولكن يمشي خلفهما كما يمشممي العبممد خلممف ممموله‪.‬‬
‫وذكر أن رجل ً جاء إلى النبي صلى الّله عليه وسلم فقال يا رسول الّلممه إن‬
‫أمي خرفت عندي وأنا أطعمها بيدي وأسقيها وأوضئها وأحملها على عاتقي‬
‫فهل جازيتها؟ قال ل ول واحدة من مممائة ولكنممك قممد أحسممنت واللممه يثيبممك‬
‫على القليل كممثيرًا" وروى هشممام ابممن عممروة عممن أبيممه قممال‪ :‬مكتمموب فممي‬
‫الحكمة ملعون من لعن أبمماه ملعمون ممن لعممن أمممه ملعممون ممن صمد ّ عمن‬
‫السبيل أو أضل العمى عن الطريق‪ ،‬ملعون من ذبح بغير اسم الّله ملعون‬
‫من غير تخوم الرض يعني الحد الذي بين أرضه وأرض غيره‪ ،‬ويقممال يعنممي‬
‫علمات الحرم‪ ،‬ومعنى قوله لعن أباه ولعن أمه يعني عمممل عمل ً يلعممن بممه‬
‫أبواه فيصير كأنه هو الذي لعنهما‪ .‬وروي عن رسول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم أنه قال "إن من أكممبر الممذنب أن يسممب الرجممل والممديه قيممل وكيممف‬
‫يسب والديه؟ قال يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه" وروى أبان عن‬
‫أنس بن مالك رضي الّله تعالى عنه قال "كان شاب على عهد رسول الّلممه‬
‫صلى الّله عليه وسلم يسمى ع َْلقمة وكان شممديد الجتهمماد عظيممم الصممدقة‬
‫فمرض فاشتد مرضه‪ ،‬فبعثت امرأته إلى رسول الله صلى الّله عليه وسلم‬
‫أن زوجي في النزع فأردت أن أعلمك بحاله‪ ،‬فقال رسول الّلمه صملى الل ّممه‬
‫ي وسمملمان وعمممار اذهبمموا إلممى علقمممة فممانظروا ممما‬ ‫عليه وسلم لبلل وعل ّ‬
‫حاله‪ ،‬فانطلقوا حتى دخلوا عليه فقمالوا لمه قمل ل إلمه إل ّ الّلمه فلمم ينطمق‬
‫لسانه فلما أيقنوا أنه هالك بعثوا بلل ً إلى رسول الّله صلى الّله عليه وسلم‬
‫ليخبره بحاله‪ ،‬فقال رسول الّله صلى الّله عليه وسلم هل له أبوان؟ فقيممل‬
‫له أما أبوه فقد ممات ولمه أم كمبيرة السمن‪ ،‬فقمال يما بلل انطلمق إلمى أم‬
‫علقمة فأقرئها مني السلم وقل لها إن قممدرت علممى المسممير إلممى رسممول‬
‫الّله صلى الّله عليه وسلم وإل فقري حممتى يأتيممك رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فأخبرها فقالت نفسي لنفسه الفداء أنمما أحممق بإتيممانه فأخممذت‬
‫العصا فمشت حتى دخلت على رسول الّله صلى الّله عليه وسلم‪ ،‬فلما أن‬
‫سلمت عليه رد ّ عليها السلم فجلست بين يدي رسول الّله صلى الّله عليه‬
‫وسلم فقال اصدقيني فإن كذبتيني جاءني الوحي من الّله تعالى كيف كممان‬
‫حال لعلقمة؟ قالت يا رسول الّله كممان يصمملي كممذا يمموم ويصمموم كممذا يمموم‬
‫وكان يتصدق بجملة من الدراهم ما يدري كم وزنهمما وممما عممددها قممال فممما‬
‫حالك وحاله؟ قالت يا رسول الّله إني عليه سمماخطة واجممدة قممال لهمما ولممم‬
‫ذلك؟ قالت كان يؤثر امرأتممه علممي يطيعهمما فممي الشممياء ويعصمميني‪ ،‬فقممال‬
‫رسول الّله صلى الّله عليه وسلم سخط أمه‪ .‬حجب لسانه عممن شممهادة أن‬
‫ل إله إل ّ الله‪ ،‬ثم قال لبلل انطلق واجمع حطب ما ً كممثيرا ً حممتى أحرقممه بالنممار‬
‫فقالت يا رسول الّله ابنممي وثمممرة فممؤادي تحرقممه بالنممار بيممن يممديّ فكيممف‬
‫يحتمل قلبي‪ ،‬فقال لها رسول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه وسمملم يمما أم علقمممة‬
‫فعذاب الّله أشد وأبقى فإن سرك أن يغفر الّله لممه فارضممي عنممه‪ ،‬فوالممذي‬
‫نفسي بيده ل تنفعه الصملة ول الصمدقة مما دمممت عليمه سمماخطة فرفعممت‬
‫يديها وقالت يا رسول الله‬

‫]ص ‪[64‬‬
‫أشهد الّله في سمائه وأنت يا رسول الله ومن حضرني أني قد رضيت عن‬
‫ّ‬
‫علقمة‪ ،‬فقال رسول الّله صلى الّله عليه وسلم انطلق يمما بلل فممانظر هممل‬
‫يستطيع علقمة أن يقول ل إله إل ّ الّله فلعممل أم علقمممة تكلمممت بممما ليممس‬
‫في قلبها حياء من رسول الّله صلى الّله عليممه وسمملم‪ ،‬فممانطلق بلل فلممما‬
‫انتهى إلى الباب سمع علقمة يقول ل إله إل ّ الله‪ ،‬فلما دخل قممال يمما هممؤلء‬
‫م علقمة حجب لسانه عممن الشممهادة وإن رضمماها أطلممق لسممانه‬ ‫إن سخط أ ّ‬
‫فمات من يومه‪ ،‬فأتاه رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه وسمملم فممأمر بغسممله‬
‫وتكفينه وصلى عليه‪ ،‬ثم قام على شفير القبر وقال‪ :‬يا معشممر المهمماجرين‬
‫ضل زوجته على أمه فعليه لعنة الّله ول يقبل منه صممرف ول‬ ‫والنصار من ف ّ‬
‫عدل يعني الفرائض والنوافل"‪ .‬وروي عن ابن عباس رضي الّله عنهما فممي‬
‫سمانًا{ يعنمي أممر‬ ‫قوله تعالى }وقَضى رب َ َ‬
‫ح َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫واِلمد َي ْ ِ‬ ‫دوا إ ِل ّ إ ِّياه ُ وَِبال َ‬ ‫ك أل ّ ت َعْب ُ ُ‬ ‫َ ّ‬ ‫َ َ‬
‫ربك أن ل توحدوا غير الله تعالى ويقال أن ل تعبدوا إل ّ إياه يعني ل تطيعمموا‬ ‫ّ‬
‫أحدا ً في المعصية لكن أطيعوا الّله فيما يأمركم به وبالوالدين إحسانا يعني‬
‫ما أ َْو‬ ‫ح مد ُهُ َ‬
‫َ‬
‫ك الك ِب ََر{ يعنممي الهممرم }أ َ‬ ‫عن ْد َ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ما ي َب ْل ُغَ ّ‬ ‫بّرا ً بهما وعطفا ً عليهما }إ ِ ّ‬
‫ُ‬
‫ف{ يعنممي ل‬ ‫ممما أ ّ‬ ‫ل ل َهُ َ‬ ‫قم ْ‬ ‫ممما{ يعنممي أحممد البمموين أو كل البمموين }َفل ت َ ُ‬ ‫كلهُ َ‬ ‫ِ‬
‫تقذرهما ول تقل لهما قول ً رديئًا‪ ،‬ويقال معناه إذا كبر البمموان واحتاجمما إلممى‬
‫رفع بولهما وغائطهما فل تأخذ بأنفك عند ذلك ول تعبس بوجهك فإنهممما قممد‬
‫رفعما ذلمك منمك فممي حالمة صمغرك ورأيمما ذلمك منمك كمثيرا‪ ،‬ثممم قمال }َول‬
‫ريمًا{ يعني لينا ً حسنا‬ ‫ما قَوْل ً ك َ ِ‬ ‫ل ل َهُ َ‬‫ما{ يعني ل تغلظ لهما القول }وَقُ ْ‬ ‫ت َن ْهَْرهُ َ‬
‫ل‬‫ة{ يعني كن ذليل ً رحيما ً عليهما }وَقُ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬‫ن الّر ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ح الذ ّ ّ‬ ‫جَنا َ‬‫ما َ‬ ‫ض ل َهُ َ‬‫ف ْ‬ ‫خ ِ‬‫}َوا ْ‬
‫ما{ يعني إذا ماتا فادع لهما بالمغفرة‪.‬‬ ‫مهُ َ‬‫ح ْ‬
‫ب اْر َ‬ ‫ّر ّ‬
‫يعني يجب على الولد أن يعرف حق الوالدين في حياتهما ويعرف حقهما‬
‫ب‬ ‫ل ّر ّ‬ ‫بعد موتهما فيدعو لهما بالمغفرة على أَثر كل صلة‪ ،‬ويقال وقل }وَقُ ْ‬
‫ممما‬ ‫ما{ يعني يدعو لهما بالمغفرة في حال حياتهممما وبعممد موتهممما }ك َ َ‬ ‫مه ُ َ‬ ‫ح ْ‬
‫اْر َ‬
‫ي في حال صغري حتى كممبرت فاجزهممما عنممي‬ ‫صِغيرًا{ كما قاما عل ّ‬ ‫َرب َّياِني َ‬
‫بالمغفرة لهما‪ .‬وروي عن بعض التابعين رضي الّله عنهم أنه قال‪ :‬من دعمما‬
‫َ‬
‫دى حقهما لن الل ّممه تعممالى قممال }أ ْ‬
‫ن‬ ‫لبويه في كل يوم خمس مرات فقد أ ّ‬
‫صيُر{ فشكر الّله تعالى أن يصلي في كممل يمموم‬ ‫م ِ‬ ‫ي ال َ‬ ‫ك إ ِل َ ّ‬‫وال ِد َي ْ َ‬‫شك ُْر ِلي وَل ِ َ‬ ‫ا ْ‬
‫خمس مرات وكذلك شممكر الوالممدين أن يممدعو لهممما فممي كممل يمموم خمممس‬
‫مرات‪ ،‬ثم قال }ربك ُ َ‬
‫م{ يعني عالم بما فممي قلمموبكم‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫فو ِ‬ ‫ما ِفي ن ُ ُ‬ ‫م بِ َ‬ ‫م أع ْل َ ُ‬ ‫َ ّ ْ‬
‫ن{ يعنممي إن تكونمموا بممارين‬ ‫حي َ‬ ‫صممال ِ ِ‬‫كون ُمموا َ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫مممن الليممن والممبّر للبمموين }إ ِ ْ‬
‫فممورًا{‬ ‫َ‬
‫ن غَ ُ‬‫ن ل ِلّواِبيم َ‬ ‫ه ك َمما َ‬ ‫بالوالدين فتستوجبوا على الل ّممه بممذلك الجممر }فَمإ ِن ّ ُ‬
‫ن{‬ ‫يعني إن تركتم حق الوالدين فتوبوا إلى الّله تعممالى }فَ مإن ّه ك َمما َ َ‬
‫ن ل ِلّواِبي م َ‬ ‫ِ ُ‬
‫فورًا{‪.‬‬ ‫يعني الرجاعين عن الذنوب }غ َ ُ‬
‫ويقال للوالدين علممى الولممد عشممرة حقموق‪ .‬أحممدها‪ :‬أنممه إذا احتمماج إلممى‬
‫الطعام أطعمه‪ .‬والثاني إذا احتاج إلى الكسوة كساه إن قدر عليممه‪ ،‬وهكممذا‬
‫روى عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم في تفسير‬

‫]ص ‪[65‬‬
‫معُْروفًا{ فقال المصمماحبة بممالمعروف أن‬ ‫ما ِفي الد ّن َْيا َ‬ ‫حب ْهُ َ‬
‫صا ِ‬
‫قوله تعالى }وَ َ‬
‫يطعمهممما إذا جاعمما ويكسمموهما إذا عريمما‪ .‬والثممالث إذا احتمماج أحممدهما إلممى‬
‫خدمته خدمه‪ .‬والرابممع إذا دعمماه أجمابه وحضممره‪ .‬والخمامس إذا أمممره بمأمر‬
‫أطاعه ما لم يأمر بالمعصية والغيبممة‪ .‬والسممادس أن يتكلممم معممه بمماللين ول‬
‫يتكلم معه بالكلم الغليظ‪ .‬والسابع أن ل يدعوه باسمه‪ .‬والثامن أن يمشممي‬
‫خلفه‪ .‬والتاسع أن يرضى له ما يرضى لنفسه ويكره لممه ممما يكممره لنفسممه‪.‬‬
‫والعاشر أن يدعو له بالمغفرة كلما يدعو لنفسه قال الّله تعالى حكاية نوح‬
‫ي{ وهكممذا عممن إبراهيممم عليممه‬ ‫وال ِمد َ ّ‬
‫فْر ِلي وَل ِ َ‬ ‫ب اغ ْ ِ‬ ‫عليه الصلة والسلم }َر ّ‬
‫م‬
‫ن َيموْ َ‬
‫مِني َ‬ ‫واِلمد َيّ وَل ِل ْ ُ‬
‫ممؤ ْ ِ‬ ‫عاِء‪َ ،‬رب َّنا اغ ْ ِ‬
‫فْر ِلمي وَل ِ َ‬ ‫ل دُ َ‬ ‫قب ّ ْ‬
‫الصلة والسلم }َرب َّنا وَت َ َ‬
‫ب{ يعني يوم القيامة‪.‬‬ ‫سا ُ‬
‫ح َ‬
‫م ال ِ‬
‫قو ُ‬
‫يَ ُ‬
‫ّ‬
‫وروى عن بعض الصحابة رضي الله تعممالى عنممه أنممه قممال‪ :‬تمرك الممدعاء‬
‫للوالدين يضيق العيش عن الولد‪ ،‬وهممل يمكنممه أن يرضمميهما بعممد وفاتهممما؟‬
‫قيل له بلى يرضيهما بثلثة أشياء‪ .‬أولهما أن يكون الولد صالحا ً فممي نفسممه‬
‫لنه ل يكممون شمميء أحممب إليهممما مممن صمملحه‪ .‬والثمماني أن يصممل قرابتهممما‬
‫وأصدقائهما‪ .‬والثالث أن يستغفر لهما ويممدعو لهممما ويتصممدق عنهممما‪ .‬وروى‬
‫العلء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريممرة رضممي الل ّممه تعممالى عنممه أن‬
‫النبي صلى الّله عليه وسلم قممال "إذا مممات ابممن آدم انقطممع عملممه إل ّ عممن‬
‫ثلث‪ :‬صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو لممه بممالمغفرة" وعممن‬
‫النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال "ل تقطع من كان يصل أبمماك فتطفممئ‬
‫دك ود ّ أبيممك"‪ .‬وذكممر أن رجل ً مممن بنممي سمملمة جمماء إلممى‬
‫بذلك نورك فإن و ّ‬
‫النبي صلى الّله عليه وسلم فقال "إن أبويّ قد ماتا فهممل بقممي مممن برهممما‬
‫ي شيء قال نعم‪ :‬الستغفار لهما وإنقاذ عهدهما وإكرام صديقهما وصلة‬ ‫عل ّ‬
‫الرحم التي ل توصل إل ّ بهما"‪ .‬والله سبحانه وتعالى أعلم‪.‬‬

‫باب حق الوالد على الولد‬


‫)قال الفقيه( أبو الليث رحمه الّله تعالى‪ :‬حدثنا محمد بن الفضممل قممال‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن جعفر قال‪ :‬حدثنا إبراهيم بن يوسف قال حدثنا أبممو معاويممة‬
‫عن حسن بن عمارة عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلممى عممن عيسممى‬
‫بن طلحة عن أبي هريرة رضي الّله تعالى عنمه أن النممبي صملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم قال‪" :‬من حق الوالد على الولممد ثلثممة أشممياء‪ :‬أن يحسممن اسمممه إذا‬
‫ولد‪ ،‬ويعلمه الكتاب إذا عقممل‪ ،‬ويزوجممه إذا أدرك"‪ .‬وروى عممن عمممر رضممي‬
‫الّله تعالى عنه أن رجل ً جاء إليه بممابنه فقممال‪ :‬إن ابنممي هممذا يقضممي‪ ،‬فقممال‬
‫عمر رضي الّله تعالى عنه للبن أما تخاف الّله في عقوق والدك فممإن مممن‬
‫حق الوالد كذا ومن حق الوالد كذا‪ .‬فقال البن يا أمير المؤمنين‪ :‬أما للبممن‬
‫على والده حق؟ قال نعم حقه أن يستنجب أمه يعني ل يتزوج امممرأة دنيئة‬
‫لكيل يكون للبن تعيير بها‪ .‬قال‪ ،‬ويحسن اسمه ويعلمه الكتاب‪ ،‬فقال البن‬

‫]ص ‪[66‬‬
‫فوالله ما استنجب أمممي ومما همي إل ّ سممندية اشممتراها بأربعممائة درهممم ول‬
‫حسن اسمي سماني جعل ً ذكممر الخفمماش‪ ،‬ول علمنممي مممن كتمماب الل ّممه أيممة‬
‫واحدة‪ ،‬فالتفت عمر رضممي الل ّممه تعممالى عنممه إلممى الب وقممال تقممول ابنممي‬
‫يعقني فقد عققته قبل أن يعقك قم عني‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحممه الّلمه تعمالى‪ :‬سممعت أبمي يحكمي عمن أبمي حفمص‬
‫اليسكندي وكان من علماء سمرقند أنه أتاه رجل فقممال‪ :‬إن ابنممي ضممربني‬
‫وأوجعني قال سبحان الّله البن يضرب أبمماه؟ قممال نعممم ضممربني وأوجعنممي‬
‫فقال هل علمته الدب والعلم؟ قال ل‪ ،‬فهممل علمتممه القممرآن؟ قممال ل قممال‬
‫فأي عمل يعمل؟ قال الزراعة‪ ،‬قال هل علمت لي شيء ضممربك؟ قممال ل‪،‬‬
‫قال فلعله حين أصبح وتوجه إلى الزرع وهو راكممب علممى الحمممار والممثيران‬
‫بين يديه والكلب من خلفه وهو ل يحسن القرآن فتغنى وتعرضممت لممه فممي‬
‫ذلك الوقت فظن أنك بقرة فاحمد الّله حيث لم يكسر رأسك‪ .‬وعممن ثممابت‬
‫البناني رحمه الّله تعالى أنه قال‪ :‬روي أن رجل ً كان يضرب أباه في موضممع‬
‫فقيل له ما هذا‪ .‬فقممال الب خلمموا عنممه فممإني كنممت أضممرب أبممي فممي هممذا‬
‫الموضع فابتليت بابني يضربني في هذا الموضممع هممذا بمذاك ول لموم عليممه‪.‬‬
‫قال بعض الحكماء‪ :‬من عصى والديه لم يره السرور مممن ولممده‪ :‬ومممن لممم‬
‫يستشر في المور لم يصمل إلمى حماجته‪ ،‬وممن لمم يمدار أهلمه ذهبمت لمذة‬
‫عيشه‪ .‬وروى الشعبي عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال "رحممم الل ّممه‬
‫والدا ً أعان ولده على بّره" يعني ل يأمره بأمر يخمماف منممه أن يعصمميه فيممه‪.‬‬
‫وروي عن بعض الصالحين أنه كان ل يأمر ابنه بممأمر‪ ،‬وكممان إذا احتمماج إلممى‬
‫شيء يأمر غيره فسئل عن ذلك؟ فقال إني أخاف أني لو أمرت ابني بذلك‬
‫يعصيني في ذلك فيستوجب النار وأنا ل أحرق ابني بالنار‪ .‬وروي عن خلممف‬
‫ابن أيموب نحمو همذا‪ ،‬وقمال الفضمميل بمن عيماض رحممه الّلمه تعمالى‪ :‬تممام‬
‫المروءة من بّر والديه ووصل رحمه وأكرم إخوانه‪ ،‬وحسن خلقممه مممع أهلممه‬
‫وولده وخدمه‪ ،‬وأحرز دينه وأصلح مماله وأنفممق ممن فضممله‪ ،‬وحفممظ لسممانه‬
‫ولزم بيته‪ :‬يعني يكون مقبل ً على عمله ول يجلس مع أهل الفضممول‪ .‬وروي‬
‫عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنه قال "أربع من سعادة المممرء‪ :‬أن‬
‫تكون زوجته صالحة‪ ،‬وأولده أبرارا ً إن وخلطاؤه صالحين‪ ،‬وأن يكون رزقممه‬
‫في بلده"‪ .‬وروى يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك رضي الل ّممه تعممالى عنممه‬
‫قال‪ :‬سبع يؤجر فيهن من بعممده‪ :‬مممن بنممى مسممجدا ً فلممه أجممره ممادام أحممد‬
‫يصلي فيه‪ ،‬ومن أجرى نهرا ً فمادام يجري فيمه المماء ويشمرب منمه النمماس‬
‫كان له أجره‪ ،‬ومن كتب مصحفا ً وأحسنه كان له أجره مادام يقرأ فيه أحد‪،‬‬
‫ومن استخرج عينا ً ينتفع بمائها كان له أجرها ما بقيت‪ ،‬ومممن غممرس غرسما ً‬
‫كان له أجره فيما أكل الناس منه والطير‪ ،‬ومن علم علما ً كذلك‪ ،‬ومن ترك‬
‫ولدا ً يستغفر له ويدعو له من بعده‪ :‬يعني إذا كان الولد صالحًا‪ .‬وقممد علمممه‬
‫الب القرآن والعلم فيكون أجره لوالده من غير أن ينقممص مممن أجممر ولممده‬
‫شيء‪،‬‬

‫]ص ‪[67‬‬
‫فإذا كان الوالد ل يعلمه القرآن ويعلمه طريق الفسق يكون وزره على أبيه‬
‫من غير أن ينقص من وزر ولده شيء‪ .‬وروي عن أبممي هريممرة رضممي الل ّممه‬
‫تعالى عنه عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال "إذا مات العبممد انقطممع‬
‫عمله إل ّ من ثلث‪ :‬صدقة جارية‪ ،‬وعلممم ينتفممع بممه‪ ،‬أو ولممد صممالح يممدعو لممه‬
‫بخير"‪.‬‬

‫باب صلة الرحم‬


‫ّ‬
‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رضممي اللممه تعممالى عنممه‪ :‬حممدثنا أبممو‬
‫القاسم عبد الرحمن بن محمد قال‪ :‬حدثنا فارس بممن مردويممه قممال‪ :‬حممدثنا‬
‫محمد بن الفضل قال‪ :‬حدثنا محمد بن عبيد الطنافسي عن عمر بن عثمان‬
‫عن موسى بن طلحة عن أبي أيوب رضي الل ّممه تعممالى عنممه قممال‪" :‬عممرض‬
‫أعرابي بالنبي صلى الّله عليه وسلم فأخذ بزمام ناقته أو خطامها ثممم قممال‬
‫يا رسول الّله أخبرني بما يقربني من الجنمة ويباعممدني ممن النمار؟ قممال أن‬
‫تعبد الّله ول تشرك به شيئًا‪ ،‬وتقيم الصمملة وتممؤتي الزكمماة وتصممل الرحممم"‬
‫قال‪ :‬حدثنا الحاكم أبو الحسن علي السردري قممال‪ :‬حممدثنا أبممو محمممد عبممد‬
‫الّله ابن الحوص قال حدثنا الحسين بممن علممي بممن عفممان قممال‪ :‬حممدثنا أبممو‬
‫محمد عبد الّله ابن الحوص قال حدثنا الحسين بممن علممي بممن عفممان قممال‪:‬‬
‫حدثنا هانئ بن سعيد النخعي عن سلمان ابن يزيمد عمن عبمد الّلمه بمن أبمي‬
‫أوفى رضي الّله تعالى عنه قال "كنا جلوسا ً عشية عرفة عنممد رسممول الل ّممه‬
‫صلى الّله عليه وسلم فقال النبي صلى الّله عليممه وسمملم ل يجالسممني مممن‬
‫أمسى قاطع الرحم ليقم عنا فلم يقم أحد إل ّ رجل كان من أقصى الحلقممة‬
‫فمكث غير بعيد ثم جاء‪ ،‬فقال له رسول الّله صلى الّله عليممه وسمملم مالممك‬
‫لم يقم أحد من الحلقة غيرك؟ قال يا نبي الّله سممعت الممذي قلمت فمأتيت‬
‫خالة لي كانت تصارمني‪ :‬أي تقاطعني‪ ،‬فقالت ما جاء بك ما هذا من دأبممك‬
‫فأخبرتها بالذي قلت فاستغفرت لي واستغفرت لها‪ ،‬فقال النبي صلى الل ّممه‬
‫عليه وسلم أحسنت اجلس أل إن الرحمة ل تنممزل علممى قمموم فيهممم قمماطع‬
‫رحم"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعمالى‪ :‬فممي الخممبر دليممل قمماطع علممى أن قطممع‬
‫الرحم ذنب عظيم لنه يمنع الرحمة عنه وعمن كان جليسه فالواجب علممى‬
‫المسلم أن يتوب من قطع الرحم ويستغفر الل ّممه تعممالى ويصممل رحمممه لن‬
‫النبي صلى الّله عليه وسلم بين في هذا الخبر الّول أن صلة الرحم تقممرب‬
‫العبد من رحمته وتباعده من النار‪ .‬وروى عن رسول الّله صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم أنه قال "ما من حسنة أعجل ثوابا ً من صمملة الرحممم‪ ،‬وممما مممن ذنممب‬
‫أجدر أن يعجل الّله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر في الخممرة مممن‬
‫البغي وقطيعة الرحم"‪ .‬قال حدثنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد قممال‪:‬‬
‫حدثنا فارس بن مردويه قال حدثنا محمد بن الفضممل قممال حممدثنا يزيممد بممن‬
‫هرون قال الحجاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عممن جممده قممال‬
‫"جاء رجل إلى النبي صلى الل ّممه عليممه وسمملم فقممال‪ :‬إن لممي أرحامما ً اصممل‬
‫ويقطعوني وأعفو ويظلموني وأحسممن ويسمميئوني أفأكممافئهم؟ قممال‪ :‬ل إذن‬
‫تشتركون جميعا ً ولكن خذ بالفضل وصلهم فإنه لن يممزال معممك ظهيممر مممن‬
‫الله‬

‫]ص ‪[68‬‬
‫ما كنمت علمى ذلمك"‪ .‬ويقمال ثلثمة ممن أخلق أهمل الجنمة ل توجمد إل ّ فمي‬
‫الكريم‪ :‬الحسان إلى المسيء‪ ،‬والعفو عمن ظلمممه‪ ،‬والبممذل لمممن حرمممه‪.‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا أبو القاسم قال حممدثنا فممارس قممال‪ :‬حممدثنا محمممد قممال‪ :‬حممدثنا‬
‫أصرم بن حوشب عن أبي سنان عن الضحاك بن مزاحم فممي تفسممير هممذه‬
‫ت{ قال‪ :‬إن الرجل ليصل رحمممه وقممد بقممي‬ ‫شاُء وَي ُث ْب ِ ُ‬‫ما ي َ َ‬‫حوا الّله َ‬ ‫م ُ‬
‫الية }ي َ ْ‬
‫من عمره ثلثة أيام فيزيد الّله في عمره ثلثيممن سممنة‪ ،‬وإن الرجممل ليقطممع‬
‫رحمه وقد بقي من عمره ثلثون سنة فيحطه الّله إلى ثلثة أيام‪.‬‬
‫وروى ثوبان عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنه قال "ل يرد ّ القدر‬
‫إل ّ الدعاء‪ ،‬ول يزيد في العمممر إل ّ الممبّر‪ ،‬وإن الرجممل ليحممرم الممرزق بالممذنب‬
‫يصيبه"‪ .‬وعن ابن عمر رضي الّله تعالى عنهما قال‪ :‬من اتقممى ربممه ووصممل‬
‫رحمه أنسئ له في عمره يعني يزاد في عمره‪ ،‬وثرى له ممماله يعنممي كممثر‪،‬‬
‫وأحبه أهله‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬قد اختلفوا في زيادة العمر فقال بعضهم‬
‫الخبر على ظاهره أن من وصل رحمه يزاد في عمره‪،‬وقال بعضهم ل يممزاد‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫خُرو َ‬ ‫سممت َأ ِ‬
‫م ل يَ ْ‬ ‫جل ُهُ ْ‬
‫جاَء أ َ‬‫ذا َ‬‫في الجل الذي أجل له لن الّله تعالى قال }فَإ ِ َ‬
‫ن{ ولكن معنى زيادة العمر أن يكتممب ثمموابه بعممد ممموته‬ ‫مو َ‬ ‫قد ِ ُ‬
‫ست َ ْ‬
‫ة َول ي َ ْ‬ ‫ساع َ ً‬ ‫َ‬
‫وإذا كتب له ثوابه بعد موته فكأنه يزيد في عمره‪ .‬وروى سممعيد عممن قتممادة‬
‫أنه قال‪ :‬ذكر لنا أن النبي صلى الّله عليممه وسمملم قممال "اتقمموا الل ّممه وصمملوا‬
‫الرحم فإنه أبقى لكم في الدنيا وخير لكم في الخرة"‪ .‬وكان يقال‪ :‬إذا كان‬
‫لك قريب فلم تمش إليه برجلك ولمم تعمط ممن مالمك فقمد قطعتمه‪ .‬وفمي‬
‫بعض الصحف مما أنزل الّله تعممالى‪ :‬يمما ابممن آدم صممل رحمممك بمالممك فممإن‬
‫ل مالك فامش إليه برجلك‪ .‬وقال النبي صمملى الل ّممه عليممه‬ ‫بخلت بمالك أو ق ّ‬
‫وسلم صلوا أرحامكم ولو بالسلم"‪ .‬وقال ميمممون بممن مهممران ثلثممة أشممياء‬
‫الكافر والمسلم فيهن سواء‪ :‬مممن عاهممدته ثممق لممه بعهممدك مسمملما ً كممان أو‬
‫كافرا ً فإما العهد لله‪ ،‬ومن كانت بينممك وبينممه قرابممة فصممله مسمملما ً كممان أو‬
‫كافرًا‪ ،‬ومن ائتمنك على أمانة فأدها له مسلما ً كممان أو كممافرًا‪ .‬وقممال كعممب‬
‫الحبار‪ :‬والذي فلق البحر لموسى عليه الصلة والسلم وبنى إسممرائيل إنممه‬
‫مكتوب في التوراة‪ :‬اتق ربك وبمّر والممديك وصممل رحمممك أممد ّ فممي عمممرك‬
‫وأيسرك في يسمرك وأصممرف عنممك عسمرك‪ .‬وقمد أممر الل ّممه تعمالى بصملة‬
‫ه‬
‫ن ب ِم ِ‬ ‫سمماَءُلو َ‬ ‫ذي ت َت َ َ‬ ‫قمموا الل ّممه ال ّم ِ‬ ‫الرحممم فممي مواضممع مممن كتممابه فقممال }َوات ّ ُ‬
‫م{ يعني اخشوا الّله الممذي تسمماءلون بممه الحاجممات والرحممام يعنممي‬ ‫حا َ‬‫َوال َْر َ‬
‫قْرَبمى‬ ‫ذا ال ُ‬ ‫ت َ‬ ‫اتقوا الرحام فصلوها ول تقطعوها وقمال فمي آيمة أخمرى }َوآ ِ‬
‫ْ‬
‫ن الّله ي َأ ُ‬
‫مُر‬ ‫ه{ يعني أعطه حقه من الصلة والبر‪ ،‬وقال في آية أخرى }إ ِ ّ‬ ‫ق ُ‬
‫ح ّ‬ ‫َ‬
‫ن{ يعنممي بالتوحيممد وهممو شممهادة أن ل إلممه إل ّ اللممه‪ ،‬ويممأمر‬ ‫سمما ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ل َوال ِ ْ‬ ‫ِبالعَد ْ ِ‬
‫قْرب َممى{ يعنممي يمأمر‬ ‫بالحسان يعني إلى الناس والعفو عنهم‪} ،‬وَِإيت َمماِء ِذي ال ُ‬
‫بصلة الرحم‪ ،‬فأمر بثلث أشياء منهم ثم نهممى عممن ثلثممة أشممياء فقممال ع مّز‬
‫منك َ ِ‬
‫ر‬ ‫شاِء َوال ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ف ْ‬‫ن ال َ‬ ‫وجل }وَي َن َْهى ع َ ْ‬

‫]ص ‪[69‬‬
‫ي{ الفحشمماء المعاصممي والمنكممر ممما ل يعممرف فممي شممريعة ول سممنة‬ ‫وَالب َغْ ِ‬
‫م{ يعني يأمركم بهذه الشياء الثلثممة‬ ‫والبغي الستطالة على الناس }ي َعِظ ُك ُ ْ‬
‫ن{ يعنممي لكممي تتعظمموا‪ .‬وروي عممن‬ ‫م ت َذ َك ُّرو َ‬ ‫وينهاكم عن هذه الثلثة }ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫عثمان بن مظعون رضي الّله تعالى عنه أنه قال‪ :‬كممان رسممول الل ّممه صمملى‬
‫الّله عليه وسلم صديقا ً لي وما أسلمت إل ّ حياء من رسول الّله صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم لنه كان يدعوني إلى الّله فأسلمت ولممم يكممن يسممتقر السمملم‬
‫في قلبي فجلست عنده يوما ً يحدثني إذ أعممرض عنممي فكممأنه يحممدث أحممدا ً‬
‫ي جبريل عليه الصلة والسلم فقرأ هممذه‬ ‫ي فقال نزل عل ّ‬ ‫عل ّ‬ ‫بجنبه ثم أقبل‬
‫ْ‬
‫قْرب َممى{ اليممة فسممررت‬ ‫ن وَِإيت َمماِء ِذي ال ُ‬ ‫سمما ِ‬ ‫ح َ‬‫ل َوال ِ ْ‬ ‫مُر ِبالعَمد ْ ِ‬ ‫ن الّله ي َأ ُ‬
‫الية }إ ِ ّ‬
‫بذلك واستقر السلم في قلبي فقمت مممن عنممده وأتيممت عمممه أبمما طممالب‬
‫فقلت له كنت عند ابن أخيك فأنزلت عليه هذه الية‪ ،‬فقال أبو طالب تابعوا‬
‫محمدا ً تفلحوا وترشدوا‪ ،‬والله إن ابن أخي يممأمر بمكممارم الخلق لئن كممان‬
‫صادقا ً أو كاذبا ً ل يدعوكم إل ّ إلى الخير‪ ،‬فبلمغ ذلممك النممبي صملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم فطمع في إسلمه فممأتى إليممه ودعمماه إلممى السمملم فممأبى أن يسمملم‬
‫ك ل تهدي م َ‬
‫شاُء{ فقد‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬‫دي َ‬ ‫ن الّله ي َهْ ِ‬
‫ت وَل َك ِ ّ‬ ‫حب َب ْ َ‬
‫نأ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َْ ِ‬ ‫فنزلت هذه الية }إ ِن ّ َ‬
‫ل‬ ‫ذكر الّله عز وجل في هذه الية صلة الرحم‪ ،‬وقممال فممي آيممة أخممرى }فَهَم ْ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫م‪ ،‬أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك ال ّم ِ‬ ‫مك ُ ْ‬
‫حمما َ‬
‫َ‬
‫قط ّعُمموا أْر َ‬ ‫ض وَت ُ َ‬ ‫َ‬
‫دوا َ ِفي الْر ِ‬ ‫س ُ‬‫ف ِ‬ ‫ن تُ ْ‬ ‫مأ ْ‬
‫ع َسيتم إن تول ّيت َ‬
‫َ ُْ ْ ِ ْ َ َ ُْ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م{ يعني الذين يقطعون الرحم‪ ،‬ويقممال‬ ‫صاَرهُ ْ‬ ‫مى أب ْ َ‬ ‫م وَأع ْ َ‬ ‫مه ُ ْ‬‫ص ّ‬‫م الّله فَأ َ‬ ‫ل َعَن َهُ ْ‬
‫إن الّله تعالى لما خلق الرحم قممال‪ :‬أنمما الرحمممن وأنممت الرحممم أقطممع مممن‬
‫قطعك وأوصل من وصمملك‪ .‬وذكمر أن الرحمم معلمق بمالعرش ينمادي الليمل‬
‫والنهار‪ :‬يا رب صل من وصلني فيك واقطع من قطعني فيك‪ .‬قال الحسممن‬
‫البصري رحمه الّله تعالى‪ :‬إذا أظهر النمماس العلممم وضمميعوا العمممل وتحممابوا‬
‫باللسن تباغضوا بالقلوب وتقاطعوا بالرحام لعنهم الل ّممه فأصمممهم وأعمممى‬
‫أبصارهم‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ ،‬حدثني أبممي قممال‪ :‬حمدثنا محممد بمن‬
‫حمزة أبو الحسين الفراء الفقيه قال‪ :‬حدثنا أبو بكر الطوسمي حمدثنا حاممد‬
‫بن يحيى البلخي قال‪ :‬حدثنا يحيى بن سليم قال‪ :‬كان عندنا بمكة رجل من‬
‫أهل خراسان وكان رجل ً صالحا ً وكان الناس يودعونه ودائعهم‪ ،‬فجمماء رجممل‬
‫فأودعه عشرة ألف دينار وخرج الرجل في حاجته‪ ،‬فقدم الرجل مكممة وقممد‬
‫مات الخراساني وسأل أهله وولده عن ماله فلم يكن لهممم بممه علممم فقممال‬
‫الرجل لفقهاء مكة وكانوا يومئذ مجتمعين متواخرين‪ :‬أودعت فلنمما ً عشممرة‬
‫آلف دينار وقممد مممات وسممألت ولممده وأهلممه فلممم يكممن لهممم بهمما علممم فممما‬
‫تأمرونني؟ فقالوا نحممن نرجممو أن يكممون الخراسمماني مممن أهممل الجنممة فممإذا‬
‫مضى من الليل ثلثه أو نصفه فائت زمزم فاطلع فيها وناد يا فلن بممن فلن‬
‫أنا صاحب الوديعة‪ ،‬ففعل ذلك ثلث ليال فلم يجبه أحممد‪ ،‬فأتمماهم وأخممبرهم‬
‫فقالوا إنا لله وإنا إليه راجعون نحن نخشى أن يكون صاحبك من أهل النار‪،‬‬

‫]ص ‪[70‬‬
‫فأت اليمن فإن فيها واديا ً يقال له برهمموت وبممه بئر فمماطلع فيهمما إذا مضممى‬
‫ثلث الليل أو نصفه فناد يا فلن بممن فلن أنمما صمماحب الوديعممة ففعممل ذلممك‬
‫فأجابه في أّول صوت فقال‪ :‬ويحك ما أنزلك ههنا وقد كنممت صمماحب خيممر؟‬
‫قال كان لي أهل ببيت بخراسان فقطعتهم حممتى مممت فآخممذني الل ّممه بممذلك‬
‫فأنزلني هذا المنزل فأما مالك فهو على حاله وإني لممم أأتمممن ولممدي علممى‬
‫مالك فدفنته في بيت كذا‪ ،‬فقل لولدي يدخلك في داري ثم سر إلى الممبيت‬
‫فاحفر فإنك ستجد مالك فرجع فوجد ماله على حاله‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه إذا كان الرجل عند قرابته ولممم يكممن‬
‫غائبا ً عنهم فالواجب عليه أن يصلهم بالهدية وبالزيارة فممإن لممم يقممدر علممى‬
‫الصلة بالمال فليصلهم بالزيارة والعانة في أعمالهم إن احتاجوا‪ ،‬وإن كممان‬
‫غائبا ً يصلهم بالكتاب إليهم فإن قدر على المسير إليهم كان الميسر أفضل‪.‬‬
‫واعلم بأن في صلة الرحم عشر خصال محمودة‪ .‬أّولها‪ :‬أن فيها رضا الّله‬
‫تعالى لنه أمر بصلة الرحم‪ .‬والثاني إدخال السرور عليهممم‪ .‬وقممد روى فممي‬
‫الخبر "إن أفضل العمال إدخال السرور علممى المممؤمن" والثممالث أن فيهمما‬
‫فرح الملئكة لنهم يفرحون بصلة الرحم‪ .‬والرابع أن فيها حسن الثنمماء مممن‬
‫المسلمين عليه‪ .‬والخامس أن فيها إدخال الغم علممى إبليممس عليممه اللعنممة‪.‬‬
‫والسادس زيممادة فممي العمممر‪ .‬والسممابع بركممة فممي الممرزق‪ .‬والثممامن سممرور‬
‫الموات لن الباء والجداد يسرون بصلة الرحممم والقرابممة‪ .‬والتاسممع زيممادة‬
‫في المممودة لنممه إذا وقممع لممه سممبب مممن السممرور والحممزن يجتمعممون إليممه‬
‫ويعينونه على ذا فيكون له زيممادة فممي المممودة‪ .‬والعاشممر زيممادة الجممر بعممد‬
‫موته لنهم يدعون له بعد موته كلما ذكممروا إحسممانه‪ .‬قممال أنممس بممن مالممك‬
‫رضي الّله تعالى عنه‪ :‬ثلثة نفر في ظل عرش الرحمن يوم القيامة‪ :‬واصل‬
‫الرحم يمد له في عمره ويوسع له في قممبره ورزقممه وامممرأة مممات زوجهمما‬
‫وترك يتامى فتقوم هي على اليتام حممتى يغنيهممم الل ّممه أو يموتمموا‪ ،‬والرجممل‬
‫اتخذ طعاما ً فدعا إليه اليتامى والمساكين‪ .‬وروى الحسن عممن رسممول الل ّممه‬
‫صلى الّله عليه وسلم أنه قال "ما خطا عبد خطوتين أحب إلى الل ّممه تعممالى‬
‫من الخطوة إلى صلة الفريضة‪ ،‬وخطوة إلممى ذي الرحممم المحممرم" ويقممال‬
‫خمسة أشياء من داوم عليها زيد في حسناته مثل الجبال الراسيات ويوسع‬
‫الّله عليه رزقه‪ :‬أّولها من داوم على الصممدقة قلممت أو كممثرت‪ ،‬ومممن وصممل‬
‫رحمه قل أو أكثر‪ ،‬ومن داوم على الجهاد في سبيل اللممه‪ ،‬ومممن داوم علممى‬
‫الوضمموء ولممم يسممرف فممي صممب الممماء‪ ،‬ومممن أطمماع والممديه وداوم علممى‬
‫طاعتهما‪ ،‬والله سبحانه وتعالى أعلم‪.‬‬

‫]ص ‪[71‬‬
‫باب حق الجار‬
‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رضي الّله تعالى عنه‪ :‬حدثنا الفقيممه‬
‫أبو جعفر قال‪ :‬حدثنا علي بن محمد الوراق قال‪ :‬حدثنا أنعم عممن أبممي عبممد‬
‫الرحمن الخبلي عن عبد الّله ابن عمرو بن العاص قممال‪ :‬قممال رسممول الل ّممه‬
‫صلى الّله عليه وسلم "سبعة ل ينظر الل ّممه إليهممم يمموم القيامممة ول يزكيهممم‬
‫ويقول لهم ادخلوا النار مممع الممداخلين‪ :‬الفاعممل والمفعممول يعنممي اللواطممة‪،‬‬
‫والناكح يده‪ ،‬وناكح البهيمة‪،‬وناكح المرأة في دبرها‪ ،‬وجممامع المممرأة وابنتهمما‪،‬‬
‫والزاني بحليلة جاره‪ ،‬والسابع المؤذي جاره حتى يلعنه الناس إل ّ أن ينمموب‬
‫بشروطها"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬حدثنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد‬
‫الشاباذي قال‪ :‬حدثنا فارس بن مردويه قال‪ :‬حدثنا محمد بن الفضل قممال‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن عبيد قال‪ :‬حدثنا إبراهيم قال‪ :‬حدثنا أبو معاوية عن بشر بن‬
‫سلمان عن عبيد عن أيان بن إسحق عن الصباح بن محمد البجلي عن مرة‬
‫الهمذاني عن عبد الّله بن مسعود قال‪ :‬قال رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم "والذي نفسي بيده ل يسلم عبد حتى يسلم الناس من قلبه ولسممانه‬
‫ويده‪ ،‬ول يؤمن عبد حتى يأمن جاره بواثقه‪ .‬قلنا يا رسول الّله وما بواثقه؟‬
‫قال غشه وظلمه" قال‪ :‬حدثنا محمد بن داود بن ظهير قال‪ :‬حدثنا إبراهيممم‬
‫بن يوسف قال‪ :‬حدثنا محمد بن القاسم عن موسى عن عبيد اليزيدي عممن‬
‫زيد بن عبد الرحمن عن سعيد بن المسيب أن النبي صلى الّله عليه وسلم‬
‫قال "حرمة الجار على الجار كحرمة أمه" قال‪ :‬حدثنا محمممد بممن داود قممال‬
‫حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا ابراهيم بن يوسف قال حممدثنا أبممو معاويممة‬
‫عن بشر بن سلمان عن مجاهد قال‪ :‬قال عبد الل ّممه بممن عمممرو بممن العمماص‬
‫لغلمه‪ :‬اذبح الشاة وأطعم جارنا اليهودي‪ ،‬ثم تحدث ساعة فقال يا غلم إذا‬
‫ذبحمت الشماة فمأطعم جارنما اليهمودي فقمال الغلم قمد آذيتنما بجمارك همذا‬
‫اليهودي‪ ،‬فقال عبد الّله بن عمر‪ :‬ويحك إن النبي صلى الّله عليه وسلم لممم‬
‫يزل يوصينا بالجار حتى ظننا أنه سيورثه‪.‬‬
‫قال حدثنا القاسم بن محمد بن روزيه قمال‪ :‬حمدثنا عيسمى بمن خشمنان‬
‫الثوري قال‪ :‬حدثنا سويد عن مالك عن سعيد بن أبي سممعيد المقممبري عممن‬
‫أبي شريح الكعبي أن النبي صلى الّله عليممه وسمملم قممال "مممن كممان يممؤمن‬
‫بالله واليوم الخر فليقل خيرا ً أو ليصمممت‪ ،‬ومممن كممان يممؤمن بممالله واليمموم‬
‫الخر فليكرم جماره‪ ،‬ومممن كمان يمؤمن بمالله واليمموم الخممر فليكممرم ضمميفه‬
‫جائزته يوم وليلة‪ ،‬والضيافة ثلثة أيام وما كان بعد ذلك فهممو صممدقة" قممال‪:‬‬
‫حدثنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بإسناده عن الحسن البصري قال‪:‬‬
‫قيل يا رسول الّله ما حق الجار على الجار؟ قممال إن استقرضممك أقرضممته‪،‬‬
‫وإن دعاك أجبته‪ ،‬وإن مرض عدته‪ ،‬وإن استعان‬

‫]ص ‪[72‬‬
‫بمك أعنتممه‪ ،‬وإن أصممابته مصمميبة عزيتممه‪ ،‬وإن أصممابه خيممر هنيتممه‪ ،‬وإن مممات‬
‫شهدته‪ ،‬وإن غاب حفظته‪ :‬يعني منزله وعياله‪ ،‬ول تؤذه بقتممار قممدرك إل ّ أن‬
‫تهدي إليه"‪ .‬وروي في خبر آخر زيممادة علممى هممذه التسممعة "والعاشممر أن ل‬
‫تطيل بنائك عليه إل ّ بطيبة من نفسه"‪ .‬وروى أبو هريرة رضممي الل ّممه تعممالى‬
‫عنه عن النبي صلى الّله عليه وسلم "ل يزال جبريل يوصمميني بالجممار حممتى‬
‫ظننت أنه سيورثه" وروى أبو هريرة رضي الّله تعالى عنه عن رسممول الّلمه‬
‫صلى الّله عليه وسلم أنه قال "يا أبا هريممرة كممن ورعما ً تكممن أعبممد النمماس‪،‬‬
‫وكن قنعا ً تكن أشكر الناس‪ ،‬وأحب للنمماس ممما تحممب لنفسممك تكممن مؤمنمًا‪،‬‬
‫وأحسن مجاورة من جاورك تكن مسلمًا‪ ،‬وأقل الضحك فإن كممثرة الضممحك‬
‫ن‬
‫وال ِمد َي ْ ِ‬ ‫شْيئا ً وَِبال َ‬
‫كوا ب ِهِ َ‬‫شرِ ُ‬ ‫دوا الّله َول ت ُ ْ‬ ‫تميت القلب" قال الّله تعالى }َواع ْب ُ ُ‬
‫ن‬‫وال ِمد َي ْ ِ‬ ‫سانًا{ يعني‪ :‬وحممدوا الل ّممه واعبممدوه ول تتخممذوا لممه شممريكًا‪} ،‬وَِبال َ‬ ‫ح َ‬ ‫إِ ْ‬
‫مى‬ ‫قْرب َممى َوالي َت َمما َ‬ ‫ذي ال ُ‬ ‫سممانًا{ يعنممي أحسممنوا إلممى الوالممدين إحسممانا ً }وَب ِم ِ‬ ‫ح َ‬ ‫إِ ْ‬
‫ن{ يعني أحسنوا إلى ذوي القربى بالصلة والهدية وإلممى اليتممامى‬ ‫كي ِ‬
‫سا ِ‬
‫م َ‬ ‫َوال َ‬
‫ل{ يعنممي الضمميف النممازل‬ ‫سِبي ِ‬
‫ن ال ّ‬‫والمساكين بالصدقة وبالقول الميل }َواب ْ ِ‬
‫قْرَبى{ يعني أحسنوا إلى الجار الذي بينممك‬ ‫جارِ ِذي ال ُ‬ ‫وهو ماّر بالطريق }َوال َ‬
‫ب{ يعنممي الجممار الممذي هممو أجنممبي ل قرابممة بينممك‬ ‫جن ُ ِ‬‫جارِ ال ُ‬
‫وبينه قرابة }َوال َ‬
‫وبينه‪.‬‬
‫وروي عن رسول الّله صلى الّله عليه وسمملم أنممه قممال "الجيممران ثلثممة‪:‬‬
‫فمنهم من له ثلثة حقوق‪ ،‬ومنه من له حقان‪ ،‬ومنهممم مممن لممه حممق واحممد‪،‬‬
‫فأما الجار الذي له ثلثة حقوق فجارك القريب المسلم‪ ،‬وأما الجار الذي له‬
‫مي" يعنممي إذا‬ ‫حقان‪ ،‬فجارك المسلم‪ ،‬وأما الذي له حق واحممد فجممارك الممذ ّ‬
‫كان الجار قريبه وهو مسلم فله حق القرابة وحممق السمملم وحممق الجمموار‪،‬‬
‫وأما الذي له حقان فالجار المسلم فلممه حممق السمملم وحممق الجمموار‪ ،‬وأممما‬
‫مي فله حق الجمموار‪ ،‬فينبغممي أن يعممرف حممق‬ ‫الذي له حق واحد فجارك الذ ّ‬
‫الجار وإن كان ذميًا‪ .‬قال أبو ذر الغفمماري رضممي الل ّممه تعممالى عنممه أوصمماني‬
‫خليلي محمد صلى الّله عليممه وسمملم بثلث قممال‪" :‬اسمممع وأطممع ولممو لعبممد‬
‫مجدوع النف‪ ،‬فممإذا صممنعت مرقممة فممأكثر ماءهمما ثممم انظممر إلممى أهممل بيممت‬
‫ل الصلة لوقتها" ويقممال‪ :‬مممن مممات ولممه‬ ‫جيرانك فأصبهم منها بمرقتك وص ّ‬
‫جيران ثلثة كلهم راضون عنه غفر له‪ .‬وروي عممن رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم أن رجل ً جاء إليه يشكو جاره فقال رسول الّله صلى الّله عليممه‬
‫وسلم "كف أذاك عنه واصبر على أذاه وكفى بالموت فّراقا" وقال الحسن‬
‫البصري‪ :‬ليس حسممن الجمموار كممف الذى عممن الجممار ولكممن حسممن الجمموار‬
‫الصبر على الذى من الجار‪ .‬وقال عمممر بممن العمماص‪ :‬ليممس الواصممل الممذي‬
‫يصل من وصله ويقطع من قطعه إنما ذلك المنصف‪ ،‬وإنممما الواصممل الممذي‬
‫يصل من قطعه ويعطف على من جفا‪ .‬وليس الحليم‬

‫]ص ‪[73‬‬
‫الذي يحلم عن قومه ما حلموا عنه فمإذا جهلموا عليممه جماهلهم‪ ،‬وإنمما ذلمك‬
‫المنصف إنما الحليم الذي يحلم إذا حلموا فإذا جهلوا عليه حلم عنهم‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬ينبغي للمسمملم أن يصممبر علممى أذى‬
‫الجار ول يؤذي جاره ويكون بحال يكون جاره آمنا ً منه‪ ،‬وأمانه لجاره يكممون‬
‫بثلثة أشياء‪ :‬باليد وباللسان وبالعورة‪ ،‬فأما أمممانه بلسممانه فهممو أن ل يتكلممم‬
‫بكلم لو دخل عليه جاره لسكت أو لو بلغ إلممى جمماره لسممتحيى منممه‪ ،‬وأممما‬
‫أمانه بيده فهو أن جاره لو كان بالسوق وتذكر أن كيسه نسمميه فممي منزلممه‬
‫فإنه ل يخاف عليه ويقول منزله ومنزلي سواء‪ ،‬وأما أمانه بالعورة‪ ،‬فهو أنه‬
‫لو كان في السفر فبلغه أن جاره دخممل منزلممه لسممكن قلبممه وفممرح‪ .‬وروي‬
‫عن ابن عباس رضي الل ّممه تعممالى عنهممما أنممه قممال‪ :‬ثلثممة أخلق كممانت فممي‬
‫الجاهلي مستحبة والمسلمون أولى بها‪ .‬أولها لو نزل بهممم ضمميف لجتهممدوا‬
‫في بّره والثاني لو كانت لواحد منهم امرأة كبرت عنده ل يطلقها ويمسكها‬
‫مخافممة أن تضمميع‪ .‬والثممالث إذا لحممق بجمماره ديممن أو أصممابه شممتت أو جهممد‬
‫اجتهدوا حتى يقضوا بينه وأخرجوه من تلك الشدة‪.‬‬
‫وروى أنس بن مالك رضي الّله تعالى عنه عن رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم أنه قال "إن الجممار يتعلممق بجمماره يمموم القيامممة فيقممول‪ :‬يمما رب‬
‫ي أمسى جائعا ً يمسي هذا شممبعان فسممله‬ ‫وسعت على أخي هذا وقترت عل ّ‬
‫لما أغلق بممابه دونممي وحرمنممي ممما قممد وسممعت عليممه"‪ .‬وروي عممن سممفيان‬
‫الثوري أنه قال‪ :‬عشرة أشياء من الجفاء‪ ،‬أولها رجل أو امرأة يدعو لنفسه‬
‫ول يدعو لوالديه والمؤمنين والثاني رجل يقرأ القرآن ول يقرأ في كل يمموم‬
‫ل ركعمتين‪ ،‬والرابمع‬ ‫مائة آية‪ ،‬والثالث رجل دخمل المسمجد وخمرج ولمم يصم ّ‬
‫رجل يمر على المقابر ولم يسلم عليهم ولممم يممدعو لهممم‪ ،‬والخممامس رجممل‬
‫ل الجمعة‪ ،‬والسادس رجممل أو‬ ‫دخل مدينة في يوم الجمعة ثم خرج ولم يص ّ‬
‫امرأة نزل في محلتهما عالم ولم يممذهب إليممه أحممد ليتعلممم منممه شمميئا ً عممن‬
‫العلم‪ ،‬والسابع رجلن ترافقا ولم يسأل أحدهما عن اسم صمماحبه‪ ،‬والثممامن‬
‫رجل دعاه رجل إلى ضيافة فلم يذهب إلى الضيافة‪ ،‬والتاسممع شمماب يضمميع‬
‫شبابه وهو فارغ ولم يطلب العلممم والدب‪ ،‬والعاشممر رجممل شممبعان وجمماره‬
‫جائع ول يعطيه شيئا ً من طعامه‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬تمام حسن الجوار في أربعة أشياء‪.‬‬
‫أولها أن يواسيه بما عنده‪ .‬والثاني أن ل يطمع فيما عنده‪ .‬والثالث أن يمنممع‬
‫أذاه عنه‪ .‬والرابع أن يصبر على أذاه‪.‬‬

‫]ص ‪[74‬‬
‫باب الزجر عن شرب الخمر‬
‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رحمه الّله تعالى‪ :‬حممدثنا محمممد بممن‬
‫الفضل قال‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر قال‪ :‬حممدثنا إبراهيممم بممن يوسممف‪ :‬أنبأنمما‬
‫إسماعيل بن علية عن الليث عن عبد الل ّممه قممال‪ :‬قممال عبممد الل ّممه بممن عمممر‬
‫رضي الّله تعالى عنهممما‪ :‬يجمماء بشممارب الخمممر يمموم القيامممة مسممود ّ وجهممه‬
‫مزرقة عيناه مدلعا لسانه على صدره يسيل لعابه يستقذره كممل مممن يممراه‬
‫من نتن رائحته‪ ،‬ل تسلموا على شممربة الخمممر ول تعممودوهم إذا مرضمموا ول‬
‫تصلوا عليهم إذا ماتوا‪ .‬وقال مسروق‪ :‬شارب الخمر كعابد الوثن‪ ،‬وشممارب‬
‫الخمر كعابد اللة والعزى يعني إن استحل شربها‪ .‬وقال كعب الحبممار‪ :‬لن‬
‫أشرب قدحا من نار أحب إلي من أن أشرب قدحا ً مممن خمممر‪ .‬قممال‪ :‬حممدثنا‬
‫الحاكم أبو الفضل الحدادي‪ .‬حدثنا عبممد الل ّممه بممن محمممود المممروزي‪ .‬حممدثنا‬
‫إبراهيم بن عبد الله‪ .‬حدثنا عبد الّله بن المبارك عن أيوب عن نافع عن ابن‬
‫عمر رضي الّله تعالى عنهما عن رسول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه وسمملم أنممه‬
‫قال‪" :‬كل مسكر خمر وكل مسكر حممرام‪ ،‬ومممن شممرب الخمممر فممي الممدنيا‬
‫فمات وهو يدمنها ولم يتب لم يشربها في الخرة"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( قد أخبر النبي صلى الّله عليه وسلم أن كل مسكر حممرام‪:‬‬
‫يعني ما كان مطبوخا ً أو غير مطبوخ‪ ،‬وهذا كما روي عن جابر بن عبممد الل ّممه‬
‫عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنممه قممال‪" :‬ممما أسممكر كممثيره فقليلممه‬
‫حرام" وفي رواية "ما أسكر منه الفرق فالجرعة منه حرام" والفرق‪ :‬ستة‬
‫عشر رطل ً في اللغة‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬شارب الخمر المطبوخ أعظم ذنبا ً وإثما ً‬
‫من شممارب الخمممر لن شممارب الخمممر يكمون عاصمميا ً فاسممقًا‪ ،‬ومممن شممرب‬
‫المطبوخ يخاف أن يصير كافرا ً لن شارب الخمر مقّر بممأنه يشممرب الخمممر‬
‫ل‪ ،‬وأجمممع‬ ‫وهممو حممرام وشممارب المطبمموخ يشممرب المسممكر ويممراه حل ً‬
‫المسلمون أن شرب المسكر حرام قليله وكثيره فإذا استحل ما هو حممرام‬
‫بالجماع صار كافرا‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬حدثنا محمد بن الفضل‪ .‬حدثنا محمد‬
‫بن جعفر‪ .‬حدثنا إبراهيم بن يوسف‪ .‬حدثنا كمثير بمن هشمام عمن جعفمر بمن‬
‫برقان عن الزهري عن عثمان ابن عفان رضي الّله تعالى عنه قممام خطيب ما ً‬
‫فقال‪ :‬يا أيهمما النمماس اتقمموا الخمممر فإنهمما أم الخبممائث وإن رجل ً ممممن كممان‬
‫قبلكم من العبمماد كممان يختلممف إلممى المسممجد فلقيتممه امممرأة سمموء فممأمرت‬
‫جاريتها فأدخلته المنزل فممأغلقت البمماب وعنممدها باطيممة مممن خمممر وعنممدها‬
‫صبي فقالت له‪ :‬ل تفارقني حتى تشرب كأسا ً من هذا الخمر أو تواقعني أو‬
‫تقتل هذا الصبي وإل ّ صحت‪ :‬يعني‬

‫]ص ‪[75‬‬
‫ي في بيتي فمن الذي يصدقك‪ ،‬فضعف الرجل عند‬ ‫صرخت‪ ،‬وقلت دخل عل ّ‬
‫ذلك وقال أما الفاحشة فل آتيها وأما النفس فل أقتلها‪ ،‬فشممرب كأس ما ً مممن‬
‫الخمر فقال زيديني فزادته فوالله ما برح حتى واقع المرأة وقتممل الصممبي‪.‬‬
‫قال عثمان رضي الّله تعالى عنه‪ :‬فاجتنبوها فإنها أم الخبائث وإنممه واللممه ل‬
‫يجتمع اليمان والخمر في قلب رجل إل ّ يوشك أحممدهما أن يممذهب بممالخر‪:‬‬
‫يعني أن شارب الخمممر إذا سممكر يجممري علممى لسممانه كلمممة الكفممر ويتعممود‬
‫لسانه بذلك ويخاف عند موته أن يجري على لسانه كلمة الكفر فيخرج من‬
‫الدنيا على الكفر فيبقى في النار أبدًا‪ ،‬لن أكثر ما ينزع اليمممان مممن العبممد‬
‫إنما ينزع عند موته وذلك بسبب ذنوبه الممتي فعلهمما فممي حيمماته فيبقممى فممي‬
‫حسرة وندامة‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬من مات وهو مدمن خمر بعث يوم القيامممة‬
‫وهو سكران‪.‬‬
‫وروى سعيد عن قتادة قال‪ :‬ذكر لنا أن النبي صلى الّله عليه وسلم قال‬
‫"أربعة ل يجدون ريح الجنة وإن ريحها ليوجد مممن مسمميرة خمسمممائة عممام‪:‬‬
‫البخيل والمنان ومدمن الخمر والعاق لوالديه"‪.‬‬
‫وقال ابن مسعود رضي الّله تعالى عنه‪ :‬لعن في الخمر عشرة‪ :‬العاصر‬
‫لها والمعصممورة لممه وشمماربها وسمماقيها وحاملهمما والمحمولممة إليممه وتاجرهمما‬
‫ومتجرها وبائعها ومشتريها وشائلها‪ :‬يعني غارسها‪ .‬وروى في بعض الخبممار‬
‫عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنه قال‪" :‬يخرج يوم القيامممة شممارب‬
‫الخمر من قبره أنتن من الجيفة والكوز معلق في عنقه والقدح بيممده ويمل‬
‫ما بين جلده ولحمه حيات وعقارب ويلبس نعل من نار فيغلي دماغ رأسممه‪،‬‬
‫ويجد قبره حفرة من حفر النار ويكون في النار قرين فرعون وهامان"‪.‬‬
‫وروت عائشة رضي الّله تعالى عنها عممن رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم أنه قال‪" :‬من أطعم شارب الخمر لقمة سلط الّله على جسده حيممة‬
‫وعقربا‪ ،‬ومن قضى حاجته فقد أعان على هدم السلم ومن أقرضه قرضا ً‬
‫فقد أعان على قتل مؤمن‪ ،‬ومن جالسممه حشممره الل ّممه تعممالى يمموم القيامممة‬
‫أعمى ل حجة له‪ ،‬ومن شرب الخمر فل تزوجوه فإن مرض فل تعودوه وإن‬
‫شهد فل تقبلوا شهادته‪ ،‬فوالذي بعثني بالحق نبيا ً إنه ممما يشممرب الخمممر إل ّ‬
‫ملعون في التوراة والنجيل والزبور والفرقان‪ ،‬ومن شرب الخمر فقد كفر‬
‫بجميع ما أنزل الّله على أنبيممائه ول يسممتحل الخمممر إل ّ كممافر ومممن اسممتحل‬
‫الخمر فأنا منه برئ في الدنيا والخرة"‪ .‬وعن عطاء بن يسار أن رجل ً سأل‬
‫كعب الحبار رضي الّله تعالى عنه هل حرمت الخمر في التوراة؟ قال نعممم‬
‫سمُر{ مكتموب فمي التموراة‪ ،‬إنمما أنزلنمما الحمق‬ ‫مي ْ ِ‬
‫ممُر َوال َ‬
‫خ ْ‬
‫مما ال َ‬
‫هذه الية }إ ِن ّ َ‬
‫ليذهب بالباطل ويبطل به اللعب والدف والمزاميممر والخمممر ويممل لشمماربها‬
‫أقسم الّله تعالى بعزتممه وجللممه لمممن انتهكهمما فممي الممدنيا إل ّ عطشممته يمموم‬
‫القيامة ولمن تركها بعدما حرمتها إل ّ سقيته إياها من حظيرة القدس‪ .‬قيممل‬
‫وما حظيرة القدس؟ قال الّله هو القدس وحظيرته الجنة‪.‬‬

‫]ص ‪[76‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه إياك وشرب الخمممر فممإن فيممه عشممر‬
‫خصال مذمومة‪ .‬أولها أنه إذا شرب الخمر يصممير بمنزلممة المجنممون ويصممير‬
‫ضحكة للصبيان ومذمة عند العقلء كما ذكر عن ابممن أبممي الممدنيا أنممه قممال‪:‬‬
‫رأيت سكران في بعض سكك بغممداد يبممول وهممو يتمسممح ببمموله وهممو يقمول‬
‫اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين‪ .‬وذكر أن سممكران قمماء‬
‫في بعض الطرق وجاء كلب يمسح فمه ولحيته وهو يقول للكلب يا سمميدي‬
‫يا سيدي ل تفسد المنديل‪ .‬الثاني أنها متلفة للمال مذهبة للعقممل كممما قممال‬
‫عمر بن الخطاب رضي الّله تعالى عنه‪ :‬يا رسول الّله أرنا رأيك في الخمممر‬
‫فإنها متلفة للمال مذهبممة للعقممل‪ .‬والثممالث أن شممربها سممبب للعممداوة بيممن‬
‫طا َ‬
‫ن ُيوقِعَ ب َي ْن َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫نأ ْ‬ ‫شي ْ َ ُ‬ ‫ريد ُ ال ّ‬ ‫ما ي ُ ِ‬ ‫الخوان والصدقاء‪ ،‬كما قال الّله تعالى }إ ِن ّ َ‬
‫ر{ وهممو القمممار‪ .‬والرابممع أن شممربها‬ ‫سم ِ‬‫مي ْ ِ‬‫م مرِ َوال َ‬ ‫خ ْ‬‫ضاَء فِممي ال َ‬ ‫داوَة َ َوالب َغْ َ‬‫العَ َ‬
‫ن ذ ِك ْمرِ الل ّممه‬ ‫م ع َم ْ‬ ‫يمنعه عن ذكر الّله وعن الصلة كما قال تعممالى }وَي َ ُ‬
‫ص مد ّك ُ ْ‬
‫ن{ يعني انتهوا عنها‪ ،‬فلما نزلت هذه الية قال‬ ‫وع َن الصلة فَه ْ َ‬
‫منت َُهو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫ّ ِ َ‬ ‫َ ْ‬
‫عمر بن الخطاب رضي الله تعمالى عنممه‪ :‬قممد انتهينمما يما رب‪ .‬والخممامس أن‬ ‫ّ‬
‫شربها يحمله على الزنا لنه إذا شرب الخمر يطلق امرأتممه وهممو ل يشممعر‪.‬‬
‫والسادس أنهمما مفتمماح كممل شممر لنممه إذا شممرب الخمممر سممهل عليممه جميممع‬
‫المعاصي‪ .‬والسابع أنه يؤذي حفظته بإدخالهم في مجلس الفسممق وبوجممود‬
‫الرائحة المنتنة منه فل ينبغي أن يممؤذي مممن ل يممؤذيه‪ .‬والثممامن أنممه أوجممب‬
‫على نفسه ثمانين جلدة فإن لم يضرب في الدنيا فإنه يضرب فممي الخممرة‬
‫بسياط من النار على رؤوس الناس ينظر إليممه البمماء والصممدقاء‪ .‬والتاسممع‬
‫أنه رد باب السماء على نفسه لنه ل ترفممع لممه حسممناته ول دعمماؤه أربعيممن‬
‫يومًا‪ .‬والعاشر أنه مخاطر بنفسه لنه ل يخاف عليممه أن ينممزع منممه اليمممان‬
‫عند موته‪ ،‬فهذه العقوبات في الدنيا قبممل أن ينتهمي إلمى عقوبمات الخمرة‪،‬‬
‫فأما عقوبات الخرة فإنهما ل تحصمى ممن شممرب الحميمم والزقموم وفموت‬
‫الثواب‪ ،‬فل ينبغي للعاقل أن يختار لذة قليلة ويترك لذة طويلة‪.‬‬
‫م‬‫وروي عن مقاتل بن سليمان رضي الّله تعالى عنه في قوله تعالى }ي َوْ َ‬
‫م وِْردًا{ أي‬ ‫ن إ َِلى َ‬
‫جهَّنمم َ‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫سوقُ ال ُ‬ ‫ن وَْفدًا‪ .‬وَن َ ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن إ َِلى الّر ْ‬ ‫قي َ‬‫مت ّ ِ‬
‫شُر ال ُ‬‫ح ُ‬ ‫نَ ْ‬
‫عطاشا قال‪ :‬يحشر أهل الجنة فإذا انتهوا إلى بمماب الجنممة إذا هممم بشممجرة‬
‫ينبع من تحتها عينان فيشربون من إحدى العينين فل يبقى في بطونهم قذر‬
‫إل ّ خرج من الجوف‪ ،‬ثم يأتون العين الخرى فيغتسلون فيهمما فل يبقممى فممي‬
‫أجسادهم شيء مما يكون على الجسممد ممن وسمخ وغيمره إل ّ ذهمب فمذلك‬
‫ن{ ثم يؤتممون بنجممائب مممن‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬‫ها َ‬ ‫خُلو َ‬ ‫م َفاد ْ ُ‬ ‫م ط ِب ْت ُ ْ‬ ‫م ع َل َي ْك ُ ْ‬ ‫سَل ٌ‬
‫قوله تعالى } َ‬
‫البل من ياقوت أحمر رجلها من ذهب مكللة بالممدّر واليمماقوت أزمتهمما مممن‬
‫اللؤلؤ فيكسي كل رجل منهمم حلمتين‪ ،‬لمو أن الحلمة منهمما أشمرقت لهمل‬
‫الدنيا لضاءت لهم‪ ،‬ومع كل واحد منهم حفظممة مممن الملئكممة يممدلونه علممى‬
‫مساكنه في الجنة فإذا دخممل الجنممة رفممع لممه قصممر مممن فضممة شممرفه مممن‬
‫الذهب فإذا انتهى إليه‬

‫]ص ‪[77‬‬
‫استقبله وصائف كثيرة كاللؤلؤ المنثور معهم الحلممى والحلممل وآنيممة الفضممة‬
‫وأكواب الذهب والملئكة يسلمون عليه فيرد ّ عليهم‪ ،‬ثم يدخل فإذا رأى ممما‬
‫أعد الّله له من المنازل والكرامة تهيأ للنزول فتقول له حفظتممه ممما تريممد؟‬
‫ن لك ما هممو أفضممل‬ ‫فيقول أريد النزول إلى كرامة الله‪ ،‬فيقولون له سر فإ ّ‬
‫من هذا فإذا سار رفع له قصر من ذهممب شممرفه مممن اللؤلممؤ فممإذا دنمما منمه‬
‫ن آنية من فضة وأكممواب مممن ذهممب‬ ‫استقبلته الوصائف كاللؤلؤ المنثور معه ّ‬
‫ن السلم‪ ،‬فيريد النممزول فيهمما فتقممول لممه حفظتممه‬ ‫فيسلمن عليه فيرد ّ عليه ّ‬
‫سر فإن لك ما هو أفضل من هذا فإذا سار رفع له قصر من ياقوتة حمممراء‬
‫يرى باطنه من ظاهره من صفائه فإذا دنا استقبلته الوصائف كما اسممتقبلته‬
‫من القصرين الّولين يسلمن عليه فيرد عليهن السلم‪ ،‬فإذا دخل اسممتقبلته‬
‫حوراء من الحور العين عليها سبعون حلة ل تشبه الحلة الحلة الخرى ليس‬
‫عليها مفصل إل ّ وعليه حلة يوجد ريحها من مسيرة مئة عام فإذا نظممر إلممى‬
‫وجهها أبصر وجهه فيه من صفاء وجهها فإذا نظر إلى صممدرها أبصممر كبممدها‬
‫من رقة ثيابها ويبصر من مخ ساقها من رقممة عظمهمما‪ ،‬وجلممدها‪ ،‬وهممي فممي‬
‫بيت فرسخ فممي فرسممخ وسمممكه‪ :‬أي طمموله‪ ،‬مثممل ذلممك عليممه أربعممة آلف‬
‫مصراع من ذهب فيه بساط من ذهب مكلل باللؤلؤ وقد نسق الممبيت وفيممه‬
‫سرير عليه من الفرش بمنزلة سبعين غرفة مممن غممرف الممدنيا فممإذا جلممس‬
‫واشتهى الثمرة سارت إليه الثمرة حتى يأكل منها أو يذهب به سريره حتى‬
‫يأكل منها‪ ،‬وهذا كله ثواب المتقين الذين يتقون شرب الخمممر والفممواحش‪.‬‬
‫قال ويساق أهل النار إلى النار فإذا دنمموا منهمما فتحممت أبوابهمما فاسممتقبلتهم‬
‫الملئكة بمقامع الحديد فإذا دخلوا النار لم يبق منهم عضو إل ّ لزمممه عممذاب‬
‫إما حية تنهشه أو نار تسفعه أو ملك يضربه‪ ،‬فإذا ضممربه الملممك همموى فممي‬
‫النار مقدار أربعين عاما ل يبلممغ قرارهمما ثممم يرفعممه اللهممب ويضممربه الملممك‬
‫مما‬‫فيهوى في النار فمإذا بمدا برأسمه ضمربه الخمرى وهمو قموله تعمالى }ك ُل ّ َ‬
‫زيممزا ً‬ ‫ن الل ّممه ك َمما َ‬
‫ن عَ ِ‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫ذوُقوا العَم َ‬
‫ذا َ‬ ‫ها ل ِي َ ُ‬‫جُلودا ً غ َي َْر َ‬‫م ُ‬ ‫م ب َد ّل َْناهُ ْ‬
‫جُلود ُهُ ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫ج ْ‬ ‫ض َ‬ ‫نَ ِ‬
‫كيمًا{ قال‪ :‬وبلغنا أنهم يبدلون كل يوم سممبعين مممرة‪ ،‬فممإذا عطممش نممادى‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫بالشراب فيؤتى بالحميم فإذا دنا من وجهه سقط لحم وجهه‪ ،‬ثم يدخل في‬
‫فيه فيسقط أضراسه ولثاته‪ ،‬ثم يدخل بطنه فيقطممع أمعمماءه وينضممج جلممده‬
‫م{ يعنممي يممذاب ممما فممي بطممونهم‬ ‫ما فِممي ب ُط ُممون ِهِ ْ‬ ‫صهَُر ب ِهِ َ‬ ‫لقوله عز وجل }ي ُ ْ‬
‫د{ فيعذبون ما شاء الّله أن يعذبهم ثم يممدعو خزنممة جهنممم }اد ْع ُمموا‬ ‫جُلو ُ‬ ‫}َوال ُ‬
‫ب{ فل يجيبممونه ثممم يممدعون مالكمما أربعيممن‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن العَ م َ‬ ‫م ْ‬‫وما ً ِ‬ ‫ف ع َّنا ي َ ْ‬‫ف ْ‬‫خ ّ‬ ‫م يُ َ‬‫َرب ّك ُ ْ‬
‫عاما فل يجبهم فيقولون قد دعونا الخزنة ودعونمما مالكمما فلممم يجممب هلممموا‬
‫فلنجزع فيجزعون فل يغنى عنهم ثم يقولون هلممموا فلنصممبر فيصممبرون فل‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ص{ فهذا‬ ‫حي ٍ‬ ‫م ِ‬‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫ما ل ََنا ِ‬‫صب َْرَنا َ‬
‫م َ‬
‫جزِع َْنا أ ْ‬ ‫واٌء ع َل َي َْنا أ َ‬‫س َ‬ ‫يغنى عنهم فيقولون } َ‬
‫العذاب للكفار‪ ،‬لكن المسلم إذ شرب الخمر وجرى على لسانه‬

‫]ص ‪[78‬‬
‫كلمممة الكفممر يخمماف أن يممزول عنممه اليمممان عنممد ممموته فيصممير مممن جملممة‬
‫الكافرين‪ ،‬فينبغي للمسلم أن يمتنع من شرب الخمر وينقطع عمن يشربها‬
‫فإنه إذا خالط شارب الخمر يخاف عليه أن يصمميبه مممن غبمماره‪ ،‬وينبغممي أن‬
‫يتفكر في هول يوم القيامة فإن من تفكر في هول يمموم القيامممة فل يميممل‬
‫قلبه إلى شرب الخمر ول إلى صحبة شارب الخمر‪.‬‬
‫وروي عن الحسن البصري رحمه الّله تعالى أنممه قممال‪ :‬بلغنمما أن العبممد إذا‬
‫شرب شربة من الخمر اسود ّ قلبه‪ ،‬فإذا شرب الثانية تبرأت منممه الحفظممة‪،‬‬
‫فإذا شرب الثالثة تبرأ منه ملك الموت‪ ،‬فإذا شرب الرابعة تممبرأ منمه النممبي‬
‫صلى الّله عليه وسلم فإذا شرب الخامسة تبرأ منممه أصممحاب النممبي صمملى‬
‫الّله عليه وسلم وفي السادسة تبرأ منه جبريل عليه السلم‪ ،‬وفي السمابعة‬
‫تبرأ منه إسرافيل عليه السلم وفي الثامنة تبرأ منه ميكائيل عليه السمملم‪،‬‬
‫وفي التاسعة تبرأت منه السموات‪ ،‬وفي العاشرة تبرأت منه الرض‪ ،‬وفممي‬
‫الحادية عشر تبرأت منه حيتان البحر‪ ،‬وفي الثانية عشرة تبرا منه الشمس‬
‫والقمر‪ ،‬وفي الثالثة عشرة تبرأ منه كواكب السماء‪ ،‬وفممي الرابعممة عشممرة‬
‫تبرأت منه الخلئق‪ ،‬وفي الخامسة عشر أغلق عليممه أبممواب الجنممان‪ ،‬وفممي‬
‫السادسة عشرة فتحت عليه أبواب النيران‪ ،‬وفممي السممابعة عشممرة تممبرأت‬
‫منه حملة العرش‪ ،‬وفي الثامنة عشرة تممبرأ منممه الكرسممي‪ ،‬وفممي التاسممعة‬
‫عشمرة تممبرأ منمه العممرش‪ ،‬فممإذا شممرب العشمرين تمبرأ منممه الجبممار تبمارك‬
‫وتعالى‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬حدثنا منصمور بمن جعفمر وهمو أبمو نصمر‬
‫الدبوسي بسمرقند حدثنا أبو القاسم أحمممد بممن محمممد‪ .‬حممدثنا عيسممى بممن‬
‫ي بن عاصم عن عبيد الّله بن عثمان عن شهر بممن حوشممب‬ ‫أحمد‪ .‬حدثنا عل ّ‬
‫عن أسماء بنت يزيد رضي الل ّممه تعممالى عنهممما قممالت سمممعت رسممول الل ّممه‬
‫صلى الّله عليه وسلم يقول "من شرب الخمر فجعلها في بطنممه لممم تقبممل‬
‫منه صلته سبعا ً فإن هي أذهبت عقله لم تقبل صلته أربعين يوما وإن مات‬
‫مات كافرا وإن تاب تاب الّله عليه وإن عاد كان حقا علممى الل ّممه أن يسممقيه‬
‫من طينة الخبال" يعني من صديد أهل النار‪ .‬وفي خممبر آخممر أنممه إذا شممرب‬
‫الخمر مرة لم تقبممل صمملته ول صممومه ول سممائر عملممه أربعيممن يوممما‪ .‬وإذا‬
‫شرب الثانية ل يقبل الّله صلته ول صومه ول سائر عمله ثمانين يومًا‪ ،‬وإذا‬
‫شرب الثالثة فإلى مائة وعشرين يوما‪ ،‬فممإذا شممرب الرابعممة فمماقتلوه فممإنه‬
‫كافر وحق على الّله أن يسقيه من طينة الخبال‪ .‬قيممل وممما طينممة الخبممال؟‬
‫قال صديد أهل النار"‪ .‬وروي في خبر آخر أنممه قممال "إن الممذنوب والخطايمما‬
‫جعلت كلها في بيت واحد وجعممل مفتمماحه شممرب الخمممر" يعنممي إذا شممرب‬
‫الخمر فتح على نفسه أبواب الخطايا كلها‪ .‬وروى عن بعض الصحابة رضممي‬
‫الّله تعالى عنهم أنه قال‪ :‬من زّوج كريمته من شارب الخمر فكأنما سمماقها‬
‫إلى الزنا‪ :‬ومعناه أن شارب الخممر إذا سممكر كممثر كلمممه فممي الطلق فقمد‬
‫حرمت عليه امرأته وهممو ل يشممعر‪ ،‬ويقممال إن شممارب الخمممر شممبيه بعبممدة‬
‫الوثان لن الّله تعالى سمى الخمر رجسا وأمر بالجتناب‬

‫]ص ‪[79‬‬
‫ه{ كممما قممال‬ ‫ن فَمما ْ‬
‫جت َن ُِبو ُ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ِ‬ ‫ل ال ّ‬
‫م ِ‬
‫ن عَ َ‬
‫م ْ‬
‫س ِ‬‫ج ٌ‬ ‫عنها‪ ،‬وهو قوله عز وجل }رِ ْ‬
‫ن{ وروى طلحة بن مطرف عن عبممد الل ّممه بممن‬ ‫َ‬ ‫}َفا ْ‬
‫ن الوَْثا ِ‬ ‫م ْ‬‫س ِ‬‫ج َ‬ ‫جت َن ُِبوا الّر ْ‬
‫مسعود رضي الّله تعالى عنه أنه قممال‪ :‬إن مممن شممربها نهممارا أشممرك بممالله‬
‫تعالى حتى يمسي وإن شربها ليل أشرك بالله تعالى حتى يصبح وروي عنه‬
‫أنه قال‪ :‬إذا ممات شماربها فممادفنوه واحبسمموني ثمم انبشموا قممبره فمإن لمم‬
‫تجدوه مصروفا ً عن القبلة فاقتلوني‪.‬‬
‫وروى عن أنس بن مالك رضي الّله تعالى عنه عن رسول الّله صلى الّله‬
‫عليه وسلم أنه قممال "بعثنممي الل ّممه تعممالى هممدى ورحمممة للعممالمين‪ ،‬وبعثنممي‬
‫لمحو المعازف والمزامير وأمممر الجاهليممة والوثممان‪ ،‬وحلممف ربممي بعزتممه ل‬
‫يشرب عبد من عبيدي الخمر في الدنيا إل ّ حرمتهمما عليممه يمموم القيامممة‪ ،‬ول‬
‫يتركهما عبمد ممن عبيمدي إل ّ سمقيته ممن حظيممرة القممدس"‪ .‬قممال أوس بمن‬
‫سمممعان‪ :‬والممذي بعثممك بممالحق إنممي لجممدها فممي التمموراة محرمممة خمس ما ً‬
‫وعشرين مرة‪ ،‬ويل لشارب الخمر وحق على الل ّممه أن ل يشممربها عبممد مممن‬
‫عبيده في الدنيا إل ّ سقاه مممن طينممة الخبممال‪ .‬وروى مالممك عممن محمممد بممن‬
‫المنكدر أنه قال‪ :‬يقول الّله تعالى يعني يوم القيامممة }أيممن الممذين ينزهممون‬
‫أنفسهم وأسماعهم في الدنيا عن اللهو ومزاميممر الشمميطان اجعلمموهم فممي‬
‫رياض المسك‪ ،‬ثم يقول للملئكة أسمعوهم صوت حمدي وثنائي وأخبروهم‬
‫ن{ وروى عممن أبممي وائل عممن شممقيق بممن‬ ‫حَزن ُممو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م وََل هُ ْ‬‫ف ع َل َي ْهِ ْ‬ ‫أن َل َ‬
‫خوْ ٌ‬
‫سلمة أنه دعي إلى وليمة فرأى فيها لعابين فرجع‪ ،‬ثم سمعت ابن مسممعود‬
‫يقول‪ :‬إن الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل‪ .‬وروى عطاء‬
‫بن السائب عن عبد الرحمن السمملمي قممال‪ :‬شممرب نفممر مممن أهممل الشممام‬
‫الخمر وعليهم يومئذ معاوية بن أبي سفيان وقممالوا هممي لنمما حلل لن الل ّممه‬
‫ممموا{‬ ‫ممما ط َعِ ُ‬‫ح ِفي َ‬ ‫جَنا ٌ‬
‫ت ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫مُنوا وَع َ ِ‬
‫نآ َ‬ ‫س ع ََلى ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫تعالى قال }ل َي ْ َ‬
‫الية‪ ،‬فكتب فيهم إلى عمر رضممي الل ّممه تعممالى عنممه بممذلك وكتممب عمممر أن‬
‫ي قبل أن يفسدوا من قبلك‪ ،‬فلما قممدموا علممى عمممر رضممي الل ّممه‬ ‫ابعثهم إل ّ‬
‫تعالى عنه جمع لهم أصحاب رسول الّله صلى الّله عليممه وسمملم فشمماورهم‬
‫في ذلك فقالوا‪ :‬يا أمير المؤمنين أنهم افتروا على الّله وشممرعوا فممي دينممه‬
‫ما لم يأذن به الّله فاضرب أعناقهم‪ ،‬وعلي رضي الل ّممه تعممالى عنممه سمماكت‬
‫في القوم‪ .‬قال‪ :‬قال لعلى ما ترى؟ قال أرى أن تستتيبهم فممإن لممم يتوبمموا‬
‫فاضممرب أعنمماقهم‪ ،‬وإن تممابوا فاضممربهم ثمممانين جلممدة فاسممتتابهم فتممابوا‬
‫فضربهم ثمانين جلممدة‪ .‬وروى عكرمممة عممن ابممن عبمماس رضممي الل ّممه تعممالى‬
‫عنهما أنه قال لما نزلت آية تحريم الخمر قالوا فكيف إخواننمما الممذين ممماتوا‬
‫مل ُمموا‬
‫من ُمموا وَع َ ِ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫س ع َل َممى ال ّم ِ‬
‫وهممم يشممربونها؟ فنممزل قمموله تعممالى }ل َي ْم َ‬
‫موا{ الية‪ ،‬يعنممي ل إثممم علممى الممذين شممربوا قبممل‬ ‫ما ط َعِ ُ‬‫ح ِفي َ‬‫جَنا ٌ‬‫ت ُ‬‫حا ِ‬
‫صال ِ َ‬
‫ال ّ‬
‫التحريم‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬

‫]ص ‪[80‬‬
‫باب الزجر عن الكذب‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬حدثنا محمد بن الفضل‪ .‬حدثنا محمد‬
‫بن جعفر‪ .‬حدثنا إبراهيم بن يوسف‪ .‬حممدثنا أبممو معاويممة عممن العمممش عممن‬
‫شقيق بن سلمة عن عبد الّله ابن مسعود رضي الّله تعممالى عنممه أن النممبي‬
‫صلى الّله عليه وسلم قال "عليكم بالصدق فممإن الصممدق يهممدي إلممى الممبر‪،‬‬
‫والبر يهدي إلى الجنة‪ ،‬وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حممتى يكتممب‬
‫عند الّله صديقًا‪ ،‬وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور‪ ،‬وإن الفجور‬
‫يهدي إلى النار‪ ،‬وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الّله‬
‫كذابا" قال‪ :‬حدثنا محمد بن الفضل‪ .‬حدثنا محمد بن جعفر‪ .‬حممدثنا إبراهيممم‬
‫بن يوسف‪ .‬حدثنا أبو معاوية عن العمش عن عمممارة بممن عميممر عممن عبممد‬
‫الرحمن بممن زيممد عممن ابممن مسممعود رضممي الل ّممه تعممالى عنممه قممال‪ :‬اعتممبروا‬
‫المنافق بثلث‪ :‬إذا حدث كذب‪ ،‬وإذا وعد أخلف‪ ،‬وإذا عاهد غممدر‪ .‬قممال عبممد‬
‫الّله رضي الّله تعالى عنه‪ :‬وأنزل الّله تعالى تصديق ذلممك فممي كتممابه قمموله‬
‫مما َ‬
‫كماُنوا‬ ‫ه{ إلمى قموله‪} :‬وَب ِ َ‬ ‫ن فَ ْ‬
‫ضل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫عاهَد َ الّله ل َئ ِ ْ‬
‫ن آَتاَنا ِ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫م َ‬
‫من ْهُ ْ‬
‫تعالى }وَ ِ‬
‫ن{ قال‪ :‬حدثنا أبممو القاسممم ابممن محمممد بممن مردويممه وحممدثنا عيسممى‬ ‫ي َك ْذ ُِبو َ‬
‫خشنام الثوري‪ .‬حدثنا سويد عن مالك‪ :‬أنه بلغه أنه قيل للقمان الحكيم ممما‬
‫بلغ بك ما نرى؟ قال صدق الحديث‪ ،‬وأداء المانة‪ ،‬وترك ما ل يعنيني‪ .‬قمال‪:‬‬
‫حدثنا أبو القاسم عيسى‪ .‬حدثنا سويد عن مالك عن صفوان بن سممليم أنممه‬
‫قال "قيل يا رسول الّله أيكون المؤمن جبانا؟ قممال نعممم‪ ،‬فقيممل لممه أيكممون‬
‫المؤمن بخيل؟ قال نعم‪ ،‬قيل له أيكون المؤمن كذابا؟ قال ل" قممال‪ :‬حممدثنا‬
‫محمد بن الفضل‪ .‬حدثنا محمد بن جعفر‪ .‬حدثنا إبراهيم بممن يوسممف‪ .‬حممدثنا‬
‫إسماعيل بن جعفمر عمن عممر عمن المطلمب بمن حنطمب عمن عبمادة ابمن‬
‫الصممامت رضممي الل ّممه تعممالى عنممه أن النممبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم قممال‬
‫"أضمنوا لي ستا ً من أنفسكم أضمن لكم الجنة‪ :‬اصدقوا إذا حدثتم‪ ،‬وأوفمموا‬
‫إذا وعدتم‪ ،‬وأدوا إذا ائتمنتم‪ ،‬واحفظوا فروجكم‪ ،‬وغضمموا أبصمماركم‪ ،‬وكفمموا‬
‫أيديكم"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬قد جمع النبي صلى الّله عليه وسلم‬
‫جميع الخيرات في هذه الشياء وهي ستة‪.‬أولها قممال "اصممدقوا إذا حممدثتم"‬
‫فقد دخل فيه كلمة التوحيد وغيرها يعني إذا شممهد أن ل إلممه إل ّ الل ّممه يكممون‬
‫قوله صادقا ً من نفسه ويكون صادقا ً في حديثه مممع النمماس‪ .‬وقمموله "أوفمموا‬
‫إذا وعدتم" يعني الوعد الذي بينه وبين الّله تعالى والوعد الممذي بينممه وبيممن‬
‫الناس‪ ،‬فأما الوعد الذي بينه وبين الّله تعالى فممإنه يثبممت علممى إيمممانه إلممى‬
‫الموت‪ ،‬وأما الذي بينه وبين الناس فهو أن يفي بجميع ممما وعممدهم‪ .‬وقمموله‬
‫"وأدوا إذا ائتمنتم" فالمانة علممى وجهيممن‪ :‬أحممدهما بينممه وبيممن الل ّممه تعمالى‪،‬‬
‫والخر بينه وبين الناس‪.‬فأما الذي بينه وبين الله‬

‫]ص ‪[81‬‬
‫تعالى فهي الفرائض التي افترضها الّله على عباده وهممي أمانممة الل ّممه عنممده‬
‫فوجب عليه أن يؤديها في وقتهمما‪ .‬وأممما المانممة بينممه وبيممن النمماس فهممو أن‬
‫يأتمنه رجل على ماله أو على قول أو على غير ذلك فيجممب عليممه أن يفممي‬
‫بأممانته‪ .‬وقمموله "واحفظمموا فروجكممم" فممالحفظ علممى وجهيممن‪ :‬أحممدهما أن‬
‫يحفظ فرجه عن الحرام والشممبهة‪ ،‬والثمماني أن يحفممظ فرجممه حممتى ل يقممع‬
‫بصر أحد عليه لن النبي صلى الل ّممه عليممه وسمملم قممال‪" :‬لعممن الل ّممه النمماظر‬
‫والمنظممور إليممه" فممالواجب علممى المسمملم أن يتعاهممد نفسممه فممي وقممت‬
‫الستنجاء لكيل ينظر إليه من ل يحل له النظممر إليممه مممن الرجممال والنسمماء‪.‬‬
‫وقوله }وغضوا أبصاركم{ يعني غضوا أبصاركم عممن عممورات النمماس وعممن‬
‫النظر إلى محاسن المرأة التي ل يحل لكم النظممر إليهمما وعممن النظممر إلممى‬
‫ه‬
‫مت ّعْن َمما ب ِم ِ‬
‫ممما َ‬ ‫ك إ ِل َممى َ‬‫ن ع َي ْن َي ْم َ‬ ‫الدنيا بعين الرغبة كما قال الّله تعالى }وََل ت َ ُ‬
‫مد ّ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م{ أي‬ ‫فمموا أي ْمد ِي َك ُ ْ‬
‫ه{ وقمموله }وك ُ ّ‬ ‫م ِفي م ِ‬
‫فت ِن َهُ ْ‬
‫دنَيا ل ِن َ ْ‬
‫حَياةِ ال ّ‬
‫م َزهَْرة َ ال َ‬ ‫أْزَواجا ً ِ‬
‫من ْهُ ْ‬
‫عن الحرام من الموال وغير ذلك‪.‬‬
‫وروى عن حذيفة بن اليمان رضي الّله تعالى عنه أنه قال‪ :‬إن الرجل كان‬
‫يتكلم بالكلمة على عهممد رسمول الل ّممه صملى الل ّممه عليممه وسمملم فيصممير بهما‬
‫منافقا‪ ،‬وإني لسمعها من أحدكم في اليوم عشر مممرات‪ :‬يعنممي الرجممل إذا‬
‫كان يكذب كان ذلك دليل ً على نفاقه‪ .‬فالواجب على المسلم أن يمنع نفعمه‬
‫ود الكذب يكتب عنممد الل ّممه منافقمما‬ ‫من علمات المنافقين‪ ،‬فإن الرجل إذا تع ّ‬
‫ويكون عليه وزره ووزر من اقتدى به‪ .‬قال‪ :‬حدثنا أبو منصور بممن عبممد الل ّممه‬
‫الفرائضي بسمرقند بإسناد عن سمرة بن جنممدب قممال "كممان رسممول الل ّممه‬
‫صلى الّله عليه وسلم إذا صلى الغداة أقبل علينا بوجهه فقال لصحابه‪ :‬هل‬
‫رأى أحد منكم الليلة رؤيا فيقص عليه ما شمماء الل ّممه أن يقممص رؤيماه عليممه‪،‬‬
‫وإنه قال لنا ذات غداة‪ :‬هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا؟ فقلنا ل‪ ،‬قال لكنممي‬
‫أنا رأيت الليلة‪ :‬إنه أتاني اثنان وإنهما أخذا بيدي فقال لي انطلق‪ ،‬فانطلقت‬
‫معهما فأخرجاني إلى أرض مستوية فأتينا على رجل مضممطجع وآخممر قممائم‬
‫عليه بصخرة فإذا هو يهوي بالصخرة على رأسه فيثلممغ بهمما رأسممه فيتدهممده‬
‫الحجر‪ ،‬فيتبعه ويأخذه فل يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كممان فيعممود عليممه‬
‫بمثل ذلك‪ ،‬فقلت سبحان الّله ما هذا؟ فقال لي انطلممق‪ ،‬فممانطلقت معهممما‬
‫حتى أتينا على رجل مستلق علممى قفمماه وإذا آخممر قممائم عليممه بكل ّمموب مممن‬
‫حديد فإذا هو يأتي أحمد شمقي وجهمه فيشمق شمدقه حمتى يبلمغ إلمى قفماه‬
‫ومنخره‪ ،‬ثم يتحول إلى الجانب الخر فيفعممل بممه مثممل ذلممك فل يفممرغ منممه‬
‫حتى يصح الجانب الّول كما كان فيعود إليه فيفعل به مثل ذلك‪ .‬قال‪ :‬قلت‬
‫سبحان الّله ما هذا؟ قال لي انطلق‪ ،‬فانطلقت حتى انتهينا على بناء رأسممه‬
‫مثل التنور وأسفله واسع‪ .‬قال‪ :‬فاطلعت فإذا فيه رجال ونسمماء عممراة فممإذا‬
‫هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أوقد ارتفعوا حمتى يكمادوا أن يخرجموا‬
‫وتوا‪ :‬يعنممي صمماحوا‪،‬‬ ‫فإذا خمدت رجعوا فيهمما فلممما جمماءهم ذلممك اللهممب صم ّ‬
‫فقلت سبحان الّله ما هؤلء؟ قال لي‬

‫]ص ‪[82‬‬
‫انطلق فانطلقنا حتى أتينا على نهر معترض فيه ماء أحمر مثممل الممدم فممإذا‬
‫فيه رجل يسبح وإذا على شاطئ النهر رجممل قممد جمممع حجممارة كممثيرة قممال‬
‫فيأتيه السابح فيفغر‪" :‬أي يفتح" له فاه فيلقمه حجرا‪ .‬قممال‪ :‬قلممت سممبحان‬
‫الّله ما هذا؟ فقال لي انطلق‪ ،‬فأتينا على رجل فممإذا هممو حمموله نمار عظيمممة‬
‫يهشها ويسعى حولها فقلت سبحان الّله ما هذا؟ فقال لي انطلق‪ ،‬فانطلقنا‬
‫فأتينا على روضة فيها من كل َنور الربيع فممإذا بيممن ظهرنممي الروضممة رجممل‬
‫طويل وإذا حول ذلك الرجل ولدن كثيرة مممن أكممثر ممما رأيتممم قممط‪ ،‬فقلممت‬
‫سبحان الّله ممما هممذا؟ قممال لممي انطلممق‪ ،‬فانطلقنمما حممتى انتهينمما إلممى دوحممة‬
‫عظيمة لم أر دوحة أعظم ول أحسن منها فارتقينا فيها فانتهينا إلممى مدينممة‬
‫مبنية بلبن من ذهممب ولبممن مممن فضممة‪ ،‬فاسممتفتحنا بمماب المدينممة ففتممح لنمما‬
‫فدخلنا فيها فأخرجاني منها فأدخلني دارا هي أحسن منها وأفضممل‪ ،‬فبينممما‬
‫اصّعد بصري فإذا قصر أبيض كأنه ربابة بيضاء ز قال‪ :‬ذلك منزلك‪ .‬قلممت أل‬
‫أدخله؟ قال‪ :‬أما الن فل وأنت داخله‪ ،‬ثم قلت إني رأيت هممذه الليلممة عجبمما‬
‫ما الول الذي رأيتمه يثلمغ رأسممه بمالحجر فممإنه رجممل‬ ‫فما الذي رأيته؟ قال‪ :‬أ ّ‬
‫ما الممذي يشممق شممدقه‬ ‫يأخذ القرآن ثم يرفضه وينام عن الصلة المكتوبة‪،‬وأ ّ‬
‫مما الممذي‬ ‫إلى قفاه فإنه رجل يخرج من بيته فيكذب الكذبة فتبلغ الفماق‪ .‬وأ ّ‬
‫رأيته مثل التنور فإنهم الزناة والزواني‪ .‬وأممما الممذي يسممبح فممي البحممر فهممو‬
‫آكل الربا‪ .‬وأما الذي يسعى حول النار فإنه مالممك خممازن النممار "أي جهنممم"‬
‫وأما الرجل الطويل الذي رأيته في الروضة فإنه إبراهيم عليه السلم‪ :‬وأما‬
‫الولدان الذين حوله فكل مولود ولد على الفطرة وأممما الممدار الممتي دخلممت‬
‫أّول فدار عامة المؤمنين‪ .‬وأما الدار الخرى فدار الشهداء وأنا جبريل وهمذا‬
‫ميكائيل‪ ،‬فقال رجل وأولد المشركين؟ قال وأولد المشركين أيضا ً يكونون‬
‫عند إبراهيم عليه الصلة والسلم" وقد جاء فممي أطفممال المشممركين أخبممار‬
‫مختلفة‪ .‬قال بعضهم‪ :‬يكونون خدما ً لهممل الجنممة‪ ،‬وبعضممهم مممن أهممل النممار‬
‫والله تعالى أعلم‪.‬‬
‫)وقال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬حدثنا أبو جعفممر‪ .‬حممدثنا محمممد بممن‬
‫الفضل‪ .‬حدثنا أبو حذيفة بالبصرة‪ .‬حممدثنا سممفيان‪ .‬حممدثنا عبممد الرحمممن بممن‬
‫عباس قال‪ :‬حدثني ناس من أصحاب عبد الّله بن مسعود رضي الّله تعمالى‬
‫عنه أنه قال‪" :‬أصدق الحديث كلم الله‪ ،‬وأشرف الحديث ذكممر اللممه‪ ،‬وشممر‬
‫ل وكفممى خيممر مممما أكممثر وألهممى‪ ،‬وشممر الندامممة‬ ‫العمى عمى القلب‪ ،‬وما ق ّ‬
‫ندامة يوم القيامة‪ ،‬وخير الغنى عنى النفس‪ ،‬وخيممر الممزاد التقمموى‪ ،‬والخمممر‬
‫جماع الثم‪ ،‬والنساء حبائل الشيطان‪ ،‬والشباب شممعبة مممن الجنممون‪ ،‬وشممر‬
‫المكاسب كسممب الربمما‪ ،‬وأعظممم الخطايمما اللسممان الكممذوب"‪ .‬قممال‪ :‬حممدثنا‬
‫محمد بن الفضل‪ .‬حدثنا محمد بن جعفر‪ .‬حدثنا إبراهيم بممن يوسممف‪ .‬حممدثنا‬
‫سفيان بن أبي حصين يبلغ به‬

‫]ص ‪[83‬‬
‫إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬الكممذب ل يصمملح إل فممي ثلث‪ :‬فممي‬ ‫ّ‬
‫الحرب لن الحرب خدعة‪ .‬والرجل يصلح به بين اثنيممن‪ ،‬والرجممل يصمملح بممه‬
‫بينه وبين امرأته"‪.‬‬
‫وروى عن بعض التابعين أنه قممال‪ :‬أعلممم أن الصممدق زيممن الوليمماء‪ ،‬وأن‬
‫ذا‬ ‫الكذب علمة الشقياء كما بين الّله تعالى في كتابه قال الل ّممه تعممالى }هَ م َ‬
‫قمموا الل ّممه وَ ُ‬ ‫َ‬
‫ع‬
‫مم َ‬ ‫كون ُمموا َ‬ ‫من ُمموا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م{ }َيا أي ّهَمما ال ّم ِ‬ ‫صد ْقُهُ ْ‬
‫ن ِ‬ ‫صاد ِِقي َ‬ ‫فعُ ال ّ‬ ‫م َين َ‬ ‫ي َوْ ُ‬
‫مما‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫صمد ّقَ ِبمهِ أوْلئ ِ َ‬ ‫ّ‬
‫م َ‬ ‫ن‪ .‬لُهم ْ‬‫قمو َ‬
‫مت ّ ُ‬
‫م ال ُ‬
‫هم ْ‬ ‫ك ُ‬ ‫ق وَ َ‬ ‫صمد ْ ِ‬
‫جماَء ِبال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن‪َ .‬والم ِ‬ ‫صماد ِِقي َ‬ ‫ال ّ‬
‫ل‬‫م{ وقد ذم الكمماذبين ولعنهممم فقممال عممز مممن قممائل }قُت ِم َ‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬‫ن ِ‬ ‫شاُءو َ‬ ‫يَ َ‬
‫َ‬
‫ب‬‫ن افْت ََرى ع ََلى الّله الك َذ ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫م ِ‬‫ن أظ ْل َ ُ‬ ‫م ْ‬‫ن{ يعني لعن الكذابون }وَ َ‬ ‫صو َ‬ ‫خّرا ُ‬ ‫ال َ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫م الظال ِ ِ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫دي ال َ‬ ‫َ‬
‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫ّ‬
‫سلم ِ َوالل ُ‬ ‫َ‬ ‫عى إ ِلى ال ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫وَهُوَ ي ُد ْ َ‬

‫باب الغيبة‬
‫ّ‬
‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رضي الله تعالى عنه‪ :‬حممدثنا محمممد‬
‫بن الفضل‪ .‬حدثنا محمد بن جعفر‪ .‬حدثنا إبراهيم بن يوسف‪ .‬حدثنا إسمعيل‬
‫بن جعفر عن العلء بن عبد الرحمن عن أبيه عممن أبممي هريممرة رضممي الل ّممه‬
‫تعالى عنه أن النبي صلى الّله عليه وسلم قال "أتممدرون ممما الغيبممة؟ قممالوا‬
‫الّله ورسوله أعلم‪ .‬قال إذا ذكرت أخاك بما يكره فقد اغتبته‪ .‬قيممل‪ :‬أرأيممت‬
‫إن كان في أخي ما أقول؟ قال‪ :‬إن كان فيه ما تقول فقد اغتبتممه؟ وإن لممم‬
‫يكن فيه ما تقول فقد بهته" يعني قلت فيه بهتانا‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬ذكر عن بعض المتقدمين أنه قال‪ :‬لو‬
‫قلت إن فلنا ثوبه قصير أو ثوبه طويل يكممون غيبممة فكيممف إذا ذكممرت عممن‬
‫نفسه قال‪ :‬حدثنا محمد بن الفضل‪ .‬حدثنا محمد بن جعفممر‪ .‬حممدثنا إبراهيممم‬
‫بن يوسف‪ .‬حمدثنا يحيممى بمن سمليم عمن سمملمان القاضممي عمن محمممد بمن‬
‫الفضيل العابد عن ابن أبي نجيح قال‪" :‬بلغنا أن امرأة قصيرة دخلممت علممى‬
‫النبي صلى الّله عليه وسلم فلما خرجت قممالت عائشممة رضممي الل ّممه تعممالى‬
‫عنها ما أقصرها فقال النبي صلى الّله عليه وسلم اغتبتيها‪ .‬قالت عائشة ما‬
‫قلت إل ّ ما فيها‪ .‬قال‪ :‬ذكرت أقبح ما فيها" قال‪ :‬حدثنا محمد بممن الفضمميل‪.‬‬
‫حدثنا محمد بن جعفر عن إبراهيم‪ .‬حدثنا عبد الوهماب بمن عطماء عمن أبمي‬
‫محمد الجماني عن أبي هرون العبدي عن أبي سممعيد الخممدري رضممي الل ّممه‬
‫تعالى عنه أن النبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم قممال‪" :‬ليلممة أسممرى بممي إلممى‬
‫السماء مررت بقوم يقطع اللحم من جنوبهم ثم يلقمونه ثم يقال لهم كلمموا‬
‫ما كنتم تأكلون من لحم أخيكم‪ ،‬فقلت يا جبريل من هؤلء؟ قال هؤلء مممن‬
‫أمتك الهمازون اللمازون" يعني المغتابين‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬سمعت أبي يحكي قال‪" :‬كان النبي صلى‬
‫فة وزيد بن‬ ‫الّله عليه وسلم في المنزل وأصحابه في المسجد من أهل ال ُ‬
‫ص ّ‬
‫ثابت يحدثهم بما سمع من النبي صلى الّله عليه وسلم من‬

‫]ص ‪[84‬‬
‫الحاديث فأتى النبي صلى الّلمه عليمه وسملم بلحمم فقمالوا لزيمد بمن ثمابت‬
‫ادخل على النبي صلى الّله عليه وسلم وقل إنمما لممم نأكممل اللحممم منممذ كممذا‬
‫وكذا لكي يبعث إلينا بشيء من ذلك اللحمم‪ ،‬فلمما قمام زيمد بمن ثمابت ممن‬
‫عندهم قالوا فيما بينهم إن زيدا قد لقي النبي صلى الّله عليممه وسمملم مثممل‬
‫ما لقينا فكيف يجلس ويحدثنا؟ فلما دخل زيد على النممبي صمملى الل ّممه عليممه‬
‫دى الرسالة قال النبي صلى الّله عليه وسمملم قممل لهممم قممد أكلتممم‬ ‫وسلم وأ ّ‬
‫اللحم الن‪ ،‬فرجع إليهم وأخبرهم به قالوا والله ممما أكلنمما اللحممم منممذ كممذا‪،‬‬
‫فرجع إليه وأخبره فقال إنهم قد أكلوا الن فرجممع إليهممم وأخممبرهم فقمماموا‬
‫فدخلوا على النبي صلى الّله عليمه وسملم فقمال لهمم الن قمد أكلتمم لحمم‬
‫أخيكم وأثر اللحم في أسنانكم فابزقوا حتى تروا حمرة اللحم‪ ،‬فبزقوا الدم‬
‫فتابوا ورجعوا عن ذلك واعتذروا إليه"‪.‬‬
‫وروى جابر بن عبد الّله رضي الّله تعالى عنهما قال "هاجت ريح منتنة على‬
‫عهد رسول الّله صلى الّله عليه وسلم فقال النبي صلى الّله عليممه وسمملم‪:‬‬
‫إن ناسا من المنافقين قد اغتابوا أناسا من المسلمين فلممذلك همماجت هممذه‬
‫الريح المنتنة"‪ .‬وقيل لبعض الحكماء ما الحكمة فممي أن ريممح الغيبممة ونتنهمما‬
‫كانت تتبين على عهد رسول الّله صلى الّله عليه وسلم ول تتبين في يومنمما‬
‫هذا قال لن الغيبة قد كثرت فممي يومنمما فممامتلت النمموف منهمما فلممم تتممبين‬
‫الرائحة وهي النتن‪ ،‬ويكون مثال هذا مثال رجل دخل دار الممدباغين ل يقممدر‬
‫على القرار فيها من شدة الرائحة‪ ،‬وأهل تلممك الممدار يممأكلون فيهمما الطعممام‬
‫ويشربون الشراب ول تتبين لهم الرائحة لنه قد امتلت أنوفهم منها كممذلك‬
‫أمر الغيبة في يومنا همذا‪ .‬وروى أسمباط عمن السمدي قمال‪" :‬كمان سملمان‬
‫الفارسي في سفر مع أناس وفيهم عمر رضي الّله تعالى عنه فنزلوا منزل‬
‫فضربوا خيامهم وصنعوا طعامهم ونام سلمان‪ ،‬فقال بعض القمموم ممما يريممد‬
‫هذا العبد إل ّ أن يجيء إلى خيام مضممروبة وطعممام مصممنوع؟ ثممم قممالوا بعممد‬
‫ذلك لسلمان انطلق إلى النبي صلى الل ّممه عليممه وسمملم فممالتمس لنمما إداممما‬
‫نأتدم به‪ ،‬فأتى النبي صلى الّله عليه وسلم فأخبره فقال النممبي صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم أخبرهم أنهم قد ائتدموا‪ ،‬فأخبرهم بذلك فقالوا ما طعمنمما بعممد‪،‬‬
‫وما كذب النبي صلى الّله عليه وسلم عليكم فأتوه؟ فقال لهم النبي صمملى‬
‫الّله عليه وسلم‪ :‬قد ائتدمتم من صاحبكم حين قلتم ما قلتم وهممو نممائم ثممم‬
‫َ‬
‫م{‬ ‫ض الظ ّ ّ‬
‫ن إ ِث ْ ٌ‬ ‫ن ب َعْ َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫ن الظ ّ ّ‬ ‫م ْ‬‫جت َن ُِبوا ك َِثيرا ً ِ‬
‫مُنوا ا ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫قرأ عليهم }َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫يعني معصية‪ .‬قال سفيان‪ :‬الظن ظنان‪ :‬ظن فيه إثم وظن ليس فيممه إثممم‪،‬‬
‫فأما الظن الذي فيه إثم فالذي يتكلم به وأما الظن الذي ليس فيه إثم فما‬
‫سمموا{ يقممول ول تطلبمموا عيممب أخيكممم }وََل‬ ‫س ُ‬ ‫ج ّ‬ ‫يضمره ول يتكلم بممه }وََل ت َ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه{ يعنممي‬ ‫مو ُ‬‫مْيتا ً فَك َرِهْت ُ ُ‬‫خيهِ َ‬
‫مأ ِ‬ ‫ح َ‬‫ل لَ ْ‬
‫ن ي َأك ُ َ‬
‫مأ ْ‬ ‫حد ُك ُ ْ‬‫بأ َ‬ ‫ح ّ‬‫م ب َْعضا ً أ َي ُ ِ‬
‫ضك ُ ْ‬
‫ب ب َعْ ُ‬‫ي َغْت َ ْ‬
‫كما تكرهون أكل لحم أخيكم ميتا فكذلك اجتنبوا ذكره بالسوء غائبًا‪.‬‬
‫ب‬‫وروى عن ابن عباس رضي الّله تعالى عنهما في هممذه اليممة }وََل ي َغْت َم ْ‬
‫م ب َْعضًا{ قال‪ :‬نزلت في رجلين من أصحاب رسمول الّلمه صملى الّلمه‬ ‫ضك ُ ْ‬‫ب َعْ ُ‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وذلك أن النبي صلى الّله عليه وسلم ضم مع كل رجلين‬

‫]ص ‪[85‬‬
‫غنييممن فممي السممفر رجل ً مممن أصممحابه قليممل الشمميء ليصمميب معهممما مممن‬
‫طعامهما ويتقدمهما في المنازل ويهيئ لهما المنزل وممما يصمملح لهممما وقممد‬
‫كان ضم سلمان إلى رجلين‪ ،‬فنزل منزل من المنازل ذات يمموم ولممم يهيممئ‬
‫لهما شيئا ً فقال له اذهب إلى النبي صلى الّله عليه وسلم فسممل لنمما فضممل‬
‫إدام؟ فانطلق فقال أحدهما لصاحبه حين غاب عنهما إنه لو انتهى إلممى بئر‬
‫ل الماء‪ ،‬فلما انتهى إلى رسول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه وسمملم وبلغممه‬ ‫كذا لق ّ‬
‫الرسالة قمال النمبي صملى الّلمه عليمه وسملم‪ :‬قمل لهمما قمد أكلتمما الدام‪،‬‬
‫فأتاهما فأخبرهما فأتياه فقممال ممما أكلنمما مممن إدام؟ فقممال إنممي لرى حمممرة‬
‫اللحم في أفواهكما‪ ،‬فقال لم يكن عندنا شيء وما أكلنا لحما اليمموم‪ ،‬فقممال‬
‫لهما إنكما اغتبتما أخاكما‪ ،‬ثم قال لهما أتحبان أن تأكل لحما ميتا؟ فقال‪ :‬ل‪،‬‬
‫فقال لهما فكما كرهتما أن تأكل لحما ميتا فل تغتابا فممإنه مممن اغتمماب أخمماه‬
‫م ب َْعضمًا{‪ .‬وروى عممن الحسممن‬ ‫ضمك ُ ْ‬ ‫فقممد أكممل لحمممه فنزلممت }وََل ي َغْت َم ْ‬
‫ب ب َعْ ُ‬
‫البصري أن رجل ً قال‪ :‬إن فلنا قممد اغتابممك فبعممث إليممه طبقمما مممن الرطممب‬
‫ي حسمناتك فمأردت أن أكمافئك عليهما فاعمذرني‬ ‫وقال بلغني أنك أهديت إلم ّ‬
‫فإني ل أقدر أن أكافئك بها على التمام‪ .‬وذكر عن إبراهيم بن أدهممم رحمممه‬
‫الّله تعالى أنه أضاف أناسا فلما قعدوا على الطعممام جعلمموا يتنمماولون رجل‪.‬‬
‫قال إبراهيم‪ :‬إن الذين كانوا قبلنا كانوا يأكلون الخبز قبل اللحم وأنتم بدأتم‬
‫باللحم قبل الخبز‪ .‬وذكر عن أبي أمامة الباهلي رضي الل ّممه تعممالى عنممه أنممه‬
‫قال‪ :‬إن العبد ليعطي كتابه يوم القيامة فيرى فيه حسنات لم يكممن عملهمما‪،‬‬
‫فيقول يا رب من أين لي هذا؟ فيقول هذا بما اغتابك الناس وأنت ل تشممعر‬
‫وذكر عن إبراهيم بن أدهم أنه قال‪ :‬يا مكذب بخلت بدنياك على أصممدقائك‬
‫وسخوت بآخرتك على أعدائك فل أنت فيما بخلت به معممذور ول أنممت فيمما‬
‫سخوت به محمود‪ .‬وذكر عن بعض الحكماء أنه قال‪ :‬الغيبممة فاكهممة القممراء‬
‫وضيافة الفساق ومراتع النساء وإدام كلب الناس ومزابل التقياء‪.‬‬
‫وروى أنس بن مالك رضي الّله تعالى عنه عن رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم أنه قال "أربع يفطرن الصائم وينقضن الوضوء ويهدمن العمل‪:‬‬
‫الغيبة‪ ،‬الكذب‪ ،‬والنميمة‪ ،‬والنظر إلى محاسن المرأة التي ل يحل له النظر‬
‫اليها‪ ،‬وهن يسقين أصول الشر كما يسممقي الممماء أصممول الشممجر‪ ،‬وشممرب‬
‫الخمر يعلو الخطايا"‪ .‬قال كعممب الحبممار‪ :‬قممرأت فممي كتممب النبيمماء عليهممم‬
‫الصلة والسلم أن من مات تائبا من الغيبة كان آخر من يدخل الجنة‪ ،‬ومن‬
‫مات مصّرا عليها كان أول من يمدخل النمار‪ .‬وذكمر عمن عيسممى ابمن مريممم‬
‫عليه الصلة والسلم أنه قال لصحابه أرأيتم لو أتيتمم علمى رجمل نمائم قمد‬
‫كشفت الريح عن بعض عورته كنتم تسممترون عليممه؟ قممالوا نعممم‪ ،‬قممال بممل‬
‫كنتم تكشفون البقية‪ .‬قالوا سبحان الّله كيممف نكشممف البقيممة؟ قممال أليممس‬
‫يذكر عندكم الرجل فتذكرونه بأسوأ ما فيه‪ ،‬فأنتم تكشفون بقية الثوب عن‬
‫عورته‪ .‬وروى خالد الربعي قال‪ :‬كنممت فممي المسممجد الجممامع فتنمماولوا رجل‬
‫فنهيتهم عن‬
‫]ص ‪[86‬‬
‫ذلك فكفوا وأخذوا في غيره ثم عادوا إليه‪ ،‬فدخلت معهممم فممي شمميء مممن‬
‫أمره فرأيت تلك الليلة في المنام كأني أتاني رجل أسود طويل ومعه طبق‬
‫عليه قطعة من لحم خنزير‪ ،‬فقال لي كل فقلت آكل لحم الخنزير‪ ،‬واللممه ل‬
‫آكله فانتهرني انتهارا شديدا‪ ،‬وقال قد أكلت ما هو شممر منممه فجعممل يدسممه‬
‫في فمي حتى استيقظت مممن منممامي‪ ،‬فمموالله لقممد مكثممت ثلثيممن يوممما أو‬
‫أربعين يوما ما أكلت طعاما إل ّ وجدت طعم ذلممك اللحممم ونتنممه فممي فمممي‪.‬‬
‫قال سفيان بن الحصين‪ :‬كنت جالسا عند إياس بن معاوية فمّر رجل فنلت‬
‫منه فقال اسكت‪ ،‬ثم قال لي سفيان هل غزوت المروم؟ قلمت ل قمال همل‬
‫غزوت الترك؟ قلت ل قال سلم منك الروم وسلم منك الممترك ولممم يسمملم‬
‫منك أخوك المسلم‪ .‬قال‪ :‬فما عدت إلى ذلك بعد‪ .‬وروي عن حمماتم الزاهممد‬
‫رحمه الّله تعالى قال‪ :‬ثلثة إذا كن في مجلممس فالرحمممة عنهممم مصممروفة‪:‬‬
‫ذكر الدنيا والضحك والوقيعة في الناس‪ .‬وعن يحيى بن معاذ الممرازي قممال‪:‬‬
‫ليكن حظ المؤمن منك ثلث خصال لتكون من المحسنين‪ :‬أحدهما أنممك إن‬
‫لم تنفعه فل تضره‪ .‬والثاني إن لم تسره فل تغمه‪ .‬والثممالث إن لممم تمممدحه‬
‫فل تذمه‪ .‬وذكر عن مجاهد أنه قال‪ :‬إن لبن آدم جلساء من الملئكممة‪ ،‬فممإذا‬
‫ذكر أحدهم أخاه بخير قالت الملئكة‪ :‬له ولك مثله‪ ،‬وإذا ذكممر أحممدهم أخمماه‬
‫بسوء قالت الملئكة‪ :‬يا ابن آدم كشفت المسممتور عليممه عممورته ارجممع إلممى‬
‫نفسك واحمد الّله الذي ستر عليك عورتك‪ .‬وذكر عن إبراهيم بن أدهم أنممه‬
‫دعى إلى طعام فلما جلس قالوا إن فلنا لم يجىممء‪ ،‬فقمال رجممل منهمم إن‬
‫فلنا رجل ثقيل فقال إبراهيم إنما فعل هذا بي بطني حيمن شمهدت طعامما‬
‫اغتبت فيه مسلما‪ ،‬فخممرج ولممم يأكممل ثلثممة أيممام‪ .‬قممال بعممض الحكممماء‪ :‬إن‬
‫ضعفت عن ثلث فعليك بثلث‪ .‬إن ضعفت عن الخيممر فأمسممك عممن الشممر‪.‬‬
‫وإن كنممت ل تسممتطيع أن تنفممع النمماس فأمسمك عنهممم ضممرك‪ ،‬وإن كنممت ل‬
‫تستطيع أن تصوم فل تأكل لحوم الناس‪ .‬وذكر عن وهب المكممي أنممه قممال‪:‬‬
‫ي من أن تكون لي الدنيا وما فيها منذ خلقت إلى أن‬ ‫لن أدع الغيبة أحب إل ّ‬
‫تفنى فأجعلها في سبيل الّله تعالى‪ ،‬ولن أغض بصري عما حرم الّله تعالى‬
‫ي من أن تكون لي الدنيا وما فيها فأجعلها في سبيل الّله تعالى‪ ،‬ثم‬ ‫أحب إل ّ‬
‫ضمموا‬
‫ن ي َغُ ّ‬
‫مِني َ‬ ‫م ب َْعضًا{وتل قوله تعالى }ل ِل ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫تل قوله تعالى }وََل ي َغْت َ ْ‬
‫ب ب َعْ ُ‬
‫م{ الية‪.‬‬ ‫م َ‬
‫صارِه ِ ْ‬‫ن أب ْ َ‬
‫ِ ْ‬
‫)قال الفقيه( رضي الله تعالى عنه‪ :‬قد تكلم الناس في توبة المغتاب هل‬ ‫ّ‬
‫تجوز من غير أن يستحل من صاحبه! قال بعضممهم يجمموز‪ ،‬وقممال بعضممهم ل‬
‫يجوز ما لم يستحل مممن صمماحبه‪ ،‬وهممو عنممدنا علممى وجهيممن‪ :‬إن كممان ذلممك‬
‫القول قد بلغ إلى الذي اغتابه فتوبته أن يستحل منه وإن لم يبلغ فليستغفر‬
‫الّله تعالى ويضمر أن ل يعممود إلممى مثلممه‪ .‬وروى أن رجل ً أتممى ابممن سمميرين‬
‫فقال‪ :‬إني اغتبتك فاجعلني في حل؟ فقال وكيف أحل ما حرم الله؟‬

‫]ص ‪[87‬‬
‫فكأنه أشار إليه بالستغفار والتوبة إلى الّله تعالى مع اسممتحلله منممه‪ ،‬فممإن‬
‫لم تبلغ إلى صاحبه تلك الغيبة فتوبته أن يستغفر الّله تعالى ويتوب إليممه ول‬
‫يخبر صاحبه فهو أحسن لكيل يشتغل قلبه به‪ ،‬ولو أنمه قمال بهتانما لممم يكمن‬
‫ذلك فيه فإنه يحتاج إلى التوبة في ثلثة مواضع‪ ،‬أحدها أن يرجع إلى القموم‬
‫الذين تكلم بالبهتان عندهم ويقول إني قد ذكممرت عنممدكم فلنمما بكممذا وكممذا‬
‫فاعلموا أني كاذب في ذلك‪ .‬والثاني أن يذهب إلى الذي قال عليممه البهتممان‬
‫ويطلب منه أن يجعله في حل‪ .‬والثالث أن يستغفر الّله تعالى ويتمموب إليممه‬
‫فليس شيء من الذنوب أعظم من البهتان‪ ،‬فإن سائر الممذنوب يحتمماج إلممى‬
‫توبة واحدة وفي البهتان يحتاج إلى التوبة في ثلثة مواضع‪ ،‬وقد قممرن الل ّممه‬
‫َ‬ ‫تعالى البهتان بالكفر فقال تعالى }َفا ْ‬
‫جت َن ِب ُمموا‬ ‫ن الوْث َمما ِ‬
‫ن َوا ْ‬ ‫مم ْ‬
‫س ِ‬
‫جم َ‬
‫جت َن ُِبوا الّر ْ‬
‫ل الّزوِر{ ويقال ل تكون الغيبة إل ّ في قوم معلومين حتى لممو ذكممر أهممل‬ ‫قَوْ َ‬
‫مصر من المصار فقال هم بخلء أو قوم سوء ل يكون غيبة لن فيهم الممبّر‬
‫والفاجر وعلم أنه لم يرد به الجميع والكف عن ذلك أفضل‪ .‬وذكر عن بعض‬
‫الزهاد أنه اشترى قطنا لمرأته فقالت المرأة إن باعة القطن قوم سوء قد‬
‫خانوك في هذا القطن فطلق الرجل امرأته‪ ،‬فسئل على ذلممك فقممال‪ :‬إنممي‬
‫رجل غيور فأخاف أن يكون القطانون كلهم خصماءها يمموم القيامممة فيقممال‬
‫إن امرأة فلن تعلق بها القطانون فلجل ذلك طلقتها‪ .‬وقال ثلثممة ل تكممون‬
‫غيبتهم غيبة‪ :‬سلطان جممائر وفاسممق معلممن وصمماحب بدعممة يعنممي‪ ،‬إذا ذكممر‬
‫فعلهم ومذهبهم ولو ذكر شيئا ً من أبدانهم بعيب فيهم لكان ذلك غيبة ولكن‬
‫إذ ذكر فعلهم ومذهبهم فل بأس لكي يحذرهم الناس‪.‬‬
‫وروي عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال‪" :‬اذكروا الفاجر بما فيممه‬
‫لكي يحذره الناس"‪ .‬قال رضي الّله تعالى عنه‪ :‬الغيبممة علممى أربعممة أوجممه‪:‬‬
‫في وجه هي كفر‪ ،‬وفي وجه هي نفاق‪ ،‬وفي وجه هي معصية‪ ،‬والرابع مباح‬
‫وهو مأجور‪ .‬فأما الوجه الذي هو كفر فهو أن يغتمماب المسمملم فيقممال لممه ل‬
‫تغتب فيقول ليس هذا غيبة وأنا صادق في ذلك فقد استحل ممما حممرم الل ّممه‬
‫تعالى ومن استحل ما حرم الّله تعالى صار كافرا نعمموذ بممالله‪ .‬وأممما المموجه‬
‫الذي هو نفاق فهو أن يغتاب إنسانا ً فل يسميه عند من يعرف أنه يريد منممه‬
‫فلنا فهو يغتابه ويرى من نفسه أنه متورع فهذا هو النفاق‪ .‬وأممما الممذي هممو‬
‫معصية فهو أن يغتاب إنسانا ويسميه ويعلم أنها معصية فهممو عمماص وعليممه‬
‫التوبة‪ .‬والرابع أن يغتاب فاسقا معلنا بفسقه أو صاحب بدعممة فهممو مممأجور‬
‫لنهم يحذرون منه إذا عرفوا حاله‪ .‬وروى عن النبي صلى الّله عليممه وسمملم‬
‫أنه قال "اذكروا الفاجر بما فيه لكي يحذره الناس"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬سمعت أبي يحكي أن النبياء الممذين‬
‫لو يكونوا مرسلين عليهم الصلة والسلم بعضهم كممانوا يممرون فممي المنممام‬
‫وبعضهم كانوا يسمعون‬

‫]ص ‪[88‬‬
‫الصوت ول يرون شيئًا‪ ،‬وكان نبي مممن النبيمماء ممممن يممرى فممي المنممام رأى‬
‫ذات ليلممة فممي المنممام قيممل لممه‪ :‬إذا أصممبحت فممأول شمميء يسممتقبلك فكلممه‬
‫والثاني اكتمه والثالث اقبله والرابع ل تؤيسه والخممامس اهممرب منممه‪ ،‬فلممما‬
‫أصبح أّول شيء استقبله جبل أسود عظيم فوقف وتحير وقال أمرني ربممي‬
‫أن آكله أآكل هذا‪ ،‬ثم رجع إلى نفسه وقال إن ربي ل يأمرني بممما ل أطيممق‬
‫فلما عزم على أكله ومشى إليه ليأكله فلما دنا منه صغر ذلك الجبممل فلممما‬
‫انتهى إليه وجده لقمة أحلى من العسل فأكله وحمممد الل ّممه تعممالى‪ ،‬ومضممى‬
‫فاستقبله طست من ذهب وقال أمرت بممأن أكتمممه فحفممر بئرا فممي الرض‬
‫ودفنه فيها ومضى والتفت فإذا الطست فوق الرض فرجع مرتيممن أو ثلثمما‬
‫وهو يدفنه فيها ومضى فالتفت فإذا هو على وجه الرض‪ ،‬قممال إنممي فعلممت‬
‫ما أمرت به‪ ،‬فذهب فاستقبله طائر خلفه بازي يريد أن يأخذه فقال‪ :‬يا نبي‬
‫الّله أغثني فقبله وجعله في كمه فجاء البازي فقال‪ :‬يا نبي الل ّممه إنممي كنممت‬
‫جائعا ً وإني كنت في طلب هذا الصيد من منذ الغممداة حممتى أردت أن أخممذه‬
‫فل تؤيسني من رزقي‪ ،‬فقال في نفسه إني قد أمرت أن أقبل الثالث وقممد‬
‫قبلته‪ ،‬وقد أمرت أن ل أويس الرابع والرابع هذا البازي فكيممف أصممنع فلممما‬
‫تحير في ذلك أخذ السكين وقطع من فخذ نفسه قطعة من لحم فرمى بها‬
‫إلى البازي حتى أخذها ومضى ثم أرسممل الطممائر ومضممى‪ ،‬فممرأى الخممامس‬
‫جيفة منتنة فهرب فلما أمسى قال يا رب إني قد فعلممت ممما أمرتنممي فممبين‬
‫لي ما كان من أمر هذه الشياء‪ ،‬فرأى فمي منمامه أنمه قيممل لمه‪ :‬أمما الّول‬
‫الذي أكلته فهو الغضب يكون فممي الّول كالجبممل وهممو فممي آخممره إذا صممبر‬
‫وكظم غيظه أحلى من العسل‪ .‬والثاني فهو من عمل حسنة فإن كتمه فإنه‬
‫يظهر‪ .‬والثالث من ائتمنك بأمانة فل تخنه‪ . .‬وأما الرابع فإذا سممألك إنسممان‬
‫حاجة فاجتهد في قضائها وإن كنت محتاجا إليها‪ .‬والخممامس الغيبممة فمماهرب‬
‫من الذين يغتابون الناس‪ ،‬والله تعالى أعلم‪..‬‬

‫باب النميمة‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬حدثنا الخليممل بممن أحمممد‪ .‬حممدثنا أبممو‬
‫جعفر الدبيلي‪ .‬حدثنا أبو عبد الله‪ .‬حدثنا سفيان عن منصور عن إبراهيم بن‬
‫همام بن الحارث عن حذيفة قممال‪ :‬سمممعت رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم يقول "ل يدخل الجنة قتات" يعنممي النمممام‪ .‬قممال‪ :‬حممدثنا الخليممل بممن‬
‫أحمد حدثنا أبو جعفر الدبيلي‪ .‬حدثنا أبو عبد اللممه‪ .‬حممدثنا سممفيان عممن أبممي‬
‫الوداك عن العرج عن أبي هريرة رضي الّله تعالى عنه قال‪ :‬قممال رسممول‬
‫الّله صلى الّله عليه وسلم "هل تدرون من شممراركم؟ قممالوا الل ّممه ورسمموله‬
‫أعلم‪ .‬قال شراركم ذو الوجهين الذي يأتي هؤلء بوجه وهؤلء بوجه"‪ .‬قال‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن الفضل‪ .‬حدثنا محمد بن جعفر‪ .‬حدثنا إبراهيممم بممن يوسممف‪.‬‬
‫حدثنا أبو معاوية‬

‫]ص ‪[89‬‬
‫عن العمش عن مجاهد عممن طمماوس عممن ابممن عبمماس رضممي الل ّممه تعممالى‬
‫عنهما قال‪ :‬مّر النبي صلى الّله عليه وسلم بقممبرين جديممدين فقممال "إنهممما‬
‫ليعذبان وما يعذبان في كبير‪ ،‬أما أحدهما فكان ل يسممتره مممن البممول‪ ،‬وأممما‬
‫الخر فكان يمشي بالنميمة" ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين وغرز في‬
‫كل قبر واحدة‪ ،‬فقالوا يا رسول الّله لم صنعت هذا؟ فقال لعلممه أن يخفممف‬
‫عنهما ما لم ييبسا"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬معنى قوله "ممما يعممذبان فممي كممبير"‬
‫يعني ليس بكبيرة عندكم ولكنه كبيرة عند الله‪ .‬وقد ذكر في حديث حذيفممة‬
‫أنه ل يدخل الجنة قتات يعني النمام فإذا لم يدخل الجنة لم يكن مممأواه إل ّ‬
‫النار لنه ليس هناك إل ّ الجنة أو النار فإذا ثبت أنه ل يممدخل الجنممة ثبممت أن‬
‫مأواه النار‪ ،‬فالواجب على النمام أن يتوب إلى الّله تعالى فإن النمام ذليل‬
‫في الدنيا وهو في عذاب القبر بعد موته‪ ،‬وهو في النار يمموم القيامممة آيممس‬
‫من رحمة الّله تعالى‪ ،‬فإن تاب قبل موته تاب الّله عليه‪.‬‬
‫وروى الحسن عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنه قال "مممن ش مّر‬
‫الناس ذو الوجهين يأتي هؤلء بوجه وهؤلء بوجه‪ ،‬ومن كان ذا لسانين فممي‬
‫الدنيا فإن الّله تعالى يجعل له يوم القيامممة لسممانين مممن النممار" وروى عممن‬
‫قتادة أنه قال‪ :‬كان يقال من شّر عباد الل ّممه كممل طعممان لعممان نمممام‪ ،‬وكممان‬
‫يقال عذاب القبر ثلثة أثلث‪ :‬ثلث من الغيبة‪ ،‬وثلث من البممول‪ ،‬وثلممث مممن‬
‫النميمة‪ .‬وروى عن حماد بن سلمة أنه قال‪ :‬باع رجل غلما فقال للمشتري‬
‫ليس فيه عيب إل ّ أنه نمام فاستخفه المشتري فاشتراه على ذلممك العيممب‪،‬‬
‫فمكث الغلم عنده أياما ثم قال لزوجة موله إن زوجك ل يحبك وهممو يريممد‬
‫أن يتسرى عليك‪ ،‬أفتريدين أن يعطف عليممك؟ قممالت نعممم‪ ،‬قممال لهمما خممذي‬
‫الموسى واحلقي شعرات من باطن لحيته إذا نام‪ ،‬ثم جاء إلى الزوج وقمال‬
‫إن امرأتك تخاذنت يعني اتخذت خليل وهممي قاتلتممك أتريممد أن يتممبين ذلممك؟‬
‫قال نعم‪ ،‬قال فتنمماوم لهما فتنمماوم الرجمل فجمماءت امرأتممه بموسممى لتحلمق‬
‫الشعرات فظن الزوج أنها تريممد قتلممه فأخممذ منهمما الموسممى فقتلهمما‪ ،‬فجمماء‬
‫أولياؤها فقتلوه فجاء أولياء الرجل ووقع القتال بين الفريقين‪ .‬وقممال يحيممى‬
‫بن أكثم‪ :‬النمام شمر ممن السماحر ويعممل النممام فمي سماعة مما ل يعممل‬
‫الساحر في شهر‪ ،‬ويقال عمل النمام أضر مممن عمممل الشمميطان لن عمممل‬
‫الشيطان بالخيال والوسوسة وعمل النمام بالمواجهة والمعاينممة وقممد قممال‬
‫ب{ قممال أكممثر المفسممرين‪ :‬إن الحطممب أراد بممه‬ ‫حط َم ِ‬ ‫مال َم َ‬
‫ة ال َ‬ ‫الّله تعالى } َ‬
‫ح ّ‬
‫النميمة وإنمما سمميت النميممة حطبما لنهما سمبب للعممداوة والقتممال فصممار‬
‫بمنزلة إيقاد النار‪ .‬وقال أكثم بن صمميفي‪ :‬الذلء أربعممة‪ :‬النمممام‪ ،‬والكممذاب‪،‬‬
‫والمديون‪ ،‬واليتيم‪ .‬وروى عتبة بن أبي لبابممة عممن أبممي عبيممد الل ّممه القرشممي‬
‫قال‪ :‬اتبع رجل رجل سبعمائة فرسخ في سبع كلمات فلما قدم عليممه قممال‪:‬‬
‫إني جئتك للذي آتاك الّله من العلم‪ :‬أخبرني‬

‫]ص ‪[90‬‬
‫عن السماء وما أثقل منها‪ ،‬وعن الرض وما أوسع منها‪ ،‬وعن الحجارة وممما‬
‫أقسى منها‪ ،‬وعن النار وما أحّر منها‪ ،‬وعن الزمهرير وممما أبممرد منممه‪ ،‬وعممن‬
‫البحر وما أعمق منه‪ ،‬وعن اليتيم وما أضممعف منممه‪ .‬وفممي بعممض الروايممات‪:‬‬
‫وعن السم وما أذعف منمه؟ فقمال‪ :‬أمما البهتمان علمى المبريء فأثقمل ممن‬
‫السممموات‪ ،‬والحممق أوسممع مممن الرض‪ ،‬والقلممب القممانع أعمممق مممن البحممر‪،‬‬
‫والحرص في الجسد أحر من النار‪ ،‬والحاجة إلى القريب إذا لم تنجممح أبممرد‬
‫من الزمهرير‪ ،‬وقلب الكافر أقسى من الحجر‪ ،‬والنميمة إذا اسممتبانت علممى‬
‫صاحبها أضعف من كل يتيم‪ :‬يعني النمام يصممير ذليل ً إذا ظهممر أمممره‪ .‬وفممي‬
‫رواية أخرى‪ :‬أذعف ممن كمل سمم يعنممي أهلممك‪ ،‬يقمال سممم ذعمماف إذ كمان‬
‫مهلكا‪.‬‬
‫وروى عن نافع عن ابن عمر رضي الّله تعالى عنهم عن رسول الّله صلى‬
‫الّله عليه وسلم أنه قال "لما خلق الّله تعالى الجنة قال لها تكلمي‪ .‬قممالت‪:‬‬
‫سعد من دخلني‪ ،‬فقممال الجبممار جممل وعل‪ :‬وعزتممي وجللممي ل يسممكن فيممك‬
‫ثمانية نفر من الناس‪ :‬مدمن خمر‪ ،‬ول مصّر على الزنى ول نمام‪ ،‬ول ديوث‬
‫وهو "القرطبممان" ول الشممرطي‪ ،‬ول المخنممث‪ ،‬ول قمماطع الرحممم‪ ،‬ول الممذي‬
‫ي عهد الّله إن لم أفعل كذا أو كذا ثم لم يممف بممه"‪ .‬وعممن الحسممن‬ ‫يقول عل ّ‬
‫البصري رحمه الّله تعالى قال‪ :‬من نقل إليك حممديثا فمماعلم أنممه ينقممل إلممى‬
‫غيرك حديثك‪ .‬روى عن عمر بن عبد العزيز أنه دخل عليه رجل فذكر عنده‬
‫رجل ً فقال له عمر‪ :‬إن شئت نظرنا في أمرك إن كنت كاذبا فأنت من أهل‬
‫سقٌ ب ِن َب َإ ٍ فَت َب َي ُّنوا{ وإن كنت صادقا فأنت من أهل هممذه‬ ‫م َفا ِ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬‫هذه الية } َ‬
‫م{ وإن شممئت عفونمما عنممك‪ ،‬فقممال العفممو يمما أميممر‬ ‫ميم ٍ‬ ‫شمماٍء ب ِن َ ِ‬ ‫م ّ‬‫مازٍ َ‬‫الية }هَ ّ‬
‫المؤمنين‪ .‬ل أعود إلى مثل ذلك‪ .‬وروى عن عبد الّله بن المبارك أنممه قممال‪:‬‬
‫ولد الزنى ل يكتم الحديث‪ ،‬وذو الحسممب فممي قممومه ل يممؤذي جمماره‪ :‬يعنممي‬
‫الذي ل يكتم حديث الناس ويمشي بالنميمة فهو ولد الزنى وإنه لو لم يكن‬
‫ولد الزنى لكتم الحديث‪ ،‬وهذا مستخرج من قوله قول الّله تعممالى‪} :‬هَ ّ‬
‫ممماٍز‬
‫م{ يعنممي الوليممد بممن‬ ‫ل ب َعْد َ ذ َل ِم َ‬
‫م‪ .‬ع ُت ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫مّناٍع ل ِل ْ َ‬ ‫م ّ‬
‫ك َزِنيم ٍ‬ ‫معْت َد ٍ أِثي ٍ‬
‫خي ْرِ ُ‬ ‫م‪َ .‬‬ ‫مي ٍ‬‫شاٍء ب ِن َ ِ‬ ‫َ‬
‫ر{ يعنممي يمنممع الخيممر‬ ‫خي ْم ِ‬ ‫ْ‬
‫من ّمماٍع ل ِل َ‬ ‫المغيرة فإنه كان طعانا يمشي بالنميمة } َ‬
‫م{ يعنممي مممن‬ ‫ل ب َعْد َ ذ َل ِ َ‬
‫م{ يعني عاص فاجر }ع ُت ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ك َزِني ٍ‬ ‫معْت َد ٍ أِثي ٍ‬ ‫من الناس } ُ‬
‫ي هو ولد الزنى‪ ،‬هكذا قال بعممض المفسممرين‪.‬‬ ‫ي والدع ّ‬ ‫فيه هذا كله فهو دع ّ‬
‫وذكر أن حكيما من لحكماء زاره بعض أصدقائه وذكممر عنممده بعممض إخمموانه‬
‫ي‬‫فقال له الحكيم‪ :‬قد أبطأت في الزيارة وأتيتني بثلث جنايات‪ :‬بغضت المم ّ‬
‫أخي وشممغلت قلممبي الفممارغ‪ ،‬واتهمممت نفسممك بممالمين‪ . .‬وروى عممن كعممب‬
‫الحبار رضي الّله تعالى عنه أنه قال‪ :‬أصاب بني إسرائيل قحط فخرج بهم‬
‫موسى عليمه الصملة والسملم ثلث ممرات يستسمقون فلمم يسمقوا فقمال‬
‫موسى عليه الصملة والسملم‪ :‬إلهمي عبمادك قمد خرجموا ثلث ممرات فلمم‬
‫تستجب دعاءهم‪ ،‬فأوحى الّله تعالى‬

‫]ص ‪[91‬‬
‫بأني ل أستجيب لك ولمن معك لن فيكم رجل نماما قد أصّر على النميمة‪،‬‬
‫فقال موسى عليه الصلة والسلم من هو حتى نخرجه من بيننمما؟ فقممال يمما‬
‫موسى أنهاكم عن النميمة وأكمون نمامما فتوبمموا أجمعكمم فتممابوا بمأجمعهم‬
‫فسقوا‪ .‬وذكر أن سليمان بن عبد الملك أمير المؤمنين كان جالسمما وعنممده‬
‫ي وقلممت كممذا‬ ‫الزهري فجاء رجل فقال له سممليمان‪ :‬بلغنممي أنممك وقعممت فم ّ‬
‫وكذا‪ ،‬فقال الرجل ما فعلت وما قلت شيئا ً فيك‪ ،‬فال له سليمان‪ :‬إن الممذي‬
‫أخبرني كان صادقا‪ ،‬فقال الزهري رضمي الّلمه تعمالى عنمه ل يكمون النممام‬
‫صدوقا‪ .‬قال سليمان صممدقت اذهممب بسمملمة‪ .‬وقممال بعممض الحكممماء‪ :‬مممن‬
‫أخبرك بشتم عن أخ فهو الشاتم ل من شتمك‪ .‬وقال وهب بن منبممه رحمممه‬
‫الّله تعالى‪ :‬من مدحك بما ليس فيك فل تأمن أن يذمك بما ليس فيك‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬إذا أتاك إنسان فأخبرك أن فلنا قممد‬
‫فعل بك كذا وكذا وقال فيك كذا وكذا فإنه يجب عليك سممتة أشممياء‪ ،‬أّولهمما‪:‬‬
‫أن ل تصدقه لن النمام مردود الشهادة عنممد أهممل السمملم وقممد قممال الل ّممه‬
‫ومما ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صمميُبوا قَ ْ‬‫ن تُ ِ‬ ‫سمقٌ ب ِن َب َمإ ٍ فَت َب َي ّن ُمموا أ ْ‬ ‫م َفا ِ‬ ‫جمماَءك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مُنوا إ ِ ْ‬‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫تعالى }َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن{ يعنممي إن جمماءكم فاسممق بخممبر‬ ‫مي َ‬‫م ن َمماد ِ ِ‬ ‫ممما فَعَل ْت ُم ْ‬ ‫حوا ع َل َممى َ‬ ‫جَهال َةٍ فَت ُ ْ‬
‫صمب ِ ُ‬ ‫بِ َ‬
‫فانظروا في المر ول تعجلوا لكي ل تصيبوا قوما بجهالة‪ .‬والثاني‪ :‬أن تنهمماه‬
‫ُ‬
‫ة‬
‫مم ٍ‬ ‫خي ْمَر أ ّ‬
‫م َ‬ ‫عن ذلك الن النهي عن المنكر واجب وقد قال الّله تعالى }ك ُن ْت ُ ْ‬
‫ْ‬
‫ر{ والثالث‪ :‬أن تبغضه‬ ‫منك َ ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫ف وَت َن ْهَوْ َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال َ‬‫مُرو َ‬ ‫س ت َأ ُ‬ ‫ت ِللّنا ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫خرِ َ‬ ‫أُ ْ‬
‫في الّله تعالى فإنه عاص وبغممض العاصممي واجممب لن الل ّممه تعممالى يبغضممه‪.‬‬
‫والرابع‪ :‬أن ل تظن بأخيك الغائب الظن السوء فإن إساءة الظممن بالمسمملم‬
‫م{ والخامس‪ :‬أن ل تجسممس‬ ‫ض الظ ّ ّ‬
‫ن إ ِث ْ ٌ‬ ‫ن ب َعْ َ‬ ‫حرام‪ ،‬وقد قال الّله تعالى }إ ِ ّ‬
‫عممن أمممره فممإن الل ّممه تعممالى نهممى عممن التجسممس وهممو قمموله تعممالى }وََل‬
‫سوا{ والسادس‪ :‬ما ل ترضى من هذا النمام فل تفعله أنت وهممو أن ل‬ ‫س ُ‬ ‫ج ّ‬ ‫تَ َ‬
‫تخبر أحدا بما أتاك به هذا النمام‪ ،‬وبالله التوفيق‪..‬‬

‫باب الحسد‬
‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رحمه الّله تعالى‪ :‬حممدثنا محمممد بممن‬
‫الفضل‪ .‬حدثنا محمد بن جعفر‪ .‬حدثنا إبراهيم بن يوسف‪ .‬حدثنا أبممو معاويممة‬
‫عن العمش عن يزيممد الرقاشممي عممن الحسممن أن النممبي صمملى الل ّممه عليممه‬
‫ل والحسد يممأكلن الحسممنات كممما تأكممل النممار الحطممب"‬ ‫وسلم قال "إن الغ ّ‬
‫وبهذا السناد قال إبراهيم بن علية عن عباد بن إسحاق عممن عبممد الرحمممن‬
‫بن معاوية أن النبي صلى الّله عليه وسلم قممال "ثلثمة ل ينجممو منهممن أحممد‪:‬‬
‫الظن والحسمد والطيمرة قيمل يما رسمول الل ّممه ومما ينجممي منهمن؟ قممال إذا‬
‫حسدت فل تبغ وإذا ظننت فل تحقق وإذا تطيرت فامض‪ ،‬أو قممال ل ترجممع"‬
‫ومعنى قوله صلى الّله عليممه وسمملم‪" :‬إذا حسممدت فل تبممغ" يعنممي إذا كممان‬
‫الحسد في قلبك فل تظهره ول تذكر عنه بسوء فإن الّله تعممالى ل يؤاخممذك‬
‫بما في قلبك ما لم تقل باللسان أو تعمل عمل في ذلك‪،‬‬

‫]ص ‪[92‬‬
‫وقوله عليه الصلة والسلم "إذا ظننت قل تحقق" يعني إذا ظننت بالمسلم‬
‫ظن السوء فل تجعل ذلك حقيقة ما لم تممر بالمعاينممة‪ .‬وقمموله عليممه الصمملة‬
‫والسلم "إذا تطيرت فامض" يعني إذا أردت الخروج إلى موضممع فسمممعت‬
‫صوت هامة أو صوت عقعق أو اختلج شيء من أعضائك فممامض ول ترجممع‪.‬‬
‫وروى عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم "أنه كان يحب الفممأل الحسممن‬
‫ويكره الطيرة" وقال "الطيرة من أفعال الجاهلية" وفي نسخة "مممن أمممور‬
‫ك{ وفممي آيممة‬ ‫معَ م َ‬
‫ن َ‬
‫مم ْ‬ ‫الجاهلية" كما قال الّله تعالى }قَمماُلوا اط ّي ّْرن َمما ب ِم َ‬
‫ك وَب ِ َ‬
‫م{ وروى عن ابن عباس رضي الّله تعالى عنهما‬ ‫أخرى }َقاُلوا إ ِّنا ت َط َي ّْرَنا ب ِك ُ ْ‬
‫أنه كان يقول‪" :‬إذا سمعت صوت طير فقل اللهم ل طير إل ّ طيرك ول خير‬
‫إل ّ خيرك ول إله غيرك ول حول ول قوة إل ّ بممالله ثممم امممض فممإنه ل يضممرك‬
‫شيء بإذن الّله تعالى" قال‪ :‬حدثنا محمد بن الفضل حدثنا محمد بن جعفممر‬
‫حدثنا إبراهيم بن يوسف‪ .‬حدثنا إسماعيل بن جعفر عممن محمممد بممن عمممرو‬
‫عن أبي هريرة رضي الّله تعالى عنه أن النبي صلى الّله عليممه وسمملم قممال‬
‫"ل تباغضوا ول تحاسدوا ول تناجشوا وكونوا عباد الل ّممه إخوانمما"‪ .‬وروى عممن‬
‫معاوية بن أبي سفيان رضي الّله تعالى عنممه أنممه قممال لبنممه‪ :‬يمما بنممي إيمماك‬
‫والحسد فإنه يتبين فيك قبل أن يتبين في عدوك‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنممه‪ :‬ليممس شمميء مممن الشممر أضمّر مممن‬
‫الحسد لنه يصل إلى الحاسد خمس عقوبات قبل أن يصل إلممى المحسممود‬
‫م ل ينقطع‪ .‬والثاني مصيبة ل يؤجر عليها‪ .‬والثالث مذمممة ل‬ ‫مكروه‪ .‬أّولها‪ :‬غ ّ‬
‫يحمد بها‪ .‬والرابع يسخط عليه الرب‪ .‬والخامس تغلق عليه أبواب التوفيممق‪.‬‬
‫وروي عن رسول الّله صلى الل ّممه عليممه وسمملم أنممه قممال "أل إن لنعممم الل ّممه‬
‫أعداء قيل من أعداء نعم الّله يا رسول الله؟ قال الممذين يحسممدون النمماس‬
‫على ما آتاهم الّله تعالى من فضله"‪ .‬وروي عن مالممك بممن دينممار أنممه قممال‪:‬‬
‫إني أجيز شهادة القراء على جميع الخلق ول أجيممز شممهادة القممراء بعضممهم‬
‫على بعض لني وجدتهم حسادا يعني أن أكثر الحسد في القّراء‪ .‬وروى أبممو‬
‫هريرة رضي الّله تعالى عنه عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنه قممال‬
‫"ستة بستة يدخلون النار يمموم القيامممة قبممل الحسمماب يعنممي سممتة أصممناف‬
‫بسبب ستة أشياء يدخلون النار قبل الحساب "قيل يا رسول الّله من هممم؟‬
‫قال المراء من بعدي بالجور‪ ،‬والعرب بالعصبية‪ ،‬والدهاقين بالكبر‪ ،‬والتجار‬
‫بالخيانة‪ ،‬وأهل الرستاق بالجهالة‪ ،‬وأهل العلم بالحسد" يعني العلماء الممذين‬
‫يطلبون الدنيا بحسد بعضهم بعضا فينبغي للعالم أن يتعلم العلم ليطلب بممه‬
‫الخرة فإذا كان العالم يطلب بعلمه الخرة فإنه ل يحسد أحممدا ول يحسممده‬
‫أحد وإذا تعلم لطلب الدنيا فإنه يحسد كما قال الّله تعالى عن علماء اليهود‬
‫َ‬
‫ه{ يعنممي أن اليهممود كممانوا‬ ‫ن فَ ْ‬
‫ضل ِ ِ‬ ‫م الّله ِ‬
‫م ْ‬ ‫س ع ََلى َ‬
‫ما آَتاهُ ْ‬ ‫ن الّنا َ‬
‫دو َ‬
‫س ُ‬
‫ح ُ‬
‫م يَ ْ‬
‫}أ ْ‬
‫يحسدون رسول الّله صلى الّله عليه وسلم وأصحابه فكانوا يقولون لو كان‬
‫هو رسول الّله صلى الّله عليه وسلم لشغله ذلمك عممن كممثرة النسمماء‪ ،‬قممال‬
‫س ع ََلى‬ ‫َ‬
‫ن الّنا َ‬‫دو َ‬‫س ُ‬
‫ح ُ‬ ‫الّله سبحانه وتعالى }أ ْ‬
‫م يَ ْ‬

‫]ص ‪[93‬‬
‫ه{ يعني النبوة وكثرة النساء‪ .‬وقمال بعممض الحكمماء‪:‬‬ ‫ضل ِ ِ‬‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م الّله ِ‬ ‫مَا آَتاهُ ْ‬
‫إياكم والحسد فإن الحسد أّول ذنب عصى الّله تعالى به السماء وأول ذنب‬
‫عصى الّله تعمالى بممه فممي الرض‪ ،‬وإنمما أراد بقموله أّول ذنممب عصممى الّلمه‬
‫ن‬
‫مم ْ‬ ‫قت َن ِممي ِ‬ ‫خل َ ْ‬‫تعالى به السماء يعني إبليس حين أبى أن يسجد لدم وقال } َ‬
‫ن{ فحسده فلعنه الّله تعممالى بممذلك‪ ،‬وأممما الممذي عصممى‬ ‫طي ٍ‬‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫خل َ ْ‬
‫قت َ ُ‬ ‫َنارٍ وَ َ‬
‫الّله تعالى به في الرض فهو قابيل بن آدم حيممن قتممل أخمماه هابيممل حسممدا‪.‬‬
‫حقّ إ ِذ ْ قَّرَبا قُْرَبانا ً فَت ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫مم ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫قب ّم َ‬ ‫م ِبال َ‬‫ي آد َ َ‬ ‫ل ع َل َي ْهِ ْ‬
‫م ن َب َأ اب ْن َ ْ‬ ‫وهو قوله تعالى }َوات ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل الّله ِ‬ ‫قب ّ ُ‬
‫ما ي َت َ َ‬
‫ل إ ِن ّ َ‬‫ك َقا َ‬ ‫ل َلقْت ُل َن ّ َ‬ ‫خرِ َقا َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫قب ّ ْ‬
‫م ي ُت َ َ‬‫ما وَل َ ْ‬ ‫حد ِه ِ َ‬
‫أ َ‬
‫وروي عن الحنف بن قيس أنه قال‪ :‬ل راحممة لحسممود‪ ،‬ول وفمماء لبخيممل ول‬
‫صديق لملول‪ ،‬ول مروءة لكمذوب‪ ،‬ورأي لخمائن‪ ،‬ول سمؤدد لسميئ الخلمق‪.‬‬
‫وقال بعض الحكماء‪ :‬ما رأيت ظالما أشممبه بممالمظلوم مممن الحاسممد‪ .‬وقممال‬
‫محمد بن سيرين‪ :‬ما حسدت أحدا على شيء من الدنيا فإن كان من أهممل‬
‫الجنة فكيف أحسده وهو صائر إلى الجنة وإن كممان مممن أهممل النممار فكيممف‬
‫أحسده وهو صائر إلى النار‪.‬وقال الحسن البصممري‪ :‬يمما ابممن آدم لممم تحسممد‬
‫أخاك؟ فإن الذي أعطاه الل ّممه لكرامتممه عليممه فلممم تحسممد مممن أكرمممه الل ّممه‬
‫تعالى؟ وإن يكن غير ذلك فل ينبغي لك أن تحسد من مصيره إلى النار‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬ثلثة ل تستجاب دعوتهم‪ :‬آكل الحرام‬
‫ل أو حسد للمسلمين‪ .‬وروى ابن شهاب‬ ‫ومكثار الغيبة ومن كان في قلبه غ ّ‬
‫عن سالم عن أبيه أن النبي صلى الّله عليممه وسمملم قممال "ل حسممد إل ّ فممي‬
‫اثنتين رجل آتاه الّله تعالى القرآن وهو يقوم به آنمماء الليممل والنهممار‪ ،‬ورجممل‬
‫أتاه الّله تعالى مال وهو ينفق منه آناء الليل والنهار"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬يعني أن يجتهد حتى يفعل مثل فعله‬
‫في قيام الليل وفي الصدقة فهذا الحسد محمود‪ ،‬فأما إذا حسده في ذلممك‬
‫يريد زواله عنه فهو مذموم‪ ،‬وهكذا في كل شمميء إذا رأى النسممان مممال أو‬
‫شيئا ً يعجبه فيتمنى أن يكمون ذلمك الشميء لمه فهمو ممذموم وإن تمنمى أن‬
‫ل‬ ‫ض َ‬‫ما فَ ّ‬ ‫وا َ‬ ‫من ّ ْ‬‫يكون له مثله فهو غير مذموم‪ ،‬وهذا معنى قوله تعالى }وََل ت َت َ َ‬
‫الّله به بعضك ُم عَلى بعض{ وقال في آية أخرى }وا َ‬
‫ه{‬ ‫ن فَ ْ‬
‫ضممل ِ ِ‬ ‫سأُلوا الّله ِ‬
‫م ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َْ ٍ‬ ‫ِ ِ َْ َ ْ َ‬
‫وهكذا ينبغي للمسلم أن ل يتمنى فضل غيره لنفسه وينبغي أن يسأل الّلممه‬
‫تعالى أن يعطيه مثل ذلك‪ ،‬فالواجب على كممل مسمملم أن يمنممع نفسممه مممن‬
‫الحسد لن الحاسد يضاد حكممم الل ّممه تعممالى والناصممح هممو راض بحكممم الل ّممه‬
‫تعالى‪ ،‬وقال النبي صلى الّله عليه وسمملم "أل إن الممدين النصمميحة" فينبغممي‬
‫للمسلم أن يكون راضيا ناصحا لجميع المسمملمين ول يكممون حاسممدا‪ .‬وروى‬
‫العلء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضممي الل ّممه تعممالى عنممه أنممه‬
‫سأل النبي صلى الّله عليه وسلم عممن حممق المسمملم علممى المسمملم فقممال‬
‫"حق المسلم على المسلم ستة أشياء قيل ما هي يا رسول الّله؟ قممال إذا‬
‫لقيته فسلم عليه وإذا‬

‫]ص ‪[94‬‬
‫دعاك فاجبه وإذا استنصحك فانصح له وإذا عطس فحمد الل ّممه فشمممته وإذا‬
‫مرض فعده وإذا مات فاتبعه"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬حدثنا أبي رحمه الّله تعالى‪ .‬حدثنا همممام‬
‫النسقي‪ .‬حدثنا عيسى بن أحمد العسقلني‪ .‬حدثنا يزيد بن هرون‪ .‬حدثنا أبو‬
‫محمد الثقفي قال سمعت أنس بممن مالممك رضممي الل ّممه تعممالى عنممه يقممول‪:‬‬
‫خدمت رسول الّله صلى الّله عليه وسلم وأنا ابن ثمان سنين فكان أّول ما‬
‫علمني قال "يمما أنممس أحكممم وضمموءك لصمملتك تحبممك حفظتممك ويممزاد فممي‬
‫عمرك‪ ،‬يا أنس اغتسل من الجنابة وبالغ فيها فإن تحت كممل شممعرة جنابممة‪.‬‬
‫َ‬
‫ق‬
‫رك وأن ْم ِ‬ ‫قال‪ :‬قلت يا رسول الّله وكيممف أبممالغ فيهمما؟ قممال َروّ أصممول شممع ِ‬
‫ك‪ ،‬يا أنس ل يفوتنك ركعتا الضحى‬ ‫فَر ذنب َ‬
‫ك وقد غ ُ ِ‬ ‫مغتسل ِ َ‬
‫ج من ُ‬
‫شرَتك تخر ْ‬ ‫ب ْ‬
‫فإنها صلة الّوابين وأكثر الصلة بالليل والنهار فإنك ممما دمممت فممي الصمملة‬
‫صممب نفسممك للممه‬ ‫فإن الملئكة يصلون عليك‪ ،‬يا أنس وإذا قمت للصمملة فان ُ‬
‫تعالى وإذا ركعت فاجعل راحتيك على ركبتيممك وفممرج بيممن أصممابعك وارفممع‬
‫ضديك عن جنبيك‪ ،‬وإذا رفعت رأسك فقم حتى يعود َ كل عضو إلى مكانه‪،‬‬ ‫عَ ُ‬
‫وإذا سجدت فألزق وجهك بالرض ول تنقر نقر الغراب ول تبسممط ذراعيممك‬
‫ق مِع كممما يقعممي الكلممب‬ ‫بسط الثعلب‪ ،‬وإذا رفعت رأسك مممن السممجود فل ت َ ْ‬
‫وضع أليتيك بين قدميك وألممزق ظمماهر قممدميك بممالرض فممإن الل ّممه تعممالى ل‬
‫ينظر إلى صلة ل يتم ركوعها ول سجودها‪ ،‬وإن اسممتطعت أن تكممون علممى‬
‫الوضوء في يومك وليلتك فافعل فإنه إن يأتك الموت وأنت علممى ذلممك لممم‬
‫فْتك الشهادة‪ ،‬يا أنس إذا دخلت بيتك فسلم "يعني على أهممل بيتممك" تكممثر‬ ‫تَ ُ‬
‫ن بصرك على أحد مممن أهممل‬ ‫قع ّ‬
‫بركُتك وبركة بيتك‪ ،‬وإذا خرجت لحاجة فل ي َ‬
‫قبلتك إل ّ سلمت عليه تدخل حلوة اليمان في قلبممك وإن أصممبت ذنبمما فممي‬
‫مخرجك رجعت وقد غفر لك‪ ،‬يا أنس ل تمبيتن ليلممة ول تصممبحن يومما وفمي‬
‫قلبك غش لحد من أهل السلم فإن هذا من سنتي ومن أخذ بسنتي فقممد‬
‫أحبني ومن أحبني فهو معي في الجنة‪ ،‬يمما أنممس إذا عملممت بهممذا وحفظممت‬
‫وصيتي فل يكون شيء أحب إليك من الموت فإن فيمه راحتمك" فقمد أخمبر‬
‫النبي صلى الّله عليه وسلم أن إخراج الغش من القلب من سنته فالواجب‬
‫ل والحسممد مممن قلبممه فممإن ذلممك مممن أفضممل‬ ‫على كل مسلم أن يخرج الغ م ّ‬
‫العمال‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬سمممعت أبممي رحمممه الل ّممه تعممالى يحكممي‬
‫بإسناده عن أنس بن مالك رضي الّله تعالى عنه قال "بينما نحن عند النبي‬
‫صلى الّله عليه وسلم إذا قممال‪ :‬يطلممع رجممل مممن أهممل الجنممة معلممق نعليممه‬
‫بشماله فطلع رجل بهذه الصفة فسلم وجلمس ممع القموم‪ ،‬فلمما كمان ممن‬
‫الغد قال رسول الّله صلى الّله عليه وسلم مثل ذلممك‪ ،‬فطلممع ذلممك الرجممل‬
‫على مثل هيئته‪ ،‬فلما كان اليوم الثالث قال مثل ذلك فلما قام رسول الل ّممه‬
‫صلى الّله عليه وسلم سار معه عبد الّله بن عمرو بممن العمماص رضممي الل ّممه‬
‫تعالى عنه وقال‪ :‬قد وقع بيني وبين أبممي كلم وأقسمممت أن ل أدخممل عليممه‬
‫بثلث ليال فإذا رأيت‬

‫]ص ‪[95‬‬
‫أن تؤويني إليك لجل يميني فعلت قال نعم‪ ،‬قال أنس فكان عبممد الل ّممه بممن‬
‫عمرو بن العاص يحدث أنه بات عنده ليلة فلم يقممم منهمما سمماعة إل ّ أنممه إذا‬
‫نام على فراشه ذكر الّله تعالى وكممبره حممتى يقمموم مممع الفجممر فممإذا توضممأ‬
‫أسبغ الوضوء وأتم الصلة ثم أصبح وهو مفطر‪ .‬قال‪ :‬فرمقتممه ثلث ليممال ل‬
‫يزيد على ذلك غير أني ل أسمعه يقول إل ّ خيرا‪ ،‬فلما مضممت الثلث وكممدت‬
‫أن أحقر عمله قلت له إني لم يكن بيني وبين أبي غصب ول هجرة ولكنممي‬
‫سمعت رسول الّله صلى الّله عليه وسلم يقمول فممي ثلث مجممالس‪ :‬يطلممع‬
‫عليكم رجل من أهل الجنة فطلعت أنت‪ ،‬فأردت أن آوي إليممك حممتى أنظممر‬
‫ما تعمله فأقتدي بك فلم أرك تعمل كثيرا ً فما الذي بلغ بممك ممما قممال النممبي‬
‫صلى الّله عليه وسلم؟ قال ما هممو إل ّ ممما رأيممت‪ ،‬فانصممرفت عنممه فممدعاني‬
‫حين وليت فقال‪ :‬ما هو إل ّ ما رأيت غير أني ل أجد فممي نفسممي شممرا ً لحممد‬
‫من المسلمين ول أحسده على خير أعطاه الّله إياه‪ .‬قال فقلت هممذا الممذي‬
‫بلغ بك ما قال رسول الّله صلى الّله عليه وسلم وهو الذي ل أطيق عليمه"‪.‬‬
‫قال بعض الحكماء‪ :‬بارز الحاسد ربه من خمسة أوجه‪ :‬أولها قد أبغممض كممل‬
‫نعمة قد ظهرت على غيره‪ ،‬والثاني سخط لقسمممته يعنممي يقممول لربممه لممم‬
‫ن بفضله يعني أن ذلك فضممل الل ّممه يممؤتيه مممن‬ ‫قسمت هكذا‪ ،‬والثالث أنه ض ّ‬
‫ي الّله تعالى لنممه يريممد‬ ‫يشاء‪ ،‬وهو يبخل بفضل الّله تعالى‪ .‬والرابع خذل ول ّ‬
‫خذلنه وزوال النعمة عنه‪ ،‬والخامس أعان عممدّوه يعنممي إبليممس لعنممه اللممه‪.‬‬
‫ويقال‪ :‬الحاسد ل ينال في المجالس إل ّ مذمة وذل‪ ،‬ول ينال من الملئكة إل ّ‬
‫لعنة وبغضا ول ينال في الخلوة إل ّ جزعا وغما‪ ،‬ول ينال عند النممزع إل ّ شممدة‬
‫ل‪ ،‬ول ينال في الموقف إل ّ فضمميحة ونكممال‪ ،‬ول ينممال فممي النممار إل ّ حممرا‬‫وهو ً‬
‫وحتراقا‪ ،‬والله سبحانه وتعالى أعلم‪..‬‬

‫باب الكبر‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬حدثنا محمد بن الفضل حدثنا محمد‬
‫بن جعفر حدثنا إبراهيم بن يوسف حدثنا الفضل بن دكيممن عممن مسممعر بممن‬
‫كدام عن أبي مصعب عن أبيه عن كعب الحبار رضي الّله تعالى عنه قممال‪:‬‬
‫يأتي المتكبرون يوم القيامة ذرا ً في صور الرجال يغشمماهم أو يممأتيهم الممذل‬
‫من كل مكان يسلكون في نار من النيران يسقون من طينممة الخيممال وهممي‬
‫عصارة أهل النار‪.‬‬
‫)قال رضي الّله تعالى عنه( حدثنا محمد بن الفضل حدثنا محمد بن جعفر‬
‫حدثنا إبراهيم بن يوسممف حممدثنا سممفيان بممن مسممعر أنممه قممال‪ :‬بلغنممي عممن‬
‫الحسين بن علي رضي الّله تعالى عنهممما أنممه م مّر بمسمماكين وهممم يممأكلون‬
‫كسرا لهم على كساء فقالوا يا أبا عبد الّله الغذاء قال فنممزل وقممال‪ :‬إنممه ل‬
‫يحب المستكبرين فاكل معهم‪ ،‬ثم قال لهم قد أحببتكم فاجيبوني فانطلقوا‬
‫دخرين‪ .‬وبهممذا السممناد‬ ‫معه فلما أتوا المنزل قال لجاريته أخرجي ما كنت ت ّ‬
‫عن سفيان‬

‫]ص ‪[96‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن رسممول اللممه صمملى‬
‫الّله عليه وسلم أنه قال "ثلثة ل يكلمهم الّله يوم القيامممة ول ينظممر إليهممم‬
‫ولهم عذاب أليممم‪ ،‬أّولهممم شمميخ زان وملممك كممذاب وعممائل مسممتكبر" يعنممي‬
‫الفقير‪ .‬قال حدثنا الفقيه أبو جعفر حدثنا محمد بن موسممى الفقيممه الممرازي‬
‫أبممو عبممد الل ّممه حممدثنا محمممد بممن ربمماح حممدثنا يزيممد بممن هممرون عممن هشممام‬
‫الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عممن عممامر العقيلممي عممن أبيممه عممن أبممي‬
‫هريرة رضي الّله تعالى عنه عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنه قممال‬
‫ي أّول ثلثة يدخلون الجنممة وأّول ثلثممة يممدخلون النممار‪ .‬فأممما أّول‬
‫"عرض عل ّ‬
‫ثلثة يدخلون الجنة‪ :‬فالشهيد وعبد مملوك لم يشغله رق الدنيا عممن طاعممة‬
‫ربه وفقير ضعيف ذو عيال‪ ،‬وأما أّول ثلثة يدخلون النار‪ :‬فأمير مسمّلط وذو‬
‫ثروة من المال ل يؤتي الزكاة وفقيممر فخممور‪ .‬وقممال إن الل ّممه تعممالى يبغممض‬
‫ثلثة نفر وبغضه لثلثممة منهممم أشممد‪ .‬أّولهمما يبغممض الفسمماق وبغضممه للشمميخ‬
‫الفاسق أشد‪ .‬والثاني يبغض البخلء وبغضممه للغنممي البخيممل اشممد‪ .‬والثممالث‬
‫يبغض المتكبرين وبغضه للفقير المتكبر أشد‪ ،‬ويحب ثلثة نفممر وحبممه لثلثممة‬
‫منهم أشد‪ ،‬يحب المتقين وحبه للشاب التقي أشد‪ .‬والثاني يحممب السممخياء‬
‫ويحب السخياء وحبه للفقير السخي أشد‪ .‬والثالث يحب المتواضعين وحبه‬
‫للمتواضع الغني أشد‪ .‬وروى عن حبيب ابن أبي ثابت عممن يحيممى بممن جعلممة‬
‫أن النبي صلى الّله عليه وسمملم قمال "ل يمدخل الجنممة ممن كمان فممي قلبمه‬
‫مثقال حبة من خردل من كبر‪ .‬قال رجل يا رسول الّله إنممي ليعجبنممي نقمماء‬
‫ثوبي وشراك نعلي وعلقة سوطي أفهذا من الكبر؟ فقال النبي صلى الل ّممه‬
‫عليه وسلم فقال النبي صلى الّله عليه وسلم إن الل ّممه تعممالى جميممل يحممب‬
‫الجمال ويحب إذا أنعم على عبده نعمة أن يرى أثرها عليه‪ ،‬ويبغض البؤس‬
‫فه الحق ويغمص الخلق"‪ .‬وروي عن الحسممن‬ ‫والتباؤس‪ ،‬ولكن الكبر أن يس ّ‬
‫عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنه قال "من خفف نعله ورفممع ثمموبه‬
‫وعفر وجهه لله في السجود فقد برىء من الكبر" وروي عممن رسممول الل ّممه‬
‫صلى الّله عليه وسلم أنه قال "من لبس الصوف وانتعل المخصوف وركب‬
‫حماره وحلب شاته وأكل مع عياله وجالس المسمماكين فقممد محاصمميل الل ّممه‬
‫تعالى عنه الكبر"‪.‬‬
‫وذكر أن موسى صلوات الّله وسلمه عليه ناجى الّله تعالى فقال‪ :‬يا رب‬
‫من أبغض خلقك إليك؟ قال يا موسى من تكبر قلبه وغلظ لسممانه وضممعف‬
‫يقينه وبخلت يده‪ .‬وقال عروة بممن الزبيممر‪ :‬التواضممع أحممد مصممائد الشممرف‪.‬‬
‫وكممل ذي نعمممة محسممود عليهمما إل ّ التواضممع‪ .‬وقممال بعممض الحكممماء‪ :‬ثمممرة‬
‫القناعة الراحة وثمرة التواضع المحبة‪ .‬وذكر أن المهلب بن أبي صفرة كان‬
‫صاحب جيش الحجاج‪ ،‬فمّر على مطممرف بممن عبممد الل ّممه بممن الشممخير وهممو‬
‫يتبختر في حلة خز فقال له مطرف‪ :‬يا عبد الل ّممه هممذه مشممية يبغضممها الل ّممه‬
‫ورسوله‪ ،‬فقال المهلب أما تعرفني؟ فقال بلى أعرفك أّولممك نطفممة مممذرة‬
‫وآخرك جيفة قممذرة وأنممت تحمممل فيممما بيممن ذلممك العممذرة‪ ،‬فممترك المهلممب‬
‫مشيته تلك‪ .‬وقال بعض الحكماء‪ :‬افتخار العبد المؤمن بربه‬

‫]ص ‪[97‬‬
‫وعزه بدينه‪ ،‬وافتخار المنممافق بحسممبه وعممزه بممماله‪ .‬وروي عممن ابممن عمممر‬
‫رضي الّله تعالى عنهما عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنه قال‪" :‬إذا‬
‫رأيتم المتواضعين فتواضعوا لهم وإذا رأيتم المتكبرين فتكبروا عليهم‪ ،‬فممإن‬
‫ذلك لهم صغار ومذلة‪ ،‬ولكم بممذلك صممدقة"‪ .‬وروى أبممو هريممرة رضممي الل ّممه‬
‫تعالى عنه عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال "ما تواضع رجل لله إل ّ‬
‫رفعه الّله تعالى"‪ .‬وروي عن عمر رضممي الل ّممه تعممالى عنممه أنممه قممال‪ :‬رأس‬
‫التواضع أن تبدأ بالسلم على من لقيت من المسلمين‪ ،‬وأن ترضى بالدون‬
‫من المجلس‪ ،‬وأن تكره أن تذكر بالبّر والتقوى‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعمالى عنمه‪ :‬اعلمم أن الكمبر ممن أخلق الكفمار‬
‫والفراعنة والتواضع ممن أخلق النبيماء والصمالحين لن الّلمه تعمالى وصمف‬
‫ن{‬ ‫سمت َك ْب ُِرو َ‬ ‫ه إ ِّل الل ّممه ي َ ْ‬ ‫م َل إ ِل َم َ‬ ‫ل ل َهُم ْ‬ ‫ذا ِقيم َ‬ ‫م ك َمماُنوا إ ِ َ‬ ‫الكفار بالكبر فقال }إ ِن ّهُم ْ‬
‫س مت َك ْب َُروا‬
‫ت َفا ْ‬ ‫سممى ِبالب َي ّن َمما ِ‬ ‫مو َ‬ ‫م ُ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫قد ْ َ‬‫ن وَل َ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ها َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ن وَفِْرع َوْ َ‬ ‫وقال }وََقاُرو َ‬
‫عب َمماد َِتي‬‫ن ِ‬ ‫ن عَم ْ‬ ‫س مت َك ْب ُِرو َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن{ وقممال }ال ّم ِ‬ ‫قي َ‬ ‫سمماب ِ ِ‬ ‫ممما ك َمماُنوا َ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ِ‬ ‫فِممي ال َْر‬
‫َ‬
‫س‬‫ن ِفيَهما فَب ِئ ْ َ‬ ‫دي َ‬‫خال ِم ِ‬ ‫م َ‬ ‫جهَّنم َ‬ ‫ب َ‬ ‫وا َ‬ ‫خُلوا أْبم َ‬ ‫ن{ وقال }اد ْ ُ‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬
‫دا ِ‬
‫م َ‬‫جهَن ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫خُلو َ‬ ‫سي َد ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ّ‬
‫ن{ وقممد مممدح اللممه عبمماده‬ ‫ري َ‬ ‫ْ‬
‫ست َكب ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫َ‬
‫ه ل يُ ِ‬ ‫ن{ وقال }إ ِن ّ ُ‬ ‫ري َ‬ ‫َ‬
‫مت َكب ّ ِ‬‫وى ال ُ‬ ‫ْ‬
‫مث َ‬ ‫َ‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫شممو َ َ‬‫م ُ‬ ‫ن ال ّم ِ‬
‫ن ع َلممى الْر ِ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫ذي َ‬ ‫ممما ِ‬‫ح َ‬‫عب َمماد ُ الّر ْ‬
‫المممؤمنين بالتواضممع فقممال }وَ ِ‬
‫ونًا{ يعني‪ ،‬متواضمعين‪ ،‬وممدحهم بتواضمعهم وأممر نمبيه صملى الّلمه عليمه‬ ‫هَ ْ‬
‫ن‬‫مم ْ‬ ‫حم َ‬
‫ك لِ َ‬ ‫جَنا َ‬
‫ض َ‬
‫ف ْ‬
‫خ ِ‬‫ن{ }َوا ْ‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ك ل ِل ُ‬‫ح َ‬
‫جَنا َ‬‫ض َ‬ ‫ف ْ‬ ‫خ ِ‬
‫وسلم بالتواضع فقال }َوا ْ‬
‫ن{ ومممدح النممبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم بخلقممه فقممال‬ ‫مِني َ‬‫ممؤ ْ ِ‬
‫ن ال ُ‬
‫م ْ‬
‫ك ِ‬ ‫ات ّب َعَ َ‬
‫م{ وكان خلقه التواضع لنه روى في الخبر أنه كممان‬ ‫ك ل ََعلى ُ ُ‬‫}وَإ ِن ّ َ‬
‫ظي ٍ‬
‫ق عَ ِ‬ ‫خل ٍ‬
‫يركممب الحمممار‪ ،‬ويجيممب دعمموة المملمموك فثبممت أن التواضممع مممن أحسممن‬
‫الخلق‪ ،‬وكان الصالحون من قبل أخلقهم التواضع فوجب علينا أن نقتممدي‬
‫بهم رضي الّله تعالى عنهم‪ .‬وذكر عن عمر بن عبد العزيز رحمه الّله تعالى‬
‫أنه أتاه ذات ليلة ضيف فلما صلى العشاء وكان يكتب شيئا ً والضيف عنممده‬
‫كاد السراج أن ينطفئ فقال الضيف يا أمير المؤمنين أقمموم إلممى المصممباح‬
‫فأصلحه؟ قال ليممس مممن مممروءة الرجممل أن يسممتعمل ضمميفه‪ .‬قممال أفممأنبه‬
‫الغلم؟ قال ل‪ ،‬هي أّول نومة نامها‪ ،‬فقام عمر وأخممذ البطممة فمل المصممباح‬
‫"فقال الضمميف قمممت بنفسممك يمما أميممر المممؤمنين؟ قممال ذهبممت وأنمما عمممر‬
‫ورجعت وأنا عمر وخير الناس عند الّله من كان متواضعا‪ .‬وروي عن قيممس‬
‫بن أبي حازم أنه قال‪ :‬لما قدم عمر بن الخطاب إلى الشام تلقاه علماؤهمما‬
‫وكبراؤها فقيل اركب هذا البرذون يرك الناس‪ ،‬فقال إنكم تمرون لممر ممن‬
‫ههنا‪ ،‬إنما المر من ههنا وأشار بيده إلى السماء‪ ،‬خلوا سممبيلي‪ .‬وروي فممي‬
‫رواية أخرى أن عمر رضي الّله تعالى عنممه جعممل بينممه وبيممن غلمممه مناوبممة‬
‫فكان يركب الناقة ويأخذ الغلم بزمام الناقة ويسير مقدار فرسخ ثم ينممزل‬
‫ويركب الغلم ويأخذ عمر بزمام الناقة ويسير مقدار فرسخ‪ ،‬فلما قربا مممن‬
‫الشممام كممانت نوبممة ركمموب الغلم فركممب الغلم وأخممذ عمممر بزمممام الناقممة‬
‫فاستقبله الماء في الطريق فجعل‬

‫]ص ‪[98‬‬
‫عمر يخوض في الماء ونعله تحت إبطه اليسممرى وهممو آخممذ بزمممام الناقممة‪،‬‬
‫فخرج أبو عبيدة ابن الجراح وكان أميرا على الشام وقال يا أمير المؤمنين‬
‫إن عظماء الشام يخرجمون إليمك فل يحسمن أن يمروك علمى همذه الحالمة‪،‬‬
‫فقال عمر رضي الّله تعالى عنه‪ :‬إنما أعزنا الّله تعممالى بالسمملم فل نبممالي‬
‫من مقالة الناس‪ .‬وذكر عن سلمان الفارسي رضي الّله تعالى عنه أنه كان‬
‫أميرا ً بالمدينة فاشترى رجل من عظمائهمما شمميئا ً فممّر بممه سمملمان فحسممبه‬
‫علجا فقال‪ :‬تعال فاحمل هذا‪ ،‬فحمله سلمان فجعل يتلقاه الناس ويقولون‪:‬‬
‫أصلح الّله المير نحن نحمل عنك‪ ،‬فأبى أن يمدفع إليهمم فقمال الرجمل فمي‬
‫نفسه‪ :‬ويحك إني لم أسخر إل ّ المير‪ ،‬فجعل يعتذر إليه ويقمول لمم أعرفمك‬
‫أصلحك الله‪ ،‬فقال انطلق فذهب به إلى منزله ثم قال ل أسخر أحدا ً أبممدا‪.‬‬
‫وروي عن عمار بن ياسر رضممي الل ّممه تعممالى عنممه أنممه كممان أميممرا ً بالكوفممة‬
‫فخرج إلى حانوت العلف فاشترى منمه القمت‪ ،‬فربطممه البمائع وأخمذ البمائع‬
‫جانب الحزمة فجعل يمد ّ كل واحد منهما يده حتى صار نصف القت في يممد‬
‫هذا ونصفه في يد هذا‪ ،‬ثم جعله على عمماتق عمممار فممذهب بمه إلممى منزلممه‪.‬‬
‫وروي عن أبي هريرة رضي الّله تعالى عنه أنه بعثه عمر بن الخطاب أميرا‬
‫على البحرين فدخل البحرين وهو راكب على حمار‪ ،‬وجعممل يقممول‪ :‬طّرقمموا‬
‫للمير‪ ،‬طّرقوا للمير‪ ،‬فهؤلء أصحاب رسول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه وسمملم‬
‫كان خلقهم التواضع وكممانوا أعممزاء عنممد الخلممق وعنممد الملئكممة وعنممد الل ّممه‬
‫سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وروى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صمملى اللممه عليممه‬
‫وسلم أنه قال‪" :‬ما نقص مال من صدقة وما عفا رجل عن مظلمة إل ّ زاده‬
‫الّله تعالى عزا"‪ .‬وروي عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم "أنه كان في‬
‫بيت عائشة رضي الّله تعالى عنها وبين يديه طبق فيه قديد وهو جاث على‬
‫ركبتيه يأكل فأتت امرأة بذية ما تبالي لقيممت رجل أو امممرأة‪ ،‬فنظممرت إلممى‬
‫النبي صلى الّله عليه وسلم فقالت انظروا إليه يجلممس كممما يجلممس العبممد‪،‬‬
‫فقال النبي صلى الّله عليه وسلم‪ :‬أنا عبد أجلس كممما يجلممس العبممد وأكممل‬
‫كما يأكل العبد‪ ،‬وقال لها‪ :‬كلي فقالت ل‪ ،‬إل ّ أن تطعمنممي بيممدك فأطعمهمما‪،‬‬
‫فقالت ل حتى تطعمني من فيك‪ ،‬وكان في فم رسول الّله صلى الّله عليممه‬
‫وسلم قديدة فيها عصب قد مضغها فأخرجها فأعطاهمما إياهمما قممال فأخممذتها‬
‫ومضغتها فما هي أن وقعت في بطنها‪ ،‬فغشيها من الحيمماء حممتى ممما كممانت‬
‫تستطيع النظر إلى أحد قال‪ ،‬فما سمع منها بعممد يومهمما ذلممك بباطممل حممتى‬
‫لحقت بالله تعالى"‪ .‬وروى الحسن عن رسول الّله صلى الل ّممه عليممه وسمملم‬
‫مِلك ما ً‬‫أنه قال "أوتيت مفاتيح الرض فخيرت بين أن أكون عبدا نبي ما ً أو نبي ما ً َ‬
‫ي جبريل أن تواضع وكن عبدا فاخترت أن أكون عبممدا نبيمما فممأوتيت‬ ‫فأومأ إل ّ‬
‫ذلك‪ ،‬وإني أّول من ينشق عنه الرض وأّول شافع" قال ابن مسعود رضممي‬
‫الّله تعالى عنه‪ :‬مممن تواضممع تخشممعا ً رفعممه الل ّممه تعممالى يمموم القيامممة ومممن‬
‫تطاول تعظما وضعه الّله تعالى يوم القيامة‪ .‬وذكممر عممن قتممادة رحمممه الل ّممه‬
‫تعالى أنه قال‪:‬‬

‫]ص ‪[99‬‬
‫ذكر لنا أن نبي الّله صلى الّله عليه وسلم كان يقممول‪" :‬مممن فممارقت روحممه‬
‫جسده" وفي روايممة أخممرى "ممن فممارق الممدنيا وهممو بريممء مممن ثلث دخممل‬
‫دين"‪ .‬قممال‪ :‬حممدثني أبممي رحمممه الل ّممه تعممالى‬
‫الجنة‪ :‬من الكبر والخيانممة وال م ّ‬
‫بإسناده عن طلحة بن زيد عن أبي عبد الّله بن أبي جعفر قال‪ :‬دخل علممي‬
‫بن أبي طالب رضي الّله تعالى عنممه السمموق فاشممترى قميصممين مممن هممذه‬
‫الكرابيس بستة دراهم‪ ،‬ثم قال لغلمه يا أسود‪ ،‬اختر أيهممما شممئت؟ فاختممار‬
‫ي كممرم الل ّممه وجهممه الخممر‪ ،‬ففضممل كممماه علممى‬ ‫الغلم خيرهممما‪ ،‬ولبممس علم ّ‬
‫أطرافه فدعا بالشفرة فقطع كميه وخطب بالناس يوم الجمعة ونحن ننظر‬
‫إلى تلك الهدب على ظهر كفيه‪ .‬ورأى رجل ً قد أسمبل ثموبه فقمال‪ :‬يما فلن‬
‫ارفع ثوبك فإنه أبقى لثوبك وأتقى لقلبممك وأبقممى عليممك‪ .‬وروى أبممو هريممرة‬
‫رضي الّله تعالى عنه عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال "قال تعالى‪:‬‬
‫العظمة إزاري والكبرياء ردائي فمن نمازعني فمي واحمد منهمما ألقيتمه فمي‬
‫النار"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنمه‪" :‬العظممة إزاري‪ .‬والكبريماء ردائي"‬
‫يعني أنهما من صفاتي كما في القرآن العزيز الجبار المتكبر فهممما صممفتان‬
‫من صفات الّله تعالى فل ينبغي للعبد الضعيف أن يتكبر‪..‬‬

‫باب الحتكار‬
‫قال الفقيه أبو الليث السمممرقندي رحمممة الل ّممه تعممالى عليممه‪ :‬حممدثنا أبممو‬
‫الحسن الحاكم السردي حدثنا بكر بن المثنى حدثنا هانئ بممن النضممر حممدثنا‬
‫أحمد بن خالد حدثنا محمد بن اسحق عن محمد بن إبراهيم عن سممعيد بممن‬
‫المسيب عن معمر بن عبد الّله العدوي قال‪ :‬سمعت رسول الّله صلى الّله‬
‫عليه وسلم يقول "ل يحتكر إل ّ خاطئ" وعممن ابمن عمممر رضممي الل ّممه تعممالى‬
‫عنهما عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال "من احتكممر طعاممما أربعيممن‬
‫يوما فقد برئ من الّله تعالى وبرئ الّله منه"‪ .‬وروى سعيد بن المسيب عن‬
‫عمر بن الخطاب رضي الّله تعالى عنه عممن رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم أنه قال‪" :‬الجممالب مممرزوق‪ ،‬والمحتكممر ملعممون" وإنممما أراد بالجممالب‬
‫الذي يشتري الطعام للبيع فيجلبه إلى بلده فيبيعه فهو مرزوق‪ ،‬لن النمماس‬
‫ينتفعون به فيناله بركة دعاء المسلمين‪ ،‬والمحتكممر الممذي يشممتري الطعممام‬
‫للمنع ويضر بالناس‪ .‬وروى الشعبي أن رجل أراد أن يسلم ابنممه إلممى عمممل‬
‫فاستشار النبي صلى الّله عليه وسلم في ذلك‪ :‬فقال له رسول الّله صمملى‬
‫الّله عليه وسلم‪ :‬ل تسلمه إلى حناط يبيع الحنطة‪ ،‬ول إلممى جممزار‪ ،‬ول إلممى‬
‫من يبيع الكفان‪ .‬أما الحناط فلن يلقى الّله تعالى زانيا أو شارب خمر خير‬
‫له من أن يلقى الّله تعالى وهو قد حبس الطعام أربعين ليلة‪ ،‬وأممما الجممزار‬
‫فإنه يذبح حتى تذهب الرحمة من قلبه‪ ،‬وأما بائع الكفان فإنه يتمنى لمممتي‬
‫ي من الدنيا وما فيها"‪.‬‬
‫الموت‪ ،‬والمولود من أمتي أحب إل ّ‬

‫]ص ‪[100‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الل ّممه تعممالى عنممه‪ :‬الحكممرة أن يشممتري الطعممام فممي‬
‫مصره ويحبسه عن البيع وللناس حاجة إليه فهممذا هممو الحتكممار الممذي نهممى‬
‫عنه‪ ،‬وأما إذا دخل له الطعمام ممن ضميعة أو جلمب ممن مصمر آخمر فمإنه ل‬
‫يكون احتكارا ولكممن لمو كممان للنمماس إليممه حاجممة فالفضممل أن يممبيعه وفممي‬
‫امتناعه عن ذلك يكون مسيئا لسوء نيته وقلة شممفقته للمسمملمين‪ ،‬فينبغممي‬
‫أن يجبر المحتكر على بيع الطعام فإن امتنع من ذلك فإنه يعزر ويممؤدب ول‬
‫يسعر عليه ويقال له بعه كما يبيع الناس‪ .‬وروى عن رسول الّله صلى الّلممه‬
‫عليه وسلم أنه قال‪" :‬أنا ل أسعر‪ ،‬فإن الّله تعالى هو المسعر"‪ .‬وروى عممن‬
‫رسول الّله صلى الّله عليممه وسمملم أنممه قممال "الغلء والرخممص جنممدان مممن‬
‫جنود الّله تعالى اسم أحممدهما الرغبممة واسممم الخممر الرهبممة فممإذا أراد الل ّممه‬
‫تعالى أن يرخصه قممذف الرهبممة فممي قلمموب الرجممال فممأخرجه مممن أيممديهم‬
‫فرخص‪ ،‬وإذا أراد الل ّممه تعممالى أن يغليممه قممذف الرغبممة فممي قلمموب الرجممال‬
‫فحبسوه في أيديهم"‪ .‬وذكر في الخبر‪ :‬أن عابدا من عباد بني إسرائيل مممّر‬
‫على كشيب من الرمل فتمنى في نفسه لو كان دقيقا فأشبع بني إسرائيل‬
‫في به مجاعة أصابتهم‪ ،‬فأوحى الّله تعالى إلى نبي فيهممم أن قممل لفلن أن‬
‫الّله تعالى قد أوجب لك من الجر ما لو كان دقيقا فتصدقت به "يعنممي أنممه‬
‫لما نوى نية حسنة أعطاه الجر بحسن نية وشفقته على المسلمين ورحمة‬
‫لهم‪ ،‬فينبغي للمسلم أن يكون مشممفقا ً رحيم ما ً علممى المسمملمين‪ .‬وذكممر أن‬
‫رجل جاء إلى عبد الّله بن عباس رضي الّله تعالى عنهما فقال له أوصممني؟‬
‫فقال لمه عبمد الّلمه بمن عبماس أوصمميك بسممتة أشمياء‪ .‬أولهمما‪ :‬يقيممن القلممب‬
‫بالشياء التي تكفل الّله لك بهمما‪ ،‬والثمماني بممأداء الفممرائض لوقتهمما‪ ،‬والثممالث‬
‫بلسان رطب في ذكر الّله تعالى‪ ،‬والرابع ل توافممق الشمميطان فممإنه حاسممد‬
‫للخلق‪ ،‬والخامس ل تعمر الدنيا فإنها تخممرب آخرتممك‪ ،‬والسممادس أن تكممون‬
‫ناصحا للمسلمين دائمًا‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الل ّممه تعممالى عنممه‪ :‬ينبغممي للمسمملم أن يكممون ناصممحا‬
‫للمسلمين رحيما بهم فإن ذلك مممن علمممات السممعادة وقيممل‪ :‬إن علمممات‬
‫السعادة إحدى عشرة خصلة‪ :‬أولها أن يكممون زاهممدا فممي الممدنيا راغبمما فممي‬
‫الخرة‪ ،‬والثاني أن يكون همته العبادة وتلوة القمرآن‪ ،‬والثمالث قلمة القمول‬
‫فيممما ل يحتمماج إليممه‪ ،‬والرابممع أن يكممون محافظمما علممى الصمملوات الخمممس‪،‬‬
‫والخامس أن يكون ورعا فيما قل أو كثر من الحرام‪ ،‬والسممادس أن تكممون‬
‫صحبته مع الصالحين‪ ،‬والسابع أن يكون متواضممعا غيممر متكممبر‪ ،‬والثممامن أن‬
‫يكون سخيا وكريما‪ ،‬والتاسع أن يكون رحيما بخلق الّله تعالى‪ ،‬والعاشر أن‬
‫يكون نافعا للخلق‪ ،‬والحادي عشر أن يكممون ذاكممرا للممموت كممثيرًا‪ .‬وعلمممة‬
‫الشقاء أيضا ً إحدى عشرة خصلة أولها أن يكون حريصا علممى جمممع المممال‪،‬‬
‫والثاني أن تكون نهمته في الشهوات واللذات في الدنيا‪ ،‬والثالث أن يكممون‬
‫فحاشا في القول مكثارا‪ ،‬والرابع أن يكون متهاونا في الصلوات‪ ،‬والخامس‬

‫]ص ‪[101‬‬
‫أن يكون أكله مممن الحممرم والشممبهات وصممحبته مممع الفجممار‪ ،‬والسممادس أن‬
‫يكون سيئ الخلق‪ ،‬والسممابع أن يكممون مختممال متكممبرا فخممورا‪ ،‬والثممامن أن‬
‫يمنممع منفعتممه مممن النمماس‪ ،‬والتاسممع أن يكممون قليممل الرحمممة للمسمملمين‪،‬‬
‫والعاشر أن يكون بخيل‪ ،‬والحادي عشر أن يكممون ناسمميا للممموت‪ :‬يعنممي أن‬
‫الرجممل إذا كممان ذاكممرا للممموت فممإنه ل يمنممع طعممامه مممن الممبيع ويرحممم‬
‫المسلمين‪ .‬وذكر عن بعض الزهاد أنه كان في بيته وقر من الحنطة فقحط‬
‫الناس فباع ما عنده من الحنطة‪ ،‬ثممم جعممل يشممتري لحمماجته‪ ،‬فقيممل لمه لممو‬
‫أمسكت ما عندك؟ فقال أردت أن أشارك الناس في غمهم‪ .‬والله الموفق‬
‫بمنه وكرمه‪..‬‬

‫باب الزجر عن الضحك‬


‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رحمه الّله تعالى‪ :‬حممدثنا محمممد بممن‬
‫الفضل حدثنا محمد بن جعفر حدثنا إبراهيم بممن يوسممف حممدثنا سممفيان بممن‬
‫عيينة قال‪ :‬قال عيسى ابمن مريمم صملوات الّلمه عليمه للحمواريين‪ .‬يما ملمح‬
‫الرض ل تفسدوا‪ ،‬فإن الشياء إذا فسدت إنما تداوى بالملح‪ ،‬وإن الملح إذا‬
‫فسد لم يداو بشيء‪ ،‬يا معشر الحواريين ل تأخذوا ممممن تعّلمممون أجممرا إل ّ‬
‫كما أعطيتموني‪ ،‬واعلموا أن فيكم خصلتين من الجهممل‪ :‬الضممحك مممن غيممر‬
‫عجب والتصبح من غير سهر‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬معنى قوله عليه السلم ملممح الرض‪:‬‬
‫يعني به العلماء فمإن العلمماء همم المذين يصملحون الخلمق ويمدلونهم علمى‬
‫طريق الخرة فممإذا تممرك العلممماء طريممق الخممرة فمممن الممذي يممدلهم علممى‬
‫الطريق وبمن يقتدي الجهال‪ ،‬وقوله ل تأخذوا ممممن تعّلمممون أجممرا إل ّ كممما‬
‫أعطيتموني‪ :‬يعني أن العلماء ورثة النبياء فكمان أن النبياء يعلمون الخلق‬
‫َ‬ ‫ل َل أ َ َ‬
‫جممرا ً إ ِّل ال َ‬
‫مموَد ّة َ فِممي‬ ‫م ع َل َي ْمهِ أ ْ‬
‫سمأل ُك ُ ْ‬
‫ْ‬ ‫بغير أجر وهو قوله عممز وجممل }قُم ْ‬
‫قربى{ وأيضا ً قوله تعالى }إ َ‬
‫ه{ فكذلك العلماء ينبغممي‬ ‫ري إ ِّل ع ََلى الل ّ ِ‬ ‫ج ِ‬‫نأ ْ‬‫ِ ْ‬ ‫ال ُ ْ َ‬
‫لهم أن يقتدوا بالنبياء ول يأخذوا على تعليمهم أجرا‪ ،‬وأما قوله الضحك من‬
‫غير عجب‪ :‬يعني بالضحك القهقهة‪ ،‬وهو مكممروه وهممو مممن عمممل السممفهاء‪،‬‬
‫وأما التصبح من غير سهر يعني أن النوم في أول النهار من غيممر أن يكممون‬
‫ساهرا ً بالليل فإن ذلك نوع من الحمق‪ .‬وقال النبي صلى الّله عليممه وسمملم‬
‫"النوم في أول النهار حمق وفممي أوسممطه خلممق وفممي أخممره خممرق" يعنممي‬
‫الجهل‪.‬‬
‫)قال( حدثنا الخليل بن أحمد حدثنا منيع حدثنا ابن زنجويه حدثنا ابن أبي‬
‫غالب حدثنا هشام حدثنا الكوثر بن حكيم عن نافع عن ابن عمر رضي الل ّممه‬
‫تعالى عنهما قال "خرج النبي صلى الّله عليه وسلم ذات يوم إلى المسممجد‬
‫فإذا قوم يتحدثون ويضحكون فوقممف وسمملم عليهممم ثممم قممال‪ :‬أكممثر واذكممر‬
‫هادم اللذات‪ ،‬قلنا‪ :‬وما هادم اللذات؟ قال‪ :‬الموت‪ ،‬ثم خرج بعد‬

‫]ص ‪[102‬‬
‫ذلك مرة أخممرى فممإذا قمموم يضممحكون فقممال‪ :‬أممما والممذي نفسممي بيممده لممو‬
‫تعلمون ما أعلم لضممحكتم قليل ً ولبكيتممم كممثيرًا" ثممم خممرج أيضما ً فممإذا قمموم‬
‫يتحدثون ويضحكون فسلم عليهم ثم قممال‪ :‬إن السمملم بممدا غريبمما وسمميعود‬
‫غريبا فطوبى للغرباء يوم القيامة‪ ،‬فقيل ومممن الغربمماء يمموم القيامممة؟ قممال‬
‫الذين إذا فسد الناس صلحوا"‪ .‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن الفضممل حممدثنا محمممد‬
‫بن جعفر حدثنا إبراهيم بن يوسف حدثنا إسحق بن منصور قال‪ :‬لمما فمارق‬
‫الخضر موسى عليهما السلم قال له عظني؟ قال يا موسى إياك واللجاجة‬
‫ول تكن ماشمميا بغيممر حاجممة ول تضممحك مممن غيممر عجممب‪ ،‬و ل تعجممب علممى‬
‫الخاطئ بخطيئته‪ .‬وفي بعض الروايات‪ :‬ول تعير الخاطئين بخطاياهم وابممك‬
‫على خطيئتك يا ابن عمران‪.‬‬
‫وروى جعفر بن عوف عن مسعود عن عوف بن عبد الّله قال‪ :‬كان النبي‬
‫صلى الّله عليه وسلم ل يضحك إل ّ تبسما ول يلتفت إل ّ جميعا‪ :‬يعني يلتفممت‬
‫بجميع وجهه‪ ،‬ففي هذا الخبر دليل على أن التبسم مباح‪ ،‬وإنممما النهممي عممن‬
‫الضحك بالقهقهة‪ ،‬فينبغي للعاقمل أن ل يضمحك بالقهقهمة فمإن ممن ضمحك‬
‫قهقهة في الدنيا قليل ً بكى في الخرة كثيرًا‪ ،‬فكيف بمن ضممحك فممي الممدنيا‬
‫كوا قَِليل ً‬‫ح ُ‬ ‫كثيرا ً كيف يكون حاله يوم القيامة‪ ،‬وقد قال الل ّممه تعممالى }فَل ْي َ ْ‬
‫ضم َ‬
‫كوا ك َِثيرا ً { قال الربيممع بممن خممثيم‪ :‬فليضممحكوا قليل ً فممي الممدنيا وليبكمموا‬
‫وَل ْي َب ْ ُ‬
‫كوا قَِليل ً‬‫ح ُ‬‫ضم َ‬ ‫كثيرا ً في الخرة‪ .‬وعن الحسن البصري في قوله تعممالى }فَل ْي َ ْ‬
‫م{ وقممال الحسممن البصممري‬ ‫جهَن ّ َ‬
‫ة‪ِ .‬في َنارِ َ‬ ‫كوا ك َِثيرا ً ِفي ال ِ‬
‫خَر ِ‬ ‫ِفي الد ّن َْيا وَل ْي َب ْ ُ‬
‫رحمه الّله تعالى‪ :‬يا عجبا من ضاحك ومن ورائه النار‪ ،‬ومممن مسممرور ومممن‬
‫ورائه الموت‪ .‬وقيل‪ :‬مّر الحسن البصري بشاب وهممو يضممحك فقممال لممه يمما‬
‫ي‪ :‬هل جزت على الصراط؟ قال ل‪ ،‬فقال هل تبين لك إلممى الجنممة تصممير‬ ‫بن ّ‬
‫أم إلى النار؟ قال ل‪ ،‬قال ففيم هذا الضحك؟ قال‪ :‬فما رؤي الفتى ضمماحكا‬
‫بعده قط‪ :‬يعني أن قول الحسن وقع في قلبممه فتمماب عممن الضممحك وهكممذا‬
‫كان العلماء في ذلك الزمان‪ :‬إنهم كانوا إذا تكلموا بالموعظة وقممع كلمهممم‬
‫موقعا لنهم كانوا يعملون بالعلم فينفع علمهم غيرهممم‪ ،‬فأممما علممماء زماننمما‬
‫فإنهم ل يعملون بعلمهممم فل ينفممع علمهممم غيرهممم‪ .‬وروى عممن ابممن عبمماس‬
‫رضي الّله تعالى عنهما أنه قال‪ :‬من أذنب ذنبا وهو يضحك دخل النممار وهممو‬
‫يبكممي‪ .‬ويقمال‪ :‬أكممثر النمماس ضممحكا فممي الممدنيا أكممثرهم بكمماء فممي الخممرة‪،‬‬
‫وأكثرهم بكاء في الدنيا أكثرهم ضحكا في الجنة‪.‬‬
‫قال يحيى ابن معاذ الرازي رحمممه الل ّممه تعممالى‪ :‬أربممع خصممال لممم يبقيممن‬
‫م الخممرة‪ ،‬وشممغل المعمماش‪،‬‬ ‫م المعمماد‪ ،‬يعنممي هم ّ‬ ‫للمؤمن ضحكا ول فرحا‪ :‬ه ّ‬
‫وغم الذنوب‪ ،‬وإلمام المصائب‪ :‬يعني ينبغي للمؤمن أن يكون مشغول بهذه‬
‫الشياء الربعة لتمنعه عن الضحك فإن الضحك ليس من خصممال المممؤمن‪،‬‬
‫َ‬
‫ث‬
‫دي ِ‬‫ح ِ‬ ‫ن هَ َ‬
‫ذا ال َ‬ ‫م ْ‬ ‫وقد عير الّله تعالى أقواما بالضحك فقال }أفَ ِ‬

‫]ص ‪[103‬‬
‫ن{ ومدح أقواما بالبكاء فقممال‬ ‫َ‬ ‫ن وََل ت َب ْ ُ‬ ‫ح ُ‬
‫دو َ‬
‫م ُ‬ ‫سا ِ‬
‫م َ‬ ‫ن‪ .‬وَأن ْت ُ ْ‬‫كو َ‬ ‫كو َ‬ ‫ض َ‬
‫ن‪ .‬وَت َ ْ‬
‫جُبو َ‬
‫تَعْ َ‬
‫َ‬
‫ن{ ويقال غم الحياء خمسممة أشممياء‪ ،‬فينبغممي‬ ‫كو َ‬‫ن ي َب ْ ُ‬‫ن ل ِْلذ َْقا ِ‬
‫خّرو َ‬‫تعالى }وَي َ ِ‬
‫لكل إنسان أن يكون غمه في هذه الخمسة‪ :‬أولها غم الذنوب الماضية لنه‬
‫قد أذنب ذنوبا ولم يتبين له العفو فينبغي أن يكون مغموما به مشغول بهمما‪،‬‬
‫والثاني أنه قد عمل الحسنات ولم يتبين له القبول‪ ،‬والثالث قد علم حيمماته‬
‫فيما مضى كيف مضى ول يدري كيف يكممون البمماقي‪ ،‬والرابممع قممد علممم أن‬
‫الّله تعالى دارين ول يدري إلى أية دارية يصير‪ ،‬والخامس ل يممدري أن الل ّممه‬
‫تعالى راض عنه أم ساخط عليه فمن كان غمه في هممذه الشممياء الخمسممة‬
‫في حياته فإنه يمنعه عن الضممحك‪ ،‬ومممن لممم يكممن غمممه فممي هممذه الشممياء‬
‫الخمسة في حياته فمإنه يسممتقبله بعمد المموت خمسمة ممن الغمموم‪ :‬أولهما‬
‫حسرة ما خلف من التركة التي جمعها من الحلل والحرام وتركهمما لممورثته‬
‫العداء‪ ،‬والثاني ندامة تسويف العمال الصالحة فيرى في كتابه عمل قليل ً‬
‫فيستأذن في الرجوع ليعمل صممالحا فل يممؤذن لممه‪ ،‬والثممالث ندامممة الممذنوب‬
‫فيرى في كتمابه ذنوبما كمثيرة فيسمتأذن فمي الرجموع ليتموب فل يمؤذن لمه‪،‬‬
‫والرابع يممرى لنفسممه خصمموما كممثيرة ول يتهيممأ لممه أن يرضمميهم إل ّ بأعممماله‪،‬‬
‫والخامس وجد الّله تعالى عليه غضبان ول يمكنه أن يرضمميه‪ ،‬وروى أبممو ذر‬
‫الغفاري رضي الّله تعالى عنه عن رسول الّله صلى الل ّممه عليممه وسمملم أنممه‬
‫قال‪" :‬لو تعلمون ما أعلممم لضممحكتم قليل ً ولبكيتممم كممثيرا‪ ،‬ولممو تعلمممون ممما‬
‫أعلم لخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلممى ربكممم وتبكممون‪ ،‬ولممو تعلمممون ممما‬
‫أعلم ما انبسطتم إلى نسائكم ول تقاررتم على فرشكم‪ ،‬ولمموددت أن الل ّممه‬
‫خلقني يوم خلقني شجرة تعضد"‪ .‬وروى يونس عممن الحسممن البصممري أنممه‬
‫قال‪ :‬المؤمن بالله تعالى يمسي حزينا ويصبح حزينا‪ ،‬وكان الحسن البصري‬
‫قلما رأيته إل ّ كرجل أصيب بمصيبة محدثة‪ .‬وروى في رواية أخرى‪ :‬أنممه ممما‬
‫رؤى الحسن إل ّ كأنه رجع من دفن أمه‪ .‬وروى عن الوزاعي في قول الّلممه‬
‫َ‬
‫ها{ قمال الصمغيرة التبسمم‪،‬‬ ‫صما َ‬
‫ح َ‬‫صمِغيَرة ً وََل ك َِبيمَرة ً إ ِّل أ ْ‬ ‫عمز وجمل }ي َُغماد ُِر َ‬
‫والكبيرة القهقهة‪ ،‬يعني أن القهقهة مممن الكبممائر‪ .‬وروى عممن عبممد الل ّممه بممن‬
‫عمرو بن العاص أنه قال‪ :‬لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليل ً ولبكيتم كممثيرا‪،‬‬
‫ولو تعلمون ما أعلم لسجد أحدكم حتى ينقطع صلبه‪ ،‬ولصرخ حممتى ينقطممع‬
‫صوته‪ ،‬ابكوا إلممى الل ّممه تعممالى فممإن لممم تسممتطيعوا أن تبكمموا فتبمماكوا يعنممي‬
‫تشبهوا بالباكين‪ .‬وروى سفيان بن محمد بن عجلن في حديث يذكره قممال‪:‬‬
‫كل عين باكية يوم القيامة إل ّ ثلثة أعين‪ :‬عين بكت من خشية الل ّممه تعممالى‪،‬‬
‫وعين غضت عن محارم الّله تعالى‪ ،‬وعين سهرت فممي سممبيل الل ّممه تعممالى‪.‬‬
‫وقد روى هذا الخبر مرفوعا عن رسول الّله صلى الّله عليممه وسمملم‪ .‬وروى‬
‫عن أبي حنيفممة رضممي الل ّممه تعممالى عنممه أنممه قممال‪ :‬ضممحكت مممرة وأنمما مممن‬
‫النممادمين علممى ذلممك‪ ،‬وذلممك أنممي نمماظرت عمممرو بممن عبيممد القممدرى‪ ،‬فلممما‬
‫أحسست بالظفر ضحكت فقال لي‪ :‬تتكلم فممي العلممم وتضممحك فل أكلمممك‬
‫أبدا‪ ،‬وأنا‬

‫]ص ‪[104‬‬
‫من النادمين على ذلك إذ لو لم يكن ضحكي لرددته إلممى قمموله فكممان فممي‬
‫ذلك صلح العلم‪ .‬وروى عن محمد بن عبد الّله العابممد أنممه قممال‪ :‬مممن تممرك‬
‫فضول النظر وفق للخشوع‪ ،‬ومممن تممرك الكممبر وفممق للتواضممع‪ ،‬ومممن تممرك‬
‫فضول الكلم وفق للحكمة‪ ،‬ومن ترك فضول الطعام وفق لحلوة العبممادة‪،‬‬
‫ومن ترك المزاح وفق للبهاء‪ ،‬ومن ترك الضممحك وفممق للهيبممة‪ ،‬ومممن تممرك‬
‫الرغبة وفق للمحبة‪ :‬يعني إذا لم يرغب في أموال الناس أحبوه‪ ،‬ومن ترك‬
‫التجسس وفق لصلح عيوبه‪ ،‬ومن ترك التوهم في صفات الّله تعالى وفق‬
‫للنجاة من الشك والنفاق‪.‬‬
‫وروى عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنه قال " في قمموله تعممالى‬
‫ما{ قال‪ :‬كان تحته لوح من ذهممب مكتمموب فيممه خمسممة‬ ‫كنٌز ل َهُ َ‬
‫ه َ‬
‫حت َ ُ‬
‫ن تَ ْ‬ ‫}وَ َ‬
‫كا َ‬
‫أسطر‪ :‬أولها عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح‪ ،‬وعجبت لمن أيقن بالنار‬
‫كيف يضحك‪ ،‬وعجبت لمن أيقن بالقممدر كيممف يحممزن‪ ،‬وعجبممت لمممن أيقممن‬
‫بزوال الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها‪ ،‬وفي الخممامس ل إلممه إل ّ الل ّممه‬
‫محمد رسول الله‪ ،‬وقال ثابت البناني رحمه الّله تعممالى‪ :‬كممان يقممال ضممحك‬
‫المؤمن من غفلته‪ :‬يعني غفلته عن أمر الخرة‪ ،‬ولول غفلته لما ضحك‪.‬‬
‫وقال يحيى ابن معاذ الرازي رحمه الّله تعالى‪ :‬اطلب فرحا ل حزن فيممه‬
‫بحزن ل فرح فيه‪ :‬يعني إذا أردت أن تنال الجنة فكن فممي الممدنيا حزينمما ول‬
‫تكن ضاحكا مسرورا لكي تنال فرح الجنة وهممو فممرح ل حممزن فيممه‪ ،‬ويقممال‬
‫ثلثة أشمياء تقسمي القلمب‪ :‬الضمحك ممن غيمر عجمب‪ ،‬والكمل بغيمر جموع‪،‬‬
‫والكلم من غير حاجة‪ .‬وروى بهز بن حكيم عممن أبيممه عممن جممده أن رسممول‬
‫الّله صلى الّله عليه وسلم قال "ويل لمن يكذب ليضحك به الناس‪ ،‬ويل له‬
‫ويل له ويل له ثلث مرات" وقال إبراهيم النخعي‪ :‬إن الرجل ليتكلم بكلمة‬
‫ليضحك بها من حوله فيسخط الّله بها فيصمميبه السممخط فيعممم مممن حمموله‪،‬‬
‫وإن الرجل ليتكلم بكلمة يرضى الّله بها فتصيبه الرحمممة فتعممم مممن حمموله‪.‬‬
‫وروى وائلة بن السقع عن أبي هريممرة رضممي الل ّممه تعممالى عنممه عممن النممبي‬
‫صلى الّله عليه وسلم أنه قال "يا أبا هريممرة كممن ورعمما تكممن أعبممد النمماس‪،‬‬
‫وكن قنعا تكن أشكر الناس‪ ،‬وأحممب للنمماس ممما تحممب لنفسممك تكممن مؤمنمما‬
‫وأحسن مجاورة من جاورك تكن مسلما وأقل الضحك فممإن كممثرة الضممحك‬
‫تميت القلب" وروى مالك بن دينار عن الحنف بن قيس أنه قممال قممال لممي‬
‫عمر بن الخطاب رضي الّله تعالى عنه‪ :‬من كثر ضممحكه قلممت هيبتممه‪،‬ومممن‬
‫مزح اسُتخف به‪ ،‬ومممن أكممثر مممن شمميء عممرف بممه‪ ،‬ومممن كممثر كلمممه كممثر‬
‫ل حياؤه قممل ورعممه‪ ،‬ومممن قممل‬ ‫ل حياؤه‪ ،‬ومن ق ّ‬
‫قطه‪ ،‬ومن كثر سقطه ق ّ‬ ‫س ْ‬
‫َ‬
‫ورعه مات قلبه‪ ،‬ومن مات قلبه كانت النار أولى به‪.‬‬

‫]ص ‪[105‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬وإياك وضحك القهقهة فإن فيه ثمانية‬
‫مممن الفممات أّولهمما أن يممذمك العلممماء والعقلء‪ ،‬والثمماني أن يجممترئ عليممك‬
‫السفهاء والجهال‪ ،‬والثالث أنك لو كنت جاهل ازداد جهلك وإن كنممت عالم ما ً‬
‫ج من العلممم‬‫نقص علمك لنه روى في الخبر "إن العالم إذا ضحك ضحكة م ّ‬
‫مجة" يعني رمى من العلم بعضه‪ .‬والرابع أن فيه نسيان الذنوب الماضممية‪،‬‬
‫والخامس فيه جراءة على الذنوب في المستقبل لنممك إذا ضممحكت يقسممو‬
‫قلبك‪ ،‬والسادس أن فيه نسيان الموت وما بعده من أمر الخممرة‪ ،‬والسممابع‬
‫أن عليك وزر من ضحك بضحكك‪ ،‬والثامن أنه يجب له بالضمحك بكماء كمثير‬
‫ممما ك َمماُنوا‬ ‫كوا قَِليل ً وَل ْي َب ْك ُمموا ك َِثيممرا ً َ‬
‫جمَزاًء ب ِ َ‬ ‫ح ُ‬‫ضم َ‬ ‫فممي الخممرة قممال تعممالى }فَل ْي َ ْ‬
‫ن{ وروى عن أبي ذر رضي الّله تعالى عنه أنه قممال فممي قممول الل ّممه‬ ‫سُبو َ‬ ‫ي َك ْ ِ‬
‫ل{ معناه أن الدنيا قليل فليضحكوا فيها ما شمماءوا‬ ‫كوا قَِلي ً‬ ‫ح ُ‬
‫ض َ‬‫عز وجل }فَل ْي َ ْ‬
‫وإذا صاروا إلى الل ّممه بكمموا بكمماء ل ينقطممع فممذلك الكممثير وهممو قمموله تعممالى‬
‫ن{‪.‬‬ ‫سُبو َ‬‫كاُنوا ي َك ْ ِ‬‫ما َ‬ ‫جَزاًء ب ِ َ‬‫كوا ك َِثيرا ً َ‬‫}وَل ْي َب ْ ُ‬

‫باب كظم الغيظ‬


‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬حممدثنا الخليممل بممن أحمممد حممدثنا أبممو‬
‫ي بممن زيممد‬‫جعفر الدبيلي‪ .‬حدثنا أبو عبد الّله بن عمر‪.‬حدثنا سفيان عممن عل م ّ‬
‫أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الّله تعالى عنه قممال‪ :‬قممال رسممول‬
‫الّله صلى الّله عليه وسلم "إن الغضممب جمممرة مممن النممار فمممن وجممد ذلممك‬
‫منكم فإن كان قائما فليجلممس‪ ،‬وإن كممان جالسمما فليضممطجع" قممال‪ :‬حممدثنا‬
‫محمد بن الفضل حدثنا محمد بن جعفر‪ .‬حممدثنا إبراهيممم بممن يوسممف حممدثنا‬
‫المسيب عن محمد بن مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الّله تعالى عنه‬
‫أن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم قال "إياكم والغضممب فمإنه يوقممد فمي‬
‫فؤاد ابن آدم النار ألم تَر إلى أحدكم إذا غضممب كيممف تحم مّر عينمماه وتنتفممخ‬
‫أوداجه؟ فإذا أحس أحدكم بشيء من ذلممك فليضممطجع وليلصممق بممالرض"‪،‬‬
‫وقال‪" :‬إن منكم من يكون سريع الغضب سممريع القيممء فأحممدهما بممالخر"‬
‫يعني يكون أحدهما بالخر قصاصا ً "ومنكم من يكون بطيء القيممء ويكممون‬
‫أحدهما بالخر‪ ،‬وخيركم من كان بطيء الغضب سريع القيء وشممركم مممن‬
‫كان سريع الغضب بطيء القيء" وروى أبو أمامة الباهلي رضي الّله تعالى‬
‫عنه عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنه قال "مممن كظممم غيظمما وهممو‬
‫يقدر على أن يمضيه لم يمضممه مل الل ّممه قلبممه يمموم القيامممة رضمما" ويقممال‪:‬‬
‫مكتوب في النجيل‪ :‬يا ابن آدم اذكرني حين تغضممب أذكممرك حيممن أغضممب‪،‬‬
‫وارض بنصرتي لك فإن نصرتي لك خيممر مممن نصممرتك لنفسممك‪ .‬وروى عممن‬
‫عمر بن عبد العزيز أنه قال لرجل أغضبه‪ :‬لول أنك أغضممبتني لعاقبتممك أراد‬
‫ظ{ وذكر أنه رأى سكران فممأراد أن‬ ‫ن الغَي ْ َ‬
‫مي َ‬ ‫بذلك قول الّله تعالى }َوال َ‬
‫كاظ ِ ِ‬
‫يأخذه فيعزره فشتمه السكران فلما شتمه رجممع عمممر‪ ،‬فقيممل لممه يمما أميممر‬
‫المؤمنين لما شتمك تركته؟ قال لنه أغضبني فلو عزرته لكان ذلك‬

‫]ص ‪[106‬‬
‫لغضب نفسي ول أحب أن أضرب مسلما ً لحمية نفسي‪ .‬وروى عن ميمممون‬
‫بن مهران أن جارية له جاءت بمرقممة فعممثرت فصممبت المرقممة عليممه فممأراد‬
‫ميمممون أن يضممربها فقممالت الجاريممة يمما مممولي اسممتعمل قممول الل ّممه تعممالى‬
‫ن‬‫ظ{ فقال قد فعلت‪ ،‬فقالت اعمممل بممما بعممده }َوالعَمماِفي َ‬ ‫ن الغَي ْ َ‬‫مي َ‬ ‫}َوال َ‬
‫كاظ ِ ِ‬
‫ب‬ ‫حمم ّ‬ ‫س{ قممال قممد عفمموت‪ ،‬فقممالت اعمممل بممما بعممده }َوالّلمم ُ‬
‫ه يُ ِ‬ ‫ن الّنمما ِ‬ ‫عمم ْ‬
‫َ‬
‫ن{ فقال ميمون أحسنت إليك فأنت حرة لوجه الّله تعممالى‪ .‬وروى‬ ‫سِني َ‬‫ح ِ‬‫م ْ‬‫ال ُ‬
‫عن رسول الّله صلى الّله عليممه وسمملم أنممه قممال "مممن لممم يكممن فيممه ثلث‬
‫حلم يرد ّ به جهممل الجاهممل‪ ،‬وورع يح مُرزه عممن‬ ‫خصال لم يجد طعم اليمان‪ِ :‬‬
‫خُلق يداري به الناس"‪ .‬وذكر عن بعض المتقدمين أنممه كممان لممه‬ ‫المحارم‪ ،‬و ُ‬
‫فرس وكان معجبا به‪ ،‬فجاء ذات يوم فوجده على ثلث قوائم فقال لغلمه‬
‫ن‬
‫من صنع هذا؟ فقال أنا‪ ،‬قال‪ :‬لم؟ قال أردت أن أغمك‪ ،‬قال ل جرم لغمم ّ‬
‫من أمرك به‪ :‬يعني الشيطان‪ :‬اذهب فأنت حّر والفرس لك‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضممي الّلمه تعممالى عنممه‪ :‬ينبغممي للمسمملم أن يكممون حليممما‬
‫وصبورا فإن ذلك من خصال المتقين وقد مدح الّله تعالى الحليم في كتممابه‬
‫فَر{ يعني من صممبر علممى الظلممم وتجمماوز عممن‬ ‫صب ََر وَغ َ َ‬
‫ن َ‬ ‫فقال تعالى }وَل َ َ‬
‫م ْ‬
‫موِر{ يعني من حقائق المور الممتي‬ ‫ُ‬ ‫ك لَ ِ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬
‫ن ع َْزم ِ ال ُ‬‫م ْ‬ ‫ظالمه وعفا عنه }إ ِ ّ‬
‫وي‬ ‫س مت َ ِ‬
‫يثاب فاعلها على ذلك وينال أجرا عظيممما وقممال فممي آيممة أخممرى }ت َ ْ‬
‫ة { يعني ل تستوي الكلمة ا لحسنة والكلمة السيئة يعني‬ ‫سي ّئ َ ُ‬‫ة وََل ال ّ‬ ‫سن َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ال َ‬
‫ل ينبغي للمسلم أن يكافئ كلمة حسنة بكلمة قبيحة ثم قال }اد َْفممعْ ِبممال ِّتي‬
‫ن{ يعني ادفع الكلمممة القبيحممة بالكلمممة الممتي هممي أحسممن }فَمإ ِ َ‬
‫ذا‬ ‫س‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫هِ َ‬
‫َ‬
‫م{ يعنممي إنممك إذا فعلممت ذلمك صممار‬ ‫ميم ٌ‬
‫ح ِ‬
‫ي َ‬
‫ه وَل ِم ّ‬ ‫داوَة ٌ ك َأن ّ ُ‬ ‫ه عَ َ‬ ‫ك وَب َي ْن َ ُ‬ ‫ذي ب َي ْن َ َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫عدّوك صديقا لك مثل القريب وقد مممدح الل ّممه تعممالى خليلممه إبراهيممم عليممه‬
‫ب{ فممالحليم المتجمماوز‬ ‫السلم بالحلم فقممال }إن إبراهي مم ل َحِلي م َ‬
‫مِني م ٌ‬
‫م أّواه ٌ ُ‬
‫ٌ‬ ‫ِ ّ َِْ ِ َ َ‬
‫ّ‬
‫والواه الذي يذكر ذنوبه ويتأوه‪ ،‬والمنيب الذي أقبل على طاعة الله تعالى‪،‬‬
‫وقد أمر الّله تعالى نبيه صلى الّله عليه وسمملم بالصممبر والحلممم وأخممبره أن‬
‫ص مب ََر‬ ‫ممما َ‬ ‫صب ِْر ك َ َ‬
‫النبياء الذين كانوا من قبله كانوا على ذلك فقال تعالى }َفا ْ‬
‫ُ‬
‫ل{ يعني اصبر على تكذيب الكفار وأذاهممم كممما صممبر‬ ‫س ِ‬‫ن الّر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫أوُْلوا العَْزم ِ ِ‬
‫النبياء الذين أمروا بالقتال مع الكفممار‪ ،‬وأولممو العممزم هممم ذوو الحممزم وهممم‬
‫الذين يثبتون على المر ويصممبرون عليممه‪ ،‬وقممال الحسممن فممي قمموله تعممالى‬
‫سَلمًا{ يعنمي قمالوا حلمما وإن جهمل عليهمم‬ ‫ن َقاُلوا َ‬ ‫جاه ُِلو َ‬ ‫م ال َ‬ ‫خاط َب َهُ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫}وَإ ِ َ‬
‫حلموا‪ .‬وروى عن وهب بن منبه رضي الّله تعالى عنه قال‪ :‬كممان عابممد فممي‬
‫بني إسرائيل أراد الشيطان أن يضله فلم يستطع‪ ،‬فخممرج العابممد ذات يمموم‬
‫لحاجة وخرج الشيطان معه لكي يجد منه فرصة‪ ،‬فأتمماه مممن قبممل الشممهوة‬
‫والغضب فلم يستطع منه على شيء‪ ،‬فأتاه من قبل الخمموف وجعممل يممدلي‬
‫عليه صخرة من الجبل فإذا بلغته ذكر الّله تعالى فنأت عنه‪ ،‬ثم جعل يتمثل‬
‫بالسد والسباع فذكر الّله تعالى‬

‫]ص ‪[107‬‬
‫فلم يبال به‪ ،‬ثم جعل يتمثل له بالحية وهو يصلي فجعل يلتوي على قممدميه‬
‫وجسده حتى بلغ رأسه‪ ،‬وكان إذا أراد السجود التوى في موضع رأسه مممن‬
‫السجود يعني وجهه فلما وضع رأسه ليسجد فتح فاه ليلتقممم رأسممه فجعممل‬
‫ينحيه حتى استمكن من الرض ليسجد‪ ،‬فلما فممرغ ممن صمملته وذهممب جمماء‬
‫إليه الشيطان فقال أنا فعلت بك كذا وكذا فلممم أسممتطع منممك علممى شمميء‬
‫وقد بدا لي أن أصادقك ول أريد ضللتك بعد اليوم‪ ،‬فقال له العابد‪ :‬ل اليوم‬
‫وفتني بحمد الّله ما خفت منك ول لي حاجة اليمموم فممي مصممادقتك‪،‬‬ ‫الذي خ ّ‬
‫ت قبلهم‪،‬‬ ‫فقال أل تسألني عن أهلك ما أصابهم بعدك؟ فقال له العابد أنا م ّ‬
‫ل به بني آدم؟ قال بلممى أخممبرني بالممذي تصممل بممه‬ ‫فقال أل تسألني عما أض ّ‬
‫إلى إضمملل بنممي آدم؟ قممال بثلثممة أشممياء‪ :‬الشممح والغضممب والسممكر‪ ،‬فممإن‬
‫النسان إذا كان شحيحا قللنا ماله في عينه فيمنعه من حقوقه ويرغب فممي‬
‫أموال الناس‪ ،‬وإذا كان الرجل غضوبا أدرناه بيننا كما يممدير الصممبيان الكممرة‬
‫بينهم ولو كان يحيي الموتى بدعوته لم نيأس منممه فإنممما يبنممي ويهممدم فممي‬
‫كلمة واحدة‪ ،‬وإذا سكر قدناه إلى كممل سمموء كممما تقمماد الغنممم بأذنهمما حيممث‬
‫نشاء فقد أخبره الشيطان أن الذي يغضب يكون في يد الشمميطان كممالكرة‬
‫فممي أيممدي الصممبيان‪ ،‬فينبغممي للممذي يغضممب أن يصممبر لكممي ل يصممير أسممير‬
‫الشيطان ول يحبط عمله‪ .‬وذكر أن إبليس جمماء إلممى موسممى صمملوات الل ّممه‬
‫وسلمه عليه فقال لمه أنممت المذي اصممطفاك الّلمه تعمالى برسمالته وكلمممك‬
‫تكليما‪ ،‬وإنما أنا خلق من خلق الّله تعالى أردت أن أتوب إلى ربممك فاسمأله‬
‫ي‪ ،‬ففرح بذلك موسى عليه السلم فدعا بماء فتوضممأ وصمملى ممما‬ ‫ليتوب عل ّ‬
‫شاء الّله تعالى‪ ،‬ثم قال يا رب إن إبليممس خلمق ممن خلقمك يسمألك التوبمة‬
‫فتب عليه‪ ،‬فقيل له يا موسى إنه ل يتوب‪ ،‬فقال يما رب إنمه يسمألك التوبممة‬
‫فأوحى الّله تعالى إني استجبت لمك يما موسمى فمممره أن يسمجد لقمبر آدم‬
‫فممأتوب عليممه‪ ،‬فرجممع موسممى مسممرورا فممأخبره بممذلك‪ ،‬فغضممب مممن ذلممك‬
‫واستكبر ثم قال‪ :‬أنا لم أسجد له حيا أأسجد له ميتا‪ ،‬ثم قال يمما موسممى إن‬
‫ي بما تشفعت لي إلى ربك فأوصيك بثلثة أشممياء‪ :‬اذكرنممي عنممد‬ ‫لك حقا عل ّ‬
‫ثلث خصال‪ :‬اذكرني حين تغضب فإني في قلبك أجري منك مجممرى الممدم‪،‬‬
‫واذكرني حين تلقى العدو في الزحف‪ ،‬فإني آتي ابن آدم حين يلقممى العممدو‬
‫فأذكره زوجته وأهله وماله وولده حتى يولي دبره‪ ،‬وإياك أن تجالس امممرأة‬
‫ليست بذات محمرم منمك فمإني رسمولها إليمك ورسمولك إليهما‪ .‬وذكمر عمن‬
‫لقمان الحكيم أنه قال‪ :‬يا بني ثلث ل تعرف إل ّ في ثلثة‪ :‬ل يعممرف الحليممم‬
‫إل ّ عند الغضب‪ ،‬ول يعرف الشجاع إل ّ عند الحممرب‪ ،‬ول يعممرف الخ إل ّ عنممد‬
‫الحاجة‪ .‬وذكر أن رجل من التابعين مدحه رجل في وجهه‪ ،‬فقال له يمما عبممد‬
‫الّلمه لمم تممدحني‪ :‬أجّربتنمي عنمد الغضمب فوجمدتني حليمما؟ قمال ل‪ ،‬قمال‬
‫أجربتني في السفر فوجدتني حسن الخلق؟ قال‬

‫]ص ‪[108‬‬
‫لا‪ ،‬قال أجربتني عند المانة فوجدتني أمينا؟ قال ل‪ ،‬فقممال ويحممك ممما لحممد‬
‫أن يمدح أحدا ما لم يجربه في هذه الشياء الثلثة‪ .‬وقال‪ :‬ثلثممة مممن أخلق‬
‫أهل الجنة ول توجد إل ّ في الكريم‪ :‬العفو عمن ظلمك‪ ،‬والبذل لمن حرمك‪،‬‬
‫ف‬ ‫ْ‬ ‫والحسان إلى من أساء إليك قممال الل ّممه تعممالى } ُ‬
‫خمذ ْ العَ ْ‬
‫ممْر ِبمالعُْر ِ‬‫فموَ وَأ ُ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫َ‬
‫جاه ِِلي َ‬
‫ن ال َ‬
‫ض عَ ْ‬
‫وَأع ْرِ ْ‬
‫وروى في الخبر أنه لما نزلت هذه الية قال النبي صلى الّله عليه وسلم‪:‬‬
‫"ما تفسير هذه الية؟ فقال له جبريممل عليمه الصملة والسمملم حممتى أسممأل‬
‫العالم‪ ،‬فذهب جبريل ثم أتاه فقال‪ :‬يا محمد إن الّله تعالى يأمرك أن تصل‬
‫من قطعممك‪ ،‬وتعطممي مممن حرمممك‪ ،‬وتعفممو عمممن ظلمممك"‪ .‬وروى عممن ابممن‬
‫ب‬ ‫عجلن عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الّله تعالى عنه قال "س ّ‬
‫رجل أبا بكر الصديق رضي الّله تعالى عنه ورسممول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم جالس فسكت النبي صلى الّله عليه وسمملم وسممكت أبممو بكممر‪ ،‬فلممما‬
‫سكت الرجل تكلم أبو بكر فقام النبي صلى الّله عليممه وسمملم وأدركممه أبممو‬
‫بكر فقال يا رسول الّله سبني وسممكت فلممما تكلمممت قمممت؟ فقممال النممبي‬
‫صلى الّله عليه وسمملم إن الملممك كممان يممرد عليممه عنممك حيممن سممكت فلممما‬
‫تكلمممت ذهممب الملممك وقعممد الشمميطان فكرهممت أن أقعممد فممي مقعممد مممع‬
‫الشيطان ثم قال رسول الّله صلى الّله عليه وسلم ثلث كلهن حق‪ :‬ما من‬
‫عبد يظلم بمظلمة فيعفو عنها ابتغاء مرضمماة الل ّممه تعممالى إل ّ زاده الل ّممه بهمما‬
‫عزا‪ ،‬وما من عبد فتح على نفسه باب مسألة يريممد بهمما كممثرة إل ّ زاده الل ّممه‬
‫تعالى بها قلة‪ ،‬وما من عبد أعطى عطية يبتغي بها وجه الّله تعممالى إل ّ زاده‬
‫الّله تعالى بها كثرة"‪ .‬قال‪ :‬حدثنا أبي بإسناده عن محمد بن كعب القرظممي‬
‫عن ابن عباس رضي الل ّممه تعممالى عنهممما أن رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم قال "لكل شيء شرف وإن أشرف المجالس ما استقبل به القبلممة"‬
‫وإنما تجالسون بالمانة‪ ،‬ول تصملوا خلممف النممائم والمحممدث‪ ،‬واقتلمموا الحيممة‬
‫والعقرب وإن كنتم في صلتكم‪ ،‬ول تسممتروا الجممدران بالثيمماب‪ ،‬ومممن نظممر‬
‫في كتاب أخيه بغير إذنه فكأنما ينظر في النار‪ ،‬ومن أحب أن يكممون أقمموى‬
‫الناس فليتوكل على الّله تعالى‪ ،‬ومن أحممب أن يكممون أكممرم النمماس فليتممق‬
‫الّله تعالى‪ ،‬ومن أحب أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يممد الل ّممه تعممالى‬
‫أوثق منه بما في يده‪ ،‬ثم قال‪ :‬أل أنبئكم بشممراركم؟ قممالوا بلممى يمما رسممول‬
‫الّله قال‪ :‬من أكل وحده‪ ،‬ومنع رفده‪ ،‬وجلد عبده‪ ،‬ثم قال‪ :‬أل أنممبئكم بشممر‬
‫من هذا؟ قالوا بلى يا رسول الله‪ ،‬قال‪ :‬مممن يبغممض النمماس ويبغضممونه‪ ،‬ثممم‬
‫قال‪ :‬أل أنبئكم بشر من هذا؟ قالوا بلى يا رسول اللممه‪ ،‬قممال‪ :‬مممن ل يقبممل‬
‫عثرة ول يقبل معذرة ول يغفر ذنبا‪ ،‬ثم قال‪ :‬أل أنبئكم بشر من هذا؟ قممالوا‬
‫بلى يا رسول الله‪ ،‬قال‪ :‬من ل يرجى خيره ول يؤمن شره‪ ،‬ثم قال رسممول‬
‫الّله صلى الّله عليه وسلم‪ :‬إن عيسى عليه السلم قام فممي بنممي إسممرائيل‬
‫فقال يا بني إسرائيل ل تتكلموا بالحكمة عند الجهال فتظلموها ول تمنعوها‬
‫أهلها فتظلموهم‪ ،‬وقد قال مرة فتظلموها‪ ،‬ول تكافئوا ظالما بظلم فيبطممل‬
‫فضلكم عند ربكم‪ ،‬يا بني إسرائيل‬
‫]ص ‪[109‬‬
‫المور ثلثة‪ :‬أمر تبين رشده فاتبعوه‪ ،‬وأمر ظهر غيه فاجتنبوه‪ ،‬وأمر اختلف‬
‫فيه فردوه إلى الّله ورسوله‪ .‬وقال بعض الحكماء‪ :‬الزهد في الممدنيا أربعممة‪:‬‬
‫الولى الثقة بالله تعالى فيما وعد من أمر الدنيا وأمممر الخممرة‪ .‬والثانيممة أن‬
‫يكون مدح الخلق وذمهم عنده واحدًا‪ .‬والثالثة الخلص في عمله‪ .‬والرابعممة‬
‫أن يتجاوز عمن ظلمه ول يغضب على ما ملكت يمينه ويكون حليما صممبورا‬
‫وروى عن أبي الدرداء رضي الّله تعالى عنه أن رجل قال له علمني كلمات‬
‫ينفعني الّله تعالى بهن؟ قال أبو الدرداء أوصيك بكلمات من عمل بهن كان‬
‫ثوابه على الّله عز وجل والممدرجات العلممى‪ :‬ل تأكممل إل ّ طيبمما‪ ،‬واسممأل الل ّممه‬
‫تعالى رزق يوم بيوم‪ ،‬وعد ّ نفسك مممن الممموتى‪ ،‬وهممب عرضممك للممه تعممالى‬
‫فمن شتمك أو أذاك فقل وهبت عرضي للممه تعممالى‪ ،‬وإذا أسممأت فاسممتغفر‬
‫الّله تعالى‪.‬‬
‫وروى عن رسول الّله صملى الّلمه عليمه وسملم أنمه قمال " لمما كسمرت‬
‫رباعيته في يوم أحد فشممق ذلممك علممى أصممحابه مشممقة شممديدة فقممالوا يمما‬
‫رسول الّله لو دعوت الّله تعالى على هؤلء الذين صنعوا بك ما ترى‪ ،‬فقال‬
‫النبي صلى الّله عليه وسلم إني لم أبعث لعانا ولكني بعثممت داعيمما ورحمممة‬
‫اللهم أهد قومي فإنهم ل يعلمون" وقال رسول الّله صلى الّله عليه وسمملم‬
‫"من كف لسانه عن أعراض المسلمين أقال الّله تعالى عثرته يوم القيامة‪،‬‬
‫ومن كف غضبه أقال الّله تعالى غضبه عنه يوم القيامة" وروى عن مجاهممد‬
‫رضي الّله تعالى عنه "أن رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه وسمملم ممّر بقمموم‬
‫يربعون حجرا‪ :‬يعني يرفعون حجرا وينظرون أيهم أقوى‪ ،‬فقال رسول الّلممه‬
‫صلى الّله عليه وسلم ما هذا؟ قالوا حجر الشداء فقال أل أخبركم بممما هممو‬
‫أشد منه؟ قالوا بلى يا رسول الّله قال‪ :‬الذي يكون بينه وبين أخيممه شممحناء‬
‫فيغلب شيطانه وشيطان صاحبه فيأتيه حتى يكلمه" وفي رواية أخرى "أنممه‬
‫مّر بقوم يرفعون الحجر فقممال أتعرفممون الشممدة برفممع الحجممارة أل أنممبئكم‬
‫بأشد منكم؟ قالوا بلى يا رسول الله‪ ،‬قممال الممذي يمتلممئ غضممبا ثممم يصممبر"‬
‫وذكر عن يحيى بن معاذ أنه قال‪ :‬من دعا على ظممالمه فقممد أحممزن محمممدا‬
‫صلى الّله عليه وسملم فمي النبيماء عليهمم الصملة والسملم‪ ،‬وسمّر اللعيمن‬
‫إبليس في الكفرة والشياطين‪ ،‬ومن عفا عن ظالم فقد أحزن اللعيممن فممي‬
‫الكفممرة والشممياطين وس مّر محمممدا صمملى الل ّممه عليممه وسمملم فممي النبيمماء‬
‫والصالحين صلوات الّله وسمملمه عليهممم أجمعيممن‪ .‬وروى عممن رسممول الل ّممه‬
‫صلى الّله عليه وسلم أنه قال "ينادي منمماد يمموم القيامممة أيممن الممذين كممانت‬
‫أجورهم على الّله عممز وجممل؟ فيقمموم العممافون عممن النمماس فيممدخلون إلممى‬
‫الجنة‪ ،‬وسئل الحنف بن قيس رحمه الّله تعالى ما النسانية؟ قال التواضع‬
‫في الدولة والعفو عند المقدرة والعطاء بغير منة"‪ .‬وروى عممن عطيممة عممن‬
‫رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنه قال "المؤمنون هينون لينون كالجمل‬
‫النف إن قيد انقاد وإن أنيخ على صخرة استناخ"‪.‬‬

‫]ص ‪[110‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬عليكم بالصبر عن الغضممب‪ ،‬وإيمماكم‬
‫والعجلة عند الغضب‪ ،‬فإن في العجلة ثلثة أشياء وفي الصبر ثلثممة أشممياء‪،‬‬
‫فأما الثلثة التي في العجلة فأحدها الندامة في نفسه‪ ،‬والثاني الملمة عند‬
‫الناس‪ ،‬والثالث العقوبة عند الّله تعالى‪ .‬وفي الصمبر ثلثمة أشمياء‪ :‬السمرور‬
‫في نفسه‪ ،‬والمحمدة عند الناس‪ ،‬والثواب من الّله تعالى‪ ،‬فإن الحلم يكون‬
‫مّرا في أوله وحلوا في آخره كما قال القائل‪:‬‬
‫والله أعلم‬
‫م‬ ‫لكن آخره أحلى من العسل‬ ‫الحلم أوله مر مذاقته‬

‫باب حفظ اللسان‬


‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رضي الّله تعالى عنه‪ :‬حدثنا الفقيممه‬
‫أبو جعفر حدثنا أبو القاسم أحمد بن محمد حممدثنا محمممد بممن سمملمة حممدثنا‬
‫عبد العلى حدثنا يعقوب بن عبد الّله القمي عن الليث عن مجاهد عن أبي‬
‫سعيد الخدري رضي الّله تعالى عنه قال "جاء رجل إلممى النممبي صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم فقال يا رسول الّله أوصني؟ قال عليك بتقوى الّله فإنها جممماع‬
‫كل خير‪ ،‬وعليك بالجهاد فإنه رهبانية المسلمين" أو قال وعليممك بممذكر الل ّممه‬
‫تعالى وتلوة القرآن فإنه نور لك في الرض وذكر لك في السماء‪ ،‬واخممزن‬
‫لسانك إل ّ من خير فإنك بذلك تغلب الشيطان"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنممه‪ :‬معنممى قمموله عليممه الصمملة والسمملم‬
‫"عليك بتقوى الّله تعالى" فتقوى الّله أن يجتنب عما نهاه الّله عنممه ويعمممل‬
‫بما أمره الّله تعالى به فإذا فعل ذلك فقد جمع جميممع الخيممر‪ ،‬وقمموله عليممه‬
‫الصلة والسلم "واخزن لسانك" يعني احفظ لسانك إل ّ من خير "يعني قل‬
‫خيرا حتى تغنم" واسكت حتى تسلم فإن السلمة في السكوت‪ ،‬واعلم أن‬
‫النسان ل يغلب الشيطان إل ّ بالسكوت‪ ،‬فينبغي للمسلم أن يكممون حافظمما‬
‫للسانه حتى يكون في حرز من الشيطان ويسمتر الل ّممه عليمه عممورته‪ .‬قممال‪:‬‬
‫حدثنا حدثنا أبو الحسن أحمد بن حمدان حدثنا الحسين بن علممي الطوسممي‬
‫حدثنا محمد بن حسان حدثنا إسحق بن سليمان الممرازي عممن المغيممرة بممن‬
‫مسلم عن هشام عن عمر رضي الّله تعالى عنهما قممال‪ :‬قممال رسممول الل ّممه‬
‫صلى الّله عليه وسلم "من لطم عبده كان كفارته عتقه‪ ،‬ومن ملممك لسممانه‬
‫ستر الّله عليه عورته‪ ،‬ومن كظم غيظه وقاه الّله تعالى عذابه‪ ،‬ومن اعتممذر‬
‫إلى ربه قبل الّله معذرته" قال‪ :‬حدثنا محمد بممن الفضممل حممدثنا محمممد بممن‬
‫جعفر حدثنا إبراهيم بن يوسف حدثنا يزيد بن زريع عن يونس عممن الحسممن‬
‫عن أبي هريرة رضي الّله تعالى عنه أن النبي صلى الّله عليممه وسمملم قممال‬
‫"من كان يؤمن بالله واليوم الخر فليكرم جاره وليكرم ضيفه وليقممل خيممرا‬
‫أو ليسكت" قال‪ :‬حدثنا محمممد بممن الفضممل حممدثنا محمممد بممن جعفممر حممدثنا‬
‫إبراهيم حدثنا يعلى قال‪ :‬دخلنا على محمد بن سوقة الزاهد‬

‫]ص ‪[111‬‬
‫فقال أل أحدثكم حديثا لعله ينفعكم فإنه قد نفعني؟ قال‪ :‬قال لنا عطاء بن‬
‫أبي رباح يا ابن أخي إن من كان قبلكم كانوا يكرهون فضول الكلم وكممانوا‬
‫يعدون كل كلم فضممول ممما عممدا كتمماب الل ّممه تعممالى أن يقممرأه أحممد أو أمممرا‬
‫بالمعروف أو نهيا عن المنكر أو تنطق بحاجتك في معيشتك الممتي لبممد لممك‬
‫ن{‬ ‫ن‪ .‬ك َِراممما ً َ‬
‫كممات ِِبي َ‬ ‫ظي َ‬ ‫حافِ ِ‬ ‫م لَ َ‬
‫ن ع َل َي ْك ُ ْ‬
‫منها‪ ،‬ثم قال‪ :‬أتنكرون قوله تعالى }وَإ ِ ّ‬
‫د{‬‫ب ع َِتي م ٌ‬ ‫ل إ ِّل ل َد َي ْهِ َرِقيمم ٌ‬
‫ن قَوْ ٍ‬ ‫م ْ‬‫ظ ِ‬ ‫ف ُ‬‫ما ي َل ْ ِ‬ ‫ل قَِعي ٌ‬
‫د‪َ .‬‬ ‫ما ِ‬ ‫ن ال ّ‬
‫ش َ‬ ‫ن وَع َ ْ‬
‫مي ِ‬
‫ن الي َ ِ‬
‫و}ع َ ْ‬
‫أو ما يستحبي أحدكم أن لو نشرت عليه صحيفته التي أملهمما صممدر نهمماره‬
‫وأكثر ما فيها ليس عن أمر دينه ول دنياه‪ .‬قال‪ :‬حدثنا أبي رحمه الّله تعالى‬
‫بإسناده عن أنس بن مالك قال قال رسول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه وسمملم‪:‬‬
‫"أربع ل تصير إل ّ في مؤمن‪ :‬الصمت وهو أول العبادة‪ ،‬والتواضع‪ ،‬وذكر الّله‬
‫تعالى‪ ،‬وقلة الشر" وذكر عن عيسى ابن مريم عليه الصمملة والسمملم بهممذا‬
‫اللفظ‪ .‬روى أبو هريرة رضي الّله تعالى عنممه عممن النممبي صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم أنه قال "من حسن إسلم المرء تركه ما ل يعنيه" وذكر عممن لقمممان‬
‫الحكيم أنه قيل له ما بلغ بك ما نرى؟ قال‪ :‬صممدق الحممديث‪ ،‬وأداء المانممة‪،‬‬
‫وتركي ما ل يعنيني‪ .‬وروى عن أبي بكممر ابممن عيمماش أنممه قممال‪ :‬أربعممة مممن‬
‫الملوك تكلم كل واحد منهم بكلمة كأنها رمية رميت من قوس واحدة‪ :‬قال‬
‫كسرى ل أندم على ما لم أقل وقد أندم على ما قلت‪ ،‬وقممال ملممك الصممين‬
‫ما لم أتكلم بالكلمة فأنا أملكها فإن تكلمت بها ملكتني‪ ،‬وقال قيصممر ملممك‬
‫الروم أنا على رد ّ ما لم أقل أقدر مني على رد ّ ما قلت‪ ،‬وروى عممن الربيممع‬
‫بن خيثم أنه كان إذا أصبح وضع قرطاسمما وقلممما ول يتكلممم بشمميء إل ّ كتبممه‬
‫وحفظه ثم يحاسب نفسه عند المساء‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬هكذا كان عمممل الزهمماد إنهممم كممانوا‬
‫يتكلمممون لحفممظ اللسممان ويحاسممبون أنفسممهم فممي الممدنيا‪ ،‬وهكممذا ينبغممي‬
‫للمسلم أن يحاسممب نفسمه فممي الممدنيا قبممل أن يحاسممب فممي الخممرة‪ ،‬لن‬
‫حساب الدنيا أيسر من حساب الخرة‪ ،‬وحفظ اللسان في الدنيا أيسر مممن‬
‫ندامة الخرة‪ .‬وروى عن إبراهيم التيمي أنه قال‪ :‬حدثني من صحب الربيممع‬
‫بن خيثم عشرين سنة فما سمممع منممه كلمممة يعمماب بهمما‪ ،‬وقممال موسممى بممن‬
‫ي رضممي الل ّممه تعممالى عنهممما‪ :‬يعنممي قتممل‪،‬‬
‫سعيد لما أصيب الحسين بن عل م ّ‬
‫فقال رجل من أصحاب الربيع إن تكلم الربيع فاليوم يتكلم‪ ،‬فجاء حتى فتح‬
‫الباب وأخبره بأن الحسين قد قتل فنظر إلى السممماء فقممال‪ :‬اللهممم فمماطر‬
‫السموات والرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيممما كممانوا‬
‫فيه يختلفون ولم يزد على ذلك شيئًا‪ .‬قال حكيم من الحكماء‪ ،‬ست خصممال‬
‫ن الجاهل‪ .‬أحدهما الغضب في غير شيء‪ :‬يعني غضممب علممى ابممن‬ ‫يعرف به ّ‬
‫آدم وعلى‬

‫]ص ‪[112‬‬
‫الحيوان وعلى كل شمميء يسممتقبله منممع مكممروه فهممذا مممن علمممة الجهممل‪،‬‬
‫والثاني الكلم في غير نفع‪ ،‬فينبغي للعاقممل أن ل يتكلممم بكلم ل فممائدة لممه‬
‫فيه‪ ،‬وينبغمي لمه أن يتكلممم بكممل كلم فيممه منفعمة فممي أمممر دنيماه وآخرتمه‪،‬‬
‫والثالث العطية في غير موضع‪ :‬يعني يدفع ماله إلمى ممن ل يكمون لمه فمي‬
‫ذلك أجر وهو علمة الجهل‪ ،‬والرابع إفشاء السر عنمد كمل أحمد‪ ،‬والخمامس‬
‫الثقة بكممل إنسممان‪ ،‬والسممادس أن ل يعممرف صممديقه مممن عممدّوه‪ :‬يعنممي أن‬
‫الرجل ينبغي له أن يعرف صممديقه فيطيعممه ويعممرف عممدّوه فيحممذره‪ ،‬وأّول‬
‫العداء هو الشيطان فينبغممي أن ل يطيعممه فيممما يمأمره‪ .‬وعممن عيسممى ابمن‬
‫مريم عليه الصلة والسلم أنه قال‪ :‬كل كلم ليممس بممذكر الل ّممه تعممالى فهممو‬
‫لغو‪ ،‬وكل سكوت ليس بفكر فهو غفلة‪ ،‬وكل نظير ليممس بعممبرة فهممو لهممو‪،‬‬
‫فطوبى لمن كان كلمه ذكرا ً لله تعالى وسكوته تفكرا ونظرة وعبرة‪ .‬وذكر‬
‫ل الكلم ويكممثر العمممل‪ ،‬والمنممافق يكممثر‬ ‫عن الوزاعي أنه قال‪ :‬المؤمن يق م ّ‬
‫الكلم ويقل العمل‪.‬‬
‫وروى عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنه قال "خمس ل تكون في‬
‫المنافق‪ :‬الفقه في الدين‪ ،‬والورع باللسان‪ ،‬والتبسم في الوجه‪ ،‬والنور في‬
‫القلب‪ ،‬والمودة في المسلمين" قال يحيى بن أكثم ما صمملح منطممق رجممل‬
‫إل ّ عرف ذلك في سائر عمله‪ ،‬ول فسممد منطممق رجممل إل ّ عممرف ذلممك فممي‬
‫سائر عمله‪ .‬وذكر عن لقمان الحكيم أنممه قممال لبنممه‪ :‬يمما بنممي مممن يصممحب‬
‫صاحب السوء لم يسلم‪ ،‬ومممن يممدخل مممدخل السمموء يتهممم‪ ،‬ومممن ل يملممك‬
‫لسانه يندم‪ .‬وعن سنة رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنممه قممال "طمموبى‬
‫لمن ملك لسانه‪ ،‬ووسعه بيته‪ ،‬وبكى على خطيئة" قمال‪ :‬حمدثنا أبمي رحممه‬
‫الّله تعالى بإسناده عن الحسن البصري أنه قممال‪ :‬كممانوا يقولممون إن لسممان‬
‫الحكيم من وراء قلبه فإذا أراد أن يقول رجع إلى قلبممه فممإن كممان لممه قممال‬
‫وإن كان عليه أمسك‪ ،‬وإن الجاهل قلبممه علممى طممرف لسممانه ل يرجممع إلممى‬
‫قلبه ما أتى على لسانه تكلم‪ .‬قال حدثني أبي رحمه الّله بإسناده عن أبممي‬
‫ذر الغفاري أنه قال "قلت يا رسول الّله ما كان في صممحف إبراهيممم؟ قممال‬
‫كان فيها أمثال وعبر‪ :‬ينبغي للعاقل ما لم يكن مغلوبا فممي عقلممه أن يكممون‬
‫حافظا للسانه عارفا بزمانه مقبل على شانه‪ ،‬فممإنه مممن حسممب كلمممه مممن‬
‫ل كلمه إل ّ فيما يعنيه قال‪ :‬حدثنا الفقيه أبو جعفر بإسناده عن أبممي‬ ‫عمله ق ّ‬
‫ي بن أبي طالب رضي الّله تعالى عنممه‬ ‫اسحق الهمذاني عن الحرث عن عل ّ‬
‫قال‪ :‬سمعت رسول الّله صلى الّله عليه وسلم يقول "ينبغممي للعاقممل أن ل‬
‫يكون شاخصا إل ّ في ثلث‪ :‬مرمة لمعاشه‪ ،‬أو خلوة لمعاده‪ ،‬أو لذة في غير‬
‫محرم" وقال "ينبغي للعاقل أن يكون له فممي النهممار أربمع سمماعات‪ :‬سمماعة‬
‫يناجي فيها ربه‪ ،‬وساعة يحاسب فيها نفسه‪ ،‬وساعة يأتي فيهمما أهممل العلممم‬
‫الذين يبصرونه بأمر دينه ودنياه وينصحونه‪ ،‬وساعة يخلى بين نفسه ولذاتها‬
‫فيما يح ّ‬
‫ل ويجمل" وقال "ينبغي للعاقل أن ينظر فممي شممأنه‪ :‬ويعممرف أهممل‬
‫زمانه‪ ،‬ويحفظ فرجه ولسانه"‪.‬‬

‫]ص ‪[113‬‬
‫ّ‬
‫)قال الفقيه( رضي الله تعالى عنه‪ :‬وذكر إن هذه الكلمات مكتوبممة فممي‬
‫حكمة آل داود عليه السلم‪ .‬وروي عن أنس بن مالك رضي الّله تعالى عنه‬
‫إن لقمان الحكيم دخل على داود النبي صلى الل ّممه عليممه وسمملم وكممان داود‬
‫يسرد الدرع‪ ،‬فجعل يتعجممب مممما يممرى فممأراد أن يسممأله عممن ذلممك فمنعتممه‬
‫حكمته فأمسك نفسه ولم يسأله‪ ،‬فلما فرغ قام داود عليممه السمملم فلبممس‬
‫الدرع ثم قال‪ :‬نعم الدرع للحرب ونعم عامله‪ ،‬فقال لقمان‪ :‬الصمت حكمة‬
‫وقليل فاعله‪.‬‬
‫قال القائل‪:‬‬
‫النطق زين والسكوت سلمة فإذا نطقت فل تكن مكثارا‬
‫ما إن ندمت على سكوتي مرة ولقد ندمت على الكلم مرارا‬
‫وفي موضع‪ :‬أنه كان يختلف إليه سنة ويريد أن يسأله فلما فرغ منه لبسه‪،‬‬
‫وقال ما أحسن هذا المدرع للحمرب‪ ،‬فقمال لقممان‪ :‬الصممت حكممة وقليمل‬
‫فاعله‪ ،‬هذا من كتاب التنبيه‪ .‬وأما ما بعده من البيات فليست من الكتمماب‪.‬‬
‫قال بعضهم‪:‬‬
‫يموت الفتى من عثرة بلسانه وليس يموت المرء من عثرة الرجل‬
‫ولخر‪:‬‬
‫ن بما كرهت فربما نطق اللسان بحادث فيكون‬ ‫ل تنطق ّ‬
‫ولحميد بن عباس‪:‬‬
‫لعمرك ما شيء علمت مكانه أحقّ بسجن من لسان مذلل‬
‫على فيك مما ليس يعنيك شأنه بقفل وثيق حيث كنت فأقفل‬
‫ب كلم قد جرى من ممازح فساق إليه سهم حتف معجل‬ ‫فر ّ‬
‫والصمت خير من كلم ممازح فكن صامتا تسلم وإن قلت فاعدل‬
‫ولتك في جنب الخلء مفرطا وإن كنت أبغضت البغيض فأجمل‬
‫فإنك ل تدري متى أنت مبغض حبيبك أو تهوى بغيضك فاعقل‬
‫)قال بعض الحكماء( في الصمت سبعة آلف خير‪ ،‬وقد اجتمع ذلممك كلممه‬
‫في سبع كلمات في كل كلمة منها ألف‪ :‬أولها أن الصممت عبمادة ممن غيمر‬
‫ي‪ ،‬والثالث هيبممة مممن غيممر سمملطان‪ ،‬والرابممع‬ ‫عناء‪ ،‬والثاني زينة من غير حل ّ‬
‫حصن من غير حائط‪ ،‬والخامس الستغناء عن العتذار إلى أحد‪ ،‬والسادس‬
‫راحة الكرام الكاتبين‪ ،‬والسممابع سممتر لعيمموبه‪ .‬ويقممال الصمممت زيممن للعممالم‬
‫وستر للجاهل‪.‬‬
‫)قال بعض الحكماء( إن جسد ابممن آدم ثلثممة أجممزاء‪ :‬فجممزء منهمما قلبممه‪،‬‬
‫والثاني لسانه‪ ،‬والثالث الجوارح‪ ،‬وقد أكرم الل ّممه تعممالى كممل جممزء بكرامممة‪:‬‬
‫فأكرم القلب بمعرفته وتوحيده‪ :‬وأكرم اللسممان بشممهادة أن ل إلممه إل ّ الل ّممه‬
‫وتلوة كتابه‪ ،‬وأكرم الجوارح بالصلة والصوم وسائر الطاعات‪ ،‬ووكل علممى‬
‫كل جزء رقيبا وحفيظا‪ :‬فتولى حفظ القلب بنفسه فل يعلم‬

‫]ص ‪[114‬‬
‫ما في ضمير العبد إل ّ الله‪ ،‬ووكل على لسانه الحفظة قال الّله تعالى } َ‬
‫ممما‬
‫د{ وسلط على الجوارج المر والنهي‪ ،‬ثم‬ ‫ل إ ِّل ل َد َي ْهِ َرِقي ٌ‬
‫ب ع َِتي ٌ‬ ‫ن قَوْ ٍ‬
‫م ْ‬ ‫ف ُ‬
‫ظ ِ‬ ‫ي َل ْ ِ‬
‫إنه يريد من كممل جممزء وفمماء‪ :‬فوفمماء القلممب أن يثبممت علممى اليمممان وأن ل‬
‫يحسد ول يخون ول يمكر‪ ،‬ووفاء اللسان أن ل يغتمماب ول يكممذب ول يكممذب‬
‫ول يتكلم بما ل يعنيه‪ ،‬ووفاء الجوارح أن ل يعصي الّله تعالى ول يؤذي أحدا‬
‫من المسلمين‪ ،‬فمن وقع من القلب فهو منافق‪ ،‬ومن وقع من اللسان فهو‬
‫كافر‪ ،‬ومن وقع من الجوارح فهو عاص‪ .‬وعن الحسن قال‪ :‬نظممر عمممر بممن‬
‫الخطاب رضي الّله تعالى عنه إلممى شمماب فقممال يمما شمماب‪ :‬إن وقيممت شممر‬
‫ثلث فقد وقيت شر الشباب‪ :‬إن وقيت شر لقلقك يعنممي لسممانك‪ ،‬وذبممذبك‬
‫يعني فرجك‪ ،‬وقبقبك يعني بطنك‪ .‬وذكر أن لقمان الحكيم كان عبدا حبشمميا‬
‫فأول ما ظهر من حكمته أنه قال له ممموله‪ :‬يمما غلم اذبممح لنمما هممذه الشمماة‬
‫وائتني بأطيب مضغتين منها‪ ،‬فجاء بالقلب واللسان‪ ،‬ثممم قممال مممرة أخممرى‪:‬‬
‫اذبح لنا هذه الشماة وائت بممأخبث مضممغتين منهمما‪ ،‬فأتمماه باللسممان والقلممب‪،‬‬
‫فسأله عن ذلك فقال ليس في الجسد مضغتان أطيب منهممما إذا طابمما‪ ،‬ول‬
‫أخبث منهما إذا خبثا‪ .‬وروى عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنه قال‪:‬‬
‫"لما بعث معاذا إلى اليمن فقال يا نممبي الل ّممه أوصممني؟ فأشممار إلممى لسممانه‬
‫يعني عليك بحفظ اللسان‪ ،‬فكأنه تهاون به‪ ،‬فقال يا نبي الّله أوصني؟ قممال‬
‫ثكلتك أمك‪ ،‬وهل يكمب النماس فمي نمار جهنمم إل ّ حصمائد ألسمنتهم" وقمال‬
‫الحسن البصري رحمه الّله تعالى‪ :‬من كثر كلمممه كممثر سممقطه‪ ،‬ومممن كممثر‬
‫ماله كثر إثمه‪ ،‬ومن ساء خلقه عذب نفسه‪ .‬وروى عن سفيان الثمموري أنممه‬
‫ي أن أرميه بلساني لن رمي اللسممان ل‬ ‫قال‪ :‬لن أرمي رجل ً بسهم أحب إل ّ‬
‫يخطئ ورمي السهم قد يخطئ‪ .‬وروي عن أبي سعيد الخممدري رضممي الل ّممه‬
‫تعالى عنه أنه قال‪ :‬إذا أصبح ابن آدم سألت العضاء كلها اللسان وقلممن يمما‬
‫لسان ننشدك الّله أن تسممتقيم فممإنه إن اسممتقمت اسممتقمنا وإن اعمموججت‬
‫اعوججنا‪ ..‬وروى عن أبي ذر الغفاري رضي الّله تعممالى عنممه أنممه قممام عنممد‬
‫الكعبة فقال‪ :‬أل من عرفني فقد عرفني‪ ،‬ومن لم يعرفني فأنمما جنممدب بممن‬
‫جنادة الغفاري "أبو ذر" هلموا إلى أخ ناصح شفيق عليكممم فمماجتمع النمماس‬
‫حوله فقال يا أيها الناس‪ :‬من أراد منكم سممفرا مممن أسممفار الممدنيا ل يفعممل‬
‫ذلك إل ّ بزاد فكيف من يريد سفر الخرة بل زاد؟‪ ،‬قالوا وما زادنا يا أبمما ذر؟‬
‫قال صلة ركعتين في سواد الليل لوحشممة القبممور‪ ،‬وصموم فممي حمّر شممديد‬
‫ليوم النشور‪ ،‬وصدقة على المساكين لعلكم تنجون من عذاب يوم عسممير‪،‬‬
‫وحج لعظممائم المممور‪ ،‬واجعلمموا الممدنيا مجلسممين مجلسمما فممي طلممب الممدنيا‬
‫ومجلسا في طلب الخرة‪ ،‬والثالث يضر ول ينفممع‪ ،‬واجعلمموا الكلم كلمممتين‪:‬‬
‫كلمة نافعة في أمر دنياكم وكلمة باقية في أمممر آخرتكممم‪ ،‬الثالثممة يضممر ول‬
‫ينفع‪ ،‬واجعلمموا المممال درهميممن‪ :‬درهمما ً أنفقممه علممى عيالممك ودرهمما ً قممدمه‬
‫لنفسك والثالث يضر ول ينفع‪ ،‬ثم قال‬

‫]ص ‪[115‬‬
‫أَّوه قتلتني هم يوم ل أدركه‪ ،‬قيل‪ :‬وما ذاك‪ :‬قال إن أملي قممد جمماوز أجلممي‬
‫فقعدت عن عمل‪ .‬وذكر عن عيسى بممن مريممم عليممه الصمملة والسمملم أنممه‬
‫قال‪ :‬ل تكثروا الكلم في غير ذكر الّله فتقسمموا قلمموبكم‪ ،‬والقلممب القاسممي‬
‫بعيد من الّله ولكن ل تعلمون‪.‬‬
‫)قال بعض الصحابة( إذا رأيت قساوة في قلبك ووهنا في بدنك وحرمانا‬
‫في رزقك فاعلم أنك قد تكلمت بما ل يعنيك‪ ،‬والله الموفق‪..‬‬

‫باب الحرص وطول المل‬


‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رحمه الّله تعالى‪ :‬حممدثنا محمممد بممن‬
‫الفضل حدثنا محمد بن جعفر حدثنا إبراهيممم بممن يوسممف حممدثنا محمممد بممن‬
‫الفضل الضبي عن حصيل عن سالم ابن أبي الجعممد أن أبمما الممدرداء رضممي‬
‫الّله تعالى عنه قال‪ :‬ما لي أرى علمائكم يذهبون وأرى جهالكم ل يتعلمون‪،‬‬
‫تعلموا قبل أن يرفع العلم بذهاب العلماء‪ ،‬مالي أراكممم تحرصممون علممى ممما‬
‫تكفل الّله لكم به وتضيعون ما وكلتم إليه‪ ،‬لنا أعلم بشراركم مممن البيطممار‬
‫في الحيل هم الذين ل يؤدون الزكاة إل ّ غرما ول يأتون الصمملة إل ّ دبممرا ول‬
‫يسمممعون القممرآن إل ّ هجممرا يعنممي الممترك والعممراض عنممه‪ ،‬ول يعتقممون‬
‫محرريهم‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬الحرص على وجهين حرص مممذموم‬
‫وحرص غير مذموم وتركه أفضل‪ ،‬فأما الحرص الممذي هممو مممذموم فهممو أن‬
‫يشغله عن أداء أوامر الّله تعالى أو يريد جمع المال للتكاثر والتفاخر‪ ،‬وأممما‬
‫الذي هو غير مذموم فهو أن ل يترك شيئا ً من أوامر الّله تعالى ل يحل جمع‬
‫المال ول يريد به التفاخر فهذا غير مذموم لن أصحاب رسممول الل ّممه صمملى‬
‫الّله عليه وسلم كان بعضهم يجمع المال ولم ينكر عليهم رسول الّله صملى‬
‫الّله عليه وسلم وبين أن تركه أفضل‪ .‬وقد بين أبو الدرداء رضي الّله تعالى‬
‫عنه في هذا الخبر أن الحرص مذموم إذا ضيع أوامر الل ّممه تعممالى لنممه قممال‬
‫وتحرصون على ما تكفل الل ّممه لكممم بممه‪ :‬يعنممي أرزاقكممم‪ ،‬فتحرصممون علممى‬
‫طلبهمما وتضمميعون ممما وكلتممم إليممه‪ :‬يعنممي أمممر الطاعممة‪ .‬قمموله‪ :‬ول يعتقممون‬
‫محرريهم‪ :‬يعني بحرصهم يستعملون الحرار كممما يسممتعملون العبيممد‪ .‬قممال‬
‫حدثنا أبو الحسين أحمد بن حمدان حدثنا الحسين بن علي الطوسي حممدثنا‬
‫علي بن أبي حرب الموصلي حدثنا محمد بن بشممر عممن إسمممعيل بممن أبممي‬
‫خالد عن أخيه عن مصعب بن سعد عن حفصة بنت عمممر قممالت لبيهمما‪ :‬إن‬
‫الّله قد أكثر لك من الخير ووسع لك من الرزق‪ ،‬فلممو أكلممت طعاممما أطيممب‬
‫من طعامك ولبست ثوبا ألين من ثوبك؟ قال سأحاكمك إلممى نفسممك‪ ،‬ولممم‬
‫يزل يذكرها ما كان فيه سنة رسول الّله صلى الّله عليه وسلم وكانت فيممه‬
‫حتى أبكاها‪ ،‬ثم قال‪ :‬إنه كان لي صاحبان سلكا طريقا فإن سمملكت طريقمما‬
‫سلك بي طريق غير طريقهما‪ ،‬وإني والله سأصبر على‬ ‫غير طريقهما ُ‬

‫]ص ‪[116‬‬
‫ي‪ .‬قال‪ :‬حممدثنا محمممد بممن‬ ‫عيشهما الشديد لعلي أدرك معهما عيشهما الرخ ّ‬
‫الفضل حدثنا محمد بن جعفر حدثنا إبراهيممم بممن يوسممف حممدثنا محمممد بممن‬
‫الفضل عن مجاهد بن سعيد عن الشعبي عن مسروق قمال‪ :‬قلمت لعائشمة‬
‫رضي الّله تعالى عنها‪ :‬يا أماه ما أكثر ما كان يقول رسول الّله صمملى الّلممه‬
‫عليه وسلم إذا دخل البيت؟ قالت أكثر ما سمعته يقول إذا دخل البيت "لممو‬
‫أن لبن آدم واديين من ذهب لتمنى إليهما ثالثمما ول يمل جمموف ابممن آدم إل ّ‬
‫التراب ويتوب الّله على من تاب وإنما جعل الّله تعالى هذا المال ليقام بممه‬
‫الصلة ويؤتى به الزكاة" وروى عن قتادة عن أنممس بممن مالممك رضممي الل ّممه‬
‫تعالى عنه عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنه قممال "يهممرم مممن ابممن‬
‫ي بن‬ ‫آدم كل شيء إل ّ اثنتان‪ :‬الحرص والمل" وروى عن أمير المؤمنين عل ّ‬
‫أبي طالب رضي الّله تعالى عنه أنه قال‪ :‬أخمموف ممما أخمماف عليكممم ثنتممان‪:‬‬
‫طول المل واتباع الهوى‪ ،‬وإن طممول المممل ينسممي الخممرة‪ ،‬واتبمماع الهمموى‬
‫يصد ّ عن الحق‪ .‬وروى عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنممه قممال "أنمما‬
‫ب على الدنيا والحريص عليها والشحيح بها‪ :‬بفقر ل‬ ‫زعيم لثلثة بثلثة‪ ،‬للمك ّ‬
‫م ل فممرج معممه" وروى عممن أبممي الممدرداء‬ ‫غنى بعده وشغل ل فراغ منه وه م ّ‬
‫رضي الّله تعالى عنه أنه أشممرف علممى أهممل حمممص فقممال‪ :‬أل تسممتحيون؟‬
‫تبنون ما ل تسكنون‪ ،‬وتأملون ممما ل تممدركون‪ ،‬وتجمعممون ممما ل تممأكلون‪ ،‬إن‬
‫الممذين كممانوا قبلكممم بنمموا مشمميدا وجمعمموا كممثيرا ً وأملمموا بعيممدا‪ ،‬فأصممبحت‬
‫مساكنهم قبورا وآمالهم غرورا وجمعهم بورا‪ .‬وروى علممي بممن أبممي طممالب‬
‫رضي الّله تعالى عنه أنه قال لعمر بن الخطاب رضي الّله تعممالى عنممه‪ :‬إذا‬
‫أردت أن تلقى صاحبك فارقع قميصك‪ ،‬واخصف نعلك‪ ،‬وأقصر أملك‪ ،‬وكممل‬
‫دون الشبع‪ .‬وروى عن أبي عثمان الهندي أنه قال‪ :‬رأيت على عمر قميصمما‬
‫فيه اثنتا عشرة رقعة وهو علمى المنمبر يخطمب‪ .‬وروى عمن علمي بمن أبممي‬
‫طالب كرم الّله وجهه أنه دخممل السمموق عليممه ثيمماب غليظممة غيممر مغسممولة‬
‫فقيل يا أمير المؤمنين‪ :‬لو لبست ألين مممن هممذا؟ قممال هممذا أخشممع للقلممب‬
‫وأشبه بشعار الصالحين وأحسن للمؤمن لن يقتدى بممه‪ .‬وروى عممن أبممي ذر‬
‫رضي الّله تعالى عنه أنه قال‪ :‬إني لعرف بالناس من البيطار بالدواب‪ ،‬أما‬
‫خيارهم فالزاهدون في الدنيا‪ ،‬وأما شرارهم فمن أخذ مممن الممدنيا فمموق ممما‬
‫يكفيه‪ .‬وقال بعض الحكماء‪ :‬أمهات الخطايا ثلثة أشممياء‪ :‬الحسممد والحممرص‬
‫والكبر‪ ،‬فأما الكبر فكان أصله من إبليس حين تكبر وأبى أن يسممجد فلعممن‪،‬‬
‫وأما الحرص فكان أصله من آدم عليه السلم حيث قيل له الجنة كلها مباح‬
‫لك إل ّ هذه الشجرة فحمله الحرص على أكلها حتى سممقط منهمما‪ ،‬والحسممد‬
‫أصله من قابيل بن آدم حين قتل أخاه هابيل فصار كافرا ومأواه النار أبممدا‪.‬‬
‫وذكر في الخبر أن آدم عليه الصلة والسلم أوصى ابنه شيئا عليممه الصمملة‬
‫والسلم بخمسة أشياء‪ ،‬وأمره أن يوصي بها أولده من بعده أّولها قال لممه‪:‬‬
‫قل لولدك ل تطمئنوا‬

‫]ص ‪[117‬‬
‫بالدنيا فإني اطمأننت بالجنة الباقية فلم يممرض الل ّممه منممي وأخرجنممي منهمما‪،‬‬
‫والثاني قل لهم ل تعملوا بهوى نسائكم فإني عملت بهمموى امرأتممي وأكلممت‬
‫من الشجرة فلحقتني الندامة‪ ،‬والثالث‪ :‬قل لهم كل عمل تريدونه فانظروا‬
‫عاقبته فإني لممو نظممرت عاقبممة المممر لممم يصممبني ممما أصممابني‪ ،‬والرابممع إذا‬
‫اضطربت قلوبكم بشيء فاجتنبوه فإني حين أكلت من الشممجرة اضممطرب‬
‫قلبي فلم ارجع فلحقني الندم‪ ،‬والخامس استشمميروا فممي المممور فممإني لممو‬
‫شاورت الملئكة لم يصبني ما أصابني‪ .‬وروى عن شقيق البلخي رحمة الّله‬
‫تعالى أنه قال‪ :‬أخرجت من أربعة آلف حديث أربعمممائة حممديث‪ ،‬وأخرجممت‬
‫من أربعمممائة حممديث أربعيممن حممديثا‪ ،‬وأخرجممت مممن الربعيممن حممديثا أربعممة‬
‫أحاديث‪ :‬أولها "ل تعقد قلبك مع المرأة فإنها اليمموم لممك وغممدا لغيممرك فممإن‬
‫أطلعتها أدخلتك النار"‪ ،‬والثاني‪" :‬ل تعقد قلبك مع المال فإن المممال عاريممة‬
‫اليوم لك وغدا لغيرك فل تتعب نفسك بما لغيرك فإن المهنأ لغيرك والمموزر‬
‫عليك‪ ،‬وإنك إذا عقدت قلبك بالمال منعته من حق الّله تعممالى ودخممل فيممك‬
‫خشية الفقر وأطعت الشيطان" والثالث‪" :‬اترك ما حاك فممي صممدرك فممإن‬
‫قلب المؤمن بمنزلة الشمماهد يضممطرب عنممد الشممبهة ويهممرب مممن الحممرام‬
‫ويسكن عند الحلل" والرابممع‪" :‬ل تعمممل شمميئا ً حممتى تحكممم الجابممة" وروى‬
‫مجاهد عن عبد الّله بن عمر أن رسول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه وسمملم قممال‬
‫"كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل‪ ،‬وع مد ّ نفسممك مممن أهممل القبممور"‬
‫دث نفسممك‬ ‫وقال مجاهد‪ :‬قال لي عبد الل ّممه بممن عمممر‪" :‬إذا أصممبحت فل تحم ّ‬
‫بالمساء‪ ،‬وإذا أمسمميت فل تحممدث نفسممك بالصممباح‪ ،‬وخممذ مممن حياتممك قبممل‬
‫موتك‪ ،‬ومن صحتك قبل سقمك‪ ،‬فإنك ل تدري ما اسمك غدا"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬من قصر أمله أكرمه الّله تعالى بأربع‬
‫ويه على طمماعته لن العبممد إذا علممم أنممه يممموت عممن‬ ‫كرامات‪ :‬إحداها أن يق ّ‬
‫قريب ل يهتم بما يستقبله من المكروه‪ ،‬ويجتهد في الطاعات فيكثر عمله‪،‬‬
‫والثاني يقل همومه لنه إذا علم أنه يموت عن قريب ل يهتمم بمما يسمتقبله‬
‫من المكروه‪ ،‬والثالث يجعله راضمميا ً بالقليممل لنممه إذا علممم أنممه يممموت عممن‬
‫ور‬‫م آخرتممه‪ ،‬والرابممع أن ين م ّ‬
‫قريب فإنه ل يطلب الكثرة وإنما يكون همممه ه م ّ‬
‫قلبه لنه يقال نور القلب من أربعة أشياء‪ :‬أّولها بطن جائع‪ ،‬والثاني صاحب‬
‫صالح‪ ،‬والثالث حفظ الذنب القديم‪ ،‬والرابع قصر المل‪ ،‬فإن من طال أمله‬
‫عاقبه الّله تعالى بأربعة أشياء‪ :‬أّولها أن يتكاسل عن الطاعات‪ ،‬والثمماني أن‬
‫تكثر همومه في الدنيا‪ ،‬والثالث أن يصير حريصا على جمع المممال‪ ،‬والرابممع‬
‫أن يقسو قلبه‪ ،‬لنه يقال قسوة القلب من أربعة أشياء‪ :‬أولها بطن ممتلئ‪،‬‬
‫والثاني صحبة صاحب السمموء‪ ،‬والثممالث نسمميان الممذنوب الماضممية‪ ،‬والرابممع‬
‫طول المل‪ ،‬فينبغي للمسلم ا يقصر أمله فإنه ل يدري في أي نفس‬

‫]ص ‪[118‬‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫س ب ِمأيّ أْر ٍ‬ ‫فم ٌ‬ ‫ممما ت َمد ِْري ن َ ْ‬‫يموت‪ ،‬وفي أي قدم يموت قال اللممه تعممالى }وَ َ‬
‫ت‬‫مي ّم ٌ‬ ‫ت{‪ .‬قال بعض المفسرين‪ :‬بأي قدم يموت‪ ،‬وفي آية أخرى }إ ِن ّ َ‬
‫ك َ‬ ‫مو ُ‬ ‫تَ ُ‬
‫ة وََل‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫سمماع َ ً‬‫ن َ‬ ‫خُرو َ‬ ‫م َل ي َ ْ‬
‫س مت َأ ِ‬ ‫جل ُهُ م ْ‬
‫جمماَء أ َ‬ ‫ن{ وقممال تعممالى }فَ مإ ِ َ‬
‫ذا َ‬ ‫مي ّت ُممو َ‬
‫م َ‬
‫وَإ ِن ّهُ م ْ‬
‫ن{ فينبغي للمسلم أن يكثر ذكر الموت فإنه ل غنية للمؤمن عممن‬ ‫مو َ‬‫قد ِ ُ‬
‫ست َ ْ‬
‫يَ ْ‬
‫ست خصال‪ :‬أّولها علم يدله على الخرة‪ ،‬والثاني رفيق يعينممه علممى طاعممة‬
‫الّله تعالى ويمنعه عن معصيته‪ ،‬والثالث معرفة عدّوه والحذر منممه‪ ،‬والرابممع‬
‫عبرة يعتبر بها في آيات الّله تعالى وفي اختلف الليممل والنهممار‪ ،‬والخممامس‬
‫إنصاف الخلق كيل يكون له يوم القيامة خصم‪ ،‬والسادس الستعداد للموت‬
‫قبل نزوله لكيل يكون مفتضحا يوم القيامة‪ .‬قال‪ :‬وحدثنا محمد بن الفضممل‬
‫بإسناده عن الحسن البصري أن النبي صلى الّله عليه وسلم قال لصممحابه‬
‫"أيريد كلكم أن يدخل الجنة؟ قالوا نعم جعلنا الّله تعالى فممداءك يمما رسممول‬
‫الله‪ ،‬قال قصروا المل واستحيوا من الّله تعالى حق الحياء‪ ،‬قالوا يا رسول‬
‫الّله كلنا نستحي من الّله تعالى‪ ،‬قال ليس ذلك بالحيمماء ولكممن الحيمماء مممن‬
‫الّله تعالى أن تذكروا المقابر والبلى‪ ،‬وتحفظوا الجوف وما وعى‪ ،‬والممرأس‬
‫وما حوى‪ ،‬ومن يشتهي كرامة الخرة يدع زينة الدنيا‪ ،‬فهنالك يستحي العبد‬
‫من الّلمه تعمالى حمق الحيماء" وبهما يصميب وليمة الّلمه تعمالى‪ .‬وروى حميمد‬
‫الطويل عن العجلي قال‪" :‬قرأ رسول الّله صلى الّله عليه وسمملم }الهَمماك ُ ْ‬
‫م‬
‫قاب َِر{ فقال‪ :‬يقول ابن آدم مالي مالي وهل لممك مممن‬ ‫م َ‬
‫م ال َ‬ ‫كاث ُُر‪َ .‬‬
‫حّتى ُزْرت ُ ْ‬ ‫الت ّ َ‬
‫مالك إل ّ ممما أكلممت فممأفنيت أو لبسممت فممأبليت أو تصممدقت فممأبقيت" وقممال‬
‫الحسن البصري رحمه الل ّممه تعممالى‪ :‬مكتمموب فممي التمموراة خمسممة أحممرف‪:‬‬
‫الغنية في القناعة‪ ،‬والسلمة فممي العزلممة‪ ،‬والحريممة فممي رفممض الشممهوات‪،‬‬
‫والمحبة في ترك الرغبة‪ ،‬والتمتع في أيام طويلممة بالصممبر فممي أيممام قليلممة‪.‬‬
‫وروى عن عروة بن الزبير عممن عائشممة رضممي الل ّممه تعممالى عنهمما أن النممبي‬
‫صلى الّله عليه وسلم قال‪" :‬يا عائشة إن أردت اللحمموق بممي فليكفممك مممن‬
‫الممدنيا كممزاد الراكممب‪ ،‬وإيمماك ومجالسممة الغنيمماء‪ ،‬ول تسممتخلقي ثوبما ً حممتى‬
‫ترقعيه" وروى عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنه قال‪" :‬اللهممم مممن‬
‫أحبني فارزقه العفاف والكفاف‪ ،‬وممن أبغضمني فمأكثر مماله وولمده" قمال‪:‬‬
‫وحدثني الفقيه بإسناده عن الحسن بن علي قال‪ :‬قممال رسممول الل ّممه صمملى‬
‫م والحزن في الدنيا يريح القلب‬ ‫الّله عليه وسلم "الرغبة في الدنيا تكثر اله ّ‬
‫والبدن‪ ،‬وما الفقر أخاف عليكم الغنى أن تبسممط لكممم الممدنيا كممما بسممطت‬
‫لمن كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم" وروى عن‬
‫النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال "صلح أّول هذه المة بالزهممد واليقيممن‬
‫وهلك آخر هذه المة بالبخل والمل"‪.‬‬

‫]ص ‪[119‬‬
‫باب فضائل الفقراء‬
‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي‪ :‬حدثنا أحمد أبو بكر الجرجاني حدثنا‬
‫بن عبد الّله عن سالم بن أبي سالم عن خارجمة بمن مصمعب عمن زيمد بمن‬
‫أسلم عن أنس بن مالك رضي الّله تعالى عنه قال "بعث الّله الفقراء إلممى‬
‫رسول الّله صلى الّله عليه وسلم رسول فقال يا رسول الل ّممه‪ :‬إنممي رسممول‬
‫الفقراء إليك‪ ،‬فقال مرحبا بك وبمن جئت من عنممدهم جئت مممن عنممد قمموم‬
‫أحبهم الله‪ ،‬قال يا رسول الّله يقول الفقراء‪ :‬إن الغنياء قممد ذهبمموا بممالخير‬
‫كله هم يحجون ول نقدر عليه ويتصممدقون ول نقمدر عليمه إذا مرضموا بعثمموا‬
‫بفضل أموالهم ذخرا‪ ،‬فقال رسول الّله صمملى الل ّممه عليممه وسمملم بلممغ عنممي‬
‫الفقراء أن من صبر منكم واحتسب فلممه ثلث خصممال ليممس للغنيمماء منهمما‬
‫شيء‪ ،‬أما الخصلة الواحدة أن في الجنممة غرفممة مممن ياقوتممة حمممراء ينظممر‬
‫إليها أهل الجنة كما ينظر أهل الدنيا إلى النجوم ل يممدخلها إل ّ نممبي فقيممر أو‬
‫شهيد فقير أو مؤمن فقير‪ .‬والثانية يدخل الفقراء الجنة قبل الغنياء بنصف‬
‫يوم وهو مقدار خمسمائة عام يتمتعون فيها حيث شاءوا‪ ،‬ويممدخل سممليمان‬
‫بن داود عليهما السلم الجنممة بعممد دخممول النبيمماء عليهممم الصمملة والسمملم‬
‫بأربعين عاما بسممبب الملممك الممذي أعطمماه اللممه‪ .‬والخصمملة الثالثممة إذا قممال‬
‫الفقير سبحان الّله والحمد لله ول إلممه إل ّ الل ّممه واللممه أكممبر مخلصمما ويقممول‬
‫الغني مثل ذلك مخلصا لم يلحق الغني الفقير وإن أنفق الغني معها عشرة‬
‫آلف درهم وكذلك أعمال البّر كلها‪ .‬فرجع إليهممم الرسممول فممأخبرهم بممذلك‬
‫فقالوا رضينا يا رب رضممينا يمما رب" قممال‪ :‬حممدثنا محمممد بممن الفضممل حممدثنا‬
‫محمد بن جعفر حدثنا إبراهيم بن يوسممف حممدثني يحيممى بممن سممليمان عممن‬
‫عمران بن مسلم قال‪ :‬بلغني أن أبا ذر قال أوصاني خليلي صلى الّله عليه‬
‫وسلم بسبع لم أتركهن ول أتركهن‪ :‬أوصاني بحب المساكين والممدنوّ منهممم‪،‬‬
‫وأن أنظر إلى من هو أسفل مني ول أنظر إلى مممن هممو فمموقي‪ ،‬وأن أصممل‬
‫رحمي وإن أدبرت وقطعت‪ ،‬وأن أستكثر من قول ل حول ول قوة إل ّ بممالله‬
‫فإنها من كنوز البّر‪ ،‬وأن ل أسأل الناس شيئًا‪ ،‬وأن ل أخاف فممي الل ّممه لومممة‬
‫لئم‪ ،‬وأن أقول الحق وإن كان مّرا‪ ،‬وكان أبو ذر رضي الّله تعممالى عنممه إذا‬
‫سقط من يده سوطه يكممره أن يقممول لحممد نمماولنيه" وبهممذا السممناد قممال‪:‬‬
‫حدثنا إبراهيم حدثنا أبو معاوية عن العمش عن خيثمة قال‪ :‬تقول الملئكة‬
‫يا رب عبدك الكافر بسطت لممه الممدنيا وتممزوى عنممه البلء فيقممول للملئكممة‬
‫اكشفوا عن عقابه‪ ،‬فإذا رأوه قالوا يمما رب ل ينفعممه ممما أصمماب مممن الممدنيا‪،‬‬
‫وتقممول يمما رب عبممدك المممؤمن تممزوى عنممه الممدنيا وتعرضممه للبلء‪ ،‬فيقممول‬
‫اكشفوا عن ثوابه فإذا رأوه قالوا يا رب ما يضره ما أصابه من الدنيا" قممال‬
‫حدثنا محمد بن الفضل بإسناده عن أبمي ذر الغفماري أن النمبي صملى الّلمه‬
‫عليه وسلم قال "المكثرون هم القلممون إل ّ مممن قممال بالمممال هكممذا وهكممذا‬
‫أربع مرات وقليل ماهم"‪.‬‬

‫]ص ‪[120‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬معنى قمول النممبي صملى الل ّممه عليممه‬
‫ى من أهل الجنة فهو أقل‬ ‫وسلم "المكثرون هم القلون" يعني إذا كان الغن ّ‬
‫درجة من الفقير وإن كان من أهل النار فهو في الدرك السممفل مممن النممار‬
‫إل من قال بالمال هكذا وهكذا‪ :‬يعني يتصدق عن يمينه ويساره ومن خلفممه‬
‫ومن بين يديه "وقليل ما هم" يعني قلما يوجممد مثممل هممذا فممي الغنيمماء لن‬
‫الشيطان يزين لهم أموالهم في الدنيا‪ ،‬وروى عممن النممبي صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم أنه قال‪" :‬إن الشيطان يقول لن ينجو الغني من إحدى ثلث‪ :‬إممما أن‬
‫أزينه في عينه فيمنعه من حقه‪ ،‬وإما أن أسهل عليه سبيله فينفقه في غيممر‬
‫حقه‪ ،‬وإما أن أحببه في قلبه فيكسبه بغير حقممه"‪ ،‬وروى عممن أبممي الممدرداء‬
‫رضي الّله تعالى عنه أنه قال‪" :‬بعث النبي صلى الّله عليه وسلم وأنا تمماجر‬
‫فأردت أن تجتمع لي التجممارة مممع العبممادة فلممم تجتمعمما‪ ،‬فرفضممت التجممارة‬
‫وأقبلت على العبادة‪ ،‬فو الذي نفسي بيده ما أحب أن لي حانوتا ً على بمماب‬
‫المسجد ل تخطئني فيه صلة فأربح كل يوم أربعين دينارا ً فأتصدق بها فممي‬
‫سبيل الله‪ ،‬قيل يا أبا الدرداء‪ :‬لم تكره ذلك؟ قال لسمموء الحسمماب"‪ .‬وروى‬
‫عن أبو هريرة رضي الّله تعالى عنه عن النبي صلى الل ّممه عليممه وسمملم أنممه‬
‫قال‪" :‬اللهم من أحبني فارزقه العفاف والكفاف‪ ،‬ومن أبغضني فأكثر ممماله‬
‫وولده" وروى عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال‪" :‬الفقر مشقة فممي‬
‫الدنيا مسرة في الخرة والغنى مسرة في الدنيا مشقة في الخممرة" وروى‬
‫أنس بن مالك رضي الّله تعالى عنه عن النبي صلى الل ّممه عليممه وسمملم أنممه‬
‫قال‪" :‬إن لكل أحد حرفة وحرفتي اثنتان الفقر والجهمماد فمممن أحبهممما فقممد‬
‫أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬ينبغي للمسلم أن يحب الفقر ويحب‬
‫الفقراء وإن كان غنيا ً لن في حب الفقراء حب الرسممول صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم وقد أمر الّله تعالى رسمموله بحممب الفقممراء والممدنوّ منهممم وهممو قمموله‬
‫ن‬
‫دو َ‬‫ريم ُ‬
‫ي يُ ِ‬
‫شم ّ‬
‫داةِ َوالعَ ِ‬
‫م ِبالغَم َ‬
‫ن َرب ّهُم ْ‬
‫عو َ‬
‫ن َيمد ْ ُ‬ ‫ممعَ ال ّم ِ‬
‫ذي َ‬ ‫سم َ‬
‫ك َ‬ ‫ف َ‬
‫صب ِْر ن َ ْ‬
‫تعالى }َوا ْ‬
‫ه{ الية‪ :‬يعني احبس نفسك مع الفقراء الذين حبسوا أنفسهم للعبادة‪،‬‬ ‫جه َ ُ‬
‫وَ ْ‬
‫وكان سبب نزول هذه الية أن عيينة بن حصن الفزاري وكان رئيس قممومه‬
‫فدخل على رسول الّله صلى الل ّممه عليممه وسمملم وعنممده سمملمان الفارسممي‬
‫وصهيب بن سنان الرومي وبلل بن حمامة الحبشممي وغيرهممم مممن ضممعفاء‬
‫الصحابة رضي الّله عنهم وعليهم ثياب خلقة قد عرقمموا فيهمما‪ ،‬فقممال عيينممة‬
‫أن لنا شرفا ً فإذا دخلنا عليك فأخرج هؤلء فإنهم يؤذوننا بريحهم واجعل لنا‬
‫ن‬ ‫م معَ ال ّم ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ك َ‬ ‫سم َ‬‫ف َ‬ ‫مجلسا ً فنهاه الّله تعالى عن إخراجهممم فقممال‪َ} :‬وا ْ‬
‫ص مب ِْر ن َ ْ‬
‫ه{ يعنممي يصمملون الصمملوات‬ ‫جه َ م ُ‬
‫ن وَ ْ‬‫دو َ‬ ‫ريم ُ‬ ‫ي يُ ِ‬
‫شم ّ‬ ‫داةِ َوالعَ ِ‬
‫م ِبالغَم َ‬ ‫ن َرب ّهُم ْ‬ ‫عو َ‬ ‫ي َمد ْ ُ‬
‫حي َمماةِ المد ّن َْيا{‬‫ة ال َ‬
‫ريمد ُ ِزين َم َ‬ ‫م تُ ِ‬ ‫ك ع َن ْهُم ْ‬‫الخمس ويطلبون رضاه‪َ} ،‬ول ت َعْد ُ ع َي ْن َمما َ‬
‫ن‬
‫مم ْ‬ ‫يعني ل تتجاوزهم ول تحقرهم طلب زينة الحياة الدنيا‪ .‬قال‪َ} :‬ول ت ُط ِمعْ َ‬
‫ن ذ ِك ْرَِنا{ول تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه يعني ل‬ ‫ه عَ ْ‬ ‫أ َغ ْ َ‬
‫فل َْنا قَل ْب َ ُ‬
‫ه{ يعني ابتممع همموى‬ ‫وا ُ‬ ‫تطع من أعرضنا قلبه عن ذكرنا عن القرآن }َوات ّب َعَ هَ َ‬
‫مُره ُ فُُرطًا{‪.‬‬ ‫كا َ‬
‫نأ ْ‬ ‫نفسه في بغض الفقراء }وَ َ َ‬

‫]ص ‪[121‬‬
‫يعني أمره كان ضائعا ً باطل ً فقد أمر الّله تعالى نبيه صلى الّله عليه وسلم‪.‬‬
‫مجالسة الفقراء والقرب منهم وهذا المر لجميممع الفقممراء المسمملمين إلممى‬
‫يوم القيامة‪ ،‬فينبغي للمسلم أن يحب الفقراء ويبرهم ويتخذ عندهم اليادي‬
‫واد الّله يوم القيامة وترجى شممفاعتهم‪ .‬وروى الحسممن رحمممه الل ّممه‬ ‫فإنهم ق ّ‬
‫تعالى عن النبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم قممال )يممؤتى بالعبممد يمموم القيامممة‬
‫فيعتذر الّله تعالى إليه كما يعتذر الرجل إلى الرجل في الدنيا‪ ،‬فيقممول جممل‬
‫ي‬
‫سلطانه وعظم شأنه وعزتي وجللي ممما زويممت الممدنيا عنممك لهوانممك عل م ّ‬
‫ولكن لما أعممددت لممك مممن الكرامممة والفضمميلة أخممرج يمما عبممدي إلممى هممذه‬
‫ي يريد بذلك وجهي فخذ بيممده‬ ‫ي أو كساك ف ّ‬ ‫الصفوف وانظر من أطعمك ف ّ‬
‫فهو لك‪ ،‬والناس يومئذ قد ألجمهممم العمرق‪ ،‬فيتخلمل الصممفوف وينظمر ممن‬
‫فعل ذلك به فيأخذ بيده فيدخله الجنة‪ ،‬وروى الحسن رحمه الّله تعالى عممن‬
‫النبي صلى الل ّممه عليممه وسمملم أنممه قممال‪" :‬أكممثروا معرفممة الفقممراء واتخممذوا‬
‫عندهم اليادي فإن لهم دولة‪ :‬قالوا يا رسول الّله وما دولتهم؟ قال إذا كان‬
‫يوم القياممة قيممل لهممم انظممروا ممن أطعمكممم كسممرة أو سممقاكم شممربة أو‬
‫كساكم ثوبا ً فخذوا بيده ثم امضوا به إلى الجنة"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنممه‪ :‬اعلممم أن للفقيممر خمممس كرامممات‪:‬‬
‫إحداها أن ثواب عمله أكثر مممن ثممواب عمممل الغنممي فممي الصمملة والصممدقة‬
‫وغير ذلك‪ ،‬والثانية إنه إذا اشتهى شيئا ً ولم يجده يكتب له الجممر‪ ،‬والثالثممة‪:‬‬
‫إنهم سابقون إلى الجنة‪ ،‬والرابعة‪ :‬إن حسابهم في الخرة أقل‪ ،‬والخامسة‪:‬‬
‫إن ندامتهم أقل لن الغنياء يتمنون في الخرة لممو كممانوا فقممراء ول يتمنممى‬
‫الفقير أن لو كان غنيا ً وفي كل هذا قد جاءت الثممار‪ .‬وروى زيممد بممن أسمملم‬
‫رضي الّله تعالى عنه قال‪ :‬قال رسول الّله صلى الّله عليه وسمملم‪" :‬درهممم‬
‫من الصدقة أفضل من مائة ألف‪ ،‬قيممل وكيممف ذلممك يمما رسممول اللممه؟ قممال‬
‫أخرج رجل من عرض ماله مائة ألف وتصدق بها‪ ،‬وأخرج رجممل درهممم مممن‬
‫درهمين لم يملك غيرهما طيبة من نفسه فصار صاحب الدرهم أفضل مممن‬
‫صاحب المائة ألف" وروى عن الحسن رحمه الّله تعممالى عممن النممبي صمملى‬
‫الّله عليه وسلم "أنه سأله بعض أصممحابه إذا رأينمما أشممياء نشممتهيها ل نقممدر‬
‫عليها فهل لنا فيهمما أجممر؟ قممال نعممم تممؤجرون إن لممم تممؤجروا فيهمما" وقممال‬
‫الضحاك‪ :‬من دخل السوق فرأى شيئا ً يشتهيه فصبر فاحتسب كان خيرا ً له‬
‫من مائة ألف دينار ينفقها كلها في سبيل الّله تعالى‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى والمدليل علمى فضمل الفقمراء قمول الّلمه‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫مممو َ‬‫ح ُ‬ ‫ل ل َعَل ّك ُم ْ‬
‫م ت ُْر َ‬ ‫سممو َ‬ ‫صلة َ َوآُتوا الّزك َمماة َ وَأ ِ‬
‫طيعُمموا الّر ُ‬ ‫موا ال ّ‬
‫تعالى‪} :‬وَأِقي ُ‬
‫ي وّأدوا الزكاة إلى الفقراء فقرن حق الفقممراء بحممق‬ ‫يعني أقيموا الصلة إل ّ‬
‫نفسه‪ ،‬ويقال الفقيممر طممبيب الغنممي وقصمماره ورسمموله وحارسممه وشممفيعه‪،‬‬
‫وإنممما قيممل طممبيبه لن الغنممي إذا مممرض يتصممدق علممى الفقممراء فيممبرأ مممن‬
‫مرضه‪ ،‬وإنما قيل قصاره لن الغني إذا تصدق عليه يدعو له الفقير فيطهممر‬
‫الغني من ذنوبه ويطهر ماله‪ ،‬وإنما قيممل هممو رسمموله لن الغنممي إذا تصممدق‬
‫عن والديه أو عن‬

‫]ص ‪[122‬‬
‫أحد من أقربائه فيصل ذلك إلى الموتى فصار الفقير رسوله إلممى الممموتى‪،‬‬
‫وإنما قيل هو حارسه لن الغنممي إذا تصممدق فممدعا لممه الفقيممر تحصممن مممال‬
‫الغني بدعاء الفقير‪ .‬وروى عن النبي صلى الل ّممه عليممه وسمملم أنممه قممال "أل‬
‫أخبركم عن ملمموك الجنممة؟ فقممالوا‪ :‬نعممم‪ ،‬قممال‪ :‬هممم الضممعفاء المظلومممون‬
‫الذين ل يزّوجممون المتنعمممات ول تفتممح لهممم أبممواب السممدد يممموت أحممدهم‬
‫وحاجته تتلجلج في صدره ولو اقسممم علممى الل ّممه لبممره" وقممال ابممن عبمماس‬
‫رضى الّله تعالى عنهما‪ :‬ملعون من أكرم بالغنى وأهان بممالفقر‪ .‬وعممن أبممي‬
‫الدرداء‪ :‬ما أنصفنا إخواننمما الغنيمماء‪ ،‬لنهممم يممأكلون ونحممن نأكممل ويشممربون‬
‫ونحن نشرب‪ ،‬ويلبسون ونحن نلبس ولهم فضممول أممموالهم ينظممرون إليهمما‬
‫ونحن ننظر إليها معهم‪ ،‬وهم يحاسبون ونحن براء منها‪ ،‬وعن شقيق الزاهد‬
‫أنه قال‪ :‬اختار الفقراء ثلثممة أشممياء‪ ،‬والغنيمماء ثلثممة أشممياء‪ :‬اختممار الفقممراء‬
‫راحة النفس‪ ،‬وفراغ القلب‪ ،‬وخفة الحساب‪ ،‬واختار الغنيمماء تعممب النفممس‪،‬‬
‫دعممى‬ ‫وشغل القلب‪ ،‬وشدة الحساب‪ .‬وروى عن حاتم الزاهد أنه قال‪ :‬من ا ّ‬
‫دعى حب موله من غير ورع عن محممارمه‪.‬‬ ‫ذب‪ :‬من أ ّ‬ ‫أربعا من أربع فهو مك ّ‬
‫ومن ادعى حب الجنة من غيممر إنفمماق ممماله فممي طاعممة الل ّممه تعممالى‪ ،‬ومممن‬
‫ادعى حب رسول الّله صلى الّله عليه وسمملم مممن غيممر اتبمماع سممنته‪ ،‬ومممن‬
‫ادعممى حممب الممدرجات ممن غيممر صممحبة الفقممراء والمسمماكين‪ .‬وقممال بعممض‬
‫الحكماء‪ :‬أربع من كن فيه فهو محروم من الخير كله‪ :‬المتطاول علممى مممن‬
‫تحته‪ ،‬والعاق لوالديه‪ ،‬ومن يحقر الغريب‪ ،‬ومن يعير المساكين لمسممكنتهم‪.‬‬
‫وروى عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال‪" :‬ما أوحى الّله تعممالى إلممى‬
‫م مد ِ‬‫ح ْ‬
‫ح بِ َ‬ ‫ي أن }فَ َ‬
‫س مب ّ ْ‬ ‫أن أجمع المال وأكون من التاجرين‪ ،‬ولكممن ْأوحممى إل م ّ‬
‫ن{ سممبح بحمممد ربممك‬ ‫قيم ُ‬ ‫حّتى ي َأت ِي َ َ‬
‫ك الي َ ِ‬ ‫ن‪َ .‬واع ْب ُد ْ َرب ّ َ‬
‫ك َ‬ ‫دي َ‬‫ج ِ‬
‫سا ِ‬
‫ن ال ّ‬
‫م ْ‬ ‫ك وَك ُ ْ‬
‫ن ِ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫وكن من الساجدين‪ .‬واعبد ربك حتى يأتيك اليقين" قال‪ :‬حممدثنا الفقيممه أبممو‬
‫جعفر بإسناده عن أبي سعيد الخدري رضي الّله تعالى عنه أنه قال "يا أيها‬
‫الناس ل تحملكم العسرة والفاقة على أن تطلبوا الرزق من غير حله فإني‬
‫سمعت رسول الّله صلى الّله عليه وسمملم يقممول‪ :‬اللهممم تمموفني فقيممرا ً ول‬
‫تتموفني غنيما ً واحشمرني فمي زممرة المسماكين يموم القياممة‪ ،‬فمإن أشمقى‬
‫الشقياء من اجتمع عليه فقر الممدنيا وعممذاب الخممرة" وروى عممن عمممر بممن‬
‫الخطاب رضي الّله تعالى عنه أنه أتى بغنممائم مممن غنممائم القادسممية فجعممل‬
‫يتصفحها وينظر إليها ويبكي‪ ،‬فقممال لممه عبممد الرحمممن بممن عمموف هممذا يمموم‬
‫السرور والفرح وأنت تبكي يا أمير المؤمنين؟ قال أجل‪ ،‬ولكن ما أوتي هذا‬
‫قوم إل أوقع بينهم العممداوة والبغضمماء‪ .‬وروى عممن ابممن عبمماس رضممي الل ّممه‬
‫تعالى عنهما عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال‪" :‬لكل أمممة فتنممة وإن‬
‫فتنة أمتي المال" وروى عن عبد الّله بن عمر رضي الّله عنهما عممن النممبي‬
‫صلى الّله عليه وسلم أنه قال‪" :‬إن أحب الخلق إلى الّله الفقراء‪ ،‬لنه كممان‬
‫أحب الخلق إلى الّله النبياء فابتلهم بالفقر"‪ .‬قممال حممدثنا أبممي رحمممه الل ّممه‬
‫تعالى حدثنا أبو الحسن الفراء بإسممناده عممن الحسممن البصممري رضممي الل ّممه‬
‫تعالى عنه قال "أوحى الّله تعالى إلى موسى بن عمران إنه‬

‫]ص ‪[123‬‬
‫ي وأحممب أهممل الرض فممأته وكفنممه وغسممله‬
‫يموت رجل من أحب عبادي إلم ّ‬
‫وقم على قبره‪ ،‬فطلبه في العمران فلم يجده ثم طلبه فممي الخممراب فلممم‬
‫يقدر عليه‪ ،‬ثم رأى قوما ً من الطيانين فقال هل رأيتم مريضا ً ههنا بأمس أو‬
‫ميتا ً اليوم؟ فقال بعضهم رأيت مريضا ً في الخربة فلعلك تريده؟ قال‪ :‬نعممم‬
‫فذهب فإذا هو بمريض طريح وتحت رأسه لبنة فلما أن عالج نفسه سممقط‬
‫رأسه على اللبنة‪ ،‬قال فقام موسى فبكى فقمال يما رب قلممت إن همذا ممن‬
‫أحب عبادك إليك فل أرى عنده من كان يمرضه‪ ،‬فأوحى الّله تعالى إليه أن‬
‫يا موسى إني إذا أحببت عبدي زويت عنه الدنيا كلها‪ ،‬وروى عبمماد بممن كممثير‬
‫عن الحسن أنه قال‪ :‬أخذ إبليس أول دينار ضرب فوضعه على عينيه وقممال‬
‫من أحبك فهو عبدي‪ .‬وروى عبد المنعم عن إدريس عن أبيه عن وهممب بممن‬
‫منبه أنه قال‪ :‬وصل إبليس لعنه الله إلى سممليمان بممن داود عليهممما الصمملة‬
‫والسلم على صورة شيخ فقال له سليمان أخبرني بما أنت صانع بأمة روح‬
‫الّله تعالى‪ :‬يعني عيسى عليممه الصمملة والسمملم‪ ،‬فقممال لدعممونهم يتخممذون‬
‫إلهين من دون الّله تعالى‪ ،‬قال فما أنت صانع بأمة محمد صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم؟ قال لدعونهم إلى الدينار والدرهم حتى يكون ذلممك أشممهى عنممدهم‬
‫من ل إله إل الله‪ ،‬قال سليمان‪ :‬أعوذ بالله منك‪ ،‬فنظر فإذا هو قد ذهب‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬الواجب على الفقير أن يعممرف منممة‬
‫الّله تعالى ويعلم أنه قد صرف عنه الدنيا لكرامته عليه وأكرمه بما أكرم به‬
‫النبياء والولياء عليهم الصمملة والسملم ويحمممد الّلمه تعمالى ول يجمزع فمي‬
‫ذلك‪ ،‬ويصبر على ما يصيبه من ضيق العيش‪ ،‬ويعلممم أن وعممد الل ّممه لممه فممي‬
‫الخرة خيرا ً له مما صرف عنه في الدنيا‪ ،‬ولو لم يكن للفقر فضمميلة سمموى‬
‫أنه كان حرفة رسول الّله صلى الّله عليه وسلم واقتداء به لكان عظيمًا‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬حدثني الثقة بإسناده عن طاوس عن‬
‫ابن عباس رضي الّله تعالى عنهما قال "بينما رسول الّله صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم جالس وجبريل عليه الصلة والسلم معه قال جبريممل هممذا ملممك قممد‬
‫نزل من السماء ولم ينزل قط‪ ،‬واستأذن ربه فممي زيارتممك‪ ،‬فلممم يمكممث إل‬
‫قليل حتى جاء الملك فقمال السملم عليمك يما رسمول اللمه‪ ،‬فقمال‪ :‬وعليمك‬
‫السلم‪ ،‬قال الملك فإن الّله تعممالى يخيممرك أن يعطيممك خممزائن كممل شمميء‬
‫ومفاتيح كل شيء لم يعطه أحدا ً قبلك ول يعطيه أحممدا بعممدك مممن غيممر أن‬
‫ينقصك مما ادخر لك شيئا ً أو يجمعها لك يمموم القيامممة‪ ،‬فقممال النممبي صمملى‬
‫ي يوم القيامة" وعن صمفوان بمن سممليم عممن‬ ‫الّله عليه وسلم بل يجمعها إل ّ‬
‫عبد الوهاب ابن بجيد أن النبي صلى الّله عليمه وسملم قمال‪" :‬عمرض علم ّ‬
‫ي‬
‫بطحاء مكة ذهبا ً وفضة‪ ،‬قلت يمما رب أشممبع يومما ً وأجمموع يومما ً فحمممدك إذا‬
‫شبعت وأضرع إليك إذا جعت" وبالله التوفيق‪.‬‬

‫]ص ‪[124‬‬
‫باب رفض الدنيا‬
‫قال‪ :‬حدثنا الفقيه أبو الليث رضي الّله تعالى عنه حدثنا الفقيه أبو جعفر‬
‫حدثنا محمد بن عقيل حدثنا محمد بن إسمعيل الصائغ حدثنا الحجمماج حممدثنا‬
‫شعبة عن عمرو بن سليمان عن عبد الرحمن بن أبان عن أبيه عن زيد ابن‬
‫ثابت رضي الّله عنه عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قممال‪" :‬مممن كممانت‬
‫نيته الخرة جمع الّله شمله وجعل غناه في قلبه وأتتممه الممدنيا وهممي راغبممة‪،‬‬
‫ومن كانت نيته في الدنيا فّرق الّله عليه أمره وجعل فقره بين عينيممه ولممم‬
‫يأتيه من الدنيا إل ما كتب الّله له" وبه قال‪ :‬حدثنا أبممو جعفممر حممدثنا محمممد‬
‫بن عقيل حدثنا محمد بن علي حدثنا أبو غسان النهدي حدثنا عمر بممن زيمماد‬
‫الهللي عن السود بن قيس قال‪ :‬سمعت جندبا قال "دخل عمر رضي الّله‬
‫تعالى عنه على النبي صلى الّله عليه وسلم وهو على حصير وقد أثر بجنبه‬
‫الشريف‪ ،‬فبكى عمر رضي الّله تعمالى عنمه فقمال النممبي صملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم ما يبكيك يا عمر؟ قال ذكرت كسرى وقيصر وما كانا فيه مممن الممدنيا‬
‫وأنت رسول الّله صلى الّله عليك وسلم وقممد أثممر بجنبممك الشممريط‪ ،‬فقممال‬
‫النبي صلى الّله عليه وسلم أولئك قوم عجلممت لهممم طيبممانهم فممي حيمماتهم‬
‫الدنيا ونحن قوم أخرت لنا طيباتنا في الخرة" وبه قمال‪ :‬حممدثنا الفقيممه أبممو‬
‫جعفر رحمه الّله تعالى حدثنا علي بن أحمد حدثنا محمد بمن الفضمل حممدثنا‬
‫ي رضي الل ّممه تعممالى عنممه‪:‬‬ ‫يعلي بن إسماعيل عن ذر عن زبيد قال‪ :‬قال عل ّ‬
‫إنما أخشى عليكم اثنتين‪ ،‬طول المل واتباع الهوى‪ ،‬فإن طول المل ينسي‬
‫الخرة واتباع الهوى يصد ّ عن الحق‪ ،‬وإن الدنيا قد ارتحلت مممدبرة والخممرة‬
‫مقبلة ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الخرة ول تكونوا مممن أبنمماء‬
‫الدنيا‪ ،‬فإن اليوم عمل ول حساب وإن غدا حساب ول عمممل‪ :‬يعنممي أكممثروا‬
‫من العمل في هذا اليوم فإنكم ل تقدرون غدا ً على العمل‪ .‬وبه قال‪ :‬حممدثنا‬
‫الفقيه أبو جعفر حدثنا الثقة بإسممناده عممن الحسممن البصممري قممال‪" :‬طلبممت‬
‫خطبة النبي صلى الّله عليه وسلم التي كممان يخطممب بهمما كممل جمعممة أربممع‬
‫سنين فلم أقدر عليها‪ ،‬حتى بلغني أنها عند رجل من النصار فأتيته فإذا هممو‬
‫جابر بن عبد الّله رضي الّله تعالى عنهممما‪ .‬فقلممت لممه أنممت سمممعت خطبممة‬
‫النبي صلى الّله عليه وسلم المتي كمان يخطمب بهما كمل جمعمة؟ قمال نعمم‬
‫سمعته يقول‪ :‬صلى الّله عليه وسلم‪ :‬أيها الناس إن لكم معالم فانتهوا إلى‬
‫معممالمكم‪ ،‬وإن لكممم نهايممة فممانتهوا إلممى نهممايتكم‪ ،‬وإن العبممد المممؤمن بيممن‬
‫مخافتين بين أجل قد مضى ل يدري ما الّله صانع به‪ ،‬وبين أجل قممد بقممي ل‬
‫يدري ما الّله قاض فيه‪ ،‬فليزود العبد من نفسه لنفسممه ومممن حيمماته لممموته‬
‫ومن شبابه لكبره ومن دنياه لخرته فممإن الممدنيا خلقممت لكممم وأنتممم خلقتممم‬
‫للخرة فوالذي نفسي بيدهما بعد الموت من مستعتب ول بعد الدنيا دار إل‬
‫الجنة أو النار‪ ،‬أقول قولي هذا وأستغفر الّله لي ولكم( وذكر عن سهل بممن‬
‫عبد الّله التستري أنه كان ينفق ماله في طاعة الّله تعالى‬

‫]ص ‪[125‬‬
‫فجاءت أمه وأخوته إلى عبد الل ّممه بممن المبممارك يشممكونه وقممالوا‪ :‬إن هممذا ل‬
‫يمسك شيئا ً ونخشى عليه الفقر‪ ،‬فأراد عبد الّله أن يعينهم عليه‪ ،‬فقممال لممه‬
‫سهل‪ :‬يا أبا عبد الرحمن أرأيت لو أن رجل ً من أهل المدينة اشممترى ضمميعة‬
‫ول من المدينمة إليهما أيخلمف بالمدينمة شميئا ً وهمو‬ ‫برستاق وهو يريد أن يتح ّ‬
‫يسكن الرستاق؟ قال عبد الّله خصمكم‪ ،‬يعني أنممه إذا أراد أن يتحممول إلممى‬
‫الرستاق ل يترك في المدينة شيئا ً فالممذي يريممد أن يتحممول مممن الممدنيا إلممى‬
‫الخرة كيف يترك في الدنيا شيئَا‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬من كان عاقل ً فإنه يرضممى بممالقوت‬
‫من الدنيا ول يشتغل بممالجمع ويشممتغل بعمممل الخممرة‪ ،‬لن الخممرة هممي دار‬
‫القرار ودار النعيم والدنيا دار فنمماء وهممي غممدارة مفتنممة‪ .‬وروى جويممبر عممن‬
‫واء إلى الرض ووجدا ريح الدنيا وفقممدا‬ ‫الضحاك قال‪ :‬لما أهبط الّله آدم وح ّ‬
‫رائحة الجنة غشى عليهما أربعين صباحا ً من الدنيا‪ .‬وروى عمن رسمول الّلمه‬
‫صلى الّله عليه وسلم أنه قال‪" :‬يا عجبا ً كل العجب للمصممدق بممدار الخلممود‬
‫وهو يعمل لدار الغرور" وروى محمد بن المنكممدر عممن جممابر بممن عبممد الل ّممه‬
‫رضي الّله تعالى عنهما قممال‪" :‬شممهدت مجلسما ً مممن مجممالس رسممول الل ّممه‬
‫صلى الّله عليه وسلم إذ أتاه رجل أبيض الوجه حسن الشعر واللممون عليممه‬
‫ثياب أبيض‪ ،‬فقال السلم عليك يا رسول الله‪ ،‬فقال النبي صلى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم وعليك السلم ورحمة الله‪ ،‬فقال يا رسول الله‪ :‬ما الدنيا‪ ،‬قال‪ :‬حلم‬
‫المنام وأهلها مجازون ومعاقبون‪ ،‬قال يا رسول الّله وما الخرة؟ قال البد‪،‬‬
‫فريق في الجنة وفريق في السعير‪ .‬فقال يا رسول الل ّممه وممما الجنممة؟ قممال‬
‫بدل الدنيا لتاركها نعيمها أبدا‪ ،‬قال فما جهنممم؟ قممال بممدل الممدنيا لطالبهمما ل‬
‫يفارقها أهلها أبدا‪ ،‬قال فمن خير هذه المة؟ قال الذي يعمممل فيهمما بطاعممة‬
‫الّله تعالى‪ ،‬قال فكيف يكون الرجل فيهمما؟ قممال مشمممرا ً كطممالب القافلممة‪،‬‬
‫قال فكم القرار بها؟ قال كقدر المتخلف عممن القافلممة‪ ،‬قممال فكممم ممما بيممن‬
‫الدنيا والخرة؟ قال كغمضة عين‪ ،‬قال فذهب الرجل فلم ير‪ ،‬فقال رسممول‬
‫الّله صلى الّله عليه وسلم هذا جبريل أتاكم ليزهممدكم فممي الممدنيا ويرغبكممم‬
‫في الخرة" وذكر أن إبراهيم خليل الرحمن صلوات الّله وسلمه عليه قيل‬
‫له بأيّ شيء اتخذك الّله خليل؟ قممال بثلثممة أشممياء‪ ،‬أولهمما‪ :‬ممما خيممرت بيممن‬
‫المرين إل اخترت الذي لله على غيره‪ ،‬والثمماني‪ :‬ممما اهتممممت فيممما تكفممل‬
‫الّله في أمر رزقي‪ ،‬والثالث ما تغديت ول تعشيت إل مع الضيف‪.‬‬
‫قال بعض الحكماء‪ :‬حياة القلب في أربعة أشياء‪ :‬العلم والرضا والقناعة‬
‫والزهد‪ ،‬فالعلم يرضيه وبالرضا يبلغ هذه الدرجة فإذا بلغ درجة الرضا وصل‬
‫إلى القناعة وتوصله القناعة إلى الزهد وهو التهمماون بالممدنيا‪ ،‬قممال‪ :‬والزهممد‬
‫ثلثة أشياء‪ :‬أولها معرفة الدنيا ثممم الممترك لهمما‪ ،‬والثمماني خدمممة المممولى ثممم‬
‫الدب فيها‪ ،‬والثالث الشوق إلى الخرة ثم الطلب لها‪ .‬وعن يحيى بن معمماذ‬
‫الرازي قال‪ :‬الحكمة تهوى من السماء إلممى القلمموب فل تسممكن فممي قلممب‬
‫م غد‪ ،‬وحسد أخ‪ ،‬وحب‬ ‫فيه أربع خصال‪ :‬الركون إلى الدنيا‪ ،‬وه ّ‬

‫]ص ‪[126‬‬
‫دس الّله تعالى روحه قال‪ :‬العاقل المصمميب‬ ‫شرف‪ ،‬وذكر أيضا ً عن يحيى ق ّ‬
‫من عمل ثلثًا‪ :‬ترك الدنيا قبل أن تتركه‪ ،‬وبنى قبرا ً أن يدخل فيه‪ ،‬وأرضممى‬
‫ي بن أبي طالب رضي الل ّممه تعممالى عنممه‬ ‫خالقه قبل أن يلقاه‪ .‬وروى عن عل ّ‬
‫ت خصال لم يممدع للجنممة مطلبما ً ول عممن النممار مهربمًا‪:‬‬ ‫أنه قال‪ :‬من جمع س َ‬
‫يعني لم يترك الجهد في طلب الجنة والهرب مممن النممار‪ :‬أّولهمما عممرف الل ّممه‬
‫تعالى فأطاعه‪ ،‬وعممرف الشمميطان فعصمماه‪ ،‬وعممرف الحممق فمماتبعه‪ ،‬وعممرف‬
‫الباطل فاتقاه‪ ،‬وعرف الدنيا فرفضها‪ ،‬وعرف الخرة فطلبهمما‪ ،‬وروى جعفمر‬
‫بن محمد عن أبيه عن جده عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنه قال‪:‬‬
‫ي أربع خصممال مممن الشممقاء‪ :‬جمممود العيممن‪ ،‬وقسمماوة القلممب‪ ،‬وحممب‬ ‫"يا عل ّ‬
‫الدنيا‪ ،‬وبعد المل" وروى عن رسول الّله صلى الّله عليه وسمملم أنممه قممال‪:‬‬
‫"لو كانت الدنيا تزن عند الّله جناح بعوضة ما سقى كافرا ً منها شربة ممماء"‬
‫وروى عن شهر ابن حوشب عن عبد الرحمن بن عثمان قال‪" :‬بينما رسول‬
‫الّله صلى الّله عليه وسلم أدلج ليلة من الليممالي وصمملى صمملة الصممبح فممي‬
‫دمنة الحي‪ :‬يعني في مزبلة القبيلة‪ :‬فرأى سخلة تتنفس فممي سمملها يعنممي‬
‫تتحرك الدودة في جلدها‪ ،‬فنظر إليها رسول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه وسمملم‬
‫فأمسك ناقتها حتى قام القوم‪ :‬فقال أتمرون أهمل همذه الدمنمة أغنيماء عمن‬
‫سخلتهم هذه وقد هانت عليهم؟ فقالوا بلى يمما رسممول اللممه‪ ،‬والممذي نفممس‬
‫محمد بيده للدنيا أهون على الّله من هذه السخلة على أهلهمما ( وروى عممن‬
‫رسول الّله أنه قممال "الممدنيا سممجن المممؤمن والقممبر حصممنه والجنممة مممأواه‪،‬‬
‫والدنيا جنة الكافر والقبر سجنه والنار مأواه"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬معنى قمموله صمملى الل ّممه عليممه وسمملم‬
‫"الدنيا سجن المؤمن" أن المؤمن وإن كان في النعمة والسعة فهممو بجنممب‬
‫ما أنعممم الل ّممه تعممالى عليممه فممي الجنممة كممأنه فممي السممجن‪ ،‬لن المممؤمن إذا‬
‫حضرته الوفاة عرضت عليه الجنة فإذا نظر إلى ما أعد ّ الّله تعالى لممه مممن‬
‫الكرامة عرف أنه كان في السجن‪ ،‬وإن الكافر إذا حضرته الوفمماة عرضممت‬
‫عليه النار فإذا نظر إلى ما أعد ّ الّلمه لمه ممن العقوبمة عمرف أنمه كمان فمي‬
‫الجنة‪ ،‬فمن كان عاقل ً ل يكممون مسممرورا ً فممي السممجن ول يطلممب الراحممة‪،‬‬
‫فينبغي للعاقل أن ينظر إلى الدنيا ويتفكر فيما ضممرب للممدنيا مممن المثممال‪،‬‬
‫ل‪ ،‬والنبي صلى الّله عليممه وسمملم ضممرب لهمما‬ ‫لن الّله تعالى ضرب للدنيا مث ً‬
‫ل‪ .‬والشياء تصير واضممحة بالمثممال قممال الل ّممه‬ ‫ل‪ ،‬والحكماء ضربوا لها أمثا ً‬ ‫مث ً‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا{ يعني مثممل الممدنيا فممي فنائهمما‬ ‫ل ال َ‬ ‫مث َ ُ‬
‫ما َ‬ ‫تعالى عز من قائل‪} :‬إ ِن ّ َ‬
‫ماِء{ يعنممي أنممزل الل ّممه تعممالى مممن‬ ‫َ‬
‫سم َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫مم ْ‬ ‫وزوالها يعني كمطممر }أن َْزل ْن َمماه ُ ِ‬
‫ض{ يعنممي اختلممط الممماء بنبممات الرض‬ ‫َ‬ ‫خت َل َ َ‬
‫السماء ماء‪َ} ،‬فا ْ‬
‫ت الْر ِ‬ ‫ط ب ِهِ ن َب َمما ُ‬
‫يعنممي أن الممماء يممدخل فممي الرض فينبممت النبممات‪ ،‬مممما يأكممل النمماس مممن‬
‫ت‬‫خ مذ َ ْ‬ ‫ذا أ َ َ‬
‫الحبوب والنعام‪ ،‬يعني مما يأكل النعممام مممن الكل والحشمميش }إ ِ َ‬
‫َ‬
‫ت{ يعني تزينت الرض بنباتها وحسنت‬ ‫خُرفََها{ يعني زينتها }َواّزي ّن َ ْ‬ ‫ض ُز ْ‬ ‫الْر ُ‬
‫َ‬ ‫بألوان من النبات }وظ َ َ‬
‫ن أهْل َُها{ يعني حسممب أهممل الممزرع والنبممات }أن ّهُ م ْ‬
‫م‬ ‫َ ّ‬
‫َقاد ُِرو َ‬
‫ن‬
‫]ص ‪[127‬‬
‫ّ‬
‫مُرن َمما{ يعنممي عممذاب اللممه‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عَل َي َْها{ يعني على غلتها وأنها ستتم لهم‪} ،‬أَتا َ‬
‫ها أ ْ‬
‫صمميدًا{يعنممي مستأصمل ً‬ ‫َ‬
‫ح ِ‬ ‫جعَل َْناهَمما َ‬ ‫}ل َي ْل ً أوْ ن ََهارًا{يعنممي بالليممل أو النهممار }فَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫س{يعني صارت كأن لم تسكن كذلك الدنيا وما فيها ل‬ ‫م ِ‬ ‫ن ِبال ْ‬ ‫م ت َغْ َ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫} ك َأ ْ‬
‫ت{ يعنممي المثممال‬ ‫ل الي َمما ِ‬ ‫صم ُ‬ ‫ف ّ‬‫ك نُ َ‬ ‫تبقى كما ل يبقى هذا الزرع كممذلك }ك َمذ َل ِ َ‬
‫ن{ في أمر الدنيا والخرة أن الدنيا تفنممى وأن الخممرة تبقممى‬ ‫فك ُّرو َ‬ ‫قوْم ٍ ي َت َ َ‬ ‫}ل ِ َ‬
‫وروى عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أن رجل ً قممدم عليممه مممن أرض‬
‫الشام‪ ،‬فسأله عن أرضهم‪ ،‬فأخبره عن سممعة أرضممهم وكممثرة النعيممم فيهمما‪،‬‬
‫فقال له رسول الّله صلى الّله عليه وسلم‪" :‬كيف تفعلممون؟ قممال إنمما نتخممذ‬
‫ألوانا ً من الطعام ونأكلها‪ ،‬قال ثم تصممير إلممى ممماذا؟ قممال إلممى ممما تعلممم يمما‬
‫رسول الله‪ :‬يعني تصير بول ً وغائطًا‪ ،‬فقال النممبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم‪:‬‬
‫فكذلك مثل الدنيا"‪ .‬وعن يحيى بن معاذ رحمه الّله تعممالى أنممه قممال‪ :‬الممدنيا‬
‫مزرعة رب العالمين‪ ،‬والناس فيهمما زرعممه‪ ،‬والممموت منجلممه وملممك الممموت‬
‫حاصده‪ ،‬والقبر مداسه والقيامة بيدره والجنة والنار بيت أهوائه‪ :‬فريق فممي‬
‫ي إن‬ ‫الجنة وفريق في السعير" وذكر عن لقمان الحكيم أنه قال لبنه‪ :‬يا بن ّ‬
‫الدنيا بحر عميق قد غرق فيها كثير من الناس فاجعل سممفينتك فيهمما تقمموى‬
‫الّله تعالى‪ ،‬قال بعضهم‪:‬‬
‫فتّنا‬ ‫إن ّلله عبادا ً ِفطّنا طلقوا الدنيا وخافوا ال ِ‬
‫ي َوطنا‬ ‫نظروا فيها فلما علموا أنها ليست لح ّ‬
‫سفنا‬ ‫جة واتخذوا صالح العمال فيها ُ‬ ‫جعلوها ل ُ ّ‬
‫ففي هذه العمال الصالحة بضاعتك التي تحمل فيها والحرص عليها ربحك‪،‬‬
‫واليام موجها والتوكل ظلهمما وكتمماب الل ّممه دليلهمما‪ ،‬ورد ّ النفممس عممن الهمموى‬
‫حبالها والموت ساحلها والقيامة أرض المتجر التي تخرج إليها والله مالكها‪.‬‬
‫وروى عن الفضيل بن عياض رحمممه الل ّممه تعممالى أنممه قممال‪ :‬بلغنمما أنممه يجمماء‬
‫جتها فتقول يا رب اجعلنممي لحسممن‬ ‫بالدنيا يوم القيامة تتبختر في زينتها وبه ّ‬
‫عبادك دارا‪ ،‬فيقول الّله عز وجل ل أرضاك دار لهم أنت ل شيء كوني هباء‬
‫منثورا فتصير هباءا ً منثورا‪ .‬وذكر عن ابن عباس رضي الّله تعالى عنهما أنه‬
‫قال‪ :‬يؤتى بالدنيا يوم القيامة على صورة عجوز شمطاء زرقاء بادية أنيابها‬
‫مشوه خلقها ل يراهمما أحممد إل كرههمما فتشممرف علممى الخلئق فيقممال لهممم‪:‬‬
‫أتعرفون هذه؟ فيقولون نعوذ بالله مممن معرفتهمما‪ ،‬فيقممال هممذه الممدنيا الممتي‬
‫تفاخرتم بها وتقاتلتم عليها‪ .‬وروى في خبر آخر‪ :‬أنممه يممؤمر بهمما فتلقممى فممي‬
‫النار فتقول يا رب أين أتباعي وأصحابي‪ :‬فيلحقون بها‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬ل يكون لها عمذاب لنمه ل ذنممب لهمما‬
‫ولكنها تلقى في النار لكي يراها أهلها فيرون هوانها‪ ،‬كما أن الوثان جعلممت‬
‫م‬
‫جهَن ّم َ‬‫ب َ‬
‫صم ُ‬ ‫ن الل ّممه َ‬
‫ح َ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫مم ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ممما ت َعْب ُم ُ‬ ‫في النار وهو قوله تعالى }إ ِن ّك ُ ْ‬
‫م وَ َ‬
‫َ‬
‫ن{ ول يكون للوثان عقوبة ولكن لزيممادة العقوبممة والحسممرة‬ ‫دو َ‬‫م ل ََها َوارِ ُ‬ ‫أن ْت ُ ْ‬
‫لهلها‪ ،‬وكذلك الدنيا جعلت في النار لزيادة العقوبة والحسرة‬

‫]ص ‪[128‬‬
‫لأهلها لتكمون لهمم زيمادة الحسمرة‪ ،‬فينبغمي للممؤمن أن يعممل للخمرة ول‬
‫يشتغل بالدنيا إل مقدار ما لبد ّ له منها من غيممر أن يتعلممق قلبممه بهمما‪ .‬وروى‬
‫عن عيسى ابن مريم صلوات الّله وسلمه عليه أنه قال‪ :‬عجبا ً لكم تعملون‬
‫للدنيا وأنتم ترزقون فيها بغير عمل‪ ،‬ول تعملممون للخممرة وأنتممم ل ترزقممون‬
‫فيها بغير عمل‪ .‬وروى أبو عبيدة السدي عن رسول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم أنه قال‪" :‬من أشرب قلبه حب الدنيا التاط قلبه منها بثلث‪ :‬شغل ل‬
‫ينفك عناؤه‪ ،‬وأمممل ل يبلممغ منتهمماه‪ ،‬وحممرص ل يممدرك عنمماه‪ ،‬والممدنيا طالبممة‬
‫ومطلوبة والخرة طالبة ومطلوبة‪ ،‬فمن طلممب الخممرة طلبتممه الممدنيا حممتى‬
‫يستوفي منها رزقه‪ ،‬ومممن طلممب الممدنيا طلبتممه الخممرة حممتى يممأتيه الممموت‬
‫فيأخذه بغتة" وروى إبراهيم بممن يوسممف عممن كنانممة قممال‪ :‬بلغنممي عممن أبممي‬
‫حازم‪ ،‬أنه قال‪ :‬وجدت الدنيا شيئين‪ :‬شيئا ً منها هو لي ل يفوتني وشيئا ً منها‬
‫لغيري فل أدركه‪ ،‬منع الذي لي من غيري كما منع الذي لغيممري منممي ففممي‬
‫أيّ هذين أفني عمري‪ ،‬ووجدت ما أعطيت من الدنيا شيئين شيئا ً منها يأتي‬
‫أجله قبل أجلى فممأغلب عليممه وشمميئا ً منهمما يممأتي أجلممي قبممل أجلممه فممأموت‬
‫وأتركه لغيري‪ ،‬ففي أيّ هذين أعصي ربي‪ .‬وروى عن العمش عن سممفيان‬
‫بإسناده عن أشياخه قال "دخل سعد بن أبممي وقمماص علممى سمملمان رضممي‬
‫الّله تعالى عنه‪ ،‬يعوده وهو مريض فبكى سلمان‪ ،‬فقال له سعد ما يبكيك يا‬
‫أبا عبد الّله توفي رسول الّله صلى الّله عليه وسلم وهو عنك راض‪ ،‬فقممال‬
‫سلمان‪ :‬أما إني ل أبكي جزعما ً مممن الممموت ول حرصما ً علممى الممدنيا‪ ،‬ولكممن‬
‫رسول الّله صلى الّله عليه وسلم عهد إلينا عهدا ً فقال‪ :‬ليكمن بلغمة أحمدكم‬
‫من الدنيا مثل زاد الراكب وحولي هذه الساود‪ .‬قال‪ :‬وإنما كان حوله إجانة‬
‫وجفنة ومطهرة‪ ،‬فقال سعد‪ :‬يا أبا عبد الله‪ :‬اعهد إلينا عهدا ً فنأخممذه بعممدك‬
‫فقال‪ :‬يا سممعد‪ :‬اذكممر الل ّممه تعممالى عنممد همممك إذا هممممت وعنممد حكمممك إذا‬
‫حكمت وعند برك إذا قسمت" وروى جويبر عن الضحاك عممن رسممول الل ّممه‬
‫صلى الّله عليه وسلم أنه قيل له "يا رسول الل ّممه مممن أزهممد النمماس؟ قممال‪:‬‬
‫"من لم ينس المقابر والبلى وترك فضول زينة الدنيا وآثر ما يبقى على ممما‬
‫يفنى ولم يعد أيامه وعد ّ نفسه من الموتى"‪.‬‬
‫)قال الحكيم( أربعة طلبناها فأخطأنا طرقها‪ :‬طلبنا الغنى في المال فإذا‬
‫هو في القناعة‪ ،‬وطلبنمما الراحممة فممي الكممثرة فممإذا هممي فممي القلممة‪ ،‬وطلبنمما‬
‫الكرامممة فممي الخلممق فممإذا هممي فممي التقمموى‪ ،‬وطلبنمما النعمممة فممي الطعممام‬
‫واللباس فإذا هي في الستر والسلم‪ :‬يعني فيممما يسممتر الل ّممه مممن العيمموب‬
‫والذنوب‪ ،‬وروى عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنه قال‪" :‬من أصبح‬
‫م ل ينقطع عنممه أبممدًا‪،‬‬ ‫والدنيا أكبر همه يلزم الّله تعالى قلبه ثلث خصال‪ :‬ه ّ‬
‫وشغل ل يتفرغ منه أبدا‪ ،‬وفقر ل يبلغ منتهاه أبدا" وروى عن عبممد الل ّممه بممن‬
‫مسعود رضي الّله تعالى عنه أنه قال‪ :‬ما أحممد أصممبح اليمموم فممي النمماس إل‬
‫وهو ضيف وماله عارية فالضيف مرتحل والعارية مؤداة‪ .‬قممال الفضمميل بممن‬
‫عياض‬

‫]ص ‪[129‬‬
‫رحمه الّله تعالى‪ :‬جعل الشركة في بيت واحد وجعممل مفتمماحه حممب الممدنيا‪،‬‬
‫وجعل الخير كله في بيممت واحممد‪ ،‬وجعممل مفتمماحه الزهممد فممي الممدنيا‪ .‬وروى‬
‫ثابت عن أنس بن مالك رضي الّله تعالى عنه عن رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم أنه قال‪" :‬قال الّله تعالى يفرح عبممدي المممؤمن إذا بسممطت لممه‬
‫شيئا ً من الدنيا وذلك أبعد لممه منممي‪ ،‬ويحممزن إذا أقممترت عليممه الممدنيا وذلممك‬
‫أقممرب لممه منممى ثممم تل رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه وسمملم هممذه اليممة‪:‬‬
‫}أ َيحسبو َ‬
‫ت ب َممل ل‬‫خي ْمَرا ِ‬ ‫سممارِع ُ ل َهُم ْ‬
‫م فِممي ال َ‬ ‫ن نُ َ‬
‫ل وَب َِني َ‬
‫ما ٍ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫م ب ِهِ ِ‬
‫مد ّهُ ْ‬
‫ما ن ُ ِ‬
‫ن أن ّ َ‬
‫َ ْ َ ُ َ‬
‫ن{ أي ل يعلمون أن ذلك فتنة لهم‪ .‬وعن أنس بن مالك رضممي الل ّممه‬ ‫شعُُرو َ‬‫يَ ْ‬
‫تعالى عنه قال‪" :‬خرج رسول الّله صلى الّله عليه وسلم يوما ً وهو آخذ بيممد‬
‫أبي ذر فقال‪ :‬يا أبا ذر إن بين يديك عقبة كئودا ل يصعدها إل المخفون قال‬
‫يا رسول الّله أنا من المخفين أو من المثقلين؟ قال أعندك طعممام يومممك؟‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال وطعام غد؟ قال نعم‪ ،‬قال وطعام بعد غد؟ قال ل‪ ،‬قال فلو‬
‫كان عندك ثلثة أيام كنت من المثقلين" والله تعالى أعلم‪..‬‬

‫باب الصبر على البلء والشدة‬


‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رحمه الّله تعالى‪ :‬حدثنا الفقيممه أبممو‬
‫جعفر حدثنا محمد بن عقيل حدثنا عيسى بن أحمممد حممدثنا المقممبري حممدثنا‬
‫ابن لهيعة عن قيس بن الحجاج عن حنش الصنعاني عن ابن عبمماس رضممي‬
‫الّله تعالى عنهما قال قال‪ :‬رسول الّله صلى الّله عليه وسلم "يا غلم أو يا‬
‫غليم أل أعلمك كلمات ينفعك الّلمه بهمن؟ قلمت بلمى يما رسمول اللمه‪ ،‬قمال‬
‫احفظ الّله يحفظك‪ ،‬احفظ الّله تجده أمامك؟ تعّرف إلى الل ّممه فممي الرخمماء‬
‫يعرفك في الشدة‪ ،‬إذا سألت الّله فاسأل الله‪ ،‬وإذا استعنت فاستعن بالله‪،‬‬
‫ف القلم بما هو كائن‪ ،‬فلو أن الخلق كلهممم أرادوا أن ينفعمموك بشمميء‬ ‫قد ج ّ‬
‫لم يقدره الّله لك لم يقدروا عليه‪ ،‬وإن أرادوا أن يضروك بشيء لممم يكتبممه‬
‫الّله عليك لم يقدروا عليه‪ ،‬اعمل لله بالشكر واليقين‪ .‬واعلم أن في الصبر‬
‫على ما تكره خيرا ً كثيرًا‪ ،‬وأن النصر مع الصبر‪ ،‬وأن الفرج مع الكرب‪ ،‬وأن‬
‫مع العسر يسرا"‪ .‬قال‪ :‬حدثنا أبو جعفر رحمه الّله تعالى حممدثنا أبممو النضممر‬
‫محمد بن محمد بن نصر‪ ،‬وبه حدثنا أبو شهاب معمر بن محمد حدثنا مكممي‬
‫بن إبراهيم حدثنا بشر بن الزيات عن العمش وحطاب وعنيسة ونحممو مممن‬
‫خمسين شيخا ً كلهم يسندون هذا الحديث إلممى أميممر المممؤمنين علممي كممرم‬
‫الّله وجهه أنه قال‪ :‬أيها الناس احفظوا عنممي خمسمًا‪ ،‬احفظمموا عنممي اثنممتين‬
‫ن أحد منكم إل ذنبه ول يرجو إل ربه‪ ،‬ول يستحي‬ ‫واثنتين وواحدة‪ .‬أل ل يخاف ّ‬
‫منكم أحد إذا لم يعلم أن يتعلم ول يستحي أحد منكم إن سئل وهو ل يعلممم‬
‫أن يقول ل أعلم‪ .‬واعلموا أن الصبر من المور بمنزلة الرأس مممن الجسممد‬
‫فإذا فارق الرأس الجسمد فسمد الجسمد وإذا فمارق الصمبر الممور فسمدت‬
‫المور‪ ،‬ثم قال رضي الّله تعالى عنه‪ :‬أل أدلكم على الفقيه كل الفقيه؟‬

‫]ص ‪[130‬‬
‫قالوا بلى يا أمير المؤمنين‪ ،‬قال من لم يؤيس الناس مممن روح اللممه‪ ،‬ومممن‬
‫لم يقنط الناس من رحمة الّله تعالى‪ ،‬ومن لم يؤمن الناس من مكممر اللممه‪،‬‬
‫ومن لم يزين للناس معاصي الله‪ ،‬ول ينزل العارفين الموحممدين الجنممة‪ ،‬ول‬
‫ينزل العاصين المذنبين النار حتى يكممون المرب هممو المذي يقضمي بينهممم‪ ،‬ل‬
‫يأمنن خير هذه المة من عممذاب اللممه‪ ،‬واللممه سممبحانه وتعممالى يقممول‪َ} :‬فل‬
‫ن{ ول ييمأس شمّر همذه الممة ممن روح‬ ‫مك َْر الّله إ ِل ّ ال َ‬ ‫ْ‬
‫سمُرو َ‬ ‫خا ِ‬
‫م ال َ‬‫قموْ ُ‬ ‫ن َ‬‫م ُ‬ ‫ي َأ َ‬
‫م‬‫قمموْ ُ‬ ‫ح الّلممه إ ِل ّ ال َ‬
‫ن َروْ ِ‬
‫ممم ْ‬ ‫ه ل ي َي ْئ َ ُ‬
‫س ِ‬ ‫اللممه‪ ،‬واللممه عممز وجممل يقممول‪} :‬إ ِّنمم ُ‬
‫ن{‪ .‬قال‪ :‬حدثنا محممد بمن الفضمل حممدثنا محمممد بمن جعفممر حمدثنا‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫ال َ‬
‫إبراهيم بن يوسف حدثنا الحكم بن يعقوب عممن عيسممى بممن المسمميب عممن‬
‫يزيد الرقاشي قال‪ :‬إذا دخل الرجل القبر قامت الصلة عن يمينممه والزكمماة‬
‫ج عنه يقول‪ :‬دونكم صمماحبكم فممإن‬ ‫عن شماله والبّر يطل عليه‪ ،‬والصبر يحا ّ‬
‫حججتم وإل فأنا من ورائه‪ :‬يعني إن استطعتم أن تدفعوا عنممه العممذاب وإل‬
‫أنا أكفيكم ذلك وادفع عنه العذاب‪ ،‬ففي هذه الخبار دليممل علممى أن الصممبر‬
‫ر‬ ‫أفضمل العممال واللمه تعمالى يقمول }إنمما يموّفى الصمابرو َ‬
‫م ب ِغَْيم ِ‬
‫هم ْ‬ ‫جَر ُ‬‫نأ ْ‬ ‫ّ ُِ َ‬ ‫ِّ َ ُ َ‬
‫ب{ وروى عن أبي وّراد عن محمد بن مسلمة يرفعه إلى النبي صمملى‬ ‫سا ٍ‬‫ح َ‬ ‫ِ‬
‫الّله عليه وسلم "أن رجل ً قال يا رسول الّله ذهممب مممالي وسممقم جسمممي‪،‬‬
‫فقال النبي صلى الّله عليه وسلم "ل خير في عبد ل يذهب ماله ول يسممقم‬
‫جسمه إن الّله إذا أحب عبدا ً ابتله وإذا ابتله صممبره" وعممن علممي بممن أبممي‬
‫طالب رضي الّله تعالى عنه قال‪ :‬إيما رجل حبسه السمملطان ظلم ما ً فمممات‬
‫في حبسه فهو شهيد‪ ،‬فإن ضربه فمات فهو شهيد‪ .‬وروى عن النممبي صمملى‬
‫الّله عليه وسلم أنه قال‪" :‬إن الرجل لتكون لمه الدرجمة عنمد الّلمه ل يبلغهما‬
‫بعمله حتى يبتلى ببلء في جسمه فيبلغها بذلك"‪ .‬وروى في الخبر "أنه لممما‬
‫ه{ قال أبو بكر رضممي الل ّممه تعممالى‬ ‫جَز ب ِ ِ‬ ‫سوءا ً ي ُ ْ‬‫ل ُ‬‫م ْ‬
‫ن ي َعْ َ‬
‫م ْ‬‫نزل قوله تعالى } َ‬
‫عنه‪ :‬يا رسول الّله كيف الفرح بعد هذه الية؟ فقال رسول الّله صلى الّلممه‬
‫عليه وسلم‪ :‬غفر الّله لك يا أبمما بكممر‪ ،‬ألسممت تمممرض‪ ،‬أليممس يصمميبك الذى‬
‫أليس تنصب أليس تحزن؟فهذا مما تجزون به" يعنمي أن جميمع مما يصميبك‬
‫يكون كفارة لذنوبك‪ .‬وروى عن علي بن أبي طالب رضي الل ّممه تعممالى عنممه‬
‫أنه قال‪ :‬لما نزلت هذه الية خرج علينا رسول الّله صلى الّله عليممه وسمملم‬
‫وقال‪ :‬قد أنزلت علي آية هي خير لمتي من الدنيا وما فيهمما‪ ،‬ثممم قممرأ هممذه‬
‫ه{ ثممم قممال‪ :‬إن العبممد إذا أذنممب ذنب ما ً فتصمميبه‬ ‫سوءا ً ي ُ ْ‬
‫جَز ب ِ ِ‬ ‫م ْ‬
‫ل ُ‬ ‫ن ي َعْ َ‬
‫م ْ‬
‫الية } َ‬
‫شدة أو بلء في الدنيا فالله أكرم من أن يعذبه تاليا"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬اعلم أن العبد ل يدرك منزلة الخيار‪،‬‬
‫إل بالصممبر علممى الشممدة والذى‪ ،‬وقممد أمممر الل ّممه تعممالى نممبيه عليممه الصمملة‬
‫ُ‬
‫ل{ وروى‬ ‫سم ِ‬
‫ن الّر ُ‬ ‫صمب ََر أوْل ُمموا العَمْزم ِ ِ‬
‫مم ْ‬ ‫صب ِْر ك َ َ‬
‫ما َ‬ ‫والسلم بالصبر فقال }َفا ْ‬
‫ت رضي الّله تعالى عنه قال "أتينا رسول الّله صلى الّلممه‬ ‫عن خباب بن الر ّ‬
‫عليه وسلم وهو متوسممد بممردائه فممي ظممل الكعبممة فشممكونا إليممه‪ ،‬فقلنمما يمما‬
‫رسول الّله أل تدعو الّله أل تستنصر الّله لنا فجلس محمرا ً لممونه ثممم قممال‪:‬‬
‫إن من كان قبلكم‬

‫]ص ‪[131‬‬
‫كان ليؤتى بالرجل فيحفر له في الرض حفرة ويجاء بالمنشار فيوضع على‬
‫رأسه فيجعل فرقتين ما يصرفه ذلك عن دينه"‪ .‬وروى عن حميد عن أنممس‬
‫رضي الّله تعالى عنه عن النمبي صملى الل ّممه عليمه وسملم قمال "يمؤتى يموم‬
‫ة فيخممرج أسممود محترق مًا‪،‬‬ ‫القيامة بأنعم أهل الرض فيغمس في النار غمس ً‬
‫فيقال له‪ :‬هل مّر بك نعيم قط إذ كنممت فيهمما؟ فيقممول ل لممم أزل فممي هممذا‬
‫البلء منذ خلقني‪ ،‬ويؤتى بأشد أهل الدنيا بلء فيغمممس فممي الجنممة غمسممه‪:‬‬
‫يعني يدخل فيها ساعة‪ ،‬فيخرج كأنه القمر ليلة البدر‪ ،‬فيقال له هل مر بممك‬
‫شدة قط فيقول ل لم أزل في هذا النعيم منممذ خلقنممي"‪ .‬وروى عممن سممعيد‬
‫بن جبير عن ابن عباس رضي الّله تعالى عنهما عن النبي صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم أنه قال‪" :‬أّول من يدعى إلى الجنة الحمممادون الممذين يحمممدون الل ّممه‬
‫على السراء والضراء"‪ .‬فالواجب على العبد أن يصبر علممى ممما يصمميبه مممن‬
‫الشدة ويعلم أن ما دفع الّله عنممه ممن البلء أكمثر ممما أصممابه ويحممد الّلمه‬
‫تعالى على ذلك‪ ،‬وينبغي للعبد أن يقتدي بنبيه صلى الّله عليه وسلم وينظر‬
‫إلممى صممبره علممى أذى المشممركين‪ ،‬وروى عممن عمممر بممن ميمممون عممن ابممن‬
‫مسعود رضي الّله تعالى عنه قال‪" :‬بينما رسول الّله صلى الّله عليه وسلم‬
‫يصلي عند البيت وأبو جهل وأصممحابه جلمموس وقممد نحممرت جممزور بمالمس‪،‬‬
‫فقال أبو جهل لعنه الّله أيكممم يقمموم إلممى سممل الجممزور فيلقيممه علممى كتممف‬
‫محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم فأخذه‪ ،‬فلما سجد النبي صمملى الّلممه‬
‫عليه وسلم وضعه بين كتفيه فاستضحكوا‪ ،‬وأنا قائم أنظممر‪ :‬قلممت‪ :‬لممو كممان‬
‫لي منعة لطرحته عن ظهر رسول الّله صلى الّله عليه وسلم قممال‪ :‬والنممبي‬
‫صلى الّله عليه وسلم ساجد ممما يرفممع رأسممه‪ ،‬حممتى انطلممق إنسممان فممأخبر‬
‫فاطمة رضي الّله تعالى عنها‪ ،‬وجمماءت وهممي جويريممة فطرحتممه ثممم أقبلممت‬
‫عليهم تسبهم‪ ،‬فلما قضى رسول الّله صلى الل ّممه عليممه وسمملم صمملته رفممع‬
‫صوته فدعا عليهم فقال‪ :‬اللهممم عليممك بقريممش ثلث مممرات‪ ،‬فلممما سمممعوا‬
‫صوته ودعاءه ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته‪ ،‬فقممال اللهممم عليممك بممأبي‬
‫جهل وعقبة وعتبة وشيبة والوليد بن المغيرة وأمممي بممن خلممف‪ .‬قممال عبيممد‬
‫الّله بن مسعود رضي الّله تعالى عنه‪ :‬والذي بعث محمدا ً بالحق لقد رأيممت‬
‫الذين سماهم صرعى يوم بدر"‪ .‬وروى عبد الّله بن الحارث عن ابن عباس‬
‫رضي الّله تعالى عنهما قال‪" :‬شكا نب ٌ‬
‫ي من النبيمماء إلممى ربممه فقممال يمما رب‬
‫العبد المؤمن يطيعك ويجتنب معاصيك تزوى عنه الممدنيا وتعممرض لممه البلء‪،‬‬
‫ويكمون العبمد الكمافر ل يطيعمك ويجمترئ علمى معاصميك تمزوى عنمه البلء‬
‫وتبسط له الدنيا؟ فأوحى الل ّممه تعممالى إليممه إن العبمماد لممي والبلء لممي وكممل‬
‫يسبح بحمدي‪ ،‬فيكون المؤمن عليه من الذنوب فأزوى عنه الممدنيا وأعممرض‬
‫له البلء فيكون كفارة لذنوبه حتى يلقاني فأجزيه بحسناته‪ ،‬ويكممون الكممافر‬
‫له السيئات فأبسط له في الرزق فممأزوى عنممه البلء حممتى يلقمماني فممأجزيه‬
‫بحسناته‪ ،‬ويكون الكافر له السيئات فأبسط له في الرزق فأزوى عنه البلء‬
‫حتى يلقاني فأجزيه بسيئاته"‪ .‬قال‪ :‬حدثنا أبو أحمد عبد الوهاب بممن محمممد‬
‫الفلني بسمرقند بإسناده عن حميد الطويل عن أنس بن مالك رضممي الّلمه‬
‫تعالى عنه قال‪ :‬قال‬

‫]ص ‪[132‬‬
‫رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه وسمملم "إذا أراد الل ّممه بعبممد خيممرا ً أو أراد أن‬
‫يصافيه صب عليه البلء صبًا‪ ،‬وثجه عليه ثجًا‪ ،‬وإذا دعمماه قممالت الملئكممة يمما‬
‫رب صوت معروف‪ ،‬فإذا دعاه الثانيمة فقممال يما رب قممال الّلمه تعمالى لبيممك‬
‫دخممرت‬ ‫وسعديك ل تسألني شيئًا! أل أعطيتك أو دفعت عنك ممما هممو شممر وا ّ‬
‫عندي لك ما هو أفضل منممه‪ ،‬فممإذا كممان يمموم القيامممة جيممء بأهممل العمممال‬
‫فوفوا أعمالهم بالميزان أهل الصلة والصمميام والصممدقة والحممج‪ ،‬ثممم يممؤتى‬
‫بأهل البلء فل ينصب لهم الميممزان ول ينشممر لهممم الممديوان ويصممب عليهممم‬
‫الجر صبا كما يصب عليهم البلء‪ ،‬فيود ّ أهل العافية في الدنيا لو أنهم كانت‬
‫تقرض أجسادهم بالمقاريض لما يرون مما يذهب به أهل البلء من الثممواب‬
‫ب{ "‪ .‬ذكممر فممي‬ ‫فذلك قوله تعالى }إنما يوّفى الصابرو َ‬
‫سا ٍ‬
‫ح َ‬‫م ب ِغَي ْرِ ِ‬
‫جَرهُ ْ‬
‫نأ ْ‬‫ّ ُِ َ‬ ‫ِّ َ ُ َ‬
‫الخبر أن مؤمنما ً وكممافرا ً فممي الزمممن الّول انطلقمما يصمميدان السمممك فأخممذ‬
‫الكافر يذكر آلهته‪ ،‬فما رفع شبكته حتى أخذ سمممكا ً كممثيرًا‪ ،‬وجعممل المممؤمن‬
‫يممذكر الل ّممه فل يجيممء شمميء ثممم أصمماب سمممكة عنممد الغممروب واضممطربت‬
‫فوقعت في المماء‪ ،‬فرجمع الممؤمن وليممس معمه شميء ورجمع الكمافر وقمد‬
‫امتلت شبكته‪ ،‬فأسف ملك المؤمن الموكممل بمه‪ ،‬فلممما صممعد إلمى السمماء‬
‫أراه الّله مسكن المؤمن في الجنة فقال‪ :‬والله ما يضره ما أصممابه بعممد أن‬
‫يصير إلى هذا‪ ،‬وأراه مسكن الكافر في النار فقال‪ :‬والله ما يغنممي عنممه ممما‬
‫أصاب من الدنيا بعد أن يصير إلممى هممذا‪ ،‬ويقممال إن الل ّممه تعممالى يحتممج يمموم‬
‫القيامة بأربعة على أربعة أجناس‪ :‬يحتممج علممى الغنيمماء بسممليمان ابممن داود‬
‫ي الغنمى شمغلني عمن عبادتمك يحتمج عليمه‬ ‫عليهمما السملم فمإذا قمال الغنم ّ‬
‫بسليمان ويقول له لم تكن أغنى من سليمان فلم يمنعه غناه عن عبممادتي‪،‬‬
‫ويحتج على العبيد بيوسف عليه الصلة والسمملم فيقممول العبممد كنممت عبممدا ً‬
‫والرق منعني عن عبادتك فيقول له إن يوسف عليه السلم لم يمنعممه رقممه‬
‫عن عبادتي‪ ،‬وعلى الفقراء بعيسى عليه الصلة والسلم فيقممول الفقيممر إن‬
‫حاجتي منعتني عن عبادتك فيقول أنت كنت أحوج أم عيسممى وعيسممى لممم‬
‫يمنعممه فقممره عممن عبممادتي‪ ،‬وعلممى المرضممى بممأيوب عليممه السمملم فيقممول‬
‫المريض منعني المريض عن عبادتممك فيقممول مرضممك كممان أشممد أم مممرض‬
‫أيوب عليه السلم فلم يمنعه مرضه عن عبادتي‪ ،‬فل يكون لحممد عنممد الل ّممه‬
‫عذر يوم القيامة‪ ،‬وكان الصممالحون رحمهممم الل ّممه تعممالى يفرحممون بممالمرض‬
‫والشدة لجل أن فيه كفارة للممذنوب‪ .‬وذكممر عممن أبممي الممدردار رضممي الل ّممه‬
‫تعالى عنه أنه قال‪ :‬الناس يكرهون الفقر وأنا أحبه‪ ،‬ويكرهون الممموت وأنمما‬
‫أحبه‪ ،‬ويكرهون السقم وأنا أحممب السممقم تكفيممرا ً لخطايمماي‪ ،‬وأحممب الفقممر‬
‫تواضعا ً لربي‪ ،‬وأحب الموت اشتياقا ً إلى ربي‪.‬‬
‫وروى عن ابن مسعود رضي الّله تعالى عنه عن رسول الّله صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم أنه قال‪" :‬ثلث مممن رزقهممن فقممد رزق خيممري الممدنيا والخممرة‪:‬‬
‫الرضا بالقضاء‪ ،‬والصبر على البلء‪ ،‬والدعاء‬

‫]ص ‪[133‬‬
‫عند الرخاء" قال‪ :‬حدثنا الفقيه أبو جعفر بإسناده عن أبي هريرة رضي الّله‬
‫تعالى عنه قال‪" :‬جاء رجل إلى النبي صلى الّله عليه وسمملم وهممو مسممتلق‪،‬‬
‫فقال‪ :‬من أي شيء تشتكي؟ قال الخمص‪ .‬يعني الجوع‪ ،‬فبكمى الرجمل ثمم‬
‫ذهب يعمل فاستقى لرجل دلء كل دلو بتمرة‪ ،‬ثم جاء إلى النبي صلى الّله‬
‫عليه وسلم بشيء من تمر‪ ،‬فقال ما أراك فعلت هذا إل وأنت تحبني‪ ،‬قال‪:‬‬
‫إي والله إني لحبك‪ :‬قال إن كنت صادقا ً فأعد للبلء جلباب مًا‪ ،‬فممو الل ّممه للبلء‬
‫أسرع إلى من يحبني من السيل‪ ،‬من أعلممى الجبممل إلممى الحضمميض" وعممن‬
‫عقبة بن عامر رضي الّله تعالى عنه عن النبي صلى الل ّممه عليممه وسمملم أنممه‬
‫قال‪" :‬إذا رأيتم الرجل يعطيه الّله تعالى ما يحب وهو مقيمم علمى معصميته‬
‫ما ذ ُك ّمُروا‬
‫سوا َ‬ ‫فاعلموا أن ذلك استدراج‪ ،‬ثم قرأ قول الّله عز وجل }فَل َ ّ‬
‫ما ن َ ُ‬
‫يٍء{ " يعنممي لممما تركمموا ممما أمممروا بممه فتحنمما‬ ‫ل َ‬ ‫ب كُ ّ‬ ‫به فَتحنا ع َل َيه َ‬
‫شم ْ‬ ‫وا َ‬
‫م أب ْ َ‬
‫ِْ ْ‬ ‫ِ ِ َ ْ َ‬
‫ُ‬
‫ما أوُتوا{ يعني بما أعطوا مممن الخيممر‬ ‫حوا ب ِ َ‬‫ذا فَرِ ُ‬ ‫حّتى إ ِ َ‬‫عليهم أبواب الخير } َ‬
‫ن{ يعنممي آيسممين مممن كممل خيممر‪.‬‬ ‫سو َ‬‫مب ْل ِ ُ‬ ‫ة{ يعني فجأة }فَإ ِ َ‬
‫ذا ُ‬ ‫م ب َغْت َ ً‬ ‫}أ َ َ‬
‫خذ َْناهُ ْ‬
‫وروى أبو هريرة رضي الّله تعالى عنه عن النبي صلى الّله عليه وسلم "أنه‬
‫سأل أي الناس أشد بلء؟ قال النبياء ثممم الصممالحون ثممم المثممل فالمثممل"‬
‫ويقال ثلث من كنوز البر‪ :‬كتمان الصدقة وكتمان الوجع‪ ،‬وكتمان المصمميبة‪.‬‬
‫وذكر عن وهب بن منبه أنه قال‪ :‬كتبت من كتاب رجل مممن الحممواريين‪ .‬إذا‬
‫سلك بك سبيل البلء فقر عينا ً فإن يسلك بممك سممبيل النبيمماء والصممالحون‪،‬‬
‫وإذا سلك بك سبيل الرخاء فابك على نفسك فقد خولف بك عممن سممبيلهم‪.‬‬
‫وذكر أن الّله تعالى أوحى إلى موسى بن عمممران عليممه السمملم نحممو هممذا‪.‬‬
‫وذكر عن فتح الموصلي رحمه الّلمه تعمالى أنمه أصمابته خصاصمة فمي أهلمه‬
‫فقال‪ :‬إلهي ليتني علمت بأي عمل ألزمتني بهذا حتى ازداد من ذلك‪ .‬وروى‬
‫ل ماله وكثر عياله وحسنت‬ ‫عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال "من ق ّ‬
‫صلته ولم يغتب المسلمين جاء معممي يمموم القيامممة هكممذا وجمممع أصممبعيه"‬
‫وروى عن مجاهد عن أبي هريرة رضي الّله تعالى عنه قممال "والممذي ل إلممه‬
‫إل هو إني كنت لعتمد بكبممدي علممى الرض مممن الجمموع وإنممي كنممت لشممد‬
‫الحجممر علممى بطنممي مممن الجمموع ولقممد قعممدت يوم ما ً علممى طريقهممم الممذي‬
‫يخرجون منه فمر أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الل ّممه تعممالى ممما سممألته‬
‫عنها إل ليستتبعني‪ :‬يعني لكي يذهب بي إلى منزله‪ ،‬فمر ولم يفعل‪ ،‬ثم مّر‬
‫بي عمر فسألته عن آية ما سألته عنها إل ليستتبعني فمر ولم يفعل‪ ،‬ثم مر‬
‫النبي صلى الّله عليه وسلم فتبسم حين رآنممي وعممرف ممما فممي نفسممي ثممم‬
‫قال‪ :‬يا أبا هريرة‪ ،‬قلت لبيك يا رسول الّله قال‪ :‬إلحق بي ومضمى‪ ،‬فمماتبعته‬
‫واستأذنت فأذن لي‪ ،‬فدخلت فوجدت لبنا ُ فممي قممدح‪ ،‬فقممال مممن أيممن هممذا؟‬
‫قالوا أهداه لك فلن أو فلنة‪ ،‬قال يا أبا هريرة قلت لبيك‪ ،‬قال إلحق بأهممل‬
‫الصفة وادعهم إلي فساءني ذلك فقلت وما هذا اللبن في أهل الصفة كنت‬
‫أحق أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها‬

‫]ص ‪[134‬‬
‫ولكن لم يكن بد من طاعة الّله وطاعة رسوله‪ ،‬فانتهيت فممدعوتهم فممأقبلوا‬
‫حتى استأذنوا فأذن لهم فأخذوا مجالسهم‪ ،‬فقال يا أبا هريرة خذ وأعطهم‪،‬‬
‫ي‬
‫فأخذت القدح فجعلت أعطممي الرجممل فيشممرب حممتى يمروى ثممم يمرد علم ّ‬
‫القدح حتى انتهيت إلى رسول الّله صلى الّله عليه وسلم وقممد روى القمموم‬
‫كلهم‪ ،‬فأخذ القدح ووضعه على يممديه فقممال‪ :‬يمما أبمما هريممرة‪ ،‬قلممت لبيممك يمما‬
‫رسول الله‪ ،‬قال بقيت أنا وأنت‪ ،‬قلت صممدقت يمما رسممول اللممه‪ ،‬قممال أقعممد‬
‫واشرب‪ ،‬فقعدت وشممربت‪ ،‬قممال إشممرب فشممربت فممما زال يقممول إشممرب‬
‫فأشرب حتى قلت والذي بعثك بالحق نبيا ً ما أجممد مسمملكا ً فمأعطيته القممدح‬
‫فحمد الّله وشرب النبي صلى الّله عليه وسلم الفضل"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬كان أصحاب رسول الّله صلى الّله عليه‬
‫وسلم في شدة من أذى الكفار ومن الجوع‪ ،‬فصبروا على ذلممك حممتى فممرج‬
‫الّله عنهم‪ ،‬وكل من صبر فرج الل ّممه عنهممم فممإن الفممرج مممع الصممبر وإن مممع‬
‫العسر يسرا‪ ،‬وكان الصالحون رحمهم الّله يفرحون بالشدة لما يرجون من‬
‫ثوابها‪ .‬وروى عن عثمان بن عبد الحميد بن لحق عممن أبيممه عممن جممده عممن‬
‫مسلم بن يسار قال‪ :‬قمدمت البحريمن فأضمافتني اممرأة لهما بنمون ورقيممق‬
‫ومال ويسار‪ ،‬فكنت أراها محزونة‪ ،‬فلما خرجت مممن عنممدها قلممت لهمما ألممك‬
‫حاجة؟ قالت نعم‪ ،‬إن أنت قدمت بلدتنا هذه أن تنزل علي‪ ،‬فغبت عنها كذا‬
‫وكذا سنة ثم أتيتها فلم أر ببابها إنسيًا‪ ،‬فاستأذنت عليهمما فممإذا هممي ضمماحكة‬
‫مسرورة‪ ،‬قلت لها ما شأنك؟ قالت إنك لما غبت عنا لم نرسل فممي البحممر‬
‫شيئا ً إل غرق ول في البر إل عطب وذهب الرقيق ومات البنون‪ ،‬فقلت لهمما‬
‫يرحمك الله‪ ،‬رأيتك محزونممة فممي ذلممك اليمموم ومسممرورة فممي هممذا اليمموم؟‬
‫فقالت نعم إني لما كنت فيه مممن سمميئة الممدنيا خشمميت أن يكممون الل ّممه قممد‬
‫عجل حسناتي في الدنيا‪ ،‬فلما ذهب مالي وولدي ورقيقي رجوت أن يكممون‬
‫الّله قد ادخر الّله لي عنده خيممرا ً ففرخممت‪ .‬وروى الحسممن البصممري رحمممه‬
‫الل ّممه تعممالى أن رجل ً مممن الصممحابة رأى امممرأة كممان يعرفهمما فممي الجاهليممة‬
‫فكلمها ثم تركها‪ ،‬فجعل الرجل يلتفت وهي تمشي فصدمه حائط فأثر فممي‬
‫وجهه فأتى النبي فأخبره فقال النبي صلى الّله عليممه وسمملم "إذا أراد الل ّممه‬
‫بعبد خيرا ً عجل عقوبته في الدنيا" وعن علممي بممن أبممي طممالب رضممي الل ّممه‬
‫تعالى عنه أنه قال‪ :‬أل أخبركم بأرجى آية في كتاب الّله تعالى؟ قممالوا بلممى‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ر{‬ ‫ن ك َِثيمم ٍ‬
‫فو ع َ ْ‬ ‫ديك ُ ْ‬
‫م وَي َعْ ُ‬ ‫ت أي ْ ِ‬ ‫ما ك َ َ‬
‫سب َ ْ‬ ‫صيب َةٍ فَب ِ َ‬
‫م ِ‬
‫ن ُ‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬‫صاب َك ُ ْ‬
‫ما أ َ‬
‫فقرأ عليهم }وَ َ‬
‫فالمصائب في الدنيا بكسب الوزار فإذا عاقبه الّله في الممدنيا فممالله أكممرم‬
‫من أن يعذبه ثانيًا‪ ،‬إذا عفما عنمه فمي المدنيا فهمو أكمرم ممن أن يعمذبه يموم‬
‫القيامة‪ .‬وروت عائشة رضي الّله تعالى عنها عممن رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم أنه قال "ما يصيب المؤمن مصيبة حممتى شمموكة فممما فوقهمما إل‬
‫حط الّله عنه بها خطيئة"‪.‬‬

‫]ص ‪[135‬‬
‫باب الصبر على المصيبة‬
‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رضي الّله تعالى عنه‪ :‬حدثنا الفقيممه‬
‫أبو جعفر حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن عبد الرحمن القممارئ حممدثنا إبراهيممم‬
‫بن إسحاق القاضي بالكوفة حدثنا محمد بن عاصم صاحب الحكايات حممدثنا‬
‫سليمان بن عمرو عن مجاهد بن الحسن عن عبممد الرحمممن بممن غممانم عممن‬
‫معاذ بن جبل رضي الّله تعالى عنه قال "مات ابن لممي فكتممب إلممى رسممول‬
‫الّله صلى الّله عليه وسلم من محمد رسول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه وسمملم‬
‫إلى معاذ بن جبل السلم عليك فإني أحمد الّله الذي ل إله إل هو‪ .‬أما بعممد‪،‬‬
‫فعظم الّله لك الجر وألهمك الصبر ورزقنمما وإيمماك الشممكر‪ ،‬ثممم إن نفوسممنا‬
‫وأموالنمما وأهالينمما وأولدنمما وأممموالهم مممن مممواهب الّلممه الهنيئة وعممواريه‬
‫المستودعة نتمتع بها إلى أجل معدود ويقبضها لمموقت معلمموم‪ ،‬ثممم افممترض‬
‫الّله علينا الشكر إذا أعطى والصبر إذا ابتلى وكمان ابنمك همذا ممن ممواهب‬
‫الّله الهنيئة وعواريه المستودعة متعك الّله بممه فممي غبطممة وسممرور وقبضممه‬
‫بأجر كبير إن صبرت واحتسبت‪ ،‬فل تجمعنا عليك يا معاذ أن يحبممط جزعممك‬
‫أجرك فتندم على ممما فاتممك‪ ،‬فلممو قممدمت علممى ثممواب مصمميبتك عرفممت أن‬
‫المصمميبة قممد قصممرت عنممه‪ .‬واعلممم أن الجممزع ل يممرد ميت ما ً ول يممدفع حزن ما ً‬
‫فليذهب عنك أسفك بما هو نازل بك فكأنك قد نزل بك والسلم"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬معنى قوله "فليذهب عنك أسفك بما‬
‫هو نازل بك" يعني تفكر في الموت الذي هو نازل بمك حمتى يمذهب حزنمك‬
‫فكأن قد يعني كأنه قد جاء الموت لن الرجممل إذا تفكممر فممي ممموت نفسممه‬
‫وعلم أنه يموت عن قريب فل يجزع له‪ ،‬لن الجزع ل يرد ّ ميتا ويبطل ثواب‬
‫المصيبة‪ ،‬لن الذي يجزع على المصيبة إنما يشكو ربه ويممرد قضمماءه‪ .‬قممال‪:‬‬
‫أخبرني أبو حميد عبد الوهاب العسقلني بسمرقند حممدثنا محمممد بممن علممي‬
‫حدثنا الخزاعي حدثنا إبراهيم بن سليمان المصري عن علي بن حميممد عممن‬
‫وهب ابن أرشد عن مالك بن دينار عن أنس بن مالك رضي الّله تعالى عنه‬
‫قال‪ :‬قال رسول الّله صلى الّله عليه وسلم "من أصممبح حزينما ً علممى الممدنيا‬
‫أصبح ساخطا ً على ربه‪ ،‬ومن أصبح يشكو مصيبة نزلت به فإنما يشكو الل ّممه‬
‫تعالى‪ ،‬ومن تواضع لغنى لينال ما فممي يممده أحبممط الل ّممه ثلممثي عملممه‪ ،‬ومممن‬
‫أعطى القرآن فدخل النار أبعده الّله مممن رحمتممه" يعنممي مممن أعطمماه الل ّممه‬
‫القرآن ولم يعمل بما فيه وتهاون حتى دخل النار أبعده الّله من رحمته لنه‬
‫هو الذي فعل بنفسه حيث لم يعرف حرمة القممرآن‪ ،‬وقممال وهممب بممن منبممه‬
‫رضي الّله تعالى عنه‪ :‬وجدت في التوراة أربعة أسطر متواليات‪ :‬أحدها من‬
‫قرء كتاب الّله تعالى فظن أنه لم يغفر له فهو من المستهزئين بآيات الّلممه‬
‫تعالى‪ ،‬والثاني من شكى مصيبة نزلت بمه فإنممما يشممكو ربممه‪ ،‬والثممالث ممن‬
‫حزن على ما فاته‬

‫]ص ‪[136‬‬
‫فقد سخط على قضاء ربه‪ ،‬والرابع من تواضع لغنى ذهب ثلثمما دينممه‪ :‬يعنممي‬
‫نقص من يقينه‪ .‬وروى أبو هريرة رضي الل ّممه تعممالى عنممه عممن رسممول الل ّممه‬
‫صلى الّله عليه وسلم أنه قال "من مات له ثلث أولد لم يلج النار إل ّ تحلة‬
‫من ْك ُم ْ‬
‫م إ ِل ّ َوارِد ُهَمما{ اليممة‪.‬‬ ‫القسم" يعني أن الل ّممه تبممارك وتعممالى قممال }وَإ ِ ْ‬
‫ن ِ‬
‫وروى عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنه قال‪" :‬ما من مسلم يصاب‬
‫بمصيبة وإن قدم عهدها فأحدث لهمما اسممترجاعها إل أحممدث الل ّممه لممه مثلممه"‬
‫يعني مثل أجره والله أعلممم‪ ،‬وأعطمماه مثممل ذلممك الجممر الممذي أعطمماه يمموم‬
‫أصيب به‪ ،‬وذكر عن عثمان بن عفان رضي الّله تعالى عنممه أنممه قممال‪ :‬كممان‬
‫إذا ولد له ولد أخذه يوم السابع‪ ،‬فسئل عن ذلك فقال‪ :‬إنممي أحممب أن يقممع‬
‫له في قلبي شيء من المحبمة فمإن ممات كمان أعظمم لجمري‪ .‬وروى عمن‬
‫أنس بن مالك رضي الّله تعالى عنه "أن رجل ً كان يجيء بصبي له معه إلى‬
‫رسول الّله صلى الّله عليه وسلم‪ ،‬ثم إن الغلم توفي فاحتبس والده‪ ،‬فلما‬
‫فقده رسول الّله صلى الّله عليه وسلم سممأل عنممه فقممالوا يمما رسممول الل ّممه‬
‫مات صبيه الذي رأيته‪ .‬قال‪ :‬فهل آذنتموني به‪ :‬يعني أخبرتموني‪ ،‬قوموا إلى‬
‫أخينا نعزيه‪ ،‬فلما دخل عليه النبي صلى الّله عليه وسمملم إذا الرجممل حزيممن‬
‫وبه كآبة فقال‪ :‬يا رسول الّله إني كنت أرجوه لكممبر سممني وضممعفي‪ ،‬فقممال‬
‫رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أما يسرك أن تأتي يوم القيامة فيقال له‬
‫ادخل الجنة فيقول يا رب أبممواي‪ ،‬فيقممال لممه ادخممل الجنممة ثلث مممرات‪ .‬فل‬
‫يزال يشفع حتى يشفعه الّله تعالى ويدخلكم الجنة جميع مًا" فممذهب الحممزن‬
‫عن الرجل‪ ،‬ففي هذا الخبر دليل علممى أن التعزيممة سممنة إذا أصمماب الرجممل‬
‫مصيبة ينبغي لخوانه أن يعزوه‪.‬‬
‫)قال الفقيه(‪ :‬حدثني أبي رحمه الّله تعالى بإسناده عن الحسن البصري‬
‫رحمه الّله تعالى قال‪ :‬سأل موسى عليه السمملم ربممه عممز وجممل فقممال أي‬
‫رب ما لعائد المريض من الجر؟ قال‪ :‬أخرجه من ذنوبه كيمموم ولممدته أمممه‪،‬‬
‫قال أي رب فما لمشيع الموتى من الجممر؟ قممال أبعممث عنممد ممموته ملئكممة‬
‫يشيعونه إلى قبره برايات ثم إلى المحشر‪ ،‬قال أي رب ما لمعزي المبتلي‬
‫ل إل ظلممي" يعنممي ظممل العممرش‪.‬‬ ‫من الجر؟ قال أظله في ظلي يوم ل ظم ّ‬
‫وروى أبان ابن صالح عن عمير عن أنس بن مالك رضممي الل ّممه تعممالى عنممه‬
‫عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال "ما تجّرع عبد قط جرعممتين أحممب‬
‫دها بحلم وجرعة مصيبة يصبر الرجل عليها‪ ،‬ول‬ ‫إلى الّله من جرعة غضب ر ّ‬
‫قطرت قطرتان أحب إلى الّله من قطرة دم في سممبيل الل ّممه وقطممرة فممي‬
‫سواد الليل وهو ساجد ل يراه إل الّله تعالى‪ ،‬وما خطا عبممد خطمموتين أحممب‬
‫إلى الّله من خطوة إلى الصلة المفروضة وخطوة إلى صلة الرحم"‪ .‬وعممن‬
‫أبي الدرداء رضي الّله تعالى عنه أنممه قممال‪ :‬تمموفي ابممن لسممليمان بممن داود‬
‫عليهما الصلة والسلم فوجد عليه وجدا شممديدا ً فأتمماه ملكممان فجلسمما بيممن‬
‫يديه بزي الخصوم‪ ،‬فقال أحدهما بذرت بذرا ولممم أستحصممده فممّر بممه هممذا‬
‫فأفسده‪ .‬فقال للخر ما تقول؟ قال أخذت الجادة فأتيت على زرع فرميت‬
‫يمينا ً وشمال ً فإذا الطريق عليه‪،‬‬

‫]ص ‪[137‬‬
‫فقال سليمان ولم بذرت علممى الطريممق؟ أممما علمممت أن لبمد ّ للنمماس مممن‬
‫الطريق؟ فقال له الملك ولم تحممزن علممى ولممدك؟ أممما علمممت أن الممموت‬
‫سبيل الخرة‪ .‬وذكر في الخبر أن سليمان صلوات الّله وسمملمه عليممه تمماب‬
‫إلى ربه ولم يجزع على ولده بعد ذلك‪ .‬وذكر عن عبد الّله ابن عباس رضي‬
‫الّله تعالى عنهما أنه نعى إليه ابنة له وهو فممي السممفر فاسممترجع ثممم قممال‪:‬‬
‫ي‪ ،‬ثم نزل فصلى‬ ‫عورة سترها الّله ومؤنة كفاها الّله وأجر قد ساقه الّله إل ّ‬
‫ر‬
‫ص مب ْ ِ‬ ‫س مت َِعيُنوا ِبال ّ‬ ‫ركعتين ثم قال‪ :‬قد صنعنا ما أمرنا الّله تعممالى بممه قممال }ا ْ‬
‫ة{ وعن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال‪" :‬ليسترجع أحدكم في‬ ‫صل ِ‬ ‫َوال ّ‬
‫شسع نعله إذا انقطع فإنها من المصائب" وقال حدثنا أبو الحسن أحمد بممن‬
‫حمدان حدثنا أحمد بن الحرث حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن ربيعة عن‬
‫أبي عبد الرحمن عن أم سلمة رضي الّله تعالى عنها أن النممبي صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم قال‪" :‬من أصيب بمصيبة فقال كما أمر الّله تعالى‪}.‬إ ِّنا ل ِل ّهِ وَإ ِّنا‬
‫ن{ اللهم أؤجرني في مصيبتي واعقبني خيرا منها فعل الّله ذلك‬ ‫جُعو َ‬ ‫إ ِل َي ْهِ َرا ِ‬
‫به" فقالت أم سلمة رضي الّله تعالى عنها لمما تموفي أبمو سملمة قلتمه ثمم‬
‫قلت ومن لي مثل أبي سلمة فأعقبها الّله تعالى برسوله صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم فتزّوجها‪ .‬وروى صالح بن محممد بإسممناده عمن أنممس بمن مالممك عمن‬
‫النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قممال "الضممرب علممى الفخممذ عنممد المصمميبة‬
‫يحبط الجر‪ ،‬والصبر عند الصدمة الولى يعظممم الجممر وعظممم الجممر علممى‬
‫قدر عظم المصيبة‪ ،‬وعن استرجع بعد المصيبة جممدد الل ّممه لممه أجرهمما كيمموم‬
‫أصيب بها"‪.‬‬
‫)قال الفقيه(‪ :‬رضي الّله تعالى عنه‪ :‬ينبغي للعاقل أن يتفكممر فممي ثمواب‬
‫المصيبة إذا استقبله يوم القيامة يود ّ أن يكمون جميمع أقماربه وجميمع أولده‬
‫ماتوا قبله لينال الجر وثواب المصيبة‪ ،‬وقد وعد الل ّممه تعممالى فممي المصمميبة‬
‫م{ يعنممي‬ ‫ثوابا ً عظيما ً إذا صبر واحتسب‪ ،‬وهممو قممول الل ّممه تعممالى }وَل َن َب ْل ُموَن ّك ُ ْ‬
‫ن‬‫مم ْ‬ ‫يٍء ِ‬ ‫شم ْ‬ ‫لنختبرنكم‪ ،‬والختبار من الّله تعالى إظهار ما يعلم به الغيممب }ب ِ َ‬
‫ن‬ ‫مم ْ‬ ‫ص ِ‬ ‫قم ٍ‬ ‫جوِع{ يعنممي المجاعممة }وَن َ ْ‬ ‫ف{ يعني مخافة قتال العدوّ }َوال ُ‬ ‫خو ْ ِ‬ ‫ال َ‬
‫س{ يعنممي الوجمماع والمممراض مممن‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فم ِ‬ ‫ل{ يعني ذهاب أممموالهم }َوالن ُ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬
‫ال ْ‬
‫ت{ ويعنممي ل تخممرج الثمممرات كممما كممانت تخممرج‬ ‫ممَرا ِ‬ ‫القتل أو الموت }َوالث ّ َ‬
‫ذا‬‫ن إِ َ‬ ‫ن{ على الرزيات والمصائب‪ ،‬ثممم نعتهممم فقممال }ال ّم ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ري َ‬‫صاب ِ ِ‬‫شْر ال ّ‬ ‫}وَب َ ّ‬
‫َ‬
‫ن{ "إنما للمه" يعنمي نحمن عبيمد‬ ‫جُعو َ‬ ‫ة َقاُلوا إ ِّنا ل ِل ّهِ وَإ ِّنا إ ِل َي ْهِ َرا ِ‬‫صيب َ ٌ‬‫م ِ‬ ‫م ُ‬ ‫صاب َت ْهُ ْ‬‫أ َ‬
‫الّله وفي ملكه وفي قبضته إن عشممنا فعليممه أرزاقنمما وإن متنمما فممإليه مآبنمما‬
‫دنا "وإنا إليه راجعممون" يعنممي بعممد الممموت‪ ،‬فممالواجب علينمما أن نرضممى‬ ‫ومر ّ‬
‫ك{ يعنممي‬ ‫ُ‬
‫بحكمه فإن لم نرض بحكمه فل يرضى عنمما إذا رجعنمما إليممه }أوْل َئ ِ َ‬
‫م{ والصمملوات جمممع الصمملة‪.‬‬ ‫ن َرب ّهِم ْ‬ ‫مم ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫وا ٌ‬ ‫ص مل َ َ‬‫م َ‬ ‫أهل هممذه الصممفة }ع َل َي ْهِم ْ‬
‫من الّله تعمالى علممى ثلثمة أوجمه‪ :‬توفيمق الطاعممة‪ ،‬والعصمممة ممن‬ ‫والصلة ْ‬
‫الذنوب‪ ،‬والمغفرة‪ ،‬فهذا تفسير الصلة الواحدة‪ ،‬وأما الصمملوات فل يعممرف‬
‫ة{ يعنممي ورحمممة مممن الّلممه‬ ‫ممم ٌ‬ ‫ح َ‬‫منتهاهمما إل الّلممه تعممالى‪ ،‬ثممم قممال }وََر ْ‬
‫ن{ إلى السترجاع‪:‬‬ ‫دو َ‬ ‫مهْت َ ُ‬ ‫م ال ُ‬
‫ك هُ ْ‬ ‫تعالى}وَأ ُوْل َئ ِ َ‬

‫]ص ‪[138‬‬
‫يعنمي وفقهمم الّلمه لمذلك‪ .‬وروى عمن سمعيد بمن جمبير أنمه قمال‪ :‬لمم يكمن‬
‫السترجاع إل لهذه المة‪ ،‬ولو أعطى لحد لعطى يعقوب‪ ،‬أل ترى أنه قممال‬
‫َ‬
‫ف{‪.‬‬‫س َ‬ ‫فى ع ََلى ُيو ُ‬
‫س َ‬
‫}َيا أ َ‬
‫وروى سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب رضي الّله تعال عنه أنممه‬
‫ة{‬ ‫مم ٌ‬‫ح َ‬
‫م وََر ْ‬
‫ن َرب ّهِ م ْ‬
‫مم ْ‬
‫ت ِ‬ ‫صل َ َ‬
‫وا ٌ‬ ‫م َ‬ ‫قال‪ :‬نعم العدلن ونعم العلوة }أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك ع َل َي ْهِ ْ‬
‫ن{ فهذه العلوة‪ .‬وروى "أنه لما مممات‬ ‫دو َ‬ ‫مهْت َ ُ‬
‫م ال ُ‬ ‫فهذان العدلن }وَأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك هُ ْ‬
‫إبراهيم بن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم بكى رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم وذرفت عيناه فقال له عبد الرحمن يا رسول الّله تبكممي أو لممم‬
‫تنه عن البكاء؟ قال ل‪ ،‬ولكن نهيت عن النوح والغناء وعن صوتين أحمقيممن‬
‫فاجرين‪ ،‬وعن خمش الوجوه وشق الجيوب ورنممة الشمميطان‪ ،‬وعممن صمموت‬
‫الغناء فإنه لعب ولهممو ومزاميممر الشمميطان‪ ،‬ولكممن هممذه رحمممة جعلهمما الل ّممه‬
‫تعالى في قلوب الرحماء‪ ،‬ومن ل يرحم ل يرحممم‪ ،‬ثممم قممال‪ :‬القلممب يحممزن‬
‫دس"‪ .‬وروى الحسممن‬ ‫والعين تدمع ول نقممول ممما يسممخط الممرب تعممالى وتقم ّ‬
‫البصري أنه قال‪ :‬إن الّله تعالى رفمع عنكممم الخطممأ والنسميان ومما أكرهتممم‬
‫عليه وما ل تطيقون وأحل لكم في حال الضرورة أشياء مما حممرم عليكممم‪،‬‬
‫وأعطاكم خمسًا‪ :‬أعطاكم الممدنيا فضمل ً وسممألكموها قرضما ً فممما أعطيتممموه‬
‫منها طيبة بها نفسكم جعل لكم التضعيف من عشرة إلى سبعمائة إلى ممما‬
‫ل يحصيه غيره‪ ،‬والثاني أخذ منكم كرها ً فاحتسبتم وصبرتم ثم جعل لكم به‬
‫ة{‪،‬‬ ‫مم ٌ‬
‫ح َ‬ ‫م وََر ْ‬‫ن َرب ّهِم ْ‬
‫مم ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ص مل َ َ‬
‫وا ٌ‬ ‫م َ‬‫ك ع َل َي ْهِم ْ‬‫الصلة والرحمة لقوله تعالى }أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫َ‬
‫م{‪ ،‬والرابع لو أساء مسيئكم حتى تبلغ ذنمموبه‬ ‫م لِزيد َن ّك ُ ْ‬ ‫شك َْرت ُ ْ‬‫ن َ‬ ‫والثالث }ل َئ ِ ْ‬
‫ن‬
‫واِبي َ‬
‫ب الت ّم ّ‬ ‫حم ّ‬‫ن الل ّممه ي ُ ِ‬ ‫الكفر ثم تاب فإنه يتوب عليممه ويحبممه حيممث قممال }إ ِ ّ‬
‫ن{ والخامس لو أعطى جبريل وميكائيل ما أعطاكم لكممان‬
‫َ‬ ‫مت َط َهّ ِ‬
‫ري َ‬ ‫ب ال ُ‬
‫ح ّ‬
‫وَي ُ ِ‬
‫م{‪.‬‬‫ب ل َك ُ ْ‬ ‫ج ْ‬‫ست َ ِ‬ ‫عوِني أ ْ‬ ‫قد أجزل لهما فقال }اد ْ ُ‬
‫وروى عن يحيى بن جابر الطائي أن رسول الّله صلى الّله عليممه وسمملم‬
‫دم رجل شيئا ً بين يديه أحب إليه ول هو فيه أعظم أجرا ً من ولد‬ ‫قال‪" :‬ما ق ّ‬
‫قدمه بين يديه ابن اثنتي عشرة سنة" ويقممال الصممبر عنممد الصممدمة الولممى‬
‫وإذا مضى عليه وقت يصبر إن شاء أو أبى‪ ،‬فالعاقل من صممبر بممأّول مممرة"‬
‫وروى عن ابن المبارك رحمه الّله تعالى أنه مات له ابن قمّر بممه مجوسممي‬
‫يعزيه فقال له‪ :‬ينبغي للعاقل أن يفعل اليوم ما يفعله الجاهممل بعممد خمسممة‬
‫أيام‪ ،‬فقال ابن المبارك اكتبوا هذا منه‪ .‬وروى عممن النممبي صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم أنه قال "من عّزى مصابا ً كان له مثل أجره"‪ .‬وروى عنه صمملى الّلممه‬
‫عليه وسلم أنه قال‪" :‬الصبر ثلثة‪ :‬صبر على الطاعة‪ ،‬وصبر على المصيبة‪،‬‬
‫دهمما بحسممن عزائهمما‬ ‫وصبر على المعصية‪ ،‬فمن صبر على المصمميبة حممتى ير ّ‬
‫كتب الّله له ثلثمائة درجة‪ .‬ومن صبر علممى الطاعممة كتممب الل ّممه لمه سممتمائة‬
‫درجة‪ ،‬ومن صبر عن المعصية كتب الّله له تسعمائة درجة"‪ .‬وروى عن ابن‬
‫عباس رضي الّله تعالى عنهما أنه قال‪" :‬أّول شمميء كتبممه الل ّممه تعممالى فممي‬
‫اللوح المحفوظ‪ :‬إني أنا الّله ل إله إل أنا ومحمد‬

‫]ص ‪[139‬‬
‫رسولي‪ ،‬من استسلم لقضائي وصبر على بلئي وشممكر لممي نعمممائي كتبتممه‬
‫صديقا ً وبعثته يوم القيامة مع الصديقين‪ ،‬ومممن لممم يستسمملم لقضممائي ولممم‬
‫يصبر على بلئي ولم يشكر لنعمائي فليتخذ إلها ً سوائي" قال ابن المبارك‪:‬‬
‫المصيبة واحدة فإذا جممزع صمماحبها صممارت اثنممتين‪ :‬يعنممي صممارت المصمميبة‬
‫اثنممتين أحممدهما المصمميبة والثانيممة ذهمماب أجممر المصمميبة وهممو أعظممم مممن‬
‫ي بممن أبممي طممالب كمّرم الل ّممه وجهممه عممن‬
‫المصيبة‪ .‬وروى في الخبر عن عل ّ‬
‫رسول الّله صلى الّله عليه وسمملم أنممه قممال‪" :‬مممن أصممابته مصمميبة فليممذكر‬
‫مصيبته بي فإنها من أعظم المصائب" وروى عنه أيضا ً كرم الّله وجهه عممن‬
‫رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنه قال‪" :‬من اشممتاق إلممى الجنممة سممارع‬
‫إلى الخيرات‪ ،‬ومن أشفق من النار لها عن الشهوات‪ ،‬ومن راقممب الممموت‬
‫ترك اللذات‪ ،‬ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصائب" وذكر أن في بعممض‬
‫الكتب مكتوبا ً ستة أسطر‪ :‬في السطر الّول من أصممبح حزين ما ً علممى الممدنيا‬
‫أصبح ساخطا ً على الله‪ ،‬وفي الثاني من شكا مصيبة نزلت به فإنممما يشممكو‬
‫ربه‪ ،‬وفي الثالث من ل يبالي من أي باب أتاه رزقه ل يبالي مممن أي أبممواب‬
‫النار أدخله الله‪ ،‬وفي الرابع من أتى خطيئة وهممو يضممحك دخممل النممار وهممو‬
‫يبكي‪ ،‬وفي الخامس من كان أكبر همه الشهوات نممزع الل ّممه خمموف الخممرة‬
‫من قلبه‪ ،‬وفي السادس من تواضممع لغنممى لجممل دنيمماه أصممبح والفقممر بيممن‬
‫‪.‬‬
‫عينيه‪.‬‬

‫باب فضل الوضوء‬


‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رحمه الّله تعالى‪ :‬حدثنا الفقيممه أبممو‬
‫جعفر حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن عبد الرحمن القارئ حممدثنا أبممو العبمماس‬
‫الفضل بن الحكم النيسابوري حدثنا يزيممد بمن عبممد الل ّممه حممدثنا عكرمممة بمن‬
‫عمار حدثنا شداد بن عبد الّله الدمشقي حدثنا أبو أمامة الباهلي قال "قلت‬
‫لعمرو بن عنبسة ليّ شيء تدعى رابع السلم؟ قال إني كنت أرى النمماس‬
‫علممى الضممللة ول أرى الوثممان شمميئا ً ثممم سمممعت رجل ً يخممبر أخبممارا ً بمكممة‬
‫فركبت راحلتي حتى قدمت مكة فإذا رسول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه وسمملم‬
‫مستخف وإذا قومه عليه حواء‪ .‬فتلطفت له فدخلت عليه فقلت مممن أنممت؟‬
‫ي‪ ،‬فقلت وما النبي قال رسول الله‪ ،‬فقلمت الّلمه أرسملك؟ قمال‬ ‫فقال أنا نب ّ‬
‫نعم‪ ،‬فقلت بأي شيء أرسمملك؟ قممال بممأن نوحممد الل ّممه ول نشممرك بممه شمميئا ً‬
‫وكسر الوثان وصلة الرحم‪ :‬فقلت له ومن معك على هذا المر؟ قممال حممر‬
‫وعبد‪ ،‬وإذا معه أبو بكر وبلل؟ قلت فإني لتبعممك؟ قممال إنممك لممن تسممتطيع‬
‫ذلك يومك هذا ولكن ارجع إلى أهلك فإذا سمعت بأن قدي ظهرت فممالحق‬
‫بي‪ ،‬فرجعت إلى أهلي وقد أسلمت‪ .‬قال عمرو بممن عنبسممة‪ :‬ولقممد رأيتنممي‬
‫فمي ذلمك اليمموم وأنما رابمع السملم يعنمي لمم يكممن فممي ذلمك الموقت ممن‬
‫المسلمين إل أربعة‪ ،‬فخرج رسول الّله صلى الّله عليه وسلم مهمماجرا ً إلممى‬
‫المدينة‪ ،‬فركبت راحلتي حتى قدمت على المدينة فممدخلت عليممه فقلممت يمما‬
‫رسول الّله أتعرفني؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬ألست الذي أتيتني بمكة؟‬

‫]ص ‪[140‬‬
‫قلت يا رسول الّله علمني مما علمك الّلمه تعمالى؟ قمال إذا صمليت الصممبح‬
‫ل حت ّممى ترتفممع‬‫فأقصر عن الصلة حتى تطلع الشمس‪ ،‬فإذا طلعممت فل تصم ّ‬
‫فإنها تطلع بين قرني الشيطان وحينئذ يسجد لها الكفار‪ ،‬فإذا ارتفعت قممدر‬
‫ل فإن الصلة مشهودة محضورة حممتى يسممتقبل الرمممح‬ ‫رمح أو رمحين فص ّ‬
‫للظل‪ ،‬ثم أقصر عن الصلة فإنها حينئذ تسجر جهنم‪ ،‬فإذا فاء الفيممء فممأت‬
‫الصلة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر‪ ،‬فممإذا صممليت العصممر فأقصممر‬
‫عن الصلة حتى تغرب الشمس فإنهما تغممرب بيممن قرنممي الشمميطان وحينئذ‬
‫يسجد لها الكفار‪ .‬قال قلت يا نبي الّله أخبرني عن الوضوء؟ قال ما منكممم‬
‫من رجل يقرب وضوءه ثم يتمضمض ويستنشق ويستنثر إل خرجت خطايمما‬
‫فيه وخياشيمه مع الماء حين يستنثر‪ ،‬ثم يغسل وجهه كما أمره الّله تعممالى‬
‫إل خرجت خطايا وجهه مع الماء‪ ،‬ثم يغسل يديه إلى المرفقيممن كممما أمممره‬
‫الّله تعالى إل خرجت خطايا يديه من أطراف أنامله مممع الممماء‪ ،‬ثممم يمسممح‬
‫رأسه كما أمره الّله تعالى إل خرجت خطايا رأسه من أطممراف شممعره مممع‬
‫الماء‪ ،‬ثم يغسل قدميه إلى الكعبين كما أمره الّله تعالى إل خرجممت خطايمما‬
‫قدميه من أطراف أصابعه مع الماء‪ ،‬ثم يقوم فيحمد الّله تعالى ويثني عليه‬
‫بالذي هو له أهل ثم يركع ركعتين إل انصرف من ذنوبه كيوم ولدته أمه"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه حدثنا محمد بن الفضل حمدثنا محممد‬
‫بن جعفر حدثنا إبراهيم بن يوسف حدثنا إسماعيل بن جعفر عممن العلء بممن‬
‫عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الّله تعالى عنه أن النبي صلى الّله عليممه‬
‫وسلم قممال "أل أدلكممم علممى مما يمحممو الل ّممه تعممالى بمه الخطايما وترفممع بمه‬
‫الدرجات؟ قالوا بلى يا رسممول اللممه‪ ،‬قممال إسممباغ الوضمموء فممي السممبرات‪،‬‬
‫والصبر على المكاره‪ ،‬وكممثرة الخطمما إلممى المسمماجد‪ ،‬وانتظممار الصمملة بعممد‬
‫الصلة‪ ،‬فذلكم الرباط" يعني الحصن من العدّو‪ ،‬ويقال يعني فضل الربمماط‬
‫الذي يرابط في سبيل الّله تعالى‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬حدثني أبي رحمه الّله بإسممناده عممن‬
‫عبد الّله بن سلم قال‪ :‬وجدت في بعممض مما أنممزل الّلمه عممز وجممل أن ممن‬
‫توضأ من كل حدث ولم يكن دخال على النساء في البيوت ولم يكسب مال ً‬
‫بغير حق رزق من الدنيا بغير حساب‪ .‬وروى أبمو هريممرة رضممي الل ّممه تعممالى‬
‫عنه عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال‪" :‬من بات طمماهرا ً فممي شممعار‬
‫طاهر بات ومعه ملك في شعاره فل يستيقظ ساعة من الليممل إل قممال لممه‬
‫الملك اللهم اغفر لعبدك فلن فإنه بات طاهرًا" وعن عمران بن أبان قال‪:‬‬
‫رأيت عثمان بن عفممان توضممأ فممأفرغ الممماء علممى يممديه ثلثما ً فغسمملهما ثممم‬
‫تمضمض واستنشق ثلثا ً ثم غسل وجهممه ثلثمما ثممم غسممل يممده اليمنممى إلممى‬
‫المرفقين ثلثا ً ثم اليسرى ثلثا ً ثم مسمح رأسمه ثمم غسمل قمدميه ثلثما ً ثمم‬
‫قال‪ :‬رأيت رسول الّله صلى الّله عليه وسلم توضمأ نحمو وضموئي همذا‪ ،‬ثمم‬
‫قال من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين‬

‫]ص ‪[141‬‬
‫لا يحدث نفسه فيهما بشيء من أمر الدنيا غفر له ما تقممدم مممن ذنبممه وممما‬
‫تممأخر" وروى ثوبممان عممن رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه وسمملم أنممه قممال‪:‬‬
‫"استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمممالكم الصمملة ول يحممافظ علممى‬
‫الوضوء إل مؤمن" قال معنى قوله صمملى الل ّممه عليممه وسمملم "لممن تحصمموا"‬
‫يعني لن تقدروا على ذلك إل بالجهد‪ .‬ويقال‪ :‬لن تقدروا أن تعدوا ثواب مممن‬
‫استقام على اليمان والطاعمة‪ ،‬ومعنمى قموله "ل يحمافظ علمى الوضموء إل‬
‫مؤمن" يعني الدوام على الوضوء من أخلق المؤمنين‪ ،‬فينبغي للمممؤمن أن‬
‫يكون النهار كله على الوضوء وينام بالليل على الوضوء فإنه إذا فعممل ذلممك‬
‫يحبه الّله ويحبه الحفظة ويكون في أمان الّله عز وجل‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضمي الّلمه تعممالى عنمه‪ :‬سممعت أبممي رحممه الّلمه يحكمي‬
‫بإسناده يقول‪ :‬بلغني أن عمر بن الخطاب رضي الّله تعالى عنه وجممه رجل ً‬
‫من أصحاب رسول الّله صلى الّله عليه وسلم إلممى مصممر لكسمموة الكعبممة‪،‬‬
‫فنزل الرجل بعض أرض الشام إلى جانب صومعة حبر من الحبار ولم يكن‬
‫حبر أعلم منه‪ ،‬فأحب رسول عمر أن يلقاه فيسمع منه علمه فأتاه يستفتح‬
‫باب داره فلم يفتح له طويل ً ثم دخل على الحبر فسأله ليسمع منه فأعجبه‬
‫علمه‪ ،‬فشكا إليه حبسه على بابه فقال له الحبر‪ :‬إنا كنا رأيناك حين عدلت‬
‫إلينا فرأيناك على هيبة السلطان فتخوفناك‪ ،‬وإنما حبسناك على البمماب لن‬
‫وفت سلطانا ً فتوضأ وأمممر‬ ‫الّله تبارك وتعالى قال لموسى‪ :‬يا موسى إذا تح ّ‬
‫أهلك بالوضوء فإن من توضأ كممان فممي أمممان مممما يتخمموف‪ ،‬فأغلقنمما دونممك‬
‫الباب حتى توضأت وتوضأ جميع مممن فممي الممدار وصمملينا فأمنمماك لممذلك ثممم‬
‫فتحنا لك الباب‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬ينبغي للذي يتوضأ أن يكون وضوؤه‬
‫مع التعظيم ويعلم أنه يريد زيارة ربه عز وجل‪ ،‬فينبغي أن يتوب من جميممع‬
‫ذنوبه أن الّله تبارك وتعالى جعل الغسل بالماء علمة لغسله مممن الممذنوب‪،‬‬
‫فينبغي أن يبدأ بذكر اسم الّله تعالى وإذا تمضمض واستنشممق يغسممل فمماه‬
‫من الغيبة والكذب كما غسله بالماء‪ ،‬وإذا غسممل وجهممه يغسممله مممن النظممر‬
‫إلى الحرام وكذلك في سائر العضمماء‪ ،‬فممإذا فممرغ مممن وضمموئه يممدعو الل ّممه‬
‫تعالى ويسبحه‪ .‬وقد روي في الخبر‪" :‬إن العبد المؤمن إذا فرغ من وضموئه‬
‫ثم قال‪ :‬سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن ل إله إل أنممت أسممتغفرك وأتمموب‬
‫إليك يختم بخاتم ثم يوضع تحت العرش فلممم يكسممر حممتى يممدفع إليممه يمموم‬
‫القيامة" وروى عقبة بن عامر عن عمر بن الخطاب رضي الّله تعممالى عنممه‬
‫أن النبي صلى الّله عليه وسمملم قممال "إذا فممرغ أحممدكم مممن وضمموئه فقممال‬
‫أشهد أن ل إله إل الّله وحده ل شريك له وأن محمد عبده ورسمموله فتحممت‬
‫له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شمماء" قممال‪ :‬حممدثني أبممي رحمممه الل ّممه‬
‫تعالى حدثنا إبراهيم بن نصر حدثنا حمد بن مسعدة المروزي عن عبد الّلممه‬
‫بن عبد المجيد عن عمران القطان عن قتادة عن خليد القصري‬

‫]ص ‪[142‬‬
‫عن أبي الدرداء رضي الّله تعالى عنه قال‪ :‬قال رسول الّله صلى الّله عليه‬
‫وسلم "خمس من جاء بهن يوم القيامة مع اليمان دخل الجنة‪ :‬من حممافظ‬
‫على الصلوات الخمممس فممي مممواقيتهن ووضمموئهن وركمموعهن وسممجودهن‪،‬‬
‫دى الزكاة من ماله طيبة به نفسه‪ ،‬ثم قال‪ :‬وايم الل ّممه ل يفعممل ذلممك‬ ‫ومن أ ّ‬
‫دى‬ ‫إل مؤمن‪ ،‬ومن صام رمضممان‪ ،‬وحممج الممبيت إن اسممتطاع إليممه سممبيل‪ ،‬وأ ّ‬
‫المانة‪ ،‬قالوا يا أبا الدرداء وما المانة؟ قال الغسل من الجنابممة‪ ،‬فممإن الل ّممه‬
‫تعالى لم يأتمن ابن آدم على شيء من دينه غيره" قال‪ :‬حدثني أبي رحمممه‬
‫م الفقيه بسمرقند حدثنا محمد بن‬ ‫الّله تعالى حدثنا أبو الحسن محمد بن ج ّ‬
‫إسماعيل المكي حممدثنا أبممو أسممامة حممدثنا أبممو الرمممان عممن أبممي الفضممائل‬
‫التيمي عن أبي ذرعة عمن أبمي هريمرة رضمي الّلمه تعمالى عنمه قمال‪ :‬قمال‬
‫رسول الّله صلى الّله عليه وسلم لبلل عنممد صمملة الفجممر "حممدثني بممأزكى‬
‫عمل عملته في السلم فإني سمعت الليلة خشف نعليك في الجنة؟ فقال‬
‫ما عملت عمل ً في السلم أزكمى عنمدي ممن أنمي لمم أتطهمر طهمورا ً فمي‬
‫در لمي" وفمي آخمر‪" :‬مما‬ ‫ساعة من ليل أو نهار إل صليت لربي أدنمى مما قم ّ‬
‫أحدثت إل أوجدت الطهارة وما تطهرت إل صليت ركعتين" والله أعلم‪.‬‬

‫باب الصلوات الخمس‬


‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رحمه الّله تعممالى حممدثنا محمممد بممن‬
‫الفضل حدثنا محمد بن جعفر حدثنا إبراهيم بن يوسف حدثنا يزيد بن زريممع‬
‫عن يونس عن الحسن أن النبي صلى الّله عليه وسلم قال‪" :‬مثل الخمممس‬
‫صلوات كمثل نهر جار على باب أحدكم كممثير الممماء يغتسممل فيممه كممل يمموم‬
‫خمس مرات فهل يبقى عليه من الدرن شيء" يعني أن الصلوات الخمس‬
‫تطهره من الذنوب ول يبقين عليه شيئا ً من الذنوب فيما دون الكبائر‪ ،‬وهذا‬
‫إذا صلى صلة على التعظيم ويتم ركوعها وسجودها‪ ،‬فإذا لممم يتممم ركوعهمما‬
‫ول سجودها فهي مردودة عليه‪ ،‬قال حممدثنا أبممو القاسممم عبممد الرحمممن بممن‬
‫محمد حدثنا فارس بن مردويه حمدثنا محممد بمن الفضمل حممدثنا أبمو الوليممد‬
‫هشام بن عبد الملك عن همام بن يحيى عن إسحاق بن عبد الّله عن يحيى‬
‫بن خلد عن أبيه عن عمه رفاعة بن رافع عن خالد قال "بينما نحن جلوس‬
‫حول رسول الّله صمملى الل ّممه عليممه وسمملم إذ دخممل رجممل فاسممتقبل القبلممة‬
‫فصلى فلما قضى صلته جمماء فسمملم علممى النممبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم‬
‫ل فإنممك‬‫وعلى القوم‪ ،‬فقال له رسول الّله صلى الّله عليه وسلم ارجع فص م ّ‬
‫ل‪،‬‬‫ل فإنممك لممم تصم ّ‬ ‫ل‪ ،‬فرجع الرجل وصلى‪ ،‬فلما رجع قال ارجع وصم ّ‬ ‫لم تص ّ‬
‫ي من‬ ‫أمره بذلك مرتين أو ثلثا‪ ،‬فقال الرجل ما آلوت فل أدري ما عبت عل ّ‬
‫صلتي؟ فقال النبي صلى الّله عليه وسمملم إنممه ل تتممم صمملة أحممدكم حممتى‬
‫يسبغ الوضوء كما أمره الّله تعممالى‪ ،‬فيغسممل وجهممه ويممديه إلممى المرفقيممن‬
‫ويمسح رأسه ويغسل رجليه إلى الكعبين‪ ،‬ثم يكممبر الل ّممه ويحمممده ثممم يقممرأ‬
‫من القرآن ما أذن له فيممه‪ ،‬ويركممع فيضممع كفيممه علممى ركبممتيه حممتى تطمئن‬
‫مفاصله ويسترخي‪،‬‬

‫]ص ‪[143‬‬
‫ثم يرفع رأسه ويقول سمع الّله لمن حمده‪ ،‬فيستوي قائما ً حتى يقيم صلبه‬
‫ويأخذ كل عضو مأخذه‪ ،‬ثمم يكمبر فيسمجد فيمكمن وجهممه ممن الرض حممتى‬
‫تطمئن مفاصله ويسترخي‪ ،‬ثم يكمبر فيسمتوي قاعمدا ً علمى مقعمدته ويقيمم‬
‫صلبه‪ ،‬فوصف صلته هكذا أربع ركعات حممتى فممرغ‪ ،‬ثممم قممال‪ :‬ل تتممم صمملة‬
‫أحدكم حتى يفعمل ذلمك" فقمد أممر النمبي صملى الّلمه عليمه وسملم بإتممام‬
‫الركوع والسجود وأخبر أن الصلة ل تقبل إل هكذا‪ ،‬فينبغي للعبد أن يجتهممد‬
‫في إتمام الركوع والسجود لتكون صلته كفارة لما يفعل قبلهمما مممن الزلممل‬
‫والخطايا دون الكبائر‪.‬‬
‫ّ‬
‫)قال الفقيه( رضي الله تعالى عنه‪ :‬حدثنا محمد بن الفضل حدثنا فارس‬
‫بن مردويه حدثنا أبو عبد الرحمن المقري عممن حيمموة بممن شممريح عممن أبممي‬
‫عقيل عن الحارث مولى عثمان رضي الّله تعالى عنه قممال‪ :‬جلممس عثمممان‬
‫يوما ً وجلسنا معه فجاء المؤذن فدعا عثمممان رضممي الل ّممه تعممالى عنممه بممماء‬
‫فتوضأ ثم قال‪ :‬رأيت رسول الّله صلى الّله عليه وسلم توضأ نحممو وضمموئي‬
‫هذا وسمعته يقول "من توضأ وضوئي هذا ثم قام فصلى صلة الظهر غفممر‬
‫الّله له ما كان بينها وبين صلة الصبح‪ ،‬ثم صلى العصمر غفمر لمه مما بينهمما‬
‫وبين صلة الظهر‪ ،‬ثم صلى صلة المغرب غفممر لممه ممما بينهممما وبيممن صمملة‬
‫العصر‪ ،‬ثم صلى صلة العشاء غفر الّله له ما بينها وبين المغرب‪ ،‬ثممم لعلممه‬
‫يبيت يتمرغ ليلته ثم إذا قام وتوضأ وصمملى الصممبح غفممر لممه ممما بينهمما وبيممن‬
‫صلة العشاء الخرة وهن الحسنات يذهبن السمميئات قممالوا هممذه الحسممنات‬
‫فما الباقيات الصالحات؟ قال سبحان الّله والحمد لله ول إله إل الل ّممه واللممه‬
‫أكبر ول حول ول قوة إل بالله العلي العظيم" قال وروى عن عبممد الل ّممه بممن‬
‫مسعود رضي الّله تعالى عنه أنه قال‪ " :‬من سره أن يلقى الّله غدا مسلما‬
‫فليحافظ على هؤلء الصمملوات المفروضممات حيممث ينممادى بهممن‪ ،‬فممإن الل ّممه‬
‫تعالى شرع لنبيكم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى‪ ،‬فلعمري لممو صممليتم‬
‫في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولممو تركتممم‬
‫سنة نبيكم لضللتم ولقد أتى علينا زمان وما يتخلف عنهن إل منافق معلمموم‬
‫نفاقه‪ ،‬ولقد رأينا الرجل يتهادى بين اثنين حتى يقام فممي الصممف‪ ،‬وممما مممن‬
‫رجل يتطهر فيحسن طهوره ثم يعمد إلى مسجد من المساجد فيصلي فيه‬
‫إل كتب الّله له بكل خطوة حسنة ويرفع لممه بهمما درجممة ويحممط عنممه خطيئة‬
‫حتى إنا كنا لنقارب بين الخطا‪ ،‬وإن صلة الرجل فممي الجماعممة تزيممد علممى‬
‫صلة الرجل وحده خمسا ً وعشرين درجة"‪ .‬وعن جابر بن عبممد الل ّممه رضممي‬
‫الّله تعالى عنهما أنه قال‪ :‬أردنا النقلة إلى المسجد والبقاع حممول المسممجد‬
‫لنا خالية فبلغ النبي صلى الّله عليه وسلم فأتانا في ديارنمما فقمال " يما بنممي‬
‫سلمة بلغني أنكم تريدون النقلة إلى المسجد قلنا يا رسممول الل ّممه بعممد عنمما‬
‫المسجد والبقاع حوله خالية فقال يا بني سلمة دياركم فإنها تكتب آثاركم"‬
‫قال فما وددنا أن نكون بحضرة المسجد لممما قممال النممبي صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم الذي قاله‪.‬‬

‫]ص ‪[144‬‬
‫وروى أنس بن مالك رضي الّله تعالى عنه عن النبي صلى الّله عليه وسلم‬
‫أنه قال" من صلى في الجماعة أربعين يوما ً لم تفتممه ركعممة كتممب الل ّممه لممه‬
‫براءتين براءة من النار وبراءة من النفاق" قال‪ :‬حممدثنا محمممد بممن الفضممل‬
‫بإسناده عن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الّله عليه وسمملم قممال "مممن‬
‫توضأ فأسبغ الوضوء‪ ،‬ثم قام إلى الصلة فأتم ركوعها وسممجودها والقممراءة‬
‫فيها قالت الصلة حفظك الّله كما حفظتني‪ ،‬ثم يصعد بها إلى السماء ولهمما‬
‫ضوء ونور ففتح لها أبواب السماء حتى ينتهي بها إلممى الل ّممه تبممارك وتعممالى‬
‫فتشفع لصاحبها‪ ،‬فإذا ضيع ركوعها وسجودها والقممراءة فيهمما قممالت الصمملة‬
‫ضيعك الّله كما ضيعتني ثم يصعد بها ولها ظلمة حتى ينتهي بها إلى السماء‬
‫فتغلق أبواب السماء دونها‪ ،‬ثم تلف كممما يلممف الثمموب الخلممق فيضممرب بهما‬
‫وجممه صمماحبها" وعممن الحسممن أن النممبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم قممال "أل‬
‫أخبركم بأسوأ الناس سرقة؟ قالوا من هو يا رسول الله؟ قال الذي يسرق‬
‫من صلته‪ ،‬قالوا وكيف يسرق من صلته؟ قال ل يتم ركوعها ول سممجودها‪،‬‬
‫وعن سلمان الفارسي رضي الّله تعالى عنه قال‪ :‬الصلة مكيال فمن وفى‬
‫مكياله وفي له ومن طفف فقد علمتم ما قال الّله تعمالى فمي المطففيمن‪.‬‬
‫وروى أبو هريرة رضي الّله تعالى عنه عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنممه‬
‫قال‪" :‬أثقممل الصمملة علممى المنممافقين صمملة العشمماء الخممرة والفجممر‪ ،‬ولممو‬
‫يعلمون ما فيهما من الجر لتوهما ولممو حبمموا" وعممن بريممدة السمملمي عممن‬
‫النبي صملى الّلمه عليمه وسملم أنمه قمال‪" :‬بشمر المشمائين فمي ظلمم إلمى‬
‫المساجد بالنور التام يوم القيامة" وعن أبي هريرة رضي الل ّممه تعممالى عنممه‬
‫أن النبي صلى الّله عليه وسلم قال "لقد هممت أن آمر بالصلة فتقام‪ ،‬ثم‬
‫أخرج بفتيان معهم حزم من الحطب فأحرق علممى قمموم ديممارهم يسمممعون‬
‫النداء ثم ل يأتون الصلة" وروى عن عبادة بن الصامت رضممي الل ّممه تعممالى‬
‫عنه عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال "خمس صلوات افممترض الل ّممه‬
‫تعالى على عباده فمن جاء بهن تامات ولم ينقصهن اسممتخافا بحقهممن كممان‬
‫له عند الّله عهد أن يدخله الجنة‪ ،‬ومن تركهن استخفافا بحقهن لم يكن لممه‬
‫عند الّله عهد إن شاء رحمه وإن شاء عذبه"‪ .‬وروى عن عطمماء رحمممه الل ّممه‬
‫ه{‬‫ن ذ ِك ْمرِ الل ّم ِ‬ ‫جاَرة ٌ َول ب َي ْعٌ ع َ م ْ‬ ‫ل ل ت ُل ِْهيهِ ْ‬
‫م تِ َ‬ ‫تعالى في قول الّله تعالى‪} :‬رِ َ‬
‫جا ٌ‬
‫ن‬
‫م ع َم ْ‬ ‫جمماَفى ُ‬
‫جن ُمموب ُهُ ْ‬ ‫قممال‪ :‬شممهود الصمملة المكتوبممة وفممي قمموله تعممالى }ت َت َ َ‬
‫جِع{ قال‪ :‬صلة العتمة‪.‬‬ ‫ضا ِ‬
‫م َ‬
‫ال َ‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬حدثني أبي رحمه الّله تعممالى حممدثنا‬
‫أحمد بن يحيى حدثنا أحمد بن منصور حدثنا هودة بن خليفة عن عمموف بممن‬
‫أبي جميلة عن أبي المنهال عن شهر بن حوشب عن عبد الل ّممه بممن عبمماس‬
‫رضي الّله تعالى عنهما أنه قال‪ :‬إذا كممان يمموم القيامممة وجمممع الخلئق فممي‬
‫صعيد واحد جنهم وإنسهم والمم جثيا صفوفا فينادى مناد سمتعلمون اليمموم‬
‫من أصحاب الكرم‪ ،‬ليقم الحمادون لله على كل حال فيقومون فيسممرحون‬
‫إلى الجنة‪ ،‬ثم‬

‫]ص ‪[145‬‬
‫جمماَفى‬‫ينادى ثانيممة سممتعلمون اليمموم مممن أصممحاب الكممرم‪ ،‬ليقممم الممذين }ت َت َ َ‬
‫ن{‬ ‫قممو َ‬ ‫ممما َرَزقْن َمماهُ ْ‬
‫م ُينفِ ُ‬ ‫م ّ‬‫مع ما ً وَ ِ‬ ‫وفا ً وَط َ َ‬
‫خ ْ‬‫م َ‬ ‫ن َرب ّهُ ْ‬ ‫عو َ‬
‫جِع ي َد ْ ُ‬
‫ضا ِ‬
‫م َ‬
‫ن ال َ‬‫م عَ ْ‬ ‫جُنوب ُهُ ْ‬
‫ُ‬
‫فيقومون فيسرحون إلى الجنة‪ ،‬ثم ينادى ثالثة ستعلمون اليوم من أصحاب‬
‫ة‬
‫صل ِ‬ ‫ن ذ ِك ْرِ الّله وَإ َِقام ِ ال ّ‬ ‫جاَرة ٌ َول ب َي ْعٌ ع َ ْ‬ ‫ل ل ت ُل ِْهيهِ ْ‬
‫م تِ َ‬ ‫جا ٌ‬ ‫الكرم ليقم الذين }رِ َ‬
‫ة{ فيقومممون فيسممرحون إلممى الجنممة‪ ،‬فممإذا أخممذ هممؤلء الثلثممة‬ ‫وَِإيَتاِء الّزك َمما ِ‬
‫منازلهم يخرج عنق مممن النممار فأشممرف علممى الخلئق لممه عينممان بصمميرتان‬
‫ولسان فصيح فيقول‪ :‬إني وكلت بهم في بثلثة‪ ،‬إني وكلت بكل جبممار عنيمد‬
‫فيلقطهم من الصفوف كلقط الطير حب السمسم فيخنس بهم في جهنم‪،‬‬
‫ثم يخرج الثانية فيقول إني وكلممت بمممن آذى الل ّممه ورسمموله فيلقطهممم مممن‬
‫الصفوف فيخنس بهم في جهنم‪ ،‬ثم يخرج الثالثة‪.‬‬
‫قال أبو المنهال‪ :‬حسبت أنه قال‪ :‬إني وكلت بأصحاب التصاوير فيلقطهم‬
‫من الصفوف فيخنس بهم في جهنم‪ ،‬فإذا أخذ من هؤلء الثلثة ومن هممؤلء‬
‫الثلثة نشرت الصحف ووضع الميزان ودعى الخلئق للحساب‪.‬‬
‫وذكر أن إبليس لعنه الّله كان يرى في الزمن الول‪ ،‬فقال له رجل يا أبا‬
‫مرة كيف أصنع حتى أكون مثلك؟ قال ويحك لم يطلب مني أحد مثل هممذا‪،‬‬
‫فكيف تطلب أنت؟ فقال الرجل‪ :‬إني أحب ذلمك‪ ،‬فقممال لممه إبليممس أمما إن‬
‫أردت أن تكون مثلي فتهاون بالصلة ول تبال من الحلممف صممادقا ً أو كاذبمما‪،‬‬
‫فقال له الرجل لقممد عاهممدت الل ّممه أن ل أدع الصمملة ول أحلممف يمينما ً أبممدا‪،‬‬
‫فقال له إبليس ما تعلم أحد مني بالحتيال غيرك‪ ،‬وأنا عاهممدت أن ل أنصممح‬
‫آدميا ً قط‪ .‬وروى عن أبي الدرداء رضي الّله تعالى عنه أنه قال‪ :‬أكرم عبمماد‬
‫الل ّممه علممى الل ّممه الممذين يراعممون الشمممس والقمممر‪ ،‬قممالوا يمما أبمما الممدرداء‪:‬‬
‫المؤذنون؟ قال‪ :‬كل من يراعي وقت الصمملة مممن المسمملمين‪ .‬قممال حممدثنا‬
‫محمد بن داود حدثنا محمد بن أحمد الخطيب النيسابوري حدثنا أبممو عمممرو‬
‫أحمد بن خالد الحراني عن يعقوب بممن يوسممف عممن محمممد بممن معممن عممن‬
‫جعفر بن محمد عن أبيه عن جده رضي الّله تعالى عنه قممال‪ :‬قممال رسممول‬
‫الّله صلى الّله عليممه وسمملم "الصمملة مرضمماة للممرب تبممارك وتعممالى وحممب‬
‫الملئكة وسنة النبياء ونور المعرفة وأصل اليمان‪ ،‬وإجابممة الممدعاء وقبممول‬
‫العمال وبركة في المرزق وراحمة للبمدان‪ ،‬وسمملح علمى العممداء وكراهيممة‬
‫للشمميطان‪ ،‬وشممفيع بيممن صمماحبها وبيممن ملممك الممموت‪ ،‬وسممراج فممي قممبره‪،‬‬
‫وفراش تحت جنبه وجواب مع منكمر ونكيمر‪ ،‬وممؤنس فمي قمبره إلمى يموم‬
‫القيامة‪ ،‬فإذا كممانت القيامممة صممارت الصمملة ظل فمموقه وتاجمما علممى رأسممه‬
‫ولباسا على بدنه ونممورا يسممعى بيممن يممديه وسممترا بينممه وبيممن النممار‪ ،‬وحجممة‬
‫للمؤمنين بين يدي الرب تبممارك وتعممالى وثقل فممي الممموازين وجمموازا ً علممى‬
‫الصممراط ومفتاح ما ً للجنممة‪ ،‬لن الصمملة تسممبيح وتحميممد وتقممديس وتعظيممم‬
‫وقممراءة ودعمماء وإن أفضممل العمممال كلهمما الصمملة لوقتهمما"‪ .‬وعممن الحسممن‬
‫البصري رحمه الّله تعالى أن رسول الّله صلى الّله عليه وسمملم قممال "أّول‬
‫ون عليه‬‫ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلة‪ ،‬فإن كان قد أتمها ه ّ‬

‫]ص ‪[146‬‬
‫ّ‬
‫الحساب وإن كان قد انتقص منها شيئا قال الله تعالى لملئكته هل لعبممدي‬
‫وع وإن تممم جممرى جميممع العمممال علممى‬ ‫من تطوع فأتموا الفريضة من التط ّ‬
‫حساب ذلك" ويقال من داوم على الصلوات الخمس في الجماعممة أعطمماه‬
‫الّله تعالى خمس خصال‪ :‬أّولها يرفع عنه ضيق العيش‪ ،‬ويرفممع عنممه عممذاب‬
‫القبر‪ ،‬ويعطى كتابه بيمينه‪ ،‬ويمر علممى الصممراط كممالبرق الخمماطف ويممدخل‬
‫الجنة بغير حساب‪ .‬ومن تهاون بالصلوات الخمس في الجماعة عاقبه الّلممه‬
‫تعالى باثنتي عشرة خصلة‪ :‬ثلثة في الدنيا‪ ،‬وثلثة عند الممموت‪ ،‬وثلثممة فممي‬
‫القبر‪ ،‬وثلثة يوم القيامة‪ ،‬أما الثلثة التي في الدنيا‪ :‬فإنه ترفممع البركممة مممن‬
‫كسبه ورزقه‪ ،‬ول يقبممل منممه سممائر عملممه‪ ،‬وينممزع سمميما الخيممر مممن وجهممه‬
‫ويكون بغيضا ً فممي قلمموب النمماس‪ ،‬وأممما الممتي عنممد الممموت‪ :‬فتقبممض روحممه‬
‫عطشان جائعا ً ويشتد نزعه‪ ،‬وأممما الممتي فممي القممبر‪ :‬فمسممئلة منكممر ونكيممر‬
‫وظلمة القبر وضيقه‪ ،‬وأما التي في القيامة فشممدة حسممابه وغضممب الممرب‬
‫عليه وعقوبة الّله تعالى له في النار‪ ،‬وقد روى عن أبي ذر عن النبي صمملى‬
‫الّله عليه وسلم نحو هذا‪.‬‬
‫وروى عن مجاهد أن رجل ً جاء إلى ابن عباس رضي الل ّممه تعممالى عنهممما‬
‫فقال‪ :‬يا ابن عباس‪ :‬ما تقول في رجل يقوم الليل ويصوم النهار ول يشممهد‬
‫جمعة ول يصلي في الجماعة فمات على ذلممك‪ ،‬فممأين هممو؟ فقممال هممو فممي‬
‫النار‪ ،‬فاختلف إليه شهرا يسأله عممن ذلممك وهممو يقممول هممو فممي النممار قممال‪:‬‬
‫ي بممن أبممي طممالب كممرم الل ّممه‬ ‫حدثني أبي رحمه الّله تعالى بإسناده عن عل م ّ‬
‫وجهه أنه قال‪ :‬ليأتّين على الناس زمان ل يبقمى ممن السمملم إل اسممه ول‬
‫من القرآن إل رسمه‪ ،‬ومساجدهم يومئذ عمامرة وهممي ممن الهممدى خمراب‪،‬‬
‫علماؤهم يومئذ شر علماء تحممت أديممم السممماء‪ ،‬مممن عنممدهم تخممرج الفتنممة‬
‫وفيهم تعود‪ ،‬قال وهب بن منبه‪ :‬إن الحوائج لممم تطلممب مممن الل ّممه إل بمثممل‬
‫الصلة‪ ،‬وكانت الكروب العظام تكشف عن الولين بالصلة‪ ،‬قلما نزل بأحد‬
‫منهم كربة إل كان مفزعه إلى الصلة‪ ،‬وقال الّله عز وجل في قصة يممونس‬
‫ث فِممي ب َط ْن ِمهِ إ ِل َممى‬
‫ن ل َل َب ِم َ‬ ‫َ‬
‫حي َ‬
‫سمب ّ ِ‬ ‫م َ‬
‫ن ال ُ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫عليه الصلة والسلم }فَل َ ْ‬
‫ول أن ّ ُ‬
‫ن{ قال ابن عبمماس‪ :‬كممان مممن المصمملين‪ .‬قممال الحسممن البصممري‬ ‫ي َوْم ِ ي ُب ْعَُثو َ‬
‫رحمة الّله تعالى عليه‪ :‬إن التضممرع فممي الرخمماء اسممتعاذة مممن نممزول البلء‬
‫ويجد صاحبه متكأ إذا نزل به‪ .‬قال النبي صلى الّله عليه وسلم "ممما أعطممى‬
‫عبد عطاء خير من أن يؤذن له في ركعتين يصليهما" قال محمد بن سيرين‬
‫رحمه الّله تعالى‪ :‬لو خيرت بين ركعتين وبين الجنة لخترت الركعتين علممى‬
‫الجنة‪ ،‬لن في الركعتين رضا الّله تعالى وفي الجنة رضائي‪ .‬ويقال إن الّلممه‬
‫تعالى لما خلق سبع سموات حشاها بالملئكة وتعبدهم بالصلة فل يفممترون‬
‫ساعة‪ ،‬فجعل لكل أهل سممماء نوعما ً مممن العبممادة فأهممل سممماء قيممام علممى‬
‫أرجلهم إلى نفخة الصور‪ ،‬وأهل سماء ركع وأهل سماء سجد‪ ،‬وأهممل سممماء‬
‫مرخية الجنحة من هيبته‪ ،‬وأهل عليين وأهل العرش وقوف يطوفون حممول‬
‫العرش يسبحون بحمد ربهم‬

‫]ص ‪[147‬‬
‫ويستغفرون لمن في الرض‪ ،‬فجمع الّله ذلك كله في صمملة واحممدة كرامممة‬
‫للمؤمنين حتى يكون لهم حظ من عبادة كل سماء‪ ،‬وزادهم القممرآن يتلممونه‬
‫فيها فطلب منهم شكرها‪ ،‬وشكرها إقامتها بشممرائطها وحممدودها قممال الل ّممه‬
‫ن{‬ ‫قممو َ‬ ‫م ُينفِ ُ‬ ‫ممما َرَزقْن َمماهُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫صمملة َ وَ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مممو َ‬ ‫قي ُ‬ ‫ب وَي ُ ِ‬ ‫ن ب ِممالغَي ْ ِ‬ ‫ن ي ُؤ ْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ذي َ‬‫تعالى }ال ّ ِ‬
‫ة{‬ ‫صممل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫مي م َ‬ ‫قي ِ‬
‫م ِ‬‫ة{ وقال }َوال ُ‬ ‫صل َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ة{ وقال }وَأقِ ْ‬ ‫صل َ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫وقال }وَأِقي ُ‬
‫فلم نجد ذكر الصلة في موضع من التنزيل إل مممع ذكممر إقامتهمما‪ ،‬فلممما بلممغ‬
‫ن{‬ ‫هو َ‬ ‫سما ُ‬ ‫م َ‬ ‫صملت ِهِ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ع َم ْ‬ ‫هم ْ‬ ‫ن ُ‬‫ذي َ‬ ‫ن اّلم ِ‬ ‫صمّلي َ‬ ‫م َ‬ ‫ل ل ِل ْ ُ‬‫الذكر المنافقين قال }فَوَي ْم ٌ‬
‫فسماهم المصمملين وسمممى المممؤمنين المقيميممن الصمملة‪ ،‬وذلممك ليعلممم أن‬
‫المصلين كثير والمقيمين للصلوات قليممل‪ ،‬فأهممل الغفلممة يعملممون العمممال‬
‫على الترويح ول يذكرون يوم تعرض على الّله فتقبل أم ترد‪.‬‬
‫وروى عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنممه قممال "إن منكممم مممن يصمملي‬
‫الصلة فل يكتب له من صلته إل ثلثها أو ربعها أو خمسها أو سدسممها حممتى‬
‫ذكر عشرها" يعني أنه ل يكتب لممه مممن صمملته إل ممما عقممل منهمما ل ماسممها‬
‫عنها‪ .‬وروى عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنممه قممال "مممن صمملى ركعممتين‬
‫مقبل على الّله بقلبه خرج من ذنوبه كيمموم ولممدته أمممه" وإنممما عظممم شممأن‬
‫صلة العبد بإقبال العبد على الّله فإذا لممم يقبممل علممى صمملته ولهمما بحممديث‬
‫النفس كان بمنزلة من قد وقف إلى باب ملك معتذرا مممن خطيئتممه وزلتممه‪،‬‬
‫فلما وصل إلى باب الملك قام بين يديه وأقبل عليه الملك فجعممل الواقممف‬
‫يلتفت يمينا ً وشمال فإن الملك ل يقضي حمماجته‪ ،‬وإنممما يقبممل الملممك عليممه‬
‫على قدر عنايته‪ ،‬فكذلك الصلة إذا قام العبد فيها وسها فيها ل تقبل منه‪.‬‬
‫واعلم أن مثل الصلة كمثل ملك اتخذ عرسا فاتخذ وليمة وهيأ فيها ألوانا ً‬
‫من الطعمة والشربة لكل لون لذة وفي كل لون منفعممة‪ ،‬فكممذلك الصمملة‬
‫دعاهم الرب إليها وهيأ لهم فيها أفعال ً مختلفة وأذكار فتعبمدهم بهما ليلمذهم‬
‫بكل لون من العبودية فالفعال كالطعمة والذكار كالشربة‪ .‬وقممد قيممل إن‬
‫في الصلة اثنتي عشر ألف خصلة ثم جمعت همذه الثنتما عشمرة ألفما فمي‬
‫اثنممتي عشممرة خصمملة‪ ،‬فمممن أراد أن يصمملي فلبمد ّ أن يتعاهممد هممذه الثنممتي‬
‫عشرة خصلة لّتتم صلة‪ ،‬فستة قبل الدخول في الصلة وستة بعدها‪ :‬أّولهمما‬
‫العلم لن النبي صلى الّله عليه وسلم قال "عمل قليل في علممم خيممر مممن‬
‫عمل كثير في جهل" والثاني الوضوء لقوله صلى الّله عليه وسلم "ل صلة‬
‫د{‬ ‫ج ٍ‬ ‫سم ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عن ْمد َ ك ُم ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ذوا ِزين َت َك ُم ْ‬ ‫خم ُ‬ ‫إل بطهور" والثالث اللباس لقوله تعممالى} ُ‬
‫يعني البسوا ثيابكم عند كل صلة‪ ،‬والرابممع حفممظ المموقت لقمموله عممز وجممل‬
‫موُْقوتًا{ يعني فرضما ً مؤقتمًا‪ ،‬والخممامس‬ ‫ن ك َِتابا ً َ‬ ‫مِني َ‬ ‫ت ع ََلى ال ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫صلة َ َ‬
‫كان َ ْ‬ ‫}ال ّ‬
‫ث‬ ‫حْيمم ُ‬ ‫حَرام ِ وَ َ‬ ‫جد ِ ال َ‬ ‫س ِ‬‫م ْ‬ ‫شط َْر ال َ‬ ‫ك َ‬ ‫جه َ َ‬ ‫ل وَ ْ‬‫استقبال القبلة لقوله عز وجل }فَوَ ّ‬
‫ه{ يعني نحوه‪ ،‬والسادس النيممة لقمموله صمملى‬ ‫شط َْر ُ‬ ‫م َ‬ ‫جوهَك ُ ْ‬‫م فَوَّلوا وُ ُ‬ ‫ما ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫الله عليه وسلم "إنما العمال بالنيات وإنما لكل امرئ ممما نمموى"‪ ،‬والسممابع‬ ‫ّ‬
‫التكبير لقوله صلى الّله عليه وسلم "تحريمهمما التكممبير وتحليلهمما التسممليم"‪،‬‬
‫موا ل ِل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫والثامن القيام لقوله عز وجل }وَُقو ُ‬

‫]ص ‪[148‬‬
‫ممما‬‫ن{ يعني صلوا لله قائمين‪ ،‬والتاسع القراءة لقوله تعالى }َفاقَْرُءوا َ‬ ‫قَان ِِتي َ‬
‫ع‬
‫ممم َ‬‫ن{ والعاشممر الركمموع لقمموله عممز وجممل‪َ} :‬واْرك َُعمموا َ‬ ‫قممْرآ ِ‬‫ن ال ُ‬
‫ممم ْ‬‫سممَر ِ‬‫ت َي َ ّ‬
‫دوا{ والثمماني‬ ‫ج ُ‬
‫سم ُ‬
‫ن{ والحادي عشر السجود لقمموله عممز وجمملّ‪َ} :‬وا ْ‬ ‫الّراك ِِعي َ‬
‫عشر القعدة لقوله صلى الّله عليه وسلم‪" :‬إذا رفع الرجل رأسه مممن آخممر‬
‫السجدة وقعد قدر التشهد فقد تمت صلته" فإذا وجممدت هممذه الثنمما عشممر‬
‫يحتاج إلى الختم وهممو الخلص لتتممم هممذه الشممياء لن الل ّممه تعممالى يقممول‪:‬‬
‫ن{ فأممما العلممم فعلمى ثلثممة أوجممه‪ :‬أّولهما أن‬ ‫دي َ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ه ال ّ‬ ‫صي َ‬
‫خل ِ ِ‬
‫م ْ‬‫عوا الّله ُ‬ ‫}َفاد ْ ُ‬
‫يعرف الفريضة من السنة لن الصلة ل تجوز إل به‪ ،‬والثمماني أن يعممرف ممما‬
‫في الوضوء والصملة ممن الفريضمة والسممنة فمإن ذلمك ممن تممام الصملة‪،‬‬
‫والثالث أن يعرف كيد الشيطان فيأخذ في محاربته بالجهاد‪ ،‬وأممما الوضمموء‪:‬‬
‫فتمامه في ثلثة أشياء‪ :‬أولها أن تطهر قلبممك مممن الغممل والحسممد والغممش‪،‬‬
‫والثاني أن تطهر البممدن مممن الممذنوب‪ ،‬والثممالث أن تغسممل العضمماء غس مل ً‬
‫سابغا ً بغير إسراف في الماء‪ .‬أممما اللبمماس فتمممامه بثلثممة أشممياء‪ :‬أولهمما أن‬
‫يكون أصله من الحلل‪ ،‬والثاني أن يكون طاهرا ً من النجاسات‪ ،‬والثالث أن‬
‫يكون موافقا ً للسنة‪ ،‬ول يكون لبسه على وجه الفخر والخيلء‪ .‬وأممما حفممظ‬
‫الوقت ففممي ثلثمة أشمياء‪ :‬أولهما أن يكمون بصمرك إلمى الشممس و القمممر‬
‫والنجوم تتعاهمد بمه حضمور المموقت‪ ،‬والثماني أن يكمون سممعك إلممى الذان‬
‫والثالث أن يكون قلبك متفكرا ً متعاهدا للوقت‪ .‬وأما استقبال القبلة فتمامه‬
‫في ثلثة أشياء‪ :‬أولها أن تستقبل القبلة بوجهك‪ ،‬والثاني أن تقبل على الّله‬
‫ل‪ .‬وأما النية فتمامهما فممي ثلثمة أشمياء‪:‬‬ ‫بقلبك‪ ،‬والثالث أن تكون خاشعا ً ذلي ً‬
‫أولها أن تعلم أي صلة تصلي‪ ،‬والثاني أن تعلممم أنممك تقمموم بيممن يممدي الل ّممه‬
‫تعالى وهو يراك فتقوم بالهيبة‪ ،‬والثممالث أن تعلممم أنممه يعلممم ممما فممي قلبممك‬
‫فتفرغ قلبك من أشغال الدنيا‪ .‬وأما التكبير فتمامه فممي ثلثممة أشممياء‪ .‬أولهمما‬
‫أن تكبر تكبيرا ً صحيحا ً حزما‪ ،‬والثاني أن ترفع يممديك حممذاء أذنيممك‪ ،‬والثممالث‬
‫أن يكون قلبك حاضرا ً فتكممبر مممع التعظيممم‪ .‬وأممما تمممام القيممام ففممي ثلثممة‬
‫أشياء‪ :‬أولها أن تجعل بصرك في موضع سجودك‪ ،‬والثاني أن تجعممل قلبممك‬
‫ل‪ .‬وأما تمممام القممراءة ففممي ثلثممة‬ ‫إلى الله‪ ،‬والثالث أل تلتفت يمينا ً ول شما ً‬
‫أشياء‪ :‬أولها أن تقممرأ فاتحممة الكتمماب قممراءة صممحيحة بالترتيممل بغيممر لحممن‪،‬‬
‫والثاني أن تقرأ بالتفكر وتتعاهد معانيها‪ ،‬والثالث أن تعمممل بممما تقممرأ‪ .‬وأممما‬
‫تمممام الركمموع‪ ،‬ففممي ثلثممة أشممياء‪ :‬أولهمما أن تبسممط ظهممرك ول تنكسممه ول‬
‫ترفعه‪ ،‬والثاني أن تضع يديك على ركبتيك وتفّرج بين أصابعك‪ ،‬والثممالث أن‬
‫تطمئن راكعا ً وتسبح التسبيحات مع التعظيمم والوقمار‪ ،.‬أمما تممام السمجود‬
‫ففي ثلثة أشياء‪ :‬أّولها أن تضممع يممديك بحممذاء أذنيممك‪ ،‬والثمماني أن ل تبسممط‬
‫ذراعيك‪ ،‬والثالث أن تطمئن فيها وتسبح مع التعظيممم وأممما تمممام الجلمموس‬
‫ففي ثلثة أشياء‪ :‬أولها أن تقعد على رجلك اليسرى وتنصب اليمنممى نصممبًا‪،‬‬
‫والثاني أن تتشهد بالتعظيم وتدعو لنفسك وللمؤمنين‪ ،‬والثالث أن‬

‫]ص ‪[149‬‬
‫تسلم على التمام‪ .‬وأما تمام السلم فأن تكون مع النية الصادقة من قلبك‬
‫أن سلمك على من كان على يمينك من الحفظة والرجال والنساء وكممذلك‬
‫عن يسارك‪ ،‬ول يتجاوز بصرك عن منكبيك‪ ..‬وأما تمام الخلص ففممي ثلثممة‬
‫أشياء‪ :‬أّولها أن تطلمب بصمملتك رضمما الّلمه تعممالى ول تطلمب رضما النمماس‪،‬‬
‫والثاني أن ترى التوفيق من الّله تعالى‪ ،‬والثالث أن تحفظها حتى تذهب بها‬
‫ة{ ولممم يقممل‬ ‫سن َ ِ‬
‫ح َ‬‫جاَء ِبال َ‬
‫ن َ‬ ‫مع نفسك يوم القيامة‪ ،‬لن الّله تعالى قال‪َ } :‬‬
‫م ْ‬
‫من عمل الحسنة‪.‬‬
‫وينبغي للمصلي أن يعلم ماذا يفعل ويعرف قدره ليحمد الّله تعالى على‬
‫ما وفقه فإن الصلة قد جمعت فيها أنواع الخير من الفعال والذكممار‪ ،‬فممإذا‬
‫ل‪ :‬يقممول الل ّممه‬‫قام العبد إلى الصلة وقال الّله أكبر ومعناه الّله أعظم وأج م ّ‬
‫ي‪ ،‬فإذا كبر ورفممع‬ ‫تعالى قد علم عبدي أني أكبر من كل شيء وقد أقبل عل ّ‬
‫اليدين إلى أذنيه‪ ،‬ومعنى رفع اليدين هو التبرئة من كممل معبممود سمموى الل ّممه‬
‫تعالى‪ ،‬ثم يقول )سممبحانك اللهممم وبحمممدك( وتعلممم فممي قلبممك معنممى هممذا‬
‫القول )سبحانك اللهم( يعني تنزيها ً للممه عممن كممل سمموء ونقممص )وبحمممدك(‬
‫يعني أن لك الحمد )وتبارك اسمك( يعني جعلت البركة اسمك أي فما ذكر‬
‫دك( يعني ارتفع قدرك وعظمتممك )ول إلممه‬ ‫عليه اسمك‪ ،‬ثم تقول )وتعالى ج ّ‬
‫غيرك( يعني ل خممالق ول رازق ول معبممود غيممرك لممم يكممن فيممما مضممى ول‬
‫يكون فيما بقى‪ ،‬ثم تقول )أعوذ بالله من الشيطان الرجيممم( يعنممي أسممألك‬
‫أن تعيذني وتمنعني من فتنة الشيطان الملعون الرجيم )بسم الّله الرحمن‬
‫الرحيم( فمعنى قوله بسم الله‪ :‬يعني‪ :‬الّول فل شيء قبله ول شيء بعده‪،‬‬
‫الرحمن‪ :‬العاطف على جميع خلقه بالرزق‪ ،‬الرحيم‪ :‬الباّر بالمؤمنين خاصممة‬
‫يوم القيامة‪ ،‬ثم تقرأ فاتحة الكتاب إلى آخرها‪ :‬يعنممي الحمممد للممه الممذي لممم‬
‫يجعلني من المغضوب عليهم وهم اليهود‪ ،‬ول الضالين وهم النصارى‪ ،‬ولكنه‬
‫جعلني على طريق أنبيائه‪ ،‬وإذا ركعت فتفكر في نفسممك‪ ،‬فكأنممك تقممول يمما‬
‫رب إني خضعت بين يممديك‪ ،‬وجئت بهممذه النفممس العاصممية إليممك‪ ،‬وانقممادت‬
‫نفسممي لعظمتممك‪ ،‬لعلممك تعفممو عنممي وترحمنممي‪ ،‬ثممم تقممول )سممبحان ربممي‬
‫العظيم( معناه تضرعا ً إلى رب عظيم ومولى كريم‪ ،‬ثممم ترفممع رأسممك مممن‬
‫الركوع وتقول )سمع الّله لمن حمده( معناه غفر الّله لمن وحده وأطمماعه‪،‬‬
‫ثم تقول )ربنا لك الحمد( معناه لك الحمد إذ وفقتنا لهذا‪ ،‬ثم تسجد ومعنممى‬
‫ورت‬ ‫السمجود لميمل بالممذل والستسملم والتواضمع ومعنماه يما رب إنممك صم ّ‬
‫وجهي على أحسمن الصممور‪ ،‬وجعلممت فيممه البصممر والسمممع واللسممان فهممذه‬
‫ي وأنفع فقد جئت بهذه الشمياء ووضمعتها بيمن يمديك لعلمك‬ ‫الشياء أحب إل ّ‬
‫ترحمني‪ ،‬ثم تقول )سبحان ربي العلى( معناه تنممزه ربممي العلممى الممذي ل‬
‫شيء فوقه‪ ،‬وإذا جلست للتشهد وقرأت )التحيممات للممه( يعنممي الملممك للممه‬
‫والحمد والثناء‪.‬‬
‫وروى عن الحسن البصري رحمه الّله تعالى أنه قال‪ :‬كان في الجاهليممة‬
‫أصنام فكانوا‬

‫]ص ‪[150‬‬
‫يقولون لصنامهم لك الحياة الباقية‪ ،‬فأمر أهل الصمملة أن يجعلمموا التحيممات‬
‫يعني البقاء والملك الدائم لله تعالى‪ ،‬ثم تقول )والصلوات( يعني الصمملوات‬
‫ل ل ينبغي أن تصلي إل له‪) ،‬والطيبات( يعني شهادة أن‬ ‫الخمس لله عز وج ّ‬
‫ل إله إل الّله هي لله تعالى يعني الوحدانية للممه تعممالى‪ ،‬ثممم تقممول )السمملم‬
‫عليك أيهمما النممبي( يعنممي يما محمممد عليممك السمملم كمما بلغممت رسممالة ربممك‬
‫ونصحت لمتك )ورحمة الله( يعني رضوان الّله لك‪) ،‬وبركاته( يعنممي عليممك‬
‫البركة وعلى أهل بيتك‪) ،‬السلم علينمما وعلممى عبمماد الل ّممه الصممالحين( يعنممي‬
‫مغفرة الّله تعالى لنا وعلينا وعلى جميع من مضى من النممبيين والصممديقين‬
‫من سلك طريقهم إلى يوم القيامة‪) ،‬أشهد أن ل إله إل الله( يعني ل معبود‬
‫في السماء والرض غيره‪) ،‬وأشهدأن محمدا عبممده ورسمموله( خمماتم أنبيممائه‬
‫وصفيه وخيرته من جميع خلقه‪ ،‬ثم تصلي على النبي صلى الّله عليه وسلم‬
‫ثم تدعو لنفسك وللمممؤمنين وللمؤمنممات ثممم تسمملم عممن يمينممك وشمممالك‪،‬‬
‫ومعنى التسليم عن اليمين وعممن اليسممار يعنممي أنتممم معاشممر إخممواني مممن‬
‫المؤمنين سمالمون آمنمون ممن شممري وخيممانتي إذا خرجمت ممن المسممجد‪.‬‬
‫وروى عن الحسن البصري رحمة الّله تعالى عليه عن النبي صلى الّله عليه‬
‫وسلم أنه قال "للمصلي ثلث كرامات‪ :‬يتناثر الممبر علممى رأسممه مممن عنممان‬
‫السماء إلى مفرق رأسه‪ ،‬والملئكة محفوفة من قدميه إلى عنان السممماء‪،‬‬
‫وملك ينادي لو يعلم العبد من يناجي ما انتقل من صلته" فهممذه الكرامممات‬
‫كلها للمصلي فينبغي أن يعرف قدر صلته ويحمد الّله تعالى علممى ممما م م ّ‬
‫ن‬
‫عليه ووفقه لذلك‪ .‬وروى سعيد عن قتادة أن دانيال عليه السلم نعممت أمممة‬
‫محمد صلى الّله عليه وسلم فقال‪ :‬يصلون صمملة لممو صمملها قمموم نمموح ممما‬
‫أغرقوا‪ ،‬ولو صلها قوم عاد ما أرسلت عليهم الريح العقيم‪ ،‬ولو صلها قوم‬
‫ثمود ما أخذتهم الصيحة‪ ،‬ثم قال قتادة عليكم بالصلة فإنها خلق للمممؤمنين‬
‫حسن‪ .‬وروى خلف بن خليفة عن ليممث رفعممه إلممى النممبي صمملى الل ّممه عليممه‬
‫ة مرحومة‪ ،‬وإنما يدفع الل ّممه عنهممم البلء بإخلصممهم‬ ‫وسلم أنه قال "أمتي أم ٌ‬
‫ودعائهم وصلتهم وضعفائهم" والله سبحانه وتعالى أعلم‪..‬‬

‫باب فضل الذان والقامة‬


‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي‪ :‬حدثنا أبو القاسم عبد الرحمممن بممن‬
‫محمد حدثنا فارس بن مردويممه حممدثنا محمممد بممن الفضممل حممدثنا علممي بممن‬
‫يونس العابد عن أبي عون البصري عن سلمة بن ضرار عن رجل من أهممل‬
‫الشام قال "جاء رجل إلى النبي صلى الّله عليه وسلم فقال أخبرني بعمل‬
‫واحد أدخل به الجنممة؟ قممال كممن مممؤذن قومممك يجمعمموا بممك صمملتهم‪ ،‬قممال‬
‫رسول الّله إن لم أطق؟ قال كن إمام قومك يقيموا بك صلتهم‪ ،‬قال فممإن‬
‫لم أطق‪ ،‬قال فعليك بالصف الول"‪ .‬وروى وكيع عممن عبممد الل ّممه بممن الوليممد‬
‫عن محمد بن نافع عن عائشة رضي الّله تعالى عنها قالت‪ :‬نزلت هذه الية‬
‫صاِلحا ً‬ ‫في المؤذنين }وم َ‬
‫ل َ‬ ‫م َ‬‫عا إ َِلى الّله وَع َ ِ‬
‫ن دَ َ‬
‫م ْ‬ ‫ن قَوْل ً ِ‬
‫م ّ‬ ‫س ُ‬
‫ح َ‬
‫نأ ْ‬‫َ َ ْ‬

‫]ص ‪[151‬‬
‫ن{ يعني دعا الخلق إلى الصلة وصمملى بيممن الذان‬ ‫مي َ‬‫سل ِ ِ‬
‫م ْ‬
‫ن ال ُ‬
‫م ْ‬ ‫وََقا َ‬
‫ل إ ِن ِّني ِ‬
‫والقامة‪ .‬وروى القاسم عن أبي أمامة الباهلي رضممي الل ّممه تعممالى عنممه أن‬
‫النبي صلى الّله عليه وسلم قال "يغفر للمؤذن مد صوته وله مثل أجر مممن‬
‫صلى معه من غير أن ينقص من أجرهم شيء" وعن سعد بن أبممي وقمماص‬
‫رضي الّله تعالى عنه عن خولة بنت الحكم السلمية قالت‪ :‬قال رسول الّله‬
‫صلى الّله عليه وسلم "المريض ضيف الّله ما دام في مرضه يرفع لممه كممل‬
‫يوم عمل سبعين شهيدا ً فإن عافاه من مرضه خرج من ذنوبه كيمموم ولممدته‬
‫أمه فإن قضى عليه بالموت أدخله الجنة بغير حساب‪ ،‬والمؤذن هو حمماجب‬
‫الّله تعالى يعطيه بكل ذان ثواب ألف نبي‪ ،‬والمام وزيممر الل ّممه يعطيممه بكممل‬
‫صلة ثواب ألف صديق‪ ،‬والعالم وكيل الّله تعالى يعطيممه بكممل حممديث نممورا‬
‫يوم القيامة وكتب الّله له بكل حمديث عبمادة ألممف سمنة‪ ،‬والمتعلممون ممن‬
‫الرجال والنساء هم خدم الّله فما جزاؤهم إل الجنة"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬قوله "حاجب الله" على وجه المثل‪،‬‬
‫يعني يعلم الناس وقت الدخول على ربهم كالحمماجب للملممك‪ ،‬يممأذن للنمماس‬
‫بالدخول وقت الذن‪ ،‬وكذلك قوله "وزير الله" يعني أن النمماس يقتممدون بممه‬
‫في صلته وصلتهم تتم بصلته‪ ،‬وعن النبي صلى الّله عليه وسلم أنممه قممال‬
‫"من أذن سبع سنين أعتقه الّله من سبع دركات مممن النممار بعممد أن يحسممن‬
‫نيته" وعن عطاء بن يسممار أن النممبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم قممال "يغفممر‬
‫للمؤذن مد ّ صوته ويصدقه كل ممما سمممعه مممن رطممب ويممابس"‪ ،‬وعممن أبممي‬
‫سعيد الخدري رضي الّله تعالى عنه قال‪ :‬إذا كنت في هذه البوادي فممأذنت‬
‫فارفع صوتك فإني سمعت النبي صلى الل ّممه عليممه وسمملم يقممول "ل يسمممع‬
‫مدى صوت المؤذن شجر ول حجر ول مممدر ول إنممس ول جممان إل شممهد لممه‬
‫يوم القيامة عند الّله تعالى"‪ ،‬قال‪ :‬وحدثني محمد بن الفضل بإسممناده عممن‬
‫معاذ بن جبل رضي الّله تعالى عنه أن النبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم قممال‬
‫"يبعث الّله يوم القيامة بلل على ناقة من نوق الجنممة يممؤذن علممى ظهرهمما‪،‬‬
‫فإذا قال أشهد أن ل إله إل الّله وأشهد أن محمدا رسول الّله نظممر النمماس‬
‫بعضهم إلى بعض فقالوا نشهد على مثل ما تشممهد حممتى يمموافي المحشممر‪،‬‬
‫فإذا وافى المحشممر يممؤتى بحلممل مممن حلممل الجنممة فممأّول مممن يكسممى بلل‬
‫وصالحوا المؤذنين"‪ ،‬قال قتادة‪ :‬ذكر لنا أن أبا هريرة رضي الّله تعالى عنممه‬
‫كان يقول‪" :‬المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة‪ ،‬فأّول من يقضى له‬
‫يوم القيامة الشهداء والمؤذنون بعد النبياء فيممدعى مممؤذن الكعبممة ومممؤذن‬
‫بيت المقدس ثم تتابع المؤذنون" وعن ابن مسعود رضي الل ّممه تعممالى عنممه‬
‫قال‪ :‬لو كنت مؤذنا لما باليت أن ل أغزو‪ ،‬وعن سعد بن أبي وقمماص رضممي‬
‫الّله تعالى عنه قال‪ :‬لو كنت مؤذنا لما بماليت أن ل أجاهممد‪ ،‬وعمن عمممر بمن‬
‫الخطاب رضي الّله تعالى عنه قال‪ :‬لو كنت مؤذنا لما بمماليت أن ل أحممج ول‬
‫أعتمر بعد حجة السلم‪ .‬وعن علي بن أبي طممالب رضممي الل ّممه تعممالى عنممه‬
‫قال‪ :‬ما أتأسف على شيء‬

‫]ص ‪[152‬‬
‫إل أني وددت أنى كنت سألت النبي صلى الّله عليممه وسمملم الذان للحسمن‬
‫والحسين‪ ،‬وروى عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قممال "ممما مممن مدينممة‬
‫ل بردها"‪ ،‬وعن جابر بن عبد الّله رضي الّله تعممالى‬‫يكثر المؤذنون فيها إل ف ّ‬
‫عنهما أن النبي صلى الل ّممه عليممه وسمملم قممال "إذا نممادى المؤذنممون بممالذان‬
‫هرب الشيطان حتى يكون بالروحاء" وهي ثلثون ميل ً من المدينة‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬يحتاج المؤذن إلى عشر خصال حتى‬
‫ينال فضل المؤذنين‪ :‬أّولها أن يعرف ميقات الصمملة ويحفظهمما‪ ،‬والثمماني أن‬
‫يحفظ حلقه فل يؤذي حلقه لجل الذان‪ ،‬والثممالث إذا كممان غائبمما ل يسممخط‬
‫على من أذن في مسجده‪ ،‬والرابع أن يحسن الذان‪ ،‬والخممامس أن يطلممب‬
‫ن علممى النمماس‪ ،‬والسممادس أن يممأمر بممالمعروف‬ ‫ثوابه من الّله تعالى ول يم ّ‬
‫وينهى عن المنكر ويقول الحق للغنمي والفقيمر‪ ،‬والسمابع أن ينتظمر الممام‬
‫بقدر ما ل يشق علي القوم‪ ،‬والثامن أن ل يغضب على من أخذ مكانه فممي‬
‫ول الصمملة بيممن الذان والقامممة‪ ،‬العاشممر أن‬ ‫المسممجد‪ ،‬والتاسممع أن ل يط م ّ‬
‫يتعاهد مسجده فيطهره من القذر ويجنب الصبيان عنه‪ .‬ويحتاج المام إلممى‬
‫عشر خصال حتى تتم صلته وصلة من خلفه‪ :‬أّولها أن يكون قممارئا ً لكتمماب‬
‫الّله تعالى ول يكون لحانًا‪ ،‬والثاني أن تكون تكبيراته جزما ً صحيحًا‪ ،‬والثالث‬
‫أن يتم ركوعه وسجوده‪ ،‬والرابممع أن يحفممظ نفسممه مممن الحممرام والشممبهة‪،‬‬
‫والخامس أن يحفظ ثيابه وبدنه عن الذى‪ ،‬والسادس أن ل يطممول القممراءة‬
‫إل برضمما القمموم‪ ،‬والسممابع أن ل يعجممب بنفسممه‪ ،‬والثممامن أن ل يممدخل فممي‬
‫الصلة حتى يستغفروا الّله تعالى من جميع ذنمموبه لنممه شممفيع لمممن خلفممه‪،‬‬
‫والتاسع إذا سلم ل يخص نفسه بالممدعاء فيخممون القمموم‪ ،‬والعاشممر إذا نممزل‬
‫في مسجده غريب يسأله عما يحتاج إليه‪ ،‬وروى أبو سممعيد الخممدري رضممي‬
‫الّله تعالى عنه عن النبي صلى الّله عليه وسمملم أنممه قممال "خمسممة أضمممن‬
‫لهم الجنة‪ :‬المرأة الصالحة المطيعة لزوجها والولد المطيع لبويه والمتوفي‬
‫فممي طريممق مكممة‪ ،‬وصمماحب الخلممق الحسممن‪ ،‬ومممن أذن فممي مسممجد مممن‬
‫المساجد إيمانا ً واحتسابًا"‪ ،‬وروى عن أبي هريرة رضي الّله تعالى عنه عممن‬
‫النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال "المام ضامن والمؤذن مممؤتمن اللهممم‬
‫أرشد الئمة واغفر للمؤذنين"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنممه‪ :‬سمممى المممؤذن مؤتمنما ً لن النمماس‬
‫أئتمنوه في أمر صلتهم وصومهم‪ ،‬فمممن حممق المسمملم علممى المممؤذن أن ل‬
‫يؤذن لصلة الفجممر حممتى يطلممع الفجممر كممي ل يشممتبه عليهممم أمممر صمملتهم‬
‫وسحورهم‪ ،‬ول يؤذن لصلة المغرب حممتى تغممرب الشمممس لكممي ل يشممتبه‬
‫عليهم أمر فطورهم فمن هذا الوجه يكون مؤتمنًا‪ ،‬والمام ضممامنا ً لنممه قممد‬
‫ضمن صلة القمموم فتفسممد صمملتهم بصمملته وتصممح صمملتهم بصمملته‪ ،‬قممال‪:‬‬
‫وأخبرني عبد الوهاب عن محمد بن الفضلني بسمرقند بإسناده عممن أنممس‬
‫بن مالك رضي الّله تعالى عنه أن رسول الّله صلى الّله عليممه وسمملم قممال‬
‫"ثلثة يقومون يوم القيامممة علممى كشممبان المسممك ل يهممولهم الحسمماب ول‬
‫يحزنهم‬

‫]ص ‪[153‬‬
‫م قوما وهم له راضون‪ ،‬ورجل أذن الخمس ابتغاء وجه‬ ‫الفزع الكبر‪ :‬رجل أ ّ‬
‫الله‪ ،‬وعبد أطاع ربه وسيده" وروى أبو هريرة رضي الل ّممه تعممالى عنممه عممن‬
‫النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قممال "ل يحممل لمسمملم أن ينظممر فممي بيممت‬
‫مسلم إل بإذنه‪ ،‬فإن نظر فقد دمر ومممن دمممر فقممد نقممض العهممد‪ ،‬ول يحممل‬
‫لمسلم يصلي وهو حممافز حممتى يخفممف‪ ،‬ول يحممل لمسمملم أن يممؤم قوممما إل‬
‫بإذنهم فإن فعل قبلت صلته وردت صلته‪ ،‬ول يخص المام نفسممه بالممدعاء‬
‫فإن فعل ذلك فقد خانهم"‪ .‬وعن أبممي صممالح عممن أبممي هريممرة رضممي الل ّممه‬
‫تعالى عنه قال‪ :‬قال رسول الّله صلى الّله عليه وسلم "لو يعلم النمماس ممما‬
‫في النداء والصف الول لسممتهموا عليهممما‪ ،‬ولممو يعلمممون ممما فممي التهجيممر‬
‫لستبقوا إليه‪ ،‬ولو يعلمون ما في شهود العتمة والصبح لتوهما ولو حبمموا"‪،‬‬
‫وروى جويبر عن الضحاك قال "لما رأى عبد الّله بن زيد الذان في المنممام‬
‫وعلمه بلل ً فأمر النبي صلى الّله عليه وسلم بلل ً أن يصعد السطح ويممؤذن‬
‫فلما افتتح الذان سمعوا هدة بالمدينة‪ ،‬فقال النبي صلى الّله عليممه وسمملم‬
‫دة؟ قالوا الّله ورسوله أعلم‪ ،‬قال إن ربكم أمممر بممأبواب‬ ‫أتدرون ما هذه اله ّ‬
‫ّ‬
‫السماء ففتحت إلى العرش لذان بلل‪ ،‬فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه‬
‫هذا لبلل خاصة أو للممؤذنين عاممة؟ قمال بممل للممؤذنين عامممة‪ ،‬وإن أرواح‬
‫المؤذنين مع أرواح الشهداء‪ ،‬فإذا كان يوم القيامة نادى مناد أين المؤذون؟‬
‫فيقومون على كثبان المسك والكافور" وروى أنممس بممن مالممك رضممي الل ّممه‬
‫تعالى عنه عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم قممال "خمسممة ليممس لهممم‬
‫صلة‪ :‬المرأة الساخطة على زوجها والعبممد البممق مممن سمميده حممتى يرجممع‪،‬‬
‫والمصارم الذي ل يكلم أخاه فوق ثلثة أيممام‪ ،‬ومممدمن الخمممر‪ ،‬وإمممام قمموم‬
‫يصلي بهم وهم له كارهون"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬كراهيممة القمموم علممى وجهيممن‪ :‬إن كممانت‬
‫كراهتهم لفساد فيه أو كان لحانا بالقراءة وهممم يجممدون غيممره أو كممان فممي‬
‫الجماعة من هو أعلم منه فهذا الذي يكره وكره لممه أن يممؤمهم‪ ،‬وإن كممانت‬
‫كراهيتهم لنه يأمر بالمعروف فيبغضونه أو للحسد وليس في الجماعة مممن‬
‫هو أعلم منه فكراهيتهم باطلة وله أن يؤمهم وإن رغم أنفهممم‪ ،‬وروى جممابر‬
‫بن عبد الّله رضي الّله تعالى عنهما عن رسول الّله صلى الّله عليممه وسمملم‬
‫أنه قال "المؤذنون المحتسمبون يخرجمون يموم القياممة ممن قبمورهم وهمم‬
‫يؤذنون فالمؤذن يشهد له كل شيء يسمع صوته من حجر أو شجر أو مممدر‬
‫أو بشر أو رطب أو يابس‪ ،‬ويغفر الّله لهم مد ّ صوته ويكتب لهم مممن الجممر‬
‫بعدد من يصلي بأذانه‪ ،‬ويعطيه الّله ممما يسممأل بيممن الذان والقامممة إممما أن‬
‫يعجله في الدنيا أو يدخره في الخرة وإما أن يصرف عنه السوء‪ ،‬وأّول من‬
‫يكسى يوم القيامممة ممن كسمموة الجنممة إبراهيممم ثممم محمممد عليهممما الصمملة‬
‫والسلم‪ ،‬ثم يكسى الرسل والنبياء عليهم الصلة والسمملم‪ ،‬ثممم المؤذنممون‬
‫المحتسبون وتتلقاهم الملئكة بنجائب من يمماقوت أحمممر يشمميع كممل رجممل‬
‫منهم سبعون ألف ملك من قبره إلى المحشر" قال ابن عباس‬

‫]ص ‪[154‬‬
‫رضي الّله تعالى عنهما‪ :‬ثلثة يعصمهم الّله تعالى من عذاب القبر "المؤذن‬
‫والشهيد والمتموفي يموم الجمعمة أو فمي ليلمة الجمعمة‪ .‬وعمن عبمد العلمى‬
‫التيمي أنه قال‪ :‬ثلثة على كثبان المسك حتى يفرغ النمماس مممن الحسمماب‪:‬‬
‫إمام قوم يلتمس به وجه الّله تعالى‪ ،‬ورجل قرأ القرآن يلتمس به وجه الّله‬
‫تعالى‪ ،‬ومؤذن ينادي بالصلة يلتمس به وجه الّله تعالى"‪ ،‬وروى عممن النممبي‬
‫صلى الّله عليه وسلم أنه قال "من قال مثل ما يقول المؤذن كان له مثممل‬
‫أجره وروى في خبر آخممر أن النممبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم كممان إذا قممال‬
‫ي علممى‬‫المؤذن الّله أكبر يقممول معممه وكممذلك فممي الشممهادتين وإذا قممال حم ّ‬
‫الصلة حي على الفلح قال ل حول ول قوة إل بالله العلي العظيم‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضممي الل ّممه تعممالى عنممه‪ :‬ينبغممي للرجممل إذا سمممع الذان أن‬
‫يستمع ويعظم ويقول مثل ما يقول المؤذن فإذا انتهى إلى قوله حي علممى‬
‫الصلة يقول ل حول ول قوة إل بالله العلممي العظيممم‪ ،‬وإذا قممال حممي علممى‬
‫الفلح يقول ما شاء الّله كان‪ ،‬وينبغي أن يعرف تفسير الذان ومعنمماه فممإن‬
‫لكل كلمة منه ظهرا ً وبطنا ً فإذا قال المؤذن الل ّممه أكممبر الل ّممه أكممبر تفسمميره‬
‫ل‪ ،‬ومعنماه الّلمه أعظمم وعملمه‬ ‫في الظاهر الّله أعظم ثم الّلمه أعظمم وأجم ّ‬
‫أوجب فاشتغلوا بعمله واتركوا أشغال الممدنيا‪ ،‬وإذا قممال أشممهد أن ل إلممه إل‬
‫الّله فتفسيره أشهد أنه واحد ل شريك له ومعناه أن الل ّممه قممد أمركممم بممأمر‬
‫فاتبعوا أمره فإنه ل ينفعكم أحد إل الّله ول ينجيكم أحممد مممن عممذابه إن لممم‬
‫تؤدوا أمره‪ ،‬وإذا قممال أشممهد أن محمممدا ً رسممول الل ّممه فتفسمميره وأشممهد أن‬
‫وه ومعناه أنه قد‬ ‫محمدا رسول الّله أي الّله أرسله إليكم لتؤمنوا به وتصدق ّ‬
‫ي علممى الصمملة‬ ‫أمركم بإقامة الجماعة فاتبعوا ما أمركم بممه‪ ،‬فممإذا قممال ح م ّ‬
‫فتفسيره أسرعوا إلى أداء الصلة ومعناه حان وقممت الصمملة فأقيموهمما ول‬
‫تؤخروها عن وقتها وصلوها بالجماعة‪ ،‬وإذا قال حي علممى الفلح فتفسمميره‬
‫أسرعوا إلى النجماة والسمعادة ومعنماه أن الّلمه تعمالى جعمل الصملة سمببا ً‬
‫لنجاتكم وسعادتكم فأقيموها تنجو من عذابه‪ ،‬وإذا قال الّله أكمبر الّلمه أكمبر‬
‫ل ومعنمماه أن عملممه أوجممب فل تممؤخروا‬ ‫فتفسيره أن الّله تعالى أعظم وأجم ّ‬
‫عمله‪ ،‬وإذا قال ل إله إل الّله فتفسيره اعلموا أنه واحد ل شريك له ومعناه‬
‫أخلصوا صلتكم لوجه الّله تعالى‪ ،‬والله سبحانه وتعالى أعلم‪.‬‬

‫باب الطهارة والنظافة‬


‫)قال الفقيه( أبو الليث السرقندي رحمه الل ّممه تعممالى‪ :‬حممدثنا أبممو جعفممر‬
‫حدثنا أبو بكر ابن أحمد بممن محمممد بممن سممهل القاضممي حممدثنا إبراهيممم بممن‬
‫خنيس عن أبيه عن إسمعيل رضي الّله تعالى عنهما قال‪ :‬قال رسول الّلممه‬
‫صلى الّله عليه وسلم "عليكم بالسممواك فممإن فيممه عشممر خصممال‪ :‬مطهممرة‬
‫للفم ومرضاة للرب ومفرحة للملئكة ومجلة للبصر ويبيض السنان ويشد ّ‬
‫اللثة ويذهب الحفر ويهضم الطعام ويقطممع البلغممم وتضمماعف بممه الصمملوات‬
‫ويطيب النكهة‪ ،‬وهو طريق‬

‫]ص ‪[155‬‬
‫القرآن" قال‪ :‬حدثنا محمد بن الفضل حدثنا محمد بن جعفر حممدثنا إبراهيممم‬
‫بن يوسف حدثنا وكيع عن الوزاعي عن حسان بن عطية رفعه إلممى النممبي‬
‫)ص( قال "الوضوء شطر اليمان والسواك شطر الوضمموء ولممول أن أشممق‬
‫على أمتي لمرتهم بالسواك عند كل صملة‪ ،‬وركعتمان يسمتاك فيهمما العبمد‬
‫أفضل من سبعين ركعة ل يستاك فيها"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬حدثنا محمممد بمن أحممد بمن حمممدان‬
‫حدثنا الحسين ابن علي الطوسي حدثنا محمد بن شوكة حدثنا يعقمموب بممن‬
‫محمد بن إبراهيممم الممتيمي عممن أبممي‬ ‫إبراهيم حدثنا أبي عن أبي إسحق عن ُ‬
‫سلمة عن أبي هريرة رضي الل ّممه تعممالى عنممه عممن النممبي صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم أنه قال‪" :‬خمس من الفطرة‪ :‬قص الشارب وتقليممم الظممافر وحلممق‬
‫العانة ونتف البممط والسممواك"‪ .‬قممال ابممن عمممر رضممي الل ّممه تعممالى عنهممما‪:‬‬
‫السواك بعد الطعام أفضل من وصيفتين‪ ،‬وروى عن النبي صلى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم أنه قال "ل يزال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنمه سميورثه‪ ،‬ول‬
‫يزال يوصمميني بالمماليممك حممتى ظننممت أنممه يجعممل لعتقهممم وقتمما‪ ،‬ول يممزال‬
‫يوصيني بالسواك حممتى ظننممت أنممه يمدردني‪ :‬يعنممي يممذهب اللثممة‪ ،‬ول يممزال‬
‫يوصيني بالنساء حتى ظننممت أنممه يحممرم الطلق‪ ،‬ول يممزال يوصمميني بصمملة‬
‫الليل حتى ظننت أن خيار أمتي ل ينامون بالليل"‪ .‬وروى عن العمش عممن‬
‫مجاهد قال "أبطأ جبريل على النبي صلى الّله عليه وسلم ثم أتاه فقال ممما‬
‫حبسك يا جبريل؟ قال وكيف نأتيكم وأنتم ل تقلمون أظفمماركم ول تأخممذون‬
‫من شواربكم ول تنقون براجمكم ول تستاكون‪ ،‬ثم قال‪ :‬وما نتنزل إل بممأمر‬
‫ربك"‪ .‬وروى عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال "حق على كل مسلم‬
‫الغسل يوم الجمعة والسواك والطيب" وعن حميد بن عبممد الرحمممن قممال‪:‬‬
‫من قص أظفاره يوم الجمعة أخممرج الل ّممه منممه الممداء وأدخممل فيممه الشممفاء‪.‬‬
‫وروى عن رسول الّله صلى الل ّممه عليممه وسمملم "أنممه لممما دخممل الجنممة ليلممة‬
‫أسرى به إلى السماء استقبله الحور العين فقلن يا محمد قل لمتممك حممتى‬
‫يستاكوا فكلما استاكوا ازددنا حسنًا"‪.‬‬
‫وروى ابن شهاب عن النبي صلى الّله عليممه وسمملم أنممه قممال‪" :‬مممن قلممم‬
‫أظفاره يوم الجمعة كان له أمانا ً من الجذام"‪ .‬وروى في بعممض الخبممار أن‬
‫النبي صلى الّله عليه وسلم وقت في كل أربعين يوما ً حلق العانة وفي كل‬
‫جمعة قص الظفار" وعن النبي صلى الل ّممه عليممه وسمملم أنممه قممال‪" :‬طيبمموا‬
‫أفواهكم فإن أفواهكم طرق القرآن"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬السواك على ثلثة أوجه‪ :‬إما أن يريد بممه‬
‫وجه الّله تعالى وإقامة السنة‪ ،‬وإما أن يريد به نفع نفسه‪ ،‬وإما أن يريممد بممه‬
‫وجه الناس‪ ،‬فإن أراد به وجه الّله تعمالى وإقامممة السممنة فهممو ممأجور وكممل‬
‫صلة تعدل سبعين كما جاء في الخبر‪ ،‬وإن أراد به منفعة نفسه فل أجر لممه‬
‫وهو محاسب به‪ ،‬وإن أراد به الرياء فهو محاسب به آثم وعن طمماوس عممن‬
‫ه‬
‫م َرب ّم ُ‬ ‫ابن عباس رضي الّله تعالى عنهما في قوله تعالى }وَإ ِذ ْ اب ْت ََلى إ ِب َْرا ِ‬
‫هي م َ‬
‫مامًا{ قال‪ :‬ابتله بطهممارة خمممس‬ ‫عل ُ َ‬ ‫َ‬
‫س إِ َ‬
‫ك ِللّنا ِ‬ ‫جا ِ‬ ‫ن َقا َ‬
‫ل إ ِّني َ‬ ‫ت فَأت َ ّ‬
‫مهُ ّ‬ ‫ب ِك َل ِ َ‬
‫ما ٍ‬
‫في الرأس وخمس في الجسد‪،‬‬

‫]ص ‪[156‬‬
‫فأما التي في الرأس‪ :‬فقص الشارب والمضمضمة والستنشمماق والسممواك‬
‫وفرق الرأس‪ ،‬وفي الجسممد‪ :‬تقليممم الظممافر والختممان ونتممف البممط وحلممق‬
‫العانة والستنجاء بالماء‪..‬‬

‫باب فضل الجمعة‬


‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رضممي الل ّممه تعممالى عنممه‪ :‬حممدثنا أبممو‬
‫القاسم عبد الرحمن ابن محمد حدثنا فارس بن مردويممه حممدثنا محمممد بممن‬
‫الفضل حدثنا الحسين بن علي الجعمي عن عبد الرحمن بن يزيد عممن أبممي‬
‫الشعث الصنعاني عن أوس بن أوس قال‪ :‬قال رسول الّله صلى الّله عليه‬
‫وسلم "إن أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة‬
‫ي قالوا‬ ‫ي من الصلة فإن صلتكم معروضة عل ّ‬ ‫وفيه الصعقة فأكثروا فيه عل ّ‬
‫يا رسول الّله وكيف تعرض صلتنا عليك وقد بليت؟ قال أتقولون قد بليممت‬
‫إن الّله تعممالى ح مّرم علممى الرض أن تأكممل أجسمماد النبيمماء عليهممم الصمملة‬
‫والسلم"‪ .‬وروى في خبر آخر "أنه قيل كيف ترد ّ علينا السلم وقد رممت؟‬
‫فقال إن الّله تعالى حرم على الرض أن تأكل أجساد النبياء وما مممن أحممد‬
‫ي روحي حتى أرد ّ عليه السلم"‪.‬‬ ‫يسلم علي إل رد ّ الّله عل ّ‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن محمممد حممدثنا‬
‫أبو القاسم حدثنا فارس بن مردويه حدثنا محمد بن الفضيل حدثنا الحسين‬
‫بن علي الجعفي عن عبد الرحمن بن يزيد عن أبي الشعث عممن أوس بممن‬
‫أوس قال‪ :‬قال رسول الّله صلى الّله عليه وسلم وذكر الجمعة فقال "مممن‬
‫غسل واغتسل وبكر وابتكر ودنا فأنصت ولم يلغ كان له بكل خطمموة كممأجر‬
‫سنة صيامها" قال محمد بممن الفضمميل‪ :‬سممألت يزيممد بممن هممرون عممن قمموله‬
‫"غسل" قال غسل مواضع الوضوء "واغتسمل" يعنمي جسممده وسمألت عمن‬
‫"بكر وابتكر" قال يعني بكر على غسله وابتكر إلى الجمعة‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬حدثنا محمد بن الفضيل حدثنا محمد‬
‫بن جعفر حدثنا إبراهيم بن يوسف حدثنا اسمعيل بن جعفممر عممن العلء بممن‬
‫عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الّله تعالى عنه أن النممبي صمملى‬
‫الّله عليه وسلم قال "لم تطلع شمس ولم تغرب على يوم أفضل من يمموم‬
‫الجمعة‪ ،‬وما من دابة فممي الرض إل وهممي تفممزع ليمموم الجمعممة إل الثقليممن‬
‫الجن والنس‪ ،‬وعلى كل بمماب مممن أبممواب المسممجد ملكممان يكتبممان النمماس‬
‫الّول فالّول كرجل قمّرب بدنممة وكرجممل قمّرب شمماة وكرجممل قمّرب طيممرا‬
‫وكرجل قّرب بيضة فإذا قعد المام طويت الصممحف"‪ .‬وروى العمممس عممن‬
‫أبي صالح عن أبي صالح عن أبي هريرة رضممي الل ّممه تعممالى عنممه أن النممبي‬
‫صلى الّله عليه وسلم قال "من توضأ يوم الجمعة فأحسن الوضوء ثم أتممى‬
‫الجمعة فاستمع ودنا فأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيارة ثلثة أيممام‬
‫ومن مس الحصى فقد لغا‬

‫]ص ‪[157‬‬
‫ومن لغا فل جمعة له‪ .‬وروى أبو سلمة عن أبممي هريممرة رضممي الل ّممه تعممالى‬
‫عنه أن النبي صلى الّله عليه وسلم قال "إن خير يوم طلعت فيه الشمممس‬
‫يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخلمه الّلمه الجنمة وفيمه أهبمط منهما‪ ،‬وفيمه‬
‫تقوم ساعة وفيه ساعة ل يصادفها مؤمن يسممأل الل ّممه تعممالى فيهمما شمميئا ً إل‬
‫أعطاه إياه" قممال أبممو سمملمة‪ :‬قممال عبممد الل ّممه بممن سمملم‪ :‬قممد عرفممت تلممك‬
‫الساعة‪ ،‬وهي آخر ساعات النهار‪ ،‬وهي الساعة الممتي خلممق فيهمما آدم عليممه‬
‫ل{ وقممال سممعيد بممن‬ ‫جم ٍ‬‫ن عَ َ‬ ‫مم ْ‬
‫ن ِ‬
‫سمما ُ‬
‫لن َ‬ ‫السمملم‪ ،‬قممال الل ّممه تعممالى } ُ‬
‫خل ِمقَ ا ِ‬
‫وع‪ .‬وعن كعممب الحبممار‪:‬‬ ‫ي من حجة تط ّ‬ ‫المسيب‪ :‬لن أشهد الجمعة أحب إل ّ‬
‫ي مممن أن أشممرب قممدحا مممن خمممر‪ ،‬ولن‬ ‫لن أشرب قدحا ً من نار أحب إل م ّ‬
‫أشرب قدحا ً من خمر أحب إلي من أن أتخلممف عممن الجمعممة‪ ،‬ولن أتخلممف‬
‫ي من أن أتخطى رقاب الناس‪ .‬وعن أبي هريرة رضممي‬ ‫عن الجمعة أحب إل ّ‬
‫الّله تعالى عنه قال "تل رسول الّله صلى الّله عليه وسلم على المنممبر آيممة‬
‫ي بن كعب متى أنزلت هذه الية" وفي روايممة أخممرى‪:‬‬ ‫فقال ابن مسعود لب ّ‬
‫ي بممن كعممب مممتى أنزلممت هممذه اليممة‪ ،‬فغمممزه‪ ،‬فلممما‬ ‫أن أبا الدرداء قال لبم ّ‬
‫ي "إنما حظك من صلتك ما لغوت‪ ،‬فدخل عبد الّله علممى‬ ‫انصرف قال له أب ّ‬
‫ي‪ ،‬ثممم‬ ‫رسول الّله صلى الّله عليه وسلم فسأله عن ذلممك فقممال‪ :‬صممدق أب م ّ‬
‫قال‪ :‬ما من عبد يغتسل يوم الجمعة ويمممس مممن دهنممه ممما كممان‪ ،‬ثممم يممأتي‬
‫الجمعة فل يؤذي أحدا ً ول يتخطى رقاب الناس فيصلي ما قضى الّله تعالى‬
‫له‪ .‬فإذا خرج المام جلس وأنصت إل غفر الّله له ما بين الجمعتين"‪ .‬وروى‬
‫عبد الرحمن بن يزيد عن أبي لبابة بن عبد المنممذر قممال‪ :‬قممال رسممول الل ّممه‬
‫صلى الّله عليه وسلم "يوم الجمعة سمميد اليممام وأعظمهمما عنممد اللممه‪ ،‬وهممو‬
‫أعظم عند الّله من يوم الفطر ومن يوم النحر‪ ،‬وفيممه خمممس خصممال‪ :‬فيممه‬
‫خلق الّله تعالى آدم‪ ،‬وفيه أهبط الل ّممه تعممالى آدم إلممى الرض‪ ،‬وفيممه تمموفى‬
‫آدم‪ ،‬وفيه ساعة ل يسأل العبد فيها شيئا ً إل أعطاه الّله إيمماه ممما لممم يسممأل‬
‫حرامًا‪ ،‬وفيه تقوم الساعة‪ ،‬وما من ملك مقرب عند ربه ول فممي سممماء ول‬
‫ي بن أبممي طممالب كممرم‬ ‫في أرض إل وهو يشفق من يوم الجمعة"‪ .‬وعن عل ّ‬
‫الّله وجهه قال‪ :‬إذا كمان يموم الجمعمة خمرج الشميطان ممع أعموانه يزينمون‬
‫للناس أسواقهم ومعهم الرايات‪ ،‬وتقعد للناس أسممواقهم ومعهممم الرايممات‪،‬‬
‫وتقعد الملئكة على أبواب المسجد فيكتبون الناس على قدر منازلهم حتى‬
‫يخرج المام فمن دنا من المام فأنصت واستمع ولم يلغ كان له كفلن‪ :‬أي‬
‫حظان ونصيبان من الجر‪ ،‬ومن تباعد فاستمع وأنصت ولم يلغ كان له كفل‬
‫من الجر‪ ،‬ومن دنا من المام فلغا ولممم يسممتمع كممان لمه كفلن ممن المموزر‬
‫ومن قال مه فقد تكلم ومن تكلم فقد لغا ومن لغا فل جمعممة لمه‪ ،‬ثممم قممال‬
‫ي رضي الّله تعالى عنه‪ :‬هكذا سمعت نبيكم صلى الّله عليه وسلم‪.‬‬ ‫عل ّ‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬سمعت أبى قال‪ :‬بلغنا أن صالحا المر ّ‬
‫ي‬
‫أقبل ليله الجمعة يريد مسجد الجامع ليصلى فيه صلة الفجر‪ ،‬فمر بمقممبرة‬
‫فقال‪ :‬لو قمت حنى يطلع الفجر‪ ،‬فدخل‬

‫]ص ‪[158‬‬
‫المقبرة فصلى ركعتين واتكأ على قبر فغلبته عيناه‪ ،‬فرأى في المنممام كممأن‬
‫أهل القبور قد خرجوا من قبورهم فقعدوا حلقا حلقا يتحمدثون‪ ،‬فمإذا شماب‬
‫عليه ثياب دنسة فقعد فممي جممانب مغموممما فلممم يمكثمموا إذا أقبلممت عليهممم‬
‫أطباق عليها الطاف مغطاة بمناديل فكلممما جمماء واحممدا منهممم طبممق أخممذه‬
‫ودخل قبره‪ ،‬حتى بقى الفتى في آخر القمموم لممم يممأته شمميء‪ ،‬فقممام حزينمما‬
‫ليدخل في قبره فقلت له‪ :‬يا عبد الّله ما لي أراك حزينا وممما الممذي رأيممت؟‬
‫قال‪ :‬يا صالح المّرى هل رأيت الطباق؟ قال‪ :‬قلت نعم‪ ،‬فما هي؟ قال تلك‬
‫ألطاف الحياء لموتاهم كلما تصدقوا عنهم اودعوا لهم أتاهم ذلك في ليلممة‬
‫الجمعة وإني رجل من أهل السند أقبلت بوالدتي تريممد الحمج‪ ،‬فلممما صمرت‬
‫بالبصرة توفيت بها وتزّوجت والدتي بعدي ولم تممذكر لزوجهمما أنممه كممان لهمما‬
‫ولد‪ .‬وقد ألهتها الدنيا فما تذكرني بشفة ول لسان فحق لي الحزن إذ ليس‬
‫لي من يممذكرني ممن بعممدي‪ ،‬قممال صمالح‪ :‬وأيممن منممزل أمممك؟ فوصمف لممي‬
‫الموضع‪ ،‬قال‪ :‬فلما أصبحت و قضيت صمملتي أقبلممت فسممألت عممن منزلهمما‬
‫فأرشدت إليممه‪ ،‬فجئت فاسممتأذنت عليهمما فقلممت أتممى صممالح المممري بالبمماب‬
‫فأذنت فدخلت و قلت أحب أن ل يسمع كلمي و كلمك أحد‪ .‬فدنوت حممتى‬
‫ما كان بيني و بينها إل ستر‪ ،‬فقلت يرحمك الّله هل لك ولد؟ قالت ل قلممت‬
‫فهل كان لك ولد؟ فتنفست الصممعداء ثممم قممالت‪ :‬قممد كممان لممي ولممد شمماب‬
‫فمات فقصصت عليهمما القصممة‪ ،‬قممال‪ :‬فبكممت حممتى تحممدرت دموعهمما علممى‬
‫خديّها‪ ،‬قالت‪ :‬يا صالح ذاك ولدي من منزل كبدي والحشمما‪ ،‬كممان بطنممي لممه‬
‫وعاء وثديي له سقاء وحجري له حواء‪ .‬ثم دفعت لممي ألممف درهممم وقممالت‪:‬‬
‫تصدقت بها على حبيبي وقرة عيني ول أنساه الممدعاء والصممدقة فيممما بقممى‬
‫من عمري‪ ،‬قال‪ :‬فانطلقت فتصدقت باللف‪ ،‬فلما كان في الجمعة الخرى‬
‫أقبلت أريد الجمعة‪ ،‬فأتيت المقممبرة وصممليت ركعممتين واسممتندت إلممى قممبر‪.‬‬
‫فخفقت برأسي فإذا أنا بقوم قد خرجمموا وإذا أنمما بمالفتى عليممه ثيمماب بيممض‬
‫فرحا مسرورا ثم أقبل حتى دنا منى ثم قال‪ :‬يا صممالح المممري جممزاك الل ّممه‬
‫خيرا عنى وقد وصلت إلينا الهدية‪ .‬فقلممت لمه أنتمم تعرفممون الجمعمة؟ قمال‬
‫نعم‪ ،‬وإن الطيور في الهواء يعرفونها ويقولون سلم ليوم صالح‪ :‬يعني يمموم‬
‫الجمعة‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬وحدثني الثقة بإسناده عن أنس بممن‬
‫مالك رضى الّله تعالى عنه قال "جاء جبريل عليه السلم إلى رسممول الّلممه‬
‫صلى الّله عليه وسلم وفممي كفممه كممالمرآة البيضمماء وفممي وسممطها كالنكتممة‬
‫السوداء‪ ،‬قال ما هذا يا جبريل؟ قال هذا يموم الجمعممة يعرضممها الل ّممه عليممك‬
‫لتكون لك عيدا لك ولمتك من بعدك ولكم فيها خير‪ ،‬من دعا فيها بخير هممو‬
‫دخر له ما هممو أفضممل منممه‪،‬‬ ‫له قسم أعطاه الّله إياه وإن لم يكن له قسم ا ّ‬
‫وهو عندنا يوم المزيد ونحن ندعوه سمميد اليممام‪ ،‬قممال ولممم ذلممك؟ قممال لن‬
‫ربك اتخذ في الجنة واديا ً أفيح فيه‬

‫]ص ‪[159‬‬
‫كشيب من مسك أبيض‪ ،‬فإذا كان يوم الجمعة جاء النممبيون وجالسمموا علممى‬
‫منابر من نور مكللة بالجواهر‪ ،‬ثم حف وراء تلك المنابر بكراسممي مممن نممور‬
‫ديقون والشهداء فجلسوا عليها‪ ،‬ثم يأتي أهل جنة عدن فيجلسون‬ ‫فجاء الص ّ‬
‫على ذلك الكثيب البيض فيقول لهم الرب تعالى‪ ،‬أنا الممذي صممدقتم وعممدي‬
‫وأتممت عليكم نعمتي وهذا محل كرامتي فسلوني‪ ،‬فيقولممون ربنمما نسممألك‬
‫رضوانك والجنة؟ فيقول رضواني أحلكم داري وأنيلكم كرامممتي‪ ،‬فيسممألونه‬
‫الرضا فيهديهم الرضا ويعطيهم فوق رغبتهم وأمنيتهم‪ ،‬وذلك قدر منصممرف‬
‫أمامكم من الجمعة ويفتح لهم عند ذلك مال يخطر على قلب بشر ولم تره‬
‫ديقون والشممهداء ويرجممع أهممل الغممرف إلممى‬ ‫عين‪ ،‬ثممم يرجممع النممبيون والصم ّ‬
‫غرفهم فليسوا إلى شيء أحوج منهم إلى يوم الجمعة ليزدادوا فيممه كرامممة‬
‫فلذلك سمى يوم المزيد وفيه تقوم الساعة"‪ .‬وروى أنس بن مالممك رضممي‬
‫الّله تعالى عنه عن النبي صلى الّله عليممه وسمملم أنممه قممال "الصمملوات فممي‬
‫ن ممما اجتنبممت الكبممائر" واللممه‬
‫الجماعة والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهم ّ‬
‫تعالى أعلم‪..‬‬

‫باب حرمة المسجد‬


‫)قال الفقيممه( أبممو الليممث السمممرقندي رحمممه الل ّممه تعممالى‪ :‬حممدثنا علممي‬
‫السردي الحاكم حدثنا عبيدة بن محمد السرخسي حدثنا صالح بممن كيسممان‬
‫حدثنا ابن أبي فديك عن كثير بن زيد عن المطلب بممن عبممد الل ّممه عممن أبممي‬
‫هريرة رضي الّله تعالى عنه عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنممه قممال "إذا‬
‫دخل أحدكم المسجد فل يجلس حتى يصلي ركعتين"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬إذا كان في وقت مباح فأما إذا دخل في‬
‫المسجد بعد ما يصلي العصر أو بعد ممما صمملى الفجممر فل ينبغممي أن يصمملي‬
‫لنه نهى عن الصلة في ذلممك المموقت‪ ،‬ولكنممه يسممبح ويهلممل ويصمملي علممى‬
‫النبي صلى الّله عليه وسلم فينال فضل الصمملة وأدى عنممه حممق المسممجد‪.‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا محمد بممن الفضممل حممدثنا محمممد بممن جعفممر حممدثنا إبراهيممم بممن‬
‫يوسف حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن ليث بن أبي سممليم عممن‬
‫بعض أشياخه قال‪ :‬بلغ أبا الدرداء أن سمملمان الفارسممي رضممي الل ّممه تعممالى‬
‫عنه اشترى خادمًا‪ ،‬فكتب إليه يعاتبه في ذلك فكان في كتابه‪ :‬يا أخي تفرغ‬
‫للعبادة قبل أن ينزل بك من البلء ما ل تستطيع فيه العبادة‪ ،‬واغتنممم دعمموة‬
‫المؤمن المبتلى‪ ،‬وارحم اليتيم وامسمح برأسممه وأطعممه ممن طعامممك يلمن‬
‫قلبك وتدرك حاجتك‪ ،‬فإني شهدته يوما ً يعني النبي صلى الل ّممه عليممه وسمملم‬
‫وأتاه رجل يشكو إليممه قسمماوة قلبممه فقممال "أتحممب أن يليممن قلبممك وتممدرك‬
‫حاجتك؟ قال نعم‪ ،‬قال ارحم اليتيم وامسح برأسممه‪ ،‬وأطعمممه مممن طعامممك‬
‫يلن قلبك وتدرك حاجتك" يا أخي ليكن المسجد بيتك فإني سمعت رسممول‬
‫الّله صلى الّله عليه وسلم يقول "المساجد بيوت المتقين" وقد ضمن الّلممه‬
‫تعالى لمن كانت بيوتهم المساجد بالروح والراحممة والجممواز علممى الصممراط‬
‫والنجاة من النار إلى رضوان الرب تبارك وتعالى‪ .‬قال الحكيم‬

‫]ص ‪[160‬‬
‫بن عمير صمماحب رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه وسمملم‪ :‬كونمموا فممي الممدنيا‬
‫أضيافا‪ ،‬واتخمذوا المسماجد بيوتمًا‪ ،‬وعلممموا قلموبكم الرقمة‪ ،‬وأكممثروا التفكمر‬
‫والبكاء ل تختلفن بكم الهواء‪ .‬قال قتادة رضممي الّلمه تعمالى عنممه‪ :‬مما كمان‬
‫للمؤمن أن يرى إل في ثلثة مواطن‪ :‬مسجد يعمره‪ ،‬وبيت يسممتره‪ ،‬وحاجممة‬
‫ل بأس بها‪ .‬وقممال النممزال بمن سممبرة‪ :‬المنممافق فممي المسممجد كممالطير فممي‬
‫القفص‪ .‬وعن خلف بن أيمموب أنممه كممان جالسما ً فممي المسممجد فأتمماه غلمممه‬
‫يسأله عن شيء‪ ،‬فقام فخرج من المسجد ثم أجممابه‪ ،‬فقيممل لممه فممي ذلممك‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ما تكلمت في المسجد بكلم الدنيا منذ كذا سممنة فكرهممت أن أتكلممم‬
‫اليوم‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬إنما يصير للعبد منزلة عند الّله تعالى إذا‬
‫عظم أوامره وعظم بيوته وعباده‪ ،‬والمساجد بيوت الّله فينبغي للمؤمن أن‬
‫يعظمها فإن فممي تعظيممم المسمماجد تعظيممم الل ّممه تعممالى‪ .‬وروى عممن بعممض‬
‫ولت قممدمي فيهمما‬ ‫الزهاد أنه قال‪ :‬ما استندت في المسجد إلى شيء ول ط ّ‬
‫ول تكلمت بكلم الدنيا‪ ،‬وإنما قال ذلك ليقتممدي بممه‪ .‬وعممن الوزاعممي رضممي‬
‫الّله تعالى عنه قال‪ :‬خمس كان عليهن رسول الّله صلى الل ّممه عليممه وسمملم‬
‫والتابعون بإحسان‪ :‬لزوم الجماعة‪ ،‬واتباع السنة‪ ،‬وعمممارة المسممجد‪ ،‬وتلوة‬
‫القرآن‪ ،‬والجهاد في سبيل الّله تعالى‪ .‬وروى عن الحسممن بممن علممي رضممي‬
‫الّله تعالى عنهما أنه قال‪ :‬ثلثة في جوار الّله تعالى‪ :‬رجل دخل المسممجد ل‬
‫يدخله إل لله فهو ضيف الّله تعالى حتى يرجع‪ :‬ورجممل زار أخمماه المسمملم ل‬
‫يزوره إل لله فهو من زّوار الل ّممه تعممالى حممتى يرجممع‪ ،‬ورجممل خممرج حاجما ً أو‬
‫معتمرا ً ل يخرج إل لله تعالى فهو وفممد الل ّممه تعممالى حممتى يرجممع إلممى أهلممه‪.‬‬
‫ويقال‪ :‬حصون المممؤمن ثلثممة‪ :‬المسممجد وذكممر الل ّممه تعممالى وتلوة القممرآن‪،‬‬
‫والمؤمن إذا كان في واحد من ذلك فهو فممي حصممن ممن الشمميطان‪ .‬وقممال‬
‫الحسن البصري رحمه الّله تعالى‪ :‬مهور الحور في الجنممة كنممس المسمماجد‬
‫وعمارتها‪ :‬قممال أنممس بممن مالممك رضممي الل ّممه تعممالى عنممه‪ :‬مممن أسممرج فممي‬
‫المسجد سراجا ً لم تزل الملئكة وحملة العرش يستغفرون له ما دام ذلممك‬
‫في المسجد وقال عمر بن الخطاب رضي الّله تعالى عنه‪ :‬المساجد بيمموت‬
‫الّله فممي الرض‪ ،‬والمصمملى فيهمما زائر اللممه‪ ،‬وحممق علممى المممزور أن يكممرم‬
‫زائره‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعممالى‪ :‬يقممال حرمممة المسمماجد خمممس عشممرة‬
‫خصلة‪ :‬أولها أن يسلم وقت الممدخول إذا كممان القمموم جلوسما ً وإن لممم يكممن‬
‫فيها أحد أو كانوا في الصلة يقول السلم علينا ممن ربنمما وعلممى عبمماد الل ّممه‬
‫الصالحين‪ :‬والثاني أن يصلي ركعتين قبممل أن يجلممس لممما روي عممن النممبي‬
‫صلى الّله عليه وسلم أنه قال "لكل شيء تحيممة وتحيممة المسممجد ركعتممان"‬
‫والثممالث أن ل يشممتري فيممه ول يممبيع‪ ،‬والرابممع أن ل يسممل فيممه السمميف‪،‬‬
‫والخامس أن ل ينشد فيه الضالة‪ ،‬والسادس أن ل يرفممع فيممه الصمموت فممي‬
‫غير ذكر الّله تعالى‪ ،‬والسابع أن ل يتكلم‬

‫]ص ‪[161‬‬
‫فيه بشيء من أحاديث الدنيا‪ ،‬والثامن أن ل يتخطى رقاب الناس‪ ،‬والتاسممع‬
‫أن ل ينممازع فممي المكممان‪ ،‬والعاشممر أن ل يضمميق علممى أحممد فممي الصممف‪،‬‬
‫والحادي عشر أن ل يمّر بين يدي المصلى‪ ،‬والثاني عشر أن ل يممبزق فيممه‪،‬‬
‫والثممالث عشممر أن ل يفرقممه أصممابعه فيممه‪ ،‬والرابممع عشممر أن ينزهممه عممن‬
‫النجاسات والمجانين والصبيان وإقامممة الحممدود‪ ،‬والخممامس عشممر أن يكممثر‬
‫فيه ذكر الّله تعالى ول يغفل عنه‪ .‬وروى عن الحسممن أن النممبي صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم قال "يأتي على أمتي زمان يكون حديثهم في مسمماجدهم لمممر‬
‫دنياهم ليس لله فيهم حاجة فل تجالسوهم"‪ .‬وروى عممن الزهممري عممن أبممي‬
‫هريرة رضي الّله تعالى عنه قال‪ :‬قال رسول الّله صمملى الل ّممه عليممه وسمملم‬
‫"يكون الغرباء في الدنيا أربعة‪ :‬قرآن في جوف ظالم‪ ،‬ومسممجد فممي نممادي‬
‫قوم ل يصلون فيه‪ ،‬ومصحف في بيت ل يقرأ فيممه‪ ،‬ورجممل صممالح مممع قمموم‬
‫سوء"‪ .‬وعن أنس رضي الّله تعالى عنه عن رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسملم أنمه قمال "تحشمر المسماجد كأنهما بخمت بيممض قوائمهما ممن العنمبر‬
‫وأعناقها من الزعفران ورؤوسها من المسك الذفر وأسنامها من الزبرجممد‬
‫الخضر‪ ،‬وقوادها المؤذنون يقودونها‪ ،‬والئممة يسموقونها فيعمبرون بهما فممي‬
‫عرصات القيامممة كممالبرق الخمماطف‪ ،‬فيقممول أهممل القيامممة هممؤلء الملئكممة‬
‫المقربون والنبياء المرسلون‪ ،‬فينادونهم يا أهل القيامة ممما هممؤلء الملئكممة‬
‫المقربون ول النبياء ول المرسمملون بممل هممم أمممة محمممد صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم الذين كانوا يحفظون صلة الجمعة"‪ .‬وعن وهب بن منبه رحمه الّلممه‬
‫تعممالى قممال‪ :‬يممؤتى بالمسمماجد يمموم القيامممة كأمثممال السممفن مكللممة بالممدر‬
‫والياقوت فتشفع لهلها‪ .‬وعن علي بن أبممي طممالب كممرم الل ّممه وجهممه قممال‪:‬‬
‫"يأتي على الناس زمان ل يبقى مممن السمملم إل اسمممه ول مممن القممرآن إل‬
‫رسمه‪ ،‬يعمرون مساجدهم وهي خراب من ذكر الّله تعالى‪ ،‬شر أهممل ذلممك‬
‫الزمان علماؤهم منهم تخرج الفتن وإليهم تعود"‪.‬‬

‫باب فضل الصدقة‬


‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رحمه الّله تعالى‪ :‬حممدثنا محمممد بممن‬
‫الفضل حدثنا محمد بن جعفر حدثنا إبراهيم بن يوسف وحدثنا ابممن إدريممس‬
‫عن ليث بن أبي سليم عن ميمون بن مهران عممن أبممي ذر الغفمماري رضممي‬
‫الّله تعالى عنه قال‪ :‬الصلة عماد السلم‪ ،‬والجهاد سنام العمممل‪ ،‬والصممدقة‬
‫شيء عجيب‪ ،‬والصدقة شيء عجيب والصمدقة شميء عجيمب‪ .‬وسمئل عمن‬
‫الصوم؟ فقال‪ :‬قربة وليس هناك فضممل‪ ،‬وقيممل فممأي صممدقة أفضممل؟ قممال‬
‫ن{ قيممل فمممن‬ ‫حب ّممو َ‬
‫ما ت ُ ِ‬
‫م ّ‬
‫قوا ِ‬
‫ف ُ‬ ‫ن ت ََناُلوا الب ِّر َ‬
‫حّتى ت ُن ْ ِ‬ ‫أكثرها فأكثرها ثم قرأ }ل َ ْ‬
‫لم يكن عنده؟ قال فعفو مال‪ :‬يعني يتصدق بفضل مال‪ ،‬قيل فمن لم يكن‬
‫عنده مال؟ قال فعفو طعام‪ ،‬قيل فإن لم يكن عنده؟ قال يعين بقوته‪ ،‬قيل‬
‫فمن لم يفعل؟ قال يتقي النار ولو بشق تمرة‪ ،‬قيل فمن لممم يفعممل؟ قممال‬
‫يكف نفسه‪ :‬يعني ل يظلم الناس‪ .‬وذكر في رواية أخرى أنه روى‬

‫]ص ‪[162‬‬
‫هذا عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم قممال‪ :‬حممدثنا محمممد بممن الفضممل‬
‫حدثنا محمد بن جعفر حدثنا إبراهيم بن يوسممف حممدثنا يزيممد بممن زريممع عممن‬
‫هشام الدستوائي عمن قتمادة عمن خليمل بمن عبمد الّلمه العصمري عمن أبمي‬
‫الدرداء رضي الّله تعالى عنممه أن النممبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم قممال "مما‬
‫طلعت شمس إل بعث بجنبتيها مكان يناديان‪ ،‬وإنهما يسمممعان أهممل الرض‬
‫إل الثقلين‪ :‬أيها الناس هلموا إلى ربكم فمإن مما قممل وكفممى خيممر ممما كممثر‬
‫وألهى‪ ،‬وملكان يناديان‪ :‬اللهم عجل لمنفق ماله خلفا ً وعجل لممسك ممماله‬
‫تلفا" قال‪ :‬أخبرنا أبي رحمه الّله تعالى حدثنا محمد بن موسى حدثنا سلمة‬
‫بن شبيب حدثنا إبراهيمم بمن يسمار عممن زرعمة بمن أيمموب عممن جويمبر عمن‬
‫الضحاك عن ابن عباس رضي الّله تعالى عنهما قال‪" :‬مر النبي صلى الّلممه‬
‫عليه وسلم برجل متعلق بأستار الكعبة وهو يقول أسألك بحرمة هذا البيت‬
‫أن تغفر لي؟ فقال له رسول الّله صلى الّله عليه وسلم‪ :‬يا عبممد الل ّممه سممل‬
‫بحرمتك فإن حرمة المؤمن أعظم عند الّله من حرمة هذا البيت‪ ،‬فقممال يمما‬
‫رسول الّله إن لي ذنبا ً عظيمًا‪ ،‬قال وما ذنبك؟ قال إن لممي مممال ً كممثيرا ً وإن‬
‫ماشيتي كثيرة وإن خيلي كثيرة‪ ،‬ولكن الرجل إذا سممألني شمميء مممن مممالي‬
‫فكأن شعلة من نار تخرج من وجهي‪ ،‬فقممال رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم تنح عني يا فاسق ل تحرقني بنممارك والممذي نفسممي بيممده لممو صمممت‬
‫ألف عام وصليت ألف عام ثم مت لئيما ً لكبك الّله في النار‪ ،‬أما علمت أن‬
‫اللؤم من الكفممر والكفممر فممي النممار والسممخاوة مممن اليمممان واليمممان فممي‬
‫الجنة"‪ .‬وروت عائشة رضي الّله تعممالى عنهمما عممن النممبي صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم أنه قال "السخاوة شممجرة أصمملها فممي الجنممة وأغصممانها متدليممة فممي‬
‫الدنيا فمن تعلق بغصن منها مده إلى الجنة‪ ،‬والبخل شجرة أصلها في النار‬
‫وأغصانها متدلية في الدنيا فمن تعلق بغصممن منهمما مممده إلممى النممار"‪ .‬وعممن‬
‫النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال "البخيل بعيد من الّله بعيممد مممن الجنممة‬
‫بعيد من الناس قريب من النار‪ .‬والسخي قريب من الّله قريب مممن الجنممة‬
‫قريب من الناس بعيد من النار" وعن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قممال‬
‫"حصنوا أموالكم بالزكاة‪ ،‬وداووا مرضاكم بالصممدقة واسممتقبلوا أنممواع البلء‬
‫بالدعاء" وعن عبد الرحمن السلماني مولى عمر رضي الّله تعالى عنه عن‬
‫رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنه قال "إذا سأل سائل فل تقطعوا عليه‬
‫مسألته حتى يفرغ منها ثم ردوا عليه بوقار ولين ببذل يسير أو برد جميممل‪،‬‬
‫فإنه قد يأتيكم من ليس بإنس ول جان ينظرون كيف صنيعكم فيما خممولكم‬
‫الّله " وروى سعيد بن مسعود الكنمدي قمال‪ :‬قمال رسمول الّلمه صملى الّلمه‬
‫عليه وسلم "ما من رجل يتصدق في يوم أو ليلممة إل حفممظ مممن أن يممموت‬
‫من لدغة أو هدمة أو موت بغتة" وروى أبو هريممرة رضممي الل ّممه تعممالى عنممه‬
‫عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال "ما نقص مال من صدقة قممط‪ ،‬ول‬
‫عفا رجل عن مظلمة إل زاده الّله بها عزا‪ ،‬وما تواضممع رجممل للممه إل رفعممه‬
‫الّله تعالى" وروى عكرمة عن ابن عبمماس رضممي الل ّممه تعممالى عنهممما قممال‪:‬‬
‫ن‬
‫طا ُ‬‫شمي ْ َ‬
‫اثنان من الشيطان واثنان من الّله تعممالى‪ ،‬ثممم قممرأ هممذه اليممة }ال ّ‬
‫ْ‬
‫ل{ يعنممي‬ ‫ضم ً‬‫ه وَفَ ْ‬
‫من ْم ُ‬
‫مغْفِمَرة ً ِ‬
‫م َ‬ ‫شاِء َوالل ّم ُ‬
‫ه ي َعِمد ُك ُ ْ‬ ‫ح َ‬
‫ف ْ‬ ‫مُرك ُ ْ‬
‫م ِبال َ‬ ‫قَر وَي َأ ُ‬
‫ف ْ‬ ‫ي َعِد ُك ُ ْ‬
‫م ال َ‬
‫يأمركم‬

‫]ص ‪[163‬‬
‫م{ يعنممي واسممع‬ ‫سعٌ ع َِلي م ٌ‬ ‫بالطاعة والصدقة لتنالوا مغفرته وفضله }َوالل ّ ُ‬
‫ه َوا ِ‬
‫الفضل عليم بثواب من يتصدق‪ .‬وروى ابن بريدة عن أبيه عن النممبي صمملى‬
‫الّله عليه وسلم "مما نقمض قموم العهمد إل ابتلهمم الّلمه تعمالى بالقتمل‪ ،‬ول‬
‫ظهرت فاحشة في قوم إل سلط الّله عليهم الموت‪ ،‬ول منممع قمموم الزكمماة‬
‫إل حبس الّله عنهمم القطمر" وروى الضمحاك عمن النمزال بمن سمبرة قمال‪:‬‬
‫مكتوب على باب الجنة ثلثة أسطر‪ :‬أولها ل إله إل الّله محمد رسول اللممه‪،‬‬
‫والثاني‪ :‬أمة مذنبة ورب غفور‪ ،‬والثممالث وجممدنا ممما عملنمما ربحنمما ممما قممدمنا‬
‫خسرنا ما خلفنا‪ ،‬ويقال من منع خمسا ً منع الّله منه خمسًا‪ :‬أّولها مممن منممع‬
‫الزكاة منع الّله منه حفظ المال‪ ،‬والثاني مممن منممع الصممدقة منممع الل ّممه منممه‬
‫العافية‪ ،‬والثالث من منع العشر منع الّله منه بركة أرضه‪ ،‬والرابع مممن منممع‬
‫الدعاء منع الّله منه الجابة‪ ،‬والخامس من تهاون بالصلة منممه عنممد الممموت‬
‫قول ل إله إل الله‪ .‬وروى عن ابن مسعود رضي الّله تعممالى عنممه أنممه قممال‪:‬‬
‫درهم ينفقه أحدكم فممي صممحته وشممحه أفضممل مممن مممائة يوصممى بهمما عنممد‬
‫الموت‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬سمعت أبي رحمه الّله تعممالى قممال‪:‬‬
‫كان في زمن عيسى عليه الصلة والسلم رجل يسمى ملعون ما ً مممن بخلممه‪،‬‬
‫فجاءه رجل ذات يوم يريد الغزو‪ ،‬فقال يا ملعون أعطني شيئا ً مممن السمملح‬
‫أستعين به في غزوي وتنجو بممه مممن النممار‪ ،‬فممأعرب عنممه ولممم يعطممه شمميئا‬
‫فرجع الرجل فندم الملعون فناداه فأعطاه سيفه‪ ،‬فرجع الرجممل واسممتقبله‬
‫عيسى عليه السلم مع عابد قد عبد الّله سبعين سنة‪ ،‬فقال له عيسى مممن‬
‫أين جئتم بهذا السيف؟ فقممال أعطممانيه الملعممون‪ ،‬ففممرح عيسممى بصممدقته‪،‬‬
‫فكان الملعون قاعدا ً على بابه‪ ،‬فلما مّر به عيسى عليه السمملم مممع العابممد‬
‫فقال الملعون في نفسه أقوم وأنظر إلى وجه عيسممى وإلممى وجممه العابممد‪،‬‬
‫فلما قام ونظر إليهما قال العابد أنا أفر وأعدو مممن هممذا الملعممون قبممل أن‬
‫ل إلى عيسى عليه السلم أن قل لعبدي‬ ‫يحرقني بناره‪ ،‬فأوحى الّله عز وج ّ‬
‫هذا المذنب إني قد غفرت له بصدقته بالسيف وبحبه إياك‪ ،‬وقل للعابد إنممه‬
‫رفيقك في الجنة‪ ،‬فقال العابد والله ما أريد الجنة معه ول أريد رفيقا ً مثلممه‪،‬‬
‫ل إلى عيسى عليه السلم أن قل لعبدي‪ :‬إنك لم تممرض‬ ‫فأوحى الّله عز وج ّ‬
‫بقضائي وحقرت عبممدي فممإني قممد جعلتممك ملعونمما مممن أهممل النممار‪ ،‬وبممدلت‬
‫منازلك في الجنة مع الذي له في النار‪ ،‬وأعطيت منازلك في الجنة لعبممدي‬
‫ومنازله في النار لك‪ .‬وروى أبو هريمرة رضممي الّلمه تعمالى عنممه عمن النمبي‬
‫صلى الّله عليه وسلم أنه قال "إن ملكا ً ينادي من أبواب السماء يقول مممن‬
‫يقرض اليوم يجد غدًا‪ ،‬وملمك آخمر ينمادي يما معشمر بنمي آدم لمدوا للمموت‬
‫وابنوا للخراب" وروى عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنممه سممأل فقيممل يمما‬
‫رسول الّله إذا خرجت من الدنيا فظهر الرض خيرا ً لنا أم بطنها؟ قممال أبممو‬
‫هريرة رضي الّله تعالى عنه قممال النممبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم "إذا كممان‬
‫أمراؤكم خياركم وأغنياؤكم أسخياءكم وأموركم‬

‫]ص ‪[164‬‬
‫شورى بينكم فظهر الرض خير لكم من بطنها‪ ،‬وإذا كان أمراؤكم شراركم‬
‫وأغنيمماؤكم بخلءكممم وأممموركم إلممى نسممائكم فبطممن الرض خيممر لكممم مممن‬
‫ظهرها" وعن عبد الل ّممه بممن مسممعود رضممي الل ّممه تعممالى عنممه أنممه قممال‪ :‬إن‬
‫استطعت أن تجعل كنزك حيث ل يأكله السوس ول تناله اللصمموص فافعممل‬
‫بالصدقة‪ .‬وروى عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال "مممن أدى الزكمماة‬
‫وأقرى الضيف وأدى المانة فقد وقى شممح نفسممه" يعنممي دفممع البخممل عممن‬
‫نفسه‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬عليك بالصدقة بما قممل أو كممثر فممإن‬
‫في الصدقة عشر خصال محمودة‪ :‬خمسة في الدنيا وخمسة فممي الخممرة‪،‬‬
‫فأما الخمسة التي في الدنيا‪ :‬فأولها تطهير المال كما قال النبي صلى الل ّممه‬
‫عليه وسلم "أل إن البيع يحضره اللغو والحلف والكذب فشوبوه بالصممدقة"‬
‫ن‬
‫مم ْ‬ ‫خ مذ ْ ِ‬
‫ل} ُ‬ ‫والثاني أن فيها تطهير البدن من الذنوب كما قال الّله عز وج م ّ‬
‫م ب َِهمما{‪ ،‬والثممالث أن فيهمما دفممع البلء‬ ‫م وَت َُز ّ‬ ‫ة ت ُط َهُّر ُ‬
‫صممد َقَ ً‬ ‫َ‬
‫كيِهمم ْ‬ ‫همم ْ‬ ‫م َ‬‫وال ِهِ ْ‬
‫ممم َ‬
‫أ ْ‬
‫والمراض كما قال النبي صلى الّله عليه وسلم "داووا مرضاكم بالصممدقة"‬
‫والرابع أن فيها إدخممال السممرور علممى المسمماكين وأفضممل العمممال إدخممال‬
‫السرور على المؤمنين‪ ،‬والخممامس أن فيهمما بركممة فممي المممال وسممعى فممي‬
‫ه{‪ .‬وأممما‬ ‫فم ُ‬
‫خل ِ ُ‬‫يٍء فَهُموَ ي ُ ْ‬ ‫ن َ‬
‫شم ْ‬ ‫مم ْ‬
‫م ِ‬
‫قت ُم ْ‬ ‫ممما َأن َ‬
‫ف ْ‬ ‫الرزق كما قممال الل ّممه تعممالى }وَ َ‬
‫الخمسة التي في الخرة‪ ،‬فأولها أن تكون الصدقة ظل ً لصاحبها مممن شممدة‬
‫الحر‪ ،‬والثاني أن فيها خفة الحساب‪ ،‬والثممالث أنهمما تثقممل الميممزان‪ ،‬والرابممع‬
‫جواز على الصراط‪ ،‬والخامس زيادة الدرجات في الجنة‪ ،‬ولو لم يكممن فممي‬
‫الصدقة فضيلة سوى دعاء المساكين لكان الواجب على العاقل أن يرغممب‬
‫فيها فكيف وفيها رضى الّله تعمالى ورغمم الشميطان‪ ،‬لنمه روى فمي الخمبر‬
‫"إن الرجل ل يستطيع أن يتصدق ما لم يفك لحيي سبعين شمميطانا" وفيهمما‬
‫القتداء بالصالحين لن الصالحين كانت همتهم في الصدقة‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬حدثنا محمد بن الفضل بإسناده عن‬
‫محمد بن المنكدر عن أم ذر‪ ،‬وكانت تدخل على عائشة رضممي الل ّممه تعممالى‬
‫عنها قالت‪ :‬بعث عبد الّله بن الزبير إلى عائشة رضي الّله تعالى عنها بمال‬
‫في غرارتين فيهما ثمانون ومائة ألف درهم وهممي صممائمة‪ ،‬فجعلممت تقسممم‬
‫بين الناس فأمست وما عندها من ذلك درهم‪ ،‬فلما أمست قالت يمما جاريممة‬
‫هلمي فطوري فجاءتها بخبز وزيت‪ ،‬فقالت لها أما استطعت فيممما قسمممت‬
‫هذا اليوم أن تشتري لنا لحما ً بدرهم! قالت‪ :‬ل تعنفينممي لممو كنممت ذكرتينممي‬
‫لفعلت‪ .‬وعن عروة بن الزبير قال‪ :‬لقد رأيت عائشة رضي الّله تعالى عنهمما‬
‫تصدقت بسبعين ألف درهم وإنها لترفع جانب درعها‪ .‬وذكر أن عبممد الملممك‬
‫بن أبجر ورث خمسين ألف درهممم فبعممث إلممى إخمموانه صممررا وقممال‪ :‬كنممت‬
‫أسأل لخواني الجنة‪ ،‬فكيف أبخل عليهم بالدنيا‪ .‬وذكر في الخبر‪ :‬أن امممرأة‬
‫جاءت إلى حسان بن أبي سنان فسألته شيئًا‪ ،‬فجعل ينظر إليها‬

‫]ص ‪[165‬‬
‫فإذا هي امرأة جميلة فقال يا غلم أعطها أربعممائة فقيمل لمه يما عبمد الّلمه‬
‫سائلة تسألك درهما فأعطيتها أربعمائة درهم؟ فقال لما نظرت إلى جمالها‬
‫خشيت أن نفتتن فتقع في المعصممية فممأحببت أن أغنيهمما فعسممى أن يرغممب‬
‫فيها أحد فيتزوجها‪ .‬وذكر في الخبر أن رجل ً من أصممحاب النممبي صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم أهدى إليه برأس شاة فقال أخي فلن أحوج منممي فبعممث إليممه‪،‬‬
‫فقال الذي بعث إليه‪ :‬إن فلنا أحوج مني فبعممث إليممه‪ ،‬فلممم يممزل يبعممث بممه‬
‫واحد بعد واحد حتى تداولت سبعة أبيممات ثممم رجممع إلممى الول فنممزل قمموله‬
‫ة{ ويقال إن نزول هذه‬ ‫ص ٌ‬‫صا َ‬
‫خ َ‬‫م َ‬‫ن ب ِهِ ْ‬ ‫م وَل َوْ َ‬
‫كا َ‬ ‫سه ِ ْ‬
‫ف ِ‬‫ن ع ََلى أ َن ْ ُ‬‫تعالى }وَي ُؤ ْث ُِرو َ‬
‫الية كان في شأن رجل من النصار‪ ،‬وذلك ما رواه الحسن "أن رجل ً أصبح‬
‫على عهد رسول الّله صلى الّله عليه وسلم صائما ً فلما أمسى لم يجممد ممما‬
‫يفطر عليه إل الماء فشرب‪ ،‬ثم أصبح صائما ً ثم أمسى لممم يجممد ممما يفطممر‬
‫عليه إل الممماء فشمرب‪ ،‬ثمم اصممبح صمائما ً فلمما كمان اليموم الثممالث أجهمده‬
‫الجوع‪ ،‬ففطن به رجل من النصار فلما أمسى أتى بممه منزلممه فقممال لهلممه‬
‫قد نزل بنا الليلة ضيف فهل عندنا طعام فقالت إن عنممدنا مممن الطعممام ممما‬
‫يشبع الواحد وكانا صائمين ولهممما صممبي‪ ،‬فقمال لهما إن نطعمم ذلمك ضميفنا‬
‫ومي الصبي قبل وقت العشاء وإذا قربت الطعام فأطفىء‬ ‫ونصبر الليلة‪ ،‬فن ّ‬
‫السراج حتى يرى الضيف أنا نأكل معه حتى يشبع فجاءت بثريدة فوضممعتها‬
‫ثم دنت من السراج كأنها تصلحه فأطفأته فجعل النصمماري يضممع يممده فممي‬
‫القصعة بيممن يممديه ول يأكممل شمميئا ً فأكممل الضمميف حممتى أتممى علممى ممما فممي‬
‫القصعة‪ ،‬فلما أصبح النصاري صلى مع رسول الّله صلى الّلمه عليمه وسملم‬
‫الفجر فلما سلم النبي صلى الّله عليه وسمملم أقبممل علممى النصمماري وقممال‬
‫لقد عجب الّله تعالى من صنيعكما يعني رضى به وتل هذه الية }وَُيممؤ ْث ُِرو َ‬
‫ن‬
‫ة{ يعنممي يممؤثرون بممما عنممدهم لغيرهممم‬ ‫صم ٌ‬
‫َ‬ ‫صا‬
‫َ‬ ‫خ‬
‫م َ‬ ‫ن ب ِهِم ْ‬ ‫م وَل َوْ َ‬
‫كا َ‬ ‫سه ِ ْ‬ ‫ف ِ‬‫ع ََلى أ َن ْ ُ‬
‫م‬‫ك هُ م ْ‬‫س مهِ فَ مأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ف ِ‬
‫ح نَ ْ‬
‫ش ّ‬‫ن ُيوقَ ُ‬‫م ْ‬‫ويمنعون أنفسهم وإن كان بهم مجاعة }وَ َ‬
‫ن{ يعني مممن يممدفع البخممل عممن نفسممه فممأولئك هممم النمماجون مممن‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬
‫م ْ‬
‫ال ُ‬
‫ّ‬
‫عذابه‪ .‬وذكر عن حامد اللفاف رحمه الله تعالى أنه قال‪ :‬إني لرضى منكم‬
‫بأربعة وإن كان السلف على خلف ذلك‪ :‬أحدها أن تهتموا لتقصير الفريضة‬
‫كما كانوا يهتمون لتكثير الفضيلة‪ ،‬والثاني أن تخافوا الّله فممي ذنمموبكم أن ل‬
‫تغفر كما كانوا يخافون على الطاعممة أن ل تقبممل‪ ،‬والثممالث أن تزهممدوا فممي‬
‫الحرام كما كانوا يزهدون في الحلل‪ ،‬والرابع أن تؤتوا الشفقة والمعممروف‬
‫إلى إخوانكم وأصدقائكم كما كانوا يؤتونهما إلى أعدائهم‪.‬‬

‫]ص ‪[166‬‬
‫باب ما تدفع الصدقة عن صاحبها‬
‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رحمه الّله تعالى حدثنا عبد الّله بممن‬
‫حبان البخاري حدثنا أبو جعفر المنادي البغممدادي حممدثنا إبراهيممم بممن محمممد‬
‫عن أشعث الحراني عن أبممي الفممرج الزدي‪ :‬أن عيسممى بممن مريممم عليهممما‬
‫السلم مّر بقرية وفي تلك القرية قصار‪ ،‬فقممال أهممل القريممة يمما عيسممى إن‬
‫هذا القصممار يمممزق ثيابنمما ويحبسممها فممادع الل ّممه أن ل يممرده برزمتممه؟ فقممال‬
‫عيسى عليممه السمملم اللهممم ل تمرده برزمتمه‪ ،‬قمال فمذهب القصمار ليقصمر‬
‫الثياب ومعه ثلثة أرغفة‪ ،‬فجاءه عابد كان يتعبد في تلك الجبال وسلم على‬
‫القصار‪ ،‬وقال هل عندك خبز تطعمني أو تريني حتى أنظر إليه وأشم ريحه‬
‫فإني لم آكل الخبز منذ كذا وكذا؟ فأطعمه رغيفًا‪ ،‬فقال يا قصار‪ :‬غفر الّلممه‬
‫لك ذنبك وطهر قلبك فأعطاه الثاني فقال يا قصار غفر الل ّممه لممك ممما تقممدم‬
‫من ذنبك وما تأخر‪ ،‬قال فأطعمه الثالث فقال يا قصار بنى الّلمه لمك قصمرا‬
‫ي سالما‪ ،‬فقممال أهممل القريممة يمما عيسممى‬ ‫في الجنة‪ ،‬فرجع القصار من العش ّ‬
‫هذا القصار قد رجع؟ قممال ادعمموه‪ ،‬فلممما أتمماه قممال يمما قصممار أخممبرني عممما‬
‫عملممت اليمموم؟ فقممال أتمماني سمميار مممن سمميار تلممك الجبممال فاسممتطعمني‬
‫فأطعمته ثلثة أرغفة فبكل رغيف أطعمته دعا لي بممدعوات‪ ،‬فقممال عيسممى‬
‫عليه الصلة والسلم هات رزمتك حتى أنظر إليها فأعطاه ففتحها فإذا فيها‬
‫حية سوداء ملجمة بلجام من حديد‪ ،‬فقال عيسممى عليممه السمملم يمما أسممود‪:‬‬
‫قال لبيك يا نبي الله؟ قال ألست قد بعثت إلى هذا؟ قال نعم‪ ،‬ولكن جمماءه‬
‫سيار من تلك الجبال فاستطعمه فبكل رغيف أطعمه دعا له بممدعوة وملممك‬
‫ي ملكا ً مممن الملئكممة فممألجمني بلجممام‬ ‫قائم يقول آمين فبعث الّله تعالى إل ّ‬
‫من حديد‪ ،‬فقال عيسى عليه السلم يا قصار استأنف العمل فقد غفر الّلممه‬
‫لك ببركة صدقتك عليه‪.‬‬
‫حدثنا محمد بن الفضل حدثنا محمد بن جعفر حدثنا إبراهيم بممن يوسممف‬
‫حدثنا أبو معاوية عن العمش عن سالم بن أبي الجعد قال‪ :‬خرجت امممرأة‬
‫ومعها صبي لها فجاء ذئب فاختلس منها الصممبي فخرجممت فممي أثممره وكممان‬
‫معها رغيف فعرض لها سائل فأطعمته فجاء الذئب بصبيها حممتى رده عليهمما‬
‫فهتف هاتف هذه لقمة بلقمة‪ .‬وبهذا السناد عن العمش عن أبممي سممفيان‬
‫ي قال‪ :‬تعبد راهب من بني إسرائيل في صممومعة سممتين‬ ‫عن معتب بن سم ّ‬
‫سنة‪ ،‬فنظر يوما ً إلى بعض الصحارى فأعجبته الرض فقال‪ :‬لمو نزلمت إلممى‬
‫الرض فمشيت فيها ونظرت إليها‪ ،‬وأنمزل معمه رغيفما ً فعرضمت لمه اممرأة‬
‫فكشفت له فافّتن بها فلم يملممك نفسممه أن واقعهمما‪ ،‬فممأدركه الممموت علممى‬
‫ذلك الحال‪ ،‬وجاء السائل فأعطاه الرغيف‪ ،‬فمات فجيء بعمل ستين سممنة‬
‫فوضع في كفة الميزان وجيء بخطيئة ووضعت في الكفة الخرى‬

‫]ص ‪[167‬‬
‫فرجحت خطيئته بعمل ستين سنة‪ ،‬حتى جيء بالرغيف فوضع عمله فرجممح‬
‫بخطيئتممه‪ ،‬وقيممل إن الصممدقة تممدفع سممبعين بابمما مممن الشممر‪ .‬وعممن أبممي ذر‬
‫الغفاري رضي الّله تعالى عنه‪ :‬ما على الرض صدقة تخرج حتى يفك عنهمما‬
‫لحيي سبعين شيطانا ً كلهم ينهاه عنها‪ .‬وعن قتادة قال‪ :‬ذكر لنا أن الصممدقة‬
‫تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار‪ .‬وروى عن عائشة رضي الّلممه تعممالى‬
‫عنها أنها كانت جالسة ذات يوم إذ جاءتهمما امممرأة سممترت يممدها فممي كمهمما‪،‬‬
‫فقالت لها عائشة مالك ل تخرجين يدك من كمك؟ قالت ل تسممأليني يمما أم‬
‫المؤمنين‪ ،‬قال عائشة رضي الّله تعالى عنها‪ :‬لبد ّ لك أن تخبريني؟ فقممالت‬
‫يا أم المؤمنين إنه كان لي أبوان فكان أبي يحب الصدقة وأما أمي فكممانت‬
‫دقت يومما ً تصممدقت بشمميء إل قطعممة شممحم‬ ‫تبغض الصدقة‪ ،‬فلم أرهمما تصم ّ‬
‫وثوبا ً خلقا‪ ،‬فلما ماتا في المنام رأيت فمي المنمام كمأن القياممة قمد قممامت‬
‫ورأيممت أمممي قائمممة بيممن الخلممق والخلقممة موضمموعة علممى عورتهمما ورأيممت‬
‫الشحمة بيدها وهي تلحسممها وتنممادي واعطشمماه‪ ،‬ورأيممت أبممي علممى شممفير‬
‫الحوض وهو يسقي الماء ولم يكن عند أبي صدقة وأحممب إليممه مممن سممقيه‬
‫الماء‪ ،‬فأخذت قدحا ً من ماء فسقيت أمي فنودي من فمموق أل مممن سممقاها‬
‫شلت يده فاستيقظت وقد شلت يدي‪ .‬وذكر أن مالك بن دينار رحمممه الّلممه‬
‫تعالى كان جالسا ً ذات يوم‪ .‬فجاء سائل وسأله شيئا ً وكان عنده سمملة تمممر‪،‬‬
‫فقال لمرأته ائتيني بهمما‪ ،‬فأخممذها مالممك فممأعطى نصممفها إلممى السممائل ورد ّ‬
‫نصفها إلى امرأته‪ ،‬فقالت له امرأته مثلك يسمممى زاهممدًا‪ :‬هممل رأيممت أحممدا ً‬
‫يبعث إلى الملك هدية مكسرة؟ فدعا مالممك بالسممائل وأعطمماه البقيممة‪ ،‬ثممم‬
‫أقبل على امرأته فقال لها يا هذه اجتهدي ثم اجتهدي‪ ،‬فإن الّله تعالى قممال‬
‫ن ذ َِراعما ً‬ ‫سمل َةٍ ذ َْرع ُهَمما َ‬
‫سمب ُْعو َ‬ ‫سل ْ ِ‬ ‫م فِممي ِ‬ ‫صمّلو ُ‬
‫ه‪ ،‬ث ُم ّ‬ ‫م َ‬ ‫حي َ‬‫ج ِ‬
‫م ال َ‬ ‫ذوه ُ فَغُّلو ُ‬
‫ه‪ ،‬ث ُ ّ‬ ‫خ ُ‬‫} ُ‬
‫م‪،‬‬ ‫ن ِبالل ّهِ العَ ِ‬
‫ظي ِ‬ ‫ن ل ي ُؤ ْ ِ‬
‫م ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬‫ه{ فيقال من أين هذه الشدة قال }إ ِن ّ ُ‬ ‫كو ُ‬‫سل ُ ُ‬‫َفا ْ‬
‫ن{ اعلمي أيتها المرأة قد طرحن عممن عنقنمما‬ ‫كي ِ‬
‫س ِ‬
‫م ْ‬‫ض ع ََلى ط ََعام ِ ال ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫َول ي َ ُ‬
‫نصفها باليمان فينبغي أن نطرح النصف الخر بالصدقة‪ .‬قال‪ :‬حدثنا محمممد‬
‫بن الفضل بإسناده عن رجل من أهل البصممرة قممال‪ :‬كممان أعرابممي صمماحب‬
‫ماشممية وكممان قليممل الصممدقة فتصممدق بغريممض مممن غنمممه‪ :‬يعنممي بسممخلة‬
‫مهزولة‪ ،‬فرأى فيما يرى النائم كأنها أقبلت عليه غنمه كلهمما تنطحممه فجعممل‬
‫الغريض يحامي عنه فلما انتبمه قممال‪ :‬واللممه لن اسممتطعت لجعلمن أتباعممك‬
‫كثيرة‪ ،‬قال‪ :‬وكان بعد ذلك يعطي ويقسم‪ .‬وروى عن العمش عممن خيثمممة‬
‫عن عدي بن حاتم رضي الّله تعالى عنه قال‪ :‬قال رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم‪" :‬ما منكم من أحد إل سيكلمه ربه فينظممر أيمممن منممه فل يممرى‬
‫شيئا ً إل ما قدمه‪ .‬ثم ينظر شمممال ً منمه فل يممرى شمميئا ً إل قممدمه" ثممم ينظممر‬
‫أمامه فل يرى شيئا ً إل النار فاتقوا النار ولو بشق تمرة"‪.‬‬

‫]ص ‪[168‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬يقال عشر خصال تبلغ العبممد منزلممة‬
‫الخيار وينال بها الدرجات‪ :‬أّولها كثرة الصدقة‪ ،‬والثاني كثرة تلوة القممرآن‪،‬‬
‫والثالث الجلوس مع من يذكره بالخرة ويزهممده فممي الممدنيا‪ ،‬والرابممع صمملة‬
‫الرحم‪ ،‬والخامس عيادة المريض‪ ،‬والسممادس قلممة مخالطممة الغنيمماء الممذين‬
‫شغلهم غناهم عن الخرة‪ ،‬والسابع كثرة التفكر فيممما هممو صممائر إليممه غممدا‪،‬‬
‫والثامن قصر المل وكثرة ذكر الموت‪ ،‬والتاسع لزوم الصمت وقلة الكلم‪،‬‬
‫والعاشر التواضع ولبممس الممدون وحممب الفقممراء والمخالطممة معهممم وقممرب‬
‫اليتامى والمساكين ومسممح رؤوسممهم‪ .‬ويقممال سممبع خصممال تربممى الصممدقة‬
‫ت‬‫ن ط َي َّبمما ِ‬ ‫ممم ْ‬ ‫قوا ِ‬ ‫وتعظمها‪ :‬أّولها إخراجها من حلل لن الّله تعالى قال }َأنفِ ُ‬
‫ل يعنممي يعطممي مممن مممال قليممل‪،‬‬ ‫م{‪ ،‬والثاني إعطاؤها من جهد مق ّ‬ ‫سب ْت ُ ْ‬‫ما ك َ َ‬ ‫َ‬
‫والثالث تعجيلها مخافة الفوت‪ ،‬والرابع تصفيتها مخافة البخل يعنممي يعطيهمما‬
‫ممموا‬ ‫من أحسن أمواله ول يعطيها من الرديء لن الّله تعممالى قممال }َول ت َي َ ّ‬
‫م ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الّله غ َن ِ ّ‬
‫ي‬ ‫موا أ ّ‬ ‫ضوا ِفيهِ َواع ْل َ ُ‬
‫م ُ‬ ‫ذيهِ إ ِل ّ أ ْ‬
‫ن ت ُغْ ِ‬ ‫خ ِ‬
‫م ِبآ ِ‬ ‫ن وَل َ ْ‬
‫ست ُ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫ه ُتنفِ ُ‬
‫من ْ ُ‬‫ث ِ‬ ‫خِبي َ‬ ‫ال َ‬
‫د{ ولستم بآخذيه‪ :‬يعني ل تأخذونه يعني الرديممء إذا كممان علممى الخممر‬ ‫مي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫لكم قرضا إل أن تغمضوا فيه أي تسامحوا وتساهلوا فيه‪ ،‬والخامس يعطيها‬
‫في السر مخافة الرياء‪ :‬والسمادس بعمد الممن عنهما مخافمة إبطمال الجمر‪،‬‬
‫والسابع كف الذى عن صاحبها مخافة الثم لن الّله تعالى قال }ل ت ُب ْط ُِلمموا‬
‫ذى{ والله تعالى أعلم‪.‬‬ ‫ن َوال َ َ‬ ‫م ّ‬
‫م ِبال َ‬ ‫صد ََقات ِك ُ ْ‬ ‫َ‬

‫باب فضل شهر رمضان‬


‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رضي الّله تعالى عنممه‪ :‬حممدثني أبممي‬
‫رحمه الّله تعالى قال‪ :‬حدثنا أبممو جعفممر السممكاف عممن محمممد بممن موسممى‬
‫حدثنا الفضل بن عصام حدثنا سلمة بممن شممبيب حممدثنا القاسممم بمن الحكممم‬
‫العزى عن هشام بن الوليد عن حماد بن سليمان الدوسي عن الضحاك بن‬
‫مزاحم عن ابن عباس رضي الّله تعالى عنهما أنمه سمممع النممبي صملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم يقول "بأن الجنة لتبخر وتزين من الحممول إلممى الحممول لممدخول‬
‫شهر رمضان‪ ،‬فإذا كان أّول ليلة من رمضان هبت ريممح مممن تحممت العممرش‬
‫يقال لها المثيرة‪ ،‬فتصفق ورق أشجار الجنة وحلق المصاريع فيسمع لممذلك‬
‫طنين لم يسمع السامعون أحسن منه‪ ،‬فتبرز الحور العين حتى يقمن علممى‬
‫شرف الجنة فينادين هل من خاطب إلى الّله تعالى فيزوجممه الل ّممه سممبحانه‬
‫وتعالى منا؟ ثم يقلن يا رضوان ما هذه الليلة؟ فيجيبهن بالتلبية‪ ،‬فيقممول يمما‬
‫خيرات حسان هذه أّول ليلة من شهر رمضان‪ ،‬ويقول الّله يا رضوان افتممح‬
‫أبواب الجنان للصائمين من أمة محمد صلى الل ّممه عليممه وسمملم‪ ،‬ويقممول يمما‬
‫مالك أغلق أبواب الجحيم عن الصائمين مممن أمممة محمممد صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم ويقول يا جبريل اهبط إلممى الرض فصممفد مممردة الشممياطين وغلهممم‬
‫بالغلل ثم اقذفهم في لجج البحار حتى ل يفسدوا على أمة حبيممبي محمممد‬
‫صيامهم‪ ،‬فيقول الّله تعالى في كل ليلة من شهر رمضان ثلث مرات‪.‬‬

‫]ص ‪[169‬‬
‫هل من سائل فأعطيه سؤله؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر‬
‫فأغفر له‪ ،‬ثم ينادي من يقرض الملي غير العدوم في الوفي غير الظلمموم؟‬
‫وإن لله تعالى في كل يوم من شهر رمضان عند الفطار ألممف ألممف عممتيق‬
‫من النار كلهم قد استوجبوا العذاب‪ ،‬فإذا كان يمموم الجمعممة وليلممة الجمعممة‬
‫أعتق في كل ساعة منها ألممف ألممف عممتيق مممن النممار كلهممم قممد اسممتوجبوا‬
‫العذاب‪ ،‬فإذا كان آخر يوم من شهر رمضان أعتق في ذلك اليوم بعدد مممن‬
‫أعتق من أّول الشهر إلى آخممره‪ ،‬فممإذا كممانت ليلممة القممدر يممأمر الل ّممه تعمالى‬
‫جبريل فيهبط في كبكبة من الملئكة إلى الرض ومعه لواء أخضر فيركممزه‬
‫على ظهر الكعبة وله ستمائة جناح منهمما جناحممان ل ينشممرهما إل فممي ليلممة‬
‫القدر فينشرهما تلك الليلة فيجاوزان المشممرق والمغممرب‪ ،‬فيبعممث جبريممل‬
‫ل وذاكممر‬ ‫الملئكة في هممذه المممة فيسمملمون علممى كممل قممائم وقاعممد ومصم ّ‬
‫ويصافحونهم ويؤمنون على دعائهم حتى يطلع الفجر‪ ،‬فإذا طلع الفجر نادى‬
‫جبريل عليه السلم يا معشر الملئكة الرحيل الرحيل‪ ،‬فيقولممون يمما جبريممل‬
‫ما صنع الّله في حوائج المؤمنين من أمة محمممد صمملى الل ّممه عليممه وسمملم؟‬
‫فيقول إن الّله تعالى نظر إليهم وعفمما عنهممم وغفممر لهممم إل أربعممة فقممالوا‪:‬‬
‫وممن همؤلء الربعمة؟ قممال ممدمن الخممر‪ ،‬وعماق لوالممديه‪ ،‬وقماطع الرحممم‬
‫ومشاحن قيل يا رسول الّله ومن المشاحن؟ قال هو المصارم‪ :‬يعني الذي‬
‫ل يكلم أخاه فوق ثلثة أيام‪ ،‬فإذا كانت ليلة الفطر سميت تلممك الليلممة ليلممة‬
‫الجائزة‪ ،‬فإذا كانت غداة الفطر يبعث الملئكة في كل البلد فيهبطون إلممى‬
‫الرض فيقومون على أفواه السكك فينادون بصوت يسمعه جميع ما خلممق‬
‫الّله تعالى فيقولون يا أمة محمممد اخرجمموا إلممى رب كريممم يعطممي الجزيممل‬
‫ل جلله لملئكته‬ ‫ويغفر الذنب العظيم‪ ،‬فإذا برزوا إلى مصلهم يقول الّله ج ّ‬
‫يا ملئكتي ما جزاء الجير إذا عمممل عملممه؟ فتقممول الملئكممة إلهنمما وسمميدنا‬
‫جزاؤه أن توفيه أجره‪ ،‬فيقول الّله تعالى فإني أشهدكم يا ملئكتي أني قممد‬
‫جعلت ثوابهم في صيامهم شهر رمضان وقيامهم رضائي ومغفرتي‪ ،‬فيقول‬
‫الّله تعالى يا عبادي سلوني فوعزتي وجللي ل تسألوني اليوم شيئا ً لدينكم‬
‫ودنياكم إل أعطيتكم إياه"‪.‬‬
‫ي بن أحمد حدثنا‬ ‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬حدثنا أبو جعفر حدثنا عل ّ‬
‫محمد بن الفضل حدثنا يزيد بن هرون عن هشام بن أبي هشام عن محمممد‬
‫بن محمد بن السود عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الل ّممه تعممالى عنممه‬
‫قال‪ :‬قال رسول الل ّممه صملى الل ّممه عليممه وسمملم "أعطيممت أممتي فمي شمهر‬
‫رمضان خمس خصال لم تعط أمة قبلها‪ :‬خلوف فم الصائم أطيب عند الّله‬
‫من ريح المسك وتستغفر لهم الملئكممة حممتى يفطممروا‪ ،‬وتصممفد فيممه مممردة‬
‫الشياطين فل يخلصون فيه إلى ما كانوا يخلصون في غيره‪ ،‬ويزين الّله كل‬
‫دي الصالحون‬ ‫يوم جنته ويقول لها يوشك عبا ّ‬

‫]ص ‪[170‬‬
‫أن تلقى عنهم المؤنة والذى ويصيروا إليك ويغفر لهم في آخر ليلة‪ ،‬قيل يا‬
‫رسول الّله أهي ليلمة القممدر؟ قممال ل‪ ،‬ولكممن العامممل إنمما يمموفى أجممره إذا‬
‫قضى عمله"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬حدثنا محمد بن الفضل حدثنا محممد بمن‬
‫جعفر حدثنا إبراهيم بن يوسف حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلبممة‬
‫عن أبي هريرة رضي الّله تعالى عنه قال كان رسول الّله صلى الّلممه عليممه‬
‫وسلم يبشر أصحابه ويقول‪" :‬قممد جمماءكم شممهر رمضممان شممهر مبممارك قممد‬
‫افترض الّله عليكم صيامه تفتتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيها أبواب الجحيم‬
‫وتغل فيه مردة الشياطين وفيه ليلة القدر خير من ألف شممهر" وروى عممن‬
‫العمش عن خيثمة قال‪ :‬كانوا يقولون‪ :‬مممن رمضممان إلممى رمضممان والحممج‬
‫إلى الحج والجمعة إلى الجمعة والصلة إلممى الصمملة كفممارة لممما بينهممن ممما‬
‫اجتنبت الكبائر‪.‬‬
‫وروى عن عمممر رضممي الّلمه تعمالى عنمه أنمه كمان يقمول‪ :‬إذا دخمل شمهر‬
‫رمضان مرحبا بمطهرنا‪ ،‬فرمضان خير كله صيام نهاره وقيام ليلممه والنفقممة‬
‫فيه كالنفقة في سبيل الله‪ .‬وروى أبو هريممرة رضممي الل ّممه تعممالى عنممه عممن‬
‫النبي صلى الل ّممه عليممه وسمملم أنممه قممال "مممن صممام رمضممان وقممامه إيمانمما‬
‫واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" وروى أبو هريرة رضي الّله تعالى عنممه‬
‫عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال "قال الّله تعالى كل حسنة يعملهمما‬
‫ابن آدم تضاعف له من عشرة إلى سبعمائة ضعف إل الصوم فإنه لي وأنمما‬
‫أجزي به‪ ،‬يدع شهوته وطعامه وشرابه من أجلممي‪ ،‬والصمموم جنممة‪ ،‬وللصممائم‬
‫فرحتان فرحة عند الفطار وفرحة عند لقاء ربه يوم القيامة"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬حدثنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد‬
‫حدثنا فارس حدثنا محمد بن الفضل قال حدثنا أبو وهب عبد الل ّممه بممن بكممر‬
‫حدثنا إياس عن علي بن يزيد عن سعيد بن المسيب عن سلمان الفارسممي‬
‫رضي الّله تعالى عنه قال‪" :‬خطبنا رسول الّله صلى الّله عليممه وسمملم آخممر‬
‫يوم من شعبان فقال‪" :‬أيها الناس إنه قد أظلكم شهر عظيم مبارك‪ ،‬شممهر‬
‫فيه ليلة القدر وهي خير من ألف شهر‪ ،‬شهر فرض الّله صيامه وجعل قيام‬
‫دى فريضممة فيممما‬ ‫وع فيه بخصلة من الخير كان كمممن أ ّ‬ ‫وعا‪ ،‬فمن تط ّ‬ ‫ليله تط ّ‬
‫دى سبعين فريضة فيما سواه‪ ،‬وهو‬ ‫دى فريضة فيه كان كمن أ ّ‬ ‫سواه‪ ،‬ومن أ ّ‬
‫شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة‪ ،‬وهو شهر المواساة‪ ،‬وشهر يممزاد فيممه رزق‬
‫المؤمن‪ ،‬من فطر فيه صائما ً كان له عتممق رقبممة ومغفممرة لممذنوبه‪ ،‬قلنمما يمما‬
‫رسول الّله ليس كلنا يجد ما يفطر به الصائم؟ قال يعطي الّله هذا الثممواب‬
‫لمن يفطر صائما على مذقة لبن أو تمرة أو شربة ماء‪ ،‬ومممن أشممبع صممائم‬
‫كان له مغفرة لذنوبه وسقاه ربه من حوضممي شممربة ل يظمممأ بعممدها حممتى‬
‫يدخل الجنة‪ ،‬وكان له مثل أجره من غير أن ينقص مممن أجممره شمميء‪ ،‬وهممو‬
‫شهر أّوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق مممن النممار‪ ،‬ومممن خفممف عممن‬
‫مملوكه فيه أعتقه الّله من النار"‪.‬‬

‫]ص ‪[171‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫)قال الفقيه( رحمه الله تعالى‪ :‬حدثنا أبي رحمممه اللممه تعممالى حممدثنا أبممو‬
‫الحسن الفراء بإسناده عن ابن مسعود رضي الّله تعالى عنه قال‪ :‬ممما مممن‬
‫ل حلله وحممّرم‬ ‫عبد صام رمضان في إنصاف وسكوت وذكر الّله تعالى وأح ّ‬
‫حرامه ولم يرتكب فيه فاحشة إل انسلخ من رمضممان يمموم ينسمملخ إل وقممد‬
‫غفرت له ذنوبه كلها‪ ،‬ويبني له بكل تسممبيحة وتهليلممة بيممت فممي الجنممة مممن‬
‫زمردة خضراء في جوفها ياقوتة حمراء‪ ،‬في جوف تلك الياقوتة خيمممة مممن‬
‫وفة فيه زوجة من الحور العيممن عليهمما سممواران مممن ذهممب موشممح‬ ‫دّرة مج ّ‬
‫بياقوتة حمراء تضيء لها الرض‪ .‬وبهذا السناد عن ابن مسعود رضممي الل ّممه‬
‫تعالى عنه عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال وقد دنمما شممهر رمضممان‬
‫"لو يعلم العباد ما في رمضان لتمنت أمتي أن يكون سنة‪ .‬فقال رجممل مممن‬
‫خزاعة حدثنا يا رسول الّله بممما فيممه؟ قممال إن الجنممة لممتزين لرمضممان مممن‬
‫الحول إلى الحول‪ ،‬فإذا كممان أّول ليلممة مممن رمضممان هبممت ريممح مممن تحممت‬
‫العرش فصفقت ورق أشجار الجنة فتنظر الحممور إلممى ذلممك ويقلممن يمما رب‬
‫اجعل لنا في هذا الشهر من عبادك أزواجا ً تقّر أعيننا بهم وتقر أعينهممم بنمما‪،‬‬
‫فما من عبد صام رمضان إل زّوج زوجتين من الحور العين فممي خيمممة مممن‬
‫م{‬ ‫خَيما ِ‬
‫ت ِفمي ال ِ‬
‫صموَرا ٌ‬
‫ق ُ‬
‫م ْ‬ ‫دّرة مجوفة مما نعت الّله تعالى في كتابه } ُ‬
‫حموٌر َ‬
‫وعلى كل امممرأة منهممن سممبعون حلممة ليممس فيهمما حلممة علممى لممون الخممرى‬
‫ن علممى سممرير مممن ياقوتممة‬ ‫ويعطى سبعين لونا ً من الطيب‪ ،‬وكل امرأة منه ّ‬
‫حمراء منسوجة بالدر‪ ،‬على كل سرير سبعون فراشا بطائنها من اسممتبرق‪،‬‬
‫لكل امرأة سبعون وصيفة‪ ،‬هذا بكل يوم صامه من رمضان سوى ما عمممل‬
‫من الحسنات" وعن النبي صلى الّله عليه وسملم قمال "رجمب شمهر أممتي‬
‫وفضله على سائر الشهور كفضل أمتي على سائر المم‪ ،‬وشممعبان شممهري‬
‫وفضله على سائر الشهور كفضلي على سائر النبياء‪ ،‬ورمضان شممهر الّلممه‬
‫وفضله على سائر الشهور كفضل الّله على خلقه"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬حممدثنا محمممد بممن الفضممل بإسممناده عممن‬
‫الحسن "إن النبي صلى الّله عليه وسملم خمرج وإذا النماس يتلحمون فقمال‬
‫النبي صلى الّله عليه وسلم‪ :‬جئت وأنا أريد أن أخبركم بليلة القدر غير أني‬
‫خشيت أن تتكلوا عليها وعسى أن يكون خيممرا ً فاطلبوهمما فممي العشممر فممي‬
‫تسع بقين وفي سبع بقين وفي خمس بقين وفي ثلث بقين وفي آخر ليلممة‬
‫تبقى‪ ،‬ومن أماراتها أنها ليلة بلجة سمحة ل حارة ول باردة تتطلع الشمممس‬
‫في صبيحتها ليس لها شعاع‪ ،‬من قامها إيمانا واحتسابا غفر الّله له ما كممان‬
‫قبل ذلك من ذنب"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬قد اشمترط النمبي صملى الّلمه عليمه‬
‫وسمملم فممي قيممام الليممل وصمميام النهممار اليمممان والحتسمماب‪ ،‬واليمممان هممو‬
‫التصديق بما وعد الل ّممه لممه مممن الثممواب‪ ،‬والحتسمماب أن يكممون مقبل عليممه‬
‫خاشعا ً لله تعالى‪ ،‬فإذا أراد العبممد أن ينممال الثممواب والفضممائل الممتي ذكرهمما‬
‫النبي صلى الّله عليه وسلم فينبغي أن يعممرف حرمممة الشممهر ويحفممظ فيممه‬
‫لسانه من الكذب والغيبة‬

‫]ص ‪[172‬‬
‫والفصول‪ ،‬ويحفظ جوارحه عن الخطايا والزلل‪ ،‬ويحفظ قلبممه عممن الحسممد‬
‫وعداوة المسلمين‪ ،‬فإذا فعل ذلك فينبغي أن يكون خائفا أن الّله يقبل منممه‬
‫أو ل يقبل‪ .‬وقد ذكر عن بعض الحكماء أنه كممان يقممول‪" :‬إلهممي قممد ضمممنت‬
‫لصاحب المصيبة في الدنيا الجر وفي الخرة الثواب‪ ،‬إلهي إن رددت علينا‬
‫هذا الصوم فل تحرمنمما أجممر المصمميبة يمما معروفمما بممالمعروف" روى أبممو ذر‬
‫الغفاري رضي الّله تعالى عنه قال "صمنا مع رسول الّله صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم فلما كان ليلة الثالث والعشرين قام وصلى حتى مضمى ثلمث الليمل‪،‬‬
‫ثم لما كانت ليلة الرابع والعشرين لم يخرج إلينا‪ ،‬فلما كانت ليلة الخممامس‬
‫والعشرين خرج إلينا وصلى بنا حتى مضى شطر الليل‪ ،‬فقلنا لو نفلتنا ليلتنا‬
‫هذه؟ فقال إنه من خرج وقام مع المام حتى ينصرف كتب لممه قيممام ليلممة‪،‬‬
‫ثم لم يص ّ‬
‫ل بنا في الليلممة السادسممة والعشممرين‪ ،‬فلممما كممانت ليلممة السممابع‬
‫والعشرين قام وجمع أهله وصلى بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلح؟ قلنا وما‬
‫الفلح قال السحور" وعن عائشة رضي الل ّممه تعممال عنهمما "إن النممبي صمملى‬
‫الّله عليه وسلم خرج في أّول جوف الليل في رمضان وصلى في المسجد‬
‫وصلى الناس بصلته فأصبح الناس يتحدثون بذلك‪ ،‬وكثر الناس فممي الليلممة‬
‫الثانية فصلى وصلوا بصلته‪ ،‬فلما كانت الليلة الثالثة كثر الناس حتى عجممز‬
‫المسجد عن أهله فلم يخرج إليهممم حممتى خممرج لصمملة الفجممر‪ ،‬فلممما صمملى‬
‫الفجر أقبل على الناس وقممال‪ :‬إنممه لممم يخممف علممي شممأنكم الليلممة ولكنممي‬
‫خشيت أن يعزم عليكم صلة الليل فتعجزوا عن ذلك‪ ،‬قالت عائشممة رضممي‬
‫الّله تعالى عنها وكان النبي صلى الّله عليه وسلم يرغبهم في قيام رمضان‬
‫من غير أن يممأمرهم بعزيمممة فتمموفى رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه وسمملم‬
‫والمر على ذلك في خلفة أبي بكر‪ ،‬وصدرا من خلفة عمممر حممتى جمعهممم‬
‫ي بن كعب رضي الّله تعالى عنهما"‪.‬‬ ‫عمر بن الخطاب على أب ّ‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬وحدثني أبي بإسناده عممن علممي بممن‬
‫أبي طالب رضي الّله تعالى عنه أنه قال‪ :‬إنما أخذ عمر بممن الخطمماب هممذه‬
‫التراويح من حديث سمعه منممي‪ ،‬قممالوا وممما هممو يمما أميممر المممؤمنين؟ قممال‪:‬‬
‫سمعت رسممول الّلمه صمملى الّلمه عليممه وسملم يقمول "إن للمه تعمالى حمول‬
‫العرش موضعا يسمى حظيرة القدس وهو من النور‪ ،‬فيها ملئكة ل يحصى‬
‫عددهم إل الّله تعالى يعبدون الّله عز وجممل عبممادة ل يفممترون سمماعة‪ ،‬فممإذا‬
‫كان ليالي شهر رمضان استأذنوا ربهم أن ينزلموا إلممى الرض فيصمملون مممع‬
‫بني آدم‪ ،‬فينزلون كل ليلممة إلممى الرض فكممل مممن مسممهم أو مسمموه سممعد‬
‫سعادة ل يشقى بعدها أبدا" فقال عمر رضممي الل ّممه تعممالى عنممه عنممد ذلممك‪:‬‬
‫نحن أحق بهذا‪ ،‬فجمع النمماس للتراويممح ونصممبها‪ .‬وروى عممن علممي بممن أبممي‬
‫طالب رضي الّله تعالى عنه أنه خرج فممي ليلممة مممن شممهر رمضممان فسمممع‬
‫القراءة في المساجد ورأى القناديل تظهر فممي المسمماجد فقممال‪ :‬نمموّر الل ّممه‬
‫ور مساجدنا بالقرآن‪ .‬وروى عن عثمان بن عفان رضي الّلممه‬ ‫قبر عمر كما ن ّ‬
‫تعالى عنه هكذا رضي الّله عنهم أجمعين‪.‬‬

‫]ص ‪[173‬‬
‫باب فضل أيام العشر‬
‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رحمه الّله تعالى‪ :‬حدثنا الفقيممه أبممو‬
‫جعفر حدثنا علي بن أحمد حدثنا محمد بن الفضل حدثنا عبد الّله بممن نميممر‬
‫عن العمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابممن عبمماس رضممي‬
‫الّله تعالى عنهما أن النبي صلى الّله عليه وسلم قال "ما مممن أيممام العمممل‬
‫الصالح فيها أحب إلى الل ّممه مممن هممذه اليممام‪ :‬يعنممي أيممام العشممر‪ :‬قممالوا ول‬
‫الجهاد في سبيل الّله تعالى؟ قال ول الجهاد في سبيل الل ّممه إل رجممل خممرج‬
‫بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬حدثنا الفقيه أبو جعفر حممدثنا محمممد بممن‬
‫عقيل حدثنا محمد بن مخلد بن خالد حدثنا يحيى بممن أبممي كممثير حممدثنا عبممد‬
‫السلم بن سليمان عن مرزوق عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الّله رضممي‬
‫الّله تعالى عنهما قال‪ :‬قال رسول الّله صلى الّله عليه وسلم "ما مممن أيممام‬
‫أحب إلى الّله وأفضل من أيام العشر‪ ،‬قيل ول مثلهن في سبيل الله؟ قممال‬
‫ول مثلهن في سبيل الّله إل رجممل عقممر جممواده وعفممر وجهممه" وفممي روايممة‬
‫أخرى "عقر جواده وأهريق دمه"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬حدثنا أبي رحمممه الل ّممه تعممالى حممدثنا‬
‫محمد بن غالب بإسناده عممن عطمماء عممن أم المممؤمنين عائشممة رضممي الل ّممه‬
‫ل هلل ذي الحجممة‬ ‫تعالى عنها "أن شممابا ً كممان صمماحب سممماع وكممان إذا أهم ّ‬
‫أصبح صائما ً فارتفع الحديث إلى النبي صلى الّله عليه وسمملم فأرسممل إليممه‬
‫فدعاه فقال ما يحملك على صمميام هممذه اليممام؟ قممال بممأبي أنممت وأمممي يمما‬
‫رسول الّله إنها أيام المشاعر وأيام الحج عسى أن يشممركني فممي دعممائهم‪،‬‬
‫قال فإن لك بكل يوم تصممومه عممدل مممائة رقبممة ومممائة بدنممة ومممائة فممرس‬
‫تحمل عليها في سبيل الله‪ ،‬فإذا كان يوم التروية فلك فيها عدل ألف رقبممة‬
‫وألف بدنة وألف فرس تحمل عليها في سبيل اللممه‪ ،‬فممإذا كممان يمموم عرفممة‬
‫فلك بها عدل ألفي رقبة وألفي بدنة وألفي فرس تحمل عليهمما فممي سممبيل‬
‫الّله وهو صيام سنتين سنة قبلها وسنة بعدها‪ ،‬وروى فممي روايممة أخممرى أنممه‬
‫قال صلى الّله عليه وسلم "يعدل صموم يموم عرفمة بصموم سممنتين ويعممدل‬
‫صوم عاشوراء بصوم سنة" وقال أهل التفسير في قمموله تعممالى }وََواع َمد َْنا‬
‫ن ل َي ْل َ ً‬ ‫َ‬ ‫موسى َثلِثين ل َيل َ ً َ‬
‫ة{ أنها عشممر‬ ‫ت َرب ّهِ أْرب َِعي َ‬
‫قا ُ‬
‫مي َ‬ ‫شرٍ فَت َ ّ‬
‫م ِ‬ ‫ها ب ِعَ ْ‬
‫مَنا َ‬
‫م ْ‬
‫ة وَأت ْ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ َ‬
‫من أول ذي الحجة وكلم موسى تكليما وقربه نجيا في أيممام العشممر وكتممب‬
‫له اللواح في أيام العشر‪.‬‬
‫وروى عن أبي الدرداء رضي الّله تعالى عنه أنه قال‪ :‬عليكم بصوم أيممام‬
‫العشر‪ ،‬وإكثار‬

‫]ص ‪[174‬‬
‫الدعاء والستغفار والصدقة فيها فإني سمعت نبيكم محمد صلى الّله عليممه‬
‫وسلم يقول "الويل لمن حرم خير أيام العشر‪ ،‬عليكم بصوم التاسع خاصممة‬
‫فإن فيه من الخيرات أكثر من أن يحصيها العادون"‪.‬‬
‫)قال الفقه( رحمه الّله تعالى‪ :‬حدثني أبي رحمة الّله عليه حدثنا أبو عبد‬
‫الرحمن بن أبي الليث حممدثنا أحمممد بمن جعفممر البغممدادي حممدثنا أبمو النضممر‬
‫هاشم بن القاسم عن محمد بن الفضل بن عطية عن أبيه عن عبد الّله بن‬
‫عبيد بن عمير الليثي قال‪ :‬بلغنا أن الّله تعالى أهدى إلى موسى بن عمران‬
‫ن جبريل عليه السلم في أيام العشممر‪ :‬أّولهممن ل إلممه‬ ‫خمس دعوات جاء به ّ‬
‫يل‬ ‫إل الّله وحده ل شريك له له الملك ولمه الحممد يحيمي ويميمت وهمو حم ّ‬
‫يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير‪ ،‬والثاني أشهد أن ل إله إل الّلممه‬
‫وحده ل شريك له إلها ً واحدا ً أحد صمد لم يتخممذ صمماحبة ول ولممدا‪ ،‬والثممالث‬
‫أشهد أن ل إله إل الّله وحد ل شريك له أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن‬
‫له كفوا ً أحد‪ ،‬والرابع أشهد أن ل إله إل الّله وحمده ل شمريك لمه لمه الملمك‬
‫ي ل يموت بيده الخير وهو علممى كممل شمميء‬ ‫وله الحمد يحيي ويميت وهو ح ّ‬
‫قدير‪ ،‬والخامس حسبي الّلمه وكفمى سممع الّلمه لممن دعما ليمس وراء الّلمه‬
‫منتهى‪ ،‬وذكر أن هذه الكلممات أنزلمت فمي النجيمل وإن الحمواريين سمألوا‬
‫عيسممى عليممه السمملم عممن فضممل هممذه الممدعوات فممذكر لهممم مممن الثممواب‬
‫والفضيلة لمن قرأها في أيام العشر ما ل يقدر على وصمفه أحمد‪ .‬قمال أبمو‬
‫النضر هاشم بن القاسممم حممدثني رجممل أنممه دعمما بهممذه الممدعوات فممي أيمام‬
‫العشر فرأى في منامه كأن في بيته خمس طبقات مممن نممور بعضممها فمموق‬
‫بعض‪ .‬روى مجاهد عن ابن عمر رضي الل ّممه تعممالى عنهممما أن النممبي صمملى‬
‫الّله عليه وسلم قال‪" :‬ما من أيام أعظم عند الّله ول أحب إليه فيهممن مممن‬
‫العمل من هممذه اليممام العشممر‪ ،‬فممأكثروا فيهمما التكممبير والتحميممد والتهليممل"‬
‫وروى نافع عن ابن عمر رضي الّله تعالى عنهما أنممه كممان يكممبر فممي جميممع‬
‫أيام العشر على فراشمه ومجلسمه‪ ،‬وكمان عطماء بمن أبمي ربماح يكمبر فمي‬
‫العشر في الطريق وفي السواق‪ .‬وروى جرير عن يزيد عن أبي زياد قال‪:‬‬
‫كان سعيد بن جممبير وعبممد الرحمممن بممن أبممي ليلممى ومممن رأينمما مممن فقهمماء‬
‫المسلمين يوم العيد وأيام التشريق يقولون‪ :‬الّله أكممبر الل ّممه أكممبر ل إلممه إل‬
‫الله‪ ،‬والله أكبر الّله أكبر ولله الحمد‪ .‬وقال جعفر بن سممليمان‪ :‬رأيممت ثابتمما‬
‫البناني يقطع حديثه في أيام العشر‪ :‬يعنمي فمي مجلمس المذكر‪ ،‬ثمم يقمول‪:‬‬
‫الّله أكبر الّله أكمبر الّلمه أكمبر‪ ،‬وقمال‪ :‬إنهما أيمام المذكر‪ ،‬هكمذا كمان النماس‬
‫يصنعون‪ ،‬فقال جعفر‪ :‬رأيت مالك بن دينار يفعل هكذا‪ ،‬وروى المغيممرة بممن‬
‫شعبة عن أبي معشر قال‪ :‬سألت النخعممي عممن التكممبير فممي الطريممق أيممام‬
‫واكمون‪ .‬وعمن ليمث بمن أبمي سمليم قمال‪:‬‬ ‫العشر؟ قال إنما يفعمل ذلمك الح ّ‬
‫سألت مجاهدا عن التكبير في الطريق أيام العشر؟فقممال إنممما يفعممل ذلممك‬
‫الحاكة‪.‬‬
‫]ص ‪[175‬‬
‫ّ‬
‫)قال الفقيه( رحمه الله تعالى‪ :‬من كبر في هذه اليام فممي نفسممه كممان‬
‫أفضل‪ ،‬ولو أنه كبر ورفع صوته وأراد به إظهار الشممريعة وأن يممذكر النمماس‬
‫فل بأس به‪ ،‬وقد جاء الثر في ذلك‪ .‬وروى عبد الّله بن مسعود رضممي الل ّممه‬
‫تعالى عنه عن النبي صلى الّله عليممه وسمملم أنممه قممال "إن الل ّممه تعممالى قممد‬
‫اختار من اليام أربعممة‪ ،‬ومممن الشممهور أربعممة‪ ،‬ومممن النسمماء أربعممة‪ ،‬وأربعممة‬
‫يسبقون إلى الجنة‪ ،‬وأربعة اشمتاقت إليهمم الجنمة‪ .‬أمما اليمام‪ :‬فأّولهما يموم‬
‫الجمعة فيها ساعة ل يوافقها عبد مسلم يسأل الل ّممه تعممالى شمميئا ً مممن أمممر‬
‫الدنيا والخرة إل أعطاه الّله إياه‪ ،‬والثاني يوم عرفة فممإذا كممان يمموم عرفممة‬
‫يباهي الّله تعالى ملئكته فيقول يا ملئكتي انظروا إلى عبادي جمماءوا شممعثا‬
‫غبرا قد أنفقوا الموال وأتعبوا البدان اشهدوا أني قد غفرت لهم‪ ،‬والثممالث‬
‫يوم النحر فإذا كان يوم النحر وقرب العبد قربانه فأّول قطرة قطممرت مممن‬
‫القربان تكون كفارة لكل ذنب عمله العبد‪ ،‬والرابع يوم الفطر فممإذا صمماموا‬
‫شهر رمضان وخرجوا إلى عيدهم يقول الّله تبارك وتعالى لملئكته إن كممل‬
‫عامل يطلب أجره‪ ،‬وعبادي صاموا شمهرهم وخرجموا ممن عيممدهم يطلبممون‬
‫أجرهم أشهدكم أني قد غفرت لهم‪ ،‬وينادي المنادي يا أمممة محمممد ارجعمموا‬
‫فقد بدلت سيئاتكم حسنات‪ .‬وأما الشهور‪ :‬فشهر الّله الصم رجممب‪ ،‬وثلثممة‬
‫متواليممات‪ :‬ذو القعممدة‪ ،‬وذو الحجممة‪ ،‬والمحممرم‪ .‬وأممما النسمماء‪ :‬فمريممم بنممت‬
‫عمممران‪ ،‬وخديجممة بنممت خويلممد سممابقة نسمماء العممالمين إلممى اليمممان بممالله‬
‫ورسوله‪ ،‬وآسية بنت مزاحممم امممرأة فرعممون‪ ،‬وفاطممة بنمت محممد سمميدة‬
‫نساء أهل الجنة‪ .‬وأما السممابقون‪ :‬فلكممل قمموم سممابق إلممى الجنممة‪ ،‬فمحمممد‬
‫صلى الّله عليه وسلم سابق العرب‪ ،‬وسلمان سابق فارس‪ ،‬وصهيب سابق‬
‫الروم‪ ،‬وبلل سابق الحبشة‪ .‬وأما الربعة التي اشتاقت إليهم الجنمة‪ :‬فمأمير‬
‫ي بن أبي طالب رضي الّله تعالى عنممه‪ ،‬وسمملمان‪ ،‬وعمممار بممن‬ ‫المؤمنين عل ّ‬
‫ياسر‪ ،‬والمقداد بن السود رضي الّله تعالى عنهم" وروى عن سالم بن أبي‬
‫الجعد "أن النبي صلى الّله عليه وسلم قال لفاطمة رضي الّله تعالى عنهمما‬
‫قومي إلى أضحيتك فإن الّله تعالى يرفع عنممك ذنوبممك عنممد أّول دفعممة مممن‬
‫دمها‪ :‬يعني أّول قطرة‪ .‬قال عمران بن الحصين‪ :‬أخاصة لك يا رسول الّلممه‬
‫ولهل بيتك أو لعامة المسلمين؟ قال بل لعامممة المسمملمين" وعممن عائشممة‬
‫رضي الّله تعالى عنها أنها قالت‪ :‬قال رسول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه وسمملم‬
‫"ضحوا وطيبوا بها نفسا ً فإنه من أخذ أضحيته يوم حلها فاستقبل بها القبلة‬
‫كمان قرنهما وفرثهما ودمهما وشمعرها وصموفها ووبرهمما محضمورات لمه يموم‬
‫القيامة إن الدم إذا وقع في التراب فإنما يقع في حممرز الل ّممه أنفقمموا يسمميرا‬
‫تؤجروا كثيرا"‪.‬‬

‫]ص ‪[176‬‬
‫باب فضل يوم عاشوراء‬
‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رحمه الّله تعالى‪ :‬حدثنا الحماكم أبمو‬
‫ي ابن الحسين السردرى حدثنا أبو جعفر أحمد بممن حمماتم حممدثنا‬ ‫الحسن عل ّ‬
‫يعقوب بن جندب عن حاممد بمن آدم عمن حمبيب بمن محممد عمن أبيمه عمن‬
‫إبراهيم الصائغ عن ميمون بن مهران عن عبد الّله بممن عبمماس رضممي الل ّممه‬
‫عنهما قال‪ :‬قال رسول الّله صلى الّله عليه وسلم "من صام يوم عاشوراء‬
‫من المحرم أعطاه الّله تعممالى ثممواب عشممرة آلف ملممك‪ ،‬ومممن صممام يمموم‬
‫عاشوراء من المحرم أعطي ثواب عشرة آلف حاج ومعتمر وعشمرة آلف‬
‫شهيد‪ ،‬ومن مسح يده على رأس يتيم يوم عاشوراء رفع الّله تعالى له بكل‬
‫شعرة درجة‪ ،‬ومن فطر مؤمنا ً ليلة عاشوراء فكأنما أفطر عنده جميممع أمممة‬
‫محمد عليه الصلة والسلم وأشبع بطونها‪ ،‬قالوا يا رسول الل ّممه لقممد فضممل‬
‫الّله يوم عاشوراء على سائر اليام؟ قال نعم‪ ،‬خلق الل ّممه تعممالى السممموات‬
‫والرضين يوم عاشوراء‪ ،‬وخلق الجبممال يمموم عاشمموراء‪ ،‬وخلممق البحممر يمموم‬
‫عاشوراء‪ ،‬وخلق اللوح والقلممم يمموم عاشمموراء‪ ،‬وخلممق آدم يمموم عاشمموراء‪،‬‬
‫واء يوم عاشوراء‪ ،‬وخلق الجنة وأدخله الجنة يمموم عاشمموراء‪ ،‬وولممد‬ ‫وخلق ح ّ‬
‫إبراهيم يوم عاشوراء‪ ،‬ونجاه الّله من النار يوم عاشوراء‪ ،‬وقممد أمممر بالذبممح‬
‫يوم عاشوراء وفدى ولده من الذبممح يمموم عاشمموراء‪ ،‬وأغممرق فرعممون يمموم‬
‫عاشوراء‪ ،‬وكشف البلء عن أيوب يوم عاشوراء‪ ،‬وتاب الل ّممه علممى آدم يمموم‬
‫عاشوراء‪ ،‬وغفر ذنب داود يوم عاشوراء‪ ،‬ورد ّ ملك سليمان يموم عاشموراء‪،‬‬
‫وولد عيسى في يوم عاشوراء‪ ،‬ورفع الّله إدريس وعيسممى يمموم عاشمموراء‪،‬‬
‫وولد النبي صلى الّله عليه وسلم في يوم عاشوراء‪ ،‬ويوم القيامة في يمموم‬
‫عاشوراء‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬حدثنا محمممد بممن الفضممل حممدثنا محمممد بممن‬
‫جعفر حدثنا إبراهيم بن يوسف حمدثنا المسميب بمن أبممي بكمر عممن عكرممة‬
‫رضي الّله تعالى عنه قال‪ :‬يوم عاشوراء هو اليوم الذي تيب فيه على آدم‪،‬‬
‫وهو اليوم الذي أهبط فيه نوح من السفينة فصامه شكرا‪ ،‬وهو اليوم الممذي‬
‫أغرق فيه فرعون‪ ،‬وفلق البحر لبني إسرائيل فصاموه‪ ،‬فممإن اسممتطعت أن‬
‫ل يفوتك صومه فافعل‪ .‬قال‪ :‬حدثنا محمد بن الفضل حدثنا محمد بن جعفر‬
‫حدثنا إبراهيم بن يوسف حدثنا سفيان عن إبراهيم عن محمممد بممن ميسممرة‬
‫قال‪ :‬بلغنا أن من وسع علمى عيمماله يموم عاشمموراء وسممع الل ّممه عليممه سممائر‬
‫السنة‪ .‬قال سفيان‪ :‬جربناه فوجدناه كذلك‪ .‬وروى سعيد بن جبير عممن ابممن‬
‫عباس رضي الّله تعالى عنهما قممال‪" :‬قممدم النممبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم‬
‫المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسممألهم عممن ذلممك فقممالوا إن‬
‫هذا اليوم أظهر الّله فيه موسى وبني إسممرائيل علممى قمموم فرعممون فنحممن‬
‫نصومه تعظيما ً له‪ ،‬فقال النبي صلى الّله عليه وسمملم نحممن أولممى بموسممى‬
‫منكم فأمر بصومه"‪.‬‬

‫]ص ‪[177‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬قد اختلفوا في تفسير هذا اليوم قال‬
‫بعضهم إنما سمي عاشوراء لنه عاشر يوم من المحرم‪ ،‬وقال بعضممهم لن‬
‫الّله تعالى أكرم فيه عشرة من النبياء بعشر كرامات‪ :‬تاب الّلممه علممى آدم‬
‫يوم عاشوراء‪ ،‬ورفممع الل ّممه تعممالى إدريممس مكانمما عليمما فممي يمموم عاشمموراء‪،‬‬
‫واستوت سفينة نوح على الجودى يوم عاشوراء‪ ،‬وولد إبراهيم عليه السلم‬
‫في يوم عاشوراء‪ ،‬واتخذه خليل وأنجاه مممن النممار كممذلك‪ ،‬وتمماب الل ّممه علممى‬
‫داود يوم عاشوراء‪ ،‬ورفع الّله عيسى يوم عاشوراء‪ ،‬وأنجى الّله موسى من‬
‫البحر وأغرق فرعون يوم عاشوراء‪ ،‬وأخرج يمونس مممن بطممن الحمموت يموم‬
‫عاشوراء‪ ،‬ورد ّ ملك سليمان يمموم عاشمموراء‪ ،‬وولممد النممبي صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم يوم عاشوراء‪ .‬قال بعضهم‪ :‬إنما سمى عاشمموراء لنممه عاشممر عشممر‬
‫كرامات أكرم الّله بها هذه المة‪ :‬أّولها شهر رجممب وهممو شممهر الل ّممه الصممم‬
‫وإنما جعله كرامة لهذه المة وفضله على سائر الشهور كفضل هممذه المممة‬
‫على سائر المم‪ ،‬والثاني شهر شعبان وفضله على سممائر الشممهور كفضممل‬
‫النبي صلى الّله عليه وسمملم علممى سممائر النبيمماء عليهممم الصمملة والسمملم‪،‬‬
‫والثالث شهر رمضان وفضله على سائر الشهور كفضممل الل ّممه تعممالى علممى‬
‫خلقه‪ ،‬والرابع ليلة القدر وهي خير من ألمف شمهر‪ ،‬والخمامس يموم الفطمر‬
‫وهو يوم الجزاء‪ ،‬والسادس أيام العشر وهي أيام ذكر الّله تعممالى‪ ،‬والسممابع‬
‫يوم عرفة وصومه كفارة سممنتين‪ ،‬والثممامن يمموم النحممر وهممو يمموم القربممان‪،‬‬
‫والتاسع يوم الجمعة وهو سيد اليام‪ ،‬والعاشر يوم عاشوراء وصومه كفارة‬
‫سنة‪ ،‬فكل وقت من هذه الوقات كرامممات جعلهمما الل ّممه تعممالى لهممذه المممة‬
‫لتكفير ذنوبهم وتطهير خطاياهم‪ .‬وعن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة‬
‫رضي الّله تعالى عنها قالت‪ :‬كان يمموم عاشمموراء يمموم تصمومه قريممش فممي‬
‫الجاهلية وكان يصومه رسول الّله صلى الّله عليه وسمملم بمكممة فلممما قممدم‬
‫المدينة فرض صيام شهر رمضان فقال النبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم "إن‬
‫كنت أمرت بصوم يوم عاشوراء فمن شاء صام ومن شاء ترك" وروى عمن‬
‫عائشة رضي الل ّممه تعممالى عنهمما قممالت‪ :‬يمموم عاشمموراء يمموم التاسممع‪ ،‬وقممال‬
‫بعضهم‪ :‬يوم الحادي عشر‪ ،‬وأكمثرهم علممى أنممه يموم العاشممر‪ ،‬واللمه تعمالى‬
‫أعلم‪.‬‬

‫باب فضل صوم التطوع وصوم أيام البيض‬


‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رحمه الّله تعالى‪ :‬حدثنا الفقيممه أبممو‬
‫جعفر حدثنا علي بن أحمد حممدثنا عيسممى بممن أحمممد حممدثنا ابممن وهممب عممن‬
‫عمرو بن محمد المعمري أن زيد بن أسلم حدثه وقال ل أعلممم إل أنممه عممن‬
‫رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنه قال "العمال خمسة‪ :‬فعمممل بمثلممه‪،‬‬
‫وعمل موجب‪ ،‬وعمل بعشرة وعمل بسبعمائة‪ ،‬وعمل ل يعلم ثواب عممامله‬
‫إل الله‪ ،‬فأما العمل الذي بمثله فالرجممل يعمممل سمميئة يكتممب عليممه واحممدة‪،‬‬
‫ورجل يهم بحسنة ولم يعملها فيكتب‬

‫]ص ‪[178‬‬
‫له حسنة‪ ،‬والعمل الموجب من لقي الّله ل يعبمد إل همو‪ ،‬وجبمت لمه الجنمة‪،‬‬
‫ومن لقى الّله يعبد غيره وجبت له النار" والعمل الممذي بعشممرة مممن عمممل‬
‫حسنة فيكتب له عشرة‪ ،‬والعمل الذي بسبعمائة من عمل في سممبيل الّلممه‬
‫تعالى أو ينفق في ذلك فيكتب له سبعمائة‪ ،‬والعمممل الممذي ل يعممرف ثممواب‬
‫عمله إل الّله فهو الصوم"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬حدثنا الفقيه أبو جعفر رحمه الّله تعممالى‬
‫دثنا عيسى بن أحمد حدثنا ابن وهب حدثنا أبو صدقة‬ ‫ي بن أحمد ح ّ‬
‫حدثنا عل ّ‬
‫اليماني قال "دخل بلل رضي الّله تعالى عنه على رسول اللممه صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم وهو يأكممل الطعممام‪ ،‬فقممال يمما بلل‪ :‬الطعممام الطعممام‪ ،‬فقممال يمما‬
‫رسول الّله إنمي صمائم‪ ،‬فقمال رسمول الّلمه صملى الّلمه عليمه وسملم نأكمل‬
‫أرزاقنا‪ ،‬ورزق بلل في الجنة‪ ،‬إن الصائم إذا كان عنممد قمموم يممأكلون تسممبح‬
‫أعضاؤه وتصلي عليه الملئكة وتقول اللهم اغفممر لممه وارحمممه ممما دام فممي‬
‫مجلسه"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬حدثنا الفقيه أبمو جعفمر حممدثنا علمي بمن‬
‫أحمد حدثنا محمد بن الفضل حدثنا يزيد بن هممرون عممن هشمام بمن حسمان‬
‫عن واصل مولى أبي عيينة قممال‪ :‬أخممبرني لقيممط عممن أبممي بممردة عممن أبممي‬
‫موسى الشعري رضي الّله تعالى عنه قال‪ :‬ركبنا البحر فبينممما نحممن نسممير‬
‫في لجة البحر وقد رفعنا الشراع ول نممرى جزيممرة ول شمميئا إذا نحممن بمنمماد‬
‫ينادي‪ :‬يا أهل السفينة قفوا أخبركم‪ ،‬قممال فانصممرفنا فلممم نممر شمميئا فنممادى‬
‫سبعا‪ ،‬قال أبو موسى فلما كانت السابعة قمت فقلت يا هممذا قممد تممرى ممما‬
‫نحن فيه ولسنا نستطيع أن نحتبس عليك فأخبرنمما ممما تريممد أن تخبرنمما بممه‪،‬‬
‫فقال أل أخبركم بقضاء قضى الّله تعالى على نفسه؟ قلنا أخبرنا‪ ،‬قال فإن‬
‫الّله تعالى قضى على نفسه أنه ما من عبد أظمممأ نفسممه فممي يمموم حمماّر إل‬
‫أرواه الّله تعالى يوم القيامة‪.‬‬
‫وذكر عن ابن المبارك عن واصل مولى أبي عيينة عن لقيط بن أبممي بممردة‬
‫عن أبي موسى الشعري نحوه وزاد فيه وكان أبو موسى يتتبع اليوم الحممار‬
‫دثنا أبو عتاب البغدادي‬ ‫دثنا الفقيه أبو جعفر قال‪ :‬ح ّ‬ ‫الشديد فيصومه قال‪ :‬ح ّ‬
‫دثنا‬‫دثنا الحارث بن منصور‪ :‬حمم ّ‬ ‫دثنا يحيى بن جعفر بن الزبير قال‪ :‬ح ّ‬‫قال‪ :‬ح ّ‬
‫يحيى السقاء عن يحيى بن أبممي كممثير عممن زيممد بممن سمملم عممن أبممي مالممك‬
‫الشعري عن رسول الله صلى الّله عليمه وسملم قمال‪" :‬سممت خصممال ممن‬
‫الخير‪ :‬مجاهدة عدوّ الّله بالسيف‪ ،‬والصوم في الصيف‪ ،‬وحسن الصبر عنممد‬
‫المصيبة‪ ،‬وترك المراء وإن كان محقًا‪ ،‬والتبكير في الصلة في يمموم الغيممم‪،‬‬
‫دثنا‬ ‫أو قال في يموم الصميف‪ ،‬وحسمن الوضمموء فمي أيمام الشمتاء" قممال‪ :‬حم ّ‬
‫دثنا أبممو مطيممع‬
‫دثنا علي بن أحمد حدثنا نصير بن يحيى ح ّ‬‫الفقيه أبو جعفر ح ّ‬
‫عن بكر بن خنيس يرفعه إلى أبي الدرداء رضي الّله تعالى عنممه أنممه قممال‪:‬‬
‫لول ثلث ما باليت أن أموت‪ :‬أحدها تعفير وجهي فممي الممتراب للممه سمماجدا‪،‬‬
‫وصوم يوم بعيد الطرفين التوى‬

‫]ص ‪[179‬‬
‫فيه من الجوع والظمأ‪ ،‬والثالث جلوس مع قوم يتخيرون أطيبب الكلم كما‬
‫دثنا علممى بممن أحمممد‬ ‫دثنا الفقيه أبممو جعفممر حم ّ‬
‫يتخيرون أطيب الثمر‪ .‬قال‪ :‬ح ّ‬
‫ّ‬
‫دثنا محمد بن عبد الله الطنافسي عن العوام بممن‬ ‫حدثنا محمد بن الفضل ح ّ‬
‫حوشب عن سليمان بن أبمي سممليمان ممولى هاشممم أنممه سمممع أبمما هريمرة‬
‫رضي الّله تعالى عنه يقول‪" :‬علمني رسممول اللممه صمملى الل ّممه عليممه وسمملم‬
‫ن حتى أموت‪ :‬أن ل أنام إل على وتممر‪ ،‬وأن أصمموم مممن‬ ‫ثلث خصال ل أدعه ّ‬
‫دثنا الفقيه أبو جعفممر‬ ‫كل شهر ثلثة أيام‪ ،‬وأن ل أدع صلة الضحى"‪ .‬قال‪ :‬ح ّ‬
‫دثنا محمد بممن عبممد الل ّممه‬ ‫حدثنا علي بن أبي أحمد حدثنا محمد بن الفضل ح ّ‬
‫دثنا محمد بن سمملمة حممدثنا ابممن أبممي‬ ‫وام عن حوشب ح ّ‬ ‫الطنافسي عن الع ّ‬
‫دثنا أبو إسممحاق الشممجعي عممن عمممرو بممن‬ ‫شيبة حدثنا هشام بن القاسم ح ّ‬
‫قيس عن الحسن بن الصممباح عممن هنديممة بممن خالممد الخزاعممي عممن حفصممة‬
‫رضي الّله تعالى عنها قالت‪" :‬أربع لم يدعهن النبي صلى الّله عليممه وسمملم‬
‫صيام يوم عاشوراء‪ ،‬وصوم أيام العشر‪ ،‬وصيام ثلثممة أيممام مممن كممل شممهر‪،‬‬
‫دثنا أبو بكر محمممد بممن‬ ‫دثنا الفقيه أبو جعفر ح ّ‬ ‫وركعتان قبل الغداة" قال‪ :‬ح ّ‬
‫دثنا يحيى بن محمد عممن كامممل بممن طلحممة‬ ‫عبد الّله حدثنا محمد بن على ح ّ‬
‫عن حماد بن سلمة عن الحجاج بن أبي إسحاق عن الحارث بن علممي كممرم‬
‫الّله وجهه أن النبي صلى الّله عليه وسلم قال "صوموا شهر الصممبر‪ :‬يعنممي‬
‫شهر رمضان‪ ،‬وثلثة أيام من كل شهر فهو بمنزلة صوم الدهر ويذهب وحر‬
‫دثنا علي بن أحمد حممدثنا‬ ‫دثنا الفقيه أبو جعفر ح ّ‬ ‫الصدر" يعني غله وغشه‪ ،‬ح ّ‬
‫دثنا العمش عممن رجممل عممن عبممد‬ ‫محمد بن الفضل حدثنا يعلى بن حميد ح ّ‬
‫الّله بن شقيق العقيلي قال‪ :‬أتيت المدينة فإذا أبو ذر الغفمماري رضممي الل ّممه‬
‫تعالى عنه فقلت لنظرن على أيّ حال هو اليوم‪ ،‬فقلمت لمه أصمائم أنمت؟‪.‬‬
‫قال نعم‪ ،‬فهم ينتظرون الذن على عمر بن الخطاب رضي الّله تعالى عنه‪،‬‬
‫فلما دخلوا أتينا بقصاع فأكل أبمو ذر فحركتممه بيمدي أذكممره‪ ،‬فقممال إنمي لممم‬
‫أنسى ما قلت لك‪ ،‬أخبرتك إني صائم فإني أصوم من كل شممهر ثلثممة أيممام‬
‫دثنا محمد‬ ‫فأنا أبدا ً صائم‪ .‬قال حدثنا الفقيه أبو جعفر حدثنا علي بن أحمد ح ّ‬
‫بن سلمة حدثنا ابن أبي شيبة حدثنا محمد بن الفضل الضممبي‪ ،‬عممن حصممين‬
‫عن مجاهد عن عبممد الل ّممه بممن عمممرو بمن العمماص رضممي الل ّممه تعممالى عنهممم‬
‫قال"كنت رجل مجتهدا فزّوجني أبي امرأة فدخل يوممما منزلممي فلممم يرنممي‪،‬‬
‫فقال للمرأة كيف تجدين بعلك؟ فقممالت نعممم الرجممل هممو رجممل ل ينممام ول‬
‫ي أبي‪ ،‬فقال زوجتمك اممرأة ممن المسملمين فعطلتهما‪ ،‬فلمم‬ ‫يفطر‪ .‬فوقع ف ّ‬
‫وة والجتهمماد إلممى أن بلممغ ذلممك إلممى‬ ‫أبال بما قال لي أبي مما أجد مممن القم ّ‬
‫رسول الّله صلى الّله عليه وسلم فممدعاني فقممال لممي‪ :‬لكنممي أنممام وأصمملي‬
‫ل ونم وصم من كل شهر ثلثة أيممام‪ ،‬فقلممت يمما رسممول‬ ‫وأصوم وأفطر‪ ،‬فص ّ‬
‫الّله أنا أقوى من ذلك‪ ،‬قال صممم يومما وأفطممر يومما وهممو صمموم داود عليممه‬
‫السلم‪ ،‬وقال لي في كم تقرأ القرآن؟ قلت في يومين وليلتين‪ ،‬قال اقرأه‬
‫في خمسة عشرة يوما‪ .‬قال قلت يا رسول الّله أنمما أقمموى مممن ذلممك‪ ،‬قممال‬
‫فاقرأه في سبع‪ ،‬ثم قال‪:‬‬

‫]ص ‪[180‬‬
‫إن لكل عامل شرة ولكل شرة فترة فمممن كممانت فممترته إلممى سممنتي فقممد‬
‫هتدى‪ ،‬ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك‪ ،‬فقال عبد الل ّممه بممن عمممرو‬
‫رضي الّله تعالى عنهما‪ :‬لن أكون قبلت رخصة رسول الله صلى الّله عليمه‬
‫ي من أن يكون لي مثل أهلممي ومممالي‪ ،‬وأنمما اليمموم شمميخ قممد‬ ‫وسلم أحب إل ّ‬
‫كبرت وضعفت وأكره أن أترك ما أمرني به رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫وروى عن ابن عباس رضي الّله تعالى عنهما"أن رجل جاء إليه فسمأله عمن‬
‫الصيام فقال‪ :‬أل أحدثك بحديث كان عندي من التحف المخزونممة‪ ،‬إن كنممت‬
‫تريد صوم داود عليه السلم فإنه كان يصوم يومما ً ويفطممر يوممًا‪ ،‬وإن كنممت‬
‫تريد صوم ابنه سليمان عليه السلم فإنه كان يصوم ثلثة أيام من أّول كممل‬
‫شهر وثلثة من أوسطه وثلثة من آخره‪ ،‬وإن كنت تريد صوم ابممن العممذراء‬
‫البتول‪ :‬يعني عيسى ابن مريم عليهما السلم‪ ،‬فإنه كان يصمموم الممدهر كلممه‬
‫ويأكل الشعير ويلبس الشعر الخشن‪ ،‬وكان حيثما أدركه الليل صف قممدميه‬
‫يصلي حتى يرى علمة الفجممر قممد طلعممت‪ ،‬وكممان ل يقمموم مقامما ً إل صمملى‬
‫ركعتين فيه‪ ،‬وإن كنت تريد صمموم أمممه فإنهمما كممانت تصمموم يممومين وتفطممر‬
‫يومين‪ ،‬وإن كنت تريد صوم خير البشر النبي العربي القرشي أبي القاسممم‬
‫محمد صلى الّله عليه وسلم فإنه كان يصوم ثلثة أيام من كل شهر‪ :‬يعنممي‬
‫صوم أيام البيض الثالث عشر والربع عشممر والخممامس عشممر‪ ،‬ويقممول هممن‬
‫صيام الدهر"‪ .‬وروى أبو هريرة رضي الّله تعالى عنه عن النممبي صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم أنه قال ممن صممام شممهر رمضمان ثممم أتبعممه بسممت ممن شمموال‬
‫فكأنما صام الدهر كله" قال أبو هريرة رضي الّله تعالى عنه‪ :‬حتى أحسممب‬
‫لكم فصوم رمضان يكون ثلثمائة يوم وستة أيام ستين يوما ً لن الّله تعممالى‬
‫قال} من جاء بالحسنة فله عشر أمثالهمما{ وكممل يمموم يقمموم مقممام عشممرة‬
‫أيام‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬وقد كره بعض الناس صيام السممبت‬
‫وقال فيه تشبه بالنصارى‪ .‬وروى عن إبراهيم النخعي انه سممئل عممن صمميام‬
‫الست فقال هي صوم الحيض‪ ،‬وقال بعضهم ينبغي أن يصوم متفرقما ً حمتى‬
‫ل يكون تشبها بالنصارى‪ ،‬وعندي أنممه ل بممأس بممه متتابع ما ً أو متفرق ما ً أو لن‬
‫يوم الفطر صار فاصل بينهما" والله أعلم‪.‬‬

‫باب النفقة على العيال‬


‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رضي الّله تعالى عنه‪ :‬حممدثنا محمممد‬
‫بن الفضل حدثنا محمد بن جعفر حدثنا إبراهيم بن يوسف حدثنا ابممن عليممة‬
‫عن أيوب قال "نبئت أن أصحاب النبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم كممانوا فممي‬
‫وته فقممالوا لممو أن هممذا‬
‫منزل لهم فأشرف عليهم رجل فأعجبهم شممبابه وق م ّ‬
‫وته في سبيل الّله تعالى‪ ،‬فسمع بذلك النبي صلى الّله عليه‬ ‫جعل شبابه وق ّ‬
‫وسلم فقال‪ :‬أو ما في سبيل الّله إل كل من قاتل أو غزا؟ من سممعى علممى‬
‫نفسه ليعفها فهو في سبيل الله‪ ،‬ومن سعى على والديه‬

‫]ص ‪[181‬‬
‫ليعفهما فهو في سبيل الله‪ ،‬ومن سعى على عياله ليعفهم فهو فممي سممبيل‬
‫الله‪ ،‬ومن سعى مكاثرا ً فهو في سبيل الشيطان"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( حدثنا محمد بن الفضل حدثنا إبراهيم بن يوسف حدثنا حماد‬
‫بن زيد عن أيوب عن أبي قلبة عن أسماء عن ثوبان رضي الّله تعالى عنممه‬
‫أن النبي صلى الّله عليه وسلم قال "أفضل الدينار دينار ينفقه الرجل على‬
‫عياله‪ ،‬ودينار ينفقه الرجل على دابته فمي سمبيل اللمه‪ ،‬ودينمار ينفقمه علمى‬
‫أصحابه في سبيل الله" قال أبو قلبة‪ :‬بدأ بالعيممال وأي رجممل أعظممم أجممرا ً‬
‫من رجل يسعى على عياله الصغار‪ .‬وعن أبي سلمة رضي الّله تعمالى عنمه‬
‫عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال "إنما الصدقة عن ظهر غني‪ ،‬واليد‬
‫العليا خير من اليد السفلى وأبدأ بمن تعول"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الله‪ :‬سمعت أبي رحمه الّله تعالى قال‪ :‬كممان ثممابت‬
‫البناني عند أنس بن مالك رضي الّله تعالى عنهما فممذكر أنممه سمممع رسممول‬
‫الّله صلى الّله عليه وسلم يقول "إن الّله عز وجل قد ضمن ديممن العبممد إذا‬
‫استدان في ثلثة‪ :‬أحدها من قبل النكاح مخافة الفجور ثممم لممم يقممدر علممى‬
‫قضائها حتى مات فقد ضمن الّله دينه أن يقضى عنه يوم القيامممة‪ ،‬والثمماني‬
‫دينه لعانة المسلمين ليخرج إلى الغزو‪ ،‬والثالث إذا استدان لكفممن الميممت‬
‫فإن الّله تعالى يرضى خصماءه يوم القيامممة" فممدخل ثممابت البنمماني رحمممه‬
‫الّله تعالى على الحسن البصري رحمه الّله تعالى فممذكر لممه ممما سمممع مممن‬
‫أنس رضي الّله تعالى عنه‪ ،‬فقال الحسن البصري‪ :‬قممد كممبر أنممس وضممعف‬
‫ونسى ما هو الفضل من ذلك بل ضمن الّله تعالى مع هممؤلء رجل ً اسممتدان‬
‫لينفق على عياله واجتهد على قضممائه فلممم يبلممغ حممتى مممات لممم يكممن بيممن‬
‫خصمائه وبينه خصومة يوم القيامة‪ .‬وروى أبو هريرة رضي الّله تعالى عنممه‬
‫عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال‪ :‬إن فممي السممماء ملكيممن ممما لهممما‬
‫عمل إل يقول أحدهما‪ :‬اللهم أعط لمنفق خلفا‪ ،‬ويقول الخر‪ :‬اللهممم عجممل‬
‫لممسك تلفا" وروى مكحول رضي الّله تعمالى عنممه عممن النمبي صملى الّلمه‬
‫عليه وسلم أنه قال‪" :‬من طلب الدنيا حلل استعفافا عممن المسممألة وسممعيا ً‬
‫على عياله وتعطفا على جاره جاء يوم القيامة ووجهممه كممالقمر ليلممة البممدر‪،‬‬
‫ومن طلب الدنيا حلل مكاثرا مفاخرا مرائيا ً لقي الّله يوم القيامة وهو عليه‬
‫غضبان"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬حدثني أبي رحمه الّله تعالى حدثنا محمد‬
‫بن جناح حدثنا أبو حفص علي بن إسحاق‪ ،‬عن أبي معاويممة عممن سممعيد بممن‬
‫أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الّله تعالى عنه قال "قلت يا‬
‫وعمما؟ قممال رغيممف‬ ‫رسول الّله رغيف أتصدق به أحب إليك أم مائة ركعة تط ّ‬
‫تتصدق به أحب إلي من مائتي ركعممة تطوعمما‪ ،‬قلممت يمما رسممول الّلمه قضمماء‬
‫وعا؟ قال قضمماء حاجممة المسمملم‬ ‫حاجة المسلم أحب إليك أم مائة ركعة تط ّ‬
‫وعا‪ .‬قال‪ :‬قلت‪ :‬قلممت تممرك لقممة مممن الحممرام‬ ‫ي من ألف ركعة تط ّ‬‫أحب إل ّ‬
‫ي مممن‬ ‫وعا قال ترك لقمممة مممن حممرام أحممب إلم ّ‬ ‫أحب إليك أم ألف ركعة تط ّ‬
‫وعا‪ .‬قال‪ :‬قلت يا رسول الّله ترك الغيبة‬ ‫ألفي ركعة تط ّ‬

‫]ص ‪[182‬‬
‫ي مممن عشممرة‬ ‫وعا؟ قممال تممرك الغيبممة أحممب إلم ّ‬ ‫أحب إليك أم ألف ركعة تط ّ‬
‫وعا؟ قال‪ :‬قلت يا رسول الّله قضاء حاجة الرملة أحب إليك‬ ‫آلف ركعة تط ّ‬
‫ي من ثلثين‬ ‫وعا؟ قال قضاء حاجة الرملة أحب إل ّ‬ ‫أم عشرة آلف ركعة تط ّ‬
‫وعا‪ .‬قال‪ :‬قلت يا رسول الّله الجلوس مع العيال أحممب إليممك‬ ‫ألف ركعة تط ّ‬
‫ي مممن‬ ‫أم الجلوس في المسجد‪ ،‬قال الجلوس ساعة عنممد العيممال أحممب إل م ّ‬
‫العتكاف في مسجدي هذا‪ .‬قال‪ :‬قلت يا رسول الل ّممه النفقممة علممى العيممال‬
‫أحب إليك أم النفقة في سبيل الله؟ قال درهم ينفقه الرجممل علممى العيممال‬
‫ي من ألف دينار ينفقه في سبيل الله‪ .‬قال‪ :‬قلت يا رسول الل ّممه ب مّر‬ ‫ب إل ّ‬
‫أح ّ‬
‫الوالدين أحب إليك أن عبادة ألف سممنة؟ قممال يمما أنممس جمماء الحممق وزهممق‬
‫ي من عبادة ألفممي ألممف‬ ‫الباطل إن الباطل كان زهوقا فبّر الوالدين أحب إل ّ‬
‫سنة"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬حدثنا الخليل بن أحمد حدثنا ابن معاذ‬
‫حدثنا الحسين المروزي حدثنا أبو معاوية‪ ،‬عن العمش عن سمالم بمن أبمي‬
‫الجعد عن أبي كبشة النماري قال )ضرب لنا رسول الّله صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم مثل الدنيا كمثل أربعة رجال )رجل أتمماه الل ّممه علم ما ً وأتمماه مممال ً فهممو‬
‫يعمل بعلمه في ماله‪ ،‬ورجل آتاه الّله علما ً ولم يؤته مال ً فيقول لو أن الل ّممه‬
‫تعالى آتاني مثلما آتى فلنا ً لفعلت فيه مثلما يفعل فهما فممي الجممر سممواء‪،‬‬
‫ورجل آتاه الّله مال ً ولم يؤته علما ً فهو يمنعه من حقه وينفقه في الباطممل‪،‬‬
‫ورجل لم يؤتيه مال ً ولم يؤته علما ً فيقول لو أن الّله تعالى آتاني مثلما آتى‬
‫فلنا ً لفعلت فيه مثلما يفعل‪ ،‬فهما في الوزر سواء(‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬حدثنا الفقيه أبو جعفر حدثنا إسحاق بممن‬
‫عبد الرحمن القاري حدثنا أبو عيسى موسممى بممن هممرون الطوسممي ببغممداد‬
‫حدثنا أبو معاوية عن عمرو حدثنا طعمة بن عمممرو عممن أبممي إسمممعيل أبممي‬
‫رجاء عن رجل من أهل البصرة عن أنس بن مالك رضممي الل ّممه تعممالى عنممه‬
‫عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنه قال "إن فممي الجنممة لغرفمما يممرى‬
‫ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها‪ ،‬قيل ومن سكانها يا رسممول اللممه؟‬
‫قال الذين يطعمممون الطعممام ويطيبممون الكلم ويممديمون الصمميام ويفشممون‬
‫السلم ويصلون بالليل والناس نيممام‪ ،‬قممالوا يمما رسممول الل ّممه إن هممؤلء أهممل‬
‫لذلك‪ ،‬ومن يطيق ذلك؟ قال فمن قال سبحان الّله والحمممد للممه ول إلممه إل‬
‫الّله والله أكبر فقد أطاب الكلم‪ ،‬ومن أطعم أهله فقد أطعم الطعام‪ ،‬ومن‬
‫صام رمضان فقد أدام الصيام‪ ،‬وممن لقمى أخماه فسملم عليمه فقمد أفشمى‬
‫السلم‪ ،‬ومن صلى العشاء الخرة والفجر فقد صلى بالليممل والنمماس نيممام"‬
‫يعني اليهود والنصارى والمجوس‪ ،‬والله سبحانه تعالى أعلم‪.‬‬

‫]ص ‪[183‬‬
‫باب الرعاية على ملك اليمين‬
‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رحمه الّله تعالى‪ :‬حممدثنا محمممد بممن‬
‫الفضل حدثنا محمد بن جعفر حدثنا إبراهيم بن يوسف حممدثنا إسمممعيل بممن‬
‫جعفر عن شريك بن أبي نمر عن عطمماء بممن يسممار "أن أبمما ذر رضممي الل ّممه‬
‫تعالى عنه ضرب وجه غلم له فاستدعى عليه إلى النممبي صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسمملم فقممال النممبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم ل تضممربوا وجمموه المصمملين‬
‫وأطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون فإن رابوكم فبيعوهم"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬حدثنا محمد بن الفضل حدثنا محممد بمن‬
‫جعفر حدثنا إبراهيممم بممن يوسممف حممدثنا السممباط عممن مطممرف عممن عممامر‬
‫الشعبي رضي الّله تعالى عنممه قممال "استسممقى رجممل مممن أصممحاب النممبي‬
‫صلى الّله عليه وسلم من أهل بيت فدعت المرأة خادمتهمما فأبطممأت عليهمما‬
‫فقذفتها‪ ،‬فقال أما أنك ستحدين يوم القيامة لها أو تقيمين أربعممة يشممهدون‬
‫إنها كما قلت فأعتقها فقال لها عسممى أن يكفممر هممذا عنممك"‪ .‬وروى أبممو ذر‬
‫رضي الّله تعالى عن النبي صلى الّله عليممه وسمملم قممال "إخمموانكم خممولكم‬
‫جعلهم الّله تحت أيديكم‪ ،‬فمن كمان أخموه تحممت يمده فليطعممه ممما يأكمل‬
‫ويلبسممه مممما يلبممس ول تكلفمموهم فمموق طمماقتهم فيممما تسممتعملونهم‪ ،‬فممإن‬
‫كلفتموهم فأعينوهم"‪ ،‬وروى أبو بكر الصديق رضممي الل ّممه تعممالى عنممه عممن‬
‫النبي صلى الّله عليه وسلم قال "ل يممدخل الجنممة سمميء الملكممة أكرممموهم‬
‫إكرامكم أولدكم وأطعموهم مما تأكلون‪ .‬قلت يا رسول الّله ما ينفعنا مممن‬
‫الدنيا؟ قال فرس تربطه تقاتل عليه في سبيل الل ّممه ومملمموك يكفيممك‪ ،‬وإذا‬
‫صلى فهو أخوك"‪ .‬وروى عن النبي صملى الّلمه عليممه وسمملم أن رجل ً سمأله‬
‫فقال كم نعفو عن الخادم قال كل يوم سبعين مرة" وعن قتادة رضي الّله‬
‫تعالى عنه قال‪ :‬كان من آخر كلم النبي صملى الّلمه عليمه وسملم‪" :‬الصملة‬
‫وما ملكت أيمانكم" يعنممي عليكممم بمحافظممة الصمملوات وتعاهممد ممما ملكممت‬
‫أيمانكم‪ .‬وعن أبي هريرة رضي الّله تعالى عنه أن النممبي صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم قال "دخلت امرأة النار في هرة لها ربطتها فممي الممبيت لممم تطعمهمما‬
‫ول تسممقها ولممم ترسمملها فتأكممل مممن خشمماش الرض حممتى ممماتت"‪ .‬وعممن‬
‫الحسن البصري رحمه الّله قال "مر النممبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم ببعيممر‬
‫معقول صدر النهار‪ ،‬فقضى حاجته ثم رجع البعير على حاله فقال لصمماحبه‪:‬‬
‫أما علفت البعير اليوم؟ قال‪ ،‬ل‪ ،‬قال أما إنممه ليحاجممك يمموم القيامممة" يعنممي‬
‫ي بن أبممي‬ ‫يخاصمك إلى الّله تعالى يوم القيامة‪ .‬وروى عن عبد خير عن عل ّ‬
‫طالب كرم الّله وجهه عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال في خطبتممه‬
‫"أيها الناس الّله الله فيما ملكت أيمانكم أطعموهم مما تأكلون وألبسمموهم‬
‫مما تلبسون ول تكلفوهم ما ل يطيقون فإنهم لحممم ودم وخلممق أمثممالكم أل‬
‫من ظلمهم فأنا خصمهم يوم القيامة والله حاكمهم"‪ .‬وروى عممن عممون بممن‬
‫عبد الّله أنه كان يقول لغلمه إذا عصاه ما أشبهك بسيدك‪ .‬وروى أبو بممردة‬
‫بن أبي موسى عن النبي صلى الّله عليه وسلم‬

‫]ص ‪[184‬‬
‫دبها فأحسن تأديبهمما‬ ‫أنه قال‪ :‬ثلثة كلهم لهم أجران‪ :‬رجل كانت له جارية فأ ّ‬
‫ثم أعتقها فتزوجها فله أجران‪ :‬ورجممل كممان مممن أهممل الكتمماب يممؤمن بنممبيه‬
‫فأدرك النبي صلى الّله عليه وسلم فآمن به فله أجران‪ ،‬ورجل لممه مملمموك‬
‫أدى حق الّله تعالى وحق مواليه فله أجران"‪ .‬وروى عممن الحسممن البصممري‬
‫رحمه الّله تعالى أنه سئل عن المملوك يرسله موله في الحاجة وتحضممره‬
‫صلة الجماعة بأي ذلك يبدأ؟ قال بحاجة موله‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬يعني إذا كان معه فممي المموقت سممعة ول‬
‫يخاف فوت الوقت‪ ،‬وأما إذا خاف ذهاب الوقت فل يجوز له أن يؤخرها عن‬
‫وقتها لن النبي صلى الّله عليه وسلم قال "ل طاعة لمخلمموق فممي معصممية‬
‫الخالق" ويستحب للرجل أن يتعاهد ما ملكت يمينه ول يكلفه من العمل ما‬
‫ل يطيق لن الّله تعالى لم يكلف عباده ممما ل يطيقممون‪ ،‬وينبغممي أن يحسممن‬
‫المعاشرة فممإن حسممن المعاشممرة مممن أخلق المممؤمنين‪ .‬وروى عممن النممبي‬
‫صلى الّله عليه وسمملم أنممه قممال "ل يممدخل الجنممة سمميء الملكممة أكرممموهم‬
‫إكرامكم أولدكم وأطعموهم مما تممأكلون"‪ .‬وروى عممن عبممد الل ّممه بممن عمممر‬
‫رضي الّله تعالى عنهمما أنمه رأى كسمرة خممبز ملقماة فقمال لغلمممه ارفعهمما‬
‫وأمممط عنهمما الذى‪ ،‬فلممما أمسممى وأراد أن يفطممر قممال لغلمممه ممما فعلممت‬
‫بالكسرة؟ قال أكلتها قال اذهب فأنت حر‪ ،‬سمعت النبي صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم يقول "من وجد كسرة فرفعها وأكلها لم تصل إلى جوفه حتى يغفممر‬
‫الّله له" فإني أكره أن أستعبد من قد غفر له‪.‬‬

‫باب الحسان إلى اليتيم‬


‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رضي الّله تعالى عنممه‪ :‬حممدثني أبممي‬
‫رحمه الّله تعالى حدثنا عبد الّله الطالقاني بسمرقند حدثنا أحمممد بممن عمممر‬
‫عن أبيه عيسى بن يونس عن أبي الورقاء قال‪ :‬سمعت عبد الل ّممه بممن أبممي‬
‫أوفى يقول‪ :‬قال رسول الّله صلى الّله عليه وسلم "من مسممح علممى رأس‬
‫يتيم رحمة كتب له بكل شعرة مرت عليها يده حسنة ومحا عنه بكل شعرة‬
‫سيئة ورفع له بكل شعرة درجة" قال‪ :‬حدثنا محمد بن الفضل حدثنا محمممد‬
‫ي الرحبي عممن عكرمممة عممن ابممن عبمماس رضممي الل ّممه‬
‫بن عاصم عن أبي عل ّ‬
‫تعالى عنهما قال‪ :‬قال رسول الّله صلى الّله عليه وسمملم "مممن ضممم يتيم ما ً‬
‫من بين يتامى المسلمين إلى طعامه وشرابه حتى يغنيه الّله تعالى أوجممب‬
‫الّله تعالى له الجنة البتة إل أن يعمل عمل ل يغفر الّله له‪ ،‬ومن أذهب الّلممه‬
‫كريمته فصبر واحتسب أوجب له الّله الجنة البتة إل أن يعمل عمل ً ل يغفممر‬
‫الّله له‪ ،‬قيل وما كريمته؟ قال عينه‪ ،‬ومن كان له ثلث بنات فأدبهن وأنفممق‬
‫عليهن حتى يمتن أو يبني بهن أوجب الّله له الجنة البتة إل أن يعمل عمل ل‬
‫يغفر الّله تعالى له‪ .‬قال‪ :‬فناداه رجل من العراب فقال يمما رسممول الل ّممه أو‬
‫اثنتين؟ قال أو اثنتين" قال‪ :‬وكان ابن عباس رضي الّله عنهما إذا حدث‬

‫]ص ‪[185‬‬
‫بهذا الحديث قال‪ :‬هذا والله من غرائب الحديث‪ .‬وعن أبممي الممدرداء رضممي‬
‫الّله تعالى عنه "أن رجل جاء إلى النبي صلى الّله عليممه وسمملم فشممكا إليممه‬
‫قسوة القلب فقال له النبي صلى الّله عليه وسلم إن سرك أن يلين قلبممك‬
‫فامسح برأس اليتيم وأطعمه" قال حدثنا محمممد بممن الفضممل بإسممناده عممن‬
‫ابن عمر رضي الّله تعممالى عنهممما أنممه سممئل عممن الكبممائر قممال هممي تسممع‪:‬‬
‫الشممرك بممالله‪ ،‬و قتممل المممؤمن متعمممدا‪ ،‬والفممرار مممن الزحممف‪ ،‬وقممذف‬
‫المحصممنة‪ ،‬وأكممل مممال اليممتيم‪ ،‬وأكممل الربمما‪ ،‬وعقمموق الوالممدين‪ ،‬والسممحر‪،‬‬
‫واستحلل الحرام‪ .‬وعن مجاهد عمن ابمن عبماس رضمي الّلمه تعمالى عنهمما‬
‫قال‪ :‬ست موبقات ليممس فيهممن توبممة‪ :‬أكممل مممال اليممتيم وقممذف المحصممنة‬
‫والفرار من الزحف‪ ،‬والسحر‪ ،‬والشرك بالله‪ ،‬وقتل نبي من النبيمماء‪ .‬وروى‬
‫ْ‬
‫ن َيمأك ُُلو َ‬
‫ن‬ ‫ن اّلم ِ‬
‫ذي َ‬ ‫عن ابن عباس رضي الّله تعالى عنهما في قوله تعمالى }إ ِ ّ‬
‫سِعيرًا{ يعنممي‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن َ‬ ‫صل َوْ َ‬ ‫م َنارا ً وَ َ‬
‫سي َ ْ‬ ‫ن ِفي ب ُ ُ‬
‫طون ِهِ ْ‬ ‫ما ي َأك ُُلو َ‬
‫مى ظ ُْلما ً إ ِن ّ َ‬ ‫وا َ‬
‫ل الي ََتا َ‬ ‫م َ‬
‫أ ْ‬
‫سيدخلون في الخرة النار‪ .‬ويقال‪ :‬طمموبى للممبيت الممذي فيممه اليممتيم‪ ،‬وويممل‬
‫للبيت الذي فيه اليتيم‪ :‬يعني ويل لهل البيت الذين لمم يعرفموا حمق اليمتيم‬
‫وطوبى لهم إذا عرفوا حقه‪ .‬وروى "أن رجل ً جاء إلى النبي صلى الّله عليممه‬
‫وسلم فقال عندي يتيم فمم أضربه؟ قال مممما تضممرب بممه ولممدك" يعنممي ل‬
‫بأس أن تضربه للتأديب ضربا غير مبرح مثل ما يضرب الوالد ولممده‪ .‬وروى‬
‫عن فضيل بن عياض رحمه الّله تعالى أنه قال‪ :‬رب لطمة أنفممع ليممتيم مممن‬
‫أكلة خبيص‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬إن كان يقدر أن يؤدبه بغير ضرب ينبغي‬
‫له أن يفعل ذلك ول يضربه‪ .‬فإن ضرب اليتيم أمر شديد بدليل ما حدثنا بممه‬
‫الفقيه أبو جعفر رحمه الّله حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الّله بن عمر حممدثنا‬
‫محمد بن علي وهو والد أبي ترخان حدثنا محمد بن المثني حدثنا عمرو بن‬
‫ي بن زيد عن سعيد بن‬ ‫سفيان القطعي حدثنا الحسن بن أبي جعفر عن عل ّ‬
‫المسيب عن عمر بن الخطاب رضي الّله تعالى عنه قال‪ :‬قال رسول الّلممه‬
‫صلى الّله عليه وسمملم "إن اليممتيم إذا ضممرب اهممتّز عممرش الرحمممن لبكممائه‬
‫فيقول الّله تعالى يا ملئكتي من أبكى الذي غيبت أبمماه فممي الممتراب؟ وهممو‬
‫أعلم به‪ .‬قال‪ :‬تقول الملئكة ربنا ل علم لنما‪ .‬قمال‪ :‬فمإني أشمهدكم أن ممن‬
‫ي فأرضيه من عندي يوم القيامة" قال‪ :‬وكممان رسممول الل ّممه صمملى‬ ‫أرضاه ف ّ‬
‫الّله عليه وسلم يمسممح رؤوسممهم ويلطممف بهممم‪ ،‬وكممان عمممر بمن الخطمماب‬
‫رضي الّله تعالى عنه يفعل ذلك‪ .‬وعن عبد الرحمن بن أبزى قال‪ :‬قال الّله‬
‫تعالى لداود النبي صلى الّله عليه وسلم‪ :‬كن لليتيم كمالب الرحيمم‪ ،‬واعلمم‬
‫أنك كما تزرع كممذلك تحصممد‪ ،‬واعلممم أن المممرأة الصممالحة لزوجهمما كالملممك‬
‫وج بالذهب كلما رآها قرت عينه‪ ،‬والمرأة السوء لبعلها كالحمل الثقيممل‬ ‫المت ّ‬
‫على الشيخ الكبير‪ .‬وعن زيد بن أسلم رضي الّله تعالى عنه أن النبي صلى‬
‫الّله عليه وسمملم قممال "أنمما وكافممل اليممتيم المسمملم فممي الجنممة وجمممع بيممن‬
‫ي عن أبي الخليل قال‪ :‬قرأت فممي مسممألة‬ ‫أصبعيه" وعن أبي عمران الجون ّ‬
‫داود‬

‫]ص ‪[186‬‬
‫عليه السلم قممال‪ :‬إلهممي ممما جممزاء مممن أسممند إليممه اليممتيم والرملممة ابتغمماء‬
‫ل إل ظلممي‪ :‬يعنممي ظممل‬ ‫مرضاتك؟ قال جزاؤه أن أظله في ظلي يوم ل ظ م ّ‬
‫العرش‪ .‬وعن عوف بن مالك الشمجعي أن النمبي صملى الّلمه عليمه وسملم‬
‫ن أو يمتممن‬ ‫ن حتى يبنى به ّ‬ ‫قال"ما من مسلم يكون له ثلث بنات ينفق عليه ّ‬
‫ن له حجابا ً من النار‪ ،‬فقالت امممرأة يمما رسممول الل ّممه أو ثنتممان؟ قممال أو‬
‫إل ك ّ‬
‫ثنتان" قال النبي صلى الّله عليه وسمملم "أنمما وامممرأة سممفعاء الخممدين فممي‬
‫الجنة كهاتين‪ ،‬وأشار بأصبعيه إلى امرأة مات زوجها فحبست نفسممها علممى‬
‫بناتها حتى يبنى بهن أو يمتممن" وروى يزيممد الرقاشممي عممن أنممس بممن مالممك‬
‫رضي الّله تعالى عنه عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قممال "مممن حمممل‬
‫من السوق طرفة إلى ولده كان كمن حمل صدقة حتى يضعها فممي فيهممم‪،‬‬
‫وليبدأ بالناث فإن الّله تعالى يرق للناث‪ ،‬ومن رق للنثى كممان كمممن بكممى‬
‫من خشية الله‪ ،‬ومن بكى من خشية الّله غفر لمه‪ ،‬ومممن فمّرح أنمثى فّرحمه‬
‫الّله يوم الحزن"‪.‬‬

‫باب الزنى‬
‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رضممي الل ّممه تعممالى عنممه‪ :‬حممدثنا أبممو‬
‫الحسين أحمد بن حمدان حدثنا أحمد بممن الحممارث حممدثنا قتيبممة بممن سممعيد‬
‫البعلني حدثنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن عبيد الّله بن عبد الّله بممن‬
‫عتبة عن أبي هريرة وزيد بن خالد رضي الّله تعالى عنهما أنهمما أخمبرا "أن‬
‫رجلين اختصما إلى رسول الّله صمملى الل ّممه عليممه وسمملم فقممال أحممدهما يمما‬
‫رسول الّله اقض بيننا بكتاب الّله تعالى وقال الخممر وهممو أفقههمما أجمل يما‬
‫رسول الّله اقض بيننا بكتاب الّله وأذن لي أن أتكلممم؟ قممال تكلممم‪ ،‬قممال إن‬
‫ابني كان عسيفا على هذا الرجل‪ :‬يعنممي كممان أجيممرا عنممده فزنممى بممامرأته‪،‬‬
‫فأخبروني أن على ابني الرجم‪ ،‬فاقتديت منه بمممائة شمماة وجاريممة لممي‪ ،‬ثممم‬
‫سألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني مممائة جلممدة وتغريممب عممام وإنممما‬
‫الرجم على امرأته‪ ،‬فقال رسول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه وسمملم أممما والممذي‬
‫نفسي بيده لقضين بينكما بكتاب الّله تعالى أما غنمك وجاريتك فرد عليك‪،‬‬
‫وأما الذي على ابنك فجلد مائة وتغريب عام‪ ،‬فأمر أنيسا السلمي أن يمأتي‬
‫المرأة وقال اغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعممترفت فارجمهمما فمماعترفت‬
‫فرجمها" فقد بين النبي صلى الّله عليه وسلم حكم الزنى وأن الزاني وكذا‬
‫الزانية إذا لم يكن محصنا يعني إذا لم يكن له امرأة يجب عليه مممائة جلممدة‬
‫دوا‬ ‫ة{ من النساء }َوالّزاِني{ من الرجال }َفا ْ‬
‫جِلم ُ‬ ‫كما قال الّله تعالى }الّزان ِي َ ُ‬
‫ة{ يعني ممائة سموط ول تأخمذكم بهمما رأفمة فمي‬ ‫جل ْد َ ٍ‬ ‫مائ َ َ‬
‫ة َ‬ ‫ما ِ‬
‫من ْهُ َ‬
‫حد ٍ ِ‬
‫ل َوا ِ‬ ‫كُ ّ‬
‫دين الله‪ ،‬يعني ل تأخذكم الرأفة والرحمة في ح مد ّ الل ّممه تعممالى‪ ،‬ومعنمماه ول‬
‫تحملكم الشفقة على إبطال الحد فإن الّله تعالى أرحم بعباده منكم‪ ،‬وأمممر‬
‫ده فممي الممدنيا فإنممما يضممرب القيمممة‬ ‫بحد ّ الزانين في الدنيا‪ .‬فمن لم يقم ح ّ‬
‫ّ‬ ‫م ت ُؤ ْ ِ‬ ‫ن ُ‬
‫ن ِباللهِ َوالَيمموْم ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫بسياط من نار على مشهد الخلئق ثم قال }إ ِ ْ‬
‫ر{‬ ‫خ ِ‬
‫ال ِ‬

‫]ص ‪[187‬‬
‫دقون بتوحيد الّله وبيوم القيامة فل تعطلوا الحد‪ ،‬ثم قممال‬ ‫يعني إن كنتم تص ّ‬
‫ن{ يعنممي وليحضممر عنممد إقامممة الحممد‬ ‫مِني َ‬ ‫م مؤ ْ ِ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ف ٌ‬‫طائ ِ َ‬‫ما َ‬ ‫شهَد ْ ع َ َ‬
‫ذاب َهُ َ‬ ‫}وَل ْي َ ْ‬
‫جماعة من الممؤمنين وإنمما حضمر عنمدهما جماعمة لزيمادة العقوبمة لنهمما‬
‫يخرجن إذا كانا بمحضر من القوم ويكون ذلك زاجرا ً لهما عن الزنممى فهممذا‬
‫حد ّ من لم يكن محصنًا‪ ،‬فأما إذا كان محصنا ً فهو الرجم إذا كانت له امممرأة‬
‫دهما الرجم كممما‬ ‫وقد دخل بها أو زنت امرأة وكان لها زوج وقد دخل بها فح ّ‬
‫روى النبي صلى الّله عليه وسلم أنه رجم ماعز بن مالك‪ .‬وروى عن النممبي‬
‫صلى الّله عليه وسلم "أن امرأة جمماءت إليممه فممأقرت بممالزنى وهممي حامممل‬
‫فأمرهمما أن ترجممع حممتى تضممع حملهمما فلممما وضممعت حملهمما أتتممه فممأمر بهمما‬
‫فرجمت" فهذا حد ّ الزنى في الدنيا فممإن أقيممم عليهممما بحممد فممي الممدنيا وإل‬
‫أقيم عليهما في الخرة وعذاب الخممرة أشممد وأبقممى فاحممذروا الزنممى فممإنه‬
‫ة{ يعني ل‬ ‫ش ً‬‫ح َ‬ ‫ن َفا ِ‬‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫قَرُبوا الّزَنى إ ِن ّ ُ‬ ‫معصية عظيمة قال الّله تعالى }َول ت َ ْ‬
‫تزنوا واجتنبوا الزنى فإن الزنى معصية ومقت يعني يوجب لصاحبه المقممت‬
‫ل{ بئس المسلك وبئس الطريق لهل‬ ‫سِبي ً‬ ‫ساَء َ‬ ‫والسخط من الّله تعالى }وَ َ‬
‫الزنى يعني قد أخذ طريقا يجره إلى النار‪ .‬وقال الّله تعالى في آيممة أخممرى‬
‫ن{ يعني ما كبر وهو الزنى وممما‬ ‫ما ب َط َ َ‬ ‫من َْها وَ َ‬ ‫ما ظ َهََر ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ح َ‬ ‫وا ِ‬‫ف َ‬‫قَرُبوا ال َ‬ ‫}َول ت َ ْ‬
‫بطن يعني القبلة‪ ،‬واللمس كله زنممى كممما جمماء فممي الخممبر "اليممدان تزنيممان‬
‫م‬ ‫ل ل ِل ْممؤ ْمِنين يغُضمموا مم َ‬ ‫والعينان تزنيممان" قممال الل ّممه تعممالى }قُم ْ‬
‫صممارِه ِ ْ‬
‫ن أب ْ َ‬‫ِ ْ‬ ‫ُ ِ َ َ ّ‬
‫ل‬‫ن‪ ،‬وَقُ م ْ‬‫صممن َُعو َ‬
‫ممما ي َ ْ‬‫خِبي مٌر ب ِ َ‬ ‫ن الل ّممه َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫كممى ل َُهمم ْ‬ ‫ك أ َْز َ‬
‫م ذ َِلمم َ‬ ‫جُهمم ْ‬ ‫ظمموا فُُرو َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ح َ‬‫وَي َ ْ‬
‫ن{ فقد أمممر الل ّممه تعممالى‬ ‫َ‬
‫جه ُ ّ‬ ‫ن فُُرو َ‬ ‫فظ ْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن وَي َ ْ‬ ‫صارِه ِ ّ‬ ‫ن أب ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ض ْ‬ ‫ت ي َغْ ُ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ل ِل ْ ُ‬
‫الرجل والنساء بغض البصر عن الحرام وبحفممظ الفممرج عممن الحممرام‪ ،‬فقممد‬
‫حممرم الل ّممه تعممالى الزنممى فممي آيمات كممثيرة مممن التمموراة والنجيممل والزبممور‬
‫والفرقان وهو ذنب عظيم وأيّ ذنب أعظم من هتك ستر حرمة المسمملمين‬
‫واختلط النساب‪ .‬وروى عن جعفر بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه‬
‫كان ل يزني في الجاهلية‪ ،‬وكان يقول ل يعجبني لو هتك أحد حرمممتي‪ ،‬فأنمما‬
‫ل أهتك حرمة أحد‪.‬وروى عن بعض الصممحابة رضممي الل ّممه تعممالى عنهممم أنممه‬
‫قال‪ :‬إياكم والزنى فإن فيه ست خصال‪ :‬ثلثة في الدنيا وثلثة فممي الخممرة‬
‫فأما التي في الدنيا فنقصان الرزق يعني تممذهب البركممة مممن رزقممه ويصممير‬
‫محروما من الخيرات ويصير بغيضا في قلوب الناس‪ ،‬وأما التي في الخممرة‬
‫فغضب الرب وشدة الحساب والدخول فممي النممار وهممي الممتي سممماها الل ّممه‬
‫تعالى النار الكبرى‪ .‬وروى عن النبي صلى الل ّممه عليممه وسمملم أنممه قممال "إن‬
‫ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نممار جهنممم"‪ .‬وروى عممن النممبي صمملى‬
‫الّله عليه وسلم أنه قال لجبريل عليممه السمملم "صممف لممي النممار؟ فقممال يمما‬
‫محمد سوداء مظلمة لو أن مثل خرق إبره برز ممن النممار لحمرق مما علمى‬
‫وجه الرض‪ ،‬ولو أن ثوبا من ثيابهما علمق بيمن السمماء والرض لممات أهمل‬
‫الرض مممن نتممن ريحممه‪ ،‬ولممو أن قطممرة مممن الزقمموم طرحممت إلممى الرض‬
‫لفسدت على أهل الرض معايشهم‪ ،‬ولو أن ملكا من‬

‫]ص ‪[188‬‬
‫التسعة عشرة الذين ذكرهم الل ّممه تعممالى فممي كتممابه بممرز إلممى أهممل الرض‬
‫لمات أهل الرض من تشويهه واختلف خلقه‪ ،‬ولو أن حلقة مممن السلسمملة‬
‫التي ذكرها الّله تعالى في كتابممة طرحممت إلممى الرض لهممدمتها إلممى الرض‬
‫السفلى ثم لم تستقر‪ ،‬فقال رسول الّله صلى الّله عليه وسمملم حسممبي يمما‬
‫جبريل فبكى رسول الّله صلى الّله عليه وسلم وبكى جبريل‪ ،‬فقال رسممول‬
‫الّله صلى الّله عليه وسلم يا جبريل أنت تبكي وأنت من الّله بالمكان الذي‬
‫أنت منه‪ ،‬فقال جبريل عليه السلم يا محمد وما يؤمنني على أن أكون عند‬
‫الّله على غير ما أنا عليه أو أبتلى بمما ابتلمي بمه هماروت ومماروت وإبليمس‬
‫الملعون" فهذا جبريل مع كرامته على ربه كان يبكي فكيف ل يبكي من هو‬
‫عاص‪ ،‬فل تغتر بحياتك وصحتك فممإن الممدنيا زائلممة والعممذاب طويممل‪ ،‬واحممذر‬
‫الزنى فإنه يورث الغضب والسخط والعممذاب الليممم‪ ،‬وأشممد الزنممى ممما هممو‬
‫مصّر عليه وهو الرجل الذي يطلق امرأته وهو مقيم معها بممالحرام ول يقممر‬
‫عند الناس مخافممة أن يفتضممح فكيممف ل يخمماف فضمميحة الخممرة يمموم تبلممى‬
‫السرائر‪:‬يعني تظهر السرار‪ ،‬فاحذر فضيحة ذلك اليموم واجتنمب الزنمى ول‬
‫تصر عليه فإنه ل طاقة لك مع عذاب الّله وتب إلممى الل ّممه تعممالى فممإن الل ّممه‬
‫تعالى يقبل التوبة عن عباده وأنت إذا مممت ل ينفعممك النممدم والتوبممة‪ ،‬وإنممما‬
‫تنفعك التوبة والندامة ما دمت في الحياة‪ ،‬وقد مدح الل ّممه المممؤمنين بحفممظ‬
‫ن‪ ،‬إ ِل ّ ع َل َممى‬ ‫حممافِ ُ‬
‫ظو َ‬ ‫م َ‬‫جه ِ م ْ‬
‫فُرو ِ‬‫م لِ ُ‬‫ن هُ م ْ‬‫ذي َ‬ ‫فروجهممم فقممال الل ّممه تعممالى }َوال ّم ِ‬
‫َ‬ ‫أ َزواجه َ‬
‫ن اب ْت َغَممى وََراَء ذ َل ِم َ‬
‫ك‬ ‫ن‪ ،‬فَ َ‬
‫مم ْ‬ ‫مل ُممو ِ‬
‫مي َ‬ ‫م غ َي ْمُر َ‬‫م فَمإ ِن ّهُ ْ‬
‫مان ُهُ ْ‬ ‫مل َك َ ْ‬
‫ت أي ْ َ‬ ‫ما َ‬‫م أوْ َ‬‫ْ َ ِ ِ ْ‬
‫ن{ يعنممي هممم العاصممون‪ .‬فممالواجب علممى كممل مسمملم أن‬ ‫دو َ‬ ‫م الَعا ُ‬
‫ك هُ ْ‬‫فَأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫يتوب من الزنى وينهى الناس عن ذلك فممإن كممل موضممع ظهممر فيممه الزنممى‬
‫ابتلهم الّله تعالى بالطاعون‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ ،‬حدثنا أبممو يعقمموب إسممحاق بممن إبراهيممم‬
‫العطار حدثنا محمد بن صالح الترمذي حدثنا سويد بن نصر حدثنا عبممد الل ّممه‬
‫بن المبارك عن سفيان عن أبيه عن عكرمة قال‪ :‬سمعت كعبا ً يقممول لبممن‬
‫عباس رضي الّله تعالى عنهما‪ :‬إذا رأيتم السيوف قممد أعريممت والممدماء قممد‬
‫أهريقت فاعلموا أن حكم الّله قد ضيع فيهم فانتقم الّله ببعضهم من بعض‪.‬‬
‫وإذا رأيتم المطر قد منع فاعلموا أن الناس قد منعوا الزكاة فمنمع الل ّممه مما‬
‫عنده‪ ،‬وإذا رأيتم الوباء قد فشا فاعلموا أن الزنى قد فشا‪.‬‬

‫باب أكل الربا‬


‫ّ‬
‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رضي الله تعالى عنه‪ :‬حدثنا الفقيممه‬
‫أبو جعفر الهندواني حدثنا علي بممن أحمممد حممدثنا محمممد بممن الفضممل حممدثنا‬
‫ي بن زيد عن أبي الصلت عن أبي هريرة‬ ‫مؤمل عن حماد بن سلمة عن عل ّ‬
‫رضي الّله تعالى عنه أن النبي صلى الّله عليه وسلم قال "ليلة أسممرى بممي‬
‫سمعت في السماء السابعة فوق رأسممي رعممدا وصممواعق وسمممعت برقمما‪،‬‬
‫ورأيت رجممال بطممونهم بيممن أيممديهم كممالبيوت فيهمما حيممات تممرى مممن ظمماهر‬
‫بطونهم فقلت يا جبريل‬

‫]ص ‪[189‬‬
‫من هؤلء؟ فقال أكلة الربا‪ .‬وروى عن عطاء الخراسمماني أن عبممد الل ّممه بممن‬
‫سلم قال‪ :‬الربا اثنا وسبعون حوبًا‪ :‬يعني إثمًا‪ ،‬وأصغرها حوبا كمن أتى أمه‬
‫في السلم‪ ،‬ودرهم من الربا شر من بضع وثلثين زنية‪ .‬قممال‪ :‬ويممأذن الل ّممه‬
‫تعالى بالقيام للبر والفاجر يوم القيامة إل آكممل الربمما فممإنه ل يقمموم إل كممما‬
‫يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس‪ :‬يعني كالمجنون كلما قممام سممقط‪.‬‬
‫وعن عمر بن الخطاب رضي الّله تعالى عنممه أنممه قممال‪ :‬آخممر ممما نممزل مممن‬
‫القرآن آية الربا‪ ،‬فتوفى رسول الّله صلى الّله عليه وسلم ولم يفسرها لنا‪،‬‬
‫ي رضممي‬ ‫فدعوا الربا والريبة‪ :‬يعني الكبيرة والصغيرة‪ .‬وعن الحارث عن عل ّ‬
‫الّله تعالى عنهما أنه قال "لعن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم آكل الربا‬
‫وموكله وشاهديه وكاتبه‪ ،‬والواشمة والمستوشمة‪ ،‬والمحلممل والمحلممل لممه‪،‬‬
‫ومانع الصدقة"‪ .‬وروى عبد الّله بن مسعود رضي الّله تعالى عنه عن النمبي‬
‫صلى الّله عليه وسلم أنه قال "ما يكسب العبد مال من الحرام فيتصدق به‬
‫فل يؤجر عليه ول ينفق منه فل يبارك له فيه ول يتركه خلف ظهره إل كممان‬
‫زاده إلى النار"‪ .‬وعممن أبممي رافممع قممال‪ :‬بعممث خلخممال فضممة مممن أبممي بكممر‬
‫الصديق رضي الّله تعالى فوضع الخلخال في كفة والدراهم في كفة فكممان‬
‫الخلخال أثقل منها يسيرا فأخذ مقراضا فقال الزيادة لك يمما خليفممة رسممول‬
‫الل ّممه قممال‪ :‬سمممعت رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه وسمملم يقممول "الممزائد‬
‫والمستزيد في النار"‪ .‬وروى أبو سعيد الخممدري وعبممادة بممن الصممامت وأبممو‬
‫هريرة وغيرهم عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنممه قممال "الفضممة بالفضممة‬
‫مثل بمثل والفضل ربا‪ ،‬والحنطممة بالحنطممة مثممل بمثممل والفضممل ربمما‪،‬وذكممر‬
‫الشعير والتمر والملح ثم قال‪ :‬فمن زاد أو استزاد فقممد أربممى"‪ .‬وعممن ابممن‬
‫مسعود رضي الّله تعالى عنممه قممال‪:‬كنمما نممدع تسممعة أعشممار الحلل مخافممة‬
‫الربا‪ .‬وعن عمر بن الخطاب رضي الّله تعالى عنممه هكممذا‪ ،‬ويقمال مما ظهممر‬
‫الزنى وأكل الربا في بلد إل خرب‪ .‬وعن علممي بممن أبممي طممالب رضممي الّلمه‬
‫تعالى عنه أنه قال‪ :‬من اتجر قبل أن يتفقه في الدين فقد ارتطم بالربا ثممم‬
‫ارتطم ثم ارتطم‪ :‬يعني غرق فيه‪ .‬وروى العلء بن عبممد الرحمممن عممن أبيممه‬
‫عن جده قال‪ :‬قال عمر بن الخطاب رضي الّلمه تعممالى عنمه‪ :‬ل يممبيعن فمي‬
‫أسواقنا هذه قوم لم يتفقهوا في الدين ولم يوفمموا الكيممل والميممزان‪ ،‬وعممن‬
‫ليث عممن عبممد الرحمممن بممن سممابط قممال‪ :‬إنممما يممؤذن فممي هلك القممرن إذا‬
‫اسممتحلوا أربعمما‪ :‬إذا نقصمموا الميممزان‪ ،‬وبخسمموا المكيممال‪ ،‬وأظهممروا الزنممى‪،‬‬
‫وأكلوا الربا‪ ،‬لنهم إذا أظهروا الزنممى أصممابهم الوبمماء‪ ،‬وإذا نقصمموا الميممزان‬
‫وبخسوا المكيال منعوا القطر‪ ،‬وإذا أكلوا الربا جممرد عليهممم السمميف‪ .‬وروى‬
‫عن عبيد المحاربي قال‪:‬كنت أمشي خلف علي بممن أبممي طممالب كممرم الل ّممه‬
‫وجهه في السوق ومعه الدرة فممإن رأى رجل ً ل يمموفى الكيممل ضممربه وقممال‬
‫أوف الكيل‪.‬وعن ابن عباس رضي الّله عنهما أنه قال‪ :‬يمما معشممر العمماجم‪:‬‬
‫إنكم وليتم أمرين بهما أهلك من كان قبلكم من القرون الماضممية المكيممال‬
‫والميزان‪.‬‬

‫]ص ‪[190‬‬
‫وروى عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنه قممال‪" :‬يممأتي علممى النمماس‬
‫زمان ل يبقى أحد إل أكل الربا‪ ،‬قيل يا رسول الّله كلهم يأكلون الربمما؟قممال‬
‫من لم يأكل منه يصيبه من غباره" يعني يصميبه ممن إثممه لنمه يعيمن علمى‬
‫ذلك فيكون شاهدا أو كاتبا ً أو راضيا ً بفعله فله حظ من الفعل كما قال أبممو‬
‫بكر الصديق رضي الّله تعالى عنممه‪ :‬الممزائد والمسممتزيد فممي النممار‪ ،‬فينبغممي‬
‫للتاجر أن يتعلم من العلم مقدار مما يحتماج إليمه لتجمارته لكيل يأكمل الربما‪،‬‬
‫وينبغي أن يجتهد في الكيل والوزن لن الل ّممه تعممالى شممدد فممي أمممر الكيممل‬
‫ن{ يعني الشممدة‬ ‫في َ‬‫ف ِ‬‫مط َ ّ‬‫ل ل ِل ْ ُ‬
‫والوزن‪ ،‬وأوعد الوعيد الشديد فقال تعالى }وَي ْ ٌ‬
‫من العذاب‪ ،‬ويقال ويل واد في جهنم للذين ينقصون ويخونممون فممي الكيممل‬
‫ن{ يعني يكتالون من النمماس‬ ‫ست َوُْفو َ‬ ‫س يَ ْ‬‫ِ‬ ‫ذا اك َْتاُلوا ع ََلى الّنا‬
‫ن إِ َ‬ ‫والوزن }ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫م{ يعنممي إذا كممالوا النمماس }أ َْو‬ ‫ذا ك َمماُلوهُ ْ‬
‫يسممتوفون يعنممي حقهممم تاممما }وَإ ِ َ‬
‫َ‬
‫ن{ يعني ينقصون‪ ،‬ثممم قممال تعممالى }أل ي َظ ُم ّ‬
‫ن‬ ‫سُرو َ‬‫خ ِ‬
‫م{ يعني لهم }ي ُ ْ‬ ‫وََزُنوهُ ْ‬
‫َ‬ ‫ُأول َئ ِ َ‬
‫ن{ يعني أل يعلم هؤلء الذين يخونون في الكيل والوزن‬ ‫مب ُْعوُثو َ‬‫م َ‬ ‫ك أن ّهُ ْ‬
‫َ‬
‫م{ يعني هوله عظيم‪ .‬فمماعتبر يمما‬ ‫ظي ٍ‬‫ن{ ليوم القيامة }ل ِي َوْم ٍ ع َ ِ‬ ‫مب ُْعوُثو َ‬ ‫م َ‬ ‫}أن ّهُ ْ‬
‫ابن آدم فإن اليوم الذي سماه الّله عظيما كيف يكون حمماله أي يكممون وأي‬
‫ن{ يعني يقفممون‬ ‫مي َ‬‫ب الَعال َ ِ‬ ‫س ل َِر ّ‬‫م الّنا ُ‬ ‫قو ُ‬‫م يَ ُ‬ ‫هيبة وأي خوف أعظم منه }ي َوْ َ‬
‫بين يدي الّله تعالى ويسألهم عن قليل وكثير ويقممرأ فممي كتممابه ووجممدوا ممما‬
‫عملوا حاضرا بين يدي الّله تعالى ويسألهم عن قليل وكثير ويقرأ في كتممابه‬
‫حمدًا{ فطمموبى لممن عممدل فمي‬ ‫}ووجدوا ما ع َمُلوا حاضرا ً ول يظ ِْلمم ربم َ َ‬
‫كأ َ‬ ‫ُ َ ّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ُ‬
‫الدنيا في حقوق الناس وويل لمن لم يعدل فممي حقمموق النمماس‪.‬وروى عممن‬
‫عمر رضي الّله تعالى عنه أن رسول الّله صلى الّله عليممه وسمملم قممال "إن‬
‫العدل ميزان الّله تعالى في الرض فمن أخذه قاده إلى الجنة‪ ،‬ومممن تركممه‬
‫ساقه إلى النار( واعلم أن العدل يكون من السلطان في رعيته ويكون من‬
‫الرعية فيما بينهم‪ ،‬فعليكم بالعدل لتنجوا من العذاب الليم‪.‬‬

‫باب ما جاء في الذنوب‬


‫حدثنا الفقيه أبو جعفر حدثنا إسحاق بن عبد الرحمن القمماري حممدثنا أبممو‬
‫وام الرياحي حدثنا أبي حممدثنا يحيممى بممن سممابق‪.‬‬ ‫بكر محمد بن أحمد بن الع ّ‬
‫عن خيثمة بن خليفة عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أبممي جعفممر محمممد‬
‫بن الحسين عن جابر بن عبد الّله رضممي الل ّممه تعمالى عنهممما قممال‪ :‬سمممعت‬
‫رسول الّله صلى الّله عليه وسلم يقول "كان فيما أعطى الّله لموسى بممن‬
‫عمران عليه الصلة والسلم في اللواح عشرة أبواب‪:‬فممأّول ممما كتممب فممي‬
‫اللوح الول‪ :‬يا موسى ل تشركن بي شمميئا فقممد حممق القممول منممى ليلفحممن‬
‫وجوه المشركين النار واشكر لي ولوالديك أقيممك المتممالف أعنممي أحفظممك‬
‫من المهالك وأنسأ لك في عمرك وأحييك حياة طيبمة وأنقلمك وأقلبمك إلممى‬
‫خيممر منهمما‪ ،‬ول تقتممل النفممس الممتي حرمتهمما فتضمميق عليممك الرض برحبهمما‬
‫والسماء بأقطارها وتبوء بسخطى في النار‪ ،‬ول تحلف باسمي كاذبا ول آثما‬
‫فإني ل أطهر ول أزكى من لم ينزهني‬

‫]ص ‪[191‬‬
‫ومن لم يعظم أسمائي‪ ،‬ول يحسد الناس على ممما آتّيهممم مممن فضمملى فممإن‬
‫دو لنعمتي راد ّ لقضائي ساخط لقسمتي التي قسمت بين عبممادي‬ ‫الحاسد ع ّ‬
‫ومن لم يكن كذلك فلست منه وليس مني‪ ،‬ول تشممهد بممما ل يعممي سمممعك‬
‫ويحفظممه عقلممك ويعقممد عليممه قلبممك فممإني واقممف أهممل الشممهادات علممى‬
‫شهاداتهم يوم القيامة أسألهم عنها سؤال حثيثا‪ ،‬ول تسرق ول تممزن بحليلممة‬
‫جارك فأحجب عنك وجهي وأغلق عنك أبواب السممماء‪ ،‬وأحممب للنمماس كممما‬
‫تحب لنفسك‪ ،‬ول تذبحن لغيري فإني ما أحممب مممن القربممان ممما ذكممر عليممه‬
‫اسمي وكان خالصا ً لوجهي‪ ،‬وتفرغ لي يوم السبت وفرغ جميع أهل بيتممك"‬
‫وقال رسول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه وسمملم "إن الل ّممه تعممالى جعممل السممبت‬
‫لموسى عيدا واختار الجمعة فجعلها لنا عيدا"‪.‬‬
‫مه الّله تعالى‪ :‬حدثنا أبو القاسم حدثتا محمممد‬ ‫)قال الفقيه( أبو جعفر رح ّ‬
‫بن الحسن حدثنا سفيان بن وكيع حدثنا أبي عن عبيد الّله بن عبد الرحمممن‬
‫بن وهب عن محمد بن كعممب القرظممى قممال‪" :‬قممام رسممول الل ّممه ص علممى‬
‫المنبر فقبض كفه اليمنى ثم قال‪ :‬كتاب كتب الل ّممه تعممالى فيممه أهممل الجنممة‬
‫بأسمائهم وأنسابهم ول يزاد فيهم ول ينقص وليعملن أهممل السممعادة بعمممل‬
‫أهل الشقاء حتى يقال بأنهم منهم بل هم ثم يستنقذهم الّله تعالى بقضممائه‬
‫من الشقاء إلى السعادة قبل الموت ولو بفواق ناقة‪ ،‬وليعملن أهل الشقاء‬
‫بعمل أهل السعادة حتى يقال كأنهم منهم بل هم وليستخرجهنم الّلممه قبممل‬
‫الموت ولو بفممواق ناقممة‪ ،‬السممعيد مممن سممعد بقضمماء الل ّممه تعممالى والعمممال‬
‫والخواتيم" وروى فضالة بن عبيد عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنه‬
‫قال في حجه الوداع "أل أخبركم بالمؤمن؟ المؤمن من أمنممه النمماس علممى‬
‫أموالهم وأنفسهم‪،‬والمسلم من سلم الناس مممن لسممانه ويممده‪ ،‬و المجاهممد‬
‫مممن جاهممد نفسممه فممي طاعممة الل ّممه تعممالى‪ ،‬والمهمماجر مممن هجممر الممذنوب‬
‫والخطايا" قال أبو الدرداء رضممى الل ّممه تعمالى عنممه‪ :‬اعبممدوا الل ّممه عممز وجممل‬
‫دوا أنفسكم من الموتى‪ ،‬واعلموا أن قليل يغنيكم خيممر مممن‬ ‫كأنكم ترونه وع ّ‬
‫كثير يلهيكم‪ ،‬واعلموا أن البر ل يبلى وان الثممم ل ينسممى‪ .‬وروى ابممن عمممر‬
‫رضي الّله تعالى عنهما عن رسول الّله صمملى الل ّممه عليممه وسمملم أنممه قممال‪:‬‬
‫"البر ل يبلى وأن والثم ل ينسى والديان ل يفنى‪ ،‬وكن كما شئت يعنى كما‬
‫تدين تدان"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬معنى قوله "كما تدين تدان" يعني أنك لو‬
‫عملت خيرا تجد ثواب الخير وإن عملت شممرا تجممز بممه يمموم القيامممة جممزاء‬
‫الشر‪ ،‬و هذا كقموله عمز وجمل }إن أحسممنتم لنفسمكم و إن أسمأتم فلهما{‬
‫يعني أن الّله تعممالى ل يظلممم أحممد ول ينقممص مممن ثممواب حسممناته شمميئا ول‬
‫يعاقبه بغير ذنب‪ ،‬وقد بين الّله تعالى الطريق وبعممث رسممول كريممما ناصممحا‬
‫لمته وقد بين طريق الجنة وطريق النار‪ .‬وروى أبو هريرة رضى الّله تعالى‬
‫عنه عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنه قممال "مثلممى ومثلكممم كمثممل‬
‫رجل أوقد نارا فجاء الفراش يتهافتن فيها‬

‫]ص ‪[192‬‬
‫فأنا أمنعكم من أن تقعوا في النار" يعنممي أنهمماكم عممن الممذنوب و العصمميان‬
‫فإن الذنوب تلقى صاحبها في النممار‪ ،‬ويقممال‪:‬قبلممت توبممة آدم عليممه الصمملة‬
‫والسلم لخمس خصال‪،‬ولم تقبل توبة إبليس لعنه الّله لخمس خصال‪،‬فآدم‬
‫أقّر على نفسه بالذنب وندم عليه ولم نفسممه وأسممرع بالتوبممة‪ .‬ولممم يقنممط‬
‫من رحمة الّله تعالى‪ ،‬وإبليس لعنه الّله لم يقر على نفسه ولم ينممدم عليممه‬
‫ولم يلم نفسه ولم يسرع في التوبة وقنط من رحمة الّله تعالى‪ ،‬فمن كان‬
‫حاله مثل حال آدم قبلت توبته ومن كان حاله مثممل حممال إبليممس لممم تقبممل‬
‫توبته وروى عن إبراهيم بن أدهم رحمه الّله تعالى أنه قال‪:‬لن أدخممل النممار‬
‫ى ممن أن أدخمل الجنمة وقممد عصميت الل ّممه تعممالى‪،‬‬ ‫ّ‬
‫وقد أطعت الله أحب إلم ّ‬
‫معناه لو دخل الجنة وقد عصى الّله تعممالى فالحيمماء مممن الل ّممه تعممالى لجممل‬
‫ذنوبه باق‪ ،‬ولو دخل النار وقد أطاع الّله تعالى ل يكون لممه الخجممل والحيمماء‬
‫ويرجى خروجه منها‪ .‬وقد روى عن مالك بن دينار رضي الّله تعالى عنه أنه‬
‫مّر بعتبة الغلم في برد شديد وعلى عتبة قميص خلق وهو قائم يتفكر وهو‬
‫يترشح عرقا‪ ،‬فقال له مالك ممما الممذي أوقفممك فممي هممذا الموضممع؟ قممال يمما‬
‫معلمي هذا موضع عصيت الّله تعالى فيه‪:‬يعني أنه كان يتفكر في ذنبه وهو‬
‫يسيل منه العرق حياء من الّله تعالى‪.‬وقال مكحول الشامي‪:‬مممن أوى إلممى‬
‫فراشه ثم لم يتفكر فيما صنع في يومه فإن عمل خيرا حمد الّله‪،‬وإن أذنب‬
‫استغفر ربه عممز وجممل‪ ،‬وإن لممم يفعممل كممان كمثممل التمماجر الممذي ينفممق ول‬
‫يحسممب حممتى يفلممس ول يشممعر‪،‬ويقممال إن الّلممه تعممالى قممال فممي بعممض‬
‫الكتب‪:‬عبدي إني ملك ل أزول فأطعني فيما أمرتك به وانته عما نهيتك عنه‬
‫حتى أجعلك حيا ل تموت‪ ،‬عبدي أنا الذي إذا أقول للشيء كن فيكون‪ .‬وعن‬
‫أبي محمد بن يزيد قال‪ :‬إن استطعت أن ل تسيء إلممى مممن تحبممه فافعممل‪،‬‬
‫وقيل له وهل يسيء أحد إلى ممن يحبمه؟ قمال نعمم نفسمك أحمب النفمس‬
‫وأعزها إليك‪ ،‬فإذا عصيت فقد أسأت إليها‪ .‬وقيل لبعممض الحكممماء‪ :‬أوصممني‬
‫بشيء؟ قال ل تجف ربك ول تجف الخلق ول تجف نفسك‪ ،‬أما الجفاء بربك‬
‫فأن تشتغل بخدمة غيره من المخلوقين‪ ،‬وأما الجفاء مع خلق فأن تذكرهم‬
‫عند الناس بسوء‪ ،‬وأما الجفاء مع النفس فأن تتهاون بفرائض الّلممه تعممالى‪.‬‬
‫وروى عن كهمس بن الحسن أنممه قممال‪ :‬أذنبممت ذنبمما وأنمما أبكممي عليممه منممذ‬
‫أربعين سنة‪ ،‬قيل له ما هو يا عبد اللممه؟ قممال زارنممي أخ لممي فاشممتريت لممه‬
‫سمكا فأكل‪ ،‬ثم قمت إلى حائط جاري فأخذت منممه قطعممة طيممن فغسمملت‬
‫بها يدي‪ .‬وعن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنممه قممال "أعظممم الممذنوب‬
‫عند الّله تعالى أصغرها عند الناس‪ ،‬وأصغر الذنوب عند الّله تعالى أعظمهمما‬
‫عند الناس"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬يعنممي أعظمهمما عنمد المممذنب إذا عظمممه‬
‫وخافه أصغر عند الّله تعالى‪ ،‬وأما إذا كممان صممغيرا فممي عيممن المممذنب فهممو‬
‫عظيم عند الّله تعالى لن أعظم الذنوب ممما كممان مصممرا عليممه‪ ،‬وهممذا كممما‬
‫روى عن بعض الصحابة رضممي الل ّممه تعمالى عنهممم أنممه قممال‪ :‬ل صممغيرة مممع‬
‫الصرار ول كبيرة مع الستغفار‪ .‬وروى عن عوام‬

‫]ص ‪[193‬‬
‫بن حوشب أنه قال‪ :‬أربع بعد الذنب شر من الممذنب‪ :‬الستصممغار والغممترار‬
‫والستبشار والصرار‪.‬‬
‫سن َةِ فَل َ ُ‬
‫ه‬ ‫ح َ‬
‫جاَء ِبال َ‬ ‫ن َ‬ ‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬ل تغرنك هذه الية } َ‬
‫م ْ‬
‫عَ ْ َ‬
‫ن{ لنه قد‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ي ُظ ْل َ ُ‬‫مث ْل ََها وَهُ ْ‬
‫جَزى إ ِل ّ ِ‬
‫سي ّئ َةِ َفل ي ُ ْ‬
‫جاَء ِبال ّ‬
‫ن َ‬ ‫مَثال َِها وَ َ‬
‫م ْ‬ ‫شُر أ ْ‬
‫اشترط في الحسنة المجيء بها يوم القيامممة والعمممل سممهل علممى العامممل‬
‫ولكن المخبئ يوم القيامة شديد‪ ،‬وإن السيئة واحدة ولكممن لهمما عشممر مممن‬
‫العيوب‪ :‬أولها أن العبد إذا عمل سيئة فقد أسخط خالقه علممى نفسممه وهممو‬
‫قادر عليه في كل وقت‪ ،‬والثاني أنه فرح من هممو أبغممض إليممه وهممو إبليممس‬
‫عدو الّله وعدُوه‪ ،‬والثالث تباعده من أحسن المواضمع وهممو الجنممة‪ ،‬والرابممع‬
‫تقربه إلى شر المواضع وهو جهنم‪ ،‬والخامس أنه جفمما مممن هممو أحممب إليممه‬
‫وهي نفسه‪ .‬والسادس نجس نفسه وقد خلقها الّله تعالى طاهرة‪ ،‬والسممابع‬
‫آذى أصحابه الذين ل يؤذونه وهم الحفظة‪ ،‬والثامن أحزن النبي صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم في قبره‪ ،‬والتاسع أشهد على نفسه الليل والنهار وآذاهم بذلك‬
‫وأحزنهم‪ ،‬والعاشر أنه خان جميع الخلئق من الدميين وغيرهم‪ ،‬فأما خيانممة‬
‫الدميين فإنه لو كان لحد عنممده شممهادةٍ فممإنه ل تقبممل شممهادته لجممل ذنبممه‬
‫فيبطل حق صاحبه لجل ذنبه‪ ،‬وأما الخيانة لجميع الخلئق فإنه يقل المطممر‬
‫إذا أذنب فكمان فممي ذلممك خيانمة لجميمع الخلئق‪ ،‬فإيمماك والممذنب فمإن فمي‬
‫الذنب هذه العيوب وفي ذلك كله ظلم نفسه بمعصيته‪ ،‬وقيل أبخممل النمماس‬
‫من بخل على نفسه بما فيه سعادة‪ ،‬وأظلم الناس من ظلم نفسه بمعصية‬
‫الّله تعالى‪ ،‬لن من عمل المعصية فقد أهلك نفسه‪.‬‬
‫)وقال بعض الحكماء(‪ :‬إياك والذنب فإن الذنب شئوم فيصير شؤمه حجر‬
‫المنجنيق فيضرب على حائط الطاعة فيكسر الحممائط ويممدخل ريممح الهممواء‬
‫ويطفئ سراج المعرفة‪.‬وقيل لبعض الحكماء‪ :‬مالنا نسمممع العلممم ول ننتفممع‬
‫به؟ فقال لهم لخمس خصال‪ :‬أّولهمما قممد أنعممم الل ّممه عليكممم فلممم تشممكروه‪،‬‬
‫والثاني إذا أذنبتم فلم تستغفروه‪ ،‬والثالث لم تعلموا بما علمتم من العلممم‪،‬‬
‫والرابع صحبتم الخيممار ولممم تقتممدوا بهممم‪ ،‬والخممامس دفنتممم الممموات فلممم‬
‫تعتبروا بهم‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬سمعت أبي يقول‪ :‬روى عن رسول الّله‬
‫صلى الّله عليه وسلم أنه قال "ما من يمموم إل وينممزل مممن المسمماء خمممس‬
‫من الملئكة أحدهم بمكة‪ ،‬والثاني بالمدينة‪ ،‬والثالث ببيت المقدس‪ ،‬والرابع‬
‫بمقابر المسلمين‪ .‬والخامس بأسمواق المسملمين‪ ،‬فأممما المذي ينممزل بمكمة‬
‫فينادى‪ :‬ال من ترك فرائض الّله تعالى فقممد خممرج مممن رحمممة الل ّممه تعممالى‪.‬‬
‫وأما الذي ينزل بالمدينة فينادى‪ :‬أل من ترك سممنن النمبي صملى الّلمه عليمه‬
‫وسلم فقد خرج من شفاعته‪ ،‬وأما الذي ينممزل بممبيت المقممدس فينممادى‪ :‬أل‬
‫من اكتسب مال حراما لم يقبل الّله تعمالى سمائر عملمه‪ ،‬وأمما المذي ينمزل‬
‫بمقممابر المسمملمين فينممادى‪ :‬يمما أهممل المقممابر بممماذا تغتبطممون وعلممى ممماذا‬
‫تندمون؟ فيقولون‬

‫]ص ‪[194‬‬
‫ندامتنا على فات من أعمارنا‪ ،‬ونغتبط بأهل الجماعات لقراءتهممم كلم الل ّممه‬
‫تعممالى وتممذاكرهم بممالعلم وصمملواتهم علممى النممبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم‬
‫واستغفارهم لذنوبهم ونحن ل نقدر على شيء من ذلممك‪ ،‬وأممما الممذي ينممزل‬
‫في السواق فينممادي ويقممول‪ ،‬يمما معشممر النمماس مهل مهل فممإن للممه تعممالى‬
‫سطوات ونقمات فمن خشى سطواته ونقماته فليداو جراحته حممتى يتمموب‬
‫وفناكم فلممم تخممافوا لممول رجممال خشممع‬ ‫وقناكم فلم تشتاقوا وخ ّ‬ ‫من ذنوبه ش ّ‬
‫ب عليكم العذاب صبا" وروى عممن‬ ‫وصبيان رضع وبهائم رتع وشيوخ ركع لص ّ‬
‫عائشة رضي الّله تعالى عنها "أن رسول الّله صلى الل ّممه عليممه وسمملم قممال‬
‫لها يا عائشة إياك ومحقّرات الذنوب فإن لها من الّله تعالى طالبمما" ويقممال‬
‫مثممل الممذنوب الصممغار كمثممل مممن جمممع خشممبات صممغارا فيوقممد منهمما نممارا‬
‫باجتماعها‪.‬ويقال‪.‬مكتوب في التوراة من يزرع الممبّر يحصممد السمملمة‪ ،‬وفممي‬
‫ة‪ ،‬وهذا في القرآن وهو قول‬ ‫النجيل مكتوب‪ :‬من يزرع السوء يحصد الندام ّ‬
‫ه{ وروى أبمو القاسممم بمن محمممد عممن ابمن‬ ‫جمَز ِبم ِ‬ ‫سوءا ً ي ُ ْ‬ ‫ل ُ‬‫م ْ‬ ‫ن ي َعْ َ‬
‫م ْ‬‫تعالى } َ‬
‫عباس رضي الّله تعالى عنهما أنه سئل عن رجل كثير الذنوب كممثير العمممل‬
‫أعجب إليك أم رجل قليل الذنوب قليل العمممل؟ قممال ممما أعممدل بالسمملمة‬
‫ي فقال بعض الحكماء‪.‬كمل سممفلة يعممل‬ ‫شيئا‪ .‬يعني قليل الذنوب أعجب إل ّ‬
‫طاعة‪ ،‬ولكن الكريم من يترك المعصية‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬في كتاب الّله تعالى دليل على أن تممرك‬
‫المعصية أفضل من أعمال الطاعة لن الّله تعالى قد اشترط فممي الحسممنة‬
‫المجيء بها إلى الخرة وفي ترك الذنوب لم يشممترط شمميئا سمموى الممترك‪،‬‬
‫َ‬
‫مَثال ِهَمما{ وقممال تعممالى }وَن َهَممى‬ ‫ه عَ ْ‬
‫ش مُر أ ْ‬ ‫س من َةِ فَل َم ُ‬
‫ح َ‬ ‫جاَء ِبال َ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫وقال تعالى } َ‬
‫مأَوى{ فنسأل الّله تعالى العفو‪.‬‬ ‫ْ‬
‫ي ال َ‬ ‫ة هِ َ‬ ‫جن ّ َ‬
‫ن ال َ‬ ‫وى‪ ،‬فَإ ِ ّ‬ ‫ن الهَ َ‬ ‫س عَ ْ‬
‫ف َ‬‫الن ّ ْ‬

‫باب ما جاء في الظلم‬


‫ي الطوسي حدثنا‬ ‫ن عل ّ‬
‫حدثنا أبو الحسين أحمد بن حمدان حدثنا الحسن ب ْ‬
‫هشام حدثنا أبو معاوية عن يزيد بن أبي بممردة عممن أبيممه عممن أبممي موسممى‬
‫الشعري رضي الّله تعالى عنه قال‪ :‬قال رسول الّله صلى الّله عليه وسلم‬
‫"إن الّله تعالى يملي للظالم فإذا أخذه لم يفلتممه" يعنممي ل ينجممو‪" ،‬ثممم قممرأ‬
‫وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذ القرى وهي ظالمممة إن‬
‫أخذه أليم شديد" حدثنا الخليل بن أحمممد حممدثنا ابممن منيممع حممدثنا علممى بممن‬
‫الجعد حدثنا ابن أبي ذئب‪.‬وعن المقبري عن أبي هريرة رضممي الل ّممه تعممالى‬
‫عنه عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنه قال‪" :‬من كانت لخيه عنممده‬
‫مظلمة من عرض أو مال فليتحلله اليوم قبل أن يؤخذ منه يوم ل دينممار ول‬
‫درهم‪ ،‬فإن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر عمل مظلمته‪ ،‬وإنممه لممم يكممن‬
‫له عمل أخذ من سيئاته فحملت عليه" حدثنا الخليل بن أحمد حدثنا خزيمة‬
‫ي بن أحمد حدثنا إسمعيل حدثنا يعلممى عممن أبيممه عممن أبممي هريممرة‬ ‫حدثنا عل ّ‬
‫رضي الّله تعالى عنه أن رسول الّله صلى الّله عليممه وسمملم قممال "أتممدرون‬
‫من المفلس؟ قالوا له المفلس من‬

‫]ص ‪[195‬‬
‫لا درهم له ول دينار ول متاع‪ ،‬قال فإن المفلس من أمتي الممذي يممأتي يمموم‬
‫القيامة بصلته وزكاته وصيامه‪ ،‬ويأتي قد شتم هذا وقممذف هممذا وأكممل مممال‬
‫هذا وسفك دم هذا وضرب هذا‪ ،‬فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته‪،‬‬
‫فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم وطرحت عليه‬
‫ثم طرح في النار"‪ .‬وذكر عن أبي ميسرة قال‪ :‬أتي بسوط إلمى رجمل فمي‬
‫قبره بعد ما دفن فجا آه يعني منكرا ونكيرا فقال له إنا ضارباك مائة سوط‬
‫فقال الميت إني كنت كذا وكذا فتشفع حتى حطا عنه عشممرا ثممم لممم يممزل‬
‫بهما حتى صار إلى ضربة واحدة فقممال إنمما ضممارباك ضممربة واحممدة فممالتهب‬
‫القبر نارا فقال لم ضربتماني فقال مررت برجل مظلوم فاستغاث بك فلم‬
‫تغثه‪ ،‬فهذا حال الذي لم يغممث المظلمموم فكيممف يكممون حممال الظممالم‪ .‬قممال‬
‫ميمون بن مهران‪ :‬إن الرجل يقرأ القرآن وهو يلعن نفسممه قيمل لمه وكيمف‬
‫يلعن نفسه قال يقول } أل لعنة الّله على الظالمين{ وهو ظالم‪.‬‬
‫ظم من الظلم‬ ‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬ليس شيء من الذنوب أع ّ‬
‫لن الذنب إذا كان بينك وبين الّله تعالى كريم يتجاوز عنك فإذا كان الممذنب‬
‫بينك وبين العباد فل حيلة لك سوى رضا الخصم‪ ،‬فينبغي للظممالم أن يتمموب‬
‫عن الظلم ويتحلل من المظلوم في الدنيا‪ ،‬فإذا لم يقممدر عليممه فينبغممي أن‬
‫يستغفر ويدعو فإنه يرجممى أن بحللممه بممذلك‪ .‬قممال ميمممون بممن مهممران‪ :‬إن‬
‫الرجل إذا ظلم إنسانا ً فأراد أن يتحلل منه ففاته ولم يقممدر عليممه فاسممتغفر‬
‫الّله تعالى له في دبر صلته خرج من مظلمته‪ .‬وعن ابن مسعود رضي الّله‬
‫تعالى عنه قال‪ :‬من أعان ظالما ً على ظلمه أو لقنه حجمة يمدحض بهما حممق‬
‫امرئ مسلم فقد جاء بغضب من الّله وعليه وزرها‪ .‬وعن عمممر رضممي الل ّممه‬
‫تعالى عنه أنه قال للحنف بن قيس‪ :‬من أجهل النمماس؟ قممال الحنممف مممن‬
‫باع آخرته بدنياه‪ .‬وقال عمر بن الخطاب رضي الل ّممه تعممالى عنممه‪ .‬أل أنممبئك‬
‫بأجهل من هذا؟ قممال بلممى يمما أميممر المممؤمنين‪ :‬قممال مممن بمماع آخرتممه بممدنيا‬
‫ي رضي الّله تعالى عنه‪ :‬ما أحسنت إلى أحد ول أسممأت إليممه‬ ‫غيره‪.‬وعن عل ّ‬
‫ن{ يعني إن أحسممنت إلممى‬ ‫ة الل ّهِ ع ََلى ال ّ‬ ‫َ‬
‫لن الّله تعالى يقول }أَل ل َعْن َ ُ‬
‫مي َ‬
‫ظال ِ ِ‬
‫أحد فقد أحسنت إلى نفسي وإن أسأت إلى أحد فقد أسأت إلى نفسي‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬حدثنا محمد بن الفضل بإسناده عن أبي‬
‫سعيد الخدري رضي الّله تعالى عنممه قممال "كممان رجممل مممن المهمماجرين لممه‬
‫حاجة إلى رسول الل ّممه صملى الل ّممه عليممه وسمملم فممأراد أن يلقماه علمى خلء‬
‫فيبدي له حاجته‪ ،‬وكان رسول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه وسمملم فممي العسممكر‬
‫بالبطحاء‪ ،‬وكان يجيء من الليل فيطوف حتى إذا كان في وجه الصبح رجع‬
‫فصلى صلة الغممداة‪ .‬قمال‪ :‬فحبسمه الطمواف ذات ليلممة حممتى أصممبح‪ ،‬فلمما‬
‫استوى على راحلته عرض له الرجل فأخذ بخطام ناقته فقال يا رسول الّله‬
‫لي إليك حاجة؟ قال دعني فإنك ستدرك حاجتك فأبى‪،‬‬

‫]ص ‪[196‬‬
‫فلما خشى أن يحبسه خفقه بالسوط خفقا ثم مضى فصلى صمملة الغممداة‪،‬‬
‫فلما انفتل أقبل يوجهه على القوم واجتمممع القمموم حمموله فقممال أيممن الممذي‬
‫جلدته آنفا فأعادها إن كان في القوم فليقم فجعل الرجل يقول أعوذ بممالله‬
‫تعالى ثم برسوله‪ ،‬وجعل رسول الّله صلى الّله عليه وسلم يقممول ادن ادن‬
‫مني حتى دنا منه فجلس رسول الّله صلى الّله عليه وسلم بين يديه وناوله‬
‫السوط وقال خذ بجلدتك فاقتص مني‪ ،‬فقال أعوذ بالله أن أجلد نممبيه قممال‬
‫خذ بجلدتك فاقتص ل بأس فقال أعوذ بالله أن أجلد نبيه قال ل إل أن تعفو‬
‫فألقى السوط وقال قد عفوت يا رسول الله‪ ،‬ثممم قممال رسممول الل ّممه صمملى‬
‫الّله عليه وسلم يا أيها النمماس اتقمموا ربكممم ول يظلممم أحممد منكممم مؤمنمما إل‬
‫انتقم الّله منه يوم القيامة"‪ .‬وعنه أيضًا"إن المظلومين هم المفلحممون يمموم‬
‫القيامة"‪ .‬وعن سفيان الثمموري رحمممة الل ّممه عليممه أنممه قممال‪ :‬إن لقيممت الل ّممه‬
‫تعالى بسبعين ذنبا فيما بينك وبين الل ّممه تعممالى أهممون عليممك مممن أن تلقمماه‬
‫بذنب واحد فيما بينك وبين العباد‪ .‬وعن إبراهيم بن أدهم رحمممة الل ّممه عليممه‬
‫أنه قال‪ :‬ل ينبغي للرجل إذا كان عليه دين أن يصطبغ بالزيت أو بأقممل منممه‬
‫ما لم يقض دينه‪.‬وروى عن فضيل بن عياض قال‪ :‬قراءة آية من كتاب الل ّممه‬
‫ي من أختم القممرآن ألممف مممرة‪ ،‬وإدخممال السممرور‬ ‫تعالى والعمل بها أحب إل ّ‬
‫ي من عبادة العمر كله‪ ،‬وترك الممدنيا‬ ‫على المؤمنين وقضاء حاجتهم أحب إل ّ‬
‫ي من أن أعبد الّله بعبادة أهممل السممموات والرض‪ .‬وتممرك‬ ‫ورفضها أحب إل ّ‬
‫ي من مائة حجة من مال حلل‪.‬وذكر عممن أبممي بكممر‬ ‫دانق من حرام أحب إل ّ‬
‫الوراق أنه قال‪ :‬أكثر ما ينزع مممن القلممب اليمممان ظلممم العبممد‪ ،‬وسممئل أبممو‬
‫القاسم الحكيم هل من ذنب ينزع اليمان من العبد؟ قال نعم‪ ،‬ثلثة أشممياء‬
‫تنزع اليممان ممن العبممد‪ :‬أّولهما تممرك الشممكر علممى السمملم‪ ،‬والثماني تمرك‬
‫الخوف على ذهاب السلم‪ ،‬والثالث الظلم على أهل السلم‪ .‬وروى حميممد‬
‫عن أنس رضي الّله تعالى عنه قال "أوصى النبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم‬
‫رجل بثلث فقال له أكثر ذكر الموت يشممغلك عممما سممواه‪ ،‬وعليممك بالشممكر‬
‫فإنه زيادة في النعمة‪ ،‬وعليك بالدعاء فإنه ل تدري متى يستجيب الّله لممك‪،‬‬
‫وأنهاك عن ثلث‪ :‬ل تنقض عهد ول تعن على نقضه‪ ،‬وإياك والبغي فإن مممن‬
‫بغى عليه لينصرنه الله‪ ،‬وإياك والمكر فإنه ل يحيق المكر السيء إل بأهله‪:‬‬
‫وروى منصور عن مجاهد عن يزيد بن سمممرة قممال‪ :‬إن لجهنممم جبابمما يعنممي‬
‫مواضع كساحل البحر فيممه حيممات كالبخمماتي وعقممارب كالبغممال الممدلم فممإذا‬
‫اسممتغاث أهممل جهنممم أن يخفممف عنهممم قيممل لهممم اخرجمموا مممن السمماحل‬
‫فيخرجون فنأخذ الحيات بشفاههم ووجمموههم وممما شمماء الل ّممه تعممالى منهممم‬
‫فتكشطن‪ ،‬فيستغيثون فرار منها إلى النممار فيسمملط عليهممم الجممرب فيحممك‬
‫أحدهم جلده حتى يبدو العظم فيقال يا فلن هل يؤذيك هذا؟ فيقممول نعممم‪،‬‬
‫ذابا ً فَ موْ َ‬
‫ق‬ ‫م ع َم َ‬
‫فيقال ذلك بما كنت تؤذي المؤمن وهو قمموله تعممالى }زِد ْن َمماهُ ْ‬
‫ن{ وروي عممن عمممر رضممي الل ّممه تعممالى عنممه أنممه‬ ‫دو َ‬
‫سم ُ‬
‫ف ِ‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي ُ ْ‬ ‫ب بِ َ‬ ‫العَ َ‬
‫ذا ِ‬
‫قال‪:‬كفى بالمؤمن من لغى ثلث‪ :‬يعيب على الناس‬

‫]ص ‪[197‬‬
‫بما يأتي به ويبصر من عيوبهم ما ل يبصر من عيوب نفسه ويممؤذى جليسممه‬
‫فيما ل يعنيه‪ .‬وعن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنه قال‪" :‬ينادي منمماد‬
‫من تحت العرش يوم القيامة يا أمة محمد ما كممان لممي قبلكممم فقممد وهبتممه‬
‫لكم‪ ،‬وبقيت التبعات فتواهبوها وادخلوا الجنة برحمتي"‪.‬‬

‫باب الرحمة والشفقة‬


‫حدثنا أبو الحسين أحمد بن حمدان حدثنا أحمد بن الحارث حدثنا قتيبة بن‬
‫ي مولى أبي بكر عن بكر عن أبي صممالح‬ ‫سعيد البغدادي‪ .‬عن مالك بن سم ّ‬
‫السمان عن أبي هريرة رضي الّله تعممالى عنممه أن رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم قال "بينا رجل يمشي في الطريق اشتد ّ عليممه العطممش فوجممد‬
‫بئرا فنزل بهمما فشممرب ثممم خممرج فممإذا كلممب يلهممث وهممو يأكممل الممثرى مممن‬
‫العطش‪ ،‬فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الممذي كممان بلممغ‬
‫مني فنزل البئر فمل خفه ماء ثم أمسكه بفيه حممتى رقممى فسممقى الكلممب‪،‬‬
‫فشكر الّله تعالى له فغفر له‪ ،‬قالوا يا رسول الّله إن لنا في البهائم لجرًا؟‬
‫قال في كل ذات كبد رطبة أجر" حدثنا محمد بن الفضل حممدثنا محمممد بممن‬
‫جعفر حدثنا إبراهيم بن يوسف حدثنا النضممر بممن الشممعث عممن الحسممن أن‬
‫رسول الله صلى الّله عليه وسلم قال " ل يدخل الجنة إل رحيممم‪ ،‬قممالوا يمما‬
‫رسول الّله كلنا رحيم‪ ،‬قال ليس رحممة أحمدكم نفسممه خاصمة ولكممن حمتى‬
‫يرحم الناس عامة ول يرحمهم إل الّله تعالى" حدثنا محمد بن الفضل حدثنا‬
‫محمد بن جعفر حدثنا إبراهيم بن يوسف حدثنا معاويممة عممن العمممش عممن‬
‫حسان بن أبي الشرس عن أبي عبيدة عن عبد الّله قال‪ :‬إذا رأيتممم أخمماكم‬
‫قد أصابه جزاء فل تلعنمموه ول تعينمموا عليممه الشمميطان‪ ،‬ولكممن قولمموا اللهممم‬
‫ارحمه اللهم تب عليه‪ .‬وعن الشعبي قال صممعد النعمممان بممن بشممير المنممبر‬
‫فحمد الّله وأثنى عليه" ثم قال‪ :‬سمعت رسول الّله صلى الّله عليه وسمملم‬
‫يقول "ينبغي للمسلمين أن يكونوا بينهم بنصيحة بعضهم بعضمما‪ ،‬وتراحمهممم‬
‫بينهم كمثل العضو من الجسد إذا اشتكى بعضه تداعى الجسد كله بالسممهر‬
‫حتى يذهب اللم من ذلك العضو" وعممن أنممس بممن مالممك قممال‪ :‬بينممما عمممر‬
‫رضي الّله تعالى عنه يعس ذات ليلة إذ مّر برفقة قد نزلت فخشممى عليهممم‬
‫السرقة فأتى عبد الرحمن بن عوف رضي الّله تعالى عنمه فقمال‪:‬مما المذي‬
‫جاء بك في هذه الساعة يا أمير المؤمنين؟ قممال مممررت برفقممة قممد نزلممت‬
‫فحدثتني نفسي أنهم إذا باتوا ناموا فخشمميت عليهممم السممرقة فممانطلق بنمما‬
‫نحرسهم‪ .‬قال‪ :‬فانطلقنا‪ .‬فقعد قريبمما مممن الرفقممة يحرسممان حممتى إذا رأيمما‬
‫الصبح نادى عمر رضي الّله تعالى عنه يا أهل الرفقة الصلة الصلة مممرارا ً‬
‫حتى إذا رآهم تحركوا قاما فرجعا‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الله‪ :‬عليك أن تقتدي بالذين قبلك فإن الّله قد مممدح‬
‫أصحاب النبي صلى الّله عليه وسلم بالتراحم فيما بينهممم قممال الل ّممه تعممالى‬
‫}رحماء بينهم{ وكانوا رحماء على المسلمين‬

‫]ص ‪[198‬‬
‫وعلى جميع الخلق وكانوا يرحمون أهل الذمة‪ ،‬فكيممف بالمسمملمين؟‪ .‬وروى‬
‫عن عمر رضي الّله تعالى عنه أنممه رأى رجل ً مممن أهممل الذمممة يسممأل علممى‬
‫أبواب الناس وهو شمميخ كممبير‪ ،‬فقممال لممه عمممر رضممي الل ّممه تعممالى عنممه ممما‬
‫أنصفناك أخذنا منك الجزية ممما دمممت شممابا ثممم ضمميعناك اليمموم‪ ،‬وأمممر بممأن‬
‫ي بممن ابممي طممالب‬ ‫يجري عليه قوته من بيت مال المسلمين‪ .‬وروى عن عل ّ‬
‫رضي الّله تعالى عنه أنه قال‪ :‬رأيت عمر رضي الّله تعالى عنه علممى قتممب‬
‫وهو يعدو بالبطح‪ ،‬فقلت له يا أمير المؤمنين أين تصير؟ فقال بعّيرنممد مممن‬
‫الصدقة فأنا أطلبه‪ ،‬فقلت له لقد أذللت الخلفاء من بعدك‪ ،‬فقممال ل تلمنممي‬
‫يا أبا الحسن‪ ،‬فوا الذي بعث محمدا صلى الّلمه عليممه وسملم بمالنبوة لمو أن‬
‫عناقا ذهب بشاطئ الفرات لوخذ بها عمر يوم القيامة لنه ل حرمممة لمموال‬
‫ضيع المسلمين ول لفاسق رّوع المؤمنين‪ .‬وعن الحسممن عممن رسممول الل ّممه‬
‫صلى الّله عليه وسلم أنه قال "بدلء أمتي ل يدخلون الجنة بكثرة صلة ول‬
‫صيام ولكن يرحمهم الّله تعالى بسلمة الصدور وسخاوة النفممس والرحمممة‬
‫لجميممع المسمملمين"‪ .‬وروى عبممد الوهمماب بممن محمممد الفعتلنممي بسمممرقند‬
‫بإسناده عن حميد عن أنس بممن مالممك رضممي الل ّممه تعممالى عنممه قممال‪ :‬قممال‬
‫رسول الّله صلى الّله عليه وسلم "أربع من حق المسلمين عليك‪ :‬أن تعين‬
‫محسنهم‪ ،‬وأن تستغفر لمذنبهم‪ ،‬وأن تدعو لمدبرهم‪ ،‬وأنت تحممب تممائبهم"‪.‬‬
‫حدثنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمممد حممدثنا فممارس بممن مردويممه حممدثنا‬
‫محمد بن الفضل حدثنا يعلى بن عبيد حدثنا عبد الرحمن بن زياد‪ .‬عممن أبيممه‬
‫عن أبي أيوب رضي الّله تعالى عنه قال‪ :‬سمممعت رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم يقول "للمسلم علممى أخيممه سممت خصممال واجبممة إن تممرك منهمما‬
‫واحدة فقد ترك حقا واجبا‪ :‬إذا دعاه أن يجيبممه‪ ،‬وإذا مممرض أن يعمموده‪ ،‬وإذا‬
‫مات أن يحضره‪ ،‬وإذا لقيه أن يسلم عليممه‪ ،‬وإذا استنصممحه أن ينصممحه وإذا‬
‫عطس أن يشمته" وروى عن رسول الّله صلى الّله عليه وسمملم أنممه قممال‪:‬‬
‫ي إل وقد رعى‪ ،‬قالوا يا رسول الله‪ :‬وأنت قد رعيت؟ قال‪ :‬نعممم‪،‬‬ ‫"ما من نب ّ‬
‫فأنا قد رعيت"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬الحكمة في رعممي النبيمماء صمملوات الل ّممه‬
‫عليهم وسلمه أن الّله تعالى ابتلهم على البهائم أول حتى تظهممر شممفقتهم‬
‫على خلقه وهو أعلم بهم‪ ،‬وإذا وجدهم مشفقين على البهائم جعلهممم أنبيمماء‬
‫وجعلهم مسلطين علمى بنمي آدم فمي أمممر دينهمم‪ .‬وروى أن موسممى عليمه‬
‫الصلة والسلم قال‪ :‬يا رب بأيّ شيء اتخذتني صفيا؟ قممال برحمتممك علممى‬
‫خلقي فإنك كنت ترعى الغنم لشعيب عليه الصلة والسلم فندت شاة من‬
‫غنمك فاتبعتها فأصابك الجهد في طلبها حتى أدركتها‪ ،‬فلما أخذتها ضممممتها‬
‫إلى حجرك وقلت لها يا مسكينة أتعبممتيني وأتعبممت نفسممك فبرحمتممك علممى‬
‫وة‪ .‬وروى أبو هريرة رضي الل ّممه تعممالى عنممه‬
‫خلقي اصطفيتك وأكرمتك بالنب ّ‬
‫عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنه قال‪" :‬من ستر أخاه المسلم في‬
‫الدنيا ستره الّله في الدنيا والخرة‪ ،‬ومن نفس عمن أخيممه كربمة ممن كمرب‬
‫الدنيا نفس الّله عنه كربته يوم‬

‫]ص ‪[199‬‬
‫القيامة‪ ،‬والله تعالى في عون العبد ما دام العبد في عممون أخيممه المسمملم"‬
‫وروى قتادة عن أنس رضي الل ّممه تعممالى عنممه عممن النممبي صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم أنه قال "والذي نفس محمد بيده ل يؤمن أحدكم حتى يحب لخيه ما‬
‫يحب لنفسه من الخير" وروى الشعبي عن عمر رضي الّله تعالى عنه قممال‬
‫أن الّله تعالى ل يرحم من ل يرحم‪ ،‬ول يغفر لمن ل يغفممر‪ ،‬ول يتمموب علممى‬
‫من ل يتوب‪.‬‬
‫وروى عن بعض الصممحابة رضممي الل ّممه تعممالى عنممه أنممه قممال‪ :‬الراحمممون‬
‫يرحمهم الرحمن ارحموا من في الرض يرحمكم مممن فممي السممماء‪ .‬وروى‬
‫عن رسول الّله صلى الل ّممه عليممه وسمملم أنممه قممال "مممن ل يرحممم النمماس ل‬
‫يرحمه الّله تعالى" وعن قتادة أنه قال‪ :‬ذكر لنا في النجيل مكتوبمما يمما ابممن‬
‫آدم كما ترحم فكذلك ترحم وكيممف ترجممو أن يرحمممك الل ّممه وأنممت ل ترحممم‬
‫عباده‪ .‬وعن أبممي الممدرداء رضمي الل ّممه تعممالى عنمه أنممه كممان يتتبمع الصمبيان‬
‫فيشتري منهم العصممافير فيرسمملها ويقممول اذهممبي فعيشممي‪ .‬وقممال شممقيق‬
‫الزاهد رحمه الّله تعالى‪ :‬إذا ذكرت الرجل بالسوء فلم تهتم له ترحما فأنت‬
‫أسوأ حال منه‪ ،‬وإذا ذكرت الرجل الصالح فلم تجد فممي قلبممك حلوة طاعممة‬
‫ربك فأنت رجل سوء‪.‬‬
‫وقال مالك بن أنس رضي الّله تعالى عنه‪ :‬بلغني أن عيسى صلوات الّله‬
‫وسمملمه عليممه قممال‪ :‬ل تكممثروا الكلم فممي غيممر ذكممر الل ّممه فتقسممو قلمموبكم‬
‫والقلب القاسي بعيد من الّله تعالى ولكن ل تعلمون‪ ،‬ول تنظروا في عيوب‬
‫الناس كأنكم أرباب وانظروا إليها كأنكم عبيممد‪ ،‬وإنممما النمماس رجلن مبتلممى‬
‫ومعافى فارحموا صاحب البلء واحمدوا الّله على العافيممة‪ .‬وروى عممن أبممي‬
‫عبد الّله الشامي قال‪ :‬استأذنت على طاوس فخرج شيخ كبير فقال لي أنا‬
‫هو‪ ،‬فقلت له لئن كنت أنت هو فإنك إذا لخرف‪ ،‬فقال إن العالم ل يخممرف‪،‬‬
‫فدخلت عليه فقال لي سل وأوجز‪ ،‬فقلت لمه إن أوجمزت لمي أوجمزت لمك‬
‫فقال‪ :‬إن شئت جمعت لممك التمموراة والنجيممل والفرقمان فممي ثلث كلممات‬
‫فعلت فقلت وددت ذلك فقال خف الّله خوفما ً ل يكممون أحممد أخمموف عنممدك‬
‫منه ورجه رجاء هو أشد من خوفك إيمماه وأحممب لغيممرك ممما تحممب لنفسممك‪،‬‬
‫وعن عمار بن ياسر رضممي الل ّممه تعممالى عنممه قممال ثلث مممن جمعهممن جمممع‬
‫اليمان كله‪ :‬النفاق في القتار والنصاف من نفسه وإفشمماء السمملم علممى‬
‫الخلئق‪ ،‬وروى عن عمر بن عبد العزيز رضي الّله تعالى عنه أنه قال أحممب‬
‫المور إلى الّله تعالى ثلثة العفو عند المقدرة والقصد في الجممدة والرفممق‬
‫بعباد الّله تعالى وما رفق أحد بعباد الّله إل رفق الّله به‪ ،‬وروى هشممام عممن‬
‫الحسن قال‪ :‬أوحى الّله إلى آدم‪ :‬يا آدم أربع هن جماع لك ولولممدك‪ :‬يعنممي‬
‫جماع الخير واحدة لي وواحدة لك وواحدة بيني وبينك وواحممدة بينممك وبيممن‬
‫الناس‪ ،‬فأما التي لي فأن تعبدني ول تشرك بي شيئا‪ ،‬وأما التي لك فعملك‬
‫أجزيك به حين تكون أفقر ما تكون إليه‪،‬نن وأممما الممتي بينممي وبينممك فمنممك‬
‫الدعاء ومني الجابة‪ ،‬وأما التي بينك وبين الناس فاصحبهم بالذي تحممب أن‬
‫يصحبوك به‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬

‫]ص ‪[200‬‬
‫ّ‬
‫باب ما جاء في خوف الله تعالى‬
‫حدثنا الفقيه أبو جعفممر حممدثنا إسممحاق بممن عبممد الرحمممن القمماري حممدثنا‬
‫الحارث بن أبي أسامة حدثنا داود بن المحبر عن ميسرة عن محمد بن زيد‬
‫عن سعيد بن المسيب "أن عمممر وأبممي بممن كعممب وأبمما هريممرة رضممي الل ّممه‬
‫تعالى عنهم دخلوا على رسول الّله صلى الّله عليه وسلم فقالوا يا رسممول‬
‫الّله من أعلم الناس؟ قال العاقل‪ ،‬قالوا يا رسول الل ّممه مممن أعبممد النمماس؟‬
‫قال العاقل‪ ،‬قالوا يا رسول الّله من أفضل الناس؟ قممال العاقممل‪ ،‬قممالوا يمما‬
‫رسول الّله أليس العاقل من نمت مروءته وظهرت فصمماحته وجممادت كفممه‬
‫وعظمت منزلته؟ فقال رسول الّله صلى الّله عليه وسلم وإن كل ذلك لما‬
‫متاع الحياة الدنيا والخرة عند ربك للمتقين‪ .‬العقل المتقي‪ ،‬وإن كممان فممي‬
‫الدنيا خسيسا دنيئا" يعني بالمتقي الذي يتقي الّله عز وجل ويتقي معاصيه‪.‬‬
‫وروى عن مالك بن دينار رحمه الّله أنه قال‪ :‬إذا عممرف الرجممل مممن نفسممه‬
‫علمة الخوف وعلمة الرجاء فقد تمسك بالمر الوثيق‪ ،‬أما علمممة الخمموف‬
‫فاجتناب ما نهى الّله عنه‪ ،‬وأممما علمممة الرجمماء فالعمممل بممما أمممر الل ّممه بممه‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬للرجاء والخمموف علمتممان‪ :‬فعلمممة الرجمماء عملممك للممه بممما يرضممى‪،‬‬
‫وعلمة الخوف اجتنابك ما نهى الّله عنه‪ .‬حدثنا محمد بممن الفضممل بإسممناده‬
‫عن الشعبي رضي الّله تعالى عنه عن عبد الّله بن عباس رضي الّله تعممالى‬
‫عنهما أنه قال لعمر رضي الّله تعالى عنممه حيممن طعممن‪ :‬يمما أميممر المممؤمنين‬
‫أسلمت حين كفر الناس‪ ،‬وجاهدت مع رسول الّله صملى الّلمه عليمه وسملم‬
‫حين خذله الناس‪ ،‬وتوفى رسول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه وسمملم وهممو عنممك‬
‫راض‪ ،‬ولم يختلف عليك اثنان‪ .‬وقتلت شهيدا‪ ،‬فقال عمر رضي الل ّممه تعممالى‬
‫عنه‪ :‬المغرور مممن غررتممموه‪ ،‬واللممه لمو أن لممي مما طلعممت عليممه الشممس‬
‫لفتديت به من هول المطلع‪ .‬وعن الحسن البصري عممن جممابر رضممي الل ّممه‬
‫نعالى عنه عن رسول الّله صلى الّله عليممه وسمملم أنممه قممال" المممؤمن بيممن‬
‫مخافتين بين أجل قد مضى ل يدري ما الّله صانع به‪ ،‬وبين أجل قممد بقممى ل‬
‫يدري ما الّله قاض فيه‪ .‬فليتزود العبد من نفسه لنفسه‪ ،‬ومن دنياه لخرتممه‬
‫ومن حياته لموته‪ ،‬فوالذي نفس محمد بيده ما بعممد الممموت مممن مسممتعتب‬
‫وما بعد الدنيا دار إل الجنة او النار"‪.‬‬
‫وعن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال‪ " :‬قال الّله عز وجممل وعزتممي‬
‫وجللي إني ل أجمع على عبدي خوفين ول أمنيممن‪ :‬مممن خممافني فممي الممدنيا‬
‫أمنته في الخرة‪ ،‬ومن أمنني فممي الممدنيا أخفتممه يمموم القيامممة"‪ .‬وروى عممن‬
‫عمار بن منصور رضي الّله تعالى عنهما قممال‪ :‬كنممت تحممت منممبر عممدي بممن‬
‫أرطأة‪ ،‬فقال أل أحدثكم حديثا ما بيني وبين رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم إل رجل واحد؟ قالوا نعممم قممال‪ :‬قممال رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم‪ " :‬إن لله ملئكة في السماء السابعة سجودا منممذ خلقهممم الل ّممه إلممى‬
‫يوم القيامة ترعد فرائضهم من مخافة الله‪ ،‬فإذا كممان يمموم القيامممة رفعمموا‬
‫رؤوسهم وقالوا سبحانك ما عبدناك حق عبادتك"‪ .‬وروى عممن أبممي ميسممرة‬
‫أنه كان إذا اوى إلى فراشه قال‪ :‬ليت‬

‫]ص ‪[201‬‬
‫أمي لم تلدني‪ .‬فقالت له امرأته يمما أبمما ميسممرة‪ :‬إن الل ّممه قممد أحسممن إليممك‬
‫وهداك إلى السلم‪ ،‬قال اجل‪ ،‬ولكن الّله قد بين لنا أنمما واردون النممار ولممم‬
‫يبين لنا أنا صادرون عنها‪ .‬وعن الفضيل بن عياض رحمه الّله أنه قال‪ :‬إنممي‬
‫ل اغبط ملكا مقربا ول نبيا مرسممل أليممس همؤلء يعتبمون يموم القياممة إنممما‬
‫أغبط من لم يخلق‪ .‬وقال حكيم من الحكماء‪ :‬الحزن يمنع الطعام والخوف‬
‫وي على الطاعة وذكر الموت يزهد في الفضول‪.‬‬ ‫يمنع الذنوب والرجاء يق ّ‬
‫وروى عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنه قممال" إذا اقشممعر قلممب‬
‫المؤمن من خشية الّله تعالى تحاتت عنه خطاياه كما يتحات مممن الشممجرة‬
‫ورقها"‪ .‬وسئل رسول الّله صلى الّله عليه وسلم " من آلك يا رسول الله؟‬
‫ي إلى يوم القيامممة‪.‬أل إن أوليممائي هممم المتقممون‪ ،‬ول‬ ‫قال آلي كل مؤمن نق ّ‬
‫فضل لحد منكم إل بتقوى الّله عز وجممل" وروى الربيممع عممن الحسممن عممن‬
‫رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنه قال‪ " :‬ثلث منجيات وثلث مهلكات‪،‬‬
‫فأما المهلكات‪ :‬فشح مطاع‪ ،‬وهوى متبع‪ ،‬وإعجاب نفسه‪ .‬وأممما المنجيممات‪:‬‬
‫فالعدل في الرضا والغضب‪ ،‬والقتصاد في الفاقة والغنى‪ ،‬وخشية الّله عممز‬
‫وجل في السر والعلنية"‪ .‬وذكر عن الربيع بن خيثم أنه كممان ل يممزال باكيمما‬
‫خائفا ساهرا بالليل‪ :‬فلما رأت أمه ما بممه مممن الجهممد نممادته يمما بنممي أقتلممت‬
‫قتيل؟ قال نعم قالت فمن هممو حممتى نطلممب العفممو مممن أوليممائه فمموالله لممو‬
‫يعلمون ما نلقاه لرحموك؟ قال يا أماه قتلت نفسي‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الله‪ :‬علمة خوف الّله تعالى يتبين في سبعة أشياء‪:‬‬
‫أولها يتبين في لسانه فيمتنممع لسممانه مممن الكممذب والغيبممة وكلم الفضممول‪،‬‬
‫ويجعل لسممانه مشممغول بممذكر الل ّممه تعممالى وتلوة القممرآن ومممذاكرة العلممم‪.‬‬
‫والثاني أن يخاف في أمر بطنه‪ ،‬فل يدخل بطنه إل طيبا حلل ول يأكل مممن‬
‫الحلل مقدار حاجته‪ .‬والثالث أن يخاف في أمر بصره فل ينظر إلى الحرام‬
‫ول إلى الدنيا بعين الرغبة وإنما يكون نظره على وجممه العممبرة‪ .‬والرابممع أن‬
‫يخاف في أمر يده فل يمد يده إلى الحرام وإنما يمد يده إلى ما فيه طاعممة‬
‫الّله عز وجل‪ .‬والخامس أن يخاف في أمر قممدميه فل يمشممي فممي معصممية‬
‫الله‪ .‬والسممادس أن يخمماف فممي امممر قلبممه فيخممرج منممه العممداوة والبغضمماء‬
‫وحسممد الخمموان ويممدخل فيممه النصمميحة والشممفقة للمسمملمين‪ .‬والسممابع أن‬
‫يكون خائفا فأمر طاعته فيجعمل طمماعته خاصمة لموجه الل ّممه تعمالى ويخمماف‬
‫عن ْمد َ‬ ‫الرياء والنفاق‪ ،‬فإذا فعل ذلك فهو من الذين قال الّله فيهم }َوال ِ‬
‫خ مَرة ُ ِ‬
‫فمازًا{ يعنمي نجماة‬ ‫م َ‬‫ن َ‬ ‫قي َ‬ ‫ن ل ِل ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫ن{ وقال تعالى في آية أخرى }إ ِ ّ‬ ‫قي َ‬ ‫ك ل ِل ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫ن{ وقممد مممدح الل ّممه‬ ‫َ‬
‫ميم ٍ‬ ‫قممام ٍ أ ِ‬ ‫م َ‬‫ن فِممي َ‬ ‫قيم َ‬
‫مت ّ ِ‬
‫ن ال ُ‬‫وسعادة‪ ،‬وقال الّله تعمال }إ ِ ّ‬
‫المتقين في كتابه في مواضع كمثيرة وأخمبر أنهمم ينجمون ممن النمار‪ .‬وقمال‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬‫جممي ال ّم ِ‬ ‫ض مي ًّا‪ ،‬ث ُم ّ‬
‫م ن ُن َ ّ‬ ‫ق ِ‬ ‫م ْ‬‫حْتما ً َ‬ ‫ك َ‬ ‫ن ع ََلى َرب ّ َ‬ ‫ها َ‬
‫كا َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫م ِإل َوارِد ُ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫تعالى }وَإ ِ ْ‬
‫جث ِي ًّا{‪.‬‬‫ن ِفيَها ِ‬ ‫مي َ‬ ‫وا وَن َذ َُر ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫ق ْ‬‫ات ّ َ‬

‫]ص ‪[202‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الله‪ :‬حدثنا محمد بن محمد بن مندوسة حدثنا فارس‬
‫بن مردويه حدثنا محمد بن الفضل حدثنا علممي بممن عاصممم حممدثنا يزيممد بممن‬
‫هارون حدثنا الحريري عن أبي السائل عن غنيم عممن ابممن قيممس عممن أبممي‬
‫م ِإل‬ ‫من ْك ُم ْ‬ ‫ن ِ‬
‫العوام قال‪ :‬قال كعب الحبار‪ :‬أتدرون ما معنى قوله تعالى }وَإ ِ ْ‬
‫ها{ قالوا ما كنا نرى ورودها إل دخولها‪ .‬قال ل ولكن ورودهمما أن يجمماء‬ ‫َوارِد ُ َ‬
‫بجهنم كأنها نتن إهالمة وهمو المودك حمتى إذا اسمتوت عليهما أقمدام الخلئق‬
‫ى‬
‫برهم وفاجرهم نادى مناد خذ أصحابك وذري أصحابي فتخسف بكل مممول ّ‬
‫لها وهي أعلم بهممم مممن الوالممد بولممده وينجممو المؤمنممون نديممة ثيممابهم‪ ،‬وإن‬
‫الخازن من خزنة جهنم معه عمود من حديممد لمه شممعبتان يمدفع بمه الدفعمة‬
‫فيكب في النار سبعمائة ألف أو كما قال‪.‬‬
‫وروى عن الحسن عن عمران بن الحصين قال "كنا مع رسول الّله صلى‬
‫َ‬
‫ن‬‫م إِ ّ‬‫قوا َرب ّك ُ ْ‬ ‫الّله عليه وسلم في مسبره فنزلت هذه الية }َيا أي َّها الّنا ُ‬
‫س ات ّ ُ‬
‫م{ ثم قال رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه وسمملم‬ ‫ظي ٌ‬
‫يٌء ع َ ِ‬ ‫ساع َةِ َ‬
‫ش ْ‬ ‫ة ال ّ‬‫َزل َْزل َ َ‬
‫أتدرون أي يوم ذلك؟ قالوا الّله ورسوله أعلم‪ .‬قال ذلك اليوم الممذي يقممول‬
‫الّله لدم قم فابعث بعث النار وبعث الجنممة‪ ،‬فيقممول آدم أي رب فممما بعممث‬
‫النار وما بعممث الجنممة‪ .‬فيقممول الل ّممه نعممالى مممن كممل ألممف تسممعمائة وتسممع‬
‫وتسعون في النار‪ ،‬وواحد في الجنة‪ .‬فأنشأ القوم يبكون فقال رسول الّلممه‬
‫صلى الّله عليه وسلم إني لرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة‪ ،‬فكبروا‪ ،‬ثم قال‬
‫ي إل كانت قبله جاهلية فيؤخذ العدد من الجاهليممة فممإن لممم يكممن‬ ‫لم يكن نب ّ‬
‫كمل العدد من الجاهلية فيؤخذ مممن المنممافقين‪ ،‬وممما مثلكممم فممي المممم إل‬
‫كمثل الرقمة في ذراع الدابة أو كالشامة فممي جنممب البعيممر‪ ،‬ثممم قممال إنممي‬
‫لرجو أن تكونوا ثلثي اهل الجنة‪ ،‬فكممبروا ثممم قممال إن معكممم لخليفممتين ممما‬
‫كانتمما فممي شمميء إل كثرتمماه يممأجوج ومممأجوج ومممن مممات مممن كفممرة الجممن‬
‫والنس"‪.‬وعن الحسن البصري رحمه الّله قال‪ :‬ل يغرنممك قممول مممن يقممول‬
‫المممرء مممع مممن أحممب فإنممك لممن تلحممق البممرار إل بأعمممالهم‪ ،‬فممإن اليهممود‬
‫والنصارى واهل البدعة يحبون أنبياءهم وليسوا معهم‪.‬‬
‫وعن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنه قال "من استوى يوماه فهممو‬
‫مغبون‪ ،‬ومن كان غده شرا من يومه فهو ملعون‪ ،‬ومن لم يكن في الزيادة‬
‫فهو النقصان‪ ،‬ومن كان في النقصان فالموت خيممر لممه"‪ .‬وروى عممن كعممب‬
‫الحبار رضي الّله تعالى عنه أنه قال‪ :‬إن لله تعالى دارا مممن زمممردة أومممن‬
‫لؤلؤة فيها سبعون الف دار وفي كل دار سبعون ألف بيت ل ينزلها إل نممبي‬
‫أو صممديق أو شممهيد أو إمممام عممادل او رجممل محكممم فممي نفسممه‪ ،‬قيممل وممما‬
‫المحكم في نفسه؟ قال الذي يعرض لممه الحممرام فيممتركه مخافممة الل ّممه عممز‬
‫وجل‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الله‪ :‬سمعت أبي رحمه الّله يقول "كان رجممل علممى‬
‫عهد رسول الّله صلى الّله عليه وسلم يقال له حنظلة قال‪ :‬كنا عند رسول‬
‫الّله صلى الّله عليه وسلم فوعظنا موعظة رقت لها القلوب وذرفممت منهمما‬
‫العيون وعرفتنا أنفسنا‪ ،‬فرجعت إلى أهلي فدنت مني المممرأة وجممرى بيننمما‬
‫من حديث‬

‫]ص ‪[203‬‬
‫الدنيا فنسيت ما كنا عليه عند رسول الّله صلى الّله عليه وسلم وأخذنا في‬
‫حديث الدنيا‪ ،‬ثم تذكرت ما كنت فيممه فقلممت فممي نفسممي قممد نممافقت حيممن‬
‫ول عني ما كنت فيه من الخوف والرقة والحزن فخرجت فجعلت أنممادي‬ ‫تح ّ‬
‫نافق حنظلة فاستقبلني أبو بكر الصديق رضي الل ّممه تعممالى عنممه فقممال‪ :‬كل‬
‫لم تنافق يا حنظلة فدخلت على النبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم وأنمما أقممول‬
‫نافق حنظلة نافق حنظلة‪ ،‬فقال كل لم تنافق يا حنظلممة‪ ،‬فقلممت يمما رسممول‬
‫الّله كنا عندك فوعظتنا موعظة وجلت منها القلمموب وذرفممت منهمما العيممون‬
‫وعرفتنا أنفسنا‪ ،‬فرجعت إلى أهلي فأخذنا في حديث إلينما ونسمميت مما كنمما‬
‫عندك عليه‪ ،‬فقال يا حنظلممة إنكممم لممو كنتممم علممى تلممك الحالممة لصممافحتكم‬
‫الملئكة في الطريق وزارتكم في دوركم وعلى فراشكم‪ ،‬ولكن يمما حنظلممة‬
‫ساعة فساعة" وروى عن عائشة رضي الّله تعالى عنها أنها قممالت "سممألت‬
‫ممما‬ ‫ن َ‬ ‫ن ي ُؤ ْت ُممو َ‬ ‫رسول الّله صلى الّله عليه وسلم عنى قول الّله تعالى }َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ة{ الية‪ ،‬أهم الذين يعملون بالمعاصي ويخافون؟ قممال ل‪،‬‬ ‫جل َ ٌ‬
‫م وَ ِ‬ ‫آَتوا وَقُُلوب ُهُ ْ‬
‫ولكن هم الذين يعملون بالطاعة ويخافون أن ل تقبل منهم"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الله‪ :‬من عمل الحسنة يحتاج إلى أربعة أشياء‪ ،‬فممما‬
‫مما‬‫ظنك بمن يعمل السميئة‪ :‬أولهمما خموف القبممول لن الل ّممه تعممالى قمال }إ ِن ّ َ‬
‫ممما‬‫ن{ والثاني خمموف الربمماء لن الل ّممه تعممالى قممال }وَ َ‬ ‫قي َ‬
‫مت ّ ِ‬‫ن ال ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل الّله ِ‬ ‫قب ّ ُ‬
‫ي َت َ َ‬
‫ُ‬
‫ن{ اليممة‪ ،‬والثممالث خمموف التسممليم‬ ‫دي َ‬‫ه الم ّ‬ ‫ن ل َم ُ‬ ‫صممي َ‬
‫خل ِ ِ‬ ‫دوا الّله ُ‬
‫م ْ‬ ‫مُروا ِإل ل ِي َعْب ُ ُ‬ ‫أ ِ‬
‫مَثال ِهَمما{ والرابممع‬ ‫والحفظ لن الّله تعالى قال }من جاَء بالحسنة فَل َه ع َ ْ َ‬
‫شُر أ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ َ َ ِ‬ ‫َ ْ َ‬
‫خوف الخذلن في الطاعة لنه ل يدري أنه هل يوفق لهمما أم ل‪ ،‬لقممول الل ّممه‬
‫ُ‬
‫ب{‪.‬‬‫ت وَإ ِل َي ْهِ أِني ُ‬‫قي ِإل ِبالل ّهِ ع َل َي ْهِ ت َوَك ّل ْ ُ‬ ‫ما ت َوِْفي ِ‬ ‫تعالى }وَ َ‬

‫باب ما جاء في ذكر الّله تعالى‬


‫)قال الفقيه( أبو الليث رحمه الله‪:‬حدثنا أبممو القاسممم عبممد الرحمممن بممن‬
‫محمد حدثنا فارس ابن مردوية حدثنا محمد بممن الفضممل حممدثنا أبممو أسممامة‬
‫عن عبد الحميد بن جعفمر حممدثنا صمالح بمن أبمي عمممر عمن كممثير بمن مممرة‬
‫قال‪:‬سمعت أبا الدرداء رضي الّله تعالى عنه يقول‪:‬قال رسممول الل ّممه صمملى‬
‫الّله عليه وسلم "أل أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها فممي‬
‫درجاتكم وخير لكم مممن إنفمماق الممذهب والممورق‪ :‬وخيممر لكممم ممن أن تلقمموا‬
‫عدّوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ ذكر اللممه" قممال‪ :‬حمدثنا محمممد‬
‫بن الفضل حدثنا محمد بن جعفر حدثنا إبراهيم بن يوسممف قممال‪:‬حممدثنا أبممو‬
‫معاوية عن الحجاج عن أبي جعفر أن رسول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه وسمملم‬
‫قال "اشد العمممال ثلثمة‪ :‬إنصماف الرجممل ممن نفسمه‪ ،‬ومواسمماة الخ فممي‬
‫المال‪ ،‬وذكر الّله تعالى"‬
‫وروى عن معاذ بن جبل رضي الّله تعالى عنه انه قال‪:‬ما عممل ابمن آدم‬
‫عمل أنجى له من عذاب الّله تعالى من ذكر الّله عز وجل‪ ،‬قيممل ول الجهمماد‬
‫في سبيل الله؟ قال‪ :‬ول الجهاد في سبيل الّله لن‬

‫]ص ‪[204‬‬
‫الله تعالى يقول _ ولذكر الّله أكبر_‪ .‬وعن الحسممن البصممري قممال "قيممل يمما‬
‫رسول الّله أي العمل افضل؟ أن تموت ولسانك رطممب بممذكر اللممه" وقممال‬
‫مالك بن دينار رحمه الله‪:‬من لم يأنس بحديث الل ّممه عممز وجممل عممن حممديث‬
‫ل عمله وعمى قلبه وضيع عمممره‪ .‬وروى انممس بممن مالممك‬ ‫المحلوقين فقد ق ّ‬
‫رضي الّله تعالى عنه عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم انه قممال "ذكممر‬
‫الّله علم اليمان‪ ،‬وبراءة مممن النفمماق‪ ،‬وحصممن مممن الشمميطان‪ ،‬وحممرز مممن‬
‫النار"‪.‬‬
‫وروى وهب بن منبه عن ابن عباس رضي الّله تعالى عنهما انه قال "لما‬
‫بعث الّله يحي ابن زكريا عليهم السلم إلى بني إسرائيل أمره بأن يأمرهم‬
‫ل‪ :‬أمرهممم أن يعبممدوا الل ّممه ول‬
‫بخمس خصال‪ ،‬ويضرب لهممم بكممل خصمملة مث ً‬
‫ل‪ ،‬فقال مثل الشممرك كمثممل رجممل اشممترى‬ ‫يشركوا به شيئا وضرب لهم مث ً‬
‫عبدا من خالص ماله ثم اسكنه دارا وزّوجه جارية له ودفع إليه مممال وأمممره‬
‫أن يتجر فيه ويأكل منه ما يكفيه ويؤدي إليه فضل الربح‪ ،‬فعمممد العبممد إلممى‬
‫فضل ربحه فجعل يعطيه لعدوّ سيده ويعطي لسيده منه شيئا يسيرا ً فأيكم‬
‫يرضى بمثل هذا العبد؟ وأمرهم بالصلة وضرب لهم مثل ً فقال مثل الصلة‬
‫كمثل رجل استأذن على ملممك ممن الملمموك فممأذن لممه فممدخل عليممه فأقبممل‬
‫الملك عليه بوجهه ليسمع مقالته ويقضي حاجته فجعل يلتفت يمينا وشمال ً‬
‫ولم يهتم لقضاء حاجته فأعرض عنممه الملممك ولممم يقضممي حمماجته‪ .‬وأمرهممم‬
‫بالصيام وضرب لهم مثل ً فقال مثل الصائم كمثل رجممل لبممس جبممة للقتممال‬
‫وأخذ سلحه فلم يصل إليممه عممدّوه ولممم يعمممل فيممه سمملح عممدّوه وأمرهممم‬
‫بالصدقة وضمرب لهمم مثل فقمال مثمل الصمدقة كمثمل رجمل أسمره العمدّو‬
‫فاشترى منه نفسه بثمن معلوم فجعل يعمل في بلدهم ويؤدي إليهممم مممن‬
‫كسبه من القليل والكثير حتى فدى نفسه منهم فعتممق وفممك منهممم رقبتممه‪.‬‬
‫وأمرهم بذكر الّله وضرب لهم مثل ً فقال مثل الذكر كمثل قوم لهممم حصممن‬
‫وبقربهم عدو فجاءهم عدّوهم فدخلوا حصنهم وأغلقوا عليهم بممابه فحصممنوا‬
‫أنفسهم من العدّو‪،‬ثم قال رسول الّله صلى الل ّممه عليممه وسمملم وأنمما آمركممم‬
‫بهذه الخصال الخمس التي أمر الّله تعالى بهن يحيى عليه الصلة والسلم‪.‬‬
‫وآمركم بخمس خصال أخرى امرنممي الل ّممه تعممالى بهممن‪ :‬عليكممم بالجماعممة‪،‬‬
‫والسمع والطاعة‪ ،‬والهجرة‪ ،‬والجهاد‪ .‬ومن دعا بدعاء الجاهلية فهممو خشممب‬
‫في قعر جهنم "وعن عبد الّله ابن عمير قال‪ :‬من قال الحمد للممه تفتممح لممه‬
‫أبواب السماء‪،‬والتكبير يمل ما بين السماء والرض والتسممبيح للممه تعممالى ل‬
‫ينتهي إلى ثوابه علم أحد دون الّله تعالى‪،‬قال الّله تعالى "إذا ذكرني عبمدي‬
‫في نفسي ذكرته في نفس " وإذا ذكرني وحده ذكرتممه وحممدي‪،‬وإذا ذكرنممي‬
‫في مل ذكرة أحسممن منممه وأكممرم" وقممال‪" :‬ممما مممن عبممد يضممع جنبممه علممى‬
‫الفراش فيذكر الّله تعالى فيدركه النوم وهو كذلك إل كتممب ذاكممرا إلممى أن‬
‫يستيقظ "‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الله‪ :‬الذكر من الّله عز وجل العفو والمغفممرة‪ ،‬فممإذا‬
‫ذكر العبد‬

‫]ص ‪[205‬‬
‫لله تعالى ذكره الّله تعالى بالمغفرة‪،‬وذكر عن عل ّ‬
‫ي بممن أبممي طممالب رضممي‬
‫الّله تعالى عنه أنه قال‪ :‬الذكر بين الذكرين‪ ،‬ولسلم بين السيقين‪ ،‬والذنب‬
‫بين الفرضين‪ ،‬وإنما أراد بقوله"الذكر بين الذكرين" يعني أن العبممد ل يقممدر‬
‫على ذكر الّله تعالى ما لم يذكره الّله تعالى بالتوفيق وإذا ذكممر الل ّممه تعمالى‬
‫بالمغفرة‪ ،‬ومعنى قوله"السلم بين السيفين" يعني يقاتل حممتى يسمملم ثممم‬
‫إذا رجع عن السلم يقتل‪ ،‬ومعنى قوله"الذنب بين الفرضين" يعنممي فممرض‬
‫عليه أن ل يذنب فإذا أذنب فممرض عليممه أن يتمموب‪ .‬وروى عممن ابممن عبمماس‬
‫رضي الّله تعالى عنهما في قوله_من شممر الوسممواس الخنمماس_ قممال‪ :‬هممو‬
‫الشيطان نائم على القلب فإذا ذكر الّله تعالى خنممس فممإذا غفممل وسمموس‪.‬‬
‫وعن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنه قال "لكل شيء صقال وصممقال‬
‫القلب ذكر الّله تعالى"‪ .‬وعن إبراهيم النخعي أنه قال‪ :‬إذا دخل الرجل بيته‬
‫فسلم قال الشيطان ل مقيل‪ ،‬يعني لم يبقى لي ههنا موضع قرار‪ ،‬وإذا أتى‬
‫بطعام فذكر الل ّممه تعممالى قممال الشمميطان ل مقيممل ول مطعممم ول مشممرب‪،‬‬
‫فيخرج خائبا‪ .‬وعن عائشة رضي الّله تعالى عنها أن رسول الّله صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم قال "إذا أكل أحدكم طعاما فليقل بسمم اللمه‪ ،‬فمإن نسمى فمي‬
‫أوله فليقل في آخره"‪ .‬وعن ابن مسعود رضي الّله تعالى عنه أنه قال‪ :‬إذا‬
‫أكل أحدكم طعاما ولم يقل بسم الّله أكل الشمميطان معممه‪ ،‬وإذا ذكممر اسممم‬
‫الّله تعالى منع الشيطان من بقية طعمامه وتقيمأ مما أكمل واسمتأنف طعامما‬
‫جديدا‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬قال حدثنا الفقيه أبممو جعفممر قممال حممدثنا‬
‫أحمد بن محمد قال حدثنا نصر بن يحيى قال حدثنا أبو مطيع عن الربيع بن‬
‫بدر عن أبي محمد‪ ،‬وكان أبو محمد رجل من أصحاب أنس بن مالك رضممي‬
‫الّله تعالى عنه "قال إبليس لربممه أي رب جعلممت لبنممي آدم بيوتمما يممذكرونك‬
‫فيها فما بيتي؟ قال الحمام‪،‬قال فجعلت لهم مجممالس فمما مجلسممي؟ قممال‬
‫السوق‪ ،‬قال فجعلت لهم قراءة فما قراءتممي؟ قممال الشممعر‪ ،‬قممال فجعلممت‬
‫لهم حديثا فما حديثي؟ قال الكذب‪ ،‬قال فجعلت لهم أذانا فما أذاني؟ قممال‬
‫المزمار‪ ،‬قال فجعلت لهم رسل فما رسلي؟ قال الكهنة‪ ،‬قال فجعلت لهممم‬
‫كتابا فما كتابي؟ قال الوشم‪ ،‬قال فجعلت لهم مصائد فممما مصممائدي؟ قممال‬
‫النساء‪ ،‬قال فجعلت لهم طعاما فما طعامي؟ قال ما لم يذكر عليه اسمي‪،‬‬
‫قال فجعلت لهم شرابا فما شرابي؟ قال كممل مسممكر" وعممن الفضمميل بممن‬
‫عياض رضي الّله تعالى عنه أنه قال‪ :‬جاء رجل فقال أوصني بشمميء فقممال‬
‫له فضيل‪ :‬احفظ عني خمسمما‪ .‬أّولهمما أن ممما أصممابك مممن شمميء فقممل ذلممك‬
‫بقضاء الّله تعالى حتى تممدفع الملمممة عممن الخلممق‪ .‬والثمماني احفممظ لسممانك‬
‫لينجو كل الخلق منك وأنت تنجو من عذاب الّله تعالى‪ .‬والثالث صدق ربممك‬
‫بما وعدك من الممرزق حممتى تكممون مؤمنمما‪ .‬والرابممع اسممتعد ّ للممموت حممتى ل‬
‫تموت غافل‪ .‬والخامس اذكر الّله كثيرا حيثما كنت حتى تكممون محصممنا مممن‬
‫جميع السيئات‪.‬‬

‫]ص ‪[206‬‬
‫وذكر عن إبراهيممم بممن أدهممم أنممه رأى رجل ً يحممدث بشمميء مممن كلم الممدنيا‬
‫فوقف عليه وقال أهذا كلم ترجو فيه الثواب؟ فقال الرجل ل‪ ،‬قال أفتأمن‬
‫فيه العقاب؟ قال ل‪ ،‬قال فما تصنع بكلم ل ترجمو فيممه ثوابما ول تمأمن فيممه‬
‫عقابا؟ عليك بذكر الّله تعالى‪ .‬قال كعب الحبار رضي الّله تعممالى عنممه‪ :‬إنمما‬
‫نجد في كتاب الّله تعالى في المنزل على أنبيائه‪ :‬إن الّله تعالى يقول "من‬
‫شغله ذكى عن مسألتي أعطيته فوق ما أعطى السائلين" وقال فضيل بممن‬
‫عياض رضي الّله تعالى عنه‪ :‬إن الممبيت الممذي يممذكر فيممه اسممم الل ّممه تعممالى‬
‫يضيء أهل السماء كما يضيء المصممباح لهممل الممبيت المظلممم‪ ،‬وإن الممبيت‬
‫الذي ل يذكر فيه اسم الّله تعممالى يظلممم علممى أهلممه‪ .‬وروى فممي الخممبر أن‬
‫موسممى عليممه السمملم قممال‪ :‬يمما رب كيممف لممي أن أعلممم ممن أحببممت مممن‬
‫أبغضت؟ قال يا موسى إني إذا أحببت عبدا جعلت فيه علمتين‪ ،‬قال يممارب‬
‫وما هما؟ قال ألهمه ذكممرى لكممي أذكممره فممي ملكمموت السممموات والرض‪،‬‬
‫وأعصمه علمى محمارمي وسممخطي كمي ل يحممل عليمه عمذابي ونقممتي‪ ،‬يما‬
‫موسى وإني إذا أبغضت عبدا جعلت فيه علمممتين‪ ،‬قممال يمما رب وممما هممما؟‬
‫قال أنسيه ذكري وأخلي بينه وبين نفسه لكي يقع فممي محممارمي بسممخطي‬
‫ل عليه عذابي ونقمتي‪.‬‬ ‫فيح ّ‬
‫وروى أبو المليح عن أبيه "أن رجل ً من أصحاب النممبي صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم كان رديفه على دابة فعثرت بهما الدابة فقال الرجل تعس الشيطان‬
‫فقال النبي صلى الّله عليه وسمملم ل تقممل تعممس الشمميطان فممإنه عنممد ذاك‬
‫يتعاظم حتى يكون ملء البيت ولكن قل بسممم الل ّممه فممإنه يصممغر عنممد ذلممك‬
‫حتى يكون مثل الذباب" وروى داود بن قيس رضممي الل ّممه تعممالى عنممه عممن‬
‫نافع عن جبير أن النبي صلى الّله عليه وسلم قال "كفارة المجلس إذا أراد‬
‫أحدكم أن يقوم من مجلسه أن يقول سبحانك اللهم وبحمدك وأشممهد أن ل‬
‫إله إل أنت أستغفرك وأتوب إليك‪ ،‬فإن كان مجلس ذكر كان كالطابع عليممه‬
‫إلى يوم القيامة وإن كان مجلس لغو كان كفارة لما قبله" قممال‪:‬حممدثنا أبممو‬
‫القاسم عبد الرحمن بن محمد بن واسع قال‪ :‬قدمت مكة فلقيت أخا سالم‬
‫بن عبد الّله يحدث عن أبيه عممن جممده عممن عمممر بممن الخطمماب رضممي الل ّممه‬
‫تعالى عنه أن رسول الّله صلى الّله عليمه وسملم قمال "ممن دخمل السموق‬
‫فقال ل إله إل الّله وحده ل شريك له‪ ،‬له الملك ولممه الحمممد يحيممي ويميممت‬
‫ي ل يموت بيده الخير وهو على كل شيء قمدير كتمب الّلمه لمه ألمف‬ ‫وهو ح ّ‬
‫ألف حسنة ومحا عنه ألممف ألممف سمميئة ورفممع لممه ألممف ألممف درجممة" قممال‪:‬‬
‫فقدمت خراسان فأتيت قتيبة بممن مسمملم فقلممت قممد أتيتممك بهديممة فحممدثته‬
‫بالحديث فكان قتيبة يركممب فممي ممموكب حممتى يممأتي السمموق فيقممول بهممذه‬
‫الكلمات ثم ينصرف‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الله‪ :‬اعلم أن ذكر الّله تعالى أفضل العبادات لن الّله‬
‫تعالى جعل لسائر العبادات مقدار وجعل لها أوقات ما ً ولممم يجعممل لممذكر الل ّممه‬
‫تعالى مقدار ول وقتا وأمر بالكثرة بغير مقممدار وهممو قمموله تعممالى }ي َمما أ َي ّهَمما‬
‫مُنوا اذ ْك ُمُروا الل ّممه ذ ِك ْممرا ً ك َِثيممرًا{ يعنممي اذكممروه فممي جميممع الحمموال‪،‬‬
‫نآ َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫وتفسير الذكر في الحوال كلها أن العبد ل يخلو من أربعة‬

‫]ص ‪[207‬‬
‫أحوال‪ :‬إما أن يكون في الطاعة‪ ،‬أو في المعصممية‪ ،‬أو فممي النعمممة‪ ،‬أو فممي‬
‫الشدة‪ ،‬فإن في الطاعة فينبغي أن يذكر الّله تعالى بممالتوفيق ويسممأل منممه‬
‫القبممول‪ ،‬وإن كممان فممي المعصممية فينبغممي أن يممدعو الل ّممه بالمتنمماع ويسممأله‬
‫التوبة‪ ،‬وإن كان في النعممة يمذكره بالشمكر‪ ،‬وإن كمان فمي الشمدة يمذكره‬
‫بالصبر‪.‬واعلم أن في ذكر الّله تعالى خمس خصال محمودة‪ ،‬أولهمما أن فيممه‬
‫رضا الّله تعالى‪ ،‬والثاني أنه يزيد في الحرص علممى الطاعممات‪ ،‬والثممالث أن‬
‫فيه حرزا من الشمميطان إذا كممان ذاكممرا الل ّممه تعممالى‪ ،‬والرابممع أن فيممه رقممة‬
‫القلب‪ ،‬والخممامس أن يمنعممه مممن المعاصممي‪ ،‬واللممه سممبحانه وتعممالى أعلممم‬
‫بالصواب‪.‬‬

‫باب الدعاء‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬حدثنا أبي قال حدثنا أبو بكر إبراهيم قال‬
‫حدثنا سالم بن أبي مقال القاضي عن أبي معشر عن محمد بن كعممب عممن‬
‫أبي هريرة رضي الّله تعالى عنه قال‪ :‬من رزق خمسا لم يحرم خمسا‪:‬مممن‬
‫َ‬
‫م{ ومممن‬ ‫م لِزي مد َن ّك ُ ْ‬ ‫ش مك َْرت ُ ْ‬ ‫رزق الشكر لم يحرم الزيادة لقوله تعممالى }ل َئ ِ ْ‬
‫ن َ‬
‫َ‬
‫م‬
‫جَرهُ م ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫صمماب ُِرو َ‬ ‫ممما ي ُموَّفى ال ّ‬‫رزق الصبر لم يحرم الثواب لقوله تعممالى }إ ِن ّ َ‬
‫ذي‬ ‫ب{ ومن رزق التوبة لم يحرم القبول لقمموله تعممالى }وَهُموَ ال ّم ِ‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ب ِغَي ْرِ ِ‬
‫ه{ ومممن رزق السممتغفار لممم يحممرم المغفممرة لقمموله‬ ‫عب َمماد ِ ِ‬
‫ن ِ‬ ‫ة ع َم ْ‬ ‫قب َ ُ‬
‫ل الت ّوْب َ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫فارًا{ ومن رزق الدعاء لم يحممرم الجابممة‬ ‫ن غَ ّ‬ ‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫فُروا َرب ّك ُ ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬‫تعالى }ا ْ‬
‫َ‬
‫م{ وقدر روى السادس من رزق النفمماق‬ ‫ب ل َك ُ ْ‬‫ج ْ‬‫ست َ ِ‬ ‫عوِني أ ْ‬ ‫لقوله تعالى }اد ْ ُ‬
‫ه{‪.‬قممال‬ ‫فم ُ‬ ‫يٍء فَهُ موَ ي ُ ْ‬
‫خل ِ ُ‬ ‫شم ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مم ْ‬‫م ِ‬ ‫قت ُم ْ‬ ‫ممما َأن َ‬
‫ف ْ‬ ‫لم يحرم الخلف لقوله تعالى }وَ َ‬
‫حدثنا محمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جعفر قممال حممدثنا إبراهيممم بممن‬
‫يوسف حدثنا أبو معاوية عن ليممث عمن زيماد بمن المغيمرة عمن أبممي هريمرة‬
‫رضي الّله تعالى عنه أن النبي صلى الّله عليه وسلم قال "ممما مممن مسمملم‬
‫يدعو بدعاء إل استجيب له‪ ،‬فإما أن يعجل له في الدنيا‪ ،‬وإممما أن يممدخر لممه‬
‫في الخرة‪ ،‬وإما أن يكفر عن ذنوبه بقدر ما دعا ما لم يدع بممإثم أو قطيعممة‬
‫رحم"‪ .‬وعن يزيد الرقاشي رضي الل ّممه تعممالى عنممه أنمه قممال‪ :‬إذا كممان يموم‬
‫القيامة عرض الّله تعالى كالدعوة دعا بها العبد فممي الممدنيا فلممم يجمب بهما‪،‬‬
‫فيقول له عبدي دعمموتني يموم كمذا فأمسممكت عليممك دعوتمك فهممذا الثممواب‬
‫مكان ذلك الدعاء‪ ،‬فل يزال العبد يعطى من الثواب حتى يتمنى أنه لم يكن‬
‫أجابه دعوة قط‪ .‬وروى النعمان بن بشير رضي الّله تعالى عنممه عممن النممبي‬
‫صلى الّله عليه وسلم أنممه قممال "الممدعاء هممو العبممادة ثممم قممرأ قمموله تعممالى‬
‫َ‬
‫عب َمماد َِتي‬
‫ن ِ‬ ‫ن عَم ْ‬ ‫س مت َك ْب ُِرو َ‬
‫ن يَ ْ‬
‫ذي َ‬‫ن ال ّم ِ‬
‫م إِ ّ‬ ‫ب ل َك ُم ْ‬‫ج ْ‬
‫س مت َ ِ‬
‫م اد ْع ُمموِني أ ْ‬ ‫ل َرب ّك ُم ْ‬
‫}وَقَمما َ‬
‫ن{" وقال أبو ذر الغفاري‪ :‬يكفي من الدعاء مع الممبر‬ ‫ري َ‬
‫خ ِ‬
‫دا ِ‬
‫م َ‬ ‫جهَن ّ َ‬
‫ن َ‬ ‫خُلو َ‬
‫سي َد ْ ُ‬
‫َ‬
‫مثل ما يكفي الطعام من الملح‪ .‬وعن الحسن البصري عن النبي صلى اللهّ‬
‫عليه وسمملم أنمه قممال "ل يمزال العبمد بخيممر مما لمم يسمتعجل قمالوا وكيممف‬
‫يستعجل يا رسول الله؟ قال يقممول دعمموت الل ّممه فلممم يسممتجب لممي" وعممن‬
‫الحسن أنه دخل على أبي عثمان النهممدي يعمموده وهممو مريممض فقيممل لبممي‬
‫عثمان يا أبا عثمان ادع الّله بدعوات فقد‬

‫]ص ‪[208‬‬
‫بلغك في دعاء المريض ما قيل فيه‪.‬قال‪ :‬فحمد الّله وأثنممى عليممه وتل آيممات‬
‫من كتاب الّله تعالى وصلى على النبي صلى الّله عليه وسلم ثممم رفممع يممده‬
‫ورفعنا أيدينا فدعا‪ ،‬فلما وضعنا أيدينا قال‪ :‬أبشممروا فممو الل ّممه لقممد اسممتجاب‬
‫الّله لكم‪ ،‬فقال له الحسن أتأتلي على الله؟ قال نعم يا حسن‪ ،‬لممو حممدثتني‬
‫َ‬
‫م { فلممما‬ ‫ب ل َك ُ ْ‬
‫ج ْ‬
‫ست َ ِ‬
‫عوِني أ ْ‬
‫بحديث لصدقتك فكيف ل أصدقه وهو يقول }اد ْ ُ‬
‫خرجوا قال الحسن إنه لفقه‪ .‬وذكر أن موسى عليه السلم سأل ربه فقال‬
‫أيّ ساعة أدعوك يا رب فتستجيب لي فيهمما؟ فقممال أنممت عبممدي وأنمما ربممك‬
‫فمتى دعوتني أستجب لك‪ ،‬فعاوده مممرارا فقممال لمه ربمه‪ ،‬ادعنمي فمي كبمد‬
‫الليممل‪ ،‬فممإني أسممتجيب وإن دعمماني فيهمما عشممار‪ .‬وذكممر أن رابعممة العدويممة‬
‫خرجت إلممى المقممبرة فاسممتقبلها رجممل فقممال لهمما ادعممي الل ّممه لممي فقممالت‬
‫يرحمك الّله أطلع الّله وادعه فإنه يجيب المضطر إذا دعاه وروى العمممش‬
‫عن مالك بن الحارث قال‪ :‬يقول الّله تعالى من شغله ذكرى عممن مسممألتي‬
‫أعطيته أفضل ما أعطي السائلين" وعن جعفمر بمن برقمان عمن صمالح بمن‬
‫يسار قال‪ :‬يقول الّله تعالى }تدعونني وقلوبكم معرضممة عنممي‪ ،‬فباطممل ممما‬
‫تذهبون{ وقيل لبعض الحكماء إنمما لنممدعو فل يسممتجاب لنمما وقممد قممال الل ّممه‬
‫َ‬
‫م { قال‪ :‬لن فيكم سمبع خصمال تمنمع دعماءكم‬ ‫ب ل َك ُ ْ‬
‫ج ْ‬
‫ست َ ِ‬
‫عوِني أ ْ‬
‫تعالى }اد ْ ُ‬
‫من السماء‪ ،‬قيل وما هن؟ قمال‪ :‬أّولهما أنكمم أسمخطتم ربكمم ولمم تطلبموا‬
‫رضاه يعني إنكم تعملون أعمال توجب عليكممم السممخط مممن الل ّممه بهمما ولممم‬
‫ترجعوا عن ذلك ولم تندموا على ما فعلتم‪ .‬والثاني أنكم تقولون نحن عبيد‬
‫الّله ول تعملون عمل العبيد‪ :‬يعني أن العبد يعمل بما أمره سيده ول يخممرج‬
‫عن أمره‪ ،‬والثمالث أنكممم تقمرءون القممرآن ولمم تتعاهممدوا حروفمه‪ :‬يعنممي ل‬
‫تقمرءون بمالتفكر والتعظيمم ول تعملمون بمما أممر الّلمه فيمه‪ .‬والرابمع أنكمم‬
‫تقولون نحن أمة محمد صلى الّله عليممه وسمملم ولممم تعملمموا بسممنته‪ :‬يعنممي‬
‫أنكم تأكلون الحرام والشبهة ول ترجعون عنهما‪.‬والخامس أنكم تقولون إن‬
‫الدنيا عند الّله ل تساوي جناح بعوضة وقد اطمأنيتم إليها‪ .‬والسممادس أنكممم‬
‫تقولون إنها زائلة وأعمالكم أعمال المقيمين بها‪.‬والسابع أنكممم تقولممون إن‬
‫الخرة خير من الدنيا ول تجتهدون في طلبها وتختارون الدنيا على الخرة‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الله‪ :‬ينبغي لمن دعا الّله أن يكون بطنه طمماهر مممن‬
‫الحرام فإن الحرام يمنع من الجابمة وقمد روى عمن سمعد بمن أبمي وقماض‬
‫رضي الّله تعالى عنه أنه قممال "يمما رسممول الل ّممه أدعممو الل ّممه فيسممتجيب لممي‬
‫دعائي‪ .‬فقال النبي صلى الّله عليه وسلم يا سعد اجتنب الحممرام فممإن كممل‬
‫بطن دخل فيه لقمة من حرام ل يستجيب دعاؤه أربعين" وينبغي لمن دعمما‬
‫أل يستعجل لن الداعي إذا دعا الرب تبارك وتعالى أجابه الممرب عممز وجممل‬
‫البتة وربما تتبين الجابة من ساعته وربما تتبين في وقت آخر‪ ،‬وربما تتممبين‬
‫في الخرة ول تتبين في الدنيا‪ .‬وذكر في الخبر أن موسى عليه السلم دعا‬
‫على فرعون وقومه بالهلك وأمن هارون عليه السلم فممأوحى الل ّممه تبممارك‬
‫ما{ قال ابن عبمماس رضممي الل ّممه‬ ‫ُ‬
‫قي َ‬
‫ست َ ِ‬ ‫ت د َع ْوَت ُك ُ َ‬
‫ما َفا ْ‬ ‫وتعالى إليهما }قَد ْ أ ِ‬
‫جيب َ ْ‬
‫تعالى عنهما كان بين الدعاء‬

‫]ص ‪[209‬‬
‫وبين الجابة أربعون سنة‪ .‬وروى يزيد الرقاشي رضممي الل ّممه تعممالى عنممه أن‬
‫رسول الّله صلى الّله عليه وسلم قممال "إذا أحممب الل ّممه عبممدا ضممرب وجهممه‬
‫بالبلء كما تضرب الغريبة من البل عن حياض الممماء فيكممون مرحوممما فممي‬
‫أهل السماء‪ ،‬وما من دعوة يدعو بها إل أعطمماه الل ّممه تعممالى إحممدى خصممال‬
‫ثلث‪ "..‬وقد ذكرناها‪ .‬وقال بعض الحكممماء‪ :‬أربعممة ل سممعادة فيهممم أحممدهم‬
‫الذي يبخل بالصلة والسلم علممى النممبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم‪ ،‬والثمماني‬
‫الذي ل يجيب الممؤذن‪ ،‬والثمالث ممن اسمتعان بمه إنسمان بخيمر فلمم يعنمه‪،‬‬
‫والرابع الذي يعجز أن يدعو لنفسه وللمؤمنين دبر صلواته وقممال عبممد الل ّممه‬
‫النطمماكي رضممي الل ّممه تعممالى عنممه‪ :‬دواء القلممب خمسممة أشممياء‪ :‬مجالسممة‬
‫الصممالحين‪ ،‬وقممراءة القممرآن‪ ،‬وإخلء البطممن مممن الحممرام‪ ،‬وقيممام الليممل‪،‬‬
‫والتضرع عند الصبح‪.‬وروى ابن عباس رضي الّله تعالى عنه عن النبي صلى‬
‫الّله عليه وسلم أنه قال "إذا سألتم الّله فاسألوه ببطون أكفكم ول تسألوه‬
‫بظهورها وامسحوا بها وجوهكم" والله تعالى أعلم‪.‬‬

‫باب ما جاء في التسبيح‬


‫)قال الفقيه( حدثنا محمد بن الفضل حدثنا محمد بن جعفر قممال‪ :‬حممدثنا‬
‫إبراهيم بن يوسف قال حممدثنا محمممد بممن الفضممل الضممبي عممن عمممارة بممن‬
‫القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الّله تعالى عنه أن النبي صلى‬
‫الّله عليه وسلم قال "كلمتان خفيفتان على اللسممان ثقيلتممان فممي الميممزان‬
‫حبيبتان إلى الرحمن‪ :‬سبحان الل ّممه وبحمممده‪ ،‬سممبحان الل ّممه العظيممم" قممال‪:‬‬
‫وحدثني الثقة بإسناده عممن خالممد بممن عمممران "أن النممبي صمملى الل ّممه عليممه‬
‫دو‬‫وسلم خرج على قومه فقال خذوا جنتكم فقالوا يا رسممول الل ّممه أمممن ع م ّ‬
‫حضر؟ قال ل بل من النار‪ ،‬قالوا وما جنتنمما مممن النممار؟ قممال‪ :‬سممبحان الل ّممه‬
‫ي‬
‫وة إل بممالله العلم ّ‬ ‫والحمد للممه ول إلممه إل الل ّممه واللممه أكممبر ول حممول ول قم ّ‬
‫العظيم‪ ،‬فإنهن يأتين يمموم القيامممة مقممدمات ومجنبممات ومعقبممات" ومعنممى‬
‫ن إلممى الجنممة‬ ‫دمن صمماحبه ّ‬ ‫قوله صلى الّله عليه وسلم "مقدمات" يعنممي يقم ّ‬
‫"ومجنبات"يعني يجنبممن صمماحبهن النممار "ومعقبممات" يعنممي حافظممات‪ .‬قممال‬
‫وحدثني الثقة بإسناده عن الضحاك عن ابن عباس رضي الّله تعالى عنهممما‬
‫قال "جاء إسرافيل عليه السلم إلى النبي صلى الّله عليه وسلم وقال قممل‬
‫يا محمد سبحان الّله وبحمده والحمد لله ول إله إل الّله والله أكبر ول حول‬
‫ول قوة إل بالله العلي العظيم عدد ما علم الّله تعممالى وزنممة ممما علممم الل ّممه‬
‫تعالى وملء ما علممم الل ّممه تعممالى‪ ،‬فمممن قالهمما مممرة كتممب الل ّممه لممه خمممس‬
‫خصال‪:‬كتب من الذاكرين لله كثيرا وكان افضل من ذكممره بالليممل والنهممار‪،‬‬
‫وكان له غرسما فممي الجنممة‪ ،‬وتحمماتت عنممه ذنمموبه كممما يتحممات ورق الشممجر‬
‫اليابس‪ ،‬ونظر الّله إليه‪ ،‬ومن نظر الّله إليه لم يعذبه"‪.‬‬
‫وروى عن ابن عباس رضي الّله تعالى عنهما أنه قال "إن الّله تعالى لما‬
‫خلق العرش أمر الحملة بحمله فثقل عليهم فقال الّله تعالى قممول سممبحان‬
‫الّله فقالت الملئكة سبحان الله‬

‫]ص ‪[210‬‬
‫ّ‬
‫فتيسر عليهم حمله‪ ،‬وجعلوا يقولون طول الدهر سبحان الله إلممى أن خلممق‬
‫الّله تعالى آدم عليه السلم‪ ،‬فلما عطس آدم عليه السلم ألهمه الّله تعالى‬
‫قمول الحممد للمه‪ ،‬فقمال الّلمه تعمالى يرحممك ربمك ولهمذا خلقتمك‪ ،‬فقمالت‬
‫الملئكة كلمة ثانية جليلة شريفة ل ينبغي لنا أن نتغافل عنها فضمممنتها إلممى‬
‫هذه فقالوا على طول الدهر سبحان الل ّممه والحمممد للممه إلممى أن بعممث الل ّممه‬
‫نوحا عليه السلم‪ ،‬فكان أّول من اتخذ الصنام قوم نوح فأوحى الّله تعممالى‬
‫إلى نوح أن يممأمر قممومه أن يقولمموا ل إلممه إل الل ّممه فيرضممى عنهممم‪ ،‬فقممالت‬
‫الملئكة هذه كلمة ثالثة جليلة شريفة ل ينبغي لنا نتغافل عنها فضمتها إلممى‬
‫هاتين فجعلوا يقولون على طول الدهر سبحان الّله والحمد للممه ول إلممه إل‬
‫الل ّممه إلممى أن بعممث الل ّممه إبراهيممم عليممه السمملم فممأمره بالقربممان ثممم فممداه‬
‫بالكبش‪ ،‬فلما رأى الكبش قال الّله أكبر فرحا بذلك‪ ،‬فقالت الملئكممة هممذه‬
‫كلمممة رابعممة جليلممة شممريفة فضمممتها إلممى هممذه الكلمممات فجعلمموا يقولممون‬
‫سبحان الّله والحمد لله ول إله إل الّله والله أكبر‪ ،‬فلما حمدث جبريمل عليمه‬
‫وة‬ ‫السلم بهذا الحديث النبي صلى الّله عليه وسلم قال تعجبا ل حول ول ق ّ‬
‫ي العظيم فقال جبريل عليه السمملم أضمممم هممذه الكلمممة إلممى‬ ‫إل بالله العل ّ‬
‫هؤلء الكلمات" وعن ابن مسممعود رضممي الل ّممه تعممالى عنممه‪ :‬إن الل ّممه قسممم‬
‫بينكم أخلقكم كما قسم بينكم أرزاقكممم إن الل ّممه يعطممي المممال مممن يحممب‬
‫ومن ل يحب ول يعطي اليمان إل من يحب‪ ،‬فممإذا أحممب الل ّممه عبممدا أعطمماه‬
‫دو أن يجاهده وهاب الليممل أن‬ ‫اليمان فمن ضل بالمال أن ينفقه وخاف الع ّ‬
‫يكابده فليكثر من قول ل إله إل الّله والله أكبر وسبحان الل ّممه والحمممد للممه‪.‬‬
‫وروى أبو هريرة رضي الّله تعالى عنه عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنممه‬
‫ي‬
‫ب إل م ّ‬ ‫قال "لن أقول سبحان الّله والحمد لله ول إله إل الّله والله أكبر أح ّ‬
‫مما طلعت عليه الشمس" وروى سمرة بن جنممدب عممن النممبي صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم أنه قال "أفضل الكلم أربع‪ :‬سبحان الّله والحمد لله ول إلممه إل‬
‫الّله والله أكبر ل يضرك بأيهن بمدأت" وروى عممن ابممن مسممعود رضممي الل ّممه‬
‫تعالى عنه أنه كان إذا سمع سائل يسأل شيئا ويقممول مممن ذا الممذي يقممرض‬
‫الّله قرضا حسنا فيقول عبد الّله بن مسعود‪ :‬سبحان الل ّممه والحمممد للممه ول‬
‫إله إل الّله والله أكبر‪ ،‬وقال‪ :‬هذا هو القرض الحسن‪.‬‬
‫ن‬‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه يعني إذا كان الرجل معسرا ولم يك ْ‬
‫معه شيء يتصدق به فليقل بهممؤلء الكلمممات فينممال فضممل الصممدقة‪ .‬وروى‬
‫ث أصممحابه علممى الصممدقة‬ ‫في الخبر "أن النبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم حم ّ‬
‫فجعل الناس يتصدقون‪ ،‬وأبو أمامة الباهلي جممالس بيممن يممدي النممبي صمملى‬
‫الّله عليه وسلم وهو يحرك شفتيه فقال لممه رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم إنك تحرك شفتيك فماذا تقول عند ذلك؟فقال أبو أمامممة البمماهلي يمما‬
‫رسول الّله أرى الناس يتصدقون وليس أي شمميء أتصممدق بممه فممأقول فممي‬
‫نفسي سبحان الّله والحمد لله ول إله إل الّله والله أكبر‪ ،‬فقال النبي صمملى‬
‫الّله عليه وسلم يا أبا أمامة هذه الكلمات خير لك من مد ذهب تتصممدق بممه‬
‫على المساكين" والله أعلم‪.‬‬

‫]ص ‪[211‬‬
‫باب فضل الصلة على النبي صلى الّله عليه وسلم‬
‫)قال الفقيه( أبوالليث‪ :‬حدثنا محمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جعفر‬
‫قال حدثنا إبراهيم بن يوسف قال حدثنا ابن أبي فديك عن يحيممى بممن عبممد‬
‫الرحمن رضي الّله تعالى عنهما عن جده محمد بن عبد الرحمممن أن النممبي‬
‫ي إذا مممت إل جمماءني‬ ‫صلى الّله عليه وسلم قال "ما منكم من أحد سلم عل ّ‬
‫جبريل فقال جبريل يا محمد هذا فلن بن فلن يقرئك السلم فأقول وعليه‬
‫السلم ورحمة الله وبركاته"‪ .‬قال‪ :‬حدثنا محمممد بممن الفضممل بإسممناده عممن‬
‫سعيد بن المسيب رضي الّله تعالى عنه قال عمر‪ :‬بلغني أن الدعاء يحبس‬
‫بين السماء والرض ل يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك عليه الصمملة‬
‫والسلم‪ .‬قال‪ :‬حدثنا الفقيه أبو جعفر رضي الّله تعالى عنه حممدثنا أبممو بكممر‬
‫بن أبي يزيد وفي نسخة سممعيد قممال‪ :‬حممدثنا جعفممر محمممد بممن سمملمة عممن‬
‫موسى الطويل عن أنس ابن مالك رضي الّله تعالى عنممه "أن رسممول الل ّممه‬
‫صلى الّله عليه وسلم صعد المنبر فقال آميممن‪ ،‬ثممم صممعد فقممال آميممن‪ ،‬ثممم‬
‫منت‬ ‫صعد فقال آمين‪ ،‬ثم استوى فجلس‪ ،‬فقال له معاذ بن جبل صعدت فممأ ّ‬
‫ثلثا؟ قال أتاني جبريل فقممال يمما محمممد مممن أدرك رمضممان فلممم يغفممر لممه‬
‫فمات فدخل النار فأبعده الّله قلت آمين‪ ،‬وقال من أدرك أبممويه أو أحممدهما‬
‫فلم يبرهما فمات فدخل النار فأبعده الل ّممه قلممت آميممن‪ ،‬قممال ومممن ذكممرت‬
‫عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده الّله قلت آمين"‪.‬‬
‫وروى عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الّله عن النبي صلى الل ّممه‬
‫عليه وسلم قال" من صلى علي في اليوم مائة مممرة قضممى الل ّممه لممه مممائة‬
‫حاجة سبعين منها في الخرة وثلثيممن فممي الممدنيا"‪ .‬وعممن سممعيد بمن عميممر‬
‫النصاري وكان بدريا ً أي قاتل يوم بدر قممال‪ :‬قممال رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم " من صلى علي من أمتي مخلصا من قلبه صلة واحممدة صمملى‬
‫الّله عليه عشر صلوات ورفع له عشر درجممات ومحمما عنممه عشممر سمميئات"‬
‫قال‪ :‬وسمعت أبي يحكي قال كان سفيان الثوري بينما هممو يطمموف إذ رأى‬
‫رجل ل يرفع قدما ول يضع قدما إل وهو يصلي على النبي صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم قال قلت له يا هذا عنك قد تركت التسبيح والتهليل وأقبلت بالصمملة‬
‫على النبي صلى الّله عليه وسلم هل عندك في هذا شيء؟ من أنت عافاك‬
‫الله؟ فقلت أنا سفيان الثوري‪ .‬قال لممول أنممك غريممب مممن أهممل زمانممك ممما‬
‫أخبرتك عن حالي ول أطلعتك على سممري‪ ،‬ثممم قممال لممي‪ :‬خرجممت ووالممدي‬
‫حاجا إلى بيت الّله الحرام حتى إذا كنت في بعممض المنممازل مممرض والممدي‬
‫فقمت لعالجه فبينما أنا ذات ليلة عند رأسه إذ مات والممدي اسممود وجهممه‪،‬‬
‫فقلت إنا لله وإنا إليه راجعون فجذبت الزار على وجهه فغطيتممه‪ ،‬فغلبتنممي‬
‫عيني فنمت فإذا أنا برجل لم أر أحسن منمه وجهما ول أنظمف منمه ثوبما ول‬
‫أطيب منه ريحا يرفع قدما ويضع أخرى حتى دنا من والممدي فكشممف الزار‬
‫عن وجهه فأمّر يده على وجهه فابيض ثم ولى راجعا‪ ،‬فتعلقت بثوبه فقلت‪:‬‬
‫أعبد الّله‬

‫]ص ‪[212‬‬
‫ن الّله على والدي بك في أرض الغربة؟ قال أو ما تعرفني‬ ‫من أنت الذي م ّ‬
‫أنا محمد بن عبد الل ّممه صمماحب القممرآن‪ ،‬أممما إن والممدك كممان مسممرفا علممى‬
‫ي فلما نزل به ممما نممزل اسممتغاث بممي وأنمما‬‫نفسه ولكن كان يكثر الصلة عل ّ‬
‫ي فانتبهت فإذا وجه أبي أبيض‪ .‬وروى عن عمممرو‬ ‫غياث لمن أكثر الصلة عل ّ‬
‫بن دينار عن أبي جعفر أن النبي صلى الل ّممه عليممه وسمملم قممال" مممن نسممي‬
‫ي فقد أخطأ طريق الجنة"‪ .‬وعن أبي بممردة عممن أبيممه عممن النممبي‬ ‫الصلة عل ّ‬
‫صلى الّله عليه وسلم أنه قال" أربع من الجفاء أن يبول الرجممل وهممو قممائم‬
‫وأن يمسح جبهته قبل أن يفممرغ مممن الصمملة‪ ،‬وأن يسمممع النممداء فل يشممهد‬
‫ي" وروى أبممو هريممرة‬ ‫مثل ما يشهد المؤذن‪ ،‬وأن أذكر عنممده فل يصمملي علم ّ‬
‫رضي الّله تعالى عنه عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال" صلوا علمم ّ‬
‫ي‬
‫ي زكاة لكم واسألوا الّله لي الوسيلة قالوا وممما الوسمميلة يمما‬ ‫فإن الصلة عل ّ‬
‫رسول الله؟ قال؟ أعل درجة في الجنة ل ينالها إل رجل واحد وأنا أرجممو أن‬
‫يكون أنا هو"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬معنى قوله صلى الّله عليه وسلم " زكمماة‬
‫لكم" يعني طهارة لكم ومغفرة لذنوبكم فلو لممم يكممن للصمملة علممى النممبي‬
‫صلى الّله عليه وسلم ثواب سوى أنه يرجى بمذلك شمفاعته لكمان المواجب‬
‫على العاقل أن ل يغفل عنه فكيف وفيها الصلة من الّله تعالى‪ .‬وروى عمن‬
‫أنس بن مالك رضي الّله تعالى عنه عن النبي صلى الل ّممه عليممه وسمملم أنممه‬
‫ي صلة واحدة صلى الّله عليه عشر صلوات وحممط عنممه‬ ‫قال" من صلى عل ّ‬
‫عشر خطيئات" وإذا أردت أن تعرف أن الصلة على النبي صلى الّله عليممه‬
‫وسلم أفضممل ممن سممائر العبممادات فممانظر وتفكمر فمي قمول الل ّممه سمبحانه‬
‫وتعالى_ إن الّله وملئكته يصلون على النممبي يمما أيهمما الممذين آمنمموا صمملوات‬
‫عليه وسلموا تسليما_ ففي سائر العبادات أمر الّله تعالى عبمماده بهمما‪ ،‬وأممما‬
‫الصلة على النبي صلى الّله عليه وسلم فقد صلى عليممه بنفسممه أّول وأمممر‬
‫ملئكته بالصلة عليه‪ ،‬ثم أمممر المممؤمنين بممأن يصمملوا عليممه‪ ،‬فثبممت بهممذا أن‬
‫الصلة على النبي صلى الّله عليه وسلم أفضممل العبممادات‪ .‬وروى عممن عبممد‬
‫الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قمال" قلنمما يما رسمول الل ّممه كيمف‬
‫ل علممى محمممد وعلممى آل محمممد وبممارك‬ ‫نصلي عليك؟ قال قولوا اللهم ص م ّ‬
‫على محمد وعلى آل محمد كممما صممليت وبمماركت علممى إبراهيممم وعلممى آل‬
‫إبراهيم إنك حميد مجيد" وقال بعضهم‪ :‬الصلة على النبي صلى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم أن يقول اللهم صليت أنممت وملئكتممك علممى محمممد‪ ،‬وقممال بعضممهم‪:‬‬
‫الصلة عليه أن يقول اللهم إني أشهدك وأشهد ملئكتممك أنممي أصمملي علممى‬
‫ل على محمد وعلى آل محمد النبي‬ ‫محمد‪ ،‬وقال بعضهم أن يقول اللهم ص ّ‬
‫المي وعلى آله وأصحابه كلما ذكرك الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون‪.‬‬

‫]ص ‪[213‬‬
‫باب ما جاء في فضل ل إله إل الله‬
‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رضى الّله تعالى عنه وأرضاه‪ :‬حدثنا‬
‫أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد حدثنا فارس بن مردويه حدثنا محمد بممن‬
‫الفضل حدثنا يعلى بن عبيد حدثنا الفربقي عن أبي عبد الرحمن عممن عبممد‬
‫الّله بن عمرو بن العاص رضي الل ّممه تعممالى عنهممم قممال‪ :‬قممال رسممول الل ّممه‬
‫صلى الّله عليه وسلم "يؤتى بالرجل يوم القيامة إلممى الميممزان فيخممرج لممه‬
‫تسعة وتسعون سجل كل سجل منها مد ّ البصر فيها خطاياه وذنوبه‪،‬فيوضممع‬
‫في كفة الميزان ثم يخرج قرطاس مثل أنمله فيها شهادة أن ل إله إل الّله‬
‫وأن محمدا عبده ورسوله فيوضع في الكفة الخرى فيرجح علممى خطايمماه"‬
‫قال حدثنا محمد بممن الفضممل حممدثنا محمممد بممن جعفممر حممدثنا إبراهيممم ابممن‬
‫يوسف حدثنا إسمعيل بن جعفر عن عمرو مولى المطلب عن المطلب بن‬
‫حنطب أن النبي صلى الّله عليه وسلم قال "أفضمل مما قلمت أنما والنمبيون‬
‫من قبلي ل إله إل الله"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬حدثنا أبي رحمه الّله تعالى حدثنا عبد الّله‬
‫بن حبان حدثنا أبو جعفر عن محمد بن عبممد الل ّممه المنممادي البغممدادي حممدثنا‬
‫إبراهيم بن هدية عن أنس بممن مالممك رضممي الل ّممه تعممالى عنهممم قممال‪ :‬قممال‬
‫ي جبريممل وهممو يتلممو هممذه اليممة‬ ‫رسول الّله صلى الّله عليه وسلم "نزل علم ّ‬
‫َ‬ ‫}ي َوم ت ُب َد ّ ُ َ‬
‫قّهمماِر{ قممال‬
‫حد ِ ال َ‬ ‫ت وَب ََرُزوا ل ِل ّهِ ال َ‬
‫وا ِ‬ ‫ماَوا ُ‬
‫س َ‬ ‫ض غ َي َْر الْر ِ‬
‫ض َوال ّ‬ ‫ل الْر ُ‬ ‫ْ َ‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم يا جبريل كيف يكون الناس يوم القيامممة؟ قممال‬ ‫ّ‬
‫يا محمد يكونون على أرض بيضاء لم يعمل عليهمما ذنممب قممط‪ ،‬فممإذا زفممرت‬
‫جهنم زفرة تتعلق الملئكة بممالعرش ويقممول كممل ملممك يمما رب ل أسممألك إل‬
‫نفسي وتكون الجبال كالعهن المنفوش‪ ،‬قال جبريل وما العهن المنفمموش؟‬
‫قال يعني الصوف المندوف‪ ،‬وتممذوب الجبممال مممن مخافممة جهنممم يمما محمممد‬
‫فيجاء بجهنم يوم القيامة وهي تزفر زفرة عليها سبعون ألممف ملممك آخممذين‬
‫بزمامها حتى توقف بين يدي الل ّممه عممز وجممل فيقممول لهمما يمما جهنممم تكلمممي‬
‫فتقول ل إله إل الّله وعزتك وعصمتك لنتقمن لك اليوم ممممن أكممل رزقممك‬
‫وعبد غيرك‪ ،‬ل يجاوزني إل مممن عنممده جممواز‪ ،‬قممال النممبي وممما الجممواز يمموم‬
‫القيامة؟ قال أبشر يا محمد فأنا أمتك يوم القيمة على الجواز أل من شممهد‬
‫أنه ل إله إل الّله فقد جاز من جسممر جهنممم‪ ،‬فقممال النممبي صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم الحمد لله الذي الهم أمتي شهادة أن ل إله إل الله" وروى عن عطاء‬
‫بن أبي رباح قال‪ :‬سألت ابن عباس رضي الّله تعالى عنهما عن قممول الل ّممه‬
‫عز وجل _ غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب_ قال ابن عبمماس غممافر‬
‫الذنب لمن قال ل إله إل الله‪ ،‬وقابل التوب ممن قال ل إله إل الّلممه شممديد‬
‫العقاب لمن ل يقول ل إله إل الله‪.‬‬

‫]ص ‪[214‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬الواجب غلى كل إنسان أن يكثر من قوله‬
‫ل إله إل الّله ويسأل الّله تعالى في أناء الليممل وأطممراف النهممار أن ل ينممزع‬
‫منه اليمان وهذا القول منه ويحفظ نفسممه ممن المعاصممي فممإن كممثيرا مممن‬
‫الناس يقولون هذا القول ثم ينزع منهم في آخممر عمرهممم بسممبب أعمممالهم‬
‫الخبيثة ويخرجون من الدنيا على الكفر نعوذ بالله‪ ،‬وأي مصيبة أعظممم مممن‬
‫هذا‪ ،‬إن الرجل كان اسممه ممن المسملمين فمي جميمع عممره فيبعمث يموم‬
‫القيامة واسمممه مممن الكممافرين‪ ،‬فهممذا هممو الحسممرة كممل الحسممرة وليسممت‬
‫الحسرة بالذي يخرج من الكنيسة أو بيت النار‪ ،‬فيدخل النار ولكن الحسرة‬
‫بالذي يخرج من المسجد فيطرح في النار‪ ،‬وذلك كله بسبب أعماله الخبيثة‬
‫ب رجل وقع في يده شيء من أممموال‬ ‫وارتكابه المحرمات في السرائر‪ ،‬فر ّ‬
‫ل منهممم فيممموت قبممل أن يرضممي‬ ‫دهمما أو أسممتح ّ‬ ‫الناس فيقول أنفقهمما ثممم أر ّ‬
‫خصمه‪ ،‬فرب إنسان وقع منه بينه وبين إمرأتممه حرمممة فيقممول كيممف أدعهمما‬
‫وبيننا أولد فيصّر على ذلك فيأتيه الموت وهو على الحرام وربما ينزع منممه‬
‫اليمان بسبب ذلك‪ ،‬فانظر يا أخي واجتهد في إصلح أممرك قبممل أن يأتيممك‬
‫الموت فإنك ل تدري متى يأتيك الموت‪ .‬واعلممم أن العمممر قليممل والحسممرة‬
‫طويلة وعليك أن تكثر من قول ل إله إل الله‪ .‬وقال الحسن البصري رحمممه‬
‫الّله تعالى‪ :‬ل إله إل الّله ثمن الجنة‪ .‬وروى أنس بن مالك رضي الّله تعممالى‬
‫عنه عن النبي صلى الّله عليه وسلم "أنه قيل له يا رسول الل ّممه هممل للجنممة‬
‫ثمن؟ قال نعم ل إله إل الّله " وعن أبي هريرة رضي الّله تعممالى عنممه قممال‬
‫"قلت يا رسول الّله من أسبق الناس إلى شفاعتك؟ قال من قال ل إله إل‬
‫ف مُروا‬‫ن كَ َ‬ ‫ما ي َوَد ّ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫الّله خالصا من نفسه" وعن مجاهد في قوله تعالى }ُرب َ َ‬
‫ن{ قال إذا أخممرج مممن النممار مممن قممال ل إلممه إل الل ّممه قممال‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫كاُنوا ُ‬ ‫ل َوْ َ‬
‫جمماءَ‬
‫ن َ‬ ‫مم ْ‬‫المشركون يا ليتنا كنا مسلمين‪ .‬وعممن عطمماء فممي قمموله تعممالى } َ‬
‫من َْها{ يعنممي مممن قممال ل إلممه إل الل ّممه إل الل ّممه فلممه الجنممة‬ ‫خي ٌْر ِ‬ ‫ه َ‬ ‫سن َةِ فَل َ ُ‬
‫ح َ‬ ‫ِبال َ‬
‫م ِفي الّناِر{ يعني من جاء بالشرك‪ .‬وعممن‬ ‫جوهُهُ ْ‬
‫ت وُ ُ‬‫سي ّئ َةِ فَك ُب ّ ْ‬
‫جاَء ِبال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫}وَ َ‬
‫ن{ قممال‬ ‫سمما ُ‬‫ح َ‬ ‫ن ِإل ال ِ ْ‬ ‫سمما ِ‬
‫ح َ‬
‫جمَزاُء ال ِ ْ‬
‫ل َ‬‫الحسن البصري في قوله تعالى }هَم ْ‬
‫هل جزاء من قال ل إله إل الّله إل الجنة‪ .‬وعن ابن عباس رضي الّله تعالى‬
‫عنهما "أن جبريل عليه السلم جاء إلى النبي صلى الّله عليممه وسمملم يوممما‬
‫فقال يا محمد إن الرب يقرئك السلم وهو يقول مالي أراك مغموما حزينمما‬
‫وهو أعلم به فقال يا جبريل لقد طال تفكيري في أمر أمممتي يمموم القيامممة‪،‬‬
‫قال يا محمد في أمر أهل الكفر أم في أمر أهل السلم؟ قال جبريل لبل‬
‫في أمر أهل ل إله إل الله‪ ،‬قال فأخذه بيده حممتى أقممامه علممى مقممبرة مممن‬
‫بني سلمة‪ ،‬فضرب بجناحه اليمن على قبر ميت فقال قم بإذن الل ّممه فقممام‬
‫رجل مبيض الوجه وهو يقول ل إله إل الّله محمممد رسممول الل ّممه الحمممد للممه‬
‫رب العالمين فقال له جبريل عد فعاد كما كان‪ ،‬ثم ضممرب بجنمماحه اليسممر‬
‫على قبر ميت فقال قم بإذن الّله فخرج رجل مسممود ّ المموجه أزرق العينيممن‬
‫وهو يقول‬

‫]ص ‪[215‬‬
‫واحسرتاه واندامتاه واسوأتاه فقال له عد فعاد كما كممان‪ ،‬ثممم قممال جبريممل‬
‫هكذا يبعثون يوم القيامة على ما ماتوا عليه" وعن النممبي صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم أنه قال " لقنوا موتاكم ل إله إل الّله فإنها تهدم الذنوب هممدما قممالوا‬
‫يا رسول الّله فإن قالها في حياته قال هي أهدم وأهدم"‪.‬‬
‫وعن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال "احضروا موتمماكم فلقنمموهم ل‬
‫إله إل الّله وبشروهم بالجنة فإن الحليم العليم مممن الرجممال والنسمماء يحممار‬
‫عند ذلك المصرع‪ ،‬وإن إبليس عدوّ الّله أقرب ما يكون من العبد فممي ذلممك‬
‫الموطن عند فراق الدنيا وتممرك الحبممة‪ ،‬ول تقنطمموهم فممإن الكممرب شممديد‬
‫والمر عظيم‪ ،‬والذي نفس محمد بيده لمعالجة ملك الموت أشد مممن ألممف‬
‫ضربة بالسيف " وروى في الخبر أن رجل كان في بني إسرائيل مممن أعبممد‬
‫الناس وكان في زمنممه رجممل آخممر مممن أفجممر النمماس‪ ،‬فمممات العابممد فقيممل‬
‫لموسى عليه السلم إنه في النممار ومممات الفمماجر فقيممل لموسممى إنممه فممي‬
‫الجنة‪ ،‬قال موسى لمرأة العابد ما كان عمله؟ قالت كان من أعبممد النمماس‬
‫وما يخفى عليكممم‪ ،‬فقممال وممما كممان عملممه أيضمما؟ قممالت كممان إذا أوى إلممى‬
‫فراشه قال طوبى لنا إن كان ما جاء به موسى حقا‪ ،‬وقممال لمممرأة الفمماجر‬
‫ما كان عمه؟ قالت كان أفجر الناس وما خفى عليكم‪ ،‬فقال وما كان عمله‬
‫أيضا؟ قالت كان إذا أوى إلى فراشه قال ل إله إل الّله والحمد لله على ممما‬
‫جاء به موسى عليه السلم‪ .‬وعن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال "من‬
‫قال ل إله إل الّله خرج من فيه طير أخضر له جناحان أبيضان مكللن بالدر‬
‫والياقوت فعرج إلى السماء فيسمع لممه دوي تحممت العممرش كممدوي النحممل‪،‬‬
‫فيقال له اسكن فيقممول ل حممتى تغفممر لصمماحبي فيغفممر لقائلهمما‪ ،‬ثممم يجعممل‬
‫بعدها لذلك الطير سبعون لسانا يستغفر لصاحبه إلى يوم القيامة فإذا كان‬
‫يوم القيامة جاء ذلك الطيممر فأخممذ صمماحبه حممتى يكممون قممائده ودليلممه إلممى‬
‫الجنة" وروى في الخبر أن الّله تعممالى لممما أغممرق فرعممون وأنجممى موسممى‬
‫عليه السلم قال يا رب دلني على عمممل أعملممه يكممون شممكرا لممما أنعمممت‬
‫ى؟ قال يا موسى قل ل إله إل الله‪ ،‬وكان موسى يطلب الزيادة فقال يا‬ ‫عل ّ‬
‫موسى لو وضعت سبع سموات وسبع أرضين في كفة الميزان ووضممعت ل‬
‫إله إل الّله في الكفة الخرى لرجح ل إله إل الله‪ .‬وعن مجاهد قال‪ :‬ثلث ل‬
‫يحجبهن عن الّله شيء‪ :‬شممهادة أن ل إلممه إل اللممه‪ ،‬ودعمموة ممموقن بالجابممة‬
‫ودعمموة الوالممد لولممده‪ ،‬ودعمموة المظلمموم علممى الظممالم‪ .‬وروى عممن بعممض‬
‫الصحابة رضي الّله تعالى عنه أنه قمال‪ :‬ممن قمال ل إلمه إل الّلمه ممن قلبمه‬
‫دها بالتعظيم كفر الّله عنه أربعة آلف ذنب من الكبائر‪ ،‬قيممل لممم‬ ‫خالصا وم ّ‬
‫يكن له أربعة آلف ذنب؟ قال يغفر من ذنوب أهله وجيرانه‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬يقال من حفظ سبع كلمات فهو عند الّله‬
‫شريف وعند الملئكة شممريف‪ ،‬وغفممر الل ّممه لممه ذنمموبه وإن كممانت مثممل زبممد‬
‫البحر‪ ،‬ويجد حلوة الطاعة‬

‫]ص ‪[216‬‬
‫وتكون حياته ومماته خيرا له‪ :‬أولها أن يقممول عنممد ابتممداء كممل شمميء بسممم‬
‫الله‪ ،‬والثاني أن يقول بعد الفراغ مممن كممل شمميء الحمممد للممه‪ ،‬والثممالث إذا‬
‫جرى على لسانه لغو أو عمل سواء ق ّ‬
‫ل أو كممثر يقممول بعممده أسممتغفر اللممه‪،‬‬
‫والرابع إذا أراد أن يقول أفعممل غمدا ً كممذا فيقممول علممى أثممره إن شمماء اللمه‪،‬‬
‫ي العظيم‪،‬‬ ‫والخامس إذا استقبله مكروه يقول ل حول ول قوة إل بالله العل ّ‬
‫والسادس إذا أصابته مصيبة في النفس أو في المال ق ّ‬
‫ل أو كممثر يقممول إنمما‬
‫لله وإنا إليه راجعون والسمابع ل يمزال يجمري علمى لسمانه فمي آنماء الليمل‬
‫وأطراف النهار ل إله إل الله‪ .‬وروى عن عمرو بن دينار عن جممابر بممن عبممد‬
‫الّله قال‪ :‬حدثنا من سممع معماذ بمن جبمل رضمي الّلمه تعمالى عنمه أنمه لمما‬
‫حضرته الوفاة يقول اكشفوا عني فإني سمعت رسول الّله صلى الّله عليه‬
‫وسلم حديثا لم يمنعني أن أحدثكم به إل أن تتكلموا به سمعت النبي صلى‬
‫الّله عليه وسلم يقول "من قال ل إله إل الل ّممه مخلصمما موقنمما دخممل الجنممة"‬
‫وروى عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال "من لقن عند الموت ل إلممه‬
‫إل الّله دخل الجنة" وروى عن النبي صلى الّله عليه وسمملم أنممه قممال "مممن‬
‫كان آخر كلمه من الدنيا ل إله إل الّله دخل الجنة"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى بإسناده عن يزيد بن أسلم عن عمرو بن‬
‫دينار عن جابر ابن عبد الّله رضي الّله تعالى عنهم‪ :‬عممن النممبي صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم أنه قال "أل أخبركم بشيء أمر به نوح عليه السلم ابنه قال يا‬
‫بني آمرك بأمرين وأنهاك عن أمرين‪ :‬آمرك أن تقول ل إله إل الّله وحده ل‬
‫شريك له‪ ،‬فإن السماء والرض لو جعلتا في كفممة ل إلممه إل الل ّممه فممي كفممة‬
‫أخرى لوزنتهما‪ ،‬وآمرك أن تقول سبحان الّله وبحمده فإنها صمملة الملئكممة‬
‫ودعاء الخلق وبها يممرزق الخلممق‪ .‬وأنهمماك أن تشممرك بممالله شمميئا فممإن مممن‬
‫أشرك بالله شيئا ً فقد حرم الّله عليه الجنة‪ ،‬وأنهاك عن الكممبر فممإنه ل أحممد‬
‫يدخل الجنة وفي قلبه مثقال حبة من خردل من كبر‪ .‬وروى في الخبر "من‬
‫قال ل إله إل الّله مخلصا ً دخل الجنة" فقد اشترط في هذا القممول الخلص‬
‫ول يكون الخلص إل أن يمنعه ذلك القول من الذنوب فممإن كممان القممول ل‬
‫يمنعه من الذنوب فليس بمخلص‪ ،‬ويخاف أن يكون ذلك القول عنده عارية‬
‫والعارية تسترد منه‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬الناس في إيمانهم على ضربين منهم من‬
‫يكون إيمانه له عطاء ومنهم من يكون إيمانه له عارية‪ ،‬فالعلمممة فممي ذلمك‬
‫أن الذي يكون إيمانه عطاء يمنعه إيمانه من الذنوب ويرغبه في الطاعممات‪،‬‬
‫والذي هو عارية ل يمنعه من الذنوب ول يرغبه فممي الطاعممات لن ل تممدبير‬
‫له في مكان هو فيه عارية‪ .‬وروى أنس بن مالك رضي الّله تعالى عنه عممن‬
‫النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال " ل إله إل الّله ثمن الجنة" وفممي خممبر‬
‫آخر " مفتاح الجنة" ويقال ل إله إل الّله مفتاح الجنة‪ ،‬ولكن المفتاح لبد له‬
‫من السنان حتى يفتح الباب‪ ،‬ومن أسنانه‬

‫]ص ‪[217‬‬
‫لسان ذاكر طاهر مممن الممذنوب والغيبممة‪ ،‬وقلممب خاشممع طمماهر مممن الحسممد‬
‫والخيانة‪ ،‬وبطن طمماهر مممن الحممرام والشممبهة‪ ،‬وجمموارح مشممغولة بالخدمممة‬
‫طاهرة من المعاصي‪ .‬وعن أبي ذر رضممي الل ّممه تعممالى عنممه قممال "قلممت يمما‬
‫رسول الّله علمني عمل يقّربني إلممى الجنممة ويباعممدني عممن النممار؟ قممال إذا‬
‫عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة فإنها بعشر أمثالها‪ ،‬فقلت يا رسممول الل ّممه‬
‫ل إله إل الّله من الحسنات؟ قال هي من أحسممن الحسممنات" وروى سمملمة‬
‫بن زيد عن حذيفة بن اليمام رضي الّله تعالى عنممه قممال‪ :‬ينممدرس السمملم‬
‫حتى ل يدري أحد ما الصلة وما الصيام‪ ،‬حممتى إن الرجممل ليقممول كممان مممن‬
‫قبلنا من يقول ل إله إل الّله فنحن نقول ل إله إل الله‪ ،‬قيممل لممه فممما يغنممي‬
‫عنهم ل إله إل الله؟ قال ينجون بها من النار ويدخلون بها الجنة‪.‬‬

‫باب ما جاء في فضل القرآن‬


‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رحمه الله‪ :‬حدثنا محمد بن الفضممل‬
‫حدثنا محمد بمن جعفمر حمدثنا إبراهيمم بمن يوسمف حمدثنا أبمو معاويمة عمن‬
‫العمش عن المعلى عن عبد الّله بن مسعود رضي الل ّممه تعممالى عنهممم أنممه‬
‫قال"القرآن شافع مشفع وما حل مصدق فمن جعله أمامه قاده إلى الجنممة‬
‫ومن جعله خلفه ساقه إلى النار‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬معنى قوله شافع مشفع يعني يطلب‬
‫الشمفاعة لصمماحبه وتعطممى لمه الشمفاعة والماحمل السمماعي يعنمي يسممعى‬
‫لصاحبه أنه لم يقرأه ولم يعمل به فيصدق قوله‪ ،‬فمممن جعلممه أمممامه يعنممي‬
‫يقرأه ويعمل به قاده إلى الجنة‪ ،‬ومن جعله خلفممه يعنممي جفمماه فلممم يقممرأه‬
‫ولم يعمل به ساقه إلى النار يوم القيامة‪ .‬وبهذا السناد عممن العمممش عممن‬
‫حبيب بن أبي ثابت عن نافع بن عبد الحارث وكان عامل عمممر رضممي الل ّممه‬
‫تعالى عنه على مكة فخرج يتلقى عمر فممي بعممض حجمماته‪ ،‬فقممال لممه عمممر‬
‫رضي الّله تعالى عنه‪ :‬من استعملت على مكة؟ قال عبد الرحمن بممن أبممي‬
‫أبزى‪ ،‬قال له عمر رضي الّله تعالى عنه تستعمل رجل مممن الممموالي علممى‬
‫قريش؟ قال يا أمير المؤمنين إني لم أدع خلفممي أحممدا ً أقممرا للقممرآن منممه‪،‬‬
‫قال له عمر رضي الّله تعالى عنه‪ :‬نعم إن الّله تعالى رفممع بممالقرآن‪ ،‬رجممال‬
‫ووضع رجال وإن عبد الرحمن بن أبي أبزى ممن رفعه الّله بممالقرآن‪ .‬قممال‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن الفضل قال حدثنا محمود بن جعفر قال حدثنا إبراهيممم بممن‬
‫يوسف حدثنا المسيب عممن محمممد بممن عمممرو عممن أبممي إسممحاق عممن أبممي‬
‫الحوص عن عبد الّله بممن مسممعود رضممي الل ّممه تعممالى عنهممم قممال‪ :‬إن هممذا‬
‫القرآن مأدبة الّله فتعلموا مأدبة الّله تعالى ممما اسممتطعتم‪ ،‬إن هممذا القممرآن‬
‫حبل الّله المتفين ونور مبين وشفاء نافع وعصمة لمممن تمسممك بممه ومنجمماة‬
‫وم ول يزيغ فيستعتب ول تنقضي عجمائبه ولمم يخلمق‬ ‫لمن تبعه‪ ،‬ل يعوج فيق ّ‬
‫عن كثرة التردادات‪ ،‬اتلوه فإن الّله تعالى يأجركم على تلوته بكل حرف‬

‫]ص ‪[218‬‬
‫عشر حسممنات‪ ،‬أممما إنممي ل أقممول ألممم عشممرة ولكممن اللممف عشممرة واللم‬
‫عشرة والميم عشرة"‪.‬‬
‫وروى العمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الّله تعممالى عنهممم عممن‬
‫النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال"من نفس عن أخيه المؤمن كربممة مممن‬
‫كرب الدنيا نفس الّله عنه كربة من كرب الخرة‪ ،‬ومممن يسممر علممى معسممر‬
‫يسر الّله عليه في الدنيا والخرة والله فممي عممون العبممد ممما دام العبممد فممي‬
‫عون أخيه المسلم‪ ،‬ومممن سمملك طريقمما يلتمممس فيممه علممما سممهل الل ّممه لممه‬
‫طريقا إلى الجنة‪ ،‬وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الّله يتلون كتمماب الل ّممه‬
‫تعالى ويتدارسونه فيما بينهم إل نزلت عليهممم السممكينة وغشمميتهم الرحمممة‬
‫وحفتهم الملئكة وذكرهممم الل ّممه تعممالى فيمممن عنممده" وروى يزيممد ابممن أبممي‬
‫حبيب عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال"من استظهر القممرآن خفممف‬
‫الّله تبارك وتعالى عن أبويه العذاب وإن كانا كممافرين" وعممن عبممد الل ّممه بممن‬
‫عمرو بن العاص قال‪" :‬من قرأ القرآن فكأنما أدرجت النبوة بيممن جنممبيه إل‬
‫أنه ل يوحى إليه‪ ،‬ومن قممرأ القممرآن فممرأى أن أحممدا مممن خلممق الل ّممه تعممالى‬
‫أعطى أفضل مما أعطى فقد حقممر ممما عظممم الل ّممه وعمموظم ممما حقممر الل ّممه‬
‫تعالى‪ ،‬وليس ينبغي لحامل القرآن أن يجهل فيمن يجهل ول يجد فيمن يجد‬
‫ولكن يعفو ويصفح"‪ .‬وقال عبمد الّلمه بمن مسمعود رضمي الّلمه تعمالى عنمه‪:‬‬
‫ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نممائمون‪ ،‬وبنهمماره بصمموم إذا‬
‫الناس مفطرون‪ ،‬وبحزنه إذا الناس يفرحون‪ ،‬وببكائه إذا النمماس يضممحكون‪،‬‬
‫وبخشوعه إذا الناس يختالون‪ .‬وينبغي لحامل القرآن أن يكممون باكيمما حزينمما‬
‫حليما سكينا لينمما‪ ،‬ول ينبغممي لحامممل القممرآن أن يكممون جافيمما ول غممافل ول‬
‫صياحا ول حديدا‪ .‬وروى معاذ بن جبل رضي الّله تعالى عنه عن النبي صلى‬
‫الّله عليه وسلم أنه قال"ثلثة هممم الغربمماء فممي الممدنيا‪ :‬القممرآن فممي جمموف‬
‫الظالم‪ ،‬والرجل الصالح في قوم سوء‪ ،‬والمصحف فممي بيممت ل يقممرأ فيممه"‬
‫وقال محمد بن كعب القرظي‪ :‬من قرأ القرآن فكأنما رأى النبي صلى الّله‬
‫ن‬
‫مم ْ‬ ‫م ب ِمهِ وَ َ‬
‫ق مرآ ُ ُ‬
‫ن لنمذ َِرك ُ ْ‬ ‫ذا ال ُ ْ‬ ‫ي إ ِل َم ّ‬
‫ي هَ م َ‬ ‫عليه وسلم ثم قرأ هذه الية }وَُأو ِ‬
‫ح َ‬
‫غ{ وروى في الخبر‪" :‬ن عممدد درج الجنممة علممى عممدد آي القممرآن‪ ،‬فيقممال‬ ‫ب َل َ َ‬
‫للقارىء يوم القيامة اقرأ وارق فإن كان معه نصف القرآن يقال له لو كان‬
‫ي عن النممبي‬ ‫عندك زيادة لزدناك " وروى خالد بن بشير عن الحسين بن عل ّ‬
‫صلى الّله عليه وسلم أنه قال"من قرأ القرآن فمي الصملة وهممو قمائم فلمه‬
‫بكل حرف مائة حسنة‪ ،‬ومن قرأ القرآن فممي الصمملة قاعممدا كتممب الل ّممه لممه‬
‫بكل حرف خمسين حسنة‪ ،‬ومن قرأ القرآن في غير الصلة فله بكل حرف‬
‫عشر حسنات‪ ،‬ومن استمع إلى شيء من كتاب الّله وهو يريد الجممر كتممب‬
‫له بكل حرف حسنة‪ ،‬ومن قرأ القرآن حتى يختمه كانت له عند الّله دعمموة‬
‫مستجابة إما معجلة وإما مؤجلة" وعن النممبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم أنممه‬
‫قال"ثلثة ل يستخف بحقهن إل منافق إمام مقسط وذو شيبة فممي السمملم‬
‫وحامل القرآن" وعن أبي أمامة رضي الّله تعالى عنه قال‪ :‬حرضممنا رسممول‬
‫الّله‬

‫]ص ‪[219‬‬
‫صلى الّله عليه وسلم على تعلم القرآن‪ ،‬ثم أخبرنا عن فضله وقال تعلممموا‬
‫القرآن‪ ،‬ثم أخبرنا عن فضممله وقممال‪" :‬إن القممرآن يممأتي أهلممه يمموم القيامممة‬
‫أحوج ما يكون إليه‪ ،‬قممال فيقممدم علممى صمماحبه بأحسممن صممورة لممه فيقممول‬
‫أتعرفني؟ فيقول من أنت فيقول أنا الذي كنت تحبه وتكرمممه وكنممت تسممهر‬
‫ليلك بي وتدأب نهارك يعني من عادتك أن تقرأ نهارك_ قممال فيقممول لعلممك‬
‫القرآن ثم يقدم على الّله فيعطى الملك بيمينه والخلد بشماله ويوضع تمماج‬
‫وم بهممما الممدنيا‬‫الملك على رأسه ويلبممس والممداه المسمملمان حلممتين ممما يقم ّ‬
‫وأضعافها فيقولن من أين لنا هذا ولم تبلغممه أعمالنمما؟ فيقممال لهممما بفضممل‬
‫ولدكما بقراءة القرآن أعطيتممما ذلممك" قممال رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم "تعلموا الزهراوين يعني البقرة وآل عمران فإنهما يأتيان أهلهما يوم‬
‫القيامة كأنهما غمامتين أو غيابتمان أو فرقمان ممن طيمر صمواف بأجنحتهمما‬
‫ويحاجان عن أهليهما‪ ،‬ثم قال تعلموا البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة‬
‫ول يستطبعها البطلة _ يعني السحرة ثم قال هذا لمن تعلمه ولممم يلممغ فيممه‬
‫ويعمل به أولم يجف عنه ولم يستأكل به"‪ .‬وعن سعد بن أبي وقاص رضي‬
‫الّله تعالى عنه أنه قال‪" :‬من ختم القرآن نهارا صمملت عليممه الملئكممة حممتى‬
‫يمسي‪ ،‬ومن ختمه ليل صلت عليه الملئكة حممتى يصمبح" وكمانوا يسممتحبون‬
‫أن يختموا نهارًا‪ .‬قال عبد الّله بن المبممارك‪ :‬كممانوا يسممتحبون أن يختممم فممي‬
‫أيام الصيف في أول النهار‪ ،‬وفي أيممام الشممتاء فممي أول الليممل حممتى تكممون‬
‫الصمملة عليهممم أكممثر‪ .‬وروى قتممادة عممن أنممس بممن مالممك عممن أبممي موسممى‬
‫الشعري رضي الّله تعالى عنهم أن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم قممال‬
‫"مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الترجة ريحها طيب وطعمهما طيمب‪،‬‬
‫ومثل المؤمن الذي ل يقرأ القرآن كمثممل التمممر طعمممه طيممب ول ريممح لممه‪،‬‬
‫ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثممل الريحانممة ريحهمما طيممب وطعمهمما مممر‬
‫ومثل الفاجر الذي ل يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمهمما مممر ول ريممح لهمما"‬
‫وروى عقبة بن عامر عن النبي صلى الل ّممه عليممه وسمملم أنممه قممال "المس مّر‬
‫بالقرآن كالمسر بالصممدقة والجمماهر بممالقرآن كالجمماهر بالصممدقة" يعنممي إن‬
‫جهر بالقراءة فنعما هي وإن أسر فهو أفضل‪ .‬وعن الوليد بن عبممد الّلممه أن‬
‫ي الممذنوب فلمم أر فيهما شمميئا‬ ‫النبي صلى الّله عليه وسلم قال "عرضت عل ّ‬
‫أعظم من حامل القرآن وتاركه" وعن طلق بن حبيب أن النبي صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم قال"من تعلم القرآن ثم نسيه من غير عذر حممط لممه بكممل آيممة‬
‫درجة وجاء يوم القيامة مجذوما مخصوما" وعن رسول الّله صلى الّله عليه‬
‫وسلم أنه قال "من تعلم القرآن ثم نسيه من غيممر عممذر جمماء يمموم القيامممة‬
‫أجذم" أي مقطوع اليد‪.‬‬
‫وعن الضحاك قال‪ :‬ما تعلم القرآن رجل ثم نسيه إل بذنب يصيبه ثم قرأ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ر{‪ .‬وأي مصيبة‬ ‫ن ك َِثي ٍ‬
‫فو ع َ ْ‬ ‫ديك ُ ْ‬
‫م وَي َعْ ُ‬ ‫ت أي ْ ِ‬ ‫ما ك َ َ‬
‫سب َ ْ‬ ‫صيب َةٍ فَب ِ َ‬
‫م ِ‬
‫ن ُ‬‫م ْ‬ ‫صاب َك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ما أ َ‬‫}وَ َ‬
‫أعظم من نسيان القرآن‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬سمعت أبا جعفر رحمه الّله قال‪ :‬حممدثنا‬
‫ي بممن الحسممين الحليمممي‬ ‫ي بن أحمد حدثنا شاذان بن إبراهيم حممدثنا علم ّ‬ ‫عل ّ‬
‫قال‪ :‬سمعت الحسن بن زياد يقول‬

‫]ص ‪[220‬‬
‫سمعت أبا حنيفة رضي الّله تعالى عنه يقول‪ :‬من قممرأ القممرآن فممي السممنة‬
‫مرتين فقد أدى حقه لن النبي صلى الّله عليه وسلم عرضه في كممل سممنة‬
‫على جبريل عليه الصلة والسلم مرة‪ ،‬وفي السنة التي توفي فيها مرتين‪.‬‬

‫باب فضل طلب العلم‬


‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رحمه الّله تعالى‪ :‬حدثنا الفقيممه أبممو‬
‫ي بن محمد الوراق حدثنا خشممنان بممن إسمممعيل‬ ‫جعفر حدثنا أبو الحسن عل ّ‬
‫بن أبي بكر الصوفي حدثنا القاسم محمممد بممن المهلممبي عممن عبممد الل ّممه بممن‬
‫داوود عن عاصم بن رجاء عن داوود بممن جميممل عممن كممثير بممن قيممس قممال‬
‫)كنت جالسا ً مع أبي الدرداء رضي الّله تعالى عنه في مسجد دمشق فأتاه‬
‫رجل فقال يا أبا الدرداء جئتك من مدينة رسول الّله صلى الّله عليه وسمملم‬
‫في حديث بلغني أنك حدثته عن رسول الله صلى الّله عليه وسلم فقال له‬
‫ما جئت لتجارة ول لحاجة ول جئت إل لهذا؟ قال ما جئت إل لهذا‪ ،‬قال إنممي‬
‫سمعت رسول الّله صلى الّله عليه وسلم يقول )من سلك طريقا ً يطلب به‬
‫علما ً سهل الّله له طريقما ً مممن طممرق الجنممة‪ ،‬وإن الملئكممة لتضممع أجنحتهمما‬
‫لطالب العلم رضا ً بما يصنع‪ ،‬وإن العممالم يسممتغفر كممل مممن فممي السممموات‬
‫ومن في الرض والحيتان في جوف الممماء‪ ،‬وإن فضممل العممالم علممى العابممد‬
‫كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة النبيمماء‪ ،‬وإن‬
‫النبياء لم يوّرثوا درهما ً ول دينارا ً وإنما وّرثمموا العلممم فمممن أخممذه فقممد أخممذ‬
‫بحظ وافر( قال‪ :‬حدثنا الفقيه أبو جعفر حدثنا أبو بكر أحمد بممن محمممد بممن‬
‫شريك حدثنا إبراهيم بن عبد الّله عن جعفر بن عوف عن أبي العنيس عممن‬
‫القاسم قال‪ :‬قال عبد الّله بن مسعود رضي الل ّممه تعممالى عنممه‪ :‬منهومممان ل‬
‫يشبعان طالب العلممم وطممالب الممدنيا وهممما ل يسممتويان‪ ،‬أممما طممالب العلممم‬
‫فيزداد رضا من الرحمن‪ ،‬وأما طالب الدنيا فيممزداد فممي الطغيممان‪ ،‬ثممم قممرأ‬
‫َ‬
‫ن ل َي َط ْغَممى‪ ،‬أ ْ‬
‫ن‬ ‫سما َ‬
‫لن َ‬
‫نا ِ‬ ‫عب َمماد ِهِ العُل َ َ‬
‫مماُء{ وقممرأ }ك َل ّ إ ِ ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫شى الّله ِ‬
‫م ْ‬ ‫خ َ‬
‫ما ي َ ْ‬
‫}إ ِن ّ َ‬
‫ست َغَْنى{ قال حدثنا الفقيه أبممو جعفممر حممدثنا علممي بممن محمممد المموراق‬ ‫َرآه ُ ا ْ‬
‫حدثنا الفضيل بن محمد حدثنا عبد الّله بن صالح المصري عممن معاويممة بممن‬
‫صالح عن أبي عبيد عممن محمممد بممن سمميرين قممال‪ :‬دخلممت مسممجد البصممرة‬
‫والسود ابن سريع يقص على الناس وقد اجتمع عليه أهل المسجد وخلفممه‬
‫من أهل الفقه جلوس في ناحية أخرى يتحدثون الفقه ويتممذاكرون فركعممت‬
‫بين الحلقة والممذكر‪ ،‬فلممما فرغممت قلممت لممو أتيممت إلممى السممود فعسممى أن‬
‫تصيبهم إجابة ورحمة تصيبني معهم‪ ،‬ثم قلت لممو أتيممت حلقممة الفقممه لعلممي‬
‫أسمع كلمة لم أسمعها فأعمل بها‪ ،‬فلممم أزل أخيممر نفسممي فممي ذلممك حممتى‬
‫جاوزتهم فلم أقعد مع أحد منهم‪ ،‬فلما كانت تلك الليلة أتاني آت في المنام‬
‫فقال أما إنك لو أتيت الحلقة التي كممان يممذكر فيهمما الفقممه لوجممدت جبريممل‬
‫عليه السلم معهم جالسا‪ .‬قال‪ :‬حدثني أبي رحمه الل ّممه تعممالى قممال‪ :‬حممدثنا‬
‫عبد الرحمن بن يحيى حدثنا محمد بن الربيع حدثنا داود‬

‫]ص ‪[221‬‬
‫بن سليمان عن جعفر بن محمد عمن حدثه عن ثابت عممن أنممس بممن مالممك‬
‫رضي الّله تعالى عنه قال‪ :‬قال رسول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه وسمملم )مممن‬
‫أحب أن ينظر إلى عتقاء الّله مممن النممار فلينظممر إلممى المتعلميممن‪ ،‬فوالممذي‬
‫نفس محمد بيده ما من مؤمن متعلم يختلف إلى باب العالم إل كتممب الّلممه‬
‫له بكل حرف وبكل قدم عبادة سنة‪ ،‬وبنى له بكل قممدم مدينممة فممي الجنممة‪،‬‬
‫ويمشممي علممى الرض والرض تسممتغفر لممه‪ ،‬ويمسممي ويصممبح مغفممورا ً لممه‪،‬‬
‫وشهدت له الملئكة ويقولون هممؤلء عتقمماء الل ّممه مممن النممار( قممال‪ :‬سمممعت‬
‫الفقيه أبا جعفر رحمه الّله يذكر بإسناده) أن النبي صلى الل ّممه عليممه وسمملم‬
‫دخل المسجد فرأى مجلسين أحدهما يذكرون الّله والخممر يتعلمممون الفقممه‬
‫ويدعون الّله ويرغبون إليه‪ ،‬فقممال صمملى الل ّممه عليممه وسمملم كل المجلسممين‬
‫على خير‪ ،‬وأحدهما أفضل من الخممر‪ ،‬أممما هممؤلء فيممدعون الل ّممه فممإن شمماء‬
‫أعطاهم وإن شاء منعهم‪ ،‬وأممما هممؤلء فيتعلمممون ويعلمممون الجاهممل‪ ،‬وإنممما‬
‫بعث معلما فهؤلء أفضل ثم جلس معهممم( وعممن أبممي الممدرداء رضممي الل ّممه‬
‫ب من قيام ليلة‪ .‬وعن ابن مسممعود‬ ‫تعالى عنه أنه قال‪ :‬لن أتعلم مسألة أح ّ‬
‫رضي الّله تعالى عنه أنه قال‪ :‬أنتم فممي زمممن العمممل فيممه خيممر مممن العلممم‬
‫وسيأتي زمن العلم فيه خير من العمل‪ .‬وروى سعيد بن المسيب عممن أبممي‬
‫سعيد الخدري رضي الّله تعالى عنه عن رسول الّله صلى الّله عليه وسمملم‬
‫أنه قال )أفضل العمممال علممى ظهممر الرض ثلثممة‪ :‬طلممب العلممم‪ ،‬والجهمماد‪،‬‬
‫ي الله‪ ،‬والكاسب صديق‬ ‫والكسب‪ ،‬لن طالب العلم حبيب الله‪ ،‬والغازي ول ّ‬
‫الله(‪.‬‬
‫وروى أبان عن أنس بن مالك رضي الّله تعالى عنهما عن النبي صلى الّلممه‬
‫عليه وسلم أنه قال "من طلب العلم لغير الّله لممم يخممرج مممن الممدنيا حممتى‬
‫يأتي عليه العلم فيكون اللممه‪ ،‬ومممن طلممب العلممم للممه فهممو كالصممائم نهمماره‬
‫والقائم ليله‪ ،‬وإن بابا ً من العلم يتعلممه الرجمل خيمر ممن أن يكمون لمه أبمو‬
‫قبيس ذهبا فأنفقه في سبيل الّله تعالى" وقيل لعبد الّله بممن المبممارك إلممى‬
‫متى يحسن المممرء أن يتعلممم؟ قممال ممما دام يقبممح عليممه الجهممل يحسممن لممه‬
‫التعلم‪ .‬وحكى عن ابن المبارك رحمه الّله أنه كان في حال الممموت ورجممل‬
‫عنده يكتب له العلم فقيل لممه فممي هممذه الحالممة تكتممب العلممم؟ فقممال لعم ّ‬
‫ل‬
‫الكلمة التي تنفعني لم تبلغني إلمى الن‪ .‬وعممن معماذ بمن جبممل رضمي الل ّممه‬
‫تعالى عنه قال‪ :‬تعلموا العلممم فممإن تعلمممه حسممنة وطلبممه عبممادة ومممذاكرته‬
‫تسبيح والبحث عنه جهاد وتعليمه من ل يعلمه صدقة وبذله لهلممه قربممة‪ ،‬إل‬
‫أن العلم سبيل منازل أهل الجنة‪ ،‬وهو المؤنس في الوحشة والصاحب في‬
‫دث في الخلوة والدليل علممى السممراء والمعيممن علممى الضممراء‬ ‫الغربة والمح ّ‬
‫والزين عند الخلء والسلح على العداء‪ ،‬يرفع الّله به أقواما ً فيجعلهم فممي‬
‫الخير قادة أئمة تقتفي آثارهم ويقتدى بأفعالهم وترغممب فممي الملئكممة فممي‬
‫خلتهم وبأجنحتها تمسحهم ويصلي عليهم كل رطب ويممابس وحيتممان البحممر‬
‫وهوام الرض وسمباع المبّر والبحمر والنعمام‪ ،‬لن العلمم حيماة القلموب ممن‬
‫وة البدان من الضعف‪ ،‬ويبلغ‬ ‫الجهل ومصباح البصار من الظلمة وق ّ‬

‫]ص ‪[222‬‬
‫بالعبد منازل الخيار والبرار والدرجات العلى في الممدنيا والخممرة‪ ،‬والتفكممر‬
‫فيه يعدل بالصيام ومذاكرته تعدل بالقيام وبممه توصممل الرحممام وبممه يعممرف‬
‫الحلل مممن الحممرام وهممو إمممام والعمممل تممابعه ويلهمممه السممعداء ويحرمممه‬
‫الشقياء‪.‬‬
‫)قال الفقيه(‪ :‬حدثنا أبو القاسم عبممد الرحمممن بممن محمممد بإسممناده عممن‬
‫الحسن البصري رحمهم الّله قال‪" :‬ما أعلم شمميئا أفضممل مممن الجهمماد فممي‬
‫سبيل الّله إل أن يكون طلب العلم فإنه أفضل من الجهاد في سممبيل اللممه‪،‬‬
‫ومن خرج من بيته في طلب باب من العلم حفته الملئكة بأجنحتها وصلت‬
‫عليه الطيور في جوّ السماء والسباع في البّر والحيتان في البحممر؟؟؟ الل ّممه‬
‫ديقا‪ .‬أل فاطلبوا العلم واطلبوا للعلم السكينة والحلم‬ ‫أجر اثنين وسبعين ص ّ‬
‫والوقار وتواضعوا لمن تتعلمون منه ولمن تعلمونه‪ ،‬ول تباهوا به العلماء ول‬
‫تماروا به السفهاء ول تختلفوا به إلى المراء ول تطاولوا به على عباد الّلممه‬
‫فتكونوا من جبابرة العلماء الذين أدركهم سخط الّله فكيهم على منمماخرهم‬
‫في نار جهنم‪ ،‬اطلبوا علما ل يضركم في عبادة الل ّممه واعبممدو الل ّممه عبممادة ل‬
‫تضركم في طلب العلم‪ ،‬فإنه ل ينتفع بهذا إل هذا‪ ،‬ول تكونوا كأقوام تركمموا‬
‫طلب العلم وأقبلوا على العبادة حممتى إذا نحلممت جلممودهم علممى أجسممادهم‬
‫خرجوا على الناس بأسيافهم ولو أنهم طلبمموا العلممم لكممان العلممم يحجزهممم‬
‫عما صنعوا‪ .‬وإن العامل بغير علم كالحائد عن الطريق فهو ل يزداد اجتهادا‬
‫إل ازداد بعدا وكان ما يفسده أكثر مما يصمملحه‪ ،‬قيممل لممه عمممن هممذا يمما أبمما‬
‫سعيد قال لقيت فيه سبعين بدويا واغتربت في طلبه أربعين عاما"‪.‬‬
‫وعن أبي الدرداء رضي الّله تعالى عنممه قممال‪ :‬أيهمما النمماس ممما لممي أرى‬
‫علماءكم يذهبون وجهالكم ل يتعلمون‪ ،‬تعلموا قبل أن يرفع العلم فإن رفممع‬
‫العلم ذهاب العلماء‪ .‬وروى عبد الّله بن عمرو بن العاص رضي الل ّممه تعممالى‬
‫عنهما عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنه قال "إن الّله ل يرفع العلم‬
‫بقبض يقبضه ولكمن يقبمض العلمماء بعلمهمم حمتى إذا لمم يبمق عمالم اتخمذ‬
‫الناس رؤساء جهال فيسئلون فيحدثون فضلوا وأضلوا" وعممن ابممن المبممارك‬
‫رضي الّله تعالى عنه أنه قيل له‪ :‬لو أوحى الّله إليك أنك ميممت العشممية ممما‬
‫أنت صانع اليوم؟ قال أطلب فيه العلم‪ .‬وعن إبراهيم النخعي قال‪ :‬ل يممزال‬
‫الفقيه في الصلة قيل وكيف ذلك؟ قال لنك ل تلقاه إل وذكممر الل ّممه تعممالى‬
‫على لسانه يحل حلل ويحممرم حراممما‪ ،‬ويقممال العلممماء سممرج الزمنممة فكممل‬
‫عالم مصباح زمانه يستضيء به أهل عصره‪ .‬وروى عن سالم بن أبي لجعد‬
‫ي‬
‫أنه قال‪ :‬اشتراني مولي بثلثمائة درهم فممأعتقني فقلممت فممي نفسممي بممأ ّ‬
‫الحرف أحترف فاخترت العلم على كل الحرف فلم يمض كممثير مممدة حممتى‬
‫أنه أتاني الخليفة زائر فلم آذن له‪ .‬وذكر عن صالح المري رحمه الّله تعالى‬
‫أنه دخل على أمير المؤمنين فأجلسه على وسادة فقال صالح قال الحسن‬
‫وصدق الحسن فقال له أمير المؤمنين وأيّ شيء قال الحسن؟ قال‪ :‬قممال‬
‫الحسن‪ :‬إن العلم يزيد الشريف شرفا ويبلغ بالعبد‬

‫]ص ‪[223‬‬
‫منازل الحرار وإل فمن صالح المّريّ حتى يجلممس علممى وسممادة المممؤمنين‬
‫لول العلم‪ .‬وعن أنس بن مالك رضممي الل ّممه تعممالى عنممه أنممه قممال‪" :‬اطلبمموا‬
‫العلم ولو بالصين فإن طلب العلممم فريضممة علممى كممل مسمملم"‪ .‬وروى ابممن‬
‫المسيب عن أبي بكر عن عون بن عبممد الل ّممه قممال جمماء رجممل إلممى أبممي ذر‬
‫رضي الّله تعالى عنه فقال‪ :‬إني أريد أن أتعلم وأخاف أن أضيعه ول أعمممل‬
‫به قال أما أنك إن توسدت العلم خير لك من أن تتوسد الجهممل‪ ،‬ثممم ذهممب‬
‫إلى أبي الدرداء رضي الّله تعالى عنه وقال له مثل ذلك فقال أبو الممدرداء‪:‬‬
‫إن الناس يبعثون على ما ماتوا عليه يبعث العالم عالما والجاهل جاهل‪ ،‬ثممم‬
‫ذهب إلى أبي هريرة رضي الّله تعالى عنه وقال له مثل ذلك فقال لممه أبممو‬
‫هريرة رضي الّله تعالى عنه ما أنت بواجد شيئا أضيع له من تركه‪.‬‬
‫وروى أبو هريرة رضي الّله تعالى عنه عن النبي صلى الّله عليه وسلم‬
‫أنه قال "ما عبد الّله بشيء أفضل من فقه في الدين‪ ،‬ولفقيممه واحممد أشممد‬
‫على الشيطان من ألف عابد وإن لكل شمميء عمممادا وعممماد الممدين الفقممه"‬
‫وذكر في الخبر‪ :‬إن أهل البصرة اختلفوا‪ ،‬فقال بعضممهم العلممم أفضممل مممن‬
‫المال وقال بعضهم المال أفضل من العلم‪ ،‬فبعثوا رسول إلممى ابممن عبمماس‬
‫رضي الّله تعالى عنهما فسأله عن ذلك فقال ابن عباس رضي الل ّممه تعممالى‬
‫عنهما العلم أفضل‪ ،‬فقال الرسول إن سألوني على الحجة ماذا أقممو لهممم؟‬
‫قال قل لهم إن العلم ميراث النبياء والمممال ميممراث الفراعنممة ولن العلممم‬
‫يحرسك وأنت تحرس المال ولن العلم ل يعطيه الّله إل مممن يحبممه والمممال‬
‫يعطيه الّله لمن أحبه ولمن ل يحبه بل لمن ل يحبه أكثر‪ ،‬أل ترى إلممى قممول‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ما ِ‬‫ح َ‬ ‫ن ي َك ْ ُ‬
‫فُر ِبالّر ْ‬ ‫جعَل َْنا ل ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫حد َة ً ل َ َ‬‫ة َوا ِ‬‫م ً‬
‫سأ ّ‬ ‫ن الّنا ُ‬ ‫كو َ‬‫ن يَ ُ‬ ‫ول أ ْ‬ ‫الّله عّز وجل }وَل َ ْ‬
‫ن{ الية‪ ،‬ولن العلم ل ينقممص‬ ‫ج ع َل َي َْها ي َظ ْهَُرو َ‬
‫مَعارِ َ‬‫ضة ٍ و َ َ‬ ‫ن فَ ّ‬ ‫م ْ‬‫قفا ً ِ‬
‫س ُ‬‫م ُ‬
‫ل ِب ُُيوت ِهِ ْ‬
‫بالبذل والنفقة‪ ،‬والمال ينقص بالبذل والنفقة‪ ،‬ولن صاحب المممال إذا مممات‬
‫انقطع ذكره والعالم إذا مات فذكره باق‪ ،‬ولن صاحب المال ميت وصاحب‬
‫العلم ل يموت‪ ،‬ولن المال يسأل عن كل درهم من أين اكتسبه وأين أنفقه‬
‫ي بممن أبممي‬ ‫وصاحب العلم له بكل حديث درجة فممي الجنممة" وروى عممن عل م ّ‬
‫طالب كرم الّله وجهه أنه قال‪ :‬النماس ثلثمة‪ :‬عممالم وربماني‪ ،‬ومتعلمم علمى‬
‫سبيل النجاة‪ ،‬وسائر الناس همج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كمل ريمح‪،‬‬
‫وقال‪ :‬العلم خير من المممال العلممم يحرسممك وأنممت تحممرس المممال‪ ،‬والعلممم‬
‫يزكو مممع النفقممة والمممال تنقصممه النفقممة‪ ،‬والعلممماء بمماقون ممما بقممي الممدهر‬
‫أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجممودة‪ .‬وعممن أبممي الممدرداء رضممي‬
‫الّله تعالى عنه أنه قال‪ :‬العممالم والمتعلممم فممي الجممر سممواء‪ ،‬وإنممما النمماس‬
‫رجلن عالم ومتعلم‪ ،‬ول خير فيما سوى ذلك‪.‬‬

‫]ص ‪[224‬‬
‫باب العمل بالعلم‬
‫ّ‬
‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رضي الله تعالى عنه وأرضمماه‪:‬‬
‫ي بن الحسين حدثنا الحسين بن إسمعيل القاضممي‬ ‫حدثنا الحاكم الحسن عل ّ‬
‫حدثنا يوسف بن موسى حدثنا إبراهيم بن رستم حدثنا حفممص الثممري‪ .‬عممن‬
‫إسمعيل بن سميع عن أنس بممن مالممك رضممي الل ّممه تعممالى عنممه قممال‪ :‬قممال‬
‫رسول الّله صلى الّله عليه وسلم )لعلماء أمناء الرسل على عبادة الّله ممما‬
‫لم يخالط السلطان ويدخل في الممدنيا‪ ،‬فممإذا دخلمموا فممي الممدنيا فقممد خممانوا‬
‫الرسل فاعتزلوهم واحذروهم( قال حدثنا محمد بن الفضل حدثنا محمد بن‬
‫جعفر حدثنا إبراهيم بن يوسف حدثنا عبد الّله بن نمير عن جعفر بن برقممن‬
‫عن الفرات بن سليمان قال‪ :‬قال أبو الدرداء رضي الّله تعالى عنه ل يكون‬
‫الرجل عالما ً حتى يكون متعلمًا‪ ،‬ول يكون عالما ً حتى يكممون بممالعلم عممام ً‬
‫ل‪.‬‬
‫وعن أبي الدرداء رضي الّله تعالى عنه أنه قممال‪ :‬ويممل للممذي ل يعلممم مممرة‪،‬‬
‫وويل للذي يعلم ول يعمل سبع مرات‪ .‬وعنه أيضا ً رضي الّله تعالى عنه أنممه‬
‫قال‪ :‬إني ل أخاف أن يقال لي يوم القيامممة يمما عممويمر ممماذا علمممت‪ ،‬لكنممي‬
‫أخاف أن يقال لي يوم القيامة يا عممويمر ممماذا عملممت فيممما علمممت‪ ،‬وعممن‬
‫عيسى بن مريم عليهما السلم أنه قال‪ :‬من علم وعمل وعّلم فذلك الممذي‬
‫يدعى في ملكوت السموات عظيمًا‪ .‬وعممن عمممر بممن الخطمماب رضممي الل ّممه‬
‫تعالى عنه أنه قال لعبد الّله بن سمملم رضممي الل ّممه تعممالى عنممه مممن أربمماب‬
‫العلم؟ قال الذين يعملون به‪ ،‬قال فما ينفي العلم من صدور الرجال؟ قال‬
‫الطمع‪ .‬وعن عيسى بن مريم عليهما السلم‪ :‬ماذا يغني عن العمى حمممل‬
‫السراج ويستضمميء بممه غيممره‪ ،‬وممماذا يغنممي عممن الممبيت المظلممم أن يكممون‬
‫السراج على ظهره‪ ،‬وماذا يغني عنكم أن تتكلموا بالحكمة وما تعملون بها‪.‬‬
‫وعنه أيضا ً عليه الصلة والسلم قال‪ :‬ما أكثر الشممجار وليممس كلهمما بمثمممر‬
‫وما أكثر العلماء وليس كلهم بمرشد‪ ،‬وما أكممثر الثمممر وليممس كلهمما بطيممب‪،‬‬
‫وما أكثر العلوم وليس كلها بنافع‪ ،‬وعن الوزاعي قال‪ :‬من عمل بممما يعلممم‬
‫وفق لما ل يعلم‪ .‬وقال سهل بن عبد الله‪ ،‬النماس كلهمم مموتى إل العلمماء‪،‬‬
‫والعلممماء كلهممم سممكرى إل العمماملون بممالعلم‪ ،‬والعمماملون مغممرورون إل‬
‫المخلصون‪ ،‬والمخلصون على الخطر‪ .‬وعن النبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم‬
‫أنه قممال )ل تجلسمموا عنممد كممل عممالم إل الممذي يممدعوكم مممن الخمممس إلممى‬
‫الخمس‪ :‬من الشك إلى اليقين‪ ،‬ومن الكبر إلى التواضع‪ ،‬ومن العداوة إلممى‬
‫النصيحة‪ ،‬ومن الرياء إلمى الخلص‪ ،‬وممن الرغبمة إلمى الزهمد(‪ .‬وروى عمن‬
‫ي بن أبي طالب كرم الّله وجهممه إنممه قممال‪ :‬إذا لممم يعمممل العممالم بعلمممه‬‫عل ّ‬
‫استنكف الجاهل أن يتعلم منه‪ ،‬لن العالم إذا لم يعمل بالعلم ل ينفع العلممم‬
‫إياه ول غيره وإن جمع العلم بالوقار‪ ،‬لنه بلغنا أن رجل ً في بنممي إسممرائيل‬
‫جمع ثمانين تابوتا ً من العلم‪ ،‬فأوحى الّله تعالى إلى نبي مممن النبيمماء انقممل‬
‫لهذا الحكيم لو جمعت مثله معه‬

‫]ص ‪[225‬‬
‫لا ينتفع به إل أن تعمل بهذه الثلثة الشياء‪ :‬أولها ل تحب الدنيا فإنها ليست‬
‫بدار المؤمنين‪ ،‬والثاني أن ل تصاحب الشيطان فإنه ليس برفيق المؤمنين‪،‬‬
‫والثالث أن ل تؤذي المؤمنين فإنه ليس بحرفة المؤمنين‪ .‬قال سممفيان ابممن‬
‫عيينة رضي الّله تعالى عنه‪ :‬ليس يحسن على الناس الجهل من عمممل بممما‬
‫يعلم فهو من أعلم الناس‪ ،‬ومن ترك العمل بممما يعلممم فهممو الجاهممل‪ ،‬قممال‪:‬‬
‫وقد كان يقال يغفر للجاهل سبعون ذنبا ما ل يغفر للعالم واحدة‪ ،‬وذكر في‬
‫الخبر أن الملئكة تتعجب من ثلث‪ :‬عالم فاسق يحدث الناس بما ل يعمممل‬
‫به‪ ،‬وقبر الفاجر يبنى بالجص والخر‪ ،‬والنقش على جنممازة الفمماجر‪ .‬ويقممال‪:‬‬
‫أشد الحسرة يوم القيامة ثلثة‪ ،‬رجل له مملوك صالح يدخل الجنممة وممموله‬
‫يدخل النار‪ ،‬ورجل جمع المال ومنع منه حقوق الّلمه تعمالى فيمموت فينفمق‬
‫منه ورثته في طاعة الّله تعالى فينجون به والذي جمعه فممي النممار‪ ،‬ورجممل‬
‫عالم سوء يحدث الناس ينجو الناس بعلمه وهو يصير إلى النار‪ .‬وقال رجل‬
‫للحسن البصري رضممي الل ّممه تعممالى عنممه‪ :‬إن فقهاءنمما يقولممون كممذا‪ ،‬فقممال‬
‫الحسن وهل رأيت فقيها قط؟ إنما الفقيه الزاهممد فممي الممدنيا الراغممب فممي‬
‫الخرة البصير بذنبه الممدّوام علممى عبممادة ربممه‪ .‬ويقممال‪ :‬إذا اشممتغل العلممماء‬
‫بجمع أكلة الشبهة‪ ،‬وإذا صار العلماء أكلة الشبهة صار العوام أكلة الحممرام‪:‬‬
‫وإذا صار العلماء أكلة الشبهة صار العوام أكلممة الحممرام‪ :‬وإذا صممار العلممماء‬
‫أكلة الحرام صار العوام كفارا‪.‬‬
‫)قال الفقيه(‪ :‬لن العلماء إذا جمعوا الحلل فالعوام يقتدون بهم في‬
‫الجمع ول يحسنون العلم فيقعون فممي الشممبهة‪ ،‬وأممما إذا أخممذ العلممماء مممن‬
‫الشبهة وتحرزوا عن الحرام فيقتدي بهم الجهممال ول يميممزون بيممن الشممبهة‬
‫والحرام فيقعون في الحرام‪ ،‬وأما إذا أخذ العلماء من الحرام فيقتممدى بهممم‬
‫الجهال ويظنون أنه حلل فيكفممرون إذا اسممتحلوا الحممرام‪ .‬ويقممال‪ :‬إذا كممان‬
‫يوم القيامة تعلق الجهال بالعلماء يقولون أنتم قد علمتممم فلممم تممدلونا ولممم‬
‫تنهونا حتى وقعنا فيما وقعنا‪ .‬وعن النبي صلى الّله عليه وسمملم "أنممه سممئل‬
‫أي الناس شر؟ قال العالم إذا فسد"‪ .‬يقال‪ :‬إذا فسد العالم فسممد لفسمماده‬
‫العالم‪ .‬وروى عن بشر بن الحرث أنه كمان يقمول لصممحاب الحممديث‪" :‬أدوا‬
‫زكاة هذه الحاديث قالوا كيف نممؤدي زكاتهمما؟ قممال اعملمموا مممن كممل مممأتى‬
‫حديث بخمسة أحاديث وقال بعض الحكماء تعلممم العلممم فممي زماننمما تهمممة‪،‬‬
‫والستماع مؤانسة‪ ،‬والقول به شهوة‪ ،‬والعمل بمه نمزع النفمس‪ .‬وروى عمن‬
‫النبي صلى الّله عليه وسلم أنممه قممال "ممن تعلممم العلممم لربممع دخممل النممار‪:‬‬
‫ليباهي به العلماء‪ :‬أو يماري به السفهاء‪ ،‬أو يقبل به وجمموه النمماس إليممه‪ ،‬أو‬
‫يأخذ به من المراء المال والحرمة والجاه والمنزلة"‪ ،‬وقال سفيان الثوري‪:‬‬
‫أول العلم الصمت‪ ،‬والثاني الستماع‪ ،‬والثالث الحفظ‪ ،‬والرابممع العمممل بممه‪،‬‬
‫والخامس نشره‪ ،‬وقال أبو الممدرداء‪ :‬كممن عالم ما ً أو متعلم ما ً أو مسممتمعًا‪ ،‬ول‬
‫تكن الرابع فتهلك‪ :‬يعني ممن ل يعلم ول يتعلم ول يستمع‪ .‬ويقممال‪ :‬العلممماء‬
‫ثلثة أولها عالم بالله وعالم بأمر الله‪ ،‬والثاني عالم بالله وليس عالما بممأمر‬
‫الله‪ ،‬والثالث عالم بأمر الّله وليس بعالم بالله‪ ،‬فأما العالم بالله وبأمر الل ّممه‬
‫فالذي يخشى الّله ويعمل الحدود والفرائض‬

‫]ص ‪[226‬‬
‫وأما العالم بالله وليس بعالم بأمر الّله فالذي يخشى الّله ول يعلممم الحممدود‬
‫والفرائض‪ ،‬وأما العالم بأمر الل ّممه وليممس بعممالم بممالله فالممذي يعلممم الحممدود‬
‫والفرائض ول يخشى الله‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬سمعت أبممي رحمممه الل ّممه قممال‪،‬‬
‫سمعت محمد بن جناح قال‪ :‬قال أبممو حفممص‪ :‬يممزاد ُ للعممالم عشممرة أشممياء‪:‬‬
‫الحسنة والخشية والنصيحة والشفقة والحتمال‪ ،‬والصبر والحلمم والتواضممع‬
‫جمماب وأن‬ ‫والعفة في أموال الناس والدوام على النظر في الكتب وقلة الح ّ‬
‫يكون بابه مفتوحا ً للوضيع والشممريف فممإنه بلغنمما أن داود النممبي صمملى الل ّممه‬
‫جمماب‪ ،‬قممال أبممو حفممص‪ :‬عشممرة أشممياء‬ ‫عليه وسلم إنما ابتلى من شدة الح ّ‬
‫قبيحة في عشرة أصناف من النمماس‪ :‬الحممدة فممي السمملطان‪ ،‬والبخممل فممي‬
‫الغنياء‪ ،‬والطمع في العلماء‪ ،‬والحرص في الفقراء‪ ،‬وقلة الحيمماء فممي ذوي‬
‫الحساب‪ :‬والفتوة في الشيوخ‪ ،‬وتشبه الرجال بالنسمماء والنسمماء بالرجممال‪،‬‬
‫وإتيان الزهاد أبواب أهل الدنيا‪ ،‬والجهل في العبادة‪ .‬قال فضيل بممن عيمماض‬
‫ه تزيممد‬‫رحمه الله‪ :‬إذا كان العالم راغبا ً في الدنيا حريصا عليها فإن مجالست ّ‬
‫الجاهل جهل والفاجر فجورا وتقسي قلب المممؤمن‪ .‬وقممال بعممض الحكممماء‪:‬‬
‫كلم الحكماء لهوالسفهاء‪ ،‬وكلم السفهاء عبرة الحكماء‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬يعني أن السفهاء إذا سمعوا كلم‬
‫الحكماء يستظرفون كلمهم فيكممون بمنزلممة اللهممو لهممم‪ ،‬وأممما الحكممماء إذا‬
‫سمعوا كلم السفهاء فيرون قبح ذلك الكلم فيعتممبرون بمه ويحمترزون عمن‬
‫مثل ذلك‪ .‬ويقال‪ :‬همممة السممفهاء السممتماع‪ ،‬وهمممة العلممماء الرويممة‪ ،‬وهمممة‬
‫الزهاد الرعاية‪ :‬يعني يتعاهدون بما فيه ويعملون به‪ ،‬وبالله التوفيق‪.‬‬

‫باب فضل مجالس العلم‬


‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رضي الّله تعالى عنه وأرضمماه‪:‬‬
‫حدثنا أبو القاسم ابن محمد بن روزية حدثنا أبو موسى عيسى بممن خشممنام‬
‫حدثنا سويد‪ .‬عن مالك عن إسحق بن عبد الّله عن أبي طلحة عن أبي مرة‬
‫عن أبي واقد الليثي "أن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم بينما هو جممالس‬
‫والناس معه إذ أقبل ثلثة نفر‪ ،‬فأما أحدهم فرأى فرجة في الحلقة فجلممس‬
‫إليها‪ ،‬وأما الخر فجلس خلفهم‪ ،‬وأما الثالث فأدبر ذاهبا‪ ،‬فلما فممرغ رسممول‬
‫الّله صلى الّله عليه وسلم من كلمممه قممال‪ :‬أل أخممبركم عممن النفممر الثلثممة‪،‬‬
‫فأما الول فآوى إلى الّله فآواه الله‪ ،‬وأما الثاني فاستحيا من الّله أو يممؤذي‬
‫الناس فاستحيا الّله منه‪ ،‬وأما الثممالث فممأعرض فممأعرض الل ّممه عنممه"‪ .‬قممال‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن الفضل حدثنا محمد بممن جعفممر حممدثنا إبراهيممم بممن يوسممف‬
‫حدثنا سفيان‪ ،‬عن داود بن شابور عن شهر بن حوشممب قممال‪ :‬قممال لقمممان‬
‫لبنه يا بني إذا رأيت قوما يذكرون الّله فاجلس معهم فإنممك إن تممك عالم ما ً‬
‫ينفعك علمك‪ ،‬وإن تك جاهل ً علموك‪ ،‬ولعل الّله تعالى يطلع عليهم‬

‫]ص ‪[227‬‬
‫برحمته فنصيبك معهم‪ ،‬وإذا رأيت قوممما ل يممذكرون الل ّممه تعممالى فل تجلممس‬
‫معهم فإنك إن تك عالما ً ل ينفعك علمك‪ ،‬وإن تك جمماهل ً يممزدك غيمما‪ ،‬ولعممل‬
‫الّله أن يطلع عليهم بسخطه فيصيبك معهم‪ .‬قال‪ :‬حدثنا محمد بممن الفضممل‬
‫بإسناده عن أبي صالح عن أبي هريرة عن أبي سممعيد الحممدري رضممي الل ّممه‬
‫تعالى عنه أن النممبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم قممال "إن للممه تعممالى ملئكممة‬
‫سياحين في الرض فإذا وجدوا قوما يذكرون الّله تعالى تنادوا وقالوا هلموا‬
‫إلى بغيتكم فيجيئون فيحفون بهم‪ ،‬فممإذا صممعدوا إلممى السممماء فيقممول الل ّممه‬
‫تعالى على أي شيء تركتم عبادي يصنعون وهو أعلم بهم؟ قممالوا تركنمماهم‬
‫يحمدونك ويسممبحونك ويممذكرونك‪ ،‬فيقممول فممأي شمميء يطلبممون؟ فيقولممون‬
‫الجنة‪ ،‬فيقول الل ّممه عممز وجممل هممل رأوهمما؟ فيقولممون‪ ،‬ل فيقممول فكيممف لممو‬
‫رأوها؟ فيقولون‪ :‬لو رأوها لكانوا أشدو لها طلبا ً وأشد عليها حرصًا‪ .‬فيقممول‬
‫من أي شيء يتعوذون؟ فيقولون يتعوذون من النار‪ ،‬فيقول الّله تعالى‪ :‬هل‬
‫رأوها؟ فيقولون ل‪ ،‬فيقول كيف لو رأوها؟ فيقولون لممو رأوهمما لكممانوا أشممد‬
‫منها هربا ً وأشد منها خوفا‪ ،‬فيقول إني أشهدكم يا ملئكتي إني غفرت لهم‪،‬‬
‫فيقولون إن فيهم فلنا ً الخاطئ لم يردهم وإنما جاءهم لحاجة‪ ،‬فيقممول هممم‬
‫القوم ل يشقى جليسهم" وروى عبد الّله بن مسعود رضي الّله تعالى عنممه‬
‫أنه قال‪ :‬مثممل الجليممس الصممالح كمثممل حامممل المسممك إن لممم يعطممك منممه‬
‫أصابك من ريحه‪ ،‬ومثل الجليس السوء كمثل القين إن لم يحرق ثيابك من‬
‫دخانه‪ .‬وعن كعب الحبار رضي الّله تعالى عنه أنه قال‪ :‬إن الل ّممه عممز وجممل‬
‫كتب كلمتين وضعهما تحت العرش قبل أن يخلق الخلق ولم يعلم الملئكممة‬
‫عن علمهما وأنا أعلم بهما‪ ،‬قيل يا أبا إسحاق وما هما؟ قال إحداهما كتممب‪:‬‬
‫لو كان رجل يعمل عمل جميع الصالحين بعد أن تكممون صممحبته مممع الفجممار‬
‫فأنا الذي أجعل عمله إثما وأحشره يوم القيامممة مممع الفجممار‪ ،‬والخممرى لممو‬
‫كان رجل يعمل عمل جميع الشرار بعد أن صحبته مممع الصممالحين والبممرار‬
‫ويحبهم فأنا الذي أجعل آثامه حسنات وأحشره يوم القيامة مع البرار‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله ويقال من انتهى إلى العالم وجلس معه ول‬
‫يقدر على أن يحفظ العلم فله سبع كرامات‪ :‬أّولها ينممال فضممل المتعلميممن‪،‬‬
‫والثاني ما دام جالسا عنده كان محبوسا عن الذنوب والخطايا‪ ،‬والثالث إذا‬
‫خرج من منزله تنزل عليه الرحمة‪ ،‬والرابع إذا جلممس عنممده فتنممزل عليهممم‬
‫الرحمة فتصمميبه بممبركتهم‪ ،‬والخممامس ممما دام مسممتمعا تكتممب لممه الحسممنة‪،‬‬
‫والسادس تحف عليهم الملئكة بأجنحتها رضا وهو فيهم‪ ،‬والسابع كل قممدم‬
‫يرفعممه ويضممعه يكممون كفممارة للممذنوب ورفعمما للممدرجات لممه وزيممادة فممي‬
‫الحسنات‪ ،‬ثم يكرمه الّله تعالى بست كرامات أخممرى‪ :‬أّولهمما يكرمممه بحممب‬
‫شهود مجلس العلماء‪ ،‬والثاني كل من يقتدي بهممم فلممه مثممل أجممورهم مممن‬
‫غير أن ينقص من أجورهم شيء‪ ،‬والثالث لو غفر لواحممد منهممم يشممفع لممه‪،‬‬
‫والرابممع يممبرد قلبممه مممن مجلممس الفسمماق‪ ،‬والخممامس يممدخل فممي طريممق‬
‫المتعلمين والصالحين‪،‬‬

‫]ص ‪[228‬‬
‫م‬‫ما ك ُن ْت ُم ْ‬
‫ن بِ َ‬ ‫والسادس يقيم أمر الّله تعالى لن الّله تعالى قال } ُ‬
‫كوُنوا َرّبان ِّيي َ‬
‫ب{ يعني العلماء والفقهمماء هممذا لمممن لممم يحفممظ شمميئا" وأممما‬ ‫ن الك َِتا َ‬ ‫ت ُعَل ّ ُ‬
‫مو َ‬
‫الذي يحفظ فله أضعاف مضاعفة‪.‬‬
‫)وقال بعض الحكماء(‪ :‬إن لله تعالى جنة في الدنيا من دخلها طاب‬
‫عيشه قيل ما هي؟ قال مجلس الذكر‪ .‬وعن النبي صلى الل ّممه عليممه وسمملم‬
‫أنه قممال " المجلممس الصممالح يكفممر عممن المممؤمن ألفممي ألممف مجلممس مممن‬
‫مجالس السوء" وعن عمر بممن الخطمماب رضممي الل ّممه تعممالى عنممه قممال‪ :‬إن‬
‫الرجل ليخرج من منزله وعليه مممن الممذنوب مثممل جبممال تهامممة فممإذا سمممع‬
‫العلم خاف واسترجع عن ذنوبه فانصرف إلى منزله وليس عليمه ذنمب" فل‬
‫تفارقوا مجالس العلماء فإن الّله تعالى لممم يخلممق علممى وجممه الرض بقعممة‬
‫أكرم على الّله من مجالس العلماء‪ .‬وروى حميد عن أنس بن مالممك رضممي‬
‫الّله تعالى عنه قال" جاء رجل إلى النبي صلى الّله عليه وسلم فقال مممتى‬
‫الساعة؟ فقال‪ :‬ما أعددت لها؟ قال أعددت لها كثيرا مممن صمملة ول صمميام‬
‫إل أني أحب الّله ورسوله‪ ،‬فقال النبي صلى الّله عليه وسلم‪ :‬المرء مع من‬
‫أحب وأنت مع من أحببت" قال أنس‪ :‬وما رأيت المسمملمين فرحمموا بشمميء‬
‫ن‬ ‫كفرحهم بذلك‪ .‬وعن ابن مسعود رضي الّله تعالى عنه قممال‪ :‬ثلثممة أقمموله ّ‬
‫حقا ل يتولى الّله عبدا في الدنيا فيوليه غيره يموم القياممة‪ ،‬وليممس ممن لمه‬
‫سهم في السلم كمن ل سهم له‪ ،‬والمرء مع من أحب‪ ،‬والرابع لممو حلفممت‬
‫عليها لبررت ل يستر الّله على عبد في الدنيا إل ستر الّله تعالى عليممه فممي‬
‫الخرة‪ .‬وروى عن أبي هريرة رضي الّله تعالى عنه أنه دخل السمموق فقممال‬
‫أنتم ههنا وميراث محمد صلى الّله عليه وسلم يقسم في المسجد؟ فذهب‬
‫الناس إلى المسجد وتركوا السوق‪ ،‬فرجعوا وقممالوا يما أبما هريممرة مما رأينما‬
‫ميراثا يقسم‪ ،‬فقال لهم مما رأيتمم؟ قمالوا رأينما قومما يمذكرون الّلمه تعمالى‬
‫ويقرؤون القرآن‪ ،‬قال فذلك ميراث محمد‪ .‬وعن علقمة بن قيس قال‪ :‬لن‬
‫ي‬
‫ب إلم ّ‬ ‫أغدو على قوم أسألهم عن أوامر الّله تعممالى أو يسممألوني عنهمما أحم ّ‬
‫من أن أحمل على مائة فرس في سبيل الّله تعالى‪ .‬وروى عن النبي صلى‬
‫الّله عليه وسلم أنه قال" ما جلس قوم يذكرون الّله تعالى إل نمماداهم منمماد‬
‫دلت سمميئاتكم حسممنات وغفممرت لكممم جميعمما وممما‬ ‫من السماء قوموا فقد ب ّ‬
‫قعدت عدة من أهل الرض يذكرون الّله تعالى إل قعدت معهم عدتهم مممن‬
‫الملئكة قال شقيق الزاهد رحمه الّله تعالى‪ :‬الناس يقومون مممن مجلسممي‬
‫على ثلثة أصناف‪ :‬كافر محض‪ ،‬ومنافق محض ومممؤمن محممض‪ ،‬قممال لنممي‬
‫أفسر القرآن فأقول عن الّله تعالى وعن رسمموله فمممن لممم يصممدقني فهممو‬
‫كافر محض‪ .‬ومن كان يضيق قلبه بهذا فهو منافق محض‪ ،‬ومن قممدم علممى‬
‫ما صنع ونوى أن ل يذنب بعدها هذا فهو مؤمن محض‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬يقال‪ :‬من جلس مع ثمانية أصناف من‬
‫الناس زاده الّله ثمانية أشياء‪ :‬من جلس مع الغنيمماء زاده الل ّممه حممب الممدنيا‬
‫والرغبة فيها‪ ،‬ومن جلس مع الفقراء زاده الّله الشكر والرضا بقسمة الّلممه‬
‫تعالى‪ ،‬ومن جلس مع السلطان زاده الّله الكبر‬

‫]ص ‪[229‬‬
‫ّ‬
‫وقساوة القلب‪ ،‬ومن جلس مع النساء زاده اللمه الجهمل والشمهوة والميمل‬
‫ن‪ ،‬ومن جلس مع الصبيان زاده الّله اللهو والمزاح‪ ،‬وممن جلمس‬ ‫إلى عقوله ّ‬
‫مع الفسمماق زاده الل ّممه الجممراءة علممى الممذنوب والمعاصممي والقممدام عليهمما‬
‫والتسويف فممي التوبممة‪ ،‬ومممن جلممس مممع الصممالحين زاده الّلمه الرغبممة فممي‬
‫الطاعات واجتناب المحارم‪ ،‬ومن جلس مع العلماء زاده الّله العلم والورع‪.‬‬
‫ويقال ثلثة من النوم يبغضها الّله تعالى‪ ،‬وثلثممة مممن الضممحك يبغضممها الل ّممه‬
‫تعالى‪ ،‬النوم عند مجلممس الممذكر‪ ،‬والنمموم بعممد صمملة الفجممر وقبممل العشمماء‬
‫الخرة‪ ،‬والنوم في صلة الفريضة‪ .‬والضحك خلممف الجنممازة‪ ،‬والضممحك فممي‬
‫مجلس الممذكر‪ ،‬والضممحك عنممد المقممابر‪ ،‬قممال أبممو يحيممى المموراق المصمائب‬
‫دو‪،‬‬‫أربعة‪ :‬فوت التكبيرة الولى‪ ،‬وفوت مجلس الممذكر‪ ،‬وفمموت مواقعممة العم ّ‬
‫وفموت الوقمموف بعرفممات يعنممي إذا خممرج إلمى الحمج وفماته الحمج‪ .‬ويقمال‪:‬‬
‫مجالسة العلماء مرمة الدين وزين للبدن‪ ،‬ومجالسة الفساق جراحة للممدين‬
‫وشين للبدن‪ .‬وروى عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قممال "النظممر فممي‬
‫وجه العالم عبادة‪ ،‬والنظر في الكعبة عبادة‪ ،‬والنظر في المصحف عبادة"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬لو لم يكن لحضور مجلس العلم‬
‫منفعة سوى النظر إلى وجه العممالم لكممان الممواجب عممل العاقممل أن يرغممب‬
‫فيه‪ ،‬فكيف وقد أقام النبي صلى الّله عليه وسلم العالم مقام نفسه فقممال‬
‫"من زار عالما ً فكأنما زارنمي‪ ،‬وممن صمافح عالمما ً فكأنمما صمافحني‪ ،‬وممن‬
‫جالس عالما ً كأنما جالسني‪ ،‬ومن جالسني في الدنيا أجلسه الّله معي يمموم‬
‫القيامة في الجنة" وروى عن الحسن البصري رحمه الل ّممه تعمالى أنمه قممال‪:‬‬
‫مثل العلماء كمثل النجوم إذا بدت اهتدوا بها وإذا أظلمممت تحيممروا‪ ،‬وممموت‬
‫العالم ثلمة في السلم ل يسدها شيء ما اختلفت الليالي واليام‪.‬‬

‫باب ما جاء في الشكر‬


‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رضي الّله تعالى عنه‪ :‬حدثنا الفقيه‬
‫أبو جعفر رحمه الّله وحممدثنا أبممو القاسممم أحمممد بممن حممم حممدثنا محمممد بممن‬
‫سلمة‪ ،‬حدثنا محمد بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة عن زكريا بممن أبممي زائدة‬
‫عن سعيد بن أبي بردة عن أنس بن مالك رضي الّله تعالى عنه عممن النممبي‬
‫صلى الّله عليه وسلم أنه قال "إن الّله تعالى ليرضممى عممن العبممد أن يأكممل‬
‫الكلة ويشرب الشربة فيحمده عليها" قال‪ :‬حدثنا الفقيه أبممو جعفممر رحمممه‬
‫الّله حدثنا محمد بن عقيل حممدثنا عيمماش الممدوري حممدثنا عمممرو بممن حفممص‬
‫حدثنا أبي عن عبد الرحمن بن إسحاق بن شهر بن حوشب عن أسماء بنت‬
‫يزيد قالت‪ :‬سمعت رسول الّله صلى الّله عليه وسلم يقول "إذا جمممع الل ّممه‬
‫الولين والخرين يجيء مناد فينادي بصمموت يسمممعه الخلئق‪ :‬سمميعلم أهممل‬
‫الجمع اليوم من أولى بالكرم‪ ،‬ليقم الذين‬

‫]ص ‪[230‬‬
‫تتجافى جنوبهم عن المضاجع فيقومون‪ ،‬وهم قليل‪ ،‬ثمم ينمادي ليقمم الممذين‬
‫كانت ل تلهيهم تجارة ول بيع عن ذكر الّله فيقومون وهممم قليممل‪ ،‬ثممم ينممادي‬
‫ليقم الذين كانوا يحمدون الّله تعالى في السممراء والضممراء فيقومممون وهممم‬
‫قليل‪ ،‬ثم يحاسب سائر الناس" قال‪ :‬حدثنا محمد بن داود حدثنا محمممد بممن‬
‫جعفر الكراببسي حمدثنا إبراهيممم بمن يوسممف حممدثنا محممد بمن عبيمد‪ .‬عمن‬
‫يوسف بن ميمون عن الحسن رحمه الل ّممه تعممالى قممال‪ :‬قممال موسممى عليممه‬
‫الصلة والسلم لربه‪ :‬يا رب كيف استطاع آدم أن يممؤدى شممكر ممما صممنعت‬
‫إليه؟ خلقته بيدك ونفخت فيه من روحك وأسكنته جنتممك وأمممرت الملئكممة‬
‫فسجدوا له؟ قال‪ :‬يا موسى علم آدم أن ذلك منممي فحمممدني عليممه‪ ،‬فكممان‬
‫ذلك شكرا لما صنعت إليه‪.‬‬
‫وروى عن سعيد عن قتادة أن النبي صلى الّله عليه وسلم قال "أربع‬
‫من أعطيهن فقد أعطى خيري الدنيا والخرة‪ :‬لسممان ذاكممر‪ ،‬وقلممب شمماكر‪،‬‬
‫وبدن صابر‪ ،‬وزوجة مؤمنة صالحة" ويقال‪ :‬كان من دعاء داود عليه الصمملة‬
‫والسلم‪ :‬اللهم إني أسألك أربعة وأعوذ بك من أربعة‪ :‬أما اللممواتي أسممألك‪:‬‬
‫فلسانا ذاكرا‪ ،‬وقلبا شاكرا‪ ،‬وبدنا صابرا‪ ،‬وزوجة تعينني في دنياي وآخرتممي‪،‬‬
‫ي سمميدا‪ ،‬ومممن‬ ‫وأما اللواتي أعوذ بك منهن‪ :‬فأعوذ بممك مممن ولممد يكممون علم ّ‬
‫ي ومن جممار لممو‬ ‫امرأة تشيبني قبل وقت المشيب‪ ،‬ومن مال يكون وبال عل ّ‬
‫رأى مني حسنة كتمها ولو رأى مني سيئة فشاها"‪ .‬وروى عممن معاويممة بممن‬
‫أبي سفيان أنه قال لجلسائه‪ :‬ما العافية فيكم؟ فقال كل واحد منهم شمميئا‪،‬‬
‫فقال معاوية العافية للرجل أربعة أشياء‪ :‬بيت يؤويه‪ ،‬وعيش يكفيه‪ ،‬وزوجة‬
‫ترضيه‪ ،‬ونحن ل نعرفه فنؤذيه‪ :‬يعني ل يعرفه السمملطان فيممؤذيه لنممه كممان‬
‫خليفة وسلطانا‪ .‬وعن سفيان الثمموري رحمممه الل ّممه تعممالى قممال‪ :‬نعمتممان إن‬
‫رزقك الّله تعالى إياهممما فاحمممد الل ّممه عليهممما واشممكره‪ :‬اجتنابممك مممن بمماب‬
‫السلطان‪ ،‬واجتنابك من باب الطبيب‪ .‬وعن بكر بن عبد الّله المزنممي قممال‪:‬‬
‫من كان مسلما وبدنه في عافية فقد اجتمع عليممه سمميد نعيممم الممدنيا وسمميد‬
‫نعيم الخرة‪ ،‬لن سيد نعيم الدنيا هو العافية وسيد نعيم الخرة هو السلم‪.‬‬
‫وعن ابن عباس رضي الّله تعممالى عنهممما عممن النممبي صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم أنه قال "نعمتان مغبممون فيهممما كممثير مممن النمماس الصممحة والفممراغ"‬
‫وروى عن بعض التابعين رضي الّله تعالى عنه أنه قال‪ :‬من تظاهرت عليممه‬
‫النعم فليكثر ذكر الحمد لله‪ ،‬ومن كثرت همومه فعليه بالستغفار‪ ،‬ومن ألح‬
‫عليه الفقر فليكثر ل حول ول قوة إل بالله العلي العظيم‪ .‬وروى عن النممبي‬
‫صلى الّله عليه وسلم أنه قال "إذا كان في الطعام أربعة فقممد كمممل شممأنه‬
‫كله‪ :‬إذا كان من حلل‪ ،‬وإذا أكل ذكر اسم الّله عليه‪ ،‬ثم تكثر عليه اليممدي‪،‬‬
‫وإذا فرغ منه حمد الله" وروى الحسن عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه‬
‫قال "ما أنعم الّله على عبد من نعمة صغرت أو كبرت فقال الحمممد للممه إل‬
‫كان قد أعطى أفضل مما أخذ"‪.‬‬

‫]ص ‪[231‬‬
‫وعن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال "عجبت لمر المؤمن أمره‬
‫كله خير له إن أصابه خير فشكر كان خيرا له‪ ،‬وإن أصابه ش مّر فصممبر كممان‬
‫خيرا له" وعن مكحول رحمه الّله تعممالى أنممه سممئل عممن قمموله تعممالى }ث ُم ّ‬
‫م‬
‫م{‪ .‬قمال‪ :‬بمارد الشممراب‪ ،‬وظمل المسماكين‪ ،‬وشممبع‬ ‫عي‬
‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬‫ال‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ٍ‬ ‫ذ‬‫ِ‬ ‫ئ‬‫م‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫و‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫سأ َل ُ‬
‫ل َت ُ ْ‬
‫ِ‬
‫البطون واعتزال الخلمق‪ ،‬ولمذة النموم‪ .‬وذكمر عمن عيسمى بمن مريمم عليمه‬
‫الصلة والسلم أنه خرج ذات يوم إلى أصممحابه وعليممه مدرعممة ممن صمموف‬
‫وكساء من صوف وثياب من صوف مجزوز الرأس والشماربين باكيمما متغيممر‬
‫اللون من الجوع يابس الشفتين من الظمأ طويل شعر الصممدر والممذراعين‪،‬‬
‫فقال السلم عليكم أنا الذي أنزلت الدنيا منزلتهمما بممإذن الل ّممه ول عجممب ول‬
‫فخر‪ .‬يا بني إسرائيل تهاونوا بالدنيا تهن عليكممم‪ ،‬وأهينمموا الممدنيا تكممرم لكممم‬
‫الخرة‪ ،‬ول تهينوا الخرة فتكرم عليكم الدنيا‪ ،‬فإن الدنيا ليست بأهل كرامة‬
‫هممي تممدعو كممل يمموم إلممى الفتنممة والخسممارة‪ ،‬ثممم قممال‪ :‬إن كنتممم جلسممائي‬
‫وأصحابي فوطنوا أنفسكم على العممداوة والبغضمماء للممدنيا فممإن لممم تفعلمموا‬
‫فلستم بأصحابي ول بإخواني‪ .‬يا بني إسرائيل اتخذوا المساجد بيوتا والقبور‬
‫دورا كونوا كأمثمال الضممياف‪ .‬أل تمرون إلممى طيمور السمماء ل يزرعممون ول‬
‫يحصدون والله في السماء يرزقهم‪ ،‬يا بني إسرائيل كلوا من خممبز الشممعير‬
‫ومن بقول الرض واعلموا أنكم لم تؤدوا شكر ذلك فكيممف ممما فمموق ذلممك‪.‬‬
‫وروى أن سعيد بن جبير قمال‪ :‬أّول ممن يمدخل الجنمة ممن يحممد الّلمه فمي‬
‫السراء والضراء‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬اعلم أن الحمد والشكر عبادة الولين‬
‫والخرين وعبادة الملئكة وعبممادة النبيمماء عليهممم الصمملة والسمملم وعبممادة‬
‫أهل الرض وعبادة أهل الجنة‪ .‬فأما عبادة النبيمماء عليهممم الصمملة والسمملم‬
‫فهو أن آدم عليه السلم لما عطس قال الحمد لله‪ .‬وأن نوحا عليه الصمملة‬
‫والسلم لما أغرق الّله قومه وأنجماه وممن معمه ممن الممؤمنين أممره الّلمه‬
‫َ‬
‫ل‬‫قم ْ‬ ‫ك فَ ُ‬ ‫فل ْ ِ‬‫ك ع ََلى ال ُ‬ ‫معَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ت وَ َ‬ ‫ت أن ْ َ‬ ‫ست َوَي ْ َ‬‫ذا ا ْ‬ ‫تعالى بأن يحمده فقال له‪} :‬فَإ ِ َ‬
‫ن{ وقممال إبراهيممم خليممل الرحممن‬ ‫مي َ‬ ‫ظمال ِ ِ‬‫قوْم ال ّ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ ال ّ ِ‬
‫ن ال َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫جاَنا ِ‬ ‫ذي ن َ ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫ال َ‬
‫ل‬ ‫عي َ‬ ‫ما ِ‬ ‫سم َ‬ ‫ب ِلمي ع َل َممى الك ِب َمرِ إ ِ ْ‬ ‫ذي وَهَم َ‬ ‫ممد ُ ل ِل ّمهِ ال ّم ِ‬
‫ح ْ‬ ‫عليه الصلة والسلم }ال َ‬
‫عاِء{ وقممال داود وسممليمان عليهممما الصمملة‬ ‫ميعُ ال مد ّ َ‬ ‫سم ِ‬ ‫ن َرب ّممي ل َ َ‬ ‫حاقَ إ ِ ّ‬ ‫سم َ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫ن{ وإن أهممل‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫عَباد ِهِ ال ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫ضل ََنا ع ََلى ك َِثيرٍ ِ‬ ‫ذي فَ ّ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ ال ّ ِ‬ ‫ح ْ‬
‫والسلم }ال َ‬
‫الجنممة يحمممدون الل ّممه تعممالى فممي سممتة مواضممع‪ :‬أحممدها عنممد قمموله تعممالى‬
‫}وامتممازوا الي مو َ‬
‫ق موْم ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫مم ْ‬ ‫جان َمما ِ‬ ‫ذي ن َ ّ‬ ‫م مد ُ ل ِل ّمهِ ال ّم ِ‬ ‫ح ْ‬‫ن{ }ال َ‬ ‫مممو َ‬ ‫جرِ ُ‬‫م ْ‬ ‫م أي ّهَمما ال ُ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ ْ َ ُ‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫ذي أذ ْهَ م َ‬ ‫م مد ُ ل ِل ّمهِ ال ّم ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن{‪ ،‬والثاني حين جاوزوا الصراط قالوا‪} :‬ال َ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬‫ال ّ‬
‫كوٌر{ والثالث لما اغتسلوا بممماء الحيمماة نظممروا‬ ‫ش ُ‬ ‫فوٌر َ‬ ‫ن َرب َّنا ل َغَ ُ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫حَز َ‬ ‫ع َّنا ال َ‬
‫َ‬
‫داَنا‬ ‫ن هَ م َ‬ ‫ول أ ْ‬ ‫ما ك ُّنا ل ِن َهْت َد ِيَ ل َم ْ‬ ‫ذا وَ َ‬ ‫داَنا ل ِهَ َ‬ ‫ذي هَ َ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ ال ّ ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫إلى الجنة فقالوا }ال َ‬
‫َ‬
‫صمد َقََنا وَع ْمد َه ُ وَأوَْرث َن َمما‬ ‫ذي َ‬ ‫ممد ُ ل ِل ّمهِ ال ّم ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ه{‪ ،‬والرابع حين دخلوها قالوا }ال َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫همم َ‬ ‫ذي أذ ْ َ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ ال ّ ِ‬ ‫ح ْ‬‫ض{ الخامس حين استقروا في منازلهم قالوا }ال َ‬ ‫الْر َ‬
‫ن‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫حَز َ‬ ‫ع َّنا ال َ‬

‫]ص ‪[232‬‬
‫َ‬
‫ه{ الية‪ ،‬والسادس حيممن‬ ‫ضل ِ ِ‬‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬‫مةِ ِ‬‫قا َ‬
‫م َ‬
‫داَر ال ُ‬ ‫حل َّنا َ‬ ‫كوٌر ال ّ ِ‬
‫ذي أ َ‬ ‫ش ُ‬ ‫رَب َّنا ل َغَ ُ‬
‫فوٌر َ‬
‫ن{‪ .‬وقال بعممض الحكممماء‪:‬‬ ‫ب الَعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ َر ّ‬
‫ح ْ‬‫فرغوا من الطعام قالوا }ال َ‬
‫اشتغلت بشكر أربعممة أشممياء‪ :‬أّولهمما أن الل ّممه تعمالى خلممق ألممف صممنف ممن‬
‫الخلق ورأيت بني آدم أكرم الخلممق فجعلنممي مممن الرجممال‪ ،‬والثممالث رأيممت‬
‫السلم أفضل الديان وأحبها إلى الّله تعالى فجعلني مسلما‪ ،‬والرابع رأيممت‬
‫أمة محمد صلى الّله عليه وسلم أفضل المم فجعلني من أمة محمد صلى‬
‫الّله عليه وسلم‪.‬‬
‫وروى عن أبي هريرة رضي الّله تعالى عنه أن النبي صلى الّله عليه‬
‫وسلم قال )إن الّله تعالى خلق الخلممق حيممن خلقهممم وهممم أربعممة أصممناف‪:‬‬
‫الملئكة والجن والنس والشممياطين‪ ،‬وجعلهممم عشممرة أجممزاء تسممعة منهممم‬
‫الملئكة‪ ،‬وجمزء واحمد الجمن والنمس والشمياطين( ويقمال‪ :‬الخلمق عشمرة‬
‫أجزاء تسعة منها الشياطين والجن‪ ،‬وواحد منها النس ثم جعل النس مائة‬
‫وخمسة وعشرين صممنفا ً فالمممائة منهممم يممأجوج ومممأجوج وسمماتوج ومممالوق‬
‫وغيرهم‪ ،‬وكلهم كفار ومصيرهم إلى النار‪ ،‬وخمسة وعشرون سائر الخلممق‪،‬‬
‫واثنا عشر من ذلك الروم والخزر والصممقلب ونحمموه‪ ،‬وسممتة فممي المغممرب‬
‫الزط والحبش والزنج ونحوها‪ ،‬وستة بالمشرق الترك والخاقان وغممز وتغممز‬
‫وخلنج وكيماك ويمك‪ ،‬فهؤلء كلهم فممي النممار إل مممن أسمملم‪ ،‬وبقممي صممنف‬
‫واحد من المسلمين من مائة وخمسة وعشرين صنفًا‪ ،‬فالواجب علممى كممل‬
‫من كان مؤمنا ً أن يحمد الّله تعالى على هذا ويعرف نعمتممه ويعلممم أن الل ّممه‬
‫تعالى قد اختاره من جملة الخلمق وجعلمه ممن صمنف الممؤمنين‪ ،‬ثمم جعمل‬
‫الصنف الواحد من المسلمين على ثلثة وسبعين صنفا ً اثنان وسممبعون مممن‬
‫ذلك في أهواء مختلفة كلهم على الضللة‪ ،‬وواحد على سبيل السنة‪ .‬ويقال‬
‫الشكر على وجهين‪ :‬شكر عام وشكر خاص‪ ،‬فأما الشكر العام فهو الحمممد‬
‫باللسان وأن يعترف بالنعمة من الّله تعالى‪ ،‬وأممما الشممكر الخمماص فالحمممد‬
‫باللسان والمعرفة بالقلب والخدمة بالركان وحفظ اللسان وسائر الجوارح‬
‫عما ل يحل‪ .‬وعن محمد بمن كعممب أنممه قممال‪ :‬الشممكر العمممل لقموله تعممالى‬
‫كرًا{ يعني اعملوا عمل ً تؤدون به شكرًا‪ .‬وعممن عمممرو‬ ‫ش ْ‬
‫داُوود َ ُ‬ ‫مُلوا آ َ‬
‫ل َ‬ ‫}اع ْ َ‬
‫ّ‬
‫بن شعيب عن أبيه عن جده عممن النممبي صمملى اللممه عليممه وسمملم أنممه قممال‬
‫)خصلتان من كانتا فيه كتبه الّله عنده شاكرا ً صابرًا‪ :‬إحداهما أن ينظر فممي‬
‫دينه إلى من هو فوقه فيقتدي به‪ ،‬وينظر في دنياه إلى من هو دونه فيحمد‬
‫الله(‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬تمام الشكر في ثلثة أشياء‪ :‬أولها إذا‬
‫أعطاك الّله شيئا ً فتنظر من الذي أعطاك فتحمده عليه‪ ،‬والثاني أن ترضى‬
‫بما أعطاك‪ ،‬والثالث ما دام منفعة ذلك الشيء معك وقوته فممي جسممدك ل‬
‫تعصه‪ ،‬وروى ميمون بن مهران عن بن عباس رضي الّله تعمالى عنهمما أنمه‬
‫قال‪ :‬إن لله تعالى مممن خلقممه صممفوة إذا أحسممنوا استبشممروا‪ ،‬وإذا أسمماءوا‬
‫استغفروا‪ ،‬وإذا أنعموا شكروا وإذا ابتلوا صبروا‪ .‬وروى عن محمد‬

‫]ص ‪[233‬‬
‫بن كعب القرظي قال‪ :‬ركب سليمان بن داود عليهما السمملم مركب ما ً فجمماء‬
‫أناس من قومه فقالوا يا رسول الّله أعطيت شمميئا ً ممما أعطممى أحممد قبلممك‪،‬‬
‫قال سليمان عليه السلم‪ :‬أربع خصال من كن فيه فقممد أعطممى خيممرا ً مممما‬
‫أعطى آل داوود من الدنيا‪ :‬خشية الل ّممه فممي السممر والعلنيممة‪ ،‬والقصممد فممي‬
‫الغنى والفقر‪ ،‬والعدل في الغضب والرضا وحمد الّله في السراء والضراء‪.‬‬
‫وروى عن أبي ذر الغفاري رضي الل ّممه تعممالى عنممه أنممه قيممل لممه أي النمماس‬
‫أنعم؟ قال جسد في التراب آمن من العذاب منتظر للثواب‪.‬‬

‫باب فضل الكسب‬


‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رضي الّله تعالى عنه وأرضمماه‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن جعفر حدثنا إبراهيم بن يوسمف حمدثنا قبيصمة عمن سمفيان‬
‫عن الحجاج بن فرافصة عن مكحول عن أبي هريرة رضي الّله تعممالى عنممه‬
‫عن رسول الّله صملى الل ّممه عليمه وسمملم أنممه قمال "ممن طلمب المدنيا حلل‬
‫استعفافا عن المسألة وسعيا على أهله وتعطفا على جمماره بعثممه الل ّممه يمموم‬
‫القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر‪ ،‬ومممن طلممب الممدنيا حلل ً مكمماثرا ً مفمماخرا ً‬
‫مرائيا ً لقي الّله تعالى يوم القيامة وهو عليه غضبان" قال‪ :‬حدثنا حمزة بممن‬
‫محمد حدثنا أبو القاسم أحمد بن حم عن نصير بن يحيى قال‪ :‬حممدثنا بعممض‬
‫أصحابنا أن داود النبي صلوات الّله تعالى علي وسلمه كممان يخممرج متنكممرا‬
‫فيسأل عن سيرته من يممراه مممن أهممل مملكتممه‪ ،‬فتعممرض لممه جبريممل عليممه‬
‫السلم على صورة آدمي‪ ،‬فقال له داود عليه السلم يا فتى ممما تقممول فممي‬
‫داود؟ فقال نعم العبد هو غير أن فيه خصلة‪ ،‬قال وما هي؟ قممال يأكممل مممن‬
‫بيت مال المسلمين وما في العباد أحب إلى الّله من عبد يأكل من كد ّ يده‪،‬‬
‫فعاد إلى محرابه باكيا متضممرعا يقممول يما رب علمنممي صممنعة أعملهمما بيممدي‬
‫تغنيني بها عن بيت مال المسلمين‪ ،‬فعلمه الّله تعالى صممنعة الممدروع وألن‬
‫له الحديد حتى كان في يممده بمنزلممة العجيممن‪ ،‬وكممان إذا فممرغ مممن القضمماء‬
‫وحوائج أهله عمل درعا ً فباعها وعاش هو وعياله من ثمنها وذلك في قمموله‬
‫َ‬
‫ن‬‫مم ْ‬
‫م ِ‬‫ص من َك ُ ْ‬
‫ح ِ‬ ‫س ل َك ُم ْ‬
‫م ل ِت ُ ْ‬ ‫ص من ْعَ َ َ‬
‫ة لب ُممو ٍ‬ ‫د{ }وَع َل ّ ْ‬
‫من َمماه ُ َ‬ ‫دي م َ‬
‫ح ِ‬ ‫تعممالى }وَأل َن ّمما ل َم ُ‬
‫ه ال َ‬
‫ْ‬
‫م{ يعني لتحفظكم من حربكم‪ .‬قال حدثنا حمزة بن محمد حممدثنا أبممو‬ ‫سك ُ ْ‬
‫ب َأ ِ‬
‫القاسم أحمد بن حم حدثنا نصير بن يحيممى حممدثنا مكممي بممن إبراهيممم‪ .‬عممن‬
‫شيخ عن ثابت البناني رضي الّله تعالى عنه قال‪ :‬بلغني أن العافيممة عشممرة‬
‫أجزاء تسعة في السكوت وواحدة في الفرار من النمماس‪ ،‬والعبممادة عشممرة‬
‫أجزاء تسعة في طلب المعيشة وواحدة في العبممادة‪ .‬وروى جممابر بممن عبممد‬
‫الّله رضي الّله تعالى عنهما عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنه قممال‬
‫"ما فتح الرجل على نفسه باب مسألة إل فتح الّله عليممه بمماب الفقممر ومممن‬
‫يستعفف يعفه الّله ومن يستغن‬
‫]ص ‪[234‬‬
‫يغنه الله‪ ،‬لن يأخذ أحدكم حبل فيعمد إلممى هممذا المموادي فيحتطممب فيممه ثممم‬
‫يأتي سوقكم هذا فيبيعه بمد ّ من تمر خيرا له من أن يسأل النمماس أعطمموه‬
‫أو منعوه" وعن النبي صلى الّله عليممه وسمملم أنمه قممال "عليكممم بمالبّز فممإن‬
‫أباكم إبراهيم عليه الصلة والسلم كان بزازا" وروى أبو هريرة رضي الّلممه‬
‫تعالى عنه عن النبي صلى الّله عليه وسلم "أن زكريا عليه الصلة والسلم‬
‫كان نجارا" وروى هشام بن عروة عن أبيه عممن عائشممة رضممي الل ّممه تعممالى‬
‫عنها أنها قالت‪ :‬كان سليمان بن داود عليهما السمملم يخطممب النمماس علممى‬
‫المنبر وإن في يده لخوصا يعمل به القفة أو بعض ما يعمل فإذا فرغ نمماوله‬
‫إنسانا ً وقال اذهب به وبعه‪ .‬وقال شقيق بن إبراهيم في قوله تعممالى }وَل َم ْ‬
‫و‬
‫ض{ إن الّله عز وجل لممو رزق العبمماد‬ ‫َ‬
‫ط الّله الّرْزقَ ل ِعَِباد ِهِ ل َب َغَ ْ‬
‫وا ِفي الْر ِ‬
‫س َ‬
‫بَ َ‬
‫من غير كسب لتفرغوا فتفاسدوا ولكن شممغلهم بالكسممب حممتى ل يتفرغمموا‬
‫للفساد‪ ،‬وقال سعيد بن المسمميب‪ :‬ل خيممر فيمممن ل يجمممع المممال مممن حلممه‬
‫فيخرج منه حقه ويصون بممه عرضممه‪ ،‬وعممن عمممر بممن الخطمماب رضممي الل ّممه‬
‫تعالى عنه أنه قال‪ :‬يا معشر الفقراء ارفعمموا رؤسممكم واتجممروا فقممد وضممح‬
‫وام بممن حوشممب عممن أبممي‬ ‫الطريق‪ ،‬ول تكونوا عيال عل النمماس‪ ،‬وروى الع م ّ‬
‫صالح مولى عمر رضي الل ّممه تعممالى عنهممم أنممه قممال‪ :‬كممان عمممر يأمرنمما أن‬
‫نشترك ثلثة فيجلب واحد ويبيع الخر ويغزو الثالث في سبيل الّلممه تعممالى‪.‬‬
‫وام فحدثني أبممو صممالح ورأيتممه مرابطمما بالسمماحل قممال‪ :‬نحممن ثلثممة‬ ‫قال الع ّ‬
‫شركاء‪ ،‬وهذه نوبتي في الغزو‪ ،‬قال‪ :‬وسمعت الفقيه أبا جعفر رحمممه الّلممه‬
‫تعالى قال‪ :‬روى عن ابن المبارك أنه قال‪ :‬من ترك السوق ذهبت مروءتممه‬
‫وساء خلقه‪ ،‬وعن إبراهيم بن يوسممف رحمممه الل ّممه تعممالى قممال لمحمممد بممن‬
‫سلمة عليك بالسوق فإنه أعز لصاحبه‪ ،‬وعن جابر بن عبد الل ّممه رضممي الل ّممه‬
‫تعالى عنهما أن النبي صلى الّله عليه وسلم قال "من غرس غرسمما أو زرع‬
‫زرعا فأكل منه إنسان أو دابة أو طير أو سبع فهو له صدقة" وعن أنس بن‬
‫مالك رضي الّله تعالى عنه عن النبي صلى الّله عليمه وسملم أنمه قمال "لمو‬
‫قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن ل يقوم حتى يغرسها‬
‫فليفعل"‪ .‬وعن مكحول رضي الّله تعالى عنممه عممن النممبي صمملى الل ّممه عليممه‬
‫داحين أو طعانين أو متماوتين"‬ ‫وسلم أنه قال "إياكم أن تكونوا عيابين أو م ّ‬
‫يعني أن يجعل نفسه كالميت ل يشتغل بالكسب‪ .‬وعن العمممش عممن أبممي‬
‫المخارق قال "كان رسول الّله صلى الّله عليممه وسمملم مممع أصممحابه إذ م مّر‬
‫عليهم أعرابي شاب جلد فقال أبو بكر وعمر رضي الّله تعالى عنهما ويحممه‬
‫وته في سبيل الّله كان أعظممم لجممره‪ ،‬فقممال رسممول الل ّممه‬ ‫لو كان شبابه وق ّ‬
‫صلى الّله عليه وسلم‪ :‬إن كان يسعى على أبوين كبيرين ليعينهما فهمو فممي‬
‫سبيل الله‪ ،‬وإن كان يسعى على أولده الصغار فهممو فممي سممبيل اللممه‪ ،‬وإن‬
‫كان يسعى على نفسه ليستغني عن الناس فهو في سممبيل اللممه‪ ،‬وإن كممان‬
‫يسعى رياء وسمعة فهو في سبيل الشيطان"‪.‬‬
‫وعن ابن عمر رضي الّله تعالى عنهما أن النبي صلى الّله عليه وسلم‬
‫أنه قال "إن الّله تعالى يحب كل مؤمن محترف أبا العيال ول يحب الفممارغ‬
‫الصحيح ل في عمل الدنيا ول في عمل الخرة"‬

‫]ص ‪[235‬‬
‫وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال "كان النبي صلى الّله عليه وسلم يخرج‬
‫إلى السوق ويشتري حوائج أهله فسممئل عممن ذلممك فقممال‪ :‬أخممبرني جبريممل‬
‫عليه السلم فقال "من سعى على عياله ليكفهم عن الناس فهو في سبيل‬
‫الله" وعن أنس بن مالك رضي الّله تعممالى عنممه "أن رجل جمماء إلممى النممبي‬
‫صلى الّله عليه وسلم فسأل منه حاجة فقال له رسول الّله صلى الّله عليه‬
‫وسلم أو ما في بيتك شيء؟ قال بلى يا رسول الّله حلس قد تحرق بعضممه‬
‫ونحن نجلس عليه وننام فيه ونجعل بعضه تحتنا وبعضه فوقنا وقصعة نأكممل‬
‫فيها ونشرب فيها ونغسل فيها رؤوسنا‪ ،‬فقال رسول الّله صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم ائتني بهما جميعا ً فأتاه بهما‪ .‬فأخذهما رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم بيده وقال من يشتري هذين؟ فقال رجل أنا آخممذهما بممدرهم‪ ،‬فقممال‬
‫أل من يزيد علممى درهممم مرتيممن؟ فقممال رجممل آخممر أنمما آخممذهما بممدرهمين‪،‬‬
‫فأعطاهممما إيمماه وقبممض الممدرهمين ودفعهممما إلممى الرجممل وقممال لممه اشممتر‬
‫بأحدهما طعاما واحمله إلى منزلك واشتر بممالخر قممدوما وائتنممي بممه‪ ،‬فأتمماه‬
‫فشد له رسول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه وسمملم عممودا بيممده ثممم قممال انطلممق‬
‫واحتطب وبع ول أراك خمسة عشر يوممما فممذهب واكتسممب عشممرة دراهممم‬
‫فاشترى ببعضها طعاما وببعضها ثوبا‪ ،‬فقال رسول الّله أليس هذا خيرا ً مممن‬
‫أن تجيء يوم القيامة ومسألتك في وجهك نكتة سوداء ل يمحوها إل النممار"‬
‫وقمال بعمض الحكمماء ل ينبغمي للعاقمل أن ينمزل بلمدا ليمس فيهما خمسمة‪:‬‬
‫سلطان قاهر‪ ،‬وقاض عادل‪ ،‬وسوق قائم‪ ،‬ونهر جار‪ ،‬وطمبيب حماذق‪ .‬وقيمل‬
‫لبعض الحكماء ما خيممر المكاسممب؟ قممال أممما خيممر مكاسممب الممدنيا فطلممب‬
‫الحلل لممزوال الحاجممة والخممذ منممه لعممدة العبممادة وتقممديم فضممل زاد يمموم‬
‫القيامة" وأما خير مكاسب الخرة فعلم معمممول بممه نشممرته وعمممل صممالح‬
‫قدمته وسنة حسنة أحييتها‪ ،‬قيل وما شر المكاسب؟ قال أما شر مكاسممب‬
‫الدنيا فحرام جمعته وفي المعصية أنفقته ولمن ل يطيممع ربممه خلفتممه‪ ،‬وأممما‬
‫شر مكاسب الخرة فحممق أنكرتممه حسممدا ومعصممية قممدمتها إصممرارا وسممنة‬
‫سيئة أحييتها عدوانا أي ظلما"‪.‬‬

‫باب آفة الكسب والحذر عن الحرام‬


‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رضي الّله تعالى عنه‪ :‬حدثنا محمد‬
‫بن داود حدثنا محمد بن جعفر حدثنا إبراهيم بن يوسممف حممدثنا أبممو حفممص‪.‬‬
‫عن سعيد عن قتادة رضي الّله تعالى عنه قال‪ :‬ذكر لنا أن النبي صلى الل ّممه‬
‫عليه وسلم قال "إن شئتم لحلفن أن التاجر فاجر" قال قتادة‪ :‬وكان يقول‬
‫صلى الّله عليه وسلم "عجبت للتمماجر أن يخلممص‪ :‬يحلممف بالنهممار ويحسممب‬
‫بالليل"‪.‬‬
‫)قال( حدثنا حمزة بن محمد حدثنا أبو القاسم أحمد بن حم عن نصير‬
‫بن يحيى قال‪ :‬بلغنا عن بعض أهل العلم أنه قال‪ :‬ل يقوم الممدين والممدنيا إل‬
‫بأربعة‪ :‬العلماء‪ ،‬والمراء‪ ،‬والغزاة‪ ،‬وأهل الكسب‪.‬‬

‫]ص ‪[236‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬سمعت بعض الزهاد يفسر هذا الكلم‬
‫فقال‪ :‬أما المراء فهم الرعاة يرعون الخلق‪ ،‬وأما العلماء فهم ورثة النبياء‬
‫وهم يدلون الخلق إلى الخرة والناس يقتدون بهم‪ ،‬وأممما الغممزاة فهممم جنممد‬
‫الّله على الرض لقمع الكفار ولمممن المسمملمين‪ ،‬وأممما أهممل الكسممب فهممم‬
‫أمناء الّله تعالى لمصمملحة الخلممق‪ ،‬ثممم قممال‪ :‬الرعمماة والعلممماء يقتممدي بهممم‬
‫الخلق‪ ،‬والغزاة إذا ركبوا للفخممر والخيلء وخرجمموا للطمممع فمممتى يظفممرون‬
‫دو؟ وأما أهل الكسب إذا خانوا الناس فكيممف يممأمن بهممم النمماس؟ قممال‬ ‫بالع ّ‬
‫بعض الحكممماء‪ :‬إذا لممم يكممن فممي التمماجر ثلث خصممال افتقممر فممي الممدارين‬
‫جميعا‪ :‬أولها لسان نقي من ثلثة من الكذب واللغو والحلف‪ ،‬والثمماني قلممب‬
‫صاف من ثلث من الغش والخيانة والحسد‪ ،‬والثالث نفس محافظممة لثلث‬
‫الجمعة والجماعات وطلب العلم في بعممض السمماعات وإيثممار مرضمماة الل ّممه‬
‫تعالى على غيره‪.‬‬
‫ي بن أبي طالب كرم الّله وجهه أنه قال‪ :‬التاجر إذا لم يكن‬ ‫وعن عل ّ‬
‫فقيها ارتطم في الربا‪ :‬يعني غرق في الربا‪ ،‬ثممم ارتطممم ثممم ارتطممم‪ .‬وعممن‬
‫عمر بن الخطاب رضي الّله تعالى عنه أنه قال‪ :‬من لم يتفقه في الدين فل‬
‫ن إلممى‬ ‫ن في أسواقنا‪ .‬وقال سفيان الثوري رضي الّله تعالى‪ :‬ل تنظممر ّ‬ ‫يتجر ّ‬
‫زي أهل السوق فإن تحت ثيابهم ذئابا‪ .‬وقال سممفيان أيضمًا‪ :‬إيمماكم وجيممران‬
‫الغنياء وقراء السواق‪ ،‬وعلماء المراء‪ .‬وعن محمد بن شممال رضممي الّلمه‬
‫تعالى عنه أنه السوق فقال‪ :‬يا أهل السوق سوقكم كاسد‪ ،‬وبيعكممم فاسممد‪،‬‬
‫وجاركم حاسد‪ ،‬ومأواكم النار‪ .‬وعن ابن عباس رضي الّله تعالى عنهما أنممه‬
‫قال‪ :‬كسب الحلل أشد ّ من نقل الجبل إلى الجبل‪ .‬وعممن يممونس بممن عبيممد‬
‫ل مممن درهممم طيممب‬ ‫رضي الّله تعالى عنه أنه قال‪ :‬ما أعلم اليمموم شمميئا أقم ّ‬
‫ينفق‪ ،‬وأخ يسكن إليه في السلم‪ ،‬وعامل يعمل على السنة‪ ،‬وما يممزدادون‬
‫إل قلة‪ ،‬ولو وجدنا درهما من الحلل لستشفينا به مرضانا‪ .‬وقال معمماذ بممن‬
‫جبل رضي الّله تعالى عنه‪" :‬ما من عبد إل ويعرض على الل ّممه يمموم القيامممة‬
‫فل تزول قدماه حتى يسأل عن أربع خصال‪ :‬عممن جسممده فيممم أبله‪ ،‬وعممن‬
‫عمره فيم أفناه‪ ،‬وعن علمه كيف عمل به‪ ،‬وعن ماله من أين اكتسبه وأين‬
‫أنفقه؟"‪ .‬وقال بعض الحكماء المنافق ما أخذ من الدنيا يأخممذ مممن الحممرص‬
‫ويمنممع بالشممك وينفممق بالريمماء‪ ،‬والمممؤمن البصممير يأخممذ بممالخوف ويمسممك‬
‫بالشكر وينفق خالصا لوجه الّله تعالى‪ .‬وقال يحيى بن معاذ الممرازي رحمممه‬
‫الل ّممه تعممالى‪ :‬الطاعممة مخزونممة فممي خممزائن الل ّممه تعممالى ومفتاحهمما الممدعاء‬
‫وأسنانها لقمة الحلل‪ .‬وعن ابممن شممبرمة رحمممه الل ّممه تعممالى قممال‪ :‬العجممب‬
‫ممن يحتمي من حلل مخافة الداء فكيف ل يحتمي بالحرام مخافة النار‪.‬‬
‫وروى ابن الزبير عن جابر رضي الّله تعالى عنهما عن رسممول الل ّممه‬
‫صلى الّله عليه وسلم أنه قال "يا أيهمما النمماس إن أحممدكم لممن يممموت حممتى‬
‫يستكمل رزقه فل تستبطئوا الرزق فاتقوا الّله وأجملوا‬

‫]ص ‪[237‬‬
‫ل لكم وذروا ما حمّرم اللمه" وقمال الحكيمم‪ :‬النماس‬ ‫في الطلب فخذوا ما ح ّ‬
‫في الكسب على خمس مراتب‪ :‬منهم من يرى الرزق من الّله تعالى ومممن‬
‫الكسب فهو مشممرك‪ ،‬ومنهممم مممن يممرى الممرزق مممن الل ّممه تعممالى ول يممدري‬
‫أيعطيه أم ل فهو منافق شاك‪ ،‬ومنهم من يرى الممرزق مممن الل ّممه تعممالى ول‬
‫يؤدي حقه ويعصى الّله تعالى فهو فاسق‪ ،‬ومنهم من يرى الرزق مممن الّلممه‬
‫تعالى ويرى الكسب سببا وأخرج حقه ول يعصى الّله تعالى لجممل الكسممب‬
‫فهو مؤمن مخلص"‪ .‬وروى عن زيد بن أرقم رضي الّله تعالى عنه أنه قال‪:‬‬
‫كان لبي بكر الصديق رضي الّله تعالى عنه غلم يأتيه كل ليلة بغلته طعاما‬
‫يأكله‪ ،‬وكان أبو بكر رضي الّلمه تعممالى عنمه ل يمأكله حممتى يسمأله ممن أيممن‬
‫اكتسبه ومن أين أصابه‪ .‬قال‪ :‬جاء ذات ليلة بطعام فضرب يممده إليممه فأكممل‬
‫لقمة من غير أن يسأله‪ ،‬فقال الغلم قد كنت تسممألني كممل ليلممة غيممر هممذه‬
‫الليلة فإنك لم تسألني؟ قال ويحك الجوع حملني‪ ،‬ويحك أخممبرني مممن أيممن‬
‫جئت به؟ قال كنت رقيت لناس في الجاهلية فوعدوني عليه عممدة فرأيممت‬
‫عنمدهم وليممة فمذكرتهم وعمدهم المذي وعممدوني فمأعطوني هممذا الطعمام‪،‬‬
‫فاسترجع أبو بكر رضي الّله تعالى عنه عند ذلك ثم أخذ يتقيأ فكابد وجاهممد‬
‫نفسه أن ينزع اللقمة من بطنه فلم يقدر حممتى اخض مّر واسممود ّ مممن الجهممد‬
‫فلم يقدر‪ ،‬فلما رأوا ما يلقي من المعالجة‪ ،‬قالوا لو شربت عليه قدحا مممن‬
‫ماء فأتى بعس من ماء فشرب ثم تقيأ فما زال يعالممج نفسممه حممتى نبممذها‪،‬‬
‫فقالوا هذا من أجل هذه اللقمة‪ .‬قال إني سمممعت رسمول الل ّممه صمملى الّلمه‬
‫عليه وسلم يقول "إن الّله تعالى حّرم الجنة على كل جسد تغممذى أو غممذي‬
‫بحرام"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الله‪ :‬من أراد أن يكون كسبه طيبا فعليه أن يحفظ‬
‫خمسة أشياء‪ :‬أّولها أن ل يؤخر شيئا من فرائض الّله تعالى لجممل الكسممب‬
‫ول يدخل النقص فيهما‪ .‬والثماني ل يمؤذي أحمد ممن خلمق الّلمه تعمالى لجمل‬
‫الكسب‪ ،‬والثالث أن يقصد بكسبه اسممتعفافا لنفسممه ولعيمماله ول يقصممد بممه‬
‫الجمع والكثرة‪ .‬والرابع أن ل يجهد نفسه في الكسب جدا‪ .‬والخممامس أن ل‬
‫يرى رزقه من الكسب ويرى الرزق من الّله تعممالى والكسممب سممببا‪ .‬وروى‬
‫عن النبي صلى الل ّممه عليممه وسمملم أنممه قممال "مممن اكتسممب مممال مممن مممأثم‬
‫فتصدق به أو وصل به رحما أو أنفقه في سبيل الّله تعالى جمممع ذلممك كلممه‬
‫وألقى في النار"‪ .‬وروى عن عمران بن الحصين رضي الّله تعالى عنممه أنممه‬
‫قال‪ :‬ل يقبل الّله حج رجل ول عمرته ول جهمماده ول صممدقته ول إعتمماقه ول‬
‫نفقتممه مممن ربمما أو رشمموة أو خيانممة أو غلممول أو سممرقة‪ ،‬ثممم قممال الخمممس‬
‫بالخمس‪ .‬وعن ابن مسعود رضي الّله تعالى عنه أنه قال‪ :‬قال النبي صمملى‬
‫الّله عليه وسلم "ل يكسب عبد ممال حراممما فيتصمدق بمه فيممؤجر عليممه‪ ،‬ول‬
‫ينفق منه فيبارك له فيه‪ ،‬ول يتركه خلف ظهره إل كان زاده إلى النار‪ ،‬وإن‬
‫الّله تعالى ل يمحو السيء بالسيء‪ ،‬ولكممن يمحممو السمميء بالحسممن" وعممن‬
‫الحسن البصري رحمه الّله أن‬

‫]ص ‪[238‬‬
‫النبي صلى الّله عليه وسمملم قممال "إنممما المممال مممال جممالب وشممر تجمماركم‬
‫المقيممممون بيمممن أظهركمممم المممذين يممممارونكم وتممممارونهم وتحمممالفونهم‬
‫ويحالفونكم" وسئل النبي صلى الّله عليه وسلم عممن أطيممب الكسممب قممال‬
‫"عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور الذي ل شبهة فيه ول خيانة" وعن قتممادة‬
‫ل العرش يمموم‬ ‫رضي الّله تعالى أنه قال‪ :‬كان يقال التاجر الصدوق تحت ظ ّ‬
‫القيامة‪.‬‬

‫باب فضل إطعام الطعام وحسن الخلق‬


‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رحمه الّله تعالى‪ :‬حدينا محمد بن‬
‫عبد الوهاب بن محمد حدثنا أحمد بن علي حممدثنا أبممو ثممابت أحمممد بممن أبممي‬
‫ي بن الزهري عن جرير عممن‬ ‫وداعة حدثنا أبو بكر بن عمرو بن سعيد بن عل ّ‬
‫العمش عن عطية العوفي قال‪ :‬قال لي جابر بن عبد الّله رضي الّله تعالى‬
‫عنهما يا عطية‪ :‬احفظ وصيتي ما أراك بصاحبي غيممر سممفري هممذا أحممب آل‬
‫محمد وصحبه وأحممب محممبي آل محمممد ولممو وقعمموا فممي الممذنوب والخطايمما‬
‫وأبغض مبغضي آل محمد صلى الّله عليممه وسمملم ولممو كممانوا صمواما ً قواممًا‪،‬‬
‫وأطعموا الطعام وأفشى السلم وصلى بالليل والناس نيممام‪ ،‬فممإني سمممعت‬
‫رسول الّله صلى الل ّممه عليممه وسمملم يقممول )ممما اتخممذ الل ّممه إبراهيممم خليل ً إل‬
‫لطعامه الطعام وإفشائه السلم وصلته بالليل والناس نيام(‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الله‪ :‬حدثنا محمد بممن الفضممل حممدثنا فممارس بممن‬
‫مردويه حدثنا محمد بن الفضل حدثنا محاصر بن مورع عممن العمممش عممن‬
‫أبي إسحاق عن الغيران بن حبيب قال‪ :‬جاء رجممل إلممى ابممن عبمماس رضممي‬
‫الّله تعالى عنهمما فقمال‪ :‬إن همؤلء المهماجرين والنصمار يقولمون إن لسمنا‬
‫على شيء‪ ،‬فقال بلى إذا أقمممت الصمملة وآتيممت الزكمماة وصمممت وحججممت‬
‫بيت الّله وقريت الضيف دخلت الجنة‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الله‪ :‬حدثنا محمد بممن الفضممل حممدثنا فممارس بممن‬
‫مردويه حدثنا محمد بن الفضيل حدثنا يعلي بن عبيد عن محمد بن إسممحاق‬
‫عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبممي شممريح الخزاعممي قممال‪ :‬سمممعت‬
‫رسول الّله صلى الّله عليه وسلم يقول "من كان يؤمن بالله واليمموم الخممر‬
‫فليكرم ضيفه جائزته يوم وليلة والضيافة ثلثة أيام فما كان بعممد ذلممك فهممو‬
‫صدقة" وعن عطاء قال‪ :‬كان إبراهيم صلوات الّله تعالى عليممه وسمملمه إذا‬
‫أراد أن يتغدى ولم يجد من يتغدى معه سار الميل والميلين في طلممب مممن‬
‫يتغدى معه‪ .‬وعن عكرمة رضي الّله تعالى عنه قال‪ :‬كمان إبراهيممم صملوات‬
‫الّله تعالى عليه وسلمه يسمى أبمما الضمميفان‪ ،‬وكممان لقصممره أربعممة أبممواب‬
‫ي بممن أبممي طممالب كممرم‬ ‫ينظر من أي مجيء المرء‪ .‬وعن أمير المؤمنين عل ّ‬
‫ب‬‫الّله وجهه أنه قال‪ :‬لن أجمع نفرا من إخواني على صمماع أو صمماعين أح م ّ‬
‫ي من أن أخرج إلى سوقكم هذا فأعتق نسمة‪ .‬وعن ابن عمر رضي الّلمه‬ ‫إل ّ‬
‫تعالى عنهما أنه كان إذا صنع طعاما فمّر به‬
‫]ص ‪[239‬‬
‫رجل ذو هيئة لم يممدعه‪ ،‬وإذا ممّر بممه مسممكين دعمماه وقممال‪ :‬أتممدعون مممن ل‬
‫يشتهي وتدعون من يشتهي‪.‬‬
‫وروى عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه سئل "ما أكثر ما يلج به الناس‬
‫في الجنة؟ قال تقوى الّله وحسن الخلق‪ .‬فقلت ما أكثر ما يلممج بممه النمماس‬
‫في النار؟ قال الجوفان الفم والفرج وسمموء الخلممق" وعممن عائشممة رضممي‬
‫الّله تعالى عنها وعن أبويها قالت‪ :‬إن حسن الخلممق وحسممن الجمموار وصمملة‬
‫الرحم يعمرن الديار ويزدن في العمار وإن كان القمموم فجممارا‪ .‬وروى عممن‬
‫عطاء بن أبي رباح عن ابن عمرو رضي الّله تعالى عنهما قال "كنت عاشر‬
‫عشرة رهط في مسجد رسول الّله صلى الّله عليه وسملم أبمو بكمر وعممر‬
‫ي وعبممد الرحمممن وابمن مسممعود ومعماذ وحذيفمة وأبمو سممعيد‬ ‫وعثممان وعلم ّ‬
‫الخدري وعبد الّله بن عمر رضي الّله تعالى عنهم‪ ،‬فجاء فممتى مممن النصممار‬
‫فسلم على النبي صلى الل ّممه عليممه وسمملم ثممم جلممس فقممال "أيّ المممؤمنين‬
‫أفضل؟ قال أحسنهم خلقا قال فأيّ المؤمنين أكيس؟ قال أكثرهم للممموت‬
‫ذكرا وأحسنهم له استعداد قبل أن ينزل به أولئك هم الكيمماس‪ ،‬ثممم سممكت‬
‫الفتى وأقيل علينا النبي صلى الّله عليه وسلم وقال‪ :‬يا معشممر المهمماجرين‬
‫والنصار خمس خصال إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن‪ :‬لممم تظهممر‬
‫الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إل فشا فيهم الطاعون والوجاع التي لممم‬
‫تكن فيما مضت من أسلفهم الذين مضوا‪ ،‬ولم ينقصوا المكيممال والميممزان‬
‫إل أخذوا بالسنين‪ :‬شدة المؤنة وجور السلطان عليهم‪.‬‬
‫ولم يمنعوا زكاة أموالهم إل منعوا القطر من السممماء ولممول البهممائم لممم‬
‫دوهم‬ ‫يمطروا‪ ،‬ولم ينقضوا عهد الّله وعهد رسوله إل سمملط الل ّممه عليهممم ع م ّ‬
‫من غيرهم‪ ،‬ما ترك أئمتهم الحكم بكتاب الّله تعالى إل جعل بأسهم بينهم"‪.‬‬
‫وروى أبو هريرة رضي الّله تعالى عنه عن النبي صلى الّله عليه وسلم‬
‫أنه قال " إنكممم ل تسممعون النمماس بممأموالكم فليسممعهم منكممم بسممط وجممه‬
‫واس بممن سمممعان‬ ‫وحسن خلق" وعن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه عممن نم ّ‬
‫النصاري رضي الّله تعالى عنه قال "سألت رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم عن البّر والثم فقال‪ :‬البّر حسن الخلق‪ ،‬والثم ما حاك فممي صممدرك‬
‫وكرهت أن يطلع عليه الناس" وروى أبو هريرة رضي الّله تعالى عنممه عممن‬
‫النبي صلى الّله عليه وسلم أنممه قممال "كممرم المممرء دينممه‪ ،‬ومروءتممه عقلممه‪،‬‬
‫وحسبه خلقه" وعن أبي ثعلبة الخشني عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه‬
‫ي وأدناكم مني مجلسا في الخممرة أحسممنكم أخلقمما‪،‬‬ ‫قال‪ :‬إن من أحبكم إل ّ‬
‫ي وأبعدكم مني مجلسمما فممي الخممرة أسمموؤكم أخلقمما"‬ ‫وإن من أبغضكم إل ّ‬
‫وعن ابن عبمماس رضممي الل ّممه تعممالى عنهممما قممال‪ :‬إن حسممن الخلممق يممذيب‬
‫الخطايا كما تذيب الشمس الجليد‪ ،‬وإن الخلق السمميء يفسممد العمممل كممما‬
‫يفسد الخل العسل‪ .‬وروى يحيى بن سعيد عن معمماذ بممن جبممل رضممي الل ّممه‬
‫تعالى عنه قال‪ :‬كان آخر ما أوصاني به رسول الّله صلى الّله عليممه وسمملم‬
‫حين جعلت رجلي في الغرز فقال "حسن خلقك مع‬

‫]ص ‪[240‬‬
‫الناس يا معاذ بن جبل" وروى جابر بن عبد الّله رضي الّله تعالى عنممه عممن‬
‫رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنه قال "حسن الخلق زمممام مممن رحمممة‬
‫الّله في أنف صاحبه‪ ،‬والزمام بيد الملك والملمك يجمره إلمى الخيمر والخيمر‬
‫يجره إلى الجنة‪ ،‬وسوء الخلق زمام من عذاب في أنف صاحبه والزمام بيد‬
‫الشيطان والشيطان يجره إلى الشر والشر يجممره إلممى النممار" وروى جممابر‬
‫بن عبد الّله رضي الّله تعالى عنهما عن النبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم أنممه‬
‫قال "إن هذا الممدين هممو الممذي ارتضمميته لنفسممي ول يصمملحه إل خصمملتان‪ :‬ا‬
‫لسخاء وحسن الخلق‪ ،‬فأكرموه بهما ما صحبتموه" ويقال‪ :‬إذا دعمما الرجممل‬
‫أضيافا يجب على صمماحب الممبيت ثلثممة أشممياء‪ ،‬ويجممب علممى الضمميف ثلثممة‬
‫أشياء‪ ،‬فأما التي تجب على صاحب البيت‪ :‬فأّولها أن ل يتكلف للضيف ما ل‬
‫يطيق ول يجاوز فيه السنة‪ ،‬والثاني أن ل يطعمه إل مممن حلل‪ ،‬والثممالث أن‬
‫يحفظ عليه وقت الصلة‪ .‬وأما التي تجب علممى الضمميف‪ :‬فأولهما أن يجلممس‬
‫حيث يجلس‪ ،‬والثاني أن يرضى بممما قممدم إليممه‪ ،‬والثممالث أن يممدعو لمه عنممد‬
‫خروجه بالبركة‪ .‬وعن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قممال "مممن أدى زكمماة‬
‫ماله وأقرى الضيف وأعطمى قمومه النائبمة فقمد وقمى شمح نفسمه" وبمالله‬
‫التوفيق‪.‬‬

‫باب التوكل على الله‬


‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رضي الّله تعالى عنه‪ :‬حدثنا محمد بن‬
‫الفضل حدثنا محمد بن جعفر حدثنا إبراهيم بن يوسف حدثنا عبممد الرحمممن‬
‫بن محمد المحاربي عن شيخ بن أشجع عن سالم بن أبي الجعد رضي الّله‬
‫تعالى عنه قال‪ :‬قال عيسى بن مريم صلوات الّله تعممالى عليممه وسمملمه‪ :‬ل‬
‫تخبئوا طعاما لغد فإن غدا يأتي ومعه رزقه‪ ،‬وانظروا إلى الذّر ومن يرزقممه‪،‬‬
‫فإن قلتم بطون الذّر صغار فانظروا إلى الطائر فممإن قلتممم للطممائر أجنحممة‬
‫فانظروا إلى الوحوش ما أبدنها وأسمممنها‪ .‬قممال‪ :‬حممدثنا محمممد بممن الفضممل‬
‫حدثنا محمد بن جعفر حدثنا إبراهيم بن يوسممف حممدثنا إسمممعيل بممن جعفممر‬
‫عن سفيان عن أبي السوداء عمن أبمي مجلمز قمال‪ :‬قمال عممر رضمي الّلمه‬
‫تعالى عنه‪ :‬ما أبالي على أيّ حال أصبحت على ما أحمب أو علمى مما أكمره‬
‫لني ل أدري الخير فيما أحب أو فيما أكره‪ .‬قال‪ :‬حمدثنا محممد بمن الفضمل‬
‫حدثنا محمد بن جعفر حدثنا إبراهيم بن يوسف حممدثنا إسمممعيل بممن جعفممر‪.‬‬
‫عن عمرو مولى المطلب عن المطلب بن حنطب أن النبي صلى الّله عليه‬
‫وسلم قال "ما تركت شيئا بما أمركم الّله به إل وقد أمرتكم به وما تركممت‬
‫شيئا مما نهاكم الّله عنه إل وقد نهيتكم عنه‪ ،‬أل وأن الممروح الميممن جبريممل‬
‫عليممه الصمملة والسمملم قممد ألقممى فممي روعممي أنممه لممن تممموت نفممس حممتى‬
‫تستوعب كل الذي كتب لها‪ ،‬فمن أبطأ عنه شمميء مممن ذلممك فليجمممل فممي‬
‫الطلب فإنكم ل تدركون ما عند الّله بمثل طاعته"‪.‬‬
‫وروى عن ابن عباس رضي الّله تعالى عنهما عن النبي صلى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم أنه قال "من سره أن يكون‬

‫]ص ‪[241‬‬
‫أقوى الناس فليتوكل على الله‪ :‬ومن سممره أن يكممون أكممرم النمماس فليتممق‬
‫الله‪ ،‬ومن سره أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الّله أوثق منممه بممما‬
‫في يده‪ .‬وذكر عن داود عليه الصلة والسلم أنه قممال لبنممه سممليمان عليممه‬
‫الصلة والسلم‪ :‬يا بني إنما يستدل على تقوى الرجل بثلث‪ :‬حسن التوكل‬
‫فيما لم ينل‪ ،‬وحسن الرضا فيما قد نال‪ ،‬وحسن الصبر فيما قد فات‪ .‬وذكر‬
‫عن أبي مطيع البلخي أنه قال لحاتم الصم رحمهما الّله تعالى‪ :‬بلغني أنممك‬
‫تجاوز المفاوز بالتوكل بغير زاد‪ ،‬قال‪ :‬بل أجاوزهما بمالزاد‪ .‬قمال وممما زادك؟‬
‫قال زادي فيها أربعممة أشممياء‪ .‬قممال‪ :‬وممما هممي؟ قممال أرى الممدنيا بحممذافيرها‬
‫مملكة لله‪ ،‬وأرى الخلق كلهم عيال الله‪ ،‬وأرى السباب والرزاق كلهمما بيممد‬
‫الله‪ ،‬وأرى قضاء الّله نافذا في جميع خلقه‪ .‬قال أبو مطيع‪ :‬نعم الزاد زادك‬
‫يا حاتم‪ ،‬وإنك لتجاوز بها مفاوز الخرة فكيف مفمماوز الممدنيا‪ ،‬وذكممر أن رجل‬
‫جاء إلى شقيق الزاهد رحمه الّله تعالى فقممال لممه أوص؟ فقممال لممه شممقيق‬
‫احفظ ثلثة أشياء‪ :‬أعبد الّله فممإنه يثبتممك وحممارب عممدو الل ّممه فممإنه ينصممرك‪،‬‬
‫دقه بالوعد فإنه يأتي به أبيك‪ .‬وعن ابن مسعود رضي الل ّممه تعممالى عنممه‬ ‫وص ّ‬
‫قال‪ :‬لو أن أهل العلم صانوا علمهم وبذلوه لهله لسممادوا بممه أهممل زمممانهم‬
‫ولكنهم بذلوه لهل الممدنيا لينممالوا ممن دنيمماهم فهممانوا علممى أهلهمما‪ ،‬سممعت‬
‫نبيكم صلى الّله عليه وسلم يقول "من جعل الهموم هما واحممدا يعنممي ه م ّ‬
‫م‬
‫آخرته كفاه الّله ما أهمه من أمر دنياه‪ ،‬ومن شغلته هموم أحوال الدنيا لممم‬
‫يبال الّله تعالى فمي أي أوديمة النمار أهلكمه وأي أوديمة النمار عمذبه" ويقمال‬
‫مكتوب في التوراة‪ :‬يا ابن آدم حرك يدك أبسط لك فممي رزقممك‪ ،‬وأطعنممي‬
‫فيما أمرتك ول تعلمني ما يصلحك‪.‬‬
‫وروى عن علي بن أبي طمالب رضمي الّلمه تعمالى عنمه أنمه قمال‪ :‬قموام‬
‫السلم بأربعة أركان‪ :‬اليقين‪ ،‬والعدل‪ ،‬والصبر‪ ،‬والجهمماد‪ ،‬والعلممماء فسممروا‬
‫هذه الربعة أشياء فقالوا‪ :‬أما اليقين فهو علممى وجهيممن‪ :‬أحممدهما أن يعمممل‬
‫لله خالصا ول يطلب به عرض الدنيا ول رضا المخلوقين‪ ،‬والثاني أن يكممون‬
‫آمنا بوعد الّله وهو الرزق‪ ،‬وأما العدل فهو على وجهين‪ :‬أحدهما أنه لو كان‬
‫عليه حق يؤديه قبل الطلممب‪ ،‬والثمماني إذا كممان لممه علممى غيممره حممق يرفممق‬
‫بطلبه‪ .‬وأما الصبر فهو على وجهيممن‪ :‬أحممدهما أن يصممبر علممى أداء فممرائض‬
‫الّله تعالى‪ ،‬والثاني أن يصبر عما نهاه الّله تعالى عنه‪ ،‬وأما الجهاد فهو على‬
‫وجهين‪ :‬أحدهما أن ل تغفل عن عدوك وهو الشيطان فإنك إن غفلممت عنممه‬
‫فإنه لم يغفل عنك فهو كالذئب إذا وقع في الغنممم فكممل شمماة غفلممت عنهمما‬
‫أخذها‪ ،‬والثاني إن أكثر فتنة بني آدم لجل المال فارض باليسير من المممال‬
‫لكيل يغرك‪.‬‬
‫وروى عن شقيق رحمه الّله تعممالى أنممه قممال لحمماتم الصممم رحمممه الل ّممه‬
‫ي؟ قال منذ ثلثين سنة‪ ،‬فقال له شقيق أي شمميء‬ ‫تعالى‪ :‬منذ كم تختلف إل ّ‬
‫تعلمت في هذه الثلثين سنة؟‬

‫]ص ‪[242‬‬
‫قال‪ :‬تعلمت ست كلمات فلو عملت بها لرجوت أن تنجيني من فتنة الدنيا‪،‬‬
‫فقال له شقيق أخبرني عن ذلك فلعلي أعمل بهن فأنجو بذلك؟ فقممال أممما‬
‫ض إ ِل ّ ع َل َممى الل ّممه‬ ‫َ‬
‫داب ّةٍ فِممي الْر ِ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫الولى نظرت في قول الّله تعالى }وَ َ‬
‫ما ِ‬
‫رِْزقَُها{ فرأيت نفسي من تلك الدواب التي رزقها الّله تعممالى‪ ،‬وعلمممت أن‬
‫ي فإن الّله تعالى يرزق الفيل مممع عظمممه ول ينسممى‬ ‫ما هو لي فإنه يصل إل ّ‬
‫البعوضمة لصمغرها ففوضمت أممري إلمى الّلمه فاشمتغلت بالعبمادة ول أهتم ّ‬
‫م‬
‫لغيرها‪ ،‬فقال له شقيق نعم ما فهمت فما الثانيممة؟ قممال نظممرت فممي قممول‬
‫ي والخ‬ ‫ة{ فرأيت المؤمنين كلهممم إخمموة إل م ّ‬ ‫خو َ ٌ‬
‫ن إِ ْ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫الّله تعالى }إ ِن ّ َ‬
‫ما ال ُ‬
‫ينبغي أن يكون مشفقا على أخيممه‪ ،‬ورأيممت العممداوة الممتي تقممع بيممن النمماس‬
‫أصلها من الحسد فاجتهدت حتى أخرجت الحسد من قلبي حتى صار قلممبي‬
‫م بالمشرق جعلت أهتم حتى كممأنه أصممابني‪ ،‬ولممو‬ ‫بحال لو أصاب المؤمن ه ّ‬
‫أصاب مسلما خير في المغرب أسّر به حتى كأنه أصابني‪ .‬فقال له شممقيق‬
‫نعم ما فهمت فما الثالثة؟ قال نظممرت فوجممدت لكممل إنسممان حبيبمما ول بممد‬
‫للحبيب أن يظهر للحبيب محبتممه‪ ،‬فوجممدت حبيممبي طاعممة الل ّممه تعممالى وممما‬
‫سوى ذلك من الحباء كلهم ينقطعون عني إل طاعة الل ّممه فإنهمما معممي فممي‬
‫القبر وفي المحشر وعلى الصراط‪ ،‬فانقطعت عممن جميممع الحبممة واتخممذت‬
‫طاعة الّله حبيبا‪ ،‬فقال له شقيق نعم ما فهمت فمما الرابعممة؟ قممال نظممرت‬
‫فوجدت لكل إنسان عدوا ولبد للعدو من عداوته والحذر عنه فرأيت عدوى‬
‫الكافر والشيطان فرأيت عداوة الكافر أيسر لنه إن قمماتلني فقتلنممي كنممت‬
‫شهيدا وإن قتلته كنت مأجورا‪ ،‬فرأيت عداوة الشيطان أشد لنه يراني مممن‬
‫حيث ل أراه فيريد أن يجعلني مممع نفسممه فممي النممار فاشممتغلت بعممداوته مما‬
‫عشت وتركت عداوة غيره‪ ،‬فقال له شقيق نعم ما فهمت فممما الخامسممة؟‬
‫قال نظرت فوجدت لكل إنسان بيتا ولبد للبيت من العمارة فرأيت منزلي‬
‫القبر فاشتغلت بعمارته‪ ،‬فقال له شقيق نعم ما فهمت فما السادسة؟ قال‬
‫نظرت فوجدت لكل شيء طالبا فرأيت طالبي ملك الموت ول أدري مممتى‬
‫يأتيني فاستعددت له كممالعروس تممزف إلممى منممزل زوجهمما فمممتى جمماءني ل‬
‫أطلب منه التأخير‪ ،‬فقال له شقيق نعم ما فهمت إن عملت بهما نجموت أنمما‬
‫وأنت‪ .‬وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال "جاء رجل إلى البني صلى الّلممه‬
‫عليه وسلم فقال يمما نممبي الل ّممه أخلممي نمماقتي وأتوكممل علممى الل ّممه أو أعقلهمما‬
‫وأتوكل على الله؟ بل اعقلها وتوكل على الله"‪.‬‬
‫)قال بعض الحكماء(‪ :‬صفة أولياء الّله تعالى ثلث خصال‪ :‬الثقة بالله في‬
‫كل شيء‪ ،‬والفقر إلى الّله في كل شيء‪ ،‬والرجوع إلى الّله في كل شيء‪.‬‬
‫وقال فضيل بن عياض رحمه الله‪ :‬أحب الناس إلى الناس من استغنى عن‬
‫الناس ولم يسألهم شيئا‪ ،‬وأبغممض النمماس إليهممم مممن احتمماج إليهممم‪ ،‬وأحممب‬
‫الناس إلى الّله من احتاج إليه وسأله وأبغض الناس إليه ممن اسمتغنى عنمه‬
‫ولم يسأل منه شمميئا‪ .‬وذكممر أن لقمممان الحكيممم عليممه السمملم لممما حضممرته‬
‫الوفاة قال لبنه‪:‬‬

‫]ص ‪[243‬‬
‫يا بني كثيرا ما أوصيتك إلى هذه الغاية وإنممي لموصمميك الن بسممت خصممال‬
‫فيها علم الّولين والخرين‪ :‬أّولهمما أن ل تشممغل نفسممك بالممدنيا إل بقممدر ممما‬
‫يبقى من عمرك‪ ،‬والثمماني اعبممد ربممك بقممدر حوائجممك إليممه‪ ،‬والثممالث اعمممل‬
‫للخرة بقدر ما تريد المقام بها‪ ،‬والرابع ليكن شغلك في فكاك رقبتممك مممن‬
‫ما لم تظهر لك النجاة منها‪ ،‬والخامس ليكن جراءتك على المعاصممي بقممدر‬
‫صبرك على عذاب الله‪ ،‬والسادس إذا أردت أن تعصى الّله فاطلب مكانا ل‬
‫يراك الّله وملئكته‪ .‬وقيل لبعض الحكماء ما الفممرق بيممن اليقيممن والتوكممل؟‬
‫قال أممما اليقيممن فهممو أن تصممدق الل ّممه بجميممع أسممباب الخممرة‪ ،‬والتوكممل أن‬
‫تصدق الّله بجميع أسباب الدنيا‪ .‬ويقال التوكل توكلن‪ :‬أحدهما فممي الممرزق‬
‫فل يجوز فيه إل المن‪ ،‬والثاني في طلب ثممواب العمممل فيكممون آمنمما بوعممد‬
‫الّله في الثواب ويكممون خائفمما فممي عملممه أن يقبممل منممه أم ل يقبممل‪ .‬وروى‬
‫ي‬
‫عطاء بن السائب عن يعلى بن مرة قال‪ :‬اجتمعنا مع نفر من أصحاب عل ّ‬
‫كرم الّله وجهه فقلنا لو حرسنا أمير المؤمنين فإنه محارب ول نممأمن عليممه‬
‫أن يغتال فبينا نحن عند باب حجرته حتى خرج للصمملة‪ ،‬فقممال ممما شممأنكم؟‬
‫فقلنا حرسناك يا أمير المؤمنين لنك محارب وخشينا أن تغتال‪ ،‬قال أفمممن‬
‫أهل السماء حرستموني أم أهل الرض؟ قالوا بل مممن أهممل الرض فكيممف‬
‫نستطيع أن نحرسك من أهل السماء؟ قال فإنه ل يكون في الرض شمميء‬
‫حتى يقدره الّله في السماء‪ ،‬وليس من أحد إل وقد وكل به ملكان يممدفعان‬
‫عنه حتى يجيء قدره فإذا جاء قدره خليا بينه وبين قدره‪.‬‬

‫باب الورع‬
‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رضي الّله تعالى عنه وأرضاه‪ :‬حدثنا‬
‫محمد بن الفضل حدثنا محمد بن جعفر حدثنا إبراهيم بن يوسف حدثنا أبممو‬
‫جعفر‪ .‬عن سعيد عن قتادة قال‪ :‬كان عبد الّله بن مطرف يقول إنك لتلقى‬
‫الرجلين أحدهما أكثر صوما وصلة وصممدقة وإن الخممر أفضممل منممه ثممواب‪،‬‬
‫دهما ورعا‪ .‬قال‪ :‬حدثنا محمد بممن داود‬ ‫قيل له كيف يكون ذلك؟ قال هو أش ّ‬
‫حدثنا محمد بن جعفر حدثنا إبراهيم بن يوسف حدثنا عبمد العزيمز بمن أبمان‬
‫عن أبي معشر عن عمارة أنه قال "لما توجه عبد الّله بن رواحة نحو قريممة‬
‫مؤتة قال يا رسول الّله أوصني؟ قال إنممك تقممدم أرضمما السممجود بهمما قليممل‬
‫فاستكثر من السجود بها قال زدني؟ قال اذكر الّله فإنه عون لك علممى ممما‬
‫تطلب‪ ،‬فولى ثم رجع إليه فقال يا رسول الّله زدني‪ ،‬قال اذكر الل ّممه تعممالى‬
‫فإن الّله تعالى وتر يحبب الوتر‪ ،‬قال زدني؟ قال نعم ل تعجزن ل تعجزن ل‬
‫تعجزن إن أسأت عشرا أن تحسمن واحمدة" قممال‪ :‬حمدثنا عبمد الوهماب بمن‬
‫محمد بإسناده عن أنس بن مالك رضي الّله تعالى عنممه وعنهممم أن رسممول‬
‫الّله صلى الّله عليه وسلم قال "تقبلوا لي ستا أتقبل لكم الجنة‪ :‬إذا حممدثتم‬
‫فل تكذبوا‪ ،‬وإذا وعدتم فل تخلفوا‪ ،‬وإذا أئتمنتم فل تخونوا‪ ،‬وغضوا‬

‫]ص ‪[244‬‬
‫أبصاركم واحفظوا فروجكم وكفوا أيديكم وأرجلكم عن الحرام تدخلوا جنممة‬
‫ربكم"‪ ،‬وعن الحسن عن عمممران بمن الحصممين رضممي الل ّممه تعممالى عنممه أن‬
‫النبي صلى الّله عليه وسلم قال "قال الل ّممه تعممالى‪ :‬عبممدي أد ّ ممما افترضممت‬
‫عليك تكن من أعبد الناس‪ ،‬وانتممه عممما نهيتممك عنممه تكممن مممن أورع النمماس‬
‫واقنع بما رزقتك تكن من أغنى الناس" وعن فضيل بن عيمماض رضممي الل ّممه‬
‫تعالى عنه أنه قال‪ :‬خمس من علمات السعادة‪ :‬اليقين في القلب‪ ،‬والورع‬
‫في الدين‪ ،‬والزهد في الدنيا‪ ،‬والحيمماء فممي العينيممن‪ ،‬والخشممية فممي البممدن‪.‬‬
‫وخمس من علمات الشقاوة‪ :‬القسوة في القلوب‪ ،‬والجمود فممي العينيممن‪،‬‬
‫وقلة الحياء‪ ،‬والرغبة في الدنيا‪ ،‬وطول المل‪ .‬وعن عمر بن الخطاب رضي‬
‫الّله تعالى عنه أنه قال‪ :‬كنا ندع تسممعة أعشممار مممن الحلل مخافممة أن نقممع‬
‫في الشبهة أو في الحرام‪ .‬وعن عبد الّله بن مسعود رضي الّله تعالى عنممه‬
‫نحو هذا‪.‬‬
‫)وقال بعض الحكماء(‪ :‬أمر الدنيا كلها عجب ولكني أتعجب من ابممن آدم‬
‫المغرور في خمسة أشياء‪ :‬أّولها أتعجب من صاحب فضممول الممدنيا كيممف ل‬
‫يقدم فضوله ليوم فقره وحاجته إليه‪ ،‬والثاني من لسان ناطق كيف يطماوع‬
‫نفسه ويعرض عن ذكر الّله تعالى وعن تلوة القرآن‪ ،‬والثالث أتعجممب مممن‬
‫صحيح فارغ رأيته مفطرا أبدا كيممف ل يصمموم مممن كممل شممهر ثلثممة أيممام أو‬
‫نحوه‪ ،‬وكيف ل يتفكر في عاقبة الصمموم إذا اسممتقبله‪ ،‬والرابممع أتعجممب مممن‬
‫الذي يمهد فراشه وينام إلى الصبح كيف ل يتفكر في فضل صمملة ركعممتين‬
‫في الليل فيقوم ساعة من الليل‪ ،‬والخامس أتعجب من الذي يجمترئ علمى‬
‫الّله ويرتكب ما نهاه عنه وهو يعلم أنه يعرض عليممه يمموم القيامممة فكيممف ل‬
‫يتفكر في عاقبة أمره لينزجر عنه‪ .‬وروى عن ابن المبارك رحمه الّله تعالى‬
‫أنه قال‪ :‬ترك فلس من حرام أفضل من مائة ألف فلس أتصدق بها‪ .‬وعنممه‬
‫أنه كان بالشام يكتب الحديث فانكسر قلمه فاستعار قلممما فلممما فممرغ مممن‬
‫الكتابة نسى فجعل القلم فممي مقلمتممه‪ ،‬فلممما رجممع إلممى مممرو ورأى القلممم‬
‫عرفه فتجهز للخروج إلى الشام لرد ّ القلم‪ .‬وعن الشعبي رضي الّله تعممالى‬
‫عنه قال‪ :‬سمعت النعمان بن بشير يقول‪ :‬سمعت رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه‬
‫عليمه وسملم يقمول "الحلل بيمن والحمرام بيممن وبينهمما أممور مشممتبهات ل‬
‫يعلمهن كثير من الناس‪ ،‬فمن اتممق الشممبهات فقممد اسممتبرأ لممدينه وعرضممه‪،‬‬
‫ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى الغنم حول الحمممى‬
‫يوشك أن يقع فيه‪ ،‬أل وإن لكل ملك حمى وإن حمى الّله محممارمه‪ ،‬أل وإن‬
‫في الجسد مضغة فإن صلحت صلح الجسد كله وإن فسدت فسممد الجسممد‬
‫كله أل وهي القلب" وعن أبي موسى الشعري رضي الّله تعممالى عنممه أنممه‬
‫قال‪ :‬لكل شيء حد ّ وحدود السلم‪ :‬الممورع‪ ،‬والتواضممع‪ ،‬والشممكر‪ ،‬والصممبر‪،‬‬
‫فالورع ملك المور‪ ،‬والتواضع براءة من الكبر‪ ،‬والصممبر النجمماة مممن النممار‪،‬‬
‫والشكر الفوز‬

‫]ص ‪[245‬‬
‫بالجنة‪ ،‬وعن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال "لممو صممليتم حممتى تكونمموا‬
‫كالحنايا وصمتم حتى تكونوا كالوتار فما ينفعكم إل بالورع"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الله‪ :‬علمة الورع أن يرى عشرة أشياء فريضة على‬
‫م‬ ‫ضمك ُ ْ‬ ‫ب ب َعْ ُ‬ ‫نفسه‪ :‬أّولهما حفمظ اللسمان عمن الغيبمة لقموله تعمالى }َول ي َغَْتم ْ‬
‫ن‬‫مم ْ‬ ‫جت َن ِب ُمموا ك َِثيممرا ً ِ‬‫ب َْعضًا{ والثاني الجتناب عن سوء الظن لقمموله تعممالى }ا ْ‬
‫م{ولقممول النممبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم "إيمماكم‬ ‫ض الظ ّم ّ‬
‫ن إ ِث ْم ٌ‬ ‫ن ب َعْ َ‬ ‫الظ ّ ّ‬
‫ن إِ ّ‬
‫والظن فإنه أكذب الحديث" والثالث الجتناب عممن السممخرية لقمموله تعممالى‬
‫َ‬
‫م{ والرابع‪ :‬غض البصممر‬ ‫خْيرا ً ِ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫كوُنوا َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫سى أ ْ‬ ‫ن قَوْم ٍ ع َ َ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬‫خْر َقو ٌ‬‫س َ‬
‫}ل ي َ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫عن المحارم لقوله تعالى }قُ ْ‬
‫م{ والخممامس‪:‬‬ ‫صارِه ِ ْ‬ ‫ن أب ْ َ‬ ‫م ْ‬
‫ضوا ِ‬ ‫ن ي َغُ ّ‬
‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ل ِل ُ‬
‫م َفاع ْد ُِلوا{ والسادس أن يعرف نعمممة‬ ‫ذا قُل ْت ُ ْ‬ ‫صدق اللسان لقوله تعالى }وَإ ِ َ‬
‫َ‬ ‫ن ع َل َي ْ ُ‬
‫ن‬
‫مأ ْ‬ ‫كم ْ‬ ‫مم ّ‬ ‫ل الل ّممه ي َ ُ‬ ‫الّله على نفسه لكيل يعجب بنفسه لقوله تعالى }َبم ْ‬
‫ن{ والسممابع‪ :‬أن ينفممق ممماله فممي الحممق ول‬ ‫صمماد ِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫كنت ُ ْ‬‫ن ُ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫لي َ‬
‫ِ‬ ‫م لِ‬‫داك ُ ْ‬ ‫هَ َ‬
‫َ‬
‫قُتممُروا{‬ ‫سرُِفوا وَل َ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫قوا ل َ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫ذا أن َ‬ ‫ن إِ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ينفقه في الباطل لقوله تعالى }َوال ّ ِ‬
‫ك‬‫ن ذ َِلم َ‬ ‫ن ب َْيم َ‬‫كما َ‬‫يعني لم ينفقوا فمي المعصمية ولمم يمنعموا ممن الطاعمة }وَ َ‬
‫وامًا{ أي عدل‪ ،‬والثممامن أن ل يطلممب لنفسمه العلموّ والكمبر لقموله تعمالى‬ ‫قَ َ‬
‫سممادًا{‬ ‫َ‬ ‫دو َ ُ ً‬ ‫جعَل ُهَمما ل ِل ّم ِ‬ ‫}ت ِل ْ َ‬
‫ض َول فَ َ‬ ‫ن ع ُلموّا فِممي الْر ِ‬ ‫ريم ُ‬ ‫ن ل يُ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫خَرة ُ ن َ ْ‬ ‫داُر ال ِ‬ ‫ك ال ّ‬
‫والتاسع‪ :‬المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها بركوعها وسممجودها‬
‫ممموا ل ِل ّم ِ‬
‫ه‬ ‫طى وَُقو ُ‬ ‫سم َ‬ ‫صمملةِ الوُ ْ‬ ‫ت َوال ّ‬ ‫وا ِ‬ ‫ص مل َ َ‬ ‫ظوا ع َل َممى ال ّ‬ ‫حممافِ ُ‬ ‫لقمموله تعممالى } َ‬
‫َ‬
‫ذا‬‫ن هَ م َ‬ ‫ن{ والعاشر‪ :‬الستقامة على السنة والجماعة لقوله تعممالى }وَأ ّ‬ ‫َقان ِِتي َ‬
‫س مِبيل ِهِ ذ َل ِك ُم ْ‬
‫م‬ ‫ن َ‬ ‫م ع َم ْ‬ ‫فّرقَ ب ِك ُم ْ‬ ‫ل فَت َ َ‬‫سب ُ َ‬ ‫قيما ً َفات ّب ُِعوه ُ َول ت َت ّب ُِعوا ال ّ‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫طي ُ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫ِ‬
‫ن{ وقال محمد بن كعممب القرظممي‪ :‬ثلث خصممال إن‬ ‫قو َ‬ ‫م ت َت ّ ُ‬ ‫م ب ِهِ ل َعَل ّك ُ ْ‬‫صاك ُ ْ‬ ‫وَ ّ‬
‫استطعت أن ل تترك شيئا منها أبدا فافعممل‪ :‬ل تبغيممن علممى أحممد فممإن الل ّممه‬
‫م{ ول تمكممرن علممى أحممد مكممرا فممإن‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬‫م ع ََلى أ َن ْ ُ‬ ‫ما ب َغْي ُك ُ ْ‬ ‫تعالى يقول }إ ِن ّ َ‬
‫َ‬
‫ه{ ول تنكثممن عهممدا أبممدا‬ ‫ئ إ ِل ّ ب ِمأهْل ِ ِ‬ ‫س مي ّ ُ‬ ‫مك ُْر ال ّ‬ ‫حيقُ ال َ‬ ‫الّله تعالى يقول }َول ي َ ِ‬
‫ه{ وقممال إبراهيممم‬ ‫سم ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ث ع ََلى ن َ ْ‬ ‫ما ي َن ْك ُ ُ‬ ‫ث فَإ ِن ّ َ‬ ‫ن ن َك َ َ‬ ‫فإن الّله تعالى يقول }فَ َ‬
‫م ْ‬
‫بن أدهم رحمه الّله تعالى‪ :‬الزهممد ثلث أصممناف‪ :‬زهممد فممرض وزهممد فضممل‬
‫وزهد سلمة فالزهد الفرض هو الزهد في الحرام والزهد الفضل هو الزهد‬
‫في الحلل وزهممد السمملمة هممو الزهممد فممي الشممبهات‪ ،‬وقممال أيضمًا‪ :‬الممورع‬
‫ورعان‪ :‬ورع فرض وورع حممذر‪ ،‬فممالورع الفممرض الممورع عممن معاصممي الل ّممه‬
‫تعالى‪ ،‬والورع الحذر الورع عن الشبهات‪ ،‬والحزن حزنان‪ :‬حزن لك وحممزن‬
‫عليك‪ ،‬فالحزن الذي هو لك حزنك على الخممرة‪ ،‬والحممزن الممذي هممو عليممك‬
‫حزنك على الدنيا وزينتها‪.‬‬
‫ف بصممره عممن الحممرام‪،‬‬ ‫)قال الفقيه( رحمه الله‪ :‬الممورع الخممالص أن يكم ّ‬
‫ف لسانه عن الكذب والغيبة‪ ،‬ويكف جميع أعضائه وجميع جمموارحه عممن‬ ‫ويك ّ‬
‫الحرام‪ .‬وروى عن عمر بن الخطاب رضي الّله تعالى عنممه أنممه أتممى بزيممت‬
‫من الشام وكان الزيت في الجفان‪ :‬يعني‬

‫]ص ‪[246‬‬
‫في القصاع‪ ،‬وعمر يقسمممه بيممن النمماس بالقممداح وعنممده ابممن لممه شممعرات‬
‫فكلما أفرغت جفنة مسح بقيتها برأسه‪ ،‬فقال لممه عمممر رضممي الل ّممه تعممالى‬
‫عنه‪ :‬أرى شعرك شديد الرغبة على زيت المسلمين‪ ،‬ثم أخذ بيمده فممانطلق‬
‫إلى الحجام فحلق شعره وقال‪ :‬هذا أهممون عليممك‪ .‬وروى عممن إبراهيممم بممن‬
‫أدهم رحمه الّله تعالى أنممه اسممتأجر دابممة إلممى عمممان‪ ،‬فبينممما هممو يسممير إذ‬
‫سقط سوطه فنزل عن الدابة وربطها وذهب راجل فأخذ السوط‪ ،‬فقيل له‬
‫ولت رأس دابتك فأخذت السوط؟ فقال‪ :‬إنما اسممتأجرتها لتممذهب ولممم‬ ‫لو ح ّ‬
‫أستأجرها لترجع‪ .‬وعن أبي رزين عن معمماذ رضممي الل ّممه تعممالى عنهممما قممال‬
‫"كنت مع النبي صلى الّله عليه وسلم وهو على حمار عليه برذعة‪ ،‬فقال يمما‬
‫معاذ أتدري ما حق الل ّممه علممى العبمماد؟ قلممت الل ّممه ورسمموله أعلممم‪ ،‬قممال أن‬
‫يعبدوا الّله ول يشركوا به شيئا‪ ،‬ثم قال وهل تدري ما حق العباد على الّلممه‬
‫تعالى إذا فعلوا ذلك؟ قلت الّله ورسوله أعلم‪ ،‬قال أن يدخلهم الجنة"‪.‬‬

‫باب الحياء‬
‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رضي الّله تعالى عنه وأرضاه‪ :‬حدثنا‬
‫الخليل بن أحمد حدثنا محمد بن معاذ حدثنا نصر عن الحجاج عممن مكحممول‬
‫عن أبي أيوب النصاري رضي الّله تعالى عنهم أن النممبي صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم قال "أربع من سنن المرسلين‪ :‬التعطر‪ ،‬والنكاح‪ ،‬والسواك‪ ،‬والحياء"‬
‫قال‪ :‬حدثنا الخليل بن أحمد حدثنا الماسرجسممي حممدثنا جريممر عممن منصممور‬
‫عن ربعي بن خراش عن عقبة بن عامر رضي الّله تعالى عنهم عممن النممبي‬
‫صلى الّله عليه وسلم أنه قال "إن مما أدرك الناس من كلم النبوة الولممى‬
‫إذا لم تستح فاصنع ما شئت" قال‪ :‬حدثنا الحاكم أبو الحسن حدثنا إسممحاق‬
‫حدثنا بكر بن منير حدثنا محمد بن الهيثم حدثنا أبو عثمان عممن هشممام عممن‬
‫سفيان عن أبان بن إسحاق عن الصباح بن محمد عن مرة عن عبد الّله بن‬
‫مسعود رضي الّله تعالى عنهم قال‪ :‬قال رسول الّله صلى الّله عليه وسلم‬
‫"استحيوا من الّله حق الحياء‪ ،‬فقالوا إنا نستحي من الّله والحمد للممه‪ ،‬قممال‬
‫ليس ذلك ولكن من استحى من الّله حق الحياء فليحفظ الرأس وما حمموى‬
‫والبطن وما وعى وليذكر الموت والبلى‪ ،‬ومن أراد الخرة ترك زينة الحيمماة‬
‫الدنيا‪ ،‬فمن فعل ذلك فقد استحيا من الّله حق الحيماء" وعمن الحسمن عمن‬
‫النبي صلى الّله عليمه وسملم أنمه قمال "الحيماء ممن اليممان واليممان فمي‬
‫الجنة‪ ،‬والبذاء من الجفاء‪ ،‬والجفاء في النار" وعن سلمان الفارسي رضممي‬
‫ي‬
‫ب إلمم ّ‬ ‫الّله تعالى عنه أنه قال‪ :‬لن أموت ثم أحيا ثم أموت ثم أحيا ثلثا أح ّ‬
‫ي كممرم الل ّممه‬‫من أن أنظر إلى عورة أحد أو ينظر أحد إلى عورتي‪ .‬وعن عل ّ‬
‫وجهه أنه قال‪ :‬لعن الّله الناظر والمنظور إليه‪ .‬وعن النبي صلى الل ّممه عليممه‬
‫ل لحمد أن يمدخل الحممام إل بمئزر" وعمن الحسمن‬ ‫وسلم أنمه قمال "ل يحم ّ‬
‫البصري رحمه الّله تعالى أنه قال‪ :‬ل يصلح دخممول الحمممام إل بممإزارين إزار‬
‫للعورة‬

‫]ص ‪[247‬‬
‫وإزار للعين‪ :‬يعني يغض بصره عممن النمماس‪ ،‬وعممن عيسممى بممن مريممم عليممه‬
‫الصلة والسلم أنه قال‪ :‬إياكم والنظممرة فإنهما تممزرع الشمهوة فمي القلمب‪،‬‬
‫وكفى بها فتنة لصاحبها‪ ،‬وسئل حكيممم عممن الفاسممق؟ قممال‪ :‬الممذي ل يغممض‬
‫بصره عن أبواب الناس وعوراتهم‪ ،‬وعن عطاء أنممه قممال "ممّر النممبي صمملى‬
‫الّله عليه وسلم برجل يغتسل فقال‪ :‬يا أيها الناس إن الّله حيي حليم سممتار‬
‫ويجب الحياء والستر فإذا اغتسل أحدكم فليتوار عممن أعيممن النمماس" وعممن‬
‫أنس بن مالك رضي الّله تعالى عنه أن النبي صلى الل ّممه عليممه وسمملم كممان‬
‫إذا أراد قضاء الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الرض"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬الحياء على وجهين‪ :‬حياء فيما بينممك‬
‫وبين الناس‪ ،‬وحياء فيما بينك وبين الّله تعالى‪ ،‬أما الحياء الممذي بينممك وبيممن‬
‫الّله الناس فأن تغض بصك عما ل يحل لك وأما الحياء الذي بينك وبين الّله‬
‫تعالى فأن تعرف نعمته فتستحي أن تعصمميه‪ .‬وروى عممن عمممر رضممي الل ّممه‬
‫تعالى عنه "أنه دخل على النبي صلى الّله عليه وسلم فوجده يبكي‪ ،‬فقممال‬
‫ما يبكيك يا رسول الله؟ قال أخبرني جبريممل عليممه السمملم أن الل ّممه تعممالى‬
‫يستحي من عبد يشيب في السلم أن يعذبه‪ ،‬أفل يستحي الشيخ ممن الل ّممه‬
‫أن يذنب بعدما شاب في السلم" وروى بهز بن حكيم عن أبيممه عممن جممده‬
‫قال "قلت يا رسول الّله عورتنا ما نأتي منها وما نذر‪ ،‬قممال احفممظ عورتممك‬
‫إل من زوجتك أو ما ملكت يمينك‪ ،‬قال‪ :‬قلت يا رسول الّله أرأيممت إن كممان‬
‫أحدنا خاليًا؟ قال فالله أحق أن يستحى منه" وقال بعض السمملف لبنممه‪ :‬إذا‬
‫دعتك نفسك إلى كبيرة فارم ببصرك إلى السماء واستح ممن فيها فإن لم‬
‫تفعل فارم ببصرك إلى الرض واسممتح ممممن فيهمما فممإن كنممت ل ممممن فممي‬
‫السماء تخاف ول ممن في الرض تستحي فاعدد نفسك في عداد البهممائم‪.‬‬
‫قال الفضيل بن عياض‪ ،‬ل تغلق بابك وترخي سترك وتسممتحي مممن النمماس‪،‬‬
‫ول تستحي من القرآن الذي في صممدرك ول تسممتحي مممن الجليممل الممذي ل‬
‫يخفى عليممه خافيممة‪ .‬وقممال منصممور بمن عمممار رضممي الل ّممه تعممالى عنممه فممي‬
‫الحكمة‪ :‬من أبصر عيب نفسه اشممتغل عممن عيممب غيممره‪ ،‬ومممن تعممرى عممن‬
‫لباس التقوى لم يستتر بشيء‪ ،‬ومن رضي برزق الّله لم يحزن على ما في‬
‫ل سيف البغي قطع به يمده‪ ،‬وممن احتفممر بئرا لخيممه وقمع‬ ‫يد غيره‪ ،‬ومن س ّ‬
‫فيها‪ ،‬ومممن هتمك حجمماب غيممره انكشمفت عممورته‪ ،‬وممن نسممي زلمل نفسممه‬
‫استعظم زلة غيره‪ ،‬ومن كابد المور عطب‪ :‬يعني ارتكممب المممور العظممام‪،‬‬
‫ومن خاطر بنفسه هلك‪ ،‬ومن استغنى بعقله زل‪ ،‬ومممن تكممبر علممى النمماس‬
‫ل‪ ،‬ومن تعمق في العمل مل‪ ،‬ومن فخر على الناس قصممم‪ :‬يعنممي كسممر‪،‬‬ ‫ذ ّ‬
‫ومن سفه عليهم شتم‪ ،‬ومممن صمماحب الرذال حقممر‪ ،‬ومممن جممالس العلممماء‬
‫وقر‪ ،‬ومن دخل مدخل السوء اتهم‪ ،‬ومن تهاون بالدين ارتطم‪ ،‬ومممن اغتنممم‬
‫أموال الناس افتقر‪ ،‬ومن انتظر العافية اصطبر‪ ،‬ومممن جهممل موضممع قممدمه‬
‫مشت في ندامة‪ ،‬ومن خشى الّله فاز‪ ،‬ومن لم يجرب‬

‫]ص ‪[248‬‬
‫المور خدع‪ ،‬ومن صارع أهل الحق صرع‪ ،‬ومن احتمل ممما ل يطيقممه عجممز‪،‬‬
‫ود طريق الجهل ترك طريق العدل‪.‬‬ ‫ومن عرف أجله قصر أمله‪ ،‬ومن تع ّ‬

‫باب العمل بالنية‬


‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رحمممه اللممه‪ :‬حممدثنا محمممد بممن داود‬
‫حدثنا محمد بن جعفر حدثنا إبراهيم بن يوسف حدثنا إسمممعيل بممن عيمماش‪.‬‬
‫عن صدقة بن عبد الّله عن المهاجر بن حممبيب عممن زيممد بممن ميسممرة قممال‪:‬‬
‫يقول الّله تعالى "إني لست أقبممل كلم كممل حكيممم ولكممن أنظممر إلممى همممه‬
‫وهواه فإن كان همه وهواه إياي جعلت صمته تفكمرا وكلممه ذكمرا وإن لمم‬
‫يتكلم‪.‬‬
‫)قال الفقيه( حدثنا محمد بن داود حدثنا محمد بن جعفر حدثنا إبراهيم بن‬
‫يوسف حدثنا أبو معاوية عن العمش عن إبراهيم النخعي قممال‪ :‬إن الرجممل‬
‫ليتكلم بالكلم وعلى كلمه المقت ينوى فيه الخير فليلق الّله له العذر فممي‬
‫قلوب الناس حتى يقولوا ما أراد بكلمه هذا إل الخيممر‪ ،‬وإن الرجممل ليتكلممم‬
‫بكلم حسن ل ينوى فيه الخير فيلقيه الّله في قلوب الناس حتى يقولوا ممما‬
‫أراد بكلمه هذا خيرا‪ .‬وعن عون بن عبد الّله رحمه اللممه‪ :‬كممان أهممل الخيممر‬
‫يكتب بعضهم إلى بعض ثلث كلمات‪ :‬من عمل لخرته كفاه الّله أمر دنياه‪،‬‬
‫ومن أصلح سريرته أصلح الّله علنيته‪ ،‬ومن أصلح فيما بينه وبين الّله أصلح‬
‫الّله فيما بينه وبين الناس‪ .‬وعن الحسن رحمه الّله في قوله عّز وجل}قُ م ْ‬
‫ل‬
‫ه{ يعني على نيته يعني صحة العمل بالنية‪ .‬قال النبي‬ ‫شاك ِل َت ِ ِ‬
‫ل ع ََلى َ‬
‫م ُ‬ ‫كُ ّ‬
‫ل ي َعْ َ‬
‫صلى الّله عليه وسلم "نية المؤمن خير من عمله" قال بعممض أهممل العلممم‪:‬‬
‫إنما كان كذلك لنه قد يثاب على نية الخيممر وإن لممم يعمممل ول يثمماب علممى‬
‫عمله بل نية‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬نية المؤمن خير من عملممه لطممول نيتممه وقصممر‬
‫عمله‪ ،‬لنه ينوي أن يعمل الخير ممما بقممي ول يسممتطيع أن يعمممل الخيممر ممما‬
‫بقي‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬لن النية عمل القلب والقلب معدن المعرفة وما كممان‬
‫من معدن المعرفة كان أفضل من غيره‪ .‬وروى عن النبي صلى الّلممه عليممه‬
‫وسلم أنه قال "يؤتى بالعبد يوم القيامة ومعه من الحسنات أمثممال الجبممال‬
‫الرواسي فينادي منماد ممن كممان لمه علمى فلن مظلممة فليجمئ فليأخمذها‪،‬‬
‫فيجيء أناس فيأخذون من حسناته حتى ل يبقممى لمه ممن الحسمنات شميء‬
‫ويبقى العبممد حيممران فيقممول لممه ربممه‪ :‬إن لممك عنممدي كنممزا لممم أطلممع عليممه‬
‫ملئكتي ول أحدا من خلقي‪ ،‬فيقول يا رب ما هو؟ فيقول بنيتك الممتي كنممت‬
‫تنوي من الخير كتبتها لك سبعين ضممعفا" وروى فممي الخممبر‪ :‬أن عابممدا مممن‬
‫عباد بني إسرائيل مر بكثيب من الرمل فتمنممى فممي نفسممه لممو كممان دقيقمما‬
‫فأشبع به بني إسرائيل في مجاعة أصابتهم‪ ،‬فممأوحى الل ّممه تعممالى إلممى نممبي‬
‫فيهم‪ :‬قل لهذا العابد أن الّله تعالى يقول‪ :‬إني قد أوجبت لك من الجممر مما‬
‫لو كان دقيقا فتصدقت به‪ .‬وروى في الخبر‪" :‬أنه يؤتى بالعبممد يمموم القيامممة‬
‫فيعطى كتابه بيمينه فيرى فيه‬

‫]ص ‪[249‬‬
‫الحج والعمرة والجهاد والزكاة والصدقة‪ ،‬فيقول العبد في نفسه ما عملممت‬
‫من هذا شيئا وليس هذا كتابي‪ ،‬فيقول الّله تعالى اقممرأ فممإنه كتابممك عشممت‬
‫دهرا وأنت تقول لمو كمان لمي ممال لحججمت ولمو كمان لمي ممال لجاهمدت‬
‫وعرفت من نيتك أنك صادق فأعطيتك ثواب ذلك كله‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الله‪ :‬إنما يظهر صدق نيته إذ لم يبخل بالقليل الممذي‬
‫عنده‪ ،‬فلو رأى حاجا منقطعا فيقول في نفسه لممو كممان لممي مممال لحججممت‬
‫فلما لم يكن لي طاقة إل هذين الدرهمين دفعتهما إلى هذا‪ ،‬وإذا رأى غازيا‬
‫منقطعا يقول لو كان لممي مممال لغممزوت فلممما لممم يكممن لممي طاقممة إل هممذه‬
‫الدراهم دفعتها إلى هذا الغازي المحتاج أو إلممى مسممكين بجممواره‪ ،‬وأممما إذا‬
‫بخل بالقليل الذي عنده فيعلم الّله تعالى أنه لو كان عنممده أكممثر مممن ذلممك‬
‫لكان يبخل بالكثير كما يبخل بالقليل فل ثواب لممه فممي نيتممه‪ ،‬وكممذلك الممذي‬
‫يقول لو كنمت حفظمت القمرآن لقرأتمه أنماء الليمل والنهمار فمإذا كمان يقمرأ‬
‫السورة التي يحفظها فيعلم الّله أنه لو كان يحفظ البمماقي منممه لكممان يقممرأ‬
‫فيعطيه الّله تعالى فضل الذي يحفظ القرآن كله وإن لم يقرأ ما عنده علم‬
‫الّله منه أن نيته غير صالحة‪ .‬وروى سممهل بممن سممعد السمماعديّ عممن النممبي‬
‫صلى الّله عليه وسلم أنه قال "نية المؤمن خير من عمله‪ ،‬وعمل المنممافق‬
‫ي عن النممبي صمملى‬ ‫خير من نيته‪ ،‬وكل يعمل على نيته" وروى محمد بن عل ّ‬
‫الّله عليه وسلم أنه قال "من أحب رجل في الّله لعدل ظهممر منممه هممو فممي‬
‫علم الّله من أهل النار آجره الّله على حبه إياه كما لو أحب رجل مممن أهممل‬
‫الجنة‪ ،‬ومن أبغض رجل في الّله لجور ظهر منه وهو في علم الّله من أهممل‬
‫الجنة آجره الّله على بغضه إياه كمما لمو كمان يبغمض رجل ممن أهمل النمار"‬
‫وروى في الخممبر أن الل ّممه تعممالى قممال لموسممى عليممه الصمملة والسمملم‪ :‬يمما‬
‫موسى هل عملت لي عمل قط؟ قال إلهي صممليت لممك وصمممت وتصممدقت‬
‫لك وذكرتك‪ ،‬قال الّله تبارك وتعالى‪ :‬أما الصلة فلك برهان يعني حجة لممك‬
‫ل والذكر نور فأي عمل عملت لي؟ قممال موسممى‬ ‫والصوم جنة والصدقة ظ ّ‬
‫عليه الصلة والسلم‪ :‬إلهي دلني على العمل الذي هو لك؟ قال يمما موسممى‬
‫هل واليت لي وليا ً أو عاديت لممي عممدوًا‪ ،‬فعلممم موسممى أن أفضممل العمممال‬
‫الحب في الّله تعالى والبغض في الّله تعالى‪.‬‬
‫وروى أبو هريرة رضي الّله تعالى عنه عن النبي صلى الّله عليممه وسمملم‬
‫أنه قممال "إن الل ّممه تعممالى ل ينظممر إلممى صمموركم ول إلممى أممموالكم ول إلممى‬
‫أحوالكم وإنما ينظر إلى أعمالكم وإلى قلوبكم"‪ .‬وروت عائشة رضي الّلممه‬
‫تعالى عنها عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال "من التمس رضا الّلممه‬
‫بسخط الناس رضي الّله عنه وأرضى عنه الناس‪ ،‬ومن التمس رضا الناس‬
‫بسخط الّله سخط الّله عليه وأسخط عليه الناس" وروى العمش عن أبي‬
‫عمرو الشيباني عن أبي مسعود النصاري رضي الّله تعالى عنهم أنممه قممال‬
‫"جاء رجل إلى النبي صلى الّله عليه وسلم وأراد الجهاد فقال‬

‫]ص ‪[250‬‬
‫احملني يا رسول الله؟ فقال رسول الّله صلى الّله عليممه وسمملم ائت فلنمما‬
‫فإنه يحملك‪ ،‬فأتاه فأعطاه بعيرا فرجع إلممى رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه‬
‫ل علممى خيممر‬ ‫وسلم فأخبره فقال رسول الّله صلى الّله عليه وسلم‪ :‬مممن د ّ‬
‫ل على الخير كفاعله" وعن حذيفة‬ ‫فله مثل أجر فاعله" وفي خبر آخر "الدا ّ‬
‫ابن اليمان رضي الّله تعالى عنه قال "قدم سممائل علممى عهممد رسممول الل ّممه‬
‫صلى الّله عليه وسلم فسممأل فسممكت القمموم ثممم إن رجل أعطمماه فأعطمماه‬
‫ن خيممرا واسممتن بممه‬ ‫القوم‪ ،‬فقال رسول الّله صلى الّله عليه وسلم من است ّ‬
‫فله أجره ومثل أجور من تبعه من غير أن ينقص من أجممورهم شمميئا‪ ،‬ومممن‬
‫ن به فعليه وزره ووزر مممن تبعممه مممن غيممر أن ينقممص مممن‬ ‫استن شرا واست ّ‬
‫أوزارهم شيئا" وروى تميم الداري عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال‬
‫"خمس من جاء بهن يوم القيامة لم يصد ّ عن الجنة‪ :‬النصيحة لله ولرسوله‬
‫ولكتابه ولئمة المسلمين والعامة"‪ .‬وروى في خبر آخر أنه صلى الّله عليممه‬
‫وسمملم قممال "أل إن الممدين نصمميحة‪ ،‬قيممل لمممن يمما رسممول اللممه؟ قممال للممه‬
‫ولرسوله ولكتابه ولجميع المسلمين"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الله‪ :‬أما النصيحة لله عز وجل فأن تؤمن بالله وتدعو‬
‫الناس إلى ذلممك وتتمنممى أن يكممون جميممع النمماس مممؤمنين‪ ،‬وأممما النصمميحة‬
‫لرسول الّله صلى الّله عليه وسلم فأن تصدقه بممما جمماء بممه مممن عنممد الل ّممه‬
‫وتعمل بسنته وتدل الناس على ذلك‪ ،‬وأما النصمميحة لكتممابه فهممو أن تقممرأه‬
‫وتعمممل بممما فيممه وتتمنممى أن يقممرأه جميممع النمماس ويعملمموا بممما فيممه‪ ،‬وأممما‬
‫النصمميحة لئمممة المسمملمين فممأن تطيعهممم فيممما أمممروه وتنتهممي عممما نهمموه‬
‫وتأمرهم بالمعروف وتنهاهم عممن المنكممر ول تخممرج عليهممم بالسمميف‪ ،‬وأممما‬
‫النصيحة للمسلمين فهو أن تحب لهم ما تحب لنفسك وتكره لهم ما تكممره‬
‫لنفسك وتتمنى أن يكونوا فيما بينهم على اللفة والمودة‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬كم من نائم يكتب له أجر المصمملين‬
‫ل مستيقظ يكتب من النائمين‪ ،‬وذلك أن الرجممل إذا كممان مممن‬ ‫وكم من مص ّ‬
‫عادته أن يقوم وقت السحر ويتوضأ ويصلي حممتى يطلممع الفجممر فنممام ليلممة‬
‫على تلك النية فغلبه النوم حتى أصبح فاستيقظ حزن لذلك واسترجع فممإنه‬
‫يكتب مصليا ويبلغ ثواب القائمين بنيته‪ ،‬وأما إذا كان الرجل لممم يكممن يقمموم‬
‫بالليل فظن أنه قد أصبح فقام فتوضأ ودخممل المسممجد فممإذا هممو لممم يصممبح‬
‫فجعل ينتظر الصبح ويقول في نفسه لو علمت أنه لم يطلع الفجر لم أقممم‬
‫من فراشي فهذا الذي يكتب من النائمين وهو مستيقظ‪.‬‬

‫باب العجب‬
‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رضي الّله عنه وأرضاه‪ :‬حدثنا محمد‬
‫بن داود حدثنا محمد بن جعفر حدثنا إبراهيممم بممن يوسممف حممدثنا وكيممع عممن‬
‫المسعودي عن زيد بن رفيع عن أبي عبيدة قال‪ :‬قال عبد الّله بممن مسممعود‬
‫رضي الّله عنه‪ :‬النجاة في اثنتين التقوى والنية‪ ،‬والهلك في اثنتين‬

‫]ص ‪[251‬‬
‫القنوط والعجاب‪ .‬وعن وهب بن منبه رضي الّله تعالى عنه أنه قممال‪ :‬كممان‬
‫فيمن كان قبلكم رجل عبد الّله سبعين سنة يفطممر مممن سممبت إلممى سممبت‬
‫فطلب إلى الّله حاجة فلم يعطها فأقبل على نفسممه وقممال لممو كممان عنممدك‬
‫خير قضيت حاجتك مما أتيت من قبلك‪ ،‬فنزل عليه ملك من سمماعته فقممال‬
‫يا ابن آدم إن ساعتك التي ازدريت نفسك فيها خير مممن عبادتممك الممتي قممد‬
‫مضت‪ .‬وقال الشعبي رضي الّله تعممالى عنممه‪ :‬كممان رجممل إذا مشممى أظلتممه‬
‫سحابة فقال رجل لمشين في ظله‪ ،‬فأعجب الرجل بنفسه فقال مثل هممذا‬
‫يمشي في ظلي‪ ،‬فلما افترقا ذهب الظل مع ذلك الرجممل‪ .‬وعممن عمممر بممن‬
‫الخطاب رضي الّله تعالى عنه قال‪ :‬إن من صمملح توبتممك أن تعممرف ذنبممك‪،‬‬
‫وإن من صلح عملك أن ترفض عجبك‪ ،‬وإن مممن صمملح شممكرك أن تعممرف‬
‫تقصيرك‪ .‬وذكر عن عمر بن عبد العزيز رضي الّله تعالى عنممه أنممه كممان إذا‬
‫خطب فخاف العجب قطع‪ ،‬وإذا كتب فخاف العجب مزق وقال اللهممم إنممي‬
‫أعوذ بك من شر نفسي‪ .‬وعن مطّرف بن عبممد الل ّممه قممال‪ :‬لن أبيممت نائممما‬
‫ي من أن أبيت قائما وأصبح معجبا‪ .‬وعن عائشة رضي‬ ‫وأصبح نادما أحب إل ّ‬
‫الّله تعالى عنها أنه سألها رجل فقممال مممتى أعلممم أنممي محسممن؟ قممالت إذا‬
‫علمت أنك مسيء‪ ،‬قممال مممتى أعلممم أنممي مسمميء؟ قممالت إذا علمممت أنممك‬
‫محسن‪ .‬وذكر أن شابا من بني إسرائيل رفممض دنيمماه واعممتزل عممن النمماس‬
‫داه‬‫وجعل يتعبد في بعض النواحي‪ ،‬فخرج إليه رجلن من مشايخ قومه ليممر ّ‬
‫إلى منزله فقال له يا فتى أخذت بأمر شديد ل تصممبر عليممه‪ ،‬فقممال الشمماب‬
‫قيام الناس بين يدي الل ّممه أشمد ّ مممن قيممامي هممذا‪ ،‬فقممال لممه إن لممك أقربمماء‬
‫فعبادتك فيهم أفضل‪ ،‬فقال الشاب إن ربي إذا رضي عني أرضى عني كممل‬
‫قريب وصديق‪ ،‬فقال له أنت شاب ل تعلم وإنا قد جّربنا هذا المممر ونخمماف‬
‫عليك العجب‪ ،‬فقال الشمماب مممن عممرف نفسممه لممم يضممره للعجممب‪ ،‬فنظممر‬
‫أحدهما إلى صاحبه فقال‪ :‬قم فممإن الشمماب قممد وجممد ريممح الجنممة فل يقبممل‬
‫قولنا‪ .‬وذكر في الخبر أن داود صلوات الّله عليه وسلمه خرج إلممى سمماحل‬
‫فعبد ربه سنة‪ ،‬فلما تمت السنة قال يا رب قد انحنى ظهري وكلمت عينماي‬
‫ونفدت الدموع فل أدري إلى ممماذا يصممير أمممري؟ فممأوحى الل ّممه تعممالى إلممى‬
‫ي الّلممه أتممم ّ‬
‫ن‬ ‫ضفدع أن أجب عبدي داود عليه السلم‪ ،‬فقالت الضفدع يا نب ّ‬
‫على ربك في عبادة سنة‪ ،‬والذي بعثك بالحق نبيا إني على ظهمر بريمة منمذ‬
‫ثلثين سنة أو سنين أسبحه وأحمده وإن فرائصي ترعممد مممن مخافممة ربممي‪،‬‬
‫فبكى داود عليه الصمملة والسمملم عنممد ذلمك‪ .‬وذكممر أن هممذه القصمة كممانت‬
‫لموسى عليه السلم بعد ما قتل قتيل‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنممه‪ :‬مممن أراد أن يكسممر العجممب فعليممه‬
‫بأربعة أشياء‪ :‬أّولها‪ :‬أن يرى التوفيق من الّله تعالى فإذا رأى التوفيممق مممن‬
‫الّله تعالى فإنه يشتغل بالشممكر ول يعجممب بنفسممه‪ ،‬والثمماني أن ينظممر إلممى‬
‫النعماء التي أنعم الّله بها عليه فإذا نظر في نعمائه اشممتغل بالشممكر عليهمما‬
‫ل عمله ول يعجب به‪ ،‬والثالث أن يخاف أن ل يتقبل منه فإذا اشتغل‬ ‫واستق ّ‬

‫]ص ‪[252‬‬
‫بخوف القبول ل يعجب بنفسه‪ ،‬والرابع أن ينظر في ذنوبه التي أذنممب قبممل‬
‫ل عجبه‪ ،‬وكيف يعجب‬ ‫ذلك‪ ،‬فإذا خاف أن ترجح سيئاته على حسناته فقد ق ّ‬
‫المرء بعمله ول يدري ماذا يخرج من كتابه يوم القيامممة وإنممما يتممبين عجبممه‬
‫وسروره بعد قراءة الكتاب‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله بإسناده عن ابن عباس رضي الّله تعالى عنهممما‬
‫م اقْمَرُءوا ك ِت َمماِبي{ ولممم أدر لمممن‬ ‫أنه قال‪ :‬كنت أسمع قول الّله تعالى } َ‬
‫هاؤ ُ ْ‬
‫قالها‪ ،‬حتى دخل كعب رحمه الّله تعالى على عمممر رضممي الل ّممه تعممالى عنممه‬
‫ونحن عنده‪ ،‬فقال‪ :‬يا كعمب حمدثنا ول تحمدثنا إل بحمديث يشمبه كتماب الّلمه‬
‫تعالى؟ فقال كعب رحمه الّله تعالى‪ :‬إن الّله يبعث الخلئق يوم القيامة في‬
‫قاع أفيح يسمعهم الداعي وينفذهم البصممر‪ ،‬ثممم يممدعى كممل قمموم بإمممامهم‪:‬‬
‫يعني بمعلمهم الذي يعلمهم الهدى أو الضممللة‪ ،‬فيممدعى بإمممام الهممدى قبممل‬
‫أصحابه فيتقدم فيعطى كتابه بيمينه وقممد أخفيممت سمميئاته فهممو يقممرؤه بينممه‬
‫وبين نفسه لكيل يقول بعملي دخلت الجنة وقد بدت حسممناته للنمماس فهممم‬
‫يقرءونها حتى إنهمم يقولمون طموبى لفلن مما ظهمر لمه ممن الخيمر‪ ،‬فيقمرأ‬
‫سيئاته في نفسه حتى يقول في نفسه قد هلكت فيجد في آخممره إنممي قممد‬
‫وج بتمماج مممن نممور يسممطع ضمموؤه‪ ،‬ثممم يقممال لممه اذهممب إلممى‬ ‫غفرت لك‪ ،‬فيت ّ‬
‫أصحابك فبشرهم بأن لكممل منهممم مثممل مالممك‪ ،‬فممإذا أقبممل نظممر إليممه أهممل‬
‫الوادي فليس واحد منهم إل وهو يقول اللهم اجعله منمما اللهممم ائتنمما بممه ثممم‬
‫يأتي أصحابه فيقول هاؤم اقرؤا كتابيه_ فقد غفر لممي‪ ،‬فأبشممروا فممإن لكممل‬
‫رجل منكم مالي‪ ،‬وإذا كان إمام الضللة دعى به فإذا قام أعطى كتابه فإذا‬
‫تناوله بيمينه غلت يمينه إلى عنقه فيتناوله بشماله فيجعل شماله مممن وراء‬
‫ظهره فيلوى عنقممه ويقممرأ حسممناته بينممه وبيممن نفسممه لكيل يقممول حفظممت‬
‫سيئاتي ولم تحفظ حسناتي فيقول عملت كذا فجازيتك بما عملممت‪ ،‬وهكممذا‬
‫حتى يستوفي حسناته وسميئاته ظماهرة للنماس يقرؤنهما حمتى يقولموا ويمل‬
‫لفلن ما ظهر له من الشر" حمتى إذا فمرغ ممن صمحيفته وجمد فمي آخرهما‬
‫ذاب{ يعنمي وجمب عليممك العممذاب فيسممود ّ وجهمه‬ ‫مة الع َ‬ ‫ك ك َل ِ َ‬ ‫علي َ‬ ‫حقّ َ‬
‫ه َ‬
‫}وَإ ِن ّ ُ‬
‫وج بتاج من النممار يسممطع دخممانه ثممم يقممال لممه ائت‬ ‫كقطع الليل المظلم فيت ّ‬
‫أصحابك فبشرهم فإن لكل واحد منهم مثل هذا‪ ،‬فإذا أقبل رآه أهل الوادي‬
‫فقال كل واحد منهم اللهم ل تجعل هذا منا اللهم ل تأتنا به فل يمّر بقوم إل‬
‫لعنوه‪ ،‬ثم يأتي أصحابه فإذا رأوه لعنوه وتبرءوا منممه فلعنهممم هممو كممما قممال‬
‫م ب َْعضمًا{‬
‫ض مك ُ ْ‬ ‫ض وَي َل ْعَم ُ‬
‫ن ب َعْ ُ‬ ‫م ب ِب َعْم ٍ‬‫ض مك ُ ْ‬ ‫م مةِ ي َك ْ ُ‬
‫ف مُر ب َعْ ُ‬ ‫قَيا َ‬
‫م ال ِ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫الّله تعالى }ث ُ ّ‬
‫فيقول لهم أبشروا فإن لكل واحد منكم مثل هذا‪ .‬وعن مسروق رحمه الّله‬
‫تعالى قال‪ :‬كفى بالمرء علما أن يخشى الله‪ ،‬وكفى بالمرء جهل أن يعجممب‬
‫بعمله‪ .‬وعن مجاهد رحمه الّله أنه قال‪ :‬بعث سعيد بن العاص قوممما يثنممون‬
‫عليه عند عثمان رضي الّله تعمالى عنمه فقمام المقمداد فحثما فمي وجموههم‬
‫التراب وقال سمممعت رسممول اللممه صمملى الل ّممه عليممه وسمملم يقممول" احثمموا‬
‫داحين"‪.‬‬
‫التراب في وجوه الم ّ‬

‫]ص ‪[253‬‬
‫باب في فضل الحج‬
‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رحمه الّله تعالى‪ :‬حممدثنا محمممد بممن‬
‫داود حدثنا أبو عبد الّله محمد بن أحمد بن زكريا بإسناده حممدثنا محمممد بممن‬
‫عبد الّله حدثنا عاصم بن علي البغدادي عن أبيه عن ليث عممن مجاهممد عممن‬
‫عبد الّله بن عباس رضي الّله تعالى عنهما قال" كنمما مممع النممبي صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم بمنى إذ أقبلت طائفة من اليمن فقالوا فممداك المهممات والبمماء‬
‫أخبرنا بفضائل الحج قال بلى‪ ،‬أيّ رجمل خمرج ممن منزلمه حاجما أو معتممرا‬
‫فكلما رفع قدما ووضع قدما تناثرت الذنوب من بدنه كما يتناثر الممورق مممن‬
‫الشجر‪ ،‬فإذا ورد المدينة وصافحني بالسلم صافحته الملئكة بالسلم‪ ،‬فإذا‬
‫ورد ذا الحليفة واغتسل طهره الّله من الذنوب‪ ،‬وإذا لبممس ثمموبين جديممدين‬
‫دد الّله له من الحسنات‪ ،‬وإذا قال لبيك اللهم لبيك أجابه الرب عممز وجممل‬ ‫ج ّ‬
‫بلبيك وسعديك أسمع كلمك وأنظر إليك‪ ،‬فممإذا دخممل مكممة وطمماف وسممعى‬
‫بين الصفا والمروة واصل الّله لممه الخيممرات فممإذا وقفمموا بعرفممات وضممجت‬
‫الصوات بالحاجات باهى الّله بهم ملئكممة سممبع سممموات ويقممول‪ :‬ملئكممتي‬
‫وسكان سمواتي أما ترون إلى عبادي أتوني من كل فج عميق شممعثا غممبرا‬
‫قد أنفقوا الموال وأتعبوا البدان فوعزتي وجللي وكرمممي لهبممن مسمميئهم‬
‫بمحسنهم ولخرجنهم من الذنوب كيوم ولدتهم أمهاتهم‪ ،‬فإذا رممموا الجمممار‬
‫وحلقوا الرؤوس وزاروا البيت نادى مناد من بطنان العرش ارجعوا مغفممورا‬
‫لكم واستأنفوا العمل" قال‪ :‬حدثنا محممد بمن داود حمدثنا محممد بمن أحممد‬
‫حدثنا محمد بن عبد الّله حدثنا عبد الّله حدثنا محمد بن الصباح حممدثنا يزيممد‬
‫ي كرم الّله وجهه‬ ‫بن هرون عن نصير بن حاجب عن محمد بن كعب عن عل ّ‬
‫قال " كنت طائفا مع النبي صلى الّله عليه وسلم ببيت الّله الحممرام فقلممت‬
‫ي أسممس الل ّممه‬ ‫فداك أبي وأمي يا رسول الّله ما هذا البيت؟ فقال لي يا عل ّ‬
‫سبحانه وتعالى هذا البيت في دار الدنيا كفارة لذنوب أمممتي‪ ،‬فقلممت فممداك‬
‫أبي وأمي ما هذا الحجر السود؟ قال تلك جوهرة كانت في الجنممة أهبطهمما‬
‫الّله إلى الدنيا لها شعاع كشعاع الشمس‪ ،‬واشتد سوادها وتغيممر لونهمما لممما‬
‫مستها أيدي المشركين‪ .‬قال‪ :‬حدثنا أبممو القاسممم عبممد الرحمممن بممن محمممد‬
‫حدثنا فارس بن مردويه حدثنا محمد بن الفضيل حدثنا أبو الوليد حدثنا عبممد‬
‫القاهر بن السري قال‪ :‬حدثنا أبي عن كنانة حممدثنا العبمماس ابممن مممرداس "‬
‫أن رسول الّله صلى الل ّممه عليممه وسمملم دعمما عشممية عرفممة لمتممه بالرحمممة‬
‫والمغفرة‪ ،‬فأكثر الدعاء فأجابه ربه بأني قد فعلت إل ظلممم بعضممهم بعضمما‪،‬‬
‫قال أي رب إنك قادر على أن تثيب هذا المظلوم خيممرا مممن مظلمتممه لهممذا‬
‫الظالم‪ ،‬فلم يجبه تلك العشية‪ ،‬فلما كان غداة المزدلفة أعاد الدعاء فأجابه‬
‫ربه بأني قد غفرت لهم‪ ،‬ثم تبسم رسول الّله صلى الّله عليه وسلم‪ ،‬فقال‬
‫بعض‬

‫]ص ‪[254‬‬
‫أصحابه يا رسول الّله تبسمت في ساعة لم تكن تتبسم فيها؟ قال تبسمت‬
‫إن عدوّ الّله إبليس لما علم أن الّله قد استجاب لي في أمتي أهمموى يممدعو‬
‫بالويل والثبور ويحثو التراب على رأسه" وروى أبو هريرة رضي الّله تعالى‬
‫عنه عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال "مممن حممج الممبيت ولممم يرفممث‬
‫ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" وعن عمر بن الخطاب رضي الل ّممه تعممالى‬
‫عنه أنه قال‪ :‬من أتى هذا البيت ل يريد إل إياه فطاف به طوافمما خممرج مممن‬
‫ذنوبه كيوم ولدته أمه‪ .‬وعن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قممال "ممما رؤى‬
‫الشيطان يوما قط هو فيه أضعف ول أحقر ول أغيممظ مممن يموم عرفممة وممما‬
‫ذلك إل لما رأى من نزول الرحمة وتجاوز الّله عن الذنوب العظام‪ ،‬ولم يممر‬
‫قبل ذلك مثله إل ما رؤى من يوم بدر"‪ .‬وعن عمممر بممن عبممد العزيممز رضممي‬
‫الّله تعالى عنه قال‪ :‬فيما أوحى الّله تعالى إلى موسممى عليممه السمملم ذكممر‬
‫بيت الّله الحرام وفضيلته قال‪ :‬إلهي ما الحج؟ قال بيتي الذي اخترته علممى‬
‫جميع البيوت وحرمي الذي حّرمه خليلي إبراهيم ينتهون إليممه مممن أطممراف‬
‫الرض يهللممون بالتلبيممة كممما يلممبي العبممد لسمميده‪ ،‬قممال موسممى إلهممي فممما‬
‫ثوابهم؟ قال ألحقهم المغفرة حتى أشفعهم في جيرانهممم وقرابتهممم‪ ،‬فقممال‬
‫موسى إلهي من هم؟ من ليس لممه نفقممة طيبممة ول قلممب زاك‪ ،‬قممال فممإني‬
‫أهب المسيء منهم للمحسن‪ .‬وعممن أبممي هممارون العبممدي عممن أبممي سممعيد‬
‫الخدري رضي الّله تعالى عنه أنه قال‪ :‬حججنا مع عمر بن الخطمماب رضممي‬
‫الّله عنه في أّول خلفته فدخل المسجد حتى وقف علممى الحجممر ثممم قممال‪:‬‬
‫إنك حجر ل تضر ول تنفع ولول أني رأيت رسول الّله صلى الّله عليه وسلم‬
‫ي كمرم الل ّممه وجهمه ل تقممل مثمل هممذا يما أميمر‬ ‫يقبلك مما قبلتمك‪ ،‬فقمال علم ّ‬
‫المؤمنين فإنه يضر وينفع بإذن الّله تعالى‪ ،‬ولول أنك قرأت القرآن وعلمممت‬
‫ما فيه ما أنكرت عليك‪ ،‬فقال له عمر رضي الّله تعالى عنه يمما أبمما الحسممن‬
‫ك‬ ‫خذ َ َرب ّ َ‬‫وما تأويله من كتاب الّله عز وجل؟ قال‪ :‬يقول الّله عز وجل }وَإ ِذ ْ أ َ َ‬
‫فس م ه َ‬ ‫َ‬ ‫م وَأ َ ْ‬
‫ت ب َِرب ّك ُم ْ‬
‫م‬ ‫سم ُ‬ ‫م أل َ ْ‬‫م ع َل َممى أن ُ ِ ِ ْ‬ ‫ش مهَد َهُ ْ‬ ‫ن ظ ُُهورِه ِ ْ‬
‫م ذ ُّري ّت َهُ ْ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬
‫ن ب َِني آد َ َ‬
‫م ْ‬
‫ِ‬
‫َقاُلوا ب ََلى{ الية‪ ،‬فلما أقروا بالعبودية كتب إقرارهممم فمي رق ثمم دعما همذا‬
‫الحجر فألقمه ذلك الرق فهو أمين الّله علممى هممذا يشممهد لمممن وافمماه يمموم‬
‫القيامة‪ ،‬قال عمر يا أبا الحسن لقد جعل الّله بين ظهرانيكم من العلم غير‬
‫ف‬‫قليل‪ .‬وروى عن ابن عباس رضي الّله تعممالى عنهممما أنممه قممال بعممدما ك م ّ‬
‫بصره‪ :‬ما ندمت على شيء مثل ما ندمت على أن ل أكون حججممت ماشمميا‬
‫ر{‪.‬‬ ‫م ٍ‬
‫ضا ِ‬
‫ل َ‬ ‫جال ً وَع ََلى ك ُ ّ‬‫ك رِ َ‬‫لني سمعت أن الّله تعالى يقول }ي َأ ُْتو َ‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه وأرضاه‪ :‬إذا كممان الطريممق قريبمما فل‬
‫بأس أن يحج ماشيا وهو أفضل‪ ،‬وأما إذا كان الطريق بعيدا فالراكب أفضل‬
‫لن الماشي يتعب نفسه ويسوء خلقه فإذا أمن من هممذا المعنممى فالمشممي‬
‫أفضل‪ .‬وروى عممن الحسممن البصممري رضممي الل ّممه تعممالى عنممه أنممه قممال‪ :‬إن‬
‫الملئكة يتلقون الحاج فيسلمون على أصحاب الجمال ويصافحون‬

‫]ص ‪[255‬‬
‫أصحاب البغال والحمير ويعانقون الرجالة‪ .‬وروى الضحاك عن النمبي صملى‬
‫الّله عليه وسلم أنه قال "إيما مسلم خرج من بيته قاصدا فممي سممبيل الل ّممه‬
‫فوقصته دابته قبل القتال أو لدغته هامة أو مات بأي حتف مات وهو شهيد‪،‬‬
‫وأيما مسلم خرج من بيته حاجا إلى بيت الّلمه الحمرام ثمم نمزل بمه المموت‬
‫قبل بلوغه أوجب الّله له الجنة" وروى عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنممه‬
‫قال "اللهم اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج" وروى عن عطاء عممن ابممن‬
‫عمر رضي الّله تعالى عنهما عممن النممبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم أنممه قممال‬
‫"صلة في مسجدي هذا تعدل ألف صمملة فممي غيممره إل المسممجد الحممرام"‬
‫وفي خبر آخر "صلة في مسجدي هذا أفضل مممن عشممرة آلف صمملة فممي‬
‫غيره إل المسجد الحرام‪ ،‬وصلة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألممف‬
‫صلة في غيره‪ ،‬وصلة في سبيل الّله أفضل من مائتي ألف صلة" ثم قال‬
‫أل أدلكم على ما هو أفضل من ذلك رجممل قممام فممي سممواد الليممل فأحسممن‬
‫الوضوء وصلى ركعتين يريد بهما ما عند الله" وعن يزيد بن بشممر عممن ابممن‬
‫عمر رضي الّله تعالى عنهما أنمه قمال‪ :‬قمال رسمول الّلمه صملى الّلمه عليمه‬
‫وسلم "بنممي السمملم علممى خمممس‪ :‬شممهادة أن ل إلممه إل الل ّممه وأن محمممدا‬
‫رسول الله‪ ،‬وإقامة الصلة‪ ،‬وإيتمماء الزكمماة‪ ،‬وصمموم رمضممان‪ ،‬وحممج الممبيت"‬
‫وروى عن سعيد بن المسيب رضي الّله تعالى عنممه عممن النممبي صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم أنه قال "إن الّله تعالى ليدخل ثلثممة نفممر فممي الحجممة الواحممدة‬
‫الجنة‪ :‬الموصى بها‪ ،‬والمنفذ لهمما‪ ،‬والحمماج عنممه‪ ،‬والعمممرة‪ ،‬والجهمماد كممذلك"‬
‫والله تعالى أعلم‪.‬‬

‫باب فضل الغزو والجهاد‬


‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رحمه الل ّممه تعممالى‪ :‬حممدثنا أبممو نصممر‬
‫حدثنا منصور بن جعفر الدبوسي بسمممرقند‪ :‬حممدثنا أبممو القاسممم أحمممد بممن‬
‫ي بن عاصم عن سممهل عممن صممفوان‬ ‫محمد حدثنا عيسى بن أحمد حدثنا عل ّ‬
‫بن يزيد بن القعقاع عن أبي الجلح عن أبي هريرة رضمي الّلمه تعمالى عنمه‬
‫قال‪ :‬قال رسول الّله صلى الّله عليه وسلم "ل يجتمع غبار في سممبيل الل ّممه‬
‫ودخان جهنم في جوف عبد أبدًا‪ ،‬ول يجتمع الشح واليمممان فممي قلممب عبممد‬
‫أبدا"‪ .‬قال حدثنا محمد بن الفضل حدثنا محمد بن جعفر حدثنا إبراهيممم بممن‬
‫يوسف حدثنا أبو معاوية عن هشام بن عمار بن نصر عممن الحسممن رحمهممم‬
‫الّله تعالى أن النبي صلى الّله عليه وسلم قال "لغدوة أو روحة فممي سممبيل‬
‫الّله أفضل من الرض وما عليها‪ ،‬ولموقف الرجمل فمي الصمف أفضمل ممن‬
‫عبادة ستين سنة" وبهذا السناد عن أبي معاوية عممن الحجمماج عممن مقسممم‬
‫عن ابن عباس رضي الّله تعالى عنهما "أن النممبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم‬
‫بعث عبد الّله بن رواحة في سرية فوافق ذلك يوم الجمعة‪ ،‬فقال عبد الل ّممه‬
‫أصلى الجمعة مع النبي صلى الّله عليه وسلم ثم ألحق بأصحابي وقممد غممدا‬
‫أصحابه فلما صلى رآه النبي صلى الّله عليه وسلم قال مالممك لممم لممم تغممد‬
‫مع أصحابك؟ فقال أحببت أن أصلي‬

‫]ص ‪[256‬‬
‫الجمعة ثم ألحق بأصحابي‪ ،‬فقال له أنفقت ما في الرض جميعا ً ما أدركممت‬
‫فضل غدوتهم" وعن سلمان الفارسي رضي الّله تعالى عنه أنه قال‪ :‬ربمماط‬
‫ليلة على ساحل البحر خير من صيام رجل وقيامه فممي أهلممه شممهرًا‪ ،‬ومممن‬
‫مات في سبيل الّله مرابطا ً أجاره الل ّممه مممن فتنممة القممبر وأمنممه مممن الفممزع‬
‫الكبر وأجرى عمله كل يوم وليلة إلى يمموم القيامممة‪ ،‬وزيممارة قممبر المرابممط‬
‫رباط إلى يوم القيامة‪ .‬وعن عبد الّله بن عبيد بن عمير عن أبيه قال "سئل‬
‫رسول الّله صلى الّله عليه وسلم ما السلم؟ قممال طيممب الكلم‪ ،‬وإطعممام‬
‫ل؟ قممال مممن سمملم‬ ‫الطعممام وإفشمماء السمملم" قيممل "وأيّ السمملم أفضمم ِ‬
‫المسلمون من يده ولسانه" قيل "فأيّ الصلة أفضل؟ قال طممول القيممام‪،،‬‬
‫ل‪ ،‬قيل فأيّ اليمممان أفضممل؟ قممال‬ ‫قيل فأيّ الصدقة أفضل؟ قال جهد المق ّ‬
‫الصبر والسماحة‪ ،‬قيل فأيّ الجهاد أفضممل؟ قممال مممن عقممر جممواده وأهممرق‬
‫دمه‪ ،‬قيل فأيّ الرقاب أفضل؟ قال أغلها ثمنًا"‪.‬‬
‫وعن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال "ل يجتمع غبار في سبيل الل ّممه‬
‫تعالى ودخان جهنم في منخري عبد مسمملم" وعممن النممبي صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم أنه قال "كل عين باكية يوم القيامة إل ثلث أعيممن‪ :‬عيممن بكممت مممن‬
‫خشية الّله تعالى‪ ،‬وعين غضت عن محارم الّله تعالى‪ ،‬وعيممن حرسممت فممي‬
‫سبيل الله‪ ،‬وعن أبي هريرة رضي الّله تعالى عنه عن النبي صلى الّله عليه‬
‫ي أول ثلثة من أممتي يمدخلون الجنمة وأول ثلثمة‬ ‫وسلم أنه قال "عرض عل ّ‬
‫يدخلون النار‪ ،‬فأما أول ثلثة يممدخلون الجنممة‪ :‬فشممهيد والعبممد المملمموك لممم‬
‫يشغله رق الدنيا عن طاعة الّله تعالى‪ ،‬وفقير متعفممف ذو عيممال‪ ،‬وأممما أّول‬
‫ثلثة يدخلون النار‪ :‬فأمير مسلط وذو ثروة من مال ل يؤدى حق الّله تعالى‬
‫من ماله‪ ،‬وفقير فخور" وعن النبي صلى الل ّممه عليممه وسمملم "أنممه سممئل أ ّ‬
‫ي‬
‫العمال أفضل؟ قال الصلة لوقتها‪ ،‬وبّر الوالدين‪ ،‬والجهاد فممي سممبيل الل ّممه‬
‫تعالى"‪ ،‬وعن ميمون بن مهران عن ابن عباس رضي الّله تعالى عنهما أنممه‬
‫قال‪ :‬من أعطى فرسا ً في سبيل الّله تعالى كان لممه كممأجر مممن جاهممد فممي‬
‫سبيل الّله تعالى بماله ونفسه‪ ،‬ومن أعطى سيفا ً في سبيل الّله تعالى جاء‬
‫يوم القيامة وله لسان ينادي يوم القيامة أنا سيف فلن لممم أزل أجاهممد لممه‬
‫دخر الّله له ذلممك ويربيممه‬ ‫إلى يومي هذا‪ ،‬ومن أعطى سهما ً في سبيل الّله ا ّ‬
‫حتى يجيء يوم القيامة علممى رؤوس الخلئق وهممو أعظممم مممن جبممل أحممد‪،‬‬
‫ومن حمل مجاهدا ً في سبيل الّله جعله الل ّممه لممه علم ما ً يمموم القيامممة‪ ،‬ومممن‬
‫أعطى ترسا ً في سبيل الّله جعله الّله له جنة يوم القيامممة يعنممي مممن النممار‬
‫ومن طعن طعنة في سبيل الّله جعلها الّله له نورا بيممن يممديه وجمماءت يمموم‬
‫القيامة ولها ريح كريح المسك يجدها الخلئق‪ ،‬ومن سقى أخاه فممي سممبيل‬
‫الّله تعالى سقاه الّله من الرحيق المحتوم يوم القيامة‪ ،‬ومن زار أخاه فممي‬
‫سبيل الّله كتب الّله له بكل خطوة حسنة ورفع له بها درجة وحط عنممه بهمما‬
‫سيئة‪ ،‬ومن حبس فرسا ً في سبيل الّله كتب له بكل شعرة حسنة ورفع لممه‬
‫بها درجة وحط عنه بها سيئة‬

‫]ص ‪[257‬‬
‫ومن حرس ليلة في سممبيل الل ّممه أمنممه الل ّممه تعممالى مممن الفممزع الكممبر يمموم‬
‫القيامة" وقال ابن عباس رضي الّله تعالى عنهما‪ :‬إذا كنت فمي سمرية فمي‬
‫سبيل الّله فكن خلفها تسوق ضعيفها وتؤمن خائفها يكن لك مثممل أجممورهم‬
‫ول ينقص من أجورهم شيء‪ .‬وعن بعض الصحابة رضي الّله تعالى عنه أنه‬
‫قال‪ :‬السيوف مفاتيح الجنة قال وإذا التقى الصفان فممي سممبيل الل ّممه تزيممن‬
‫الحور العين فاطلعن فإذا أقبل الرجل قلن اللهم أبصره اللهممم أعنممه‪ ،‬فممإذا‬
‫أدبر احتجبن عنه وقلن اللهم اغفر له‪ ،‬وإذا قتل غفر الل ّممه لممه بممأّول قطممرة‬
‫تخرج من دمه كل ذنب هوله وينزل عليه اثنتان من الحور العيممن تمسممحان‬
‫الغبار عن وجهه‪.‬‬
‫وذكر "أن رجل ً حبشيا ً جاء إلى رسول الّله صلى الّله عليه وسلم فقال‪ :‬يا‬
‫رسول الّله أنا كما تراني دميم الوجه منتن الريح غير زاكي الحسممب فممأين‬
‫أنا إن قاتلت حتى أقتل؟ قال أنت في الجنة‪ ،‬فأسلم الرجممل‪ ،‬فقممال عنممدي‬
‫غنم فكيف أصنع بها؟ فقال وجهها إلى المدينة ثم صح بها فإنها سترجع إلى‬
‫أهلها‪ ،‬ففعل ذلك‪ ،‬ثم اقتحم القتال فاقتتلوا فلما تحمماجز القمموم قممال النممبي‬
‫صلى الّله عليه وسلم تفقدوا إخوانكم‪ ،‬ففعلوا فقالوا يمما رسممول الل ّممه ذلممك‬
‫ي قتيل في وادي كذا‪ ،‬فقام النبي صلى الّله عليه وسلم معهم فلممما‬ ‫الحبش ّ‬
‫أشرف عليه قال اليوم حسممن الل ّممه وجهممك وطيممب ريحممك وزكممى حسممبك‪،‬‬
‫فبكى فأعرض عنه‪ ،‬فقالوا رأيناك أعرضت عنه؟ فقال والذي نفسممي بيممده‬
‫لقد رأيت أزواجه من الحور العيممن ابتممدرن حممتى بممدت خلخيلهممن" ويقممال‪:‬‬
‫الغزاة ثلثة أصناف‪ :‬صنف منهم يرعون دوابهم‪ ،‬وصممنف منهممم يخممدمونهم‪،‬‬
‫وصنف منهم يباشرون القتال وكلهم في الجر سواء‪ ،‬وأفضلهم الذي يرعى‬
‫دوابهم ويقاتل إذا حضر القتال‪ ،‬ثم الذي يخدمهم ويقاتل إذا حضممر القتممال‪،‬‬
‫كما روى عن أنس بن مالك رضي الّله تعالى عنه أن النبي صلى الّله عليممه‬
‫وسلم قال "أعظم القوم أجرا خادمهم" وروى عن أنممس بممن مالممك رضممي‬
‫الّله تعالى عنه أن النبي صلى الّله عليه وسلم قال "ما من عبد يموت ولممه‬
‫عند الّله خير يتمنى أن يرجع إلى الدنيا وإن كانت له الدنيا وما فيها" يعنممي‬
‫ل يتمنى الرجوع إلى الدنيا‪ ،‬وإن أعطى له جميع الدنيا لما يخاف مممن هممول‬
‫الموت إل الشهيد لما يرى من فضل الشممهادة‪ ،‬فممإنه يتمنممى أن يرجممع إلممى‬
‫الدنيا فيقتل مرة أخرى" وعن سعيد بن جممبير رضممي الل ّممه تعممالى عنممه فممي‬
‫َ‬
‫ه{‬‫شاَء الل ّم ُ‬
‫ن َ‬‫م ْ‬‫ض ِإل َ‬
‫ن ِفي الْر ِ‬
‫م ْ‬
‫ت وَ َ‬
‫ماَوا ِ‬
‫س َ‬
‫ن ِفي ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫قوله تعالى }فَ َ‬
‫صعِقَ َ‬
‫هم الشهداء مسلولي السيوف عند العرش‪ .‬وفي رواية منقلدين بالسمميوف‬
‫حول العرش‪ .‬وعن قتادة أنه قال‪ :‬إن الّله تعممالى أعطممى المجاهممدين ثلث‬
‫خصال‪ :‬من قتممل منهممم صممار حيمما مرزوقمما‪ ،‬ومممن غلممب أعطمماه الل ّممه أجممرا‬
‫عظيما‪ ،‬ومن عاش يرزقه الّله رزقا حسنا‪.‬‬
‫وعن الحسن البصري رحمه الّله عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال‬
‫"من سأل الّله الشهادة فمات كان له أجر الشهيد" وعن ابن مسعود رضي‬
‫الّله تعالى عنه في قول الّله عز وجل‬
‫]ص ‪[258‬‬
‫}ب ْ َ‬
‫ن{ قال أرواحهم في حواصل طير أخضر تسرح‬ ‫م ي ُْرَزُقو َ‬
‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬
‫حَياٌء ِ‬
‫لأ ْ‬ ‫َ‬
‫في الجنة في أيها شاءت ثم تأوي إلى قناديل معلقممة تحممت العممرش‪ .‬وعممن‬
‫معاذ بن جبل رضي الّله تعالى عنه عن النمبي صملى الّلمه عليمه وسملم أنمه‬
‫قال "من قاتل في سبيل الّله فواق ناقة فقد وجبت له الجنممة‪ ،‬ومممن سممأل‬
‫الّله الشهادة من عند نفسه صادقا ً ثم مممات أو قتممل لممه أجممر شممهيد‪ ،‬ومممن‬
‫جرح في سممبيل الل ّممه جرحما ً أو نكممب نكبممة فممإنه يجيممء يمموم القيامممة لممونه‬
‫كالزعفران وريحه كالمسك" وروى الحسن البصري رضي الّله تعممالى عنممه‬
‫عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال "كممل عيممن باكيممة يمموم القيامممة إل‬
‫أربعة أعين‪ :‬عين فقئت فممي سممبيل اللممه‪ ،‬وعيممن فاضممت مممن خشممية اللممه‪،‬‬
‫وعين باتت ساهرة من خشممية اللممه‪ ،‬وعيممن بمماتت تحممرس سممرية مممن وراء‬
‫المسلمين"‪.‬‬

‫باب فضل الرباط‬


‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رضي الل ّممه تعممالى عنممه‪ :‬حممدثنا أبممي‬
‫رحمه الّله قال‪ :‬حدثنا أبو عبد الرحمن بن عبد الّله حدثنا محمممد بممن حممرب‬
‫المدني حدثنا عمر بن منصور عن النضر بن معبد عن أبي قلبة عن عثمان‬
‫رضي الّله تعالى عنه قال‪ :‬كنت أسر واليوم أعلن وما كان يمنعني أحممد أن‬
‫ن بكم‪ ،‬سمعت رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه وسمملم يقممول‬ ‫أحدثكم إل لض ّ‬
‫"رباط يوم في سبيل الّله أفضممل مممن صمميام ألممف يمموم وقيممام ألممف ليلممة"‬
‫ي بن أحمد حدثنا نصير بن يحيى قال‬ ‫وقال‪ :‬حدثنا الفقيه أبو جعفر حدثنا عل ّ‬
‫حدثنا أبو سليمان عن محمد بن الحسن عن محمد بن راشممد عممن مكحممول‬
‫أن سلمان الفارسي رضي الّله تعالى عنه مر بشممرحبيل بمن السممط وهممو‬
‫مرابط في قلعة بأرض فارس فقال أل أحدثكم بحديث سمعته من رسممول‬
‫الّله صلى الّله عليه وسلم يقول "لرباط يمموم فممي سممبيل الل ّممه أفضممل مممن‬
‫صيام شهر وقيامه‪ ،‬ومن مات وهو مرابط أجير من فتنة القبر ونما لممه كممل‬
‫عمله كأحسن ما كان يعمل إلى يوم القيامة"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( أبو الليث رحمه الله‪ :‬حدثني أبي بإسناده عن نافع عن ابن‬
‫عمر رضي الّله تعالى عنهما قال‪ :‬قال رسول الّله صلى الل ّممه عليممه وسمملم‬
‫"من كبر تكبيرة في سبيل الّله كانت كصخرة في ميزانه يوم القيامة أثقممل‬
‫من السموات والرض وما فيهن‪ ،‬ومن قال فممي سممبيل الل ّممه ل إلممه إل الل ّممه‬
‫والله أكبر رافعا ً صوته بها كتب الّله له بهما رضموانه الكمبر وممن يكتممب لمه‬
‫رضوانه الكبر جمع الّله بينه وبيممن محمممد وإبراهيممم وسممائر النبيمماء عليهممم‬
‫الصلة والسلم"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الله‪ :‬اختلفوا في الرضوان الكممبر قممال بعضممهم هممو‬
‫رؤية الّله تعالى وقال بعضهم الرضوان الكممبر المذي ل يسممخط عليممه بعمده‬
‫أبدا‪ .‬وعن أبي هريرة رضي الّله تعالى عنه قال "جاء رجل إلى رسول الّله‬
‫صلى الّله عليه وسلم فقال يا رسول الّله كيف لي أن أنفق من مالي‬

‫]ص ‪[259‬‬
‫حتى أبلغ عمل المجاهدين في سبيل الله؟ قال وما مالك؟ قال سممتة آلف‪،‬‬
‫قال لو تصدقت بها ما كان عدل نومة الغازي في سبيل الله" وروى محمممد‬
‫بن مقاتل العباداني عن أبيه قال‪ :‬كان يقال من حلق رأسه في الرباط ثممم‬
‫دفنه كان له أجممر المرابممط ممما دام ذلممك الشممعر مممدفونا ً والشممعر ل يبلممى‪:‬‬
‫وروى عثمان بن عطاء عن أبيه قال‪ :‬دخل رجل مع عبد الرحمن بن عمموف‬
‫في حائط له فأعتق ثلثين رقبة فجعل الرجل يتعجممب مممن ذلممك فقممال لممه‬
‫عبد الرحمن أفل أخبرك بعمل أفضل منه؟ قال نعم‪ ،‬قال بينما رجممل يسممير‬
‫في سبيل الّله تعالى على دابته وسوطه متعلق في أصبعه إذ نعممس نعسممة‬
‫فسقط سوطه فلزعته بسوطه أفضل مما رأيتني صنعت‪ .‬وذكممر عبممد الل ّممه‬
‫بن المبارك بإسناده عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم قال "يبعث الل ّممه‬
‫يوم القيامة أقواما ً يمرون على الصراط كهيئة الريممح ليمس عليهممم حسماب‬
‫ول عذاب قالوا من هم يما رسممول اللمه؟ قمال أقوامما ً يمدركهم مموتهم فممي‬
‫الرباط" وروى أبو أمامة الباهلي رضي الّله تعالى عنه عن النبي صلى الّله‬
‫عليه وسلم أنه قال "أربعة تجمري عليهمم أجممورهم بعممد مموتهم‪ :‬ممن ممات‬
‫مرابطا ً في سبيل الله‪ ،‬ومن مات وعلم علما ً أجري له أجر مممن عمممل بممه‪،‬‬
‫ومن تصدق بصدقة جارية من ماله فأجرهما يجمري لمه مما داممت الصمدقة‪،‬‬
‫ورجل ترك ولدا صالحا ً وهو يدعو له"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬سمعت الفقيه أبا جعفر يممذكر عممن أبممي‬
‫القاسم عن نصير عن أبي مطيع أنه قال‪ :‬الرباط الذي جاء فيه الفضل هممو‬
‫الرباط الممذي ل يكممون وراءه إسمملم‪ ،‬وروى سممفيان بممن عيينممة رضممي الل ّممه‬
‫تعالى عنه أنه قال‪ :‬إذا أغار العدو علممى موضمع فممذلك الموضمع ربماط إلممى‬
‫أربعين سنة وإذا أغار مرتين فهو رباط إلى مممائة وعشممرين سممنة وإذا أغممار‬
‫ثلث مرات فهو رباط إلى يوم القيامة‪.‬‬

‫باب فضل الرمي والركوب‬


‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رضي الّله تعالى عنه وأرضاه‪ :‬حدثنا‬
‫أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد حدثنا فارس بن مردويه حدثنا محمد بممن‬
‫الفضل حدثنا أبو يحيى الحماني عن الحسن بن عمممارة عممن عبممد الل ّممه بممن‬
‫عبد الرحمن عن جابر بن زيد قال‪ :‬كنت أرامممي رجل ً مممن أصممحاب رسممول‬
‫الّله صلى الّله عليه وسلم ففقدني يوم مًا‪ ،‬فقممال لممي ممما أبطممأك؟ فممأخبرته‬
‫بعذري‪ ،‬فقال أل أحدثك بحديث سمعته مممن رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم يكون لك عونا ً على الرمي؟ فقلت بلممى‪ ،‬قممال سمممعت رسممول الل ّممه‬
‫صلى الّله عليه وسلم "يقول إن الّله تعالى يممدخل بسممهم واحممد ثلثممة نفممر‬
‫الجنة‪ :‬الرامي والمحتسب بصنعته والمقوى به" قال النبي صلى الّله عليممه‬
‫وسلم "ارموا واركبوا‪ ،‬وأن ترموا خير لكم وأحب إلي من أن تركبمموا‪ ،‬فممإن‬
‫كممل لهولهمما بممه المممؤمن باطممل إل فممي ثلث‪ :‬رميممك عممن قومممك‪ ،‬وتأديبممك‬
‫فرسك‪ ،‬وملعبتك مع أهلك‪ .‬فإن ذلك مممن الحممق" وعممن مكحممول أن عمممر‬
‫رضمي الّلمه تعممالى عنمه كتممب إلممى أهممل الشممام‪ :‬علممموا أولدكممم السمباحة‬
‫والرماية والفروسية ومروهم بالحتفاف‬

‫]ص ‪[260‬‬
‫بين الغراض‪ .‬وعن مجاهد قال‪ :‬رأيت ابن عمممر رضممي الل ّممه تعممالى عنهممما‬
‫يشتد ّ بين الهدفين في قميص‪ ،‬وعممن حذيفمة رضمي الل ّممه تعممالى عنممه‪ :‬كممان‬
‫يشتد ّ بين الهدفين في قميص واحد‪ .‬وروى عن رسول الّله صلى الّله عليممه‬
‫وسلم أنه قال لسعد يوم أحد "ارم يا سعد فداك أبي وأمي"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬في هذا الخبر بيان فضل الرمي لن النبي‬
‫صلى الّله عليه وسلم لم يقل لحد فداك أبي وأمي إل لسعد لجل أنه كان‬
‫راميًا‪ ،‬ودعا النبي صلى الّله عليممه وسمملم لسممعد فقممال "اللهممم سممدد رميممه‬
‫وأجب دعوته" وعن عمرو بن شرحبيل أن النبي صلى الّله عليه وسلم قال‬
‫"البل عز لهلها‪ ،‬والغنم بركة‪ .‬والخيل معقود في نواصيها الخيممر إلممى يمموم‬
‫القيامة" وفي خبر آخر "العّز في نواصي الخيل‪ ،‬والمذل فمي أذنماب البقمر"‬
‫يعني إذا اشتغل النمماس بالجهمماد كممان فيممه عممز السمملم وإذا تركمموا الجهمماد‬
‫واتبعوا أذناب البقر ذلوا‪ .‬وعن عمرو بن عنبسة عن النبي صلى الّلممه عليممه‬
‫وسلم أنه قال "من رمى سهما ً في سبيل الّله فهو عدل محرر" يعني مثممل‬
‫عتق رقبة‪ ،‬وعممن عقبممة بممن عممامر أن النممبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم قممال‬
‫"ستفتح لكم الرض وتكفون المؤنة فل يعجزن أحممدكم أن يلهمموا بأسممهمه"‬
‫وعن عمر بن الخطاب رضي الّله تعالى عنه‪ :‬المغراض روضممة مممن ريمماض‬
‫الجنة‪ ،‬والرامي على المغراض كالرامي على العدّو‪ .‬والذي يرد السممهام لمه‬
‫بكل قدم عتق رقبة‪ .‬وعن عقبة بن عامر رضي الّله تعالى عنه "أن رسممول‬
‫مما‬ ‫دوا ل َُهم ْ‬
‫م َ‬ ‫الّله صلى الّله عليه وسملم قمرأ علممى المنممبر هممذه اليمة }وَأ َ ِ‬
‫عم ّ‬
‫ة{ ثم قممال أل إن القمموة الرمممي قالهمما ثلثمما" وعممن النممبي‬ ‫ن قُوّ ٍ‬
‫م ْ‬ ‫ست َط َعْت ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ا ْ‬
‫صلى الّله عليه وسلم أنه قال "من تممرك الرمممي بعممد ممما علمممه فقممد تممرك‬
‫سنة" وفي خبر آخر "نعمة تركها"‪ .‬ويقال ل ينبغي للشممريف أن يممأنف مممن‬
‫أربعة وإن كان أميرا‪ ،‬قيامه من مجلسه لوالممديه‪ ،‬وخممدمته لضمميفه‪ ،‬وقيممامه‬
‫على فرسه‪ ،‬وخدمته لمن يؤدبه الذي يأخذ عنه العلم‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬

‫باب أدب الغزو‬


‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رضممي الل ّممه تعممالى عنممه‪ :‬حممدثنا أبممو‬
‫القاسم عبد الرحمن بن محمد حدثنا فارس بممن مردويممه حممدثنا محمممد بممن‬
‫الفضل حدثنا يعل بن عبيد عن عبد الرحمن بن زياد عن عبد الّله بممن يزيممد‬
‫عن عبد الّله بن عمر رضي الّله تعالى عنهما عممن رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه‬
‫عليممه وسمملم أنممه قممال "ل تتمنمموا لقمماء العممدوّ واسممألوا الل ّممه العافيممة فممإذا‬
‫لقيتموهم فاثبتوا وأكثروا ذكر الله" وعن عوف بن مالك الشجعي أنه قال‪:‬‬
‫من أراد أن يكون غازيا ً حقا ً مجاهدا ً في سبيل الّله بالسممنة فليحممافظ علممى‬
‫عشر خصال‪ :‬أّولها أن ل يخرج إل برضا الوالممدين‪ ،‬والثمماني أن يممؤدي أمانممة‬
‫الّله التي في عنقه من الصلة والزكاة والحممج والكفممارة ثممم يممؤدي أمانممات‬
‫الناس التي في عنقه من المظالم والغيبممة وقممول الممزور‪ ،‬والثممالث أن يممدع‬
‫لهله من النفقة ما يكفيهم قدر إقامته‪ ،‬والرابع أن تكون نفقته مممن كسممب‬
‫حلل فإن الّله تعالى ل يقبل إل الطيب‪ ،‬والخامس أن‬

‫]ص ‪[261‬‬
‫يسمممع ويطيممع لميممره‪ ،‬وأن كممان عبممدا ً حبشمميا ً بعممد ممما كممان أميممرا ً عليممه‪،‬‬
‫سم في وجهه كلما لقيه وينفق أكثر مما‬ ‫والسادس أن يؤدي حق رفيقه ويتب ّ‬
‫هو ينفق ويمرضمه ويقموم فمي حموائجه‪ ،‬والسمابع أن ل يمؤذي فمي طريقمه‬
‫ل مممن‬‫مسلما ً ول معاهدًا‪ ،‬والثامن أن ل يفّر من الزحف‪ ،‬والتاسممع أن ل يغ م ّ‬
‫ة{ اليممة‪،‬‬ ‫ممما غ َم ّ‬ ‫الغنيمة شيئا ً لقوله تعالى }ومن يغل ُم ْ ْ‬
‫مم ِ‬‫قَيا َ‬
‫م ال ِ‬
‫ل ي َموْ َ‬ ‫ت بِ َ‬
‫ل ي َمأ ِ‬ ‫َ َ ْ َْ‬
‫والعاشممر أن يريممد بغممزوه إعممزاز الممدين ونصممرة المممؤمنين‪ ،‬ويقممال‪ :‬ينبغممي‬
‫للغازي أن يكون له عشر خصممال فممي الحممرب‪ :‬أولهمما أن يكممون فممي قلممب‬
‫السد ل يجبن‪ ،‬وفي كبر النمر ل يتواضع لعدوه‪ ،‬وفي شجاعة الممدب يقاتممل‬
‫بجميع جوارحه‪ ،‬وفي حملة الخنزير ل يولى دبره إذا حمل عليه‪ ،‬وفي إغارة‬
‫الذئب إذ أيس من وجه أغار من وجه آخر‪ ،‬وفي حمل الثقيل كالنملة تحمل‬
‫أضعاف وزنها‪ ،‬وفي ثباته كالحجر ل يزول من مكانه‪ ،‬وفممي صممبره كالحممار‬
‫إذا أثقله نصول السهام وضرب السيوف‪ ،‬وفي وفاء الكلب لو دخممل سمميده‬
‫النار لتبع أثره‪ ،‬وفي التماس الفرص كالديك‪ ،‬وفي الهزيمة كالثعلب‪.‬‬

‫باب فضل أمة محمد صلى الّله عليه وسلم‬


‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رضي الّله تعالى عنممه‪ :‬حممدثني أبممي‬
‫رحمه الّله تعالى حدثنا أبو عبد الّله محمد بن جناح حدثنا أبممو سممعيد المممام‬
‫حدثنا نصير عن عباد بن كثير عن مقاتل بن سليمان رضي الّله تعالى عنهم‬
‫أن موسى عليه الصلة والسلم قال‪ :‬يا رب إني أجد في اللممواح أمممة هممم‬
‫الشافعون والمشفعون فاجعلهم أمتي‪ ،‬قال هم أمة محمد صلى الّله عليممه‬
‫وسلم‪ ،‬قال يا رب أجد في اللواح أمة كفارة خطايمماهم الصمملوات الخمممس‬
‫فاجعلهم أمتي‪ .‬قال هم أمة محمد صلى الّله عليه وسلم‪ .‬قال يمما رب أجممد‬
‫في اللواح أمممة يقتلممون أهممل الضممللة حممتى إنهممم يقتلممون العممور الممدجال‬
‫فاجعلهم أمتي‪ .‬قال هم أمة محمد صلى الّله عليه وسلم‪ .‬قال يمما رب أجممد‬
‫في اللواح أمة طهارتهم بالماء والتراب فاجعلهم أمتي‪ ،‬قال هم أمة محمد‬
‫صلى الّله عليه وسلم‪ .‬قال يا رب أجد في اللواح أمممة يأخممذون الصممدقات‬
‫ويأكلونها وكان الولون يحرقونها بالنار فاجعلهم أمتي‪ ،‬قال هم أمممة محمممد‬
‫م أحمد بحسمنة‬ ‫صلى الّله عليه وسلم‪ .‬قال يا رب أجد في اللواح أمة إذا هم ّ‬
‫فلم يعملها كتبت له حسنة واحدة وإذا عملها كتبممت لممه عشممر أمثالهمما إلممى‬
‫م أحدهم بسيئة لممم يكتممب عليممه شمميء وإذا‬ ‫سبعمائة ضعف فصاعدا وإذا ه ّ‬
‫عملها كتبت عليه سيئة واحدة فاجعلهم أمتي‪ .‬قممال هممم أمممة محمممد صمملى‬
‫الّله عليه وسلم‪ .‬قال موسى يا رب أجد في اللواح أمة يدخل الجنة منهممم‬
‫سبعون ألفا ً بغير حساب فاجعلهم أمتي‪ .‬قال هم أمة محمد صلى الّله عليه‬
‫وسلم‪ .‬وروى معمر عممن قتممادة نحممو هممذا وزاد فيممه‪ :‬قممال يمما رب أجممد فممي‬
‫اللواح أمة هم خير المم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكممر فمماجعلهم‬
‫أمتي‪ ،‬قال هم أمة محمممد صمملى الل ّممه عليممه وسمملم‪ .‬قممال يمما رب أجممد فممي‬
‫اللواح أمة هم الخرون هم السابقون يوم القيامة فاجعلهم أمتي‪ ،‬قال هم‬
‫أمة محمد صلى الّله عليه وسلم‪ .‬قال يا رب أجد في اللواح أمة‬

‫]ص ‪[262‬‬
‫أناجيلهم في صدورهم وكانوا يقرءون نظرا ً فاجعلهم أمممتي" قممال هممم أمممة‬
‫محمد صلى الّله عليه وسلم‪ ،‬حتى كأنه تمنى موسى عليه الصلة والسمملم‬
‫أن يكون من أمة محمد صلى الّله عليه وسلم‪ .‬فأوحى الل ّممه تعممالى إليممه يمما‬
‫موسى إني أصطفيك على الناس برسالتي وبكلمي فخممذ ممما آتيتممك وكممن‬
‫من الشاكرين‪ ،‬ومن قوم موسى أمممة يهممدون بممالحق وبممه يعممدلون فرضممى‬
‫موسى عليه الصلة والسلم‪.‬‬
‫وروى مقاتل بن حبان أن النبي صلى الّله عليه وسلم قال "لممما أسممرى‬
‫بي إلى السماء انطلق جبريل عليه السلم حممتى انتهممى بممي إلممى الحجمماب‬
‫الكبر عند سدرة المنتهى قال جبريل عليه الصلة والسلم‪ :‬تقدم يا محمد‪،‬‬
‫قلت‪ :‬يا جبريل ل‪ ،‬بل تقدم أنت‪ .‬قممال‪ :‬يمما محمممد ل ينبغممي لحممد غيممرك أن‬
‫يجاوز هذا المكان وأنت أكرم على الّله مني‪ .‬قممال‪ :‬فتقممدمت حممتى انتهيممت‬
‫إلى سرير من ذهب وعليممه فممراش مممن حريممر الجنممة فنممادى جبريممل عليممه‬
‫السلم من خلفي‪ :‬يا محمد إن الّله يثنممي عليممك فاسمممع وأطممع ول يهولنممك‬
‫كلمممه‪ ،‬فبممدأت بالثنمماء علممى الل ّممه تعممالى فقلممت‪ :‬التحيممات للممه والصمملوات‬
‫والطيبات‪ .‬قال الّله تعالى‪ :‬السلم عليك أيها النممبي ورحمممة الل ّممه وبركمماته‪،‬‬
‫فقلت السلم علينا وعلى عباد الّله الصالحين‪ ،‬وقممال جبريممل عليممه السمملم‬
‫أشممهد أن ل إلممه إل الّلممه وأشممهد أن محمممدا ً عبممده ورسمموله‪ :‬قممال الّلممه‬
‫ن َرب ّهِ { فقلممت بممل يمما رب آمنممت بممك‬ ‫م ْ‬ ‫ل إ ِل َي ْهِ ِ‬‫ما ُأنزِ َ‬ ‫ل بِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫م َ‬ ‫تعالى}آ َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫مم ْ‬ ‫ح مد ٍ ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫فمّرقُ ب َي ْم َ‬ ‫سمل ِهِ ل ن ُ َ‬ ‫مَلئ ِك َت ِهِ وَك ُت ُب ِمهِ وَُر ُ‬ ‫ن ِبالل ّهِ وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫لآ َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫}َوال ُ‬
‫ه{ كما فرقممت اليهممود بيمن موسممى وعيسممى عليهممما السمملم وفرقممت‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫ُر ُ‬
‫سعََها{ يعني إل‬ ‫فسا ً ِإل وُ ْ‬ ‫ف الّله ن َ ْ‬ ‫النصارى بينهما‪ .‬قال الّله عز وجل }ل ي ُك َل ّ ُ‬
‫ممما‬ ‫ت{ يعني لها ثواب ما كسممبت مممن الخيممر }وَع َل َي ْهَمما َ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫طاقتها }ل ََها َ‬
‫ك‬ ‫ك َرب ّن َمما وَإ ِل َي ْم َ‬ ‫فَران َم َ‬ ‫ت{ مممن الشممر‪ .‬ثممم قممال سممل تعممط فقلممت }غ ُ ْ‬ ‫س مب َ ْ‬ ‫اك ْت َ َ‬
‫صيُر{ يعني اغفر ذنوبنا فإنا مرجعنا إليك يوم القيامة‪ .‬قمال الّلمه تعمالى‪:‬‬ ‫م ِ‬ ‫ال َ‬
‫قد غفرت لك ولمتك من وحدني وصدق بك‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا محمد سممل تعممط‪،‬‬
‫خط َأ ْن َمما{ قممال الل ّممه تعممالى لممك ذلممك ل‬ ‫سمميَنا أ َوْ أ َ ْ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫خذ َْنا إ ِ ْ‬ ‫ؤا ِ‬ ‫فقلت }َرب َّنا ل ت ُ َ‬
‫أؤاخذكم بما نسيتم أو أخطأتم أو بما استكرهتم عليه‪ ،‬ثم قممال‪ :‬سممل تعممط‬
‫فقلت } ربنا ول تحمل علينا إصرا ً كما حملته على الذين من قبلنمما{ وذلممك‬
‫لن بني إسرائيل كممانوا إذا أخطئوا خطيئة ح مّرم الل ّممه عليهممم بممذلك أطيممب‬
‫ت‬ ‫م ط َي َّبمما ٍ‬ ‫مَنا ع َل َي ِْهمم ْ‬‫حّر ْ‬ ‫دوا َ‬ ‫ها ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫م ْ‬ ‫الطعام كما قال الّله تعالى }فَب ِظ ُل ْم ٍ ِ‬
‫ما ل‬ ‫مل َْنا َ‬ ‫ح ّ‬ ‫م{ قال الّله تعالى لك ذلك سل تعط‪ ،‬فقلت }َرب َّنا َول ت ُ َ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫حل ّ ْ‬ ‫أُ ِ‬
‫ه{ فإن أمتي هم الضعفاء‪ .‬قال الّله تعالى‪ :‬لك ذلممك سممل تعممط‪،‬‬ ‫ة ل ََنا ب ِ ِ‬ ‫طاقَ َ‬ ‫َ‬
‫صمْرَنا ع َل َممى ال َ‬ ‫َ‬
‫قموْم ِ‬ ‫ولن َمما َفان ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ت َ‬ ‫من َمما أن ْم َ‬ ‫ح ْ‬ ‫فمْر ل َن َمما َواْر َ‬ ‫ف ع َن ّمما َواغ ْ ِ‬ ‫فقلت }َواع ْ ُ‬
‫ن{"‪.‬‬ ‫مائ َت َي ْ ِ‬ ‫ن ي َغْل ُِبوا ِ‬ ‫صاب ُِرو َ‬ ‫ن َ‬ ‫شُرو َ‬ ‫ع ْ‬ ‫م ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ن ِ‬‫ن ي َك ُ ْ‬ ‫ن{ قال لك ذلك }إ ِ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ال َ‬
‫قال‪ :‬حدثنا الحاكم أبو الحسن السردري قال‪ :‬حدثنا بكر بن منيممر حممدثنا‬
‫هاني بن النضر حدثنا أحمد بن خالد عن المسممعودي عممن مزاحممم بممن زفممر‬
‫عن مجاهد عن أبي هريرة‬

‫]ص ‪[263‬‬
‫رضي الّله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليممه وسمملم أنممه قممال "أعطيممت‬
‫ّ‬
‫ن أحممد مممن النبيمماء قبلممي‪ :‬أرسمملت إلممى الحمممر والسممود‪،‬‬ ‫خمسا ً لم يعطه ّ‬
‫وجعلت لي الرض مسجدا وطهورا‪ ،‬ونصرت بالرعب مسيرة شممهر‪ ،‬وأحممل‬
‫دخرتها لمتي"‪.‬‬ ‫لي المغنم‪ ،‬وأعطيت الشفاعة فا ّ‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬حدثنا الفقيه أبو جعفر رحمه الّله تعممالى‬
‫"يحكى أن عمر بن الخطاب رضي الّله تعالى عنه كان له على يهوديّ حق‪،‬‬
‫فلقيه عمر رضي الّله تعالى عنه فقال‪ :‬والمذي اصمطفى أبما القاسمم علمى‬
‫البشر ل تفارقني وأنا طالبك بشيء‪ ،‬فقممال اليهممودي ممما اصممطفى الل ّممه أبمما‬
‫القاسم على البشر‪ ،‬فرفع عمر رضممي الل ّممه تعممالى عنممه يممده فلطممم خممده‪،‬‬
‫فقال اليهودي بيني وبينك أبو القاسم‪ ،‬وأتيا النممبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم‬
‫فقال اليهودي إن عمر زعم أن الّله اصطفاك على البشر وإنممي زعمممت أن‬
‫الّله لم يصطفك على البشر فرفع يمده فلطمنممي‪ ،‬فقممال النممبي صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم أما أنت يا عمر فارضه من لطمتك‪ ،‬ثم قال‪ :‬بلى يمما يهممودي إن‬
‫ي الّله وإبراهيم خليل الّله وموسى نبي الّله وعيسى روح الّله وأنمما‬ ‫آدم صف ّ‬
‫حبيب الله‪ ،‬بلى يا يهودي اسمان من أسماء الّله تعممالى سمممى بهممما أمممتي‬
‫سمى نفسه السلم وسمى أمتي المسلمين وسمى نفسه المؤمن وسمى‬
‫أمتي المؤمنين‪ ،‬بلى يا يهودي طلبت يوممما ادخممره لنمما‪ :‬يعنممي يمموم الجمعممة‬
‫فاليوم لنا وغدا ً لكم وبعد غد للنصارى‪ ،‬بلى يما يهمودي أنتمم الّولمون ونحمن‬
‫الخرون السممابقون يمموم القيامممة‪ ،‬بلممى يمما يهممودي إن الجنممة محرمممة علممى‬
‫النبياء حتى أدخلها أنا وإنها لمحرمة على المم حتى تدخلها أمممتي"‪ .‬وقممال‬
‫كعب الحبار رضي الّله تعالى عنه‪ :‬إن الّله تعممالى أكممرم هممذه المممة بثلثممة‬
‫أشياء كما أكرم بها أنبياءه‪ :‬أحممدها أنمه جعممل كمل نممبي شماهدا ً علمى قمومه‬
‫ل ك ُل ُمموا‬
‫سم ُ‬ ‫َ‬
‫وجعل هذه المة شهداء على الناس‪ ،‬وقال للرسممل }ي َمما أي ّهَمما الّر ُ‬
‫م{‪ .‬وقممال‬ ‫ما َرَزقْن َمماك ُ ْ‬ ‫ت َ‬‫ن ط َي َّبا ِ‬‫م ْ‬ ‫صاِلحًا{ وقال }ك ُُلوا ِ‬
‫مُلوا َ‬ ‫ن الط ّي َّبا ِ‬
‫ت َواع ْ َ‬ ‫م ْ‬
‫ِ‬
‫م{‪ .‬ويقممال‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب لك م ْ‬ ‫ج ْ‬ ‫ست َ ِ‬
‫عوِني أ ْ‬ ‫لكل نبي دعوة مستجابة وقال لهذه المة }اد ْ ُ‬
‫أن الّله تعالى أكرم هذه المة بخمس كرامممات‪ :‬أولهمما أنممه خلقهممم ضممعفاء‬
‫حتى ل يتكبروا‪ ،‬والثاني خلقهم صغارا في أنفسهم حتى تكون مؤنة الطعام‬
‫والشراب والثياب عليهم أقل‪ ،‬والثممالث جعممل عمرهممم قصمميرا حممتى تكممون‬
‫ذنوبهم أقل‪ ،‬والرابع جعلهم فقراء حتى يكممون حسممابهم فممي الخممرة أقممل‪،‬‬
‫والخامس جعلهم آخر المم حتى يكون بقمماؤهم فممي القممبر أقممل‪ .‬وذكممر أن‬
‫آدم عليه الصلة والسلم قال‪ :‬إن الّله تعالى أعطى أمة محمد صمملى الّلممه‬
‫عليه وسلم أربع كرامات ما أعطانيها أحدها إن قبول توبتي كان بمكة وأمة‬
‫محمد يتوبون في كل مكان فيتقبل الّله تمموبتهم‪ ،‬والثمماني إنممي كنممت لبسمما‬
‫فلما عصيت جعلني عريانا وأمة محمد صلى الّله عليه وسلم يعصون عممراة‬
‫فيلبسهم الله‪ ،‬والثالث أني لما عصيت فرق بيني وبين امرأتي وأمة محمممد‬
‫صلى الّله عليه وسلم يعصون ول يفرق بينهم‬

‫]ص ‪[264‬‬
‫وبين أزواجهم‪ ،‬والرابع أني عصيت في الجنة فممأخرجني منهمما وأمممة محمممد‬
‫صلى الّله عليه وسلم يعصون خارج الجنة فيدخلونها بالتوبة‪.‬‬
‫وروى عن علي رضي الّله تعالى عنه أنه قال "بينما النبي صلى الّله عليه‬
‫وسلم جالس مع المهاجرين والنصار إذ أقبل إليه جماعة من اليهود فقالوا‬
‫يا محمد إنا نسألك عن كلمات أعطاهن الّله تعالى لموسممى بممن عمممران ل‬
‫يعطيها إل نبيا ً مرسل أو ملكا ً مقربما‪ ،‬فقمال النمبي صملى الّلمه عليمه وسملم‬
‫سلوا‪ ،‬فقالوا يا محمد أخبرنا عن هذه الصلوات الخمس التي افترضها الل ّممه‬
‫على أمتك؟ فقال النبي صلى الّله عليه وسلم أممما صمملة الظهممر إذا زالممت‬
‫الشمس يسبح كل شيء لربه‪ ،‬وأما صلة العصر فإنهمما السمماعة الممتي أكممل‬
‫فيها آدم عليه السلم من الشجرة‪ ،‬وأما صلة المغرب فإنها السمماعة الممتي‬
‫تاب الّله على آدم عليه السلم فيهمما فممما مممن مممؤمن يصمملي هممذه الصمملة‬
‫محتسبا ثم يسأل الّله تعالى شيئا ً إل أعطاه إياه‪ ،‬وأممما صمملة العتمممة فإنهمما‬
‫الصلة التي صلها المرسلون قبلممي‪ ،‬وأممما صمملة الفجممر فممإن الشمممس إذا‬
‫طلعت تطلع بين قرني الشيطان ويسجد لها كل كافر من دون اللممه‪ ،‬قممالوا‬
‫له صدقت يا محمد فما ثواب من صلى؟ قال النبي صلى الّله عليممه وسمملم‬
‫أما صلة الظهر فإنها الساعة التي تسعر فيها جهنم فما من مممؤمن يصمملي‬
‫هذه الصلة إل حرم الّله تعالى عليه لفحت جهنم يوم القيامممة‪ ،‬وأممما صمملة‬
‫العصر فإنها الساعة التي أكل آدم عليه السلم فيها من الشمجرة فمما ممن‬
‫مؤمن يصلي هذه الصلة إل خرج من ذنوبه كيمموم ولممدته أمممه ثممم تل قمموله‬
‫طى{ وأممما صمملة المغممرب‬ ‫سم َ‬‫صمملةِ الوُ ْ‬
‫ت َوال ّ‬ ‫ص مل َ َ‬
‫وا ِ‬ ‫ظوا ع ََلى ال ّ‬
‫حافِ ُ‬
‫تعالى } َ‬
‫فإنها الساعة التي تاب الّله فيهمما علممى آدم عليممه السمملم فممما مممن مممؤمن‬
‫يصلي هذه الصلة محتسبا ً ثم يسأل الّله تعالى شميئا ً إل أعطماه إيماه‪ ،‬وأمما‬
‫صلة العتمة فإن القبر ظلمة ويوم القيامة ظلمة فما من مؤمن مشى في‬
‫ظلمة الليل إلى صلة العتمة إل حرم الل ّممه عليممه وقممود النممار ويعطممى نممورا‬
‫يجوز به على الصمراط‪ ،‬وأمما صمملة الفجمر فممما ممن ممؤمن يصملي الفجممر‬
‫أربعين يوما ً في جماعة إل أعطاه الّله براءتين براءة من النممار وبممراءة مممن‬
‫النفاق‪ .‬قالوا صدقت يا محمد‪ ،‬ولم افترض الّله علممى أمتممك الصمموم ثلثيممن‬
‫يومًا؟ قال‪ :‬إن آدم عليه السلم لما أكل من الشجرة بقي في بطنه مقممدار‬
‫ثلثين يوما ً فافترض الل ّممه علممى ذريتممه الجمموع ثلثيممن يومما ً ويممأكلون بالليممل‬
‫تفضل ً من الّله تعالى على خلقه‪ .‬قالوا صدقت يا محمد‪ ،‬فأخبرنمما ممما ثممواب‬
‫صيام أمتك؟ قال‪ :‬ما من عبد يصمموم مممن شممهر رمضممان يوم ما ً محتسممبا ً إل‬
‫أعطاه الّله سممبع خصممال‪ :‬يممذوب اللحممم الحممرام مممن جسممده‪ ،‬ويقربممه مممن‬
‫رحمته ويعطيه خير العمال‪ ،‬ويممؤمنه مممن الجمموع والعطممش‪ ،‬ويهممون عليممه‬
‫عذاب القبر‪ ،‬ويعطيه الّله نورا ً يوم القيامة حتى يجاوز به الصراط‪ ،‬ويعطيه‬
‫الكرامات فممي الجنممة‪ ،‬قممالوا صممدقت يمما محمممد‪ ،‬فأخبرنمما ممما فضمملك علممى‬
‫النبيين؟ قال فما من نبي إل دعا‬

‫]ص ‪[265‬‬
‫على قومه بالهلك وأنا ادخرت دعوتي لمتي‪ :‬يعني الشفاعة‪ ،‬قالوا صدقت‬
‫يا محمد نشهد أن ل إله إل الّله وأنك رسول الله"‪.‬‬
‫وعن كعب الحبار رضي الّله تعالى عنه قال‪ :‬قرأت في بعممض ممما أنممزل‬
‫على موسى عليه السلم‪ :‬يا موسممى ركعتممان يصممليهما أحمممد وأمتممه وهممي‬
‫صلة الغداة من يصليهما غفرت له ما أصاب من الممذنوب مممن ليلممه ويممومه‬
‫ذلك ويكون في ذمتي‪ ،‬يا موسممى أربممع ركعممات يصممليها أحمممد وأمتممه وهممي‬
‫صلة الظهممر أعطيهممم بمأول ركعممة منهمما المغفممرة وبالثانيممة أثقممل ميزانهممم‬
‫وبالثالثة أوكل عليهم الملئكة يسبحون ويستغفرون لهم وبالرابعة أفتح لهم‬
‫أبواب السماء ويشرفن عليهم الحور العين‪ ،‬يا موسى أربع ركعممات يصممليها‬
‫أحمد وأمته وهمي صملة العصمر فل يبقمى ملمك فمي السمموات والرض إل‬
‫استغفر لهم ومن استغفرت له الملئكة لم أعذبه‪ ،‬يا موسممى ثلث ركعممات‬
‫يصليها أحمد وأمته حين تغرب الشمس أفتح لهم أبواب السماء ل يسممألون‬
‫من حاجة إل قضيتها لهم‪ .‬يا موسى أربع ركعات يصممليها أحمممد وأمتممه حيممن‬
‫يغيب الشفق وهي خير لهم من الدنيا وما فيها ويخرجون من ذنوبهم كيمموم‬
‫ولدتهم أمهم‪ ،‬يا موسى يتوضأ أحمد وأمته كما أمرتهم أعطيهم بكل قطرة‬
‫تقطر من الماء جنة عرضها كعرض السماء والرض‪ ،‬يا موسى يصوم أحمد‬
‫وأمته شهرا ً في كل سنة وهو شهر رمضان أعطيهم بصيام كل يمموم مدينممة‬
‫في الجنة وأعطيهم بكل خير يعملون فيه من التطوع أجممر فريضممة وأجعممل‬
‫فيه ليلة القدر من استغفر منهم فيها مرة واحدة نادما ً صادقا ً مممن قلبممه إن‬
‫مات من ليله أو شهره أعطيته أجر ثلثين شممهيدًا‪ .‬يمما موسممى إن فممي أمممة‬
‫محمد رجال ً يقومون على كممل شممرف يشمهدون بشمهادة أن ل إلمه إل الل ّممه‬
‫فجزاؤهم بذلك جزاء النبياء عليهم الصلة والسلم ورحمتي عليهممم واجبممة‬
‫وغضبي بعيد منهم ول أحجب باب التوبة عن واحد منهم ما داموا يشممهدون‬
‫أن ل إله إل الله‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة رضي الّله تعالى عنه أن النبي صلى الل ّممه عليممه وسمملم‬
‫قال "إن أول من يدعى يوم القيامة نوح عليه السلم وأمتممه‪ ،‬ثممم يقممال لممه‬
‫هل بلغت ما أرسلت به؟ فيقول نعم يا رب‪ ،‬ثم يقال لقومه هل بلغكم نوح‬
‫رسالة الله؟ فيقولون ل‪ ،‬والله‪ ،‬ولئن كنت أرسلت إلينا رسممول ً لنتبممع آياتممك‬
‫ونكون من المؤمنين فما بلغنا ما أمر به‪ .‬فقال لنوح عليه السلم إن هممؤلء‬
‫يزعمون أنك لم تبلغهم فهل لك عليهم من شهيد؟ فيقول نعم‪ ،‬فيقممال مممن‬
‫هم؟ فيقممال هممم أمممة محمممد صمملى الل ّممه عليممه وسمملم‪ ،‬فيممدعون ويسممألون‬
‫فيقولون نعم نشهد أن نوحا ً عليه السلم قد بلممغ قممومه‪ ،‬فيقممول قمموم نمموح‬
‫كيف تشهدون علينا ونحن أول المم وأنتم آخر المم؟ فيقولممون نشممهد أن‬
‫الّله تعالى بعث إلينمما رسممول ً وأنممزل عليممه الكتمماب وكممان فيممما أنممزل عليممه‬
‫خبركم" قال أبو هريرة رضي الّله تعالى‬

‫]ص ‪[266‬‬
‫ك‬‫عنه‪ :‬نحن الخرون ونحن الولون يوم القيامة فذلك قمموله تعممالى }وَك َمذ َل ِ َ‬
‫جعل ْناك ُ ُ‬
‫ل ع َل َي ْك ُم ْ‬
‫م‬ ‫سممو ُ‬ ‫س وَي َك ُممو َ‬
‫ن الّر ُ‬ ‫َ‬
‫داَء ع َلممى الن ّمما ِ‬
‫شمهَ َ‬ ‫سطا ً ل ِت َ ُ‬
‫كوُنموا ُ‬ ‫ة وَ َ‬
‫م ً‬
‫مأ ّ‬‫َ َ َ ْ‬
‫شِهيدًا{‪.‬‬ ‫َ‬

‫باب حق الزوج على زوجته‬


‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رحمه الّله تعالى‪ :‬حدثنا عبد الوهاب‬
‫بن محمد حدثنا محمد بن علي حدثنا محمد بن صممالح حممدثنا عبممد الرحمممن‬
‫الدوري عن عبد العزيز بن الخطاب عن حبان بن علي العنممزي عممن صممالح‬
‫بن حبان عن عبد الّله بن بريدة عن أبيه قال "جاء إعرابي إلى النبي صمملى‬
‫الّله عليه وسلم فقال إني أسلمت فأرني شيئا ً أزداد به يقينًا‪ .‬قال ما تريد؟‬
‫قال ادع تلك الشممجرة فلتأتممك‪ ،‬قممال اذهممب فادعهمما‪ ،‬فممذهب فقممال أجيممبي‬
‫رسول الّله فمالت على جانب من جوانبها فقطعت عروقها ثم مالت علممى‬
‫الجانب الخر ثم أقبلت ثم أدبرت فقطعت عروقها ثم أقبلت تجممر عروقهمما‬
‫وفروعها حتى انتهت إلى النبي صلى الّله عليه وسلم وسلمت عليه‪ ،‬فقممال‬
‫العرابي حسبي حسبي فأمرها فرجعت فدلت عروقهما فمي ذلمك الموضمع‬
‫ثم استوت‪ ،‬فقال العرابي ائذن لي يا رسول الّله فأقبل رأسممك ورجليممك؟‬
‫فأذن له فقبل رأسه ورجليه فقال أتأذن لي أن أسممجد لممك؟ قممال ل تسممجد‬
‫لي ول يسجد أحد لحد من الخلق‪ ،‬ولو كنت آمرا ً أحد بذلك لمممرت المممرأة‬
‫أن تسجد لزوجها تعظيما ً لحقه" وروى عن عطاء عن ابن عمر رضممي الل ّممه‬
‫تعالى عنهم قال "جاءت امرأة إلى النبي صلى الّله عليه وسمملم فقممالت يمما‬
‫رسول الّله ما حق الزوج على المرأة؟ قممال أن ل تمنممع نفسممها ولممو كممانت‬
‫على ظهر قتب ول تصوم يوما ً إل بإذنه إل رمضان فإن فعلت كان الجر له‬
‫والوزر عليها ول تخرج إل بإذنه فإن خرجت لنفسمها لعنتهما ملئكمة الرحممة‬
‫وملئكة العذاب حتى ترجع" وعن قتادة رضي الّله تعالى عنه قال‪ :‬ذكر لنمما‬
‫م عن حممق‬ ‫أن كعبا ً قال‪ :‬أول ما تسأل المرأة عنه يوم القيامة عن صلتها ث ّ‬
‫زوجها‪ .‬وعن الحسن عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنممه قممال "إذا هربممت‬
‫المرأة من بيت زوجها لم تقبل لها صلة حممتى ترجمع وتضمع يمدها فممي يمده‬
‫دت عليها‬ ‫وتقول اصنع بي ما شئت‪ ،‬وإن المرأة إذا صلت ولم تدع لزوجها ر ّ‬
‫صلتها حتى تدعو لزوجها" وعن قتادة رضي الّله تعالى عنه قممال "ذكممر لنمما‬
‫أن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم قال في خطبته وهو يومئذ بمنى أيهمما‬
‫الناس إن لكممم علممى نسممائكم حقما ً وإن لهممن عليكممم حقما ً وإن ممن حقكممم‬
‫عليهن أن يحفظن فرشكم ول يممأذن فممي بيمموتكم لحممد تكرهممونه ول يممأتين‬
‫ل الل ّممه لكممم أن تضممربوهن ضممربا ً‬
‫ن فعلن ذلك فقد أح ّ‬‫بفاحشة مبينة فإن ه ّ‬
‫غير مبرح‪ ،‬وإن من حقهن عليكم الكسوة والنفقممة بممالمعروف" وروى عممن‬
‫أنس بن مالك رضي الّله تعالى عنه عن النبي صلى الل ّممه عليممه وسمملم أنممه‬
‫قممال "إن المممرأة إذا صمملت خمسممها وصممامت شممهرها وأحصممنت فرجهمما‬
‫وأطاعت بعلها فلتدخل من أي أبواب الجنة شاءت" وعنه أيض ما ً عممن النممبي‬
‫صلى الّله عليه وسلم أنه قال‬

‫]ص ‪[267‬‬
‫لو أن الزوج سال من أحد منخريه دم ومن الخر صديد فلحسته المرأة ممما‬
‫أدت حق زوجها"‪.‬‬

‫باب حق المرأة على الزوج‬


‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رحمه الّله تعالى‪ :‬حدثنا أبممي رحمممه‬
‫الّله حدثنا أبو الحسن الفراء حدثنا محمد بن غممالب البغممدادي عممن الحسممن‬
‫بن علي عن الفضل بن سهل عن ابن عاتكة قال أنس بن مالك رضي الل ّممه‬
‫تعالى عنه "سئل رسول الّله صمملى الل ّممه عليممه وسمملم أيّ المممؤمنين أكمممل‬
‫إيمممانه؟ قممال أحسممنهم خلقما ً مممع أهلممه" قممال‪ :‬حممدثنا الحمماكم أبممو الحسممن‬
‫السردري قال‪ :‬حدثني أبو أحمد الحلواني حممدثنا العبمماس بممن محمممد حممدثنا‬
‫يحيى بن معين حدثنا أبو حفص البار عن جحممادة عممن عطيممة العمموفي عممن‬
‫ابن عمر رضي الّله تعالى عنه عن النبي صلى الل ّممه عليممه وسمملم أنممه قممال‬
‫كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته‪ :‬فالمممام الممذي يلممي علممى النمماس راع‬
‫وهو مسئول عن رعيته‪ ،‬والرجل راع علممى أهممل بيتممه وهممو مسممئول عنهممم‪،‬‬
‫والعبد راع في مال سيده وهو مسئول عنه‪ ،‬والمرأة راعية في بيت زوجهمما‬
‫عيتها‪ ،‬أل كلكم راع وكلكممم مسممئول عممن رعيتممه" قممال‪:‬‬ ‫وهي مسئولة عن ر ْ‬
‫حدثنا أبو الحسن أحمد بن حمدان حدثنا الحسن بن علممي عممن الفضممل بممن‬
‫سهل عن محمد بن عبد الّله بن أبان عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسمار‬
‫عن أبي هريرة رضي الّله تعالى عنه عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم‬
‫أنه قال "من تزوج امرأة بصداق مثلها وهو ينوي أن ل يؤديه إليها فهو زان‪،‬‬
‫ومن استدان دينا ً وهو ينوي أن ل يقضه فهو سارق" قال حدثنا أبو القاسممم‬
‫الشناناذي بإسناده عن الحسن البصري رحمه الل ّممه عممن النممبي صمملى الل ّممه‬
‫عليممه وسمملم أنممه قممال "استوصمموا بالنسمماء خيممرا ً فممإنهن عنممدكم ل يملكممن‬
‫لنفسهن شيئًا‪ ،‬وإنما أخذتموهن بأمانة الّله واستحللتم فروجهن بكلمة الل ّممه‬
‫تعالى"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬حق المرأة علمى المزوج خمسمة أشمياء‪:‬‬
‫أولها أن يخممدمها مممن وراء السممتر ول يمدعها تخممرج مممن وراء السممتر فإنهمما‬
‫عورة وخروجها إثم وترك للمروءة‪ ،‬والثاني أن يعلمهمما ممما تحتمماج إليممه مممن‬
‫العلم مما لبممد لهمما مممن أحكممام الوضمموء والصمملوات والصمموم‪ ،‬والثممالث أن‬
‫يطعمها الحلل فإن اللحم إذا نبت من الحممرام يممذوب بالنممار‪ ،‬والرابممع أن ل‬
‫يظلمها فإنها أمانة عنممده‪ ،‬والخممامس إن تطمماولت عليممه يحتمممل ذلممك منهمما‬
‫نصيحة لها لكيل تقع في أمر هو أضّر بها مما وقعت فيه‪ .‬وذكر أن رجل ً جاء‬
‫إلى عمر بن الخطاب يشممكو إليممه زوجتممه‪ ،‬فلممما بلممغ بممابه سمممع امرأتممه أم‬
‫كلثوم تطاولت عليه‪ ،‬فقال الرجل إني أردت أن أشكو إليه زوجتي وبه مممن‬
‫البلوى ما بي فرجع‪ ،‬فدعاه عمر رضي الّله تعممالى عنممه فسممأله فقممال إنممي‬
‫أردت أن أشكو إليك زوجتي فلما سمعت من زوجتك ممما سمممعت رجعممت‪،‬‬
‫فقال عمر رضي الّله تعالى عنه إني أتجاوز عنهمما لحقمموق لهمما علم ّ‬
‫ي‪ :‬أّولهمما‬
‫ستر بيني وبين النار فيسكن بها قلبي عن الحرام‪ ،‬والثاني أنها لي‬
‫]ص ‪[268‬‬
‫خازنة إذا خرجت من منزلي وتكون حافظة لمالي‪ ،‬والثالث أنها قصارة لممي‬
‫تغسلي ثيابي‪ ،‬والرابع أنها ظئر لولدي‪ ،‬والخامس أنها خبممازة وطباخممة لممي‪،‬‬
‫فقال الرجل إن لي مثل مالك فما تجاوزت عنها فأتجمماوز‪ .‬وروى أنممس بممن‬
‫مالك رضي الّله تعالى عنه عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قممال "أربممع‬
‫نفقات ل يحاسب بها العبممد يمموم القيامممة‪ :‬نفقتممه علممى أبممويه ونفقتممه علممى‬
‫إفطاره‪ ،‬ونفقته عل سحوره‪ ،‬ونفقته على عياله" وعممن رسممول الل ّممه صمملى‬
‫الّله عليه وسلم أنه قال "الدنانير أربعة‪ ،‬دينار تنفقه في سبيل الل ّممه تعممالى‪،‬‬
‫ودينار تعطيه للمساكين‪ ،‬ودينار تعطيه في رقبة‪ ،‬ودينار تنفقه علممى أهلممك‪،‬‬
‫وأعظمها أجر الدينار الذي تنفقه على أهلك"‪.‬‬

‫باب إصلح ذات البين والنهي عن المصارمة‬


‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رحمه الّله تعالى‪ :‬حدثنا أبو الحسممن‬
‫القاسم بن محمد حدثنا فارس بن مردويه حدثنا عيسى بممن خشممنام حممدثنا‬
‫سويد عن مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد عن أبي أيوب النصاري‬
‫رضي الّله تعالى عنهم أن رسول الّله صلى الّله عليه وسملم قمال "ل يحمل‬
‫لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلث يلتقيان‪ ،‬فيعرض هذا بمموجهه وهممذا بمموجهه‬
‫وخيرهما الذي يبدأ بالسلم" قال‪ :‬حدثنا محمد بن الفضل حدثنا محمممد بممن‬
‫جعفر حدثنا إبراهيم بن يوسف حدثنا ابممن عطيممة عممن يممونس عممن الحسممن‬
‫البصري رحمه الّله أن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم قممال "ل تهمماجروا‪،‬‬
‫فإن كنتم متهاجرين ل محالة فل تهاجروا فمموق ثلثممة أيممام‪ ،‬وأيممما مسمملمين‬
‫ماتا وهما متهاجران ل يجتمعان في الجنة" قال‪ :‬حدثنا أبو الحسن أحمد بن‬
‫حمدان حدثنا الحسن بن علي الطوسي حدثنا عبد الّله بن محمد عن مالك‬
‫بن سفيان عن العمش عن شمر بن عطية عن شهر بن حوشب عن أنس‬
‫بن مالك رضي الّله تعالى عنهمم قمال‪ :‬قمال رسمول الّلمه صملى الّلمه عليمه‬
‫وسلم "إن لله عباد يوضع لهم يوم القيامة منابر من نممور ليسمموا بأنبيمماء ول‬
‫شهداء يغبطهم النبياء والشهداء‪ ،‬فقالوا من هم يا رسممول اللممه؟ قممال هممم‬
‫المتحابون في الله"‪ .‬وعن أبي هريرة رضي الّله تعالى عنه أن النبي صمملى‬
‫الّله عليه وسلم قال‪ :‬تفتح أبواب الجنة يوم الثنيممن ويموم الخميمس فيغفمر‬
‫فيهما لكل عبد ل يشرك بالله شيئا ً إل رجل كانت بينه وبيممن أخيممه شممحناء‪،‬‬
‫فيقال أنظروا هذين حتى يصطلحا فإذا رفع عمممل المتصممارمين فمموق ثلث‬
‫د" وعن أبي أمامة رضي الّله تعالى عنه أن النبي صلى الّلمه عليمه وسملم‬ ‫ر ّ‬
‫قال "إذا كانت ليلة النصف من شعبان يهبط الّله إلى سممماء الممدنيا فيطلممع‬
‫على أهل الرض فيغفر لهل الرض جميعا ً إل الكافر والمشاحن‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬هبوطه هبوط أمره كما قال الل ّممه تعممالى‬
‫َ‬
‫سُبوا{ يعني فأتاهم أمره‪ .‬وروى عن أنس بن‬ ‫حت َ ِ‬ ‫ث لَ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫حي ْ ُ‬
‫ن َ‬ ‫م الّله ِ‬
‫م ْ‬ ‫}فَأَتاهُ ْ‬
‫مالك رضي الّله تعممالى عنممه عممن النممبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم أنممه قممال‬
‫"خمسة ليست لهم صلة‪ ،‬المرأة الساخط عليها زوجها‪ ،‬والعبممد البممق مممن‬
‫سيده‪ ،‬والمصارم الذي لم يكلم أخاه‬

‫]ص ‪[269‬‬
‫فوق ثلثة أيام ومدمن خمر‪ ،‬وإمام قوم يصلي بهم وهم له كارهون"‪ .‬وعن‬
‫النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال "أل أنبئكم بصممدقة يسمميرة يحبهمما الل ّممه‬
‫تعالى؟ قالوا بلى يا رسول الله‪ .‬قال إصلح ذات البين إذا تقمماطعوا"‪ .‬وعممن‬
‫أبي الدرداء رضي الّله تعالى عنه عن النبي صلى الّله عليه وسلم قممال "أل‬
‫أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلة والصدقة؟ قالوا بلى‪ .‬قال إصلح‬
‫ذات البين إذا تقاطعوا"‪ .‬وروى عن بعض الصحابة رضي الل ّممه تعممالى عنهممم‬
‫أنه قال‪ :‬من عجز عن ثمانية فعليه بثمانية أخرى لينممال فضمملها‪ :‬أولهمما مممن‬
‫أراد فضل صلة الليل وهو نائم فل يعصي بالنهممار‪ ،‬والثمماني مممن أراد فضممل‬
‫صيام التطوع وهو مفطر فليحفظ لسانه‪ ،‬والثممالث مممن أراد فضممل العلمماء‬
‫فعليه بالتفكر‪ ،‬والرابع من أراد فضل المجاهدين والغزاة وهو قاعد في بيته‬
‫فليجاهد الشيطان‪ ،‬والخامس مممن أراد فضممل الصممدقة وهممو عمماجز فليعلممم‬
‫الناس ما سمع من العلم‪ ،‬والسادس من أراد فضل الحج وهو عاجز فيلممزم‬
‫الجمعة‪ ،‬والسابع من أراد فضل العابدين فليصلح بين الناس ول يوقع بينهم‬
‫العداوة والبغضاء‪ ،‬والثامن من أراد فضل البدال فليضممع يممده علممى صممدره‬
‫ويرضى لخيه ما يرضى لنفسه‪ ،‬وعن علي بممن الحسممن رضممي الل ّممه تعممالى‬
‫عنهما قال‪:‬إذا جممع الّلمه الوليمن والخريمن نمادى منماد أيمن أهمل الفضمل‪،‬‬
‫فيقوم عنق من الناس يريدون الجنة‪ ،‬فتتلقاهم الملئكة فيقولون من أنتممم‪.‬‬
‫فيقولون نريد الجنة‪ ،‬فتقول الملئكة أقبممل الحسمماب؟ فيقولممون نعممم قبممل‬
‫الحساب‪ ،‬فيقولون من أنتم؟ فيقولون نحن أهل الفضل فيقولممون ممما كممان‬
‫فضلكم في الدنيا؟ قالوا إنا كنا إذا جهل علينا حلمنا وإذا أسيء إلينا عفونا‪،‬‬
‫ن{ ثم ينادي مناد أين أهممل‬ ‫فتقول الملئكة ادخلوا الجنة }فَن ِع َ‬
‫مِلي َ‬
‫جُر الَعا ِ‬‫مأ ْ‬ ‫ْ َ‬
‫الصبر؟ فيقوم عنق من النمماس يريممدون الجنممة‪ ،‬فتقممول لهممم الملئكممة أيممن‬
‫تريدون؟ قالوا نريد الجنة فتقول الملئكة أقبل الحساب؟ قالوا نعم فتقممول‬
‫الملئكممة مممن أنتممم؟ قممالوا نحممن أهممل الصممبر‪ ،‬فتقممول وممما كممان صممبركم؟‬
‫فيقولون صبر بأنفسنا على طاعة الّله وصبرناها عن معاصي اللممه‪ ،‬فتقممول‬
‫ن{ ثم ينادي مناد أين جيران الّله‬ ‫الملئكة ادخلوا الجنة؟ }فَن ِع َ‬
‫مِلي َ‬
‫جُر الَعا ِ‬‫مأ ْ‬‫ْ َ‬
‫في داره؟ فيقوم عنممق مممن النمماس يريممدون الجنممة؟ فتقممول الملئكممة أيممن‬
‫تريدون؟ فيقولون نريد الجنة‪ ،‬فتقممول الملئكممة أقبممل الحسمماب؟ فيقولممون‬
‫نعم‪ ،‬فتقممول الملئكممة ممن أنتممم؟ فيقولمون نحمن جيمران الل ّممه فمي أرضمه‪،‬‬
‫ب فمي الّلمه وكنمما نتبمادل فممي‬ ‫فيقولون وما كان جواركم؟ فيقولون كنا نتحا ّ‬
‫َ‬
‫ج مُر‬
‫مأ ْ‬‫الل ّممه وكنمما نممتزاور فممي اللممه‪ ،‬فتقممول الملئكممة ادخلمموا الجنممة }فَن ِعْ م َ‬
‫ن{(‪.‬‬‫مِلي َ‬
‫الَعا ِ‬
‫وعن أبي هريرة رضي الّله تعالى عنه عن النبي صلى الّله عليممه وسمملم‬
‫ي؟ فمموعزتي‬ ‫أنه قال "إن الّله تعالى يقول يمموم القيامممة أيممن المتحممابون فم ّ‬
‫وجللي اليوم أظلهم بظلي يوم ل ظل إل ظلمي"‪ .‬وعمن أبمي أماممة رضمي‬
‫الّله تعالى عنه قال‪ :‬امش ميل وعد مريضا‪ ،‬وامش ميلين وزر أخا ً في الله‪،‬‬
‫وامش ثلثة أميال وأصلح بين اثنين"‪ .‬وعن أنس بن مالك رضي الّله تعمالى‬
‫عنه قال‪" :‬من أصلح‬

‫]ص ‪[270‬‬
‫بين اثنين أعطاه الّله بكل كلمة عتق رقبة‪ .‬وقال أبو بكر الوراق رضي الّله‬
‫تعالى عنه‪ :‬إن الّله بعث نبيه عليه الصلة والسلم ليممدعو الخلممق إلممى الل ّممه‬
‫تعالى‪ ،‬وإنما طلممب منهممم عمممل أربعمة أشممياء‪ :‬القلممب واللسمان والجمموراح‬
‫والخلق‪ ،‬وإنما طلب من كممل واحممد مممن هممذه الربعممة شمميئين‪ :‬أممما القلممب‬
‫فطلب منه تعظيم أمممور الل ّممه تعممالى والشممفقة علممى خلقممه‪ ،‬وأممما اللسممان‬
‫فطلب منه ذكر الل ّممه تعممالى علممى الممدوام ومممداراة الخلممق‪ ،‬وأممما الجمموارح‬
‫فطلب منها عبادة الّله تعالى وعممون المسملمين‪ ،‬وأممما الخلمق فطلممب منمه‬
‫الرضا بقضاء الل ّممه تعممالى وحسممن المعاشممرة مممع الخلممق واحتمممال أذاهممم‪.‬‬
‫وروى سهل بن أبي صالح عن عطاء بن يزيد عن تميم الممداري رضممي الل ّممه‬
‫تعممالى عنممه عممن النممبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم أنممه قممال "أل إنممما الممدين‬
‫النصيحة‪ .‬قالها ثلثًا‪ .‬قالوا لمن يا رسول الله؟ قممال للممه ولرسمموله ولكتممابه‬
‫ولئمة المؤمنين ولعامتهم"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الله‪ :‬النصيحة لله تعالى أن تؤمن بالله ول تشرك به‬
‫شيئا وتعمل بما أمر الّله به وتنتهي عما نهى عنه وتممدعو النمماس إلممى ذلممك‬
‫وتدلهم عليه‪ ،‬وأما النصيحة لرسوله فأن تعمل بسممنته وتممدعو النمماس إليهمما‬
‫وأما النصيحة لكتابه فأن تؤمن به وتتلوه وتعمل بما فيه وتدعو الناس إليه‪.‬‬
‫وأممما النصمميحة للئمممة فممأن ل تخممرج عليهممم بالسمميف وتممدعو لهممم بالعممدل‬
‫والنصاف وتد ّ‬
‫ل الناس إليه‪ .‬وأممما النصمميحة للعامممة فهممو أن تحممب لهممم ممما‬
‫ي‬
‫تحب لنفسك وأن تصلح بينهم ول تهجرهم وتدعو لهم بالصلح‪ .‬وقممال عل م ّ‬
‫بن أبي طالب كرم الّله وجهه‪ :‬إن مممن موجبممات المغفممرة إدخممال السممرور‬
‫على أخيك المسلم‪ .‬وروى معمر عن الزهري عن حميد عن أمممه أم كلثمموم‬
‫بنت عقبة عن النبي صلى الّله عليه وسمملم أنممه قممال "ليممس بالكمماذب مممن‬
‫أصلح بين الناس فقال خيرا ً أو نمى خيرا‪ ،‬وأما الصلح بين النمماس فشممعبة‬
‫من شعب النبوة والصرم بين الناس شعبة من شممعب السممحر" وروى عممن‬
‫النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال "أفضممل النمماس عنممد الل ّممه تعممالى يمموم‬
‫القيامة ثوابا أنفعهم للناس في الدنيا‪ ،‬وأن المتقربين عند الّله يوم القيامممة‬
‫المصلحون بين الناس"‪.‬‬

‫باب مخالطة السلطان‬


‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رحمه الّله تعالى‪ :‬حدثنا الحكممم أبممو‬
‫الحسن السردري حدثنا الحسين بممن إسمممعيل القاضممي حممدثنا يوسممف بممن‬
‫موسى حدثنا إبراهيم بن رستم حدثنا أبممو حفممص الزدي عممن إسمممعيل بممن‬
‫سميع عن أنس بن مالك رضي الّله تعالى عنه قال‪ :‬قال رسول الّله صمملى‬
‫الّله عليه وسلم "العلماء أمناء الرسل ما لم يخالطوا السلطان ولم يدخلوا‬
‫في المدنيا فمإذا خمالطوا السملطان ودخلموا فمي المدنيا فقمد خمانوا الرسمل‬
‫فاعتزلوهم واحذروهم" قممال‪ :‬حممدثنا محمممد بممن الفضممل‪ ،‬حممدثنا محمممد بممن‬
‫جعفر حدثنا إبراهيم بن يوسف حدثنا أبو معاوية‬

‫]ص ‪[271‬‬
‫عن الليث عن الحسن بن مسلم عن عبيد بممن عميممر أن النممبي صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم قال "ما ازداد رجل من السلطان قربا ً إل ازداد من الّلممه بعممدا‪،‬‬
‫ول كثرت أتباعه إل كثرت شياطينه‪ ،‬ول كثر ممماله إل اشممتد ّ حسممابه" وقممال‬
‫حذيفة رضي الل ّممه تعممالى عنممه‪ :‬إيمماكم ومواقممف الفتممن‪ ،‬قيممل وممما مواقممف‬
‫الفتن؟ قال أبواب المراء‪ .‬وقيل لبمن عممر رضمي الّلمه تعمالى عنهمما‪ :‬إنما‬
‫ندخل على السلطان فنتكلم بالكلم فإذا خرجنمما تكلمنمما بخلفممه؟ قممال كنمما‬
‫دها من النفاق‪ .‬وعن ابن مسعود رضي الّله تعالى عنممه قممال‪ :‬إن الرجممل‬ ‫نع ّ‬
‫ليدخل على ذي سلطان ومعه دينه فيخرج وما معه دينه‪ ،‬قيل وكيف ذلممك؟‬
‫قال يرضميه بمما يسمخط اللمه‪ .‬وقمال بعمض المتقمدمين‪ :‬إذا رأيمت القممارئ‬
‫يختلف إلى الغنياء فاعلم أنه مراء‪ ،‬وإذا رأيممت عالمما يختلمف إلممى المممراء‬
‫فاعلم أنه أحمق‪ .‬وعن أبي هريرة رضي الّله تعالى عنه قممال‪ :‬ليممس شمميء‬
‫أضر بهذه المة من ثلث‪ :‬حب الدينار والدرهم‪ ،‬وحب الرياسة‪ ،‬وإتيان باب‬
‫السلطان‪ ،‬وقد جعل الّله منهن مخرجا‪ .‬وعن مكحول رضي الّله تعالى عنه‬
‫قال‪ :‬من تعلم القرآن وتفقه في الدين ثم أتى باب السمملطان متملق ما ً إليممه‬
‫ومطيعا ً له بين يديه خماض فمي نمار جهنممم بعممدد خطماه‪ .‬وعمن ميممون بمن‬
‫مهران قال‪ :‬في صحبة السلطان خطران إن أطعتممه خمماطرت بممدينك‪ ،‬وإن‬
‫عصيته خاطرت بنفسك‪ ،‬والسلمة أن ل يعرفك‪ .‬وعن الفضمميل بممن عيمماض‬
‫رحمه الّله قال‪ :‬لو أن رجل ً ل يخالط هؤلء‪ :‬يعني السلطين‪ ،‬ول يزيد علممى‬
‫الفرائض فهو أفضل من رجل يخالط السلطان ويصوم النهار ويقمموم الليممل‬
‫ويحج ويجاهد‪ .‬ويقال ما أقبح عالما يقال أين هو فيقال عند المير‪.‬‬
‫وروى الحسن رحمه الّله عن النبي صلى الّله عليممه وسمملم أنممه قممال "ل‬
‫تزال يد الّله على هذه المة ما لم يعظم أبرارهم فجممارهم‪ ،‬وممما لممم يرفممق‬
‫خيارهم بشرارهم‪ ،‬وما لم يمل قراؤهم إلى أمرائهم‪ ،‬فإذا فعلمموا ذلممك رفممع‬
‫الّله عنهم البركة وسلط عليهم جبابرتهم وقذف في قلوبهم الرعب وأنممزل‬
‫عليهم الفاقة" وعن عيسى بن مريم صلوات الّله وسلمه عليهما أنه قممال‪:‬‬
‫يا معشر العلماء زغتم عن الطريق وأحببتم الدنيا‪ ،‬فكما أن الملمموك تركمموا‬
‫الحكمة عندكم فاتركوا ملكهم عليهم‪ .‬وعن شقيق بمن سملمة أن عممر بمن‬
‫الخطاب رضممي الل ّممه تعممالى عنممه اسممتعمل بشممر بممن عاصممم الثقفممي علممى‬
‫صدقات هوازن فتخلف فلقيه عمر رضي الّله تعالى عنه فقال‪ :‬ما خلفممك؟‬
‫أما ترى لنا عليك سمعا ً وطاعة؟ قال بلى ولكني سمعت رسول الّله صمملى‬
‫الّله عليه وسلم قال "من ولى أحدا ً من الناس أتممى بممه يمموم القيامممة حممتى‬
‫يوقف به على جسر جهنم فإن كان محسنا ً نجا وإن كان مسمميئا ً انخممرق بمه‬
‫الجسر فيهوى فيها سبعين خريفًا" فخرج عمر رضي الّله عنممه حزين ما ً كئيب ما ً‬
‫فلقيه أبو ذر رضي الّله تعالى عنه فقال لممه مممالي أراك حزين ما ً كئيب مًا؟ قممال‬
‫وما يمنعني وقد سمعت بشر بن عاصم يقممول كممذا وكممذا‪ ،‬قممال أبممو ذر أممما‬
‫سمعت ذلك؟ قال عمر ل‪ ،‬قال أبو ذر أشهد أني سمعت رسول الّله صمملى‬
‫الّله عليه وسلم يقول "من‬

‫]ص ‪[272‬‬
‫ولى أحدا ً من الناس أتى به يوم القيامة حتى يوقف به علممى جسممر جهنممم‪،‬‬
‫فإن كان محسنا ً نجا وإن كان مسيئا ً انخرق به الجسر فيهوي فيهمما سممبعين‬
‫خريفا ً وهي سوداء مظلمة" وروت عائشة رضي الّله تعالى عنها عن النممبي‬
‫صلى الّله عليه وسلم أنه قال "يجاء بقاضي العدل يوم القيامة فيلقى مممن‬
‫شدة الحساب ما يود أن لم يكن قضى بين اثنيممن قممط" وعممن أبممي هريممرة‬
‫رضي الّله تعالى عنه عن النبي أنه قال "من جعل على القضاء فكأنما ذبممح‬
‫بغير بسكين" وعن أبي حنيفة رضي الل ّممه تعممالى عنممه أنممه دخممل علممى أبممي‬
‫جعفر الدوانيقي فقال‪ :‬يا أبا حنيفة أعنا على أمرنا؟ فقال أبممو حنيفممة أنمما ل‬
‫أصلح لهذا المر‪ .‬فقال لممه سممبحان الل ّممه أعنمما علممى أمرنمما؟ فقممال يمما أميممر‬
‫المممؤمنين إن كنممت صممادقا ً فقممد أخبرتممك وإن كنممت كاذبما ً فل يحممل لممك أن‬
‫توليني هذا المر‪.‬‬
‫وعن أبي موسى الشعري رضي الّله تعالى عنه قال "خرجت إلى رسول‬
‫الّله صلى الّله عليه وسلم فصحبني رجلن‪ ،‬فلممما دخلنمما علممى رسممول الل ّممه‬
‫صلى الّله عليه وسلم قال يما رسمول الّلمه اسمتعملنا علمى بعمض أعمالمك؟‬
‫فقال النبي صلى الّلمه عليمه وسملم إنما ل نسمتعمل علمى عملنما ممن أراده‬
‫وطلبه" وعن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال لكعب بن عجرة يا كعممب‬
‫أعيذك بالله من إمارة السفهاء‪ ،‬ثلث مرات‪ ،‬أمراء يكونون من بعدي فمممن‬
‫صدقهم على كذبهم وأعانهم على ظلمهم فأولئك مني برآ ٍ وأنا منهم بريممء‬
‫يا كعب بن عجرة كل لحم نبت من السحت فالنار أولممى بممه‪ ،‬يمما كعممب بممن‬
‫عجرة الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة والصمملة قربممان‪ ،‬يمما كعممب بممن‬
‫عجرة الناس غاديان فمبتاع نفسه فمعتقها وبائع نفسه فموبقها" قال حدثنا‬
‫أبي رحمممه الل ّممه بإسممناده قممال‪ :‬حممدثنا أبممو عبممد الل ّممه الطالقمماني بسمممرقند‬
‫قال‪:‬حدثنا الزبير بن بكار الزبيري حدثنا عيسى بن يونس عممن موسممى بممن‬
‫عبد الصمد عن زاذان قال‪ :‬كنا مع عبد الل ّممه بممن عبمماس رضممي الل ّممه تعممالى‬
‫عنهما على سطح له وله من رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه وسمملم صممحبة‬
‫فرأى الناس يتحملون وينتقلون فقال ما بالهم؟ قيل يفرون من الطمماعون‪،‬‬
‫فقال يا طاعون خذني يا طاعون خذني‪ ،‬فقيل له لممم تممدعو بممالموت وأنممت‬
‫صاحب رسول الّله وقد سمعته ينهى عنه؟ فقال أسأل الّله الموت لخصال‬
‫وفهن على أمتممه‪ ،‬قلنمما ممما‬ ‫ست رأيت رسول الّله صلى الّله عليه وسلم يتخ ّ‬
‫ن؟ قال إمارة الصبيان‪ ،‬وكثرة الشممرط‪ ،‬والرشمموة فممي الحكممم‪ ،‬وقطيعممة‬ ‫ه ّ‬
‫الرحم‪ ،‬واسممتخفاف بالذمممة‪ ،‬ونشممء يتخممذون هممذا القممرآن مزمممارا مهجممرا ً‬
‫يقدمون الرجل وما هو بأفضلهم ول بأفقههم إل ليغنيهم بالقرآن غناء‪ .‬وعن‬
‫الحسن البصري رحمه الّله أنه مّر على بمماب ابممن هممبيرة فممرأى قوم ما ً مممن‬
‫القراء قال‪ :‬ما ظنكم يا هؤلء القراء ليس هذا من مجالس التقياء‪.‬‬
‫وعن النبي صلى الّله عليه وسلم قال "إيمماكم وجيممران الغنيمماء وعلممماء‬
‫المراء وقراء السواق" وعن الضحاك بن مزاحم قال‪ :‬إنممي لتقلممب الليلممة‬
‫كلها على فراشي ألتمس كلمة أرضى بها‬

‫]ص ‪[273‬‬
‫سلطاني ول أسخط بها خالقي فل أقدر عليها‪ .‬وذكر أن عيسى بن موسممى‬
‫لقي ابن شبرمة فقال له مالك ل تأتينا؟ قال وما أصممنع بإتيانممك إن قّربتنممي‬
‫فتنتني وإن أبعدتني آذيتني وما عندي ما أخافك وما عندي ما أرجوك‪ .‬وقال‬
‫ابن عباس رضي الّله تعالى عنهما‪ :‬اجتنبوا أبواب الملوك فإنكم ل تصمميبون‬
‫من دنياهم شيئا ً إل أصممابوا مممن آخرتكممم ممما هممو أفضممل منممه‪ .‬وقممال بعممض‬
‫المتقممدمين‪ :‬دخولممك علممى الملمموك يممدعوك إلممى ثلث‪ :‬إيثممارك رضمماهم‪،‬‬
‫وتعظيمك دنياهم‪ ،‬وتزكيتك عملهم‪ ،‬ل حول ول قوة إل بالله العلي العظيم‪.‬‬

‫باب فضل المرض وعيادة المريض‬


‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رحمه الّله تعالى‪ :‬حدثنا أبو الحسممن‬
‫القاسم بن محمد بن روزبة حدثنا عيسى بن خنشام حدثنا سويد بممن مالممك‬
‫عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم‬
‫قال "إذا مرض العبد بعث الّله إليه ملكين فقممال انظممرا ممماذا يقممول عبممدي‬
‫لعواده فإن هو إذا جاؤه حمد الّله رفعا ذلك إلى الّله عز وجممل وهممو أعلممم‪،‬‬
‫فيقول الّله قول لعبدي إنا توفيته أدخله الجنممة وإن شممفيته بممدلت لممه لحمما ً‬
‫خيرا ً من لحمه ودما ً خيرا ً من دمه وأن أكفر عنه سيئاته" قال‪ :‬حدثنا محمد‬
‫بن الفضل حدثنا محمد بن جعفر حدثنا إبراهيم بن يوسف حدثنا أبو معاوية‬
‫عن العمش عن عمارة بن عميممر عممن سممعيد بممن وهممب قممال‪ :‬دخلممت مممع‬
‫سلمان الفارسي رضي الّله تعالى عنه علممى صممديق لممه فقممال سمملمان إن‬
‫الّله تعالى يبتلي عبده المؤمن بالبلء ثم يعممافيه فيكممون كفممارة لممما مضممى‬
‫ومستعتبا ً لما بقى‪ ،‬وإن الّله ليبتلي عبده الفاجر بممالبلء ثممم يعممافيه فيكممون‬
‫كالبعير الذي عقله أهله ثم أطلقوه ل يدري فيم عقلوه ول فيم أطلقوه‪.‬‬
‫وبهذا السناد عن العمش عن إبراهيم التيمي عن الحرث بن سويد عن‬
‫ابن مسعود رضي الّله تعالى عنهم قال "دخلت على النبي صلى الّله عليممه‬
‫وسلم وهو يوعممك وعكما ً شممديدا‪ ،‬فمسسممته فقلممت لممه إنممك لتوعممك وعكما ً‬
‫شديدًا؟ فقممال أجممل إنممي أوعممك كممما يوعممك رجلن منكممم‪ ،‬فقلممت لن لممك‬
‫أجرين؟ قال نعم والذي‪ .‬نفسي بيده ما علممى الرض مسمملم يصمميبه مممرض‬
‫فما سواه إل حط الّله عنه خطاياه كما تحط الشممجرة ورقهمما" قممال‪ :‬حممدثنا‬
‫أبي رحمه الّله تعالى حدثنا أحمد بن الفضل القاضي حدثنا جعفر بن محمد‬
‫بن مصعب حممدثنا يحيممى بمن يحيممى حممدثنا أبممو بلل الشممعري عممن سمملمان‬
‫النهدي عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي رضي الّله تعممالى عنممه‬
‫قال‪ :‬قال النبي صلى الّله عليه وسلم " إذا جاءت الحمى للنفممس المؤمنممة‬
‫فتناديها الروح من جوف النفس فتقول‪ :‬أيتها الحمى ممما تريممدين مممن هممذه‬
‫النفس المؤمنة؟فتجيبها الحمى فتقول أيتها الروح الطيبممة إن نفسممك هممذه‬
‫كانت طاهرة فقذرتها الذنوب والخطايا فأنا أطهرهمما‪ ،‬فتجيبهمما الممروح أدنممي‬
‫إذن‬

‫]ص ‪[274‬‬
‫ثلث مرات فطهريهمما" وعممن جعفممر بممن برقممان عممن شمميخ عممن رجممل مممن‬
‫المهاجرين أنه عاد مريضا فقال‪:‬بلغني أن للمريض في مرضه أربع خصمال‪:‬‬
‫يرفع عنه القلم‪ ،‬ويجري له من الجر مثممل الممذي كممان يعمممل وهممو صممحيح‪،‬‬
‫ويتبع كل خطيئة في مفاصله فيستخرجها فإن مممات مممات مغفممورا ً لممه وإن‬
‫عاش عاش مغفورا ً له‪ .‬وعن معاذ بن جبل رضي الّله تعالى عنممه قممال" إذا‬
‫ابتلى الّله العبد المؤمن بالسممقم قممال لصمماحب الشمممال ارفممع القلممم عنممه‬
‫وقال لصاحب اليمين اكتب لعبدي أحسن ما كممان يعمممل وهممو صممحيح فممإنه‬
‫في وثاقي"‪.‬‬
‫ّ‬
‫وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال إن الحمى جاءت إلى رسول‬
‫الله صلى الّله عليه وسلم تشبه امرأة سوداء فقال لها من أنت؟ قالت أنمما‬
‫أم ملدم‪ ،‬وقال وما تصنعين يا أم ملممدم؟ قممالت آكمل اللحمم وأنشمف الممدم‬
‫وإن حرى من فيح جهنم‪ ،‬فعرف أنها الحمى‪،‬فقالت يا رسممول الل ّممه ابعثنممي‬
‫إلى أحب أهلك إليك؟ قال فبعثها إلى النصار فأخممذتهم سممبعة أيممام فبعثمموا‬
‫صريخهم إلى رسول الّله صلى الّله عليه وسلم فدعا رسول الّله صلى الّله‬
‫عليه وسلم فرفعها الّله عنهم‪ ،‬فكان رسول الّله صلى الّله عليه وسمملم إذا‬
‫رآهم قال مرحبا بقوم طهرهمم الّلمه تطهيمرا" وعمن ابمن عممر رضمي الّلمه‬
‫تعالى عنهما عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال" ل تكرهمموا مرضمماكم‬
‫على الطعام والشراب فممإن الل ّممه تعممالى يطعمهممم ويسممقيهم" وعممن النممبي‬
‫صلى الّله عليه وسلم أنه قال" أنين المريض تسبيح وصياحه تهليل ونفسممه‬
‫صدقة ونومه عبادة وتقلبه من جانب إلى جانب جهاد في سبيل الّله ويكتب‬
‫له أحسن ما كان يعمل في الصحة" وعن النبي صلى الّله عليه وسمملم أنممه‬
‫قممال" أربممع يسممتأنفون العمممل‪ :‬المريممض إذا برىممء‪ ،‬والمشممرك إذا أسمملم‪،‬‬
‫والمنصرف من الجمعة إيمانا واحتسابا‪ ،‬والحمماج مممن كسممب الحلل" وعممن‬
‫النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال" ثلث من كنوز الممبر‪ :‬كتمممان المممرض‪،‬‬
‫وكتمان الصدقة‪ ،‬وكتمان المصيبة" وروى عن رسول الله صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم " إنه دخل على سلمان رضي الّله تعالى عنه وهو مريض فقممال‪ :‬إن‬
‫لممك فممي مضممجعك ثلث خصممال أولهمما تممذكرة مممن ربممك‪ ،‬والثمماني تمحيممص‬
‫وكفارة لما سلف من ذنوبك‪ ،‬والثالث أن دعاء المبتلي مستجاب فادع الل ّممه‬
‫ما استطعت" وعن ابن مسعود رضي الّله تعالى عنه أنه قممال‪ :‬إن السممقيم‬
‫ل يكتب له أجر إنما الجر في العمل ولكن يكفر به الخطايا‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬ل يكتب له بالمرض ولكنه يكتب له مثل‬
‫عمله الذي كان يعمل إذا كان محسنا وعجز عن العممل ويعلمم الّلمه تعمالى‬
‫أنه لو كان صحيحا لكان يعمل مثل ما كان يعمله فإنه يكتب له ثممواب تلممك‬
‫العمال ويكون المرض كفارة لذنوبه‪ :‬يعني إذا تاب من ذنموبه وأممما إذا لمم‬
‫يتب ومن نيته أنه إذا برىء من مرضه يعود إلى مثل أعماله الخبيثة فممإنه ل‬
‫يكفر عنه‪ .‬وعن الحسن البصري رضي الّله تعالى عنه أن النبي صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم قممال "الحمممى حفممظ كممل ممؤمن مممن النممار" وعممن أبممي سممعيد‬
‫الخدري رضي الّله تعالى‬

‫]ص ‪[275‬‬
‫ّ‬
‫عنه عن النبي صلى الله عليه وسمملم قممال "قممال ربكممم وعزتممي وجللممي ل‬
‫أخرج عبدا من الممدنيا وأنمما أريممد أن أرحمممه حممتى أنقيممه مممن خطيئة عملهمما‬
‫بسقم في جسده أو ضيق في معيشته‪ ،‬فإن تبقى عليه منها شيء شممددت‬
‫ي كما ولدته أمه‪ ،‬ول أخرج عبدا ً مممن الممدنيا وأنمما‬ ‫عليه الموت حتى يجيء إل ّ‬
‫أريد أن أعذبه حتى أوفيه كل حسنة عملها بصحة في جسممده أو سممعة فممي‬
‫ي وليسممت لممه‬ ‫رزقه فإن تبقى منها شيء هونت عليه الموت حتى يجيء إل ّ‬
‫حسنة" وعن عاصم الحول عن أبي العالية قال‪ :‬كنمما نحممدث منممذ خمسممين‬
‫سنة أن الرجل إذا مرض مرضا ً يشرف منممه علممى نفسممه خممرج مممن ذنمموبه‬
‫كيوم ولدته أمه ويقول الّله تعالى‪ :‬اكتبوا لعبدي ما كممان يعمممل فممي صممحته‬
‫حتى أقبضه أو أخلي سبيله‪ .‬وعن البني صلى الّله عليه وسلم أنه قال "من‬
‫عاد مريضا ً لم يزل يخوض في الرحمة فإذا جلس عنده انغمس فيها" وعن‬
‫ابن عمر رضي الّله تعالى عنهما عن النبي صلى الّله عليه وسمملم أنمه قمال‬
‫"من عاد مريضا ً فكأنما صام يوما في سبيل الّله اليوم بسبعمائة يوم‪ ،‬ومن‬
‫تبع جنازة فكأنما صام يوما ً فممي سممبيل الل ّممه تعممالى اليمموم بسممبعمائة يمموم‪.‬‬
‫وروى أن رجل ً جاء إلممى أم الممدرداء رضممي الل ّممه تعممالى عنهمما فشممكى إليهمما‬
‫القساوة من قلبه قالت هي أعظم الداء ولكن عد المريض‪ ،‬وشيع الجنازة‪،‬‬
‫وأطلع في القبور‪ ،‬ففعل فكأنه يرى من نفسه ما يسره فرجع إليهمما فقممال‪:‬‬
‫جزاك الّله خيرًا‪.‬‬

‫باب فضل صلة التطوع‬


‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رحمه الله‪ :‬حدثنا محمد بن الفضممل‬
‫حدثنا محمد بن جعفر حدثنا إبراهيم بن يوسف حدثنا المسمميب بممن شممريك‬
‫عن عمر بن عبيد عن الحسن البصري رحمممه الل ّممه عليهممم أن رسممول الل ّممه‬
‫صلى الّله عليه وسلم قال "للمصمملي ثلث خصممال تحممف بممه الملئكممة مممن‬
‫قدمه إلى عنان السماء‪ ،‬ويسقط عليه البّر من عنممان السممماء إلممى مفممرق‬
‫رأسه‪ ،‬وملك ينادي لو يعلم هذا المصلي من يناجي ما انفتممل" قممال‪ :‬حممدثنا‬
‫أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد حدثنا فارس بن مردويه حدثنا محمد بممن‬
‫الفضل حدثنا محمد بن إسمعيل بن أبي فديك عن محمد بن حميد عن عبد‬
‫الرحمن بن سالم عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بممن الخطمماب رضممي‬
‫الّله تعالى عنهم عن النبي صلى الّله عليه وسلم " أنه بعث سرية فعجلممت‬
‫الكرة وأعظمت الغنيمة فقالوا يا رسول الّله ما رأينا سرية قط أعجل كرة‬
‫ول أعظم غنيمة من سريتك هذه؟ قممال أفل أخممبركم بأعجممل كممرة وأعظممم‬
‫غنيمة من سريتي هذه؟ قالوا بلى يا رسول الله‪ ،‬قال أقوام يصلون الصممبح‬
‫ثم يجلسون في مجالسهم يممذكرون الل ّممه تعممالى حممتى تطلممع الشمممس ثممم‬
‫يصلون ركعتين ثم يرجعون إلى أهاليهم‪ ،‬فهؤلء أعجل كرة وأعظم غنيمممة"‬
‫قال‪ :‬حدثنا عبد الرحمن حدثنا فارس بن مردويه حدثنا يزيد بن هممرون عممن‬
‫هشام بن حسان عن واصل عن يحيى عن عقيل عن‬

‫]ص ‪[276‬‬
‫يحيى بن يعمر عن أبي ذر رضي الّله تعالى عنه عن النبي صلى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم أنه قال "يصبح على كل سلمي من بني آدم كل يوم صدقة‪ ،‬ثم قال‬
‫أمرك بالمعروف صدقة ونهيك عن المنكر صدقة وذكممر الل ّممه تعمالى صممدقة‬
‫ومباضعتك أهلك صدقة‪ ،‬قلنا يا رسول الّله أيقضي الرجل شهوته ويكون له‬
‫صدقة؟ قال أرأيت لو فعل ذلك فيما حرم الّله عليه أليس كان عليممه إثممم؟‬
‫ل الّله كانت له صدقة‪ .‬قممال‪ :‬ويجممزئ عممن‬ ‫قالوا بلى‪ ،‬قال إذا فعلها فيما أح ّ‬
‫ذلك كله ركعتا الضحى"‪ .‬قال‪ :‬حدثنا الفقيه أبو جعفر رحمه الّله قال‪ :‬حدثنا‬
‫علي بن أحمد حدثنا محمد بن الفضيل حدثنا زيد بن حبان عممن موسممى بممن‬
‫عبيد عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي رافع قال‪ :‬قال رسول الّله صلى الّله‬
‫عليه وسلم للعباس رضي الّله تعالى عنممه "يمما عممم أل أصمملك أل أحبمموك أل‬
‫ل أربع ركعات تقرأ في كممل‬ ‫أنفعك؟ قال بلى فداك أبي وأمي‪ ،‬قال قم فص ّ‬
‫ركعة فاتحة الكتاب وسورة فإذا انقضت القراءة قل سممبحان الل ّممه والحمممد‬
‫لله ول إله إل الّله والله أكبر خمس عشرة مرة‪ ،‬ثم اركع فقلهمما عشممرا ً ثممم‬
‫ارفع رأسك فقلها عشرا ثم اسجد فقلها عشرا ثم ارفع رأسك فقلها عشرا ً‬
‫ثم اسجد فقلها عشرا ً ثم ارفع رأسك فقلهمما عشممرا ً قبممل أن تقمموم‪ ،‬فممذلك‬
‫خمس وسبعون في كل ركعممة وهممي ثلثمممائة فممي أربممع ركعممات فلممو كممانت‬
‫ذنوبك مثل رمل عالج غفرها الّله لك‪ .‬قال‪ :‬ومن لم يستطع أن يفعلها كممل‬
‫يوم قال يفعلها كل جمعة قال فإن لم يستطع قال يفعلها كل شهر فإن لم‬
‫يستطع قال يفعلها في كل سنة" وعن كعب الحبار رضي الّله تعممالى عنممه‬
‫وع لرأى ذلك أعظم مممن‬ ‫أنه قال‪ :‬لو أن أحدكم رأى ثواب ركعتين من التط ّ‬
‫الجبال الرواسي‪ ،‬فأما المكتوبة فهي أعظم من أن يقال فيها‪.‬‬
‫وعن زيد بن خالد الجهني عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنه قال‬
‫"صلوا في بيوتكم ول تتخذوها قبورًا" وعن سمرة بن جندب عن رجممل ممن‬
‫أصحاب رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنه قال‪ :‬تطوع الرجل فممي بيتممه‬
‫يزيد على تطوعه عند الناس كفضل صلة الجماعة على صلته وحده‪ .‬وعن‬
‫النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قممال "صمملة الرجممل فممي بيتممه تطوعما ً نممور‬
‫وروا بيوتكم" وعن أبي هريرة رضي الّله تعالى عنه عن النبي صلى الّلممه‬ ‫فن ّ‬
‫عليه وسلم أنه قال من صلى بين المغرب والعشمماء عشممرين ركعممة حفممظ‬
‫الّله له أهله وماله ودينه ودنياه وآخرته‪ ،‬ومن صلى الغداة فقعد في مصله‬
‫حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعمتين جعمل الّلمه لمه حجابما ً ممن النمار يموم‬
‫القيامة" وروى زيد بن أسلم عن ابن عمممر رضممي الل ّممه تعممالى عنهممما قممال‬
‫"قلت لبي ذر الغفاري رضي الّله تعالى عنه أوصني يما عمم؟ قمال‪ :‬سمألت‬
‫رسول الّله صلى الّله عليه وسلم كمما سمألتني فقمال‪ :‬ممن صملى الضمحى‬
‫ركعتين لم يكتب من الغافلين‪ ،‬ومن صلها أربعا ً كتب مممن العابممدين‪ ،‬ومممن‬
‫صلها ستا ً لم يتبعه يومئذ ذنب‪ ،‬ومن صلها ثمانيا ً كتب من القممانتين‪ ،‬ومممن‬
‫صلها اثنتي عشرة ركعة بنى له بيت فمي الجنمة" وروى أبمو هريمرة رضمي‬
‫الّله تعالى عنه عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال "إن للجنة بابا ً يقال‬
‫له باب الضحى فإذا كان‬

‫]ص ‪[277‬‬
‫يوم القيامة نادى مناد أيمن المذين كمانوا يمديمون علمى صملة الضمحى همذا‬
‫بابكم فادخلوه" وعن عبد الّله بن مسعود رضي الل ّممه تعممالى عنممه أنممه قممال‬
‫"إذا كان الرجل في صلته فإنما يقرع باب الملك‪ ،‬ومن يدم على قرع بماب‬
‫الملك يوشك أن يفتح له‪ ،‬ويقال فضل صلة الليل على صلة النهار كفضممل‬
‫صدقة السر على صدقة العلنية‪ .‬وعن أنس بن مالك رضي الّله تعالى عنه‬
‫عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال "ما من بقعة يصلى فيهمما صمملة أو‬
‫ذكر الّله عليها إل استبشرت بذلك إلى منتهاها إلى سممبع أرضممين و فخممرت‬
‫على ما حولها من البقاع‪ ،‬وما من عبد يقوم بفلة من الرضين يريد الصلة‬
‫إل تزخرفت له الرض" وعن خالد بممن معممدان رضممي الل ّممه تعممالى عنممه أنممه‬
‫قال‪ :‬بلغني أن ربمك يبماهي الملئكممة بثلثمة نفمر‪ :‬رجممل يكمون بمأرض قفممر‬
‫فيؤذن ويقيم الصلة ثم يصلي وحده فيقول الّله تعالى انظممروا إلممى عبممدي‬
‫يصلي وحده ل يراه أحممد غيممري لينممزل سممبعون ألممف ملممك وليصمملوا وراءه‬
‫ورجل قام بالليل فيصلي وحده فيسجد فينممام وهممو سمماجد فيقممول انظممروا‬
‫ي‪ ،‬ورجممل فممي زحممف غممزو فثبممت‬ ‫إلى عبدي روحه عندي وجسده ساجد إل ّ‬
‫حتى قتل" وعن المعافى بن عمران رضي الل ّممه تعممالى عنممه أنممه قممال‪ :‬عمّز‬
‫المؤمن استغناؤه عن الناس وشرفه قيامه بالليل‪.‬‬

‫باب إتمام الصلة والخشوع فيها‬


‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رحمه الّله تعالى‪ :‬حممدثنا محمممد بممن‬
‫الفضل حدثنا محمد بن جعفر حممدثنا إبراهيممم بممن يوسممف حممدثنا وكيممع عممن‬
‫سفيان عن أبي نضرة عن سالم بن الجعد عن سلمان الفارسي رضي الّله‬
‫تعالى عنهم أنه قال‪ :‬الصلة مكيال فمن ّوفممى وفممى لممه وممن طفممف فقممد‬
‫علمتم ما قال الّله في المطففين‪ .‬وعن حذيفة بن اليمان رضي الّله تعالى‬
‫ت علممى‬ ‫عنه أنه رأى رجل ً يصلي ول يتم ركوعها ول سممجودها فقممال‪ :‬لممو مم ّ‬
‫هذا لمت على غير الفطرة‪ .‬وعن الحسن البصري رضممي الل ّممه تعممالى عنممه‬
‫عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال "أل أخبركم بأسوأ الناس سممرقة؟‬
‫قالوا بلى يا رسول الله‪ ،‬قال الذي يسرق ممن صملته‪ ،‬قيممل وكيمف يسمرق‬
‫من صلته؟ قال ل يتم ركوعها ول سجودها" وعن ابن مسممعود رضممي الل ّممه‬
‫تعالى عنه أنه قال‪ :‬من لم تأمره صلته بالمعروف ولم تنهه عن المنكر لم‬
‫َ‬
‫ن‬
‫صلة َ ت َن َْهى ع َم ْ‬
‫ن ال ّ‬
‫صلة َ إ ِ ّ‬ ‫يزدد بها من الّله إل بعدا ً وقرأ هذه الية }وَأقِ ْ‬
‫م ال ّ‬
‫ر{ وعن الحكم بن عيينة رضي الّله تعممالى عنممه قممال‪ :‬مممن‬ ‫من ْك َ ِ‬ ‫ح َ‬
‫شاِء َوال ُ‬ ‫ف ْ‬
‫ال َ‬
‫تأمل في صلته من عن يمينه وعن شماله فل صمملة لممه‪ .‬وعممن مسمملم بممن‬
‫يسار رضي الّله تعالى عنه أنه كان يقول لهله‪ :‬إنممي إذا كنممت فممي الصمملة‬
‫فحدثوا فإني لست أسمع حديثكم وذكر عن يعقمموب القممارئ أنممه كممان فممي‬
‫الصلة فجاء طرار فاختلس رداءه‪ ،‬فذهب به إلممى أصممحابه فعرفمموا رداءه‪،‬‬
‫فقيل له رده إلى الرجل الصالح فإنا نخاف‬

‫]ص ‪[278‬‬
‫دعاءه فوضعه على كتفه واعتذر إليه من صنيعه‪ ،‬فلما فرغ من صلته أخبر‬
‫بذلك فقال إني لم أشعر من رفعه ول من وضعه‪ .‬وذكر عن رابعة العدويممة‬
‫رحمها الّله أنها كانت في الصلة فسجدت على البواري فدخلت قطعة من‬
‫قصب في عينهمما فلممم تشممعر بهمما حممتى انصممرفت مممن الصمملة‪ .‬وروى عممن‬
‫الحسن بن علي رضي الّله تعممالى عنهممما أنممه كممان إذا أراد أن يتوضممأ تغيممر‬
‫لونه‪ ،‬فسئل عن ذلك فقال‪ :‬إني أريد القيام بين يدي الملممك الجبممار‪ ،‬وكممان‬
‫إذا أتى باب المسجد رفع رأسه ويقول‪ :‬إلهي عبممدك ببابممك يمما محسممن قممد‬
‫أتاك المسمميء وقممد أمممرت المحسممن منمما أن يتجمماوز عممن المسمميء فممأنت‬
‫المحسن وأنا المسيء فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك يمما كريممم‬
‫ثم دخل المسجد‪.‬‬
‫وعن النبي صلى الّله عليه وسلم "أنه رأى رجل ً في الصمملة وهممو يعبممث‬
‫بلحيته فقال لمو خشمع قلبمه لخشمعت جموارحه" وروى عمن علمي بمن أبمي‬
‫طالب كرم الّله وجهه أنه كان إذا حضر وقت الصلة ارتعدت فرائضه وتغير‬
‫لونه‪ ،‬فسئل عمن ذلمك فقمال‪ :‬جماء وقمت المانمة المتي عرضمها الّلمه علمى‬
‫السممموات والرض والجبممال فممأبين أن يحملنهمما وأشممفقن منهمما وحملهمما‬
‫النسان‪ ،‬فل أدري أحسن أداء ما حملممت أم ل‪ .‬وروى هممذا أيض ما ً عممن زيممن‬
‫العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضمي الّلمه تعمالى عنهمم‬
‫وعن سعيد بن جبير رضي الّله تعالى عنه قال‪ :‬كنا عنممد ابممن عبمماس رضممي‬
‫الّله تعالى عنهما في المسجد بالطممائف أنمما وعكرمممة وميمممون بممن مهممران‬
‫وأبو العالية وغيرهم رضوان الّله عليهم أجمعين إذا صعد المؤذن فقال الّله‬
‫أكبر الّله أكبر فبكى ابن عبمماس رضممي الل ّممه تعممالى عنهممما حممتى بممل رداءه‬
‫وانتفخت أوداجه واحمرت عيناه‪ ،‬فقال له أبو العالية يا ابن عم رسول الل ّممه‬
‫ما هذا البكاء وما هذا الجزع فإنا نسمع الذان ول نبكي فبكينا لبكائك؟ قال‬
‫ابن عباس رضي الّله تعالى عنهما‪ :‬لممو يعلممم النمماس ممما يقممول المممؤذن ممما‬
‫استراحوا ول ناموا‪ ،‬فقيل له أخبرنا ما يقول المؤذن؟ قال إذا قال المممؤذن‬
‫الّله أكبر الّله أكبر يقول يا مشاغيل تفرغوا للذان وأريحوا البدان وتقممدموا‬
‫إلى خير عملكم‪ ،‬وإذا قال المؤذن أشهد أن ل إلمه إل الّلمه يقمول أشمهد أن‬
‫جميع من في السموات ومن في الرض من الخلئق ليشهد لممي عنممد الل ّممه‬
‫يوم القيامة أني قد دعوتكم‪ ،‬وإذا قال أشهد أن محممدا ً رسمول الّلمه يقمول‬
‫يشهد لي يوم القيامة النبياء كلهم ومحمد صمملى الل ّممه عليممه وسمملم عليهممم‬
‫أجمعين إني أخبرتكم في كل يوم خمس مرات‪ ،‬وإذا قال حي على الصمملة‬
‫ي علمى‬ ‫يقول إن الّله تعالى قد أقام لكم همذا المدين فمأقيموه وإذا قمال حم ّ‬
‫الفلح يقول خوضوا في الرحمة وخذوا أسهمكم من الهممدى وإذا قممال الل ّممه‬
‫أكبر الّله أكبر يقول حرمت العمال قبممل الصمملة‪ ،‬وإذا قممال ل إلممه إل الل ّممه‬
‫يقول أمانة سبع سموات وسبع أرضين وضممعت علممى أعنمماقكم فممإن شممئتم‬
‫فأقدموا وإن شئتم فأدبروا‪.‬‬

‫]ص ‪[279‬‬
‫وعن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال "إن الرجلين ليقومان في الصلة‬
‫وركوعهما وسجودهما واحد وإن ما بين صلتهما كما بين السممماء والرض"‬
‫ويقممال إنممما سمممى المحممراب محرابما ً لنممه موضممع الحممرب‪ :‬يعنممي يحممارب‬
‫الشيطان حتى ل يشغل قلبه‪ .‬وذكر أن حاتما ً الزاهد رحمه الّله دخممل علممى‬
‫عصام بن يوسف فقال له عصام‪ :‬يمما حمماتم هممل تحسممن أن تصمملي؟ فقممال‬
‫نعم‪ ،‬فقال كيف تصلي؟ قال إذا تقارب وقت الصمملة أسممبغت الوضمموء ثممم‬
‫أستوي في الموضع الذي أصملي فيمه حمتى يسمتقر كمل عضمو منمي‪ ،‬وأرى‬
‫الكعبة بين حاجبي‪ ،‬والمقام بحيال صدري والله تعالى يعلم ممما فممي قلممبي‪،‬‬
‫وكأن قدمي على الصراط‪ :‬والجنممة عممن يمينممي والنممار عممن يسمماري وملممك‬
‫الموت خلفي‪ ،‬وأظن أنها آخر صلتي‪ ،‬ثم أكبر تكبيرة بإخبات وأقممرأ قممراءة‬
‫بالتفكر وأركع ركوعا ً بالتواضع وأسمجد سمجودا بالتضمرع‪ ،‬ثمم أجلمس علمى‬
‫التمممام وأتشممهد علممى الرجمماء والخمموف وأسمملم علممى السممنة‪ ،‬ثممم أسمملمها‬
‫بإخلص وأقوم بين الرجاء والخوف‪ ،‬ثم أتعاهد بالصبر‪ .‬قال عصام يمما حمماتم‬
‫كذا صلتك؟ قال هكذا صلتي‪ ،‬قال منذ كم صلتك على هذا الوصف؟ قممال‬
‫منذ ثلثين سنة‪ ،‬فبكى عصام وقال ما صليت صمملة مممن صمملتي مثممل هممذا‬
‫قط‪ .‬وذكر أن حاتما ً فاتته الجماعة مرة فعزاه بعض أصحابه فبكى وقال لو‬
‫مات لي ابن واحممد لعزانممي نصممف أهممل بلممخ والن قممد فمماتني جماعممة فممما‬
‫ي‬
‫ن أهممون عل م ّ‬ ‫عزاني إل بعض أصحابي‪ ،‬وأنه لو مات لي البناء جميع ما ً لكمما ْ‬
‫من فوات هذه الجماعة‪ .‬وقال بعض الحكماء‪ :‬الصملة بمنزلمة الضميافة قممد‬
‫هيأها الّله تعالى للموحدين فممي كممل يمموم خمممس مممرات‪ ،‬كممما أن الضمميافة‬
‫يجتمع فيها اللوان من الطعام ولكل طعام لذة ولون فكممذلك الصمملة فيهمما‬
‫أفعال وأذكار مختلفة لكل فعل ثواب وتكفير للذنوب‪ ،‬ويقال المصلون كثير‬
‫ومقيموا الصلة قليل والله تعممالى وصممف للمممؤمنين بإقامممة الصمملة فقممال‬
‫ل‬‫ة{ ووصممف المنممافقين وسممماهم مصمملين فقممال }فَوَي ْم ٌ‬ ‫صممل ِ‬
‫قي مم ِ ال ّ‬‫م ِ‬‫}َوال ُ‬
‫ن{ وفي المممؤمنين يقيمممون الصمملة‬ ‫هو َ‬
‫سا ُ‬
‫م َ‬
‫صلت ِهِ ْ‬
‫ن َ‬
‫م عَ ْ‬
‫ن هُ ْ‬ ‫ن‪ ،‬ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫صّلي َ‬‫م َ‬‫ل ِل ْ ُ‬
‫وإقامتها إدامتها ومحافظتها لوقتها وتمممام ركوعهمما وسممجودها‪ .‬وقممال بعممض‬
‫الحكماء‪ :‬الناس في حضور الصلة صنفان خاص وعام‪ ،‬فأما الخاص فيممأتي‬
‫في الصلة مع الحرمة ويقول باليقين والهيبة ويؤديها بممالتعظيم ويرجممع مممع‬
‫الخوف‪ .‬وأما العام فيجيء مع الغفلة ويقوم بالجهل ويؤديها مممع الوسوسممة‬
‫ويرجع مع المن‪ .‬وقال بعض الحكماء بالفارسية )كناه كنزا كنده توبة يمما ذا‬
‫كلدوا يدست جانعان وبماز جوق جوق أزين كوته عممازان سممرين ذبرذحوكمما‬
‫جوك( يعنممي إذا توضممأ مممع الوسوسممة بغيممر تعظيممم وصمملى مممع الوسوسممة‬
‫والتفكر في أشغال الدنيا ل يتقبل منه وقال بعض الحكماء‪ :‬أربعة أشياء قد‬
‫انغمست في أربعة مواضع وأطلعت رأسها فممي أربعممة أممماكن‪ :‬أولهمما رضمما‬
‫الّله تعالى قممد انغمممس فممي الطاعممات وأطلممع رأسممه فممي بيممت السممخياء‪.‬‬
‫والثاني سخط الّله تعالى قد انغمس في الخطايمما وأطلممع رأسممه فممي بيممت‬
‫البخلء‪ .‬والثالث‬

‫]ص ‪[280‬‬
‫العيش وسعة الرزق اختفى في المثوبات فأطلع رأسه في بيوت المصلين‪.‬‬
‫والرابمع ضميق المعيشممة انغمممس فمي العقوبمات فمأطلع رأسمه فمي بيموت‬
‫المهاونين بالصلة‪ .‬وقممال بعممض الحكممماء‪ :‬إذا اشممتغل النمماس بسممتة أشممياء‬
‫فاشتغلوا أنتم بستة أخرى‪ :‬أّولها إذا اشتغل الناس بكثرة العمال فاشتغلوا‬
‫أنتم بحسن العمال‪ .‬والثمماني إذا اشممتغل النمماس بالفضممائل فاشممتغلوا أنتممم‬
‫بإتمام الفرائض‪ .‬والثالث إذا اشتغل الناس بإصلح العلنيممة فاشممتغلوا أنتممم‬
‫بإصلح السر‪ .‬والرابع إذا اشتغل الناس بعيوب الناس فاشتغلوا أنتم بعيوب‬
‫أنفسكم‪ .‬والخامس إذا اشتغل الناس بعمارة الدنيا فاشممتغلوا أنتممم بعمممارة‬
‫الخرة‪ .‬والسادس إذا اشتغل الناس بطلب رضا المخلوقين فاشممتغلوا أنتممم‬
‫بطلب رضا الّله تعالى‪ .‬والله أعلم بالصواب‪.‬‬

‫باب الدعوات المستجابات‬


‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رحمه الّله تعالى‪ :‬حممدثنا محمممد بممن‬
‫الفضل حدثنا محمد بن جعفر حدثنا إبراهيم بن يوسممف حممدثنا معاويممة عممن‬
‫العمش عن الحجاج عن إبراهيم عن عبد الرحمن عممن عبممد الل ّممه بممن أبممي‬
‫أوفى رضي الّله تعالى عنهم قال "أتى النبي صلى الّله عليممه وسمملم رجممل‬
‫من العراب فقال يا نممبي الل ّممه علمنممي ممما يجزينممي مممن القممرآن؟ فممإني ل‬
‫أحفظ شيئا ً من القرآن فقال النبي صلى الّله عليه وسلم قل سممبحان الل ّممه‬
‫والحمد للممه ول إلممه إل الل ّممه واللممه أكممبر ول حممول ول قمموة إل بممالله العلم ّ‬
‫ي‬
‫العظيم فعدها في يده خمسة فمضى هنيهة‪ ،‬ثم رجع فقال يمما رسممول الل ّممه‬
‫هؤلء لربي فما لي؟ قال قل اللهم اغفر لممي وارحمنممي واهممدني وارزقنممي‬
‫وعافني فعدها بيده الخرى خمسًا‪ ،‬ثم انطلق فقال النبي صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم لقد مل العرابي يديه من الخير إن هو وفى بما قال"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬معنى قوله علمني ممما يجزينممي مممن‬
‫القرآن؟ يعني إذا علم من القرآن ما يقرأ في الصلة فلبد له من ذلك فإن‬
‫لم يعلم أكثر من ذلك واستعمل هذه الكلمات يرجى له أن ينال فضل مممن‬
‫يقرأ القرآن‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الله‪ :‬حدثنا أبو الحسين القاسم بن محمد بن روزبممة‬
‫حدثنا عيسى بن خشنام حدثنا سويد عن مالممك عممن يزيممد بممن حفصممة عممن‬
‫عمرو بن عبد الّله بن كعب عن نممافع عممن ابممن جممبير عممن عثمممان بمن أبممي‬
‫العاص قال "أتاني رسول الّله صمملى الل ّممه عليممه وسمملم وبممي وجممع كمماد أن‬
‫يهلكني‪ ،‬فقال النبي صلى الّله عليه وسلم امسحه بيمينك سبع مرات وقممل‬
‫أعوذ بعزة الّله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر‪ .‬قال فقلت ذلك فأذهب الّله‬
‫ما كان" قال‪ :‬حدثنا محمد بن الفضل حدثنا محمد بن جعفر حممدثنا إبراهيممم‬
‫بن يوسف حدثنا هشام عن ابن جريج عن عطمماء رضممي الل ّممه تعممالى عنهممم‬
‫قال‪ :‬من صلى اثنتي عشرة ركعة ل يتكلمم فيهما ثمم قمرأ فمي آخرهما سمبع‬
‫مرات بفاتحة الكتاب وآية الكرسي سبع مرات‪ ،‬وقال ل إله إل الّله وحده ل‬
‫شريك له الملك وله‬

‫]ص ‪[281‬‬
‫الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مممرات‪ ،‬ثممم سممجد فقممال اللهممم إنممي‬
‫أسألك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك وباسمك العظيم‬
‫وجدك العلى وكلماتك التامة ثم دعا استجيب له‪ ،‬وعن ميمونة بنممت سممعد‬
‫وكانت خادمة لرسول الّله صلى الّله عليه وسمملم قممالت "م مّر النممبي صمملى‬
‫الّله عليه وسلم بسلمان رضي الّله تعالى عنه وهو يممدعو فممي دبممر الصمملة‬
‫فقال يا سلمان ألك حاجة إلى ربك؟ قال نعم يا رسول الّله قال فقدم بين‬
‫يدي دعائك ثناء على ربك وصفه كما وصف نفسه وسبحه تسبيحا ً وتحميممدا ً‬
‫وتهليل‪ ،‬فقال سلمان وكيف أقممدم ثنمماء يمما رسممول اللممه؟ قممال تقممرأ فاتحممة‬
‫الكتاب ثلثا فإنها ثنمماء الل ّممه تعممالى‪ ،‬قممال فكيممف أصممف؟ قممال تقممرأ سممورة‬
‫الصمد ثلثا فإنها صفة الّله وصف بها نفسممه قممال فكيممف أسممبحه قممال قممل‬
‫سبحان الّله والحمد لله ول إله إل الّله والله أكبر ثم تسممال حاجتممك" وعممن‬
‫عبد الّله بن مسعود رضممي الل ّممه تعممالى عنممه قممال‪ :‬مممن قممال أسممتغفر الل ّممه‬
‫العظيم الذي ل إله إل هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلث مممرات دبممر صمملته‬
‫غفر الّله ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمممه اللممه‪ :‬إذا كممان السممتغفار مممع ندامممة القلممب‪ .‬وعممن‬
‫الحسن بن علي رضي الل ّممه تعممالى عنهممما أنممه قممال‪ :‬أنمما ضممامن لمممن قممرأ‬
‫عشرين أية من شر كل شيطان مارد وسلطان ظالم ولص عاد وسبع ضار‬
‫م الّله‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬‫ل يضره وهي آية الكرسي‪ ،‬وثلث آيات من سورة العراف }إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫ن { وعشممر‬ ‫سِني َ‬‫ح ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ال ُ‬ ‫م ْ‬
‫ب ِ‬ ‫ري ٌ‬ ‫ض{ إلى قوله }قَ ِ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬
‫س َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ب{ وثلث آيممات مممن‬ ‫ب َثاقِ ٌ‬
‫شَها ٌ‬ ‫آيات من أول سورة والصافات إلى قوله } ِ‬
‫ن{ وثلث‬ ‫صمَرا ِ‬ ‫س{ إلى قمموله }َفل َتنت َ ِ‬ ‫لن ِ‬ ‫ن َوا ِ‬‫ج ّ‬ ‫معْ َ‬
‫شَر ال ِ‬ ‫سورة الرحمن }َيا َ‬
‫و{ إلى آخر السورة‪.‬‬ ‫ه ِإل هُ َ‬ ‫ذي ل إ ِل َ َ‬ ‫آيات من آخر سورة الحشر }هُوَ الّله ال ّ ِ‬
‫وعن أبي هريرة رضي الّله تعالى عنه "أن رجل ً من بني أسمملم قممال للنممبي‬
‫صلى الّله عليه وسلم ما نمت هذه الليلة‪ ،‬فقال له رسول الل ّممه صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم من أي شيء؟ قال لدغتني عقرب‪ ،‬فقال له النممبي صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم أما أنك لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الل ّممه التامممات كلهمما‬
‫من شّر ما خلق لم يضممرك شمميء إن شمماء الل ّممه تعممالى"‪ .‬وعممن سممعيد بممن‬
‫المسيب عن معاذ بن جبل رضي الّله تعالى عنه "أن النبي صلى الّله عليممه‬
‫وسلم افتقده يوم الجمعة‪ ،‬فلما صلى أتاه معاذ‪ ،‬فقال مالي لم أرك؟ قممال‬
‫ي ديممن فخشمميت إن خرجممت أن‬ ‫يمما رسممول الل ّممه كممان لفلن اليهممودي عل م ّ‬
‫يحبسني عنك‪ ،‬فقال يا معاذ أل أعلمك دعمماء تممدعو بمه لمو كممان عليممك ممن‬
‫داه الّله عنك؟ قممال بلمى‪ :‬قممال فممادع بعممد أن تقمرأ‬ ‫الدين مثل كذا وكذا إل أ ّ‬
‫ب{ يا رحمن الدنيا والخممرة‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬‫ك{ إلى قوله }ب ِغَي ْرِ ِ‬ ‫مل ْ ِ‬ ‫مال ِ َ‬
‫ك ال ُ‬ ‫ل الل ّهُ ّ‬
‫م َ‬ ‫}قُ ْ‬
‫ورحيمهما تعطي منهما من تشاء وتمنع منهما مممن تشمماء فممارحمني رحمممة‬
‫تغنيني بها عن رحمة من سواك" ويقال هذا دعاء لممو دعممى بممه أسممير لفممك‬
‫الّله به أسره‪ .‬وعن أبي أمامة الباهلي رضي الل ّممه تعممالى عنممه عممن رسممول‬
‫الّله صلى الّله عليه وسلم إنه قال "من قال حين يصبح اللهم‬

‫]ص ‪[282‬‬
‫لك الحمد ل إله إل أنت ربي وأنا عبدك آمنت بك مخلصا ً لك ديني أصممبحت‬
‫على عهدك ووعدك ما استطعت وأتوب إليك من سيء عملمي وأسمتغفرك‬
‫لذنوبي إنه ل يغفر الذنوب إل أنت‪ ،‬فإن مات فممي يممومه وجبممت لممه الجنممة‪،‬‬
‫وإن قالهمما حيممن يمسممي فمممات فممي ليلتممه وجبممت لممه الجنممة إل أنممه يقممول‬
‫أمسيت" وعن أبان بن عثمان عن أبيه عممن رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم أنه قال "من أصبح وقال بسم الّله الذي ل يضر مع اسمه شيء في‬
‫الرض ول في السماء وهو السميع العليم ثلث مرات لممم يصممبه بلء حممتى‬
‫يمسي‪ ،‬وإن قالها حين يمسي لممم يصممبه بلء حممتى يصممبح" ويقممال أنممه لممما‬
‫أصاب أبان الفالج نعوذ بالله قالوا له أيممن كنممت مممما تحممدثنا بممه؟ قممال أممما‬
‫والله ما كذبت ولكن الّله لما أراد أن يبتلينممي بالممذي ابتلنممي أنسمماني ذلممك‬
‫الدعاء‪ .‬وعن نافع عممن ابممن عمممر رضممي الل ّممه تعممالى عنهممما قممال "شممهدت‬
‫رسول الّله صلى الّله عليه وسلم وقد أتاه رجل فقال يا رسول الّلممه قلممت‬
‫ذات يممدي؟ قممال فممأين أنممت مممن صمملة الملئكممة وتسممبيح الخلئق وممما بممه‬
‫يرزقون‪ .‬قال ما هو يا رسول الله؟ قال سبحان الّله وبحمده سممبحان الّلممه‬
‫العظيم أستغفر الّله مائة مرة ما بيممن طلمموع الفجممر إلممى أن تصمملي صمملة‬
‫الغداة تأتيك الدنيا صاغرة راغمة" وعن عروة عن عائشة رضي الّله تعممالى‬
‫عنهما قالت "كان النبي صلى الّله عليه وسلم إذا أراد أن ينممام جمممع كفيممه‬
‫ثم نفث فيهم وقرأ قل هو الّله أحد والمعوذتين ثم مسح بهما وجهه ورأسه‬
‫وسائر جسده‪.‬‬
‫وروى إبراهيم بن الحكم عن أبيه عن عكرمة رضي الل ّممه تعممالى عنممه قممال‪:‬‬
‫بينما رجل مسافر إذ مّر برجل نائم فممرأى عنممده شمميطانين يقممول أحممدهما‬
‫لصاحبه اذهب فافسد على هذا قلبه فلما دنا منممه رجممع إلممى صمماحبه وقممال‬
‫لقد نام على آية ما لنا إليه من سبيل‪ ،‬فذهب صاحبه إلممى النممائم فلممما دنمما‬
‫منه رجع إلى صاحبه وقال صدقت فذهب‪ ،‬ثم إن المسممافر أيقظممه وأخممبره‬
‫م‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬
‫بما رأى من الشيطانين ثم قال‪ :‬أخبرني على أي آية نمت؟ قال }إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ش{‬ ‫وى ع َلمى الَعمْر ِ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ست ّةِ أّيام ٍ ث ُ ّ‬
‫ما ْ‬ ‫ض ِفي ِ‬
‫ت َوالْر َ‬
‫ماَوا ِ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬
‫س َ‬ ‫الّله ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫إلى قوله تعالى‪} :‬إن رحمة الّله قريب من المحسنين{ وعممن عمممران بممن‬
‫جرير عن أبي مجلز قال‪ :‬من خاف أميمرا ً ظالمما ً فقممال‪ :‬رضمميت بمالله ربما ً‬
‫بالسلم دينا وبمحمد صلى الّله عليه وسلم نبيا ً والقرآن إماما ً وحكما ً نجمماه‬
‫الّله منه‪ .‬وروى مالك عن يحيى بن سعيد قال "بلغنممي أن خالممد بممن الوليممد‬
‫قال يا رسول الّله إني أروع في منامي؟ فقال لمه رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم‪ :‬قل أعوذ بكلمات الّله التامات من غضبه وعقممابه وشممر عبمماده‬
‫ومن همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون" وعن النبي صلى الل ّممه‬
‫عليه وسلم "أنه أخذ بيد معاذ رضي الّله تعالى عنه وقال أوصيك يا معمماذ ل‬
‫تدعن في دبر كل صلة أن تقول اللهممم أعنممي علممى تلوة ذكممرك وشممكرك‬
‫وحسن عبادتك" وعن حذيفة بن اليمان رضي الل ّممه تعممالى عنممه قممال "كممان‬
‫النبي صلى الّله عليه وسلم إذا استيقظ من منامه قال الحمد لله‬

‫]ص ‪[283‬‬
‫الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه النشور" وعن أبي هريرة رضي الّله تعالى‬
‫عنه عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قال "إذا حلم أحدكم حلممما ً يخممافه‬
‫فليبزق عن شماله ثلث مرات وليستعذ بالله من شره ثلثا ً فإنه ل يضممره"‬
‫وعن أنس بن مالك رضي الّله تعالى عنه أنه قال "جمماء رجممل إلممى رسممول‬
‫ي الل ّممه أيّ الممدعاء أفضممل؟ أن تسممأل‬ ‫الّله صلى الّله عليه وسلم وقال يا نب ّ‬
‫الّله ر بك العفو والعافية في الدنيا والخرة‪ ،‬ثم أتاه في اليوم الثماني فقمال‬
‫يما نممبي الّلمه أي المدعاء أفضمل؟ فقمال أن تسمأل الّلمه العافيمة فمي الممدنيا‬
‫والخرة‪ ،‬ثم أتاه في اليوم الثالث فقال مثل ذلممك فقممال النممبي صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم إذا أعطيت العفو والعافية في الدنيا والخرة فقد أفلحت"‪.‬‬
‫وروى عن ابن مسعود رضي الّله تعالى عنه أنه كان إذا أراد السفر ركب‬
‫دابته ثم يقول سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنمما إلممى ربنمما‬
‫لمنقلبون‪ ،‬اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الهممل‪ ،‬اللهممم اطممو‬
‫ون علينا السفر‪ ،‬اللهم إنا نعوذ بك من وعثمماء السممفر والحممور‬ ‫لنا الرض وه ّ‬
‫بعد الكور وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الهل والمال والولد‪ .‬وعن ابن‬
‫مسعود رضي الّله تعالى عنه أنممه قممال‪ :‬إذا بنيممت بأهلممك فمرهمما أن تصمملي‬
‫ي‬
‫ركعتين ثم خذ برأسها وقل اللهم بممارك لممي فممي أهلممي وبممارك لهلممي فم ّ‬
‫وارزقها مني وارزقني منهما واجمممع بيننمما ممما جمعممت بخيممر وفممرق بيننمما مما‬
‫فرقت بخير‪ .‬وعن جعفر بن محمد رضممي الل ّممه تعممالى عنهممما قممال‪ :‬عجبممت‬
‫م كيممف ل‬ ‫ممن يبتلى بأربع كيف يغفل عممن أربممع‪ :‬عجبممت لمممن يبتلممى بمماله ّ‬
‫يقول ل إله إل أنت سبحانك إني كنت من الظالمين لن الل ّممه تعممالى يقممول‬
‫ن{ وعجبت لمن خاف‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬
‫جي ال ُ‬ ‫ك ن ُن ْ ِ‬‫م وَك َذ َل ِ َ‬ ‫ن الغَ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫جي َْناه ُ ِ‬
‫ه وَن َ ّ‬ ‫جب َْنا ل َ ُ‬ ‫ست َ َ‬‫}َفا ْ‬
‫شيئا ً من السوء كيف ل يقممول حسممبي الل ّممه ونعممم الوكيممل لن الل ّممه تعممالى‬
‫ن‬ ‫وا َ‬
‫ضم َ‬
‫سمموٌء َوات ّب َعُمموا رِ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫س مه ُ ْ‬‫س ْ‬‫م َ‬‫م يَ ْ‬ ‫ل لَ ْ‬ ‫ض ٍ‬ ‫ن الّله وَفَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫مة ٍ ِ‬‫قل َُبوا ب ِن ِعْ َ‬ ‫يقول }َفان ْ َ‬
‫م{ وعجبت لمن يخاف مكر النمماس كيممف ل يقممول‬ ‫ظي ٍ‬ ‫ل عَ ِ‬ ‫ض ٍ‬ ‫ذو فَ ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫الّله َوالل ّ ُ‬
‫وأفوض أمري إلى الّله إن الّله بصير بالعباد لن الّله تعممالى يقممول }فَوَقَمماهُ‬
‫ب{ وعجبت لمن يرغب‬ ‫ذا ِ‬ ‫سوءُ العَ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ل فِْرع َوْ َ‬ ‫حاقَ ِبآ ِ‬ ‫مك َُروا وَ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ت َ‬ ‫سي َّئا ِ‬ ‫الّله َ‬
‫وة إل بالله لن الل ّممه تعممالى يقممول‬ ‫في الجنة كيف ل يقول ما شاء الّله ول ق ّ‬
‫َ‬
‫ك{ وقال قتادة "ذكر لنا أن رجل ً قال‬ ‫جن ّت ِ َ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫خْيرا ً ِ‬
‫ن ي ُؤ ْت ِي َِني َ‬ ‫سى َرّبي أ ْ‬ ‫}فَعَ َ‬
‫على عهد رسول الّله صلى الّله عليه وسمملم اللهممم ممما كنممت تعمماقبني فممي‬
‫الخرة فعجله لي في الدنيا فمرض الرجل فأضممنى حممتى صممار كممأنه هامممة‬
‫فأخبر به رسول الّله صلى الّله عليه وسمملم فأتمماه فرفممع رأسممه وليممس بممه‬
‫حراك فقيل يا رسول الّله إنه كان يدعو بكذا وكذا فقال رسول الل ّممه صمملى‬
‫الّله عليه وسلم يا ابن آدم إنك ل تستطيع أن تقوم بعقوبة الل ّممه ولكممن قممل‬
‫ب الّناِر{ فدعا‬ ‫ذا َ‬ ‫ة وَقَِنا ع َ َ‬‫سن َ ً‬
‫ح َ‬ ‫خَرةِ َ‬ ‫ة وَِفي ال ِ‬ ‫سن َ ً‬
‫ح َ‬ ‫اللهم }َرب َّنا آت َِنا ِفي الد ّن َْيا َ‬
‫بها الرجل فممبرئ" وذكممر أنممه لممما مممات عتبممة للغلم رآه رجممل فممي المنممام‬
‫فسأله ما فعل بك ربك؟ قال غفر لي ربي‬

‫]ص ‪[284‬‬
‫بدعوات كنت أدعو بها وهي مكتوبة علممى الحممائط فممإذا هممو مكتمموب بخممط‬
‫عتبة الغلم رحمه الله‪ :‬اللهم يا هادي المضلين ويا راحم المذنبين ويا مقيل‬
‫عمثرات العمماثرين ارحمم عبممدك ممن ذا الخطممر العظيمم والمسمملمين كلهمم‬
‫أجمعين" واجعلنا من الخيار المرزوقين مع الذين أنعمت عليهم من النبيين‬
‫والصديقين والشهداء والصممالحين وحسممن أولئك رفيق ما ً برحمتممك يمما أرحممم‬
‫الراحمين‪ .‬ويقال من دعا بهذه الخمممس كلمممات دبممر كممل صمملة كتممب مممن‬
‫البدال‪ :‬اللهم أصلح أمة محمد اللهم ارحم أمة محمد اللهم فمّرج عممن أمممة‬
‫محمد اللهم اغفر لمة محمد ولجميع من آمن بك‪ .‬وروى أبان عن أنس بن‬
‫مالك رضي الّله تعالى عنه أن الحجاج بن يوسممف غضممب عليممه وقممال لممول‬
‫كتاب عبد الملك بن مروان لفعلت بممك كممذا وكممذا‪ ،‬فقممال أنممس ل تسممتطيع‬
‫ذلك‪ ،‬قال وما يمنعني من ذلك؟ قال دعوات علمنيها رسول الّله صلى الّله‬
‫عليه وسلم أدعو بها كل صباح ومساء‪ ،‬فقال علمنيها عليه فأبى فألح عليممه‬
‫فأبى‪ .‬قال أبان‪ :‬فسألته عن ذلك حين مرض فقال ثلث مرات‪ :‬بسممم الل ّممه‬
‫على نفسي وديني‪ .‬بسم الّله على أهلي ومالي وولدي‪ ،‬بسم الّله على كل‬
‫ما أعطاني ربي‪ ،‬الّله الله الّله ربي ل أشرك به شيئًا‪ ،‬الّله الله الل ّممه ربممي ل‬
‫ل مما أخاف وأحممذر‪،‬‬ ‫أشرك به شيئًا‪ ،‬الّله أكبر الّله أكبر الّله أكبر وأعّز وأج ّ‬
‫اللهم أني أعوذ بك من شّر نفسي ومن كل شمميطان مريممد ومممن شممر كممل‬
‫ب‬ ‫ه ِإل هُوَ ع َل َي ْمهِ ت َموَك ّل ْ ُ‬
‫ت وَهُ موَ َر ّ‬ ‫سِبي الّله ل إ ِل َ َ‬
‫ح ْ‬ ‫ق ْ‬
‫ل َ‬ ‫ن ت َوَل ّ ْ‬
‫وا فَ ُ‬ ‫جبار عنيد }فَإ ِ ْ‬
‫ل ثناؤك ول إله غيرك‪.‬‬ ‫م{ عّز جارك وج ّ‬ ‫ظي ِ‬ ‫ش العَ ِ‬
‫العَْر ِ‬

‫باب الرفق‬
‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رحمه الله‪ :‬حدثني الخليل بن أحمممد‬
‫حدثنا أبو العباس السراجي حدثنا عبممد الل ّممه بممن سممعيد حممدثنا سممفيان عممن‬
‫الزهري عن عروة عن عائشة رضي الّله تعالى عنهمما قممالت "اسممتأذن نفممر‬
‫من اليهود على النبي صلى الّله عليممه وسمملم فقممالوا السممام عليممك‪ ،‬فقممال‬
‫النبي صلى الّله عليه وسلم وعليكم‪ ،‬فقالت عائشة رضي الّله تعممالى عنهمما‬
‫وعليكم السام واللعنة‪ ،‬فقال النبي صلى الّله عليه وسلم يا عائشة إن الّله‬
‫يحب الرفق فممي المممر كلممه‪ ،‬قممالت ألممم تسمممع ممما قممالوا؟ قممال قممد قلممت‬
‫وعليكم" قال‪ :‬حدثنا أبو القاسم عبد الرحمن بممن محمممد حممدثنا فممارس بممن‬
‫مردويه حدثنا محمد بن الفضل عن محمد بن إسمعيل عن أبي مليكممة عممن‬
‫القاسم عن عائشة رضي الّله تعالى عنها أن النبي صلى الل ّممه عليممه وسمملم‬
‫قال "يا عائشة من أعطى حظه من الرفق فقد أعطى خير الدنيا والخرة‪،‬‬
‫ومن حرم حظه من الرفق فقد حرم حظه من خيممر المدنيا والخمرة" قمال‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن الفضل حدثنا فارس بن مردويممه حممدثنا محمممد بممن الفضممل‬
‫ي بن زيد بن جممدعان‬ ‫عن زيد بن حبان العقيلي عن أشعث البصري عن عل ّ‬
‫عن سعيد بن المسيب رضي الّله تعمالى عنممه عممن النممبي صمملى الل ّممه عليممه‬
‫دد إلممى‬
‫وسلم أنه قال "رأس العقل بعد اليمان بالله مممداراة النمماس والتممو ّ‬
‫الناس"‬

‫]ص ‪[285‬‬
‫وما هلك رجل عن مشورة وما سعد رجل باستغنائه برأيه‪ ،‬وإذا أراد الّله أن‬
‫يهلك عبدا ً كان أّول ما يفسد منه رأيه‪ ،‬وإن أهل المعممروف فممي الممدنيا هممم‬
‫أهل المعروف في الخرة‪ ،‬وإن أهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكممر فممي‬
‫الخرة" وعن أبي هريرة رضي الّله تعالى عنه عن النممبي صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم أنه قال‪" :‬إن الّله تعالى رفيق يحب الرفق يعطي على الرفممق ممما ل‬
‫يعطى على العنف" وعن عائشة رضي الّله تعالى عنها عن النبي صلى الّله‬
‫عليه وسلم أنه قممال‪" :‬إذا أراد الل ّممه تعممالى بأهممل بيممت خيممرا أدخممل عليهممم‬
‫الرفق وإن الرفممق لممو كممان خلقمما لمما رأى النمماس خلقمما أحسممن منممه‪ ،‬وإن‬
‫العنف لو كان خلقا لما رأى الناس خلقا ً أقبح منه" وعن عائشة رضي الّلممه‬
‫تعالى عنها قالت "كنت على بعير فيه صعوبة فجعلت أضمربه‪ ،‬فقمال النمبي‬
‫صلى الّله عليه وسلم يا عائشة عليك بالرفق فممإنه لممم يكممن فممي شمميء إل‬
‫زانه ول انتزع من شيء إل شانه"‪.‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا أبي رحمه الّله تعالى قال‪ :‬حممدثنا أبممو بكممر محمممد بممن أحمممد‬
‫المعلم حدثنا أبو عمران الفارابي حدثنا عبد الرحمن بممن حممبيب حممدثنا داود‬
‫ي بن أبي طممالب رضممي‬ ‫بن المخبر حدثنا عباد بن كثير عن عبد خير عن عل ّ‬
‫ح{ مممرض رسممول‬ ‫صُر الّله َوال َ‬
‫فت ْم ُ‬ ‫جاَء ن َ ْ‬ ‫الّله تعالى عنه قال‪" :‬لما نزلت }إ ِ َ‬
‫ذا َ‬
‫الّله صلى الّله عليه وسلم فما لبث أن خرج إلى الناس يوم الخميممس وقممد‬
‫فر الوجه تممدمع عينمماه‪ ،‬ثممم‬ ‫شد ّ رأسه بعصابة فرقى المنبر وجلس عليه مص ّ‬
‫ّ‬
‫دعا ببلل فأمره أن ينادي في المدينة أن اجتمعوا لوصية رسول الله صمملى‬
‫الل ّممه عليممه وسمملم فإنهمما آخممر وصممية لكممم‪ ،‬فنممادى بلل فمماجتمع صممغيرهم‬
‫وكبيرهم وتركوا أبواب بيوتهم مفتحة وأسواقهم علممى حالهمما حممتى خرجممت‬
‫العذارى من خدورهن ليسمعوا وصية رسول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه وسمملم‬
‫حتى غص المسجد بأهله والنبي صلى الّله عليه وسلم يقول وسعوا وسعوا‬
‫لمن وراءكم‪ ،‬ثم قام النبي صلى الّله عليه وسلم يبكي لله ويسترجع فحمد‬
‫الّله وأثنى عليه وصلى على النبياء وعلى نفسه عليهم الصلة والسلم ثممم‬
‫قال‪ :‬أنا محمد بن عبد الّله بن عبممد المطلممب بممن هاشممم العربممي الحرمممي‬
‫ي بعدي أيهمما النمماس اعلممموا أن نفسممي قممد نعيممت وحممان‬ ‫المكي الذي ل نب ّ‬
‫فراقي من الدنيا واشتقت إلى لقاء ربي فوا حزناه على فممراق أمممتي ممماذا‬
‫يقولون من بعدي اللهم سمملم سمملم‪ ،‬أيهمما النمماس اسمممعوا وصمميتي وعوهمما‬
‫واحفظوها وليبلغ الشاهد منكم الغائب فإنها آخر وصيتي لكممم‪ ،‬أيهمما النمماس‬
‫قد بين الّله لكم في محكم تنزيله ما أحل لكم وما حرم عليكمم وممما تمأتون‬
‫وما تتقون فأحلوا حلله وحرموا حرامه وآمنوا بمتشابهه واعملمموا بمحكمممه‬
‫واعتبروا بأمثاله‪ ،‬ثم رفع رأسه إلى السماء‪ :‬فقال اللهم بلغت فاشهد‪ ،‬أيهمما‬
‫الناس إياكم وهذه الهواء الضالة المضلة البعيدة من الّله تعالى ومن الجنة‬
‫القريبة من النار وعليكم بالجماعة والستقامة فإنها قريبة مممن الل ّممه قريبممة‬
‫من الجنة بعيدة من النار‪ ،‬ثم قال‪ :‬اللهم هل بلغممت‪ ،‬أيهمما النمماس الل ّممه اللممه‬
‫في دينكم وأمانتكم الّله الله فيما ملكت أيمانكم فأطعموهم‬

‫]ص ‪[286‬‬
‫مما تأكلون وألبسوهم مما يلبسون ول تكلفوهم ما ل يطيقون فممإنهم لحممم‬
‫ودم وخلق أمثالكم أل من ظلمهم فأنا خصمه يوم القيامممة واللممه حمماكمهم‪،‬‬
‫ن فيحرمكممم حسممناتكم‬ ‫ن ول تظلموه ّ‬ ‫ن مهوره ّ‬ ‫الّله الله في النساء أوفوا له ّ‬
‫يوم القيامة أل هل بلغت أيها الناس‪ ،‬قوا أنفسكم وأهليكممم نممارا وعلممموهم‬
‫وأدبوهم فإنهم عندكم عوان وأمانة أل هل بلغمت‪ ،‬أيهما النماس أطيعموا ولة‬
‫أموركم ول تعصوهم وإن كان عبدا ً حبشيا مجممدعا فممإنه مممن أطمماعهم فقممد‬
‫أطاعني ومن أطاعني فقممد أطمماع الل ّممه ومممن عصمماهم فقممد عصمماني ومممن‬
‫عصاني فقد عصى الّله أل ل تخرجمموا عليهممم ول تنقضمموا عهممودهم‪ ،‬أل هممل‬
‫بلغت‪ ،‬أيها الناس عليكم بحب أهل بيتي عليكم بحب حملمة القمرآن عليكمم‬
‫بحب علمائكم ل تبغضوهم ول تحسممدوهم ول تطعنمموا فيهممم أل مممن أحبهممم‬
‫فقد أحبني ومن أحبني فقد أحممب الل ّممه ومممن أبغضممهم فقممد أبغضممني ومممن‬
‫أبغضممني فقممد أبغممض اللممه‪ ،‬أل هممل بلغممت‪ ،‬أيهمما النمماس عليكممم بالصمملوات‬
‫دوا زكماة‬‫الخمس باسباغ وضموئها وإتممام ركوعهما وسمجودها أيهما النماس أ ّ‬
‫أموالكم أل من لم يؤد ّ الزكاة فل صلة له أل من ل صلة له فل دين لممه ول‬
‫صوم له ول حج له ول جهاد له‪ ،‬اللهم هل بلغت‪ :‬أيها الناس‪ :‬إن الّله تعممالى‬
‫فرض الحج على من استطاع إليه سبيل‪ ،‬ومن لم يفعل فليمت على أي حد‬
‫شاء يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا إل إن يكون به مرض حابسه أو منممع مممن‬
‫سلطان جائر أل ل نصيب له في شفاعتي ول يممرد حوضممي‪ ،‬أل هممل بلغممت‪،‬‬
‫أيها الناس‪ :‬إن الّله جامعكم يوم القيامة في صعيد واحد فممي مقممام عظيممم‬
‫وهو شديد في يوم ل ينفع مال ول بنون إل من أتممى الل ّممه بقلممب سممليم‪ ،‬أل‬
‫هل بلغت‪ ،‬أيها الناس احفظوا ألسممنتكم وأبكمموا أعينكممم وأخضممعوا قلمموبكم‬
‫واتعبوا أبممدانكم وجاهممدوا أعممدائكم وعمممروا مسمماجدكم وأخلصمموا إيمممانكم‬
‫وانصممحوا إخمموانكم وقممدموا لنفسممكم واحفظمموا فروجكممم وتصممدقوا مممن‬
‫أموالكم ول تحاسدوا فتذهب حسناتكم ول يغتب بعضكم بعضا فتهلكمموا‪ ،‬أل‬
‫هل بلغت أيها الناس اسعوا في فكاك رقابكم واعملوا الخيمر ليموم فقركمم‬
‫وفمماقتكم أيهمما النمماس ل تظلممموا فممإن الل ّممه هممو الطممالب لمممن جممار وعليممه‬
‫حسابكم وإليه إيابكم إنه ل يرضى منكم بالمعصية أيها الناس إنه من عمممل‬
‫منكم صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلم للعبيممد واتقمموا يوممما‬
‫ترجعون فيه إلى الّله ثم توفى كل نفس ما كسمبت وهمم ل يظلممون‪ ،‬أيهما‬
‫الناس إني قادم إلممى ربممي وقممد نعيممت إلممى نفسممي فأسممتودع الل ّممه دينكممم‬
‫وأمانتكم والسلم عليكم معشر أصحابي وعلى جميع أمتي السمملم عليكممم‬
‫ورحمة الّله وبركاته‪ ،‬ثم نزل فدخل المنزل فما خرج بعد صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وعلى آله وأصحابه ومحبيه وأمته وسلم"‪.‬‬

‫]ص ‪[287‬‬
‫باب العمل بالسنة‬
‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رحمه الّله تعالى‪ :‬حدثنا أبو الحسين‬
‫القاسم بن محمد بن روزبة حدثنا عيسى بن خنشام حدثنا سويد عن مالممك‬
‫قال‪ :‬بلغني أن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم قال "تركت فيكممم ثقليممن‬
‫لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الّله وسنتي" قممال‪ :‬حممدثنا محمممد بممن داود‬
‫حدثنا محمد بن جعفر حدثنا إبراهيم بن يوسف عن المسيب عن عوف عن‬
‫الحسن عن رسول الله صلى الّله عليه وسمملم أنممه قممال "عمممل قليممل فممي‬
‫سنة خير من عمل كثير في بدعة وكل بدعة ضللة وكل ضمللة فمي النمار"‬
‫وعن عبد الّله بن مسعود رضممي الل ّممه تعممالى عنممه أنممه قممال‪ :‬القتصمماد فممي‬
‫السنة خير من الجتهاد في البدعة‪ .‬وعن الحسممن رحمممه الل ّممه أنممه قممال‪ :‬ل‬
‫يصلح قول إل بعمل ول يصلح قممول ول عمممل إل بالنيممة ول يصمملح قممول ول‬
‫عمل ول نية إل بالسنة‪ .‬وروى معقل بن يسار رضممي الل ّممه تعممالى عنممه عممن‬
‫رسول الّله صلى الّله عليممه وسمملم أنممه قممال "رجلن ل تنالهممما شممفاعتي"‪.‬‬
‫وفي رواية أخرى‪ :‬صنفان من أمتي ل تنالهما شممفاعتي إمممام ظلمموم وغممال‬
‫في الدين مارق منه" يعني الممذي يغلممو فممي دينممه حممتى يخممرج مممن طريممق‬
‫السنة والجماعة‪.‬‬
‫وعن أبي بن كعب رضي الّله تعالى عنه أنه قال‪ :‬عليكم بالسبيل والسممنة‬
‫فإنه ليس من عبد على السبيل والسنة ذكممر الرحمممن ففاضممت عينمماه مممن‬
‫خشية الّله فتمسه النار أبدا‪ ،‬وليممس مممن عبممد علممى السممبيل والسممنة ذكممر‬
‫الرحمن ففاضت عيناه واقشعّر جلده مخافة الّله تعالى إل كان مثله كمثممل‬
‫ت ورقهمما‪ .‬وإن اقتصممادا فممي السممبيل‬ ‫شجرة يبس ورقها فأصابتها ريح فتحا ّ‬
‫والسنة خير من اجتهاد في خلف السبيل والسنة‪ ،‬فانظروا عملكم ما كممان‬
‫اقتصادا واجتهادا أن يكون على سبيل النبيمماء وسممنتهم‪ .‬وعممن رسممول الل ّممه‬
‫صلى الّله عليه وسلم أنه قال "افترقت بنو إسرائيل علممى إحممدى وسممبعين‬
‫فرقة‪ ،‬وإن هذه المة ستفترق على اثنتين وسبعين فرقممة إحممدى وسممبعون‬
‫في النار وواحدة في الجنة‪ .‬قالوا يا رسول الّله ما هذه الواحدة؟ قال أهممل‬
‫السممنة والجماعممة" وعممن رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه وسمملم أنممه قممال‬
‫"المتمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجر مائة شهيد"‪.‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا أبو القاسم عمرو بن محمد حدثنا أبمو بكمر الواسمطي حمدثنا‬
‫إبراهيم بن يوسف حدثنا خلف بن خليفة عن أبان المكتب عممن ابممن هشممام‬
‫الرماني عمن أخبره عن عبد الّله بن مسعود رضي الل ّممه تعممالى عنممه قممال‪:‬‬
‫كيف بكم إذا اشتملتكم فتنة يهرم فيها الكممبير ويربمموا فيهمما الصممغير يجممري‬
‫عليها الناس يتخذونها سنة إذا غيرت وعمل بغيرهمما‪ ،‬قيممل هممذا منكممر‪ .‬قممال‬
‫قائل فمتى هذا يا عبد الله؟ قال إذا قلت أمناؤكم وكثرت أمراؤكم‪ ،‬وقلممت‬
‫فقهاؤكم وكممثرت قراؤكممم‪ ،‬والتمسممت الممدنيا بعمممل الخممرة وتفقهمموا لغيممر‬
‫الدين‪ ،‬فعند‬

‫]ص ‪[288‬‬
‫ذلك يكون عليكم أمراء إن أطعتموهم أضمملوكم‪ ،‬وإن عصمميتموهم قتلمموكم‪.‬‬
‫قال‪ :‬فما تأمرنا يا عبد الله؟ قممال كممن حلسمما مممن أحلس بيتممك وإل فالنممار‬
‫أولى‪ .‬قال فوضع الرجل يده على خاصرته وقال‪ :‬قتلتني يا ابن أم عبد‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬حممدثنا الفقيممه أبممو جعفممر رحمممه الل ّممه‬
‫حدثنا أبو علي أحمد بن محمد بن هرمممس حمدثنا أبمو محمممد عبممد الل ّممه بمن‬
‫محمد الحافظ بالدينور حدثنا محمد بن إسمعيل بن عبد الملممك حممدثنا أبممي‬
‫عن إسحق بن يحيى بن طلحة عن عمه موسى بن طلحة عن عبد الّله بممن‬
‫عمرو بن العاص رضي الّله عنهم قال "خطبنا رسول الّله صلى الّلممه عليممه‬
‫وسلم فقال‪ :‬أيها الناس أكرموا أصحابي وأحسنوا إليهم وأحبوهم فإن خيممر‬
‫الناس أصحابي الذين بعثت فيهم فآمنوا بالله وصدقوني وآمنوا بما جئت به‬
‫من عند الّله واتبعوه وعملوا به‪ ،‬ثم خيمر النماس ممن بعمدهم القمرن المذين‬
‫يلونهم آمنوا بي واتبعوا أمر الّله ولم يروني‪ ،‬ثم القرن الذين يلممونهم آمنمموا‬
‫بممي‪ ،‬ثممم يجيممء مممن بعممدهم قممرن يضمميعون الصمملوات ويتبعممون الشممهوات‬
‫ويدعون ما أمرتهم بممه ويممأتون ممما نهيتهممم عنممه يقتبسممون الممدين بممأهوائهم‬
‫ويمممراءون النممماس بأعممممالهم‪ ،‬يحلفمممون ول يسمممتحلفون ويشمممهدون ول‬
‫دون المانممة ويتحممدثون فيكممذبون‬ ‫يستشممهدون ويؤتمنممون فيخونممون ول يممؤ ّ‬
‫ويقولممون ممما ل يفعلممون‪ ،‬يرفممع منهممم العلممم والحلممم ويظهممر فيهممم الجهممل‬
‫والفحش‪ ،‬ويرفع منهم الحياء والمانة ويفشو فيهم الكذب والخيانة وعقوق‬
‫الوالدين وقطيعة الرحام وطول المل والبخل والحرص على الدنيا والشممح‬
‫والحسد والبغي وسوء الخلق وسوء الجوار يمرقون من الممدين كممما يمممرق‬
‫السهم من الرمية‪ ،‬ول تقوم الساعة إل على شرار الناس‪ ،‬فممإن سممركم أن‬
‫تسكنوا بحبوحة الجنة ونعيمها فالزموا السنة والجماعممة‪ ،‬وإيمماكم ومحممدثات‬
‫المور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضللة وإن الّله ل يجمع أمممة محمممد‬
‫على الضللة أبدا ً فمن خلع الطاعة وفارق الجماعة وضيع أمممر الل ّممه تعممالى‬
‫وخالف حكم الّله تعالى لقي الّله وهو عليه غضبان وأدخله النار"‪.‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا الحاكم أبو الحسممن حممدثنا أبممو بكممر محمممد بممن يوسممف عممن‬
‫الحسن بن عرفة عن إسمعيل بن عباس عن يحيى بن سعيد النصاري عن‬
‫خالد بن معدان عن العرباض بن سارية السلمي رضي الّله تعالى عنه قال‬
‫"وعظنا رسول الّله صلى الّله عليه وسلم موعظة بليغة ذرفت منها العيون‬
‫ووجلت منهمما القلمموب‪ ،‬فقممال رجممل مممن أصممحابه يمما رسممول الل ّممه إن هممذه‬
‫دع فما تعهد إلينا؟ قال أوصيكم بتقمموى الل ّممه والسمممع والطاعممة‬ ‫موعظة مو ّ‬
‫فإنه من يعش منكم بعدي يرى اختلفا ً كثيرًا‪ ،‬فإياكم ومحدثات المور فإنها‬
‫ضللة فمن أدركه منكم فعليه بسنتي وسممنة الخلفمماء الراشممدين المهممديين‬
‫عضوا ً عليها بالنواجز" وروى أبو سعيد الخدري رضي الل ّممه تعممالى عنممه عممن‬
‫رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنه قممال "مممن أكممل طيب ما ً وعمممل السممنة‬
‫وأمن الناس بوائقه دخل‬

‫]ص ‪[289‬‬
‫الجنة‪ ،‬قيل يا رسول الّله هذا في النمماس كممثير‪ ،‬قممال وسمميكون فممي قممرون‬
‫ل" وعن عبد الّله بن مسعود رضي الّله تعالى عنممه قممال "خممط‬ ‫بعدي ثم يق ّ‬
‫لي رسول الّله صلى الّله عليه وسلم خطا فقال هممذا سممبيل الل ّممه ثممم خممط‬
‫خطوطا عن يمينه وشماله وقال هذه سبل وعلى كل سممبيل منهمما شمميطان‬
‫َ‬
‫ل‬ ‫قيما ً فَممات ّب ُِعوه ُ وََل ت َت ّب ِعُمموا ال ّ‬
‫س مب ُ َ‬ ‫س مت َ ِ‬‫م ْ‬ ‫طي ُ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫ذا ِ‬‫ن هَ َ‬ ‫يدعو إليه‪ ،‬ثم قرأ }وَأ ّ‬
‫ن{" وروى عممن النممبي‬ ‫قممو َ‬ ‫م ب ِهِ ل َعَل ّك ُم ْ‬
‫م ت َت ّ ُ‬ ‫صاك ُ ْ‬ ‫سِبيل ِهِ ذ َل ِك ُ ْ‬
‫م وَ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫فّرقَ ب ِك ُ ْ‬
‫م عَ ْ‬ ‫فَت َ َ‬
‫صلى الّله عليه وسلم أنه قال‪" :‬لكل شيء آفة وإن آفة هذا الدين الهواء"‬
‫وعن الشعبي رحمه الّله أنه قممال‪ :‬إنممما سممميت الهممواء أهممواء لنهمما تهمموى‬
‫بصاحبها في النار‪ .‬وقال مجاهد رحمممه اللممه‪ :‬ممما أدري أيّ النعمممتين أعظممم‬
‫ي من الّله تعالى أن هداني للسلم أو عافاني مممن هممذه الهممواء‪ .‬وروى‬ ‫عل ّ‬
‫أبو ذر رضي الّله تعالى عنه عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنه قممال‬
‫"من خالف الجماعة شبرا ً فقد خلع ربقة السلم مممن عنقممه" وقممال أويممس‬
‫القرني لهرم بن حيان في وصيته‪ :‬إياك أن تفممارق الجماعممة فتفممارق دينممك‬
‫وأنت ل تشعر فتدخل النار يوم القيامة‪ .‬والله الموفق بمنه وكرمه‪.‬‬

‫باب الحزن في أمر الخرة‬


‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رضي الّله تعالى عنه‪ :‬حممدثنا محمممد‬
‫بن الفضل حدثنا محمد بن جعفر حدثنا إبراهيممم بممن يوسممف حممدثنا سممفيان‬
‫عن جعفر بن برقان عن ثممابت بممن الحجمماج قممال‪ :‬قممال عمممر بممن الخطمماب‬
‫رضي الّله تعالى عنه‪ :‬زنوا أنفسكم قبل أن توزنوا‪ ،‬وحاسبوا أنفسكم قبممل‬
‫ن َل‬ ‫ضممو َ‬
‫مئ ِذ ٍ ت ُعَْر ُ‬
‫أن تحاسبوا‪ ،‬وتزينوا للعرض الكبر وذلك يمموم القيامممة }ي َموْ َ‬
‫ة{‪.‬‬‫خافِي َ ٌ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫فى ِ‬‫خ َ‬
‫تَ ْ‬
‫)قال الفقيه(‪:‬حدثنا أبي رحمه الّله تعالى حدثنا محمد بن موسى بن رجاء‬
‫حدثنا سلمة بن شبيب حدثنا هارون بن محمد الدمشقي عن سعيد بن عبممد‬
‫الّله عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخممولني عممن أبممي ذر رضممي الل ّممه‬
‫تعالى عنه عن النبي صلى الّله عليه وسلم فيما روى عن ربه تبارك وتعالى‬
‫أنه قال "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرممما فل‬
‫تظالموا‪ ،‬يا عبادي كلكم ضال إل من هديته فاسممتهدوني أهممدكم‪ ،‬يمما عبممادي‬
‫كلكم جائع إل من أطعمته فاستطعموني أطعمكم‪ .‬يا عبممادي كلكممم عممار إل‬
‫من كسوته فاستكسوني أكسكم‪ ،‬يمما عبممادي إنكممم تخطئون بالليممل والنهممار‬
‫وأنا أغفر الذنوب جميعا ً فاستغفروني أغفممر لكممم‪ ،‬يمما عبممادي لممو أن أّولكممم‬
‫وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل ما زاد ذلك فممي ملكممي‬
‫شيئًا‪ ،‬يا عبادي لو أن أّولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلممب‬
‫رجل واحد منكم ما نقص ذلممك مممن ملكممي شمميئًا‪ ،‬يمما عبممادي لممو أن أولكممم‬
‫وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألني كممل واحممد مسممألته‬
‫فأعطيته ممما نقممص ذلممك مممما عنممدي إل كممما ينقممص البحممر إذا غمممس فيممه‬
‫المخيط‬

‫]ص ‪[290‬‬
‫غمسة واحدة‪ ،‬يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم وأوفيكممم إياهمما يمموم‬
‫ن إل‬ ‫القيامة فمن وجممد خيممرا ً فليحمممد الل ّممه ومممن وجممد غيممر ذلممك فل يلمموم ّ‬
‫نفسه" وروى أبو سعيد الخدري رضي الّله تعالى عنه عن النبي صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم أنه قال‪" :‬عودوا المرضى واتبعوا الجنائز تذكركم الخرة"‪.‬‬
‫وذكر عن بعض الحكماء أنه نظر إلى أناس يترحمون علممى ميممت خلممف‬
‫جنازة فقال لو ترحمون أنفسكم لكان خيرا ً لكم‪ ،‬أما إنه قد مات ونجا مممن‬
‫ثلثة أهوال‪ :‬أحدها رؤية ملك الموت‪ ،‬والثاني مرارة الموت‪ ،‬والثالث خوف‬
‫الخاتمة‪ .‬قال‪ :‬وسمع أبو الدرداء رضممي الل ّممه تعممالى عنممه رجل ً يقممول خلممف‬
‫جنازة من هذا؟ فقال له أبو الدرداء هذا أنممت‪ ،‬فممإن كرهممت فأنمما قممال الل ّممه‬
‫ن{‪ .‬وروى عن الحسن البصري أنممه رأى رجل ً‬ ‫مي ُّتو َ‬
‫م َ‬‫ت وَإ ِن ّهُ ْ‬
‫مي ّ ٌ‬‫ك َ‬‫تعالى }إ ِن ّ َ‬
‫يأكل في المقابر فقال‪ :‬هذا منافق الموت بين عينيه وهو يشممتهي الطعممام‪.‬‬
‫وروى عن الحسن البصري أيضا ً أنمه قمال‪ :‬يما عجبما ً كمل العجمب ممن قموم‬
‫أمروا بالزاد ونودوا بالرحيل وقد جلس أّولهم لخرهم وهم قعود يلعبون‪ ،‬أو‬
‫قال جلس أوائلهم وهم يلعبون‪ .‬وروى أن الحسن البصري ممما رأى ميتمما ً إل‬
‫كأنه رجع من دفن أمه‪ .‬وروى عن إبراهيم التيمي رحمه الّله أنه قممال‪ :‬مممن‬
‫كان آمنا ً ول يكون محزونا ً خائفا ً يخاف أن ل يكون من أهل الجنممة لن أهممل‬
‫ن{‪ .‬وروى عن ابن مسعود رضممي‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬ ‫الجنة }َقاُلوا إ ِّنا ك ُّنا قَب ْ ُ‬
‫قي َ‬
‫ف ِ‬
‫ش ِ‬ ‫ل ِفي أهْل َِنا ُ‬
‫الّله تعالى عنه أنه قممال ينبغممي لحامممل القممرآن أن يعممرف بليلممه إذا النمماس‬
‫نائمون‪ ،‬وبنهاره إذا الناس مفطرون‪ ،‬وبحزنه إذا النمماس يفرحممون‪ ،‬وببكممائه‬
‫ون‪ ،‬وبخشمموعه إذا النمماس‬ ‫إذا الناس يضممحكون‪ ،‬وبصمممته إذا النمماس يتكلم م ْ‬
‫يختالون‪ ،‬وينبغي لحامممل القممرآن أن يكممون محزونما ً حليممما سممكينا ً لين مًا‪ ،‬ول‬
‫ينبغي أن يكون جافيا ول غافل ول صياحا ً ول حديدا‪ ،‬قال شقيق بن إبراهيممم‬
‫م فيممما مضممى‬ ‫رحمه الله‪ :‬ليس للعبد صاحب خيرا ً له من الهم والخوف‪ :‬ه م ّ‬
‫من ذنوبه‪ ،‬وخوف فيما بقى ل يدري ما ينزل به‪ .‬وقممال حكيممم رحمممه اللممه‪:‬‬
‫م‬‫من اهّتم وحزن في غير ثلثة فإنه لم يعرف الحزن ول السرور‪ :‬أحدها همم ّ‬
‫م أمر الل ّممه تعممالى أنممه يتممم أم ل‪،‬‬
‫اليمان أنه يختم عمره به أم ل‪ ،‬والثاني ه ّ‬
‫م الخصماء أنه ينجو منهم أم ل‪.‬‬
‫والثالث ه ّ‬
‫وروى أنس بن مالك رضي الّله تعالى عنه عممن النممبي صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم أنه قال "ما اغرورقت عين بمائها إل حمّرم الل ّممه علمى النمار إحراقهما‬
‫فإن فاضت على وجه صاحبها لم يرهق وجهه قتر ول ذلة‪ ،‬وما من عمل بّر‬
‫إل وله ثواب إل الدمعة فإنها تطفئ بحورا من نممار ولممو أن عبممدا ً بكممى مممن‬
‫خشية الّله تعالى في أمة لرحم الّله تلك المة ببكاء ذلك العبد" وروى عممن‬
‫كعب الحبار رضي الّله تعالى عنه أنه قال‪ :‬لن أبكى من خشية الّله تعمالى‬
‫ي من أن أتصدق بوزن نفسممي ذهبمما‪،‬‬ ‫حتى يسيل الدمع على وجنتي أحب إل ّ‬
‫وما من باك يبكي من خشية الّله تعالى حتى‬

‫]ص ‪[291‬‬
‫تسيل قطرة من دموعه على الرض فتمسه النار حتى يرجع قطر السممماء‬
‫وليس براجع‪ ،‬كما أن القطر إذا نزل من السماء ل يرجع إليها أبممدا ً فكممذلك‬
‫الذي يبكي في الدنيا من خشية الّله تعالى ل تمسممه النممار أبممدا‪ .‬وروى عممن‬
‫عبد الّله بن مسعود رضي الّله تعالى عنه عن النبي صلى الّله عليه وسمملم‬
‫أنه قال "ما مممن عبممد يخممرج مممن عينممه مممن الممدموع مثممل الممذباب أو رأس‬
‫الذباب من خشية الّله تعالى فيصيب حمّر وجهممه فتمسممه النممار أبممدا" وروى‬
‫عن عكرمة عن ابن عباس رضي الّله تعالى عنهما قال‪ :‬ما دمعممت عيمن إل‬
‫بفضل الّله ومما دمعمت عيممن امممرئ حممتى يمسمح الملمك قلبممه‪ .‬وروى عمن‬
‫الحسن البصري رحمه الّله عن النبي صلى الّله عليه وسمملم أنممه قممال "ممما‬
‫ب إلى الّله تعالى من قطرتين قطممرة دمممع فمي سمواد الليمل‬ ‫من قطرة أح ّ‬
‫وقطرة دم في سبيل الله" وروى زياد النميري رحمه الّلمه قمال‪ :‬قمال الل ّممه‬
‫تعالى في بعض الكتب‪ :‬ل يبكي عبد من خشمميتي إل جرتممه مممن نقمت ّممي ول‬
‫يبكي عبد من خشيتي إل أبدلته ضممحكا ً فممي نممور قدسممي يعنممي فممي الجنممة‬
‫وروى عن عمر بن عبد العزيز رضي الّله تعالى عنممه أنممه كممان يصمملي ذات‬
‫َ‬ ‫ليلة فقرأ }إ ِذ ْ ال َ ْ‬
‫م ِفي‬ ‫ميم ِ ث ُ ّ‬
‫ح ِ‬
‫ن‪ِ ،‬في ال َ‬ ‫حُبو َ‬ ‫س َ‬ ‫ل يُ ْ‬ ‫س ُ‬‫سل ِ‬ ‫م َوال ّ‬ ‫ل ِفي أع َْناقِهِ ْ‬ ‫غل ُ‬
‫ن{ وجعل يرددها ويبكي حتى أصبح‪ .‬وروى عممن تميممم الممداري‬ ‫جُرو َ‬ ‫س َ‬ ‫الّنارِ ي ُ ْ‬
‫َ‬
‫ت‬‫سمي َّئا ِ‬ ‫حوا ال ّ‬ ‫جت ََر ُ‬
‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬‫س َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫رضي الّله تعالى عنه أنه قرأ هذه الية }أ ْ‬
‫َ‬
‫ت{ وجعممل يرددهمما إلممى الصممباح‬ ‫حا ِ‬ ‫مل ُمموا ال ّ‬
‫صممال ِ َ‬ ‫مُنوا وَع َ ِ‬‫نآ َ‬
‫ذي َ‬ ‫كال ّ ِ‬‫م َ‬ ‫جعَل َهُ ْ‬‫ن نَ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫ويبكي‪ .‬وروى عن النبي صلى الل ّممه عليممه وسمملم "أنممه قممرأ هممذه اليممة }إ ِ ْ‬
‫ن‬
‫ك وإن تغْفمر ل َهمم فَإنم َ َ‬
‫م{ وجعممل‬ ‫كيم ُ‬‫ح ِ‬
‫زيمُز ال َ‬ ‫ت العَ ِ‬ ‫ك أن ْم َ‬ ‫عب َمماد ُ َ َ ِ ْ َ ِ ْ ُ ْ ِ ّ‬ ‫م ِ‬ ‫م فَمإ ِن ّهُ ْ‬ ‫ت ُعَذ ّب ْهُ ْ‬
‫يرددها إلى الصباح ويبكي" وروى في الخبر أن داود عليه الصمملة والسمملم‬
‫ما شرب شرابا ً بعد الذنب إل ونصفه ممزوج بدموع عينيه‪ ،‬وروى عممن بهممز‬
‫قَر فِممي الن ّمماُقوِر{‬ ‫بن حكيم قال‪ :‬صلى بنا زراراة بن أبي أوفى فقرأ }فَإ ِ َ‬
‫ذا ن ُ ِ‬
‫فحملناه ميتا والله الموفق‪.‬‬

‫باب ما قيل كيف يصبح الرجل‬


‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رحمه الّله حدثنا محمد بممن الفضممل‬
‫حدثنا محمد بن جعفر حدثنا إبراهيم بن يوسف حدثنا أبو معاويممة عممن ليممث‬
‫عن مجاهد قال‪ :‬قال لي عبد الل ّممه بممن عمممر رضممي الل ّممه تعممالى عنهممما‪ :‬يمما‬
‫مجاهممد إذا أصممبحت فل تحممدث نفسممك بالمسمماء وإذا أمسمميت فل تحممدث‬
‫نفسك بالصباح‪ ،‬وخذ من حياتك قبل مماتك ومن صحتك قبل سقمك فإنممك‬
‫ل تدري ما اسمك غدا‪ ،‬وقممال بعممض الحكممماء‪ :‬إذا أصممبح الرجممل ينبغممي أن‬
‫ينوي أربعة أشياء‪ :‬أّولها أداء ما فرض الّله عليممه‪ ،‬والثمماني اجتنمماب ممما نهممى‬
‫الّله عنه‪ ،‬والثالث إنصاف من كان بينهم وبينممه معاملممة‪ ،‬والرابممع إصمملح ممما‬
‫بينممه وبيممن خصمممائه‪ ،‬فممإذا أصممبح علممى هممذه النيممات أرجممو أن يكممون مممن‬
‫الصالحين المفلحيممن‪ ،‬وقيممل لبعممض الحكممماء‪ :‬بممأيّ نيممة يقمموم الرجممل عممن‬
‫فراشه؟ قال ل يسأل عن القيام حتى ينظر كيف ينام ثم يسأل عن‬

‫]ص ‪[292‬‬
‫القيام فمن لم يعرف كيف ينام ل يعرف كيف يقوم‪ ،‬ثم قال ل ينبغي للعبممد‬
‫أن ينام ما لم يصلح أربعة أشممياء‪ :‬أّولهمما أن ل ينممام ولممه علممى وجممه الرض‬
‫خصم حتى يأتيه فيتحلل منه لنه ربما يأتيه ملك الموت فيقدمه على ربه ل‬
‫حجة له عنده‪ .‬والثاني ل ينبغي أن ينام وقد بقي عليممه فممرض مممن فممرائض‬
‫الّله تعالى‪ .‬والثالث ل ينبغي أن ينام ما لم يتب من ذنوبه التي سلفت منممه‬
‫لنه ربما يموت من ليلته وهو مصر على الذنوب‪ .‬والرابع ل ينبغممي أن ينممام‬
‫حتى يكتب وصية صحيحة لنه ربما يموت من ليلته من غيممر وصممية‪ .‬ويقممال‬
‫الناس يصبحون على ثلثة أصمناف‪ :‬صمنف فمي طلمب الممال‪ ،‬وصمنف فمي‬
‫طلب الثم‪ ،‬وصنف في طلب الطريق‪ .‬فأممما مممن أصممبح فممي طلممب المممال‬
‫فإنه ل يأكل فوق ما رزقه الّله تعالى وإن كثر المال‪ ،‬ومن أصبح في طلممب‬
‫الثم لحقه الهوان‪ ،‬ومن أصبح في طلب الطريممق آتمماه الل ّممه تعممالى الممرزق‬
‫ف‪.‬‬ ‫والطريق‪ .‬وقال بعض الحكماء‪ :‬من أصبح لزمممه أمممران‪ :‬المممن‪ ،‬والخممو ِ‬
‫فأما المن فهو أن يكون آمنا ً بما تكفل الّله له من أمر رزقه‪ ،‬وأما الخمموف‬
‫فهو أن يكون خائفا ً فيما أمر به حممتى يتمممه‪ ،‬فممإذا فعممل هممذين أكرمممه الل ّممه‬
‫بشيئين‪ :‬أحدهما القناعة بما يعطيه‪ ،‬والثاني حلوة الطاعة‪.‬‬
‫وروى سفيان الثوري عن أبيه عن سعيد بن مسروق رحمهم الّله تعممالى‬
‫قال‪ :‬كان الربيع بن خيثم إذا قيممل لممه كيممف أصممبحت قممال أصممبحنا ضممعفاء‬
‫مذنبين نأكل أرزاقنمما وننتظممر آجالنما‪ .‬وعمن مالمك بمن دينممار قيممل لمه كيممف‬
‫أصبحت؟ قال كيف يصبح من كان منقلبممه مممن دار إلممى دار ول يممدري إلممى‬
‫الجنة يصير أم إلى النار‪ .‬وذكر أن عيسى بن مريم عليهما السلم قيممل لممه‬
‫كيف أصبحت يا روح الله؟ قال أصبحت ل أملك ما أرجممو ول أسممتطيع دفممع‬
‫ما أخاف‪ ،‬وأصبحت مرتهنا ً بعملي والخير كله في يد غيممري ول فقيممر أفقممر‬
‫مني‪ .‬وقيل لعامر بن قيس كيف أصبحت؟ قال أصبحت وقد أوقرت نفسي‬
‫من ذنوبي وأقرني الّله تعالى من نعمائه فل أدري أعبممادتي تكممون تمحيصما ً‬
‫لذنوبي أو شكرا ً لنعمة الله‪ .‬وذكر عن محمممد بممن سمميرين أنممه قممال لرجممل‬
‫كيف حالك؟ فقال‪ :‬كيف حال من عليه خمسمممائة درهممم دين ما ً وهممو معيممل‪،‬‬
‫فدخل ابن سيرين منزله وأخرج ألف درهممم فممدفعها إليممه وقممال خمسمممائة‬
‫إقض بها دينك وخمسمائة درهم أنفقها على عيالك‪ ،‬وكان ابممن سمميرين لممم‬
‫يكن يسأل أحدا ً بعد ذلك كيف حالك مخافة أن يخبر عن حاله فيصير قيامه‬
‫بأمره واجبا ً عليه‪ .‬وذكر عن إبراهيم بن أدهم قممال مممن أصممبح لزمممه شممكر‬
‫ور قلممبي بنممور الهممدى‬ ‫أربعة أشياء‪ :‬أولها أن يشكر فيقول الحمد لله الذي ن ّ‬
‫ل‪ .‬والثاني أن يقول الحمد للممه الممذي‬ ‫وجعلني من المؤمنين ولم يجعلني ضا ً‬
‫جعلني من أمة محمد صلى الّله عليه وسلم‪ .‬والثالث أن يقممول الحمممد للممه‬
‫ي‬
‫الذي لم يجعل رزقي بيد غيره‪ .‬والرابع أن يقول الحمد لله الذي ستر علم ّ‬
‫عيوبي‪ .‬وعن شقيق بممن إبراهيممم قممال‪ :‬لممو أن رجل ً عمماش مممائتي سممنة ول‬
‫يعرف هذه الربعة أشياء فليس شيء أحق به من النار‪ :‬أحدها معرفة الّلممه‬
‫تعالى‪ .‬والثاني معرفة‬

‫]ص ‪[293‬‬
‫عمل الّله تعالى‪ .‬والثالث معرفمة نفسمه‪ .‬والرابمع معرفمة عمدوّ الّلمه وعمدّو‬
‫نفسه‪ .‬فأما معرفة الّله تعالى فأن يعرفه في السّر والعلنية لنه ل معطممي‬
‫ول مانع غيره‪ ،‬وأما معرفة عمل الّله تعممالى فممأن يعممرف أن الل ّممه تعممالى ل‬
‫يقبل من العمل إل ما كان خالصا ً لوجه الّله تعالى‪ ،‬وأما معرفة نفسه فممإن‬
‫يعرف ضعفه وأن ل يستطيع أن يرد ّ شيئا ً مما يقضى الّله تعالى عليه يعنممي‬
‫يرضى بما قسم الّله له‪ ،‬وأما معرفممة عممدوّ الل ّممه وعممدوّ نفسممه فممإن يعرفممه‬
‫بالشّر فيجازيه بالمعرفة حتى يكسره‪.‬‬
‫ويقال ما من يوم أصبح فيه ابن آدم إل فممرض الّلمه عليممه عشممر أشممياء‪:‬‬
‫ن‬ ‫حي م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫م مد ِ َرب ّم َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ح بِ َ‬ ‫س مب ّ ْ‬ ‫أّولها أن يذكر الّله تعالى عند قيامه لقوله تعالى }وَ َ‬
‫َ‬
‫حوهُ‬ ‫سمب ّ ُ‬ ‫مُنوا اذ ْك ُُروا الل ّممه ذ ِك ْممرا ً ك َِثيممرًا‪ ،‬وَ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م{ وقوله تعالى }َيا أي َّها ال ّ ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫تَ ُ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ذوا ِزين َت َك ُم ْ‬ ‫خم ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ل{ والثاني ستر العورة لقوله تعالى }ي َمما ب َن ِممي آد َ َ‬ ‫صي ً‬ ‫ب ُك َْرة ً وَأ ِ‬
‫د{ اليممة‪ ،‬وأدنممى الزينممة ممما يممواري العممورة‪ .‬والثممالث إتمممام‬ ‫ج ٍ‬‫سم ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عن ْد َ ك ُ ّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ة{‬ ‫صممل ِ‬ ‫م إ ِلى ال ّ‬ ‫مت ُ ْ‬ ‫ذا قُ ْ‬ ‫مُنوا إ ِ َ‬‫نآ َ‬‫ذي َ‬‫الوضوء في أوقاتها لقوله تعالى }َيا أي َّها ال ِ‬
‫ت ع ََلممى‬ ‫صلة َ َ‬
‫كان َ ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫الية‪ .‬والرابع إتمام الصلة في أوقاتها لقوله تعالى }إ ِ ّ‬
‫موُْقوت مًا{ يعنممي فرض ما ً مفروض ما ً مؤقت ما ً معلوم مًا‪ ،‬والخممامس‬ ‫ن ك َِتابا ً َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ُ‬
‫َ‬
‫ض ِإل‬ ‫داب ّةٍ ِفممي الْر ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫المن بوعد الّله في شأن الرزق لقوله تعالى }وَ َ‬
‫ن‬ ‫حم ُ‬ ‫ع ََلى الّله رِْزقَُها{ والسادس القناعة بقسم الّله تعالى لقمموله تعممالى }ن َ ْ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا{‪ .‬والسابع التوكل على الّله لقمموله‬ ‫م ِفي ال َ‬ ‫مِعي َ‬
‫شت َهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫مَنا ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫قَ َ‬
‫م‬ ‫كنت ُم ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ت‪ ،‬وَع َل َممى الل ّمهِ فَت َوَك ّل ُمموا إ ِ ْ‬ ‫مممو ُ‬ ‫ذي ل ي َ ُ‬ ‫ي ال ّم ِ‬‫حم ّ‬ ‫ل ع َل َممى ال َ‬ ‫تعالى }وَت َوَك ّ ْ‬
‫صممب ِْر‬ ‫ن{ والثامن الصبر على أمر الّله تعالى وقضائه لقوله تعالى }َفا ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫ها{ والتاسممع‬ ‫صممو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ة الل ّمهِ ل ت ُ ْ‬ ‫مم َ‬‫دوا ن ِعْ َ‬‫ن ت َعُ م ّ‬‫ك{ ولقمموله تعممالى }وَإ ِ ْ‬ ‫حك ْم ِ َرب ّ َ‬ ‫لِ ُ‬
‫م‬ ‫ن ك ُن ْت ُم ْ‬ ‫ة الل ّممه إ ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫شك ُُروا ن ِعْ َ‬ ‫الشكر على نعمة الّله تعالى لقوله عز وجل }َوا ْ‬
‫ن{ وأول النعمممة هممي صممحة الجسممم وأعظممم النعمممة هممي ديممن‬ ‫دو َ‬ ‫إ ِّياه ُ ت َعْب ُم ُ‬
‫ة‬‫مم َ‬ ‫دوا ن ِعْ َ‬ ‫ن ت َعُم ّ‬ ‫السلم‪ ،‬ونعمه كثيرة قال الّله تعالى في محكممم تنزيلممه }وَإ ِ ْ‬
‫ممما‬ ‫ت َ‬ ‫ن ط َي ّب َمما ِ‬ ‫مم ْ‬ ‫ها{ والعاشر الكل الحلل لقوله تعالى }ك ُُلوا ِ‬ ‫صو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫الّله ل ت ُ ْ‬
‫م{ يعني حل ً‬
‫ل‪.‬‬ ‫َرَزقَْناك ُ ْ‬

‫باب التفكر‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله حدثنا الخليل بن أحمممد حممدثنا العبمماس السممراج‬
‫حدثنا أبو رجاء قتيبة بن سممعد البغلنممي حممدثنا بممن أبممى زرارة الحلممبي عممن‬
‫عطاء بن رباح قال‪ :‬دخلت مع ابن عمر وعبيد بن عمير على عائشة رضممي‬
‫الّله تعالى عنها فسلمنا عليها فقالت من هؤلء؟ فقلنمما عبممد الل ّممه بممن عمممر‬
‫وعبيد بن عمير فقالت مرحبا ً بك يا عبيد بن عميممر ممما لممك ل تزورنمما فقممال‬
‫عبيد زرغبا ً تزدد حبًا‪ ،‬فقال ابن عمر دعونا من هذا حدثينا بأعجب ممما رأيممت‬
‫من رسول الّله صلى الّله عليه وسلم؟ فقمالت كمل أممره عجيمب غيمر أنمه‬
‫أتاني في ليلتي فدخل معي في فراشي حتى ألصق جلده‬

‫]ص ‪[294‬‬
‫بجلدي فقال يا عائشة أتأذنين لي أن أتعبممد ربممي؟ قلممت واللممه إنممي لحممب‬
‫قربك ولحب هواك فقام إلى قربة فتوضأ منهمما ثممم قممام فبكممى وهممو قممائم‬
‫حتى بلغت الدموع حجره‪ ،‬ثم اتكممأ علممى شممقه اليمممن ووضممع يممده اليمنممى‬
‫تحت خده اليمن فبكى حتى رأيت الدموع بلغت الرض‪ ،‬ثممم أتمماه بلل بعممد‬
‫ما أذن الفجر فلما رآه يبكي قال لم تبكي يا رسول الّله وقد غفر الل ّممه لممك‬
‫ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال يا بلل أفل أكممون عبممدا ً شممكورا ومممالي ل‬
‫ض{ إلممى قمموله‬ ‫َ‬ ‫ن ِفي َ ْ‬
‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫سم َ‬‫ق ال ّ‬ ‫خل ِ‬ ‫ي الليلة }إ ِ ّ‬ ‫أبكي وقد نزلت عل ّ‬
‫ب الّناِر{ ثم قال‪ :‬ويل لمن قرأهمما ولممم يتفكممر فيهمما" وروى فممي‬ ‫ذا َ‬ ‫}فَ ِ‬
‫قَنا ع َ َ‬
‫بعض الخبار أن من نظر في النجوم وتفكر فممي عجائبهمما وفممي قممدرة الل ّممه‬
‫ب الن ّمماِر{ كتممب لمه‬ ‫ذا َ‬ ‫ك فَ ِ‬
‫قَنا ع َ َ‬ ‫حان َ َ‬
‫سب ْ َ‬‫ذا َباط ِل ً ُ‬‫ت هَ َ‬ ‫خل َ ْ‬
‫ق َ‬ ‫ما َ‬‫تعالى ويقرأ }َرب َّنا َ‬
‫بعدد كل نجم في السماء حسنة‪ .‬وروى عن عامر بن قيس أنممه قممال‪ :‬أكممثر‬
‫الناس فرحا ً في الخرة أطولها حزنا ً في الممدنيا‪ ،‬وأكممثر النمماس ضممحكا ً فممي‬
‫الخرة أكثرهم بكاء في الدنيا‪ ،‬وأخلص النمماس إيمانما ً يمموم القيامممة أكممثرهم‬
‫تفكرا ً في الدنيا‪.‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا الحاكم أبمو الحسمن حمدثنا إسمحاق بمن أحممد النسمفي عمن‬
‫الحسين المروزي عن ابن المبارك عن محمد بن شعيب عن النعمممان عممن‬
‫مكحول عن أبي الدرداء رضي الّله تعممالى عنممه أنممه قممال‪ :‬روى هممذا الخممبر‬
‫أيضا ً مرفوعا ً عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم أنه قال "إن من الناس‬
‫ناسا ً مفاتيح للخير مغاليق للشّر ولهم بذلك أجر‪ ،‬ومن الناس ناسا ً مفاتيح ما ً‬
‫للشر مغاليق للخير وعليهم بذلك إصر يعنممي إثممم كممبير طمموبى لمممن جعممل‬
‫مفتاحا ً للخير مغلقا ً للشر‪ ،‬وتفكممر سمماعة لممي خيممر مممن قيممام ليلممة" وروى‬
‫العمش عن عمرو بن مرة "أن النممبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم م مّر بقمموم‬
‫يتفكرون فقال لهممم‪ :‬تفكممروا فممي الخلممق ول تفكممروا فممي الخممالق"‪ .‬وروى‬
‫هشام ابن عروة عن أبيه عن رسول الّله صلى الّله عليممه وسمملم أنممه قممال‬
‫"إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول من خلق السموات؟ فيقول الل ّممه تعممالى‪،‬‬
‫فيقول من خلق الرض؟ فيقول الّله تعممالى‪ ،‬فيقممول مممن خلممق اللممه؟ فممإذا‬
‫أحس أحدكم من ذلك شيئا ً فليقل آمنت بالله وبرسوله" وروى عن رسممول‬
‫الّله صلى الّله عليه وسلم أنه قال "تفكر ساعة أفضل من عبادة سنة"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضمي الّلمه تعمالى عنمه‪ :‬إذا أراد النسمان أن ينمال أفضمل‬
‫التفكر فليتفكر في خمسة أشياء‪ :‬أّولها في اليات والعلمات‪ ،‬والثمماني فممي‬
‫اللء والنعممماء‪ ،‬والثممالث فممي ثمموابه‪ ،‬والرابممع فممي عقممابه‪ ،‬والخممامس فممي‬
‫إحسانه إليه وجفائه له‪ ،‬فأما التفكر في اليات والعلمات فأن ينظممر قممدرة‬
‫الّله تعالى فيما خلق الّله تعممالى مممن السممموات والرض وطلمموع الشمممس‬
‫من مشرقّها وغروبها في مغربها واختلف الليل والنهممار وفممي خلممق نفسممه‬
‫م أ ََفل‬
‫س مك ُ ْ‬ ‫ن‪ ،‬وَفِممي َأن ُ‬
‫ف ِ‬ ‫ت ل ِل ْ ُ‬
‫ممموقِِني َ‬ ‫ض آي َمما ٌ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫كما قممال اللممه تعممالى‪} :‬وَفِممي الْر ِ‬
‫ن{‪ ،‬فإذا تفكر العبد في اليممات والعلمممات يزيممد بممه يقينما ً ومعرفممة‪،‬‬ ‫صُرو َ‬
‫ت ُب ْ ِ‬
‫وأما التفكر في اللء والنعماء فأن ينظر إلى نعم الّله تعالى‪ .‬وسئل‬

‫]ص ‪[295‬‬
‫بعض الحكماء عن الفرق بين اللء والنعماء فقال كل ممما ظهممر مممن النعممم‬
‫وة اليممدين‬‫فهو اللء وممما بطممن فهممو النعممماء‪ ،‬ومثممل ذلممك اليممدان آلؤه وقم ّ‬
‫نعماؤه والموجه آلؤه وحسمن الموجه والجممال نعمماؤه والفمم آلؤه وطعمم‬
‫الطعام نعماؤه والرجلن آلؤه والمشي نعماؤه‪ ،‬فإذا كان للعبد رجلن ولممم‬
‫وة المشي فقد أعطي اللء ولم يعط النعماء والعممروق والعظممام‬ ‫يكن له ق ّ‬
‫آلؤه وصحتها وسكونها نعماؤه‪ .‬وقال بعضهم اللء إيصال النعمممة والنعممماء‬
‫دفع البلية‪ ،‬وقال بعضهم على ضد ّ هممذا‪ ،‬ويقممال اللء والنعممماء واحممد‪ ،‬قممال‬
‫ها{ فإذا تفكر النسممان فممي اللء‬ ‫صو َ‬ ‫ة الّله ل ت ُ ْ‬
‫ح ُ‬ ‫م َ‬
‫دوا ن ِعْ َ‬ ‫الّله تعالى }وَإ ِ ْ‬
‫ن ت َعُ ّ‬
‫والنعماء يزيد في المحبة‪ ،‬وأما التفكر في ثوابه فهو أن يتفكر في ثواب مما‬
‫أعد ّ الّله لوليائه في الجنة من الكرامات فإن التفكر في ثوابه يزيمده رغبمة‬
‫وة في طاعة ربه‪ ،‬وأما التفكر في عقابه فهو أن‬ ‫فيها واجتهادا في طلبها وق ّ‬
‫يتفكر فيما أعد ّ الّله لعدائه في النممار مممن الهمموان والعقوبممة والنكممال فممإن‬
‫التفكر في ذلك يزيده رهبة ويكون له قوة على المتناع من المعاصي‪ ،‬وأما‬
‫التفكر في إحسانه إليه فهو أن يتفكر في إحسان الّله تعالى وهمو مما سمتر‬
‫عليه من ذنوبه ولم يعاقبه بها ودعاه إلممى التوبممة وينظممر فممي جفمماء نفسممه‬
‫كيممف تممرك أوامممره وارتكممب معاصمميه فممإن التفكممر فممي ذلممك يزيممد الحيمماء‬
‫والخجل‪ ،‬فإذا تفكر في هذه الخمسة أشياء فهو من الذين قال فيهم النممبي‬
‫صلى الّله عليه وسلم "تفكر ساعة خير مممن عبممادة سممنة" ول يتفكممر فيممما‬
‫سوى ذلك فإن التفكر فيما سوى ذلمك وسوسمة‪ .‬وقمال بعمض الحكمماء‪ :‬ل‬
‫تتفكر في ثلثة أشياء‪ :‬ل تتفكر في الفقممر فيكممثر همممك وغمممك ويزيممد فممي‬
‫حرصك‪ ،‬ول تتفكر في ظلم من ظلمك فيغلظ قلبممك ويكممثر حقممدك ويممدوم‬
‫غيظك‪ ،‬ول تتفكر في طول البقاء فممي الممدنيا فتحممب الجمممع وتضمميع العمممر‬
‫وتسوف في العمل‪ .‬ويقال أصل الورع أن يتعاهد المرء قلبه لكي ل يتفكممر‬
‫فيما ل يعنيه‪ ،‬فكلما ذهب قلبه إلى ما ل يعنيممه عممالجه حممتى يممرده إلممى ممما‬
‫يعنيه وهو أشد الجهاد وأفضله وأشغله لصاحبه‪ ،‬فمن لم يفعل ذلك في غير‬
‫الصلة يوشك أن ل يملممك ذلممك فممي الصمملة‪ .‬وقممال بعممض الحكممماء‪ :‬تمممام‬
‫العبادة في صدق النيممة‪ ،‬وتمممام صمملح العمممل فممي التواضممع‪ ،‬وتمممام هممذين‬
‫م والحممزن فممي أمممر الخممرة‪ ،‬وتمممام‬ ‫بالزهد في الدنيا‪ ،‬وتمام هذه كلها بماله ّ‬
‫م والحزن ملزمة ذكر الموت بقلبك وكممثرة التفكممر فممي ذنوبممك ويقممال‪:‬‬ ‫اله ّ‬
‫أخلق البممدال عشممرة أشممياء‪ :‬سمملمة الصممدر‪ ،‬وسممخاوة المممال‪ ،‬وصممدق‬
‫اللسان‪ ،‬وتواضع النفس‪ ،‬والصبر في الشدة‪ ،‬والبكاء في الخلوة‪ ،‬والنصيحة‬
‫للخلق‪ ،‬والرحمة للمؤمنين‪ ،‬والتفكر في الفناء‪ ،‬والعبرة من الشممياء‪ .‬وقممال‬
‫مكحول الشامي رحمه الله‪ :‬من أوى إلى فراشه ينبغي أن يتفكر فيما صنع‬
‫في يومه ذلك فإن كان عمل فيممه خيممرا يحمممد الل ّممه تعممالى علممى ذلممك وإن‬
‫عمل ذنبا استغفر الّله منه ورجممع عممن قريممب‪ ،‬فممإن لممم يفعممل كممان كمثممل‬
‫التاجر الذي ينفق ول يحسب حتى يفلس ول يشعر‪ .‬وقممال بعممض الحكممماء‪:‬‬
‫الحكمة تهيج من أربعة‬

‫]ص ‪[296‬‬
‫أشياء‪ .‬أولها‪ :‬بدن فارغ من أشغال الممدنيا‪ ،‬والثمماني بطممن خممال مممن طعممام‬
‫الدنيا‪ ،‬والثالث يد خالية من عروض الدنيا‪ ،‬والرابممع فممي التفكممر فممي عاقبممة‬
‫الدنيا‪ :‬يعني يتفكر في عاقبممة أمممره فممإنه ل يممدري كيممف تكممون عمماقبته ول‬
‫يدري أن أعماله تتقبل منه أم ل فإن الّله ل يتقبل من العمال إل الطيب‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬سمعت جماعة مممن العلممماء رفعمموا‬
‫الحديث إلى خالد بن معممدان قممال "قلممت لمعمماذ بممن جبممل حممدثني بحممديث‬
‫سمعته عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم ثم حفظته وذكرتممه كممل يمموم‬
‫من وقت ما حدثك به‪ ،‬فبكى معاذ رضي الّله تعالى عنممه حممتى قلممت إنممه ل‬
‫يسكت‪ ،‬ثم سكت ثم قال‪ :‬فداك أبممي وأمممي يمما رسممول اللممه‪ ،‬حممدثني وأنمما‬
‫رديفه فرفع بصره إلى السماء فقال الحمد لله الذي يقضي في خلقممه بممما‬
‫أحب‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا معاذ قلت لبيك يا رسول الّله إمام الخيممر ونممبي الرحمممة‪،‬‬
‫فقال أحدثك حديثا ً ما حدث به نبي أمته إن حفظته نفعك وإن سمعته ولممم‬
‫تحفظه انقطعت حجتك عند الّله يوم القيامة ثم قال‪ :‬إن الل ّممه تعممالى خلممق‬
‫سبعة أملك قبل أن يخلق السموات والرض لكل سماء ملك وجعممل لكممل‬
‫باب منها بوابا ً منهم فتكتب الحفظة عمل العبد من حين يصبح حتى يمسي‬
‫ثم يرفع وله نور كنور الشمس حممتى إذا بلممغ سممماء الممدنيا فيزكيممه ويكممثره‬
‫فيقول الملك قف واضرب بهذا العمل وجه صاحبه وقل له ل غفر الّله لممك‬
‫أنا صاحب الغيبممة وهممو يغتمماب المسمملمين ول أدع عملممه أن يجمماوزني إلممى‬
‫غيري قال‪ :‬وتصعد الحفظة بعمل العبد وله نور وضوء حتى ينتهممي بممه إلممى‬
‫السماء الثانية فيقول الملك قف واضرب بهذا العمل وجه صاحبه وقممل لممه‬
‫ل غفر الّله لك إنه أراد بهذا العمل غرض الدنيا وأنا صمماحب عمممل الممدنيا ل‬
‫أدع عمله أن يجاوزني إلى غيري‪ .‬قال‪ :‬وتصعد الحفظة بعمل العبد مبتهج ما ً‬
‫به بصدقة وصلة كثيرة فتعجممب الحفظممة فيتجمماوزون إلممى السممماء الثالثممة‬
‫فيقول الملك قف واضرب بهذا العمل وجه صاحبه وقل له ل غفر الّله لممك‬
‫أنا صاحب الكبر إنه من عمل وتكبر على الناس في مجلسهم فقممد أمرنممي‬
‫ربي أن ل أدع عمله يجاوزني إلى غيري‪ .‬قال‪ :‬وتصعد الحفظة بعمل العبممد‬
‫وهو يزهو كما تزهو النجوم بتسبيح وصمموم فتم مّر بممه إلممى السممماء الرابعممة‬
‫فيقول له الملك قف واضرب بهذا العمل وجه صاحبه وقل له ل غفممر الّلممه‬
‫لك أنا ملك صاحب العجب بنفسه إنه ممن عمممل عمل ً وأدخممل فيممه العجممب‬
‫فقد أمرني ربي أن ل أدع عمله يجاوزني إلى غيري فيضرب بالعمل وجهممه‬
‫فيلعنه ثلثة أيام‪ .‬قال‪ :‬وتصعد الحفظة بعمل العبد مممع الملئكممة كممالعروس‬
‫المرفوقة إلى زوجها فتمّر به إلى ملك السماء الخامسممة بالجهمماد والصمملة‬
‫بين الصلتين فيقول الملك قف واضرب بهذا العمممل وجممه صمماحبه واحملممه‬
‫على عاتقه إنه كان يحسد من يتعلم ويعمل لله فهو يحسممدهم ويقممع فيهممم‬
‫فيحمله على عاتقه وتلعنممه حفظتممه ممما دام هممو فممي الحيمماة‪ .‬قممال‪ :‬وتصممعد‬
‫الحفظة بعمل العبد بوضوء تام وقيام‬

‫]ص ‪[297‬‬
‫ليل وصلة كثيرة فيمر إلى السماء السادسة فيقممول الملممك قممف واضممرب‬
‫بهذا العمل وجه صاحبه أنا ملك صاحب الرحمة إن صاحبك لم يرحمم شميئا ً‬
‫فإذا أصاب عبد من عباد الّله ذنبا ً أو ضرا ً شمت به وقممد أمرنممي ربممي أن ل‬
‫يجاوزني عمله إلى غيري‪ .‬قال‪ :‬وتصعد الحفظة بعمل العبد بصدق واجتهمماد‬
‫وورع له ضوء كضوء الممبرق فتم مّر بممه إلممى ملممك السممماء السممابعة فيقممول‬
‫الملك قف واضرب بهذا العمممل وجممه صمماحبه واقفممل عليممه قلبممه أنمما ملممك‬
‫الحجاب أحجب كل عمل ليس لله تعالى وأنممه أراد بممه الرفعممة وذكممرا فممي‬
‫المجالس وصيتا ً في المدائن وقد أمرني ربي أن ل أدع عمله يجاوزني إلممى‬
‫غيري‪ .‬قال‪ :‬وتصعد الحفظة بعمل العبد مبتهجا به من خلق حسن وصمممت‬
‫وذكممر كممثير‪ ،‬وتشممبعه ملئكممة السممموات حممتى ينتهمموا إلممى تحممت العممرش‬
‫فيشهدون له فيقول الّله تعالى‪ :‬أنتم الحفظة على عمل عبدي وأنا الرقيب‬
‫على ما في نفسه إنه لم يرد بهذا العمل وجهي وأراد غيممري فعليممه لعنممتي‪،‬‬
‫فتقول الملئكة كلهم عليه لعنتك ولعنتنا‪ ،‬وتقول أهل السماء عليه لعنة الّله‬
‫ولعنة سبع سموات وأرضين ولعنتنا‪ ،‬ثم بكى معمماذ رضممي الل ّممه تعممالى عنممه‬
‫وقال‪ :‬قلت يا رسول الّله ما أعمل؟ قال‪ ،‬اقتد بنبيك يا معاذ وعليك باليقين‬
‫وإن كان في عملك تقصير‪ ،‬واقطع لسانك عن إخوانك‪ ،‬ولتكن ذنوبك عليك‬
‫ول تحملها على إخوانك ول تزك نفسممك بتممذميم إخوانممك‪ ،‬ول ترفممع نفسممك‬
‫بوضع إخوانك‪ ،‬ول تراء بعملك الناس" والله الموفق‪.‬‬

‫باب علمة الساعة‬


‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬حدثنا محمد بن الفضل حدثنا أبو القاسم‬
‫عمر بن محمد حدثنا أبو بكممر الواسممطي حممدثنا إبراهيممم بممن يوسممف حممدثنا‬
‫محمد بن الفضل الضبي عن عبد الّله بن الوليد عن مكحول عن حذيفة بن‬
‫اليمان رضي الّله تعالى عنه قال "جمماء رجممل إلممى النممبي صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم فقال يا رسول الّله متى الساعة؟ قال ما المسئول عنها بممأعلم مممن‬
‫السائل ولكن لها أشراط تقارب السواق‪ :‬يعني كسادها‪ ،‬ومطممر ول نبممات‪،‬‬
‫وتفشوا العينممة‪ :‬يعنمي أكمل الربما‪ ،‬وتظهممر أولد البغيمة‪ :‬يعنممي أولد الزنمى‪،‬‬
‫ويعظممم رب المممال‪ ،‬وتعلممو أصمموات الفسممقة فممي المسمماجد‪ ،‬ويظهممر أهممل‬
‫المنكر على أهل الحق‪ .‬قال‪ :‬وكيف تأمرني يا رسول الله؟ قال صلى الّلممه‬
‫عليه وسلم "فّر بدينك أو كن حلسا ً من أحلس بيتك" قال‪ :‬حدثنا عمممر بممن‬
‫محمد حدثنا أبو بكر الواسطي حدثنا إبراهيم حدثنا عيسى بممن أبممي عيسممى‬
‫الصفهاني رفعه "قيل يا رسول الّله متى الساعة؟ قال ما المسممئول عنهمما‬
‫بأعلم مممن السممائل ولكممن أشممراط السمماعة عشممرة‪ :‬يقممرب فيهمما الماحممل‪،‬‬
‫ويظهر فيها الفمماجر‪ ،‬ويعجممز فيهمما المنصممف‪ ،‬وتكممون الصمملة من مًا‪ ،‬والزكمماة‬
‫مغرمًا‪ ،‬والمانة مْغما‪ ،‬واستطالة القراء‪ ،‬فعند ذلممك تكممون إمممارة الصممبيان‪،‬‬
‫وسلطان‬

‫]ص ‪[298‬‬
‫النساء‪ ،‬ومشورة الماء" قال حدثنا محمد بن الفضل حدثنا أبممو بكممر حممدثنا‬
‫إبراهيم حدثنا جعفر بن عوف عن أبمي حيممان الممتيمي عممن أبمي زرعممة عممن‬
‫عمرو قال "جلس إلى مروان ثلثة نفر بالمدينة فسمعوه يحدث عن اليات‬
‫أن أولها خروج الدجال‪ ،‬فقام النفر من عند مروان فجلسوا إلممى عبممد الل ّممه‬
‫بن عمر فحدثوه بما قال مروان فقال عبد الله‪ :‬سمعت رسول اللممه صمملى‬
‫الّله عليه وسلم يقول‪ :‬إن أول اليات طلوع الشمس من مغربهمما أو الدابممة‬
‫إحداهما قريبة على أثر الخرى‪ ،‬ثم أنشأ يحدث قال‪ :‬وذلك أن الشمس إذا‬
‫غربت أتت تحت العرش فسجدت فاستأذنت في الرجوع فيؤذن لهمما‪ ،‬حممتى‬
‫إذا أراد الّله أن تطلع من مغربها أتت تحت العرش فاستأذنت فممي الرجمموع‬
‫فل يؤذن لها بشيء‪ ،‬ثم تعود وتستأذن فل يؤذن لها بشيء حممتى إذا علمممت‬
‫أنه لو أذن لها لم تدرك المشرق قالت‪ :‬رب ما أبعدني عن الناس‪ ،‬حتى إذا‬
‫كان الليل كالطوق أتت فاستأذنت قيل لها اطلعي من مكانك ثم قممرأ عبممد‬
‫ْ‬
‫ل‬‫ن قَْبمم ُ‬
‫م ْ‬
‫ت ِ‬‫من َ ْ‬
‫نآ َ‬ ‫مان َُها ل َ ْ‬
‫م ت َك ُ ْ‬ ‫فسا ً ِإي َ‬ ‫فعُ ن َ ْ‬‫ك ل َين َ‬ ‫ت َرب ّ َ‬ ‫ض آَيا ِ‬
‫م ي َأِتي ب َعْ ُ‬ ‫الّله }ي َوْ َ‬
‫خْيرا ً قُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن{"‪.‬‬ ‫منت َظ ُِرو َ‬ ‫ل انت َظ ُِروا إ ِّنا ُ‬ ‫مان َِها َ‬
‫ت ِفي ِإي َ‬ ‫سب َ ْ‬‫أوْ ك َ َ‬
‫وعن عبيد بن عمير أن النبي صلى الّله عليه وسلم قال "ليصحبن الدجال‬
‫أقوام يقولون إنا لنعلم أنه كاذب ولكنا نصحبه لنأكممل مممن الطعممام ونرعممى‬
‫من الشجر فإذا نزل غضب الّله نزل عليهم كلهم" وعن الحسن عن سمرة‬
‫بن جندب أن النبي صلى الّله عليه وسلم قال "إن الدجال خارج وهو أعممور‬
‫العين اليمنى‪ ،‬وأنه يبرئ الكمه والبرص ويحيي الموتى‪ ،‬فيقول للنمماس ممما‬
‫ربكم؟ فمن قال أنت ربي فقد فتن ومن قال ربي الل ّممه حممتى يممموت علممى‬
‫ذلك فقد عصم من فتنته فيلبث في الرض ما شاء الّله أن يلبث‪ ،‬ثم يجيء‬
‫عيسى بن مريم عليه السلم من قبل المغرب مصممدقا ً بمحمممد صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم فيقتل الدجال‪ ،‬ثم قال إنما هي قيام الساعة" وروى عن قتممادة‬
‫عن العلء بن زياد العدوي عن عبممد بمن عمممر قمال‪ :‬ل تقموم السماعة حممتى‬
‫يجتمع أهل البيت على الناء الواحد وهم يعلمممون كممافرهم ومممؤمنهم‪ ،‬قيممل‬
‫وكيف ذلك؟ قال تخرج الدابة وهي ودابة الرض فتمسح كممل إنسممان علممى‬
‫مسجده فأما المؤمن فتكون نكتة بيضاء فتفشو في وجهه حممتى يممبيض لهمما‬
‫وجهه‪ ،‬وأما الكافر فتكون نقطة سوداء فتفشو في وجهممه حممتى يسممود لهمما‬
‫وجهه‪ ،‬حتى يتبايعوا في أسواقهم فيقولون كيف تبيع هممذا يمما مممؤمن وكيممف‬
‫تأخذ هذا يا كافر فما يرد بعضهم على بعض‪ .‬وعن ابممن عبمماس رضممي الل ّممه‬
‫تعالى عنهما أنه قال‪ :‬إن الدابة ذات زغب وريش لها أربع قوائم تخرج مممن‬
‫بعض أودية تهامة وعن ابن عمر رضممي الل ّممه تعممالى عنهممما فممي قممول الل ّممه‬
‫ة م من ال َرض تك َل ّمه م َ‬ ‫م أَ ْ‬
‫ن‬
‫مأ ّ‬ ‫ْ ِ ُ ُ ُ ْ‬ ‫داب ّم ً ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫جن َمما ل َهُم ْ‬
‫خَر ْ‬ ‫ل ع َل َي ْهِ م ْ‬ ‫ذا وَقَعَ ال َ‬
‫ق مو ْ ُ‬ ‫تعالى }وَإ ِ َ‬
‫ن{ قال‪ :‬الذين ل يممأمرون بممالمعروف ول ينهممون‬ ‫كاُنوا ِبآَيات َِنا ل ُيوقُِنو َ‬ ‫س َ‬ ‫الّنا َ‬
‫عن المنكر‪ :‬وروى أبو هريرة رضي الّله تعالى عنممه عممن النممبي صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم أنه قال "ل تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها‪ ،‬فإذا‬

‫]ص ‪[299‬‬
‫طلعت الشمس من مغربها آمن الناس كلهم ويومئذ ل ينفممع نفممس إيمانهمما‬
‫لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانهمما خيممرًا" وعممن ابممن أبممي أوفممى‬
‫رضي الّله تعالى عنه عن النبي صلى الل ّممه عليممه وسمملم أنممه قممال "سممتأتي‬
‫عليكم ليلة مثل ثلث ليال من لياليكم هذه‪ ،‬فإذا كممانت تلممك الليلممة عرفهمما‬
‫المتهجدون فيقوم للرجل فيقرأ ورده ثم ينام ثم يقوم فيقرأ ورده ثم يقوم‬
‫فيقرأ ورده‪ ،‬فبينما هم كذلك إذ ماج الناس بعضهم في بعممض فيقولممون ممما‬
‫هذا؟ فيفز عون إلى المساجد فإذا هممم بالشمممس قممد طلعممت مممن مغربهمما‬
‫فتجيء حتى إذا توسطت السماء رجعت فطلعت من مشرقها فذلك قمموله‬
‫ت َرب ّ َ‬
‫ك{ الية‪.‬‬ ‫ْ‬
‫ض آَيا ِ‬
‫م ي َأِتي ب َعْ ُ‬
‫تعالى }ي َوْ َ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‬
‫"النبياء أخوة العلت أمهاتهم شتى ودينهم واحممد وأنمما أولهممم بعيسممى ابممن‬
‫مريم إنه لم يكن بيني وبينه نبي وإنه خليفتي في أمممتي وإنممه نممازل فيقتممل‬
‫الخنزير ويكسر الصليب ويضع الجزية وتضممع الحممرب أوزارهمما فيمل الرض‬
‫قسطا ً وعدل ً كما ملئت جورا ً وظلمًا‪ ،‬حتى يرعى السد مع البل والنمر مع‬
‫البقر والذئب مع الغنم وحتى يلعب الصبيان بالحيممات" وعممن عبممد الل ّممه بممن‬
‫عمر رضي الّله تعالى عنهما أنه قال‪" :‬ينزل عيسى ابن مريم عليه السمملم‬
‫فإذا رآه الدجال ذاب كما يذوب الشحم فيقتل الدجال وتتفرق عنممه اليهممود‬
‫فيقتلون حتى إن الحجر ليقول يا عبد الّله المسلم هذا يهودي تمموارى تعممال‬
‫فاقتله"‪ .‬وعن أبي هريرة رضي الّله تعالى عنه عن النبي صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم أنه قال "إن يأجوج ومأجوج يحفرون الردم كممل يمموم حممتى إذا كممادوا‬
‫أن يروا شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعمموا فسممتحفرونه غممدا ً فيعيممده‬
‫الّله كما كممان‪ ،‬حممتى إذا بلغممت مممدتهم حفممروا حممتى إذا كممادوا يممروا شممعاع‬
‫الشمس قال الذي عليهم ارجعوا فستحفرونه غممدا ً إن شمماء الل ّممه فيعممودون‬
‫إليه وهو كهيئتمه المتي تركوهمما بمالمس فيخرجممون علممى النمماس فينشممفون‬
‫المياه‪ ،‬ويتحصن الناس في حصممونهم منهممم فيبعممث الل ّممه عليهممم نغفما ً فممي‬
‫أعناقهم فيهلكهم الّله بها"‪ .‬وعن أبمي سمعيد رضمي الّلمه تعمالى عنمه قمال‪:‬‬
‫"ليحجن البيت وليغرسن الشجر بعد يأجوج ومممأجوج"‪ .‬وعممن عبممد الل ّممه بمن‬
‫سلم رضي الّله تعالى عنه قال‪ :‬ممما مممات الرجممل مممن يممأجوج ومممأجوج إل‬
‫ترك له ألف ذرية فصاعدا مممن صمملبه‪ .‬وعممن الحسممن البصممري رحمممه الل ّممه‬
‫تعالى أنه قال‪ :‬بلغنى أن النبي صلى الّله عليممه وسمملم قممال "إن بيممن يممدي‬
‫الساعة فتنا ً كقطع الليل المظلم يموت فيها قلب الرجل كممما يممموت بممدنه‬
‫ويصبح الرجل فيها مؤمنا ً ويمسي كافرا ً ويمسي مؤمنا ً ويصممبح كممافرا ً يممبيع‬
‫فيها أقوام دينهم بعرض من الدنيا قليل" وروى العلء عن أبي هريرة رضي‬
‫الّله تعالى عنه عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنه قممال "بممادروا بالعمممال‬
‫الصممالحة قبممل أن تظهممر سممت‪ :‬طلمموع الشمممس مممن مغربهمما‪ ،‬والممدجال‪،‬‬
‫والدخان‪ ،‬والدابة‪ :‬وخاصة أحدكم‪ :‬يعني الممموت‪ ،‬وأمممر العامممة‪ :‬يعنممي يمموم‬
‫القيامة"‪.‬‬

‫]ص ‪[300‬‬
‫وعن عبد الّله بن سمماباط أن النممبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم قممال "إنممه‬
‫سيكون فيكم الخسف والمسخ والقذف قالوا يا رسول الّله وهم يشممهدون‬
‫أن ل إله إل الله؟ قال نعم إذا ظهممرت فيهممم الربممع‪ :‬القينممات‪ ،‬والمعممازف‪،‬‬
‫ي بمن كعمب رضممي الل ّممه تعمالى عنممه فممي قمموله‬ ‫والخمور‪ ،‬والحرير" وعن أب ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫حم ِ‬‫ن تَ ْ‬
‫مم ْ‬ ‫ن َفموْقِك ُ ْ‬
‫م أوْ ِ‬ ‫م ْ‬‫ذابا ً ِ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ث ع َل َي ْك ُ ْ‬ ‫ن ي َب ْعَ َ‬ ‫قاد ُِر ع ََلى أ ْ‬ ‫ل هُوَ ال َ‬ ‫تعالى }قُ ْ‬
‫ْ‬ ‫أ َرجل ِك ُ َ‬
‫ض{ قمال همي خلل أربمع‬ ‫س ب َْعم ٍ‬ ‫م َبمأ َ‬ ‫ضك ُ ْ‬
‫ذيقَ ب َعْ َ‬ ‫شَيعا ً وَي ُ ِ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫م أوْ ي َل ْب ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ُ‬
‫وهن واقعات ل محالة‪ ،‬فمضت ثنتان بعد وفاة رسول الّله صلى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم بخمس وعشرين سنة فألبسوا شمميعا ً يعنممي الهممواء المختلفممة وذاق‬
‫بعضهم بأس بعض‪ ،‬وثنتان واقعتان ل محالة الخسف والرجف"‪ .‬وروى "أنه‬
‫لما نزلت هذه الية دعا النممبي صمملى الل ّممه عليممه وسمملم فعفممى عممن اثنممتين‬
‫الخسف والمسخ‪ ،‬وبقي اثنان وهما الهواء والبممأس"‪ .‬وروى العمممش عممن‬
‫أبي الضحى عن مسروق قال‪ :‬بينما رجل يحدث في المسجد قال‪ :‬إذا كان‬
‫يوم القيامة نزل دخان من السماء فأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم وأخذ‬
‫المؤمنين منممه كهيئة الزكممام‪ .‬قممال مسممروق‪ :‬فممدخلت علممى عبممد الل ّممه بممن‬
‫مسعود رضي الّله تعالى عنه فذكرت ذلك له وكممان متكئا ً فاسممتوى قاعممدا ً‬
‫ثم قال‪ :‬أيها الناس من كان منكم عنده علم فسمئل عنمه فليقلمه ومممن لمم‬
‫يكن عنده فليقل الّله أعلم‪ ،‬إن الّله تعالى قال لنبيه صلى الّله عليه وسمملم‬
‫ن{ وذلك أن قريشا ً لممما‬ ‫َ‬ ‫ل ما أ َسأ َل ُك ُم ع َل َيه م َ‬
‫مت َك َل ّ ِ‬
‫في َ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ما أَنا ِ‬ ‫جرٍ وَ َ‬ ‫نأ ْ‬‫ْ ِ ِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫}قُ ْ َ‬
‫كذبوا رسول الّله صلى الّله عليه وسلم قممال‪" :‬اللهممم اشممدد وطأتممك علممى‬
‫مضر‪ ،‬اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف‪ ،‬اللهم سنين كسممني يوسممف‪،‬‬
‫فأخذتهم السنة فأكلوا فيها العظام والمنية مممن الجهممد حممتى جعممل أحممدهم‬
‫يرى ما بينمه وبيمن السمماء كهيئة المدخان ممن الجموع‪ ،‬فمذلك قموله تعمالى‬
‫ْ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫خا ٍ‬ ‫ماُء ب ِد ُ َ‬ ‫س َ‬‫م ت َأِتي ال ّ‬ ‫ب ي َوْ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫}َفاْرت َ ِ‬
‫قال‪ :‬حدثني أبي رحمه الّله حدثنا أبو عبد الرحمن عن أبي الليث حممدثنا‬
‫أبو بكر بن يحيى عن حفص عن عبد الرحمن بن إبراهيم الراسي عن مالك‬
‫عن نافع عن ابن عمر رضي الّله تعالى عنهما قال‪ :‬كتب عمممر رضممي الل ّممه‬
‫تعالى عنه إلى سعد بن أبي وقاص وهو بالقادسية أن وجه نضلة بن معاوية‬
‫إلى حلوان‪ ،‬فوجه سعد نضلة في ثلثمائة فارس فخرجوا حتى أتمموا حلمموان‬
‫فأغمماروا علممى نواحيهمما وأصممابوا غنيمممة وسممببًا‪ ،‬فرجعمموا فجعلمموا يسممرقون‬
‫العنيمة والسبي حتى نزلوا إلى سطح جبممل‪ ،‬ثممم قممام نضمملة فممأذن للصمملة‬
‫وقال‪ :‬الّله أكبر الّله أكبر‪ ،‬فإذا مجيب من الجبل يجيبه كبرت كبيرا ً يا نضلة‪،‬‬
‫ثم قال‪ :‬أشهد أن ل إله إل الله‪ ،‬قال‪ :‬هي كلمة الخلص يا نضلة‪ ،‬ثم قممال‪:‬‬
‫أشهد أن محمدا ً رسول الله‪ ،‬قال‪ :‬هو الذي بشرنا به عيسى عليه السمملم‪،‬‬
‫ي على الصلة‪ ،‬قال‪ :‬طوبى لمن مشى إليها وواظب عليهمما‪ ،‬ثممم‬ ‫ثم قال‪ :‬ح ّ‬
‫ي على الفلح‪ ،‬قال‪ :‬أفلح من أجاب محمدا ً صلى الّله عليممه وسمملم‪،‬‬ ‫قال‪ :‬ح ّ‬
‫ثم قال‪ :‬الّله أكبر الّله أكبر ل إله إل اللممه‪ ،‬قممال‪ :‬أخلصممت إخلصما ً يمما نضمملة‬
‫فحّرم الّله بها جسدك على النار‪ ،‬فلما فرغ من آذانه قال‪ :‬من أنت رحمممك‬
‫الّله أملك أنت أما ساكن من‬

‫]ص ‪[301‬‬
‫الجن أم طائف من عباد الّله أسمعتنا صوتك فأرنا صممورتك فممإن وفممد الل ّممه‬
‫عز وجل ووفد رسول الّله صلى الّله عليه وسلم ووفممد عمممر بممن الخطمماب‬
‫رضي الّله تعالى عنه‪ ،‬فإذا شيخ له هامة كالرحا أبيض الرأس واللحية عليممه‬
‫طمران من صوف فقال‪ :‬السلم عليكم ورحمة الّله وبركاته فقلنمما وعليممك‬
‫السلم والرحمة‪ ،‬من أنت رحمك الله؟ قال‪ :‬أنا زرنب بن يرعل وصى العبد‬
‫الصالح عيسى ابن مريم عليه الصلة والسلم‪ ،‬اسممكنني هممذا الجبممل ودعمما‬
‫لي بطول البقاء إلى وقت نزوله من السممماء‪ ،‬فأممما إذا فمماتني لقمماء محمممد‬
‫صلى الّله عليه وسلم فأقر توا ً عمر مني السلم وقولموا لمه يما عممر سمدد‬
‫وقارب فقد دنا المر‪ ،‬وأخبروه بهذه الخصال التي أخممبركم بهمما إذا ظهممرت‬
‫في أمة محمد صلى الّله عليه وسلم فالهرب الهممرب‪ :‬إذا اسممتغنى الرجممال‬
‫بالرجال والنساء بالنساء وانتسبوا إلى غيممر مناسممبهم‪ ،‬ولممم يرحممم كممبيرهم‬
‫صغيرهم ولم يوقر صغيرهم كبيرهم‪ ،‬وتركوا المر بالمعروف فلم يأمروا به‬
‫وتركوا النهي عن المنكر فلم ينهوا عنه‪ ،‬ويتعلممم عممالمهم العلممم ليجلممب بمه‬
‫الدنانير‪ ،‬والدراهم‪ ،‬وكان المطر قيظمًا‪ :‬يعنممي أيممام الصمميف‪ ،‬والولممد غيظمًا‪:‬‬
‫يعني يغيظ والديه‪ ،‬ويفيض اللثام فيضا ً ويغيض الكرام غيضًا‪ :‬يعنممي يقلممون‪،‬‬
‫وشيدوا البناء واتبعوا الهوى وباعوا الدين بالدنيا واستخفوا بالدماء وقطعمموا‬
‫الرحام وبماعوا الحكمم‪ ،‬وطولموا المنممارات وفضضموا المصماحف وزخرفمموا‬
‫المساجد‪ ،‬وأظهروا الرشا وأكلوا الربا وصممار الغنممى عزيممزا ً وركممب النسمماء‬
‫السروج ثم غاب عنا‪ .‬وذكر أن سعدا ً خرج بعد ذلممك فممي أربعممة آلف رجممل‬
‫فنزل هناك أربعين يوما ً يؤذن لكل صلة فلم يسمممع جواب ما ً ول كلم ما ً واللممه‬
‫الموفق‪.‬‬

‫باب أحاديث أبي ذر الغفاري رضي الّله تعالى عنه‬


‫)قال الفقيه( أبو جعفر رحمه الّله تعالى‪ :‬حدثنا أبو بكر أحمد بممن محمممد‬
‫بن سهل القاضي حدثنا إبراهيم بن الحسن البصري عن أبيه عن شعبة عن‬
‫سعيد بن الحجاج عن أبي إسحاق الهمداني عن الحممارث العممور أن أبمما ذر‬
‫رضي الّله تعالى عنه قال "دخلت المسجد فإذا رسول الّله صلى الّله عليه‬
‫وسلم جالس وحده‪ ،‬فقلت ما جلس رسول الّله صلى الّله عليممه وسمملم إل‬
‫لوحي أو لحاجة‪ ،‬فقال‪ :‬إدن مني يا جندب‪ ،‬فدنوت منه واسممتغنمت خلمموتي‬
‫من رسول الّله صلى الّله عليه وسلم فقلت يا رسول الّله أمرتنمما بالوضمموء‬
‫فما الوضوء؟ قال‪ :‬يا أبا ذر ل صلة إل بالوضوء وإن الوضوء يكفر ممما قبلممه‬
‫من الذنوب‪ ،‬فقلت يا نبي الّله أمرتنا بالصلة فما الصلة؟ قال‪ :‬الصلة خير‬
‫موضوع فمن شاء فليقلممل ومممن شمماء فليكممثر‪ ،‬فقلممت يمما نممبي الل ّممه أمرتنمما‬
‫بالزكاة فما الزكاة؟ فقال‪ :‬يا أبا ذر ل إيمان لمن ل أمانة له ول صمملة لمممن‬
‫ل زكاة له‪ ،‬وإن الّله تعمالى افممترض علممى الغنيماء زكماة أمموالهم بقممدر مما‬
‫يستغني فقراؤهم‪ ،‬وإن الّله تعالى سائل الغنياء عن الزكاة‬
‫]ص ‪[302‬‬
‫ومعذبهم عليها يا أبا ذر ما انتقص مال من زكمماة ول ضمماع مممال فممي ب مّر أو‬
‫بحر إل بمنع الزكاة‪ ،‬يا أبا ذر ل يعطي زكاة ماله طيبة بهما نفسممه إل مممؤمن‬
‫ول يمنع الزكاة إل مشرك‪ ،‬فقلت يا نبي الّله أمرتنمما بالصمموم فممما الصمموم؟‬
‫قال‪ :‬الصوم جنممة وعنممد الل ّممه جممزاء‪ ،‬وللصممائم فرحتممان فرحممة حيممن يفطممر‬
‫وفرحة حيممن يلقممى ربممه‪ ،‬وخلمموف فممم الصممائم عنممد الل ّممه أطيممب مممن ريممح‬
‫المسك‪ ،‬ويوضع للناس يوم القيامة مائدة فأّول من يأكممل منهما الصمائمون‪،‬‬
‫فقلت يا نبي الّله أمرتنا بالصبر فما الصممبر؟ فقممال‪ :‬إن مثممل الصممبر كمثممل‬
‫رجل معه صّرة من مسك وهو في عصبة من الناس كلهم يعجبممه أن يوجممد‬
‫ريحها منه‪ ،‬فقلت يا نبي الّله أمرتنا بالصدقة فما الصدقة؟ قال‪ :‬بخ بخ يا أبا‬
‫ذر الصدقة في السر تطفئ غضب الرب‪ ،‬والصدقة في العلنية تذهب مممن‬
‫صاحبها سبعمائة شر‪ ،‬والصدقة تطفئ الخطيئة وتطفئ غضب النار وغضب‬
‫الممرب‪ ،‬والصممدقة شمميء عجيممب والصممدقة شمميء عجيممب والصممدقة شمميء‬
‫عجيب‪ ،‬فقلت يا نبي الّله أمرتنمما بالرقمماب فممأيّ الرقمماب أفضممل أن يعتممق؟‬
‫ي الّله فأي الهجرة أفضل قال‪ :‬أن تهجممر‬ ‫قال‪ :‬أغلها ثمنًا‪ ،‬قال‪ :‬فقلت يا نب ّ‬
‫السوء‪ ،‬فقلت يا نبي الّله فأي الناس أسمملم؟ قممال‪ :‬مممن سمملم النمماس مممن‬
‫لسانه ويده‪ ،‬فقلت يا نممبي الل ّممه فممأيّ النمماس أعجممز؟ قممال‪ :‬مممن عجممز عممن‬
‫الدعاء‪ ،‬فقلت يا نبي الّله فأيّ الناس أبخل؟ قال‪ :‬من بخل بالسلم‪ ،‬فقلممت‬
‫ي الّله فأيّ المجاهدين أفضمل؟ قمال‪ :‬ممن عقمر جمواده وأهريمق دممه‪،‬‬ ‫يا نب ّ‬
‫ي الّله أخبرني عن صحف إبراهيم عليه السلم وعن الكتب متى‬ ‫فقلت يا نب ّ‬
‫أنزلت؟ قال‪ :‬أنزلت صممحف إبراهيممم أّول ليلممة مضممت مممن شممهر رمضممان‪،‬‬
‫وأنزل النجيل في اثني عشر من رمضان‪ ،‬وأنزل الزبور فممي ثمممان عشممرة‬
‫مضين من رمضان‪ ،‬وأنزلت التوراة في ثمان مضممين مممن رمضممان‪ ،‬وأنممزل‬
‫ي الّله كممم كممان‬‫الفرقان في أربع وعشرين مضين من رمضان‪ ،‬فقلت يا نب ّ‬
‫النبياء وكممم كممان المرسمملون؟ قممال‪ :‬كممان النبيمماء مممائة ألممف نممبي وأربعممة‬
‫وعشرين ألف نبي‪ ،‬وكان المرسلون ثلثمائة وثلثة عشرة رجل ً وقممد يكممون‬
‫نبينا ول يكون مرسل ً وقد يكون نبيا ً مرس ً‬
‫ل"‪.‬‬
‫قال‪ :‬وحدثنا عبد الوهاب بن محمد بإسناده عن أبي ذر نحممو هممذا وزاد فيممه‬
‫"فقلت يا نبي الّله فأيّ وقت الليل أفضل؟ قال جمموف الليممل الغممابر‪ ،‬قممال‪:‬‬
‫قلت فأيّ الصلة أفضمل؟ قمال‪ :‬طممول القنمموت‪ ،‬قمال‪ :‬قلممت فممأيّ الصممدقة‬
‫ل معسر سيق إلى فقيممر‪ ،‬فقلممت‪ :‬مممن كممان أّول‬ ‫أفضل؟ قال‪ :‬جهد من مق ّ‬
‫ل؟ قال نعم خلقه الّله‬ ‫النبياء؟ قال آدم‪ ،‬فقلت يا رسول الّله كان آدم مرس ً‬
‫تعالى بيده ونفخ فيه من روحممه‪ ،‬قممال وأربعممة مممن النبيمماء سممريانيون‪ :‬آدم‬
‫وشيث وإدريس ونوح‪ ،‬وقيل عيسى عليه السلم وأربعة مممن العممرب‪ :‬هممود‬
‫وصالح وشعيب ونبيك عليه الصلة والسلم‪ ،‬يا أبا ذر‪ ،‬فقلت وكم كتابا ً أنزل‬
‫الّله على أنبيائه؟ قال مائة وأربعة كتب‪ :‬أنزل على شيث بممن آدم خمسممين‬
‫صحيفة‪ ،‬وعلى إدريس ثلثين صحيفة‪،‬‬

‫]ص ‪[303‬‬
‫وعلى إبراهيم عشر صحائف‪ ،‬وعلممى موسممى قبممل التمموراة عشممر صممحائف‬
‫ي الّله أوصني؟ قال‪ :‬عليك‬ ‫والتوراة والنجيل والزبور والفرقان‪ ،‬فقلت يا نب ّ‬
‫بتقوى الّله فإنها رأس أمرك كله‪ ،‬قلت يا رسول الل ّممه زدنممي؟ قممال‪ :‬عليممك‬
‫بذكر الّله وتلوة القرآن فإنه نور لمك فمي السمماء وشمرف وذكمر لمك فمي‬
‫الرض‪ ،‬وعليك بالجهاد في سبيل الل ّممه تعممالى فممإنه رهبانيممة أمممتي‪ ،‬وعليممك‬
‫بالصمت إل بخير فإنه مطردة الشيطان عنممك وعممون لممك علممى أمممر دينممك‬
‫وإياك والضحاك فإنه يميت القلب ويذهب بنور الوجه"‪.‬‬
‫قال‪ :‬وحدثني أبي رحمه الّله بإسناده عممن أبممي ذر الغفمماري رضممي اللممه‬
‫ّ‬
‫تعالى عنه أنه قال "دخلت المسجد فإذا رسول الّله صلى الّله عليه وسمملم‬
‫جالس وحده‪ ،‬فمرة قلت فمي نفسممي آتيمه لسممتفيد منمه فممي حممال خلموته‬
‫ومرة قلت ل أشغله عما هو فيه فممأبيت إل أن آتيممه‪ ،‬فممأتيته وسمملمت عليممه‬
‫وجلست عنده طويل ً لم يكلمني حتى قلت في نفسممي إنممه قممد شممق عليممه‬
‫جلوسي‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا أبا ذر هل ركعت؟ قلت ل‪ ،‬قال‪ :‬قممم فمماركع فممإن لكممل‬
‫شيء تحية وتحية المسجد ركعتان‪ ،‬فقمت وركعت ثم جلست إليممه طمموي ً‬
‫ل‪،‬‬
‫ثم قال‪ :‬يا أبا ذر اسمتعذ بمالله ممن الشميطان الرجيمم ومممن شمّر شممياطين‬
‫النس والجن‪ ،‬فقلت يا رسول الّله أو من النس شياطين؟ قال أما تسمممع‬
‫ن{ ثم سكت‪ ،‬فلما رأيت أنممه ل يكلمنممي‬ ‫ج ّ‬
‫س َوال ِ‬
‫لن ِ‬
‫نا ِ‬
‫طي َ‬ ‫قوله تعالى } َ‬
‫شَيا ِ‬
‫ي الل ّممه أمرتنممي بالصمملة فممما‬ ‫ول يحممدثني أفضممت فممي الكلم فقلممت يمما نممب ّ‬
‫الصلة؟ وذكر نحو السؤالت التي ذكرناها‪ ،‬قال‪ :‬ثممم اجتمممع النمماس‪ ،‬فقممال‬
‫النبي صلى الّله عليه وسلم أل أنبئكم بأبخل الناس؟ قممالوا بلممى يمما رسممول‬
‫ي"‪.‬‬‫ل عل ّ‬ ‫الله‪ ،‬قال‪ :‬من ذكرت عنده فلم يص ّ‬
‫قال‪ :‬حدثنا عبد الوهاب بن محمد الفضلني بسمرقند بإسناده عن محمد‬
‫بن إسحاق عن الزهري عن عبيد الّله بن عبد الّله بن عتبة عممن أبيممه قممال‪:‬‬
‫قال عبد الّله بن مسعود رضي الّله تعالى عنه "لما خرج النممبي صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم إلى غزوة تبوك صحبه رجال من المنافقين وكممان يتخلممف عنممه‬
‫الرجل والرجلن فيقولون يا رسول الّله تخلف فلن‪ ،‬فيقول دعوه فإن يممك‬
‫فيه خير فسيلحقه الّله بكم وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الّله منممه‪ ،‬فقممالوا‬
‫يا رسول الّله تخلف أبو ذر قال دعوه فإن يك فيه خير فسيلحقه الّله بكممم‪،‬‬
‫وم بعيممره‪ ،‬فلممما أبطممأ عليممه أخممذ‬ ‫وكان أبو ذر تخلف لنه أبطأ به بعيره فتل م ّ‬
‫متاعه فحمله على ظهره ثم رجممع يتبممع أثممر رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه‬
‫دة الحر وحده‪ ،‬فقالوا يا رسممول الل ّممه‬ ‫وسلم ماشيا ً حامل ً على ظهره في ش ّ‬
‫أقبل إلينا رجل يمشي وحده فقال رسول الّله صلى الّله عليه وسلم ليكممن‬
‫أبا ذر‪ ،‬فلما تأمله الناس قالوا يا رسول الّله هممذا واللممه أبممو ذّر رضممي الل ّممه‬
‫تعالى عنه‪ ،‬فدمعت عينا رسول الّله صلى الّله عليه وسلم وقال‪ :‬رحم الّله‬
‫أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعممث وحممده" قممال محمممد بممن إسممحاق‬
‫حدثنا بريدة بن سفيان السلمي عن محمد بن كعب رضي الّله تعالى عنهم‬
‫قال "لما سار أبو ذر رضي الّله تعالى عنه‬

‫]ص ‪[304‬‬
‫إلى الربدة في عهد عثمان رضي الّله تعالى عنه وأصابه بها قدره ولم يكن‬
‫معه إل امرأته وغلمه فأوصى إليهما أن غسلني وكفناني ثم ضممعاني علممى‬
‫قارعة الطريق‪ ،‬فأّول ركب يمّر عليكم فقولوا هممذا أبممو ذر صمماحب رسممول‬
‫الّله صلى الّله عليه وسلم فأعينونا على دفنه‪ ،‬فلما مممات فعل بممه ذلممك ثممم‬
‫وضعاه على قارعة الطريق فأقبل عبد الّله بن مسممعود رضممي الل ّممه تعممالى‬
‫عنه في رهط من العراق‪ ،‬فلما رآهممم الغلم قممام إليهممم فقممال هممذا أبممو ذر‬
‫صاحب رسول الّله صلى الّله عليه وسلم فأعينونا علممى دفنممه‪ ،‬فأقبممل ابممن‬
‫مسعود رضي الّله تعالى عنه وهو يبكي رافعا ً صوته‪ ،‬ثم قال‪ :‬صدق رسول‬
‫الّله صلى الّله عليه وسلم تمشي وحدك وتموت وحدك وتبعث وحممدك‪ ،‬ثممم‬
‫واروه ومضوا وهو يحدثهم بما قال رسول الّله صلى الّله عليممه وسمملم فممي‬
‫مسيره إلى تبوك"‪.‬‬
‫ّ‬
‫وعن إياس بن سلمة عن أبيه عن أبي ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه‬
‫أن النبي صلى الّله عليه وسلم قال "سيصيبك بعدي بلء‪ ،‬قممال‪ :‬قلممت فممي‬
‫الله؟ قال‪ :‬في الله‪ ،‬قلت فمرحبا ً بأمر الله‪ ،‬قال‪ :‬يا أبا ذر اسمع وأطع ولممو‬
‫صممليت خلممف أسممود" فلممما تمموفي رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه وسمملم‬
‫واستخلف أبو بكر رضي الّله تعالى عنه دعاه فحياه وبكى‪ ،‬فقممال أبممو بكممر‬
‫رضي الّله تعالى عنه‪ :‬قد سمعت قول رسول الّله صلى الل ّممه عليممه وسمملم‬
‫فيك فأعوذ بالله أن أكون صاحبك‪ :‬يعني أعوذ بالله أن يصيبك البلء بسببي‬
‫و في زماني‪ ،‬فلما توفي أبو بكر رضي الّله تعمالى عنمه وولمى عممر رضمي‬
‫الّله تعالى عنه دعاه وأثنى عليه وقال‪ :‬قد سمعت رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم فيك فأعوذ بالله أن أكون صاحبك‪ :‬يعني أعوذ بممالله أن يصمميبك‬
‫البلء بسببي وفي زماني‪ ،‬فلما تمموفي عمممر رضممي الل ّممه تعممالى عنممه وولممي‬
‫عثمان رضي الّله تعالى عنه قممال عبممد الل ّممه بممن عبمماس رضممي الّلمه تعممالى‬
‫عنهما‪ :‬كنت قاعدا ً عند عثمان رضي الّله تعالى عنه فاستأذن أبو ذر رضممي‬
‫الّله تعالى عنه‪ ،‬فقلت يا أمير المؤمنين هذا أبو ذر يستأذن‪ ،‬قممال‪ :‬ائذن لممه‬
‫إن شئت‪ ،‬قال‪ :‬فأذنت له‪ ،‬فدخل حتى جلس فقال عثمان أنت الذي تزعممم‬
‫أنك خير من أبي بكر وعمر رضي الّله تعالى عنهما؟ قال ما قلت هذا‪ ،‬قال‬
‫أنا أقيم عليك البينة‪ ،‬قال أبممو ذر نضممر الل ّممه وجهممك ل أدري ممما بينتممك وقممد‬
‫عرفت كيف قلت‪ ،‬قال فكيف قلت؟ قلت‪ :‬قال رسول الّله صلى الّله عليه‬
‫ي وأقربكم مني الذي يأخذ بالعهممد الممذي تركتممه عليممه‬ ‫وسلم _"إن أحبكم إل ّ‬
‫حتى يلحقني‪ ،‬وكلكم قد أصاب من الدنيا غيممري" قممال عثمممان رضممي الل ّممه‬
‫تعالى عنه‪ :‬الحق بمعاوية فأخرجه إلى الشام‪ ،‬فلما قممدم إلممى الشممام أخممذ‬
‫يعلم الناس فأبكى عيممونهم وأحممزن صممدورهم‪ ،‬وكممان فيممما يقممول ل يممبيتن‬
‫ده‬ ‫أحدكم وفي بيته دينار ول درهممم إل شمميء ينفقممه فممي سممبيل الل ّممه أو يعم ّ‬
‫لغريم‪ ،‬فأبكى معاوية والناس فبعث إليه بألف دينار فأراد أن يخممالف قمموله‬
‫فعله وسريرته علنيته‪ ،‬فأخذ اللف وقسمه كله فلم يبق عنده شيء فممدعا‬
‫معاوية الرسول في اليوم الثاني فقال له اذهب إلى أبممي ذر وقممل لممه إنممما‬
‫أرسلني باللف دينار إلى غيرك فأخطأت به إليك‪ ،‬فجاءه‬

‫]ص ‪[305‬‬
‫الرسول وقال له أنقذني من عذاب معاوية فإنما أرسلني بألف إلممى غيممرك‬
‫فأخطأت به فدفعته إليك‪ ،‬فقال أبو ذر للرسول أقرئ معاوية مني السمملم‪،‬‬
‫وقل له ما أصبح عندنا من دنانيرك شيء فممإن أردتهمما فانتظرنمما ثلثممة أيممام‬
‫نجمعها لك فلما رأى معاوية أن فعله يصدق قوله كتب إلممى عثمممان رضممي‬
‫ي أبممو ذر واسممتدعه‪،‬‬ ‫الّله تعالى عنه إن كان لممك بالشممام حاجممة فأرسممل إلم ّ‬
‫قال‪ ،‬فكتب عثمان رضي الّله تعالى عنه أن الحق بممي‪ ،‬قممال فقممدم أبممو ذر‬
‫رضي الّله تعالى عنه وعثمان في المسممجد فأقبممل حممتى سمملم عليممه‪ ،‬فممرد ّ‬
‫عليه السلم وقال له كيف أنت يا أبا ذر؟ قال بخير فكيممف أنتممم‪ ،‬ثممم خممرج‬
‫عثمان رضي الّله تعالى عنه فقام أبو ذر إلممى سممارية فصمملى ركعممتين‪ ،‬ثممم‬
‫قعد وجلس إليه الناس فقالوا له يا أبا ذر حدثنا عن رسول الّله صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم قال نعم حدثني حبيبي "أن في البل صدقة وفي الزرع صممدقة‬
‫وفي الدرهم صدقة وفي الشاة صدقة‪ ،‬ومن بات وفي بيته دينممار أو درهممم‬
‫ده لغريمه أو ينفقه في سبيل الل ّممه فهممو كنممز يكمموى بممه يمموم القيامممة"‬ ‫ل يع ّ‬
‫قالوا يا أبا ذر اتق الّله وانظر ما تحدث فإن الموال قد فشت فممي النمماس‪،‬‬
‫ة وََل ُينفِ ُ‬
‫قون ََها فِممي‬ ‫ض َ‬
‫ف ّ‬‫ب َوال ِ‬ ‫ن ي َك ْن ُِزو َ‬
‫ن الذ ّهَ َ‬ ‫فقال أما تقرؤون القرآن }َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫م{ فمكممث ليلممتين أو ثلثما ً فأرسممل عثمممان‬ ‫َ‬ ‫م ب ِعَم َ‬ ‫ل الّله فَب َ ّ‬
‫ب أِليم ٍ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫شْرهُ ْ‬ ‫سِبي ِ‬
‫َ‬
‫رضي الله تعالى عنمه فقمال الحمق بالربمذة وهمي قريمة خربمة فخمرج إلمى‬ ‫ّ‬
‫الربذة فوجممدهم يممؤمهم أسممود‪ ،‬فقيممل لبممي ذر تقممدم فممأبى وصمملى خلممف‬
‫السود وقال صدق الّله ورسول قال لممي "اسمممع وأطممع وإن صمليت خلمف‬
‫أسود" ومكث هناك حتى مات رحمه الله‪.‬‬
‫وروي عن امرأة أبي ذر رضي الّله تعالى عنهما قالت "لما حضممر أبمما ذر‬
‫الوفاة بكيت قال‪ :‬ما يبكيك‪ ،‬قلت تممموت فممي فلة مممن الرض وليممس لممي‬
‫ثوب أكفنك فيه‪ ،‬قال ل تبكي وأبشري فإني سمعت رسول الّله صلى الّلممه‬
‫عليه وسلم يقول لنفمر كنممت أنما فيهممم ليمموتن رجممل منكممم فممي فلة ممن‬
‫الرض يشهده عصابة من المممؤمنين وليممس مممن أولئك النفممر أحممد إل وقممد‬
‫هلك في قرية أو جماعة إلنا والله ممما كممذبت ول كممذبت فأنمما ذلممك الرجممل‬
‫فأبصري الطريق؟ قالت فقلممت قممد ذهممب الحمماج وانقطممع الطريممق فكنممت‬
‫أقوم على كثيب فأنظر فأرجع إليه فأمرضه فبينما أنا كممذلك إذا بنفممر علممى‬
‫ي فقالوا يا أمممة الل ّممه مالممك؟ قلممت‬ ‫رحالهم فألحت إليهم بثوبي فأسرعوا إل ّ‬
‫رجل من المسلمين يموت فكفنوه‪ ،‬قممالوا ومممن هممذا؟ قلممت أبممو ذر‪ ،‬قممالوا‬
‫صاحب رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه وسمملم؟ قلممت نعممم‪ ،‬ففممدوه بآبممائهم‬
‫وأمهاتهم‪ ،‬فأسرعوا حتى دخلوا عليه وسمملموا فرحممب بهممم‪ ،‬وقممال أبشممروا‬
‫فإني سمعت رسول الّله صلى الّله عليه وسلم يقول لنفر أنا فيهم ليممموتن‬
‫رجل منكم في فلة من الرض يشهده عصممابة مممن المممؤمنين وليممس مممن‬
‫أولئك القوم أحد إل وقد هلك في قرية أو جماعة إل أنا ذلممك الرجممل وأنتممم‬
‫أولئك العصابة‪ ،‬ولو كان لي ثوب يسعني كفنا ً أو لمرأتي لممم أكفممن إل فممي‬
‫ثوب لي أو لهلي‪ ،‬وإني أنشدكم بالله ل يكفنني رجل منكممم كممان أميممرا ً أو‬
‫بريدا ً أو عريفا ً أو نقيبًا‪،‬‬

‫]ص ‪[306‬‬
‫ولم يكن في القوم إل قد أصاب ذلك أو بعممض ذلممك إل رجممل مممن النصممار‬
‫فقال يا عم أنا أكفنك فإني لم أصب شمميئا ً ممما ذكمرت‪ ،‬أكفنممك فممي ردائي‬
‫هذا أو في ثوبين أو في عباءتين من غزل أمي‪ ،‬قممال أنممت تكفننممي‪ ،‬فمممات‬
‫فكفنه النصاري في النفر الذين شهدوه وكلهممم مممن أهممل الممدين‪ ،‬فرجعمموا‬
‫مسرورين بما سمعوا منه"‪.‬‬

‫باب الجتهاد في الطاعة‬


‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رضي الّله تعالى عنه‪ :‬حدثنا الفقيممه‬
‫ي بن أحمد حدثنا محمد بن سلمة ابن أبممي شممبية حممدثنا‬ ‫أبو جعفر حدثنا عل ّ‬
‫غندر عن شعبة عن الحكم عن عروة بن الزبير عممن معمماذ بممن جبممل رضممي‬
‫الّله تعالى عنه أن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم قممال "أل أدلكممم علممى‬
‫أبواب الخبر؟ قلت نعم‪ ،‬قال‪ :‬الصوم جنة‪ ،‬والصدقة برهان وقيام العبد في‬
‫جوف الليل يطفئ كل خطيئة"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬حدثنا الفقيه أبمو جعفمر حممدثنا علمي بمن‬
‫أحمد حدثنا محمد بن الفضيل حدثنا مؤمل بن إسمعيل حدثنا حماد بن زيممد‬
‫عن واصل بن يسار عن الوليد بن عبد الرحمن عن الحرث عن أبي عبيممدة‬
‫رضي الّله تعالى عنه قال‪ :‬سمعت رسول الّله صلى الّله عليه وسلم يقول‬
‫"الصوم جنة ما لم يخرقها" يعني ما لم يخرقها بالغيبة‪.‬‬
‫)قال الفقيه( أبو جعفر حدثنا علي بن أحمد حدثنا عيسى بن أحمد رفعه‬
‫إلى الحسن رحمهم الّله تعممالى قممال أربممع مممن زاد الخممرة‪ :‬الصمموم صممحة‬
‫النفس‪ ،‬والصدقة ستر ما بينه وبين النار‪ ،‬والصمملة تق مّرب العبممد إلممى ربممه‪،‬‬
‫والدموع تمحو الخطيئة‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعممالى عنممه‪ :‬يقممال أصممل الطاعممة ثلثممة أشممياء‪:‬‬
‫الخوف‪ ،‬والرجاء والحممب‪ ،‬فعلمممة الخمموف تممرك المحممارم‪ ،‬وعلمممة الرجمماء‬
‫الرغبة في الطاعة‪ ،‬وعلمة الحب الشمموق والنابممة‪ .‬وأصممل المعصممية ثلثممة‬
‫أشياء‪ :‬الكبر‪ ،‬والحرص‪ ،‬والحسد‪ .‬فأما الكبر‪ :‬فقمد ظهمر ممن إبليمس حيمث‬
‫أمر بالسجود فاستكبر حتى صار ملعونا‪ ،‬وأما الحرص فقممد ظهممر علممى آدم‬
‫عليه السلم حيث تناول من الشجرة لكممي يخلممد فممي الجنممة فممأخرج منهمما‪،‬‬
‫وأما الحسد فقد ظهر على ابممن آدم قابيممل فقتممل أخمماه حممتى أدخممل النممار‪.‬‬
‫فالواجب على كل أحد أن يجتنب كل المعاصي ويجتهد في الطاعة ويخلص‬
‫في طاعته لوجه الّله تعالى‪ ،‬فقد روى عن النبي صلى الّله عليه وسلم أنممه‬
‫قال "من أخلص العبادة لله تعالى أربعين يوما ً ظهممرت ينممابيع الحكمممة مممن‬
‫قلبه علممى لسممانه" ويقممال‪ :‬ثلثممة يزرعممون لنفسممهم فممي القلمموب المقممت‬
‫ويوجبون السخط ويهممدمون ممما يبنممون‪ :‬أحممدهم المشممتغل بعيمموب النمماس‪،‬‬
‫والثاني المعجب بنفسه‪ ،‬والثالث المممرائي بعملممه‪ .‬وثلثممة أصممناف يزرعممون‬
‫المحبة في القلوب ويرثون العافية والمنزلة في أهل‬

‫]ص ‪[307‬‬
‫السماء‪ :‬أحدهم صاحب الخلق الحسن‪ ،‬والثمماني المخلممص بعملممه‪ ،‬والثممالث‬
‫المتواضع‪ .‬وروى عن عمر بمن الخطماب رضمي الّلمه تعمالى عنمه أنمه قمال‪:‬‬
‫حاسممبوا أنفسممكم قبممل أن تحاسممبوا فممإنه أيسممر وأهممون لحسممابكم‪ ،‬وزنمموا‬
‫فممى‬ ‫خ َ‬‫ن ل تَ ْ‬ ‫ضممو َ‬ ‫مئ ِذ ٍ ت ُعَْر ُ‬
‫أنفسكم قبل أن توزنوا‪ ،‬وتجهزوا للعرض الكبر }ي َوْ َ‬
‫ة{ وروى عن يحيى بن معمماذ رضممي الل ّممه تعممالى عنممه أنممه قممال‪:‬‬ ‫خافِي َ ٌ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ِ‬
‫الناس ثلثة أصناف‪ :‬رجل يشغله معاده عن معاشه‪ ،‬ورجل يشممغله معاشممه‬
‫عن معاده‪ ،‬ورجل مشتغل بهما جميعًا‪ .‬فممالّول درجممة الفممائزين والعابممدين‪،‬‬
‫والثاني درجة الهالكين‪ ،‬والثالث درجة المخاطرين‪ .‬وذكر عن حمماتم الزاهممد‬
‫أنه قال‪ :‬أربعة ل يعرف قمدرها إل أربعمة‪ :‬قمدر الشمباب ل يعمّرف قمدره إل‬
‫الشيوخ‪ ،‬ول يعرف قدر العافية إل أهل البلء‪ ،‬ول قدر الصمحة إل المرضمى‪،‬‬
‫ول قدر الحياة إل الموتى‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬هذا مستخرج من خممبر رسممول الل ّممه‬
‫صلى الّله عليممه وسمملم "اغتنممم خمسما ً قبممل خمممس‪ :‬شممبابك قبممل هرمممك‪،‬‬
‫وصحتك قبل سقمك‪ ،‬وغناك قبل فقرك‪ ،‬وفراغك قبل شغلك‪ ،‬وحياتك قبل‬
‫موتك" فينبغي للنسان أن يعرف قدر حياته ويغتنم كممل سمماعة تممأتي عليممه‬
‫ويقول ل أدري كيممف يكممون حممالي فممي سمماعة أخممرى‪ ،‬ويتفكممر فممي ندامممة‬
‫الموتى وإنهم يتمنون الحياة مقدار ركعممتين أو مقممدار قممول ل إلممه إل اللممه‪،‬‬
‫وإنك قد قلتها فاجتهد في عبادة الل ّممه تعممالى قبممل أن يأتيممك وقممت الندامممة‬
‫والحسرة‪ .‬وقيل لحاتم رضي الّله تعالى عنه علم بنيت عملك؟ قممال علممى‬
‫أربع‪ :‬أحدها أني علمت أن لي رزق ما ً ل يجمماوزني إلممى غيممري كممما ل يجمماوز‬
‫ي فرضا ً ل يؤديه غيممري فأنمما‬ ‫ي فوثقت به‪ ،‬والثاني علمت أن عل ّ‬ ‫رزق أحد إل ّ‬
‫مشغول به‪ ،‬والثالث علمت أن ربي يراني كل وقت فأستحي منممه‪ :‬والرابممع‬
‫علمت أن أجل ً يبادرني فأنا أبادره‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الل ّممه تعممالى عنممه‪ :‬المبممادرة إلممى الجممل والسممتعداد‬
‫بالعمال الصالحة والمتناع عما نهى الل ّممه والتضمّرع إلممى الل ّممه تعممالى لكممي‬
‫يثبته على ذلك ويجعل خاتمته في خير‪ .‬وقال بعض الحكماء‪ :‬ل يجد الرجممل‬
‫حلوة العبادة حتى يدخل في العبادة بالنية ويرى المنة لله ويعمل بالخشية‬
‫ويسلمه بالخلص‪ ،‬لنه إذا دخل فيه بالنية فيعلم أن الل ّممه تعممالى قممد وفقممه‬
‫لذلك العمل‪ ،‬وإذا رأى للله عليه المنة فيمدخل فيمه بالشمكر فكمان لمه ممن‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م إِ ّ‬ ‫ن كَ َ‬
‫فْرت ُم ْ‬ ‫م وَل َئ ِ ْ‬
‫م لِزي مد َن ّك ُ ْ‬ ‫ش مك َْرت ُ ْ‬
‫ن َ‬‫الّله الزيادة لن الل ّممه تعممالى قممال }ل َئ ِ ْ‬
‫د{ وإذا عمله بالخشية وجب ثوابه على الل ّممه تعممالى قممال الل ّممه‬ ‫دي ٌ‬‫ش ِ‬ ‫ذاِبي ل َ َ‬‫عَ َ‬
‫َ‬
‫ن{ والثواب في الدنيا هو الحلوة في‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬‫م ْ‬
‫جَر ال ُ‬ ‫ن الّله َل ي ُ ِ‬
‫ضيعُ أ ْ‬ ‫تعالى }إ ِ ّ‬
‫الطاعة وفي الخرة الجنة‪ ،‬وإذا سلمه بممالخلص تقبلممه الل ّممه منممه" وعلمممة‬
‫القبول أن يوفقه لطاعة هي أرفممع منممه‪ .‬ويقممال علمممة الغممترار فممي ثلثممة‬
‫أشياء‪ :‬أن يجمع مال يخلفه والثاني زيادة الذنوب تهلكه‪ ،‬والثالث ترك عمل‬
‫ينجيه‪ .‬وعلمة المنيب يعني المقبل إلى الّله‬

‫]ص ‪[308‬‬
‫تعالى ثلث خصال‪ :‬أولها أن يجعل قلبممه للتفكممر‪ ،‬والثماني أن يجعمل لسمانه‬
‫للذكر‪ ،‬والثالث أن يجعل بدنه للخدمة‪ .‬ويقال للمخادع نفسه ثلث علمات‪:‬‬
‫وف التوبممة بطممول‬‫أحدها أن يبادر إلى الشهوات ويأمن الزلل‪ ،‬والثمماني يس م ّ‬
‫المل‪ ،‬والثالث يرجو الخرة بغير عمل‪ .‬قال بعض الحكماء‪ :‬من ادعى ثلثمما‬
‫دعمى حلوة ذكمر الّلمه‬ ‫بغير ثلث فاعلم أن الشيطان يسخر منه‪ :‬أولها من ا ّ‬
‫دعى رضا خالقه من غير سخط نفسه‪ ،‬والثالث‬ ‫مع حب الدنيا‪ ،‬والثاني من ا ّ‬
‫دعى الخلص مع حب ثناء المخلوقين‪ .‬وعن أبي نضرة قال‪ :‬أربع مممن‬ ‫من ا ّ‬
‫ن خيرا فذاك الذي لم يتقبل الّله منه عمله ذلك‪ :‬أّولهمما‬ ‫ن فيه فلم يزدد به ّ‬ ‫ك ّ‬
‫ّ‬
‫من غزا ثم رجع فلم يزدد خيرا فذاك آية أنه لم يتقبل الله منممه ومممن صممام‬
‫شهر رمضان ولم يزدد خيرا فذاك آية أنممه لممم يتقبممل الل ّممه منممه‪ ،‬ومممن حممج‬
‫فرضا فلم يزدد خيرا فذاك آية أنه لم يتقبل الّله منه‪ ،‬ومممن مممرض فعمموفى‬
‫فلم يزدد خيرا فذاك آية أنه لم تكفر عنه ذنوبه‪ .‬ويقال ينبغي للعاقل أربعممة‬
‫أشياء حتى يصلح عمله ول يضيع اجتهاده‪ :‬أّولها العلممم ليكممون علمممه حجممة‪،‬‬
‫والثاني التوكل حتى يكون له في العبادة فراغ ومن الخلق إيمماس‪ ،‬والثممالث‬
‫الصممبر ليتممم بممه العمممل‪ ،‬والرابممع الخلص لينممال بممه الجممر‪ .‬وقممال الحسممن‬
‫البصري رحمه الّله تعالى‪ :‬ما طلب رجل هذا الخيممر يعنممي الجنممة إل اجتهممد‬
‫ونحل وذبل واستمّر أي استقام حتى يلقى الّله تعالى أل نرى إلى قول الّله‬
‫موا{ وقال بعض الحكممماء‪ :‬علمممة الممذي‬ ‫قا ُ‬‫ست َ َ‬
‫ما ْ‬ ‫ن َقاُلوا َرب َّنا الّله ث ُ ّ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬ ‫}إ ِ ّ‬
‫استقام أن يكون مثله كمثل الجبل لن الجبل له أربع علمات‪ :‬أحدها أنه ل‬
‫يذيبه الحمّر‪ ،‬والثماني ل يجممده المبرد‪ ،‬والثمالث ل تحركمه الريمح‪ ،‬والرابمع ل‬
‫يذهبه السيل‪ .‬فكذا المستقيم له أربع علمات‪:‬أحدها إذا أحسن إليه إنسممان‬
‫ل يحمله إحسانه على أن يميل إليه بغير حق‪ ،‬والثاني إذا أساء إليممه إنسممان‬
‫وله عن‬ ‫ل يحمله ذلك على أن يكون بغير حق‪ ،‬والثالث أن هوى نفسه ل يح ّ‬
‫أمر الّله تعالى‪ ،‬والرابع أن حطام الدنيا ل يشغله عن طاعة الّله ع مّز وجممل‪.‬‬
‫ويقال سبعة أشياء من كنوز البّر وكل واحممد مممن ذلممك واجممب بكتمماب الل ّممه‬
‫ُ‬
‫دوا‬ ‫مُروا إ ِّل ل ِي َعْب ُ ُ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫تعالى‪ :‬أّولها الخلص في العبادة لقول الّله عّز وجل }وَ َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫فاَء{‪ ،‬والثاني بّر الوالممدين لقمموله ع مّز وجممل }أ ْ‬ ‫حن َ َ‬
‫ن ُ‬ ‫دي َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫صي َ‬ ‫خل ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫الّله ُ‬
‫صميُر{‪ ،‬والثمالث صملة الرحمم لقموله عمّز وجمل‬ ‫م ِ‬ ‫ي ال َ‬ ‫ك إ ِل َ ّ‬ ‫وال ِد َي ْ َ‬‫شك ُْر ِلي وَل ِ َ‬ ‫ا ْ‬
‫م{‪ ،‬والرابع أداء المانة لقوله تعالى‬ ‫ن ب ِهِ َوال َْر َ‬
‫حا َ‬ ‫ساَءُلو َ‬ ‫ذي ت َت َ َ‬ ‫قوا الّله ال ّ ِ‬ ‫}َوات ّ ُ‬
‫ت إ َِلى أهْل َِها{‪ ،‬والخامس أن ل يطيع أحممدا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ماَنا ِ‬ ‫دوا ال َ‬ ‫ن ت ُؤ َ ّ‬ ‫مأ ْ‬ ‫مُرك ُ ْ‬ ‫ن الّله ي َأ ُ‬ ‫}إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫مم ْ‬ ‫ضمَنا ب َْعضما ً أْرَبابما ً ِ‬ ‫خمذ َ ب َعْ ُ‬‫في المعصية لقول الّله عمّز وجممل }َول ي َت ّ ِ‬
‫ه{‪ ،‬والسمادس أن ل يعممل بهموى نفسمه لقمول الّلمه عمّز وجممل }وَن َهَممى‬ ‫الل ّ ِ‬
‫وى{‪ ،‬والسممابع أن يجتهممد فممي الطاعممة ويخمماف الل ّممه تعممالى‬ ‫ن الهَ َ‬ ‫س عَ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫الن ّ ْ‬
‫م‬‫ممما َرَزقْن َمماهُ ْ‬ ‫م ّ‬‫معما ً وَ ِ‬ ‫وفما ً وَط َ َ‬‫خ ْ‬‫م َ‬ ‫ن َرب ّهُم ْ‬ ‫عو َ‬ ‫ويرجممو ثمموابه لقمموله تعممالى }ي َمد ْ ُ‬
‫ن{‪ ،‬فالواجب على كل إنسان أن يكون خائفا باكيا فإن المر شديد‪.‬‬ ‫قو َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ُين ِ‬

‫]ص ‪[309‬‬
‫وروى في الخبر أن عيسى عليه الصلة والسمملم ممّر بقريممة وفممي تلممك‬
‫القرية جبل وفي الجبل بكاء وانتحاب كثير‪ ،‬فقال لهل القرية ما هذا البكاء‬
‫وهذا النتحاب في هذا الجبل؟ قالوا يا عيسى منذ سكنا هذه القرية نسمممع‬
‫هذا البكاء وهذا النتحاب بهذا الجبممل‪ ،‬فقممال عيسممى عليممه السمملم‪ :‬يمما رب‬
‫ائذن هذا الجبل أن يكلمني؟ فأنطق الّله الجبل فقال‪ :‬يمما عيسممى ممما أردت‬
‫مني؟ قال‪ :‬أخبرني ببكائك وانتحابك ما هو؟ قال يا عيسى أنا الجبممل الممذي‬
‫كانت تنحت مني الصنام التي يعبدونها من دون الّله فأخاف أن يلقيني الّله‬
‫قوا الن ّمماَر ال ّت ِممي وَُقود ُهَمما‬‫تعالى في نار جهنم فممإني سمممعت الل ّممه يقممول}فَممات ّ ُ‬
‫ة{فأوحى الّله تعالى إلى عيسى عليممه الصمملة والسمملم أن‬ ‫جاَر ُ‬‫ح َ‬
‫س َوال ِ‬‫الّنا ُ‬
‫جهنم‪ ،‬فالحجارة مممع صمملبتها وشممدتها‬ ‫قل للجبل اسكن فأني قد أعذته من ْ‬
‫تخاف الّله فكيف ل يكون المسكين الضعيف ابممن آدم يخمماف مممن النممار ول‬
‫وذ بالله منها‪ ،‬يا بن آدم احذر منها وإنما الحذر منها باجتناب الذنوب فإن‬ ‫يتع ّ‬
‫بالذنوب يستوجب العبد سخط الّله تعالى وعذابه ول طاقة لك بعذاب الّلممه‬
‫تعالى‪.‬‬
‫وروى عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال "لما نزل قوله تعالى‬ ‫ّ‬
‫َ‬ ‫سطا ً ل ِت َ ُ‬ ‫ك جعل ْناك ُ ُ‬
‫سممو ُ‬
‫ل‬ ‫س وَي َك ُممو َ‬
‫ن الّر ُ‬ ‫داَء ع َلممى الن ّمما ِ‬ ‫كوُنوا ُ‬
‫شه َ َ‬ ‫ة وَ َ‬
‫م ً‬
‫مأ ّ‬‫}وَك َذ َل ِ َ َ َ َ ْ‬
‫شِهيدًا{ دمعت عينا رسول الّله صلى الّله عليمه وسملم ثمم قمال‪ :‬يما‬ ‫م َ‬ ‫ع َل َي ْك ُ ْ‬
‫معشر الناس إن الّله تعممالى بعثنممي نبيما ً وأرسمملني رسممول ً واختمماركم لنممبيه‬
‫وأشهدني عليكم وأشهدكم على المممم السممالفة والقممرون الماضممية‪ ،‬فقممام‬
‫إليه رجل من النصار يقال له قيس بن عروة فقال يمما رسممول الل ّممه وكيممف‬
‫نشهد على المم السالفة ولم نكممن منهممم ولممم يكونمموا فممي زماننمما؟ فقممال‬
‫دلت الرض‬ ‫النبي صلى الّله عليه وسلم يا ابن عروة إذا كان يوم القيامة وب ّ‬
‫غير الرض وطويت السموات كطي السجل للكتاب وحشر الخلئق فمنهممم‬
‫سود الوجوه ومنهم بيض الوجوه فيقفون أربعين عامًا‪ ،‬قيل يا رسممول الل ّممه‬
‫عي ل‬ ‫دا ِ‬
‫ن ال ّ‬ ‫ماذا ينتظرون؟ قال‪ :‬الصيحة التي قال الّله تعالى }ي َوْ َ‬
‫مئ ِذ ٍ ي َت ّب ُِعو َ‬
‫مسمًا{ يعنممي تحريممك‬ ‫َ‬
‫معُ إ ِل ّ هَ ْ‬
‫سم َ‬‫ن فََل ت َ ْ‬
‫ممما ِ‬ ‫ح َ‬
‫ت ِللّر ْ‬
‫وا ُ‬
‫صم َ‬‫ت ال ْ‬ ‫خ َ‬
‫شعَ ْ‬ ‫ج لَ ُ‬
‫ه وَ َ‬ ‫عو َ َ‬
‫ِ‬
‫الشفتين من غير نطق وهم يساقون إلى أرض لم يسفك عليها الممدماء ثممم‬
‫يؤتى بالبهائم فيقتص لبعضها من بعض ثم يقال لها كوني ترابا ً فتكون ترابا ً‬
‫ت ت َُرابمًا{ ثمم يمؤتى بكممل نمبي‬ ‫كافُِر َيال َي ْت َِني ُ‬
‫كنم ُ‬ ‫ل ال َ‬
‫قو ُ‬‫فذلك قوله تعالى }وَي َ ُ‬
‫وأمته ويحكم بينهم بالحق ففريق في الجنة وفريق في السعير‪ ،‬ثممم ينممادي‬
‫مناد أين نوح عليه السلم فيؤتى به‪ ،‬فيقول الله‪ :‬يا نوح هل بلغت الرسممالة‬
‫ديممت المانممة‪ ،‬فيممؤتى‬ ‫ديت المانة؟ فيقول نعممم يمما رب بلغممت الرسممالة وأ ّ‬ ‫وأ ّ‬
‫بقومه فيقال‪ :‬يا أمة نوح هذا نوح بعثته إليكم يممدعوكم إلممى كلمممة الخلص‬
‫فهل بلغ إليكم الرسممالة؟ فيقولممون يمما ربنمما ممما جاءنمما مممن بشممير ول نممذير‪،‬‬
‫فيقول الّله تعالى يا نوح هؤلء أمتك أنكممروك فهممل مممن يشممهد لممك بممذلك؟‬
‫فيقول نعم أمة محمد صلى الّله عليه وسلم‪ ،‬فيناد مناد يا خير أمة أخرجت‬
‫للناس يا صوام شهر رمضان؟ فيقومون من الصفوف كما‬

‫]ص ‪[310‬‬
‫َ‬
‫جوِد{‬ ‫ن أث َمرِ ال ّ‬
‫سم ُ‬ ‫مم ْ‬
‫م ِ‬
‫جمموه ِهِ ْ‬‫م فِممي وُ ُ‬ ‫ماهُ ْ‬‫سممي َ‬
‫قال تعالى في محكم تنزيلممه } ِ‬
‫فيقولون لبيك داعي الله‪ ،‬فيقول الّله عز وجل‪ :‬يا أمة محمد هممل تشممهدون‬
‫لنوح؟ فيقولون أي رب نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى المانة‪ ،‬فتقول أمة نوح‬
‫عليه السلم إن نوحا ً أّول نبي ومحمد آخمر نمبي فكيمف يشمهدون لممن لمم‬
‫يدركوا زمانه‪ ،‬فيقولون في كتاب الّله عممز وجممل المنمزل علمى نمبيه محمممد‬
‫َ‬
‫ه{ اليممة كنمما قرأنمماه إلممى‬ ‫سل َْنا ُنوحا ً إ ِل َممى قَموْ ِ‬
‫م ِ‬ ‫صلى الّله عليه وسلم }إ ِّنا أْر َ‬
‫آخره‪ ،‬فيقول الّله تعالى صدقتم يا أمة محمد وإني آليت على نفسممي أن ل‬
‫أعذب أحدا ً إل بحجة فتواهبوا يا أمة محمد المظممالم فيممما بينكممم فممإني قممد‬
‫وهبت الذي بيني وبينكم"‪.‬‬

‫}باب عداوة الشيطان ومعرفة مكايده{‬


‫)قال الفقيه( أبو الليث رحمه الّله تعالى‪ :‬حدثني أبي رحمه الّله حدثنا أبو‬
‫الحسن الفراء حدثنا أبو بكر أحمد بن إسحق الجورجاني حدثنا سمملمة عممن‬
‫عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن صفية بنممت جحممش أن رسممول الل ّممه‬
‫صلى الّله عليه وسلم قمال "الشميطان يجمري ممن ابممن آدم مجمرى المدم"‬
‫قال‪ :‬حدثنا أبي رحمه الّله حدثنا أبو الحسن الفراء حدثنا أبو بكر أحمممد بممن‬
‫إسحق حدثنا سلمة عمن حدثه عن الكلبي عن أبي صالح عممن ابممن عبمماس‬
‫س{ يعني سمميد‬ ‫ب الّنا ِ‬ ‫عوذ ُ ب َِر ّ‬‫ل أَ ُ‬
‫رضيالله تعالى عنهما في قوله عز وجل}قُ ْ‬
‫س{ يقممول خممالق‬ ‫َ‬
‫س{ كلهم من الجن والنممس }إ ِل مهِ الن ّمما ِ‬ ‫ك الّنا ِ‬ ‫مل ِ ِ‬
‫الناس } َ‬
‫س{ وهمو الشميطان‬ ‫خّنما ِ‬ ‫س{ يعنمي الشميطان }ال َ‬ ‫وا ِ‬ ‫سم َ‬
‫شّر الوَ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫الناس } ِ‬
‫س{ يقمول يمدخل فمي‬ ‫جّنمةِ َوالن ّمما ِ‬ ‫ن ال ِ‬
‫مم ْ‬ ‫س‪ِ ،‬‬‫دورِ الّنا ِ‬‫ص ُ‬‫س ِفي ُ‬ ‫سو ِ ُ‬ ‫ذي ي ُوَ ْ‬‫}ال ّ ِ‬
‫صدور الجن كما يدخل في صدور النس فيوسوس في صدورهم‪ ،‬فإذا ذكر‬
‫الّله خنس وخرج من صدورهم‪ .‬روى عن النبي صلى الّله عليممه وسمملم أنممه‬
‫ي من الهداية شيء‪ ،‬وخلق إبليممس مزين ما ً‬ ‫قال "بعثت داعيا ً ومبلغا ً وليس إل ّ‬
‫وليس إليه من الضللة شيء" يعني أنمه يوسمموس ويزيممن المعصمية وليممس‬
‫بيده أكثر من ذلك‪ ،‬فينبغي للعبد أن يجتهد في دفممع الوسوسممة عممن نفسممه‬
‫م ع َمد ُّو‬‫ن ل َك ُم ْ‬‫طا َ‬‫ش مي ْ َ‬‫ن ال ّ‬‫ويجتهد في مخالفة عممدوه لن الل ّممه تعممالى قممال }إ ِ ّ‬
‫ذوه ُ ع َد ُوًّا{ وينبغي للعاقل أن يعرف صديقه من عدوه فيطيممع صممديقه‬ ‫خ ُ‬‫َفات ّ ِ‬
‫ول يتبع عدوه" فإنه يقال علمة الجاهل أربعممة أشممياء‪ :‬أحممدها الغضممب مممن‬
‫غير شيء‪ ،‬والثاني اتباع النفس في الباطن‪ ،‬والثالث إنفاق المال فممي غيممر‬
‫حق‪ ،‬والرابع قلة معرفة صديقه مممن عممدوه‪ :‬يعنممي يختممار طاعممة الشمميطان‬
‫على طاعة الّله تعالى فبئس البدل طاعة الشيطان على طاعة الّله تعممالى‬
‫ذونه وذ ُريتم َ‬ ‫وقممال تعممالى }أ َفَت َت ّ ِ‬
‫س‬‫م ع َمد ُوّ ب ِئ ْ َ‬‫م ل َك ُم ْ‬
‫دون ِممي وَهُم ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫مم ْ‬ ‫خم ُ َ ُ َ ّ ّ َ ُ‬
‫ه أوْل ِي َمماَء ِ‬
‫ن ب َد َ ً‬
‫ل{ وعلمة العاقل أربعة أشياء‪ :‬الحلم عن الجاهل‪ ،‬ورد النفس‬ ‫مي َ‬ ‫ِلل ّ‬
‫ظال ِ ِ‬
‫عن الباطل‪ ،‬وإنفاق المال في حقه‪ ،‬ومعرفة صديقه من عدوه‪.‬‬

‫]ص ‪[311‬‬
‫وذكر عن وهب بن منبه رحمه الّله تعالى أنه قال‪ :‬إن إبليمس لقمي يحيمى‬
‫ابن زكريا عليهما السلم فقال له يحيى بن زكريا‪ :‬أخبرني عممن طبممائع ابممن‬
‫آدم عندكم؟ فقال إبليس أما صممنف منهممم فهممو مثلممك معصممومون ل نقممدر‬
‫منهم على شيء‪ ،‬والصنف الثاني فهم في أيدينا كالكرة في أيدي صممبيانكم‬
‫وقد كفونا أنفسهم‪ ،‬والصنف الثالث فهم أشد الصممناف علينمما فنقبممل علممى‬
‫أحدهم حتى ندرك منه حاجتنا ثم يفرغ إلى الستغفار فيفسممد بممه علينمما ممما‬
‫أدركنا منمه فل نحممن نيمأس منمه ول نحمن نمدرك حاجتنمما منمه‪ .‬وقمال بعمض‬
‫الحكماء‪ :‬نظرت وتفكرت من أي باب يأتي الشيطان إلى النسان فإذا هممو‬
‫يأتي من عشرة أبواب‪ :‬أولها يأتي من قبل الحممرص وسمموء الظممن فقممابلته‬
‫بالثقة والقناعة‪ ،‬فقلت بأي آية أتقوى عليه من كتمماب الل ّممه تعممالى فوجممدت‬
‫ض إ ِل ّ ع َل َممى الل ّممه رِْزقُهَمما{ اليممة‪،‬‬ ‫َ‬
‫داب ّمةٍ فِممي الْر ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫قول الّله عز وجل }وَ َ‬
‫فكسرته بذلك‪ ،‬والثاني نظرت فإذا هو يأتي من قبل الحيمماة وطممول المممل‬
‫فقابلته بخوف مفاجأة الموت‪ ،‬فقلت بأي آية أتقوى عليه فوجدت قول الّله‬
‫ت{ فكسرته بذلك‪ .‬والثممالث نظممرت‬ ‫َ َ‬
‫مو ُ‬ ‫ض تَ ُ‬‫س ب ِأيّ أْر ٍ‬ ‫ف ٌ‬ ‫ما ت َد ِْري ن َ ْ‬ ‫تعالى }وَ َ‬
‫فإذا هو يأتي من قبل طلب الراحممة وطلممب النعممة فقممابلته بمزوال النعمممة‬
‫م‬ ‫وسوء الحساب‪ ،‬فقلت بأي آية أتقوى عليممه فوجممدت قمموله تعممالى }ذ َْرهُ م ْ‬
‫َ َ‬ ‫ْ‬
‫ن{ اليممة فكسممرته‬ ‫سِني َ‬ ‫م ِ‬ ‫مت ّعَْناهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ت إِ ْ‬ ‫مت ُّعوا{ الية‪ ،‬ويقول }أفََرأي ْ َ‬ ‫ي َأك ُُلوا وَي َت َ َ‬
‫بذلك‪ .‬والرابع نظرت فإذا هو يأتي من باب العجب فقممابلته بالمنممة وخمموف‬
‫ي‬‫ق ّ‬ ‫م َ‬
‫شمم ِ‬ ‫من ُْهمم ْ‬‫العاقبة‪ ،‬فقلت أي آية أتقوى عليه فوجدت قول الّله تعالى }فَ ِ‬
‫د{ فل أدري من أي الفريقيممن أكممون فكسممرته بهمما‪ .‬والخممامس رأيتممه‬ ‫سِعي ٌ‬ ‫وَ َ‬
‫يأتي من باب الستخفاف بالخوان وقلممة حرمتهممم فقممابلته بمعرفممة حقهممم‬
‫وحرمتهم‪ ،‬فقلت بأي آية أتقوى عليه فوجدت قممول الل ّممه تعممالى فممي كتممابه‬
‫ن{ فكسرته بها‪ .‬والسادس نظرت فإذا هممو‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬‫سول ِهِ وَل ِل ْ ُ‬ ‫}وَل ِل ّهِ العِّزة ُ وَل َِر ُ‬
‫يأتي من باب حسد فقابلته بالعدل وقسمة الّله تعالى في خلقه‪ ،‬فقلت بأي‬
‫م فِممي‬ ‫ش مت َهُ ْ‬ ‫مِعي َ‬ ‫م َ‬‫مَنا ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫ن قَ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫آية أتقوى عليه فوجدت قول الّله تعالى }ن َ ْ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا{ فكسرته بها والسابع نظرت فممإذا هممو يممأتي مممن قبممل الريمماء‬ ‫ال َ‬
‫ومدح الناس فقابلته بالخلص‪ ،‬فقلت بأي آيممة أتقمموى عليممه فوجممدت قممول‬
‫ة‬
‫ك ب ِعَِباد َ ِ‬ ‫شرِ ْ‬ ‫صاِلحا ً َول ي ُ ْ‬ ‫مل ً َ‬ ‫ل عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫قاَء َرب ّهِ فَل ْي َعْ َ‬
‫جوا ل ِ َ‬ ‫ن ي َْر ُ‬ ‫كا َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫الّله تعالى }فَ َ‬
‫حدًا{ يعني مخلصا ً فكسرته بها‪ ،‬والثامن نظرت فإذا هو يأتي من بمماب‬ ‫َ‬
‫َرب ّهِ أ َ‬
‫البخل فقابلته بفناء ما في أيدي الخلق وبقاء ما عند الّله تعالى‪ ،‬فقلت بأي‬
‫ق{‬ ‫عن ْد َ الّله َبا ٍ‬ ‫ما ِ‬‫فد ُ و َ َ‬ ‫م َين َ‬ ‫عن ْد َك ُ ْ‬‫ما ِ‬ ‫آية أتقوى عليه فوجدت قول الّله تعالى } َ‬
‫فكسرته بها‪ ،‬والتاسع نظرت فإذا هو يأتي من باب الكبر فقابلته بالتواضممع‪،‬‬
‫ن‬ ‫مم ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قن َمماك ُ ْ‬‫خل َ ْ‬‫فقلت بأي آية أتقوى عليه فوجدت قول الّله عممز وجممل }إ ِن ّمما َ‬
‫م{‬ ‫قمماك ُ ْ‬ ‫عن ْمد َ الل ّممه أ َت ْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫ن أك َْر َ‬
‫ل ل ِتعارُفوا إ َ‬
‫ِ ّ‬ ‫شُعوبا ً وَقََبائ ِ َ َ َ َ‬ ‫م ُ‬ ‫جعَل َْناك ُ ْ‬
‫ُ‬
‫ذ َك َرٍ وَأنَثى وَ َ‬
‫فكسرته بها‪ .‬والعاشر نظرت فإذا هو يأتي من باب الطمع فقابلته باليمماس‬
‫من الناس والثقة بما عند الله‪ ،‬فقلت‬

‫]ص ‪[312‬‬
‫ل ل َم ُ‬
‫ه‬ ‫ق الل ّممه ي َ ْ‬
‫جعَم ْ‬ ‫ن ي َت ّم ِ‬ ‫بأي آية أتقوى عليه فوجدت قممول الل ّممه تعممالى }وَ َ‬
‫مم ْ‬
‫ب{‪.‬‬ ‫س ُ‬
‫حت َ ِ‬
‫ث ل يَ ْ‬
‫حي ْ ُ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫خَرجا ً وَي َْرُزقْ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫م ْ‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫وذكر في الخبر أن إبليس لعنه الله جاء إلى موسى عليه الصلة والسلم‬
‫وهو يناجي ربه‪ ،‬فقال له ملك من الملئكة ويحك ما ترجممو منممه علممى هممذه‬
‫الحالة؟ فقال أرجو منه ما رجوت من أبيه آدم وهممو فممي الجنممة‪ :‬ويقممال إذا‬
‫حضر وقت الصلة أمر إبليس جنوده بأن يتفرقوا ويأتوا النمماس ويشممغلوهم‬
‫عن صلتهم‪ ،‬فيجيء الشيطان إلى من أراد الصمملة فيشممغله ليؤخرهمما عممن‬
‫وقتها فممإن لممم يقممدر فممإنه يمأمره بممأن ل يتممم ركوعهمما وسممجودها وقراءتهمما‬
‫وتسبيحها ودعواتها‪ ،‬فإن لم يستطع فإنه يشغل قلبه بأشغال الدنيا‪ ،‬فإن لم‬
‫يقدر على شيء من ذلك أمر إبليس أن يوثق هذا الشيطان ويقذف به في‬
‫البحر‪ ،‬فإن كان يقدر على شيء من ذلك فإنه يكرمه ويبجله‪ .‬قال الّله عممز‬
‫م{ يعنممي علممى‬ ‫قي َ‬ ‫سمت َ ِ‬‫م ْ‬ ‫ك ال ُ‬ ‫صمَراط َ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ل َهُم ْ‬‫وجل حكاية عممن إبليممس }ل َقْعُمد َ ّ‬
‫م{ يعنممي مممن أمممر‬ ‫طريق السلم ولرصدنهم }ث ُم لت ِينه مم م من بي م َ‬
‫ديهِ ْ‬‫ن أي ْم ِ‬ ‫َُّ ْ ِ ْ َْ ِ‬ ‫ّ‬
‫م{ لزينممن لهممم الممدنيا حممتى‬ ‫فه ِ م ْ‬ ‫ْ‬
‫خل ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مم ْ‬ ‫الخرة حتى أجعلهم في الشممك‪} ،‬وَ ِ‬
‫ن‬ ‫يطمئنوا إليها }وع َ َ‬
‫م{ يعني آتيهم من جهة الممدين والطاعممة }وَع َم ْ‬ ‫مان ِهِ ْ‬
‫ن أي ْ َ‬
‫َ ْ‬
‫َ‬
‫ن{ يعني علممى‬ ‫ري َ‬ ‫شاك ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫جد ُ أك ْث ََرهُ ْ‬ ‫م{ يعني من جهة المعاصي }َول ت َ ِ‬ ‫مائ ِل ِهِ ْ‬
‫ش َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫شمي ْ َ‬
‫ج‬ ‫خمَر َ‬‫ممما أ ْ‬ ‫ن كَ َ‬
‫طا ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫فت ِن َن ّك ُم ْ‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫نعمك‪ .‬وقال فممي آيممة أخممرى }ي َمماب َِني آد َ َ‬
‫ْ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫مُرك ُ ْ‬‫ق مَر وَي َمأ ُ‬
‫ف ْ‬‫م ال َ‬ ‫ن ي َعِ مد ُك ُ ْ‬ ‫طا ُ‬ ‫ة{ وقال في آية أخرى }ال ّ‬ ‫جن ّ ِ‬
‫ن ال َ‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫أب َوَي ْك ُ ْ‬
‫ذوه ُ ع َمد ُوًّا{‬ ‫خم ُ‬‫م ع َمد ُوّ َفات ّ ِ‬ ‫ن ل َك ُم ْ‬ ‫طا َ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫شاِء{ وقال في آية أخرى }إ ِ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ف ْ‬‫ِبال َ‬
‫فقد بين الّله تعالى أن الشيطان عدوّ لبني آدم ويريد ضللتهم ليجّرهممم مممع‬
‫نفسه إلى النار‪ ،‬فالواجب على العاقل أن يجتهد في مجاهدته لكممي يخلممص‬
‫نفسه منه فإنه عدوّ ظاهر للمؤمنين‪ ،‬وللمؤمن أيضا ً أعداء سوى الشمميطان‬
‫كما روى أنس بن مالك رضي الّله تعالى عنه عممن النممبي صمملى الل ّممه عليممه‬
‫وسلم أنه قال "المؤمن بين خمس شدائد‪ :‬مؤمن يحسممده ومنممافق يبغضممه‬
‫وعدوّ يقاتله وشيطان يضله ونفس تغويه" يعني أن النفس مائلة إلى ما هو‬
‫سبب ضللته وإغوائه‪ ،‬فينبغي للمسلم أن يستعين بالله تعالى ليقوّيه علممى‬
‫أعدائه ويوفقه لما يحب ويرضي فإن هذا كله يسمير علممى ممن يسمره الّلمه‬
‫تعالى عليه وروى صالح بإسناده عن عبد الرحمن بممن زيمماد بممن أنعممم قممال‪:‬‬
‫بينما موسى جالس في بعض مجالسه إذ جاءه إبليس وعليه برنس متلون‪:‬‬
‫يعني قلنسوة ذات ألوان‪ ،‬فلما دنا منه خلع البرنس فوضعه ثم أقبل فسلم‬
‫عليه‪ ،‬فقال من أنت؟ قال أنا إبليس‪ .‬قال فما جاء بممك؟ قممال جئت لسمملم‬
‫عليك لمكانك من الّله عز وجل‪ .‬قال فما البرنس الذي كان عليك؟ قال بممه‬
‫أختطف قلوب بني آدم‪ .‬قممال أخممبرني ممما الممذنب الممذي إذا أذنممب ابممن آدم‬
‫استحوذت عليه‪ :‬يعني غلبت عليه‪ :‬قممال إذا أعجبتممه نفسممه واسممتكثر عملممه‬
‫ونسى ذنبه استحوذت عليه‪.‬‬

‫]ص ‪[313‬‬
‫وذكر عن وهب بن منبه رحمه الّله تعالى قال "أمر الّله تعالى إبليس أن‬
‫يأتي محمدا ً صلى الّله عليه وسلم ويجيبه عن كل ممما يسممأله‪ ،‬فجمماءه علممى‬
‫صورة شيخ وبيده عكاز فقال نمه ممن أنمت؟ قمال أنما إبليمس‪ ،‬فقمال لمماذا‬
‫جئت؟ قال إن الّله أمرني أن آتيك وأجيبك عن كل ما تسألني‪ ،‬فقال النممبي‬
‫صلى الّله عليه وسلم يا ملعون كم أعداؤك من أمتي؟ قال خمسممة عشممر‪:‬‬
‫أولهم أنت‪ ،‬والثاني إمام عادل‪ ،‬والثالث غني متواضع‪ ،‬والرابع تاجر صممادق‪،‬‬
‫والخامس عالم متخشع‪ ،‬والسممادس مممؤمن ناصممح‪ ،‬والسممابع مممؤمن رحيممم‬
‫القلب‪ ،‬والثممامن تممائب ثممابت علممى التوبممة‪ ،‬والتاسممع‪ ،‬متممورع عممن الحممران‪،‬‬
‫والعاشر مؤمن يديم على الطهارة‪ ،‬والحممادي عشممر مممؤمن كممثير الصممدقة‪،‬‬
‫والثاني عشر مؤمن حسن الخلق مممع النمماس‪ ،‬والثممالث عشممر مممؤمن ينفممع‬
‫الناس‪ ،‬والرابع عشر حامل القرآن يديم على تلوته‪ ،‬والخامس عشر قممائم‬
‫بالليل والناس نيام‪ ،‬ثم قال النبي صلى الّله عليه وسلم ومن رفقمماؤك مممن‬
‫أمتي؟ قال عشرة‪ :‬أولها سلطان جائر‪ ،‬والثاني غني متكممبر‪ ،‬والثممالث تمماجر‬
‫خائن‪ ،‬والرابع شارب الخمر‪ ،‬والخامس القتممات‪ ،‬والسممادس صمماحب الزنمما‪،‬‬
‫والسابع آكل مال اليتيم‪ ،‬والثامن المتهاون بالصلة‪ ،‬والتاسممع مممانع الزكمماة‪،‬‬
‫والعاشر الذي يطيل المل‪ ،‬فهؤلء أصحابي وإخواني‪ .‬وذكر في الخممبر‪ :‬أنممه‬
‫كان في بني إسرائيل رجل متعبد في صومعة يقال له برصيصا العابمد كمان‬
‫مستجاب الدعوة وكان الناس يأتونه بمريضهم فكان يدعو فيممبرأ المريممض‪،‬‬
‫فدعا إبليس الشياطين لعنهم الّله وقال من يفّتن هذا فإنه قد أعياكم؟ قال‬
‫ولي‪ ،‬فقممال لممه‬ ‫عفريت من الشياطين أنا أفتنه فإن لم أفتنه فلسممت لممك بم ّ‬
‫إبليس أنت له‪ ،‬فانطلق الشمميطان حممتى أتممى منممزل ملممك مممن ملمموك بنممي‬
‫إسرائيل وله ابنة من أحسن النساء وهي جالسة مممع أبيهمما وأمهمما وأخواتهمما‬
‫فخبلها‪ ،‬ففزعوا لذلك فزعا ً شديدا ً فصممارت بمنزلممة لمجنونممة وكممانت علممى‬
‫ذلك أياما ً ثم أتاهم على صورة إنسان فقممال لهممم إن أردتممم أن تممبرأ فلنممة‬
‫فاذهبوا بها إلى الراهب فلن يعوذها ويدعو لها‪ :‬فذهبوا بهمما إليممه فممدعا لهمما‬
‫فبرأت من علتها‪ ،‬فلما رجعوا بها عاودها ذلك فأتاهم الشمميطان فقممال لهممم‬
‫إن أردتم أن تبرأ فلنة فاجعلوها عنممده أياممًا‪ ،‬فممانطلقوا بهمما إليممه ليضممعوها‬
‫عنده‪ ،‬فأبى الراهب أن يقبلها فألحوا عليممه وتركوهمما عنممده‪ ،‬فكممان الراهممب‬
‫يظممل صممائما ً ويمسممي قائم ما ً فل يتعممرض الشمميطان للجاريممة‪ ،‬فممإذا جلممس‬
‫الراهب ليطعم أظهر خبلها وكشفها فيعرض الراهب عنها بوجهه حتى طال‬
‫ذلك‪ ،‬فنظر يوما ً إلى وجهها وجسدها فرأى وجها ً وجسدا ً لم يممر مثلممه‪ ،‬فلممم‬
‫يصبر على ذلك حتى قربها فحبلت منه‪ ،‬ثم أتاه الشيطان فقال له إنممك قممد‬
‫حبلتها وليس ينجيك مما صنعت بها من عقوبة الملك إل أن تقتلهمما وتممدفنها‬
‫عنممد صممومعتك‪ ،‬فممإذا سممألوك عنهمما فقممل أتممى عليهمما أجلهمما فممماتت فممإنهم‬
‫يصدقونك‪ ،‬فقام إليها فذبحها ودفنها فجاؤوا يسألون عنها فأخبرهم بأنها قد‬
‫ماتت فصدقوه فرجعوا‪ .‬وفي رواية‪ :‬قال إنها برئت وذهبت إلى‬

‫]ص ‪[314‬‬
‫منزلهمما فصممدقوه فرجعمموا وجعلمموا يطلبونهمما مممن بيمموت أقاربهمما‪ ،‬فممانطلق‬
‫الشيطان فقال لهم إن الراهب قد وقع عليها فأحبلها فلما خشي أن يطلممع‬
‫ل‪ ،‬نحممو الراهممب‬ ‫علممى ذلممك ذبحهمما ودفنهمما‪ ،‬فركممب الملممك فممي النمماس مقب ً‬
‫فحفروها فوجدوها مذبوحة‪ ،‬فأخذوا الراهب فصلبوه‪ ،‬ثم جاء الشيطان وهو‬
‫مصلوب فقال أنا الذي فعلت بك ما فعلت وأنا أنجيممك مممن ذلممك وأخممبرهم‬
‫بأنه ذبحها غيرك وهم يصدقونني بذلك إن أنت سجدت لي سجدة من دون‬
‫ي‬
‫الله‪ ،‬فقال كيف أسجد على هممذه الحالممة؟ قممال أنمما أرضممى أن تممومئ إل م ّ‬
‫برأسك فسجد له سجدة‪ :‬فقال له الشيطان أنمما بريممء منممك‪ ،‬فممذلك قمموله‬
‫ك‬ ‫من ْ َ‬
‫ريٌء ِ‬ ‫ل إ ِّني ب َ ِ‬‫فَر َقا َ‬ ‫فْر فَل َ ّ‬
‫ما ك َ َ‬ ‫ن اك ْ ُ‬ ‫سا ِ‬‫لن َ‬
‫ِ‬ ‫ل لِ‬‫ن إ ِذ ْ َقا َ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ِ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫تعالى }ك َ َ‬
‫مث َ ِ‬
‫َ‬ ‫إ ِّني أ َ َ‬
‫ن ِفيهَمما‬ ‫خال ِمد َي ْ ِ‬
‫ممما فِممي الن ّممارِ َ‬ ‫ما أن ّهُ َ‬ ‫عاقِب َت َهُ َ‬‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫مي َ‬ ‫ب الَعال َ ِ‬ ‫ف الّله َر ّ‬ ‫خا ُ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫مي َ‬ ‫جَزاُء ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫وَذ َل ِ َ‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعممالى عنممه‪ ،‬اعلممم أن لممك أربعممة مممن العممداء‪،‬‬
‫فتحتاج أن تجاهد مع كل واحد منهم‪ .‬أحدها الدنيا وهي غ مّرارة مكممارة قممال‬
‫م‬‫مت َمماع ُ الغُ مُروِر{ وقممال تعممالى }َول ي َغُّرن ّك ُم ْ‬ ‫حَياة ُ الد ّن َْيا إ ِل ّ َ‬ ‫ما ال َ‬ ‫الّله تعالى }وَ َ‬
‫ِبالل ّهِ الغَُروُر{والثاني نفسك وهي شّر العداء‪ ،‬والثممالث الشمميطان‪ ،‬والرابممع‬
‫شيطان النس فاحذره فإنه أشمد ّ عليممك مممن شمميطان الجممن‪ ،‬لن شمميطان‬
‫الجن يكون أذاه بالوسوسة وشيطان النممس هممو رفيممق السمموء يكممون أذاه‬
‫دك عما أنممت فيممه‪ :‬وروى‬ ‫بالمواجهة والمعاينة‪ ،‬ل يزال يطلب عليك وجها ً ير ّ‬
‫داد بن أوس رضي الّله تعالى عنه عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم‬ ‫ش ّ‬
‫أنه قال "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت‪ :‬يعني حاسب نفسممه‬
‫في الدنيا وعمل الطاعة لكي تنفعه بعد الممموت‪ ،‬والعمماجز مممن أتبممع نفسممه‬
‫هواها وتمنى على الّله عّز وجل المغفرة" وروى عن عيسى بن مريم عليه‬
‫الصلة والسلم أنه قال‪ :‬ليس العجب ممن هلك كيف هلك‪ ،‬ولكممن العجممب‬
‫ممن نجا كيف نجما‪ :‬يعنممي أن الجنمة قمد حفممت بالمكمماره والنمار قمد حفممت‬
‫بالشهوات‪ ،‬وأن في كل نفس شيطانا ً يوسوس إليها وملكا ً يلهمه‪ ،‬ول يمزال‬
‫الشيطان يزين ويخدع ول يزال الملك يمنعه فأيهما كانت النفس معه كممان‬
‫هو الغالب‪.‬‬
‫}باب الرضا{‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬حدثنا أبي رحمممه الل ّممه تعممالى حممدثنا‬
‫العباس بن الفضل حدثنا موسى بممن نصممر الحنفممي حممدثنا محمممد بممن زيمماد‬
‫الكوفي عن ميمون بن مهران قال‪ :‬أمرني عمر بن عبد العزيز رضممي الل ّممه‬
‫ي مممن فمموق‬ ‫تعالى عنه أن آتيه في كل شهر مرتين‪ ،‬فجئتممه يومما ً فنظممر إلم ّ‬
‫حصن له فأذن لي قبل أن أبلغ الباب‪ ،‬فدخلت كما أنا فممإذا هممو قاعممد علممى‬
‫بساط له وشاذكونة على قدر البساط وهو يرقع قميصا ً له‪ ،‬فسمملمت عليممه‬
‫ي السلم ولم يزل بي‬ ‫فّرد عل ّ‬

‫]ص ‪[315‬‬
‫حتى أجلسني على شاذكونته ثم سألني عن أمرائنا وعن أمر شرطنا وعممن‬
‫جلوذتنا وعن سجوننا وعن شعائرنا كلها‪ ،‬ثم سألني عن خاصة أمري‪ ،‬فلما‬
‫نهضت لخرج قلت يا أمير المؤمنين ما في أهل بيتك من يكفيممك ممما أرى؟‬
‫قال يا ميمون يكفيك من دنياك ما بلغك المحل نحن اليوم هاهنا وغممدا ً فممي‬
‫مكان آخر‪ ،‬ثم خرجت وتركته‪ :‬حدثنا أبممو منصممور بممن عبممد الل ّممه الفرائضممي‬
‫شَر‬ ‫ذا ب ُ ّ‬ ‫بسمرقند بإسناده عن قتادة رحمهم الّله في قول الّله عز وجل }وَإ ِ َ‬
‫حمد ُهُم بمما ُ‬ ‫َ‬
‫م{ قممال قتممادة‪ :‬هممذا صممنيع‬ ‫سموَد ّا ً وَهُموَ ك َ ِ‬
‫ظيم ٌ‬ ‫م ْ‬‫ه ُ‬ ‫ج ه ُم ُ‬
‫ل وَ ْ‬‫لنَثى ظ َم ّ‬ ‫ْ ِ‬ ‫أ َ‬
‫مشركي العرب أخبرنا الّله تعالى بخبث صنيعهم‪ ،‬فأما المؤمن فهممو حقيممق‬
‫أن يرضى بما قسم الّله له‪ ،‬وقضاء الّلمه عمز وجمل خيمر ممن قضماء الممرء‬
‫لنفسه‪ ،‬وما قضى الّله لك يا ابن آدم مما تكره خير من قضائك بممما تحممب‪،‬‬
‫فاتق الّله وارض بقضائه‪.‬‬
‫عسى‬ ‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬هذا القول موافق لقوله تعالى }وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬‫م َوالل ّم ُ‬ ‫شمّر ل َك ُم ْ‬
‫شمْيئا ً وَهُموَ َ‬
‫حّبوا َ‬ ‫ن تُ ِ‬‫سى أ ْ‬ ‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬
‫م وَع َ َ‬ ‫شْيئا ً وَهُوَ َ‬ ‫هوا َ‬ ‫ن ت َك َْر ُ‬‫أ ْ‬
‫َ‬
‫ن{ يعني ما فيه صلحكم وصلح دينكم ودنياكم وأنتم ل‬ ‫مو َ‬‫م ل ت َعْل َ ُ‬ ‫م وَأن ْت ُ ْ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫تعلمممون ذلممك‪ :‬يعنممي ارضمموا بممما قضمميت لكممم فممإنكم ل تعلمممون ممما فيممه‬
‫صلحكم‪ ،‬وقال بعض الحكماء‪ :‬المنازل أربعة‪ :‬عمرنا في الدنيا‪ ،‬ومكثنا فممي‬
‫القبر‪ ،‬ومقامنا في الحشر‪ ،‬ومصيرنا إلى البد الذي خلقنا له‪ :‬فمثممل عمرنمما‬
‫فممي الممدنيا كمثممل المتعشممي فممي الحمماج ل يطمئنممون ول يحلممون الممدواب‬
‫والثقال لسرعة الرتحال‪ ،‬ومثل مكثنا في القبر كمثممل النممزول فممي بعممض‬
‫المنازل يضعون الثقال ويستريحون يوما ً أوليلة ثم يرتحلون‪ ،‬ومثل مقامنمما‬
‫ج عميممق‬ ‫في الحشر كنزولهم بمكة وهو غاية الجتماع لكل فريق من كل ف ّ‬
‫ل‪ ،‬كذلك يوم القيامة إذا فرغوا مممن‬ ‫يقضون النسك ثم يتفّرقون يمينا ً وشما ً‬
‫المحاسبة افترقوا فرقا ً إلى الجنممة وفرقما ً إلممى السممعير‪ .‬وقممال شممقيق بممن‬
‫إبراهيم رحمه الّله تعالى‪ :‬سألت سبعمائة عالم عن خمسممة أشممياء فكلهممم‬
‫أجابوا بجواب واحد‪ :‬قلت‪ :‬من العاقل؟ قالوا العاقل مممن لممم يحممب الممدنيا‪،‬‬
‫قلت من الغني؟ قالوا البذي يرضى بما قسم الّله لممه‪ .‬قلممت مممن الكيممس؟‬
‫قالوا من لم تغره الدنيا‪ ،‬قلت مممن الفقيممه؟ قممالوا الممذي يمتنممع مممن طلممب‬
‫الزيادة‪ .‬قلت من البخيل؟ قالوا الذي يمنع حق الّله تعالى من ماله‪ .‬ويقال‪:‬‬
‫سخط الّله تعالى على العبد في ثلثة أشياء أحدها أن يقصر فيما أمممر الل ّممه‬
‫تعالى‪ ،‬والثاني أن ل يرضى بما قسممم الل ّممه تعممالى لممه‪ ،‬والثممالث أن يطلممب‬
‫شيئا ً فل يجده فيسخط على ربه‪.‬‬
‫سممارِقَ ُ‬
‫ة‬ ‫سممارِقُ َوال ّ‬ ‫وقممال بعممض الحكممماء فممي قممول الل ّممه عممز وجممل }َوال ّ‬
‫َ‬
‫ما{ قال الفقهاء من سرق عشرة دراهم تقطع يده‪ ،‬وليست‬ ‫َفاقْط َُعوا أي ْد ِي َهُ َ‬
‫لهذه العشرة حرمة حتى تقطع يد الرجل المؤمن لجلها‪ ،‬ولكن تقطممع يممده‬
‫لمعنيين‪ :‬أحدهما لهتك حرمة المسلمين‪ ،‬والثاني لنه لممم يممرض بممما قسممم‬
‫الّله تعالى له ومال إلى مال غيره فأمر الّله تعالى أن تقطع يممده نكممال ً بممما‬
‫كسب‬

‫]ص ‪[316‬‬
‫ليكون عبرة لغيره لكي يرضى بما قسم الّله تعالى له‪ .‬وينبغي للمممؤمن أن‬
‫يكون راضيا ً بما قسم الّله تعالى له فإن الرضا بما قسم الّله له مممن أخلق‬
‫النبياء والصالحين‪ .‬وروى عن أبي الدرداء رضي الّله تعالى عنممه أنممه قممال‪:‬‬
‫اثنتا عشرة خصلة ممن أخلق النبيماء عليهمم الصملة والسملم‪ :‬أولهما أنهمم‬
‫كانوا آمنين بوعد اللممه‪ ،‬والثمماني كممانوا آيسممين مممن الخلممق‪ ،‬والثممالث كممانت‬
‫عدواتهم مع الشيطان‪ ،‬والرابع كانوا مقبلين على أمر أنفسممهم‪ :‬والخممامس‬
‫كانوا مشفقين على الخلق‪ ،‬والسادس كمانوا محتمليمن لذى جميمع الخلمق‪،‬‬
‫والسابع كانوا موقنين بالجنة‪ :‬يعني إذا عملموا عمل ً أيقنموا أن الّلمه ل يضميع‬
‫ثمموابهم ول ثممواب عملهممم‪ ،‬والثممامن كممانوا متواضممعين فممي مواضممع الحممق‪،‬‬
‫والتاسع كانوا ل يدعون النصيحة في موضممع العممداوة‪ ،‬والعاشممر كممان رأس‬
‫أموالهم الفقر‪ :‬يعني كانوا ل يمسكون فضل المال وينفقون على الفقممراء‪،‬‬
‫والحادي عشر كانوا يديمون على الوضوء‪ ،‬والثاني عشممر كممانوا ل يفرحممون‬
‫بما وجدوا من الدنيا ول يغتمون على ما فاتهم من الدنيا‪.‬‬
‫وقال بعض العلماء‪ :‬حرمة الزاهدين عشرة أشياء‪ :‬أولها عداوة الشيطان‬
‫م ع َمد ُّو‬ ‫ن ل َك ُم ْ‬ ‫طا َ‬ ‫شمي ْ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫يرونهمما واجبممة علممى أنفسممهم لقمموله عممز وجممل‪} :‬إ ِ ّ‬
‫ذوه ُ ع َد ُوًّا{‪ ،‬والثاني ل يعملون عمل ً إل بالحجة‪ :‬يعنممي ل يعملممون عمل ً‬ ‫خ ُ‬ ‫َفات ّ ِ‬
‫ل هَمماُتوا‬ ‫إل بعد ما ثبتت لهم الحجة يموم القيامممة لقمول الل ّممه عمّز وجمل }قُم ْ‬
‫ن{ يعني حجتكم‪ ،‬والثالث أنهم مسممتعدون للممموت‬ ‫صاد ِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫هان َك ُ ْ‬ ‫ب ُْر َ‬
‫ت{‪ ،‬والرابممع يحبمون فمي الّلمه‬ ‫مموْ ِ‬ ‫ة ال َ‬ ‫قم ُ‬ ‫ذائ ِ َ‬ ‫س َ‬ ‫فم ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫كم ّ‬‫لقممول الّلمه تعمالى } ُ‬
‫ّ‬ ‫وما ً ي ُؤ ْ ِ‬ ‫جد ُ ق َ ْ‬ ‫ويبغضون في الّله لقول الّله عز وجل }ل ت َ ِ‬
‫ن ب ِممال َلهِ َوالي َموْم ِ‬ ‫من ُممو َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫وان َهُ ْ‬
‫خم َ‬ ‫م أوْ إ ِ ْ‬ ‫م أوْ أب ْن َمماَءهُ ْ‬ ‫كاُنوا آَباَءهُ ْ‬ ‫ه وَل َوْ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫حاد ّ الّله وََر ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫وا ّ‬ ‫خرِ ي ُ َ‬ ‫ال ِ‬
‫ن{ يعني من كان مؤمنا ً ل تكممون‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ما َ‬ ‫لي َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ب ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ك ك َت َ َ‬ ‫م أوْل َئ ِ َ‬ ‫شيَرت َهُ ْ‬ ‫أوْ ع َ ِ‬
‫له صداقة مع من يخالف أمر الّله ولو كان أباه أو ابنه أو إخوانه وعشمميرته‪،‬‬
‫والخامس أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر لقول الّله عممّز وجممل‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫عممْزم ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ك ِ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫ك إِ ّ‬ ‫صاب َ َ‬ ‫ما أ َ‬ ‫صب ِْر ع ََلى َ‬ ‫منك َرِ َوا ْ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫ه عَ ْ‬ ‫ف َوان ْ َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫مْر ِبال َ‬ ‫}وَأ ُ‬
‫موِر{‪ ،‬والسادس أنهم يعتبرون ويتفكرون في أمر الّله تعالى لقممول الل ّممه‬ ‫ُ‬
‫ال ُ‬
‫ض{‪ ،‬وقمال فمي آيمة أخمرى‬ ‫َ‬ ‫ن ِفي َ ْ‬ ‫فك ُّرو َ‬
‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ق ال ّ‬ ‫خل ِ‬ ‫َ‬
‫عّز وجل }وَي َت َ َ‬
‫ُ‬
‫صاِر{ والسابع يحرسممون قلمموبهم لكيل يتفكممروا فيممما‬ ‫}َفاع ْت َب ُِروا َيا أوِلي الب ْ َ‬
‫صممَر‬ ‫معَ َوالب َ َ‬ ‫س ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫لم يكن فيه رضا الّله سبحانه وتعالى لقول الّله تعالى }إ ِ ّ‬
‫ل{‪ ،‬والثامن أن ل يممأمن مكممر الل ّممه لقممول‬ ‫سُئو ً‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ع َن ْ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ك َ‬ ‫ل أ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫ؤاد َ ك ُ ّ‬ ‫ف َ‬ ‫َوال ُ‬
‫مك َْر الّله ِإل ال َ‬ ‫ْ‬
‫ن{‪ ،‬والتاسع أن ل يقنطوا‬ ‫سُرو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫م ال َ‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ُ‬ ‫الّله تعالى }َفل ي َأ َ‬
‫ب‬‫فُر الذ ُّنو َ‬ ‫ن الّله ي َغْ ِ‬ ‫مةِ الّله إ ِ ّ‬ ‫ح َ‬‫ن َر ْ‬ ‫م ْ‬ ‫طوا ِ‬ ‫قن َ ُ‬ ‫من رحمة الّله لقوله تعالى }ل ت َ ْ‬
‫م{‪ ،‬والعاشر ل يفرحون بما آتاهم الّله من الدنيا‬ ‫حي ُ‬ ‫فوُر الّر ِ‬ ‫ه هُوَ الغَ ُ‬ ‫ميعا ً إ ِن ّ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫َ‬
‫ْ‬
‫م َول‬ ‫مما فَممات َك ُ ْ‬ ‫وا ع َل َممى َ‬ ‫سم ْ‬ ‫ول يحزنون على ما فماتهم لقموله تعمالى }ل ِك َْيل ت َأ َ‬
‫م{‪ ،‬يعني أن العبد ل يعلم بأن الصمملح فيممما يفمموته أو فيممما‬ ‫ما آَتاك ُ ْ‬ ‫حوا ب ِ َ‬ ‫فَر ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫يأتيه فينبغي أن يكون في الحالين سواء‪،‬‬

‫]ص ‪[317‬‬
‫فإن المؤمن مثله مثل الس والمنافق مثل الورد فالس يكممون علممى حممال‬
‫واحد في حال البرد والحر وأممما الممورد فيتغيممر حمماله إذا أصممابه أدنممى آفممة‪،‬‬
‫فكذلك المؤمن يكون حاله عند الشدة وعند الرخاء واحدا ً ويكون راضيا ً بما‬
‫قسم الّله له‪ ،‬وأما المنافق فل يكون راضيا ً بما قسم الّله لممه فيطغممى عنممد‬
‫النعمة ويجزع عند الشدة‪ ،‬فينبغي للمؤمن أن يقتدي بأفعال النبياء والزهاد‬
‫ول ينبغي أن يقتدي بأفعال الكفار والمنافقين‪ ،‬وبالله التوفيق‪.‬‬

‫}باب المواعظ{‬
‫)قال الفقيه( أبو الليث السمرقندي رضي الّله تعالى عنه‪ :‬حدثنا أبو نصر‬
‫الدبوسي منصور بن جعفر الفقيه رحمه الّله تعالى حدثنا أبو القاسم أحمممد‬
‫بن حم حدثنا محمد بن الفضل حدثنا يزيد بن هرون حدثنا محمد بن سمملمه‬
‫عن علي بن يزيد عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري رضممي الل ّممه تعممالى‬
‫عنه قال "خطبنا رسول الّله صلى الّله عليه وسملم بعمد العصمر إلمى مغيمر‬
‫بان الشمس حفظها منا من حفظها ونسيها من نسيها فقممال‪ :‬أل إن الممدنيا‬
‫خضرة حلوة وإن الّله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون أل فاتقوا الممدنيا‬
‫واتقوا النساء‪ ،‬أل إن بني آدم خلقوا علمى طبقمات شمتى فمنهمم ممن يولمد‬
‫مؤمنا ً ويحيا مؤمنا ً ويموت مؤمنا ً ومنهم من يولد مؤمنا ً ويحيا مؤمنا ً ويموت‬
‫كافرا ً ومنهم من يولد كممافرا ً ويحيمما كممافرا ً ويممموت مؤمن مًا‪ ،‬أل وإن الغضممب‬
‫جمرة توقد في قلب ابن آدم ألم تممروا إلممى حمممرة عينيممه وانتفمماخ أوداجممه‬
‫فمن وجد من ذلك شيئا ً فالرض الرض‪ ،‬إل أن خير الرجال من كان بطيء‬
‫الغضب سريع الفء فإذا كان سريع الغضب سريع الرضا فإنها بهمما‪ ،‬أل وإن‬
‫شر الرجال من كان سريع الغضب بطيء الرضا فإن كممان بطيممء الغضممب‬
‫بطيء الرضا فإنها بها‪ ،‬أل وإن خير التجار مممن كممان حسممن الطلممب حسممن‬
‫القضاء فإذا كان حسن الطلب سيء القضاء فإنهمما بهمما أل وإن شممر التجممار‬
‫من كان كان سيء الطلب سيء القضمماء فممإن كممان سمميء الطلممب حسممن‬
‫القضاء فإنها بها‪ ،‬أل وإن لكل غادر لواء يعرف بممه يمموم القيامممة أل ول غممدر‬
‫أكبر من غدر إمام عامة‪ ،‬أل وإن أفصل الجهاد كلمة عدل عنمد إممام جمائر‪،‬‬
‫أل ل يمنعن أحدكم مخافة الناس أن يقول بالحق إذا شهده وعلمه حتى إذا‬
‫كان عند مغيربان الشمس قال‪ :‬أل إنه لم يبق من الدنيا فيما مضى إل كما‬
‫بقى من هذه الشمس أن تغيب"‪.‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا أبي رحمه الّله تعالى حدثنا العباس بن الفضل المدني حمدثنا‬
‫عبد الّله بن عبد الرحمن حدثنا الحكم عن نافع حممدثنا شممعبة عممن الزهممري‬
‫عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الّله تعالى عنممه قممال "شممهدنا‬
‫مع رسول الّله صلى الّله عليه وسلم يوم حنين فقال النبي صلى الّله عليه‬
‫وسلم لرجل ممن يدعي السلم‪ :‬إن هذا من أهل النار‪ ،‬فلما حضر الرجممل‬
‫القتال قاتل الرجل‬

‫]ص ‪[318‬‬
‫أشد القتال‪ ،‬فجاء رجل من أصحاب رسول الّله صلى الّله عليه وسلم إلممى‬
‫رسول الّله صلى الّله عليه وسلم فقال يا رسول الّله أرأيممت الرجممل الممذي‬
‫ذكرت أنه من أهل النار فو الّله ليقاتل في سبيل الل ّممه أشممد القتممال‪ ،‬فقممال‬
‫أما إنه من أهل النار‪ ،‬فكاد بعض الناس يرتاب‪ ،‬فبينما هو على ذلك إذ وجد‬
‫ألم الجراح فأهوى بيده إلممى الكنانممة فاسممتخرج منهمما سممهما ً وتكلممم بكلمممة‬
‫منكرة ونحر نفسه‪ ،‬فاشتد الرجمال ممن المسملمين إلمى النمبي صملى الّلمه‬
‫دق الّله حديثك قد فجممر فلن فقتممل‬ ‫عليه وسلم فقالوا يا رسول الّله قد ص ّ‬
‫نفسه‪ ،‬فقال النبي صلى الّله عليه وسلم قم يا فلن فناد ل يدخل الجنممة إل‬
‫مؤمن" وقال النبي صلى الّله عليه وسلم "إنما العمال بممالخواتيم ل عممبرة‬
‫بكثرة الصلة والصيام وإنما ينظر إلى خاتمة أمره"‪.‬‬
‫ّ‬
‫قال‪ :‬حدثنا أبو يعقوب إسحق بن إبراهيم العطار حدثنا أبو عبد الله محمد‬
‫بن صالح الترمذي حدثنا سويد بن نصر حدثنا ابن المبارك حدثنا سفيان عن‬
‫العمش عن زيد بن وهب عن عبد الّله بن مسعود رضي الل ّممه تعممالى عنممه‬
‫عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم وهو الصممادق المصممدوق "مممن خلممق‬
‫أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما ً نطفة ثم يكون علقممة أربعيممن يوم ما ً‬
‫ثم يكون مضغة أربعين يومًا‪ ،‬ثم يبعث الّله إليه الملك بأربع كلمممات فيقممال‬
‫له اكتب أجلمه وأملممه وعملمه ورزقممه واكتممب شمقيا ً أو سمعيدًا‪ ،‬وإن الرجمل‬
‫ليعمل بعمل أهل الجنة حممتى ممما يكممون بينممه وبينهمما إل ذراع فيسممبق عليممه‬
‫الكتاب فيختم له بعمل أهل النار فيدخلها‪ ،‬وإن أحممدكم ليعمممل بعمممل أهممل‬
‫النار حتى ما يكون بينه وبينها إل ذراع فيسبق عليه الكتاب فيختم له بعمممل‬
‫أهل الجنة فيممدخلها" فهممذا الحممديث موافممق الحممديث الول "إنممما العمممال‬
‫بالخواتيم" فالواجب علمى كمل مسملم أن يمدعوا الّلمه عممز وجممل أن يجعممل‬
‫خاتمته بخير فإن أكثر ما يخاف ذهاب اليمان عند النزع وذكر عن يحيى بن‬
‫معاذ الرازي رحمه الّله تعالى إنه كان يقول‪ :‬اللهم إن أكممثر سممروري فيممما‬
‫أكرمتني باليمان‪ ،‬وأخاف أن تنزعه مني‪ ،‬فما دام هذا الخمموف معممي أرجممو‬
‫أن ل تنزعه مني‪ .‬وسأل أبو القاسم الحكيم بسمرقند رحمه الّله تعالى هل‬
‫من ذنب ينزع اليمان من العبد؟ قال نعم‪ ،‬ثلثة من الممذنوب تنممزع اليمممان‬
‫من العبد‪ :‬أّولها أن ل يشكر الّله على ما أكرمه به من اليممان‪ ،‬والثماني أن‬
‫ل يخاف فمموت اليمممان عنممه‪ ،‬والثممالث أن يظلممم أهممل السمملم‪ .‬وروى عممن‬
‫الحسن البصري رضي الّله تعالى عنه أنه قال‪ :‬يعذب الرجل في النار ألممف‬
‫سنة ثم يخرج منها إلى الجنة‪ ،‬ثم قال الحسن يا ليتني كنت أنا ذلك الرجل‪،‬‬
‫وإنما قال الحسن ذلك لنه خاف عاقبة أمره‪ ،‬هكذا كان الصالحون يخافون‬
‫خاتمة أمرهم‪.‬‬

‫]ص ‪[319‬‬
‫}باب الحكايات{‬
‫)قال الفقيه( أبو الليث رحمه الّله تعالى‪ :‬حدثنا أبي رحمه الّله حدثنا أبو‬
‫الحسن الفراء حدثنا محمد بن حم الفقيممه حممدثنا محمممد بممن حمماتم لهممروي‬
‫حدثنا سويد بن سعيد حدثنا عمرو الكلعي عن قتادة عن أنس رضممي الّلممه‬
‫تعالى عنه قال "جاء رجل إلى النبي صلى الّله عليه وسلم فقال يا رسممول‬
‫الّله أيمنعني سوادي ودمامة وجهي من دخول الجنة؟ قال ل والذي نفسممي‬
‫بيده ما أيقنت بربك وآمنت بما جاء به رسوله‪ ،‬قال فوالذي أكرمك بممالنبوة‬
‫لقد شهدت أن ل إله إل الّله وأن محمدا عبده ورسوله من قبممل أن أجلممس‬
‫هذا المجلس بثمانية أشهر‪ ،‬ولقد خطبت إلى عامة من بحضرتك ومن ليس‬
‫معك فردوني لسوادي ودمامة وجهي‪ ،‬وإني لفي حسب من قومي من بني‬
‫ي سواد أخوالي‪ ،‬فقممال رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه‬
‫سليم ولكن غلب عل ّ‬
‫وسلم هل شهد اليوم عمرو ابن وهب وكان رجل مممن ثقيممف قريممب العهممد‬
‫بالسلم؟ قالوا ل‪ ،‬قال له أتعممرف منزلممه‪ ،‬قممال نعممم‪ ،‬قممال فمماذهب واقممرع‬
‫الباب قرعا رقيقا ثم سلم فإذا دخلت فقل زوجني رسول الل ّممه صمملى الل ّممه‬
‫عليه وسلم فتاتكم‪ ،‬وكان له ابنة عاتقة وكان لها حظ من الجمممال والعقممل‬
‫فلما أتى الباب وقرع وسلم فرحبموا بمه حيمث سممعوا لغمة عربيمة ففتحموا‬
‫الباب‪ ،‬فلما رأوا سواده ودمامة وجهه انقبضوا عنممه فقممال إن رسممول الل ّممه‬
‫صلى الّله عليه وسمملم قممد زوجنممي فتمماتكم فممردوا عليممه ردا قبيحمما‪ ،‬فخممرج‬
‫الرجل ومضى حتى أتى رسول الّله صلى الّله عليممه وسمملم فقممالت الفتمماة‬
‫لبيها النجاة النجاة قبل أن يفضحك الوحي‪ ،‬فإن يك رسول الّله صلى الّلممه‬
‫عليه وسلم قد زوجني منه فقد رضيت بما رضي الّله لي ورسمموله‪ ،‬فخممرج‬
‫الشيخ حتى أتممى رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه وسمملم وجلممس فممي أدنممى‬
‫المجلس‪ ،‬فقال له رسول الّله أنت الذي رددت على رسول الّله ما رددت؟‬
‫قال قد فعلت وأستغفر الله‪ ،‬وظننت أنممه كمماذب فيممما يقممول فأممما إذا كممان‬
‫صدقا فقد زوجناه فنعوذ بالله من سخط الّله وسخط رسوله‪ ،‬فزوجها منممه‬
‫بأربعمائة درهم‪ ،‬فقال رسول الّله صلى الّله عليه وسلم للزوج وهممو سممعيد‬
‫السلمي‪ :‬اذهب إلى صاحبتك فادخل بها‪ ،‬فقال والذي بعثك بممالحق نبيمما ممما‬
‫أجد شيئا حتى أسأل إخواني؟ فقال رسول الّله صلى الّله عليه وسلم مهممر‬
‫امرأتك على ثلثة نفر من المؤمنين‪ ،‬اذهب إلى عثمان بن عفان رضي الّله‬
‫تعالى عنه فخذ منه مائتي درهم‪ ،‬فأعطاه وزاده‪ ،‬واذهب إلى عبمد الرحممن‬
‫ي وخذ منممه‬ ‫بن عوف وخذ منه مائتي درهم‪ ،‬فأعطاه وزاده‪ ،‬واذهب إلى عل ّ‬
‫مائتي درهم‪ ،‬فأعطاه وزاده‪ ،‬فبينما هو في السوق ومعه ما يشتري لزوجته‬
‫فرحا قرير العين إذ سمع صوت النفير ينادي يا خيل الل ّممه اركممبي‪ :‬يعنممي أن‬
‫منادي رسول الّله صلى الّله عليه وسلم ينادي النفير النفيممر‪ ،‬فنظممر نظممرة‬
‫إلى السماء ثم قال اللهم إله السموات والرض وإله محمد صلى الّله عليه‬
‫وسلم لجعلن هممذه الممدراهم اليمموم فيممما يحممب الل ّممه ورسمموله والمممؤمنين‪،‬‬
‫فاشترى فرسا وسيفا ورمحا واشترى مجنة وشد ّ عمامته على بطنه‬

‫]ص ‪[320‬‬
‫واعتجر فلم ير إل جماليق عينيه‪ ،‬حتى وقممف علممى المهمماجرين فقممالوا مممن‬
‫ي رضي الّله تعالى عنه كفوا ً عن‬ ‫هذا الفارس الذي ل نعرفه؟ فقال لهم عل ّ‬
‫الرجل فلعله ممن طرأ عليكم من قبل البحرين أو مممن قبممل الشممام فجمماء‬
‫يسألكم عن معالم دينكم فأحب أن يواسيكم اليمموم بنفسممه‪ ،‬فأقبممل يطعممن‬
‫برمحه ويضرب بسيفه حتى نام به فرسه فنزل وحسر عن ذراعيه وتشمممر‬
‫للقتال‪ ،‬فلما رأى رسول الّله صلى الّله عليممه وسمملم سممواد ذراعيممه عرفممه‬
‫دك‪ ،‬فممما زال‬ ‫فقال‪ :‬أسعد أنت؟ قال نعم بممأبي أنممت وأمممي قممال‪ :‬سممعد جم ّ‬
‫يطعن برمحه ويضرب بسيفه كل ذلك يقتل أعداء الّله إذ قالوا صرع سعد‪،‬‬
‫فخرج رسول الّله صلى الل ّممه عليممه وسمملم مقبل ً نحمموه فأتمماه فرفممع رأسممه‬
‫ووضعه على حجره ومسح عن وجهه التراب بثوبه وقال‪ :‬ما أطيممب ريحممك‬
‫وّأحّبك إلى الّله رسول الله‪ .‬قال‪ :‬فبكى رسول الّله صلى الّله عليه وسمملم‬
‫ض ورب الكعبممة‪ .‬قممال أبممو‬ ‫ثم ضحك ثم أعرض بمموجهه ثممم قممال‪ :‬ورد الحممو ّ‬
‫لبابة‪ :‬بأبي أنت وأمي يا رسول الّله وما الحوض؟ قال‪ :‬حوض أعطانيه ربي‬
‫عرضه ما بين صنعاء إلى بصممرى‪ ،‬حافتمماه مكللتممان بالممدّر واليمماقوت‪ ،‬ممماؤه‬
‫أشد ّ بياضا ً من اللبن وأحلى مممن العسممل‪ ،‬مممن شممرب منممه شممربة ل يظمممأ‬
‫بعدها أبدا‪ ،‬فقممال يما رسمول الل ّممه رأينمماك بكيمت ثممم ضمحكت ثمم أعرضمت‬
‫بوجهك؟ قال‪ :‬أما بكائي فبكيمت شموقا ً إلمى سمعد‪ ،‬وأمما ضمحكي ففرحمت‬
‫بمنزلته من الّله تعالى وكرامته على الله‪ ،‬وأما إعراضي فإني رأيت أزواجه‬
‫ن باديمات خلخيلهممن فأعرضممت‬ ‫من الحور العيممن يتبممادرنه كاشممفات سمموقه ّ‬
‫ن حياء منهن‪ ،‬فأمر بسلحه وفرسه وما كان له من شيء فقال‪ :‬اذهبوا‬ ‫عنه ّ‬
‫به إلى زوجته فقولوا إن الّله قد زوجه خيرا ً من فتاتكم"‪.‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬حدثنا محمد بن داود حدثنا محمد بن‬
‫جعفر الكرابيسي حدثنا إبراهيم بمن يوسممف حممدثنا سممفيان عممن عمممرو بمن‬
‫دينار عن سعد عن عمر رضي الّله تعالى عنهما قال‪ :‬خرج ثلثة نفممر ممممن‬
‫قبلكم ينبسطون في الرض فأصابهم المطممر فلجئوا إلممى غممار‪ ،‬فبينممما هممم‬
‫فيه إذا انقضت صخرة من الجبل فممأطبقت عليهممم بممابه‪ ،‬فقممالوا عفمما الثممر‬
‫وانقطع الخبر وليس لكم إل الّله وصممالح أعمممالكم يعنممي أنممه قممال بعضممهم‬
‫لبعض ادعوا الّله بصالح أعمالكم الذي عملتم فلعل الّلمه يفمّرج عنمما‪ :‬فقممال‬
‫رجل منهم‪ :‬اللهمم إنمك تعلمم أنمه كمان لمي بنمت عمم وأنهما كمانت تعجبنمي‬
‫فراودتها عن نفسها فأبت فأصابتها حاجة شديدة فأتتني وسألني فقلت‪ :‬ل‪،‬‬
‫ت وقممد أصممابتها حاجممة‬ ‫حتى تمكنيني مممن نفسممك فممأبت‪ ،‬ثممم ذهبممت فرجعم ْ‬
‫شديدة‪ ،‬وفي رواية أخرى‪ :‬أن زوجها كان مريضما ً وكممان بينهممما أولد صمغار‬
‫وقد أصابهم القحط‪ .‬قال‪ :‬فأتتني فسألتني المّرة الثالثة والرابعة‪ ،‬فقلممت ل‬
‫حتى تمكنيني من نفسك‪ ،‬فقالت دونك‪ ،‬فلما قعدت منها مقعد الرجمل ممن‬
‫ل لك أن تفك همذا إل بحقمه‪ ،‬فتركُتهما ووفمرت‬ ‫امرأته ارتعدت‪ ،‬فقالت ل يح ّ‬
‫عليها ما احتاجت إليه‪ ،‬اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء‬

‫]ص ‪[321‬‬
‫ج عنا‪ ،‬فانفرجت من باب الغار فرجة‪ ،‬وقال الخممر‪ :‬اللهممم إنممك‬ ‫لوجهك ففر ّ‬
‫ً‬
‫ت حلب ما فجئت أعشمميهما‬ ‫َ‬
‫حلب م ُ‬‫تعلم أنه كان لي أبوان شيخان كبيران‪ ،‬وإني َ‬
‫فوجدتهما نممائمين فكرهممت أن أوقظهممما وخشمميت علممى غنمممي لممو تركتهمما‬
‫لضاعت من السباع فتركت ماشيتي وأمسكت الناء على يممدي حممتى طلممع‬
‫الفجر وغنمي في البرّية‪ ،‬اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغمماء وجهممك‬
‫ففرج عنا‪ ،‬فانفرجت عنهم فرجة أخرى‪ .‬وقال الخر‪ :‬اللهم إنممك تعلممم أنممي‬
‫ممدّين ممن الطعمام‪ ،‬فعملموا لمي‬ ‫استأجرت أجراء يعملمون لمي كمل رجمل ب ُ‬
‫فوفيتهم أجورهم فقال رجل منهم كان عملي أفضل فأعطني أفضل فأبيت‬
‫فغضب‪ .‬وفي رواية أخرى‪ .‬قال‪ :‬جاء رجل آخر في نصف النهار فعمل فممي‬
‫بقية نهاره مثل ما عمل غيره في يومه كله فرأيت أن ل أنقص مممن أجرتممه‬
‫شيئا ً فقممال رجممل منهممم إنممه جمماء وسممط النهممار وأنمما جئت فممي أول النهممار‬
‫ويت بيننا في الجرة‪ ،‬فقلت هل نقصت من أجرتك شيئًا‪ ،‬فغضب وترك‬ ‫فس ّ‬
‫دين فزرعتهما فجاء منه المال فاشتريت من ذلممك‬ ‫أجرته وذهب فأخذت الم ّ‬
‫البقر والغنم والبل وشمميئا ً كممثيرًا‪ ،‬فجمماءني بعممد ذلممك يطلبممه منممي بعممد ممما‬
‫اشتدت حاجته‪ ،‬فقلت انظر كل شيء ههنا فخذه‪ ،‬اللهم إن كنت تعلممم أنممي‬
‫فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا فانفرج عنهم فخرجمموا منهمما‪ .‬وروى هممذا‬
‫الخبر أيضا ً النعمان بن بشير عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم انه كان‬
‫دث حديث الرقيم وذكر هذا الحديث‪ .‬وروى غير النعمان أيضا ً هذا الخممبر‬ ‫يح ّ‬
‫عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم إل أنهم رووه بألفاظ مختلفة‪.‬‬

‫]حكاية[‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه إنه كان في بني إسممرائيل عابممد وكممان‬
‫قد أوتي جمال ً وحسنا ً وكان يعمل القفاف بيده فيبيعها فمّر ذات يوم ببمماب‬
‫الملك فنظرت إليه جارية لمرأة الملك‪ ،‬فدخلت إليها وقالت لها ههنا رجممل‬
‫ي‪ ،‬فممأدخلته فلممما‬‫ن منه يطمموف بالقفمماف‪ ،‬قممالت أدخليممه علم ّ‬
‫ما رأيت أحس ّ‬
‫دخل نظرت إليه فأعجبها فقالت له اطرح هذه القفاف وخذ هذه الملحفممة‪،‬‬
‫وقالت لجاريتها هات الدهن يا جاريممة وهممات الطيممب فتقضممي منممه حاجتهمما‬
‫ويقضيها منا‪ ،‬وقالت ُنغِنك عن بيع هذا‪ ،‬فقال ما أريد ذلك مرارًا‪ ،‬قالت وإن‬
‫لم ترد فإنك غير خارج حتى تقضي حاجتنا منك‪ ،‬وأمرت بالبواب فممُأغلقت‪،‬‬
‫فلما رأى ذلك قال هل فوق قصركم هذا موضع؟ قالت نعممم‪ ،‬ثممم قممالت يمما‬
‫جارية ارقي بوضوئه‪ ،‬فلما رقى جاء إلى ناحية السطح فرأى قصرا ً مرتفعا ً‬
‫ول شيء يتعلق به ليرسل نفسه من السطح‪ ،‬فأخذ يعاتب نفسه ويقول يمما‬
‫نفس أنت منذ سبعين سنة تطلبين رضما المرب الكريمم حريصمة عليمه فمي‬
‫الليل والنهار جاءتك عشية واحدة تفسد عليك هذا كله إنك والله لخائنممة إن‬
‫جاءتك هذه العشية وأفسدت عليك عملك فتلقى الّله ببقيممة عملممك فجعممل‬
‫يعاتبها‪ ،‬قال رسول الّله صلى الّله عليه وسلم‪ :‬فلما تهيأ ليلقي نفسممه قممال‬
‫الّله عز وجل لجبريل يا جبريمل‪ ،‬قمال لبيمك وسمعديك قمال عبمدي يريمد أن‬
‫يقتل نفسه فرارا ً من سخطي ومعصيتي‬

‫]ص ‪[322‬‬
‫فتلقه بجناحيك ل يصيبه مكروه‪ ،‬فبسط جبريل عليه السلم جنمماحه فأخممذه‬
‫به ثم وضعه كما يضع الوالد الرحيم ولده‪ .‬قال‪ :‬فأتى امرأته وترك القفمماف‬
‫وقد غابت الشمس‪ ،‬فقالت له امرأته أين ثمن القفاف؟ فقال لها ما أصبت‬
‫لها ثمنًا‪ ،‬فقالت على أيّ شيء نفطر الليلة؟ قال نصبر ليلتنا هذه‪ ،‬ثم قممال‪:‬‬
‫قومي فاسجري تنممورك فإنمما نكممره أن جيراننمما إذا لممم يرونمما نسممجر التنممور‬
‫اشتغلت قلوبهم بنا‪ ،‬فقامت فسجرته ثم جاءت فقعدت‪ ،‬فجاءت امرأة ممن‬
‫جيرانها فقالت يا فلنة هممل عنممدك وقممود؟ قممالت نعممم ادخلممي فخممذي مممن‬
‫التنور‪ ،‬فدخلت ثم خرجت فقالت يا فلنة مممالي أراك جالسممة تتحممدثين مممع‬
‫فلن وقد نضممج خممبزك فممي التنممور ويكمماد أن يحممترق‪ ،‬فقممامت فممإذا التنممور‬
‫محشوّ خبزا ً نقيا فجعلته في جفنة‪ ،‬ثم جاءت به إلى الزوج فقالت إن ربممك‬
‫لم يصنع بك هذا إل وأنت عليه كريم‪ ،‬فادع الّله أن يبسط علينا بقية عمرنا‪،‬‬
‫فقال لها تصبري على هذا فلم تزل به حتى قال نعم أفعل‪ ،‬فقام في جوف‬
‫الليل يصلي ودعا الّله تعالى وقال‪ :‬اللهممم إن زوجممتي سممألتني فأعطهمما ممما‬
‫تتوسع به في بقية عمرها فانفرج السممقف فنزلممت إليممه كممف عليممه يمماقوته‬
‫أضاء لها البيت كما تضيء الشمس‪ ،‬فغمز رجلها وكانت نائمممة قريبممة منممه‪،‬‬
‫فقال لها اجلسي وخذي ما سألت‪ ،‬فقالت ل تعجل ألهذا أيقظتني قد كنممت‬
‫ي مصممفوفة مممن ذهممب مكللممة‬ ‫رأيممت فممي المنممام كممأني أنظممر إلممى كراس م ّ‬
‫بالياقوت والزبرجد فيها ثلمة‪ ،‬فقلت لمن هممذا؟ قممالوا هممذا مجلممس زوجممك‬
‫فقلت ما هذه الثلمة؟ قالوا ما تعجل به زوجممك‪ ،‬فقلممت ممما لممي حاجممة فممي‬
‫شيء يثلم عليك مجلسك ادع ربك فدعا ربه فرجع الكف‪.‬‬

‫}حكاية{‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬حدثنا أبي رحمه الّله تعممالى بإسممناده عممن‬
‫عبد الّله بن الفرج العابد يقول‪ :‬خرجت يوما ً أطلب رجل ً يروم لي شيئا ً في‬
‫ي برجل حسن الوجه بين يديه مروز وزنبيل‪ ،‬فقلممت‬ ‫الدار‪ ،‬فذهبت فأشير إل ّ‬
‫أتعمل لي اليوم إلى الليممل؟ قممال نعممم‪ ،‬فقلممت بكممم؟ قممال بممدرهم ودانممق‪،‬‬
‫فقلت له قم فقام فعمل ذلك اليوم عمل ثلثة رجال‪ ،‬ثممم أتيتممه فممي اليمموم‬
‫الثاني فسألت عنه قيل لي ذلك الرجل ل يرى في الجمعممة إل يومما ً واحممدا ً‬
‫يوم كذا‪ ،‬فتربصت حتى أتى اليوم الذي وصفوه ثم جئت ذلك اليوم فإذا هو‬
‫جالس وبين يديه مروز وزنبيل‪ ،‬فقلت له أتعمل لي؟ قال نعم‪ ،‬قلممت بكممم؟‬
‫قال بدرهم ودانق‪ ،‬فقلت قم فقام فعمل ذلك اليوم عمل ثلثة رجال‪ ،‬فلما‬
‫كان بالمساء وزنت درهمين ودانقين‪ ،‬وأحببت أن أعلم ممما عنممده‪ ،‬قممال لممم‬
‫هذا؟ قلت درهمان ودانقان‪ ،‬قال ألم أقل لممك بممدرهم ودانممق قممد أفسممدت‬
‫ي أجرتي لست آخذ منك شيئًا‪ ،‬قال فمموزنت لممه درهمما ً ودانقما ً فممأبى أن‬ ‫عل ّ‬
‫ي فممأبى أن‬ ‫ّ‬
‫يأخذ وألححت عليه‪ ،‬فقال سبحان اللممه أقممول ل آخممذ وتلممح عل م ّ‬
‫ت على أهلي فقالت فعل الّله بك ما أردت مممن الرجممل‬ ‫يأخذ ومضى‪ .‬فأقبل ْ‬
‫قد عمل لك عمل ثلثة أيام‬

‫]ص ‪[323‬‬
‫وأفسممدت عليممه أجرتممه‪ ،‬قممال فجئت يوم ما ً أسممأل عنممه فقيممل إنممه مريممض‪،‬‬
‫فاستدللت على بيته فاستأذنت عليمه فمدخلت عليمه فمإذا همو مبطمون فمي‬
‫ي‬
‫خربة ليس في بيته شيء إل ذلك المروز والزنبيل‪ ،‬فسلمت عليه فرد ّ عل ّ‬
‫السلم فقلت له لي إليك حاجة وتعرف فضل إدخال السرور على المممؤمن‬
‫وأنا أحب أن تأتي إلى بيتي أمّرضك‪ ،‬قال أتحب ذلك؟ قلت نعم‪ ،‬قال آتيممك‬
‫ي طعاما ً حتى أسألك‪،‬‬ ‫بثلث شرائط‪ ،‬قلت نعم‪ ،‬قال أحدها أن ل تعرض عل ّ‬
‫ت أن تدفنني في كسائي هذا وجبممتي هممذه‪ ،‬فقلممت‬ ‫قلت نعم‪ ،‬والثانية إذا م ّ‬
‫نعم‪ ،‬قال أما الثالثة فهي أشد ّ منهما وسأخبرك عنها‪ ،‬فحملتممه إلممى منزلممي‬
‫عند الظهر‪ ،‬فلما أصبحت من الغممد نمماداني يمما عبممد اللممه‪ ،‬فممأتيته فقلممت ممما‬
‫شأنك؟ قال الن أخبرك عن حاجتي الثالثة وإنممي قممد احتضممرت‪ :‬يعنممي قممد‬
‫م جبتي ففتحها فإذا فيها خاتم لممه‬ ‫حضرت وفاتي‪ ،‬ثم قال افتح صرة على ك ّ‬
‫فص أخضر‪ ،‬فقال لي إذا أنا مممت ودفنتنممي فخممذ هممذا الخمماتم وادفعممه إلممى‬
‫هارون الرشيد أمير المؤمنين وقل له يقول لك صاحب هذا الخمماتم‪ :‬ويحممك‬
‫ل تموتن على سكرتك هذه إن مت على سكرتك ندمت على ذلك‪.‬‬
‫فلما دفنتممه سممألت عممن يمموم خممروج هممرون الرشمميد وكتبممت لمه القصممة‬
‫وتعّرضت لمه فممدفعتها إليممه وتمأذيت أذى شممديدًا‪ ،‬فلممما دخممل القصممر وقممرأ‬
‫ي يصمماحب هممذه القصممة‪ ،‬فممدخلت إليممه فقممال ممما شممأنك‪.‬‬ ‫القصممة قممال علم ّ‬
‫فأخرجت الخاتم‪ ،‬فلما نظر إلى الخاتم قال لي مممن أيممن لممك هممذا؟ فقلممت‬
‫ي رجل طيان‪ ،‬ونظرت إلى دممموعه تتحممدر مممن عينيممه علممى لحيتممه‬ ‫دفعه إل ّ‬
‫ومن لحيته على ثيابه ويقول طيان طيان وقربنممي منممه وأدنمماني‪ ،‬فقلممت يمما‬
‫أمير المؤمنين إنه أوصاني السلم أيضا ً وقال لممي إذا أوصمملت إليممه الخمماتم‬
‫قل له إنه يقرؤك صماحب همذا الخماتم السمملم ويقمول لمك ل تمموتن علممى‬
‫سكرتك هذه فإنك إن مت علممى سممكرتك هممذه نممدمت‪ ،‬فقممام علممى رجليممه‬
‫قائما ً فضرب بنفسه على البساط وهو يتقلب برأسه ولحيته ويقول يمما بنممي‬
‫نصحت أباك حيا ً وميتًا‪ ،‬فقلت في نفسي كممأنه ابنممه ولممم أشممعر بممه‪ ،‬فبكممى‬
‫بكاء طويل ً ثم جلس وجاءوا بالممماء وغسممل وجهممه ثممم قممال كيممف عرفتممه؟‬
‫فقصصت عليه القصة بكى بكاءا ً شديدا ً طويل ً ثم قال‪ :‬كان هذا أول مولود‬
‫ولد لي فكان أبي المهدي‪ ،‬ذكر لي أن يزوجنممي زبيممدة فنظممرت يوم ما ً إلممى‬
‫امرأة فعلق قلبي بها فتزوجتها سرا ً من أبي وأولدتها هذا الولممد‪ ،‬فأنقممذتهما‬
‫إلى البصرة ودفعممت إليهممما همذا الخماتم وأشممياء كمثيرة وقلمت لهمما اكتمممي‬
‫نفسك فإذا بلغك إني قد قعدت للخلفة فأتيني‪ ،‬فلما قعدت للخلفة سألت‬
‫عنهما فذكر لي أنهما ماتا ولم أعلم أنه باق فأين دفنتممه؟ فلممت دفنتممه فممي‬
‫مقابر عبد الّله بن المبارك‪ ،‬قال إن لي إليممك حاجممة إذا كممان بعممد المغممرب‬
‫وقفت لي حتى أخرج إليك متنكرا ً فممأخرج إلممى قممبره فممأزوره فمموقفت لممه‬
‫فخرج والخدم حوله حتى وضع يده في يدي فجئت به إلى قممبره‪ ،‬فممما زال‬
‫ليلته‬

‫]ص ‪[324‬‬
‫يبكي إلى الصبح ويقول يا بني نصحت أباك حيا ً وميتًا‪ ،‬فجعلت أبكي لبكممائه‬
‫رقة مني له حتى طلع الفجر‪ ،‬ثم رجع حتى إذا دنا إلى الباب فقال لممي قممد‬
‫أمرت لك بعشرة آلف درهم وأمرت بأن تجري عليك فإذا أنا مت أوصمميت‬
‫من يلي من بعدي أن يجري عليك ما بقي لممك عقممبى فممإن لممك علممي حقما ً‬
‫بدفنك ولدي‪ ،‬فلما أراد أن يدخل الباب قال لي انظممر إلممى ممما أوصمميتك إذا‬
‫طلعت الشمس‪ ،‬فقلت إن شاء الّله فرجعت من عنده فلم أعد إليه‪.‬‬

‫}حكاية{‬
‫)قال الفقيه( رحمه الّله حدثنا العباس بن الفضمميل حممدثنا يحيممى بممن أبممي‬
‫حاتم عن همام بن سمرة عن ليث بن خالد عن يزيد بن هارون عممن يحيممى‬
‫ي بممن أبممي طممالب‬ ‫ابن موسى عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة عن عل م ّ‬
‫رضي الّله تعالى عنهم قال "لما آخى نبي الّله صلى الّله عليممه وسمملم بيممن‬
‫المسلمين آخى بين سعيد بن عبد الرحمن وبين ثعلبة النصاري‪ ،‬وغزا نممبي‬
‫الّله صلى الّله عليه وسلم غزوة تبوك فخرج سعيد بن عبد الرحمممن غازيمما ً‬
‫وخلف أخاه ثعلبة في أهله فكان يحتطب لهله الحطب ويستقي لهم الممماء‬
‫على ظهره في كل ذلك يرجو ثواب من الّله تعالى‪ ،‬فأقبل ثعلبممة ذات يمموم‬
‫فدخل المنزل فجاءه إبليس لعنه الّله فقال له انظر ما خلف الستر‪ ،‬فرفممع‬
‫ثعلبة الستر فرأى امرأة أخيه وكانت امممرأة جميلممة فلممم يصممبر حممتى دخممل‬
‫سها‪ ،‬فقالت له يا ثعلبة ما حفظت فينمما حرمممة أخيممك الغممازي فممي‬ ‫عليها وم ّ‬
‫سبيل الله‪ .‬فنادى ثعلبممة بالويممل والثبممور وخممرج هارب ما ً إلممى الجبممل‪ ،‬فنممادى‬
‫واد‬ ‫واد بممالمغفرة وأنمما العم ّ‬
‫بأعلى صمموته إلهممي أنممت أنممت وأنمما أنمما أنممت العم ّ‬
‫بالذنوب والخطايا‪.‬‬
‫فلما أقبل النبي صلى الّله عليه وسلم من غزوتممه أقبممل جميممع الخمموان‬
‫يتلقون إخوانهم ولم يستقبل أخممو سممعيد‪ ،‬فأقبممل سممعيد إلممى منزلممه فقممال‬
‫لمرأته يا هذه ما فعل أخي المؤاخي في الله؟ قالت إنه ألقى بنفسممه فممي‬
‫بحور الخطايا فخرج هاربا ً إلممى الجبممل‪ ،‬فخممرج سممعيد يطلممب أخمماه فوجممده‬
‫منكبا ُ على وجهه واضعا ً يده على رأسه ينممادي بممأعلى صمموته واذل مقاممماه‬
‫مقام من عصى ربه‪ ،‬فقال له سعيد قم يا أخمي فمما المذي بلغمك مما أرى؟‬
‫ل يديّ إلى عنقي وتقممودني كممما يقمماد‬ ‫فقال ثعلبة لست بقائم معك حتى تغ ّ‬
‫العبد الذليل إلممى بماب ممموله‪ ،‬ففعممل وكممانت لمه ابنممة يقممال لهمما خمصممانة‪،‬‬
‫فأقبلت تقود أباها حتى أتت به إلى باب عمر رضي الّله تعالى عنه‪ ،‬فممدخل‬
‫عليه فقال لمست امرأة أخي الغازي في سبيل الّله فهممل لممي مممن توبممة؟‬
‫فقال عمر‪ :‬أخرج من عندي فقد هممت أن أقوم إليك وآخذ بشعرك أخممرج‬
‫من عندي فل توبة لك عندي‪ ،‬فانطلق من عنده إلى باب أبو بكر رضي الّله‬
‫تعالى عنه‪ ،‬فلما دخل قال لمست امرأة أخي الغازي في سبيل الل ّممه فهممل‬
‫لي من توبة؟ فقال أبو بكر الصديق رضي الّله تعالى عنه‪ :‬أخرج من عندي‬
‫ل تحرقني بنارك فل توبة لك عندي أبدا‪ ،‬فخرج مممن عنممده إلممى بمماب علممي‬
‫رضي الّله تعالى عنه وقال‪ :‬لمست امرأة أخي الغازي في سبيل الّله فهل‬
‫لي من توبة؟ فقال له‪ ،‬أخرج من عندي‬

‫]ص ‪[325‬‬
‫فل توبة لك عندي أبدًا‪ ،‬فخرج من عنده وهو يقممول يمما أخممي ويمما ابنممتي قممد‬
‫آيسني هؤلء النفر وأرجو أن ل يؤيسني رسول الّله صلى الّله عليه وسلم‪،‬‬
‫فأتت به ابنته إلى باب رسول الّله صلى الّله عليه وسلم‪ ،‬فلما دخممل عليممه‬
‫نظر إليه رسول الّله صلى الّله عليه وسلم فقممال‪ :‬ذكرتنممي سلسممل جهنممم‬
‫ي الّله بأبي أنت وأمي لمسممت امممرأة أخممي الغممازي‬ ‫وأغللها‪ ،‬فقال له يا نب ّ‬
‫في سبيل الّله فهل لي من توبة؟ قال النبي صلى الّله عليممه وسمملم أخممرج‬
‫من عندي فل توبة لك عندي أبدًا‪ ،‬فخرج فقالت له ابنته يا أبممت لسممت لممي‬
‫بوالد ول أنا لك بابنة حتى يرضى عنك محمد عليه الصلة والسلم وأصحابه‬
‫فأقبل ثعلبة هاربا ً إلى الجبل ينادي بمأعلى صموته يما رب أتيممت عمممر فمأراد‬
‫ضربي‪ ،‬وأتيت أبا بكر فانتهرني‪ ،‬وأتيت عليا فطردنممي‪ ،‬وأتيممت النممبي صمملى‬
‫الّله عليه وسلم فآيسني‪ ،‬فما أنت يا مولي صانع بي أن تقول لدعائي نعممم‬
‫أو تقول ل‪ ،‬فإن قلت ل فيا ويلتاه ويا شقوتاه ويمما نممدامتاه‪ ،‬وإن قلممت نعممم‬
‫فطوبى لي‪ .‬قال‪ :‬فأقبل ملك من السماء وهو يقول للنبي صلى الّلمه عليممه‬
‫وسلم‪ :‬يقول الّله تعالى أنت خلقت الخلق أو أنا؟ قال بممل أنممت يمما سمميدي‪،‬‬
‫قال يقول لك الجبار تبارك وتعالى بشر عبدي أني غفرت لممه‪ .‬قممال‪ :‬فقممال‬
‫النبي صلى الّله عليه وسلم من يأتيني بثعلبممة؟ قممال فقممام أبممو بكممر وعمممر‬
‫ي‬‫رضي الّله تعالى عنهممما فقممال يمما رسممول الل ّممه نحممن نممأتي بممه‪ ،‬فقممام علم ّ‬
‫وسلمان رضي الّله تعالى عنهما فقال يا رسول الل ّممه نحممن نممأتي بممه‪ .‬فممأذن‬
‫ي وسلمان فخرجا وأخذا في وجهه فانطلقمما فممإذا هممما بممراع مممن رعمماة‬ ‫لعل ّ‬
‫ي كرم الّله وجهه هل رأيت رجل ً مممن أصممحاب رسممول‬ ‫المدينة‪ ،‬فقال له عل ّ‬
‫الّله صلى الّله عليه وسلم؟ قال الراعي عسى أنكما تطلبممان الهممارب مممن‬
‫ن عليممه الليممل حضممر هممذا‬ ‫جهنم؟ قال نعم‪ .‬فدلنا على موضممعه‪ ،‬قممال إذا جم ّ‬
‫ل مقاممماه‬ ‫الوادي حتى يجيء تحت هذه الشجرة ثم ينادي بأعلى صمموته واذ ّ‬
‫ن عليهممما الليممل إذ أقبممل ثعلبممة فممأتى‬ ‫م من عصى ربه فأقاممما حممتى جم ّ‬ ‫مقا ُ‬
‫الشجرة فخّر تحتها ساجدا ً باكيًا‪ ،‬فلما سمع بكاءه سلمان مشى إليه فقممال‬
‫يا ثعلبة قم فإن رب العالمين قد غفر لك؟ قال كيف تركتما حبيبي محمممدا ً‬
‫صلى الّله عليه وسلم؟ قال سلمان كما يحب الّله وتحب أنممت‪ ،‬فلممما أقممام‬
‫بلل الصلة أدخله المسجد فأقاممماه فممي آخممر الصممف‪ ،‬فقممرأ رسممول الل ّممه‬
‫حّتمى‬ ‫كماث ُُر{ فشمهق شمهقة فلمما تلمى } َ‬ ‫صلى الّله عليه وسلم }الَهماك ُ ْ‬
‫م الت ّ َ‬
‫قاب َِر{ شهق شهقة أخرى وفارق الممدنيا‪ ،‬فلممما انفتممل النممبي صمملى‬ ‫م َ‬
‫م ال َ‬ ‫ُزْرت ُ ْ‬
‫الّله عليه وسلم جاء إلى ثعلبة فقممال يمما سمملمان انضممح عليممه الممماء فنممادى‬
‫ي الّله قد فارق الدنيا‪ ،‬فأقبلت ابنته فقالت يا نبي الّله ما فعممل‬ ‫سلمان يا نب ّ‬
‫والدي فإني كنت بالشواق إليه؟ قال ادخلممي المسممجد‪ ،‬فممدخلت فممإذا هممي‬
‫بوالدها ميت مسجى‪ ،‬فوضعت يدها على رأسها ثمم أنشمأت تنمادي واغمماه‬
‫فمن لي بعدك يا أبتاه‪ ،‬فقال النبي صلى الّله عليه وسمملم يمما خمصممانة أممما‬
‫ترضين أن أكون لك والدا ً وتكون فاطمة لك أختًا؟ فقممالت بلممى يمما رسممول‬
‫الله‪ ،‬فلما حمل ثعلبة أقبل النبي صلى الّله عليه وسلم يتبع جنازته حتى إذا‬
‫بلغ شفير القبر أقبل يمشي على أطممراف أصممابعه؟ فلممما رجممع قممال عمممر‬
‫رضي الّله تعالى عنه يا رسول الّله رأيتك تمشممي علممى أطممراف أصممابعك؟‬
‫قال يا عمر ما قدرت أن أضع باطن قدمي من كثرة الملئكة"‪.‬‬

‫]ص ‪[326‬‬
‫)قال الفقيه( رضي الله تعالى عنه‪ :‬قد روي هذا الخبر بألفمماظ مختلفممة‪،‬‬ ‫ّ‬
‫شم ً َ‬
‫ة أوْ ظ َل َ ُ‬
‫ممموا‬ ‫ذا فَعَل ُمموا َفا ِ‬
‫ح َ‬ ‫ن إِ َ‬ ‫ويقال هممذه اليممة نزلممت فممي شممأنه }َوال ّم ِ‬
‫ذي َ‬
‫ب ِإل الل ّم ُ‬
‫ه{ إلممى‬ ‫ن ي َغْفِ مُر ال مذ ُّنو َ‬
‫مم ْ‬ ‫فُروا ل ِذ ُُنوب ِهِ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫م ذ َك َُروا الّله َفا ْ‬
‫ست َغْ َ‬ ‫سه ُ ْ‬ ‫أ َن ْ ُ‬
‫ف َ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫قوله }ون ِع َ‬
‫مِلي َ‬‫جُر الَعا ِ‬
‫مأ ْ‬‫َ ْ َ‬

‫}حكاية{‬
‫)قال الفقيه( رضي الّله تعالى عنه‪ :‬حممدثنا أبممي رحمممه الل ّممه تعممالى حممدثنا‬
‫محمد ابن موسى بن رجاء رفعه إلى أحنف بن قيس قال‪ :‬قممدمت المدينممة‬
‫وأنا أريد عمر بن الخطاب رضي الّله تعممالى عنممه‪ ،‬فممإذا أنما بحلقممة عظيمممة‬
‫فإذا بكعب الحبار يحدث الناس ويقول "لما حضممر آدم الوفمماة قممال يمما رب‬
‫سيشمت بي عدوي إذا رآني ميتا ً وهو منظر إلى الوقت المعلوم فقيممل لممه‬
‫يا آدم إنك تردى الجنة ويؤخر الملعممون إلممى النظممرة ليممذوق بعممدد الّوليممن‬
‫والخرين ألم الموت‪ ،‬ثم قال آدم عليه الصلة والسلم لملك الموت‪ :‬صف‬
‫لي كيف تذيقه الممموت‪ ،‬فلممما وصممفه قممال آدم رب حسممبي حسممبي‪ ،‬فضممج‬
‫الناس وقالوا يا أبا إسحاق يرحمك الّله حدثنا كيف يذوق الموت؟ فممأبى أن‬
‫يقول‪ ،‬فألحوا عليه فقال‪ :‬إنه إذا كان آخر الدنيا وقربت النفخة فإذا النمماس‬
‫قيام في أسواقهم وهم يتخاصمون ويتجرون ويتحدثون إذا هم بهده عظيمة‬
‫يصممعق فيهمما نصممف الخلئق فل يفيقممون منهمما مقممدار ثلثممة أيممام‪ ،‬والنصممف‬
‫الباقي من الناس تممذهل عقممولهم فيبقممون مندهشممين قيامما ً علممى أرجلهممم‬
‫كالغنم الفزعة حيت ترى سبعًا‪ ،‬فبينما الناس في همذا الهمول إذا همم بهمدة‬
‫بين السماء والرض غليظة كصوت الرعد القاصف فل يبقممى علممى ظهرهمما‬
‫أحد إل مات فتفنى الدنيا ول يبقى آدمي ول جني ول شيطان ول وحممش ول‬
‫دابة‪ ،‬فهذه النظرة المعلومة التي كانت بين الل ّممه تعممالى وبيممن إبليممس‪ ،‬ثممم‬
‫يقول الّله عز وجل لملك الموت‪ :‬إني خلقممت لممك بعممدد الوليممن والخريممن‬
‫أعوانا ً وجعلت فيك قوة أهل السممموات وأهممل الرض وإنممي ألبسممك اليمموم‬
‫أثواب الغضب والسخط كلها فأنزل بغضبي وسخطي إلى ملعوني ورجيمي‬
‫إبليس فأذقه الموت واحمل عليه من الموت مرارة الّولين والخريممن مممن‬
‫الجن والنس أضعافا ً مضاعفة‪ ،‬وليكن معك من الزبانية سبعون ألممف ملممك‬
‫قد امتلئوا غيظا ً وليكن مع كمل زيانيمة سلسملة ممن سلسمل لظمى‪ ،‬وانمزع‬
‫روحه المنتن بسبعين ألف كلبة من كلليب لظى‪ ،‬وناد مالكما ً ليفتممح أبمواب‬
‫النيران فينزل ملممك الممموت بصممورة لممو نظممر إليممه أهممل السممموات السممبع‬
‫والرضين السبع لذابوا كلهم من هول رؤية ملك الممموت‪ ،‬فممإذا انتهممى إلممى‬
‫إبليس وزجره زجرة إذ هو صعق منها ونخر نخرة لو سمعه أهممل المشممرق‬
‫والمغرب لصعقوا من تلك النخرة‪ ،‬وملك الموت يقول قف يا خبيث لذيقك‬
‫اليوم الموت بعدد من أغويت كم من عمر أدركته وكم مممن قممرون أضممللت‬
‫وكم من قرناء لك بسواء الجحيممم يقارنونممك‪ ،‬وهممذا المموقت المعلمموم الممذي‬
‫بينك وبين ربك وإلى أين تهرب فيهممرب الشمميطان إلممى المشممرق فممإذا هممو‬
‫بملك الموت بين عينيه فيغوص في البحار فممإذا هممو بملممك الممموت فممترميه‬
‫البحار فل تقبله فل يزال يهرب في الرض‬

‫]ص ‪[327‬‬
‫ول محيص ول ملجأ ول منجا‪ ،‬ثم يقوم في وسط الدنيا عنممد قممبر آدم عليممه‬
‫ولت معلون ما ً رجيم ما ً فيمما ليتممك لممم تخلممق‪،‬‬
‫السلم ويقول من أجلك يا آدم ح ّ‬
‫فيقول لملك الموت بأي كأس تسممقيني‪ :‬يعنممي بممأي عممذاب تقبممض روحممي‪،‬‬
‫فيقول ملك الموت بكأس أهل لظى‪ :‬يعني مثل عذاب أهل النممار‪ ،‬وبكممأس‬
‫أهل سقر وبكأس أهل الجحيم أضعافا ً مضاعفة قممال‪ :‬وإبليممس يتمممرغ فممي‬
‫التراب مرة ويصيح أخرى ويهمرب ممرة ممن المشمرق إلمى المغمرب وممن‬
‫المغرب إلى المشرق حتى إذا كان في الموضع الذي أهبط فيممه يمموم لعممن‬
‫وقد نصبت له الزبانية الكلليب وصارت الرض كالجمرة وتحتوشه الزبانيممة‬
‫فيطعنونه بالكلليب فيكون في النزع والعذاب إلى ما شاء الله‪ ،‬ويقال لدم‬
‫وحواء اطلعا اليوم إلى عممدّوكما وانظممرا ممما نممزل بممه كيممف يممذوق الممموت‪،‬‬
‫دة العذاب والممموت قممال ربنمما قممد‬
‫فيطلعان فإذا نظرا إلى ما هو فيه من ش ّ‬
‫أتممت النعمة‪.‬‬

‫]حكاية الشاب الذي باع نفسه[‬


‫قال الفقيه رضي الّله تعالى عنه‪ :‬حدثني أبي رحممه الّلمه تعمالى بإسمناده‬
‫عن عبد الواحد بن زيد رحمهم الّله تعالى قال‪ :‬بينما أنا يوم ما ً فممي مجلسممنا‬
‫هذا وقد تهيأنا للخممروج إلممى الغممزو‪ ،‬وقممد أمممرت أصممحابي أن يتهيئوا غممداة‬
‫م‬
‫سمهُ ْ‬ ‫ن َأن ُ‬
‫ف َ‬ ‫مِني َ‬‫ممؤ ْ ِ‬
‫ن ال ُ‬
‫مم ْ‬ ‫ن الّله ا ْ‬
‫شت ََرى ِ‬ ‫الثنين وقد قرأ رجل في مجلسنا }إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ة{ الية‪ ،‬فقام غلم ابن خمس عشممرة سممنة أو نحممو‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬
‫م ال َ‬ ‫وال َهُ ْ‬
‫م ب ِأ ّ‬ ‫م َ‬
‫وَأ ْ‬
‫ذلك وقد مات أبوه وأورثه مال ً كثيرًا‪ ،‬فقال يا عبد الواحممد إن الل ّممه اشممترى‬
‫من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة‪ ،‬فقلممت نعممم حبيممبي‪ ،‬فقممال‬
‫لي إني أشهدك يا عبد الواحد أن قد بعممت نفسممي ومممالي بممأن لممي الجنممة‪،‬‬
‫فقلت له إن حد السيف أشد من ذلك وأنت صبي وإني أخمماف عليممك أن ل‬
‫تصبر وتعجز عن ذا البيع‪ .‬قال‪ :‬فقال لي يا عبد الواحد إني أبايع الّله بالجنة‬
‫ثم أعجز إني أشهدك أني بايعت الله‪ ،‬فقال فتقاصرت إلينمما أنفسممنا‪ ،‬فقلنمما‬
‫صبي يفعل ونحن ل نفعل‪ .‬قال‪ :‬فخرج من ماله كلممه‪ :‬يعنممي تصممدق بممه‪ ،‬إل‬
‫فرسه وسلحه ونفقته‪ ،‬فلما كممان يمموم الخممروج كمان أّول ممن طلممع علينمما‪،‬‬
‫فقال السمملم عليممك يمما عبممد الواحممد‪ ،‬فقلممت وعليممك السمملم ورحمممة الل ّممه‬
‫وبركاته ربح البيع‪ ،‬ثم سرنا وهو معنا يصمموم النهممار ويقمموم بالليممل ويخممدمنا‬
‫ويرعى دوابنا ويحرسنا إذا بتنا حتى دفعنا إلى بلد الروم‪ ،‬فبينما نحن كذلك‬
‫يوما ً إذ أقبل وهو ينادي واشوقاه إلى العيناء المرضممية حممتى قممال أصممحابي‬
‫لعله وسوس الغلم أو خلط عقله حتى دنا‪ ،‬وجعل ينممادي يمما عبممد الواحممد ل‬
‫صبر لي واشوقاه إلممى العينمماء المرضممية‪ ،‬فقلممت حبيممبي وممما هممذه العينمماء‬
‫المرضية قال إني غفوت غفوة‪ :‬يعني نمممت نومممة‪ ،‬فرأيممت كممأنه أتمماني آت‬
‫ب بك إلى العيناء المرضية فهجم بي على روضة فيهمما شممط نهممر‬ ‫فقال اذه ُ‬
‫ي والحلممل ممما‬ ‫من ماء غير آسن‪ ،‬فإذا على شط النهر جوار عليهن من الحل ّ‬
‫ل أصف‪ ،‬فلما رأينني استبشرن وقلن هذا زوج العينمماء المرضممية قممد قممدم‪،‬‬
‫ن العيناء المرضية؟ فقلن نحن خدم لها وإماؤهمما‪،‬‬ ‫فقلت السلم عليكن أفيك ّ‬
‫فتقدم أمامك فتقدمت‬

‫]ص ‪[328‬‬
‫فإذا بنهر فيه لبن لم يتغير طعمه في روضة فيها من كل زينممة فيهمما جمموار‪،‬‬
‫ن‪ ،‬فلممما رأيننممي وقلممن هممذا زوج‬ ‫ن وجممماله ّ‬ ‫ن افتتنت مممن حسممنه ّ‬ ‫فلما رأيته ّ‬
‫ن العينمماء‬ ‫العينمماء المرضممية قممد قممدم علينمما‪ ،‬فقلممت السمملم عليكممن أفيك م ّ‬
‫ي الّله نحن خدم لها وإماء لهمما فتقممدم‬ ‫المرضية؟ فقلن وعليك السلم يا ول ّ‬
‫أمامك‪ ،‬فتقدمت فممإذا بنهممر آخممر مممن خمممر علممى شممط المموادي فيممه جمموار‬
‫ن أفيكن العيناء المرضية؟ فقلممن ل‬ ‫أنسينني من خّلفت‪ ،‬فقلت السلم عليك ّ‬
‫نحن إماء لها وخدم لها امض أمامك‪ ،‬فتقممدمت فممإذا بنهممر آخممر مممن عسممل‬
‫مصفى وروضة فيها جوار لهن من النور والجمال ممما أنسمماني مممن خلفممت‪،‬‬
‫ي الرحمممن نحممن‬ ‫فقلت السلم عليكن أفيكن العيناء المرضية؟ قلممن يمما ول م ّ‬
‫وفممة علممى‬ ‫إماؤ لها امض أمامك‪ ،‬فتقدمت فمموقعت فممي خيمممة مممن درة مج ّ‬
‫ي والحلممل ممما ل أوصممفه فلممما رأتنممي‬ ‫بمماب الخيمممة جاريممة عليهمما مممن الحلم ّ‬
‫استبشرت ونادت من الخيمة أيتها العناء المرضية هذا بعلك قد قدم‪ ،‬قممال‪:‬‬
‫فدنوت من الخيمة فدخلت فإذا هممي علممى سممريرها قاعممدة وسممريرها مممن‬
‫ذهب مكلل بالدّر والياقوت‪ :‬فلما رأيتها افتتنت فيها وهي تقول مرحبا ً بول ّ‬
‫ي‬
‫ن‬‫الرحمن قد دنا لك القدوم علينا‪ .‬فذهبت لعتنقها فقالت مهل ً فإنه لممم يممأ ِ‬
‫لك أن تعانقني فإن فيك روح الحياة وأنت تفطر الليلة عنممدنا إن شمماء الل ّممه‬
‫تعالى‪ ،‬فانتبهت يا عبمد الواحمد ول صمبر لمي عنهما‪ .‬قمال عبمد الواحمد‪ :‬فمما‬
‫انقطع كلمنا حتى ارتفعت لنا سرية من العدوّ فحملنا عليهم وحمل الغلم‪.‬‬
‫ت‬
‫قال فعددت تسعة من العدوّ الذين قتلهم الغلم وكان هو العاشممر فمممرر ْ‬
‫به وهو يتشحط في دمه فضحك ملء فيه حتى فارق الدنيا‪.‬‬

‫]حكاية جريج الراهب[‬


‫)قال الفقيه( رحمه الّله تعالى‪ :‬حدثنا الفقيه أبو جعفر رحمممه الل ّممه تعممالى‬
‫ي بن محمد حدثنا عبد الّله بن بشممير بإسممناده عممن يزيممد بممن‬ ‫قال‪ :‬حدثنا عل ّ‬
‫حوشب عن أبيه رضي الّله تعالى عنهم قال‪ :‬سمعت رسول الّله صلى الّله‬
‫عليه وسلم يقول‪" :‬لو كان جريج الراهب فقيها ً لعلم أن إجابته أمممه أفضممل‬
‫من عبادة ربه" قال‪ :‬سمعت غيره يذكر قصة جريج إنه كان راهبا ً فممي بنممي‬
‫إسرائيل يعبد الّله تعممالى فممي صممومعته فجمماءته أمممه يومما ً وهممو قممائم فممي‬
‫الصلة فنممادته يمما جريممج فلممم يجيهمما لشممتغاله بصمملته‪ ،‬فقممالت ابتلك الل ّممه‬
‫بالمومسات‪ :‬تعني الزواني‪ ،‬وكانت امرأة في تلك البلدة خرجت لحاجة لهما‬
‫فأخذها راع فواقعها عند صممومعة جريممج فحملممت‪ ،‬وكممان أهممل تلممك البلممدة‬
‫يعظمون أمر الزنا فظهر أمر تلك المممرأة فممي البلممد‪ ،‬فلممما وضممعت حملهمما‬
‫أخبر الملك أن امرأة قد ولدت من الزنا‪ ،‬فدعاها فقال من أين هذا الولممد؟‬
‫قالت من جريج الراهب قد واقعنممي‪ ،‬فبعممث الملممك أعمموانه إليممه وهممو فممي‬
‫الصلة فنادوه فلم يجبهم حتى جاءوا بالمرازب وهممدموا الصممومعة وجعلمموا‬
‫في عنقه حبل ً فجاؤا به إلى الملك‪ ،‬فقال له الملك إنك قممد جعلممت نفسممك‬
‫عابدا ً ثم تهتك حرم الناس‪.‬‬

‫]ص ‪[329‬‬
‫وتتعاطى ما ل يحل لك؟ قال‪ :‬أي شيء فعلت؟ قال إنك قممد زنيممت بممامرأة‬
‫دقوه فقممال‬ ‫دقوه وحلممف علممى ذلمك فلممم يصم ّ‬ ‫كذا‪ ،‬فقال لم أفعل فلممم يصم ّ‬
‫دوه إلى أمه فقال لها يا أماه إنك قد دعوت الل ّممه علم ّ‬
‫ي‬ ‫دوني إلى أمي‪ ،‬فر ّ‬
‫ر ّ‬
‫فاستجاب الّله دعاءك فادعي الل ّممه أن يكشممف عنممي بممدعائك فقممالت أمممه‪.‬‬
‫اللهم إن كان جريج إنممما أخممذته بممدعوتي فاكشممف عنممه فرجممع جريممج إلممى‬
‫الملك فقال أين هذه المرأة وأين الصبي‪ ،‬فجاءوا بالمرأة والصبي فسألوها‬
‫فقالت المرأة بلى هذا الذي فعل بي‪ ،‬فوضع جريج يده علممى رأس الصممبي‬
‫وقال بحق الذي خلقك أن تخبرني من أبوك؟ فتكلم الصبي بإذن الّله وقال‬
‫إن أبي فلن الراعي‪ .‬فلما سمعت المرأة ذلك اعترفت بممالحق وقممالت قممد‬
‫صدقت وكنت كاذبة وإنما فعل بممي فلن الراعممي‪ .‬وفممي روايممة‪ :‬إن المممرأة‬
‫كانت حامل ً لم تضع حملها بعد فقال لها أين أصابك؟ قممالت تحممت شممجرتك‬
‫وكانت الشجرة تحت صومعته‪ ،‬قال جريج أخرجوني إلى تلك الشممجرة‪ ،‬ثممم‬
‫قال يا شجرة أسألك بالذي خلقك أن تخبريني من زنى بهذه المرأة؟ فقال‬
‫كل غصن منها راعي الضأن‪ ،‬ثم طعن بأصبعه في بطنها وقال يمما غلم مممن‬
‫أبوك؟ فنادى من بطنها أبي راعي الضأن‪ ،‬فاعتذر الملك إلى جريج الراهب‬
‫وقال ائذن لي أن أبني صومعتك بالذهب؟ قال ل‪ ،‬فبالفضة؟ قال ل‪ ،‬ولكممن‬
‫بالطين كما كانت فبنوها بالطين كما كانت‪ :‬وروى إبراهيم عممن مهمماجر بممن‬
‫ي في حال صغره وهو طفل إل أربعة‪ :‬عيسى ابن‬ ‫مجاهد قال؟ ما تكلم صب ّ‬
‫مريم عليهما السلم‪ ،‬وصمماحب الخممدود وصمماحب جريممر الراهممب وصمماحب‬
‫ن أ َهْل ِهَمما{‬
‫مم ْ‬ ‫ش مهِد َ َ‬
‫شمماه ِد ٌ ِ‬ ‫يوسف عليه السلم وهو قوله سبحانه وتعالى }وَ َ‬
‫والحمد لله رب العالمين‪ ،‬وصلته وسلمه علممى أشممرف المرسمملين سمميدنا‬
‫محمد خاتم النبيين والمرسلين وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته أجمعيممن‪،‬‬
‫وحسبنا الّله ونعم الوكيل آمين‪.‬‬
‫وهذا نقل من باب الدعاء والتسبيحات‪:‬‬
‫ي رضي الّله تعالى عنهما أنه قال‪ :‬أنا ضامن لمممن قممرأ‬ ‫عن الحسن بن عل ّ‬
‫ص عاد وسبع ضار‬ ‫عشرين آية من شّر كل شيطان مارد وسلطان ظالم ول ّ‬
‫أن ل يضره‪ ،‬وهي آية الكرسي‪ ،‬وثلث آيممات مممن سمورة العممراف‪ ،‬وعشممر‬
‫فًا{ وثلث ممن سمورة الرحممن }َيما‬ ‫صم ّ‬
‫ت َ‬‫صماّفا ِ‬
‫آيات ممن أّول سمورة }َوال ّ‬
‫ن{ وثلث آيات من آخر سورة‬ ‫س{ إلى قوله }َفل َتنت َ ِ‬
‫صَرا ِ‬ ‫لن ِ‬ ‫ن َوا ِ‬ ‫ج ّ‬
‫شَر ال ِ‬ ‫معْ َ‬ ‫َ‬
‫مل ِمك{ إلممى آخرهمما‪ .‬وهممذه اليممات‬ ‫ُ‬ ‫ه ِإل هُموَ ال َ‬ ‫َ‬
‫ذي ل إ ِلم َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الحشر }هُموَ اللممه الم ِ‬
‫المذكورة‪:‬‬
‫ْ‬
‫ة‬ ‫خذ ُه ُ ِ‬
‫سن َ ٌ‬ ‫م ل ت َأ ُ‬ ‫قّيو ُ‬
‫ي ال َ‬ ‫ح ّ‬
‫ه ِإل هُوَ ال َ‬ ‫ه ل إ ِل َ َ‬
‫]بسم الّله الرحمن الرحيم[ }الل ّ ُ‬
‫ذا ال ّم ِ‬ ‫َ‬
‫عن ْمد َه ُ ِإل‬
‫فعُ ِ‬ ‫ذي ي َ ْ‬
‫شم َ‬ ‫ن َ‬
‫مم ْ‬‫ض َ‬ ‫ما فِممي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬‫س َ‬‫ما ِفي ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫م لَ ُ‬‫َول ن َوْ ٌ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ديهِ ْ‬‫ن أي ْ ِ‬
‫ما ب َي ْ َ‬‫م َ‬ ‫ب ِإ ِذ ْن ِهِ ي َعْل ُ‬

‫]ص ‪[330‬‬
‫ه‬‫س مي ّ ُ‬ ‫س معَ ك ُْر ِ‬ ‫شمماَء وَ ِ‬ ‫ممما َ‬ ‫م مهِ ِإل ب ِ َ‬ ‫عل ْ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫مم ْ‬ ‫يٍء ِ‬ ‫شم ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫طممو َ‬ ‫حي ُ‬ ‫م َول ي ُ ِ‬ ‫فه ُ م ْ‬ ‫خل ْ َ‬ ‫ممما َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬
‫م{‪.‬‬ ‫ظي ُ‬ ‫ي العَ ِ‬ ‫ما وَهُوَ العَل ِ ّ‬ ‫فظ ُهُ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ض َول ي َُئود ُه ُ ِ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫ض‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫م الّله ال ّ ِ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫]بسم الّله الرحمن الرحيم[ }إ ِ ّ‬
‫حِثيث ما ً‬ ‫َ‬
‫ه َ‬ ‫ل الن ّهَمماَر ي َط ْل ُب ُم ُ‬ ‫شممي الل ّي ْم َ‬ ‫ش ي ُغْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وى ع َل َممى العَمْر‬ ‫َ‬ ‫س مت َ‬‫ما ْ‬ ‫ست ّةِ أّيام ٍ ث ُ ّ‬ ‫ِفي ِ‬
‫ك الل ّممه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مُر ت َب َمماَر َ‬ ‫خل ْقُ َوال ْ‬ ‫ه ال َ‬ ‫مرِهِ أل ل َ ُ‬ ‫ت ب ِأ ْ‬ ‫خَرا ٍ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ُ‬ ‫جو َ‬ ‫مَر َوالن ّ ُ‬ ‫ق َ‬ ‫س َوال َ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫َوال ّ‬
‫دوا‬ ‫سمم ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن‪َ ،‬ول ت ُ ْ‬ ‫دي َ‬ ‫معْت َ ِ‬ ‫ب ال ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ة إ ِن ّ ُ‬ ‫في َ ً‬ ‫خ ْ‬ ‫ضّرعا ً وَ ُ‬ ‫م تَ َ‬ ‫عوا َرب ّك ُ ْ‬ ‫ن‪ ،‬اد ْ ُ‬ ‫مي َ‬ ‫ب الَعال َ ِ‬ ‫َر ّ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مم ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ريم ٌ‬ ‫ة الل ّممه قَ ِ‬ ‫مم َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َر ْ‬ ‫معما ً إ ِ ّ‬ ‫وفما ً وَط َ َ‬ ‫خ ْ‬ ‫حَها َواد ْع ُمموه ُ َ‬ ‫صل ِ‬ ‫ض ب َعْد َ إ ِ ْ‬ ‫ِفي الْر ِ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ُ‬
‫جممرًا‪،‬‬ ‫ت َز ْ‬ ‫جَرا ِ‬ ‫فًا‪ ،‬فَممالّزا ِ‬ ‫صم ّ‬ ‫ت َ‬ ‫صمماّفا ِ‬ ‫]بسممم الل ّممه الرحمممن الرحيممم[ }َوال ّ‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫ممما وََر ّ‬ ‫ممما ب َي ْن َهُ َ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫سم َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫د‪َ ،‬ر ّ‬ ‫ح ٌ‬ ‫وا ِ‬ ‫م لَ َ‬ ‫ن إ ِل َهَك ُ ْ‬ ‫كرًا‪ ،‬إ ِ ّ‬ ‫ت ذِ ْ‬ ‫َفالّتال َِيا ِ‬
‫ن‬ ‫طا ٍ‬ ‫شمي ْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ك ُم ّ‬ ‫مم ْ‬ ‫فظما ً ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ب‪ ،‬وَ ِ‬ ‫واك ِ ِ‬ ‫زين َةٍ الك َم َ‬ ‫ماَء الد ّن َْيا ب ِ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ق‪ ،‬إ ِّنا َزي ّّنا ال ّ‬ ‫شارِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ال َ‬
‫م‬ ‫حممورا ً وَل َهُ م ْ‬ ‫ب‪ ،‬د ُ ُ‬ ‫جممان ِ ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ك ُم ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫قذ َُفو َ‬ ‫مل ِ الع َْلى وَي ُ ْ‬ ‫ن إ َِلى ال َ‬ ‫مُعو َ‬ ‫س ّ‬ ‫مارٍِد‪ ،‬ل ي َ ّ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ب{‪.‬‬ ‫ب َثاقِ ٌ‬ ‫شَها ٌ‬ ‫ه ِ‬ ‫ة فَأت ْب َعَ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫خط َ‬ ‫ف ال َ‬ ‫خط ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب‪ِ ،‬إل َ‬ ‫ص ٌ‬ ‫ب َوا ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫عَ َ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مأ ْ‬ ‫س مت َط َعْت ُ ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫س إِ ْ‬ ‫لن م ِ‬ ‫ن َوا ِ‬ ‫جم ّ‬ ‫ش مَر ال ِ‬ ‫معْ َ‬ ‫]بسم الّله الرحمن الرحيم[ }َيا َ‬
‫َ‬ ‫س مل ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ن أ َقْ َ‬
‫ن‪ ،‬فَب ِمأ ّ‬
‫ي‬ ‫طا ٍ‬ ‫ن ِإل ب ِ ُ‬ ‫ذو َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ذوا ل َتن ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ض َفان ُ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫طارِ ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ذوا ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫َتن ُ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫صَرا ِ‬ ‫س َفل َتنت َ ِ‬ ‫حا ٌ‬ ‫ن َنارٍ وَن ُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ظ ِ‬ ‫وا ٌ‬ ‫ش َ‬ ‫ما ُ‬ ‫ل ع َل َي ْك ُ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ن‪ ،‬ي ُْر َ‬ ‫ما ت ُك َذ َّبا ِ‬ ‫آلِء َرب ّك ُ َ‬
‫س‬ ‫دو ُ‬ ‫قم ّ‬ ‫ك ال ُ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫ه ِإل هُوَ ال َ‬ ‫ذي ل إ ِل َ َ‬ ‫]بسم الّله الرحمن الرحيم[ }هُوَ الّله ال ّ ِ‬
‫ن‪،‬‬ ‫كو َ‬ ‫ش مرِ ُ‬ ‫ممما ي ُ ْ‬ ‫ن الّله ع َ ّ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫مت َك َب ُّر ُ‬ ‫جّباُر ال ُ‬ ‫زيُز ال َ‬ ‫ن العَ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫مهَي ْ ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ال ُ‬ ‫سل ُ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫مما فِممي‬ ‫ه َ‬ ‫ح َلم ُ‬ ‫سمب ّ ُ‬ ‫سمَنى ي ُ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ماُء ال ُ‬ ‫سم َ‬ ‫ه ال ْ‬ ‫صموُّر َلم ُ‬ ‫م َ‬ ‫خمال ِقُ الَبمارِئُ ال ُ‬ ‫هُوَ الّلمه ال َ‬
‫م{‬ ‫َ‬
‫كي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيُز ال َ‬ ‫ض وَهُوَ العَ ِ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫قال ابن عباس رضي الّله تعالى عنهما‪ :‬كان يهمودي بالشممام قمرأ التمموراة‬
‫في يوم السبت ونشرها فنظر فيها فوجد نعت الرسول وصفته فممي أربعممة‬
‫مواضع فقطعها وحرقها‪ ،‬ثم في السبت الثاني وجدهما في ثمانيممة مواضممع‬
‫فقطعها وأحرقها‪ ،‬وفي السممبت الثممالث وجممدهما فممي اثنممي عشممر موضممعًا‪،‬‬
‫فتفكر وقال إن قطعتها صارت التوراة كلهمما نعت ما ً لممه فسممأل أصممحابه‪ :‬مممن‬
‫محمد؟ قالوا كذاب خير لك أن ل تراه ول يراك‪ ،‬فقال بحممق تموراة موسممى‬
‫ل تمنعوني من زيارته‪ ،‬فأذنوا له فركب راحلته وسار مرحلة بالليل والنهار‪،‬‬
‫فلما دنا من المدينة كان أّول من استقبله سلمان وكان حسن الوجه فظن‬
‫أنه محمد صلى الّله عليه وسلم وكان قد توفي رسول الّله صلى الّله عليه‬
‫وسلم منذ ثلثة أيام فبكى سلمان وقممال أنمما عبممده‪ ،‬قممال أيممن هممو؟ فتفكممر‬
‫سلمان وقال إن قلت إنه مات رجع وإن قلت إنه حي أكون كذابًا‪ ،‬فقال له‬
‫تعممال معممي حممتى نممدخل علممى أصممحابه‪ ،‬ودخممل المسممجد وأصممحابه كلهممم‬
‫محزونون‪ ،‬فقال اليهودي السلم عليكم يا محمد ظنا ً أنه فيهم‪ ،‬فهاج البكاء‬
‫من الصحاب وقالوا من أنت لقد جددت جراحتنا لعلممك غريممب أممما علمممت‬
‫أنه مات منذ ثلثة أيام‪ ،‬فصاح وقال واحزناه واضياع سفري يا ليت أمي لم‬
‫تلدني وليتها ولدتني‬

‫]ص ‪[331‬‬
‫ولم أقرأ التوراة وإذا قرأتها لم أجد نعته وإذا وجدته ليتني رأيتممه‪ ،‬ثممم قممال‪:‬‬
‫ى هنا يصف لي نعته؟ فقال نعم‪ ،‬قال ما اسمك؟ قممال علممي‪ ،‬قممال إنممي‬ ‫أعل ّ‬
‫وجدت اسمك في التوراة‪ ،‬فقال علممي كممان رسممول الل ّممه صمملى الل ّممه عليممه‬
‫دور الرأس‪ ،‬واضممح الجممبين‪ ،‬أدعممج العينيممن أزج‬ ‫وسلم ل طويل ً ول قصيرا ً م ّ‬
‫الحاجبين‪ ،‬إذا ضحك خرج النور من ثناياه‪ ،‬ذا مسربة‪ ،‬شثن الكفين‪ ،‬أخمص‬
‫ي‬
‫القدمين‪ ،‬عظيم المشاش‪ ،‬يبن كتفيمه خماتم النبموة‪ ،‬قمال صمدقت يما علم ّ‬
‫ي منه ثوب أشمه؟ قال نعم اذهب يمما سمملمان‬ ‫هكذا نعته في التوراة هل بق ّ‬
‫ي جبمة أبيمك رسمول الّلمه صملى الّلمه عليمه‬ ‫إلى فاطمة وقل لهما ابعمثي إلم ّ‬
‫وسلم‪ ،‬فجاء سلمان إلى باب فاطمة فقال يا باب فخر النبياء ويا باب زين‬
‫الولياء‪ ،‬والحسن والحسين يبكيان‪ ،‬فقرع الباب فقمالت فاطممة ممن يقمرع‬
‫ي‪ ،‬فبكت فاطمة فقممالت‬ ‫باب اليتامى؟ قال أنا سلمان‪ ،‬فأخبرها بما قال عل ّ‬
‫من الذي يلبس جبة أبي؟ فقص عليها القصة فأخرجت الجبمة وقمد خيطمت‬
‫منها سبعة مواضع بالليف‪ ،‬فأخممذها علممي وشمممها ثممم الصممحابة‪ ،‬ثممم أخممذها‬
‫اليهودي وشمها فقال ما أطيب هذه الرائحة‪ ،‬ثم قام إلى قبره فرفع رأسممه‬
‫إلى السماء وقال أشهد يا رب أنك واحد أحد فرد صمد‪ ،‬وأشهد أن صمماحب‬
‫همذا القمبر رسمولك وحبيبمك وصمدقته بمما قمال‪ ،‬اللهممم إن قبلمت إسمملمي‬
‫فاقبض روحي الساعة‪ ،‬فخر ميتا ً فغسله علي ودفنه في البقيع رحمممه الل ّممه‬
‫تعالى وحشرنا في زمرة الصالحين آمين‪.‬‬

‫]تم كتاب تنبيه الغافلين‪ ،‬ويليه كتاب بستان العارفين[‬

You might also like