Professional Documents
Culture Documents
عرف التعليم بالمغرب عدة إصلحات ،حيث عملت الدولة عبر مجموعة من اللجان على النظر في قضايا التعليم ،وتبنت
مجموعة من الخيارات الخطيرة في حقل التربية والتعليم .ولعل أهم هذه الصلحات انطلقت من المعمورة سنة 1963
والتي جاءت لتعيد النظر بشكل أو بآخر في المبادئ الربعة التي أقرها إصلح .1957بعد ذلك ستتوالى حلقات
الصلحات والندوات بدءا بندوة إفران الولى والثانية مرورا بالميثاق الوطني للتربية والتكوين وصول للبرنامج
الستعجالي للتربية والتكوين ...2012_2009والمتأمل في هذه الصلحات سيتوقف عند مجموعة من الملحظات
:أهمها
التعامل مع أزمة التعليم بشكل تقني ،وغياب تصور شامل يضع النظام واختياراته تحت المجهر ،ويحدد السباب
.الحقيقية لهذه الزمة
انفراد الدولة باتخاذ قرارات مصيرية ،وتهميش لقوى المجتمع ومختلف المؤسسات والهيئات التي لها علقة بقطاع
.التعليم
.هيمنة الشعارات والنشائية ،إذ أن كل إصلح يغرق في تفاصيل جزئية شكلية ،ويتجنب التطرق للنقط الساسية
.كل إصلح يأتي لمعالجة أزمة التعليم ينتهي بفشل ذريع ويؤزم الوضع أكثر
تعامل الخطاب الرسمي مع أزمة التعليم بمعزل عن بقية القطاعات ،مما يوحي أن الزمة تهم هذا القطاع فقط والحال
...أنها أزمة شاملة
هذه الملحظات البسيطة تدفعنا إلى التساؤل عن طبيعة الصلحات التي يعرفها الحقل التعليمي وهل تتوخى الصلح
.كهدف لها أم تتوسله شعار التمرير مخططات طبقية خطيرة؟
إن الصلحات التعليمية والتي انطلقت بالخصوص في الثمانينات ،كان هاجسها الكبير تقليص ميزانية القطاع التعليمي،
أي أن الهاجس المالي هو المتحكم فيها ،فالمغرب عرف احتداد الزمة القتصادية في هذه الفترة ،وانتقلت المديونية
الخارجية من 900مليون دولر سنة 1972إلى 12مليار دولر سنة ،1983مما جعل الدولة توقع اتفاقيتين مع
صندوق النقد الدولي ،الولى في أكتوبر 1980والثانية سنة .1981وستتوج كل ذلك بتوقيع اتفاق جدولة الديون مع
نادي باريس ،1983لتدخل في سياسة التقويم الهيكلي )سياسة التقشف( والتي على ضوئها يمكن قراءة خلفيات كل
.الصلحات التي انطلقت منذ تلك الفترة إلى الن
بعد انتهاء الجدولة ومرحلة التقويم الهيكلي ،ستعرف جميع القطاعات أزمة خانقة ،فقد تبين أن سياسة خدمة الدين
الخارجي أدت إلى مضاعفات كارثية حيث ثم ضخ ثروات هائلة لصالح المبريالية ،ورغم ذلك فما زالت نسبة الدين
الخارجي مرتفعة .ويأتي قطاع التعليم على رأس القطاعات المتضررة والمستهدفة باعتباره حسب الخطاب الرسمي
قطاعا غير منتج ،لهذا ستعمل الدولة على الجهاز عليه تحت غطاء الزمة التعليمية وضرورة الصلح ،وفي هذا
الصدد سيتم توجيه رسالة ملكية إلى مجلس النواب بتاريخ 16يونيو 1994والتي دعت إلى ضرورة الحوار والتشاور
بشأن القضايا التعليمية ،والدعوة إلى تكوين لجنة موسعة تتكون من أعضاء من مجلس النواب ،وممثلي الدارات
التعليمية والفعاليات الجتماعية والقتصادية والنقابية .وبالفعل تكونت هذه اللجنة ونظمت سلسلة من الجلسات خلل
الفترة الممتدة من 5ماي 1995إلى 9يونيو ،1995واستطاعت إنجاز تقرير مفصل في 25يونيو 1995يعرف
.بوثيقة المبادئ الساسية
وثيقة المبادئ الساسية :رؤية جريئة من أجل إصلح التعليم
إن وثيقة المبادئ الساسية حاولت ملمسة مكمن الخلل في نظامنا التعليمي ،وحاولت طرح بعض الحلول الممكنة
لتجاوز هذه الوضعية ،ففي ديباجة هذه الوثيقة تنطلق اللجنة من اعتبار قضية التعليم ذات طابع استراتيجي ووطني،
وربطت الصلح بالمؤسسة ل بالفراد "يكتسي موضوع التربية والتعليم في عصرنا الحاضر أهمية استراتيجية بل
ومصيرية في تاريخ الشعوب والدول ،وهو يعتبر قضية وطنية تهم الجميع مما يحتم الحوار والتوافق عليها من خلل
).مؤسسات قارة ودستورية وقانونية" )وثيقة المبادئ الساسية
وتعامل التقرير مع التعليم باعتباره حقا من حقوق النسان ،وشرطا لتحقيق الديمقراطية والمواطنة ولو في بعدها
الليبرالي الذي تتغنى به الدولة "يتعين أن يأخذ النظام التعليمي بعين العتبار البعد الكوني للتعليم كحق د ستوري ،حق
من حقوق النسان ،وشرط أساسي لتكريس الديمقراطية ،وتنمية التربية بروح المساواة ،ولزرع القيم التي تؤسس
لمجتمع منفتح وديمقراطي للمساهمة في إعداد الفرد للحياة وتوعيته بحقوقه وواجباته وترسيخ روح الديمقراطية
واحترام حقوق النسان" )نفس المرجع( لقد حددت الوثيقة منذ البداية مجموعة من السس التي يجب ن ينبني عليها
الصلح ،كما دققت الهداف والغايات ولخصتها في :التعميم -اللزامية -المجانية ،وأولت أهمية كبيرة لهذه الخيرة
إذ يشير التقرير بوضوح إلى أن مبدأ المجانية يعتبر نتيجة حتمية للظروف القتصادية والجتماعية لعدد كبير من السر
المغربية بالضافة إلى أن "المجانية تعتبر عنصرا حاسما لستمرار المدرسة العمومية المغربية ...وبخصوص هذا
المبدأ ل بد من القرار بمسؤولية الدولة في مجانية التعليم" )ن -المرجع( .كما ألح التقرير على اعتبار التعليم خدمة
عمومية يجب أن تكون مجانا بدءا بالتعليم الولي وصول إلى التعليم العالي ودعا إلى ضرورة الهتمام الجدي بالوضاع
المادية والدارية والمعنوية لكل هيئات التعليم والمراقبة التربوية والدارية ،وخلص إلى توصيات هامة وعلى رأسها:
صياغة نتائج اللجنة الوطنية في شكل ميثاق وطني واحد ،وبلورة العمال والتوصيات في إطار مشاريع نصوص
.تنظيمية وتشريعية
فيما يخص مسألة تمويل التعليم فقد ركزت اللجنة على ترشيد النفقات لن هذه العملية قد توفر جزءا ل يستهان به من
الميزانية ،وأصرت على العمل في سياق الشفافية ودمقرطة القرار واللمركزية في تدبير الوسائل البشرية والمالية ،ولم
.تنس اللجنة أن تشير إلى ضرورة الزيادة في ميزانية التعليم ،مع صرف الميزانية المقررة بكاملها ومراقبة هذا الصرف
يمكن القول باختصار شديد إن وثيقة المبادئ الساسية هي محاولة جادة لصلح التعليم ،وتقييم جماعي للسياسة
.التعليمية المتبعة منذ عقود ،وقد استطاعت إلى حد بعيد الوقوف عند أهم الختللت
:تقرير البنك الدولي وإقبار وثيقة المبادئ الساسية
لم تلتفت الدولة إلى ما قامت به اللجنة الوطنية لصلح التعليم ،ولم تعره أي اهتمام ،رغم أنها هي التي دعت إلى
تشكيلها ،والسبب واضح ويعود إلى عدم مسايرة اللجنة للطروحات المخزنية ،إذ تمسكت بالمجانية ،والتعميم الحقيقي
والجودة والزيادة في ميزانية التعليم ودمقرطته ...لهذا سيتم بشكل سافر وخطير اللجوء إلى البنك الدولي قصد
استشارته وطلب معونته ،ولن يتأخر هذا الخير كثيرا فسرعان ما سيرد على الرسالة الملكية الموجهة إليه بتقريره
المشهور سنة ،1995متناول مجموعة من المشاكل التي يتخبط فيها كل من الجهازين التشريعي والقضائي والقطاع
التعليمي ...وهنا نسجل أن التقرير قد لمس بعض أوجه الزمة ووضع أصبعه على الجرح وكشف القناع البراق الذي
تختفي وراءه الدولة ،وأشار إلى الزمة القتصادية والجتماعية التي تنخر المجتمع ،ولكنه في الواقع لم يأت بجديد
فهذا الوضع معروف عند جميع المهتمين ،والمثير أن تقرير البنك الدولي بعد وقوفه على الزمة المتعددة البعاد لم
يحدد أسبابها الحقيقية ،والمتمثلة في نظرنا في السياسة الطبقية المتبعة من طرف الدولة المخزنية ،المملة من طرف
.الدوائر المبريالية والتي يأتي البنك الدولي على رأسها
وما يهمنا في هذا التقرير هو الجانب الخاص بالتربية والتكوين ،فقد تضمنت دراسة البنك الدولي مجموعة من
:التوصيات الخطيرة جدا وعلى رأسها
خوصصة التعليم وخاصة التعليم الثانوي والعالي ،يقول التقرير " :إن دور الدولة في التعليم يجب أن يتغير حتى تتمكن
أنظمته من مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين .وقبل سنة 2010فإن نسبة مهمة من التعليم الثانوي والعالي
يجب أن توفرها مؤسسات خاصة" )انظر تقرير البنك الدولي حول :التربية والتكوين في القرن – 21المملكة
-).المغربية
ضرب مجانية التعليم كخدمة عمومية :إن الهدف الحقيقي الذي يسعى إليه البنك الدولي هو تخفيض ميزانية التعليم
والتراجع عن المجانية لتستطيع الدولة تخصيص حصص كبيرة في الميزانية لخدمة الدين الخارجي ،فهو يشير بوضوح
إلى" :إدخال آليات وميكانزمات لستخلص التكاليف ويجب حث الجماعات المحلية على لعب دور أكثر نشاطا في تمويل
وتعبئة التعليم البتدائي ...ويجب تقييم وقع إدخال مصاريف التمدرس في التعليم الثانوي العمومي على المالية العامة،
وذلك عن طريق إحداث مصاريف التمدرس في قطاع التعليم الثانوي العام ،وكذلك المسجلون في التكوين المهني يجب
عليهم المشاركة في تكاليف تكوينهم ،أما فيما يخص التعليم العالي العام فيجب الحصول على مصاريف التمدرس لتغطية
20في المائة إلى 25في المائة من التكاليف ...ويجب التقليص من العانات المالية الموجهة للخدمات الجتماعية"..
)).نفس المرجع
هكذا يظهر الوجه البشع للبنك الدولي ،ومكان أ ن يقدم استشارته للدولة قد تعمل بها أو تتجاوزها فإنه يقدم أوامر
للتطبيق بالحرف الواحد )انظروا كم مرة كرر فعل يجب في هذا المقطع فقط( .ولم ينس التقرير إبداء ملحظة ولو بشكل
ضمني خبيث حول المجهودات التي قامت بها اللجنة الوطنية لصلح التعليم ،إذ يشير إلى أن المغرب" :قد أحدث عددا
من الصلحات في نظام التعليم والتكوين منذ بداية سنوات 1980؛ وقد بدأ أخيرا نقاش في البرلمان حول ميثاق
التربية يتناول مشاكل التعليم بصفة عامة ،وقد بدا أن هذا النقاش غامض لحد الن وليست له نظرة شاملة على المدى
.).الطويل للتربية والتكوين" )ن .م
يبدو جليا هنا أن التقرير يلمح إلى ضرورة وأد توصيات وخلصات اللجنة الوطنية لصلح التعليم لسنة 1995لنها
تتعارض مع مصالحه .ويختتم البنك الدولي رسالته ،بتحديد الكيفية التي يراها مناسبة لتكوين لجنة إصلح التعليم " من
الحسن إسناد صياغة هذه اللجنة إلى مجموعة صغيرة من المسؤولين ذوي المستوى العالي ،والذين يعملون تحت إمرة
شخصية نشيطة ومحترمة على الصعيد الوطني ،هذه المجموعة ستتلقى أجرا وموارد مالية وبشرية من أجل القيام
بالتحليل التقني وطلب النصيحة من دول أخرى" )ن م .(.فاللجنة المقترحة هنا ذات طبيعة تقنوقراطية ،وليست لجنة
ديمقراطية ؛ إن توجيه البنك الدولي هذا ،هو الذي ستعمل به الدولة في"الصلحات" التي سيشهدها قطاع التعليم فيما
.بعد
إن تقرير البنك الدولي هو الذي سيكون منطلق الدولة لنجاز ما يعرف بالميثاق الوطني للتربية والتكوين ،وكذا المخطط
.الستعجالي
الميثاق الوطني للتربية والتكوين :التطبيق الفعلي لتوصيات البنك الدولي
استقبلت الطبقات السائدة تقرير البنك الدولي بارتياح كبير وعملت على ترويجه ،لنه يخدم مصالحها باعتبارها وكيل
محليا للمبريالية .وقد انتهزت كعادتها فرصة تشكيل حكومة التناوب المخزني ،لتعلن ميلد "اللجنة الخاصة بالتربية
وقد تكونت من 33عضوا :عضوان عن المجالس العلمية 14 ،عضوا عن الحزاب السياسية )" (c.o.s.e.fوالتكوين
:الممثلة في البرلمان ،و 8أعضاء عن المركزيات النقابية و 9أعضاء آخرين .وهنا ل بد من تسجيل ملحظتين
الملحظة الولى :إن هذه اللجنة ل تضم في عضويتها أي ممثل للوزارات المعنية بقطاع التعليم ول ممثل عن القوى
.السياسية غير الممثلة في البرلمان ،وكذا ممثلين عن المجتمع المدني
الملحظة الثانية :إن إشراك النقابات في هذه اللجنة كان الهدف منه هو ضمان تمرير الميثاق بسلسة ؛ لهذا نجد
المركزيات النقابية لم تعمل على التصدي لهذا المخطط ،بل باركته بشكل ضمني مما انعكس على مصداقيتها وأدى إلى
.المزيد من التشرذم النقابي وخاصة في قطاع التعليم
لقد عملت اللجنة المشكلة ،وأحيطت أشغالها بسرية تامة ،لتخرج في النهاية بتقريرها الذي لم يناقش ويصادق عليه
:داخل البرلمان .هكذا سيظهر الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي يتوزع على قسمين كبيرين
القسم الول ويضم المبادئ الساسية المتمثلة في المرتكزات الثابثة والغايات الكبرى وحقوق وواجبات الطراف
.والتعبئة الوطنية من أجل إنجاح الصلح
القسم الثاني :يحتوي على مجالت التجديد ) 178مادة موزعة على 19دعامة للتغيير( ويضم الميثاق الكثير من
التفاصيل والشعارات غير الدقيقة ،كما يركز على الجوانب التقنية وإعادة الهيكلة البيداغوجية والرفع من الجودة،
والتكوين إلى غيره من الشعارات التي تكسرت الواحدة تلو الخرى على صخرة الواقع .ويبقى جوهر الميثاق وروحه
هو توصيات البنك الدولي والتي تتمحور كما سلف الذكر على :تقليص النفقات ،خوصصة التعليم ،إعادة النظر في
المجانية ...فالميثاق عمل جاهدا على تطبيق هذه التوصيات إذ نجده * :يفتح الباب على مصراعيه أمام القطاع الخاص
وذلك بتمكينه من امتيازات كثيرة كإعفائه كليا من الضرائب ،أداء منح مالية لدعم المؤسسات الخاصة ،تكوين أطر
التربية والتكوين والتسيير وجعلها رهن إشارة المؤسسات الخاصة * ...يلغي بكل بساطة الترقي عن طريق الشهادة أو
الختيار ويعتمد بدل ذلك على المردودية ،إذ يشير إلى أنه " يعتمد في ترقية أعضاء هيئة التربية والتكوين ومكافأتهم
على مبدأ المردودية التربوية ")الميثاق الوطني للتربية والتكوين – اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين -ص (63وهذا
.التفا ف واضح على الترقية كحق واعتماد مبدأ فضفاض يكرس الزبونية والنتهازية
ولعل أخطر نقطة في الميثاق تتعلق بتمويل التعليم ،فهناك توجه نحو تخلي الدولة عن التزاماتها ضاربة مجانية التعليم
في الصميم؛ حيث يشير الميثاق إلى أنه" :يقتضي تنويع موارد التمويل ،إسهام الفاعلين والشركاء في عملية التربية
والتكوين من دولة وجماعات محلية ومقاولت وأسر ميسورة) "...ن.م .ص .(79إن الدولة تسير بخطى ثابثة نحو
القضاء على المدرسة العمومية وإلغاء المجانية مع تحميل السر العبء الكبر في تمويل التعليم عبر رسوم التسجيل
والضريبة الوطنية لتمويل التعليم – التي أحدثها الميثاق – أما الجماعات المحلية التي تعول عليها الدولة فأغلبها فاسد
.أو ميزانيته ل تكفي حتى متطلباته
إن الميثاق الوطني للتربية والتكوين وما انبثق عنه من قوانين وعلى رأسها النظام الساسي لموظفي وزارة التربية
الوطنية ،ليس سوى ميثاق طبقي حرم أبناء الطبقات الشعبية من حقها في تمدرس جيد )حسب دراسة لليونسكو فإن
).المغرب يتوفر على أكبر نسبة للهدر المدرسي في العالم العربي
هكذا إذن سيتم تطبيق الميثاق ،وتلته تعبئة كبيرة ولم تعترض المركزيات النقابية عليه بل عبرت عن تعاونها في البدء
كشريك متناغم مع خيارات الدولة .لكن وقبيل انتهاء الفترة المخصصة لهذا الميثاق ستظهر مجددا مجموعة من
التقارير وعلى رأسها تقرير البنك الدولي ،وتقرير اليونسكو ليكشف العورة من جديد ،ليتضح مرة أخرى زيف ووهم
الصلح؛ هنا ستتدخل الدولة مجددا عبر الخطاب الرسمي للملك ،الذي سيتلوه التقرير الوطني الول حول المدرسة
المغربية وآفاقها ،بعد ذلك سيتم إنزال ما يعرف بالبرنامج الستعجالي للتربية والتكوين ،2012-2009وستطالب
.الدولة مجددا عبر الوزارة الوطنية بالتعبئة لنجاح هذا الصلح الجديد القديم
البرنامج الستعجالي للتربية والتكوين :مسمار آخر في نعش المدرسة العمومية
إن البرنامج الستعجالي 2012-2009ينطلق بالساس من الميثاق الوطني للتربية والتكوين ،وجاء كما يدعي لتسريع
وثيرة الصلح؛ وبتعبير أكثر وضوحا فهذا البرنامج يهدف بالساس إلى إنقاذ الميثاق الوطني من الفشل الذريع الذي آل
إليه؛ حيث إنه ومكان أن يعالج الزمة عمقها أكثر ،لتجد المدرسة المغربية العمومية نفسها مجددا أمام تحديا ت
خطيرة .هذه التحديات عالجتها الوزارة الوصية بطريقتها المعهودة " إزاء هذا التحدي وضعت وزارة التربية والتعليم
العالي وتكوين الطر والبحث العلمي برنامجا استعجاليا طموحا ومحددا يروم إعطاء الصلح نفسا جديدا معتمدا في
).مرجعيته على توجيهات الميثاق الوطني للتربية والتكوين" )البرنامج الستعجالي ص 1
يتضح هنا الطريقة المعروفة في مواجهة أزمة التعليم وهي اللجوء إلى إصلح جديد هو في الواقع عبارة عن إصلح
الصلح دون القيام بتقييم للصلح الول /المرجع :الميثاق الوطني للتربية والتكوين ودون وضع الصبع على أسباب
الزمة وهل هي قطاعية فقط أم بنيوية تشمل المجتمع برمته ؟ ..والدهى من كل هذا هو عدم إشراك النقابات ومختلف
المهتمين وهذه المرة كان القصاء كليا حيث تمت صياغة المشروع وقدم للنقابات على أساس الموافقة عليه ،بل نجد
أن هذا البرنامج له مفهوم خاص للشراكة التي يراها فقط أثناء التطبيق "اعتماد رؤية تشاركية ترتكز على إشراك
مجموع الفاعلين الساسيين داخل منظومة التربية والتكوين في تطبيق البرنامج الستعجالي" )البرنامج الستعجالي ص
1).
على غرار الميثاق الوطني فالبرنامج الستعجالي يتضمن العديد من الشعارات والمفاهيم )تأهيل المؤسسات -الجودة –
محاربة الهدر -المقاربة بالمشروع – الكفايات (...ويركز على جوانب تقنية ويطرح العديد من الهداف والمهام يصعب
.تحقيقها أول :المدة الزمنية للصلح غير كافية ثانيا :وسائل تحقيق الصلح هزيلة إن لم نقل منعدمة
لقد حدد البرنامج الستعجالي 23مشروعا موزعة على 4مجالت ،ولعل المتأمل لهذه المشاريع سيتوصل إلى أن
:البرنامج يعزف على نفس الوتر الذي عزف عليه الميثاق وهي توصيات البنك الدولي حيث نجد
تشجيع القطاع الخاص :في العديد من فقرات البرنامج الستعجالي يتم الشارة إلى الدور المهم الذي يجب أن يضطلع به
القطاع الخاص ؛ بل هناك العديد من التنازلت الجديدة لصالح هذا القطاع وذلك بـ" :إقرار تدابير تحفيزية تمكن من
تسهيل استثمار الخواص في قطاع التعليم ...تفويض تدبير مؤسسات عمومية قائمة ...تطوير نموذج جديد ومتكامل
للعرض التربوي الخاص ...تنظيم تكوين أساسي ومستمر لفائدة مدرسي التعليم الخصوصي وتدعيم جهاز تفتيش
).المؤسسات الخصوصية) "...البرنامج ص 82
الجهاز على المجانية :فالبرنامج الستعجالي يسير بخطى حثيثة نحو إلغاء المجانية والتوجه نحو تسليع التعليم ويتجلى
:هذا في مجموعة من النقط منها
تنصل الدولة من ضمان حق التمدرس بعد 15سنة؛ إذ يشير البرنامج الستعجالي إلى أن الدولة تلتزم بالخصوص *
.بالتحقيق الفعلي للزامية التعليم إلى غاية 15سنة
.تخلي الدولة عن التعليم الولي لفائدة الخواص *
عدم تحمل الدولة لمسؤوليتها بشكل واضح في تمويل التعليم ؛ فداخل البرنامج الستعجالي العديد من الصيغ *
التمويهية والمتضاربة تبين بجلء رغبة الدولة في التخلي التدريجي عن تمويل التعليم ،من مثل "يتعين كذلك توفير
الموارد المالية الضرورية واستدامتها عبر تنويع مواردها ووضع آلية للتمويل اللزم)"..البرنامج ص (78من سيوفر
هذه الموارد؟ وما المقصود بتنويع مواردها؟ ونجد كذلك "إحداث صندوق خاص بالتعليم تتم تغذيته عن طريق
مساهمات مختلف شركاء المنظومة ..تخفيف الضغط على الميزانية يظل رهينا بتفعيل دعامتين :اللجوء إلى مكونات
المجتمع عبر إحداث صندوق الدعم ،تشجيع تنمية العرض التربوي الخصوصي" )البرنامج الستعجالي ص ص -79
80).
:الهجوم على مكتسبات الشغيلة التعليمية وذلك بسن إجراءات خطيرة من بينها
التوظيف على أساس التعاقد "إن توظيف الطر التربوية سيتم على الصعيد الجهوي على أساس التعاقد" )البرنامج *
ص (61أي بكل بساطة ضرب حق الموظف في الستقرار والترسيم
.إدخال مفهوم المدرس المتحرك الذي يقوم على تعيين المدرسين بحسب الجهة وليس بحسب المنطقة أو المؤسسة *
.إقرار المدرس المتعدد التخصصات أو المزدوج *
.العمل بساعتين إضافيتين إجباريتين *
.إضافة مسؤوليات وأعباء جديدة للمدرسين *
إن المتأمل في هذه التدابير ؛ سيرى بوضوح أن المستهدف الحقيقي في البرنامج الستعجالي هو المدرس وعبره
المدرسة العمومية ،وحتى الصورة المتدنية للمدرس والمدرسة في الواقع ،يحملها البرنامج لرجال ونساء التعليم
"صورة المدرسين تعرف بعض التدهور ،بسبب تدني أخلقيات المهنة لدى البعض منهم ،وبسبب عدم إعطاء قيمة
كافية لمهنتهم" )البرنامج ص (60والحال أن صورة المدرس في تدهور نتيجة لعدة عوامل منها :وضعه المادي
المزري ،إضافة إلى الصورة السلبية التي ترسخها حوله الجهزة المخزنية عبر وسائطها المتعددة للنيل الرمزي من
المدرس لنه كان دائما في طليعة النتفاضات التي عرفتها البلد وكذا الحركات الحتجاجية؛ لذا فهو يشكل هدف
.الطبقات السائدة وجهازها المخزني
:إضافة إلى كل ما سبق نلحظ أن البرنامج الستعجالي يتجاهل مجموعة من النقط المطروحة والساسية أبرزها
.مراجعة النظام الساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية
.الخصاص في الموارد البشرية نتيجة للمغادرة الطوعية والتقاعد وضعف التوظيف
تدني مستوى أجور الشغيلة التعليمية ؛ فما يقارب ثلثي المدرسين والمدرسات يتقاضون ما بين 3250د إلى 3797د
بعد قضاء عشر سنوات من الخدمة في السلم التاسع ،وما يقارب من ثلثي رجال ونساء التعليم ل يستطيعون الحصول
.على 5290د إل بعد قضاء ما بين 10إلى 20سنة من العمل
تقليص الساعات المخصصة لتدريس اللغات ،في الوقت الذي يتحدث فيه البرنامج عن تشجيع تدريس اللغات والتحكم
.فيها
.الفساد الداري والمالي الذي تعاني منه العديد من الكاديميات والنيابات
.تجاهل التفاقات المبرمة مع الطارات النقابية
السكوت عن الساعات التطوعية التي أصبحت رسمية بل يتم إضافة ساعتين إجباريتين وقد تتحولن بدورهما إلى
.ساعات رسمية
…عدم التطرق من قريب ول من بعيد للموظفين الشباح في قطاع التربية والتكوين
وخلصة لكل ما سبق فالبرنامج الستعجالي المؤطر بالميثاق الوطني يهدف في العمق إلى تسليع التعليم وضرب
مصداقية المدرسة العمومية وإيصالها إلى حافة الفلس ليسهل تفويتها إلى القطاع الخاص وهي نفس الطريقة المتبعة
في قطاعات أخرى .لهذا فالمطروح على الطارات النقابية المناضلة الخروج من حلقيتها والدخول في عمل نضالي
.تنسيقي يهدف إلى التصدي لهذا المخطط والدفاع عن المدرسة العمومية
منقول لتعميم الفائدة