You are on page 1of 111

‫الثــــورة المنســــــية‬

‫‪-2-‬‬
‫الحقوق كافة‬
‫مـحــــفــــوظـة‬
‫لتـحــاد الـكـتـاب‬
‫الــعـرب‬
‫‪unecriv@net.sy E-‬‬ ‫البريد اللكتروني‪:‬‬
‫‪:‬‬ ‫‪mail‬‬
‫‪aru@net.sy‬‬
‫موقع اتحاد الكّتاب العرب على شبكة النترنت‬
‫‪www.awu-dam.com‬‬
‫تصميم الغلف للفنان‪ :‬اسماعيل نصرة‬
‫‪‬‬

‫‪-3 -‬‬
‫زبير سلطان قدوري‬

‫الثــــورة المنســــــية‬
‫‪ -‬دراســــة ‪-‬‬

‫ببب ببببب‬
‫بب ببببببب ببببب ببب ب‬
‫‪2000‬‬

‫‪-4-‬‬
-5 -
‫مقدمة‬

‫كان عام ‪ .1919‬يموج بالنتفاضات والثورات في العديد‬


‫من بقاع الوطن العربي بدءا ً من مراكش مرورا ً بمصر ولبنان‬
‫وسورية والعراق‪ ،‬تحدثت عنها كتب التاريخ العربي التي تمل‬
‫المكتبات‪ُ ،‬وتناولتها المناهج الدراسية في المدارس والجامعات‬
‫العربية‪ ،‬وألفت حولها قائمة طويلة من الدراسات والبحوث‬
‫الكاديمية وغيرها‪ .‬إل ثورة دير الزور التي تفجرت في كانون‬
‫ي النسيان‪ ،‬فلم ُيفرد لها‬ ‫الول عام ‪ ،1919‬بقيت وحدها في ط ّ‬
‫كتاب خاص يبحث في دوافعها السياسية والعسكرية‬
‫والجتماعية‪ ،‬أو تطوراتها‪ ،‬وأحداثها ونتائجها‪ ،‬وانعكاساتها على‬
‫المستويين القليمي والعربي‪.‬‬
‫مما يثير الدهشة أن عددا ً كبيرا ً من الباحثين والكتاب‬
‫والدارسين في قطرنا ل يعرف عنها شيئًا‪ .‬حتى إنه لم يسمع‬
‫معَ فل تزيد معرفته عن اسم رمضان شلش قام‬ ‫بها‪ ،‬وإن س ِ‬
‫بحركة في دير الزور‪ .‬لكن أين؟ ومتى؟ وكيف؟ فذلك يجهله‬
‫جهل ً مطلقًا!!‪.‬‬
‫وحين قمت بالبحث والدراسة في وثائق تلك الحركة‪،‬‬
‫ووصلت إلى بعض إنجازاتها‪ ،‬وحقائقها‪ ،‬وتحدثت عنها لعدد من‬
‫الباحثين والدارسين‪ ،‬رأيت علمات التعجب والستغراب تعلو‬
‫وجوههم وطلب البعض أن أسميها بالثورة المجهولة‪ .‬لن‬
‫الغالبية العظمى من الباحثين‪ ،‬وحتى من أهالي دير الزور‬
‫أنفسهم يجهل عنها الكثير‪.‬‬
‫ثورة دير الزور لم تكن ثورة عادية‪ ،‬أو انتفاضة مدينة‬
‫انتهت في حينها‪ ،‬أو صدام جرى بين شعب ومستعمر وانتهى‪،‬‬
‫بل كانت ثورة قومية شاملة بكل البعاد‪ ،‬حملت أهدافا ً‬
‫وشعارات عربية كبيرة‪ .‬وقد قادها تنظيم قومي عربي معروف‪،‬‬
‫وشاركت في أحداثها قوى شعبية وعسكرية‪ ،‬وامتدت ساحة‬
‫عملياتها الحربية أراض واسعة من سورية والعراق‪ ،‬ولم تتوقف‬
‫تلك العمليات حتى بعد الحتلل الفرنسي‪ .‬وبقيت تواجه‬
‫القوات البريطانية في العمق العراقي حتى أوائل شهر آب عام‬
‫‪ .1920‬وأشغلت أحداثها الدوائر العربية والبريطانية معا ً طيلة‬
‫فترة نهوضها‪.‬‬
‫وثورة دير الزور هي الوحيدة من بين الثورات العربية في‬
‫زمانها‪ ،‬استطاعت أن تحقق أهدافها‪ .‬في حين أخفقت بقية‬
‫الثورات‪ ،‬فلم تستطع الثورات العربية أن تنجز الستقلل‪،‬‬
‫وجلء القوات الجنبية المحتلة عن أراضيها‪ ،‬إل ثورة دير الزور‬
‫وحدها التي أجبرت القوات النكليزية بالجلء المتكرر عن‬
‫أراض ومدن عربية‪ ،‬وكادت أن تجبر القوات البريطانية على‬
‫الجلء من الموصل ومن ولية دليم في العراق‪ .‬بعد أن أجلتهم‬
‫عن مدينة "عانة" ولول الحتلل الفرنسي لدمشق‪ ،‬وسقوط‬
‫الحكومة العربية الداعم الرئيس للثورة لحققت كثيرا ً من‬
‫أهداف الثورة العربية‪ .‬بعد أن وصلت إلى تكريت والشرقاط‬
‫واحتلت تل عفر قرب الموصل‪.‬‬
‫‪-6-‬‬
‫وبفضل الثورة عادت دير الزور بمدنها وريفها إلى قطرها‬
‫العربي السوري‪ ،‬بعد أن كانت تتبع الحاكم السياسي البريطاني‬
‫في بغداد‪ .‬واستطاعت أن تفجر ثورة في العراق بعد ستة‬
‫أشهر على انطلقتها‪ .‬ثم لتحيل العراق إلى بركان ثوري في‬
‫وجه المستعمر البريطاني‪.‬‬
‫وساهمت ثورة دير الزور وثورة العشرين في العراق‪ ،‬في‬
‫بناء دولة عربية خالصة في العراق‪ ،‬بعد أن كاد يلحق بالهند‬
‫وغيره‪ .‬فأسهمت ثورة دير الزور إسهاما ً قوميا ً رائعا ً في‬
‫تسطير أنصع صفحات تاريخ العرب الحديث‪ .‬وتحتاج إلى جهد‬
‫متواصل من الباحثين والدارسين للكشف عن أحداثها اليومية‪،‬‬
‫ودراسة نتائجها على الصعيد القليمي والقومي‪ .‬وأرجو أن‬
‫العظيمة‬ ‫أكون قد أسهمت في الكشف عن وجه هذه الثورة‬
‫ولتكون مثال ًُ‬ ‫لتكون شعلة وضاءة للجيال العربية القادمة‪،‬‬
‫للجيل العربي القادم الذي أحاطت به قوى البغي من كل‬
‫مكان‪ ،‬تريد أرضه وثروته‪ ،‬وحتى وجوده‪ .‬فكانت ثورات الجداد‬
‫مثال ً لجيال المستقبل وطريقا ً لتحقيق أهداف أمتنا العربية‬
‫العظيمة‪.‬‬

‫يييي ييييي ييييي‪.‬‬

‫‪-7 -‬‬
‫الفصل الول‬

‫جمعية العهد‬

‫في ‪ 28‬تشرين الثاني عام ‪ .1913‬أسس الضباط العرب‬


‫العاملون في الجيش العثماني جمعية عربية سرية في‬
‫أطلقوا( عليها اسم "العهد" وقد‬ ‫العاصمة العثمانية الستانة‪،‬‬
‫لعب الضابط عزيز علي المصري)‪ 1‬دورا ً رئيسيا ً في تأسيسها‪.‬‬
‫وضع المؤسسون أهدافا ً كبيرة لجمعيتهم‪ .‬ومنها‪:‬‬
‫إن العهد جمعية سياسية سرّية هدفها‬ ‫‪.1‬‬
‫الستقلل الذاتي للبلد العربية‪ ،‬واتحادها مع الستانة‬
‫على أسس مماثلة لتلك القائمة بالنمسا‪.‬‬
‫ينبغي الحتفاظ بالخلفة السلمية بيد‬ ‫‪.2‬‬
‫العثمانيين‪.‬‬
‫تولي الجمعية اهتماما ً خاصا ً بسلمة الستانة‬ ‫‪.3‬‬
‫وحمايتها من الدول الغربية والستعمارية‪.‬‬
‫طيلة ستمائة عام ظل التراك يحتلون‬ ‫‪.4‬‬
‫الحاميات الشرقية في وجه الغرب‪ ،‬وعلى المة‬
‫تعد ّ نفسها‪ ،‬لتكون القوة الحتياطية لهذه‬ ‫العربية أن ُ‬
‫الحاميات")‪.(2‬‬
‫وكتب أحد مؤسسي الجمعية الضابط "نوري السعيد" في‬
‫مذكراته "إن غاية جمعية العهد كانت الحصول على إدارة‬
‫)( بببب ببب بببببب ) ‪ (1964 -1880‬بب بببب ببببب ببببب ب ببب‬ ‫‪1‬‬
‫ببب ببب بببببب ب بب ب بب بب ببب ببببببب ب ب ب ببب ببببب‬
‫ببببب ب بببببب ب بببب بببب ب ب بببب ببببب ب ب ب ب ببب ب‬
‫ببببب بب ببب بب ببب ب ببب بب ب بب ‪ .1904‬ببب ب بب ب بببب ب‬
‫ببببببب بببببببب ببببب بب ببببببب ب بببب ببب ب بب ‪1908‬ب‬
‫ببب ببببببب ببببببب بببب بببببببب ببببب‪ .‬ببب ب ب ببب ببب‬
‫بببب بببببببب ببببببب بببببببببب بببب ب ببب ببببب ب ببب‬
‫ببببب )ببب بب ببب ببب(‪ .‬بب ب بب ب بب ب ببب بب ب ب بببب ب ب بب‬
‫‪1910‬بببب بببببب بببببب بب ببببب بب ببببب بببببببب‪ .‬ب بب‬
‫ببب بببب بببب ب بب ‪ 1913‬ب ببب ب بببب ب بببب بب بببب ب ب ب ‪9‬‬
‫بببب ‪1914‬ب بببب بببب ببببببببب ببببب ببببب بب ‪ 21‬ببببب‬
‫‪ 1914‬ببب ب بب ب بب ب‪ .‬ب ببب ببببب ببب بب ب ب بببب ب ببب ببب‬
‫بببب ببببب ببب ‪1916‬ب ببببب ب ب ب ببب ببب بب بب بببببب ببب‬
‫بب بببببببب بببب ببب ببب‪.‬‬
‫)( بببب ببب بببببب ب‪ -‬بببب بب بببببب ب‪ .‬بب ببببب‪ .‬بب بببببب‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫بببببب‪ .‬ببببببب‪ .‬ببببب‪ .‬ببببب ببببب ‪ -1931‬ب ‪ -4‬ب ‪.23‬‬
‫‪-8-‬‬
‫عربية محلية ولغة عربية رسمية‪ .‬على أن يشترك العرب‬
‫والترك في الدارة العامة للدولة على أساس اتحادي‪ .‬وكان‬
‫من يؤيد هذه الفكرة‪ .‬ويؤازرها مثل مصطفى‬ ‫بين التراك‬
‫كمال باشا")‪.(3‬‬
‫حافظت الجمعية على سريتها التامة‪ .‬وقد علمت‬
‫المخابرات التركية بوجودها‪ ،‬إل إنها فشلت فشل ً ذريعا ً بكشف‬
‫المؤسسين والمنظمين لها‪ ،‬وظهر عجز الجهزة المنية التركية‬
‫واضحا ً خلل المحاكمات التي جرت لمؤسس الجمعية المقدم‬
‫عزيز علي المصري في نيسان عام ‪ .1914‬بأن تقدم أي دليل‬
‫على تشكيله لجمعية مناهضة للنظام‪ ،‬والتي كان عقوبتها‬
‫العدام آنذاك‪ ،‬واقتصرت التهامات التي وجهت إليه‪ ،‬بأنه‬
‫اختلس من أموال الجيش العثماني‪ .‬وقام بتسليم مدينة برقة‬
‫الليبية لليطاليين أثناء وجوده فيها مقابل رشوة مالية)‪ .(4‬علما ً‬
‫أن التهامين باطلين لما عرف عنه بالمانة والشجاعة‪ ،‬إنما كان‬
‫التهام بحقد شخصي من وزير الحربية آنذاك أنور باشا‪.‬‬
‫ولخلفات عميقة جرت بين الطرفين أثناء الحرب في ليبيا‪،‬‬
‫ولسبب ثان هو دفاع عزيز عن بلده العربية وحريتها‪.‬‬
‫ويذكر الفريق الركن طه الهاشمي في مذكراته عن جمعية‬
‫العهد‪ ،‬أن عزيز المصري أملى عليه برنامج جمعية العهد قبل‬
‫اعتقاله‪ .‬وقد أبلغ نوري السعيد بالمر‪ ،‬فنسخ نوري البرنامج‬
‫مسودة ثم نسخة إلى عدة نسخ‪ .‬ووزعها على أعضاء‬ ‫على‬
‫الجمعية )‪ .(5‬كما كلف عزيز المصري طه الهاشمي بدعوة‬
‫الضباط العرب للنضمام إلى الجمعية بسرية مطلقة‪ ،‬وأن‬
‫يقسم العضو اليمين على السيف والقرآن‪ .‬بأن يحافظ على‬
‫سرية الجمعية‪ ،‬ويناضل من أجل تحقيق برنامجها‪ ،‬وقد استطاع‬
‫طه الهاشمي أن يؤسس عدة فروع للجمعية حين تم نقله من‬
‫الستانة إلى اليمن‪ .‬فاتصل بالعديد من الضباط العرب أثناء‬
‫سيره لعمله الجديد‪ .‬فافتتح للجمعية فروعا ً عدة في عدد من‬
‫المدن العربية‪ .‬مثل بيروت التي ترأس فرعها شريف الشريف‪.‬‬
‫وانضم إلى فرع دمشق صادق الجندي وخالد الحكيم‪ ،‬أما فرع‬
‫الموصل فترأسه ياسين الهاشمي وضم علي جودت‪ .‬ومولود‬
‫مخلص‪ ،‬أما فرع بغداد فضم شخصيات منهم حمدي الباجة‬
‫جي)‪ .(6‬ورشيد الخوجة‪ .‬وعبد الحميد الشالجي‪ .‬وتحسين‬
‫العسكري وعاصم الجلبي‪ .‬أما فرع البصرة فترأسه المين‬
‫الباجه جي‪.‬‬
‫ومن الذين انتسبوا إليها من سورية‪ :‬محمد إسماعيل‬
‫الطباخ‪ .‬ومصطفى وصفي‪ .‬وسليم الجزائري وأمين لطفي‪.‬‬
‫ويحيى كاظم‪ -‬وعارف قوام‪ .‬ومحيي الدين الجبان‪) .‬من‬
‫دمشق(‪ .‬وعلي النشاشيبي)القدس( ومن العراق‪ -‬نوري‬
‫عبد الله الدليمي‪-‬‬ ‫)‪(7‬‬
‫السعيد‪ -‬جميل المدفعي‪ .‬إسماعيل الصغار‪-‬‬
‫تحسين علي رشيد الخوجة‪ -‬حميد الشالجي‪.‬‬
‫ب ببب بببب ببببببب ببببب ببببب بب ببببب‬
‫بببب بببب ببببببب ببب بببب بببببببب ببببب‬
‫بببب‪ .‬بببب ببببببببب‪.‬‬
‫حافظت جمعية العهد على سريتها كما أشرنا رغم‬
‫)( بببب بببببب‪ -‬بببببب‪ -‬ببببب‪ -‬ببببب ببببب‪ -1947 -‬ب ‪ -1‬ب ‪.5‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( بببب بببببببب‪ -‬بببب ببببب‪ -‬بب ببب‪ .‬ببب بببب ب ببببببب ب‪-‬‬ ‫‪4‬‬
‫بببب ببببب ‪ -1967‬ب ‪.197‬‬
‫)( بب ببببببب‪ -‬بببببب‪ -‬ببببب‪ -‬ببب ببببببب‪ -1967 -‬ب ‪.255‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( بب ب بب بببب بببب بب‪ -‬ببب ببب ببببببب ب ببب ببب‪ -‬ب ببب‪-‬‬ ‫‪6‬‬
‫ببببب ببببب ‪ -1952‬ب ‪.43‬‬
‫)( ب بب ببببب‪ -‬ببببب ب بببببب ب بببببب بب بببب ب بب ببببب‬ ‫‪7‬‬
‫بببببببب‪ -‬بببب ‪ -1950‬ب ‪.33‬‬
‫‪-9 -‬‬
‫المحاولت العنيفة التي قامت بها الستخبارات التركية إل أنها‬
‫لم تنجح‪ .‬وقد كتب أحد ضباط الستخبارات التركية عزيز بك‬
‫في كتابه )الستخبارات والجاسوسية في الدولة العثمانية(‬
‫منهاج حزب العهد الذي ورد سابقًا‪ .‬وقال إنه يتضمن‪:‬‬
‫" ‪-1‬ييييي ييييي ييييي يييي يييي يييييييي‬
‫يييييي ييييييي ييييييي‪ .‬ييييي يي ييييي‬
‫يييييييي ييييي ييييي ييييييي ‪-2‬يييي ييييييي‬
‫ييييييييي ييييي يييييييييي‪-3 .‬ييييي‬
‫يييييييي يي ييييي ييييي يييييييي ييييي ييي‬
‫ييييييي ييييييييي يييي يييي‬ ‫ييييي ‪ -4‬يي‬
‫ييييي ييييييي")‪.(8‬‬
‫ويذكر جورج انطونيوس أن تقارير المخابرات تزايدت حول‬
‫نشاطات الجمعيات القومية‪ ،‬ومنها أن "الجيش مليء بالخليا‬
‫الثورية‪ ،‬وإنجلترة وفرنسة هما عملء في البلد يحرضون على‬
‫الثورة‪ .‬ومن المتوقع نزول قوات الحلفاء على شواطئ الشام‪،‬‬
‫وأن بعض الضباط العرب قد تعهدوا بمساعدة الحلفاء حينما‬
‫ينزلون هناك‪ .‬ومن النادر أن تستطيع المخابرات العسكرية‬
‫متابعة غوامض المؤامرات السياسية‪ ،‬ولم تكن هيئة أركان‬
‫الجيش الرابع مستثناة من هذه القاعدة‪ ،‬فبينما كانت تصغي‬
‫بأذنيها للشائعات كان أنفها عاجزا ً عن ملحقة رائحتها حتى‬
‫لم‪(9‬يكن‬ ‫مصدرها‪ ،‬وكانت الخبار في جوهرها صحيحة‪ .‬ولكن‬
‫من الممكن اقتفاء أثرها للوصول إلى أحد المتآمرين") ‪ .‬وأمام‬
‫العجز التركي عن اكتشاف التنظيمات داخل الجيش رغم‬
‫تراكم التقارير بوجودها‪ ،‬عمل جمال باشا قائد الجيش الرابع‬
‫في سورية إلى رفع تقرير إلى أنور باشا وزير الحربية بضرورة‬
‫نقل وتوزيع الضباط العرب‪ ،‬وإبعادهم عن سورية‪ .‬فاستجاب له‬
‫وزير الحربية‪ ،‬فتم نقل الفرقة الخامسة والعشرين التي تضم‬
‫مجموعة كبيرة من الضباط العرب‪ ،‬والتي ينتمي عدد كبير‬
‫منهم إلى جمعية العهد في حزيران ‪ 1915‬إلى تركيا للقتال‬
‫الكتائب العربية‬ ‫في جبهة غاليبولي‪ .‬وبعدها تم نقل عدد من‬
‫من بلد الشام‪ ،‬وإحلل كتائب تركية بدل ً عنها)‪.(10‬‬
‫ورغم ممارسة التعذيب والقتل أحيانا ً وإعدام ثلثة من قادة‬
‫العهد هم سليم الجزائري وأمين لطفي وعلي النشاشيبي‪ .‬لم‬
‫تستطع المخابرات التركية أن تتكشف تنظيم العهد الذي نجح‬
‫في الحفاظ على سرية تنظيمه حتى جلء الترك عن البلد‬
‫العربية‪.‬‬
‫‪ -‬العهد والثورة العربية‬
‫شارك تنظيم العهد في الثورة العربية من خلل ضباطه‬
‫الذين التحقوا بها‪ ،‬وأسهموا إسهاما ً كبيرا ً في تشكيل الجيوش‬
‫العربية الربع التي ظهرت بعد قيام الثورة العربية في الحجاز‪،‬‬
‫وفي المعارك الحاسمة والكمائن والستخبارات ضد الترك‪.‬‬
‫وكان عدد كبير من هؤلء الضباط قد التحقوا في السنة الولى‬
‫من انفجار الثورة‪ .‬فمنهم من جاء على ظهر باخرة سواء من‬
‫ميناء البصرة أو من شواطئ مصر‪ ،‬والبعض تطوع في جيشها‬
‫وهو في معسكرات السر النكليزية‪ ،‬ومنهم من هرب ليل ً‬
‫متخفيا ً من جبهة القتال التركية إلى خطوط القتال النكليزية‪.‬‬
‫)( بببب بب‪ -‬ببببببببببب بببببببببب بب ببببب ب بببببببب ب‪-‬‬ ‫‪8‬‬
‫ببب‪.. -‬‬ ‫بببب‪ -‬بب‬ ‫ببب بب‬ ‫بب‬ ‫بببب‬
‫ب ‪.28/29‬‬
‫)( بببب بببببببب‪ -‬بببب ببببب‪ -‬بببب بببب ب ‪.279‬‬ ‫‪9‬‬

‫)( بببببب بببببب ب ‪.279‬‬ ‫‪10‬‬

‫‪- 10 -‬‬
‫وفي تشكيل أول وزارة للشريف حسين بعد قيام الثورة‪،‬‬
‫عين زعيم العهد التاريخي عزيز علي المصري وزيرا ً للحربية‪،‬‬
‫وبقي ستة أشهر فيها‪ ،‬وغادر الحجاز بعد أن اختلف مع‬
‫الشريف حسين لسباب عديدة أهمها عدم ثقة عزيز المصري‬
‫بالنكليز والفرنسيين حلفاء الشريف حسين فلدى البلدين‬
‫مخططات استعمارية تتصادم مع مبادئ وطموحات وأهداف‬
‫جمعيته‪ -‬جمعية العهد‪ ،‬وقد علم كبقية الضباط العرب وسياسي‬
‫الحزاب العربية بالتفاقات السرية التي عقدت بين الطرفين‬
‫لقتسام بلد الشام والعراق‪ .‬مما حدا به أن يتصل بالفريق‬
‫فخري باشا قائد الجيش التركي المحاصر في المدينة المنورة‬
‫مع قواته‪ ،‬ويعرض عليه تحالفا ً ضد القوات الغربية‪ ،‬مقابل أن‬
‫يوافق الترك على منح العرب استقلل ً ذاتيًا‪ .‬وحين علم‬
‫الشريف حسين بهذا التصال‪ ،‬أعطى المصري إجازة إجبارية‬
‫لمصر‪ ،‬وبدون عودة‪.‬‬
‫أما ضباط العهد وغيرهم من الضباط العرب حين سمعوا‬
‫باتفاقات سايكس بيكو ووعد بلفور‪ ،‬أوقفوا القتال ضد التراك‪.‬‬
‫وكادت المور أن تتحول إلى كارثة على النكليز والشريف‬
‫حسين معًا‪ .‬لول تدخل المير فيصل شخصيًا‪ .‬الذي أقنع الضباط‬
‫العرب باستئناف القتال‪ .‬ومتابعة تحرير بلدهم‪ ،‬فدخلوا سورية‬
‫في تشرين الول ‪ .1918‬وبعد تشكل الدارة العربية في‬
‫دمشق‪ .‬شارك ضباط العهد فيها‪ ،‬واحتلوا أرفع المناصب‬
‫العسكرية والدارية‪.‬‬
‫‪ -‬انقسام جمعية العهد إلى عهدين‬
‫بدأت بذور النقسام داخل جمعية العهد‪ ،‬منذ أن كانت‬
‫القوات العربية تتمركز في جنوب الردن‪ .‬حيث حدث خلف‬
‫بين الضباط السوريين والعراقيين‪ ،‬بسبب تولي الضباط‬
‫العراقيين المناصب القيادية في الجيش العربي المكلف بتحرير‬
‫بلد الشام‪ ،‬في حين كان الضباط السوريون يتولون المناصب‬
‫الثانوية‪ .‬وقد سادهم شعور بأنهم أحق بتولي قيادة الجيش‬
‫الزاحف لتحرير بلدهم‪ .‬وإن كانت القيادة لخوانهم في‬
‫العروبة‪ .‬إضافة إلى أن السوريين كانوا يشعرون أن فيصل‬
‫يفضل الضباط العراقيين عليهم‪ .‬وكاد الخلف يصل إلى حد‬
‫انشقاق الجيش العربي‪ ،‬مما يؤثر على قوته ووحدته‪ .‬فسارع‬
‫نوري السعيد بالسفر مع وفد رفيع إلى القاهرة‪ ،‬لبحث الخلف‬
‫مع قيادات سورية وطنية فيها‪ .‬فاجتمع في بيت كامل القصاب‬
‫مع عدد من القياديين السوريين‪ ،‬فشرح لهم خطورة المر‪.‬‬
‫فاتفقوا على أن يرسل كامل القصاب رسالة للضباط‬
‫السوريين تحثهم على الوحدة مع إخوانهم العراقيين‪ ،‬وبأنه‬
‫قادم إليهم قريبًا‪ .‬وعاد السعيد من القاهرة‪ .‬ثم بعد فترة جاء‬
‫القصاب إلى معسكر القيادة في العقبة‪ ،‬والتقى بالضباط‬
‫السوريين وأقنعهم بإنهاء الخلف‪ .‬كما التقى بالمير فيصل‪،‬‬
‫وحثه على عدم التفضيل بين الضباط العرب‪ ،‬وأن يتولى‬
‫الضباط السوريون مناصب متقدمة كإخوانهم العراقيين في‬
‫الجيش العربي‪ ،‬فوعده فيصل بتغيير سياسته‪ .‬وقبل أن يعود‬
‫كامل القصاب إلى القاهرة‪ ،‬التقى في اجتماع عام ضم‬
‫الضباط السوريين والعراقيين‪ ،‬وحثهم على الوحدة في سبيل‬
‫القضية العربية‪ .‬وزيادة في الطمئنان طلب منهم أن يقسموا‬
‫"أقسم بالله‪ .‬أل‬
‫ُ‬ ‫على يمين كتبه بنفسه ونص على التالي‪:‬‬
‫أشتغل إل للبلد العربية‪ .‬والمة العربية‪ .‬وأن أقاوم كل من يمد ّ‬
‫يده للجانب‪ .‬وكل سلطة تتعاون مع الجانب‪ .‬وكل سلطة‬
‫استبدادية في البلد" وأقسم الضباط الحاضرون على اليمين‪،‬‬
‫وقّبلوا بعضهم‪ ،‬وانتهى الخلف‪ .‬وغادر كامل القصاب المعسكر‬
‫عائدا ً إلى القاهرة على أن يصدر المير فيصل تشكيلت جديدة‬
‫‪-11 -‬‬
‫للقيادات العسكرية العربية ينصف فيها السوريين‪ .‬إل أن المير‬
‫فيصل أصدر تشكيلته العسكرية الجديدة فاحتفظ العراقيون‬
‫للسوريين قيادات هامشية‪ .‬فسقط‬ ‫بالمناصب العليا وأعطيت‬
‫اتفاق القصاب والمير فيصل)‪ .(11‬فعاد الخلف بين الطرفين‬
‫الذي استمر إلى مابعد بعد انتصار الثورة وتولي فيصل الحكم‬
‫مدت الجمعية حتى انقسمت إلى حزبين‪ .‬حزب‬ ‫في سورية‪ .‬فج ّ‬
‫عهد سوري‪ ،‬وحزب عهد عراقي‪.‬‬
‫‪ -‬حزب العهد العراقي‪.‬‬
‫شكل عدد من الضباط العراقيين وبعض السياسيين‬
‫المتواجدين في دمشق عام ‪ 1919‬حزب عهد عراقي وضعوا‬
‫له برنامجًا‪ .‬جاء في مادته الولى‪ .‬ما يلي‪.‬‬
‫"إن غاية الجمعية الساسية هي كما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬استقلل العراق استقلل ً تاما ً ضمن الوحدة العربية‪.‬‬
‫وداخل حدوده الطبيعية وهي‪ :‬يقسم العراق إلى ثلث‬
‫مناطق‪ :‬الدنى‪ .‬والوسط‪ .‬والعلى‪ .‬ويمتد حدود‬
‫الفرات شمالي دير الزور‪ .‬وضفة دجلة الممتدة من‬
‫قرب شمالي دياربكر إلى خليج البصرة‪ .‬ويشمل‬
‫ضفتي دجلة والفرات من الشمال واليمين المحدود‬
‫بالمواقع الطبيعية‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يكون للعراق الخيار في من يشاء من المم‬
‫الراقية للمعاونة في الشؤون الفنية والقتصادية إذا‬
‫اقتضت الحاجة على أن ل تمس تلك المساعدة‬
‫بالستقلل التام‪.‬‬

‫ج‪ -‬إنهاض الشعب العراقي ليباري أرقى المم‪.‬‬


‫د‪ -‬السعي لخير المة العربية‪.(12)".‬‬
‫‪ -‬انقسام الضباط العراقيين‬
‫لم يكن الضباط العراقيين في حزب العهد العراقي على‬
‫رأي واحد تجاه مستقبل العراق السياسي والعلقة مع بريطانيا‬
‫المحتلة له‪ ،‬فقد انقسموا إلى ثلث مجموعات‪ .‬المجموعة‬
‫الولى ترفض الوجود البريطاني في بلدهم وتدعو إلى‬
‫التام‪ ،‬ويترأس المجموعة الفريق ياسين باشا‬ ‫الستقلل‬
‫الهاشمي)‪ (13‬المعروف بمعاداته للنكليز والفرنسيين‪.‬‬
‫)( ب‪ .‬ببب ببببب‪ -‬ببببب ‪ -1918 -1908‬ببب بببب بببب ب ‪1987 -1‬‬ ‫‪11‬‬
‫ب ‪.469‬‬
‫)( ببب بببببب بببببب‪ -‬بببببب بببببببب بببببب بببب ب ببب ب‬ ‫‪12‬‬
‫‪.44‬‬
‫)( ببببب بببب ببببببب ) ‪ .(1937 -1882‬ببب ب ب بب بببب بببب ب‬ ‫‪13‬‬
‫بب بببببببب بب بببببب بببببببب بب ببببب ببببب بب‪ .‬ببب بب‬
‫بببب ببببب ب بب ب بب ‪ .1905‬بببب ب بب ب بببب ب بببب ب‪ .‬ببببب‬
‫بب ببب ب ب ببب ب ببب ب ببب بببب ب بببببب ب بببببب ب بببب بب‪.‬‬
‫بببب بببب ببببب ببب ببببببببب بببب ب ب ببببب ب ب ب بب ببب‬
‫بب ببببب بب‪ .‬ببب ب ب ب بب ببب ب ب بببب ب ببببب ب ب ب ببب ببب‪.‬‬
‫ببببب ببب بببب بببب ببب بببب ‪ .1918‬ببب ببب بببببببب بب ب‬
‫بببببب ببببببب ببببب ببببببب بب ببببببب ب ببببب ب‪ .‬بب بب‬
‫بب ببب ‪ 1915‬ببب ببب ب بب ب ببب ببب بب ب ب بب بببب بببببب بب‬
‫ببببب ب بببببب ب بب ب‪ .‬بب ب بب ب ببب بب ببب ب بببب بببببب بب‬
‫ببببب )ببببب بببببب( ببب بببببببب بببببببب‪.‬‬
‫‪- 12 -‬‬
‫والمجموعة الثانية كانت ترى أن ل مستقبل للعراق بدون‬
‫للخذ بيده والنهوض‬ ‫التحالف مع بريطانيا‪ ،‬ووجودها في العراق‬
‫ويتزعم‪(15‬هذه المجموعة نوري السعيد)‪ .3(14‬وجعفر‬ ‫به‪،‬‬
‫العسكري) ‪ ،‬وبقيت مجموعة وسطية بين المجموعتين فهي‬
‫تريد الستقلل التام للعراق ولكن دون استخدام العنف وإثارة‬
‫بريطانيا‪ ،‬إل أن هذه المجموعة انضمت بعد انفجار ثورة دير‬
‫الزور‪ ،‬وتداعياتها‪ ،‬واكتشاف النوايا البريطانية تجاه العراق إلى‬
‫المجموعة الولى‪ .‬ومارست العمل الثوري والقتالي ضد‬
‫الوجود البريطاني في العراق‪.‬‬

‫‪‬‬

‫)( ب ببب ببب ببب ) ‪ (1958 -1888‬بب ب ب ب بب بببب ببب بب ب ب‬ ‫‪14‬‬


‫بببببببب ببب ‪ .1903‬ببببب بببببب بب بببب بببب ب ب ببببب ب‬
‫بببب بببب ببب بب ب ب ببببببببب ب بببب بببب ب بب ‪1906‬ب‬
‫بببببب ببب ببببب ببببب ‪1913‬ب بببب ببب بببب بب بب بب بب ب‬
‫ببببببب ببب ب ببببب ب ب ببب ببببب ب ب بب ب بب بب ب بببب ببب‬
‫ببببب ب ب بببببب بببببب بب بب ببب ب بب بببب ب ببببب ب ب ب‬
‫ببببب بببببب‪ .‬بببب بببب بببب ببببب بب ب بببب بب بب ب ببببب‬
‫ببببب بببب بببببببب ببببب‪ .‬بببب ب بببب بب ب ببب ببب ب ببب‬
‫ببببب بببببببب ب بب ب ببب‪ .‬ب بب بببب ببب ببببببببببب ب ب بب‬
‫بببب ب بب ب ببب ببب ببب ب ببب بب بب ب بببببب ب ب ب بببببب ب‬
‫بببب ببب بببببب ببببببب بببببببب ببببب ببب ببب ب بب ببب‬
‫بب ببببب ببببب ببب بببب بببب ‪ 14‬بببب ‪.1958‬‬
‫)( ببب ب بببب ببب ) ‪ (1936 -1884‬ببب ب ب بب ببب بببببب ب ب بب‬ ‫‪15‬‬
‫‪ .1901‬ببب بب ببببب ب بببب بببب ب ب بببب ببببب ببب بب ببب ب‬
‫ببببب ببب ب ب بب ‪1904‬ب ببب ب بب ب بببببب ب ب ب ب بب ‪1910‬‬
‫بببببب بببببب ببببببببب بببب ببب ببب ‪ .1914‬بب بب ببب ب ب‬
‫ببب بب بببب ب‪ .‬ب ببب ب ب بببب بب ب ب بببب ب ببببب ب ب ب ببب ب‬
‫بببببب بب بببببببب ‪ 1916‬بببببب ب بببببب بببببب ب ببب بب‬
‫بببببببببب بببب‪ .‬ب ب بببب بببب ب بب ب‪ .‬ببب ب ب بببب ببب ببب‬
‫بببب ببببب بببببب بب بببب ب بببببب ب‪ .‬بب ب بب ب بب بب ب ببب‬
‫ببب بببب ببب ‪.1936‬‬
‫‪-13 -‬‬
‫الفصل الثاني‬

‫طرفا الصراع في العهد العراقي‬


‫ياسين الهاشمي والعنف‪.‬‬
‫أتصف الفريق ياسين الهاشمي بكرهه الشديد للنكليز‬
‫والفرنسيين معا ً بسبب مخططاتهما الستعمارية ضد التطلعات‬
‫العربية في تحرير بلدهم من السيطرة التركية‪ ،‬وتحقيق دولة‬
‫عربية مستقلة‪ .‬وقد آلت إليه زعامة جمعية العهد بعد رحيل‬
‫عزيز المصري بعيدا ً عن مسرح الحداث في بلد الشام‪ .‬الذي‬
‫بقي في مصر بعد عودته من تركيا‪ .‬وقد خدمت الظروف‬
‫ياسين الهاشمي بين عامي ‪ 1916 -1914‬في توسيع قاعدة‬
‫المنتسبين لجمعية العهد بين الضباط‪ .‬فقد كان رئيسا ً للفرقة‬
‫الثالثة عشرة التركية والتي انتقلت من الموصل إلى دمشق‪،‬‬
‫ورابطت حولها فأجرى العديد من التصالت مع الضباط‪،‬‬
‫ونسبهم إلى الجمعية‪ .‬والتقى بالمواطنين والسياسيين‬
‫السوريين‪ ،‬الذين رأوا فيه الشخصية العسكرية القيادية التي‬
‫تخدم قضيتهم العربية‪ .‬كانوا يتصلون به عن طريق نسيب‬
‫البكري وغيره من رجالت جمعية الفتاة العربية ونظموه بها‬
‫على الرغم من عدم معرفتهم به كزعيم لجمعية العهد السرية‪.‬‬
‫وكان لنتسابه للجمعيتين أن جعل منه همزة الوصل بينهما‪.‬‬
‫ومنسقا ً لتحركاتهما‪ .‬وقد كان التقى المير فيصل عند زيارته‬
‫إلى دمشق في آذار ‪ ،1915‬وتعرف على انطباعاته تجاه‬
‫الحتلل التركي‪ ،‬وممارسات القمع والستبداد التي يقوم بها‬
‫الترك ضد العرب‪ .‬ففاتحه في تفجير ثورة ضد التراك‪ ،‬وعرض‬
‫عليه قيادة الثورة وأعلمه بوجود عدد كبير من الضباط والجنود‬
‫العرب في الفرق والكتائب العسكرية التركية المتواجدة في‬
‫دمشق وبلد الشام‪ ،‬وبقدرته على التصال بالضباط وموالتهم‬
‫له‪.‬‬
‫كما عرض عليه النضمام إلى جمعية العهد‪ ،‬فوافق فيصل‬
‫على الرغم من انضمامه إلى العربية الفتاة من قبل‪ .‬وقد‬
‫ناقش فيصل الهاشمي عن إمكانياته ومجموعته العسكرية في‬
‫تفجير الثورة‪.‬‬
‫فسأله المير فيصل عما يطلبه من الحجاز؟ وعن نوع‬
‫المساعدة التي يقترحها؟ أجابه ياسين‪:‬‬
‫‪-‬ل نطلب شيئًا‪ .‬ول نحتاج إلى شيء‪ .‬فعندنا كل شيء‪ .‬وما‬
‫عليك إل أن تقودنا وتسير في الطليعة‪.‬‬

‫‪- 14 -‬‬
‫وقال فيصل‪- :‬إننا متفقون مع رؤساء الحجازية‪ .‬وهم‬
‫مخلصون لنا‪ ،‬ومستعدون للعمل معنا‪.‬‬
‫وكان جواب ياسين‪ :‬ل حاجة لنا بهم‪ .‬فعندنا كل شيء" ‪.‬‬
‫)‪(16‬‬

‫لقد كانت تقديرات ياسين الهاشمي للثورة مضمونة بسبب‬


‫ما لديه من أعداد كبيرة من الجنود والضباط العرب‬
‫المتواجدين في الشام أثناء زيارة فيصل إليها في آذار ‪.1915‬‬
‫ولكن هذه العداد بدأت تختفي حين زار فيصل دمشق مرة‬
‫م نقل العديد منها‪ ،‬كما أشرنا سابقا ً‬ ‫ثانية في أيار ‪ .1916‬فقد ت ّ‬
‫من قبل جمال باشا قائد الجيش الرابع في سورية‪ .‬بعد انتشار‬
‫الجمعيات المناهضة للترك في القوات العربية‪ ،‬وتراكم التقارير‬
‫للمخابرات العسكرية التركية عن نشاط جمعية العهد بين‬
‫الضباط والجنود العرب‪ ،‬واستحالة الكشف عن أسماء أعضاء‬
‫تنظيم الجمعية‪ .‬وبذلك نقلت الفرق والكتائب التي تضم أعدادا ً‬
‫كبيرة من العرب إلى خارج سورية‪ .‬لم يبقى إل فرقة ياسين‬
‫الهاشمي في دمشق‪ .‬وبعد انفجار الثورة العربية في الحجاز‪،‬‬
‫لم يلتحق ياسين الهاشمي بها‪ .‬رغم أنه كان محرضا ً لقيامها‪.‬‬
‫ولقد أرسل المير فيصل إليه لورنس متخفيًا‪ .‬في عام ‪.1917‬‬
‫واجتمع به في مزرعة آل البكري سرًا‪ ،‬وطلب منه بناًء على‬
‫أوامر فيصل النضمام إلى الجيش العربي‪ ،‬وأن يقوم بتفجير‬
‫الثورة في الشام فرفض ياسين‪.‬‬
‫وقال لمبعوث فيصل "إن النكليز ليسوا مخلصين لفيصل‪،‬‬
‫ول لبيه‪ .‬فبعد أن وعدوا بتأسيس دولة عربية‪ .‬اتفقوا مع‬
‫مع‪(17‬الفرنسيين على‬ ‫اليهود‪ ،‬وأصدروا وعد بلفور‪ .‬واتفقوا أيضا ً‬
‫إعطائهم سورية‪ .‬كما ربطوا العراق بالهند") ‪ .‬وبقي في‬
‫دمشق‪ ،‬ولم يلتحق بالثورة حتى دخلت دمشق‪ .‬فاختفى في‬
‫أحد أحيائها‪ .‬ولكن زملؤه المشاركون في الثورة نوري السعيد‬
‫وجميل المدفعي وعلي جودت‪ ،‬التقوا به في مخبئه‪ ،‬وأتوا به‬
‫إلى المير فيصل الذي عاتبه‪ ،‬ثم أصدر قرارا ً بتعيينه رئيسا ً‬
‫لديوان الشوري "رئاسة الركان" بدل ً من جعفر العسكري‪.‬‬
‫ويظهر أن هذا التعيين قد جعل من جعفر العسكري عدوا ً له‪.‬‬
‫س عليه عند النكليز خاصة‪.‬‬ ‫فأكثر من الد ّ‬
‫لم يتراجع ياسين الهاشمي عن مواقفه السابقة بعد تعيينه‬
‫رئيسا ً للركان في معاداة المخططات الستعمارية النكليزية‬
‫والفرنسية التي استهدفت سورية والعراق‪ .‬وقد وجهت إليه‬
‫اتهامات من قبل فرنسا وإنكلترا بأنه كان يمد ّ الثوار في جبال‬
‫اللذقية بالسلح لمقاتلة القوات الفرنسية‪ ،‬إضافة إلى اتهامات‬
‫بإعداد جيش عربي حديث‪ ،‬وأنه كان وراء قانون الخدمة‬
‫الجبارية الذي أصدرته حكومة فيصل‪ .‬وقد وردت تلك‬
‫التهامات في قائمة أصدرتها القوات البريطانية بعد اعتقاله‬
‫في دمشق أواخر عام ‪ ،1919‬وصفته إحدى البرقيات‬
‫الستخباراتية البريطانية بعد تعيينه في منصب رئيس ديوان‬
‫ذكي‪ ،‬طموح‪ ،‬متعصب‪،‬‬ ‫الشورى الحربي‪ ،‬مقتدر‪ ،‬جندي كفٌء‪.‬‬
‫نصير للستقلل التام‪ ،‬يحتمل أنه خطر")‪.(18‬‬
‫ـ جعفر العسكري ونوري السعيد‬
‫على النقيض من ياسين الذي يدعو إلى الستقلل التام‬
‫)( ب ببببب ببببب ب‪ -‬ببببب ب بببببب ب‪ -‬بب ببب‪ -‬ببب بببب بب‪-‬‬ ‫‪16‬‬
‫‪ 1970‬ب ‪.132‬‬
‫)( ببب ب ببب ب ب ببب‪ -‬ببب ببب بببببب ب ببب ببب‪ -‬بببب ب ببب ب‬ ‫‪17‬‬
‫بببب بببب بب بببببب ب‪ -‬ببب بببب‪ -‬بببب ب ببب بب ‪ 1935‬ب ‪-258‬‬
‫‪.259‬‬
‫)( ‪.F. O. 882. 24.. 1917. Who is who Damascus 1919‬‬ ‫‪18‬‬

‫‪-15 -‬‬
‫لسورية والعراق‪ ،‬وبرفض أي شكل من أشكال الرتباط مع‬
‫إنكلترا أو فرنسا ينقص من هذا الستقلل‪ .‬كان خط نوري‬
‫السعيد وجعفر العسكري الذي عمل على زيادة الرتباط‬
‫بإنكلترا‪ .‬ولم يتصور جعفر العسكري أو نوري السعيد العراق‬
‫بدون بريطانيا‪ ،‬أو استقلل سورية بدون بريطانيا‪ ،‬فكانا‬
‫يعتقدان أن أي تطور للعراق أو سورية ل يتم إل من خلل‬
‫‪(19‬للستقلل التام‬ ‫الدعم والوجود البريطاني‪ .‬لهذا رفضا أية فكرة‬
‫للعراق عن بريطانية‪ .‬وقد أشارت غيرترودبل) إلى العقلية‬
‫التي يحملها جعفر العسكري المشبعة بالولء لبريطانيا‪ .‬ففي‬
‫جلسة ضمتها مع جعفر دارت فيها مناقشات حول مستقبل‬
‫العراق‪ .‬أكدت فيها له "الستقلل هو ما ترغب بريطانيا منحه‬
‫في النهاية‪ ".‬فرد ّ عليها جعفر قائل ً "يا سيدتي إن الستقلل‬
‫التام يؤخذ دائمًا‪ .‬ول يعطى أبدًا"‪ .‬ثم رفض فكرة استقلل‬
‫مؤهلين لدارة بلدهم‪.‬‬ ‫العراق تحت ذريعة أن العراقيين غير‬
‫وقال لها "إن الستقلل التام مستحيل")‪.(20‬‬
‫ولم يختلف نوري السعيد عن جعفر إن لم نقل كان أشد‬
‫وجود إدارة عربية في العراق‪،‬‬ ‫تحمسا ً للوجود البريطاني‪ ،‬مع‬
‫ففي رسالته إلى الميجر يونغ)‪ .(21‬عن المؤتمر العراقي الذي‬
‫انعقد في دمشق في ‪ 7‬آذار ‪ 1920‬وسنبحثه في الفصول‬
‫القادمة‪ .‬قال عن الذين حضروه ومن زاوية رؤياه الشخصية‬
‫طبعًا‪ .‬وليست بالتأكيد أراء غالبية الحاضرين "أي شخص يحمل‬
‫آراء غير ودّية تجاه حلفائنا النكليز‪ ..‬بل بالعكس‪ ،‬إنهم منفردين‬
‫ومجتمعين‪ ،‬مشربون بروح الزمالة مع النكليز‪ .‬وحريصون جدا ً‬
‫على المضي في طريق الولء والتعاون معهم‪ (22).‬رغم أن‬
‫الرسالة أشارت إلى ضرورة تصحيح الخطاء التي تمارسها‬
‫وين حكومة عربية‬ ‫الدارة البريطانية في بغداد‪ ،‬وإلى ضرورة تك ّ‬
‫في العراق في ظلل الحتلل البريطاني‪.‬‬

‫‪‬‬

‫)( ببب ب بببببببب ب ببب بببببب ببب بببب ب ببببب بببببب ب‬ ‫‪19‬‬
‫ببب ببب بببببب ببب ب ب بب بببب بب ببب ب ب بببببب ب بب ب‬
‫بببببببب ببببببببب‪ .‬ببب بببببببب بببببببب ببب بب ببب بب‬
‫بببببببب بببببب‪ .‬ببب ببب ببب ببب ب ب ببببببب ببببببببب ب‬
‫ب ب بب بببب ببببب ب بب ب بببب ب ببب ب ببببب بب ببب بب ب‬
‫بببببببب‪ .‬ببببب بببببب بب ببببببب ببببب ببب ب بب ببب ببب‬
‫بببببببب ببببببب‪.‬‬
‫)( ب‪ .‬ببب ب بب بب بب ب ببب ب –ببب ببب بببببب بب ببببببب ب‬ ‫‪20‬‬
‫بببببب ببببببب بببببب ب بببب ببببببب ب ب ببب ببب‪ -‬بب ببب‪-‬‬
‫بببب بببببب بببببب ببببببب ‪ -1984‬ب ‪.161‬‬
‫)( ببببب ب ببب ب‪ -‬بب ب ب ب ببب ب ببب بببب بببب ببببببب‬ ‫‪21‬‬
‫ببببببببب ب‪ -‬بب ببببب ب ب ببببب ببببببب ب‪ -‬ببب ب ب ببببب‬
‫بببب ب ببببب بببب ب ب ب ببب ببب بب بب ب ب بب ب بب بب ببببب ب‬
‫بببب بببببب ببببببب ببببببببب بب بببببب‪.‬‬
‫)( ‪.F.O 941/ 5226/ E2719- 5 April 1920‬‬ ‫‪22‬‬

‫‪- 16 -‬‬
‫‪-‬الفصل الثالث‪-‬‬

‫‪ -‬الدارة البريطانية في العراق‪.‬‬


‫وعود بريطانية للعرب‪.‬‬ ‫•‬
‫منشور الجنرال مود‪.‬‬ ‫•‬
‫في ‪ 11‬آذار ‪ 1917‬دخلت القوات البريطانية المحتلة بغداد‬
‫بقيادة الجنرال ستانلي مود‪ ،‬الذي أذاع لهالي بغداد بيانا ً في‬
‫‪ 19‬آذار ‪ .1917‬أطلق عليه "منشور الجنرال مود" حدد ّ فيه‬
‫مهام الحتلل البريطاني للعراق وأهدافه‪ ،‬ومستقبل البلد‪.‬‬
‫ولهميته نورد بعض الفقرات التي تضمنها البيان المذكور‪..." :‬‬
‫لقد ارتبط قومكم بإيالت جللة ملكي المعظم بعروة المصالح‬
‫الوثقى‪ .‬فقد تعاطى تجار بغداد وتجار بريطانيا العظمى بعضهم‬
‫مع بعض مدة مئة سنة‪ .‬متبادلين المنفعة والصداقة‪ ،‬أما‬
‫اللمانيون والتراك الذين نهبوكم‪ .‬أنتم وذويكم‪ .‬فإنهم اتخذوا‬
‫بغداد مدة عشرين سنة مركز قوة يهجمون منه على نفوذ‬
‫البريطانيين وحلفائهم في بلد إيران‪ .‬والمصار العربية‪ .‬فعلى‬
‫ذلك لم تتمالك الحكومة البريطانية من البقاء ضاربة الصفح‬
‫ل‪ .‬إذ أنه قياما ً بواجب‬‫عما يحدث في وطنكم حاضرا ً ومستقب ً‬
‫مصلحة الشعوب البريطانية وشعوب حلفائها ل تستطيع‬
‫الحكومة البريطانية المجازفة في وقوع ما عمله التراك‬
‫والجرمان ببغداد أثناء الحرب مرة ثانية‪ .‬ولكنكم يا أهالي بغداد‪.‬‬
‫حرفكم التجارية وتأمينكم من الظلم والغزو‪ .‬أمر‬‫يا من ِ‬
‫يستوجب أدق اهتمام الحكومة البريطانية هي تكليفكم نظامات‬
‫أجنبية‪ .‬فأمنية الحكومة البريطانية هي أن تحقق ما تطمح إليه‬
‫نفوس فلسفتكم‪ .‬وكتابكم مرة أخرى‪ .‬ولسوف يسعد أهالي‬
‫بغداد حالهم‪ .‬ويتمتعون بالغنى المادي والمالي بفضل نظامات‬
‫توافق قوانينهم المقدسة‪ .‬وأطماحهم القومية والفكرية‪.‬‬
‫لقد طرد العرب من الحجاز التراك والجرمان الذين ب َّغوا‬
‫عليهم‪ .‬وقد نادوا بعظمة الشريف حسين ملكا ً عليهم وعظمته‬
‫يحكم بالستقلل والحرية‪ .‬وهو متحالف مع المم التي تحارب‬
‫دولتي تركية وجرمانية‪ .‬وهذه هي حقيقة حال أشراف العرب‪.‬‬
‫وأمراء نجد والكويت‪ .‬وعسير كثيرون هم أشراف العرب الذين‬
‫راحوا ضحية في سبيل الحرية على أيدي أولئك الحكام الغرباء‬
‫التراك الذين ظلموهم‪.‬‬
‫إن التصميم لهو تصميم بريطانية‪ ،‬تصميم الدول العظمى‬
‫المتحالفة معها‪ .‬على أن ل يذهب ما قاساه هؤلء العراب‬

‫‪-17 -‬‬
‫الشرفاء هباًء منثورًا‪.‬‬
‫إن المأمول لهو مأمول بريطانية العظمى والمنية أمنيتها‪،‬‬
‫بل هما مأمول وأمنية المم المتحالفة معها‪ .‬أن تسمو المة‬
‫ا‪ ،‬وأن تسعى كتلة واحدة وراء‬ ‫العربية مرة أخرى‪ ،‬عظمة وصيت ً‬
‫هذه الغاية بالتحاد والوئام‪ (23)"....‬من خلل ما ورد في‬
‫المنشور الذي جاء باسم ملك بريطانيا‪ .‬بأن بريطانيا ستعمل‬
‫على تحقيق أماني المة العربية في الستقلل والحرية‪ .‬وإنها‬
‫لن تضيع النضال العربي ضد الستبداد التركي هباًء منثوراً‪،‬‬
‫وسوف تساند مطالبهم‪ .‬وأشار المنشور إلى انتفاضة الشريف‬
‫حسين وإلى مناداة أهل الحجاز به ملكًا‪ ،‬دون أن يشير أن‬
‫الشريف حسين نودي به ملكا ً على العرب‪ .‬ونرى أن المنشور‬
‫تضمن أن تدعم بريطانيا أماني العرب بالعيش في كتلة واحدة‪.‬‬
‫وبالتحاد داخل كيان واحد مستقل‪.‬‬
‫أما عن أهالي بغداد فقد دعا المنشور "فبناء عليه أنني‬
‫مأمور بدعوتكم بواسطة أشرافكم والمتقدمين فيكم سنًا‪،‬‬
‫وممثليكم إلى الشتراك في إدارة مصالحكم الملكية لمعاضدة‬
‫ممثلي بريطانية السياسيين المرافقين للجيش كي تنظموا مع‬
‫ذوي قرباكم شمال ً وجنوبًا‪ ،‬وشرقا ً وغربًا‪ .‬في تحقيق أطماحكم‬
‫القومية‪ .".‬ولم يتضمن إقامة دولة عربية في العراق ول‬
‫تشكيل حكومة فيها من الهالي‪.‬‬
‫‪ -‬تعهدات مكماهون لستقلل العرب‪.‬‬
‫من يطالع تعهدات السيرهنري مكماهون إلى الشريف‬
‫حسين يرى المواربة والخداع والتضليل‪ ،‬فهو يعطي العموميات‬
‫التي تغازل الماني العربية في الستقلل وتكوين الدولة‬
‫العربية الموحدة‪ .‬فتقدم طروحات تتضمن أماني بريطانيا في‬
‫الستقلل والمملكة العربية‪ .‬ثم تختلف على شكلها وحدودها‬
‫وأقاليمها‪ .‬فتقول المذكرة الولى للسيرهنري مكماهون نائب‬
‫الملك في القاهرة "‪ ....‬رغبتنا في استقلل بلد العرب‬
‫وسكانها مع استصوابنا للخلفة العربية عند إعلنها‪ .‬وإنا نصرح‬
‫هنا مرة أخرى أن جللة ملك بريطانية العظمى يرحب‬
‫باسترداد الخلفة إلى يد عربي صميم من فروع تلك الدوحة‬
‫النبوية المباركة‪.‬‬
‫الحدود والتخوم‪ .‬فالمفاوضة فيها‬‫)‪(24‬‬
‫وأما من خصوص مسألة‬
‫تظهر إنها سابقة لوانها‪"......‬‬
‫كانت هذه الرسالة قد كتبت في ‪ 30‬آب ‪ .1915‬وفي‬
‫مذكرته المؤرخة في ‪ 24‬تشرين الول ‪ 1915‬يوضح بصراحة‬
‫إخراج عدد من القاليم العربية من الدولة العربية الموعودة‬
‫للشريف حسين‪ .‬فهو يقول فيها التالي‪" :‬إن وليتي مرسين‬
‫واسكندرونه‪ ،‬وأجزاء من بلد الشام الواقعة في الجهة الغربية‬
‫لوليات دمشق الشام وحمص وحماه وحلب‪ ،‬ل يمكن أن يقال‬
‫عنها عربية محضة‪ .‬وعليه يجب أن تستثنى من الحدود‬
‫المطلوبة‪ .‬ومع هذا التعديل وبدون تعرض للمعاهدات المعقودة‬
‫بيننا وبين بعض رؤساء العرب نحن نقبل تلك الحدود‪ .‬وأما من‬
‫خصوص القاليم التي تضمها تلك الحدود حيث بريطانيا‬
‫العظمى مطلقة التصرف بدون أن تمس مصالح حليفتها‬
‫فرنسا‪ .‬فإني مفوض من قبل حكومة بريطانيا العظمى أن‬
‫أقدم المواثيق التية وأجيب على كتابكم بما يأتي‪:‬‬

‫)( ببب بببببب بببببب‪ -‬بببببب بببببببب ببب ببب‪ -‬بب بب ب ببب‬ ‫‪23‬‬
‫ب ‪.16 -15‬‬
‫)( بببب بببببببب‪-‬بببب ببببب‪ -‬بببب بببب ب ‪.549 -548‬‬ ‫‪24‬‬

‫‪- 18 -‬‬
‫‪ .1‬إنه مع مراعاة التعديلت المذكورة أعله فبريطانيا‬
‫العظمى مستعدة بأن تعترف باستقلل العرب وتؤيد‬
‫ذلك الستقلل في جميع القاليم الداخلة في الحدود‬
‫التي يطلبها دولة شريف مكة‪.‬‬
‫‪ .2‬أما من خصوص وليتي بغداد والبصرة فإن العرب‬
‫تعترف أن مركز ومصالح بريطانيا العظمى الموحدة‬
‫هناك تستلزم اتخاذ تدابير "إدارية مخصوصة لوقاية هذه‬
‫وزيادة خير سكانها وحماية‬ ‫)‪(25‬‬
‫القاليم من العتداء الجنبي‪.‬‬
‫مصالحنا القتصادية المتبادلة‪.‬‬
‫ومن خلل قراءة الحدود السياسية التي رسمتها مذكرة‬
‫السيرهنري‪ .‬فقد أخرجت من المملكة العربية الموعودة‬
‫سورية الداخلية والعراق‪ ،‬وأيضا ً دول الخليج العربية ونجد‬
‫وعدن واليمن‪ .‬فلم يبق من المملكة العربية سوى الحجاز بما‬
‫فيها عسير وهذا ما سنلحظه في سياسة بريطانيا والتي نفذت‬
‫واقعيا ً في عام ‪.1920‬‬
‫ورغم إلحاح الشريف حسين لضم هذه الوليات إلى‬
‫مملكته العربية‪ .‬والتي تضمنتها رسالته إلى السير مكماهون‬
‫في ‪ 5‬تشرين الثاني عام ‪ .1915‬إل أن مكماهون بقي على‬
‫الثوابت وإن حاول تلطيف اللهجة‪ ،‬وحاول أن يضع المر‬
‫بضبابية واضحة حين قال في رسالته الجوابية لهذا اللحاح في‬
‫‪ 13‬كانون الول ‪ .."1915‬قولكم إن العرب مستعدون أن‬
‫يحترموا ويعترفوا بجميع معاهداتنا مع رؤوس العرب الخرين‪.‬‬
‫يعلم منه طبعا ً أن هذا ل يشمل جميع البلد الداخلة في حدود‬
‫المملكة العربية لن حكومة بريطانيا ل تستطيع أن تنقض‬
‫اتفاقات قد ُأبرمت بينها وبين أولئك الرؤساء أما بشأن وليتي‬
‫حلب وبيروت‪ ،‬فحكومة بريطانيا العظمى قد فهمت كل ما‬
‫ذكرتم بشأنها‪ ،‬ودونت ذلك عندها بعناية تامة‪ ،‬ولكن لما كانت‬
‫مصالح حليفتها فرنسا داخلة فيهما فالمسألة تحتاج إلى نظر‬
‫دقيق وسليم بهذا الشأن مرة أخرى في الوقت المناسب‪.‬‬
‫إن حكومة بريطانيا العظمى كما سبقت فأخبرتكم مستعدة‬
‫لن تعطي كل الضمانات والمساعدات التي في وسعها إلى‬
‫المملكة العربية ولكن مصالحها في ولية بغداد تتطلب إدارة‬
‫ودّية ثابتة كما رسمتم‪ .‬على أن صيانة هذه المصالح كما يجب‪،‬‬
‫تسمح به الحالة الحاضرة والسرعة‬ ‫)‪(26‬‬
‫تستلزم نظرا ً أدق وأتم مما‬
‫التي تجري بها المفاوضات‪"..‬‬
‫ـ التصريح النجليزي للسوريين السبعة‬
‫كما أن وزارة الخارجية البريطانية ردت على مذكرة تقدم‬
‫بها سبعة زعماء سوريين مقيمين في القاهرة حول مستقبل‬
‫البلد العربية بعد انتهاء الحرب‪ .‬أجابت الوزارة البريطانية في‬
‫‪ 16‬حزيران ‪ 1918‬بما يلي‪:‬‬
‫إن حكومة جللة الملك ترغب في أن تكون‬ ‫‪.1‬‬
‫عامة الشعوب التي تتكلم اللغة العربية منقذة من‬
‫السلطة التركية‪ .‬وأن تعيش فيما بعد وعليها‬
‫الحكومة التي ترغب فيها‪.‬‬
‫إن بعض البلد العربية إما كانت تتمتع‬ ‫‪.2‬‬
‫باستقللها التام منذ مدة‪ ،‬أوجعلت عليه الن‪ .‬وهو‬
‫استقلل اعترفت به إنكلترا اعترافا ً تامًا‪ .‬وهذا يكون‬
‫بببببب بببببب ب ‪.557 -556‬‬ ‫)(‬ ‫‪25‬‬

‫بببببب بببببب ب ‪564‬‬ ‫)(‬ ‫‪26‬‬

‫‪-19 -‬‬
‫شأنها أيضا ً مع البلد التي تحصل على استقللها من‬
‫الن وحتى نهاية الحرب‪.‬‬
‫إن سائر البلد العربية هي الن إما خاضعة‬ ‫‪.3‬‬
‫للترك‪ ،‬أو تحتلها جيوش الحلفاء‪ .‬فحكومة جللة‬
‫الملك تأمل ولها الثقة‪ ،‬أن شعوب هذه البلد تحصل‬
‫وأن( يتخذ بشأنها عند‬ ‫أيضا ً على حريتها واستقللها‪.‬‬
‫انتهاء الحرب قرار يتفق عليه" ‪.‬‬
‫)‪27‬‬

‫‪ -‬التصريح النجليزي الفرنسي‪.‬‬


‫‪ -‬وهو تعهد آخر من قبل الدولتين عن مستقبل سورية‬
‫والعراق وفلسطين صدر بصورة بلغ رسمي عن مركز‬
‫القيادة العامة البريطانية لقوات الحملة المصرية بتاريخ‬
‫‪ 7‬تشرين الثاني ‪ .1918‬أي بعد طرد التراك من سورية‬
‫والعراق وجاء فيه "إن السبب الذي من أجله حاربت‬
‫فرنسا وإنكلترا في الشرق تلك الحرب التي أهاجتها‬
‫مطامح اللمان‪ .‬إنما هو لتحرير الشعوب التي رزحت‬
‫أجيال ً طوال ً تحت مظالم الترك تحريرا ً تاما ً نهائيًا‪.‬‬
‫وإقامة حكومات وإدارات وطنية تستمد سلطتها من‬
‫اختيار الهالي الوطنيين لها اختيارا ً حرًا‪ .‬ولقد أجمعت‬
‫فرنسا وإنكلترا على أن تؤيدا ذلك بأن تشجعا وتعينا‬
‫على إقامة هذه الحكومات والدارات الوطنية في‬
‫والعراق المنطقتين اللتين أتم الحلفاء‬
‫)‪(28‬‬
‫سورية‬
‫تحريرهما‪".‬‬
‫إضافة إلى كل ما تقدم فإن الحاكم الملكي‬ ‫‪-‬‬
‫العام البريطاني في العراق السيرارنولدتالبوت‬
‫ولسن تعهد في خطاب ألقاه في البصرة في ‪1‬‬
‫كانون الثاني ‪ 1919‬أكد على إقامة حكومة وطنية‪.‬‬
‫ستشكل حكومة‬ ‫حيث قال "وثقوا أيها السادة بأن‬
‫جديدة‪ .‬ومحاكم أيضا ً في بلدكم‪. (29)".‬‬
‫‪ -‬السياسة البريطانية بعد التعهدات والعراق‪.‬‬
‫أوردت النصوص السابقة من التعهدات البريطانية للعرب‬
‫قبل الثورة العربية‪ ،‬وأثناء مواجهاتها للترك وبعد انتصارها‪ .‬لن‬
‫معظم المطالب للقوى الوطنية والقومية في كل من سورية‬
‫والعراق‪ ،‬كانت تضغط على الدارة البريطانية وعلى فيصل‬
‫لتنفيذ ما تعهدت به بريطانيا‪ .‬إل أن التعهدات كانت شيئًا‪.‬‬
‫والممارسات المناقضة لها شيء آخر‪ .‬والوعد الذي نفذته‬
‫بأمانة بريطانيا‪ ،‬كان وعد بلفور بإقامة الكيان الصهيوني على‬
‫حساب شعب وأرض فلسطين‪.‬‬
‫بعد الحرب برز داخل السياسة البريطانية الرسمية‬
‫اتجاهان متباينان‪ .‬حول مستقبل العراق‪ ،‬ومطالب القوى‬
‫القومية العراقية بتنفيذ التعهدات البريطانية‪ .‬وتمثل هذا التباين‬
‫بين المكتبين البريطانيين المتواجدين في القاهرة ودلهي‪.‬‬
‫واللذان يرسمان السياسة البريطانية في المنطقة‪.‬‬
‫‪ -‬مكتب القاهرة "الفريقي"‪.‬‬
‫أطلق عليه المؤرخون عدة أسماء المكتب العربي‪ ،‬ومكتب‬
‫ببب بببببب بببببب‪ -‬بببببب بببببببب بببببب‪ -‬ب ‪.17‬‬ ‫)(‬ ‫‪27‬‬

‫بببب بببببببب‪ -‬بببب ببببب‪ -‬بببب بببب ب ‪.590‬‬ ‫)(‬ ‫‪28‬‬

‫ببببب ببببب ببببببببب‪ -‬ببببب ‪ 3‬ببببب بببببب ‪.1919‬‬ ‫)(‬ ‫‪29‬‬

‫‪- 20 -‬‬
‫القاهرة‪ ،‬والمكتب الفريقي‪ ،‬وهو المكتب الذي كان يديره‬
‫الجنرال كلتيون وضم مجموعة من الضباط النكليز العاملين‬
‫في دائرة الستخبارات البريطانية أمثال لورنس ويونغ وغيرهم‪.‬‬
‫ولعب هذا المكتب دورا ً هاما ً في التأثير على الحكومة‬
‫البريطانية بمساندة الحركة القومية العربية الداعية لستقلل‬
‫العرب‪ .‬ورأى المكتب في أسرة الشريف حسين وأبناؤه‬
‫م شمل القوميين العرب تحت قيادتهم‪،‬‬ ‫الحليف القادر على ل ّ‬
‫ومحاربة التراك بالتحالف مع بريطانيا في الحرب‪.‬‬
‫وقف المكتب بضباطه الذين اشتهروا بمناصرة فيصل‬
‫سواء أكان حاكما ً في سورية أو في العراق وساندوا مطالبه‬
‫دون أي تعارض مع مصالح بريطانيا‪.‬‬
‫‪ -‬مكتب دلهي‬
‫وعمل وفق سياسة وزارة الهند‪ ،‬ونائب ملك بريطانيا في‬
‫دلهي التي رفضت التوجهات القومية العربية‪ ،‬واعتبرتها خطرا ً‬
‫على المصالح البريطانية‪ ،‬ورفضت مساندة الثورة العربية‬
‫بقيادة الشريف حسين‪ ،‬وكان المكتب يطالب بمساندة عبد‬
‫العزيز آل سعود‪ ،‬ويناصره في تولي مقاليد الحكم في شبه‬
‫الجزيرة العربية ضدا ً بالشريف حسين‪ .‬ولعب الجنرال كوكس‬
‫والكولونيل ولسن دورا ً هاما ً في توجهات المكتب المضادة‬
‫للعرب وأمانيهم القومية‪.‬‬
‫تباينت سياسة المكتبين حول مستقبل العراق السياسي‪،‬‬
‫واختلفا إلى حد ّ الصراع في إدارة السياسة البريطانية في‬
‫المنطقة‪ ،‬إل ّ أن الباحث يرى أن الصراع لم يكن من أجل‬
‫مصلحة العراق القومية‪ ،‬بل في كيفية تحقيق المصالح‬
‫البريطانية دون إلحاق الضرر بها‪ .‬فمكتب القاهرة رأى بحل‬
‫المسألة العراقية من خلل حكومة عربية برئاسة ملك من أبناء‬
‫الشريف حسين وعودة الضباط العراقيين وخاصة الموالين‬
‫للسياسة البريطانية كنوري السعيد وجعفر العسكري‪ .‬وأن يتم‬
‫المر في ظل النتداب البريطاني غير المباشر‪.‬‬
‫أما مكتب الهند الذي كان العراق تحت إدارته ويمثله‬
‫ولسن كحاكم عام بريطاني‪ ،‬رأى أن مصلحة بريطانيا أن يبقى‬
‫العراق محمية بريطانية‪ ،‬يحكم من قبل إدارة بريطانية مباشرة‬
‫بإشراف وزارة الهند بحجة حماية مصالح بريطانيا في الخليج‬
‫والهند وإيران‪ .‬مدعيا ً أن العرب في العراق غير مؤهلين لدارة‬
‫شؤونهم وتشكيل حكومة لعدم أهليتهم العلمية والدارية‪.‬‬
‫ورفض عودة الضباط العراقيين من سورية لنهم يحملون‬
‫أفكارا ً قومية عربية واستقللية‪ .‬ورأى فيهم خطورة على‬
‫سياسة المكتب حتى وإن كانوا مقربين وموالين لبريطانيا‪.‬‬
‫ـ سياسة ولسن وآثارها‬
‫كان ارنولد ولسن على رأس العاملين في مكتب الهند‬
‫الرافضين لحركة القومية العربية التحررية‪ .‬وقف منذ بداية‬
‫تسلمه لمنصب الحاكم العام السياسي البريطاني في العراق‬
‫ضد العرب وطموحاتهم‪ ،‬ونظر نظرة دّونية إلى العرب‬
‫المسلمين في العراق‪ ،‬واعتبرهم غير مؤهلين حتى لدنى‬
‫الوظائف الدارية‪ .‬فكيف يشكلون حكومة تدير شؤون بلدهم؟‬
‫وقد أوضح هذا الرأي للورد كرزن في ‪ 26‬نيسان ‪ 1920‬في‬
‫برقية أرسلها له جاء فيها "‪ ..‬إن البلد هي بالنسبة لذلك الن‬
‫تكاد تخلو من العناصر المحلية التي تمتلك خبرة إدارية سابقة‬
‫ذات قيمة‪ ..‬وتعاني الدارة الحالية أعظم الصعوبات في إيجاد‬

‫‪-21 -‬‬
‫المحمديين‪(30‬الصالحيين لشغال حتى أوطى الوظائف‬ ‫)‬
‫الدارية‪".‬‬
‫لهذا سعى ومن قبله برسي كوكس أن يحل البريطانيون‬
‫في معظم المناصب الدارية العليا‪ .‬ثم يأتي في المرتبة الثانية‬
‫للوظائف الدارية العليا والمهمة‪ ،‬الهنود الذين جلبهم النكليز‬
‫دونية للعراقيين وحسب تصنيفاتهم‬ ‫معهم‪ .‬وفي الوظائف ال ّ‬
‫الدينية‪.‬‬
‫وبقراءة سريعة لحصاء للدارة المدنية في العراق جرى‬
‫في آب ‪ ،1920‬يرى القارئ الظلم الذي حاق بالعرب‬
‫المسلمين نتيجة نظرة الحتقار الحاقدة لهم من قبل ارنولد‬
‫ولسن ومن ورائه مكتب دلهي‪ .‬وكان كالتالي‪:‬‬
‫ب ببببببب بببببب ب بببب ببب ‪ /507 /‬بب‬
‫ببببببببببب‪ .‬ب ‪ /7 /‬بببب‪ .‬ب‪ /20 /‬ببببب‪.‬ب بببب‬
‫بب بببببب بببب ببببب ببببب بببببببب‬
‫‪ %3.5‬بب ببببب ببببببب بببببب‪.‬‬
‫ب ببببببب ببب بببببب ببب ‪ /515 /‬بببببببب‪ .‬ب‪/‬‬
‫)‪(31‬‬
‫‪ /2209‬بب بببببب‪ .‬ب‪ /8546 /‬ببببب‪.‬ب ببببب‬
‫بببببب ببب ببببب ببب ببببببب بببببب‬
‫فالدارة البريطانية فرقت بين العرب على أساس مذهبي‬
‫وديني وطائفي‪ ،‬لزرع الفتنة والشقاق فيما بينهم‪ ،..‬مستخدمة‬
‫الوظيفة والحاجة المادية لتحقيق أهدافها في شق صفوف‬
‫العرب‪ ،‬فقد عنيت ما بين عام ‪ 1916‬إلى عام ‪ 1918‬من‬
‫الدارة في بغداد ‪ /282/‬مستخدما ً منهم ‪/‬‬ ‫ً )‪(32‬‬
‫المستخدمين في‬
‫‪ /17‬مسلما ً عربيا‪.‬‬
‫على الرغم من العداد الكبيرة من العاطلين عن العمل‬
‫في العراق آنذاك‪ ،‬وخاصة ممن فقدوا وظائفهم وأعمالهم بعد‬
‫خروج التراك وانتهاء الدارة العثمانية‪ ،‬وما تركته من جيش من‬
‫العاملين من العراقيين‪ .‬إضافة إلى ما خلفته الحرب على‬
‫الوضاع المعيشية لقطاع كبير من الطبقة الفلحية والعمالية‬
‫وفقراء المدن‪ .‬رغم هذا الوضع الجتماعي والمادي المتردي‬
‫للعراقيين‪ ،‬عملت الدارة البريطانية على استقدام أعداد كبيرة‬
‫من الهنود للعمل في العراق‪ .‬والستغناء عن أعمال العراقيين‪،‬‬
‫مما أورث حقدا ً على الهنود والبريطانيين معًا‪ .‬فقد كان "عدد‬
‫الهنود المستخدمين في العراق في كانون الول ‪ 1920‬يبلغ ‪/‬‬
‫‪ /53000‬هندي منهم ‪ /24000/‬هندي يعمل في دائرة العمل‪.‬‬
‫و ‪ /10000/‬في النقليات النهرية‪ .‬وحوالي ‪ /19000/‬في‬
‫السكك الحديدية‪ ...‬إضافة إلى أن جيش الحتلل البريطاني‬
‫يكن‪(33‬يضم في‬
‫ً )‬
‫يتألف بكامله من البريطانيين والهنود‪ ،‬ولم‬
‫صفوفه أي عربي سواء أكان جنديا ً أو ضابطا‪".‬‬
‫وأضاف هذا العامل بدوره نقمة داخلية لسياسة أرنولد‬
‫ولسن في العراق‪ ،‬وسببا ً آخر في تفجير الثورة ضد هذه‬
‫السياسة‪.‬‬
‫‪‬‬

‫)( ‪.F.O- 371- 5226- 4811- 26 April 1920- No 511‬‬ ‫‪30‬‬

‫)( ببب ب بب بب بب ب ببب ب‪ -‬ببب ببب بببببب بب‪ .‬بب بب ب ببب ‪-204‬‬ ‫‪31‬‬
‫‪.205‬‬
‫)( بببببب بببببب ب ‪.207‬‬ ‫‪32‬‬

‫)( بببببب بببببب ب ‪.205‬‬ ‫‪33‬‬

‫‪- 22 -‬‬
‫الفصل الرابع‬

‫أسباب قيام الثورة في دير الزور –‬


‫من النصوص السابقة للعهود البريطانية من أجل ضمان‬
‫الحرية والستقلل للشعب العربي‪ ،‬الذي ثار وتحالف مع‬
‫الحلفاء في الحرب العالمية الولى لنهاء الحتلل العثماني‪،‬‬
‫وبناء دولة عربية مستقلة في المشرق العربي‪ .‬وفق ما جاء‬
‫في تلك المعاهدات‪ .‬وما رسمته اتفاقيات مكماهون والشريف‬
‫حسين‪ .‬إل أن الممارسات التي جرت في المشرق بعد‬
‫انسحاب التراك من قبل بريطانيا وفرنسا نقضت كل هذه‬
‫التفاقات وانقلبت عليها‪ .‬وهذا ما يعرفه كل دارسي التاريخ‬
‫لتلك المرحلة‪ .‬ويمكن مراجعة العديد من المؤلفات والبحاث‬
‫التي درست تلك المرحلة التاريخية‪ ،‬والتي أظهرت خيانة‬
‫بريطانيا وفرنسا للعرب عامة‪ ،‬والعراق خاصة‪ .‬وقد أشرنا إلى‬
‫ممارسات الدارة البريطانية في العراق التي بدأ ينفذها ارنولد‬
‫ولسن واستهدفت بذر الشقاق بين العراقيين‪ .‬واحتقار القدرة‬
‫والكفاءة لدى العرب في العراق‪ .‬مع رفض ما تعهدت به‬
‫بريطانيا من قبل‪ ،‬ومن أهم السباب التي أدت إلى الثورة‬
‫التالي‪:‬‬
‫‪1‬ـ رفض إقامة حكومة عربية في العراق‪.‬‬
‫رفض ولسن رفضا ً قاطعا ً إقامة حكومة عربية في العراق‪،‬‬
‫وإن كانت في ظل الحتلل البريطاني‪ ،‬ونكث بالوعد الذي‬
‫قطعه لهالي البصرة حين التقاهم في الول من كانون الثاني‬
‫‪ ،1919‬وأصر على تنفيذ سياسته الهادفة إلى جعل العراق‬
‫محمية بريطانية تدار مباشرة من قبله ومن نائب الملك في‬
‫الهند‪ ،‬وبقي على إصراره أن العراقيين غير مؤهلين لها‪ ،‬ول‬
‫حتى أدنى الوظائف كما أشرنا سابقًا‪.‬‬
‫وقد عملت عدة جهات بريطانية وعربية لتغيير سياسته‬
‫سواء منهم المكتب البريطاني في القاهرة وخاصة الجنرال‬
‫فلبي ولورنس ويونغ‪ ،‬أو من العاملين في مكتب دلهي أمثال‬
‫المس بل وهرتزل واللورد كرزن ثم تشرشل في نهاية‬
‫المطاف‪ .‬إضافة إلى المير فيصل ونوري السعيد وجعفر‬
‫العسكري وغيرهم‪ .‬إل أن ولسن رفض وتمسك بسياسته‬
‫المتشددة‪ ،‬وتوصل في أواسط العام ‪ 1919‬إلى تقسيم العراق‬
‫إلى مقاطعات وبلديات تتكون منها مجالس‪ ،‬يمكن للعراقيين‬
‫أن يعملوا في هذه المجالس‪.‬‬

‫‪-23 -‬‬
‫وقد حاول وفد عراقي ضم كل من ياسين الهاشمي وناجي‬
‫السويدي ونوري السعيد إقناع ارنولد ولسن أثناء زيارته‬
‫لدمشق في أيار ‪ .1919‬بقبول تشكيل حكومة عربية في‬
‫العراق أسوة بالحكومة العربية في سورية‪ ،‬وتحت ظلل‬
‫الدارة البريطانية والسماح للضباط العراقيين المتواجدين في‬
‫سورية بالعودة إلى بلدهم والمشاركة في إدارة شؤونها‪ .‬إل أن‬
‫ولسن رد على مقترحات الوفد ردا ً سيئا ً اتسم بالجلفة‬
‫خَر من هذه المقترحات‪ ،‬وعرض عليهم‬ ‫س ِ‬
‫والصلبة‪ ،‬وكما َ‬
‫المشاركة في عضوية المجالس البلدية في المدن العراقية‪،‬‬
‫وهذا العرض يتسم بالستهزاء لن الوفد كان يحتل مراكز عليا‬
‫في الدارة العربية في دمشق‪ .‬فالفريق ياسين الهاشمي كان‬
‫رئيسا ً لركان الجيش‪ ،‬والعميد نوري السعيد قائد موقع دمشق‬
‫والممثل الشخصي للمير فيصل‪ ،‬وناجي السويدي من القادة‬
‫الوطنيين في العراق‪ .‬إضافة إلى وجود العديد من الضباط‬
‫العراقيين الذين كانوا يحتلون المناصب السياسية الدارية‬
‫والعسكرية في سورية‪.‬‬
‫وقد كتبت المس غيرترود بل التي حضرت الجتماع عن‬
‫عقلية ارنولد ولسن المتصلبة والرافضة لي تغيير في سياسته‪،‬‬
‫جاء في رسالة لها للمكتب البريطاني في القاهرة في ‪/30‬‬
‫كانون الثاني‪ 1921 /‬تضمنت ما دار في الجتماع‪ .‬ورأيها في‬
‫تصرفات ولسن فقالت "‪ ..‬لقد طرحوا آراءهم بخصوص‬
‫مستقبل ما بين النهرين‪ .‬وهي آراء معقولة تمامًا‪ .‬وتدخل ضمن‬
‫البرنامج الذي نتبعه الن )كانون الثاني ‪ .(1921‬وقد أخبرهم‬
‫بفظاظة‪ .‬بأن كل ذلك مجرد كلم فارغ‪ .‬وإنهم يجب أن يعملوا‬
‫من المجالس البلدية قبل أن يأملوا باستلم زمام المور‪..‬‬
‫وكانوا آنذاك )أيار ‪ (1919‬يديرون الجهاز العسكري والمدني‬
‫بكامله في سورية‪ ..‬وكان من السخف إبلغ هؤلء العمداء‬
‫المدربين بأنهم يجب أن يقنعوا بإدارة المجالس البلدية‪ .‬ومن‬
‫ذلك اليوم يئسوا من الحصول على مؤسسات وطنية في ما‬
‫بين النهرين‪ .‬كما أن ياسين العنيف والنشيط حث )الرابطة‬
‫العراقية( التي كان بمثابة روحها الموجهة‪ .‬على تشديد دعايتها‬
‫ونه )ولسن( استفز الشعور‬ ‫المناهضة لبريطانيا‪ ..‬وبسبب ك ّ‬
‫في‪(34‬فداحته أن‬ ‫القومي‪ ،‬وأساء تقديره وفهمه بالمرة‪ .‬بلغ‬
‫قدرتنا على إصلحه أصبحت مرهونة القدار" ‪.‬‬
‫)‬

‫وقد حاول المير فيصل من جانبه الضغط على أصدقائه‬


‫في الدارة البريطانية من أجل تبديل السياسة التي يتبعها‬
‫ولسن في العراق‪ ،‬وتنفيذ التعهدات السابقة‪ .‬فقد وجه المير‬
‫فيصل رسالة إلى الجنرال اللنبي قائد القوات البريطانية في‬
‫بلد الشام‪ ،‬يطلب منه التوسط لدى الحكومة البريطانية‬
‫للضغط على ولسن لتغيير سياسته التي أساءت للعلقات بين‬
‫العرب وبريطانيا‪ .‬وبدأت تحمل بذور الكره والحقد على‬
‫بريطانيا في المنطقة‪ ،‬وجاء في الرسالة المؤرخة في ‪9‬‬
‫حزيران ‪ 1919‬عن الضباط العراقيين ورؤيتهم لبريطانيا"‪. ..‬‬
‫يدركون تماما ً أنه ليس بإمكان بلد ما بين النهرين أن تقف‬
‫لوحدها‪ .‬إل أنهم يشعرون شعورا ً قويا ً بضرورة السراع في‬
‫تأسيس حكومة وطنية تمهد الطريق للسكان المحليين لكي‬
‫يثبتوا مقدرتهم مع العتماد في الوقت نفسه على مساعدة‬
‫بريطانيا العظمى ومشورتها وعطفها‪ ..‬وقال أيضا ً حول تعنت‬
‫ولسن وإدارته والنظرة الدونّية للشعب العربي في العراق‪.. ..‬‬
‫أما أولئك الذين يرون من المستحيل تأسيس مثل هذه‬
‫الحكومة بسبب الفتقار إلى الناس المدربين‪ .‬فإني أقول لهم‬
‫أنه لم يبذل حتى الن أدنى جهد لجمع هؤلء الناس" وطالب‬
‫بريطانيا بالسراع بإقامة المؤسسات التشريعية ووضع دستور‬
‫بببببب بببببب ب ‪.165‬‬ ‫)(‬ ‫‪34‬‬

‫‪- 24 -‬‬
‫للبلد دون النتظار لمؤتمر الصلح للبت في وضع البلد العربية‪،‬‬
‫فقال في رسالته‪ ...." :‬من المرجح أنه ليس بإمكان بريطانيا‬
‫العظمى أن تغير الحكومة ما لم يبت مؤتمر الصلح في مسألة‬
‫النتداب‪ ،‬وفي هذا الصدد لست أدري أي مانع من أن تقوم‬
‫السلطات البريطانية بالتباحث مع الزعماء العرب في ما بين‬
‫النهرين حول تحديد الدستور الواجب صدوره على إثر اتخاذ‬
‫سيبدد كافة الشكوك في أذهانهم حول‬ ‫)‪(35‬‬
‫القرار النهائي‪ .‬إن هذا‬
‫نوايا بريطانيا العظمى"‬
‫كما أن الضباط العراقيين بدورهم رفعوا مذكرة إلى‬
‫الحكومة البريطانية في شهر حزيران ‪ 1919‬تتوافق في‬
‫مضامينها مع رسالة المير فيصل للجنرال اللنبي‪ .‬وقد سلم‬
‫الضباط المذكرة للميجر يونغ سكرتير وزارة الخارجية‬
‫البريطانية آنذاك؛ تضمنت الدعوة إلى السراع في إقامة‬
‫حكومة عربية في بغداد والستفادة من خبراتهم في حال‬
‫السماح لهم بالعودة إلى بلدهم‪ .‬مذكرين الحكومة البريطانية‬
‫بأنهم حلفاؤها‪ .‬حيث حاربوا معها في الحرب العالمية الولى‬
‫تحسين العسكري‬ ‫في صفوف جيش الثورة العربية‪ .‬وقد وقعها‬
‫ومولود مخلص وناجي السويدي وعلي جودت)‪.(36‬‬
‫إل أن نداءات فيصل ومحاولته لم تنجح في إطفاء فتيل‬
‫النفجار‪ ،‬الذي بدأ يتوضح أمامه نتيجة الممارسات التشددية‬
‫التي يقوم بها أرنولد ولسن في العراق‪ ،‬فالضباط العراقيون‬
‫وعدد من الوطنيين القادمين من العراق‪ ،‬بدأت تتوزع آراؤهم‬
‫بين الثورة‪ ،‬أو التريث‪ .‬فأنصار الثورة وإن كانوا أقلية في‬
‫حزيران ‪ .1919‬إل أنهم أكثر تأثيرا ً وأنصار التريث بدأوا‬
‫يشعرون بالحباط بعض الشيء‪ ،‬وإن لم يفقد البعض منهم‬
‫المل في إحداث تغييرات في السياسة البريطانية تجاه‬
‫بلدهم‪ .‬فقد كان في الدارة البريطانية والحكومة‬
‫والستخبارات من يتفهم الوضع المتأزم في العراق نتيجة‬
‫سياسة ولسن وخاصة عدد من الضباط البريطانيين‬
‫المحسوبين على المكتب العربي في القاهرة مثل الجنرال‬
‫اللنبي ويونغ ولورنس وغيرهم‪ .‬وقد حاول الجنرال الكلتيون‬
‫التأثير على الحكومة البريطانية حين أعلمها بمضمون رسالة‬
‫فيصل في حزيران ‪ 1919‬مؤيدا ً ما جاء فيها خدمة للمصالح‬
‫البريطانية قبل كل شيء‪ ،‬مما أثار حنق وغضب ولسن ووزارة‬
‫الهند التي تساند سياسته‪ ،‬فقد وجدت وزارة الهند أن فيصل‬
‫استطاع أن يخترق الدارة البريطانية‪ ،‬وُيوجد له أنصارا ً داخلها‪،‬‬
‫وخاصة من ضباط المكتب العربي في القاهرة‪ .‬ولهذا بدأت‬
‫وزارة الهند تضغط على وزير الخارجية اللورد كرزن بالحد ّ من‬
‫تعاطف أعضاء المكتب مع آراء فيصل؛ فأرسل اللورد كرزن‬
‫برقية إلى الجنرال كليتون رئيس المكتب في ‪ 24‬حزيران‬
‫‪ 1919‬جاء فيها‪ " :‬إن دعاية فيصل للستقلل التام للجزيرة‬
‫العربية قد وصلت إلى مابين النهرين‪ ،‬وهي تثير قلقا ً شديدا ً في‬
‫بغداد وهنا‪ ..‬إن وزارة الهند تخشى أن يكون هذا التحريض‬
‫مستندا ً إلى بعض التشجيع من جانب الضباط البريطانيين في‬
‫سورية الواقعين تحت العتقاد الخاطئ بالطموح إلى التأسيس‬
‫الفوري في مابين النهرين لحكومة عربية غير خاضعة‬
‫للسيطرة‪ ،‬ومتمتعة بتأييد حكومة صاحب الجللة‪ .‬ينبغي إصدار‬
‫التعليمات من جانبكم إلى الضباط البريطانيين المسؤولين‪،‬‬
‫)‪(37‬‬
‫لحباط هذه الحركة بكل الوسائل التي تحت تصرفهم‪."..‬‬
‫كان اللورد كرزن يشعر بأحقية العراقيين في إقامة‬
‫‪.F.O /882/ 23/ MES /19/ 9 June 1919‬‬ ‫)(‬ ‫‪35‬‬
‫)(‬ ‫‪36‬‬
‫‪F. O 37/ 4149- 91481- 8 June 1919‬‬
‫‪.F. 0371 4146 -95058-142-24 J une 1919‬‬ ‫)(‬ ‫‪37‬‬

‫‪-25 -‬‬
‫دولتهم‪ ،‬إل أنه بقي في تلك الفترة واقفا ً تحت تأثير سياسة‬
‫وزارة الهند التي يمثلها ولسن‪ ،‬فقد طلب من الضباط‬
‫العراقيين الذين أرسلوا مذكرتهم إلى الميجر يونغ التي أشرنا‬
‫إليها في السابق بالموافقة على مجالس البلديات التي اقترحها‬
‫ولسن‪ .‬وجاء ذلك في رده على مذكرتهم‪ ،‬والذي أرسل أيضا ً‬
‫إلى الميجر يونغ حيث طلب منه‪" :‬إبلغهم بأن حكومة صاحب‬
‫الجللة تدرك تماما ً العتراضات الكامنة في أي تبلور للساليب‬
‫البيروقراطية الغربية في بلد مابين النهرين‪ ،‬وأن ثمة خطوات‬
‫معينة يجري اتخاذها لتشكيل مجالس للمقاطعات والوحدات‪،‬‬
‫لجل ضمان هذا المقدار من المشاركة العربية… وأنه في حال‬
‫اتخاذ قرار بوضع مابين النهرين تحت النتداب‪ ،‬فإن لجنة‬
‫بريطانية تتجه إلى ذلك القطر في أسرع وقت ممكن لتبحث‬
‫طبقات الشعب في الشكل الذي‬ ‫بالتشاور الوثيق مع كل‬
‫ستتخذه الحكومة المقبلة")‪.(38‬‬
‫وكان اللورد كرزن مقتنعا ً بعض الشيء‪ .‬بسياسة ولسن‪،‬‬
‫التي استبدلت إقامة المؤسسات التشريعية والدستور‬
‫والحكومة العربية‪ ،‬بما يسمى بمجالس المقاطعات والبلديات‪.‬‬
‫والتي في رأي ولسن‪ ،‬وحتى كرزن بإنها سوف تلبي طموحات‬
‫القوى الوطنية الطامحة للدولة والحكومة‪ ،‬وسوف تشارك‬
‫فيها‪ .‬حيث استطاع ولسن إقناع ناجي السويدي الوطني‬
‫القومي العراقي المعروف بالمشاركة في ترأس مجلس‬
‫البلدية‪) :‬إل ّ أن السويدي لم يبق سوى أيام(‪ .‬فقد كتب اللورد‬
‫كرزن إلى الميجر يونغ في تشرين الول عام ‪ 1919‬رسالة‬
‫يطلب فيها إبلغ الضباط بالعتذار عن إقامة حكومة حتى يبت‬
‫مؤتمر الصلح‪ .‬وليقبلوا حاليا ً بما يقدم ولسن بما يسمى‬
‫مجالس المقاطعات‪ .‬وقال كرزن‪" :‬مالم يصدر قرار مؤتمر‬
‫الصلح بخصوص الدولة المنتدبة وطبيعة النتداب‪ ،‬فإنه من‬
‫السابق لوانه محاولة القيام بتجربة دستورية‪ .‬وليست لدى‬
‫حكومة صاحب الجللة أية رغبة في التأثير على ذلك القرار‪..‬‬
‫وثمة خطوات معينة يجري اتخاذها‪ ،‬مثل تشكيل مجالس‬
‫للمقاطعات والوحدات‪ .‬وأن تعيين ناجي بك السويدي في‬
‫منصب إداري عال في بغداد‪ ..‬هو مثال على رغبة حكومة‬
‫الشخصية والمقدرة‬ ‫صاحب الجللة في إعطاء العرب ذوي‬
‫المجربين‪ ،‬الفرصة الكاملة لظهار مواهبهم")‪.(39‬‬
‫ومن رسالة اللورد كرزن وزير الخارجية يتبين للقارئ أن‬
‫اللغة الراجحة في عام ‪ 1919‬داخل الحكومة البريطانية كانت‬
‫لسياسات ولسن ووزارة الهند المتشددة الرافضة لنجاز دولة‬
‫في العراق‪ ،‬تتشكل فيها حكومة عربية ودستور ومؤسسات‬
‫تشريعية‪ .‬ورفضت نداءات الضباط العراقيين حتى من‬
‫المخلصين لسياسة بريطانيا‪ ،‬وعدم الصغاء إلى نصائح‬
‫الضباط البريطانيين في المكتب البريطاني في القاهرة‪ ،‬ول‬
‫تحذيرات فيصل الذي بدأ يرى أن النفجار أصبح وشيكا ً أمام‬
‫العناد البريطاني‪ .‬وهذا ما تحقق فع ً‬
‫ل‪.‬‬
‫رفض عودة الضباط العراقيين إلى بلدهم‪.‬‬
‫مسألة أخرى أدى عدم حلها إلى تفجير الثورة‪ ،‬وهي رفض‬
‫ولسن عودة الضباط العراقيين إلى العراق جميعا ً بدون استثناء‬
‫على الرغم من تباين الراء فيما بينهم‪ .‬من رافض للوجود‬
‫البريطاني‪ ،‬إلى من ل يرى مستقبل ً للعراق إل بوجود بريطانيا‬
‫فيه‪ .‬فقد كان ولسن كما أشرنا يرفض أصل ً الحركة التحررية‬
‫العربية‪ .‬والمنظمات القومية العربية‪ ،‬وكان في الوقت نفسه ل‬
‫‪.F.O. 371 - 5228 - E 9020-91491-8 July 1919‬‬ ‫)(‬ ‫‪38‬‬

‫بببب بببب ببب بببب‪ -‬بببببب بببببببب‪ -‬بببب بببب ب ‪.165‬‬ ‫)(‬ ‫‪39‬‬

‫‪- 26 -‬‬
‫يطيق الضباط العراقيين العاملين في دمشق كونهم يحملون‬
‫أفكارا ً تحررية واستقللية‪ ،‬ومارسوا العمل السياسي السري‬
‫ضد التراك‪ ،‬والعمل العسكري أثناء الثورة العربية‪ .‬وللبعض‬
‫منهم مواقف ضد التواجد النكليزي والفرنسي‪ .‬لقد خشي‬
‫ولسن من وجود هؤلء الضباط في العراق لما يشكلونه من‬
‫خطر كبير على سياسته المتشددة الرامية لبقاء العراق تحت‬
‫الحكم البريطاني المباشر‪ ،‬ومن قبل وزارة الهند مباشرة‪.‬‬
‫ولم تكن سياسة ولسن وحدها الرافضة لعودة الضباط‬
‫العراقيين العاملين في الحقل القومي العربي‪ ،‬بل هي سياسة‬
‫وزارة الهند نفسها‪ .‬التي رفضت أي وجود لهم أثناء الحرب‬
‫العالمية للمشاركة في تحرير بلدهم من التراك‪ .‬أو تشكيل‬
‫فرق وطنية تقاتل التراك مع القوات البريطانية‪ ،‬حتى ل يكون‬
‫لهؤلء في المستقبل رأي أو تأثير في شؤون بلدهم‪ .‬ففي‬
‫أوائل عام ‪ 1916‬اقترح مكتب القاهرة الذي كان يديره‬
‫الجنرال كليتون إلى وزارة الهند في دلهي إرسال عددا ً من‬
‫الضباط العراقيين إلى العراق لتنظيم مقاومة شعبية ضد‬
‫الوجود التركي‪ .‬فكان رد ّ وزارة الهند في البرقية المؤرخة في ‪/‬‬
‫‪ 30‬آذار ‪ /1916‬الرفض‪ ،‬لن الضباط يحملون أفكارا ً تحررية‬
‫قد تنقلب على الحتلل النكليزي نفسه‪ .‬حيث قالت البرقية‬
‫"‪..‬يبدو لنا أن آراءهم السياسية متقدمة جدا ً وغير مأمونة‪ ..‬وأن‬
‫وجودهم في العراق هو في رأينا أمر غير مرغوب فيه وغير‬
‫مريح")‪ (40‬مع العلم أن القتراح من قبل مكتب القاهرة كان‬
‫لمساعدة القوات البريطانية‪ ،‬التي تعرضت لصعوبات كبيرة‬
‫وت العراقية‪ .‬وباقتراح من الضابط العراقي‬ ‫في معارك الك ّ‬
‫الملزم الول محمد شريف الفاروقي الذي هرب من خطوط‬
‫مدعيا ً أنه يمثل حزب‬ ‫القتال إلى النكليز وعرض عليهم التعاون ُ‬
‫العهد‪ ،‬وكان النكليز في القاهرة يثقون به ثقة كبيرة‪.‬‬
‫وبقي ولسن بعد انتهاء الحرب مصرا ً على عدم السماح‬
‫بإعادة الضباط العراقيين إلى بلدهم‪ .‬وخاصة أن الضباط بدأوا‬
‫يشعرون بالحراج بعد النقسام الذي حدث في جمعية العهد‪،‬‬
‫وتحولها إلى حزبين عهد عراقي‪ -‬وعهد سوري‪ ،‬وخشية‬
‫التنافس بين الطرفين قد يتحول إلى صراع بسبب تولي العديد‬
‫من الضباط العراقيين مناصب عليا في الدولة العربية التي‬
‫أنشئت في سورية بقيادة المير فيصل‪ .‬إضافة إلى أمل العهد‬
‫العراقي أن يحصل العراق على ما حصلت عليه سورية من‬
‫حكومة عربية مستقلة‪ .‬وإدارة ومؤسسات مدنية وعسكرية‬
‫ستجعل من سورية دولة حديثة‪ .‬فكان الطموح لدى العديد من‬
‫الضباط العراقيين أن يؤسس للعراق مما أسس لسورية‪.‬‬
‫إضافة إلى الهدف السياسي‪ .‬فقد كان عدد من الضباط‬
‫والجنود العراقيين قد سرحوا من الجيش بعد انتهاء الحرب‪.‬‬
‫ولم يعد لهم مورد يعيشون منه فكان هؤلء المسرحين يرغبون‬
‫بالعودة إلى بلدهم ليجدوا فرص عمل لهم فيه‪ .‬فحال رفض‬
‫ولسن دون تحقيق أملهم‪ ،‬مما أورث في نفوسهم حقدا ً على‬
‫ولسن خاصة وبريطانيا عامة‪.‬‬
‫وقد حاول كل من نوري السعيد وجعفر العسكري الضغط‬
‫على ولسن بإعادة النظر في سياسته الرافضة لعودتهم‪.‬‬
‫فاتصلوا بالعديد من أصدقائهم البريطانيين‪ .‬وقد حاول لورنس‬
‫ويونغ التوسط لدى الحكومة البريطانية لعودتهما إلى العراق‬
‫باعتبارهما أكثر الضباط العراقيين والعرب إخلصا ً وولءا ً‬
‫لبريطانيا وسياستها‪ .‬وقد شعرا برغبة لدى عدد من المسؤولين‬
‫ل للعديد من‬ ‫البريطانيين بالموافقة لعودتهما‪ .‬فأرسل رسائ ً‬
‫‪.F.O 883- 13- UES- 16-7-30 March 1916‬‬ ‫)(‬ ‫‪40‬‬

‫‪-27 -‬‬
‫أصدقائهم في العراق يخبرونهم بأنهما عائدان‪ ،‬وسوف تشكل‬
‫حكومة عربية في العراق‪ .‬مما أثار حنق ارنولد ولسن وغضبه‪،‬‬
‫فأبرق لوزارة الهند في ‪ 14‬أيار ‪ 1919‬يحذر من هذه الرسائل‬
‫وعودتهما لنها مضادة لسياسته المعروفة‪ ،‬فقال في برقيته"‪..‬‬
‫أشخاصا ً مثل جعفر باشا‪ .‬ومولود‪ .‬ونوري السعيد‪ ..‬وغيرهم‬
‫كتبوا إلى أصدقائهم وأقاربهم في بغداد بأنهم قادمون إلى‬
‫بغداد بعد مدة قصيرة للقيام بحملة سياسية من أجل تأسيس‬
‫حكومة عربية‪ .‬وقد أرسلوا بالفعل عددا ً من الممثلين الذين‬
‫يقومون بدعاية سرية نشيطة على هذه السس‪ ،‬وفي الوقت‬
‫نفسه بتحيز شديد ضد الجانب‪ ..‬نوصي بإبلغهم هم وغيرهم‬
‫من ذوي الميول المشابهة بعدم السماح لهم في الوقت‬
‫الحاضر بالعودة إلى هذا البلد")‪ (41‬ونرى في البرقية أيضا ً اسم‬
‫مولود مخلص رغم أنه كان في تلك الفترة محسوبا ً إلى الفئة‬
‫المعتدلة في صفوف الضباط العراقيين وإن كانت له مواقف‬
‫مناهضة للنكليز‪.‬‬
‫وقد كان المير فيصل أكثر معرفة بحساسية بقاء الضباط‬
‫العراقيين معه في سورية فهو في موقف محرج من قبل‬
‫الضباط السوريين وهو أمير بلدهم‪ ،‬ولكنه يعتمد في كثير من‬
‫المواقع الحساسة سواء بالجيش أو الدارة على الضباط‬
‫العراقيين‪ .‬كما أن صورة الخلف والنشقاق الذي حدث في‬
‫العقبة بين الطرفين ل يزال في ذاكرته‪ .‬لهذا كان راغبا ً في‬
‫إعادتهم إلى بلدهم منعا ً لشكالت مستقبلية بين الطرفين‪.‬‬
‫فينهي إشكالية العودة‪ ،‬وينهي الستياء السوري‪ .‬فطلب المير‬
‫فيصل من صديقه الكولونيل لورنس في أوائل شهر أيار‬
‫‪ .1919‬السعي لدى حكومته بحل إشكالية عودة الضباط‬
‫العراقيين إلى بلدهم‪ .‬فأرسل الكولونيل لورنس جوابا ً إلى‬
‫فيصل قال فيها "توافق حكومة صاحب الجللة على عودة‬
‫ضباطكم إلى ما بين النهرين‪ ،‬حيث يمكنهم أن يقولوا ما‬
‫)‪(42‬‬
‫يشاؤون طالما لم يكن ذلك مخالفا ً لتعليمات الشرطة"‪.‬‬
‫وقد أثارت هذه الرسالة ارنولد ولسن الحاكم السياسي في‬
‫بغداد الرافض أصل ً عودة الضباط‪ .‬فكيف يعودون ويقولون ما‬
‫يشاؤون؟ فضغط على وزارة الهند لمنع لورنس من‬
‫التصريحات التي تخالفه مع رفض العودة بالساس‪ .‬فأبرقت‬
‫وزارة الهند برقية إلى الوزارة الخارجية البريطانية في ‪ 26‬أيار‬
‫‪ 1919‬قالت فيها "إن رسالة الكولونيل لورنس التي تخول‬
‫الضباط البغداديين بـ )قول ما يشاؤونه" عند عودتهم إلى ما‬
‫النهرين‪ ،‬ستؤدي بطبيعة الحال إلى تشجيع حماسهم‬ ‫بين‬
‫الدعائي")‪.(43‬‬
‫وكان الكولونيل لورنس قد أعد مذكرة تتضمن ضرورة‬
‫عودة الضباط العراقيين لوزارة الخارجية البريطانية وأرسلها‬
‫في ‪ 22‬أيار ‪ 1919‬جاء فيها إن أغلب الرجال مقتنعون بأن عبد‬
‫الله يجب أن يصبح أمير بغداد‪ .‬وسيقولون حتما ً عند عودتهم‪.‬‬
‫أما فيصل فإنه لن يرسل معهم بالطبع‪ .‬أو يعبر عن رأيه‬
‫الخاص حول الموضوع‪ ،‬إنهم ضباط قدموا لنا خدمة جليلة جدًا‪.‬‬
‫ومعظمهم موالون جدا ً لبريطانيا‪ .‬ل أراني بحاجة للقول بأنهم‬
‫يريدون انتدابا ً بريطانيا ً في بلد ما بين النهرين")‪ .(44‬وقد تأثرت‬
‫وزارة الخارجية البريطانية وعلى رأسها اللورد كرزن بما ورد‬
‫في مذكرة الكولونيل لورنس‪ .‬فطلبت من الحكومة البريطانية‬
‫العمل على إعادتهم‪ .‬كونهم كانوا حلفاء وأنصار بريطانيا في‬
‫الحرب‪ ،‬وقالت المذكرة المؤرخة في ‪ 16‬حزيران ‪" ..1919‬إن‬
‫‪.F.O. 311- 4145- 19639- 142- 14 May 1919‬‬ ‫)(‬ ‫‪41‬‬

‫‪.F.O- 371-4145-19623-142.26 Juny 1919‬‬ ‫)(‬ ‫‪42‬‬


‫)(‬ ‫‪43‬‬
‫‪F.O 371-4145- 19623-142-Muy- 1919‬‬
‫)(‬ ‫‪44‬‬
‫‪F.O- 311- 4148- 86170- 1212- Muy- 1919‬‬
‫‪- 28 -‬‬
‫من غير العملي تأجيل قرار بخصوص عودة هؤلء الضباط‪ .‬فقد‬
‫ظلوا بعيدين عن وطنهم لمدة طويلة‪ .‬وهم يقاتلون التراك‪.‬‬
‫وأن فخامة اللورد كرزن يستنكر أية بادرة من جانب حكومة‬
‫صاحب الجللة في وضع العراقيل في طريق العودة إلى‬
‫في قضية الحلفاء‪.‬‬ ‫الوطن بالنسبة لرجال تطوعوا للخدمة‬
‫وساعدوا عمليات الحلفاء في سورية")‪ .(45‬ولكن وزارة الهند‬
‫التي بررت موقفها ضد العودة "استطاعت إقناع الحكومة‬
‫البريطانية برفض العودة‪ ،‬وبضرورة إلزام الضباط البريطانيين‬
‫في مكتب القاهرة بالكف عن مناصرتهم‪ .‬ورفض عودتهم‬
‫وكذلك إبلغ المير فيصل في سورية بهذا المر‪ .‬وفعل ً نجد أن‬
‫اللوردكرزن وزير الخارجية البريطاني يصدر تعليماته إلى‬
‫الجنرال كليتون رئيس مكتب القاهرة يطلب منه إبلغ ضباطه‬
‫ف عن العمل على عودة الضباط العراقيين‬ ‫والمير فيصل بالك ّ‬
‫إلى بلدهم‪ .‬حيث ألح المستر مونتاكو وكيل وزارة الهند في‬
‫مذكرته إلى الحكومة البريطانية بإيقاف الضباط البريطانيين‬
‫عن دعم العودة" ‪ .‬جاء فيها‪" :‬يحث المستر مونتاكوعلى إصدار‬
‫تعليمات برقية صريحة إلى السلطات البريطانية في القاهرة‪.‬‬
‫مؤداها عدم السماح لي شخص في الخدمة الشريفية سواء‪،‬‬
‫النهرين‬ ‫كان من أصل بغدادي أم غير ذلك‪ .‬بالتوجه إلى ما بين‬
‫بدون الموافقة المسبقة للمفوض المدني في بغداد‪ (46)..‬وبذلك‬
‫أسقطت وزارة الخارجية دعوتها للحكومة بالضغط على وزارة‬
‫الهند وولسن بالعودة للضباط إلى بلدهم‪.‬‬
‫وقد شعرت وزارة الخارجية أصل ً إن هذا المر لن يكون‬
‫فيه خير على الوجود البريطاني في العراق‪ ،‬وقد يفجر الوضاع‬
‫فيه‪ .‬كما أن صوتا ً من داخل وزارة الهند ومن أصدقاء ولسن‬
‫هو المستر هيرتزل)‪ (47‬قد استشرف المستقبل فقدم نصيحة‬
‫لصديقة ولسن في رسالة في ‪ 16‬تموز ‪ 1919‬قال فيها "أما‬
‫فيما يخص القومية العربية‪ ،‬فأعتقد أنك ستجد نفسك قريبا ً‬
‫واقعا ً في مشكلة عويصة‪ .‬وأصارحك القول بأني ل أعتقد أنك‬
‫تسير في التجاه الصحيح لمعالجتها‪ .‬ويبدو أنك تحاول‬
‫المستحيل بتغيير التيار بدل ً من توجيهه‪ .‬إنك ستواجه قيام دولة‬
‫عربية سواء شئت أم أبيت‪ .‬وسواء أكانت بلد ما بين النهرين‬
‫ترغب في ذلك أم ل‪ .‬إن هذا أمر ل مناص منه‪ .‬ومن الحكمة‬
‫مواجهة الحقيقة‪ .‬وفضل ً عن ذلك‪ .‬فستجد كثير من الناس فيما‬
‫بين النهرين ملى رؤوسهم بأفكار سخيفة من سورية‪ .‬وأماكن‬
‫أخرى ل يعلمها إل الله‪ .‬وينبغي عليك أن تجد لهم مكانا ً وعم ً‬
‫ل‪.‬‬
‫وعندما تحصل عليهم‪ .‬يجب أن ل تدعهم يستقيلون‪ ،‬وإل وجدنا‬
‫أنفسنا أمام مصر أخرى‪ .‬إن هذه المور كلها ستكون معاكسة‬
‫لمالنا الغالية على أنفسنا‪ .‬وليس هناك ما تستطيع أنت أو أنا‬
‫قوله أو عمله لتغييرها‪ ،‬إن فكرة تحويل ما بين النهرين إلى‬
‫نموذج لبلد تابع‪ ،‬أو محمية بريطانية تدار بصورة كفٍء‪ .‬هذه‬
‫وفق‪(48‬النمط‬ ‫)‬
‫الفكرة قد ماتت‪ .‬يجب أن نكيف أنفسنا وأساليبنا‬
‫الجديد‪ .‬ونجد طريقة أخرى للحصول على ما نريده"‪.‬‬
‫وشكلت مشكلة الضباط كما أسلفنا عامل ً هاما ً في تفجير‬
‫الثورة‪ .‬حيث لم يجد عدد من الضباط طريقا ً سوى الثورة في‬
‫حين بقي قسم كبير من المترجي بالعطف البريطاني لقضيته‬
‫وبين المتحير والمتردد بين ياسين الهاشمي المتطرف‪ .‬وجعفر‬
‫ونوري المواليان والباحثان عن أنصار داخل بريطانيا‪.‬‬

‫‪.F.O. 371- 4146-86170-142-16 Jun 1919‬‬ ‫)(‬ ‫‪45‬‬

‫‪.F.o 371- 4145-19623-26-May 1919‬‬ ‫)(‬ ‫‪46‬‬

‫ببب ببببب ببببب بببب بببببب ببببببببب‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪47‬‬

‫‪.F.o. 371-4146-86170-142-16 June 1919‬‬ ‫)(‬ ‫‪48‬‬

‫‪-29 -‬‬


- 30 -
‫الفصل الخامس‬

‫دير الزور والتراك‬


‫لمحة تاريخية‬
‫تقع محافظة دير الزور في الزاوية الشرقية الجنوبية‬
‫للقطر العربي السوري‪ ،‬يشطرها نهر الفرات إلى شطرين‪.‬‬
‫كما يلتقي فيها نهرا ً الخابور والفرات عند مدينة قديمة تسمى‬
‫قرقيسيا‪ ،‬ويطلق عليها اليوم البصيرة‪ .‬سكنها العرب قبل الفتح‬
‫السلمي‪ ،‬وأطلقوا عليها ديار ربيعة‪ ،‬وقبائل ربيعة "امتدت‬
‫منازلهم من أطراف الجزيرة ما بين نهري الفرات ودجلة‪،‬‬
‫وامتدت عشائرها جنوبا ً حتى الحيرة وغربا ً إلى الشام‪ ،‬وشرقا ً‬
‫إلى أذربيجان)‪ .(49‬ومن أهم قبائل ربيعة التي سكنت منطقة‬
‫دير الزور قبيلة تغلب العربية الشهيرة‪ ،‬حيث رحلت إليها بعد‬
‫نزاع طويل مع قبائل بكر‪ ،‬ثم أمراء كندة والحيرة‪ ،‬وأهم مدن‬
‫تغلب آنذاك في المنطقة بلدة تدعى "ماكسين"‪ ،‬التي اشتهرت‬
‫بشجر الزيتون‪ ،‬وكثرة معاصر الزيت‪ ،‬حتى إن الخطل قال‪:‬‬
‫"مادام في ماكسين الزيت يعتصر")‪ (50‬وقد بنى التغلبيون أديرة‬
‫عديدة في المنطقة نذكر منها دير حنظلة ودير الرمان ودير‬
‫القائم القصى وُأرجح الدير الخير أن يكون في موقع مدينة‬
‫شاطئ‬ ‫دير الزور الحالية‪ ،‬حيث يحددها ياقوت الحموي "على‬
‫الفرات من الجانب الغربي في طريق الرقة من بغداد")‪.(51‬‬
‫أكثر من ترجيح الستاذ المرحوم عبد القادر عياش الذي اختار‬
‫دير الرمان مكان دير الزور الحالية‪ ،‬التي يقول عنها ياقوت‬
‫للبادية بين الرقة والخابور‬ ‫الحموي‪" :‬مدينة كبيرة ذات أسواق‬
‫تنزلها القوافل بين العراق إلى الشام")‪ .(52‬فدير الرمان تقع‬
‫في شرق الفرات‪ ،‬في حين دير القائم القصى على ضفاف‬
‫الفرات غربًا‪ ،‬ودير الفيق الذي هدم في الستينات يقع في‬
‫غرب نهر الفرات‪.‬‬
‫فتحها العرب المسلمون في عام ‪ /16/‬للهجرة الموافق ‪/‬‬
‫‪ /637‬ميلدية‪ ،‬وكان قائد الفتح عمر بن مالك بن عتبة بن نوفل‬
‫بن عبد لفاف الزهري‪ ،‬حين توجه بقوة من القوات العربية‬
‫)( ب‪ .‬ب ببب ب بب‪ -‬بببب ب بببب بببب‪ -‬ببب بببب ببب بببب ببب‪-‬‬ ‫‪49‬‬
‫ببببببب‪ -1963 -‬ب ‪.258‬‬
‫)( ببببب بببببب‪ -‬بببب ببببببب‪ -‬ببب بببب‪ -‬بب ببب‪ -1982 -‬ب ‪-5‬‬ ‫‪50‬‬
‫ب ‪.43‬‬
‫)( ببببب بببببب‪ -‬بببب بببب‪ -‬ب‬ ‫‪51‬‬

‫)( ببببب بببببب‪ -‬بببب بببب‪ -‬ب ‪ -2‬ب ‪.511‬‬ ‫‪52‬‬

‫‪-31 -‬‬
‫التي كانت تحاصر آنذاك مدينة هيت على الفرات‪ ،‬فباغت‬
‫حاضرة المنطقة آنذاك مدينة قرقيسيا‪ ،‬صباحًا‪ ،‬وفتحها بسرعة‬
‫فاجأت أهلها‪ ،‬وأجبرتهم على التسليم ودفع الجزية‪ ،‬والقبول‬
‫بالحكم العربي السلمي‪ .‬فانشد عمر بن مالك الزهري قصيدة‬
‫تغنى بهذا النصر السريع على أهل قرقيسيا قال فيها‪:‬‬
‫يييي‬ ‫ييييي ييي‬
‫ييييييي‬ ‫يييي‬ ‫ييييي ييييي‬ ‫يييي‬
‫يييييي‬ ‫يي‬
‫ييييييييي ييي‬
‫يييييييي‬ ‫يييييي‬ ‫ييييي ييي يييييييي‬
‫ييييي‬
‫ييييي ييي‬ ‫يييييي‬
‫ييييييي‬ ‫ييي‬ ‫ييييي ييييي‬
‫ييييييي‬
‫يييي‬
‫يييي يييييي‬ ‫يي‬
‫يي ي‬
‫يييييييي‬ ‫ييييي يي‬ ‫يييييي‬
‫ييييي‬ ‫يييي‬
‫ييي( ييييي‬‫‪53‬‬ ‫ييييييي‬
‫يييييييي)‬ ‫ييي‬ ‫ييييي ييي‬
‫يييييي‬ ‫ييييي‬
‫وفي العصر الموي تحولت قرقيسيا إلى أحدى مراكز‬
‫المعارضة للحكم الموي‪ ،‬حين استولى عليها زفر بن الحارث‬
‫الكلبي المعارض‪ .‬وفي العهد العباسي تحولت الرحبة إلى أهم‬
‫عقد فيها أهم إتفاق تاريخي خطير‪ ،‬حين‬ ‫حواضر المنطقة‪ ،‬وقد ُ‬
‫عقد البساسيري قائد شرطة بغداد مع الخلفة الفاطمية اتفاقا ً‬
‫حكم الفاطميون بغداد بموجبه عاما ً كام ً‬
‫ل‪.‬‬
‫وتعرضت منطقة دير الزور لغزوات مختلفة داخلية‬
‫وخارجية‪ ،‬أتت نتائجها دمارا ً لحواضرها من بلدان وأديرة‪ .‬وكان‬
‫أهمها الغزو المغولي‪ .‬وبعد الحتلل العثماني عام ‪1517‬‬
‫حكمها العثمانيون مدة طويلة بدون استقرار واضح‪ ،‬وظهرت‬
‫في بداية القرن التاسع عشر دير الزور كبلدة صغيرة‪ ،‬وجد‬
‫فيها عدد من الموظفين التراك‪ .‬ومخفر عسكري لحماية‬
‫القوافل‪ .‬وتعرضت البلدة لغزوات من قبائل البدو إل أن أهالي‬
‫المدينة والجنود الترك دافعوا عنها وصدوا الكثير من الغزوات‬
‫التي كانت منطق ذلك العصر‪.‬‬
‫وخلل معارك محمد علي باشا مع السلطنة‪ ،‬وقيام القوات‬
‫المصرية بقيادة إبراهيم باشا باحتلل سورية في الثلثينات من‬
‫القرن التاسع عشر‪ ،‬أصبحت دير الزور تحت الحكم المصري‪،‬‬
‫وعين إبراهيم باشا حاكما ً باسمه يدعى "معجون آغا" ومعه‬
‫قائد عسكري يدعى "قفطان"‪ ،‬واتبعت منطقة دير الزور‬
‫بسنجق حماه وبعد انتهاء حكم إبراهيم باشا)‪ (54‬عادت السلطة‬
‫العثمانية إسميا ً حتى دير الزور إلى عام ‪ 1863‬حين أرسلت‬
‫السلطنة العثمانية مصطفى عثمان باشا الجمركي من آل ملك‬
‫زاده المشهور بـ)ثريا باشا(‪ ،‬وكان واليا ً على حلب‪ ،‬على رأس‬
‫حملة عسكرية لتأديب القبائل الفراتية الرافضة لدفع الضرائب‬
‫الميرية‪ ،‬واصطدمت بالرقة بقبائل العفادلة المتمردة وبعد‬
‫معركة صغيرة قتل شيخ العفادلة‪ ..‬الشيخ حسين العلي‬
‫الشاش"‪ ،‬وسيطرت على المنطقة)‪ ،(55‬ووصلت الحملة إلى دير‬
‫الزور فأسس ثريا باشا مركز قائمقامية في دير الزور أتبعه‬
‫لحلب‪ .‬وعين عليه القائمقام عمر باشا‪ ،‬ثم عين بعد ذلك‬
‫قائمقاما ً جديدا ً عام ‪ 1865‬خليل بك ثاقب الورفلي‪ ،‬الذي بنى‬
‫)( ببببب بببببب‪ -‬بببب ببببببب‪ -‬بببب بببب‪ -‬ب ‪ -4‬ب ‪328‬‬ ‫‪53‬‬

‫)( بب ب ببب ببب بب بب‪ -‬بب ب بب ببب‪ -‬ببب بب ببب ببب‪ -‬ببب ب‬ ‫‪54‬‬
‫ببببببب‪ -‬ببببب ‪ 39/40‬ببببب بببببببب ببب بببب ببب ب ‪1971‬‬
‫ب ‪23‬‬
‫)( ببب ب بببب بب‪ -‬بب بببب ببب بب بب ب بب ببب‪ -‬ببب ب بببب ببب‪-‬‬ ‫‪55‬‬
‫ببببب ‪ 39/40‬ببببب بببببببب ببببب‪ -‬بببب ‪ 1971‬ب ‪95‬‬
‫‪- 32 -‬‬
‫دارا ً للحكومة ومستشفى وثكنة وتحسنت المدينة لديه‪ .‬وفي‬
‫عام ‪ 1868‬أصبحت دير الزور سنجقا ً مستقل ً عن حلب‪ ،‬واتبع‬
‫مباشرة إلى الستانة‪ .‬سنجقا ً ممتازا ً حدوده من عانه إلى‬
‫مسكنة والجزيرة حتى حدود ماردين‪ ،‬وغربا ً من البادية ضم‬
‫السنجق تدمر‪ .‬وكانت له قائمقاميات الرقة والميادين‬
‫والبوكمال أما الحسكة والقامشلي آنذاك بادية ل عمران فيها‬
‫)‪.(56‬‬
‫انسحاب التراك من دير الزور‬
‫لم تتعرض دير الزور أثناء الحرب العالمية الولى‪ .‬وخلل‬
‫الثورة العربية لي هجوم خارجي ضد التراك من قبل جيوش‬
‫الحلفاء والثوار العرب بل بقي المر هادئا ً فيها‪ .‬على الرغم أن‬
‫ل من جواسيس بريطانيين بصور مختلفة‪،‬‬ ‫قراها ومدنها لم تخ ُ‬
‫وكانت حالة دير الزور أثناء الحرب في وضع مترد اقتصاديًا‪،‬‬
‫فقد ساد الفقر والعوز والجوع معظم مناطق المتصرفية‪.‬‬
‫فالتراك قاموا خلل الحرب بمصادرة القمح والمواد الغذائية‬
‫من المواطنين‪ ،‬وإرسالها إلى جبهات القتال‪ .‬كما حدث في‬
‫معظم المدن والمناطق العربية‪ ،‬التي كانت ترزح تحت‬
‫الحتلل العثماني‪.‬‬
‫ونتيجة الوضع القتصادي والجتماعي المتردي لحد‬
‫المجاعة أفرز اضطرابات في المنطقة من قبل عشائر الفرات‬
‫وأهل الحواضر‪ ،‬وقد سمى أهالي المحافظة تلك السنوات‬
‫بسنوات الجوع التي أكلت الخضر واليابس‪ ،‬وأدت إلى كوارث‬
‫كبيرة ألحقت بنمو المحافظة وأهلها‪.‬‬
‫وفي نهاية الحرب بدأت تصل إلى متصرف دير الزور‬
‫الخبار التي تحمل أنباء هزائم الترك أمام القوات العربية‬
‫والحلفاء‪ .‬وخروجهم من كثير من المناطق العربية‪ .‬إل أن أيا ً‬
‫من القوات المعادية للترك عربا ً وأجانب لم تصل إلى دير‬
‫الزور أو المناطق التابعة لها‪.‬‬
‫وأمام هذه النباء اجتهد المتصرف التركي آنذاك "حلمي‬
‫بك" في جمع كل الوثائق والمستندات والسجلت التي تهم‬
‫التراك‪ ،‬وأرسلها إلى مدينة أورفة التركية تحسبا ً لهجوم قد‬
‫تتعرض له دير الزور‪ ،‬رغم وجود ما يزيد على ‪ /1500/‬جندي‬
‫وضابط تركي كانوا فيها‪ ،‬إل أن المتصرف شعر أن أي معركة‬
‫قادمة لن تكون لصالح التراك‪ ،‬ففضل الستعداد لهذا‬
‫الحتمال‪ ،‬فأرسل الوثائق قبل حدوث المعركة المتوقعة‪.‬‬
‫ورغم أن تحرير دمشق تم في الول من تشرين الول‬
‫‪ ،1918‬فإن متصرفية دير الزور لم يصل إليها أحد من القوات‬
‫العربية أو النكليزية التي احتلت عانه‪ ،‬إل أن وضع المتصرف‬
‫القلق نفسيًا‪ ،‬والخائف من وصول قوات معادية للترك إلى دير‬
‫الزور‪ .‬إضافة إلى انسحاب التراك من سورية وبلد الرافدين‪،‬‬
‫وبقاء دير الزور فقط‪ ،‬أوجس خيفة في نفسه‪ ،‬ووضعه في‬
‫موقف محير لتخاذ أي قرار‪ .‬سواء بالبقاء أو الرحيل إلى تركيا‬
‫لهذا قرر جمع أركان حكمه مع وجهاء المدينة لتخاذ قراٍر‬
‫مناسب في هذا الوضع المقلق‪.‬‬
‫وفي يوم الثنين ‪ 4‬تشرين الثاني ‪ 1918‬دعا المتصرف‬
‫حلمي بك كل ً من قائد الجيش في المتصرفية الميرألي‬
‫‪/‬جميل بك‪ ،/‬وقائد الفرسان‪ /‬إبراهيم أدهم بك‪ ،/‬ورئيس بلدية‬
‫دير الزور ‪/‬الحاج فاضل العبود‪ ،/‬وعضو البرلمان التركي عن‬
‫دير الزور ‪/‬محمد نوري الفتيح‪ ،/‬وقائد الموقع العسكري ‪/‬حامد‬
‫بببببب بببببب‬ ‫)(‬ ‫‪56‬‬

‫‪-33 -‬‬
‫بك العراقي‪ ،/‬وقاضي الشرع ‪/‬عاصم لز‪ ./‬ورئيس محكمة‬
‫بداية الجزاء ‪/‬عثمان نوري بك‪ ،/‬ورئيس المالية ‪/‬تحسين بك‪/‬‬
‫وآخرون إلى مأدبة غداء‪ ،‬تقام في دار الحكومة‪ ،‬وبعد تناول‬
‫الطعام شرح المتصرف الموقف العسكري والسياسي في‬
‫دا‬
‫المنطقة بعد خروج‪ .‬القوات التركية من سورية والعراق‪ ،‬ع ّ‬
‫متصرفية دير الزور‪ .‬ولديه احتمالت هجوم على قواته من‬
‫أطراف عربية أو إنكليزية‪ ،‬وما لديه من قوات للمواجهة ومن‬
‫غير وجود مساندة له من قبل القوات التركية‪ .‬وبعد مناقشة‬
‫المر مع المجتمعين رجح رأي النسحاب التركي عن دير الزور‬
‫بصورة مؤقتة‪ .‬ولحماية أرواح الجنود بعد أن أكد أن الخسارة‬
‫في الجانب التركي‪ ،‬أمام أية مواجهة محتملة‪ .‬فقرر‬
‫المتصرف ‪/‬حلمي بك‪ /‬أن ينسحب مع القوات التركية إلى تركيا‬
‫ودير الزور مؤقتًا‪ ،‬وكلف رئيس البلدية ‪/‬الحاج فاضل العبود‪/‬‬
‫بإدارة شؤون المتصرفية حتى عودته من تركيا‪ .‬وغادرت‬
‫القوات التركية دير الزور في ‪ 6‬تشرين الثاني ‪.1918‬‬
‫‪-‬مصير المتصرف‬
‫كان قرار المتصرف ‪/‬حلمي بك‪ /‬النسحاب من دير الزور‬
‫وبال ً وقع على رأسه‪ ،‬وعلى رأس قادته‪ ،‬فما أن وصل إلى‬
‫مدينة ماردين‪ ،‬حتى ظهر انشقاق داخل صفوف القيادة‬
‫العسكرية التركية التي كانت في دير الزور‪ .‬فطلب عدد من‬
‫خطأ ً‬ ‫القادة من المتصرف أن يعود بقواته إلى دير الزور‪ .‬حيث لم‬
‫يجدوا أية قوات تهاجمهم أو تطاردهم‪ ،‬وأن النسحاب كان‬
‫أقدم عليه المتصرف وأعوانه‪ .‬ولكن موقف قائد القوات‬
‫العسكرية ‪/‬الميرالي جميل بك‪ /‬الحازم بعدم العودة أجبر‬
‫الجميع بالرضوخ لقراره‪ .‬وأثناء ذلك صدر قرار الهدنة بين‬
‫الحلفاء والتراك والقاضي بإبقاء كل قوة في مكان تواجدها‪.‬‬
‫أصاب الندم الشديد المتصرف وقادته العسكريين لنهم فرطوا‬
‫في متصرفية دير الزور بدون سبب قاهر‪ .‬وفعل ً ما أن علمت‬
‫السلطات المركزية التركية بتصرف ‪/‬حلمي بك‪ ،/‬وانسحابه من‬
‫دير الزور بدون علمها‪ ،‬حتى أبدت انزعاجها وأسفها لهذا‬
‫التصرف الحمق‪ .‬وأحيل المتصرف وقادته العسكريين‬
‫للتحقيق‪ ،‬ثم المحاكمة العسكرية‪ .‬وبعد فترة قصيرة أصدرت‬
‫حكمها بالعدام على المتصرف جميل بك‬ ‫المحكمة العسكرية ُ‬
‫وقائد الفرسان إبراهيم أدهم بك رميا ً بالرصاص‪ ،‬كما تم إصدار‬
‫أحكام‪57‬بالسجن على البقية‪ .‬وانتهى الحكم التركي عن دير‬
‫الزور) (‪.‬‬

‫بببب بببببب –بببببب ببببب ببب ببببب ب ‪.96‬‬ ‫)(‬ ‫‪57‬‬

‫‪- 34 -‬‬
‫‪‬‬

‫الفصل السادس‬

‫دير الزور بين العراق‪ ..‬والشام‬


‫دير الزور والحكومة المحلية‬
‫بعد رحيل التراك عن دير الزور وجد أهالي دير الزور‬
‫أنفسهم بدون سلطة مركزية تتبع لها متصرفيتهم‪ ،‬التي نشأت‬
‫في نهايات الحكم التركي‪ .‬وكان الخوف الذي يشعرون به‪ .‬من‬
‫المحيط العشائري الذي يسور مدينتهم‪ ،‬فالعشائر اعتادت‬
‫الغزو والنهب والسلب سواء من بعضهم البعض؛ أو بدخول‬
‫المدن ونهب البيوت‪ .‬فكان من الضرورة أن تتواجد سلطة‬
‫قوية تحمي المدينة وأهلها‪ .‬وريثما يتفقون على السلطة التي‬
‫يريدون تابعيتها‪ ،‬اتفقوا على تشكيل حكومة محلية تضبط أمور‬
‫المن‪ ،‬وتسير شؤون المدينة مؤقتا ً فأوجدوا فيما بينهم مجلسا ً‬
‫محليا ً سموه "حكومة الحاج فاضل الولى"‪ ،‬لن رئيسها هو‬
‫رئيس البلدية الحاج فاضل العبود‪ ،‬أو ما أسماه أهل البلد‪،‬‬
‫"حكومة الفلتان" لنها ل تتبع سلطة مركزية وبعد نقاشات‬
‫بينهم اتفقوا على تشكيل المجلس على أن يضم ‪ /21/‬عضوا ً‬
‫تتناوب رئاسته ما بين زعماء الحياء الثلث في المدينة‪.‬‬
‫واستمرت الحكومة حتى الول من كانون الول عام ‪.1918‬‬
‫دعوة الحكومة العربية‪.‬‬
‫قررت الحكومة المحلية مع عدد من الوطنيين والوجهاء‬
‫دعوة الحكومة العربية لضم متصرفية دير الزور إليها‪ .‬وإرسال‬
‫حاكم للمتصرفية من قبلها‪ ،‬وتوسطت الحكومة المحلية‬
‫الشريف علي بن ناصر لتحقيق هذه الدعوة‪ .‬واستجابت‬
‫الحكومة العربية للمطلب‪ ،‬وعين المير فيصل متصرفا ً وقوة‬
‫عسكرية لدير الزور)‪ .(58‬وفي الرابع من كانون الول عام ‪1918‬‬
‫وصلت إلى دير الزور قوة عسكرية مؤلفة من لواء من الهجانة‬
‫–قوة عشائرية عسكرية‪ -‬وبقيادة الشريف علي بن ناصر‪ .‬وقد‬
‫استقبلت من قبل أهالي المدينة استقبال ً حارا ً فهي أول قوة‬
‫عربية مستقلة تدخل المدينة‪ ،‬ولول مرة منذ أربعة قرون‬
‫للمتصرفية ومناطقها‪ .‬فكان دخول تلك القوات يوم مشهود‬
‫للمدينة ومناطقها‪ .‬وبعد أيام قام الشريف علي بن ناصر بجولة‬
‫تفقدية في أنحاء المتصرفية‪ ،‬فزار عشائر الفرات‪ ،‬والتقى‬
‫بشيوخها وزعمائها‪ .‬وتعرف على أحوالهم‪ ،‬وهل هم راضون‬
‫)( بب بب ب ببب –بب ببب بببببب ب ب ب ببب ببب ببببب ب – ببببب ب‬ ‫‪58‬‬
‫ببببببب بببببببب ببببببب – بببب ‪ -1998‬ب ‪.26‬‬
‫‪-35 -‬‬
‫بحكم الشريف فيصل لهم وتابعيتهم للحكومة العربية في‬
‫دمشق‪ ،‬فأكد له زعماء العشائر الولء والخلص للحكومة‬
‫العربية‪ ،‬ومبايعتهم للشريف حسين ملكا ً على العرب‪ .‬ولبنه‬
‫المير فيصل بإمارة الشام‪ .‬وأكدوا استعدادهم للدفاع عن‬
‫الدولة العربية‪ ،‬ووضعوا أنفسهم وعشائرهم تحت تصرف المير‬
‫فيصل‪.‬‬
‫ووصل إلى دير الزور في السابع من كانون الول ‪1918‬‬
‫أول متصرف عربي لها هو "مرعي باشا الملح"‪ ،‬ترافقه‬
‫مجموعة من الداريين والعسكريين لنشاء الهيكلية الدارية‪.‬‬
‫وقد رافقه كل من الميرألي علي بك العسكري "شقيق جعفر‬
‫والي حلب‪ /‬بصفة قائد للقوات المتواجدة في دير الزور‪،‬‬
‫ورافقهم الشيخ مجحم بن مهيد رئيس عشائر عنزه‪ .‬وقرر‬
‫المتصرف حل المجلس الهلي‪ ،‬والذي سمي ‪/‬حكومة الفلت‪/‬‬
‫أو حكومة حاج فاضل‪ ،‬وشكل مجلسا ً جديدا ً يعاونه في إدارة‬
‫شؤون البلدة‪ .‬وقد ضم السادة‪ :‬الحاج فاضل العبود‪ .‬وعمر عبد‬
‫الفتيح وخضر لطفي ومحمد كامل البعاج‪.‬‬ ‫العزيز ومحمد نوري‬
‫وحسن محمد الجاسم)‪ ،(59‬وعين حاكمين لكل من قضائي‬
‫الميادين والبوكمال‪.‬‬
‫فشل الحكم العربي‬
‫سارت المور في بدايات عمل المتصرف مرعي الملح‬
‫في دير الزور بشكل حسن‪ ،‬وكان المتصرف المذكور محبوبا ً‬
‫من أهالي الدير‪ ،‬بما اتسم به من عدل ونزاهة وحّبه لح ّ‬
‫ل‬
‫المشاكل بطرق وّدية وعادلة‪ .‬إل أن الشهر التي تلت العام‬
‫الجديد ‪ 1919‬بدأت تشكل ضغطا ً على الهالي لسباب أهمها‪:‬‬
‫‪-1‬يييييي ييييييي يييييييييي يييي يي‬
‫يييييي ييييييي يييييي ييييي ييي ييييي‪ .‬يييي‬
‫يييي ييي يييي يييييييي يييييييي ييي يييي‬
‫يييي ييييي ييييي يييييييي ييييي يييييي‬
‫يييييييي يييي ييي ييي ييي يييييي ييييييي‬
‫يييييييي ييييييي يي ييييي ييي يييييي يي‬
‫ييييييي يي يي يييي ييي ييييييي ييي يييييي يي‬
‫يييييي‪ .‬يييييييي يييييييي يييي يييي ييييي‬
‫ييييي يييييي يييييييي يي ييييي ييييييييي‬
‫يييي ييييي ييييييييي يي ييي ييييييي‬
‫يييييييييي يييي يييي ييييييي ييي يييييييييي‬
‫يييي يييي يي ييييي‪ .‬يييي يييييييي يييييييي‬
‫يي يييي يييييي يييي ييييييي يييييي ييييييييي‬
‫يييييييييي يييييييييي ييييييي ييي يييي يييي‬
‫يييييييي ييييييي ييي يييييي يييييي يييي ييييي‬
‫يييييي يي ييي يييييييي يييييي‪.‬‬
‫انعكست هذه الضطرابات السياسية والقتصادية على‬
‫الحال القتصادية في دير الزور سوءًا‪.‬‬
‫‪-2‬يييييييي يييي ييييي يييييييي يي يييييي‬
‫يييييي يييي يييييييي ييي يييييييي ييييييي‬
‫يييييي يييييييي ييي ييييييي يي يييييي‬
‫ييييي)‪(60‬ي يي ييي يييي ييي ييييي ييي يي ييييي‬
‫ييييييي ييي يي يييي ييي ييييي ييييي يييي‬
‫ييييي ييييي‪ .‬يي ييي ييي ييييي يييي يييييييي‬
‫)( بببب بببببب – بببببب ببببب ببب ببببب‪ -‬بببب بببب ب ‪.58‬‬ ‫‪59‬‬

‫)( بب بب ببب ببب – ب بب ببببب ب بب ب ببب ببب ببببب ب – ببب‬ ‫‪60‬‬


‫بببببب‪ -‬بببب ‪ 1993‬ب ‪95‬‬
‫‪- 36 -‬‬
‫يييييي يي ييييي يييييييي ييييييي ييي يييييي‬
‫يييي‪ :‬يي ييييييي ييييي ييييي يييييي ييييييي‬
‫يييييييي ييييييييي ييي يييييييي يييييي‬
‫يييييي يييييي يييييي ييييييي ييييي ييييييي‬
‫ييييي ييييي يي يييييي ييييييييي ييييييي‬
‫يييييييي ييي ييييييي‪ .‬يييي ييييييي يييي يييي‬
‫يييييي يييييييي ييييييي ييييييي ييي‬
‫يييييييي ييي يييي ييييييي ييي يييي ييييييي‬
‫يييي يي يييي ييي يي ييييييي يي يييي يييييي‬
‫ييييي‪.‬‬
‫‪-3‬ييييييييي ييييييي يييي يييي ييي يييييي‬
‫ييي يي يييي يييييي ييي ييييييييي ييييييييييي‬
‫ييييي ييي ييي يييي يييي ييييييي ييييييي‪ .‬ييي‬
‫يييييي يييييي ييي ييييي ييييييي يي ييييي‬
‫يييييي يييي ييي ييييي ييييييييي ييييييي يي‬
‫يييييي ييييييييييي يي يييييي ييييييي يي‬
‫يييي( ييي ييييييي يييييييييي‬ ‫)‪61‬‬
‫يييييي يي‬
‫ييييييييييي‬
‫أدت هذه العوامل وغيرها إلى تحول في الرأي العام لدى‬
‫المواطنين‪ ،‬فمن جهة كانت الصعوبات القتصادية تشكل‬
‫ضغطا ً على المواطنين ومستواهم المعاشي‪ ،‬مع سقوط الحلم‬
‫بالرفاهية وإنهاء حالت الجوع والفقر بوصول الحكومة العربية‬
‫إليهم‪ ،‬وبتابعية متصرفيتهم لها‪ .‬ومن جهة أخرى تصرفات‬
‫الشريف علي وجنوده التي أثقلت على المواطنين‪.‬‬
‫كان الرأي العام يزداد يوما ً بعد يوم كرها ً للحكومة العربية‪،‬‬
‫على الرغم من محاولت المتصرف مرعي الملح‪ ،‬الذي أراد‬
‫أن يخلق توازنا ً بين أخطاء الشريف علي‪ ،‬وبين ما يقوم به من‬
‫عدل وعناية بالمواطنين على مختلف شرائحهم الجتماعية‪،‬‬
‫وأن يرفع من مستوى معيشتهم‪ .‬إل أن المور كانت تزداد‬
‫سوءا ً مما جعل محاولت المتصرف تضيع في أدراج الرياح‪،‬‬
‫وأي رياح؟ رياح التحول من الحكومة العربية إلى أعدائها‪.‬‬

‫‪‬‬

‫)( ببب ب ب ببب بببب بب‪ -‬بب بببب ببب ببب بببببب بب – بب ببب‪-‬‬ ‫‪61‬‬
‫‪ -1935‬ببببب بببببب – ب ‪.336‬‬
‫‪-37 -‬‬
‫الفصل السابع‬

‫الحتلل النكليزي لدير الزور‬


‫أمام الحباطات التي واجهت وجهاء المدينة وزعماءها‪،‬‬
‫واستمرار الحالة المتردية اقتصاديا ً واجتماعيا ً وأمنيًا‪ ،‬وأمام‬
‫الغراءات التي تصل رياحها إلى دير الزور للنعيم الذي يعيشه‬
‫العراق‪ ،‬في ظلل الحتلل البريطاني‪ ،‬عقد وجهاء المدينة‬
‫وزعماؤها اجتماعا ً سريًا‪ ،‬قرروا فيه أن يتخلصوا من الشريف‬
‫علي بن ناصر والحكومة الشريفية‪ ،‬وبدعوة النكليز لمد ّ‬
‫احتللهم للعراق إلى دير الزور‪ ،‬وبكتابة مضبطة "عريضة" وقع‬
‫عليها المجتمعون سّرًا‪ ،‬وحملها أحدهم خفية إلى مدينة عانة‬
‫فيها‪.‬‬ ‫في العراق‪ ،‬وسلمها إلى الحاكم السياسي البريطاني‬
‫الذي قام بإرسالها إلى الحكومة البريطانية في لندن)‪.(62‬‬
‫وقام وجيه المدينة وزعيمها الحاج فاضل العبود بزيارة إلى‬
‫بغداد‪ ،‬لبحث المر مع قادة العراق‪ ،‬واستشارتهم في هذه‬
‫المور‪ .‬وعارضا ً وضع المدينة التي تعيش ظروفا ً صعبة وقاهرة‬
‫آنذاك‪ ،‬والتقى بالعديد منهم‪ ،‬ومن بينهم نقيب بغداد النقيب‬
‫الكيلني الذي نصحه‪ ..‬بقوله‪ .." :‬أي ولدي‪ ..‬أن أحسن ما‬
‫تعملونه هو أن تستظلوا بظل الحكومة البريطانية لن‬
‫البريطانيين معروفون في العالم أجمع بالعدل والنصاف" )‪.(63‬‬
‫وعاد الحاج فاضل من بغداد بعد أن اقتنع بأن حل إشكالت‬
‫مدينته سيكون على أيدي النكليز‪.‬‬
‫وقد يقول البعض إن في ذلك خيانة للوطن والبلد‪،‬‬
‫باستقدام محتل أجنبي عليه‪ .‬إل أن الباحث والدارس‬
‫الموضوعي‪ ،‬هو الذي ُيسقط الحدث في زمنه‪ ،‬ل في الزمن‬
‫الذي يعيشه‪ ،‬حتى يعطيه حقه التاريخي‪ .‬فالوعي السياسي لم‬
‫ل‪ ،‬والمّية والجهل كانت هي الحالة السائدة في ذلك‬ ‫يكن مكتم ً‬
‫الزمن‪ ،‬إضافة إلى الجوع القاتل الذي فتك بالمدينة‪ ،‬والمنطقة‬
‫أثناء الحرب‪ ،‬جعل الناس ترتعب من ذكراه‪ .‬فكان الموات‬
‫ُيلقون في الشوارع‪ ،‬وامتلك لقمة تسد فم الجائع من أثمن‬
‫الثمان‪ ،‬وقد استبيحت كل المحرمات أمام هذا الجوع الكافر‪.‬‬
‫لهذا أرى أن أسباب استقدام النكليز يحتاج إلى دراسة تاريخية‬
‫بعين موضوعية‪ .‬للحكم على هؤلء الذين وقعوا العريضة‪ ،‬التي‬
‫تطلب من النكليز احتلل إلى بلدهم طواعية‪ .‬فالمن‬
‫)( ببب ب ب ببب بببب بب – بب بببب ببب ببب بببببب بب‪ -‬بببب بب‬ ‫‪62‬‬
‫بببببب ب ‪.336‬‬
‫)( ببب بببب بب – بببب بب ببببب بببببب بببببب – بببب ب ببب ب‬ ‫‪63‬‬
‫بببببب ببببب ‪ 1971‬ب ‪474‬‬
‫‪- 38 -‬‬
‫مضطرب‪ ،‬والغزو القبلي مستمر‪ ،‬وتهديد المدينة من قبل‬
‫العشائر المحيطة على قدم وساق‪ ،‬والجوع والعوز يدق أبواب‬
‫الجميع‪ ،‬إضافة إلى العسف والظلم الذي تمارسه قوات‬
‫الهجانة بزعامة الشريف علي بن ناصر بحق الهالي والتجار‬
‫والمزارعين‪.‬‬
‫إن الحل الذي توصل إليه وجهاء المدينة في قياس الوطن‬
‫خيانة‪ .‬ولكن أمام التبريرات التي سقناها‪ ،‬تجعلنا نقف طويل ً‬
‫قبل أن نسمي ما أقدم عليه ك ُْتاب العريضة "خيانة"‪ ،‬فهم لم‬
‫يكونوا يوما ً عملء للجنبي‪ ،‬بل عرفوا بحبهم لوطنهم ومدينتهم‪،‬‬
‫وحافظوا على المن والنظام من خلل إدارة محلية بعد أن‬
‫رحل الترك عنها‪ .‬ولم تبق أية سلطة تفرض النظام‪ ،‬ولهذا‬
‫كتبوا إلى الحكومة الشريفية في دمشق لتمد ّ سلطتها إلى‬
‫بلدهم‪ .‬ولكن المال التي حلموا بها لم تتحقق‪ ،‬لهذا رأوا من‬
‫خلل ما يملكون من معرفة‪ ،‬حيث الجهل والمية؛ بأن حل‬
‫إشكالت الجوع تتم ببسط السيطرة البريطانية‪ ،‬لينالوا ما نال‬
‫العراقيون كما وردت إلى مسامعهم من دعامات الغنى‪ ،‬وإن‬
‫كان هذا الحل الذي رأوه نخالفهم به‪ .‬ونرفضه لن الوطن أهم‬
‫من كل شيء‪ .‬إل أننا نسقط الفترة الزمنية المتباعدة بيننا‬
‫وبينهم‪ .‬والظروف التي كانوا يعيشونها فنصل إلى النتيجة‬
‫الموضوعية‪ ،‬وبعد ذلك نحكم على ما حدث‪.‬‬
‫مطامع بريطانيا وفرنسا‬
‫إن أطماع النكليز في المنطقة العربية ليست فقط في‬
‫بداية القرن العشرين‪ ،‬لكنها توضحت أكثر في الحرب العالمية‬
‫الولى‪ ،‬واستغلت تنامي الحركة القومية العربية لتنفيذ مآربها‪،‬‬
‫ومنها جمعية العهد التي هي موضوع بحثنا‪ .‬فنرى في رسالة‬
‫للسيد مارك سايكس إلى السيد برسي كوكس في ‪ 22‬تشرين‬
‫الثاني عام ‪ 1915‬مطامع إنكلترا وشريكتها فرنسا واضحة‪،‬‬
‫باستغلل مطامح الجمعية وأهدافها فيقول‪" :‬إنهم )الجمعية‬
‫العربية( مضطرون لسباب سياسية إلى المطالبة بالستقلل‬
‫المطلق‪ "..‬ويتابع "إن طموحهم الحقيقي هو استقلل سورية‬
‫والحجاز‪ ،‬بتأليف دولة تقدمية من وليات دمشق‪ ،‬وبيروت‬
‫وحلب والموصل‪ ،‬وبغداد‪ ،‬وسناجق أورفه‪ ،‬ودير الزور‪،‬‬
‫والقدس‪ ،‬تحت حكم الشريف‪ ،‬إل أن هذا مشروط بالتفاق مع‬
‫فرنسا وبريطانيا العظمى‪ ،‬وتكون لفرنسا سيطرة تامة على‬
‫كافة المشاريع والمرافق التعليمية الخاصة في غربي الفرات‬
‫وحتى دير الزور‪ ،‬وفي فلسطين‪ ،‬ول يستخدم أي أوربيين ما‬
‫عدا الفرنسيين من قبل الدولة العربية في تلك المنطقة‪ .‬إل أن‬
‫الدولة غير ملزمة باستخدام المستشارين الوربيين بمحض‬
‫إرادتها‪ .‬وتكون لبريطانيا العظمى بعض الحقوق في العراق‬
‫والجزيرة العربية‪ .‬وتكون البصرة والراضي الواقعة جنوب‬
‫الكويت وحتى الفاو تحت السيطرة البريطانية بشكل مطلق‪.‬‬
‫أما الراضي الواقعة شمالي خط السكندرونة‪ ،‬وعينتاب‪،‬‬
‫وأورفه‪ ،‬فتكون فرنسية بشكل مطلق" ويعود في ختام قوله‪-‬‬
‫إذا أصبح لنا احتكار دائم للمشاريع والمساعدات الوربية‬
‫العسكرية والمدنية في مقاطعات الموصل وبغداد والبصرة‪.‬‬
‫وإذا أصبحنا ندير مقاطعتي بغداد والبصرة طيلة مدة الحرب‪،‬‬
‫المستقبل‪(64.‬سواء نجحت العروبة‪،‬‬ ‫فأعتقد أننا ل يجب أن نخشى‬
‫أم لم تنجح فلن نكون قد خسرنا شيئًا") ‪.‬‬
‫فمارك سايكس ل يكترث‪ ..‬أن تحققت العروبة أم لم‬
‫تتحقق‪ ،‬المهم أول ً وأخيرا ً مصالح فرنسا وبريطانيا‪ .‬وجاءت‬
‫اتفاقيته مع المسيوبيكو الفرنسي لتقسيم المشرق العربي بين‬
‫‪.f.o. 882- 13- MES- 15-18- 22 November 1915‬‬ ‫)(‬ ‫‪64‬‬

‫‪-39 -‬‬
‫الدولتين ضاربة عرض الحائط كل العهود والمواثيق التي‬
‫أعطيت للعرب‪ ،‬والتي أشرنا إليها في الفصول السابقة‪ ،‬وفي‬
‫التفاقية كانت دير الزور أرضا ً غير متنازع عليها‪ ،‬سوى‬
‫البوكمال التي رأى فيها البريطانيون أنها تدخل ضمن نفوذهم‪،‬‬
‫إل أن عريضة دير الزور جاءت ذريعة لديهم فاستخدمت‬
‫استخداما ً جيدا ً لحتلل دير الزور‪.‬‬
‫احتلل دير الزور‬
‫وافقت الحكومة البريطانية على عريضة وجهاء دير الزور‪،‬‬
‫فطلبت من الحاكم السياسي لمنطقة الدليم الكولونيل ‪/‬ماجور‬
‫نلبلست‪ /‬إرسال قوة عسكرية إلى دير الزور مع حاكم‬
‫سياسي بريطاني‪ .‬فجهز ‪/‬نلبلست‪ /‬قوة تتألف من ‪ /8/‬سيارات‬
‫و‪ /4/‬مصفحات و‪ /60/‬دركيًا‪ .‬و‪ /20/‬متعامل ً في مدينة‬
‫الكابتن‬ ‫البوكمال‪ .‬ودع )نلبلست( القوة ووضع على رأسها‬
‫‪/‬كارفر‪ /‬ليكون حاكما ً سياسيا ً بريطانيا ً على مدينة دير الزور)‪.(65‬‬
‫وصلت القوات البريطانية إلى مدينة دير الزور في ‪11‬‬
‫كانون الثاني عام ‪ 1919‬واتجهت إلى دار المتصرف ‪/‬مرعي‬
‫الملح ‪ /‬الذي استغرب وجودها‪ ،‬وكانت دهشته أكثر حين طلب‬
‫منه الكابتن ‪/‬كارفر‪ /‬أن يسلمه المدينة‪ ،‬بعد أن أصبحت منطقة‬
‫دير الزور بكاملها تحت السيطرة البريطانية وتتبع القيادة في‬
‫بغداد‪ .‬رفض الملح في البداية هذا الطلب‪ ،‬وبعد حوار بين‬
‫الطرفين توصل إلى الحتكام لوالي حلب الذي تتبعه متصرفية‬
‫دير الزور‪ .‬واتفقا أن يذهبا سوّية إلى والي حلب شكري باشا‬
‫ب وجد َ الملح نفسه خاسرا ً حيث وافق وال ّ‬
‫ي‬ ‫اليوبي‪ ،‬وفي حل َ‬
‫حلب على تسليم دير الزور لبريطانيا‪ ،‬وزوّد َ الكابتن ‪/‬كارفر‪/‬‬
‫بكتاب خطي ُيقّر فيه تابعية دير الزور إلى بريطانيا وانسحاب‬
‫القوات الشريفية منها)‪ (66‬وبذلك انتهى الحكم الشريفي في دير‬
‫الزور‪ .‬وأصبحت تابعة للعراق وللحاكم السياسي البريطاني في‬
‫‪(67‬الحكومة العربية في دمشق على هذا‬ ‫اعتراض‬ ‫بغداد‪ .‬رغم‬
‫م بأيّ عمل لستعادة‬ ‫الجراء البريطاني ‪ ،‬إل أنها لم تق ْ‬
‫)‬
‫متصرفية دير الزور إليها‪ .‬ويظن أنها أرجأت العديد من قضايا‬
‫الحدود‪ .‬ومن بينها تابعية مدينة دير الزور إلى مؤتمر الصلح‪،‬‬
‫الذي سيعقد بعدئذ لحل مشاكل الحدود وقضايا النتداب‬
‫الجنبي‪.‬‬

‫‪‬‬

‫)( بببب بببب‪ -‬ببببب ببببببب بب بببببب ببببب ب – بب بب ب ببب‬ ‫‪65‬‬


‫ب ‪ +26‬بببب بببببب‪ -‬بببببب ببببب ببب ببببب – بب بب ب ببب ب‬
‫‪.97‬‬
‫)( بب ب بب بببب‪ -‬ببب بب ببببببب ب ب ب بببب ب ببب ببب ببب ببب‪-‬‬ ‫‪66‬‬
‫ببببب ‪ – 5‬بببب بببب ب ‪.131‬‬
‫)( بببب بببب ببب بببب‪ -‬بببببب بببببببب‪– ..‬بببب بببب ب ‪.178‬‬ ‫‪67‬‬

‫‪- 40 -‬‬
‫الفصل الثامن‬

‫عوامل ثورة دير الزور‬


‫وطأة الحتلل البريطاني‬
‫كان حلم وجهاء مدينة دير الزور الذين سطروا‬
‫طه"‪ ،‬ووقعوا عليها‪ ،‬أن ينتعش الوضع القتصادي في‬ ‫"المضب ّ‬
‫ل مشاكل الجوع والفقر والعوز كما أسلفنا‪،‬‬ ‫المنطقة‪ .‬وتح ّ‬
‫إضافة إلى ضبط المن الذي انفلت بين العشائر في المنطقة‬
‫بعد رحيل التراك‪ .‬وانتظر الوجهاء والهالي طويل ً وصول‬
‫المواد الغذائية والرزاق المجانية من بريطانيا إل أن ما وصل ل‬
‫ُيذكْر‪ .‬بل بدأ النكليز في فرض الضرائب والغرامات مضاعفة‬
‫عما كانت تفرضه حكومة الشريف عليهم‪ .‬وكانت حجة‬
‫البريطانيين أن الخزينة في دير الزور فارغة من الموال‪ ،‬فل بد‬
‫من فرض الغرامات على المخالفات ليتم بعد ذلك الصلح‪.‬‬
‫وقد كان البريطانيون بحاجة للمال من أجل فرض المن في‬
‫المنطقة‪ ،‬وخاصة للقوافل التجارية بتأمين الطرق لها‪ ،‬ومنع‬
‫نهبها أو سلبها من قبل القبائل المتواجدة على خطوط‬
‫المواصلت‪ .‬واستخدمت عددا ً من الهالي المحليين لحراسة‬
‫تلك القوافل على الطرق‪ .‬وفعل ً فرضت المن على الطرق‪،‬‬
‫واستنب الوضع المني‪ ،‬وهذا ما تطلب تكاليف مادية رأى‬
‫البريطانيون حّلها في زيادة الغرامات‪ ،‬وتحصيلها بالعنف‬
‫والقسوة من الهالي‪ .‬وهذا ما خلق تذمرا ً من أهالي المنطقة‬
‫لتلك الجراءات البريطانية العنيفة‪.‬‬
‫ومع تزايد الصعوبات بدأت تتنامى لدى الهالي والعشائر‬
‫روح الحقد والرفض للوجود البريطاني‪ ،‬الذي تزداد وطأته يوما ً‬
‫بعد يوم‪ .‬مع ظهور جيل وطني بدأ يتشكل في مدينة دير الزور‬
‫يرفض الوجود البريطاني‪ .‬كان تشكله بعيدا ً عن سيطرة‬
‫الوجهاء السابقين وزعماء العشائر النافذين في العهد التركي‪.‬‬
‫هذا الجيل بدأت كوكبته الطليعية تؤلف ما بينها شبه تنظيم‬
‫قومي عربي واع‪ ،‬يدعو إلى إزاحة الحتلل البريطاني عن دير‬
‫الزور‪ .‬رغم التباين في النتماء الطبقي والفكري بينهم‪ ،‬إل أنهم‬
‫جمع صغير من المتعلمين جمعتهم روح تحرير الوطن من‬
‫النكليز‪ ،‬والنضال لتحقيق أهداف الثورة العربية‪ ،‬بتحقيق‬
‫استقلل العرب ضمن دولة واحدة حرة مستقلة‪ .‬وجاء تعيين‬
‫رمضان باشا شلش أحد ضباط الثورة العربية‪ .‬ومن أبناء‬
‫منطقة دير الزور حاكما ً عسكريا ً على الرقة في ‪ 13‬صفر سنة‬
‫‪ 1338‬في أوائل تشرين الول ‪ 1919‬تعزيزا ً لتوجهات هذه‬
‫الطليعة‪ ،‬والتي لم تدع فرصتها الزمنية تمر فأرسلت عريضة‪..‬‬
‫"مضبطة"‪ ،‬تدعو رمضان شلش إلى التعاون معهم من أجل‬

‫‪-41 -‬‬
‫الخلص من الحكم البريطاني لبلدهم)‪ .(68‬وإلحاقها بالحكومة‬
‫العربية في دمشق‪ .‬ومن المصادر المتوفرة إن الذين وقعوا‬
‫محمد‬ ‫عليها‪ ..‬عياش الحاج ومحمد سيد العرفي‪ .‬والشاعر‬
‫الفراتي‪ .‬وتحسين الجوهري وثابت العزاوي وغيرهم)‪.(69‬‬
‫‪-‬فشـل الوسـائل السـلمية لتحقيــق مطـالب حـزب‬
‫العهد العراقي‪.‬‬
‫شعر ضباط حزب العهد العراقي أن الدعوات التي وجهها‬
‫الحزب وضباطه والمير فيصل وعدد من الضباط النكليز من‬
‫أعضاء المكتب البريطاني في القاهرة لم تجد لها آذانا ً صاغية‬
‫لدى أرنولد ولسن الحاكم السياسي البريطاني في بغداد‪ .‬في‬
‫تغيير سياسته المتشددة وسعيه لحكم بريطاني مباشر في‬
‫العراق‪ ،‬مع رفض شديد لقامة الحكومة العربية في بغداد أو‬
‫السماح بعودة الضباط العراقيين إلى بلدهم‪.‬‬
‫أمام هذا التعّنت ورفض النداءات من قبل ولسن‪ ،‬انقسم‬
‫ضباط العهد إلى ثلث أقسام في توجهاتهم وآرائهم لحل هذه‬
‫المشكلة‪ ،‬وكيفية إرغام ولسن لتغيير موقفه وسياساته في‬
‫العراق‪ .‬فكان هناك رأي ثوري يرى أن الحل السلمي ل يجدي‬
‫نفعا ً مع بريطانيا‪ ،‬وأن استخدام العنف والثورة ضدها سيرغمها‬
‫على القرار بمطالبهم ويتزعم التيار هذا‪ .‬الفريق ياسين‬
‫الهاشمي ومعه رمضان شلش‪ ،‬في حين كان تيار آخر لم‬
‫يقطع المل في أن تحقق بريطانيا وعودها التي طرحتها أثناء‬
‫الحرب‪ ،‬وإن ل خلص من الرتباط مع بريطانيا‪ .‬ويرفض رفضا ً‬
‫قاطعا ً العنف أو استخدام أية وسيلة عسكرية ضد بريطانيا‪،‬‬
‫ويتزعم هذا التيار كل من جعفر العسكري ونوري السعيد‪ .‬في‬
‫حين كان تيارا ً وسطا ً يضم الغالبية من الضباط العراقيين في‬
‫حيرة من أمرها‪ ،‬فهي ترى أن الوسائل السياسية لم تستنفذ‬
‫بعد‪ ،‬وأن الوسائل البديلة كالثورة والعنف له مخاطر كبيرة‪.‬‬
‫وإن ل قدرة لهم على مواجهة بريطانيا‪ ،‬ويضم الغالبية من‬
‫الضباط أمثال علي جودت وجميل المدفعي وتحسين علي‬
‫وغيرهم من الضباط‪.‬‬
‫‪-‬ياسين يوحي لرمضان بالثورة‬
‫كان رمضان شلش كمعلمه ياسين الهاشمي يكن كرها ً‬
‫شديدا ً للجانب والبريطانيين خاصة‪ ،‬فهو ل يثق بوعودهم‪.‬‬
‫ويشعر بأنهم خانوا الثورة العربية وقائدها الشريف حسين‪ .‬وقد‬
‫اصطدم مع زملئه في حزب العهد من الموالين لبريطانيا‬
‫وبالخص جعفر العسكري أثناء الحرب من أجل بريطانيا‪ ،‬مما‬
‫جعله يوضع في مواقع غير حساسة خلل العمليات الحربية‪.‬‬
‫كما أن حادثا ً يرويه رمضان شلش)‪ (70‬في مذكراته‪ ،‬سبب له‬
‫)( ببب بببببب‪ -‬ببببب بب ببببب بببببب بببببب‪ .‬بببب بببب ب ‪5‬‬ ‫‪68‬‬
‫ب ‪132‬‬
‫)( بببب بببببب‪ -‬ب بببب ببب بب ب ب بب بببب ببب بب بب ب بب ببب‪-‬‬ ‫‪69‬‬
‫بببب بببب ب ‪98‬‬
‫بببب بببب ببب بببب‪ -‬ببب ببب بببببب بب‪– ..‬بب بب ب ببب ب ‪-157‬‬
‫‪.158‬‬
‫)( ببب بب ب ببب‪ -1961 -1869 -‬بب ب ب ب ببب ب ببب ببببب بببببب ب‬ ‫‪70‬‬
‫ببببببب بب ب بب ببب – ب ب ببب بب بببب ب ببببب بببب‪ .‬ب ببب بب ب‬
‫بببب ببببب بببب ب ب بببب ب بببب ببب بببب بببب‪ .‬بب بب ب ب‬
‫ب ببب ب‬
‫بببببب ب بببببب ب ب ب بببب بببب ب بب ‪ 1869‬ببببب بب‬
‫ببببببببببببببب بب ببببب بب ب ببب بب بببب بببب ب ب بببب بب‬
‫ب ببب ب ب بب بب ببببب ببببب ب ب بببب ب‪ .‬ببب ب ب بببب بب بب بب ب‬
‫ب ببب ببببب ب بب بببب ب ب بببببب بب ب ب بببب ب ب ببببببب ب ب‬
‫ببببب بب بببب ب بب ببب ب ب ببب ببب ببب بببب ببب ببب‪ .‬ب ببب ب ب‬
‫بببب‪.‬‬
‫‪- 42 -‬‬
‫عدم المساهمة مع القوات العربية في دخول دمشق في الول‬
‫من تشرين الول ‪ .1918‬ويتلخص الحادث بأن القنصل‬
‫البريطاني في جدة ويدعى "الميجرباست" أثناء الثورة العربية‬
‫قد أمر عددا ً من المصريين بإنزال أسلحة من الباخرة ثم بدأ‬
‫يقسو عليهم بالكلم ووصفهم بالكلب‪ ،‬فأخذت رمضان شلش‬
‫مية‪ ،‬فضرب ‪/‬الميجر باست‪ /‬بعصا ً كانت بيده قائل ً له‪ :‬إنهم‬ ‫الح ّ‬
‫عرب‪ .‬وقد كادت هذه الحادثة أن تودي بحياته‪ ،‬لول تدخل‬
‫الشريف حسين والمير فيصل‪ .‬حيث جرت له محاكمة من قبل‬
‫لجنة مشكلة من الجنرال ولسن ونسيب البكري وأحد‬
‫ه إلى‬ ‫الشراف‪ ،‬وأثر فيصل على مجرى المحكمة‪ ،‬فقرروا نفي ُ‬
‫انتهاء الثورة بعام‪ ،‬وكان من الحرس‬ ‫مكة‪ ،‬حيث بقي حتى‬
‫الخاص للملك حسين)‪.(71‬‬
‫في الول من تشرين الول ‪ 1919‬عاد رمضان شلش إلى‬
‫دمشق‪ ،‬وكان المير زيد مكلفا ً من قبل أخيه المير فيصل في‬
‫إدارة شؤون البلد‪ ،‬ففيصل كان يقوم بزيارة لوربا لبحث‬
‫العربية‪(72،‬والتقى رمضان في دمشق بالفريق ياسين‬ ‫القضية‬
‫باشا الهاشمي) ‪ .‬الذي حثه لستعداد ثوري في منطقة‬
‫الفرات‪ ،‬وقرر كل من الهاشمي والمير زيد تعيينه حاكما ً‬
‫عسكريا ً للرقة والخابور والفرات‪ ،‬ويذكر المرحوم رمضان‬
‫شلش في مذكراته‪.." :‬وعند وصولي دمشق لم أجد فيصل ً‬
‫وقد كان في دمشق المرحوم الوطني الكبير الفريق ياسين‬
‫باشا الهاشمي رئيسا ً لمجلس الشورى‪ ،‬فطلبني لمقابلته‬
‫بصورة سرية‪ ،‬وقال لي‪ :‬بالحرف الواحد‪ ..‬يا رمضان عما‬
‫قريب‪ .‬سيأتي يوم نحارب فيه الفرنسيين‪ ،‬وربما يستنجدون‬
‫بحلفائهم النكليز‪ .‬فعليه عيناك حاكما ً عسكريا ً لمنطقة الرقة‬
‫والخابور‪ .‬ووادي الفرات‪ .‬وأنت بإمكانك أن تقوم بما يمليه‬
‫وعينت بالفعل لهذا المنصب عام‬ ‫عليك الواجب تجاه وطنك‪.‬‬
‫‪ 1919‬بشهر تشرين الول" )‪.(73‬‬
‫ويذكر علي الوردي أن المركز العام لحزب العهد العراقي‬
‫في دمشق قد قرر في صيف عام ‪" 1919‬استرجاع الدير من‬
‫قبضة النكليز لكي يتخذ منها منطلقا ً ليقاد الثورة في العراق‪،‬‬
‫ولهذا سعى المركز لدى حكومة دمشق لتعيين رمضان شلش‬
‫حاكما ً عسكريا ً في الرقة‪ ،‬وهي بلدة تقع على الفرات في‬
‫شمال الدير لكي يعمل من هناك على استرجاع الدير‪ .‬وفي‬
‫‪ 19‬أيلول غادر رمضان حلب متوجها ً إلى الرقة لتسلم منصبه‬
‫)‪.(74‬‬
‫وما إن وصل رمضان شلش إلى الرقة حتى أخذ يتجول بين‬
‫القبائل المتواجدة في منطقة الرقة‪ ،‬ويتصل سّرا ً بهم‪ ،‬وكسب‬
‫من خلل إتصالته عشائر الوّلده والعفادله والسبخة والبوسرايا‪،‬‬
‫)( بببببب بببب بببببب ببببب بببب‪ -‬بب بببب بببببب ب ب ببب ب‬ ‫‪71‬‬
‫ب ‪51‬‬
‫)( ببب بب ببب ب ببببب بب ) ‪ (1937 -1882‬بب ب ب ب بب ببب‪ .‬بببب ب‬ ‫‪72‬‬
‫بببببب بببببببب بب بببببببب بببببب‪ .‬بببب بب ببب ب ببب بب‬
‫ببب بب ب ب ب بب ‪ 1905‬ب ببب بب ببببب ب بب بببب ب بب ب ببب ب‬
‫بببب بب‪ .‬ببببب ب بب ب بببب ب بببببب ب بببب بب‪ .‬ب بب ب ببببب‬
‫ببببببببببب بب بببببب بب بببببب ببببببب بب ببببببب‪ .‬ببب‬
‫بببببببب ب بببببب بببب ب بببب ببب ب ب ببببببب ب بب بب ب بب‬
‫بببب بببببب بببب بب بب ببببب ب بب بببب بب ب بب ب بب ب ببب ب‬
‫بببببب بب ببب‪ .‬بببب بببب ببب بببب بببببب بب ببب بب بببب بب‬
‫ب ببببب ببب بببب ببب ب ببب بب ب بب‪ -‬ب ببب ب بب بببببب ب ب‬
‫ببب ببب‪ .‬ببب ب ببببببب بب بب بب ب ب ببب بب بب بببب ببب بب‬
‫ببببببب ببببببب‪ .‬بببب بب بببب ببب ‪.1937‬‬
‫)( بببببب بببب ببب ببب ببب بب ب ببب ببببب ب‪ -‬ب ب ببب ب‪ -‬بب بب‬ ‫‪73‬‬
‫بببب ب ‪55‬‬
‫)( ب‪ .‬ببب بببببب‪ -‬ببببب بب ببببب بببببب بببببب‪ -‬بب بب ب ببب‬ ‫‪74‬‬
‫ب ‪ -5‬ب ‪132‬‬
‫‪-43 -‬‬
‫المذكرات جيشا ً من العشائر المذكورة‬ ‫وشكل حسب قوله في‬
‫بما يقارب ثلثة آلف فارس)‪ ،(75‬وبدأت تلك التحركات تثمر‬
‫بموافقة زعماء العشائر على خوض المعركة مع النكليز لتحرير‬
‫دير الزور‪ ،‬وتفجير الثورة فيها‪ ،‬ولم يبق إل ّ انتظار إيعاز حزب‬
‫العهد بإطلق شرارتها‪.‬‬

‫بببببب ببببب بببب بببببب‪ -‬بببب بببب ب ‪56‬‬ ‫)(‬ ‫‪75‬‬

‫‪- 44 -‬‬
‫‪‬‬

‫الفصل التاسع‬

‫بريطانيا تعتقل ياسين الهاشمي‬


‫أثارت تحركات ياسين الهاشمي رئيس أركان الجيش‬
‫العربي بريطانيا‪ ،‬لتجهيزه الجيش وتحديثه‪ ،‬واستبداله بجيش‬
‫نظامي بدل الجيش العشائري القبلي‪ ،‬الذي دخل مع فيصل‬
‫الشام‪ ،‬ليكون القادر على مواجهة القوات الفرنسية إن‬
‫تحركت لحتلل سورية‪ .‬كما كان وراء قرار التجنيد الجباري‪،‬‬
‫وساعد الثورة في المنطقة الغربية ضد فرنسا‪ ،‬ويعمل لتفجير‬
‫ثورة ضد بريطانيا في العراق‪ .‬كما شكلت شعبيته داخل‬
‫الجيش والشعب مثار حقد وكراهية في صفوف القيادة‬
‫البريطانية‪ ،‬وبعض زملئه من حزب العهد وحتى‪ .‬من بعض‬
‫أعضاء السلطة‪ .‬فكان يحظى باحترام وتقدير الجميع لنزاهته‬
‫ووطنيته وقوميته الصادقة‪.‬‬
‫كانت تحركات ياسين ثم رمضان المكلف من قبله في‬
‫أوساط العشائر العربية‪ ،‬وخاصة بعد وصول رمضان شلش‬
‫إلى القبائل العربية القاطنة في الفرات والجزيرة‪ ،‬ترصد‬
‫إلى‬ ‫بعيون الجواسيس والستخبارات البريطانية‪ ،‬فقد وردت‬
‫القيادة البريطانية تقارير استخباراتية خلل شباط وتموز )‪ (76‬ثم‬
‫بعد ذلك في تشرين الول ‪ 1919‬تؤكد أن رمضان شلش‬
‫يحرض العشائر والقبائل في المنطقة ضد النكليز‪ ،‬وبدافع من‬
‫ياسين الهاشمي الذي يخطط مع رمضان من أجل تفجير‬
‫الثورة في منطقة الفرات‪ ،‬لتمتد إلى كافة أنحاء العراق)‪،(77‬‬
‫وأمام احتمالت الثورة في العراق التي يسعى إليها رمضان‬
‫شلش بتحريض من ياسين‪ ،‬رأت القيادة البريطانية أن بقاء‬
‫ياسين الهاشمي في منصبه كرئيس لركان الجيش أصبح‬
‫خطرا ً على مخططاتها وأهدافها فتذكر المس غيرترود بل في‬
‫تقرير لها في ‪ 15‬تشرين الثاني ‪ 1919‬بعد أن زارت سورية‬
‫قالت فيه‪ .." :‬إن ياسين هو الروح المحركة للعهد العراقي‬
‫الذي يوجد فيه حوالي ‪ 300‬من أعضائه في خدمة فيصل "ثم‬
‫قالت‪ .." :‬واثقون بدرجة مماثلة من أن ثمة استياء شديدا ً يعم‬
‫كل الطبقات في العراق"‪ .‬وبينت أن ياسين وجماعته يعملون‬
‫على تأسيس حكومة عربية في العراق خارج الحتلل‬
‫البريطاني‪ .‬فكان رد فعل أرنولد ولسن الحاكم البريطاني في‬
‫العراق‪ .." :‬إن تأسيس حكومة عربية وفق السس التي يدعو‬
‫إليها ياسين‪ ..‬وناجي "السويدي" أمر يتناقض مع أي نوع من‬
‫السيطرة الفعلية‪ .‬ولمدة من الزمن تستغرق بضع سنوات‪ .‬لن‬
‫بببب بببب ببب بببب – بببببب بببببببب‪ -‬بببب بببب ب ‪178‬‬ ‫)(‬ ‫‪76‬‬

‫ببب بببب – بببببب ببببب‪ -‬ببببب بببببب‪ -1967 -‬ب ‪94‬‬ ‫)(‬ ‫‪77‬‬

‫‪-45 -‬‬
‫استشارية إل إلى‬ ‫يؤدي تعيين موظفين عرب‪ .‬اللهم إل بصفة‬
‫انحلل سريع في السلطة والقانون والنظام")‪.(78‬‬
‫اعتقال ياسين الهاشمي‪.‬‬
‫يظهر أن السلطات البريطانية قد ضاقت ذرعا ً من تحركات‬
‫ياسين الهاشمي المعادية‪ ،‬وبموافقة الحكومة البريطانية قامت‬
‫القيادة البريطانية في ‪ 22‬تشرين الثاني ‪ 1919‬باعتقال‬
‫الفريق ياسين باشا الهاشمي رئيس أركان الجيش العربي‪.‬‬
‫حيث دعاه القائد البريطاني في دمشق لتناول الشاي في‬
‫معسكره‪ ،‬فاستجاب الهاشمي للدعوة‪ ،‬وما إن وصل إلى‬
‫المعسكر البريطاني‪ ،‬حتى تم اعتقاله من قبل القوات‬
‫البريطانية‪ ،‬وتم إرساله مخفورا ً إلى مدينة الرملة في فلسطين‬
‫للتحقيق معه‪ .‬ثم وضع في حيفا تحت القامة الجبرية حتى ‪14‬‬
‫أيار ‪ 1920‬فأطلق سراحه وعاد إلى دمشق‪.‬‬
‫أسباب العتقال‬
‫في تقرير رفعه الجنرال ‪/‬اللنبي‪ /‬لوزارة الحرب البريطانية‬
‫بّين فيه أسباب اعتقال ياسين الهاشمي‪ ،‬وهي‪" :‬رئاسته‬
‫للحزب الوطني المتطرف‪ ،‬ولنه تحدى سلطاته بشكل‬
‫مفضوح‪ ،‬واستمر في دعمه للقوات الشريفية في البقاع‪ ،‬مع‬
‫أنه منعه من ذلك‪ ،‬بالضافة إلى أن قبيلة الفضل هاجمت‬
‫مفرزة بريطانية بجوار القنيطرة‪ .‬وكانت قليلة العدد وأنها‬
‫اضطرت للنسحاب‪ .‬وأن هذا الموقف العربي المعادي‬
‫لبريطانيا في هذه الفترة كان مدعوما ً من قبل ياسين‬
‫أرسلها لدمشق‪/‬‬ ‫الهاشمي‪ .‬وباستمرار عصيانه لوامره التي‬
‫وبتحديه العلني لسلطة اللنبي‪ .‬فقرر توقيفه")‪ (79‬وأسباب أخرى‬
‫يسوقها الدكتور علي سلطان في كتابه تاريخ سورية )‪-1918‬‬
‫‪ ،(1920‬فيذكر منها تزعمه للحزب العراقي في سورية الذي‬
‫يطالب باستقلل العراق التام‪ ،‬مثله مثل سورية‪ ،‬وهذا تحد ّ‬
‫خطير ضد سلطة بريطانية في العراق‪ .‬وتبدأ قصة إبعاده عن‬
‫سورية منذ شهر تموز ‪ ،1919‬عندما شعرت القيادة البريطانية‬
‫بأنه أصبح خطرا ً على المخططات الستعمارية النكليزية‪.‬‬
‫فأرسلت للعراق تسأل المفوض السامي البريطاني إذا كان‬
‫يقبل بزيارة الهاشمي لبغداد لبعض الوقت‪ .‬فأجاب بالرفض‪.‬‬
‫لنه قد يسبب الضطراب فيه‪ .‬وقد وصفه الضابط السياسي‬
‫البريطاني في العراق بأنه "جندي" ممتاز وذكي وطموح‬
‫ومتعصب‪ ،‬ويطالب بالستقلل التام‪ ،‬وهو أيضا ً خطير‪ .‬وبأنه‬
‫رئيس الحزب العراقي الذي يطالب بالستقلل التام للعراق‪،‬‬
‫وبأنه يثير القبائل العربية في العراق والجزيرة العربية ضد‬
‫المفوض‪(80‬السامي البريطاني في‬ ‫البريطانيين"‪ .‬ولهذا يرفض‬
‫العراق دخوله العراق بشكل قاطع) ‪.‬‬
‫واتهم ياسين الهاشمي أيضا ً بأنه ُيجري اتصالت مع‬
‫التراك‪ ،‬للعمل على دعم استقلل سورية‪ .‬ويقوم بنشر دعاية‬
‫مضادة للتواجد الفرنسي‪ ،‬ويعمل على تشكيل جيش لمقاومة‬
‫شعبية مسلحة ضد الفرنسيين‪ ،‬ويقوم بتوزيع السلح والموال‬
‫على القبائل العربية‪ .‬وكان وراء مشروع التجنيد الجباري في‬
‫سورية لمقاومة المخططات الفرنسية الستعمارية‪ .‬وفي ‪10‬‬
‫كانون الول ‪ 1919‬بعث الجنرال كليتون رئيس المكتب‬
‫)( ‪.f.O . 882-24-sy 19-15 November 1919‬‬ ‫‪78‬‬

‫)( ب‪ .‬بب ب ب بببب‪ -‬بببب ب ب بببب ‪ 1920 -1918‬ببب ب‪ -‬ببب بببب‬ ‫‪79‬‬
‫‪1987‬ب ‪.232‬‬
‫)( بببببب بببببب ب ‪230 -229‬‬ ‫‪80‬‬

‫‪- 46 -‬‬
‫البريطاني في القاهرة رسالة إلى المير فيصل الذي كان في‬
‫باريس‪ ،‬تتضمن سبب اعتقال رئيس أركان جيشه‪ .‬هو قرار‬
‫الهاشمي بالتدخل عسكريا ً في لبنان ضد القوات الفرنسية ‪.‬‬
‫)‪(81‬‬
‫فقد كانت آنذاك ضعيفة والقوات العربية قادرة على هزيمتها‪.‬‬
‫ومن التقارير الفرنسية التي بينت أسباب اعتقال ياسين‬
‫الهاشمي تقرير ‪/‬لفوركارد‪ ،/‬الذي أرسله قبل العتقال في ‪26‬‬
‫أيلول ‪ 1919‬أشار فيه إلى خطورة الهاشمي كونه عضوا ً في‬
‫اللجنة الوطنية العليا في سورية‪ ،‬وأنه روحها‪ ،‬وعلى استعداد‬
‫ليس لمحاربة الوربيين فقط وإنما للنقلب على فيصل إذا‬
‫تعاون معهم‪.‬‬
‫وحصل ‪/‬بيكو‪ /‬من أحد العملء الجواسيس السوريين على‬
‫ده الفريق الهاشمي للقيادة تحت رقم ‪ /1331/‬بتاريخ‬ ‫تقرير أع ّ‬
‫‪ 2‬أيلول ‪ ،1919‬كان ينص على معلومات خطيرة حيث قال‬
‫فيه‪" :‬سوف نضطر لمحاربة دولة كبيرة‪ .‬ويجب أن نستخدم ما‬
‫يلي ‪ ..‬اللواء الول‪ .‬واللواء الثاني مع قوات البدو والدروز أمام‬
‫قوات بيروت الفرنسية‪ .‬واللواء الثالث أمام القوات الفرنسية‬
‫في السكندرون‪ .‬والكتيبة السادسة الموجودة في حماة‪.‬‬
‫وبطارية المدفعية في حمص‪ .‬وقوات البدو تحت قيادة ‪/‬رضا‬
‫بك العسكري‪ /‬أو ‪/‬جعفر‪ /‬أمام القوات الفرنسية في طرابلس‬
‫مع المجندين‪ .‬وسوف يسود المن في الداخل بواسطة الدرك‬
‫والشرطة‪ .‬وعلى كل قائد كتيبة أن يرسم خريطة للجبهة التي‬
‫تحافظ عليها كتيبته‪ .‬ويرسم الخرائط والمقاييس الضرورية‪.‬‬
‫ويرسل في الحال أي تطور عن كتيبته‪ .‬ومن حكمة الرأي‬
‫‪(82‬لقضايا أخرى‪ .‬وسوف أبلغ‬ ‫اتخذت هذا القرار وعددا ً آخر مثله‬
‫الدارة أن تحفظه بسّرية تامة‪ )".‬كانت خطة قتال ضد‬
‫فرنسا مما أرعب فرنسا وبريطانيا معا ً فهي تنسف مخططاتها‬
‫الستعمارية معًا‪ ،‬وكانت هذه الوامر برأي ‪/‬بيكو‪ /‬سببا ً لعتقاله‪.‬‬
‫‪-‬رد الفعل لعتقال الهاشمي‪.‬‬
‫سارت مظاهرات جماهيرية في سورية والعراق منددة‬
‫باعتقال ياسين الهاشمي‪ ،‬كما أغلقت دمشق أبوابها احتجاجًا‪،‬‬
‫وصدرت الصحف في دمشق وبعض الدول العربية بإطار أسود‪،‬‬
‫وتحمل تعليقاتها وأخبارها احتجاجات الجماهير العربية على‬
‫اعتقال الهاشمي‪ .‬كما طيرت الجماهير والمنظمات والحزاب‬
‫الوطنية والعربية برقيات إلى السلطات البريطانية‪ ،‬تطالبها‬
‫بإطلق الفريق ياسين الهاشمي‪ ،‬معتبرة ً اعتقاله إهانة للعرب‬
‫وللحكومة الشريفية ولجيشها‪ .‬وكانت حلقات من الجماهير‬
‫ُتعقد في الساحات ُتلقى فيها أشعار التمجيد للهاشمي‪ ،‬وتندد‬
‫بالجراء البريطاني التعسفي الحاقد‪ .‬وقد ألقى الشاعر‬
‫العراقي معروف الرصافي قصيدة وطنية بحق الهاشمي قال‬
‫فيها‪:‬‬
‫يي‬
‫يي يي‬
‫ييي يي‬
‫يي ي‬
‫يي يي‬
‫يي‬ ‫ي‬ ‫ي ي ي ي يي يي ييييي‬
‫يي‬‫يي‬
‫ي‬
‫ييييي‬ ‫ييييي يي‬
‫يييييي‬ ‫ييييي‬ ‫يييييي يييي‬
‫يييييييييي‬
‫يي‬
‫يييييي يييي يييي‬
‫ييييي‬ ‫يييييي يي‬
‫يييييي‬ ‫يي‬
‫ييييييي‬
‫يييي‬ ‫ييييييي‬
‫يييي‬ ‫ييييي‬ ‫يييييييي ييييي يي‬
‫ييييي يي‬
‫بببببب بببببب ب ‪232‬‬ ‫)(‬ ‫‪81‬‬

‫بببببب بببببب ب ‪233‬‬ ‫)(‬ ‫‪82‬‬

‫‪-47 -‬‬
‫أما المير فيصل الذي بلغه أمر اعتقال الهاشمي وهو في‬
‫باريس يعالج المشكلة السورية والعربية معًا‪ .‬فقد تقدم‬
‫باحتجاج شديد للسلطات البريطانية لعتقال رئيس أركان‬
‫جيشه‪ ،‬وأوضح للقيادة البريطانية بأنه صاحب الصلحية في‬
‫أمره‪ ،‬وأن كانت هناك تهما ً بحقه‪ ،‬ول يحق للسلطات‬
‫البريطانية أن تحاسبه‪ .‬إل إن الحكومة البريطانية لم تستجب‬
‫لطلبات فيصل المتكررة بتسليم ياسين له‪ ،‬على أن يقوم هو‬
‫بمحاكمته أن كانت هناك تهم قد ارتكبها حقًا‪.‬‬
‫وعاد فيصل إلى دمشق دون أن يستطيع أن يطلق سراح‬
‫ياسين الهاشمي‪ .‬فاستقبلته الجماهير ببرود لهذا السبب‪.‬‬
‫‪(83‬ضد‬‫وّرفعت لفتات في شوارع دمشق تحمل عبارات تهكم‬
‫فيصل حيث كتبت عليها‪" :‬أين قائد جيشك يا أمير؟" ) وألح‬
‫فيصل على الجنرال ‪/‬اللنبي‪ ،/‬ولطلق سراح الهاشمي حاول‬
‫‪/‬اللنبي‪ /‬الستجابة لنداءات فيصل‪ ،‬إل أن التنسيق الذي كان‬
‫يجري بين فرنسا وبريطانيا للهيمنة على سورية والعراق منعه‬
‫من الستجابة‪ ،‬فقد رفض الجنرال ‪/‬غورو‪ /‬الذي كان في بيروت‬
‫إطلق سراح الهاشمي‪ ،‬حين استشاره ‪/‬اللنبي‪ /‬في موضوع‬
‫إطلق سراحه)‪ (84‬وبعدها لم يستجب ‪/‬اللنبي‪ /‬لفيصل‪ ،‬فاقترح‬
‫فيصل تشكيل لجنة من ثلثة مندوبين عسكريين من جنسيات‬
‫ثلث لتقرير مصيره‪ ،‬وقال‪" ..‬إن اللنبي ليس له أي سلطة‬
‫قانونية لعتقال ياسين الهاشمي"‪ ،‬إل أن نداءات وطلبات‬
‫فيصل ذهبت أدراج الرياح لن فرنسا وبريطانيا تشعران‬
‫بخطورة ما أقدم عليه الهاشمي حين كان رئيسا ً لركان‬
‫الجيش‪ .‬فحسب تقرير إستخباراتي فرنسي ذكر أن ياسين‬
‫أصدر أوامره بفرض التجنيد الجباري في الجيش العربي لـ ‪/‬‬
‫‪ /12‬ألف رجل‪ .‬وأن السلطات البريطانية‪ ،‬ألقت عليه القبض‬
‫لشعار آخر‪ ..‬وأن المعونة البريطانية ستوقف عن سورية‪ .‬وقد‬
‫ُأعتقل الهاشمي لستجوابه‪ ،‬وأن وزارة الحرب البريطانية تفكر‬
‫بنقلة إلى لندن كي يحاسبه فيصل‪ .‬وفي الحقيقة هذا يعني‬
‫اعتبار أعمال ياسين من وحي فيصل‬ ‫عودته إلى سورية ويمكن‬
‫لمقاومة الحتلل الفرنسي)‪.(85‬‬
‫شكل ياسين الهاشمي خطرا ً حقيقيا ً على مخططات‬
‫فرنسا وبريطانيا من خلل موقعه كرئيس لركان الجيش‬
‫العربي‪ ،‬وبأفكاره المضادة لهذه المخططات‪ .‬بل بالعمل على‬
‫إفشالها‪ ،‬وتحقيق استقلل سورية والعراق معًا‪ .‬لهذا لم‬
‫تستجب بريطانيا لفيصل ول لرأي العام العربي‪ .‬وبقي ياسين‬
‫رهن العتقال حتى ‪ 14‬أيار ‪ .1920‬وعاد إلى دمشق بعد أن‬
‫استكملت فرنسا استعداداتها العسكرية لحتلل سورية‪ .‬ولكن‬
‫في العراق كان المر مختلفا ً فقد كانت ثورة دير الزور بدأت‬
‫تحقق أهدافها‪ ،‬والتي كانت بوحي من ياسين وتخطيطه‪ ،‬نفذها‬
‫رمضان شلش‪ ،‬ثم تابعتها جمعية العهد‪ .‬كما سنرى في‬
‫الفصول القادمة‪.‬‬

‫‪‬‬

‫بببببب بببببب ب ‪234‬‬ ‫)(‬ ‫‪83‬‬

‫بببببب بببببب ب ‪233‬‬ ‫)(‬ ‫‪84‬‬

‫بببببب بببببب ب ‪235 -234‬‬ ‫)(‬ ‫‪85‬‬

‫‪- 48 -‬‬
‫الفصل العاشر‬

‫انفجار الثورة‬
‫تحرير دير الزور‬
‫أدت مجموعة من الحداث لنفجار الثورة في دير الزور‪،‬‬
‫وأهمها اعتقال الفريق ياسين الهاشمي الب الروحي لحزب‬
‫العهد العراقي وضباطه‪ .‬وكانت لطمة عنيفة من قبل النكليز‬
‫لحزب العهد وللضباط العرب جميعًا‪ .‬وإهانة واضحة لحكومة‬
‫فيصل وللقوميين العرب‪ .‬فكان ل بد من رد سريع لهذا‬
‫العتقال بتنفيذ الخطة التي رسمها لتحرير دير الزور من‬
‫النكليز واتخاذها قاعدة لتحرير العراق وكانت الفرصة مؤاتية‬
‫بعد أن تقدم الوطنيون القوميون بالعريضة التي أرسلوها إلى‬
‫رمضان شلش يستعجلونه بالقدوم إلى دير الزور‪ .‬بعد أن تمت‬
‫التهيئة الكاملة لنجاح العمل‪ ،‬فالوجهاء والزعماء في مدينة دير‬
‫الزور الذين أرسلوا المضبطة السابقة للنكليز تراجعوا وندموا‪،‬‬
‫وأعلنوا لرمضان بعد اتصالهم به أنهم سيساندوه في حال‬
‫تفجير الثورة في دير الزور)‪ ،(86‬كما أن المجاهد العلمة محمد‬
‫سعيد العرفي عمل على تهيئة النجاح للثورة بعد أن استمال‬
‫لصفوف الثورة‪ ،‬وقام‬ ‫زعماء العشائر في متصرفية دير الزور‬
‫بتوزيع ما يقارب الثمانية آلف ليرة ذهبية ُأرسلت من قبل‬
‫الشريف حسين والد المير فيصل إلى المجاهد العرفي‬
‫لتوزيعها على الهالي)‪ (87‬ولمساعدة الثوار ضد النكليز الذين‬
‫خانوا عهدا ً كانوا قطعوه بإقامة مملكة عربية مستقلة‪ .‬التي‬
‫تضمنتها رسائل المعتمد النكليزي أثناء الثورة السير مكماهون‬
‫في القاهرة‪.‬‬
‫‪-‬أحداث الثورة في روايات مختلفة‪.‬‬
‫يقول رمضان شلش في مذكراته الخطية "اتصلت‬
‫وبصورة سرية برؤساء القبائل القاطنين بوادي الفرات من‬
‫ولده‪ .‬والعفادلة والسبخة والبوسراية‪ ،‬وشكلت منهم‬ ‫عشائر ال ّ‬
‫قوة فرسان ما يقارب ثلثة آلف فارس‪ ،‬وعبرت الفرات إلى‬
‫الضفة القبلية‪ ،‬وعند المساء زحفت بهم متوجها ً إلى دير الزور‬
‫لمهاجمة القوة النكليزية المحتلة‪ .‬وكانت حركتي سّرية‬
‫وسريعة لم تدع مجال ً للعدو لخذ الحتياطات اللزمة‪ ،‬وعند‬
‫وصولي إلى جبل البشري الكائن غربي دير الزور على مسافة‬
‫)( ب‪ .‬ببب بببببب‪ -‬ببببب بب ببببب بببببب بببببب‪ -‬بب بب ب ببب‬ ‫‪86‬‬
‫ب ‪ -5‬ب ‪132‬‬
‫)( ببببب ببببب بب ببب ببببببب ببب ب ب ببب ببببب ب‪ .‬بببب ببب‬ ‫‪87‬‬
‫بببب‪.‬‬
‫‪-49 -‬‬
‫خمسة وسبعين كيلو مترًا‪ ،‬استرحت مع الجيش عند عشائري‬
‫عشائر البوسراية مدة أربع ساعات‪ ،‬ثم واصلت الزحف إلى‬
‫وادي الرخام على بعد‬ ‫دير الزور طوال الليل‪ ،‬حتى وصلنا إلى‬
‫خمس كيلو مترات عن دير الزور‪ .‬حيث ُأعطيت استراحة‬
‫للمجاهدين‪ ،‬وانتظرت حتى بزوغ الفجر‪ .‬وخوفا ً من حصول‬
‫الكسل للمجاهدين وضعف معنوياتهم خطبت فيهم‪ ،‬وأيقظت‬
‫ضمائرهم‪ ،‬وأثرت حماسهم‪ ،‬ثم قسمت الجيش إلى فرق‬
‫وأوعزت لكل فرقة أن تهاجم موقعا ً عسكريا ً في دير الزور ثم‬
‫صحت‪ ..‬الله أكبر‪ ..‬وبدأ الهجوم بشدة وحماس‪ ،‬وبقيت‬ ‫ُ‬
‫المصادمة مدة ثماني ساعات‪ .‬كانت خللها المدافع‬
‫والمصفحات والطائرات النكليزية تضرب المجاهدين‪ ،‬وكان‬
‫الصبر واليمان يعمر قلوبنا‪ ،‬وأيقنا أننا ل شك منتصرون بعون‬
‫على الموت انكبابًا‪،‬‬ ‫الله‪ ،‬فازداد المجاهدون حماسًا‪ ،‬وانكبوا‬
‫وأنا اتنقل فيما بينهم من فرقة إلى فرقة ُأذكي فيهم روح‬
‫الحماس‪ .‬وأخيرا ً خذل الله النكليز فاستسلمت الحامية‬
‫النكليزية‪ ،‬ووقعوا أسرى في أيدينا‪ .‬وواصلنا الزحف إلى‬
‫منطقة الميادين‪ ،‬بعد أن عينت حاج فاضل العبود محافظا ً لدير‬
‫الزور بصورة مؤقتة‪ ،‬ثم واصلت زحفي إلى أبي كمال‪ .‬وهناك‬
‫اصطدمت في حرب مع النكليز استشهد بها رئيس عشائر‬
‫البوكمال الشيخ عبد الدندل‪ .‬وفّر النكليز هاربين إلى عانة‬
‫القضاء الول من العراق‪ .‬وبعد يومين عادوا مع قوة كبيرة‬
‫مجهزة بمدرعات وطائرات ومدافع ثقيلة‪ .‬وكنت قد أعددت‬
‫دة لهذا العمل‪ ،‬ودامت الحرب فيما بيننا على الحدود‬ ‫الع ّ‬
‫العراقية السورية مدة أربعة أشهر‪ ،‬وبأثناء ذلك استحصل‬
‫النكليز على كتاب من المير فيصل الذي كان حينذاك في‬
‫فرنسا يأمرني فيه بالنسحاب‪ ،‬وأن أكف عن حرب النكليز‪،‬‬
‫ي الطائرات المر المذكور‪ .‬وكنت آنذاك في‬ ‫وقد ألقت عل ّ‬
‫الميادين يقول فيه‪ .‬يا رمضان إن النكليز حلفاؤنا‪ .‬وأصدقاؤنا‬
‫يجب أن نكف عن حربهم… "وكان جوابي عليه" إن هذه البلد‬
‫بلدنا‪ ،‬ولم تكن بلد فيصل وأبو فيصل"‪ .‬وأرسلت الجواب مع‬
‫جندي النكليز‪ .‬وقد أنذرتهم فيه‪ ،‬إما النسحاب عن بلدنا أو‬
‫معداتهم ‪ .‬وبالفعل‬ ‫الحرب‪ .‬وبعد أن دحرنا النكليز مع جميع‬
‫تركناهم‪ .‬وذهبوا إلى العراق‪ .‬بل رجعة" )‪ (88‬القارئ الباحث‬
‫لكتاب الذكريات لرمضان يرى اضطرابا ً في تسلل الحداث‪،‬‬
‫ومبالغات ونسيان الحداث‪ .‬ويظهر أن الذكريات كما هو مدون‪،‬‬
‫كتبت بعد الحداث بعشرات السنين في نهايات الخمسينيات‬
‫أي في عهد الوحدة‪ .‬لذلك كتبت من الذاكرة لهذا لم تكتب‬
‫بالموضوعية التاريخية‪.‬‬
‫قصة الثورة في مصادر أخرى‬
‫تشير المصادر أن رمضان شلش عمل على تحريض‬
‫وإثارة القبائل‪ ،‬وفق توجهات ياسين الهاشمي‪ ،‬وقد كشفت‬
‫الستخبارات البريطانية تلك التحركات‪ .‬وأعلمت القيادة‬
‫البريطانية في بغداد عنها‪ .‬كما أن مكتب القاهرة البريطانية قد‬
‫علم بهذه التحركات‪ ،‬فأعلم في ‪ 19‬تشرين الثاني ‪1919‬‬
‫السير ارنولد ولسن الحاكم العام البريطاني في بغداد بها)‪.(89‬‬
‫وبذلك تجمعت لدى ولسن الخبار المؤكدة لحركة رمضان‬
‫شلش‪ ،‬فتم تحذير الكابتن "جاميير" الحاكم السياسي‬
‫البريطاني في دير الزور‪ ،‬الذي حل محل الكابتن "كارفر" بهذه‬
‫الحركات‪ .‬وتتابعت النباء على الحاكم السياسي البريطاني في‬
‫دير الزور‪ ،‬حتى ُأبلغ بزحف رمضان شلش وقوات من العشائر‬
‫)( بببببب بببب بببببب ببببب بببب ببببب ب –بب بب ب ببب ب ‪-56‬‬ ‫‪88‬‬
‫‪59‬‬
‫)( بببب بببببب‪ -‬ببببب ببببب‪ -‬بببب بببب ب ‪18‬‬ ‫‪89‬‬

‫‪- 50 -‬‬
‫نحو دير الزور‪ ،‬فخرج في يوم ‪ 10‬كانون الول ‪ 1919‬بسيارته‬
‫المصفحة مع أحد ضباطه مستطلعا ً على طريق دير الزور‪-‬‬
‫الرقة‪ -‬وبعد أن قطع شوطا ً بعيدا ً لم ير أي قوات زاحفة‪ ،‬فقفل‬
‫راجعًا‪ .‬إل أنه تعرض في طريق العودة لرشقات من الرصاص‪،‬‬
‫فأسرع بالعودة إلى دير الزور‪ ،‬ولم يصب ول مرافقه بأية‬
‫إصابات‪ .‬فأدرك خطورة المور المقبلة فأراد استباقها‪ ،‬فدعا‬
‫رئيس البلدية الحاج فاضل العبود إليه‪ .‬وحين لم يحصل منه‬
‫شيء أمر بتوقيفه‪ .‬واتخذت قواته الجراءات الدفاعية عن‬ ‫على‬
‫المدينة)‪ .(90‬ومنذ ظهور ضوء فجر يوم ‪ 11‬كانون الول ‪1919‬‬
‫هوجمت مدينة دير الزور من قبل القوات العشائرية من‬
‫الناحية الجنوبية‪ .‬ويقدر السيد محمد طاهر العمري في كتابه ‪..‬‬
‫"مقدرات العراق السياسية"‪ ،‬أعداد القوات المهاجمة بـ ‪/500/‬‬
‫مقاتل من العشائر‪ .‬كان بعضهم على ظهور الخيل والبعض‬
‫الخر على ظهور البل)‪ .(91‬وليس كما ورد في مذكرات شلش‬
‫بثلثة آلف فارس‪ .‬وهذا أقرب إلى الحقيقة من حيث أعداد‬
‫السكان في تلك الفترة‪ ،‬ففي الرقة عام ‪ 1919‬لم يكن عدد‬
‫سكانها يتجاوزون عدد فرسان شلش مع عشائرهم‪ ،‬كما أن‬
‫القوات النكليزية ل تصل إلى مئة بما فيها المتعاملون معهم‪.‬‬
‫هاجمت القوات العشائرية المدينة من ناحية الجنوب‪،‬‬
‫وليس من الشمال كان يتوقع الكابتن البريطاني ـ كارفر‬
‫ل‪ .‬واندفعت القوات العشائرية نحو‬‫فالرقة تقع شما ً‬
‫ي‬
‫المؤسسات الحكومية بشكل أهوج "فنهبوا السرا ّ‬
‫والمستشفى وكنيسة الرمن‪ ،‬وكسروا الخزانة الحديدية في‬
‫دار الحكومة‪ ،‬واستولوا على ما فيها من نقود‪ ،‬ثم أضرموا النار‬
‫في مستودع البنزين‪ ،‬فانطلق اللهيب منه بشكل هائل أدى إلى‬
‫وقوع نحو تسعين إصابة‪ ،‬وقد حاول بعض أفراد العشائر نهب‬
‫بيوت البلدة‪ ،‬وأسواقها‪ ،‬ولكن الرؤساء منعوهم عن ذلك" )‪.(92‬‬
‫وكان لسلبيات الهجوم التي قامت تلك القوات بها التي رأت‬
‫المدينة فيها غزوا ً عشائريًا‪ .‬كما كان عليه حال القبائل والبلد‬
‫آنذاك‪ .‬فالغزو والسلب والنهب لم يكن في عرف القبائل عمل ً‬
‫شائنًا‪ .‬بل بطولة وشجاعة‪ ،‬إل أن حزب العهد في ذلك الوقت‬
‫كان يرفض هذه الممارسات‪ .‬والتي أّثرت سلبيا ً على أهالي‬
‫المدينة‪ ،‬والتي يحتفظ البعض منهم بصورتها القاتمة حتى الن‪.‬‬
‫وأحيانا ً الكرة لرمضان شلش‪ .‬رغم هذا العمل البطولي‬
‫العظيم‪ .‬فالصورة بقيت سوداء له في المدينة لسنوات طويلة‪.‬‬
‫وإن كنا نظن فعل ً أن رمضان بريء من هذه التصرفات ول‬
‫يرضى بها‪.‬‬
‫أما القوات البريطانية التي انسحبت من شوارع المدينة‪،‬‬
‫وتحصنت في الثكنة العسكرية في شمال المدينة‪ ،‬بدأت تطلق‬
‫نيران رشاشاتها من سطح الثكنة على القوات الزاحفة‪ .‬إل أن‬
‫القوات الثائرة استطاعت أن تفرض عليها حصارا ً شديدًا‪،‬‬
‫وُتسكت رشاشاتها بعد أن تم تدميرها‪ ،‬ولكنهم لم يستطيعوا أن‬
‫يقتحموها‪ .‬فبقي الكابتن "جاميير‪ ..‬وقواته محاصرين في‬
‫داخلها‪.(93).‬‬
‫وفي اليوم الثاني للثورة اجتمع رؤوساء المدينة في دار‬
‫الحاج فاضل العبود الذي )أطلق سراحه( مع عدد من زعماء‬
‫العشائر الثائرة وقادتهم‪ ،‬ولم يكن رمضان شلش قد وصل بعد‬
‫إلى المدينة‪ .‬وتداولوا أمر القوات البريطانية في الثكنة‬
‫)( بببببب بببببب ب ‪.18‬‬ ‫‪90‬‬

‫)( ببب ب ب ببب بببب بب‪ -‬بب بببب ببب ببب بببببب بب‪ -‬بب ببب‪-‬‬ ‫‪91‬‬
‫‪ -1925‬ب ‪ -30‬ب ‪241‬‬
‫)( بببببب بببببب ب ‪241‬‬ ‫‪92‬‬

‫)( بببببب بببببب ب ‪241‬‬ ‫‪93‬‬

‫‪-51 -‬‬
‫المحاصرة‪ .‬وتم التفاق على استدعاء الكابتن جاميير وتهديده‪،‬‬
‫ليخرج منها وقواته بسلم‪ .‬وينتهي احتلل بريطانيا لدير الزور‪.‬‬
‫م استدعاء الكابتن ‪/‬جاميير‪ /‬الذي لبى الدعوة‪ ،‬ولم يكن‬ ‫وفعل ً ت ّ‬
‫لديه خيار بسبب قلة المواد الغذائية والماء لديه‪.‬‬
‫كان الجتماع صاخبا ً وعنيفًا‪ ،‬مارس فيه الثائرون ووجهاء‬
‫المدينة الضغط على الكابتن ‪/‬جاميير‪ /‬وتهديده وتذكر المس‬
‫غيرترود بل عن هذا الجتماع فتقول‪" :‬إن الرؤساء كانوا في‬
‫حالة هياج شديد‪ :‬وأظهروا له عداًء مفعما ً بالتعصب‪ .‬وأخذوا‬
‫يهددونه بالقتل هو وأصحابه‪ ،‬وربما كانوا على وشك قتله مع‬
‫أصحابه‪ .‬ولكن الذي منعهم من ذلك ظهور طائرتين في الجو‪،‬‬
‫وأخذت الطائرتان تطلقان نيران رشاشاتهما على البلدة‪ ،‬فغير‬
‫ل‪ ،‬ورجوا من جاميير أن يعمل على إيقاف‬ ‫الرؤساء لهجتهم حا ً‬
‫القصف)‪ "(94‬ولم يصل المجتمعون إلى حل مع الكابتن جاميير‬
‫الذي عاد إلى الثكنة مع عساكره‪.‬‬
‫في اليوم الثالث للثورة وصل رمضان شلش إلى مدينة‬
‫دير الزور‪ ،‬واجتمع مع وجهاء المدينة وزعماء القبائل الموالية‬
‫له‪ ،‬الذين أخبروه باجتماعهم مع الكابتن جاميير‪ .‬فطلب فورا ً‬
‫استدعاء الكابتن‪" ..‬جاميير"‪ ..‬وبعد نقاش طويل‪ ،‬وافق‬
‫‪/‬جاميير‪ /‬على إخراج قواته واستسلمه لرمضان شلش‪ .‬الذي‬
‫أمر بإبقاء ‪/‬جاميير‪ /‬رهن العتقال المنزلي‪ ،‬وأسّر الجنود في‬
‫الثكنة‪.‬‬
‫رواية تقول‪ .." :‬إن رمضان حين اجتمع مع الكابتن جاميير‬
‫قال له الخير إنهم ليسوا من العداء وإنهم حلفاء الشريف‬
‫حسين وابنه فيصل‪ ،‬وإن هذا التصرف يغضب فيصل‪ .‬فرد عليه‬
‫شلش إن هذا التحرك ضدهم بأمر من المير فيصل‪ .‬مما أثار‬
‫دهشة الكابتن‪ ..‬جامير" فوافق على الستسلم‪ ،‬وهذا ما أثار‬
‫القوى الوطنية في المدينة‪ ،‬وعلى رأسها الشيخ محمد سعيد‬
‫العرفي‪ ،‬الذي قال "انتهى الن حكم الشريف"‪ .‬فقد كشف‬
‫رمضان سر علقة حركته بالشراف‪ ،‬وأن المير فيصل وأخيه‬
‫وقد أدى هذا المر إلى خلق أول نزاع بين‬ ‫زيد لهما علقة بها‪.‬‬
‫رمضان والعرفي")‪.(95‬‬
‫الجلء النكليزي المؤقت عن البوكمال‪.‬‬
‫بعد استتباب الوضاع في دير الزور لصالح القوات‬
‫العشائرية الثائرة‪ ،‬والنجاح السريع الذي تحقق بهزيمة القوات‬
‫النكليزية واستسلمها‪ ،‬أعطت لرمضان وقواته قوة معنوية‬
‫عالية جعلته يفكر في تحرير بقية المناطق من قوات الحتلل‬
‫النكليزي‪ .‬وخاصة بعد أن حصل على تأييد ومشاركة زعماء‬
‫العشائر في المنطقة‪ ،‬والذين قدموا إلى دير الزور مؤيدين‬
‫كبيرة بقيادة أخيه‬ ‫للثورة‪ .‬فأرسل رمضان شلش قوة عشائرية‬
‫إلى البوكمال لتحريرها من القوات النكليزية)‪ ،(96‬ووصلت‬
‫النباء إلى الحاكم‪ ،‬السياسي البريطاني لمنطقة الدليم‬
‫الكولونيل "‪ ..‬ماجور نلبلست"‪ ،.‬فخشي على قواته من حصار‬
‫القوات العشائرية‪ ،‬وإبادتها‪ ،‬كونها قوات قليلة وغير قادرة على‬
‫القوات النكليزية بالنسحاب منها في ‪ 19‬كانون‬ ‫التصدي‪ .‬فأمر‬
‫الول ‪ 1919‬مؤقتا ً)‪ ،(97‬فدخلتها قوات رمضان شلش‪ ،‬فلم تجد‬
‫فيها أية قوة عسكرية بريطانية‪ .‬ووقعت في نفس الخطيئة‬
‫)( بببب ببببببببب – بب بب ب ب بببب ب ببب ببب ببببب ب‪ -‬بببب ب‬ ‫‪94‬‬
‫بببب بببببب‪ -‬ببببب ‪ 1971‬ب ‪.408 -407‬‬
‫)( بببب ب بب بب بب ب بببب ببب بب بب ببببب ب )بب ب ببب بب ببب ب‬ ‫‪95‬‬
‫بببب بببببب( ببببببب بببب – بب بببببب بب ‪7/10/1999‬‬
‫)( ب‪ .‬ببب بببببب‪ .‬ببببب بب ببببب بببببب بببببب‪ .‬بب بب ب ببب‬ ‫‪96‬‬
‫ب ‪ -5‬ب ‪133‬‬
‫‪- 52 -‬‬
‫السابقة حين دخلت دير الزور‪ .‬فما إن دخلت القوات‬
‫العشائرية إلى المدينة حتى قامت بنهب سرايا الحكومة‬
‫والموال التي توجد في خزانتها‪ .‬فحدث نزاع بين زعماء‬
‫العشائر حول تلك الموال المنهوبة)‪ (98‬إل أن المر لم يدم‬
‫طويل ً في مدينة البوكمال ففي ‪ 21‬كانون الول ‪1919‬‬
‫استعادت القوات النكليزية بعد أن دعمت نفسها بالعتاد‬
‫والرجال والسلح البوكمال‪ ،‬وكانت معركة حامية جرت في‬
‫من الشهيد الشيخ عبد‬ ‫منطقة "الضبّيعه" على الطريق‪ .‬حيث ك ّ‬
‫الدندل شيخ العكيدات في منطقة البوكمال مع قوات له على‬
‫طريق القوات النكليزية‪ ،‬وبعد قتال شرس استطاعت القوات‬
‫دة‪ .‬أن‬ ‫النكليزية التي تفوق قوات الشيخ عبد الدندل عددا ً وع ّ‬
‫تفك الكمين‪ ،‬وتصيب أعدادا ً من قوات الشيخ عبد الدندل‪ ،‬بما‬
‫فيهم الشيخ نفسه الذي أصيب إصابات بالغة أدت إلى وفاته‪.‬‬
‫فكان أول شهيد في منطقة البوكمال ومن زعماء عشائرها)‪.(99‬‬
‫وفي رواية يذكرها الدكتور علي الوردي أن رمضان شلش بعد‬
‫أن حقق انتصاره في دير الزور‪ ،‬واعترفت له الحكومة‬
‫البريطانية بالحدود الجديدة‪ ،‬ظل رمضان شلش دائبا ً على‬
‫التحرش بالنكليز ومهاجمتهم بكل وسيلة ممكنة‪ ،‬فصار يحرض‬
‫العشائر على قطع الطرق‪ ،‬ونشر الفوضى في منطقة النفوذ‬
‫البريطاني حول عانه والبوكمال‪ .‬وفي "كانون الثاني عام‬
‫‪ 1920‬هاجمت جماعة من عشيرة العكيدات بلدة البوكمال‪.‬‬
‫ونهبوا بيوت الشخاص المعروفين بولئهم للنكليز‪ ،‬ثم انسحبوا‬
‫منها بعد أن قتل أحد رؤسائهم محمد الدندل‪ .‬ويزعم النكليز‬
‫أن المهاجمين تحرشوا بالنساء‪ ،‬وانتهكوا حرمات بعضهن‪ .‬وهذا‬
‫عرف عن العشائر العربية من صيانة‬ ‫زعم يصعب تصديقه لما ُ‬
‫لحرمة المرأة فاضطرت حكومة دمشق إلى عزل رمضان‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(100‬‬
‫شلش على إثر هذه الواقعة‪ ،‬وعينت مولود مخلص مكانه‬
‫كان لستشهاد الشيخ عبد الدندل أثره البالغ على مجرى‬
‫الحداث السياسية والعسكرية في منطقة دير الزور‪ ،‬والعراق‪،‬‬
‫والثورة بشكلها الشمولي‪ ،‬حين تحولت عشائر العكيدات‬
‫وحلفائهم‪ .‬وخاصة قبيلة الحسون بزعامة الشيخ المجاهد‬
‫مشرف الدندل إلى أهم ركن عسكري ومادي للثورة بعد ذلك‪.‬‬
‫وشكلت قيادة مشرف الدندل الثورية قوة خطر شديد على‬
‫الحتلل البريطاني ثم الفرنسي من بعده في منطقة دير الزور‬
‫وما حولها‪.‬‬
‫لم يدرك البريطانيون الخطأ الجسيم الذي ارتكبوه بقتلهم‬
‫للشيخ عبد الدندل‪ ،‬وما أفرزته من نتائج عكسية عليهم‪ .‬بسبب‬
‫اجتماع عشائر العكيدات على مقاتلتهم‪ ،‬كما جعلت من الثائر‬
‫الشيخ مشرف الدندل ألد خصوم بريطانيا‪ ،‬فهو من جهة يسعى‬
‫لخذ ثأر أخيه منهم‪ ،‬ومن جهة أخرى يناضل لتحرير بلده‪.‬‬
‫‪ () 97‬بببب بببب – ببببب ببببببب بب بببببب ببببب ب‪ -‬بب بب ب ببب‬
‫ب ‪26‬‬
‫‪ () 98‬بببب بببب – ببببب ببببببب بب بببببب ببببب ب‪ -‬بب بب ب ببب‬
‫ب ‪26‬‬
‫‪ () 99‬بببب بببب بببببب – بببب بببب ب ‪-3‬ب ‪344‬‬
‫‪ () 100‬ببب بببببب‪ .‬ببب بببببببب‪ .‬ب ب بببب ب بببب بب بببببب ب ب ب‬
‫ببب ب بب بب بببببب ببب ب بب ببب ببب ببب ب ب بببب ببببب ببب‬
‫بببب ب بب ببب بببببب ب بب ب ب ب ببب بب بببببب ب ببببب ببب‪.‬‬
‫بب‬
‫بببب ببب بببب ببببب ب ب ببب بب ب بب بببب ب بب بب بب ب ببب ب‬
‫بب‬
‫بببب بببب ب بب ببب بب ب بب ب ب ب ببببببب ب ب ب بب بب ب ببب ب‬
‫ببب ببب ببب بب ببب ببب ب ‪ :‬بب بب بب بب ب ب ببب بب‪ ..‬بب بب‬
‫بببببب‪..‬‬
‫‪-‬بب بب ببب ببب‪ -‬ب بب ببببب ب بب ب ببب ببب ببببب ب‪ -‬ببب ب‪ -‬ببب‬
‫بببببب‪ -1993 -‬ب ‪87‬‬
‫‪ -‬ببب بببببب – ببببب بب ببببب بببببب بببببب‪ -‬بببب بببب‪ -‬ب ‪ -5‬ب‬
‫‪.135‬‬
‫‪-53 -‬‬
‫فحاولت القيادة البريطانية استدراك الخطأ وتصحيحه‬
‫باسترضاء الشيخ مشرف الدندل‪ ،‬فعرضت عليه تسوية المر‪،‬‬
‫بإدخال عدد من زعماء العشائر كوسطاء لحل المر سلميا ً‬
‫دية‪ ،‬وبما يقرره مشرف نفسه‪ .‬وكان آخر تلك‬ ‫بدفع ال ّ‬
‫الواسطات‪ ،‬ما قام به أحد كبار شيوخ عنزه في منطقة العماره‬
‫في العراق ابن هذال الذي حمل رسالة من قيادة الجيش‬
‫البريطاني في العراق إلى مشرف الدندل جاء في نصها كما‬
‫وردت في كتاب "شعب ومدينة على الفرات الوسط" للسيد‬
‫أسعد الفارس‪:‬‬
‫"ييييي يييي يي يييي ييي يييييييي يي‬
‫يييييييي‪.‬‬
‫يييي يييي يييي‬
‫يي ييييي ييييي ييييييييي يي يييييي يي‬ ‫ي ي‬
‫يييييي ييييي ييييي ييييييي ييي يييييي يييي‬
‫ييييي ييييي ييييييييي‪ .‬ييييي يييييي ييي‬
‫يييييييي يييييي ييييي ييييي ييييييييي ييي يي‬
‫يييي يييييييي‪ .‬ييييي يييي ييييي ييي ييييي‬
‫يييي ييي يييي يييي يييييي ييييي يييي ييي‬
‫ييييييي يييي ييييي يي ييييي ييي يييي ييي يي‬
‫يييييي‪ .‬يييي ييييييييي يييي يييييي‪ .‬ييييييي‬
‫ييييي‪.‬‬
‫)قيادة الجيش البريطاني في العراق)‪.((101‬‬
‫طبعا ً إن هذه الرسالة كما يدعي صاحب الكتاب أسعد‬
‫الفارس بأن والده هو الذي ذهب مع مشرف الدندل في لقاء‬
‫ابن هذال المذكور‪ ،‬ولم نعرف مدى صحة ما ورد فيها‪ ،‬وأن‬
‫كانت فيها بعض المبالغات‪ .‬إل أن من يتتبع السياسة البريطانية‬
‫آنذاك‪ .‬يعرف بإنها تحاول أن تتخذ من الخداع واستخدام الحّيل‪،‬‬
‫وتقديم الهبات المالية‪ ،‬لسترضاء الشيوخ والمتنفذين وشراء‬
‫ذممهم لتنفيذ سياستها الستعمارية‪.‬‬
‫ويذكر المصدر أيضا ً أن مشرف رفض تلك الوساطة‬
‫صرا ً على مقاتلة البريطانيين‬
‫والوساطات الخرى‪ ،‬وبقي م ّ‬
‫وعاش ثائرا ً ومناضل ً وطنيًا‪ .‬وتعاون مع عشيرته وأنصاره مع‬
‫الثورة‪ ،‬التي فجرها حزب العهد في نهايات عام ‪ 1919‬في‬
‫منطقة دير الزور‪ .‬وسوف نبحث في الفصول القادمة أشكال ً‬
‫نضالية لهذا المجاهد العظيم‪.‬‬

‫‪‬‬

‫)( ب بب ببب ببب‪ -‬ب بب ببببب ب بب ب ببب ببب ببببب ب‪ -‬ببب ب‪ -‬ببب‬ ‫‪101‬‬
‫بببببب‪-1993 -‬ب ‪90‬‬
‫‪- 54 -‬‬
‫الفصل الحادي عشر‬

‫الشراف والثورة‬
‫فيصل يعلن براءة حكومته ـ من أحداث دير الزور‬
‫في ‪ 22‬كانون الول ‪ 1919‬ألقت الطائرات البريطانية‬
‫رسالة من المير فيصل لهالي مدينة دير الزور‪ .‬وللقوات‬
‫الثائرة‪ .‬تتضمن برقيته إلى أخيه المير زيد نائبه في دمشق‪.‬‬
‫حيث كان فيصل آنذاك في أوربا لبحث المسألة العربية مع‬
‫الحلفاء‪ .‬وجاء في نص الرسالة التي ألقيت على مدينة دير‬
‫الزور التالي‪:‬‬
‫"ييي يي ييييي ييييي ييييي يييي يي يييي‬
‫ييييييي ييييي ييي يييييي ييييي يييي يييي‬
‫ييييي ييييييي يييي يييييي يي ييييييي‬
‫ييييييي‪ .‬يييي ييي يييي ييي ييي ييييييي‬
‫ييييييي يي ييييييي يييييييي ييييييي ييي‬
‫ييييي ييييي ييييييي يي يييييي ييييييي يييييي‬
‫ييي يييييييي يييييييي يي يي ييييي ييييييي‪.‬‬
‫ييي ييي يييييييي يي يييي ييي ييييييي ييييييي‬
‫يييييييي‪ .‬ييييي يييييييي ييييييييي يي ييي‬
‫يييييي ييي يي يييي يييي يي يييي ييييي يي يي‬
‫ييييييي يييييييي يييي يييييي ييي ييييي‬
‫ييييييي يييييي ييييييي يييييي‬ ‫يييييييي‬
‫يييييييي"‪. (102).‬‬
‫تؤكد هذه البرقية الروايات التي تحدثت عن إدعاء رمضان‬
‫شلش للكابتن جاميير والتي أشرنا إليها في الفصل السابق‪،‬‬
‫بأنه يعمل بوحي من الشراف‪ ،‬وخاصة الحكومة العربية في‬
‫دمشق‪ .‬والتي تسببت في نزاعه مع الشيخ محمد سعيد‬
‫العرفي الذي اعتبر رمضان قد كشف السّر الذي استخدمه‬
‫النكليز ضد الشريف حسين وابنه فيصل والحكومة العربية‪.‬‬
‫وقال الن "انتهى حكم الشريف"‪ .‬إضافة إلى ما ذكرناه في‬
‫حديث رمضان للكابتن جاميير‪ .‬فإن المؤرخ الفرنسي هنري‬
‫شارل ذكر إن رمضان شلش قبل هجوم قواته على دير الزور‪،‬‬
‫أرسل رسالة إلى أحد وجهاء مدينة دير الزور في ‪ 10‬كانون‬
‫الول ‪ ،1919‬تضمنت فيما بعد إشعارا ً بقدومه مع قواته‪،‬‬
‫)( ب‪ .‬ببب بببببب‪ -‬ببببب بب بببب ب ببب ببب‪ -‬بب بب ب ببب‪ -‬ب ‪ -5‬ب‬ ‫‪102‬‬
‫‪132‬‬
‫‪-55 -‬‬
‫وأشار عن رضا الحكومة العربية‪ ،‬أو إنه يعمل بوحي منها‪.‬‬
‫وكانت هذه الرسالة قد وقعت بأيدي النكليز في دير‬
‫الزور)‪ .(103‬فسبب هذا المر ورقة ضغط استخدمها كثيرا ً أرنولد‬
‫ولسن الحاكم السياسي البريطاني في بغداد في زرع الشك‬
‫لدى الحكومة البريطانية‪ .‬بأن وراء الحداث في دير الزور‪ ،‬كان‬
‫فيصل والحكومة العربية في دمشق‪ .‬وإنها تمون بأموال‬
‫بريطانيا وذهبها وسلحها والتي تعطى لفيصل وأبيه‪ .‬وهذا ما‬
‫سوف نفصله في الفصول القادمة‪.‬‬
‫زيد والثورة‬
‫من خلل المصادر المتوفرة لدينا‪ ،‬ل نرى لفيصل دورا ً في‬
‫تفجيرها أو التهيئة لها‪ .‬حتى أن رمضان شلش حين عاد من‬
‫مكة بإذن من الملك حسين‪ ،‬لم يجد فيصل ً فيها‪ ،‬بل وجد المير‬
‫زيد نائبا ً عنه في دمشق‪ .‬حيث كان كما قلنا في أوربا‪ ،‬ولكن‬
‫فيصل تبنى الثورة بعد ذلك سّريًا‪ ،‬وبعد أن أثبتت نجاحها في‬
‫إجلء بريطانيا عن دير الزور‪ .‬فهو أرادها عامل ضغط على‬
‫بريطانيا لتحقيق أهدافه السياسية‪ .‬وحالة ثأرية له انتقاما ً من‬
‫الغدر الذي أحس به منها‪ .‬حين نكثت بالعهود التي قطعتها‬
‫لوالده‪ ،‬إل أن فيصل ً أبقى تأييده للثورة سريا ً وخفيا ً وفي نفس‬
‫الوقت يدعي في العلن شجبه لها‪ ،‬ورفضه لقادتها‪ ،‬وتنصله من‬
‫أعمالها‪.‬‬
‫ت أنه كان‬ ‫أما المير زيد فمن المصادر المتوفرة‪ ،‬لحظ ُ‬
‫داعما ً لها‪ ،‬ويعلم بما خططه ياسين الهاشمي ومجموعته في‬
‫حزب العهد العراقي‪ .‬وقد وّقع على تعيين رمضان شلش قائم‬
‫مقام الرقة‪ ،‬وحاكما ً عسكريا ً لها‪ .‬وهو الذي زوده بالمال‬
‫والسلح‪ .‬كما أن زيد كان له أنصار في دير الزور وفي‬
‫مقدمتهم محمد سعيد العرفي‪ .‬الذي كان يحرض الناس على‬
‫الثورة‪.‬‬
‫لماذا المير زيد دعم الثورة؟‬
‫تساءل راودني في البحث عن أسباب الدعم المادي‬
‫صل منها علنًا‪ .‬ففي مصدر رأيت‬ ‫والعسكري للثورة سّريًا‪ .‬والتن ّ‬
‫أن أحد أسباب دعم زيد للثورة‪ ،‬يعود إلى بحثه هو الخر عن‬
‫مملكة أو إمارة خاصة يحكمها‪ .‬فقد وجدت اقتراحا ً قدمه‬
‫الكولونيل لورنس للحكومة البريطانية بعد انتهاء الحرب‬
‫العالمية الولى‪ .‬ووقف القتال‪ ،‬ودخول الجيش البريطاني‬
‫والجيش العربي بلد الشام‪ ،‬يدعو إلى تكوين ثلث إمارات في‬
‫العراق وسورية‪ .‬تتوزع على الشكل التالي‪:‬‬
‫‪-1‬إمارة تضم وليتي بغداد والبصرة‪ .‬وتعطى للمير عبد‬
‫الله‬
‫‪-2‬إمارة تضم ولية الموصل ومتصرفية دير الزور‪ .‬وتعطى‬
‫للمير زيد‪.‬‬
‫‪-3‬إمارة سورية وتعطى للمير فيصل‬
‫وقد جاء هذا المقترح في برقية أرسلها وزير شؤون الهند‬
‫البريطاني إلى السيد أرنولد ولسن الحاكم السياسي‬
‫البريطاني العام في بغداد في ‪ 18‬تشرين الثاني عام ‪1918‬‬
‫وقد جاء فيها‪:‬‬
‫‪ .."-1‬ييي ييي ييييييييي ييييي ييييييييييي‬
‫بببب بببب‪ -‬ببببب ببببببب‪ -‬بببب بببب ب ‪28‬‬ ‫)(‬ ‫‪103‬‬

‫‪- 56 -‬‬
‫ييييي ييييي ييييييي ييييييي ييييييي ييييييي‬
‫ييي ييييي‪-1 :‬ييييي يييييي يي يي ييي ييييييي‪.‬‬
‫‪-2‬ييييي يييييي يي يي ييي ييييييي‬
‫‪-3‬ييييي‪.‬‬
‫يييييييي ييي ييي ييي يييي يييي ييييي‬
‫ييييي ييييي يييي‪ ..‬ييي ييييييي يييييي ييييي‬
‫يي ييييي يييييي ييييي ييي ييييييي‬
‫ييي‬ ‫يي‬ ‫يييييييييي‪ .‬ييي ييييي يييييي يي‬
‫ييييييي ييييي يييييي يييييييي ييييي")‪.(104‬‬
‫وطلبت وزارة الهند من أرنولد ولسن أن يبدي رأيه في‬
‫تلك المقترحات‪ .‬وقد أشرنا فيما سبق إلى مواقف ولسن‬
‫الرافضة أساسا ً لفكرة القومية العربية‪ .‬وأقامة أي دول أو‬
‫دويلت عربية حتى وإن كانت تحت السيطرة البريطانية‪.‬‬
‫وتمسك بموقفه المعادي للشريف حسين وأبنائه‪ ،‬وعدم‬
‫تسليمهم أية مناصب عليا في البلد‪ .‬فأجاب في رده على تلك‬
‫المقترحات ببرقية جوابية لوزارة شؤون الهند‪..‬طلب فيها‬
‫بصورة محددة ونهائية من أية تسويات‬ ‫"استبعاد هذه البلد‬
‫شريفية مقترحة")‪ (105‬ولم يخف ولسن حقده أبدا ً على العرب‬
‫في برقيته المذكورة والمؤرخة في ‪ 20‬تشرين الثاني ‪.1918‬‬
‫ثم اتبعها ببرقية أخرى تاريخ ‪ 10‬كانون الول ‪ .1918‬يؤكد‬
‫رفضه لية سيطرة عربية على المناطق العربية فقال‪ ..‬إذا‬
‫شجعنا فكرة السيطرة العربية‪ .‬بدل ً من الوربية‪ .‬في المناطق‬
‫الناطقة باللغة العربية‪ ..‬فسنثير دون شك أحقادا ً دينية كامنة‬
‫المزايا الستراتيجية‬ ‫في العراق‪ ،‬وبذلك نحرم أنفسنا من بعض‬
‫التي يوفرها لنا احتلل هذا الموقع الحيوي")‪.(106‬‬
‫فكان لرفض ولسن لقامة إمارات عربية شريفية كما‬
‫أقترح الكولونيل لورنس‪ ..‬أفقدت زيدا ً حلم إمارة له تضم ولية‬
‫الموصل ومتصرفية دير الزور‪ .‬ومتصرفية دير الزور كانت‬
‫آنذاك تشكل أكبر مساحة من أي ولية في بلد ما بين النهرين‬
‫سواء البصرة أو بغداد أو الموصل نفسها‪ .‬فهي تمتد من حلب‬
‫والموصل وأورفة وولية بغداد جنوبا ً وحتى عانة إلى ولية‬
‫قد َ زيد إمارة‬ ‫حمص غربًا‪ .‬فهي دولة كبيرة مع الموصل‪ .‬فَ َ‬
‫بموافقة بريطانية‪ .‬فحين لح له إمكانية تحقيقها بالسلح‬
‫وبالقوة‪ ،‬أظهر تعاونا ً مطلقا ً مع ياسين الهاشمي وحزب العهد‪.‬‬
‫ولهذا قدم المساعدات المادية والعسكرية سّريا ً للثورة في دير‬
‫ه بالمارة‪ ،‬وانتقاما ً‬ ‫الزور‪ .‬ونظن أنه أراد من خللها تحقيق حلم ُ‬
‫من ولسن‪ ،‬فسعى لسقاطه‪ ،‬وإسقاط مشاريعه التي ترفض‬
‫حكما ً عربيا ً في بلد مابين النهرين‪.‬‬
‫رد فعل فيصل الولي على الثورة‪:‬‬
‫علم فيصل بالحداث التي تجري في دير الزور حين كان‬
‫يقوم بزيارة لباريس كما قلنا سابقًا‪ ،‬لبحث المشكلة السورية‬
‫مع الحكومة الفرنسية‪ .‬وقد أبرق الجنرال "كورنواليس" مدير‬
‫المكتب العربي البريطاني في القاهرة إلى المير فيصل في‬
‫باريس‪ .‬يعلمه عن احتلل رمضان شلش لمدينة دير الزور‪،‬‬
‫واحتجازه للحاكم السياسي البريطاني مع أسر القوات‬
‫البريطانية فيها‪ .‬مشيرا ً إلى خطورة هذا العمل على العلقة‬
‫‪104‬‬ ‫)(‬
‫‪philip willard ireland, iraq, Astudy impolitical developmint- london‬‬
‫‪Jonatham Cape- 1937- p156.‬‬
‫‪Ibid – and. F.o” telgrom no 10031- 20- November – 1918 – p. 157 () 105‬‬
‫‪F.O. 882-23-3133-10- December 1918 () 106‬‬
‫‪-57 -‬‬
‫الخاصة بين بريطانيا والحكومة العربية برئاسته في دمشق‪.‬‬
‫وأثرها على دعم بريطانيا له في القضية السورية مع فرنسا‪.‬‬
‫فتأثر المير فيصل بما سمع من أحداث‪ .‬وخاصة أنه في تلك‬
‫طلبات فرنسا تجاه‬ ‫الفترة كان يسعى لدعم بريطانيا لمواجهة‬
‫سورية‪ .‬وما تحمل من قيود لستقللها‪ ،‬الذي ُأعلن بعد دخول‬
‫القوات العربية لدمشق في الول من تشرين الول‬
‫‪1918‬م‪.‬‬
‫ً‬
‫فأرسل المير فيصل البرقية التي أشرنا إليها سابقا لخيه‬
‫زيد نائبه في دمشق‪ ،‬وطلب من أخيه ترحيل الموظفين العرب‬
‫من دير الزور‪ ،‬وبعث برسالة إلى رئيس الركان العامة‬
‫البريطانية في ‪ 18/11/1919‬تضمنت عدم معرفته وعلمه بما‬
‫حدث في دير الزور‪ .‬وأكد على شجبه لما يجري في دير الزور‪،‬‬
‫وبأنه سيعمل على معاقبة الذين أقدموا على هذا العمل‪،‬‬
‫واعتبرهم من المتمردين والعصاة لحكومته‪ ،‬وأرفق بالرسالة‬
‫‪(107‬من البرقية التي أرسلها إلى نائبه في دمشق المير‬ ‫نسخة‬
‫‪.‬‬ ‫)‬
‫زيد‬
‫وقد قامت القوات البريطانية بإرسال طائرات تطير فوق‬
‫مدينة دير الزور‪ ،‬وألقت نص البرقية التي أرسلها المير فيصل‬
‫لنائبه زيد على مدينة دير الزور من الجو‪ .‬لتحريض الهالي‬
‫والموظفين ضد رمضان شلش وقواته الثائرة‪ .‬جاء في نصها‬
‫"‪ ..‬وكان المير فيصل في باريس‪ ،‬ولكنه عندما سمع بأنباء‬
‫القتال في الدير‪ .‬أرسل برقية إلى أخيه ونائبه في دمشق‪،‬‬
‫المير زيد‪ ،‬شجب فيها بمنتهى الشدة تصرفات رمضان شلش‪،‬‬
‫وأمر الموظفين العرب بالنسحاب من الدير‪ ،‬وأضاف أن كافة‬
‫المسؤولين عن الحادث سيعاقبون كعصاة‪ .‬وقد ألقيت هذه‬
‫بواسطة طائراتنا )البريطانية( في ‪22‬‬ ‫الرسالة فوق الدير‬
‫كانون الول‪ ،‬ديسمبر" )‪.(108‬‬
‫كانت الثورة فعل ً مفاجئة لفيصل كما قلنا‪ .‬ولكنه إن كان‬
‫م الداعمين لها‪.‬‬ ‫غاضبا ً منها في ّبداياتها نراه قد تح ّ‬
‫ول إلى أه ّ‬
‫دد‬‫ة‪ ،‬لتشمل العراق بكامله‪ ،‬وته ّ‬ ‫حين بدأت تشكل قوة ً تحريري ً‬
‫مصالح بريطانيا في المنطقة‪ .‬وهذا ما سنعرضه في الفصول‬
‫القادمة‪.‬‬

‫‪‬‬

‫)( بببب بببببب ب ببببب ببببب بب بببببب ببببب ببب بب ببب ب‬ ‫‪107‬‬
‫بببب بببب‪ .‬ب ‪.98‬‬
‫)( ببب ب بب بب بب ب ببب ب ب ببب ببب بببببب بب ببببببب ب‬ ‫‪108‬‬
‫ببببببببب ب ببببب ب بببببب ب بببببب ب بببب ببببببب ب ب‬
‫بببببب ب بببب بببب ب ‪.78‬‬
‫‪- 58 -‬‬
‫الفصل الثاني عشر‬

‫بريطانيا‪ ..‬والثورة‪.‬‬
‫وجهت ثورة دير الزور لمخططات ارنولد ولسن الحاكم‬
‫السياسي البريطاني في بغداد ضربة قاسية‪ ،‬ونسفت خطته‬
‫في إبقاء العراق تحت الحكم البريطاني المباشر‪ ،‬ورفض أي‬
‫حكومة عربية في بغداد‪ ،‬أو السماح بعودة الضباط العراقيين‬
‫المتواجدين في سورية لبلدهم‪ .‬موهما ً الحكومة البريطانية‬
‫وعلى رأسها وزارة الهند بعدم قدرة العرب في العراق الدارية‬
‫والسياسية‪ .‬وعلى تحمل أعباء الحكم‪ ،‬واستصغر كثيرا ً من‬
‫ط من شأنهم الثقافي والسياسي‬ ‫إمكانات العرب‪ ،‬وح ّ‬
‫والعسكري‪.‬‬
‫فجاءت أحداث دير الزور لتكذب كل ادعاءاته‪ ،‬وتنسف كل‬
‫ما رسم للعراق ومستقبله‪ .‬فاهتزت الرض من بين قدميه‪،‬‬
‫وأسرع إلى مكان الحداث‪ ،‬حيث وصل بعد أيام إلى مدينة‬
‫البوكمال‪ .‬بعد أن أصدر بيانا ً اتهم تركيا بأنها وراء ماحدث في‬
‫دير الزور‪ ،‬وإنها شجعت رمضان شلش‪ ،‬ليؤكد مرة أخرى بأن‬
‫العرب ل يقومون بالثورة بأنفسهم‪ .‬وإنما تركيا هي المحرض‬
‫والممول لهم‪ ،‬جاء في بيانه الذي نشر على الجمهور العراقي‬
‫في ‪ 15‬كانون الول ‪.1919‬‬
‫بيان ولسن حول تحرير دير الزور‪:‬‬
‫وافت الخبار أن رجل ً يدعى رمضان الشلش‪ ،‬الذي عينته‬
‫الحكومة العربية مؤخرا ً قائم مقام في الرقة‪ .‬أغار مع جماعة‬
‫كبيرة من القبائل على دير الزور عند فجر اليوم الـ‪ /11/‬من‬
‫شهر كانون الول‪ .‬الموافق ‪ 17‬ربيع الول‪ .‬ويستدل من الخبار‬
‫أن السواق قد نهبت‪ ،‬ونشبت النيران في منازل الحكومة‪،‬‬
‫ن الغائرون الموظفين النكليز والعرب من العسكريين‬ ‫سج َ‬
‫و َ‬
‫والملكيين‪ .‬لكنا ل نرتاب أن المر وقع بدون رضا الحكومة‬
‫العربية‪ ،‬وبغير معرفتها‪ .‬ويظهر أنه كان يصحب رمضان‬
‫الشلش مندوبون أرسلهم إبراهيم المّلي من جهة الحدود‬
‫التركية‪.‬‬
‫ويظهر أن لرباب المر على الحدود التركية يدا ً في هذه‬
‫الحادثة‪ .‬أما دير الزور فكان قد احتلها النكليز في السنة‬
‫الماضية بعد جلء الترك عنها‪ .‬وقد تم ذلك باتفاق مع الحكومة‬
‫العربية والحكومة الفرنسية‪.‬وفقا ً لشروط الهدنة مع تركية‪،‬‬
‫وقد أرسل خبر هذه الحادثة إلى الحكومة النكليزية‪ ،‬وينتظر‬
‫‪-59 -‬‬
‫الن أوامرها‪ ،‬بخصوصها‪ ،‬والهدوء سائد في عانه‪.‬‬
‫وقد أنكرت قبائل عنزة‪ ،‬والعكيدات‪ ،‬والجبور‪ ،‬والبكاره‪،‬‬
‫وأصحابه‬ ‫وغيرها الضاربة جوار دير الزور على رمضان الشلش‬
‫هذا العمل المخالف للقانون‪ ،‬وأعربوا عن استيائهم منه…)‪.(109‬‬
‫العتراف البريطاني بتحرير دير الزور‪:‬‬
‫إلى دير الزور مبعوثان‬ ‫في ‪ 21‬كانون الول ‪ 1919‬وصل‬
‫ه‬
‫‪ ،‬هما مرافق ُ‬
‫)‪(110‬‬
‫من قبل والي حلب جعفر العسكري‬
‫العسكري توفيق الدملوجي‪ ،‬ومدير شرطة حلب رؤوف‬
‫الكبيسي‪ ..‬لمعرفة المور التي حدثت في دير الزور‪ .‬كما أنهما‬
‫مزودان بأوامر لرمضان وللكابتن جاميير‪ ،‬وبعد أن قابل رمضان‬
‫شلش‪ ،‬وعرفا منه دوافع العمل‪ .‬ويظهر أنه رفض أوامر جعفر‬
‫العسكري والحكومة العربية‪ ،‬بإعادة المور إلى نصابها كما‬
‫كانت قبل الثورة‪ .‬وإعادة الحتلل النكليزي إلى دير الزور‪ .‬ثم‬
‫قابل الكابتن "جامير" في مكان اعتقاله المنزلي‪ ،‬وأطلعا‬
‫"جامير" على أنهما مكلفان من قبل جعفر العسكري‪ ،‬بإلقاء‬
‫القبض على رمضان شلش‪ ،‬وإرساله مخفورا ً إلى حلب‪ ،‬وطلبا‬
‫وة شلش والثورة جعلت‬ ‫نق ّ‬ ‫منه أن يساعدهما في المر‪ .‬إل أ ّ‬
‫إعادة المور كما كانت عليه مستحيل ً أمام مندوبي ُ جعفر‪ .‬فل‬
‫إمكانياتهما ول يوجد لدى "جامير" من القوة التي أسرت أصل ً‬
‫القادرة على تنفيذ هذا الطلب)‪ (111‬فغادرا دير الزور واتجها إلى‬
‫البوكمال لمقابلة أرنولد ولسن الحاكم السياسي العام‬
‫البريطاني في العراق‪ ،‬واجتمعا مع ولسن‪ ،‬وعرضا عليه‬
‫مضمون رسالة جعفر‪ ،‬وطلبا مساعدته في إلقاء القبض على‬
‫رمضان وإرساله مخفورا ً إلى حلب وإنهاء المشكلة‪ .‬ولكن‬
‫المر كان قد انتهى‪ .‬فلم يجدا عند ولسن القدرة على استعادة‬
‫دير الزور‪ ،‬وقد أخبرهما بأن الحكومة البريطانية قد اعترفت‬
‫بتحرير دير الزور وإعادتها إلى الحكومة العربية في دمشق‪،‬‬
‫وأن وضع الحدود مع سورية قد تغير‪ .‬حيث أصبح نهر الخابور‬
‫الحد ّ المؤقت مع سورية‪ ،‬ريثما يبت مؤتمر الصلح في الحدود‬
‫مابين الطرفين‪ .‬وعادا بخفي حنين إلى جعفر العسكري بحلب‪.‬‬
‫وتشير برقية بريطانية حول هذه البعثة قائلة‪ ..……" :‬في ‪21‬‬
‫كانون الول‪/‬ديسمبر‪ ..‬وصل ضابطان )عربيان( من حلب‪.‬‬
‫يحملن رسالة من جعفر العسكري إلى الكابتن جامير‪ ..‬وقد‬
‫طلب فيها جعفر من الضابط البريطاني التشاور مع الضابطين‬
‫حول أفضل الطرق لعادة النظام‪ .‬وأخبر الضابط العراقي‬
‫الكابتن جامير بأن لديه تعليمات بفصل رمضان كقائمقام‬
‫للرقة‪ .‬وإرساله مخفورا ً إلى حلب‪ ،‬والتقى الضابط العراقي‬
‫بولسن في البوكمال‪ ،‬وطلب معونة بريطانيا لخراج رمضان‪.‬‬
‫البريطانية قررت‬ ‫وأخبر ولسن الضابط العراقي بأن الحكومة‬
‫اعتبار الخابور كحد مؤقت بين سورية العراق")‪.(112‬‬

‫)( ببببب ببببب بببببببببب ببب ‪732‬ب ببببب ‪.15/12/1919‬‬ ‫‪109‬‬

‫)( ببب ب بببب ببب ) ‪ 1884‬ب ‪(1936‬ب بب ب ب ب بب ببب ببب ب ب‬ ‫‪110‬‬


‫ببببب ب ببب ببب ببب ب بببب بب ببببببب ب ب بب ‪ .1901‬بببب ب‬
‫بببببب بببببببب ب ب ببببب ب بببب بببب ب ب بببب بببب‪ .‬بب بب‬
‫ب ب ب بب ‪ 1904‬ببببب ببببب ب‪ .‬ب ببب بب ببب بببب بببب ب ب‬
‫ببببببب ب ب ب بب ) ‪ 1910‬ب ‪(1914‬ب بب ب بب ب بببب ب بب ببب ب ب‬
‫ببب بب ‪ 26‬بببب ‪1916‬ب بب بب بببب ب‬ ‫بببببب بببببب ببب ببب‪ .‬ب‬
‫ببب ب‪ .‬بببب ب ب بببببب بببببب بب ببب بب ب بببببببب ب‬
‫بببببب‪.‬بببب ببب بب ببب ببببب ب ب ب ببب ببب‪ .‬بب ب ب ب بببببب‬
‫بب ب ب ببب ب بب ‪ .1936‬ب بب بب ب بب بب ببب ببب ببببب بب ب ب‬
‫بببببب ب ببب بب ‪ C.M.G‬بببببب بببب ب بب ب ببب ببب بببب بب‬
‫بببب ببببب ببببببببب‪.‬‬
‫)( ببب ب ب ببب بببب بب ب بب بببب ببب ببب بببببب بب ب ببب بب‬ ‫‪111‬‬
‫بببببب ب ‪ 346‬ب بببب بببب‪.‬‬
‫‪- 60 -‬‬
‫وعاد الضابطان إلى حلب وأطلق رمضان شلش في ‪25‬‬
‫كانون الول ‪ 1919‬سراح الكابت جامير والقوات النكليزية‪،‬‬
‫التي عادت إلى البوكمال‪ .‬إل أن الحكومة العربية طالبت‬
‫بريطانيا بالجلء عن الميادين والبوكمال‪ (113).‬ولكن رمضان‬
‫شلش رفض الحدود الجديدة التي تعتبر الخابور حدا ً مؤقتا ً بين‬
‫سورية والعراق‪ ،‬وطالب بالنسحاب البريطاني إلى مابعد وادي‬
‫ل‪ .‬واعتبار ذلك الحد ّ‬‫مي ً‬ ‫حوارن‪ ،‬الذي يبعد عن عانة ‪/50/‬‬
‫)‪(114‬‬
‫المؤقت مابين سورية والعراق‪.‬‬
‫وذكر رمضان شلش أن إطلق السرى البريطانيين كان‬
‫بطلب من المير فيصل‪ ،‬حيث قال في مذكراته"‪ ..‬وردني‬
‫ي الطائرات النكليزية‬ ‫ن من المير فيصل ألقته عل ّ‬ ‫كتاب ثا ٍ‬
‫معداتهم‪ .‬وبالفعل‬ ‫جميع‬
‫)‪(115‬‬
‫مع‬ ‫النكليز‬ ‫السرى‬ ‫ترك‬ ‫فيه‬ ‫طلب‬
‫تركناهم‪ ..‬وذهبوا إلى العراق بل رجعة"‪.‬‬
‫وبذلك انتهى الفصل الول من الثورة التي انتهت مرحلتها‬
‫الولى بتحرير دير الزور‪ .‬ومن ثم اتخاذها قاعدة انطلق لتحرير‬
‫العراق بكامله‪ .‬ولتبدأ مرحلة ثانية من حياة ثورة دير الزور‪.‬‬

‫‪‬‬

‫)( ب‪.‬بببب بببب ببب بببب ب بببببب بببببببب ب بب بب ب ببب ب ب‬ ‫‪112‬‬


‫‪.178/179‬‬
‫)( بببببب بببببب ب ‪.179‬‬ ‫‪113‬‬

‫)( بببببب بببببب ب ‪.179‬‬ ‫‪114‬‬

‫)( بببببب ببببب بببب بببببب ب بببب بببب ب ‪.90‬‬ ‫‪115‬‬

‫‪-61 -‬‬
‫الفصل الثالث عشر‬

‫العهد يستبدل رمضان شلش ويعين‬


‫مولود مخلص‬
‫نجحت حقا ً التجربة الثورية التي رسمت في ذهن ياسين‬
‫الهاشمي‪ ،‬ونفذها رمضان شلش عمليًا‪ ،‬وسقط جدار الخوف‬
‫والتردد عند الكثيرين من ضباط العهد العراقيين المتواجدين‬
‫في دمشق‪ .‬فقد تخوف العديد منهم من هذه التجربة حين‬
‫قارنوا عسكريا ً بين القدرة العسكرية البريطانية‪ ،‬وبين قواتهم‪،‬‬
‫ومايمكن أن يحصلوا عليه من مساندة من قبل العشائر في‬
‫المنطقة‪ .‬فالفارق في القدرات "ل يمكن أن تكون فيه أي‬
‫نسبة توازن"‪ .‬والكفة راجحة حتما ً في رؤيا هؤلء الضباط‬
‫لصالح بريطانيا‪ ،‬ورأوا أن التجربة هي لعب بالنار‪ .‬فالحليف في‬
‫رأي البعض أي بريطانيا مهما تصرف يجب أن ل تتم معاداته بل‬
‫يجب كسب رضاه بالحوار والقناع‪ ،‬وكسب عدد من المؤيدين‬
‫في الحكومة البريطانية وصفوف الجيش البريطاني‪ ،‬وأن‬
‫الحل السياسي هو الوسيلة الناجحة‪ ،‬لتحقيق المطالب‬
‫العراقية‪ .‬والحل العسكري هو ضرب من الجنون‪.‬‬
‫كان ياسين الهاشمي يدرك حقا ً قدرات بريطانيا‪ ،‬ولم يكن‬
‫مغامرا ً كما عرفنا من خلل سيرته الذاتية‪ ،‬ولكنه كعسكري‬
‫كان يرى أن بريطانيا وزعت قواتها في العديد من البلدان‪،‬‬
‫وركزت قواتها الضاربة في عواصم البلدان والمدن الكبرى‪.‬‬
‫وأن دير الزور تعتبر منطقة بعيدة عن مركز القوات في بغداد‬
‫والموصل‪ ،‬وهي منطقة قريبة من حدود الحكومة العربية في‬
‫سورية‪ ،‬وأن نسبة نجاح الثورة فيها كبيرة‪ .‬من هنا جاء إيحاؤه‬
‫لرمضان شلش بتنفيذها‪ .‬ومن قبل عشائر المنطقة في‬
‫الذات‪ .‬فإذا نجحت تم تطويرها‪ ،‬وإذا لم تنجح‪ ،‬كانت تجربة‬
‫فاشلة يتحمل عواقبها شخص واحد‪ ،‬أو يتحملها هو ورمضان‪.‬‬
‫ولقد كان عدد من ضباط النكليز يدركون مايخطط ياسين‬
‫الهاشمي‪ ،‬فتم اعتقاله قبل التنفيذ‪ .‬إل أن رمضان شلش قام‬
‫بالثورة على الرغم من غياب المخطط متحمل ً وحده نتيجة ما‬
‫تسفر عنه من نتائج‪ .‬ولهذا جاء في برقية للكابتن جامير الحاكم‬
‫السياسي البريطاني في دير الزور مايلي‪ .." :‬أعتقد أنه ليس‬
‫ثمة شك بأن حزب ياسين باشا لم يؤيد الحركة فقط‪ .‬بل‬
‫شجعها أيضًا‪ .‬فإذا ما كتب لها النجاح‪ .‬تزجى التهاني لرمضان‪.‬‬

‫‪- 62 -‬‬
‫)‪(116‬‬
‫وإذا لم تنجح يجري التنصل منها"‪.‬‬
‫وحين شعر رمضان شلش أن لديه من القوات التي تحقق‬
‫له انتصارات جديدة‪ ،‬بدأ في تحريض القبائل وعلى رأسها‬
‫العكيدات لللتفاف حوله‪ ،‬ومهاجمة القوات النكليزية المنتشرة‬
‫على ضفاف الفرات‪ .‬وشكلت الهجمات العشائرية ارتياحا ً‬
‫للمير فيصل‪ ،‬حيث شعر أن الوقت قد حان للنتقام من‬
‫النكليز الذين خانوه‪ ،‬ونقضوا عهدهم لوالده‪ .‬وفي الوقت‬
‫نفسه كان يريد أن يقود الثورة رجل أكثر عقلنية وخبرة‬
‫عسكرية وسياسية معًا‪ ،‬وأن يكون بعيدا ً عن روح المغامرة‪،‬‬
‫والعقلية العشائرية الضيقة التي يمثلها رمضان شلش‪ .‬والتي‬
‫بدأت تصرفات قواته العشائرية داخل المدينة تسيء للثورة‬
‫وللهالي معًا‪ ،‬كما أن النكليز كانوا يرون في إبعاد رمضان‬
‫شلش انتهاء الثورة ضدهم‪ .‬وأنهم نفذوا هدفها بتغيير الحدود‪،‬‬
‫وإدخال دير الزور لسورية‪.‬‬
‫ً‬
‫كما واجه المير فيصل ضغطا من قبل النكليز وتنظيم‬
‫العهد العراقي وعدد من الهالي في مدينة دير الزور لتغيير‬
‫رمضان شلش عن قيادة الثورة‪ ،‬وحاكمية دير الزور‬
‫العسكرية‪ .‬إضافة إلى رغبته الخاصة بتطوير العمل العسكري‬
‫الثوري ضد النكليز وبأساليب جديدة‪ ،‬فاختار العقيد مولود‬
‫مخلص)‪ (117‬ليكون حاكما ً عسكريا ً لدير الزور في ‪ 15‬كانون‬
‫الثاني ‪ 1920‬بدل ً من رمضان شلش الذي استدعاه إلى‬
‫دمشق‪.‬‬
‫وصل إلى دير الزور مولود مخلص يرافقه المرافق‬
‫العسكري أمين العمري‪ .‬واجتمع به رمضان شلش الذي‬
‫أحسن استقباله‪ .‬وغادر شلش دير الزور إلى دمشق‪ .‬كما‬
‫وصل إلى دير الزور العقيد تحسين العسكري ليكون مديرا ً‬
‫لشرطتها‪.‬‬
‫أثر تعيين مولود على رمضان‪:‬‬
‫من كتابات رمضان شلش حول حادث تعيين مولود مخلص‬
‫بدل ً عنه يستدل منها على التأثر العميق الذي أصابه من قرار‬
‫عزله‪ ،‬وتعيين مولود الذي اعتبره عدوه اللدود‪ .‬فيقول في‬
‫مذكراته‪:‬‬
‫"‪ ..‬ييي ييي ييييي ييييي يييي ييييييييييييي‬
‫ييي يييييي يييي ييي يي ييييييييييي ييييي ييي‬
‫يي يييييي‪ .‬يييييي يييييي ييييي يييييي يييي‬
‫ييييييي يييي يييييي ييي يييي يييييي ‪/40 /‬‬
‫يييي ييييييي ييي ييييي‪ .‬ييي ييييي يييي يي‬
‫يييييي ييييييي‪ .‬يييييي ييييي يييي‪" :‬يي ييييي‬
‫ييييي يييي ييي يييي يييي يييي ييييي ييي يي‬
‫ييي يي ييي ييييييي ييييييي‪ ."..‬يييي‬ ‫ييييي‪ .‬ييي ي‬
‫يي‪ .. :‬يييي يي يييي ييي يييي يييي‪.‬ي يي يييي‪.‬ي‬
‫يييي ييي ييي ييييييييييي يييييي يييييي يي‬
‫‪116‬‬ ‫)(‬
‫‪F.O. 371. 5126 - E - 1264 . Report - From - p.o. Deir - ez 0 zor - January.‬‬
‫‪1920.‬‬
‫‪ () 117‬ببببب بببب ) ‪ 1884‬ب ‪(1954‬ب ببب بببب بب ببببب ب ب ب بب بب‬
‫بببببب ب‪ .‬ببب ب بببب بب ببببببب ب ب ب ببببب ب ببببب ب‬
‫ببببببببببب بببببببب ببببببببب ببب ‪ .1901‬ببب بببب ب ب ب‬
‫ببببب بببب ببببببب ببببببب ببب بببببب‪ .‬بببب بب ببببب بببب‬
‫بب ببببب بببببب ببب ببب بببببب بببببب ب بببببب بببببب ب‪.‬‬
‫بببب ب بببب بب ببببببب ب ببببب بببب بب بب بب بب ببب بب‬
‫ببب ببب‪ .‬ب بب ب بب بب ببب ب ب بب ببب‪ .‬بب ب بببب بب بببب ب‬
‫ببببب بب ب ب ب بببب‪ .‬ب بب بب ب ببب ببب بببب ب بببب ب ببب ب‬
‫بببببب ببببب ببببببب‪.‬‬
‫‪-63 -‬‬
‫ييي يي ييييييييي يييييي‪ .".‬ييييييي يييي ييييي‬
‫ييييييي ييييييييي يييييييي ييييييي يييييي‪.‬‬
‫يييي يييييي ييييييي يييي ييييي يي يييي‬
‫يييييي ييي يييي ييييييي يييييي ييييييي‬
‫ييييييييي يييييي ييي ييييي ييييي يييي‪.‬‬
‫يييييييي ييييي ييييييييي‪ .‬يييي ييي ييي ييي‬
‫يييي يي يييي ييييي يييييي‪.‬‬
‫يييي يييي ييييييي ييييي ييي يييي ييي‬
‫يييييي يييي يي ييييي ييييييي يييييي ييييييي‪.‬‬
‫ييي يييييي ييييي ييي ييي ييييي يييي ييي يييي‬
‫ييي يييي يييييي ييييي‬ ‫ييي يييي‪ .‬ييييييي يييي‬
‫)‪(118‬‬
‫يي يييي يييي ييي يييي‪.‬‬
‫مولود يوسع دائرة الثورة‪:‬‬
‫شعرت القيادة البريطانية بالرتياح لزاحة رمضان شلش‪.‬‬
‫اعتقادا ً منها أن الثورة ستنتهي برحيله‪ .‬وحتى ذلك التاريخ لم‬
‫تدرك بأن الثورة لم تكن عمل ً فرديًا‪ ،‬ينحصر في رمضان‬
‫شلش‪ ،‬بل هو عمل تنظيم سياسي عسكري قومي يستهدف‬
‫أوسع من رؤية فردية أو مصالح عشائرية ضيقة‪ .‬وأهداف أكبر‬
‫مما اعتقد ارلوندولسن بأنها مسألة حدودية‪ ،‬تنتهي بحدود‬
‫جديدة وانسحابات صغيرة‪.‬‬
‫كما جرت تحولت ضمن حزب العهد العراقي بعد‬
‫النجاحات التي تحققت في دير الزور‪ ،‬فتبدلت مواقف‬
‫المتخوفين والمترددين‪ ،‬وهو تيار الوسط الذي كان بين تيار‬
‫الداعي للثورة والعنف‪ ،‬بزعامة الهاشمي وبين تيار المولة‬
‫والحوار مع بريطانيا ويقوده نوري السعيد وجعفر العسكري‪.‬‬
‫فكان تيار الوسط المتردد بين الهاشمي والسعيد‪ .‬والخائف من‬
‫ردة الفعل البريطاني على أي حركة ثورية مضادة لوجوده في‬
‫العراق‪ .‬فانحاز غالبية هذا التيار لصالح الثورة بعدالنجاح الكبير‬
‫الذي تحقق لهذه الثورة ومن بينهم مولود مخلص‪ ،‬والذي عرف‬
‫بشجاعته ووطنيته وقوميته منذ أن كان في الستانة‪ ،‬حين‬
‫رفض ممارسات السلطان عبد الحميد الثاني‪ ،‬وانضم إلى‬
‫صفوف جمعية التحاد والترقي‪ .‬وقد فصل مرتين من الجيش‬
‫لمناهضته لسياسة عبد الحميد الثاني‪ .‬وبعد أن اتضح له أن‬
‫زعماء التحاد والترقي يستهدفون الوجود القومي العربي‬
‫باتباعهم سياسة السحق القومي للشعوب المنضوية تحت‬
‫السلطنة العثمانية ومنها الشعب العربي‪ ،‬فأسرع مولود‬
‫بالنتماء إلى جمعية العهد‪ ،‬وكان من أبرز ضباطها‪ .‬ثم ترك‬
‫الجيش العثماني حين وصلت إلى مسامعه أنباء انفجار الثورة‬
‫العربية‪ .‬وغادر الستانة إلى البصرة ومن هناك انتقل إلى‬
‫الحجاز‪ ،‬فالتحق بصفوف الثورة‪ .‬وكان له الموقف القومي في‬
‫وجه بريطانيا حين رفض متابعة القتال في شمال الحجاز‪ ،‬حين‬
‫علم بمخططات بريطانيا وفرنسا لستعمار البلد العربية‬
‫وتقسيم بلد الشام والعراق بين الدولتين بماسمي‪ ..‬اتفاقية‬
‫)سايكس ـ بيكو(‪ ..‬وإعطاء فلسطين للصهاينة‪ ،‬بما يسمى‬
‫"وعد بلفور"‪ ،‬ورفض أوامر الزحف‪ ،‬واصطدم بالكولونيل‬
‫لورنس وغيره‪ ،‬من ضباط الستخبارات البريطانية المرافقة‬
‫للجيش العربي‪ .‬وتعرض لحادث مفتعل فأصيبت ساقه بطلقة‬
‫نارية نقل إلى القاهرة للمعالجة‪ .‬وفي دمشق كان أحد أركان‬
‫النظام العربي الشريفي‪.‬‬
‫وحين وصل مولود باشا إلى دير الزور في ‪ 17‬كانون‬
‫بببببب ببببب بببب بببببب ب بببب بببب ب ب ‪.62 -61‬‬ ‫)(‬ ‫‪118‬‬

‫‪- 64 -‬‬
‫الثاني ‪ ،1920‬لم يكن في ذهنه إل متابعة الثورة‪ .‬ولتأخذ‬
‫أهدافها التي رسمها حزب العهد العراقي في دمشق‪ ،‬فواجه‬
‫في البدايات المضايقات من أنصار رمضان شلش إل أن هذه‬
‫المضايقات لم تمنعه من مواجهة القوات النكليزية‪ ،‬التي‬
‫أرادت استعادة احتلل الميادين المحررة‪ .‬حيث اعترف مؤتمر‬
‫الصلح‪ ،‬بالحد ّ الذي رسم بين العراق وسورية وهو نهر الخابور‪.‬‬
‫فزحفت القوات البريطانية من البوكمال باتجاه الميادين‪.‬‬
‫فأعلن رمضان حالة النفير العام في مدينة دير الزور وعشائر‬
‫منطقة الفرات‪ ،‬وأرسل الرسائل إلى زعماء العشائر يستفزهم‬
‫لحشد قواتهم لمواجهة النكليز‪ ،‬ومنعهم من التقدم إلى‬
‫الميادين‪.‬‬
‫حشــد القــوات المحليــة لصــد الهجــوم النكليــزي‬
‫على الميادين‪:‬‬
‫رأى مولود مخلص ومعه مجموعة من الوطنيين من أبناء‬
‫دير الزور ووجهاء المدينة ضرورة إعلن الجهاد ضد القوات‬
‫النكليزية الزاحفة إلى الميادين‪ ،‬وفعل ً أعلن الجهاد ضد الكفار‪.‬‬
‫وتطوع العديد من أبناء محافظة الفرات في الجيش الشعبي‬
‫لحماية الميادين من الحتلل النكليزي‪ ،‬وسير الوطنيين مسيرة‬
‫جماهيرية لرفع معنويات الجماهير‪ ،‬ولحشد أكبر عدد من‬
‫الهالي في القوة المرسلة إلى الميادين‪ .‬وألقى مولود فيهم‬
‫خطبة حماسية‪ ،‬وكذلك عدد من الوجهاء والقادة الوطنيين‬
‫حثت الجماهير على الدفاع عن المدينة كما ألقى شاعر‬
‫الفرات الوطني "محمد الفراتي"‪ ،‬قصيدة وطنية وجهها للمير‬
‫فيصل لدعم الثورة وحماية الميادين ومنطقة الفرات هذا‬
‫نصها‪:‬‬
‫ييييييييييييي‬
‫ييييييي‬ ‫ييييييي‬ ‫ييييييي يي‬
‫ييييي‬
‫يييي يي ي‬
‫يييي‬
‫ي‬
‫يييي ييي يي‬ ‫ييي‬
‫ي يييي‬ ‫يي‬
‫يييي ي‬ ‫يييييي ييي‬
‫يييي يييييي‬
‫يييي‬
‫ييييييييي يييي‬
‫ييي ييييي‬
‫ييي‬ ‫ييي ييي‬ ‫ييييي‬
‫ييي‬ ‫يي‬
‫يييييي‬
‫ي يي ي ي ي ي‬
‫يي‬‫يي‬
‫ي يي ي‬
‫يي‬‫يي‬
‫ي‬ ‫ييييييي يي يي‬
‫يييي يي‬
‫ييي‬
‫ييييي يييييي‬ ‫ييييي‬
‫يييي‬ ‫ييي‬ ‫ييي ييي يي‬
‫يييي‬
‫يييييي‬
‫ييي‬
‫ييي ييي‬ ‫ييي‬
‫يييييي‬ ‫يييي‬
‫ييي‬ ‫ييي‬ ‫ي‬ ‫يي‬
‫يييييييي‬
‫يييييييي‬ ‫يي‬
‫يييي‬
‫ييي‬ ‫ييي ييي‬
‫يييييي‬ ‫يي‬
‫ييييي‬ ‫ييي ييي يييي‬ ‫يييي‬
‫ييييي يي‬
‫ي يي‬
‫يي‬‫يي‬
‫يي‬‫يي‬
‫يي‬‫يي‬
‫يي‬‫يي‬
‫يي‬‫يي‬
‫يي‬‫ي‬ ‫يييي يي‬ ‫ييي يي‬
‫ييي يي‬ ‫ييي‬
‫يييي يي‬
‫ي يييي ي ي‬
‫يي‬‫يي‬
‫يي‬‫ي ي‬
‫يي‬‫يي‬
‫يي‬‫ي‬ ‫ييييي يي‬ ‫ييييي‬
‫ييييي‬ ‫يي‬
‫ييييي‬
‫يييييي ييييييي‬ ‫يييي‬
‫يييييي‬ ‫يي‬ ‫ييي‬ ‫يييييي‬
‫يييييي‬ ‫يي‬
‫ييييي‬

‫‪-65 -‬‬
‫ييي يييي‬
‫ييييييي‬ ‫يييي‬
‫ييييييي‬ ‫يييي‬
‫يييي‬ ‫يييييي‬ ‫يي‬
‫ييييييي‬
‫ييييييييييي ييييييي‬
‫يييييي‬ ‫يييييي‬ ‫ييييي‬
‫يييييييي ييي‬
‫ييييييي‬
‫ييييي‬ ‫ييييي‬
‫ييييييي‬ ‫يي‬ ‫ييي‬
‫ييي‬ ‫يييييي‬
‫يييييييي‬
‫ييييي‬
‫يي‬‫ي يييي ي‬
‫يي‬‫يي‬
‫يي‬‫يي‬
‫يي‬‫ي‬ ‫ي يييي ي ي ي ي ي ي ي ي‬
‫يي‬‫يي‬
‫يي‬‫ي‬
‫ي يييي ي ي ي‬
‫يي‬‫ي يييي ي‬
‫يي‬‫يي‬
‫ي‬ ‫ييي ييي‬
‫ييييييييييي‬
‫يييي‬
‫ي يييي ي ي ي‬
‫يي‬‫يي‬
‫يي‬‫ي يييي ي‬
‫يي‬‫ي‬ ‫ييي‬ ‫ييييي ييي‬
‫يييييي‬ ‫ييييي‬
‫يييي يييي يييييي‬
‫يييييي‬
‫يي‬ ‫ييي‬ ‫يييي‬
‫ييي ي‬ ‫يييييييي‬
‫يييي‬
‫ييي ييييي ييييي‬ ‫يييي‬
‫يييييي‬ ‫ي يييييييييي ي ي ي ي ي ي‬
‫يي‬‫ي‬
‫ييييي‬‫ييييييييي يي‬
‫يييييي‬ ‫يييي‬ ‫يييييييييييييي‬ ‫ييي‬
‫ييي ييييي‪.‬‬
‫يييي ييييي‬
‫ييييييي‬ ‫يي‬
‫ييييي‬ ‫ييييييي ييي‬
‫ييييي يييييي‬
‫يييي‬
‫يييييييي‬
‫يي ييييي‬
‫يييي‬ ‫يي‬
‫يييي‬ ‫يييييي ييي يي‬ ‫ييي‬
‫ييييي ييي‬
‫يييي يييي‬
‫يييييي‬ ‫ييي‬
‫ييييي‬ ‫ييييييي يي يييي‬ ‫ييي‬
‫يييييي ييي‬
‫ي ييييييييي ي ي ي ي ي ي ي ي‬
‫يي‬‫يي‬
‫ي‬ ‫ييييي ييييي‬
‫يييييي‬‫ييييي‬
‫يي‬
‫ي يييي ي ي " ي ي ي ي ي ي "‬
‫يي‬‫يي‬
‫يي‬‫ي‬ ‫ي يييييي"يي ي ي ي يي‬
‫يي‬‫يي‬
‫يي‬‫"‬
‫يييييييييي‬
‫ييي ييي يي‬ ‫يي‬
‫ييييي‬ ‫ييييييييي‬
‫ييييي‬ ‫ييي‬
‫ييييي‬
‫يييييييييي‬
‫يي يييييي‬ ‫يي‬
‫يييي‬ ‫ي يييي يييييي ي ي ي ي يي‬
‫يي‬‫يي‬
‫ي‬
‫ييييييي‬ ‫ييي ييييي‬
‫يييييي‬ ‫ييي‬ ‫يييييي‬ ‫يييي‬
‫يي ييي‬ ‫يييي‬
‫"ييييي"‬
‫يييييييي يي‬
‫ييييييييي‬
‫يييي‬ ‫ييييي يي ي يي‬
‫يي يي‬
‫يي يي‬
‫يي‬
‫ي يييييي ي ي ي ي ي ي ي ي‬
‫يي‬‫يي‬
‫ي‬ ‫يييييي ييييييي ييي‬
‫يي ييي‬
‫ي يي ي ي ي ي ي ي‬
‫يي‬‫يي‬
‫ي ي‬
‫يي‬‫يي‬
‫ي‬ ‫ييييييييي‬
‫ييييي ييييي‬
‫يي يي‬
‫يييي ييييي‬ ‫يييي‬
‫يييييي‬ ‫يي‬
‫يييي‬ ‫يييي‬
‫ييي‬ ‫يييييييي‬
‫ييي‬ ‫ييييي‬

‫‪- 66 -‬‬
‫ييي( ييييي يييييي‬ ‫ييي )‪119‬‬
‫يييي‬ ‫ييييي يي ييييي‬ ‫ييي‬
‫ييييي‬
‫شكل مولود مخلص قوة عسكرية من جنوده المتواجدين‬
‫معه ضمت )‪ (90‬جنديا ً و)‪ (100‬دركيا ً خيال ً ومابين ‪ /40/‬إلى ‪/‬‬
‫‪ /50‬دركيا ً مشاة‪ .‬مسلحين بالبنادق مع مدفعين صحراويين‬
‫ورشاشين من طراز ‪" ..‬فيكرس" إضافة إلى عدد من‬
‫المجاهدين من أهالي المدينة وأبناء العشائر من ريف‪ ،‬ومناطق‬
‫المحافظة‪ .‬وأصدر مولود مخلص قرارا ً بتسمية أمين العمري‬
‫قائدا ً لجبهة "الميادين"‪ ،‬وعين سليم الجراح قائدا ً للمجاهدين‬
‫من أبناء محافظة دير الزور)‪ .(120‬واتجهت القوة إلى الميادين‬
‫فوصلتها في ‪ /31/‬كانون الثاني‪ ،1920/‬وتمركزت جنوبها‪ .‬بعد‬
‫أن حولتها إلى جبهة للدفاع عنها‪ ،‬وعن باقي مدن دير الزور‬
‫ضد أي هجوم انكليزي محتمل‪ .‬حيث توقفت القوات النكليزية‬
‫كما قلنا في منطقة الصالحية التي تبعد عن مدينة البوكمال‬
‫مايقارب ‪ /35/‬كيلو مترًا‪.‬‬
‫وفي المدينة أعلن النفير العام وشكلت الكتائب من أهلها‬
‫حيث تسلحوا بالبنادق العثمانية والسيوف ومختلف السلحة‬
‫مدينتهم‪ .‬ضد أي هجوم مباغت يستغل خلو‬ ‫البيضاء للدفاع عن‬
‫المدينة من القوات)‪.(121‬‬
‫خيبة بريطانيا من مولود مخلص‪:‬‬
‫شعرت بريطانيا بخيبة المل بمولود مخلص‪ ،‬حيث سقط‬
‫حلمها بانتهاء الثورة برحيل رمضان شلش‪ .‬إل أن أعمال‬
‫مخلص أثبتت أنه ل يقل روحا ً ثورية ووطنية عن شلش‪ ،‬بل‬
‫راح يخطط إلى أبعد مما رسم رمضان‪ ،‬وطالب بتوسيع دائرة‬
‫الثورة لتشمل العراق بكامله‪ .‬ورفض العتراف بالحدود التي‬
‫رسمها مؤتمر الصلح بجعل الخابور حد ّا ً بين سورية والعراق‪.‬‬
‫كما رفض إعادة مدينة الميادين إلى الحتلل البريطاني‪ ،‬حيث‬
‫تقع ضمنه كما جاء في مؤتمر الصلح‪ ،‬وطالب باستعادة مدينة‬
‫البوكمال وعانة من الحتلل‪.‬‬
‫وصدر بيان بريطاني في ‪/16‬شباط‪ 1920/‬جاء فيه‪:‬‬
‫"يي ييي ييييي يييي يييي ييي ييييي ييييي‬
‫ييييي يييي ييييييييييييي يييييييي ييي ييي‬
‫ييييي ييييي ييي ييييييي ييييييييييييي ييييي‬
‫يييييييي يييي ييي ييي ييييييي ييي يييييييي‬
‫ييي ييييي يييييي‪ .‬ييي يي يييي ييييييي‬
‫ييييييي ييي يييي ييي يييييي يييييييي ييييي‬
‫يييييييي‪ .‬يييي ييي يي ييييي ييي يييي ييي‬
‫"يييي"‪. .‬‬
‫يييييي يييييي يييييي يي يييييييي‬
‫ييييييييي يييي يييي ييييي ‪ /20 /‬ييييييي‬
‫‪(122‬يييي ييي يييي‬ ‫يييييييي ييي يييييي‪ .‬يييييي‬
‫ي‪. )".‬‬ ‫ييي ييييييي يييييييييي ي‬
‫وخلل تواجد القوات البريطانية على طول الطريق‬
‫)( ببببب بب ببببب بببب ببببببب بببب )ببب بب ببببببب(ب ببب‬ ‫‪119‬‬
‫ببببب "ببببب"ب ببببب ببببببب بببب بببب بببببب‪.‬‬
‫)( ب‪.‬ببب بببببب ب ببببب بببببببب ب ب بببب ب ببب ببب ب بب بب‬ ‫‪120‬‬
‫ببببب ب ‪5‬ب ب ‪ 136‬ب ‪.135‬‬
‫)( ببب بببببب بببب ب بببب بببببب ب بببب ببببببب ببببببب ب‬ ‫‪121‬‬
‫بببب ب ببببب ‪ (40 -)39‬ب ب ‪.25‬‬
‫)( ببببب بببببب ب بببببب ب بببببب ب ببببب ‪ 16‬بببب ‪.1920‬‬ ‫‪122‬‬

‫‪-67 -‬‬
‫الواصل مابين القائم والصالحية‪ ،‬كانت غارات العشائر عليها‬
‫متواصلة‪ ،‬مما أرهقها ماديا ً ومعنويًا‪ .‬وكانت من أهم المعارك‬
‫التي حدثت أثناء تواجد تلك القوات في الصالحية معركة بين‬
‫العشائر والقوات البريطانية سميت بمعركة )النسورية(‪.‬‬
‫معركة النسورية‪:‬‬
‫وأطلق عليها )النسورية( نسبة إلى اسم الرض التي‬
‫حدثت فيها تلك المعركة‪ .‬فقد خططت العشائر المحيطة‬
‫بمنطقة الصالحية بالقيام بهجوم واسع على القوات البريطانية‬
‫المتواجدة على أرضهم‪ ،‬والتي كانت تستعد لهجوم على مدينة‬
‫الميادين والستيلء عليها‪ .‬لنها كما قلنا موضع نزاع حدودي مع‬
‫مولود مخلص‪ .‬فحشدت عشائر الدميم والشعيطات والمجاورة‬
‫قوات من أبنائها بقيادة شيخ الدميم فارس الصياح‪ ،‬الذي‬
‫خطط لمعركة مباغتة للقوات البريطانية التي تتحرك في‬
‫المنطقة مابين المجاورة والجلء‪ ..‬غربي "نهر الفرات"‪ ،‬والتي‬
‫كانت تواصل المدادات العسكرية والغذائية للقوات النكليزية‬
‫في الصالحية‪ .‬فكمنوا لهم في منطقة تدعى "النسورية"‪،‬‬
‫وحين مرت القافلة النكليزية خرج الكمين العشائري‪ .‬فدارت‬
‫رحى حرب ضروس بين الطرفين‪ ،‬تمكن فيها المهاجمون من‬
‫إلحاق هزيمة كبرى في القوات النكليزية وتكبيدها خسائر‬
‫كبيرة في الرواح والعتاد والمؤن‪ .‬كما أن القوات العشائرية‬
‫خسرت من طرفها أعدادا ً من الجرحى والقتلى‪ ،‬حيث بلغ عدد‬
‫شهداء تلك المعركة من العشائر مايزيد على أربعين مجاهدًا‪.‬‬
‫أثارت تلك المعركة حقد النكليز على أبناء المنطقة‬
‫بكاملها‪ ،‬فقامت القوات الجوية النكليزية بقصف القرى‬
‫الواقعة على طرفي النهر من الصالحية حتى البوكمال‪،‬‬
‫فزرعت الدمار والرعب في المنطقة‪ ،‬وذهب ضحية هذا‬
‫القصف العشوائي العديد من الضحايا‪ .‬بالضافة إلى خسائر‬
‫مادية في المنازل والمزارع‪ .‬ولشدة القصف الذي تعرض له‬
‫دان" نسبة‬ ‫أهالي المنطقة‪ ،‬أطلقوا على ذلك العام "سنة ال ّ‬
‫ومشاركة‬ ‫)‪(123‬‬
‫لضخامة ما ألقي عليها من قنابل من الطائرات‪،‬‬
‫المدافع البريطانية في قصف المنطقة بالقنابل‪.‬‬
‫لم تتوقف هجمات العشائر على القوات البريطانية على‬
‫الرغم من القصف الجوي والمدفعي على القرى والمدن‬
‫والمزارع‪ ،‬ولعب المجاهد مشرف الدندل دورا ً رئيسيا ً في‬
‫تحريض القبائل والعشائر لمهاجمة مراكز وتجمعات القوات‬
‫البريطانية‪ .‬وبرز في ميدان القتال قادة شجعان ومقاتلين‬
‫أرعبوا القوات النكليزية‪ ،‬فكانت أسماء مثل "الهامة" البطل‬
‫الشجاع وزميله "يوسف الحمدان"‪ ،‬وكان الول من عشيرة‬
‫الحسون‪ ،‬والثاني من عشيرة المشاهدة‪ ،‬ترعب القوات‬
‫النكليزية لما عرفا عنهما من بسالة وشجاعة وبطولة‪.‬‬
‫مع تواصل الهجمات في شتاء عام ‪ ،1920‬على شكل‬
‫غارات ليلية على معسكرات الجيش النكليزي‪ ،‬ظهر تطوران‬
‫في نفسيات الطرفين‪ .‬فالطرف العربي شعر بضعف القوة‬
‫النكليزية‪ ،‬وتبّين له أن هذا الجيش المرعب‪ .‬لم يكن سوى‬
‫جيش عادي‪ ،‬يمكن منازلته وإلحاق الهزيمة به‪ .‬فأصبح ل يهاب‬
‫أي نزال مع القوات النكليزية‪ .‬بل هو الذي يبادر في الهجوم‬
‫وإنزال الخسائر بها وأصبح يغنم من تلك القوات السلح‬
‫والمؤونة والمال‪.‬‬
‫أما الطرف النكليزي حين فقد هيبته في نفوس العرب‪،‬‬
‫)( بببب بببببب ب ببببب بببب ببب بببببب بببببب ب بببب بببب‬ ‫‪123‬‬
‫ب ب ‪.98 -97‬‬
‫‪- 68 -‬‬
‫وشعر بقدرة العشائر على مهاجمته‪ ،‬دون خوف من أسلحته‬
‫المتطورة‪ .‬جعلت الجندي النكليزي خائفا ً مرتعبا ً من أي غارة‬
‫ليلية قد تفقده حياته‪ .‬لهذا اختل التوازن بين القوى من الناحية‬
‫النفسية لصالح العرب‪ .‬بحيث جعلت من العشائر المغيرة على‬
‫أي معسكر إنكليزي ل ترى المواجهة القتالية محتملة‪ ،‬فكثيرا ً‬
‫ما تدخل إلى المعسكر‪ ،‬وتأخذ ما تريد من المؤن أمام أعين‬
‫الجند النكليز‪ ،‬الذين ل يحركون ساكنا ً في بعض الحيان‪.‬‬
‫هذه الهجمات والغارات أثارت قلقا ً لدى القيادة البريطانية‬
‫في العراق‪ ،‬وطالبت مولود مخلص بالعمل على إيقاف هذه‬
‫الهجمات المتكررة على الجيش البريطاني المتواجد في‬
‫الصالحية والمراكز المختلفة‪.‬‬
‫وطلب أرنولد ولسن من مولود مخلص بأن يعمل على‬
‫وقف الهجمات حتى يتم حل مسألة الحدود نهائيًا‪ ،‬إل أن مولود‬
‫اعتذر لولسن بأنه ل يستطيع أن يوقف غارات العشائر‪ ،‬فليس‬
‫لديه السيطرة عليها‪ ،‬وفي الوقت نفسه حذر مولود مخلص‬
‫ولسن‪ .‬من أن تقوم القوات النكليزية المرابطة في الصالحية‬
‫بأي هجوم على الميادين‪ ،‬وبأنه سوف يتصدى لها بقوة لمنعها‬
‫من دخول مدينة الميادين‪.‬‬
‫مم على منع القوات النكليزية‬ ‫فوجد ولسن بأن مولود مص ّ‬
‫من دخول الميادين‪ ،‬فطلب من وزارة الهند أن تسعى الحكومة‬
‫البريطانية لدى الحكومة العربية في دمشق بتغيير مولود‬
‫مخلص عن إدارة دير الزور‪ .‬وتسليمها إلى رجل أقل صلبة‬
‫وعنادا ً حيث جاء في برقية له في ‪ 25‬شباط ‪ 1920‬مايلي‪:‬‬
‫‪(124‬على إزاحة مولود‪ .‬والستعاضة عنه‬ ‫"حمل الحكومة العربية‬
‫بشخصية أقل عنادًا") ‪ ..‬كما أن الجنرال "هالدن" قائد‬
‫القوات البريطانية قد أرسل في ‪ 11‬شباط ‪ ،1920‬برقية إلى‬
‫وزارة الحربية البريطانية ُيعلمها أن مولود مخلص أصبح يهدد‬
‫الوجود البريطاني في منطقة الميادين والبوكمال‪ ،‬ويطلب هو‬
‫‪(125‬استبداله‬‫على‬ ‫الخر بالضغط على الحكومة العربية في دمشق‬
‫)‬
‫بشخص آخر أقل ثورية‪ ،‬وعداءا ً للوجود البريطاني‪.‬‬
‫إل أن المير فيصل وحكومته في دمشق لم تستمع على‬
‫مايبدو للنصائح البريطانية وضغوطها لستبدال مولود مخلص‪،‬‬
‫بل أبقته الحكومة العربية حاكما ً عسكريا ً لدير الزور‪ ،‬وعززت‬
‫هذا الموقف إصدار المير فيصل مرسوما ً بتشكيل لواء دير‬
‫م ما تحرر من متصرفية دير‬ ‫الزور في "‪ 3‬شباط ‪ ،"1920‬ض ّ‬
‫الزور ملحقا ً به قضاء الرقة‪ .‬إضافة إلى منطقة الجزيرة التي‬
‫هي في الساس تابعة لدير الزور‪ .‬واستمر مولود مخلص حاكما ً‬
‫عسكريا ً مدنيا ً لدير الزور حتى عين أول متصرف عربي للواء‬
‫دير الزور‪ ،‬في أواسط أيار ‪ 1920‬السيد مصطفى بك‬
‫‪(126‬الداري المدني فيها‪ .‬في حين كان‬ ‫عمله‬
‫ً)‬
‫القنواتي‪ .‬حيث بدأ‬
‫مولود حاكما ً عسكريا‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪.F.O - 371 -5-28-E-1393- 25 February 1920 () 124‬‬


‫‪125‬‬ ‫)(‬
‫‪F. o. 371 - 5128- E - 282 - To Waroffice - 11- Febeuary - 1920.‬‬
‫‪ () 126‬بب ب ببب ببب بب بب ب بب ب بب ببب ب ببب بب ببب ببب ب ببب ب‬
‫ببببببب‪ .‬بببب بببب ب ‪.25‬‬
‫‪-69 -‬‬
‫الفصل الرابع عشر‬

‫أزمة داخلية تواجه الثورة‬


‫التحاق الضباط والجنود العراقيين‬
‫دعا مولود مخلص كافة الضباط والجنود العراقيين‬
‫المتواجدين في سورية إلى اللتحاق بالثورة في دير الزور‪ ،‬من‬
‫أجل تشكيل جيش نظامي لتحرير العراق‪ ،‬ورأى أن وجود‬
‫ضباط وجنود نظاميين بين العشائر المحاربة‪ ،‬يحسن في‬
‫الهجوم والدفاع والغارة على القوات النكليزية‪ .‬واعتبر مولود‬
‫الجنود والضباط العراقيين عليهم تقع المسؤولية الولى في‬
‫تحرير بلدهم من الحتلل النكليزي‪.‬‬
‫وفعل ً ترك عدد من الجنود العراقيين والضباط عملهم‬
‫ضمن تشكيلت الجيش العربي في سورية‪ .‬والتحقوا بالجيش‬
‫الذي بدأ يتكون في دير الزور بقيادة مولود مخلص‪ ،‬قدرت‬
‫على ‪ /300/‬جندي‪ .‬ومن‬ ‫أعداد الملتحقين من الجنود بما يزيد‬
‫ً )‪(127‬‬
‫الضباط مابين ‪ 30‬إلى ‪ 40‬ضابطا‪.‬‬
‫إل أن عددا ً منهم كان يظن أن مولود يملك أموال طائلة‬
‫ً‬
‫ستصرف عليهم‪ ،‬فجاؤوا بطمع مادي ل وطني‪ .‬إل أن اليام‬
‫بخّرت تلك الحلم‪ ،‬فعرفوا أن مولود ل يملك مال ً ول ذهبا ً كما‬
‫هم يتصورون‪ ،‬بل هو شخص قومي أرادهم من أجل تحرير‬
‫بلدهم من خلل حسهم الوطني والقومي‪ .‬ويتبين أن الوعي‬
‫الوطني والقومي لدى هؤلء لم يكن إلى الدرجة التي تجعل‬
‫منهم يضحون في سبيل وطنهم بأنفسهم‪ ،‬دون أية مكاسب‬
‫مادية‪.‬‬
‫متاعب رمضان‬
‫حين شعر عدد من الجنود والضباط بأن مولود ل يملك‬
‫مايحلمون من مال‪ ،‬قاموا بأعمال مشينة في دير الزور في‬
‫أواخر شباط عام ‪ ،1920‬حيث قاموا بالعتداء على المواطنين‬
‫لسلبهم أموال ً أو مواد عينية‪ .‬وشكلوا دوريات عسكرية أقامت‬
‫حواجز على الطريق العام‪ ،‬ليقاف المسافرين وسلبهم‬
‫أموالهم‪ ،‬وخاصة الذهب‪ ،‬بحجة منع التهريب من سورية إلى‬
‫العراق‪ .‬مما أغاظ الناس في المدينة‪ .‬الذين عبروا لمخلص‬
‫)( بببب بب بب بببب بب ب بببب ب بببب بب ببببببب ب ب بب ببب ب‬ ‫‪127‬‬
‫‪ 1923‬ب ب ‪.125‬‬
‫‪- 70 -‬‬
‫عن استيائهم من هذه التصرفات السيئة‪ .‬وبسبب هذه‬
‫الممارسات سقطت سمعتهم داخل المدينة)‪ ،(128‬مما أساء‬
‫لتكوين الجيش الذي بدأ مولود مخلص إعداده‪ ،‬كما زرع‬
‫الخوف في قلوب المسافرين خاصة الذين يملكون ُمال ً وذهبا ً‬
‫من المصادرة مما أنشأ أزمة حادة بين مولود والمتمردين عليه‬
‫‪.‬‬
‫أزمة مع المتمردين ورمضان شلش‪:‬‬
‫كانت التجارة الدولية والعربية تمر مابين سورية والعراق‬
‫على طريق )حلب ـ دير الزور ـ بغداد( مرورا ً على ضفاف‬
‫الفرات منذ العصور القديمة‪ ،‬حيث أطلق عليه الرومان طريق‬
‫الفرات‪ .‬وعلى مر العصور والنظمة بقي طريق النهر طريق‬
‫التجارة‪ ،‬وحتى نهاية السلطنة العثمانية‪ .‬ولكن بعد الحتلل‬
‫البريطاني للعراق‪ .‬وإقامة الحكومة العربية في سورية‪ .‬أصبح‬
‫نقل البضائع والموال ‪/‬تهريبًا‪ ،/‬حيث أقيمت حدودا ً لم تكن‬
‫موجودة عبر التاريخ إل في عام ‪ .1919‬فظهرت مسألة تهريب‬
‫الذهب من سورية إلى العراق إحدى المسائل المستعصية‬
‫للمحتل وللدولة السورية‪ .‬ورغم القوانين الجمركية لم تتوقف‬
‫عمليات التهريب للذهب‪ ،‬وحتى بعد تحرير دير الزور من‬
‫الحتلل البريطاني‪ .‬لهذا أصدرت حكومة فيصل في دمشق حل ً‬
‫لمسألة تهريب الذهب‪ .‬حيث قررت مصادرة الذهب المهرب‬
‫من تجار التهريب أو الشخص المهرب له‪ ،‬واستبداله بالعملة‬
‫المصرية الورقية‪ ،‬وإعادة هذا المال لصاحب الذهب مع فرض‬
‫غرامة عليه بحسم ‪ /%10/‬من كمية المال المقدرة لقيمة هذا‬
‫الذهب‪.‬‬
‫وحدث أن صادرت شرطة دير الزور في أواخر شباط‬
‫‪ 1920‬كمية من الذهب‪ ،‬كانت في سيارة قادمة من دمشق‬
‫قدرت بسبعين ألف ليرة ذهبية‪ ،‬وهي ثروة دولة صغيرة أو‬
‫إمارة في ذلك الوقت‪ .‬سال لعاب عدد من القادة والجنود‬
‫العراقيين مع زعماء العشائر المتواجدين في المدينة‬
‫لهذاالذهب‪ .‬وطالبوا بأن يوزع عليهم‪ ،‬إل أن مولود مخلص‬
‫رفض وذلك بصفته حاكما ً عسكريا ً يمثل الحكومة العربية‪.‬‬
‫وعمل على تطبيق قانون الحكومة العربية حول هذه المسألة‪،‬‬
‫فاستبدل الذهب بالعملة المصرية‪ ،‬وحسم عشرة بالمئة من‬
‫قيمته لصالح الدولة العربية‪ ،‬تطبيقا ً للقانون‪ .‬فثارت حفيظة‬
‫الجنود والضباط المغامرين والذين كانوا في الحقيقة وبال ً على‬
‫مولود والثورة‪ .‬ورفضوا الجراء القانوني‪ .‬وطالبوا بأن يأخذوا‬
‫الذهب بالقوة‪ ،‬فنشب خلف بين الطرفين حول أحقية لمن‬
‫الذهب‪ .‬للدولة أم للمتمردين وزعماء العشائر؟…‬
‫وفي ذروة هذا الخلف بين مولود وعدد من الجنود‬
‫والضباط وزعماء العشائر‪ ،‬وصل رمضان شلش إلى دير الزور‬
‫قادما ً من دمشق‪ .‬وحين علم بقصة الذهب أراد استغلل هذا‬
‫الخلف لصالحه‪ ،‬وتصفية الحساب مع مولود مخلص‪ ،‬فوقف‬
‫إلى جانب المطالبين بتوزيع الذهب‪ .‬مما عزز موقف‬
‫المتمردين في مواجهة مولود‪ .‬كما أن مولود وجد مساندة من‬
‫قبل عدد من الضباط والجنود العراقيين الوطنيين‪ ،‬ومن‬
‫المنتمين حقا ً لحزب العهد‪ ،‬وأيضا ً من وجهاء المدينة وأهلها‬
‫والوطنيين فيها‪ .‬فرفض مولود رفضا ً قاطعا ً التنازل عن موقفه‬
‫القانوني‪ ،‬ويذكر محمد طاهر العمري‪" :‬أن الوقاحة بلغت‬
‫برمضان ومن أتباعه من العراقيين أنهم أرادوا قتل مولود‬
‫وتنصيب رمضان مكانه‪ .‬وكادوا يفعلون ذلك لو لم يتدخل بعض‬
‫)( بببب بببب بببببب ب بببببب بببببب بببببببب ب بببب ب ببب‬ ‫‪128‬‬
‫ب ب ‪ 3‬ب ب ‪ 365‬ب ‪.366‬‬
‫‪-71 -‬‬
‫المخلصين من العراقيين ويحولوا دونه")‪.(129‬‬
‫واجه الموقف غير اللئق من رمضان استياًء شديدا ً من‬
‫قبل الوطنيين‪ ،‬ووجهاء المدينة‪ ،‬والمواطنين‪ .‬على الرغم من‬
‫أن المدينة قد تغاضت عن الساءة السابقة‪ ،‬لما قدم رمضان‬
‫من فعل وطني في تحرير دير الزور‪ ،‬إل أن هذه الحادثة أدت‬
‫دي مع‬ ‫إلى ظهور شعور بالغضب وعدم رضا الجميع لموقفه الن ّ‬
‫مولود مخلص من أجل الذهب المصادر‪ .‬ومحاولته إعادة‬
‫زعامته والتخلص من مولود مخلص على حساب الثورة‪.‬‬
‫أما كيف عاد رمضان بعد إقصاءه إلى دير الزور‪ ،‬فيبدو أن‬
‫المير فيصل أراد أن ُيعّزز به موقف الثورة‪ .‬ويدعم وضع مولود‬
‫مخلص‪ ،‬من خلل علقات رمضان مع العشائر المحيطة بدير‬
‫الزور‪ ،‬وكونه شيخ عشيرة البوسرايا الواسعة النتشار في‬
‫شمال دير الزور‪ .‬ويذكر رمضان في مذكراته أنه حين غادر دير‬
‫الزور ووصل إلى قرية جيرور‪ ،‬أرسل شقيقه حمد إلى المير‬
‫فيصل يخبره بقدومه‪ ،‬فأرسل فيصل جميل مردم إليه‪".‬حيث‬
‫أبلغوني سلم جللته وأن أحضر إلى دمشق بأمان‪ .‬وبالفعل‬
‫كان المير قد هيأ جناحا ً خاصا ً لضيافتهم‪ ،‬وأنا أنزلني عند جميل‬
‫مردم‪ .‬وبعد ذلك طلبني بصورة سرية في دار طبيبه الخاص‬
‫ي‪.‬‬
‫الدكتور قدري‪ ،‬وبعد أن أفهمته بحركتي وأعمالي‪ ،‬أثنى عل ّ‬
‫المستعمرين وزودني‬ ‫وقال لي‪ :‬يجب أن تداوم على عملك ضد‬
‫بالمال والسلح‪ .‬وعدت إلى دير الزور"‪ (130).‬إل أن رمضان وجد‬
‫الفرصة سانحة للنتقام من مولود‪ .‬ومن خصومه الذين أقصوه‪،‬‬
‫فكانت مسألة الذهب التي وجدها حين وصل إلى دير الزور‬
‫تتأزم بين مولود وعدد من العراقيين‪ ،‬فأراد استغللها لتصفية‬
‫حساباته‪ .‬إل أن هذا العمل كاد يودي بالثورة ويعرضها للنتكاس‬
‫والفشل‪.‬‬
‫وخلل الزمة حصل أصحاب الذهب على قرار من حكومة‬
‫فيصل يسمح لهم باستعادة أموالهم‪ ،‬بعد تطبيق القانون عليها‪،‬‬
‫وأعاد مولود الذهب لصحابه بعد أن خصم ‪ %10‬من قيمته‬
‫لصالح الحكومة العربية‪ ،‬مما أغضب الطامعين به‪ .‬فحاول‬
‫مولود استمالة رمضان إليه فأعطاه ثلثة آلف ليرة عثمانية‪ ،‬إل‬
‫مخلص‪ ،‬ويضع العراقيل‬ ‫أن رمضان شلش بقي ُيعادي مولود‬
‫أمام خططه في اتجاه تعزيز الثورة‪.(131).‬‬
‫إبعاد رمضان مرة ثانية عن دير الزور‪:‬‬
‫في الوقت الذي كانت الثورة بحاجة ماسة إلى وحدة‬
‫الصف وإلى موقف موحد ضد الحتلل البريطاني للعراق‪ ،‬وإلى‬
‫مساندة مولود لتحقيق أهداف حزب العهد العراقي‪ ،‬والنتباه‬
‫إلى وضع القوات النكليزية التي تستعد لحتلل مدينة‬
‫الميادين‪ .‬كان النزاع مع رمضان والمتعاونين معه يفسد كثير‬
‫من الخطط المرسومة‪ .‬وخاصة أن رمضان وأنصاره تعدوا‬
‫الخط الحمر في أعمالهم‪ .‬ففي حين كانت جبهة الميادين التي‬
‫أشرنا إليها‪ .‬تستعد لمواجهة القوات النكليزية قام رمضان‬
‫شلش بإرسال مجموعة من أنصاره لقطع الهاتف بين الجبهة‬
‫والقيادة في دير الزور‪ ،‬وتخريب خطوط المواصلت بين‬
‫الطرفين‪ .‬مما أثار حنق الثوار ومولود مخلص شخصيًا‪ ،‬فطلب‬
‫من رمضان ومجموعته عدم المساهمة في جبهة الميادين‪،‬‬
‫)( بببب بببب بببببب ب بببببب بببببب بببببببب ب بببب ب ببب‬ ‫‪129‬‬
‫ب ‪ 3‬ب ب ‪.371‬‬
‫)( بببببب ببببب بببببب ب بببب بببب ب ب ‪.64 -63‬‬ ‫‪130‬‬

‫)( ببببب ببببببب ب بببببب ببببببب بببببب ب بببب ب ب ‪1938‬‬ ‫‪131‬‬


‫ب ب ‪ 2‬ب ب ‪.54‬‬
‫‪- 72 -‬‬
‫والخروج من دير الزور وعدم دخولها)‪ .(132‬وكان لهذا القرار‬
‫أثره على رمضان وأنصاره‪ .‬فاشتدت الزمة بين مولود‬
‫ومخلص‪.‬‬
‫ومن حسن حظ الثورة أن جاء إلى دير الزور العقيد علي‬
‫جودت اليوبي وهو من قادة حزب العهد العراقي‪ ،‬ومن الذين‬
‫شاركوا في الثورة العربية‪ ،‬وله مركز مرموق في النظام‬
‫الفيصلي في دمشق‪ .‬فتدخل بين الطرفين لصلح البين‪.‬‬
‫وإعادة اللحمة بين قوى الثورة‪ ،‬ويقول في مذكراته‪"..‬فبذلنا‬
‫أقصى الجهد لصلح ذات البين فلم ننجح‪ ،‬فارتأينا إبعاد رمضان‬
‫ل‪ ،‬ولكنه كان مصّرا ً على البقاء فيها‪ ،‬ول‬‫شلش عن المنطقة أو ً‬
‫يريد النفكاك عنها‪ ،‬فاضطررنا إلى الستعانة بالملك فيصل‪.‬‬
‫وأعلمناه بالوضع السائد في منطقة دير الزور‪ ،‬والتمسنا من‬
‫جللته باسم المصلحة العامة أن يستدعي رمضان شلش إلى‬
‫ل‪ .‬وأن يبقيه فيها مدة مناسبة أن أمكن ذلك‪.‬‬ ‫الشام أو ً‬
‫كما اقترحنا على جللته أن يستدعي مولود مخلص الذي‬
‫أنجز من العمال الوطنية مايشكر عليها‪ ،‬وأن يعين متصرفا ً‬
‫الدارة التي تحتاج إليها المنطقة‪ .‬فأجاب فيصل‬ ‫مدنيا ً لتنظيم‬
‫التماسنا فورًا"‪.(133).‬‬
‫إضافة إلى خلفات رمضان شلش مع مولود مخلص‪ ،‬كانت‬
‫أيضا ً القيادة البريطانية بدورها قد غضبت من عودة رمضان‬
‫إلى دير الزور‪ ،‬واعتبرته نكثا ً للوعد الذي قطعه فيصل لها‬
‫بإبقاء رمضان في دمشق‪ ،‬ومحاسبته على ما أقدم عليه في‬
‫دير الزور في ‪ 11‬كانون الول ‪ 1919‬بحق قواتها‪ .‬فأبرق‬
‫ولسن إلى وزارة الهند في ‪ 24‬آذار ‪ 1920‬يعلمها بأن رمضان‬
‫لم يعتقل من قبل فيصل‪ ،‬وعاد إلى دمشق‪ ،‬وهو يعمل مع‬
‫مولود في دعم جبهة الميادين‪ ،‬ورفض إعادة القوات البريطانية‬
‫المحتلة إليها‪ ،‬فقد جاء في نص البرقية‪ ..":‬إن رمضان شلش‬
‫لم يعتقل قط‪ .‬وقد عاد الن إلى الميادين‪ .‬وهو يسمى زعيم‬
‫الحزب العربي‪ .‬وذلك بالتواطؤ‪.‬إن لم يكن بالمساعدة الفعالة‬
‫مولود باشا في دير الزور الذي هو مرشح فيصل‬ ‫من جانب‬
‫أيضًا…")‪.(134‬‬
‫وباستدعاء فيصل لرمضان شلش إليه مرة أخرى انتهت‬
‫أخطر أزمة مرت بها الثورة في دير الزور‪ ،‬والتي بدأت في‬
‫تحولتها الثورية التي غيرت وجه المنطقة‪.‬‬
‫اشـــتداد العمليـــات العســـكرية والعشـــائرية ضـــد‬
‫النكليز‪:‬‬
‫تصاعدت العمليات القتالية ضد القوات البريطانية في شهر‬
‫آذار ‪ 1920‬من قبل القوات العشائرية‪ ،‬التي بدأت تتعزز بما‬
‫يرسله حزب العهد ومولود مخلص إليها من الضباط والجنود‬
‫العراقيين‪ ،‬لتنظيم العمليات القتالية‪ ،‬ووضع الخطط الهجومية‪،‬‬
‫وإقامة الكمائن للقوافل العسكرية‪ ،‬وتحسين أساليب القتال‬
‫في مواجهة القوات النكليزية النظامية‪ .‬ومن أبرز هذه‬
‫العمليات التي جرت في منطقة البوكمال بقيادة المجاهد‬
‫مشرف الدندل‪ .‬حيث استطاعت قواته إسقاط طائرة‬
‫بريطانية‪ ،‬سقطت بالقرب من بلدة القائم‪" ..‬حصيبة" وهي تقع‬
‫الن محاذاة الحدود السورية العراقية قرب مدينة البوكمال‪،‬‬
‫)( ببببب ببببببب ب بببببب ببببببب بببببب ب بببب ب ب ‪1938‬‬ ‫‪132‬‬
‫ب بببب بببب ب ب ‪ 2‬ب ب ‪.55 -53‬‬
‫)( ببب بببب ب "بببببب"ب ببببب ب ‪1967‬ب ب ‪.94‬‬ ‫‪133‬‬

‫)( ‪.F . o . 371 - 5129 - E 2811-24- march 1920‬‬ ‫‪134‬‬

‫‪-73 -‬‬
‫وأدى سقوط الطائرة إلى مقتل طيارها وضابط بريطاني كبير‬
‫فيها برتبة "كولونيل" عقيد‪ .‬ونجح كمين نصب لقافلة عسكرية‬
‫بريطانية‪ ،‬في إحداث خسائر كبيرة فيها‪ ،‬حيث قتل معظم‬
‫جنودها‪ ،‬واستولى الثوار على أربع سيارات مصفحة إنكليزية‬
‫تحمل رشاشات‪ .‬ونجح كمين آخر لقافلة من الجند النكليزي‬
‫كانت تعبر ‪/‬وادي علي‪ /‬بين البوكمال وبلدة القائم العراقية‬
‫خسائر جسيمة في الجنود النكليز حيث قتل‬ ‫حاليًا‪ ،‬في إحداث‬
‫ً‬
‫‪ .‬فأثارت هذه الخسائر رعبا في أوساط‬ ‫ً)‪(135‬‬
‫منهم ‪ /129/‬جنديا‬
‫الجنود النكليز‪ ،‬وحنق القيادة البريطانية في العراق‪ .‬فدعا كل‬
‫من أرنولد ولسن الحاكم العام البريطاني في بغداد وقائد‬
‫قواته الجنرال هالدن إلى تقديم طلب سريع لوزارة الحرب‬
‫البريطانية بضرورة استخدام الطيران الحربي لقصف مدينة‬
‫دير الزور وقراها‪ ،‬إل أن وزارة الحرب البريطانية اعتذرت عن‬
‫استخدام الطيران الحربي في مناطق الحكم العربي‪ .‬وبل‬
‫استخدامه في مناطق الحتلل البريطاني ضد العشائر‬ ‫يمكن‬
‫الثائرة)‪ (136‬ضمن الحدود العراقية‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪ () 135‬بببب بببب ب ببببب ببببببب بب بببببب بببببب ب بببب بببب‬


‫ب ‪.26‬‬
‫‪136‬‬ ‫)(‬
‫‪F . o- 371 - 5128- E - 1106 - to . G. H. Q . Baghdad . 6. March 1920‬‬
‫‪- 74 -‬‬
‫الفصل الخامس عشر‬

‫قيادة جديدة للثورة‪.‬‬


‫المؤتمر العراقي‪:‬‬
‫لم يكن العمل العسكري وحده الخيار الوحيد أمام حزب‬
‫العهد العراقي‪ ،‬بل عمل على كافة الخيارات الخرى‪ ،‬لتحقيق‬
‫أهدافه في سبيل استقلل العراق‪ ،‬وإنشاء حكومة عربية وطنية‬
‫فيه‪ .‬لهذا دعا إلى مؤتمر عام عراقي يضم كل القوى الوطنية‬
‫أحزابا ً وهيئات وشخصيات في العراق يعقد في دمشق‪ ،‬في‬
‫نفس الفترة الزمنية التي يعقد فيها المؤتمر السوري العام‪.‬‬
‫وفعل ً تزامن انعقاد المؤتمر العراقي مع المؤتمر السوري‪،‬‬
‫وفي نفس المدينة ‪/‬دمشق‪ /‬العاصمة العربية‪ ،‬التي تتواجد فيها‬
‫حكومة عربية متحررة‪ .‬وذلك في ‪ 7‬آذار ‪.1920‬‬
‫ومن الشخصيات التي حضرت المؤتمر من بغداد‪ :‬الفريق‬
‫جعفر العسكري ـ العقيد سعيد الشيخلي ـ المقدم تحسين علي‬
‫ـ المقدم اسماعيل الصفار ـ المقدم سامي الورفلي ـ النقيب‬
‫فرج عماره ـ ناجي السويدي ـ توفيق السويدي ـ يونس وهبي ـ‬
‫حميد صدر الدين ـ أحمد رفيق ـ نوري القاضي ـ رشيد‬
‫الهاشمي ـ صبيح نجيب ـ رضا الشبيبي ـ محمود أديب ـ عزت‬
‫الكاظمي ـ عبد اللطيف الفلحي ـ توفيق الهاشمي ـ محمد‬
‫خيري‪.‬‬
‫ومن الموصل‪ :‬العقيد علي جودت اليوبي ـ العقيد عبد الله‬
‫الدليمي ـ العقيد جميل المدفعي ـ مكي الشربتي ـ إبراهيم‬
‫توحله ـ ثابت عبد النور ـ أسعد صاحب ـ الحاج محمد خيري‪.‬‬
‫)‪.(137‬‬
‫وقد غابت عن المؤتمر شخصيتان عراقيتان هامتان‬
‫الول‪/ :‬الفريق ياسين الهاشمي‪ ./‬الذي كان في المعتقل‬
‫النكليزي في الرملة‪ ،‬والثاني ‪/‬نوري السعيد‪ /‬الذي كان وقتها‬
‫في أوروبا‪ .‬ويلحظ عدم تمثل كل من البصرة ومتصرفية دير‬
‫الزور‪ .‬حيث أن المدينة "دير الزور" ُأعترف بها تابعة للحكومة‬
‫العربية في دمشق‪ .‬أما بقية مناطقها فإن النكليز كانوا يصرون‬
‫على بقاء الميادين والبوكمال‪ .‬ضمن العراق الذي يحتلونه‪.‬‬
‫وأهم قرارات المؤتمر كان إعلن "استقلل العراق"‪،‬‬
‫)( ب‪.‬بببب بببب ببب بببب ب بببببب بببببببب ب بب بب ب ببب ب ب‬ ‫‪137‬‬
‫‪.171‬‬
‫‪-75 -‬‬
‫عليه‪ ،‬والتحاد بين سورية‬ ‫وتنصيب المير عبد الله ملكا ً‬
‫والعراق على أساس فدرالي)‪.(138‬‬
‫مقابلة هامة مع الملك فيصل‪:‬‬
‫بعد المؤتمرين العراقي والسوري‪ ،‬رفضت بريطانيا‬
‫وفرنسا مقررات كل المؤتمرين‪ ،‬واعتبرتهما مخالفين لسياسة‬
‫مؤتمر الصلح‪ ،‬التي ستقرر بعدانتهاء أعماله مصير سورية‬
‫والعراق‪ .‬ففي برقية أصدرتها وزارة الخارجية البريطانية في‬
‫‪ 13‬آذار ‪ 1920‬إلى مندوبها السامي في مصر طلبت منه‪..‬‬
‫إبلغ فيصل على الفور بأن‪ ..‬حكومة صاحب الجللة ل تستطيع‬
‫العتراف بحق مؤتمر دمشق‪ ..‬في تحديد مستقبل سورية‪ ،‬أو‬
‫فلسطين‪ ،‬أو الموصل أو مابين النهرين‪ .‬إن هذه القطار قد‬
‫انتزعت من التراك على يد الجيوش الحليفة‪ ،‬وأن مستقبلها‪،‬‬
‫الذي هو مطروح الن أمام مؤتمر الصلح‪ ،‬ل يمكن أن تحدده إل‬
‫الدول الحليفة بالتفاق مابينها‪ .‬إن "حكومة صاحب الجللة‪ ،‬ل‬
‫تستطيع بأي حال أن تعترف لهيئة تأسست من تلقاء ذاتها‪.‬‬
‫بالحق في تنظيم هذه المور‪ ،‬وأن حكومة صاحب الجللة سوية‬
‫مع الحكومة الفرنسية‪ ،‬مضطرة إلى القول بأنها تعتبر هذه‬
‫للمير‬ ‫الجراءات باطلة ولغية‪ ..‬ينبغي عليكم تجديد الدعوة‬
‫فيصل للعودة إلى أوربا وطرح قضية أمام مؤتمر الصلح")‪.(139‬‬
‫أدرك العرب في سورية والعراق أن بريطانيا وفرنسا‬
‫تسعيان لتحقيق أهدافهما في فرض النتداب على كل البلدين‪.‬‬
‫ناكثتان بكل المواثيق والعهود التي قطعتهما للعرب قبل الثورة‬
‫العربية‪ ،‬وأثناء فعالياتها العسكرية‪ .‬فذهب كل من العقيد علي‬
‫جودت اليوبي والعقيد جميل المدفعي وثابت عبد النور إلى‬
‫الملك فيصل ليبلغوه نيتهم في الذهاب إلى دير الزور‪،‬‬
‫ويستأذنوه في ذلك‪ .‬ويقول علي جودت في مذكراته حول تلك‬
‫المقابلة‪ ..‬قلنا له‪ :‬إننا التحقنا بثورة الملك حسين في الحجاز‪..‬‬
‫فحاربنا‪ ..‬وضحينا حتى وصلنا إلى سورية‪ .‬وكلنا أمل في أن‬
‫نحصل على أهدافنا‪ ،‬ثم تبين لنا مع السف‪ ..‬أن الحلفاء الذين‬
‫آزرناهم في أحلك أيامهم‪ .‬قد تنكروا لنا‪ ،‬واقتسموا بلدنا‪ .‬أما‬
‫نحن فعرفنا ل ملجأ لنا‪ ،‬ول مأوى‪ .‬وبدأنا نشعر بأننا غرباء‪ ،‬غير‬
‫مرغوب فيهم‪ .‬ولهذه السباب قررنا الذهاب إلى دير الزور‬
‫لمحاربة النكليز الذين نكثوا بعهودهم للعرب‪ .‬فإما ننجح في‬
‫مسعانا أو نموت دونه"‪.‬‬
‫فأخذ الملك فيصل يناقشهم في هذا المر‪ .‬حيث ذكر لهم‬
‫صعوبة قيامهم بمحاربة دولة قوية كبريطانيا‪ ،‬وطلب منهم‬
‫التريث لكي ل يضطرهم الموقف على مواجهة عدوين قويين‬
‫في آن واحد "أي بريطانيا وفرنسا"‪ .‬فرد عليه الثلثة قائلين له‪:‬‬
‫"أن الروس والتراك مستعدون لمساعدة أية حركة مناوئة‬
‫لبريطانيا‪ ،‬وأن من الممكن الحصول على المال والسلح منهم‬
‫وطلبوا منه أن يمدهم هو أيضا ً بالمال والسلح‪ .‬وأن يسمح‬
‫لخيه زيد بالذهاب معهم ليكون رمزا ً للثورة‪.‬‬
‫وبعد أخذ ورد‪ ،‬وافق الملك فيصل على إمدادهم‪ ،‬غير أنه‬
‫امتنع عن إرسال زيد معهم‪ ،‬لن ذلك يعني إشهار الحرب على‬
‫في وضع ل يساعده على معاداتهم في‬ ‫)‪(140‬‬
‫النكليز‪ ،‬بينما هو‬
‫الوقت الحاضر"‪.‬‬
‫لم يكن هؤلء الثلثة فقط يشعرون بالحباط وفقدان المل‬
‫والغربة فقط‪ ،‬بل هو لدى معظم الضباط العراقيين‪ ،‬وخاصة أن‬
‫بببببب بببببب‪ :‬ب ‪171‬‬ ‫)(‬ ‫‪138‬‬

‫بببببب بببببب ب ب ‪.173‬‬ ‫)(‬ ‫‪139‬‬

‫ببب ببببب )ببببببب ببببب ‪1967‬ب بببب ببببب ب ‪.92 -90‬‬ ‫)(‬ ‫‪140‬‬

‫‪- 76 -‬‬
‫بعض المتطرفين من حزب العهد السوري كانوا يشعرونهم‬
‫أنهم يحتلون أماكنهم‪ .‬وهم أحق بها منهم‪ ،‬لهذا جاء اليعاز من‬
‫قبل حزب العهد العراقي للضباط العراقيين في سورية‪،‬‬
‫القضية العراقية‪ .‬وكان الملك‬ ‫بالتوجه إلى دير الزور‪ .‬لخدمة‬
‫فيصل في السّر يشجع ذلك‪.(141).‬‬
‫وقبل أن يغادر علي جودت ورفيقاه دمشق إلى دير الزور‪،‬‬
‫منحهم الملك فيصل مبلغا ً من المال من أجل الثورة قدر بثلثة‬
‫آلف جنيه مصري‪ ،‬وسمح لهم سرا ً بالذهاب إلى مخازن‬
‫السلح في إحدى القطع العسكرية العربية لخذ ما يريدون من‬
‫‪(142‬للثورة‪ ،‬حيث حملوها بالعربات‪ ،‬وأرسلوها إلى‬ ‫وعتاد‬
‫)‬
‫أسلحة‬
‫دير الزور‪.‬‬
‫أما لماذا لم يرسل الملك فيصل أخاه المير زيد على رأس‬
‫الحملة إلى دير الزور؟‪ ،‬فهي حسابات سياسية‪ .‬كان الملك‬
‫فيصل بارعا ً فيها‪ .‬فهو على الرغم من معرفته التامة بالنوايا‬
‫الستعمارية لبريطانيا في البلد العربية‪ ،‬فإنه كان يحاول أن‬
‫يكسبها إلى صفه في معركته ضد الضغط الفرنسي لفرض‬
‫النتداب على سورية‪ ،‬الذي هو ملكها‪ .‬ويعرف جيدا ً وجود‬
‫بريطانيا أو جزءا ً من قادتها أو سياسيها إلى جانبه‪ ،‬وخاصة‬
‫مكتب القاهرة‪ ،‬مسألة هامة ومصيرية في مباحثاته في أوروبا‬
‫مع لندن وباريس‪.‬‬
‫ً‬
‫أما زيد الذي كان كما قلنا راغبا في إمارة أو مملكة له‪،‬‬
‫وخاصة لمتصرفية دير الزور وولية الموصل كما اقترح لورنس‪.‬‬
‫يبدو أنه كان راغبا ً في الذهاب إلى دير الزور ليكون على رأس‬
‫الثورة‪ .‬ردا ً على رفض وزارة الهند البريطانية وارلوند ولسن‬
‫الحاكم البريطانيا في بغداد الرافضين لهذا المقترح المقدم من‬
‫الكولونيل لورنس‪ .‬ولكن زيد في الوقت نفسه لم يترك المور‬
‫دون تبيان دوره في الثورة من خلل إمداد حزب العهد‬
‫العراقي بالمال‪ ،‬فقد أعطى الحزب مبلغا ً من المال قدر‬
‫آلف جنيه مصري‪ ،‬لكي تصرف على الثورة في دير‬ ‫بخمسة‬
‫الزور‪ .(143).‬وهذا ماقاله تحسين العسكري الذي كان مديرا ً‬
‫لشرطة دير الزور أثناء ثورتها‪.‬‬
‫ووصلت دفعات من الضباط العراقيين إلى دير الزور في‬
‫آذار ‪ ،1920‬وشكل حزب العهد قيادة جديدة للثورة‪ ،‬سميت‬
‫"باللجنة الوطنية" على الشكل التالي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ العقيد علي جودت اليوبي ـ رئيسا‪ً.‬‬
‫‪ 2‬ـ العقيد مولود مخلص ـ عضوا ً ـ وحاكم دير الزور‬
‫العسكري‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ العقيد تحسين علي ـ عضوًا‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ العقيد جميل المدفعي ـ عضوًا‪.(144) .‬‬
‫وتم تكليف العقيد جميل المدفعي بتشكيل جيش عراقي‬
‫يضم ضباطا ً من داخل العراق‪ ،‬والمتواجدين في سورية‪،‬‬
‫وجنودا ً عراقيين مع تجنيد عدد من أبناء العشائر "العكيدات‪،‬‬
‫)( بب ب بب بببب بببب بب ب ببب ببب ببببببب ب ببب ببب ب بب بب‬ ‫‪141‬‬
‫بببب ب ب ‪.47‬‬
‫)( ب‪.‬ببب بببببب ب ببببب بببببببب بب ببببب بببببب بببببب ب‬ ‫‪142‬‬
‫ب ‪ 5‬ب ب ‪ 149‬ب بببب بببب‪.‬‬
‫)( ببب بب بببب ببب ب "ببب ببب بببببب ب ببب ببب ب بببب ببب‬ ‫‪143‬‬
‫ب‪2‬ب‬ ‫ببب ‪ 1936‬ب‬ ‫بب‬ ‫ب"ب ب‬ ‫ببببببب‬
‫ب ‪.56‬‬
‫)( ب‪.‬بببب بببب ببب ببب ب ب ببب ببب بببببب بب ب بب بب ب ببب ب‬ ‫‪144‬‬
‫‪.194‬‬
‫‪-77 -‬‬
‫وشمر‪ ،‬والجبور"‪ ،(145)،‬والتحق بالثورة أيضا ً عدد من المجاهدين‬
‫أمثال فهد البطيخ من رؤساء عشائر شمر طوقة‪ .‬وكان لفهد‬
‫م في مناوشات النكليز مابين الموصل والشرقاط‪.‬‬ ‫دوٌر ها ٌ‬
‫وباشرت الهيئة "اللجنة الوطنية"‪ ،‬في رسم الخطط العسكرية‬
‫لتوسيع الثورة لتشمل العراق بأكمله‪ .‬شمال ً بين الموصل‬
‫وتكريت وجنوبا ً مابين دير الزور وعانه‪.‬‬

‫‪‬‬

‫ببب بببب ب )بببببب( ‪ /‬بببب بببب ب ب ‪.60‬‬ ‫)(‬ ‫‪145‬‬

‫‪- 78 -‬‬
‫الفصل السادس عشر‬

‫تحرير الميادين والبوكمال‬


‫من الحتلل البريطاني‬
‫لم تستطع القوات البريطانية أن تهاجم مدينة الميادين‬
‫حيث توقفت في منطقة الصالحية‪ ،‬ويعود السبب إلى توزع‬
‫وحداتها على امتداد مناطق الفرات‪ ،‬وتمكن العشائر والثوار‬
‫من النيل منها‪ ،‬وقطع الكثير من إمداداتها‪ .‬مما وضعها في‬
‫موقع الدفاع بدل الهجوم‪ .‬وإلى تعزيز جبهة الميادين من قبل‬
‫الوطنيين في دير الزور والتعزيزات التي قدمها مولود مخلص‪.‬‬
‫إلى جانب القوة العشائرية التي شكلت قوة هامة يمكن أن‬
‫تنزل في القوات البريطانية خسائر هامة في حالة الهجوم على‬
‫الميادين‪.‬‬
‫فأدى عدم قدرة بريطانيا على استعادة الميادين‪ ،‬وتعرض‬
‫دم الملك فيصل‪ .‬باقتراح لحل‬ ‫قواتها إلى خسائر كبيرة فتق ّ‬
‫المشكلة للحكومة البريطانية‪ ،‬من خلل إرسالها إلى الجنرال‬
‫اللنبي بأن الحدود بين العراق وسورية غير طبيعية‪ ،‬فهي تقسم‬
‫العشائر القاطنة حول الفرات إلى قسمين‪ .‬مما يؤدي إلى‬
‫استمرار الحوادث والضطرابات في المنطقة‪ ،‬وخلق سوء فهم‬
‫بين الحكومة العربية وبريطانيا‪ ،‬واقترح الملك فيصل تأليف‬
‫لجنة مشتركة من عرب وإنكليز لتعيين حدود جديدة‪ .‬فأبرق‬
‫الجنرال اللنبي إلى حكومته يعلمها بمقترحات الملك فيصل‪،‬‬
‫فأجابته الحكومة البريطانية بالموافقة على مقترحاته‪ .‬فأبرق‬
‫الجنرال اللنبي‪،‬إلى الكولونيل لجمن الحاكم السياسي‬
‫العسكري البريطاني لمنطقة الفرات)‪ ،(146‬يعلمه بموافقة‬
‫الحكومة البريطانية على تشكيل وفد من الطرفين‪ .‬فدعا‬
‫"لجمن" مولود مخلص حاكم دير الزور لتشكيل وفد لبحث‬
‫الوفد من مولود مخلص وعلي جودت‬ ‫مسألة الحدود‪ .‬فتشكل‬
‫اليوبي وتحسين علي)‪ (147‬ليمثلوا الجانب العربي‪ .‬والملحظة‬
‫م أحد من أبناء متصرفية دير الزور‪ ،‬بل من‬ ‫أن الوفد لم يض ّ‬
‫)( بببببببب ببببببب ببببب بببب ) ‪ (1920 -1880‬ببب ببب ب ببب‬ ‫‪146‬‬
‫ببببببببببب بببببببببب ب بب ب بببببب ب ببب ب "ببببب بب"ب‬
‫ببببب بببب ببب ببب ببب ببببب بب بببببببب ب بببب ببب ب ب ب‬
‫بببب ببب بب ببب ببببب بب بب بب ببب ب بب بب بب ب ب ببب بب بب‬
‫"بببببببب"ب ببب ببب ببببب بببببب بببببببب بببببب ب بب ب‬
‫بب ب بب ب ب ب ببب بب ببب بب ب ببب‪ ..‬ببب ب بب بببب"ب بببب بب‬
‫ببببببب ببب بب بببب ببببب بببببب بب بببببب‪.‬‬
‫)( ب‪.‬ببب بببببب ب ببببب بببببببب ب ب بببب ب ببب ببب ب بب بب‬ ‫‪147‬‬
‫بببب ب ‪ 5‬ب ب ‪.141‬‬
‫‪-79 -‬‬
‫ضباط العهد العراقي‪ ،‬مما يدل على تبني حزب العهد مسألة‬
‫الثورة ورسم خطوطها وتنفيذها‪ ،‬بحيث لم ُتعد ّ ثورة دير الزور‬
‫ثورة مدينة وعشائر‪ ،‬بل ثورة قومية شملت ساحة نضالها‬
‫سورية والعراق‪.‬‬
‫تحرير البوكمال والصالحية‪:‬‬
‫اجتمع الوفدان في ‪/5‬أيار‪ 1920/‬في بلدة العشارة الواقعة‬
‫إلى الجنوب من مدينة الميادين‪ ،‬وقد مثل الجانب العربي‬
‫العقيد علي جودت اليوبي‪ ،‬والعقيد تحسين علي‪ ،‬وتخلف‬
‫العقيد مولود مخلص بسبب مرضه‪ ،‬حيث كان مصابا ً بالزحار‪.‬‬
‫وبعد نقاش وجدال بين الطرفين‪ ،‬انتزع الوفد العربي من‬
‫النكليز اعترافا ً جديدا ً بالنسحاب عن مدينتي الميادين‬
‫والبوكمال‪.‬‬
‫وأن تكون الحدود الجديدة عند نقطة "كرد درناج" القريبة‬
‫من قرية "الهري" الحالية‪ ،‬وعلى الجنوب من حدود بلدة القائم‬
‫"حصيبة"‪ ،‬أي تصبح ضمن الحدود العراقية‪ ،‬وهي تبعد عن‬
‫مدينة عانة مايقارب ‪ /50 /‬مي ً‬
‫ل‪.‬‬
‫بموجب هذا التفاق إلى‬ ‫وعادت الصالحية والبوكمال‬
‫سورية‪ .‬بعد أن كانت دير الزور قد ُأعترف بها‪ ،‬وحررت‬
‫الميادين من قبل‪ ،‬إل أن بريطانيا لم تعترف بها إل ضمن‬
‫التفاقية الحدودية الجديدة‪ .‬وهذه الحدود هي نفسها اليوم ولم‬
‫تتغير منذ اتفاقية ‪/5‬أيار‪.1920 /‬‬
‫الجلء عن البوكمال‪:‬‬
‫مت الفراح متصرفية دير الزور لهذا النصر الجديد‪ ،‬الذي‬ ‫ع ّ‬
‫حققته الثورة بجلء القوات النكليزية المحتلة عن مناطق‬
‫عربية‪ ،‬وإعادتها إلى سورية العربية‪ .‬وأبرقت اللجنة الوطنية‬
‫إلى الحكومة العربية بما تم التفاق عليه من رسم جديد‬
‫لحدودها بين العراق وسورية‪ ،‬فبادرت الحكومة العربية بتعيين‬
‫السيد عبد الرزاق منير قائم مقام لمدينة البوكمال‪ .‬وفي‬
‫‪/11‬أيار‪ 1920/‬وصلت إلى البوكمال بعثة من حزب العهد‬
‫ضمت العقيد علي جودت اليوبي‪ .‬والعقيد تحسين علي‪،‬‬
‫والعقيد تحسين العسكري‪ ،‬ومعهم قائمقام البوكمال الجديد‪،‬‬
‫وسرية من الخيالة التابعة للجيش العربي‪ ،‬ومفرزة من المشاة‬
‫لديها أسلحة خفيفة مع مدفع صحراوي ورشاشين‪ .‬وكانوا‬
‫يرفعون أعلم الدولة العربية‪ .‬وما أن وصلوا إلى مشارف‬
‫مدينة البوكمال‪ ،‬حتى وجدوا أهالي المدينة وعشائرها في‬
‫استقبالهم بحماس منقطع النظير‪ .‬وقد أنشدت المفرزة‬
‫والحشود نشيد الثورة والناشيد القومية والعربية‪ .‬فثارت ثائرة‬
‫الكولونيل لجمن لهذه الصورة الشعبية‪ ،‬ورفض أن يدخل الوفد‬
‫القادم من دير الزور والقوات العربية بهذه الصورة إلى مدينة‬
‫البوكمال‪ ،‬وجرت مناقشات بين الطرفين حول دخول الوفد‬
‫والقوة‪ .‬وبعد اجتماع بين علي جودت وتحسين علي مع‬
‫الكولونيل لجمن اتفق الطرفان على أن تخرج القوات‬
‫النكليزية أول ً من البوكمال‪ .‬ثم تدخل الدارة العربية والوفد‪.‬‬
‫وأنزلت القوات البريطانية علمها من دار الحكومة‪ ،‬وخرجت‬
‫إلى الحدود الجديدة‪ ،‬وأخليت مدينة البوكمال منهم‪ .‬فدخلت‬
‫القوة العربية إلى البوكمال في عرس جماهيري لم تشهد له‬
‫المدينة مثيل ً من قبل‪ ،‬ورفع العلم العربي على )دار‬
‫‪(148‬الحكومة‬
‫وسط دموع الجماهير والهالي والقيادة الثورية‪.‬‬
‫بببببب ببببب ببببببب ب بببب بببب ب ب ‪ 2‬ب ب ‪.84‬‬ ‫)(‬ ‫‪148‬‬

‫‪- 80 -‬‬
‫إل أن المجاهد مشرف الدندل وقواته لم يتركوا القوات‬
‫النكليزية تجلوا بسلم‪ ،‬فما أن خرجت من البوكمال‪،‬‬
‫وعبرت ‪/‬وادي علي‪ ./‬حتى بدأت قواته في مهاجمة قوافلهم‪،‬‬
‫من( سورية‪ .‬وتابعهم حتى‬
‫)‪149‬‬
‫ومناوشتهم بالرصاص حتى خرجوا‬
‫وصلوا إلى مدينة عانة في العراق‪.‬‬
‫نتائج انتصار الثورة الجديد‪:‬‬
‫أعطى انتصار الثورة الجديد بتحرير البوكمال والصالحية‬
‫من الحتلل البريطاني دفعة معنوية للشعب العربي في‬
‫العراق وسورية بشكل عام‪ ،‬وللقوات الثائرة ضد ا لحتلل‬
‫بشكل خاص‪ ،‬فلم تعد الخشية والرهبة من مواجهة القوات‬
‫النكليزية موجودة في نفوس الجماهير‪ ،‬ول في صفوف‬
‫الضباط العراقيين‪ .‬فتحول القسم العظم من المترددين وحتى‬
‫المناصرين للتحالف مع بريطانيا عدا نوري السعيد وجعفر‬
‫العسكري‪ .‬إلى المشاركة بالثورة ومناصرتها‪ .‬حيث أدت النتائج‬
‫الثورية التي تحققت إلى مصداقية الرأي الذي أبداه ياسين‬
‫ه مولود مخلص‪ ،‬ثم‬ ‫الهاشمي‪ ،‬ونفذه رمضان شلش‪ ،‬وتابع ُ‬
‫اللجنة الوطنية من بعد‪ .‬بأن النكليز وغيرهم من المحتلين لن‬
‫يرحلوا إل بالقوة والعمل الثوري المسلح‪ .‬ولن يستجيبوا‬
‫لمطالبهم إل بعد التأكد من قدرتهم وقوتهم‪.‬‬
‫أما على المستوى الشعبي فحظيت نتائج الثورة إلى رفع‬
‫المعنويات‪ ،‬وخلق حالة من المواجهة مع النكليز في كافة‬
‫أنحاء العراق‪ .‬وهذه الحالة كانت بتصاعد مستمر شعرت‬
‫القيادة البريطانية بها‪ ،‬وتأكد لها أن بركانا ً سوف ينفجر في‬
‫وجه تواجدهم في حال استمرار الثورة‪ .‬ولهذا كتب الجنرال‬
‫هالدن قائد القوات البريطانية في العراق عن ‪/‬ثورة دير الزور‪/‬‬
‫ل‪ ..":‬إن سقوط هذه البلدة )يقصد دير الزور(‪ ،‬أصبح دعاية‬ ‫قائ ً‬
‫رائعة بين عشائر الفرات الوسط‪ .‬وقد صار واضحا ً في ذهن‬
‫البعض أن الثورة العراقية آتية ل ريب فيها‪ ،‬فإن قبيلة‬
‫مستضعفة كالعكيدات التي ل تتمتع بشهرة حربية كبيرة‪،‬‬
‫استطاعت أن تطرد النكليز من دير الزور‪ ،‬فكم يكون من‬
‫السهل إذا ً على عشائر الفرات الوسط التي اشتهرت بقوة‬
‫الشكيمة أن تقوم بالعمل نفسه ويستشهد بنصيحة فهد بن‬
‫هذال شيخ عنزة في منطقة العمارة للقيادة النكليزية‪ .‬حين‬
‫قال لهم بالحرف الواحد‪ .‬لكم أن تصدقوني أول تصدقوني‪.‬‬
‫فستكون هناك ثورة في‬ ‫ولكن إذا لم تعيدوا احتلل دير الزور‪،‬‬
‫)‪(150‬‬
‫الفرات السفل خلل ستة أشهر‪"..‬‬
‫صدقت نبوءة ابن هذال ففي الشهر السادس واليوم‬
‫الثلثين منه كان انفجار الرميثة الذي فجر ثورة العشرين في‬
‫العراق‪.‬‬

‫‪‬‬

‫ب‪.‬ببب بببببب ب بببب بببب ب ب ‪ 5‬ب ب ‪.142‬‬ ‫)(‬ ‫‪149‬‬

‫‪.Haldane - The Insarrection in Mesopotamia P. 235‬‬ ‫)(‬ ‫‪150‬‬

‫‪-81 -‬‬
‫الفصل السابع عشر‬

‫ثورة دير الزور تمتد إلى العمق العراقي‬


‫كانت رؤيا القيادة البريطانية قاصرة في تلك المرحلة‪،‬‬
‫حيث كانت تظن أن أسباب الثورة في دير الزور هي مسألة‬
‫حدود بين سورية والعراق‪ ،‬ولم يخطر في ذهنها أن الثورة‬
‫تسعى لتفجير الوضاع في العراق‪ ،‬وإرغام ارلوند ولسن على‬
‫التراجع عن سياساته‪ ،‬والقبول بمطالب العهد والقوى الوطنية‬
‫في العراق‪ .‬لهذا وجد النكليز أنفسهم في معارك مستمرة‬
‫على الرغم من الجلء عن البوكمال‪ .‬والتراجع إلى داخل‬
‫العراق‪ ،‬وعلى عمق بعيد عن الحدود السورية‪ .‬فأبرق ارلوند‬
‫ولسن الحاكم العام البريطاني إلى وزارة شؤون الهند‬
‫البريطانية في ‪/15‬أيار‪ 1920/‬يقول فيها إن ‪":‬احتلل دير الزور‬
‫كان الخطوة الولى"‪ .‬في حملة تغلغل سورية إلى مابين‬
‫النهرين‪ .‬إن احتلل البوكمال عقب التفاق الخير هو الخطوة‬
‫الثانية‪ ،‬فخلل السبوع الماضي كانت قواتنا تقوم بفعاليات‬
‫يومية ضد غارات جيدة التنظيم‪ .‬واحتلل عانة هو الخطوة‬
‫الثالثة‪ .‬وإذا تم تحقيقها بصورة فعالة على يد ّ الحكومة العربية‪،‬‬
‫فإنها ستهدد وضعنا في الموصل‪ .‬وهناك دلئل تشير إلى أننا قد‬
‫المستقبل القريب انفجارا ً جديدا ً في النشاط العربي‬
‫)‪(151‬‬
‫نواجه في‬
‫المتعصب"‬
‫اتهام الحكومة العربية‬
‫كانت اتهامات ارلوندولسن ووزارة الهندتصب باتجاه فيصل‬
‫وحكومته العربية في كل حادثة أو هجوم تتعرض له القوات‬
‫النكليزية في العراق‪ ،‬إل أن الثباتات التي يقدمها لم تصل إلى‬
‫درجة القناعة التامة لدى الحكومة البريطانية عن دور فيصل‬
‫في تأجيج الثورة في دير الزور‪ .‬وبتقديمه المعونات المالية‬
‫والعسكرية للثوار‪ ،‬ورغم كل محاولت ولسن لدفع الحكومة‬
‫البريطانية لمحاسبة حكومة فيصل باستمرار وادعاءاته بأن‬
‫الضباط الذين يقاتلون الجنود النكليز هم ضباط الشريف‬
‫فيصل‪ .‬وأمام البرقيات المتلحقة من ولسن حول اتهامات‬
‫فيصل‪ ،‬خرج ونستن تشرشل وزير المستعمرات البريطانية‬
‫بتساؤل قال فيه في اجتماع الحكومة البريطانية في ‪22‬‬
‫حزيران ‪" 1920‬من أين جاء هؤلء الضباط الشريفيون؟ ثم‬
‫)‪(152‬‬
‫أنهى كلمه‪" :‬ل أريد أن أوجه اتهامات ل أستطيع إثباتها"‬
‫وبذلك فوت على أرلوند ولسن اتهام فيصل‪ .‬ولكن الحكومة‬
‫‪151‬‬ ‫)(‬
‫‪F.O 371 . -5073 - T o India Office - 15 may 1920.‬‬
‫‪- 82 -‬‬
‫البريطانية لم تكن من الغباء الذي ل يعرف أن فيصل يقدم‬
‫الدعم للثوار إل أنها ل تريد أن تخسره كورقة لديها في‬
‫المنطقة آنذاك‪ .‬ولكنها تخلت عنه بعد فترة حين وجدت بقاءه‬
‫خطرا ً عليها في العراق‪ ،‬فدفعت فرنسا للسراع باحتلل‬
‫سورية قبل توسع الثورة في العراق‪ ،‬التي انفجرت في ‪30‬‬
‫حزيران‬
‫الثورة تفجر قطارا ً في الشرقاط‪:‬‬
‫وصلت إلى دير الزور أعداد من الوطنيين من داخل العراق‬
‫للمساهمة في الثورة بعد النتصارات التي حققتها‪ .‬ومنهم‬
‫المجاهد الشيخ فهد البطيخ أحد رؤساء عشيرة شمر الطوقة‪،‬‬
‫والتي تسكن على الضفة اليسرى من نهر دجلة‪ ،‬ومابين‬
‫الصويرة والعزيزية‪ .‬وكان هذا المجاهد معتقل ً في سجون‬
‫النكليز في العراق‪ ،‬حيث بقي في السجن من أيلول ‪1919‬‬
‫إلى أذار ‪ .1920‬بسبب مناهضته للحتلل البريطاني للعراق‪.‬‬
‫وما أن خرج من السجن حتى اتجه إلى دير الزور‪ ،‬ووصلها في‬
‫نفس الشهر في آذار‪ ،‬فقد كانت حياته مهددة بسبب عداءه‬
‫لكل من النكليز والتراك معًا‪ ،‬فهو لم يتوقف عن مناهضة‬
‫التراك حين كانوا يحتلون العراق‪ ،‬واصطدم بقواتهم‪ ،‬وأنزل بها‬
‫الخسائر‪ .‬وكذلك مع القوات النكليزية‪ ،‬فقد كان يهاجم‬
‫قوافلهم في مناطقه‪ ،‬وينزل بها الخسائر المادية والبشرية‪.‬‬
‫التقى المجاهد فهد البطيخ في دير الزور في شهر آذار‬
‫‪ 1920‬بالعقيد تحسين العسكري الذي كان يشغل مدير شرطتها‪،‬‬
‫وأحد زعماء حزب العهد‪ ،‬وحدث العسكري عن خططه في‬
‫تفجير الثورة في مناطقه‪ .‬وعرض عليه أن يلتقي بالملك فيصل‬
‫ويسمع مشورته‪ ،‬وفعل ً سافر تحسين وفهد إلى دمشق‪ ،‬والتقيا‬
‫بالملك فيصل الذي أشاد ببطولت فهد البطيخ ضد التراك‬
‫‪(153‬لبطولته‪ ،‬وهي ـ "رتبة‬
‫مكافأة‬
‫)‬
‫والنكليز‪ ،‬ومنحه رتبة عسكرية‬
‫مقدم" ـ وعاد بعدها إلى دير الزور‪.‬‬
‫عرض فهد البطيخ على مولود مخلص حاكم دير الزور‬
‫تأليف قوة عشائرية مسلحة بقيادته‪ ،‬ونقل أعمالها الحربية‬
‫مابين تكريت والموصل‪ ،‬فتقوم بضرب خطوط المواصلت‬
‫النكليزية مابين البلدتين‪ ،‬ولتكون بداية حرب عصابات ضد‬
‫الوجود البريطاني هناك‪ .‬وفعل ً تم تشكيل قوة بلغ تعدادها‬
‫مايزيد على ثلثمئة مجاهد‪ ،‬كما التحق بها ِإمام الجيش العربي‬
‫في حلب الشيخ محمد فتيان الراوي‪.‬‬
‫ويذكر تحسين العسكري في مذكراته أن هذه القوة‬
‫العشائرية عبرت الحدود السورية‪ ،‬واتجهت شرقا ً حتى وصلت‬
‫إلى مقربة من بلدة الشرقاط وشاهدت قطيعا ً من الغنام‬
‫يرعى فيها‪ ،‬وحين علمت من رعاتها بأن صاحبها هو متعهد‬
‫اللحوم للقوات النكليزية صادروها‪ ،‬واعتبروها غنائم حرب‪ .‬ثم‬
‫اتجهوا إلى بلدة تكريت‪ .‬وفي ‪/24‬أيار‪ ،1920/‬وصلت القوة‬
‫بقيادة فهد البطيخ إلى محطة القطار في بلدة "البلليج" التي‬
‫تبعد ثلثين كيلو مترا ً عن بلدة الشرقاط جنوبًا‪ .‬وحينها رأى‬
‫عددا ً من عمال سكة الحديد‪ ،‬يقومون بإصلح الخطوط‬
‫الحديدية‪ .‬أمرهم بقلع مسامير السكة بآلتهم‪ ،‬مع إبقاء السكة‬
‫على وضعها وكأن أي تخريب لها لم يحصل‪ .‬ونفذ العمال‬
‫ماطلب منهم فهد البطيخ‪ ،‬فقلعوا المسامير تحت تهديد‬
‫السلح‪ ،‬وفي الساعة العاشرة مساًء وصل قطار عسكري‬
‫)( ب‪ .‬بببب بببب ببب بببب ب بببببب بببببببب ب بببب بببب ب ب‬ ‫‪152‬‬
‫‪.171‬‬
‫)( ببببب ببببببب ب بببب بببب ب ب ‪ 2‬ب ب ‪.88‬‬ ‫‪153‬‬

‫‪-83 -‬‬
‫بريطاني إلى المكان المخرب‪ ،‬فانحرف عن السكة‪ ،‬وانقلب‬
‫ليسقط في وادي قريب يسمى "وادي أم غربة"‪ ،‬وما أن انحدر‬
‫القطار في الوادي‪ ،‬حتى انطلق فهد وقواته بسرعة نحوه وهم‬
‫يطلقون النيران على القطار وركابه‪ ،‬فاشتعلت النيران في‬
‫مرجل القطار التي اندفعت مسرعة واللهب يتطاير منها‪.‬‬
‫واندفع رجال فهد إلى داخل القطار‪ ،‬وأمطروا ركابه بوابل‬
‫الرصاص‪ ،‬فأبادوا من كانوا فيه من القوات النكليزية‪ ،‬واستولوا‬
‫على ما يحمل من أسلحة وعتاد‪ ،‬وكانت غنائم كبرى حصلت‬
‫عليها القوة‪ ،‬التي أقفلت عائدة إلى دير الزور بغنائمها‪ ،‬بعد أن‬
‫تركت دعاية واسعة للثورة في المنطقة‪ .‬وأصبح اسم فهد‬
‫البطيخ ينتشر بين سكان العراق ووادي الفرات كبطل شجاع‪،‬‬
‫وقائد محنك وقد كذبت القيادة البريطانية أن يكون القطار‬
‫محمل ً بالركاب‪ .‬رغم تأكيدات الثوار على ذلك‪ .‬كما وسارعت‬
‫بالعتذار عما وقع للقطار‪ ،‬وتأسف‬ ‫الحكومة العربية في دمشق‬
‫لهذا الحادث‪ ،‬كما جرت العادة)‪ (154‬وأنها سوف تتخذ كل‬
‫الوسائل الممكنة لمنع حدوث مثل هذه العمال المرفوضة من‬
‫جانبها‪.‬‬
‫تحرير تل العفر‬
‫أصبح فرع حزب العهد في الموصل من الفروع الهامة‬
‫للحزب‪ ،‬بعد أن أنضمت إليه جمعية "العلم" ذات التوجهات‬
‫العروبية‪ .‬وضم الفرع شخصيات قومية من مختلف الفعليات‬
‫الجتماعية والقتصادية والثقافية‪ ،‬وكانوا يسعون جميعا ً لنهاء‬
‫الحتلل النكليزي للعراق‪ .‬إل أن وضع الموصل المتنازع عليها‬
‫من قبل بريطانيا والتراك‪ /‬جعل الفرع يحسب حساب التراك‬
‫أيضا ً في أي عملية عسكرية أو تحررية ضد القوات النكليزية‬
‫في الموصل‪ ،‬حتى ل يقعون في احتلل تركي من جديد‪ .‬كما‬
‫أن الحسابات ل تعني التراك والنكليز فقط‪ ،‬فالتركيبة الثنية‬
‫في الموصل لها حساباتها الخرى‪ ،‬فالموصل ليست خالصة‬
‫للعرب‪ ،‬فهناك التركمان والكراد والشوريون وغيرهم ممن‬
‫يقطن في ولية الموصل‪ .‬ولكل فئة حساباتها الخاصة مع‬
‫الطرفين التركي والنكليزي‪ .‬ففي حين الكراد ثاروا ضد‬
‫الحتلل النكليزي في عام ‪ .1919‬فإن لهم عداءاتهم ضد‬
‫الترك‪.‬‬
‫في حين أن التركمان كانوا يرون أنهم أشقاء الترك ومن‬
‫جنس واحد‪ ،‬ولكنهم يعادون النكليز‪ .‬أما الشوريون فهم‬
‫يميلون للنكليز الذين الذي يدغدون مشاعرهم الدينية‪ ،‬وفي‬
‫الوقت نفسه يعادون الترك لممارستهم الستبدادية ضدهم‪.‬‬
‫وكان الترك ل ينقطعون عن مطالبتهم بولية الموصل منذ‬
‫عام ‪ ،1918‬وحتى عقد معاهدة لوزان ‪ 1925‬حين اعترفت‬
‫تركيا رسميا ً بأن ولية الموصل جزء من العراق ولم تعد‬
‫تطالبها رسميًا‪.‬‬
‫ورغم ذلك بقيت كتابات بعض التراك تطالب بولية‬
‫الموصل لضمها إلى تركيا‪ .‬ومن هنا كانت حسابات القوميين‬
‫العرب في الموصل دقيقة حتى ل تقع في خطأ ل تحمد عقباه‪.‬‬
‫فقام فرع العهد في الموصل بالتصال بالقيادات الكردية‪،‬‬
‫وتفاهموا معهم حول خطوط مشتركة لمواجهة الحتلل‬
‫ب حّلها لتحقيق استقلل العراق‪ .‬وتم كسب‬ ‫النكليزي‪ .‬تص ّ‬
‫العديد من هذه القيادات إلى جانب العهد المطالب بالستقلل‪.‬‬
‫)( ببببب ببببببب "بببببب ببببببب ببب ببب" بب بب ب ببب ب ‪ 2‬ب‬ ‫‪154‬‬
‫‪ -91 -84‬ب‪ .‬بب ب بب بببب –ببب بب ب ب بببب ب ببب ببب ببب ببب‪-‬‬
‫بببب بببب ب ‪ 5‬ب ‪.41‬‬
‫‪- 84 -‬‬
‫وقد رفعت ‪ /32/‬شخصية كردية في الموصل التماسا ً لمؤتمر‬
‫الصلح تطالب بوحدة العراق واستقلله‪ ،‬وبإقامة علقات قوية‬
‫مع القطار العربية الخرى‪،‬‬
‫وأعلنوا في مذكرتهم بأنهم ينتدبون المير فيصل ومولود‬
‫مخلص وعلي جودت اليوبي ليمثلوهم في مؤتمر الصلح)‪.(155‬‬
‫حين وصلت أنباء ثورة العهد في دير الزور وما حققته من‬
‫جلءات إنكليزية‪ ،‬تطلع فرع العهد في الموصل إلى دعوة قادة‬
‫الثورة إلى التعاون معهم لتحرير الموصل أيضًا‪ ،‬وإعادته إلى‬
‫الحكومة العربية في دمشق‪ .‬وجاءت الدعوة بعد أن ع َِلموا َأن‬
‫غالبية القيادة التي تقود الثورة في دير الزور هي من أبناء‬
‫الموصل مثل مولود مخلص وعلي جودت اليوبي وجميل‬
‫المدفعي وغيرهم‪.‬‬
‫ً‬
‫وفي نيسان ‪ 1920‬وصل إلى دير الزور قادما من الموصل‬
‫أحد أعضاء جمعية العهد السيد عبد الحميد دبوني‪ ،‬الذي عمل‬
‫معاونا ً للضابط السياسي البريطاني في ناحية تل عفر القريبة‬
‫من الموصل‪ ،‬وقد استقال من منصبه هذا بعد اختلفه مع‬
‫القيادة النكليزية هناك‪ .‬حيث اتهمه الكولونيل لجيمن‬
‫بالختلس‪ ،‬وعامله بفظاظة مست شخصيته وكرامته)‪،(156‬‬
‫ويظهر أن التهام كان على خلفيته الوطنية المعادية للنكليز‪.‬‬
‫والتقى الدبوني في دير الزور بمولود مخلص والقيادة فيها‪،‬‬
‫وبدأ يحرضهم على إرسال قوات إلى تل عفر ثم إلى الموصل‬
‫لتحريرها‪ ،‬مؤكدا ً لهم أن العشائر هناك سوف تنضم إلى‬
‫الجيش القادم من دير الزور‪ .‬مما يحقق نصرا ً سهل ً هناك‪،‬‬
‫وخاصة أن شيخ عشائر العافرة سيد عبد الله سيهب هو من‬
‫أعضاء حزب العهد العراقي‪ ،‬سوف يقدم المساعدة العشائرية‬
‫من القوات والمؤن للقوات العربية المهاجمة لتل عفر‪.‬‬
‫وبعد دراسة مقترحات الدبوني‪ ،‬قررت قيادة الثورة في‬
‫دير الزور‪ ،‬مهاجمة تل عفر‪ .‬وكلفت في أوائل أيار ‪1920‬‬
‫العقيد جميل المدفعي الذي التحق بالثورة في دير الزور‪.‬‬
‫بالعداد لحملة عسكرية من أجل تحرير تل عفر القريبة من‬
‫مدينة الموصل واتخاذها قاعدة لتحرير الموصل وشمال العراق‬
‫من الحتلل النكليزي‪.‬‬
‫معركة تل عفر‬
‫في نهايات شهر أيار ‪ 1920‬انطلقت الحملة العسكرية‬
‫باتجاه تل عفر مستخدمة طريق الجزيرة‪ ،‬وفي نفس الوقت بدأ‬
‫فرع العهد في الموصل وتل عفر يعد ّ خطة لنتفاضة جماهيرية‬
‫في تل عفر تساند القوات القادمة من دير الزور‪ ،‬وبمشاركة‬
‫روؤساء العشائر مع أنصارهم‪ ،‬وأعضاء حزب العهد في السلك‬
‫المدني والعسكري في أجهزة السلطة بتل عفر‪ .‬واستفاد العهد‬
‫من وجود عضوين له في قوة الدرك التابعة للنكليز هما‪ :‬جميل‬
‫محمد‪ ،‬ومحمد علي من ضباط الشرطة‪.‬‬
‫وفي الثاني من حزيران‪ ،‬دعا حزب العهد إلى اجتماع في‬
‫تل عفر‪ ،‬حضره إضافة إلى أعضاء الحزب عدد من الغوات‪.‬‬
‫وزعماء العشائر‪ ،‬فأخبروهم بوصول قوات عربية تابعة‬
‫للحكومة العربية على مشارف بلدة تل عفر‪ ،‬وقد تجمعت على‬
‫الطريق قريبا ً من قرية "عوينات"‪ ،‬وأن يكونوا على استعداد‬
‫)( ب‪ .‬ببب ب بب بب بب ب ببب ب‪ -‬ببب ببب بببببب بب‪ -‬بب بب ب ببب ب‬ ‫‪155‬‬
‫‪.192‬‬
‫)( ب‪ .‬ببب بببببب‪ -‬ببب بب ب ب بببب ب ببب ببب‪ -‬بب بب ب ببب ب ‪ -5‬ب‬ ‫‪156‬‬
‫‪.149‬‬
‫‪-85 -‬‬
‫لستقبالها ومناصرتها‪ .‬وفي نفس الوقت قام جميل محمد‬
‫معاون ضابط الشرطة في تل عفر بقطع أسلك البرق‪.‬‬
‫فانقطعت التصالت البرقية ما بين تل عفر وبقية المدن‬
‫العراقية‪.‬‬
‫وفي الرابع من حزيران ‪ 1920‬دخلت قوات من عشائر‬
‫المنطقة تل عفر‪ ،‬ثم دخلتها القوات العربية معلنة الثورة ضد‬
‫النكليز وقواتهم المتواجدة في البلدة‪ .‬وبدأ القتال مابين‬
‫العشائر والقوات القادمة من دير الزور وبين القوات‬
‫النكليزية‪ ،‬وانقلب الشرطة العرب ضد النكليز‪ ،‬فقتل أحدهم‬
‫اللفتانت ‪/‬ستيوارت‪ /‬قائد الدرك‪ .‬فاستسلم بقية الدرك‪ ،‬في‬
‫حين اعتصم مرشد الدرك والكاتب ورامي المدفع وهم من‬
‫النكليز على سطح دار الشرطة‪ ،‬وأخذوا يطلقون النار على‬
‫القوات العربية‪ ،‬فردت عليهم القوات العربية‪ ،‬واستطاعت أن‬
‫تقضي عليهم‪ .‬وبذلك تمت سيطرة القوات العربية على بلدة‬
‫تل عفر‪.‬‬
‫وفي اليوم التالي ‪ /5/‬حزيران‪ /1920 /‬تقدمت قوات‬
‫إنكليزية على شكل رتل من السيارات المصفحة نحو تل عفر‬
‫لستعادتها‪ ،‬إل أنها وقعت في كمين نصبته القوات العربية‪،‬‬
‫فأبادت الرتل النكليزي بما فيه من جنود‪ ،‬وغنمت القوات‬
‫العربية عدة سيارات مصفحة وأسلحة وأعتدة وتموين)‪.(157‬‬
‫معركة تل عفر من خلل رواية إنكليزية‪.‬‬
‫كتبت المس غيرترود بل حول أحداث تحرير تل عفر "‪ ..‬في‬
‫شهر مارس‪ ،‬بدأت غارات صغيرة ُتشن على سكة الحديد‬
‫وطريق بغداد –الموصل‪ .‬وفي ‪ /21 /‬نيسان‪ ،/1920 /‬وصلت إلى‬
‫الموصل عن طريق دير الزور أول قافلة من حلب‪ .‬فدشن‬
‫وصولها هذا حلول فترة مليئة بالشغب والفتن في الموصل‬
‫نفسها‪ ،‬حيث عقدت الجتماعات الوطنية‪ ،‬وعلقت على الجدران‬
‫في الليل العلنات المناوئة للبريطانيين‪ ،‬حاملة ختم جمعية العهد‬
‫العراقية‪ .‬كما ازدادت الغارات على خطوط مواصلتنا‪ ،‬وبلغت‬
‫ذروتها في ‪ 4/‬مايس‪ /‬أيار‪ /‬بحرق القطار‪ ،‬فيما يقرب من عين‬
‫دبس‪ ،‬فكانت جميع المعلومات تدل على قرب وقوع هجوم على‬
‫الموصل‪ .‬ثم وصلت الخبار منبئة بوقوع تحشدات على‬
‫‪/‬الفدعمي‪ /‬وعلى الخابور‪ ،‬بقيادة جميل بك المدفعي أحد الضباط‬
‫الموصليين في الجيش السوري العربي‪.‬‬
‫وفي ‪ 2‬حزيران كتب معاون الحاكم السياسي بأن اجتماعا ً‬
‫وطنيا ً قد عقد في تل عفر‪ .‬القرية المنعزلة غرب الموصل‪ ،‬التي‬
‫يسكنها خليط من الكراد والتركمان والعرب‪ .‬وبعد يومين دخلتها‬
‫خيالة القبائل المحيطة بها ‪ .‬فكان ذلك إشارة تدل على وقوع‬
‫الثورة‪ .‬حيث الخطة لها كانت قد وضعت بعناية‪ ،‬فكانت نية جميل‬
‫بك أن جميع الضباط البريطانيين والموظفين‪ ،‬يجب أن يقضي‬
‫عليهم الدرك قبل وصوله‪.‬‬
‫فقتل ضابط الدرك الكابتن ‪/‬ستيوارت‪ /‬من قبل الضباط‬
‫التابعين إليه‪ ،‬ثم حصر البريطانيون الثلثة الباقون وهم مدرب‬
‫وكاتب وجندي رشاش في سطح الدار التي كانوا فيها حتى‬
‫وصلت عصابة جميل‪ .‬وعندئذ قتلوا بقنبلة هناك‪ .‬كما قبض على‬
‫الكابتن ‪/‬بارلو‪ /‬معاون الحاكم السياسي الذي كان يتجول في‬
‫المنطقة وجيء به إلى تل عفر‪ ،‬وعندما قارب البلدة أبصر‬
‫سيارتين قادمتين من الموصل‪ ،‬فحاول الفرار غير أنه أطلق عليه‬
‫الرصاص‪ .‬فقتل‪ .‬ثم اختبأ قسم من قوة جميل في كمين‬
‫)( ب‪ .‬ببب ب بب بب بب ب ببب ب –ببب ببب بببببب بب‪ -‬بب بب ب ببب ب‬ ‫‪157‬‬
‫‪.193‬‬
‫‪- 86 -‬‬
‫للسيارتين‪ ،‬فانقضت عليهما القوة‪ ،‬وقتل من كان فيهما‪ ،‬من دون‬
‫أن يسلم أحد منهم‪.‬‬
‫فكان سقوط تل عفر إشارة إلى القبائل بالثورة‪ ..‬وقبل أن‬
‫يسمح الوقت لجميل بالستعداد للزحف إلى الموصل‪ .‬فوجئ‬
‫برتل بريطاني‪ .‬ففر مع ضباطه إلى دير الزور‪ ،‬ثم تفرقت‬
‫‪(158‬مفرزة من‬
‫القبائل من غير مقاومة تذكر‪ .‬فاحتلت تل عفر‬
‫الجنود‪ .‬وأعيدت الدارة المدنية إليها ‪. )/856/‬‬
‫ومن وثائق احتلل تل عفر والمشاركين في إحداثها من‬
‫العشائر والضباط‪ ،‬يذكر المؤرخ فريق المزهر آل فرعون "‪ ..‬إن‬
‫قوة من المجاهدين توجهت نحو الموصل بقيادة جميل المدفعي‪.‬‬
‫انضم إليها أكثر عشائر الشمال كشمر برئاسة عجيل الياور‪،‬‬
‫والجبور برئاسة مسلط باشا‪ ،‬وعشائر الكركية والجحيش‬
‫والبوحمد‪ .‬وغيرهم‪ .‬وكان يقود المشاة من المجاهدين القادة‪:‬‬
‫محمود بك السنوسي‪ ،‬ومحمود أديب‪ ،‬وكانت الرشاشات بقيادة‬
‫سعيد‪ .‬وكثير غيرهم‬ ‫إسماعيل صفوت باشا‪ .‬والعقيد محمد علي‬
‫من الضباط توجهوا نحو تل عفر والموصل)‪.(159‬‬
‫النسحاب من تل عفر‬
‫رغم النصر الذي تحقق في تل عفر على القوات‬
‫البريطانية فيها‪ .‬وقتل عدد من الضباط وصف الضباط النكليز‬
‫والسيطرة التي فرضتها القوات الثائرة العربية والعشائرية‪.‬‬
‫إل أنها لم تستمر إل يومين فقط‪ ،‬لقد أدرك النكليز أن‬
‫القوات العربية إن استطاعت أن تعزز وجودها في تل عفر‪،‬‬
‫ستنطلق حتما ً نحو الموصل‪ ،‬وستكون المعركة كبيرة‪ .‬وأنصار‬
‫العهد فيها قوة يحسب لها حساب‪ .‬وقد يتمكنون من طرد‬
‫النكليز منها‪ ،‬فيكون المر صعبا ً للوجود البريطاني في العراق‬
‫برمته‪ .‬لهذا قررت حسم المعركة بسرعة واستعادة تل عفر‪،‬‬
‫در جميل المدفعي‬ ‫فانطلقت القوات البريطانية نحو تل عفر‪ .‬ق ّ‬
‫وضباطه أن المعركة ستكون حتما ً لصالح القوات النكليزية‪.‬‬
‫كما أن القوات العربية التي كانت تتوقع وصول إمدادات‬
‫عسكرية لها من دير الزور‪ ،‬وخاصة أن الذخيرة قد نفذت‬
‫تقريبًا‪ ،‬إل أن المدادات لم تصل من دير الزور فقرروا‬
‫النسحاب من تل عفر والعودة إلى دير الزور‪ ،‬وهكذا انتهى‬
‫تحرير تل عفر‪ ،‬وانتهت خطة تحرير الموصل‪ ،‬وعادت القوات‬
‫في ‪ 6‬حزيران ‪.1920‬‬
‫إل أن نتائج معركة تل عفر لم تذهب سدى‪ .‬فكانت‬
‫أصداؤها تمل العراق بكامله‪ .‬وأثبتت قدرة العرب على تحقيق‬
‫هزيمة القوات النكليزية‪ .‬وأن الضباط النكليز يمكن أن يقتلوا‬
‫كما هم يقتلون العرب‪ .‬وكانت إحدى مقدمات انفجار ثورة‬
‫العراق الكبرى التي انطلقت في الفرات الوسط في ‪30‬‬
‫حزيران ‪.1920‬‬

‫‪‬‬

‫)( ‪ .Review of the Civil administration of Mesopotamia. P. 133‬بببب ب‬ ‫‪158‬‬


‫بببب بببببب‪.‬‬
‫)( ببب ب ببببب ب بب ببب بب ب بببب ببب ببببب بب ب ب ببب ببب‬ ‫‪159‬‬
‫ببببببب ب ب بب ‪ 1920‬ب بب ببب ب بببب ب بببب بب ب ‪ 1952‬ب ب‬
‫‪.333‬‬
‫‪-87 -‬‬
‫الفصل الثامن عشر‬

‫ثورة مستمرة‪ ..‬مع ثورة العشرين‬


‫لم تهدأ الثورة في دير الزور رغم اشتعال الثورة في‬
‫مناطق الفرات والجنوب بكامله‪ ،‬التي انطلقت من الرميثة في‬
‫‪ 30‬حزيران ‪ .1920‬وانتقال مركزية الثورة إلى جنوب العراق‪.‬‬
‫وبعد دخول القوات الفرنسية المحتلة إلى سورية في ‪ 24‬تموز‬
‫‪ 1920‬تابعت ثورة دير الزور عملياتها العسكرية وتقف إلى‬
‫جانبها الثورة في جنوب العراق‪ ،‬ومن تلك العمليات التي‬
‫جرت في تموز وآب ‪ 1920‬نذكر‪:‬‬
‫حركة المجاهد نجرس العكود‬
‫اتفق مشرف الدندل شيخ العكيدات في البوكمال مع‬
‫نجرس العكود أحد رؤساء عشائر الدليم‪ ،‬والمغير بن عفتان‬
‫الشرجي رئيس عشيرة البو محل‪ ،‬وعدد من رؤساء عشائر‬
‫البونمر والجفايفة على تشكيل مجموعات مسلحة‪ ،‬تقوم‬
‫بالغارة على مراكز ومعسكرات الجيش البريطاني في‬
‫العراق‪ .‬وبدأت تمارس الغارة‪ ،‬ونصب الكمائن للقوافل‬
‫العسكرية البريطانية‪ ،‬على مساحة واسعة في العراق تمتد‬
‫على طريق الشرقاط وحمام العليل‪ .‬ما بين تكريت والموصل‪.‬‬
‫شلت تلك الغارات والكمائن خطوط المواصلت في تلك‬
‫المنطقة‪.‬‬
‫وكانت غنائم المغيرين كبيرة‪ ،‬مما أثار حنق القيادة البريطانية‬
‫في العراق‪ .‬حيث قواتها تقاتل في الجنوب والشمال‪ ،‬وهم في‬
‫ب النكليز حنقهم وغضبهم على الشيخ نجرس‬ ‫الوسط‪ ،‬وص ّ‬
‫الكعود‪ .‬ووصفه الجنرال هالدن قائد القوات البريطانية في‬
‫العراق بأنه من أشد الخصوم للنكليز في العراق‪ ،‬وفي منطقة‬
‫الفرات العلى خصوصًا‪ .‬لما شكلت حركته من خطر وعبًء على‬
‫القوات النكليزية‪.‬‬
‫أما أسباب حركة الشيخ نجرس الكعود ضد النكليز فيقول‬
‫المؤرخ العراقي علي الوردي‪" :‬هناك قولن في تعليل هذا‬
‫العداء من نجرس للنكليز‪ .‬أحدهما أنه كان بينه وبين علي‬
‫السليمان منافسة على رئاسة عشائر الدليم‪ .‬ولما كان عليا ً‬
‫مواليا ً للنكليز‪ ،‬صار نجرس بطبيعة الحال معاديا ً لهم‪ ،‬والثاني‬
‫أن نجرس كان له ثأر مع النكليز لن ليجمن كان قد قتل أخاه‬

‫‪- 88 -‬‬
‫"صبار")‪ .(160‬إل أن هذه السباب قد يكون عاملها الثاني‬
‫ل‪ .‬حيث أن الثأر عادة ل تزال مستمرة في عشائر‬ ‫معقو ً‬
‫عرف‬ ‫الفرات‪ .‬أما السبب الول فهو موضوع تساؤل‪ ،‬فنجرس ُ‬
‫بوطنيته وحبه لوطنه وعدائه المطلق للنكليز‪ ،‬ولم يكن أبدا ً‬
‫هذا العداء بدافع سلطة‪ .‬لقد كان الشيخ نجرس أهم رؤساء‬
‫عشائر الدليم‪ ،‬ومن الرافضين للتعاون مع النكليز‪ .‬كما كان‬
‫حال علي السليمان رئيس اتحاد عشائر الدليم‪.‬‬
‫واستعصى أمر الشيخ نجرس على النكليز‪ ،‬فلم يستطيعوا‬
‫القضاء عليه بالمواجهات القتالية‪ .‬فاستخدموا طريقة خبيثة‪.‬‬
‫وهي خلق صراع داخلي بين العشائر ليقاتلوا بعضهم بعضًا‪،‬‬
‫فيتخلصوا من أعدائهم‪ ،‬فاستمالوا إلى صفوفهم الشيخ عاكوب‬
‫رئيس عشيرة البوحمد بالمال والجاه‪ .‬بعد أن كان من ألد ّ‬
‫أعداء النكليز‪ .‬وله جهاد ضد قواتهم بالغارة والكمائن على‬
‫قوافلهم‪ ،‬فمنح النكليز الشيخ عاكوب أراضي "بنجمه" في‬
‫منطقة "القيارة" وأعطوه راتبا ً شهريا ً قدره )ألفا( روبية‪ .‬ولقاء‬
‫هذه المنح طلبوا منه حراسة الطريق بين "القيارة‪ -‬وحمام‬
‫العليل)‪ (161‬وهي المنطقة التي تتحرك فيها قوات الشيخ نجرس‬
‫العكود‪.‬‬
‫بدأ الشيخ عاكوب وقوته العشائرية تتصدى لقوات نجرس‬
‫مغيرة على القوات النكليزية‪ ،‬وتأخذ منها ما غنمته من تلك‬ ‫ال ُ‬
‫الغارات‪ ،‬وأربكت حركة عاكوب الخيانية الثورة في الموصل‬
‫التي يقودها حزب العهد‪ .‬ووجدوا أن ارتداد عاكوب سوف‬
‫يحبط عملياتهم المناصرة للشيخ نجرس‪ .‬فأرسلوا إلى عاكوب‬
‫أحد أعضاء حزب العهد هو ‪/‬سعيد العبد‪ /‬يبحث معه أسباب هذه‬
‫الرّدة وأثرها على الثورة‪ ،‬وليوجه له عتابا ً على تعاونه مع‬
‫أعدائهم النكليز‪ ،‬ويذكره بأنه كان وطنيا ً ثائرا ً له سمعته في‬
‫نفوس الشعب‪.‬‬
‫وبعد أن تم لقاء سعيد مع عاكوب ونقل إليه ما طلب منه‪،‬‬
‫نفى عاكوب تعاونه مع النكليز‪ .‬وأما تصديه لجماعة نجرس‬
‫الكعود‪ ،‬تعود لعداء شخصي مع نجرس نفسه‪ ،‬وكذلك مع‬
‫الجغايفة والعكيدات‪ .‬وسبب هذا العداء يعود بأنهم قاموا‬
‫بالغارة عليه من قبل‪ .‬وخرج سعيد من عاكوب بعد أن وعده‬
‫بأن ل يتصدى بعد للمغيرين من الثوار على النكليز‪ ،‬وأنه‬
‫‪ (162‬مع الثوار‪ ،‬ولكنه رفض إعادة الغنائم التي سلبها من‬ ‫سيتعاون‬
‫الثوار) ‪.‬‬
‫دخول عانه‬
‫استمرت حركة التحالف بين مشرف الدندل ونجرس‬
‫والمغير وبقية الحلفاء بالغارة على خطوط نقل القوات‬
‫البريطانية‪ .‬ولم يمنعهم احتلل فرنسا لدمشق من مهاجمة‬
‫القوات النكليزية‪ .‬فقامت مجموعة من العكيدات بنصب كمين‬
‫لقافلة إنكليزية على طريق "البارج" القريب من مدينة عانه‪،‬‬
‫وقتلوا ثلثة من الجنود النكليز‪ ،‬وغنموا كميات كبيرة من العتاد‬
‫والسلح‪ ،‬كما استشهد عدد من الثوار من بينهم ‪/‬علوان‬
‫الفرحان‪ /‬من البوخاطر‪ ،‬وكان هذا الشهيد بطل ً أثناء الكمين‪،‬‬
‫حيث قتل وحده الجنود الثلثة‪ .‬واستشهد أيضا ً ‪/‬فرحان العلوان‪/‬‬
‫من البوخاطر – و ‪/‬عبد الله الحسين‪ /‬من البومريح‪ -‬و ‪/‬خشان‬
‫العبد الله المحمد‪ /‬من الحسون و ‪/‬ابن ربيدان‪ /‬من العبيد‪ .‬كما‬
‫)( ب‪ .‬ببب بببببب‪ .‬ببببب بببببببب بب بببب ب ببب ببب ببب ببب‪-‬‬ ‫‪160‬‬
‫بببب بببب‪ -‬ب ‪ -5‬ب ‪.145 -144‬‬
‫)( بببببب بببببب ب ‪.145‬‬ ‫‪161‬‬

‫)( ببب بب ببب ب بب بب بببببب بب "ب ببب بببب ب" بب ببب ‪ 1966‬ب‬ ‫‪162‬‬
‫‪.140 -138‬‬
‫‪-89 -‬‬
‫أن هناك العديد من الجرحى)‪.(163‬‬
‫وقامت مجموعة أخرى من عشائر العكيدات في البوكمال‬
‫بمهاجمة مقرات الجيش النكليزي في مدينة "راوه" المجاورة‬
‫لمدينة "عانه"‪ .‬ثم دخلت قوات من عشائر العكيدات بلدة‬
‫"عانه"‪ ،‬ونهبوا دار الحكومة فيها‪ ،‬ودور كل المتعاونين مع‬
‫النكليز في البلدة‪ .‬وازداد ضغط العشائر على القوات‬
‫فقررت القوات النكليزية‬ ‫النكليزية في مدينة عانة وحولها‪،‬‬
‫في ‪ /5/‬آب ‪ /1920/‬الجلء عن عانه)‪ .(164‬وبعد ذلك قتل‬
‫اللفتانت كولونيل ليجمن الحاكم السياسي في الدليم السيء‬
‫الصيت‪.‬على يد أبناء الشيخ ضاري بن ظاهر شيخ آل زوبع‪.‬‬
‫تحولت منطقة الدليم بفعل عمليات العكيدات المنطلقة‬
‫من البوكمال جحيما ً للقوات النكليزية‪ ،‬فلم يشفع لها‬
‫النسحاب من عانه‪ .‬بل بقيت حركة الثورة مستمرة‪ ،‬لهذا‬
‫استخدمت أيضا ً حلفاءها من شيوخ العرب للستعانة بهم ضد‬
‫العشائر الثائرة‪ ،‬فاستعانت بالشيخ علي السليمان رئيس اتحاد‬
‫الدليم‪ ،‬ومحروث الهذال شيخ العنزة لوقف حركة العشائر‬
‫الثائرة‪ .‬إضافة إلى استخدام الطيران والدبابات والمدفعية‬
‫لقصف مساكن العشائر الثائرة‪ .‬وأمام هذا الضغط انسحبت‬
‫العشائر الثائرة من سورية‪ .‬واستعادت القوات النكليزية مدينة‬
‫عانه بعد تحريرها‪.‬‬
‫مولــود مخلــص يحــرض العشــائر العراقيــة علــى‬
‫الثورة‪.‬‬
‫كان مولود مخلص حاكم دير الزور العسكري يقدم الدعم‬
‫للحركات العشائرية في مناطق دير الزور لمتابعة الثورة على‬
‫النكليز‪ .‬وبعد انفجار الثورة في مناطق النجف وكربلء‬
‫والرميثة‪ .‬واصل مولود رسائله التحريضية ضد النكليز والتي‬
‫كان يرسلها لزعماء العشائر في كافة أنحاء العراق‪ .‬وقد أبرق‬
‫أرلوند ولسن الحاكم العام البريطاني برقية إلى وزارة شؤون‬
‫الهند في ‪ 30‬تموز ‪ 1920‬يقول فيها حول نشاط مولود مخلص‬
‫"ليس فقط ل يقف موقفا ً مختلفًا‪ ،‬بل هو ينشط بتحريض‬
‫والعصيان‪ .‬وقد‬ ‫العشائر في أنحاء ما بين النهرين على التمرد‬
‫وصلت رسائله إلى العشائر إلى حد العماره")‪.(165‬‬
‫كما أخبر ارلوند ولسن وزارة شؤون الهند بأن حربه مع‬
‫القوات الثائرة المنطلقة من دير الزور حرب حقيقية‪ ،‬وفي‬
‫القوات الشريفية وقوات صاحب‬ ‫حالة حرب فعلية تقوم بين‬
‫الجللة في ما بين النهرين)‪.(166‬‬
‫مقتل الكولونيل ليجمن‬
‫جاءت حادثة مقتل الكولونيل لجمن لتكون نهاية إفرازات‬
‫ثورة دير الزور‪ ،‬والتي بدأت تخبو نيرانها بعد الحتلل الفرنسي‬
‫لسورية‪ ،‬وانقطاع المدادات العسكرية والمالية التي كانت‬
‫ترسلها حكومة فيصل العربية من دمشق‪ .‬حيث بقيت القوات‬
‫العشائرية اللعب الرئيسي المتبقي لدى الثورة‪ ،‬تقوم بأعمال‬
‫الغارة والهجوم ضد القوات النكليزية‪.‬‬
‫)( بببب بببببب –ببببب بببب ببب بببببب بببببب‪ -‬بببب بببب ب‬ ‫‪163‬‬
‫‪111‬‬
‫)( ب‪ .‬ببب ب بب بب بب ب ببب ب –ببب ببب بببببب بب‪ -‬بب بب ب ببب‪ -‬ب‬ ‫‪164‬‬
‫‪.385‬‬
‫)( ‪.F. O- 371- 5128- E- 115- 30 June 1920‬‬ ‫‪165‬‬

‫)( ‪.F. o. 371- 5129- E- 634- 8 June 1920‬‬ ‫‪166‬‬

‫‪- 90 -‬‬
‫أما كيف قتل الكولونيل ‪/‬لجمن‪ /‬فقد كتبت جريدة "بغداد‬
‫تايمر ‪ " Baqhdad Tims‬خبرا ً جاء فيه‪" :‬ننعي بكل أسف وفاة‬
‫اللفتنت كولونيل جيرار لجمن‪ ( I. A . .‬من آلي سبكس‬
‫الملكي‪ .‬الملحق بالدارة الملكية في العراق‪ .‬المتوفي في خان‬
‫النقطة‪ .‬في ‪ 12‬آب ‪ .1920‬وعمره ‪ /40/‬سنة‪.‬‬
‫والظاهر أن قتله جرى عمدًا‪ ،‬وأن قاتله هو خميس‪ .‬أكبر‬
‫أولد الشيخ ضاري المحمود‪ ،‬زعيم عشيرة الزوبع وقد فتك به‪،‬‬
‫وهو ضيفه‪ .‬وفي الليلة التي كان فيها نائما ً تحت خيمته‪ ،‬وقتل‬
‫معه حوذي سيارته‪ ،‬وهو من أبناء العرب‪ .‬ووجد جثمان المقتول‬
‫فحمل إلى الفلوجة‪ ،‬ودفن في إحدى‬ ‫)‪(167‬‬
‫بعد قليل في الخان‪،‬‬
‫المحطات العسكرية‪.‬‬
‫أما قصة مقتله كما يروي المؤرخ العراقي عبد الرزاق‬
‫الحسني‪ ،‬إن الشيخ ضاري كان عدوا ً لدودا ً للنكليز كما كانوا‬
‫هم يعرفونه كذلك‪ .‬وقد دعا الكولونيل لجمن‪ ،‬الشيخ ضاري‬
‫المحمود‪ ،‬لمقابلته في "خان النقطة" بين بغداد والفلوجة في‬
‫الساعة العاشرة والنصف زوالية من صباح يوم الخميس‬
‫الموافق في ‪ 27‬ذي العقدة ‪ .1338‬و ‪ 12‬آب ‪ ،1920‬فحضر‬
‫الشيخ في الوقت المعين‪ ،‬وحضر معه ولداه خميس وسلمان‪،‬‬
‫مع جماعة من أولد عمه بينهم "صكب وصعب"‪ .‬ولما حضر‬
‫ليجمن صار يقص على الشيخ ضاري قصة قبض حكومته‬
‫البريطانية على الشيخ أحمد الداود في اليوم الفائت ‪ 11‬آب‬
‫‪ .1920‬وكيفية تخلص كل من السادة‪ :‬جعفر أبو التمن‪،‬‬
‫ويوسف السويدي‪ .‬وعلي أفندي‪ ،‬وهربهم إلى منطقة الفرات‬
‫الوسط‪ .‬وكيف أن الحكومة جادة في استئصال أعمال الشغب‬
‫في بغداد‪ ،‬وإنهاء الموالد النّبوية‪ ،‬وإعلن الدارة العرفية… إلخ‪.‬‬
‫وفيما هو يتحدث بهذه المواضيع ُأتصل به أن عصابة من‬
‫سيارة أهلية على مقربة من "خان النقطة"‬ ‫العراب هاجمت‬
‫الذي اجتمعا فيه‪ ،‬فُأوعز إلى "قائد الشبانة" أن يصطحب‬
‫الشيخ خميس الضاري مع اثني عشر من رجاله لتعقب الجناة‪،‬‬
‫واستعادة ما سلبوه من السيارة‪.‬‬
‫وما لبث أن عاتب الشيخ ضاري على هذا العمل‪ ،‬موجها ً‬
‫ه‪ ،‬ثم أسمعه كلما ً ل يمكن لرئيس قبيلة –مثله‪ -‬أن‬ ‫إليه َتبعت ُ‬
‫يتحمله‪ .‬فما كان من الشيخ إل أن خرج من "الخان" وهو يحمل‬
‫ألما ً في نفسه‪ ،‬وبعد لحظات‪ ،‬عاد‪ ،‬وعاد معه ولده سلمان‪،‬‬
‫وابنا عمه صكب وصعب‪ .‬فوجه كل من سلمان وصكب وصعب‬
‫فوهات مسدساتهم إلى رأس الكولونيل لجمن‪ ،‬وأطلقوا النار‬
‫ل‪ ،‬واتجهوا إلى قبيلة المحامدة‪ ،‬قرب‬ ‫عليه‪ .‬فأردوه قتي ً‬
‫الصقلوية‪ .‬حيث أخذ الشيخ ضاري ُيراسل زعماء الثورة في‬
‫كربلء‪ .‬فّعم الهياج منطقة الدليم‪ .‬من خان النقطة إلى عانه‪.‬‬
‫وصدر البلغ البريطاني التالي "قطع الشيخ ضاري‪ ،‬رئيس‬
‫عشيرة الزوبع السكة الحديدية الممتدة من بغداد إلى الفلوجة‪.‬‬
‫قرب خان النقطة‪ .‬لكن السكون سائد في فلوجه ورمادي‪.‬‬
‫كذا‪ ،‬والحاميات القوية القائمة في هاتين البلدتين سالمة‪ ،‬ولم‬
‫تزعج‪ ،‬على أن النباء تفيد أن ملحي بعض المراكب الصغيرة‬
‫التي بين الرمادي وفلوجه‪ ،‬قد ضايقهم الثوار‪ .‬فاضطروهم إلى‬
‫)‪(168‬‬
‫إخلء مراكبهم والسكون سائد في عانه التي يحتلها الدليم"‬
‫‪.‬‬
‫أشعل الشيخ ضاري ثورة واسعة في منطقة الدليم‪ ،‬وبدأ‬
‫ينتقل من عشيرة إلى أخرى‪ ،‬يحرضها على مجابهة القوات‬
‫)( ببببب بببببب‪ -‬ببببب ‪ 20 /69 /‬بب‪.1920 -‬‬ ‫‪167‬‬

‫)( ببب بببببب بببببب‪ -‬بببببب ببببببب بببببب‪ -‬بب بب ب ببب ب‬ ‫‪168‬‬
‫‪.162 -161‬‬
‫‪-91 -‬‬
‫النكليزية‪ .‬وقد طارده النكليز الذين عجزوا عن إلقاء القبض‬
‫عليه‪ ،‬على الرغم من تدمير معظم مساكن عشيرته‪.‬‬
‫فاستخدموا حلفاءهم من زعماء العشائر‪ .‬فطلب الشيخ علي‬
‫السليمان من الشيخ ضاري الرحيل عن منطقة الدليم‪ ،‬حتى ل‬
‫يتحرج موقفه مع النكليز‪ ،‬ورحل إلى أراضي ‪/‬الرزازة‪ /‬فحاول‬
‫ابن هذال إلقاء القبض عليه‪ ،‬وتسليمه لصدقائه النكليز‪ .‬ولكنه‬
‫فلت من كمين ابن هذال‪.‬‬
‫وأصبح الشيخ ينتقل من مكان إلى آخر والقوات النكليزية‬
‫تطارده‪ ،‬وأقدم النكليز في ‪ 3‬أيلول ‪ 1920‬على هدم قلعة‬
‫الشيخ ضاري‪ ،‬وقطعوا المياه عن مزارعه التي ماتت عطشًا‪،‬‬
‫ورد عليهم الثوار باحتلل مدينة ‪/‬حديثة‪ /‬على نهر الفرات‪ ،‬ثم‬
‫أحرقوا سراي ‪/‬عانه‪ ./‬وفي ‪ 18‬أيلول أحرق الثوار إحدى‬
‫طائرات القوات البريطانية التي اضطرت للنزول قرب‬
‫ركابها‪ .‬ولكنهم أطلقوا سراحهم بضغط من‬ ‫الفلوجه‪ ،‬وأسروا‬
‫الشيخ ابن هذال)‪ ،(169‬وفي ‪ 24‬أيلول ‪ 1920‬استطاعت‬
‫القوات البريطانية استعادة خطوط المواصلت من أيدي الثوار‪.‬‬
‫فغادر الشيخ أراضي العراق‪ .‬ودخل إلى سورية عن طريق‬
‫ل ضيفا ً على الشيخ مشرف الدندل‪ .‬ثم‬ ‫البوكمال‪ .‬حيث ح ّ‬
‫انتقل إلى دير الزور والتقى الشيخ محمد سعيد العرفي وعددا ً‬
‫من الوطنيين‪ .‬وبقي في سورية رغم صدور العفو البريطاني‬
‫عن الثوار في العراق في ‪ 30‬أيار ‪ 1921‬حيث رفض النكليز‬
‫العفو عن الشيخ ضاري‪ .‬وفي خريف ‪ 1927‬خان به أحد‬
‫السائقين الرمن فبدل ً من أن يوصله إلى حلب‪ ،‬قام بنقله إلى‬
‫الحدود‪ ،‬بعد أن عرفه وسلمه في ‪/‬سنجار‪ /‬للسلطات‬
‫البريطانية‪ .‬حيث حكم عليه بالعدام الذي أبدل إلى المؤبد‪.‬‬
‫توفي في السجن بعد أيام‪ ،‬ودفن جثمانه الطاهر في ‪ 1‬شباط‬
‫‪ 1928‬في بغداد بعد أن شيعه العراق بكامله‪.‬‬

‫‪‬‬

‫بببببب بببببب ب ‪.163‬‬ ‫)(‬ ‫‪169‬‬

‫‪- 92 -‬‬
‫الفصل التاسع عشر‬

‫الدارة البريطانية في العراق‪ ..‬والثورة‬


‫ظهر العجز العسكري البريطاني واضحا ً منذ بدايات الثورة‬
‫بدير الزور‪ ،‬فلم تستطع أن ُتعيد دير الزور‪ ،‬بل اكتفت برسم‬
‫حدود بين سورية والعراق‪ .‬حين جعل أرنولد ولسن الحاكم‬
‫العام البريطاني في العراق نهر الخابور حد ّا ً بين سورية‬
‫والعراق‪ .‬ورفض استعادة دير الزور‪ ،‬على الرغم من تحريض‬
‫حعفر العسكري والي حلب لستعادة دير الزور‪ ،‬وإلقاء القبض‬
‫على رمضان شلش‪ .‬فأكد وهو في البوكمال لمبعوث جعفر أن‬
‫دير الزور أصبحت تتبع سورية‪.‬‬
‫كان للضعف العسكري البريطاني دوره في تحريض‬
‫المترددين في حزب العهد العراقي للنضمام إلى الثورة‪ .‬ورأينا‬
‫كيف تتابعت قوافل العسكريين العراقيين بالمجيء إلى دير‬
‫الزور واللتحاق بالثورة‪ .‬وأعطاهم هذا الضعف قوة في تطوير‬
‫الثورة نحو الميادين والبوكمال‪ ،‬التي تم تحريرها من الحتلل‬
‫البريطاني‪ .‬ثم امتدت الثورة إلى عمق العراق‪ ،‬لتصل إلى عانة‬
‫وتكريت والشرقاط وتل عفر والموصل وغيرها من المدن‬
‫العراقية الخرى‪ .‬واستمرت حتى اشتعلت الثورة في الرميثة‪،‬‬
‫مت كل أنحاء العراق‪.‬‬ ‫ثم ع ّ‬
‫يذكر أرلوند ولسن في كتاب له صدر في لندن عام ‪1930‬‬
‫أن السبب في الضعف العسكري البريطاني وعدم القدرة على‬
‫إيقاف الثورة في دير الزور إلى النقص في الليات العسكرية‪،‬‬
‫وقلة أفراد الجيش البريطاني‪ ،‬بسبب التسريح الذي قامت به‬
‫الحكومة البريطانية بعد انتهاء الحرب العالمية الولى‪ .‬فيقول‪:‬‬
‫"أن النقص في النقليات والقوات الناجم عن التسريح كان‬
‫يجعل العمليات العسكرية على هذا البعد عن قاعدتنا في بغداد‬
‫أمرا ً شبه مستحيل‪ ،‬وأنه في حالة قيام أية اضطرابات‪،‬‬
‫المحافظة على التصال بين دير‬ ‫فسيكون من المستحيل‬
‫الزور‪ ،‬وبغداد أو الموصل)‪. (170‬‬
‫ل ولسن عن استعراض القوة‪ ،‬واستخدامها‪ ،‬حين‬ ‫لم يتخ َ‬
‫أرسل قوات إلى الصالحية‪ ،‬لتنطلق لحتلل الميادين كما أشرنا‬
‫سابقًا‪ .‬ولكنه كان يعرف أن ميزان القوى ليس لصالحه‪ ،‬أمام‬
‫الرفض المطلق لمولود مخلص بالنسحاب من الميادين‪ ،‬بل‬
‫أرسل مولود الجنود كما أشرنا لتكوين جبهة الميادين‪ .‬لذلك‬
‫‪170‬‬ ‫)(‬
‫‪Wilson- mesopotamia- 1917- 1920- Aclush of Loyalties- A personal and‬‬
‫‪Historical Record London- Oxford. University press- 1930 p. 234.‬‬
‫‪-93 -‬‬
‫بقيت هذه القوات في الصالحية‪ .‬فتعرضت لجملة من‬
‫النكسات العسكرية‪.‬‬
‫نتائج الهجمات والكمائن العشائرية في المنطقة‪.‬‬
‫مل ولسن حكومة فيصل في دمشق مسؤولية الحداث‬ ‫ح ّ‬
‫َ‬
‫التي تجري في دير الزور ومحيطها‪ ،‬واعتبرها مسؤولة عنها‪.‬‬
‫وأكد لحكومته ولوزارة الهند أن حكومة فيصل العربية هي التي‬
‫تمد ّ الثورة بالمال والعتاد والضباط والجنود وطلب تكرارا ً قطع‬
‫المعونات المالية البريطانية عن حكومة فيصل متهما ً إياها‬
‫بتحويلها ضد القوات البريطانية‪ .‬وأمام إدعاءات ولسن‬
‫المتكررة باتهام حكومة فيصل‪ ،‬طلبت وزارة شؤون الهند‬
‫البريطانية من شقيقتها وزارة الحربية‪ ،‬وكذلك وزارة الخارجية‬
‫طريق ضباط المخابرات‬ ‫بالتحقق من هذه الدعاءات‪ ،‬عن‬
‫البريطانيين المتواجدين في سورية)‪.(171‬‬
‫كما طالب ولسن وقائد جيشه الجنرال هالدن من وزارة‬
‫الحربية ووزارة الطيران في آذار ‪ 1920‬استخدام الطائرات‬
‫لقصف مدينة دير الزور وما حولها‪ ،‬لتدمير القوات العربية فيها‪.‬‬
‫إل أن وزارة الحربية أجابت ولسن برقيا ً بأنها ل تستطيع أن‬
‫التي تحتلها بريطانيا‪ ،‬أي ما‬ ‫تستخدم الطيران إل في المناطق‬
‫بعد الحدود الجديدة "نهر الخابور")‪ .(172‬واقترح وزير‬
‫المستعمرات البريطاني ونستن تشرتشل أن يتم استخدام‬
‫وسائل أخرى غير الوسائل الحربية العسكرية‪ ،‬رغم أنه كان‬
‫يطرح القصف الجوي كعمل استراتيجي ضد القوات الثائرة‪.‬‬
‫أخرى )غير عسكرية( إذا كنا‬ ‫حيث قال‪ :‬ينبغي استنباط وسائل‬
‫نريد المحافظة على ما بين النهرين)‪.(173‬‬
‫وشعر ولسن بالحباط رغم استخدام الطيران البريطاني‬
‫في العديد من الحالت العسكرية‪ ،‬فالمر أصبح ثقيل ً على‬
‫إدارته‪ .‬والخوف بدأ يسري في أوصال القوات العسكرية‬
‫البريطانية نتيجة شدة الهجمات والنتكاسات الخطيرة التي‬
‫تتعرض لها القوات البريطانية في المعارك؛ فأبرق في ‪ 10‬آذار‬
‫‪ 1920‬يخبر حكومته عن طريق وزارة الهند بخطورة ما يجري‬
‫في العراق من جراء الثورة في دير الزور فقال في برقيته‪ ،‬إن‬
‫الوضع الناشيء في هذا البلد خطير إلى أقصى الحدود‪ .‬إنه‬
‫الضباط( الباقين في هذه‬ ‫يدمر الثقة العامة‪ .‬ويضع على عاتق‬
‫)‪174‬‬
‫الدارة عبئا ً ثقيل ً ل يستطيعون احتماله"‪.‬‬
‫دعوات بريطانية بتغيير ولسن‬
‫أدت نتائج سياسة ولسن المتشددة في مناطق الحتلل‬
‫البريطاني إلى تفجير الثورة في دير الزور‪ ،‬ثم انفجر الوضع‬
‫في العراق كالبركان بعد ستة أشهر من قيام ثورة دير الزور‪.‬‬
‫كانت حصيلته عشرات القتلى من الجيش النكليزي‪ ،‬وخسائر‬
‫وهزائم أذاقت بريطانيا المرارة والحسرة‪.‬‬
‫لهذا بدأت تتشكل داخل المؤسسة البريطانية مجموعة‬
‫مضادة لسياسة ولسن‪ ،‬التي سببت هذه الكوارث للجيش‬
‫البريطاني‪ ،‬وللدارة البريطانية أيضًا‪ .‬وتكونت بدايات المعارضة‬
‫البريطانية في المكتب البريطاني في القاهرة‪ .‬الذي كان أقرب‬
‫المؤسسات السياسية والعسكرية فهما ً لحركة تطور النمو‬
‫‪171‬‬ ‫)(‬
‫‪F. o. 371- 5128- E- 95- 12 February 1920.‬‬
‫‪172‬‬ ‫)(‬
‫‪F. o 371- 5128- E- 6453- From war office. 15 March 1920.‬‬
‫‪173‬‬ ‫)(‬
‫‪No- 52455- vol- copy Deleted from Revtera- 26 March 1920.‬‬
‫‪.F. o. 882- 23- Mes- 20-1- 10 March 1920 () 174‬‬
‫‪- 94 -‬‬
‫القومي العربي‪ ،‬وتطلع العرب نحو الستقلل بعد أربعة قرون‬
‫من الحتلل التركي‪.‬‬
‫وكان أوائل البريطانيين الذين طالبوا بتغيير سياسة ولسن‬
‫في العراق‪ ،‬وحتى استبدال ولسن نفسه‪ ،‬كان الكولونيل‬
‫لورنس والميجر يونغ‪ ..‬ثم تتالت الدعوات لتشمل معظم مكتب‬
‫القاهرة‪ .‬لتنتقل الدعوة إلى وزارة الخارجية نفسها‪ .‬وشعر‬
‫ولسن بأن قوة المعارضة له تزداد يوما ً بعد يوم في داخل‬
‫الدارة البريطانية‪ ،‬وأن هناك اتجاها ً لتحميله وحده مسؤولية‬
‫الحداث التي جرت في دير الزور والعراق‪ .‬وإن كان المر في‬
‫بداياته‪ ،‬فهو يعلم أنه ينفذ سياسة الحكومة البريطانية عامة‪،‬‬
‫ووزارة شؤون الهند خاصة‪ .‬لذلك حاول اللتفاف على سياسته‬
‫)‪(175‬‬
‫ليعطيها شكل ً جديدًا‪ ،‬ولكن ثوابتها بقيت بفرض الهيمنة‬
‫والستعمار المباشر‪ .‬فقد أرسل رسالة إلى صديقه هرتزل‬
‫في ‪ /19‬آذار‪ 1920 /‬جاء فيها "‪ ..‬ل أرغب في أن أبدو كمن‬
‫يتخلى عن سفينة غارقة‪ ،‬إني مستعد لمحاولة إيجاد شيء بناء‬
‫لمواجهة الضرورات الراهنة‪ ،‬ربما على أساس قيام مجلس‬
‫مع قيام أعضاء‬ ‫تشريعي مركزي يرأسه "المندوب السامي"‪.‬‬
‫محليين بترؤس الدوائر مع أمناء بريطانيين")‪.(176‬‬
‫معن الفكار الجديدة لولسن في رسالته‬ ‫من يقرأ بت ّ‬
‫لهرتزل؛ يرى أن ولسن أبقى شمولية الحتلل وسيطرته فما‬
‫معنى مجلس تشريعي يكون رئيسه المندوب السامي‬
‫من على العرب العراقيين بأن يكونوا‬ ‫البريطاني‪ ،‬وحتى أنه ي ّ‬
‫رؤساء دوائر‪ .‬ولكن في ظل أمين بريطاني‪ ،‬الذي سيكون‬
‫صاحب القرار ورئيس الدائرة الفعلي‪ .‬إن هذا التراجع ما هو إل‬
‫محاولة لللتفاف على الصوات البريطانية‪ ،‬التي تدعو ولسن‬
‫للتخلي عن سياسة الستعمار المباشر في العراق‪.‬‬
‫أما هرتزل فقد أجابه برسالة تدعوه إلى تغيير سياسته‪.‬‬
‫ففي رده على رسالة ولسن في ‪ 7‬نيسان ‪ 1920‬قال فيها‪.." :‬‬
‫كما قلت لك دائما ً أن حكومة صاحب الجللة ملتزمة‬
‫‪(177‬بإقامة‬
‫حكومة عربية‪ ،‬وهي تنوي تحقيق ذلك فعل ً ل زورًا‪ . ).‬أكد‬
‫هرتزل لصديقه ولسن أن بريطانيا تنوي حقا ً إقامة حكومة‬
‫عربية في العراق‪ ،‬إل أن ولسن بقي يسبح ضد التيار‪ ،‬على‬
‫الرغم من تساقط العديد من مناصريه‪ .‬حيث لم تعد سياسته‬
‫تلقى التأييد الذي كان قبل ثورة دير الزور‪ ،‬حتى صديقته‬
‫ومعاونته المس ‪/‬غريترودبل‪ /‬السكرتيرة الشرقية لديوان‬
‫الحاكم العام‪ ،‬بدأت هي الخرى تعيد الكثير من حساباتها‬
‫السابقة‪ ،‬وتعمل على تغييرها وفق المعطيات الجديدة التي‬
‫خلقتها الثورة‪.‬‬
‫كذلك بدأت تظهر أصوات معارضة لولسن في داخل وزارة‬
‫الهند‪ ،‬فقد قال المستر مونتاغو وكيل الوزارة "إن ولسن‬
‫يوصي بعدم استشارة الشعب )يقصد الشعب في العراق( وأنه‬
‫ل يوافق على ذلك شخصيًا‪ ..‬وما يريد قوله هو أن نيتنا إقامة‬
‫حكومة وطنية في دولة عربية" وبلغ المر ُلدى مونتاغو برفض‬
‫سياسة ولسن شكل ً ومضمونًا‪ ،‬وحتى وإن ألغي الحتلل‬
‫البريطاني‪ .‬وقال‪" :‬أنه يرحب بأي شيء يلغي فكرة النتداب‬
‫التي تعتبر فعل ً بمثابة إهانة‪ .‬وهو يفضل كثيرا ً قيام دولة‬
‫مستقلة في ما بين النهرين مشابهة للتفاقية النكلو‪ -‬فارسية‪،‬‬
‫وتعاطف اللورد كرزن وزير الخارجية مع طرح مونتاغو وبين أنه‬
‫ل‬
‫يحبذ النتداب وسياسته فقال‪" :‬أنه شخصيا ً حريص على‬
‫‪ () 175‬ببب ببببب ببببب بببب ببببببببب‬
‫‪176‬‬ ‫)(‬
‫‪No. 52455- Vol. 2- To HISTZEL- No 3517 A. 19 March 1920.‬‬
‫‪177‬‬ ‫)(‬
‫‪No 52455- Vol. 1- 7 April 1920.‬‬
‫‪-95 -‬‬
‫التخلص من‬
‫)‪(178‬‬
‫النتدابات بالمرة"‪.‬‬
‫هذه التراجعات لم تأت من فراغ‪ ،‬بل هي جاءت بعد‬
‫النجاحات التي حققتها ثورة دير الزور‪ ،‬حيث جاءت تلك‬
‫التصريحات في شهري آذار ونيسان ‪ .1920‬وهي اليام التي‬
‫كانت ثورة دير الزور وحدها في العراق تقارع الحتلل‬
‫النكليزي‪ ،‬ولم تتفجر ثورة العشرين المعروفة في الرميثة بعد‪.‬‬
‫وأن طروحات مونتاغو وكيل وزارة شؤون الهند‪ ،‬وتعاطف معها‬
‫اللورد كرزن وزير الخارجية‪ ،‬كانت ثمار ثورة دير الزور‪.‬‬
‫وإن كانت تلك الماني والتصريحات البريطانية لم تؤد إلى‬
‫ة‬
‫إزاحة ولسن وسياسته‪ ،‬إل أن اليام بدأت توجه الرياح وجه ً‬
‫مخالفة لسير سفن ولسن‪ .‬حيث بدأ يتشكل رأي عام بريطاني‬
‫في لندن‪ ،‬يدعو إلى تغيير سياسة ولسن وإزاحته‪ .‬فالصحافة‬
‫في لندن بدأت تنتقد بشدة تلك السياسة‪ ،‬التي أدت إلى‬
‫خسائر في الرواح والعتاد‪ ،‬وأجبار بريطانيا على النسحاب‬
‫لول مرة عن أراض احتلتها في القرن العشرين‪ .‬مما أغضب‬
‫ولسن واعتبر معارضيه بالمتطرفين )كما اليوم من يعادي‬
‫الصهيونية وأمريكا(‪ .‬فكتب إلى وزارة شؤون الهند غاضبا ً من‬
‫الحملة الصحفية والمعارضين من النكليز ضد سياسته فقال‪:‬‬
‫"‪ ..‬قد اعتادوا على إبلغ المتطرفين بكافة الشارات الواردة‬
‫في الصحافة النكليزية ضد السياسة المحلية‪ ،‬والمبراطورية‬
‫لحكومة صاحب الجللة‪ .‬ل سيما مقالت "التايمز" والمناقشات‬
‫العموم‪ ،‬والتي يشير إليها المتطرفون في خطبهم‬ ‫في مجلس‬
‫وأحاديثهم")‪.(179‬‬
‫ومع اشتداد الزمة السياسية والعسكرية لدارة ولسن‪،‬‬
‫وخاصة بعد تواصل الثورة إلى العمق العراقي‪ .‬ونسف القطار‬
‫في الشرقاط‪ ،‬والهجوم على تل عفر قرب قرب الموصل‪.‬‬
‫استمرت اتهامات ولسن لحكومة فيصل‪ ،‬ملقيا ً عليها أسباب‬
‫الفشل المني والعسكري لقواته‪ .‬واعتبر أن المر ليس سوى‬
‫معركة بين قواته وقوات الحكومة العربية في دمشق‪.‬‬
‫حيث قال في برقيته إلى وزارة شؤون الهند في ‪ 8‬حزيران‬
‫الشريفية‪،‬‬ ‫‪ 1920‬بأن "حالة حرب فعلية تقوم بين القوات‬
‫وقوات حكومة صاحب الجللة في بلد مابين النهرين)‪.(180‬‬
‫وتتابعت اتهامات ولسن كما أشرنا من قبل لفيصل‬
‫وحكومته وللثورة‪ .‬وأمام سيل تلك التهامات طالبت الحكومة‬
‫البريطانية في برقية لها في ‪ 11‬حزيران ‪ 1920‬ولسن أن‬
‫قدم "بيانا ً مختصرا ً عن التصرفات الشريفية العدائية‪.‬‬
‫يُ ّ‬
‫وارتباطها بحكومة دمشق")‪ (181‬فرد ولسن على حكومته ببرقية‬
‫جوابية في ‪ 18‬حزيران ‪ 1920‬قال فيها‪" :‬إن إرسال‬
‫مجموعات متعاقبة من المتطرفين إلى دير الزور بصفة رسمية‬
‫وهو في حد ّ‬ ‫من عهد العراق‪ ،‬الجمعية العراقية في سورية‪،‬‬
‫ذاته دليل كاف على عدم رغبتهم في التعاون")‪ (182‬وطالب‬
‫ولسن في برقيته بأن تضغط الحكومة البريطانية على المير‬
‫فيصل بطرد الضباط العراقيين من دير الزور‪ ،‬وبذلك تتوقف‬
‫العمليات الهجومية للقوات العشائرية ضد القوات النكليزية‪.‬‬
‫واستمرت دعوات ولسن المضادة لفيصل‪ ،‬وبضرورة قطع‬
‫‪178‬‬ ‫)(‬
‫‪F. o. 371- 5068- Mimutes- of p. C. p. Dated- 13 April 1920.‬‬
‫‪179‬‬ ‫)(‬
‫‪F. o 371- 5228- E- 984- From Civil Conmissiner. Boyhad- Dated- 15‬‬
‫‪Auqast 1920.‬‬
‫‪180‬‬ ‫)(‬
‫‪F.0.371-5129-E6324-8June 1920.‬‬
‫‪181‬‬ ‫)(‬
‫‪F.0.371-5130-E6905. 4June 1920‬‬
‫‪182‬‬ ‫)(‬
‫‪F.0.371-5130-E7219-18 June 1920‬‬
‫‪- 96 -‬‬
‫المعونات المالية له‪ .‬واتهم حكومته بالتساهل بطلباتها لفيصل‬
‫ولضباط العهد‪ ،‬وأسماها بالتصالحية واعتبرها تخدم أهداف‬
‫حزب العهد المعادي لسياسته‪ ،‬والمناهض لها بالسلح‬
‫والسياسة‪ .‬وفضل ولسن الجلء عن بلد مابين النهرين أي‬
‫‪/‬العراق‪ /‬على أن تلبى مطالب حزب العهد العراقي‪ .‬فقد كتب‬
‫في ‪ 29‬حزيران ‪ 1920‬إلى حكومته "‪ ..‬إننا لنستطيع‬
‫المحافظة على مركزنا كدولة منتدبة بسياسة المصالحة مع‬
‫المتطرفين‪ .‬وإذا كانت حكومة صاحب الجللة تعتبر هذه‬
‫السياسة غير عملية‪ ،‬أو فوق طاقاتنا‪ .‬فإني أرى الفضل‬
‫‪(183‬مهما كان جسيما ً ومخيفا ً أل‬‫بالنسبة لها مواجهة البديل الخر‪،‬‬
‫وهو الجلء عن مابين النهرين") ‪.‬‬
‫وتابعت سياسة ولسن بإلقاء هزائم جنده في العراق على‬
‫الحكومة العربية في دمشق وعلى الشراف‪ ،‬وحزب العهد‪،‬‬
‫التي تنطلق قواتهم وإمداداتهم من دير الزور‪ .‬فيقول في‬
‫مة سيل متواصل من‬ ‫برقيته في ‪ 18‬حزيران ‪ .." : 1920‬ث ّ‬
‫المال والدعاية‪ .‬ويستخدم في الخير اسم عبد الله‪ ،‬وكذلك‬
‫اسم فيصل والدولة السورية‪ ،‬وذلك من دير الزور إلى هذا‬
‫البلد‪ .‬ومن الصعب أن‬
‫يكون هناك مصدر آخر لهذا السيل لسيما الموال‪ .‬غير حكومة‬
‫دمشق‬
‫أو موظفيها")‪.(184‬‬
‫معارضة بريطانية قوية لولسن‪:‬‬
‫منذ شهر حزيران ‪ 1920‬بدأت الصوات البريطانية تشتد‬
‫ضد سياسة ولسن وأنصاره من العاملين في وزارة شؤون‬
‫الهند‪ ،‬وتنتقد بشكل عام السياسة البريطانية في المنطقة‬
‫العربية حيث تنازع مكاتب الستخبارات البريطانية‪ .‬حيث كان‬
‫لكل مكتب بريطاني رؤية سياسة خاصة تجاه القضايا العربية‪،‬‬
‫فمكتب القاهرة يناصر القضايا القومية العربية‪ ،‬في حين مكتب‬
‫الهند يعادي هذه السياسة‪ .‬مما أدى إلى تقلبات حادة في‬
‫سياسة بريطانيا في المنطقة‪ .‬ويصف الميجر يونغ سكرتير‬
‫ل‪ .." :‬إن سياستنا‬ ‫وزير الخارجية البريطانية هذه السياسة قائ ً‬
‫في الشرق الوسط خلل السنوات الثلث‪ .‬أو الربع الخيرة قد‬
‫تأثرت كثيرا ً جدًا‪ ..‬ولقول خضعت بشخصيتين قويتين‪ .‬ففي‬
‫الجانب السوري‪ ،‬كان هناك الكولونيل لورنس الذي يشجع‬
‫المطامح العربية بدوافع مناوئة لفرنسا‪ .‬وفي الجانب العراقي‪.‬‬
‫الذي يكبح المطامح‪ ،‬وليبذل أي جهد‬ ‫نجد السير ارنولد ولسن‬
‫لخفاء أسباب عمله هذا")‪ .(185‬وأصبح الميجر يونغ أكثر القادة‬
‫البريطانيين إدراكا ً لمخاطر سياسة ولسن‪ ،‬التي تسببت‬
‫بكوارث لبريطانيا في المنطقة عبر النتفاضات والثورات‪ ،‬التي‬
‫بدأت في مدينة دير الزور‪ .‬ثم توبعت في بقية المناطق‪ .‬وبدأ‬
‫يسعى من داخل وزارة الخارجية البريطانية لقصاء ولسن عن‬
‫العراق‪ .‬واستبداله بشخص آخر أكثر تفهما ً للمسألة العربية في‬
‫المنطقة‪ .‬فكتب في ‪ 14‬حزيران ‪" 1920‬أخبرني الكولونيل‬
‫كريبون اليوم ‪ 14‬حزيران ‪/‬يونيو‪ :1920 /‬تلفونيا ً بأن وزارة‬
‫الحربية لم تكن مرتاحة لتهامات السير ‪.‬أ‪ .‬ولسن المتكررة‬
‫حول التواطؤ الشريفي في اضطرابات الحدود"‪ .‬وأشار في‬
‫مذكرته إلى سياسة ولسن المعادية لفيصل وللعرب‪ ،‬حيث‬
‫تسبب إفساد العلقات بين فيصل وبريطانيا‪ ،‬وإلى خلق تصادم‬
‫بين الطرفين‪ .‬فقال‪ .." :‬إن رأيي الخاص –كما كان دائمًا‪ -‬هو‬
‫‪183‬‬ ‫)(‬
‫‪F.0.371-52455-6948.9 June 1920‬‬
‫‪184‬‬ ‫)(‬
‫‪F.0.371- 5130-E-7219. 18 June 1920‬‬
‫‪185‬‬ ‫)(‬
‫‪F.0.371- 5228-E-8483- 4 June 1920‬‬
‫‪-97 -‬‬
‫أنه من المؤسف بالنسبة لي ضابط كان مع فيصل أن يتخذ‬
‫موقفا ً مضادا ً لبريطانيا‪ .‬إن روح إدارتنا في مابين النهرين هي‬
‫مسؤولة إلى حد كبير –إن لم يكن كليًا‪ -‬عن ذلك‪ ،‬إن عداء‬
‫ولسن الشديد لكل ماهو شريفي‪ ،‬قد خلق لنا الكثير من‬
‫المتاعب في الماضي‪ ،‬وسيسبب لنا المزيد منها في المستقبل‪.‬‬
‫وإني أعارض بشدة اقتراحه حول القيام بأعمال هجومية‬
‫حدود( مابين النهرين‪ ،‬وآمل مخلصا ً أن‬ ‫بالطائرات فيما وراء‬
‫لتتم المصادقة عليه‪ . 186)"..‬تقدم يونغ بهذه المذكرة لمجلس‬
‫الوزراء عن طريق وزير الخارجية‪ ،‬موضحا ً أن أسباب هذه‬
‫الحداث سياسة ولسن‪ ،‬وينذر محذرا ً أنها سوف تسبب المزيد‬
‫من المشكلت لبريطانيا في المستقبل‪ ،‬وهذا ماحدث فع ً‬
‫ل‪.‬‬
‫وكان لتحذيرات ‪/‬يونغ‪ /‬فعلها حين امتنعت وزارة الحربية‬
‫والطيران عن قصف مدينة دير الزور بشكل فاعل ومدمر‪،‬‬
‫وإنما استخدم الطيران بقصف المدينة بشكل غير مؤثر‪ ،‬في‬
‫حين قصفت جزيرة ابن عمر ملتقى الحدود السورية العراقية‬
‫على نهر دجلة‪ ،‬وكانت معبرا ً للعديد من القبائل الثائرة‪ .‬حيث‬
‫ورد في إحدى البرقيات شجب قصف دير الزور وابن عمر من‬
‫قبل الحكومة البريطانية "وزارة الهند ووزارة الحربية تشجبان‬
‫قصف دير الزور وجزيرة ابن عمر لعتبارات سياسية‪ .‬وقد‬
‫استشيرت وزارة الطيران أيضًا‪ ،‬وهي ترى لسباب‬
‫‪ (187‬فنية أن‬
‫قصف دير الزور بشكل فعال هو أمر غير وارد") ‪.‬‬
‫لم يتراجع ولسن عن سياساته بل دافع كثيرا ً عنها‪ .‬واعتبر‬
‫الضباط العراقيين في سورية وحكومة فيصل والشراف‪ ،‬هم‬
‫سبب إثارة أشكال العنف في العراق‪ ،‬وليست سياساته‬
‫المتشددة الرافضة لحكومة عربية‪ ،‬أو إعادة الضباط إلى‬
‫بلدهم‪.‬‬
‫دعوة لعادة احتلل دير الزور‬
‫حين بدأت الوضاع في العراق تتفجر في كل مكان‪ ،‬بعد‬
‫حوادث الرمثية وكربلء والنجف‪ ،‬لتتكامل الصورة التي رسمها‬
‫العهد في تفجير الثورة في العراق‪ .‬وأدرك ولسن جسامة‬
‫وخطورة الحداث‪ ،‬والعجز عن ردع الثائرين‪ ،‬وإيقافهم بدون‬
‫عاصفة قد تطيح به‪ .‬كما أدرك عمق المعارضة البريطانية التي‬
‫تنامت إلى حد ّ كبير في داخل بريطانية بمؤسساتها المدنية‬
‫والعسكرية‪ ،‬وحملت الصحافة‪ ،‬لتشكل رأي عام مضاد له‬
‫ولسياساته في العراق‪ .‬فتقدم باقتراح لحكومته يطلب منها‬
‫إعادة احتلل دير الزور‪ ،‬وبما فيها الرقة‪ ،‬ليستأصل جذور‬
‫المعارضة العربية‪ ،‬وبؤرة الثورة المضادة لسياساته‪ ،‬لنه الحل‬
‫المثل لنهاء الثورة في العراق‪.‬‬
‫فكتب ارنولد ولسن إلى حكومته في ‪ 9‬حزيران ‪1920‬‬
‫التالي "في شباط ‪/‬فبراير‪ /‬الماضي‪ .‬حذرت الحكومة من أننا‬
‫يجب أن نتمسك بما لدينا آنئذ بواسطة القوات الموجودة في‬
‫البلد‪ ،‬أو نجلو عنها‪ ،‬وأنه ليس ثمة طريق وسط‪ .‬إننا لنستطيع‬
‫تنفيذ النتداب بدون مجازفة بكارثة‪ ،‬إل إذا كنا مستعدين‬
‫للحتفاظ خلل العامين القادمين بنفس العدد من القوات‬
‫الموجودة في البلد الن على القل‪ .‬وفي حالة من الكفاءة‬
‫بأكثر بكثير مما هي عليه الن‪ .‬يجب أن نسترجع دير الزور‪،‬‬
‫ومن ضمنها الرقة‪ .‬ليمكننا أن نحافظ على مركزنا كدولة‬
‫منتدبة باتباع سياسة مصالحة مع المتطرفين‪ .‬يجب أن نكون‬
‫مستعدين بنفس النظر عن عصبة المم‪ ،‬للسير ببطء شديد‬
‫في إقامة المؤسسات الدستورية أو الديمقراطية‪ .‬وإذا كانت‬
‫‪186‬‬ ‫)(‬
‫‪F.0.371- 5129-E.6324-18 June 1920‬‬
‫‪187‬‬ ‫)(‬
‫‪F.0.371-5128- E-6531- 15 Marsh 1920.‬‬
‫‪- 98 -‬‬
‫حكومة صاحب الجللة تعتبر مثل هذه السياسة غير عملية أو‬
‫فوق طاقتنا‪) ،‬وهذا جائز( فإني أرى أنه من الفضل مواجهة‬
‫إني لعلى ثقة من أن‬ ‫البديل‪ ..‬والجلء عن مابين النهرين‪..‬‬
‫أنصاف الحلول ستؤدي إلى كوارث")‪.(188‬‬
‫وضع ولسن حكومته بين خيارين إما احتلل دير الزور‪،‬‬
‫وتدمير مواقع الثائرين "المتطرفين"‪ ،‬أو الجلء نهائيا ً عن‬
‫العراق‪ .‬وهذا هزيمة نكراء لبريطانيا العظمى‪ .‬إل أن يونغ عدو‬
‫ولسن وسكرتير وزارة الخارجية رد على مذكرته بأن ولسن‬
‫كان يصرح‪" :‬هناك خياران فقط أمامنا‪ .‬إما الحتفاظ بما بين‬
‫النهرين بالقوة‪ ،‬أو النسحاب نهائيًا"‪ .‬ثم يقول "إن ولسن‬
‫ليذكر شيئا ً على الطلق عن الخيار الثالث الذي كان يمثل‬
‫دائما ً سياسة حكومة صاحب الجللة‪ ،‬وهو البقاء في مابين‬
‫النهرين برضاء الشعب‪ ،‬وليس من الصعب معرفة سبب ذلك‪،‬‬
‫وهو يعلم أننا لنستطيع الحصول على رضاء الشعب إل بإقامة‬
‫حكومة ذات طابع عربي غالب‪ .‬وإني لواثق تماما ً من أن‬
‫ولسن سيبذل قصارى جهده للحيلولة دون تحقيق‬ ‫الكولونيل‬
‫هذا الهدف")‪.(189‬‬
‫إقصاء ولسن وتحقيق أهداف العهد نسبيا ً‬
‫بعد انفجار الوضع العام في العراق‪ ،‬شعرت الحكومة‬
‫البريطانية مدى الخطأ الجسيم الذي ارتكبته بتأييد سياسات‬
‫دد في‬ ‫وزارة شؤون الهند‪ ،‬والتي كان ينفذها ولسن ويتش ّ‬
‫تطبيقها‪ ،‬ورفض كل دعوات الصدقاء والناصحين بتغيير هذه‬
‫السياسة قبل ثورة دير الزور وأثناء نشوبها‪ ،‬وحتى خلل‬
‫تداعاياتها‪ ،‬وإلى أن تفجر كل شيء في العراق‪ .‬فبدأ البحث‬
‫دي في ضرورة إقصاء ولسن عن بغداد‪ ،‬واستبداله بشخص‬ ‫الج ّ‬
‫بريطاني آخر‪ ،‬يستطيع أن يمتص النقمة الشعبية‪ ،‬وينهي الثورة‬
‫الشعبية‪ ،‬ويبدو الندم واضحا ً في تصريحات وزير الخارجية‬
‫البريطاني اللورد كرزن حين قال‪" :‬من المؤسف جدا ً أن‬
‫الكولونيل ولسن بقي طيلة هذه المدة في مابين النهرين")‪.(190‬‬
‫وفي اجتماع ‪ 16‬حزيران ‪ 1920‬أكد ‪/‬كرزن‪ /‬على ضرورة‬
‫إقصاء ولسن واستبداله‪ .‬وتحقيق مطالب العهد في عودة‬
‫الضباط العراقيين إلى بلدهم فقال "‪ ..‬إنه من غير العملي‬
‫تأجيل قرار عودة هؤلء الضباط‪ .‬فقد ظلوا بعيدين عن وطنهم‬
‫لمدة طويلة وهم يقاتلون التراك‪ ،‬وأن فخامة اللورد كرزن‬
‫يستنكر أية بادرة من جانب حكومة صاحب الجللة في وضع‬
‫العراقيل في طريق العودة إلى الوطن بالنسبة لرجال تطوعوا‬
‫في( قضية الحلفاء‪ ،‬وساعدوا عمليات الحلفاء في‬ ‫للخدمة‬
‫أيضا ً على تشكيل‬‫ُ‬ ‫م التفاق‬‫‪ .‬وبعد المداولة ت ّ‬
‫)‪191‬‬
‫سورية"‬
‫حكومة عربية وفق إرادة الشعب‪ .‬فقد أذيع بيان صادر من‬
‫الحكومة البريطانية إلى الشعب العراقي‪ ،‬تم إرساله إلى‬
‫وزارة شؤون الهند في ‪ 17‬حزيران ‪ 1920‬أي بعد انعقاد‬
‫الجلسة التي أشرنا إليها في ‪ 16‬حزيران‪ ،‬وقد ُأذيع التصريح‬
‫علنا ً في ‪ 20‬تموز ‪ 1920‬جاء فيه‪ .." :‬إن حكومة صاحب‬
‫الجللة تتوقع أن النتداب سوف يتطلب منها صياغة قانون‬
‫أساسي ضمن فترة محدودة ل تتجاوز سنتين على الرجح‪،‬‬
‫على أن يتم وضعه بالتشاور مع السلطات الهلية‪ .‬إن حكومة‬
‫صاحب الجللة أخذت بعين العتبار الرغبات المعلنة لشعب‬
‫مابين النهرين في إعادة السير برسي كوكس‪ .‬قد قررت‬
‫‪188‬‬ ‫)(‬
‫‪F.0.371- 5227- E- 6509- 9 June 1920.‬‬
‫‪189‬‬ ‫)(‬
‫‪F.0.371- 5227- E- 6509. Dated 16 June 1920.‬‬
‫‪190‬‬ ‫)(‬
‫‪F.0.371-4146-8610- 14-16 June 1920.‬‬
‫‪191‬‬ ‫)(‬
‫‪F.0.371-4146- 86170-14-16 June 1920.‬‬
‫‪-99 -‬‬
‫تكليفه بالدعوة إلى تشكيل‪:‬‬
‫‪-1‬مجلس دولة ذي طابع عربي غالب‪ .‬يرأسه عربي‪.‬‬
‫‪-2‬جمعية عامة تمثل شعوب مابين النهرين كمجموع‪.‬‬
‫‪ (192‬قانون أساسي دائم بالتشاور مع‬
‫تهيئة‬ ‫وسيكون من واجبه‬
‫وأعلنت الحكومة إنهاء السير‬ ‫)‬
‫هاتين الهيئتين المؤقتتين"‬
‫ارنولد ولسن كمندوب سام في العراق‪ ،‬وتعيين السير برسي‬
‫كوكس بدل ً عنه‪ .‬وفي ‪ٍ 21‬أيلول ‪ 1920‬نشرت جريدة العراق‬
‫قرار الحكومة جاء فيه‪:‬‬
‫"ييييي ييييي يييي يييي ييييييي يييييييييي‬
‫يييي ييييي يييييي ييييي يييي ييييييي ييييي‬
‫ييييييي ييييييي يي ييييييي ييي يي ييييي يي‬
‫ييييي ييييي ييييي ييييي ييييي يييييي ييييي‬
‫ييييي يي يييييي‪ .‬يييييي ييييي ييي ييييييي‬
‫يييي يييي ييي ييي يييي يييييي‪ .‬يييييي يييي‬
‫يييييي يي ييي ييييي‬ ‫ييييي يييي يييي ييي‬
‫يييييي ‪/‬ييييي ييييي")‪.(193‬‬
‫وفعل ً تشكلت أول حكومة عربية في العراق برئاسة السيد‬
‫عبد الرحمن النقيب‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪192‬‬ ‫)(‬
‫‪F.0.371-5228-23 Jugy 1920.‬‬
‫‪ () 193‬ببببب بببببب ببببب ‪/21 /95 /‬ببببب ‪.1920‬‬
‫‪- 100 -‬‬
‫الفصل العشرون‬

‫‪-‬نتائج الثورة‪-‬‬
‫حققت الثورة في دير الزور معظم أهدافها الكبرى التي‬
‫سعت من أجلها‪ ،‬وإن لم تستطع أن تحقق الستقلل التام‬
‫للعراق‪ ،‬وإقامة حكومة عربية غير موالية لبريطانيا فيه‪ ،‬كما‬
‫كان يريد ياسين ورمضان وبقية ضباط العهد‪ .‬إل أنها أنجزت‬
‫نتائج هامة‪ .‬وأهمها‪:‬‬
‫‪-1‬تحرير منطقة دير الزور بريفها ومدنها من الحتلل‬
‫البريطاني‪ ،‬وإعادتها إلى القطر العربي السوري الذي‬
‫كان وقتئذ يتمتع باستقلل تام وحكومة وطنية‪ .‬وهو‬
‫إنجاز لم يتحقق لي ثورة وطنية قطرية في الوطن‬
‫العربي‪.‬‬
‫‪-2‬إشعال الثورة في كافة أنحاء العراق‪ ،‬وهو هدف أراده‬
‫حزب العهد‪ ،‬حين اتخذ من دير الزور قاعدة انطلق إلى‬
‫كل العراق شمال ً وجنوبا ً وشرقا ً وغربًا‪ .‬ففي حين‬
‫اشتعلت الثورة في دير الزور من ‪ 11‬كانون الول‬
‫‪ .1919‬واستمرت حتى نهايات آب تقريبا ً من عام‬
‫‪ .1920‬فإنها كانت تحريضا ً أسهم في انطلقة ثورة‬
‫العشرين في الجنوب العراقي‪.‬‬
‫‪-3‬نزعت ثورة دير الزور من نفوس القوميين العرب‬
‫والعشائر والهالي في وادي الفرات وغيره عامل‬
‫الخوف والرهبة تجاه جيش بريطانيا العظمى‪ ،‬الذي كان‬
‫في رأي الكثير من الضباط والزعماء السياسيين أن‬
‫مواجهته ستكون ضربا ً من الجنون‪.‬‬
‫فقوات الثورة من عشائر بسيطة لم تتدرب في مدارس‬
‫حربية أو أكاديميات عسكرية‪ ،‬سطرت نصرا ً في أكثر من موقع‬
‫مع هذا الجيش العظيم‪ ،‬وألحقت به العديد من الخسائر‬
‫الجسيمة في الرواح والمعدات‪ ،‬وزرعت الرعب والخوف في‬
‫نفوس الجنود البريطانيين‪ .‬قالبة المعادلة رأسا ً على عقب‪،‬‬
‫وأعطت جرعة عالية من الروح المعنوية للجماهير العربية‬
‫الشعبية‪ .‬فكتبت المس ‪/‬بل‪ /‬حول انسحاب الجيش البريطاني‬
‫أمام الثورة وتخليها عن دير الزور وعن النصياع البريطاني‬
‫لطلبات الثورة‪:‬‬
‫"إن استعداد الدارة البريطانية للنزول عند رغبة الحكومة‬
‫العربية والنصياع إلى مقترح ينبعث منه أمل معقول في‬
‫تطمين ادعاءاتها في الفرات‪ ،‬قد أسقطته من الحساب جمعية‬
‫‪-101 -‬‬
‫العهد العراقية ووكلؤها‪ ،‬حيث لحظت صعوبتنا الواضحة في‬
‫المحافظة على خط مواصلتنا الطويل‪ .‬ضد هجمات القوات‬
‫غير النظامية عليه‪ .‬ثم اعتبرت موقفنا السترضائي العام دليل ً‬
‫على ضعفنا العسكري‪ .‬وعلى هذه الشاكلة كان موقفنا هذا‬
‫شيئا ً متحفزًا‪ ،‬وليس مهدئا ً لها‪ .‬وكانت كتابات الصحافة‬
‫السورية المحلية عن المناوشات التي جرت معنا مهما كانت‬
‫لهجتها غير معقولة ُتقابل بالتصديق من الجميع‪ ،‬فقد كتبت‬
‫تقول‪ :‬إن الجيش البريطاني طرد من دير الزور‪ ،‬وأن القوات‬
‫العربية أجبرته على إخلء البوكمال‪ ،‬وأنه ينتظر الضربة الخيرة‬
‫التي سوف تنزل به في عانة على يد المير عبد الله وقوته‬
‫هذه الشاعات تتردد في‬ ‫التي لتقهر‪ .‬وفي الوقت الذي كانت‬
‫مقاهي بغداد‪ .‬بدأ العمل في البادية")‪.(194‬‬
‫ويشهد على رفع المعنويات العربية لدى الجمهور بعد أن‬
‫تحققت عدة انتصارات لثورة دير الزور‪ .‬ارنولد ولسن نفسه‪،‬‬
‫فقد كتب‪" :‬إن تقلص حدودنا المستمر في الفرات العلى‪،‬‬
‫والغارات على تل عفر وطرق الموصل‪ .‬قوى العتقاد السائد‬
‫لدى الناس‪ ،‬بأن وضعنا العسكري ليس في مقدوره ضبط‬
‫العشائر في حال قيامها‪ .‬ففي أوائل شهر حزيران أعطانا علي‬
‫السليمان تحذيرا ً خطيرًا‪ .‬وهذا الرجل ُيعد ّ من أكثر مؤيدينا ثباتا ً‬
‫بين شيوخ العشائر بالقرب من بغداد‪ ،‬وفي الوقت نفسه‬
‫أعطانا مثل هذا التحذير شيخ مشايخ عنزة‪ .‬وهو الذي أعطى‬
‫آذانا ً صماء للدعاية الثورية الموجهة إليه‪ .‬فهو أعلن بجدية أننا‬
‫النتصارات‪ ،‬فإنه ليستطيع أن يعطي‬ ‫إذا لم نحصل على بعض‬
‫جوابا ً مقنعا ً لفراد عشيرته‪.(195)"..‬‬
‫‪-4‬إلحاق الهزيمة بالسياسة البريطانية التي يمثلها ولسن‬
‫الذي يحتقر العرب‪ ،‬ويرفض إشراكهم في أية إدارة‬
‫مدنية أو عسكرية بحجة عدم الهلية‪ ،‬حتى وإن كانت‬
‫الوظائف متدنية ومحتقرة‪ .‬وكان ينظر إلى العرب‬
‫المسلمين بعين الحتقار والعداء‪.‬‬
‫وأفشلت الثورة خطة ولسن الساعية إلى خلق صراع ديني‬
‫وطائفي في العراق‪ ،‬وإلى تفضيل دين على دين فكتب يقول‪:‬‬
‫"كنا نعتقد أن مساهمة بريطانيا في رفاهية البشرية تكمن في‬
‫تشرب حكومتها بمبادئ المسيحية‪ .‬وأن العراق بحاجة إلى‬
‫ماهو أكثر من فوائد الحضارة المادية‪ ،‬كنا نعتقد أنه مالم‬
‫يتشرب العراق بمبادئ المسيحية فإنه لم يكن صالحا ً‬
‫للحرية")‪ .(196‬لقد أثبتت الثورة أن العرب كتلة واحدة سواء من‬
‫كان منهم مسلما ً أو مسيحيًا‪ ،‬وعلى مختلف مذاهبهم‬
‫وطوائفهم‪.‬‬
‫‪-5‬حققت الثورة في دير الزور وإن كانت بعد انفجار ثورة‬
‫الجنوب إقامة دولة عربية في العراق‪ ،‬بعد الرفض‬
‫المطلق من قبل وزارة شؤون الهند وولسن‪ ،‬كما نصب‬
‫الملك فيصل ملكا ً عليها‪.‬‬
‫ثورة دير الزور الرهاصات الولى لثورة العشرين‪.‬‬
‫إن دير الزور في ثورتها التي امتدت مايزيد على ثمانية‬
‫أشهر كانت الرهاصات الولى التي أشعلت الثورة في العراق‬
‫والتي تعتبر من أهم الثورات في وادي الرافدين‪ .‬وقد أنكر‬
‫)( بببب ببببببببب‪" -‬بببب ب ب بببب ب ببب ببب ببببب بب بببب ب‬ ‫‪194‬‬
‫بببب بببببب –ببببب‪ -1971 -‬ب ‪.418 -417‬‬
‫)( ب‪ .‬ببب بببببب –ببببب بب ببببب بببببب بببببب –بببب ب ببب‬ ‫‪195‬‬
‫ب ‪.147‬‬
‫)( ‪.Sunday Times- 20 September 1920‬‬ ‫‪196‬‬

‫‪- 102 -‬‬


‫بعض الباحثين أو المؤرخين أية صلة بها‪ .‬إل أن المنصفين من‬
‫المؤرخين أقروا بذلك وجعلوا ثورة دير الزور أهم مقدمات‬
‫ثورة العشرين‪ .‬إن لم تكن ثورة الجنوب هي التواصل للثورة‬
‫في دير الزور‪ ،‬ففي حين كانت تخبو وتهدأ في دير الزور نتيجة‬
‫الحتلل الفرنسي لسورية‪ ،‬وانقطاع المدادات المادية والسلح‬
‫عنها‪ .‬تنفجر في الرميثة في ‪ 30‬حزيران ‪ 1920‬لتعم العراق‬
‫بكامله‪ .‬ومن الذين كتبوا إنصافا ً للحقيقة نذكر منهم‪ :‬د‪.‬علي‬
‫الوردي في كتابه "لمحات اجتماعية في تاريخ العراق الحديث‬
‫حيث يقول‪" :‬إن اندلع الثورة المسلحة في الرميثة في ‪30‬‬
‫حزيران ‪ .1920‬سبقت أمور أربعة يمكن اعتبارها عوامل‬
‫‪(197‬تل عفر‪-3 .‬أحداث‬ ‫ممهدة له هي‪-1 :‬أحداث دير الزور ‪-2‬واقعة‬
‫رمضان في بغداد‪-4 .‬نفي ابن شيرازي‪. )".‬‬
‫*ويقول الدكتور وميض عمر جمال نظمي في كتابه القيم‬
‫"الجذور السياسية والفكرية والجتماعية للحركة القومية‬
‫العربية الستقللية في العراق" مايلي‪" :‬في أيار ‪/‬مايو‬
‫‪ 1920‬كان الضباط العراقيون قد نظموا جيشا ً فعال ً‬
‫نسبيًا‪ ،‬يمثل خطرا ً جديا ً للنكليز‪ ،‬ويهدد وجودهم في‬
‫الموصل‪ .‬إل أن الغزو الفرنسي لسورية في تموز‬
‫‪ ،1920‬بدد حلم الضباط بـ تحرير العراق بحرمانهم من‬
‫ومع ذلك كان الدير وتل عفر مقدمة‬ ‫مؤازرة دمشق‪.‬‬
‫لنتفاضة عامة")‪.(198‬‬
‫*أما المؤرخ العراقي عبد الرزاق الحسني فكتب‪.." :‬‬
‫والذين قدر لهم أن يكتبوا عن‪ ..‬الثورة العراقية الكبرى"‬
‫اختلفوا في بيان مقدماتها وعواملها‪ ،‬وأسبابها‪ ،‬حتى‬
‫نتائجها‪ .‬اختلفا ً جعل دارسي تاريخ هذه النهضة على‬
‫حداثة عهدها‪ .‬غير مطمئنين إلى ماوصلت إليه يد البحث‪،‬‬
‫ول مؤمن بمعظم مانشر عنها‪ .‬فقد وصفها فريق بأنها‬
‫كانت جزءا ً من ثورة "الملك حسين"‪ .‬وأدلى آخر بأنها‬
‫كانت من متممات الحوادث الدامية التي جرت في دير‬
‫‪(199‬وغالى فريق ثالث فقال‪ :‬إنها كانت‬‫الزور وتل عفر‪،‬‬
‫فراتية بحتة") ‪.‬‬
‫*ويعترف وزير في العهد الملكي جلل بابان بقوله‪" :‬إن‬
‫من الواجب أن أذكر بأن حصول الحجاز على استقلله‬
‫كدولة مستقلة‪ ،‬وما كان جار من قبل الملك فيصل بن‬
‫الحسين من جهود فعالة لضمان استقلل سورية‪،‬‬
‫ومقاومة الستعمار الفرنسي لها‪ .‬والحركة الستقللية‬
‫‪(200‬فقد كان‬‫التي قام بها العراقيون في دير الزور وتل عفر‪.‬‬
‫لهذه النتائج الثر البالغ في نفسية العراقيين") ‪.‬‬
‫*أحمد قدري طبيب الملك فيصل ومرافقه قال‪ .." :‬كان‬
‫رمضان الشلش قد أخرج النكليز منها في ‪ 11‬كانون‬
‫‪ ،1919‬وعين فيصل مولود مخلص حاكما ً لها )يقصد دير‬
‫الزور(‪ .‬وقد سافر إلى الدير بعد إعلن الستقلل بقليل‬
‫جميل المدفعي وعلي جودت وتحسين علي لترؤس‬
‫الحركة‪ .‬ولم يكد ينتهي شهر آذار حتى بدأت العصابات‬
‫تشن هجماتها‪ ،‬وتبلو بلءها في العراق‪ ،‬وكان في بادرة‬
‫أعمالها تخريب سكة الحديد بين سامراء والشرقاط‪ .‬كما‬
‫)( ب‪.‬ببب بببببب‪ -‬ببببب ببببببب بب بببب ب ببب ببب ببب ببب –ب‬ ‫‪197‬‬
‫‪ -5‬ب ‪ -130‬بببب بببب‪.‬‬
‫)( ب‪ .‬ببب ب بب بب بب ب ببب ب –ببب ببب بببببب بب ببببببب ب‬ ‫‪198‬‬
‫بببببببببب ب ببببب ب بببببب ب بببببب ب بببب ببببببب ب ب‬
‫بببببب‪ .‬بببب بببب ب ‪.195‬‬
‫)( ببب بببببب بببببب –بببببب بببببببب ببب ببب‪ -‬بب بب ب ببب‬ ‫‪199‬‬
‫ب ‪.101‬‬
‫)( بببببب بببببب ب ‪.206‬‬ ‫‪200‬‬

‫‪-103 -‬‬
‫أن قوى جميل المدفعي هاجمت تل عفر‪ ،‬وقتلت الميجر‬
‫باولو والكابتن استوارت‪ ،‬ونسفت دار الحكومة‬
‫بالديناميت بمن فيها‪ ،‬فسيرت إليه القيادة البريطانية من‬
‫فانسحب إلى الدير‪ .‬وكان ذلك‬ ‫الموصل قوى كبيرة‪،‬‬
‫إيذانا ً باندلع ثورة العراق")‪.(201‬‬
‫*الدكتور أحمد طربين المؤرخ العربي المعروف قال "لما‬
‫نشبت ثورة العراق في ربيع عام ‪ 1920‬على النكليز‪،‬‬
‫وتألفت في دمشق لجنة خاصة للشراف على الثورة‪،‬‬
‫وإجراء الستعدادات اللزمة لنجاحها‪ .‬وكان ذلك أن‬
‫توترت العلقات بين بريطانيا والحكومة العربية المؤقتة‪.‬‬
‫أضرمت نار تلك الثورة‬ ‫بل إن أول قوة وطنية عراقية‬
‫خرجت من دير الزور السورية")‪.(202‬‬

‫‪‬‬

‫)( ب‪ .‬بببب بببب‪ -‬ببببببب ب ب ببب ببب بببببب ب – ببب ب بببب ب‪-‬‬ ‫‪201‬‬
‫ببببب ببببببب ببببببب‪ -‬بببب ‪-1993‬ب ‪.207‬‬
‫)( ب‪.‬بببب ببببب‪ -‬بببببب بببببب ب بب ب ‪ -1945 -1916‬ببب بببب‪-‬‬ ‫‪202‬‬
‫ب‪-1959 -‬‬ ‫ب ببببببب‬ ‫بببببب‬
‫ب ‪.26‬‬
‫‪- 104 -‬‬
‫الفصل الحادي والعشرون‬

‫ثورة دير الزور‪ .‬ونهاية الحكم الفيصلي‬


‫في دمشق‬
‫مع ازدياد عمليات الثورة في العراق‪ ،‬انطلقا ً من دير الزور‬
‫منذ نهايات آذار‪ ،‬وحتى أواسط شهر حزيران ‪ .1920‬شعرت‬
‫الحكومة البريطانية أن وجودها في العراق خاصة‪ ،‬والردن‬
‫وفلسطين عامة‪ ،‬يتعرض لخطر قد يؤدي إلى اضطرارها إلى‬
‫الجلء عن تلك المناطق‪ .‬كما حدث في دير الزور والميادين‬
‫والبوكمال‪ ،‬فحرب العصابات مستمرة منطلقة من دير الزور‬
‫إلى عمق العراق حيث يتوسع مسرح عملياتها الحربية‪ ،‬الذي‬
‫أصبح يمتد من شمال بغداد إلى الموصل إضافة إلى مناطق‬
‫دليم والرمادي‪ .‬ومع ماتحققه من نتائج يتراكم لدى الرأي العام‬
‫في العراق احتقانا ً لنفجار ثورة عارمة ليمكن تقدير نتائجها‪.‬‬
‫وتلك خطة قد رسمت بدقة من قبل قيادة حزب العهد‪.‬‬
‫فيقول أحد قادتها العقيد جميل المدفعي )الذي أصبح فيما بعد‬
‫رئيسا ً لعدة وزارات في العهد الملكي(‪" :‬اضطر النكليز إلى‬
‫النسحاب من دير الزور فعين مولود مخلص حاكما ً عسكريا ً‬
‫فيه‪ .‬وبدأت الحركات وتوسعت العمال هناك‪ .‬فاتخذت دير‬
‫الزور قاعدة للبدء بأعمال الثورة‪ ،‬وإرسال العصابات إلى داخل‬
‫العراق‪ .‬وقررت جمعية العهد تعيين هيئة لدارة الحركات من‬
‫جميل المدفعي‪ .‬وعلي جودت اليوبي من دمشق‪ ،‬وتحسين‬
‫علي من حلب‪ .‬فسافرت مع نخبة ممتازة من الضباط والجنود‬
‫العراقيين المسرحين‪ .‬وبعض المجاهدين من أمثال فهد البطيخ‬
‫من رؤساء شمر الطوقة‪ ،‬الذي أبلى بلء حسنا ً في شمال‬
‫الموصل والشرقاط‪ .‬كما أن الكثير من الضباط العراقيين‬
‫وصلوا من العراق للشتراك في الثورة‪ .‬باشرت الهيئة بتأليف‬
‫عصابات متعددة‪ ،‬أرسلت البعض منها إلى أعالي الفرات‪ ،‬وقد‬
‫ساعدها رؤوساء العكيدات والدليم‪ .‬أمثال نجرس القعود‬
‫ومشرف الدندل‪ .‬وغيرهم‪ .‬فصارت تقطع الطريق‪ ،‬وتهاجم‬
‫النكليزية مابين عانة والدير‪ ،‬ومابين تكريت‬ ‫المراكز‬
‫والشرقاط")‪.(203‬‬
‫أمام ازدياد حرب العصابات المنطلقة من دير الزور وبدعم‬
‫واضح من قبل الحكومة العربية التي عينها الملك فيصل في‬
‫دمشق‪ ،‬سعت الحكومة البريطانية بصورة سرية إلى تسريع‬
‫الحتلل الفرنسي لسورية للتخلص من تلك الحكومة‪ ،‬وإنهاء‬
‫)( ببب ب ببببب ب بب ببب بب بببب ببب ببببب بب ب ب ببب ببب‬ ‫‪203‬‬
‫ببببببب ب ب بب ‪ -1920‬ببببببب ب –بب ببب‪ -‬بببب ب بببب بب –‬
‫‪ -1952‬ب ‪.333‬‬
‫‪-105 -‬‬
‫الثورة في دير الزور‪ ،‬بقطع المدادات المادية والعسكرية عنها‬
‫والسراع بسقوط الحكومة الفيصلية في دمشق‪ .‬وتم هذا‬
‫برفع اليد عن فيصل وحكومته من قبل الحكومة البريطانية‪،‬‬
‫والطلب من فيصل بالرضوخ لشروط وإنذارات الجنرال غورو‪.‬‬
‫ففي الول من حزيران ‪ 1920‬بعث الملك فيصل رسالة‬
‫إلى لويد جورج رئيس وزراء بريطانيا‪ ،‬يطلب منه التدخل‬
‫ليقاف الحركات العسكرية المضادة لسورية من قبل قوات‬
‫غورو الفرنسية‪ ،‬إل أن فيصل لم يتلق أي جواب منه‪ .‬ووجه في‬
‫‪ 10‬حزيران ‪ 1920‬رسالة إلى الجنرال اللنبي قائد القوات‬
‫البريطانية في فلسطين يستغرب فيها سياسة بريطانية‪ ،‬التي‬
‫بنداءات الحكومة العربية‪،‬‬ ‫تعمل على إرضاء فرنسا‪ ،‬ول تكترث‬
‫ويطلب بترٍج إلى دعم موقفه ضد فرنسا)‪ .(204‬وأرسل فيصل‬
‫مرافقه العميد نوري السعيد إلى لندن‪ ،‬ليبحث أمر إنذارات‬
‫غورو‪ ،‬وطالبا ً بدعم بريطاني ضد فرنسا إل أن نوري السعيد‬
‫فشل في مهمته‪.‬‬
‫ً‬
‫وتتابعت صرخات فيصل مستغيثا بالحليف البريطاني عبر‬
‫رسائل وبرقيات‪ ،‬وجهت لقادة بريطانيا بدءا ً من لويد جورج‬
‫وحتى كرزن واللنبي وغيرهم‪ .‬وكانت أهم رسائل الستغاثة هي‬
‫التي أرسلها الملك فيصل إلى الجنرال اللنبي في ‪ 11‬تموز‬
‫‪ 1920‬أي قبل الحتلل بأيام جاء فيها‪ .." :‬أدعوكم باسم‬
‫النسانية‪ ،‬ومصالحكم ومصالح حلفائكم‪ .‬التدخل حا ً‬
‫ل‪ .‬كما‬
‫تدخلتم من قبل لمنع الخطر‪ ،‬وإراقة الدماء‪ ،‬وقبل أن يلهب‬
‫غورو النار في المنطقة المسالمة‪ ،‬حيث لم يأخذ بعين العتبار‬
‫كله شاهد على‬ ‫مايترتب على حربه الجديدة من نتائج‪ .‬والعالم‬
‫إخلص العرب‪ .‬على ماعملوه لحفظ السلم")‪ .(205‬وذهبت‬
‫صرخات فيصل مع دخان مدافع غورو‪ .‬واحتلت دمشق‪ ،‬وطرد‬
‫فيصل منها من قبل الغزاة المستعمرين‪.‬‬
‫إن الحكومة البريطانية أرادت بدعمها أوحتى وقوفها على‬
‫الحياد في معركة فيصل وحكومته العربية مع الفرنسيين‬
‫انتقاما ً منه‪ .‬وتنفيذا ً لعقود ومعاهدات استعمارية بين بريطانيا‬
‫وفرنسا‪ ،‬إل أن بريطانيا كانت تريد إزاحة هذه الحكومة التي‬
‫سببت لها المتاعب في العراق‪ .‬ويقول المجاهد فوزي‬
‫القاوقجي في مذكراته ‪":‬كانت حوادث البوكمال‪ .‬والستيلء‬
‫على دير الزور وتنظيم ثورة العراق‪ ،‬وإمدادها بالسلحة‬
‫النكليز والفرنسيين بالنظر إلى‬ ‫والموال‪ .‬كانت تستدعي‬
‫الحكومة العربية بالرتياب")‪ .(206‬ويذكر القائد المجاهد فوزي‬
‫القاوقجي الذي كان آنئذ ضابطا ً من ضباط الملك فيصل‪،‬‬
‫وعاش أحداث المرحلة"‪ .‬وكان من أهم العوامل التي حدت‬
‫ببريطانيا إلى تقديم النصح لفيصل لقبول إنذار غورو‪ ،‬رغبتها‬
‫في التخلص من الحكومة العربية الفتية في سورية‪ ،‬والقضاء‬
‫على نفوذ دمشق‪ ،‬التي أضحت معقل ً لحرار رجالت العرب‬
‫خاصة رجالت العراق الذين أمدوا الثورة القائمة آنئذ في‬
‫العراق بالموال والرجال والسلحة‪ ..‬وساندوها بنفوذهم‬
‫السياسي والدبي‪ .‬وعجز النكليز عن إخمادها مع كثرة‬
‫ماحشدوا من قواهم‪ ،‬وفقدوا عددا ً عظيما ً من القتلى والجرحى‬
‫يزيد عن العشرة آلف جندي‪ .‬كما فقدوا بعض معداتهم التي‬
‫عليها( الثوار‪ ،‬كما أسروا كثيرا ً من ضباطهم‬ ‫استولى‬
‫وجنودهم")‪. 207‬‬
‫)( ب‪.‬بب ب ب بببب –بببب ب ب بببب ‪ -1920 -1918‬بب ب ببب ب ب ب‬ ‫‪204‬‬
‫بببببب‪ -‬بببب‪ -‬ببب بببب‪-1987 -‬ب ‪.347‬‬
‫)( بببببب بببببب ب ‪.357‬‬ ‫‪205‬‬

‫)( بببب بببببببب‪ -‬ب ببببب‪ -‬بب ببب ببب ببب ب‪.‬بببب ب ببب ببب –‬ ‫‪206‬‬
‫بببب‪ -‬ببب بببببب –بببب ببببب ‪ -1995‬ب ‪.78‬‬
‫)( بببببب بببببب ب ‪.82‬‬ ‫‪207‬‬

‫‪- 106 -‬‬


‫ويذكر مؤلف آخر ‪/‬سليمان موسى‪ /‬في تأثير ثورة دير‬
‫الزور على النكليز‪ ،‬واندفاعهم ليتعاونوا مع الفرنسيين لسقاط‬
‫سرعوا مااتفقوا عليه من قبل‬ ‫الحكومة العربية في دمشق‪ ،‬وي ُ ّ‬
‫سايكس‪-‬بيكو" أو مااتفق عليه لويد جورج مع كليمنصو‪ ،‬فقد‬
‫باتت ثورة دير الزور من الخطورة على وضعهم في العراق‬
‫مما يستدعي قطع شريان الحياة عنها‪ .‬وهي الحكومة العربية‬
‫في دمشق فيقول‪" :‬في هذه الفترة وقع حادث آخر كان له‬
‫أيضا ً تأثيره العميق على مجرى الحداث‪ ،‬وذلك أن حاكم قضاء‬
‫الرقة العسكري رمضان شلش قام بمهاجمة بلدة دير الزور‪،‬‬
‫التي كان العرب قد احتلوها في كانون الول ‪ ،1918‬ثم‬
‫استولى عليها النكليز في الشهر التالي‪ .‬والستيلء عليها في‬
‫‪ 11‬كانون الول ‪ .1919‬وقد أثار هذا العمل سخط النكليز‪،‬‬
‫وزاد في اعتقادهم بأن الوضع في دمشق أخذ يعكس آثاره‬
‫على العراق وفلسطين‪ ،‬وبأنه من الفضل عدم تشجيع العرب‬
‫على مقاومة الفرنسيين‪ .‬وربما كان من نتائج حركة رمضان‬
‫شلش هذه أن الحكومة البريطانية قررت بعد هذا بأيام التخلي‬
‫دير الزور بكامله‪ .‬وبقي مع سورية منذ ذلك‬ ‫عن لواء‬
‫الحين")‪.(208‬‬
‫كان عامل الثورة في دير الزور أحد عوامل الدفع‬
‫البريطاني الذي لم يشر إليه إل القليل في احتلل سورية من‬
‫قبل الفرنسيين‪ .‬وهكذا لعبت ثورة العهد دورها السياسي‬
‫والعسكري في العراق والمنطقة العربية‪ ،‬فحققت عددا ً من‬
‫الهداف كما أشرنا‪ .‬فساهمت في تاريخ العراق الحديث‬
‫وأعادت الضباط العراقيين الذين كانوا في سورية‪ .‬وقد احتل‬
‫معظمهم مناصب سياسية وعسكرية أدت دورها التاريخي في‬
‫العراق والوطن العربي‪.‬‬

‫‪‬‬

‫)( ب ببببب ببب ب‪ -‬ببببب ب بببببب ب ‪ -1924 -1908‬بب ببب‪ -‬ببب‬ ‫‪208‬‬
‫بببببب ببببب‪ -1970 -‬ب ‪.532‬‬
‫‪-107 -‬‬
‫الفهرس‬

‫مقدمة‪6................................................................................................‬‬
‫الفصل الول‪8...........................................................................................‬‬
‫جمعية العهد‪8........................................................................................‬‬
‫الفصل الثاني‪14........................................................................................‬‬
‫طرفا الصراع في العهد العراقي‬
‫ياسين الهاشمي والعنف‪14........................................................................‬‬
‫‪-‬الفصل الثالث‪17.....................................................................................-‬‬
‫‪ -‬الدارة البريطانية في العراق‪17...............................................................‬‬
‫الفصل الرابع ‪23.......................................................................................‬‬
‫أسباب قيام الثورة في دير الزور –‪23..........................................................‬‬
‫الفصل الخامس‪31.....................................................................................‬‬
‫دير الزور والتراك‪31............................................................................‬‬
‫الفصل السادس ‪35....................................................................................‬‬
‫دير الزور بين العراق‪ ..‬والشام‪35...............................................................‬‬
‫الفصل السابع‪38.......................................................................................‬‬
‫الحتلل النكليزي لدير الزور ‪38..............................................................‬‬
‫الفصل الثامن ‪41.......................................................................................‬‬
‫عوامل ثورة دير الزور‪41........................................................................‬‬
‫الفصل التاسع ‪45......................................................................................‬‬
‫بريطانيا تعتقل ياسين الهاشمي ‪45...............................................................‬‬
‫الفصل العاشر‪49.......................................................................................‬‬
‫انفجار الثورة‪49.....................................................................................‬‬

‫‪- 108 -‬‬


‫الفصل الحادي عشر‪55...............................................................................‬‬
‫الشراف والثورة‪55................................................................................‬‬
‫الفصل الثاني عشر ‪59................................................................................‬‬
‫بريطانيا‪ ..‬والثورة‪59...............................................................................‬‬
‫الفصل الثالث عشر ‪62...............................................................................‬‬
‫العهد يستبدل رمضان شلش ويعين مولود مخلص ‪62......................................‬‬
‫الفصل الرابع عشر ‪70...............................................................................‬‬
‫أزمة داخلية تواجه الثورة‪70......................................................................‬‬
‫الفصل الخامس عشر‪75..............................................................................‬‬
‫قيادة جديدة للثورة‪75...............................................................................‬‬
‫الفصل السادس عشر ‪79.............................................................................‬‬
‫تحرير الميادين والبوكمال‬
‫من الحتلل البريطاني ‪79.......................................................................‬‬
‫الفصل السابع عشر‪82................................................................................‬‬
‫ثورة دير الزور تمتد إلى العمق العراقي‪82....................................................‬‬
‫الفصل الثامن عشر‪88................................................................................‬‬
‫ثورة مستمرة‪ ..‬مع ثورة العشرين‪88............................................................‬‬
‫الفصل التاسع عشر‪93................................................................................‬‬
‫الدارة البريطانية في العراق‪ ..‬والثورة‪93.....................................................‬‬
‫الفصل العشرون‪101..................................................................................‬‬
‫‪-‬نتائج الثورة‪101..................................................................................-‬‬
‫الفصل الحادي والعشرون‪105......................................................................‬‬
‫ثورة دير الزور‪ .‬ونهاية الحكم الفيصلي في دمشق‪105......................................‬‬
‫الفهرس‪108.........................................................................................‬‬

‫‪‬‬

‫‪-109 -‬‬
‫رقم اليداع في مكتبة السد الوطنية‬

‫الثورة المنسية‪ :‬دراسة‪ /‬زبير سلطان قدوري–‬


‫]دمشق[‪ :‬اتحاد الكتاب العرب‪– 2000 ،‬‬
‫‪ 137‬ص؛ ‪25‬سم‪.‬‬

‫‪956.141 -2‬‬ ‫‪ 956.101 -1‬ق د و ث‬


‫قدو ث‬
‫‪ -3‬قدوري‬ ‫‪ -3‬العنوان‬

‫مكتبة‬ ‫ع‪-2000/1416/8 -‬‬


‫السد‬

‫‪‬‬

‫‪- 110 -‬‬


‫هذا الكتاب‬
‫بببببب ببب ببببببب ببب ببببب بببب ببب‬
‫ببببب بببب ببب بببببب ببببب ببببب بببب‬
‫بببب ببببب بببببب بب ببببببب ببب ببببب‬
‫بببببببب بببببب بببب بببببببب ببببببب‬
‫ببب بببب ببببب بب ببببب بببببببب بب ببببب‬
‫ببببببببب بببببببب‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪-111 -‬‬

You might also like