You are on page 1of 12

‫محاضرة‪:‬‬

‫أم سليم ‪...‬‬


‫امرأة من أهل الجنة‬

‫‪1‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫إن الحمد ل نحمده ونستعينه ونستغفره ‪ ،‬ونعوذ بال من شرور أنفسنا ومن‬
‫سيئات أعمالنا من يهده ال فل مضل له ومن يضلل فل هادي ‪ ،‬له وأشهد أن ل إله إل ال وحده‬
‫ل شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله‪:‬‬

‫يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال حق تقاته ول تموتن إل وأنتم مسلمون‪.‬‬

‫يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجال‬
‫كثيرا ونساء واتقوا ال الذي تساءلون به والرحام إن ال كان عليكم رقيبًا‪.‬‬

‫يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال وقولوا قول سديدا ‪ .‬يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ‪.‬‬
‫ومن يطع ال ورسوله فقد فاز فوزا عظيمًا‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫فإن الحديث عن القدوات الصالحة والنماذج البشرية السامقة لهو من الولويات ‪ ...‬في‬
‫زمن كثرت فيه الفتن وضعفت فيه الهمم وانشغل الناس بالدنيا فألهتهم بزخارفها وتقدمها‬
‫الحضاري عن الخرة ‪ ...‬مما يجعل الحاجَة ملحًة لنا جميعَا رجاًل ونساًء ‪ ،‬صغارَا وكبارًا أن‬
‫نتلمس طريق الصالحين والصالحات من الرعيل الول الذين عايشوا تنزل الوحي وعرفوا‬
‫الهدف الذي خلقوا من أجله فعملوا بإخلص نية وقوة عزيمة وثبات موقف لدينهم رجاء ما عند‬
‫ال من الجر والثواب وحسن العاقبة والفوز بالجنة‪.‬‬

‫إذا جمعتنا يا جرير المجامع‬ ‫أولئك آبائي فأتوني بمثلهم‬

‫فمن كان مستنًَا ومهتديَا ومقتفيَا‪ ...‬فليستن بهم فإن الحي ل تؤمن عليه الفتنة‬

‫ولقد سطر الرعيل الول بأفعالهم قبل أقوالهم وبصفاتهم وأخلقهم ومناقبهم أروع المثلة‬
‫على حبهم لدينهم ورسولهم وأمتهم وظلت سيرتهم العطرة نبراسَا تحتذي به الجيال المسلمة‬
‫تلو الجيال عبر الزمان وستظل إلى قيام الساعة‪.‬‬

‫ل أو امرأة ‪ ...‬وقلب صفحات حياته فستجد العجب العجاب ‪،‬‬ ‫فاختر من شئت منهم ‪ ...‬رج ً‬
‫وكلما توجهت لجانب من جوانب حياته شعرت بأنه المقدم والمام في ذلك الجانب ‪ ...‬ذلك أنهم‬
‫نهلوا من المعين الصافي والنهر الفياض المتدفق والقدوة الحسنة من سيد البشرية محمد بن‬
‫عبدال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫والليلة حديثنا عن علم من أعلم الصحابة ‪ ،‬وجبل من جبالهم وأنموذجا سامقَا من‬
‫نماذجهم ‪ ...‬حديثنا ليس عن رجل من الصحابة وإنما عن امرأة تشرفت بصحبة خير البرية‬
‫صلى ال عليه وسلم فحازت شرف الصحبة ‪:‬‬

‫إنها أم سليم ‪ :‬الرميصاء أو الغميصاء بنت ملحان النجارية النصارية الخزرجية رضي‬
‫ال عنها‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫نتحدث عن امرأة من أهل الجنة ‪ ..‬كانت تمشي على الرض وهي مبشرة بجنة عرضها‬
‫السموات والرض ‪ ،‬نقلب بعض صفحات حياتها المضيئة لن الوقت لن يتسع لعرض جميع‬
‫مناقبها وجوانب حياتها‪.‬‬

‫امرأٌة أفنت أيام عمرها في طاعة ربها ورضا زوجها وحسن تربيتها لولدها وعملها‬
‫لدين ال والدفاع عن دين السلم وعن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫امرأة علمت بأن أيامها في هذه الدنيا محدودة وأنفاسها معدودة وأنها ول بد راجعٌة إلى‬
‫ربها وخالقها فاستغلت فرصة الحياة للعمل لما بعد الموت حتى قال عنها صلى ال عليه وسلم‪:‬‬

‫‪):‬رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة ‪ "...‬رواه البخاري من حديث جابر‪.‬‬

‫وفي رواية لمسلم " فسمعت خشفًة فقلت‪ :‬من هذه؟ قالوا هذه الغميصاء بنتُ ملحان أُم أنس بن‬
‫مالك( ‪.‬‬

‫فما الذي وصل بأم سليم إلى هذا المقام الرفيع والجزاء الكبير‬

‫أل تستحق أن نتعرف جميعَا ‪ ..‬رجاَل ونساًء ‪ ...‬على سر ذلك الفوز المبين والنجاح العظيم ‪..‬‬

‫أل يحسن بنا أن نعرض على فتياتنا ونساءنا بعض أعمالها العظيمة وأخلقها العالية وصفاتها‬
‫الكريمة التي أوصلتها لرضا ال فاستحقت التكريم اللهي والعلن عنه وهي حية تمشي بين‬
‫الناس ‪ ...‬؟‬

‫بلى ‪ ...‬وال‬

‫إن المرأة المسلمة اليوم ‪ ...‬وهي تستهدف من قبل أعداء السلم من الكفار والمنافقين‬
‫بحملت تغريب قوية مستمرة ومستميتة للقضاء على دينها وحيائها وحجابها وأخلقها وعفتها‬
‫وكرامتها وإخراجها من بيتها للعمل جنبًا إلى جنب مع الرجال والسفر بدون محرم ‪ ...‬لهي في‬
‫أمس الحاجة أن تذكر بما كان عليه أسلفها من نساء الرعيل الول ومن تبعهم من الصالحات‬
‫القانتات التائبات‪.‬‬

‫إننا ل يمكن أن نغفل ما عليه بعض نساء المسلمين من خير والتزام بدينهن وحجابهن‬
‫وحيائهن وعفتهن إل أن هناك شريحة ل يستهان بها ممن استطاع أعداء الدين والملة إفساَدهن‬
‫ب فطرهن السليمة وإدخاَل الفكار المنحرفة داخل عقولهن لتخرج لنا من تطالب بقيادة‬
‫وتخري َ‬
‫السيارة والسفر بدون محرم والعمل في جميع الوظائف ‪ ...‬فكل من هؤلء وهؤلء بحاجة إلى‬
‫تذكير وتوجيه ومراجعة لنماذج طبقت السلم بفهم صحيح ففازت بخيري الدنيا والخرة لتثبت‬
‫الصالحة على دينها وترجع المنحرفة عن غيها‪.‬‬

‫أما أّم ســــــــــــــــــــــــــليم ‪.....‬‬

‫‪3‬‬
‫أوًل‪ :‬هي من قبيلة النصار‪:‬‬
‫القبيلة التي آوت رسول ال صلى ال عليه وسلم والمهاجرين من المؤمنين‪ ،‬وتكونت‬
‫اللبنة الولى للدعوة السلمية في ربوع بلدهم )المدينة( وقد تنزلت في شأنهم آيات من كتاب‬
‫ال‪ ،‬فهم والمهاجرون هم السابقون الولون‪.‬‬

‫وهم الذين عناهم ال بقوله جل ثناؤه ))والذين تبوءوا الدار واليمان من قبلهم يحبون‬
‫من هاجر إليهم ول يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم‬
‫خصاصة(( سورة الحشر آية ‪. 9‬‬

‫وكانوا هم الغالبية العظمى في غزوة بدر وأحد‪ ،‬وبيعة الرضوان وغير ذلك من المشاهد‬
‫المتميزة في السلم ‪ ...‬فهي من معدن طيب أصيل‪.‬‬

‫وقد كان النبي صلى ال عليه وسلم يقدر لهم تلك المواقف‪ ،‬ومن أقواله المحفوظة عنه‬
‫في النصار قوله صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬النصار ل يحبهم إل مؤمن ول يبغضهم إل منافق‬
‫فمن أحبهم أحبه ال ومن أبغضهم أبغضه ال "‪.‬‬

‫بل يكفيهم فخرا أن النبي صلى ال عليه وسلم أخبر أنه لول الهجرة لكان امرءًا من‬
‫النصار لما لهم من مكانة في قلبه صلى ال عليه وسلم‪ .‬وفيهم أيضًا قال صلى ال عليه وسلم‬
‫مبينًا مكانتهم‪ " :‬لو أن النصار سلكوا واديًا أو شعبًا لسلكت في وادي النصار ولول الهجرة‬
‫لكنت امرءا من النصار" فقال أبو هريرة راوي الحديث‪ :‬ما ظلم بأبي وأمي ‪ ...‬آووه ونصروه‬
‫أو كلمة أخرى‪.‬‬

‫أختي المسلمة ‪ :‬هل سمعت بأكرم مهر حازته امرأة؟ إنه مهر أم سليم في زواجها الثاني‪:‬‬

‫أمرأة كان مهرها السلم ‪ ..‬فأكرم بها من امرأة‪:‬‬


‫لقد أولى السلم الزواج اهتمامًا خاصًا لما فيه من أثر عظيم في تكوين اللبنة الولى‬
‫للمجتمع‪ ،‬فإذا صلحت تلك اللبنة صلح المجتمع فمن أجل ذلك حث السلم على أن يختار كل‬
‫طرف الخر على أساس من الدين فقال صلى ال عليه وسلم مخاطبا الزواج‪" :‬فاظفر بذات‬
‫الدين تربت يداك"‪.‬‬

‫وفي المقابل حث أولياء أمور النساء على قبول من تقدم إليهم بالزواج منهن إذا كان من‬
‫أهل الستقامة فقال صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إل‬
‫تفعلوا تكن فتنة في الرض وفساد عريض‪.‬‬

‫فإذا كان المر كذلك فتعالوا ننظر إلى أم سليم النصارية رضي ال عنها كيف كان زواجها‬
‫في الجاهلية والسلم‪.‬‬

‫كانت زوجة لمالك بن النضر ) والد أنس بن مالك ( في الجاهلية قبل السلم ‪ ،‬فلما بعث‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم كانت من أوائل المستجيبين فأسلمت وحسن إسلمها‪ ،‬فدعت زوجها‬
‫ي أّم سليم عن السلم فصار‬‫للسلم فأبى ‪ ،‬فخرج إلى الشام فهلك هناك بعد أن يئس أن يثن َ‬

‫‪4‬‬
‫هذا أول موقف يسجل لم سليم رضي ال عنها وأرضاها ويدل على قوة ثباتها على دين ال‬
‫وحسن فهمها له وتمسكها به‪.‬‬

‫وأما زواجها في السلم فهو زواج نادر ل يتكرر مثله في التاريخ‪ :‬فعن أنس رضي ال‬
‫عنه قال‪ " :‬خطب أبو طلحة أم سليم قبل أن يسلم فقالت‪ :‬أما إني فيك لراغبة‪ ،‬وما مثلك يرد‪،‬‬
‫ولكنك رجل كافر‪ ،‬وأنا امرأة مسلمة‪ ،‬فإن تسلم فذاك مهري‪ ،‬ل أسأل غيره‪ ،‬فأسلم وتزوجها أبو‬
‫طلحة‪.‬‬

‫وفي رواية عند الحاكم‪ :‬أن أبا طلحة خطب أّم سليم يعني قبل أن يسلم فقالت‪ :‬يا أبا‬
‫طلحة الست تعلم أن إلهك الذي تعبد نبت من الرض نجرها حبشي بني فلن‪ ،‬إن أنت أسلمت ل‬
‫أريد من الصداق غيره‪ ،‬قال‪ :‬حتى أنظر في أمري فذهب فجاء فقال‪ :‬أشهد أن ل إله إل ال‪ ،‬و أن‬
‫محمدا رسول ال‪ ،‬فقالت‪ :‬يا أنس زوج أبا طلحة‪.‬‬

‫فكانت بذلك أوَل امرأٍة جعلت مهرها إسلم زوجها فصارت سببا في دخول أبي طلحة‬
‫في السلم فحازت بذلك على الفضيلة التي وعد بها رسول ال‪ -‬صلى ال عليه وسلم بقوله‪" :‬‬
‫ل واحدًا خير لك من أن يكون لك حمر النعم "‪.‬‬
‫فوال لن يهدي ال بك رج ً‬

‫• فلتبحث كل فتاة مسلمة عن الزوج الصالح الذي يرتضى دينه وخلقه وليس عمن يدفع‬
‫المهر الكثير ‪ ،‬ولتحرص المرأة المسلمة على صلح زوجها ودعوته للخير والتعاون معه‬
‫على الطاعة وإصلح بيئة البيت المسلم كما فعلت أم سليم‪.‬‬

‫الحرص على تربية الولد التربية السليمة‪:‬‬


‫حينما قدم الرسول صلى ال عليه وسلم المدينة وقام النصار عن بكرة أبيهم كل يريد أن‬
‫يقدم له شيئَا ويساهم في نصرته وتقوية دعوته ومواساته ‪ ،‬خرجت أم سليم النصارية من بين‬
‫هذه الجموع‪ ،‬ومعها ابنها أنس رضي ال عنهما فقالت‪ :‬يا رسول ال هذا أنس يخدمك‪ .‬قال‬
‫أنس رضي ال عنه‪ :‬خدمت النبي صلى ال عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أف ‪ ،‬ول لم‬
‫ي صلى ال عليه وسلم‬ ‫ن عشر سنين فخَدم النب َ‬
‫صنعت ‪ ،‬ول أل صنعت‪ .‬وكان أنس حينئذ اب َ‬
‫منذ قدم المدينة حتى مات‪ ،‬فاشتهر أنس بخادم رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬

‫ولقد حرصت أُم سليم على ذلك الصنيع بابنها من رجاحة عقل وحسن تدبير واستغلل‬
‫للفرص السانحة ‪ ...‬ذلك لنها أدركت أن‪:‬‬

‫‪ -1‬خدمة النبي صلى ال عليه وسلم من أفضل القربات التي ُيتقربُ بها إلى ال سبحانه وتعالى‬
‫فأحبت أن يسعد بهذه الخدمة ابُنها و فلذُة كبدها‪ ،‬ومن ثم لتنال هي وابنها أجرًا عظيمًا عند ال‬
‫سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫‪ -2‬أن يتربى ابُنها أنس ‪ ...‬في بيت النبوة ويتخلق بأخلق النبي صلى ال عليه وسلم ويهتدي‬
‫بهديه صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ويكون قريبَا منه ينهل من معين صافي ونهر عذب وينعم بصحبة‬
‫سيد البشر وخير الناس وتلك غاية من أشرف الغايات ل يتفطن لها إل أولوا اللباب‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫جاء النبي صلى ال عليه وسلم إلى بيت أم سليم يومَا فلما انتهى من حاجته وهم‬
‫بالرجوع قالت له أم سليم رضي ال عنها‪ " :‬يا رسول ال إن لي خويصة" )تصغير خاصة(‬
‫قال‪ " :‬ما هي؟! قالت‪ :‬خادمك أنس } يعني ‪ :‬ادع له {‪ .‬قال أنس‪ :‬فما ترك خير آخرة ول دنيا‬
‫إل دعا لي )اللهم ارزقه ماًل وولدًا وبارك له‪) .‬يقول أنس!( فإني لمن أكثر النصار ماًل‪،‬‬
‫وحدثتني ابنتي أمينة أنه دفن لي لصلبي مقِدَم الحجاج البصرة بضٌع وعشرون ومائة‪ .‬في‬
‫رواية الجعد عند مسلم قال أنس‪ ":‬فدعا لي بثلث دعوات قد رأيت منها اثنتين في الدنيا‪ ،‬وأنا‬
‫أرجو الثالثة في الخرة‪.‬‬

‫فهذا القدر من أولده هو الذي مات في حياته قبل ذلك التاريخ‪ ،‬وأما الذين كانوا على قيد‬
‫الحياة في ذلك الوقت فهم كما قال أنس‪ " :‬وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو مائة‪.‬‬
‫أرأيتم كيف أن أّم سليم رضي ال عنها اعتنت بابنها اليتيم وأحاطته بكل عناية‪ ،‬وحرصت عليه‬
‫كل الحرص على أن يحصل على خير الدنيا والخرة؟ فما أعظَمها من أم!! وما أحسَنها من‬
‫مربية رضي ال عنها وأرضاها‪.‬‬

‫فخذوا ‪ ...‬يا نساء المسلمين من هذا الموقف التربوي ما ترغبون أن تقر به أعينكم من‬
‫صلح أبنائكم وبناتكم ‪ ....‬فكروا بالطرق التربوية التي تقود إلى تنشأتهم النشأة اليمانية ‪...‬‬
‫اربطوهم بالعلماء والمربين والمصلحين ‪ ...‬وازرعوا في نفوسهم حب الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم وتعظيم سنته وتلمس طريقته‪.‬‬

‫ها هم أبناؤنا وبناتنا على أبواب إجازة صيفية طويلة ‪ ...‬فماذا أعددتم لهم من برامج‬
‫تربوية تشغل فراغهم وتنمي مهاراتهم وتصقل عقولهم وتروح عن أنفسهم‪ .‬كونوا حريصين‬
‫على ذلك وتذكروا حرص أم سليم على ابنها أنس ول تنسوا الدعاء لهم فإن سلح قوي وسبب‬
‫من أسباب صلح البناء والبنات‪ ) .‬ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين‬
‫إمامًا (‪.‬‬

‫أم سليم والحرص على تعلم الدين والتفقه فيه‪:‬‬


‫ولقد كانت أم سليم رضي ال عنها من نساء النصار اللتي قالت عائشة رضي ال عنها‬
‫عنهن‪ ":‬نعم النساء نساء النصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين "‪.‬‬

‫وأم سليم النصارية كانت مميزة من بين نساء النصار في حبها للعلم وشغفها لتعلمه‪،‬‬
‫وساعدها على ذلك قربها من النبي صلى ال عليه وسلم دائما فكان صلى ال عليه وسلم كثير‬
‫الزيارة لها‪ ،‬قال أنس‪ " :‬إن النبي صلى ال عليه وسلم لم يكن يدخل بيتا بالمدينة غير بيت أم‬
‫سليم إل على أزواجه‪ ،‬فقيل له؟ فقال‪ " :‬إني أرحمها قتل أخوها معي "‪.‬‬

‫بل كانت أم سليم معدودة في أهله صلى ال عليه وسلم لكثرة تواجدها مع نسائه في سفره‬
‫وإقامته قال أنس رضي ال عنه‪ :‬أتى النبي صلى ال عليه وسلم على بعض نسائه ومعهن أم‬
‫سليم فقال‪":‬ويحك يا أنجشة ‪ ،‬رويدك سوقا بالقوارير "‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫جاءت أم سليم و رضي ال عنها يومًا إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالت يا‬
‫رسول ال‪" :‬إن ال ل يستحيي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ قال النبي‪-‬‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬إذا رأت الماء " فغطت أُم سلمَة ‪ -‬تعني وجهها‪ -‬وقالت يا رسول ال‪:‬‬
‫وتحتلم المرأة؟ قال‪ " :‬نعم تربت يميُنك فبم يشبهها ولُدها؟ "‪.‬‬

‫وفي رواية عند مسلم قالت عائشُة رضي ال عنها‪ ":‬يا أّم سليم فضحت النساء تربت‬
‫يمينك‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم لعائشة‪ " :‬بل أنت تربت يمينك ‪ ،‬نعم ‪ ...‬فلتغتسل يا أّم‬
‫سليم إذا رأت ذلك " ‪.‬‬

‫وفي رواية عند أبي داود في سننه في الطهارة‪ " :‬إنما النساء شقائق الرجال "‪.‬‬

‫وفي هذا الموقف لم سليم نرى‪:‬‬

‫• حرصها على طلب العلم والتفقه في الدين وخاصة فيما يخص المرأة في طهارتها‬
‫وصلتها ونحوه ‪ ،‬فليكن همك – أختي الكريمة – تعلم العلم الشرعي والتفقه في الدين‬
‫والذي تيسرت طرقه وتعددت مصادره في زمننا هذا ‪ ..‬فل عذر لحد بالجهل‪.‬‬

‫• التأدب في طرح السؤال مع النبي صلى ال عليه وسلم واحترام أهل العلم والفضل‪،‬‬
‫واختيار الساليب والكلمات والجمل التي تعبر عنه بأقصر عبارة مغلف بغلف من الدب‬
‫ي حدود الدب في‬ ‫ن كّل أخت مسلمة أن تراع َ‬
‫والحياء والحشمة‪ .‬ومن هنا أهمس في أذ ِ‬
‫سؤالها أهل العلم‪ :‬ومن ذلك خفض الصوت ‪ ،‬والختصار ‪ ،‬وحسن انتقاء اللفاظ ‪ ،‬والتأدب‬
‫في المحادثة ‪ ،‬واختيار الوقات المناسبة للتصال ‪ ،‬وعدم التوسع في ذلك وخاصة لغير‬
‫حاجة‪.‬‬

‫صفاء العقيدة ورجاحة العقل‪:‬‬


‫كانت المرأة في الجاهلية إذا مات لها ولد أو زوج أو قريب شقت جيبها ولطمت خدها‬
‫وضربت صدرها وناحت عليه وقطعت نفسها من البكاء والعويل لفترة طويلة وهي عادة جاهلية‬
‫حمقاء ‪ ،‬فجاء السلم ونهى عن هذه العادات وأمر بالتعامل معها بالتسليم لقضاء ال وقدره‬
‫فكل ما يحدث للنسان إنما هو بأمر ال وهو مقدر وكائن ل محالة‪.‬‬

‫وأم سليم ولدت ولدًا من أبي طلحة تولع فيه وكان يحبه حبًا شديدًا فمرض ثم مات وأبوه‬
‫خارج البيت ل يعلم ‪ ،‬فلننظر كيف كان تصرفها؟ وبأي شيء قابلت فقد حبيبها وفلذة كبدها؟ وما‬
‫ذا صنعت مع زوجها الذي فقد أعز ما كان لديه؟ ‪...‬‬

‫روى البخاري عن أنس رضي ال عنه قال‪ " :‬اشتكى ابن لبي طلحة فمات‪ ،‬وأبو طلحة‬
‫حته في جانب البيت‪ ،‬فلما جاء أبو طلحة قال‪:‬‬
‫خارج‪ ،‬فلما رأت امرأته أنه مات هيأت شيئا ون ّ‬
‫كيف الغلم؟ قالت‪ :‬هدأت نفسه‪ ،‬وأرجو أن يكون قد استراح‪ ،‬وظن أبو طلحة أنها صادقة قال‪:‬‬
‫‪7‬‬
‫فبات فلما أصبح اغتسل‪ ،‬فلما أراد أن يخرج أعلمته أنه قد مات‪ ،‬فصلى مع النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم ثم أخبر النبي صلى ال عليه وسلم بما كان منهما‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫) لعل ال أن يبارك لكما في ليلتكما " قال سفيان‪ :‬قال رجل من النصار فرأيت لهما تسعة أولد‬
‫كلهم قرأوا القرآن ‪.‬‬

‫قال ابن حجر‪ :‬وفي رواية سعيد بن منصور ومسدد وابن سعد والبيهقي في الدلئل من‬
‫طريق سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعة قال‪ :‬كانت أم أنس تحت أبي طلحة‪ ،‬فذكر القصة‬
‫شبيهة بسياق ثابت عن أنس رضي ال عنه وقال في آخره‪ :‬فولدت غلما‪ ،‬قال عباية‪ :‬فلقد‬
‫رأيت لذلك الغلم سبع بنين كلهم ختم القرآن ‪.‬‬

‫وفي رواية لمسلم من حديث أنس رضي ال عنه " مات ابن لبي طلحة من أم سليم فقالت‬
‫لهلها‪ :‬ل تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه قال‪ :‬فجاء فقربت إليه عشاء‪ ،‬فأكل وشرب‬
‫فقال‪ :‬ثم تصنعت له أحسن ما كانت تصنع مثل ذلك فوقع بها‪ ،‬فلما رأت أنه قد شبع وأصاب‬
‫منها‪ ،‬قالت‪ :‬يا أبا طلحة أرأيت لو أن قوما أعاروا أهل بيت عارية فطلبوا عاريتهم الهم أن‬
‫يمنعوهم؟‬

‫قال‪ :‬ل‪ ،‬قالت‪ :‬فاحتسب ابنك فغضب وقال‪ :‬تركتني حتى تلطخت ثم أخبرتني ‪.‬‬

‫ومن هذا الموقف الرائع نستلهم الدروس والعبر التالية‪:‬‬

‫التسليم بالقضاء والقدر والرضا بما يقدره ال على العبد مقدم على كل محبوب‬ ‫‪-1‬‬
‫فمهما يحصل للعبد ينبغي له أن ل يتصرف إل بما يرضي ربه ولذلك قال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ) :‬إنما الصبر عند الصدمة الولى (‪ .‬فينبغي على المرأة المسلمة أن تكون وقافًة‬
‫عند حدود ال فل يظهر منها عند المصائب إل ما يرضي ربها‪ .‬وعقيدُتها القوية بربها‬
‫وخالقها تمنعها في كل حين من الوقوع في المخالفات الشرعية وخاصة الشرك والبدع‬
‫والخرافات والخزعبلت والتي تضعف مقاومُة كثير من النساء أمامها كالنياحة وشق‬
‫الجيوب ولطم الخدود وإتيان السحرة الكهان وقراءة الفنجان والطواف حول الضرحة‬
‫وسؤال الموتى جلب النفع أو دفع الضر وغيرها‪.‬‬
‫ضربت أم سليم أروع المثلة في حبها لزوجها وابتغائها مرضاته وراحته والبعد‬ ‫‪-2‬‬
‫عما قد يكدر خاطره ويعكر صفو حياته فاخترعت طريقة للتدرج في إخباره بموت أعز ما‬
‫عنده مما يدل على رجاحة عقلها وحسن تدبيرها‪ .‬وهكذا ينبغي أن تكون المرأة‬
‫المسلمة راعية في بيت زوجها تبحث عما يسعده ويزيل عنه تعب الحياة وضغوط العمل‬
‫ت الحياِة‬
‫خارج البيت فيجد في بيته الراحة والطمأنينة والسعادة مما تطيب معه ساعا ُ‬
‫الزوجية ويديم المحبة والعشرة والرحمة بين الزوجين تحقيقًا لقوله تعالى‪ ) :‬وجعل‬
‫بينكم مودة ورحمة ( وليست عاقلة من تجمع لزوجها حينما يلج منزله كل المشاكل‬
‫والهموم والمصائب فل يلبث أن يرى هذا البيت بيت نكد وتطفيش وتعب مما يجعله‬
‫يفضل الهروب منه والبقاء خارجه وهنا تحدث المشاكل السرية وربما انتهى المر إلى‬
‫الفراق والفشل وضياع الولد‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫جودها وكرمها ‪:‬‬

‫والجود والكرم من صفات المؤمنين الذين ل يريدون من وراء ذلك شيئًا من حطام الدنيا‬
‫أو السمعة وإنما يقصدون ما عند ال ‪ ،‬وأم سليم كانت من هذا الصنف‪:‬‬

‫قال أنس رضي ال عنه‪ ،‬قال أبو طلحة لم سليم رضي ال عنها‪ :‬لقد سمعت صوت‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ضعيفًا أعرف فيه الجوع‪ ،‬فهل عندك من شيء؟‬

‫قالت‪ :‬نعم‪ ،‬فأخرجت أقراصًا من شعير ثم أخرجت خمارًا لها‪ ،‬فلفت الخبز ببعضه ثم دسته‬
‫تحت يدي وردتني ببعضه ثم أرسلتني إلى رسول ال قال‪ :‬فذهبت به فوجدت رسول ال في‬
‫المسجد‪ ،‬ومعه الناس فقمت عليهم‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم لنس أرسلك أبو‬
‫طلحة؟ قال‪ :‬فقلت نعم فقال‪ :‬الطعام؟ فقلت‪ :‬نعم فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم لمن معه‪:‬‬
‫قوموا قال‪ :‬فانطلق‪ ،‬وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته فقال أبو طلحة‪ :‬يا أم‬
‫سليم قد جاء رسول ال بالناس‪ ،‬وليس عندنا ما‪ -‬يطعمهم فقالت‪ :‬ال ورسوله أعلم ‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول ال فأقبل رسول ال صلى ال عليه وسلم معه حتى دخل فقال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬هلمي ما عندك يا أم سليم فأتت بذلك الخبز‪ ،‬فأمر به رسول‬
‫عّكًة لها فأدمته‪ ،‬ثم قال فيه رسول ال ما شاء أن يقول ثم قال‪:‬‬
‫صرت عليه أّم سليم ُ‬
‫ع َ‬
‫تو َ‬
‫ال ففُ ّ‬
‫ائذن لعشرة‪ ،‬فأذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال‪ :‬ائذن لعشرة فأذن لهم‬
‫فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا‪ ،‬ثم قال‪ :‬ائذن لعشرة حتى أكل القوم كلهم حتى شبعوا والقوم‬
‫سبعون أو ثمانون رجل "‪.‬‬

‫وفي هذا الموقف العظيم لم سليم دروس وعبر كثيرة منها‪:‬‬

‫مسارعُتها في طاعة أمر زوجها ومساندُته في رأيه ورغبته في إطعام رسول ال‬ ‫‪-1‬‬
‫صلى ال عليه وسلم مع قلة ما لديهم من الطعام وهو دليل على حبها لرسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم وإيثارها مرضاته على محبوبات النفس البشرية ) ويؤثرون على أنفسهم‬
‫ولو كان بهم خصاصة ‪.( ..‬‬
‫‪ -2‬بذلها وجودها وكرمها الذي جعلها تخرج ما عندها دون حساب‪.‬‬

‫جهادها في سبيل ال‪:‬‬


‫إن الجهاد في سبيل ال له مكانته العليا في دين السلم بل هو ذروة سنامه ولم يكن‬
‫للسلم والمسلمين عٌز وإمامٌة وقيادٌة عبر العصور إل حينما قاموا به وبذلوا أموالهم وأنفسهم‬
‫رخيصة فيه ففتحوا المصار وجابوا الفيافي والغفار وركبوا البحار وقمم الجبال من أجل إخراج‬
‫الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والخرة ومن جور‬
‫الديان إلى عدل السلم فكانوا قادة وسادة وحكموا الدنيا بالعدل والمساواة والرحمة‪ .‬ولم يكن‬
‫هذا المر ليخفى على بطلة قصتنا في هذه الليلة وهي التي كانت تبحث عن رضا ربها ولو كان‬
‫في ركوب الصعاب وتحمل الذى وبذل النفيس‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫ومع أن السلم لم يوجب على النساء الجهاد في سبيل ال أي ) المقاتلة (‪ ،‬فقد سئل‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم هل على النساء جهاد فقال‪ " :‬عليهن جهاد ل قتال فيه الحج‬
‫والعمرة‪ ،‬وفي رواية عند البخاري قالت عائشة رضي ال عنها‪ :‬نرى الجهاد أفضل العمال أفل‬
‫ج مبروٌر "‪.‬‬
‫نجاهد قال‪ " :‬ل‪ ،‬لكن أفضَل الجهاد ح ٌ‬

‫وهو حكم متفق عليه لدى فقهاء المصار جميعا‪ ،‬وذلك لما يحتاج إليه الجهاد من الشدة‬
‫والغلظة والمصابرة‪ ،‬وهو غير متوفر في النساء لضعف خلقتهن ورقة قلوبهن وقد اقتضت‬
‫ل من الصنفين بما يليق بحاله جسمًا وعق ً‬
‫ل‬ ‫حكمة ال في التشريع وهو الحكيم العليم أن كلف ك ً‬
‫وروحًا‪.‬‬

‫إذن فخروج النساء مع المجاهدين في سبيل ال لمعنى آخر غير القتال وهو مساعدة‬
‫الرجال فيما يحتاجون إليه من طبخ الطعام وسقاية المجاهدين ومداواة الجرحى ومناولة السهام‬
‫قال إبراهيم النخعي‪ " :‬كان النساء يشهدن مع النبي صلى ال عليه وسلم المشاهد ويسقين‬
‫المقاتلة ويداوين الجرحى" وبمثله قال الزهري‪.‬‬

‫ولقد حفظ التاريخ لم سليم أنها لم تكن تتخلف عن النبي صلى ال عليه وسلم في غزواته‬
‫إل في النادر‪ ،‬وكان زوجها أبو طلحة من أقوى الرماة بقي مع النبي صلى ال عليه وسلم يوم‬
‫ُأحد حين انهزم الناس يدافع عنه رضي ال عنه وأرضاه‪ ،‬وقد أدت أم سليم رضي ال عنها في‬
‫ذلك اليوم العصيب دورًا عظيمًا ‪ ،‬قال أنس رضي ال عنه " لما كان يوم أحد انهزم الناس عن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم قال‪ :‬ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم رضي ال عنهما‬
‫وإنهما لمشمرتان‪ -‬أي قدم سوقهن‪ -‬تنقزان )وقال غيره‪ :‬تنقلن( القرب على متونهما )أي‬
‫ظهورهما( ثم تفرغانه في أفواه القوم فتملنها ثم تجيئان فتفرغان في أفواه القوم( ‪.‬‬

‫قال ابن حجر‪ -‬وهو من المحققين المعروفين بالستقصاء‪ "-‬ولم أرى في شيء من ذلك‬
‫التصريح بأنهن قاتلن "‪.‬‬

‫وهذا التحقيق من ابن حجر بمثابة الحجر الذي يسد أفواه المنادين بتحرير المرأة‬
‫وإفسادها من العلمانيين والنسويين وأدعياء الدفاع عن حقوق المرأة فإنهم يبحثون في‬
‫نصوص الشريعة والسيرة والتاريخ أي مادة يستندون عليها لتمرير باطلهم ومخططاتهم‬
‫الفسادية مثل هذا النص‪ :‬الذي يثبت خروج النساء مع المجاهدين في الغزوات ومشاركتهم فيها‬
‫فيعتمدون عليه في المناداة بخروج المرأة من بيتها والمشاركة في كل ميادين العمل مع‬
‫الرجال ‪ ،‬ويستخدمون جميع وسائل العلم المقروءة والمسموعة والمرئية والمؤتمرات‬
‫النسوية لتفعيل هذه المطالبة حتى انخدعت بها كثير من نساء المسلمين وأصبحوا يركضون‬
‫خلف هذا السراب الذي يظنونه ماًء ‪ ...‬فإذا جاءوه لم يجدوا شيئًا ‪ ...‬بل ينقلب عليهم حسرًة‬
‫وندامًة في الدنيا والخرة‪.‬‬

‫إنهم يريدون أن تصبح نساؤنا كنساء الغرب في كل شيء‪ :‬في لباسها ومشيتها وأخلقها‬
‫وعاداتها وتحركاتها وحريتها بدون حدود ومزاحمتها للرجال في ميادين العمال التي ل تناسب‬
‫طبيعة المرأة وأنوثتها وخصائصها وصدق الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ) :‬لتتبعن سنن من‬
‫كان قبلكم حذوا القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ‪ ،‬قلنا‪ :‬يا رسول ال‪ :‬اليهود‬
‫والنصارى؟ قال‪ :‬فمن (‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫ولما كان يوم حنين‪ -‬وكانت معركتها بعد فتح مكة‪ -‬وكان عدد المسلمين أكثر بكثير من‬
‫عدوهم إذ كان العدو من قبيلة هوازن‪ ،‬وكان حال كل من الفريقين ما ذكره ال في كتابه‪ ):‬ويوم‬
‫حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين (‬
‫سورة التوبة آية‪.25:‬‬

‫فانهزم الناس وبقي النبي صلى ال عليه وسلم ومعه عدد قليل من أصحابه ل يتجاوز‬
‫ل‪ ،‬فكانت أّم سليم مع من بقي مع النبي صلى ال عليه وسلم في هذا‬
‫عددهم اثني عشر رج ً‬
‫الموقف الحرج‪.‬‬

‫روى مسلم من حديث أنس رضي ال عنه‪ :‬أن أم سليم رضي عنها اتخذت خنجرا يوم‬
‫حنين فقالت اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت به بطنه فجعل رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم يضحك‪ " ...‬بل إن أم سليم لم تستسغ هذا الموقف‪ ،‬ولم تجد عذرا لبعض من‬
‫انهزموا عن النبي صلى ال عليه وسلم من مسلمة الفتح فقالت قولتها المشهورة )يا رسول‬
‫ال اقتل من بعدنا من الطلقاء انهزموا بك فقال رسول ال‪ :‬يا أم سليم إن ال قد كفى وأحسن‬
‫"‪.‬‬

‫وهكذا سطرت أم سليم في غزوات النبي صلى ال عليه وسلم صفحات من نور‪ ،‬وضربت‬
‫في ذلك أروع المثلة للمرأة المسلمة في التضحية والخلص وستبقى هذه المواقف لم سليم‬
‫رضي ال عنها إلى أن يرث ال الرض ومن عليها‪.‬‬

‫فعلى المرأة المسلمة اليوم أن ل تبخل على دينها بما تسطيع تدافع عنه وتحميه بمالها ودعائها‬
‫ووقتها وقلمها ‪ ....‬وإن أعظم ما يمكن أن تقدمه المرأة المسلمة اليوم لدينها ‪ :‬هو التزامها به‬
‫وافتخارها بالنتماء إليه وتمسكها بحجابها وحيائها وعفتها فإنه الخنجر المسموم والسيف‬
‫المسلول والرمح الذي تطعن به المرأة المسلمة صدور أعداء السلم فتميتهم غيظاص وكمدًا‬
‫وغمًا‪.‬‬

‫) قل موتوا بغيظكم ‪ ..‬إن ال عليم بذات الصدور (‬

‫رحم ال أم سليم ‪ :‬امرأة جمعت فضائل شتى وخصال متعددة قد يعجز عن القيام بها الكثير من‬
‫الرجال‪ :‬الجود والكرم ‪ ،‬الشجاعة والقدام ‪ ،‬الحرص على التربية الصالحة لبنائها ‪ ،‬طلب العلم‬
‫الشرعي والتفقه في الدين ‪ ،‬الدعوة إلى ال ‪ ،‬الجهاد في سبيل ال ‪ ،‬البحث عن رضا الزوج ‪...‬‬

‫ضلت النســــــــاُء على الرجالِ‬ ‫فلو كان النســـــاُء كمن ذَكْرنا ‪ .....‬لف ّ‬
‫ب ‪ ......‬ول التذكــــيُر فخـــــــــٌر للهلِل‬
‫س عي ٌ‬ ‫ث لسم الشم ِ‬ ‫وما التأني ُ‬
‫فرحم ال أم سليم ورضي ال عنها وعن سائر الصحابة أجمعين وألحقنا بهم غير خزايا ول‬
‫مبدلين ول مغيرين ‪ ،‬وجمعنا وإياهم في الفردوس العلى مع النبيين والصديقين والشهداء‬
‫والصالحين وحسن أولئك رفيقَا ‪ ..‬ذلك الفوز من ال وكفى بال عليمًا‪.‬‬

‫‪11‬‬
12

You might also like