Professional Documents
Culture Documents
1
بسم ال الرحمن الرحيم
إن الحمد ل نحمده ونستعينه ونستغفره ،ونعوذ بال من شرور أنفسنا ومن
سيئات أعمالنا من يهده ال فل مضل له ومن يضلل فل هادي ،له وأشهد أن ل إله إل ال وحده
ل شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله:
يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجال
كثيرا ونساء واتقوا ال الذي تساءلون به والرحام إن ال كان عليكم رقيبًا.
يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال وقولوا قول سديدا .يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم .
ومن يطع ال ورسوله فقد فاز فوزا عظيمًا.
أما بعد:
فإن الحديث عن القدوات الصالحة والنماذج البشرية السامقة لهو من الولويات ...في
زمن كثرت فيه الفتن وضعفت فيه الهمم وانشغل الناس بالدنيا فألهتهم بزخارفها وتقدمها
الحضاري عن الخرة ...مما يجعل الحاجَة ملحًة لنا جميعَا رجاًل ونساًء ،صغارَا وكبارًا أن
نتلمس طريق الصالحين والصالحات من الرعيل الول الذين عايشوا تنزل الوحي وعرفوا
الهدف الذي خلقوا من أجله فعملوا بإخلص نية وقوة عزيمة وثبات موقف لدينهم رجاء ما عند
ال من الجر والثواب وحسن العاقبة والفوز بالجنة.
فمن كان مستنًَا ومهتديَا ومقتفيَا ...فليستن بهم فإن الحي ل تؤمن عليه الفتنة
ولقد سطر الرعيل الول بأفعالهم قبل أقوالهم وبصفاتهم وأخلقهم ومناقبهم أروع المثلة
على حبهم لدينهم ورسولهم وأمتهم وظلت سيرتهم العطرة نبراسَا تحتذي به الجيال المسلمة
تلو الجيال عبر الزمان وستظل إلى قيام الساعة.
ل أو امرأة ...وقلب صفحات حياته فستجد العجب العجاب ، فاختر من شئت منهم ...رج ً
وكلما توجهت لجانب من جوانب حياته شعرت بأنه المقدم والمام في ذلك الجانب ...ذلك أنهم
نهلوا من المعين الصافي والنهر الفياض المتدفق والقدوة الحسنة من سيد البشرية محمد بن
عبدال صلى ال عليه وسلم.
والليلة حديثنا عن علم من أعلم الصحابة ،وجبل من جبالهم وأنموذجا سامقَا من
نماذجهم ...حديثنا ليس عن رجل من الصحابة وإنما عن امرأة تشرفت بصحبة خير البرية
صلى ال عليه وسلم فحازت شرف الصحبة :
إنها أم سليم :الرميصاء أو الغميصاء بنت ملحان النجارية النصارية الخزرجية رضي
ال عنها.
2
نتحدث عن امرأة من أهل الجنة ..كانت تمشي على الرض وهي مبشرة بجنة عرضها
السموات والرض ،نقلب بعض صفحات حياتها المضيئة لن الوقت لن يتسع لعرض جميع
مناقبها وجوانب حياتها.
امرأٌة أفنت أيام عمرها في طاعة ربها ورضا زوجها وحسن تربيتها لولدها وعملها
لدين ال والدفاع عن دين السلم وعن رسول ال صلى ال عليه وسلم.
امرأة علمت بأن أيامها في هذه الدنيا محدودة وأنفاسها معدودة وأنها ول بد راجعٌة إلى
ربها وخالقها فاستغلت فرصة الحياة للعمل لما بعد الموت حتى قال عنها صلى ال عليه وسلم:
):رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة "...رواه البخاري من حديث جابر.
وفي رواية لمسلم " فسمعت خشفًة فقلت :من هذه؟ قالوا هذه الغميصاء بنتُ ملحان أُم أنس بن
مالك( .
فما الذي وصل بأم سليم إلى هذا المقام الرفيع والجزاء الكبير
أل تستحق أن نتعرف جميعَا ..رجاَل ونساًء ...على سر ذلك الفوز المبين والنجاح العظيم ..
أل يحسن بنا أن نعرض على فتياتنا ونساءنا بعض أعمالها العظيمة وأخلقها العالية وصفاتها
الكريمة التي أوصلتها لرضا ال فاستحقت التكريم اللهي والعلن عنه وهي حية تمشي بين
الناس ...؟
بلى ...وال
إن المرأة المسلمة اليوم ...وهي تستهدف من قبل أعداء السلم من الكفار والمنافقين
بحملت تغريب قوية مستمرة ومستميتة للقضاء على دينها وحيائها وحجابها وأخلقها وعفتها
وكرامتها وإخراجها من بيتها للعمل جنبًا إلى جنب مع الرجال والسفر بدون محرم ...لهي في
أمس الحاجة أن تذكر بما كان عليه أسلفها من نساء الرعيل الول ومن تبعهم من الصالحات
القانتات التائبات.
إننا ل يمكن أن نغفل ما عليه بعض نساء المسلمين من خير والتزام بدينهن وحجابهن
وحيائهن وعفتهن إل أن هناك شريحة ل يستهان بها ممن استطاع أعداء الدين والملة إفساَدهن
ب فطرهن السليمة وإدخاَل الفكار المنحرفة داخل عقولهن لتخرج لنا من تطالب بقيادة
وتخري َ
السيارة والسفر بدون محرم والعمل في جميع الوظائف ...فكل من هؤلء وهؤلء بحاجة إلى
تذكير وتوجيه ومراجعة لنماذج طبقت السلم بفهم صحيح ففازت بخيري الدنيا والخرة لتثبت
الصالحة على دينها وترجع المنحرفة عن غيها.
3
أوًل :هي من قبيلة النصار:
القبيلة التي آوت رسول ال صلى ال عليه وسلم والمهاجرين من المؤمنين ،وتكونت
اللبنة الولى للدعوة السلمية في ربوع بلدهم )المدينة( وقد تنزلت في شأنهم آيات من كتاب
ال ،فهم والمهاجرون هم السابقون الولون.
وهم الذين عناهم ال بقوله جل ثناؤه ))والذين تبوءوا الدار واليمان من قبلهم يحبون
من هاجر إليهم ول يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم
خصاصة(( سورة الحشر آية . 9
وكانوا هم الغالبية العظمى في غزوة بدر وأحد ،وبيعة الرضوان وغير ذلك من المشاهد
المتميزة في السلم ...فهي من معدن طيب أصيل.
وقد كان النبي صلى ال عليه وسلم يقدر لهم تلك المواقف ،ومن أقواله المحفوظة عنه
في النصار قوله صلى ال عليه وسلم " :النصار ل يحبهم إل مؤمن ول يبغضهم إل منافق
فمن أحبهم أحبه ال ومن أبغضهم أبغضه ال ".
بل يكفيهم فخرا أن النبي صلى ال عليه وسلم أخبر أنه لول الهجرة لكان امرءًا من
النصار لما لهم من مكانة في قلبه صلى ال عليه وسلم .وفيهم أيضًا قال صلى ال عليه وسلم
مبينًا مكانتهم " :لو أن النصار سلكوا واديًا أو شعبًا لسلكت في وادي النصار ولول الهجرة
لكنت امرءا من النصار" فقال أبو هريرة راوي الحديث :ما ظلم بأبي وأمي ...آووه ونصروه
أو كلمة أخرى.
أختي المسلمة :هل سمعت بأكرم مهر حازته امرأة؟ إنه مهر أم سليم في زواجها الثاني:
وفي المقابل حث أولياء أمور النساء على قبول من تقدم إليهم بالزواج منهن إذا كان من
أهل الستقامة فقال صلى ال عليه وسلم " :إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إل
تفعلوا تكن فتنة في الرض وفساد عريض.
فإذا كان المر كذلك فتعالوا ننظر إلى أم سليم النصارية رضي ال عنها كيف كان زواجها
في الجاهلية والسلم.
كانت زوجة لمالك بن النضر ) والد أنس بن مالك ( في الجاهلية قبل السلم ،فلما بعث
النبي صلى ال عليه وسلم كانت من أوائل المستجيبين فأسلمت وحسن إسلمها ،فدعت زوجها
ي أّم سليم عن السلم فصارللسلم فأبى ،فخرج إلى الشام فهلك هناك بعد أن يئس أن يثن َ
4
هذا أول موقف يسجل لم سليم رضي ال عنها وأرضاها ويدل على قوة ثباتها على دين ال
وحسن فهمها له وتمسكها به.
وأما زواجها في السلم فهو زواج نادر ل يتكرر مثله في التاريخ :فعن أنس رضي ال
عنه قال " :خطب أبو طلحة أم سليم قبل أن يسلم فقالت :أما إني فيك لراغبة ،وما مثلك يرد،
ولكنك رجل كافر ،وأنا امرأة مسلمة ،فإن تسلم فذاك مهري ،ل أسأل غيره ،فأسلم وتزوجها أبو
طلحة.
وفي رواية عند الحاكم :أن أبا طلحة خطب أّم سليم يعني قبل أن يسلم فقالت :يا أبا
طلحة الست تعلم أن إلهك الذي تعبد نبت من الرض نجرها حبشي بني فلن ،إن أنت أسلمت ل
أريد من الصداق غيره ،قال :حتى أنظر في أمري فذهب فجاء فقال :أشهد أن ل إله إل ال ،و أن
محمدا رسول ال ،فقالت :يا أنس زوج أبا طلحة.
فكانت بذلك أوَل امرأٍة جعلت مهرها إسلم زوجها فصارت سببا في دخول أبي طلحة
في السلم فحازت بذلك على الفضيلة التي وعد بها رسول ال -صلى ال عليه وسلم بقوله" :
ل واحدًا خير لك من أن يكون لك حمر النعم ".
فوال لن يهدي ال بك رج ً
• فلتبحث كل فتاة مسلمة عن الزوج الصالح الذي يرتضى دينه وخلقه وليس عمن يدفع
المهر الكثير ،ولتحرص المرأة المسلمة على صلح زوجها ودعوته للخير والتعاون معه
على الطاعة وإصلح بيئة البيت المسلم كما فعلت أم سليم.
ولقد حرصت أُم سليم على ذلك الصنيع بابنها من رجاحة عقل وحسن تدبير واستغلل
للفرص السانحة ...ذلك لنها أدركت أن:
-1خدمة النبي صلى ال عليه وسلم من أفضل القربات التي ُيتقربُ بها إلى ال سبحانه وتعالى
فأحبت أن يسعد بهذه الخدمة ابُنها و فلذُة كبدها ،ومن ثم لتنال هي وابنها أجرًا عظيمًا عند ال
سبحانه وتعالى.
-2أن يتربى ابُنها أنس ...في بيت النبوة ويتخلق بأخلق النبي صلى ال عليه وسلم ويهتدي
بهديه صلى ال عليه وسلم ،ويكون قريبَا منه ينهل من معين صافي ونهر عذب وينعم بصحبة
سيد البشر وخير الناس وتلك غاية من أشرف الغايات ل يتفطن لها إل أولوا اللباب.
5
جاء النبي صلى ال عليه وسلم إلى بيت أم سليم يومَا فلما انتهى من حاجته وهم
بالرجوع قالت له أم سليم رضي ال عنها " :يا رسول ال إن لي خويصة" )تصغير خاصة(
قال " :ما هي؟! قالت :خادمك أنس } يعني :ادع له { .قال أنس :فما ترك خير آخرة ول دنيا
إل دعا لي )اللهم ارزقه ماًل وولدًا وبارك له) .يقول أنس!( فإني لمن أكثر النصار ماًل،
وحدثتني ابنتي أمينة أنه دفن لي لصلبي مقِدَم الحجاج البصرة بضٌع وعشرون ومائة .في
رواية الجعد عند مسلم قال أنس ":فدعا لي بثلث دعوات قد رأيت منها اثنتين في الدنيا ،وأنا
أرجو الثالثة في الخرة.
فهذا القدر من أولده هو الذي مات في حياته قبل ذلك التاريخ ،وأما الذين كانوا على قيد
الحياة في ذلك الوقت فهم كما قال أنس " :وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو مائة.
أرأيتم كيف أن أّم سليم رضي ال عنها اعتنت بابنها اليتيم وأحاطته بكل عناية ،وحرصت عليه
كل الحرص على أن يحصل على خير الدنيا والخرة؟ فما أعظَمها من أم!! وما أحسَنها من
مربية رضي ال عنها وأرضاها.
فخذوا ...يا نساء المسلمين من هذا الموقف التربوي ما ترغبون أن تقر به أعينكم من
صلح أبنائكم وبناتكم ....فكروا بالطرق التربوية التي تقود إلى تنشأتهم النشأة اليمانية ...
اربطوهم بالعلماء والمربين والمصلحين ...وازرعوا في نفوسهم حب الرسول صلى ال عليه
وسلم وتعظيم سنته وتلمس طريقته.
ها هم أبناؤنا وبناتنا على أبواب إجازة صيفية طويلة ...فماذا أعددتم لهم من برامج
تربوية تشغل فراغهم وتنمي مهاراتهم وتصقل عقولهم وتروح عن أنفسهم .كونوا حريصين
على ذلك وتذكروا حرص أم سليم على ابنها أنس ول تنسوا الدعاء لهم فإن سلح قوي وسبب
من أسباب صلح البناء والبنات ) .ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين
إمامًا (.
وأم سليم النصارية كانت مميزة من بين نساء النصار في حبها للعلم وشغفها لتعلمه،
وساعدها على ذلك قربها من النبي صلى ال عليه وسلم دائما فكان صلى ال عليه وسلم كثير
الزيارة لها ،قال أنس " :إن النبي صلى ال عليه وسلم لم يكن يدخل بيتا بالمدينة غير بيت أم
سليم إل على أزواجه ،فقيل له؟ فقال " :إني أرحمها قتل أخوها معي ".
بل كانت أم سليم معدودة في أهله صلى ال عليه وسلم لكثرة تواجدها مع نسائه في سفره
وإقامته قال أنس رضي ال عنه :أتى النبي صلى ال عليه وسلم على بعض نسائه ومعهن أم
سليم فقال":ويحك يا أنجشة ،رويدك سوقا بالقوارير ".
6
جاءت أم سليم و رضي ال عنها يومًا إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالت يا
رسول ال" :إن ال ل يستحيي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ قال النبي-
صلى ال عليه وسلم " :إذا رأت الماء " فغطت أُم سلمَة -تعني وجهها -وقالت يا رسول ال:
وتحتلم المرأة؟ قال " :نعم تربت يميُنك فبم يشبهها ولُدها؟ ".
وفي رواية عند مسلم قالت عائشُة رضي ال عنها ":يا أّم سليم فضحت النساء تربت
يمينك ،فقال النبي صلى ال عليه وسلم لعائشة " :بل أنت تربت يمينك ،نعم ...فلتغتسل يا أّم
سليم إذا رأت ذلك " .
وفي رواية عند أبي داود في سننه في الطهارة " :إنما النساء شقائق الرجال ".
• حرصها على طلب العلم والتفقه في الدين وخاصة فيما يخص المرأة في طهارتها
وصلتها ونحوه ،فليكن همك – أختي الكريمة – تعلم العلم الشرعي والتفقه في الدين
والذي تيسرت طرقه وتعددت مصادره في زمننا هذا ..فل عذر لحد بالجهل.
• التأدب في طرح السؤال مع النبي صلى ال عليه وسلم واحترام أهل العلم والفضل،
واختيار الساليب والكلمات والجمل التي تعبر عنه بأقصر عبارة مغلف بغلف من الدب
ي حدود الدب في ن كّل أخت مسلمة أن تراع َ
والحياء والحشمة .ومن هنا أهمس في أذ ِ
سؤالها أهل العلم :ومن ذلك خفض الصوت ،والختصار ،وحسن انتقاء اللفاظ ،والتأدب
في المحادثة ،واختيار الوقات المناسبة للتصال ،وعدم التوسع في ذلك وخاصة لغير
حاجة.
وأم سليم ولدت ولدًا من أبي طلحة تولع فيه وكان يحبه حبًا شديدًا فمرض ثم مات وأبوه
خارج البيت ل يعلم ،فلننظر كيف كان تصرفها؟ وبأي شيء قابلت فقد حبيبها وفلذة كبدها؟ وما
ذا صنعت مع زوجها الذي فقد أعز ما كان لديه؟ ...
روى البخاري عن أنس رضي ال عنه قال " :اشتكى ابن لبي طلحة فمات ،وأبو طلحة
حته في جانب البيت ،فلما جاء أبو طلحة قال:
خارج ،فلما رأت امرأته أنه مات هيأت شيئا ون ّ
كيف الغلم؟ قالت :هدأت نفسه ،وأرجو أن يكون قد استراح ،وظن أبو طلحة أنها صادقة قال:
7
فبات فلما أصبح اغتسل ،فلما أراد أن يخرج أعلمته أنه قد مات ،فصلى مع النبي صلى ال عليه
وسلم ثم أخبر النبي صلى ال عليه وسلم بما كان منهما ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم:
) لعل ال أن يبارك لكما في ليلتكما " قال سفيان :قال رجل من النصار فرأيت لهما تسعة أولد
كلهم قرأوا القرآن .
قال ابن حجر :وفي رواية سعيد بن منصور ومسدد وابن سعد والبيهقي في الدلئل من
طريق سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعة قال :كانت أم أنس تحت أبي طلحة ،فذكر القصة
شبيهة بسياق ثابت عن أنس رضي ال عنه وقال في آخره :فولدت غلما ،قال عباية :فلقد
رأيت لذلك الغلم سبع بنين كلهم ختم القرآن .
وفي رواية لمسلم من حديث أنس رضي ال عنه " مات ابن لبي طلحة من أم سليم فقالت
لهلها :ل تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه قال :فجاء فقربت إليه عشاء ،فأكل وشرب
فقال :ثم تصنعت له أحسن ما كانت تصنع مثل ذلك فوقع بها ،فلما رأت أنه قد شبع وأصاب
منها ،قالت :يا أبا طلحة أرأيت لو أن قوما أعاروا أهل بيت عارية فطلبوا عاريتهم الهم أن
يمنعوهم؟
قال :ل ،قالت :فاحتسب ابنك فغضب وقال :تركتني حتى تلطخت ثم أخبرتني .
التسليم بالقضاء والقدر والرضا بما يقدره ال على العبد مقدم على كل محبوب -1
فمهما يحصل للعبد ينبغي له أن ل يتصرف إل بما يرضي ربه ولذلك قال صلى ال عليه
وسلم ) :إنما الصبر عند الصدمة الولى ( .فينبغي على المرأة المسلمة أن تكون وقافًة
عند حدود ال فل يظهر منها عند المصائب إل ما يرضي ربها .وعقيدُتها القوية بربها
وخالقها تمنعها في كل حين من الوقوع في المخالفات الشرعية وخاصة الشرك والبدع
والخرافات والخزعبلت والتي تضعف مقاومُة كثير من النساء أمامها كالنياحة وشق
الجيوب ولطم الخدود وإتيان السحرة الكهان وقراءة الفنجان والطواف حول الضرحة
وسؤال الموتى جلب النفع أو دفع الضر وغيرها.
ضربت أم سليم أروع المثلة في حبها لزوجها وابتغائها مرضاته وراحته والبعد -2
عما قد يكدر خاطره ويعكر صفو حياته فاخترعت طريقة للتدرج في إخباره بموت أعز ما
عنده مما يدل على رجاحة عقلها وحسن تدبيرها .وهكذا ينبغي أن تكون المرأة
المسلمة راعية في بيت زوجها تبحث عما يسعده ويزيل عنه تعب الحياة وضغوط العمل
ت الحياِة
خارج البيت فيجد في بيته الراحة والطمأنينة والسعادة مما تطيب معه ساعا ُ
الزوجية ويديم المحبة والعشرة والرحمة بين الزوجين تحقيقًا لقوله تعالى ) :وجعل
بينكم مودة ورحمة ( وليست عاقلة من تجمع لزوجها حينما يلج منزله كل المشاكل
والهموم والمصائب فل يلبث أن يرى هذا البيت بيت نكد وتطفيش وتعب مما يجعله
يفضل الهروب منه والبقاء خارجه وهنا تحدث المشاكل السرية وربما انتهى المر إلى
الفراق والفشل وضياع الولد.
8
جودها وكرمها :
والجود والكرم من صفات المؤمنين الذين ل يريدون من وراء ذلك شيئًا من حطام الدنيا
أو السمعة وإنما يقصدون ما عند ال ،وأم سليم كانت من هذا الصنف:
قال أنس رضي ال عنه ،قال أبو طلحة لم سليم رضي ال عنها :لقد سمعت صوت
رسول ال صلى ال عليه وسلم ضعيفًا أعرف فيه الجوع ،فهل عندك من شيء؟
قالت :نعم ،فأخرجت أقراصًا من شعير ثم أخرجت خمارًا لها ،فلفت الخبز ببعضه ثم دسته
تحت يدي وردتني ببعضه ثم أرسلتني إلى رسول ال قال :فذهبت به فوجدت رسول ال في
المسجد ،ومعه الناس فقمت عليهم ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم لنس أرسلك أبو
طلحة؟ قال :فقلت نعم فقال :الطعام؟ فقلت :نعم فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم لمن معه:
قوموا قال :فانطلق ،وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته فقال أبو طلحة :يا أم
سليم قد جاء رسول ال بالناس ،وليس عندنا ما -يطعمهم فقالت :ال ورسوله أعلم ،قال:
فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول ال فأقبل رسول ال صلى ال عليه وسلم معه حتى دخل فقال
رسول ال صلى ال عليه وسلم :هلمي ما عندك يا أم سليم فأتت بذلك الخبز ،فأمر به رسول
عّكًة لها فأدمته ،ثم قال فيه رسول ال ما شاء أن يقول ثم قال:
صرت عليه أّم سليم ُ
ع َ
تو َ
ال ففُ ّ
ائذن لعشرة ،فأذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال :ائذن لعشرة فأذن لهم
فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ،ثم قال :ائذن لعشرة حتى أكل القوم كلهم حتى شبعوا والقوم
سبعون أو ثمانون رجل ".
مسارعُتها في طاعة أمر زوجها ومساندُته في رأيه ورغبته في إطعام رسول ال -1
صلى ال عليه وسلم مع قلة ما لديهم من الطعام وهو دليل على حبها لرسول ال صلى
ال عليه وسلم وإيثارها مرضاته على محبوبات النفس البشرية ) ويؤثرون على أنفسهم
ولو كان بهم خصاصة .( ..
-2بذلها وجودها وكرمها الذي جعلها تخرج ما عندها دون حساب.
9
ومع أن السلم لم يوجب على النساء الجهاد في سبيل ال أي ) المقاتلة ( ،فقد سئل
النبي صلى ال عليه وسلم هل على النساء جهاد فقال " :عليهن جهاد ل قتال فيه الحج
والعمرة ،وفي رواية عند البخاري قالت عائشة رضي ال عنها :نرى الجهاد أفضل العمال أفل
ج مبروٌر ".
نجاهد قال " :ل ،لكن أفضَل الجهاد ح ٌ
وهو حكم متفق عليه لدى فقهاء المصار جميعا ،وذلك لما يحتاج إليه الجهاد من الشدة
والغلظة والمصابرة ،وهو غير متوفر في النساء لضعف خلقتهن ورقة قلوبهن وقد اقتضت
ل من الصنفين بما يليق بحاله جسمًا وعق ً
ل حكمة ال في التشريع وهو الحكيم العليم أن كلف ك ً
وروحًا.
إذن فخروج النساء مع المجاهدين في سبيل ال لمعنى آخر غير القتال وهو مساعدة
الرجال فيما يحتاجون إليه من طبخ الطعام وسقاية المجاهدين ومداواة الجرحى ومناولة السهام
قال إبراهيم النخعي " :كان النساء يشهدن مع النبي صلى ال عليه وسلم المشاهد ويسقين
المقاتلة ويداوين الجرحى" وبمثله قال الزهري.
ولقد حفظ التاريخ لم سليم أنها لم تكن تتخلف عن النبي صلى ال عليه وسلم في غزواته
إل في النادر ،وكان زوجها أبو طلحة من أقوى الرماة بقي مع النبي صلى ال عليه وسلم يوم
ُأحد حين انهزم الناس يدافع عنه رضي ال عنه وأرضاه ،وقد أدت أم سليم رضي ال عنها في
ذلك اليوم العصيب دورًا عظيمًا ،قال أنس رضي ال عنه " لما كان يوم أحد انهزم الناس عن
النبي صلى ال عليه وسلم قال :ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم رضي ال عنهما
وإنهما لمشمرتان -أي قدم سوقهن -تنقزان )وقال غيره :تنقلن( القرب على متونهما )أي
ظهورهما( ثم تفرغانه في أفواه القوم فتملنها ثم تجيئان فتفرغان في أفواه القوم( .
قال ابن حجر -وهو من المحققين المعروفين بالستقصاء "-ولم أرى في شيء من ذلك
التصريح بأنهن قاتلن ".
وهذا التحقيق من ابن حجر بمثابة الحجر الذي يسد أفواه المنادين بتحرير المرأة
وإفسادها من العلمانيين والنسويين وأدعياء الدفاع عن حقوق المرأة فإنهم يبحثون في
نصوص الشريعة والسيرة والتاريخ أي مادة يستندون عليها لتمرير باطلهم ومخططاتهم
الفسادية مثل هذا النص :الذي يثبت خروج النساء مع المجاهدين في الغزوات ومشاركتهم فيها
فيعتمدون عليه في المناداة بخروج المرأة من بيتها والمشاركة في كل ميادين العمل مع
الرجال ،ويستخدمون جميع وسائل العلم المقروءة والمسموعة والمرئية والمؤتمرات
النسوية لتفعيل هذه المطالبة حتى انخدعت بها كثير من نساء المسلمين وأصبحوا يركضون
خلف هذا السراب الذي يظنونه ماًء ...فإذا جاءوه لم يجدوا شيئًا ...بل ينقلب عليهم حسرًة
وندامًة في الدنيا والخرة.
إنهم يريدون أن تصبح نساؤنا كنساء الغرب في كل شيء :في لباسها ومشيتها وأخلقها
وعاداتها وتحركاتها وحريتها بدون حدود ومزاحمتها للرجال في ميادين العمال التي ل تناسب
طبيعة المرأة وأنوثتها وخصائصها وصدق الرسول صلى ال عليه وسلم ) :لتتبعن سنن من
كان قبلكم حذوا القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ،قلنا :يا رسول ال :اليهود
والنصارى؟ قال :فمن (.
10
ولما كان يوم حنين -وكانت معركتها بعد فتح مكة -وكان عدد المسلمين أكثر بكثير من
عدوهم إذ كان العدو من قبيلة هوازن ،وكان حال كل من الفريقين ما ذكره ال في كتابه ):ويوم
حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين (
سورة التوبة آية.25:
فانهزم الناس وبقي النبي صلى ال عليه وسلم ومعه عدد قليل من أصحابه ل يتجاوز
ل ،فكانت أّم سليم مع من بقي مع النبي صلى ال عليه وسلم في هذا
عددهم اثني عشر رج ً
الموقف الحرج.
روى مسلم من حديث أنس رضي ال عنه :أن أم سليم رضي عنها اتخذت خنجرا يوم
حنين فقالت اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت به بطنه فجعل رسول ال صلى ال
عليه وسلم يضحك " ...بل إن أم سليم لم تستسغ هذا الموقف ،ولم تجد عذرا لبعض من
انهزموا عن النبي صلى ال عليه وسلم من مسلمة الفتح فقالت قولتها المشهورة )يا رسول
ال اقتل من بعدنا من الطلقاء انهزموا بك فقال رسول ال :يا أم سليم إن ال قد كفى وأحسن
".
وهكذا سطرت أم سليم في غزوات النبي صلى ال عليه وسلم صفحات من نور ،وضربت
في ذلك أروع المثلة للمرأة المسلمة في التضحية والخلص وستبقى هذه المواقف لم سليم
رضي ال عنها إلى أن يرث ال الرض ومن عليها.
فعلى المرأة المسلمة اليوم أن ل تبخل على دينها بما تسطيع تدافع عنه وتحميه بمالها ودعائها
ووقتها وقلمها ....وإن أعظم ما يمكن أن تقدمه المرأة المسلمة اليوم لدينها :هو التزامها به
وافتخارها بالنتماء إليه وتمسكها بحجابها وحيائها وعفتها فإنه الخنجر المسموم والسيف
المسلول والرمح الذي تطعن به المرأة المسلمة صدور أعداء السلم فتميتهم غيظاص وكمدًا
وغمًا.
رحم ال أم سليم :امرأة جمعت فضائل شتى وخصال متعددة قد يعجز عن القيام بها الكثير من
الرجال :الجود والكرم ،الشجاعة والقدام ،الحرص على التربية الصالحة لبنائها ،طلب العلم
الشرعي والتفقه في الدين ،الدعوة إلى ال ،الجهاد في سبيل ال ،البحث عن رضا الزوج ...
ضلت النســــــــاُء على الرجالِ فلو كان النســـــاُء كمن ذَكْرنا .....لف ّ
ب ......ول التذكــــيُر فخـــــــــٌر للهلِل
س عي ٌ ث لسم الشم ِ وما التأني ُ
فرحم ال أم سليم ورضي ال عنها وعن سائر الصحابة أجمعين وألحقنا بهم غير خزايا ول
مبدلين ول مغيرين ،وجمعنا وإياهم في الفردوس العلى مع النبيين والصديقين والشهداء
والصالحين وحسن أولئك رفيقَا ..ذلك الفوز من ال وكفى بال عليمًا.
11
12