You are on page 1of 36

‫شعبة‪ :‬القانون الخاص‬ ‫جامعة عبد المالك السعدي‬

‫كلية العلوم القانونية والقتصادية والجتماعية‬


‫طنجة‬

‫بحث لنيل الجازة في الحقوق‬

‫الموضوع‬

‫سياسة التجريم‬
‫في الشريعةالسلمية والقانون المغربي‬

‫تحت إشراف الستاذ‬ ‫إعداد الطالبان‪:‬‬


‫أشركي أفقير عبد الله‬ ‫جهاد دارعي ‪ -‬عدنان حموري‬

‫الموسم الجامعي‬
‫‪2004-2005‬‬
‫باسم الله الرحمان الرحيم‬

‫يكتسي القانون الجنائي جانبا واسعا من اهتمام الدارسين وفقهاء القانون الوضعي إذ يعتبر من أنجح الطرق‬
‫التي تلجأ إليها المجتمعات النسانية منذ القدم لمكافحة الظاهرة الجرامية التي تنال من وجودها وتقف حجر‬
‫عثرة في طريق سموها وتقدمها‪ ،‬والقانون الجنائي داخل أي نظام قانوني يقوم على مقاصد وأهداف ينشد‬
‫تحقيقها تتمثل أساسا في ‪ :‬تحقيق الستقرار السياسي والجتماعي والمني‪ ،‬تحقيق العدالة موازاة مع حماية‬
‫وضمان حقوق الفراد والمجتمع‪ .‬و تحقيقا لهذه الهداف السامية تلجأ الدول إلى وضع استراتيجية عامة لبيان‬
‫المبادئ التي تجب أن يقوم عليها التشريع الجنائي في مجال تجريم الفعال أو العقاب عليها‪ ،‬بالضافة إلى‬
‫التدابير الحترازية التي تساعد على التقليل من الجرائم‪ ،‬فيما يصطلح على تسميته بالسياسة الجنائية ‪.‬‬
‫والتجريم باعتباره أحد أهم العناصر المكونة للسياسة الجنائية‪ ،‬ارتبط ظهوره بتكون الجماعة البشرية الولى‬
‫وتزايد أهمية المصالح المشتركة التي تستدعي حمايتها الحفاظ عليها من كل اعتداء قد يطالها من الداخل أو‬
‫الخارج‪ ،‬وهو بذلك يعتبر من أقدم الوسائل التي تلجأ إليها التشريعات لحفظ كيان الجماعة وتحقيق المن‬
‫والستقرار لها‪ ،‬واعتبارا لذلك فإن التجريم يعد من المواضيع الحساسة التي تكتسي أهمية خاصة سواء في‬
‫القانون الجنائي الوضعي أو القانون الجنائي السلمي‪ ،‬وقد كرست هذه هده الهمية مختلف المدارس الفقهية‬
‫التي عرفها القانون الوضعي ‪.‬‬
‫ونظرا لخطورة التجريم باعتباره يشكل استثناء على الصل العام لقواعد العدالة الجنائية التي تقتضي بأن‬
‫الصل في الفعال الباحة فإن كل من التشريعين الجنائيين قيداه بمبدأ عام‪ ،‬هو مبدأ الشرعية الجنائية‪ ،‬والذي‬
‫يقتضي بأن المشرع وحده الذي يتولى تحديد الجرائم والعقوبات المقررة لها‪ ،‬بيد أن الشكالية التي تطرح هنا‬
‫هي تعيين الجهة التي ينعقد لها هذا الختصاص –‬
‫التجريم‪ -‬وكذا الضوابط والمعايير التي ينبغي على هذه السلطة أن تتقيد بها حينما ترفع الشرعية على الفعال‬
‫وتجرمها‪ ،‬وإذا كان القانون الجنائي السلمي قد تجاوز مثل هذه الشكالت‪ ،‬فإن القانون الجنائي المغربي ل‬
‫يزال يتخبط ذات اليمين وذات الشمال في هكذا عوائق ‪.‬‬
‫والتجريم كما أسلفنا من قبل يعد خروجا عن المبدأ العام الذي يقضي بأن الصل في الفعال الباحة‪ ،‬وهو من‬
‫هذا المنطلق يشكل تهديدا خطيرا ومباشرا على حقوق الفراد وحرياتهم‪ ،‬إن تم استغلله بشكل تعسفي‬
‫وتسلطي من قبل الدولة‪.‬‬
‫ولمزيد من إلقاء الضوء على موضوع سياسة التجريم في كل من القانون الجنائي المغربي والقانون الجنائي‬
‫السلمي‪ ،‬والحاطة بمختلف عناصره‪ ،‬سنعمل على دراسته من خلل الجابة على السئلة التالية‪:‬‬
‫‪-‬ماذا تعني السياسة التجريمية ؟ هل تبنت كل من السياسة التجريمية المغربية والسياسة التجريمية السلمية‬
‫أهم المبادئ التي تقوم عليها سياسة التجريم ؟ وهل تعاملت معها بنفس الكيفية ؟‬
‫‪-‬وإذا كانت سياسة التجريم مقيدة بمبدأ الشرعية الجنائية فما هي السلطة المخولة بالحق في التجريم ؟ وما‬
‫هي الضوابط التي ينبغي أن تستند عليها في ذلك ؟‬
‫‪-‬وإذا علمنا أن المجتمع المغربي هو مجتمع إسلمي وأن لكل سياسة أهداف تسعى إلى تحقيقها فإلى أي حد‬
‫يمكن القول أن المصالح التي تشغل بال المشرع الجنائي المغربي هي نفس المصالح التي تسعى السياسة‬
‫التجريمية السلمية حمايتها ؟ وبمعنى آخر إلى أي حد يمكن القول أن سياسة التجريم المغربية هي سياسة نابعة‬
‫و منبثقة من واقع المجتمع المغربي وقناعة أفراده ؟‬

‫الفصل الول‬
‫النظرية العامة للتجريم‬
‫المبحث الول‪ :‬ماهية السياسة الجنائية وسياسة التجريم‬
‫سنحاول التطرق في هذا المبحث لمفهوم السياسة الجنائية وسياسة التجريم في كل من الشريعة السلمية‬
‫والقانون الوضعي ‪.‬‬
‫المطلب الول‪ :‬مفهوم السياسة الجنائية‬
‫نتعرض في هذا المطلب لمفهوم السياسة الجنائية في كل من التشريع الجنائي الوضعي )الفقرة الولى( و‬
‫التشريع الجنائي السلمي )الفقرة الثانية(‬
‫الفقرة الولى ‪ :‬المقصود بالسياسة الجنائية في القانون الوضعي‬
‫حظيت السياسة الجنائية بقدر كبير من الهتمام من قبل المهتمين بشؤون الجريمة والوقاية منها والتصدي لها‪،‬‬
‫ويعتبر الفيلسوف اللماني فويرباخ أول من استعمل تعبير السياسة الجنائية وذلك في بداية القرن التاسع عشر‬
‫وكان يقصد بها " مجموع الوسائل التي يمكن اتخاذها في وقت معين في بلد ما من أجل مكافحة الجرام فيه"‬
‫ويبقى هذا التعريف غامضا لنه ل يحدد نطاق هذه السياسة ‪1‬‬
‫وقد ظهرت عدة اتجاهات فقهية في تعريف السياسة الجنائية وكانت هي الخرى قاصرة لنها لم تعطي‬
‫السياسة الجنائية دورها الحقيقي في تطوير القانون الجنائي ومنها تعريف فون ليزت الذي عرفها بأنها‬
‫"المجموعة المنظمة من المبادئ التي تعتمدها الدولة لتنظيم عملية محاربة الجريمة "‪.2‬‬
‫واعتبر دونديو دوفايير " أن دور السياسة الجنائية يكمن في مواجهة الجريمة بالجزاء والقمع"‪ .3‬وقد تبلورت‬
‫فكرة السياسة الجنائية أكثر فأكثر ببروز مدرسة الدفاع الجتماعي بزعامة مارك انسيل والذي عرفها بأنها "علم‬
‫وفن غايتهما‬

‫___________________________‬
‫‪ -1‬د‪ .‬أحمد فتحي سرور ‪ :‬أصول السياسة الجنائية ‪ .‬ص ‪ ، 11‬دار النهظة العربية ‪ ،‬طبعة‬
‫‪. 1972‬‬
‫‪ -2‬د‪ .‬مصطفى العوجي ‪ :‬دروس في العلم الجنائي ‪ .‬ص ‪ ، 123‬مؤسسة نوفل بيروت طبعة‬
‫‪.1980‬‬
‫‪ -3‬د‪ .‬مصطفى العوجي ‪ :‬مرجع سابق ‪ .‬ص ‪. 125‬‬

‫صياغة قواعد وضعية في ضوء معطيات العلوم الجنائية بغية التصدي للجريمة"‪. 1‬‬

‫والملحظ أن أغلب التعريفات الحديثة لمفهوم السياسة الجنائية تسير في نفس هذا التجاه الخير مركزة‬
‫على الساس العلمي‪ ،‬وهكذا نجد الدكتور عبد السلم بنحدو عرفها بأنها "تلك الوسائل الفنية التي يعتمد عليها‬
‫المشرع عند تحديد سياسة التجريم والعقاب "‪ 2‬وعرفها الدكتور أبو الفتوح بأنها " الفلسفة التي تكمن وراء‬
‫الخط الذي يرسمه المشرع عند تحديده الجرائم والعقوبات"‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬المقصود بالسياسة الجنائية في الشريعة السلمية‬
‫بعد أن بين ابن خلدون في مقدمته الشهيرة بأن الجريمة واقعة اجتماعية لبد من وجودها في كل مجتمع‬
‫بشري‪ ،‬استطرد هذا المفكر المسلم العربي بعد ذلك ليقدم الحل الذي أرتاه لمواجهتها‪ ،‬حيث يرى بأنه لبد من‬
‫وجود حاكم يزع الناس ويحكمهم و أنه لبد لهذا الحاكم من أداة ولبد لداته من سياسة ينتظم بها أمر الناس‪.‬‬
‫يقول ابن خلدون ‪…":‬وحكمه فيهم تارة يكون مستندا إلى شرع منزل من عند الله‪ ،‬وتارة إلى سياسة‬
‫عقلية يوجب انقيادهم إليها ما يتوقعونه من ثواب ذلك الحاكم" ‪3.‬‬
‫فما المراد بهذه السياسة لتي ينبغي على الحاكم اتباعها في مواجهة حتمية الجرام في المجتمع ؟‬
‫أول‪ :‬المراد بالسياسة الشرعية‬
‫ارتأينا قبل أن نتعرض لتعريف السياسة الجنائية الشرعية أن نحاول أول‬

‫___________________________‬
‫‪ -1‬د‪ .‬مصطفى العوجي ‪ :‬دروس في العلم الجنائي ‪ .‬ص ‪ ، 126‬مؤسسة نوفل بيروت طبعة ‪1980‬‬
‫‪ -2‬ا د‪ .‬عبد السلم بن حدو ‪ :‬الوجيز في القانون الجنائي المغربي ‪ ،‬ص ‪ ، 32‬الطبعة الرابعة‬
‫‪.2000‬‬
‫‪ -3‬عبد الرحمان بن خلدون ‪ :‬مقدمة بن خلدون ‪ ،‬ص ‪ ، 156‬شرح و تعليق د‪ .‬عبد الواحد وفي دار الكتب‬
‫العلمية طبعة ‪.1996‬‬

‫الحاطة بالسياسة الشرعية بصفة عامة‪ ،‬لن السياسة الجنائية جزء من السياسة الشرعية ومعرفة العم تفضي‬
‫إلى معرفة الخص‪ ،‬وفيما يلي نستقصي معنى السياسة الشرعية في الشريعة السلمية‪ ،‬وقد ذكر الفقهاء‬
‫تعاريف كثيرة للسياسة الشرعية منها‪:‬‬
‫‪ -1‬هو ما كان فعل يكون معه الناس أقرب إلى الصلح وأبعد عن الفساد وإن لم يضعه الرسو‪i‬ل صلى الله عليه‬
‫وسلم ول نزل به وحي ‪. 1‬‬
‫‪ -2‬هي التوسعة على ولة المر في أن يعملوا ما تقتضي به المصلحة ممال يخالف أصول الدين وإن لم يقم‬
‫‪ii‬‬
‫عليه دليل ‪. 2‬‬
‫‪ -3‬يؤكد فقيه آخر بأن السياسة الشرعية هي استصلح الخلق بإرشادهم إلى الطريق المنجي في الدنيا والخرة‪،‬‬
‫فهي من النبياء على العامة والخاصة في ظاهرهم وباطنهم والسياسة من السلطين والملوك على كل متم في‬
‫ظاهره ل غير والسياسة من العلماء ورثة النبياء على الخاصة في باطنهم ل غير ‪. 3‬‬
‫‪ -4‬وعرفها آخرون بأنها تغليظ جزاء جناية لها حكم شرعي حسما لمادة الفساد ‪.4‬‬
‫تشترك التعاريف السابقة في وصف السياسة الشرعية بأنها الحكام الشرعية وما يصدر عن الحاكم من‬
‫تدبير وتصرف‪ ،‬لكنها اختلفت في بعض الجوانب‪ ،‬ومن ذلك التعريف الخير الذي قصر السياسة الشرعية على‬
‫بعض مشمولتها حينما خصها بتشديد وتغليظ العقوبة‪ ،‬في حين أن هذه الخيرة جزء من السياسة الجنائية التي‬
‫بدورها جزء من السياسة الشرعية‪.‬‬
‫ولعل أهم تعريف وقفنا عليه هو ذاك الذي وضعه الدكتور محمد بوساق والذي جاء فيه بأن السياسة‬
‫الشرعية هي العمل على جلب أقصى ما يمكن من المصالح للجماعة ودفع ما أمكن من المفاسد عنها بإقامة‬
‫الشريعة تنفيذا واجتهاد‬

‫ـــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬ابن القيم الجوزية ‪ :‬طرق الحكمية في السياسة الشرعية ‪ ،‬ص ‪ ، 10‬الجزء الثالث ‪ ،‬تحقيق محمد حامد الفقي‬
‫‪ ،‬دار الكتب العلمية لبنان ‪ .‬بدون طبعة ‪.‬‬
‫‪ -2‬أحمد حصري ‪ :‬السياسة الجزائية في فقه العقوبات السلمي المقارن ‪ ،‬ص ‪ ، 106‬المجلد الول ‪ ،‬در الجيل‬
‫بيروت ‪ ،‬طبعة ‪. 1993‬‬
‫‪ -3‬أحمد حصري ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 107‬‬
‫‪ -4‬أحمد حصري ‪ :‬مرجع سايق ‪ ،‬ص ‪. 104‬‬

‫أو استفراغ لوسع وبذل الجهد للوصول إلى النظمة المناسبة زمانا ومكانا‪ ،‬وفي جميع المجالت القتصادية‬
‫والسياسة والدارية والثقافية والخلقية والجتماعية‪ ،‬وفي حال الختيار والضطرار والسلم والحرب‪ ،‬وتصريف‬
‫الشؤون اليومية بالتدبير والحكمة والتذرع بكافة الوسائل والطرق المادية والفكرية والحسية والمعنوية في ضوء‬
‫نصوص الشريعة وروحها ومقاصدها"‪1‬‬
‫ثانيا‪ :‬معنى السياسة الجنائية الشرعية‬
‫كانت الشريعة كما وصفها بحق ابن القيم الجوزية مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش‬
‫والمعاد‪ ،‬وهي عدل ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها ‪ 2 .‬والسياسة الشرعية من ثم ل تخرج عن تحقيق‬
‫هدفين أساسيين أولهما ‪ :‬جلب المصالح أو بناء الكليات الخمس بإيجادها وإقامتها وتنميتها‪ ،‬وثانيهما ‪ :‬دفع‬
‫المفاسد أو حماية البناء المقام للكليات الخمس بمنع زوالها والخلل بها والعتداء عليها‪.‬‬
‫والسياسة الجنائية باعتبارها جزءا من السياسة الشرعية‪ ،‬فإنها تعمل على ترسيخ هذين الهدفين في جانبهما‬
‫الجنائي‪ ،‬وذلك بدفع المفاسد الناتجة عن الجريمة أو المتوقع حصولها منها علوة على توفير المن للمة وصيانة‬
‫الحقوق والممتلكات‪ ،‬والعمل على تحقيق ذلك بكافة الطرق والوسائل كاستصدار النظمة المناسبة واتخاذ‬
‫الجراءات الملئمة سواء أكانت مادية أم فكرية حسية أم معنوية‪ ،‬دون الخروج عن أسس الشريعة وقيمها‬
‫ومقاصدها وأهدافها‪ ،‬وهكذا تدخل ضمنها سياسة التجريم وتغليظ العقوبات أو تخفيفها والتعازير بصفة عامة‪،‬‬
‫لكنها ل تكون مرادفة للتعزيز على اعتبار أن السياسة الجنائية تشمل‬
‫اتخاذ الجراءات الوقائية والمنعية والتدابير الحترازية وغيرها من الوسائل‬

‫____________________‬
‫‪ -1‬د‪ .‬محمد بن المدني بوساق ‪ :‬اتجاهات السياسة الجنائية المعاصرة و الشريعة السلمية ‪ ،‬ص ‪ ، 15‬الرياض‬
‫أكاديمية نايف للعلوم المنية ‪. 2002‬‬
‫‪ -2‬ابن القيم الجوزية ‪ :‬أعلم الموقعين عن رب العالمين ‪ ،‬ص ‪ ، 3‬المجلد الثالث دار الفكر بيروت الطبعة الثانية‬
‫‪. 1977‬‬

‫التي تمنع العتداء والخلل بالمن وانتهاك الحرمات ونهب الموال وسفك الدماء وغيره سواء اتصل ذلك‬
‫بالجماعة أو بالفراد‪.‬‬
‫على ضوء ما تقدم‪ ،‬فإن التعريف المختار للسياسة الجنائية في الشريعة السلمية هو ‪" :‬العمل على درء‬
‫المفاسد الواقعة أو المتوقعة عن الفرد والمجتمع بإقامة أحكام الحدود ‪iii‬والقصاص وغيرها‪ ،‬والتذرع لتحقيق المن‬
‫بكافة الوسائل والطرق الممكنة فكرية كانت أم مادية حسية أو معنوية في ضوء مبادئ الشريعة السلمية‬
‫ومقاصدها وروحها" ‪2 .1‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مفهوم سياسة التجريم‬
‫نتعرض في هذا المطلب إلى إبراز مفهوم سياسة التجريم في كل من القانون الوضعي )فقرة الولى(‬
‫والقانون الجنائي السلمي )الفقرة الثانية(‬
‫الفقرة الولى ‪ :‬مفهوم سياسة التجريم في القانون الوضعي‬
‫تتضمن سياسة التجريم بيان القيم والمصالح الجديرة بالحماية العقابية ومنع إلحاق الضرر بها بإهدارها‬
‫وتدميرها كليا أو جزئيا والتهديد بانتهاكها لن الضرار الجنائية ما هي إل نشاط مخل بالحياة الجتماعية والذي‬
‫يلحق المصالح المحمية يحصيها المشرع ويبينها في نصوص تلحقها بالفعال المتضمنة بالتجريم كما تشمل‬
‫سياسة التجريم بيان العقوبات والتدابير المناسبة لكل جريمة حسب نتائج العلم الحديث وكل ذلك ضمن نصوص‬
‫القانون الجنائي الذي يحدد النتائج الضارة التي تستوجب التجريم ومقابلتها بالجزاء الملئم تحقيقا وتأكيدا للمبدأ‬
‫المشهور " ل جريمة ول عقوبة إل بنص " وعليه فل يعد‬
‫كل ضرر اجتماعي ضررا جنائيا لن الضرار الجنائية محصورة والجتماعية كثيرة وغير محصورة ‪.3‬‬

‫_______________________‬
‫‪ -1‬د‪ .‬محمد بن المدني بوساق ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 16‬‬
‫‪ -2‬وقفنا على تعارف أخرى للسياسة الجنائية الشرعية منها تعريف الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي ‪" :‬‬
‫السياسة الجنائية في الشريعة السلمية هي عبارة عن نظرية عامة ‪ ،‬شاملة تحكم نظام الحياة في المجتمع ‪ ،‬و‬
‫تعبر عن مصالحه الرئيسية و تنبني على مجموع المبادئ التي يقوم على دعائمها هدا المجتمع ‪ ،‬منظمة قواعد‬
‫المسؤولية و الجزاء فيه على أن يتولى هدا المجتمع حاكم صالح تكون وظيفته الخذ بهده المبادئ و الحفاظ على‬
‫أسسها "‪.‬‬
‫‪ -3‬د‪ .‬محمد بن المدني بوساق ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 50‬‬
‫وتتعدد المصالح الجديرة بالحماية الجنائية وفقا لظروف واحتياجات كل مجتمع وتتأثر بتقاليده ونظمه القتصادية‬
‫والجتماعية والسياسية‪ ،‬وعليه يعتبر التجريم هو أقصى مراتب الحماية التي يضفيها التشريع على نوع معين من‬
‫المصالح التي تهم المجتمع‪.‬‬
‫ولما كانت المجتمعات بنظمها السياسية والقتصادية والجتماعية تتفاوت فيما بينها في تحديد هذه المصالح‬
‫فإنه ولبد تبعا لذلك من اختلف سياسة التجريم فيمابينها ‪.1‬‬
‫وإذا كانت القيم والمصالح ذات الهمية القصوى في المجتمع تحظى بحضر انتهاكها والتهديد به تحت طائلة‬
‫العقاب فإن القيم والمصالح القل أهمية ل تعرى من الحماية بإطلق‪ ،‬وإنما تترك في العادة للقانون المدني أو‬
‫القانون الداري أو للمربين أو للوعاظ والجمعيات الخاصة والنقابات للمحافظة عليها‪.‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬مفهوم سياسة التجريم في التشريع الجنائي السلمي‬
‫يقوم مفهوم التجريم في الشريعة السلمية على إضفاء الحماية الجنائية على مجموعة من المصالح والقيم‬
‫والمبادئ التي تعمل الشريعة السمحة على حفظها باعتبار أهميتها في حفظ كيان المجتمع‪ ،‬فالشريعة السلمية‬
‫تعتبر الخلق الفاضلة أولى الدعائم التي يقوم عليها المجتمع‪ ،‬ولهذا فهي تحرص على حماية هذه الخلق وتتشدد‬
‫في هذه الحماية بحيث تكاد تعاقب على كل الفعال التي تمس الخلق‪ 2،‬والعلة في اهتمام الشريعة بالخلق‬
‫على هذا الوجه‪ ،‬أن الشريعة السلمية تقوم على الدين الذي يأمر بمحاسن الخلق ويحث على الفضائل ويهدف‬
‫إلى تكوين الجماعة الصالحة ‪.‬‬
‫فالنظام الجنائي السلمي جزء من الشريعة السلمية التي تقوم على أساس الدين‪ ،‬والدين بما له من‬
‫قدسية وحرمة يكفل للنظام الجنائي السلمي قوة‬

‫_____________‬
‫‪ -1‬د‪ .‬أحمد فتحي سرور ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ 18‬و ‪. 19‬‬
‫‪ -2‬عبد القادر عودة ‪ :‬التشريع الجنائي السلمي مقارنا بالقوانين الوضعية ‪ ،‬ص ‪ 69‬الجزء الول مؤسسة‬
‫الرسالة بيروت الطبعة العاشرة ‪.‬‬

‫وفاعلية لرتباطه بعقيدة المسلم ووجدانه الديني‪،‬حيث ل يخفى أن تكوين الفرد الصالح الذي يكون في مجموع‬
‫تصرفاته نزاعا إلى الخير عزوفا عن الشر من أهم مقاصد السلم‪ ،‬وهو ما جعل المشرع السلمي في تجريمه‬
‫للعديد من التصرفات والفعال يهتم بالجانب الديني والعقائدي ‪.‬‬
‫إلى جانب ذلك ‪ ،‬إن النظام التجريمي في الشريعة السلمية ينحو في تجريمه لبعض السلوكات والفعال‬
‫إلى حماية مصالح الفراد في مختلف تجلياتها القتصادية والجتماعية‪ ،‬فالمقاصد الرئيسية للشريعة السلمية‬
‫تشتمل على مصالح العباد‪ ،‬فما من أمر شرعه السلم بالكتاب أو السنة إل كانت فيه مصلحة حقيقية‪.‬‬

‫وحاصل القول أن الفقهاء الشريعة قد جمعوا مختلف هذه المصالح التي عمل المشرع السلمي على حفظها‬
‫وحمايتها في أصول خمسة يأتي في مقدمتها حفظ الدين باعتباره المقوم الساسي لكيان المجتمع السلمي‪،‬‬
‫لذلك نجده جرم بعض السلوكات التي تطال هذا المقوم منها جريمة الردة وتشدد في العقاب عليها‪.‬ثم نجد حفظ‬
‫النفس‪ ،‬وهكذا جرم كل فعل اعتداء عليها ويأتي حفظ العقل في المرتبة الثالثة )تجريم الخمر والمخدرات‬
‫والمسكرات…( ويحتل حفظ المال المرتبة الرابعة يليه حفظ النسل )تجريم القذف للمحصنات…(‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬الساس النظري لسياسة التجريم في القانون‬


‫الجنائي المغربي والشريعة السلمية‬

‫تنبني سياسة التجريم على مجموعة من المبادئ والسس النظرية والفلسفية التي تضع النموذج العام الذي‬
‫تعتمده التشريعات الجنائية في تجريم أفعال وسلوكات الفراد والجماعات‪ .‬وقد عرفت هذه الفكار والنظريات‬
‫تطورات متلحقة منذ ظهور القانون الجنائي مع المجتمعات القديمة التي كانت وراء انبعاث فكر جنائي جديد‬
‫تمثل في بروز‬
‫مجموعة من المدارس الفقهية )المطلب الول( ‪ .‬وبالمقابل فإن فلسفة التجريم في الشريعة السلمية ارتبطت‬
‫أساسا بتحديد المسؤولية الجنائية للفراد‪ ،‬وهو ما أعطاها صبغة متميزة عن غيرها من التشريعات الجنائية‬
‫الوضعية )المطلب الثاني(‬
‫المطلب الول ‪ :‬مراحل تطور سياسة التجريم في القوانين الوضعية‬
‫تتأثر قواعد التجريم بوصفها قواعد اجتماعية‪ ،‬بالمتغيرات الجتماعية التي تعكس ما ينشأ في المجتمع من‬
‫تحول في القيم الخلقية والسياسية والثقافية… ‪ ،‬وإذا ما استعرضنا التاريخ العام لسياسة التجريم نجده مر‬
‫بمراحل رئيسية ثلث ‪ :‬مرحلة السرة والعشيرة قبل تكون الجماعة السياسية‪ ،‬ثم مرحلة قيام الدولة الحديثة‪،‬‬
‫وأخيرا مرحلة البحث العلمي والدراسة الفلسفية ‪.‬‬
‫الفقرة الولى ‪ :‬التجريم في المجتمعات القديمة‬
‫‪-1‬مجتمع اللتقاط‬
‫ارتبط مفهوم التجريم في هذه المرحلة بالحاجة إلى الطعام‪ ،‬فظهرت جرائم العتداء على الشخاص‪ ،‬أما‬
‫جرائم الموال والجرائم الخرى فلم تكن موجودة لكون الملكية سواء الخاصة أو الجماعية لم يعطى لها أي‬
‫أهمية‪.‬وفي غياب قانون مكتوب اعتمدت المجتمعات البدائية على وسائل غيبية لحل مشاكلها‪ ،‬ومع مرور الوقت‬
‫تركزت لدى النسان في تلك الفترة جملة من القواعد التي كان عليه احترامها‪ ،‬وإل تعرض لجزاء من طرف قوى‬
‫غيبية‪ ،‬فالمخالف لهذه القواعد كان يذهب به الوهم إلى أن الجزاء الخفي قريب الحلول به فينتابه الخوف الشديد‬
‫الذي يؤدي إلى مرضه وموته‪ ،‬وقد سمي هذا النوع من التجريم " بالتابو"‪.‬‬

‫‪-2‬مجتمع الصيد‬
‫في هذه المرحلة بدأ النسان ينظم نفسه في عشائر تحترف الصيد والعمل بالرض‪ ،‬فتولدت الحاجة إلى‬
‫حماية رجالها من العتداء عليهم‪ ،‬وإلى حماية أرضها من الغتصاب ‪ 1‬وذلك في صورة رد فعل جماعي تمثل في‬
‫النتقام في مرحلة أولى ليتطور بع ذلك إلى جرائم القصاص ‪.‬‬
‫ولما تطور مجتمع الصيد إلى الرعي بدأت أهمية العامل القتصادي الناتج عن تملك المواشي والبقار‪ ،‬وحينها‬
‫ظهرت أهمية جرائم الموال‪ ،‬فتزايدت الحاجة إلى تجريم كل اعتداء عليها‪.‬‬
‫‪-3‬مجتمع الزراعة‬
‫في هذه الفترة نشأت الملكية الخاصة‪ ،‬وظهر مفهوم السرة التي أضحت تملك قطعة أرضية تستغلها لشباع‬
‫حاجاتها‪ 2 ،‬وهكذا فقد أدى ظهور الملكية‬
‫إلى انقسام المجتمع لطبقات اجتماعية‪ ،‬الشيء الذي أدى إلى ارتفاع جرائم العتداء على الموال‪ ،‬وفي المراحل‬
‫الولى لمجتمع الزراعة كانت سلطة التجريم والعقاب كلها بيد الب‪ ،‬فهو السيد والقاضي يأمر وينهى ويعاقب من‬
‫يخالفه ‪.‬‬
‫‪-4‬الدولة الدينية ‪3‬‬
‫لما ظهر نظام الدولة الدينية ظهرت أهمية رجال الدين في مجال التجريم‪ ،‬مما نتج عنه تعاظم الهمية‬
‫الجنائية لجرائم انتهاك الديان وعلى وجه الخصوص جرائم اللحاد والسحر وانتهاك المقدسات والتي أضحت‬
‫أشنع الجرائم وأبشعها ‪.4‬‬
‫وفي عصر ملوك الحق اللهي تضخمت جرائم العتداء على الملك حفاظا على شخصه وملكه وسلطته‪ ،‬هذا‬
‫إلى جانب ما نالته جرائم العتداء على‬
‫الشخاص والموال من أهمية خاصة ‪.‬‬
‫_____________‬
‫‪ -1‬د‪ .‬المهدي السرسار ‪ :‬الثوابت و المتغيرات الساسية في تطور المؤسسات و الوقائع الجتماعية ‪ ،‬ص ‪، 15‬‬
‫مطبعة سبارطيل ‪.2001/2002‬‬
‫‪ -2‬د‪ .‬المهدي السرسار ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ 20‬و ما بعدها ‪.‬‬
‫‪ -3‬لن نتعرض في هده المرحلة من الدولة الدينية للرسالت السماوية الثلت ‪ ،‬و على وجه التعيين الشريعة‬
‫السلمية ‪ ،‬على أننا سنقف على دلك في مواضع أخرى من هدا البحث و خاصة في فصله الثاني ‪.‬‬
‫‪ -4‬أحمد الخمليشي ‪ :‬شرح القانون الجنائي العام ‪ ،‬ص ‪ 18‬و ما بعدها ‪ ،‬مكتبة المعارف الطبعة الولى ‪. 1985‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬التجريم في المجتمعات الحديثة‬


‫كان التجريم في المجتمعات القديمة وخاصة مع الدولة الدينية يتميز بالعشوائية وتحكم الهواء في تجريم‬
‫أفعال وتصرفات الفراد‪ ،‬إضافة إلى غياب تقنين واضح وما كان يترتب عن ذلك من جهل المخاطبين بمقتضيات‬
‫النص الجنائي المسلط عليهم ‪.‬‬
‫لكن بعد التطورات الفكرية والعلمية والقتصادية …التي عرفتها أوربا‪ ،‬انقلبت هذه الوضعية رأسا على عقب‪،‬‬
‫وانعكس ذلك على التشريعات الحديثة التي أصبح تحرير مشاريعها من اختصاص " اللجان الفنية " وبذلك ملك‬
‫الفقه كما يقول الستاذ أحمد الخمليشي التوجيه العام لسياسة التجريم والعقاب‪ 1 ،‬وكان من أثر ذلك أن‬
‫استولت الدولة بصفة نهائية على سلطتي التجريم والعقاب‬
‫وتقرر المبدأ الساسي الشهير ل جريمة و ل عقوبة إل بنص سابق على يد المدرسة التقليدية الولى ‪.‬‬
‫الفقرة الثالثة ‪ :‬أهم المدارس الفقهية المنظرة لسياسة التجريم‬
‫استحوذت دراسة السياسة الجنائية بصفة عامة وسياسة التجريم بصفة خاصة‪ ،‬منذ منتصف القرن ‪18‬م‬
‫باهتمام المفكرين وفقهاء القانون الوضعي‪ ،‬فيما عرف بمرحلة الدراسات الفلسفية أو مرحلة الدراسات العقلية‬
‫والعلمية للقانون الجنائي الحديث‪ ،‬وقد شكلت هذه المرحلة بحق قفزة نوعية في الفكر الجنائي الحديث‪ ،‬وثورة‬
‫بيضاء في مواجهة النظم التجريمية التقليدية وتفسير الظاهرة الجرامية‪ ،‬وهو ما تم تكريسه على صعيد مختلف‬
‫المدارس الفقهية بدءا بالمدرسة التقليدية الولى ومرورا بالمدرسة التقليدية الحديثة‪ ،‬فالمدرسة الوضعية وانتهاء‬
‫بمدرسة الدفاع الجتماعي ‪.‬‬

‫___________________‬
‫‪ -1‬أحمد الخمليشي ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 23‬‬

‫‪1‬‬
‫أول ‪ :‬المدرسة التقليدية الولى‬

‫‪ -11‬أحمد الخمليشي ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 25‬‬


‫‪ -2‬على أن فقهاء الشريعة السلمية ‪ ،‬يؤكدون سبق هده الخيرة في إقرار هدا المبدأ محتجين بدلك‬
‫بنصوص من الكتاب و السنة و بعض القواعد الفقهية ‪ .‬عبد الخلق أحمدون ‪ :‬فصول في المدخل لدراسة‬
‫الشريعة السلمية ص ‪ 82‬و ‪. 83‬‬
‫يطلق عليها كذلك المدرسة الكلسيكية‪ ،‬من أهم روادها نذكر اليطالي بيكاريا ‪beccaria‬‬
‫)‪ (1794-1738‬والنجليزي بنتام ‪ (bentham (1832-1779‬واللماني فويرباخ ‪ .(fuerbaach (1833-1775‬وقد‬
‫قامت هذه المدرسة على انتقاد النظم الجنائية القائمة آنذاك على استبداد الحكام وتعسف القضاة خصوصا في‬
‫الجرائم الدينية والسياسة‪ ،‬نظرا لقلة النصوص الجنائية من جهة وجهل العامة المخاطبين بها بالموجود منها من‬
‫جهة أخرى ‪.‬‬
‫وقد شكلت هذه المرتكزات البناء الفكري والنظري عند أقطاب المدرسة التقليدية في ميدان تجريم أفعال‬
‫وتصرفات الفراد وحق الدولة ودورها في هذا الباب ‪ .‬وتتلخص فلسفة المدرسة التقليدية في مجال التجريم‬
‫بتأكيدها على أن إضفاء الصفة الجرمية على أفعال وتصرفات النسان يمثل مساسا خطيرا بالحريات والحقوق‬
‫الطبيعية والمكتسبة التي يتمتع بها الفراد ‪.‬وتفاديا لي تعسف أو تحكم فإنه يتوجب على المشرع أن يبين في‬
‫نصوص تشريعية مكتوبة الفعال التي يجرمها‪،‬ليتبصرها الشخاص ويكونوا على بينة منها حتى إذا ما اقترفوها‬
‫صاروا مذنبين يحق عليهم العقاب‪ ،‬وبذلك أرست المدرسة التقليدية على يد مؤسسيها بيكاريا مبدأ الشرعية‬
‫الجنائية القاضي " ل جريمة ول عقوبة إل بنص سابق " ‪ 2-1‬في حين‪ ،‬يرى بنتام بأن معيار التجريم الذي يجب أن‬
‫يتقيد به كل مشرع عند وضعه لسياسة التجريم‪ ،‬هو تحقيق ما يعرف " بالمصلحة أو المنفعة العامة "‪ ،‬فالدولة‬
‫وقد آل إليها حق التجريم بمقتضى العقد الجتماعي الذي أقر لها بموجبه الفراد بهذا الحق‪ ،‬يجب عليها أن تتمثل‬
‫مصلحة المجتمع والتي تشكل أساس هذا الحق وأل تتجاوزها عند وضع النصوص والقواعد الجنائية‪ ،‬بحيث يكون‬
‫مناط التجريم هو الضرر الذي يحدثه الفعل بالمجتمع ول يجوز بالتالي أن يتناول التجريم مجرد النوايا أو‬
‫المعتقدات ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬المدرسة التقليدية الجديدة‬
‫تزخر هذه المدرسة بأسماء لمعة من العلماء أمثال ‪:‬روسي ‪ ، rossi‬وكارسون ‪ ،garçon‬وكارو ‪،garraud‬‬
‫وكوزو ‪ ،gozot‬وكرارا ‪. garrara‬‬
‫وقد ارتكزت المدرسة النيوكلسيكية على نظرية العدالة للفيلسوف اللماني كانت ‪ ، kant‬واتخذتها أساسا‬
‫لفكارها ونظرياتها في التجريم والعقاب‪ ،‬وتقوم فلسفة التجريم عند هذه المدرسة على ضوء نظرية مفكرها‬
‫"كانت" على منظومة من المبادئ ولسس النظرية نجملها فيما يلي ‪:‬‬
‫أ‪ -‬فيما يتعلق بحق الدولة في التجريم ‪:‬‬
‫فإننا نجد "كانت" يرفض بشدة تبرير سلطة الدولة في التجريم بناء على نظرية العقد الجتماعي ‪ 1‬التي‬
‫أخذت بها المدرسة التقليدية الولى والتي ذهبت إلى القول بأن الفراد قد تنازلوا للدولة عن هذا الحق )حق‬
‫التجريم( مقابل شراء أمنهم وطمأنينتهم‪ ،‬واقتصر "كانت" على التأكيد بأن الحياة داخل المجتمع وفقا لنظام من‬
‫القوانين العامة يخضع له الجميع هي التي تكفل حماية حقوق ومصالح الفراد ‪.‬‬
‫ب‪-‬فيما يتعلق بمعيار التجريم ‪:‬‬
‫فمن الواضح بأن تأثير نظرية العدالة المطلقة التي قال بها "كانت" أدى إلى تغيير معيار التجريم‪ ،‬فبعد أن‬
‫كان قاصرا على تحقيق المصلحة الجتماعية في المدرسة الكلسيكية امتد أيضا ليشمل فكرة العدالة‪ ،‬وقد عبر‬
‫"كانت" عن ذلك بمبدئه الشهير القاضي بأن التجريم يجب أن يكون ل أكثر مما هو عادل ول أكثرا مما هو نافع ‪،‬‬
‫‪ 2‬وهو ما يترتب عنه أن المشرع بامتلكه للسلطة التجريمية يجب عليه أل يتجاوز عند تجريمه لفعال وتصرفات‬
‫الشخاص ما‬

‫________________‬
‫‪ -1‬أحمد فتحي سرور مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 47‬‬
‫‪ -2‬د‪ .‬عبد السلم بنحدو ‪ :‬مرجع سابق ص ‪. 66‬‬
‫تقتضيه المصلحة سواء العامة أو الخاصة‪ ،‬بحيث يكون ملزما دائما بالعمل على التوفيق بين المصالح الفردية من‬
‫جهة والمصالح الجماعية من جهة ثانية‪ ،‬كما‬
‫أنه يتوجب على المشرع الجنائي أيضا أل يتجاوز ما تقتضيه العدالة‪ ،‬وهو الشرط الجوهري الذي يضمن للفراد‬
‫حمايتهم من أي شطط أو تعسف من قبل السلطة صاحبة الحق في التجريم‪ ،‬فل يتسنى لها إذ ذاك التلويح‬
‫بعصى التجريم في وجوه الفراد كلما شاءت ذلك ‪ .‬وهكذا فإنه من الواضح بأن سياسة التجريم عند المدرسة‬
‫التقليدية الحديثة تنبني على معيارين أساسين لبد من تحقيقهما عند ممارسة الدولة لحقها في التجريم هما ‪:‬‬
‫معيار المصلحة من جهة‪ ،‬معيار العدالة من جهة ثانية ‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬المدرسة الوضعية أو الواقعية‬
‫نشأت هذه المدرسة على يد ثلث فقهاء إيطاليين هم لومبروزر ‪ (lombroso (1836-1909‬وكان أستاذا‬
‫للطب الشرعي وهو صاحب كتاب " النسان المجرم " وفيري ‪ (ferri (1856-1929‬وكان أستاذا للقانون الجنائي‬
‫وهو صاحب كتاب " الفاق الجديدة للعدالة الجنائية " الذي نشر فيما بعد تحت عنوان " السوسيولوجية الجنائية "‬
‫وأخيرا كاروفالو ‪ carrofalo‬الذي كان قاضيا ونشر كتابه في علم الجرام سنة ‪.1885‬‬
‫وقد استندت المدرسة الوضعية على المنهج العلمي في تنظيرها للسياسة الجنائية الوضعية‪ ،‬ففسرت الجريمة‬
‫على ضوءه‪ ،‬واستعانت به في تحديد رد الفعل ضد الجريمة والتدابير المانعة لها‪ ،‬ومن خلل هذا التفسير العلمي‬
‫للظاهرة الجرامية نشأ لول مرة علم الجرام‪ ،‬وكانت نتائج هذا العلم هي المصدر الذي تحددت على أساسه‬
‫السياسة الجنائية ‪ .‬وهكذا فإن سياسة التجريم باعتبارها عنصرا من عناصر السياسة الجنائية‪ -‬تنبني عند المدرسة‬
‫الوضعية على إعطاء الولوية لحماية المجتمع والمصالح المرتبطة به وجعلها فوق جميع العتبارات والمصالح‬
‫الخرى‪ ،‬ولتحقيق ذلك فإنه يجب على المشرع التوسع في تجريم الفعال التي تهدد بالخطر مصلحة المجتمع‬
‫دون انتظار وقوع الضرر‪.‬‬

‫فالمشرع عليه أن يكون بالتالي نشيطا وفعال في تجريم أفعال وتصرفات الفراد التي تمس كيان ومصالح‬
‫الجماعة ول يكتفي بانتظار وقوع الخطر وتحقق الضرر ليقوم بهذه المهام‪.‬‬
‫ولعل أهم ما جاءت به المدرسة الوضعية‪ ،‬فيما يتعلق بالسياسة التجريمية وهو تقسيم الفقيه كاروفالو‬
‫للجرائم "جرائم طبيعية" و"جرائم مصطنعة" ‪.1‬‬
‫فالجريمة الطبيعية هي كل سلوك غير أخلقي يكون منافيا لمشاعر العدل والخير والستقامة في المجتمع‪،‬‬
‫كالقتل والسرقة وهتك العراض‪ ،‬وهذا النوع من الجرائم يتميز بتوافق جميع المجتمعات على تجريمه منذ أولى‬
‫التشريعات التي عرفها النسان ‪.2‬‬
‫أما الجريمة المصطنعة أو العتبارية ‪ :‬فهي التي تكون من صنع ووضع المشرع وتختلف من مجتمع إلى آخر‬
‫حسب الظروف الحضارية والتاريخية لكل بلد‪ ،‬ويتيح هذا النوع من الجرائم للمشرع بسط سلطته التجريمية على‬
‫كل فعل قد يرى في حدوثه مساسا بالمصالح العامة أو الخاصة التي يتولى حمايتها بالنصوص والقواعد الجنائية‪،‬‬
‫وعليه فإنه يتوجب على المشرع –كما سبق –أن يكون نشيطا وفعال وأل يتردد في إضفاء الصفة الجرمية على‬
‫مثل هذه الفعال الضارة والخطيرة حماية لمصالح المجتمع والفراد‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬مدرسة الدفاع الجتماعي‬
‫ظهرت مدرسة الدفاع الجتماعي كآخر مرحلة في تطور الفكر الجنائي الحديث‪ ،‬وهي تعتبر بحق الثورة الثالثة‬
‫في مسيرة هذا الخير‪ .‬وتضم هذه المدرسة اتجاهان رئيسيان ‪ :‬الول وتمثله مدرسة جنوا للدفاع الجتماعي‬
‫التي‬

‫‪ -1‬د ‪ .‬عبد السلم بنحدو ‪ :‬مبادئ علم الجرام ص ‪ 101‬المطبعة و الوراقة الوطنية ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪. 1999‬‬
‫‪ -2‬من هده التشريعات مثل نجد القوانين الفرعونية القديمو ‪ ،‬قانون حامورابي ‪ ،‬قانون اللواح الثنى عشر‬

‫تطرفت في مبادئها فانحسرت‪ ،‬أما التجاه الثاني فجسدته مدرسة باريس للدفاع‬
‫الجتماعي التي دافعت عن القانون الجنائي‪ ،‬وأعادت للشرعية الجنائية مكانتها القانونية المعاصرة ‪.‬‬
‫‪-1‬مدرسة جنوا للدفاع الجتماعي‬
‫أسس هذه المدرسة المحامي اليطالي الشهير كراماتيكا ‪gramatica‬في الربعينيات‪ ،‬وقدم نظرياتها في‬
‫كتابه " مبادئ الدفاع الجتماعي" وقد عرض كراماتيكا تصورا جديدا للجريمة‪ ،‬حيث اعتبرها عبارة عن حالة‬
‫نفسية وشخصية لدى بعض الشخاص نتيجة لما سماه بالضطراب أو الخلل الجتماعي‪ ،‬المتولد عن عدم قدرة‬
‫المجتمع على توفير الظروف والوسائل التي تجعل سلوك الفراد متلئما مع التعايش الجتماعي والطبيعي‪،‬‬
‫فالمجرم إذن ل يعدو أن يكون إ‪iv‬نسانا ل اجتماعيا‪ ،‬ولذلك يدعو كراماتيكا إلى جعل المجتمع وليس الجريمة أو‬
‫المجرم محور النظام القانوني‪ ،‬ويمكن تجميع أفكار كراماتيكا فيما يتعلق بالسياسة التجريمية للدول فيما يلي ‪:‬‬

‫نادى كراماتيكا بإبدال قانون العقوبات ‪ 1‬المرتكز على معايير موضوعية أساسها ‪ :‬الفعل‪ ،‬الجريمة‪ ،‬المجرم‪،‬‬
‫الضرر…بطريقة جديدة لمكافحة الجريمة تكون أكثر واقعية وبعيدة عن النظريات التشريعية التي لم تستطع‬
‫تفادي الجرام ‪.‬‬
‫نفي الصفة الجرمية عن الفعل الذي يخرق به النسان النظام الجتماعي‪ ،‬ويعتبره عمل اجتماعيا يوجب معاملة‬
‫تختلف عن أحكام القانون الجنائي المعروفة ‪.‬‬

‫__________________‬
‫‪ -1‬د‪ .‬حسن صادق المرصفاوي ‪ :‬الدفاع الجتماعي ضد الجريمة و وضعه في المجتمع العربي ‪ ،‬ص ‪45‬‬
‫المجلة العربية للدفاع الجتماعي العدد ‪ 18 :‬مطبعة النجاح الجديدة ‪. 1981‬‬

‫يقترح كراماتيكا تصحيح مساوئ القانون الجنائي بمقوماته وأدواته الحالية وذلك بربطها بمفهوم " الدفاع‬
‫الجتماعي " ويرى ضرورة استبدال مصطلحات مثل قانون جنائي‪ ،‬جريمة‪ ،‬مجرم‪ ،‬بأدوات ومصطلحات مماثلة‬
‫هي ‪ :‬قانون الدفاع الجتماعي‪ ،‬الفعل الجتماعي‪ ،‬الفرد الجتماعي ‪.‬‬
‫من هذه النظرة المتطرفة لكرماتيكا ومحاولته القضاء على القانون الجنائي‪ ،‬وكل أدواته المعروفة من مدرسته‪،‬‬
‫لم يكتب لفكاره التطبيق ول الذيوع بل كانت سببا لظهور التيار الجتماعي الحديث ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪-2‬مدرسة باريس للدفاع الجتماعي‬
‫إذا كان كراماتيكا قد أخرج بتطرفه ودعوته النسانية المبالغ فيها الظاهرة الجرامية من مجال القانون‬
‫الجنائي‪ ،‬بل نادى بإقصاء هذا الخير والستعاضة عنه بجملة من مبادئ الدفاع الجتماعي‪ ،‬فإن مارك آنسل‬
‫استفاد من هذه النتقادات الموجهة لكراماتيكا في بناء نظرية جديدة للدفاع الجتماعي ‪ 1‬بعيدا عن الغلو‬
‫والتطرف الذين ميزا نظرية كراماتيكا ‪ .‬و تنبني السياسة التجريمية عند مارك آنسل في ظل نظريته الجديدة‬
‫للدفاع الجتماعي على مجموعة من السس والمبادئ‪ ،‬نوردها مختصرة في هذه النقط‪:‬‬

‫سياسة التجريم باعتبارها عنصرا من عناصر السياسة الجنائية‪ ،‬يجب أن تنشد في المقام الول حماية‬
‫الفرد ومصالحه على اعتبار أن الدفاع عن المجتمع ل يتحقق إل عن طريق خليته الولى وهو الفرد ‪ ،2‬ولكنه لم‬
‫يبالغ في تقديس حقوق الفراد على حساب مصلحة المجتمع كما فعل كراماتيكا‪ ،‬الذي اعتبر بأن الفرد هو أصل‬
‫المجتمع وغايته‪ ،‬وأن الدولة ل تملك تقييد حريته من أجل السعي لتحقيق أهداف بعيدة عن غايات النسان ككائن‬
‫اجتماعي ‪.‬‬

‫________________________‬
‫‪ -1‬مارك أنسل ‪ :‬الدفاع الجتماعي الجديد ‪ ،‬ص ‪ ، 12‬ترجمة حسن علم طبعة ‪. 1967‬‬
‫‪ -2‬أحمد فتحي سرور ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 88‬‬
‫على نقيض كراماتيكا‪ ،‬أكد مارك آنسل على أهمية وجود تشريعات جنائية لمواجهة الجرائم داخل المجتمعات‬
‫البشرية‪ 1 ،‬ولضمان حقوق الفراد من أي تعسف من قبل هذه التشريعات دعا مارك آنسل إلى احترام القوانين‬
‫الجنائية التي تضعها الدول لمبدأ الشرعية الجنائية‪ ،‬والعمل ما أمكن على التقليص من النصوص والحكام‬
‫التجريمية مع توفير الضمانات اللزمة لحماية حقوق ومصالح الفراد ‪ .‬وبذلك أعاد مارك آنسل للقانون الجنائي‬
‫قيمته النظرية والعملية في مواجهة الظاهرة الجرامية ‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬فلسفة التجريم في الشريعة السلمية‬
‫إن هدف المشرع من التجريم هو تبيين الفعل الشرير الذي على الفرد اجتنابه ‪.‬لكن بالضطلع على‬
‫المذاهب الفقهية السلمية التي تعرضت لموضوع المسؤولية الجنائية للجاني‪ ،‬نجد أن هناك اتجاه ينفي أي جدوى‬
‫للتجريم لنه يعتبر الجاني مجبر فيما يقوم به من أفعال وغير مسؤول عنها وهو مذهب الجبرية ‪.‬‬
‫وبالمقابل يرى مذهب المعتزلة أن الجاني مسؤول مسؤولية مطلقة على ما اقترفته يداه‪ ،‬وعليه لبد من وجود‬
‫نصوص شرعية تجريمية تحد من نتائج أفعاله وتصرفاته وتقننها ويتوسط مذهب ثالث وهو مذهب الشاعرة‬
‫المذهبين السابقين ‪.‬‬
‫الفقرة الولى ‪ :‬مذهب الجبرية‬
‫تعتبر الجبرية عند البعض بدعة وتنسب إلى اليهود فهي من قبيل السرائيليات التي دست على السلم‬
‫وقوامها أن النسان ل يخلق أفعاله‪ ،‬وأصل ل إرادة له ول اختيار ذلك لن الله هو خالق الشياء و الرادات‬
‫والفعال فالفعل لله وحده‪ ،‬وإنما تنسب الفعال للفراد على سبيل المجاز ونتيجة لذلك ل يجوز تكليف النسان‬
‫بعمل ل دخل له فيه ول يصح تواب النسان ول‬

‫________________________‬
‫‪ -1‬د‪ .‬حسن الصادق المرسفاوي ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪. 49‬‬

‫عقابه تجاه شيء لم يفعله ‪ .‬ويستند مذهب الجبرية على أساسين ‪:‬‬
‫‪-1-‬سبق علم الله بأفعال الناس وقد كتب عليهم هذه الفعال ول قدرة لهم على تغيرها‪.‬‬
‫‪-2-‬أن الله هو خالق النسان ‪1‬‬
‫وقد تصدى لهم بعض العلماء في الرد على مذهبهم كالحسن البصري‪ ،‬وقد قال عنهم ابن تيمية‪ ،‬هؤلء قوم من‬
‫العلماء والعباد وأهل الكلم والتصوف أثبتوا القدر وأمنوا بأن الله رب كل شيء ومليكه‪ ،‬وأنه ما شاء كان وما لم‬
‫يشاء لم يكن‪ ،‬وإنه خالق كل شيء‪ ،‬وهذا حسن وصواب‪ ،‬ولكنهم قصروا في المر والنهي والوعد والوعيد وأفرطوا‬
‫حتى غل بهم إلى اللحاد فصاروا من جنس المشركين الذين قالوا " لو شاء الله ما أشركنا ول آباءنا ول حرمنا من‬
‫شيء " ‪2.‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬مذهب المعتزلة‬
‫نشأ المعتزلة في العراق واشتهروا بالقول أن الله خالق لكل شيء وقد خلق في النسان قوة تمكنه من‬
‫سلوك الطريق الذي يريده ومن ثم فإن أتى بمعصية فهي مسندة أليه أي إلى إرادته‪ ،‬فالله سبحانه وتعالى ل‬
‫يعاقب النسان على أمور ليست من أفعاله‪ ،‬ول يقبل أن يقدر عليه أمرا ثم يفرض عليه عقوبة لرتكابه‪،‬‬
‫فللنسان إرادة حرة مطلقة في كل ما يفعله ‪ 3‬وبذلك فهو مخير في أفعاله وله أن يختار بين الشر والخير‬
‫والدليل قوله تعالى " أنا هديناه السبيل أما أن يكون شاكرا إما كفورا " وكذاك " وهديناه النجدين " وسبق علم‬
‫الله بأفعال الناس ل يجوز أن يكون مانعا من اليمان‪ ،‬وأن الله غير خالق لفعال الناس وأن العامل الداعي أو‬
‫الموجب لفعل النسان ليس من خلق الله بل من خلق الشيطان والنفس المارة بالسوء ‪. 4‬‬
‫وهكذا فإن توفر النسان على حرية اختيار يفرض توضيح وتحديد الفعال‬

‫________________________‬
‫‪ -1‬مجلة الدفاع الجتماعي ‪ ،‬ص ‪ 59‬العدد ‪ 20-19‬مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء ‪. 1985‬‬
‫‪ -2‬أحمد فتحي بهنسي ‪ :‬موقف الشريعة من الدفاع الجتماعي ص ‪ 23‬دار الشرق بيروت بدون طبعة ‪.‬‬
‫‪-3‬المجلة العربية للدفاع الجتماعي ‪ :‬ص ‪ 52‬العدد ‪ 18‬مطبعة النجاح الجديدة ‪. 1982‬‬
‫‪ -4‬المجلة العربية للدفاع الجتماعي ‪ :‬ص ‪ 60‬العدد ‪. 20-19‬‬
‫الشريرة حتى يعلمها الفرد ويجتنبها ويعاقب إذا ما قام بها‪.‬‬
‫الفقرة الثالثة ‪ :‬مذهب الشاعرة‬
‫عند الجبرية ل قدرة لنسان ول إرادة ول فعل ‪ ،‬وعند المعتزلة للنسان قدرة مطلقة ‪ ،‬وهذا الرأي الخير‬
‫يتعارض مع قوله تعالى " لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إل أن يشاء الله رب العالمين "‪. 1‬‬
‫أما عند الشاعرة له قدرة ولكن ل تأثير لقدرته بجوار قدرة الله‪ ،‬وله أفعال والله خالقها‪ ،‬وله إرادة أيضا‬
‫تستند أفعاله إليها‪ ،‬وبدلك يعد مختار في أفعاله ويكفي في تسمية أفعاله أفعال اختيارية لستناد تلك الفعال إلى‬
‫إرادته واختياره‪ ،‬ولكن هذه الرادة والختيار عند الشاعرة ليست من النسان‪ ،‬بل خاصة بخلق الله ولذا يقال‬
‫عندهم أنه مختار في أفعاله مضطر في اختياره ‪ .‬وبالنظر إلى أن فعله وإرادته لفعله مخلوقان لله تعالى لزم أن‬
‫يكون مضطرا فيهما جميعا ‪.‬إل أن استناد فعله إلى اختيار وعدم استناد اختياره إلى اختيار آخر بسبب وصف‬
‫الفعال بالختيارية وهو المعنى بكون النسان مختار في أفعاله عند الشاعرة‪ ،‬أما أفعاله فمستندة إلى اختياره‬
‫وإن لم يكن هذا الختيار بيده ‪2.‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬خصائص سياسة التجريم في القانون‬
‫الجنائي المغربي والشريعة السلمية‬
‫تتميز سياسة التجريم في التشريع الجنائي المغربي بخصائص عديدة لعل أهمها كونها سياسة وضعية من‬
‫جهة ودينية من جهة ثانية )المطلب الول( ‪ ،‬أما في التشريع الجنائي السلمي فإن سياسة التجريم تنبني على‬
‫) المطلب الثاني(‬ ‫خاصيتين أساسيتين هما ‪ :‬تدرج التجريم واقتصاره على الكليات دون الجزئيات‬

‫ــــــــــ‬
‫‪ -1‬سورة التكوير ‪ :‬الية ‪.28-27‬‬
‫‪ -2‬أحمد فتحي بهنسي ‪ :‬مرجع سابق ص ‪.25‬‬
‫المطلب الول ‪ :‬خصائص التجريم في القانون الجنائي المغربي‬
‫لقد ظلت سياسة التجريم المغربية موزعة مند بداية الستقلل وإلى الن بين اتجاهين‪ ،‬فهي سياسة وضعية‬
‫من جهة وسياسة دينية من أخرى‪.‬‬
‫الفقرة الولى‪ :‬سياسة وضعية‬
‫تتميز سياسة التجريم المغربية بكونها سياسة وضعية وهذا التوجه يبدوا من خلل أنها مقتبسة في جزء منها‬
‫من سياسة التجريم الفرنسية ‪ ،‬كما نجد أن المشرع المغربي تأثر بأفكار المدرسة النيوكلسيكية ‪ 1‬فاشرط لقيام‬
‫المسؤولية الجنائية توافر الهلية الجنائية القائمة على الدراك والختيار ولم يستثني من دلك إل الحالت التي‬
‫حددها القانون‪ ،‬وهي التي تناولها الفصل ‪ (3)134-(2)132‬في القانون الجنائي المغربي‪.‬‬
‫كما أخذ لمشرع بالعذار القانونية وهي إما أن تكون معفية من العقاب وإما أن تكون مخففة ‪.4‬‬
‫إضافة إلى ما سبق فإن المشرع المغربي تأثر بالمدرسة الوضعية فقسم الجرائم إلى جرائم تقليدية وجرائم‬
‫اصطناعية ‪.5‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬سياسة دينية‪.‬‬
‫إن توجه سياسة التجريم المغربية توجه ديني لنها متأصلة من الدين ومستقاة من الفلسفة الجنائية السلمية ‪.‬‬
‫وهكذا نجد أن القانون الجنائي المغربي نص على الجرائم المتعلقة بالفطار في رمضان ‪ 6‬وشرب الخمر ‪7‬‬
‫والعلقات الجنسية غير الشرعية ‪ 8‬بالضافة إلى جرائم أخرى ‪.‬‬
‫ـــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬د‪ .‬سامي النصراوي ‪ :‬النظرية العامة للقانون الجنائي المغربي في الجريمة و المسؤولية الجنائية ‪ ،‬ص‬
‫‪ ، 40‬الجزء الول دار المعارف الطبعة الثانية ‪. 1986‬‬
‫‪ -2‬و يتعلق بالطفل غير المميز ‪.‬‬
‫‪ -3‬يتعلق بالحالت التي يستحيل معها الدراك لخلل في القوى العقلية ‪.‬‬
‫‪ -4‬الفصل ‪ 143‬إلى الفصل ‪ 145‬من القانون الجنائي المغربي ‪.‬‬
‫‪ -5‬د‪ .‬عبد السلم بنحدو ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.101‬‬
‫‪ -6‬الفصل ‪ 222‬من القانون الجنائي المغربي‪.‬‬
‫‪ -7‬المرسوم الملكي رقم ‪ 724 – 66‬في شعبان ‪1387‬ه الموافق ل ‪ 14‬نونبر ‪. 1967‬‬
‫‪ -8‬الفصل ‪ 491‬من القانون الجنائي المغربي ‪.‬‬
‫لكن بالتمعن في النصوص الجنائية التي قامت بتجريم هذه الفعال يتبين أن المشرع قد تعامل مع هذه‬
‫الجرائم معاملة نفاقية مما دفع بالبعض إلى نفي التوجه الديني لسياسة التجريم المغربية ‪1 .‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬خصائص سياسة التجريم في الشريعة السلمية‬
‫إن سياسة التجريم التي ينتهجها المشرع السلمي تتميز بخصائص جوهرية تهدف أساسا إلى التأكيد على‬
‫شموليتها وسموها عن باقي التشريعات الخرى‪ ،‬سواء السماوية منها أم الوضعية‪ ،‬وتتجسد أهم هذه الخصائص‬
‫في تدرج لتشريع الجنائي السلمي من جهة واقتصاره على الكليات دون الجزئيات والعموميات دون‬
‫الخصوصيات من جهة ثانية‪.‬‬
‫الفقرة الولى ‪ :‬تدرج التشريع الجنائي السلمي‬
‫لقد تدرج التشريع الجنائي السلمي في وضعه للحكام التكليفية الجنائية‪ ،‬وذلك تبعا لحاجة الزمان وقدرة‬
‫الناس على استيعاب وتقبل ما فرض عليهم من أوامر ونواهي‪ ،‬ضمن المعلوم أن السلم قد جاء والعرب في‬
‫إباحة مطلقة استحكمت فيهم عادات منها ما هو صالح للبقاء ول ضرر منه‪ ،‬ومنها ما هو فاسد ل يصح السكوت‬
‫عليه أو البقاء على وجوده‪ .‬لذا اقتضت الحكمة اللهية رحمة بالناس أل يفاجئوا بالحكام جملة واحدة‪ ،‬فيعسر‬
‫عليهم تقبلها والمتثال لها ‪ .2‬ولهذا فقد نزل القرآن الكريم منجما وجاءت الحكام الشرعية متدرجة حتى يكون‬
‫السابق منها ممهدا للنفوس لقبول اللحق ‪.‬‬
‫ولعل أهم مثال قد يستشهد به على تدرج التجريم في التشريع الجنائي السلمي هو التدرج في تحريم الخمر‪،‬‬
‫‪ 3‬حيث إن المشرع السلمي قد وقف موقفا حازما من شرب الحمر‪ ،‬لكنه مع ذلك لم يجرمها جملة واحدة‪ ،‬إذ‬
‫لما كان‬

‫ـــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬سنوضح هده المعاملة النفاقية في الفصل الثاني ‪.‬‬
‫‪ -2‬السياسة الجنائية في ظل النظام العقابي السلمي ‪ :‬إعداد مجموعة من طلبة كلية الحقوق بطنجة ‪ ،‬ص‬
‫‪ 5‬السنة الجامعية ‪. 2004-2003‬‬
‫‪ -3‬مناع القطان ‪ :‬تاريخ التشريع السلمي ‪ ،‬ص ‪ 54‬مؤسسة الرسالة الطبعة السابعة و العشرون ‪. 1998‬‬
‫العرب قبل السلم يدمنون شربها ويتغنون بها في أشعارهم ونثرهم لم يكن قط من السهل تجريمها عليهم‬
‫دفعة واحدة ‪ ،‬فلم يكن تحريمها كلية وإنما على مراحل عدة ‪:‬‬
‫المرحلة الولى‪:‬‬ ‫•‬
‫قال تعالى " ومن ثمرات النخيل والعناب تتخذون منه سكرا أو رزقا حسنا‪ ،‬إن في ذلك لية لقوم يعقلون" ‪1‬‬
‫‪ .‬جاءت هذه الية الكريمة للتفرقة بين الرزق الحسن وهو الطعام الحلل والسكر‪ ،‬وذلك ما يؤيده العطف الذي‬
‫من شأنه المغايرة بين المعطوف )السكر( والمعطوف عليه )الرزق الحسن( ‪ 2 ،‬كما تتضمن هذه الية إشارة‬
‫دقيقة وتوجيها إيحائيا لولى اللباب للتفكير في هذه التفرقة ‪ .‬ومن ثم نجد بعض الصحابة رضوان الله عليهم‬
‫وعلى رأسهم عمر بن الخطاب أدركوا حرمة شرب الخمر انطلقا من الية المتقدمة ‪.‬‬
‫المرحلة الثانية‪:‬‬ ‫•‬
‫قال تعالى ‪ " :‬يسألونك عن الخمر والميسر‪ ،‬قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما"‪. 3‬‬
‫أثناء هذه المرحلة لم يكن الخمر محرما‪ ،‬حيث استمر شربها حتى بعد نزول هذه الية‪ ،‬وقال الناس نشربها‬
‫للمنفعة ل للثم‪ ،‬وإثم الخمرة الذي ذكره العلماء هو ما يصدر عن شاربها من المخاصمة و المشاتمة وقول‬
‫الفحش والزور وزوال العقل وتعطيل فروض الله ‪.4‬أما المنافع التي عرفت عن الخمر فهي من قبيل ربح‬
‫التجارة إذ كان العرب يجلبونها من الشام بثمن زهيد ويبيعونها في الحجاز بربح وافر‪ ،‬وقد قيل في منافعها أيضا‬
‫بأنها تهضم الطعام وتقوي الضعيف وتشجع الجبان وتصفي اللون‪ ،‬إل أن الله‬

‫ـــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬سورة النحل ‪ :‬الية ‪. 67‬‬
‫‪ -2‬أحمد فتحي بهنسي ‪ :‬السياسة الجنائية في الشريعة السلمية ‪ ،‬ص ‪ 20‬دار العروبة ‪. 1965‬‬
‫‪-3‬سورة البقرة ‪ :‬الية ‪.217‬‬
‫‪4‬أحمد فتحي بهنسي ‪ :‬مرجع سابق ص ‪.22‬‬

‫عز وجل أكد مباشرة بعد ذلك بأن إثم شرب الخمر هو أكبر من نفعها‪ ،‬فما فيها من الضرار والوزار يفوق ما‬
‫فيها من المنافع‪ ،‬وهكذا فبنزول هذه الية كان المسلمون بين شارب للخمر راغبا في منافعها‪ ،‬وبين ممتنع عن‬
‫شربها لما فيها من آثام ومفاسد ‪.‬‬
‫المرحلة الثالثة ‪:‬‬ ‫•‬
‫قال تعالى " يا أيها الذين أمنوا ل تقربوا الصلة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون" ‪ . 2-1‬ذهب غالبية‬
‫الفقهاء إلى أن هذه الية الكريمة أقرب دللة على تحريم الخمر من الية الواردة في سورة البقرة وأشد منها‬
‫إيعازا لذلك‪ ،‬على اعتبار أنها حرمت شرب الخمر في أغلب أوقات اليوم‪ ،‬لن من يريد الصلة يجب أن يمتنع عن‬
‫شربها مدة كافية لزوال أثرها قبل دخول الصلة‪ .‬وهكذا كان المسلمون يشربونها بعد انتهاء صلة العشاء وقبل‬
‫دخول وقت صلة الفجر‬
‫المرحلة الرابعة ‪:‬‬ ‫•‬
‫قال تعالى " يا أيها الذين ءامنوا إنما الخمر والميسر والنصاب و الزلم رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه‬
‫لعلكم تفلحون‪ ،‬إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله‬
‫وعن الصلة فهل أنتم منتهون"‪ 3.‬نزلت هذه الية لتقطع يقينا ونهائيا بحرمة الخمر على اعتبارها رجسا من عمل‬
‫الشيطان‪ ،‬وبابا من أبوابه التي يتسلل منها إلى قلوب وعقول شاربيها ليوسوس لهم ما يذكي بينهم نار العداوة‬
‫والبغضاء والتشاحن ويأججها‪ ،‬فأراد الشارع الحكيم بتحريمه الصريح للخمر في هذه الية أن يسد‬

‫ـــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬سورة النساء ‪ :‬الية ‪. 43‬‬
‫‪ -2‬نزلت هده الية على ما رواه الترميدي عن على بن أبي طالب قال ‪ :‬صنع لنا عبد الرحمان بن عوف‬
‫طعاما فدعانا و سقانا من الخمر ‪ ،‬فأخذت الخمر منا ‪ ،‬وحضرت الصلت فقدموني فقرأت ‪ :‬قل يا أيها‬
‫الكافرون ل أعبد ما تعبدون ‪ ،‬و نحن نعبد ما تعبدون ‪ ،‬قال فأنزل الله تعالى ‪ " :‬يا أيها الدين آمنوا ل تقربوا‬
‫الصلة و أنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون " ‪ .‬خرجه الترميدي و صححه ‪ /‬أحمد فتحي بهنسي مرجع‬
‫سابق ‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫‪-3‬سورة المائدة ‪ :‬اليتان ‪. 93-92‬‬

‫هذا المنفذ الشيطاني لما يترتب عنه من مفاسد ومضار تلحق البلد والعباد‪1.‬‬
‫وقد توالت بعد هده الية الحاديث النبوية التي أكدت في نفس التجاه على‬
‫تحريم الخمر منها قوله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬ما أسكر كثيره فقليله حرام "‬
‫و ما روي عنه أيضا عليه الصلة والسلم من أنه لعن الخمر ولعن معها عشرا‪ :‬بائعها ومبتاعها والمشتراة له‬
‫وعاصرها والمعصورة له وساقيها وشاربها وحاملها والمحمولة له وآكل ثمنها‪.‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬القتصار على الكليات دون الجزئيات والعموميات دون الخصوصيات‬
‫لقد أنزل الله الكتب وأرسل الرسل مبشرين ومنذرين لئل يكون للناس على الله حجة بعد الرسل‪ ،‬وقد‬
‫اقتضت الحكمة اللهية أن تكون رسالة السلم خاتمة الرسالت السماوية‪ 2.‬يقول الحق عز وجل ‪ " :‬قل يا أيها‬
‫الناس إني رسول الله إليكم جميعا‪ 3 ".‬ويقول أيضا ‪ " :‬وما أرسلناك إل كافة للناس بشيرا ونذيرا " ‪ 4‬ويقول‬
‫أيضا ‪ " :‬ما كان محمدا أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين"‪5 .‬‬
‫لذلك كان لزاما أن يتميز التشريع الجنائي السلمي عامة ومنهجه التجريمي على وجه التعيين بنظام فريد‬
‫وخصائص نوعية‪ ،‬لعل أهمها كون التشريع التجريمي السلمي يقتصر في وضعه للحكام على الكليات دون‬
‫الجزئيات والعموميات دون الخصوصيات ‪.‬‬
‫ومقتضى ذلك‪ ،‬أن الشارع الحكيم عمل عند تعيينه للجرائم والمحظورات الشرعية على القتصار على وضع‬
‫الصول الكلية والقواعد العامة والحكام‬

‫ـــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬تعددت الروايات في أسباب نزول هده الية ندكر منها ما رواه الطبري و الترمدي و غيرهما بأن هده الية‬
‫نزلت في ‪ -‬ملحاة – جرت بين سعد بن أبي وقاص و رجل من النصار يدعى عتبة بن مالك و هما على‬
‫شراب لهما ‪ ،‬و قد انتشيا فتفاخرة النصار و قريش فأخد النصاري لحى جمل فضرب به أنف سعد فشقه ‪،‬‬
‫فنزلت هده الية ‪ /‬أحمد فتحي بهنسي ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 25‬‬
‫‪ -2‬نزلت مناع قطان ‪ :‬مرجع سابق ص ‪ 16‬و ما بعدها ‪.‬‬
‫‪ -3‬سورة العراف ‪ :‬الية ‪. 158‬‬
‫‪ -4‬سورة سبأ ‪ :‬الية ‪. 28‬‬
‫‪ -5‬سورة الحزاب ‪ :‬الية ‪. 40‬‬

‫الجمالية من غير التعرض إلى جميع الجزئيات والتفاصيل والكيفيات والمراحل‪ 1.‬وفي ذلك يقول المام‬
‫الشاطبي في الموافقات ‪ " :‬الشريعة لم تنص على حكم كل جزئية على حدتها‪ ،‬وإنما أتت بأمور كلية وعبارات‬
‫مطلقة تتناول أعداد ل تنحصر " ويقول ابن حزم في أصول الحكام ‪ " :‬فلم يبق في الدين حكم إل وهو هاهنا‬
‫منصوص جملة ‪.‬‬

‫وتكمن العلة والمقصد في وضع النصوص التجريمية السلمية على هذا الشكل في أن الشريعة السلمية ل‬
‫تقبل التعديل والتبديل‪ ،‬فوجب أن تكون نصوصها ‪-‬الجنائية وغير الجنائية‪ -‬من المرونة والعموم ما يمكنها من‬
‫استيعاب ما يستجد من التغييرات والتطورات البشرية مهما تغيرت ظروف الزمان والمكان والشخاص‪ .‬إن هذه‬
‫الخاصية المتميزة في التشريع الجنائي السلمي تتيح للحاكم وأولي المر من أهل الحل والعقد في المة‬
‫السلمية منفذا واسعا ومجال فسيحا في باب السياسة التجريمية‪ ،‬بحيث تستطيع الدولة المسلمة تجريم كل‬
‫فعل أو سلوك جد في المجتمع وإن لم يكن قد نص على حكمه تفصيل‪ .‬وذلك كله في ظل الشريعة السمحة ل‬
‫تخرج عنها ول تحتاج إلى غيرها ‪.‬‬
‫وفيما يلي نورد شاهدا واضحا لما ذكرناه آنفا ‪:‬‬
‫تجريم السرقة ‪ :‬يقول تعالى ‪ ":‬السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما …"‪ .2‬فقد جرمت هذه الية الكريمة‬ ‫•‬
‫السرقة حينما نصت على عقوبتها‪ ،‬والسرقة عند فقهاء الشريعة السلمية هي أخذ مال الغير دون علمه و رضاه‪،‬‬
‫فإذا أخذ المال في حضوره وليس على سبيل القهر والمغالبة‪ ،‬فالفعل اختلس ل سرقة‪ ،‬أما إذا أخذ في غيبة‬
‫صاحبه ولكن برضاه فل جريمة في المر ‪3.‬‬

‫ـــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬د‪ .‬عبد الخالق أحمدون ‪ :‬فصول في المدخل الى دراسة الشريعة السلمية ص ‪ 34‬و مابعدها مطبعة‬
‫سبرطيبل ‪2001-2000‬‬
‫‪ -2‬سورة المائدة الية ‪. 38‬‬
‫‪ -3‬المام محمد أبو زهرة ‪ :‬الجريمة و العقوبة في الفقه السلمي ‪ ،‬ص ‪ 122‬الجزء الثاني دار الفكر العربي‬
‫بدون تاريخ ‪.‬‬

‫من هذا التعريف يتضح أن أركان هذه الجريمة هي ‪:‬‬


‫‪-‬الخذ خفية‬
‫‪-‬أن يكون المأخوذ مال مملوكا للغير‬
‫‪-‬القصد الجنائي ‪1‬‬
‫إن الية السابقة عند تحريمها للسرقة‪ ،‬قد جاءت بحكم تجريمي عام دون أن تتعرض للتفاصيل والجزئيات‪ .‬وعليه‬
‫فإن أي فعل أو سلوك ينطبق عليه‬
‫التعريف السالف ذكره ‪ ،‬وتتحقق فيه الركان السابقة في أي عصر من العصور وفي أي مصر من المصار يعد‬
‫جريمة سرقة يعاقب عليها‪ ،‬ولنا في عصرنا هذا خير شهيد على مثل هذا القول‪ ،‬بحيث ظهرت فيه بعض أنواع‬
‫السرقة التي لم تكن معروفة من قبل‪ ،‬وذلك من قبيل ما يعرف بجرائم السرقة عن طريق الحواسب وشبكات‬
‫النترنت‪ ،‬وجرائم سرقة التيار الكهربائي‪ ،‬وجرائم سرقة براءات الختراع والعمال الفنية وما يعرف بجرائم‬
‫الموال بمختلف أنواعها وغيره مما استجد في عصرنا من أنواع السرقة التي لم يكن لها وجود عند نزول آية‬
‫السرقة‪ ،‬والتي ما كان أمكن تجريمها لول هذا العموم والمرونة التي وضعت به آية تجريم السرقة ‪.‬‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬عبد الخالق النواوي ‪ :‬جرائم السرقة في الشريعة السلمية و القانون الوضعي ‪ ،‬ص ‪ 10‬المكتبة العصرية –‬
‫بيروت لبنان – بدون تاريخ ‪.‬‬

‫سياسة التجريم‬
‫دراسة مقارنة بين التشريعين الجنائيين‬
‫المغربي و السلمي‬
‫المبحث الول ‪ :‬مبدأ الشرعية الجنائية‬
‫من المعروف أن سياسة التجريم الحديثة تقوم على مجموعة من الدعائم الساسية التي تستهدف حماية حقوق‬
‫الفراد و صيانة مصالحهم في ظل الحرص التام على تحقيق التوازن والمن داخل المجتمع‪ ،‬من أهمها مبدأ الشرعية‬
‫الجنائية‪ ،‬الذي يقضي بضرورة تحديد الفعال التي تعد جرائم سلفا‪.‬‬
‫المطلب الول ‪ :‬مبدأ الشرعية في القانون الجنائي المغربي‬
‫يقصد بمبدأ الشرعية " ضرورة خضوع الفعل أو المتناع لنص من نصوص التجريم " انه لكي يكون أو يعتبر فعل ما‬
‫أو امتناع ما جريمة فلبد من وجود نص جنائي يجرم هذا الفعل أو المتناع ‪ ،‬ويضفي عليه صبغة عدم المشروعية‪ ،‬وهذا‬
‫المبدأ هو ما يعبر عنه أحيانا بمبدأ )شرعية الجرائم و عقوباتها( ‪،‬وأحيانا بمبدأ )ل جريمة و ل عقوبة إل بنص(‪ ،‬أو مبدأ‬
‫)النصية (الذي يعني حصر مصادر التجريم و العقاب في مصدر واحد وهو النص القانوني الجنائي)‪.(1‬‬
‫وترجع هذه القاعدة في أصلها إلى تطور تاريخي طويل بدأ منذ العهد الجمهوري للقانون الروماني وانتهى بإقرارها‬
‫في إعلن حقوق النسان و المواطن الذي صدر عن الثورة الفرنسية عام‪1789،‬و في الدستور الفرنسي الصادر عام‬
‫‪ 1793‬ثم في قانون نابليون الصادر عام ‪.1810‬‬
‫لكن قبل الثورة الفرنسية كان هذا المبدأ مرادفا للتعسف ‪ ،‬خصوصا و أن القضاء الجنائي كان قبل هذه الفترة‬
‫محل انتقاد من طرف المفكرين و الفلسفة بسبب قساوة التدابير التي كان يأخذ بها و بسب انعدام المساواة التي كان‬
‫يقوم عليها‪ ،‬و يعتبر ‪ MONTESQUIEU‬في هذا الطار‪ ،‬أحد أهم المفكرين الذين نادوا بضرورة وضع قوانين محددة‬
‫يعتمدها القضاء الجنائي‪.‬‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬د‪ .‬عبد الواحد العلمي ‪ :‬المبادئ العامة للقانون الجنائي المغربي ‪ ،‬ص ‪ ، 86‬الجزء الول – دار النشر مطبعة‬
‫النجاح الجديدة ‪. 1990‬‬

‫لكن أحسن تعبير عن مبدأ الشرعية‪ ،‬ورد في كتاب صدر لليطالي ‪ ، C.BECCARIA‬ولقد تأثر هذا الخير بأفكار‬
‫مونتسكيو بصفة خاصة وبأفكار فلسفة القرن الثامن عشر بصفة عامة‪.‬ولهذا فعندما نشر كتابه حول الجرائم والعقوبات‬
‫سنة ‪ 1764‬فإن ذلك الكتاب جاء كتعبير ممنهج ومنظم لتلك الفكار متضمنا في نفس الوقت أفكار جديدة تقدم البديل‬
‫للمبادئ والمؤسسات التي كانت محل انتقاد‪.‬‬
‫ورغم تعرض أفكار ‪ BECCARIA‬لنتقادات شديدة لكن ذلك لم يمنع انتشارها وانتشار مبدأ الشرعية الذي جاءت به‬
‫و الذي سارعت الكثير من القوانين الجنائية إلى الخذ بمضمونه الجديد الذي تم تحديده بصفة نهائية في تصريح حقوق‬
‫النسان والمواطن )‪.(1‬‬
‫كما اكتسب هذا المبدأ إقرارا عالميا في العلن العالمي لحقوق النسان الصادر عن الجمعية العامة للمم المتحدة‬
‫في ‪ 10‬ديسمبر عام ‪ ، 1948‬وبعد ذلك أصبح مبدأ دستوريا تنص عليه مختلف الدساتير وتحترمه القوانين الجنائية )‪.(2‬‬
‫ويعتبر هذا المبدأ بمثابة الحجر الساسي للتشريع الجنائي ‪ ،‬فهو يقوم بحماية مصالح متضاربة ‪ ،‬فمن جهة يهدف إلى‬
‫حماية المصلحة الفردية عن طريق تحديد الفعال الممنوعة ليتجنبها الفرد كما أنه يحمي الفرد من تحكم كل من‬
‫المشرع والقاضي ‪ ،‬فالمشرع ل يملك سوى سلطة التشريع الذي ل يسري على الماضي و لذلك فكل فرد سيكون على‬
‫علم بكل المحضورات فل يسعه إل أن يجتنبها‪ ،‬أما القاضي فل يستطيع معاقبة الشخاص إل على الفعال التي وصفها‬
‫المشرع بأنها جرائم )‪.(3‬‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬د‪ .‬محمد الملياني ‪ :‬دروس في القانون الجنائي العام ‪ ،‬ص ‪ ، 110-109‬دار النشر الجسور الطبعة الولى‬
‫‪.1995‬‬
‫‪ -2‬د‪ .‬عبد السلم بنحدو ‪ :‬الوجيز في القانون الجنائي المغربي ‪ ،‬ص ‪ 113‬المطبعة و الوراقة الوطنية ‪. 2000‬‬
‫‪ -3‬د‪ .‬عبد السلم بنحدو ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.111‬‬

‫ومن جهة أخرى فهو يهدف إلى حماية مصلحة الجماعة‪ ،‬إذ أن النصوص الجنائية تتضمن مختلف القيم الجتماعية‬
‫التي يجب احترامها ولو باللجوء إلى العقوبة إذا اقتضى المر ذلك‪ ،‬ووجود هذه النصوص يضمن احتراما لتلك القيم على‬
‫مستوى الجماعة‪ ،‬وذلك على خلف ما إذا توقف أمر السهر على تأمين احترامها على إرادة القاضي فقط‪ ،‬لن المر في‬
‫هذه الحالة الخيرة يصبح احتماليا وهو ما يكون له تأثير على الجانب الردعي)‪.(1‬‬
‫وما يجب لفت النتباه إليه أن هناك أسس ل يقوم مبدأ الشرعية إل بها ولقد حددها كل من بيكاريا ومشروع الثورة‬
‫الفرنسية‪ ،‬وتتمثل أهم هذه السس في ضرورة جعل أمر وضع الجرائم والعقوبات من اختصاص القانون وحده‪ ،‬وذلك‬
‫في إطار نظام يقوم على فصل السلطات كما نادى بذلك منتسكيو‪.‬‬
‫ويقصد بالقانون هو ما يصدر عن السلطة التشريعية دون باقي السلطات كالسلطة التنفيذية والسلطة القضائية ‪.‬‬
‫أما المقصود بالسلطة التشريعية بالنسبة لبيكاريا فهو الهيأة التي تمثل كل المجتمع الذي يربط أفراده عقد اجتماعي‬
‫وقد أصبحت هذه الهيئة تتمثل في البرلمان )‪.(2‬‬
‫كما يفرض مبدأ الشرعية أن تحصر مصادر القاعدة الجنائية في التشريع المكتوب وحده دون غيره من الصادر غير‬
‫المكتوبة‪ ،‬كالعرف والشريعة السلمية ومبادئ العدالة أو القانون الطبيعي)‪.(3‬‬
‫ولهمية هذا المبدأ فقد كرسه المشرع الجنائي المغربي على غرار أغلب التشريعات في الدستور الذي ينص في‬
‫فصله العاشر على أنه " ل يلقى القبض على أحد ول يعتقل ول يعاقب إل في الحوال وحسب الجراءات المنصوص‬
‫عليها في القانون" وإلى جانب الدستور نجد أن القوانين بدورها تنص على هذا المبدأ‪ ،‬فنص الفصل الثالث من مجموعة‬
‫القانون الجنائي المغربي على أنه "ل يسوغ مؤاخذة أحد‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬د‪ .‬محمد الملياني ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪ -2‬د‪ .‬محمد الملياني ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.112‬‬
‫‪ -3‬د‪ .‬عبد الواحد العلمي ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.92-91‬‬

‫على فعل ل يعد جريمة بصريح القانون ول معاقبته بعقوبات لم يقررها القانون")‪.(1‬‬
‫وإذا كانت مزايا مبدأ الشرعية من الهمية كما سبق التنويه لذلك فإنه مع ذلك تعرض للنقد من طرف خصومه‪،‬‬
‫ومن أهم النتقادات التي وجهت إليه أن الخذ به يؤدي إلى جمود القانون الجنائي وهذا القصور يظهر في بعض الحيان‬
‫من حماية مصالح الجماعة ‪.‬‬
‫كما أن عدم مرونة نصوص القانون الجنائي تؤدي إلى عجزها على مواجهة التطور الذي يطرأ على النشاط الجرامي‬
‫نتيجة تطور المجتمع )‪.(2‬‬
‫لكن إذا كانت القوانين الوضعية قد سادتها عدة نظريات ومبادئ عرفت تأرجحا بين التبني والنقد‪ ،‬فالشريعة‬
‫السلمية قد تنزهت عن العيوب التي شابت النظريات الوضعية وسلمت من النتقادات التي وجهت إليها‪.‬‬
‫ولعل مما يدهش الكثيرين أن التجريم والعقاب في الشريعة ل يأتيه النقد‪ ،‬ذلك أن القوانين الوضعية بالرغم مما‬
‫وصلت إليه من تقدم‪ ،‬إل أنها تبقى تسير في أثر الشريعة وترتسم خطابها‪ ،‬على اعتبار أنها هي أول من عرفت نصوصها‬
‫المرونة تماشيا مع الظروف المستجدة وتطور المجتمع‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬مبدأ الشرعية في التشريع الجنائي السلمي‬
‫خلفا لما هو شائع عن أن مبدأ الشرعية جاء بعد الثورة الفرنسية لسنة ‪ 1789‬فإن أصل هذا المبدأ نجده في‬
‫الشريعة السلمية التي عرفت هذه القاعدة من مدة تزيد عن أربعة عشر قرنا‪.‬‬
‫والواقع أنه ليس في نصوص القرآن والسنة نص واضح الدللة على العمل بهذه القاعدة في مجال التشريع الجنائي‬
‫وبعبارة أخرى فإنه ليس هناك نص بعينه يفيد الخذ بهذه القاعدة في التشريع الجنائي السلمي مع ذلك فإنه يمكن‬
‫استنتاج القاعدة من بعض النصوص القرآنية والسنة ومن بعض القواعد الصولية استنتاجا سائغا‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬د‪ .‬عبد السلم بنحدو ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.114-113‬‬
‫‪ -2‬عبد الواحد العلمي ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.99‬‬

‫فأما آيات القرآن الكريم فمنها قوله تعالى ‪ " :‬وما كنا معذبين حتى نبعث رسول " سورة السراء –الية ‪ .15‬وقوله‬
‫تعالى ‪" :‬وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث‬
‫في أمها رسول يتلوا عليهم آياتنا " سورة القصص –الية ‪. 59‬وقوله تعالى مخاطبا الرسول صلى الله عليه وسلم ‪" :‬‬
‫قل للذين كفروا أن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف " سورة النفال –الية ‪ ، 38‬وقوله تعالى بعد النص على تحريم بعض‬
‫صور السلوك‪ " :‬إل ما قد سلف " سورة النساء – الية ‪ ، 23-22‬وقوله تعالى " عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم‬
‫الله منه " سورة المائدة –الية ‪. 95‬‬
‫وأما أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي تقرر تطبيقا لمبدأ الشرعية منها قوله في حجة الوداع‪ " :‬ال وان دم‬
‫الجاهلية موضوع وأول دم أبدأ به دم الحارث بن عبد المطلب ‪ ،‬وأن ربا الجاهلية موضوع وأول ربا أبدأ به ربا عمى‬
‫العباس بن عبد المطلب " ومنها قوله عليه الصلة والسلم لعمرو بن العاص‪ " :‬السلم يهدم ما قبله "‪ 1.‬و من هذه‬
‫اليات والحاديث استخرج الفقهاء القاعدتين الصوليتين اللتين تفيدان أن مضمون قاعدة " ل جريمة ول عقوبة إل بنص‬
‫" ‪ :‬قاعدة أنه ل تكليف قبل ورود الشرع ‪ .‬وقاعدة أن الصل في الشياء الباحة وتطبيق هاتين القاعدتين في مجال‬
‫الفقه الجنائي يعني حضر العقاب على صور السلوك التي لم يرد نص بتجريمها ‪ ،‬وقصر العقاب على صور السلوك‬
‫المجرمة على حالت ارتكابها التي تقع بعد ورود النص القاضي بالتجريم ‪2‬‬
‫غير أن الشريعة ل تطبق هذه القاعدة على إطلقها في كل الجرائم والعقوبات بل غيرت في كيفية التطبيق بحسب‬
‫ما إذا كانت الجريمة من جرائم الحدود‪ ،‬وجرائم القصاص‪ ،‬والدية‪ ،‬أو جرائم التعزير ‪.3‬‬
‫فبالنسبة لجرائم الحدود فكل جريمة من هذه الجرائم نصوص خاصة بها في القرآن الكريم والسنة تحدد الفعل‬
‫المعاقب عليه والعقوبة المقدرة له وهذه الجرائم تمثل اعتداء على المال والمن كجريمتي السرقة والحرابه‪ ،‬وبعضها‬
‫الخر‪ ،‬يمثل‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬محمد سليم العوا ‪ :‬المجلة العربية للدفاع الجتماعي العدد ‪ 7‬مارس ‪.1978‬‬
‫‪ -2‬محمد سليم العوا ‪ :‬أصول النظام الجنائي السلمي ‪ ،‬ص ‪ 59-58‬دار المعارف ا لطبعة الثانية ‪.1983‬‬
‫‪ -3‬هبة أحمد ‪ :‬موجز أحكام الشريعة السلمية في التجريم ‪ ،‬ص ‪. 28-27‬‬

‫اعتداء على العرض والشرف كجريمتي الزنا والقذف ‪. 1‬‬


‫وأما جرائم القصاص فهي جرائم العتداء على النفس بالقتل والجرح والضرب وتقررت هذه الجرائم وعقوباتها‬
‫بنصوص القرآن والسنة‪.‬‬
‫والجرائم التي يعاقب عليها بالدية فهي جرائم القصاص إذا عفا عن القصاص أو امتنع القصاص لسبب شرعي‪ ،‬ثم‬
‫القتل شبه العمد والقتل الخطأ‪ ،‬وإتلف الطراف خطأ والجرح خطأ ‪.2‬‬
‫أما بالنسبة لجرائم التعزير فإن الصل فيها أن ينص على الجريمة دون العقوبة التي يترك أمرها للسلطة المختصة‬
‫في الدولة تفرضها إن كانت هي السلطة التشريعية وتوقعها إن كانت السلطة الفضائية في إطار العقوبات المسوح‬
‫بتوقيعها في الشريعة السلمية ‪.3‬‬
‫ونذكر بعض المثلة لجرائم التعازير التي جاءت في القرآن والسنة على سبيل البيان والتمثيل ‪:‬‬
‫تحريم بعض الطعمة ‪ :‬يقول الله تعالى " وإنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغيرالله‪،‬‬ ‫‪.1‬‬
‫فمن اضطر غير باغ ول عاد فل إثم عليه " سورة البقرة –الية ‪ ،173‬ويقول في آية أخرى ‪ " :‬ويحل لهم الطيبات ويحرم‬
‫عليهم الخبائث "‪.‬‬
‫خيانة المانة ‪ :‬يقول الله تعالى " إنا عرضنا المانة على السماوات والرض والجبال‪ ،‬فأبين أن يحملنها‬ ‫‪.2‬‬
‫وأشفقن منها ‪ ،‬وحملها النسان إنه كان ظلوما جهول"‪.‬‬
‫أكل الربا ‪ :‬يقول الله تعالى " وأحل الله البيع وحرم الربا " ‪.4‬‬ ‫‪.3‬‬
‫ومن هنا يتبين أن تطبيق قاعدة ل جريمة ول عقوبة بغير نص يتم في الفقه الجنائي السلمي في أحد إطارين ‪ :‬إطار‬
‫محدد في جرائم الحدود والقصاص‪ ،‬حيث يأتي النص محدد للفعل المجرم و للعقوبة المقررة له‪ ،‬وإطار مرن في جرائم‬
‫التعزير‬
‫_________________‬
‫‪ -1‬المجلة العربية للدفاع الجتماعي ‪ ،‬العدد ‪ ، 7‬ص ‪.39‬‬
‫‪ -2‬هبة أحمد ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.30‬‬
‫‪ -3‬محمد سليم العوا ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.60‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪ -4‬سورة البقرة ‪ :‬الية‬
‫حيث تبين النصوص الفعال التي تعتبر أو يمكن أن تعتبر جرائم تعزيرية وتترك تحديد العقاب عليها للسلطة المختصة‬
‫بذلك في الدولة السلمية تراعي في تقريره وتوقيعه ظروف الزمان والمكان وشخص الجاني ‪.1‬‬
‫ومن خلل نظام التعازير تمارس السلطة التشريعية في الدولة السلمية المعاصرة واجبها في حماية المصالح‬
‫الجتماعية المتجددة وذلك بتجريم الفعال التي تشكل إخلل بهذه المصالح وتحديد العقوبات‪.‬‬
‫فقد انعقد إجماع الفقهاء المسلمين على أن كل ما يحدث للناس من وقائع في الحياة له في الشريعة السلمية‬
‫أحكام ‪.‬فالقاعدة أن لكل فعل حكما شرعيا‪ ،‬والحكام إما أن تكون قد وردت صراحة في الكتاب أو السنة وإما أن‬
‫تعرف من دلئل أخرى مثل الجماع‪ ،‬والقياس‪ .‬والدلئل الخرى هذه أرشدت إليها الشريعة ليعرف حكم ما لم يرد‬
‫بحكمه نص في الكتاب أو السنة ‪.‬‬
‫فالجرائم في التشريع السلمي معرفة سلفا ومحددة وليس للقاضي سلطة تجريم الفعال وإنما له فقط حق‬
‫الجتهاد والبحث عن حكم الله فيما هو معروض عليه بتفسير ما ورد في الكتاب وفي السنة‪ ،‬أو التماس الحكم من‬
‫الدلة الشرعية الخرى‪.‬‬
‫فالنصوص الشرعية غالبا ما ترد مقترنة بذكر علة التجريم أو الحكم أو المصلحة التي شرعت لجلها‪ ،‬وهذا يدل على‬
‫أن أحكام الله تدور مع مصالح العباد‪ ،‬وإرشاد المسلمين إلى قياس ما لم يرد فيه نص‪ ،‬وعلى هذا اجتهد المجتهدون‬
‫وتوصلوا إلى حكم الله سبحانه وتعالى‪ ،‬ولهذا فالحكم الذي يتوصل إليه المجتهد ل يعتبر شرعا جديدا‪ ،‬وإنما هو اهتداء‬
‫إلى حكم الله في الواقعة‪.‬‬
‫ول شك أن أسلوب الشريعة في النص على بعض الحكام وتبيان عللها والمصالح التي بنيت عليها وترك التفصيل هو‬
‫أسلوب حكيم لن التفاصيل تتغير بتغير الزمنة والمكنة والبيئات وترك التفاصيل للجتهاد أدعى إلى مسايرة التطور‬
‫وأهدى إلى إقامة العدل بين الناس ودفع الحرج عنهم وعلى هذه الصورة تختلف الشريعة عن القانون‪ ،‬فالقانون يحصر‬
‫الجرائم بالنص عليها كتابة مع تحديد‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬محمد سليم العوا ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.60‬‬

‫عناصرها وأركانها‪ ،‬وما لم يرد تجريمه بالنص في النصوص ل يمكن أبدا اعتباره جريمة مهما كان قبيحا أو مستهجنا‪ ،‬أما‬
‫في الشريعة فقد استبان لنا أن لكل فعل حكما‪ ،‬فالشريعة إذن من هذه الناحية أوسع من القانون نطاقا وأقدر على‬
‫ملءمة الزمن ومسايرة التطور ‪.1‬‬
‫إذا صح ذلك كله فإنه يبين مدى مجانبة الصواب للرأي القائل أن قاعدة ل جريمة و ل عقوبة بغير نص قاعدة ل‬
‫تعرفها الشريعة السلمية‪ ،‬ول يمكن الخذ بها في نظام جنائي مستمد من الفقه السلمي وأن أعمالها أو القول‬
‫بوجوبها في مثل هذا النظام يعد افتئاتا على نصوص الشارع السلمي‪.‬‬
‫وإذا كان الفقه الجنائي السلمي يأخذ بقاعدة ل جريمة ول عقوبة بغير نص فإنه من العسير أن نقبل في ضل هذه‬
‫القاعدة بأن بعض الفعال في الفقه السلمي ل يمكن معرفة كونها جريمة إل بعد وقوعها‪ ،‬ذلك أن مثل هذا القول يهدم‬
‫القاعدة المشار إليها من أساسها‪ ،‬ويجعل من النصوص والقواعد الصولية المتقدم ذكرها مجرد كلمات خاوية من كل‬
‫معنى علمي ‪2.‬‬
‫وهكذا فإن القوانين الوضعية لم تأت بجديد وإنما أخذت النظرية التي ابتكرتها الشريعة ولم تطورها وفقا لحكام‬
‫الشريعة الغراء بل اتسمت بجمودها‪ ،‬فهي تجعل التشريع الجنائي نصوصا جامدة وتجرده من المرونة اللزمة لمواجهة‬
‫الجرام وتطوره تبعا لتقدم الحضارة وارتباط المصالح بين الناس وتعقد الحياة الجتماعية مع ما يبديه المجرمون من‬
‫التفنن في أساليب الجرام‪ ،‬مما يجعلهم في كثير من الحالت في منجاة من سلطان القانون الذي غالبا ما يكون قد‬
‫وضع في ظروف مختلفة‪ ،‬وليس التشريع من المرونة بالقدر الكافي لمواجهة ذلك في الوقت المناسب في كل الحوال‬
‫المر الذي يقتضي‪ ،‬على القل المرونة في تعزير القاعدة في كل الحوال ونهج مسلك الشريعة في هذا الشأن فالدين‬
‫السلمي الخالد من الخصائص‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬عبد الخالق النواوي ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.11-10‬‬
‫‪ -2‬محمد سليم العوا ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.60‬‬

‫الفذة ما تجعله يحمل بين ثناياه من العناصر والبذور الحية ما يمكنه من محاربة الجرائم المنظورة والمستوردة للقضاء‬
‫عليها فيوفر للمجتمع جو من الطمئنان والصفاء ‪.1‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬تصنيف الجرائم‬


‫عرف المشرع المغربي الجريمة في الفصل الول من القانون الجنائي والذي جاء فيه " يحدد التشريع الجنائي أفعال‬
‫النسان التي يعدها جرائم بسبب ما تحدثه من اضطراب اجتماعي ‪ ".‬وأضاف في الفصل ‪ 110‬بأن " الجريمة هي الفعل‬
‫المخالف للقانون الجنائي والمعاقب عليه بمقتضاه " أما في الفقه السلمي فتتعدد التعريفات المقدمة للجريمة من‬
‫أهمها تعريف المواردي لها بأنها " محظورات شرعية زجر الله عنها بحد أو تعزير "‬
‫فما هي مختلف التقسيمات التي قدمها القانون الجنائي والفقه السلمي للجريمة؟‬
‫المطلب الول ‪ :‬أنواع الجرائم في القانون الجنائي المغربي‬
‫تتعدد المعايير التي تعتمدها التشريعات الجنائية في تقسيم الجرائم وتبويبها وذلك بحسب المصالح والقيم التي‬
‫يستهدف المشرع حمايتها بنص التجريم )الفقرة الولى(‪ ،‬ويصنف المشرع المغربي الجرائم إلى أنواع يراعي فيها جانب‬
‫الخطورة وهو يلحق بكل جريمة من هذه الجرائم العقوبة التي تتناسب معها في نظره ويعتمدها كمعيار لتقسيم الجرائم‬
‫)الفقرة الثانية(‪.‬‬
‫الفقرة الولى ‪ :‬المعايير المعتمدة في تقسيم الجرائم‬
‫إذا تصفحنا أغلب المعايير التي اعتمدتها التشريعات الجنائية نجدها مختلفة ومتعددة ومنها ‪:‬‬
‫_________________‬
‫‪ -1‬خالد عبد الحميد فراج ‪ :‬المنهج الحكيم في التجريم و التقويم ‪ ،‬ص ‪ ، 63-63‬منشأة المعارف ‪.1984‬‬

‫معيار القانون الروماني‬ ‫‪.1‬‬


‫قسم الرومان الجرائم إلى جرائم عامة وخاصة ‪ .‬فالعامة هي تلك المتعلقة بالمصلحة العامة ‪ ،‬لذلك فالدولة تباشر‬
‫الدعوة العمومية بمجرد ارتكابها ‪ .‬أما الجرائم الخاصة فهي التي يتطلب للمعاقبة عليها تقديم شكوى من المجني عليه‪،‬‬
‫هذا وكانت الجرائم العامة تنقسم إلى عدة تقسيمات فرعية ‪:‬‬
‫‪ -‬تقسيم يعتمد على السلطة التقديرية للقاضي في الحكم بالعقوبة‪ ،‬وعليه فإن الجرائم إما عادية ل يستطيع القاضي‬
‫أن يحكم بأكثر أو بأقل من العقوبة المقررة لها في القوانين أو القرارات المبراطورية‪.‬وإما استثنائية يكون للقضاة‬
‫سلطة التشديد أو التخفيف في العقاب ‪.‬‬
‫‪ -‬تقسيم يعتمد على نوع العقوبة‪ ،‬وهي جرائم ذات عقوبات قصوى كالعدام والنفي وجرائم ذات عقوبات بدنية‪ ،‬وقد‬
‫اتبعت معظم التشريعات هذا السلوب في تقسيم الجرائم ومن بينها القانون الفرنسي القديم ‪.‬‬
‫معيار القانون الفرنسي‬ ‫‪.2‬‬
‫نصت المادة الولى من القانون الجنائي الفرنسي‪ ،‬على أنه يتحدد نوع كل جريمة بحسب العقوبة المقررة لها‪،‬‬
‫بحيث تقسم الجرائم إلى جنايات وجنح ومخالفات وهو نفس اتجاه المشرع المغربي )الفصل ‪111‬ق‪.‬ج(‬
‫وقد قسمها المشرع الفرنسي إلى طائفتين ‪ : 1‬جرائم تعتدي على المصلحة العامة‪ .‬وجرائم ترتكب من الشخاص‪،‬‬
‫ثم قسم كل طائفة إلى مجموعات فرعية ‪ :‬الطائفة الولى تضم جرائم ماسة بأمن الدولة وسلمتها وجرائم ضد المن‬
‫العام‪ ،‬بينما الطائفة الثانية تضم جرائم ضد الشخاص وجرائم الموال‪.‬‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬نكبي منير ‪ :‬تقنيات التجريم في التشريع الجنائي المغربي ‪ ،‬ص ‪ 15‬سنة ‪ ( 1996‬بحث نهاية التمرين ‪ ،‬معهد‬
‫القضاء الرباط ) ‪.‬‬

‫معيار المال القانوني محل العتداء‬ ‫‪.3‬‬


‫يرجع الفضل في دراسة هذا المعيار وبيان كيفية الستعانة به في تصنيف الجرائم إلى الفقيه اليطالي فرتشسكو‬
‫كرارا‪ ،‬ويعتمد على فكرة موضوعية وهي " المال القانوني " وهكذا قسم الجرائم حسب أنواع القيم الجتماعية المعتدى‬
‫عليها‪ .‬هذا يعني أن الجرائم تقسم إلى مجموعات وكل مجموعة تضم جرائم مشتركة في وحدة الحق والمال القانوني‬
‫التي تعتدى عليه‪ ،‬ومن ثم فهناك ‪:‬‬
‫‪ -‬الجرائم الطبيعية ‪ :‬وهي التي تمس حق الحياة والسلمة في جسم النسان وشرفه‪ ،‬والجرائم التي ترتكب ضد‬
‫الملكية والسرة ‪.‬‬
‫‪ -‬الجرائم الجتماعية ‪ :‬وهي التي تعتدي على حقوق عامة في المجتمع وينتج عنها إضرار بالعدالة والخلق والمن‬
‫العام والصحة العامة والدين والجرائم السياسية ‪ .1‬هذا المعيار أخذت به إيطاليا سنة ‪1889‬م‪.‬‬
‫معيار يعتمد الدوافع‬ ‫‪.4‬‬
‫ذهب بعض الفقه إلى الخذ بعين العتبار الدوافع في تصنيف الجرائم‪ ،‬فطبقا لنظرية الخطورة الجرامية‪ ،‬تعتبر‬
‫الجريمة وسيلة للكشف عن مدى خطورة الجاني‪،‬وهذا ما دفع أنصار هذا التجاه إلى الحث على وجوب دراسة أنواع‬
‫المجرمين‪ ،‬ومدى خطورة كل طائفة ثم تصنيف الجرائم على أساس ما يظهره مرتكبوها من خطورة إجرامية‪.‬‬
‫هكذا يقترح الفقيه الرجنتيني ‪ José peco‬أن يتضمن القسم العام من القانون الجنائي تصنيفا للجرائم طبقا لمدى‬
‫خطورة الدافع إليها‪ .‬ولعله يرمي من خلل ذلك إلى أن المصلحة حين يكون المتناع عن الضرار بها سهل يكون مقدار‬
‫هذا الضرر ثقيل وجسيما‪ .‬لهذا فالفراط في التجريم يسبب الضرار بمصالح ل تستهدف إل غاية تنظيمية‪ ،‬أو اقتصادية‪،‬‬
‫المر الذي يخرج القانون الجنائي عن إطاره العام وتحوله إلى مجرد أداة للرعب ‪2 .‬‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬نكبي منير ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.17‬‬
‫‪ -2‬أحمد فتحي سرور ‪ :‬المجلة العربية للدفاع الجتماعي ‪ ،‬ص ‪ 85‬العدد ‪ 11‬سنة ‪.1984‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬العقوبة كمعيار لتقسيم الجرائم في القانون الجنائي المغربي‬


‫سار المشرع المغرب في نفس التجاه الذي أخذ به القانون الجنائي الفرنسي في تقسيمه للجرائم اعتمادا على‬
‫العقوبة المخصصة لها‪ ،‬فقسم الجرائم إلى جنايات وجنح ومخالفات)أول( إل أن لهذا التقسيم القائم على هذا الساس‬
‫بعض النقائص التي ينبغي معرفتها)ثانيا(‪.‬‬
‫أول‪ :‬التقسيم الثلثي للقانون الجنائي المغربي ‪1‬‬
‫ينص الفصل ‪ 111‬من القانون الجنائي على ما يلي ‪ " :‬الجرائم إما جنايات أو جنح تأديبية أو جنح ضبطية أو‬
‫مخالفات …" ثم ينطلق نفس الفصل من العقوبات المخصصة لكل نوع من هذه الجرائم ليحدد المقصود منها‪ ،‬فبنص‬
‫على أن ‪:‬‬
‫" الجريمة التي تدخل عقوبتها ضمن العقوبات المنصوص عليها في الفصل ‪ 16‬تعد جناية‪ ،‬الجريمة التي يعاقب عليها‬
‫القانون بالحبس الذي يزيد حده القصى عن سنتين تعد جنحة تأديبية‪.‬‬
‫الجريمة التي يعاقب عليها القانون بالحبس حده القصى سنتان أو أقل أو غرامة تزيد عن ‪ 200‬درهما تعد جنحة‬
‫ضبطية‪.‬‬
‫الجريمة التي يعاقب عليها القانون بإحدى العقوبات المنصوص عليها في الفصل ‪ 18‬تعد مخالفة "وقد يوحي‬
‫الفصل ‪ 111‬بأن القانون الجنائي يأخذ بتقسيم رباعي للجرائم )جنايات‪ ،‬جنح تأديبية‪ ،‬جنح ضبطية‪ ،‬مخالفات( لكن‬
‫الحقيقة أنه يأخذ بتقسيم ثلثي ‪) 2‬جنايات‪ ،‬جنح‪ ،‬مخالفات( وهو ما تؤكده الفصول ‪ ،18 ،17 ،16‬من القانون الجنائي‬
‫ذاته‪ ،‬وبمقتضيات أخرى‪.‬‬
‫وهكذا فقد تم تقسيم الجنايات والجنح في القانون الجنائي المغربي وفق الشكل التالي ‪:‬‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬هناك تقسيمات عديدة يأخذ بها الفقه في تقسيم الجرائم و تبويبها ‪ ،‬لعل أبوابها التقسيم الفقهي الشهير الذي‬
‫يصنف الجرائم إلى جرائم تقليدية و جرائم قانونية ‪ .‬كما تقسم الجرائم بالنضر إلى الركن المادي إلى ‪ :‬الجرائم‬
‫الوقتية ‪ ،‬و الجرائم المستمرة ‪ /‬و الجرائم البسيطة ‪ ،‬و جرائم العتياد ‪ /‬الجرائم البسيطة ‪ ،‬و الجرائم المركبة ‪/‬‬
‫الجرائم المادية ‪ ،‬و الجرائم الشكلية ‪ .‬كما تقسم الجرائم بحسب طبيعتها إلى جرائم عادية و جرائم سياسية ‪( ...‬‬
‫انظر عبد السلم بنحدو ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ 213‬و ما بعدها ) ‪.‬‬
‫‪ -2‬هبة أحمد ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.30‬‬

‫‪-‬جنايات وجنح ضد أمن الدولة الداخلي والخارجي )الفصول ‪218-163‬ق ج( وأهمها جرائم المؤامرة‪ ،‬التجسس‪ ،‬حمل‬
‫السلح…‬

‫‪ -‬جنايات وجنح ماسة بحرية المواطنين وحقوقهم‪ ،‬وهي تتعلق بممارسة حقوق المواطنة والعبادات )الفصل ‪-219‬‬
‫‪232‬ق ج( كجريمة الفطار في رمضان‪ ،‬وجرائم العتداء على أماكن العبادات …‬
‫‪ -‬جنايات وجنح يرتكبها الموظفون ضد النظام العام )ف ‪262-232‬ق ج( كجرائم تواطؤ الموظفين‪ ،‬وتجاوز الختصاص‪،‬‬
‫والختلس‪ ،‬والرشوة‪ ،‬واستغلل النفوذ…‬
‫‪ -‬جنايات وجنح يرتكبها الفراد ضد النظام العام )ف ‪292-263‬ق ج( كجرائم تكوين العصابات المسلحة‪ ،‬وإخفاء‬
‫المجرمين‪ ،‬التسول…‬
‫‪ -‬الجنايات والجنح ضد النظام العام )ف ‪333-293‬ق ج(‬
‫‪ -‬جنايات وجنح تتعلق بحماية القتصاد الوطني ) ف ‪391-334‬ق ج( كجرائم التزوير والتزييف والنتحال…‬
‫‪ -‬جنايات العتداء على الشخاص )ف ‪448-392‬ق ج( كجرائم القتل والضرب والجرح والتسميم‪ ،‬وعدم تقديم‬
‫المساعدة لمن كان في خطر…‬
‫‪ -‬جنايات وجنح ضد نظام السرة والخلق العامة )ف ‪504-449‬ق ج( وتشمل جرائم الجهاض‪ ،‬إهمال السرة‪ ،‬إهمال‬
‫الطفال…‬
‫‪ -‬جنايات وجنح متعلقة بالعتداء على الموال )ف ‪607-505‬ق ج( وتضم السرقة بمختلف أنواعها وخيانة المانة…‪1‬‬
‫وبقراءة متأنية لهذا التقسيم يتبين بوضوح بأن الفصول التي خصصت لحماية كل ميدان من الميادين المذكورة‬
‫سالفا ينعدم التوازن بينهما‪ ،‬خاصة فيما يتعلق بالجنايات والجنح الماسة بحريات المواطنين وحقوقهم التي ل يخصص لها‬
‫إل ‪ 33‬فصل ‪.‬‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬نكبي منير ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.21‬‬

‫وإذا أحصينا النصوص التي تحمي بها الدولة نفسها‪ ،‬فإننا نجدها تغطي ‪ 163‬فصل )جرائم ضد أمن الدولة‪ ،‬جرائم‬
‫يرتكبها الموظفون ضد النظام العام‪ ،‬الجرائم التي يرتكبها الفراد ضد النظام العام…(‬

‫وربما قيل أن هذا التعارض ظاهري فقط‪ ،‬خاصة وأن الظهائر المتعلقة بالحريات العامة التي صدرت سنة ‪1957‬‬
‫قبل ظهور المجموعة الجنائية تغطي عددا وافرا من النصوص‪ .‬وهذا اعتراض غير مقبول ‪ 1‬لن الملحظة الكمية تلزمها‬
‫ملحظة كيفية حيث إن الهاجس المني ساد النصوص الجنائية بصورة واضحة على حساب حماية حقوق الفراد‬
‫وحرياتهم‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬انتقادات التقسيم‬
‫يتعرض التقسيم الثلثي المبني على أساس العقوبات المخصصة لها لمجموعة من النتقادات من أهمها‪:‬‬
‫طابعه الصطناعي ‪:‬‬ ‫•‬
‫من بين أهم النتقادات الموجهة للتقسيم‪ ،‬كونه يكتسي طابعا اصطناعيا‪ ،‬فهناك بعض الجرائم التي تنتمي لفئة‬
‫معينة‪ ،‬لكنها تعاقب بعقوبة فئة أخرى‪ ،‬وهو ما يجعل التقسيم المتبع تقسيما اصطناعيا‪ ،‬مثل ذلك الجنح التي تطبق عليها‬
‫عقوبة الجناية عندما تقترن بظرف من ظروف التشديد )الفصل ‪505‬ق ج والفصول من ‪ 507‬إلى ‪514‬ق ج بخصوص‬
‫جرائم الموال( أو الجنح التي ينص القانون الجنائي بشأنها على عقوبة تفوق عقوبة الجنحة )الفصل ‪197‬ق ج بخصوص‬
‫بعض جرائم أمن الدولة الخارجي( ومثال ذلك بالمقابل الجنحة الضبطية التي قد تطبق عليها عقوبة المخالفة عند‬
‫اقترانها بظرف من ظروف التخفيف )ف ‪ (150‬وما يصلح بالنسبة لجنح يصلح كذلك بالنسبة للجنايات التي يمكن أن‬
‫تطبق عليها عقوبات جنحية‪ ،‬تحت تأثير ظروف التخفيف )‪147‬ق ج(‪.‬‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬عبد السلم المريني ‪ :‬سياسة التجريم في القانون المغربي – تساؤلت الفاعلية و الشرعية – ص ‪ 38‬مجلة‬
‫المحاماة العدد ‪ 37‬السنة ‪.2000‬‬

‫وأخيرا‪ ،‬فإن الطابع الصطناعي للتقسيم يظهر على مستوى التمييز بين الجرائم التي يتطلب فيها القصد الجنائي‬
‫والجرائم التي ل يتطلب فيها ذلك)المخالفات(‪ .‬والتقسيم الثلثي يقوم في هذا الطار على التمييز بين الجنايات والجنح‪،‬‬
‫في حين أن عنصر القصد يتطلب في الجنايات وفي أغلبية الجنح‪ .‬لهذا فهناك من يدعو للقيام بتقسيم ثنائي فقط‪1.‬‬
‫عدم تناسبه مع المعطيات العلمية ‪:‬‬ ‫•‬
‫يرتكز التقسيم الثلثي للجرائم على معطيات تفترض وجود ثلثة أنواع من المجرمين‪:‬المجرم الذي يجب أن تتخذ في‬
‫حقه عقوبة مثالية‪ ،‬والمجرم المتوسط الخطورة الذي يكون فعله مجرد انحراف عن الطريق والذي يكون قابل للتقويم‪،‬‬
‫وأخيرا المجرم الذي يرتكب مخالفة بسيطة والذي يجب أن يتخذ في حقه عقوبة ضبطية فقط‪ ،‬ويتم تقدير خطورة‬
‫الشخص من هذا المنظور ومن ثم العقوبة على أساس الخطورة الموضوعية للجريمة التي يرتكبها‪ ،‬لكن بينت‬
‫المعطيات الحديثة لعلم الجرام أن هناك علقة بعيدة بين خطورة الشخص على المجتمع والفعل الجرامي الذي‬
‫يرتكبه‪ ،‬لنه قد يحصل أن يرتكب شخص فعل إجراميا خطيرا كالقتل في ظروف معينة‪ ،‬بدون أن يكون ذلك الشخص‬
‫خطيرا على المجتمع‪ ،‬كما أنه قد يوجد أشخاص يحترفون ارتكاب بعض الفعال القل خطورة لكنهم يعتبرون خطيرين‬
‫على المجتمع‪ ،‬لكونهم من ذوي الحتراف الجرامي ‪.‬‬
‫خلقه لصعوبات من الناحية العلمية‪:‬‬ ‫•‬
‫يعتمد على العقوبات في التمييز بين الجرائم في التقسيم الثلثي‪ ،‬وهو ما يؤدي إلى خلق بعض الصعوبات من‬
‫الناحية العلمية‪ ،‬فنجد مثل أن الفصل ‪ 150‬ق ج يسمح بالنسبة للجنح الضبطية بالنزول بالعقوبة الحبسية إلى حدود ستة‬
‫أيام وبالغرامة إلى ‪120‬درهما أو إلى ‪50‬دراهم‪ ،‬أي إلى عقوبة المخالفة‪.‬فهل تطبق هنا أحكام الجنح أم أحكام‬
‫المخالفات؟‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬محمد الملياني ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.175‬‬

‫كما أن المشرع وبالنسبة لبعض الجنح‪ ،‬قد يأخذ تارة بعقوبة المخالفة )مثل الفصل ‪325‬ق‪.‬ج بالنسبة للعقوبة‬
‫السالبة للحرية ( وتارة أخرى بعقوبة الجناية )مثل الفصل ‪197‬ق‪.‬ج( ‪.‬‬
‫لكن رغم الصعوبات التي قد يخلقها اعتماد العقوبة في التقسيم‪ ،‬فإن ذلك ل يبرر التخلي عن مبدأ تقسيم الجرائم‬
‫على أساس عقوبتها ‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬اتجاه القانون الجنائي السلمي في تقسيم الجرائم‬
‫ينطلق الفقهاء المسلمون من العقوبات المخصصة للجرائم في تقسيمهم لهذه الخيرة‪ ،‬وهو نفس التجاه الذي أخذ‬
‫به المشرع المغربي كما رأينا ذلك سالفا‪ ،‬وعلى هذا الساس‪ ،‬فإنهم يقسمون الجرائم إلى جرائم الحدود ) الفقرة‬
‫الولى ( وجرائم القصاص والدية ) الفقرة الثانية ( وأخيرا جرائم التعزير )الفقرة الثالثة (‪.‬‬
‫الفقرة الولى ‪ :‬جرائم الحدود‬
‫يعرف الفقهاء جرائم الحدود بأنها " محظورات شرعية زجر الله عنها بعقوبة مقدرة تجب حقا لله تعالى"‪ 1.‬وكلمة‬
‫الحد في الفقه السلمي تطلق على الجرائم وكذلك على عقوباتها ‪.‬‬
‫فكون الحدود عقوبات تجب حقا لله تعالى‪ ،‬فيعني أن منفعة توقيعها ترجع إلى مجموع المة أو ما يسمي الن‬
‫بالمصلحة العامة‪ ،‬فكل جريمة تعود المصلحة في العقاب عليها إلى مصلحة المة العامة تعتبر من جرائم الحدود‪ .‬لهذا‬
‫قدرها الشارع مقدما من حد واحد‪ ،‬بحيث ل يملك ولي المر ول القاضي إل أن ينزلها بالمذنب كما هي بدون زيادة أو‬
‫نقصان‪ ،‬لن علة تشريعها حفظ الضروريات الخمس من الدين والنفس والعقل والمال والنسل‪.‬‬
‫على أنه إذا كانت هذه العقوبات ل تقبل النزول عنها‪ ،‬إل أنها تندرئ بالشبهات لقوله عليه الصلة والسلم " إدرأوا‬
‫الحدود بالشبهات ما استطعتم " ويؤخر استيفائها‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬محمد سليم العوا ‪ :‬أصول النظام الجنائي السلمي ‪ ،‬ص ‪.127‬‬
‫لمصلحة وتسقط في حالت الضرورة‪ 1 ،‬فهذا النوع من الجرائم يتميز بثلث عناصر أساسية هي ‪:‬‬
‫‪ 1-‬وجوبها تحقيقا للمصلحة العامة‬
‫‪ 2-‬عدم جواز الزيادة فيها أو النقص منها‬
‫‪ 3-‬عدم جواز العفو عنها من قبل القاضي أو السلطة السياسية ول من قبل المجني عليه‪.‬‬
‫أما كونها محظورات شرعية فمعناه أن الخالق سبحانه وتعالى‪ ،‬هو الذي أضفى الصفة الجرمية على الفعال‬ ‫•‬
‫التي تكون هذا النوع من الجرائم‪ ،‬واختص سبحانه وتعالى نفسه بتجريمها ولم يترك الباب مفتوحا للجتهاد أو القياس‬
‫لتحديدها‪.‬‬
‫وعليه فإنه ليس باستطاعة أي شخص مهما سمت مكانته وارتقت في العلم مدارجه أن يضيف أو يدخل في جرائم‬
‫الحدود المحددة العدد جريمة أخرى ويجعلها منها ‪.‬‬
‫وأخيرا فإن معنى كون العقوبة فيها مقدرة‪ ،‬أن الله سبحانه وتعالى قد نص عليها في القرآن الكريم وحدد‬ ‫•‬
‫مقدارها بدقة‪ ،‬كما هو الشأن في عقوبة السرقة والزنى والقذف والحرابة وغيرها‪ ،‬كما سنرى ذلك في أوانه ‪.‬‬
‫وتجب الشارة إلى أن فقهاء الشريعة قد تواطؤ في اعتبار بعض أنواع الجرائم من الحدود‪ ،‬في حين اختلفوا في‬
‫بعضها هل هي من جرائم الحدود أم ل وذلك على الشكل التالي ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬الجرائم المتفق على كونها من الحدود‬
‫وهي جرائم السرقة والحرابة والقذف والزنى ‪:‬‬
‫‪ 1‬جريمة الزنى ‪ :‬يرجع تجريم هذا الفعل للقرآن الكريم لقوله تعالى ‪ " :‬ول تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيل "‬
‫‪ 2‬وقوله تعالى أيضا ‪ ":‬الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة " ‪. 3‬‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬ابن القيم الجوزية ‪ :‬أعلم الموقعين ‪ ،‬ص ‪ 8‬الجزء الثالث‪.‬‬
‫‪ -2‬سورة السراء ‪ :‬الية ‪. 32‬‬
‫‪ -3‬سورة النور الية ‪. 2‬‬
‫ومن السنة النبوية لقوله )ص( " خذوا عني فقد جعل الله لهن سبيل‪ ،‬البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب‬
‫جلد مائة ورجم بالحجارة "‬
‫‪ 2‬جريمة القذف ‪ :‬لهذه الجريمة بدورها سند في القرآن‪ ،‬إذ جاء في اليتين ‪4‬و ‪ 5‬من سورة النور ‪ ":‬والذين يرمون‬
‫المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهن ثمانين جلدة ول تقبلوا لهم شهادة أبدا أولئك هم الفاسقون إل الذين‬
‫تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم " فهذا النص يجرم القذف ويعاقب عليه‪ ،‬فهو من ثم من جرائم‬
‫الحدود ‪.‬‬
‫‪ 3‬جريمة السرقة ‪ :‬سند هذه الجريمة من الكتاب‪ ،‬قوله تعالى ‪ ":‬والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا‬
‫نكال من الله والله عزيز حكيم ‪ 1".‬والمقصود بالسرقة عند الفقهاء‪ ،‬هو أخذ مال الغير خفية بنية التملك‪ ،‬وهذا النص‬
‫صريح في تجريم السرقة ‪.‬‬
‫‪4‬جريمة الحرابة ‪ :‬وتسمى أيضا بجريمة قطع الطريق وفي تجريمها جاء في القرآن الكريم قوله تعالى ‪" :‬إنما جزاء‬
‫الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجهم من خلف أو ينفوا‬
‫من الرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الخرة عذاب عظيم …"‪2‬‬
‫ثانيا ‪ :‬الجرائم الغير متفق على كونها من الحدود‬
‫توجد بعض الجرائم لم يتفق الفقه السلمي على اعتبارها من جرائم الحدود‪ 3 ،‬وهذه الجرائم هي البغي وشرب‬
‫الخمر والردة‪.‬‬
‫‪ 1‬جريمة البغي ‪ :‬ورد ذكر البغي في القرآن الكريم في قوله تعالى ‪ ":‬وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا‬
‫بينهما‪ ،‬فإن بغت إحداهما على الخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله‪ ،‬فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل‬
‫وأقسطوا إن الله يحب المقسطين …"‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬سورة المائدة ‪ :‬الية ‪. 38‬‬
‫‪ -2‬سورة المائدة ‪ :‬اليتان ‪. 34 – 33‬‬
‫‪ -3‬محمد الملياني ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 69‬‬
‫استنادا إلى هذه الية يذهب أغلبية الفقهاء إلى اعتبار البغي من جرائم الحدود مستندين كذلك على بعض الحاديث‬
‫النبوية الشريفة‪ 1،‬لكن هناك من الفقهاء من يعتبر أن القتال الوارد في الية الكريمة يقصد به الصلح بين المختلفين‬
‫من المؤمنين‪ ".‬وأنه حتى إذا اقتضى المر دفع البغاة بقتالهم‪ ،‬فإن ذلك ل يسمح بالقول بأنهم مجرمون وبأن قتالهم حدا‬
‫‪.‬‬
‫‪2‬جريمة شرب الخمر‪ :‬سندها من الكتاب قوله تعالى‪ ":‬إنما الخمر والميسر والنصاب و الزلم رجس من عمل‬
‫الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون " ‪ 2‬من هذه الية يتأكد بأن شرب الخمر يعتبر جريمة في السلم‪ ،‬ويلحق بالخمر كل‬
‫مسكر لقول النبي )ص(‪ ":‬كل مسكر خمر وكل خمر حرام‪ ".‬غير أن عقوبة هذه الجريمة موضع اختلف‪ ،‬هل هي عقوبة‬
‫حدية أم ل ؟ فلم يرد في القرآن الكريم تحديد لعقوبة شرب الخمر‪ ،‬أما في السنة النبوية‪ ،‬فإن هذه العقوبة لم تكن‬
‫واحدة )الضرب بالنعال‪ ،‬بالثياب‪ ،‬باليد…( وليس هذا من خصائص العقوبات الحدية‪ ،‬وهو ما يؤكد الطابع التعزيري لعقوبة‬
‫شرب الخمر ومن ثم طابع هذه الجريمة ‪4 - 3‬‬
‫‪ 3‬جريمة الردة ‪ :‬ورد تجريمها بنص صريح من الكتاب حيث قال تعالى‪ ":‬ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو‬
‫كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ‪ 5".‬أما من السنة النبوية فقد‬
‫روي عن النبي )ص( أيضا‪ ":‬ل يحل دم امرئ مسلم يشهد أن ل إله إل الله وأني رسول الله إل‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬من هده الحاديث قوله صلى الله عليه و سلم ‪ " :‬من أتاكم و أمركم على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم‬
‫و يفرق جماعتكم فاقتلوه " ‪ .‬وقوله صلى الله عليه و سلم أيضا ‪ " :‬ستكون هنات و هنات فمن أراد أن يفرق‬
‫هده المة و هي جمع فاضربوه بالسيف كائنا من كان "‬
‫‪ -2‬سورة المائدة ‪:‬الية ‪.90‬‬
‫‪ -3‬محمد الملياني ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.60‬‬
‫‪ -4‬ل نؤيد ما دهب إليه الستاذ محمد الملياني ‪ ،‬حينما اعتبر الطابع التعزيري لعقوبة شرب الخمر يخرجها من‬
‫دائرة جرائم الحدود و يجعلها من جرائم التعازير ‪ .‬و دلك لعتبارين ‪ ،‬أولهما ‪ :‬أن فقها ء الشريعة السلمية قد‬
‫اتفقا غالبيتهم على الفتوة الشهيرة للمام علي رضي الله عنه في تحديد عقوبة شارب الخمر حينما أفتى بأن‬
‫شارب الخمر ‪ " :‬إدا شرب سكر ‪ ،‬و إدا سكر هدا ‪ ،‬و إدا هدا قذف ‪ ،‬و حد القاذف ثمانون جلدة " فاجتمع سلف‬
‫المة و في مقدمتهم جهابذة الصحابة و من بعدهم التابعين على هدا الرأي‪ ،‬و لم يعلم منهم مخالف لهدا القول‬
‫إل قليل ‪ .‬أما ثانيهما ‪ :‬هو الخلط الواضح الذي وقع فيه أصحاب هذا الرأي ( من يعتبرون شرب الخمر من جرائم‬
‫التعازير ) عند التمييز بين جرائم التعزير و جرائم الحدود ‪ ،‬إذ اعتبروا جريمة شرب الخمر من جرائم التعزير في‬
‫حين أن هده الخيرة كما هو معلوم هي من وضع أولي المر و أهل الحل و العقد من المسلمين ‪ ،‬أي أن إضفاء‬
‫الصفة الجرمية على هذا النوع من الجرائم يختص به من ذكرناهم آنفا ‪ .‬بينما يكون تقرير نص التجريم في جرائم‬
‫الحدود من وضع الخالق سبحانه و تعالى ‪ .‬و تحصيل ذلك أن جريمة شرب الخمر و قد تم تجريمها بنصوص‬
‫قطعية الدللة والثبوت من الكتاب و السنة ل يمكن إل أن تكون من جرائم الحدود ‪.‬‬
‫‪ -5‬سورة البقرة ‪ :‬الية ‪. 127‬‬

‫بإحدى ثلث ‪ :‬النفس بالنفس والثيب الزاني‪ ،‬والمارق من الدين التارك للجماعة‪".‬‬
‫فهذه النصوص تحرم الردة وتعاقب عليها بعقوبة حدية هي القتل‪.‬‬
‫لكن هناك من له رأي خاص في هذه الجريمة ‪ 2. 1.‬باعتبار أن هناك من القرائن ما يبين أن صيغة الحديث الول ل‬
‫تفيد الوجوب‪ .‬وأن المقصود ب " المارق من‬
‫الدين التارك للجماعة" في الحديث الثاني هو "المحارب" الذي تطبق عليه عقوبة الحرابة‪ ،‬ويرى صاحب هذا الرأي بأن‬
‫عقوبة الردة تعزيرية‪ ،‬سواء كانت عقوبة إعدام أو عقوبة أخرى‪.‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬جرائم القصاص والدية‬
‫القصاص –بالكسر‪-‬القود‪ ،‬يقال‪ :‬أقص المير فلنا من فلن اقتص له منه فجرحه مثل جرحه أو قتله قودا‪ ،‬وأقص‬
‫الرجل من نفسه‪ .‬مكن من القتصاص منه‪ .‬وأقصه الموت وقصه أي دنا منه‪ ،‬وضربه حتى أقصه من الموت وقصه على‬
‫الموت أي أدناه منه‪ ،‬ويقال أيضا ‪ :‬تقاص القوم أي قاص كل واحد منهم صاحبه‪3.‬‬
‫أما الدية فهي المال الذي يقوم الجاني بدفعه للمجني عليه أو لوليائه كعوض عن الجناية التي ارتكبها‪ ،‬سواء كانت‬
‫الجناية على النفس أو على ما دون النفس‪ ،‬إل أن الفقهاء اصطلحوا على أن يطلقوا "الدية " على العوض الذي يدفعه‬
‫الجاني بدل عن الجناية على النفس‪ ،‬والرش على العوض الذي يدفعه الجاني بدل عن الجروح ‪4.‬‬
‫أما الجرائم التي يعاقب عليها بالقصاص هي ‪ :‬القتل العمد‪ ،‬وإتلف الطراف عمدا‪ ،‬والجرح العمد‪.‬‬
‫أما الجرائم التي يعاقب عليها بالدية فهي‪ ،‬جرائم القصاص إذا عفي عن القصاص أو امتنع القصاص لسبب شرعي‪ ،‬ثم‬
‫القتل شبه العمد والقتل الخطاء‪ ،‬وإتلف الطراف خطاء‪ ،‬والجرح الخطاء‪.‬‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬محمد سليم العوا ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 146‬‬
‫‪ -2‬نستغرب هذا الرأي الذي ذهب إليه د‪ .‬محمد سليم العوا ‪ ،‬مع أن منطوق الحديث صريح قاطع في قتل المرتد ‪ .‬فلما‬
‫و الحالة هذه الجتهاد في تفسير معنى الحديث و القول بأن " المارق من الدين التارك للجماعة " الذي ورد في‬
‫الحديث الثاني هو " المحارب " إذا كانت جريمة الحرابة و قطع الطريق لها أحكامها الخاصة التي تميزها عن جريمة‬
‫الردة ‪.‬‬
‫‪ -3‬محمد فاروق النبهان ‪ :‬مباحث في التشريع الجنائي السلمي ‪ ،‬ص ‪ 63‬دار القلم ‪. 1977‬‬
‫‪ -4‬محمد فاروق النبهان ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 144‬‬

‫أول ‪ :‬الجرائم التي يعاقب عليها بالقصاص‬


‫جمع الفقهاء هذه الجرائم في ثلث أنواع هي‪:‬‬
‫‪ 1‬القتل العمد ‪ :‬يقول تعالى ‪ ":‬ول تقتلوا النفس التي حرم الله إل بالحق "‪ 1‬ويقول أيضا ‪ ":‬يا أيها الدين ءامنوا كتب‬
‫عليكم القصاص في القتلى‪ ،‬الحر بالحر‪ ،‬والعبد بالعبد‪ ،‬والنثى بالنثى‪ ،‬فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف‬
‫وأداء إليه بإحسان ‪2".‬‬
‫ومن السنة المطهرة قوله الرسول )ص( ‪ ":‬من اعتبط مؤمنا بقتل فهو قود به إل إن رضي ولي المقتول‪ ".‬ويقول )ص(‬
‫أيضا ‪ ":‬من قتل قتيل فأهله بين خيرتين ‪ :‬إن أحبوا فالقود‪-‬القصاص‪-‬وإن أحبوا فالعقل‪-‬الدية‪."-‬‬
‫جريمتي إتلف الطراف عمدا والجرح العمد ‪:‬‬ ‫‪2‬‬
‫يقول تعالى ‪ ":‬ولكم في القصاص حياة يا أولي اللباب لعلكم تتقون ‪ 3‬ويقول أيضا‪ ":‬وكتبنا عليهم فيها أن النفس‬
‫بالنفس والعين بالعين‪ ،‬والنف بالنف والذن بالذن‪ ،‬والسن بالسن‪ ،‬والجروح قصاص ‪ ،‬فمن تصدق به فهو كفارة له‪،‬‬
‫ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون‪ 4".‬ويضيف في سورة أخرى‪ ":‬فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل‬
‫ما اعتدى عليكم "‪ 1‬فهذه النصوص صريحة في تحريم إتلف الطراف والجراح‪ ،‬وفي جعل عقاب الجريمة القصاص في‬
‫حالة العمد‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬الجرائم التي يعاقب عليها بالدية‬
‫حدد الفقهاء هذه الجرائم في أربع أنواع هي‪:‬‬
‫‪ 1‬جريمة القتل شبه العمد ‪ :‬يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ":‬أل إن في قتيل عمد الخطاء قتيل‬
‫السوط والعصا والحجر مائة من البل " فهذا النص يحرم القتل شبه العمد‪ ،‬ويعاقب عليه بالدية ‪.‬‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬سورة السراء ‪ :‬الية ‪. 33‬‬
‫‪ -2‬سورة البقرة ‪ :‬الية ‪. 178‬‬
‫‪ -3‬سورة البقرة ‪ :‬الية ‪. 179‬‬
‫‪ -4‬سورة المائدة ‪ :‬الية ‪. 45‬‬
‫‪ 2‬جريمة القتل الخطاء ‪ :‬يقول الله تعالى ‪ ":‬وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إل خطاء و من قتل مؤمنا خطاء‬
‫فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إل أن يصدقوا فإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله‬
‫وتحرير رقبة مؤمنة‪ ،‬فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله‪ ،‬وكان الله عليما حكيما ‪ 1 ".‬ويقول رسول الله‬
‫)ص( ‪ ":‬وفي دية الخطاء عشرون حقة‪ ،‬وعشرون جدعة‪ ،‬وعشرون بنت مخاض‪ ،‬وعشرون بنت لبنون‪ ،‬وعشرون بنو‬
‫مخاض " فهذه النصوص تحرم القتل الخطاء وتعاقب عليه بالدية وتبين مقدارها وأوصافها‪.‬‬
‫جريمة قطع الطراف خطاء ‪ :‬حدد الرسول )ص( العقوبة على أساس ما كان في الجسم منه عضو واحد‬ ‫‪3‬‬
‫كالنف والذكر واللسان ففيه الدية كاملة‪ ،‬وما كان في الجسم منه عضوان ففيه نصف الدية قال صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ":‬في النف إذا أوعب ما رنه جدعا الدية" وقال أيضا ‪ ":‬وفي اللسان الدية‪ ،‬وفي الذكر الدية ‪ ".‬وفي حديث‬
‫آخر ‪ " :‬في اليدين الدية وفي الرجلين الدية ‪".‬‬
‫جريمة الجرح خطأ ‪ :‬حدد النبي )ص( عقوبة بعض هذه الجرائم‪ ،‬فجعل أرش الموضحة خمسا من البل‪،‬‬ ‫‪4‬‬
‫وأرش الهاشمية عشرا من البل‪ ،‬وفي المة والدامغة ثلث الدية وجعل في كل جرح يصل إلى الجوف ثلث الدية ‪.‬‬
‫والقاعدة العامة في الشريعة‪ :‬أن كل تلف أو جرح لم يحدد له الرسول صلى الله عليه وسلم دية أو أرشا فيه‬
‫حكومة‪ :‬وهي ما يحكم به القاضي بناء على تقدير أهل الخبرة بحيث ل يمكن أن تصل الحكومة إلى الدية أو الرش الذي‬
‫عينه الرسول )ص( للتلف أو الجرح الذي يليه في الشدة ‪.‬‬
‫الفقرة الثالثة ‪ :‬جرائم التعزير‬
‫أول ‪ :‬تعريف التعزير في الفقه الجنائي السلمي‬
‫ل يختلف كثيرا مفهوم التعزير في اللغة عنه في اصطلح الفقهاء‪:‬‬
‫فالتعزير في اللغة مأخوذ من عزر وعزر بمعنى منع وأدب ووقر‪ ،‬فهو من ألفاظ‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬سورة البقرة ‪ :‬الية ‪. 194‬‬
‫الضداد‪ ،‬ويستعمل كذلك بمعنى النصرة قال تعالى ‪ ":‬لتعزروه وتوقروه " ومن المنع سميت العقوبة غير المقدرة تعزيرا‪،‬‬
‫لنها تمنع من معاودة الفعل المعاقب عليه ‪1.‬‬
‫أما التعزير في اصطلح الفقهاء فيطلق على كل " عقوبة غير مقدرة تجب حقا لله تعالى أو لدمي في كل معصية‬
‫ليس فيها حد ول كفارة " ‪2‬‬

‫وقد تختلف عبارة بعض الفقهاء في تعريف التعزير اختلفا يسيرا منها أن التعزير "عقوبة" تكون في كل معصبة ل‬
‫حد فيها ول كفارة وفي كل حد لم تتكامل أركانه تجب حقا لله تعالى أو لدمي ‪ 3 ".‬ولفض الحد الوارد في التعريفين‬
‫يأتي بمعنى التقدير وليس بمعناه الصطلحي كعقوبة محددة لفعال معينه وردت بتحديد عقوباتها نصوص القرآن‬
‫والسنة‪.‬‬
‫وبناء على التعريفين السالفين‪ ،‬يتبين بأنه يعاقب بالتعزير في صنفين من الجرائم‪:‬‬
‫‪ 1-‬الجرائم المعاقب عليها بالحد أو بالقصاص إن تخلف ركن من أركانها‪ ،‬ففي السرقة مثل يعزر من يسرق من غير‬
‫حرز أو من يسرق دون النصاب‪ ،‬وفي الزنى يعاقب بالتعزير من يجامع دون الفرح‪ ،‬وفي القذف يعزر من يقذف بالسب‬
‫والشتم دون الزنى وهكذا‪.‬‬
‫‪ 2-‬الجرائم التي ل حد فيها ول قصاص وهي غالبية الجرائم‪ ،‬وقد ساق ابن تيمية ‪ 4‬طائفة من جرائم التعزير بقوله "‬
‫المعاصي التي ليس فيها حد مقدر ول كفارة‪ ،‬كالذي يقبل الصبيان ويقبل المرأة الجنبية‪ ،‬أو يباشر بل جماع‪ ،‬أو يأكل ما‬
‫ل يحل كالدم والميتة …كالذين يغشون في الطعمة والشباب ونحو ذلك أو يطفف المكيال والميزان‪ ،‬أو يشهد بالزور‪،‬‬
‫أو يرتشي في حكمه…فهؤلء يعاقبون تعزيرا وتنكيل وتأديبا بقدر ما يراه الوالي‪".‬‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬أمير عبد العزيز ‪ :‬الفقه الجنائي في السلم ‪ ،‬ص ‪ 417‬دار السلم الطبعة الولى ‪. 1997‬‬
‫‪ -2‬محمد سليم العوا ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 259‬‬
‫‪ -3‬عبد العزيز عامر ‪ :‬التعزير في الشريعة السلمية ‪ ،‬ص ‪ 36‬الطبعة الثالثة ‪. 1956‬‬
‫‪ -4‬عبد القادر عودة ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 687‬‬

‫ثانيا ‪ :‬جرائم التعزير ومبدأ شرعية التجريم والعقاب‬


‫يعتبر التعزير من أوسع أنواع الجرائم نطاقا في الفقه الجنائي السلمي‪ ،‬وهو لمرونة قواعده يعد من أصدق الدلة‬
‫على صلحية الجانب الجنائي في الشريعة السلمية للتطبيق في عصرنا هذا‪ ،‬وفي كل العصور‪.‬‬
‫ولقد ذهب بعض الكاتبين من المستشرقين خاصة ‪ 1‬إلى القول بتعارض نظام‬
‫التعزير في الشريعة السلمية مع قاعدة التجريم والعقاب‪ ،‬على اعتبار أن جرائم التعزير هي جرائم ل نص عليها ل من‬
‫الكتاب ول من السنة‪ ،‬وأنه لما ترك أمر تحديدها وتقريرها لولى المر من أهل الحل والعقد‪ ،‬فإن ذلك أتاح لهؤلء سلطة‬
‫تقديرية واسعة‪ ،‬كانت سببا في تعسفهم وشططهم وتحكيم الهواء عند وضع نصوص وأحكام ومقتضيات هذا النوع من‬
‫الجرائم‪.‬‬
‫وقد رد الفقهاء على هذه الدعاءات مؤكدين بأن الشريعة السلمية قد طبقت قاعدة ل جريمة ول عقوبة إل بنص‬
‫ذلك أن الشريعة وإن تركت لولى المر في المة أن يحرموا ما يرون أنه ضار بمصالح الجماعة أو أمنها أو نظامها‪ ،‬وأن‬
‫يعاقبوا على مخالفتها إل أنها لم تترك لهم حرية مطلقة فيما يحلون أو يحرمون‪ ،‬بل أوجبت وقيدت ذلك بأن يكون متفقا‬
‫مع أحكام الشريعة ومبادئها العامة ومقاصدها الجليلة وروحها السمحة ‪.‬‬
‫فيما ذهب البعض الخر ‪ 2‬إلى الخلوص إلى أنه ل مناضاة ول تعارض بين نضام التعزير في الشريعة السلمية‪ ،‬وبين‬
‫قاعدة شرعية التجريم والعقاب‪ ،‬فإذا كان مقتض القاعدة الخيرة أن ل جريمة ول عقوبة إل بنص فإن جرائم التعزير لم‬
‫تحد عن هذا النهج على اعتبار أن نص التجريم في هذه الجرائم هو ذلك المر أو النهي الذي خالفه مرتكب المعصية مع‬
‫التقرير بأن كل معصية في نظر الفقه الجنائي السلمي تعتبر جريمة موجبة للعقاب‪.‬‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬جميل عبد الباقي الصغير ‪ :‬الشرعية الجنائية ‪ ،‬دراسة تاريخية و فلسفية ‪ .‬ص ‪ 38‬دار النهضة العربية ‪. 1993‬‬
‫‪ -2‬محمد سليم العوا ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 231‬‬
‫ومن ثم فليس هناك خروج عن قاعدة شرعية الجرائم والعقوبات‪ ،‬بل إن المر يتعلق فقط بتطبيق مرن يتيح توفير‬
‫الحماية القانونية للمصالح الجتماعية المحمية بحيث ل تقف محدودية النصوص حائل دون العقاب على الخلل بهذه‬
‫المصالح‪.‬‬
‫وفي تأصيل جرائم التعزير في القانون الجنائي السلمي‪ ،‬فينبغي الشارة إلى ورود العديد من النصوص سواء في‬
‫الكتاب أو السنة والتي تناولت هذا النظام التجريمي الفريد نورد بعضها كالتي ‪:‬‬
‫‪-‬فمن الكتاب الكريم ‪ :‬يقول تعالى ‪ ":‬واللتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع‪ ،‬فإن أطعنكم فل‬
‫تبغوا عليهن سبيل " ‪. 1‬وقد اعتبر بعض الفقهاء هذه الية هي الصل في التعزير‪ ،‬وهم يؤسسون هذا النظر على قياس‬
‫الحاكم أو أولى المر في الدولة المسلمة على الزوج في البيت المسلم‪ ،‬فكما أعطي الزوج حق القوامة في بيته‬
‫أعطي أولى المر حق القوامة في المجتمع كله‪2.‬‬
‫كما نجد في سورة النساء أيضا تطبيقا آخر من تطبيقات التعزير‪ ،‬وذلك في قوله تعالى بعد أن ذكر عقاب النساء‬
‫اللتي يأتين الفاحشة " واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا أو أصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما ‪3".‬‬
‫فهذه الية تقرر عقوبة إتيان الرجال أو الشذوذ الجنسي‪ ،‬والمر بالعقوبة هنا موجه إلى أولي المر في الدولة المسلمة‪،‬‬
‫وليس في الية الكريمة بيان نوع العقوبة ول مقدارها ول كيفية تنفيذها‪ ،‬وهي من ثم عرضة للتباين والختلف من زمان‬
‫إلى زمان‪ ،‬ومن مكان إلى مكان ‪.‬‬
‫‪-‬أما السنة النبوية ‪ :‬فقد تعددت النصوص المؤصلة لبعض جرائم التعزير في الشريعة السلمية‪ ،‬بحيث تتضمن‬
‫تطبيقات كثيرة لهذا النوع من الجرائم نذكر منها‪:‬‬

‫التعزير على الساءة لقائد الجيش‬ ‫•‬


‫التعزير على مماطلة المدين الموسر‬ ‫•‬
‫التعزير على منع الزكاة‬ ‫•‬
‫التعزير على سرقة ل توجب الحد‬ ‫•‬
‫_________________‬
‫‪ -1‬سورة النساء ‪ :‬الية ‪. 34‬‬
‫‪ -2‬أمير عبد العزيز ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 418‬‬
‫‪ -3‬سورة النساء الية ‪. 16‬‬

‫المبحث الثالث ‪ :‬الضوابط المقيدة للسلطة المختصة بالتجريم‬


‫المطلب الول ‪ :‬السلطة المختصة بالتجريم‬
‫سنحاول التطرق في هذا المطلب إلى السلط المخول لها حق التجريم في كل من القانون الجنائي المغربي‬
‫)الفقرة الولى( والشريعة السلمية )الفقرة الثانية(‬
‫الفقرة الولى ‪ :‬السلطة المختصة بالتجريم في القانون الجنائي المغربي‬
‫ل يعد كل نص متضمن لمقتضيات جنائية نصا تشريعيا جنائيا تلتزم المحاكم بتطبيقه وإنما ينبغي زيادة على ذلك أن‬
‫يكون صادرا من الجهة أو السلطة المخول إليها التشريع في الميدان الجنائي دستوريا ‪1‬‬
‫ويقضي مبدأ الشرعية في الميدان الجنائي بأن تكون قواعد القانون الجنائي من مستوى القانون‪ ،‬أي أن تصدر عن‬
‫السلطة التشريعية الممثلة في مجلس النواب‪ ،‬ويسير الدستور المغربي في هذا التجاه‪ ،‬إذ أن الفصل ‪46‬منه ينص‬
‫صراحة في فقرته الثالثة على أن مجلس النواب يختص في " تحديد الجرائم والعقوبات الجارية عليها والمسطرة‬
‫الجنائية " ويمكننا هذا من تحديد الجهة المختصة في وضع قواعد القانون الجنائي في مجلس النواب وحده‪ ،‬عمل بمبدأ‬
‫الشرعية الذي ينص عليه الدستور في فصله ‪.2 10‬‬
‫ولكن مع ذلك فإن هناك بعض الستثناءات التي يجوز للسلطة التنظيمية بموجبها ممارسة صلحية التشريع على‬
‫أساس تفويض إداري من السلطة التشريعية أو على أساس تفويض تلقائي وبقوة القانون‪.‬‬
‫وبناء على الستثناء الول‪ ،‬فإنه " يمكن للبرلمان أن يأذن للحكومة أن تتخذ في ظرف من الزمن محدود ولغاية‬
‫معينة بمقتضى مراسيم تدبيرية يختص القانون عادة باتخاذها‪.‬‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬د‪ .‬عبد الواحد العلمي ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 93‬‬
‫‪ -2‬د‪ .‬محمد الملياني ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 123‬‬

‫وبناء على الستثناء الثاني يمكن للحكومة بين الدورات البرلمانية ودونما حاجة إلى إذن من البرلمان‪ ،‬ممارسة‬
‫صلحية التشريعية بواسطة مراسيم قوانين) الفصل ‪ 55‬من الدستور( إل أن رقابة السلطة التشريعية تبقى قائمة على‬
‫مراسيم القوانين هذه التي يتعين الحصول بشأنها على موافقة اللجان البرلمانية المعنية من جهة وعلى مصادقة‬
‫البرلمان عليها في أول دوراته العادية التالية لخر مرسوم قانون‪ ،‬من جهة أخرى‪.‬‬
‫وترتيبا على ذلك‪ ،‬يسوغ الستنتاج من خلل تحليل الفصول الدستورية أن الحكومة أو السلطة التنظيمية ل تتمتع‪،‬‬
‫خارج التفويض المشار إليه بأي اختصاص أصيل في التشريع‪ ،‬وبالتالي في التجريم والعقاب‪.‬‬
‫إل أن هذا الستنتاج ل يستقيم تماما والمقتضيات المنصوص عليها في الفصل ‪ 609‬الذي يسمح بالعقاب بغرامة‬
‫تتراوح ما بين ‪ 10‬و ‪ 120‬درهما‪ ،‬من يخالف مرسوما أو قرارا صدر من السلطة الدارية بصورة قانونية إذا كان هذا‬
‫المرسوم أو القرار لم ينص على عقوبات خاصة )الفقرة ‪(11‬أي أنه يسمح للسلطة الدارية بالقيام بعملية التجريم‪1.‬‬
‫ومع هذه الوضعية نتساءل عن جدوى التنصيص على عقوبة )الفصل ‪ 609‬الفقرة ‪(11‬منه التي تشكل تناقضا‬
‫لمضمون الفصل ‪45‬من الدستور مما يستوجب معه تدخل المشرع لتنسيق نصوص القانون الجنائي مع الدستور ‪2.‬‬
‫ومن جهة أخرى قد يتولى ملك المغرب التشريع في الميدان الجنائي بظهائر في الحالت التية ‪:‬‬
‫في حالة الستثناء طبقا للفصل ‪ 35‬من الدستور‪ ،‬ذلك أن إعلن حالة الستثناء تسمح للملك ‪-‬كما هو معلوم‪-‬‬ ‫•‬
‫بممارسة التشريع رغم وجود أي نص مخالف‪ ،‬في جميع الميادين و من ضمنها الميدان الجنائي‪.‬‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬محمد الملياني ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 124-123‬‬
‫‪ -2‬د‪.‬عبد السلم بنحدوت ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 110‬‬
‫حالة النيابة طبقا للفصل ‪ 71‬حيث يخول للملك تلفيا للفراغ الذي يحصل نتيجة لحل مجلس النواب‪ ،‬وفي انتظار‬ ‫•‬
‫انتخاب مجلس نيابي جديدا أن يمارس السلطة التي يختص بها مجلس النواب ضمن جملتها التشريع في النطاق‬
‫الجنائي‪.‬‬
‫في حالة النتقال طبقا للمادة ‪ 102‬من الدستور التي تخول للملك وإلى أن يتم تنصيب مجلس النواب المنصوص‬ ‫•‬
‫عليه في الدستور أن يتخذ كل الجراءات التشريعية اللزمة لقامة المؤسسات الدستورية ويسير السلطات العمومية‬
‫وتدبير شؤون الدولة ويدخل ضمنها بطبيعة الحال التشريع في الميدان الجنائي‪1.‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬مصادر التجريم في التشريع الجنائي السلمي‬
‫تعددت المصادر التشريعية التي بها تعرف الحكام منها ما هو مختلف فيه ومنها ما هو متفق عليه‪ ،‬فل خلف على‬
‫مصادر ثلث‪ ،‬القرآن‪ ،‬السنة‪ ،‬والجماع أما باقي المصادر وهي القياس والمصلحة – وتشمل الستحسان والمصلحة وسد‬
‫الذرائع والعرف –والستصحاب فمختلف عليها‪.‬‬
‫وسنقتصر في هذه الفقرة على القرآن والسنة والجماع والقياس‬
‫القرآن ‪ :‬هو مصدر هذه الشريعة الول‪ ،‬ومرجع كل أدلتها والصل الذي تفرع عنه كل ما جاء به محمد صلى‬ ‫‪.1‬‬
‫الله عليه وسلم ‪ .‬نصوصه قطعية الورود كما أنزلت على الرسول من ربه‪ ،‬حجة على كل مسلم ومسلمة واجبة التباع‬
‫أيا كان نوعها وهي على نوعين‪ :‬أحكام يراد بها إقامة الذين وتشمل أحكام العقائد والعبادات‪ ،‬وأحكام يراد بها تنظيم‬
‫الجماعة السلمية وتنظيم علقات الفراد فيما بينهم وتشكل أحكام المعاملت والعقوبات وغيرها‪.‬‬
‫وقد ذكر القرآن بعض الجرائم وبين عقوبتها وهي تلك التي يعد العتداء فيها أكبر اعتداء على الجماعة والفراد‪ ،‬لنه‬
‫اعتداء على ما هو ضروري في المصالح التي أوجب السلم حمايتها وهي‪ :‬حفظ النفس والدين والمال والنسل والعقل‪،‬‬
‫فالعتداء بالقتل والردة وقطع الطريق والزنا والقذف والشرب‪ ،‬اعتداء على ما هو‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬عبد الواحد العلمي ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 94‬‬
‫ضروري للحياة السلمية الكريمة بالنسبة لهذه المور الخمسة‪ ،‬فنص فيه على أكبر عقوبة لكبر جريمة ثم يكون التدرج‬
‫النزولي لمن يقيس على ما نص القرآن على عقوبته‪.‬‬
‫وقد ذكر القرآن في مواضع النهي جمل من المعاصي النسانية التي تعتبر رؤوسها‪ ،‬وبعض هذه المعاصي ذكره‬
‫بالنص‪ ،‬وهي تلك التي تمس مصلحة الجماعة مباشرة‪ ،‬ونص على بعض آخر بالتعميم‪ ،‬عبر عنه بالفواحش والبغي في‬
‫قوله تعالى في آية جامعة لمعاني السلم " إن الله يأمر بالعدل والحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء‬
‫والمنكر والبغي ويعضكم لعلكم تذكرون "‪1.‬‬
‫السنة ‪ :‬يطلق لفظ السنة على ما جاء منقول عن النبي صلى الله عليه وسلم على الخصوص‪ ،‬مما لم ينص‬ ‫‪.2‬‬
‫عليه في الكتاب العزيز‪ ،‬بل إنما نص عليه من جهته عليه الصلة والسلم‪ ،‬كان بيان لما في الكتاب أول‪.‬‬
‫ويطلق أيضا في مقابلة البدعة‪ ،‬يقال " فلن على بدعة " إذ عمل على خلف ما عمل عليه صلى الله عليه وسلم ‪. 2‬‬
‫وتنقسم السنة من حيث ذاتها إلى قولية وفعلية وتقريرية ول خلف بين علماء المسلمين الذين يعتد برائيهم في أن‬
‫السنة أصل من أصول التشريع ومصدر من مصادر الفقه‪ ،‬يجب الخذ بها والعمل بمقتضاها وإنها متى صحت نسبتها إلى‬
‫الرسول )ص( كانت كالقرآن في تحليل الحلل والحرام وقد دل على حجية السنة ما جاء في القرآن الكريم من المر‬
‫بطاعة رسول الله )ص( ثم ما ورد من الوعيد الشديد لمن خالفه يقول تعالى " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم‬
‫عنه فانتهون " سورة الحشر آية ‪ " 7‬من يطع الرسول فقد أطاع الله " سورة النساء الية ‪ 79‬إلى غير ذلك من اليات‬
‫الكثيرة التي تدل دللة قاطعة على حجية السنة في الجملة ووجوب العمل بها واعتبارها مصدرا من مصادر الشريعة ‪3‬‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬هبة أحمد مرجع سابق ‪ :‬ص ‪. 21-20‬‬
‫‪ -2‬الشاطبي " موافقة ‪ ،‬ص ‪ 4-3‬الجزء الرابع دار المعرفة بيروت الطبعة الولى بدون تاريخ ‪.‬‬
‫‪ -3‬د‪ .‬عبد الخالق أحمدون و د‪ .‬مرزوق آيت الحاج ‪ :‬مباحث في أصول الفقه ‪ ،‬ص ‪ 55-54‬مطبعة سبارطيل‬
‫‪. 2003‬‬
‫والسنة قد تكون مفصلة تبين المراد من القرآن وتقيد مطلقه وتفصل مجمله ‪ ..‬ذلك أن حد النصاب في السرقة مجمل‬
‫في قوله تعالى " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءا بما كسبا نكل من الله " مجمل في النصاب الذي يقطع به‪،‬‬
‫وشروط النصاب وشروط القطع‪ ،‬فجاءت السنة وبينت كل ذلك‪.‬‬
‫وإما قد تكون سنة متضمنة حكما سكت عنه القرآن وذلك مثل دية الجنين ومثل كون الديات تورث أو تكون للعصبة‪.‬‬
‫والسنة هي التي بينت طريق إثبات الجرائم الخاصة بالقصاص‪ ،‬فهي التي بينت أن القصاص يثبت بالقرار ويثبت‬
‫بشهادة رجلين ‪ ،‬ولم يثبت أن الرسول )ص( سوغ شهادة رجل وامرأتين‪.‬‬
‫والسنة هي التي بينت حد الشرب‪ ،‬وهي التي بينت طريقة إثبات الحدود في الجملة وطريق درئها بالشبهة‪ ،‬وماهية‬
‫الجريمة فيها ‪.‬‬
‫وبالجملة فإن النبي )ص( قد تركنا بعد أن بلغ رسالة ربه‪ ،‬وترك فينا ما أن أخذنا به ل نضل من بعده أبدا‪ ،‬ترك فينا‬
‫كتاب الله وسنته التي أصبحت مصدرا تشريعيا واجب التباع في قوله تعالى " وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم‬
‫فانتهوا" سورة الحشر ‪1‬‬
‫الجماع ‪ :‬هو اتفاق مجتهدي أمة محمد )ص( بعد وفاته في عصر من العصور‪ ،‬على حكم شرعي والمراد‬ ‫‪.3‬‬
‫بالتفاق الوارد في التعريف الشتراك في العتقاد أو القول أو الفعل‪.‬‬
‫وأساس الجماع هو القرآن والسنة واعتباره مصدرا تشريعيا مرده إلى نصوصهما ففي قوله تعالى " يأيها الذين آمنوا‬
‫أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي المر منكم " وقال الرسول )ص( " ل تجتمع أمتي على خطأ " وقال " لم يكن الله‬
‫ليجمع أمتي على ضللة " ‪2‬‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬هبة أحمد مرجع سابق ‪ :‬ص ‪. 22‬‬
‫‪ -2‬د‪ .‬عبد الخالق أحمدون و د‪ .‬مرزوق أيت الحاج ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 64‬‬

‫وقد ثبتت بعض العقوبات بإجماع الصحابة‪ ،‬فحد الشارب قد أجمعوا عليه وثبت بإجماعهم‪ ،‬ومن المسائل أيضا التي‬
‫ثبتت بالجماع قتال المرتدين واعتبار مانع الزكاة إن كان من جماعة لها قوة ومنعة من المرتدين‪ ،‬وأجمع الصحابة على‬
‫أن القتل بالسوط أو ما يشبهه مما ل يقتل به عادة ل قصاص فيه‪.‬‬
‫وقد سلم الفقهاء بإجماع الصحابة خصوصا في عهد عمر رضي الله عنه‪ ،‬فقد منع الصحابة من الخروج إلى المصار‬
‫لينتفع من علمهم ولكيل يفتن الناس بهم فكان الجماع ممكنا‪،‬أما بعد الصحابة فكان الجماع بعيد الحصول لنه ل ينعقد‬
‫إل بعلماء المة المجتهدون في عصر من العصور مهما تباعدت المصار‪ ،‬ولهذا أنكر الشافعي وأحمد وقوعه ‪1.‬‬
‫القياس ‪ :‬هو المصدر الرابع من مصادر التشريع‪ ،‬أرشد إليه القرآن في مواضع كثيرة تارة دل عليه بوجوب‬ ‫‪.4‬‬
‫العمل به‪ ،‬وتارة بذكر علل للحكام وتارة بضرب المثال كما أرشدت إليه السنة الكريمة‪ ،‬وقد ثبت أن الرسول )ص(‬
‫قاس حتى بلغت أقسيته ما يزيد على المائة‪ ،‬ويعتبر القياس أهم مصادر التشريع السلمي‬
‫والقياس هو إلحاق أمر لم ينص على حكمه في كتاب أو سنة أو الجماع‪ ،‬بأمر نص عليه في إحداها لشتراكهما في‬
‫علة الحكم ‪2‬‬
‫وكما سبق وأشرنا فالنصوص الشرعية غالبا ما ترد مقترنة بذكر علة الحكم أو المصلحة التي شرعت لجلها مما يدل‬
‫على أن أحكام الله تدور مع مصالح العباد وإرشاد المسلمين إلى قياس ما لم يرد فيه نص بما ورد فيه‪.‬‬
‫وثبوت التعزير بالقياس أمر ل خلف عليه‪ ،‬لنه كله مبنى على تقدير ولى المر أو تقدير القاضي الذي يفوض إليه‬
‫ذلك …ولكن الخلف في جواز القياس في الحدود والقصاص … فمن قائل بجوازها لن القياس من طرق الستنباط‬
‫الصحيح وطرق القضاء العادل ومن قائل أن الحدود والقصاص ل تثبت في جرائم بالقياس لن المور المقدرة ل يدخل‬
‫فيها القياس ‪3 .‬‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬هبة أحمد مرجع سابق ‪ :‬ص ‪. 23‬‬
‫‪ -2‬د‪ .‬عبد الخالق أحمدون و د‪ .‬مرزوق آيت الحاج ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 73-72‬‬
‫‪ -3‬د‪ .‬هبة أحمد ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 24‬‬

‫و من أمثلة القياس‪:‬‬
‫‪ -‬تحريم النبيذ قياسا على الخمر وذلك لشتراكهما في العلة وهي السكار‬
‫‪ -‬وقد حكم أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه بقتل الجماعة الذين قتلوا واحد‪ ،‬إذ توقف عمر في قتل‬
‫الجماعة بالواحد قال له علي أرأيت يا أمير المؤمنين لو أن جماعة اشتركوا في سرقة جزور و ذبحوه فأخذ هذا عضوا‬
‫وهذا عضوا أكنت قاطعهم؟ قال نعم‪ ،‬فكذا لك هذا فأمر بقتلهم ‪.‬‬
‫‪ -‬قول علي في شرب الخمر أنه إذا شرب سكر وإذ سكر هذى وإذ هذى افترى‪ ،‬فحده حد المفترين‬
‫‪ -‬قياس عمر الخمر على الشحم‪ ،‬وأن تحريمها تحريم لثمنها‪.‬‬
‫وهذه بعض المثلة التي تدل دللة قاطعة على العمل بالقياس‬
‫إن نصوص القرآن والسنة محدودة متناهية لنتهاء الوحي‪ ،‬وحوادث الناس وأقضيتهم غير محدودة ول متناهية‬
‫والمتناهي ل يفي بأحكام غير المتناهي‪ ،‬فل سبيل إلى إعطاء الوقائع الجديدة حكمها في ضل الشريعة السلمية التي‬
‫جعلها الله خاتمة الشرائع السماوية‪ ،‬وتعهد بها البشر إلى يوم القيامة‪ ،‬إل عن طريق القياس وبذلك تكون الشريعة‬
‫صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان وفية بحاجات الناس المتجددة ومستجيبة لمطالب المم المختلفة ومحققة‬
‫لسعادتها على أكمل وجه ‪1‬‬
‫وهكذا إذا كانت القوانين الوضعية توضع من طرف النسان الذي تغلب عليه الهواء والشهوات فإن واضع أحكام‬
‫الشريعة السلمية هو خالق هذا الكائن النساني‪ ،‬العليم بما يصلحه ويصلح له‪ ،‬وهو المطلع على خفايا تكوينه وتركيبه‪،‬‬
‫وخفايا الملبسات الرضية والكونية كلها في مدى الحياة البشرية كذلك‪.‬‬
‫فإذا وضع له منهجا كان ملحوظ في هذا المنهج كل هذه العوامل التي يستحيل على البشر أفرادا ومجتمعين في‬
‫جيل من الجيال وفي جميع الجيال كذلك أن يطلعوا عليها لن بعضها في حاجة إلى استحضار جميع التجارب والظواهر‬
‫للحياة البشرية في جميع أجيالها السابقة والحاضرة والمستقبلية التي لم توجد بعد‪.‬‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬د‪ .‬عبد الخالق أحمدون و د‪ .‬مرزوق أيت الحاج ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 79‬‬
‫وهذا مستحيل وبعضها في حاجة إلى الطلع على كل خفايا الكون المحيط بالنسان ‪ ،‬وهذا مستحيل كذلك وذلك إلى‬
‫قصور الدراك البشري ذاته عن الحكم الصحيح المطلق حتى على ما يمكن أن تستحضر فيه التجارب والظواهر‪ ،‬لنه‬
‫محكوم بطبيعته الجزئية ‪-‬غير المطلقة‪ -‬ومحكوم بالهوى والضعف ومن ثم يقول الله )ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت‬
‫السماوات ولرض( ويقول جل قدرته )ثم جعلناك على شريعة من المر فاتبعها ول تتبع أهواء الذين ل يعلمون( ‪1‬‬
‫كما أن الحكام التي جاء بها الرسول )ص( الذي ل ينطق عن الهوى ما هي إل وحي يوحى‪.‬‬
‫أما الجماع فقد أكد الرسول )ص( على عدم اجتماع أمته على خطأ ‪.‬‬
‫ويبقى القياس أهم اختلف بين الشريعة السلمية والقانون الجنائي المغربي الذي يحرم القياس في المادة الجنائية‬
‫هو بدوره –أي القياس‪-‬تحكمه قواعد وضوابط فقهية دقيقة حتى ل يخضع القياس لهواء المجتهدين مما يترتب عليه‬
‫الخروج عن مقاصد الشريعة‪.‬‬
‫إن الحكام الفقهية السلمية بالضافة إلى كونها أحكام قانونية تحكم علقات الناس بعضهم مع بعض‪ ،‬هي أحكام‬
‫دينية تستمد من الوحي مباشرة أو من طرق الستنباط ارشد الوحي إلى جواز العمل بها ولعتماد عليها‪ ،‬وتستوي في‬
‫ذلك الحكام الجنائية في الفقه السلمي مع الحكام غير الجنائية فيه ‪2‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬ضوابط التجريم‬
‫كيف يتحدد تجريم فعل من الفعال وعلى أي أساس ؟ هل هناك شيء في الطبيعة الداخلية للفعل تمكن من الجزم‬
‫بأن المر يتعلق بجريمة أو ل ؟ أو بمعنى أوضح ما هي الضوابط التي على المشرع مراعاتها‪.‬‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬خالد عبد الحميد فراج ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 65 - 64‬‬
‫‪ -2‬محمد سليم العوا ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 49-48‬‬

‫تعددت الجوبة الفقهية على هذه السئلة‪ ،‬ويمكن حصرها في فكرتين أساسيتين أولهما ‪ :‬الضرورة وثانيهما ‪ :‬العدل‪.‬‬
‫الفقرة الولى ‪ :‬الضرورة‬
‫ينصرف مفهوم الضرورة إلى ما يفيد أن المشرع يجب أن أل يجرم سلوكا أو يؤثم تصرفا إل إذا كانت هناك ضرورة‬
‫تقتضيه‪ ،‬بحيث ل تمتد يد المشرع التجريمية إل على الفعال التي تمثل بغيا واعتداء على المصالح والقيم الجتماعية‬
‫والسياسية والقتصادية التي يستهدف حمايتها نص التجريم‪.‬‬
‫ومن هنا كانت الضرورة في التجريم إحدى الضوابط الشرعية في مجال الحماية الجنائية لحقوق النسان‪1.‬‬
‫وعلى هذا النحو إذا كان ارتباط التجريم بالضرورة يمثل أحد أسس وضوابط شرعيته‪ ،‬فإن هذه الخيرة تستلزم‬
‫توافر أمرين ‪:‬‬
‫أن تكون المصلحة جديرة بالحماية الجنائية ‪.‬‬ ‫•‬
‫ضرورة أن يمثل السلوك المؤثم بغيا حقيقيا وجسيما على المصلحة المحمية جنائيا ‪.‬‬ ‫•‬
‫إل أن عنصر الضرورة وعلى رغم أهميته فإنه ل يكفي دائما لرسم الخط الفاصل بين الممنوع والمباح لذلك فقد‬
‫تعرض لمجموعة من النتقادات من عدة أوجه ‪:‬‬
‫‪ -‬فمن جهة‪ ،‬يرتبط مضمون الضرورة بالزمان‪ ،‬وليست ضرورة المس هي ضرورة اليوم‪ ،‬فإذا كانت هناك أفعال نتفق‬
‫مع أسلفنا على ضرورة تجريمها‪ ،‬فإننا نختلف معهم حول تجريم أفعال أخرى‪2.‬‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬خيري أحمد الكباش ‪ :‬الحماية الجنائية لحقوق النسان ( دراسة مقارنة ) ص ‪ 388‬طبعة ‪. 2002‬‬
‫‪ -2‬محي الدين أمزازي ‪ :‬العقوبة ‪ ،‬ص ‪. 229‬‬

‫‪-‬ومن جهة أخرى‪ ،‬تفتقر فكرة الضرورة لعناصر مضبوطة ومحددة تجعل الجماع عليها في زمان معين ممكنا‪ ،‬فإذا ما‬
‫أخذنا مثل جريمة الجهاض فإننا نجد تداخل العديد من العتبارات التي تتباين من مجتمع إلى آخر ومن زمان إلى آخر‪،‬‬
‫فمن الواضح أن تجريم كل أشكال الجهاض يجد في العتبارات الخلقية والدينية سندا له‪ ،‬لكنه ينتج في نفس الوقت‬
‫آثار سلبية على مفهوم الحرية الفردية ول يراعي ضرورة المحافظة على صحة وحياة الم كما ذهب إلى ذلك العديد من‬
‫التشريعات الجنائية الحديثة‪.‬‬
‫وأخيرا فإنه ل يمكن القبول بفكرة الضرورة كمعيار للتجريم‪ ،‬إل إذا تبين بوضوح أن تحديد الضرورة يقوم على‬
‫مقياس مقبول ‪.‬‬
‫إن كل هذه العتبارات دفعت بالعديد من التشريعات الجنائية الحديثة إلى الستعاضة عن المعيار السابق بمعيار آخر‬
‫هو معيار العدل ‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬العدل‬
‫فرضت فكرة العدل نفسها كمعيار وضابط للتجريم إثر بروز سلبيات وحدود معيار الضرورة‪ ،‬ومؤدى هذه الفكرة ‪:‬‬
‫أن المشرع عليه أل يجرم سوى الفعال التي تقوي معاقبتها الحساس الجماعي بالعدل‪ 1.‬وقد عرف التنظير لهذا‬
‫المعيار تطورا جعله يبتعد تدريجيا عن المجال الخلقي ليلتحم بفكرة الديمقراطية وحقوق النسان‪.‬‬
‫وهكذا فقد كانت النظرية الولى ترى في القانون الجنائي صياغة متطورة لقواعد الخلق‪ ،‬بالنظر إلى العلقة‬
‫الوطيدة التي تجمع بين التشريع الجنائي والخلق والدين‪ ،‬هذا الخير شكل مبادئ وقيم من قبل العدل إحدى أهم‬
‫مرتكزاته وتوجهات إصلحية‪.‬‬
‫فإذا ما سلمنا بالمكانة الخاصة التي يتبوؤها السلم باعتباره الدين الرسمي للدولة‪ ،‬وكمرجع دائم للقانون وكمنبع‬
‫ينهل منه المجتمع والفراد‪ ،‬الضوابط الفاصلة بين الحلل والحرام‪ ،‬فإننا نجد بأن فكرة العدل بمختلف تجلياتها شكلت‬
‫قبلى للمشرع الجنائي عند وضعه للقواعد الجنائية‪ ،‬وهاجسا ذا أهمية بالغة في تجريمه لفعال‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬محي الدين أمزازي ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 231‬‬
‫وسلوكات الفراد والجماعات على القل بالنسبة للجرائم التقليدية‪ ،‬أو هذا ما قد يبدوا في ظاهر المر‪.‬‬
‫أما النظرية الثانية‪ ،‬فقد اعتمد أصحابها على تبرير العدل كمعيار للتجريم انطلقا إما من مفهوم الديمقراطية أو من‬
‫مفهوم حقوق النسان ‪.‬‬
‫فبالنسبة للتيار الول الذي يربط بين العدل والديمقراطية‪ ،‬فقد ظهر كنتيجة لفصل الدولة عن الدين وفشل معيار‬
‫الضرورة في تحقيق العدل وحماية الحقوق والحريات وينطلق أصحاب هذا التيار من اعتبار الديمقراطية الساس الذي‬
‫يسمح بالتعبير عن مفهوم العدل وتحديده‪ ،‬لذلك فهم يؤكدون بأن أي مجتمع ديمقراطي ل يمكن أن يقبل سوى بتجريم‬
‫الفعال والتصرفات التي تشكل اعتداء على القيم المعتبرة أساسية من طرف أغلبية المواطنين‪ ،‬وليس تلك القيم أو‬
‫المصالح التي كان يرى سلفهم ضرورة الحفاظ عليها‪ ،‬وهو ما يعني إمكانية تنظيم مراجعة منتظمة لمضمون القانون‬
‫الجنائي والسهر على مسايرته للحساس الجماعي بالعدل‪.‬‬
‫أما التيار الثاني الذي يربط فكرة العدل بحقوق النسان‪ ،‬فقد ظهر كرد فعل ضد التجاوزات والتعسفات التي شهدها‬
‫القانون الجنائي في بعض الدول حيث استغلت القانون لفرض سلطتها وحماية مصالح الطبقة المهيمنة‪ ،‬وتذرعت‬
‫بالضرورة لبسط يدها التجريمية على حقوق وحريات الفراد‪.‬لذلك نادى أصحاب هذا التيار بمراعاة حقوق النسان‬
‫وضمانها وحمايتها من خلل مراقبة دستورية القوانين الجنائية من جهة‪ ،‬وإلزام المشرع بما تنص عليه المواثيق الدولية‬
‫من جهة ثانية‪.‬‬
‫المبحث الرابع ‪ :‬المصالح المحمية بالتجريم‬
‫يشكل حفظ المصالح والقيم الساسية التي يتعلق بها المجتمع أو تلك التي يحددها المشرع أهم أهداف سياسة‬
‫التجريم‪ ،‬سواء في القانون الجنائي المغربي )المطلب الول ( أو في الشريعة السلمية )المطلب الثاني(‪ .‬على أن‬
‫حفظ النظام العام يعتبر من أهم هذه الهداف‪ ،‬بالرغم من تباين مقوماته وأسسه بين النظام الجنائي السلمي من‬
‫جهة والنظام الجنائي المغربي من جهة ثانية )المطلب الثالث ( ولوضع اليد على هذا التباين ندرج بعض النماذج‬
‫التجريمية المبنية لذلك )المطلب الرابع(‪.‬‬
‫المطلب الول ‪ :‬أهداف التجريم في القانون الجنائي المغربي‬
‫تتيح سياسة التجريم للدولة السيطرة على إنتاج القواعد الجنائية التي تحكم أفعال النسان‪ ،‬وذلك بهدف حماية‬
‫المصالح المشتركة بين جميع أفراد المجتمع‪ ،‬تجنبا لي صراع بين هؤلء بسبب تباين القيمة الحقيقية لمصالحهم الخاصة‬
‫بالنظر إلى المصلحة العامة‪1 .‬‬
‫وانطلقا من هذا العتبار‪ ،‬فإن الدولة تراقب دائما سلوك الفراد إزاء المصالح المحمية قانونا‪ 2 ،‬ما إذا كان هذا‬
‫السلوك يستحق العقاب فترفع الصفة الشرعية عليه لتجريمه‪ ،‬أو ل يستحق العقاب فترفع صفة التجريم عليه وتجعله‬
‫مباحا‪.‬‬
‫والمشرع يلجئ إلى تجريم أفعال وسلوكات معينة بغية حماية مجموعة من المصالح والقيم السياسية والقتصادية‬
‫والجتماعية ‪.‬‬
‫بالنسبة للمصالح السياسية ‪ :‬يمكن إجمالها عموما في حماية النظام السياسي القائم بمختلف عناصره ومرتكزاته‪،‬‬
‫باعتباره أهم الركائز التي تعبر عن سيادة الدولة واستقللها‪ .‬ولحماية هذه المصالح جرم المشرع كل اعتداء يطالها وهو‬
‫ما تجسده جرائم أمن الدولة الداخلي والخارجي بصفة عامة‪ ،‬فالمشرع حين جرمها أخذ في اعتباره البعاد الخطيرة‬
‫لهذا النوع من الجرائم‪ ،‬ومن ثم كانت العقوبات المخصصة لها هي الخرى جد قاسية قد تصل إلى العدام‪.‬‬
‫أما المصالح القتصادية‪ ،‬فتتمثل في كل مصلحة يؤدي العتداء عليها إلى المساس بالقتصاد الوطني‪ ،‬كما هو الشأن‬
‫بالنسبة لجرائم التهريب الجمركي‪ ،‬وتزييف النقود‪ ،‬والتملص الضريبي‪ ،‬فالعامل القتصادي كان حاضرا بقوة لدى‬
‫المشرع المغربي أثناء إضفاءه الحماية الجنائية على هذا النوع من المصالح‪ ،‬ففي جريمة تزييف النقود مثل من شأنها‬
‫أن تؤدي إلى التضخم القتصادي وإلى عدم ثقة الجمهور في العملة الوطنية‪ ،‬و تدهور قيمتها النقدية‪ ،‬وهو ما يؤثر‬
‫بشكل سلبي على القتصاد الوطني وعلى استقرار المجتمع ككل‪.‬‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬د‪ .‬محمد التغدويني ‪ :‬إشكالية التجريم في التشريع الجنائي المغربي ‪ ،‬ص ‪ 1‬مطبعة فاس بريس ‪. 2002‬‬
‫‪ -2‬د‪ .‬محمد التغدوني ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪1‬و ‪. 2‬‬
‫وأخيرا‪ ،‬فإن المصالح الجتماعية مما تمثله من مفاهيم ثقافية وتاريخية وفلسفية‪ ،‬تمارس هي الخرى تأثيرا ملحوظا‬
‫على المشرع عند وضعه لسياسة التجريم‪ ،‬ويتضح ذلك من خلل تجريم العديد من الفعال الماسة بهذا النوع من‬
‫المصالح مثل جرائم الجهاض وإهمال السرة‪ ،‬وجرائم الخلق العامة وجرائم المساعدة على النتحار وعدم تقديم‬
‫المساعدة لمن كان في خطر‪ ،‬وغيرها من الجرائم‪.‬‬
‫وعلى العموم‪ ،‬فإن الدوافع والعوامل الموجبة للتجريم‪ ،‬تختلف باختلف طبيعة المصالح المستوجبة للحماية الجنائية‪،‬‬
‫فالمشرع حين يقوم بعملية التجريم يكون متأثرا بثلث عوامل تشكل محاور أساسية هي المحور السياسي والمحور‬
‫القتصادي والمحور الجتماعي‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬مقاصد التجريم في التشريع الجنائي السلمي‬
‫لم يضع الشارع الحكيم الحكام الشرعية التجريمية اعتباطا‪ ،‬وإنما قصد بها تحقيق مقاصد عديدة‪ ،‬ومقاصد التجريم‬
‫في الشريعة السلمية تدخل ضمن المقاصد الشرعية العامة‪.‬‬
‫ومقاصد الشريعة كما يعرفها الفقهاء هي " المعاني والهداف الملحوظة للشرع في جميع أحكامه أو معظمها‪ ،‬أو‬
‫هي الغايات من الشريعة‪ ،‬والسرار التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكامها "‪1.‬‬
‫وقد حصر علماء الصول مقاصد الشارع العامة من التشريع في ثلثة أصناف هي‪ :‬حفظ الضروريات‪ ،‬وتوفير الحاجيات‪،‬‬
‫وتحقيق التحسينات‪.‬‬
‫وترتبط مقاصد التجريم وأهدافه في الشريعة السلمية بالصنف الول من هذه المقاصد وهو حفظ الضروريات وإقامتها‪.‬‬
‫والضروريات كما يعرفها بعض الفقه هي ‪ " :‬كل أمر ضروري تقوم عليه حياة الناس ولبد منه لستقامة مصالحهم‪،‬‬
‫فإذا فقد اختل نظام حياتهم وعمت الفوضى‬
‫وانتشر الفساد "‪ 2‬أو هي ‪ " :‬ما لبد منها في قيام مصالح الدين والدنيا‪ ،‬بحيث إذا‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬د‪ .‬عبد الخالق أحمدون ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 126‬‬
‫‪ -2‬عبد القادر عودا ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 203‬‬
‫فقدت لم تجري مصالح الدنيا على استقامة‪ ،‬بل على فساد وتهارج وفوت حياة وفي الخرى فوت النجاة والنعيم‪،‬‬
‫والرجوع بالخسران المبين‪1".‬‬
‫وتنسحب الضروريات إلى حفظ خمس مصالح أساسية تشكل في مجموعها مقاصد التجريم وأهدافه‪ ،‬فيما يعرف‬
‫عند الفقهاء بالكليات الخمس وهي تشمل‪:‬‬
‫حفظ الدين‬ ‫•‬
‫حفظ النفس‬ ‫•‬
‫حفظ العقل‬ ‫•‬
‫حفظ النسل‬ ‫•‬
‫حفظ المال‬ ‫•‬
‫إن حفظ هذه العتبارات الخمس تشكل فلسفة التجريم وغاياته في التشريع الجنائي السلمي‪ ،‬وهي تشكل مجتمعة‬
‫مختلف المصالح والقيم التي عملت التشريعات الجنائية الحديثة الوطنية والمقارنة على حفظها وحمايتها‪ ،‬بل إنها تزيد‬
‫عليها في بعض العناصر‪ ،‬بحيث تقدم مفهوما راقيا ومتطورا لحفظ بعض هذه المصالح خاصة ما يتعلق بالجانب الخلقي‬
‫والتربوي والجتماعي‪.‬‬
‫وحاصل القول هنا‪ ،‬أن مختلف المصالح والقيم المستهدفة بالحماية في التشريعات الجنائية الحديثة سواء تعلق‬
‫المر بالمصالح السياسية أو القتصادية‪ ،‬أو الجتماعية‪ ،‬قد شملها المشرع السلمي بالحفظ والحماية من خلل عنايته‬
‫بترسيخ العناصر الخمس السالفة وحمايتها‪.‬‬
‫فحفظ الدين باعتباره أهم مقوم في حياة الناس وركيزة الركائز في كيان المجتمع‪ ،‬هو ما يعبر عنه اليوم بالمصالح‬
‫السياسية‪ ،‬وقد شرع لحفظه أمور عديدة ‪ 2‬منها تجريم كل اعتداء قد يطاله‪ ،‬فكانت جرائم الردة‪ ،‬وجرائم الحرابة‪،‬‬
‫وجرائم نشر البدع وتشكيك الناس في عقيدتهم‪ ،‬وجرائم الخروج عن الجماعة و شق عصا الطاعة وموالة أعداء‬
‫المسلمين وغيرها من الجرائم التي وجدت لحفظ الدين وصونه‪.‬‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬الشاطبي ‪ :‬الموافقات ‪ ،‬ص ‪ 8‬الجزء الثاني دار المعرفة بيروت لبنان بدون طبعة ‪.‬‬
‫‪ -2‬الشاطبي ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.9-8‬‬

‫أما حفظ النفس‪ ،‬والعقل والنسل‪ ،‬فهي ما يعرف بالمصالح الجتماعية وقد شرع لحفظ الولى‪ ،‬جرائم القتل والجرح‬
‫عمدا وخطأ‪ ،‬وشرع لحفظ العقل‪ ،‬جرائم شرب الخمر وتناول المخدرات‪ .‬فيما شرع لحفظ النسل‪ ،‬جرائم القذف‬
‫وجرائم الجهاض وجرائم الزنى والشذوذ‪.‬‬
‫وأخيرا‪ ،‬فإن حفظ المال‪ ،‬يمثل ما يعرف في التشريعات الجنائية الحديثة بالمصالح القتصادية‪ ،‬وقد وجد لحفظه‬
‫جرائم السرقة والختلس وجرائم أكل مال الغير وجرائم إتلف أموال الناس ‪.‬‬
‫وخلصة القول فيما تقدم‪ ،‬أن نظام التجريم في الشريعة السلمية‪ ،‬وجد لتحقيق مجموعة من المقاصد والهداف‪،‬‬
‫تجسدت في حماية المصالح السياسية والقتصادية والجتماعية داخل الدولة المسلمة‪.‬‬
‫السلمي‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬موقع النظام العام في التشريعين الجنائيين المغربي و‬
‫ترددت فكرة النظام العام كثيرا على ألسنة رجال القانون وفي كتابات الفقهاء‪ ،‬ورغم شيوع هذا اللفظ وكثرة‬
‫استخدامه‪ ،‬استعصى أمر تعريفه على من قام بمحاولت في هذا الباب‪ 1 ،‬إل أن بعض الفقه حاول تقريب هذا المفهوم‬
‫إلى الذهان وعرف النظام العام بأنه" مجموعة من السس السياسية والقتصادية والجتماعية والخلقية التي يقوم‬
‫عليها كيان المجتمع "‪.‬‬
‫وتحظى فكرة النظام العام بمركز متميز في سياسة التجريم سواء في القانون الجنائي المغربي‪ ،‬أو في الشريعة‬
‫السلمية‪.‬إل أن تعامل التشريعين الجنائيين السلمي والمغربي مع هذا المفهوم تباين بشكل واضح‪ ،‬فما يعتبر من‬
‫صميم النظام العام في الشريعة السلمية‪ ،‬قد ل يعتبر كذلك من منظور القانون الجنائي المغربي‪.‬‬
‫ومقتضى ذلك‪ ،‬أن التشريع الجنائي السلمي جاء بمفهوم متميز لفكرة النظام‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬بقراءة الفصول المنصوص عليها في الباب الثالث و الرابع الجزء الول من الكتاب الثالث من القانون الجنائي‬
‫المغربي ‪ ،‬و أيضا الفصل ‪ 609‬من نفس القانون المتعلق بالجرائم المرتكبة ضد النظام العام ل نلمس أية إشارة‬
‫تفيد المقصود من هذا النظام في التشريع الجنائي المغربي ‪ ،‬بل إنه كثيرا ما تم الخلط بينه و بين المن العام‬
‫من جهة أو بينه و بين التقة العامة من جهة أخرى ( د‪ .‬محمد التغدويني ‪ :‬إشكالية التجريم ‪ ،‬ص ‪ ) 155 – 154‬و‬
‫على الرغم من أن التعريفات هي ليست غالبا من عمل المشرع ‪ ،‬بل من وضع و اجتهاد الفقه و القضاء فإنه كان‬
‫لزاما على المشرع الجنائي المغربي أن يحدد و بدقة المقصود من النظام العام ظ‪ ،‬نضرا لخطورة للجرائم‬
‫المدرجة ضمنه على حريات و حقوق الفراد من جهة و منعا لكل تعسف أو توسع في تحديد مفهومه من قبل‬
‫السلطة التنفيذية من جهة أخرى ‪.‬‬

‫العام عند تجريمه لفعال وسلوكات المكلفين‪ ،‬حيث يرتبط النظام العام في القانون‬
‫الجنائي السلمي بحماية مصالح الجماعة وحفظ كيانها‪ ،‬وصيانة دعائم وأسس المجتمع السلمي من كل اعتداء عليها‪،‬‬
‫فالجرائم المعتبرة من النظام العام في الشريعة يأمر بها أو ينهى عنها لن في إتيانها أو تركها ضرر بنظام الجماعة‪ ،‬أو‬
‫عقائدها أو بحياة أفرادها‪ ،‬أو بأموالها‪ ،‬أو بأعراضهم أو بغير ذلك من شتى العتبارات التي تستوجب حال الجماعة‬
‫صيانتها وعدم التفريط فيها‪1.‬‬
‫ولذلك شرعت جرائم الحدود وتشدد الشارع الحكيم في العقاب عليها‪ ،‬لما يمثله هذا النوع من الجرائم من مساس‬
‫مباشر بكيان المجتمع‪ ،‬وخرقا فادحا لسسه الخلقية والجتماعية بل وحتى السياسية‪ ،‬ومن ثم كان العقاب عليها حقا‬
‫لله تعالى‪ ،‬لنه لم يقصد به نفع فرد معين‪ ،‬وليس للفراد حكاما أو محكومين حق إسقاطه أو العفو عنه‪.‬‬
‫وقد ل يحيد مفهوم النظام العام عند المشرع الجنائي المغربي عن هذا المعنى‪ ،‬إذ ينطوي مفهوم النظام العام في‬
‫القانون الجنائي المغربي على حماية نظام الجماعة وحفظ مقوماتها‪ .‬إل أن البين بين التشريعين الجنائيين في هذا‬
‫الطار يتمثل في تحديد مضمون النظام العام‪ ،‬أو بمعنى آخر تحديد الجرائم المعتبرة من النظام العام في كل‬
‫التشريعين‪ ،‬وكذا نوع المصالح والقيم التي تحميها جرائم النظام العام‪.‬‬
‫فإذا كان الشارع السلمي قد وازن عند وضعه لجرائم النظام العام بين حماية المصالح السياسية )جرائم البغي مثل‬
‫( والجانب الخلقي )جرائم الزنى والقذف… ( والجانب الجتماعي )شرب الخمر والقذف …( فلم يرجح بالحماية‬
‫الجنائية إحدى هذه العتبارات الثلث دون الخرى‪ ،‬فإننا نجد بأن المشرع المغربي مال في تحديد الجرائم الماسة‬
‫بالنظام العام إلى حماية العتبار السياسي بالدرجة الولى‪ .‬وهو ما أتاح للسلطة التنفيذية التلويح بعصا النظام العام في‬
‫وجه الفراد في كل صغيرة وكبيرة‪ ،‬خاصة فيما يعرف بالجرائم الماسة بالنظام العام من طرف الفراد‪2.‬‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬عبد القادر عودة ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 68‬‬
‫‪ -2‬تتمثل الجرائم الماسة بالنظام العام من طرف الفراد في صورتين ‪ :‬أ – جرائم اعتداء الفراد على المرافق العامة‬
‫ب – جرائم اعتداء الفراد على النظام العام القتصادي ‪.‬‬

‫أما اختلف التشريعين في تحديد الجرائم المعتبرة من النظام العام‪ ،‬فإننا نجد بأن هناك العديد من الجرائم التي‬
‫أدرجها القانون الجنائي السلمي في خانة جرائم النظام العام كجرائم الزنى وشرب الخمر وجرائم الردة‪ ،‬أي الجرائم‬
‫المرتبطة خصوصا بالجانب الخلقي والديني‪ ،‬هي ليست كذلك في القانون الجنائي المغربي‪ ،‬حيث تهاون هذا الخير في‬
‫التجريم والعقاب على هذا النوع من الجرائم رغم خطورته الواضحة على كيان المجتمع واستقراره‪ ،‬فكان كنتيجة حتمية‬
‫لذلك أن تزايد معدل هذا النوع من الجرائم في المجتمع المغربي بشكل مخيف‪.‬‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬نماذج تجريمية لختلف المصالح المحمية في القانون الجنائي المغربي‬
‫و الشريعة السلمية‬
‫سنحاول أن نبين في هذا المطلب الختلف الواضح بين الشريعة السلمية والقانون الجنائي المغربي من خلل‬
‫جريمة الزنا وجريمة الخمر‪.‬‬
‫الفقرة الولى ‪ :‬جريمة الخمر في التشريعين الجنائيين السلمي والمغربي‬
‫أول ‪ :‬جريمة الخمر في القانون الجنائي المغربي‬
‫ينص الفصل الول من المرسوم الملكي رقم ‪ 724-66‬في شعبان ‪ 1378‬الموافق ‪ 14‬نونبر ‪ 1967‬بمثابة قانون‬
‫يتعلق بالمعاقبة على السكر العلني على أنه " يعاقب بالحبس لمدة تتراوح بين شهر واحد وستة أشهر وبغرامة يتراوح‬
‫قدرها بين ‪ 500-150‬درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين‪ ،‬فقط كل شخص وجد في حالة سكر في الزقة والطرق أو‬
‫المقاهي أو الكبريات أو في أماكن أخرى عمومية أو يغشاها العموم"‬
‫ويمكن أن تضاعف العقوبتان إذا تسبب الشخص الموجود بحالة سكر في ضوضاء تقلق راحة العموم‪.‬‬
‫ويفهم من هذا أن المشرع المغربي يشترط لقيام جريمة السكر أن يكون علنيا وفي مكان عمومي حتى يعاقب عليه‬
‫القانون ‪1.‬‬
‫_________________‬
‫‪ -1‬د‪ .‬حسوني قدور أبو موسى ‪ :‬القانون الجنائي المغربي و الشريعة السلمية – تطابق و اختلف – ص ‪183‬‬
‫مطبعة الطلل وجدة ‪. 1986‬‬
‫كما أن الشخص إذا تناول شرابا مسكر في منزله أو في متجره‪ ،‬وكان سكره بينا فل جريمة ول عقوبة‪.‬‬
‫إن من يجيل النظر في تشريعات الخمور بالمغرب سيلحظ أن المشرع حاول الظهور بمظهر الممتثل للشريعة‬
‫السلمية من خلل تجريم بيع الخمور للمغاربة المسلمين وسكت في نفس الوقت عن شرب الخمور فلم يمنعها ولم‬
‫يعاقب عليها إل إذا بلغ الشرب حد السكر البين الظاهر والعلني‪ ،‬ونظم صناعة الخمور وترويجها ووضع قواعد لتقطيرها‬
‫واحتكارها والترخيص لترويجها‪.‬‬
‫إن السياسة الجنائية في مجال الخمور غير واضحة في المغرب‪ ،‬وإنها موسومة بالغموض والتذبذب‪ ،‬ويحكمها منهج‬
‫الملوذة والحيلة‪ ،‬فل يمكن القول أن المشرع في مصالحة مع الخمور لن هناك نصوصا تنقض هذا القول فالمشرع‬
‫المغربي لم يبح بصورة صريحة ومباشرة تقديم الخمور وبيعها للمغاربة المسلمين كما فعلت تشريعات عربية أخرى‬
‫كالتشريع المصري المتعلق بالخمور الذي أباح تقديم وتناول المشروبات الكحولية أو الروحية أو المخمرة في الفنادق‬
‫والمنشآت السياحية والندية ذات الطابع السياحي‪.‬‬
‫كما أن التشريع المغربي عاقب على السكر العلني البين وجعل السكر ظرفا مشددا في بعض الجرائم ولم يعف‬
‫السكران الذي يسكر باختياره من المسؤولية الجنائية أو المدنية ل بشكل كامل ول بشكل ناقص‪ ،‬كما منع أيضا إشهار‬
‫الخمور ‪.‬‬
‫وفي نفس الوقت ل يمكن القول أن المشرع اتخذ موقف المخاصمة مع الخمور فقد سمح ببيع الخمور لغير‬
‫المسلمين ورخص لذلك ولم يحدد كميات الخمور المسموح برواجها بما يلئم عدد الجانب الموجودين في البلد‪ ،‬كما أنه‬
‫لم يعاقب المغاربة المسلمين على شرب الخمور أو حيازتها أو استهلكها أو السياقة تحت تأثيرها…‬
‫إن المشرع تغاضى عن سلبيات تعاطي الخمور وتسهيل استهلكها وترويجها والتجار فيها والترخيص لذلك‪ ،‬مع ما‬
‫يعني هذا من تكاثر المحلت الخاصة ببيع الخمور وتناسلها وصعوبة مراقبتها ووفرة الكميات المتداولة وعلقة ذلك‬
‫بتنامي الجرام بمختلف أشكاله‪ ،‬فضل عما يخلفه من مآسي اجتماعية وحالت إدمان وتسممات وخراب بيوت وحوادث‬
‫طرق مميتة وجرائم بشعة ومقيتة‪.‬‬
‫فأغلب المتابعات التي تسطرها النيابات العامة في المملكة ل تخلوا من العبارات التالية ‪ :‬السكر العلني البين‬
‫والقتل العمد‪ .‬السكر العلني البين الغتصاب السكر العلني البين والسرقة‪ ،‬السكر العلني البين والهانة‪ ،‬السكر العلني‬
‫البين والضرب والجرح بواسطة السلح‪…،‬الخ فإلى متى سيستمر المشرع في موقف الحياد واللمبالة في غياب‬
‫سياسة تجريمية ناجعة؟‪1.‬‬
‫ثانيا‪ :‬جريمة الخمر في التشريع الجنائي السلمي‬
‫لقد وقفت الشريعة السلمية موقفا صلب من شرب الخمر سواء كان قليل أو كثيرا‪ ،‬وقد كان تحريم الخمر على‬
‫مراحل مختلفة لحكمة عظيمة ابتغاها الشارع الحكيم إلى أن نزلت الية في سورة المائدة " يأيها الذين آمنوا إنما‬
‫الخمر والميسر والنصاب والزلم رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون " ثم جاءت السنة النبوية وقضت‬
‫بتحريم الخمر في قوله )ص( " كل مسكر خمر وكل خمر حرام " وقال )ص( " ما أسكر كثيره فقليله حرام " وقوله‬
‫)ص( "من شرب فاجلدوه "‪ .‬فالتشريع السلمي حرم شرب الخمر سواء أسكر أو لم يسكر‪.‬‬
‫وتعتبر جريمة الخمر من الحدود ويعاقب عليها بالحد ثمانين جلدة بإجماع الفقهاء فيها ما عدا أبو حنيفة وأصحابه‬
‫على أن ما أسكر كثيره فقليله حرام سواء سمي خمرا و أن كان له اسم آخر‪ ،‬وإن‪ ،‬شرب القليل من أي مسكر معاقب‬
‫ولو لم يسكر‪.‬‬
‫فالشريعة السلمية حرمته تحريما نهائيا لنها تعتبر الخمر أم الخبائث وتراها مضيعة للنفس والعقل والصحة‬
‫والمال ‪ 2.‬وهذا ما لم ينتبه له المشرع المغربي‪.‬‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬يوسف وهابي ‪ :‬خمريات القانون المغربي ‪ ،‬ص ‪ 43-42‬مطبعة النجاح الجديدة ‪. 2003‬‬
‫‪-2‬عبد الخالق النواوي ‪ :‬مرجع سابق ص ‪.171‬‬
‫وهكذا فالقانون الجنائي المغربي إذا كان ل يعاقب على مجرد شرب الخمر وإنما يشترط أن يكون شارب الخمر في‬
‫حالة سكر بين طافح في مكان عمومي فإن الشريعة السلمية حرمت شرب الخمر لذاته سواء أكان قليل أم كثيرا‬
‫وسواء أسكر أم لم يسكر ‪1.‬‬
‫كما أن الشريعة اعتبرت شرب الخمر من جرائم الحدود أي من الجرائم الخطيرة وعاقبت عليها بالجلد كما ثبت عن‬
‫الرسول )ص(‪ ،‬فعن أبي داود عن قبيصة بن دؤيب رضي الله عنه أن النبي )ص( قال ‪ " :‬من شرب الخمر فاجلدوه فإن‬
‫عاد فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه فأن عاد فاقتلوه "‪.‬‬
‫أما العقوبة في التشريع الجنائي المغربي ل تتعدى في بعض الحيان غرامة قدرها ‪ 150‬درهما يؤديها المتهم‪ ،‬وهذا‬
‫يدفعنا إلى إبداء الملحظة التالية ‪:‬‬
‫‪-‬أن هذه العقوبة ليست رادعة بحجة أن شارب الخمر في غالب الحيان يكون من الطبقة الغنية أو على القل من‬
‫الطبقة المتوسطة وبالتالي يستطيع أداء الغرامة الهزيلة مقابل إعفائه من عقوبة السجن ولو لم تكن له أموال لما‬
‫شرب الخمر ولما دخل إلى محل شربه ‪2.‬‬
‫لهذا فأن الجلد يعد رادعا قويا في جريمة السكر أما الغرامة فإنها تجعل النص القانوني عاجزا عن أداء وظيفته‪.‬‬
‫‪-‬إن بالتمحص في المرسوم المتعلق بالسكر العلني يتبين أنه ينص على معاقبة كل شخص وجد في حالة سكر بين‬
‫في الكبريات‪،‬إل أن الكبريات هي أماكن مرخص لها لبيع الخمور وتنظيم حفلت للرقص وللهو في الليل والنهار ‪.‬‬
‫فمن الطبيعي ومن البديهي أن كل من يدخل إلى الكبريات يتناول الخمر في غالب الحيان‪ ،‬ذلك أن وجود الشخص‬
‫في حالة سكر بين في الكبريات ل يمس بشعور المجتمع مادام المر محصور بين أشخاص كلهم يتعاطون لشرب الخمر‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬حسوني قدور أبو موسى ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.189‬‬
‫‪ -2‬حسوني قدور أبو موسى ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.190‬‬
‫داخل محل مرخص له ول يتعداهم إلى الشارع ومادام الكباري مكان مخصص أصل لشرب الخمر فإن عقاب من وجد‬
‫فيه سكرانا يعد تناقضا صريحا بين الواقع والقانون ‪1.‬‬
‫‪-‬أن من حسن سياسة التجريم أن يعيد المشرع المغربي النظر في طريقة تعامله مع مادة الخمور في إطار نظرة‬
‫شمولية تأخذ بعين العتبار علقة الخمور بالجرام وموقف الشريعة السلمية‪2.‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬جريمة الزنى في التشريعين الجنائيين المغربي و السلمي‬
‫أول ‪ :‬جريمة الزنى في القانون الجنائي المغربي‬
‫ينص الفصل ‪ 490‬من القانون الجنائي المغربي على أن " كل علقة جنسية بين رجل وامرأة ل تربط بينهما علقة‬
‫زوجية تكون جريمة الفساد ويعاقب عليها بالحبس من شهر إلى ستة "‬
‫أما فيما يتعلق بجريمة الخيانة الزوجية فإن الفصل ‪ 491‬ينص على أنه " يعاقب بالحبس من سنة إلى سنتين أحد‬
‫الزوجين الذي يرتكب جريمة الخيانة الزوجية ول تجوز المتابعة في هذه الحالة إل بناء على شكوى من الزوج أو الزوجة‬
‫المجني عليه‪.‬‬
‫إل أنه في حالة غياب الزوج خارج المملكة فإن زوجته التي تتعاطى الفساد بصفة ظاهرة يمكن للنيابة العامة‬
‫متابعتها "‪.‬‬
‫إل أن الفصل ‪ 492‬ينص على أن" تنازل أحد الزوجين عن شكا يته يضع حدا لمتابعة الزوج أو الزوجة المشتكى بها‬
‫عن جريمة الخيانة الزوجية "‪3.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬جريمة الزنا في التشريع الجنائي السلمي‬
‫الزنى جريمة من الجرائم الجتماعية التي حرمتها الشرائع السماوية والقوانين الوضعية والعراف الجتماعية‬
‫لمنافاتها لبسط المبادئ الخلقية لنها تتضمن انتهاكا للعراض وتؤدي إلى اللتباس في النسان‪.‬‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬حسوني قدور أبو موسى ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 190‬‬
‫‪ -2‬يوسف وهابي ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.43‬‬
‫‪ – 3‬حسوني قدور أبو موسى ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 157‬‬
‫والشريعة السلمية لم تكتف بتجريم الزنى وإنما فرضت عقوبة قاسية على كل من يرتكب هذه الجريمة بحيث تكون‬
‫هذه العقوبة مانعة ورادعة لكل من تسول له نفسه القدام على هذه الجريمة‬
‫قال تعالى ‪ ":‬الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة و ل تأخذكم بهم رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون‬
‫بالله واليوم الخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين "‬
‫وقال عمر بن الخطاب في هذا الشأن ‪ ":‬إن الله بعث محمد بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان ما أنزل الله عليه آية‬
‫الرجم فقرأناها ووعيناها ورجم رسول الله )ص( ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمن أن يقول قائل ما نجد‬
‫الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله في كتابه فإن الرجم في كتاب الله الحق على من زنى " ‪1‬‬
‫وهكذا وانطلقا من الفصول )‪ (492-491-490‬والية الكريمة وقول عمر رضي الله عنه يمكن أن نبدي الملحظات‬
‫التية ‪:‬‬
‫تعتبر جريمة الزنا في الشريعة السلمية من جرائم الحدود مما يعني أنها من الجرائم الخطيرة على‬ ‫•‬
‫المجتمع ‪ ،‬أما في التشريع الجنائي المغربي فل تعتبر كذلك حيث نص كل من الفصل ‪ 491-490‬على عقوبة تافهة‬
‫مقارنة مع خطورة هذه الجريمة ‪.‬‬
‫فتفاهة العقوبة تفتح باب الفساد لكل جامح وتعرض السلعة لكل راغب فتنتشر الباحية والفساد الخلقي وتعم‬
‫الفوضى وتشيع الفاحشة ‪.‬‬

‫إن أحكام الفصل ‪ 491‬تتنافى مع الشريعة السلمية إذ أنه ل تسامح في حدود الله‪ ،‬والفساد‬ ‫•‬
‫المحرم بمقتضى الكتاب والسنة وحد الزينة فريضة ل يجوز تركها ‪.‬‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬حسوني قدور موسى ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 159‬‬

‫كما أن الفصل ‪ 492‬يعد مخالفا لحكام الشريعة السلمية أيضا عندما أعطى لحد الزوجين‬ ‫•‬
‫الحق في التنازل عن شكايته وجعل حدا للمتابعة الجنائية لن الزن وفقا للية القرآنية فعل حرمه السلم والرجم‬
‫فريضة أنزلها الله في كتابه وهو حق على من زنى ول يجوز ترك هذه الفريضة ‪.‬‬
‫إل أن المر الخطير والذي يتنافى مع أحكام الشريعة السلمية ومع الواقع هو عدم متابعة المتهم المتزوج الذي‬
‫ضبط مع امرأة مطلقة أو ليس لها زوج لعدم وجود شكاية ضده من طرف زوجته كما أنه ل يمكن متابعته بجريمة‬
‫الفساد نظرا لكونه متزوجا ‪1.‬‬
‫ربما يقول قائل على أن الرابطة الزوجية قائمة على أساس عقد مبرم بين الزوجين قائم على رضى الطرفين وأن‬
‫العقد شريعة المتعاقدين وعلى هذا الساس ل يجوز لحد التدخل في الشؤون الزوجية الداخلية وبالتالي فإن تنازل أحد‬
‫الزوجين عن شكايته ضد الخر من حقهما وحدهما ما دامت العلقة الزوجية قائمة ول يمكن للنيابة العامة تحريك‬
‫الدعوى العمومية ضد أحدهما ‪.‬‬
‫وهذا الفهم خاطئ وهو مخالف للواقع والقانون لسببين ‪:‬‬
‫‪ -‬إن الحق الشخصي عندما يتعدى حدود نطاقه فإنه يصبح اعتداء على حقوق الخرين وحرياتهم‪،‬‬
‫ذلك أن تعاطي الفساد يعد مساسا بحريات الخرين ويعد اعتداء على الشعور العام للمجتمع وبالتالي ل يجوز للنيابة‬
‫العامة أن تتنازل عن متابعتها في حالة عدم وجود شكاية من أحد الزوجين أو تنازل أحدهما عن شكايته ضد لطرف‬
‫الخر ‪.‬‬
‫‪ -‬إن سكوت النيابة العامة عن متابعة أحد الزوجين عند عدم تقديم شكاية من أحدهما يعني التسامح فيحد من حدود‬
‫الله وهو حد الزنى ويعني كذلك ترك فريضة أنزلها الله وهي عقاب الزانية والزاني ‪2.‬‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬حسوني قدور أبو موسى ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 162‬‬
‫‪ -2‬حسوني قدور ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.164‬‬
‫وهكذا يتبين التناقض الواضح بين واقع المجتمع المغربي باعتباره مجتمعا مسلما وبين القانون الجنائي المغربي‬
‫المستمد في معظمه من القانون الجنائي الفرنسي وهذا التناقض يؤثر سلبا على فعالية سياسة التجريم المغربية في‬
‫سعيها للحد من الجريمة‪.‬‬
‫فالزنى مثل تنظر إليها المجتمعات السلمية كجريمة تخص مجتمع بأسره ولهذا نجد أن كثيرا من الناس يبتعدون عن‬
‫اللجوء إلى القانون المطبق لعدم قناعتهم بحكمه‪ ،‬وهذا ما يؤدي إلى ارتكاب جرائم تعرف بجرائم الشرف كتعبير عن‬
‫قصور القوانين في معالجة هذه المشكلة وعدم وضع الحكام المنسجمة مع واقع المجتمع ‪.‬‬
‫المبحث الخامس ‪ :‬سياسة التجريم والحقوق والحريات الفردية‬
‫يعتبر التجريم خروجا عن المبدأ العام الذي يقضي بان الصل في الفعال الباحة ‪،‬وهو من هذا المنطلق يشكل‬
‫تهديدا خطيرا ومباشرا على حقوق الفراد وحرياتهم‪ ،‬إن تم استغلله بشكل تعسفي وتسلطي من قبل الدولة‪.‬إن‬
‫التجريم سيف ذو حدين‪ ،‬فكما يمكن استعماله في هدر حقوق الفراد وحرياتهم يمكن توجيهه لحماية هذه الحقوق‬
‫وحفظها وصيانتها‪.‬‬
‫المطلب الول ‪ :‬سياسة التجريم المغربية والحقوق والحريات الفردية‬
‫إن أي مشرع في سعيه لوضع مدونة جنائية بغية الحد من الجريمة يجب أن يأخذ بين العتبار الحقوق والحريات‬
‫الفردية التي يكفلها الدستور إذ أن المساس بهذه الخيرة تعبيرا أو دليل على عدم مشروعية هذه المدونة ‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق إلى أي حد يمكن القول أن المشرع المغربي كان واضعا نصب عينيه هذه الحقوق والحريات عند‬
‫وضعه للمدونة الجنائية ؟ أو بمعنى آخر هل القوانين الجنائية المغربية تتمتع بالمشروعية ؟‬
‫إن المطلع على المدونة الجنائية المغربية وعلى غيرها من القوانين الجنائية سيتبين له بوضوح أن هناك مساس كبير‬
‫بالحريات والحقوق الفردية التي يكفلها الدستور المغربي لسنة ‪ 1996‬وذلك سواء من خلل التنصيص على بعض‬
‫القوانين الجنائية أو عن طريق عدم إضفاء الصفة الجرامية على بعض الفعال التي تشكل خطورة على هذه الحقوق‬
‫والحريات‪.‬‬
‫فل يكفي لكي تتحقق المشروعية في عملية التجريم مجرد وجود نص قانوني يجرم فعل من الفعال‪ .‬فالقانون‬
‫‪ 0303‬المتعلق بمكافحة الرهاب نص غير شرعي لنه مخالف لمقتضيات الدستور من عدة جوانب وليس أقلها أنه يفتح‬
‫باب التحكم واسعا لدانة الشخاص من أجل كل فعل وكل حركة وكل كلمة ‪.‬‬
‫فبالرغم من كون الترسانة الجنائية المغربية تتسع لكل الفعال التي يمكن اعتبارها جرائم إرهابية فإن الحكومة‬
‫المغربية أعدت مشروع قانون رقم ‪ 0303‬المتعلق بمكافحة الرهاب‪ ،‬هذا القانون الذي لقي معارضة قوية نظرا لما‬
‫يشكله من تراجعات خطيرة للحريات ومس خطير بضمانات احترام حقوق النسان‪ ،‬إل أن الحداث الرهابية ليوم ‪16‬‬
‫ماي ‪ 2003‬بالدار البيضاء كانت فرصة سانحة لتمرير هذا المشروع في البرلمان وإقراره في مدة زمنية وجيزة‬
‫وقياسية‪.‬‬
‫ويقترح هذا المشروع إدخال تعديلت خطيرة على كل من القانون الجنائي والمسطرة الجنائية‪.‬‬
‫‪-‬القانون الجنائي ‪ :‬إن أول ملحظة يمكن إبداءها تتعلق بتعريف الجرائم الرهابية‪ ،‬حيث جاء هذا التعريف فضفاضا بكل‬
‫معنى الكلمة وهكذا فإن القانون يحدد العناصر التالية ‪:‬‬
‫علقة الفعال المعنية بالجنايات والجنح المذكورة عمدا بمشروع فردي أو جماعي‪.‬‬ ‫•‬
‫كون هذه الفعال تهدف إلى المس بالمن العام‪.‬‬ ‫•‬
‫تحديد الوسائل في التخويف أو القوة أو العنف أو الترويع أو الترهيب‬ ‫•‬
‫ومن البديهي أن هذا التعريف يتميز بالغموض وعدم الدقة في تحديد عناصر الفعل الجرامي‪ ،‬الشيء الذي يفتح‬
‫الباب للتحكم على مستوى البحث والتحقيق والحكم‪.‬‬
‫وهذا التعريف المقتبس في جوهره من التفاقية المناهضة للرهاب يخضع أساسا للهاجس المني للنظم العربية‪،‬‬
‫وهو ما تجلى بصفة خاصة في جناية المس بأمن الدولة ضمن العمال الرهابية‪ ،‬وهي جناية تطبق عليها عقوبات شديدة‬

‫القسوة‪ ،‬كما اختلف جذريا هذا التعريف عن التعريفات الواردة ضمن تشريعات عدد من البلدان ذات التقاليد‬
‫الديمقراطية‪.‬‬
‫فهذه التشريعات تعرف الجريمة الرهابية تعريفا دقيقا‪ ،‬دون أن تمس إطلقا بالضمانات الساسية للحرية الفرية‬
‫ولعدالة المحاكمة‪1.‬‬
‫كما أن هذا التعريف ‪-‬المطاط‪ -‬يعتبر مخالفا لمبدأ الشرعية الذي يتطلب أن يكون التعريف دقيقا وواضحا‪.‬‬
‫العقوبة ‪ :‬يلحظ التشديد من قسوة العقوبات السجنية سواء بالنسبة للفاعلين أو المشاركين أو الذين لم يبلغوا مع‬
‫تثبيت عقوبة العدام التي ما فتئت الحركة الحقوقية تناضل من أجل إلغائها من القوانين المغربية‪ ،‬ويضاف إلى العدام‬
‫العقوبة السجنية المشددة‪ ،‬المنع من القامة في أماكن محددة أو القامة الجبارية في أماكن معينة والمنع من مزاولة‬
‫الوظائف والخدمات العمومية ومصادرة الممتلكات والحرمان من الحق في المعاش ‪2.‬‬
‫الجرائم ‪ :‬إن الغلبية الساحقة في الجرائم المعتبرة بمثابة أعمال إرهابية تقع بالفعل إما تحت طائلة القانون‬
‫الجنائي الجاري به العمل منذ ‪ 1962‬وإما تحت قانون الصحافة فيما يتعلق بالتحريض على القتل والنهب والحريق …‬
‫وإن صياغة الفصل ‪ 218-12‬ومضمونه ينمان عن جهل أو تجاهل المقتضى القانوني المذكور‪ ،‬أما‬
‫اعتبار الدعاية والشهار للفعال الجرامية المعينة فعل إرهابيا‪ ،‬فإن من شأنه أن يبرر المس بالحق في الخبر وفي‬
‫العلم‪ ،‬وهذا الذي يدخل في صميم رسالة الصحافة ‪3.‬‬
‫التعديلت المتعلقة بالمسطرة الجنائية ‪:‬‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬عبد العزيز بناني ‪ :‬رئيس المنظمة المغربية لحقوق النسان سابقا ‪ ،‬الجمعية المغربية لحقوق النسان ‪/‬‬
‫الرهاب و حقوق النسان ‪ /‬مركز العلم و التوثيق ‪ ،‬مارس ‪ – 2004‬اليوم الدراسي حول مشروع قانون الرهاب‬
‫– الرباط ‪ 12‬أبريل ‪ – 2002‬التشريع المتعلق لمحاربة الرهاب بين الرتجال و المس بالمكتسبات الحقوقية ‪.‬‬
‫‪ -2‬كلمة منسق الشبكة الوطنية في اليوم الدراسي لمجلس النواب ‪ 12‬أبريل ‪ ، 2003‬ص ‪ -11‬يوم دراسي حول‬
‫مشروع قانون الرهاب ‪.‬‬
‫‪ -3‬عبد العزيز بناني ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 38‬‬

‫‪-‬الحراسة النظرية ‪ :‬إن الفصلين ‪ 80.66‬يرفعان في حالة وجود جريمة إرهابية بشكل جد مبالغ فيه من الحراسة‬
‫النظرية تزيد عن ثلثة مرات عن مدة الحراسة العادية وذلك من أجل احتفاظ الشرطة القضائية بأي شخص مفيد في‬
‫التحريات‪ ،‬لضرورة البحث دون أن تكون له علقة بأي جريمة أو تعلق المر بجناية أو حجة يعاقب عليها بالحبس‪ ،‬وكانت‬
‫هناك ضرورة للبحث التمهيدي كما ضاعف التمديد ثمان مرات‪ ،‬بإذن غير مكتوب ول معلل من طرف النيابة العامة ‪1.‬‬
‫‪ -‬فيما يتعلق بالتفتيش ‪ :‬يوسع القانون من صلحية الشرطة والنيابة العامة في مجال التفتيش وهكذا فإنه‬
‫يبيح الدخول إلى المنازل وتفتيشها وحجز ما بها من أدوات حتى في حالة امتناع صاحب المنزل عن‬ ‫•‬
‫إعطاء موافقته أو في حالة تعذر الحصول على هذه الموافقة وذلك بإذن من النيابة العامة )المادة ‪(70‬‬
‫يؤهل قاضي التحقيق في أن ينتدب قاضيا أو ضابطا أو أكثر من ضباط الشرطة القضائية لجراء‬ ‫•‬
‫تفتيش خارج الساعات القانونية )المادة ‪( 120‬‬
‫‪ -‬مراقبة المكالمات والتصالت ‪ :‬ينص القانون على السماح للوكيل العام بصفة استثنائية أو بأمر كتابي بالتقاط‬
‫المكالمات الهاتفية أو التصالت المنجزة بوسائل التصال عن بعد وتسجيلها وأخذ نسخ منها وحجزها متى كانت ضرورة‬
‫البحث تقتضي التعجيل خوفا من اندثار وسائل الثبات )المادة ‪.(108‬‬

‫فكل هذه المقتضيات تمس بالضمانات القانونية التي تكفل حرمة المنازل وسرية المراسلت المكرستين من لدن‬
‫الدستور ‪2.‬‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬عبد الله ‪ :‬رئيس المنظمة المغربية لحقوق النسان ‪ ،‬يوم دراسي مشروع قانون الرهاب ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‬
‫‪. 81-80‬‬
‫‪ -2‬عبد العزيز بناني ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.36‬‬

‫‪ -‬فيما يتعلق بحق المشتبه فيه بمؤازرة محامي ‪ :‬منع المحامي من التصال بموكله إذ منحت الفقرة الثالثة من المادة‬
‫‪ 80‬من القانون ‪ :‬لممثل النيابة العامة إمكانية تأخير اتصال المحامي بموكله بناء على طلب من ضابط الشرطة‬
‫القضائية إذا اقتضت ذلك ضرورة البحث كلما تعلق المر بالجرائم المشار إليها في المادة ‪ 108‬من هذا القانون ‪.‬‬
‫ويمكن لممثل النيابة العامة منع التصال بالمحامي وتأخيره إذا تعلق المر بجريمة إرهابية ‪ ،‬وهذا حسب الهيئات يمس‬
‫بحق الدفاع كأحد الحقوق الهامة للمتهم‪1 .‬‬
‫كما أن هذا القانون يضرب مبدأ احترام السر البنكي عبر فتح المجال للطلع بشكل قانوني على الحسابات البنكية‬
‫للمواطنين المشتبه في إرهابيتهم وفتح المجال أمام التصرف فيها ‪2.‬‬
‫ومن جهة أخرى فإن هذا القانون يأتي ومدونة القانون الجنائي لم تواكب التطورات التي يعرفها الميدان الجنائي‬
‫وطنيا ودوليا‪ ،‬كمثال على ذلك عدم ملئمة هذا القانون مع التفاقية الدولية ضد التعذيب التي صادق عليها المغرب في‬
‫شهر يونيو من سنة ‪1993‬‬
‫فالمساس بالحريات والحقوق الفردية ل يتحقق فقط من خلل التجريم وإنما قد يتم ذلك عن طريق عدم إضفاء‬
‫الصفة الجرامية‪ ،‬على بعض الفعال التي تشكل خطورة بالغة على هذه الحقوق والحريات ومن بين هذه الفعال‬
‫التعذيب وغيرها من ضروب المعاملة اللإنسانية ‪.‬‬
‫فالمغرب بمصادقته على التفاقية السابقة الذكر يكون ملزم باحترام ما جاءت به بنود هذه الخيرة وعلى الخصوص‬
‫ما جاءت به المادة الرابعة التي تنص على أنه " تضمن كل دولة طرف أن تكون جميع أعمال التعذيب جرائم بموجب‬
‫قانونها الجنائي‬
‫الشيء الذي يدفعنا إلى التساؤل عن مدى وفاء المشرع الجنائي المغربي باللتزامات المترتبة عن المصادقة على‬
‫هذه التفاقية ‪ .‬أو بصيغة أخرى هل القانون‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬د‪ .‬مختار مطيع ‪- :‬مجلة ‪ :‬دراسات و وقائع دستورية و سياسية – العدد ‪. 2003 - 5‬‬
‫‪ -2‬كلمة منسق الشبكة الوطنية ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.10‬‬
‫المغربي يعاقب على جريمة التعذيب كما هو متعارف عليها دوليا ؟‬
‫إن المتصفح لثنايا المدونة الجنائية المغربية محاولة منه العثور على نصوص خاصة بتجريم أعمال التعذيب كجرائم‬
‫مستقلة وقائمة بذاتها‪ .‬وبالمعنى المفهوم من التفاقية الدولية ذات العلقة‪ ،‬سيصاب ل محالة بخيبة المل‪ .‬نظرا لضآلة‬
‫وضعف محتواها وقصورها ‪.‬‬
‫وسنحاول استجلء الفصول التي لها علقة من قريب أو بعيد بتجريم التعذيب لنقف عن كثب عن عمق هذا القصور‬
‫التشريعي ‪.‬‬
‫الفصل ‪ :1 399‬يعد هذا الفصل من النصوص القليلة الذي يصلح حاليا في ‪-‬انتظار تدخل تشريعي‪ -‬لزجر أعمال‬
‫التعذيب ولو بشكل نسبي وجزئي‪ ،‬طالما ل يعاقب على ممارسة التعذيب إل كظرف مشدد لتنفيذ جناية وليس كجريمة‬
‫مستقلة بذاتها‪.‬‬
‫الفصل ‪ : 438‬يعاقب على العتداء على الحرية الشخصية بالعدام " إذا وقع تعذيب بدني للشخص المخطوف‬
‫والمقبوض عليه أو المحبوس أو المحجوز " وهذا النص كان ل ينطبق إل على الفراد العاديين‪ ،‬وهذا ما يستفاد من‬
‫عنوان الفرع الرابع من الباب التاسع من هذا الكتاب الثالث‪ ،‬الذي جاء على الشكل التالي " العتداء على الحرية‬
‫الشخصية وأخذ الرهائن أو حرمة المسكن الذي يرتكبه الفراد " إل أنه بعد التعديل الذي شمل القانون الجنائي بموجب‬
‫قانون رقم ‪ 03.24‬أصبح يشمل الشخاص الذين يمارسون سلطة عامة هم أيضا يمكن متابعتهم بناء على الفصل ‪438‬‬
‫بما أن هذا الخير يسري على جميع الحالت المنصوص عليهم في الفصول السابقة ومن ضمنها الفصل ‪.436‬‬
‫‪-‬الفصل ‪ " 499‬يعاقب بالسجن المؤبد على الفعال المنصوص عليها في الفصل ‪ 499‬والفصل ‪ 499-1‬إذا ارتكب‬
‫بواسطة التعذيب وأعمال وحشية "‬
‫‪-‬الفصل ‪ : 231‬يعاقب الموظف العمومي الذي يستعمل أثناء قيامه بوظيفته و بسبب قيامه بها العنف ضد الشخاص‬
‫أو يأمر باستعماله بدون مبرر شرعي‪ ،‬إل أن‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬ينص الفصل ‪ " 399‬يعاقب بالعدام من يستعمل وسائل التعذيب أو يرتكب أعمال وحشية لتنفيذ فعل يعد‬
‫جناية‪. .‬‬

‫العنف المقصود بهذا النص ليس مرادفا للتعذيب‪ ،‬كما أن هذا النص ل يتفق مع مفهوم التعذيب المحرم دوليا والذي‬
‫يعتبر من المحظورات المطلقة وغير القابلة للنصاف بصفة المشروعية‪ ،‬تحت أي ذريعة كانت ‪.‬‬
‫من خلل تحليل النصوص الجنائية السابقة‪ ،‬يتضح لنا مدى الفراغ القانوني الذي يعرفه القانون المغربي‪ ،‬فيما يخص‬
‫تجريم التعذيب‪ ،‬فرغم أن هذا الخير يجرم بعض أشكال استخدام التعذيب‪ ،‬إل أنه ل يحدد مفهوم هذا الجرم ول طبيعته‬
‫استنادا إلى ما ورد في التفاقيات الدولية المعمول بها في هذا الشأن‪ ،‬كما أنه ل يجعل التعذيب جريمة في جميع‬
‫الظروف ‪.‬‬
‫ويلحظ أيضا أن القانون الجنائي ل يعاقب على جريمة التعذيب كجريمة قائمة بذاتها مع ترتيب الجزاء بالنسبة‬
‫للشخاص الذين يمكن أن يمارسوه بحكم مهامهم أو الوظيفة المسندة إليهم‪ ،‬كما تسعى إلى ذلك اتفاقية مناهضة‬
‫التعذيب‪ ،‬بل يقتصر على بعض جوانب التعذيب الممارس من الفراد العاديين أو كظرف مشدد‪.‬‬
‫ويتضح لنا جليا‪ ،‬أن مصادقة المغرب على التفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملت أو العقوبات‬
‫القاسية واللإنسانية أو المهينة لم تترجم إلى المجال التشريعي العلمي‪ ،‬طالما لم يتم تجريم هذه الممارسة في‬
‫القانون الجنائي ‪.1‬‬
‫وهكذا يظهر أن القانون الجنائي المغربي ل يوفر الحماية اللزمة لحقوق وحرية الفراد ‪ .‬فإذا ما أحصينا النصوص‬
‫التي تحمي بها الدولة نفسها فإننا نجدها تغطي ‪ 163‬مقابل ‪ 33‬فصل مخصص لحماية المواطنين وحقوقهم ‪.‬‬
‫والخلصة أن مشروعية القانون الجنائي المغربي مرتبط بمواكبته لروح احترام حقوق النسان كما هو متعارف عليها‬
‫دوليا‪.‬‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬عبد اللطيف الحبيب ‪ :‬وقائع و آفاق تجريم التعذيب بالمغرب ‪ ،‬جريدة العلم العدد ‪ 19976‬الخميس ‪ 3‬فبراير‬
‫‪. 2005‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬السياسة التجريمة السلمية والحقوق والحريات الفردية‬


‫أقرت الشريعة السلمية للفرد بمختلف الحقوق التي نصت عليها المواثيق الدولية والعلن العالمي لحقوق‬
‫النسان ‪ ،‬بل إنها كانت سباقة في إقرار هذه الحقوق وحمايتها‪ ،‬وقد اعتبرت الشريعة هذه الحقوق ضرورات لنسانيته‬
‫المكرمة والمفضلة من خالقه‪ .‬وكانت في ذات الوقت حرمات على غيره بصفة عامة وعلى السلطات الحاكمة بصفة‬
‫خاصة‪ 1،‬فل يجوز أن تمس بغير مبرر شرعي ومن خلل قنوات شرعية محددة سلفا إذا ما حدث اعتداء على غيره أو‬
‫إفساد في الرض ‪.‬‬
‫وقد جاءت الشريعة السلمية بتصور متميز عن النسان وحقوقه اللزمة لعمار الرض‪ ،‬فالنسان في السلم هو‬
‫ذلك المخلوق المفضل من خالقه لقوله تعالى " ولقد كرمنا بني آدم " ‪.‬وهو الذي جعله ربه خليفة على الرض وأسجد‬
‫له الملئكة تعظيما وتبجيل لقوله تعالى " وإذ قال ربك للملئكة إن جاعل في الرض خليفة "‪ .‬وفي آية أخرى " وإذ قال‬
‫ربك للملئكة اسجدوا لدم فسجدوا …" أما التصور السلمي لحقوق هذا النسان فينبني على الجمع فيها بين الحقوق‬
‫المرتبطة بالجسد وتلك المتعلقة بالروح‪ ،‬بحيث ل يمكن فصل ما يخص الجسد من حقوق عن ما يخص الروح‪ .‬ولم‬
‫تكتفي الشريعة السمحة بإقرار هذه الحقوق وتأكيدها‪ ،‬بل إنها عملت على حفظها وحمايتها من خلل تجريم كل فعل‬
‫اعتداء أو انتهاك لها سواء من قبل الفراد أو السلطات الحاكمة‪ ،‬كما وضعت مجموعة من العقوبات الشديدة زجرا‬
‫للمعتدين‪.‬‬
‫وإذا ما حاولنا تعداد حقوق النسان التي عمل المشرع الحكيم على إقرارها وحمايتها في التشريع الجنائي السلمي‬
‫نجدها كثيرة ومتعددة نذكر منها على سبيل المثال ل الحصر ‪ :‬حق النسان في الحياة‪ ،‬حق النسان في حمايته من‬
‫التعذيب أو العقوبة اللإنسانية أو الحاطة بالكرامة‪ ،‬حق النسان في حمايته من السترقاق والعبودية‪ ،‬حق النسان في‬
‫صيانة أسراره وحرمة مسكنه وعرضه‪ ،‬حق النسان في‬
‫_________________‬
‫‪ -1‬أحمد خيري الكباش ‪ :‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 33‬‬
‫حماية ممتلكاته وأمواله … وغيرها من الحقوق التي أضفى عليها الشارع الحكيم الحماية الجنائية من خلل نصوص من‬
‫الكتاب والسنة‪.‬‬

‫والنصوص الدالة على الهمية الممنوحة لهذه الحقوق كثيرة‪ ،‬نورد هنا نصا عاما هو "العلن " ‪ 1‬الذي أصدره‬
‫الرسول )ص(في حجة الوداع حيث قال فيه ‪ " :‬إن الله تبارك وتعالى قد حرم دماءكم وأموالكم وأعراضكم إل بحقها‬
‫كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا " ( رواه البخاري) ‪ .‬وقوله أيضا عليه الصلة والسلم ‪ " :‬كل مسلم‬
‫على مسلم حرام دمه وعرضه وماله …"‪.‬‬
‫فهذين النصين صريحين في تحريم كل اعتداء قد يطال حق النسان في الحياة‪ ،‬ويعضدهما نصوص من الكتاب حيث‬
‫قال تعالى " ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها‪ ،‬وغضب الله عليه ولعنه…" وقوله تعالى أيضا ‪ " :‬من‬
‫أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيى الناس‬
‫جميعا "‪ .‬فحق النسان في الحياة‪ ،‬حق مقدس ل يسمح لحد فردا كان أو سلطة إهداره أو العتداء عليه إل بحق‪ ،‬ومن‬
‫أجل ذلك شرعت جرائم القصاص والدية‪.‬‬
‫أما حق النسان في حمايته من التعذيب بكل ألوانه وأشكاله والحط من كرامته فهو حق مصون مضمون في‬
‫الشريعة السمحة‪ ،‬وهو يدرج ضمن حق النسان في سلمة جسده وسكينة نفسه‪ ،‬الذي جرم الشارع الحكيم العتداء‬
‫عليه بنصوص صريحة قاطعة‪ ،‬وشرع لحمايته عقوبة القصاص والدية وعقوبة التعازير‪.‬‬
‫إن النسان في الشريعة السلمية هو قدس المقدسات‪ ،‬وحرمة الحرمات وإن كل اعتداء عليه بتعريضه للتعذيب‬
‫سواء في جسده أو في نفسيته‪ ،‬هو هدر سافر لهذه القدسية‪ ،‬يقول تعالى في الحديث القدسي ‪ " :‬يا عبادي إني‬
‫حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فل تظالموا " فإذا كان الله عز وجل وهو خالق النسان ورازقه قد حرم‬
‫على نفسه سبحانه أن يظلم النسان‪ ،‬فل يعذبه في الدنيا ول في‬

‫_________________‬
‫‪ -1‬محمد العساكر ‪ :‬ضمانات حقوق الفراد في التشريع الجنائي السلمي ‪ ،‬ص ‪ 161‬مجلة الدفاع الجتماعي ‪،‬‬
‫العدد ‪ 16‬مطبعة النجاح الجديدة يوليوز ‪. 1983‬‬

‫الخرة إل إذا قامت عليه الحجة وسطعت عليه البينة‪ ،‬يقول تعالى ‪ " :‬وما ربك بظلم للعبيد " ‪ .‬فكيف يسمح إنسان أيا‬
‫كانت‪ ،‬سلطته أن يعذب أخاه النسان دون وجب حق أو سلطان‪ ،‬يقول تعالى ‪ " :‬إن الله ل يحب كل معتد أثيم " ويقول‬
‫أيضا ‪ " :‬ول تعتدوا إن الله ل يحب المعتدين " ‪.‬‬
‫حاصل القول‪ ،‬أن التشريع الجنائي السلمي قد شمل بالحماية الجنائية مختلف الحقوق والحريات اللزمة‬
‫لحياة النسان وسعادته وأمنه‪ ،‬وذلك من خلل إقراره لهذه الحقوق من جهة وزجر كل اعتداء وانتهاك لها من‬
‫جهة ثانية‪ .‬وهكذا وانطلقا من هنا المقارنة بين السياسة التجريمية السلمية والسياسة التجريمية المغربية‬
‫يتبين بوضوح أن هناك اختلفات عميقة‪.‬‬

‫خــاتــمــة‬
‫وهكذا وانطلقا من هذه المقارنة بيــن السياســة التجريميــة الســلمية والسياســة التجريميــة المغربيــة يتــبين‬
‫بوضوح أن هناك اختلفات عميقة وكثيرة بين السياستين وذلك من عدة جوانب‪:‬‬
‫‪ -‬فبالرغم من أخد كل من التشريع الجنائي السلمي والقــانون الجنـائي المغربــي بمبـدأ‬
‫الشرعية ال أن الطريقة التي تعاملت بها الشريعة مع هذا المبدأ جعلت أحكامها تتلءم مــع‬
‫كل زمان ومكان وتواكب كل التطورات في حين أفضى السلوب الذي تعامل به المشــرع‬
‫المغربي مع هذا المبدأ إلى التضخم والجمود‪.‬‬
‫‪ -‬وإذا كان البرلمان هو الذي له الحق في التجريـم فـي القـانون الجنـائي المغربـي فـان‬
‫مصدر التشريع الجنائي السلمي هو الله الحكيم العليم بما يصلح ول يصلح لقوله تعــالى "‬
‫أليس الله بأحكم الحاكمين "‪.‬‬
‫‪ -‬ومن جهة أخرى إذا كانت الشريعة السلمية تهدف إلى حمايــة الضــروريات – الــدين –‬
‫النفس‪ -‬العقـل –النسـب و المـال مـن إطـار الموازنـة بيـن جميـع المصـالح فـان القـانون‬
‫الجنائي وضع أساسا لحماية الدولة أكثر من أي شيء آخر‪.‬‬
‫‪ -‬كما يلحظ أن الهاجس المني للمشــرع المغربــي وتركيــزه علــى حمايــة الدولــة جعلــه‬
‫يهمل حقوق الفراد وحرياتهم بشكل فاضح‪ ,‬أما الشريعة الســلمية فقــد كرمــت النســان‬
‫أحسن تكريم ‪.‬‬
‫فهذا التباعد بين السياسيتين يؤثر سلبا على فعالية التجريــم المغربيــة فــي ســعيها للحــد مــن الجريمــة إذ أن‬
‫فعالية أي سياسة تجريمية ترتبط أساسا بمدى انبثاق هذه السياسة من واقع المجتمع وقناعــة أفــراده حــتى تقــل‬
‫فرص الجرام مما يمكن أن تكون عليه فيما لــو جـاءت هــذه السياســة مـن سـلطة متســلطة ل تقيـم لمعتقـدات‬
‫المجتمع وقناعة أفراده وزنا ‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى أن فعالية سياسة التجريم ليس معناها توسيع ميدان التجريــم إلــى أقصــى حــد وفتــح البــاب‬
‫للقاعدة الزجرية للتدخل في كل ميادين النشاط الجتماعي ) الشــيء الــذي ينتــج عنــه تضــخم القــانون الجنــائي(‬
‫فسياسة التجريم ومهما كانت متطورة فإنها لن تستطيع الحد من الجريمة دون محاربة السباب الـتي تـؤدي إلـى‬
‫ارتكابها وإذ كيف يمكن محاربــة العديــد مـن الجـرائم مثـل التشــرد والتسـول والســرقة والغتصـاب والقتــل دون‬
‫القضاء على السباب التي تؤدي إلى ارتكابها وبصــفة خاصــة مــا يتعلــق بالبطالــة وقلــة الــوعي الثقــافي والــديني‬
‫والمية والفقر والتهميش ‪ ،‬ومن ثم فان القانون الجنــائي فــي هــذه الحالــة مــا هــو ال ادات قســر تحــت التهديــد‬
‫بالعقاب فقط كما قال الشاعر‪:‬‬

‫إياك إياك أن تتبلل بالماء‬ ‫ألقاه في اليم مكتوفا وقال له‬

‫تم بعون الله و توفيقه‬

‫» الــكــتــب «‬

‫‪ -‬القرآن الكريم ‪.‬‬


‫‪-‬ابن القيم الجوزية ‪ :‬أعلم الموقعين عن رب العالمين ‪ ،‬الجزء الثالث ‪ ،‬دار الفكر بيروت‬
‫لبنان ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪. 1977‬‬
‫‪ -‬ابن القيم الجوزية ‪ :‬الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ‪ ،‬تحقيق محمد حامد الفقي ‪،‬‬
‫دار‬
‫الفكر الكتب العلمية لبنان ‪ ،‬بدون طبعة ‪.‬‬
‫‪ -‬أحمد فتحي سرور ‪ :‬أصول السياسة الجنائية ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ ،‬طبعة ‪. 1972‬‬
‫‪ -‬أحمد الخمليشي ‪ :‬شرح القانون الجنائي العام ‪ ،‬مكتبة المعارف ‪ ،‬الطبعة الولى ‪. 1985‬‬
‫‪ -‬أحمد فتحي بهنسي ‪ :‬السياسة الجنائية في الشريعة السلمية ‪ ،‬دار العروبة ‪ ،‬طبعة‬
‫‪.1965‬‬
‫‪ -‬أحمد حصري ‪ :‬السياسة الجزائية في فقه العقوبات السلمي المقارن ‪ ،‬المجلد الول ‪،‬‬
‫دار‬
‫الجيل بيروت ‪ ،‬طبعة ‪. 1993‬‬
‫‪ -‬أحمد هبة ‪ :‬موجز أحكام الشريعة السلمية في التجريم ‪،‬‬
‫‪ -‬أمير عبد العزيز ‪ :‬الفقه الجنائي في السلم ‪ ،‬دار السلم ‪ ،‬الطبعة الولى ‪. 1997‬‬
‫‪ -‬جميل عبد الباقى الصغير ‪ :‬الشرعية الجنائية ‪ ،‬دراسة تاريخية و فلسفية ‪ ،‬دار النهضة‬
‫العربية ‪ ،‬طبعة ‪. 1993‬‬
‫‪ -‬حسوني قدور أبو موسى ‪ :‬القانون الجنائي المغربي و الشريعة السلمية – تطابق و‬
‫اختلف – مطبعة الطلل وجدة ‪. 1986‬‬
‫‪ -‬خالد عبد الحميد فراج ‪ :‬المنهج الحكيم في التجريم و التقويم ‪ ،‬منشأة المعارف ‪ ،‬طبعة‬
‫‪. 1989‬‬
‫‪ -‬خيري أحمد الكباش ‪ :‬الحماية الجنائية لحقوق النسان ‪ ،‬دراسة مقارنة ‪ ،‬طبعة ‪. 2002‬‬
‫‪ -‬عبد السلم بنحدو ‪ :‬الوجيز في القانون الجنائي المغربي – المقدمة و النظرية و العامة –‬
‫المكتبة و الوراقة الوطنية ‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪. 2000‬‬
‫‪ -‬عبد السلم بنحدو‪ :‬مبادئ علم الجرام – المطبعة و الوراقة الوطنية – الطبعة الثانية‬
‫‪. 1999‬‬ ‫‪.‬‬
‫‪ -‬عبد الخالق أحمدون ‪ :‬فصول في المدخل إلى دراسة الشريعة السلمية ‪ ،‬مطبعة‬
‫اسبارطيل‬
‫‪ ،‬طبعة ‪. 2001 – 2000‬‬
‫‪ -‬عبد الخالق أحمدون و آيت الحاج مرزوق ‪ :‬مباحث في أصول الفقه ‪ ،‬مطبعة اسبارطيل ‪،‬‬
‫الطبعة الولى ‪. 2004‬‬
‫‪ -‬عبد القادر عودة ‪ :‬التشريع الجنائي السلمي مقارنا بالقانون الوضعي ‪ ،‬الجزء الول ‪،‬‬
‫مؤسسة الرسالة بيروت لبنان ‪ ،‬الطبعة العشرة ‪.‬‬
‫‪ -‬عبد الخالق النواوي ‪ :‬جرائم السرقة في الشريعة السلمية و القانون الوضعي ‪ ،‬المكتبة‬
‫العصرية ‪ ،‬بيروت لبنان ‪ ،‬بدون طبعة ‪.‬‬
‫‪ -‬عوض حسن الكنور ‪ :‬حقوق النسان في المجال الجنائي ‪ ،‬دار الشرق ‪ ،‬طبعة ‪. 1965‬‬
‫‪ -‬عبد الخالق النواوي ‪ :‬التشريع الجنائي في الشريعة السلمية و القانون الوضعي ‪،‬‬
‫‪ :‬المبادئ العامة للقانون الجنائي المغربي – الجزء الول ‪ ،‬دار النشر‬ ‫‪ -‬عبد الواحد العلمي‬
‫‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة ‪. 1990‬‬
‫‪ -‬سامي النصراوي ‪ :‬النظرية العامة للقانون الجنائي المغربي في الجريمة و المسؤولية‬
‫الجنائية ‪ ،‬الجزء الول دار المعارف ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪. 1990‬‬
‫‪ -‬الشاطبي ‪ :‬الموافقات ‪ ،‬الجزء الثاني و الرابع ‪ ،‬دار المعرفة ‪ ،‬بيروت لبنان ‪ ،‬بدون طبعة ‪.‬‬
‫‪ -‬محمد أبو زهرة ‪ :‬الجريمة و العقوبة في الفقه السلمي ‪ ،‬الجزء الثاني ‪ ،‬دار الفكر‬
‫العربي ‪.‬‬
‫‪ -‬محمد التغدويني ‪ :‬إشكالية التجريم في التشريع الجنائي المغربي ‪ ،‬فاس بريس ‪ ،‬طبعة‬
‫‪. 2002‬‬
‫‪ -‬محي الدين أمزازي ‪ :‬العقوبة ؟ ‪ ،‬مطبعة المنية الرباط ‪ ،‬طبعة ‪. 1993‬‬
‫‪ -‬محمد سليم العوا ‪ :‬أصول النظام الجنائي السلمي‪ ،‬دار المعارف ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪. 1983‬‬
‫‪ -‬محمد ملياني ‪ :‬دروس في القانون الجنائي العام ‪ ،‬دار النشر الجسور ‪ ،‬الطبعة الولى‬
‫‪. 1995‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬
‫‪ -‬محمد المدني بوساق ‪ :‬إتجاهات السياسة الجنائية المعاصرة و الشريعة السلمية ‪،‬‬
‫‪ ،‬أكاديمية نايف للعلوم المنية ‪. 2002‬‬ ‫‪.‬‬ ‫الرياض ‪.‬‬
‫‪ -‬مصطفى العوجي ‪ :‬دروس في العلم الجنائي ‪ ،‬مؤسسة نوفل ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬طبعة ‪. 1980‬‬
‫‪ -‬منير نكبي ‪ :‬تقنية التجريم في التشريع الجنائي المغربي " بحث نهاية التمرين ‪ ،‬معهد‬
‫القضاء الرباط " مطبوع على رقاقة بتاريخ ‪. 2002‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬
‫‪ -‬محمد فاروق النبهان ‪ :‬مباحث في التشريع الجنائي السلمي‪ ،‬دار القلم طبعة ‪. 1977‬‬
‫‪ -‬مناع القطان ‪ :‬تاريخ التشريع السلمي ‪ ،‬مؤسسة الرسالة ‪ ،‬الطبعة السابعة و العشرون‬
‫‪. 1998‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬
‫‪ -‬يوسف وهابي ‪ :‬خمريات القانون المغربي ‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة طبعة ‪. 2003‬‬

‫» الـمجلت و الجرائد «‬

‫‪ -‬جريدة العلم ‪ :‬عبد اللطيف لحبيب ‪ ،‬و قائع و آفاق تجريم التعذيب بالمغرب ‪ ،‬العدد ‪1997‬‬
‫‪ ،‬الخميس ‪ 3‬فبراير ‪. 2005‬‬ ‫‪.‬‬

‫‪ -‬أحمد فتحي سرور ‪ :‬المجلة العربية للدفاع الجتماعي ‪ ،‬العدد ‪ ، 11‬مطبعة النجاح‬
‫طبعة ‪. 1984‬‬ ‫‪.‬‬ ‫الجديدة ‪. ،‬‬
‫‪ -‬محمد سليم العوا ‪ :‬المجلة العربية للدفاع الجتماعي ‪ ،‬العدد ‪ ، 7‬مارس ‪. 1978‬‬
‫‪ -‬حسن صادق المرصفاوي ‪ :‬المجلة العربية للدفاع الجتماعي ‪ ،‬العدد ‪ ، 18‬مطبعة النجاح‬
‫الجديدة ‪ ،‬طبعة ‪. 1981‬‬ ‫‪.‬‬
‫‪ -‬مختار مطيع ‪ :‬مجلة ‪ :‬دراسة وقائع دستورية و سياسية ‪ ،‬العدد ‪ ، 5‬طبعة ‪. 2003‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪ -‬الرهاب و حقوق النسان ‪ :‬اليوم الدراسي حول مشروع قانون الرهاب ‪ ،‬الجمعية‬
‫المغربية لحقوق النسان ‪ ،‬مركز التوثيق و العلم ‪ ،‬أبريل ‪. 2002‬‬ ‫‪.‬‬
i
ii
iii
iv

You might also like