Professional Documents
Culture Documents
الموضوع
سياسة التجريم
في الشريعةالسلمية والقانون المغربي
الموسم الجامعي
2004-2005
باسم الله الرحمان الرحيم
يكتسي القانون الجنائي جانبا واسعا من اهتمام الدارسين وفقهاء القانون الوضعي إذ يعتبر من أنجح الطرق
التي تلجأ إليها المجتمعات النسانية منذ القدم لمكافحة الظاهرة الجرامية التي تنال من وجودها وتقف حجر
عثرة في طريق سموها وتقدمها ،والقانون الجنائي داخل أي نظام قانوني يقوم على مقاصد وأهداف ينشد
تحقيقها تتمثل أساسا في :تحقيق الستقرار السياسي والجتماعي والمني ،تحقيق العدالة موازاة مع حماية
وضمان حقوق الفراد والمجتمع .و تحقيقا لهذه الهداف السامية تلجأ الدول إلى وضع استراتيجية عامة لبيان
المبادئ التي تجب أن يقوم عليها التشريع الجنائي في مجال تجريم الفعال أو العقاب عليها ،بالضافة إلى
التدابير الحترازية التي تساعد على التقليل من الجرائم ،فيما يصطلح على تسميته بالسياسة الجنائية .
والتجريم باعتباره أحد أهم العناصر المكونة للسياسة الجنائية ،ارتبط ظهوره بتكون الجماعة البشرية الولى
وتزايد أهمية المصالح المشتركة التي تستدعي حمايتها الحفاظ عليها من كل اعتداء قد يطالها من الداخل أو
الخارج ،وهو بذلك يعتبر من أقدم الوسائل التي تلجأ إليها التشريعات لحفظ كيان الجماعة وتحقيق المن
والستقرار لها ،واعتبارا لذلك فإن التجريم يعد من المواضيع الحساسة التي تكتسي أهمية خاصة سواء في
القانون الجنائي الوضعي أو القانون الجنائي السلمي ،وقد كرست هذه هده الهمية مختلف المدارس الفقهية
التي عرفها القانون الوضعي .
ونظرا لخطورة التجريم باعتباره يشكل استثناء على الصل العام لقواعد العدالة الجنائية التي تقتضي بأن
الصل في الفعال الباحة فإن كل من التشريعين الجنائيين قيداه بمبدأ عام ،هو مبدأ الشرعية الجنائية ،والذي
يقتضي بأن المشرع وحده الذي يتولى تحديد الجرائم والعقوبات المقررة لها ،بيد أن الشكالية التي تطرح هنا
هي تعيين الجهة التي ينعقد لها هذا الختصاص –
التجريم -وكذا الضوابط والمعايير التي ينبغي على هذه السلطة أن تتقيد بها حينما ترفع الشرعية على الفعال
وتجرمها ،وإذا كان القانون الجنائي السلمي قد تجاوز مثل هذه الشكالت ،فإن القانون الجنائي المغربي ل
يزال يتخبط ذات اليمين وذات الشمال في هكذا عوائق .
والتجريم كما أسلفنا من قبل يعد خروجا عن المبدأ العام الذي يقضي بأن الصل في الفعال الباحة ،وهو من
هذا المنطلق يشكل تهديدا خطيرا ومباشرا على حقوق الفراد وحرياتهم ،إن تم استغلله بشكل تعسفي
وتسلطي من قبل الدولة.
ولمزيد من إلقاء الضوء على موضوع سياسة التجريم في كل من القانون الجنائي المغربي والقانون الجنائي
السلمي ،والحاطة بمختلف عناصره ،سنعمل على دراسته من خلل الجابة على السئلة التالية:
-ماذا تعني السياسة التجريمية ؟ هل تبنت كل من السياسة التجريمية المغربية والسياسة التجريمية السلمية
أهم المبادئ التي تقوم عليها سياسة التجريم ؟ وهل تعاملت معها بنفس الكيفية ؟
-وإذا كانت سياسة التجريم مقيدة بمبدأ الشرعية الجنائية فما هي السلطة المخولة بالحق في التجريم ؟ وما
هي الضوابط التي ينبغي أن تستند عليها في ذلك ؟
-وإذا علمنا أن المجتمع المغربي هو مجتمع إسلمي وأن لكل سياسة أهداف تسعى إلى تحقيقها فإلى أي حد
يمكن القول أن المصالح التي تشغل بال المشرع الجنائي المغربي هي نفس المصالح التي تسعى السياسة
التجريمية السلمية حمايتها ؟ وبمعنى آخر إلى أي حد يمكن القول أن سياسة التجريم المغربية هي سياسة نابعة
و منبثقة من واقع المجتمع المغربي وقناعة أفراده ؟
الفصل الول
النظرية العامة للتجريم
المبحث الول :ماهية السياسة الجنائية وسياسة التجريم
سنحاول التطرق في هذا المبحث لمفهوم السياسة الجنائية وسياسة التجريم في كل من الشريعة السلمية
والقانون الوضعي .
المطلب الول :مفهوم السياسة الجنائية
نتعرض في هذا المطلب لمفهوم السياسة الجنائية في كل من التشريع الجنائي الوضعي )الفقرة الولى( و
التشريع الجنائي السلمي )الفقرة الثانية(
الفقرة الولى :المقصود بالسياسة الجنائية في القانون الوضعي
حظيت السياسة الجنائية بقدر كبير من الهتمام من قبل المهتمين بشؤون الجريمة والوقاية منها والتصدي لها،
ويعتبر الفيلسوف اللماني فويرباخ أول من استعمل تعبير السياسة الجنائية وذلك في بداية القرن التاسع عشر
وكان يقصد بها " مجموع الوسائل التي يمكن اتخاذها في وقت معين في بلد ما من أجل مكافحة الجرام فيه"
ويبقى هذا التعريف غامضا لنه ل يحدد نطاق هذه السياسة 1
وقد ظهرت عدة اتجاهات فقهية في تعريف السياسة الجنائية وكانت هي الخرى قاصرة لنها لم تعطي
السياسة الجنائية دورها الحقيقي في تطوير القانون الجنائي ومنها تعريف فون ليزت الذي عرفها بأنها
"المجموعة المنظمة من المبادئ التي تعتمدها الدولة لتنظيم عملية محاربة الجريمة ".2
واعتبر دونديو دوفايير " أن دور السياسة الجنائية يكمن في مواجهة الجريمة بالجزاء والقمع" .3وقد تبلورت
فكرة السياسة الجنائية أكثر فأكثر ببروز مدرسة الدفاع الجتماعي بزعامة مارك انسيل والذي عرفها بأنها "علم
وفن غايتهما
___________________________
-1د .أحمد فتحي سرور :أصول السياسة الجنائية .ص ، 11دار النهظة العربية ،طبعة
. 1972
-2د .مصطفى العوجي :دروس في العلم الجنائي .ص ، 123مؤسسة نوفل بيروت طبعة
.1980
-3د .مصطفى العوجي :مرجع سابق .ص . 125
صياغة قواعد وضعية في ضوء معطيات العلوم الجنائية بغية التصدي للجريمة". 1
والملحظ أن أغلب التعريفات الحديثة لمفهوم السياسة الجنائية تسير في نفس هذا التجاه الخير مركزة
على الساس العلمي ،وهكذا نجد الدكتور عبد السلم بنحدو عرفها بأنها "تلك الوسائل الفنية التي يعتمد عليها
المشرع عند تحديد سياسة التجريم والعقاب " 2وعرفها الدكتور أبو الفتوح بأنها " الفلسفة التي تكمن وراء
الخط الذي يرسمه المشرع عند تحديده الجرائم والعقوبات".
الفقرة الثانية :المقصود بالسياسة الجنائية في الشريعة السلمية
بعد أن بين ابن خلدون في مقدمته الشهيرة بأن الجريمة واقعة اجتماعية لبد من وجودها في كل مجتمع
بشري ،استطرد هذا المفكر المسلم العربي بعد ذلك ليقدم الحل الذي أرتاه لمواجهتها ،حيث يرى بأنه لبد من
وجود حاكم يزع الناس ويحكمهم و أنه لبد لهذا الحاكم من أداة ولبد لداته من سياسة ينتظم بها أمر الناس.
يقول ابن خلدون …":وحكمه فيهم تارة يكون مستندا إلى شرع منزل من عند الله ،وتارة إلى سياسة
عقلية يوجب انقيادهم إليها ما يتوقعونه من ثواب ذلك الحاكم" 3.
فما المراد بهذه السياسة لتي ينبغي على الحاكم اتباعها في مواجهة حتمية الجرام في المجتمع ؟
أول :المراد بالسياسة الشرعية
ارتأينا قبل أن نتعرض لتعريف السياسة الجنائية الشرعية أن نحاول أول
___________________________
-1د .مصطفى العوجي :دروس في العلم الجنائي .ص ، 126مؤسسة نوفل بيروت طبعة 1980
-2ا د .عبد السلم بن حدو :الوجيز في القانون الجنائي المغربي ،ص ، 32الطبعة الرابعة
.2000
-3عبد الرحمان بن خلدون :مقدمة بن خلدون ،ص ، 156شرح و تعليق د .عبد الواحد وفي دار الكتب
العلمية طبعة .1996
الحاطة بالسياسة الشرعية بصفة عامة ،لن السياسة الجنائية جزء من السياسة الشرعية ومعرفة العم تفضي
إلى معرفة الخص ،وفيما يلي نستقصي معنى السياسة الشرعية في الشريعة السلمية ،وقد ذكر الفقهاء
تعاريف كثيرة للسياسة الشرعية منها:
-1هو ما كان فعل يكون معه الناس أقرب إلى الصلح وأبعد عن الفساد وإن لم يضعه الرسوiل صلى الله عليه
وسلم ول نزل به وحي . 1
-2هي التوسعة على ولة المر في أن يعملوا ما تقتضي به المصلحة ممال يخالف أصول الدين وإن لم يقم
ii
عليه دليل . 2
-3يؤكد فقيه آخر بأن السياسة الشرعية هي استصلح الخلق بإرشادهم إلى الطريق المنجي في الدنيا والخرة،
فهي من النبياء على العامة والخاصة في ظاهرهم وباطنهم والسياسة من السلطين والملوك على كل متم في
ظاهره ل غير والسياسة من العلماء ورثة النبياء على الخاصة في باطنهم ل غير . 3
-4وعرفها آخرون بأنها تغليظ جزاء جناية لها حكم شرعي حسما لمادة الفساد .4
تشترك التعاريف السابقة في وصف السياسة الشرعية بأنها الحكام الشرعية وما يصدر عن الحاكم من
تدبير وتصرف ،لكنها اختلفت في بعض الجوانب ،ومن ذلك التعريف الخير الذي قصر السياسة الشرعية على
بعض مشمولتها حينما خصها بتشديد وتغليظ العقوبة ،في حين أن هذه الخيرة جزء من السياسة الجنائية التي
بدورها جزء من السياسة الشرعية.
ولعل أهم تعريف وقفنا عليه هو ذاك الذي وضعه الدكتور محمد بوساق والذي جاء فيه بأن السياسة
الشرعية هي العمل على جلب أقصى ما يمكن من المصالح للجماعة ودفع ما أمكن من المفاسد عنها بإقامة
الشريعة تنفيذا واجتهاد
ـــــــــــــــ
-1ابن القيم الجوزية :طرق الحكمية في السياسة الشرعية ،ص ، 10الجزء الثالث ،تحقيق محمد حامد الفقي
،دار الكتب العلمية لبنان .بدون طبعة .
-2أحمد حصري :السياسة الجزائية في فقه العقوبات السلمي المقارن ،ص ، 106المجلد الول ،در الجيل
بيروت ،طبعة . 1993
-3أحمد حصري :مرجع سابق ،ص . 107
-4أحمد حصري :مرجع سايق ،ص . 104
أو استفراغ لوسع وبذل الجهد للوصول إلى النظمة المناسبة زمانا ومكانا ،وفي جميع المجالت القتصادية
والسياسة والدارية والثقافية والخلقية والجتماعية ،وفي حال الختيار والضطرار والسلم والحرب ،وتصريف
الشؤون اليومية بالتدبير والحكمة والتذرع بكافة الوسائل والطرق المادية والفكرية والحسية والمعنوية في ضوء
نصوص الشريعة وروحها ومقاصدها"1
ثانيا :معنى السياسة الجنائية الشرعية
كانت الشريعة كما وصفها بحق ابن القيم الجوزية مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش
والمعاد ،وهي عدل ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها 2 .والسياسة الشرعية من ثم ل تخرج عن تحقيق
هدفين أساسيين أولهما :جلب المصالح أو بناء الكليات الخمس بإيجادها وإقامتها وتنميتها ،وثانيهما :دفع
المفاسد أو حماية البناء المقام للكليات الخمس بمنع زوالها والخلل بها والعتداء عليها.
والسياسة الجنائية باعتبارها جزءا من السياسة الشرعية ،فإنها تعمل على ترسيخ هذين الهدفين في جانبهما
الجنائي ،وذلك بدفع المفاسد الناتجة عن الجريمة أو المتوقع حصولها منها علوة على توفير المن للمة وصيانة
الحقوق والممتلكات ،والعمل على تحقيق ذلك بكافة الطرق والوسائل كاستصدار النظمة المناسبة واتخاذ
الجراءات الملئمة سواء أكانت مادية أم فكرية حسية أم معنوية ،دون الخروج عن أسس الشريعة وقيمها
ومقاصدها وأهدافها ،وهكذا تدخل ضمنها سياسة التجريم وتغليظ العقوبات أو تخفيفها والتعازير بصفة عامة،
لكنها ل تكون مرادفة للتعزيز على اعتبار أن السياسة الجنائية تشمل
اتخاذ الجراءات الوقائية والمنعية والتدابير الحترازية وغيرها من الوسائل
____________________
-1د .محمد بن المدني بوساق :اتجاهات السياسة الجنائية المعاصرة و الشريعة السلمية ،ص ، 15الرياض
أكاديمية نايف للعلوم المنية . 2002
-2ابن القيم الجوزية :أعلم الموقعين عن رب العالمين ،ص ، 3المجلد الثالث دار الفكر بيروت الطبعة الثانية
. 1977
التي تمنع العتداء والخلل بالمن وانتهاك الحرمات ونهب الموال وسفك الدماء وغيره سواء اتصل ذلك
بالجماعة أو بالفراد.
على ضوء ما تقدم ،فإن التعريف المختار للسياسة الجنائية في الشريعة السلمية هو " :العمل على درء
المفاسد الواقعة أو المتوقعة عن الفرد والمجتمع بإقامة أحكام الحدود iiiوالقصاص وغيرها ،والتذرع لتحقيق المن
بكافة الوسائل والطرق الممكنة فكرية كانت أم مادية حسية أو معنوية في ضوء مبادئ الشريعة السلمية
ومقاصدها وروحها" 2 .1
المطلب الثاني :مفهوم سياسة التجريم
نتعرض في هذا المطلب إلى إبراز مفهوم سياسة التجريم في كل من القانون الوضعي )فقرة الولى(
والقانون الجنائي السلمي )الفقرة الثانية(
الفقرة الولى :مفهوم سياسة التجريم في القانون الوضعي
تتضمن سياسة التجريم بيان القيم والمصالح الجديرة بالحماية العقابية ومنع إلحاق الضرر بها بإهدارها
وتدميرها كليا أو جزئيا والتهديد بانتهاكها لن الضرار الجنائية ما هي إل نشاط مخل بالحياة الجتماعية والذي
يلحق المصالح المحمية يحصيها المشرع ويبينها في نصوص تلحقها بالفعال المتضمنة بالتجريم كما تشمل
سياسة التجريم بيان العقوبات والتدابير المناسبة لكل جريمة حسب نتائج العلم الحديث وكل ذلك ضمن نصوص
القانون الجنائي الذي يحدد النتائج الضارة التي تستوجب التجريم ومقابلتها بالجزاء الملئم تحقيقا وتأكيدا للمبدأ
المشهور " ل جريمة ول عقوبة إل بنص " وعليه فل يعد
كل ضرر اجتماعي ضررا جنائيا لن الضرار الجنائية محصورة والجتماعية كثيرة وغير محصورة .3
_______________________
-1د .محمد بن المدني بوساق :مرجع سابق ،ص . 16
-2وقفنا على تعارف أخرى للسياسة الجنائية الشرعية منها تعريف الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي " :
السياسة الجنائية في الشريعة السلمية هي عبارة عن نظرية عامة ،شاملة تحكم نظام الحياة في المجتمع ،و
تعبر عن مصالحه الرئيسية و تنبني على مجموع المبادئ التي يقوم على دعائمها هدا المجتمع ،منظمة قواعد
المسؤولية و الجزاء فيه على أن يتولى هدا المجتمع حاكم صالح تكون وظيفته الخذ بهده المبادئ و الحفاظ على
أسسها ".
-3د .محمد بن المدني بوساق :مرجع سابق ،ص . 50
وتتعدد المصالح الجديرة بالحماية الجنائية وفقا لظروف واحتياجات كل مجتمع وتتأثر بتقاليده ونظمه القتصادية
والجتماعية والسياسية ،وعليه يعتبر التجريم هو أقصى مراتب الحماية التي يضفيها التشريع على نوع معين من
المصالح التي تهم المجتمع.
ولما كانت المجتمعات بنظمها السياسية والقتصادية والجتماعية تتفاوت فيما بينها في تحديد هذه المصالح
فإنه ولبد تبعا لذلك من اختلف سياسة التجريم فيمابينها .1
وإذا كانت القيم والمصالح ذات الهمية القصوى في المجتمع تحظى بحضر انتهاكها والتهديد به تحت طائلة
العقاب فإن القيم والمصالح القل أهمية ل تعرى من الحماية بإطلق ،وإنما تترك في العادة للقانون المدني أو
القانون الداري أو للمربين أو للوعاظ والجمعيات الخاصة والنقابات للمحافظة عليها.
الفقرة الثانية :مفهوم سياسة التجريم في التشريع الجنائي السلمي
يقوم مفهوم التجريم في الشريعة السلمية على إضفاء الحماية الجنائية على مجموعة من المصالح والقيم
والمبادئ التي تعمل الشريعة السمحة على حفظها باعتبار أهميتها في حفظ كيان المجتمع ،فالشريعة السلمية
تعتبر الخلق الفاضلة أولى الدعائم التي يقوم عليها المجتمع ،ولهذا فهي تحرص على حماية هذه الخلق وتتشدد
في هذه الحماية بحيث تكاد تعاقب على كل الفعال التي تمس الخلق 2،والعلة في اهتمام الشريعة بالخلق
على هذا الوجه ،أن الشريعة السلمية تقوم على الدين الذي يأمر بمحاسن الخلق ويحث على الفضائل ويهدف
إلى تكوين الجماعة الصالحة .
فالنظام الجنائي السلمي جزء من الشريعة السلمية التي تقوم على أساس الدين ،والدين بما له من
قدسية وحرمة يكفل للنظام الجنائي السلمي قوة
_____________
-1د .أحمد فتحي سرور :مرجع سابق ،ص 18و . 19
-2عبد القادر عودة :التشريع الجنائي السلمي مقارنا بالقوانين الوضعية ،ص 69الجزء الول مؤسسة
الرسالة بيروت الطبعة العاشرة .
وفاعلية لرتباطه بعقيدة المسلم ووجدانه الديني،حيث ل يخفى أن تكوين الفرد الصالح الذي يكون في مجموع
تصرفاته نزاعا إلى الخير عزوفا عن الشر من أهم مقاصد السلم ،وهو ما جعل المشرع السلمي في تجريمه
للعديد من التصرفات والفعال يهتم بالجانب الديني والعقائدي .
إلى جانب ذلك ،إن النظام التجريمي في الشريعة السلمية ينحو في تجريمه لبعض السلوكات والفعال
إلى حماية مصالح الفراد في مختلف تجلياتها القتصادية والجتماعية ،فالمقاصد الرئيسية للشريعة السلمية
تشتمل على مصالح العباد ،فما من أمر شرعه السلم بالكتاب أو السنة إل كانت فيه مصلحة حقيقية.
وحاصل القول أن الفقهاء الشريعة قد جمعوا مختلف هذه المصالح التي عمل المشرع السلمي على حفظها
وحمايتها في أصول خمسة يأتي في مقدمتها حفظ الدين باعتباره المقوم الساسي لكيان المجتمع السلمي،
لذلك نجده جرم بعض السلوكات التي تطال هذا المقوم منها جريمة الردة وتشدد في العقاب عليها.ثم نجد حفظ
النفس ،وهكذا جرم كل فعل اعتداء عليها ويأتي حفظ العقل في المرتبة الثالثة )تجريم الخمر والمخدرات
والمسكرات…( ويحتل حفظ المال المرتبة الرابعة يليه حفظ النسل )تجريم القذف للمحصنات…(.
تنبني سياسة التجريم على مجموعة من المبادئ والسس النظرية والفلسفية التي تضع النموذج العام الذي
تعتمده التشريعات الجنائية في تجريم أفعال وسلوكات الفراد والجماعات .وقد عرفت هذه الفكار والنظريات
تطورات متلحقة منذ ظهور القانون الجنائي مع المجتمعات القديمة التي كانت وراء انبعاث فكر جنائي جديد
تمثل في بروز
مجموعة من المدارس الفقهية )المطلب الول( .وبالمقابل فإن فلسفة التجريم في الشريعة السلمية ارتبطت
أساسا بتحديد المسؤولية الجنائية للفراد ،وهو ما أعطاها صبغة متميزة عن غيرها من التشريعات الجنائية
الوضعية )المطلب الثاني(
المطلب الول :مراحل تطور سياسة التجريم في القوانين الوضعية
تتأثر قواعد التجريم بوصفها قواعد اجتماعية ،بالمتغيرات الجتماعية التي تعكس ما ينشأ في المجتمع من
تحول في القيم الخلقية والسياسية والثقافية… ،وإذا ما استعرضنا التاريخ العام لسياسة التجريم نجده مر
بمراحل رئيسية ثلث :مرحلة السرة والعشيرة قبل تكون الجماعة السياسية ،ثم مرحلة قيام الدولة الحديثة،
وأخيرا مرحلة البحث العلمي والدراسة الفلسفية .
الفقرة الولى :التجريم في المجتمعات القديمة
-1مجتمع اللتقاط
ارتبط مفهوم التجريم في هذه المرحلة بالحاجة إلى الطعام ،فظهرت جرائم العتداء على الشخاص ،أما
جرائم الموال والجرائم الخرى فلم تكن موجودة لكون الملكية سواء الخاصة أو الجماعية لم يعطى لها أي
أهمية.وفي غياب قانون مكتوب اعتمدت المجتمعات البدائية على وسائل غيبية لحل مشاكلها ،ومع مرور الوقت
تركزت لدى النسان في تلك الفترة جملة من القواعد التي كان عليه احترامها ،وإل تعرض لجزاء من طرف قوى
غيبية ،فالمخالف لهذه القواعد كان يذهب به الوهم إلى أن الجزاء الخفي قريب الحلول به فينتابه الخوف الشديد
الذي يؤدي إلى مرضه وموته ،وقد سمي هذا النوع من التجريم " بالتابو".
-2مجتمع الصيد
في هذه المرحلة بدأ النسان ينظم نفسه في عشائر تحترف الصيد والعمل بالرض ،فتولدت الحاجة إلى
حماية رجالها من العتداء عليهم ،وإلى حماية أرضها من الغتصاب 1وذلك في صورة رد فعل جماعي تمثل في
النتقام في مرحلة أولى ليتطور بع ذلك إلى جرائم القصاص .
ولما تطور مجتمع الصيد إلى الرعي بدأت أهمية العامل القتصادي الناتج عن تملك المواشي والبقار ،وحينها
ظهرت أهمية جرائم الموال ،فتزايدت الحاجة إلى تجريم كل اعتداء عليها.
-3مجتمع الزراعة
في هذه الفترة نشأت الملكية الخاصة ،وظهر مفهوم السرة التي أضحت تملك قطعة أرضية تستغلها لشباع
حاجاتها 2 ،وهكذا فقد أدى ظهور الملكية
إلى انقسام المجتمع لطبقات اجتماعية ،الشيء الذي أدى إلى ارتفاع جرائم العتداء على الموال ،وفي المراحل
الولى لمجتمع الزراعة كانت سلطة التجريم والعقاب كلها بيد الب ،فهو السيد والقاضي يأمر وينهى ويعاقب من
يخالفه .
-4الدولة الدينية 3
لما ظهر نظام الدولة الدينية ظهرت أهمية رجال الدين في مجال التجريم ،مما نتج عنه تعاظم الهمية
الجنائية لجرائم انتهاك الديان وعلى وجه الخصوص جرائم اللحاد والسحر وانتهاك المقدسات والتي أضحت
أشنع الجرائم وأبشعها .4
وفي عصر ملوك الحق اللهي تضخمت جرائم العتداء على الملك حفاظا على شخصه وملكه وسلطته ،هذا
إلى جانب ما نالته جرائم العتداء على
الشخاص والموال من أهمية خاصة .
_____________
-1د .المهدي السرسار :الثوابت و المتغيرات الساسية في تطور المؤسسات و الوقائع الجتماعية ،ص ، 15
مطبعة سبارطيل .2001/2002
-2د .المهدي السرسار :مرجع سابق ،ص 20و ما بعدها .
-3لن نتعرض في هده المرحلة من الدولة الدينية للرسالت السماوية الثلت ،و على وجه التعيين الشريعة
السلمية ،على أننا سنقف على دلك في مواضع أخرى من هدا البحث و خاصة في فصله الثاني .
-4أحمد الخمليشي :شرح القانون الجنائي العام ،ص 18و ما بعدها ،مكتبة المعارف الطبعة الولى . 1985
___________________
-1أحمد الخمليشي :مرجع سابق ،ص . 23
1
أول :المدرسة التقليدية الولى
________________
-1أحمد فتحي سرور مرجع سابق ،ص . 47
-2د .عبد السلم بنحدو :مرجع سابق ص . 66
تقتضيه المصلحة سواء العامة أو الخاصة ،بحيث يكون ملزما دائما بالعمل على التوفيق بين المصالح الفردية من
جهة والمصالح الجماعية من جهة ثانية ،كما
أنه يتوجب على المشرع الجنائي أيضا أل يتجاوز ما تقتضيه العدالة ،وهو الشرط الجوهري الذي يضمن للفراد
حمايتهم من أي شطط أو تعسف من قبل السلطة صاحبة الحق في التجريم ،فل يتسنى لها إذ ذاك التلويح
بعصى التجريم في وجوه الفراد كلما شاءت ذلك .وهكذا فإنه من الواضح بأن سياسة التجريم عند المدرسة
التقليدية الحديثة تنبني على معيارين أساسين لبد من تحقيقهما عند ممارسة الدولة لحقها في التجريم هما :
معيار المصلحة من جهة ،معيار العدالة من جهة ثانية .
ثالثا :المدرسة الوضعية أو الواقعية
نشأت هذه المدرسة على يد ثلث فقهاء إيطاليين هم لومبروزر (lombroso (1836-1909وكان أستاذا
للطب الشرعي وهو صاحب كتاب " النسان المجرم " وفيري (ferri (1856-1929وكان أستاذا للقانون الجنائي
وهو صاحب كتاب " الفاق الجديدة للعدالة الجنائية " الذي نشر فيما بعد تحت عنوان " السوسيولوجية الجنائية "
وأخيرا كاروفالو carrofaloالذي كان قاضيا ونشر كتابه في علم الجرام سنة .1885
وقد استندت المدرسة الوضعية على المنهج العلمي في تنظيرها للسياسة الجنائية الوضعية ،ففسرت الجريمة
على ضوءه ،واستعانت به في تحديد رد الفعل ضد الجريمة والتدابير المانعة لها ،ومن خلل هذا التفسير العلمي
للظاهرة الجرامية نشأ لول مرة علم الجرام ،وكانت نتائج هذا العلم هي المصدر الذي تحددت على أساسه
السياسة الجنائية .وهكذا فإن سياسة التجريم باعتبارها عنصرا من عناصر السياسة الجنائية -تنبني عند المدرسة
الوضعية على إعطاء الولوية لحماية المجتمع والمصالح المرتبطة به وجعلها فوق جميع العتبارات والمصالح
الخرى ،ولتحقيق ذلك فإنه يجب على المشرع التوسع في تجريم الفعال التي تهدد بالخطر مصلحة المجتمع
دون انتظار وقوع الضرر.
فالمشرع عليه أن يكون بالتالي نشيطا وفعال في تجريم أفعال وتصرفات الفراد التي تمس كيان ومصالح
الجماعة ول يكتفي بانتظار وقوع الخطر وتحقق الضرر ليقوم بهذه المهام.
ولعل أهم ما جاءت به المدرسة الوضعية ،فيما يتعلق بالسياسة التجريمية وهو تقسيم الفقيه كاروفالو
للجرائم "جرائم طبيعية" و"جرائم مصطنعة" .1
فالجريمة الطبيعية هي كل سلوك غير أخلقي يكون منافيا لمشاعر العدل والخير والستقامة في المجتمع،
كالقتل والسرقة وهتك العراض ،وهذا النوع من الجرائم يتميز بتوافق جميع المجتمعات على تجريمه منذ أولى
التشريعات التي عرفها النسان .2
أما الجريمة المصطنعة أو العتبارية :فهي التي تكون من صنع ووضع المشرع وتختلف من مجتمع إلى آخر
حسب الظروف الحضارية والتاريخية لكل بلد ،ويتيح هذا النوع من الجرائم للمشرع بسط سلطته التجريمية على
كل فعل قد يرى في حدوثه مساسا بالمصالح العامة أو الخاصة التي يتولى حمايتها بالنصوص والقواعد الجنائية،
وعليه فإنه يتوجب على المشرع –كما سبق –أن يكون نشيطا وفعال وأل يتردد في إضفاء الصفة الجرمية على
مثل هذه الفعال الضارة والخطيرة حماية لمصالح المجتمع والفراد.
رابعا :مدرسة الدفاع الجتماعي
ظهرت مدرسة الدفاع الجتماعي كآخر مرحلة في تطور الفكر الجنائي الحديث ،وهي تعتبر بحق الثورة الثالثة
في مسيرة هذا الخير .وتضم هذه المدرسة اتجاهان رئيسيان :الول وتمثله مدرسة جنوا للدفاع الجتماعي
التي
-1د .عبد السلم بنحدو :مبادئ علم الجرام ص 101المطبعة و الوراقة الوطنية ،الطبعة الثانية . 1999
-2من هده التشريعات مثل نجد القوانين الفرعونية القديمو ،قانون حامورابي ،قانون اللواح الثنى عشر
تطرفت في مبادئها فانحسرت ،أما التجاه الثاني فجسدته مدرسة باريس للدفاع
الجتماعي التي دافعت عن القانون الجنائي ،وأعادت للشرعية الجنائية مكانتها القانونية المعاصرة .
-1مدرسة جنوا للدفاع الجتماعي
أسس هذه المدرسة المحامي اليطالي الشهير كراماتيكا gramaticaفي الربعينيات ،وقدم نظرياتها في
كتابه " مبادئ الدفاع الجتماعي" وقد عرض كراماتيكا تصورا جديدا للجريمة ،حيث اعتبرها عبارة عن حالة
نفسية وشخصية لدى بعض الشخاص نتيجة لما سماه بالضطراب أو الخلل الجتماعي ،المتولد عن عدم قدرة
المجتمع على توفير الظروف والوسائل التي تجعل سلوك الفراد متلئما مع التعايش الجتماعي والطبيعي،
فالمجرم إذن ل يعدو أن يكون إivنسانا ل اجتماعيا ،ولذلك يدعو كراماتيكا إلى جعل المجتمع وليس الجريمة أو
المجرم محور النظام القانوني ،ويمكن تجميع أفكار كراماتيكا فيما يتعلق بالسياسة التجريمية للدول فيما يلي :
نادى كراماتيكا بإبدال قانون العقوبات 1المرتكز على معايير موضوعية أساسها :الفعل ،الجريمة ،المجرم،
الضرر…بطريقة جديدة لمكافحة الجريمة تكون أكثر واقعية وبعيدة عن النظريات التشريعية التي لم تستطع
تفادي الجرام .
نفي الصفة الجرمية عن الفعل الذي يخرق به النسان النظام الجتماعي ،ويعتبره عمل اجتماعيا يوجب معاملة
تختلف عن أحكام القانون الجنائي المعروفة .
__________________
-1د .حسن صادق المرصفاوي :الدفاع الجتماعي ضد الجريمة و وضعه في المجتمع العربي ،ص 45
المجلة العربية للدفاع الجتماعي العدد 18 :مطبعة النجاح الجديدة . 1981
يقترح كراماتيكا تصحيح مساوئ القانون الجنائي بمقوماته وأدواته الحالية وذلك بربطها بمفهوم " الدفاع
الجتماعي " ويرى ضرورة استبدال مصطلحات مثل قانون جنائي ،جريمة ،مجرم ،بأدوات ومصطلحات مماثلة
هي :قانون الدفاع الجتماعي ،الفعل الجتماعي ،الفرد الجتماعي .
من هذه النظرة المتطرفة لكرماتيكا ومحاولته القضاء على القانون الجنائي ،وكل أدواته المعروفة من مدرسته،
لم يكتب لفكاره التطبيق ول الذيوع بل كانت سببا لظهور التيار الجتماعي الحديث .
1
-2مدرسة باريس للدفاع الجتماعي
إذا كان كراماتيكا قد أخرج بتطرفه ودعوته النسانية المبالغ فيها الظاهرة الجرامية من مجال القانون
الجنائي ،بل نادى بإقصاء هذا الخير والستعاضة عنه بجملة من مبادئ الدفاع الجتماعي ،فإن مارك آنسل
استفاد من هذه النتقادات الموجهة لكراماتيكا في بناء نظرية جديدة للدفاع الجتماعي 1بعيدا عن الغلو
والتطرف الذين ميزا نظرية كراماتيكا .و تنبني السياسة التجريمية عند مارك آنسل في ظل نظريته الجديدة
للدفاع الجتماعي على مجموعة من السس والمبادئ ،نوردها مختصرة في هذه النقط:
سياسة التجريم باعتبارها عنصرا من عناصر السياسة الجنائية ،يجب أن تنشد في المقام الول حماية
الفرد ومصالحه على اعتبار أن الدفاع عن المجتمع ل يتحقق إل عن طريق خليته الولى وهو الفرد ،2ولكنه لم
يبالغ في تقديس حقوق الفراد على حساب مصلحة المجتمع كما فعل كراماتيكا ،الذي اعتبر بأن الفرد هو أصل
المجتمع وغايته ،وأن الدولة ل تملك تقييد حريته من أجل السعي لتحقيق أهداف بعيدة عن غايات النسان ككائن
اجتماعي .
________________________
-1مارك أنسل :الدفاع الجتماعي الجديد ،ص ، 12ترجمة حسن علم طبعة . 1967
-2أحمد فتحي سرور :مرجع سابق ،ص . 88
على نقيض كراماتيكا ،أكد مارك آنسل على أهمية وجود تشريعات جنائية لمواجهة الجرائم داخل المجتمعات
البشرية 1 ،ولضمان حقوق الفراد من أي تعسف من قبل هذه التشريعات دعا مارك آنسل إلى احترام القوانين
الجنائية التي تضعها الدول لمبدأ الشرعية الجنائية ،والعمل ما أمكن على التقليص من النصوص والحكام
التجريمية مع توفير الضمانات اللزمة لحماية حقوق ومصالح الفراد .وبذلك أعاد مارك آنسل للقانون الجنائي
قيمته النظرية والعملية في مواجهة الظاهرة الجرامية .
المطلب الثاني :فلسفة التجريم في الشريعة السلمية
إن هدف المشرع من التجريم هو تبيين الفعل الشرير الذي على الفرد اجتنابه .لكن بالضطلع على
المذاهب الفقهية السلمية التي تعرضت لموضوع المسؤولية الجنائية للجاني ،نجد أن هناك اتجاه ينفي أي جدوى
للتجريم لنه يعتبر الجاني مجبر فيما يقوم به من أفعال وغير مسؤول عنها وهو مذهب الجبرية .
وبالمقابل يرى مذهب المعتزلة أن الجاني مسؤول مسؤولية مطلقة على ما اقترفته يداه ،وعليه لبد من وجود
نصوص شرعية تجريمية تحد من نتائج أفعاله وتصرفاته وتقننها ويتوسط مذهب ثالث وهو مذهب الشاعرة
المذهبين السابقين .
الفقرة الولى :مذهب الجبرية
تعتبر الجبرية عند البعض بدعة وتنسب إلى اليهود فهي من قبيل السرائيليات التي دست على السلم
وقوامها أن النسان ل يخلق أفعاله ،وأصل ل إرادة له ول اختيار ذلك لن الله هو خالق الشياء و الرادات
والفعال فالفعل لله وحده ،وإنما تنسب الفعال للفراد على سبيل المجاز ونتيجة لذلك ل يجوز تكليف النسان
بعمل ل دخل له فيه ول يصح تواب النسان ول
________________________
-1د .حسن الصادق المرسفاوي :مرجع سابق ،ص . 49
عقابه تجاه شيء لم يفعله .ويستند مذهب الجبرية على أساسين :
-1-سبق علم الله بأفعال الناس وقد كتب عليهم هذه الفعال ول قدرة لهم على تغيرها.
-2-أن الله هو خالق النسان 1
وقد تصدى لهم بعض العلماء في الرد على مذهبهم كالحسن البصري ،وقد قال عنهم ابن تيمية ،هؤلء قوم من
العلماء والعباد وأهل الكلم والتصوف أثبتوا القدر وأمنوا بأن الله رب كل شيء ومليكه ،وأنه ما شاء كان وما لم
يشاء لم يكن ،وإنه خالق كل شيء ،وهذا حسن وصواب ،ولكنهم قصروا في المر والنهي والوعد والوعيد وأفرطوا
حتى غل بهم إلى اللحاد فصاروا من جنس المشركين الذين قالوا " لو شاء الله ما أشركنا ول آباءنا ول حرمنا من
شيء " 2.
الفقرة الثانية :مذهب المعتزلة
نشأ المعتزلة في العراق واشتهروا بالقول أن الله خالق لكل شيء وقد خلق في النسان قوة تمكنه من
سلوك الطريق الذي يريده ومن ثم فإن أتى بمعصية فهي مسندة أليه أي إلى إرادته ،فالله سبحانه وتعالى ل
يعاقب النسان على أمور ليست من أفعاله ،ول يقبل أن يقدر عليه أمرا ثم يفرض عليه عقوبة لرتكابه،
فللنسان إرادة حرة مطلقة في كل ما يفعله 3وبذلك فهو مخير في أفعاله وله أن يختار بين الشر والخير
والدليل قوله تعالى " أنا هديناه السبيل أما أن يكون شاكرا إما كفورا " وكذاك " وهديناه النجدين " وسبق علم
الله بأفعال الناس ل يجوز أن يكون مانعا من اليمان ،وأن الله غير خالق لفعال الناس وأن العامل الداعي أو
الموجب لفعل النسان ليس من خلق الله بل من خلق الشيطان والنفس المارة بالسوء . 4
وهكذا فإن توفر النسان على حرية اختيار يفرض توضيح وتحديد الفعال
________________________
-1مجلة الدفاع الجتماعي ،ص 59العدد 20-19مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء . 1985
-2أحمد فتحي بهنسي :موقف الشريعة من الدفاع الجتماعي ص 23دار الشرق بيروت بدون طبعة .
-3المجلة العربية للدفاع الجتماعي :ص 52العدد 18مطبعة النجاح الجديدة . 1982
-4المجلة العربية للدفاع الجتماعي :ص 60العدد . 20-19
الشريرة حتى يعلمها الفرد ويجتنبها ويعاقب إذا ما قام بها.
الفقرة الثالثة :مذهب الشاعرة
عند الجبرية ل قدرة لنسان ول إرادة ول فعل ،وعند المعتزلة للنسان قدرة مطلقة ،وهذا الرأي الخير
يتعارض مع قوله تعالى " لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إل أن يشاء الله رب العالمين ". 1
أما عند الشاعرة له قدرة ولكن ل تأثير لقدرته بجوار قدرة الله ،وله أفعال والله خالقها ،وله إرادة أيضا
تستند أفعاله إليها ،وبدلك يعد مختار في أفعاله ويكفي في تسمية أفعاله أفعال اختيارية لستناد تلك الفعال إلى
إرادته واختياره ،ولكن هذه الرادة والختيار عند الشاعرة ليست من النسان ،بل خاصة بخلق الله ولذا يقال
عندهم أنه مختار في أفعاله مضطر في اختياره .وبالنظر إلى أن فعله وإرادته لفعله مخلوقان لله تعالى لزم أن
يكون مضطرا فيهما جميعا .إل أن استناد فعله إلى اختيار وعدم استناد اختياره إلى اختيار آخر بسبب وصف
الفعال بالختيارية وهو المعنى بكون النسان مختار في أفعاله عند الشاعرة ،أما أفعاله فمستندة إلى اختياره
وإن لم يكن هذا الختيار بيده 2.
المبحث الثالث :خصائص سياسة التجريم في القانون
الجنائي المغربي والشريعة السلمية
تتميز سياسة التجريم في التشريع الجنائي المغربي بخصائص عديدة لعل أهمها كونها سياسة وضعية من
جهة ودينية من جهة ثانية )المطلب الول( ،أما في التشريع الجنائي السلمي فإن سياسة التجريم تنبني على
) المطلب الثاني( خاصيتين أساسيتين هما :تدرج التجريم واقتصاره على الكليات دون الجزئيات
ــــــــــ
-1سورة التكوير :الية .28-27
-2أحمد فتحي بهنسي :مرجع سابق ص .25
المطلب الول :خصائص التجريم في القانون الجنائي المغربي
لقد ظلت سياسة التجريم المغربية موزعة مند بداية الستقلل وإلى الن بين اتجاهين ،فهي سياسة وضعية
من جهة وسياسة دينية من أخرى.
الفقرة الولى :سياسة وضعية
تتميز سياسة التجريم المغربية بكونها سياسة وضعية وهذا التوجه يبدوا من خلل أنها مقتبسة في جزء منها
من سياسة التجريم الفرنسية ،كما نجد أن المشرع المغربي تأثر بأفكار المدرسة النيوكلسيكية 1فاشرط لقيام
المسؤولية الجنائية توافر الهلية الجنائية القائمة على الدراك والختيار ولم يستثني من دلك إل الحالت التي
حددها القانون ،وهي التي تناولها الفصل (3)134-(2)132في القانون الجنائي المغربي.
كما أخذ لمشرع بالعذار القانونية وهي إما أن تكون معفية من العقاب وإما أن تكون مخففة .4
إضافة إلى ما سبق فإن المشرع المغربي تأثر بالمدرسة الوضعية فقسم الجرائم إلى جرائم تقليدية وجرائم
اصطناعية .5
الفقرة الثانية :سياسة دينية.
إن توجه سياسة التجريم المغربية توجه ديني لنها متأصلة من الدين ومستقاة من الفلسفة الجنائية السلمية .
وهكذا نجد أن القانون الجنائي المغربي نص على الجرائم المتعلقة بالفطار في رمضان 6وشرب الخمر 7
والعلقات الجنسية غير الشرعية 8بالضافة إلى جرائم أخرى .
ـــــــــــــــ
-1د .سامي النصراوي :النظرية العامة للقانون الجنائي المغربي في الجريمة و المسؤولية الجنائية ،ص
، 40الجزء الول دار المعارف الطبعة الثانية . 1986
-2و يتعلق بالطفل غير المميز .
-3يتعلق بالحالت التي يستحيل معها الدراك لخلل في القوى العقلية .
-4الفصل 143إلى الفصل 145من القانون الجنائي المغربي .
-5د .عبد السلم بنحدو :مرجع سابق ،ص .101
-6الفصل 222من القانون الجنائي المغربي.
-7المرسوم الملكي رقم 724 – 66في شعبان 1387ه الموافق ل 14نونبر . 1967
-8الفصل 491من القانون الجنائي المغربي .
لكن بالتمعن في النصوص الجنائية التي قامت بتجريم هذه الفعال يتبين أن المشرع قد تعامل مع هذه
الجرائم معاملة نفاقية مما دفع بالبعض إلى نفي التوجه الديني لسياسة التجريم المغربية 1 .
المطلب الثاني :خصائص سياسة التجريم في الشريعة السلمية
إن سياسة التجريم التي ينتهجها المشرع السلمي تتميز بخصائص جوهرية تهدف أساسا إلى التأكيد على
شموليتها وسموها عن باقي التشريعات الخرى ،سواء السماوية منها أم الوضعية ،وتتجسد أهم هذه الخصائص
في تدرج لتشريع الجنائي السلمي من جهة واقتصاره على الكليات دون الجزئيات والعموميات دون
الخصوصيات من جهة ثانية.
الفقرة الولى :تدرج التشريع الجنائي السلمي
لقد تدرج التشريع الجنائي السلمي في وضعه للحكام التكليفية الجنائية ،وذلك تبعا لحاجة الزمان وقدرة
الناس على استيعاب وتقبل ما فرض عليهم من أوامر ونواهي ،ضمن المعلوم أن السلم قد جاء والعرب في
إباحة مطلقة استحكمت فيهم عادات منها ما هو صالح للبقاء ول ضرر منه ،ومنها ما هو فاسد ل يصح السكوت
عليه أو البقاء على وجوده .لذا اقتضت الحكمة اللهية رحمة بالناس أل يفاجئوا بالحكام جملة واحدة ،فيعسر
عليهم تقبلها والمتثال لها .2ولهذا فقد نزل القرآن الكريم منجما وجاءت الحكام الشرعية متدرجة حتى يكون
السابق منها ممهدا للنفوس لقبول اللحق .
ولعل أهم مثال قد يستشهد به على تدرج التجريم في التشريع الجنائي السلمي هو التدرج في تحريم الخمر،
3حيث إن المشرع السلمي قد وقف موقفا حازما من شرب الحمر ،لكنه مع ذلك لم يجرمها جملة واحدة ،إذ
لما كان
ـــــــــــــــ
-1سنوضح هده المعاملة النفاقية في الفصل الثاني .
-2السياسة الجنائية في ظل النظام العقابي السلمي :إعداد مجموعة من طلبة كلية الحقوق بطنجة ،ص
5السنة الجامعية . 2004-2003
-3مناع القطان :تاريخ التشريع السلمي ،ص 54مؤسسة الرسالة الطبعة السابعة و العشرون . 1998
العرب قبل السلم يدمنون شربها ويتغنون بها في أشعارهم ونثرهم لم يكن قط من السهل تجريمها عليهم
دفعة واحدة ،فلم يكن تحريمها كلية وإنما على مراحل عدة :
المرحلة الولى: •
قال تعالى " ومن ثمرات النخيل والعناب تتخذون منه سكرا أو رزقا حسنا ،إن في ذلك لية لقوم يعقلون" 1
.جاءت هذه الية الكريمة للتفرقة بين الرزق الحسن وهو الطعام الحلل والسكر ،وذلك ما يؤيده العطف الذي
من شأنه المغايرة بين المعطوف )السكر( والمعطوف عليه )الرزق الحسن( 2 ،كما تتضمن هذه الية إشارة
دقيقة وتوجيها إيحائيا لولى اللباب للتفكير في هذه التفرقة .ومن ثم نجد بعض الصحابة رضوان الله عليهم
وعلى رأسهم عمر بن الخطاب أدركوا حرمة شرب الخمر انطلقا من الية المتقدمة .
المرحلة الثانية: •
قال تعالى " :يسألونك عن الخمر والميسر ،قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما". 3
أثناء هذه المرحلة لم يكن الخمر محرما ،حيث استمر شربها حتى بعد نزول هذه الية ،وقال الناس نشربها
للمنفعة ل للثم ،وإثم الخمرة الذي ذكره العلماء هو ما يصدر عن شاربها من المخاصمة و المشاتمة وقول
الفحش والزور وزوال العقل وتعطيل فروض الله .4أما المنافع التي عرفت عن الخمر فهي من قبيل ربح
التجارة إذ كان العرب يجلبونها من الشام بثمن زهيد ويبيعونها في الحجاز بربح وافر ،وقد قيل في منافعها أيضا
بأنها تهضم الطعام وتقوي الضعيف وتشجع الجبان وتصفي اللون ،إل أن الله
ـــــــــــــــ
-1سورة النحل :الية . 67
-2أحمد فتحي بهنسي :السياسة الجنائية في الشريعة السلمية ،ص 20دار العروبة . 1965
-3سورة البقرة :الية .217
4أحمد فتحي بهنسي :مرجع سابق ص .22
عز وجل أكد مباشرة بعد ذلك بأن إثم شرب الخمر هو أكبر من نفعها ،فما فيها من الضرار والوزار يفوق ما
فيها من المنافع ،وهكذا فبنزول هذه الية كان المسلمون بين شارب للخمر راغبا في منافعها ،وبين ممتنع عن
شربها لما فيها من آثام ومفاسد .
المرحلة الثالثة : •
قال تعالى " يا أيها الذين أمنوا ل تقربوا الصلة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون" . 2-1ذهب غالبية
الفقهاء إلى أن هذه الية الكريمة أقرب دللة على تحريم الخمر من الية الواردة في سورة البقرة وأشد منها
إيعازا لذلك ،على اعتبار أنها حرمت شرب الخمر في أغلب أوقات اليوم ،لن من يريد الصلة يجب أن يمتنع عن
شربها مدة كافية لزوال أثرها قبل دخول الصلة .وهكذا كان المسلمون يشربونها بعد انتهاء صلة العشاء وقبل
دخول وقت صلة الفجر
المرحلة الرابعة : •
قال تعالى " يا أيها الذين ءامنوا إنما الخمر والميسر والنصاب و الزلم رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه
لعلكم تفلحون ،إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله
وعن الصلة فهل أنتم منتهون" 3.نزلت هذه الية لتقطع يقينا ونهائيا بحرمة الخمر على اعتبارها رجسا من عمل
الشيطان ،وبابا من أبوابه التي يتسلل منها إلى قلوب وعقول شاربيها ليوسوس لهم ما يذكي بينهم نار العداوة
والبغضاء والتشاحن ويأججها ،فأراد الشارع الحكيم بتحريمه الصريح للخمر في هذه الية أن يسد
ـــــــــــــــ
-1سورة النساء :الية . 43
-2نزلت هده الية على ما رواه الترميدي عن على بن أبي طالب قال :صنع لنا عبد الرحمان بن عوف
طعاما فدعانا و سقانا من الخمر ،فأخذت الخمر منا ،وحضرت الصلت فقدموني فقرأت :قل يا أيها
الكافرون ل أعبد ما تعبدون ،و نحن نعبد ما تعبدون ،قال فأنزل الله تعالى " :يا أيها الدين آمنوا ل تقربوا
الصلة و أنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون " .خرجه الترميدي و صححه /أحمد فتحي بهنسي مرجع
سابق ،ص .23
-3سورة المائدة :اليتان . 93-92
هذا المنفذ الشيطاني لما يترتب عنه من مفاسد ومضار تلحق البلد والعباد1.
وقد توالت بعد هده الية الحاديث النبوية التي أكدت في نفس التجاه على
تحريم الخمر منها قوله صلى الله عليه وسلم :ما أسكر كثيره فقليله حرام "
و ما روي عنه أيضا عليه الصلة والسلم من أنه لعن الخمر ولعن معها عشرا :بائعها ومبتاعها والمشتراة له
وعاصرها والمعصورة له وساقيها وشاربها وحاملها والمحمولة له وآكل ثمنها.
الفقرة الثانية :القتصار على الكليات دون الجزئيات والعموميات دون الخصوصيات
لقد أنزل الله الكتب وأرسل الرسل مبشرين ومنذرين لئل يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ،وقد
اقتضت الحكمة اللهية أن تكون رسالة السلم خاتمة الرسالت السماوية 2.يقول الحق عز وجل " :قل يا أيها
الناس إني رسول الله إليكم جميعا 3 ".ويقول أيضا " :وما أرسلناك إل كافة للناس بشيرا ونذيرا " 4ويقول
أيضا " :ما كان محمدا أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين"5 .
لذلك كان لزاما أن يتميز التشريع الجنائي السلمي عامة ومنهجه التجريمي على وجه التعيين بنظام فريد
وخصائص نوعية ،لعل أهمها كون التشريع التجريمي السلمي يقتصر في وضعه للحكام على الكليات دون
الجزئيات والعموميات دون الخصوصيات .
ومقتضى ذلك ،أن الشارع الحكيم عمل عند تعيينه للجرائم والمحظورات الشرعية على القتصار على وضع
الصول الكلية والقواعد العامة والحكام
ـــــــــــــــ
-1تعددت الروايات في أسباب نزول هده الية ندكر منها ما رواه الطبري و الترمدي و غيرهما بأن هده الية
نزلت في -ملحاة – جرت بين سعد بن أبي وقاص و رجل من النصار يدعى عتبة بن مالك و هما على
شراب لهما ،و قد انتشيا فتفاخرة النصار و قريش فأخد النصاري لحى جمل فضرب به أنف سعد فشقه ،
فنزلت هده الية /أحمد فتحي بهنسي :مرجع سابق ،ص . 25
-2نزلت مناع قطان :مرجع سابق ص 16و ما بعدها .
-3سورة العراف :الية . 158
-4سورة سبأ :الية . 28
-5سورة الحزاب :الية . 40
الجمالية من غير التعرض إلى جميع الجزئيات والتفاصيل والكيفيات والمراحل 1.وفي ذلك يقول المام
الشاطبي في الموافقات " :الشريعة لم تنص على حكم كل جزئية على حدتها ،وإنما أتت بأمور كلية وعبارات
مطلقة تتناول أعداد ل تنحصر " ويقول ابن حزم في أصول الحكام " :فلم يبق في الدين حكم إل وهو هاهنا
منصوص جملة .
وتكمن العلة والمقصد في وضع النصوص التجريمية السلمية على هذا الشكل في أن الشريعة السلمية ل
تقبل التعديل والتبديل ،فوجب أن تكون نصوصها -الجنائية وغير الجنائية -من المرونة والعموم ما يمكنها من
استيعاب ما يستجد من التغييرات والتطورات البشرية مهما تغيرت ظروف الزمان والمكان والشخاص .إن هذه
الخاصية المتميزة في التشريع الجنائي السلمي تتيح للحاكم وأولي المر من أهل الحل والعقد في المة
السلمية منفذا واسعا ومجال فسيحا في باب السياسة التجريمية ،بحيث تستطيع الدولة المسلمة تجريم كل
فعل أو سلوك جد في المجتمع وإن لم يكن قد نص على حكمه تفصيل .وذلك كله في ظل الشريعة السمحة ل
تخرج عنها ول تحتاج إلى غيرها .
وفيما يلي نورد شاهدا واضحا لما ذكرناه آنفا :
تجريم السرقة :يقول تعالى ":السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما …" .2فقد جرمت هذه الية الكريمة •
السرقة حينما نصت على عقوبتها ،والسرقة عند فقهاء الشريعة السلمية هي أخذ مال الغير دون علمه و رضاه،
فإذا أخذ المال في حضوره وليس على سبيل القهر والمغالبة ،فالفعل اختلس ل سرقة ،أما إذا أخذ في غيبة
صاحبه ولكن برضاه فل جريمة في المر 3.
ـــــــــــــــ
-1د .عبد الخالق أحمدون :فصول في المدخل الى دراسة الشريعة السلمية ص 34و مابعدها مطبعة
سبرطيبل 2001-2000
-2سورة المائدة الية . 38
-3المام محمد أبو زهرة :الجريمة و العقوبة في الفقه السلمي ،ص 122الجزء الثاني دار الفكر العربي
بدون تاريخ .
_________________
-1عبد الخالق النواوي :جرائم السرقة في الشريعة السلمية و القانون الوضعي ،ص 10المكتبة العصرية –
بيروت لبنان – بدون تاريخ .
سياسة التجريم
دراسة مقارنة بين التشريعين الجنائيين
المغربي و السلمي
المبحث الول :مبدأ الشرعية الجنائية
من المعروف أن سياسة التجريم الحديثة تقوم على مجموعة من الدعائم الساسية التي تستهدف حماية حقوق
الفراد و صيانة مصالحهم في ظل الحرص التام على تحقيق التوازن والمن داخل المجتمع ،من أهمها مبدأ الشرعية
الجنائية ،الذي يقضي بضرورة تحديد الفعال التي تعد جرائم سلفا.
المطلب الول :مبدأ الشرعية في القانون الجنائي المغربي
يقصد بمبدأ الشرعية " ضرورة خضوع الفعل أو المتناع لنص من نصوص التجريم " انه لكي يكون أو يعتبر فعل ما
أو امتناع ما جريمة فلبد من وجود نص جنائي يجرم هذا الفعل أو المتناع ،ويضفي عليه صبغة عدم المشروعية ،وهذا
المبدأ هو ما يعبر عنه أحيانا بمبدأ )شرعية الجرائم و عقوباتها( ،وأحيانا بمبدأ )ل جريمة و ل عقوبة إل بنص( ،أو مبدأ
)النصية (الذي يعني حصر مصادر التجريم و العقاب في مصدر واحد وهو النص القانوني الجنائي).(1
وترجع هذه القاعدة في أصلها إلى تطور تاريخي طويل بدأ منذ العهد الجمهوري للقانون الروماني وانتهى بإقرارها
في إعلن حقوق النسان و المواطن الذي صدر عن الثورة الفرنسية عام1789،و في الدستور الفرنسي الصادر عام
1793ثم في قانون نابليون الصادر عام .1810
لكن قبل الثورة الفرنسية كان هذا المبدأ مرادفا للتعسف ،خصوصا و أن القضاء الجنائي كان قبل هذه الفترة
محل انتقاد من طرف المفكرين و الفلسفة بسبب قساوة التدابير التي كان يأخذ بها و بسب انعدام المساواة التي كان
يقوم عليها ،و يعتبر MONTESQUIEUفي هذا الطار ،أحد أهم المفكرين الذين نادوا بضرورة وضع قوانين محددة
يعتمدها القضاء الجنائي.
_________________
-1د .عبد الواحد العلمي :المبادئ العامة للقانون الجنائي المغربي ،ص ، 86الجزء الول – دار النشر مطبعة
النجاح الجديدة . 1990
لكن أحسن تعبير عن مبدأ الشرعية ،ورد في كتاب صدر لليطالي ، C.BECCARIAولقد تأثر هذا الخير بأفكار
مونتسكيو بصفة خاصة وبأفكار فلسفة القرن الثامن عشر بصفة عامة.ولهذا فعندما نشر كتابه حول الجرائم والعقوبات
سنة 1764فإن ذلك الكتاب جاء كتعبير ممنهج ومنظم لتلك الفكار متضمنا في نفس الوقت أفكار جديدة تقدم البديل
للمبادئ والمؤسسات التي كانت محل انتقاد.
ورغم تعرض أفكار BECCARIAلنتقادات شديدة لكن ذلك لم يمنع انتشارها وانتشار مبدأ الشرعية الذي جاءت به
و الذي سارعت الكثير من القوانين الجنائية إلى الخذ بمضمونه الجديد الذي تم تحديده بصفة نهائية في تصريح حقوق
النسان والمواطن ).(1
كما اكتسب هذا المبدأ إقرارا عالميا في العلن العالمي لحقوق النسان الصادر عن الجمعية العامة للمم المتحدة
في 10ديسمبر عام ، 1948وبعد ذلك أصبح مبدأ دستوريا تنص عليه مختلف الدساتير وتحترمه القوانين الجنائية ).(2
ويعتبر هذا المبدأ بمثابة الحجر الساسي للتشريع الجنائي ،فهو يقوم بحماية مصالح متضاربة ،فمن جهة يهدف إلى
حماية المصلحة الفردية عن طريق تحديد الفعال الممنوعة ليتجنبها الفرد كما أنه يحمي الفرد من تحكم كل من
المشرع والقاضي ،فالمشرع ل يملك سوى سلطة التشريع الذي ل يسري على الماضي و لذلك فكل فرد سيكون على
علم بكل المحضورات فل يسعه إل أن يجتنبها ،أما القاضي فل يستطيع معاقبة الشخاص إل على الفعال التي وصفها
المشرع بأنها جرائم ).(3
_________________
-1د .محمد الملياني :دروس في القانون الجنائي العام ،ص ، 110-109دار النشر الجسور الطبعة الولى
.1995
-2د .عبد السلم بنحدو :الوجيز في القانون الجنائي المغربي ،ص 113المطبعة و الوراقة الوطنية . 2000
-3د .عبد السلم بنحدو :مرجع سابق ،ص .111
ومن جهة أخرى فهو يهدف إلى حماية مصلحة الجماعة ،إذ أن النصوص الجنائية تتضمن مختلف القيم الجتماعية
التي يجب احترامها ولو باللجوء إلى العقوبة إذا اقتضى المر ذلك ،ووجود هذه النصوص يضمن احتراما لتلك القيم على
مستوى الجماعة ،وذلك على خلف ما إذا توقف أمر السهر على تأمين احترامها على إرادة القاضي فقط ،لن المر في
هذه الحالة الخيرة يصبح احتماليا وهو ما يكون له تأثير على الجانب الردعي).(1
وما يجب لفت النتباه إليه أن هناك أسس ل يقوم مبدأ الشرعية إل بها ولقد حددها كل من بيكاريا ومشروع الثورة
الفرنسية ،وتتمثل أهم هذه السس في ضرورة جعل أمر وضع الجرائم والعقوبات من اختصاص القانون وحده ،وذلك
في إطار نظام يقوم على فصل السلطات كما نادى بذلك منتسكيو.
ويقصد بالقانون هو ما يصدر عن السلطة التشريعية دون باقي السلطات كالسلطة التنفيذية والسلطة القضائية .
أما المقصود بالسلطة التشريعية بالنسبة لبيكاريا فهو الهيأة التي تمثل كل المجتمع الذي يربط أفراده عقد اجتماعي
وقد أصبحت هذه الهيئة تتمثل في البرلمان ).(2
كما يفرض مبدأ الشرعية أن تحصر مصادر القاعدة الجنائية في التشريع المكتوب وحده دون غيره من الصادر غير
المكتوبة ،كالعرف والشريعة السلمية ومبادئ العدالة أو القانون الطبيعي).(3
ولهمية هذا المبدأ فقد كرسه المشرع الجنائي المغربي على غرار أغلب التشريعات في الدستور الذي ينص في
فصله العاشر على أنه " ل يلقى القبض على أحد ول يعتقل ول يعاقب إل في الحوال وحسب الجراءات المنصوص
عليها في القانون" وإلى جانب الدستور نجد أن القوانين بدورها تنص على هذا المبدأ ،فنص الفصل الثالث من مجموعة
القانون الجنائي المغربي على أنه "ل يسوغ مؤاخذة أحد
_________________
-1د .محمد الملياني :مرجع سابق ،ص .111
-2د .محمد الملياني :مرجع سابق ،ص .112
-3د .عبد الواحد العلمي :مرجع سابق ،ص .92-91
على فعل ل يعد جريمة بصريح القانون ول معاقبته بعقوبات لم يقررها القانون").(1
وإذا كانت مزايا مبدأ الشرعية من الهمية كما سبق التنويه لذلك فإنه مع ذلك تعرض للنقد من طرف خصومه،
ومن أهم النتقادات التي وجهت إليه أن الخذ به يؤدي إلى جمود القانون الجنائي وهذا القصور يظهر في بعض الحيان
من حماية مصالح الجماعة .
كما أن عدم مرونة نصوص القانون الجنائي تؤدي إلى عجزها على مواجهة التطور الذي يطرأ على النشاط الجرامي
نتيجة تطور المجتمع ).(2
لكن إذا كانت القوانين الوضعية قد سادتها عدة نظريات ومبادئ عرفت تأرجحا بين التبني والنقد ،فالشريعة
السلمية قد تنزهت عن العيوب التي شابت النظريات الوضعية وسلمت من النتقادات التي وجهت إليها.
ولعل مما يدهش الكثيرين أن التجريم والعقاب في الشريعة ل يأتيه النقد ،ذلك أن القوانين الوضعية بالرغم مما
وصلت إليه من تقدم ،إل أنها تبقى تسير في أثر الشريعة وترتسم خطابها ،على اعتبار أنها هي أول من عرفت نصوصها
المرونة تماشيا مع الظروف المستجدة وتطور المجتمع.
المطلب الثاني :مبدأ الشرعية في التشريع الجنائي السلمي
خلفا لما هو شائع عن أن مبدأ الشرعية جاء بعد الثورة الفرنسية لسنة 1789فإن أصل هذا المبدأ نجده في
الشريعة السلمية التي عرفت هذه القاعدة من مدة تزيد عن أربعة عشر قرنا.
والواقع أنه ليس في نصوص القرآن والسنة نص واضح الدللة على العمل بهذه القاعدة في مجال التشريع الجنائي
وبعبارة أخرى فإنه ليس هناك نص بعينه يفيد الخذ بهذه القاعدة في التشريع الجنائي السلمي مع ذلك فإنه يمكن
استنتاج القاعدة من بعض النصوص القرآنية والسنة ومن بعض القواعد الصولية استنتاجا سائغا
_________________
-1د .عبد السلم بنحدو :مرجع سابق ،ص .114-113
-2عبد الواحد العلمي :مرجع سابق ،ص .99
فأما آيات القرآن الكريم فمنها قوله تعالى " :وما كنا معذبين حتى نبعث رسول " سورة السراء –الية .15وقوله
تعالى " :وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث
في أمها رسول يتلوا عليهم آياتنا " سورة القصص –الية . 59وقوله تعالى مخاطبا الرسول صلى الله عليه وسلم " :
قل للذين كفروا أن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف " سورة النفال –الية ، 38وقوله تعالى بعد النص على تحريم بعض
صور السلوك " :إل ما قد سلف " سورة النساء – الية ، 23-22وقوله تعالى " عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم
الله منه " سورة المائدة –الية . 95
وأما أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي تقرر تطبيقا لمبدأ الشرعية منها قوله في حجة الوداع " :ال وان دم
الجاهلية موضوع وأول دم أبدأ به دم الحارث بن عبد المطلب ،وأن ربا الجاهلية موضوع وأول ربا أبدأ به ربا عمى
العباس بن عبد المطلب " ومنها قوله عليه الصلة والسلم لعمرو بن العاص " :السلم يهدم ما قبله " 1.و من هذه
اليات والحاديث استخرج الفقهاء القاعدتين الصوليتين اللتين تفيدان أن مضمون قاعدة " ل جريمة ول عقوبة إل بنص
" :قاعدة أنه ل تكليف قبل ورود الشرع .وقاعدة أن الصل في الشياء الباحة وتطبيق هاتين القاعدتين في مجال
الفقه الجنائي يعني حضر العقاب على صور السلوك التي لم يرد نص بتجريمها ،وقصر العقاب على صور السلوك
المجرمة على حالت ارتكابها التي تقع بعد ورود النص القاضي بالتجريم 2
غير أن الشريعة ل تطبق هذه القاعدة على إطلقها في كل الجرائم والعقوبات بل غيرت في كيفية التطبيق بحسب
ما إذا كانت الجريمة من جرائم الحدود ،وجرائم القصاص ،والدية ،أو جرائم التعزير .3
فبالنسبة لجرائم الحدود فكل جريمة من هذه الجرائم نصوص خاصة بها في القرآن الكريم والسنة تحدد الفعل
المعاقب عليه والعقوبة المقدرة له وهذه الجرائم تمثل اعتداء على المال والمن كجريمتي السرقة والحرابه ،وبعضها
الخر ،يمثل
_________________
-1محمد سليم العوا :المجلة العربية للدفاع الجتماعي العدد 7مارس .1978
-2محمد سليم العوا :أصول النظام الجنائي السلمي ،ص 59-58دار المعارف ا لطبعة الثانية .1983
-3هبة أحمد :موجز أحكام الشريعة السلمية في التجريم ،ص . 28-27
_________________
-1محمد سليم العوا :مرجع سابق ،ص .60
عناصرها وأركانها ،وما لم يرد تجريمه بالنص في النصوص ل يمكن أبدا اعتباره جريمة مهما كان قبيحا أو مستهجنا ،أما
في الشريعة فقد استبان لنا أن لكل فعل حكما ،فالشريعة إذن من هذه الناحية أوسع من القانون نطاقا وأقدر على
ملءمة الزمن ومسايرة التطور .1
إذا صح ذلك كله فإنه يبين مدى مجانبة الصواب للرأي القائل أن قاعدة ل جريمة و ل عقوبة بغير نص قاعدة ل
تعرفها الشريعة السلمية ،ول يمكن الخذ بها في نظام جنائي مستمد من الفقه السلمي وأن أعمالها أو القول
بوجوبها في مثل هذا النظام يعد افتئاتا على نصوص الشارع السلمي.
وإذا كان الفقه الجنائي السلمي يأخذ بقاعدة ل جريمة ول عقوبة بغير نص فإنه من العسير أن نقبل في ضل هذه
القاعدة بأن بعض الفعال في الفقه السلمي ل يمكن معرفة كونها جريمة إل بعد وقوعها ،ذلك أن مثل هذا القول يهدم
القاعدة المشار إليها من أساسها ،ويجعل من النصوص والقواعد الصولية المتقدم ذكرها مجرد كلمات خاوية من كل
معنى علمي 2.
وهكذا فإن القوانين الوضعية لم تأت بجديد وإنما أخذت النظرية التي ابتكرتها الشريعة ولم تطورها وفقا لحكام
الشريعة الغراء بل اتسمت بجمودها ،فهي تجعل التشريع الجنائي نصوصا جامدة وتجرده من المرونة اللزمة لمواجهة
الجرام وتطوره تبعا لتقدم الحضارة وارتباط المصالح بين الناس وتعقد الحياة الجتماعية مع ما يبديه المجرمون من
التفنن في أساليب الجرام ،مما يجعلهم في كثير من الحالت في منجاة من سلطان القانون الذي غالبا ما يكون قد
وضع في ظروف مختلفة ،وليس التشريع من المرونة بالقدر الكافي لمواجهة ذلك في الوقت المناسب في كل الحوال
المر الذي يقتضي ،على القل المرونة في تعزير القاعدة في كل الحوال ونهج مسلك الشريعة في هذا الشأن فالدين
السلمي الخالد من الخصائص
_________________
-1عبد الخالق النواوي :مرجع سابق ،ص .11-10
-2محمد سليم العوا :مرجع سابق ،ص .60
الفذة ما تجعله يحمل بين ثناياه من العناصر والبذور الحية ما يمكنه من محاربة الجرائم المنظورة والمستوردة للقضاء
عليها فيوفر للمجتمع جو من الطمئنان والصفاء .1
_________________
-1نكبي منير :تقنيات التجريم في التشريع الجنائي المغربي ،ص 15سنة ( 1996بحث نهاية التمرين ،معهد
القضاء الرباط ) .
_________________
-1نكبي منير :مرجع سابق ،ص .17
-2أحمد فتحي سرور :المجلة العربية للدفاع الجتماعي ،ص 85العدد 11سنة .1984
_________________
-1هناك تقسيمات عديدة يأخذ بها الفقه في تقسيم الجرائم و تبويبها ،لعل أبوابها التقسيم الفقهي الشهير الذي
يصنف الجرائم إلى جرائم تقليدية و جرائم قانونية .كما تقسم الجرائم بالنضر إلى الركن المادي إلى :الجرائم
الوقتية ،و الجرائم المستمرة /و الجرائم البسيطة ،و جرائم العتياد /الجرائم البسيطة ،و الجرائم المركبة /
الجرائم المادية ،و الجرائم الشكلية .كما تقسم الجرائم بحسب طبيعتها إلى جرائم عادية و جرائم سياسية ( ...
انظر عبد السلم بنحدو :مرجع سابق ،ص 213و ما بعدها ) .
-2هبة أحمد :مرجع سابق ،ص .30
-جنايات وجنح ضد أمن الدولة الداخلي والخارجي )الفصول 218-163ق ج( وأهمها جرائم المؤامرة ،التجسس ،حمل
السلح…
-جنايات وجنح ماسة بحرية المواطنين وحقوقهم ،وهي تتعلق بممارسة حقوق المواطنة والعبادات )الفصل -219
232ق ج( كجريمة الفطار في رمضان ،وجرائم العتداء على أماكن العبادات …
-جنايات وجنح يرتكبها الموظفون ضد النظام العام )ف 262-232ق ج( كجرائم تواطؤ الموظفين ،وتجاوز الختصاص،
والختلس ،والرشوة ،واستغلل النفوذ…
-جنايات وجنح يرتكبها الفراد ضد النظام العام )ف 292-263ق ج( كجرائم تكوين العصابات المسلحة ،وإخفاء
المجرمين ،التسول…
-الجنايات والجنح ضد النظام العام )ف 333-293ق ج(
-جنايات وجنح تتعلق بحماية القتصاد الوطني ) ف 391-334ق ج( كجرائم التزوير والتزييف والنتحال…
-جنايات العتداء على الشخاص )ف 448-392ق ج( كجرائم القتل والضرب والجرح والتسميم ،وعدم تقديم
المساعدة لمن كان في خطر…
-جنايات وجنح ضد نظام السرة والخلق العامة )ف 504-449ق ج( وتشمل جرائم الجهاض ،إهمال السرة ،إهمال
الطفال…
-جنايات وجنح متعلقة بالعتداء على الموال )ف 607-505ق ج( وتضم السرقة بمختلف أنواعها وخيانة المانة…1
وبقراءة متأنية لهذا التقسيم يتبين بوضوح بأن الفصول التي خصصت لحماية كل ميدان من الميادين المذكورة
سالفا ينعدم التوازن بينهما ،خاصة فيما يتعلق بالجنايات والجنح الماسة بحريات المواطنين وحقوقهم التي ل يخصص لها
إل 33فصل .
_________________
-1نكبي منير :مرجع سابق ،ص .21
وإذا أحصينا النصوص التي تحمي بها الدولة نفسها ،فإننا نجدها تغطي 163فصل )جرائم ضد أمن الدولة ،جرائم
يرتكبها الموظفون ضد النظام العام ،الجرائم التي يرتكبها الفراد ضد النظام العام…(
وربما قيل أن هذا التعارض ظاهري فقط ،خاصة وأن الظهائر المتعلقة بالحريات العامة التي صدرت سنة 1957
قبل ظهور المجموعة الجنائية تغطي عددا وافرا من النصوص .وهذا اعتراض غير مقبول 1لن الملحظة الكمية تلزمها
ملحظة كيفية حيث إن الهاجس المني ساد النصوص الجنائية بصورة واضحة على حساب حماية حقوق الفراد
وحرياتهم.
ثانيا :انتقادات التقسيم
يتعرض التقسيم الثلثي المبني على أساس العقوبات المخصصة لها لمجموعة من النتقادات من أهمها:
طابعه الصطناعي : •
من بين أهم النتقادات الموجهة للتقسيم ،كونه يكتسي طابعا اصطناعيا ،فهناك بعض الجرائم التي تنتمي لفئة
معينة ،لكنها تعاقب بعقوبة فئة أخرى ،وهو ما يجعل التقسيم المتبع تقسيما اصطناعيا ،مثل ذلك الجنح التي تطبق عليها
عقوبة الجناية عندما تقترن بظرف من ظروف التشديد )الفصل 505ق ج والفصول من 507إلى 514ق ج بخصوص
جرائم الموال( أو الجنح التي ينص القانون الجنائي بشأنها على عقوبة تفوق عقوبة الجنحة )الفصل 197ق ج بخصوص
بعض جرائم أمن الدولة الخارجي( ومثال ذلك بالمقابل الجنحة الضبطية التي قد تطبق عليها عقوبة المخالفة عند
اقترانها بظرف من ظروف التخفيف )ف (150وما يصلح بالنسبة لجنح يصلح كذلك بالنسبة للجنايات التي يمكن أن
تطبق عليها عقوبات جنحية ،تحت تأثير ظروف التخفيف )147ق ج(.
_________________
-1عبد السلم المريني :سياسة التجريم في القانون المغربي – تساؤلت الفاعلية و الشرعية – ص 38مجلة
المحاماة العدد 37السنة .2000
وأخيرا ،فإن الطابع الصطناعي للتقسيم يظهر على مستوى التمييز بين الجرائم التي يتطلب فيها القصد الجنائي
والجرائم التي ل يتطلب فيها ذلك)المخالفات( .والتقسيم الثلثي يقوم في هذا الطار على التمييز بين الجنايات والجنح،
في حين أن عنصر القصد يتطلب في الجنايات وفي أغلبية الجنح .لهذا فهناك من يدعو للقيام بتقسيم ثنائي فقط1.
عدم تناسبه مع المعطيات العلمية : •
يرتكز التقسيم الثلثي للجرائم على معطيات تفترض وجود ثلثة أنواع من المجرمين:المجرم الذي يجب أن تتخذ في
حقه عقوبة مثالية ،والمجرم المتوسط الخطورة الذي يكون فعله مجرد انحراف عن الطريق والذي يكون قابل للتقويم،
وأخيرا المجرم الذي يرتكب مخالفة بسيطة والذي يجب أن يتخذ في حقه عقوبة ضبطية فقط ،ويتم تقدير خطورة
الشخص من هذا المنظور ومن ثم العقوبة على أساس الخطورة الموضوعية للجريمة التي يرتكبها ،لكن بينت
المعطيات الحديثة لعلم الجرام أن هناك علقة بعيدة بين خطورة الشخص على المجتمع والفعل الجرامي الذي
يرتكبه ،لنه قد يحصل أن يرتكب شخص فعل إجراميا خطيرا كالقتل في ظروف معينة ،بدون أن يكون ذلك الشخص
خطيرا على المجتمع ،كما أنه قد يوجد أشخاص يحترفون ارتكاب بعض الفعال القل خطورة لكنهم يعتبرون خطيرين
على المجتمع ،لكونهم من ذوي الحتراف الجرامي .
خلقه لصعوبات من الناحية العلمية: •
يعتمد على العقوبات في التمييز بين الجرائم في التقسيم الثلثي ،وهو ما يؤدي إلى خلق بعض الصعوبات من
الناحية العلمية ،فنجد مثل أن الفصل 150ق ج يسمح بالنسبة للجنح الضبطية بالنزول بالعقوبة الحبسية إلى حدود ستة
أيام وبالغرامة إلى 120درهما أو إلى 50دراهم ،أي إلى عقوبة المخالفة.فهل تطبق هنا أحكام الجنح أم أحكام
المخالفات؟
_________________
-1محمد الملياني :مرجع سابق ،ص .175
كما أن المشرع وبالنسبة لبعض الجنح ،قد يأخذ تارة بعقوبة المخالفة )مثل الفصل 325ق.ج بالنسبة للعقوبة
السالبة للحرية ( وتارة أخرى بعقوبة الجناية )مثل الفصل 197ق.ج( .
لكن رغم الصعوبات التي قد يخلقها اعتماد العقوبة في التقسيم ،فإن ذلك ل يبرر التخلي عن مبدأ تقسيم الجرائم
على أساس عقوبتها .
المطلب الثاني :اتجاه القانون الجنائي السلمي في تقسيم الجرائم
ينطلق الفقهاء المسلمون من العقوبات المخصصة للجرائم في تقسيمهم لهذه الخيرة ،وهو نفس التجاه الذي أخذ
به المشرع المغربي كما رأينا ذلك سالفا ،وعلى هذا الساس ،فإنهم يقسمون الجرائم إلى جرائم الحدود ) الفقرة
الولى ( وجرائم القصاص والدية ) الفقرة الثانية ( وأخيرا جرائم التعزير )الفقرة الثالثة (.
الفقرة الولى :جرائم الحدود
يعرف الفقهاء جرائم الحدود بأنها " محظورات شرعية زجر الله عنها بعقوبة مقدرة تجب حقا لله تعالى" 1.وكلمة
الحد في الفقه السلمي تطلق على الجرائم وكذلك على عقوباتها .
فكون الحدود عقوبات تجب حقا لله تعالى ،فيعني أن منفعة توقيعها ترجع إلى مجموع المة أو ما يسمي الن
بالمصلحة العامة ،فكل جريمة تعود المصلحة في العقاب عليها إلى مصلحة المة العامة تعتبر من جرائم الحدود .لهذا
قدرها الشارع مقدما من حد واحد ،بحيث ل يملك ولي المر ول القاضي إل أن ينزلها بالمذنب كما هي بدون زيادة أو
نقصان ،لن علة تشريعها حفظ الضروريات الخمس من الدين والنفس والعقل والمال والنسل.
على أنه إذا كانت هذه العقوبات ل تقبل النزول عنها ،إل أنها تندرئ بالشبهات لقوله عليه الصلة والسلم " إدرأوا
الحدود بالشبهات ما استطعتم " ويؤخر استيفائها
_________________
-1محمد سليم العوا :أصول النظام الجنائي السلمي ،ص .127
لمصلحة وتسقط في حالت الضرورة 1 ،فهذا النوع من الجرائم يتميز بثلث عناصر أساسية هي :
1-وجوبها تحقيقا للمصلحة العامة
2-عدم جواز الزيادة فيها أو النقص منها
3-عدم جواز العفو عنها من قبل القاضي أو السلطة السياسية ول من قبل المجني عليه.
أما كونها محظورات شرعية فمعناه أن الخالق سبحانه وتعالى ،هو الذي أضفى الصفة الجرمية على الفعال •
التي تكون هذا النوع من الجرائم ،واختص سبحانه وتعالى نفسه بتجريمها ولم يترك الباب مفتوحا للجتهاد أو القياس
لتحديدها.
وعليه فإنه ليس باستطاعة أي شخص مهما سمت مكانته وارتقت في العلم مدارجه أن يضيف أو يدخل في جرائم
الحدود المحددة العدد جريمة أخرى ويجعلها منها .
وأخيرا فإن معنى كون العقوبة فيها مقدرة ،أن الله سبحانه وتعالى قد نص عليها في القرآن الكريم وحدد •
مقدارها بدقة ،كما هو الشأن في عقوبة السرقة والزنى والقذف والحرابة وغيرها ،كما سنرى ذلك في أوانه .
وتجب الشارة إلى أن فقهاء الشريعة قد تواطؤ في اعتبار بعض أنواع الجرائم من الحدود ،في حين اختلفوا في
بعضها هل هي من جرائم الحدود أم ل وذلك على الشكل التالي :
أول :الجرائم المتفق على كونها من الحدود
وهي جرائم السرقة والحرابة والقذف والزنى :
1جريمة الزنى :يرجع تجريم هذا الفعل للقرآن الكريم لقوله تعالى " :ول تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيل "
2وقوله تعالى أيضا ":الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة " . 3
_________________
-1ابن القيم الجوزية :أعلم الموقعين ،ص 8الجزء الثالث.
-2سورة السراء :الية . 32
-3سورة النور الية . 2
ومن السنة النبوية لقوله )ص( " خذوا عني فقد جعل الله لهن سبيل ،البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب
جلد مائة ورجم بالحجارة "
2جريمة القذف :لهذه الجريمة بدورها سند في القرآن ،إذ جاء في اليتين 4و 5من سورة النور ":والذين يرمون
المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهن ثمانين جلدة ول تقبلوا لهم شهادة أبدا أولئك هم الفاسقون إل الذين
تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم " فهذا النص يجرم القذف ويعاقب عليه ،فهو من ثم من جرائم
الحدود .
3جريمة السرقة :سند هذه الجريمة من الكتاب ،قوله تعالى ":والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا
نكال من الله والله عزيز حكيم 1".والمقصود بالسرقة عند الفقهاء ،هو أخذ مال الغير خفية بنية التملك ،وهذا النص
صريح في تجريم السرقة .
4جريمة الحرابة :وتسمى أيضا بجريمة قطع الطريق وفي تجريمها جاء في القرآن الكريم قوله تعالى " :إنما جزاء
الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجهم من خلف أو ينفوا
من الرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الخرة عذاب عظيم …"2
ثانيا :الجرائم الغير متفق على كونها من الحدود
توجد بعض الجرائم لم يتفق الفقه السلمي على اعتبارها من جرائم الحدود 3 ،وهذه الجرائم هي البغي وشرب
الخمر والردة.
1جريمة البغي :ورد ذكر البغي في القرآن الكريم في قوله تعالى ":وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا
بينهما ،فإن بغت إحداهما على الخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ،فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل
وأقسطوا إن الله يحب المقسطين …"
_________________
-1سورة المائدة :الية . 38
-2سورة المائدة :اليتان . 34 – 33
-3محمد الملياني :مرجع سابق ،ص . 69
استنادا إلى هذه الية يذهب أغلبية الفقهاء إلى اعتبار البغي من جرائم الحدود مستندين كذلك على بعض الحاديث
النبوية الشريفة 1،لكن هناك من الفقهاء من يعتبر أن القتال الوارد في الية الكريمة يقصد به الصلح بين المختلفين
من المؤمنين ".وأنه حتى إذا اقتضى المر دفع البغاة بقتالهم ،فإن ذلك ل يسمح بالقول بأنهم مجرمون وبأن قتالهم حدا
.
2جريمة شرب الخمر :سندها من الكتاب قوله تعالى ":إنما الخمر والميسر والنصاب و الزلم رجس من عمل
الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون " 2من هذه الية يتأكد بأن شرب الخمر يعتبر جريمة في السلم ،ويلحق بالخمر كل
مسكر لقول النبي )ص( ":كل مسكر خمر وكل خمر حرام ".غير أن عقوبة هذه الجريمة موضع اختلف ،هل هي عقوبة
حدية أم ل ؟ فلم يرد في القرآن الكريم تحديد لعقوبة شرب الخمر ،أما في السنة النبوية ،فإن هذه العقوبة لم تكن
واحدة )الضرب بالنعال ،بالثياب ،باليد…( وليس هذا من خصائص العقوبات الحدية ،وهو ما يؤكد الطابع التعزيري لعقوبة
شرب الخمر ومن ثم طابع هذه الجريمة 4 - 3
3جريمة الردة :ورد تجريمها بنص صريح من الكتاب حيث قال تعالى ":ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو
كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون 5".أما من السنة النبوية فقد
روي عن النبي )ص( أيضا ":ل يحل دم امرئ مسلم يشهد أن ل إله إل الله وأني رسول الله إل
_________________
-1من هده الحاديث قوله صلى الله عليه و سلم " :من أتاكم و أمركم على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم
و يفرق جماعتكم فاقتلوه " .وقوله صلى الله عليه و سلم أيضا " :ستكون هنات و هنات فمن أراد أن يفرق
هده المة و هي جمع فاضربوه بالسيف كائنا من كان "
-2سورة المائدة :الية .90
-3محمد الملياني :مرجع سابق ،ص .60
-4ل نؤيد ما دهب إليه الستاذ محمد الملياني ،حينما اعتبر الطابع التعزيري لعقوبة شرب الخمر يخرجها من
دائرة جرائم الحدود و يجعلها من جرائم التعازير .و دلك لعتبارين ،أولهما :أن فقها ء الشريعة السلمية قد
اتفقا غالبيتهم على الفتوة الشهيرة للمام علي رضي الله عنه في تحديد عقوبة شارب الخمر حينما أفتى بأن
شارب الخمر " :إدا شرب سكر ،و إدا سكر هدا ،و إدا هدا قذف ،و حد القاذف ثمانون جلدة " فاجتمع سلف
المة و في مقدمتهم جهابذة الصحابة و من بعدهم التابعين على هدا الرأي ،و لم يعلم منهم مخالف لهدا القول
إل قليل .أما ثانيهما :هو الخلط الواضح الذي وقع فيه أصحاب هذا الرأي ( من يعتبرون شرب الخمر من جرائم
التعازير ) عند التمييز بين جرائم التعزير و جرائم الحدود ،إذ اعتبروا جريمة شرب الخمر من جرائم التعزير في
حين أن هده الخيرة كما هو معلوم هي من وضع أولي المر و أهل الحل و العقد من المسلمين ،أي أن إضفاء
الصفة الجرمية على هذا النوع من الجرائم يختص به من ذكرناهم آنفا .بينما يكون تقرير نص التجريم في جرائم
الحدود من وضع الخالق سبحانه و تعالى .و تحصيل ذلك أن جريمة شرب الخمر و قد تم تجريمها بنصوص
قطعية الدللة والثبوت من الكتاب و السنة ل يمكن إل أن تكون من جرائم الحدود .
-5سورة البقرة :الية . 127
بإحدى ثلث :النفس بالنفس والثيب الزاني ،والمارق من الدين التارك للجماعة".
فهذه النصوص تحرم الردة وتعاقب عليها بعقوبة حدية هي القتل.
لكن هناك من له رأي خاص في هذه الجريمة 2. 1.باعتبار أن هناك من القرائن ما يبين أن صيغة الحديث الول ل
تفيد الوجوب .وأن المقصود ب " المارق من
الدين التارك للجماعة" في الحديث الثاني هو "المحارب" الذي تطبق عليه عقوبة الحرابة ،ويرى صاحب هذا الرأي بأن
عقوبة الردة تعزيرية ،سواء كانت عقوبة إعدام أو عقوبة أخرى.
الفقرة الثانية :جرائم القصاص والدية
القصاص –بالكسر-القود ،يقال :أقص المير فلنا من فلن اقتص له منه فجرحه مثل جرحه أو قتله قودا ،وأقص
الرجل من نفسه .مكن من القتصاص منه .وأقصه الموت وقصه أي دنا منه ،وضربه حتى أقصه من الموت وقصه على
الموت أي أدناه منه ،ويقال أيضا :تقاص القوم أي قاص كل واحد منهم صاحبه3.
أما الدية فهي المال الذي يقوم الجاني بدفعه للمجني عليه أو لوليائه كعوض عن الجناية التي ارتكبها ،سواء كانت
الجناية على النفس أو على ما دون النفس ،إل أن الفقهاء اصطلحوا على أن يطلقوا "الدية " على العوض الذي يدفعه
الجاني بدل عن الجناية على النفس ،والرش على العوض الذي يدفعه الجاني بدل عن الجروح 4.
أما الجرائم التي يعاقب عليها بالقصاص هي :القتل العمد ،وإتلف الطراف عمدا ،والجرح العمد.
أما الجرائم التي يعاقب عليها بالدية فهي ،جرائم القصاص إذا عفي عن القصاص أو امتنع القصاص لسبب شرعي ،ثم
القتل شبه العمد والقتل الخطاء ،وإتلف الطراف خطاء ،والجرح الخطاء.
_________________
-1محمد سليم العوا :مرجع سابق ،ص . 146
-2نستغرب هذا الرأي الذي ذهب إليه د .محمد سليم العوا ،مع أن منطوق الحديث صريح قاطع في قتل المرتد .فلما
و الحالة هذه الجتهاد في تفسير معنى الحديث و القول بأن " المارق من الدين التارك للجماعة " الذي ورد في
الحديث الثاني هو " المحارب " إذا كانت جريمة الحرابة و قطع الطريق لها أحكامها الخاصة التي تميزها عن جريمة
الردة .
-3محمد فاروق النبهان :مباحث في التشريع الجنائي السلمي ،ص 63دار القلم . 1977
-4محمد فاروق النبهان :مرجع سابق ،ص . 144
_________________
-1سورة السراء :الية . 33
-2سورة البقرة :الية . 178
-3سورة البقرة :الية . 179
-4سورة المائدة :الية . 45
2جريمة القتل الخطاء :يقول الله تعالى ":وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إل خطاء و من قتل مؤمنا خطاء
فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إل أن يصدقوا فإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله
وتحرير رقبة مؤمنة ،فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله ،وكان الله عليما حكيما 1 ".ويقول رسول الله
)ص( ":وفي دية الخطاء عشرون حقة ،وعشرون جدعة ،وعشرون بنت مخاض ،وعشرون بنت لبنون ،وعشرون بنو
مخاض " فهذه النصوص تحرم القتل الخطاء وتعاقب عليه بالدية وتبين مقدارها وأوصافها.
جريمة قطع الطراف خطاء :حدد الرسول )ص( العقوبة على أساس ما كان في الجسم منه عضو واحد 3
كالنف والذكر واللسان ففيه الدية كاملة ،وما كان في الجسم منه عضوان ففيه نصف الدية قال صلى الله عليه
وسلم ":في النف إذا أوعب ما رنه جدعا الدية" وقال أيضا ":وفي اللسان الدية ،وفي الذكر الدية ".وفي حديث
آخر " :في اليدين الدية وفي الرجلين الدية ".
جريمة الجرح خطأ :حدد النبي )ص( عقوبة بعض هذه الجرائم ،فجعل أرش الموضحة خمسا من البل، 4
وأرش الهاشمية عشرا من البل ،وفي المة والدامغة ثلث الدية وجعل في كل جرح يصل إلى الجوف ثلث الدية .
والقاعدة العامة في الشريعة :أن كل تلف أو جرح لم يحدد له الرسول صلى الله عليه وسلم دية أو أرشا فيه
حكومة :وهي ما يحكم به القاضي بناء على تقدير أهل الخبرة بحيث ل يمكن أن تصل الحكومة إلى الدية أو الرش الذي
عينه الرسول )ص( للتلف أو الجرح الذي يليه في الشدة .
الفقرة الثالثة :جرائم التعزير
أول :تعريف التعزير في الفقه الجنائي السلمي
ل يختلف كثيرا مفهوم التعزير في اللغة عنه في اصطلح الفقهاء:
فالتعزير في اللغة مأخوذ من عزر وعزر بمعنى منع وأدب ووقر ،فهو من ألفاظ
_________________
-1سورة البقرة :الية . 194
الضداد ،ويستعمل كذلك بمعنى النصرة قال تعالى ":لتعزروه وتوقروه " ومن المنع سميت العقوبة غير المقدرة تعزيرا،
لنها تمنع من معاودة الفعل المعاقب عليه 1.
أما التعزير في اصطلح الفقهاء فيطلق على كل " عقوبة غير مقدرة تجب حقا لله تعالى أو لدمي في كل معصية
ليس فيها حد ول كفارة " 2
وقد تختلف عبارة بعض الفقهاء في تعريف التعزير اختلفا يسيرا منها أن التعزير "عقوبة" تكون في كل معصبة ل
حد فيها ول كفارة وفي كل حد لم تتكامل أركانه تجب حقا لله تعالى أو لدمي 3 ".ولفض الحد الوارد في التعريفين
يأتي بمعنى التقدير وليس بمعناه الصطلحي كعقوبة محددة لفعال معينه وردت بتحديد عقوباتها نصوص القرآن
والسنة.
وبناء على التعريفين السالفين ،يتبين بأنه يعاقب بالتعزير في صنفين من الجرائم:
1-الجرائم المعاقب عليها بالحد أو بالقصاص إن تخلف ركن من أركانها ،ففي السرقة مثل يعزر من يسرق من غير
حرز أو من يسرق دون النصاب ،وفي الزنى يعاقب بالتعزير من يجامع دون الفرح ،وفي القذف يعزر من يقذف بالسب
والشتم دون الزنى وهكذا.
2-الجرائم التي ل حد فيها ول قصاص وهي غالبية الجرائم ،وقد ساق ابن تيمية 4طائفة من جرائم التعزير بقوله "
المعاصي التي ليس فيها حد مقدر ول كفارة ،كالذي يقبل الصبيان ويقبل المرأة الجنبية ،أو يباشر بل جماع ،أو يأكل ما
ل يحل كالدم والميتة …كالذين يغشون في الطعمة والشباب ونحو ذلك أو يطفف المكيال والميزان ،أو يشهد بالزور،
أو يرتشي في حكمه…فهؤلء يعاقبون تعزيرا وتنكيل وتأديبا بقدر ما يراه الوالي".
_________________
-1أمير عبد العزيز :الفقه الجنائي في السلم ،ص 417دار السلم الطبعة الولى . 1997
-2محمد سليم العوا :مرجع سابق ،ص . 259
-3عبد العزيز عامر :التعزير في الشريعة السلمية ،ص 36الطبعة الثالثة . 1956
-4عبد القادر عودة :مرجع سابق ،ص . 687
_________________
-1جميل عبد الباقي الصغير :الشرعية الجنائية ،دراسة تاريخية و فلسفية .ص 38دار النهضة العربية . 1993
-2محمد سليم العوا :مرجع سابق ،ص . 231
ومن ثم فليس هناك خروج عن قاعدة شرعية الجرائم والعقوبات ،بل إن المر يتعلق فقط بتطبيق مرن يتيح توفير
الحماية القانونية للمصالح الجتماعية المحمية بحيث ل تقف محدودية النصوص حائل دون العقاب على الخلل بهذه
المصالح.
وفي تأصيل جرائم التعزير في القانون الجنائي السلمي ،فينبغي الشارة إلى ورود العديد من النصوص سواء في
الكتاب أو السنة والتي تناولت هذا النظام التجريمي الفريد نورد بعضها كالتي :
-فمن الكتاب الكريم :يقول تعالى ":واللتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع ،فإن أطعنكم فل
تبغوا عليهن سبيل " . 1وقد اعتبر بعض الفقهاء هذه الية هي الصل في التعزير ،وهم يؤسسون هذا النظر على قياس
الحاكم أو أولى المر في الدولة المسلمة على الزوج في البيت المسلم ،فكما أعطي الزوج حق القوامة في بيته
أعطي أولى المر حق القوامة في المجتمع كله2.
كما نجد في سورة النساء أيضا تطبيقا آخر من تطبيقات التعزير ،وذلك في قوله تعالى بعد أن ذكر عقاب النساء
اللتي يأتين الفاحشة " واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا أو أصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما 3".
فهذه الية تقرر عقوبة إتيان الرجال أو الشذوذ الجنسي ،والمر بالعقوبة هنا موجه إلى أولي المر في الدولة المسلمة،
وليس في الية الكريمة بيان نوع العقوبة ول مقدارها ول كيفية تنفيذها ،وهي من ثم عرضة للتباين والختلف من زمان
إلى زمان ،ومن مكان إلى مكان .
-أما السنة النبوية :فقد تعددت النصوص المؤصلة لبعض جرائم التعزير في الشريعة السلمية ،بحيث تتضمن
تطبيقات كثيرة لهذا النوع من الجرائم نذكر منها:
_________________
-1د .عبد الواحد العلمي :مرجع سابق ،ص . 93
-2د .محمد الملياني :مرجع سابق ،ص . 123
وبناء على الستثناء الثاني يمكن للحكومة بين الدورات البرلمانية ودونما حاجة إلى إذن من البرلمان ،ممارسة
صلحية التشريعية بواسطة مراسيم قوانين) الفصل 55من الدستور( إل أن رقابة السلطة التشريعية تبقى قائمة على
مراسيم القوانين هذه التي يتعين الحصول بشأنها على موافقة اللجان البرلمانية المعنية من جهة وعلى مصادقة
البرلمان عليها في أول دوراته العادية التالية لخر مرسوم قانون ،من جهة أخرى.
وترتيبا على ذلك ،يسوغ الستنتاج من خلل تحليل الفصول الدستورية أن الحكومة أو السلطة التنظيمية ل تتمتع،
خارج التفويض المشار إليه بأي اختصاص أصيل في التشريع ،وبالتالي في التجريم والعقاب.
إل أن هذا الستنتاج ل يستقيم تماما والمقتضيات المنصوص عليها في الفصل 609الذي يسمح بالعقاب بغرامة
تتراوح ما بين 10و 120درهما ،من يخالف مرسوما أو قرارا صدر من السلطة الدارية بصورة قانونية إذا كان هذا
المرسوم أو القرار لم ينص على عقوبات خاصة )الفقرة (11أي أنه يسمح للسلطة الدارية بالقيام بعملية التجريم1.
ومع هذه الوضعية نتساءل عن جدوى التنصيص على عقوبة )الفصل 609الفقرة (11منه التي تشكل تناقضا
لمضمون الفصل 45من الدستور مما يستوجب معه تدخل المشرع لتنسيق نصوص القانون الجنائي مع الدستور 2.
ومن جهة أخرى قد يتولى ملك المغرب التشريع في الميدان الجنائي بظهائر في الحالت التية :
في حالة الستثناء طبقا للفصل 35من الدستور ،ذلك أن إعلن حالة الستثناء تسمح للملك -كما هو معلوم- •
بممارسة التشريع رغم وجود أي نص مخالف ،في جميع الميادين و من ضمنها الميدان الجنائي.
_________________
-1محمد الملياني :مرجع سابق ،ص . 124-123
-2د.عبد السلم بنحدوت :مرجع سابق ،ص . 110
حالة النيابة طبقا للفصل 71حيث يخول للملك تلفيا للفراغ الذي يحصل نتيجة لحل مجلس النواب ،وفي انتظار •
انتخاب مجلس نيابي جديدا أن يمارس السلطة التي يختص بها مجلس النواب ضمن جملتها التشريع في النطاق
الجنائي.
في حالة النتقال طبقا للمادة 102من الدستور التي تخول للملك وإلى أن يتم تنصيب مجلس النواب المنصوص •
عليه في الدستور أن يتخذ كل الجراءات التشريعية اللزمة لقامة المؤسسات الدستورية ويسير السلطات العمومية
وتدبير شؤون الدولة ويدخل ضمنها بطبيعة الحال التشريع في الميدان الجنائي1.
الفقرة الثانية :مصادر التجريم في التشريع الجنائي السلمي
تعددت المصادر التشريعية التي بها تعرف الحكام منها ما هو مختلف فيه ومنها ما هو متفق عليه ،فل خلف على
مصادر ثلث ،القرآن ،السنة ،والجماع أما باقي المصادر وهي القياس والمصلحة – وتشمل الستحسان والمصلحة وسد
الذرائع والعرف –والستصحاب فمختلف عليها.
وسنقتصر في هذه الفقرة على القرآن والسنة والجماع والقياس
القرآن :هو مصدر هذه الشريعة الول ،ومرجع كل أدلتها والصل الذي تفرع عنه كل ما جاء به محمد صلى .1
الله عليه وسلم .نصوصه قطعية الورود كما أنزلت على الرسول من ربه ،حجة على كل مسلم ومسلمة واجبة التباع
أيا كان نوعها وهي على نوعين :أحكام يراد بها إقامة الذين وتشمل أحكام العقائد والعبادات ،وأحكام يراد بها تنظيم
الجماعة السلمية وتنظيم علقات الفراد فيما بينهم وتشكل أحكام المعاملت والعقوبات وغيرها.
وقد ذكر القرآن بعض الجرائم وبين عقوبتها وهي تلك التي يعد العتداء فيها أكبر اعتداء على الجماعة والفراد ،لنه
اعتداء على ما هو ضروري في المصالح التي أوجب السلم حمايتها وهي :حفظ النفس والدين والمال والنسل والعقل،
فالعتداء بالقتل والردة وقطع الطريق والزنا والقذف والشرب ،اعتداء على ما هو
_________________
-1عبد الواحد العلمي :مرجع سابق ،ص . 94
ضروري للحياة السلمية الكريمة بالنسبة لهذه المور الخمسة ،فنص فيه على أكبر عقوبة لكبر جريمة ثم يكون التدرج
النزولي لمن يقيس على ما نص القرآن على عقوبته.
وقد ذكر القرآن في مواضع النهي جمل من المعاصي النسانية التي تعتبر رؤوسها ،وبعض هذه المعاصي ذكره
بالنص ،وهي تلك التي تمس مصلحة الجماعة مباشرة ،ونص على بعض آخر بالتعميم ،عبر عنه بالفواحش والبغي في
قوله تعالى في آية جامعة لمعاني السلم " إن الله يأمر بالعدل والحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء
والمنكر والبغي ويعضكم لعلكم تذكرون "1.
السنة :يطلق لفظ السنة على ما جاء منقول عن النبي صلى الله عليه وسلم على الخصوص ،مما لم ينص .2
عليه في الكتاب العزيز ،بل إنما نص عليه من جهته عليه الصلة والسلم ،كان بيان لما في الكتاب أول.
ويطلق أيضا في مقابلة البدعة ،يقال " فلن على بدعة " إذ عمل على خلف ما عمل عليه صلى الله عليه وسلم . 2
وتنقسم السنة من حيث ذاتها إلى قولية وفعلية وتقريرية ول خلف بين علماء المسلمين الذين يعتد برائيهم في أن
السنة أصل من أصول التشريع ومصدر من مصادر الفقه ،يجب الخذ بها والعمل بمقتضاها وإنها متى صحت نسبتها إلى
الرسول )ص( كانت كالقرآن في تحليل الحلل والحرام وقد دل على حجية السنة ما جاء في القرآن الكريم من المر
بطاعة رسول الله )ص( ثم ما ورد من الوعيد الشديد لمن خالفه يقول تعالى " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم
عنه فانتهون " سورة الحشر آية " 7من يطع الرسول فقد أطاع الله " سورة النساء الية 79إلى غير ذلك من اليات
الكثيرة التي تدل دللة قاطعة على حجية السنة في الجملة ووجوب العمل بها واعتبارها مصدرا من مصادر الشريعة 3
_________________
-1هبة أحمد مرجع سابق :ص . 21-20
-2الشاطبي " موافقة ،ص 4-3الجزء الرابع دار المعرفة بيروت الطبعة الولى بدون تاريخ .
-3د .عبد الخالق أحمدون و د .مرزوق آيت الحاج :مباحث في أصول الفقه ،ص 55-54مطبعة سبارطيل
. 2003
والسنة قد تكون مفصلة تبين المراد من القرآن وتقيد مطلقه وتفصل مجمله ..ذلك أن حد النصاب في السرقة مجمل
في قوله تعالى " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءا بما كسبا نكل من الله " مجمل في النصاب الذي يقطع به،
وشروط النصاب وشروط القطع ،فجاءت السنة وبينت كل ذلك.
وإما قد تكون سنة متضمنة حكما سكت عنه القرآن وذلك مثل دية الجنين ومثل كون الديات تورث أو تكون للعصبة.
والسنة هي التي بينت طريق إثبات الجرائم الخاصة بالقصاص ،فهي التي بينت أن القصاص يثبت بالقرار ويثبت
بشهادة رجلين ،ولم يثبت أن الرسول )ص( سوغ شهادة رجل وامرأتين.
والسنة هي التي بينت حد الشرب ،وهي التي بينت طريقة إثبات الحدود في الجملة وطريق درئها بالشبهة ،وماهية
الجريمة فيها .
وبالجملة فإن النبي )ص( قد تركنا بعد أن بلغ رسالة ربه ،وترك فينا ما أن أخذنا به ل نضل من بعده أبدا ،ترك فينا
كتاب الله وسنته التي أصبحت مصدرا تشريعيا واجب التباع في قوله تعالى " وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم
فانتهوا" سورة الحشر 1
الجماع :هو اتفاق مجتهدي أمة محمد )ص( بعد وفاته في عصر من العصور ،على حكم شرعي والمراد .3
بالتفاق الوارد في التعريف الشتراك في العتقاد أو القول أو الفعل.
وأساس الجماع هو القرآن والسنة واعتباره مصدرا تشريعيا مرده إلى نصوصهما ففي قوله تعالى " يأيها الذين آمنوا
أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي المر منكم " وقال الرسول )ص( " ل تجتمع أمتي على خطأ " وقال " لم يكن الله
ليجمع أمتي على ضللة " 2
_________________
-1هبة أحمد مرجع سابق :ص . 22
-2د .عبد الخالق أحمدون و د .مرزوق أيت الحاج :مرجع سابق ،ص . 64
وقد ثبتت بعض العقوبات بإجماع الصحابة ،فحد الشارب قد أجمعوا عليه وثبت بإجماعهم ،ومن المسائل أيضا التي
ثبتت بالجماع قتال المرتدين واعتبار مانع الزكاة إن كان من جماعة لها قوة ومنعة من المرتدين ،وأجمع الصحابة على
أن القتل بالسوط أو ما يشبهه مما ل يقتل به عادة ل قصاص فيه.
وقد سلم الفقهاء بإجماع الصحابة خصوصا في عهد عمر رضي الله عنه ،فقد منع الصحابة من الخروج إلى المصار
لينتفع من علمهم ولكيل يفتن الناس بهم فكان الجماع ممكنا،أما بعد الصحابة فكان الجماع بعيد الحصول لنه ل ينعقد
إل بعلماء المة المجتهدون في عصر من العصور مهما تباعدت المصار ،ولهذا أنكر الشافعي وأحمد وقوعه 1.
القياس :هو المصدر الرابع من مصادر التشريع ،أرشد إليه القرآن في مواضع كثيرة تارة دل عليه بوجوب .4
العمل به ،وتارة بذكر علل للحكام وتارة بضرب المثال كما أرشدت إليه السنة الكريمة ،وقد ثبت أن الرسول )ص(
قاس حتى بلغت أقسيته ما يزيد على المائة ،ويعتبر القياس أهم مصادر التشريع السلمي
والقياس هو إلحاق أمر لم ينص على حكمه في كتاب أو سنة أو الجماع ،بأمر نص عليه في إحداها لشتراكهما في
علة الحكم 2
وكما سبق وأشرنا فالنصوص الشرعية غالبا ما ترد مقترنة بذكر علة الحكم أو المصلحة التي شرعت لجلها مما يدل
على أن أحكام الله تدور مع مصالح العباد وإرشاد المسلمين إلى قياس ما لم يرد فيه نص بما ورد فيه.
وثبوت التعزير بالقياس أمر ل خلف عليه ،لنه كله مبنى على تقدير ولى المر أو تقدير القاضي الذي يفوض إليه
ذلك …ولكن الخلف في جواز القياس في الحدود والقصاص … فمن قائل بجوازها لن القياس من طرق الستنباط
الصحيح وطرق القضاء العادل ومن قائل أن الحدود والقصاص ل تثبت في جرائم بالقياس لن المور المقدرة ل يدخل
فيها القياس 3 .
_________________
-1هبة أحمد مرجع سابق :ص . 23
-2د .عبد الخالق أحمدون و د .مرزوق آيت الحاج :مرجع سابق ،ص . 73-72
-3د .هبة أحمد :مرجع سابق ،ص . 24
و من أمثلة القياس:
-تحريم النبيذ قياسا على الخمر وذلك لشتراكهما في العلة وهي السكار
-وقد حكم أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه بقتل الجماعة الذين قتلوا واحد ،إذ توقف عمر في قتل
الجماعة بالواحد قال له علي أرأيت يا أمير المؤمنين لو أن جماعة اشتركوا في سرقة جزور و ذبحوه فأخذ هذا عضوا
وهذا عضوا أكنت قاطعهم؟ قال نعم ،فكذا لك هذا فأمر بقتلهم .
-قول علي في شرب الخمر أنه إذا شرب سكر وإذ سكر هذى وإذ هذى افترى ،فحده حد المفترين
-قياس عمر الخمر على الشحم ،وأن تحريمها تحريم لثمنها.
وهذه بعض المثلة التي تدل دللة قاطعة على العمل بالقياس
إن نصوص القرآن والسنة محدودة متناهية لنتهاء الوحي ،وحوادث الناس وأقضيتهم غير محدودة ول متناهية
والمتناهي ل يفي بأحكام غير المتناهي ،فل سبيل إلى إعطاء الوقائع الجديدة حكمها في ضل الشريعة السلمية التي
جعلها الله خاتمة الشرائع السماوية ،وتعهد بها البشر إلى يوم القيامة ،إل عن طريق القياس وبذلك تكون الشريعة
صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان وفية بحاجات الناس المتجددة ومستجيبة لمطالب المم المختلفة ومحققة
لسعادتها على أكمل وجه 1
وهكذا إذا كانت القوانين الوضعية توضع من طرف النسان الذي تغلب عليه الهواء والشهوات فإن واضع أحكام
الشريعة السلمية هو خالق هذا الكائن النساني ،العليم بما يصلحه ويصلح له ،وهو المطلع على خفايا تكوينه وتركيبه،
وخفايا الملبسات الرضية والكونية كلها في مدى الحياة البشرية كذلك.
فإذا وضع له منهجا كان ملحوظ في هذا المنهج كل هذه العوامل التي يستحيل على البشر أفرادا ومجتمعين في
جيل من الجيال وفي جميع الجيال كذلك أن يطلعوا عليها لن بعضها في حاجة إلى استحضار جميع التجارب والظواهر
للحياة البشرية في جميع أجيالها السابقة والحاضرة والمستقبلية التي لم توجد بعد.
_________________
-1د .عبد الخالق أحمدون و د .مرزوق أيت الحاج :مرجع سابق ،ص . 79
وهذا مستحيل وبعضها في حاجة إلى الطلع على كل خفايا الكون المحيط بالنسان ،وهذا مستحيل كذلك وذلك إلى
قصور الدراك البشري ذاته عن الحكم الصحيح المطلق حتى على ما يمكن أن تستحضر فيه التجارب والظواهر ،لنه
محكوم بطبيعته الجزئية -غير المطلقة -ومحكوم بالهوى والضعف ومن ثم يقول الله )ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت
السماوات ولرض( ويقول جل قدرته )ثم جعلناك على شريعة من المر فاتبعها ول تتبع أهواء الذين ل يعلمون( 1
كما أن الحكام التي جاء بها الرسول )ص( الذي ل ينطق عن الهوى ما هي إل وحي يوحى.
أما الجماع فقد أكد الرسول )ص( على عدم اجتماع أمته على خطأ .
ويبقى القياس أهم اختلف بين الشريعة السلمية والقانون الجنائي المغربي الذي يحرم القياس في المادة الجنائية
هو بدوره –أي القياس-تحكمه قواعد وضوابط فقهية دقيقة حتى ل يخضع القياس لهواء المجتهدين مما يترتب عليه
الخروج عن مقاصد الشريعة.
إن الحكام الفقهية السلمية بالضافة إلى كونها أحكام قانونية تحكم علقات الناس بعضهم مع بعض ،هي أحكام
دينية تستمد من الوحي مباشرة أو من طرق الستنباط ارشد الوحي إلى جواز العمل بها ولعتماد عليها ،وتستوي في
ذلك الحكام الجنائية في الفقه السلمي مع الحكام غير الجنائية فيه 2
المطلب الثاني :ضوابط التجريم
كيف يتحدد تجريم فعل من الفعال وعلى أي أساس ؟ هل هناك شيء في الطبيعة الداخلية للفعل تمكن من الجزم
بأن المر يتعلق بجريمة أو ل ؟ أو بمعنى أوضح ما هي الضوابط التي على المشرع مراعاتها.
_________________
-1خالد عبد الحميد فراج :مرجع سابق ،ص . 65 - 64
-2محمد سليم العوا :مرجع سابق ،ص . 49-48
تعددت الجوبة الفقهية على هذه السئلة ،ويمكن حصرها في فكرتين أساسيتين أولهما :الضرورة وثانيهما :العدل.
الفقرة الولى :الضرورة
ينصرف مفهوم الضرورة إلى ما يفيد أن المشرع يجب أن أل يجرم سلوكا أو يؤثم تصرفا إل إذا كانت هناك ضرورة
تقتضيه ،بحيث ل تمتد يد المشرع التجريمية إل على الفعال التي تمثل بغيا واعتداء على المصالح والقيم الجتماعية
والسياسية والقتصادية التي يستهدف حمايتها نص التجريم.
ومن هنا كانت الضرورة في التجريم إحدى الضوابط الشرعية في مجال الحماية الجنائية لحقوق النسان1.
وعلى هذا النحو إذا كان ارتباط التجريم بالضرورة يمثل أحد أسس وضوابط شرعيته ،فإن هذه الخيرة تستلزم
توافر أمرين :
أن تكون المصلحة جديرة بالحماية الجنائية . •
ضرورة أن يمثل السلوك المؤثم بغيا حقيقيا وجسيما على المصلحة المحمية جنائيا . •
إل أن عنصر الضرورة وعلى رغم أهميته فإنه ل يكفي دائما لرسم الخط الفاصل بين الممنوع والمباح لذلك فقد
تعرض لمجموعة من النتقادات من عدة أوجه :
-فمن جهة ،يرتبط مضمون الضرورة بالزمان ،وليست ضرورة المس هي ضرورة اليوم ،فإذا كانت هناك أفعال نتفق
مع أسلفنا على ضرورة تجريمها ،فإننا نختلف معهم حول تجريم أفعال أخرى2.
_________________
-1خيري أحمد الكباش :الحماية الجنائية لحقوق النسان ( دراسة مقارنة ) ص 388طبعة . 2002
-2محي الدين أمزازي :العقوبة ،ص . 229
-ومن جهة أخرى ،تفتقر فكرة الضرورة لعناصر مضبوطة ومحددة تجعل الجماع عليها في زمان معين ممكنا ،فإذا ما
أخذنا مثل جريمة الجهاض فإننا نجد تداخل العديد من العتبارات التي تتباين من مجتمع إلى آخر ومن زمان إلى آخر،
فمن الواضح أن تجريم كل أشكال الجهاض يجد في العتبارات الخلقية والدينية سندا له ،لكنه ينتج في نفس الوقت
آثار سلبية على مفهوم الحرية الفردية ول يراعي ضرورة المحافظة على صحة وحياة الم كما ذهب إلى ذلك العديد من
التشريعات الجنائية الحديثة.
وأخيرا فإنه ل يمكن القبول بفكرة الضرورة كمعيار للتجريم ،إل إذا تبين بوضوح أن تحديد الضرورة يقوم على
مقياس مقبول .
إن كل هذه العتبارات دفعت بالعديد من التشريعات الجنائية الحديثة إلى الستعاضة عن المعيار السابق بمعيار آخر
هو معيار العدل .
الفقرة الثانية :العدل
فرضت فكرة العدل نفسها كمعيار وضابط للتجريم إثر بروز سلبيات وحدود معيار الضرورة ،ومؤدى هذه الفكرة :
أن المشرع عليه أل يجرم سوى الفعال التي تقوي معاقبتها الحساس الجماعي بالعدل 1.وقد عرف التنظير لهذا
المعيار تطورا جعله يبتعد تدريجيا عن المجال الخلقي ليلتحم بفكرة الديمقراطية وحقوق النسان.
وهكذا فقد كانت النظرية الولى ترى في القانون الجنائي صياغة متطورة لقواعد الخلق ،بالنظر إلى العلقة
الوطيدة التي تجمع بين التشريع الجنائي والخلق والدين ،هذا الخير شكل مبادئ وقيم من قبل العدل إحدى أهم
مرتكزاته وتوجهات إصلحية.
فإذا ما سلمنا بالمكانة الخاصة التي يتبوؤها السلم باعتباره الدين الرسمي للدولة ،وكمرجع دائم للقانون وكمنبع
ينهل منه المجتمع والفراد ،الضوابط الفاصلة بين الحلل والحرام ،فإننا نجد بأن فكرة العدل بمختلف تجلياتها شكلت
قبلى للمشرع الجنائي عند وضعه للقواعد الجنائية ،وهاجسا ذا أهمية بالغة في تجريمه لفعال
_________________
-1محي الدين أمزازي :مرجع سابق ،ص . 231
وسلوكات الفراد والجماعات على القل بالنسبة للجرائم التقليدية ،أو هذا ما قد يبدوا في ظاهر المر.
أما النظرية الثانية ،فقد اعتمد أصحابها على تبرير العدل كمعيار للتجريم انطلقا إما من مفهوم الديمقراطية أو من
مفهوم حقوق النسان .
فبالنسبة للتيار الول الذي يربط بين العدل والديمقراطية ،فقد ظهر كنتيجة لفصل الدولة عن الدين وفشل معيار
الضرورة في تحقيق العدل وحماية الحقوق والحريات وينطلق أصحاب هذا التيار من اعتبار الديمقراطية الساس الذي
يسمح بالتعبير عن مفهوم العدل وتحديده ،لذلك فهم يؤكدون بأن أي مجتمع ديمقراطي ل يمكن أن يقبل سوى بتجريم
الفعال والتصرفات التي تشكل اعتداء على القيم المعتبرة أساسية من طرف أغلبية المواطنين ،وليس تلك القيم أو
المصالح التي كان يرى سلفهم ضرورة الحفاظ عليها ،وهو ما يعني إمكانية تنظيم مراجعة منتظمة لمضمون القانون
الجنائي والسهر على مسايرته للحساس الجماعي بالعدل.
أما التيار الثاني الذي يربط فكرة العدل بحقوق النسان ،فقد ظهر كرد فعل ضد التجاوزات والتعسفات التي شهدها
القانون الجنائي في بعض الدول حيث استغلت القانون لفرض سلطتها وحماية مصالح الطبقة المهيمنة ،وتذرعت
بالضرورة لبسط يدها التجريمية على حقوق وحريات الفراد.لذلك نادى أصحاب هذا التيار بمراعاة حقوق النسان
وضمانها وحمايتها من خلل مراقبة دستورية القوانين الجنائية من جهة ،وإلزام المشرع بما تنص عليه المواثيق الدولية
من جهة ثانية.
المبحث الرابع :المصالح المحمية بالتجريم
يشكل حفظ المصالح والقيم الساسية التي يتعلق بها المجتمع أو تلك التي يحددها المشرع أهم أهداف سياسة
التجريم ،سواء في القانون الجنائي المغربي )المطلب الول ( أو في الشريعة السلمية )المطلب الثاني( .على أن
حفظ النظام العام يعتبر من أهم هذه الهداف ،بالرغم من تباين مقوماته وأسسه بين النظام الجنائي السلمي من
جهة والنظام الجنائي المغربي من جهة ثانية )المطلب الثالث ( ولوضع اليد على هذا التباين ندرج بعض النماذج
التجريمية المبنية لذلك )المطلب الرابع(.
المطلب الول :أهداف التجريم في القانون الجنائي المغربي
تتيح سياسة التجريم للدولة السيطرة على إنتاج القواعد الجنائية التي تحكم أفعال النسان ،وذلك بهدف حماية
المصالح المشتركة بين جميع أفراد المجتمع ،تجنبا لي صراع بين هؤلء بسبب تباين القيمة الحقيقية لمصالحهم الخاصة
بالنظر إلى المصلحة العامة1 .
وانطلقا من هذا العتبار ،فإن الدولة تراقب دائما سلوك الفراد إزاء المصالح المحمية قانونا 2 ،ما إذا كان هذا
السلوك يستحق العقاب فترفع الصفة الشرعية عليه لتجريمه ،أو ل يستحق العقاب فترفع صفة التجريم عليه وتجعله
مباحا.
والمشرع يلجئ إلى تجريم أفعال وسلوكات معينة بغية حماية مجموعة من المصالح والقيم السياسية والقتصادية
والجتماعية .
بالنسبة للمصالح السياسية :يمكن إجمالها عموما في حماية النظام السياسي القائم بمختلف عناصره ومرتكزاته،
باعتباره أهم الركائز التي تعبر عن سيادة الدولة واستقللها .ولحماية هذه المصالح جرم المشرع كل اعتداء يطالها وهو
ما تجسده جرائم أمن الدولة الداخلي والخارجي بصفة عامة ،فالمشرع حين جرمها أخذ في اعتباره البعاد الخطيرة
لهذا النوع من الجرائم ،ومن ثم كانت العقوبات المخصصة لها هي الخرى جد قاسية قد تصل إلى العدام.
أما المصالح القتصادية ،فتتمثل في كل مصلحة يؤدي العتداء عليها إلى المساس بالقتصاد الوطني ،كما هو الشأن
بالنسبة لجرائم التهريب الجمركي ،وتزييف النقود ،والتملص الضريبي ،فالعامل القتصادي كان حاضرا بقوة لدى
المشرع المغربي أثناء إضفاءه الحماية الجنائية على هذا النوع من المصالح ،ففي جريمة تزييف النقود مثل من شأنها
أن تؤدي إلى التضخم القتصادي وإلى عدم ثقة الجمهور في العملة الوطنية ،و تدهور قيمتها النقدية ،وهو ما يؤثر
بشكل سلبي على القتصاد الوطني وعلى استقرار المجتمع ككل.
_________________
-1د .محمد التغدويني :إشكالية التجريم في التشريع الجنائي المغربي ،ص 1مطبعة فاس بريس . 2002
-2د .محمد التغدوني :مرجع سابق ،ص 1و . 2
وأخيرا ،فإن المصالح الجتماعية مما تمثله من مفاهيم ثقافية وتاريخية وفلسفية ،تمارس هي الخرى تأثيرا ملحوظا
على المشرع عند وضعه لسياسة التجريم ،ويتضح ذلك من خلل تجريم العديد من الفعال الماسة بهذا النوع من
المصالح مثل جرائم الجهاض وإهمال السرة ،وجرائم الخلق العامة وجرائم المساعدة على النتحار وعدم تقديم
المساعدة لمن كان في خطر ،وغيرها من الجرائم.
وعلى العموم ،فإن الدوافع والعوامل الموجبة للتجريم ،تختلف باختلف طبيعة المصالح المستوجبة للحماية الجنائية،
فالمشرع حين يقوم بعملية التجريم يكون متأثرا بثلث عوامل تشكل محاور أساسية هي المحور السياسي والمحور
القتصادي والمحور الجتماعي.
المطلب الثاني :مقاصد التجريم في التشريع الجنائي السلمي
لم يضع الشارع الحكيم الحكام الشرعية التجريمية اعتباطا ،وإنما قصد بها تحقيق مقاصد عديدة ،ومقاصد التجريم
في الشريعة السلمية تدخل ضمن المقاصد الشرعية العامة.
ومقاصد الشريعة كما يعرفها الفقهاء هي " المعاني والهداف الملحوظة للشرع في جميع أحكامه أو معظمها ،أو
هي الغايات من الشريعة ،والسرار التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكامها "1.
وقد حصر علماء الصول مقاصد الشارع العامة من التشريع في ثلثة أصناف هي :حفظ الضروريات ،وتوفير الحاجيات،
وتحقيق التحسينات.
وترتبط مقاصد التجريم وأهدافه في الشريعة السلمية بالصنف الول من هذه المقاصد وهو حفظ الضروريات وإقامتها.
والضروريات كما يعرفها بعض الفقه هي " :كل أمر ضروري تقوم عليه حياة الناس ولبد منه لستقامة مصالحهم،
فإذا فقد اختل نظام حياتهم وعمت الفوضى
وانتشر الفساد " 2أو هي " :ما لبد منها في قيام مصالح الدين والدنيا ،بحيث إذا
_________________
-1د .عبد الخالق أحمدون :مرجع سابق ،ص . 126
-2عبد القادر عودا :مرجع سابق ،ص . 203
فقدت لم تجري مصالح الدنيا على استقامة ،بل على فساد وتهارج وفوت حياة وفي الخرى فوت النجاة والنعيم،
والرجوع بالخسران المبين1".
وتنسحب الضروريات إلى حفظ خمس مصالح أساسية تشكل في مجموعها مقاصد التجريم وأهدافه ،فيما يعرف
عند الفقهاء بالكليات الخمس وهي تشمل:
حفظ الدين •
حفظ النفس •
حفظ العقل •
حفظ النسل •
حفظ المال •
إن حفظ هذه العتبارات الخمس تشكل فلسفة التجريم وغاياته في التشريع الجنائي السلمي ،وهي تشكل مجتمعة
مختلف المصالح والقيم التي عملت التشريعات الجنائية الحديثة الوطنية والمقارنة على حفظها وحمايتها ،بل إنها تزيد
عليها في بعض العناصر ،بحيث تقدم مفهوما راقيا ومتطورا لحفظ بعض هذه المصالح خاصة ما يتعلق بالجانب الخلقي
والتربوي والجتماعي.
وحاصل القول هنا ،أن مختلف المصالح والقيم المستهدفة بالحماية في التشريعات الجنائية الحديثة سواء تعلق
المر بالمصالح السياسية أو القتصادية ،أو الجتماعية ،قد شملها المشرع السلمي بالحفظ والحماية من خلل عنايته
بترسيخ العناصر الخمس السالفة وحمايتها.
فحفظ الدين باعتباره أهم مقوم في حياة الناس وركيزة الركائز في كيان المجتمع ،هو ما يعبر عنه اليوم بالمصالح
السياسية ،وقد شرع لحفظه أمور عديدة 2منها تجريم كل اعتداء قد يطاله ،فكانت جرائم الردة ،وجرائم الحرابة،
وجرائم نشر البدع وتشكيك الناس في عقيدتهم ،وجرائم الخروج عن الجماعة و شق عصا الطاعة وموالة أعداء
المسلمين وغيرها من الجرائم التي وجدت لحفظ الدين وصونه.
_________________
-1الشاطبي :الموافقات ،ص 8الجزء الثاني دار المعرفة بيروت لبنان بدون طبعة .
-2الشاطبي :مرجع سابق ،ص .9-8
أما حفظ النفس ،والعقل والنسل ،فهي ما يعرف بالمصالح الجتماعية وقد شرع لحفظ الولى ،جرائم القتل والجرح
عمدا وخطأ ،وشرع لحفظ العقل ،جرائم شرب الخمر وتناول المخدرات .فيما شرع لحفظ النسل ،جرائم القذف
وجرائم الجهاض وجرائم الزنى والشذوذ.
وأخيرا ،فإن حفظ المال ،يمثل ما يعرف في التشريعات الجنائية الحديثة بالمصالح القتصادية ،وقد وجد لحفظه
جرائم السرقة والختلس وجرائم أكل مال الغير وجرائم إتلف أموال الناس .
وخلصة القول فيما تقدم ،أن نظام التجريم في الشريعة السلمية ،وجد لتحقيق مجموعة من المقاصد والهداف،
تجسدت في حماية المصالح السياسية والقتصادية والجتماعية داخل الدولة المسلمة.
السلمي المطلب الثالث :موقع النظام العام في التشريعين الجنائيين المغربي و
ترددت فكرة النظام العام كثيرا على ألسنة رجال القانون وفي كتابات الفقهاء ،ورغم شيوع هذا اللفظ وكثرة
استخدامه ،استعصى أمر تعريفه على من قام بمحاولت في هذا الباب 1 ،إل أن بعض الفقه حاول تقريب هذا المفهوم
إلى الذهان وعرف النظام العام بأنه" مجموعة من السس السياسية والقتصادية والجتماعية والخلقية التي يقوم
عليها كيان المجتمع ".
وتحظى فكرة النظام العام بمركز متميز في سياسة التجريم سواء في القانون الجنائي المغربي ،أو في الشريعة
السلمية.إل أن تعامل التشريعين الجنائيين السلمي والمغربي مع هذا المفهوم تباين بشكل واضح ،فما يعتبر من
صميم النظام العام في الشريعة السلمية ،قد ل يعتبر كذلك من منظور القانون الجنائي المغربي.
ومقتضى ذلك ،أن التشريع الجنائي السلمي جاء بمفهوم متميز لفكرة النظام
_________________
-1بقراءة الفصول المنصوص عليها في الباب الثالث و الرابع الجزء الول من الكتاب الثالث من القانون الجنائي
المغربي ،و أيضا الفصل 609من نفس القانون المتعلق بالجرائم المرتكبة ضد النظام العام ل نلمس أية إشارة
تفيد المقصود من هذا النظام في التشريع الجنائي المغربي ،بل إنه كثيرا ما تم الخلط بينه و بين المن العام
من جهة أو بينه و بين التقة العامة من جهة أخرى ( د .محمد التغدويني :إشكالية التجريم ،ص ) 155 – 154و
على الرغم من أن التعريفات هي ليست غالبا من عمل المشرع ،بل من وضع و اجتهاد الفقه و القضاء فإنه كان
لزاما على المشرع الجنائي المغربي أن يحدد و بدقة المقصود من النظام العام ظ ،نضرا لخطورة للجرائم
المدرجة ضمنه على حريات و حقوق الفراد من جهة و منعا لكل تعسف أو توسع في تحديد مفهومه من قبل
السلطة التنفيذية من جهة أخرى .
العام عند تجريمه لفعال وسلوكات المكلفين ،حيث يرتبط النظام العام في القانون
الجنائي السلمي بحماية مصالح الجماعة وحفظ كيانها ،وصيانة دعائم وأسس المجتمع السلمي من كل اعتداء عليها،
فالجرائم المعتبرة من النظام العام في الشريعة يأمر بها أو ينهى عنها لن في إتيانها أو تركها ضرر بنظام الجماعة ،أو
عقائدها أو بحياة أفرادها ،أو بأموالها ،أو بأعراضهم أو بغير ذلك من شتى العتبارات التي تستوجب حال الجماعة
صيانتها وعدم التفريط فيها1.
ولذلك شرعت جرائم الحدود وتشدد الشارع الحكيم في العقاب عليها ،لما يمثله هذا النوع من الجرائم من مساس
مباشر بكيان المجتمع ،وخرقا فادحا لسسه الخلقية والجتماعية بل وحتى السياسية ،ومن ثم كان العقاب عليها حقا
لله تعالى ،لنه لم يقصد به نفع فرد معين ،وليس للفراد حكاما أو محكومين حق إسقاطه أو العفو عنه.
وقد ل يحيد مفهوم النظام العام عند المشرع الجنائي المغربي عن هذا المعنى ،إذ ينطوي مفهوم النظام العام في
القانون الجنائي المغربي على حماية نظام الجماعة وحفظ مقوماتها .إل أن البين بين التشريعين الجنائيين في هذا
الطار يتمثل في تحديد مضمون النظام العام ،أو بمعنى آخر تحديد الجرائم المعتبرة من النظام العام في كل
التشريعين ،وكذا نوع المصالح والقيم التي تحميها جرائم النظام العام.
فإذا كان الشارع السلمي قد وازن عند وضعه لجرائم النظام العام بين حماية المصالح السياسية )جرائم البغي مثل
( والجانب الخلقي )جرائم الزنى والقذف… ( والجانب الجتماعي )شرب الخمر والقذف …( فلم يرجح بالحماية
الجنائية إحدى هذه العتبارات الثلث دون الخرى ،فإننا نجد بأن المشرع المغربي مال في تحديد الجرائم الماسة
بالنظام العام إلى حماية العتبار السياسي بالدرجة الولى .وهو ما أتاح للسلطة التنفيذية التلويح بعصا النظام العام في
وجه الفراد في كل صغيرة وكبيرة ،خاصة فيما يعرف بالجرائم الماسة بالنظام العام من طرف الفراد2.
_________________
-1عبد القادر عودة :مرجع سابق ،ص . 68
-2تتمثل الجرائم الماسة بالنظام العام من طرف الفراد في صورتين :أ – جرائم اعتداء الفراد على المرافق العامة
ب – جرائم اعتداء الفراد على النظام العام القتصادي .
أما اختلف التشريعين في تحديد الجرائم المعتبرة من النظام العام ،فإننا نجد بأن هناك العديد من الجرائم التي
أدرجها القانون الجنائي السلمي في خانة جرائم النظام العام كجرائم الزنى وشرب الخمر وجرائم الردة ،أي الجرائم
المرتبطة خصوصا بالجانب الخلقي والديني ،هي ليست كذلك في القانون الجنائي المغربي ،حيث تهاون هذا الخير في
التجريم والعقاب على هذا النوع من الجرائم رغم خطورته الواضحة على كيان المجتمع واستقراره ،فكان كنتيجة حتمية
لذلك أن تزايد معدل هذا النوع من الجرائم في المجتمع المغربي بشكل مخيف.
المطلب الرابع :نماذج تجريمية لختلف المصالح المحمية في القانون الجنائي المغربي
و الشريعة السلمية
سنحاول أن نبين في هذا المطلب الختلف الواضح بين الشريعة السلمية والقانون الجنائي المغربي من خلل
جريمة الزنا وجريمة الخمر.
الفقرة الولى :جريمة الخمر في التشريعين الجنائيين السلمي والمغربي
أول :جريمة الخمر في القانون الجنائي المغربي
ينص الفصل الول من المرسوم الملكي رقم 724-66في شعبان 1378الموافق 14نونبر 1967بمثابة قانون
يتعلق بالمعاقبة على السكر العلني على أنه " يعاقب بالحبس لمدة تتراوح بين شهر واحد وستة أشهر وبغرامة يتراوح
قدرها بين 500-150درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين ،فقط كل شخص وجد في حالة سكر في الزقة والطرق أو
المقاهي أو الكبريات أو في أماكن أخرى عمومية أو يغشاها العموم"
ويمكن أن تضاعف العقوبتان إذا تسبب الشخص الموجود بحالة سكر في ضوضاء تقلق راحة العموم.
ويفهم من هذا أن المشرع المغربي يشترط لقيام جريمة السكر أن يكون علنيا وفي مكان عمومي حتى يعاقب عليه
القانون 1.
_________________
-1د .حسوني قدور أبو موسى :القانون الجنائي المغربي و الشريعة السلمية – تطابق و اختلف – ص 183
مطبعة الطلل وجدة . 1986
كما أن الشخص إذا تناول شرابا مسكر في منزله أو في متجره ،وكان سكره بينا فل جريمة ول عقوبة.
إن من يجيل النظر في تشريعات الخمور بالمغرب سيلحظ أن المشرع حاول الظهور بمظهر الممتثل للشريعة
السلمية من خلل تجريم بيع الخمور للمغاربة المسلمين وسكت في نفس الوقت عن شرب الخمور فلم يمنعها ولم
يعاقب عليها إل إذا بلغ الشرب حد السكر البين الظاهر والعلني ،ونظم صناعة الخمور وترويجها ووضع قواعد لتقطيرها
واحتكارها والترخيص لترويجها.
إن السياسة الجنائية في مجال الخمور غير واضحة في المغرب ،وإنها موسومة بالغموض والتذبذب ،ويحكمها منهج
الملوذة والحيلة ،فل يمكن القول أن المشرع في مصالحة مع الخمور لن هناك نصوصا تنقض هذا القول فالمشرع
المغربي لم يبح بصورة صريحة ومباشرة تقديم الخمور وبيعها للمغاربة المسلمين كما فعلت تشريعات عربية أخرى
كالتشريع المصري المتعلق بالخمور الذي أباح تقديم وتناول المشروبات الكحولية أو الروحية أو المخمرة في الفنادق
والمنشآت السياحية والندية ذات الطابع السياحي.
كما أن التشريع المغربي عاقب على السكر العلني البين وجعل السكر ظرفا مشددا في بعض الجرائم ولم يعف
السكران الذي يسكر باختياره من المسؤولية الجنائية أو المدنية ل بشكل كامل ول بشكل ناقص ،كما منع أيضا إشهار
الخمور .
وفي نفس الوقت ل يمكن القول أن المشرع اتخذ موقف المخاصمة مع الخمور فقد سمح ببيع الخمور لغير
المسلمين ورخص لذلك ولم يحدد كميات الخمور المسموح برواجها بما يلئم عدد الجانب الموجودين في البلد ،كما أنه
لم يعاقب المغاربة المسلمين على شرب الخمور أو حيازتها أو استهلكها أو السياقة تحت تأثيرها…
إن المشرع تغاضى عن سلبيات تعاطي الخمور وتسهيل استهلكها وترويجها والتجار فيها والترخيص لذلك ،مع ما
يعني هذا من تكاثر المحلت الخاصة ببيع الخمور وتناسلها وصعوبة مراقبتها ووفرة الكميات المتداولة وعلقة ذلك
بتنامي الجرام بمختلف أشكاله ،فضل عما يخلفه من مآسي اجتماعية وحالت إدمان وتسممات وخراب بيوت وحوادث
طرق مميتة وجرائم بشعة ومقيتة.
فأغلب المتابعات التي تسطرها النيابات العامة في المملكة ل تخلوا من العبارات التالية :السكر العلني البين
والقتل العمد .السكر العلني البين الغتصاب السكر العلني البين والسرقة ،السكر العلني البين والهانة ،السكر العلني
البين والضرب والجرح بواسطة السلح…،الخ فإلى متى سيستمر المشرع في موقف الحياد واللمبالة في غياب
سياسة تجريمية ناجعة؟1.
ثانيا :جريمة الخمر في التشريع الجنائي السلمي
لقد وقفت الشريعة السلمية موقفا صلب من شرب الخمر سواء كان قليل أو كثيرا ،وقد كان تحريم الخمر على
مراحل مختلفة لحكمة عظيمة ابتغاها الشارع الحكيم إلى أن نزلت الية في سورة المائدة " يأيها الذين آمنوا إنما
الخمر والميسر والنصاب والزلم رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون " ثم جاءت السنة النبوية وقضت
بتحريم الخمر في قوله )ص( " كل مسكر خمر وكل خمر حرام " وقال )ص( " ما أسكر كثيره فقليله حرام " وقوله
)ص( "من شرب فاجلدوه " .فالتشريع السلمي حرم شرب الخمر سواء أسكر أو لم يسكر.
وتعتبر جريمة الخمر من الحدود ويعاقب عليها بالحد ثمانين جلدة بإجماع الفقهاء فيها ما عدا أبو حنيفة وأصحابه
على أن ما أسكر كثيره فقليله حرام سواء سمي خمرا و أن كان له اسم آخر ،وإن ،شرب القليل من أي مسكر معاقب
ولو لم يسكر.
فالشريعة السلمية حرمته تحريما نهائيا لنها تعتبر الخمر أم الخبائث وتراها مضيعة للنفس والعقل والصحة
والمال 2.وهذا ما لم ينتبه له المشرع المغربي.
_________________
-1يوسف وهابي :خمريات القانون المغربي ،ص 43-42مطبعة النجاح الجديدة . 2003
-2عبد الخالق النواوي :مرجع سابق ص .171
وهكذا فالقانون الجنائي المغربي إذا كان ل يعاقب على مجرد شرب الخمر وإنما يشترط أن يكون شارب الخمر في
حالة سكر بين طافح في مكان عمومي فإن الشريعة السلمية حرمت شرب الخمر لذاته سواء أكان قليل أم كثيرا
وسواء أسكر أم لم يسكر 1.
كما أن الشريعة اعتبرت شرب الخمر من جرائم الحدود أي من الجرائم الخطيرة وعاقبت عليها بالجلد كما ثبت عن
الرسول )ص( ،فعن أبي داود عن قبيصة بن دؤيب رضي الله عنه أن النبي )ص( قال " :من شرب الخمر فاجلدوه فإن
عاد فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه فأن عاد فاقتلوه ".
أما العقوبة في التشريع الجنائي المغربي ل تتعدى في بعض الحيان غرامة قدرها 150درهما يؤديها المتهم ،وهذا
يدفعنا إلى إبداء الملحظة التالية :
-أن هذه العقوبة ليست رادعة بحجة أن شارب الخمر في غالب الحيان يكون من الطبقة الغنية أو على القل من
الطبقة المتوسطة وبالتالي يستطيع أداء الغرامة الهزيلة مقابل إعفائه من عقوبة السجن ولو لم تكن له أموال لما
شرب الخمر ولما دخل إلى محل شربه 2.
لهذا فأن الجلد يعد رادعا قويا في جريمة السكر أما الغرامة فإنها تجعل النص القانوني عاجزا عن أداء وظيفته.
-إن بالتمحص في المرسوم المتعلق بالسكر العلني يتبين أنه ينص على معاقبة كل شخص وجد في حالة سكر بين
في الكبريات،إل أن الكبريات هي أماكن مرخص لها لبيع الخمور وتنظيم حفلت للرقص وللهو في الليل والنهار .
فمن الطبيعي ومن البديهي أن كل من يدخل إلى الكبريات يتناول الخمر في غالب الحيان ،ذلك أن وجود الشخص
في حالة سكر بين في الكبريات ل يمس بشعور المجتمع مادام المر محصور بين أشخاص كلهم يتعاطون لشرب الخمر
_________________
-1حسوني قدور أبو موسى :مرجع سابق ،ص .189
-2حسوني قدور أبو موسى :مرجع سابق ،ص .190
داخل محل مرخص له ول يتعداهم إلى الشارع ومادام الكباري مكان مخصص أصل لشرب الخمر فإن عقاب من وجد
فيه سكرانا يعد تناقضا صريحا بين الواقع والقانون 1.
-أن من حسن سياسة التجريم أن يعيد المشرع المغربي النظر في طريقة تعامله مع مادة الخمور في إطار نظرة
شمولية تأخذ بعين العتبار علقة الخمور بالجرام وموقف الشريعة السلمية2.
الفقرة الثانية :جريمة الزنى في التشريعين الجنائيين المغربي و السلمي
أول :جريمة الزنى في القانون الجنائي المغربي
ينص الفصل 490من القانون الجنائي المغربي على أن " كل علقة جنسية بين رجل وامرأة ل تربط بينهما علقة
زوجية تكون جريمة الفساد ويعاقب عليها بالحبس من شهر إلى ستة "
أما فيما يتعلق بجريمة الخيانة الزوجية فإن الفصل 491ينص على أنه " يعاقب بالحبس من سنة إلى سنتين أحد
الزوجين الذي يرتكب جريمة الخيانة الزوجية ول تجوز المتابعة في هذه الحالة إل بناء على شكوى من الزوج أو الزوجة
المجني عليه.
إل أنه في حالة غياب الزوج خارج المملكة فإن زوجته التي تتعاطى الفساد بصفة ظاهرة يمكن للنيابة العامة
متابعتها ".
إل أن الفصل 492ينص على أن" تنازل أحد الزوجين عن شكا يته يضع حدا لمتابعة الزوج أو الزوجة المشتكى بها
عن جريمة الخيانة الزوجية "3.
ثانيا :جريمة الزنا في التشريع الجنائي السلمي
الزنى جريمة من الجرائم الجتماعية التي حرمتها الشرائع السماوية والقوانين الوضعية والعراف الجتماعية
لمنافاتها لبسط المبادئ الخلقية لنها تتضمن انتهاكا للعراض وتؤدي إلى اللتباس في النسان.
_________________
-1حسوني قدور أبو موسى :مرجع سابق ،ص . 190
-2يوسف وهابي :مرجع سابق ،ص .43
– 3حسوني قدور أبو موسى :مرجع سابق ،ص . 157
والشريعة السلمية لم تكتف بتجريم الزنى وإنما فرضت عقوبة قاسية على كل من يرتكب هذه الجريمة بحيث تكون
هذه العقوبة مانعة ورادعة لكل من تسول له نفسه القدام على هذه الجريمة
قال تعالى ":الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة و ل تأخذكم بهم رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون
بالله واليوم الخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين "
وقال عمر بن الخطاب في هذا الشأن ":إن الله بعث محمد بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان ما أنزل الله عليه آية
الرجم فقرأناها ووعيناها ورجم رسول الله )ص( ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمن أن يقول قائل ما نجد
الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله في كتابه فإن الرجم في كتاب الله الحق على من زنى " 1
وهكذا وانطلقا من الفصول ) (492-491-490والية الكريمة وقول عمر رضي الله عنه يمكن أن نبدي الملحظات
التية :
تعتبر جريمة الزنا في الشريعة السلمية من جرائم الحدود مما يعني أنها من الجرائم الخطيرة على •
المجتمع ،أما في التشريع الجنائي المغربي فل تعتبر كذلك حيث نص كل من الفصل 491-490على عقوبة تافهة
مقارنة مع خطورة هذه الجريمة .
فتفاهة العقوبة تفتح باب الفساد لكل جامح وتعرض السلعة لكل راغب فتنتشر الباحية والفساد الخلقي وتعم
الفوضى وتشيع الفاحشة .
إن أحكام الفصل 491تتنافى مع الشريعة السلمية إذ أنه ل تسامح في حدود الله ،والفساد •
المحرم بمقتضى الكتاب والسنة وحد الزينة فريضة ل يجوز تركها .
_________________
-1حسوني قدور موسى :مرجع سابق ،ص . 159
كما أن الفصل 492يعد مخالفا لحكام الشريعة السلمية أيضا عندما أعطى لحد الزوجين •
الحق في التنازل عن شكايته وجعل حدا للمتابعة الجنائية لن الزن وفقا للية القرآنية فعل حرمه السلم والرجم
فريضة أنزلها الله في كتابه وهو حق على من زنى ول يجوز ترك هذه الفريضة .
إل أن المر الخطير والذي يتنافى مع أحكام الشريعة السلمية ومع الواقع هو عدم متابعة المتهم المتزوج الذي
ضبط مع امرأة مطلقة أو ليس لها زوج لعدم وجود شكاية ضده من طرف زوجته كما أنه ل يمكن متابعته بجريمة
الفساد نظرا لكونه متزوجا 1.
ربما يقول قائل على أن الرابطة الزوجية قائمة على أساس عقد مبرم بين الزوجين قائم على رضى الطرفين وأن
العقد شريعة المتعاقدين وعلى هذا الساس ل يجوز لحد التدخل في الشؤون الزوجية الداخلية وبالتالي فإن تنازل أحد
الزوجين عن شكايته ضد الخر من حقهما وحدهما ما دامت العلقة الزوجية قائمة ول يمكن للنيابة العامة تحريك
الدعوى العمومية ضد أحدهما .
وهذا الفهم خاطئ وهو مخالف للواقع والقانون لسببين :
-إن الحق الشخصي عندما يتعدى حدود نطاقه فإنه يصبح اعتداء على حقوق الخرين وحرياتهم،
ذلك أن تعاطي الفساد يعد مساسا بحريات الخرين ويعد اعتداء على الشعور العام للمجتمع وبالتالي ل يجوز للنيابة
العامة أن تتنازل عن متابعتها في حالة عدم وجود شكاية من أحد الزوجين أو تنازل أحدهما عن شكايته ضد لطرف
الخر .
-إن سكوت النيابة العامة عن متابعة أحد الزوجين عند عدم تقديم شكاية من أحدهما يعني التسامح فيحد من حدود
الله وهو حد الزنى ويعني كذلك ترك فريضة أنزلها الله وهي عقاب الزانية والزاني 2.
_________________
-1حسوني قدور أبو موسى :مرجع سابق ،ص . 162
-2حسوني قدور :مرجع سابق ،ص .164
وهكذا يتبين التناقض الواضح بين واقع المجتمع المغربي باعتباره مجتمعا مسلما وبين القانون الجنائي المغربي
المستمد في معظمه من القانون الجنائي الفرنسي وهذا التناقض يؤثر سلبا على فعالية سياسة التجريم المغربية في
سعيها للحد من الجريمة.
فالزنى مثل تنظر إليها المجتمعات السلمية كجريمة تخص مجتمع بأسره ولهذا نجد أن كثيرا من الناس يبتعدون عن
اللجوء إلى القانون المطبق لعدم قناعتهم بحكمه ،وهذا ما يؤدي إلى ارتكاب جرائم تعرف بجرائم الشرف كتعبير عن
قصور القوانين في معالجة هذه المشكلة وعدم وضع الحكام المنسجمة مع واقع المجتمع .
المبحث الخامس :سياسة التجريم والحقوق والحريات الفردية
يعتبر التجريم خروجا عن المبدأ العام الذي يقضي بان الصل في الفعال الباحة ،وهو من هذا المنطلق يشكل
تهديدا خطيرا ومباشرا على حقوق الفراد وحرياتهم ،إن تم استغلله بشكل تعسفي وتسلطي من قبل الدولة.إن
التجريم سيف ذو حدين ،فكما يمكن استعماله في هدر حقوق الفراد وحرياتهم يمكن توجيهه لحماية هذه الحقوق
وحفظها وصيانتها.
المطلب الول :سياسة التجريم المغربية والحقوق والحريات الفردية
إن أي مشرع في سعيه لوضع مدونة جنائية بغية الحد من الجريمة يجب أن يأخذ بين العتبار الحقوق والحريات
الفردية التي يكفلها الدستور إذ أن المساس بهذه الخيرة تعبيرا أو دليل على عدم مشروعية هذه المدونة .
ومن هذا المنطلق إلى أي حد يمكن القول أن المشرع المغربي كان واضعا نصب عينيه هذه الحقوق والحريات عند
وضعه للمدونة الجنائية ؟ أو بمعنى آخر هل القوانين الجنائية المغربية تتمتع بالمشروعية ؟
إن المطلع على المدونة الجنائية المغربية وعلى غيرها من القوانين الجنائية سيتبين له بوضوح أن هناك مساس كبير
بالحريات والحقوق الفردية التي يكفلها الدستور المغربي لسنة 1996وذلك سواء من خلل التنصيص على بعض
القوانين الجنائية أو عن طريق عدم إضفاء الصفة الجرامية على بعض الفعال التي تشكل خطورة على هذه الحقوق
والحريات.
فل يكفي لكي تتحقق المشروعية في عملية التجريم مجرد وجود نص قانوني يجرم فعل من الفعال .فالقانون
0303المتعلق بمكافحة الرهاب نص غير شرعي لنه مخالف لمقتضيات الدستور من عدة جوانب وليس أقلها أنه يفتح
باب التحكم واسعا لدانة الشخاص من أجل كل فعل وكل حركة وكل كلمة .
فبالرغم من كون الترسانة الجنائية المغربية تتسع لكل الفعال التي يمكن اعتبارها جرائم إرهابية فإن الحكومة
المغربية أعدت مشروع قانون رقم 0303المتعلق بمكافحة الرهاب ،هذا القانون الذي لقي معارضة قوية نظرا لما
يشكله من تراجعات خطيرة للحريات ومس خطير بضمانات احترام حقوق النسان ،إل أن الحداث الرهابية ليوم 16
ماي 2003بالدار البيضاء كانت فرصة سانحة لتمرير هذا المشروع في البرلمان وإقراره في مدة زمنية وجيزة
وقياسية.
ويقترح هذا المشروع إدخال تعديلت خطيرة على كل من القانون الجنائي والمسطرة الجنائية.
-القانون الجنائي :إن أول ملحظة يمكن إبداءها تتعلق بتعريف الجرائم الرهابية ،حيث جاء هذا التعريف فضفاضا بكل
معنى الكلمة وهكذا فإن القانون يحدد العناصر التالية :
علقة الفعال المعنية بالجنايات والجنح المذكورة عمدا بمشروع فردي أو جماعي. •
كون هذه الفعال تهدف إلى المس بالمن العام. •
تحديد الوسائل في التخويف أو القوة أو العنف أو الترويع أو الترهيب •
ومن البديهي أن هذا التعريف يتميز بالغموض وعدم الدقة في تحديد عناصر الفعل الجرامي ،الشيء الذي يفتح
الباب للتحكم على مستوى البحث والتحقيق والحكم.
وهذا التعريف المقتبس في جوهره من التفاقية المناهضة للرهاب يخضع أساسا للهاجس المني للنظم العربية،
وهو ما تجلى بصفة خاصة في جناية المس بأمن الدولة ضمن العمال الرهابية ،وهي جناية تطبق عليها عقوبات شديدة
القسوة ،كما اختلف جذريا هذا التعريف عن التعريفات الواردة ضمن تشريعات عدد من البلدان ذات التقاليد
الديمقراطية.
فهذه التشريعات تعرف الجريمة الرهابية تعريفا دقيقا ،دون أن تمس إطلقا بالضمانات الساسية للحرية الفرية
ولعدالة المحاكمة1.
كما أن هذا التعريف -المطاط -يعتبر مخالفا لمبدأ الشرعية الذي يتطلب أن يكون التعريف دقيقا وواضحا.
العقوبة :يلحظ التشديد من قسوة العقوبات السجنية سواء بالنسبة للفاعلين أو المشاركين أو الذين لم يبلغوا مع
تثبيت عقوبة العدام التي ما فتئت الحركة الحقوقية تناضل من أجل إلغائها من القوانين المغربية ،ويضاف إلى العدام
العقوبة السجنية المشددة ،المنع من القامة في أماكن محددة أو القامة الجبارية في أماكن معينة والمنع من مزاولة
الوظائف والخدمات العمومية ومصادرة الممتلكات والحرمان من الحق في المعاش 2.
الجرائم :إن الغلبية الساحقة في الجرائم المعتبرة بمثابة أعمال إرهابية تقع بالفعل إما تحت طائلة القانون
الجنائي الجاري به العمل منذ 1962وإما تحت قانون الصحافة فيما يتعلق بالتحريض على القتل والنهب والحريق …
وإن صياغة الفصل 218-12ومضمونه ينمان عن جهل أو تجاهل المقتضى القانوني المذكور ،أما
اعتبار الدعاية والشهار للفعال الجرامية المعينة فعل إرهابيا ،فإن من شأنه أن يبرر المس بالحق في الخبر وفي
العلم ،وهذا الذي يدخل في صميم رسالة الصحافة 3.
التعديلت المتعلقة بالمسطرة الجنائية :
_________________
-1عبد العزيز بناني :رئيس المنظمة المغربية لحقوق النسان سابقا ،الجمعية المغربية لحقوق النسان /
الرهاب و حقوق النسان /مركز العلم و التوثيق ،مارس – 2004اليوم الدراسي حول مشروع قانون الرهاب
– الرباط 12أبريل – 2002التشريع المتعلق لمحاربة الرهاب بين الرتجال و المس بالمكتسبات الحقوقية .
-2كلمة منسق الشبكة الوطنية في اليوم الدراسي لمجلس النواب 12أبريل ، 2003ص -11يوم دراسي حول
مشروع قانون الرهاب .
-3عبد العزيز بناني :مرجع سابق ،ص . 38
-الحراسة النظرية :إن الفصلين 80.66يرفعان في حالة وجود جريمة إرهابية بشكل جد مبالغ فيه من الحراسة
النظرية تزيد عن ثلثة مرات عن مدة الحراسة العادية وذلك من أجل احتفاظ الشرطة القضائية بأي شخص مفيد في
التحريات ،لضرورة البحث دون أن تكون له علقة بأي جريمة أو تعلق المر بجناية أو حجة يعاقب عليها بالحبس ،وكانت
هناك ضرورة للبحث التمهيدي كما ضاعف التمديد ثمان مرات ،بإذن غير مكتوب ول معلل من طرف النيابة العامة 1.
-فيما يتعلق بالتفتيش :يوسع القانون من صلحية الشرطة والنيابة العامة في مجال التفتيش وهكذا فإنه
يبيح الدخول إلى المنازل وتفتيشها وحجز ما بها من أدوات حتى في حالة امتناع صاحب المنزل عن •
إعطاء موافقته أو في حالة تعذر الحصول على هذه الموافقة وذلك بإذن من النيابة العامة )المادة (70
يؤهل قاضي التحقيق في أن ينتدب قاضيا أو ضابطا أو أكثر من ضباط الشرطة القضائية لجراء •
تفتيش خارج الساعات القانونية )المادة ( 120
-مراقبة المكالمات والتصالت :ينص القانون على السماح للوكيل العام بصفة استثنائية أو بأمر كتابي بالتقاط
المكالمات الهاتفية أو التصالت المنجزة بوسائل التصال عن بعد وتسجيلها وأخذ نسخ منها وحجزها متى كانت ضرورة
البحث تقتضي التعجيل خوفا من اندثار وسائل الثبات )المادة .(108
فكل هذه المقتضيات تمس بالضمانات القانونية التي تكفل حرمة المنازل وسرية المراسلت المكرستين من لدن
الدستور 2.
_________________
-1عبد الله :رئيس المنظمة المغربية لحقوق النسان ،يوم دراسي مشروع قانون الرهاب ،مرجع سابق ،ص
. 81-80
-2عبد العزيز بناني :مرجع سابق ،ص .36
-فيما يتعلق بحق المشتبه فيه بمؤازرة محامي :منع المحامي من التصال بموكله إذ منحت الفقرة الثالثة من المادة
80من القانون :لممثل النيابة العامة إمكانية تأخير اتصال المحامي بموكله بناء على طلب من ضابط الشرطة
القضائية إذا اقتضت ذلك ضرورة البحث كلما تعلق المر بالجرائم المشار إليها في المادة 108من هذا القانون .
ويمكن لممثل النيابة العامة منع التصال بالمحامي وتأخيره إذا تعلق المر بجريمة إرهابية ،وهذا حسب الهيئات يمس
بحق الدفاع كأحد الحقوق الهامة للمتهم1 .
كما أن هذا القانون يضرب مبدأ احترام السر البنكي عبر فتح المجال للطلع بشكل قانوني على الحسابات البنكية
للمواطنين المشتبه في إرهابيتهم وفتح المجال أمام التصرف فيها 2.
ومن جهة أخرى فإن هذا القانون يأتي ومدونة القانون الجنائي لم تواكب التطورات التي يعرفها الميدان الجنائي
وطنيا ودوليا ،كمثال على ذلك عدم ملئمة هذا القانون مع التفاقية الدولية ضد التعذيب التي صادق عليها المغرب في
شهر يونيو من سنة 1993
فالمساس بالحريات والحقوق الفردية ل يتحقق فقط من خلل التجريم وإنما قد يتم ذلك عن طريق عدم إضفاء
الصفة الجرامية ،على بعض الفعال التي تشكل خطورة بالغة على هذه الحقوق والحريات ومن بين هذه الفعال
التعذيب وغيرها من ضروب المعاملة اللإنسانية .
فالمغرب بمصادقته على التفاقية السابقة الذكر يكون ملزم باحترام ما جاءت به بنود هذه الخيرة وعلى الخصوص
ما جاءت به المادة الرابعة التي تنص على أنه " تضمن كل دولة طرف أن تكون جميع أعمال التعذيب جرائم بموجب
قانونها الجنائي
الشيء الذي يدفعنا إلى التساؤل عن مدى وفاء المشرع الجنائي المغربي باللتزامات المترتبة عن المصادقة على
هذه التفاقية .أو بصيغة أخرى هل القانون
_________________
-1د .مختار مطيع - :مجلة :دراسات و وقائع دستورية و سياسية – العدد . 2003 - 5
-2كلمة منسق الشبكة الوطنية :مرجع سابق ،ص .10
المغربي يعاقب على جريمة التعذيب كما هو متعارف عليها دوليا ؟
إن المتصفح لثنايا المدونة الجنائية المغربية محاولة منه العثور على نصوص خاصة بتجريم أعمال التعذيب كجرائم
مستقلة وقائمة بذاتها .وبالمعنى المفهوم من التفاقية الدولية ذات العلقة ،سيصاب ل محالة بخيبة المل .نظرا لضآلة
وضعف محتواها وقصورها .
وسنحاول استجلء الفصول التي لها علقة من قريب أو بعيد بتجريم التعذيب لنقف عن كثب عن عمق هذا القصور
التشريعي .
الفصل :1 399يعد هذا الفصل من النصوص القليلة الذي يصلح حاليا في -انتظار تدخل تشريعي -لزجر أعمال
التعذيب ولو بشكل نسبي وجزئي ،طالما ل يعاقب على ممارسة التعذيب إل كظرف مشدد لتنفيذ جناية وليس كجريمة
مستقلة بذاتها.
الفصل : 438يعاقب على العتداء على الحرية الشخصية بالعدام " إذا وقع تعذيب بدني للشخص المخطوف
والمقبوض عليه أو المحبوس أو المحجوز " وهذا النص كان ل ينطبق إل على الفراد العاديين ،وهذا ما يستفاد من
عنوان الفرع الرابع من الباب التاسع من هذا الكتاب الثالث ،الذي جاء على الشكل التالي " العتداء على الحرية
الشخصية وأخذ الرهائن أو حرمة المسكن الذي يرتكبه الفراد " إل أنه بعد التعديل الذي شمل القانون الجنائي بموجب
قانون رقم 03.24أصبح يشمل الشخاص الذين يمارسون سلطة عامة هم أيضا يمكن متابعتهم بناء على الفصل 438
بما أن هذا الخير يسري على جميع الحالت المنصوص عليهم في الفصول السابقة ومن ضمنها الفصل .436
-الفصل " 499يعاقب بالسجن المؤبد على الفعال المنصوص عليها في الفصل 499والفصل 499-1إذا ارتكب
بواسطة التعذيب وأعمال وحشية "
-الفصل : 231يعاقب الموظف العمومي الذي يستعمل أثناء قيامه بوظيفته و بسبب قيامه بها العنف ضد الشخاص
أو يأمر باستعماله بدون مبرر شرعي ،إل أن
_________________
-1ينص الفصل " 399يعاقب بالعدام من يستعمل وسائل التعذيب أو يرتكب أعمال وحشية لتنفيذ فعل يعد
جناية. .
العنف المقصود بهذا النص ليس مرادفا للتعذيب ،كما أن هذا النص ل يتفق مع مفهوم التعذيب المحرم دوليا والذي
يعتبر من المحظورات المطلقة وغير القابلة للنصاف بصفة المشروعية ،تحت أي ذريعة كانت .
من خلل تحليل النصوص الجنائية السابقة ،يتضح لنا مدى الفراغ القانوني الذي يعرفه القانون المغربي ،فيما يخص
تجريم التعذيب ،فرغم أن هذا الخير يجرم بعض أشكال استخدام التعذيب ،إل أنه ل يحدد مفهوم هذا الجرم ول طبيعته
استنادا إلى ما ورد في التفاقيات الدولية المعمول بها في هذا الشأن ،كما أنه ل يجعل التعذيب جريمة في جميع
الظروف .
ويلحظ أيضا أن القانون الجنائي ل يعاقب على جريمة التعذيب كجريمة قائمة بذاتها مع ترتيب الجزاء بالنسبة
للشخاص الذين يمكن أن يمارسوه بحكم مهامهم أو الوظيفة المسندة إليهم ،كما تسعى إلى ذلك اتفاقية مناهضة
التعذيب ،بل يقتصر على بعض جوانب التعذيب الممارس من الفراد العاديين أو كظرف مشدد.
ويتضح لنا جليا ،أن مصادقة المغرب على التفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملت أو العقوبات
القاسية واللإنسانية أو المهينة لم تترجم إلى المجال التشريعي العلمي ،طالما لم يتم تجريم هذه الممارسة في
القانون الجنائي .1
وهكذا يظهر أن القانون الجنائي المغربي ل يوفر الحماية اللزمة لحقوق وحرية الفراد .فإذا ما أحصينا النصوص
التي تحمي بها الدولة نفسها فإننا نجدها تغطي 163مقابل 33فصل مخصص لحماية المواطنين وحقوقهم .
والخلصة أن مشروعية القانون الجنائي المغربي مرتبط بمواكبته لروح احترام حقوق النسان كما هو متعارف عليها
دوليا.
_________________
-1عبد اللطيف الحبيب :وقائع و آفاق تجريم التعذيب بالمغرب ،جريدة العلم العدد 19976الخميس 3فبراير
. 2005
والنصوص الدالة على الهمية الممنوحة لهذه الحقوق كثيرة ،نورد هنا نصا عاما هو "العلن " 1الذي أصدره
الرسول )ص(في حجة الوداع حيث قال فيه " :إن الله تبارك وتعالى قد حرم دماءكم وأموالكم وأعراضكم إل بحقها
كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا " ( رواه البخاري) .وقوله أيضا عليه الصلة والسلم " :كل مسلم
على مسلم حرام دمه وعرضه وماله …".
فهذين النصين صريحين في تحريم كل اعتداء قد يطال حق النسان في الحياة ،ويعضدهما نصوص من الكتاب حيث
قال تعالى " ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها ،وغضب الله عليه ولعنه…" وقوله تعالى أيضا " :من
أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيى الناس
جميعا " .فحق النسان في الحياة ،حق مقدس ل يسمح لحد فردا كان أو سلطة إهداره أو العتداء عليه إل بحق ،ومن
أجل ذلك شرعت جرائم القصاص والدية.
أما حق النسان في حمايته من التعذيب بكل ألوانه وأشكاله والحط من كرامته فهو حق مصون مضمون في
الشريعة السمحة ،وهو يدرج ضمن حق النسان في سلمة جسده وسكينة نفسه ،الذي جرم الشارع الحكيم العتداء
عليه بنصوص صريحة قاطعة ،وشرع لحمايته عقوبة القصاص والدية وعقوبة التعازير.
إن النسان في الشريعة السلمية هو قدس المقدسات ،وحرمة الحرمات وإن كل اعتداء عليه بتعريضه للتعذيب
سواء في جسده أو في نفسيته ،هو هدر سافر لهذه القدسية ،يقول تعالى في الحديث القدسي " :يا عبادي إني
حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فل تظالموا " فإذا كان الله عز وجل وهو خالق النسان ورازقه قد حرم
على نفسه سبحانه أن يظلم النسان ،فل يعذبه في الدنيا ول في
_________________
-1محمد العساكر :ضمانات حقوق الفراد في التشريع الجنائي السلمي ،ص 161مجلة الدفاع الجتماعي ،
العدد 16مطبعة النجاح الجديدة يوليوز . 1983
الخرة إل إذا قامت عليه الحجة وسطعت عليه البينة ،يقول تعالى " :وما ربك بظلم للعبيد " .فكيف يسمح إنسان أيا
كانت ،سلطته أن يعذب أخاه النسان دون وجب حق أو سلطان ،يقول تعالى " :إن الله ل يحب كل معتد أثيم " ويقول
أيضا " :ول تعتدوا إن الله ل يحب المعتدين " .
حاصل القول ،أن التشريع الجنائي السلمي قد شمل بالحماية الجنائية مختلف الحقوق والحريات اللزمة
لحياة النسان وسعادته وأمنه ،وذلك من خلل إقراره لهذه الحقوق من جهة وزجر كل اعتداء وانتهاك لها من
جهة ثانية .وهكذا وانطلقا من هنا المقارنة بين السياسة التجريمية السلمية والسياسة التجريمية المغربية
يتبين بوضوح أن هناك اختلفات عميقة.
خــاتــمــة
وهكذا وانطلقا من هذه المقارنة بيــن السياســة التجريميــة الســلمية والسياســة التجريميــة المغربيــة يتــبين
بوضوح أن هناك اختلفات عميقة وكثيرة بين السياستين وذلك من عدة جوانب:
-فبالرغم من أخد كل من التشريع الجنائي السلمي والقــانون الجنـائي المغربــي بمبـدأ
الشرعية ال أن الطريقة التي تعاملت بها الشريعة مع هذا المبدأ جعلت أحكامها تتلءم مــع
كل زمان ومكان وتواكب كل التطورات في حين أفضى السلوب الذي تعامل به المشــرع
المغربي مع هذا المبدأ إلى التضخم والجمود.
-وإذا كان البرلمان هو الذي له الحق في التجريـم فـي القـانون الجنـائي المغربـي فـان
مصدر التشريع الجنائي السلمي هو الله الحكيم العليم بما يصلح ول يصلح لقوله تعــالى "
أليس الله بأحكم الحاكمين ".
-ومن جهة أخرى إذا كانت الشريعة السلمية تهدف إلى حمايــة الضــروريات – الــدين –
النفس -العقـل –النسـب و المـال مـن إطـار الموازنـة بيـن جميـع المصـالح فـان القـانون
الجنائي وضع أساسا لحماية الدولة أكثر من أي شيء آخر.
-كما يلحظ أن الهاجس المني للمشــرع المغربــي وتركيــزه علــى حمايــة الدولــة جعلــه
يهمل حقوق الفراد وحرياتهم بشكل فاضح ,أما الشريعة الســلمية فقــد كرمــت النســان
أحسن تكريم .
فهذا التباعد بين السياسيتين يؤثر سلبا على فعالية التجريــم المغربيــة فــي ســعيها للحــد مــن الجريمــة إذ أن
فعالية أي سياسة تجريمية ترتبط أساسا بمدى انبثاق هذه السياسة من واقع المجتمع وقناعــة أفــراده حــتى تقــل
فرص الجرام مما يمكن أن تكون عليه فيما لــو جـاءت هــذه السياســة مـن سـلطة متســلطة ل تقيـم لمعتقـدات
المجتمع وقناعة أفراده وزنا .
ومن جهة أخرى أن فعالية سياسة التجريم ليس معناها توسيع ميدان التجريــم إلــى أقصــى حــد وفتــح البــاب
للقاعدة الزجرية للتدخل في كل ميادين النشاط الجتماعي ) الشــيء الــذي ينتــج عنــه تضــخم القــانون الجنــائي(
فسياسة التجريم ومهما كانت متطورة فإنها لن تستطيع الحد من الجريمة دون محاربة السباب الـتي تـؤدي إلـى
ارتكابها وإذ كيف يمكن محاربــة العديــد مـن الجـرائم مثـل التشــرد والتسـول والســرقة والغتصـاب والقتــل دون
القضاء على السباب التي تؤدي إلى ارتكابها وبصــفة خاصــة مــا يتعلــق بالبطالــة وقلــة الــوعي الثقــافي والــديني
والمية والفقر والتهميش ،ومن ثم فان القانون الجنــائي فــي هــذه الحالــة مــا هــو ال ادات قســر تحــت التهديــد
بالعقاب فقط كما قال الشاعر:
» الــكــتــب «
» الـمجلت و الجرائد «
-جريدة العلم :عبد اللطيف لحبيب ،و قائع و آفاق تجريم التعذيب بالمغرب ،العدد 1997
،الخميس 3فبراير . 2005 .
-أحمد فتحي سرور :المجلة العربية للدفاع الجتماعي ،العدد ، 11مطبعة النجاح
طبعة . 1984 . الجديدة . ،
-محمد سليم العوا :المجلة العربية للدفاع الجتماعي ،العدد ، 7مارس . 1978
-حسن صادق المرصفاوي :المجلة العربية للدفاع الجتماعي ،العدد ، 18مطبعة النجاح
الجديدة ،طبعة . 1981 .
-مختار مطيع :مجلة :دراسة وقائع دستورية و سياسية ،العدد ، 5طبعة . 2003
. -الرهاب و حقوق النسان :اليوم الدراسي حول مشروع قانون الرهاب ،الجمعية
المغربية لحقوق النسان ،مركز التوثيق و العلم ،أبريل . 2002 .
i
ii
iii
iv