You are on page 1of 282

‫بسم ال الرحن الرحيم‬

‫جـاهـلـيـة‬
‫القرن العشرين‬
‫تأليف‬
‫الستاذ‬

‫ممد قطب‬

‫بسم ال الرحن الرحيم‬


‫)أفح"ك)م‪ .‬ال)ج‪.‬اه‪$‬ل‪$‬ي‪5‬ة‪. $‬يب'غ"ون و‪.‬م‪.‬ن' أح'س‪.‬ن" م‪$‬ن‪ .‬الل‪-‬ه‪ $‬ح"ك)ما( ل‪$‬قو'م‪ %‬ي"وق‪$‬ن"ون(‬
‫صدق ال العظيم‬
‫جاهلية القرن العشرين‬

‫مقد;م‪.‬ة‬
‫سيعجب الناس من العنوان‪ ...‬وسيستنكره كثيون!‬

‫القرن العشرون؟!‪ ...‬الضارة والدنية‪ ...‬العلم والكشوف‪ ...‬التنظيم والتنسيق‪...‬‬


‫سيطرة النسان على الطبيعة‪ ...‬الذرة والصاروخ‪ ،‬كل ذلك جاهلية؟!‬

‫ل قد ب لغ الن سان أو جا‪ I‬من العظ مة ل يبل غه ف تاريه ك له‪ ...‬وب لغ من ال قوة‬
‫والسيطرة والبوت مدى ل يلم به سكان الكوكب الرضي قبل عشرات من السني‬
‫فقط؛ فضل‪ I‬عن عشرات من القرون! فكيف نقول بعد ذلك إن النسان يعيش ف الاهلية‬
‫ف هذا القرن العشرين؟‬

‫و "القيم" الت يعيش ف ظلها البشر اليوم‪ ...‬الرية والتحرر‪ ...‬الخاء والساواة‪...‬‬
‫الديقراطية والعدالة الجتماعية‪...‬‬

‫كيف بال نقول إن هذا العصر الذي نعيش فيه‪ ...‬عصر جاهلية؟!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫يسب الكثيون أن "الاهلية" فترة معينة من الزمن ‪ -‬كانت ‪ -‬ف الزيرة العربية‬
‫‪ -‬قبل السلم‪.‬‬

‫أولئك " الطيبون"‪ ...‬الذين ل يادلون ف صدق ما وصف ال به الياة العربية قبل‬
‫بعثة الرسول صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ويؤمنون أنا كانت جاهلية حقا بالقياس إل السلم‪.‬‬

‫أما "البيثون" ‪ -‬تدفعهم دوافع غي إسلمية‪ ،‬من تلك الت قال عنها الرسول صلى‬
‫ا ل عل يه و سلم‪" :‬ل يس م نا من د عا إ ل ع صبية‪ - (1)"...‬فأولئك يادلون كثيا‪ I‬ف هذا‬
‫المر‪ ،‬منافحي عن الاهلية العربية وأنا ل تكن "جاهلية " كما وصفها القرآن! فقد كان‬
‫ف البيئة العربية "فضائل" و "قيم" ذاتية‪ ،‬و "معلومات" و "حضارة" مكتسبة من التصال‬
‫بالرومان والفرس‪ ...‬ما كشفت عنه "الدراسات" الديثة الت قام با الستشرقون! وهم‬

‫‪ " ()1‬ليس منا من دعا إل عصبية‪ ،‬وليس منا من قاتل على عصبية‪ ،‬وليس منا من مات على عصبية "‬
‫أخرجه مسلم والنسائي وأبو داود‪.‬‬

‫)‪(2‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫من باب أو ل ل يت صورون أن ت كون الاهل ية قائ مة ف هذا ال قرن الع شرين‪ ،‬ما دام‬
‫مقياسهم هو هذا القياس!‬

‫هؤلء وأولئك ل يدركون مع ن "الاهل ية" ك ما هو ف وا قع ا لمر وك ما ع ناه‬


‫القرآن!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫الطي بون ي صرون م ظاهر الاهل ية ف ال شرك ال ساذج والوثن ية البدائ ية وأ خذ ال ثأر‬
‫والفاسد اللقية الت كانت سارية ف البيئة العربية‪ ...‬أي أنم يأخذون "مظاهر" الاهلية‬
‫العربية على أنا هي "الاهلية" ذاتا‪ ،‬ومن ث يصرونا ف هذه الصورة الدودة‪ ،‬ف هذه‬
‫الفترة العينة من التاريخ‪ ،‬ف هذه البقعة من الرض ف الزيرة العربية‪ ...‬ويظنون ‪ -‬من ث‬
‫‪ -‬أنا مضت إل غي رجعة ف الزمان أو الكان!‬

‫وا لبيثون يظ نون أن "الاهل ية" هي مقا بل ما ي سمى "الع لم" أو "ال ضارة" أو‬
‫"الت قدم ا لادي" أو "الق يم" الفكر ية أو الجتماع ية أو السيا سية أو "الن سانية!" و من ث‬
‫ي هدون أنف سهم إج هادا‪ - I‬مدفوعي بت لك ا لدوافع غ ي ال سلمية ا لت نوه با ر سول‬
‫ال سلم صلى ا ل عل يه و سلم ‪ -‬ل كي يثب توا أن ال عرب ل يكو نوا جهلء‪ ،‬ف قد كانوا‬
‫يعرفون بعض العارف‪ ،‬ول متأخرين‪ ،‬فقد كانوا ملمي بشيء ما يسمونه الضارة وشيء‬
‫من الدنية‪ ،‬ول خاوين من القيم‪ ،‬فقد كان لديهم من الفضائل‪ :‬الكرم والشجاعة وإغاثة‬
‫اللهوف وبذل النفس ف سبيل الشرف أو النخوة أو الكرامة أو ما شابه ذلك من المور‪،‬‬
‫ومن ث فوصف القرآن لم بالاهلية ليس حقيقة تاريية! ومن ث كذلك فالقرن العشرون‬
‫ف نظرهم هو قمة الرتفاع البشري الذي يكن أن يلم به النسان‪...‬‬

‫و هؤلء وأولئك ك ما قل نا ل يدركون مع ن "الاهل ية" ك ما هو ف وا قع ا لمر‪،‬‬


‫وكما عناه القرآن!‬

‫ليست الاهلية "صورة" معينة مدودة كما يتصورها الطيبون الذين يرون أنا فترة‬
‫تاريية مضت إل غي رجوع‪ ،‬إنا هي "جوهر" معي‪ ،‬يكن أن يتخذ صورا‪ I‬شت‪ ،‬بسب‬
‫البيئة والظروف والزمان والكان؛ فتتشابه كلها ف أنا "جاهلية" وإن اختلفت مظاهرها‬
‫كل الختلف‪.‬‬

‫)‪(3‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وليست هي القابل لا يسمى العلم والعرفة والضارة والدنية والتقدم الادي والقيم‬
‫الفكرية والجتماعية والسياسية والنسانية على إطلقها‪ ،‬كما يتصورها البيثون‪ ،‬سواء‬
‫بالنسبة للجاهلية العربية أو بالنسبة للقرن العشرين‪...‬‬

‫إنا الاهلية ‪ -‬كم عناها القرآن وحددها ‪ -‬هي حالة نفسية ترفض الهتداء بدى‬
‫ال‪ ،‬ووضع تنظيمي يرفض الكم با أنزل ال‪" :‬أ——فح”ك™م• ا™لج•اه“ل“̃ية“ •يب–غ”ون— و•م•ن– أ— –حس•ن” م“ن‬
‫الل‪œ‬ه“ ح”ك™ما‪ I‬ل“ق—و–م› ي”و“قن”ون"‪.‬‬

‫هي إذن مقابل معر فة ال‪ ،‬واله تداء بدى ال‪ ،‬وال كم با أ نزل ال‪ ...‬ولي ست‬
‫مقابل ما يسمى العلم والضارة الادية ووفرة النتاج!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ول يقل القرآن قط إن العرب كانوا ف "جاهلية" لنم ل يعرفون الفلك والطبيعة‬
‫والكيمياء والطب‪ ...‬أو لنم ل يعرفون النظم السياسية‪ ...‬أو لنم قاصرون ف ميدان‬
‫النتاج الادي‪ ...‬أو لنم خلوا من بعض الفضائل‪ ،‬أو خلوا من "القيم" على الطلق!‬

‫و لو قال لم ذ لك لع طاهم ال بديل من ن فس ال نوع! ال بديل من ال هل العل مي‬


‫"معلو مات" علم ية فلك ية وطبيع ية وكيميائ ية وطب ية‪ ...‬إ ل! وال بديل من ال هل السيا سي‬
‫نظريات سياسية مدروسة مفصلة! والبديل من القصور ف النتاج الادي توجيهات لزيادة‬
‫النتاج أو لتحسينه! والبديل من نقص بعض الفضائل وبعض القيم مزيدا‪ I‬من هذه وتلك‬
‫مطلقة من أي ارتباط‪!...‬‬

‫ولكنه ل يقل لم ذلك‪ ،‬ول يكن البديل الذي أعطاهم إياه شيئ‪I‬ا من ذلك كله‪...‬‬
‫)‪.(2‬‬

‫إنا قال لم إنم جاهليون لنم يك¡مون أهواءهم ويرفضون حكم ال‪ ...‬وأعطاهم‬
‫البديل من الاهلية‪ ...‬السلم‪.‬‬

‫فذلك هو القياس الذي يقيس به القرآن الياة البشرية‪ ...‬وهو القابل للجاهلية‪،‬‬
‫سواء جاهلية العرب أو أية جاهلية غيها ف التاريخ‪...‬‬

‫‪ ()2‬حقا لقد وجد ذلك كله نتيجة "البعث" السلمي‪ ،‬ولكنه ل يكن هو البديل الذي طلبه ال من‬
‫الناس ليخرجوا من الاهلية!‬

‫)‪(4‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ولقد قص القرآن عن "حضارات" كثية ف أمم خيالية‪ ،‬كانت ‪ -‬ول شك ‪ -‬أكثر‬


‫تضرا‪ I‬من العرب حي نزل عليهم السلم‪ ،‬ومع ذلك اعتبها السلم جاهلية لنا ل‬
‫تتدي بدى ال‪" :‬أ—و•ل—م– •يس“ي”وا ف“ي ا™لأ—ر–ض“ —في•ن–ظ‪¤‬ر”وا ك—ي–ف• ك—ان— ع•اق“ب•ة‪ ¤‬ال‪œ‬ذ“ين• م“ن– —قب–“له“م– ك—ان”وا‬
‫أ—ش•̃د م“ن–ه”م– ق‪̃¤‬وة‪ I‬و•—أث—ار”وا ا™لأ—ر–ض• و•ع•م•ر”وه•ا أ—ك™ث—ر• م“̃ما ع•م•ر”وه•ا و•ج•اء¦ت–ه”م– ر”س”ل‪¤‬ه”م– ب“ال™•بي‪¥‬ن•ات“ ف—م•ا‬
‫ك—ان— ال‪œ‬له” “لي•ظ™“لم•ه”م– و•ل— “كن– ك—ان”وا أ—ن–ف‪¤‬س•ه”م– ي• ™ظل“م”ون— * ث‪̃¤‬م ك—ان— ع•اق“ب• —ة ال‪œ‬ذ“ين• أ—س•ا̈ءوا الس§وأ—ى أ—ن‬
‫ست•ه–ز“ئ‪¤‬ون"‪.‬‬
‫ك— ‪œ‬ذب”وا ب“آيات“ الل‪œ‬ه“ و•ك—ان”وا “به•ا ي• –‬

‫فه نا يوجه ال قرآن ال عرب "ا لاهليي" إ ل الن ظر ف أ مر "جاهل ية" سابقة‪ ،‬ل يوا‬
‫نتائجها ويذروها‪ ،‬فل يكذبوا بآيات ال‪ ،‬بل يؤمنوا با ويهتدوا‪ ،‬وإن كان ل يستخدم‬
‫ه نا ل فظ "الاهل ية" بالتحد يد‪ ،‬فإنه ي ستخدم مدلولا‪ ،‬وي قول لل عرب ا لاهليي‪ :‬هؤلء‬
‫مثلكم ف الاهلية‪ ،‬وإن كانوا أكثر منكم قوة وتعميا‪ I‬للرض و "حضارة" و "مدنية"‪...‬‬
‫فخي لكم أن ترجوا من الاهلية ‪ -‬الت تشملكم وتشمل تلك "الضارة" النحرفة سواء‬
‫‪ -‬بأن تدخلوا ف هدى ال وتصبحوا مسلمي‪...‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫الاهل ية ‪ -‬إذن ‪ -‬حا لة نف سية تر فض اله تداء بدى ا ل‪ ،‬وو ضع تنظي مي ير فض‬
‫ال كم با أ نزل ا ل‪ ...‬ث تصيبها الن تائج التم ية لذا ال نراف‪ ،‬ن تائج تت لف باختلف‬
‫صورة النراف ومداه‪ ...‬ولكنها تتفق ف أنا اضطراب ف حياة البشر وشقاء‪ ،‬وقلقلة‬
‫وتدمي وعذاب‪...‬‬

‫ومن ث فهي ليست مصورة ف الاهلية العربية ول ف فترة من الزمن معينة‪ ...‬وإنا‬
‫هي حا لة ي كن أن تو جد ف أي و قت و ف أي م كان‪ ...‬ك ما تو جد كذلك ف أي‬
‫"مستوى" من العرفة و "الضارة" والتقدم الادي والقيم الفكرية والسياسية والجتماعية‬
‫و "النسانية!"‪ ...‬إذا كانت هذه كلها ل تتدي بالدي الربان‪ ،‬وتتبع أهواءها وترفض أن‬
‫تتبع ما أنزل ال‪.‬‬

‫وإن "الاهلية" و "الوى"‪ ...‬سيان‪.‬‬

‫فالذين يتبعون أهواءهم يرفضون أن يتبعوا ما أنزل ال‪ ...‬وهم حينئذ ف "الاهلية"‬
‫لذا السبب عينه‪ :‬لنم يرفضون هدى ال‪ ...‬أي‪²‬ا‪ I‬كان مبلغهم من العلم البشري ومبلغهم‬
‫ما ي سمى الضارة والتقدم الادي والتنظ يم السيا سي والجت ماعي والقتصادي‪ ...‬وهم‬
‫كذلك عرضة للنتائج التمية لذه الاهلية‪ ...‬من اضطراب وشقاء‪ ،‬وتفتت وحرمان‪...‬‬

‫)‪(5‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ومن ث فليس العرب وحدهم هم الذين كانوا يعيشون ف الاهلية‪ ،‬قبل السلم‪،‬‬
‫وإنا كذلك كل قوم انرفوا عن الدي الربان‪ ،‬واتبعوا الهواء‪...‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫والذين يظنون أن الاهلية هي جاهلية العرب قبل السلم وحدها‪ ...‬نب أن نبي‬
‫لم حقيقة الاهلية‪ ،‬ليتبينوا نوح الياة الت يعيشونا ف القرن العشرين!‬

‫وا لذين ي نافحون عن الاهل ية العرب ية ‪ -‬بدافع من الع صبية ‪ -‬نب أن ن قول لم‬
‫ي طامنوا من ال هد الا هد ا لذي ي بذلونه ف هذا ال سبيل‪ ...‬فمه ما أج هدوا أنف سهم ف لن‬
‫ي ستطيعوا أن يزع موا أن ال عرب ف جاهليتهم قد بل غوا من الت قدم العل مي‪ ،‬والتنظ يم‬
‫السيا سي والجت ماعي و "الق يم" الفكر ية ما بلغ ته ح ضارة ال قرن الع شرين! و مع ذ لك‬
‫فالقرن الع شرون أب شع ف جاهليته من ال عرب ف جاهليتهم ق بل أرب عة ع شر قر نا‪ I‬من‬
‫الزمان‪ ،‬بل إن جاهلية القرن العشرين ‪ -‬ف الواقع ‪ -‬أبشع جاهلية ف تاريخ البشر على‬
‫ظهر الرض‪.‬‬

‫لقد كانت الاهلية العربية جاهلية ساذجة قريبة الغور! تعبد أوثان‪I‬ا مسوسة فجة‬
‫ساذجة! وتارس ألوانا‪ I‬من التصور وألوانا‪ I‬من السلوك‪ ،‬منحرفة‪ ...‬نعم‪ ...‬ولكنه انراف‬
‫ساذج غي عميق! وكل ما كان من بطش قريش وكيدها وحرصها على "مصالها" و‬
‫"سيادتا"‪ ،‬ووقوفها ف طريق الق والعدل الزليي من أجل هذه الصال وتلك السيادة‪...‬‬
‫كل ما كان من هذا الب طش والك يد ‪ -‬وإن ي كن من ح يث ا لوهر مو جودا‪ I‬ف كل‬
‫جاهلية‪ ،‬قدية أو حديثة ‪ -‬إل أنه كان يتخذ صورة بسيطة غي معقدة‪ ،‬صرية على كل‬
‫التوائها‪ ،‬مباشرة على كل تابثها‪ ،‬ذلك أن الفساد ل يكن ف أصل الفطرة بقدر ما كان‬
‫ف مظهرها الارجي‪ ...‬فما هو إل أن عرك الق القشرة الارجية الزائفة حت استسلمت‬
‫الفطرة للحق الزل‪ ،‬وانابت الظلمات‪...‬‬

‫أما الاهلية الديثة فشأنا أوعر‪ ،‬وأخبث‪ ،‬وأعنف‪...‬‬

‫إنا جاهلية "العلم"!‬

‫جاهلية البحث والدراسة والنظريات!‬

‫جاهلية النظم الستقرة التعمقة ف التربة!‬

‫)‪(6‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫جاهلية التقدم الادي الفتون بقوته‪ ،‬الزهو با وصل إليه من آفاق!‬

‫جاهلية الكيد النظم الدروس الخطط الو̃جه لتدمي البشرية‪ ...‬على أسس علمية!‬

‫جاهلية ل مثيل لا ف التاريخ‪...‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫و هذا الك تاب م•ع–ن“ ي‪ ²‬بدرا سة هذه "ال ظاهرة" ا لت يع يش في ها ال قرن الع شرون‪...‬‬
‫ظاهرة الاهلية‪...‬‬

‫م•ع–ن“ ي‪ ²‬بدرا سة أ سبابا‪ ،‬وملم ها‪ ،‬وانعكا ساتا ف ت صورات الب شر و سلوكهم‬
‫الواقعي‪ ،‬ونتائجها ف حياتم‪ ،‬ومستقبلها‪.‬‬

‫و شواهدنا ف هذه الدرا سة م ستمدة كل ها من الوا قع ا لذي نع يش ف يه‪ ،‬سواء ف‬


‫الشرق أو الغرب‪...‬‬

‫شواهد من كل الرض‪...‬‬

‫وهدفنا من هذه الدراسة هو تصحيح التصور وتصحيح السلوك‪ ،‬هو كشف هذه‬
‫الاهلية الت تفت الناس باسم "التقدم" و "التطور" و "الضارة" و "الدنية"‪ ...‬حت يفيئوا‬
‫إل أنفسهم‪ ،‬ويعرفوا حقيقة الوة الت ينحدرون إليها‪ ،‬وهم يسبون أنم مهتدون‪...‬‬

‫وهدفنا كذلك التبشي بستقبل البشرية‪...‬‬

‫الستقبل الذي نؤمن به‪ ...‬حي يرج الناس من الظلمات إل النور‪...‬‬

‫وأنا أعلم بطبيعة الال أن هذا المر ل يصنعه كتاب‪ ...‬ول ألف كتاب!‬

‫ولكن هنا أسجل أمرين اثني‪:‬‬

‫أولما‪ :‬أنن أومن حقا بأن "الكلمة" ل يكن أن تضيع‪ ...‬وإن تافتها الذان فترة‬
‫من الزمان‪...‬‬

‫)‪(7‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫والثان‪ :‬أنن أومن بأن هذا التحول من الظلمات إل النور قد بدأ بالفعل!‬

‫بدأ ف الظلمات الالكة بصيص من النور‪ ...‬أراه رأي العي‪ ...‬وعلى ضوئه أكتب‬
‫هذا الكتاب‪.‬‬

‫وال الوفق لا يريد‪.‬‬

‫ممد قطب‬

‫)‪(8‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫تهيد‬
‫إذا عرفنا أن الاهلية ليست فترة من الزمن مدودة ف ثنايا التاريخ‪...‬‬

‫وإذا عرفنا أنا ليست القابل لا يسمى بالعلم والضارة والدنية والتقدم الادي‪...‬‬
‫إل‪...‬‬

‫وإنا هي رفض الهتداء بدى ال ورفض الكم با أنزل ال‪...‬‬

‫إذا عرف نا هذا وذاك ف قد ت يأت أذهان نا ونفو سنا ‪ -‬ب عض الته يؤ ‪ -‬لل حديث عن‬
‫جاهلية القرن العشرين!‬

‫ن قول "ب عض الته يؤ"‪ ...‬لن كثيين من أ خذتم الاهل ية الدي ثة ف طوفا نا‬
‫سيهزون أك تافهم ساخرين‪ ،‬يقو لون‪ :‬إذا كان هذا مقصدكم بـ "الاهل ية" فنعم ا لذي‬
‫نن فيه! إننا راضون عنها كل الرضا‪ ،‬ولو سيتموها جاهلية! بل نن حريصون عليها كل‬
‫الرص‪ ،‬نرفض أن نتخلى عنها ونعود إل "هدى ال"! فقد كان "هدى ال" هو الهل‬
‫والرا فة وال تأخر والن طاط والمج ية‪ ...‬و نن قد خرج نا م نه عا مدين‪ ...‬لنتح ضر‬
‫ونتمدن‪ ...‬ونرج من الظلمات إل النور‪ !...‬كل! الاهلية أحب إلينا ما تدعوننا إليه!‬

‫حب§وا ا™لع•م•ى ع•ل—ى ا™له”د•ى"‪.‬‬


‫وصدق ال العظيم إذ يقول‪" :‬ف—ا –ست• •‬

‫و صدق ا ل العظ يم إذ ي قول‪ " :‬ك—ذ—ل“ك• ق—ا —ل ا ل‪œ‬ذ“ين• م“ ن– ق—ب–“له“ م– م“ث™ ل— ق—و–ل“ه“م– ت• ش•ا•به•ت‬
‫‪¤‬قل‪¤‬وب”ه”م‪ ،"...‬فالاهليون صنف واحد من البشر على مدار التاريخ!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫لقد تيأت أذهاننا ونفوسنا بعض التهيؤ للحديث عن الاهلية الديثة‪ ...‬ل يعد‬
‫الوضوع عجيبا‪ I‬ول مستنكرا‪ I‬كما بدا لول وهلة‪ ،‬ولكنه ما زال بعد ف حاجة إل كثي‬
‫من التوضيح‪...‬‬

‫بل هو ف حاجة إل بيان مستفيض يستغرق هذا الكتاب كله وكتبا‪ I‬أخرى كثية‬
‫لن يشاء!‬

‫)‪(9‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫إن عقدة الاهلية ‪ -‬كل جاهلية ‪ -‬أنا تستنكر هدى ال‪ ،‬وتستحب العمى على‬
‫الدى‪ ،‬وتزعم أن ما هي فيه هو الي الض‪ ،‬وأن ما ت”د–ع•ى إليه من الدى هو الضرر‬
‫والسران!‬

‫ول ي ستبي لا ما هي ف يه من ضلل وا نراف و شقوة وا ضطراب‪ ،‬إل ب عد أن‬


‫تتدي‪ ...‬بعد أن ترج من الظلمات إل النور‪ ...‬بعد أن تعود إل استقامة الفطرة على‬
‫هدى ال‪...‬‬

‫ومهمت نا ف هذا الك تاب أن نبي لل ناس ما ي عانونه من ضلل وا نراف و شقوة‬
‫واضطراب‪ ...‬وصلة هذا كله بابتعادهم عن هدى ال‪...‬‬

‫ولن يكون المر سهل‪ I‬على نفوسهم ول أفهامهم! فقد تعودت الاهلية أن تبث ف‬
‫نفوس أهلها ألوان‪I‬ا كثية من النراف ف التصور وف السلوك‪:‬‬

‫فهي تارة تقول لم إنم ل يالفون ال فيما هم عليه من تصورات ومن سلوك!‬
‫وإن ال قد أقر هذا الذي يصنعونه أو أمر به!‬

‫وتارة تقول لم إنه ل بد لم فيما يري من انراف ف التصور وف السلوك‪ ،‬فهو‬


‫أمر "حتمي" ل يلكون رده ول تغييه!‬

‫وهي دائما‪ I‬تفسر لم المر من كل زاوية إل الزاوية الت ييء فيها ذكر ال وما أمر‬
‫به ال! فقوة ما ‪ -‬من قوى الرض ‪ -‬هي الباغية‪ ،‬وقوة ما ‪ -‬من قوى الرض ‪ -‬ينبغي‬
‫أن تقا تل‪ ،‬وو ضع ما ينب غي أن ي عدل‪ ...‬ول كن دون أن ت قاس هذه ال قوة أو هذا الو ضع‬
‫بقياس ال‪ ...‬لنه ليس داخل‪ I‬ف الساب!‬

‫وسيعجب الناس ‪ -‬حي يفيئون إل أنفسهم ويتيقظون لا هم فيه ‪ -‬أن هذا ليس‬
‫شأن الاهلية الديثة وحدها مع الناس! وإنا هو شأن كل جاهلية ف ثنايا التاريخ!‬

‫"و•إ“ذ—ا —فع• ل‪¤‬وا ف—ا “ح ش• ‪I‬ة ق—ال‪¤‬وا و• ج•د–ن•ا ع•ل—–ي ه•ا آب•اء¦ ن•ا و•ال‪œ‬ل ه” أ—م•ر• ن•ا “ب ه•ا"‪ " ،‬س•ي•ق‪¤‬ول‪ ¤‬ا ل‪œ‬ذ“ين‬
‫أ— –شر•ك‪¤‬وا ل—و– ش•اء¦ الل‪œ‬ه” م•ا أ— –شر•ك™ن•ا و•ل آب•اؤ”ن•ا"‪."..." ،‬‬

‫فالاهليات تتلف ف صورتا الادية والبيئية‪ ...‬ولكنها ل تتلف كثيا‪ I‬ف تصوراتا‬
‫وف أفاعيلها على مدار التاريخ!‬

‫)‪(10‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وأي‪²‬ا‪ I‬كان المر‪ ،‬فلن يد الناس من السهل عليهم أن يتبينوا ما هم فيه من انراف؛‬
‫وأن هذا النراف ‪ -‬إذا تبينوه ‪ -‬ناشئ من ابتعادهم عن هدى ال؛ أو أن هدى ال ‪-‬‬
‫حت إذا تبينوا أن انراف هم نا شئ من الب عد ع نه ‪ -‬ي لك أن يرج هم ما هم ف يه من‬
‫اضطراب وشقوة وأل وعذاب‪ ...‬إل الستقرار والطمأنينة والسعادة والرضوان‪ ...‬ويلك‬
‫حلول‪ I‬لشكلتم الت عق‪œ‬دوها على أنفسهم با هم فيه من جاهلية وانراف!‬

‫لن يد ال ناس ذ لك سهل‪ I‬ع لى نفو سهم‪ ،‬ب عد ال هد اله يد ا لذي بذلته الاهل ية‬
‫الدي ثة ف إب عادهم عن ا ل‪ ،‬وتنفي هم من هداه‪ ،‬وتف سي ال ياة لم من خلل كل‬
‫التفسيات إل التفسي الربان الذي أنزله ال!‬

‫ولكن صعوبة المر لن تقعدنا عن تقدي هذا البيان! ول هي حائل حقيقي يول‬
‫بي الناس وبي الهتداء إل الق! فالناس ‪ -‬على غي ما توحي إليهم الاهلية الديثة ‪-‬‬
‫و كل جاهل ية ‪ -‬يل كون ف ل ظة أن يفت حوا ق لوبم لل حق في تبينوه‪ ،‬ويل كون ‪ -‬ب عد أن‬
‫يعرفوه ‪ -‬أن يبوه؛ وأن يعملوا به وياهدوا فيه!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫لن يصدق الناس ف بادئ المر!‬

‫لن يصدقوا أن ما هم فيه اليوم من اضطراب يشمل وجه الرض قد نشأ من بعدهم‬
‫عن ال!‬

‫فقد أوحت إليهم الاهلية الديثة إن "رأس الال" هو السبب ف هذه الشقوة‪ ،‬أو‬
‫أنه "صراع الطبقات" أو أنه "اللكية الفردية" أو أنه "التناقضات التمية" أو أنه "الضغط‬
‫القتصادي" أو ‪ ...‬أو ‪ ...‬ول تقل لم مرة واحدة إن ال أو سنة ال أو منهج ال ذو صلة‬
‫قريبة أو بعيدة بواقع الياة!‬

‫بل لقد سخرت الاهلية الديثة أيا سخرية من أي تفسي للحياة ف صعودها أو‬
‫هبوطها‪ ،‬ف سعادتا أو شقائها‪ ،‬يفسر المر بسنة ال أو منهج ال! وحرصت على إبعاد‬
‫كل ما يتصل بال جلة عن نفوس الناس وأذهانم وهم يتناولون واقع الياة‪ ،‬سواء ف عال‬
‫التطبيق أو ف عال النظريات!‬

‫وفوق ذلك فقد ربطت بي ال ومنهجه‪ ،‬وبي العصور الوسطى وعصور الظلم!‬
‫كما ربطت بي العلم ومنهجه‪ ،‬وبي البعد عن منهج ال!‬

‫)‪(11‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫لذلك لن يصدق الناس ف يسر ف بادئ المر!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ومنهجنا ف هذا البحث أن نبي للناس‪:‬‬

‫أول(‪ :‬كيف نشأت الاهلية الديثة‪ ...‬صفحة من التاريخ‪.‬‬

‫ونبي لم ثانيا(‪ :‬ملمح الاهلية الت يعيشون فيها‪ ...‬صفحة من الاضر‪.‬‬

‫ث نتت بع مل مح الاهل ية ف ح ياتم جي عا‪ ،I‬ف الت صور وال سلوك‪ ،‬ف السيا سة‬
‫والقتصاد‪ ،‬والجتماع وعلم النفس‪ ،‬والخلق والفن‪ ،‬وكل ما تشمله الياة من نشاط‪،‬‬
‫صفحة من الواقع‪.‬‬

‫ث نبي لم أخيا‪ I‬كيف كانت تصبح هذه المور كلها لو أنم ساروا على منهج‬
‫ال‪ ،‬وكيف يكن ف هذه اللحظة ‪ -‬إذا إرادوا ‪ -‬أن ينفضوا عنهم الغبار كله‪ ،‬ويستووا‬
‫على الطريق النظيف الصاعد على هدى من ال‪ ...‬صفحة من المل ف الستقبل‪.‬‬

‫وفيما يلي من الفصول بيان لذه الصفحات‪...‬‬

‫)‪(12‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫صفحة من التاريخ‬
‫للجاهلية تاريخ قدي ف الرض‪ ...‬كما لليان!‬

‫كلها يرجع إل النسان الول ‪ -‬إل آدم ‪ -‬وإل بنيه‪...‬‬

‫وكلها يرجع إل الطبيعة البشرية ذاتا‪ ،‬ف ازدواجها‪ ،‬وقابليتها للضلل والدى‪،‬‬
‫وللجاهلية والعرفان‪" :‬و•ن•ف™س› و•م•ا س•̃واه•ا‪— ،‬فأ—ل™ه•م•ه•ا ف‪¤‬ج”ور•ه•ا و•ت•ق™و•اه•ا‪ ،‬ق—د– —أف™—لح• م•ن– ز•ك‪œ‬اه•ا‪،‬‬
‫و•—قد– خ•اب• م•ن– د•̃ساه•ا"‪" ،‬و•ه•د•ي–ن•اه” ال̃نج– •دي–ن“"‪" ،‬إ“̃نا ه•د•–ين•اه” ال̃سب“يل— إ“̃ما ش•اك“را‪ I‬و•إ“̃ما ك—ف‪¤‬ورا‪."I‬‬

‫فكل ما يدث من البشر على الرض‪ ،‬وكل ما يدث لم‪ ،‬إنا يري على هذه‬
‫السنة اللية الت خلقت النسان مزدوج الطبيعة‪ ،‬قابل‪ I‬للهدى وقابل‪ I‬للضلل‪ ،‬ول يدث‬
‫للب شر ف تاريهم ك له‪ ،‬و ل يدث من هم‪ ،‬خروج ع لى هذه ال سنة ول إم كان لل خروج‬
‫عليها ف وقت من الوقات!)‪.(3‬‬

‫وتار يخ الب شر ك له ع لى ا لرض ل يرج عن أ حد هذين الو ضعي‪ :‬ا لدى أو‬
‫الضلل‪ ...‬السلم أو الاهلية!‬

‫ويتطور البشر على الرض تطورات شت‪...‬‬

‫يتطورون بالعن القيقي الستقيم للكلمة‪ ،‬أي أنم ينمون وينضجون ويتكاملون‪...‬‬
‫)‪.(4‬‬
‫أو يتطورون بالعن الزائف النحرف‪ ،‬أي ينحرفون عن سواء السبيل‬

‫ويت خذون ف ت طورهم هذا وذ لك " صورا‪ "I‬شت‪ ...‬تلئم ا لبيئة والت قدم ا لادي‬
‫والعلمي والستوى الجتماعي والقتصادي والسياسي‪ ...‬ولكنهم ف كل تطوراتم‪ ،‬وف‬
‫كل الصور الت يتخذها تطورهم‪ ،‬ل يرجون عن وضعي اثني ل يوجد لما ثالث‪ :‬إما‬
‫الدى وإما الضلل‪ ...‬إما السلم وإما الاهلية!‬

‫ومن ث ينتفي ‪ -‬ف وضوح ‪ -‬أي ارتباط بي الاهلية وبي الزمان والكان‪ ،‬كما‬
‫ينتفي أي ارتباط بينها وبي مستوى "العلم" والتقدم الادي والضارة والدنية والتنظيم‪...‬‬

‫‪ ()3‬انظر كتاب "دراسات ف النفس النسانية"‪.‬‬


‫‪ ()4‬انظر كتاب "التطور والثبات ف حياة البشرية"‪.‬‬

‫)‪(13‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫والدى كله جوهر موحد‪ ...‬والاهلية كلها جوهر موحد‪ ...‬ث تتلف بعد ذلك‬
‫الصور والشكال‪.‬‬

‫الدى هو العرفة بال‪ ،‬واتباع هداه‪...‬‬

‫ث يت خذ ا لدى والاهل ية أ شكال‪ - I‬ف القت صاد والجت ماع والسيا سة وال فن‬
‫والعلم‪ ...‬إل ‪ -‬تناسب ما بلغ إليه "العقل" البشري ف احتكاكه بالكون الادي من حوله‪،‬‬
‫وما بلغت إليه "التجربة" ف التنظيم والتنسيق والربط بي متلف العوامل ف الياة‪.‬‬

‫ول يرج القت صاد والجت ماع والسيا سة وال فن والع لم‪ ...‬إ ل‪ ،‬ف أ ية حا لة من‬
‫حالتا " التطورة " عن أحد وضعي اثني‪ :‬إما الدى وإما الضلل‪ ...‬إما السلم وإما‬
‫الاهلية!‬

‫و من ه نا ينت في ‪ -‬ف و ضوح ‪ -‬أي ارت باط ب ي الاهل ية وب ي " طور " مع ي من‬
‫أطوار النسان أو أطوار التاريخ!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ولن نتتبع هنا كل صفحات التاريخ‪ ...‬فذلك أمر مستحيل!‬

‫ولكننا نأخذ أمثلة منها تبي هذه القيقة الت أهلتها الاهلية الديثة إهال‪ I‬متعمدا‬
‫لتفصل بي الناس وكل ما يربطهم بال ف واقع الياة!‬

‫ا لدين ‪ -‬م نذ و جد ‪ -‬تنظ يم شامل للح ياة‪ ...‬ي شمل اجتماع ياتم واقت صادياتم‬
‫وسيا ستهم‪ ...‬ك ما ي شمل و جدانم وعق يدتم‪ ،‬و قد حر صت الاهل ية الدي ثة ‪ -‬لمر‬
‫سنبينه فيما بعد ‪ -‬على أن تنفي هذه القيقة‪ ،‬وتزعم أن الدين ل يكن قط موكل‪ I‬بغي‬
‫الوجدان والعقيدة‪ ،‬وأنه ل شأن له بالتشريع للحياة!‬

‫فأما العقيدة فهي ثابتة ل تتغي‪ ...‬ال هو الالق‪ ،‬وال هو العبود‪) ...‬وإن اختلفت‬
‫"صور" العبادة من دين إل دين على مدار التاريخ(‪.‬‬

‫وأما الشريعة فقد تدرجت مع الناس ف نوهم ونضوجهم‪ ،‬من البساطة إل التعقيد‪،‬‬
‫و من التعم يم إ ل التف صيل‪ ...‬حت اكت مل ا لدين عق يدة‪ I‬و شريعة‪ I‬يوم قال ت عال‪" :‬ال™ ي•و–م‬
‫‪.‬‬
‫أ—ك™م• ™لت” ل—ك‪¤‬م– د“ي•نك‪¤‬م– و•أ—ت–م•م–ت” ع•ل—–يك‪¤‬م– ن“ع–م•ت“ي و•ر•ض“يت” ل—ك‪¤‬م” ا™لأ“س–لم• د“ينا"‬

‫)‪(14‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وع لى مدار التار يخ و جد ا لدى والاهل ية مت جاورين ومت عاقبي‪ ...‬كل ما أر سل‬
‫ر سول و نزل من ع ند ا ل و حي‪ ...‬فا ستقام ال ناس ع لى ا لدى ف "أ طوار " متل فة من‬
‫ح ياتم‪ ،‬وار تدوا إ ل الاهلية ف هذه ا لطوار ذا تا أو ف أ طوار أ خرى‪ ...‬ف كان الدى‬
‫وكانت الاهلية ف كل مرة متناسبي ومتناسقي مع "طور " الياة الذي وجدا فيه‪" :‬و•إ“ل—ى‬
‫م•د–ي• •ن —أخ•اه”م– ش”ع•ي–با‪ I‬ق—ا —ل ي•ا ق—و–م“ ا –عب”د”وا الل‪œ‬ه• م•ا ل—ك‪¤‬م– م“ن– إ“ل—ه› غ—ي–ر”ه” ق—د– ج•اء¦ت–ك‪¤‬م– •بي‪¥‬ن•ة‪ Í‬م“ن– ر•ب‪¥‬ك‪¤‬م‬
‫ف—أ—و–ف‪¤‬وا ا™لك—ي–ل— و•ال™م“يز•ان— و•ل ت•–بخ•س”وا ال̃نا س• أ—ش–ي•اء¦ه”م– و•ل ت”ف™س“د”وا ف“ي ا™لأ—ر– ض“ •بع–د• إ“ص–ل “حه•ا‬
‫ط ت”و ع“د”ون— و•ت• ص”د§ون— ع• ن– س•ب“يل‬ ‫ذ—ل“ك‪ ¤‬م– •خ ي–ر‪ Ï‬ل—ك‪ ¤‬م– إ“ ن™ ‪¤‬كن–ت” م– م”ؤ–م“ن“ي•‪ ،‬و•ل ت•ق™ ع”د”وا ب“ك‪ ¤‬ل‪ Î‬ص“ر•ا ›‬
‫الل‪œ‬ه“ م•ن– آم•ن• ب“ه“ و•ت•–بغ”ون•ه•ا ع“و•جا‪ I‬و•اذ™ك‪¤‬ر”وا إ“ذ™ ك‪–¤‬نت”م– —قل“يل‪ I‬ف— —كث‪œ‬ر•ك‪¤‬م– و•ان–ظ‪¤‬ر”وا ك—ي–ف• ك—ان— ع•ا“قب•ة‬
‫ا™لم”ف™س“د“ين"‪.‬‬

‫فهذه رسالة شعيب إل قومه‪ :‬عقيدة وشريعة‪ ،‬العقيدة الثابتة الت ل تتغي‪" :‬اع–ب”د”وا‬
‫الل‪ œ‬ه• م•ا ل—ك‪ ¤‬م– م“ ن– إ“ل— ه› غ—–ير”ه"‪ ،‬و شريعة مب سطة‪ ،‬ت شمل خيو طا‪ I‬اقت صادية‪ " :‬ف—أ— –وف‪¤‬وا ا™لك—ي–ل‬
‫و•ال™م“يز•ا ن— و•ل ت•–بخ• س”وا ال̃نا س• أ— ش–ي•اء¦ه”م"‪ ،‬وخيو طا‪ I‬اجتماع ية وسيا سية‪" :‬و•ل ت”ف™ س“د”وا ف“ي‬
‫ا™لأ—ر–ض“ ب•ع–د• إ“ص–لح“ه•ا‪ ...‬و•ل •تق™ع”د”وا “بك‪¤‬ل‪ Î‬ص“ر•اط› ت”وع“د”ون— و•ت•ص”د§ون— ع•ن– س•ب“يل“ الل‪œ‬ه“ م•ن– آم•ن‬
‫ب“ه‪"...‬على قد " الطور " القتصادي والجتماعي والسياسي الذي كانوا يعيشون فيه‪.‬‬

‫وف هذا الطور نظم بعض الناس حياتم القتصادية والجتماعية والسياسية على‬
‫هدي شريعة ال فكانوا مؤمني‪ ،‬أو كانوا "مسلمي" بالعن الشامل للسلم‪ ،‬وأب آخرون‬
‫‪ -‬من قوم شعيب أنفسهم ‪ -‬أن ينظموا حياتم على هدى الشريعة فكانوا على الاهلية‪،‬‬
‫وكل السلم والاهلية كان على مستوى "الطور" الذي يعيشه الناس ف ذلك الي‪.‬‬

‫ث‪ ...‬جاء موسى عليه السلم ونزلت عليه التوراة فيها هدى ونور‪ ...‬فيها العقيدة‬
‫الثاب تة ا لت ل تتغ ي‪ :‬اع بدوا ا ل ما ل كم من إ له غ يه‪ ...‬وفي ها ال شريعة ا لت تنا سب نو‬
‫الب شرية إ ل مت مع من ظم ودولة وحكومة‪ ،‬فيها ت شريعات اقتصادية واجتماع ية وسياسية‬
‫متلفة وشاملة‪ :‬البيع والشراء‪ ،‬والزواج والطلق‪ ،‬والرية والعقاب‪ ،‬ونظام الدولة‪ ...‬إل‪.‬‬

‫وف هذا الطور كذلك نظم بعض الناس حياتم القتصادية والجتماعية والسياسية‬
‫على هدى شريعة ال فكانوا مؤمني ومسلمي‪ ،‬وأب آخرون ‪ -‬من قوم موسى أنفسهم ‪-‬‬
‫أن ينظ موا ح ياتم ع لى هدى ال شريعة ف كانوا ع لى الاهل ية‪ ...‬وكل ال سلم والاهل ية‬
‫كان على مستوى التطور الذي يعيشه الناس ف ذلك الي‪.‬‬

‫ث جاء عي سى عل يه ال سلم بالن يل م صدقا‪ I‬لا بي يديه من ال توراة‪ ،‬ولي حل لم‬


‫بعض الذي حرم عليهم‪ ،‬فكان من حيث العقيدة والشريعة إتاما‪ I‬للتوراة وامتدادا‪ I‬لا‪...‬‬
‫فتب عه قوم ف كانوا مؤمني م سلمي‪ ،‬وأ ب آ خرون ف كانوا ع لى الاهل ية‪ ،‬وأ خذ ال سلم‬
‫والاهلية كلها صورة الطور الذي يعيشان فيه‪.‬‬

‫)‪(15‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ث جاء السلم‪...‬‬

‫واكتمل الدين وتت نعمة ال على البشرية‪...‬‬

‫جاء السلم عقيدة وشريعة ككل دين جاء من عند ال‪ ...‬العقيدة الثابتة الت ل‬
‫تتغي‪ :‬اعبدوا ال ما لكم من إله غيه‪ ،‬والشريعة التطورة ف آخر صورها‪ ...‬الصورة الت‬
‫أرادها ال لستقبل البشرية كلها‪ ،‬والت وضعها ال على مستوى النضج للبشرية كلها‪،‬‬
‫وصاغها بيث تشمل كل دقائق حياتم‪ ،‬وتسي مع كل نوهم و "تطورهم " حت يرث‬
‫ا ل ا لرض و ما علي ها‪ ،‬و قد تدثت بالتف صيل ف غ ي هذا الك تاب عن ق ضية ال ثابت‬
‫والتطور ف حياة النسان‪ ،‬وكيف عال السلم المرين معا‪ I‬بيث ل ترج الياة البشرية‬
‫ف أ ية ل ظة من "تطور ها " عن م فاهيم ال سلم وت شريعاته)‪ ،(5‬و لن يت سن ن قل الك تب‬
‫الخرى ف هذا الكتاب! ولكنا سنعود إل هذا الوضوع بالديث الفصل ف موضعه من‬
‫هذا البحث‪...‬‬

‫وقد آمن بالسلم قوم فأصبحوا مؤمني مسلمي‪ ...‬وأب قوم آخرون فأصبحوا ف‬
‫الاهلية‪ ...‬منذ ذلك الي‪...‬‬

‫و "تطورت" الياة أو "تغيت" ف خلل الربعة عشر قرنا‪ I‬الت مضت منذ ميء‬
‫السلم‪ ...‬وظل الناس ف كل الرض فريقي ل ثالث لما‪ :‬مسلمي أو جاهليي‪ ...‬كل‬
‫ف "الطور" الذي يعيش فيه‪ ،‬وعلى مستوى ذلك الطور ومقتضياته‪ ...‬إما قوم يعرفون ال‬
‫حق معرفته فيهتدون بديه ويتكمون إل شريعته ف تفصيلت حياتم كلها‪ ،‬فأولئك هم‬
‫السلمون؛ وإما قوم ل يعرفون ال حق معرفته‪ ،‬فل يهتدون بديه ول يتكمون إل شريعته‬
‫فأولئك هم ا لاهليون ‪ -‬و لو كانوا " ر سيا" أو "تقل يديا " من ي سمون أنف سهم‬
‫مسلمي‪- !...‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫تلك أمثلة من التاريخ‪ ...‬تبي حقيقة واضحة‪.‬‬

‫فالياة كلها ل ترج عن أحد وضعي‪ :‬إما الدى وإما الضلل‪ ...‬إما السلم وإما‬
‫الاهلية‪.‬‬

‫‪ ()5‬اقرأ بالتفصيل فصل " السلم وحياة البشرية " ف كتاب "التطور والثبات ف حياة البشرية"‪.‬‬

‫)‪(16‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ل بعد جيل‪ ،‬ولكنها تتشكل ف داخل‬ ‫والطوار كلها تتشكل ف أشكال متلفة‪ ،‬جي ‪I‬‬
‫أحد هذين الطارين اللذين ل ثالث لما‪ :‬الدى أو الضلل‪ ...‬السلم أو الاهلية‪ ،‬فليس‬
‫الطور ذاته هو الذي يدد الدى أو الاهلية‪ ...‬وإنا الطريق الذي ينهجه هذا الطور هو‬
‫الذي يدد مكانه‪ :‬إن كان ف إطار الدى أو إطار الاهلية‪ ،‬ومن جانب آخر فليس الدى‬
‫طورا‪ I‬معين‪I‬ا من حياة البشرية‪ ،‬ول الاهلية كذلك‪ ،‬وإنا ها داخلن ف كل الطوار من‬
‫البدء إل النتهاء‪...‬‬

‫تلك المثلة الت ذكرناها من التاريخ‪ ،‬ليست هدفنا القيقي ف هذا الفصل! إنا هي‬
‫تقدمة ضرورية لتوضيح ما نريد أن نعرضه ف هذه الصفحة من التاريخ‪ ...‬أما هدفنا فهو‬
‫عرض تاريخ الاهلية الديثة‪ :‬كيف بدأت؛ ولاذا سارت ف خطها الذي سارت فيه حت‬
‫ا ستفحلت ف هذا القرن الع شرين؛ والعوا مل ا لت نف خت في ها حت تضخمت وت شعبت‬
‫وملت واقع البشر كله ف هذا اليل‪...‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫أورو با ال يوم هي الغال بة ع لى كل ا لرض‪ ...‬إن ل ي كن بذاتا ‪ -‬وأمري كا مرد‬
‫امتداد لا ‪ -‬فبحضارتا ومفاهيمها وتصوراتا وعقائدها‪.‬‬

‫وتاريخ أوروبا كله تاريخ جاهلية متصلة اللقات!‬

‫منذ القدم كانت الاهلية اليونانية والاهلية الرومانية‪...‬‬

‫ث كانت جاهلية العقيدة الرفة ف العصور الوسطى‪...‬‬

‫وأخيا‪ I‬كانت الاهلية الديثة‪ ،‬الت هي ‪ -‬ف جانب منها ‪ -‬ارتداد إل الاهلية‬
‫اليونان ية الرومان ية‪ ،‬و ف جانب آ خر "ت طور" ف الاهل ية ا ستحدثته الداروين ية وا ستغلته‬
‫عبقرية التدمي من جانب اليهود‪...‬‬

‫وإذ كان موضوعنا الرئيسي ف هذا الكتاب هو الاهلية الديثة‪ ...‬فإننا سنمر مرد‬
‫مرور على جاهلية العصور القدية وجاهلية العصور الوسطى‪ ،‬بقدار ما يلقي ذلك من‬
‫الضواء على الاهلية الديثة‪ ،‬الت ل تنبت فجأة‪ ،‬وإنا كانت لا جذورها العميقة ف‬
‫التربة الوروبية وف أعماق التاريخ!‬

‫)‪(17‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫الاهلية اليونانية والاهل ية الرومانية ها ال ساس القيقي " للحضارة " الوروبية‬
‫العاصرة! ذلك ما تعترف به الصادر الوروبية ذاتا‪ ،‬وإن كانت بطبيعة الال ل تسميها‬
‫جاهلية‪ ،‬وإنا تسميها حضارة‪.‬‬

‫ول قد أ فادت "النه ضة" الوروب ية الدي ثة كثيا‪ - I‬بل كثيا‪ I‬جدا ‪ -‬من ال ضارة‬
‫السلمية‪ ،‬كما تقول الصادر الوروبية ذاتا‪ ،‬ولكنها ‪ -‬كما سنبي ذلك ف موضعه من‬
‫هذا الفصل ‪ -‬ل تسر على الط السلمي ول الط الربان عامة با أفادته من الضارة‬
‫السلمية‪ ،‬بل صبغت ذلك بالصبغة اليونانية الرومانية‪ ،‬وعادت إل وثنيتها الول‪ ،‬يغشيها‬
‫غشاء رقيق من السيحية ‪ -‬كما صورتا الكنيسة الوروبية ‪ -‬غشاء ظل يرق رويدا‪ I‬رويدا‬
‫حت تزق نائيا‪ I‬ف أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين‪...‬‬

‫ومن ث يسن أن نلم ببعض ملمح الاهلية اليونانية والرومانية قبل التعرض لاهلية‬
‫القرن العشرين‪.‬‬

‫كانت الاهلية اليونانية تتوي فنونا‪ I‬وفلسفات ونظريات سياسية وتريدات علمية‬
‫نظرية‪.‬‬

‫وتراثها ف هذه الوانب تراث كبي‪...‬‬

‫و قد عن يت أورو با ف "ن ضتها " الدي ثة بتت بع ا لتراث اليو نان ف كل جوانبه‪،‬‬
‫ودرا سته درا سة مستفي ضة‪ ،‬وتفصي صه إ ل أدق جزئ ياته‪ ...‬لنه الع ي ا لذي تق تات م نه‬
‫أوروبا ف عصرها الديث‪.‬‬

‫وما من شك ف أنه كان "جهد‪I‬ا " بشريا رائعا‪ ،I‬ف تعدد جوانبه واتساع آفاقه‪...‬‬

‫وما بنا أن نبخس الناس أشياءهم! وما بنا أن ناسب الغريق على جوانب نقص‬
‫ف تفكيهم أو جوانب انراف‪ ...‬فقد اجتهدوا جهدهم‪ ،‬ول يكن لم من معل م‪ Ó‬يقو‪²‬م‬
‫انراف هم ويرد هم إ ل ال صواب ف يه‪ ،‬ول كان ف و سعهم ‪ -‬بفرد هم ‪ -‬أن يقو‪ ²‬موا هذا‬
‫النراف‪...‬‬

‫)‪(18‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وإنا نريد فقط ‪ -‬بغي لوم موجه إل أحد ‪ -‬أن نبي جوانب النراف ف التراث‬
‫اليونان ‪ -‬والنراف سة دائمة من سات الاهلية ‪ -‬لنا تفيدنا ف تبي ملمح الاهلية‬
‫الديثة‪ ،‬الت تستمد غذاءها من ذلك التراث‪.‬‬

‫ن قول‪ :‬بغ ي لوم موجه إ ل أ حد‪ ...‬أ حد من أولئك ال قدمي‪ ،‬ا لذين اجت هدوا‬
‫ج هدهم و ل يدوا من ي هديهم‪ ،‬ولك ن‪²‬ا ل ن لي من ال لوم أولئك ا لذين يأ خذون عن هم‬
‫انرافهم ‪ -‬ف الاهلية الديثة ‪ -‬بغي مبر للنراف‪ ...‬إل شهوة النراف!‬

‫وف التراث اليونان أشياء كثية نافعة دون شك‪ ...‬كما ف التراث الصري القدي‬
‫وا لتراث العر ب ال قدي وا لتراث الفار سي ال قدي وا لتراث ال ندي وال صين‪ ...‬إ ل‪ ،‬ول كن‬
‫هناك أمرين يستحقان التنبيه ف هذا الشأن‪:‬‬

‫الول‪ :‬أن أوروبا ‪ -‬ف جاهليتها الديثة ‪ -‬قد بالغت مبالغة شديدة ف تضخيم‬
‫ا لتراث اليو نان ‪ -‬تع صبا‪ I‬من ها لورو با! ‪ -‬حت خ‪²‬ي لت لل ناس أ نه ‪ -‬ف ج يع أ حواله ‪-‬‬
‫الق مة ا لت ل يس ب عدها ق مة‪ ...‬بل الق مة ا لت ي قاس إلي ها ا لوحي ا للي ذا ته في ص̃دق أو‬
‫يكذ¡ب ‪ -‬وهو غالبا‪ I‬يكذ¡ب! ‪ -‬لنه الك الصادق الذي ل يوجد أصدق منه ف الوجود!‬

‫الثان‪ :‬أن إعجابنا ببعض جوانب هذا التراث ‪ -‬كإعجابنا ببعض التراث الصري‬
‫القدي أو الفارسي أو الندي أو الصين ‪ -‬ل ينبغي أن يكون معناه إعطاء هذا التراث قيمة‬
‫"مطلقة"! فإنا يقاس دائما‪ I‬إل وقته‪ ،‬ول ينبغي أن يكون معناه كذلك استيحاء هذا التراث‬
‫ف انرا فاته الاهل ية ا لت ر با كان لا عذر في ها‪ ،‬ول كن ل عذر ل نا نن ف ا ستيحائها‬
‫واتباعها‪ ،‬بعد إذ خرجنا ‪ -‬أو ينبغي أن نكون قد خرجنا ‪ -‬من الاهلية إل النور!‬

‫وعلى هذا الساس نعرض انرافات التراث اليونان‪ ...‬أو الاهلية اليونانية‪.‬‬

‫هذه الاهل ية ا لت أو حت ‪ -‬ور سخت ‪ -‬ف كرة ال صراع ب ي الب شر وب ي ا ل! أو‬


‫"اللة"!‬

‫وبصرف النظر عن العتقاد بتعدد اللة ‪ -‬وهو سة كل جاهلية‪ ،‬قدية أو حديثة‪،‬‬


‫سواء كانت اللة مادية مسوسة أو معنوية‪ ،‬وسواء أكان هذا العتقاد مباشرا‪ I‬وواضحا‪ I‬أم‬
‫ضمنيا‪ I‬وخافيا‪ - I‬بصرف النظر عن التعدد ف ذاته‪ ،‬فقد أضافت الاهلية اليونانية إليه فكرة‬
‫العداوة الضارية بي البشر وأولئك اللة الزعومي‪...‬‬

‫وخي مثال لذلك أسطورة بروميثيوس‪ ،‬سارق النار القدسة‪.‬‬

‫)‪(19‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫" فبوميثيوس " كائن أسطوري كان الله "زيوس" يستخدمه ف خلق الناس من‬
‫الاء والطي‪ ،‬وقد أحس بالعطف نو البشر‪ ،‬فسرق لم النار القدسة من السماء وأعطاها‬
‫لم‪ ،‬فعاقبه "زيوس" على ذلك بأن قيده بالسلسل ف جبال القوقاز حيث وكل به نسر‬
‫يرعى كبده طول النهار وتتجدد الكبد ف أثناء الليل‪ ،‬ليتجدد عذابه ف النهار‪ ،‬ولكي ينتقم‬
‫"زيوس" من وجود النار القدسة بي أيدي البشر أرسل إليهم "باندورا" ‪ -‬أول كائن أنثى‬
‫ع لى و جه ا لرض ‪ -‬ومع ها صندوق ي شتمل ع لى كل أ نواع ال شرور ل يدمر ال نس‬
‫البشري! فلما تزوجها "إبيميثيوس" ‪ -‬أخو "بروميثيوس" ‪ -‬وتقبل منها هدية "الله!" فتح‬
‫الصندوق فانتثرت الشرور وملت وجه الرض!‬

‫"تلك طبيعة العلقة بي البشر وال! النار القدسة‪ ،‬نار "العرفة" قد استول عليها‬
‫البشر سرقة واغتصابا‪ I‬من اللة‪ ،‬ليعرفوا أسرار الكون والياة‪ ،‬ويصبحوا آلة! واللة تنتقم‬
‫منهم ف وحشية وعنف‪ ،‬لتنفرد وحدها بالقوة‪ ،‬وتنفرد دونم بالسلطان!")‪.(6‬‬

‫وقد قالت أوروبا ‪ -‬ف جاهليتها الديثة ‪ -‬كلما‪ I‬كثيا‪ I‬جد‪Õ‬ا عن الساطي اليونانية‬
‫الختلفة‪ ،‬وعن هذه السطورة بالذات‪ ...‬قالت إنه صراع النسان لثبات ذاته! إثبات‬
‫وجوده! إثبات فاعليته ف الياة! إثبات إيابيته! وإن العصيان ‪ -‬عصيان ال ‪ -‬هو برهان‬
‫اليابية والفاعلية وإثبات الذات!‬

‫ولسنا هنا نناقش الاهلية الديثة‪ !...‬إنا نن هنا نعرض فقط ألوانا‪ I‬من الاهلية‬
‫اليونانية ليتضح لنا كيف أثرت ف الفكر الوروب فيما بعد!‬

‫إنه انراف بشع تكاد تنفرد به ‪ -‬فيما أعلم ‪ -‬تلك الاهلية اليونانية! فالاهليات‬
‫الخرى ‪ -‬فيما أعلم كذلك ‪ -‬قد توهت وجود آلة متعددة‪ ،‬وجعلت من بعض هؤلء‬
‫ال لة آ لة شريرين صناعتهم ال شر والنت قام والي قاع بالن سان بل غا ية سوى ال تدمي‬
‫والهلك‪ ...‬ولكن الاهلية اليونانية وحدها هي الت اختصت بتصوير هذا الصراع النفر‬
‫بي البشر واللة‪ ،‬من أجل إثبات فاعلية النسان وإيابيته! فكتبت اللعنة على النسان‪:‬‬
‫أنه ل يثبت ذاته إل على حساب عقيدته‪ ،‬وأن ضميه ل يصطلح مع ال‪ ،‬فل يقوم الوئام‬
‫ف داخل نفسه بي رغبته الفطرية ف إثبات ذاته‪ ،‬ورغبته الفطرية ف اليان بال!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫والاهلية اليونانية هي الت قدست "العقل" على حساب الروح‪.‬‬

‫‪ ()6‬عن كتاب "منهج الفن السلمي"‪.‬‬

‫)‪(20‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫إ نا‪ ،‬و هي تاول ‪ -‬في ما تز عم لا الاهل ية الوروب ية الدي ثة ‪ -‬أن تبز ك يان‬
‫الن سان‪ ،‬وقداسته‪ ،‬وإيابيته‪ ،‬وعلو قدره‪ ،‬ورفعة جوهره‪ ،‬وارتفاع قيم ته ف ال ياة‪ ،‬قد‬
‫أهدرت أرفع جوانبه وأعظمها ‪ -‬جانب الروح ‪ -‬فلم تلتفت إليه كثيا‪ I‬كما التفتت إل‬
‫العقل‪ ،‬وجعلته سيد النسان!‬

‫والعقل طاقة بشرية ضخمة تؤدي دورها الكامل ف إثبات وجود النسان وفاعليته‬
‫وإيابيته ف هذا الكون ما ف ذلك شك‪ ،‬ولكن اليان به وحده‪ ...‬أو اليان به على‬
‫حساب الروح‪ ...‬هو انراف جاهلي يصغر من قيمة هذا النسان ف النهاية‪ ،‬حي يعله‬
‫حيوانا‪ I‬عاقل‪ I‬فحسب‪ ،‬كما عرفته الفلسفة اليونانية! وهو ف حقيقته " إنسان"‪ ...‬كائن‬
‫آ خر غ ي ال يوان! إن سان رف يع بك يانه ك له‪ ،‬ل بعق له و حده‪ ...‬ورف يع ب شموله وت كامله‬
‫وترابطه‪ ،‬بصورة فريدة ل تتحقق إل ف النسان)‪.(7‬‬

‫ومن جراء هذا التقديس للعقل على حساب الروح‪ ،‬أو على حساب الانب اللهم‬
‫من النسان‪ ،‬حدثت جلة انرافات ف الاهلية اليونانية‪ ...‬فما ل يستطيع العقل إدراكه‬
‫يصبح شيئا‪ I‬ساقطا‪ I‬من الساب‪ ،‬وكل الوجود ي”تناول من جانبه العقلي وحده‪ ...‬با ف‬
‫ذلك الوجود اللي ذاته‪ ...‬فال سبحانه موجود بقدار ما يستطيع العقل أن يدركه‪...‬‬
‫ول وجود له إل ف داخل ذلك الطار)‪ !(8‬أما الدراك " الروحي " ل فضعيف الثر جدا‬
‫ف النتاج اليونان كله ‪ -‬وف الاهلية الديثة من بعد! ‪-‬‬

‫كذلك حدثت التجر يدات الذهن ية ا لت م لت الفل سفة اليونان ية ‪ -‬و هي نتي جة‬
‫طبيع ية للمبال غة ف الهت مام بالع قل ‪ -‬وا لت ظ لت ت ستنفد طا قة أورو با ف جاهليت ها‬
‫الوسطى حت نبذتا ف عصرها الخي بتأثي الذهب التجريب الذي أخذته عن السلمي‪،‬‬
‫كما سنبي فيما بعد‪.‬‬

‫وكذلك صارت " الخلق " قضايا ذهنية أكثر ما هي واقع عملي حي‪ ،‬وحقيقة‬
‫إن "الديقراط ية " اليونان ية كانت تر ب أفراد ها ع لى ف ضائل اجتماع ية معي نة‪ ،‬ولكن ها ‪-‬‬
‫بعقلها ‪ -‬ل تتد مثل‪ I‬إل الاسة اللقية ف أمر الفوضى النسية‪ ...‬فتركتها بل ضابط‪،‬‬
‫وأدى با ذلك إل الدمار‪...‬‬

‫‪ ()7‬انظر كتاب "دراسات ف النفس النسانية"‪.‬‬


‫‪ ()8‬يقول تعال‪ " :‬ل ت”د–ر“ك‪¤‬ه” ال™—أب– ص•ار” و• ه”و• ي”د–ر“ك” ال™—أب– ص•ار• و• ه”و• الل‪œ‬ط“ي ف” ال™خ•ب“ ي” " ويقول تعال‪— " :‬لي–س‬
‫—كم“ث™ل“ه“ ش•ي–ء"‪ ،‬وقد تبطت الفلسفة اليونانية تبط‪I‬ا ذريعا‪ I‬ف حديثها عن القيقة اللية‪ ،‬ف حدود إدراك‬
‫العقل البشري القاصر‪ ،‬وكل إنتاجها ف هذا السبيل ل يزيد على لغو باطل‪ ،‬فضل‪ I‬عن كونه ل يؤثر‬
‫تأثيا‪ I‬حقيق يا‪ I‬ف واقع البشرية ول ف قضية العق يدة ‪ ،‬فإن أحدا‪ I‬ل يؤمن بال عن طر يق التجر يدات‬
‫الذهن ية الفل سفية‪ ،.‬ول كانت هذه التجر يدات الفار غة عن صرا‪ I‬قائ ما‪ I‬ف و جود أ مة مؤم نة أو مت مع‬
‫فاضل ف التاريخ!‬

‫)‪(21‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫تلك "بعض" انرافات الاهلية اليونانية‪ ،‬نر با سريعا‪ I‬لنا ‪ -‬كما قلنا ‪ -‬ليست‬
‫نقطة ارتكازنا ف هذا البحث‪ ،‬ولكنا نود أن نرج منها بجموعة من القائق تنفعنا ف‬
‫متابعة النظر ف أمر الاهلية الديثة وكل جاهلية ف التاريخ‪.‬‬

‫أول(‪ :‬أن وجود بعض الفضائل أو الزايا أو النتاج الرفيع ف أية جاهلية ‪ -‬ول تلو‬
‫أية جاهلية من مثل ذلك ‪ -‬ل يعن أنا كانت تيا حياة سليمة‪ ،‬ول أنا صالة للتباع‬
‫والقتباس!‬

‫ثانيا(‪ :‬أن وجود هذه الفضائل والزايا والنتاج الرفيع ف أية جاهلية ل يرفع عنها‬
‫وصمة الاهلية! فإنا مصابة حتم‪I‬ا بانرافات تشوه هذه الزايا كلها وتفسد حصيلتها ف‬
‫النهاية!‬

‫ثال ثا(‪ :‬أن ال سبب الرئي سي ف هذه النرا فات أن الاهل ية ت كم بأهوائ ها ‪ -‬أو‬
‫بعرفتها البشرية القاصرة‪ ...‬سيان! ‪ -‬لنا ل تعرف هدى ال‪ ،‬أو تعر فه وتنحرف ع نه‬
‫لتتبع سواه!‬

‫فإذا عرفنا هذه القائق الفيدة‪ ،‬نضي ف استعراض الاهلية الرومانية على نو ما‬
‫فعلنا ف جاهلية اليونان‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫الاهلية الرومانية هي جاهلية الادة‪ ،‬وجاهلية الواس!‬

‫ولقد أبدعت هذه الاهلية أشياء كثية نافعة للبشرية‪ ،‬كما أبدعت ‪ -‬من قبل ‪-‬‬
‫جاهلية اليونان‪...‬‬

‫أبدعت "التنظيم"‪ ...‬التنظيم السياسي والداري والرب والدن‪...‬‬

‫وأ بدعت "الدن ية" بع ن ا ستخدام الو سائل الاد ية والن تاج ا لادي لرفاه ية ال ناس‬
‫وتي سي ال ياة علي هم‪ ...‬فأن شأت ال طرق وال سور وخزا نات ا لاء وق نواته‪ ،‬والما مات‪،‬‬
‫والسارح واللعب‪...‬‬

‫)‪(22‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وقد مر بنا ‪ -‬منذ سطور ‪ -‬أن الاهلية ‪ -‬أية جاهلية ‪ -‬ل يكن أن تلو من بعض‬
‫الي وبعض النفع‪ ،‬كما مر بنا ف تلك السطور أن وجود هذا الي النسب ل ينع الاهلية‬
‫من النراف! ول ينعها ف النهاية من الدمار!‬

‫أع ظم انرا فات الاهل ية الرومان ية إيا نا العن يف با لادة‪ ...‬ع لى ح ساب ا لروح‪،‬‬
‫فالوجود هو الوجود الادي‪ ،‬الوجود الذي تدركه الواس‪ ،‬أما الذي ل تدركه الواس‬
‫فهو شيء ل وجود له‪ ،‬أو ف القليل شيء ساقط من الساب‪ ،‬ومن ث كان أشد الوانب‬
‫ضحالة ف حياة الرومان جانب العقيدة!‬

‫و من أع ظم انرافا تا كذلك الت ضخيم ال شديد ل عال ا لس‪ ...‬وال لذائذ ال سية‪...‬‬
‫و من ث غرق الرو مان ف م تاع فاجر ل ي قف ع ند حد‪ ...‬م تاع تاوز لذائذ ال نس ‪-‬‬
‫البالغة حد البتذال ‪ -‬إل لذة الستمتاع الوحشي بإراقة الدم والقتل والتعذيب والتمثيل‪،‬‬
‫ف لعبتهم الوحشية الفضلة الت كانوا يتمعون لشاهدتا وينفقون ف سبيلها بسخاء‪ ،‬والت‬
‫كان يتصارع فيها الرقاء ‪ -‬الدربون للقتل والوت! ‪ -‬يتصارعون بالسيوف والناجر‪،‬‬
‫يشقون بطون بعضهم البعض‪ ،‬ويقط¡عون أوصال بعضهم البعض‪ ،‬ويريقون دماء بعضهم‬
‫البعض‪ ...‬والوحوش من "سادة" الرومان يتابعون النظر بلذة وشغف‪ ،‬ويصل الرح منهم‬
‫أقصاه حي تنتهي البارزة الوحشية بقتل أحد التلعبي أو كليهما ف حلبة الصراع!‬

‫ومن أعظم انرافاتا كذلك "العدل" الرومان الشهي‪ ...‬للرومان فقط! هم وحدهم‬
‫يستمتعون بالعدالة! أما بقية العب يد‪ ...‬و هم كل ال شعوب الستعم•رة الستغ•لة الت تكو‪²‬ن‬
‫المباطور ية الرومان ية الوا سعة‪ ،‬ف هم عب يد! ل عدا لة لم ول ح قوق‪ ،‬وعلي هم ف قط‬
‫واجبات!‬

‫تلك "بعض" انرافات الاهلية الرومانية‪ ...‬الشهية ف التاريخ!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫فإذا انتقل نا إ ل الع صور الو سطى فث مت جاهل ية من نوع آ خر‪ ...‬جاهل ية العق يدة‬
‫الرفة‪.‬‬

‫يقول دريب المريكي ف كتابه "الناع بي الدين والعلم"‪:‬‬

‫"دخلت الوثنية والشرك ف النصرانية بتأثي النافقي‪ ،‬الذين تقلدوا وظائف خطية‬
‫ومناصب عالية ف الدولة الرومية‪ ،‬بتظاهرهم بالنصرانية ول يكونوا يفلون بأمر الدين‪،‬‬

‫)‪(23‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫و ل يل صوا له يو ما‪ I‬من ال يام‪ ...‬و كذلك كان ق سطنطي‪ ،‬ف قد ق ضى ع مره ف الظ لم‬
‫والفجور؛ ول يتقيد بأوامر الكنيسة الدينية إل قليل‪ I‬ف آخر عمره ‪ -‬سنة ‪ 337‬م ‪-‬‬

‫إن الماعة النصرانية‪ ،‬وإن كانت قد بلغت من القوة بيث ولت قسطنطي اللك‪،‬‬
‫ولكن ها ل تتم كن من ق طع دابر الوثن ية وتقت لع جرثومت ها‪ ،‬و كان نتي جة كفاح ها أن‬
‫اختل طت مبادئ ها‪ ،‬ون شأ من ذ لك د ين جد يد‪ ،‬تتج لى ف يه الن صرانية والوثن ية سواء‬
‫ب سواء‪...‬ه نا يت لف ال سلم عن الن صرانية‪ ،‬إذ ق ضى ع لى مناف سه "الوثن ية" ق ضاء با تا‪،‬‬
‫ونشر عقائده خالصة بغي غبش‪...‬‬

‫وإن هذا المباطور الذي كان عبد‪I‬ا للدنيا‪ ،‬والذي ل تكن عقائده الدينية تساوي‬
‫شيئا‪ ،I‬رأى ل صلحته الشخ صية‪ ،‬ول صلحة الزب ي التناف سي ‪ -‬الن صران وا لوثن ‪ -‬أن‬
‫يو حدها ويؤ لف بينهما‪ :‬حت إن النصارى الرا سخي أيضا‪ I‬ل ينكروا عليه هذه الطة‪،‬‬
‫ولعل هم كانوا يعت قدون أن الديا نة الد يدة ستزدهر إذا طع مت ولق حت بالع قائد الوثن ية‬
‫القدية! وأن الدين النصران سيخلص ف عاقبة المر من أدناس الوثنية وأرجاسها!")‪.(9‬‬

‫وتكفينا هذه الشهادة من كاتب مسيحي غرب‪ ،‬لثبات النراف الذي وقع ف‬
‫أوروبا عن العقيدة الصحيحة‪ ،‬ول نتاج معها أن نوض ف التفصيلت‪ ...‬وإنا يهمنا أن‬
‫نشي إل جلة انرافات ف الياة الواقعية للجاهلية الوروبية ف العصور الوسطى‪ ...‬الت‬
‫كانت ‪ -‬ف ظاهر المر ‪ -‬تعيش ف ظلل الدين!‬

‫كانت السيحية ‪ -‬ككل دين منل من عند ال ‪ -‬عقيدة وشريعة‪ ،‬وإن كانت ل‬
‫تأت بتفصيلت تشريعية فذلك لن شريعتها الساسية كانت التوراة‪ ،‬مع التعديلت غي‬
‫الكثية الت نزلت على عيسى عليه السلم ف النيل‪" :‬و•م”ص•د‪¥‬قا‪ I‬ل“م•ا ب•ي–ن• ي•د•ي˜ م“ن• ال̃تو–ر•اة‬
‫و•ل“أ‪¤‬ح“ل‪ œ‬ل— ‪¤‬كم– •بع–ض• ال‪œ‬ذ“ي ح”ر‪¥‬م• ع•—لي–ك‪¤‬م"‪ ،‬فكان الفهوم الطبيعي للمسيحية أن تكم بشريعة‬
‫ال النلة ف التوراة مع مراعاة التعديلت الواردة ف النيل‪.‬‬

‫ولكن الذي حدث بالفعل ل يكن كذلك‪ ،‬فعلى الرغم من النفوذ الضخم الذي‬
‫زاول ته الكني سة ف أورو با ف العصور الو سطى‪ ،‬فلم ت كن ال شريعة الل ية مطبقة ف غ ي‬
‫قانون "الحوال الشخصية"‪ ...‬أما واقع الياة الكب فل تكمه شريعة ال‪ ،‬وإنا يكمه‬
‫القانون الرومان‪ ...‬أو ‪ -‬إن شئت ‪ -‬تكمه الاهلية الرومانية القدية!‬

‫وهذا الفصل بي الدين والياة الواقعة ‪ -‬على الرغم من نفوذ الدين الغالب على‬
‫مشاعر الناس وتصوراتم ‪ -‬كان سة خطرة ف جاهلية العصور الوسطى ف أوروبا‪ ...‬وإن‬
‫ل يكن أخطر السمات!‬

‫‪ ()9‬عن كتاب "ماذا خسر العال بانطاط السلمي " للسيد أب السن الندوي‪.‬‬

‫)‪(24‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫لقد مضت الكنيسة تزاول سلطانا على القلوب والشاعر ‪ -‬وإن كانت مع ذلك ل‬
‫تد بأ سا‪ I‬ف أن يأ خذ ال قانون الرو مان مكا نا ف وا قع ال ياة ‪ -‬وذه بت ف فرض هذا‬
‫السلطان إل الدى الذي جاوز كل حد معقول‪ ،‬فقد احتجز الكهنة لنفسهم ملكوت‬
‫السماء واحتكروه! فل ي”دخلون فيه إل من رضي عنهم ورضوا عنه‪ ،‬أما الخرون فهم‬
‫"مرومون" من الرضوان‪.‬‬

‫وراحت الكنيسة تفرض على الناس ضرائب مالية وعقلية وروحية فادحة! فالعشور‬
‫والتاوات والعمل الان ف أراضي الكنيسة القطاعية‪ ،‬والتجنيد ف جيوشها الت تارب‬
‫با اللوك العصاة وتؤدبم‪ ...‬ذلك لون من السلطان الفروض على العباد‪ ،‬والضوع الذل‬
‫لرجال الدين‪ ،‬الذي يبلغ حد السجود ف الرض الوحلة بالطي عند مرور أحد من رجال‬
‫الكهنوت‪ ،‬لون آخر من السلطان‪ ،‬والفكار "العلمية" الزائفة الت تفرضها على العقول‬
‫وت عاقب من يالف ها بالر مان‪ ،‬أو الت عذيب حت ا لوت‪ ،‬لون ثالث من ال سلطان ا لائر‬
‫الغشوم‪ ،‬فلما أثبت العلم النظري والتجريب بطلن هذه النظريات على يد جردانو برونو‬
‫وكوبرنيكوس وجاليليو راحت الكنيسة تعذبم حت يوتوا أو يرتدوا عما هم فيه!‬

‫ول تكتف الاهلية القائمة باسم الدين بذا كله‪ ،‬وإنا ذهبت شوط‪I‬ا أبعد‪ ،‬حي‬
‫انقلبت الديرة الرهبانية القامة للتبتل والعبادة ‪ -‬تطوعا‪ I‬دون فرض ‪ " -‬و•ر•ه–ب•ان“̃ي ‪I‬ة ا–بت•د•ع”وه•ا‬
‫م•ا ك—•تب–ن•ا ه•ا ع•—لي–ه“م"‪ ...‬انقل بت إ ل م باءات ترت كب في ها كل ا لرائم اللق ية من سوية‬
‫وشاذة‪ ...‬بي الرهبان أنفسهم والراهبات!‪" :‬و•ر•ه–ب•ان“̃ية‪ I‬ا–بت•د•ع”وه•ا م•ا ك—•تب–ن•اه•ا ع•—لي–ه“م– إ“ل‪œ‬ا ا–بت“غ•اء‬
‫‪.‬‬
‫ر“ض–و•ان“ الل‪œ‬ه“ ف—م•ا ر•ع•و–ه•ا ح•̃ق ر“ع•ا•يت“ه•ا"‬

‫وأخيا‪ I‬كانت مهزلة صكوك الغفران الشهية ف التاريخ‪ ...‬الت حولت أمر الدين‬
‫إل مهزلة ضخمة ل جدية فيها ول "حقيقة " وإنا لو وعبث وتدليس ومون‪...‬‬

‫وتلك "بعض" انرافات الاهلية الت قامت ف العصور الوسطى ف أوروبا‪ ...‬باسم‬
‫الدين‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫الاهلية الديثة هي خلصة هذه الاهليات متمعة‪ ...‬وعليها مزيد!‬

‫وسنتتبع بالتفصيل ف الفصول القادمة من الكتاب كل ملمح الاهلية الديثة ف‬


‫التصور وف التطبيق‪ ،‬إنا نن هنا معنيون بتتبع خطوات التاريخ‪...‬‬

‫)‪(25‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫لقد و لدت "النهضة" الوروبية الديثة ع لى مبعدة من ا لدين‪ ...‬إن ل نقل ع لى‬
‫عداء مع الدين‪.‬‬

‫وكان هذا أمرا‪" I‬طبيعيا" بالنسبة للظروف ف أوروبا‪ ...‬وإن ل يكن بطبيعة الال‬
‫هو الصواب!‬

‫ف العصور الوسطى قامت الروب الصليبية بي أوروبا " السيحية " وبي السلم‪.‬‬

‫وع لى الر غم من أن أورو با ل ت كن ف حقيقت ها م سيحية‪ ،‬ك ما رأي نا ف الف قرة‬


‫السابقة‪ ،‬إل أن ذلك ل ينعها من أن تتعصب وتتجمع لاربة السلم‪ ،‬حربا‪ I‬وصلت إل‬
‫حد الوحشية ف كثي من الحيان‪ ،‬والتعصب ذاته دليل على التدين الزائف‪ ،‬فالتدين الق‬
‫ل "يتعصب " وإنا " يهتدي " بكل هدى يأتيه من عند ال‪.‬‬

‫وأي‪²‬ا‪ I‬كان المر فقد رفضت أوروبا الفرصة التاحة لا لتهتدي إل دين ال ومنهجه‪،‬‬
‫وأصرت على جاهليتها الت كانت غارقة فيها إل الذقان‪...‬‬

‫ولكن المر ل يقف عند هذا الد‪...‬‬

‫ل قد كانت ه ناك عوا مل مت عددة تدفع العج لة إ ل ال مام دف عا‪ ...I‬ول كن ف أي‬
‫طريق؟!‬

‫كان احتكاك الصليبية بالعال السلمي إيذانا‪ I‬بتحول جذري ف الياة الوروبية‪،‬‬
‫كما كان اتصال أوروبا بالسلم ف الغرب والندلس من أهم العوامل ف تاريخ أوروبا‬
‫الديث‪.‬‬

‫يقول‪" :‬بريفولث" ف كتاب "بناء النسانية" ‪- Making of Humanity -‬‬

‫لقد كان العلم أهم ما جادت به الضارة العربية ‪ -‬يقصد السلمية كما قال فيما‬
‫بعد)‪- (10‬على العال الديث‪ ،‬ولكن ثاره كانت بطيئة النضج‪ ...‬إن العبقرية الت ولدتا‬
‫ثقا فة ال عرب ف أ سبانيا‪ ،‬ل تن هض ف عنفوا نا إل ب عد و قت طو يل ع لى اخت فاء ت لك‬
‫الضارة وراء سحب الظلم؛ ول يكن العلم وحده هو الذي أعاد إل أوروبا الياة‪ ،‬بل‬

‫‪ ()10‬ل يعرف التاريخ " للعرب " حضارة متميزة إل بالسلم‪ ،‬ول تكن الضارة السلمية حضارة "‬
‫للعرب " كجنس‪ ،‬إنا كانت نتاج السلم ذاته‪ ،‬من جيع العناصر السلمة الت دخلت ف السلم‪،‬‬
‫وهي تمل طابع السلم ل طابع العرب‪ ،‬الذين يكو‪²‬نون عنصر‪I‬ا واحدا‪ I‬من العناصر الكثية الت صنعت‬
‫هذه الضارة‪.‬‬

‫)‪(26‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫إن مؤثرات أخرى كثية من مؤثرات الضارة السلمية بعثت باكورة أشعتها إل الياة‬
‫الوروبية‪ ،‬فإنه على الرغم من أنه ليس ثة ناحية واحدة من نواحي الزدهار الوروب إل‬
‫وي كن إر جاع أ صلها إ ل مؤثرات الثقا فة ال سلمية ب صورة قاط عة‪ ،‬فإن هذه ا لؤثرات‬
‫توجد أوضح ما تكون‪ ،‬وأهم ما تكون‪ ،‬ف نشأة تلك الطاقة الت تكو‪²‬ن ما للعال الديث‬
‫من قوة متمايزة ثابتة‪ ،‬وف الصدر القوي لزدهاره‪ :‬أي ف العلوم الطبيعية وروح البحث‬
‫العلمي"‪.‬‬

‫هذا الحتكاك وذلك‪ ،‬ها اللذان أحدثا "النهضة" الوروبية الديثة‪ ،‬وبدل‪ I‬من أن‬
‫تتدي هذه النهضة بالنهج الربان‪ ،‬الذي أنشأ الضارة الصلية الت اقتبستها أوروبا‪ ،‬فإنا‬
‫راحت تاصم السلم ف ضراوة‪ ،‬وف الوقت ذاته تاصم " الدين" و "العقيدة"!‬

‫فأما خصامها للسلم فكان حصيلة التعصب الحق‪ ،‬الذي بلغ ذروته ف الرب‬
‫الصليبية الضارية‪...‬‬

‫وأ ما خ صامها ل لدين ف قد أن شأته ف ن فوس ا لوروبيي حا قة الكني سة وت صرفاتا‬


‫الثية للنفوس‪.‬‬

‫كانت الكني سة تارب "الع لم"‪ ،‬لن الها لة هي سندها ا لكب ف الحت فاظ‬
‫ب سلطانا ع لى ال ماهي‪ ،‬و يوم تتع لم ال ماهي‪ ...‬يوم تع لم أن ما تلق نه إيا ها الكني سة‬
‫ي شتمل ع لى ممو عة من ال ساطي ا لت ل تث بت للمناق شة‪ ...‬يومئذ لن ت سلم ال ماهي‬
‫قيادها للكنيسة بالسهولة الت يتم با المر ف ظل الهالة والظلم!‬

‫وكانت الكنيسة تارب " الرية "؛ لن الرية عنصر خطر على السلطان الغاشم‪،‬‬
‫ويوم يس الناس طعم الرية ويتذوقونه‪ ،‬فلن يصبوا على العبودية‪ ،‬ولو كانت العبودية‬
‫تفرض عليهم باسم الدين وسلطانه!‬

‫و كانت الكني سة تف جر وتع بث دا خل أدير تا وهياكل ها‪ ،‬و هي تفرض ع لى ال ناس‬


‫الزهادة والتقوى‪ ،‬وتطالبهم بكارم الخلق!‬

‫وذ لك فوق ال تاوات والع شور‪ ...‬و فوق م ساندة الق طاع ضد الفلح ي ا لذين‬
‫يسحق كيانم الفقر والرمان‪...‬‬

‫فإذا قامت "النهضة" ف أية لظة‪ ،‬فستقوم ول شك على مبعدة من "هذا" الدين‪...‬‬
‫إن ل تقم على عداء معه وبغضاء‪...‬‬

‫)‪(27‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وذلك هو الذي حدث بالفعل‪...‬‬

‫ولدت تلك النهضة على أساس غي دين – ‪ - Secular‬وارتكزت على مور يبتعد‬
‫ف دورانه رويدا‪ I‬رويدا‪ I‬عن الدين والعقيدة وما حولما من مشاعر وأحاسيس‪.‬‬

‫لقد عادت إ ل منابعها ا لول‪ ،‬في ما قبل السيحية‪ ،‬إ ل التراث اليو نان والرومان‬
‫القدي! أي أنا عادت ‪ -‬وهي جاهلية ‪ -‬إل الاهليتي الكبيتي اللتي كانتا سائدتي قبل‬
‫جاهلية العقيدة الرفة ف العصور الوسطى‪ ...‬ف "عصور الظلم"‪.‬‬

‫واعتبت ذلك رجوعا‪ I‬إل "النور"‪!...‬‬

‫وحقا لقد كان هناك نور ول شك‪ ...‬النور الذي سطع من العال السلمي على‬
‫أورو با الظل مة‪ ،‬ف حرر عقو لا من الرا فة‪ ،‬و حرر نفو سها من ال ضوع ا لذل ل سلطان‬
‫الكنيسة الائر‪ ،‬فاستنكفت العبودية للبشر‪ ،‬وسعت إل الرية من كل سبيل‪.‬‬

‫ولكنها ل تأخذ النور على أصوله‪ ،‬ول تتد بديه الصحيح‪...‬‬

‫ل تتجه إل ال على منهج السلم الذي اقتبست منه هذا النور‪.‬‬

‫بل لقد تنكرت حت لساتذتا الذين علموها العلم‪ ،‬فقامت ‪ -‬ف وحشية ماكم‬
‫التفتيش الشهية ‪ -‬تطرد السلمي من الندلس‪ ،‬لتردها إل السلطان الغشوم!‬

‫لقد تعلمت من السلمي "العلم"‪ ،‬وتعلمت " الضارة"‪ ،‬وتعلمت " الرية"‪.‬‬

‫تعلمت النهج التجريب الذي قامت عليه نضتها العلمية الديثة‪.‬‬

‫وتعلمت التجمع ف "أمم" بعد أن كانت إقطاعيات منفصلة يكم كل منها طاغية‬
‫إقطاعي‪ ،‬تتمثل ف شخصه السلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية‪ ،‬ويتأله ف إقطاعيته على‬
‫العبيد‪.‬‬

‫وتعل مت ح قوق الن سان‪ ...‬ف قامت ت طالب بتحر ير ك يان الن سان و ضميه من‬
‫العبوديات الت تنقه وتكتم أنفاسه‪...‬‬

‫)‪(28‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ولكنها كانت رغم ذلك جاهلية‪ ،‬فقد رفضت أن تتدي بنهج ال ف ذلك كله‪،‬‬
‫وارتدت بذلك النور الذي قبسته من العال السلمي‪ ،‬إل تراثها الاهلي القدي‪ ...‬تراث‬
‫الغريق وتراث الرومان‪...‬‬

‫وضاعت الفرصة أمامها للنجاة‪...‬‬

‫لقد تعلمت‪ ،‬وتضرت‪ ،‬وتررت‪ ...‬وشيدت حضارة ضخمة متطاولة‪ ...‬ولكنها‬


‫أقامتها على جرف منهار!‬

‫وقد مر بنا من قبل أن "الاهلية" ليست مقابل ما يسمى العلم والضارة والدنية‬
‫وتقدم النتاج الادي‪ ...‬فكل ذلك يكن أن يوجد‪ ،‬ويكون الناس رغم ذلك ف جاهلية‬
‫عمياء‪.‬‬

‫ومر بنا أن كل جاهلية ل تلو من عناصر نافعة للبشرية‪ ...‬ولكن ما فيها من النفع‬
‫النسب ل يرفع عنها وصمة الاهلية‪ ،‬ول ينقذها كذلك من النهاية التمية للجاهلية‪.‬‬

‫ول نريد أن نتعجل الديث‪ ...‬إنا نسي خطوة خطوة مع التاريخ‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ل ي كن البت عاد عن ا لدين ضربة وا حدة م فاجئة وحا سة‪ ...‬فل يس ه كذا ط بائع‬
‫النفوس!‬

‫إنا تدث الشياء ف نفوس البشر ف تدرج بطيء‪ ،‬جد بطيء‪ ،‬وإذا كان البطء‬
‫يدث ف نفس كل فرد بفرده‪ ،‬فإن ا لمور أ شد بطء‪Þ‬ا ف ن فوس الماعة‪ ،‬لن تكتلها‬
‫يمي الفكار والشاعر من النيار السريع‪ ،‬ويكو‪²‬ن لونا‪ I‬من القاومة لكل وافد جديد‪...‬‬
‫يستوي ف ذلك أن يكون البناء القائم مشتمل‪ I‬على الي أو الشر‪ ،‬وكذلك بالنسبة للوافد‬
‫الديد‪...‬‬

‫من أجل ذلك عاشت أوروبا قرونا‪ I‬كاملة بشخصية مزدوجة‪ ،‬وثنية ومسيحية ف‬
‫ذات الوقت‪.‬‬

‫)‪(29‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫"النه ضة" ت سي ف طريق ها‪ ،‬م ستمدة من الوثن ية اليونان ية والرومان ية‪ ،‬ومو‪ ¥‬لة كل‬
‫تقدم يأتيها من الضارة السلمية والعلم السلمي إل طريق هاتي الاهليتي العريقتي‬
‫ف التاريخ‪...‬‬

‫و "العقيدة" قابعة ف ضمائر الناس‪ ،‬مؤثرة ‪ -‬إل حد ما ‪ -‬ف سلوكهم الشخصي‬


‫وف مفاهيم حياتم‪ ،‬وإن كانت هذه الياة تكمها ‪ -‬رويدا‪ I‬رويد‪I‬ا ‪ -‬مفاهيم غي مستمدة‬
‫من الدين‪ ،‬أو متعارضة مع الدين‪.‬‬

‫وف ظل هذا الزدواج قام ما عرف ف التاريخ الوروب باسم حركات "الصلح"‬
‫الدين‪ ،‬تلك الركات الت تاول رد الدين إل نقائه‪ ،‬وتاول ف الوقت ذاته بسط سلطانه‬
‫على أوسع رقعة من الياة‪ ...‬ولكن ذلك ل يكن ف المكان‪ ،‬أو هو على القل ل يدث‬
‫بالفعل‪ ،‬والسبب ف ذلك أن الدين ‪ -‬حت ف مفهوم الصلحي أنفسهم ‪ -‬كان ما يزال‬
‫يمل ذلك الطابع الاهلي‪ ،‬وهو فصل العقيدة عن الشريعة‪ ،‬والسماح لشريعة أخرى ‪-‬‬
‫غ ي شريعة ا ل ‪ -‬أن ت كم وا قع ال ياة‪ ،‬و من ث ف كل "إ صلح" دي ن‪ ،‬ف هو إ صلح ف‬
‫الانب القابع ف الضمي‪ ،‬وليس ف واقع الياة!‬

‫وذ لك ف ضل‪ I‬عن أن بواعث هذه الر كات الكام نة كانت بواعث "قوم ية" ل‬
‫"دينية" ف حقيقتها! فقد كانت "الشعوب" تريد إبراز " قوميتها " بانفصال كنيستها عن‬
‫كني سة رو ما البابو ية‪ ...‬وذ لك أ مر م ناف لطبي عة العق يدة ا لت ت مع ال ناس ع لى أ ساس‬
‫توحدهم ف التاه إل ال‪ ،‬ل على أساس قوميتهم أو الرقعة الت يسكنونا من الرض!‬

‫إن الكيان البشري وحدة‪ ...‬ل يكن تفتيته إل وجدان وواقع‪.‬‬

‫والياة البشرية وحدة‪ ...‬ل يكن تفتيتها إل مشاعر وسلوك‪.‬‬

‫وكذلك الدين النل من عند ال‪ ...‬وحدة ل تنفصل فيها العقيدة عن الشريعة‪ ،‬ول‬
‫الوجدان عن واقع الياة‪.‬‬

‫وف الوقت الذي كانت تقوم فيه حركات "الصلح" الدين‪ ،‬كانت "الرأسالية"‬
‫النابتة تغي وجه الرض‪ ...‬على أسس غي دينية‪ ،‬من ربا وغش ونصب واحتيال‪ ،‬وظلم‬
‫فادح للكادحي وامتصاص لدمائهم‪ ...‬والصلحون مشغولون بإصلح الوجدان‪...‬‬

‫وأي‪Õ‬ا كان المر فقد ظل الزدواج ف شخصية أوروبا عدة قرون‪...‬‬

‫)‪(30‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ولكن الناظر إل خط التاريخ ل يكن ليخطئ اتاه الحداث‪ ...‬فقد كان التاه‬
‫ي سي ول شك نو "اللدين ية" ‪ - Secularism -‬ف كل مرا فق ال ياة‪ ،‬ويبت عد ف سيه‬
‫رويدا‪ I‬رويدا‪ I‬عن طريق الدين‪.‬‬

‫ول كن العمل ية سارت ب طبيئة ومتدر جة‪ ،‬حت كان ال قرن التا سع ع شر‪ ...‬قرن‬
‫الحداث الكبى ف التاريخ الوروب‪...‬‬

‫حدثان اثنان من بي الحداث حددا خطوط التاريخ‪...‬‬

‫الداروينية‪ ...‬والنقلب الصناعي‪...‬‬

‫وكأنا كانا على ميعاد! على ميعاد لتحطيم ما بقي من بناء العصور الوسطى‪ ،‬أو ‪-‬‬
‫با لحرى ‪ -‬ما ب قي من جاهل ية الع صور الو سطى‪ ،‬لقا مة ب ناء جاهلي جد يد‪ ،‬شامخ‬
‫مرتفع‪ ...‬جاهلية العصر الديث‪.‬‬

‫الداروين ية ر جت العق يدة ر ج‪Õ‬ا عني فا‪ I‬ف عال النظر يات والف كار‪ ،‬والنقلب‬
‫الصناعي‪ ...‬ف عال التطبيق!‬

‫ولد دارون سنة ‪ ،1809‬وف سنة ‪ 1859‬أصدر كتابه ف "أصل النواع"‪ ،‬ونشر‬
‫كتابه ف "أصل النسإن" سنة ‪.1871‬‬

‫وبعد ذلك توالت الحداث ف عال العقيدة وعال الفكار‪.‬‬

‫لقد انطلق الارد من القمقم‪ ،‬ول يعد إل رده سبيل‪ ...‬مارد اسه "التطور"!‬

‫مارد غاشم يكتسح كل شيء ف سبيله‪ ،‬ويصر على تطيم كل شيء "ثابت" ف‬
‫الطريق!‬

‫وقد تدثت ف كتاب "التطور والثبات" وف كتب أخرى عن الرجة الت أحدثتها‬
‫الداروينية ف عال العقيدة‪ ،‬وف الفكر الوروب كله‪ ،‬ول أملك هنا إعادة الديث كله‪،‬‬
‫فأكتفي بسرده ف عبارة موجزة حت نعود إليه مرة أخرى فيما يلي من الفصول‪.‬‬

‫إن فكرة التطور ل تنحصر ف الدراسة العملية الت قام عليها دارون‪ ،‬ول كان ف‬
‫الم كان أن تنح صر ف هذا الن طاق‪ ،‬وإ نا انطل قت ت صيب العل ماء وال ماهي‪ ،‬ف تدير‬

‫)‪(31‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫رءوسهم حت ل يعودوا يرون شيئا‪" I‬ثابتا‪ "I‬ف الوجود كله‪ ،‬حت فكرة العقيدة‪ ...‬حت‬
‫فكرة ال!‬

‫وقامت الرب العنيفة بي الكنيسة وبي دارون‪ ،‬هي تتهمه باللاد وهو يتهمها‬
‫بالها لة والتخر يف‪ ...‬ووق فت ال ماهي ف م بدأ ا لمر مع الكني سة‪ ،‬ف قد عزت علي ها‬
‫عقيدتا‪ ،‬وعز عليها أن يصورها دارون ف صورة حيوانية هابطة‪ ،‬ولكنها عادت فوقفت‬
‫ف صف دارون‪ ،‬ل نا و جدتا فرصة سانة لتحط يم ما بقي من سلطان الكنيسة ا لائر‬
‫الذي تستذل به الرقاب‪...‬‬

‫وانلت العركة عن انسار الدين‪ ،‬وانتصار الارد النطلق من القمقم ل يقف ف‬


‫طريقه شيء‪...‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫و ف أثناء ذلك كان النقلب الصناعي يدك الرض د ك‪ß‬ا‪ ،‬ويق لب صورة الت مع‬
‫كله ليقيم بناءه الديد‪...‬‬

‫بناء منفصل عن العقيدة‪...‬‬

‫كل شيء فيه يارب الدين أو يافيه‪...‬‬

‫الرأ سالية الطاغ ية ل ت قف ع ند حد ف امت هإن "و صايا" ا لدين ك له‪ ،‬ف هي ت سرق‬
‫وتنهب وتقتل وتسفك الدماء‪ ،‬وهي تله‪²‬ي الناس عن حياتم الادة البسيطة‪ ،‬لتحصل على‬
‫مزيد من الرباح من بيع أدوات الترف والزينة والفساد ‪ -‬إل جانب ما تقدمه لم من‬
‫ن فع بطبي عة ا لال ‪ -‬و هي ”ت خرج ا لرأة لتع مل ب ثا‪ I‬عن لق مة ا لبز‪ ،‬ث ت ستغلها لتحط يم‬
‫حركات العمال من الرجال‪ ،‬الثائرين على استغلل الرأسالية لم واستهلك طاقتهم لقاء‬
‫ا لجر الزه يد‪ ...‬و ف الطر يق تف سد أخلقها مقا بل ال صول ع لى لق مة القوت‪ ...‬و هي‬
‫تم‪²‬ع العمال الشبان ف فترة الشباب الفاره بعيد‪I‬ا عن أسرهم‪ ،‬فتنشر بينهم الفساد اللقي‪،‬‬
‫وتيسر لم حل " أزمتهم " عن طريق البغاء‪.‬‬

‫وهكذا‪ ...‬وهكذا تدك معاقل العقيدة ومعاقل الخلق‪...‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫)‪(32‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ولكن المر ل يكن مقصورا‪ I‬على الداروينية والنقلب الصناعي‪...‬‬

‫لقد كانت هنالك الشياطي!‬

‫كانت اليهود ية العال ية تترقب الفر صة ال سانة لتحق يق حلم ها ال كبي‪ ...‬ح لم‬
‫السيطرة على البشرية‪ ...‬على "الميي")‪.(11‬‬

‫إن التلمود يقول لم‪ :‬إن الميي هم المي الذين خلقهم ال ليكبهم شعب ال‬
‫الختار!‬

‫وتعاليمهم السرية تقول لم‪ :‬تربصوا حت تدوا الغفلة الت تثبون فيها على ظهور‬
‫المي‪.‬‬

‫ول قد فر حت اليهود ية العال ية أ يا فر حة بو لد "النه ضة" الوروب ية ع لى أ ساس ل‬


‫دي ن‪ ...‬فذلك ن صف الطر يق نو تط يم العق يدة الوروب ية‪ ،‬والعق يدة هي ال عدو ا لدائم‬
‫لليهود ية العال ية‪ ،‬ف هي الع قدة ال صلبة ا لت ت قاوم م كر ال شياطي‪ ،‬فإذا ان لت الع قدة ف قد‬
‫سهل على الشياطي حينئذ أن يركبوا المي‪.‬‬

‫ل قد قال ت عال لل شيطان‪" :‬إ“ ن‪ œ‬ع“ ب•اد“ي —لي– س• ل— ك• ع•—لي–ه“ م– س” ™لط—ان‪ Í‬إ“ل‪œ‬ا م• ن“ ا̃تب•ع• ك• م“ن‬
‫ا™لغ•او“ين"‪ ،‬وقال تعال عنه‪" :‬إ“̃نه” —لي–س• —له” س” ™لط—ان‪ Í‬ع•ل—ى ال‪œ‬ذ“ين• آم•ن”وا و•ع•ل—ى ر•ب‪¥‬ه“م– •يت•و•ك‪œ‬ل‪¤‬ون—"‪،‬‬
‫وقال‪" :‬إ“̃نم•ا س”ل™ط—ان”ه” ع•ل—ى ال‪œ‬ذ“ي •ن •يت•و•ل‪œ‬و–•نه” و•ال‪œ‬ذ“ين• ه”م– “به“ م”ش–ر“ك‪¤‬ون—"‪.‬‬

‫وقد ظل أعوان الشيطان وأولياؤه من شياطي اليهودية العالية يتربصون حت أمدتم‬


‫الظروف بالدث الضخم أو الدثي التارييي‪ :‬الداروينية‪ ،‬والنقلب الصناعي!‬

‫ربا ل يكن دارون شيطانا‪ ...I‬ربا ل يكن يريد الشر بالبشرية‪.‬‬

‫ربا كان عالا‪ I‬يروي ما يعتقد أنه الق‪ ،‬وعلى الرغم من الخطاء الت ارتكبها ف‬
‫نظريته‪ ،‬والت كشفت عنه الداروينية الديثة ذاتا ‪ - Neo Darwinism -‬رغم إيانا ببدأ‬
‫الداروينية‪ ...‬إذ آمن دارون بيوانية النسان‪ ،‬وكشف العلم بعد ذلك عن تفرد النسان‬
‫حت ف ك يانه ا لبيولوجي الب حت‪ ،‬ف ضل‪ I‬عن ك يانه النف سي والعق لي والرو حي‪ ...‬ع لى‬
‫الرغم من هذه الخطاء ف نظرية دارون‪ ،‬فربا ل يكن هو سيئ النية ف تقدي نظريته‪ ،‬وإن‬
‫كان من العسي تبئته من الطأ ف فصل نظريته عن مفاهيم الدين حيث يقول‪" :‬إن تفسي‬

‫‪ ()11‬هذا تعبي القرآن‪ " :‬ذ—ل“ك• ب“—أ̃نه”م– ق—ال‪¤‬وا ل—ي–س• ع•ل—ي–ن•ا ف“ي ال™‪¤‬أم‪¥‬ي‪¥‬ي• س•ب“يل‪ " Í‬وأنا أفضله على كلمة " الميي‬
‫" الت تترجم إليها كلمة ‪ Gentiles‬أي كل المم من غي اليهود‪.‬‬

‫)‪(33‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ال ياة ب تدخل ال ي كون بثابة إد خال عنصر خارق للطبيعة ف وضع مي كانيكي بت"!‬
‫وحيث يقول‪" :‬إن الطبيعة تلق كل شيء‪ ،‬ول حد لقدرتا"!‬

‫ولكن شياطي اليهود هم الذين توفرت فيهم البائث من سوء النية إل التخريب‬
‫التعمد لكيان البشرية‪.‬‬

‫يقول كتاب "بروتوكولت حكماء صهيون"‪" :‬إن دارون ليس يهوديا‪ ،‬ولكنا عرفنا‬
‫كيف ننشر آراءه على نطاق واسع‪ ،‬ونستغلها ف تطيم الدين"‪.‬‬

‫ويقول الكتاب‪" :‬لقد رتبنا ناح دارون وماركس ونيتشه‪ ،‬بالترويج لرائهم‪ ،‬وإن‬
‫الثر الدام للخلق الذي تنشئه علومهم ف الفكر غي اليهودي‪ ،‬واضح لنا بكل تأكيد"‪.‬‬

‫لقد استغلت اليهودية العالية نظرية الداروينية ونظرية التطور أبشع استغلل لتحطيم‬
‫كل فضيلة باقية ف الاهلية الوروبية‪ ،‬على يد ثلثة من أكب علمائها‪ :‬ماركس وفرويد‬
‫ودركاي)‪ (12‬راحوا كلهم يتحدثون عن الدين بزراية وتقي‪ ،‬ويلوثون صورته ف نفوس‬
‫الماهي‪:‬‬

‫دركاي يقول؛ إن الدين ليس فطرة!‬

‫وماركس يقول؛ إن الدين أفيون الشعوب‪ ،‬ويقول إنه مموعة من الساطي ابتدعها‬
‫الق طاعيون والرأ ساليون لت خدير ال ماهي الكاد حة‪ ،‬وتلهيت ها بنع يم ا لخرة عن ح ياة‬
‫الرمان ف الرض!‬

‫وفرويد يقول إن الدين ناشئ من الكبت‪ ،‬من عقدة أوديب‪ ،‬من العشق النسي‬
‫الذي يسه الولد نو أمه‪ ،‬من رغب البن ف قتل أبيه!‬

‫وراح ثلثتهم يطمون الخلق‪...‬‬

‫دركاي يقول إن الرية ظاهرة سوية! والزواج ليس من الفطرة! والخلق شيء ل‬
‫يكن الديث عنه ككيان ثابت‪ ،‬وإنا كل ذلك من صنع " العقل المعي " الذي ل يثبت‬
‫على حال‪ ،‬وينتقل من النقيض إل النقيض‪.‬‬

‫وماركس يقول إن الخلق مرد انعكاس للوضع القتصادي التطور على الدوام‬
‫وليست قيمة ثابتة‪.‬‬

‫‪ ()12‬انظر فصل " اليهود الثلثة " ف كتاب "التطور والثبات ف حياة البشرية"‪.‬‬

‫)‪(34‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وفرويد يقول إنا تتسم بطابع القسوة حت ف صورتا الطبيعية العادية‪ ،‬وهي كبت‬
‫ضار بكيان النسان!‬

‫ول تقف الؤامرة عند هذا الد‪ ...‬وإنا حرصت على إخراج الرأة من بيتها إل‬
‫الطريق‪.‬‬

‫ماركس يقول إن الرأة ل بد أن تعمل‪...‬‬

‫ودركاي يقول لا إن الزواج ليس فطرة‪!...‬‬

‫وفرويد يتلقفها فيقول لا إنا ل بد أن تقق كيانا تقيقا‪ I‬جنسيا خالصا‪ I‬من القيود‪.‬‬

‫ث ل تكتفي اليهودية العالية بالعمل ف عال النظريات‪ ...‬إنا تعمل ف نطاق الواقع‪.‬‬

‫فإذا كانت قد استغلت فكرة التطور الداروينية على هذه الصورة البشعة الت ل‬
‫ت طر لدارون ع لى بال‪ ،‬فإ نا كذلك ت ستغل النقلب ال صناعي فتجع له قائ ما‪ I‬ع لى‬
‫الفساد‪...‬‬

‫فالرأسالية بدعة يهودية يستغل فيها الرابون اليهود نشاطهم الربوي الشيطان‪.‬‬

‫والرأسالية ل تكتفي بإنتاج النافع من الواد ول تقتصر على النافع من الشروعات‪.‬‬

‫فهناك "السينما" و هي مؤس سة يهود ية قبل كل شيء‪ ،‬ت سعى سعيا‪ I‬حثي ثا‪ I‬جاهدا‬
‫لفساد الولد والبنات با تعرض عليهم من فتنة النس‪.‬‬

‫وبيوت الزياء وبيوت الزينة كل هها أن تعل الرأة ‪ -‬الت أخرجها ماركس تعمل‬
‫‪ -‬فتنة للرجل‪ ،‬تشغل باله بالفتنة والغراء‪ ،‬وتل ف قلبه عقدة العقيدة‪...‬‬

‫وينقلب العال إل ماخور يعج بالشهوات الدنسة يغرق فيها الرجال والنساء إل‬
‫الذان‪.‬‬

‫وعندئذ يثب اليهود على ظهور المي‪ ،‬ويققون اللم الشيطان الكب الذي ترسه‬
‫كتبهم "القدسة" الشحونة بذلك الياء البيث‪...‬‬

‫)‪(35‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وف النهاية تكون الاهلية قد سيطرت على كل الرض‪...‬‬

‫فأوروبا الت نبتت فيها الاهلية من جذور ضاربة ف التاريخ‪ ،‬هي السيطرة اليوم‬
‫على البشرية‪ ...‬ومفاهيمها الاهلية هي السيطرة على مفاهيم الناس‪...‬‬

‫فالاهلية اليونانية‪ ،‬والاهلية الرومانية‪ ،‬وجاهلية العقيدة الرفة ف العصور الوسطى‪،‬‬


‫وجاهل ية النف صال الكا مل عن ا لدين ف ظل الداروين ية والنقلب ال صناعي‪ ...‬كل ها‬
‫متمعة‪ I‬هي الاهلية الديثة‪ ...‬جاهلية القرن العشرين‪.‬‬

‫و هي لي ست مق صورة ع لى أورو با‪ ،‬لن أورو با قد جا ست خلل ا لرض كل ها‬


‫بالنفوذ ال ستعماري‪ ،‬فن شرت مفاهيم ها الاهل ية ف كل م كان جا ست ف يه‪ ،‬و صارت‬
‫الاهلية ف كل الرض هي صاحبة السلطان‪.‬‬

‫والن فقد ألمنا بذه الصفحة من التاريخ‪...‬‬

‫فلنتحدث عن "ملمح" الاهلية الديثة‪.‬‬

‫)‪(36‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫م‪.‬لمح الاهلية الديثة‬


‫ل كل جاهل ية ف التار يخ ملمح خاصة تيز ها‪ ،‬هي ملمح ا لبيئة الت تع يش فيها‪،‬‬
‫وملمح "الطور" القتصادي والجتماعي والسياسي الذي ييط با‪ ،‬وإن كانت كلها مع‬
‫ذلك تشترك ف خصائص أصيلة هي الت تنحها سة الاهلية على مدار التاريخ‪.‬‬

‫وسنتحدث بتفصيل واف ف الفصلي القادمي عن انرافات الاهلية الديثة‪ :‬ف‬


‫التصور والسلوك‪ ،‬ف عال النظريات وعال الواقع‪ ،‬ولكن يسن بنا قبل هذا التفصيل أن‬
‫نلم إلامة سريعة باللمح الت تكو‪²‬ن صورة الاهلية الديثة‪ ،‬كما ألمنا ف الفصل السابق‬
‫بلمحة سريعة من التاريخ‪ ،‬تتبعنا فيها مولد هذه الاهلية وتطوراتا خلل القرون‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫كل الاهليات ل تؤمن بال إليان الق‪.‬‬

‫تلك هي الصيصة الكبى الشتركة بي كل جاهليات التاريخ‪ ،‬بل هي الساس‬


‫الذي تنشأ منه الاهلية‪ ،‬وتنبن عليه كل النرافات الخرى ف التصور وف السلوك‪.‬‬

‫إن العق يدة ال صحيحة هي ا لت تدد للن سان م كانه ال صحيح ف ال كون‪ ،‬وت سدد‬
‫خ طاه ف الز مان وال كان‪ ،‬ح يث تع ي له وجه ته ال صائبة‪ ،‬وتر سم له طري قه ال سمتقيم‪،‬‬
‫فيستقيم وجدانه وسلوكه‪ ،‬ومشاعره وأعماله‪ ،‬ومبادئه وواقعه‪ ،‬ويصبح كله ‪ -‬كما ينبغي‬
‫أن يكون ‪ -‬وحدة متماسكة متكاملة‪ ،‬متجهة التاه الصحيح‪.‬‬

‫وح ي تن حرف هذه العق يدة فل بد أن ي شمل ال ضطراب ك يان الن سان ك له‪...‬‬
‫ك ما ت ضطرب ا لبرة الغنطي سية ح ي يال بين ها وب ي اتاه ها الر سوم‪ ،‬فيت فرق الك يان‬
‫الو حد‪ ،‬وت ضطرب خ طواته ف الز مان وال كان‪ ،‬وت توزع م شاعره وأع ماله‪ ،‬وو جدانه‬
‫وسلوكه‪ ،‬ومبادئه وواقعه؛ فل يعود تلك الوحدة الت ينبغي أن يكونا‪ ،‬ول يشمل كيانه‬
‫المن والسكون اللذان يستمتع بما ف ظلل العقيدة الصحيحة والنهج الصحيح‪.‬‬

‫وعندئذ توجد الاهلية‪...‬‬

‫فالاهلية هي النراف عن عبادة ال الق‪ ،‬هذه العبادة الت تتمثل ف التحاكم إليه‬
‫وحده ف أمر الياة كله‪ ،‬ث ما يترتب على هذا النراف من اضطراب وتوزع‪ ،‬وتزق‬

‫)‪(37‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وتشتيت‪ ،‬اضطراب ف النظم واضطراب ف الفكار‪ ،‬اضطراب ف علقة النسان بربه‪،‬‬


‫وعلقته بالكون والياة من حوله‪ ،‬وعلقته بأخيه النسان‪.‬‬

‫ول يدث قط ف التاريخ انراف عن عبادة ال الق‪ ،‬دون أن يتبعها انراف ف‬


‫علقات النسان وارتباطاته وتصوراته وأفكاره‪ ،‬فالعقيدة هي النظم لذلك كله‪ ،‬سواء تنبه‬
‫النسان إل ذلك أم ل يتنبه‪ ،‬وأراد أم ل يرد! فإذا صحت العقيدة استقام الكيان كله‪،‬‬
‫واستقامت خطواته‪ ،‬وإذا اضطربت العقيدة سرى إل الكيان كله ذلك الضطراب‪.‬‬

‫ومن الوجه الخر ل يدث اضطراب ف الرض مع استقامة ف عبادة ال!‬

‫قد توجد العقيدة‪ ،‬نعم‪ ،‬ولكن مرد وجودها ليس هو الفيصل ف هذا المر‪ ،‬وإنا‬
‫هو الوجود الي التحرك‪ ،‬الشامل التكامل‪ ،‬الوجود الذي يشمل النسان كله‪ ،‬ل جزءا‬
‫منه دون جزء‪ ،‬يشمل مشاعره وسلوكه ف ذات الوقت‪ ،‬يشمل مبادئه وواقعه‪ ،‬وتصوراته‬
‫وأعماله‪.‬‬

‫وكل وضع خلف ذلك ‪ -‬سواء وجدت فيه عقيدة متجهة إل ال أم ل توجد ‪-‬‬
‫هو لون من الاهلية‪ ،‬ينطبق عليه اسم الاهلية‪ ،‬وتصيبه عواقبها التمية الت ل تتخلف‪...‬‬
‫لنا سنة ال‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫و قد كان ال عرب ف الاهل ية يعر فون ا ل‪ ،‬ويؤم نون بو جوده‪ ،‬ويتوج هون إل يه‪...‬‬
‫ولكنه توجه سقيم!‬

‫ي قول ال قرآن الكر ي عن ال عرب ف الاهل ية‪" :‬و•ل—ئ“ ن– س•أ—™لت•ه”م– م• ن– •خل— ق• ال س˜م•او•ات‬
‫و•ال™أ—ر– ض• —لي• ق‪¤‬ول‪̃¤‬ن الل‪œ‬ه"‪ " ،‬و•—لئ“ ن– س•أ—™لت•ه”م– م• ن– •خل—ق—ه” م– ل—ي• ق‪¤‬ول‪̃¤‬ن ال‪œ‬ل ه”"‪ " ،‬ق‪ ¤‬ل™ م• ن– ي•ر–ز”ق‪¤ ¤‬ك م– م“ن‬
‫الس˜م•اء“ و•ال™أ—ر–ض“ أ—̃من– ي•م–“لك” الس˜م–ع• و•ال™أ—ب–ص•ار• و•م•ن– ”يخ–ر“ج” ال™ح•ي˜ م“ن• ا™لم•‪¥‬يت“ و•ي”خ–ر“ج” ال™ •مي‪¥‬ت‬
‫م“ن• ال™ح•ي‪ ¥‬و•م•ن– ي”د•‪¥‬بر” ال™أ—م–ر• ف—س•ي•ق‪¤‬ول‪¤‬ون— الل‪œ‬ه"‪ " ،‬ق‪¤‬ل™ ل“م•ن“ ال™—أر–ض” و•م•ن– ف“يه•ا إ“ن™ ‪¤‬كن–ت”م– ت•ع–—لم”ون—‪،‬‬
‫س•ي•ق‪¤‬ول‪¤‬ون— “لل‪ œ‬ه“ ق‪ ¤‬ل™ —أف—ل ت•ذ—ك‪œ‬ر”ون—‪¤ ،‬ق ل™ م• ن– ر• ب§ ال س˜م•او•ات“ ال س˜ب–ع“ و•ر• ب§ ا™لع•ر– ش“ ال™ع•ظ“ي م“‪،‬‬
‫س•ي•ق‪¤‬ول‪¤‬ون— “لل‪œ‬ه“ ق‪¤‬ل™ —أف—ل ت•̃تق‪¤‬ون—‪ ،‬ق‪¤‬ل™ م•ن– ب“ي•د“ه“ م•—لك‪¤‬وت” ك‪¤‬ل‪ Î‬ش•ي–ء› و•ه”و• ي”ج“ي” و•ل ”يج•ار” ع•—لي–ه“ إ“ن‬
‫سح•ر”ون"‪.‬‬ ‫‪¤‬كن–ت”م– •تع–ل—م”ون—‪• ،‬سي•ق‪¤‬ول‪¤‬ون— “لل‪œ‬ه“ ق‪¤‬ل™ —فأ—̃نى ت” –‬

‫وإذن فقد كانوا يعرفون ال‪ ،‬وكانوا يؤمنون بأنه الالق الدبر الذي بيده ملكوت‬
‫كل شيء!‬

‫)‪(38‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ولكن جاهليتهم أنم ل يكونوا يعرفونه على حقيقته سبحانه ول يؤمنون به اليان‬
‫الق‪ ،‬ول يكمونه وحده ف أمرهم كله‪ " ،‬و•م•ا ق—د•ر”وا الل‪œ‬ه• ح•̃ق —قد–ر“ه“"‪.‬‬

‫كانوا يعرفونه ث ل يتبعون هذه العرفة نتائجها الطبيعية النطقية الت ل بد أن تترتب‬
‫عليها‪.‬‬

‫يعرفونه ث يعبدون معه آلة أخرى‪ ...‬ذلك من حيث العتقاد الوجدان‪.‬‬

‫ويعرفونه ث ل ينفذون شريعته ول يتحاكمون إليه وحده ف أمرهم كله‪ ...‬ذلك‬


‫من حيث السلوك الوقعي‪.‬‬

‫وبذه وتلك كانوا كفارا‪ ...I‬وكانوا جاهليي‪...‬‬

‫وكانت الاهلية الت يندد با القرآن شاملة لذه وتلك‪.‬‬

‫فأما ف قضية العتقاد فلم يشفع لم ‪ -‬وما كان يكن أن يشفع ‪ -‬أنم ل يعبدون‬
‫هذه الصنام ‪ -‬أو اللة ‪ -‬لذاتا‪ ،‬وإ نا لتقر بم إ ل ال‪" :‬أ—ل “لل‪ œ‬ه“ ا لد‪¥‬ين” ا™لخ•ا“ل ص” و•ا ل‪œ‬ذ“ين‬
‫ا̃تخ•ذ‪¤‬وا م“ن– د”ون“ه“ —أو–ل“ي•اء¦ م•ا •نع–ب”د”ه”م– “إل‪œ‬ا ل“”يق—ر‪¥‬ب”ون•ا إ“ل—ى الل‪œ‬ه“ ز”ل™ف—ى إ“ن‪ œ‬الل‪œ‬ه• •يح–ك‪¤‬م” ب•–ين•ه”م– ف“ي م•ا ه”م‬
‫ف“يه“ ي•خ–•تل“ف‪¤‬ون— إ“ن‪ œ‬ال‪œ‬له• ل •يه–د“ي م•ن– ه”و• ك—اذ“ب‪ Ï‬ك—ف‪œ‬ار"‪.‬‬

‫وأما قضية الشريعة فقد شدد القرآن فيها تشديدا‪ I‬لنه ل انفصال بينها وبي قضية‬
‫العتقاد‪ ،‬وما يكن أن يوجد إيان مع النراف عن شريعة ال‪ ،‬وتكيم غي ال ف شأن‬
‫من شئون الياة‪:‬‬

‫حك‪ ¤‬م” “ب ه•ا ال̃ن“ب ي§ون— ا ل‪œ‬ذ“ين• أ— س–—لم”وا ل“ ل‪œ‬ذ“ين• ه•اد”وا‬ ‫"إ“̃نا —أن–ز•ل™ ن•ا ال̃ت و–ر•اة— ف“ي ه•ا ه”دى‪ á‬و• ن”ور‪ Ï‬ي• –‬
‫و•ال̃ر̃با“ني§ون— و•ال™أ— –حب•ار” ب“ م•ا ا س–ت”ح–ف“ظ‪¤‬وا م“ ن– ك“ ت•اب“ الل‪œ‬ه“ و• ك—ان”وا ع•ل—ي–ه“ ش”ه•د•اء¦ ف—ل ت•خ– ش•و”ا ال̃ناس‬
‫و•اخ–ش•و–ن“ و•ل •تش–ت•ر”وا ب“آي•ات“ي —ثم•نا‪ I‬ق—ل“يل‪ I‬و•م•ن– ل—م– ي•ح– ‪¤‬كم– “بم•ا —أن–ز•ل— الل‪œ‬ه” ف—أ‪¤‬و—لئ“ك• ه”م” ال™ك—اف“ر”ون—‪،‬‬
‫و•ك—•تب–ن•ا ع•—لي–ه“ م– ف“ي ه•ا أ— ن‪ œ‬ال̃نف™س• ب“ال̃نف™س“ و•ال™ع•ي– ن• ب“ال™ع•ي–ن“ و•ا ل™أ—ن–ف• ب“ا ل™أ—ن–ف“ و•ال™أ‪¤‬ذ‪¤‬ن— ب“ا ل™أ‪¤‬ذ‪¤‬ن“ و•الس‪¥‬ن‬
‫ب“ال س‪¥‬ن‪ ¥‬و•ا™لج”ر”و ح• ق“ص•ا ص‪— Ï‬فم• ن– •ت ص•̃دق• ب“ ه“ —ف ه”و• ك— ف‪œ‬ار•ة‪ Í‬ل— ه” و•م• ن– ل— م– ي•ح– ‪¤‬ك م– “ب م•ا أ—–نز• ل— الل‪œ‬ه‬
‫ف—أ‪¤‬ول—“ئك• ه” م” ال ظ‪œ‬ا“لم”ون—‪ ،‬و•ق—ف‪œ‬ي– ن•ا ع• ل—ى آ ث—ار“ه“م– ب“ع“ي س•ى اب– ن“ م•ر–ي• م• م” ص•د‪¥‬قا‪“ I‬ل م•ا •بي– ن• ي•د•ي–ه“ م“ن‬
‫ال̃تو–ر•اة“ و•آت•–ين•اه” ال™“أن–ج“يل— ف“يه“ ه”دى‪ á‬و•ن”ور‪ Ï‬و•م”ص•د‪¥‬قا‪ I‬ل“م•ا •بي–ن• ي•د•ي–ه“ م“ ن• ال̃تو–ر•اة“ و•ه”دى‪ á‬و•م•و–ع“ظ—ة‬
‫ل“ ™لم”̃تق“ي•‪ ،‬و•™لي•ح–ك‪¤‬م– أ—ه–ل‪ ¤‬ال™أ“–نج“يل“ “بم•ا أ—ن–ز•ل— الل‪œ‬ه” ف“يه“ و•م•ن– ل—م– •يح–ك‪¤‬م– ب“م•ا —أن–ز•ل— الل‪œ‬ه” ف—أ‪¤‬ول—ئ“ك• ه”م‬
‫ا™لف—ا س“ق‪¤‬ون—‪ ،‬و•أ—ن–ز•ل™ ن•ا إ“—لي– ك• ال™ “ك ت•اب• ب“ا™لح•ق‪ ¥‬م” ص•د‪¥‬قا‪“ I‬ل م•ا •بي– ن• ي•د•ي–ه“ م“ ن• ا™لك“ ت•اب“ و•م”ه•ي– “م نا‪ I‬ع•—لي–ه‬
‫ف—ا –حك‪¤‬م– ب•–ين•ه”م– “بم•ا —أن–ز•ل— ال‪œ‬له” و•ل •ت̃ت“بع– أ—ه–و•اء¦ه”م– ع•̃ما ج•اء¦ك• م“ن• ا™لح•ق‪ ¥‬ل“ك‪¤‬ل‪ â‬ج•ع•ل™ن•ا م“ن–ك‪¤‬م– ش“ر–ع•ة‬
‫خي–ر•ات‬ ‫و•م“ن–ه•اج‪I‬ا و•ل—و– ش•اء¦ ال‪œ‬له” —لج•ع•ل—ك‪¤‬م– أ‪̃¤‬مة‪ I‬و•اح“د•ة‪ I‬و•ل—ك“ن– ل“•يب–ل‪¤‬و•ك‪¤‬م– ف“ي م•ا آت•اك‪¤‬م– ف—اس–ت•“بق‪¤‬وا ال™ •‬

‫)‪(39‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫خت•ل“ف‪¤‬ون—‪ ،‬و•أ—ن“ اح–ك‪¤‬م– •بي–ن•ه”م– “بم•ا أ—ن–ز•ل— الل‪œ‬ه‬ ‫إ“ل—ى الل‪œ‬ه“ م•ر–ج“ع”ك‪¤‬م– ج•م“يعا‪ I‬ف—”ين•ب‪¤¥‬ئك‪¤‬م– ب“م•ا ‪¤‬كن–ت”م– ف“يه“ ت• –‬
‫و•ل •ت̃تب“ع– أ—ه–و•اء¦ه”م– و•اح–ذ—ر–ه”م– أ—ن™ ي•ف™ت“ن”وك• ع•ن– •بع–ض“ م•ا أ—ن–ز•ل— الل‪œ‬ه” إ“ل—ي–ك• ف—“إن™ ت•و•ل‪œ‬و–ا ف—اع–ل—م– —أ̃نم•ا‬
‫”ير“يد” ال‪œ‬له” أ—ن™ ي”ص“يب•ه”م– “بب•ع–ض“ ذ‪¤‬ن”وب“ه“م– و•إ“ن‪ œ‬ك—ث“يا‪ I‬م“ن• ال̃ناس“ ل—ف—اس“ق‪¤‬ون—‪ ،‬أ——فح”ك™م• ا™لج•اه““ل̃ية“ •يب–غ”ون‬
‫و•م•ن– —أح–س•ن” م“ن• الل‪œ‬ه“ ح”ك™ما‪“ I‬لق—و–م› ي”وق“ن”ون"‪ " ،‬و•ل ت•أ™ك‪¤‬ل‪¤‬وا م“̃ما ل—م– ي”ذ™ك—ر“ اس–م” الل‪œ‬ه“ ع•—لي–ه“ و•إ“̃نه‬
‫شر“ك‪¤‬ون"‪.‬‬ ‫ل—ف“س– ‪Ï‬ق و•إ“ن‪ œ‬ال̃شي•اط“ي• ل—ي”وح”ون— إ“ل—ى أ—و–ل“ي•ائ“ه“م– ل“ي”ج•اد“ل‪¤‬وك‪¤‬م– و•إ“ن™ أ—ط—ع–”تم”وه”م– “إ̃نك‪¤‬م– ل—م” –‬

‫قضية الشريعة إذن كقضية العقيدة‪ ،‬ل فرق بي هذه وتلك‪ :‬إما الكم با أنزل ال‬
‫وإما الاهلية والشرك‪ ،‬فالعرفة بال الق‪ ،‬واليان الصحيح به‪ ،‬يستتبعان إفراده سبحانه‬
‫بالاكمية كإفراده باللوهية‪ ،‬لنه هو الالق والالك‪ ،‬ومن ث فهو ‪ -‬وحده ‪ -‬الذي ينبغي‬
‫أن يطاع‪ ،‬وشرعه ‪ -‬وحده ‪ -‬هو الواجب التباع‪ ،‬والعقيدة والشريعة قضية واحدة ذات‬
‫شقي‪ ،‬تنبعان من أصل واحد وتلتقيان ف غاية واحدة والصل والغاية ها اليان بال‬
‫والسلم له‪.‬‬

‫وال سمة ا لول ل كل جاهل ية ‪ -‬ال سمة ا لت تعل منها جاهل ية ‪ -‬هي عدم اليان‬
‫الق بال أو عدم السلم له ف أي شأن‪ ،‬يستوي ف ذلك العقيدة والشريعة‪ ،‬بل انفصال‬
‫ول افتراق‪.‬‬

‫ال يان يقت ضي إ فراد ا ل سبحانه باللوه ية‪ ،‬وال سلم يقت ضي إ فراده سبحانه‬
‫بالاكمية‪.‬‬

‫والاهلية تنشأ من عدم إفراد ال باللوهية وعدم إفراده بالاكمية‪ ،‬فتشرك مع ال‬
‫آلة أخرى‪ ،‬ول تكم با أنزل ال‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وإذ كانت الاهلية ل تكم با أنزل ال‪ ،‬فهي تتبع " الهواء"‪.‬‬

‫وتلك هي السمة الثانية لكل جاهلية‪ ،‬النابعة ف الصل من عدم اليان الق بال‬
‫وعدم السلم له‪.‬‬

‫" و•أ—ن“ اح–ك‪¤‬م– •بي–ن•ه”م– “بم•ا أ—ن–ز•ل— الل‪œ‬ه” و•ل ت•̃تب“ع– أ—ه–و•اء¦ه”م– و•اح–ذ—ر–ه”م– أ—ن™ •يف™ت“ن”وك• ع•ن– ب•ع–ض‬
‫م•ا —أن–ز•ل— ال‪œ‬له” إ“ل—ي–ك"‪ ،‬فالقضية مترابطة‪ :‬إما اليان بال‪ ،‬الذي ينشأ عنه السلم له واتباع ما‬
‫أنزله‪ ،‬وإما الاهلية واتباع " الهواء"‪ ،‬وكل شرع غي شرع ال هوى‪ ...‬ذلك ما قرره‬
‫ال‪ ،‬ومصداقه هو تاريخ الياة!‬

‫)‪(40‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫لقد اختلفت " الهواء" من عصر إل عصر ومن بيئة إل بيئة‪ ،‬ومن أمة إل أمة‪،‬‬
‫ولكنها كانت دائ ما‪ " I‬هوى" فر يق من ال ناس‪ ،‬يك مون به سائر ال ناس! ومصلحة معي نة‬
‫لفرد أو جاعة‪ ،‬يسخ‪²‬ر من أجلها بقية اللق على حسب " هواه"‪.‬‬

‫وشرع ال وحده هو البيء من الهواء‪ ،‬لن ال سبحانه ليست له "مصلحة " مع‬
‫‪.‬‬
‫هذا الفريق أو ذاك‪" :‬م•ا أ‪¤‬ر“يد” م“ن–ه”م– م“ن– ر“ز–ق› و•م•ا أ‪¤‬ر“يد” أ—ن™ ي” ™طع“م”ون“"‬

‫وكل الناس خلقه بالتساوي‪ ...‬ل فضل لحد على أحد إل بالتقوى‪" ،‬ي•ا أ—ي§ه•ا ال̃ناس‬
‫إ“̃نا خ•—لق™ن•اك‪¤‬م– م“ن– ذ—ك—ر› و•أ‪–¤‬نث—ى و•ج•ع• ™لن•اك‪¤‬م– ش”ع”وبا‪ I‬و•—قب•ا“ئل— ل“ت•ع•ار•ف‪¤‬وا إ“ن‪ œ‬أ—ك™ر•م•ك‪¤‬م– “عن–د• الل‪œ‬ه“ أ—ت–ق—اك‪¤‬م‬
‫‪.‬‬
‫إ“ن‪ œ‬الل‪œ‬ه• ع•ل“يم‪ Ï‬خ•ب“ي"‬

‫فإما اتباع لشرع ال‪ ...‬فهو السلم‪ ،‬وإما اتباع للهواء‪ ...‬فهي الاهلية ف كل‬
‫زمان ومكان‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫والسمة الثالثة الشتركة ف كل جاهلية هي وجود طواغيت ف الرض يهمهم أن‬
‫ين صرف ال ناس عن ع بادة ا ل الوا حد وال كم ب شريعته‪ ،‬ليتحو لوا إ ل ع بادة أولئك‬
‫ال طواغيت وال كم ب شريعتهم ‪ -‬أي بأهوائهم‪ " :‬ال‪œ‬ل ه” و•ل“ ي§ ا ل‪œ‬ذ“ين• آم• ن”وا ”يخ–ر“ج”ه”م– م“ ن‬
‫الظ‪¤ä‬ل م•ات“ إ“ ل—ى ال ن§ور“ و•ا ل‪œ‬ذ“ين• ك— ف—ر”وا أ—و–ل“ ي•اؤ”ه”م” ال ط‪œ‬اغ‪¤‬وت” ”يخ–ر“ ج”ون•ه”م– م“ ن• ال ن§ور“ إ“ ل—ى‬
‫الظ‪¤ä‬ل م•ات"‪ " ،‬ا ل‪œ‬ذ“ي •ن آم• ن”وا ي” ق—ات“ل‪¤‬ون— ف“ي س•ب“يل“ الل‪ œ‬ه“ و•ا ل‪œ‬ذ“ين• ك— ف—ر”وا ”ي ق—ات“ل‪¤‬ون— ف“ي س•ب“يل‬
‫الط‪œ‬اغ‪¤‬وت"‪.‬‬

‫وو جود ال طواغيت سة ملز مة للب عد عن من هج ا ل‪ ...‬فح ي ين حرف ال ناس عن‬


‫الع بادة ال قة‪ ،‬يتوج هون إ ل ع بادة كائ نات أ خرى ‪ -‬بفرد ها‪ ،‬أو بال شراك مع ا ل ‪-‬‬
‫وعندئذ تصبح هذه العبودات طواغيت!‬

‫ويستوي أن يكون الطاغوت فردا‪ ،I‬أو طائفة‪ ،‬أو جاعة‪ ،‬أو عرفا‪ ،I‬أو تقليدا‪ ،I‬أو أي‬
‫قوة تستعبد الناس لا فل يلكون الروج عن أوامرها‪.‬‬

‫والطاغوت ‪ -‬سواء كان فرد‪I‬ا أو طائفة أو جاعة‪ ...‬ال ‪ -‬ل يب للناس أن يؤمنوا‬
‫بال ويعبدوه حق عبادته‪ ،‬فإنه ل يستطيع أن يعيش ويتمكن حيث يكون الولء ل! ول‬
‫يعيش ويتمكن إل بصرف الناس عن عبادة ال‪ ،‬ليتمكن هو من أن يفرض هواه!‬

‫)‪(41‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫و من ث ي قف ال طاغوت دائ ما‪ I‬مو قف ال عداء من العق يدة ال قة‪ ،‬لنه ير يد ا لولء‬
‫لشخصه ومصاله؛ والعقيدة القة تعل الولء ل!‬

‫و من ث كذلك فإن الاهل ية ‪ -‬أي ال نراف عن ع بادة ا ل ‪ -‬تتلزم دائ ما‪ I‬مع‬
‫وجود الطاغوت‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وال سمة الراب عة ال شتركة‪ ،‬و هي مترت بة كذلك ع لى الب عد عن من هج ا ل ‪ -‬وإن‬
‫كانت أسبابا كامنة ف الفطرة البشرية ذاتا ‪ -‬هي النراف ف تيار الشهوات‪.‬‬

‫ال شهوات أ مر م بب للن سان‪" :‬ز”ي‪ ¥‬ن• ل“ل̃نا س“ ح” ب§ ال ش˜ه•و•ات“ م“ ن• الن‪ ¥‬س•اء“ و•ال™•بن“ي‬
‫حر– ث“ ذ—ل“ ك• م• ت•اع‬ ‫و•ال™ق— ن•اط“ي“ ا™لم”ق—ن– ط—ر•ة“ م“ ن• ا لذ‪œ‬ه•ب“ و•ال™ف“ ض˜ة“ و•ا™لخ•ي– ل“ ا™لم” س•̃وم•ة“ و•ال™أ—ن– ع•ام“ و•ال™ •‬
‫‪.‬‬
‫ا™لح•ي•اة“ ال §دن–ي•ا‪"...‬‬

‫وقدر من هذه المور كلها ضروري للحياة البشرية‪ ...‬ضروري لهمة اللفة الت‬
‫يتول ها الن سان ف ا لرض‪ ،‬و من ث كانت "ا لدوافع" ف ك يان الن سان‪ ،‬دوا فع الط عام‬
‫والشراب والسكن واللبس‪ ،‬والنس‪ ،‬والبوز‪ ،‬والتملك)‪ ،(13‬لتربطه بالياة‪ ،‬وتدفعه إل‬
‫الياة‪.‬‬

‫ولكن ها ح ي تز يد عن قدرها الع قول‪ ،‬وت صبح " شهوة " م سيطرة ع لى ك يان‬
‫النسان‪ ،‬فعندئذ ل تؤدي مهمتها الفطرية الت أوجدها ال من أجلها‪ ،‬وإنا تصبح مدمرة‬
‫لك يان الن سان‪ ،‬م بددة لطا قاته‪ ،‬صارفة له عن مه مة الل فة‪ ،‬وهاب طة به عن م ستوى‬
‫النسان الكري الذي كر‪²‬مه ال وعله‪ ،‬إل مستوى البهائم ومستوى الشياطي‪...‬‬

‫وا لذي يد من ا ندفاعها و سيطرتا ع لى ك يان الن سان‪ ...‬هو العق يدة ف ا ل‪،‬‬
‫والياة ف ظل نظام يقوم على شريعة ال!‬

‫والتجربة البشرية الطويلة خلل القرون تؤكد هذه القيقة! إما الهتداء بدى ال‬
‫وإما النراف ف تيار الشهوات‪ ،‬كل الشهوات‪ ...‬وشهوة النس ف مقدمة الشهوات!‬

‫إن النسان ل يكن أن يتنع عن الشهوات أبدا‪ ...I‬إل ل!‬

‫‪ ()13‬انظر فصل " الدوافع والضوابط " من كتاب "دراسات ف النفس النسانية"‪.‬‬

‫)‪(42‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫لقد يشى عقوبة القانون‪ ...‬فيسعى إل التستر على ما يعتبه القانون جرية!‬

‫ولقد يشى الناس‪ ...‬فيتكب جريته ف خفية من الناس!‬

‫ولكنه ل يتنع امتناعا‪ I‬حقيقيا عن الرية إل حي يشى ال‪ ،‬لنه ل ستر من دون‬
‫ال!‬

‫على أن الشاهد ف التاريخ كله أن الاهليات ل تر‪²‬م الفاحشة اللقية على وجه‬
‫التحد يد! ي ستوي ف ذ لك الاهل ية العرب ية‪ ،‬والاهل ية الفار سية‪ ،‬والاهل ية الند ية‪...‬‬
‫واليونانية والرومانية والفرعونية‪ ...‬وجاهلية القرن العشرين!‬

‫وتتلف السباب‪...‬‬

‫فقد يكون السبب هو انشغال الطاغوت الذي يكم ‪ -‬وكل حكم بغي ما أنزل‬
‫ا ل ف هو ال طاغوت ‪ -‬بما ية م صاله القري بة عن كل أ مر عداه‪ ،‬و من ث ل يلت فت إ ل‬
‫انراف الناس ف شؤون النس‪ ،‬ول يعنيه أن يقو‪²‬م هذا النراف‪.‬‬

‫و قد ي كون ال سبب هو ق يام ال طاغوت بن شر الفاح شة ع مدا‪ ،I‬لي ستمتع هو بالت عة‬
‫الرمة‪ ،‬أو لتلهية الناس عن الظلم الواقع عليهم ‪ -‬وكل حكم بغي ما أنزل ال ظلم ‪-‬‬
‫بالنغماس ف ف متع النس الفاحشة‪ ،‬فينسون‪ ،‬وينصرفون عن ماكمة الطاغوت!‬

‫وعلى أية حال فهناك تلزم دائم بي كل جاهلية وبي النراف ف تيار الشهوات‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ت لك سات تبز ف كل جاهل ية ع لى و جه ا لرض خلل التار يخ‪ ...‬و هي جيعا‬
‫ناشئة من السمة الرئيسية الكبى ف كل جاهلية‪ ،‬وهي النراف عن عبادة ال‪.‬‬

‫سات مستركة ل يكن أن تلو منها الاهلية‪...‬‬

‫كانت مو جودة ف الاهل ية العرب ية‪ ،‬و كانت مو جودة ف الاهل يات الفاري سة‬
‫واليونانية والرومانية والفرعونية‪ ...‬وهي كذلك قائمة ف الاهلية الديثة‪ ،‬بل اختلف ف‬
‫غي الصورة الظاهرة‪ ،‬وبل اختلف حت ف الصورة بعض الحيان!‬

‫)‪(43‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ف الاهلية العربية كان النراف عن عبادة ل وحده ‪ -‬عقيدة‪ I‬وشريعة‪ - I‬حيث‬


‫كانت الصنام والوثان ت”عبد إل جوار ال‪ ،‬وحيث كانت قواني الاهلية وعرفها تكم‬
‫بدل‪ I‬من شريعة ا ل‪ ،‬و كانت "ا لهواء" ت سيطر ع لى ت صرفات ال ناس‪ ...‬ال قوي‪ ²‬يغ لب‬
‫ال ضعيف بغ ي حق‪ ،‬والنت صاف ل بالق ول كن ب قوة ا لذراع! و كانت ال طواغيت‪...‬‬
‫طواغيت قريش وغيها من كهنة وسدنة ووضاع للعراف النحرفة والتقاليد‪ ...‬ير‪²‬مون‬
‫ما يشاءون تريه ويلون ما يشاءون تليله‪ ،‬وليس ذلك فقط بل " ”يح“ل‪ä‬ون•ه” ع•اما‪ I‬و•ي”ح•ر‪¥‬م”ون•ه‬
‫ع•اما"‪ ،‬إذا شاءت لم الهواء‪ ،‬ويارسون سلطانا‪ I‬باطل‪ I‬يستذلون به الناس ويتحكمون ف‬
‫ر قابم‪ ...‬و كانت ال شهوات‪ ...‬ال مر والن ساء والي سر‪ ،‬والق تل وال سلب والن هب‪،‬‬
‫والغارات والثأر والفاخرة بالعدوان‪!...‬‬

‫وال يوم على بعد أربعة عشر قرنا‪ I‬من ذ لك التار يخ تقوم الاهلية الديثة‪ ...‬على‬
‫نفس الركان!‬

‫فأما النراف عن عبادة ال ‪ -‬عقيدة‪ I‬وشريعة‪ - I‬فأمر أشهر من أن يشار إليه! أمر‬
‫ل يقف عند حد النراف عن العقيدة ف كثي من حقائقها‪ ،‬والنراف عن الشريعة ف‬
‫كل مظاهرها‪ ...‬وإنا يتعداه إل اللاد الكامل‪ ،‬يتلهى به أفراد‪ ،‬أو تفرضه الطواغيت على‬
‫الناس‪ ،‬وتباركه الشياطي ف جيع الحوال‪.‬‬

‫وأما اتباع الهواء‪ ...‬فليس ف التاريخ قرن ركب رأسه واتبع هواه كما صنع هذا‬
‫ال قرن‪ ...‬ف كل شيء‪ ...‬ف ال شرق و ف ال غرب سواء‪ ...‬من تط يم للع قائد‪ ،‬و لو‬
‫بالقد سات‪ ...‬وع بث ب كل ال ضوابط ا لت ت ضبط ت صرفات الن سان‪ ...‬و "ت قاليع" و‬
‫"مودات " وأفاني من العبث تفوق السبان‪.‬‬

‫وأما الطواغيت‪ ...‬فما أكثرهم! طاغوت الرأسالية تارة‪ ،‬وطاغوت البوليتاريا تارة‪،‬‬
‫وطاغوت الفرد القدس تارة‪ ،‬وطاغوت العرف الفاسد والقيم النحلة تارة‪ ...‬وهي ف كل‬
‫مرة طواغيت!‬

‫وأما الشهوات‪!...‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫تلك سات ل تنجو منها جاهلية ف الرض‪ ...‬ف كل التاريخ‪.‬‬

‫)‪(44‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫فإذا عرفنا هذا القدر الشترك ف كل جاهلية ‪ -‬وسنعود إل تفصيله ف الفصلي‬


‫القادمي ‪ -‬فقد بقي أن نلم ف هذه اللمحة السريعة بالصائص الميزة للجاهلية الديثة ‪-‬‬
‫لتكت مل ف أذهان نا صورتا العامة ‪ -‬و هي خصائص تنبع ف الصل من ال سمة الرئي سية‬
‫الكبى ‪ -‬النراف عن عبادة ال ‪ -‬ولكن الاهلية الديثة تنفرد با من حيث صورتا‬
‫وتف صيلتا‪ ،‬ل نا نتي جة ا لبيئة وال ظروف‪ ،‬و "الت طور" العل مي والسيا سي القت صادي‬
‫والجت ماعي والف كري ا لذي حدث ع لى مب عدة من من هج ا ل‪ ،‬وع لى عداء مع من هج‬
‫ال)‪.(14‬‬

‫لقد كان لكل جاهلية ف التاريخ ساتا الاصة الميزة إل جانب ساتا الشتركة‪...‬‬

‫كانت الاهلية العربية مثل‪ I‬تتميز بوأد البنات‪ ،‬وبأشياء أخرى سخيفة ومضحكة‪،‬‬
‫ك خروج ب عض ال ناس لج ب يت ا ل ا لرام عار يا ‪ -‬ف ا لج! ‪ -‬ر جال‪ I‬ون ساء! وتر ي‬
‫بعض الرث والنعام بل سبب على هذا النحو الضحك‪:‬‬

‫" و•ج•ع• ل‪¤‬وا “لل‪ œ‬ه“ م“ م˜ا ذ—ر•أ— م“ ن• ا™لح•ر– ث“ و•ا™لأ—ن– ع•ام“ ن• ص“يبا‪— I‬ف ق—ال‪¤‬وا ه•ذ—ا ل“ل‪ œ‬ه“ “بز•ع–م“ه“ م– و• ه•ذ—ا‬
‫ل“ش”ر•ك—ائ“ن•ا —فم•ا ك—ان— ل“ش”ر•ك—ائ“ه“م– ف—ل ي•ص“ل‪ ¤‬إ“ل—ى الل‪œ‬ه“ و•م•ا ك—ان— “لل‪œ‬ه“ ف—ه”و• •يص“ل‪ ¤‬إ“ل—ى ش”ر•ك—ائ“ه“م– س•اء‬
‫م•ا •يح–ك‪ ¤‬م”ون—‪ ،‬و• ك—ذ—ل“ك• ز•̃ي ن• “لك—ث“ ي› م“ ن• ا™لم” ش–ر“ك“ي• —قت– ل— أ—و–لد“ه“ م– ش”ر•ك—اؤ”ه”م– “لي”ر–د”وه” م‬
‫و•“لي•ل™“بس”وا ع•—لي–ه“م– د“ين•ه”م– و•ل—و– ش•اء¦ الل‪œ‬ه” م•ا ف—ع•ل‪¤‬وه” ف—ذ—ر–ه”م– و•م•ا ي•ف™ت•ر”ون—‪ ،‬و•ق—ال‪¤‬وا ه•ذ“ه“ أ—ن–ع•ام‪ Ï‬و•ح•ر–ث‬
‫“حج–ر‪ Ï‬ل •يط™ع•م”ه•ا إ“ل‪œ‬ا م•ن– ن•ش•ا̈ء “بز•ع–م“ه“م– و•أ—–نع•ام‪ Ï‬ح”ر‪¥‬م•ت– ظ‪¤‬ه”ور”ها و•أ—ن–ع•ام‪ Ï‬ل ي•ذ™ك‪¤‬ر”ون— اس–م• الل‪œ‬ه‬
‫ع•—لي– ه•ا ا ™ف ت“ر•اء‪ Þ‬ع•—لي– ه“ س•ي•ج–ز“يه“م– “ب م•ا ك—ان”وا ي•ف™ت•ر”و ن—‪ ،‬و• ق—ال‪¤‬وا م•ا ف“ي ب” ط‪¤‬ون“ ه•ذ“ه“ ال™—أن– ع•ام“ خ•ال“ ص•ة‬
‫‪.‬‬
‫“لذ‪¤‬ك‪¤‬ور“ن•ا و•م”ح•̃رم‪ Ï‬ع•ل—ى أ—ز–و•اج“ن•ا و•إ“ن™ •يك‪¤‬ن– م•ي–ت• ‪I‬ة ف—ه”م– ف“يه“ ”شر•ك—اء‪"...‬‬

‫وكانت الاهلية اليونانية تتميز بعبادة العقل‪ ...‬وعبادة السم‪ ...‬والاهلية الرومانية‬
‫بلبات البارزة الوحشية‪ ...‬والاهلية الندية بنظام النبوذين‪ ،‬وبتخصيص بغايا "لدمة"‬
‫العا بد! يدمنها ب بذل أعرا ضهن الدن سة! وي كون ذ لك جزءا‪ I‬من "ا لدين"! والاهل ية‬
‫ال صرية القد ية بع بادة الفر عون وا ستذلل ك يان ال شعب ك له ف خد مة ذ لك الفر عون‬
‫القدس! وجاهلية القرون الوسطى بطغيان الكنيسة والفساد اللقي ف الديرة‪ ،‬وصكوك‬
‫الغفران‪...‬‬

‫وكذلك تتميز الاهلية الديثة بسماتا الاصة الت تفردها بي الاهليات بعد أن‬
‫تشترك معها ف بقية السمات‪...‬‬

‫تلك الصائص يكن حصرها ‪ -‬على وجه التقريب ‪ -‬ف هذه المور‪:‬‬

‫‪ ()14‬انظر الفصل السابق " صفحة من التاريخ"‪.‬‬

‫)‪(45‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫‪ -‬التقدم العلمي الفائق الذي يستخدم ‪ -‬من بي ما يستخدم ‪ -‬ف تضليل البشرية‬
‫عن هدى ال‪ ،‬وف إيقاع الشر والذى بخلوقات ال‪.‬‬

‫‪ -‬تب جح "الن سان" ف مواج هة ا لالق‪ ،‬مفتو نا‪ I‬بن تائج الع لم والت قدم الادي‪ ،‬حت‬
‫ليحسب النسان أنه أصبح ف غن عن ال‪ ،‬أو أنه أصبح هو ال‪.‬‬

‫‪ -‬النظر يات "العلم ية" الت عددة ا لت توجه ال ناس إ ل ال نراف‪ ،‬ف الجت ماع‬
‫والقتصد وعلم النفس‪ ...‬وكل مال من الياة‪.‬‬

‫‪ -‬الفتنة "بالتطور"‪.‬‬

‫‪" -‬ترير" الرأة‪.‬‬

‫وليس هنا مال التفصيل ف ملمح الاهلية الديثة‪ ،‬سواء منها ساتا الاصة أو‬
‫ساتا ال شتركة مع بق ية الاهل يات‪ ،‬فم جال ذ لك ف الف صلي ال قادمي‪ ...‬ولك نا ن قول‬
‫كلمة ف ختام هذا الفصل عن "الفتنة " القائمة ف هذه الاهلية‪...‬‬

‫إن الفتنة الكبى ف هذه الاهلية أنا تلك كثي‪I‬ا من العلم‪ ،‬وكثيا‪ I‬من القوة الادية‪،‬‬
‫وأنا حققت تيسيات حضارية مادية كثية للبشر على ظهر الرض‪ ،‬ينطوي بعضها على‬
‫خي ظاهري ومنافع للناس‪.‬‬

‫ومن أجل ذلك قلنا ف مقدمة الكتاب إن الاهلية الديثة أوعر وأخبث وأعنف من‬
‫كل جاهلية سابقة ف التاريخ‪.‬‬

‫لقد كان "الباطل" ف الاهليات القدية واضح البطلن‪.‬‬

‫وعلى الرغم من الهالة الت كانت ترين على عقول الناس وضمائرهم‪ ،‬فل يرون‬
‫ما ف باطلهم من بطلن‪ ،‬ويتصورون أن الق الذي ي”دع•و–ن إليه هو الباطل‪ ،‬أو السران‪.‬‬

‫ع لى الر غم من ذ لك ف قد كانت "كم ية " ال هل وال شر والبا طل أ قل‪ ...‬و كان‬


‫الدى ‪ -‬على ثقل مهمته ‪ -‬ينتصر ف معركة حاسة فيتبي الق للناس‪ ،‬ول يعودون بعد‬
‫ذلك يترردون‪.‬‬

‫ولكن الباطل اليوم يستند إل "العلم" ويتخذ العلم وسيلته للتضليل!‬

‫)‪(46‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ومن أجل ذلك يلتبس الق بالباطل ف أذهان الناس ول يقدرون على التمييز‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫والقوة الادية كذلك من أسباب الفتنة‪.‬‬

‫وعلى الرغم من أن كل جاهلية ف التاريخ كانت تستند إل لون من ألوان القوة‬


‫الادية تسند به طاغوتا وتفرضه على ضمائر الناس‪ ،‬بيث يأخذون ما يقوله الطاغوت‬
‫قضايا مسلمة ل تناقش ‪ -‬عن رهبة ورغبة! ‪ -‬ويتقبلون سلطانه بل معارضة أو تفكي ف‬
‫العارضة‪ ...‬على الرغم من ذلك فقد كانت تلك القوى الادية ف الاهليات القدية أقل‬
‫ره بة وفت كا‪ I‬وتنظي ما‪ I‬ما هي ال يوم‪ ،‬ف هي ال يوم لي ست أ موال‪ I‬ج بارة فح سب‪ ،‬ولي ست‬
‫أسلحة فتاكة فحسب‪ ...‬بل إل جانبها من وسائل العلم على نطاق واسع ما ل تعرفه‬
‫البشرية ف تاريها كله‪ ،‬تظل تلح على أذهان الناس وضمائرهم‪ ،‬ف الصحافة والذاعة‬
‫والسينما والتليفزيون‪ ،‬حت ييل لم أن الباطل هو الق‪ ،‬وأن الق خيال طائر ليس له ف‬
‫الواقع وجود!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وكذلك ذلك القدر من الي الظاهري والنفع الذي تققه هذه الاهلية للناس‪...‬‬

‫ل قد كان دائ ما‪ I‬ف كل جاهل ية قدر من ال ي ال ظاهري‪ ...‬ول ي كن أن تو جد‬


‫جاهلية ف أية لظة على الرض خلو من الي كله‪ ...‬فليس ذلك من طبائع الشياء ول‬
‫طبائع النفوس‪.‬‬

‫إن الكيان البشري ‪ -‬مهما فسد ‪ -‬ل يكن أن يتمحض للشر ف مموعه!‬

‫قد يفعل ذلك أفراد‪ ...‬يغلب عليهم الشر حت ل ي”رى فيهم وجه الي‪.‬‬

‫ولكن مموع البشرية ل يكن أن يفعل ذلك‪ ،‬سيظل فيهم قدر من الي ف جيع‬
‫الحوال‪ ،‬ومن هذا القدر التبقي ف النفس البشرية ‪ -‬ف أسوأ حالتا ‪ -‬يتجمع ف كل‬
‫جاهلية قدر من الي الظاهري ‪ -‬ظاهري لنه ل يستند إل "الق" ول ينبع من النهج‬
‫الصحيح‪ ،‬ومن ث يذهب بددا‪ I‬ف واقع الياة ‪ -‬ولكنه يزيغ أبصار الناس فيحسبون أنم‬
‫ليسوا ف جاهلية‪"...‬و•ي•ح–س•ب”ون— أ—̃نه”م– م”ه–ت•د”ون—"‪.‬‬

‫)‪(47‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ولكن هذه الاهلية الديثة تقق للناس من النفع ‪ -‬بإمكانياتا العلمية والادية ‪ -‬ما‬
‫ل يتحقق ف نوعه وكميته ف كل عصور التاريخ! ومن هنا تزيغ أبصار الناس أكثر ما‬
‫زاغت ف أي وقت مضى‪ ...‬ويسبون أنم مهتدون!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫هذا الطغيان العنيف للجاهلية الديثة ‪ -‬التمثل ف فتنة الناس با إل هذا الد ‪-‬‬
‫ناشئ من عنف النراف عن منهج ال! فعلى قدر انراف الناس تكون قوة الطاغوت‪...‬‬
‫و قد ا نرف ال ناس ف هذا الع صر عن الن هج الر بان أع نف ا نراف شهدته الب شرية ف‬
‫تاريها كله‪ ...‬ومن أجل ذلك كانت قوة الطاغوت أعلى ما وصلت إليه ف كل مراحل‬
‫التاريخ‪...‬‬

‫والع لم وال قوة والتنظ يم‪ ...‬و هي سات هذا الع صر وعبقر ياته‪ ...‬أدوات تدم‬
‫الطاغوت اليوم‪ ،‬لنا بطبيعتها طاقات مايدة تدم السيد الذي يسيطر عليها‪...‬‬

‫وف وسع البشرية غدا‪ I‬حي تتدي إل ال الق‪ ،‬أن تستخدم هذه الدوات كلها ف‬
‫سبيل الي‪ ...‬الي القيقي الشامل لموع البشرية‪...‬‬

‫وح سب ال ناس ‪ -‬الف توني بذه الاهل ية الطاغ ية ‪ -‬أن يروا كم أف سدت هذه‬
‫الاهلية من أحوالم ومشاعرهم‪ ،‬وكم ضيعت من فرص الي الشامل الت كان يكن أن‬
‫تصيبهم‪ ،‬ليعرفوا أن كل النفع الذي تقدمه لم الاهلية اليوم ‪ -‬ف عمل العلم على تيسي‬
‫الياة لم على الرض‪ ،‬وف الدمات الطبية والجتماعية‪.‬‬

‫و "العدالة" الزئية الت ينالونا ف هذا النظام أو ذاك ‪ -‬إنا هو فتات ضئيل ينثره‬
‫الطاغوت على الناس ليبر بقاءه ف الرض‪ ،‬ولتستنيم له عواطف " الماهي " بينما هو‬
‫يستمتع وحده بسلطان مروع يستذل به رقاب اللق‪ ،‬ل يتجمع قط ف أي طاغوت ف‬
‫التاريخ‪...‬‬

‫عند ذلك سيعرفون أنم يعيشون ف الاهلية حقا‪ ...‬وأن هذه الاهلية ينبغي أن‬
‫تزول!‬

‫و ف الف صلي ال قادمي نت حدث عن مدى الف ساد ا لذي أ حدثته الاهل ية ف‬
‫الرض‪...‬‬

‫)‪(48‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫فساد ف التصور‪...‬‬

‫وفساد ف السلوك‪...‬‬

‫)‪(49‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫فساد ف التصور‬
‫ل تدع الاهلية الديثة شيئ‪I‬ا ف عال التصور بل فساد!‬

‫فل قد أف سدت كل ت صورات الن سان وارتبا طاته‪ ...‬بال وال كون وال ياة‪...‬‬
‫والنسان!‬

‫هناك انراف رئيسي ف تصور القيقة اللية‪ ،‬وعلقة النسان بال‪.‬‬

‫وانراف ف تصور الكون‪ ،‬وعلقته بال‪ ،‬وعلقة النسان به وعلقته بالنسان‪.‬‬

‫وانراف ف تصور الياة وارتباطاتا وأهدافها‪.‬‬

‫وا نراف ف ت صور الن فس الب شرية‪ ،‬وارتبا طات الن سان بالن سان‪ ،‬فرد‪I‬ا وجا عة‬
‫وجنسي‪.‬‬

‫وباختصار هو انراف يشمل كل حياة النسان‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫والاهلية الديثة ‪ -‬كما قلنا من قبل ‪ -‬هي خلصة الاهليات الوروبية القدية‬
‫كلها‪ ،‬وعليها مزيد! ففيها مياث من الاهلية اليونانية والاهلية الرومانية وجاهلية القرون‬
‫الوسطى‪ ...‬مضافا‪ I‬إليه مزيد جاءت به القرون الديثة على يد الفكرين " والعلماء" من‬
‫كبار اليهود ومن تبعهم من "الميي"!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫لقد تبطت أوروبا ف تصورها للحقيقة اللية تبطات شت‪ ،‬سواء ف الفلسفة أو‬
‫العلم أو واقع الياة‪...‬‬

‫و لن نت عرض طويل‪ I‬لنرا فات العق يدة ف ت صور ا لذات الل ية وت صور الوحدان ية‬
‫الطلقة‪ ،‬إذ يكفينا ف ذلك ‪ -‬كما بينا من قبل ‪ -‬شهادة دريب المريكي ف كتاب "الناع‬
‫ب ي الع لم وا لدين"‪ ،‬ا لت قال في ها إن ق سطنطي ‪ -‬ا لذي فرض ال سيحية فر ضا‪ I‬ع لى‬

‫)‪(50‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫المباطورية الرومانية ‪ -‬قد مزج كثيا‪ I‬من الفاهيم الوثنية بالعقيدة الديدة‪ ،‬تأليفا‪ I‬لقلوب‬
‫الوثنيي وأمل‪ I‬ف أن يدخلوا ف الدين الديد‪!...‬‬

‫ولكنا نعرض لوهم ضخم عاشت فيه أوروبا السيحية ف العصور الوسطى وأوروبا‬
‫اللحدة ف العصور الديثة‪ ...‬سواء‪.‬‬

‫ذلك ظنهم بأن الدين علقة بي العبد والرب‪ ...‬ل شأن له بواقع الياة!‬

‫ظنهم بأن العقيدة تكون ما تكون‪ ...‬ف داخل القلب‪ ،‬ف أعماق الوجدان‪ ...‬ث‬
‫يكون واقع الياة مستقل عن العقيدة‪ ،‬يسي ف طريقه بل تأثر بذلك الشعور الكنون!‬

‫و•ه–م‪ Ï‬من أوهام الاهلية‪!...‬‬

‫إن العقيدة هي الياة! سواء صحت العقيدة أم دخلها الفساد‪ ...‬فهي تلقي ظلها‬
‫على الياة البشرية كلها‪ ،‬ل يفلت منها شعور واحد ول عمل واحد‪ ،‬يستقل بعاله الاص‬
‫بعيدا‪ I‬عن العقيدة ف ال!‬

‫ول قد كان هذا الف صل ب ي ا لدين والوا قع؛ ب ي ال شعور وال سلوك؛ ب ي العق يدة‬
‫والشريعة‪ ،‬من أكب الماقات ف جاهلية العصور الوسطى الوروبية‪ ،‬ف عصر الظلمات‪،‬‬
‫ولكن هل انفصل بالفعل الدين عن واقع الياة؟‬

‫كل! إن ا لذي حدث بالفعل‪ ،‬ول بد أن يدث‪ ،‬أن العق يدة الفا سدة أل قت ظلها‬
‫على الياة الوروبية‪ ،‬ففسدت كلها‪ ،‬ف تدرج بطيء‪ ،‬حت صارت كلها تعج بالفساد!‬

‫إن الياة ل يكن أن تنفصل عن العقيدة‪.‬‬

‫فما العقيدة؟‬

‫إنا ليست مرد وجدان ف داخل الضمي‪.‬‬

‫إ نا قا عدة ي قوم علي ها "ت صور" كا مل للح ياة وارتباطا تا‪ ،‬ومر كز الن سان من‬
‫الكون‪ ،‬ومركزه من الوجود‪.‬‬

‫ولقد يبدو الدين ف نفوس السذج البسطاء من الناس مرد وجدان ف ضمائرهم‪،‬‬
‫ول كن هذه لي ست حقي قة‪ ،‬ف حت هؤلء ال سذج الب سطاء من ال ناس‪ ،‬ا لذي ل يفل سفون‬

‫)‪(51‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫المور بعقولم‪ ،‬ول يعيشون تفاصيل الياة بوعيهم‪ ،‬يقفون ‪ -‬بوجدانم الدين الالص ‪-‬‬
‫موق فا‪ I‬معي نا‪ I‬من ال ياة‪ ،‬ف هم يقب لون من ها أ شياء ويرف ضون من ها أ شياء‪ ،‬و هم يف سرون‬
‫ارتباطات الشياء بعضها ببعض على صورة معينة‪ ،‬مستمدة من هذا الوجدان‪.‬‬

‫وإذن‪ ،‬فالدين ‪ -‬حت ف هذه النفوس الساذجة ‪ -‬موقف معي من الياة‪ ،‬وتصور‬
‫معي للحياة‪.‬‬

‫والذين يرون الدين ‪ -‬ف فترات الاهلية ‪ -‬ضعيف الثر ف حياة الناس وواقعهم‪،‬‬
‫”ي غ–رون بالظن أن الدين هكذا‪ ...‬ضعيف الصلة بالواقع؛ وأن الواقع مستقل عن العقيدة؛‬
‫مكوم بأسباب أخرى وروابط أخرى ل صلة لا بالدين!‬

‫وذلك الظن ذاته أثر من آثار الاهلية‪ ،‬وإفسادها للتصور البشري!‬

‫إنه حي يضعف أثر الدين ف حياة الناس الواقعية فمعن ذلك أن العقيدة قد فسدت‬
‫ف النفوس! ومعناه كذلك بالتال أن الياة كلها ل تسي سيها الطبيعي‪ ،‬وأنا واقعة ل‬
‫مالة ف لون من ألوان النراف‪ ...‬تبدو آثاره التمية بعد حي‪.‬‬

‫حي يضعف أثر الدين ف حياة الناس الواقعية فمعن ذلك أن الناس ل يعبدون ال!‬
‫ل يعبدونه حق عبادته‪ ،‬ل يفردونه بالعبادة‪ ،‬ويشركون معه آلة أخرى‪ ،‬هي الت يك¡مونا‬
‫ف حياتم الواقعية بدل‪ I‬من أن يكموا ال ومنهج ال‪.‬‬

‫وذلك أول الفساد ف العقيدة‪ ،‬أول "التعدد" الذي تتسم به الاهليات كلها على‬
‫مدار التاريخ‪.‬‬

‫وهذه السمة الاهلية‪ :‬تعدد اللة‪ ،‬ومن ث ضعف أثر العقيدة ف عال الواقع‪ ،‬لتوزع‬
‫إشعاعاتا وانكسارها‪ ،‬بدل‪ I‬من تمعها ووحدة اتاهها‪ ،‬هذه السمة تتبعها حتما‪ I‬نتائجها‪،‬‬
‫وإن كانت بطيئة ف ظهورها‪ ،‬فل يسها الناس ف بلدة وعيهم إل بعد حي!‬

‫أول نتائجها توز§ع خطى الكائن البشري على الرض! خطوة مشدودة إل ال‪،‬‬
‫وخطوة مشدودة إل "الواقع"! الواقع النحرف الذي شرد عن منهج ال‪ ،‬وتضارب القيم‬
‫ف ن فس الن سان‪ ،‬ت لك قي مة عال ية بالنظر إ ل الن هج الر بان وهاب طة بالنظر إ ل الوا قع‬
‫النحرف عن منهج ال‪ ،‬وتلك قيمة مرمة ف النهج الربان‪ ،‬وهي " مطلوبة" أو "ضرورية"‬
‫ف واقع الياة!‬

‫)‪(52‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫و لذا ال توزع ثقل ته ع لى م شاعر ال ناس و ضمائرهم‪ ...‬وإن ل ي سوا با ف بلدة‬


‫وعيهم إل بعد أجيال!‬

‫وينطلق "الواقع" بعيدا‪ I‬عن إشعاع العقيدة‪ ...‬أي تنطلق "اللة" الديدة بعيدا‪ I‬عن‬
‫منهج "ال"‪ ،‬فتفسد الرض‪.‬‬

‫ينطلق "الواقع" خاضعا‪ I‬للهواء‪ ،‬خاضعا‪ I‬للطاغوت‪ ،‬خاضعا‪ I‬للشهوات‪ ...‬ومن ث‬


‫يزداد فسادا‪ I‬على فساد‪ ،‬وينتهي به المر إل البوار‪ ،‬حي يصبح "ال" آخر معبود ي”عبد‪،‬‬
‫وتكون "اللة" هي السيطرة على الياة‪...‬‬

‫وتلك قصة أوروبا!‬

‫قصة طويلة تستغرق بضعة قرون‪...‬‬

‫بدأت أول ما بدأت بفصل "الدين" عن "الواقع"‪.‬‬

‫ث جاءت "النهضة" فباعدت بي الدين والياة‪...‬‬

‫إن أوروبا ف جاهلية القرون الوسطى ل تفهم على وجهه الصحيح قول السيح‬
‫عليه السلم‪" :‬أع طوا ما لقيصر لقيصر‪ ،‬وما ل ل")‪ ،(15‬و ل ت سمع لقوله عليه السلم‪:‬‬
‫"و•م”ص•د‪¥‬قا‪“ I‬لم•ا •بي–ن• ي•د•ي˜ م“ن• ال̃تو–ر•اة“ و•“لأ‪¤‬ح“ل‪ œ‬ل—ك‪¤‬م– •بع–ض• ا‪œ‬لذ“ي ح”ر‪¥‬م• ع•ل—–يك‪¤‬م–"‪.‬‬

‫وربا كانت هناك ظروف تاريية ساعدت على هذا النراف‪ ،‬فالسيحية ‪ -‬كما‬
‫ي قول "ليوبو لدفايس"‪ ،‬الست شرق ا لذي أع لن إ سلمه و صار ا سه "م مد أ سد" ف ك تابه‬
‫"السلم على مفترق الطرق" ‪ -‬ل تكن تلك أن تبسط سلطانا على المباطورية الكبية‬
‫الت تكم بقتضى القانون الرومان‪ ،‬والت كان "الدين" فيها مظهرا‪ I‬خاويا‪ I‬من القيقة‪،‬‬
‫فلما فرض قسطنطي السيحية على المباطورية ف القرن الثالث اليلدي‪ ،‬ل يفرضها إل‬
‫عقيدة وجدانية ل تكم الواقع بتشريعها الربان‪ ،‬فقد كان ‪ -‬حت ف عال العقيدة البحتة‬
‫‪ -‬يزج الوثنية الرومانية بدين ال‪ ...‬فما بالك بالتشريع؟!‬

‫ومع ذلك فبحكم تمس الناس للعقيدة الديدة كان لا سيطرة ‪ -‬جزئية ‪ -‬على‬
‫الواقع الذي يعيشونه‪.‬‬

‫‪ ()15‬إنيل مت إصحاح ‪ 22‬آية ‪.21‬‬

‫)‪(53‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫فلما جاءت "النهضة" تغي اليزان‪ ...‬ل يعد مركز الثقل هو العقيدة‪ ،‬وإنا أصبحت‬
‫الر كة الد يدة ‪ -‬ا لت ت ستمد من اليلين ية القد ية مفاهيم ها الفكر ية وت صوراتا ‪ -‬هي‬
‫الوجه الديد الذي أخذ ‪ -‬ف تدرج بطيء ‪ -‬يسيطر على الياة‪.‬‬

‫أخذ مركز الثقل ينتقل من "ال " إل "اللة"‪.‬‬

‫وكان لذلك سببان كبيان‪ ،‬أحدها واضح ف الشعور والفكر‪ ،‬والخر خف ي‪ ²‬ف‬
‫العماق‪.‬‬

‫فأ ما ال سبب ال ظاهر ف قد ت ثل ف حرب الكني سة للعل ماء والع لم‪ ،‬و كل مف هوم‬
‫للحركة والتطور‪ ،‬خوف‪I‬ا على سلطانا التقليدي أن يزحزحه العلم عن مكانه‪ ،‬ويستبدل به‬
‫سلطانا‪ I‬آ خر ل ت كون الكني سة طرفا ف يه‪ ،‬فلما و لدت الر كة "العلمية" كانت بطبيعتها‬
‫معاد ية للكني سة أو ع لى ال قل مبا عدة ل سلطانا؛ ك ما كانت كذلك "النه ضة" الفكر ية‬
‫والضارية‪ ،‬لنا حركة وتطور‪ ،‬مالفة لرادة الكنيسة ف تثبيت الوضاع على ما هي‬
‫عليه إل آخر الزمان‪.‬‬

‫و كان طبيع يا أن ت سيطر النه ضة الفكر ية وال ضارية ع لى ال ياة الواقع ية‪ ،‬ل نا‬
‫بطبيعتها متصلة بالواقع الرضي والياة اليومية‪ ،‬وما دامت الكنيسة ل تبارك هذه النهضة‬
‫ول تواكبها‪ ،‬فقد كان المر النطقي مع الظروف هو استمرار التباعد بي الياة الواقعية و‬
‫"هذا" الدين الذي تثله هذه الكنيسة‪.‬‬

‫ول قد كانت ت لك هي الفر صة النا سبة لت صحيح الو ضاع كل ها‪ ،‬وا لروج من‬
‫الاهلية الشاملة إل منهج ال الق‪ ،‬ولكن أوروبا ‪ -‬كما بينا من قبل ‪ -‬قد رفضت هذه‬
‫الفرصة التاحة‪ ،‬بدافع من الروح الصليبية الغالبة عليها‪ ،‬فأخذت من السلمي علومهم‪،‬‬
‫و مذهبهم التجر يب‪ ،‬وم ظاهر ح ضارتم‪ ،‬وأ بت أن تأ خذ الن هج الر بان ا لذي ي قوم عل يه‬
‫الب ناء ك له‪ ،‬ف كان بناؤ ها م نذ اللحظة ا لول "للنهضة" منحر فا‪ I‬عن منهج ال‪ ،‬ذ لك هو‬
‫السبب الظاهر‪.‬‬

‫أما السبب الفي فهو ذلك الياث النكد من الاهلية اليونانية القدية‪ ،‬الذي بعثته‬
‫اليلينية العائدة ف أعماق الضمي الوروب‪.‬‬

‫بروميثيوس‪ ،‬سارق النار‪...‬‬

‫إنه هو "النسإن "الوروب الديث!‬

‫)‪(54‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫لقد فعلت هذه السطورة فعلها ف مشاعر الوروبيي وضمائرهم‪ ،‬فجعلتهم ‪ -‬هي‬
‫وأمثالا ‪ -‬وهم يكتسبون العرفة‪ ،‬يسون بالعداوة مع ال!‬

‫لقد وقر ف أخلدهم من هذه السطورة وأمثالا أن ال ‪ -‬أو اللة! ‪ -‬ل يبون‬
‫للنسان الي‪ ،‬وبصفة خاصة ل يبون له "العرفة"‪ ،‬وإنا تؤخذ العرفة اغتصابا‪ I‬من ال ‪-‬‬
‫أو اللة ‪ -‬ويتحقق الي على كره وعداء‪.‬‬

‫ووقر ف أخلدهم ‪ -‬كما قال جوليان هكسلي صراحة ف كتابه "النسان ف العال‬
‫ا لديث" ‪ -‬أن ال هل والع جز ف قط ها ال لذان ي ضعان الن سان ل! فإذا زادت معرف ته‬
‫وقوته فل موجب إذن لفكرة ال‪ ،‬وما يرتبط با من عبادات‪ ...‬وليكن النسان هو ال!‬

‫و ل ت صل ا لمور إ ل هذا ا لد دف عة وا حدة بطبي عة ا لال‪ ،‬فط بائع الن فوس بطيئة‬
‫التحول‪ ،‬وخاصة ف شئون العقيدة‪ ،‬ومن ث تتاج إل زمن طويل يتد إل أجيال‪.‬‬

‫ف الرحلة الوسطى قامت عبادة " الطبيعة " بدل‪ I‬من عبادة ال‪.‬‬

‫وكانت الطبيعة مهربا‪ I‬وجدانيا من إله الكنيسة الذي تستعبد الناس باسه‪ ،‬وتفرض‬
‫علي هم ال تاوات والع شور‪ ،‬والد مة الان ية ف أرض الكني سة والد مة الع سكرية ف‬
‫جيو شها‪ ،‬وت ستذل الر قاب "لر جال ا لدين"‪ ،‬كانت إ لا‪ I‬ل كني سة له ول فرائض‪ ...‬ول‬
‫التزامات كذلك‪ ،‬إلا‪ I‬يستجيب لرغبة الفطرة ف التوجه إل "الالق" بالعبادة‪ ،‬وف الوقت‬
‫نفسه يستجيب لرغبة أوروبا ف الفرار من سلطان "الدين" كما مارسته الكنيسة الوروبية‬
‫بضعة قرون‪.‬‬

‫و ف ا لوقت ا لذي كانت الطبي عة ف يه ت”ع بد ع لى هذا الن حو‪ ،‬كان "ا ل" ل يزال‬
‫مو جودا‪ I‬ف ضمائر ا لوروبيي‪ ،‬يتوج هون له بالو جدان‪ ،‬ويع بدونه دا خل الكني سة‪،‬‬
‫ويصوغون من وحي منهجه بقية من أخلقهم وتقاليدهم‪ ...‬بكم العادة أكثر من حكم‬
‫اليان‪.‬‬

‫وهكذا تعددت اللة العبودة‪ ،‬وتعقدت بينها العلقات!‬

‫ال‪ ،‬البوب الرهوب‪ ،‬مرتبط بلحظة الصلة ف الكنيسة‪ ،‬و "بعض" لظات الياة‬
‫العابرة‪ ...‬بل ميزان‪.‬‬

‫والطبيعة‪ ،‬البوبة الرهوبة‪ ،‬مرتبطة بالشاعر الفنية من ناحية‪ ،‬فقد راحت الركة‬
‫الرومانتيكية توليها عناية زائدة‪ ،‬وتصوغ حولا أشعارها ورسومها ووجداناتا؛ وبالتقدم‬

‫)‪(55‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫العلمي من ناحية أخرى‪ ،‬فقد أخذ العلماء يكتشفون "القواني الطبيعية" الت تسي‪²‬ر الكون‪،‬‬
‫وينسبونا إل هذه "الطبيعة" كقضية مسلمة ل يناقشها العقل‪ ،‬ول منطق العلم ذاته الذي‬
‫يكتشف هذه القواني!‬

‫والدولة وقوانينها هي الله الثالث الذي تعبده الماهي راضية أو كارهة‪ ...‬وتضع‬
‫لسلطانه خضوعها ل‪.‬‬

‫وهكذا تفرق الدين الواحد ثلث شعب متنافرة‪ ،‬ل شعبتي فحسب كما كان ف‬
‫جاهلية القرون الوسطى‪ ،‬حي كان عقيدة وشريعة منفصلتي‪ ،‬يكم كل منهما إله‪.‬‬

‫ث حدث بالتدريج تول آخر‪...‬‬

‫صار "ال" نسيا‪ I‬منسيا ف قلوب الوروبيي‪.‬‬

‫قل سلطانه على الشاعر وسلطانه على السلوك‪.‬‬

‫وبرز بدل‪ I‬منه "النسان"!‬

‫لقد انار القطاع وجاء على أعقابه ‪ -‬بعد مولد اللة ‪ -‬النقلب الصناعي‪ ،‬وجاء‬
‫معه انقلب ف الشاعر والفكار‪.‬‬

‫جاء النقلب ال صناعي ف هذه الاهل ية ا لت ل تع بد ا ل ‪ -‬إل من "ال ظاهر" ‪-‬‬


‫فاتسم بسمات الاهلية الاكمة‪ ...‬ولكنه دفعها دفعة جديدة ف الطريق‪.‬‬

‫فلئن كانت عوا طف الريفي ي وو جداناتم ترت بط بال وتع بده ‪ -‬مع إ شراك ال لة‬
‫الخرى ‪ -‬لنم يتطلعون إليه ف إنبات الب وإنضاج الثمر ومباركة الرض وحفظها‬
‫من ال صقيع أو ال فات‪ ...‬ف قد كانت عوا طف سكان الدي نة وو جداناتا ‪ -‬ا لت ت سيطر‬
‫عليها الاهلية ‪ -‬ل ترتبط بال ذلك الرتباط!‬

‫إن "النسإن" هو الذي يقوم بعملية النتاج ف الدينة‪ ،‬وليس "ال"! كذلك ظنت‬
‫الاهلية ف النقلب الصناعي‪ ،‬أو كذلك أريد لا أن تكون‪.‬‬

‫إن النسإن "بعلمه" هو الذي عرف خواص الادة‪ ،‬وبعلمه اخترع اللة الت تقوم‬
‫بالنتاج‪...‬‬

‫)‪(56‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫والن سان هو ا لذي يدير ال لة ‪ -‬ويقف ها إذا أراد ‪ -‬و هو ا لذي ي ضع في ها ا لادة‬
‫الامة لتخرج من الناحية الخرى مادة مصنعة‪...‬‬

‫وإذن فالول عبادة النسان الصانع‪ ،‬بدل‪ I‬من عبادة ال!‬

‫وف تلك الثناء كانت "الطبيعة" قد فقدت سحرها وألوهيتها ف ضمائر الناس!‬

‫فمن ناحية ل يعد الفن معنيا بالطبيعة كما كان ف الفترة الرومانتيكية السابقة‪ ،‬وإنا‬
‫صار ‪ -‬ف الفترة "الواقعية" ‪ -‬معنيا بالله الديد‪ ...‬بالنسان!‬

‫و من ناح ية أ خرى ك شف الع لم الغ طاء عن كثي من "أ سرار" الطبي عة‪ ،‬وزاد ف‬
‫الوقت ذاته من سيطرة النسان عليها‪ ،‬فلم يعد لا سلطان!‬

‫وبذلك انتقلت اللوهية من ال‪ ،‬والطبيعة‪ ،‬وتركزت ف النسان‪...‬‬

‫وف تلك الفترة قال النسان‪ :‬إنه من العار عليه أن يعبد ال! من العار أن يعبد قوة‬
‫غيبية ل تدركها الواس! من العار أن يأخذ من هذه القوة الغيبية الت ل يرها ‪ -‬ولن يراها‬
‫‪ -‬أخلقه وأفكاره ومشاعره وتقاليده‪ ...‬من العار أن تشرع له قوة أسطورية ل وجود لا‬
‫ف الواقع‪ ،‬فيطيع تشريعاتا طاعة عمياء‪ ...‬ل يناقش‪ ،‬ول ينقد‪ ،‬ول بيدي "رأيه" ف هذه‬
‫الشريعة النلة‪ ...‬منلة من عال الساطي!‬

‫ل قد شب الن سان عن ال طوق! ل ي عد يل يق به أن ي صنع ما كان ي صنعه ف أ يام‬


‫الهالة‪ ،‬أيام الضعف‪ ،‬يوم ل يكن يعرف حقيقة الكون من حوله‪ ،‬ول يستطيع أن يسيطر‬
‫ع لى ا لبيئة والطبي عة‪ ،‬ل ي عد يل يق به أن يع بد ا ل‪ ،‬أو ي سمع كلم ا ل‪ ،‬أو يصيخ لوامر‬
‫ال‪...‬‬

‫ينب غي أن ي ضع كل شيء مو ضع الن قد والتمح يص‪ ...‬والق ياس هو "الع قل"‬


‫النسان‪ ،‬فما وافق عليه هذا العقل فهو الصواب الذي ينبغي أن ينفذ‪ ،‬وما خالفه فباطل‬
‫وأساطي‪...‬‬

‫وينبغي أن يكون النسان هو الشرع‪ ...‬هو الذي يشرع لياته‪ ،‬فهو أدرى بنفسه‬
‫وحاجاته وظروفه التطورة من ذلك "الله" الذي كان ف القرون الوسطى‪ ،‬ول يكن يرى‬
‫من المور إل ما كان قائما‪ I‬وقتذاك‪.‬‬

‫)‪(57‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ينبغي أن يصنع النسان حياته بنفسه)‪ (16‬ل شريك له ف هذا الوجود!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ث مضى النراف خطوة أخرى ذهبت حت بعبادة "النسان"!‬

‫ولكن قبل أن ندخل ف هذه الرحلة الخية‪ ،‬القائمة اليوم ف ذروة الاهلية الالية‪،‬‬
‫ينبغي أن نلتفت إل آثار الاهليات التعددة ف هذه التصورات النحرفة لقيقة اللوهية‪...‬‬

‫فمن قبل لسنا أثر الاهلية اليونانية ف إحداث البغضاء والنفور بي النسان وال‪...‬‬

‫وهنا نلمس أثر الاهلية الرومانية ف اليان با تدركه الواس وحده‪ ،‬وإسقاط ما‬
‫ل تدركه الواس من الساب‪ ،‬فما دام ال ل تدركه الواس‪ ،‬فل ضرورة لليان به‪...‬‬
‫والفضل عدم اليان!‬

‫و مرة أ خرى تعود الاهل ية اليونان ية ف تبز ف الاهل ية الدي ثة و هي تضع "العقل"‬
‫النسان ف مركز القداسة‪ ،‬حت ليصبح هو الله الذي يتحكم ف وحي ال‪ ،‬بل ف وجود‬
‫ال ذاته إذا شاء!‬

‫ت نتتبع الاهلية اليونانية مرة أخرى ف مشاعر "الصراع" بي النسان وال‪...‬‬

‫فحي كان ال هو العبود ف أوائل عهد النهضة‪ ،‬كان الصراع قائما‪ I‬مباشرة بي‬
‫النسان وال؛ يضع النسان ل عن جهل وعن ضعف‪ ،‬فإذا تعلم وتقوى ارتفع ف نظر‬
‫نفسه درجة‪ ،‬وهبط الله ف حسه بنفس القدر! وكلما تعلم زاد ارتفاعا‪ I‬وزاد هبوط الله‬
‫حت ييء اليوم الذي " يلق " فيه النسان الياة‪ ،‬فيصبح هو ال!‬

‫وح ي كانت الطبي عة مع بودا‪ I‬مع ا ل‪ ،‬كان ال صراع قائ ما‪ I‬ب ي الن سان والطبي عة!‬
‫فالن سان ياول "ق هر" الطبي عة! والن سإن "ي نتزع" أ سرار الطبي عة‪ ...‬ك ما كان ي صنع‬
‫"بروميثيوس" القدي!‬

‫فلما صار النسان هو العبود‪ ،‬ظل الصراع النكد قائما‪ I‬بي النسان والنسان! بي‬
‫النسان العابد والنسان العبود! صراع يتمثل ف صراع الفرد مع الماعة‪ ،‬وصراع الفرد‬

‫‪ " Man Makes Himself " ()16‬عنوان كتاب لكاتب أمريكي معاصر اسه جوردون تشايلد‪.‬‬

‫)‪(58‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫مع الدولة‪ ،‬وصراع الفرد مع "القيم" السائدة ف متمعه‪ ،‬وصراع الفرد مع طاقاته الفردية‬
‫ذاتا‪ ...‬ف داخل إطار النسان!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫هذه ال صراعات ا لخية ب ي الن سان والن سان‪ ...‬هي ا لت ذه بت بع بادة‬
‫"النسان"!‬

‫لقد اكتشف هذا النسان ‪ -‬رغم استمراره ف التبجح إزاء خالقه‪ ،‬وإصراره على‬
‫عدم إطاعته ‪ -‬أنه ليس الله القيقي ف هذه الرض!‬

‫إن هناك آلة أخرى كشف عنها "البحث العلمي" ف تاريخ النسان! البحث الذي‬
‫نم عن صراعات النسان مع النسان!‬

‫هناك "التميات"‪...‬‬

‫التمية القتصادية‪ ،‬والتمية الجتماعية‪ ...‬والتمية التاريية‪ ...‬تتحكم كلها ف‬


‫مصي النسان‪.‬‬

‫إنا "القدر " التمي الذي ل يرد‪ ...‬القدر الذي يسيطر على حياة النسان‪ ،‬وهو‬
‫مستقل عن إرادة النسان‪.‬‬

‫يقول ماركس‪" :‬ف النتاج الجتماعي الذي يزاوله الناس‪ ،‬تراهم يقيمون علقات‬
‫مدودة ل غن لم عنها‪ ،‬وهي مستقلة عن إرادتم‪ ،‬فأسلوب النتاج ف الياة الادية هو‬
‫الذي يدد صورة العمليات الجتماعية والسياسية والعنوية ف الياة‪ ،‬ليس شعور الناس‬
‫هو الذي يعي وجودهم‪ ،‬بل إن وجودهم هو الذي يعي مشاعرهم"‪.‬‬

‫ويقول "إنلز"‪" :‬تبدأ النظرية الادية من البدأ الت‪ :‬وهو أن النتاج وما يصاحبه‬
‫من تبادل النتجات هو الساس الذي يقوم عليه كل نظام اجتماعي‪ ،‬فحسب هذه النظرية‬
‫ند أن السباب النهائية لكافة التغيات أو التحولت الساسية ل يوز البحث عنها ف‬
‫عقول الناس‪ ،‬أو ف سعيهم وراء الق والعدل الزليي‪ ،‬وإنا ف التغيات الت تطرأ على‬
‫أسلوب النتاج والتبادل"‪.‬‬

‫)‪(59‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وه كذا ت قوم هذه ال لة ‪ -‬التم ية ‪ -‬ب صياغة ح ياة ال ناس وت سيي خ طواتم ع لى‬
‫ا لرض‪ ،‬دو نا اعت بار ل شاعر ال ناس وأف كارهم‪ ،‬و سعيهم وراء ا لق وال عدل ا لزليي أو‬
‫ان صرافهم‪ ...‬إ نا آ لة ل ت ستجيب "ل شاعر" ال ناس‪ ،‬ول تتعا مل مع "نفو سهم" ك ما‬
‫ي ستجيب ا ل للم شاعر ويتعا مل مع الن فوس‪ ،‬ول حت كآ لة الاهل يات ا لول ‪ -‬ر غم‬
‫انرافها‪ ،‬وصراعها الوحشي مع النسان ‪ -‬وإنا تسي ف حتميتها الرسومة ف صرامة آلية‬
‫مذلة لكرامة النسان!‬

‫وهكذا ظل "النسان" ينحدر ف عبادته ويتدهور! من عبادة ال مع إشراك آلة‬


‫أخرى ‪ -‬إل عبادة الطبيعة ‪ -‬إل عبادة ذاته‪ ،‬وما تل ذلك من صراعات مدمرة ‪ -‬إل‬
‫ع بادة ت لك اللة الا سية ال صارمة الصلبة ال ستذلة لك يانه‪ ،‬ا لت ل يد ف رحا با سوى‬
‫قسوة التمية وذلة الوان!‬

‫بئس الاهلية‪ ...‬جاهلية القرن العشرين!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫لقد كان كله اندارا‪ I‬بل منطق‪ ،‬ول بصية‪ ،‬ول مبرات!‬

‫فحي بدأ النراف بإشراك آلة أخرى مع ال‪ ...‬ل يكن له سند ول مبر!‬

‫إن من ي عرف ا ل حق العر فة ل ي كن أن ي قدم ع لى ال شرك ف أ ية صورة من‬


‫صوره‪ ،‬ولكن أوروبا الت أخذت عقيدتا متزجة بالوثنية الرومانية ‪ -‬على يد المباطور‬
‫ق سطنطي ‪ -‬ل ت عرف ا ل ف حقيق ته العلو ية‪ ،‬وإ نا ا ستمرت ف جاهليت ها‪ ...‬كل يوم‬
‫تزداد!‬

‫وبعض الؤرخي ييل إ ل تف سي ا نراف السيحية عن تطبيق شريعة ال ‪ -‬النلة‬


‫ع لى مو سى وعي سى عليه ما ال سلم ‪ -‬بأ نا ن شأت ف ر كن صغي من المباطور ية‬
‫الرومان ية‪ ،‬ف لم ي كن لا “ق بل ب فرض سلطانا القي قي ع لى ت لك المباطور ية الترام ية‬
‫الطراف‪ ،‬وذلك يفسر جانبا‪ I‬واحد‪I‬ا من جوانب المر‪ ،‬ويغفل القيقة الخرى‪ ،‬وهي أن‬
‫العقيدة ف ذاتا ل تكن سليمة ف تصور هؤلء السيحيي‪ ...‬وإل فلو كانت سليمة لا‬
‫وقفت قوة المباطورية الرومانية ف طريقها‪ ...‬كما ل تقف أمام قوة السلم كل قوى‬
‫الاهل ية ف دا خل الز يرة العرب ية وخارج ها‪ ،‬با ف ذ لك المباطور ية الرومان ية كل ها‪،‬‬
‫والمباطور ية الفار سية إ ل جانب ها‪ ،‬وع لى أي حال ف هذه ال سباب تف سر ول تبر! فل‬
‫شيء ف الرض كلها يبر النراف عن منهج ال!‬

‫)‪(60‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وفد كان هذا النراف البدئي هو الرشح لا تل ذلك من انرافات‪ ...‬فما دام ف‬
‫النفس قابلية للشرك‪ ،‬فكل شيء بعد ذلك هي‪ ...‬وما دام "هذا" النراف قد بدأ فهو‬
‫السبيل الؤكد لزيد من التدهور ومزيد من الفساد‪.‬‬

‫وقد بدأت أوروبا بداية غي موفقة منذ أول لظة‪ ...‬ث استمرت تبتعد عن هدى‬
‫ال كلما بعد العهد واستطال السي‪...‬‬

‫فلما زادت الكنيسة المر سوء‪Þ‬ا بماقاتا الختلفة الت سردنا طرف‪I‬ا منها من قبل‪،‬‬
‫كان ذ لك مر شحا‪ I‬جد يدا‪ I‬لز يد من ال نراف ف العق يدة الوروب ية‪ ،‬أدت ف تدرجها‬
‫الطويل البطيء إل جاهلية القرن العشرين‪.‬‬

‫وذلك ‪ -‬كما قلنا ‪ -‬يفسر ول يبر! فقد أحس الوروبيون ذات يوم أن ما تقدمه‬
‫لم الكنيسة الوروبية ليس "دينا‪ " I‬حقيقيا! وإنا هو بضاعة " أرضية " مصنوعة على يد‬
‫الكهنة ورجال الدين‪ ،‬بضاعة تشتمل على أشياء ل يفهمونا‪ ،‬وأشياء ل تترمها عقولم‬
‫الت استنارت بنور العلم الديد‪.‬‬

‫ولكن هم بدل‪ I‬من أن يطر حوا " هذا" ا لدين‪ ،‬ا لذي ت قدمه لم الكني سة الوروب ية‬
‫مسوخا‪ I‬ع لى هذا النحو‪ ،‬ويعودوا إ ل العق يدة الصافية كما أنزلا ال على رسله كلهم‬
‫بالق‪ ...‬بدل‪ I‬من ذلك أخذوا ينفضون أيديهم من "الدين " كله‪ ...‬على أنه كله خرافة‬
‫وأساطي‪.‬‬

‫وهذا‪ ...‬ل شيء يبره! على الرغم من كل ما تقدمه أوروبا من العاذير!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وح ي أ ضافت أورو با إ ل شركها ا لذي كانت عل يه ف ال قرون الو سطى الظل مة‬
‫عبادة الطبيعة‪ ...‬فما الذي يبر‪ ...‬بل ما الذي يفسر هذا اللون الديد من الشرك الذي‬
‫وقع فيه "التنورون" من الوروبيي؟‬

‫قلنا من قبل إن ذلك كان مهربا‪" I‬وجدانيا‪ "I‬ترب به أوروبا من إله الكنيسة الذي‬
‫تستعبدهم باسه‪ ،‬وتفرض عليهم ألوانا‪ I‬من السلطان الغشوم‪.‬‬

‫ولكن‪ ...‬ما هذه "الطبيعة"؟‬

‫)‪(61‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ك يف ي تأتى " لعا قل" ‪ -‬و قد كان هذا ع هد إح ياء "الع قل" ع لى هدى اليلين ية‬
‫العادة ‪ -‬كيف يتأتى لعاقل أن يقول ‪ -‬مثل‪ - I‬ما قاله دارون عن الطبيعة‪" :‬إنا تلق كل‬
‫شيء‪ ،‬ول حد لقدرتا"؟!‬

‫كيف يتأتى لعاقل أن يعل من هذه الطبيعة كائنا‪ - I‬مفكرا‪ I‬أو غي مفكر )‪- (17‬‬
‫يسيطر على الكون ويدد مقاديره؟!‬

‫كيف بدا لؤلء العقلء أل يسألوا أنفسهم‪ :‬ما هذه الطبيعة الت يتعبدونا على وجه‬
‫التحد يد؟! ملو قة هي أم خال قة؟ عاق لة أم غ ي عاق لة؟ وك يف أن شأت نف سها وأن شأت‬
‫قوانينها الت تكم الكون؟ وأي سلطة لذه القواني يسي الكون بقتضاها؟ ومن أين لا‬
‫هذه "التمية" الت تفرضها على الكون؟‬

‫ث‪ ...‬ما الفرق ‪ -‬ف حقية الواقع ‪ -‬بي هذا العبود الديد الذي تنسب له القوة‬
‫والسيطرة واللق واليمنة الطلقة على الكون‪ ،‬وبي ال الذي نبذوه وانسلخوا من عبادته‬
‫لنه "غي معقول" و "غي مفهوم"؟!‬

‫وح ي أ بوا أن ي ضعوا ل قوة " غيب ية " ل يرو نا‪ ...‬فك يف تأتى لم أل ي سألوا‬
‫أنف سهم عن هذه الطبي عة‪ :‬غ يب هي أم شهود؟! فإن كانت "مظاهر ها " م شهودة ف‬
‫السموات والرض‪ ،‬والادة والشعاع‪ ،‬فما " هي"‪"...‬هي" ف كنهها وحقيقتها؟ "هي" الت‬
‫ت عل ال سماء ساء وا لرض أر ضا‪ ،I‬وا لادة مادة؟ ألي ست " هي "غي با‪ I‬مكنو نا‪ I‬ل تدركه‬
‫الواس؟!‬

‫وهل كان "ال " غي ذلك؟‬

‫غي ب‪I‬ا ل تدركه ا لواس‪ ،‬ول كن م ظاهر قدرته هي ال سموات وا لرض وا لادة‬
‫والشعاع؟!‬

‫لقد كانت حاقة جاهلية كبية‪ ،‬تلك الت وقع فيها "التنورون" من الوروبيي!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ث لا بطلت عبادة الطبيعة‪ ،‬وعبد النسان نفسه!‬

‫‪ ()17‬يقول دارون – رغم قولته السابقة – إن الطبيعة تبط خبط عشواء ف تطورها!‬

‫)‪(62‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫فيم وال كانت هذه العبادة؟!‬

‫لن النسان قد تعلم‪ ...‬وزادت قوته!‬

‫ودعك لظة من الاهلية النكرة‪ ،‬الت تتنكر لالقها‪ ،‬الذي وهب لا هذه القدرة‬
‫على العلم‪ ،‬لغي سبب سوى أنه وهب لا هذه القدرة! فبد ‪I‬ل من أن يشكر النسان ال‬
‫النعم الوهاب‪ ،‬على ما أوله من نعمائه‪ ،‬تنقلب النعمة ذاتا سببا‪ I‬للنفور والكفران!‬

‫دعك من هذه الاهلية السممة بروح الاهلية اليونانية القدية‪ ،‬ف صراعها النكد‬
‫بي البشر واللة‪ ،‬كلما " اغتصبت" من اللة قدرا‪ I‬من العرفة زادت تردا‪ I‬عليها با صار‬
‫ف يدها من سلطان!‬

‫دعك من ذلك كله لظة‪ ...‬ولننظر ماذا "ع•لم" النسان حي يتنكر للخالق النعم‬
‫الوهاب!‬

‫يقول ماريت ستانلي كوندن ‪ -‬وهو عال أمريكي معاصر ‪ -‬ف مقال له بعنوإن‬
‫"درس من شجية الورد"‪" :‬إن العلوم حقائق متبة؛ ولكنها مع ذلك تتأثر بيال النسان‬
‫وأوهامه ومدى بعده عن الدقة ف ملحظاته وأوصافه واستنتاجاته‪ ،‬ونتائج العلوم مقبولة‬
‫داخل هذه الدود‪ ،‬فهي بذلك مقصورة على اليادين الكمية ف الوصف والتنبؤ‪ ،‬وهي‬
‫تبدأ بالحتمالت‪ ،‬وتنتهي بالحتمالت كذلك‪ ...‬وليس باليقي‪ ...‬ونتائج العلوم بذلك‬
‫تقريب ية‪ ،‬وعر ضة للخ طاء التم لة ف الق ياس والقار نات؛ ونتائج ها اجتهاد ية‪ ،‬وقاب لة‬
‫للتعديل بالضافة والذف‪ ،‬وليست نائية")‪.(18‬‬

‫هذه قولة "عال"‪ ...‬وليست قولة رجل من "رجال الدين"!‬

‫الع لم الب شري ك له احت مالت‪ ...‬ل يق ي ف يه‪ ،‬مه ما أو ت من د قة التجر بة ود قة‬
‫اللت!‬

‫وما ميدان العلم؟‬

‫لقد اضطر العلم منذ أجيال أن يترك البحث ف "كنه " الشياء‪ ،‬لنه "ع•لم " أل‬
‫سبيل له إل العرفة هذا الكنه الغيب عن الواس! واكتفى بدراسة " ظواهرها"‪ ...‬وهذه‬
‫الدرا سة ف ال ظواهر هي ا لت ي قول عن ها ذ لك " ال عال " إ نا لي ست يقين ية‪ ،‬وإ نا ت بدأ‬
‫بالحتمالت وتنتهي بالحتمالت!‬

‫‪ ()18‬عن كتاب "ال يتجلى ف عصر العلم " ترجة الدكتور الدمرداش عبد اليد سرحان‪.‬‬

‫)‪(63‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ف ما هذا الع لم من "م موع" العلم القيقي؟! وأ ين م كانه ف النف خة الكاذبة الت‬
‫أصابت النسان؟!‬

‫ث‪ ...‬ما هذا العلم بالنسبة لا "يشتهي" النسان ذاته أن يعلم؟!‬

‫أ ين م نه ع لم الغ يب؟ ا لذي تطلعت الب شرية م نذ مو لدها إ ل است شفافه‪ ،‬ول يزال‬
‫موقفها منه اللحظة كموقفها منه منذ ألوف وألوف من السني؟‬

‫كم يع لم الن سان من الغ يب؟ ل الغ يب البع يد ف ال كان والز مان‪ ...‬بل غ يب‬
‫اللحظة القربية القادمة‪ ...‬بل غيب هذه اللحظة الداخلة عليه من كل باب‪ ،‬وبينه وبينها‬
‫ألف ستر وألف حجاب؟!‬

‫ذلك مبلغهم من العلم‪!...‬‬

‫أما القوة‪ ...‬فقد زادت قوة النسان حقا حت سيطر على "البيئة " وع لى "قوى‬
‫الطبيعة"‪ ،‬وفجر الذرة وأطلق الصاروخ‪ ...‬واندفع ياول الوصول إل الكواكب ف يوم‬
‫قريب أو بعيد‪...‬‬

‫ولكن‪...‬‬

‫أين ذلك ما "يشتهي" النسان من القوة؟‬

‫أ ين هو من الرغ بة ف د فع ا لوت‪ ،‬وال قدرة ع لى ال ياة البد ية؟ ت لك الرغ بة ا لت‬


‫استزل با الشيطان آدم‪ ...‬ول يزال بنوه يتشهونا إل يوم الدين! "و•ق—ا —ل م•ا ن•ه•اك‪¤‬م•ا ر•ب§ك‪¤‬م•ا‬
‫ع•ن– ه•ذ“ه“ ال̃شج•ر•ة“ إ“ل‪œ‬ا أ—ن™ ت•ك‪¤‬ون•ا م•ل— —كي–ن“ أ—و– ت•ك‪¤‬ون•ا م“ن• ا™لخ•ا“لد“ين"‪"...‬ف—د•ل‪œ‬اه”م•ا “بغ”ر”ور›‪."...‬‬

‫بل أ ين هو من د فع ا لرض‪ ...‬وجرثو مة ل ترى حت بالهر ت سبب له أف تك‬


‫المراض الت ل يد علجها حت اليوم؟!‬

‫لقد كان الهل والعجز ها السبب ف عبادة ال‪ ...‬كذلك يقول جوليان هكسلي‬
‫ف الاهلية الت ترين على قلبه ف القرن العشرين‪.‬‬

‫فلي كن كذلك‪ ...‬ف ما ا لذي حدث ‪ -‬ف باب الع لم وال قوة‪ ،‬أو ف باب ال هل‬
‫والعجز ‪ -‬يبر خروج النسان عن عبادة ال!‬

‫)‪(64‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ث نعود إل تلك الاهلية القلوبة الوضاع‪ ...‬أفإن وهب ال البشر القدرة على‬
‫التع لم وال قدرة ع لى ت سخي ب عض قوى ال كون‪ ،‬ي كون رد الب شر ع لى ذ لك هو التب جح‬
‫والغرور والروج عن طاعة ال؟‬

‫إنا اللعنة الت صبتها ف الفكر الوروب أسطورة بروميثيوس سارق النار‪.‬‬

‫ونعود إل ذلك "النسان" حي تبجح وقال‪ :‬أنا أستغن عن ال!‬

‫ماذا صنع ف حياته من آثام؟!‬

‫قال‪ :‬أنا أشرع لنفسي‪ ،‬لقد شب النسان عن الطوق!‬

‫وقال‪ :‬أنا أصنع بنفسي عقائدي وتقاليدي‪.‬‬

‫وقال‪ :‬أنا أصوغ بنفسي الاضر والستقبل بعيدا‪ I‬عن وصاية ال‪،‬‬

‫وكان‪!...‬‬

‫وتلقفه الشيطان!‬

‫وإل‪ ...‬فماذا يكون هذا الصنيع إن ل يكن صنيع الشيطان؟ ماذا يكون هذا الشر‬
‫الضارب أطنابه ف كل الرض؟ ماذا يكون الظلم الستشري ف كل مكان؟ ماذا تكون‬
‫العبود ية ال ستذلة ف ال شرق و ف الغرب؟ عبود ية لرأس الال مرة‪ ،‬وللدو لة مرة‪ ،‬ولل فرد‬
‫القدس مرة‪ ،‬وللشهوات الدمرة مرة‪ ،‬وف كل مرة هي عبودية ومذلة وهوان؟‬

‫وماذا يكون الفجور الستشري ف كل مكان؟ الذي حو‪²‬ل وجه الرض إل ماخور‬
‫يغفر فاه لكل فت وفتاة؟‬

‫وماذا يكون النون القيقي الذي يل الستشفيات برضاه ف المم " التمدينة "‬
‫فتضيق بنلئها‪ ،‬والنون الخر الذي ل يسب " رسيا" ف عداد النون‪ ،‬ولكنه مرض‬
‫و شذوذ واختلل ل ي قل ف حقيق ته عن ال نون‪ :‬ج نون "ا لودات"‪ ،‬وج نون ال سينما‪،‬‬
‫وجنون التليفزيون‪ ،‬وجنون "التقاليع"‪ ...‬وما أشبه ذلك من انرافات ل تنبغي لذا "الله"‬
‫الذي يستكب عن عبادة ال!‬

‫)‪(65‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫كل! ما أبأس هذا النسان حي زعم لنفسه أنه إله‪ ،‬وأنه شب عن الطوق واستغن‬
‫عن وصاية ال!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وأخ يا‪ I‬ت لك ال لة الزعو مة ا لت و لدها "الف كر الي هودي" ف أوا خر ال قرن التا سع‬
‫ع شر وت سممت با أف كار " ا لميي" م نذ ذ لك ال ي‪ ...‬آ لة "التم يات" القت صادية‬
‫والجتماعية والتاريية‪ ،‬الت يويها جيعها التفسي الادي للتاريخ‪.‬‬

‫ما هذه التميات الدعاة؟‬

‫يقول التفسي الادي للتاريخ أول‪ :I‬إن تاريخ النسان هو تاريخ البحث عن الطعام!‬
‫وتلك هي التمية القتصادية الول ف التاريخ‪...‬‬

‫وف أثناء البحث عن الطعام احتاج إل اختراع الدوات‪ ...‬وهذه الدوات هي الت‬
‫نقلت حياته من طور إل طور عب التاريخ‪...‬‬

‫ف في ال بدأ كانت ال شيوعية ا لول‪ ،‬ح يث ل ملك ية فرد ية ل حد‪ ...‬ث اكت شفت‬
‫الزراعة‪ ،‬فنشأت اللكية‪ :‬ملكية الرض وملكية أدوات النتاج‪ ،‬ونشأ الرق من إغارة قوة‬
‫ع لى قوم آخر ين ليأ خذوا من هم أر ضهم‪ ،‬ث ا سترقاقهم وت شغيلهم ف ا لرض‪ ،‬ون شأ‬
‫الق طاع‪ ،‬كنتي جة حتم ية‪ ،‬ث ا خترعت ال لة‪ ،‬فن شأت الرأ سالية‪ ،‬كنتي جة حتم ية‪ ،‬وا نار‬
‫القطاع‪ ،‬كنتيجة حتمية‪ ،‬ث قام الصراع بي رأس الال والعمال‪ ،‬كنتيجة حتمية‪ ،‬واشتد‬
‫ال صراع ع لى ملك ية ال لة وملك ية الن تاج‪ ،‬كنتي جة حتم ية‪ ،‬ث كانت ‪ -‬و ف طريق ها أن‬
‫تكون ‪ -‬الشيوعية الثانية ‪ -‬والخية ‪ -‬حيث ل ملكية فردية لحد‪...‬‬

‫ذلك ملخص التاريخ البشري الذي ترسه التميات‪...‬‬

‫ول يكن أن نتصور المر على هذا النحو إل الاهليات!‬

‫هذا التفسي الذي أغفل "ال" وتدبيه للكون والياة والنسان‪ ...‬ما الذي وصل‬
‫إليه؟‬

‫وصل إل تفسي مبتسر ل يكن أن يتقبله ف ضميه إنسإن "متنور"‪" ،‬عاقل" يهتدي‬
‫حت بالعلم "الاهلي" الذي يتعبده الاهليون‪...‬‬

‫)‪(66‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫فع لى فرض أن ذ لك التف سي ك له صحيح ف ر سم أ طوار الب شرية ‪ -‬و هو ك ما‬


‫سنرى بعد لظة؛ غي صحيح ‪ -‬فكيف يكون ‪ -‬كما قال ماركس ‪ -‬مستقل عن إرادة‬
‫النسان وعن كيان النسان؟‬

‫أليس "النسإن "هو الذي امتلك الرض وأدوات النتاج بعد إذ ل يكن يلك من‬
‫قبل؟ هل الرض هي الت فرضت عليه ملك نفسها؟! هي الت أمسكته من خناقه وهزته‬
‫وقالت له‪ :‬ل بد أن تلكن؟! أم "هو" الذي امتلكها؟ برغبته ف المتلك؟‬

‫ومن الذي اخترع اللة؟ أليس هو "النسان"؟‬

‫و لاذا اخترع ها؟ بإرادته؟ أم فر ضت هي نف سها عل يه فر ضا‪ I‬وأم سكته من خ ناقه‬


‫وهزته‪ ،‬وقالت له‪ :‬اخترعن؟!‬

‫أو ليست رغبته "هو" ف تسي إنتاجه ‪ -‬الرغبة الفطرية الكامنة فيه ‪ -‬هي الت‬
‫جعلته يتعلم ويبحث وينقب حت اخترع اللة؟!‬

‫فع لى فرض أن هذه ال لة هي ا لت تك تب تار يخ الب شرية‪ ...‬أل يس في ها "إرادة‬


‫النسان"؟ فكيف تكون الطوار إذن خارجة عن إرادة النسان ومستقلة عنها؟‬

‫ث‪ ...‬ح ي تو جد الرأ سالية‪ ...‬ألي ست ت ستند إ ل رغ بة "الن سان" ف أن ي لك‪،‬‬


‫ويستزيد ما يلك‪ ،‬واستعداده الفطري لن يطغى حي ينحرف عن السبيل؟‬

‫ث‪ ...‬حي تقوم الشيوعية ‪ -‬إن قامت ‪ -‬أل يس لظن "الن سان" أن هذا هو الق‬
‫والعدل‪ ...‬الذي سخر منه فردريك إنلز‪ ،‬وقال إنه ل يصر‪²‬ف أمرا‪ I‬من أمور الرض؟!‬

‫هذه واحدة‪ ...‬الواحدة القريبة إل النظر ف الكم على هذه التميات‪...‬‬

‫والخرى‪ ...‬وهي أقرب منها ف القيقة لن يتدبر المر‪ :‬هذه "التميات" على‬
‫فرض صحتها‪ ...‬حتميات من؟!‬

‫من الذي فرض هذه التميات على خط سي البشرية؟‬

‫أهي الصورة الوحيدة المكنة للحياة؟‬

‫أو ل يكن من المكن أن يظل النسان ف طور الشيوعية الول أبدا‪I‬؟‬

‫)‪(67‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫أو ل يكن من المكن أن يظل ف الرق أبدا‪I‬؟ وف القطاع أبدا‪I‬؟ وف الرأسالية أبدا‪I‬؟‬

‫اختراع اللة ينق¡ل خطو النسان خلل التاريخ‪...‬‬

‫نعم! مؤقتا‪ ...!I‬فهل اختراع اللة "حتم" على البشرية؟ ومن الذي حت‪²‬مه؟‬

‫وما هذه العماية عن ذكر "ال"؟!‬

‫أو ليس ال طرف‪I‬ا ف هذا المر على القل! سبحانه وتعال عما يصفون؟!‬

‫أو ليس هو الذي خلق النسان ووهب له القدرة على اختراع اللت؟!‬

‫وهل كان حتما‪ I‬أن توهب للنسان هذه القدرة؟ حتم من؟ من الذي حت‪²‬مه؟‬

‫بل هل كان حتما‪ I‬وجود النسان ذاته على الرض؟‬

‫بل هل كان حتما‪ I‬وجود الرض ف الكون؟‬

‫بل هل كان حتما‪ I‬وجود الكون ذاته؟ حتم من؟ من الذي حت‪²‬مه؟‬

‫ما هذه العماية عن ذكر ال؟!‬

‫أو ليس الول أن يفتح النسان بصيته على الق؟!‬

‫أو ليس ال هو الذي خلق الكون؟ ول يكن مضطرا‪ I‬أن يلقه‪ ...‬سبحانه‪.‬‬

‫أو ليس هو الذي خلق الرض‪ ...‬وخلق النسان‪ ...‬وكان من المكن أل يلقهما‪،‬‬
‫أو يلق الظروف اللئمة للحياة وظهور النسان؟‬

‫ث‪ ...‬إذا كان هذا ق—د•ر ال‪ ،‬الذي خلق‪ ...‬فكيف نقف ف مرحلة معينة ونقول لذا‬
‫ال قدر‪ :‬ل! ل ست أ نت! وإ نا هي التم ية التاري ية أو التم ية القت صادية أو التم ية‬
‫الجتماعية أو غيها من اللة الدعاة؟!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫)‪(68‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وفوق ذلك فإن هذه اللة الدعاة‪ ،‬الت ولدها الفكر الوروب ف "ذروة" جاهليته‪،‬‬
‫آ لة جا سية صارمة قا سية‪ ،‬ل تدع مال‪ I‬لرادة الن سان‪ ،‬ول ت ستجيب له ف ل يل أو‬
‫نار‪...‬‬

‫إ نا ‪ -‬ف "حتميتها" ‪ -‬المقاء ‪ -‬ل تبال هذا الن سان‪ ...‬مشاعره أو أفكاره أو‬
‫أع ماله‪ ...‬ل تق يم له وز نا‪ I‬إن ف سد أو ا ستقام‪ ...‬إن ه بط أو ارت فع‪ ...‬إن جا هد أو‬
‫استحذى‪ ...‬إن آمن أو ل يؤمن‪ ...‬إنا تعامله على أنه كم مهمل‪ ،‬كل مهمته أن يسي‬
‫صاغرا‪ I‬ف "حتميتها" القاهرة‪ ...‬أو تعامله على أنه بيمة سادرة ف الرض‪ ...‬تساق‪ ،‬ول‬
‫تعرف الطريق‪ ،‬ول يساوي شيئا‪ I‬أن تعرف الطريق!‬

‫إ نه إ هدار شنيع لكرا مة الن سان وك يانه‪ ...‬وأي إ هدار أ كب من إ ضاعة "القي مة"‬
‫الترتبة على شعوره وفكره وأعماله؟ "القيمة" الت هي حقيقة "النسان"؟!‬

‫وتلك هي "العزة" الت أرادها النسان لنفسه بعيدا‪ I‬عن وصاية ال! أن أصبح عبدا‬
‫لن ل يرحم ول يصيخ لصراخ النسان!‬

‫أل ما أبأسه هذا النسان‪ ...‬ف جاهلية القرن العشرين!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ول يقف "النسان" ف جاهليته عند هذا الد‪ ،‬وما كان من المكن أن يقف‪ ،‬فهذا‬
‫النراف ف تصور القيقة اللية ل بد أن يتبعه حتم‪I‬ا ضلل ف كل تصورات النسان‬
‫وسلوكه‪ ...‬ما دام ال̃تجه منذ أول لظة ل يقوم على أساس سليم‪...‬‬

‫لقد انرف الناس ف الاهلية الوروبية الديثة ف تصورهم للكون‪ ،‬وعلقته بالقه‪،‬‬
‫وعلقته بالنسان‪...‬‬

‫ضلوا ضللت شت‪...‬‬

‫فمرة يؤمنون "بتمية" قواني الطبيعة لينكروا قدرة ال على العجزات!‬

‫ومرة يقولون‪ :‬إن الوجود كله نشأ نشوءا‪ I‬ذاتيا‪ !I‬با ف ذلك الياة! لينكروا وجود‬
‫إله هو الذي خلق الكون والياة!‬

‫)‪(69‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ومرة يقولون‪ :‬إن الظروف كلها كانت معاكسة لنشأة الياة‪ ،‬وإنا نشأت ف هذا‬
‫الكون "مصادفة"! ث أدت هذه الصادفة ف النهاية إل ظهور النسان!‬

‫ومرة يقولون‪ :‬إن هذا الكون موجود بل غاية! وكذلك النسان!‬

‫ضللت من كل نوع‪ ...‬تلقي ضللا على مشاعر النسان وسلوكه‪ ،‬وهي ف‬


‫الصل ناشئة عن النراف ف تصور حقيقة ال‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫لقد تدثنا عن التميات من قبل‪...‬‬

‫ول تت لف هذه التم ية "العلم ية" ا لت ت سمى قواني الطبي عة عن غي ها من‬


‫التميات‪ ،‬كلها تضل عن التمية القيقية الوحيدة ف هذا الكون‪ ،‬وهي مشيئة ال‪.‬‬

‫وهذه الشيئة الطليقة ل يكن أن تكون مقيدة‪ ...‬حت بشيئتها! فكل قيد مفروض‬
‫على إرادة ال فهو باطل‪ ...‬فمن الذي يلك أن يفرض إرادته على ال؟ سبحانه الالق‬
‫النشئ الريد‪...‬‬

‫وإ نا جاءت الفتنة من "ثبات" السنة اللية الت جعلها ال لذا الكون‪ ،‬ودوامها‬
‫مدى الزمان‪...‬‬

‫ولكن هذا الثبات ‪ -‬الذي أوجدته الشيئة اللية متارة غي مقيدة ‪ -‬وكان رحة‬
‫بالكون ور حة بالن سان‪ ...‬أ نه ل يق يد إرادة ا ل ‪ -‬بدا هة ‪ -‬ول يع جزه سبحانه عن‬
‫التصرف ف أمر الكون!‬

‫كيف يعجز‪ ...‬وهو الالق النشئ الريد؟!‬

‫ل قد ق ضت م شيئته ‪ -‬الطلي قة سبحانه أن يري ال كون ع لى سنة ثاب تة‪ ،‬هي ا لت‬
‫ستها الاهلية الديثة " قواني الطبيعة " نفورا‪ I‬من أن تسميها باسها القيقي‪"...‬سنة ال"‪.‬‬

‫ولكنه حي يريد سبحانه أن يالف هذه السنة ‪ -‬الثابتة بأمره ‪ -‬فمن ذا الذي يلك‬
‫أن يقول له‪ :‬ل! إن قواني الطبيعة ل تسمح بالتغيي؟!‬

‫)‪(70‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫و من ث ت قع الع جزة‪ ،‬مال فة لل سنة ال ظاهرة الثاب تة‪ ،‬وت كون جزء‪Þ‬ا من سنة ا ل‬
‫كذلك‪ ،‬الت هي التمية الوحيدة ف هذا الكون‪...‬‬

‫واليان بالعجزة لن ينع ‪ -‬كما فهم الاهليون ‪ -‬من قيام العلم‪ ،‬بقوانينه الثابتة‪،‬‬
‫ول من قيام العلم ف ظل العقيدة‪ ،‬وتقدمه ف كل ميدان‪ ،‬فل تعارض على الطلق بي‬
‫هذا وذاك‪.‬‬

‫لقد قام العال السلمي كله ‪ -‬وهو تراث ضخم يشهد للمسلمي بالبوز والتمكن‬
‫‪ -‬ذ لك الع لم ا لذي تو لدت ع نه كل النه ضة العلم ية الدي ثة ف أورو با‪ ،‬وخا صة الن هج‬
‫التجريب الذي تقوم عليه كل العلوم الديثة‪ ...‬قام هذا العلم ف ظلل العقيدة؛ ف ظلل‬
‫ال يان بالعجزة؛ بل ت عارض ف ق لوب ال سلمي وتفكي هم ب ي ال يان بدوث الع جزة‬
‫واليان بثبوت سنة ال ف الكون ‪ -‬الت يترتب عليها إمكان قيام البحث العلمي وتتبع‬
‫نتائج الشاهدات ‪ -‬لن هذه حقيقة وهذه حقيقة‪ ،‬والق ل يتعارض بعضه مع بعض إل‬
‫ف العقول الضيقة الت تعجز عن الشمول‪.‬‬

‫إن "الشكلة " الكبى ف الذهن الوروب الضيق‪ ،‬هي أنه لو حدثت العجزة حقا‬
‫ف أي وقت لضطرب نظام الكون كله‪ ،‬لنه كله مترابط بقانون ثابت‪ ...‬إذا حدث كذا‬
‫ترتب عليه حتما‪ I‬نتيجة معينة!‬

‫من الذي رتبها؟ أليس هو خالقها؟ فكيف يعجز الالق ‪ -‬حي يريد ‪ -‬أن يرتب‬
‫عليها نتيجة غيها ف لظة معينة‪ ،‬لغاية عليا يريد تقيقها‪ ...‬ث تسي ف سنتها "العتادة"‬
‫بعد انقضاء هذه الغاية الرادة؟‬

‫و مع ذ لك " فالعلم" ك له ‪ -‬با ف ذ لك قواني الطبي عة "التم ية" ‪ -‬ك له فروض‪،‬‬


‫وكله احتمالت!)‪.(19‬‬

‫يقول سي "جيمس جين" العال النليزي ف الطبيعة والرياضيات‪ ،‬الذي بدأ حياته‬
‫ملحدا‪ I‬شاك‪ß‬ا‪ ،‬ث انتهى بأنه ل بد لل مشكلت العلم من التسليم بوجود ال‪:‬‬

‫" ل قد كان الع لم ال قدي ي قرر تقر ير الوا ثق أن الطبي عة ل ت ستطيع أن ت سلك إل‬
‫طريقا‪ I‬واحدا‪ :‬وهو الطريق الذي رسم من قبل لتسي فيه من بداية الزمن إل نايته‪ ،‬وف‬
‫تسلسل مستمر بي علة ومعلول‪ ،‬وأنه ل مناص من أن الالة "أ" تتبعها الالة " ب"‪ ،‬أما‬
‫العلم الديث فكل ما يستطيع أن يقوله حت الن‪ :‬هو أن الالة "أ" يتمل أن تتبعها الالة‬
‫" ب" أو "ج" أو "د" أو غي ها من ا لالت ا لخرى ا لت يطئ ها ال صر‪ ،‬ن عم إن ف‬

‫‪ ()19‬راجع شهادة العال المريكي " ماريت ستانلي كوندن " ف هذا الفصل ص ‪.78‬‬

‫)‪(71‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ا ستطاعته أن ي قول‪ :‬إن حدوث الا لة "ب" أ كثر احت مال‪ I‬من حدوث الا لة "ج" وإن‬
‫الا لة "ج" أ كثر احت مال‪ I‬من الا لة " د"‪ ...‬وه كذا بل إن ف م قدوره أن يدد در جة‬
‫احتمال كل حالة من الالت " ب" و "ج" و "د " بعضها بالنسبة إل بعض‪ ،‬ولكنه ل‬
‫يستطيع أن يتنبأ عن يقي‪ :‬أي الالت تتبع الخرى‪ ،‬لنه يتحدث دائما‪ I‬عما يتمل‪ ،‬أما‬
‫ما يب أن يدث فأمره موكول إل القدار‪ ...‬مهما تكن حقيقة هذه القدار!"‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫أما قصة النشوء الذات‪ ،‬فقد كانت ضللة عجيبة من ضللت الاهلية الديثة ف‬
‫القرن التاسع عشر وبداية العشرين!‬

‫حي أ‪¤‬حرج دارون‪ ،‬وهو يتتبع مراحل اللق ‪ -‬إل الوراء ‪ -‬مرحلة مرحلة إل نشأة‬
‫ال ياة ا لول ع لى ظ هر ا لرض من ا لوت‪ ،‬أ‪¤‬ح صر‪ ...‬و ل ي شأ الت سليم بالنطق ال بديهي‬
‫الذي ل سبيل غ يه‪ ...‬لنه كان ف حرب مع الكنيسة ل يريد أن يعترف بإلها! لنا‬
‫تاربه باسم هذا الله!‬

‫ل يشأ أن يلجأ إل البديهية الت ل يوجد سواها‪ :‬أن ال هو الالق!‬

‫وظهرت من ث هذه السطورة الاهلية‪ ،‬أسطورة النشوء الذات! الت ل تستأهل‬


‫النقاش!‬

‫إن عل ماء ال قرن الع شرين أنف سهم قد بدأوا ي شعرون ب سماحة هذه ال سطورة‬
‫السخيفة فأقلعوا عنها!‬

‫يقول "رسل تشارلز إرنست " أستاذ الحياء والنبات بامعة فرنكفورت بألانيا‪:‬‬

‫" لقد و”ضعت نظريات عديدة لكي تفسر نشأة الياة من عال المادات‪ ،‬فذهب‬
‫بعض الباحثي إل أن الياة قد نشأت من البوتوجي‪ ،‬أو من الفيوس‪ ،‬أو من تمع بعض‬
‫الزئيات البوتينية الكبية‪ ،‬وقد ييل إل بعض الناس أن هذه النظريات قد سدت الفجوة‬
‫الت تفصل بي عال الحياء‪ ،‬وعال المادات‪ ،‬ولكن الواقع الذي ينبغي أن نسلم به هو‬
‫أن ج يع ال هود ا لذي بذلت للح صول ع لى ا لادة ال ية من غ ي ال ية قد باءت بف شل‬
‫وخذلن ذريعي‪ ،‬ومع ذلك فإن من ينكر وجود ال ل يستطيع أن يقيم الدليل الباشر‬
‫للعال التطلع‪ ،‬على أن مرد تمع الذرات والزيئات عن طريق الصادفة‪ ،‬يكن أن يؤدي‬
‫إل ظهور الياة وصيانتها وتوجيهها بالصورة الت شاهدناها ف الليا الية‪ ،‬وللشخص‬

‫)‪(72‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫مطلق الرية ف أن يقبل هذا التفسي لنشأة الياة! فهذا شأنه وحده! ولكنه إذ يفعل ذلك‬
‫إ نا ي سلم بأمر أ شد إع جازا‪ I‬و صعوبة ع لى الع قل من العت قاد بو جود ا ل‪ ،‬ا لذي خ لق‬
‫الشياء ودبرها‪.‬‬

‫"إنن أعتقد أن كل خلية من الليا الية قد بلغت من التعقد درجة يصعب علينا‬
‫فهم ها وأن ملي ي اللي ي من الل يا ال ية الو جودة ع لى سطح ا لرض ت شهد ب قدرته‬
‫شاهدة تقوم على الفكر والنطق‪ ،‬ولذلك فإنن أومن بوجود ال إيانا‪ I‬راسخا")‪.(20‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫أما قصة " الصادفة"! فلعل الفقرة السابقة القتطفة من كلم ذلك " العال " تكفي‬
‫لدحضها وبيان سخافتها! ومع ذلك فنظرة واحدة ‪ -‬بعي مبصرة وقلب متفتح ‪ -‬دون‬
‫حا جة إ ل ع لم العل ماء و تاربم‪ ،‬تك في لدراك أن هذا الن ظام ا لدقيق التم ثل ف دورة‬
‫الفلك ‪ -‬كمثل من أمثلة التنظيم الدقيق الذي يشمل كل شيء ف الكون ‪ -‬ل يكن أن‬
‫يدث مصادفة بل تدبي!‬

‫وفضل‪ I‬عن إن "الصادفة " تعبي ‪ -‬ف ذاته ‪ -‬غي علمي‪ ،‬فإنه ل يكن أن ت”ح–د“ث‬
‫الصادفة كل هذه الدقة الت ل تتل ف دروتا ثانية ول ثالثة ف قياس الزمن‪ ،‬ول قيد شب‬
‫ف حساب الكان! ف بليي البليي من السني الت ل يدركها حصر النسان!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ومن ضللة " الصادفة " نشأت الضللة الخرى الت تقول إن الكون قد وجد بل‬
‫غاية‪ ،‬وكذلك النسان!‬

‫إنا ضللة متصلة بالضللة الكبى‪ ...‬ضللة النقطاع عن ال!‬

‫فما يكن لقلب موصول بالقدرة اللية الالقة النشئة الريدة‪ ،‬أن يلوك ف حسه‬
‫هذه الضللة العمياء!‬

‫إن هذه الد قة الع جزة ذا تا ف ب ناء ال كون‪ ،‬ل ي كن أن ت كون عب ثا‪ !I‬إ نا و حدها‬
‫تشهد بالقصد والتدبي‪ ،‬وتشهد بوجود غاية للوجود‪.‬‬

‫‪ ()20‬مقال " الليا الية تؤدي رسالتها " ف كتاب "ال يتجلى ف عصر العلم"‪.‬‬

‫)‪(73‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وقد ل يدرك النسان ‪ -‬من تلقاء ذاته ‪ -‬هذه الغاية‪ ،‬لنه‪ ،‬وهو جزء واحد من‬
‫بنية الكون‪ ،‬قد يعجز عن الحاطة بالكل الشامل‪ ،‬ويعجز عن إدراك دللته‪ ،‬ولكن حسبه‬
‫‪ -‬حت ف هذا العجز ‪ -‬أن يفتح بصيته‪ ،‬فيحس أن هناك بالضرورة غاية وقصدا‪ I‬من وراء‬
‫هذه الدقة العجزة الت ل ييط بكل دقائقها عقل النسان‪.‬‬

‫وقد كانت هذه الضللة الت تظن أن الوجود بل غاية‪ ،‬هي الت أدت إل النراف‬
‫ف تصور الياة وأهدافها وارتباطاتا‪.‬‬

‫إن ال ياة ا لت ن شأت م صادفة! بل تدبي من خالق مدبر ول حك مة‪ ،‬وا لت أدت‬
‫مصادفة إل خلق النسان‪ ...‬ل يكن أن يكون لا ارتباطات ول أهداف‪...‬‬

‫ي قول دارون‪ :‬إن ال ياة ت بط خ بط ع شواء ف تطور ها!‪ ...‬با ف ذ لك ن شأة‬


‫النسان‪ ،‬وتطور النسان!‬

‫ومن ث تلقي هذ الضللة ظلها على تصور النسان لغاية وجوده وأهداف حياته‪.‬‬

‫إنا الضياع!‬

‫إنا الشقاء الليم الذي ل يقف عند حد!‬

‫إنا الرارة والسرة‪ ...‬أو التكالب الذي ل حد له على التاع!‬

‫إ نا ال صراع ال يائس‪ ،‬ا لذي ل ينت ظر تأي يدا‪ I‬من قوة عل يا‪ ،‬ول سند‪I‬ا من رب‬
‫عطوف‪ ...‬ومن ث ينقلب إل صراع وحشي‪ ...‬صراع منون‪...‬‬

‫و سنتكلم ف الف صل ال قادم عن ال ثار ا لت ترك ها هذا الت صور ا لدمر ف ك يان‬
‫النسان وسلوكه الواقعي‪ ،‬فردا‪ I‬وجاعة وجنسي‪ ،‬وشعوبا‪ I‬وقبائل‪ ،‬ولكنا هنا نتحدث عنه‬
‫من حيث هو فساد ف التصور فحسب‪.‬‬

‫فحي انقطع النسان عن ال‪ ،‬وانبتت العلئق بينه وبي خالقه‪ ،‬شرد ف الرض‬
‫بغي هاد‪.‬‬

‫شرد‪ ...‬فلم يستطع أن يدرك غاية وجوده‪ ،‬ول مكانه الكري عند ال‪ ،‬ول دوره‬
‫البارز ف هذا الكون‪ ...‬حت وهو يتبجح إزاء خالقه فيقول‪ :‬إنه هو ‪ -‬النسان ‪ -‬سيد‬
‫هذا ال كون و مدبر أ مره! إ نه ي قول هذه الكل مة الفار غة منتف شا‪ I‬ف تب جح إزاء خالقه‬

‫)‪(74‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫فحسب‪ ،‬ولكنه ما إن يرج ‪ -‬ف وهم نفسه ‪ -‬من دائرة نفوذ ال ووصايته‪ ،‬حت تتلقفه‬
‫الشياطي! تتلقفه اللة الزعومة ‪ -‬تلك التميات! ‪ -‬ترغه ف الوحل‪ ،‬وتستذل كبياءه‬
‫وتحق وجوده‪ ،‬وهو صاغر مستسلم ذليل!‬

‫ل يستطع أن يدرك حقيقة نفسه ول غاية وجوده‪:‬‬

‫"فالن سان ‪ -‬ف رأي دارون ‪ -‬ح يوان كغ يه‪ ،‬و لذلك فإن آراءه ف مع ن ال ياة‬
‫النسانية‪ ،‬والثل العليا النسانية‪ ،‬ل تستحق بالنسبة لباقي الكائنات تقديرا‪ I‬أكثر من الدودة‬
‫الشريطية أو بكتريا الباشلس‪ ،‬والبقاء هو القياس الوحيد للنجاح التطوري‪ ،‬ولذلك فكل‬
‫الكائ نات ال ية الو جودة مت ساوية القي مة‪ ،‬ولي ست ف كرة الت قدم إل ف كرة إن سانية! و من‬
‫ال سلم به أن الن سان ف وال قت الا ضر سيد الخلو قات‪ ،‬ول كن قد تل م له النم لة أو‬
‫الفأر"!)‪.(21‬‬

‫ومن ث راح يتخبط ف تصوره اليوان لذات نفسه‪ ،‬وغاية وجوده‪ ...‬فهبط بالفعل‬
‫إل مستوى النملة والفأر!‬

‫ث ل يدرك أن ال ياة ل ي كن أن تنت هي بانت هاء هذه ال فترة ا لدودة ع لى ظ هر‬


‫الرض!‬

‫إن الصورة ل ي كن أن تكتمل حي نتتهي عند هذا الد‪ ...‬فال ياة ‪ -‬بصراعاتا‬
‫ونقائ ضها‪ ،‬ومظال ها ا لت ل ت عد ‪ -‬ع بث با طل إذا كانت هي ا لول وا لخية‪ ،‬وال بدء‬
‫والنتهاء! عبث ل يتبي فيه الق من الباطل‪ ،‬عبث يتنه عنه النسان الفكر ذاته‪ ،‬فضل‬
‫عن أن يصدر عن إله!‬

‫وحي انقطعت قلوبم عن ال‪ ...‬حي اقتطعوا الصورة قبل اكتمالا‪ ...‬حي نظروا‬
‫ف هذا اليز الصغي الدود الذي يعيشونه ف هذه الدنيا‪ ،‬بدت لم الصورة ‪ -‬ول شك ‪-‬‬
‫مشوهة قائمة‪ ،‬ل معن لا ول دللة‪ ...‬فانطلقوا يعوون صارخي‪ :‬إن الياة كلها باطل‬
‫وع بث وفو ضى وا ضطراب! وانطل قوا يت كالبون ف صراع وح شي ع لى ال تاع‪ ...‬ف هي‬
‫فرصة واحدة زائلة‪ ...‬من ل يهتبلها اللحظة‪ ...‬فل رجوع!‬

‫و شردوا كال سائمة‪ ...‬ي صطرعون ويتخب طون‪ ...‬بل هدف ول غا ية ول دل يل‪...‬‬
‫ول طمأنينة ول سعادة ول راحة ف هذا الضم النون‪...‬‬

‫‪ ()21‬جوليان هكسلي ف كتاب "النسان ف العال الديث " ص ‪ 2‬من الترجة العربية‪.‬‬

‫)‪(75‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫والضللة " الواسعة " الناشئة ف أصلها من ضللة النقطاع عن ال‪ ،‬هي تصور‬
‫الاهل ية الدي ثة للن فس الب شرية‪ ،‬وعل قة الن سان بالن سان‪ ،‬فردا‪ ،I‬وجا عة‪ ،‬وجن سي‪...‬‬
‫وشعوبا‪ I‬وقبائل‪.‬‬

‫ل قد ظل الن سان ‪ -‬ع لى ضللته كل ها وج هالته كل ها ‪ -‬ي ظن ف نف سه أ نه‬


‫إنسان!‪ ...‬حت جاءه دارون يقول له ف توكيد " علمي " إنه حيوان!‬

‫ل قد ب عث ا ل ر سله للب شرية م نذ مو لد الن سان حت خات الر سل صلى ا ل عل يه‬


‫وسلم‪ ...‬يؤكدون " إنسانية " النسان‪ ،‬وياهدون ليفعوا النسان إل أقصى ما ترتفع‬
‫إل يه طا قاته‪ ،‬بوجب هذه "الن سانية" الت جاءوا يؤ كدونا‪ ،‬وين يون لا السبيل لته تدي‬
‫بدى ال‪ ،‬فترتفع وتشف‪ ...‬وتأت با يشبه العجزات‪.‬‬

‫ولكن رسول "العلم" ف القرن التاسع عشر‪ ،‬جاء يؤكد حيوانية النسان!‬

‫بريئا‪ ...I‬أو غي بريء‪ ...‬هل كان إل رسول الشيطان؟!‬

‫إن هذا العلم الزيف الذي " اهتدى " إليه دارون ‪ -‬سنبي زيفه بعد لظة ‪ -‬قد‬
‫فعل بالبشرية ف جاهليتها الديثة ما ل تصنعه شياطي النس والن ف ألوف من السني!‬

‫حيوان‪ ...‬ماذا تنتظر من اليوان؟!‬

‫لقد سرت إياءات الداروينية السمومة ف كل مالت الفكر الغرب‪ ...‬ف السياسة‬
‫والقت صاد والجت ماع وع لم الن فس وا لخلق وال فن‪ ...‬ل تترك مال‪ I‬وا حدا‪ I‬ل تلح قه‬
‫بالتشويه!‬

‫فما دام النسان قد صار ف نظر نفسه حيوانا‪ ،I‬فل بد أن تتبع ذلك نتائج "حتمية"!‬

‫والن تائج التم ية لذا الت صور الا هل الن حرف‪ ،‬هي أن ت بط م فاهيم الن سان‬
‫وأخلقه‪ ،‬ومشاعره وارتباطاته‪ ،‬حت تصي ف مستوى "اليوان" الذي صار إليه بفكره‪،‬‬
‫على هدى التفسي اليوان للنسان!‬

‫)‪(76‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫لقد ضلل دارون التركيب التشريي للنسان‪ ،‬القريب الشبه بتركيب اليوان‪ ،‬ومن‬
‫ث سارع ‪ -‬بل روية ‪ -‬يؤكد حيوانية النسان‪...‬‬

‫وبريئا‪ ...I‬أو غي بريء‪ ...‬ل يكن دارون تدث عن حقيقة علمية!‬

‫لقد كان ينقصه العلم الق‪ ،‬الذي تبي طرف منه بعد دارون‪ ،‬على يد الداروينية‬
‫الدي ثة ذا تا ‪ - Neo Darwinism -‬ا لت تؤمن مث له بالتطور‪ ،‬وي تول عر ضها عال مل حد‬
‫صريح اللاد مثل جوليان هكسلي‪ ،‬ومع ذلك فهو يؤكد " تفرد النسان"‪ ...‬ل حيوانية‬
‫النسان!‬

‫" وبعد نظرية دارون ل يعد النسان مستطيعا‪ I‬تنب اعتبار نفسه حيوانا‪ ،I‬ولكنه بدأ‬
‫يرى نفسه جيوانا‪ I‬غريبا‪ I‬جدا‪ ،‬وف حالت كثية ل مثيل له‪ ،‬ول يزال تليل تفرد النسان‬
‫من الناحية البيولوجية غي تام")‪.(22‬‬

‫وإذن فالن سان مت فرد ف ك يانه ا لبيولوجي ذا ته‪ ...‬ا لذي ظن ف يه دارون ال شابة‬
‫الكاملة للحيوان‪ ،‬وبن عليه تفسي اليوان للنسان!‬

‫ويسرد هكسلي ألوانا‪ I‬من هذا التفرد البيولوجي‪ ،‬من بينها أنه ف اليوانات كلها‬
‫ترت بط الع ضلت با لخ ب نوعي من الع صاب‪ ،‬أ حدها يت صل بالع ضلت القاب ضة وال ثان‬
‫يت صل بالع ضلت البا سطة‪ ،‬ول ي صدر مخ ال يوان إل نو عا‪ I‬وا حد‪I‬ا من ال شارات ف‬
‫اللحظة الواحدة‪ ،‬فإما إشارة للعضلت القابضة وإما إشارة للعضلت الباسطة‪ ،‬فالكلب‬
‫إ ما أن ي هرش وإ ما أن يري ف اللح ظة الوا حدة‪ ،‬ول ي ستطيع أن ي هرش و يري م عا‪ I‬ف‬
‫ذات الوقت‪ ،‬أما النسان‪ ،‬فهو ‪ -‬وحده ف هذه اللئق كلها ‪ -‬الذي يستطيع أن يقوم‬
‫بأعمال متعارضة ف آن واحد‪ ،‬لن مه يستطيع أن ينسق بي العمال التعارضة! )‪.(23‬‬

‫ويتحدث هكسلي عن "خواص " النسان البيولوجية فيقول‪:‬‬

‫"وأو ل خواص النسان الفذة وأعظمها وضوحا‪ ،I‬قدرته على التفكي التصويري‪،‬‬
‫وإذا كنت تفضل استخدام عبارات موضوعية‪ ،‬فقل‪ :‬استخدامه الكلم الواضح‪...‬‬

‫ولقد كان لذه الاصية الساسية ف النسان نتائج كثية‪ ،‬وكان أهها نو التقاليد‬
‫التزايدة‪...‬‬

‫‪ ()22‬جوليان هكسلي – النسان ف العال الديث – ص ‪ 3‬من الترجة العربية‪.‬‬


‫‪ ()23‬الصدر السابق ص ‪.29 – 27‬‬

‫)‪(77‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ومن أهم نتائج تزايد التقاليد ‪ -‬أو إذا شئت ‪ -‬من أهم مظاهره القيقية ما يقوم به‬
‫النسان من تسي فيما لديه من عدد وآلت‪...‬‬

‫وإن التقاليد والعدد لي الواص الت هيأت للنسان مركز السيادة بي الكائنات‬
‫ال ية‪ ،‬و هذه ال سيادة البيولوج ية ف ا لوقت الا ضر خا صية أ خرى من خواص الن سان‬
‫الفذة‪ ،‬ول يتكاثر النسان فحسب‪ ،‬بل تطور‪ ،‬ومد نفوذه‪ ،‬وزاد من تنوع سبله ف الياة‪.‬‬

‫وهكذا يضع علم الياة النسان ف مركز ماثل لا أنعم به عليه كسيد الخلوقات‪،‬‬
‫كما تقول الديان"‪.‬‬

‫"ولقد أدى الكلم والتقاليد والعدد إل كثي من خواص النسان الخرى‪ ،‬الت ل‬
‫مثيل لا بي الخلوقات الخرى‪ ،‬ومعظمها واضح معروف‪ ،‬ولذلك أرى عدم التعرض لا‬
‫حت أنتهي من التحدث عن الواص غي العروفة كثيا‪ ،I‬لن النس البشري ‪ -‬كنوع ‪-‬‬
‫فريد ف صفاته البيولوجية الالصة‪ ،‬ول تلق تلك الصفات من العناية ما تستحق‪ ،‬سواء من‬
‫وجهة نظر علم اليوان‪ ،‬أو من وجهة نظر علم الجتماع‪.‬‬

‫‪ ...‬وأخيا‪ I‬فإن النسان ل مثيل له بي اليوانات الراقية ف طريقة تطوره" )‪.(24‬‬

‫وهكذا تعلن الداروينية الديثة تفرد النسان ‪ -‬ل عن إيان بال‪ ،‬فهكسلي ملحد‬
‫متبجح بإلاده ‪ -‬وإنا عن مشاهدة "علمية" " تريبية" "معملية" "حسية"!‬

‫ولكن دارون تعجل ‪ -‬بل سند علمي ‪ -‬فأعلن حيوانية النسان! لن العلم الناقص‬
‫الذي كان بي يديه أوحى له بالتفسي اليوان للنسان‪ ،‬وكان أحرى به أن يصب‪ ،‬حت‬
‫يتكشف له المر كما تكشف للداروينية الديثة‪ ،‬ليعلن إنسانية النسان‪.‬‬

‫وحي انطلق هذا التفسي اليوان للنسان‪ ،‬كالشيطان الارد يوس خلل الفكار‬
‫والتصورات‪ ...‬فسدت كلها فسادا‪ I‬ل تصل إليه أية جاهلية من جاهليات التاريخ‪.‬‬

‫لقد مسخت حياة النسان مسخا‪ ،I‬فردته أدنأ من اليوان‪ ،‬وأضل من اليوان‪.‬‬

‫التفسي الادي للتاريخ‪...‬‬

‫التفسي النسي للسلوك‪...‬‬

‫‪ ()24‬الصدر السابق مقتطفات من ص ‪ - 3‬ص ‪.6‬‬

‫)‪(78‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫التفسي الثمان للمشاعر‪...‬‬

‫وكل تفسي إل التفسي " النسان " للنسان!‬

‫التف سي ا لادي للتار يخ‪ ،‬وبط له ماركس ‪ -‬و قد مر ب نا طرف م نه ‪ -‬يف سر ال ياة‬
‫النسانية كلها من خلل حيوانية النسان‪ ،‬تاريخ البشرية هو تاريخ البحث عن الطعام!‬
‫أي أن الضرورة القاهرة هي السيطرة على حياة النسان‪.‬‬

‫الن تاج ا لادي هو ا لذي يع ي لل ناس و جودهم وم شاعرهم! اي أن الق يم العنو ية‬
‫عرض زائل ‪ -‬ل جوهر ‪ -‬والوهر الوحد هو الكيان الادي للحياة والنسان‪.‬‬

‫وفضل‪ I‬عن ذلك فقد أخذ هذا التفسي عن الداروينية فكرة التطور‪ ،‬فحولا إل لوثة‬
‫تصيب كل القيم وكل العتبارات‪...‬‬

‫فالقيم العنوية لنا ع•ر•ض للقيم الادية‪ ،‬فهي "متطورة" ل تثبت على حال‪ ،‬ليس‬
‫هناك حق أزل ول عدل أزل‪ ،‬إنا هناك قيم متغية على الدوام‪ ،‬ما يبدو اليوم فضية ‪-‬‬
‫لنه انعكاس طور اقتصادي ومادي وإنتاجي معي ‪ -‬قد يبدو رذيلة غد‪I‬ا حي يتغي الطور‬
‫القتصادي والادي والنتاجي‪ ،‬وليس هذا مرد فرض‪ ،‬وإنا هو "حقيقة"!‬

‫فالتدين فضيلة ف الطور القطاعي‪ ،‬وف الطور الصناعي يصبح التدين تأخرا‪ I‬وجودا‬
‫ورجعية! وال لاد هو الفضيلة! والعفة الن سية فضيلة ف الت مع الق طاعي‪ ،‬و ف التمع‬
‫الصناعي " التطور " تصبح العفة النسية أضحوكة وسخرية‪ ،‬لن الرأة استقلت اقتصاديا!‬
‫ول يعد الرجل هو الذي ينفق عليها فيستذلا بطلب النظافة ف الشعور والسلوك! والرجل‬
‫بدوره " ترر" من القيود ول يعد ملزما‪ I‬أن يتطهر ف شعوره وسلوكه‪ ...‬لن الله الديد‬
‫‪ -‬سواء كان رأس الال ف الغرب أو "الدولة" ف الشرق ‪ -‬ل يطالب أحدا‪ ،I‬ول يعنيه‪ ،‬أن‬
‫يتطهر الناس أو يفسقوا بل يعنيه المر الخي!‬

‫إنه تفسي يأخذ النسان من جانبه الادي اليوان‪ ،‬ويتحاشى أن يذكر " روحه"‪،‬‬
‫بل يصر إصرار‪I‬ا على السخرية من هذه الروح‪ ...‬لن الاهلية الديثة ل تؤمن بال‪ ،‬ول‬
‫تؤمن بالنفخة العلوية ف كيان النسان من روح ال‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫والتفسي النسي‪ ،‬وبطله فرويد‪ ...‬ضللة أبشع‪.‬‬

‫)‪(79‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫إنه ل يكتفي بتصوير النسان حيوانا‪ ،I‬وإنا يصوره حيوانا‪ I‬مسوخ‪I‬ا مشوها‪ ،I‬ينبع‬
‫كله من طاقة واحدة من طاقاته‪ ...‬هي الطاقة النسية‪.‬‬

‫ال يوان يأ كل ب لذة ال كل‪ ،‬وي شرب ب لذة ال شرب‪ ،‬و يري ب لذة ا لري‪ ،‬و يارس‬
‫النشاط النسي بلذة النس‪.‬‬

‫ول كن إن سان فرو يد ‪ -‬او ح يوانه ال شوه الم سوخ ‪ -‬ير ضع ب لذة ال نس‪ ،‬و يص‬
‫إبامه بلذة النس‪ ،‬ويتبول ويتبز بلذة النس‪ ،‬ويرك عضلته بلذة النس‪ ،‬ويعشق أمه‬
‫بلذة النس‪ ...‬ث ل يكتفي بذا الد‪ ،‬وإنا يكون كيانه " العنوي " كله من دين وأخلق‬
‫وتقاليد‪ ،‬نابعا‪ I‬كذلك من حأة النس السعور!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫والتفسي الثمان للمشاعر‪ ،‬وبطله "التجريبيون")‪ ...(25‬يفسر الياة كلها من خلل‬
‫السم‪ ...‬كاليوان!‬

‫فالشاعر والفكار نشاط كهرب وغ‪¤‬د‪¥‬ي وكيماوي‪...‬‬

‫غدة النس تصنع مشاعر النس‪.‬‬

‫وغدة المومة تصنع مشاعر المومة‪.‬‬

‫وغدة الكظر ‪ -‬فوق الكلى ‪ -‬تصنع الشجاعة ‪ -‬أو الب ‪-‬‬

‫والغدة الدرقية تصنع الزاج العصب أو الزاج العتدل‪ ...‬أو الزاج البارد‪...‬‬

‫السد هو الذي يتحرك دائما‪ I‬ف مبدأ المر‪ ...‬ث ينتج عن ذلك مشاعر وأفكار‪.‬‬

‫يقول وليم جيمس ف كتابه "نظرية العاطفة ‪emotion -‬׳‪:(26)– theorie de L‬‬

‫"إن الف كرة ا لت نت خذها عن العوا طف عادة‪ ،‬هي أن ا لدراك العق لي ل شيء ما‪،‬‬
‫ي ستثي الا لة الوجدان ية ا لت ن سميها العاط فة‪ ،‬وأن هذه الا لة العاطف ية ا لخية هي ا لت‬

‫‪ ()25‬كان " وليم جيمس " رائد الدرسة التجريبية ف علم النفس‪.‬‬
‫‪ 26‬ص ‪60‬‬

‫)‪(80‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫يتو لد عن ها الت عبي ال سدي‪ ،‬ول كن نظر يت‪ ،‬ع لى الع كس من ذ لك هي أن التغ يات‬
‫ال سمية تأت لح قة مبا شرة لدراك ا لؤثر‪ ،‬وأن الح ساس ا لذي ن شعر به نتي جة لذه‬
‫التغيات – السمية ‪ -‬هو العاطفة"!‬

‫من السد إذن تنبع النفس‪ ...‬وليست " النفس " أصل‪ I‬جوهريا ف كيان النسان!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫)‪(27‬‬
‫ولقد ناقشت هذه التفسيات ‪ -‬وأمثالا ‪ -‬كثي‪I‬ا من قبل‪ ،‬ف أكثر من كتاب‪،‬‬
‫ول ضرورة بنا للنقاش الفصل لبيان زيفها‪ ،‬وضآلة الانب الذي تفسره من حياة النسان‪،‬‬
‫ولكنا نكتفي بإشارات عابرة تنو‪²‬ر الطريق‪:‬‬

‫إن هذه التفسيات جيعها ترتكب ضللة مشتركة‪ ...‬إنا تفسر النسان من جانب‬
‫واحد من كيانه‪ :‬هو أضأل الوانب ف ذلك الكيان! تفسره من جانب السد وضروراته‪،‬‬
‫متأثرة ف ذلك بالتفسي اليوان للنسان‪.‬‬

‫وفضل‪ I‬عن أن أية نظرة جزئية للنسان‪ ،‬هي نظرة خاطئة لنا تمل بقية كيانه‪،‬‬
‫ومن ث تعطي عنه صورة مزيفة ل وجود لا ف الواقع‪ ...‬ويزيد المر سوء‪Þ‬ا حي تفسر‬
‫الياة البشرية كلها من خلل هذا الزء وحده‪ ،‬ومن خلل تلك الصورة الزيفة‪...‬‬

‫فضل‪ I‬عن ذلك‪ ،‬فإن الانب الذي أهلته هذه التفسيات كلها هو بالذات الانب‬
‫الذي أعطى النسان إنسانيته‪ ،‬وفر‪²‬قه عن اليوان!‬

‫إنا جيعا‪ I‬تمل جانب الروح أو تلغيه!‬

‫فالتفسي الادي للتاريخ‪ ،‬الذي يعل البحث عن الطعام هو رائد تفكي النسان‪...‬‬

‫والتفسي النسي للسلوك‪ ،‬الذي يعل النس هو رائد حياة البشرية‪...‬‬

‫والتفسي الثمان للمشاعر‪ ،‬الذي يعل السد هو منبع النفس‪...‬‬

‫‪ ()27‬الن سان ب ي الاد ية والسلم‪ ،‬معر كة التقال يد‪ ،‬درا سات ف الن فس الن سانية‪ ،‬الت طور والث بات ف‬
‫حياة البشرية‪.‬‬

‫)‪(81‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫كلها ‪ -‬وأمثالا ‪ -‬ل تدع مكانا‪ I‬للروح ف كيان النسان أو ف واقعه الي على‬
‫ظهر الرض‪ ،‬وتصوره جيعا‪ I‬ف نطاق اليوان‪ ...‬ث ل تفسر‪ :‬لاذا إذن اختلف واقعه ف‬
‫الرض عن واقع اليوان؟!‬

‫إن اليوان يبحث عن الطعام‪.‬‬

‫واليوان يارس كذلك نشاطه النسي‪.‬‬

‫وتصرفات اليوان وسلوكه نابعة كلها من كيانه السمي‪.‬‬

‫فلماذا اختلفت صورة النسان عن اليوان‪ ،‬ولاذا اختلف طريقهما ف الياة؟‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫لقد عميت هذه التفسيات كلها عن "الواقع " البشري الشهود‪.‬‬

‫أم لعلها قصدت قصدا‪ - I‬تدفعها دوافع شيطانية خبيثة ‪ -‬إل تصوير النسان ف‬
‫صورة اليوان؟!)‪.(28‬‬

‫أي‪Õ‬ا كان المر‪ ،‬فقد كانت هذه التصورات الزائفة عاجزة عن تفسي "النسان"‪.‬‬

‫إ نا ل ت ستطيع أن تف سر‪ :‬لاذا ي بدأ الن سان من أي لون من أ لوان ن شاطه‪ :‬من‬
‫الب حث عن الط عام‪ ،‬أو الب حث عن ال نس‪ ،‬أو الب حث عن ال سكن‪ ،‬أو الب حث عن‬
‫الل بس‪ ...‬فإذا هو ‪ -‬من أي طر يق بدأ ‪ -‬ي صل إ ل "تنظي مات " اجتماع ية واقت صادية‬
‫وسياسية‪ ،‬وإل " قيم" و "عقائد" و "أفكار"؟‬

‫لاذا ل ي ستطيع أن ي قوم بع مل من أع ماله منف صل‪ I‬عن "القي مة " الرتب طة بذه‬
‫العمال؟‬

‫لاذا ل يأ كل " ب عدته " و حدها‪ ،‬وإ نا عن طر يق تنظ يم اقت صادي واجت ماعي‬
‫وسيا سي ‪ -‬فا سد أو غ ي فا سد‪ ،‬هذه قضية أ خرى ‪ -‬يعط يه ق سطه من الط عام‪ ،‬وير تب‬
‫ع لى هذا الق سط‪ ،‬وع لى طري قة ت ناوله ن تائجه " التم ية" ف ن ظام ال كم ون ظام الت مع‬
‫وعلقات الناس بعضهم ببعض؟‬

‫‪ ()28‬انظر فصل " اليهود الثلثة " ف كتاب "التطور والثبات"‪.‬‬

‫)‪(82‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫لاذا ل يارس ال نس بك يانه الن سي و حده‪ ،‬وإ نا عن طر يق تنظ يم اقت صادي‬


‫واجتماعي وسيا سي ‪ -‬فا سد أو غ ي فا سد ‪ -‬يعط يه ق سطه من ال نس‪ ،‬و يبي له طريقة‬
‫تناوله‪ ،‬ويرتب على ذلك نتائجه التمية؟‬

‫وهكذا‪ ...‬كل نشاط يصدر عن النسان‪ ،‬فإنه ‪ -‬رغب النسان أم ل يرغب ‪-‬‬
‫ينتهي بتنظيمات وقيم وأفكار وعقائد ‪ -‬فاسدة أو غي فاسدة ‪ -‬ولكنها موجودة على أي‬
‫حال‪ ...‬وهي النتيجة " التمية " لمتزاج الروح بالسم ف كيان النسان‪ ...‬امتزاجا‪ I‬ل‬
‫"يتفكك" أو ينفصل كما تصوره تلك التفسيات )‪...(29‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫إنا ‪ -‬كلها ‪ -‬تفسيات زائفة زائغة مهزولة‪...‬‬

‫وكلها جاهليات‪ ...‬تنشأ من الاهلية الكبى النقطعة عن هدى ال‪ ،‬والت تتعمد‬
‫تعمدا‪ I‬أن تفسر الياة بعيدا‪ I‬عن ال‪ ،‬فتقع ف هذه التفاهات وهذه الهالت‪...‬‬

‫و مع ذ لك ف لم ي كن هذا هو ال نراف الوح يد ا لذي انرف ته الاهل ية الدي ثة ف‬


‫فهمها للنفس البشرية‪...‬‬

‫ل قد كان ال نراف ‪ -‬حت ا لن ‪ -‬ماثل‪ I‬ف تفك يك الن سان ال كون من ج سم‬
‫وروح‪ ،‬وخنق روحه ‪ -‬لنا تتعلق مباشرة " بال " الذي تفر منه الاهلية وتنسلخ من‬
‫آياته ‪ -‬وإبراز جانبه السدي وحده‪ ،‬وتفسي الياة النسانية كلها من خلل هذا الانب‬
‫الفرد‪ ،‬الذي ل وجود له ف حقيقة الواقع ف صورته الزأة الفكوكة!‬

‫ولكن النراف ل يقف عند هذا الد‪...‬‬

‫فحي انقطعت الاهلية عن منهج ال‪ ،‬فقدت حاسة " التوازن" ف كل تصوراتا‪،‬‬
‫ت لك الاسة الت يكتسبها الس الن سان حي يتصل بنهج ال‪ ،‬ويف سر ال كون وال ياة‬
‫والنسان على هداه‪.‬‬

‫ومن فقدانا التوازن اختلت موازينها وهي ترى ظاهرة الفردية والماعية ف كيان‬
‫النسان!‬

‫‪ " ()29‬دراسات ف النفس النسانية " فصل " طبيعة مزدوجة"‪.‬‬

‫)‪(83‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫فبعض الاهليي ركز على حقيقة الفرد‪ ...‬وبعضهم ركز على حقيقة الموع‪ ،‬كل‬
‫منهما ينفي الانب الخر‪ ،‬أو يصغر من قيمته إل أقصى حد!‬

‫إما أن تكون حقيقة النسان هي الفردية‪ ...‬فالتمع إذن قوة طاغية ظالة تاول أن‬
‫تضغط كيان الفرد وتطم وجوده!‬

‫وإ ما أن ت كون حقيق ته هي الماع ية‪ ...‬فالفرد إذن ظال متب جح د نس ياول أن‬
‫يرج على الموع ليحقق بأنانيته الظالة كسبا‪ I‬حراما‪ I‬على حساب الموع!‬

‫ول يتمع الانبان قط على توازن واعتدال ف تصور الاهلية الديثة‪.‬‬

‫ث تن شأ ع لى كل من هذين الت صورين النحرف ي ن ظم ف السيا سة والقت صاد‬


‫والجتماع )‪.(30‬‬

‫لاذا؟!‬

‫لاذا ل ترى الاهلية حقيقة الواقع؟ أن النسان مركب من الانبي معا‪ I‬على توازن‬
‫واعتدال؟ فهو فرد مستقل‪ ،‬وعضو ف التمع ف ذات الوقت‪ ،‬فرد يب أن يشعر بذاتيته‬
‫ويققها‪ ،‬وعضو ف التمع‪ ،‬يب الجتماع بالخرين‪ ،‬ويهفو إل صحبتهم‪ ،‬ويأنس إل‬
‫الوجود بينهم؟‬

‫حقيقة‪ I‬إنه كثيا‪ I‬ما يقوم الصراع بي الانبي‪ ...‬ولكن هذا ل ينفي )أول‪ (I‬أنما‬
‫موجودان معا‪ I‬ف الواقع الارجي وف داخل النفس‪ ،‬ول ينفي )ثانيا‪ (I‬أن الصراع بينهما‬
‫يكن أن تف حدته إل أقصى حد‪ ،‬حي يستقيم منهج الياة‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ولكن الاهليات قد أبت أن تصيخ للمنهج الق‪ ...‬منهج ال‪...‬‬

‫ونشأ عن ذلك ألوان ل حصر لا من الفساد ف التصور والسلوك‪ ...‬ولكننا هنا ‪-‬‬
‫ف هذا الفصل ‪ -‬مشغولون فقط بفساد التصور‪ ،‬نتتبعه ف كل مال‪...‬‬

‫‪ ()30‬سنناقشها كلها ف الفصل القادم‪.‬‬

‫)‪(84‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ل قد ن شأ من ا نراف الاهل ية ف ت صور الن فس الب شرية‪ ...‬النا شئ ف ال صل من‬


‫انرافها عن عبادة ال‪ ...‬أن فسدت تصوراتا للعلقة القائمة بي النسان والنسان‪ ،‬فردا‬
‫وجاعة وجنسي‪ ،‬وشعوبا‪ I‬وقبائل‪...‬‬

‫فأما الفرد ‪ -‬فيما بينه وبي نفسه ‪ -‬فقد ص”و‪¥‬ر على أنه مموعة من الصراعات الت‬
‫ل تدأ‪ ،‬ول يكن ان تدأ! بل زادت الاهلية فباركت هذا الصراع أحيانا‪ I‬على أنه الوسيلة‬
‫الثلى للتقدم والرقي والنشاط الياب ف الرض‪ ،‬وأن الطمأنينة النفسية والسكينة سلبية‬
‫مري ضة ينب غي أن يترفع عن ها الن سان! وورد ف ت عبياتم إن "الق لق ال قدس " هو ا لذي‬
‫يدفع بالياة إل المام‪ !...‬ولقد ظل هذا القلق القدس! يدفعهم حقا‪ ...‬ولكن إل الية‬
‫وال ضطراب وال نون و ضغط ا لدم والختللت الع صبية والنف سية‪ ...‬حت ضاقت بم‬
‫مست شفيات ا لمراض العقل ية والع يادات النف سية‪ ،‬واع تب ال نون من "أ مراض الدن ية!"‬
‫والختلل من سات "الضارة"!‬

‫كل! إنا الاهلية‪ ...‬فالنشاط اليوي الدافق شيء‪ ،‬والقلق شيء آخر!‬

‫ولقد كان السلمون الوائل ف صدر السلم أنشط جاعة بشرية عرفها التاريخ!‬
‫الفتح الذي شل الرض من اليط إل اليط ف أقل من نصف قرن‪ ...‬الركة العلمية‬
‫الفائ قة‪ ...‬التنظي مات السيا سية والجتماع ية والقت صادية‪ ...‬ا لذاهب الفكر ية ف تف سي‬
‫كتاب ال وتطبيقه ف واقع الماعة‪ ،‬الت نشأت عنها مدارس الفقه الختلفة الغنية بالصالة‬
‫والركة والنشاط‪ ...‬كل ذلك وغيه ت ف فترة ل مثيل لا ف القصر‪ ،‬وكان الناس أحياء‬
‫متحركي‪ ،‬ولكن ف طمأنينة نفسية وسكينة‪ ،‬لنم كانوا يتوجهون بعملهم كله ونشاطهم‬
‫كله إل ال‪ ،‬فتطمئن قلوبم بذكر ال‪.‬‬

‫وأما الفرد ‪ -‬فيما بينه وبي التمع ‪ -‬فقد ص”و‪¥‬رت علقته على أنا الصراع الدائم‬
‫والت طاحن ا لذي ل ي هدأ ول ي كن أن ي هدأ! وأن شئت ع لى ذ لك " تف سيات!" للح ياة‬
‫وللنسان‪ ،‬أبرزها وأشدها جاهلية التفسي الادي للتاريخ‪ ،‬الذي يعل الصراع " حتمية "‬
‫ل سبيل إل الفكاك منها أو تلطيف آثارها‪...‬‬

‫و هو ل يس صراعا‪ I‬ب ي "ا لق" و "البا طل"‪ ...‬ك ما ينب غي أن ي كون ا لال ف عال‬
‫"النسان" الذي كرمه ربه وعله‪...‬‬

‫كل! إن الاهلية ل تعرف " الق والباطل"‪ ...‬فهي تسخر أيا سخرية من الق‬
‫والعدل الزليي! وإنا ترى المر صراعا‪ I‬دائما‪ I‬بي مصلحة طبقة ومصلحة طبقة أخرى‪ ،‬ل‬
‫تقو‪²‬م باليزان الخلقي‪ ،‬ول يقال لا حق وباطل‪ ،‬و ل يقال فيها إن هذه الطبقة أو الطائفة‬
‫أو الفرد قد طغت لنا تاوزت " الق" أو اعتدت على حدود ال الت بينها للناس‪...‬‬

‫)‪(85‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وإ نا كل طب قة ع لى حق بالن سبة لذات نف سها! وين شأ ال صراع " الت مي" من ت ناقض‬
‫الصال الذي ل بد أن ينشأ " حتما‪ " I‬فيهدم النظام الذي بطلت منفعته )لن؟( ل للبشرية‬
‫ول للحق والعدل الزليي‪ ،‬ولكن للطبقة الت أبرزها التحول القتصادي الديد!‬

‫وح قا إن هذا هو ا لذي يدث بالف عل‪ ...‬ف الاهل ية! تت صارع ال صال‪ ،‬والغل بة‬
‫لصاحب السلطان! ث تتم الغلبة ‪ -‬ف تصور الاهلية الاركسية ‪ -‬لطبقة " البوليتاريا" ف‬
‫آخر المر‪ ،‬فتمحق جيع الطبقات! وتكون هذه هي ناية العال!‬

‫وأما علقات النسي فإن الفساد الذي أصابا كان أشنع فساد!‬

‫النس عملية " بيولوجية " ل علقة لا بالخلق!‬

‫النس ل علقة له بالسرة!‬

‫النس هو التحقيق ‪ -‬الكب ‪ -‬لكيان النسان!‬

‫النس هو الوضوع ‪ -‬الكب ‪ -‬للفن!‬

‫النس هو "التحرر"!‬

‫النس مزاج شخصي ل يوصف بالشذوذ والستواء‪ ،‬فمن أعجبه الوضع السوي‬
‫فهو وشأنه‪ ،‬ومن أعجبه الشذوذ فهو وذاك!‬

‫إل عشرات من أمثال هذه الاهليات‪ ،‬الت تعمى كلها عن حقيقة النس‪ ،‬ودوره‬
‫ال طبيعي " ال توازن" ف ح ياة الن سان‪ ،‬ث تؤدي إ ل الفو ضى الن سية ع لى أو سع ن طاق‬
‫شهده تاريخ النسان!‬

‫وأ ما ال شعوب والق بائل‪ ،‬النحر فة عن من هج ا ل‪ ،‬ف قد ت صورت علقا تا ف إ طار‬


‫الغلبة والسيطرة على طريقة اليوان‪ ،‬ل التقاء بينها إل على الصراع‪ ...‬وحي تلتقي ففي‬
‫حدود ا لرض " القوم ية " ك ما تلت قي الب هائم ع لى حظائ ها‪ ،‬أو ف حدود ال نس أو‬
‫العن صر‪ ...‬أو "ال صلحة " ال شتركة‪ ،‬ول تلت قي قط ‪ -‬ك ما خلق ها ا ل ‪ -‬ع لى حقي قة‬
‫"النسان" والبادئ الت تليق بالنسان!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫)‪(86‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫تلك ألوان من التصور الاهلي لعلقات النسان‪...‬‬

‫ولعل من الي أن نتم الديث عن الهالية بالنفس البشرية ‪ -‬حقيقتها وعلقتها ‪-‬‬
‫بف قرات من ك تاب ألك سيس كار يل " الن سان‪ ...‬ذ لك ال هول"‪ ،‬و هو ال عال العا صر‪،‬‬
‫الذي يكتب من وحي "العلم" ل من وحي " الدين"‪:‬‬

‫" و ف ا لق ل قد بذل ال نس الب شري م هودا‪ I‬ج بار‪I‬ا ل كي ي عرف نف سه‪ ...‬ول كن‬
‫بالرغم من أننا نلك كثيا‪ I‬من اللحظة الت كدسها العلماء والفلسفة والشعراء‪ ،‬وكبار‬
‫العلماء الروحانيي ف جيع الزمنة‪ ،‬فإننا استطعنا أن نفهم جوانب معينة فقط من أنفسنا‪،‬‬
‫إن نا ل نف هم الن سان ك كل‪ ...‬إن نا نعر فه ع لى أ نه م كون من أ جزاء متلفة‪ ،‬و حت هذه‬
‫الجزاء ابتدعتها وسائلنا‪ ،‬فكل واحد منا مكون من موكب من الشباح تسي ف وسطها‬
‫حقيقة مهولة‪...‬‬

‫وواقع المر أن جهلنا مطبق‪ ،‬فأغلب السئلة الت يلقيها على أنفسهم أولئك الذين‬
‫يدرسون النس البشري تظل بل جواب‪ ،‬لن هناك مناطق غي مدودة ف دنيانا الباطنية‬
‫ما زالت غي معروفة‪.‬‬

‫فمن الواضح أن جيع ما حققه العلماء من تقدم فيما يتعلق بدراسة النسان غي‬
‫كاف‪ ،‬وأن معرفتنا بأنفسنا ما زالت بدائية ف الغالب"‪.‬‬

‫ث ي عود في شرح أ ثر هذا ال هل الط بق بقي قة الن سان ع لى ال ياة الب شرية‪،‬‬
‫القتصادية والجتماعية والضارية والفكرية‪ ...‬ال‪ ،‬فيقول‪:‬‬

‫"وإن الضارة العصرية تد نفسها ف موقف صعب‪ ،‬لنا ل تلئمنا‪ ،‬لقد أنشئت‬
‫دون أ ية معر فة بطبيعت نا القيق ية‪ ،‬إذ أ نا تو لدت من خ يالت الكت شافات العلم ية‪،‬‬
‫و شهودات ال ناس‪ ،‬وأو هامهم‪ ،‬ونظر ياتم‪ ،‬ورغ باتم‪ ،‬وع لى الر غم من أ نا أن شئت‬
‫بجهوداتنا‪ ،‬إل أنا غي صالة بالنسبة لجمنا وشكلنا‪...‬‬

‫وهؤلء النظريون بينوا حضارات ‪ -‬بالرغم من أنا رست لتحقيق خي النسان ‪-‬‬
‫إل أنا تلئم فقط صورة غي كاملة أو مهوشة للنسان‪.‬‬

‫يب أن ي كون الن سان مقيا س‪I‬ا ل كل شيء‪ ،‬ول كن الوا قع هو ع كس ذ لك‪ ،‬ف هو‬
‫غريب ف العال الذي ابتدعه‪ ،‬إنه ل يستطع أن ينظم دنياه بنفسه لنه ل يلك معرفة عملية‬
‫بطبيعته‪ ،‬ومن ث فإن التقدم الائل الذي أحرزته علوم الماد على علوم الياة هو إحدى‬
‫الكوارث الت عانت منها النسانية‪ ...‬إننا قوم تعساء‪ ،‬لننا ننحط أخلقيا وعقليا‪ ...I‬إن‬

‫)‪(87‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫الماعات والمم الت بلغت فيها الضارة الصناعية أعظم نو وتقدم‪ ،‬هي على وجه الدقة‬
‫الماعات والمم الخذة ف الضعف‪ ،‬والت ستكون عودتا إل الببرية والمجية أسرع‬
‫من عودة غيها إليها‪.(31)"!...‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫هذه خلصة الفساد الذي أحدثته الاهلية الديثة ف تصورات النسان‪.‬‬

‫إنا ل تترك مال‪ I‬من مالت التصور بل فساد‪ ...‬وقد نشأت كلها من النراف‬
‫العظم‪ ...‬النراف عن عبادة ال‪.‬‬

‫و قد ظ نت الاهل ية الدي ثة ‪ -‬أ كثر من أي جاهل ية م ضت ‪ -‬أن ا لدين مزاج‬


‫شخصي ل علقة له بواقع الياة‪ ،‬لنه علقة بي العبد والرب‪ ،‬وكان هذا ‪ -‬ف ذاته ‪-‬‬
‫انراف‪I‬ا جاهليا ف التصور‪ ،‬ولكن الواقع الذي شهدته أوروبا‪ ،‬وشهده العال الذي غلبت‬
‫أوروبا عليه‪ ،‬أن فساد العقيدة‪ ،‬والنراف عن عبادة ال‪ ،‬ل يقبع ف داخل الضمي الفردي‬
‫كما ظنت الاهلية‪ ،‬وإنا ألقى ظله على كل مناحي الياة البشرية‪ ،‬فلم يبق منها شيء ل‬
‫يصبه النراف الفاسد بالفساد‪.‬‬

‫إن انراف العقيدة ل بد أن يفسد الياة‪ ،‬لن العقيدة ليست صلة بي العبد والرب‬
‫منقطعة عن حقيقة الواقع‪ ،‬وإنا هي الشي الذي يوجه الياة‪ ...‬فحي يوجهها منذ البدء‬
‫ف طريق فاسد‪ ،‬فل بد أن يصيبها الفساد كلها‪ ،‬وتذهب كلها شاردة ف التيه‪...‬‬

‫ولقد رأينا كيف أفسد انراف العقيدة تصورات البشرية‪ ...‬ولكنه ل يكن فسادا‬
‫ف التصور وحده! إنا هو ‪ -‬بصورة حتمية ‪ -‬فساد ف التصور‪ ...‬وفساد ف السلوك‪.‬‬

‫‪ ()31‬تعريب شفيق أسعد‪ ،‬منشورات مكتبة العارف ببيوت‪ ،‬ص ‪.44 – 43‬‬

‫)‪(88‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وفساد ف السلوك‬
‫ح ي انر فت الاهل ية الدي ثة ف عباد تا ل‪ ،‬فلعل ها ل ت كن تت صور أن ا نراف‬
‫العقيدة سيؤثر حتما‪ I‬ف تصوراتا للكون والياة والنسان! بل إنا ‪ -‬منذ البدء ‪ -‬ل تكن‬
‫ترى ف عمل ها ذ لك انرا فا‪ I‬عن ال صواب! "إ“̃نه” م” ا̃ت خ•ذ‪¤‬وا ال ش˜ي•اط“ي• أ—و–ل“ ي•اء¦ م“ ن– د”و ن“ الل‪œ‬ه‬
‫و••يح–س•ب”ون— أ—̃نه”م– م”ه–ت•د”ون"‪.‬‬

‫ولك نا رأي نا ف الف صل ال سابق ك يف ت سرب هذا ال نراف ف العق يدة إ ل كل‬
‫تصورات الاهلية‪ ،‬فصارت كلها تصورات فاسدة ل تستقيم على منطق‪ ،‬ول تتدي إل‬
‫حق‪ ،‬وإنا تسيها الهواء‪ ،‬حت ف ذات "العلم" التجريب‪ ،‬الذي يظن كثي من الناس ‪-‬‬
‫بوحي الاهلية ‪ -‬أنه بعيد كل البعد عن الهواء‪ ،‬وأنه الك الصادق الذي يرجع إليه ف‬
‫الور كلها‪ ،‬فيبي الق من الباطل‪ ...‬بل تي‪ ،‬ول ارتياب!‬

‫ولقد رأينا شهادات من "العلماء " أنفسهم تبي ما ف هذا العتقاد من زيف‪ ،‬وتبي‬
‫أن الع لم ل يق طع ‪ -‬و ل يق طع قط ‪ -‬بقي قة يقين ية! وأ نه مرد احت مالت! وأ نه ي ضع‬
‫لهواء البشر وتصوراتم! وذلك كله فوق أنه ل يدرس إل " ظواهر " الشياء!‬

‫ول كن قو ما‪ I‬ح سبوا ‪ -‬ب تأثي الاهل ية كذلك ‪ -‬إن "الت صورات " قد تن حرف ث‬
‫ي ستقيم " ال سلوك"‪ ...‬ف السيا سة والجت ماع والقت صاد وا لخلق وال فن‪ ...‬لن‬
‫"النظريات " شيء و "التطبيق " شيء آخر‪.‬‬

‫النظريات تكمها أفكار الناس أو أهواؤهم‪ ،‬ولكن التطبيق العملي يكمه " الواقع"‬
‫و "التجر بة " وت قوم عل يه التنظي مات ا لت ت صحح م نه ما يف سد أول‪ I‬بأول‪ ،‬في صلح‬
‫ويستقيم!‬

‫" ‪¤‬ق ل™ ه• ل™ ن”•نب‪¥‬ئ‪¤ ¤‬ك م– ب“ال™—أخ– س•ر“ين• أ—ع– م•ال‪ ،I‬ا ل‪œ‬ذ“ي •ن ض•ل‪ œ‬س•ع–ي”ه”م– ف“ي ا™لح• ي•اة“ ا لد§–ني•ا و•ه”م‬
‫سن”ون— ص”ن–عا"‪.‬‬ ‫•يح–س•ب”ون— —أ̃نه”م– ي”ح– “‬

‫وقديا‪ I‬قال القائل‪" :‬وهل يستقيم الظل والعود أعوج؟!"‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫إنه وهم آخر من أهام الاهلية!‬

‫)‪(89‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وهم‪ Ï‬يغري به ما يقع ف هذه الاهلية من خي ظاهري‪ ،‬وعدالة جزئية تصيب بعض‬
‫الناس ف بعض المور! فيظنون أن المور كلها على ما يرام!‬

‫ولقد أبرزنا من قبل كيف أن الاهلية ‪ -‬أي جاهلية ‪ -‬ل يكن أن تلو من نفع‬
‫يدع الناس فيحسبون أنه خي! وهو خي زائف لنه ل يستمد من معي الي القيقي‪،‬‬
‫ول يسي على الطريق الواصل! وابرزنا كذلك أن فتنة هذه الاهلية الديثة هي الضخامة‬
‫ف الصيلة العلمية‪ ،‬والضخامة ف تيسيات الياة الت تدع الناس بصورة الي الظاهري‪،‬‬
‫حت ليخيل إليهم أن الي هو الغالب‪ ،‬وأن المور على ما يرام!‬

‫ذلك أنم ‪ -‬بوسائل شيطانية ضخمة كذلك ‪ -‬قد ض”للوا عن حقيقة الشر الذي‬
‫يعيشون فيه!‬

‫و لو أدر كوا ضخامة هذا ال شر‪ ،‬وم قدار الف ساد ا لذي يدثه ف وا قع ح ياتم‪،‬‬
‫لدركوا أن كل " الي " الذي تطنطن به الاهلية الديثة لتواري سوآتا‪ ...‬ل يزيد على‬
‫ف تات! وأ نه خ ي ضائع ف خ ضم ال شر ا لذي تور به ا لرض‪ ...‬بل لدركوا أن ال ياة‬
‫البشرية ذاتا ‪ -‬حياتم ‪ -‬مهددة بالدمار من ضخامة هذا الشر وعنفوانه‪ ،‬وضخامة تكنه‬
‫من الياة الواقعية للناس!‬

‫إن هذا الشر ليس ف شيء دون شيء!‬

‫إنه ليس ف "الفساد اللقي " وحده‪ ،‬كما يظن الذين يدافعون عن الاهلية الديثة‪،‬‬
‫و ياولون أن يهو‪ ²‬نوا من شرورها‪ ،‬بأ نا م صورة ف " شيء" من التح لل الل قي‪ ،‬ول كن‬
‫الياة ف بقية اليادين سليمة‪ ،‬بل رفيعة‪ ،‬بل رائعة!‪ ...‬بل هي القمة الت ل مطمع لطامع‬
‫بعدها ف مزيد!‬

‫كل! إنه شر شامل‪ ...‬يشمل كل مناحي الياة!‬

‫و سنبي بالتف صيل ف هذا الف صل ك يف ام تد الف ساد وك يف ف عل‪ :‬ف السيا سة‪،‬‬
‫والقت صاد‪ ،‬والجت ماع‪ ،‬وا لخلق‪ ،‬وعل قات الن سي‪ ،‬وال فن‪ ،‬ف كل شيء ع لى‬
‫الطلق‪.‬‬

‫ولكنا قبل هذا التفصيل نذكر حقيقة بديهية ‪ -‬أو ينبغي أن تكون كذلك‪ :‬أنه ل‬
‫يكن ف المكان أن تفسد التصورات كلها على هذا النحو‪ ...‬ث يستقيم السلوك‪.‬‬

‫كيف يكن أن يدث ذلك؟‬

‫)‪(90‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫إن الاهل ية الدي ثة ‪ -‬بو سائل إعلم ها ال ضخمة ا لت تتزا يد ‪ -‬عن ع مد ‪ -‬كل‬
‫يـوم – حاولت أن تصرف الناس عن انرافات التصور‪ ،‬بأن تصور لم السلوك الواقعي‬
‫الذي يعيشونه على أنه قمة الصواب!‬

‫فإذا ساور الناس شك ف بعض المر‪ ...‬أن هذا يالف ما قال به " ال"‪ ،‬أو ما‬
‫يقضي به " الق والعدل"‪ ،‬أو ما تقتضيه " الخلق"‪ ،‬سارعت الاهلية بالواب الاهز‪،‬‬
‫تذيعه بكل ما تلك من وسائل العلم‪...‬‬

‫إنه التطور‪!...‬‬

‫أل تعلم ذلك؟! هل أنت غافل عن التطور؟ هل أنت ل تعيش ف القرن العشرين‪،‬‬
‫بعقل ية ال قرن الع شرين؟! أم ماذا؟! أم أ نت رج عي؟! يا للداه ية ال سوداء! كل شيء إل‬
‫الرجعية! اوع! إن كل شيء ف الوجود متمل‪ ،‬إل أن تكون رجعيا ف القرن العشرين!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫بذه الو سائل ‪ -‬الضخمة ‪ -‬ا لت تلكها الاهل ية الدي ثة‪ ...‬بو سائل ا لعلم‪ ،‬من‬
‫صحافة‪ ،‬وإذاعة وسينما وتليفزيون‪ ...‬تطم الاهلية كل ماولة لبيان ما ف هذه الاهلية‬
‫من شر ضخم متكتل ينق أرواح الناس!‬

‫يك في أن تط لق هذه القذي فة ف و جه كل إن سان ير يد أن يرد ال ناس إ ل ا لق‪،‬‬


‫ويوقظهم إل انراف واقعهم‪:‬‬

‫الرجعية‪!...‬‬

‫ويكفي أن تضع هذا السلح ف يد كل مقاتل يعمل لقتل الق والي والعدالة‪:‬‬

‫التطور‪!...‬‬

‫ولكن المر ل يقف عند هذا الد " البسيط " رغم خطورته‪ ...‬إنا تقوم الاهلية‬
‫بتعقيد المر حت يتلط الق بالباطل‪ ،‬ويتلط المر على الظلومي أنفسهم فيحسبون أنم‬
‫يعيشون ف عدالة! والضللي أنفسهم فيحسبون أنم مهتدون! والواقع بم الشر فيحسبون‬
‫أنم ف خي عميم!‬

‫)‪(91‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫إن هذه الاهلية أوعر وأخبث وأعنف جاهلية مرت بالبشرية ف التاريخ!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ولكن المر ‪ -‬مع ذلك ‪ -‬ل يستعصي على البيان!‬

‫إن الواقع له ثقله‪ ،‬والق له ثقله‪...‬‬

‫إنه ل يكن لية جاهلية ‪ -‬مهما أوتيت من سلطان ‪ -‬أن تجب الق إل البد عن‬
‫الناس‪.‬‬

‫ولقد بدأت البشرية فعل‪ I‬تفيق من هذه الاهلية كما سنتبي ف أثناء الديث‪.‬‬

‫بدأ قوم ‪ -‬متفرقون ‪ -‬يسون بعظم الشر الذي تدثه الاهلية ف حياة الناس‪.‬‬

‫ولن تكون الهمة سهلة‪ ...‬ولن تكون سريعة الفعول‪ ،‬فعلى قدر ضخامة الاهلية‬
‫وضراوتا ستكون معركة الق مع الباطل‪ ،‬ويكون الهد الطلوب‪.‬‬

‫ول كن شيئا‪ I‬معي نا‪ I‬ينب غي أن نعر فه و نؤمن به‪ :‬إن ضخامة البا طل ل تقل به ح قا!‬
‫وضخامة الشر لن توله إل خي!‬

‫وف اطمئنان لذه القيقة نضي ف بيان الفساد الذي أحدثته الاهلية الديثة ف‬
‫السلوك‪ ،‬كما بينا من قبل الفساد الذي أحدثته ف التصورات‪.‬‬

‫ولئن كان فساد التصور قد شل تصور النسان للحقيقة اللية‪ ،‬وتصوره للكون‬
‫وال ياة والن سان‪ ،‬وارتباطا تا كل ها بع ضها بب عض‪ ،‬فالف ساد ف ال سلوك قد شل م ناحي‬
‫ال ياة كل ها‪ ،‬ف السيا سة والقت صاد والجت ماع وا لخلق وعل قات الن سي وال فن‪...‬‬
‫ولكل من هذه بيان‪.‬‬

‫)‪(92‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ف السياسة‪...‬‬
‫هذا العصر هو عصر " التحرر"‪ ...‬ومع ذلك فقد شهد أبشع دكتاتوريات التاريخ!‬

‫ف وقت من الوقات كان القطاع هو السائد ف أوروبا‪ ...‬وكان يستعبد الناس‬


‫للرض عبودية حقيقية‪ ،‬بع ن أن النسان ل يق له أن يغادر ا لرض إل أرض أ خرى‪،‬‬
‫وإل اعتب آبقا‪ ،I‬ورده " القانون " بالقوة إل الرض الت أبق منها‪ ،‬موسوما‪ I‬مكويا بالنار‪،‬‬
‫لنه ترأ ف خرج ع لى "ا لله " ال صغي صاحب القطاع ية ا لذي ي ستعبده لنف سه ويرب طه‬
‫كذلك بالعبودية للرض‪ ،‬وكان صاحب القطاع هذا هو الذي يدد للعبد الذي يزرع‬
‫الرض القدار الذي " يوزه" من الرض ليعيش عليه‪ ،‬ولكنها حيازة غي كاملة‪ ،‬فهي‬
‫أشبه بالرض الددة للبهيمة ترعى فيها الشائش لتعيش‪ ،‬وتدر اللب والسمن‪ ،‬وليس لا‬
‫أن تتجاوزها‪ ،‬لنا مربوطة فيها بالقيد‪.‬‬

‫"ونظام القطاع عبارة عن أسلوب من النتاج الصفة الميزة له هي التبعية الدائمة‬


‫– ‪ - Serfdom‬ويعر فونه بأنه ن ظام ف ظ له ي لتزم الن تج البا شر نو سيده أو موله بأداء‬
‫مطالب اقتصادية معينة‪ ،‬سواء أكانت تلك الطالب تؤدى على هيئة خدمات يقوم با‪ ،‬أم‬
‫على شكل مدفوعات )أو استحقاقات( يؤديها نقدا‪ I‬أو عينا‪.I‬‬

‫ولتوضيح ذلك نقول إن التمع القطاعي كان ينقسم إل طبقتي‪:‬‬

‫الول وتشمل ملك البعاديات القطاعية‪.‬‬

‫والثان ية وتت كون من الزارع ي ع لى اختلف مراتب هم‪ ،‬فمن هم الفل حون والع مال‬
‫والزراع يون والعب يد‪ ،‬وإن كان عدد ا لخرين ظل يت ناقص باطراد و سرعة‪ ،‬ف هؤلء‬
‫الفلحون‪ ،‬أي النتجون الباشرون‪ ،‬لم الق ف حيازة مساحة من الرض يعتمدون عليها‬
‫بو سائلهم ف ك سب معا شهم وإن تاج ما يلزم هم من أ سباب الع يش‪ ،‬ك ما يار سون ف‬
‫بيوتم الصناعات البسيطة الت تتصل بالزراعة‪ ،‬ولكنهم مقابل ذلك يلزمون بأمور عدة مثل‬
‫الدمة ال سبوعية ف أرض ال شريف مع آل تم وما شيتهم‪ ،‬والدمة الضافية ف الوا سم‬
‫الزراعية‪ ،‬وتقدي الدايا ف العياد والناسبات الاصة‪ ،‬وعليهم كذلك أن يطحنوا غللم‬
‫ف الطاحن الت يقيمها الشريف وأن يعصروا كرومهم ف معصرته‪.‬‬

‫و كان ال شريف يارس أ مور ال كم والق ضاء‪ ،‬أي أ نه ي شرف ع لى تنظ يم ال ياة‬
‫الجتماعية والسياسية بالنسبة لهل منطقته‪.‬‬

‫)‪(93‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫‪ ...‬غ ي أن هذا الن تج البا شر ف ظل الن ظام الق طاعي ل ي كن حرا بالعن ا لذي‬
‫نعر فه في ما ب عد‪ ،‬ف هو ل ي لك ا لرض ملك ية كام لة‪ ،‬ول ي ستطيع الت صرف في ها بالبيع‬
‫والتوريث والبة‪ ،‬وكان يؤدي أعمال السخرة ف أرض الشريف الاصة رغما‪ I‬عنه وضد‬
‫مصلحته‪ ،‬وعليه أن يؤدي ضريبة ‪ -‬غي مدودة القدار ‪ -‬اعترافا‪ I‬بعلقة التبعية‪ ،‬وهو ينتقل‬
‫مع ا لرض إذا ما انتق لت هذه من يد إ ل أ خرى‪ ،‬ولي ست له الر ية الطل قة ف م غادرة‬
‫م كان الع مل أو اللت حاق بد مة سيد آ خر‪ ،‬ف هو إذن ي ثل حل قة متو سطة ب ي الع بد ف‬
‫العصور القدية والزارع الر ف العصر الديث")‪.(32‬‬

‫تلك هي الصورة البشعة الت كانت تعيشها أوروبا ف جاهلية العصور الوسطى‪،‬‬
‫براسة الكنيسة الوروبية لذه الوضاع! وهي الصورة الت ل يعرفها العال السلمي ‪-‬‬
‫قط ‪ -‬وهو مسلم! رغم كل ما أصابه من انراف جزئي ف سياية الكم والال! فقد‬
‫كانت شريعة ال النافذة ‪ -‬ولو جزئيا! ‪ -‬ف واقع الرض‪ ،‬تول دون هذا الظلم الكافر‬
‫الذي ل يكم با أنزل ال‪ ،‬وإنا يكم " بعدالة " القانون الرومان الشهي‪!...‬‬

‫وجاء الوقت الذي آذن فيه القطاع بالنيار‪ ،‬ل لن ضمي أوروبا أوجعها! فضمي‬
‫الاهل ية ل يوجع ها قط! ول كن ‪ -‬ح سب التف سي ا لادي للتار يخ ‪ -‬و هو صادق أ شد‬
‫الصدق ف تفسي جاهلية البشر عب التاريخ ‪ -‬انار القطاع لن "طورا‪ " I‬اقتصاديا جديدا‬
‫نشأ على مولد اللة‪.‬‬

‫الطبقة الصاعدة ‪ -‬بكم التحول الادي ‪ -‬تدم الطبقة الت أدت دورها ‪ -‬بكم‬
‫الظروف الادية ‪ -‬وأصبحت " واجبة " التحطيم‪ ،‬ومن ث " حتمية " النيار!‬

‫وهذا التحول الادي ‪ -‬الطبقي‪ ،‬ل مكان فيه للحق والباطل ف رأي زبانية التفسي‬
‫الادي للتاريخ!‬

‫إن الق طاع ل ين هار ‪ -‬أو ل ينب غي أن ين هار ‪ -‬لنه ظال‪ ،‬وإ نا لنه أدى دوره‬
‫الادي ‪ -‬الطبقي‪ ،‬والنظام الديد ‪ -‬أي نظام جديد ‪ -‬ل يقوم ‪ -‬أو ينبغي أن يقوم ‪ -‬لنه‬
‫ي حو الظ لم الا ثل‪ ،‬ول كن لن دوره ا لادي ‪ -‬الطب قي قد حل‪ ،‬أي أ نه ح لت " حتمي ته‬
‫التاريية"!‬

‫ول ت فرق الاد ية التاري ية ب ي "ال طور " القت صادي النا شئ من ت عديل أ ساليب‬
‫الن تاج‪ ،‬وب ي "الطب قة" ا لت تك مه‪ ،‬وت ستغله‪ ،‬وت كون هي سيدته‪ ،‬لنه ف الاهل ية ‪-‬‬
‫الواقعية والتفسيية معا‪ - I‬ل يكم الناس با أنزل ال‪ ،‬وإنا يكمون بأهوائهم‪ ،‬ومن ث‬

‫‪ ()32‬عن كتاب "النظام الشتراكي " تأليف راشد الباوي‪.‬‬

‫)‪(94‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫تكون " الطبقة " الالكة هي الاكمة السيطرة الستغلة‪ ،‬ويتبادل الناس الظلم على مدار "‬
‫الطوار"!‬

‫ول تستطيع الاهلية ‪ -‬الواقعية أو التفسيية ‪ -‬أن تتصور حالة ينتقل فيها القتصاد‬
‫من طور إل طور ‪ -‬انتقال‪ I‬طبيعيا بكم ما يطرأ على أساليب النتاج من تغي علمي ‪-‬‬
‫دون أن يكون فيه استغلل من طبقة لطبقة‪ ،‬لنم ‪ -‬ف جاهليتهم الطويلة الستمرة ‪ -‬ل‬
‫يذوقوا قط ك يف ي كون ال كم با أ نزل ا ل‪ ،‬وك يف ي صر‪²‬ف هذا ال كم ا لمور بالق‬
‫والعدل‪ ،‬بصرف النظر عن الطور القتصادي‪ ،‬لنه ليس مقصورا‪ I‬على طور دون طور‪،‬‬
‫وليس مفصل‪ I‬على قد حالة اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية معينة‪ ،‬وإنا هو مفصل على‬
‫قد "النسان"‪ ،‬أي‪²‬ا‪ I‬كان طور " النمو "الذي يصل إليه النسان‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫أ ي‪²‬ا‪ I‬كان المر‪ ،‬فقد انار القطاع الوروب على مولد اللة‪ ،‬وبدأ تول جديد ف‬
‫التمع‪.‬‬

‫احتاجت الصانع إل عمال‪ ،‬ول مورد لم إل من الريف‪ ،‬فلزم إذن تطيم القطاع‬
‫ا لذي ير بط الفلح ي با لرض‪ ،‬ليتمك نوا من "الت حرر" من رب قة ا لرض‪ ،‬والنت قال من‬
‫الريف إل الدينة حيث العمل الديد )‪.(33‬‬

‫و ترر ال ناس فعل‪ I‬من عبود ية ا لرض‪ ،‬وانتق لوا من عبود ية الر يف إ ل "حر ية "‬
‫الدينة‪.‬‬

‫هكذا خيل إليهم ف بادئ المر!‬

‫خيل إليهم أنم قد حط¡موا القيود كلها الت كانت تكتفهم‪ ،‬وأنم اليوم طلقاء‪،‬‬
‫يصنعون ما يشاءون! ذلك أنم ‪ -‬وهم ينتقلون من طور جاهلي إل طور جاهلي آخر ‪-‬‬
‫ل يكونوا بعد قد رأوا قيود العبودية الديدة الت تتربص بم‪ ،‬وتنتظرهم حت يصلوا ‪-‬‬
‫بأرجلهم ‪ -‬إليها!‬

‫‪ ()33‬هكذا يقول التفسي الادي للتاريخ‪ ،‬ويغفل أن الفلحي قد بدأوا يثورون ف أوروبا ف القرن الثالث‬
‫عشر على هذه العبودية الظالة بكم " الفطرة " الت قد تصب طويل‪ I‬على الظلم ولكنها تلفظه ذات يوم‬
‫بالضرورة‪ ،‬ولو ل يكن هناك أي تول ف أساليب النتاج‪ ،‬فعندما بدأت حركة " فرار الفلحي " ف‬
‫القرن الثالث عشر ل يكن " الطور " الادي الديد قد ولد بعد‪.‬‬

‫)‪(95‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫يقول التفسي الادي للتاريخ إن "الطبقة " الديدة الت خلقتها اللة‪ ،‬وانتقال عملية‬
‫النتاج من صورته القطاعية إل صورته الرأسالية‪ ،‬ها اللذان أحدثا العبودية الديدة الت‬
‫أخذت تضيق حلقاتا رويدا‪ I‬رويد‪I‬ا حت أطبقت على أنفاس الناس‪.‬‬

‫ول كن ا لمر أع مق من هذا ا لوجه ال ظاهر ا لذي ي قرؤه التف سي ا لادي للتار يخ‪،‬‬
‫ويزعم أنه قد وصل به إل اللباب‪ ،‬وأنه وصل به إل العجاز ف التفسي!‬

‫إن حقيقة المر أن الاهلية الديدة ‪ -‬الت ل تكم با أنزل ال ف ظل الرأسالية ‪-‬‬
‫هي مرد امتداد للجاهلية القدية الت ل تكن تكم با أنزل ال ف ظل القطاع‪.‬‬

‫إنا شهوة واحدة " متطورة " وهوى واحد يتتبع النفعة على حساب " الكادحي"‪.‬‬

‫إنه الطاغوت الذي يوجد ف كل جاهلية‪ ،‬ويتحكم ف الناس بواه‪ ،‬ما دام الناس ل‬
‫يكمون با أنزل ال!‬

‫ولقد وجد هذا الطاغوت ف العال السلمي ول شك‪ ...‬بقدار ما انرف الناس‬
‫عن من هج ال‪ ،‬ولك نه ل ي ستطع‪ ،‬وال ناس يك مون ب شرع ا ل ‪ -‬و لو ع لى ف ساد! ‪ -‬أن‬
‫يستشري كم استشرى ف أوروبا حت يقلب حياة الناس إل جحيم‪.‬‬

‫ل يدث ف ال سلم الق طاع ا لذي حدث ب صورته الب شعة ف أورو با‪ ،‬و كان‬
‫السلم حر ي‪²‬ا‪ I‬كذلك أن يد من طاغوت الرأسالية كما حد من طاغوت القطاع من‬
‫قبل‪ ،‬ما دام الناس يكمون بشرع ال‪ ،‬ولو على فساد جزئي! )‪.(34‬‬

‫ولكن‪ ...‬فلنعد إل أوروبا‪ ،‬إل الاهلية التصلة اللقات‪.‬‬

‫ل يكن الذي حدث "تطور‪I‬ا اقتصاديا حتميا" ‪ -‬كما تتصوره الاهلية الاركسية‪،‬‬
‫وإنا كان الطاغوت ين ق¡ل خطاه عب التاريخ‪ ،‬فيستتغل التطور الديد ف أساليب النتاج‬
‫ليواصل طغيانه‪ ،‬واستعباده للناس‪.‬‬

‫ول يكن ذلك حتما‪ ...I‬إنا كان فقط نتيجة طبيعية للظروف القائمة‪ ...‬أو أنه كان‬
‫حتما‪ I‬من وجهة واحدة‪ :‬فما دام الناس ل يكمون با أنزل ال‪ ،‬فالبديل الوحيد هو أن‬
‫يكمهم الطاغوت‪ ،‬ويذيقهم العبودية والوان‪.‬‬

‫‪ ()34‬راجع ف كتاب "الشبهات " فصل " السلم والرأسالية"‪،‬‬

‫)‪(96‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وليس ينع أن الطبقة الرأسالية الصاعدة قد تصارعت مع الطبقة القطاعية النحدرة‬


‫لتأ خذ من ها ال سلطان‪ ...‬ل يس ي نع ذ لك أن ي كون ال طاغوت هو ا لاكم ف ا لالي!‬
‫فالطاغوت ليس شخصا‪ I‬معينا‪ I‬بذاته‪ ،‬أو طبقة معينة‪ ،‬إنا الطاغوت سلطان غاشم‪ ،‬يتلقفه‬
‫من يتلقفه من الناس فيستعبدون به سائر الناس‪ ...‬وقد يصطرعون فيما بينهم عليه حت‬
‫يلص ف يد الفئة الت تدمها الظروف القتصادية‪ ،‬كما اصطدمت قريش مع غيها من‬
‫القبائل ‪ -‬الضالة مثلها ‪ -‬ف الزيرة حت خلص لا وحدها سلطان الطاغوت‪ ،‬وصارت ‪-‬‬
‫بظروفها القتصادية ‪ -‬هي الت تلك وتكم‪ ،‬وتستعبد الناس بشت فنون الستعباد!‬

‫والتف سي ا لادي للتار يخ ل يف سر إل ظروف انت قال ال سلطة من ال طاغوت إ ل‬


‫الطاغوت! ولكنه ل يتعمق ف التفسي ليعلم أسباب وجود الطاغوت ذاته‪ ،‬ويعلم أنه ليس‬
‫حتمي الوجود ف الرض‪ ...‬إذا أراد الناس!‬

‫إنه تفسي جاهلي‪ ...‬يفسر الاهليات!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ل تكن العبودية الديدة واضحة السمات ف مبدإ المر‪ ...‬إنا كان الوجه الظاهر‬
‫هو التحرر‪.‬‬

‫ترر العمال من ربقة الرض‪...‬‬

‫وترر الشعب من ربقة القطاع‪...‬‬

‫و حدثت تولت سيا سية واجتماع ية تت سم ب طابع الت حرر‪ ...‬تولت ا سها‪:‬‬
‫الديقراطية!‬

‫والواقع أن الاهلية الديدة قد أ تاحت قدر‪I‬ا من التحرر الن سب‪ ،‬وقدرا‪ I‬من الي‬
‫النسب‪ ،‬ضل¡ل الناس كثيا‪ I‬عن العبودية الائقة بم بالفعل‪ ،‬الت كانت تستعبدهم ‪ -‬رويدا‬
‫رويدا‪ - I‬للطاغوت الديد‪.‬‬

‫ح ي تأ خذ شخ صا‪ I‬ل ي كن ي لك أن ي غادر أر ضه ب صورة قانون ية‪ ،‬وت شده الق يود‬
‫الادية والعنوية إل الرض‪ ...‬وحي تأخذ شخصا‪ I‬يفرض عليه التمع الذي يعيش فيه‬
‫قيودا‪ I‬أخلقية معينة ‪ -‬سواء كانت صالة أو فاسدة ‪ -‬ل يلك أن يرج عليها وإل قوبل‬
‫بالستنكار من الميع ‪ -‬ولو كانوا ل يؤمنون ف دخيلة أنفسهم بقيمة هذه القيود! ‪...-‬‬

‫)‪(97‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وحي تأخذ شخصا‪ I‬يركبه سلطان الكنيسة الطبق فل يلك الروج عليه وإل عد مارقا‬
‫من الدين‪ ،‬وحقت عليه لعنة اللعني‪...‬‬

‫ح ي تأ خذ هذا ال شخص وت قذف به إ ل الدي نة‪ ،‬يت جول حرا ف طرقا تا بل‬
‫رق يب‪ ...‬ويع يث في ها ف سادا‪ I‬خلق يا ‪ -‬أو تررا‪ - I‬دون رق يب‪ ...‬وينخ لع من سلطان‬
‫الكنيسة دون أن يفل التام بالروق‪...‬‬

‫حينئذ ل بد أن يشعر أنه ترر!‬

‫على أن المر كان يشتمل على حريات حقيقية ل يكن لا وجود من قبل‪.‬‬

‫حر ية التن قل‪ ،‬حر ية الع مل‪ ،‬حر ية الجت ماع‪ ،‬حر ية الكلم‪ ،‬حر ية ال صحافة‪...‬‬
‫وضمانات ل يكن لا وجود من قبل‪...‬‬

‫ضمانات التام‪ ،‬وضمانات التحقيق‪ ،‬وضمانات القضاء‪.‬‬

‫حريات وضمانات حقيقية‪ ...‬ل بد أن يشعر معها الرء أنه ترر!‬

‫ث‪ ...‬البلان‪...‬‬

‫انتخا بات " حرة"‪ ...‬تث يل شعب‪ ...‬حكو مة ت ثل "ال شعب"‪ ...‬وت كم بإرادة‬
‫الشعب!‬

‫ل بد إن "النسإن "كله قد ترر!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫كانت ت لك هي "الو هام " الع سولة ا لت عا شت في ها الاهل ية الد يدة ف ع صر‬
‫الرأسالية!‬

‫ظاهرها كله جيل‪ ...‬جيل إل حد ل يوصف!‬

‫وييء العلم والتقدم الادي فيكمل الصورة‪ ...‬إن "النسإن"ل يتحرر من عبودية‬
‫ا لرض فح سب‪ ،‬ول من ق يود ا لخلق فح سب‪ ،‬ول من سلطة الكني سة فح سب‪ ،‬ول‬

‫)‪(98‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫أصبح له سلطان نياب وتشريعي فحسب‪ ...‬وإنا هو يتحرر كذلك من "الهد"‪ ...‬فالعلم‬
‫والتقدم الادي يطلقان الطاقة البشرية الكبلة بالعمل‪ ،‬ويم‪²‬لن اللة كثيا‪ I‬من الهد الذي‬
‫كان يقوم به النسان‪ ...‬لينطلق هذا الخي خفيفا‪ ،I‬ناشطا‪ ،I‬متطلعا‪ I‬بطاقته الذخورة إل‬
‫الياة!‬

‫ول سنا ه نا نتك لم عن أ ي‪ Ó‬من النرا فات الجتماع ية أو القت صادية أو اللق ية أو‬
‫الفكرية الت صاحبت هذه الاهلية الديدة‪ ،‬إنا نن الن نتحدث عن "السياسة" وحدها‬
‫)وإن كانت الياة ف واقع المر متشابكة مترابطة‪ ،‬ل توجد فيها السياسة منفصلة عن‬
‫الجت ماع والقت صاد وا لخلق والتفك ي‪ ...‬ا ل‪ ،‬لن الن فس الب شرية وال ياة الب شرية ل‬
‫تت جزأ ول تنف صل‪ ...‬ولكن نا ن قوم بذا الف صل ل ضرورة الب حث ف قط‪ ...‬من أ جل‬
‫التوضيح(‪.‬‬

‫ف السياسة ل تصخ الاهلية الديدة ‪ -‬النفلتة من سلطان الكنيسة )وسلطان ال(‬


‫‪ -‬إل أنا وهي تكم " بإرادة الشعب!" إنا تكم بوهم ل وجود له ف الواقع! وأنا ‪-‬‬
‫و هي ل ت كم " با أ نزل ا ل" ‪ -‬فل يس أمام ها إل طر يق وا حد‪ ...‬هو أن ت كم بإرادة‬
‫الطاغوت!‬

‫"إرادة الشعب" كانت الوجه الظاهر الزيف للجاهلية الديدة‪...‬‬

‫و "إرادة الطاغوت" كانت الوجه القيقي لذه الاهلية النكراء!‬

‫وصدق التفسي الاهلي للتاريخ‪ ،‬وهو يف سر تار يخ الاهليات‪ :‬الطبقة الت تلك‬
‫هي الت تكم‪ ،‬وهي تكم لصالها على حساب بقية "الطبقات"!‬

‫ف من وراء هذه الت شكيلت كل ها‪ ...‬النت خاب والب لان والكو مة البلان ية‬
‫والدستور‪ ...‬إل‪ ،‬كان يكم الطاغوت!‬

‫ول تكن المور واضحة ف مبدأ المر كل الوضوح‪...‬‬

‫كإن "الطيبون" الخدوعون ف الاهلية الديدة يسبون أنم يبنون الياة على نسق‬
‫فاضل‪ ،‬صاعد‪ ،‬رفيع‪ ...‬جدير بكرامة "النسان"!‬

‫وكانت "الظاهر" تلى لم ف هذا الظن‪...‬‬

‫)‪(99‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫أو لي سوا هم ‪ -‬ال شعب ‪ -‬هم ا لذين ينتخ بون مثلي هم؛ ومث لوهم هؤلء ل بد أن‬
‫يشرعوا بإرادتم‪ ،‬ولصالهم؟‬

‫ولكن القيقة أن الذي كان يكم هو طاغوت رأس الال‪...‬‬

‫ولقد أصبحت القضية اليوم معروفة بصورة ل تتاج إل كثي بيان‪ ...‬فقد قيل عن‬
‫الرأسالية ف السنوات الخية ف كل بقاع الرض ‪ -‬وبميع وسائل العلم ‪ -‬ما يكفي‬
‫لبيان شرورها وطغيانا وفسادها‪ ،‬وبيان مدى استغللا لسلطان الكم ف تنفيذ مآربا‬
‫الاصة‪ ،‬وامتصاص دماء "الكادحي"‪ ...‬وتولا ف ناية المر إل الرهاب السافر‪ ...‬ضد‬
‫الطالبي بالرية القيقية‪ ،‬والعدالة القيقية‪ ،‬وانتزاع السلطان من الطاغوت‪...‬‬

‫وتلك أمثلة "خفيفة"‪ ...‬تكفي!‬

‫"وإنا لذاكرون ما حدث ف الضراب العام بانلترا عام ‪ 1926‬إذ سيت الكومة‬
‫كل قواها لقمعه‪ ،‬وأعلن قانون الرأسالييي أن الضراب غي دستوري‪ ،‬وزحفت فصائل‬
‫ال شرطة وك تائب ال يش لقم عه‪ ،‬تمي ها ا لدبابات و سخرت شت و سائل الن قل لك سر‬
‫الضراب‪ ،‬ودعى الشبان من طلبة الامعات لقيادة مركبات النقل العامة‪ ،‬واستخدمت‬
‫الذا عة وال صحف‪ ،‬وجع لت الكو مة من نف سها خاد ما‪ I‬ل صحاب الع مال‪ ،‬و تددت‬
‫النقابات باستصفاء أموالا وسجن زعمائها‪."...‬‬

‫ذلك ف إنلترا‪ ...‬أم الديقراطية‪ ...‬والكلم على لسان رجل إنليزي‪ ...‬ل رجل‬
‫من أ عداء ا لنليز)‪ ،(35‬أ ما ف أمري كا فا لمر أب شع‪ ...‬فه ناك ع صابات من "البلطج ية "‬
‫ا لترفي تع مل ف خد مة " الديقراط ية " ل تأديب ا لارجي ع لى سلطان رأس ا لال‪،‬‬
‫وسجنهم وتعذيبهم‪ ،‬وقتلهم أحيانا‪ I‬إذا لزم المر‪:‬‬

‫يقول هارولد لسكي ف كتاب "تأملت ف ثورات العصر"‪:‬‬

‫"ومن الضروري أن يقرأ الرء تفاصيل وثيقة مثل تقرير لنة " لفلوت" الت عينها‬
‫ملس الشيوخ المريكي لبحث موضوع التدخل ف الريات الدنية ليصل إل وجهة نظر‬
‫صحيحة عن مدى ما بلغه هذا التدخل‪.‬‬

‫وإن الرشوة والاسوسية والتهديد و "البلطجة" وسوء الستغلل التعمد للقضاء ف‬


‫أعلى مراتبه‪ ،‬وف الاكم التادية الثانوية‪ ...‬هذه كلها ليست سوى أشكال وفئات من‬
‫التصرفات الت تعودها زعماء رجال العمال ف أمريكا‪.‬‬

‫‪ ()35‬هنري نوبل برايلز فورد‪ ،‬ترجة عصام الدين حفن ناصف‪.‬‬

‫)‪(100‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وإن أ كثر ال تادات ال صناعية ال كبى ه ناك‪ ،‬لتم لك جيو شها الا صة ال سلحة‬
‫بالب نادق ال سريعة الطل قات‪ ،‬وقنا بل ال غازات ال سيلة ل لدموع‪ ،‬لتم نع الن قابيي من غزو‬
‫مصانعها!‬

‫وبالضافة إل ذلك كانت هناك مناطق ف الوليات التحدة مثل "لويزيانا" ف عهد‬
‫سناتور "لو نج" وم ثل "جي سي" ف ع هد الع مدة " هاج" وم ثل ا لوادي ا لمباطوري ف‬
‫"كاليفورن يا"‪ ...‬كل هذه الب قاع ‪ -‬و هذه أمث لة من ها ‪ -‬ل ي كن في ها لعلن ال قوق‬
‫المريكي سلطة إزاء إصرار رجال العمال على جع كل المتيازات ف أيديهم بواسطة‬
‫حيازتم الطلقة لقوى القتصاد‪.‬‬

‫وف اعتقادي أننا ل نغال ف حكمنا إذا قلنا إنه حت سنة ‪ 1940‬كانت الفكرة‬
‫الفاشية قد توغلت عميقا‪ I‬ف أذهان رجال العمال المريكيي تت ستار قبولم الظاهري‬
‫للمبادئ الديقراطية‪.(36)"...‬‬

‫على أن المر ‪ -‬ف أمريكا ‪ -‬ل يتاج إل شهادة الكتاب والؤلفي‪ ...‬فقد وصلت‬
‫روح " البلطجة " بالرأسالية المريكية إل حد أن ترتكب جرائمها عيانا‪ I‬ف وضح النهار‪،‬‬
‫ف أغرب قضية اغتيال ف التاريخ‪ :‬حيث قتل الرئيس المريكي كنيدي إرضاء للرأسالية‬
‫الوال غة ف ا لدماء ‪ -‬ا لت كانت ت شى أن يؤدي ا تاه كن يدي ال سلمي إ ل تف يف حدة‬
‫التوتر العالي‪ ،‬وبالتال إل تويل الصناعة عن النتاج الرب إل النتاج الدن‪ ،‬الذي ل‬
‫يقق الرباح البشعة الت يققها الرأساليون من صناعة الرب! ‪ -‬ومن ث قتلت كنيدي‬
‫ف وضح النهار‪ ،‬ث عبثت بقضية اغتياله عبثا‪ I‬شائنا‪ I‬ل يدث ف أمة بدائية! وعملت بكل‬
‫الوسائل على تلهية الناس عن القضية والتحقيق!‬

‫وهذا كله غي جرائم الرأسالية الخرى‪ ،‬ف إفساد الخلق‪ ،‬وف التحكم ف أرزاق‬
‫الناس‪ ،‬وف التوسع الستعماري لستعباد شعوب الرض و‪ ،‬و‪...‬‬

‫إنا حقيقة واحدة بارزة‪ ،‬هي إن "الديقراطية " الزعومة قد تولت إل "دكتاتورية"‬
‫رأس الال‪ ،‬تولت إل طاغوت يستعبد الناس ويذل له الرقاب!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪ ()36‬تأملت ف ثورات العصر – هارولد لسكي – ترجة عبد الكري أحد ص ‪.184‬‬

‫)‪(101‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ول تصدق الاهلية أن هذا وقع بسبب النراف عن منهج ال! فهي من الصل ل‬
‫تعرف منهج ال ول تعترف به‪ ،‬وتعيش حياتا منقطعة عن ال ووحيه‪ ،‬ول ترى المور إل‬
‫ف نطاقها الضيق الصور ف صراع الرض‪ ،‬وصراع الصال‪ ،‬وصراع الطبقات‪...‬‬

‫ل تصدق الاهلية أن ال ‪ -‬سبحانه وتعال ‪ -‬حي حرم ‪ -‬ف منه جه الر بان ‪-‬‬
‫الربا والحتكار‪ ...‬كان يعلم من أمور الناس ما ل يعلم الناس‪ ،‬وكان يريد لم من الي‬
‫مل يعرفون هم أنه الي‪ ...‬وكان يضع لم النهج الذي تتوازن فيه الصال‪ ،‬ويقوم فيه‬
‫العدل‪ ،‬ويتنع الطغيان‪.‬‬

‫وه نا ‪ -‬ف باب السيا سة ‪ -‬ل نت حدث عن الر با بالتف صيل‪ ،‬فم كان ذ لك هو‬
‫ا لديث عن القتصاد‪ ،‬ولك نا نقول ف قط‪ :‬إن دكتاتور ية رأس الال الطاغ ية‪ ،‬ا لت أذا قت‬
‫الب شرية ويل تا‪ ،‬ل ت كن لتقوم أصل‪ I‬لول الربا والحت كار‪ ،‬عمادا الرأسالية و سنادتاها‪،‬‬
‫وها ها الرمان ف منهج ال! فالكم با أنزل ال إذن كان هو السبيل إل اليلولة بي‬
‫الطاغوت ورقاب الناس‪ ،‬ف عال السياسة والقتصاد سواء‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ث نضي خطوات أخرى مع التاريخ‪...‬‬

‫فحي اشتد طغيان رأس الال‪ ،‬فزع الناس‪ ...‬وقاموا يصارعون‪.‬‬

‫ولكنهم ‪ -‬و هم يصارعون ‪ -‬كانوا ما يزا لون ف الاهل ية‪ ،‬بع يدا‪ I‬عن منهج ال‪،‬‬
‫ومن ث فإنم وهم يتفلتون من قبضة الطاغوت ف عسر شديد وحرج بالغ‪ ،‬ل يفيئوا إل‬
‫الظلل الند ية والظ لة الر ية ب عد طول ال عذاب‪ ...‬وإ نا تلقف هم ‪ -‬ع لى مقر بة من هم ‪-‬‬
‫طاغوت آ خر‪ ،‬ل ي في وج هه بالديقراط ية هذه ا لرة‪ ،‬وإ نا ي سفر عن وج هه وا ضحا‪،I‬‬
‫فيسمي نفسه منذ البدء " دكتاتورية " البوليتاريا‪.‬‬

‫من دكتاتورية رأس الال‪ ،‬إل دكتاتورية البوليتاريا!‬

‫من الطاغوت‪ ...‬إل الطاغوت! بعيدا‪ I‬عن منهج ال!‬

‫والتف سي ا لاهلي للتار يخ يدور دورة وا سعة مع ال سباب والن تائج‪ ،‬و صراع‬
‫التناقضات التمي‪ ،‬ليصل إل تفسي الشيوعية وحتميتها التاريية ف هذه اللحظة‪ ...‬ث‬
‫ي لم ‪ -‬و هو التف سي " ا لواقعي!" ‪ -‬ع لى د خان ل ي فترق كثيا‪ I‬عن د خان ال شيش‬

‫)‪(102‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫والفيون ‪ -‬باليوتوبيا القبلة ف ظل " دكتاتورية البوليتاريا"‪ ،‬وبالنعيم الرضي الوعود‪،‬‬


‫بعد تذبيح جيع الطبقات ليخلو الو "لطبقة " البوليتاريا!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫يدث صراع حتمي بي العمال ورأس الال‪...‬‬

‫ل باسم الق والعدل لزليي ‪ -‬اللذين يسخر منهما فردريك إنلز ‪ -‬ولكن باسم‬
‫حتمية صراع التناقضات!‬

‫وتاول الرأسالية أن تسحق طبقة العمال بكل وسائل السحق‪ ،‬التشريعية والقضائية‬
‫والتنفيذ ية‪ ...‬ول كن التم ية ل بد أن ت قع ف النها ية‪ ،‬ويتغ لب الع مال‪ ،‬وي ستولوا ع لى‬
‫السلطة‪ ،‬ويقيموا دكتاتورية البوليتاريا‪ ،‬الت تلغي اللكية الفردية لدوات النتاج‪ ،‬وتل‬
‫ملها اللكية الماعية‪ ،‬وتحق الطبقات الت ‪ -‬كانت ‪ -‬مستغلة‪ ،‬وتقيم حكمها لصال‬
‫البوليتار يا )ل لن ذ لك هو الق والعدل! ول كن ل نا أصبحت هي الطب قة الاك مة!(‬
‫فتأخذ من كل بقدر طاقته وتعطي كل بقدر حاجته‪ ...‬ث‪ ...‬ف النهاية تذوب الدولة ذاتا‬
‫وت صبح غ ي ذات مو ضوع‪ ،‬ويتح قق ع ندئذ النع يم الو عود‪ ...‬ع لى د خان ال شيش‬
‫والفيون!‬

‫وبصرف النظر عن مموعة " الساطي" الت يملها التفسي الاهلي للتاريخ ف هذا‬
‫الوضوع‪ ...‬إذ تنبأ ماركس بقيام الشيوعية ف انلترا أول ما تقوم لنا كانت ‪ -‬ف نظره‬
‫‪ -‬أعلى دولة مصنعة ف أوروبا‪ ،‬حيث "يتحتم" ف نظره أن يقوم الصراع الذي يؤدي إل‬
‫تسلم العمال السلطة وسحق الرأسالية‪ ،‬بينما قامت الشيوعية ف الواقع ف أكثر مناطق‬
‫العال تأخرا‪ I‬من الناحية الصناعية ‪ -‬روسيا ث الصي! ‪ -‬وبقيت انلترا رأسالية إل هذه‬
‫اللحظة ف القرن العشرين بعد تنبؤات ماركس بثماني سنة! بالضافة إل "تريفات" التنبؤ‬
‫بال ستقبل البع يد ا لذي ت حى ف يه الدو لة وين عدم ال سلطان‪ ،‬وينق لب ال ناس إ ل ملئ كة‬
‫مطهرين ل يثور ف قلوبم غل ول مطامع ول شهوات! وبالضافة إل أن التجربة العملية‬
‫ف ال شيوعية قد ار تدت ف أربع ي عا ما‪ I‬ف قط من حكم ها عن كثي من م بادئ اللينين ية‬
‫ال ستالينية‪ ،‬إذ أ باحت ق سط‪I‬ا من اللك ية الفرد ية ‪ -‬ف حدود ‪ -‬وأ باحت الت فاوت ف‬
‫الجور‪ ،‬وصارت تندد بضعف النتاج ف الزارع الماعية ما يوحي بعزمها على إرجاع‬
‫اللكية الفردية للرض‪.‬‬

‫ب صرف الن ظر عن هذه ال ساطي كل ها‪ ،‬فإن نا ه نا نت حدث عن ا لانب السيا سي‬
‫وحده من الوضوع‪ ،‬نتحدث عن "دكتاتورية " البوليتاريا‪.‬‬

‫)‪(103‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ل نتاج نن أن نتكلم!‬

‫ي قول خرو شوف ف تقر ير اللج نة الركز ية أ مام ا لؤتر ال ثان والع شرين لل حزب‬
‫الشيوعي‪:‬‬

‫" في ما م ضى‪ ،‬ف ع هد ال فرد ‪ -‬أي ف ع هد ستالي ‪ -‬انت شرت سات فا سدة ف‬
‫قيادة الزب والدوالة والقتصاد‪ ،‬هي القيام بإصدار الوامر‪ ،‬وطمس النقائض‪ ،‬والعمل‬
‫بذر‪ ،‬وا لوف من الد يد و ف ت لك ال ظروف ظ هر عدد قل يل من التملق ي والهلل ي‬
‫والموهي"‪.‬‬

‫ول يس ببع يد عن ذا كرة الناس ما وصفت به الصحف الرو سية ستالي ‪ -‬بعد أن‬
‫مات! ‪ -‬من أنه ‪ -‬سفاح‪ ،‬قاتل‪ ،‬مرم‪ ،‬خائن للمبادئ الشتراكية‪ ...‬ال‪.‬‬

‫إن الدكتاتورية ‪ -‬ف دكتاتورية البوليتاريا ‪ -‬تصل ف عنفها وقساوتا ووحشيتها‬


‫إل أقصى ما يصل إليه خيال النسان‪...‬‬

‫العتقال ‪ -‬إل غي مدى مدد ‪ -‬والتعذيب الوحشي الذي تنفر مشاعر "النسان"‬
‫حت من تصوره‪ ،‬والاكمات الصورية الت تنتهي بالعدام أو السجن مدى الياة‪ ...‬كلها‬
‫إجراءات "عادية" تارس على نطاق واسع مع كل من تدثه نفسه بالروج على "الزعيم‬
‫القدس" وسلطانه الذي يري بل حدود‪.‬‬

‫وال كم البولي سي‪ ،‬ا لذي ي قوم ع لى الاسو سية والر هاب‪ ،‬هو الو سيلة "العاد ية"‬
‫لكم الدولة‪.‬‬

‫والرعب الدائم‪ ،‬الذل لكرامة النسان‪ ،‬هو الوضع " العادي " للفرد‪.‬‬

‫وذ لك ك له‪ ،‬تت ستار مظ هري‪ ،‬من "النتخا بات" وا لالس النياب ية‪ ،‬والتمث يل‬
‫الشعب‪ ،‬ومالس السوفييتات‪ ...‬وما ل أول له ول آخر من العنوانات!‬

‫والصحافة ‪ -‬الرة! ‪ -‬تقوم بتمجيد الزعيم "الوحد" ‪ -‬ف حياته! ‪ -‬ث تقوم بلعنه‬
‫والبصق على وجهه ‪ -‬بعد موته! ‪ -‬بأمر الزعيم الوحد الديد‪.‬‬

‫تلك صورة الياة ‪ -‬السياسية ‪ -‬ف ظل دكتاتورية البوليتاريا‪ ...‬تنتقل بذافيها‬


‫إل كل منطقة تسود فيها‪ ،‬لنا الصورة " العادية " لذا النوع من الكم‪ ،‬الذي ل يكن‬
‫أن توجد له صورة سواها ف أي مكان!‬

‫)‪(104‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫والطيبون‪ ...‬أو السذاج البسطاء‪ ...‬الذين يأخذون المور من سطوحها‪ ،‬والذين‬
‫هم ‪ -‬قبل ذلك ‪ -‬يعيشون ف جاهلية فكرية تنعهم من رؤية القيقة ورؤية العلج‪...‬‬

‫هؤلء يظ نون‪ ...‬ويتم نون ع لى ا ل!‪ ...‬أ ن¡ ف الم كان إ صلح هذه النظ مة‬
‫الفاسدة من الكم‪ ،‬سواء دكتاتورية رأس الال أو دكتاتورية البوليتاريا‪ - ،‬ب " ر ش‪" ²‬‬
‫قليل من "الرية" و "الديقراطية " فوق كل منهما‪ ،‬فإذا هي غاية الرام ونوال الأمول!‬

‫أولئك يعيشون ف الاهلية الفكرية ‪ -‬بعيدا‪ I‬عن منهج ال وهداه ‪ -‬فل يرون آثار‬
‫الاهلية الفسدة ف هذه النظمة كلها؛ وأنا ل بد أن تقوم على الطاغوت‪ ،‬لنا ل تقوم‬
‫على منهج ال‪ ،‬ول تكم با أنزل ال‪.‬‬

‫إن الشكلة ف هذه الطواغيت ليست مشكلة سطحية قابلة للعلج برش‪ ²‬قليل من‬
‫الرية والديقراطية عليها! إنا أعمق من ذلك كثي‪I‬ا ف بنية النظام ذاته‪...‬‬

‫إن الرأسالية ل ي كن إل أن ت كون دكتاتورية‪ ...‬والشيوعية ل ي كن إل أن ت كون‬


‫دكتاتورية! وكل حكم غي حكم ال ل بد أن يكون طاغوتا‪ ...I‬ليس هناك وسيلة ‪ -‬ما‬
‫‪ -‬لزج الرية والديقراطية بأي‪ Ó‬منها بيث ت”بقى على "فضائلها " وتقضي على مفاسدها!‬

‫الفساد ف بنية النظام ذا ته‪ ...‬ف أعماقه‪ ...‬ل ف ا لداة النفذة له ول ف و سائل‬
‫التنفيذ‪.‬‬

‫والعلج " الوحد " ل يس ف مز جه بالرية والديقراطية ‪ -‬وهو أمر ف ذا ته غ ي‬


‫مكن ‪ -‬وإنا هو تغييه من أساسه وبالرجوع إل منهج ال دون سواه‪ ،‬والكم با أنزل‬
‫ال‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫تقول كلتا الدكتاتوريتي إنا تلجأ إل خنق الرية والتضييق على الناس‪ ...‬لنا ف‬
‫حرب " مقدسة"!‬

‫)‪(105‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫فأما دكتاتورية رأس الال فإنا ل تعترف بأنا دكتاتورية! وتزعم إنا "ديقراطية "‬
‫مائة ف الائة! وأ نا خلصة إرادة ال شعب ورغ باته! ولكنها ح ي ت سأل عن قبائح ها ف‬
‫إرهاب العمال‪ ،‬أفرادا‪ I‬ونقابات‪ ،‬وف إقصاء كل من يشتم منه الدفاع عن الريات القيقية‬
‫‪ -‬الت تس مصالهم الاصة ‪ -‬إقصائه عن الكم‪ ،‬أو عن مراكز التوجيه‪ ،‬أو إقصائه عن‬
‫الياة ذاتا بالغتيال!‪ ...‬حي تسأل عن ذلك كله تقول‪ :‬إنا مضطرة إل ذلك اضطرار‪،á‬‬
‫لنا تارب " البدائ الدامة"‪ ...‬أي مبادئ الشيوعية!‬

‫وأما دكتاتورية البوليتاريا‪ ،‬فتزعم بطبيعة الال أنه "ديقراطية"! وإن كان السم‬
‫"الذهب" "العلمي" لا يصمها بالدكتاتورية‪ ...‬ولكنها حي تسأل عن قبائحها ف إرهاب‬
‫مموع الشعب‪ ،‬والفتك بالعارضي وإزالتهم من الوجود‪ ...‬تعتذر بأنا مضطرة إل ذلك‬
‫اضطرارا‪ ،I‬لنا تارب " الرجعية"‪ ...‬أي الرأسالية!‬

‫وهكذا يتج كل من العسكرين بأنه ف حرب " مقدسة " ضد العسكر الخر‪،‬‬
‫وإن "العداء " يتربصون بالنظام ويتمنون تقويضه‪ ،‬ويعملون على ذلك إن استطاعوا فل‬
‫بد من أخذهم بالشدة والعنف‪ ،‬مافظة ‪ -‬أي وال ‪ -‬على مصال الماهي! ومكاسب‬
‫الماهي! ووجود الماهي!‬

‫وهي حجة واهية زائفة ل تثبت للتمحيص‪!...‬‬

‫فلي ست هذ أول مرة ف التار يخ يواجه في ها الن ظام ال قائم أ عداء من ا لداخل أو‬
‫ا لارج‪ ،‬يترب صون به‪ ،‬ويعم لون ع لى تقوي ضه‪ ،‬ويت صلون بالع سكرات العاد ية لت مدهم‬
‫بالعون وتساعدهم على التقويض!‬

‫ولكن الوقف يتلف فيما بي الاهلية ومنهج ال‪...‬‬

‫ل قد وا جه ال سلم ‪ -‬م نذ مو لده ‪ -‬حر ب‪I‬ا عني فة ل ت كف ل ظة وا حدة عن‬


‫العدوان‪...‬‬

‫حرب ف العقيدة‪ ،‬حرب ف الكيان السياسي والقتصادي والجتماعي‪ ،‬حرب ف‬


‫الخلق‪ ،‬حرب ف الفكار‪" ...‬طابور خامس" ف وسط الصفوف للخلة الصفوف‪ ،‬فتنة‬
‫بالتعذيب والتجويع وبالعزل السياسي والقتصادي والجتماعي عن بقية التمع‪...‬‬

‫ذلك كله ف منشأ العقيدة‪...‬‬

‫ث لا صارت دولة ‪ -‬ف الدينة ‪ -‬صارت الرب أوضح وأعنف‪...‬‬

‫)‪(106‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫إمداد "النافقي" بالموال والرجال والعتاد‪ ...‬إثارة الفت والضطرابات‪ ...‬الرب‬


‫القتصادية‪ ...‬مصادرة القوات‪...‬‬

‫فلما صارت الدولة هي الزيرة العربية كلها‪ ،‬وتكن السلم ف موطنه الصلي‪،‬‬
‫وفاتت الفرص الول لنق الدعوة الديدة‪ ،‬عنفت الرب أكثر‪ ،‬وأصبحت أكثر ضراوة!‬

‫المباطور ية الرومان ية تك يد لل سلم وتنح فز لله جوم‪ ...‬والمباطور ية الفار سية‬


‫تقف بالرصاد‪.‬‬

‫ث ي قع ال صطدام بالف عل‪ ،‬وت قع ا لرب أ شد ما ت كون ا لرب‪ ،‬و يدخل ال سلم‬
‫العركة القدسة ‪ -‬القدسة حقيقة لنا ف سبيل ال‪ ،‬ولعلء كلمة ال ‪ -‬فكيف يكون‬
‫سلوك الكومة ف داخل العال السلمي؟‬

‫ع مر‪...‬؟ ا لذي وق عت ف ح ياته مع ظم هذه ا لروب ال ضارية مع ا لمباطوريتي‬


‫الشامتي‪ ،‬اللتي تكيدان كل كيدها الظاهر والفي لتحطيم السلم‪...‬؟‬

‫كيف كان عمر ف حكومته للمسلمي؟‬

‫أليس هو عمر هذا الذي قام على النب يقول‪ :‬اسعوا وأطيعوا‪ ،‬فينتبذ له رجل من‬
‫ال سلمي ‪ -‬سلمان الفار سي ‪ -‬الفار سي ل العر ب! ي قول له‪ :‬ل سع لك علي نا ول‬
‫طا عة‪ ...‬حت تبي ل نا ل فع لت كذا و كذا)‪ !(37‬فل يغ ضب ع مر ول ي ثور! ول ي قول‪:‬‬
‫كيف تناقشن وتعارضن وأنا ف حرب مقدسة مع العداء الذين يتربصون بنا ويعملون‬
‫على تطيم الدولة والنظام! بل ب ي‪²‬ن له المر ف هدوء حت اتضح‪ ...‬فقال سلمان‪ :‬الن‬
‫مر‪ ...‬نسمع ونطع!‬

‫أليس هو عمر الذي قام يطب الناس ف الصلة فوقفت امرأة تعارضه فيما يذهب‬
‫إليه‪ ...‬فيقول‪ :‬أخطأ عمر وأصابت امرأة!‬

‫أليس هو عمر الذي رأى رأيا‪ - I‬لصال السلمي ‪ -‬ف مسألة الفيء‪ ،‬وتوزيعه أو‬
‫عدم توزيعه ع لى ال فاتي من ال سلمي )و هو يرى عدم توزيعه‪ ،‬ماف ظة ع لى م ستقبل‬
‫الجيال( فيعارضه بلل ‪ -‬العبد البشي ‪ -‬معارضة عنيفة قوية‪ ،‬وي م‪²‬ع العارضي معه‪،‬‬

‫‪ ()37‬وزعت على السلمي أبراد )أقمشة( يانية‪ ،‬فنال عمر برد كبقية السلمي‪ ،‬ولا كان رجل‪ I‬طوال‪ I‬ل‬
‫يكفيه برد واحد‪ ،‬فقد قام سلمان الفارسي يستجوبه‪ :‬من أين لك البد الذي ائتزرت به وأنت رجل‬
‫طوال ل يكفيك البد الذي نالك كبقية السلمي؟! فنادى عمر ابنه عبد ال بن عمر‪ ،‬فشهد عبد ال‬
‫أنه تنازل لبيه عن برده الاص ليستطيع أن يد الكسوة اللزمة له!‬

‫)‪(107‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫فل يد من سبيل أمام معارضته ‪ -‬وهو مقتنع بصواب رأيه الذات‪ ،‬وبأنه يعمل ملصا‪- I‬‬
‫إل أن يدعو ربه‪ :‬اللهم اكفن بلل‪ I‬وأصحابه!‬

‫ذلك منهج ال مطبقا‪ I‬ف واقع الرض‪ ...‬يكشف النقاب عن حكم الطاغوت ف‬
‫الاهليات!‬

‫إنا ليست الرب " القدسة!"‪ ...‬وما هي بجة لفرض الدكتاتوريات!‬

‫إ نا هي ا لرب غ ي القد سة‪ ،‬ول النظي فة‪ ،‬ول ال شريفة‪ ...‬حرب ال طاغوت‬
‫للمحافظة على ما ف يده من السلطان!‬

‫إن دكتاتور ية رأس ا لال ل ي كن أن ت كون غ ي ذ لك‪ ،‬ودكاتور ية البوليتار يا ل‬


‫يكن أن تكون غي ذلك! وكل ديكتاتورية تقوم على حاكمية النسان للنسان ل يكن‬
‫أن تكون غي ذلك!‬

‫فما دام الناس ل يكمون بنهج ال‪ ...‬فل شيء غي حكم الطاغوت!‬

‫ورأس الال ل يكن ‪ -‬ما دام هو الاكم والسيطر ‪ -‬ف جاهليته الت ل تكم با‬
‫أنزل ال ‪ -‬ل يكن أن يتنازل عن سلطانه‪ ،‬ل يكن أن يتيح الفرصة " للطبقة " الواجهة‬
‫له أن ت سلبه سلطانه‪ ،‬ل ي كن أن يدع الطبقة الواج هة له تتقوى ‪ -‬عن طر يق الر ية و‬
‫"الديقراطية!" ‪ -‬فتشرع تشريعات تد عن سلطته وتتعرض " لصاله"‪...‬‬

‫ل يكن! لن هذه نتيجة " حتمية " لقيام سلطان رأس الال!‬

‫وهي ليست ‪ -‬كما يفسرها التفسي الادي للتاريخ ‪ -‬حتمية لن رأس الال هكذا‪،‬‬
‫بصرف النظر عن "النفوس " وعن النسان! وإنا تستمد حتميتها من سنة ال الت تقول‪:‬‬
‫إنه ما دام الناس ل يكمون با أنزل ال‪ ،‬فل بد أن يكمهم الطاغوت! وتفسي ذلك ف‬
‫حا لة الرأ سالية‪ ،‬أن ال ناس ‪ -‬م نذ ال بدء ‪ -‬أ بوا أن يك¡ موا من هج ا ل ا لذي يرم الر با‬
‫والحت كار ‪ -‬د عامت الرأ سالية و سنادتيها ‪ -‬و يرم تداول ا لال ف يد فئة قلي لة من‬
‫الغنياء‪ ...‬فاستشرى الطاغوت‪ ،‬وأصبح هو الذي يلك ويكم‪ ،‬وأسبح الناس مستعبدين‬
‫له ل يلكون من "حتميته " الفكاك!‬

‫ولن يكف هذا الطاغوت عن استعباد الناس قط‪ ،‬إل بأحد شيئي‪ :‬إما أن يرجع‬
‫الناس إل منهج ال فيسقط طاغوت رأس الال‪ ...‬أو يتلقف الناس طاغوت آخر تدمه‬
‫الظروف القائمة فيملك توجيه ضربة قاسية لرأس الال‪...‬‬

‫)‪(108‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫والذي حدث ف الاهلية الديثة هو المر الخر بكل تأكيد! لنا جاهلية!‬

‫قفز طاغوت آخر فتملك رقاب الناس‪...‬‬

‫ول يكن لذا الطاغوت الديد ‪ -‬ما دام هو الاكم والسيطر ف جاهلية ل تكم‬
‫با أنزل ال ‪ -‬ل يكن أن يتنازل عن سلطانه‪ ،‬وأن يتيح الفرصة للططبقة الواجهة له أن‬
‫تسلبه ذلك السلطان‪ ،‬ل يكن أن يتيح ‪ -‬بالرية والديقراطية ‪ -‬فرصة لعدائه أن يشرعوا‬
‫ضد " مصلحته" أو يسلبوه سلطة التشريع‪.‬‬

‫كل! لن يدث ذلك قط!‬

‫ومن ث فالدكتاتورية ‪ -‬سواء اسها رأس الال أو اسها البوليتاريا ‪ -‬أو اسها أي‬
‫ع نوان آ خر ‪ -‬لي ست أ مرا‪ I‬عار ضا‪ I‬يزول‪ ،‬و لن ت طر ساء الاهل ية ع لى ال ناس حر يات‬
‫وديقراطيات‪ ،‬ف ظل هذا الطاغوت أو ذاك؟‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وال شكلة ‪ -‬بل غة التف سي ا لاهلي للتار يخ ‪ -‬هي م شكلة " اللك ية " و ما يترتب‬
‫عليها من نتائج سياسية‪.‬‬

‫فدكتاتور ية رأس ا لال قد أ باحت اللك ية الفرد ية بغ ي حد وب كل صورة‪ ...‬و ما‬


‫دامت هكذا ‪ -‬بغي حد وبكل صورة ‪ -‬فنتائجها " التمية " أن يتجمع ف يدها ‪ -‬رويدا‬
‫رويدا‪ - I‬السلطان‪ ،‬ث أن تعمل على الافظة على هذا السلطان‪ ،‬وهو سلطان متزايد ‪-‬‬
‫بطبيعته ‪ -‬فالربا ‪ -‬الذي تقوم عليه الدكتاتورية الرأسالية ‪ -‬يعل الثروة تتضاعف "أضعافا‬
‫مضاعفة" بساب الربح الركب ث يؤدي ف النهاية إل الحتكار)‪ (38‬كما هو حادث اليوم‬
‫ف العال الرأسال‪ ،‬ومن ث تتركز السلطات ف يد فئة قليلة من الناس‪ ،‬تعلم جيد‪I‬ا فيما‬
‫بينها وبي نفسها أنا تغتال الناس وهم أحياء‪ ...‬وتعلم جد‪I‬ا فيما بينها وبي نفسها أنه لو‬
‫خلى بينها وبي الناس لنقضوا عليها‪ ،‬يستردون ما سلب منهم من أموال وجهد وعرق‬
‫ودماء‪ ،‬فل بد أن يصنوا أنفسهم بالتشريع الذي يكفل صيانة مصالهم‪ ،‬ول بد لم أن‬
‫يلكوا ف أيديهم القوة التنفيذية الت يقيمون با هذه الصيانة‪ ،‬عن طريق أجهزة الدولة‬
‫تارة‪ ،‬فإن ل تكف فعن طر يق العصابات ‪ -‬ل مانع! ‪ -‬وعن طريق تلهية ال ناس ببعض‬
‫النافع‪ ،‬والعدالة الزئية‪ ...‬و "السرات"!‬

‫‪ ()38‬نتحدث عن الربا والحتكار ف الفساد القتصادي فيما بعد‪ ،‬ولكنا هنا مضطرون للحديث عنهما‬
‫سريعا‪ I‬لبيان آثارها ف السياسة فحسب‪.‬‬

‫)‪(109‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ما أكثر السرات ف ظل الرأسالية!‬

‫حفلت ورقض وإباحية وتلل‪ ...‬اصنع ما تشاء! تلك "حريتك " الشخصية! ل‬
‫تر يج ل حد عل يك ول سلطان‪ ،‬ال بس ك ما تر غب‪ ،‬وت عر‪ ²‬ك ما تر غب! ص”غ™ علقا تك‬
‫النسية على هواك‪ ...‬أنت تعيش ف ظل " الرية"!‬

‫وبذه الوسائل وتلك‪ ...‬وبكل الوسائل‪ ...‬يسيطر رأس الال‪ ،‬ويقيم طاغوته على‬
‫رقاب الناس!‬

‫ودكتاتور ية البوليتار يا ت نع اللك ية الفرد ية الب تة! و ما دا مت ه كذا فنتيجت ها‬


‫"التمية" أن يتجمع السلطان كله ف يد السلطة الاكمة وينتزع من الناس! إنه ما دام ل‬
‫يوجد شخص يلك شيئا‪ I‬لنفسه‪ ...‬ما دامت لقمة البز تأت عن طريق الدولة‪ ،‬ول تأت إل‬
‫عن طريقها‪ ،‬فالنتجية التمية أن يكون الفرد مستذل للدلوة من أجل لقمة البز! ل يلك‬
‫أن يعار ضها لن قوته ف يدها‪ ،‬ول ي لك أن يد من سلطانا لنه سيتعرض لل جوع‪،‬‬
‫وي ستوي أن ي كون ا لاكم ف ظل دكتاتور ية البوليتار يا طي با‪ I‬جدا وتق يا وور عا! ك ما‬
‫تقول صحف البوليتاريا عن كل حاكم ف أثناء امتلكه للسلطة‪ ،‬أو وحشا‪ I‬سفاحا‪ I‬مرما‬
‫خائنا‪ I‬كما تقول عنه الصحف بعد أن يوت أو يزول عنه السلطان‪ ...‬يستوي أن يكون‬
‫هذا وذ لك‪ ...‬فالدكتاتور ية لي ست كام نة ف " شخص " الاكم‪ ،‬وإنا ف أ ساس الن ظام‬
‫ذا ته‪ ،‬ف ق يام الدو لة ‪ -‬و حدها ‪ -‬ب يازة اللك ية كل ها‪ ،‬وحر مان ال ناس من كل طر يق‬
‫للقوت إل عن طريقها‪ ...‬فتستذل رقابم بلقمة البز!‬

‫ل قد زع مت دكتاتور ية البوليتار يا ‪ -‬ول شك ‪ -‬إ نا " حررت " ال ناس‪...‬‬


‫القط يع‪ ...‬من الذ لة للق طاع ورأس ا لال من أ جل لق مة ا لبز‪ ،‬ن عم! ولكن ها عادت‬
‫ففرضت الذلة ذاتا‪ ...‬الذلة من أجل لقمة البز‪ ...‬على ذات القطيع الذي " حررته" من‬
‫الق طاع والرأ سالية‪ ،‬ف لم يتغ ي ف حقي قة ا لمر إل ال سيد ال ستذ“ل‪ :‬ل يتغ ي إل شكل‬
‫الطاغوت‪ ...‬وبقي الناس ‪ -‬كما هم ف الاهلية أبدا‪ - I‬عبيدا‪ I‬للطاغوت!‬

‫ولتلهية الناس‪ ...‬تقدم لم بعض النافع‪ ،‬والعدالة الزئية‪ ...‬والسرات!‬

‫نفس السرات الت تقدمها دكتاتورية رأس الال!‬

‫حفلت ور قص وإباح ية وت لل‪ ...‬ف ذ لك ا صنع ما ت شاء! إ نا "حري تك"‬


‫الشخصية!‬

‫)‪(110‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وه كذا ي قع ف يد ال ناس ‪ -‬ف ظل هذه الدكتاتور ية وت لك ‪ -‬شيء من الن فع‬


‫القيقي الذي ل شك فيه‪ ،‬وشيء من العدالة الزئية‪ ،‬وشيء من "النبساط"!‬

‫و بذا الفتات الذي يتساقط ف أيدي الناس‪ ،‬تقوم هذه الدكتاتورية وتلك بتلهية‬
‫ال ناس عن أع نف طاغوت شهدته الب شرية! بين ما أ صحاب ال طاغوت ‪ -‬الفئة القلي لة ا لت‬
‫تلك السلطان ‪ -‬تتمتع إل درجة الفجور‪.‬‬

‫ف طاغوت الرأسالية يلك نفر من الناس ‪ -‬يعدون أحيانا‪ I‬على الصابع ‪ -‬من الال‬
‫وال سلطة ومبا هج ال ياة وترف ها ‪ -‬ال فاجر ‪ -‬ما تع جز عن عده الر قام و عن ت صوره‬
‫الف هام‪ ،‬أولئك هم " م لوك " ال صناعة‪ ،‬وي صل سلطانم ‪ -‬ال فاجر ‪ -‬أن يقت لوا رئ يس‬
‫الدولة ويعملوا على أن تر القضية بل ضجيج!‬

‫وف الطاغوت الذي يقوم باسم البوليتاريا‪ ،‬تتمتع الفئة القليلة الت تلك السلطان ‪-‬‬
‫وهي أعضاء " الزب " الشيوعي ‪ -‬بأقصى نعيم متاح ف الرض‪ ...‬بينما " الفقر " يوزع‬
‫بالسوية على الماهي!‬

‫ث تقوم وسائل العلم ‪ -‬ف هذه الدكتاتورية وتلك ‪ -‬بتسليط الضواء الت تبهر‬
‫العيون‪ ،‬على الفتات التساقط ف يد القطيع‪ ...‬وف الوقت ذاته تقوم بإخفاء معال الرية‬
‫البشعة الت ترتكب ف حق ذلك القطيع‪ ...‬جرية تويلهم إل سائمة مستباحة‪ ،‬وحرمانم‬
‫من "حقوق النسإن "ومن كرامة النسان!‬

‫ويكون هذا وذاك هو "التطور" التمي‪ ،‬كما يقرر التفسي الاهلي للتاريخ!‬

‫)‪(111‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ف القتصاد‪...‬‬
‫ف الباب السابق أشرنا إل مسألة " اللكية " وأثرها ف الوضع السياسي للمجتمع‪،‬‬
‫وقلنا‪ :‬إننا نتخذ ف وصفها ألفاظ النطق الاهلي ذاته! وما نريد أن نتابع هذا النطق ف‬
‫طري قة تفك يه‪ ...‬ف هو يق لب ال سبب والنتي جة‪ ،‬أو با لحرى يأ خذ حل قة وا حدة من‬
‫السل سلة‪ ،‬ويقطع ها عن تسل سلها ال طبيعي ف وا قع ال ياة الب شرية‪ ،‬إ نه يف سر الو ضع‬
‫السياسي بالصورة القتصادية‪ ،‬ولكنه يأب ‪ -‬ف جاهليته ‪ -‬أن يفسر الوضع القتصادي‬
‫ذاته " بالنسإن "وما يعتقد وما يفكر‪ ...‬ذلك أن النسان ‪ -‬ف التفسي الاهلي للتاريخ‬
‫‪ -‬تبع للوضع القتصادي‪ ،‬وليس الوضع القتصادي تبعا‪ I‬للنسان‪:‬‬

‫" ف النتاج الجتماعي الذي يزاوله الناس نراهم يقيمون علقات مدودة ل غن‬
‫لم عنها‪ ،‬وهي مستقلة عن إرادتم‪ ...‬فأسلوب النتاج ف الياة الادية هو الذي يدد‬
‫صورة العمل يات الجتماع ية والسيا سية والعنو ية ف ال ياة‪ ،‬ل يس شعور ال ناس هو ا لذي‬
‫يعي وجودهم‪ ،‬بل إن وجودهم هو الذي يعي مشاعرهم " ]كارل ماركس[‪.‬‬

‫و قد بي نا من ق بل‪ ،‬و نن نت حدث عن ف ساد الت صور‪ ،‬م قدار ما ف هذا الت صور‬
‫ا لاهلي من الف ساد‪ ،‬إذ يغ فل قي مة الن سان وإ يابيته الفاع لة‪ ،‬وين كر أن هذا الن سان ‪-‬‬
‫برغباته الكامنة فيه وأشواقه الدافعة له ‪ -‬هو الذي اخترع " اللة" الت يعزو إليها التفسي‬
‫الادي للتاريخ كل تطور اقتصادي واجتماعي وسياسي‪.‬‬

‫وكون اللة ‪ -‬بعد اختراعها ‪ -‬تدث تطور‪I‬ا ف أساليب الياة كلها ل يكن يدور‬
‫بلد مترعها حي أقدم على اختراعها‪ ...‬حقيقة‪ ،‬ولكنها ل تبر قولة التفسي الادي بأن‬
‫هذا التطور مستقل عن إرادة النسان‪ ،‬فهذا التطور ‪ -‬الذي ل يكن منظورا‪ I‬بأكمله وقت‬
‫اختراع اللة ‪ -‬ل يكن أن يري إل وفق الطبيعة البشرية ذاتا‪ ،‬بارتفاعاتا وانفاضاتا‪،‬‬
‫ول بد أن يسي مع دروب النفس البشرية ومنحنياتا‪ ،‬ول طريق له قط من خارجها! لنه‬
‫ل يعمل ف الواء! وإنا يعمل دائما‪ I‬عن طريق النفس‪ ،‬ومن خلل النفس!‬

‫حي اخترع النسان الطائرة‪ ...‬ل يكن هناك دافع مادي هو الذي يسك بعقل‬
‫النسان ويقول له‪ :‬اخترع الطائرة! إنا كان الشوق البشري القدي الوغل ف القدم أن‬
‫يطي ف الو كالطيور‪ ...‬ذلك الشوق الذي تثل ف كثي من الاولت البدائية حت ظهر‬
‫ف صورته العلمية‪ ،‬حي أصبحت معلومات النسان ومعارفه تكنه من تقيق هذا الشوق‬
‫ف صورة علمية‪ ،‬وكان إل جانب ذلك الرغبة البشرية ف سرعة النتقال من مكان إل‬
‫مكان‪ ،‬وهي رغبة فطرية‪ ،‬يؤديها البدائي بالري‪ ،‬ث يركب دابة‪ ،‬ث ياول اختراع أداة‬
‫سريعة‪ ...‬وتره الاولة إل اختراع الطائرة‪ ...‬ث اختراع الصاروخ‪...‬‬

‫)‪(112‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وح ي ا خترعت ال طائرة بالف عل أ حدثت ت طورا‪ I‬هائل‪ I‬ف الت مع‪ ...‬ف ا لرب‬
‫والسلم على السواء‪.‬‬

‫ول كن ك يف حدث الت طور؟! هل سلك طري قا‪ I‬غ ي " الن فس الب شرية " ورغبا تا‬
‫وأشواقها ودروبا ومنحنياتا؟ وأ̃نى له أن يفعل ذلك؟‬

‫لقد اختلطت الضارات والفكار والعقائد باختلط الناس الذي سهلته الطائرة‪...‬‬
‫فهل ذلك أمر جديد فرضته الطائرة على الناس؟ أم قدي موغل ف القدم حاولته البشرية‬
‫بأدوا تا الب سيطة ا لول‪ ،‬ث حاولته ال يوم ب صورة أ كب ح ي أتي حت لا المكان يات‪...‬‬
‫المكانيات الت أوجدتا بيديها!‬

‫وقد أمكن استخدام الطائرة من سيطرة بعض الضارات على حضارات أخرى ‪-‬‬
‫أو إفنائها ‪ -‬عن طريق الرب‪ ،‬فهل ذلك أمر جديد أحدثته الطائرة؟ أم له شواهد من‬
‫أعماق التاريخ؟‬

‫حقا لقد زادت الطائرة من إمكانيات البشرية ف كل مال‪ ...‬ولكن كل ما صنعته‬


‫ف القيقة هو زيادة المكانيات وتقيق رغبات كامنة لنا ل تد السبيل إل التنفيذ‪...‬‬
‫ولكنها ل تنشئ شيئا‪ I‬ل يكن ف "النسان" من قبل‪ ،‬بصورة كامنة أو ظاهرة‪ ...‬ول تنشئ‬
‫إنسانا‪ I‬جديدا‪ I‬كما يلو للتفسي الادي أن يتصور المور!‬

‫ومن هنا نعود دائما‪ I‬إل "النسان" نفسر القتصاد من خلله‪ ،‬ول نفسر النسان‬
‫من خلل القتصاد!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وق ضية " اللك ية " هي الو ضوع الرئي سي ف دن يا القت صاد‪ ،‬ك يف ت كون؟ و ما‬
‫نتائج ها؟ فأ ما التف سي ا لادي ف هو ير سم صورا‪ I‬حتم ية لطوار التار يخ‪ ،‬من خلل صور‬
‫حتمية لنوع اللكية‪...‬‬

‫وقد مر بنا ف التاريخ ما يثبت زيف هذه التمية التاريية والقتصادية‪...‬‬

‫فمرة وجدنا زيفها ف ظهور السلم ببادئه هذه‪ ،‬ف بقعته هذه‪ ،‬ف فترته هذه‪...‬‬
‫بغي مبر واحد من البرات " التمية" الت يضعها التفسي الادي للتاريخ!‬

‫)‪(113‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ل الرقيق طالب بالتحرر ول كانت ظروف اقتصادية حتمية تؤدي إل تريره كما‬
‫حدث ف أوروبا بعد السلم بسبعة قرون‪.‬‬

‫ول الرأة طالبت بالتحرر‪ ،‬ول كانت ظروف اقتصادية حتمية تؤدي إل تريرها‪،‬‬
‫وإعطائها شخصيتها الستقلة‪ ،‬وحق اللك‪ ،‬وحق التصرف الباشر ف اللك‪ ،‬وحق الزواج‬
‫وحق الطلق‪ ...‬وهي حقوق ل تنحها أوروبا للمرأة إل ف القرن التاسع عشر والقرن‬
‫العشرين‪ ،‬بعد صراعات شنيعة‪ ،‬وفساد مدمر ف اللق!‬

‫ول " ال ماهي " طالبت بالتحرر‪ ...‬من سلطان القبي لة أو سلطان ال كم ال قائم‬
‫على الواء‪ ،‬ول قامت ظروف اقتصادية حتمية تؤدي إل هذا التحرر‪ ...‬وإل قيام مفهوم‬
‫جديد كل الدة ف سياسة الكم والال ل تفئ أوروبا إل بعض مظاهره إل ف القرن‬
‫التاسع عشر والقرن العشرين‪ ،‬بعد صراعات دامية بي الالكي وغي الالكي!‬

‫ل يكن هناك شيء واحد حتمي ف كل هذه الشئون‪...‬‬

‫و مرة أ خرى و جدنا ز يف هذه التم ية ف ق يام ال شيوعية رأ سا‪ I‬ف ا لدولتي‬
‫القطاعيتي التاخرتي أشد التأخر ف الناحية الصناعية‪ :‬روسيا ث الصي‪ ،‬بينما انلترا الت‬
‫كانت التمية تتم قيام الشيوعية فيها لتقدمها الصناعي ل تزال رأسالية حت اليوم!‬

‫وإذن‪ ...‬ف لم ي كن من ال تم أن تأ خذ اللك ية صورتا ا لت أ خذتا ف الاهل ية‬


‫الديثة‪ ،‬سواء ف دكتاتورية رأس الال أم ف دكتاتورية البوليتاريا‪ ...‬وإنا هي "الهواء"!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ف أوروبا قامت الرأسالية ف ظل جاهلية سحت من قبل بقيام القطاع‪.‬‬

‫والرأسالية تقوم على نفس القاعدة الاهلية الت قام عليها القطاع من قبل وهي‬
‫حرية التملك بغي حد‪ ...‬وبكل سبيل‪.‬‬

‫وساح الاهلية الوروبية بذلك ل يكن حتما‪ ...I‬وإنا كل ما يكن أن يقال فقط‪،‬‬
‫هو أن هذا هو الذي حدث بالفعل‪ ،‬فله قوة المر الواقع‪ ،‬ولكن ليست له حج‪²‬ية تبره‪...‬‬

‫فل شيء يكن أن يبر الطغيان!‬

‫)‪(114‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وكل ما حدث من "تطور" ف الاهلية الرأسالية‪ ،‬هو تطور " الصورة" الت يسك‬
‫با الطاغوت برقاب الناس‪ ،‬كان يستعبدهم من قبل للرض‪ ،‬فصار يستعبدهم للمصنع‬
‫ورأس الال‪ ،‬ولكن طبيعة الطغيان واحدة من حيث الوهر‪ ،‬وكذلك طبيعة العبودية من‬
‫جانب الستذلي والستعبدين‪.‬‬

‫و "طبيعة " رأس الال تتلف عن طبيعة الرض ف الصورة القتصادية‪ ،‬ولكنها ل‬
‫تتلف عنها ف رغبة اليازة والتملك والسلطان‪.‬‬

‫حي ولدت اللة احتاجت إل الال لدارتا‪...‬‬

‫و ل ي كن من ال سهل ‪ -‬ف بادئ ا لمر ‪ -‬أن يت حول ملك ا لرض إ ل رأ ساليي‬


‫صناعيي‪ ،‬لن ا للف وال عادة ل ما حكمه ما ع لى الن فس الب شرية‪ ،‬ول قد كان أ صحاب‬
‫القطاع مطمئني إل الطريقة الت يوزون با الال والسلطان‪ ،‬ولم ف ذلك خبة قرون‬
‫متوالية‪ ،‬و "تقاليد " صنعها طاغوت القطاع وطبقها مئات السني‪ ،‬فصارت عرف‪I‬ا ساريا‪،I‬‬
‫ل بتمية ذاتية‪ ،‬ولكن بانصياع الناس له‪ ...‬بعيدا‪ I‬عن منهج ال!‬

‫وكان ل بد من الصول على الال من طريق آخر غي طريق ملك الرض‪...‬‬

‫وهنا تقدم الرابون ‪ -‬اليهود ‪ -‬لقراض العمليات الرأسالية الناشئة‪ ،‬ول يكن قيام‬
‫الرابي بالقراض عملية جديدة أنشأتا الرأسالية‪ ،‬فاليهود هذه صناعتهم منذ فجر التاريخ!‬
‫والر با يري ف عروق هم مرى ا لدم‪ ،‬و قد ناهم ا ل عن ذ لك ف ال توراة ف لم ينت هوا‪،‬‬
‫وانتشروا ف الرض ينشرون معهم الاهلية الربوية ف كل مكان!‬

‫قالت لم ال توراة‪ " :‬لخ يك ل ت بع بر با ")‪ (39‬ف قالوا لنف سهم ‪ -‬أو قالت لم‬
‫شهواتم ‪" -‬لخيك" يعن لليهودي‪ ...‬ل تبع بربا‪ ،‬أما "الميون" غي اليهود فل جناح‬
‫عليك أن تتص دماءهم بكل سبيل‪ " :‬ذ—ل“ك• ب“أ—̃نه”م– ق—ال‪¤‬وا ل—ي–س• ع•ل—–ين•ا ف“ي ال™أ‪¤‬م‪¥‬ي‪¥‬ي• س•ب“يل‪!"Í‬‬

‫و كان ل بد للمرا ب الي هودي ال قرض أن ي ضمن دي نه ور باه‪ ...‬ك ما كان ل بد‬
‫للمقترض أن يضمن الربح الذي يكفل رد‪ ²‬الدين والربا‪ ،‬وبقاء قسط من الربح الشخصي‬
‫بعد ذلك‪ ،‬ومن هنا اتسمت الرأسالية منذ البدء برغبة الصول على الربح الفاحش‪...‬‬
‫ومن أهون سبيل‪.‬‬

‫ول يكن ذلك حتمية تاريية ول اقتصادية!‬

‫‪ ()39‬لويي؛ إصحاح ‪ 25‬آية ‪.36‬‬

‫)‪(115‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫فلم يكن هناك أي مانع على الطلق ينع من قيام الرأسالية على تعاون المولي‪،‬‬
‫وكان التجار يومئذ ف التمع الوروب يلكون الال السائل الذي يدير الصناعة‪ ...‬لو شاء‬
‫الناس! لهتدوا بنهج ال الذي يرم الربا ويفتح الطريق للتعاون النظيف‪!...‬‬

‫فهي ليست التمية‪ ...‬وإنا النراف! انراف الاهلية الت ل تعبد ال‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫أ باحت الاهل ية ا ستخدام الر با ف عمل يات القت صاد‪ ...‬و كان ذ لك بدء الكار ثة‬
‫"التمية" كما سنبي بعد قليل‪ ،‬ولكنا نريد قبل ذلك أن نبي أن شئون القتصاد ليست ‪-‬‬
‫ك ما يف سرها التف سي ا لاهلي للتار يخ ‪ -‬منف صلة ف منبع ها عن أخلق ال ناس‬
‫ومعنوياتم‪...‬‬

‫فالاهل ية ا لت سحت بالر با‪ ،‬مال فة لن هج ا ل‪ ،‬سحت ‪ -‬ق بل ذ لك ‪ -‬بالغش‬


‫والغصب والسلب والنهب ف ظل القطاع‪ ...‬ث عادت فسمحت به ف ظل الرأسالية‪...‬‬
‫مرد امتداد!‬

‫والاهلية الت سحت بتشغيل الفلح ف الرض حت يستنفد جهده كله‪ ،‬مقابل‬
‫لق مة الك فاف‪ ،‬هي ذا تا ا لت سحت بت شغيل العا مل ف ال صنع حت ي ستنفذ ج هده‪...‬‬
‫مقابل الكفاف‪.‬‬

‫كل! ل تستحدث الرأسالية " خلقا‪ " I‬واحدا‪ I‬ل يكن موجودا‪ I‬من قبل ف الاهلية‬
‫الوروبية‪ ...‬إنا هي مرد امتداد‪.‬‬

‫كل ما ف المر أن الربا ‪ -‬هكذا طبيعته ‪ -‬يصي إل الضعاف الضاعفة بصورة‬


‫أسرع من أرباح الرض‪ ،‬ومن ث تزايدت كل " أخلقيات " الاهلية القطاعية على يد‬
‫الرأسالية‪ ...‬تزايدت ف الشناعة والبوط!‬

‫وم ضت الرأ سالية ف طريق ها من "ن صر" إ ل "ن صر"‪ ...‬أي من طغ يان لطغ يان‪،‬‬
‫وساعد العلم إمكانياتا فزادت ضراوتا‪ ،‬وقدرتا على سحق كل معارضة ف الطريق‪،‬‬

‫ول يكن ذلك حتمية تاريية ول اقتصادية!‬

‫)‪(116‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫فدول الشمال ف أوروبا تقوم ‪ -‬رغم جاهليتها وانرافها ف أمور كثية أخرى ‪-‬‬
‫على الرأسالية التعاونية‪ ،‬لن الناس هناك أرادوا ذلك ونفذوه‪ ...‬فلم يدوا حائل " حتميا"‬
‫ف طبيعة رأس الال يول بينهم وبي التعاون‪ ،‬أو يفرض عليهم أن يكون رأس الال ف‬
‫أيديهم غول‪ I‬بشعا‪ I‬سفاك دماء‪.‬‬

‫ليست التمية‪ ...‬وإنا النراف!‬

‫وأدى ت ضخم الرأ سالية التزا يد‪ ،‬والت قدم العل مي التزا يد‪ ،‬إ ل أن رءوس ا لموال‬
‫ال كبية صارت أ قدر ع لى الر بح ‪ -‬بإمكانيا تا العلم ية ‪ -‬من رءوس ا لموال ال صغية‬
‫فأكلتها! أو اضطرتا إل الدخول معها ف اتادات‪ ،‬أدت ف النهاية إل احتكارات!‬

‫فحي تتداخل كل رءوس الموال العامة ف صناعة ما‪ ،‬وتكو‪²‬ن اتادا‪ I‬واحدا‪ ،I‬يصبح‬
‫هذا التاد بالضرورة متكر‪I‬ا لذه الصناعة وحده‪ ،‬ول يرؤ رأس مال آخر على منافسته‬
‫ف اليدان الذي تصص فيه وتيأ لحتكاره‪.‬‬

‫ول تكن هذه حتمية تاريية ول اقتصادية! فكما أن التعاون قد أمكن بالفعل ‪ -‬ف‬
‫دول الشمال ف أوروبا ‪ -‬بي الفراد‪ ،‬فقد أمكن كذلك هناك بي الؤسسات التشابة‪،‬‬
‫فت عاونت ‪ -‬برءوس أموا لا التعاون ية ‪ -‬ل للحت كار والتح كم ف ال سعار بالن سبة‬
‫للم ستهلك‪ ،‬وإ نا لتحق يق الر باح لم يع ال ساهي و هم بذاتم هم ال ستهلكون‪ ...‬فل‬
‫م صلحة إذن ف ر فع ال سعار‪ ،‬أو ل ضرر من ر فع ال سعار‪ ،‬فالنتي جة وا حدة ما دام‬
‫الساهون هم بذاتم الستهلكي!‬

‫وزادت الصناعات وتكدس النتاج‪ ...‬وأصبح ل بد من تصريف فائض النتاج‪،‬‬


‫و من ه نا سعت ا لدول الرأ سالية إ ل ال ستعمار والتو سع " المب يال " ل كي ت ضمن‬
‫السواق لفائض النتاج‪.‬‬

‫ويقول التفسي الادي للتاريخ إن هذه حتمية تاريية واقتصادية‪...‬‬

‫وكذب التفسي الادي للتاريخ!‬

‫فال ستعمار ل ين شأ من الرأ سالية و فائض الن تاج‪ ...‬وإل ف ما تف سي ال ستعمار‬


‫الرومان الشهي ف التاريخ؟ إنا الستعمار شهوة منحرفة للمجتمع الاهلي ‪ -‬كل متمع‬
‫جاهلي يد ف يده القوة والسلطان‪.‬‬

‫)‪(117‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وفائض النتاج من جهة أخرى‪ ...‬ليس الطريق الوحيد " التمي " لتصريفه هو‬
‫الستعمار‪.‬‬

‫فالتجارة ‪ -‬الطبيعية ‪ -‬كفيلة بتصريفه‪ ،‬والكف عن إنتاجه أصل‪ I‬كفيل بعدم وجود‬
‫الفائض الذي " يلجئ " إل التصريف!‬

‫وإنا كل هذه كانت حتميات ف ظل الرأسالية‪ ...‬أو بالحرى ف ظل الاهلية الت‬


‫سحت بالرأسالية‪ ،‬وسحت بعد ذلك بكل نتائجها‪ ،‬الت أصبحت حتمية لنه ل شيء‬
‫يقو‪²‬مها وينعها من الزيد ف الطغيان‪.‬‬

‫وخ طوة خ طوة كان من الم كن أن ي قو‪²‬م هذا ال نراف‪ ،‬ول يؤدي إ ل ن تائجه‬
‫"التمية" لو أراد الناس غي ما أرادوا‪ ،‬واتبعوا منهج ال‪" ،‬و•ل—و– أ—ن‪ œ‬أ—ه–ل— ا™لق‪¤‬ر•ى آم•ن”وا و•ا̃تق—و–ا‬
‫ل—ف—•تح–ن•ا ع•—لي–ه“م– ب•ر•ك—ات› م“ن• ال̃سم•اء“ و•ال™أ—ر–ض"‪.‬‬

‫ث اختلت الاهلية اختللتها الخرى‪ ...‬فنعت اللكية من الميع‪.‬‬

‫لقد خيل إليها ‪ -‬ف جهالتها ‪ -‬أن اللكية الفردية هي سبب الفساد ف الرض‪ ،‬ول‬
‫تدرك ‪ -‬لهالتها ‪ -‬أن الذي كان قد فسد هو "النسان"‪ ،‬وأن الذي ينبغي إصلحه هو‬
‫"النسان"!‪ ...‬وأن الن سان ل يصلح حت يستقيم أمره على منهج ال‪ ،‬فيعرف حقيقة‬
‫نفسه‪ ،‬وحقيقة مكوناته وطاقاته‪ ،‬ويعرف مركزه من الكون والياة‪.‬‬

‫إ نا ‪ -‬ح سب تفسيها ا لاهلي للتاريخ ‪ -‬ت ظن أن القتصاد هو الذي " يصنع "‬
‫النسان! وأنه إذا أصلح القتصاد فقد صلح النسان من تلقاء نفسه‪ ،‬ول يعد المر ف‬
‫حاجة إل "التدخل"‪ ...‬لن التمية اللية الت تسي الياة بقتضاها ‪ -‬حسب هذا التفسي‬
‫‪ -‬سترتب النتائج التمية بصورة آلية‪ ...‬وينصلح الكون كله‪ ...‬حي تنع اللكية من‬
‫الناس‪.‬‬

‫ول يكن ذلك " علما‪ !"I‬وإنا كان حاقة جاهلية!‬

‫كان رد فعل لبشاعة القطاع والرأسالية‪ ...‬يمل سات كل " رد فعل " جاهلي‪،‬‬
‫من ال ندفاع والت طرف والتهوس ال نون‪ ...‬مضافا‪ I‬إل يه الهل بكو نات النفس‪ ،‬وطريقة‬
‫تعاملها مع الياة والكون‪ ،‬وتعاملها مع الناس‪.‬‬

‫)‪(118‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫إن القتصاد أ ي‪²‬ا‪ I‬كانت أهيته الذاتية ل يزيد على أن يكون جزء‪Þ‬ا واحدا‪ I‬من حياة‬
‫النسان‪ ،‬جزء‪Þ‬ا أصيل‪ ،I‬نعم‪ ،‬ومؤثرا‪ ،I‬نعم‪ ،‬ولكنه ليس الياة كلها‪ ،‬ول هو العنصر الواحد‬
‫الؤثر ف الياة‪.‬‬

‫وحي أعطته الاهلية الديثة هذا الهتمام البالغ فيه ‪ -‬على حساب بقية الكيان‬
‫النسان ‪] -‬سواء ف الغرب الرأسال أو الشرق الشيوعي[ فقد أحدثت ف حياة النسان‬
‫اختللت ضخمة‪ ،‬ليس أقلها ضياع "النسان" ذاته ف النهاية‪ ،‬وتوله ‪ -‬على الكثر ‪-‬‬
‫إل آلة منتجة‪ ،‬تقو‪²‬م بقدر ما تنتج ف عال الادة‪ ،‬ول تقو‪²‬م بقاييس النسان‪.‬‬

‫وبالضافة إل هذا الختلل الشامل ‪ -‬الذي سنتكلم عن طرف منه ف البواب‬


‫التال ية ] ف الجت ماع‪ ،‬و ف ا لخلق‪ ،‬و ف عل قات الن سي[ ‪ -‬فإن ا لل ا لاص ا لذي‬
‫"اهتدت" إليه الاهلية الديثة‪ ،‬حي نزعت اللكية الفردية البتة‪ ،‬ل يؤت ثاره االت دارت‬
‫بلد الاهليي وهم يظنون أنه مفتاح النعيم!‬

‫ل قد قامت هذه الاهل ية النحر فة بقاو مة الف طرة الب شرية مقاو مة منو نة‪ ...‬لت نع‬
‫مشاعرها تاه التملك الفردي‪ ...‬وجادلت جدال‪ " I‬علميا‪ "!I‬طويل‪ I‬لتثبت أن حب التملك‬
‫ليس نزعة فطرية‪ ،‬وإنا هو مياث من التمع القطاعي والرأسال‪ ،‬ليس أصيل‪ I‬ف كيان‬
‫النسان‪ ،‬بل‪ ...‬لا خشيت أن يكون هذا الكلم قليل القناع ذهبت ف نقاشها خطوة‬
‫أبعد‪ ،‬فنفت أصل‪ I‬أن للنسان فطرة! لعلها تسم الدل من جذوره! وزعمت ‪ -‬كما قال‬
‫ماركس وإنلز وكثيون وغيهم ‪ -‬أن النسان ولد بغي نزعات فطرية‪ ،‬وبالذات بغي‬
‫نزعة إل التملك‪ ،‬وإنا " التمع " هو الذي بذر فيه هذه البذور ‪ -‬البيثة ‪ -‬الت ل بد من‬
‫اقتلعها لنا السبب ف إشقاء البشرية‪.‬‬

‫ول يناقش هؤلء الاهليون هذا السؤال الذي ل بد أن يطر ف الناقشة‪ :‬لاذا صنع‬
‫"الت مع" ذ لك؟ و ما هو هذا "الت مع" ا لذي صنع ما صنع؟ هل هو شيء آ خر غ ي‬
‫"النسان"؟ نعم قد يكون التمع متلفا‪ I‬عن الفرد! وقد تكون له صفات وخصائص غي‬
‫الصفات والصائص الت يتميز با الفرد‪ ...‬ولكن هل هو شيء غي "النسان"؟‬

‫ومع التسليم ‪ -‬جدل‪I‬؟ ‪ -‬با يزعمه ماركس ودركاي من أن الكيان المعي يفرض‬
‫نف سه ع لى ال فرد فر ضا‪ I‬و يزرع ف نف سه الطي بات وال بائث دون و عي م نه ول إرادة ‪-‬‬
‫سنناقش هذه السطورة ف الباب القادم ‪ -‬مع التسليم جدل‪ I‬بكل ذلك‪ ،‬فمن الذي زعم‬
‫إن "النسإن "هو الفرد فقط؟ والموع؟ أليس مموعا‪ " I‬إنسانيا"؟ أم هو جنس آخر غي‬
‫بن النسان؟!‬

‫)‪(119‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫كل! ل يناقش الاهليون هذا السؤال وهم ياولون أن يقتلعوا اللكية الفردية ف‬
‫نفس " الفرد"! وإنا زعموا أن النسان البدائي ل يكن يعرف اللكية الفردية‪ ،‬وإنا كانت‬
‫أدوات النتاج ‪ -‬الت ل وجود لا! ‪ -‬مشاعة بي الميع‪ ،‬والنتاج كله مشاعا‪ I‬بي الميع‬
‫كذلك‪ ،‬وإنا عرفت اللكية فقط حي اكتشفت الزراعة‪ ،‬فسعى الناس إل ملكية الرض‪،‬‬
‫وملك ية أدوات الن تاج‪ ...‬وملك ية ال ناس ا لذين ينت جون‪ ،‬ف مرح لة ا لرق‪ ،‬ث مرح لة‬
‫القطاع‪ ،‬ث مرحلة الرأسالية!‬

‫وقليل من "النطق " كان يكفي لرد هؤلء الاهليي إل الصواب!‬

‫أي شيء كان قابل‪ I‬للمتلك ف العهد البدائي الول؟‬

‫قطعة الجر السمنونة على هيئة سكي؟ ما نفعها لن يلكها؟ إنا تستخدم ‪ -‬على‬
‫الكثر ‪ -‬لقطع قطعة من اللحم النيئ إذا ل تفلح فيه الظافر والسنان! وهذا اللحم ذاته‬
‫‪ -‬أو السمك ‪ -‬كيف ي”ملك؟ إنه إذا فاض عن حاجة القوم فإنه ينت ويفسد‪ ،‬ول يعود‬
‫صالا‪ I‬للكل‪ ،‬فلماذا ي”حجز وكيف يفظ؟‬

‫إن عملية اللك هنا باطلة من أساسها لنه ليس هناك ما ي”ملك‪ ...‬ل لن النسان‬
‫خال من نوازع اللك‪ ...‬وإل‪ ...‬فهل تبث لؤلء الاهليي أن الناع ل يكن يقوم قط ف‬
‫هذا التمع البدائي على ملكية شيء على الطلق؟‬

‫أل يكون يثور بينهم الناع الوحشي على ملكية " امرأة " بعينها‪ ،‬يراها صاحبها‬
‫ت فارها‪ I‬ي”د“ل¡ بقوته على‬
‫أجل وأوقع‪ ،‬فيحتجزها لنفسه‪ ...‬وليكن هو شيخ القبيلة أو ف ‪á‬‬
‫الخرين؟‬

‫أل يكن شيخ القبيلة " ييز " نفسه‪ ،‬ولو بريشة واحدة ف رأسه " يتلكها " دون‬
‫الخرين‪ ،‬ويرم على غيه أن يلبسها؟‬

‫لقد كانت ملكيات تافهة‪ ،‬نعم‪ ...‬ولكنها " ملكية"‪ ...‬وملكية " فردية" على قدر‬
‫مستويات الناس ف ذلك العهد البدائي‪ ...‬وعلى قدر ما هو ف مكنتهم أن يتملكوه‪.‬‬

‫فلما ارتقوا‪ ...‬فصاروا أكثر نضوجا‪ I‬من الناحية " النفسية"‪ ،‬وصارت إمكانياتم "‬
‫الاد ية " أ كب‪ ،‬و قدرتم " العلم ية" أو سع مدى‪"...‬تل كوا" ع لى ن طاق أو سع‪ ...‬تل كوا‬
‫الرض وأدوات النتاج‪...‬‬

‫ث انرفوا‪...‬‬

‫)‪(120‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ل يكن انرافهم لنم تلكوا‪ ...‬فقد كانوا يتملكون من قبل ف حدود مستوياتم‬
‫النفسية والادية والعلمية‪...‬‬

‫ث ل يكن بدء انرافهم حي عرفوا ملكية الرض وأدوات النتاج!‬

‫إنا النراف قدي قدم البشرية‪...‬‬

‫فحي كانوا يتنازعون على ملكية امرأة‪ ...‬ويتنازعون على رئاسة القبيلة‪ ...‬وعلى‬
‫أيهم هو الذي يلك " الريشة" الت يزين با رأسه ويتميز على الخرين‪ ...‬ث يسمون هذا‬
‫ك له ب قوة ال سد؛ من غ لب ف له ال سلطان‪ ...‬كان ذ لك انرا فا‪ !I‬كان " شهوة " تتم لك‬
‫الناس فتملك عليهم أنفسهم‪ ...‬و "الشهوة " منذ بدء البشرية هي النراف!‬

‫و ل ي كن ال نراف ف أي و قت قوة حتم ية‪ ...‬ول كان هو ال صورة الوا حدة‬


‫للبشرية‪...‬‬

‫إنا النراف ‪ -‬ف أي وقت ‪ " -‬احتمال " بشري‪ ،‬يقع‪ ،‬كما يقع العتدال سواء‬
‫بسواء‪.‬‬

‫ومر جع هذا وذاك إ ل الف طرة الب شرية ذا تا‪ ،‬ا لت ت مل ف طيا تا ا ستعداد ا لدى‬
‫وا ستعداد ال ضلل‪ ،‬وتتق بل ال نراف ك ما تتق بل الع تدال‪ ...‬ح سب " ال توجيه " ا لذي‬
‫تناله‪ ،‬و "التاه " الذي تقصد إليه! )‪.(40‬‬

‫وإذن فال سطورة ا لت زعم ها التف سي ا لاهلي للتار يخ‪ ،‬وا لت ت قول إن اللك ية‬
‫الفرد ية بدأت ‪ -‬فقط ‪ -‬باكت شاف الزرا عة‪ ،‬وإن " هذه "اللك ية هي سبب ال نراف‪...‬‬
‫هي أسطورة جاهلية جاهلة ل تعرف طبيعة "النسان"!‬

‫وقد وجدت اللكية الفردية خلل التاريخ كله‪ ،‬ول تكن ‪ -‬ف ذاتا ‪ -‬طريقا‪ I‬إل‬
‫ال ضلل‪ ...‬إ نا كانت و ضعا‪ I‬ما يدا‪ ،I‬يوجه ف طر يق ال ي في كون عن صر ب ناء ون شاط‬
‫وتقدم‪ ،‬ويوجه ف طريق الشر فيكون عنصر هدم وتعويق وتدمي‪...‬‬

‫ول تكن اللكية الفردية مؤدية ‪ -‬حتما‪ - I‬إل القطاع والرأسالية ]كما بينا من قبل‬
‫ف هذا الفصل[ وإنا الذي أدى إل ذلك هو "الشهوة"‪ ...‬الشهوة الت تتخذ اللكية طريقا‬
‫إل استعباد الناس والتطاول عليهم‪ ،‬وهنا‪ ...‬يكمن انراف البشرية منذ أقدم الزمان!‬

‫‪ ()40‬انظر " دراسات ف النفس النسانية"‪.‬‬

‫)‪(121‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫فل ما قامت الاهل ية الارك سية ت نع اللك ية الفرد ية الب تة ‪ -‬ظ نا من ها بأن الف ساد‬
‫كامن في ها‪ ،‬ول يس ف "الن سإن "ا لذي كان يع يش ف أورو با الاهل ية ‪ -‬ف ماذا كانت‬
‫النتيجة العملية لذه التجربة ف نصف قرن من الزمان؟‬

‫" شهوة " ال سلطان هل ق ضت علي ها الاهل ية الارك سية ح ي نز عت اللك ية‬
‫الفردية؟!‬

‫ل ينبغي لنا نن أن نتكلم! فقد تكلم خروشوف! تكلم عن "زعيمه " السابق ‪-‬‬
‫بعد أن مات! ‪ -‬فقال إنه كان مرما‪ I‬سفاحا‪ I‬يثل أبشع دكتاتورية ف التاريخ!‬

‫لقد أزيلت اللكية الفردية وبقي النراف الكامن ف ذلك "النسان" الاهلي الذي‬
‫ل يهتدي بنهج ال!‬

‫وكان من نتائج هذا النراف تلك الدكتاتورية البشعة الت تدثنا عنها ف الباب‬
‫ال سابق ‪ -‬ف السياسة ‪ -‬سواء دكتاتور ية الزع يم القدس ‪ -‬ا لوحش الرم ال سفاح ‪ -‬أو‬
‫دكتاتور ية الن ظام ذا ته‪ ،‬ا لت سلبت ال ناس ك يانم وا ستذلتهم ‪ -‬بلق مة ا لبز ‪ -‬لل سلطان‬
‫الائر التمثل ف "الدولة " وما يتركز ف أيديها من سلطات!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫إنه اختلل مزدوج ف هذه الاهلية‪...‬‬

‫اختلل ف تغليب ها العن صر القت صادي ع لى ك يان الن سان ك له‪ ،‬وإها لا لقي قة‬
‫النسان" الشاملة " الصيلة‪ ،‬الت ل تشمل القتصاد وحده‪ ،‬وإنا تشمل كل نشاط يقوم‬
‫به النسان ‪ -‬نشاط السد ونشاط العقل ونشاط الروح‪ ...‬أصيل‪ I‬كله عميق الصالة‪...‬‬

‫واختلل ف طري قة التم لك ذا تا‪ ...‬سواء بإباحت ها بغ ي حد و ف أي صورة ك ما‬


‫ت صنع الرأ سالية الغرب ية‪ ،‬أو بإلغائ ها الب تة ك ما صنعت ال شيوعية ‪ -‬من ح يث ال بدأ ع لى‬
‫ال قل‪ ،‬وإن كانت قد ا ضطرت تت ضغط الوا قع‪ ،‬ووا قع الف طرة الب شرية‪ ،‬أن تتراجع‬
‫خ طوات أسا سية حا سة عن الارك سية اللينين ية‪ ،‬فأ باحت ب عض اللك ية الفرد ية وأ باحت‬
‫تفاوت الجور ولعلها غدا‪ I‬ستلغي اللكية الماعية للمزارع بعد أن ثبت فشلها كما يقول‬
‫خروشوف! ‪-‬‬

‫)‪(122‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫والعلج ‪ -‬ح ي تر يد هذه الب شرية ال ضالة أن ت تدي ‪ -‬ل بد أن ي كون لذين‬
‫الختلل ي م عا‪ ،I‬ول يس ليه ما دون ا لخر‪ ...‬ول يصحح هذان الختللن إل بتصحيح‬
‫القاعدة الت انبثقا منها‪.‬‬

‫العلج ينبغي أن يعد‪²‬ل طريقة التملك‪ ...‬فل تنع البتة كما تقضي حاقة الشيوعية‪،‬‬
‫ول تباح بغي حد وف أي صورة كما تصنع الرأسالية المقاء‪.‬‬

‫وينبغي كذلك أن يعد‪²‬ل ‪ -‬ف عال الواقع ‪ -‬مكان القتصاد ف حياة البشرية‪ ،‬فل‬
‫ين ظر للح ياة كل ها من خلل الق يم الاد ية والقت صادية‪ ،‬وإ نا يو ضع القت صاد ف م كانه‬
‫الصحيح ‪ -‬بل تضخم ‪ -‬ويوضع إل جانبه‪ ،‬بل مهيمن‪I‬ا عليه وموجها‪ I‬لتنظيماته‪ ،‬الكيان‬
‫الرو حي للن سان‪ ،‬ك يانه الصيل ا لذي حذفته الاهل ية الداروينية من ح سابا‪ ،‬فكان ما‬
‫كان من هبوط النسان إل عال اليوان‪...‬‬

‫ينبغي ‪ -‬ببساطة ‪ -‬أن يعود الناس إل منهج ال!‬

‫)‪(123‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ف الجتماع‪...‬‬
‫العلقة بي الفرد والتمع هي الوضوع الرئيسي الذي يدرسه علم الجتماع‪...‬‬

‫وك ما اخت لت الاهلية الديثة ف السياسة والقتصاد‪ ،‬فكذلك اخت لت ف نظرتا‬


‫للعل قة ب ي ال فرد والت مع‪ ،‬و ف ت طبيق هذه الن ظرة ف عال الوا قع؛ ذ لك أن السيا سة‬
‫والقتصاد والجتماع ف القيقة ترتبط بعضها ببعض أوثق ارتباط‪...‬‬

‫وقد رأينا من قبل التفاعل الكامل بي القتصاد والسياسة‪ ،‬وسنرى الن تفاعلهما‬
‫مع الجت ماع‪ ...‬ل ع لى ال ساس ا لذي تراه الاهل ية الاد ية‪ ،‬من أن القت صاد هو ا لذي‬
‫يرسم صورة التمع من ناحية‪ ،‬والسياسة من ناحية أخرى‪ ،‬ولكن على أساس أنا كلها‬
‫م ظاهر للو جود الن سان‪ ،‬متراب طة ل نا ت صدر عن ك يان مترابط مو حد‪ ...‬هو‬
‫"النسان")‪.(41‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫و ف إ شارة سابقة أل نا إ ل اختلل الاهل ية الدي ثة ف ت صور العل قة ب ي ال فرد‬
‫والت مع‪ ،‬النا شئة من اختلل ت صورها للن فس الب شرية‪ ...‬والناب عة ف ال صل من ف قدان‬
‫حاسة التوازن‪ ،‬بسبب النراف عن منهج ال‪.‬‬

‫إما الفرد وإما التمع ف تصور الاهلية‪...‬‬

‫فالنظم الجتماعية الت تقوم على الفرد‪ ،‬تبز كيانه وتبالغ ف إبرازه حت تعل ذاته‬
‫مقدسة ل يسها مساس! يصنع ما يلو له‪ ...‬يلك كما يشاء بغي حد وف أية صورة‪،‬‬
‫ويصوغ أفكاره وعقائده وأخلقه وتقاليده كما يشاء‪ ،‬ليس للمجتمع أن يرج عليه‪ ،‬ليس‬
‫له أن يقول له‪ :‬هذا خطأ وهذا صواب‪ ،‬فما التمع؟ وبأي حق تكون له الوصاية على‬
‫الفرد؟‬

‫إن الفرد هو "الله"! ومن ث فكل إله يصنع ما يلو له‪ ...‬والرية الشخصية مال‬
‫مفتوح لللة أجعي!‬

‫‪ ()41‬انظر " دراسات ف النفس النسانية " فصل " طبيعة مزدوجة"‪.‬‬

‫)‪(124‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫والنظم الت تقوم على التمع‪ ،‬تبز هي الخرى كيانه‪ ،‬وتبالغ ف إبرازه حت تعله‬
‫هو الك يان ال قدس؛ وال فرد ل قدا سة له ول ك يان‪ ...‬ل يق له أن ي لك‪ ،‬ل يق له أن‬
‫ي صوغ أف كاره وع قائده وأخل قه وتقال يده‪ ،‬ل يق له أن ي عترض ع لى ع مل الت مع‪ ،‬أو‬
‫يصفه بأنه خطأ أو صواب‪ ،‬فما الفرد؟ وبأي حق تكون له الوصاية على التمع؟‬

‫إن الت مع هو "ا لله"! و من ث ي صنع ما ي لو له‪ ...‬وال فرد هو الع بد الا ضع‬
‫للسلطان!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ويزعم كل من النظامي أنه يقوم على أسس " علمية"!‬

‫وليس أدل على فساد هذا الزعم‪ ،‬أو فساد "العلم" الذي يقوم عليه هذا الزعم‪ ،‬من‬
‫أنما وضعان متقابلن تاما‪ ،I‬ل يقوم بينهما صلح ول تفاهم ول التقاء‪ ...‬فكيف يكونان‬
‫ف ذات الوقت صحيحي؟ إن أحدها أو كليهما ل بد أن يكونا خاطئي‪ ...‬وهذه هي‬
‫القيقة!‬

‫قامت أسطورة الفرد القدس من "التطور" الذي أصاب أوروبا منذ عصر النهضة‪.‬‬

‫لقد كانت أوروبا ‪ -‬ف جاهلية القرون الوسطى ‪ -‬تقع تت ضغط بشع يضغط‬
‫كل كيان النسان‪.‬‬

‫الكنيسة ورجال الدين يفرضان سلطان‪I‬ا مذل على كاهل الناس‪".‬فالنسإن "ل يلك‬
‫أن يت صل بالقه ات صال‪ I‬مبا شرا‪ ...‬وإ نا ينب غي أن ي كون ذ لك عن طر يق ال كاهن أو‬
‫القسيس! والغفرة ل ينالا النسان من ال مباشرة وإنا ينبغي إن "تسلم " إليه على يد‬
‫كاهن أو ق سيس! وال عتراف ‪ -‬ل ‪ -‬بالطيئة ل ي تم‪ ،‬ول يؤت مفعوله إل حي ي توله‬
‫كاهن أو قسيس! وهكذا يال بي النسان وحقه ف أن يلتقي بكيانه الفردي الباشر مع‬
‫ال‪.‬‬

‫والشراف حل آخر على كاهل الناس‪...‬‬

‫فهم وحدهم ف التمع الذين لم وزن وثقل‪ ...‬والثقل يقع على هذه "الحجار"‬
‫الدمية الت يتكون منها مموع الشعب‪ ...‬الشعب الذي ل حقوق له‪ ،‬وعليه ف الوقت‬
‫ذاته جيع الواجبات‪.‬‬

‫)‪(125‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫و "الفرد" من هذا الشعب ليس له كيان‪ ،‬ل يلك شيئ‪I‬ا ملك‪I‬ا حقيقيا‪ ،‬فالقطاعي‬
‫هو الالك الوحيد‪ ،‬والفرد ل يتعامل بكيانه الباشر مع شيء على الطلق! ل يتعامل مع‬
‫الدولة‪ ،‬فالدولة ل تعرفه إل عن طريق القطاعي الذي يلك أن يقدمه وأن يؤخره‪ ،‬وأن‬
‫يعل له وجود‪I‬ا أو يلغي ذلك الوجود‪ ،‬ومن ث يقوم القطاعي بي الفرد وعلقته الباشرة‬
‫مع الدولة‪ ،‬كما يقوم الكاهن والقسيس بي الفرد وعلقته الباشرة مع ال‪.‬‬

‫والقوق السياسية ل وجود لا‪ ،‬ول ضمانات العيش ول ضمانات القضاء‪ ،‬ول أي‬
‫ضمانات‪.‬‬

‫و فوق ذ لك فالن ظام الق طاعي ذا ته ‪ -‬ب صورته الاهل ية ا لت قامت ف أور با ‪ -‬ل‬
‫يرتكز على شخصية الفرد ‪ -‬فيما عدا الفرد القطاعي صاحب السيادة ‪ -‬وإنا يرتكز على‬
‫جوع من الفراد ليس لا كيان فردي مستقل متميز‪ ،‬وإنا لا صورة مطبوعة بات قلما‬
‫يتغ ي‪ ...‬فال ياة را كدة آ سنة ف الر يف ل تتغ ي م نذ مئات ال سني‪ ...‬فرد يذهب و فرد‬
‫ييء‪ ،‬وكأنا ل يذهب الذاهب ول ييء! ومن ث ل يس الفرد بوجوده‪ ،‬وهو يارس‬
‫هذه السلبية الكاملة إزاء العرف والتقاليد‪ ،‬الت يضع لا ل إيانا‪ I‬واعيا‪ I‬با ‪ -‬فتكون له‬
‫شخصيته التميزة ف أدائها ‪ -‬ولكن خضوعا‪ I‬آليا كالثور العلق ف الطاحون‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ومن هذا الركود السن انبعث النشاط ف أوروبا‪ ،‬بعد احتكاكها بالعال السلمي‪،‬‬
‫ف الروب الصليبية تارة‪ ،‬وف الامعات السلمية ف الغرب والندلس تارة أخرى‪...‬‬
‫فدبت الياة ف الوات‪.‬‬

‫وكان على الناس أن يزيوا عن كاهلهم ما يرزحون تته من أثقال‪.‬‬

‫أول ثقل بدأوا يزحزحونه هو الكنيسة‪ ...‬ورجال الدين‪.‬‬

‫وهنا دخلت " عبادة الطبيعة " مهربا‪ I‬من الكنيسة وإلها التجب الذي تكم باسه‬
‫الناس‪ ،‬وماول ‪I‬ة لقامة " عبادة " جديدة يلتقي فيها العابد والعبود مباشرة بل وسيط!‬

‫و نن ه نا بطبي عة ا لال نتت بع التار يخ دون أن نبر التار يخ! فل يس ه ناك ‪ -‬ك ما‬
‫أ شرنا من قبل ‪ -‬مبر " منطقي " ول "علمي " لذا الت حول من إ له الكنيسة إل عبادة‬
‫الطبيعة‪ ...‬وإنا هو مهرب وجدان منحرف ل يمل الدليل‪ ...‬وقد كان على الناس حي‬

‫)‪(126‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫أ خذوا يز يون سلطان الكني سة الز يف أن يعودوا إ ل ع بادة ا ل ا لق‪ ،‬ل أن يلقوا آ لة‬
‫جديدة مزيفة يعبدونا من دون ال‪.‬‬

‫ث أخذوا يزيون ثقل القطاع با يشمله من طبقة الشراف‪...‬‬

‫و كانت ال ثورة الفرنسية جاع هذه ال ثورة الت أ طاحت باللكية ور جال الق طاع‬
‫على الطريقة الوروبية! أو على الطريقة الفرنسية! القصلة وقطع الرقاب!‬

‫وبدأ " الفرد " يس بكيانه‪...‬‬

‫ولكنه ‪ -‬ف هذه الاهلية الت ل تعرف ال ‪ -‬ل يكن ي”توقع له أن يس بكيانه على‬
‫اهتداء‪.‬‬

‫إ نه ‪ -‬مثل‪ - I‬ل ي سع إ ل الت صال البا شر بالقه بغ ي و ساطة ال كاهن‪ ،‬وإ نا أدار‬
‫ظهره للكنيسة بكل ما تمله من كهنة وقسيسي‪ ...‬و" إله"!‬

‫ول ياول أن يفرز التقاليد السارية ف متمعه‪ ،‬فيى ما كان منها ذا قيمة باقية‪،‬‬
‫في قوم بأدائه عن إ يان ‪ -‬فت كون له الشخ صية التم يزة ف هذا ا لداء ‪ -‬وإ نا أدار ظ هره‬
‫لموعة الخلق والتقاليد ف عصره على أنا شيء بائد‪ ...‬ل بد أن يبيد‪.‬‬

‫وه كذا ل يتع قل ف ثورته النو نة‪ ...‬ل قد كان ‪ -‬ف ه ياجه ‪ -‬يل قى كل شيء‬
‫لينطلق خفيفا‪ I‬من الثقال‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ث كان النقلب الصناعي الذي أتى على بقية ما كان من بنيان‪...‬‬

‫لقد أحدث هذا النقلب تغيا‪ I‬كامل‪ I‬ف صورة التمع‪ ...‬ف كل شيء فيه‪...‬‬

‫وكان عامل‪ I‬من أهم العوامل ف التركيز على "فردية " النسان‪...‬‬

‫ل قد جاء الع مال من الر يف فرادى‪ ...‬غ ي مت عارفي ول مترابطي‪ ،‬و سكنوا ف‬
‫الدينة كذلك فرادى‪ ...‬ل يلتقون إل ف زمالة العمل وحده‪ ،‬ولكن ل تقوم بينهم الروابط‬
‫الت كانت تقوم بي الفلح وأخيه ف الريف‪ ،‬حيث الناس متعارفون‪ ،‬متعاونون‪ ،‬تربطهم‬

‫)‪(127‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫القرا بة وال صاهرة وا لوار ودوام الت صال‪ ...‬والتقال يد ال شتركة ا لت تو حد ك يانم من‬
‫الداخل فيلتقون متعارفي بالشاعر والفكار‪.‬‬

‫بل إنم جاءوا كذلك فرادى بل أسر‪ ...‬فقد كان اليل الول من العمال النازحي‬
‫من الريف يتحسسون الطريق ف الدينة‪ ،‬فل يضرون معهم أسرهم حت يطمئنوا أول‪ I‬إل‬
‫الو الذي يعيشون فيه‪ ،‬وكان معظمهم من الشبان العزاب الذين ل يرتبطوا بعد برباط‬
‫الزواج‪...‬‬

‫وه كذا أ حس كل إن سان ف الدي نة بفردي ته التم يزة أ كثر ما أ حس بالر باط‬
‫المعي‪...‬‬

‫ث عملت الرأة‪...‬‬

‫وأحست كذلك بفرديتها‪...‬‬

‫ل قد كانت من ق بل هل‪ I‬ل و جود له ول ك يان ول ا ستقلل‪ ،‬مرد تابع للر جل‪،‬‬
‫تعيش عن طريقه اقتصاديا واجتماعيا ونفسيا وفكريا‪ ...‬وكل شيء‪ ...‬فهي ل تفكر ف‬
‫أمورها بفكرها‪ ،‬وإنا بفكر أبيها أو أخيها أو زوجها‪ ،‬ول تفكر ف شئون التمع ‪ -‬ما لا‬
‫هي و ما له؟ ‪ -‬وإن ف كرت ف عن طر يق الر جل ا لذي ين قل إلي ها ا لمور جاهزة مب لورة‬
‫منته ية‪ ،‬ل ت شارك هي ف معانا تا أو تثل ها‪ ،‬ث إ نا ل ت لك مل كا‪ I‬مبا شرا‪ I‬ول تت صرف‬
‫بنف سها ف هذا ال لك ‪ -‬ه كذا كانت ف جاهل ية الع صور الو سطى ف أورو با! ‪ -‬وإ نا‬
‫الر جل هو الذي ي لك ويتصرف‪ ...‬و هي تع يش ف تقال يد معينة‪ ،‬تضي‪²‬ق عليها أ كثر ما‬
‫تضيق على الرجل‪ ،‬أو تضي‪²‬ق عليها وحدها دون الرجل ف كثي من المور‪ ،‬وهي تتشرب‬
‫هذه التقاليد بل وعي‪ ،‬وتعيشها راضية أو ساخطة على أنا قدر مقدور‪...‬‬

‫فلما اشتغلت حدث ف نفسها انقلب!‬

‫صار ف يدها مال تلكه ملكا‪ I‬حقيقيا‪ ،‬مباشرا‪ ،I‬كامل‪ ،I‬تستطيع أن تتصرف فيه كما‬
‫تشاء‪.‬‬

‫وتعاملت ‪ -‬بشخصها مباشرة ‪ -‬مع التمع‪ ،‬ف الصنع والتجر والطريق‪...‬‬

‫وتعاملت مع الرجل ‪ -‬أو بدأت ‪ -‬إن ل يكن على أنا ند‪ ñ‬له‪ ،‬فعلى القل على أنا‬
‫ل تعد ذلك التابع الذي ل كيان له‪ ،‬وإنا صارت كائنا‪ " I‬ياول " أن يصل إل مستوى‬
‫الرجل وينازعه السلطان‪...‬‬

‫)‪(128‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وف كل ذلك برزت " فرديتها" الت ل يكن لا وجود من قبل‪...‬‬

‫واشتغل الطفال كذلك!‬

‫وبرزت ‪ -‬رو يدا‪ I‬رو يدا‪ - I‬لؤلء ال صغار " فرد ية " متم يزة‪ ،‬يكت سبونا من عرك‬
‫العمل لم منذ طفولتهم‪ ،‬ومن العملة القليلة الت تتحصل ف أيديهم‪...‬‬

‫وصار الميع " أفراد‪I‬ا " متميزي الفردية!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫لقد كان ف هذه الفردية انراف هائل خطي‪...‬‬

‫و ل ي كن ذ لك حت ما‪ I‬بطبي عة ا لال‪ ...‬فل يس حت م‪I‬ا أن ت كون الفرد ية ف ذا تا‬


‫منحرفة‪ ...‬فهي جزء أصيل من كيان النسان السليم‪ ،‬ولكنها انرفت لنا ولدت ف ظل‬
‫الاهلية النحرفة عن منهج ال‪ ،‬ولنا كذلك رد فعل عنيف غي متوازن لنعدام الكيان‬
‫الفردي الذي أنشأه القطاع عدة قرون‪...‬‬

‫لقد ذاق هؤلء جيعا‪ I‬فرديتهم الستقلة " التحررة" من غي طريقها السوي‪ ،‬الذي‬
‫كان ي ضمن لم ‪ -‬مع الح ساس بالذات ية التم يزة ‪ -‬تواز ن‪I‬ا ف الح ساس بالقوق‬
‫والتبعات‪ ،‬والرية واللتزام‪.‬‬

‫فسكان الدينة الدد كانوا ‪ -‬رويد‪I‬ا رويدا‪ - I‬قوما‪ I‬يتحللون من الدين والخلق‬
‫والتقال يد‪ ،‬ب تأثي النت قال من الك بت العن يف ف الر يف إ ل "حر ية " الدي نة وببحت ها؛‬
‫وبتأثي النسلخ التدريي الدائم من الدين؛ وبتأثي التفسي اليوان للنسان الذي بثته‬
‫الداروين ية ف الن فوس؛ وب تأثي التف سي الن سي لل سلوك ا لذي ب ثه فرو يد؛ وب تأثي و جود‬
‫الشباب الفاره القوة ‪ -‬ف سن الشباب ‪ -‬بل أسر تعصمه من الطيئة‪ ،‬فيلجأ إل الل‬
‫الرخيص الذي تقدمه الدينة ف صورة بغاء‪...‬‬

‫وا لرأة ‪ -‬و هي تس رو يدا‪ I‬رو يدا‪ I‬بفرديت ها ‪ -‬كانت ت ستقي هذه الفرد ية ع لى‬
‫ا نراف‪ ،‬ف هي خار جة من حا لة ان عدام الك يان‪ ...‬ف كل شيء‪ ،‬فل ما أح ست بذاتيتها‬
‫أ خذت تنا ضل لتحط يم كل ق يد‪ ...‬لز ما‪ I‬أو غ ي لزم‪ ...‬وأ خذت با لذات ت سعى إ ل‬
‫تط يم ا لدين وا لخلق والتقال يد ل نا ا ست”خدمت ضدها ف معر كة " الت حرر"‪...‬‬
‫استخدمها الرجل ليصدها عن منافسته‪ ،‬بينما كان هو ف واقع حياته متحلل‪ I‬من الدين‬

‫)‪(129‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫والخلق والتقاليد! ث إنا بعد أن نكل الرجل ‪ -‬الاهلي ‪ -‬عن إعالتها‪ ،‬واضطرت ‪-‬‬
‫راضية أو كارهة ‪ -‬أن تعمل‪ ،‬وجدت ‪ -‬ف كثي من الحوال ‪ -‬أن أخلقها قيد ينعها‬
‫من التكسب‪ ،‬فالرجل ‪ -‬الاهلي ‪ -‬اليوان الذي تعمل عنده‪ ،‬ل يتيح لا فرصة العمل إل‬
‫أن تت يح له من نف سها ما يطل به الر جل ال يوان‪ ،‬و فوق كذلك ف قد كانت ت طالب "‬
‫بالساواة " مع الرجل! الساواة ف الجر ف أول المر‪ ...‬ث الساواة ف كل شيء‪ ...‬ومن‬
‫بي ذلك الساواة ف التحلل والباحية والنطلق!‬

‫ووراء الرجل والرأة معا‪ I‬كان التوجيه اليهودي الاكرالذي يريد أن يدمر "الميي"‪،‬‬
‫توجيه ماركس وفرو يد ودر كاي‪ :‬أن ا لخلق ق يد ل مع ن له‪ ،‬وال نس هو الو جود‬
‫البشري‪ ،‬والختلط هو السبيل‪.(42)...‬‬

‫وحدث انلل مدمر شنيع‪...‬‬

‫ل قد تط مت روا بط الت مع‪ ،‬وروا بط ال سرة‪ ،‬بل روا بط ال نس ذا ته! ف لم ي عد‬


‫ال نس ‪ -‬ب صرف الن ظر حت عن ا لخلق! ‪ -‬ربا طا‪ I‬ير بط ب ي ر جل وا مرأة بالعواطف‬
‫الم تدة الطوي لة ال مد‪ ،‬وال شاعر ال شتركة‪ ...‬وإ نا أ صبح ل ظة ج سد منهو مة‪ ،‬تنق طع‬
‫بإ شباع شهوة ال يوان‪ ،‬وتت جدد ع لى دوا عي ال سد ال شهوان‪ ،‬واع تبت " العوا طف" و‬
‫"الشاعر" حت بصرف النظر عن الخلق‪ " ،‬رومانتيكية " مريضة متهوسة ل تعيش ف‬
‫"الوا قع"‪ ،‬وإ نا الوا قع هو هذا ال يوان‪ ،‬و هذا ال سد ال شهوان‪ ...‬كذلك أو حت لم‬
‫الاهلية الداروينية‪ ،‬وامتدادها على يد فرويد‪ ،‬وغيه من "تلميذه" و "حوارييه" ف كل‬
‫ميدان!‬

‫وفسد كيان الرجل والرأة كليهما‪ ...‬فلم يعودا رجل‪ I‬وامرأة كما خلقهما ال!‬

‫فأ ما الر جل ‪ -‬و قد ف قد رواب طه الجتماع ية و ضعفت ف نف سه روا بط ال سرة‬


‫وروابط النس ذاته! ‪ -‬فقد أصبح " شيئ‪I‬ا " أقرب إل اللة منه إل النسان‪ ...‬آلة منتجة‪،‬‬
‫ولكنها ل تكاد تفكر أو تس‪ ...‬وإنا تعيش الياة لظة لظة‪ ،‬بل هدف شامل ول وعي‬
‫" بإن سانية " الن سان! ث إذا فرغ من الن تاج الادي ا لذي يك بت ك يانه ا لي ويط مس‬
‫إشعاعة الروح فيه ‪ -‬بسبب " السلوب " الل الذي يؤدى به العمل ‪ -‬انطلق ف حيوانية‬
‫هابطة يشبع دوافع اليوان‪ ...‬وتتحول الياة ف نظره إل هذين الدفي القريبي‪ :‬إنتاج‬
‫كاللة‪ ...‬وانطلق كاليوان‪.‬‬

‫وأما الرأة فقد فسدت فطرتا من الداخل كذلك‪.‬‬

‫‪ ()42‬انظر كتاب "التطور والثبات ف حياة البشرية"‪.‬‬

‫)‪(130‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫كتبت الدكتورة بنت الشاطئ ف جريدة الهرام بعنوإن "جنس ثالث ف طريقه إل‬
‫الظهور"‪.‬‬

‫"‪ ...‬شاءت الظروف أن أذهب ف عطلة الحد لزيارة صديقة ل طبيبة بإحدى‬
‫ضواحي " فينا" ‪ -‬بعد أسبوع مرهق قضيناه بي أوراق البدى العربية ف دار الكتب ‪-‬‬
‫وكنت أحسب أن يوم الحد هو أنسب وقت لثل تلك الزيارة‪ ،‬فما كان أشد عجب‬
‫حي فتحت ل صديقت باب بيتها معجلة‪ ،‬وف يدها " بطاطس " تقشرها‪ ،‬ث قادتن ف‬
‫لطف إل مطبخها لنأخذ ملسنا هناك‪.‬‬

‫ول يغب عنها ما شعرت به من دهشة‪ ،‬فابتدرتن قائلة‪:‬‬

‫ما كنت تتوقعي هذا النظر‪ :‬طبيبة ف الطبخ يوم الحد!‬

‫قلت ضاحكة‪ :‬أما العمل يوم الحد فربا فهمته وأما اشتغالك بالطبخ مع ما أعرفه‬
‫من إرهاق مهنتك‪ ،‬فهذا ما ل أنتظره‪.‬‬

‫فردت‪ :‬لو عكست لكنت أقرب إل الصواب فالعمل ف عطلة الحد هو الستغرب‬
‫عندنا‪ ،‬لول أنه فرصت الوحيدة لكي أقف هنا حيث ترين‪ ،‬وأما اشتغال ف الطبخ‪ ،‬فلعلي‬
‫ل أتاوز به نطاق مهنت‪ ،‬إذ هو نوع من العلج لالة قلق أعانيها وتعانيها معي سيدات‬
‫أخريات من الشتغلت بالعمال العامة‪.‬‬

‫ولا سألتها عن سر هذا القلق ‪ -‬مع استقرار الوضع الجتماعي للمرأة الغربية ‪-‬‬
‫أجابت بأن ذلك القلق ل صلة له بتاعب النتقال الفروضة على جيل الطليعة من نساء‬
‫ال شرق! وإ نا هو صدى شعور ب بدء ت طور جد يد يتو قع حدوثه عل ماء الجت ماع‬
‫والفسيولوجيا والبيولوجيا ف الرأة العاملة‪ ،‬وذلك لا لظوا من تغي بطيء ف كيانا‪ ،‬ل‬
‫يثر النت باه أول ا لمر لول ما سجلته الح صاءات من ا طراد الن قص ف الوال يد ب ي‬
‫العاملت‪ ،‬وكان الظنون أن هذا النقص اختياري مض‪ ،‬وذلك لرص الرأة العاملة على‬
‫التخفف من أعباء المل والوضع والرضاع‪ ،‬تت ضغط الاجة والستقرار ف العمل‪،‬‬
‫ولكن ظهر من استقراء الحصاءات أن نقص الواليد للزوجات العاملت‪ ،‬ل يكن أكثره‬
‫عن اختيار بل عن عقم استعصى علجه‪ ،‬وبفحص ناذج شت منوعة من حالت العقم‬
‫اتضح أنه ف الغالب ل يرجع إل عيب عضوي ظاهر‪ ،‬ما دعا العلماء إل افتراض تغي‬
‫طارئ على كيان النثى العاملة نتيجة لنصرافها الادي والذهن والعصب ‪ -‬عن قصد أو‬
‫غ ي ق صد ‪ -‬عن م شاغل المو مة‪ ،‬ودن يا حواء‪ ،‬وت شبثها ب ساواة الر جل‪ ،‬وم شاركته ف‬
‫ميدان عمله‪.‬‬

‫)‪(131‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫واستند علماء الحياء ف هذا الغرض ‪ -‬نظريا ‪ -‬إل قانون طبيعي معروف‪ ،‬وهو‬
‫إن "الوظيفة تلق العضو"‪ ،‬ومعناه فيما نن فيه أن وظيفة المومة هي الت خلقت ف حواء‬
‫خ صائص م يزة للنو ثة ل بد أن ت ضمر تدرييا بان صراف ا لرأة عن وظي فة المو مة‬
‫واندماجها فيما نسميه " عال الرجل"‪.‬‬

‫ث تابع العلماء هذا الفرض‪ ،‬فإذا التجارب تؤيده إل أبعد ما كان منتظرا‪ ،I‬وإذا بم‬
‫يعلنون ‪ -‬ف اطمئنان مقرون بشيء من التحفظ ‪ -‬عن قرب ظهور " جنس ثالث " تضمر‬
‫فيه خصائص النوثة الت رسختها المارسة الطويلة لوظيفة حواء‪.‬‬

‫و ثارت اعتراضات‪ ...‬من ها‪ :‬أن كثرة ال عاملت ينفرن من العقم وي شتهي الو لد‪،‬‬
‫ومنها‪ :‬أن التمع الديث يعترف بالعاملة الم ويمي حقها ف العمل‪ ،‬ويتيح لا بكم‬
‫القانون فرصة المع بي شواغل المومة وواجبات العمل‪ ،‬ومنها‪ :‬أن عهد الرأة بالروج‬
‫من دنياها الاصة ل يتعدى بضعة أجيال‪ ،‬على حي يبلغ عمر خصائص النوثة فيها ما ل‬
‫يصى من دهور وأحقاب‪.‬‬

‫و كان ا لرد ع لى هذه العتراضات‪ :‬أن ا شتهاء الزو جة العام لة للو لد يالطه دائ ما‬
‫الوف من أعبائه‪ ،‬والشفاق من أثر هذه العباء على طمأنينة مكانا ف مل العمل‪.‬‬

‫ث إن العتراف بالعاملة الم قلما يتم إل ف حدود ضيقة‪ ،‬تت ضغط القانون‪ ،‬وما‬
‫أ كثر ما يد أ صحاب الع مل فر صتهم لتف ضيل غ ي الم هات‪ ،‬وأ ما ق صر ع هد ا لرأة‬
‫بالروج‪ ،‬فيد عليه بأن هذا الروج ‪ -‬على قرب العهد به ‪ -‬قد صحبه تنبه حاد إل‬
‫الساواة بالرجل‪ ،‬وإصرار عنيد على التشبه به‪ ،‬ما عجل ببوادر التغيي‪ ،‬لعمق تأثي فكرة‬
‫الساواة على أعصاب الرأة‪ ،‬وقوة رسوخها ف ضميها‪.‬‬

‫و ما يزال الهت مون بذا الو ضوع ير صدون التغ يات ال طارئة ع لى ك يان ا لنثى‪،‬‬
‫وي ستقرئون ف اهت مام بالغ دللت الر قام الح صائية لالت الع قم ب ي ال عاملت‪،‬‬
‫والعجز عن الرضاع لنضوب اللب‪ ،‬وضمور العضاء الخصصة لوظيفة المومة"‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫أ ما الط فال ا لذين أح سوا بفرديت هم ف هذا الطو فان الن حل‪ ...‬ف قد أح سوا با‬
‫كذلك على انراف‪.‬‬

‫)‪(132‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫فالسرة الطمة‪ ،‬الت يعمل فيها الرجل والرأة ف الصنع والتجر‪ ،‬قد فقدت رباطها‬
‫العاطفي والوجدان الذي كان يسك بالطفال ف ترابط‪ ،‬ويبذر ف قلوبم " الب" و‬
‫"ا لودة"‪ ،‬وين شئهم م توازني ف ال شعور والتفك ي‪ ،‬ويعلم هم آداب ال نس وين ش‪¥‬ئهم ع لى‬
‫احترام العلقة الت ييء عن طريقها النسل‪ ،‬فل تصبح شهوة جسد مرتكسة‪ ،‬وإنا تصبح‬
‫روابط على مستوى النسان‪.‬‬

‫فقدت السرة رباط الم‪ ...‬رباط الوجدان‪ ،‬وصار البيت أشبه بالفندق الذي يعيش‬
‫ف يه ر جل وا مرأة كأ نا ها ف علقته ما " موظ فإن "يؤد يان وظي فة ا لبوة والمو مة" من‬
‫الظاهر" كما يؤدي الوظف عمله بل حاسة ول يسره أن يداوم عليه‪ ...‬لول " الروتي "‬
‫الذي يسي‪¥‬ر الياة‪.‬‬

‫ومن ث انرف الولد‪ ...‬سواء كانوا يتربون ف السرة الفككة على يد " الادم"‬
‫أو ف الاضن مع غيهم من الطفال " الشردين " عن المهات والباء!‬

‫يقول "ألكسس كاريل"‪:‬‬

‫" ولقد ارتكب التمع العصري غلطة جسيمة باستبداله تدريب السرة بالدرسة‬
‫استبدا ‪I‬ل تاما‪ ،‬ولذا تترك المهات أطفالن لدور الضانة‪ ،‬حت يستطعن النصراف إل‬
‫أع مالن‪ ،‬أو م طامعهن الجتماع ية‪ ،‬أو م باذلن‪ ،‬أو هوايتهن الدب ية أو الفن ية‪ ،‬أو لل عب‬
‫البيدج‪ ،‬أو ارتياد دور السينما‪ ،‬وهكذا يضيعن أوقاتن ف الكسل‪ ،‬إنن مسئولت عن‬
‫اخت فاء و حدة ال سرة واجتماعا تا ا لت يت صل في ها الط فل بالك بار‪ ،‬فيتع لم عن هم أ مورا‬
‫كثية‪ ...‬إن الكلب الصغية الت تنشأ مع أخرى من نفس عمرها ف حظية واحدة‪ ،‬ل‬
‫تنمو نوا مكتمل‪ I‬كالكلب الرة الت تستطيع أن تضي ف إثر والديها‪ ،‬والال كذلك‬
‫بالنسبة للطفال الذين يعيشون وسط جهرة من الطفال الخرين وأولئك الذين يعيشون‬
‫ب صحبة را شدين أذك ياء‪ ،‬لن الط فل ي شكل ن شاطه الف سيولوجي والعق لي وال عاطفي‬
‫ل من الطفال ف م ثل سنه‪ ،‬وحين ما‬ ‫للقوالب الو جودة ف مي طه‪ ،‬إذ أ نه ل يتع لم إل قلي ‪I‬‬
‫يكون مرد وحدة ف الدرسة‪ ،‬فإنه يظل غي مكتمل‪ ،‬ولكي يبلغ الفرد قوته الكاملة فإنه‬
‫يتاج إل عزلة نسبية‪ ،‬واهتمام جاعة اجتماعية مددة تتكون من السرة" )‪.(43‬‬

‫ويقول ول ديورانت الفيلسوف المريكي‪:‬‬

‫" و لا كان زواجه ما ‪ -‬الر جل وا لرأة ف الت مع ا لديث ‪ -‬ل يس زوا جا‪ I‬بالعن‬
‫الصحيح ‪ -‬لنه صلة جنسية ل رباط أبوة ‪ -‬فإنه يفسد لفقدانه الساس الذي يقوم عليه‪،‬‬
‫ومقومات الياة‪ ،‬يوت هذا الزواج لنفصاله عن الياة وعن النوع‪ ،‬وينكمش الزوجان ف‬

‫‪ " ()43‬النسان ذلك الهول " ص ‪.319 – 318‬‬

‫)‪(133‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫نفسيهما وحيدين كأنما قطعتان منفصلتان‪ ،‬وتنتهي الغيية الوجودة ف الب إل فردية‬
‫يبعثها ضغط الساخر‪.(44)"...‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫و ف هذه الث ناء كل ها كانت "البجواز ية " النا شئة ت سعى إ ل مز يد من حر ية‬
‫"الفرد"‪.‬‬

‫ل قد كانت ال سلطة كل ها ‪ -‬في ما سبق ‪ -‬ف يد الق طاعيي ي سحقون با م موع‬


‫الشعب‪ ،‬وتؤازرهم الكنيسة كهيئة إقطاعية‪ ،‬وكهيئة ذات مصلحة ذاتية ف إخضاع الناس‬
‫لسلطإنا "الروحي " ليعيش " رجال الدين" ف مكان السيطرة المرة‪ ،‬وف نعيم مترف‬
‫مقيم‪.‬‬

‫فل ما أ خذت " الدي نة" ف الن مو‪ ،‬وجدت الطبقة الد يدة من الوظفي وأصحاب‬
‫العمال وصغار الرأساليي‪ ...‬وجدت نفسها بل حقوق! فالبلان متكر لرجال القطاع‪،‬‬
‫وحرية القول والجتماع والتعبي عن الرأي " الشخصي " ليس لا وجود‪ ...‬وبدأ الصراع‬
‫العنيف لستخلص هذه القوق رويدا‪ I‬رويدا‪ I‬من رجال القطاع‪.‬‬

‫وكان ف كل يوم نصر جديد " للديقراطية " يتمثل ف مزيد من التحرر " للفرد"‪.‬‬

‫إن التفسي الاركسي يصور الصراع على أنه صراع طبقي‪"...‬الطبقة " البجوازية‬
‫الناشئة تصارع " الطبقة " القطاعية العجوز‪ ...‬ولكن هذا ‪ -‬إن كان صحيحا‪ - I‬ل ينفي‬
‫أن هؤلء " ا لبجوازيي " ‪ -‬أي سكان الدي نة ‪ -‬كانوا ي سون أ نا مع كرة فرد ية ل كل‬
‫منهم‪ ،‬معركة كل فرد منهم ليعب عن كيانه الفردي التميز؛ ليثبت وجوده الذات؛ ليحس‬
‫أنه إنسان قائم بذاته‪ ،‬وليس تبعا‪ I‬لذا وذاك‪.‬‬

‫وكل نصر جديد‪ ...‬أي كل حرية تنتزع من القطاع‪ ،‬كان معناها أن كل " فرد "‬
‫قد امتدت حريته إل مال جديد‪ ...‬أي أنه صار يستطيع أن يصنع ما يلو له هو شخصيا‬
‫ف نطاق جديد‪.‬‬

‫ول يكن هذا " التحرر" ف ميدان السياسة وحده‪ ،‬وإنا كان كذلك تررا‪ - I‬أو‬
‫تلل‪ - I‬من الدين والخلق والتقاليد‪ ،‬توطه ضمانات " التشريع " والتنفيذ والقضاء‪...‬‬
‫بوصفه من "الرية الشخصية"‪...‬‬

‫‪ " ()44‬مباهج الفلسفة " ص ‪.225‬‬

‫)‪(134‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وهكذا اتكأت البجوازية ‪ -‬ف معركتها السياسية لنتزاع السلطان من القطاع ‪-‬‬
‫على الكيان الفردي النطلق " التحرر " الساعي إل مزيد من التحرر ومزيد من السلطان‪.‬‬

‫وف تلك الثناء اتذ النسان من نفسه إلا‪ ،I‬وعبد نفسه من دون ال!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وف ظل ذلك كانت الرأسالية النامية تتاح اليدان‪.‬‬

‫تتاحه على أساس فردي‪ ...‬فهي تقوم على حرية كل " فرد" ف أن يلك بكل‬
‫وسائل اللك‪ ،‬ويستغل ماله فيما يشاء من استغلل‪ ،‬وكذلك يستغل الطاقة الدمية التمثلة‬
‫ف العمال‪.‬‬

‫ودا فع الرأ ساليون دفا ع‪I‬ا عني فا‪ I‬عن حر ية " ال فرد"‪ ...‬و قالوا ‪ -‬بطبي عة ا لال ‪-‬‬
‫كلما‪ " I‬جيل‪ "I‬ف حقوق النسان الفرد‪ ،‬والريات الت ينبغي أن تكفل له‪ ،‬و "القداسة"‬
‫الت ينبغي أن يتمتع با ف الياة‪ ،‬وحقه ف أل يتعرض " التمع " لعماله‪ ،‬ول أن يضع ف‬
‫سبيله القيود!‬

‫و كان شعارهم ا لذي رف عوه‪" :‬د عه يع مل‪ ،‬د عه ير!" ‪-‬‬


‫‪Laissez Faire - Laissez‬‬
‫‪ - Passer‬مثل‪ I‬لذلك ال تاه ك له‪ ،‬ف قد كان مع ناه‪ :‬دع " ال فرد " يع مل ما ي شاء بل‬
‫حواجز‪ ...‬دعه ير بل عوائق!‬

‫كانت دعوة للنطلق من القيود!‬

‫ول كن هذا الكلم " الم يل " ك له ا لذي ق يل عن حر ية ال فرد‪ ،‬وقدا سة ال فرد‪،‬‬
‫وح قوق ال فرد‪ ...‬ل ي كن لوجه ا ل! وإ نا لوجه ال شيطان! لوجه ال طاغوت التم ثل ف‬
‫الرأسالية! فالرأسالية ل تستطيع أن تعمل ‪ -‬ما تشاء ‪ -‬ول أن تر ‪ -‬بل حواجز ‪ -‬إل ف‬
‫ظل هذه الرية الفردية الطلقة من جيع القيود‪.‬‬

‫ول مانع لدى هذه الرأسالية الطاغية ‪ -‬ف سبيل تقيق سلطانا الطغيان ‪ -‬أن تنفخ‬
‫ف دعوة " الرية " هذه حت ينحل التمع كله‪ ،‬دينه وأخلقه وتقاليده‪ ...‬ورجاله ونساؤه‬
‫وأطفاله وأسره وطوائفه‪ ،‬لن الذي يهمها كله هو استخلص أكب قدر من الربح‪ ،‬عن‬
‫طريق أن تعمل ‪ -‬ما تشاء ‪ -‬وتر ‪ -‬بل حواجز! بل لعل انلل التمع أكثر ربا‪ I‬لا‪،‬‬
‫لنه يتيح استغلل الال ف إثارة الشهوات‪ ،‬والصول على الرباح مضاعفات!‬

‫)‪(135‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وه كذا أن شأت الرأ سالية الطاغ ية فل سفة كام لة‪ ،‬ذات مدارس وأ ساتذة و مؤلفي‬
‫وصحفيي وكتاب وفناني‪ ...‬ال‪ ،‬تدعو إل التحرر " الفردي " الطلق وتطيم كل قيد‬
‫يعوق هذا التحرر النون!‬

‫و ف ظل هذه الفل سفة النحر فة ص”و‪¥‬ر الت مع ع لى أ نه ال غول الب شع ا لذي ي سعى‬
‫لتحطيم كيان الفرد‪ ،‬والذي ينبغي ف ذات الوقت أن يقوم الفرد بدك‪Î‬ه وتطيمه‪ ،‬جزاء‬
‫وفاقا‪ I‬على ما يمله ف طياته من نوايا العدوان!‬

‫و ل ي قف هؤلء الفل سفة والف كرون‪ ،‬والد باء و ال صحفيون‪ ،‬والك تاب‬
‫والفنانون‪ ...‬ال‪ ،‬ل يقفوا ليسألوا أنفسهم‪ :‬ما هذا التمع الذي ينبغي تطيمه ليتحرر "‬
‫الن سان‪ ...‬ال فرد"؟ ما هو؟ أل يس متم عا‪ " I‬إن سانيا" ف النها ية؟ أل يس "الن سإن " شامل‬
‫لل فرد وللمجت مع ف ذات ا لوقت؟ أل يس الت مع نا شئ‪I‬ا من ضمي ال فرد‪ :‬من رغب ته ف‬
‫الجتماع بالخرين‪ ،‬والنس بم‪ ،‬والاجة إليهم؟! وحي يتحطم هذا التمع‪ ...‬فكيف‬
‫يعيش الفرد؟ "أين " يعيش؟ ما الطار الذي يعيش فيه؟!‬

‫ث غفل هؤلء الفلسفة والفكرون‪ ،‬والدباء والصحفيون‪ ،‬والكتاب والفنانون‪...‬‬


‫لنم ف جاهلية عمياء ل تتدي بنهج ال ول نور ال‪ ...‬غفلوا عن أن طاغوت الرأسالية‬
‫الدمر‪ ،‬وهو ينفخ فيهم ليقرروا هذه الراء النحرفة‪ ،‬ل يسعى ‪ -‬بعد حل روابط التمع‬
‫كله ‪ -‬إل لشيء واحد‪ ،‬ناله بالفعل وحصل عليه‪ ،‬هو استعباد هذا الشتيت التنافر من‬
‫"الفراد " الذين ل يمع بينهم رابط إنسان‪ ،‬ول مودة ول قرب‪ ...‬استعباده لطاغوت‬
‫رأس الال ومصال رأس الال‪ ،‬وهو راغم صاغر‪ ،‬ومستغفل مضل‪œ‬ل‪ ،‬يسوقه الطاغوت من‬
‫خطامه‪ ...‬عن طريق الشهوات!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وحي كانت "الفردية " تنح جنوحها ذلك الدمر‪ ...‬كان "رد الفعل " ينشأ على‬
‫الانب الخر‪ ،‬جانب " الماعية"‪...‬‬

‫كانت هناك نظريات تقول إن الفرد ل وجود له ول معن له بفرده! إنا يستمد‬
‫كيانه من التمع الذي يعيش فيه‪ ،‬وليس من حقه‪ ،‬بل ليس ف إمكانه أن يول التمع عن‬
‫طريقه‪ ...‬التمي!‬

‫)‪(136‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫كان دركاي يدل بالتفسي " المعي " للحياة البشرية‪ ...‬وماركس يدل بالتفسي‬
‫الادي للتاريخ‪ ،‬القائم على قاعدة أن الساس القتصادي هو الذي يكيف التمع‪ ،‬والتمع‬
‫هو الذي ينشئ الفرد‪...‬‬

‫يقول دركاي‪:‬‬

‫"‪ ...‬ولكن الالت النفسية الت تر بشعور الماعة تتلف ف طبيعتها عن الالت‬
‫الت تر بشعور الفرد‪ ،‬وهي تصورات من جنس آخر‪ ،‬وتتلف عقلية الماعات عن عقلية‬
‫الفراد‪ ،‬ولا قوانينها الاصة با" )‪.(45‬‬

‫‪ ...‬إن ضروب ال سلوك والتفك ي الجتماع ية أ شياء حقيق ية تو جد خارج ضمائر‬


‫الفراد‪ ،‬الذين يبون على الضوع لا ف كل لظة من لظات حياتم )‪.(46‬‬

‫ول كن لا كان هذا الع مل ال شترك ‪ -‬ا لذي تن شأ ع نه ال ظواهر الجتماع ية ‪ -‬ي تم‬
‫خارج شعور كل فرد منا‪ ،‬وذلك لنه نتيجة لعدد كبي من الضمائر الفردية )‪ ،(47‬فإنه‬
‫يؤدي بال ضرورة إ ل ت ثبيت وتقر ير ال ضروب الا صة من ال سلوك والتفك ي‪ ،‬و هي ت لك‬
‫الضروب الت توجد خارجة عنا‪ ،‬والت ل تضع لرادة أي فرد منا )‪.(48‬‬

‫‪ ...‬فل ما كانت الا صة الوهر ية ا لت ت تاز با هذه ال ظواهر – الجتماع ية ‪-‬‬


‫تنحصر ف القيام بضغط خارجي على ضمائر الفراد‪ ،‬كان ذلك دليل‪ I‬على أنا ليست‬
‫وليدة هذه الضمائر)‪.(49‬‬

‫‪ ...‬وسيى الرء حينئذ كيف تقتحم الظاهرة الجتماعية الارجية الشعور الداخلي‬
‫للفراد" )‪.(50‬‬

‫أما ماركس وإنلز‪ ،‬والتفسي الادي للتاريخ‪ ،‬فهو يذهب خطوة أبعد‪ ،‬وأسوأ‪ ،‬ف‬
‫تفسي النسان‪:‬‬
‫‪ " ()45‬قوا عد الن هج ف ع لم الجت ماع " تر جة ا لدكتور م مود قا سم ومراج عة ا لدكتور ال سيد م مد‬
‫بدوي – مقدمة الطبعة الثانية ص ‪.15‬‬
‫‪ ()46‬ص ‪ 22‬من الصدر السابق‪.‬‬
‫‪ ()47‬من العجيب أن دركاي يقر هنا بأن الظاهرة الجتماعية تنشأ من عدد كبي من الضمائر الفردية‬
‫ولكنه سرعان ما ينسى هذه القيقة الت يقررها‪ ،‬لشهوة مذهبية مستولية عليه ف إنكار كيان الفرد!‬
‫‪ ()48‬ص ‪.25‬‬
‫‪ ()49‬ص ‪.166‬‬
‫‪ ()50‬ص ‪.66‬‬

‫)‪(137‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫" فأ سلوب الن تاج ف ال ياة الاد ية هو ا لذي يدد صورة العمل يات الجتماع ية‬
‫والسياسية والعنوية ف الياة " ]ماركس[‪.‬‬

‫" النتاج وما يصاحبه من تبادل النتجات هو الساس الذي يقوم عليه كل نظام‬
‫اجتماعي " ]إنلز[‪.‬‬

‫" فالنسإن "كله ليس له وجود ذات ف رأي ماركس وإنلز؛ ل شعوره ول أفكاره‬
‫ول بواعثه الذات ية‪ ،‬وإ نا هو مرد انع كاس للو ضع القت صادي ا لذي يو جد خارج ك يان‬
‫النسان!‬

‫ف النتاج الجتماعي الذي يزاوله الناس تراهم يقيمون علقات مدودة ل غن لم‬
‫عن ها‪ ،‬و هي م ستقلة عن إراد تم‪ ...‬ل يس شعور ال ناس هو ا لذي يع ي و جودهم‪ ،‬بل إن‬
‫وجودهم هو الذي يعي مشاعرهم " ]ماركس[‪.‬‬

‫" إن السباب النهائية لكافة التغيات أو التحولت السياسية ل يوز البحث عنها‬
‫ف عقول الناس‪ ،‬أو ف سعيهم وراء الق والعدل الزليي‪ ،‬وإنا ف التغيات الت تطرأ على‬
‫أسلوب النتاج والتبادل " ]إنلز[‪.‬‬

‫ول كن ال هم ‪ -‬ه نا ‪ -‬أن التف سي ا لادي للتار يخ ح ي يت حدث عن "الن سإن "ل‬
‫يت حدث ع نه فردا‪ ،I‬ف هو م شغول دائ ما‪ " I‬بالعمل يات الجتماع ية"‪ ...‬ول يت صور لل فرد‬
‫وجودا‪ I‬إل من خلل العمليات الجتماعية‪.‬‬

‫الفرد ل وجود له ف رأي ماركس وإنلز‪ ...‬فهو ل بد أن يتمثل ف "طبقة"! ول‬


‫بد أن يتشرب ويتكيف بصال الطبقة الت ينتمي إليها‪ ،‬وانتماؤه إليها هو الذي يدد له‬
‫م شاعره وأف كاره‪ ،‬وأخل قه وتقال يده‪ ،‬و موقفه من ال ياة‪ ...‬أ ما أن يف كر ف ال ياة فردا‬
‫م ستقل‪ I‬ذا ك يان متم يز‪ ،‬وي كون له ‪ -‬ع لى هذا الو ضع ‪ -‬أف كار ذات ية أو موا قف ذات ية‪،‬‬
‫فمسألة مستحيلة ف عرف التفسي الادي للتاريخ! والفرد التميز الذي تكي عنه وقائع‬
‫التاريخ هو أسطورة صنعها الناس )لاذا؟!(‪ ،‬وحقيقة المر‪ ،‬الت تبينها الدراسة "العلمية"‬
‫أنه ل يوجد قط فرد من هذا النوع‪ ،‬إنا كان الفرد دائما‪ I‬متمثل‪ I‬ف طبقة خلل التاريخ‬
‫ك له‪ ،‬ث كان ال فرد " التم يز " دائ م‪I‬ا مرد إن سان أب عد ن ظرا‪ I‬أو أ كثر است شفافا‪ I‬لل تاه‬
‫الطب قي الق بل‪ ،‬الت مي‪ ،‬ا لذي تفر ضه الت طورات القت صادية والاد ية‪ ،‬ف قام يب شر بال تاه‬
‫"التمي" القبل!‬

‫وإذن فالنسان كله ف مقام التبعية للتطورات القتصادية والادية التمية‪ ،‬والفرد ‪-‬‬
‫من هذا النسان ‪ -‬ف مقام التبعية الدائمة للمجتمع‪ ،‬التابع بدوره لذه التطورات!‬

‫)‪(138‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫و ف ت لك الفترة تول الن سان من ع بادة نف سه‪ ،‬إ ل ع بادة اللة الد يدة‪ ...‬آلة‬
‫التميات!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫انراف جاهلي آخر ل يقل تطرفا‪ I‬عن النراف الاهلي السابق‪ ،‬الذي أبرز الفرد‬
‫على حساب الموع!‬

‫كلها رد فعل لركة سابقة‪ ...‬وكلها يتسم بالتطرف العيب!‬

‫إن ا لذي ل تط يق الاهل ية أن تت صوره ف كل مرة‪ ،‬أن ال فرد ل يس منف صل‪ I‬عن‬
‫الموع! كلها أصيل‪ ،‬لنه حقيقة!‬

‫من أين يأت التمع إن ل يأت من مموع الفراد؟!‬

‫إن نقطة الضلل الكب ف التفسي المعي للحياة البشرية‪ ،‬أنه يرى جانبا‪ I‬واحدا‬
‫من هذه الياة‪ :‬جانب خضوع الفرد لشياء يفرضها التمع عليه‪ ،‬على غي هواه!‬

‫وتلك ول شك حقيقة‪ ...‬ولكن ما دللتها؟‬

‫لقد أقر دركاي ‪ -‬وإن كان قد سحب اعترافه ف نفس اللحظة! ‪ -‬بأن الظاهرة‬
‫الجتماعية تدث نتيجة عدد كبي من الضمائر الفردية‪ ...‬أي‪ ...‬ماذا؟ أي أن الفرد ‪-‬‬
‫ل إيابيا له ضغطه ووزنه ودفعه للحياة‪ ،‬والخضاع‬ ‫بطريقة ما ‪ -‬مثل ف هذا التمع تثي ‪I‬‬
‫الذي يفرضه التمع على الفرد ف بعض أمره ‪ -‬بل ف كل أمره حسم‪I‬ا للجدل! ‪ -‬ليس له‬
‫إل حالة من حالتي‪:‬‬

‫إما أنه إخضاع " صال"‪ ...‬فمعن ذلك أن اجتماع عدد كبي من الضمائر الفردية‬
‫ال صالة ي فرض سلطانه ع لى ال فرد الن حرف وي قول له‪ :‬مكا نك! ل ترج ع لى ا لدود‬
‫الرسومة!‬

‫وإ ما أ نه إخ ضاع فا سد‪ ،‬فمع ن ذ لك أن اجت ماع عدد كبي من ال ضمائر الفرد ية‬
‫الفا سدة ‪ -‬أي الطاغ ية النحر فة ‪ -‬ي فرض سلطانه ع لى ال فرد ال صال وي قول له‪ :‬إ ما أن‬
‫تسي معنا‪ ،‬وإما أجليناك عن الطريق!‬

‫)‪(139‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وف كلتا الالتي هو اجتماع عدد كبي من الضمائر الفردية‪ ،‬تزداد قوة باجتماعها‪،‬‬
‫نعم‪ ،‬ولكن ل ترج عن طبيعتها " النسانية" ف النهاية‪ ،‬فالفرد والتمع ‪ -‬كلها ‪ -‬ها‬
‫"النسان"! وليس الفرد وحده ول التمع وحده هو الذي ينحصر فيه وصف "النسان"!‬

‫والتفسي المعي أو التفسي الادي يلطان السألة خلطا‪ I‬ل يتميز فيه كيان الفرد‪،‬‬
‫لنما ‪ -‬كما قلنا ‪ -‬يأخذان جانبا‪ I‬واحدا‪ I‬من الياة‪ ،‬هو خضوع الفرد للمجتمع ف جيع‬
‫الحوال‪.‬‬

‫ولكنهما ‪ -‬ف عماية جاهلية ‪ -‬ينكران الواقع‪ ...‬الواقع الذي يسجل خروج أفراد‬
‫على متمعاتم‪ ،‬ووقوفهم منها موقف الناجزة والصراع‪.‬‬

‫وكون التمعات تسحقهم‪ ،‬ليس هو موضع الدللة هنا‪ ،‬فالهم أنه يدث بالفعل‬
‫أن يس فرد بك يانه التم يز إ ل ا لد ا لذي ي قف ف يه إزاء " الت مع " يعار ضه ويت حدى‬
‫سلطانه‪.‬‬

‫ث إنه ليس صحيحا‪ I‬أن التمعات ف كل مرة تسحق هؤلء الفراد!‬

‫ل ف الي ول ف الشر يصح هذا الزعم الذهب التعصب الذي ينكر القيقة!‬

‫ولنبدأ بثال الشر‪ ،‬لنه أقرب إل واقع هذا التفسي الاهلي التعصب!‬

‫ما القول ف تاريخ ستالي؟!‬

‫كيف يصفه خروشوف؟‬

‫أل يقل عنه إنه أبشع مثال للزعامة الفردية الت فرضت على "التمع " عبادتا؟!‬
‫فكيف كان ذلك يا أيها التفسي الاهلي للتاريخ؟‬

‫إ نه ‪ -‬ح سبما و صفه الخ لص ا لمي خرو شوف ‪ -‬ل ي كن ي ثل م صال الت مع‬
‫القيق ية‪ ،‬و ل ي كن بال تال ي ثل م صال " الطب قة " الاك مة ‪ -‬نظر يا! ‪ -‬و هي طب قة‬
‫البوليتاريا‪ ...‬إنا يثل شهوة سلطان فردي طاغ ل يرحم‪ ...‬فما تفسيه إذا ألغينا بالكلية‬
‫التفسي الفردي للتاريخ‪...‬؟!‬

‫و من جانب ال ي‪ ...‬النب ياء والقدي سون وا لدعاة وال صلحون‪ ...‬ا لذين يبزون‬
‫أفرادا‪ I‬ف وسط طاغوت التمع‪ ،‬فيقفون له وقفة الق‪ ،‬ينتصرون للخي‪ ،‬وللحق والعدل‬

‫)‪(140‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫الزليي‪ ...‬وينتصرون‪ ،‬إما نصرا‪ I‬مباشرا‪ I‬يشهدونه ف أثناء حياتم‪ ،‬وإما نصر‪I‬ا لفكارهم‬
‫ومبادئهم‪ ...‬ما تفسيهم إذا ألغينا بالكلية التفسي الفردي للتاريخ‪...‬؟!‬

‫ع لى أ نه ل ينب غي أن يف سر التار يخ الب شري با لفراد و حدهم‪ ،‬ول بالتم عات‬


‫وحدها‪ ...‬فكلها تفسي جاهلي منحرف عن "الواقع " التاريي ذاته‪...‬‬

‫إنا يفسر " بالنسان"‪ ...‬النسان الشامل الذي يشمل الفرد والتمع معا‪ ،I‬متفاعلي‬
‫تفاعل‪ I‬دائما‪ I‬ف واقع الياة‪.‬‬

‫ول قد يبز ال فرد مرة‪ ...‬و يبز الت مع مرة‪ ...‬ول كن ه ناك بديه ية تع مى عن ها‬
‫الذاهب الاهلية‪ ،‬هي حقيقة التفاعل الشترك بي ش“ق¡ي النسان‪ :‬الفرد والتمع معا‪ ،I‬ف‬
‫كل لظة على مدار التاريخ‪.‬‬

‫ال فرد يع مل عن طر يق الت مع‪ ،‬والت مع يع مل عن طر يق ا لفراد‪ ...‬ول و جود‬


‫لحدها خارج كيان الخر‪ ،‬كما يتصور التفسي الاهلي الفردي‪ ،‬أو التفسي الاهلي‬
‫المعي‪ ...‬كلها سيان!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وواقع البشرية ف ظل الاهلية الديثة هو أن تتار لا لونا‪ I‬من ألوان الطغيان!‬

‫إما أن ت تار طغ يان الفرد‪ ...‬فتن خرط ف سلك الدول الفرد ية الرأ سالية‪ ،‬وإما أن‬
‫تتار طغيان التمع‪ ،‬فتنخرط ف سلك الدول الماعية‪ ...‬هذا إذا كان لا حق الختيار!‬
‫فالبشرية ف ظل الاهلية ل تلك الختيار‪ ...‬إنا يكمها الطاغوت الذي تدمه الظروف‬
‫فيقفز إل السلطان!‬

‫وتلك حصيلة النراف " الزمن " عن منهج ال!‬

‫حصيلته أن يضيع الكيان القيقي " للنسان"!‬

‫فالفرد النسلخ عن التمع‪ ،‬ينسلخ عن جزء أصيل من كيانه‪ ،‬كيانه هو الفردي‪،‬‬


‫ويقف موقف الصراع من ذات نفسه‪ ،‬وينتهي به المر إل النون والنتحار‪ ،‬وضغط الدم‬
‫وفساد العصاب‪ ...‬و "اللمعقول"!‬

‫)‪(141‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫والتمع الذي يسحق كيان أفراده‪ ،‬يسحق ف النهاية ذاته! إن حصيلة " الصفار "‬
‫البشرية ل يكن أن تكون كمية موجبة! إنا هي مطية للطاغوت الاكم‪ ،‬الذي يكون هو‬
‫"الزعيم الوحد " وهو حاكم متمتع بالسلطان‪ ،‬و "الرم الوحشي " إذا مات أو انزلق عن‬
‫السلطان‪...‬‬

‫ث تقول الاهلية عن نفسها إنا ف قمة "التطور" البشري! وإنا قد استغنت عن‬
‫وصاية ال!‬

‫)‪(142‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ف الخلق‪...‬‬
‫لعل من أشد ما يفت الناس ف الاهلية الديثة أنا ذات " أخلق"!‬

‫ان ظر إ ل هذا الر جل الغر ب ال هذب‪ ...‬إ نه شخص ذو أخلق‪ ...‬إ نه ل ي كذب‬
‫عليك ول يغشك ول يادعك‪ ،‬إنه يدثك ف استقامة‪ ،‬ويعاملك بأمانة‪ ،‬ث إنه ملص ف‬
‫عمله‪ ،‬صادق النية ف خدمة " وطنه"‪"...‬مثال" ف كل شيء‪...‬‬

‫فأما السألة النسية‪ ...‬فدعك منها! إنم ‪ -‬هناك ‪ -‬ل يعتبون لا صلة بالخلق!‬
‫وليست العبة بذه النقطة‪ ...‬يا ليتنا يا سيدي نفسد مثلهم‪ ،‬ويكون لنا أخلق!‬

‫و سوف نتت بع ه نا تاريخ الخلق ف الاهلية الديثة‪ ،‬ل نرى إن كانت سائرة ف‬
‫طر يق ال صعود أم ف طر يق ال ندار‪ ...‬و نرى ‪ -‬ع لى ضوء الوا قع القي قي‪ ،‬بع يدا عن‬
‫الالت ‪ -‬كم بقي ف العال الغرب من أخلق‪.‬‬

‫ولكننا نود قبل أن نسي مع خطوات التاريخ‪ ،‬أن نؤكد العن الذي أشرنا إليه أكثر‬
‫من مرة من قبل‪ :‬إنه ل يوجد جاهلية واحدة ف التاريخ خلوا من "جيع " الخلق‪ ،‬فليس‬
‫ف طا قة الب شرية أن تف سد كل ها‪ ...‬و ف كل شيء! لن الن فس الب شرية ل ي كن أن‬
‫تتمحض ‪ -‬ف مموعها ‪ -‬للشر‪ ،‬ول بد ‪ -‬مهما فسدت ‪ -‬أن تبقى منها لات متناثرة‬
‫من الي هنا وهناك‪ ...‬ولكن وجود هذا الي التناثر ‪ -‬ف أية صورة وف أي مال ‪ -‬ل‬
‫ينفي عن الاهلية انرافها‪ ،‬ول يعفيها من النتائج التمية لذا النراف‪.‬‬

‫وقد كانت الاهلية العربية حافلة بألوان من "الفضائل"‪.‬‬

‫كان فيها الشجاعة والقدام‪ ،‬وبذل النفس رخيصة ف سبيل ما تؤمن به من هدف‪،‬‬
‫والكرم‪ ،‬والنفة وإباء الضيم‪...‬‬

‫ولكن ذلك كله ل يعفها من كونا جاهلية‪ ،‬ث ل يعفها من نتائج ضللا‪ ،‬فقد‬
‫كانت هذه "الفضائل " ذاتا ‪ -‬لبعدها عن منهج ال ‪ -‬تنحرف عن طريقها القوي‪ ،‬كانت‬
‫الشجاعة والقدام وبذل النفس تضيع ف جاهلية الخذ بالثأر‪ ،‬والتناصر على ضلل‪ ،‬ل‬
‫يهم إن كان الذي ينصرونه على الق أو على الباطل‪ ،‬إنا " ينفرون " ليجة القتال بجرد‬
‫استثارتم‪ ،‬ل لدعم حق ول إزالة باطل‪ ...‬فكان الباطل يتراكم على الدوام! وكان الكرم‬
‫ينقلب مباهاة فارغة! فذبح الذبائح وقرى الضيف‪ ...‬لكي يتحدث بذكره الركبان! فإن‬
‫ل يكن ركبان ول حديث‪ ،‬إن كان إعانة للضعيف والروم ‪ -‬لوجه ال ‪ -‬فعند ذ لك‬

‫)‪(143‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫يدرك النفوس الشح وتتنع عن العطاء! وكانت النفة وإباء الضيم تنقلب استكبارا‪ I‬آثا عن‬
‫اتباع الق! فليس الق هو الصل وإنا هو "النا " الطاغية"‪ ،‬ولو علم صاحب " النا "‬
‫بينه وبي نفسه أنه على ضلل!‬

‫والاهل ية الورب ية حاف لة بألوان من الف ضائل ف مال التعا مل ال فردي‪ :‬ال صدق‬
‫والخلص ف العمل والستقامة والمانة ونظافة التعامل‪ ...‬ولكنها ‪ -‬لبعدها عن منهج‬
‫ال ‪ -‬تنحرف عن طريقها القوي‪ ،‬فقد تولت ‪ -‬كما سنرى بعد لظة ‪ -‬إل فضائل "‬
‫نفعية"! يتبعها من يتبعها لنا ‪ -‬ف مموعها ‪ " -‬نافعة" ف التعامل‪ ...‬تعل عجلة الياة‬
‫ت سي هي نة بل احت كاك‪ ،‬أما حي تفقد " نفعها " فهي تفقد كذلك رصيدها ع ند ذ لك‬
‫الورب " الفاضل"‪ ...‬وتصبح ف نظره حاقة " مثالية " ل تستحق التباع‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ول نتعجل الديث‪ ...‬فسنتتبع ‪ -‬على هينة ‪ -‬خطوات التاريخ‪.‬‬

‫" كانت "الخلق الوربية مستمدة كلها من الدين‪ ،‬وليس هناك مصدر للخلق‬
‫ف القيقة سوى الدين! والبشرية تنحرف ف عقيدتا بعد أن تكون على الق‪ ،‬فتنحرف‬
‫مع ها أخلق ها‪ ،‬ول كن ا نراف ا لخلق بط يء بط يء إ ل أق صى حد‪ ...‬ل ي تم ف ج يل‬
‫وا حد‪ ،‬بل أج يال‪ ...‬و من ث يدث ذ لك الظ هر ا لادع ا لذي خدع الاهل ية الدي ثة‪،‬‬
‫وخدع معها عشاقها‪ ...‬أن يوجد النراف عن العقيدة ظاهرا‪ ،‬ول يكون النراف عن‬
‫الخلق قد اتضح بعد وأخذ صورته الادة‪ ...‬فيظن الناس لول وهلة أنه ل صلة بي‬
‫العق يدة وا لخلق‪ ،‬وأ نه ي كن أن ين حرف ال ناس عن العق يدة ما شاءوا‪ ،‬ث ت ظل لم‬
‫أخلق!‬

‫و هو و هم خادع‪ ...‬سببه اختلف ال سرعة ف ال ندار! و سببه أن الن فس تت جز‬


‫رصيدها اللقي ‪ -‬بكم العادة والتقاليد ‪ -‬أمدا طويل بعد أن تكون قد فقدت " اليإن‬
‫"به كجزء من العقيدة‪ ...‬وقد تتجزه فترة ‪ -‬على وعي ‪ -‬منفصل عن العقيدة‪ ...‬على‬
‫أنه شيء " ينبغي" ف ذاته أن يقوم‪ ...‬ولكن النتيجة التمية واحدة ف النهاية‪ ...‬إنه ما‬
‫دامت العقيدة قد انرفت فل بد أن تنحرف الخلق‪ ،‬وما دامت الخلق قد انفصلت‬
‫عن العقيدة‪ ،‬فل بد أن توت‪.‬‬

‫وهذا هو الذي حدث ‪ -‬ف تدرج بطيء ‪ -‬ف الخلق الوربية‪ ،‬الت ما زالت‬
‫بقية منها تضلل الاهلية الديثة عن حقيقة الواقع‪ ،‬فتحسب أنا ذات أخلق‪.‬‬

‫)‪(144‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫كانت ا لخلق الورب ية ذات يوم م ستمدة كل ها من الع ي ا لذي ل مع ي غ يه‬
‫للخلق‪ ...‬معي الدين‪.‬‬

‫وكان هناك مصدران لذا الرصيد اللقي ف أوربا‪ :‬أحدها الديانة السيحية‪ ،‬والثان‬
‫هو السلم‪.‬‬

‫فأ ما الديا نة ال سيحية ‪ -‬م نذ أدخل ها ق سطنطي ف أور با ‪ -‬ف قد صبغت ال ياة‬
‫الورب ية ب” ثل أخلق ية معي نة‪ ،‬ظ لت قائ مة أ مدا‪ I‬ف ن فوس ال ناس‪ ،‬ر غم ما د خل ف هذه‬
‫الديانة ‪ -‬على يد قسطنطي ذاته ‪ -‬من انراف )‪ ،(51‬غي أن هذه الخلق كانت تتسم‬
‫بصورة سلبية ل تواقع الياة‪ ،‬لقد كان السيح عليه السلم وهو يقول للناس‪" :‬من ضربك‬
‫على خدك الين فأدر له اليسر " يقصد تطهي الرواح من الداخل‪ ،‬ول يكن قط ‪-‬‬
‫وهو نب ال ورسوله ‪ -‬يقصد أن يبذر الذلة والنوع ف النفوس‪ ،‬ولكن الصبغة العامة‬
‫للخلق االسيحية ف العصور الوسطى كانت تتسم بذا الطابع‪ ،‬الذي ل يقصده ‪ -‬ول‬
‫شك ‪ -‬السيد السيح‪ ،‬إنا اتكأ عليه أتباعه لظروف ملية ف داخل المباطورية الرومانية‬
‫الانة إل الادية الطاغية‪ ،‬والتجب‪ ،‬والفساد‪.‬‬

‫ث احتك العال الصليب بالعال ال سلمي ف الروب الصليبية‪ ،‬ود خل الصليبيون‬


‫بلدا إسلمية وأقاموا فيها فترة من الوقت‪ ،‬وأقاموا دويلت مؤقتة ف بعض بلد الشام‪.‬‬

‫وامتزج الصليبيون بالياة السلمية عن كثب‪ ،‬وأفادوا منها الكثي‪ ...‬أفادوا منها‬
‫نظرة إيابية للحياة‪ ...‬مع الافظة على "الخلق"‪.‬‬

‫لقد كانوا يرون السلمي ‪ -‬ف داخل دويلتم ‪ -‬إذا أذ‪œ‬ن الؤذن تركوا دكاكينهم‬
‫مفتوحة أو شبه مفتوحة‪ ،‬بكل ما فيها من البضائع الثمينة‪ ،‬ل يرسها شيء‪ ،‬وهرعوا إل‬
‫الصلة ف السجد‪ ...‬فإذا قضيت الصلة وعادوا إل دكاكينهم ل يكن شيء قد سرق‬
‫منها‪ ...‬لن الناس أمناء‪ ،‬بالسلم‪.‬‬

‫وكانوا يرون السلمي " أمة " مترابطة‪ ،‬يمع بينهم شعور " المة " الواحدة ‪ -‬ف‬
‫ساعات الطر على القل! ‪ -‬فيتعاونون‪ ،‬ويتوادون‪ ،‬ويتراحون‪ ،‬ويلص بعضهم لبعض‪،‬‬
‫بصرف النظر عن الكام‪.‬‬

‫‪ ()51‬راجع شهادة دريب المريكي ف فصل " صفحة من التاريخ " ص ‪ 28‬من هذا الكتاب‪.‬‬

‫)‪(145‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وكانوا يرون الصانع السلم مثال للجد والنشاط والمانة‪ ...‬أمانته هي رأس ماله‬
‫ا لول‪ ،‬و جد‪²‬ه هو ر صيده ا لواقعي للت قدم‪ ...‬و من ث ت قدمت بين هم ال صناعات و توافر‬
‫النتاج‪.‬‬

‫وغ ي ذ لك من الف ضائل كانوا يلم سونه ف وا قع ال سلمي ا لذين احت كوا بم‪...‬‬
‫وباصة " الوفاء بالعهد " أشهر ما لسه الصليبيون ف تعاملهم مع السلمي‪ ،‬وعلى الخص‬
‫مع صلح الدين‪.‬‬

‫ومن هذا الرصيد التجمع كله‪ ،‬ومن حصيلة العلم الذي أخذوه عن السلمي ف‬
‫الغرب والندلس قامت النهضة الوربية الديثة ف كل ميدان‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ول كن النه ضة ‪ -‬ل ظروف بي‪²‬نا ها تف صيل من ق بل ‪ -‬قد انر فت عن ع بادة ا ل‪،‬‬
‫وعادت وثنية‪ ...‬يونانية ورومانية‪ ،‬وإن بقيت العقيدة رصيدا باهتا ف داخل الضمي‪.‬‬

‫وهنا أضيف إل حصيلة الخلق ف النفس الوربية رصيد ثالث‪ ...‬هو "الفلسفة "‬
‫الستمدة من الثقافة اليلينية‪ ،‬ثقافة " البراج العاجية " ذات ال‪¤‬ثل العلقة ف الفضاء‪.‬‬

‫وبدأ النراف ف الخلق منذ ذلك الي!‬

‫و لن ال نراف ف ا لخلق ي كون بطيئا جدا و تدرييا جدا‪ ...‬ل ت تبي لل ناس‬
‫حقيقة المر‪ ...‬عدة قرون‪.‬‬

‫لقد كان من أثر دخول الرصيد اليونان ف حصيلة الخلق الوربية أنم تصوروا‬
‫أ نه من الم كن ‪ -‬و من الست ساغ ‪ -‬أن ت قوم ال ثل الخلق ية ف الف ضاء‪ ...‬ف ا لبراج‬
‫العاجية‪ ،‬بينما السلوك الواقعي يسي ف خط آخر‪ ،‬مكوم ‪ -‬كما يقولون ‪ -‬بالضرورات‪.‬‬

‫و هذه التفر قة ب ي النظر ية والت طبيق‪ ،‬ر صيد أور ب بت‪ ،‬أنتج ته الاهل ية الدي ثة‬
‫بوجه خاص‪ ،‬وصبغت به " أخلقيات " العال كله ف كل مال‪ ،‬فصار من الستساغ عند‬
‫الناس أن يتحدثوا عن "النظرية " الخلقية ويستمتعوا با ف ذاتا ‪ -‬ف عال الثل ‪ -‬ث ل‬
‫يتوق عوا تطبيق ها ف وا قع ا لرض‪ ،‬وإ نا ي سيون ف هذا الوا قع ب سب ما تقت ضيه "‬
‫الظروف"!‬

‫)‪(146‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وف ظل هذه الاهلية ف التصور‪ ،‬ولدت " الكيافيلية" الت تسم بطابعها السلوك‬
‫الغرب كله‪ ،‬ف كل مال تد فيه أوربا إن "الثل " ل تسعفها " بالفائدة " الطلوبة!‬

‫وبدأت الكيافيلية ف السياسة‪...‬‬

‫كانت السياسة أول ما تأثر بعملية الفصل بي النظرية والتطبيق!‬

‫وسارت أوربا ف السياسة على أساس أن الغاية تبر الوسيلة! فكل وسيلة ‪ -‬مهما‬
‫كانت قذارتا وبشاعتها ‪ -‬مستساغة ما دامت توصل إل الدف الطلوب‪.‬‬

‫وف الداخل والارج طبعت الكيافيلية سياسة أوربا بطابعها‪.‬‬

‫اللوك والشراف ورجال الدين يتبعون أخس الوسائل للمحافظة على ما لم من‬
‫سلطان‪ ،‬والرأ سالية من ب عدهم ترث هم و ترث و سائلهم وتز يد علي ها‪ ...‬ب شاعة زائدة ف‬
‫التواء السلوك لتحقيق الصال غي الشروعة الت تعيش عليها‪ ...‬حت ل يعود هناك مانع‬
‫ف نظر الرأسالية المريكية مثل من قتل كنيدي‪ ...‬للمحافظة على مستوى الرباح!‬

‫أ ما ف ا لارج فا لمر أ شد ب شاعة‪ ...‬ال ستعمار يتو سل ب كل سفالت ا لرض‬


‫ودناءا تا ليو طد سلطانه‪ ،‬وي تص د ماء ال ناس‪ ...‬ول يرى ف ذ لك انرا فا‪ !I‬فالغا ية تبر‬
‫الوسيلة! ول يهم أن تكون الغاية ذاتا نظيفة‪ ...‬ففي عال الثل توجد النظافة‪ ...‬ل ف عال‬
‫الواقع الشهود!‬

‫وهكذا انفصلت السياسة عن الخلق ف أوربا‪ ...‬وقال الناس‪ :‬ل ضي! إنا هكذا‬
‫"السياسة"‪ ...‬ل صلة لا بالخلق!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫كان ذلك بدء النراف‪ ...‬ولكنه ل يكن كل النراف‪.‬‬

‫و خدع الناس فلم يفطنوا إل القيقة‪ ...‬أنه ما دامت الخلق قد انفصلت عن‬
‫العقيدة ف ال‪ ،‬فلن تثبت ف الرض‪ ،‬ولن تصمد للعقبات!‬

‫خ”د“عوا‪ ...‬لنم رأوا رصيد‪I‬ا ضخما من الفضائل ما زال باقيا‪ I‬ف واقع الرض‪ ...‬ل‬
‫يتطرق الفساد إليه‪ ...‬فظنوا ‪ -‬مدوعي ‪ -‬أن السياسة شأنا هكذا حقيقة‪ ...‬ل تضع‬

‫)‪(147‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫لقواعد الخلق! وأن ما حدث ل يكن هدما‪ I‬للخلق ول انتقاصا‪ I‬من رصيدها النبيل‪،‬‬
‫وإنا هي نظرة " واقعية " للشياء‪ ،‬ل تلم بالثل الستحيلة التطبيق!‬

‫ول كن ال سنة التم ية ل تتخ لف! ف ما دا مت ا لخلق قد انف صلت عن العق يدة‪،‬‬
‫معينها الطبيعي الذي يدد حيويتها‪ ،‬وينحها الخلص والصدق‪ ،‬فل يكن أن تثبت!‬

‫لقد استبدلت أوربا بالدين الفلسفة‪ ...‬وصاغت منها قواعد أخلقها‪ ...‬أو أنا ف‬
‫القيقة ‪ -‬كراهية ف الدين ‪ -‬قد أعطت ثوبا‪ I‬فلسفيا‪ I‬لا كان باقيا‪ I‬لديها من رصيد خلقي‬
‫ل يفسد بعد‪ ...‬فصار الناس يارسون الفضائل ‪ -‬الوروثة ‪ -‬ث ينفرون من أن يسوا بأنا‬
‫مستمدة من الدين! فيفسرونا "بالواجب" أو "بالضمي" أو بكذا‪ ...‬وكذا‪ ...‬ويأبون أن‬
‫يفسروها بالدين )‪!(52‬‬

‫ولكن هذه الخلق‪ ،‬النفصلة عن معينها‪ ،‬ل يكن يكن أن يكتب لا الدوام‪،‬‬

‫أخذ القتصاد ‪ -‬من بعد السياسة ‪ -‬ينفصل عن الخلق!‬

‫حقي قة إن الو ضع القت صادي ف أور با كان قائ ما‪ I‬م نذ ال بدء ع لى أ ساس غ ي‬
‫أخلقي‪ ،‬فقد كان نظام القطاع العتمد على عبيد الرض قائما‪ I‬ف المباطورية الرومانية‬
‫من قبل السيحية بكل شناعاته ورذائله‪ ،‬ول تستطع السيحية ‪ -‬ف صورتا الزائفة الت‬
‫فرضها المباطور قسطنطي على المباطورية فرضا‪ ،I‬وتولت الكنيسة صياغتها حسب‬
‫أهوائ ها ‪ -‬ل ت ستطع هذه ال سيحية الكن سية الر فة أن ت ضع الو ضع القت صادي ف‬
‫المباطورية لقواعد الخلق الستمدة من الدين‪ ،‬بل إن الكنيسة ذاتا انقلبت بعد أجيال‬
‫قلي لة إ ل مؤس سة إقطاع ية‪ ،‬تارس ف متلكا تا كل ما يار سه الق طاعيون من م ظال‬
‫كريهة‪ ...‬باسم الدين!‬

‫ومع ذلك فقد كان النراف اللقي ف القتصاد القطاعي مصورا‪ I‬ف هذا الوضع‬
‫الوروث من قبل‪ ،‬الذي عجزت الكنيسة السيحية عن تعديله‪ ،‬واستطاعت تعاليم الدين ‪-‬‬
‫على الرغم ما أصابا من انراف ومسخ ‪ -‬أن تعل التعامل بالربا ‪ -‬مثل ‪ -‬أمرا مستبشعا‬
‫ل يلجأ إليه الناس ف تعاملتم القتصادية إل كارهي‪.‬‬

‫‪ ()52‬انتشر هذا الفهوم – بالعدوى – ف الشرق " السلمي! " فتجد أحدهم يقول لك‪ :‬أنا ل أشرب‬
‫المر‪ ،.‬ث يسارع فيقول لك كأنه ينفي عن نفسه تمة كريهة‪ :‬لست أفعل ذلك عن تدين!! وإنا‬
‫كراهة ف الشراب!‬

‫)‪(148‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫فلما جاء النقلب الصناعي والرأسالية كان الناس قد بعدوا أشواطا‪ I‬عن العقيدة‬
‫وأشواطا‪ I‬عن الخلق! ومن ث ل تد الرأسالية الناشئة حاجزا‪ I‬يجزها عن انتهاك كل ما‬
‫رغبت ف انتهاكه من مبادئ الخلق‪.‬‬

‫الربا‪ ...‬الر‪²‬م ف السيحية ‪ -‬واليهودية من قبل ‪ -‬كان هو الساس الذي قامت‬


‫عليه الرأسالية من أول لظة‪ ،‬بكل ما يشتمل عليه من قبائح وظلم‪ ،‬واغتصاب للجهد‬
‫البذول‪ ،‬واستمتاع فاجر بالكسب الذي ل يتعب فيه آخذه‪ ،‬وإنا يأتيه الكسب سهل‬
‫ميسرا‪ I‬وهو قاعد مستريح!‬

‫ث كان الستغلل البشع لهد العمال لقاء القوت الضروري‪ ،‬بل لقاء أجر يقل‬
‫أحيانا‪ I‬عن الكفاف‪...‬‬

‫وكان استغلل الطفال ‪ -‬ف طفولتهم الغضة ‪ -‬يعملون الساعات الطويلة النهكة‬
‫لقاء دريهمات‪...‬‬

‫وكان استغلل الرأة لضاربة الرجل وتفتيت عزيته حي أخذ يطالب برفع الجور‬
‫وتسي أحوال العمل‪ ...‬ث استغللا لرضاء شهوات الرجل الابطة‪ ،‬وقهرها على بيع‬
‫عرضها لقاء لقمة البز!‬

‫وكان إفساد الخلق بالملة لتاحة فرص الربح النون للرأسالية‪ ،‬ف "اللهي "‬
‫واللذات‪ ،‬وأدوات الزينة واللبس و "الودات" و "التقاليع"‪!...‬‬

‫وكان نب الواد الام من البلد الستعمرة لتحصل الرأسالية على الربح الفاحش‪،‬‬
‫و تترك اللك الصليي ف الف قر وال تأخر وال هل والرض والع جز‪ ...‬مع ت صدير الفا سد‬
‫اللقية إليهم لتربح الرأسالية عن طريقها مزيد‪I‬ا من الرباح!‬

‫و كان شراء ا لذمم وال ضمائر ‪ -‬ف السيا سة الداخل ية ‪ -‬ل ضمان ت سيي السيا سة‬
‫ح سب أ هواء الرأ سالية الاك مة‪ ،‬و ف السيا سة الارج ية للب قاء ع لى م صال الرأ سالية‬
‫والستعمار‪...‬‬

‫وسخرت الرأسالية أيا سخرية من الذين يواجهونا بالدعوة اللقية والرجوع إل‬
‫مبادئ الخلق!‬

‫وظهرت نظريات " علمية!" تقول إن القتصاد له قوانينه الاصة‪ ...‬قوانينه التمية‬
‫الت ل علقة لا بالخلق‪ ...‬بل ل علقة لا " بالناس" على الطلق!‬

‫)‪(149‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وه كذا انف صل القت صاد عن ا لخلق انف صال كامل‪ ...‬و هز ال ناس أك تافهم‪،‬‬
‫وقالوا‪ :‬هذا شأن القتصاد‪ ...‬إنه ل يضع لقواعد الخلق!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ث أخذ النس ‪ -‬من بعد السياسة والقتصاد ‪ -‬ينفصل عن الخلق!‬

‫على هدى التفسي اليوان للنسان‪ ،‬والتفسي النسي للسلوك‪ ،‬وف ظل النقلب‬
‫الصناعي الذي ولد ف الاهلية النحرفة عن العقيدة‪ ...‬أخذ الناس يغرقون ف حأة السعار‬
‫النسي النون‪...‬‬

‫وف مبدأ المر كان واضحا‪ I‬للناس ول شك أن هذا فساد ف "الخلق"!‬

‫ولكن رويد‪I‬ا رويدا‪ I‬نسي الناس هذه القيقة‪ ...‬أو أنستها لم الشياطي!‬

‫ماركس‪ ...‬وفرويد‪ ،‬ودركاي‪ ...‬وغيهم من الشياطي‪ ،‬يوحي بعضهم إل بعض‬


‫زخرف القول‪ ...‬غرورا‪.(53) I‬‬

‫ماركس ‪ -‬ومعه التفسي الادي للتاريخ ‪ -‬يقول‪ :‬إن "العفة " النسية من فضائل‬
‫الت مع الق طاعي ال بائد! كقي مة موقو تة ل بد أن تو جد ف هذا ال طور القت صادي‪ ...‬ل‬
‫كقي مة ذات ية ينب غي أن تت بع ب صرف الن ظر عن ال ظروف القت صادية‪ ،‬ل نا مرتب طة بك يان‬
‫"النسان" ذاته التميز عن اليوان!‬

‫وفرويد يقول‪ :‬إن النسان ل يقق ذاته بغي الشباع النسي‪ ،‬وكل قيد ‪ -‬من دين‬
‫أو أخلق أو متمع أو تقاليد ‪ -‬هو قيد باطل‪ ،‬ومدمر لطاقات النسان‪ ...‬وهو "كبت "‬
‫غي مشروع!‬

‫ودركاي يقول‪:‬‬

‫" إن الخلقيي يتخذون واجبات الرء نو نفسه أساسا‪ I‬للخلق‪ ،‬وكذاالمر فيما‬
‫يتعلق بالدين‪ ،‬فإن الناس يرون أنه وليد الواطر الت تثيها القوى الطبيعية الكبى أو بعض‬
‫الشخصيات الفذة لدى النسان‪ ...‬ال ]يقصد الرسل والنبياء والقديسي[ ولكن ليس‬

‫‪ ()53‬انظر فصل " اليهود الثلثة " ف كتاب "التطور والثبات ف حياة البشرية"‪.‬‬

‫)‪(150‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫من الم كن ت طبيق هذه الطري قة ع لى ال ظواهر الجتماع ية الل هم إل إذا أرد نا ت شويه‬
‫طبيعتها)‪."!(54‬‬

‫ويقول‪ " :‬ومن هذا القبيل أن بعض هؤلء العلماء يقول بوجود عاطفة دينية فطرية‬
‫لدى الن سان‪ ،‬وإن هذا ا لخي مزود بد أد ن من الغ ية الن سية وا لب بالوا لدين وم بة‬
‫البناء‪ ،‬وغي ذلك من العواطف‪ ،‬وقد أراد بعضهم تفسي نشأة كل من الدين والزواج‬
‫وال سرة ع لى هذا الن حو‪ ،‬ول كن التار يخ يوقف نا ع لى أن هذه الن عات لي ست فطر ية ف‬
‫النسان)‪."(55‬‬

‫ويقول‪ " :‬وحينئذ فإنه يكن القول بناء على الرأي السالف بأنه ل وجود لتفاصيل‬
‫القواعد القانونية واللقية ف ذاتا إذا صح هذا التعبي‪ ...‬ومن ث فليس من المكن‪ ،‬تبعا‬
‫لذا ا لرأي‪ ،‬أن ت صبح ممو عة القوا عد اللق ية ا لت ل و جود لا ف ذا تا مو ضوعا‪ I‬لع لم‬
‫الخلق )‪..."(56‬‬

‫وسنتحدث عن الفساد ف علقات النسي ف الباب القادم من هذا الفصل‪ ،‬ولكننا‬


‫هنا نشي فقط إل دللت خط التاريخ‪...‬‬

‫ل قد غرق ال ناس ف حأة ال نس ب تأثي هذه ال بادئ الدا مة‪ ،‬ث ن سوا أ نم بذلك‬
‫ينحرفون عن "الخلق " فراحوا يقولون‪ :‬إن النس عملية " بيولوجية " بتة ل علقة لا‬
‫بالخلق! كما قالوا من قبل‪ :‬إن السياسة هي سياسة ول علقة لا بالخلق! وكأنم‬
‫ح ي يقو لون ذ لك بأفواههم يغ يون حقي قة الوا قع‪ ،‬أو ين فون عن هذا الوا قع ثق لة‬
‫النراف‪ ،‬ونتائج النراف!‬

‫وه كذا انف صل ال نس عن ا لخلق ك ما انف صلت السيا سة والقت صاد من ق بل‪،‬‬
‫وانار ركن جديد من الخلق بعد إذ انفصلت عن معينها القيقي الذي ل معي غيه‪...‬‬
‫معي الدين!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وإذ كان الت حول ف مال ا لخلق تدرييا‪ I‬وبطيئا‪ ...I‬وإذ كانت ال صيلة ا لت‬
‫جعتها الجيال تتاج ‪ -‬ف هدمها ‪ -‬إل أجيال‪ ...‬فقد انفصلت السياسة والقتصاد عن‬

‫‪ ()54‬قواعد النهج ف علم الجتماع ص ‪.165‬‬


‫‪ ()55‬ص ‪.173‬‬
‫‪ ()56‬ص ‪.60 – 59‬‬

‫)‪(151‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫الخلق ث انفصل النس‪ ،‬وبقي بعد ذلك رصيد ضخم من الخلق ل يكن قد فسد‬
‫بعد‪ ...‬فخيل للناس ‪ -‬ف جاهليتهم ‪ -‬أن الخلق يكن أن تنفصل عن العقيدة ف ال‬
‫وتظل مع ذلك حية فاعلة ف الرض‪ ...‬وخيل إليهم ‪ -‬با نفخت الشياطي ف أذهانم‬
‫من الذاهب والنظريات ‪ -‬أن السياسة والقتصاد والنس‪ ،‬ل علقة لا بالخلق حقا!‬
‫ف هي مكو مة بق يم أ خرى واعت بارات أ خرى غ ي الق يم والعت بارات اللق ية‪ ...‬وإن‬
‫"ا لخلق " باق ية ب ي‪ ،‬وم ستمرة ف فاعليت ها‪ ...‬حت ب عد انف صال السيا سة والقت صاد‬
‫والنس‪ ...‬لن تتأثر بذا الفساد‪ ،‬الذي آن لنا أن نكون " واقعيي " فل نسميه فسادا‪...I‬‬
‫ولنسمه مثل‪ ...‬تطورا‪ ...I‬أو فلنسمه‪ ...‬ضرورة حتمية! والتطور والتمية كلها قوة ل‬
‫تناقش ول تعار•ض‪ ،‬ول توضع ‪ -‬كالشياء الخرى ‪ -‬ف اليزان‪ ،‬فهي ميزان نفسها‪ ،‬ول‬
‫ت قاس ب شيء خارج عن ها‪ ...‬أو لي ست " آ لة"؟ ل ”ت سأل ع ما تف عل! فلنق بل حكم ها‬
‫صاغرين‪ ...‬بل فلنتقبل حكمها مسرورين!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ومضت العجلة خطوة أخرى ف طريق الندار‪ ...‬فما كان يكن أن تقف عند‬
‫حد معي‪ ...‬ما دامت ف طريق الندار!‬

‫ل قد كان قد ب قي ر صيد من ا لخلق القيق ية ف أور با‪ ...‬ر صيد من الف ضائل‬
‫النسانية الليقة بالعجاب‪ ،‬الصدق والمانة والستقامة واللد على العمل والخلص‬
‫فيه‪ ...‬والقدرة على التنظيم‪ ...‬والتوج‪²‬ه إل النتاج والصب على مقتضياته‪ ،‬والكفاح من‬
‫أجل تسي الياة وتميلها وتيسيها‪...‬‬

‫و هي كل ها جزء من الر صيد ال صلي ل لخلق‪ ،‬ا لذي ا ستمدته أور با من معي نه‬
‫ا لول ‪ -‬مع ي ا لدين ‪ -‬سواء الع ي ال سيحي والع ي ال سلمي‪ ...‬م ضافا‪ I‬إل يه ا لروح‬
‫الرومان ية " القد ية"‪ ،‬الن شيطة ف عال ا لادة والن تاج ا لادي‪ ،‬التج هة إ ل "التنظ يم" و‬
‫"التحسي"‪.‬‬

‫ولكن الروح الرومانية ذاتا هي الت أفسدت ذلك الرصيد!‬

‫وك ما أف سدت اليلين ية ر صيد ا لخلق من ق بل‪ ،‬فف صلت ب ي ال ثال والوا قع‪،‬‬
‫وأباحت الستمتاع بالثل الخلقية ‪ -‬ف البراج العاجية ‪ -‬دون أن يكون لا رصيد من‬
‫الواقع ‪ -‬ونشأت عن ذلك الكيافيلية ف عال السياسة ‪ -‬فكذلك أفسدت الروح الرومانية‬
‫ما تبقى من رصيد الخلق‪ ...‬من ناحيتي‪:‬‬

‫)‪(152‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫إن الروح الرومانية ‪ -‬كانت ‪ -‬نفعية من ناحية‪ ،‬وأنانية من ناحية‪.‬‬

‫ومن هذين النرافي ف الاهلية الرومانية القدية حدث النراف ف الرصيد الذي‬
‫تبقى من الخلق ف الاهلية الديثة‪ ...‬فصارت نفعية‪ ...‬وصارت أنانية‪...‬‬

‫إن ال صدق وا لخلص والما نة وال ستقامة‪ ...‬ا ل‪ ،‬فضائل‪ ،‬ولكن ها ي كن أن ت تم‬
‫على مستويات متلفة‪ ،‬وليست صورة واحدة مفردة‪...‬‬

‫ي كن أن ت تم ع لى م ستوى " إن سان"‪ ...‬و هذا هو الل يق با‪ ...‬و هذه صورتا‬
‫القيقية الصلية الت تستمدها من معي الدين‪ ،‬ويكن أن تتم على مستوى " قومي " أي‬
‫أ نا ل تط بق إل ف حدود " القوم ية" ا لت يع يش الن سان ف داخل ها‪ ،‬فإذا خر جت عن‬
‫حدود هذه القوم ية ‪ -‬ال ضيقة ‪ -‬مه ما ات سعت ‪ -‬عن الن طاق " الن سان " ال شامل ‪-‬‬
‫فقدت رصيدها ودوافعها‪ ،‬وانقلبت أنانية تسرق وتنهب وتغش وتادع وتلتوي‪ ...‬ول‬
‫تبال أن تصنع ذلك كله‪ ،‬ول تتأث ول تتحرج‪ ...‬لنا ‪ -‬ف أصلها ‪ -‬ل تقوم على ركيزة‬
‫" إنسانية " حقيقية‪ ،‬ويكن ‪ -‬بعد ذلك ‪ -‬أن تتم ف الستوى القومي ذاته‪ ،‬ل على أساس‬
‫أنا قيم مطلقة ينبغي طاعتها ‪ -‬ف الستوى القومي على أقل تقدير ‪ -‬وإنا على أساس ما‬
‫تلبه من النفع لاملها‪ ...‬فهي تتبع بقدار هذا النفع‪ ،‬وتبطل إذا بطلت النفعة‪ ،‬القريبة أو‬
‫البعيدة‪ ،‬الت هي ‪ -‬ف هذه الالة ‪ -‬الرصيد الوحيد التبقي لذه "الخلق"!‬

‫ولقد وقعت أوربا ‪ -‬بتأثي الاهلية الرومانية العادة ‪ -‬ف هذين النرافي معا‪...I‬‬
‫بالتدريج!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫حي كان السلمون يتعاملون مع الصليبيي ف الروب الصليبية ‪ -‬وخاصة ف عهد‬
‫ال قائد ال سلم صلح ا لدين ‪ -‬في فون بع هودهم‪ ،‬و يأبون أن ينق ضوا مواثيقهم حت ح ي‬
‫تصرهم الضرورة وتكون " النفعة" ف نقض هذه الواثيق‪ ...‬حينئذ كانوا يضربون مثل‬
‫ل لخلق " القيق ية"! فهذه هي ا لخلق ف صورتا الصلية‪ ،‬ال ستمدة من منهج ا ل‪،‬‬
‫"و•إ“̃ما •تخ•اف—̃ن م“ن– ق—و–م› “خي•ان•ة‪ I‬ف—ان–“بذ™ إ“ل—ي–ه“م– ع•ل—ى س•و•اء› إ“ن‪ œ‬الل‪œ‬ه• ل ي”ح“ب§ ا™لخ•ا“ئن“ي•"‪.‬‬

‫فاليثاق ل ينقض غدرا‪ I‬حت حي تاف اليانة‪ ...‬وإنا يعلن العدو أن اليثاق قد‬
‫انتهى بسبب اليانة من جانبه‪ ،‬ويعلن أن العلقة هي علقة الرب‪ ،‬فل يؤخذ على غـرة‬
‫‪ -‬وهو عدو! ‪ -‬وعدو ف العقيدة‪ ...‬أغلى ما يلك الؤمنون!‬

‫)‪(153‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وح ي كان الصليبيون ينقضون الي ثاق ا لذي ضربوه للمسلمي‪ ،‬ويأخذونم ع لى‬
‫غرة‪ ،‬ويقتلون منهم اللوف من الرجال والنساء والطفال قتل وحشيا بشعا‪ I‬ل يطيقه إل‬
‫"ضمي" أوروبا‪ ،‬ويدخلون عليهم السجد ‪ -‬وهو الرم المن القدس‪ ...‬بيت ال ‪ -‬وهم‬
‫لجئون إليه بل سلح ول عدة‪ ،‬فيقتلونم ف داخل بيت ال حت تغوص سيقان اليل‬
‫الا جة ف ا لدماء‪ ...‬ث تر تد الو لة للم سلمي فينت صرون ع لى هؤلء ال صليبيي ذا تم‪،‬‬
‫في عاملونم ع لى ن فس ال ستوى " الن سان " ا لذي كانوا ي عاملونم به من ق بل‪ ...‬كانوا‬
‫يضربون مثل آ خر ل لخلق " القيق ية " القائ مة ع لى رك يزة " إن سانية " ل نا ت ستوحي‬
‫منهج ال وتعيش على هداه‪.‬‬

‫ول كن أورو با الاهل ية النحر فة عن ع بادة ا ل ل ترت فع إ ل هذا ال ستوى قط ف‬


‫تاريها كله‪ ...‬لنا ل تستمد الخلق من منبعها الرائق الصيل‪ ،‬وإنا تزج به ‪ -‬على‬
‫ا لدوام‪ ،‬وبن سب متزا يدة ‪ -‬مفاهيم ها الاهل ية النحر فة‪ ،‬ال ستمدة من جاهل ية اليو نان‬
‫وجاهلية الرومان‪ ...‬وعليها مزيد!‬

‫إن الروح الرومانية القدية الت كانت تتمثل ف القانون الرومان الشهي‪ ،‬الذي ينح‬
‫" العدا لة " للرو مان ف قط! و يرم من ها ا لخرين‪ ...‬إ نا هي ذات ا لروح النان ية ا لت‬
‫سيطرت على "أخلق" أوروبا ف جاهليتها الديثة‪ ...‬فالخلق سارية الفعول ف حدود‬
‫" القوم ية " و حدها‪ ،‬فإذا انتق لت إ ل خارج ها ف قد ر صيدها ودللت ها‪ ...‬إل ف حا لة‬
‫واحدة‪ ...‬حالة النفعة! وعندئذ يكن أن تستمر قائمة خارج حدود القومية!‬

‫السيا سة أمر ها وا ضح! فالواثيق تع قد وتو ث¡ق‪ ...‬و ف ل ظة غادرة تن قض وت صبح‬


‫حبا على ورق‪ ،‬بجرد أن تلوح " الصلحة القومية" ف نقض اليثاق! وير الناس بذا المر‬
‫م ستخف¡ي غ ي م بالي‪ ،‬لن النظر ية المي لة شيء والت طبيق شيء آ خر‪ ،‬بوجب الاهل ية‬
‫اليونانية الفلسفية!‬

‫ولكن السياسة ليست هي الال الوحيد لذه "الخلق"!‬

‫كان السلمون ف كل بلد فتحوه يافطون على "عقائد " الخالفي له‪ ،‬ويضعونا‬
‫تت حا ية الدو لة ال سلمة وحرا ستها‪ ،‬و يأبون إن "ي تالوا" ع لى ال ناس ل يتركوا دين هم‬
‫ويدخلوا ف السلم‪ ...‬لن ال ‪ -‬ف منهجه الربان ‪ -‬عل¡مهم هذه الخلق‪...‬‬

‫و ف ج نوب أفريق يا شركة مل حة انليز ية يع مل ع لى سفنها بارة أفريق يون‬


‫م سلمون‪ ...‬ول تط يق ال شركة ال سيحية أن ترا هم م سلمي! ل بد من إف سادهم بأ ية‬
‫وسيلة! فدأبت على أن تصرف لم جزءا‪ I‬من أجورهم زجاجات من المر! وهي أغرب "‬
‫عم لة " يتعا مل با ال ناس ف عال ا لجور! وال مر مر مة ع لى ال سلمي‪ ،‬شربا وبيع ها‬

‫)‪(154‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫سواء! ف كانوا يط مون هذه الزجا جات‪ ،‬ويف قدون بذلك ا لزء ا لكب من أ جورهم‬
‫ويعيشون على الكفاف! ث أدركهم أحد السلمي البصيين بالقانون‪ ،‬فوص‪²‬اهم أن يرفضوا‬
‫قبض أجورهم بذه الصورة الت ل مثيل لا ف أي بقعة على الرض ويرفعوا على الشركة‬
‫قضية إذا أصرت على هذا التصرف الغريب‪ ...‬فما كان من الشركة إل أن فصلتهم من‬
‫العمل جيعا‪ I‬دفعة واحدة! وهذه هي "الخلق"!‬

‫وأ هل فرن سا قوم "ظر فاء"‪" ،‬م هذبون"‪ ،‬للمنف عة!‪ ...‬فح ي ي ستقبلك أ هل باريس‬
‫بالدب والظرف و "التيكيت" وينحونك "عواطفهم " فكل ذلك لكي "تنفق" ف فرنسا‬
‫أكثر ما تستطيع إنفاقه من النقود! إما إذا ل تصنع‪!...‬‬

‫حدثن شاب م صري كان ه ناك‪ ،‬ل ي شرب ال مر ول ير تاد أ ماكن الف جور ول‬
‫يتقبل ما يعرضه عليه الفندق من دعارة تأتيه حت غرفته وهو جالس مستريح‪ ،‬فضيق عليه‬
‫الفندق الناق لكي " يتعب " ويرج! ورفع عليه السعار!‬

‫وحي تتعامل التجارة الدولية بأمانة فائقة‪ ،‬نادرة الثال‪ ،‬خارج حدود القومية‪ ،‬فهي‬
‫لي ست "ا لخلق" وإ نا هي "النف عة"! فالغش يف قد ال سوق‪ ،‬ويف قد الر باح! وا لرص‬
‫الشديد على الربح يستوجب المانة الفائقة ف التعاملت!‬

‫على أن هذا التفسي النفعي للخلق ليس مقصورا‪ I‬على التعامل "الارجي" وحده‪،‬‬
‫فرويدا‪ I‬رويدا‪ I‬أصبح هو الدافع الخلقي داخل القومية ذاتا! فلم يعد المر أن الخلق‬
‫ان سرت من نطاق ها الن سان إ ل الن طاق ال قومي‪ ،‬وإ نا ف قدت حت دا خل هذا الن طاق‬
‫الضيق رصيدها الصادق‪ ،‬وأصبحت منفعة متبادلة بي الناس!‬

‫الصدق جيل ف التعامل لنه نافع ف حدود التنظيم القومي! أنت تص–د”ق وتتوقع‬
‫من الخرين أن يكونوا صادقي مثلك‪ ،‬ل لن الصدق ف ذاته فضيلة‪ ،‬ولكن لنك وإياهم‬
‫تكسبون بذلك جيعا‪ ،I‬تكسبون توفي كثي من الهد وكثي من الال وكثي من الوقت‪...‬‬
‫يكن أن توجه إل كسب مزيد من الربح!‬

‫فأما حي يكون الصدق بل مكسب‪ ...‬أو حي يكون الصدق خسارة مادية‪...‬‬


‫فما قيمته؟ وما الدافع إليه؟!‬

‫حدثن أحد الصريي الذين عاشوا ف أمريكا‪...‬‬

‫كان يتلقى درسا‪ I‬ف اللغة على يد مدرسة خصوصية تعمل ف مدرسة من مدارس‬
‫الحد هناك‪ ،‬ولا اطمأنت بينهما العلقة‪ ،‬وعرفت أنه مسلم متدين‪ ،‬قالت له‪ :‬إنن أعرف‬

‫)‪(155‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫أ شياء عن ال سلم تع له منفرا‪ I‬لل ناس! إن ن أ عرف مثل أن نبيكم م مدا‪ I‬سكر ذات مرة‬
‫حت ل يعد يلك خطواته‪ ،‬فوقع على الرض فعضه خنير‪ ...‬ومن أجل ذلك حرم المر‬
‫والنير!‬

‫فلما قال لا‪ :‬إن هذه خرافة ل سند لا من التاريخ‪ ،‬وإن القيقة أن الرسول صلى‬
‫ال عليه وسلم ل يشرب المر قط‪ ،‬قالت‪ :‬أوه‪ ...‬أشكرك على ما بينت ل من القيقة‪،‬‬
‫هل تعلم أنن أدرس هذه الشياء لتلميذي ف مدرسة الحد؟!‬

‫قال‪ :‬والن وقد علمت أن ذلك ليس حقيقة‪ ...‬هل تستمرين ف تلقينه للصغار؟‬

‫قالت مسرعة‪ :‬أوه‪ :‬هذه مسألة أخرى‪ ،‬إنن أرتزق من تدريس هذه الشياء!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫و لن ا لخلق ف الاهل ية الدي ثة ف قدت ر صيدها الل قي " القي قي " ب تأثي‬
‫الاهل ية اليونان ية والرومان ية ب عد انف صالا عن معين ها القي قي ال صادق‪ ...‬ل ي كن ف‬
‫المكان أن تثبت للصدمات!‬

‫ولقد فت الناس بقضية الخلق ف الغرب‪ ،‬حي رأوا هذه الخلق صامدة راسخة‬
‫ل تتأثر بفساد السياسة والقتصاد والفساد النسي‪ ،‬وغابت عنهم ف الوقت ذاته دللة‬
‫النان ية والنفع ية ف هذه "ا لخلق"‪ ،‬فح سبوا أن ا لخلق ي كن أن تنف صل عن معين ها‬
‫ا لدين وت ظل ح ية فاع لة ف وا قع ا لرض‪ ،‬وأن ا لمور ا لت انف صلت عن ها ل ت كن من‬
‫أصولا‪ ...‬وأنا ستبقى هكذا أبدا‪ ،I‬مهما فسدت أمور السياسة والقتصاد والنس ‪ -‬أو‬
‫تطورت أو خضعت للحتمية ‪ -‬ومهما طغت الروح الادية والنفعية والنانية على الناس!‬

‫والفتنة كامنة ‪ -‬كما بينا ‪ -‬ف بطء التحلل اللقي‪ ،‬حت ليبدو للناس أنه ل يدث‬
‫تلل على الطلق‪...‬‬

‫ولكن أحداث ربع القرن الخي كانت حاسة الدللة ف هذا الشأن الطي!‬

‫ونبدأ بفرنسا‪...‬‬

‫لقد سرى الفساد الخلقي ف ميدان النس كالسوس ينخر ف داخل العظام‪.‬‬

‫)‪(156‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وجاءت الرب وفرنسا ماخور كبي غارق ف حأة النس السعور‪...‬‬

‫وحدث ما ل بد أن يدث! انارت فرنسا ف أيام! ل لنا ل تلك السلح ‪ -‬فقد‬


‫كانت أحدث السلحة وأفتكها ف أوروبا كلها‪ ،‬ملك فرنسا! و كانت تصينات خط‬
‫ماجينو أشد ما عرف ف ذلك الي! ولكن لنا ل تلك " الروح" الت تارب‪ ...‬ول‬
‫تلك " الكرامة" الت تدافع عنها! ولنا خشيت على مراقص باريس ومواخيها من قنابل‬
‫اللان‪ ...‬فسلمت ف أسبوعي من الزمان!‬

‫وقال الناس‪ :‬هذه ظروف! ل علقة لا بالخلق!‬

‫ث جاء دور أمريكا!‬

‫قرر كن يدي ف ت صريه الط ي سنة ‪ 1962‬أن م ستقبل أمري كا ف خ طر‪ ،‬لن‬
‫شبابا مائع منحل غارق ف الشهوات‪ ،‬ل يقدر السئولية اللقاة على عاتقه‪ ،‬وأنه من بي‬
‫كل سبعة شبان يتقدمون للتجنيد يوجد ستة غي صالي! لن الشهوات الت غرقوا فيها‬
‫أفسدت لياقتهم الطبية‪"...‬والنفسية"!‬

‫و حدث ما هو أخ طر وأب شع! ا ضطرت وزارة الارج ية المريك ية إ ل ف صل ‪33‬‬


‫موظفا من موظفيها لنم مصابون بالشذوذ النسي‪ ،‬ولنم ‪ -‬بذه الصفة ‪ -‬غي مؤتني‬
‫على أسرار الدولة!‬

‫ث جاء دور انلترا!‬

‫قضية بروفيمو‪ ...‬وتعريض أسرار الدولة العسكرية للخطر لقاء لذة فاجرة يقضيها‬
‫وزير الرب مع إحدى العاهرات‪...‬‬

‫ث جاء دور روسيا!‬

‫صرح خروشوف سنة ‪ - 1962‬ك ما صرح كنيدي ‪ -‬بأن مستقبل روسيا ف‬


‫خطر! وأن شباب روسيا ل يؤتن على مستقبلها‪ ،‬لنه مائع منحل غارق ف الشهوات!‬

‫ث جاء دور دول الشمال ف أوربا ‪ -‬أرقى بلد العال! أرقى بلد الاهلية الديثة!‬

‫)‪(157‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ال شباب ال شارد‪ ...‬ا لذي يدخن ال شيش وا لفيون‪ ...‬وين فق طاقته ال ية ف هذا‬
‫البل النون‪ ...‬والعصابات الت تتألف للخطف والقتل والغتصاب النسي‪ ...‬تقلق أمن‬
‫الدولة‪ ،‬وأمن علماء الجتماع!‬

‫وذلك كله ف مال واحد‪ ...‬هو مال النس!‬

‫ولكن المر ل يقف عند هذا الد‪ ...‬ول يكن للعجلة النلقة ف الطريق النحدر‬
‫أن تقف عند حد!‬

‫ف أمريكا عصابات من "كبار " الثقفي‪ ...‬من الامي والطباء والكتاب ورجال‬
‫القانون‪ ...‬مهمتها‪ ...‬ماذا؟!‬

‫مهمتها تيسي مهمة الزنا‪ ...‬لغراض قانونية!‬

‫ففي الوليات الكاثوليكية ل يباح الطلق إل ف جرية الزنا من أحد الزوجي‪...‬‬


‫فيحق للزوج الخر أن يطلب الطلق‪.‬‬

‫ومن ث يلجأ الطرف الكاره الذي يطلب الطلق ‪ -‬سواء هو الزوج أو الزوجة ‪-‬‬
‫إ ل تأجي وا حدة من هذه الع صابات‪ ،‬للي قاع بالطرف ا لخر ف جر ية ز نا‪ ،‬و ضبطه‬
‫متلبسا‪ ،‬وإعطاء الستندات اللزمة الت تك¡ن من طلب الطلق‪ ...‬لقاء أجر معلوم!‬

‫وف أمريكا كذلك عصابات لبيع الفتيات! بيعهن! رقيقا‪ ...‬على مذبح الشهوات‬
‫لثرياء أوروبا الذين يطلبون هذا التاع الدنس ويدفعون فيه الثمن الطلوب!‬

‫هذا فضل عن العصابات الت تعمل علنا ف النتخابات ‪ -‬الديقراطية! ‪ -‬لتهديد‬


‫العارضي والقضاء عليهم إذا لزم المر! لقاء أجر معلوم!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ث ل يقف المر عند هذا الد‪...‬‬

‫اليل الناشئ ف أوروبا يعان أقصى درجات التحلل والندار!‬

‫عصابات للخطف والسلب والنهب والغتصاب‪...‬‬

‫)‪(158‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫عصابات ‪ -‬من الطفال ‪ -‬لهاجة القطارات وقذف نوافذها بالحجار!‬

‫ع صابات ‪ -‬من الط فال ‪ -‬ت ضع الح جار ع لى الق ضبان لت خرج من علي ها‬
‫القطارات!‬

‫عصابات الشيش والفيون وبقية الخدرات‪...‬‬

‫"التزويغ" من دفع أجرة الركوب‪...‬‬

‫كل "الرذائل" الت يكن أن يتصورها النسان!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫حقيقة إن هذا الفساد ل يصبح بعد صورة شاملة!‬

‫وما تزال ف الاهلية الغربية فضائل حقيقية بعد هذا الندار كله! وفضائل كثية!‬
‫وفضائل متما سكة!‪ ...‬فضائل تك في لن تع يش الاهل ية الدي ثة ‪ -‬إذا شاء ا ل ‪ -‬جيل‬
‫آخر قبل النيار!‬

‫ولكن الهم هو دللة خط السي! صعود أم هبوط! خي أم شر؟!‬

‫ل قد حاول ال ناس ف م بدأ ا لمر أن يت جاهلوا ال نذير‪ ،‬حاولوا أن ي ضحكوا ع لى‬


‫أنفسهم ويدفنوا رءوسهم ف الرمال‪ ،‬ويقولوا‪ :‬إن الدنيا بي! إنه "التطور"!‬

‫بل راح قوم ‪ -‬ف ساجة ‪ -‬يتظاهرون بالتعقل و "التثقف!" وأنم " يرتفعون " إل‬
‫مستوى التطور!‬

‫يقول قائلهم‪ :‬إن اليل الديد بي‪ ...‬بل هو خي من اليل الاضي بكثي! إنه جيل‬
‫جريء متفتح متطور يعيش بعقلية ظروفه! إن أخلقياتنا نن ل تصلح للحياة ف الظروف‬
‫الديدة‪ ،‬واليل الديد يصنع أخلقياته بنفسه‪ ،‬حسب ظروفه‪ ،‬صاعدا‪ ...‬صاعدا‪ ...‬إل‬
‫ما شاء ا ل! وإن ا لذين يت صايون بأن ال يل الد يد من حل أو من حرف‪ ،‬هم الا مدون‬
‫التخلفون الذين عجزوا عن أن يروا المور بنظار اليل الديد‪.‬‬

‫ث جاءت النباء من عند " السادة " أنفسهم! من أوروبا! من أمريكا!‬

‫)‪(159‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫جاءت تلجم ألسنة العبيد الذين يتظاهرون بالتعقل والتثقف والرتفاع إل مستوى‬
‫التطور!‬

‫جاءت تقول‪ :‬إن مؤترات " علمية " تعقد هناك للنظر ف انراف الشباب‪ ،‬وتقرر‬
‫‪ -‬ف جد صارم ل هزل فيه ‪ -‬أن المر خطي حقا‪ ...‬وأن اليل الناشئ الذي سيتول‬
‫غدا ق يادة ا لمر‪ ...‬ج يل من حرف هابط‪ ،‬ل يؤتن ع لى ال ستقبل‪ ،‬وإن "ا لدول الغرب ية "‬
‫مهددة بالبوار!‬

‫وب صرف الن ظر عن هذا التفك ي الل إن سان‪ ،‬ا لذي ل يف كر ف الخ طار الاث لة‬
‫لستقبل "النسان"‪ ،‬وإنا ينظر من داخل الدود " القومية " وبوحي من هذه الروح‪...‬‬

‫ب صرف الن ظر عن هذا التفك ي ‪ -‬و هو ا نراف " أخل قي " ما تار سه الاهل ية‬
‫الديثة ‪ -‬فإن الدللة خطية إل أقصى حد‪ ...‬إل حد تديد البشرية كلها بالزوال!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ذلك تاريخ " الخلق" ف الاهلية الوربية الديثة‪ ،‬الذي ينتشر ‪ -‬بالعدوى ‪ -‬ف‬
‫بقية بلدان الرض‪...‬‬

‫إن ا لخلق ح ي انف صلت عن معين ها ال صلي‪ ...‬ح ي انف صلت عن العق يدة ف‬
‫ا ل‪ ...‬أو ح ي تأثرت بانرا فات هذه العق يدة‪ ...‬ل ت ستطع أن ت صمد‪ ...‬ل ت ستطع أن‬
‫تعيش‪...‬‬

‫ف قرني اثني انارت أخلق أوروبا‪ ...‬الت احتاجت ف بنائها إل عدة قرون!‬

‫وليس يهم أنه ما يزال هناك رصيد كبي من الفضائل ف الاهلية الديثة‪ ،‬هو الذي‬
‫يك¡نها من أن تعيش حت اليوم‪...‬‬

‫إن هذا الرصيد يتضاءل يوما‪ I‬بعد يوم‪ ...‬وأخطر ما فيه أن اليل الناشئ هو الشد‬
‫ف سادا‪ I‬وا لكثر تلل‪ ...‬ومع ن ذ لك أن ال ستقبل يزداد خ طورة‪ ،‬لنه م عرض لز يد من‬
‫الندار‪...‬‬

‫ول يعد يدي أن يقال‪ :‬إن كذا وكذا ل علقة له بالخلق‪!...‬‬

‫)‪(160‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫إن خروج السياسة من دائرة الخلق‪ ،‬ث خروج القتصاد‪ ،‬ث خروج النس‪ ،‬ل‬
‫يكن إل بداية لزيد من النزلق! ل يكن أن تقف العجلة النلقة على النحدر عند حد‬
‫معي‪ ...‬ل بد أن تزيد ف النزلق!‬

‫وقد حدث بالفعل مزيد من النزلق‬

‫وتلك هي الدللة الطية لسي الحداث ف هذه الاهلية النحرفة عن عبادة ال‪.‬‬

‫لقد وصل الفساد إل "العظم"‪...‬‬

‫ولئن كان السوس بطيئا‪ ...I‬وبطيئا‪ I‬جد‪I²‬ا وهو ينخر ف العظم‪ ...‬فإنه كذلك خداع!‬
‫ف لظة واحدة ينهار العظم النخور‪ ،‬الذي كان يبدو سليما قبل لظات‪.‬‬

‫ومع ذلك فما زالت الاهلية تزعم للناس‪ ،‬ويزعم لا الناس‪ ،‬أنا غنية بالفضائل‪،‬‬
‫وأنا ذات أخلق!‬

‫)‪(161‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ف علقات النسي‪...‬‬
‫هنا لن نتحدث عن الفساد ف علقات النسي من الناحية اللقية!‬

‫لقد أشرنا إل هذا الفساد اللقي إشارة عابرة ف الباب السابق من هذا الفصل؛‬
‫ولك نا ه نا ندر سه من ح يث هو اختلل ف الن فس والت مع‪ ،‬أي ف الك يان النف سي‬
‫للنسان‪ ،‬وف الياة الجتماعية للناس‪.‬‬

‫إ نه ‪ -‬كف ساد خل قي ‪ -‬أو ضح حت من أن ي شار إل يه! وع لى الر غم من كل‬


‫ماولت الاهلية الديثة‪ ،‬أن تيطه بالنظريات " العلمية!" على يد فرويد مرة‪ ،‬وماركس‬
‫والتف سي ا لادي للتار يخ مرة‪ ،‬ودر كاي مرة‪ ...‬وتي طه بأو هام ت ستقر ف أذ هان ال ناس‪،‬‬
‫كقولم‪ :‬إن النس عملية بيولوجية بتة ل علقة لا بالخلق! وتيطه بسيل مستمر من‬
‫النتاج " الفن"! من قصص ومسرحيات وسينما وتليفزيون وإذاعة وصحافة‪ ،‬تصور الياة‬
‫من خلل لظة النس الطائشة‪ ،‬وتصورها على أنا الشيء " الطبيعي " الذي ل انراف‬
‫فيه ول فساد‪ !...‬على الرغم من ذلك كله‪ ،‬فلن يكون التحلل النسي إل فسادا‪ I‬خلقيا‬
‫من البدء إل النتهاء‪!...‬‬

‫تقول " بروتو كولت حك ماء صهيون"‪ " :‬يب أن نع مل لتنهار ا لخلق ف كل‬
‫مكان فتسهل سيطرتنا‪ ،‬إن فرويد منا‪ ،‬وسيظل يعرض العلقات النسية ف ضوء الشمس‬
‫لكي ل يبقى ف نظر الشباب شيء مقدس‪ ،‬ويصبح هه الكب هو إرواء غرائزه النسية‪،‬‬
‫وعندئذ تنهار أخلقه"‪.‬‬

‫وتقول البوتوكولت‪" :‬لقد رتبنا ناح دارون وماركس ونيتشة بالترويج لرائهم‪،‬‬
‫وإن ا لثر ا لدام ل لخلق ا لذي تن شئه ع لومهم ف الف كر غ ي الي هودي وا ضح ل نا ب كل‬
‫تأكيد"‪.‬‬

‫إنه إذن ‪ -‬مهما قيل فيه ‪ -‬فساد ف الخلق!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ولكنا على الرغم من ذلك ل نريد أن نعاله هنا ‪ -‬بصفة أساسية ‪ -‬على أنه فساد‬
‫خلقي‪ ،‬ذلك أن الناس ‪ -‬ف تصورهم الاهلي للشياء ‪ -‬قد فصلوا بي ما هو "أخلق "‬
‫وما هو "حياة"! ول انفصال ف حقيقة المر بي هذا وذاك‪.‬‬

‫)‪(162‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫إن "الخلق " ليست شيئ‪I‬ا منفصل عن الواقع‪ ،‬ليست نظريات تدرس ف البراج‬
‫العاج ية م ستقلة بذاتا‪ ،‬ول يس لا قواني خا صة غ ي قواني ال ياة الواقع ية! ول ي كن أن‬
‫يوجد فساد " خلقي " مع استقامة ف حياة الناس الواقعة‪ ،‬إنا ها شيء واحد‪ :‬الفساد ف‬
‫الخلق معناه فساد ف واقع الياة‪ ،‬والفساد ف واقع الياة معناه فساد ف الخلق‪...‬‬
‫لنما قانون واحد مستمد من الوجود البشري التكامل‪ ،‬والفطرة البشرية الشاملة‪.‬‬

‫وهنا حي ندرس الختلل ف علقات النسي من ناحية أثره ف الياة الواقعة‪،‬‬


‫نبي ف النهاية معن القول بأنه فساد ف الخلق‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ككل شيء ف الياة البشرية حدث التحلل ف علقات النسي على مدى طويل‬
‫وف تدرج بطيء‪...‬‬

‫ف الع صور الو سطى كانت ال فاهيم ال سيحية هي ال سيطرة ع لى أورو با‪ ،‬ك ما‬
‫صورتا الكنيسة الوروبية للناس‪.‬‬

‫ول شك أن السيح عليه السلم قد دعا إل لون من الزهادة الرتفاع على متاع‬
‫السد اللهوف‪ ،‬وفوق أن هذه هي دعوة كل نب وكل دين‪ ،‬لواجهة تلهف البشرية على‬
‫قضاء الشهوات‪ ...‬فقد كانت الرعة مضاعفة ‪ -‬إذا صح التعبي ‪ -‬ف أقوال السيح عليه‬
‫السلم‪ ،‬لنه كان يواجه طغيان‪I‬ا ماديا وفساد‪I‬ا خلقيا بلغ أقصى الغاية سواء بي بن إسرائيل‬
‫أو العال الرومان‪.‬‬

‫وقد جاء ف الناجيل‪" :‬إذا أعثرتك عينك فاقلعها وألقها عنك‪ ،‬فإنه خي لك أن‬
‫يهلك أحد أعضائك من أن يلقى بدنك كله ف جهنم" )‪.(57‬‬

‫ومن هذا القول ‪ -‬وأمثاله ‪ -‬استمدت الكنيسة مفاهيمها اللقية الت فرضتها على‬
‫الناس‪ ،‬فكانت الرهبانية الت ابتدعوها‪" :‬و•ر•ه–ب•ان“̃ي ‪I‬ة ا–بت•د•ع”وه•ا م•ا —كت•–بن•اه•ا ع•—لي–ه“م–"‪...‬‬

‫وكان الياء العام أن النس دنس قذر ف ذاته والرأة ملوق شيطان دنس ينبغي‬
‫البت عاد ع نه وا لزواج ضرورة غريز ية ‪ -‬حيوان ية ‪ -‬للعا مة‪ ،‬ول كن ال سعيد ا لتقى من‬
‫استطاع إن "يرتفع " عليه ول يتزوج‪.‬‬

‫‪ ()57‬إنيل مت الصحاح الامس آية ‪.24‬‬

‫)‪(163‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ومضت المور على ذلك حينا‪ :I‬مباذل شنيعة بشعة ف المباطورية الرومانية على‬
‫ات ساعها‪ ،‬ورهبان ية وا سعة ال فاق ع لى حدود ال صحارى‪ ،‬و ف دا خل ا لدن‪ ،‬فرارا‪ I‬من‬
‫الفساد‪.‬‬

‫يقول "ليكي" ف كتاب "تاريخ الخلق ف أوروبا"‪:‬‬

‫"كانت الدنيا ف ذلك الي تتأرجح بي الرهبانية القصوى والفجور القصى‪ ،‬وإن‬
‫الدن الت ظهر فيها أكب الزهاد كانت أسبق الدن ف اللعة والفجور‪ ،‬وقد اجتمع ف‬
‫هذا العصر الفجور والوهم اللذان ها عدوان لشرف النسان وكرامته")‪.(58‬‬

‫وي صور ال كاتب الن فور من ف كرة " ال نس " و ما حو لا من عل قات ‪ -‬ف ظل‬
‫الرهبانية ‪ -‬فيقول‪:‬‬

‫"و كانوا ي فرون من ظل الن ساء‪ ،‬وي تأثون من قر بن والجت ماع بن‪ ،‬و كانوا‬
‫يعت قدون أن م صادفتهن ف الطر يق والت حدث إلي هن ‪ -‬و لو كن أم هات أو أزوا جا‬
‫وشقيقات ‪ -‬تبط أعمالم وجهودهم الروحية"‪.‬‬

‫وينقل الستاذ أبو علي الودودي ف كتابه "الجاب" بعض أقوالم‪ ،‬يقول‪:‬‬

‫"ف من نظريت هم الول ية السا سية ف هذا ال شأن‪ ،‬أن ا لرأة ين بوع العا صي‪ ،‬وأ صل‬
‫السيئة والفجور‪ ،‬وهي للرجل باب من أبواب جهنم‪ ،‬من حيث هي مصدر تريكه وحله‬
‫على الثام‪ ،‬ومنها انبجست عيون الصائب النسانية جعاء‪ ،‬فبحسبها ندامة وخجل أنا‬
‫امرأة! وينبغي لا أن تستحي من حسنها وجالا‪ ،‬لنه سلح إبليس الذي ل يوازيه سلح‬
‫من أسلحته التنوعة‪ ،‬وعليها أن تك ف¡ر ول تنقطع عن أداء الكفارة أبدا‪ ،I‬لنا هي الت قد‬
‫أتت با أتت من الرزء والشقاء للرض وأهلها"‪.‬‬

‫ودو نك ما قاله "ترتول يان ‪ "- Tertulian -‬أ حد أق طاب ال سيحية ا لول وأئمت ها‪،‬‬
‫مبينا نظرية السيحية ف الرأة‪" :‬إنا مدخل الشيطان إل نفس النسان‪ ،‬وإنا دافعة بالرء‬
‫إل الشجرة المنوعة‪ ،‬ناقضة لقانون ال‪ ،‬ومشوهة لصورة ال ‪ -‬أي الرجل"‪.‬‬

‫"و كذلك ي قول كرائي سو ستام ‪ - Chry Sostem -‬ا لذي ي عد من ك بار أول ياء‬
‫الديانة السيحية ف شأن الرأة‪ :‬هي شر ل بد منه‪ ،‬ووسوسة جب¡لي‪²‬ة‪ ،‬وآفة مرغوب فيها‪،‬‬
‫وخطر على السرة والبيت‪ ،‬ومبوبة فتاكة‪ ،‬ورزء مطلي موه!"‪.‬‬

‫‪ ()58‬عن كتاب ماذا خسر العال بانطاط السلمي لب السن الندوي‪.‬‬

‫)‪(164‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫"أما نظريتهم الثانية ف باب النساء‪ ،‬فخلصتها أن العلقة النسية بي الرجل والرأة‬
‫هي نس ف نف سها يب أن تتج نب ‪ -‬و لو كانت عن طر يق ن كاح وع قد ر سي‬
‫مشروع")‪.(59‬‬

‫من هذه النظرة الاهلية النحرفة ‪ -‬الت ل يأمر با الدين‪ ،‬ول يكن أن يأمر با نب‬
‫‪ -‬حدث رد فعل جاهلي عنيف ف التاه الخر‪.‬‬

‫حدث ف تدرج بطيء‪ ...‬ولعوامل شت‪.‬‬

‫فالفساد الروع الذي حدث داخل الديرة ذاتا‪ ،‬حاويا لكل أنواع الفساد النسي‪،‬‬
‫ما بي الرهبان والراهبات‪ ،‬وما بي كل فريق بعض وبعضه‪ ...‬كان إحدى الصدمات الت‬
‫خلخلت القيم الرهبانية من أصولا‪ ،‬وصرفت الناس عن هذا " الترفع " سليما كان أو غي‬
‫سليم‪ ،‬فاندروا يبحثون عن الشهوات‪.‬‬

‫والتفسي اليوان للنسان‪ ،‬الذي مده فرويد ووسعه بالتفسي النسي للسلوك‪...‬‬
‫كان دفعة قوية أخرى ف سبيل الفساد‪.‬‬

‫والنقلب الصناعي‪ ،‬وما أحدثه من تفكيك للسرة‪ ،‬ونقل للشبان القوياء ‪ -‬بل‬
‫أ سر ‪ -‬من الر يف ا لتزمت التح فظ إ ل الدي نة الفضفا ضة ا لخلق‪ ،‬وتوق يع فترة من‬
‫"التع طل الن سي" علي هم بر مانم من ا لجر الع قول ا لذي ين شئون به أ سرة ف الدي نة‪،‬‬
‫وإتاحة البغاء لم وتيسيه‪.‬‬

‫وت شغيل ا لرأة ع لى ن طاق وا سع‪ ،‬وا ضطرارها إ ل الت بذل الل قي لت ضمن لق مة‬
‫العيش‪.‬‬

‫وانشغال الرأة بقضية الساواة مع الرجل‪ ،‬وطلبها ‪ -‬ف أثناء ذلك ‪ -‬الساواة معه‬
‫ف الفجور‪ ،‬كفرع من فروع الساواة التامة الشاملة‪...‬‬

‫كل ذلك كان دفعة عنيفة ف سبيل الفساد‪.‬‬

‫وتلقفت ذلك كله الصهيونية العالية‪ ،‬سواء ف عال النظريات أو ف عال الواقع‪...‬‬
‫فراح ماركس وفرو يد ودر كاي‪ ،‬وغي هم من "العل ماء" يهو‪ ²‬نون من أ مر ا لخلق‬
‫وي سخ‪²‬فونا‪ ،‬و يدعون ا لرأة ‪ -‬كل من ناحيته وبطريق ته ‪ -‬أن ترج و تارس ن شاطها‬
‫النسي‪ ،‬حت تكون سهلة قريبة من متناول الرجل‪.‬‬

‫‪ " ()59‬الجاب " ص ‪.25‬‬

‫)‪(165‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ث را حت ال سينما ‪ -‬و هي صناعة يهود ية ب صفة أسا سية ‪ -‬و•و•رث—ت” ه•ا من الذا عة‬
‫والتليفزيون‪ ،‬تزيد كل أنواع التحلل النسي‪ ،‬و "الستمتاع"‪.‬‬

‫وبيوت الزياء‪ ...‬وبيوت الزينة‪ ...‬والتقاليد " الجتماعية " القائمة على الختلط‪،‬‬
‫والباحية الكاملة ف النهاية‪!...‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫بالتدريج!‬

‫ل يدث كل ذلك دفعة واحدة‪...‬‬

‫ف قد ظل أن صار ا لخلق يذرون من التح لل‪ ،‬و ظل أن صار "الت طور" يزي نون ف‬
‫الفساد‪ ...‬وتقوم العارك طويلة عنيفة بي هؤلء وهؤلء‪.‬‬

‫ولكن التوجيه الدائم اللح التكرر‪ ،‬بكل وسائل العلم‪ ،‬نو الباحية والتحلل‪...‬‬
‫والظروف القتصادية الت وضعتها الرأسالية ‪ -‬اليهودية أصل‪ - I‬الت ل تيسر للناس سبل‬
‫الزواج النظيف ف مرحلة الشباب البكر‪ ،‬ث تل فترة التعطل النسي بالغريات الت ل قبل‬
‫للشباب ‪ -‬ف فورته ‪ -‬باحتمالا والنصراف عن ندائها‪...‬‬

‫وسهولة الصول على الرأة‪ ،‬زميلة ف العمل وف الشارع وف دور التعليم‪...‬‬

‫وف نون ا لغراء ا لت زو‪¥‬دت ا لرأة با عن طر يق ال صحافة والذا عة وال سينما‪ ...‬ث‬
‫التليفزيون‪...‬‬

‫والب غاء ال تاح ف ج يع صوره وأ لوانه‪ ،‬من ب يوت ل لدعارة ر سية وغ ي ر سية‪،‬‬
‫ومسارح ومله› تصطاد " الزبائن " وتقدم لم البضاعة الدنسة‪...‬‬

‫والتوجيه الفكري بأن الياة خلقت للستمتاع‪ ،‬بل ضابط‪ ...‬إل الكتفاء – ولن‬
‫يدث الكتفاء! ‪ -‬وأنا فرصة واحدة إن ل يهتبلها النسان ف حينها فستمضي‪ ...‬بل‬
‫رجوع‪.‬‬

‫كل ذ لك ع مل عم له ف الاهل ية النحر فة‪ ،‬فب لغ الختلل أق صاه من ال طرف‬


‫الخر‪ ...‬من أقصى التزمت إل أقصى الندفاع‪...‬‬

‫)‪(166‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫و "تررت " الرأة‪ ...‬وترر الناس من قيود الدين والخلق والتقاليد‪ ...‬وأصبحت‬
‫الباح ية ديا نة معتر فا‪ I‬با‪ ،‬تي سرها الدو لة وت قوم با وتر خص بزاولت ها ف كل م كان‪...‬‬
‫وتند ‪ -‬تت سعها وبصرها ‪ -‬جيع القوى للدعوة إليها‪ ،‬كتبا‪ I‬وبوثا‪ I‬وقصصا‪ I‬وصحافة‬
‫وإذاعة وسينما وتليفزيون‪.‬‬

‫يقول "ول ديورانت" ف كتابه "مباهج الفلسفة"‪:‬‬

‫" إننا نواجه مرة أخرى تلك الشكلة الت أقلقت بال سقراط‪ ،‬نعن كيف نتدي إل‬
‫أخلق طبيعية تل مل الزواجر العلوية الت بطل أثرها ف سلوك الناس؟ إننا نبدد تراثنا‬
‫الجتماعي بذا الفساد الاجن‪.(60)"...‬‬

‫" وا ختراع موا نع ال مل وذيوع ها هو ال سبب البا شر ف تغ ي أخلق نا‪ ،‬ف قد كان‬
‫القانون الخلقي قديا يقيد الصلة النسية بالزواج‪ ،‬لن النكاح يؤدي إل البوة بيث ل‬
‫يكن الفصل بينهما‪ ،‬ول يكن الوالد مسئول عن ولده إل بطريق الزواج‪ ،‬أما اليوم فقد‬
‫انلت الرابطة بي الصلة النسية وبي التناسل‪ ،‬وخلقت موقفا ل يكن آباؤنا يتوقعونه‪،‬‬
‫لن جيع العلقات بي الرجال والنساء آخذة ف التغي نتيجة لذا العامل‪.(61)"...‬‬

‫" فحياة الدينة تفضي إل كل مثبط عن الزواج‪ ،‬ف الوقت الذي تقدم فيه إل الناس‬
‫كل باعث على الصلة النسية وكل سبيل يسهل أداءها‪ ،‬ولكن النمو النسي يتم مبكرا‬
‫عما كان قبل‪ ،‬كما يتأخر النمو القتصادي‪ ،‬فإذا كان قمع الرغبة شيئا عمليا ومعقول ف‬
‫ظل الن ظام القت صادي الزرا عي‪ ،‬فإنه ا لن ي بدو أ مرا ع سيا أو غ ي طبيعي ف ح ضارة‬
‫صناعية أجلت الزواج حت بالنسبة للرجال‪ ،‬حت لقد يصل إل سن الثلثي‪ ،‬ول مفر من‬
‫أن يأخذ السم ف الثورة‪ ،‬وأن تضعف القوة على ضبط النفس عما كان ف الزمن القدي‪،‬‬
‫وتصبح العفة الت كانت فضيلة موضعا للسخرية‪ ،‬ويتفي الياء الذي كان يضفي على‬
‫المال جال‪ ،‬ويفاخر الرجال بتعداد خطاياهم‪ ،‬وتطالب النساء بقها ف مغامرات غي‬
‫مدودة على قدم الساواة مع الرجال‪ ،‬ويصبح التصال قبل الزواج أمرا مالوفا‪ ،‬وتتفي‬

‫‪ 60‬ص ‪ /6‬ج ‪.1‬‬


‫‪ 61‬ص ‪ /120‬ج ‪.1‬‬

‫)‪(167‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫البغا يا من ال شوارع بناف سة الاو يات ل برقا بة ال بوليس‪ ،‬ل قد تز قت أو صال ال قانون‬
‫الخلقي الزراعي‪ ،‬ول يعد العال الدن يكم به")‪.(62‬‬

‫" ولسنا ندري مقدار الشر الجتماعي الذي يكن أن نعل تأخي الزواج مسئول‬
‫عنه‪ ،‬ول ف أن بعض هذا الشر يرجع إل ما فينا من رغبة ف التعدد ل تذب‪ ،‬ولكن‬
‫معظم هذا الشر يرجع ف أكب الظن ف عصرنا الاضر إل التأجيل غي الطبيعي للحياة‬
‫الزوجية‪ ،‬وما يدث من إباحة بعد الزواج فهو ف الغالب ثرة التعود قبله‪ ،‬وقد ناول فهم‬
‫العلل اليوية والجتماعية ف هذه الصناعة الزدهرة‪ ،‬وقد نتجاوز عنها باعتبار أنا أمر ل‬
‫مفر منه ف عال خلقه النسان! وهذا هو الرأي الشائع لعظم الفكرين ف الوقت الاضر‪،‬‬
‫غ ي أ نه من الخ جل أن نر ضى ف سرور عن صورة ن صف مل يون ف تاة أمريك ية ي قدمن‬
‫أنف سهن ضحايا ع لى مذ بح الباح ية و هي ت عرض علي نا ف ال سارح وك تب ا لدب‬
‫الك شوف‪ ،‬ت لك ا لت تاول ك سب ا لال با ستثارة الرغ بة الن سية ف الر جال والن ساء‬
‫الرومي ‪ -‬وهم ف ح”م‪²‬ى الفوضى الصناعية ‪ -‬من “حم•ى الزواج ورعايته للصحة‪.‬‬

‫"ول ي قل ا لانب ا لخر من ال صورة كآ بة‪ ،‬لن كل ر جل ح ي يؤ جل ا لزواج‬


‫ي صاحب فت يات ال شوارع من يت سكعن ف اب تذال ظاهر‪ ،‬و يد الر جل لر ضاء غرائزه‬
‫الاصة ف هذه الفترة من التأجيل‪ ،‬نظاما‪ I‬دوليا مهزا‪ I‬بأحدث التحسينات‪ ،‬ومنظما بأسى‬
‫ضروب ا لدارة العلم ية‪ ،‬وي بدو أن ال عال قد اب تدع كل طري قة ي كن ت صورها ل ثارة‬
‫الرغبات وإشباعها‪.(63)"...‬‬

‫"وأ كب ال ظن أن هذا الت جدد ف الق بال ع لى ال لذة قد ت عاون أ كثر ما ن ظن مع‬
‫ه جوم دارون ع لى العت قدات الدين ية‪ ،‬وح ي اكت شف ال شبان والفت يات ‪ -‬و قد أك سبهم‬
‫ا لال جرأة ‪ -‬أن ا لدين ي شه‪²‬ر بلذ هم‪ ،‬التم سوا ف الع لم أ لف سبب و سبب للت شهي‬
‫بالدين‪.(64)"...‬‬

‫"و لا كان زواجه ما ‪ -‬الر جل وا لرأة ف الت مع ا لديث ‪ -‬ل يس زوا جا‪ I‬بالعن‬
‫الصحيح ‪ -‬لنه صلة جنسية ل رباط أبوة ‪ -‬فإنه يفسد لفقدانه الساس الذي يقوم عليه‪،‬‬
‫ومقومات الياة‪ ،‬يوت هذا الزواج لنفصاله عن الياة وعن النوع‪ ،‬وينكمش الزوجان ف‬

‫‪()62‬ص ‪ ،127 – 126‬وا ضح أن ال كاتب يف سر ا لمور ع لى هدى التف سي ا لادي للتار يخ‪ ،‬فيف سر‬
‫التحلل اللقي بالتطور القتصادي‪ ،‬ولكنه أغفل حقيقة هامة ينبغي الشارة والتوكيد عليها‪ ،.‬إن الدولة‬
‫الشيوعية الت تلك أرزاق الناس " وتررهم " من سلطان رأس الال‪ ،.‬ل توجه الشبان ف بلدها إل‬
‫الزواج البكر الذي ينع الفساد اللقي‪ ،‬رغم أنا – فيما تزعم – رفعت لعنة الضرورة القتصادية عن‬
‫كاهل الناس! إن المر ليس تطورا‪ I‬اقتصاديا ف حقيقته‪ ،‬ولكنه توجيه مسموم لتدمي البشرية‪.‬‬
‫‪ 63‬ص ‪128 - 127‬‬
‫‪ 64‬ص ‪134‬‬

‫)‪(168‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫نفسيهما وحيدين كأنما قطعتان منفصلتان‪ ،‬وتنتهي الغيية الوجودة ف الب إل فردية‬
‫يبعثها ضغط حياة الساخر‪ ،‬وتعود إل الرجل رغبته الطبيعية ف التنويع‪ ،‬حي تؤدي اللفة‬
‫إل الستخفاف‪ ،‬فليس عند الرأة جديد تبذله أكثر ما بذلته‪.(65)"...‬‬

‫"لندع غينا من الذين يعرفون يبونا عن نتائج تاربنا‪ ،‬أكب الظن أنا لن تكون‬
‫شيئ‪I‬ا نرغب فيه أو نريده‪ ،‬فنحن غارقون ف تيار من التغيي‪ ،‬سيحملنا بل ريب إل نايات‬
‫متو مة ل حي لة ل نا ف اختيار ها‪ ،‬وأي شيء قد يدث مع هذا الفي ضان ا لارف من‬
‫العادات والتقاليد والنظم‪ ،‬فالن وقد أخذ البيت ف مدننا الكبى ف الختفاء‪ ،‬فقد ف—ق—د‬
‫الزواج القاصر – القصور ‪ -‬على واحدة جاذبيته الامة‪ ،‬ول ريب أن زواج التعة سيظفر‬
‫بتأييد أكثر فأكثر‪ ،‬حيث ل يكون النسل مقصودا‪ ،I‬وسيزداد الزواج الر‪ ،‬مباحا‪ I‬كان أم‬
‫غي مباح‪ ،‬ومع أن حريتهما إل جانب الرجل أميل‪ ،‬فسوف تعتب الرأة هذا الزواج أقل‬
‫شرا من عزلة عقيمة تقضيها ف أيام ل يغازلا أحد‪ ،‬سينهار "الستوى الزدوج" وستحث‬
‫الرأة الرجل بعد تقليده ف كل شيء على التجربة قبل الزواج‪ ،‬سينمو الطلق‪ ،‬وتزدحم‬
‫الدن بضحايا الزيات الطمة‪ ،‬ث يصاغ نظام الزواج بأسره ف صور جديدة أكثر ساحة‪،‬‬
‫وعندما يتم تصنيع الرأة ويصبح ضبط المل سرا شائعا‪ I‬ف كل طبقة يضحي المل أمرا‬
‫عارضا‪ I‬ف حياة الرأة‪ ،‬أو تل نظم الدولة الاصة بتربية الطفال مل عناية البيت‪ ...‬وهذا‬
‫كل شيء")‪.(66‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫شهادة من كاتب غرب‪ ،‬جديرة بأن تغنينا عن التعليق!‬

‫إن الفا سد ا لت ي شرحها ال كاتب‪ ،‬وا لت ن مت ف الن فس والت مع عن التح لل‬


‫النسي‪ ...‬لديرة بأن تفتح عيوننا على شناعة الاهلية الديثة ف هذا الشأن‪ ...‬النذرة‬
‫بتدمي كيان النسان ف مموعه‪ ،‬ل ف الال الضيق الذي يعرف عادة " بالخلق"!‬

‫إن هذا التحلل النسي ل يترك شيئ‪I‬ا ف النفس والتمع ناجيا‪ I‬من الفساد‪.‬‬

‫ماذا بقي بعد الصورة الكريهة النفرة الت عرضها هذا الكاتب؟! وما تدر الشارة‬
‫إل يه أن الؤ لف ك تب ك تابه هذا سنة ‪ !1929‬و نن ا لن ف الن صف ال ثان من ال قرن‬
‫الع شرين‪ ،‬قرن الاهل ية ال كبى‪ ،‬ن شاهد بأعين نا أن كل ما تن بأ به ال كاتب قد حدث‪،‬‬

‫‪ 65‬ص ‪225‬‬
‫‪ 66‬ص ‪236 - 235‬‬

‫)‪(169‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وانت شر ف كل ب قاع ا لرض‪ ،‬واست شرى ب يث ل ت عد الاهل ية ذا تا ت لك رده لو‬


‫أرادت‪ ...‬لن الزمام أفلت من أيديها‪ ،‬ول يعد لا على الفساد سلطان!‬

‫ولكن القتطفات الت نقلناها هنا ل تشر إل كل أمور الفساد! أو ل تفصلها!‬

‫وقد تدثت بالتفصيل ف كتاب "النسان بي الادية والسلم " عن هذا الوضوع‬
‫ف فصل " الشكلة النسية"‪ ...‬وتدثت عنه بالتفصيل كذلك من زاوية أخرى ف كتاب‬
‫"التطور والثبات"‪ ،‬ولن أعيد هنا ما كتبته هناك‪ ،‬إنا يكفي أن نرسم صورة سريعة لذه‬
‫الاهل ية النو نة‪ ،‬ك يف صارت ح ي انفل تت من ر باط "الن سان" ف شئون ال نس‪،‬‬
‫وارتكست إل عال اليوان‪ ...‬بغي ضوابط اليوان!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫إن الفطرة النسانية كما خلقها ال‪ ...‬ذات "معايي" و "ضوابط" تضبط منصرفات‬
‫الطا قة اليو ية و تدد م قدارها‪ ...‬فإذا انف لت الع يار‪ ،‬وبط لت ال ضوابط‪ ،‬ف لن ي كون هذا‬
‫"خي‪I‬ا " يصيب النسان ف نفسه ومتمعه‪ ،‬ولن يكسبه السعادة الت يرجوها بالنفلت!‬

‫ول فائدة ف تدي الفطرة‪ ...‬فمنطقها ف النهاية هو النطق الذي •يغ–ل“ب‪ ...‬وليس‬
‫منطق الهواء!‬

‫حي انفلت الناس من قيود الاهلية السابقة ‪ -‬التزمتة ‪ -‬وتكالبوا على متاع النس‬
‫بل حواجز ول قيود‪ ...‬ما الذي حدث ف عال الواقع؟‬

‫هل " شبعت " الشهوة بإتاحة الفرص للشباع؟‬

‫كان دعاة " الرية " والنفلت يقولون‪ :‬إن "الكبت" أو المتناع ف أية صورة من‬
‫صوره هو الذي يدث الوع النسي الذي ل يشبع‪ ،‬والشغلة الدائمة بالنس‪ ،‬الت تشغل‬
‫العصاب وتبدد الهود‪.‬‬

‫و‪ ...‬نعم‪ ،‬يدث ذلك حي يطول المتناع عن الد العقول‪ ،‬وبغي سبب معقول!‬
‫فما نتيجة الباحة بل حدود ول قيود؟‬

‫)‪(170‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫إن بلد الغرب والشرق كلها قد أباحت التاع النسي و "باركته " بإغضاء الدولة‬
‫أو ت شجيعها ال صريح‪ ،‬وإتا حة ال فرص الواقع ية لل شباع بع يد‪I‬ا عن كل ني أو ز جر أو‬
‫تويف أو ترويع‪...‬‬

‫فما بال الوعة ل تدأ بالشباع الطلق التاح؟‬

‫ما بال هذا العصر أشد العصور كلها اشتغال بأمور النس؟‬

‫كما فلما‪ ...I‬كم كتابا‪ ...I‬كم قصة‪ ...‬كم صورة خليعة‪ ...‬كم برناما‪ I‬إذاعيا‪ I‬أو‬
‫تليفزيون يا‪ ...‬كم أغن ية‪ ...‬كم حف لة عار ية أو شبه عار ية " ي ستهلكها " ال شباب من‬
‫النسي؟‬

‫وكم مرة مع ذلك ‪ -‬كم مليي من الرات ‪ -‬يقع فيها التصال النسي ف سهولة‬
‫ويسر؟‬

‫ل“م• ل—م– يشبع هذا النهم السعور؟‬

‫ل نتحدث عن "الخلق"!‬

‫نتحدث عن المن النفسي والستقرار الذي ينبغي أن يتوفر لكل نفس " إنسانية "‬
‫لا مهمة تقضيها على هذه الرض غي مهمة اليوان! ونتحدث عن "القيم" النسانية الت‬
‫ينبغي أن تع مر ق لب الن سان‪ :‬ق يم ال ياة الرا شدة ال ستعلية الاد فة الب ناءة ا لت ت سعى إ ل‬
‫"التقدم " بكل كيان النسان!‬

‫وما نتائج هذا النهم الذي ل يشبع رغم إتاحة كل الفرص له للشباع؟‬

‫هذا القلق الدائم‪ ،‬هذا الضغط العصب‪ ،‬هذا النون‪ ،‬هذا النتحار‪ ،‬هذه الرية‪...‬‬
‫أو ليس من روافدها هذا النهم السعور؟‬

‫والسرة‪...‬‬

‫ماذا أصاب السرة من إطلق الشهوة دون حدود؟‬

‫ل ت عد ال سرة را حة و سكنا‪ ،I‬وربا طا‪ I‬زوج يا‪ ،‬وأط فال ي سكون بأ يديهم الرقي قة‬
‫حبالا‪ ،‬فتتوثق وتتعمق ف الوجدان‪...‬‬

‫)‪(171‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫بل ل تعد حت ع“ش–ر•ة“ حيوان ليوان‪ ...‬فبعض اليوان يتعاشر جنساه مدى الياة!‬

‫والسبب ف ذلك ‪ -‬كما قال ول ديورانت ‪ -‬هو الباحية ذاتا!‬

‫إن الفت والفتاة يتعودان ف فترة شبابما على التعدد‪ ...‬ف الفلت الراقصة والياة‬
‫الختلطة ف البيت وف الشارع والكتب والصنع‪ ...‬والعسكرات ف الحراش والغابات‬
‫وشواطئ البحار والنار!‬

‫و "ح جة " الت عدد هي التجر بة! حت يد كل منه ما ال شخص ا لذي ينا سبه‬
‫بالضبط‪ ...‬ف كل شيء‪ ...‬حت ف توافق الرغبة النسية والزاج‪...‬‬

‫ولكن الدف ي”نسى‪ ...‬وتصبح الوسيلة هي الغاية! يصبح التعدد ف ذاته هدفا‪ ،I‬أو‬
‫على القل عادة!‬

‫ويد الشاب بعد طول التجربة فتاته‪ ...‬وتد الفتاة شريكها ف الياة‪...‬‬

‫ويضمهما البيت‪ ...‬عدة شهور! أو سنوات!‬

‫ث تفتر العلقة ول شك‪ ...‬فهي ليست علقة " إنسانية " تتأصل بدوام العاشرة!‬
‫إنا علقة جنس حيوان غالب‪ ...‬علقة جسد شهوان بسد شهوان‪ ...‬هكذا بدأت ف‬
‫أيام " الصداقة"! وهكذا استمرت ف حس الولد والبنت الرتبطي بعقدة الزواج!‬

‫ويصبح الزواج سجنا‪ I‬بليدا‪ I‬ل حركة فيه ول "مثيات"‪.‬‬

‫ويعود الولد والبنت ‪ -‬أو الرجل والرأة ‪ -‬إل ما تعوداه من قبل من "صداقات"!‬

‫إن هذه الفتاة تبدو وضيئة لمعة شهية مثية‪ ...‬لنا "جديدة " ل تذهب اللفة با‬
‫فيها من إغراء‪ ،‬كما ذهبت با تلكه الزوجة من فنون الغراء‪...‬‬

‫وإن هذا الفت ليبدو لطيفا ملوءا " بالرغبة" الت ل تطفئها اللفة بعد‪ ...‬وهو شهي‬
‫ف نظر الزوجة لنه جديد‪ ...‬وض‪²‬اء!‬

‫ومن ث يشرد الزوج والزوجة فيتخذان العشيقات والعشاق‪ ...‬أو ينفصلن!‬

‫)‪(172‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ون سبة الطلق ف أمري كا أ باحت الف جور ا لدنس إ ل أق صى حد‪ ،‬وح ته ب سلطة‬
‫التشريع‪ ،‬ووجهت إليه بكل وسائل العلم‪ ،‬وجعلته فلسفة كاملة يكتب فيها كل من يد‬
‫ف نفسه القدرة على البيان‪ ...‬نسبة الطلق هناك ف بعض الوليات ‪ -‬غي الكاثوليكية‬
‫الت تقيد الطلق ‪ -‬وصلت ‪ % 40‬من مموع الزيات‪ ...‬وهي آخذة ف الزدياد‪...‬‬

‫و كذلك هي ف دول ال شمال ف أور با‪ " ،‬أر قى " دول الاهل ية العا صرة ع لى‬
‫الطلق!‬

‫معن هذا‪...‬؟ أن حياة السرة ف طريقها إل الدمار‪...‬‬

‫والولد الشردون‪...‬‬

‫و هل يكو نون إل م شردين‪ ...‬أولئك ا لذين تنف صم عرى ما ضنهم الفطر ية‬
‫ويتوزعون بل رباط؟‬

‫فلت كن ال ضمانات " القت صادية " لؤلء ا لولد ما ت كون‪ ...‬فأين ضمانات‬
‫الشاعر؟ وطمأنينة النفوس؟‬

‫على أن للطفال مشكلة أخرى‪...‬‬

‫إن ت لك ال ياة ال فاجرة ا لت ييا ها ال غرب‪ ،‬الليئة بالثيات فوق الطا قة‪ ،‬تن ضج‬
‫مشاعر الطفال النسية قبل الوان‪ ...‬قبل أن تنضج الدارك والتجارب الت تصلح لقامة‬
‫السرة والستقرار ف الزواج‪.‬‬

‫ث تدفع تلك الياة الفاجرة بالولد والبنات الراهقي إل مارسة النس ف هذه‬
‫السن البكرة بل ضوابط تكبح الماح‪...‬‬

‫ث‪ ،‬ينتشر بينهم الشذوذ النسي!‬

‫وال شذوذ ال خذ ف الزد ياد ف كل البلد ا لت أفر طت ف إبا حة الر ية الن سية‬
‫مشكلة خطية ل تدرس هناك دراسة جادة من جيع أوجهها‪ ،‬وربا كان نقرير " كني "‬
‫عن السلوك النسي للرجل المريكي‪ ،‬والسلوك النسي للمرأة المريكية أول ماولة "‬
‫علمية " لذه الدراسة‪ ،‬ول تشرح السباب ول تقدم العلج‪.‬‬

‫)‪(173‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ول نا رأي ف هذا ال شذوذ وانت شاره ف البلد ا لت أ باحت الت صال الن سي بل‬
‫حواجز‪ ،‬والت برزت فيها الرأة حت صارت هي النس الغالب ف البيت وف التمع‪...‬‬
‫رأي أثبتناه من قبل ف الكتب السابقة‪.‬‬

‫ولكننا هنا معنيون فقط بإثبات هذه القيقة ‪ -‬كما تسجلها الشاهدة والحصاءات‬
‫العلم ية ‪ -‬وإث بات علقت ها الوا ضحة بالتح لل الن سي ا لذي أ صاب الاهل ية الدي ثة‬
‫بالسعار!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ث تيء تلك الفضائح الت أشرنا إليها ف الباب السابق ]ف الخلق[‪...‬‬

‫انيار المم وعجزها عن الصمود ف حلبة الصراع‪...‬‬

‫انتشار الفساد اللقي حت يصل إل أجهزة الكم ويعرض الدولة للخطار‪ ...‬من‬
‫ب يع ال سرار الع سكرية‪ ،‬إ ل تك ي الوا سيس من التج سس ف مقا بل ال تاع ا لدنس‪...‬‬
‫والشذوذ‪.‬‬

‫فضيحة بروفيمو ف انلترا‪ ...‬والدبلوماسيي المريكيي‪...‬‬

‫وييء تشرد الشباب وانرافه‪ ...‬فضل على شذوذه‪...‬‬

‫وتيء نذر الطر بأن شباب أكب دولتي ف الاهلية الديثة ‪ -‬روسيا وأمريكا ‪-‬‬
‫شباب منحل داعر ل يؤتن على مستقبل البلد لنماكه ف الشهوات‪...‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫إنا نذر الفطرة‪...‬‬

‫ليست السألة مصورة ف "الخلق " بعناها الضيق التعارف عليه‪.‬‬

‫إنا أوسع من ذلك جد‪²‬ا‪ ...I‬إنا مسألة هذا "النسان"‪...‬‬

‫)‪(174‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫النسان الذي تدمره الباحية التحللة‪ ،‬الرتكسة إل عال اليوان‪ ...‬بغي ضوابط‬
‫اليوان!‬

‫وف كتاب "التطور والثبات " بينت أن هذه الباحية ‪ -‬ونتائجها التمية ‪ -‬ليست‬
‫خا صة بالاهل ية الدي ثة و حدها‪ ،‬ف هي سة ل بد أن تو جد ف كل جاهل ية ع لى ظ هر‬
‫الرض‪ ،‬وجدت ف الاهلية اليونانية‪ ،‬والاهلية الرومانية والاهلية الفارسية‪ ...‬ودمرتا‪،‬‬
‫وتوجد اليوم ف الاهلية الديثة‪ ...‬وهي ف طريقها إل تدمي كيان النسان‪.‬‬

‫ول كن ينب غي أن ن قرر أن ن صيب الاهل ية الدي ثة ف عمل ية ال تدمي هذه أب شع‬
‫وأ شد‪ ...‬ل نا ل تكت في كالاهل يات القد ية بترك الف ساد يأ خذ مراه‪ ...‬وإ نا ت سانده‬
‫مساندة " علمية"!‬

‫فالنظريات والذاهب الت تبر النراف والتحلل قد وجدت ول شك من قبل ف‬


‫كل جاهلية‪ ،‬ولكنها ل تلبس الثوب " العلمي " بقدر ما لبسته ف الاهلية الديثة الت‬
‫ت”لبس الدمار ثوب العلم وتشيعه ف الناس‪.‬‬

‫وبالضافة إل ذلك وسائل العلم‪ ...‬الصحافة والذاعة والسينما والتليفزيون‪...‬‬


‫والصهيونية العالية من وراء ذلك تبارك الفساد‪ ،‬وتفرك يديها فرحا‪ I‬بتدمي " الميي"‪...‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ول نشأ أن نأخذ المر من صورته " اللقية " بعناها الضيق لن قوما‪ I‬يظنون أن‬
‫الخلق شيء آخر متلف عن "الياة"‪.‬‬

‫ولكن كيف رأينا من استعرض الواقع الذي تعيشه جاهلية القرن العشرين؟‬

‫إن ا لذي ين ظر ال ناس إل يه ع لى أ نه ف ساد خلقي م صور ف دن يا ا لخلق‪ ،‬هو ف‬


‫حقيقته فساد مدمر للنفس والتمع‪ ،‬يستشري ف واقع الياة‪...‬‬

‫والفساد ف واقع الياة هو ف النهاية فساد خلقي‪ ...‬سواء كان فسادا‪ I‬سياسيا أو‬
‫اجتماعيا أو اقتصاديا أو جنسيا ‪ -‬أو فنيا ‪ ...-‬فهو ف النهاية فساد ف الفطرة البشرية‪،‬‬
‫والخلق هي ضوابط الفطرة‪ ،‬وليست شيئا‪ I‬منفصل عنها يعيش ف عال النظريات‪.‬‬

‫)‪(175‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وهذه الاهلية الديثة‪ ...‬التعلمة التنورة الستبصرة‪ ...‬هي أكثر الاهليات عماية‬
‫عن حقيقة الفطرة‪ ،‬وعن ضوابط الفطرة الت تكو‪²‬ن الخلق‪.‬‬

‫)‪(176‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ف الفن‪...‬‬
‫الفن صورة من الياة‪ ...‬ول يلك إل أن يكون كذلك!‬

‫وأ صحاب ا لذاهب "الواقع ية" ا لذين يت صايون بأن ال فن ينب غي أن ي كون للوا قع‪،‬‬
‫وأنه ل يوجد شيء يسمى "الفن للفن"‪ ...‬أولئك ما كان لم أن يتصايوا! فالفترات ذاتا‬
‫الت كان يبدو فيها أن الفن ”ين–ش•أ من أجل الفن ل من أجل الواقع‪ ،‬كان الفن فيها يعكس‬
‫صورة " واقعية" من حياة الناس! فلول أنم ‪ -‬لسبب من السباب ‪ -‬قد رغبت نفوسهم‬
‫ف هذا اللون من الفن لا أمكن أن يوجد وأن يروج بي الناس! والرمانتيكية ‪ -‬كمثال ‪-‬‬
‫إذا كانت تثل الروب من الواقع‪ ،‬والنوح إل اليال الفرط الغريب‪ ...‬فليس ذلك لن‬
‫الفن كان للفن‪ ...‬وإنا لن الناس ف تلك الفترة من تاريهم كانوا يبون الروب من‬
‫الواقع‪ ،‬والنوح إل اليال الفرط الغريب‪!...‬‬

‫ومن ث يكون الفن ف جيع أحواله صورة من الياة‪ ...‬حت ولو كان يثل الروب‬
‫من واقع الياة!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫تلك مقدمة ل تعنينا ‪ -‬إل بقد•ر ‪ -‬ف هذا البحث! فمجالا الصيل هو النقد الفن‬
‫)‪ !(67‬ولكنا نتاج إليها هنا من حيث تعطينا الفتاح لفهم انرافات الفنون الاهلية‪ ،‬الت‬
‫تنشأ ف متمع جاهلي‪ ...‬ول تلك إل أن تنحرف مع انرافات الاهلية‪ ،‬لنا ل تلك ‪-‬‬
‫ف أية حالة ‪ -‬إل أن تكون صورة من الياة!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫أول ما يلفت النظر ف الفنون الغربية أنا فنون وثنية! ل تنشأ إل ف بيئة وثنية‪ ،‬ول‬
‫تنشئ إل إنسانا وثنيا ف ناية الطاف!‬

‫‪ ()67‬ناقشنا كثيا‪ I‬من الفاهيم الفنية‪ ،‬الستقيمة والنحرفة‪ ،‬ف كتاب "منهج الفن السلمي " وسنمر هنا‬
‫بشيء من هذه القضايا‪ ،‬ولكن مرورا‪ I‬عابرا‪ I‬با يناسب موضوع هذا الكتاب‪.‬‬

‫)‪(177‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وف هذه الفنون روائع "إنسانية" بارعة ول شك‪ ...‬روائع عميقة وعالية معا‪ ،I‬تلقي‬
‫أضواء كاشفة على أغوار النفس النسانية‪ ،‬وآمالا وآلمها ومسراتا وعذاباتا‪ ...‬وترتفع‬
‫بالشاعر النسانية إل عال رفيع‪...‬‬

‫و من أ جل هذه ا لروائع ‪ -‬ف دا خل ال فن ا لوثن ‪ -‬ظن ال ناس أن ال فن ينب غي أن‬


‫يكون وثنيا! وأن التاه الوثن ف الفنون حلية تتحلى با هذه الفنون‪ ...‬لتحسن وتود!‬

‫والمر ف هذه الروائع الفنية هو ذات المر بالنسبة لكل شيء ف الاهلية‪ ،‬ل يكن‬
‫أن يكون شرا خالصا‪ ،I‬ول يكن أن يكون خلوا من الي‪ ،‬لن النفس البشرية ل تستطيع‬
‫بجموعها ‪ -‬أن تتمحض للشر‪ ،‬ول بد ‪ -‬مهما فسدت ‪ -‬أن تظل فيها قطع من الي‬
‫متناثرة هنا وهناك‪.‬‬

‫ولكن هذا الي التناثر ل يستطيع أن يعفيها من وصمة الاهلية‪ ،‬ول يستطيع أن‬
‫يعفيها كذلك من تبعة الاهلية‪ ...‬وما يترتب على النراف من ازدياد مستمر يصل إل‬
‫البوار‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫والظاهرة الغربية ف الفن الغرب أنه ‪ -‬ف تاريه كله ‪ -‬مشغول إما " باللة " وإما‬
‫بصراع اللة والنسان! ولست أدري الن ‪ -‬فإن ل أدرس هذه الظاهرة بعد‪ ،‬وأرجو أن‬
‫يتنبه لا غيي ويدرسها ‪ -‬لست أدري إل أي حد يكن أن تكون هذه سة " بشرية" ف‬
‫النتاج الفن البشري‪ :‬أن يكون مشغول إل هذا الد بفكرت ال‪ ،‬والنسان‪ ،‬وما بي ال‬
‫والنسان من صلت )‪.(68‬‬

‫ومن أجل هذه الظاهرة ‪ -‬بصفة خاصة ‪ -‬ظهر الفساد ف الفن الغرب‪ ...‬لنه يتتبع‬
‫انرافات العقيدة خطوة خطوة‪ ...‬ويقع فيما تقع فيه العقيدة من انرافات!‬

‫منذ بدء التاريخ الورب‪ ،‬كن الفن اليونان يثل ‪ -‬حت ف "أروع" إنتاجه ‪ -‬ذلك‬
‫الصراع الكريه النفر بي اللة وبي النسان‪ ...‬وبي "القدر" وبي النسان‪.‬‬

‫‪ ()68‬ظاهر ف الفن الندي أنه مشغول " بفناء " النسان ف ال‪ ،.‬أو ف الوجود الكلي الذي يرمز إل ال‬
‫أو يل فيه ال‪ ،‬ولكن ل أتبي هذا التاه بوضوح ف الداب الخرى‪ ،‬وأرجو – كما قلت – أن‬
‫يأخذ غيي على عاتقه هذه الدراسة‪ ،‬فهي ظاهرة تستأهل الدراسة حقا‪ ،‬وربا ألقت ضوء‪Þ‬ا كاشفا‪ I‬على‬
‫تاريخ الفن ودللته‪،‬‬

‫)‪(178‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫كل السرحيات اليونانية الشهية ل تلو من آثار هذا الصراع‪...‬‬

‫النسان يريد أن يثبت ذاته‪ ،‬وهو ل يرى طريقة لثبات ذاته إل أن يصارع القدر‬
‫وي صارع ال لة‪ ...‬و ف كل مرة ‪ -‬تقري با‪ - I‬ي كون الن سان ع لى حق‪ ،‬وال قدر‪ ...‬أو‬
‫اللة‪ ...‬هي الت تتحكم فيه لغي شيء سوى شهوة التحكم‪ ،‬بل منطق واضح ول مبر‬
‫مفهوم!‬

‫وت قع الأ ساة ح ي يتح طم الب طل ‪ -‬ال صال ‪ -‬ع لى يد ال قدر‪ ،‬أو ع لى يد ال لة‬
‫البارة الت ل ترحم‪ ،‬والت تفتك بالبطل لغي معن‪ ...‬سوى عقابه على أن يتحدى اللة‬
‫البارة‪ ،‬ويريد أن يصبح إلا‪ I‬هو الخر‪ ،‬متحكما ف مصي نفسه‪ ،‬صانعا‪ I‬تاريه بيده‪...‬‬
‫غي مصيخ للقوى الارجية الت ت”خضع ببوتا النسان‪.‬‬

‫وي ظل ف نا ية الأ ساة هذا الح ساس‪ :‬أن الن سان خ ي‪²‬ر‪ ...‬ومظ لوم‪ ،‬وأن ال لة‬
‫شريرة‪ ...‬وظالة‪ ،‬وأنه ل وسيلة للصلح بي البوت الظال والي الظلوم!‬

‫وف ظل هذا التصور الاهلي نبتت ‪ -‬كما قلنا ‪" -‬روائع فنية" تلقي أضواء كاشفة‬
‫على أغوار النفس البشرية‪ ،‬وترتفع معها أحيانا‪ I‬إل آفاق عليا‪ ...‬ولكن الو السمم الذي‬
‫يعطيه ذلك الصراع‪ ،‬يفسد هذه الروعة الفنية‪ ،‬ويلقي عليها ظله الكريه‪...‬‬

‫وربا كان مفهوما‪ - I‬من حيث التحليل النفسي ‪ -‬أن يوجد مثل هذا النراف ف‬
‫طفولة البشرية الت تثلها الفرة اليونانية‪ ...‬ففي الطفولة ‪ -‬النحرفة ‪ -‬يب الطفل أن يثبت‬
‫ذاته بان يرفض اليد " العليا" الت توجهه! كأنه يس ف ظل هذه اليد الوجهة معن العجز‬
‫وال ضآلة! وأن ال شخص " ال كبي " لي ضع ل حد‪ ...‬إل ذات نف سه‪ ...‬و من ث ‪ -‬ل كي‬
‫يس أنه كبي ‪ -‬يرج على توجيه الكبار‪ ...‬ويتحداهم‪ ،‬ويس ‪ -‬حي يصل النراف‬
‫أقصاه ‪ -‬أن الكبار يريدون أن يطموه ويصغروا من شأنه‪ ...‬وكلما زاد خروجا‪ I‬عليهم‪،‬‬
‫وزادوا توجي ها‪ I‬له‪ ،‬زاد هو ن فور‪I‬ا وح قدا‪ I‬ع لى هذا ال توجيه‪ ...‬وود لو يرد ع لى هؤلء‬
‫الكبار بتحطيمهم أجعي!‬

‫هذا انراف خطر يعرفه علم النفس التحليلي معرفة وثيقة!‬

‫ولقد كان هو ذات النراف ‪ -‬أو شبيهه ‪ -‬الذي استول على النفس اليونانية ف‬
‫جاهليتها‪ ،‬فأنتجت هذا السيل من الفن ‪ " -‬الرائع" ف بعض جوانبه ‪ -‬والذي ل يسلم من‬
‫هذا الظل الكريه الذي يلقيه الصراع البشع الدائر بي اللة والنسان‪...‬‬

‫)‪(179‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وليست أسطورة بروميثيوس وحدها هي الت تشي إل هذا الصراع‪ ...‬ولكنها جلة‬
‫أساطي‪ ،‬سجلتها السرحيات اليونانية ف متلف العصور‪...‬‬

‫و هو انراف‪ ...‬حت بالنسبة للطفولة الب شرية! فليس كل طفل ي شعر بذلك نو‬
‫الك بار‪ ،‬وإ نا هو ف صورته السوية يبادلم الب‪ ،‬وقد يتأل أحيا نا‪ I‬من توجيهاهم لنا‬
‫تؤذيه ف ذات نفسه ‪ -‬والنفس بطبيعتها تكره النقد وتب الديح ‪ -‬وقد يب كذلك أن‬
‫يثبت ذاته بأن يعتمد على نفسه فيما كان يتلقى فيه العون من قبل من الكبار‪ ...‬ولكن ل‬
‫يصل المر إل القد والكراهية والرغبة ف التحطيم‪ ،‬وتصور رغبة الخرين ف تطيمه‪ ،‬إل‬
‫حي يكون ف المر انراف‪...‬‬

‫وف الاهلية اليونانية كان ذلك النراف‪ ،‬الذي انعكس ف فنهم واضحا‪ ،I‬لن الفن‬
‫صورة من النفس وصورة من الياة‪...‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫تلك سة من سات الاهلية اليونانية‪ ،‬ف الياة والفن‪...‬‬

‫و سة أ خرى هي ع بادة ال سد‪...‬ع بادة وثن ية ت عل من ال سم الم يل إ لا‪ I‬يع بد‪،‬‬


‫وتقدم له القرابي‪ ...‬ويزعم لا الزاعمون أنا ليست شهوة‪ ...‬وإنا هي فن! فن يعجب‬
‫بالنسب والبعاد؛ بالمال الرد‪ ،‬وإن كان يتجسم ف جسد إنسان!‬

‫وف الاهليات ‪ -‬من هذا النوع ‪ -‬مزاعم كثية‪ ...‬ل تثبت للتمحيص‪...‬‬

‫فواقع الياة اليونانية ‪ -‬الت زعمت أنا تعبد المال جال مردا‪ I‬من شهوة السد‬
‫‪ -‬كان هذا الواقع يعج بالباذل اللقية الت دمرت ف النهاية حضارة اليونان‪ ...‬كما أن‬
‫أساطي " الب " والمال عند الغريق‪ ،‬حافلة بذه الباذل الت يغرق فيها البشر واللة‬
‫إل الذقان!‬

‫لقد كانت إذن شهوة هذا السد‪ ،‬تتستر وراء عبادة المال!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫)‪(180‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫هذان النرافان الاهليان ف الاهلية اليونانية القدية‪ ،‬ألقيا ظلهما طويل‪ ،‬وطويل‬
‫جدا‪ ،‬على الفنون الغربية منذ عصر النهضة إل العصر الديث‪...‬‬

‫فبعد الفترة السيحية ‪ -‬القصية نسبيا ‪ -‬الت شغل الفن فيها "بالله" على الصورة‬
‫الت قدمتها الكنيسة الغربية‪ ،‬وامتد فيها ظل الاهلية اليونانية والرومانية معا‪ I‬ف تسيد الله‬
‫وعبادته ف صورة وثن حسي ملموس‪ ،‬ف التماثيل العديدة الت قامت لذا الشأن )‪ ،(69‬بعد‬
‫هذه ال فترة عادت اليلين ية م نذ ع صر النه ضة ت كم التا هات الفكر ية والفن ية حك ما‬
‫واضحا‪ I‬صريا‪ ...‬وترد الناس إل وثنية اليونان كاملة ف كل شيء‪...‬‬

‫ولقد مرت على أوروبا فترة عاشت فيها بشخصية مزدوجة‪ ،‬مسيحية وهيلينية ف‬
‫ذات الوقت‪ ،‬مسيحية ف العقيدة‪ ،‬وهيلينية ف التفكي والفن‪ ...‬ث جنحت رويدا‪ I‬رويدا‬
‫إل الوثنية الكاملة ف كل شيء‪...‬‬

‫وجاء الوقت الذي عبدت فيه أوروبا " الطبيعة " وهي هاربة من الكنيسة وإلها‬
‫الذي تستعبد به الناس!‬

‫هذه الفترة تتوافق ‪ -‬ف تاريخ الفن الورب ‪ -‬مع الركة الرومانتيكية‪ ...‬إنا مرة‬
‫أخرى فن مشغول " بالله " ولكن على انراف ف تصور الله!‬

‫إن الركة الرومانتيكية ل تكن حركة " إعجاب " بالطبيعة‪ ...‬وإنا كانت "عبادة"‬
‫للطبيعة‪...‬‬

‫وذلك هو مصدر النراف فيها!‬

‫التجاوب مع الطبيعة شعور إنسان أصيل‪ ...‬عميق ف أعماق الفطرة‪ ،‬فقد خلق‬
‫النسان وف فطرته هذا التجاوب الي‪ ²‬مع الحياء الخرين ومع الكون‪ ...‬كما خلق وف‬
‫فطرته هذا السرور الفي "بالمال"‪ :‬أبعاده ومقاييسه‪ ،‬وألوانه وظلله‪ ،‬وكل صورة من‬
‫صوره‪...‬‬

‫وإذن فل ا نراف ف "الع جاب " بال مال‪ ...‬بل هو ا لمر ال طبيعي ا لذي يع تب‬
‫غيابه نقصا‪ I‬ف الكيان البشري‪ ،‬وانرافا‪ I‬عن الفطرة السليمة‪.‬‬

‫‪ ()69‬ما هو جدير بالذكر أنه بعد احتكاك السيحيي بالسلمي ف العصور الوسطى قامت ف أوروبا‬
‫الركة الشهية العروفة بركة تطيم التماثيل‪ ،‬الت كان رائدها ليو الثالث ‪ The Iccnoclast‬ف القرن‬
‫الثامن‪ ،‬واستمرت مائة وعشرين سنة من تاريخ الكنيسة الوروبية‪ ،‬ولكنها ل تستطع أن تتغلب على‬
‫هذه الرغبة الوثنية ف تصوير " الله " ف صورة مسوسة!‬

‫)‪(181‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ولكن " عبادة " المال ‪ -‬ف أية صورة من صوره ‪ -‬هي انراف وثن‪ ،‬ل تلجأ‬
‫إليه الفطرة السليمة‪ ،‬الت تعبد ال خالق المال‪ ،‬وتعبده من خلل العجاب بالمال‪،‬‬
‫ولكنها ل تعل عبادته ف داخل هذا الوثن الذي اسه المال!‬

‫وفرق بي الثني واسع كبي!‬

‫وكل الكلم "الميل" العسول الذي قيل لتبير هذه الوثنية‪ :‬أن الطبيعة "مراب"‬
‫ال‪ ،‬أن المال " صورة ال‪ ،‬أننا نعبد ال ف خلقه‪ ...‬إل آخر هذه المل "الرومانتيكية"‬
‫الباقة‪ ...‬كل هذا الكلم ل يستطيع أن يفي تلك الروح الوثنية الغارقة ف الوثنية‪ ،‬الت‬
‫تعبد " السوس" ف حقيقة المر‪ ،‬لنا تعجز عن إدراك "ال" بالروح‪ ...‬والروح غنية عن‬
‫السوسات!‬

‫وقد كانت الرومانتيكية ‪ -‬بذا العن ‪ -‬حركة وثنية منحرفة‪ ...‬بصرف النظر عما‬
‫يراه فيها "الواقعيون" من أنا كانت منحرفة لنا ل تعيش ف "الواقع" ولنا تثل حركة‬
‫هروب من الياة )‪.(70‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫و من الرومانتيك ية " النحر فة")‪ (71‬انتق لت أورو با إ ل جاهل ية فن ية جد يدة‪ ...‬هي‬
‫"الواقعية " النحرفة!‬

‫وكان ذلك ‪ -‬مرة أخرى ‪ -‬يثل تول ف العبادة‪ ،‬وتول ف الله!‬

‫بطلت عبادة الطبيعة‪ ...‬حي كشفت " أسرارها " وسيطر العال النسان عليها ‪-‬‬
‫ك ما ت صورت أورو با ‪ -‬وبردت حرار تا‪ ...‬وانت قل الن سان إ ل ع بادة جد يدة ف ظل‬
‫النقلب الصناعي‪ ،‬والفتنة بالعلم ومترعاته‪ ،‬والفتنة بقدرة "النسان"‪.‬‬

‫‪ ()70‬سبق أن بينا ف مقدمة الديث عن الفن أن الرومانتيكية ل تكن انراف‪I‬ا عن " الواقع "! فقد كان‬
‫الواقع ف تلك الفترة هو " الروب"‪ ،.‬الروب من الكنيسة ومظالها‪ ،‬والقطاع ومظاله‪ ،.‬وكل الواقع‬
‫السيئ الذي كانت تعيشه أوروبا‪ ،‬وتعجز – ف ذلك الي – عن تغييه‪ ،‬فهي إذن واقعية ف تصوير‬
‫الالة النفسية للناس ف وقتها‪ ،‬وتضيف هنا أنا كانت واقعية أيضا‪ I‬ف تصوير " عبادة الطبيعة " الت لأ‬
‫الناس إليها هروبا‪ I‬من إله الكنيسة‪ ،‬ولكن النراف القيقي فيها هو هذه الوثنية الت تول عبادة ال إل‬
‫عبادة السوس‪.‬‬
‫‪ ()71‬منحر فة بال قاييس ا لت بينا ها ف هذا الف صل‪ ،‬ل بالقاي سس الفن ية الوروب ية ا لت ل تدرك ما ف‬
‫طبيعتها من انراف!‬

‫)‪(182‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وكانت العبادة الديدة هي عبادة النسان!‬

‫ل قد آن أن ين فض الن سان عن نف سه ع بادة " ا ل"‪ ،‬ا لت اعتنق ها ف فترة جه له‬


‫وعجزه‪ ،‬وأن يصبح هو ال!‬

‫ومرة أخرى تتبع الفن الغرب الله الديد‪ ...‬فوجه اهتمامه ‪ -‬بدل من الطبيعة ‪-‬‬
‫إل النسان!‬

‫ومرة أخرى نقول إن "الهتمام " بالنسان ليس ف ذاته انرافا‪ ...‬ف الفن أو ف‬
‫وا قع ال ياة‪ ،‬ف من ا لمور الطبيع ية البديه ية أن يه تم الن سان بنف سه‪ ،‬وبت صوير ح ياته‬
‫وانفعالته‪ ،‬ومشاكله وصراعاته‪ ،‬وجهاده وكدحه على وجه الرض‪...‬‬

‫ولكن النراف هو "عبادة " النسان‪.‬‬

‫وقد كان اهتمام الفن الوروب بالنسان ف هذه الفترة " تديا " للله!‬

‫فل يس ا لمر مق صورا ع لى إب عاد ا ل الب تة من مال ال فن‪ ،‬وتر ي ال شاعر الدين ية‬
‫والفكار "الستقيمة" على الو الفن‪ ،‬بل تعداه إل السخرية العنيفة ‪ -‬القصودة ‪ -‬بكل‬
‫شعود دين‪ ،‬وبكل توجه إل ال!‬

‫ول يكن المر كذلك مقصورا على السخرية " برجال الدين " النحرفي‪ ...‬ففي‬
‫وسع الفنان أن يسخر ما شاء من "رجل الدين " النحرف‪ ،‬ليعيد للدين القيقي وقاره‪،‬‬
‫ويرسخه ‪ -‬ف صورته الصافية ‪ -‬ف قلوب الناس ووجدانم‪.‬‬

‫ول كن فن هذه ال فترة ل ي كن ي سخر بر جل ا لدين ل يد ل لدين ال صحيح اعت باره‬


‫وصفاءه وقداسته‪ ...‬وإنا هو يستتر وراء رجل الدين‪ ،‬ليسخر ف القيقة من مفاهيم الدين‬
‫كلها‪ ،‬ومن "سذاجة" اليان بال!‬

‫وانت شر ا لدب "ال لادي" ف كل ا لرض‪ ...‬أدب مل يء بالتو قح ع لى ا ل‪،‬‬


‫والسخرية من عبادة ال‪ ...‬وسي هكذا " تررا فكريا " ليس غي‪!...‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫)‪(183‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ولكن ف ذات الوقت كان تياران جاهليان آخران يرفان الفن " الواقعي" ف طريق‬
‫النراف‪.‬‬

‫التفسي اليوان للنسان‪ ...‬والتفسي النسي للسلوك‪.‬‬

‫التفسي اليوان للنسان ألقى ظله على لون من الفن الواقعي ساه أصحابه الفن‬
‫"الطبيعي"‪ ...‬يصور النسان مموعة من السفالت متدة بغي حد! فالنسان سافل بطبعه‪،‬‬
‫د نء‪ ،‬ما تل‪ ،‬مادع‪ ،‬انت هازي ل م بادئ له ول أخلق‪ ،‬وإ نا هو يل جأ إ ل "الت ظاهر"‬
‫بالخلق والبادئ نفاقا‪ ...‬من أجل التمع! ‪ -‬ول يقل أحد من هؤلء الناس جيعا لاذا‬
‫يترضى الن سان الت مع " بالت ظاهر " با لخلق وال بادئ! أ ل تكن لذه ال ظاهرة ‪ -‬ع لى‬
‫فرض صحتها ‪ -‬دللة ما على كيان النسان؟! ‪-‬‬

‫والتف سي الن سي لل سلوك أن شأ " ف نا " كامل قائ ما بذاته‪ ...‬ا لدب الك شوف‪،‬‬
‫وال صور العار ية‪ ،‬وال سينما العار ية‪ ،‬والق صة العار ية‪ ،‬والغن ية ا لثية‪ ،‬والنك تة ال صورة‬
‫العريانة‪ ...‬و‪...‬‬

‫وراج هذا " الفن"‪ ...‬أو "ر”و‪¥‬ج " كما ل يدث قط ف التاريخ‪.‬‬

‫وكانت وراء ذلك الصهيونية العالية تدمر كيإن "الميي"‪.‬‬

‫ولكن " النرافات " ل تقف عند حد‪.‬‬

‫ل بد أن يتبع الفن كل انرافات التصور وانرافات السلوك‪ ...‬لنه ‪ -‬ف كل حالة‬


‫من حالته ‪ -‬صورة من الياة‪.‬‬

‫إن "الزئية" الت وست بطابعها التصور النسان للنفس البشرية‪ ،‬قد ألقت ظلها‬
‫كذلك على الفنون‪.‬‬

‫ف من نظر يات فرو يد عن الع قل ال باطن ‪ -‬وأ نه هو ‪ -‬ل الع قل ا لواعي ‪ -‬حقي قة‬
‫النسان ‪ -‬نشأت السريالية ف الدب والفن‪ ،‬ونشأ الفن التجريدي‪ ...‬وغيه من "تقاليع "‬
‫الفن الديث‪ ...‬كلها تقوم على أساس أن العقل الواعي هو الزء الزور من النسان‪،‬‬
‫ا لذي ل ي ثل حقيق ته الباطن ية العمي قة ال صيلة! وإ نا يثل ها ف قط ذ لك الع قل ال باطن‪" ،‬‬
‫النكوش " غي الرتب‪ ،‬الذي يقبع ف أعماق النسان!‬

‫وهو انراف ظاهر البطلن‪.‬‬

‫)‪(184‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ف ما ا لذي ي نع ‪ -‬ف الن طق الن سان ‪ -‬أن ي كون الع قل ال باطن وا لواعي م عا‪ I‬ها‬
‫النسان؟!‬

‫وت لك حقي قة أول ية ب سيطة عرف ها الن سان م نذ حاول أن ي عرف نف سه‪ ،‬ق بل أن‬
‫يتفلسف فرويد‪ ،‬ويأت بذا العجب العجاب! فقد عرف النسان أن له "أفكارا " منظمة‬
‫مرت بة‪ ،‬و "م شاعر " غ ي منطق ية ول مرت بة بن طق ا لذهن‪ ...‬وأن هذه وت لك م عا‪ I‬تكو‪ ²‬نان‬
‫النسان!‬

‫و من " الفرد ية " النحر فة ن شأت الف نون ا لت تارب " الت مع " و تاول هدمه‬
‫وتطي مه‪ ...‬و ف م قدمتها الوجود ية‪ ...‬ا لت ت قوم ع لى ع بادة " ال فرد"‪ ،‬وأ نه هو و حده‬
‫الكم فيما يأت من المر‪ ،‬ليس لحد ‪ -‬من "التمع" ‪ -‬أن يدد له مفاهيمه‪ ،‬أو أخلقه‪،‬‬
‫أو تقاليده‪ ،‬أو عقائده‪ ،‬أو تصرفاته‪ ،‬أو سلوكه‪ ...‬ول تنظر هذه الوجودية المقاء كيف‬
‫ي صي ذ لك " ال فرد " ال قدس ذا ته ح ي ين هار " الت مع " وي صبح مرد " أ فراد"‪ ...‬كل‬
‫منهم يك¡م هواه‪ ،‬بل ضابط‪ ،‬ول عرف‪ ،‬ول معيار ثابت للشياء!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ومن التطور الذي " يبط خبط عشواء " والكون الذي وجد " مصادفة " والوجود‬
‫الذي " ليس له غاية ول خالق مدبر"‪ ...‬نشأ فرع آخر من "الوجودية"‪ ،‬يثل " الضياع"!‬

‫واسأل إن شئت كيف يتمثل " الوجود" ف "الضياع"!‬

‫اسأل الوجودي‪ " ²‬الكبي " ألبي كامو‪ ...‬الذي يصور حية النسان إزاء الكون‪...‬‬
‫و شعوره بال ضياع وال ضآلة والق لق وال ضطراب‪ ،‬لنه ل "حك مة " وراء و جوده ول‬
‫"تدبي"‪...‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ث انرف الفن انرافا جذريا آخر‪ ...‬وراء " العبود " الديد!‬

‫لقد بطلت ‪ -‬أو أخذت تبطل ‪ -‬عبادة النسان‪ ...‬وتلتها عبادة اللة الديدة‪...‬‬
‫التميات‪...‬‬

‫)‪(185‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫واته الفن‪ ،‬الشغول بالله العبود بصورة ظاهرة‪ ...‬اته إل عبادة التميات‪ ،‬يفسر‬
‫من خللا النسان‪.‬‬

‫ل ي عد الن سان ف ذا ته هو مو ضوع ال فن‪ ...‬ف ا لذاهب الدي ثة ا لت ت سمى‬


‫الذاهب الجتماعية وما شابه ذلك من الساء )‪ ،(72‬وإنا صار النسان مرد إطار لللوهية‬
‫الديدة‪ ،‬تدرس من خلله التمية الجتماعية أو التمية القتصادية أو التمية التاريية‪...‬‬

‫فحياة النسان شيء ثانوي ف هذا الفن‪ ،‬والشيء الرئيسي هو "الطور " الجتماعي‬
‫أو القت صادي أو ال تاريي‪ ،‬ا لذي ي صوغ هذه ال ياة‪ ،‬وال ناس مرد أ شباح ترك ها هذه‬
‫التميات كرها‪ I‬عنها لتضعها ف مكانا التمي من الصورة‪ ،‬ل إرادة لا ف تصرفاتا ول‬
‫اختيار‪...‬‬

‫وصارت هذه التميات هي "الق—د•ر " الديد الذي يسي حياة النسان‪.‬‬

‫ولك نه ف هذه ا لرة ل يس ال قدر اليو نان ال قدي‪ ،‬الغ ي‪²‬ب عن الع ي‪ ،‬والغ ي‪²‬ب عن‬
‫الدراك‪ ،‬إنه قدر مدر•ك‪ ،‬منظور‪ ،‬يقاس بالنوع والكم‪ ،‬والطوال والبعاد‪ ...‬ومع ذلك‬
‫ي قوم ب ي الن سان وبي نه ذات ال صراع ا لذي كان ي قوم ب ي الن سان و قدر ا لغريق‬
‫ال قدماء‪ ...‬مع ال فارق‪ ...‬أن ال لة التم ية ه نا ع لى حق في ما تف عل‪ ...‬ل ت بط خ بط‬
‫عشواء! ومع فارق آخر أسوأ‪ :‬إن "النسإن "ل يعد يصارع ليثبت ذاته‪ ،‬فقد ضاع ‪ -‬ف‬
‫ظل هذه التميات ‪ -‬وجود النسان! وإنا يصارع لنه غلطان!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ف ظل هذه السلسة التوالية من النرافات الاهلية أنتج الفن الورب روائع إنسانية‬
‫بارعة‪!...‬‬

‫ولكنها روائع مشوهة بسبب ذلك النراف!‬

‫إن ما فيها من روعة الداء ‪" -‬التكنيك" ‪ -‬ومن روعة التصوير لوانب من النفس‬
‫البشرية ودقائق الياة ليأخذ النسان‪ ...‬فيتمن أن لو كانت سلمت من هذه النرافات‬
‫الاهلية الت تفسد ما فيها من جال!‬

‫‪ ()72‬ا لدب " ال لتزم " مذهب من مذاهب الاهل ية الدي ثة! ي لتزم بالتف سيات الاد ية للح ياة الب شرية‬
‫ويسمى ذلك التزاما‪ " I‬بالقيم " الجتماعية!‬

‫)‪(186‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ول شك أن قلة منها قد نت من لعنة النراف‪ ...‬فما يكن ‪ -‬كما كررنا مرارا‬
‫من قبل ‪ -‬أن تتمحض النفس البشرية للشر‪ ،‬ول يكون فيها خي على الطلق‪...‬‬

‫هذه الق لة ال نادرة هي ال فن القي قي ال صاف‪ ،‬ا لدير بالوجود ف سجل الب شرية‬
‫الفن‪...‬‬

‫ولكن كثرة من "الروائع " قد لوثها النراف من هنا ومن هناك‪ ،‬فصارت كالوجه‬
‫الم يل ا لذي شوهته آ ثار " ماء ال نار"! تس أ نه " كان "جيل‪ ،‬و ترى ف يه موا ضع‬
‫التشويه‪...‬‬

‫أما غي الروائع‪ ...‬وهي من حيث الكم الزء الكب من الفن الغر ب العاصر ‪-‬‬
‫ومن كل فن! ‪ -‬فالبضاعة الصلية فيها ليست المال‪ ،‬وإنا النراف!‬

‫ا لدب الن سي ك له‪ ...‬ا لذي ي صور ال ياة كل ها كأ نا ل ظة ج نس طاغ ية‬


‫مسعورة‪ ...‬ل هو فن ول جال‪ ...‬ول حقيقة! فليست القيقة البشرية هي ذلك السعار!‬

‫وا لدب " الت هوس " ك له‪ ...‬ا لذي ي صور هلو سة الع قل ال باطن ع لى أ نا حقي قة‬
‫النسان‪ ...‬ل هو فن ول جال ول حقيقة‪ ...‬فليست حقيقة النسان هلوسة بل دليل!‬

‫وأخي‪I‬ا جاء الل معقول!‬

‫إنه قمة البل الورب ف عصره الديث!‬

‫جاء نتيجة اليأس القاتل من كل " التجارب " البشرية النحرفة عن منهج ال!‬

‫ل قد جر بت ت لك الب شرية ال ضالة كل أ نواع الت جارب بع يدا‪ I‬عن من هج ا ل‪...‬‬


‫فأعثرتا!‬

‫جر بت الاد ية الطاغ ية‪ ...‬وجر بت الرأ سالية الطاغ ية‪ ...‬وجر بت ال شيوعية‬
‫الطاغية‪ ...‬وجربت الفردية الطاغية‪ ...‬وجربت الماعية الطاغية‪...‬‬

‫وكل هذه التجارب ل تنح البشرية الدوء والطمأنينة واليقي‪...‬‬

‫من أجل ذلك كفرت بذه التجارب كلها الت أنشأها "العقل" البشري‪...‬‬

‫)‪(187‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وارتدت إل الل معقول!‬

‫سواء كانت العاطفة الامة الت ل يسكها دليل العقل‪ ،‬أو اللوسة الباطنية الت ل‬
‫يكمها التفكي النظم‪ ...‬أو‪...‬؟ كلها انفلت من العقول إل الل معقول‪...‬‬

‫و هي جاهل ية جد يدة‪ ...‬ل نا ل "ت تدي " إ ل يق ي ت فر إل يه من الق لق وال ية‬


‫والضطراب والشكوك!‬

‫وتلك هي صفحة الفن الغرب‪ ...‬بكل " روائعه " الرموقة‪...‬‬

‫صفحة من الاهلية التصلة من لدن جاهلية اليونان إل جاهلية القرن العشرين!‬

‫و هي ‪ -‬ك كل شيء ف هذه الاهل ية ‪ -‬برا عات فائ قة ولكن ها مضيعة‪ ...‬مضيعة‬
‫لنا ل تعرف سبيل الرشاد!‬

‫ول يكن الفن قادرا‪ - I‬ف ظل الاهلية الطاغية ‪ -‬أن ينجو بنفسه‪ ،‬ويسي بعيدا‪ I‬عن‬
‫النراف‪...‬‬

‫فالفن ‪ -‬ف جيع حالته ‪ -‬صورة من الياة!‬

‫)‪(188‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ف كل شيء‪!...‬‬
‫ماذا بقي ف هذه الاهلية بل انراف؟!‬

‫لقد تتبعناها ف كل مال من مالتا‪ ...‬ف النفس والتمع‪ ...‬ف السياسة والقتصاد‬
‫والجتماع‪ ...‬ف الخلق والفن‪ ...‬ف التصور والسلوك‪ ...‬فهل أبقت شيئا من حياة‬
‫النسان ل يتطرق له الفساد؟!‬

‫شيء واحد يبهر الناس بشدة ف هذه الاهلية‪...‬‬

‫إنه العلم‪ ،‬والتيسيات الضخمة الت أدخلها العلم على حياة النسان‪ ،‬والمكانيات‬
‫الضخمة الت فتح الع لم مالا أمام النسان‪ ...‬والتنظي مات الائلة الت أقدر العلم عليها‬
‫النسان‪...‬‬

‫من أجل ذلك ي”قبلون على هذه الاهلية وينهلون من منابعها‪ ...‬متصورين ‪ -‬ف‬
‫و هم جاهلي ضخم ‪ -‬أ نه ما دام الع لم صاعدا ومتقدما‪ ،‬فال ياة الب شرية كلها ل بد أن‬
‫تكون صاعدة ومتقدمة‪ ،‬وسائرة على صواب!‬

‫وهم من أوهام الاهلية‪ ...‬له أمثال كثية ف التاريخ‪.‬‬

‫ف كل جاهل ية ذات ح ضارة‪ ،‬كانت ت ظن أن ح ضارتا ‪ -‬النحر فة ‪ -‬هي ال ي‬


‫والبكة والرتفاع الذي ليس وراءه ارتفاع‪.‬‬

‫و كانت النتي جة التم ية وا حدة ف النها ية‪ ...‬ا نارت ت لك ال ضارات‪ ...‬أو ت لك‬
‫الاهليات‪ ،‬بكم ما فيها من جاهلية وانراف‪.‬‬

‫و "العلم" ليس نتاج الاهلية!‬

‫العلم خط بشري صاعد أبدا ل يتوقف ‪ -‬إل نادرا ‪ -‬ف خط سي البشرية!‬

‫و هو طاقة ما يدة‪ ...‬ل توصف ‪ -‬ف ذاتا ‪ -‬بالي ول بال شر‪ ،‬ولكنها تع مل ف‬
‫خدمة " السيد " الذي يسيطر عليها‪ ،‬و "تتقدم " بالي وبالشر سواء!‬

‫)‪(189‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫إن الدافع الكب للعلم هو الطبيعة البشرية ذاتا كما خلقها ال مبة للمعرفة‪ ،‬تواقة‬
‫إل القوة‪ ،‬متطلعة إل الزيد من السيطرة على طاقات الكون‪.‬‬

‫وهو بذا بعيد عن مكان الي والشر ف كيان النسان‪.‬‬

‫إنه كامن ف "عقله " ل ف "ضميه"‪.‬‬

‫والعقل ل يتوقف ‪ -‬إل نادرا ‪ -‬ف خط سي البشرية!‬

‫ولذلك يتقدم العلم ول يتوقف‪ ،‬ف الدى وف الضلل سواء!‬

‫إنا الذي يتأثر بالدى والضلل هو الطريقة الت يستخدم فيها العلم‪ ،‬والال الذي‬
‫يستخدم فيه!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫يب الفصل إذن بي العلم وبي الاهلية‪...‬‬

‫ل الع لم من من شآت هذه الاهل ية حت ي” ح–ر•ص علي ها من أج له‪ ،‬ول هو عر ضة‬


‫للتوقف إذا انارت هذه الاهلية وحل ملها منهج ال!‬

‫ولقد عرفت البشرية من قبل منهج ال‪ ،‬فكان هو ذاته الذي بعث العلم من شتاته‬
‫ال ضائع‪ ،‬وحر كه أ كب حر كة ف تار يخ الع لم يومئذ‪ ...‬الر كة ا لت وج هت أور با ‪-‬‬
‫باحتكاكها بالسلمي ف الغرب والندلس ‪ -‬إل الذهب التجريب‪ ،‬وكل ما نتج عنه بعد‬
‫ذلك من نتائج باهرة ما تزال ف الزدياد!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ليس العلم من نتاج الاهلية الديثة‪ ...‬بل الاهلية الديثة هي الت توجهه ف سبيل‬
‫الشر وف سبيل التدمي!‬

‫)‪(190‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫إنا هو نتاج " بشري " ضارب بذوره ف التاريخ‪ ،‬ظلت تسلمه أمة إل أمة حت‬
‫وقع اليوم ف يد أوربا‪ ،‬ففتحت به فتوحا ضخمة‪ ،‬ولكنها كذلك انرفت به عن السبيل‪،‬‬
‫فأفسدت الخلق وهددت العال بالتدمي‪...‬‬

‫فإذا أخرج نا الع لم من ح صيلة الاهل ية الدي ثة‪ ...‬ف لن يب قى لا إل الاهل ية‬
‫العمياء‪...‬‬

‫هناك ‪ -‬حقا ‪ -‬خي متناثر ف كل الرض‪...‬‬

‫ه ناك تقي قات متل فة لك يان الن سان‪ ...‬ف السيا سة والقت صاد والجت ماع‬
‫وا لخلق وال فن‪ ...‬ه ناك عدا لة جزئ ية وف ضائل جزئ ية ومكا سب جزئ ية ح صل علي ها‬
‫النسان‪...‬‬

‫وهي ضخمة ف ظاهرها‪ ...‬لن كل شيء ف العصر الديث يتسم بالضخامة‪.‬‬

‫ولكن القياس القيقي لقدارها ينبغي أن يكون بالقياس إل الشر الستشري ف كل‬
‫الرض‪ ،‬والظلم الطاغي ف كل مكان‪...‬‬

‫وينبغي أل ننسى ‪ -‬ف ظل الي التناثر ‪ -‬رغم ضخامته ‪ -‬مدى هذا الشر الغائل‬
‫لكيان النسان‪...‬‬

‫فلنتذكر‪...‬‬

‫دكتاتور ية رأس ا لال ودكتاتور ية البوليتار يا‪ ،‬و ما يفر ضانه من الذ لة ع لى ك يان‬
‫النسان‪.‬‬

‫اللكية الطاغية الت تستعبد غي الالكي‪ ...‬وانتزاع اللكية الطاغي الذي يستعبد غي‬
‫الالكي!‬

‫الفردية الطاغية الت تدمر التمع‪ ...‬والماعية الطاغية الت تسحق كيان الفرد‪...‬‬

‫التدهور الستمر ف الخلق‪...‬‬

‫الفساد الادث ف علقات النسي‪ ،‬وما ينشئه ف النفس والتمع من شقاء بالغ‬
‫وقلق واضطراب‪ ،‬ف حياة الرجل والرأة والطفال‪.‬‬

‫)‪(191‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫التوجيه الفاسد ف الفن‪ ،‬الذي يعود فينعكس على النفس فيفسدها‪...‬‬

‫الـ‪ ...‬الـ‪...‬‬

‫ل شيء نا من هذا الطغيان‪...‬‬

‫والي التناثر ف كل الرض‪ ...‬على ضخامته‪ ...‬جد ضئيل حي يقاس إل هذا‬


‫الشر‪...‬‬

‫فتات يتساقط من أيدي الطاغوت‪ ،‬ليلهي البشرية! وليبقي الطاغوت ‪ -‬وحده ‪-‬‬
‫مستمتعا‪ I‬بميع النافع‪ ...‬وبالسلطان!‬

‫على أن هناك أمرا‪ I‬خطيا‪ I‬ف شأن الاهلية الضاربة اليوم ف أعماق الرض‪...‬‬

‫فسواء رضي الناس بالعبودية للطاغوت واستكانوا إليه‪ ،‬أم سخطوا استعداد‪I‬ا لزالته‬
‫من على كاهلهم‪ ...‬فمصي الاهلية الطاغية ليس متروكا لختيار الناس!‬

‫هنالك " حتميات" ف أقدار الناس‪ ...‬حتميات حقيقية لنا من صنع ال‪.‬‬

‫ومن هذه التميات أن هذه الاهلية ل تستيطع أن تبقى إل البد مسيطرة ع لى‬
‫أقدار الناس‪ ...‬فإنا ‪ -‬ل بد ‪ -‬ستنهار‪...‬‬

‫تنهار بكم ما فيها من شر غالب‪ "...‬س”̃نة— ال‪œ‬له“ ف“ي ال‪œ‬ذ“ين• •خل—و–ا م“ ن– —قب– ل‪ ¤‬و•ل— ن– •تج“د‬
‫س̃ن “ة الل‪œ‬ه“ •تب–د“يل"‪.‬‬
‫ل“ ”‬

‫ولكن سنة ال الت فرضت انيار الاهلية ‪ -‬بصورة حتمية ‪ -‬لا فيها من شر‪ ،‬ل‬
‫تفرض أن يعقبها ‪ -‬آليا ‪ -‬حكم الي!‬

‫إنا " الناس " هم الذي يتارون لنفسهم ما يل بم بعد انيار الطاغوت‪ ...‬إما‬
‫الدى وإما الضوع ل طاغوت آ خر‪ ،‬يتلقف ال شاردين ف الاهلية بعيدا‪ I‬عن منهج ال‪،‬‬
‫في ستعبدهم بالطغ يان‪ ...‬ك ما ا نار طاغوت الرأ سالية ‪ -‬أو كاد ‪ -‬فتل قف م نه طاغوت‬
‫الماعية ما كان بيده من سلطان!‬

‫"إ“ن‪ œ‬ال‪œ‬له• ل ي”غ•‪¥‬ير” م•ا ب“ق—و–م› •ح̃تى ”يغ•ي‪¥‬ر”وا م•ا ب“أ—ن–ف‪¤‬س“ه“م–"‪.‬‬

‫)‪(192‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫من أجل ذلك كان ل بد للناس أن يفكروا لنفسهم‪ ...‬قبل النيار! هل يعدون‬
‫أنفسهم لطاغوت آخر أم يبحثون عن العلج‪...‬‬

‫وما العلج؟!‬

‫)‪(193‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ل بد; من الس'لم!‬
‫حي قال برتراند راسل كلمته الشهورة‪" :‬لقد انتهى العصر الذي يسود فيه الرجل‬
‫البيض‪"...‬ل يكن " يتنبأ " بنبوءة‪ ...‬وإنا كان يقرر حقيقة واقعة ف الرض‪ ،‬حقيقة كان‬
‫الفيل سوف العا صر " يرا ها " بذهنه ال ثاقب‪ ،‬وإن كان ل يرا ها ا لدهاء من الب شر ع لى‬
‫سطح الرض‪ ،‬وف مقدمتهم دهاء " الثقفي"!‬

‫والقيقة الت كان يراها ذلك الفيلسوف ‪ -‬وإن كانت رؤية جزئية غي كاملة‪ ،‬لنه‬
‫هو ذاته يعيش ف ظل الاهلية الديثة‪ ،‬ويتأثر بفاهيمها وتياراتا ‪ -‬هذه القيقة هي أن‬
‫هذه الاهلية كلها تؤذن بالنيار‪...‬‬

‫إن حضارة " الرجل البيض " قد أخذت مداها من البوط والنراف‪ ...‬ومن ث‬
‫فل بد لا أن تنهار‪...‬‬

‫ولكن انيارها ‪ -‬كما قلنا ف ناية الفصل السابق ‪ -‬ل يترتب عليه ‪ -‬آليا ‪ -‬أن‬
‫يكم الي مقادير البشرية!‬

‫إن انيار الاهلية ‪ -‬أي جاهلية ‪ -‬يترتب عليه فقط أن يتيح الفرصة للناس‪ ،‬ليقيموا‬
‫حياتم على الي‪ ...‬حي يهتدون إل منهج ال‪ ،‬ويؤمنون بأنه الق من ربم‪ ،‬وأنه سبيل‬
‫اللص‪...‬‬

‫فإذا ل ينتهز الناس هذه الفرصة‪ ...‬ول يسعوا سعيا‪ I‬جادا إل إقامة منهج ال ف‬
‫ا لرض‪ ...‬ف لن ي كم ال ي ‪ -‬آل يا ‪ -‬ف ح ياة ال ناس‪ ...‬وإ نا ينتق لون من جاهل ية إ ل‬
‫جاهلية‪ ،‬ومن طاغوت إل طاغوت جديد‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫غي أننا نرى ف هذه الرة أنه ل مال للختيار!‬

‫ل قد جر بت الب شرية ف هذ الاهل ية الدي ثة كل ن ظام ي كن أن ي طر ف بال‬


‫النسان‪ ...‬الفردية والماعية‪ ...‬الرأسالية والشيوعية‪ ...‬اللكية والل ملكية‪...‬‬

‫)‪(194‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وجربت التاع السي النطلق بل غاية‪ ...‬ف الأكل والشرب والسكن واللبس‪...‬‬
‫والنس‪...‬‬

‫وجربت اليان بكل " إله" من صنع النسان‪ ...‬والنسان التأله‪ ...‬واللاد بكل‬
‫إله‪...‬‬

‫ث‪...‬؟‬

‫ث ازدادت مع كل تر بة حي تا و شقاؤها وا ضطرابا وخلخ لة روابط ها‪ ...‬حت‬


‫جنت أو كادت تن!‬

‫ومن ث‪ ...‬فلم يعد هناك مال للختيار!‬

‫إما ال‪ ...‬وإما النيار!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ولسنا نتنبأ با يدث غدا‪ I‬للبشرية‪...‬‬

‫" ‪¤‬ق ل™ ل •يع–ل— م” م• ن– ف“ي ال س˜م•او•ات“ و•ال™أ—ر– ض“ ا™لغ•ي– ب• إ“ل‪œ‬ا ال‪œ‬ل ه”"‪ " ،‬و•م•ا ت•د–ر“ي ن•ف™ س‪ Ï‬م•اذ—ا‬
‫•تك™س“ب” غ—دا"‪.‬‬

‫ولكننا فقط نستقرئ سنة ال‪" :‬س”̃ن —ة ال‪œ‬له“ ف“ي ال‪œ‬ذ“ين• خ•ل—و–ا م“ن– —قب–ل‪ ¤‬و•ل—ن– •تج“د• ل“س”̃نة“ الل‪œ‬ه‬
‫•تب–د“يل"‪.‬‬

‫و سنة ا ل توحي ‪ -‬ب عد هذه الت جارب الر يرة ا لت مرت با الب شرية ف الاهل ية‬
‫الديثة ‪ -‬بأنه إما الدى وإما الدمار‪...‬‬

‫إن الاهليات تظل تعيش‪ ،‬بقدار ما فيها من خي متناثر‪ ،‬حت يغلب ما فيها من شر‬
‫طاغ‪ ،‬فيختنق الي ول يكاد يستطيع أن يتنفس‪...‬‬

‫وح ي ت صل ا لمور إ ل هذا ا لد من ال سوء‪ ،‬ت تدخل إرادة ا ل‪ ،‬فت حدث التغي ي‪،‬‬
‫ولكنها تدثه من خلل سعي البشر وحركتهم‪ " :‬إ“ن‪ œ‬الل‪œ‬ه• ل ”يغ•ي‪¥‬ر” م•ا “بق—و–م› ح•̃تى ي”غ•ي‪¥‬ر”وا م•ا‬
‫“بأ—ن–ف‪¤‬س“ه“م"‪.‬‬

‫)‪(195‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫تتدخل تدخل حاسا‪ I‬فتخسف الرض بالطغيان كله‪...‬‬

‫أو ‪ ...‬تدي الناس إل ال‪ ...‬فيدخل الناس ‪ -‬أفواجا‪ - I‬ف دين ال‪.‬‬

‫ونن على أبواب تدخل سافر من تدخلت الرادة اللية الاسة‪ ...‬لن الطاغوت‬
‫ا لاكم ف ا لرض و صل إ ل حد حا سم‪ ،‬وانق لب ال ي ح سيا ل ي لك أ مرا‪ I‬ف ظل‬
‫الطاغوت‪...‬‬

‫والناس يتارون لنفسهم‪...‬‬

‫إما التدمي الشامل إن ظلوا فيما هم فيه من الشرود والطمأنينة والستقرار‪.‬‬

‫ونن أحسن ظنا بالبشرية‪ ،‬وبقدر ال‪ ،‬من أن نظن أن ال سبحانه قد كتب على‬
‫البشرية الدمار!‬

‫وإذن‪ ،‬فل بد من السلم‪.‬‬

‫"إ“ن‪ œ‬الد‪¥‬ين• ع“ن–د• الل‪œ‬ه“ ال™أ“س–لم”"‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ل ملص للناس من جاهليتهم وضللم‪ ،‬وشقائهم وحيتم‪ ،‬وقلقهم واضطرابم‪،‬‬
‫وتزق حياتم وأفكارهم ومشاعرهم‪ ...‬إل بالسلم!‬

‫ول يكن للناس ملص من الاهلية ف تاريهم كله‪ ...‬إل بالسلم بعناه الواسع‬
‫ال شامل‪ ...‬ا “ل سلم ا لذي جاء به نوح وإبراه يم ومو سى وعي سى وم مد صلوات ا ل‬
‫وسلمه عليهم‪.‬‬

‫وقد اكتمل " السلم" ف دين ال الخي‪" ...‬ال™ي•و–م• أ—ك™م•ل™ت” ل— ‪¤‬كم– د“ين•ك‪¤‬م– و•أ—–تم•م–ت‬
‫ع•—لي–ك‪¤‬م– “نع–م•ت“ي و•ر•ض“يت” ل— ‪¤‬كم” ال™أ“س–لم• د“ينا"‪.‬‬

‫وهذا ال“سلم ‪ -‬ف صورته الخية الكتملة ‪ -‬هو العلج الوحيد لكل جاهليات‬
‫الرض‪ ،‬ولذه الاهلية الديثة على وجه التخصيص‪.‬‬

‫)‪(196‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫إن السلم هو الذي يعطي الوضع الصحيح لكل ما انرفت به الاهلية‪ :‬ف التصور‬
‫والسلوك‪ ،‬ف السياسة والجتماع والقتصاد‪ ...‬ف الخلق والفن وعلقات النسي‪...‬‬
‫وكل شيء ف حياة النسان‪...‬‬

‫و سنتتبع ف هذا الفصل مفاهيم ال سلم ف هذه ا لمور‪ ،‬ل نرى ‪ -‬بعد أن شهدنا‬
‫الاهل ية الدي ثة تف سد كل ك يان ال“ن سان وح ياته‪ ،‬وت شيع ال لل وال ضطراب ف ج يع‬
‫شئونه ‪ -‬كيف يرد ال“سلم المور إل مكانا الق‪ ،‬الواضح‪ ،‬الستقيم‪ ...‬فتستقيم حياة‬
‫النسان ف مموعها‪ ،‬حي تستقر الكليات والزئيات ف مكانا الصحيح‪.‬‬

‫انرفت الاهلية ف تصورها ل‪ ،‬والكون والياة والنسان‪...‬‬

‫ومن انرافها ف هذه التصورات انرفت ف سلوكها كله‪ :‬ف السياسة والقتصاد‬
‫والجتماع والخلق والفن‪...‬‬

‫و سنرى ك يف ت ستقيم هذه ا لمور كل ها ح ي ي ستقيم الت صور ف ف كر الن سان‬


‫و ضميه‪ ...‬لن الت صور هو ال صل ا لذي ين شأ ع نه ال سلوك‪ ،‬فين حرف بانرافه أو‬
‫يستقيم‪...‬‬

‫ولقد استقام هذا التصور مرة ف حياة البشرية‪ ...‬على يدي رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ،‬والمة السلمة الت رباها على عينه‪ ،‬والت قال فيها خالقها‪" :‬ك‪¤‬ن–ت”م– •خي–ر• أ‪̃¤‬مة‬
‫أ‪– ¤‬خر“ج• ت– “لل̃نا س“ ت•أ™م”ر”ون— ب“ال™م•ع–ر”وف“ و•ت•–ن ه•و–ن— ع• ن“ ا™لم”ن– ك—ر“ و•”تؤ–م“ ن”ون— ب“الل‪œ‬ه"‪ ...‬وع ندئذ‬
‫استقامت شئون الياة كلها‪ ،‬ف جيع فروعها وميادينها‪ ...‬وقامت أكب حركة بعث ف‬
‫التاريخ‪...‬‬

‫وانطلقت الركة الهتدية بنهج ال‪ ،‬تنشر الدى ف كل الرض‪...‬‬

‫وع لى الر غم ما أ صاب ال سلمي من ا نراف تدريي عن هذا الن هج‪ ،‬ف قد ظ لوا‬
‫قبسا منيا‪ I‬ف كل الرض‪ ،‬يعل¡مون الناس ويهدونم إل سواء السبيل‪ ...‬حت انسروا ف‬
‫داخل أنفسهم‪ ،‬وكفوا عن الركة والنطلق‪ ...‬وعندئذ انقض‪²‬ت عليهم الاهلية الديثة‬
‫تغمر هم بظلم ها ال بالغ ف الطغ يان‪ ...‬حت خر جوا من د ين ا ل واتب عوا خ طوات‬
‫الشيطان)‪...(73‬‬

‫ومهما يكن أمر " السلمي " اليوم‪ ...‬فالسلم ليس مقيدا بم ول متوقفا‪ I‬عليهم!‬

‫‪ ()73‬انظر كتاب "هل نن مسلمون؟"‪.‬‬

‫)‪(197‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫السلم نور ال لكل البشرية‪ ...‬والباب الفتوح لكل بن النسان‪...‬‬

‫" و•م•ا أ—ر–س• ™لن•اك• إ“ل‪œ‬ا ك—اف‪I œ‬ة ل“ل̃ناس“ ب•ش“يا‪ I‬و•ن•ذ“يرا‪ " ،"I‬و•م•ا أ—ر–س• ™لن•اك• إ“ل‪œ‬ا ر•ح–م• ‪I‬ة ل“ل™ع•ا—لم“ي•"‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫كل ما انرفت به الاهلية الديثة يصححه السلم‪...‬‬

‫و قد كان ال نراف الكب ا لذي أن شأ الاهلية كلها‪ ،‬وتر تب عل يه ما تر تب من‬


‫فساد ف التصور والسلوك‪ ،‬وشقاء ف حياة الناس وقلق وحية واضطراب‪ ...‬هو انرافهم‬
‫ف تصور حقيقة " الله"‪ ،‬ومن ث انرافهم عن عبادة ال‪ ،‬التمثلة ف اتباع منهجه وحده‬
‫ف الياة‪.‬‬

‫والسلم يبدأ من هذه النقطة بالذات‪...‬‬

‫ول يكن مصادفة ول اعتباطا‪ ،‬أن أنفق القرآن ثلث عشرة سنة كاملة‪ ،‬ف تقرير‬
‫قضية واحدة أصيلة‪ :‬هي قضية اللوهية‪ ...‬وقضية العتقاد‪.‬‬

‫ل يكن ذلك لن العرب كانوا مغرقي ف الوثنية فحسب‪...‬‬

‫ول كن كان ال سبب ‪ -‬إ ل جانب ذ لك وق بل ذ لك ‪ -‬أن هذه الق ضية هي مور‬
‫ارت كاز ال ياة الب شرية كلها‪ ،‬ل يقوم لا ب ناء ول تستقيم لا حياة إل إذا استقامت هذه‬
‫القضية ف نفوس الناس‪ ،‬ورسخت ف ضمائرهم‪ ،‬وصارت هي الساس الذي يقوم عليه‬
‫كل البناء‪...‬‬

‫ولقد رأينا من واقع الاهلية الديثة مصداق هذه القيقة‪ ،‬رأينا كيف انرفت حياة‬
‫الناس كلها لرد أن انرفت ف نفوسهم قضية اللوهية‪ ،‬فتفرقت بم السبل‪ ،‬وما عادوا‬
‫يهتدون أو يستقرون أو يطمئنون‪.‬‬

‫لذلك ظل ال قرآن ال كي ك له ل ي قول لل ناس شيئ‪I‬ا سوى ق ضية اللوه ية وق ضية‬


‫العتقاد‪.‬‬

‫ث لا نشأ التمع السلمي والدولة السلمة ف الدينة‪ ،‬صار القرآن يتنل بالتشريع‬
‫وال توجيه‪ ،‬ف الع بادات وال عاملت‪ ،‬وال فروض الختل فة ا لت فر ضت ع لى ال مة ال سلمة‬

‫)‪(198‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫لتقوم برسالتها الكبى للبشرية‪ ،‬ولكن قضية اللوهية وقضية العتقاد ل تتخل عن مكانا‬
‫لتفسح الطريق لذه التشريعات والتوجيهات‪ ،‬وإنا ظلت مصاحبة لا حت آخر لظة‪ ،‬بل‬
‫ظ لت هي ال ساس ا لذي ت قام عل يه الت شريعات والتوجي هات‪ ،‬ف ال شعائر وال عاملت‬
‫سواء)‪.(74‬‬

‫وقد أعطى السلم الناس قضية واضحة ف شأن اللوهية والعتقاد‪...‬‬

‫ا ل هو ا لالق‪ ،‬وا ل هو ا لدبر‪ ،‬وا ل هو ا لرازق‪ ،‬وا ل هو الا لك‪ ...‬وا ل هو‬
‫السيطر‪ ،‬وال هو العبود‪...‬‬

‫قضية غاية ف البساطة واليسر والوضوح‪.‬‬

‫ل تعقيدات ف طبيعة اللوهية‪ ،‬ول غبش ف قضية العتقاد‪.‬‬

‫إ نه ل إ له إل ا ل‪ ...‬ل إ له ف ال كون ك له‪ ،‬ف ال سموات وا لرض‪ ،‬إل ا ل‪ ...‬ل‬


‫خالق غيه ول مالك غيه ول مدبر غيه‪ ...‬ول شريك له ف شيء من اللك أو الرزق أو‬
‫اللق أو التدبي‪...‬‬

‫ومن ث فل معبود غيه‪ ...‬ول ينبغي لغيه أن يكون معبودا‪ I‬ف كل الكون‪.‬‬

‫ت لك الق ضية الب سيطة الي سية الوا ضحة هي ا لت قام علي ها ال سلم ك له‪ ،‬و قامت‬
‫عليها المة السلمة‪ ،‬وقام عليها تاريخ السلم‪.‬‬

‫وقد ترتب على ألوهية ال سبحانه أن تكون له العبودية من كل اللق‪ :‬السموات‬


‫والرض ومن فيهن والنسان‪.‬‬

‫قضية أخرى بسيطة يسية واضحة‪ ...‬فما دام هو الالق وحده‪ ،‬والالك وحده‪،‬‬
‫والرازق وحده‪ ،‬والسيطر وحده‪ ...‬فمن ذا الذي يكن أن يتجه له اللق بالعبودية غيه‪،‬‬
‫وكيف يتجهون بالعبودية إل أحد غيه‪ ...‬أو أحد معه!؟‬

‫من‪...‬؟‬

‫النسان؟! وما النسان؟! أو ل يس خلقا من خلق ال؟ ال هو الذي من حه القوة‬


‫والتمكي‪ ،‬وسخر له ما ف السموات وما ف الرض؟ هل هو ‪ -‬النسان ‪ -‬الذي خلق‬

‫‪ ()74‬راجع " ف ظلل القرآن " تفسي سورة‪ " :‬الائدة " و " النعام " و " العراف " ج ‪.8 ،7 ،6‬‬

‫)‪(199‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫السموات والرض وما فيهن؟ هل هو الذي وضع للكون قوانينه الت يسي عليها؟ وهل‬
‫ي لك أن يغ ي شيئا‪ I‬من هذه ال نواميس لو أراد؟ هل ي ستطيع أن ي نح ا لادة خواص غ ي‬
‫خواصها‪ ،‬أو ينشئها على غي قوانينها الت خلقها با ال؟ فكيف إذن يكون معبودا‪ I‬من‬
‫دون ال‪ ،‬أو معبودا‪ I‬مع ال؟!‬

‫من‪...‬؟‬

‫التميات؟! وما تلك التميات؟! من الذي حتمها وأعطاها حتميتها على فرض‬
‫أنا حقا حتميات؟! أو ليست هي ق—د•ر ال ف الكون والناس والشياء؟ وهي حتمية با‬
‫فيها من قدر ال‪ ،‬وليست حتمية ف ذاتا إل أن يشاء ال‪ ...‬فكيف إذن تكون معبودا‪ I‬من‬
‫دون ال‪ ،‬أو معبودا‪ I‬مع ال؟!‬

‫من‪...‬؟‬

‫من ذا الذي يكن أن يتوجه له اللق بالعبودية إل ال؟‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫و من مقت ضيات العبود ية أن ت كون الاكم ية ل و حده وأن يأ خذ ال ناس ت شريعهم‬
‫عن ال‪...‬‬

‫ولقد جادلت ف هذا المر كل جاهلية ف تاريخ الناس!‬

‫حت الاهليات الت كانت تقول‪ :‬إنا "تعرف " ال‪ ...‬حت الاهليات الت كانت‬
‫تقول‪ :‬إنا "تعبد " ال‪ ...‬حت الاهليات الت كانت تظن أنا تؤدي العبادة القة ل‪...‬‬
‫كل الاهليات كانت تادل ف هذا المر‪ ،‬وتظن أن العبودية ل أمر يتلف عن القرار‬
‫بالاكمية ل وحده وأخذ التشريع عن ال دون سواه‪.‬‬

‫" و•م•ا ق—د•ر”وا ال‪œ‬له• ح•̃ق ق—د–ر“ه“"‪.‬‬

‫كيف يعبدون ال ‪ -‬ف زعمهم ‪ -‬ث يأخذون نظام حياتم عن غي ال؟‬

‫كان هذا يكون فرضا‪ I‬معقول لو أن ال ل يشرع لم‪ ،‬أو لو أنه قال لم‪ :‬شرعوا‬
‫لنفسكم من دون!‬

‫)‪(200‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫أ ما و قد شرع لم‪ ،‬و قال لم‪ :‬أطي عوا شريعت‪" :‬و•م• ن– ل— م– •يح–ك‪ ¤‬م– ب“ م•ا —أن–ز• ل— الل‪œ‬ه‬
‫ف—أ‪¤‬ول—ئ“ك• ه”م” ال™ك—اف“ر”ون"‪"...‬و•م•ن– ل—م– •يح–ك‪¤‬م– ب“م•ا —أن–ز•ل— الل‪œ‬ه” ف—أ‪¤‬ول—ئ“ك• ه”م” الظ‪œ‬ال“م”ون—"‪"...‬و•م• ن– ل—م‬
‫•يح–ك‪ ¤‬م– “ب م•ا أ—ن–ز• ل— الل‪ œ‬ه” ف—أ‪¤‬ول—“ئك• ه” م” ا™لف—ا س“ق‪¤‬ون"‪"...‬و•أ— ن“ اح–ك‪ ¤‬م– •بي–•نه” م– “ب م•ا أ—ن–ز• ل— ال‪œ‬ل ه” و•ل ت•̃تب“ع‬
‫أ—ه–و•اء¦ه”م– و•اح–ذ—ر–ه”م– أ—ن™ ي•ف™ت“ن”وك• ع•ن– •بع–ض“ م•ا أ—ن–ز•ل— الل‪œ‬ه” إ“ل—ي–ك"‪.‬‬

‫فأ̃نى يكون لم أن يكموا بغي ما أنزل ال؟‬

‫لقد ركز القرآن على تقرير هذه القضية تركيز‪I‬ا شديد‪I‬ا مكررا‪ I‬واضحا ف كل سور‬
‫التشريع‪ :‬أن قضية التشريع هي قضية اللوهية‪ :‬ال ‪ -‬وحده ‪ -‬هو "الله " ومن ث فهو ‪-‬‬
‫وحده ‪ -‬صاحب التشريع‪ ،‬هذه من تلك‪ ،‬إفراد ال سبحانه باللوهية‪ ،‬هو كذلك ‪ -‬ف‬
‫ذات الوقت ‪ -‬إفراده بالاكمية‪ ،‬فما يكون لحد أن يكون ف الرض حاكما مع ال‪،‬‬
‫وإل فقد أشرك نفسه مع ال‪ ،‬وأصبح مشركا‪ ،‬ومن اتبعه مشركون)‪.(75‬‬

‫ولقد ضلت الاهلية ضللتها الكبى حي فصلت " الشريعة " عن "العقيدة"‪ ،‬حي‬
‫فصلت " الاكمية " عن "اللوهية"‪.‬‬

‫ث ترتب على ذلك كل ما ترتب من طغيان ف حياة الناس‪.‬‬

‫وليس هناك نتيجة غي هذه النتيجة!‬

‫إ نه ح ي ي شرع أ حد لل ناس من غ ي ا ل‪ ،‬ف قد ا تذ من نف سه إذن " إ لا"‪ ،‬ي لل‬


‫ويرم؛ وقد اتذ من نفسه إذن " طاغوتا"‪ ...‬فالطاغوت هو كل حكم غي حكم ال‪،‬‬
‫وهو "هوى‪ "á‬ف جيع حالته‪ ،‬هوى الفرد أو الطبقة أو الماعة أو المة الاكمة‪ ...‬ولقد‬
‫رأينا ‪ -‬من وا قع الاهلية الديثة ‪ -‬كيف صار ال طاغوت حي صار إل يه حكم الناس‪،‬‬
‫وحي رضي الناس بالعبودية له من دون ال‪ ...‬أي حي سحوا له أن يشرع لم من دون‬
‫ال‪ ...‬كيف صارت المور إل عبودية من الناس وذلة‪ ،‬وتب من الطاغوت وطغيان‪.‬‬

‫وليس هناك نتيجة غي هذه النتيجة! ف "الديقراطية " الزعومة‪ ،‬وف الدكتاتورية‬
‫سواء!)‪.(76‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪ ()75‬راجع ظلل القرآن ج ‪.8 – 6‬‬


‫‪ ()76‬راجع الفصل السابق‪ ،‬باب )ف السياسة(‪.‬‬

‫)‪(201‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وإذ يع طي ال سلم الت صور ال صحيح لللوه ية والاكم ية‪ ...‬يب سط هذا الت صور‬
‫فيشمل الكون والياة والنسان‪.‬‬

‫إن الكون ليس إلا‪ :I‬وليس كذلك ملوقا بل غاية ول تدبي‪.‬‬

‫إنه ل ي”عبد ف ذاته‪ ،‬ول يستمد من ذاته حتمية حت لنفسه‪ ...‬وإنا يستمد وجوده‬
‫وحتميات وجوده من ال‪.‬‬

‫ا ل هو ا لذي خل قه‪ ،‬و من ث ف هو ذا ته عا بد ل‪ ...‬ي سي بقت ضى سنته‪ ،‬ويه تدي‬


‫بداه‪.‬‬

‫"ث‪̃¤‬م اس–ت•و•ى إ“ل—ى الس˜م•اء“ و•ه“ي• د”خ•ان‪— Í‬فق—ال— ل—ه•ا و•ل“ ™لأ—ر–ض“ ائ™“تي•ا ط—و–عا‪ I‬أ—و– ك—ر–ها‪ I‬ق—ا—لت•ا أ—•تي–ن•ا‬
‫"‪.‬‬
‫ط—ائ“ع“ي‬

‫ث إن ال كون ل ي لق عب ثا‪ ،‬ول باطل‪ ...‬وإ نا خ لق " بالق"‪ " ،‬م•ا خ•—ل ق• الل‪ œ‬ه‬
‫الس˜م•او•ات“ و•ال™أ—ر–ض• و•م•ا •بي–ن•ه”م•ا “إل‪œ‬ا ب“ا™لح•ق"‪" ،‬و•م•ا •خل—ق™ن•ا ال̃سم•اء¦ و•ال™أ—ر–ض• و•م•ا •بي–ن•ه”م•ا ب•اط“ل‪،"I‬‬
‫"إ“ ن‪ œ‬ف“ي •خل™ ق“ ال س˜م•او•ات“ و•ال™أ—ر– ض“ و•اخ–ت“ل ف“ الل‪œ‬ي– ل“ و•ال̃ن ه•ار“ ل—آ يات› ل“أ‪¤‬ول“ي ا™لأ—ل™ ب•اب“‪ ،‬ا ل‪œ‬ذ“ين‬
‫ي•ذ™ك‪¤‬ر”ون— الل‪œ‬ه• “قي•اما‪ I‬و•‪¤‬قع”ودا‪ I‬و•ع•ل—ى ج”ن”وب“ه“م– و•ي••تف—ك‪œ‬ر”ون— ف“ي •خل™ق“ الس˜م•او•ات“ و•ال™أ—ر–ض“ ر•̃بن•ا م•ا‬
‫•خل—ق™ت• ه•ذ—ا ب•اط“ل‪” I‬سب–ح•ان•ك"‪.‬‬

‫ولقد ل يدرك النسان ‪ -‬بعقله ‪ -‬مدى هذا " الق " الذي خلقت به السموات‬
‫وا لرض‪ ،‬ول أب عاده العميقة ف ال كون‪ ...‬ول كن ما يع جز الع قل عن إدرا كه تتكفل به‬
‫الروح‪ ،‬الروح الهتدية إل ال‪ ،‬فهي ‪ -‬ف تاوبا مع الكون‪ ،‬وإحساسها بالشاركة الية‬
‫له‪ ،‬الشاركة ف العبادة‪ ،‬والشاركة ف التوجه إل ل الالق‪ ،‬والشاركة ف الصدور عن ال‬
‫الوا حد ‪ -‬تدرك ف لة ما خ لق به ال كون من ا لق‪ ،‬وع مق هذا ا لق ف ال سموات‬
‫والرض‪ ،‬وأبعاده العميقة ف بنية الكون‪.‬‬

‫وكل ما ات سعت "معلو مات" الن سان زاد عل مه بذه الب عاد وال ماد‪ ...‬ولكن ها‬
‫ستظل قاصرة عن الحاطة " بالق " العظم ‪ -‬فهي معلومات تتصل بظواهر الشياء‪...‬‬
‫وستظل الروح هي الوكلة بذلك الق العظم الذي خلق به ال الكون والياة والنسان‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫والياة ليست عبثا‪...‬‬

‫)‪(202‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫سب–ت”م– أ—̃نم•ا خ•—لق™ن•اك‪¤‬م– ع•ب•ثا‪ I‬و•أ—̃نك‪¤‬م– إ“—لي–ن•ا ل ت”ر–ج•ع”ون—"‪.‬‬


‫"أ—ف—ح• “‬

‫إن السلم ل يقطع الصورة من اكتمالا‪ ،‬ويعرضها مزأة مشطورة‪ ،‬فتبدو مشوهة‬
‫عابثة هازلة‪.‬‬

‫إنه يرسها مكتملة‪ ...‬بشطريها‪ ...‬فتتبدى ف الال جديتها وغائيتها وتنهها عن‬
‫اللهو والعبث والباطل‪.‬‬

‫الياة الدنيا ‪ -‬وحدها ‪ -‬ليست هي الياة‪ ،‬وليس ما يقع فيها هو ناية الصورة ول‬
‫ناية الحداث‪ ،‬وإل فهي باطل وقبض الريح!‬

‫وإ نا ال ياة ا لدنيا هي "القد مة" ا لت تترتب علي ها "النتي جة"‪ ،‬وا لدار ا لخرة هي‬
‫التكملة والنتيجة‪ ،‬وهي لذلك " الياة " القة‪ " ،‬و•إ“ن‪ œ‬ال̃دار• ال™آخ“ر•ة— ل—ه“ي• ا™لح•ي•و•ان‪ ¤‬ل—و– ك—ان”وا‬
‫•يع–ل—م”ون"‪.‬‬

‫ال ياة ا لدنيا هي ال كان والز مان الخص صإن "للبتلء" وال ياة ا لخرة هي ال كان‬
‫والزمان الخصصإن "للجزاء"‪" ،‬إ“̃نا ج•ع•ل™ ن•ا م•ا ع• ل—ى ا™لأ— –ر ض“ ز“ي ن•ة‪— I‬ل ه•ا ل“ن•–ب ل‪¤‬و•ه”م– أ—ي§ه” م– أ— –ح س•ن‬
‫ع•م•ل"‪ " ،‬و•ن•ب–ل‪¤‬وك‪¤‬م– ب“ال ش˜ر‪ ¥‬و•ا™لخ• ي–ر“ “فت–ن•ة‪ I‬و•إ“—لي–ن•ا ت”ر–ج•ع”ون—"‪" ،‬ا ل‪œ‬ذ“ي خ•—ل ق• ا™ل م•و–ت• و•ا™لح• ي•اة‬
‫“لي•ب–ل‪¤‬و•ك‪¤‬م– أ—§يك‪¤‬م– —أح–س•ن” ع•م•ل"‪ " ،‬و• •خل—ق• الل‪œ‬ه” الس˜م•او•ات“ و•ال™أ—ر–ض• ب“ا™لح•ق‪ ¥‬و•ل“”تج–ز•ى ك‪¤‬ل‪ ä‬ن•ف™س‬
‫“ب م•ا ك— س••بت– و•ه” م– ل ي” ™ظل— م”ون"‪" ،‬ك‪ ¤‬ل‪ ä‬ن•ف™ س› ذ—ائ“ ق—ة‪ ¤‬ا™ل م•و–ت“ و•إ“̃ن م•ا ت”و• ف‪œ‬و–ن— أ‪ ¤‬ج”ور•ك‪¤‬م– ي•و–م‬
‫ا™لق“ي•ام•ة"‪.‬‬

‫وبذلك تكتمل الصورة ف التصور‪ ،‬ويطمئن القلب البشري كذلك ويستقر‪.‬‬

‫فحي يعرف النسان أن هذه الياة ليست ناية الصورة ول ناية الحداث تعتدل‬
‫حياته كلها ف آن‪:‬‬

‫فمن ناحية ل يتلهف اللهفة النونة على متاع الرض‪ ،‬اللهفة الت تتملك القلب‬
‫البشري ‪ -‬ل مالة ‪ -‬حي يستقر ف أعماقه أنا فرصة واحدة ‪ -‬ذاهبة ‪ -‬ل تتكرر‪ ،‬إما‬
‫أن تتبل وإما أن تضيع‪ ،‬ويترتب على ذلك صراع منون على "تلك " التاع‪.‬‬

‫و من ناح ية أ خرى ل يدركه ال يأس القا تل وال شقاء الم يت ا لذي يتم لك الق لب‬
‫البشري حي يرى مظال الرض وانرافاتا‪ ،‬واضطراباتا وعذاباتا‪ ،‬الت ل حيلة له فيها ‪-‬‬
‫مهما حاول وصارع واستيأس ف الصراع ‪ -‬ث يس أنا النهاية الخية‪ ،‬وليس وراءها‬

‫)‪(203‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ت صحيح للو ضاع الفا سدة‪ ،‬ول رد للم ظال ا لائرة‪ ،‬ول ت عويض عن ال شقاء ا لذي ل‬
‫يستطع دفعه ول اتقاءه‪ ،‬رغم الاولة والستبسال‪ ،‬ف الفترة العطاة له من الياة‪.‬‬

‫ومن ناح ية ل يفسد ضميه‪ ،‬ول إ يانه بالق والعدل ا لزليي‪ ...‬فل ين حرف ف‬
‫سلوكه وأخلقه‪ :‬يظلم ويتقبل الظلم؛ ويبر الوسيلة بالغاية‪ ،‬ث ل يتحرى نظافة الغاية ول‬
‫نظافة الوسيلة‪...‬‬

‫ومن ناحية " يشى " ال ويتقيه‪ ،‬ما دام ل بد ملقيه‪ ...‬فيعمل حساب هذا اللقاء‪،‬‬
‫بالتطهر والنظافة واتقاء الفساد‪...‬‬

‫من أ جل ذ لك ير كز ال سلم ترك يزا شديدا ع لى الق لب الب شري بذكر ا لخرة‪،‬‬
‫وتصويرها‪ ،‬وتسيم مشاهدها‪ ،‬وإبرازها‪ ،‬ووصلها بالياة الدنيا‪ ،‬وتوحيد الطريق من الدنيا‬
‫إل الخرة‪ ،‬وترتيب هذه على تلك‪ ...‬لن هذا هو "الفتاح " الذي يضبط الوتر على‬
‫ضبطه الصحيح‪ ،‬فل تصدر عنه النغمة النشاز‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ث ييء دور النسان‪...‬‬

‫والسلم يقدمه ف أروع صورة وأبدعها‪...‬‬

‫إن الن سان ل يس إ لا‪ ...I‬و ما هو كذلك باليوان‪ ...‬ول بال شيطان!‪ ...‬وإ نا هو‬
‫"إنسان"!‬

‫إنه خلق من خلق ال‪ ...‬ولكنه فريد ميز‪ ،‬كري رفيع القدر‪ ...‬إنه خليفة ال!‬

‫وبينما تبطت الاهلية الديثة تبطات شت‪ ،‬فجعلت من النسان إلا‪ ،I‬ث جعلت‬
‫منه ف ذات الوقت حيوانا‪ ،‬ث جعلته ف النهاية عبدا‪ I‬سلبيا خانعا ل حول له ول طول‬
‫بإزاء آلة الادة والقتصاد‪ ...‬آلة " التميات"‪...‬‬

‫فإن ال سلم ي ضعه ف مو ضعه ا لق ا لذي ل ين حرف به ول يتخ بط ت بط‬


‫الاهليات‪...‬‬

‫)‪(204‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫" و•إ“ذ™ ق—ال— ر•ب§ ك• “لل™م•ل“ئ ك— “ة إ“ ن‪¥‬ي ج•اع“ل‪ Í‬ف“ي ال™—أر– ض“ خ•ل“ي ف—ة‪“" ،"I‬ذ™ ق—ال— ر•ب§ ك• “لل™م•لئ“ ك—ة‬
‫إ“ن‪¥‬ي خ•ا“لق‪ Ï‬ب•ش•ر‪I‬ا م“ن– ط“ي›‪ ،‬ف—إ“ذ—ا س•̃وي–ت”ه” و•ن•ف—خ–ت” ف“يه“ م“ن– ر”وح“ي ف—ق—ع”وا ل—ه” س•اج“د“ين"‪ " ،‬و•ل—ق—د‬
‫ك—̃رم– ن•ا ب• ن“ي آد• م• و•ح•م• ™ل ن•اه”م– ف“ي ا™لب•ر‪ ¥‬و•ا™لب• ح–ر“ و•ر•ز•ق™ ن•اه”م– م“ ن• ال ‪œ‬طي‪ ¥‬ب•ات“ و•ف— ض˜ ™لن•اه”م– ع• ل—ى ك—ث“ي‬
‫م“̃من– خ•—لق™ن•ا ت•ف™ض“يل"‪" ،‬و•ص•̃ور•ك‪¤‬م– —فأ—ح–س•ن• ص”و•ر•ك‪¤‬م–"‪...‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫إن السلم ل يرغ النسان ف الوحل كما مرغته الاهلية الديثة‪...‬‬

‫نعم‪ ،‬لقد أشار إل "حقارة " منشئه كما أشارت الداروينية‪:‬‬

‫سن”ون›"‪ " ،‬أ——لم– ن•خ–‪¤‬لق™ك‪¤‬م– م“ن– م•اء› م•ه“ي›"‪.‬‬


‫"و•ل—ق—د– خ•—لق™ن•ا ا™لأ“ن–س•ان— م“ن– ص• ™لص•ال› م“ن– •حم•أ› م• –‬

‫وليس بعد ذلك حقارة ف النشأ‪ ...‬الطي التعفن والاء الهي‪ ...‬ولكن؟!‬

‫ما الياء الذي يعطيه التوجيه اليان؟‬

‫إنه ل يدل بتلك القائق ‪ -‬وهي حقائق نائية قاطعة لنا من الصدر الوحد الذي‬
‫يعلم المور علم اليقي ‪ -‬ل يدل بتلك القائق ليوحي بقارة النسان‪ ،‬أو ضآلة قدره‪ ،‬أو‬
‫ضآلة دوره ف الياة‪ ،‬ما أوحت به الداروينية إل أتباعها الذين صاغوا كل التفسيات‬
‫اليوانية للنسان‪ ...‬إنا يردف ذلك بالقائق الخرى الكملة لا‪ ،‬حقائق التفضيل وحسن‬
‫التصوير والختيار للمانة الكبى‪ :‬أمانة اللفة عن ال‪ ،‬فيتحقق بذا التوجيه أمران ف‬
‫و قت وا حد‪ :‬عظ مة ا لالق ورف عة الن سان‪ ،‬وتع مل ها تان القيق تان م عا‪ I‬لر بط ال كائن‬
‫النسان بال‪ ،‬ورفعه إل الستوى الكري اللئق بليفة ال‪ ،‬وصيانته ف ذات الوقت من‬
‫الغرور الردي والتمرد الذميم‪.‬‬

‫النسان ف تصوير السلم هو ذلك الكائن الزدوج الطبيعة‪ ،‬الكون من قبضة من‬
‫طي الرض ونفخة من روح ال‪ ،‬متزجتي مترابطتي غي منفصلتي‪ ،‬ومن ث ل يكون‬
‫قبضة طي خالصة فيهبط كالماد أو اليوان‪ ،‬ول نفخة روح خالصة فيؤل¡ه أو يتأل¡ه! إنا‬
‫هو مزاج من الطي ونفخة الروح‪ ،‬يكو‪²‬نان هذا الكيان التفرد ف كل اللق‪ ،‬التميز عن‬
‫كل اللق‪ ...‬كيان "النسان"‪.‬‬

‫وهذا الكيان التفرد قادر على الرتفاع قدرته على البوط‪.‬‬

‫)‪(205‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫" و•ن•ف™س› و•م•ا س•̃واه•ا‪— ،‬فأ—ل™ه•م•ه•ا ف‪¤‬ج”ور•ه•ا و•ت•ق™و•اه•ا‪ ،‬ق—د– —أف™—لح• م•ن– ز•ك‪œ‬اه•ا‪ ،‬و•ق—د– خ•اب• م•ن‬
‫د•̃ساه•ا"‪ " ،‬و•ه•د•–ين•اه” ال̃نج–د•–ين“"‪“ " ،‬إ̃نا ه•د•–ين•اه” ال̃سب“ي —ل إ“̃ما ش•اك“را‪ I‬و•إ“̃ما ك—ف‪¤‬ورا‪."I‬‬

‫وف هذا الاصية يكمن البتلء والزاء‪ ...‬فبمقتضى قدرته على البوط والرفعة‪،‬‬
‫وا لرادة المنو حة له ليخ تار با ‪ -‬ف كل ل ظة و ف كل حا لة ‪ -‬ب ي ال بوط والرف عة‪،‬‬
‫بقتضى ذلك ي”ترك ف الرض ليعمل‪ ،‬ث يازى على عمله يوم الزاء‪.‬‬

‫ث إنه كيان موهوب‪...‬‬

‫فحي خلقه ال للخلفة وهب له أدواتا‪ " :‬و•ع•‪œ‬لم• آد•م• ال™أ—س–م•اء¦ ك‪¤‬ل‪œ‬ه•ا‪ " ،"...‬و•ج•ع•ل‬
‫ل— ‪¤‬كم” ال̃سم–ع• و•ال™—أب–ص•ار• و•ال™أ— ™فئ“د•ة"‪.‬‬

‫وبذه الواهب يقوم بعمارة الرض‪ ،‬ويكلف باللفة‪ ،‬ويتفرد بمل المانة‪ " :‬إ“̃نا‬
‫ع•ر•ض–ن•ا ال™أ—م•ان• —ة ع•ل—ى الس˜م•او•ات“ و•ال™أ—ر–ض“ و•ا™لج“ب•ال“ ف—أ—ب•–ين• أ—ن™ •يح–م“ ™لن•ه•ا و•أ—ش–ف—ق™ن• م“–نه•ا و•ح•م•—له•ا‬
‫ا™لأ“ن–س•ان‪."...‬‬

‫ومن مقتضى ذلك كله أن يكون عنصرا فعال ف الرض‪ ،‬ل ك م‪²‬ا‪ I‬مهمل تتحكم‬
‫فيه "التميات" وهو أمامها خاضع ذليل‪ ،‬إنا يعمل قدر ال ف الرض من خلل حركة‬
‫النسان وعمله‪:‬‬

‫" إ“ن‪ œ‬الل‪œ‬ه• ل ي”غ•ي‪¥‬ر” م•ا ب“ق—و–م› ح•̃تى ”يغ•ي‪¥‬ر”وا م•ا “بأ—ن–ف‪¤‬س“ه“م–"‪ " ،‬و•ل—و–ل د•ف™ع” الل‪œ‬ه“ ال̃ناس• ب•ع–ض•ه”م‬
‫“بب•ع–ض› ل—ف—س•د•ت“ ا™لأ—ر–ض"‪.‬‬

‫ث يعل ال الكون كله مسخرا للنسان‪ ،‬والنسان هو القوة الوجبة بالنسبة إليه‪" :‬‬
‫و•س•̃خر• —لك‪¤‬م– م•ا ف“ي ال̃سم•او•ات“ و•م•ا ف“ي ا™لأ—ر–ض“ ج•م“يعا‪ I‬م“ن–ه”"‪.‬‬

‫وحي يرفع التصور السلمي النسان إل هذا الدى الائل الرفيع‪ ...‬فإنه ل يعله‬
‫خصما ل يصارعه ويبغضه‪ ...‬وإنا يبه ويشاه!‬

‫إن موه بة ا ل للن سان ل ت ستدعي ‪ -‬بدا هة ‪ -‬إل ال شكر والعر فان! فالن سان ل‬
‫ي نح نف سه هذه الزا يا‪ ،‬ول ج عل نف سه خلي فة ا ل‪ ،‬ول خ لق نف سه اب تداء! و كان ف‬
‫استطاعة ال ‪ -‬لو أراد سبحانه أل يلقه أصل‪ ،‬ول يعطيه هذه الواهب أصل‪ ،‬ومن ث‬
‫فالرد على هذه العطايا هو الشكر‪ ،‬والتعبد‪ ،‬وليس البغضاء والصراع كما صورت الاهلية‬
‫اليونان ية العل قة ب ي الب شر وال لة‪ ،‬وأل قت ظل لا طوي لة عمي قة ع لى جاهل ية ال قرن‬
‫العشرين‪ ،‬ف تصورها للعلقة بي النسان وال‪.‬‬

‫)‪(206‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫والنسان ف نظر السلم ‪ -‬كما هو ف حقيقة فطرته ‪ -‬كائن مترابط‪ ،‬فل انفصال‬
‫بي عنصر الطي وعنصر الروح فيه‪ ،‬ليس جسدا‪ I‬خالصا‪ I‬ول روح‪I‬ا خالصة‪ ،‬ول انفصال‬
‫بي شعوره وسلوكه‪ ،‬ول عمله وأخلقه‪ ،‬ول م”ث‪¤‬له وواقعه‪ ،‬ول عقيدته وشريعته‪ ،‬ول دنياه‬
‫وآخرته‪...‬‬

‫كلها مزاج واحد‪ ،‬وحسبة واحدة!‬

‫جسمه وروحه وحدة‪ :‬جسمية روحية ف آن‪.‬‬

‫وشعوره وسلوكه وحدة‪ :‬شعورية سلوكية معا‪ I‬ف ذات الوقت‪.‬‬

‫وعمله وأخلقه وحدة‪ :‬عملية خلقية بل انفصال‪.‬‬

‫وعقيدته وشريعته شيء واحد هو "الدين"‪.‬‬

‫ودنياه وآخرته جزآن متكاملن من حياة واحدة متصلة ليس ف داخلها انقطاع‪.‬‬

‫وهو كائن متوازن ‪ -‬أو ينبغي أن يتوازن‪.‬‬

‫ل السد يغلب فيه على الروح‪.‬‬

‫ل الواقع على اليال‪...‬‬

‫ل نزعته الفردية على نزعته الماعية‪...‬‬

‫ل نزعته السلبية على نزعته اليابية‪...‬‬

‫ل دنياه على آخرته‪...‬‬

‫ل ثقلته نو الرض ول رفرفته للسماء‪...‬‬

‫ومن هذا الكيان التوازن يتوازن الفرد والتمع‪ ،‬والتصور والسلوك‪...‬‬

‫)‪(207‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫حي يستقيم هذا التصور الواضح الضيء ف ضمي النسان‪ ...‬تستقيم حياته كلها‬
‫على الرض‪.‬‬

‫ولقد استقام هذا التصور ف نفس ممد بن عبد ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬والمة‬
‫السلمة الت رباها على عينه‪ ،‬فحدثت معجزات ف الرض ل مثيل لا ف التاريخ‪:‬‬

‫تمعت القبائل الاهلية فصارت أمة مسلمة‪...‬‬

‫وتر كت النفو س” الاهل ي ‪¤‬ة إلف— ها وعادا تا‪ ،‬وعرف ها و سلوكها‪ ،‬و لذاذئها النحر فة‬
‫و شهواتا‪ ،‬وأ ساطيها وخرافا تا‪ ...‬وا ستوت ع لى ال صراط‪ ...‬نفو سا‪ I‬جد يدة أن شأها‬
‫ال سلم إن شاء كأ نا و لدت اللح ظة‪ ...‬ع لى الو لد الد يد " للن سإن "ك له‪ ...‬الو لد‬
‫القيقي ف ظل ال‪...‬‬

‫و قامت هذه الن فوس ال سلمة تن شئ واقع ها إن شاء ع لى نط غ ي م سبوق‪ ...‬ول‬


‫ملحوق‪ ،‬نط ليس من وحي هذه البيئة‪ ،‬ول من عاداتا ول من عرفها ول من سلوكها‬
‫الاهلي‪ ،‬وليس من وحي " ضرورة" من كل ضرورات الرض‪...‬‬

‫قامت ترر "النسان" من الطاغوت‪ ...‬لغي سبب بيئي ول دنيوي يدفعها إل هذا‬
‫التحرير!‬

‫فما الذي تغي ف غضون هذه السنوات؟‬

‫هل جد جديد ف حياة الناس‪ ...‬غي ال“سلم؟‬

‫هل جد جد يد ي نح ال ناس صفاء الت صور لللوه ية‪ ...‬و هذه الب شرية ‪ -‬ف غ ي‬
‫السلم ‪ -‬ما تزال تتخبط ف تصور اللوهية حت القرن العشرين؟!‬

‫هل جد جديد ينح الناس التحرر من العبودية للناس‪ ...‬وهذه البشرية ‪ -‬ف غي‬
‫السلم ‪ -‬ما تزال يعبد بعضها بعضا‪ ،I‬بالضوع لبشر من البشر يشر‪²‬ع لم حسب هواه‪،‬‬
‫ويلزمهم با يرتئيه هواه‪ ...‬فيخرون سجدا‪ I‬منفذين‪ ،‬بسطوة " الدولة " وإرهاب " القانون"‬
‫ف دكتاتورية رأس الال ودكتاتورية البوليتاريا على السواء؟!‬

‫)‪(208‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫هل جد جديد ينح الناس التحرر من العبودية لشهواتم‪ ...‬وهذه البشرية ‪ -‬ف غي‬
‫السلم ‪ -‬ما تزال تستعبد لشهواتا‪ ،‬بل تزيد استعباد‪I‬ا لذه الشهوات كلما انرفت عن‬
‫منهج ال وهداه؟!‬

‫هل جد جد يد ي صحح و ضع "الن سان" من ال كون‪ ...‬و هذه الب شرية ‪ -‬ف غ ي‬
‫السلم ‪ -‬ما تزال تتخبط ف وضع النسان‪ ...‬فتارة تنحه ألوهية زائفة ل رصيد لا من‬
‫الواقع إل الغرور الجوف‪ ،‬وتارة تضعه ف موضع العبودية الذليلة من هذا الكون‪ :‬تتناوشه‬
‫التم يات اللة فتمرغ وجهه ف الوحل‪ ،‬وهو صابر ذليل مستخذ للسلطان الباطل‪ ،‬ل‬
‫يلك نفسه من هذا السلطان؟!‬

‫هل جد جديد يصحح أخلق النسان‪ ...‬وهذه البشرية ‪ -‬ف غي السلم ‪ -‬ما‬
‫تزال تتخبط ف أخلقها‪ ،‬فتجعلها أخلقا‪ " I‬خصوصية " تارة ‪ -‬للبيض فقط! ‪ -‬وأخلقا‬
‫نفعية تارة‪ ...‬ث تظل تتدهور على الدوام؟!‬

‫هل جد جديد يصحح وضع الفرد من التمع‪ ،‬والتمع من الفرد‪ ...‬وهذه البشرية‬
‫‪ -‬ف غي السلم ‪ -‬ما تزال تتخبط من أقصى اليمي إل أقصى اليسار‪ ،‬فتفتت التمع‬
‫لساب الفرد مرة‪ ،‬وتسحق الفرد لساب التمع مرات؟!‬

‫هل جد جديد يصحح علقات النسي‪ ...‬وهذه البشرية ‪ -‬ف غي السلم ‪ -‬ما‬
‫تزال ت عل عل قات الن سي متا عا‪ I‬حيوان يا م سعورا‪ I‬ل ي سكن أو ي هدأ‪ ...‬وت بدد ف هذا‬
‫طاقات النسان؟!‬

‫هل جد جديد ينع الاكم ‪ -‬فردا‪ I‬أو طبقة أو شعبا‪ - I‬من أن يكم بواه ويكم‬
‫بالطغيان‪ ...‬وهذه البشرية ‪ -‬ف غي السلم ‪ -‬ما تزال يكمها الطاغوت بأهوائه ف ظل‬
‫"الديقراطيات" الزائفة أو الدكتاتوريات سواء؟!‬

‫ماذا جد ف غضون تلك السنوات؟‬

‫ل شيء‪ ...‬سوى استقامة التصور‪ ،‬ينشأ عنها استقامة السلوك واستقامة الياة!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫قامت المة السلمة الت رباها على عينه ممد بن عبد ال صلى ال عليه وسلم‬
‫تنشئ واقعها إنشاء‪ ...‬من وحي السلم‪...‬‬

‫)‪(209‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫قامت تنشئ استقامة عجيبة ف سلوك الناس‪.‬‬

‫فيها ضعف البشر الفطري‪ ،‬نعم‪ ،‬ما زال الناس على بشريتهم! ولكنهم يستقيمون‬
‫إل أقصى ما تتيحه الطاقة البشرية‪ ...‬وهي تقدر ‪ -‬ف ظل السلم الق ‪ -‬على كثي‪.‬‬

‫قامت تنشئ ترابطا‪ I‬عجيبا‪ I‬بي الناس‪...‬‬

‫فيه ضعف البشر الفطري‪ ،‬نعم‪ ،‬كل إنسان يب لنفسه الي‪" :‬و•إ“̃نه” ل“ح”ب‪ ¥‬ا™لخ• ي–ر‬
‫ل—ش•د“يد"‪ ،‬ولكن هؤلء الناس استطاعوا أن تصفو نفوسهم بعضهم لبعض بدرجة ل مثيل‬
‫لا ف التار يخ‪" :‬ي”ح“ ب§ون— م• ن– ه•اج•ر• إ“—لي–ه“ م– و•ل •ي ج“د”ون— ف“ي ص”د”ور“ه“م– ح•ا ج•ة‪ I‬م“ م˜ا أ‪¤‬و ت”وا‬
‫و• ي” –ؤث“ر”ون— ع• ل—ى أ—ن–ف‪ ¤‬س“ه“م– و• ل—و– ك—ان— ب“ه“ م– •خص•ا ص•ة"‪ " ،‬إ“̃ن م•ا ا™لم”ؤ–م“ ن”ون— “إ خ–و•ة‪ "،"Í‬و•ا™لم”ؤ–م“ ن”ون‬
‫و•ال™م”ؤ–م“ن•ات” ب•ع–ض”ه”م– أ—و–ل“ي•ا̈ء •بع–ض"‪.‬‬

‫قامت تنشئ شعورا‪ " I‬إنسانيا " نو الناس كافة‪".‬و•ل •يج–ر“م•̃نك‪¤‬م– ش•ن•آن‪ ¤‬ق—و–م› ع•ل—ى أ—ل‪œ‬ا‬
‫•تع–د“ل‪¤‬وا اع–د“ل‪¤‬وا ه”و• أ— ™قر• ب” “لل̃تق™و•ى"‪" ،‬ل ي•–نه•اك‪¤‬م” الل‪œ‬ه” ع•ن“ ال‪œ‬ذ“ين• ل—م– ”يق—ا“تل‪¤‬وك‪¤‬م– ف“ي الد‪¥‬ين“ و•ل—م‬
‫”يخ–ر“ ج”وك‪¤‬م– م“ ن– د“ ي•ار“ك‪¤‬م– أ— ن™ •تب•ر§وه” م– و•ت”ق™ س“ط‪¤‬وا إ“ل—–يه“ م"‪" ،‬و•ل •يج–ر“م•̃نك‪ ¤‬م– ش•ن•آن‪ ¤‬ق—و–م› أ— ن‬
‫ص•د§وك‪¤‬م– ع•ن“ ا™لم•س–ج“د“ ا™لح•ر•ام“ أ—ن™ •تع–ت•د”وا‪."...‬‬

‫قامت نتشئ متمعا‪ I‬يتوازن فيه الفرد والتمع‪ ...‬الفرد له كيانه البارز‪ ،‬التحرر من‬
‫الطغ يان‪ ،‬ال ياب ال سوس ا لوزن‪ ،‬الك لف ‪ -‬بفردي ته ‪ -‬بالرقا بة ع لى ا لاكم والت مع‪،‬‬
‫وا لمر بالعروف والن هي عن الن كر‪ ،‬والت مع ‪ -‬ا لترابط ‪ -‬له ك يانه ف توجيه ا لفراد‪،‬‬
‫وصوغ نفوسهم وأفكارهم على الق‪ ،‬وصيانة حرمات ال‪.‬‬

‫قامت تنشئ اقتصاد‪I‬ا تتوازن فيه الغارم والغان‪ ،‬ويقوم على التكافل بي الالكي‬
‫وغي الالكي‪ ،‬أمة واحدة بعضها مسئول عن بعض‪ ،‬والكل شركاء ف الي‪ ،‬ل تستبد فئة‬
‫قليلة بالال‪" :‬ك—ي– ل •يك‪¤‬ون— د”ول—ة‪• I‬بي–ن• ا™لأ—غ™ن“ي•اء“ م“ن–ك‪¤‬م–"‪ ،‬ول يبقى ف التمع مروم‪ ،‬فالدولة‬
‫‪ -‬بيت الال ‪ -‬مسئول عن الميع‪.‬‬

‫قامت تنشئ " أخلقا " عجيبة ف تاريخ الرض‪ ...‬ف كل أمر من المور‪.‬‬

‫السياسة تقوم على الخلق‪ ،‬بي الاكم والكومي ف داخل المة السلمة‪ ،‬وبي‬
‫المة السلمة ومن عداها‪ ،‬ف الوفاء بالعهد وحفظ الواثيق‪ ...‬وعلقات التمع تقوم على‬
‫ا لخلق‪ ،‬والقت صاد ي قوم ع لى ا لخلق‪ ،‬ف التعا مل ال فردي وال ماعي‪ ،‬وعل قات‬
‫النسي تقوم على الخلق‪ ،‬بدرجة من النظافة ل يشهدها التاريخ‪.‬‬

‫)‪(210‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫‪ ...‬ومن ث انطلقت هذه المة تنشئ بناء راسخا‪ ،I‬يكفي من رسوخه أنه ل يتهدم‬
‫ف أكثر من ألف عام‪ ،‬عملت فيها كل وسائل الدم‪ ،‬من الداخل والارج‪ ،‬وبيد جيع‬
‫العداء!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ول يكن واقع التمع السلمي ‪ -‬ف داخل الزيرة العربية ‪ -‬هو العجيبة الوحيدة‬
‫ف هذا الدين‪...‬‬

‫فقد انساحت المة السلمة ف الرض‪ ،‬تبشر بدين ال وتقيم قواعد عدله ف كل‬
‫مكان حلت فيه‪ ...‬فوصلت ف نصف قرن من اليط إل اليط‪ ،‬بسرعة ما تزال تذهل‬
‫الباحثي حت اليوم‪ ،‬بالقارنة إل أية حركة أخرى ف التاريخ!‬

‫وأنشأت من ذلك الدى الواسع من الرض والمم والشعوب‪ ...‬أمة واحدة!‬

‫ل قد قامت " إمباطور يات " كثية ف التار يخ‪ ...‬المباطور ية الرومان ية‪،‬‬
‫والمباطور ية الفار سية‪ ،‬والمباطور ية الند ية‪ ،‬والمباطور ية ال صينية‪ ...‬و ف الع صر‬
‫الديث قامت المباطورية البيطانية والروسية‪ ...‬ال‬

‫ولكن المر ف السلم ل يكن أمر " امباطورية"!‬

‫ف كل هذه المباطور يات قامت ث ا ندمت و هي عاجزة عن أن تعل من ا لمم‬


‫والشعوب أمة واحدة على الرغم من كل الاولت الت تبذلا‪ ،‬أما " العال " السلمي‬
‫فقد صار أمة واحدة بغي ضغط ول ماولة من الاكمي!‬

‫والسبب بسيط‪.‬‬

‫هذه المباطور يات تاول أن تضع ال شعوب لنف سها‪ ...‬ومن ث تس ال شعوب‬
‫الخرى أنا مغلوبة على أمرها‪ ،‬وأنا تفقد صبغتها الاصة لساب الدولة الم‪ ،‬أو الدولة‬
‫السيطرة على قطيع الشعوب‪.‬‬

‫والمة السلمة ف مموعها كانت خاضعة ل! ومن ث أحست أنه ل غالب ول‬
‫مغلوب! واحتفظت ‪ -‬كما شاءت ‪ -‬بصبغاتا الاصة‪ ،‬طالا ل تتعارض مع السلم‪...‬‬
‫وارتبطت كلها ف شعور واحد‪ :‬ارتبطت ف عقيدتا ل‪ ،‬ومن أجل ذلك ما زال يربطها‬

‫)‪(211‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫شعور المة الواحدة رغم كل الاولت البارة الذي بذلت وتبذل لتفتيت هذه المة بكل‬
‫سبيل وكل شعار‪...‬‬

‫وقامت " حضارة " إسلمية رفيعة بانية‪...‬‬

‫ل ي كن لدى ال عرب من مقو مات ال ضارة كثي‪ ...‬ف في بداوتم‪ ،‬وظروف هم‬
‫الغرافية والقتصادية والعلمية‪ ،‬ل تكن الفرصة أمامهم واسعة لنشاء حضارة‪...‬‬

‫وعلى الرغم من قيام حضارات سابقة ف الزيرة‪ ...‬وعلى الرغم من اتصال العرب‬
‫بالرومان والفرس‪ ...‬فالواقع الذي شهده التاريخ أن انطلقة السلمي ف إنشاء حضارتم‬
‫كانت شيئا آخر ل يقاس به ماضي العرب كله ف شبه الزيرة‪ ،‬كما ل يقاس به جهد أية‬
‫أمة أخرى معاصرة ف ذلك الي‪.‬‬

‫نعم‪ ،‬لقد اقتبس السلمون كثيا‪ I‬من التشكيلت الدارية من الروم والفرس‪ ،‬ولكن‬
‫قاعدة النظام الذي يستخدم هذه التشكيلت الدارية ظلت إسلمية! على الرغم من كل‬
‫ما أد خل علي ها من ال شوائب الغري بة ع لى ا لدى ال تاريي الت طاول نو أ لف عام‪ ،‬حت‬
‫كانت حضارتم هي الضارة‪ ...‬وهي مصدر الضارة الوربية الديدة كلها كما يشهد‬
‫الغربيون‪.‬‬

‫يقول بريفولت ف كتاب "بناء النسانية ‪."Making of Humanity‬‬

‫"إنه ليس ثة ناحية واحدة من نواحي الزدهار الورب إل ويكن إرجاع أصلها‬
‫إل مؤثرات الثقافة السلمية بصورة قاطعة")‪.(77‬‬

‫وكانت كذلك حركة علمية هي ‪ -‬ف وقتها ‪ -‬أكب حركة علمية ف التاريخ‪.‬‬

‫والع لم ‪ -‬ب صفة خا صة ‪ -‬ل ي كن ما و جه ال عرب اهت مامهم إل يه‪ ...‬إذ كانوا‬
‫مشغولي دائما‪ I‬بفن القول‪ ،‬يعلون ههم كله فيه‪ ...‬وإنا الذي بعثهم يتعلمون وينشئون‬
‫الركة العلمية كان هو السلم‪.‬‬

‫وقد اقتبس السلمون ‪ -‬كذلك ‪ -‬كل العلم الدنيوي من المم الاورة لم‪ :‬علم‬
‫اليونان القدي‪ ،‬وعلم الرومان‪ ،‬وعلم الصريي وعلم النود‪ ...‬ف الفلك والرياضة والطب‬
‫والطبيعة والكيمياء‪.‬‬

‫‪ ()77‬عن كتاب "تديد الفكر الدين ف السلم " تأليف ممد إقبال وترجة عباس ممود ص ‪.149‬‬

‫)‪(212‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ولكنهم ل يقفوا عند ما اقتبسوه‪ ...‬ل ف الكم ول ف النوع‪...‬‬

‫ف قد كانوا هم ‪ -‬ال سلمي ‪ -‬ا لذين غ يوا و جه الع لم‪ ،‬ح ي أن شأوا ‪ -‬بدى من‬
‫التوجيه السلمي ‪ -‬الذهب التجريب الذي تقوم عليه الركة العلمية الاضرة ف أوربا‬
‫بل استثناء!‬

‫يقول بريفولت ف كتابه الذي أشرنا إليه‪:‬‬

‫"ل قد كان الع لم أ هم ما جادت به ال ضارة العرب ية ‪ -‬يق صد ال سلمية! ‪ -‬ع لى‬
‫العلم الديث‪ ...‬وعلى الرغم من أنه ليس ثة ناحية واحدة من نواحي الزدهار الورب‬
‫إل ويكن إرجاع أصلها إل مؤثرات الثقافة السلمية بصورة قاطعة‪ ،‬فإن هذه الؤثرات‬
‫توجد أوضح ما تكون‪ ،‬وأهم ما تكون‪ ،‬ف نشأة تلك الطاقة الت تكو‪²‬ن ما للعال الديث‬
‫من قوة متمايزة ثابتة‪ ،‬وف الصدر القوي لزدهاره‪ :‬أي ف العلوم الطبيعية وروح البحث‬
‫العلمي‪.‬‬

‫‪ ...‬وإن ما يدين به علمنا لعلم العرب ‪ -‬يقصد السلمي! ‪ -‬ليس فيما قدموه إلينا‬
‫من كشوف مدهشة لنظريات مبتكرة‪ ،‬بل يدين هذا العلم إل الثقافة العربية بأكثر من‬
‫هذا‪ :‬إنه يدين لا بوجوده نفسه‪ ،‬فالعال القدي ‪ -‬كما رأينا ‪ -‬ل يكن للعلم فيه وجود‪،‬‬
‫وعلم النجوم عند اليونان ورياضياتم كانت علوما أجنبية‪ ،‬استجلبوها من خارج بلدهم؛‬
‫وأخذوها من سواهم‪ ،‬ول تتأقلم ف يوم من اليام‪ ،‬فتمتزج امتزاج‪I‬ا كليا بالثقافة اليونانية‪.‬‬

‫و قد ن ظم اليو نان ا لذاهب وعم موا الح كام وو ضعوا النظر يات‪ ،‬ول كن أ ساليب‬
‫الب حث ف دأب وأ ناة‪ ،‬و جع العلو مات الياب ية وتركيز ها والنا هج التف صيلية للع لم‪،‬‬
‫واللحظة الدقيقة الستمرة‪ ،‬والب حث التجر يب‪ ...‬كل ذ لك كان غريبا تاما عن الزاج‬
‫اليونان‪ ،‬أما ما ندعوه "العلم" فقد ظهر ف أوربا نتيجة لروح من البحث جديدة‪ ،‬ولطرق‬
‫من الستقصاء مستحدثة‪ ،‬من طرق التجربة واللحظة والقاييس‪ ،‬ولتطور الرياضيات إل‬
‫صورة ل يعرفها اليونان‪ ...‬وهذه الروح‪ ،‬وتلك الناهج العلمية‪ ،‬أدخلها العرب ‪ -‬يقصد‬
‫)‪(78‬‬
‫السلمي! ‪ -‬إل العال الورب"‬

‫ويقول دريب المريكي ف كتابه "الناع بي العلم والدين"‪.‬‬

‫‪ ()78‬الصدر السابق ص ‪.150 – 149‬‬

‫)‪(213‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫"تقق علماء السلمي من أن السلوب العقلي النظري ل يؤدي إل التقدم‪ ،‬وأن‬


‫ال مل ف و جدان القي قة يب أن ي كون مع قودا‪ I‬ب شاهدة ا لوادث ذا تا‪ ،‬و من ث كان‬
‫شعارهم ف أباثهم السلوب التجريب‪.(79)"...‬‬

‫ل قد كان هذا هو التر جة العمل ية ل توجيه ا ل للم سلمي أن ي تدبروا خ لق ا ل‪،‬‬


‫ويبحثوا عن آيات ال ف الكون‪ ،‬وتوجيهه لم أن يعيشوا الياة ف الواقع ل ف نظريات‬
‫اليال!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ت لك كانت انطل قة ال مة ال سلمة ف وا قع ا لرض ح ي ا ستقام ت صورها ل‪،‬‬
‫واستقامت عقيدتا ف ال!‬

‫شيء يذهل له التاريخ‪ ...‬من حيث الكم ومن حيث النوع سواء!‬

‫‪ ...‬ولقد انرفت المة السلمة كثيا‪ I‬عن منهج ال‪...‬‬

‫أدركتها ‪ -‬بالتدريج ‪ -‬جهالة الاهلية‪ ،‬ففصلت العقيدة عن الشريعة‪ ...‬وأخذت‬


‫"الدين" عقيدة مستسرة ف القلب‪ ،‬منقطعة عن الواقع‪ ،‬بينما الواقع يكمه دين غي دين‬
‫ال! فلم يعد منهج ال هو الكم ف واقع المة السلمية‪ ...‬ومن ث ل تعد أمة " مسلمة‬
‫" وإن كانت ما تزال تتسمى بأساء السلمي‪ ،‬وتصلي ‪ -‬أحيانا‪ - I‬وتصوم!‬

‫ث إنا ‪ -‬كذلك ‪ -‬فقدت حضارتا وحاستها العلمية الفردية‪ ...‬وانزوت ف داخل‬


‫نفسها‪ ،‬تستسلم للضعف والوان‪ ...‬فزادت بذلك بعدا‪ I‬عن السلم‪...‬‬

‫وانلت أخلقها‪ ...‬فلم تعد تصدق‪ ،‬ول تلص‪ ،‬ول تستقيم ف العاملة‪ ،‬ول تقوم‬
‫بينها روابط "النسان"‪.‬‬

‫ث زادت فانزلقت ف تيار النس الارف‪ ...‬ف مصيدة يهود!‬

‫وبذلك خرجت عن كل السلم!‬

‫‪ ()79‬عن كتاب "السلم دين علم خالد " لفريد وجدي‪.‬‬

‫)‪(214‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫والسلم بعيد عن هؤلء!‬

‫السلم هو النهج الربان الالد‪ ،‬الذي نزل على ممد بن عبد ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬ل ينحرف بانرافات البشرية‪.‬‬

‫وهو الباعث " للنسانية"‪ ...‬حيث تكون وكيف تكون‪...‬‬

‫السلم هو النهج الذي يرج الناس من الظلمات إل النور‪ ،‬من الطاغوت إل ال‪.‬‬

‫وهو الخلص للناس من الاهلية الراهنة الطاغية الرهيبة‪ ...‬الت تدمر كيان النسان‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫كل ما شهدناه من انرافات الاهلية ل يصلحه إل السلم‪...‬‬

‫حي يستقيم التصور على النهج الذي رأينا‪ ...‬يستقيم السلوك‪.‬‬

‫ح ي ت عود الب شرية ال ضالة إ ل ا ل‪ ،‬ت ستقيم حيا تا ع لى ال صراط‪ ...‬ف السيا سة‬
‫والجتماع والقتصاد والخلق وعلقات النسي والفن‪ ...‬وكل شيء!‬

‫ولقد وضعت الاهلية حجاب‪I‬ا كثيفا‪ I‬بي البشرية ومنهج ال‪...‬‬

‫التطور!‬

‫قالت إن التطور قد سار شوط‪I‬ا بعيدا‪ I‬بالبشرية بعيدا‪ I‬عن الدين! وقالت إن ما كان‬
‫يصلح للناس قبل ألف وأربعمائة عام ل يصلح للناس اليوم‪ ...‬لنم متطورون!‬

‫والت طور‪ ...‬هو هذا الف ساد الروع ف الت صور و ف ال سلوك‪ ...‬ا لذي صحبناه ف‬
‫الفصلي السابقي من الكتاب! والذي ل يدع جانب‪I‬ا واحدا‪ I‬من جوانب الياة البشرية ول‬
‫النفس النسانية بل انراف!‬

‫التطور‪ ...‬هو الذي أشرف بالبشرية على الدمار! "ويسبون أنم مهتدون"!‬

‫)‪(215‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫أ ما من هج ا ل‪ ...‬ف هو ك ما هو م نذ نزل‪ ...‬الخ لص من الاهل ية‪ ...‬والن قذ من‬


‫الدمار!‬

‫ح ي يه تدي ال ناس إ ل من هج ا ل‪ ،‬ويتب عون هداه‪ ...‬ح ي يؤم نون بال ال يان‬
‫ا لق‪ ...‬ح ي يع بدونه حق ع بادته ل ي شركون به شيئا‪ I‬من طواغيت ا لرض‪ ...‬ل‬
‫يتبجحون على ال بترك شريعته والتشريع لنفسهم‪ ...‬ل يغتصبون لنفسهم الاكمية الت‬
‫هي من شأن ال وحده‪ ...‬حينئذ تزول كل النرافات والظال‪ ،‬والشقاء والعذاب الذي‬
‫حل بال ناس ح ي انر فوا عن سواء العق يدة و سواء الع بادة‪ ،‬واغت صبوا الاكم ية‪ ،‬وا تذ‬
‫بعضهم بعضا‪ I‬أربابا من دون ال‪ :‬هؤلء يشرعون‪ ،‬وهؤلء يطيعون!‬

‫وما يزال السلم ‪ -‬كعهده يوم نزل ‪ -‬هو الصحح لنرافات البشرية‪ ،‬والادي‬
‫إل الصراط‪...‬‬

‫وهو اليوم ‪ -‬كما كان قبل ألف وثلثمائة عام ‪ -‬الفيصل بي الق والباطل‪ ،‬والبان‬
‫للنسانية الرشيدة‪ ،‬والادم للنراف والطغيان‪...‬‬

‫وحي يؤمن به الناس‪ ...‬تعتدل حياتم وتستقيم‪...‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ول يتسع بث كهذا لعرض مفاهيم السلم ‪ -‬بالتفصيل ‪ -‬ف السياسة والقتصاد‬
‫والجتماع‪ ،‬والخلق وعلقات النسي والفن‪ ...‬وكل شيء!‬

‫ولكنه يتسع لعرض متصر لذه الفاهيم‪ ،‬يعرض فقط رءوس السائل‪ ...‬يعرض "‬
‫الفاتيح"!‬

‫لقد أوضحنا من قبل انرافات الاهلية ف هذه المور كلها‪ ...‬من "مفاتيحها"‪ ،‬ل‬
‫ن عرض لتف صيلت الاهل ية في ها إل بال قدر ا لذي يو صلنا إ ل مك من ال نراف وع قدة‬
‫الختلل‪ ...‬و كذلك ح ي ن عرض من هج ا ل ف هذه ال شئون كل ها لن نذكر من‬
‫التفصيلت إل القدر الذي يني لنا السبيل لتصحيح النراف‪.‬‬

‫أ ما الب حث التف صيلي ف ال فاهيم ال سلمية السيا سية والقت صادية والجتماع ية‬
‫والخلقية والفنية‪ ...‬ال‪ ،‬فمجاله كتب مستقلة ف كل باب‪ ...‬كتب متخصصة يقدمها‬
‫متصون‪ ،‬وبعض هذه الكتب موجود بالفعل‪ ،‬والباب مفتوح ‪ -‬دائما ‪ -‬للمزيد‪...‬‬

‫)‪(216‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ه ناك ك تاب "نظر ية ال سلم السيا سية " لل ستاذ ا لودودي وك تاب "ال سلم‬
‫وأو ضاعنا السيا سية " و" سيا سة ا لال وال كم ف ال سلم " لل ستاذ ع بد ال قادر عودة‬
‫وهناك كتب للمودودي وسيد قطب تبي منهج القتصاد السلمي )‪ ،(80‬وكتب " التطور‬
‫والث بات" و "درا سات ف الن فس الن سانية" و "من هج الترب ية ال سلمية" و "من هج ال فن‬
‫السلمي " تعال موضوعات اجتماعية ونفسية وتربوية وفنية من وجهة النظر السلمية‪.‬‬

‫ولكن هنا ل نبحث هذه التفصيلت إل بالقدر الذي يني السبيل‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫عقدة الاهلية ف السياسة أنا ل تكم با أنزل ال!‬

‫وبصرف النظر ‪ -‬مؤقتا‪ - I‬عن تفصيلت ما أنزل ال ف هذا الشأن‪ ،‬فإنه ينبغي أن‬
‫ن تبي ‪ -‬أول ‪ -‬أن عدم ال كم با أ نزل ا ل ‪ -‬اب تداء ‪ -‬هو ا لذي ين شئ ال نراف لن‬
‫الكم با يضعه البشر معناه ‪ -‬حتما‪ - I‬حكم طائفة معينة من الناس على بقية الناس‪ ،‬ومن‬
‫ث حكم مصلحة طائفة معينة من الناس على مصال بقية الناس!‬

‫والذي يقول ذلك ليس نن‪ ...‬من وجهة نظرنا الاصة!‬

‫كل! إنا شهادة الاهليي أنفسهم‪ ،‬بعضهم على بعض " وشهد شاهد من أهلها"!‬

‫إن من القواعد القررة ‪ -‬عندهم ‪ -‬ف السياسة والجتماع والقتصاد ‪ -‬متمعة ‪-‬‬
‫إن "الطبقة" الت تلك‪ ،‬هي ف الوقت ذاته الطبقة الت تكم‪ ،‬وتكم لصالها هي ضد بقية‬
‫" الطبقات"‪.‬‬

‫فالرأسالية تلك‪ ...‬وتكم لصال الرأساليي ضد العمال أو "الكادحي"‪.‬‬

‫والبوليتاريا تلك‪ ...‬وتكم‪ ...‬تكم لصال البوليتاريا ضد الالكي‪.‬‬

‫وكل منهما تصل على الزايا لنفسها‪ ،‬وتسلب الزايا من الخرين‪.‬‬

‫‪ ()80‬للمودودي ثلثة بوث رئيسية ف الوضوع‪ " :‬أسس القتصاد السلمي " و " الربا " و " ملكية‬
‫الرض ف السلم " ولسيد قطب كتاب "العدالة الجتماعية ف السلم"‪.‬‬

‫)‪(217‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ول يدث قط ف حكم البشر أن تكم طائفة من الناس لكل الناس! ولصلحة كل‬
‫الناس!‬

‫إنا يدث ذلك فقط حي يكم الناس با أنزل ال‪ ،‬لنه حينئذ ل يكون الكم لية‬
‫طائ فة من ال ناس! وإ نا ي كون ال كم ل سبحانه‪ ،‬ول يس ل طب قة ول طائ فة ي شرع من‬
‫أجلها‪ ،‬ول مصلحة له سبحانه عند طبقة ول طائفة! إنا هو رب " الناس " جيعهم‪...‬‬
‫وحكمه هو لميع الناس!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫إن ا ل ح ي د عا ال ناس إ ل ع بادته و حده‪ ،‬وإ فراده باللوه ية والاكم ية‪ ،‬كان‬
‫يدعوهم إل الكرامة والعزة والتحرر‪ ،‬بصورة ل تعهد قط إل ف عبادة ال!‬

‫إن ال ل يتعبد الناس لاجته إليهم‪ ...‬سبحانه! " م•ا أ‪¤‬ر“يد” م“–نه”م– م“ن– ر“ز–ق› و•م•ا أ‪¤‬ر“يد‬
‫أ—ن™ ”يط™ع“م”ون"‪.‬‬

‫وحقيقة إن واجب اللق نو خالقهم ورازقهم‪ ،‬ومالك أمرهم ف مياهم وماتم‪...‬‬


‫أن يعبدوه‪.‬‬

‫ول كن ا ل سبحانه من رح ته بع باده وف ضله علي هم‪ ،‬ج عل ف هذا ا لواجب خ ي‬


‫العباد‪ ،‬بل جعله هو الي ذاته‪ ...‬فيعبد الناس ال بكم أنه هو خالقهم‪ ،‬وربم‪ ،‬وإلهم‪ ،‬ث‬
‫ت كون ع بادته لي هم و صالهم‪ ،‬ل ل صال ا ل ال ستغن عن الع باد‪ " :‬و•م• ن– ج•ا ه•د• ف—إ“̃ن م•ا‬
‫”يج•اه“د” ل“•نف™س“ه“ إ“ن‪ œ‬الل‪œ‬ه• ل—غ•ن“ي‪ ñ‬ع•ن“ ا™لع•ال—م“ي"‪.‬‬

‫فح ي ط لب ا ل إ ل ال ناس أن ي فردوه باللوه ية وبالاكم ية‪ ،‬ول يك موا ب شريعة‬


‫أحد منهم‪ ،‬وإنا يكمون با أنزل ال وحده ف كل شيء؛ وقال لرسوله صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ " :‬و•ا –حذ—ر–ه”م– —أن™ •يف™ت“ن”وك• ع•ن– •بع–ض“ م•ا —أن–ز•ل— الل‪œ‬ه” إ“ل—–يك•"‪.‬‬

‫حي طلب ال إل الناس ذلك‪ ،‬كان يريد أن ينقذهم من عبودية بعضهم لبعض‪،‬‬
‫وما يترتب على هذه العبودية من "الطاغوت " الذي رأينا ناذج بشعة منه ف الاهلية‬
‫الديثة‪ ،‬وف كل جاهلية ف التاريخ‪.‬‬

‫)‪(218‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫كان يريد لم أن يسوا بالتحرر القيقي‪ ،‬الذي ل يكن أن يسوا به ف أي نظام‬


‫آخر يصنعه البشر لنفسهم‪ ،‬وتستعبد فيه طائفة من الناس بقية الناس‪ ،‬وتكم لصالها هي‬
‫على حساب صوال الناس!‬

‫كان ير يد لم الكرا مة ا لت ل تتح قق لب ن ال سان إل ح ي يت ساوون جي عا‪ I‬ف‬


‫العبودية القيقية ل‪ ،‬فل يبز من بينهم أحد بطاغوته‪ ،‬يقول‪ :‬أنا أشرع للناس‪ ،‬أنا أسيطر‬
‫على الناس‪ ،‬أنا أخضع لرادت الناس‪ ،‬أنا أصنع ‪ -‬على رغبت ‪ -‬حياة الناس!‬

‫كان يريد لم العزة الت ل تتحقق للناس إل حي يس كل منهم أن صلته بصدر‬


‫التشريع القيقي ل تقل ذرة واحدة عن صلة بقية الناس‪ ،‬وأن هذه الصلة متاحة ‪ -‬حقيقة‬
‫‪ -‬لميع الناس بقدار ما يتهدون هم بهدهم الاص ف التقرب إليه‪" :‬إن أكرمكم عند‬
‫ال أتقاكم"‪ ،‬ل بقدار ما ف يد أحدهم من ملك أو قوة أو سلطان!‬

‫وف هذا النظام ‪ -‬الوحيد ‪ -‬الذي يس فيه الناس بالعزة القيقية والكرامة القيقية‬
‫والت حرر القي قي‪ ،‬ي كون لل ناس و ل أ مر من هم ‪ -‬ينتخ بونه انتخا با‪ I‬حر‪²‬ا‪ ،I‬ف بي عة حرة‪،‬‬
‫ويولونه أمرهم ‪ -‬ولكن ول المر هذا ل يشرع لنفسه‪ ،‬ول يق له أن يشرع ول يلك‬
‫رقاب الناس ول يق له أن يلك‪ ،‬ول يضع الناس لرادته ول يق له أن يضعهم‪ ...‬إنا‬
‫يكم با أنزل ال‪ ،‬وكل مهمته الت يبايع من أجلها‪ ،‬ويلك السلطان من أجلها هي تنفيذ‬
‫شريعة ا ل‪ ،‬ا لت ل ت ضعها طب قة أو طائ فة‪ ،‬و ل تراع في ها م صلحة طب قة أو طائ فة‪ ،‬إ نا‬
‫وضعت لميع الناس‪.‬‬

‫وول المر هذا واحد من الناس ل غي‪...‬‬

‫ل يثل طبقة معينة‪ ...‬ول تنتخبه ‪ -‬أو تساعد على انتخابه ‪ -‬طبقة معينة‪ ،‬إذ أنه ما‬
‫مصلحة أي طبقة ف أن تبايع إنسانا‪ I‬معينا‪ I‬من الناس وتفضله على غ يه ‪ -‬إل صلحيته‬
‫القيقية لتول المر ‪ -‬ما دام ‪ -‬حي يصل إل السلطان ‪ -‬ل يلك أن يشرع لذه الطبقة‬
‫ول أن يضع مصلحتها فوق مصال الناس؟‬

‫وكيف تستطيع طبقة معينة ‪ -‬مهما أوتيت من وسائل العلم‪ ،‬والتأثي‪ ،‬والغراء‪،‬‬
‫بل التشويش كذلك! ‪ -‬كيف تستطيع أن تغري الناس بترك واحد معي‪ ،‬أو اختيار واحد‬
‫معي لصالها هي‪ ،‬ما دامت ل تلك ‪ -‬ف ظله ‪ -‬سلطة زائدة تستعبد با الناس؟!‬

‫ن عم‪ ،‬يدث ف ظل " ال ضعف " الب شري أن ي بايع ال ناس رجل ل ي كون صالا‬
‫لولية المر‪ ،‬ويكونوا مدوعي ف صلحه وتقواه‪ ،‬فيتكشف لم أنه ضعيف الرادة أو‬
‫قليل التجربة أو ضيق الفق أو غي موفق ف الرأي‪ ...‬نعم‪ ،‬وعندئذ يتحملون هم تبعتهم‬

‫)‪(219‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫الكام لة ف الخت يار‪ ،‬لنم هم ‪ -‬بإرادتم ا لرة ‪ -‬ا لذين اخ تاروه‪ ...‬ث هم يل كون‬
‫المر‪ ...‬فهو دائما ف أيديهم‪ ،‬يقولون له‪ :‬لقد اخترناك ولكنك ل تصلح للتبعة‪ ،‬فسنعزلك‬
‫ونتار شخصا‪ I‬آخر!‬

‫بذلك تتح قق ‪ -‬ف عال الوا قع ل ف عال النظر يات ‪ -‬الر ية القيق ية وال عزة‬
‫القيقية والكرامة القيقية للناس‪.‬‬

‫‪ ...‬ولقد يد ول المر‪ ،‬ويد الناس معه‪ ،‬أن شريعة ال النلة ل تسعفهم بالنص‬
‫ف مسألة معينة تواجههم )‪ ،(81‬فعند ذلك يسلكون طرقا‪ I‬بعينها‪ ،‬تعينهم ف استنباط الكم‬
‫الذي يريدونه ‪ -‬ل ندخل ف تفصيلها هنا ‪ -‬من بث ف السنة‪ ،‬ومن إجاع ومن قياس‬
‫ومن اجتهاد بالرأي‪ ...‬على أساس الشورى‪" :‬وأمرهم شورى بينهم " حت يهتدوا بإذن‬
‫ال وتوجيهه إل حل القضية العروضة عليهم‪.‬‬

‫إنا الهم ‪ -‬ونن نضع الفاتيح ‪ -‬أن نقرر هذه القائق البارزة ف النظام السياسي‬
‫ف ظل منهج ال‪:‬‬

‫أنه ل توجد طبقة تلك وتكم لصالها على حساب الناس‪.‬‬

‫أن ول المر الذي يبايع مبايعة حرة ل يتبع طبقة معينة من الناس‪ ،‬وأنه ل يلك أن‬
‫يشرع لطبقة معينة من الناس‪.‬‬

‫أ نه ي كم ف قط با أ نزل ا ل ول سلطان له إل ال سلطان ا لذي ي ستمده من تنف يذ‬


‫شريعة ال‪.‬‬

‫أنه حي ل يد النص ف الشريعة النلة ل يشطح‪ ،‬ول يتبع هواه‪ ،‬إنا يتبع قواعد‬
‫مقررة تعل حكمه ف النهاية سائرا‪ I‬ف حدود ما أنزل ال‪...‬‬

‫‪ ()81‬ف ك تاب "الت طور والث بات ف ح ياة الب شرية " بن يت العنا صر الثاب تة والعنا صر الت طورة ف الن فس‬
‫البشرية وف الياة البشرية‪ ،‬وبينت كيف يلتقي السلم – دين ال – التقاء كامل‪ I‬بذه وتلك‪ ،‬فيعطي‬
‫ف السائل الثابتة تشريعات تفصيلية ثابتة ل تتغي‪ ،‬لنا تواجه أمورا‪ I‬ل تتغي ف حياة البشر‪ ،‬ويعطي ف‬
‫السائل التطورة إطارا‪ I‬عاما ثابتا‪ ،I‬ويدع للجيال التعاقبة – كل حسب نضجه و " تطوره " وصورة‬
‫متم عه – أن ي ل ال طار ال ثابت بالت شريع الت طور‪ ،‬و من ث ت كون ال شريعة ثاب تة‪ ،‬والف قه دائم الن مو‬
‫لواجهة حاجات الناس كما قال عمر بن عبد العزيز " يد للناس من القضية بقدر ما يد لم من‬
‫القضايا"‪.‬‬

‫)‪(220‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫تلك القواعد العامة ف السياسة على منهج ال هي الوحيدة الت تضمن للناس الرية‬
‫القيقية والعزة والكرامة‪ ،‬وتنع عن الناس أن يتملكهم الطاغوت!‬

‫وتلك القواعد ‪ -‬على ضوء الواقع الذي تعانيه الاهليات كلها‪ ،‬الاهلية الديثة‬
‫بصفة خاصة ‪ -‬هي الت تبي لنا‪ :‬لاذا ينبغي أن ينفرد ال وحده بالاكمية‪ ،‬ويكون وحده‬
‫صاحب التشريع!‬

‫إن الاهلية المقاء ف غرورها وفتنتها " بالنسان"‪ ...‬حي ألت النسان وزعمت‬
‫أنه قد استغن عن وصاية ال‪ ...‬حي استنكفت أن تعترف باكمية ال وحده‪ ،‬واغتصبت‬
‫لنفسها الاكمية‪ ...‬قد وصلت إل ما وصلت إليه من طغيان غائل‪ ،‬يتمثل ‪ -‬اليوم ‪ -‬ف‬
‫دكتاتورية رأس الال ودكتاتورية البوليتاريا‪ ،‬وما يذوقه الناس من الذلة والهانة ف ظل‬
‫هذه الدكتاتوريات‪.‬‬

‫وإ فراد ا ل بالاكم ية هو ‪ -‬و حده ‪ -‬ا لذي ين قذ ال ناس من هذه الدكتاتور ية‬
‫الطاغية‪ ،‬ويردهم أحرارا‪ I‬كما ولدتم أمهاتم‪ ،‬ويعل ف أيديهم هم أمر أنفسهم‪ ،‬ف ظل‬
‫شريعة ال‪ ،‬فإن ركبهم طاغية من الب شر‪ ،‬فتبعة ذ لك عليهم هم‪ ...‬وهم يل كون دائ ما‬
‫رده‪ ...‬لنه ل يركب هم " بتم ية " زائ فة‪ ،‬ول يركب هم ب صلحة طب قة معي نة من هم تأ خذ‬
‫دورها التمي ف التاريخ‪ ،‬وإنا يركبهم لنم تاونوا ف رده إل شريعة ال‪ ،‬وهم يلكون‬
‫دائم‪I‬ا أن يعودوا فيدوه إل شريعة ال‪ ...‬ولو تملوا ف ذلك تضحيات وتعرضوا لخطار!‬
‫ف هي ‪ -‬ف النها ية ‪ -‬أ قل ع لى و جه التحق يق من الت ضحيات ا لت يدفعونا ثن الذ لة‬
‫لطاغوت من البشر يكمهم " بالتمية " ول يلكون من حتميته الفرار!‬

‫وب قي أن ن عرف ‪ -‬و نن ن ستعرض القت صاد والجت ماع وا لخلق وعل قات‬
‫النسي والفن ‪ -‬أن شريعة ال هذه الت يكم با الناس ف ظل منهج ال‪ ،‬هي العدل‬
‫الكامل والي الالص للبشرية‪ ...‬ولكنا نبز أول هذه القيقة ‪ -‬السياسية ‪ -‬الامة‪ ،‬أنه ل‬
‫حرية للناس ‪ -‬ابتداء ‪ -‬إل بنع البشر من أن يشرعوا لنفسهم‪ ،‬وعزلم من هذا السلطان‬
‫الائر ‪ -‬وهو دائما‪ I‬جائر ‪ -‬الذي يعطونه لنفسهم حي ل يكمون با أنزل ال‪.‬‬

‫إن شرع ا ل ل ي كن ينت قص كرا مة الب شر ووعي هم و فاعليتهم ون ضوجهم‬


‫وتقدمهم‪ ...‬ال ‪ -‬حي حرم عليهم أن يشرعوا لنفسهم‪ ...‬إنا كان يضع الوسيلة ‪ -‬الت‬
‫ل وسيلة غيها ‪ -‬لتحرير الناس تريرا‪ I‬حقيقيا من كل طغيان‪...‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫)‪(221‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وحي تتأكد لنا هذه القيقة وتستقر ف أذهاننا ‪ -‬كما ينبغي لا أن تصنع ‪ -‬ننتقل‬
‫إل عرض ناذج من شريعة ال ومنهجه ف القتصاد والجتماع والخلق‪ ...‬ال‪.‬‬

‫لقد كان مصدر الطغيان ف الاهلية ‪ -‬فيما يتعلق بالقتصاد ‪ -‬أمرين اثني‪ :‬طريقة‬
‫التملك من ناحية‪ ،‬وكون الطبقة الت تلك هي الت تكم من ناحية أخرى‪.‬‬

‫ومنهج ال يعال المرين معا‪ ،‬با يصلح أمور الناس‪.‬‬

‫فهو أول يعزل عن السلطان كل طبقة تريد أن تتجب‪ ،‬بتقريره حاكمية ال وحده‪،‬‬
‫ومنع الناس من الاكمية‪.‬‬

‫وهو ثانيا‪ I‬يعطي عدالة موضوعية ف مسألة اللكية‪.‬‬

‫فإذا كانت الاهل ية الرأ سالية تط لق اللك ية الفرد ية بغ ي حد‪ ...‬ما يترتب عل يه‬
‫استعباد غي الالكي‪...‬‬

‫وإذا كانت الاهل ية الماع ية ت نع اللك ية الفرد ية الب تة‪ ...‬ما يترتب عل يه كذلك‬
‫استعباد غي الالكي)‪...(82‬‬

‫فالسلم ل ينع اللكية الفردية البتة‪ ...‬ول يطلقها بل حدود!‬

‫إ نه ل ي نع اللك ية الفرد ية الب تة‪ ،‬لن ذ لك ي عل أرزاق ال ناس كل هم ف يد‬


‫"الدولة"‪ ...‬وبالتال يستعبدهم للدولة بلقمة العيش!‬

‫وال سلم يق يم ن ظامه السيا سي والقت صادي والجت ماعي ع لى أ ساس أن ي كون‬
‫"الناس" هم الرقباء على ول المر‪ ،‬يتابعون مدى تنفيذه لشريعة ال‪ ،‬ويوجهونه إذا أخطأ‬
‫ف تنفيذها‪ ،‬ويسقطون سلطانه عليهم إذا خرج عن شريعة ال‪:‬‬

‫"و•ل™ت•ك‪¤‬ن– م“ن–ك‪¤‬م– أ‪̃¤‬م ‪Í‬ة •يد–ع”ون— إ“ل—ى ا™لخ•ي–ر“ و•ي•أ™م”ر”ون— ب“ال™م•ع–ر”وف“ و•ي•ن–ه•و–ن— ع•ن“ ا™لم”ن–ك—ر“"‪.‬‬

‫"من رأى منكم منكرا‪ I‬فليغيه بيده‪ ،‬فمن ل يستطع فبلسانه‪ ،‬فمن ل يستطع فبقلبه‪،‬‬
‫وهو أضعف اليان")‪.(83‬‬

‫‪ ()82‬راجع الفصل السابق‪.‬‬


‫‪ ()83‬متفق عليه‪.‬‬

‫)‪(222‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫" أطيعون ما أطعت ال فيكم‪ ،‬فإن عصيت ال ورسوله فل طاعة ل عليكم")‪.(84‬‬

‫وهذا كله ل يتأتى إذا كان الناس كلهم مستعبدين للدولة بلقمة البز‪...‬‬

‫وال سلم ن ظام واق عي‪ ...‬ف هو ل ي فترض ف ال ناس اللئك ية‪ ،‬ول ي فترض في هم‬
‫كذلك أن يكونوا كلهم من أول العزم! إنا يتعامل مع النفس البشرية ف واقعها‪ :‬بضعفها‬
‫وقوتا‪ ،‬وهبوطها ورفعتها‪ ،‬لذلك يضع نظ مه على أساس هذا الواقع البشري‪ ،‬ويساعد‬
‫ال ناس ف ضعفهم إزاء ال سلطان الت جب‪ ...‬في حرص حر صا‪ I‬شديدا‪ - I‬أسا سيا ‪ -‬ع لى أن‬
‫ي كون لل ناس موارد أرزاق يطولو نا بأ يديهم مبا شرة بع يدة عن التح كم الكا مل للدو لة‪،‬‬
‫الذي يعل الدولة منفذ الرزق الوحيد إل الناس‪...‬‬

‫ولكن من جانب آخر يقدر السلم ف واقعيته ما ينشأ من إباحية اللكية الفردية‬
‫على إطلقها‪ ،‬من ظلم وطغيان من بعض الناس على سائر الناس‪.‬‬

‫لذلك يضع قيودا‪ I‬موضوعية تنع تزايد الال وت•ضاع”فه ف أيدي فئة قليلة من الناس‪،‬‬
‫منها تديد وسائل اللكية ابتداء بوسائل حلل طيبة نظيفة‪ ،‬ومنها طريقة الياث الت تفتت‬
‫الثروة على رأس كل جيل‪ ،‬ومنها الزكاة الت تأخذ من رأس الال وربه كل عام‪ ،‬ومنها‬
‫تر ي الر با والحت كار‪ ...‬ك ما و ضع ف يد و ل ا لمر سلطة ت صحيح الو ضاع كل ما‬
‫جنحت إل النراف‪ ،‬دون مالفة ول هدم للصل الذي تقوم عليه الياة ف السلم‪،‬‬
‫وهو أن يكون للفراد موارد رزق خاصة ل تتحكم فيها الدولة تكم الانع الانح‪...‬‬

‫ولقد كان الربا والحتكار ها مصيبة الرأسالية الطاغية‪ ،‬إذ مكناها رويدا‪ I‬رويدا‪ I‬من‬
‫تميع الثروات ف أيديها وحرمان سائر الناس منها‪.‬‬

‫ولو كان المر ف حاجة إل شهادة على أن هذا النهج منل من عند ال‪ ،‬ل من‬
‫عند البشر‪ ،‬لكفت هذه الشهادة! فمصائب الرأسالية كلها‪ :‬من طغيان وفساد‪ ،‬وإذلل‬
‫للخ لق‪ ،‬وا ستعمار ب شع وا ستغلل ل شعوب ا لرض‪ ،‬ل ت كن وا ضحة للب شر يوم نزل‬
‫السلم‪ ،‬ول يكن واضحا لديهم أن هذه الرأسالية ستقوم على الربا‪ ...‬ث على الحتكار‪.‬‬

‫وتري الربا والحتكار ف هذا النهج الربان‪ ،‬يكفي ‪ -‬وحده ‪ -‬لن يثبت ربانية‬
‫هذا النهج‪ ،‬ويشهد له ‪ -‬لو احتاج لمر إل الشهادة ‪ -‬على أنه منل من عند ال‪.‬‬

‫ول يس ه نا مال التف صيل ف من هج ال سلم ف القت صاد‪ ،‬فذلك ‪ -‬ك ما قل نا ‪-‬‬
‫موضعه الكتب التخصصة ف الوضوع‪.‬‬

‫‪ ()84‬من كلم الليفة الراشد الول أب بكر رضي ال عنه‪.‬‬

‫)‪(223‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫إنا نعرض هنا عرضا ملخصا( للمفاتيح الرئيسية ف منهج السلم‪:‬‬

‫النظر ية العا مة للقت صاد ال سلمي ت قوم ع لى أ ساس أن ا ل سبحانه ا ستخلف‬


‫النسان ‪ -‬كنوع ‪ -‬ف الرض‪ ،‬وأن الال مال ال‪ ،‬والماعة النسانية مستخلفة فيه‪ ،‬وفق‬
‫شروط ال الواردة ف شريعته‪ ،‬سواء ف صورة مبادئ كلية أو تشريعات جزئية ‪ -‬والول‬
‫هي الكثر ‪ -‬وأن الفرد موظف ف هذا الال‪ ،‬تقوم وظيفته فيه على أساس اللكية الفردية‬
‫لانب من هذا الال مقابل جهد يبذله‪ ،‬وبشرط حسن التصرف ف هذه اللكية ‪ -‬با يعود‬
‫على نفسه وعلى الماعة كلها بي‪ ،‬وف حدود شروط ال الت بدونا ل يتحقق الي‪،‬‬
‫فإن هو سفه وأساء استخدام حق اللكية قيد حق التصرف وعاد حق التصرف هذا إل‬
‫الماعة‪ ،‬صاحبة الق الول الستمد من خلفتها عن ال ف الرض‪ ،‬وهذا ل يل بقاعدة‬
‫اللكية الفردية الت يقوم عليها نظام السلم كله ‪ -‬ل النظام القتصادي وحده ‪ -‬ولكنه‬
‫ف قط ي يط هذه القا عدة بالقيود ا لت تك فل ح سن الت صرف ف هذه اللك ية‪ ،‬وي فظ‬
‫للجما عة حق ها ال قرر ف مال ا لفراد بالز كاة وغي ها من الت كاليف ب قدر حا جة ال مة‬
‫وبسبها‪ ،‬مع البقاء على ملكية الفراد‪ ،‬فيما عدا بعض الوارد العامة الت تبقى ملكية‬
‫عامة‪:‬‬

‫"و•آ ت”وه”م– م“ ن– م•ال“ الل‪ œ‬ه“ ا ل‪œ‬ذ“ي آ ت•اك‪¤‬م–"‪ " ،‬و•ل ”تؤ– ت”وا ال س§ف—ه•اء¦ —أ م–و•ال— ‪¤‬كم” ال‪ œ‬ت“ي •جع• ل— الل‪œ‬ه‬
‫ل— ‪¤‬كم– ق“ي•اما"‪.‬‬

‫ث ي عل ه ناك قا عدة لتوز يع ا لال ف الما عة‪" :‬ك— ي– ل ي• ك‪¤‬ون— د”و ل—ة‪• I‬بي– ن• ال™أ— ™غن“ ي•اء‬
‫م“ن–ك‪¤‬م"‪.‬‬

‫"فل ينبغي أن تتكره أيدي الغنياء ف أية صورة‪ ،‬يب أن توزع ملكيته ف اليدي‬
‫الكثية كي تتداوله‪ ،‬وكي تتم دورة الال الطبيعية ف أيدي أكب عدد من المة‪.‬‬

‫وه ناك حق ال عوزين والروم ي‪ ،‬تتقا ضاه الما عة ح قا مفرو ضا‪ ،‬و توزعه ع لى‬
‫التاجي إليه‪ " :‬و•ف“ي أ—م–و•ال“ه“م– ح• ‪ñ‬ق ل“ل̃سائ“ل“ و•ال™م•ح–ر”وم“"‪.‬‬

‫" هو حق الز كاة‪ ،‬ووراءه الت كاليف ال طارئة ا لت يؤ خذ ب سبها كل ما و جدت من‬
‫أموال الغنياء"‪.‬‬

‫ث ه ناك قوا عد لك سب ا لال والتعا مل ف يه‪ ،‬فل ي يء هذا الك سب‪ ،‬ول ي تم هذا‬
‫التعامل بطريقة فيها مضارة من أي وجه لفرد أو أكثر ف الماعة‪ ،‬ومن ث يرم النصب‬
‫والنهب والسرقة والغش والحتكار‪ ،‬كما يرم الربا وهو أبشع هذه الوسائل جيعا‪.‬‬

‫)‪(224‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫" ي•ا أ—ي§ ه•ا ا ل‪œ‬ذ“ي •ن آم• ن”وا ا̃ت ق‪¤‬وا ال‪œ‬ل ه• و•ذ—ر”وا م•ا •بق“ ي• م“ ن• الر‪ ¥‬با إ“ ن™ ‪¤‬كن–ت” م– م”ؤ–م“ن“ي•‪ ،‬ف—“إن™ ل—م‬
‫‪.‬‬
‫•تف™ع•ل‪¤‬وا ف—أ™ذ—ن”وا ب“ح•ر–ب› م“ن• ال‪œ‬له“ و•ر•س”ول“ه‪"...‬‬

‫" وه ناك أ مر بالعاو نة " النظي فة"‪" :‬و•إ“ ن™ ك—ان— ذ‪¤‬و ع” س–ر•ة› ف—ن• ظ“ر•ة‪ Í‬إ“ ل—ى م•–ي س•ر•ة› و•أ—ن‬
‫•تص•̃دق‪¤‬وا •خي–ر‪— Ï‬لك‪¤‬م– إ“ن™ ك‪–¤‬نت”م– ت•ع–ل—م”ون"‪.‬‬

‫" تلك قواعد عامة‪ ،‬وهذا هو الطار الذي ينمو فيه القتصاد السلمي بل عائق‪،‬‬
‫إل العوائق الت تنع النراف"‪.‬‬

‫وت لك هي الطري قة ا لت يعا ل با الن هج الر بان أ مور القت صاد ف كل طور من‬
‫أطواره فيمنع عن الناس الظلم‪ ،‬ول يعل الناس عبيدا لقوة طاغية ف الرض‪...‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫غي أنه ينبغي لنا أن نضيف إل تلك القواعد العامة حقيقة أخرى كبية يتميز با‬
‫النهج الربان ف أمور القتصاد‪.‬‬

‫إن الت صور ال سلمي ل ي عل الن سان ع بدا‪ " I‬للحتم يات" من أي نوع‪ ...‬سواء‬
‫حتمية الادة أو حتمية التاريخ‪.‬‬

‫إن "ال ناس" ‪ -‬ف ال سلم ‪ -‬هم ا لذين ين شئون متمع هم واقت صادهم‪ ،‬إ نه لي ست‬
‫هناك أطوار حتمية تأخذ قالبا‪ I‬معينا‪ I‬ف حياة الناس‪ ،‬وتغلب طبقة على طبقة‪ ،‬با تنحها‬
‫التمية القتصادية من التملك وما تنحها من السلطان!‬

‫إن هذا يدث فقط ف ظل الاهلية النحرفة عن منهج ال!‬

‫أما ف ظل النهج الربان‪ ،‬فالناس يعبدون ال وحده‪ ...‬ول يعبدون هذه التميات!‬

‫ولقد حدث بالفعل أن حال النهج الربان ‪ -‬رغم انراف الناس عنه انرافا جزئي‪²‬ا‬
‫‪ -‬دون قيام القطاع بصورته الوربية البشعة ف أرجاء العال السلمي‪ ،‬ول يستطع هذا‬
‫القطاع أن يفرض صورته " التمية!" على حياة السلمي!‬

‫إن النسان هو القوة الفاعلة ف تصور السلم‪ ،‬والكون كله ‪ -‬بطاقاته جيعا ‪-‬‬
‫مسخر له‪ " :‬و•س•خ˜ر• ل— ‪¤‬كم– م•ا ف“ي ال̃سم•او•ات“ و•م•ا ف“ي ا™لأ—ر–ض“ •جم“يعا‪ I‬م“ن–ه”"‪.‬‬

‫)‪(225‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ومن ث ينشئ النسان اقتصاده حسبما يعتقد هو ويتصور‪ ،‬بإرادته الت منحه إياها‬
‫ا ل‪ ،‬ول ي كون ع بدا‪ I‬ذليل‪ I‬خا ضعا‪ I‬لطوار القت صاد " التم ية " ت ستعبده و هو صاغر‪،‬‬
‫وتفرض عليه حتميتها وهو خاضع ذليل‪.‬‬

‫وحي ينح النهج الربان النسان هذه اليابية الفاعلة‪ ،‬فهو يكرمه ف عال التصور‬
‫وي صحح خ طاه ف عال ال سلوك فيج عل متم عه الن سان بريئا‪ I‬من الظ لم وال نراف‬
‫والفساد‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫والنهج الربان ف أمور الجتماع يقيم التوازن بادئ ذي بدء بي الفرد والتمع‪ ،‬ث‬
‫ينظم علقة الرجل والرأة ف التمع أدق تنظيم )‪.(85‬‬

‫ليس الفرد والتمع معسكرين متقاتلي ف نظر السلم!‬

‫وما ينبغي لما أن يكونا كذلك!‬

‫إن "اللفة" الت منحها ال " للن سإن "ت شمله فردا‪ I‬وت شمله جاعة‪ ،‬و"النسان"‬
‫يشمل الفرد والتمع ف ذات الوقت‪.‬‬

‫ومن ث فل عداوة ول بغضاء‪ ...‬ول تشاحن على الغلبة بي هذا وذاك!‬

‫والقضية الت تصور التمع عدو‪²‬ا‪ I‬للفرد يسعى إل سحقه وتطيمه‪ ،‬أو تصور الفرد‬
‫عدوا للمجت مع ي سعى إ ل م نع ال ي ع نه‪ ...‬ل ت صور القي قة إل ف حالت ال شذوذ‬
‫والنراف!‬

‫أما ف حالت الستواء فالفرد من التمع والتمع من الفرد‪ ...‬ل انقطاع بينهما‬
‫ول انفصال!‬

‫ف حالت النراف والشذوذ فقط يوجد الفرد الطاغي ‪ -‬أيا كان لون طغيانه ‪-‬‬
‫وال فرد الفا سد‪ ،‬وال فرد الن حل‪ ،‬وال فرد ال شع‪ ...‬ا ل ا لذي يرى أن روا بط الت مع‬

‫‪ ()85‬ل نتحدث هنا عن العلقات النسية‪ ،‬وإنا عن العلقات الجتماعية‪ ،‬وعلقة النس واحدة من‬
‫هذه العلقات ول شك‪ ،‬ولكنها تتميز بطابعها الاص ولذلك أفردنا لا الديث‪.‬‬

‫)‪(226‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫التماسكة تول بينه وبي تقيق النراف السيطر عليه‪ ،‬فيسعى إل تفكيك هذا التمع‬
‫وتفتيته‪ ،‬أو إل السيطرة عليه واستغلله‪ ...‬بسب نوع النراف‪.‬‬

‫ويوجد التمع الطاغي ‪ -‬بصورة من صور الطغيان ‪ -‬والتمع الفاسد النحرف عن‬
‫سواء السبيل‪ ،‬الذي ل يطيق من الفرد الستقيم استقامته‪ ،‬أو ل يطيق منه دعوته إياه إل‬
‫الستقامة‪ ،‬فيسعى إل سحقه وتطيمه‪.‬‬

‫أما ف حالة الستواء ‪ -‬من الفرد والتمع كليهما ‪ -‬فهناك التجاوب الطبيعي الذي‬
‫تلتقي عنده الهداف والفكار والشاعر‪ ،‬وتتآلف وتترابط‪ ،‬ليتكون منها كيان متكامل‬
‫سليم‪.‬‬

‫وال سلم ‪ -‬بطبي عة ا لال ‪ -‬ي سعى إ ل الو صول إ ل حا لة ال ستواء‪ ،‬ف ال فرد‬
‫والتمع ف ذات الوقت‪ ،‬ويسعى إل تقوي حالة الشذوذ والنراف‪ ،‬من الفرد والتمع‬
‫على السواء‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ي سعى ال سلم إ ل إ ياد حا لة من ال توازن ب ي ال فرد وال تع‪ ،‬بإبراز ك يان ال فرد‬
‫الستقل من ناحية‪ ،‬وإبراز كيان التمع الترابط من ناحية‪ ،‬كلها على استواء‪.‬‬

‫الفرد ياطبه السلم مباشرة‪ ،‬ويعطيه حقوقا ويلقي عليه تبعات‪ ،‬تبز ف النهاية‬
‫كيانه الفردي الستقل‪.‬‬

‫والماعة ياطبها السلم كذلك‪ ،‬ويعطيها حقوقا ويلقي عليها تبعات تبز كيانا‬
‫التم“ع الترابط‪.‬‬

‫فالفرد ف السلم يتصل بال مباشرة بل وسيط‪ ،‬ياطبه ويناجيه ويعبده ويتقرب‬
‫إليه‪ ،‬فردا‪ I‬مستقل ذا كيان مدد متخصص‪ ،‬والسلم يشعره على الدوام برعاية ال له ‪-‬‬
‫فرد‪I‬ا ‪ -‬رعاية كاملة‪ ،‬فهو الذي يلقه ‪ -‬فردا ‪ -‬من لقاء أبويه‪ ،‬بقدر من ال مدد له هو‬
‫شخصيا‪ ،‬ل لحد سواه‪ ...‬ث هو الذي يرزقه ‪ -‬فردا كذلك ‪ -‬وإن كان يسبب لرزقه‬
‫السباب الظاهرة الت تشترك فيها الماعة ‪ -‬كما يشترك فيها الكون كله ‪ -‬ولكنه رزق‬
‫مدد له هو ذاته‪ ،‬مكتوب له شخصيا من عند ال‪ ،‬ل يناله أحد سواه‪ ،‬ث ال هو الذي‬
‫يستجيب له حي يدعوه‪ ،‬فيجيب حاجته ف الياة الدنيا ‪ -‬إن شاء ‪ -‬أو يكتبها له ف‬
‫الخرة‪ ،‬ولكنه ف الالي يستجيب لدعائه الفردي الستقل عن كل فرد سواه‪ ،‬ث هو يلقى‬

‫)‪(227‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ال ف النهاية فردا‪" :‬و•ك‪¤‬ل‪ä‬ه”م– آت“يه“ ي•و–م• ا™لق“ي•ام•ة“ ف—ر–دا‪،"I‬ول يسأل إل عن نفسه وأعماله الذاتية‪:‬‬
‫"ك‪ ¤‬ل‪ ä‬ن•ف™س› “ب م•ا ك—س•ب•ت– ر•ه“ي ن•ة‪"،"Í‬و•ل ت•ز“ر” و•از“ر•ة‪ Í‬و“ز–ر• أ‪¤‬خ–ر•ى"‪ ...‬و بذلك ك له يتح قق‬
‫الساس الشعوري للفردية الذاتية الستقلة‪ ،‬عن طريق التصال الباشر بال‪.‬‬

‫ث يك لف ال سلم ال فرد ت كاليف فرد ية تبز ذاتي ته‪ ،‬ف هو ‪ -‬شخ صيا ‪ -‬كل فرد‬
‫بفرده ‪ -‬مكلف أن يقيم شعائر ال وشرائعه‪ ،‬وأن يدعو "التمع" ‪ -‬أي غيه من الفراد‬
‫‪ -‬إل إقامتها‪ ،‬ث هو مكلف أن يقاوم النكر من التمع ‪ -‬أي من غيه من الفراد ‪ -‬بكل‬
‫ما يلك من طاقة‪ ،‬وبقدر ما ف نفسه من إيان‪ ،‬ول يقف دون هذا التكليف حائل‪ ،‬فالفرد‬
‫‪ -‬كل فرد ‪ -‬ينبغي إن "يتبن " القضايا العامة للجماعة بيث تصبح هي قضيته الاصة‬
‫والقضايا العامة ف السلم هي تنفيذ شريعة ال‪ ،‬أي إقامة حكم راشد‪ ،‬وإقامة اقتصاد‬
‫را شد‪ ،‬وإقامة مت مع را شد وإ شاعة الق يم الخلق ية ف الت مع‪ ،‬وال شراف ع لى تنظ يف‬
‫التمع وتطهيه من كل فساد خلقي ‪ -‬بعناه الواسع‪ ،‬ومعناه الضيق ‪ -‬الفاحشة النسية‬
‫‪ -‬على السواء ‪ -‬والرقابة على أعمال الاكم‪ ،‬لضمان أنا ل تنحرف عن شريعة ال‪ ،‬أي‬
‫عن الق والعدل الشامل للجميع‪ ...‬وبذلك كله تبز له شخصية إيابية فاعلة ف واقع‬
‫الياة ل ف عال النظريات‪ ،‬تبز عن طريق " تربية " الفرد نفسيا وخلقيا واجتماعيا ليقوم‬
‫بكل هذه الهام‪.‬‬

‫ث إن السلم يعطي الفرد حق اللكية الفردية‪ ،‬فيبز له ذاتيته الستقلة من جانب‬


‫آخر‪ ،‬وسواء تقق له هذا اللك ف عال الواقع أم ل يتحقق‪ ،‬فالق قائم‪ ،‬والفرصة كذلك‬
‫قائمة‪ ،‬والق والفرصة كلها يققان للفرد الذاتية الستقلة‪ ،‬فهو من ناحية ملك شخصي‪،‬‬
‫يتعلق بشخص الفرد‪ ،‬ويس فيه الفرد بوجوده‪ ،‬ومن ناحية أخرى يعل رزقه ‪ -‬المنوح‬
‫له من ال ‪ -‬على مقربة من كيانه الفردي‪ ،‬يطوله بيده‪ ،‬فيشعر فيه بالوجود الذات‪ ،‬ومن‬
‫ناحية ثالثة يعل ف يده وسيلة ارتزاق يستطيع با أن يقاوم الطغيان حي يتعرض له من‬
‫جانب الاكم أو التمع النحرف سواء‪.‬‬

‫وحي ل يتحقق اللك ف عال الواقع ‪ -‬رغم وجود الق ووجود الفرصة النظرية ‪-‬‬
‫فالسلم كذلك ل يدع شخصيته الفردية تنسحق وتضيع وإنا يرتب له كفالة الدولة ‪-‬‬
‫من بيت الال ‪ -‬تميه من الضياع‪ ،‬وكفالة الدولة ف مفهوم السلم تشمل إعداده لعمل‬
‫نافع‪ ،‬وتوظيفه ف عمل نافع‪ ،‬أو النفاق عليه من مواردها إذا عجزت عن إعداد العمل له‬
‫أو عجز هو عن الع مل للضعف أو الشيخوخة ‪ -‬أو الطفولة ‪ -‬وهو ف هذا ك له يأخذ‬
‫"ح قا" له مفرو ضا من ا ل ول يأ خذ "إح سانا" من أ حد من ال ناس‪ ،‬فال ناس ل يرز قون‬
‫أنفسهم إنا هو رزق ال‪ ،‬خصص منه نصيبا " مفروضا " يأخذه الستحقون له بق ال‪.‬‬

‫وذلك كله أقصى ما يكن أن يصل إليه نظام يطبق ف الرض لبراز ذاتية فردية‬
‫سوية‪.‬‬

‫)‪(228‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ومن الانب الخر يبز السلم " شخصية " الماعة‪...‬‬

‫فكما كلف الفرد تكاليف‪ ،‬لثبات ذاتيته الفردية‪ ،‬فكذلك ألقى على عاتق الماعة‬
‫تبعات تثبت ذاتيتها الماعية‪ ...‬الترابطة‪.‬‬

‫فهي مكلفة ‪ -‬كمجموعة ‪ -‬بإقامة شريعة ال وتنفيذها والرقابة على تنفيذها‪...‬‬

‫هل الت تول ول المر‪ ...‬وهي الت تلك أن تسحب منه البيعة ‪ -‬ل الفراد! ‪-‬‬
‫وهي الت تراقب سيه ف الكم‪ ،‬وتاسبه‪ ،‬وترده إل الصواب‪ ،‬وتؤدي له الشورة‪.‬‬

‫خي–ر“ و• ي•أ™م”ر”ون— ب“ال™م•ع–ر”وف“ و•ي•ن–ه•و–ن— ع• ن“ ا™لم”ن– ك—ر“"‪" ،‬‬


‫"و•ل™ت•ك‪ ¤‬ن– م“ن–ك‪ ¤‬م– أ‪̃¤‬م ة‪ Í‬ي•د–ع”ون— إ“ ل—ى ال™ •‬
‫و•أ—م–ر”ه”م– ش”ور•ى •بي–ن•ه”م–"‪" ،‬و•ش•او“ر–ه”م– ف“ي ا™لأ—م–ر“"‪.‬‬

‫وينادي القرإن "الماعة" السلمة نداءات عديدة متكررة‪" :‬يا أيها الذين آمنوا‪:"...‬‬
‫"ي•ا —أي§ه•ا ال‪œ‬ذ“ين• آم•ن”وا ك‪¤‬ت“ب• ع•—لي–ك‪¤‬م” ا™لق“ص•اص” ف“ي ا™لق—ت–ل—ى"‪ " ،‬ي•ا أ—ي§ه•ا ال‪œ‬ذ“ي •ن آم•ن”وا اد–خ”ل‪¤‬وا ف“ي‬
‫ال س‪™ ¥‬لم“ ك—ا ف‪œ‬ة"‪ " ،‬ي•ا أ—§ي ه•ا ا ل‪œ‬ذ“ين• آم• ن”وا ل ت•أ™ك‪¤‬ل‪¤‬وا أ— م–و•ال— ‪¤‬كم– •ب–ين•ك‪ ¤‬م– ب“ا™ل ب•اط“ل“"‪ " ،‬ي•ا أ—ي§ ه•ا ا ل‪œ‬ذ“ين‬
‫آم• ن”وا خ”ذ‪¤‬وا ح“ذ™ر•ك‪¤‬م– ف—ان–ف“ر”وا ث‪ ¤‬ب•ات› أ—و“ ا–ن ف“ر”وا ج•م“يعا"‪ " ،‬ي•ا أ—ي§ ه•ا ا ل‪œ‬ذ“ين• آم• ن”وا إ“̃ن م•ا ا™لخ• م–ر‬
‫سر” و•ال™أ—ن–ص•اب” و•ال™أ—ز–لم” ر“ج–س‪ Ï‬م“ن– ع•م•ل“ الش˜–يط—ان“ ف—اج–ت•“نب”وه"‪.‬‬ ‫و•ال™م•ي– “‬

‫وف هذه النداءات التكررة يضع لم تشريعاتم ‪ -‬ليقوموا بتنفيذها ‪ -‬وتوجيهاتم‬


‫‪ -‬ليبيهم عليها كجماعة‪ ،‬وينشئوا عليها أنفسهم وأولدهم و "أفراد " التمع جيعا‪- I‬‬
‫ويكلفهم تكاليف ينهضون با متمعي‪ " :‬و•اع–ت•ص“م”وا “بح•ب–ل“ ال‪œ‬له“ •جم“يعا‪ I‬و•ل ت•ف—̃رق‪¤‬وا‪" ،"...‬‬
‫و•ت•ع•او•ن”وا ع•ل—ى ا™لب“ر‪ ¥‬و•ال̃تق™و•ى و•ل ت•ع•او•ن”وا ع•ل—ى ا™لأ“ث™م“ و•ال™ع”د–و•ان“‪."...‬‬

‫وكلها أمور تقتضي وجود " جاعة " متماسكة مترابطة‪ ...‬ومهيمنة ف ذات الوقت‬
‫على سي المور‪.‬‬

‫والسلم يقيم الماعة من الفراد‪ ...‬فهذه الماعة الؤمنة الت تناد•ى هذه النداءات‬
‫وتقع عليها هذه التكاليف تنشأ من الفراد الؤمني ‪ -‬الذين كل واحد منهم مؤمن على‬
‫حدة ومت صل بال ‪ -‬فردا‪ - I‬ع لى حدة ‪ -‬ول كن ال سلم يع طي هذه الما عة ‪ -‬ا لت‬
‫تكو‪²‬نت من الفراد بذه الطريقة ‪ -‬كيانا‪ I‬متميز‪I‬ا متبلورا‪ " I‬كجماعة " ويعطيها من اليمنة‬
‫ما يوازن الك يان ال ستقل لل فرد ا لذي قد تغر يه فردي ته وا ستقلله أن ين حرف عن سواء‬
‫السبيل‪ ،‬فهي رقيبة عليه وهو موجهة لعماله‪ ،‬وف يدها السلطة الخولة لا من ال ‪ -‬عن‬
‫طريق مثلها ‪ -‬ول المر ‪ -‬أن تقو‪²‬م الفرد النحرف وترده إل الصواب‪ ،‬ولكن ينع من‬

‫)‪(229‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫طغيانا بذه السلطة ‪ -‬ف التمع السلمي ‪ -‬أنا تنفذ ‪ -‬ف جيع الحوال ‪ -‬شريعة ال‬
‫ل هواها الاص‪ ،‬وشريعة ال منلة " للنسان"‪ ...‬الفرد والماعة على السواء‪.‬‬

‫والماعة كذلك هي الكلفة حاية أرض السلم وشريعته وأهله‪ ...‬ككيان متمع‬
‫مترابط متناسق‪.‬‬

‫والماعة هي ‪ -‬من الوجهة النظرية ‪ -‬صاحبة الال الول‪ ،‬الت تنح حق التصرف‬
‫فيه للفرد‪ ...‬ومن الوجهة العملية تلك استرداد حق التصرف من الفرد الذي ل يسن‬
‫القيام على الال‪ " :‬و•ل ”تؤ– ت”وا ال س§ف—ه•اء¦ أ— م–و•ال—ك‪¤‬م” ال‪ œ‬ت“ي ج•ع• ل— الل‪ œ‬ه” ل—ك‪ ¤‬م– “قي•اما‪ I‬و•ار–ز” ق‪¤‬وه”م– ف“ي ه•ا‬
‫و•اك™س”وه”م– و•ق‪¤‬ول‪¤‬وا —له”م– —قو–ل‪ I‬م•ع–ر”وفا"‪.‬‬

‫ث هي الكلفة ‪ -‬فيما بينها ‪ -‬بكفالة أفرادها الضعاف وحايتهم‪ ،‬قبل الدولة الت‬
‫هي الوئل الخي‪ ،‬ف حدود السرة أول‪ ،‬ث ف حدود كل جاعة ملية على حدة ث ف‬
‫حدود المة السلمية عامة‪.‬‬

‫وبذلك كله تبز شخصية الماعة على استواء‪ ،‬ث تتوازن شخصية الفرد وشخصية‬
‫الماعة على استواء!‬

‫وحقيقة إن المر ف واقع الناس ليس بالسهولة الت تكتب با هذه اللفاظ!‬

‫فا لذي يدث ف حقي قة الوا قع أن ال فرد يط غى أحيا نا‪ ،I‬والما عة تط غى أحيا نا‬
‫أخرى‪.‬‬

‫ولكن هذه القيقة مردها إل "الناس " وليس إل النظام!‬

‫الناس ينحرفون‪ ،‬با ف فطرتم من استعداد للنراف‪ ،‬مقابل لستعدادهم للستواء‪.‬‬

‫والفرق كبي ‪ -‬من الوجهة النظرية والعملية معا‪ - I‬بي هذا الوضع‪ ،‬وبي أن يكون‬
‫النراف قائما‪ I‬ف النظام ذاته‪ ،‬حيث ل يلك الناس له ردا إل بتغيي النظام من أساسه‪،‬‬
‫وإقامة نظام جديد‪.‬‬

‫ف النظرية الرأسالية يطغى الفرد بطبيعة النظام‪ ،‬ول يلك الناس رده إل إذا غيوا‬
‫النظام الرأسال من جذوره وأما ف ظله فل يستطيعون أن يردوا ما يقع عليهم من طغيان‪،‬‬
‫ول أن يقو‪²‬موا الطغاة‪.‬‬

‫)‪(230‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وف النظرية الماعية تطغى الماعة بطبيعة النظام‪ ،‬ول يلك الفرد إل أن ينسحق‬
‫تت ثق لة الن ظام الائ لة الرو عة‪ ،‬ا لت تكت سح ف طريق ها كل فرد خارج عل يه‪ ،‬أو ف‬
‫القي قة خارج ع لى الزع يم ال قدس ا لذي يدير الدو لة بالدكتاتور ية ال صرية ا لت ت سمى‬
‫دكتاتورية البوليتاريا‪.‬‬

‫أ ما ف ال سلم فل ي قع طغ يان من ال فرد أو الما عة بطبي عة الن ظام‪ ،‬إ نا ي قع إذا‬


‫انرف الفرد أو الماعة عن النظام‪ ،‬وعندئذ تقع تبعة انراف الناس على أنفسهم‪ ،‬وعليهم‬
‫تقوي هذا النراف الواقع ف أنفسهم والرجوع إل ال ورسوله‪ ...‬فتستقيم المور‪.‬‬

‫" ي•ا أ—ي§ه•ا ال‪œ‬ذ“ي •ن آم•ن”وا أ—ط“يع”وا الل‪œ‬ه• و•أ—ط“يع”وا ال̃رس”ول— و•أ‪¤‬ول“ي ال™أ—م–ر“ م“ن–ك‪¤‬م– ف—“إن™ •تن•از•ع–”تم– ف“ي‬
‫•شي–ء› —فر”د§وه” إ“ل—ى الل‪œ‬ه“ و•ال̃رس”ول“ إ“ن™ ‪¤‬كن–ت”م– ”تؤ–م“ن”ون— ب“ال‪œ‬له“ و•ال™ي•و–م“ ال™آخ“ر"‪.‬‬

‫وما ينبغي الشارة إليه هنا أن ال والرسول ها السلطة التشريعية الت يرجع إليها ف‬
‫ج يع ا لمور‪ ،‬والطا عة ل ما طا عة مبا شرة‪ ،‬أ ما طا عة أو ل ا لمر ف هي متعل قة بطا عة ا ل‬
‫ورسوله‪ ،‬لذلك كرر الفعل " أطيعوا " مع ال ومع الرسول‪ ،‬وأدمج طاعة أول المر ف‬
‫طاعة ال وطاعة الرسول بغي فعل مستقل‪ ،‬ث جعل الرجع ف حالة التنازع بي الؤمني‬
‫على شيء‪ ،‬هو ال والرسول وحدها باعتبار تشريعهما هو الصل الوحيد للتشريع‪.‬‬

‫و ف ظل هذا الت صور ل ي كون ال فرد والت مع مع سكرين مت قابلي مت قاتلي‪ ،‬وإ نا‬
‫يكونان قوتي متداخلتي ‪ -‬كما ها ف حقيقة الواقع ‪ -‬متعاونتي ‪ -‬كما ينبغي أن يكون‬
‫ا لمر ‪ -‬مت حدتي ف ال هداف وال شاعر والف كار؛ فل يدث ال صراع ول يدث‬
‫الطغيان‪...‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫أ ما أ فراد الت مع من ر جال ون ساء وأط فال‪ ،‬فال سلم شديد العنا ية بم‪ ،‬شديد‬
‫الرص على تنشئتهم النشأة الصالة الت تنع ما وقع لم ف الاهلية من انراف‪ ،‬ت•ب“ع•ه‬
‫الشقاء والعذاب والية والضطراب‪.‬‬

‫فأول ه ناك تق سيم عام شامل‪ ،‬للع مل والختصا صات‪ :‬الر جل مك لف بالن تاج‬
‫الادي وما ينتج عنه من اقتصاد وسياسة‪ ...‬والرأة مكلفة بالنتاج البشري‪ ،‬وما يترتب‬
‫عليه من رعاية السرة وتربية النشء الديد على أسس صالة‪ ...‬والطفال ينالون الرعاية‬
‫والتربية والتقوي ف ظل السرة‪ ،‬مضنهم الطبيعي الفطري‪.‬‬

‫)‪(231‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وليس هذا التقسيم تعسفيا من ناحية‪ ،‬وليس صارما قاطعا من ناحية أخرى‪.‬‬

‫إنه يرعى فطرة الرجل وفطرة الرأة واستعدادها الطبيعي الصيل‪...‬‬

‫فالرأة با ستعدادها الف طري ‪ -‬ا لبيولوجي ‪ -‬للح مل وا لولدة والر ضاع‪ ،‬ف قد‬
‫رك بت تركي با نف سي‪²‬ا‪ I‬معي نا‪ ،I‬ي عل ا لانب ال عاطفي في ها هو ا لقوى وا لغزر‪ ،‬وا لقرب‬
‫للستثارة‪ ،‬وهو الملك لكيانا كله‪ ...‬وليس معن ذلك أنا ل تصلح أية صلحية للعمل‬
‫ف خارج ن طاق ا لبيت‪ ،‬و خارج ن طاق هذه الوظي فة الفطر ية‪ ...‬ولك نا رأي نا من شهادة‬
‫الطبيبة النمساوية ف الفصل السابق كيف فعلت الرأة بنفسها حي سعت إل "الساواة "‬
‫مع الر جل ف ج يع و ظائفه وأع ماله‪ ،‬وك يف أ ثر هذا ع لى كيا نا ا لبيولوجي‪ ،‬ف ضمرت‬
‫أجهزت المومة ووظائفها‪ ،‬ول تعد الرأة امرأة ‪ -‬ول رجل‪ I‬كما تنت ف داخلية نفسها!‬
‫‪ -‬وإنا جنسا‪ I‬ثالث‪I‬ا ف طريقه إل الظهور! جنسا‪ I‬حائرا‪ I‬قاق‪I‬ا مضطربا‪ I‬غي مستقر!‬

‫إنا عقوبة الفطرة الاسة الت ل تضع لماقات الاهلية وأهوائها‪...‬لن الفطرة‬
‫من صنع ال‪ ،‬الذي خلق كل شيء ث هداه إل فطرته ووجهته بل تبديل!‬

‫وحاقة فارغة كل ما تقوله الرأة " الديثة"‪ ،‬أو يقوله لا الرجل الذي يستهويها‬
‫لل خروج من ملكت ها الطبيع ية الفطر ية‪ ،‬لت كون ب ي يديه أ سهل م نال‪ ،‬وأ قرب إ ل إجا بة‬
‫نزواته ف ح‪²‬ى التمع الختلط الائج بالنوات! حاقة فارغة أمام شهادة الفطرة‪ ...‬فالفطرة‬
‫ل تعرف إن "عقارب الساعة " قد تقدمت إل المام أو أنا ل يكن أن ترجع إل الوراء!‬
‫فليس للفطرة علقة بعقارب الساعة! وعقارب الساعة هذه حي اختل توازنا فاندفعت‬
‫بل ضابط‪ ،‬جر‪²‬ت معها الرأة ذاتا‪ ،‬وكذلك الرجل والطفال إل التشرد والشقاء! فحي‬
‫خرجت الرأة شاردة إل الطريق‪ ،‬صار المر ف التمع كله كما وصفه ول ديورانت)‪(86‬؛‬
‫شقاء شامل‪ ،‬وضياع مدمر‪ ...‬ل بيت ول أسرة ول استقرار!‬

‫ول يكن السلم ليتبع أهواء الاهلية وحاقاتا‪...‬‬

‫إنه ل يرد للمرأة أن تكون ذلك النس الثالث الضائع الي الذي نشأ من انراف‬
‫الاهلية عن فطرة ال‪ ،‬فلم يسعده انرافه‪ ،‬ول وصل به إل تقيق السعادة والستقرار‪.‬‬

‫لذلك وكل إليها وظيفتها الفطرية‪ ...‬وكفل لا ‪ -‬ف هذه الوظيفة ‪ -‬كل رعاية‬
‫مكنة وصيانة‪.‬‬

‫كفل لا رزقها‪ ...‬دون أن يوجها إل العمل‪.‬‬

‫‪ ()86‬راجع شهادة ول ديورانت ف الفصل السابق‪.‬‬

‫)‪(232‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وكفل لا احترامها النسان‪.‬‬

‫وكفل لا صيانة جهدها أن يتبدد ما بي العمل الارجي والبيت‪.‬‬

‫وك فل لا صيانة أخلق ها فل تت عرض للفت نة ف الت مع الخت لط بل ضابط‪ ،‬ول‬


‫تصبح هي فتنة يستغلها أعداء البشرية لتدمي البشرية‪.‬‬

‫الرجل هو الكلف بالنفاق‪ ،‬ف الطبة والزواج وف داخل السرة‪ ،‬ومهما يكن‬
‫للمرأة من مال ‪ -‬وحق اللك مكفول لا بشريعة السلم‪ ،‬وحق التصرف الباشر ف اللك‬
‫مكفول لا كذلك ف هذه الشريعة‪ ،‬وهو الق الذي ل تنله ف الاهلية الديثة إل أخيا‬
‫جد‪I²‬ا ‪ -‬وما زال غي كامل! ‪ -‬وفقدت ف سبيل الصول عليه أنوثتها وفطرتا وأخلقها‬
‫‪ -‬مهما يكن لا من مال فل تكلف أن تنفق منه شيئا‪ I‬إل برضاها الكامل حي تريد‪.‬‬

‫والحترام النسان تكفله التشريعات والتوجيهات‪.‬‬

‫فحق اللك والتصرف الباشر فيه مكفول‪ " :‬ل“لر‪¥‬ج•ال“ •نص“يب‪ Ï‬م“م˜ا اك™ت•س•ب”وا و•ل“ل‪¥‬نس•اء‬
‫•ن ص“يب‪ Ï‬م“ م˜ا اك™ت• س•ب–ن"‪ " ،‬ي•ا أ—§ي ه•ا ا ل‪œ‬ذ“ين• آم• ن”وا ل •يح“ ل‪— ä‬لك‪ ¤‬م– أ— ن™ ت•ر“ ث‪¤‬وا الن‪ ¥‬س•اء¦ ك—ر– ها‪ I‬و•ل‬
‫•تع–ض”ل‪¤‬وه”̃ن “لت•ذ™ه•ب”وا ب“ب•ع–ض“ م•ا آت•–يت”م”وه”ن‪."...‬‬

‫والساواة ف النسانية مكفولة من عند ال‪ " :‬م• ن– ع•م“ ل— ص•ال“حا‪ I‬م“ ن– ذ— ك—ر› أ—و– ‪¤‬أن– ث—ى‬
‫حي“•ي̃نه” ح•ي•اة‪ I‬ط—‪¥‬يب•ة‪ " ،"...‬ف—اس–ت•ج•اب• ل—ه”م– ر•§به”م– أ—ن‪¥‬ي ل أ‪¤‬ض“يع” ع•م•ل— ع•ام“ل› م“ن–ك‪¤‬م‬
‫و•ه”و• م”ؤ–م“ن‪ Ï‬ف——لن” –‬
‫م“ن– ذ—ك—ر› —أو– ‪¤‬أن–ث—ى •بع–ض”ك‪¤‬م– م“ن– ب•ع–ض"‪.‬‬

‫والحترام ف داخل السرة مكفول‪ " :‬و•ع•ا “شر”وه”̃ن ب“ال™م•ع–ر”وف“"‪.‬‬

‫حت ف حالة الكراهية! " ف—“إن™ ك—ر“ه–ت”م”وه”̃ن —فع•س•ى أ—ن™ ت•ك™ر•ه”وا ش•ي–ئا‪ I‬و••يج–ع•ل— الل‪œ‬ه” ف“يه‬
‫•خي–را‪ I‬ك—ث“يا"‪.‬‬

‫وبذلك يكفل لا ‪ -‬شعوريا وعمليا‪ ،‬واقتصاديا واجتماع يا ‪ -‬أن تتفرغ لوظيفتها‬


‫الول بغي إرهاق‪ ،‬وتقق كيانا الفطري الذي أفسدته الاهلية الديثة بقضية " الساواة "‬

‫ومع ذلك فليس هذا التقسيم للعمل صارما قاطعا بالنسبة للمرأة‪ ...‬فالعمل ليس‬
‫منوعا ول مرما‪ ...‬ولكنه أمر ل يستريح إليه السلم‪ ،‬إل ف حالة الضرورة‪ ...‬الضرورة‬
‫الفردية والجتماعية معا‪ ،‬وف حدود هذه الضرورة فحسب‪.‬‬

‫)‪(233‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫أما إقامة الياة البشرية كلها ‪ -‬اجتماعيا واقتصاديا وفكريا وروحيا وخلقيا ‪ -‬على‬
‫أساس أن تعمل الرأة‪ ...‬فحماقة جاهلية مدمرة رأينا بالفعل آثارها ونذرها‪ ،‬ف هذا النس‬
‫ال ثالث ا لذي ي نذر بأن تت حول إل يه ا لرأة العام لة‪ ،‬حاو يا‪ I‬ل كل أ نواع ال شذوذ العق لي‬
‫وال عاطفي والو جدان وا لخلقي والن سي‪ ،‬و ف ن شأة ج يل من الط فال بغ ي أم هات‬
‫متفرغات يترب على أيدي الدم‪ ،‬أو ف الاضن الصناعية‪ ،‬فيتعرض هو الخر لكل هذه‬
‫النواع من الشذوذ‪ ...‬ويتكون منه غدا‪ I‬نساء التمع ورجاله‪ ،‬با يملون ف أطوائهم من‬
‫الشذوذ!‬

‫أي أننا ندمر كيان البشرية كله‪ ،‬ف سبيل قدر من النتاج الادي‪ ،‬مهما عظم فهو‬
‫تافه بالق ياس إ ل ال سارة ال كبى ف "ا لوهر " الن سان ال فذ‪ ...‬و هو جوهر كر ي ل‬
‫يعوضه كل ما يزيد ف النتاج الادي‪ ...‬واللت اللكترونية ف طريقها غدا‪ I‬إل القيام‬
‫بعظم هذا النتاج!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫كل! ل يتبع السلم أهواء الاهلية وحاقاتا‪...‬‬

‫إنا يضع الرجل والرأة والطفال كل ف مكانه الصحيح‪...‬‬

‫الرجل يتفرغ للنتاج الادي وما يترتب عليه من سياسة واقتصاد‪ ...‬والرأة تتفرغ‬
‫للنتاج البشري وما يترتب عليه من حضانة وتربية وتنشئة‪ ...‬والطفال يلقون الرعاية ف‬
‫الضن الطبيعي الذي ل يغن غيه غناءه‪ ،‬وهو السرة الادئة الستقرة الت يربط رباطها‬
‫الوجدان امرأة مستقرة العواطف مستقرة الكيان‪.‬‬

‫ول ي نع هذا أن تع مل الرأة ف الن تاج الادي ع ند القتضاء ع لى أل ت كون هذه‬


‫مشغلة دائمة للجنس‪ ،‬ول "قضية " تبدد فيها الطاقات وتفسد فيها الخلق‪...‬‬

‫ث يلتقي الرجل والرأة كلها ‪ -‬لقاء مباشرا‪ I‬ف حدود السرة‪ ،‬ولقاء حكم ي‪²‬ا‪ I‬ف‬
‫ميط التمع ‪ -‬على أهداف اجتماعية جادة نظيفة مستقيمة‪.‬‬

‫إ نا ل يلتق يان لل هو والع بث وال ستمتاع ع لى م ستوى ال يوان‪ ...‬ول لل شتغال‬


‫بالفتنة من هنا وهناك‪ ...‬إنما يلتقيان لقامة متمع صال رشيد‪.‬‬

‫والم الت ترب أبناءها على أخلق السلم ومثله‪ ...‬تصنع ذلك‪.‬‬

‫)‪(234‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫والرجل من جانبه كذلك‪...‬‬

‫بغ ي حا جة إ ل الختلط ال نون ‪ -‬بل هدف إل إ ثارة نوزاع الفت نة ‪ -‬الختلط‬


‫الذي يبدد طاقة الرجل والرأة والفتيان والفتيات ف هذا السبيل‪...‬‬

‫ولتسأل الاهلية الديثة نفسها كم تنفق من الوقت والهد ف الراقص والنوادي‬


‫والفلت‪ ،‬ف سبيل ماذا ف النهاية‪...‬؟ غي الستمتاع اليوان وفساد الخلق!‬

‫وماذا أصاب " التمع " كله‪ ...‬إل فساد كيان الرأة ‪ -‬البيولوجي ذاته ‪ -‬وفساد‬
‫الرجل وفساد الطفال؟!‬

‫والخلق هي القواعد الت يسي عليها "التمع" ف تعاملته‪...‬‬

‫والسلم ل يترك أمر هذه الخلق " لناس"‪ ...‬حت ل يصيبها ما يصيب الناس‬
‫من تقلب وانراف!‬

‫إن الخلق ‪ -‬ف السلم ‪ -‬من صنع ال‪ ...‬إنا ل تفترق شيئا‪ I‬عن التشريع الذي‬
‫ينظم الياة!‬

‫وكما أن السلم يركز على حقيقة تفرد ال باللوهية وتفرده بالاكمية‪ ،‬فكذلك‬
‫يعل الصدر الوحيد للخلق هو ال‪ ،‬وما يقرره ال‪ ...‬لنا قضية واحدة ف النهاية‪.‬‬

‫وكما أن الاهلية حي انرفت عن إفراد ال باللوهية والاكمية‪ ،‬وقعت ف تلك‬


‫ال ضطرابات والختللت ا لت و صفناها ف الف صل ال سابق‪ ،‬ف السيا سة والقت صاد‬
‫والجت ماع ف كذاك ح ي انر فت عن أ خذ قوا عدها اللق ية من من هج ا ل‪ ،‬وق عت في ما‬
‫وقعت فيه من الضطرابات والختللت‪ ...‬لنا قضية واحدة ف النهاية‪.‬‬

‫إن "الطاغوت" الذي يكم الناس ف السياسة والقتصاد والجتماع حي ينحرفون‬


‫عن منهج ال‪ ،‬هو ذات الطاغوت الذي يوجه أخلقهم ويضع لم قواعدها‪ ...‬هو ذات‬
‫الطاغوت!‬

‫فما الخلق؟‬

‫ل قد ف سرها التف سي ا لادي للتار يخ بأ نا انع كاس الو ضع القت صادي‪ ...‬و قال إ نا‬
‫"متطورة " وحتمية التطور‪ ،‬لنا تتبع أطوار القتصاد التمية الدوث‪...‬‬

‫)‪(235‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وهذا التفسي ‪ -‬ولو أنه باطل ضخم ‪ -‬إل أنه صادق ف ناحية واحدة‪:‬‬

‫إنا حقيقة واقعة أن الخلق ‪ -‬ف الاهلية النحرفة ‪ -‬تتبع التطور القتصادي و‬
‫"تتطور" معه! ولكن لاذا؟! ل لن ذلك أمر حتمي وطبيعي كما يزعم التفسي الاهلي‬
‫للتاريخ‪ ،‬ولكن لن الذي يدث ف واقع المر أن الطاغوت الذي يضع قواعد القتصاد ‪-‬‬
‫لصال طبقة معينة على حساب سائر الناس! ‪ -‬هو ذاته الذي يضع قواعد الخلق‪ ،‬لصال‬
‫نفس الطبقة على حساب سائر الناس! ومن ث يبدو للنظرة القلوبة الت ينظر با التفسي‬
‫الاهلي للتاريخ أن الرتباط بي القتصاد والخلق‪ ،‬هو ارتباط السبب والنتيجة‪ ،‬وحقيقة‬
‫المر أن الرتباط القائم بينهما ‪ -‬ف الاهلية النحرفة ‪ -‬هو توحد الصدر الذي تصدر‬
‫عنه هذه وتلك‪ ...‬وهو الطاغوت!‬

‫وف منهج ال يقوم الرتباط كذلك بي السياسة والقتصاد والجتماع‪ ...‬وبي‬


‫الخلق! ولكنه ‪ -‬مرة أخرى ‪ -‬ليس ارتباط السبب والنتيجة كما تراه النظرة القلوبة‪،‬‬
‫ن ظرة التف سي ا لاهلي للتار يخ‪ ،‬وإ نا هو ارت باط ال صدر الوا حد ا لذي ت صدر ع نه هذه‬
‫وتلك‪ ...‬وهو ال!‬

‫ول تكون المور إل كذاك!‬

‫إ نه مصدر وا حد هو ا لذي ي شرع لل ناس ح ياتم بأجعها‪ :‬ف السيا سة والقتصاد‬


‫والجتماع والخلق وعلقات النسي‪ ...‬ال‪ ،‬إما أن يكون هو ال‪ ...‬وإما أن يكون‬
‫هو الطاغوت!‬

‫وح ي انف صلت ا لخلق ف الاهل ية الورب ية الدي ثة عن معين ها ال صلي‪ ،‬و هو‬
‫من هج ا ل‪ ،‬أ صابا ما أ صابا من ا نراف‪ ...‬بط يء جدا‪ ،‬و تدريي جدا ‪ -‬لن هذا هو‬
‫الشأن ف أمور الخلق‪ ،‬الرتبطة بأعماق النفس البشرية من الداخل‪ ،‬الت ل تتحرك ول‬
‫تور حت ي كون ال سطح قد و صل إ ل در جة من ال ضطراب ا لذي ل ي طاق! ‪ -‬ولك نه‬
‫حاسم ف النهاية‪.‬‬

‫انف صلت السيا سة عن ا لخلق بادئ ذي بدء‪ ،‬ث انف صل القت صاد‪ ،‬ث انف صل‬
‫النس‪ ،‬ث صارت الخلق نفعية وأنانية‪ ،‬ث‪ ...‬ف النهاية أخذت تتداعى هذه الخلق‬
‫النفعية النانية ذاتا على يد اليل الناشئ ف الغرب‪ ...‬مؤذنة بالنيار‪...‬‬

‫ولن يدث ف أي وقت من الوقات أن تنهار جيع الخلق! لن يدث! فالنفس‬


‫الب شرية ‪ -‬بطبيعت ها الزدو جة ‪ -‬ل ي كن أن تتم حض ‪ -‬بجموع ها ك له ‪ -‬لل شر‪ ،‬وإ نا‬

‫)‪(236‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫تبقى ألوان من الي متناثرة هنا وهناك‪ ...‬ولكن يدث أن يزداد الشر حت يصبح هو‬
‫الغالب‪ ...‬وعندئذ ينهار البناء‪.‬‬

‫وال سلم ‪ -‬ف شأن ا لخلق ‪ -‬ي ضع ا لمور ف مو ضعها ال طبيعي ا لق‪...‬‬
‫الخلق ‪ -‬ككل شيء ف منهج الياة ‪ -‬مصدرها الوحيد هو ال‪ ،‬ومنهج ال‪ ،‬ومن ث‬
‫تصبح ف وقاية من تلعب الطاغوت‪ ،‬الذي يسمى " تطورا‪ " I‬ليستر الطاغوت! ولييسر‬
‫الفساد على نفس البشرية!‬

‫و من أ جل أ نا أخلق " ربان ية " ل أخلق من صنع البس شر‪ ،‬ف هي ل تت عرض‬
‫للهواء‪ ،‬ول تتحول عن قواعدها الراسخة‪ ،‬ول تتحول لدمة طبقة أو طائفة من الناس‪...‬‬
‫ول تن حل كذلك اتبا عا‪ I‬ل لهواء وال شهوات‪ ...‬ول تصبح " مودات " متغ ية ك ما تتغ ي‬
‫الزياء!‬

‫ومن أجل أنا أخلق " ربانية"‪ ،‬فهي أخلق " إنسانية"! إنسانية بعن أنا تتعامل‬
‫مع كل ب ن الن سان‪ ،‬ل ع لى أ ساس ال صلحة القوم ية أو ال صلحة العن صرية‪ ،‬أو الع صبية‬
‫الدينية‪ ...‬أو أي لون من ألوان النراف الذي أصاب " الخلق " الغربية حي انرفت‬
‫عن منهج ال‪.‬‬

‫إنا تتعامل مع النسان على أنه إنسان‪ ...‬بصرف النظر عن فوارق اللون والعنصر‬
‫والطب قة‪ ...‬والعت قاد‪ ...‬إن سان م شتق من "الن فس " الوا حدة ا لت خلق ها ا ل بادئ ذي‬
‫بدء‪ ،‬وخلق منها زوجها وبث منهما الرجال والنساء‪ " :‬ي•ا أ—ي§ه•ا ال̃نا س” ا̃تق‪¤‬وا ر•̃بك‪ ¤‬م” ال‪œ‬ذ“ي‬
‫•خل—ق—ك‪ ¤‬م– م“ ن– ن•ف™ س› و•ا ح“د•ة› و•خ•ل— ق• م“ن– ه•ا ز•و–ج• ه•ا و•ب• ث‪ œ‬م“ن–ه” م•ا ر“ ج•ا ‪I‬ل —كث“ يا‪ I‬و•ن“ س•اء"‪" ،‬‬
‫و•ج•ع• ™لن•اك‪¤‬م– ”شع”وبا‪ I‬و•ق—ب•ائ“ل— ل“•تع•ار•ف‪¤‬وا إ“ن‪ œ‬أ—ك™ر•م•ك‪¤‬م– ع“ن–د• الل‪œ‬ه“ أ—ت–ق—اك‪¤‬م–"‪.‬‬

‫وتظل قواعد الخلق ثابتة‪ ،‬على تطور القتصاد والسياسة‪ ،‬لنا تنبع من قضية‬
‫ثابتة ف حياة البشرية‪ ،‬وهي مساواة الناس ف النسانية‪ ،‬وتكافؤ حرماتم ووجوب صيانتها‬
‫عن العدوان)‪.(87‬‬

‫وقد عرف الواقع السلمي ناذج رائعة من هذه "الخلق " توضح الفرق بينها‬
‫وبي الخلق الغربية النفعية النانية القائمة على أساس الصلحة؛ ومصلحة طبقة معينة أو‬
‫شعب معي على حساب بقية الناس‪.‬‬

‫" ف وسط الرب البيثة الت كان يشنها اليهود على السلم ف مهده‪ ،‬ياولون‬
‫زلز لة ا لؤمني واقتلع العق يدة الد يدة من جذورها ق بل أن تر سخ ف ا لرض‪ ،‬وا لدس‬

‫‪ ()87‬انظر كتاب "التطور والثبات " فصل " السلم وحياة البشرية "‬

‫)‪(237‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫والكيد ونشر الراجيف‪ ،‬وتشكيك الناس بعضهم ف بعض‪ ،‬وإياذء السلمي والسلمات‬
‫ف أعراضهم‪ ...‬بالضافة إل الرب الرسية الت تستخدم فيها أدوات القتال‪ ،‬مع الغدر ف‬
‫هذه ا لرب ون قض الواث يق والنت هاك الر مات‪ ...‬ف و سط كل ذ لك ل يق بل ال سلم‬
‫عدوانا‪ I‬وقع على واحد من اليهود‪ ،‬إذ ر”م“ي• بتهمة ظالة وكاد يكم عليه من أجلها‪ ،‬فيتنل‬
‫الوحي بتبئته ف هذه اليات البينات‪" :‬إ“̃نا أ—ن–ز•ل™ن•ا إ“ل—ي– ك• ا™لك“ ت•اب• ب“ال™ح•ق‪“ ¥‬لت•ح–ك‪ ¤‬م• •بي– ن• ال̃ناس‬
‫“ب م•ا أ—ر•ا ك• ال‪œ‬ل ه” و•ل •تك‪ ¤‬ن– ل“ل™ خ•ا“ئن“ي• خ• ص“يما‪ ،I‬و•ا س–ت•غ–ف“ر“ الل‪ œ‬ه• إ“ ن‪ œ‬ال‪œ‬ل ه• ك—ان— غ— ف‪¤‬ورا‪ I‬ر•ح“يما‪ ،I‬و•ل‬
‫خت•ان”ون— أ—ن–ف‪¤‬س•ه”م– “إن‪ œ‬الل‪œ‬ه• ل ”يح“ب§ م•ن– ك—ان— خ•̃وان‪I‬ا أ—ث“يما‪ ،I‬ي•س–•تخ–ف‪¤‬ون— م“ن‬ ‫”تج•اد“ل™ ع•ن“ ال‪œ‬ذ“ين• ي• –‬
‫خف‪¤‬ون— م“ ن• الل‪œ‬ه“ و•ه”و• م•ع•ه” م– إ“ذ™ ”يب•ي‪¥‬ت”ون— م•ا ل ي•ر–ض•ى م“ن• ال™ق—و–ل“ و• ك—ان— الل‪œ‬ه” “بم•ا‬ ‫ال̃نا س“ و•ل ي•س–ت• –‬
‫•يع–م•ل‪¤‬ون— م”ح“يطا‪ ،I‬ه•ا أ—–نت”م– ه•ؤ”لء“ ج•اد•ل™ت”م– ع•ن–ه”م– ف“ي ا™لح•ي•اة“ ال §دن–ي•ا ف—م•ن– ”يج•اد“ل‪ ¤‬الل‪œ‬ه• ع•ن–ه”م– ي•و–م‬
‫ا™لق“ي•ا م•ة“ أ— م– م• ن– •يك‪¤‬ون‪ ¤‬ع•—لي–ه“ م– و•ك“يل‪ ،I‬و•م• ن– •يع–م• ل™ س”وءا‪ I‬أ—و– •يظ™“لم– ن•ف™ س•ه” ‪¤‬ثم˜ •يس–ت•غ–ف“ر“ الل‪œ‬ه• •يج“د‬
‫الل‪œ‬ه• غ— ف‪¤‬ورا‪ I‬ر•ح“يما‪ ،I‬و•م• ن– ي•ك™ س“ب– إ“ث™ما‪ I‬ف—إ“̃نم•ا ي•ك™ س“ب”ه” ع• ل—ى •نف™ س“ه“ و• ك—ان— الل‪œ‬ه” ع•ل“يما‪ I‬ح•ك“يما‪،I‬‬
‫و•م•ن– ي•ك™س“ب– •خط“ي—ئة‪ I‬أ—و– إ“ث™م‪I‬ا ث‪̃¤‬م ي•ر–م“ ب“ه“ ب•ر“يئا‪ I‬ف—ق—د“ ا –حت•م•ل— ”به–ت•ان‪I‬ا و•إ“ث™ما‪ I‬م”ب“ينا‪ ،I‬و•ل—و–ل ف—ض–ل‪ ¤‬الل‪œ‬ه‬
‫ع•—لي– ك• و•ر•ح–م•”ته” ل—ه•̃مت– ط—ائ“ف—ة‪ Í‬م“ن–ه”م– —أن™ ي”ض“ل‪ä‬وك• و• م•ا ي”ض“ل‪ä‬ون— إ“ل‪œ‬ا أ—–نف‪ ¤‬س•ه”م– و•م•ا ي•ض”ر§ون•ك• م“ن‬
‫ش•ي–ء› و•أ—–نز•ل— ال‪œ‬له” ع•—لي–ك• ال™ “كت•اب• و•ال™ح“ ™كم•ة— و•ع•ل‪œ‬م•ك• م•ا ل—م– ت• ‪¤‬كن– ت•ع–ل—م” و•ك—ان— —فض–ل‪ ¤‬ال‪œ‬له“ ع•—لي–ك‬
‫ع•ظ“يما"‪ ...‬وقد نزلت هذه اليات التسع بذا التفصيل والبيان والتوكيد الشديد الكرر‪،‬‬
‫لتحمي الرسول صلى ال عليه وسلم من الكم على هذا اليهودي البيء الذي كانت‬
‫القرائن ‪ -‬الظاهرة ‪ -‬كلها تتهمه‪ ،‬وكان الق أنه بريء من التام! ووضع السلم بذلك‬
‫ف عال الوا قع هذا ال بدأ الن سان الا لد‪ ...‬ا لذي ل يو جد قط بذه ال صورة ف غ ي‬
‫السلم!")‪.(88‬‬

‫هذا ف مال " العصبية!" الدينية‪...‬‬

‫و قد مر ب نا ف مال " السياسة " الداخل ية مو قف ع مر من العارضة وهو يوض‬


‫العركة الاسة بي السلم وأعدائه التربصي به من كل مكان‪.‬‬

‫فهذا مثال ف مال " السياسة الارجية"‪...‬‬

‫" وكذلك حدث أن سجل ف هذه العاهدة الت أبرمها ‪ -‬أبو عبيدة ‪ -‬مع بعض‬
‫أهال الدن الاورة للحية‪" :‬فإن منعناكم فلنا الزية وإل فل"‪ ...‬فلما علم أبو عبيدة قائد‬
‫العرب بذلك ‪ -‬بتجهيز هرقل لهاجته ‪ -‬كتب إل عمال الدن الفتوحة ف الشام يأمرهم‬
‫بأن يردوا عليهم ما جب من الزية من هذه الدن‪ ،‬وكتب إل الناس يقول‪" :‬إنا رددنا‬
‫عليكم أموالكم لنه بلغنا ما جع لنا من الموع‪ ،‬وإنكم قد اشترطنا علينا أن ننعكم‪ ،‬وإنا‬

‫‪ ()88‬عن كتاب "التطور والثبات"‪.‬‬

‫)‪(238‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ل نقدر على ذلك‪ ،‬وقد رددنا عليكم ما أخذنا منكم‪ ،‬ونن لكم على الشرط وما كتبنا‬
‫بيننا إن نصرنا ال عليهم")‪.(89‬‬

‫وهكذا تدخل " السياسة " بشقيها ف إطار الخلق‪ ،‬ول يوجد مبر "ميكيافيلي"‬
‫لنعها من إطار الخلق!‬

‫أما القتصاد فقد زعمت الاهلية الديثة كذلك أن ل علقة له بالخلق! وإنا‬
‫تك مه قوانينه " التم ية" ا لت ل ي قال في ها "خ ي" و " شر"‪ ...‬ول ي قال في ها "ف ضيلة" و‬
‫"رذيلة"‪ ...‬إنا مقياس كل شيء كامن ف ذاته‪ ،‬ما دام دخل الطور التمي الذي يسي فيه‪،‬‬
‫فإذا انتهى الطور بصورة حتمية انقلب اليزان الول وركب ميزان جديد‪ ،‬وصار الصال‬
‫النا سب با لمس ملعو نا‪ I‬من بوذا‪ I‬ف ال يوم الد يد‪ ...‬ول كن ع لى غ ي أ ساس أخل قي!‬
‫فالقطاع ف طوره مناسب ومقبول! وهو مقياس ذاته! فإذا انقضى طوره التمي وجاءت‬
‫الرأ سالية فالق طاع ب شع و مرذول‪ ...‬ل لنه ياف ا لق وال عدل ا لزليي‪ ...‬ول كن لنه‬
‫يعيش بعد موعده القدر له! والرأسالية صواب‪ ...‬مهما اقترفت من آثام‪ ...‬ما دامت ف‬
‫طور ها " ال طبيعي"‪ ...‬فإذا انت هت انق لب علي ها ال يزان‪ ...‬وه كذا ع لى مر التار يخ! ل‬
‫مق ياس ل شيء خارج ذا ته‪ ...‬وا لخلق ع لى و جه ال صوص هي آ خر شيء ت قاس به‬
‫المور!‬

‫وهذا ‪ -‬ول شك ‪ -‬من شدة الرقي والتقدم والرتفاع!‬

‫أ ما ال سلم ‪ -‬كل مة ا ل ‪ -‬فإنه ل ي عترف اب تداء بأن شيئا‪ I‬ما ف ح ياة ال ناس‪...‬‬
‫اقتصاد‪I‬ا أو غي اقتصاد‪ ،‬يكن أل يكون له علقة بالخلق!‬

‫من أجل ذلك حرم الربا على أساس أخلقي ف ذات اللحظة الت حرمه فيها على‬
‫أساس اقتصادي! ل فرق بي القتصاد والخلق ف أصل التشريع ول ف واقع الياة!‬

‫" ي•ا أ—ي§ ه•ا ا ل‪œ‬ذ“ي •ن آم• ن”وا ا̃ت ق‪¤‬وا ال‪œ‬ل ه• و•ذ—ر”وا م•ا •بق“ ي• م“ ن• الر‪ ¥‬با إ“ ن™ ‪¤‬كن–ت” م– م”ؤ–م“ن“ي•‪ ،‬ف—“إن™ ل—م‬
‫•تف™ع• ل‪¤‬وا ف—أ™ذ—ن”وا ب“ح•ر– ب› م“ ن• ال‪œ‬ل ه“ و•ر• س”ول“ه“ و•إ“ ن™ ”تب–ت” م– ف——لك‪ ¤‬م– ر”ؤ”و س” أ— م–و•ال“ك‪¤‬م– ل ت• ™ظل“ م”ون— و•ل‬
‫”تظ™ل—م”ون—‪ ،‬و•إ“ن™ ك—ان— ذ‪¤‬و ع”س–ر•ة› —فن•ظ“ر•ة‪ Í‬إ“ل—ى م•ي–س•ر•ة› و•أ—ن™ •تص•̃دق‪¤‬وا خ•ي–ر‪ Ï‬ل—ك‪¤‬م– “إن™ ك‪–¤‬نت”م– •تع–ل—م”ون—‪،‬‬
‫سب•ت– و•ه”م– ل ي” ™ظل—م”ون"‪.‬‬ ‫•وا̃تق‪¤‬وا ي•و–ما‪ I‬ت”ر–ج•ع”ون— ف“يه“ إ“ل—ى ال‪œ‬له“ ث‪̃¤‬م ت”و•ف‪œ‬ى ‪¤‬كل‪ ä‬ن•ف™س› م•ا ك— •‬

‫وهكذا يتلط التوجيه بالتشريع‪ ،‬والخلق بالسياسة والقتصاد‪ ...‬بغي انفصال‪.‬‬

‫‪ ()89‬عن كتاب "الدعوة إل السلم " تأليف ت‪ ،‬و‪ ،‬أرنولد‪ ،‬ترجة حسن إبراهيم حسن وزميله‬

‫)‪(239‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫فالربا يرم على أنه ظلم‪ ...‬ظلم اقتصادي واجتماعي‪ ...‬وف الوقت ذاته على أنه‬
‫فاحشة أخلقية‪ ،‬على نفس الستوى من التحري‪ ،‬فليس تريه كفاحشة أخلقية أقل او‬
‫أكثر من تريه كفاحشة اقتصادية‪ ،‬ول متميزا‪ I‬عنه‪ ،‬وف الوقت ذاته يكافح الربا مكافحة‬
‫أخلقية بالتوجيه إل تقوى ال والترغيب ف مثوبته‪ ،‬كما يكافح بالرب من ال ورسوله‬
‫أي بحاربة الدولة السلمة له بم يع أجهز تا السياسية والدارية والقضائية‪ ...‬ال‪ ،‬على‬
‫نفس الستوى من الكافحة‪ ،‬فليست مكافحته بالتوجيه اللقي أقل أو أكثر من مكافحته‬
‫بالتشريع والقانون والعقوبة‪ ،‬وبإقامة القتصاد كله على أساس غي ربوي‪ ...‬كلها شيء‬
‫واحد من البدأ إل النتهى‪ ...‬بل انفصال ول افتراق!‬

‫وعلى هذا النحو الزدوج التكامل من إقامة القتصاد على أسس أخلقية‪ ،‬وربط‬
‫الخلق بالسس القتصادية‪ ،‬قام التمع السلمي الول ببناء اقتصادياته ف داخل إطار‬
‫الخلق‪ ،‬وعلى ركيزة أخلقية واضحة ف التعامل الفردي والماعي سواء‪.‬‬

‫أقام التمع السلمي اقتصادياته على أساس تري الربا والحتكار‪ ،‬وتري الغصب‬
‫والنهب والسلب والسرقة والغش‪ ،‬وتري عدم توفية الجي أجره‪ ،‬وتري إساءة استعمال‬
‫ا لق‪ ...‬وكل ها أ سس أخلق ية وا ضحة ل بد من ها ‪ -‬ف من هج ال سلم ‪ -‬لقا مة الب ناء‬
‫القتصادي‪...‬‬

‫وقد كان النراف عن هذه الخلق الت أقامها منهج ال هي الت أدت بالقتصاد‬
‫الغرب إل وحشية القطاع وويلت الرأسالية وبشاعة النظم الماعية‪ ،‬وإن كان الاهليون‬
‫ل يفيقوا بعد من جاهليتهم‪ ،‬ليعر فوا أن الذي ذا قوه كله والذي ل يزا لون يذوقونه من‬
‫الظلم والعسف والطغيان ف هذه النظم القتصادية سببه الول هو النراف عن النهج‬
‫ا لخلقي‪ ...‬والف صل ب ي القت صاد وا لخلق‪ ...‬وال ظن ‪ -‬ا لاهلي ‪ -‬بأن القت صاد له‬
‫قوانينه " التمية " الاصة الت ل علقة لا بالخلق‪!...‬‬

‫أما السلم ‪ -‬منهج ال ‪ -‬فقد عرف ‪ -‬ف فترته الثالية الول ‪ -‬درجة من النظافة‬
‫اللقية ف عال القتصاد ل مثيل لا ف التاريخ كله‪ ...‬حي اشترك الهاجرون والنصار ف‬
‫الال العام عن طيب خاطر‪ ،‬تطوعا‪ I‬بغي أمر من الدولة ول تدخل‪ ،‬وحي تسابق السلمون‬
‫إل أداء الزكاة ‪ -‬ضريبة التكافل الجتماعي ف التمع السلمي ‪ -‬تقربا‪ I‬إل ال واحتسابا‬
‫دون ملحقة من الدولة ول مطاردة‪ ،‬وحي ل يقف النفاق عند الد الرسوم ف الزكاة‪،‬‬
‫بل تطوع الناس ‪ -‬أحيانا‪ - I‬بالم كله ف سبيل ال‪ ،‬وحي قام أبو بكر ‪ -‬وهو خليفة! ‪-‬‬
‫يبحث عن عمل يرتزق منه! حت قال له السلمون‪ :‬إن هذا المر ل يصلح بذاك‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫فمن أين أعيش؟! فجعلوا له دارهم من بيت الال يعيش با هو وأهله‪ ،‬ث اعتبها كلها دينا‬
‫عليه فردها قبل وفاته! وحي قام عمر يوزع عكة من السمن اشتراها له غلمه من معاشه‬
‫الرسي الضئيل الذي فرضه له السلمون من بيت الال إذ ل يكن له مال يعيش منه‪...‬‬

‫)‪(240‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫يوزعها على فقراء السلمي لنه ل يل له أن يأكل ‪ -‬من معاشه الرسي الضئيل ‪ -‬وفقراء‬
‫السلمون ل يدون ما يد! وحي قام علي بن أب طالب يتم على جريب الدقيق الذي‬
‫يرج له من بيت الال يقول‪ :‬حت ل يدخل بطن إل ما أعرف! وحي قام عمر بن عبد‬
‫العزيز يرد على السلمي ما أقطعه إياه بنو مروان بغي حق‪ ،‬ويرد كل ما اغتصبه بنو أمية‬
‫من الناس‪...‬‬

‫ث عرف ‪ -‬بعد فترته الثالية الكبى ‪ -‬على الرغم من انراف أهله عنه انرافات‬
‫جزئية كثية ‪ -‬كيف يول دون قيام القطاع ‪ -‬التمي! ‪ -‬ف العال السلمي بصورته‬
‫الوربية البشعة ‪ -‬الل أخلقية ‪ -‬لنه ‪ -‬على الرغم من انراف الناس عنه انرافا‪ I‬جزئي‪²‬ا‪- I‬‬
‫ل يتخل عن إقامة القتصاد على أساس الخلق‪ ...‬بينما النظم الاهلية ‪ -‬الل أخلقية ‪-‬‬
‫ل تعرف ف اقتصادياتا طعم النظافة و "النسانية " مرة واحدة ف تاريها الطويل‪ ...‬ل ف‬
‫الق طاع ول ف الرأ سالية‪ ...‬ول ف الن ظم الماع ية ‪ -‬حت ف فتر تا " الثال ية" ع لى‬
‫ال قل!‪ ...‬ف حا سة ال ناس للم بدأ الد يد ‪ -‬ف قام ا لزب ال شيوعي ف كل ب لد اعت نق‬
‫الاركسية يرتب لنفسه حقوقا‪ I‬خاصة ليست لبقية الناس‪ :‬فيأكل ويشرب ويلبس ويسكن‬
‫غ ي ما يأ كل ال ناس و ما ي شربون‪ ،‬و حت ا لرض والست شفاء‪ ...‬ي تداوى أع ضاء ا لزب‬
‫الشيوعي بالدواء الضمون الستورد من الارج بالعملة الصعبة‪ ،‬وجاهي الشعب تتداوى‬
‫بالدوية الصنوعة ف داخل روسيا‪ ...‬كيفما تكن النتائج وكيفما يكن الدواء!‬

‫ذ لك أن هذه الن ظم كل ها ل تؤمن بأخلق ية القت صاد! وإ نا تؤمن بالكيافيل ية‬


‫الاهلية الابطة الت تبر الوسيلة بالغاية‪ ...‬ث ل تقيس الغاية ذاتا بقاييس الخلق!‬

‫والسلم ‪ -‬منهج ال ‪ -‬هو الخرج الوحيد من ذلك الفساد‪ ...‬حي يقيم نظامه‬
‫القتصادي على أساس أخلقي " إنسان " ينع الظلم ويول دون تكم الطاغوت‪...‬‬

‫أما " الخلق" الت تعرفها الاهلية الديثة ف ميط التمع‪ ...‬وبقية " الفضائل "‬
‫القائمة ف الضارة الغربية من صدق وأمانة‪ ،‬وإخلص ف العمل‪ ،‬واستقامة ف التعامل‪،‬‬
‫فل أح سبنا ف حا جة لن ن قول إ نا ف صميمها أخلق إ سلمية‪ ...‬و قد تعل مت أور با‬
‫الكثي منها من احتكاكها بالعال السلمي ‪ -‬وإن كان الذين يزعمون أنفسهم "مسلمي"‬
‫قد نبذوها اليوم وانسلخوا منها! ‪ -‬ولكننا ف حاجة لن نقول‪ :‬إنا ف السلم ل تقف‬
‫عند الستوى النفعي النان الذي تقوم عليه الخلق ف أوربا‪.‬‬

‫إنا السلم ‪ -‬مع احتوائه على هذه الخلق ف جيع صورها ‪ -‬فإنه يتوي عليها‬
‫ف مستواها " النسان " العلى‪ ،‬الذي ل يتوقف على الصلحة ول العصبية‪ ،‬لنه يتويها‬
‫على مستواها " الربان " الذي يضع القواعد لميع الناس‪ ...‬لميع بن "النسان"‪.‬‬

‫)‪(241‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وحي يأخذ الناس ف حياتم الواقعية بنهج ال‪ ،‬فستكون عندهم هذه الخلق‪،‬‬
‫الت يتفظ الغرب بطرف منها‪ ،‬ولكن على مستواها العلى‪ ،‬ث يدخل ف نطاق الخلق‬
‫كل ما يعرض للناس من شئون حياتم‪ ،‬ف السياسة والقتصاد والجتماع‪ ...‬والنس‪،‬‬
‫بيث ل يشرد شيء واحد عن ميط الخلق‪ ،‬لن الخلق هي قواعد السلوك العامة‪،‬‬
‫وليست خاصة بشأن دون شأن ف هذه الياة!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫والديث عن النس بصفة خاصة حديث متشعب الطراف!‬

‫و ما نر يد أن نت حدث ع نه من الزاو ية ال ضيقة ا لت يط لق علي ها عادة ا سم "‬


‫الخلق"!‬

‫إن ا لخلق ف ن ظر ال سلم أو سع جدا من الن ظرة ال ضيقة ا لت اع تاد ال ناس أن‬
‫ينظروا با وهم يتحدثون عن الخلق‪ ،‬ويقصدون انراف العلقة بي النسي عما ينبغي‬
‫أن تكون عليه‪.‬‬

‫ا لخلق ف ن ظر ال سلم هي "الن سان" ك له‪ ...‬كل ارتبا طاته بر به وبنف سه‬
‫وبال ناس‪ ...‬إ نا ل ت شمل شئون ال نس و حدها‪ ...‬ول ال عاملت مع ال ناس و حدها‪...‬‬
‫ولكنها تشمل حت الشاعر الداخلية الت ل يفصح عنها النسان للناس‪ ،‬بل حت الت ل‬
‫يفصح عن ها لنف سه‪ ...‬و مع ذ لك ينب غي أن ت ستقيم ع لى أصول ا لخلق لن ال "ي•ع–ل—م‬
‫ال س‪̃¥‬ر و•أ—خ– ف—ى"‪ " ،‬ي•ع–ل— م” خ•ائ“ ن•ة— ا ل™أ—ع–ي”ن“ و• م•ا ت”خ– ف“ي الص§د”ور”"‪ ،‬وينبغي أن يتطهر النسان إل‬
‫ال ف كل ما يعلمه ال منه‪ ،‬من سره ونواه! ومن ث فل توجد ف السلم أخلق للفرد‬
‫بفرده وأخلق أخرى يتعامل با ‪ -‬نفاقا‪ - I‬مع الناس!‬

‫ومع ذلك كله فلم يكن اعتباطا‪ I‬أن الناس ‪ -‬منذ القدم ‪ -‬ربطوا ربطا‪ I‬شديدا‪ I‬بي‬
‫شئون ال نس وب ي ا لخلق‪ ،‬حت كاد يغ لب ع لى ح سهم أن ا لخلق هي أخلق يات‬
‫النس على وجه التخصيص‪.‬‬

‫ل ي كن ذ لك اعتبا ط‪I‬ا من ال ناس ‪ -‬وإن كانوا ع لى غ ي صواب ف ح صر مف هوم‬


‫الخلق ف هذا النطاق الضيق ‪ -‬لنم تعلموا بالتجربة الطويلة أنه ل بقاء للخلق ‪-‬‬
‫بفهومها الواسع ‪ -‬إذا انرف الناس ف شئون النس‪ ،‬وأن الذي ينحرف ف شئون النس‬
‫ل يكن ‪ -‬على الدى الطويل ‪ -‬أن تظل له أخلق!‬

‫)‪(242‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وقد جادلت الاهلية الديثة جدل‪ I‬عنيفا‪ I‬جدا ف هذا الوضع‪ ،‬لتقول إن الخلق‬
‫ل علقة لا بالنس على الطلق! وإن للناس أن يصنعوا ما يشاءون ف شئون النس‪،‬‬
‫ويظلوا مع ذلك مافظي على "الخلق"!‬

‫ومن قبل عرضنا لرائهم ونن نتحدث عن الاهلية‪ ،‬ورأينا كيف تسي سنة ال‬
‫التمية حي ينحرف الناس ف تيار الشهوات‪.‬‬

‫ونن هنا نتحدث عن السلم‪ ...‬نتحدث عن الوجه القابل للجاهلية‪ ...‬ونعرض‬


‫‪ -‬من هذه الزاوية ‪ -‬لشئون النس‪.‬‬

‫ول نر يد أن ن عرض لا من الزاو ية ال ضيقة ا لت يط لق علي ها ال ناس عادة لف ظة "‬


‫الخلق"!‬

‫إ نا نعر ضها بالفهوم ا لخلقي ال شامل ا لذي يق صده ال سلم و هو يت حدث عن‬
‫الخلق‪ ...‬الفهوم الذي يرتبط بكيان "النسان" كله‪ ...‬والذي ييز هذا النسان عن‬
‫غيه من اللق‪ ،‬وخاصة عن اليوان‪.‬‬

‫إن ال سلم ل يرم الفاح شة الن سية ل نا تالف قوا عده اللق ية بعنا ها ال ضيق‪،‬‬
‫ول كن ل نا ت بط بك يان الن سان عن ال ستوى اللئق " بالن سان"‪ ...‬و من ث تالف "‬
‫الخلق " بالفهوم الواسع للخلق‪.‬‬

‫الن سان‪ ...‬خلي فة ا ل‪ ...‬ا لذي حل " الما نة " و حده ح ي أ بت ال سموات‬
‫والرض والبال أن يملنها وأشفقن منها‪ ...‬الذي كلف عمارة الرض وإقامة اللفة‬
‫الرا شدة في ها‪ :‬إقا مة ا لق وال عدل‪ ...‬إقا مة السيا سة الرا شدة والقت صاد الرا شد والت مع‬
‫الراشد‪ ...‬وكلف الهاد ف ذلك كله‪ ،‬لنه ل بد لذلك كله من جهاد‪.‬‬

‫هذا النسان‪ ...‬كيف يصبح حي يغرق ف مباءة النس؟!‬

‫وأ̃نى له اللفة الراشدة‪ ...‬وأ̃نى له الهاد؟!‬

‫ث وأ̃نى له أن يفرق بي نفسه وبي اليوان‪ ...‬وهو ل يلك أن يرتفع عن ذلك‬


‫اليوان‪ ،‬بينما ال قد منحه القدرة على الرتفاع؟!‬

‫هل تظل له "أخلق" ‪ -‬بفهومها الواسع ‪ -‬وهو يتخلى عن رسالته الصيلة ويهدر‬
‫قدرته على الرتفاع؟!‬

‫)‪(243‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫هل تظل له أخلق وهو ينطلق كالسعور وراء شهوة السد الت ل تشبع ‪ -‬ول‬
‫يكن أن تشبع ‪ -‬ويبدد طاقته " النسانية " الكبى ف جانب واحد من جوانب نشاطه‬
‫اليوي‪ ...‬وعلى مستوى ل يليق بغي اليوان‪ ...‬ويتخلى على ضوابطه الرادية الت ميزه‬
‫ا ل با ع لى غ يه من ال لق‪ ،‬في صبح و هو ل ي لك حت ضوابط الف طرة ا لت يلك ها‬
‫اليوان؟!‬

‫إن السلم حي يرم الفاحشة‪ ...‬إنا يريد إكرام النسان! يريد أن يرفعه إل ذلك‬
‫القام الكري‪ ...‬مقام اللفة عن ال!‬

‫إنه ل يرم الفاحشة شهوة ف التحري‪ ...‬أو تضييقا‪ I‬على العباد!‬

‫ليس على هذا النحو يعامل ال النسان!‬

‫"ه”و• ا –جت•ب•اك‪¤‬م– و•م•ا ج•ع•ل— ع•ل—ي– ‪¤‬كم– ف“ي الد‪¥‬ين“ م“ن– ح•ر•ج›"‪ " ،‬م•ا ي”ر“يد” الل‪œ‬ه” “لي•ج–ع•ل— ع•—لي–ك‪¤‬م‬
‫م“ ن– •حر• ج› و•ل—ك“ ن– ي” “ر يد” “لي”ط—ه‪¥‬ر•ك‪ ¤‬م– و•ل“”يت“ م˜ ن“ع–م•ت• ه” ع•—لي–ك‪ ¤‬م– ل—ع•ل‪œ‬ك‪ ¤‬م– ت• ش–ك‪¤‬ر”ون"‪ " ،‬و•الل‪ œ‬ه” ”ير“يد” أ—ن‬
‫ل ع•ظ“يما‪” ،I‬ير“يد” ال‪œ‬ل ه” أ— ن™ ”يخ•ف‪Î‬ف‬ ‫•يت”وب• ع•—لي–ك‪ ¤‬م– •وي”ر“يد” ا ل‪œ‬ذ“ين• •ي̃تب“ ع”ون— ال ش˜ه•و•ات“ أ— ن™ •تم“ي ل‪¤‬وا م•ي– ‪I‬‬
‫ع•–نك‪¤‬م– و•خ”“لق• ال™“إن–س•ان‪ ¤‬ض•ع“يفا"‪ " ،‬ل ”يك—ل‪Î‬ف” الل‪œ‬ه” ن•ف™سا‪ I‬إ“ل‪œ‬ا و”س–ع•ه•ا"‪ " ،‬م•ا ي•ف™ع•ل‪ ¤‬الل‪œ‬ه” “بع•ذ—اب“ك‪¤‬م‬
‫إ“ن™ •شك—ر–ت”م– و•آم•ن–ت”م– و•ك—ان— الل‪œ‬ه” ش•اك“را‪ I‬ع•ل“يما"‪.‬‬

‫كل! ل يرم ال الفاحشة على العباد ليضيق عليهم‪ ...‬ولكن ليطهرهم‪ ...‬ليفعهم‬
‫إل مستوى "النسان"! و "النسإن "قد كرمه ال وفضله على كثي من خلق‪ " :‬و•—ل ق—د‬
‫ك—̃رم– ن•ا ب• ن“ي آد• م• و•ح•م• ™ل ن•اه”م– ف“ي ا™لب•ر‪ ¥‬و•ا™لب• ح–ر“ و•ر•ز•ق™ ن•اه”م– م“ ن• ال ‪œ‬طي‪ ¥‬ب•ات“ و•ف— ض˜ ™لن•اه”م– ع• ل—ى ك—ث“ي‬
‫م“̃من– خ•—لق™ن•ا ت•ف™ض“يل"‪.‬‬

‫ث هو خلق متفرد ف طرقة تكوينه‪ " :‬إ“ذ™ ق—ال— ر•§ب ك• ل“ ™لم•ل“ئ ك—ة“ إ“ ن‪¥‬ي خ•ال“ ‪Ï‬ق ب• ش•ر‪I‬ا م“ن‬
‫ط“ي›‪— ،‬فإ“ذ—ا س•̃و–يت”ه” و•ن•ف—خ–ت” ف“يه“ م“ن– ر”وح“ي —فق—ع”وا —له” س•اج“د“ين"‪.‬‬

‫ومن أجل هذه الطبيعة الزدوجة من الطي والروح‪ ،‬فهو ‪ -‬ف حالته السوية ‪ -‬ل‬
‫يكون أبد‪I‬ا " شهوة " منطلقة بل ضابط‪ ...‬ول يكون أبدا‪ I‬دفعة جسد غي متزجة بإشراقة‬
‫الروح!‬

‫ف جيع أعماله‪ ...‬ومن بينها النس‪...‬‬

‫)‪(244‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫و "الخلق" الت وضعها له السلم‪ ...‬ف جيع أعماله‪ ،‬ومن بينها النس‪ ...‬هي‬
‫"قانون " هذه الطبيعة الزدوجة الت ل تكون أبدا‪ - I‬ف حالتها السوية ‪ -‬شهوة منطلقة بل‬
‫ضابط‪ ،‬ول تكون أبد‪I‬ا دفعة جسد غي متزجة بإشراقة الروح!‬

‫إن ا لخلق ف ال سلم لي ست قانو نا‪ I‬قائ م‪I‬ا بذاته‪ ،‬منف صل‪ I‬عن الك يان ا لواقعي‬
‫للنسان‪ ،‬مفروضا‪ I‬عليه من خارج نفسه فرض القهر والتحكم والسلطان! إنا هي قانون‬
‫الطبيعة السوية لذا النسان ذاته‪ ...‬مستمدة من طبيعته هو الاصة التميزة‪ ،‬ل من طبيعة‬
‫أي كائن سواه!‬

‫فأخلق اللئكة‪ ،‬وأخلق اليوان‪ ...‬إن صح أن نستخدم هذا التعبي ‪ -‬مازا‪- I‬‬
‫مع اللئكة واليوان‪ ،‬شيء آخر متلف تاما‪ I‬عن أخلق النسان‪ ...‬كل أخلق نابعة من‬
‫كيان الخلوق الذي يلتزمها‪ ...‬وكذلك أخلق النسان‪!...‬‬

‫ال— ل—ك ملوق ل دوافع له‪ ...‬ول إرادة كذلك‪ ...‬وأخلقه ‪ -‬النابعة من طبيعته ‪-‬‬
‫هي‪" :‬ل ي•ع– ص”ون— الل‪ œ‬ه• م•ا أ—م•ر•ه” م– و•ي•ف™ع• ل‪¤‬ون— م•ا ي”ؤ–م•ر”ون—"‪” " ،‬ي س•ب‪¥‬ح”ون— ال‪œ‬لي– ل— و•ال̃ن ه•ار• ل‬
‫•يف™ت”ر”ون"‪.‬‬

‫واليوان ملوق عارم الدوافع ول إرادة له‪ ،‬ول ضوابط إل الضوابط الفطرية غي‬
‫الواع ية‪ ،‬وأخل قه ‪ -‬الناب عة من طبيعته ‪ -‬هي تلب ية هذه ا لدوافع بل تفك ي ول تدبر ول‬
‫وعي ف حدود تلك الضوابط‪.‬‬

‫والنسان هو الخلوق الديد ‪ -‬فيما نعلم من خلق ال ‪ -‬الذي له دوافع وضوابط‬


‫واعية‪ ،‬ناشئة من طبيعته الزدوجة من قبضة الطي ونفخة الروح)‪ ،(90‬وأخلقه التمشية مع‬
‫طبيعته ف حالته السوية‪ ،‬هي أن يلب الدوافع ولكن بقدر مقدور تسكه الضوابط الفطرية‬
‫الرادية الواعية ف طبيعته‪ ،‬وأن يلب دفعة السد متزجة بإشراقة الروح‪...‬‬

‫و من ث ل ت كون أع ماله ‪ -‬قط ‪ -‬بل ضوابط‪ ،‬ول ت كون أع ماله ‪ -‬قط ‪ -‬بل‬
‫هدف مصاحب‪ ،‬ول تكون ‪ -‬قط ‪ -‬دفعة جسد غليظة كاليوان‪.‬‬

‫و "ا لخلق" بالن سبة للن سان‪ ...‬ف كل أع ماله‪ ،‬و من بينها ال نس‪ ...‬هي تلب ية‬
‫الدوافع الفطرية مع وجود الضبط‪ ،‬ووجود الدف الواعي الدرك‪ ،‬ووجود إشراقة الروح‬
‫الت تتزج بدفعة الطي‪...‬‬

‫‪ ()90‬انظر فصل " طبيعة مزدوجة " من كتاب "دراسات ف النفس النسانية"‪.‬‬

‫)‪(245‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫و من ث فأخلق يات ال نس بالن سبة للن سان ‪ -‬كأخلق يات كل شيء آ خر ف‬


‫حياته‪ ،‬من سياسة واقتصاد واجتماع‪ ...‬ال ‪ -‬هي أن يلب دافع النس ل على مستوى‬
‫"ال شهوة" وإ نا ع لى م ستوى "العاط فة"‪ ،‬ول ي كون ال نس هدفا‪ I‬ف ذا ته ي شغل ج هد‬
‫النسان‪ ،‬وإنا يكون وسيلة لدف‪ ،‬ول يكون بل ضابط‪ ...‬إنا تكمه الضوابط الت ل‬
‫تعله مهلكة للفرد ول مفسدة للمجموع‪...‬‬

‫وتلك بذاتا ‪ -‬هي أخلقيات كل شيء آخر ف حياة النسان‪ :‬أخلقيات الأكل‬
‫واللبس والسكن‪ ،‬واللك‪ ،‬والقتال‪ ،‬والبوز)‪.(91‬‬

‫و بذه الخلق يات ي صبح الن سان إن سانا‪ ...I‬وبغي ها ي صبح أ سوأ وأ ضل من‬
‫اليوان‪ " :‬ل—ه” م– ق‪ ¤‬ل‪¤‬وب‪ Ï‬ل •يف™ق— ه”ون— “ب ه•ا و•ل—ه” م– أ—ع–ي” ن‪ Ï‬ل ي”ب–ص“ر”ون— ب“ه•ا و•ل—ه” م– آذ—ا ن‪ Í‬ل •يس–م•ع”ون‬
‫“به•ا أ‪¤‬ول—ئ“ك• ك—ال™أ—–نع•ام“ ب• ™ل ه”م– —أض•ل‪ ä‬أ‪¤‬و—لئ“ك• ه”م” ال™غ•اف“ل‪¤‬ون"‪.‬‬

‫وع لى هذا ال ساس ال شامل ‪ -‬ا لذي ل ي صص للج نس قوا عد خا صة غ ي ما‬


‫يصصه لبقية نشاط النسان ‪ -‬يعال السلم شئون النس‪ ،‬ويرب عليها "النسان"‪.‬‬

‫إنه ‪ -‬بادئ ذي دء ‪ -‬ل يرم النس ف ذاته‪ ...‬ل يستقذره ول يستنكره ول ينف¡ر‬
‫م نه ا لس الب شري ك ما تف عل الندوك ية وال سيحية ف صورتا ا لت صاغتها الكني سة‪،‬‬
‫وغيها من الفاهيم النحرفة الت تاول التطهر والرتفاع بكبت السد واستقذار نشاطه‪،‬‬
‫وإنا هو يبيحه‪ ...‬كما يبيح كل الدوافع الفطرية وكل النشاط اليوي‪...‬‬

‫إنا فقط ينظفه‪...‬‬

‫يضع له الضوابط الت تنظمه‪ ...‬حت ف الدائرة الباحة! فالباحة والنع ها الط‬
‫الظاهر العريض فقط‪ ...‬الط الذي ينع التهلكة‪ ...‬ولكنه ليس هو كل أخلقيات النس‪،‬‬
‫الت تليق " بالنسان"!‬

‫والنس ف هذا ليس بدعا‪...I‬‬

‫فلنأخذ أخلقيات الطعام‪ ...‬وسنجدها صورة طبق الصل من أخلقيات النس‪.‬‬

‫الدم واليتة ولم النير وما أهل لغي ال به‪ ...‬مرمات‪...‬‬

‫ولكن الباقي ليس مباحا‪ I‬على إطلقه!‬

‫‪ ()91‬انظر فصل " الدوافع والضوابط " وفصل " القيم العليا " ف كتاب "الدراسات"‪.‬‬

‫)‪(246‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫فالطعام ينبغي ‪ -‬بعد ذلك ‪ -‬أل يكون مسروقا‪ !I‬مغتصبا‪ !I‬ول مسرفا‪!I‬‬

‫"ك‪¤‬ل‪¤‬وا م“ن– ط—‪¥‬يب•ات“ م•ا ر•ز• ™قن•اك‪¤‬م–"‪ " ،‬و•ك‪¤‬ل‪¤‬وا و•اش–ر•ب”وا و•ل ”تس–ر“ف‪¤‬وا"‪.‬‬

‫وينبغي كذلك أن تكون له آداب‪" :‬ما أوت آدمي وعاء شرا من بطنه‪ ،‬بسب ابن‬
‫آدم لقيمات يقمن صلبه )‪."(92‬‬

‫وعن ابن عباس رضي ال عنهما أن النب صلى ال عليه وسلم نى أن ي”تنفس ف‬
‫الناء أو ي”نفخ فيه‪.‬‬

‫وهكذا يرتفع الطعام عن غلظ الس‪ ...‬ليصبح نشاطا‪ I‬حيويا يناسب "النسان"‪...‬‬
‫يشترك فيه جسمه وروحه ف آن‪.‬‬

‫والنس كذلك‪ ...‬وكل شيء ف حياة النسان‪...‬‬

‫ف النس توجد مرمات‪...‬‬

‫"ح”ر‪¥‬م• ت– ع•ل—ي– ‪¤‬ك م– أ‪̃¤‬م ه•ات”ك‪¤‬م– و•ب• ن•ات”ك‪¤‬م– و•أ— خ•و•ات” ‪¤‬كم– و•ع• م˜ات”ك‪¤‬م– و• خ•الت”ك‪¤‬م– و••ب ن•ات” ا ل™أ—خ‬
‫و••بن•ات” ال™‪¤‬أخ–ت‪ ...‬و•ا™لم”ح–ص•ن•ات” م“ن• ال‪¥‬نس•اء“‪."...‬‬

‫ولكن الباح ليس مباحا‪ I‬على إطلقه!‬

‫فه ناك التوجي هات ا لت تط هره وترف عه ‪ -‬و هو دف عة ج سد غال بة ‪ -‬عن أن ي كون‬
‫دفعة جسد خالصة!‬

‫"و•ي• س–أ—لون•ك• ع• ن“ ا™لم•ح“ي ض“ ‪¤‬قل™ ه”و• أ—ذ ى‪ á‬ف—اع–•تز“ل‪¤‬وا الن‪ ¥‬س•اء¦ ف“ي ال™ •مح“ي ض“ و•ل ت•ق™ر• ب”وه”ن‬
‫ح•̃تى ي•ط™ه”ر– ن— ف—إ“ذ—ا •تط—̃هر– ن— ف—أ™ت”وه”̃ن م“ ن– •حي– ث‪ ¤‬أ—م•ر•ك‪ ¤‬م” ال‪œ‬ل ه” إ“ ن‪ œ‬الل‪ œ‬ه• ”يح“ ب§ ال̃ت̃واب“ي• و•ي”ح“ب‬
‫ا™لم”ت• —طه‪¥‬ر“ين"‪.‬‬

‫ث ت صاحبه ا لقوال وا لداعبات ا لت تل طف من غ لظ ا لس‪ ،‬و قد روت ال سيدة‬


‫عائشة رضي ال عنها من حال رسول ال صلى ال عليه وسلم معها ما يثبت هذا العن‬
‫ويؤكده‪.‬‬

‫‪ ()92‬رواه أحد والترمذي وابن ماجة والاكم‪.‬‬

‫)‪(247‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ث يذك‪œ‬ر النسان بأن له هدفا‪ ،I‬وليس هو هدفا‪ I‬ف ذاته‪" :‬نساؤكم حرث لكم"‪،‬‬
‫وف ذلك إشارة إل البذور والنبات‪ ...‬أي إل النسل بطريق الاز‪.‬‬

‫ث ي”جعل علقة روحية ووجدانية إل جانب كونه علقة جسدية‪" :‬و•م“ ن– آ ي•ات“ه“ أ—ن‬
‫سك‪¤‬ن”وا “إل—ي–ه•ا و•ج•ع•ل— •بي–ن• ‪¤‬كم– م•و•̃دة‪ I‬و•ر•ح–م•ة"‪.‬‬
‫•خل—ق• ل— ‪¤‬كم– م“ن– —أن–ف‪¤‬س“ك‪¤‬م– أ—ز–و•اجا‪ I‬ل“ت• –‬

‫وف هذا الستوى من الترفع " النسان " تبدو الفاحشة ول شك عمل‪ I‬هابطا بكل‬
‫مقاييس "النسان"! عمل‪ I‬ل تتوفر له صفة واحدة من صفات النسان! ل إشراقة الروح‬
‫المتزجة بدفعة السد‪ ،‬ول القدرة على الضبط‪ ،‬ول التفكي الواعي الذي يسب حساب‬
‫الهداف‪ ،‬وينظم علقات التمع ف حدود اللفة الراشدة الت ناطها ال بالنسان‪.‬‬

‫ولذلك يرمها السلم! يرمها لنا ل تليق بليفة ال! ل لنه يريد التضييق على‬
‫النسان!‬

‫ويرم كذلك ما يسهلها ويزينها ويدفع إليها‪ ...‬يرم الختلط النون بل ضرورة‪،‬‬
‫ويرم التبج الذي يدفع إل الفتنة‪ ،‬ويرم إظهار الزينة لغي الارم‪.‬‬

‫ويرم النظرة الفاحشة واللفظة الفاحشة‪ ...‬فضل‪ I‬عن العمل الفاحش بطبيعة الال‪.‬‬

‫ث يبيح الطريق الواحد النظيف‪ ...‬طريق الزواج‪.‬‬

‫وف غي هذا الكتاب )‪ (93‬تدثت عن السطورة الت تقول إن هذا "غي مكن" ف‬
‫الياة " التطورة" الت يياها الناس ف القرن العشرين!‬

‫ح ق¡ا‪ ،I‬إنه غي مكن ف عال البهائم الذي يياه الناس ف الاهلية الديثة ف القرن‬
‫العشرين‪.‬‬

‫ولكنه دائما‪ I‬مكن ف عال النسان‪ ...‬حي يرتفع إل مستوى "النسان"!‬

‫و كل ما ي قال عن ال ضرورات القت صادية وال ضرورات الجتماع ية و•ه– م‪ Ï‬با طل‬
‫حسمته الاهلية ف نفوس أهلها‪ ...‬لتفتنهم بلذات السد وشهواته عن حقيقة الطغيان‬
‫الذي يسك برقابم ويستعبدهم‪.‬‬

‫‪ " ()93‬الن سان ب ي الاد ية وال سلم " ف صل " ال شكلة الن سية " و " معر كة التقال يد " و " الت طور‬
‫والثبات ف حياة البشرية"‪.‬‬

‫)‪(248‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫والدليل على أنا ليست " الضرورة " القتصادية والجتماعية‪ ،‬أن الدولة الماعية‬
‫ف روسيا هي الت تكفل الفراد وتطعمهم وتسقيهم وتسكنهم وتلبسهم‪ ...‬وتزوجهم!‬

‫ومع ذلك فهي ل تبادر بتزويهم ‪ -‬وهي تلك ذلك لنا تلك كل شيء ف حياة‬
‫ال ناس ‪ -‬وإ نا تتركهم زم نا‪ I‬يل هون ويعي ثون ف سادا‪ I‬ف دن يا ال نس بل ضابط‪ ...‬وبغ ي‬
‫ضرورة من ضرورات القتصاد!‬

‫كل! إ نا الاهل ية الطاغ ية ا لت تترك لل ناس شهوة الب هائم لتلهي هم عن العبود ية‬
‫للطغيان!‬

‫أما السلم فهو حي يضع الواجز ف سبيل انرافات النس ‪ -‬كما يضع الواجز‬
‫ف سبيل انرافات كل دفعة فطرية ‪ -‬فهو ييسر الطريق النظيف للناس‪ ،‬ليلبوا دوافع الفطرة‬
‫على نظافة وارتفاع‪.‬‬

‫ييسر الزواج ويشجع عليه‪ ...‬اقتصاديا واجتماعيا وفكريا وروحيا‪ ...‬ويعله عبادة‬
‫يتقرب با النسان إل ال!‬

‫وبذلك يضمن أشياء كثية ف وقت واحد‪:‬‬

‫يضمن للناس راحة العصاب وراحة الضمي‪.‬‬

‫فهو ل يرهق أعصابم بقاومة الدفعة الفطرية الغلبة ]وإن كان يسعى إل تنظيف‬
‫التمع من الفتنة الت تعل الصطبار على دفعة النس خارجة عن قدرة النسان[ وإنا‬
‫ييسر لم سبيلها‪ ،‬وييسره ف نظافة ل تتعب الضمي‪.‬‬

‫ويضمن لم كذلك الستقرار‪...‬‬

‫وقد مر من شهادة ول ديورانت عن الاهلية الديثة كيف يفقد الناس الستقرار‬


‫النفسي والعصب والروحي حي يطيون مع شهوة النس مشتت الشاعر والفكار‪.‬‬

‫ويضمن استقرار السرة‪.‬‬

‫و قد مر ف هذه ال شهادة كذلك ك يف ت طم ر باط ال سرة ح ي انف لت ضابط‬


‫النس وتشرد الرجل والرأة كلها‪ ،‬معرضي للعاصي‪.‬‬

‫)‪(249‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ويضمن للطفال ‪ -‬ف مضن السرة ‪ -‬أن ينشأوا ف جو من الب والودة ينع‬
‫عن نفوسهم الغصة النراف والشذوذ‪.‬‬

‫وبذلك يلب كل حاجات النسان‪ ...‬ف الوقت الذي يرفعه إل حيث ينبغي أن‬
‫يكون "النسان"!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫والفن كذلك ينبغي أن يستقيم لنهج ال‪.‬‬

‫وف كتاب "منهج الفن السلمي" رددت ردا طويل‪ I‬مفصل‪ I‬على الذين يفغرون‬
‫أفواههم واستنكارا‪ I‬أن يكون للفن أي علقة بنهج ال!‬

‫ول يكن حكاية كتاب كامل ف صفحات!‬

‫ولكنا أشرنا من قبل إل أننا ف هذا ل نبحث بوثا‪ I‬مفصلة ف النهج السلمي ف‬
‫الياة‪ ،‬وإنا نضع الفاتيح فقط‪ ،‬والشارة الت تني الطريق‪.‬‬

‫وك ما تدثنا عن مفات يح من هج ا ل ف السيا سة والقت صاد والجت ماع وا لخلق‬


‫وعلقات النسي‪ ،‬فكذلك نتحدث عن مفاتيح هذا النهج فيما يتعلق بالفن‪.‬‬

‫ونبادر فنقول للذين يفغرون أفواههم عجبا‪ I‬واستنكارا‪ :I‬إن الفن نشاط بشري يقوم‬
‫به النسان ف الياة‪ ،‬فإذا كان كل نشاط النسان من سياسة واقتصاد واجتماع وأخلق‬
‫يدخل ف نطلق منهج ال‪ ،‬وف منهج ال ما ينظمه ويرفعه إل الستوى اللئق بالنسان‪،‬‬
‫فل عجب إذن أن يكون الفن كذلك ‪ -‬وهو نشاط بشري ككل نشاط آخر ‪ -‬متصل‬
‫بنهج ال‪ ،‬وأن يكون ف منهج ال ما ينظمه ويرفعه إل الستوى اللئق بالنسان‪...‬‬

‫ث نبادر ‪ -‬مرة أخرى ‪ -‬فنقول للذين يفغرون أفواههم عجبا‪ I‬واستنكارا‪ I‬من هذا‬
‫المر الطبيعي‪ ،‬إن التزام الفن بنهج ال لن يوله إل مواعظ دينية وخطب منبية‪ ...‬ولن‬
‫يعله يعطي صورة مزورة للنسان‪ ،‬كلها أبيض طاهر نظيف مترفع متعال!‬

‫كل! فهذه سذاجة ف التفكي ل تطر إل على الذهن الاهلي حي يتصور الفن ف‬
‫نطاق منهج ال‪.‬‬

‫)‪(250‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫إن النهج السلمي للفن يطلق الفن إل أقصى حدود الطلقة الت يتيحها منهج ال‬
‫"للنسان"‪ ،‬ف شت جوانب حياته‪ ...‬ث يزيد على ذلك‪ ...‬الواقعية!‬

‫إنه يتتبع الوجود كله‪ ...‬كله بل استثناء!‬

‫ا ل‪ ...‬وال كون‪ ...‬وال ياة‪ ...‬والن سان‪ ...‬هي مال ال فن ال سلمي‪ ...‬ع لى‬
‫التساع!‬

‫كل ها مأخوذة ‪ -‬بطبي عة ا لال ‪ -‬من زاو ية الر صد ال سلمية‪ ،‬لن ال فن ‪ -‬ف‬
‫أشكاله الختلفة ‪ -‬هو ماولة البشر لتصوير اليقاع الذي يتلقونه ف حسهم من حقائق‬
‫الوجود‪ ،‬ف صورة جيلة موحية مؤثرة‪.‬‬

‫فعل قة الن سان بال‪ ،‬وعلق ته بالكون‪ ،‬وعلق ته بال ياة‪ ،‬وعلق ته بنف سه‬
‫وبا لخرين‪ ...‬هي ماله ف الت عبي الف ن‪ ...‬سواء ف الن هج ال سلمي أو ف أي من هج‬
‫سواه‪...‬‬

‫فكل ما يدث حي يلتزم الفن بالنهج السلمي أن هذه العلقات كلها سترصد‬
‫من زاوية الرصد السلمية‪ ...‬ومن خلل الشاعر السلمية‪.‬‬

‫وتلك بديهية‪ ...‬فالشخص السلم سيعب عن الشاعر واليقاعات الت يسها‪ ...‬ل‬
‫الت يسها أحد غيه من الناس‪...‬‬

‫والشاعر واليقاعات الت يسها السلم هي علقة الب والشية ل‪ ،‬وعلقة الب‬
‫وال شاركة ال ية لل كون‪ ،‬وعل قة ا لب للح ياة مع ا لدراك ا لواعي ل هدافها وأغرا ضها‪،‬‬
‫وكو نا شاملة للح ياة ا لدنيا وا لخرة‪ ،‬غ ي مقطو عة ع ند ال ياة ا لدنيا ذ لك الق طع ا لذي‬
‫يعلها تبدو شائهة مرفة مزعجة مظلمة غي ذات دللة‪ ،‬وعلقة الودة للناس‪ ...‬وكذلك‬
‫علقة الصراع!‬

‫ن عم‪ ،‬فال سلم من هج واق عي‪ ...‬و هو الن هج ا لذي ي قول‪" :‬و• ل—و–ل د•ف™ ع” الل‪ œ‬ه“ ال̃ناس‬
‫•بع– ض•ه”م– “بب•ع– ض› ل—ف— س•د•ت“ ا™لأ—ر–ض"‪،‬ويقول‪ " :‬ي•ا أ—ي§ ه•ا ال™أ“–ن س•ان‪ ¤‬إ“̃ن ك• ك—اد“ح‪ Ï‬إ“ ل—ى ر•ب‪ ¥‬ك• ك—د–حا‬
‫—فم”لق“يه"‪ ،‬ويقول‪" :‬ل—ق—د– •خل—ق™ن•ا ا™لأ“ن–س•ان— ف“ي —كب•د›"‪...‬‬

‫فهو ل يوهم بنة مثالية على الرض! ول يقول للنسان إنك تد النعيم ف الدنيا‬
‫تت قدميك! إنا يقول له إن الياة كدح وكبد وتدافع وصراع‪...‬‬

‫)‪(251‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وكذلك هو منهج واقعي بالنسبة للنسان ذاته‪ ،‬فهو ل يقول عنه إنه م• ل—ك رفيع‬
‫مستو على الصراط! ول يقول إن الناس كلهم من ذوي العزم‪ ،‬إنا يقول‪" :‬و•خ”ل“ق• ال™“إن–س•ان‬
‫ض•ع“يفا"‪.‬‬

‫ويقول‪" :‬كل بن آدم خطاء")‪!(94‬‬

‫و من ث فالفن ا لذي ي لتزم بالن هج ال سلمي لن يع طي صورة مزورة للح ياة‬


‫والنسان‪ ،‬لن يعطي صورة وردية حالة‪ ...‬ول صورة مثالية بيضاء‪ ...‬إل على أنا خيال‬
‫إنسان!‬

‫إنا هو يعطي صورة حقيقية واقعية لصراع الناس ف الرض‪ ،‬ومشكلت حياتم‬
‫وتعقدها‪ ،‬واضطراب حياتم بي الي والشر‪ ،‬والرتفاع والبوط‪...‬‬

‫وإذن‪ ...‬فما الذي ييز الفن السلمي عن فنون الاهلية‪ ،‬إذا كان المر على هذا‬
‫النحو؟‬

‫أمور كثية ف القيقة)‪!(95‬‬

‫أولا أن الواقعية السلمية هي الواقعية الضيقة الت تارسها الفنون الاهلية الديثة‬
‫الت تستمد من التفسي اليوان للنسان‪ ،‬وإنا تستمد من التفسي " النسان " للنسان‪،‬‬
‫و هو تف سي ي شمل ال بوط والرف عة‪ ،‬وي شمل ال ي وال شر‪ ،‬ي شمل قب ضة الط ي ونف خة‬
‫الروح‪ ...‬معا‪ I‬ف ذات الوقت‪.‬‬

‫والثان‪ :‬هو نقطة التركيز!‬

‫فالصورة الت يرسها الفن السلمي للحياة البشرية تشمل البيض والسود متزجي‬
‫كما ها ف واقع الياة‪ ...‬نعم‪ ...‬ولكن على أيهما يكون التركيز!‬

‫فأما الفنون الاهلية الديثة الت تركز على التفسي اليوان‪ ،‬وغيه من التفسيات‬
‫الاهلية‪ ،‬فهي تركز على الانب السود كأنه هو الياة!‬

‫ولسنا نقصد بالسود‪ ،‬الانب " الخلقي " الضيق كما هو ف عرف الناس!‬

‫‪ ()94‬رواه الترمذي‪.‬‬
‫‪ ()95‬انظر كتاب "منهج الفن السلمي"‪.‬‬

‫)‪(252‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫إنا نأخذ المور كما بيناها من زاوية النهج السلمي‪...‬‬

‫فح ي ير سم الن سان خا ضعا‪ - I‬أ بدا‪ - I‬لل ضرورة ال قاهرة ل ي ستعلي عن ها‪ ،‬ول‬
‫يستطيع أن يستعلي‪ ،‬فذلك هو الانب السود من النسان!‬

‫وحي يرسم خاضعا‪ - I‬أبدا‪ - I‬للحتميات القتصادية والجتماعية والتاريية‪ ،‬غي‬


‫مت حرر من ها‪ ،‬ول إياب ية له تاه ها‪ ،‬ول عز ية له ف مقاومت ها‪ ،‬أو وقف ها‪ ،‬أو ت صحيح‬
‫اتاهها‪ ،‬فذلك هو الانب السود من النسان!‬

‫وحي يرسم تائها‪ I‬ف الياة ل يدرك لا معن‪ ،‬ول غاية‪ ،‬ول حقيقة‪ ،‬يدور ف دوامة‬
‫التيه ‪ -‬أبدا‪ - I‬ول يهتدي‪ ،‬ول يستقر ضميه ول يبصر النور‪ ...‬فذلك هو الانب السود‬
‫من النسان‪.‬‬

‫وكذلك حي يرسم ف لظة الشهوة الارفة الغليظة المسكة بناقه ل تفلته ول‬
‫يلك أن يفيق منها‪ ...‬فذلك هو الانب السود من النسان!‬

‫و هذا ا لانب مو جود‪ ...‬ن عم‪ ...‬ف وا قع ال ياة! ولك نه ‪ -‬بالن سبة للن سان‪...‬‬
‫بالنسبة لقيقة كيانه وحقيقة طاقاته وحقيقة أهدافه ‪ -‬ليس هو الواقع الدائم‪ ،‬وكذلك‬
‫ليس هو الصل الذي ينبغي أن يكون عليه النسان!‬

‫ومن ث فنحن ‪ -‬ف واقعيتنا ف ظل النهج السلمي ‪ -‬نرسم كذلك الواقع كما‬
‫نراه‪ ...‬ولكنا ‪ -‬بواقعيتنا كذلك الستمدة من إدراكنا لقيقة النسان ف ظل منهج ال ‪-‬‬
‫نوزع الضواء بيث ل تركز على هذا الانب السود من النسان!‬

‫نرسم هذا الواقع السود على أنه واقع انراف‪ ...‬ل على أنه واقع النسان! ونرسه‬
‫على أنه لظة ضعف‪ ...‬يفيق بعدها النسان ويعود إل ارتفاعه‪ ...‬أو فهي لظة ضعف ل‬
‫توحي بالعجاب والتقدير‪ ،‬إنا يوحي بالسف ‪ -‬على القل ‪ -‬على هذا النسان إن ل‬
‫يكن بالستنكار‪ ...‬كقوله تعال‪" :‬ي•ا •حس–ر•ة‪ I‬ع•ل—ى ا™لع“ب•اد“ م•ا ي• ™أت“يه“م– م“ن– ر•س”ول› إ“ل‪œ‬ا ك—ان”وا ب“ه‬
‫•يس–ت•ه–ز“ئ‪¤‬ون"‪.‬‬

‫إن الضعف البشري ليس "بطولة " كما ترسه الفنون الاهلية الديثة‪.‬‬

‫وهذا هو مفرق الطريق!‬

‫أما النرافات الخرى فمنهج الفن السلمي كذلك بريء منها‪...‬‬

‫)‪(253‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫فليس هناك ف حس السلم ذلك الصراع الكريه بي ال والنسان‪ ...‬ومن ث فالفن‬


‫ال سلمي لن يع كس م ثل ذ لك ال صراع‪ ،‬فإن و جد ‪ -‬ع لى أ نه وا قع ف ن فس إن سان‬
‫منحرف ‪ -‬فسيسه الفن السلمي على أنه انراف‪.‬‬

‫وليس هناك تأليه لغي ال‪...‬‬

‫فالطبي عة جي لة ومبو بة ب بدائع ال صور‪ ،‬وا لس الب شري يتل قى عن ها ال عاجيب‬


‫العج بات‪ ...‬ولك نه ل يؤله الطبي عة ك ما صنعت الرومانتيك ية الار بة من إ له الكني سة‪،‬‬
‫الباحثة عن إله وثن تقق ذاتا ف عبادته بعيدا‪ I‬عن "رجال الدين"!‬

‫والنسان كذلك ليس إلا‪ ...I‬وما ينبغي له أن يكون‪ ...‬وهو ذو طاقات ضخام‪،‬‬
‫نعم! ولكنها كلها من صنع ال‪ ،‬وموهوبة له من ال‪ ،‬ورده عليها هو الشكر ل‪ ،‬فإن كفر‬
‫ول يشكر‪ ...‬فهذا واقع منحرف قد يوجد‪ ...‬ويرسه الفن السلمي‪ ...‬على أنه انراف‪.‬‬

‫والتم يات كذلك لي ست آ لة! و ما ينب غي لا أن ت كون‪ ...‬ول أن تذل الن سان‬
‫ك ما ت صورها ا لداب والف نون ا لت ا لتزمت با لذاهب الجتماع ية والتف سي ا لاهلي‬
‫للتاريخ‪...‬‬

‫وخلل ذلك يد الفن السلمي مال‪ I‬واسعا‪ I‬جدا للتعبي‪...‬‬

‫ل يفوته أمر واحد من أمور الياة‪...‬‬

‫بل هو أوسع مال للفن على الطلق‪ ،‬الفن الذي يأخذ ف حسابه‪ :‬ال‪ ،‬والكون‪،‬‬
‫والياة‪ ،‬والنسان‪ ...‬وما يقوم بينها جيعا‪ I‬من ارتباط‪.‬‬

‫ولكنه ‪ -‬ككل شيء ف منهج ال‪ ...‬متوازن‪ ،‬نظيف‪ ،‬مترفع‪ ،‬مأخوذ على الستوى‬
‫ا لعلى‪ ...‬ال ستوى ا لذي ينب غي للي فة ا ل‪ ...‬مع الواقع ية ا لت ل تغ فل ف ذات ا لوقت‬
‫انراف النسان عن خلفته الراشدة ف الياة! ول تغفل كذلك ضعفه الفطري الذي ل‬
‫يرجه من دائرة النسان‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وهكذا يشمل منهج ال كل حياة النسان‪ :‬ف السياسة‪ ،‬والقتصاد‪ ،‬والجتماع‪،‬‬
‫والخلق‪ ،‬وعلقات النسي‪ ،‬والفن‪ ...‬وف كل شيء!‬

‫)‪(254‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ليس شيء واحد ما يقوم به النسان من نشاط على الرض خارج‪I‬ا عن منهج ال‪.‬‬

‫ومن هج ا ل ‪ -‬ف كل أ مر ‪ -‬هو الن هج الوح يد ا لذي برئ من الن قص والق صور‬
‫والنراف‪.‬‬

‫وما عداه كله جاهلية‪ ...‬فكل تلك النرافات الت صحبناها ف الفصلي السابقي‪،‬‬
‫ورأينا كم صنعت ف حياة البشر من الشر والفساد والشقوة والعذاب‪...‬‬

‫ولن تعتدل حياة الناس حت يرجعوا إل ال‪ ،‬ويؤمنوا به وينفذوا منهجه ف الياة‪.‬‬

‫"و•ل—و– أ—ن‪ œ‬أ—ه–ل— ا™لق‪¤‬ر•ى آم•ن”وا و•ا̃تق—و–ا —لف—ت•ح–ن•ا ع•—لي–ه“م– •بر•ك—ات› م“ن• الس˜م•اء“ و•ال™أ—ر–ض“ و•ل—ك“ن‬
‫سب”ون"‪.‬‬ ‫ك— ‪œ‬ذب”وا ف——أخ•ذ™ن•اه”م– “بم•ا ك—ان”وا ي•ك™ “‬

‫وليس أمام الناس إل أحد هذين الطريقي‪:‬‬

‫إما أن يؤمنوا ويتقوا‪ ،‬فيفتح ال عليهم بركات من السماء والرض‪...‬‬

‫أو يكذبوا فيأخذهم ال با كانوا يكسبون‪...‬‬

‫ومع ذلك‪...‬‬

‫مع و ضوح هذه الق ضية ‪ -‬ف حقي قة الوا قع ‪ -‬ك ما بينا ها ف الف صول الثل ثة‬
‫السابقة‪ ،‬فإن الاهلية الغارقة ف الظلم‪ ،‬الدائرة ف الدوامة النونة‪ ...‬ل تكاد تفيق من‬
‫جاهليت ها ل ظة لتراجع ا لمر جادة مدر كة واع ية‪ ...‬لت قدر كم أ صابا من الف ساد‬
‫والدمار‪ ...‬وكم أصبحت تتاج إل علج حاسم سريع فعال‪...‬‬

‫بل إن المر أسوأ من ذلك!‬

‫إن السلم ‪ -‬منهج ال ‪ -‬ليس بعيدا‪ I‬عن واقع الناس فحسب‪...‬‬

‫بل إن الناس‪ ...‬ف هذه الاهلية‪ ...‬يكرهون السلم!‬

‫)‪(255‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫لاذا يكرهون الس'لم؟!‬


‫هذا النهج التكامل الذي برئ من العوج والنراف‪...‬‬

‫الن هج ا لذي يع طي ا لواب ال صحيح عن كل م سألة‪ ،‬وي كم بالق ف كل‬


‫مشكلة‪...‬‬

‫النهج الذي يمع شتات النفس كلها ويوحد وجهتها وأهدافها‪ ،‬فل تعود تتوزع‬
‫بي هذه الوجهة وتلك‪ ...‬أو بي هذا الانب من النشاط وذاك‪.‬‬

‫الن هج ا لذي ل من قذ غ يه لل ناس ما هم ف يه من شقوة و عذاب‪ ،‬وح ية‬


‫واضطراب‪...‬‬

‫أليس من العجب أن يكرهه الناس ويتجافوه‪ ...‬وكلما دعوا إليه زادوا تباعدا‪ I‬عنه؟‬

‫كل‪ ...‬ليس عجيبا‪ I‬هذا المر‪!...‬‬

‫أو إنه ‪ -‬على كل ما فيه من عجب ‪ -‬أمر " طبيعي " إل أقصى حد!‬

‫فالاهليات كلها ‪ -‬على مدار التاريخ ‪ -‬تكره السلم! وتكرهه أول‪ I‬وأخيا‪ I‬لنه‬
‫هو السلم!‬

‫وع لى قدر ع تو الاهل ية وب عدها عن ا ل‪ ،‬ي كون كره ها للمن هج ا لذي نز‪ ²‬له ا ل‬
‫ليحكم الياة‪...‬‬

‫وإذ كانت هذه الاهلية أعت جاهلية ف تاريخ الرض‪ ،‬فمن " الطبيعي " إذن أن‬
‫تكون أشد جاهليات التاريخ كرها‪ I‬للسلم!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫والاهلية ل ت كره السلم ل نا ‪ -‬ف دخيلة نفسها ‪ -‬ل تعرف ما ف يه من الق‬
‫والي‪ ،‬أو لنا ‪ -‬بينها وبي نفسها ‪ -‬تعتقد حقا أن باطلها الذي تعيش فيه أصوب وأقوم‬
‫من السلم!‬

‫)‪(256‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫كل! فهي تكرهه وهي عالة با فيه من الق والي‪ ،‬وبأنه هو الذي يقو‪²‬م ما اعوج‬
‫من شئون الياة! وإنا تكرهه لنا حريصة على هذا العوج ل تريد تقويه! وتود أن تبقى‬
‫المور على اعوجاجها ول تستقيم!‬

‫تكرهه لنا هي الاهلية‪ ...‬وهو السلم!‬

‫"و•أ—̃ما ث—م”ود” ف—ه• •دي–ن•اه”م– ف—اس–•تح•ب§وا ال™ع•م•ى ع•ل—ى ال™ه”د•ى‪."...‬‬

‫ذلك مثل يلخص جيع المثال‪ ...‬وهو هو موقف الاهلية ف كل التاريخ‪...‬‬

‫"ل—ق—د– أ—ر–س• ™لن•ا ن”وحا‪ I‬إ“ل—ى ق—و–م“ه“ —فق—ال— ي•ا ق—و–م“ اع–ب”د”وا ال‪œ‬له• م•ا ل—ك‪¤‬م– م“ن– إ“ل—ه› غ—–ير”ه” إ“ن‪¥‬ي أ—خ•اف‬
‫ع•—لي–ك‪¤‬م– ع•ذ—اب• •يو–م› ع•ظ“يم›‪ ،‬ق—ال— ا™لم•ل—أ‪ ¤‬م“ن– ق—و–م“ه“ “إ̃نا ل—•نر•اك• ف“ي ض•لل› م”ب“ي‪"!...‬‬

‫"و•إ“ل—ى ع•اد› —أخ•اه”م– ه”ودا‪ I‬ق—ال— ي•ا ق—و–م“ ا –عب”د”وا الل‪œ‬ه• م•ا —لك‪¤‬م– م“ن– إ“ل—ه› غ—ي–ر”ه” أ—ف—ل ت•̃تق‪¤‬ون—‪ ،‬ق—ال‬
‫ا™لم•—لأ‪ ¤‬ال‪œ‬ذ“ين• ك—ف—ر”وا م“ن– —قو–م“ه“ إ“̃نا —لن•ر•اك• ف“ي س•ف—اه•ة‪"!...‬‬

‫"و•إ“ل—ى ث—م”ود• أ—خ•اه”م– ص•ال“ح‪I‬ا ق—ال— ي•ا ق—و–م“ ا –عب”د”وا الل‪œ‬ه• م•ا ل— ‪¤‬كم– م“ن– إ“—له› غ—ي–ر”ه”‪ ...‬ق—ال— ال‪œ‬ذ“ين‬
‫ا –ست• ™كب•ر”وا إ“̃نا ب“ا‪œ‬لذ“ي آم•ن–ت”م– ب“ه“ ك—ا“فر”ون‪"!...‬‬

‫"و•ل‪¤‬وطا‪ I‬إ“ذ™ ق—ال— ل“ ق—و–م“ه“ أ— ت•أ™ت”ون— ا™لف—اح“ش•ة— م•ا س•ب•ق—ك‪¤‬م– “به•ا م“ ن– —أح•د› م“ ن• ال™ع•ال—م“ي•‪ ،‬إ“̃نك‪¤‬م‬
‫—لت•أ™ت”ون— الر‪¥‬ج•ال— ش•ه–و•ة‪ I‬م“ن– د”ون“ الن‪¥‬س•اء“ •بل™ أ—ن–”تم– ق—و–م‪ Ï‬م”س–ر“ف‪¤‬ون—‪ ،‬و•م•ا ك—ان— ج•و•اب• ق—و–م“ه“ “إل‪œ‬ا أ—ن‬
‫ق—ال‪¤‬وا —أخ–ر“ج”وه”م– م“ن– —قر–ي•ت“ ‪¤‬كم– “إ̃نه”م– أ‪¤‬ن•اس‪• Ï‬يت•ط—̃هر”ون‪!"...‬‬

‫"و•إ“ل—ى م•د–ي•ن• أ—خ•اه”م– ش”ع•ي–با‪ I‬ق—ال— ي•ا ق—و–م“ ا –عب”د”وا ال‪œ‬له• م•ا ل—ك‪¤‬م– م“ن– إ“ل—ه› غ—ي–ر”ه”‪ ...‬ق—ال— ا™لم•ل—أ‬
‫ال‪œ‬ذ“ين• اس–ت•ك™ب•ر”وا م“ن– ق—و–م“ه“ ل—ن”خ–ر“ •ج̃نك• ي•ا ش”ع•ي–ب” و•ال‪œ‬ذ“ين• آم•ن”وا م•ع•ك• م“ن– —قر–ي•“تن•ا أ—و– —لت•ع”ود”ن‪ œ‬ف“ي‬
‫م“‪œ‬لت“ن•ا‪."...‬‬

‫إنا قصة واحدة مكرورة ف التاريخ‪ ...‬قصة الاهلية الواحدة الكرورة مع دين ال‬
‫الواحد‪ ...‬السلم!‬

‫" فهديناهم فاستحبوا العمى على الدى‪."...‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫)‪(257‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫كل! ل عجب أن تقف الاهلية الديثة موقف الكراهية من السلم‪ ...‬فذلك هو‬
‫الوقف الكرر لكل جاهلية خلل التاريخ‪ ...‬تكره السلم ول تطيقه‪ ،‬وتكره من يدعوها‬
‫إليه‪ ،‬وتاول "إخراجه" أو القضاء عليه‪ ،‬ول تصب حت على ترك الدعاة إليه يعيشون ف‬
‫سلم موادعي‪ ،‬عمل‪" I‬برية الرأي"! و "حرية العتقاد"!‬

‫"و•إ“ل—ى م•د–ي•ن• أ—خ•اه”م– ش”ع•ي–با‪ I‬ق—ال— ي•ا ق—و–م“ اع–ب”د”وا ال‪œ‬له• م•ا ل—ك‪¤‬م– م“ن– إ“ل—ه› —غي–ر”ه” ق—د– ج•اء¦ت–ك‪¤‬م‬
‫خس”وا ال̃ناس• أ—ش–ي•اء¦ه”م– و•ل ت”ف™س“د”وا ف“ي ال™—أر–ض‬ ‫•بي‪¥‬ن• ‪Í‬ة م“ن– ر•ب‪¥‬ك‪¤‬م– ف—أ— –وف‪¤‬وا ا™لك—ي–ل— و•ال™م“يز•ان— و•ل •تب– •‬
‫ب•ع–د• إ“ص–لح“ه•ا ذ—ل“ ‪¤‬ك م– •خ ي–ر‪ Ï‬ل—ك‪ ¤‬م– إ“ ن™ ‪¤‬كن–ت” م– م”ؤ–م“ن“ي•‪ ،‬و•ل ت•ق™ ع”د”وا “بك‪ ¤‬ل‪ Î‬ص“ر•اط› ت”وع“د”ون‬
‫و•ت• ص”د§ون— ع• ن– س•ب“يل“ الل‪ œ‬ه“ م• ن– آم• ن• ب“ ه“ و••تب–غ”ون• ه•ا ع“و• جا‪ I‬و•اذ™ ك‪¤‬ر”وا إ“ذ™ ‪¤‬كن–ت” م– ق—ل“يل‪— I‬فك—ث‪œ‬ر•ك‪¤‬م‬
‫و•ان– ظ‪¤‬ر”وا ك—ي– ف• ك—ان— ع•ا“ق ب•ة‪ ¤‬ا™لم”ف™ س“د“ين•‪ ،‬و•إ“ ن™ ك—ان— ط—ائ“ ف—ة‪ Í‬م“ن–ك‪ ¤‬م– آم• ن”وا ب“ا ل‪œ‬ذ“ي أ‪¤‬ر– س“ ™لت” ب“ه‬
‫و•ط—ا“ئ ف—ة‪— Í‬ل م– ي”ؤ–م“ ن”وا ف—ا ص–ب“ر”وا ح•̃تى ي•ح–ك‪ ¤‬م• الل‪ œ‬ه” •بي–•ن ن•ا و• ه”و• •خ ي–ر” ا™ل ح•اك“م“ي•‪ ،‬ق—ال— ال™م• ل—أ‪ ¤‬ا ل‪œ‬ذ“ين‬
‫ا س–ت• ™كب•ر”وا م“ ن– ق—و–م“ه“ —لن”خ–ر“ج•̃ن ك• ي•ا ش”ع•ي–ب” و•ا ل‪œ‬ذ“ين• آم• ن”وا م•ع• ك• م“ ن– —قر–ي•“ت ن•ا أ—و– ل—ت• ع”ود”ن‪ œ‬ف“ي‬
‫م“‪œ‬لت“ن•ا‪.!"...‬‬

‫كل! ل يصبون! حت على السالي الوادعي الذين يقولون لم‪" :‬فاصبوا حت‬
‫يكم ال بيننا وهو خي الاكمي"!‬

‫ول ييء هذا الوقف اعتباط‪I‬ا بطبيعة الال‪ ...‬وإنا يمل معه السباب!‬

‫ح ي ي بدأ ال نراف عن من هج ا ل وعق يدته‪ ،‬ي كون انرا فا‪ I‬ي سيا‪ I‬ف م بدأ ا لمر‪،‬‬
‫وعلى خجل وتوار› من الؤمني! لن الؤمني يومئذ هم القوة الغالبة‪ ،‬ودين ال هو الكم‬
‫ف المور‪.‬‬

‫وقد يكون انرافا‪ " I‬حسن النية"! منشؤه الضعف عن احتمال التكاليف‪ ،‬والضعف‬
‫عن الستقامة على الصراط‪...‬‬

‫أو يكون انرافا‪ I‬سيئ النية من الدخولي والنافقي‪ ،‬الذين ينتظرون الفرصة ليهدموا‬
‫العق يدة ا لت ل يؤم نوا با ال يان ا لق‪ ...‬وإ نا ينافقو نا ما دام لا ال سلطان ال غالب‬
‫الرهوب‪...‬‬

‫ولكنه ف هذا وذاك انراف ‪ -‬بعد ‪ -‬يسي وقريب الغور‪ ...‬ل يرؤ على السفور‪.‬‬

‫ث تب عد ال شقة‪ ،‬و يزداد خط ال نراف‪ ،‬وير ين ع لى الن فوس ما يز يدها ب عدا‪ I‬عن‬
‫العق يدة‪ ،‬ويط مس الغ بش ع لى شفافية الن هج و شفافية الن فس ا لت تتل قاه‪ ...‬فل تب صر‬
‫النور‪...‬‬

‫)‪(258‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وعندئذ يبدأ الفساد ف الرض‪ ...‬ويتأهب الطاغوت!‬

‫ث تزداد الشقة اتساعا‪ ،I‬وتزداد النفوس ضراوة على الفساد‪...‬‬

‫ويكم الطاغوت بالفعل ف أمور الناس‪ ...‬حيث ل يعد منهج ال ي ك¡م ف هذه‬
‫المور‪...‬‬

‫وعندئذ ل تعود الاهلية تستجيب لن يدعوها إل الدى‪ ...‬بل تقف منه موقف‬
‫الكابرة والعناد‪ ...‬بل تاربه أعنف الرب وتسعى إل إخراجه أو القضاء عليه‪ ...‬وكما‬
‫أل عليها بالدعوة أوغلت ف الرب ولت ف العناد‪...‬‬

‫ف هذا الطور ل يكون "حسن النية" هو الذي يبعد الناس عن العقيدة‪ ...‬ول يكون‬
‫كذلك الهل بقيقة النهج هو دافع العناد!‬

‫إ نا ي كون ال سبب القي قي هو خ شية الاهل ية ع لى كيا نا وم صالها‪ ،‬و شهواتا‬


‫وانرافاتا‪ ،‬من النور الديد! فهي تس ‪ -‬ف دخيلة نفسها ‪ -‬مقدار ما انرفت عن الق‬
‫وحكمت بالوى واستسلمت للشهوات‪ ،‬وتس مقدار ما ترمها العقيدة الصحيحة حي‬
‫تكم ف الرض‪ ،‬من مصال ومنافع وشهوات‪ ،‬اختلستها اختلسا‪ I‬ف غيبة النور!‬

‫ومن أجل ذلك تكره الاهلية السلم‪ ،‬وتقف منه موقف القتال والعناد‪ ...‬يستوي‬
‫ف ذ لك ا لذين ا ستكبوا وا لذين هم مست ضعفون‪ ،‬فل كل ف الاهل ية م صال وم نافع‬
‫و شهوات يرص علي ها‪ ،‬وي كره أن يرم ها م نه من هج ا ل ح ي ي كم بالق‪ ...‬فتنت هي‬
‫الصال الفاسدة والنافع النحرفة ويقف الق ف طريق الشهوات!‬

‫ومن أجل ذلك نستطيع أن نفهم موقف الاهلية الديثة من السلم‪...‬‬

‫إ نه مو قف الكرا هة والع ناد وا لرب‪ ...‬ي ستوي ف ذ لك ال شرق وال غرب‪ ،‬والبلد‬
‫الت تزعم لنفسها إنا "بلد السلم"!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫فأما أوربا ‪ -‬شرقها وغربا‪ ،‬وامتدادها ف أمريكا ‪ -‬فموقفها " مفهوم"!‬

‫)‪(259‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫إنا ‪ -‬بادئ ذي بدء ‪ -‬تكره الدين كله‪ ،‬وتنفر من العقيدة ف ال‪ ،‬ومن سيطرة‬
‫العقيدة على واقع الياة‪ ...‬ولكنها فوق ذلك تكره السلم بصفة خاصة‪ ،‬وترصد له من‬
‫وسائل الرب ما ل يطر على البال!‬

‫فأما كراهيتها للدين كله فقد قصصنا طرفا‪ I‬من أسبابا ف فصول الكتاب‪...‬‬

‫ف أ يام ا لمباطور ق سطنطي فر ضت الديا نة ال سيحية فر ضا‪ I‬ع لى المباطور ية‬


‫الرومانية‪ ...‬بأمر المباطور‪...‬‬

‫ومزجت العقيدة السيحية السماوية بعناصر وثنية من الت كانت قائمة يومئذ‪ ،‬تأليفا‬
‫لقلوب الوثنيي‪ ،‬وتشجيعا‪ I‬لم على الدخول ف الدين )‪ !(96‬فلما أصبح هذا الزيج الختلط‬
‫غي مفهوم للناس‪ ،‬ادعت الكنيسة لنفسها التفرد بعرفة " السرار" الت خفيت عليهم‪...‬‬
‫وعلقت إ يانم بال‪ ،‬بالت سليم بذه ال سرار دون مناق شة ودون ع لم‪ ...‬وجع لت و ساطة‬
‫الكنيسة ضرورية لتام التصال بينهم وبي ال!‬

‫ث فر ضت الكني سة لنف سها ‪ -‬عن هذا الطر يق ‪ -‬سلطانا‪ I‬ب شعا‪ I‬ع لى الق لوب‬
‫والفكار والشاعر‪.‬‬

‫وفرضت عليهم التاوات من كل نوع‪...‬‬

‫ث دعتهم إل رهبانية تصادم الفطرة‪...‬‬

‫ث تسامع الناس بعد فترة أن الديرة ذاتا ‪ -‬مكان التطهر والعبادة واللوص إل ال‬
‫‪ -‬ترتكب فيها أبشع الرمات‪ ...‬يرتكبها " رجال الدين " القدسون الطهار!‬

‫ث جاءت مهزلة صكوك الغفران لتجعل المر كله عبثا‪ I‬ل يترمه ضمي النسان‪...‬‬

‫ث كانت الطامة حي وقفت الكنيسة ف وجه العلم‪ ،‬وقامت تر‪²‬ق العلماء وتعذبم‬
‫باسم كلمة السماء!‬

‫من تلك اللحظة بذرت بذور الشقاق ف أوربا بي الدين والعلم‪ ،‬والدين والياة‪...‬‬

‫وكرهت أوربا ديانة الكنيسة‪ ،‬وأخذت تنسلخ منها على مر اليام‪...‬‬

‫‪ ()96‬راجع شهادة دريب المريكي ص ‪ 28‬من هذا الكتاب‪.‬‬

‫)‪(260‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫فلما ولدت النهضة ‪ -‬على ضوء ما قبسته أوربا من الضارة السلمية والعارف‬
‫السلمية ‪ -‬قامت على مبعدة من الدين‪ ...‬بل قامت على عداء مع الدين!‬

‫وقد كان لوربا عذرها ف صراعها مع "الكنيسة"‪ ...‬ولكن ما عذرها ف صراعها‬


‫مع "الدين"؟‬

‫على أي حال فالذي حدث بالفعل أنا كر هت الكنيسة ودينها‪ ...‬ث كانت ف‬
‫الوقت ذاته أشد كفرا‪ I‬بالسلم الذي علمها الضارة وعلمها العرفة وعلمها كيف ترج‬
‫من الظلمات إل النور )‪!(97‬‬

‫فإذا كان لا " عذرها " مع الكنيسة‪ ...‬فجريتها مع السلم كانت تلك الروح‬
‫الصليبية الكريهة الت جعلتها ‪ -‬رغم معرفتها بكل ما يويه السلم من خي‪ ،‬ورغم قيام‬
‫حضارتا الفعلية على هذا الي ‪ -‬تاربه وتطارده‪ ،‬وتشوه صورته ف الفاق!‬

‫وقد كانت اليهودية ‪ -‬منذ دهور ل تصى ‪ -‬تقف بالرصاد لكل دعوة جديدة‪،‬‬
‫ف الوقت الذي ل تافظ هي على ميثاقها مع ال‪ ،‬ول تتبع هداه‪...‬‬

‫فلما قامت "النهضة" الوربية على عداء مع الكنيسة أدركت بفطنتها أنا فرصة‬
‫سانة لتحطيم السيحية الت سامتها سوء العذاب‪ ...‬فعملت على توسيع الوة بقدر ما‬
‫تستطيع‪.‬‬

‫فل ما جاء دارون ي صادم الكني سة بنظر ياته‪ ،‬دخ لت اليهود ية العال ية العر كة ع لى‬
‫اتساعها‪ ...‬دخلت بعلمائها الثلثة الكبار‪ :‬ماركس وفرويد ودر كاي تطم ما بقي من‬
‫م فاهيم ا لدين)‪ ،(98‬ث قامت تع مق ا لوة ا لت تبت لع ال سيحية كعق يدة‪ ،‬بإ شاعة أ لوان من‬
‫الفساد اللقي البشع الذي ل مثيل له ‪ -‬ف اتساعه ‪ -‬ف كل التاريخ‪ ،‬يطم تاسك المم‬
‫وا لفراد وي شيع ف بنيا نا النلل‪ ،‬ف ا لوقت ا لذي تر كب اليهود ية العال ية " سيا سة "‬
‫العال ف ال شرق والغرب‪ ،‬فتسيطر ف و قت وا حد ع لى الرأسالية العالية وع لى الذهب‬
‫الاركسي!‬

‫ث‪ ...‬ات هت ال عداوة ال صليبية ال صهيونية ال شتركة ب كل عنف ها و ضراوتا إ ل‬


‫السلم!‬

‫‪ ()97‬راجع شهادة بريفولت ص ‪ 28‬من هذا الكتاب‪،‬‬


‫‪ ()98‬انظر فصل " اليهود الثلثة " ف كتاب "التطور والثبات ف حياة البشرية"‪.‬‬

‫)‪(261‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫فقامت أوربا الصيبية ‪ -‬تغذيها أموال الصهيونية وتنفخ فيها وتؤازرها ‪ -‬تستعمر‬
‫العال السلمي وتضعه لنفوذها‪ ...‬وتاول اقتلع السلم من جذوره‪ ،‬بالتبشي تارة‪،‬‬
‫وبت شويه صورة ال سلم ف ن فوس ال سلمي تارة‪ ،‬وإف ساد ا لخلق تارة‪ ،‬وأخ ي‪I‬ا بترب ية‬
‫ج يل من العب يد ال نافرين من ال سلم ت سلمه مقال يد ا لمور ف البلد ليقو موا بدل‪ I‬من ها‬
‫بالقضاء على السلم)‪!(99‬‬

‫وليس هنا مال التفصيل ف مظاهر الرب الصليبية الصهيونية على العال السلمي‪،‬‬
‫والهود الت تبذل فيها‪ ،‬والكيد البيث الذي يستخدم فيها‪ ،‬وقد يكفي ف هذا الال‬
‫الشارة إل ما أقر به الستشرق العاصر " ولفرد كانتول سيث" ف كتابه "السلم ف‬
‫التاريخ العاصر ‪ " Islam in Modern History‬فيما بي صفحة ‪ 104‬و ‪ 113‬من أن الغرب‬
‫يوجه كل أ سلحته الرب ية والعلم ية والفكر ية والجتماع ية والقت صادية لرب ال سلم‪،‬‬
‫وأنه خلق إسرائيل ف قلب العال السلمي كجزء من هذا البنامج الخطط الرسوم‪...‬‬

‫وإنا الذي يعنينا هنا هو إثبات هذه العداوة الت تارسها أوربا نو السلم!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫أما الال فيما يسمى " العال السلمي!" فهو يتلف " بعض الشيء!" عن الال‬
‫ف أوربا‪ ...‬ولكنه ف النهاية يلتقي به كما تلتقي الاهلية ف كل مكان ف الرض وكل‬
‫ل ‪ -‬السمات الت تيز هذه الاهلية عن تلك‪،‬‬
‫طور من أطوار التاريخ‪ ،‬وإن اختلفت ‪ -‬قلي ‪I‬‬
‫وتيز ظروف هذه عن ظروف تلك‪.‬‬

‫السلم ف هذا " العال السلمي!" غريب على الناس كغربته يوم بدأ ف جاهلية‬
‫الزيرة العربية‪ ...‬وهو ‪ -‬فوق ذلك ‪ -‬مكروه من كثيين!‬

‫وخ طوة خ طوة ف هذا الف صل‪ ،‬سن سي مع فئات متل فة من ال ناس‪ ...‬ل نبي لاذا‬
‫يكرهون السلم!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫إن أي طاغية ف داخل العال " السلمي" ‪ -‬سواء أعلن حربه صرية على السلم‬
‫أو تظاهر بالدب على السلم ورعايته وهو ف دخيلة نفسه له عدو ‪ -‬إن أي طاغية ل‬

‫‪ ()99‬انظر كتاب "هل نن مسلمون " فصل‪ " :‬عوامل ملية"‪.‬‬

‫)‪(262‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫يكن أن يطيق السلم‪ ،‬لسبب واحد بسيط‪ :‬أن السلم يعل ولء الناس ل‪ ،‬بينما هو‬
‫يريد الولء لشخصه من دون ال‪.‬‬

‫وتلك ‪ -‬ف بساطة ‪ -‬قضية كل طاغية ف التاريخ مع العقيدة ومع الؤمني!‬

‫وذ لك ف ضل‪ I‬عن أن أم ثال أولئك الط غاة ف ال عال " ال سلمي!" ل يقو مون بأمر‬
‫أنفسهم‪ ،‬إنا يقيمهم الستعمار الصليب الصهيون ليقوموا ‪ -‬بالوكالة عنه ‪ -‬بهمة القضاء‬
‫على السلم وتدمي الؤمني!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫أما " الناس " فهم فئات شت ف عداوتم للسلم!‬

‫فأ ما " الثق فون!" ف هم خل صة الك يد ا لبيث ا لذي و ضعته ال صليبية ال صهيونية‬
‫للقضاء على السلم‪.‬‬

‫فهؤلء " الثقفون!" هم الذين رباهم الستعمار ف مدارس " الكومة" الت أقامها‬
‫تت سعه وبصره لتنفذ سياسة معينة‪ ،‬تؤدي إل تريج أجيال من السلمي ل يعرفون شيئا‬
‫عن حقيقة السلم‪ ،‬ويعرفون بدل‪ I‬منها شبهات توم ف نفوسهم حول هذا الدين‪.‬‬

‫أج يال لق نت أن ا لدين تأخر وان طاط وت جر ورجع ية‪ ...‬وأن الو سيلة الوح يدة‬
‫للتحضر والرتقاء والتقدم هي النسلخ من ذلك الدين‪ ...‬وإبعاده عن مال الياة العامة‪،‬‬
‫وإل غاء سيطرته ع لى أي مف هوم من م فاهيم ال ياة‪ :‬السيا سية أو القت صادية أو‬
‫الجتماع ية‪ ...‬أو حت الخلق ية! وا ستمداد هذه ال فاهيم كل ها من أور با‪ ...‬أي من‬
‫مفاهيم الصليبية والصهيونية ف ناية الطاف!‬

‫أج يال لق نت أن ا لدين م عو‪²‬ق عن النطلق‪ ،‬وأن ال سبيل إ ل النطلق ‪ -‬ا لذي‬
‫تعقبه " القوة" و "الضارة" و "العلم" و "التمكن" ‪ -‬هو القضاء على هذا الدين!‬

‫و ف بل هة غر يرة راح أولئك " الثق فون!" " ينه لون" من ي نابيع الاهل ية الغرب ية‬
‫السمومة‪ ،‬ل يفرقون بي ما ينفع وما يضر‪ ...‬بي العلم البحت ‪ -‬الذي هو ضرورة ‪-‬‬
‫وبي الفاهيم الفكرية والسياسية والقتصادية والجتماعية والخلقية النحرفة عن منهج‬
‫ال‪ ،‬والت هي ‪ -‬ف بلدها الصلية ‪ -‬سوس ينخر ف بنيانا ويؤدي با ‪ -‬رويدا‪ I‬رويدا‪- I‬‬
‫إل الدمار!‬

‫)‪(263‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وف بلهة غريرة كذلك راح أولئك " الثقفون!" يكرهون السلم وياربونه بكل‬
‫الدوات الت وضعتها ف أيديهم الصليبية والصهيونية لتحطيم السلم!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وأ ما " الك تاب "و "الف نانون" و "القصا صون" و "ا لذاعيون" و "ال سينمائيون" و‬
‫"التليفزيونيون"‪ ...‬ال‪ ،‬فهم ول شك يكرهون السلم!‬

‫يكر هونه لن "الت جارة" ا لت يقو مون با وير بون عن طريق ها‪ ...‬تارة إف ساد‬
‫الخلق وإشاعة الفاحشة ف التمع‪ ،‬وإطلق الولد والبنات بل ضابط‪ ،‬ينو بعضهم‬
‫على بعض‪ ...‬هي تارة مرمة يعرفون جيدا‪ I‬أنا مرمة‪ ،‬وأن السلم يوم ييء لن يدع‬
‫لم ذلك الستنقع القذر الذي يعيشون ف أوساخه القذرة ويتكاثرون‪ ،‬إنا تارة مرمة‬
‫كتجارة العراض والخدرات سواء بسواء‪ ،‬وهم يعلمون ذلك جيدا‪ I‬ف دخيلة أنفسهم‪،‬‬
‫ويعلمون أن الاهلية وحدها هي الت تتيح لم الوجود والتكاثر‪ ،‬والربح الوفي والعيش‬
‫الوثي‪ ...‬وأن السلم بنظافته وتطهره وأخلقه الترفعة الت يرب أبناءه عليها لن يتيح لم‬
‫الوجود والتكاثر والربح‪ ...‬ولذلك يكرهون السلم!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وأ ما ا لولد والب نات ا لذين ‪¤‬ف تح لم ال باب ع لى م صراعيه لي•ف™ س”دوا وي”ف™ س“دوا‪،‬‬
‫وانر فوا ف ت يار النلل الل قي‪ ،‬و صارت ح ياتم أغن ية مائ عة أو ق صة دا عرة أو رق صة‬
‫فاجرة أو ل ظة ج نس م سعورة يار سونا خف ية أو علن ية‪ ...‬ف هؤلء ول شك يكر هون‬
‫السلم!‬

‫يكرهونه لنم يتلسون هذه العراض الت ينتهكونا‪ ...‬أعراض بعضهم البعض‪...‬‬
‫ويتل سون هذه ال شهوات ا لت يار سونا‪ ،‬ف غي بة من د ين ا ل‪ ،‬وأن د ين ا ل ‪ -‬بن ظافته‬
‫وترف عه وتط هره ‪ -‬لن يت يح لم هذه ال قذارة الدن سة ا لت يعي شون في ها‪ ،‬و هم ير يدونا!‬
‫يريدون هذه القذارة الدنسة ويرصون عليها‪ ،‬ويودون أن تدوم! ول يهمهم كيف فعلت‬
‫ف أمم قد خلت من قبلهم‪ ،‬وأمم ماثلة أمامهم قد هدها الفساد‪ ...‬ل يهمهم لن القوى‬
‫التدميية العالية الت تدبر فسادهم وتوجهه وتطط له لساب الصليبية العالية والصهيونية‬
‫قد أعمتهم بالشهوات بيث ل يفيقون‪ ،‬وبيث يكرهون من يوقظهم من متاعهم الفاجر‬
‫ويطلب إليهم الرتفاع‪...‬‬

‫)‪(264‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ولذلك يكرهون السلم!‬

‫والرأة " التحررة!" بصفة خاصة تكره السلم!‬

‫وقضية " ترير!" الرأة السلمة من أخطر القضايا الت جند لا الستعمار الصليب‬
‫الصهيون جهوده خلل قرن كامل من الزمان!‬

‫‪La Conquete du‬‬ ‫‪Monde‬‬ ‫جاء ف ك تاب "ال غارة ع لى ال عال ال سلمي‬
‫‪ (100)"Musulman‬و هو ع بارة عن عدد خاص من "م لة ال عال ال سلمي" ا لت ت صدر ف‬
‫فرنسا لرصد أعمال التبشي ف العال السلمي صدر قبل خسي عاما‪I‬؛ ف ص ‪ 48‬من‬
‫التر جة العرب ية‪" :‬والنتي جة ا لول ل ساعي هؤلء )الب شرين( هي تن صي قل يل من ال شبان‬
‫والفتيات والثانية تعويد كل طبقات السلمي أن يقتبسوا بالتدريج الفكار السيحية"‪.‬‬

‫و جاء ق بل ذ لك ف ص ‪" :47‬وينب غي للمب شرين أن ل يقن طوا إذا رأوا نتي جة‬
‫تبشيهم للمسلمي ضعيفة‪ ،‬إذ من القق أن السلمي قد نا ف قلوبم اليل الشديد إل‬
‫علوم الوربيي وترير النساء"!‬

‫وف صفحت ‪ 89 ،88‬جاء تقرير عن أعمال وقرارات مؤتر لكنو ومؤتر القاهرة‬
‫‪ -‬وهي مؤترات تبشيية ‪ -‬فجاء عن مؤتر لكنو التبشيي الذي عقد سنة ‪ 1911‬أنه‬
‫وضع ف برنامه عدة أمور‪:‬‬

‫"أولا‪ :‬درس الالة الاضرة"‪.‬‬

‫"ثانيها‪ :‬استنهاض المم لتوسيع نطاق تعليم البشرين والتعليم النسائي"!‬

‫أما لنة مواصلة أعمال مؤتر القاهرة ‪ -‬الذي عقد سنة ‪ - 1906‬فقد وضعت‬
‫هي الخرى برناما‪ I‬يتوي على عدة مواد منها‪:‬‬

‫" الادة السابعة‪ :‬الرتقاء الجتماعي والنفسي بي النساء السلمات"!‬

‫وهكذا بدأ " ترير الرأة السلمة" ف مؤترات البشرين!‬

‫أي وال! البشرون الصليبيون هم الذين يدعون ويعملون لتحرير الرأة السلمة!‬

‫‪ ()100‬ترجة السيدين مساعد الياف ومب الدين الطيب‪ ،‬القاهرة سنة ‪ 1350‬ه‪.‬‬

‫)‪(265‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وتسأل‪ :‬لاذا؟!‬

‫فإليك الواب!‬

‫ي قول مروبر جر‪ Morroe Berger :‬و هو ي هودي أمري كي معا صر ف ك تابه "ال عال‬
‫العر ب ال يوم‪ - "The Arab World Yoday :‬و هو من أدق الك تب ا لت صدرت عن ال عال‬
‫العرب ف الفترة الخية وأخطرها)‪:(101‬‬

‫"إن ا لرأة ال سلمة التعل مة هي أب عد أ فراد الت مع عن ت عاليم ا لدين‪ ،‬وأ قدر أ فراد‬
‫التمع على جر التمع كله بعيدا‪ I‬عن الدين"!‬

‫وإذن ف قد كان أ مرا‪ I‬طبيع يا أن ي صدر "ا ستنهاض ال مم لتو سيع ن طاق التعل يم‬
‫الن سائي" عن الب شرين ومؤترات الب شرين! ما دام الدف النهائي ا لذي يباركه ال كاتب‬
‫اليهودي هو "جر التمع كله بعيدا‪ I‬عن الدين"!‬

‫إن أي قدر من التحطيم الوجه إلى هذه العقيدة ل يكن ليثمر ثرته إذا بقيت الرأة‬
‫بالذات‪ ...‬مسلمة! جاهلة أو غي جاهلة!‬

‫فالم هي الت تنشئ النشأة الول للطفل‪ ،‬والم " السلمة " ولو كانت جاهلة تبذر‬
‫ف أبنائها بذور العقيدة تلقائيا ف السنوات الول من حياة الطفال‪ ،‬وهؤلء‪ ،‬مهما فسدوا‬
‫بعوا مل الف ساد الارج ية‪ ،‬ومه ما ع مل الت مع‪ ،‬أو الخط طون للف ساد ع لى إف سادهم‪،‬‬
‫فستظل هذه البذرة التلقائية الول تردهم عن الفساد الكامل‪ ،‬وتعيدهم ‪ -‬بعد فترة ‪ -‬إل‬
‫الصواب!‬

‫وإذن فل فائدة من جهد الستعمار الصليب والصهيون كله ف هدم هذه العقيدة ‪-‬‬
‫بكل الوسائل ‪ -‬ما دامت الم ل تفسد بعد‪...‬‬

‫ل بد من إفساد الم‪...‬‬

‫ل بد من إخراج العقيدة من قلبها إذا أريد قتل العقيدة على التساع‪.‬‬

‫ل بد من إ خراج ج يل من الن ساء ل ي عرف ال سلم‪ ...‬وال سبيل هو "التعل يم"‪،‬‬


‫التعل يم ع لى طري قة ال ستعمار ا لت جر با مع الر جل من ق بل وآ تت ثار ها‪ ،‬ول كن ع لى‬

‫‪ ()101‬صدر ف ناية سنة ‪.1962‬‬

‫)‪(266‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ن طاق مدود‪ ،‬لن "ا لم" ‪ -‬ع لى جهل ها ‪ -‬كانت ت ضع ف ن فوس أبنائ ها حاجزا‪ I‬أ مام‬
‫الفساد‪...‬‬

‫وع مل ال ستعمار ال صليب وال صهيون ‪ -‬بؤازرة حر كات " الت حرر " الترك ية‬
‫والصرية والعربية والندية " قبل إنشاء الباكستإن "والندنوسية والفريقية‪ ...‬ال ‪ -‬على‬
‫"استنهاض المم لتوسيع نطاق التعليم النسائي" على البامج الوضوعة بإشراف الستعمار‬
‫‪ -‬سواء ف ا لدارس الكوم ية أو مدارس التب شي الجنب ية ‪ -‬لتخر يج م سلمات ل تب عد‬
‫مشاعرهن عن السلم فحسب‪ ،‬بل ينفرن من الدين نفورا‪ I‬ويكرهنه كرها!‬

‫وغن عن البيان أن السلم الذي جعل العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ل‬
‫يكن ليقف ف سبيل تعليم الرأة‪ ،‬لو أنه هو الكم ف الرض‪ ،‬ولكنه بطبيعة الال ل يكن‬
‫ليسمح بتعليم الرأة ‪ -‬ول الرجل ‪ -‬تعليما‪ I‬ينف¡رها من ال‪ ،‬ومن منهج ال!‬

‫وا لذي قام به ال ستعمار ال صليب ال صهيون ل ي كن تعل يم ا لرأة ال سلمة لت كون‬
‫مسلمة‪ ،‬ولكن تعليمها لتصبح كما يقولون " متحررة!"‪ ...‬متحررة من السلم!‬

‫ث كان ل بد ب عد هذه ال طوة البار كة!‪ ،‬خ طوة تعل يم ا لرأة ع لى غ ي أ سس‬
‫إسلمية‪ ،‬من إحداث أوضاع اجتماعية وفكرية وأخلقية ف العال " السلمي!" تسمح‬
‫بروج الرأة ‪ -‬الت تعلمت على أسس غي إسلمية ‪ -‬لتكمل دورها ف "الفساد"‪...‬‬

‫ل بد أن تفسد هي أول‪ I‬لتستطيع الفساد‪ ...‬وقد كان!‬

‫وأ‪ ¤‬ع“̃د جيل من الشباب ‪ -‬الولد والبنات ‪ -‬ليفسد ف الدارس والامعات‪ ،‬على‬
‫ا لداء ال سموم‪ :‬حداء " الك تاب "و "القصا صي" و "الف ناني" و "ال صحفيي" و‬
‫"ال سينمائيي" و "ا لذاعيي " وال ياة الختل طة ف ا لرحلت والع سكرات‪ ،‬و ف ال صانع‬
‫والتاجر والدواوين والطرقات‪ ...‬مع تركيز خاص على إفساد الرأة بالذات‪...‬‬

‫و هذا ال يل ‪ -‬ا لذي يع يش ا لن ‪ -‬ف ال عال " ال سلمي"! هو البغ ية ا لخية‬


‫لل ستعمار ال صليب وال صهيون‪ ،‬لنه هو ا لذي سيقوم بالق ضاء ا لخي ع لى ما ب قي من‬
‫بذور العقيدة السلمية‪ ،‬وبصفة خاصة الرأة الت قال عنها الكاتب اليهودي‪ :‬إنا أقدار‬
‫أفراد التمع على جر التمع كله بعيد‪I‬ا عن الدين!‬

‫نعم‪ ،‬كذلك‪!...‬‬

‫)‪(267‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫فالرأة "التعلمة" "التحررة" لن تقوم بعد ببذر بذور العقيدة ف نفوس أبنائها‪ ،‬ما‬
‫دامت هي ل تؤمن بذه العقيدة وليس لا ف حياتا حساب! بل ما دامت نافرة من هذه‬
‫العقيدة‪ ،‬كارهة لذا الدين!‬

‫وعندئذ يستريح العال الصليب والصهيون من الهد الناصب الذي جهده خلل‬
‫قرن ي‪ ...‬فأخيا‪ ...I‬أخ ي‪I‬ا جدا‪ ...‬لن ي تاج إ ل ر صد ال هود لار بة ال سلمي وا لدعاة‬
‫والؤمني‪ ...‬لن الرأة الت قام بتعليمها و "تريرها" لن تلد له من الصل أبناء‪ Þ‬مؤمني!‬

‫ومع ذلك فل بد من اليطة الكاملة لئل تفلت الرأة من التخطيط الرسوم! ل بد‬
‫من إنشاء العداوة للسلم ف نفسها من كل سبيل!‬

‫ومن ث فل بأس من أن تكون للمرأة "التحررة!" مع السلم " قضية"!‬

‫قضية صراع لنيل "القوق"!‬

‫قضية ل تل إل بالقضاء الصريح على الشرع السلمي‪ ...‬أو با هو أهون منه ف‬


‫ظاهر المر وهو أخطر ف القيقة وأفعل ف القضاء على السلم‪ ...‬وذلك هو "تطوير "‬
‫مفاهيم الدين!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ووراء ذ لك ك له جاهي من ال ناس ل ت كره ال سلم عق يدة‪ ،I‬و مع ذ لك ل تب‬
‫تطبيقه ف واقع الياة!‬

‫هذه الماهي الت تريد السلم عقيدة مستسرة ف القلب‪ ...‬أو ‪ -‬على أكثر تقدير‬
‫‪ -‬عقيدة يصلي لا النسان ويصوم! أما ما وراء ذلك فتعب قلب ليس له لزوم!‬

‫إنم يريدون البحبحة بغي قيود!‬

‫يريدون أن يتسلوا بالسينما ‪ -‬ولو كانت فاجرة ‪ -‬وبرقصات التليفزيون‪ ،‬وبالغان‬


‫الفاضحة‪ ...‬على أنا مرد تسلية!‬

‫ويرديون أن يكذبوا ويغتابوا ويتجسسوا‪"...‬برية " ل يقول لم قائل‪ :‬هذا حرام‬


‫وهذا حلل!‬

‫)‪(268‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ويريد رجال منهم أن يستمتعوا بالفتنة الت تعرضها الرأة ف الطرقات!‬

‫ويريد نساء منهم أن يستمتعن بالقدرة على إغراء أولئك الرجال! وأن يتبجن ف‬
‫اللبس والزينة بل قيود!‬

‫ويريد أولئك وهؤلء أل يسوا بأنم مطئون ف ذلك كله ما داموا " حسن النية"!‬

‫و من ث فلي كن ال سلم عق يدة مست سرة ف الق لب‪ ،‬أو ‪ -‬ع لى ا لكثر ‪ -‬عق يدة‬
‫ي صلي لا الن سان وي صوم! أ ما أن ي صبح ح ياة حقيق ية ت كم سلوك ال ناس ا لواقعي‪،‬‬
‫وتلزم هم بت كاليف ال سلم ف الصغية وال كبية‪ ،‬ف الل بس ال شرعي والأ كل ال شرعي و‬
‫"الكم بالشرع!"‪ ...‬فهذا ‪ -‬وال! ‪ -‬ليس له لزوم!‬

‫أولئك ‪ -‬وإن كانوا ل يكر هون ال سلم كر ها حا قدا‪ I‬كالثقفي! ‪ -‬إل أ نم ف‬


‫القيقة العميقة يكرهون حقيقة السلم!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫تلك مواقف الفئات الختلفة من السلم‪.‬‬

‫وف النهاية تلتقي الصال والنافع والهواء والشهوات على كراهية السلم!‬

‫ويستوي ف هذه الكراهية الذين استكبوا والذين هم مستضعفون! فلكل مصال‬


‫ومنافع وشهوات يرص عليها‪ ،‬ول يب أن يرمه منها هذا الدين! وتلتقي الاهلية ف‬
‫داخل العال "السلمي!" بالاهلية الشائعة ف كل الرض!‬

‫فماذا يتبقى إذن من "السلمي"؟!‬

‫يتبقى أفراد متناثرون على امتداد العال السلمي يعرفون حقيقة هذا الدين ويبونه‬
‫ويقدرونه حق قدره‪ ...‬يعرفون أنه الدين الق والنهج الق‪ ،‬والعلج الق لكل عذابات‬
‫البشرية‪...‬‬

‫ويعر فون أن طري قه م لوء بال شوك‪ ...‬بالعرق وا لدماء وا لدموع‪ ...‬ويو ضون‬
‫الشواك ف سبيل ال‪ ...‬ل يترقبون جزاء ف الرض ول يطلبون من غي ال الزاء‪...‬‬

‫)‪(269‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫ولكن هؤلء الفراد التناثرين قد ل يستطيعون شيئا‪ I‬ف هذا اليل! فالرب البارة‬
‫الرصودة لم تستهدف القضاء عليهم حت كأفراد! فضل‪ I‬عن إقامة متمع يكمه السلم!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ولكن البشر ليسوا هم الك¡مي ف دين ال!‬

‫إن "ال سلمي"! الز عومي ا لذين يعي شون ال يوم‪ ،‬ويزع مون أ نم م سلمون و هم ‪-‬‬
‫ك ما رأي نا ‪ -‬يكر هون ال سلم ويعم لون ع لى إق صائه عن ال ياة‪ ...‬هؤلء لي سوا ‪ -‬ول‬
‫غيهم من البشر ‪ -‬الوكلي بدين ال!‬

‫"و•ل“ل‪œ‬ه“ م•ا ف“ي الس˜م•او•ات“ و•م•ا ف“ي ا™لأ—ر–ض“ و•ل—ق—د– و•ص˜ي–ن•ا ال‪œ‬ذ“ين• أ‪¤‬وت”وا ا™لك“ت•اب• م“ن– ق—–بل“ك‪¤‬م‬
‫و•إ“̃ياك‪¤‬م– أ—ن“ ا̃تق‪¤‬وا الل‪œ‬ه• و•إ“ن™ ت•ك™ف‪¤‬ر”وا ف—“إن‪“ œ‬لل‪œ‬ه“ م•ا ف“ي الس˜م•او•ات“ و•م•ا ف“ي ا™لأ—ر–ض“ و•ك—ان— الل‪œ‬ه” غ—ن“ي‪²‬ا‬
‫•حم“يدا‪ ،I‬و•ل“ل‪œ‬ه“ م•ا ف“ي الس˜م•او•ات“ و•م•ا ف“ي ا™لأ—ر– ض“ و•ك—ف—ى ب“الل‪œ‬ه“ و•ك“يل‪ ،I‬إ“ ن™ ي•ش•أ™ ي”ذ™ه“–بك‪¤‬م– أ—ي§ه•ا‬
‫ال̃ناس” و••يأ™ت“ ب“آخ•ر“ين• و•ك—ان— ال‪œ‬له” ع•ل—ى ذ—ل“ك• —قد“يرا"‪.‬‬

‫نعم‪...‬‬

‫هنالك جيل قادم ف كل الرض‪ ...‬سيعود إل ال!‬

‫)‪(270‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫عودة النسان إل ال‬


‫ظنت الاهلية الديثة بكل طواغيتها أنا ستقضي ‪ -‬أو قضت بالفعل ‪ -‬على دين‬
‫ال‪...‬‬

‫ويق لا أن تظن ذلك! فالذي يقرأ خريطة الرض لول وهلة‪ ،‬سيهوله ول شك‬
‫أن يرى أعلم الاهل ية مرفو عة ف كل م كان ف ا لرض‪ ،‬وأل يرى را ية وا حدة خفا قة‬
‫للسلم!‬

‫ولكن البشر ‪ -‬كما قلنا ف ناية الفصل السابق ‪ -‬ليسوا هم الك¡مي ف دين ال!‬

‫"“و•الل‪œ‬ه” غ—ال“ب‪ Ï‬ع•ل—ى أ—م–ر“ه“ و•ل—ك“̃ن أ—ك™ث—ر• ال̃ناس“ ل •يع–ل—م”ون—"‪.‬‬

‫لي ست هذه أول مرة ت قف الاهل ية مو قف ال عداء والكرا هة وا لرب والع ناد من‬
‫السلم! إنا ذلك موقفها منه على الدوام!‬

‫ث‪...‬؟‬

‫ث ل ي كون الب شر هم الكم ي ف د ين ا ل‪ ...‬وإ نا ي كم ا ل بأمره‪ ،‬وي قرر هو‬


‫سبحانه ما ير يد تقر يره‪ ،‬ب غض الن ظر عن فقا عات الك يد ا لاهلي ا لت ت قف ف طر يق‬
‫الدعوات!‬

‫يكم ال فيبيد الاهليات الواقفة ف الطريق‪ ...‬أو يهديها إل السلم!‬

‫"ل—ق—د– أ—ر–س• ™لن•ا ن”وح‪á‬ا إ“ل—ى ق—و–م“ه“ —فق—ال— ي•ا ق—و–م“ اع–ب”د”وا™ ال‪œ‬له• م•ا ل—ك‪¤‬م م‪¥‬ن– إ“ل—ه› غ—–ير”ه” إ“ن‪¥‬ي• أ—خ•اف‬
‫ع•—لي–ك‪¤‬م– ع•ذ—اب• ي•و–م› ع•ظ“يم›‪ ،‬ق—ال— ا™لم•ل¨ م“ن ق—و–م“ه“ إ“̃نا —لن•ر•اك• ف“ي ض•ل—ل› م§ب“ي›‪ ،‬ق—ال— ي•ا ق—و–م“ ل—ي–س‬
‫ب“ي ض•ل—ل—ة‪ Í‬و•ل— “كن‪¥‬ي ر•س”ول‪ Í‬م‪¥‬ن ̃رب‪ ¥‬ا™لع•ال—م“ي•‪ ،‬أ‪•¤‬بل‪Î‬غ”ك‪¤‬م– ر“س•ال—ت“ ر•ب‪¥‬ي و•أ—نص•ح” —لك‪¤‬م– و•أ—ع–ل—م” م“ن‬
‫جب–ت”م– أ—ن ج•اءك‪¤‬م– ذ“ك™ر‪ Ï‬م‪¥‬ن ̃رب‪¥‬ك‪¤‬م– ع•ل—ى ر• ”جل› م‪¥‬ن ‪¤‬كم– ل“ي”نذ“ر•ك‪¤‬م– و•ل“ت•̃تق‪¤‬وا‬ ‫الل¡ه“ م•ا ل— ت•ع–ل—م”ون—‪ ،‬أ—و•ع• “‬
‫و•ل—ع•ل‪¤ œ‬كم– ”تر–ح•م”ون—‪ ،‬ف—ك—ذ‪œ‬ب”وه” ف—أ—ن—–ين•اه” و•ال‪œ‬ذ“ين• م•ع•ه” ف“ي ا™لف‪¤‬ل™ك“ و•أ—غ™ر• ™قن•ا ال‪œ‬ذ“ين• ك—ذ‪œ‬ب”و™ا ب“آي•ات“ن•ا إ“̃نه”م‬
‫ك—ان”وا™ —قو–ما‪ I‬ع•م“ي"‪.‬‬

‫"و•إ“ل—ى ع•اد› أ—خ•اه”م– ه”ودا‪ I‬ق—ال— ي•ا ق—و–م“ اع–ب”د”وا™ الل¡ه• م•ا ل—ك‪¤‬م م‪¥‬ن– إ“ل—ه› —غي–ر”ه” أ—ف—ل— •ت̃تق‪¤‬ون—‪،‬‬
‫ق—ال— ا™لم•ل¨ ال‪œ‬ذ“ين• ك—ف—ر”وا™ م“ن ق—و–م“ه“ إ“̃نا ل—ن•ر•اك• ف“ي س•ف—اه• ›ة و“إ“̃نا ل—•نظ‪¤‬ن§ك• م“ن• ال™ك—اذ“ب“ي•‪ ،‬ق—ا —ل ي•ا ق—و–م‬
‫—لي–س• ب“ي س•ف—اه•ة‪ Í‬و•ل— “كن‪¥‬ي ر• س”ول‪ Í‬م‪¥‬ن ̃ر ب‪ ¥‬ا™لع•ال—م“ي•‪¤ ،‬أب•ل‪Î‬غ”ك‪ ¤‬م– ر“ س•الت“ ر•ب‪¥‬ي و•—أن•ا™ ل—ك‪ ¤‬م– ن•اص“ح‬

‫)‪(271‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫أ—م“ي‪ ،Ï‬أ—و•ع•ج“–بت”م– أ—ن ج•اءك‪¤‬م– ذ“ك™ر‪ Ï‬م‪¥‬ن ̃ر‪¥‬بك‪¤‬م– ع•ل—ى ر•ج”ل› م‪¥‬نك‪¤‬م– ل“ي”نذ“ر•ك‪¤‬م– و•اذك‪¤‬ر”وا™ إ“ذ™ ج•ع•ل—ك‪¤‬م‬
‫ح و•ز•اد•ك‪¤‬م– ف“ي ا™لخ•ل™ق“ ب•س–ط— ‪I‬ة ف—اذ™ك‪¤‬ر”وا™ آلء ال¡له“ ل—ع•‪œ‬لك‪¤‬م– ت”ف™“لح”ون—‪ ،‬ق—ال‪¤‬وا‬ ‫”خل—ف—اء م“ن •بع–د“ ق—و–م“ ن”و ›‬
‫أ— “جئ™•تن•ا “لن•ع–ب”د• ال¡له• و•ح–د•ه” و•ن•ذ—ر• م•ا ك—ان— ي•ع–ب”د” آب•اؤ”ن•ا ف— ™أت“ن•ا ب“م•ا ت•ع“د”ن•ا إ“ن ك‪¤‬نت• م“ ن• الص˜اد“ق“ي•‪،‬‬
‫ق—ال— ق—د– و•—ق ع• ع•—لي– ك‪¤‬م م‪¥‬ن ̃رب‪¥‬ك‪ ¤‬م– ر“ج– س‪ Ï‬و•غ— ض•ب‪— Ï‬أت” ج•اد“ل‪¤‬ون•ن“ي ف“ي أ— س–م•اء س•̃م–يت”م”وه•ا أ—نت”م‬
‫و•آ ب•آؤك‪¤‬م ̃ما ن•̃ز ل— ال¡له” ب“ ه•ا م“ن س”ل™ط—ان› ف—انت• “ظر”وا™ إ“ ن‪¥‬ي م•ع• ك‪¤‬م م‪ ¥‬ن• ا™لم”ن•تظ“ر“ي ن•‪— ،‬فأ—ن—ي– ن•اه” و•ال‪œ‬ذ“ين‬
‫م•ع•ه” ب“ر• –حم•ة› م‪̃¥‬نا و•ق— —طع–ن•ا د•اب“ر• ال‪œ‬ذ“ي •ن —كذ‪œ‬ب”وا™ ب“آي•ات“ن•ا و•م•ا ك—ان”وا™ م”ؤ–م“ن“ي"‪.‬‬

‫"و•إ“ل—ى ث—م”ود• أ—خ•اه”م– ص•ال“ح‪á‬ا ق—ال— ي•ا ق—و–م“ ا –عب”د”و™ا ال¡له• م•ا ل—ك‪¤‬م م‪¥‬ن– إ“—له› غ—ي–ر”ه” ق—د– ج•اءت–ك‪¤‬م‬
‫•بي‪ ¥‬ن•ة‪ Í‬م‪¥‬ن ̃رب‪¥‬ك‪ ¤‬م– ه•ذ“ه“ ن•ا ق— ‪¤‬ة ال¡ل ه“ ل—ك‪ ¤‬م– آ ي• ‪I‬ة ف—ذ—ر”وه•ا ت•أ™ك‪™ ¤‬ل ف“ي —أر– ض“ ال¡ل ه“ و•ل— ت•م• س§وه•ا ب“ س”و•ء‬
‫—في•أ™ خ” —ذك‪¤‬م– ع•ذ—اب‪ Ï‬أ—ل“ي م‪ ،Ï‬و•اذ™ ك‪¤‬ر”وا™ إ“ذ™ ج•ع•ل— ‪¤‬ك م– خ”ل— ف—اء م“ن •ب ع–د“ ع•اد› و• ب•̃وأ—ك‪¤‬م– ف“ي ا ¦لر–ض‬
‫•ت̃تخ“ذ‪¤‬ون— م“ن س”ه”ول“ه•ا ق‪¤‬ص”ور‪á‬ا و••تن–ح“ت”ون— ا™لج“ب•ال— ”بي”وت‪á‬ا ف—اذ™ك‪¤‬ر”وا™ آلء ال¡له“ و•ل— ت•ع–ث—و–ا ف“ي ا ¦لر–ض‬
‫م”ف™س“د“ين•‪ ،‬ق—ال— ا™لم•ل¨ ال‪œ‬ذ“ين• اس–ت• ™كب•ر”وا™ م“ن ق—و–م“ه“ ل“ل‪œ‬ذ“ين• ا –ست”ض–ع“ف‪¤‬وا™ ل“م•ن– آم•ن• م“ن–ه”م– —أت•ع–ل—م”ون— أ—ن‬
‫ص•ال“ح‪á‬ا م§ر–س•ل‪ Í‬م‪¥‬ن ̃رب‪¥‬ه“ ق—ال‪¤‬و™ا إ“̃نا ب“م•ا أ‪¤‬ر–س“ —ل ب“ه“ م”ؤ–م“ن”ون—‪ ،‬ق—ا —ل ال‪œ‬ذ“ين• اس–ت• ™كب•ر”وا™ إ“̃نا ب“ال‪œ‬ذ“ي• آم•نت”م‬
‫“به“ ك—اف“ر”ون—‪ ،‬ف—ع•ق—ر”وا™ ال̃ناق— —ة و•ع•ت•و–ا™ ع•ن– أ—م–ر“ ر•ب‪¥‬ه“م– و•ق—ال‪¤‬و™ا ي•ا ص•ال“ ”ح ا™ئت“ن•ا “بم•ا ت•ع“د”ن•ا إ“ن ك‪¤‬نت• م“ن‬
‫ا™لم”ر– س•ل“ي•‪— ،‬فأ— خ•ذ—ت–ه”م” ال̃ر –جف—ة‪— ¤‬فأ—ص–ب•ح”وا™ ف“ي د•ار“ه“ م– ج•ا“ثم“ي•‪ ،‬ف— ت•و•ل‪œ‬ى ع•–نه” م– و• ق—ال— ي•ا ق—و–م“ —لق—د‬
‫—أب–ل—غ–ت” ‪¤‬كم– ر“س•ال— —ة ر•ب‪¥‬ي و•ن•ص•ح–ت” —لك‪¤‬م– و•ل—ك“ن ل‪” œ‬تح“ب§ون— ال̃ناص“ح“ي"‪.‬‬

‫"و•ل‪¤‬و ط‪I‬ا إ“ذ™ ق—ال— ل“ ق—و–م“ه“ أ— ت•أ™ت”ون— ا™لف—اح“ش•ة— م•ا س•ب•ق—ك‪¤‬م “به•ا م“ ن– —أح•د› م‪¥‬ن ال™ع•ال—م“ي•‪ ،‬إ“̃نك‪¤‬م‬
‫—لت•أ™ت”ون— الر‪¥‬ج•ال— ش•ه–و•ة‪ I‬م‪¥‬ن د”ون“ الن‪¥‬س•اء •بل™ أ—ن”تم– ق—و–م‪ Ï‬م§س–ر“ف‪¤‬ون—‪ ،‬و•م•ا ك—ان— ج•و•اب• ق—و–م“ه“ إ“ ‪œ‬ل أ—ن‬
‫ق—ال‪¤‬وا™ —أخ–ر“ ج”وه”م م‪¥‬ن —قر–ي•ت“ ‪¤‬ك م– “إ̃نه” م– أ‪¤‬ن•ا س‪• Ï‬يت•ط—̃هر”و ن—‪— ،‬فأ—ن—ي– ن•اه” و•أ—ه–—ل ه” إ“ل‪ œ‬ام–ر•أ—•ت ه” ك—ان•ت– م“ن‬
‫ا™لغ•اب“ر“ين•‪ ،‬و•أ—م–ط—ر–ن•ا ع•—لي–ه“م ̃مط—ر‪á‬ا ف—انظ‪¤‬ر– ك—ي–ف• ك—ان— ع•ا“قب•ة‪ ¤‬ال™م”ج–ر“م“ي"‪.‬‬

‫"و•إ“ل—ى م•د–ي•ن• أ—خ•اه”م– ش”ع•ي–ب‪á‬ا ق—ال— ي•ا ق—و–م“ اع–ب”د”وا™ الل¡ه• م•ا ل—ك‪¤‬م م‪¥‬ن– إ“ل—ه› —غي–ر”ه” ق—د– ج•اءت–ك‪¤‬م‬
‫خس”وا™ ال̃ناس• أ—ش–ي•اءه”م– و•ل— ت”ف™س“د”وا™ ف“ي ال¦ر–ض‬ ‫•بي‪¥‬ن• ‪Í‬ة م‪¥‬ن ̃رب‪¥‬ك‪¤‬م– ف—أ— –وف‪¤‬وا™ ا™لك—ي–ل— و•ال™م“يز•ان— و•ل— •تب– •‬
‫•ب ع–د• إ“ ص–ل—ح“ه•ا ذ—ل“ ‪¤‬ك م– •خ ي–ر‪ Ï‬ل‪œ‬ك‪ ¤‬م– إ“ن ك‪¤‬ن ت”م م§ؤ–م“ن“ي•‪ ،‬و•ل— •تق™ ع”د”وا™ ب“ك‪ ¤‬ل‪ Î‬ص“ر•اط› ت”و ع“د”ون‬
‫و•ت• ص”د§ون— ع•ن س•ب“يل“ ال¡ل ه“ م• ن– آم• ن• ب“ ه“ و••تب–غ”ون• ه•ا ع“و• ج‪á‬ا و•اذ™ ك‪¤‬ر”وا™ إ“ذ™ ك‪¤‬نت” م– ق—ل“يل‪— I‬فك—ث‪œ‬ر•ك‪¤‬م‬
‫و•ان ظ‪¤‬ر”وا™ ك—ي– ف• ك—ان— ع•ا“ق ب•ة‪ ¤‬ا™لم”ف™ س“د“ين•‪ ،‬و•إ“ن ك—ان— ط—آ“ئ ف—ة‪ Í‬م‪¥‬نك‪ ¤‬م– آم• ن”وا™ ب“ا ل‪œ‬ذ“ي أ‪¤‬ر– س“ل™ت” ب“ه‬
‫و•ط—آ“ئ ف—ة‪œ Í‬ل م– ي–ؤ–م“ ن”وا™ ف—ا ص–ب“ر”وا™ ح•̃تى ي•ح–ك‪ ¤‬م• ال¡ل ه” •بي–•ن ن•ا و• ه”و• •خ ي–ر” ا™ل ح•اك“م“ي•‪ ،‬ق—ال— ال™م• ل¨ ا ل‪œ‬ذ“ين‬
‫اس–ت•ك™•بر”وا™ م“ن ق—و–م“ه“ ل—”نخ–ر“ج•̃نك• ي•ا ش”ع•ي–ب” و•ال‪œ‬ذ“ين• آم•ن”وا™ م•ع•ك• م“ن —قر–ي•“تن•ا —أو– —لت•ع”ود”ن‪ œ‬ف“ي م“ل‪œ‬ت“ن•ا‬
‫ق—ال— أ—و•ل—و– ك‪̃¤‬نا ك—ار“ه“ي•‪ ،‬ق—د“ ا ™فت•ر•–ين•ا ع•ل—ى الل¡ه“ ك— “ذب‪á‬ا إ“ن™ ع”د–ن•ا ف“ي م“ل‪œ‬ت“ك‪¤‬م ب•ع–د• إ“ذ™ •نج˜ان•ا ال¡له” م“–نه•ا‬
‫و•م•ا ي•ك‪¤‬ون‪— ¤‬لن•ا أ—ن ̃نع”ود• ف“يه•ا إ“ل‪ œ‬أ—ن •يش•اء ال¡له” ر•§بن•ا و•س“ع• ر•§بن•ا ك‪¤‬ل‪ œ‬ش•ي–ء› ع“ ™لم‪á‬ا ع•ل—ى الل¡ه“ •تو•ك‪œ‬ل™ن•ا‬
‫حق‪ ¥‬و•أ—نت• خ•ي–ر” ا™لف—ات“ح“ي•‪ ،‬و•ق—ال— ا™لم•ل¨ ال‪œ‬ذ“ين• ك—ف—ر”وا™ م“ن ق—و–م“ه‬ ‫ر•̃بن•ا ا ™فت•ح– ب•–ين•ن•ا و••بي–ن• ق—و–م“ن•ا ب“ال™ •‬
‫—لئ“ن“ ا̃تب•ع–ت”م– ش”ع•ي–با‪ I‬إ“̃ن ‪¤‬كم– إ“ذا‪œ I‬لخ•اس“ر”ون—‪ ،‬ف—أ—خ•ذ—–ته”م” ال̃رج–ف—ة‪ ¤‬ف—أ—ص–ب•ح”وا™ ف“ي د•ار“ه“م– ج•اث“م“ي•‪ ،‬ال‪œ‬ذ“ين‬
‫ك— ‪œ‬ذب”وا™ ش”ع•–يب‪á‬ا ك—أ—ن ل‪ œ‬م– •يغ– ن•و–ا™ ف“ي ه•ا ا ل‪œ‬ذ“ين• ك—ذ‪œ‬ب”وا™ ش”ع•–يب‪á‬ا ك—ان”وا™ ه” م” ا™لخ•ا س“ر“ين•‪— ،‬ف ت•و•ل‪œ‬ى ع•ن–ه”م‬
‫و•ق—ال— ي•ا —قو–م“ ل—ق—د– أ—ب–—لغ–ت”ك‪¤‬م– ر“س•ال—ت“ ر•ب‪¥‬ي و•ن•ص•ح–ت” ل— ‪¤‬كم– ف—ك—–يف• آس•ى ع•ل—ى ق—و–م› ك—اف“ر“ين"‪.‬‬

‫)‪(272‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫"و•م•ا أ—ر–س• ™لن•ا ف“ي —قر–ي• ›ة م‪¥‬ن ̃نب“ي‪ Ó‬إ“ل‪— œ‬أخ• ™ذن•ا أ—ه–ل—ه•ا ب“ا™لب•أ™س•اء و•الض˜̃راء ل—ع•ل‪œ‬ه”م– ي•ض˜̃رع”ون—‪ ،‬ث‪¤‬م‬
‫ب•̃د™لن•ا م•ك—ان— الس˜‪¥‬يئ—ة“ ا™لح•س•ن• —ة ح•̃تى ع•ف—وا™ ̃وق—ال‪¤‬وا™ ق—د– م•س˜ آب•اءن•ا الض˜̃راء و•الس˜̃راء ف——أخ• ™ذن•اه”م ب•غ–ت•ة‬
‫شع”ر”ون"‪.‬‬ ‫و•ه”م– ل— ي• –‬

‫"و•ل—و– أ—ن‪ œ‬أ—ه–ل— ا™لق‪¤‬ر•ى آم•ن”وا™ و•ا̃تق—وا™ —لف—ت•ح–ن•ا ع•—لي–ه“م •بر•ك—ات› م‪¥‬ن• الس˜م•اء و•ال¦ر–ض“ و•ل—ك“ن‬
‫سب”ون"‪.‬‬ ‫ك— ‪œ‬ذب”وا™ ف——أخ•ذ™ن•اه”م “بم•ا ك—ان”وا™ ي•ك™ “‬

‫"أ—ف—أ—م“ن• أ—ه–ل‪ ¤‬ال™ق‪¤‬ر•ى أ—ن ي•أ™ت“ي•ه”م– •بأ™س”ن•ا •بي•اتا‪ I‬و•ه”م– ن•آئ“م”ون—‪ ،‬أ—و• أ—م“ن• أ—ه–ل‪ ¤‬ا™لق‪¤‬ر•ى أ—ن ي•أ™“تي•ه”م‬
‫•بأ™س”ن•ا ض”ح‪á‬ى و•ه”م– •يل™ع•ب”ون—‪ ،‬أ—ف—أ—م“ن”وا™ م•ك™ر• ال¡له“ ف—ل— ي•أ™م•ن” م•ك™ر• ال¡له“ “إل‪ œ‬ال™ق—و–م” ال™خ•اس“ر”ون"‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫تلك قصة البشرية كلها مع ال‪...‬‬

‫"ل •تح– س•ب•̃ن ا ل‪œ‬ذ“ين• ك— ف—ر”وا م”ع–ج“ز“ي ن• ف“ي ا™لأ—ر– ض“‪" ،"...‬و•الل‪ œ‬ه” غ—ال“ب‪ Ï‬ع• ل—ى أ—م–ر“ ه“ و•ل—ك“ن‬
‫أ— ™كث—ر• ال̃ناس“ ل ي•ع–ل—م”ون"‪.‬‬

‫إن الاهلية مهما عتت فلن ”تع–ج“ز• ال ف الرض‪ ...‬ول بد أن تري فيها سنة ال‪.‬‬

‫وسنته أن يأخذ الناس بالبأساء والضراء لعلهم يض‪²‬رعون‪ ،‬فإذا ل يضرعوا بدل ال‬
‫لم م كان ال سيئة ال سنة‪ ،‬وأع طاهم من م تاع ا لرض بل ح ساب‪ ...‬حت ين سوا‪،‬‬
‫وي ستخفوا‪ ،‬ويقو لوا‪ :‬قد م س‪ ²‬آباء نا ال ضراء وال سراء! و نن مثل هم! ت سنا ال ضراء حي نا‬
‫وبعدها السراء! وعندئذ يأخذهم ال بغتة وهم ل يشعرون!‬

‫ونن اليوم على أبواب تدخل حاسم من إرادة ال!‬

‫إما التدمي على الكافرين الذي يلون باهليتهم أرجاء الرض‪...‬‬

‫وإما هدايتهم إل ال‪...‬‬

‫أو ‪ ...‬هداية جيل جديد من البشرية ينبع من هذا الفساد بإرادة ال‪"...‬وال غالب‬
‫على أمره ولكن أكثر الناس ل يعلمون!"‬

‫)‪(273‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫حي نقرأ خريطة البشرية مرة أخرى لن تبدو كما بدت لول وهلة غارقة كلها ف‬
‫ظلمات الاهلية!‬

‫هناك‪ ...‬على آماد متفاوتة‪ ...‬بشائر النور!‬

‫وعلى ضوء هذا النور الشرق من بعد‪ ...‬الشرق للغد‪ ...‬كتبت هذا الكتاب!‬

‫كتبته وأنا أرى ‪ -‬رأي العي ‪ -‬هذا النور النابع من الظلمات!‬

‫وما من أحد يعرف الغيب ف السموات والرض‪ ...‬ولكنا فقط نستقرئ سنة ال‬
‫الت ل تبديل لا ول تويل‪ ،‬وسنة ال هي الت تقول‪ :‬إما الدى وإما التدمي!‬

‫فما ل يكن ف تقدير ال التدمي الشامل للبشرية‪ ...‬فل بد إذن من الداية إل ال‪.‬‬

‫ونن نتوقع هداية البشرية إل ال‪ !...‬وند البشائر ظاهرة ف قلب الظلمات!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫هذا ال شقاء ا لذريع ا لذي تقا سيه الب شرية تت و طأة الاهل ية الاك مة ف كل‬
‫الرض‪...‬‬

‫هذا العذاب القاتل الذي يصوغ واقع الناس‪.‬‬

‫هذا القلق الدمر للعصاب‪...‬‬

‫هذا الفساد الذي يوقع الظال بالناس‪ :‬ف السياسة والقتصاد والجتماع والخلق‬
‫وعلقات النسي والفن‪ ...‬وكل شيء‪...‬‬

‫هذا ‪ -‬بذاته ‪ -‬عامل من العوامل الت ستعيد النسان إل ال‪...‬‬

‫إنه شقاء فوق الطاقة‪ ،‬وعذاب ميت‪...‬‬

‫)‪(274‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وإن الاهلية لتحتمله اليوم عنادا‪ I‬مع ال! أو تتمله ف سبيل ما أتيح لا من منافع‬
‫جزئية وشهوات!‬

‫ولكن السألة ليست مسألة الحتمال!‬

‫إن التدمي قد وصل إل أعماق الكيان البشري ذاته‪ ...‬فبدأ ينهار‪...‬‬

‫وسينهار هذا اليل الذي يعاند ال‪...‬‬

‫ولكن اليل القادم من ب” ع–د› ف الفاق‪ ...‬جيل سيعي الدرس من اليل النهار‪...‬‬
‫سيعود إل ال‪.‬‬

‫ولقد كفر الناس ف هذا اليل على ضوء "العلم"!‬

‫فقد أفهمتهم شياطي الرض أن العلم يناف اليان بال‪ ،‬وأن العلم قد قضى على‬
‫الرافة الت كانت تل ضمائر الناس ف العصور الوسطى‪ :‬خرافة "ال"!‬

‫ومن ث كان تقدم العلم وسيلة من أخبث الوسائل ف أيدي الشياطي! كلما تقدم‬
‫العلم أوغلوا ف إبعاد البشرية عن ال‪.‬‬

‫ولكن العلماء ‪" -‬أنبياء" هذا اليل من البشرية‪ ،‬الذين قادوه إل الكفر ‪ -‬قد بدأوا‬
‫يعودون إل ال!‬

‫ونعيد هنا بعض شهادات العلماء الت أثبتناها من قبل‪ ،‬ونضيف إليها إضافات‪:‬‬

‫يقول سي "جيمس جين" عال الطبيعيات والرياضيات‪:‬‬

‫"لقد كان العلم القدي يقرر تقرير الواثق أن الطبيعة ل تستطيع أن تسلك إل طريقا‬
‫واحدا‪ :‬وهو الطريق الذي رسم من قبل لتسي فيه من بداية الزمن إل نايته‪ ،‬وف تسلسل‬
‫مستمر بي علة ومعلول‪ ،‬وأنه ل مناص من أن الالة "أ" تتبعها الالة " ب"‪ ،‬أما العلم‬
‫الديث فكل ما يستطيع أن يقوله حت الن‪ :‬هو أن الالة "أ" يتمل أن تتبعها الالة "ب"‬
‫أو "ج" أو "د" أو غيها من الالت الخرى الت يطئها الصر‪ ،‬نعم إن ف استطاعته أن‬
‫يقول‪ :‬إن حدوث الالة "ب" أكثر احتمال‪ I‬من حدوث الالة "ج" وإن الالة "ج" أكثر‬
‫احتمال‪ I‬من الالة " د"‪ ...‬وهكذا‪ ،‬بل إن ف مقدوره أن يدد درجة احتمال كل حالة‬
‫من الالت " ب" و "ج" و "د " بعضها بالنسبة إل بعض‪ ،‬ولكنه ل يستطيع أن يتنبأ عن‬

‫)‪(275‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫يقي‪ :‬أي الالت تتبع الخرى‪ ،‬لنه يتحدث دائما‪ I‬عما يتمل‪ ،‬أما ما يب أن يدث‬
‫فأمره موكول إل القدار‪."...‬‬

‫ويقول "رسل تشارلز إرنست " أستاذ الحياء والنبات بامعة فرنكفورت بألانيا‪:‬‬

‫" لقد وضعت نظريات عديدة لكي تفسر نشأة الياة من عال المادات‪ ،‬فذهب‬
‫بعض الباحثي إل أن الياة قد نشأت من البوتوجي‪ ،‬أو من الفيوس‪ ،‬أو تمع بعض‬
‫الزيئات البوتينية الكبية‪ ،‬وقد ييل إل بعض الناس أن هذه النظريات قد سدت الفجوة‬
‫الت تفصل بي عال الحياء وعال المادات‪ ،‬ولكن الواقع الذي ينبغي أن نسلم به هو أن‬
‫جيع الهود الت بذلت للحصول على الادة الية من غي الية قد باءت بفشل وخذلن‬
‫ذريع ي‪ ،‬و مع ذ لك فإن من ين كر و جود ا ل ل ي ستطيع أن يق يم ا لدليل البا شر لل عال‬
‫التط لع‪ ،‬على أن مرد ت مع الذرات وا لزيئات من طريق الصادفة‪ ،‬يكن أن يؤدي إل‬
‫ظ هور ال ياة و صيانتها وتوجيه ها بال صورة ا لت شاهدناها ف الل يا ال ية‪ ،‬ولل شخص‬
‫مطلق الرية ف أن يقبل هذا التفسي لنشأة الياة‪ ،‬فهذا شأنه وحده! ولكنه إذ يفعل ذلك‪،‬‬
‫فإنا يسلم بأمر أشد إعجازا‪ I‬أو صعوبة على العقل من العتقاد بوجود ال‪ ،‬الذي خلق‬
‫الشياء ودبرها‪.‬‬

‫" إنن أعتقد أن كل خلية من الليا الية قد بلغت من التعقد درجة يصعب علينا‬
‫فهمها‪ ،‬وأن مليي الليي من الليا الية الوجودة على سطح الرض تشهد بقدرته‬
‫شهادة تقوم على الفكر والنطق‪ ،‬ولذلك فإنن أؤمن بوجود ال إيانا‪ I‬راسخا"‪.‬‬

‫وي قول‪" :‬إيرف نج ول يام" )دك توراه من جام عة إ يوي وإخ صائي ورا ثة النبا تات‪،‬‬
‫وأستاذ العلوم الطبيعية بامعة ميتشجان(‪:‬‬

‫" إن العلوم ل تستطيع أن تفسر لنا كيف نشأت تلك الدقائق الصغية التناهية ف‬
‫صغرها‪ ،‬والت ل يصيها عد‪ ،‬وهي الت تتكون منها جيع الواد‪ ،‬كما ل تستطيع العلوم‬
‫أن تف سر ل نا ‪ -‬بالعت ماد ع لى ف كرة ال صادفة و حدها ‪ -‬ك يف تتج مع هذه ا لدقائق‬
‫الصغية لكي تكو‪²‬ن الياة‪...‬‬

‫" ولقد اشتغلت بدراسة علم الحياء‪ ،‬وهو من اليادين العلمية الفسيحة الت تتم‬
‫بدراسة الياة‪ ،‬وليس بي ملوقات ال أروع من الحياء الت تسكن هذا الكون‪.‬‬

‫" انظر إل نبات برسيم ضئيل وقد نا على أحد جوانب الطريق‪ ،‬فهل تستطيع أن‬
‫تد له نظي ف روعته بي جيع ما صنعه النسان من تلك العدد واللت الرائعة؟ إنه آلة‬
‫ح ية ت قوم ب صورة دائ بة ل تنق طع آ ناء الل يل وأ طراف الن هار‪ ،‬بآلف من الت فاعلت‬

‫)‪(276‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫الكيمو ية والطبيع ية‪ ،‬وي تم ذ لك تت سيطرة ا لبوتوبلزم ‪ -‬و هو ا لادة ا لت تدخل ف‬


‫تركيب جيع الكائنات الية‪.‬‬

‫" فمن أين جاءت هذه اللة الية العقدة؟ إن ال ل يصنعها هكذا وحدها‪ ،‬ولكنه‬
‫خلق الياة‪ ،‬وجعلها قادرة على صيانة نفسها‪ ،‬وعلى الستمرار من جيل إل جيل‪ ،‬مع‬
‫الحتفاظ بكل الواص والميزات الت تعيننا على التمييز بي نبات وآخر‪ ...‬إن دراسة‬
‫التكاثر ف الحياء تعتب أروع دراسات علم الحياء وأكثرها إظهارا‪ I‬لقدرة ال"‪.‬‬

‫ونكتفي هنا بذه النماذج ‪ -‬وهي مرد ناذج ‪ -‬مأخوذة من كتاب واحد يوي ‪-‬‬
‫وحده – مـموعة كبية من الراء تتجه كلها إل ال‪ ،‬وإن كانت رواسـب الاهـلية‬
‫‪ -‬العلمية! ‪ -‬ما تزال ترى ف كثي من التصورات وكثي من التعبيات! )‪.(102‬‬

‫وهكذا تتوال شهادات العلماء ‪ -‬أنبياء هذا اليل الذين قادوه إل الكفر من قبل ‪-‬‬
‫تدعوه أن يعود إل ال!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وانيار النظم القائمة اليوم‪ ...‬ستعيد النسان إل ال!‬

‫فأما الرأسالية فقد است”هلكت كعقيدة ونظام ف معظم أرجاء الرض‪ ...‬وهي وإن‬
‫ت كن ما تزال ضارية ف أمري كا‪ ،‬فم صيها هو ال صي ال توم ا لذي ذاق ته ف ا لدول‬
‫ا لخرى‪ ...‬ل ع لى أ ساس التم ية القت صادية أو الاد ية أو التاري ية‪ ...‬وإ نا ع لى أ ساس‬
‫سنة ال! إنا تاوزت مداها ف الشر فل بد أن تنهار!‬

‫وأ ما ال شيوعية ‪ -‬الد يدة ا لت ما تزال تع تب " ب نت ال يوم " وأ حدث مب تدعات‬
‫الاهلية ‪ -‬فقد بدأت كذلك تنهار‪.‬‬

‫صرح خروشوف ف مارس سنة ‪ 1964‬بأنه ل بد من القضاء على فكرة الساواة‬


‫الطل قة ف ا لجور‪ ،‬وأ نه ل بد من ا ستغلل ا لافز ال فردي لز يادة الن تاج‪ ،‬وأن ا لزارع‬
‫الماعية ضعيفة الصول!‬

‫وهذا كلم واضح الدللة )‪.(103‬‬

‫‪ ()102‬كتاب "ال يتجلى ف عصر العلم " ترجة الدكتور الدمرداش عبد اليد سرحان‪.‬‬
‫‪ ()103‬ل يعدل النقلب الخي الذي حدث ف روسيا شيئ‪I‬ا من سياسة خروشوف ف هذا الباب!‬

‫)‪(277‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫إنه " كفر " كمل بالاركسية اللينينية الت قام عليها "الذهب " الشيوعي‪.‬‬

‫إنه " ر“دة " إل نظام آخر‪ ...‬علمه عند ال‪.‬‬

‫و هذان ها النظا مان ال لذان يك مان الاهل ية الدي ثة‪ ،‬فإذا ا نارا ‪ -‬ك مذهب‬
‫وعقيدة‪ ،‬بصرف النظر عن قوتما السياسية الالية ‪ -‬فل بد من نظام آخر يل الفراغ‪،‬‬
‫فليست العبة بالقوة السياسية‪ ،‬إنا العبة بالعقيدة الت تكم القوة السياسية وتقودها إل‬
‫النصر ف معترك الياة‪.‬‬

‫والنظام الخر هو السلم!‬

‫فليس هناك "تربة " جديدة تربا البشرية بعد الرأسالية والشيوعية التطرفتي من‬
‫أقصى اليمي وأقصى اليسار إل النظام " الوسط " الذي ساه ال " السلم"! وسى أهله "‬
‫السلمي"!‬

‫" ه”و• س•̃ماك‪¤‬م” ال™م” س–“لم“ي• م“ ن– ق—ب– ل‪ ¤‬و• ف“ي ه•ذ—ا ل“ي• ك‪¤‬ون— ال̃ر س”ول‪ ¤‬ش•ه“يدا‪ I‬ع•ل—–يك‪ ¤‬م– و•ت•ك‪¤‬و ن”وا‬
‫ش”ه•د•اء¦ ع• ل—ى ال̃ناس"‪" ،‬و• ك—ذ—ل“ك• ج•ع•ل™ ن•اك‪¤‬م– أ‪ ¤‬م˜ة‪ I‬و• س•طا‪ I‬ل“•تك‪¤‬و ن”وا ش”ه•د•اء¦ ع• ل—ى ال̃نا س“ و•ي• ك‪¤‬ون‬
‫ال̃رس”ول‪ ¤‬ع•—لي–ك‪¤‬م– ش•ه“يدا"‪.‬‬

‫تلك كلها بشائر ودلئل على عودة النسان إل ال‪...‬‬

‫ولكن هناك ظاهرة " تاريية " حاضرة أبلغ دللة من كل هذه الدللت!‬

‫إن من ا ستهزاء ا ل بذه الداهل ية ا لت تك يد لدينه ف كل ا لرض‪ ...‬أن تبز ف‬


‫أمريكا ‪ -‬زعيمة الاهلية الديثة‪ ،‬الت ترصد أكب قواها لاربة السلم ف آسيا وأفريقيا‪،‬‬
‫وتتخذ لذلك أخبث الوسائل الت استخدمتها الاهلية ف التاريخ كله‪ ،‬ويتحد فيها الكيد‬
‫الصليب والصهيون ليعمل جاهد‪I‬ا على قتل السلم ‪ -‬أن تبز ف أمريكا هذه بالذات‪ ،‬ف‬
‫ع قر دار ها و من ب ي أهل ها ال قاطني في ها‪ ،‬حر كة إ سلمية شابة تدعو إ ل إقا مة ح كم‬
‫إسلمي!‬

‫وليس بعد ذلك استهزاء من ال سبحانه بأولئك الكائدين لدين ال!‬

‫لقد جهد الصليبيون والصهيونيون ف ماربة السلم ف داخل " العال السلمي "‬
‫والقضاء على كل حركة تدعو إل دين ال‪...‬‬

‫)‪(278‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫وظنوا أنم ما داموا قد قتلوه ف موطنه التقليدي فقد نوا من هذا العدو الرهوب‬
‫ا لذي يره بون يقظ ته ف أي يوم قر يب أو بع يد! وجل سوا ف كرا سيهم ي هزأون بال‬
‫ودينه‪ ...‬ويفركون أيديهم مسرورين!‬

‫ث‪ ...‬كانت الفاجأة الذهلة لم‪ ...‬ف عقر دارهم‪ ...‬مصيبة لم ل يعرفون كيف‬
‫يتخلصون منها وهي تزيد عليهم ف كل يوم‪ ،‬على الرغم ما يوقعونه بأولئك السلمي من‬
‫ق تل وت عذيب و سجن وت شريد! وع لى الر غم ما ي سلطونه علي ها من الدعا ية للت شويه‬
‫والتنف ي؛ وع لى الر غم من كل ما ياولونه مع ها من إ شاعة التم يع في ها‪ ،‬أو ربط ها‬
‫بالوضاع الت أقاموها هم ف ما يسمى بلد السلم!‬

‫وتلك وحدها نوذج لكر ال الذي أنذر به الكائدين‪.‬‬

‫" و•م•ك—ر”وا و•م•ك—ر• الل‪œ‬ه” و•الل‪œ‬ه” خ•ي–ر” ا™لم•اك“ر“ين•"‪ " ،‬أ—ف—أ—م“ن”وا م•ك™ر• ال‪œ‬له“ ف—ل ي•أ™م•ن” م•ك™ر• الل‪œ‬ه“ إ“ل‪œ‬ا‬
‫ا™لق—و–م” ا™لخ•ا “سر”ون"‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫وهي كذلك نوذج لا يكن أن يدث غدا‪ I‬ف البشرية!‬

‫إن الاهل ية ظ نت أ نا قد أب عدت كل ظل لدين ا ل عن ا لرض! وأن و سائلها‬


‫الهنمية قد جعلت مرد التفكي ف الدين خاطرا‪ I‬بعيدا‪ I‬عن ذهن البشرية!‬

‫ولكن الناس هم الكمي ف دين ال!‬

‫فهذا مثل من أمثلة التوجيه الربان لفريق من البشر ف قلب الاهلية ويتجرعون كل‬
‫سومها‪ ...‬فإذا هم ين بذون هذه ال سموم كل ها‪ ...‬ويبح ثون عن ا ل‪ ...‬ويتوج هون إل يه‬
‫مسلمي‪.‬‬

‫والبشرية غدا‪ I‬ف طريقها إل مثل هذا التحول بشت السباب وشت الطرق الؤدية‬
‫إل ال!‬

‫و هو على ال هي هي‪ ...‬ك ما نرى ف هذا ال ثل الاضر الذي نطالع كل يوم‬


‫أخباره ف الصحف واللت‪...‬‬

‫)‪(279‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫هي على الرغم من كل الكيد الذي تكيده الاهلية!‬

‫ف هذا الك يد ك له فقا عات فار غة ل وزن لا ع ند ا ل سبحانه ح ي يدبر لدينه ف‬


‫الرض!‬

‫" وال غالب على أمره‪ ...‬ولكن أكثر الناس ل يعلمون"!‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫" والسلمون!" ف العال " السلمي!" التقليدي يملون تبعة باهظة أمام ال‪...‬‬

‫تبعة التهاون ف أمر دينهم‪ ...‬والقعود عن إقامة متمعهم الراشد الذي أمرهم به‬
‫ال‪...‬‬

‫بل تب عة الن سياق وراء الاهل ية‪ ،‬وا تاذ أ عداء د ين ا ل أول ياء‪ ...‬من هم ي ستمدون‬
‫مفاهيم حياتم‪ ،‬بل منهم يأخذون النصيحة ف أمر هذا الدين!‬

‫تبعة باهظة‪ ...‬ل ينجيهم شيء فيها من عذاب ال‪...‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ث تزداد هذه التبعة خطورة حي يضي " السلمون " سادرين‪ ،‬ف هوانم ومذلتهم‬
‫وجهلهم وضعفهم وتاونم‪ ...‬بينما البشرية تتهيأ ‪ -‬غد‪I‬ا ‪ -‬لستقبال دين ال!‬

‫وسيقوم غدا‪ I‬هذا الدين‪ ،‬وهم ف هوانم ومذلتهم وجهلهم وضعفهم وتاونم‪!...‬‬

‫"إ“ن‪ œ‬ال‪œ‬له• ل ي”غ•‪¥‬ير” م•ا ب“ق—و–م› •ح̃تى ”يغ•ي‪¥‬ر”وا م•ا ب“أ—ن–ف‪¤‬س“ه“م–"‪.‬‬

‫ولن ينصر ال دينه على يد الضعفاء الهازيل الذين رضوا لنفسهم الوان والذل!‬

‫إنا هو ينشئ لدينه ‪ -‬حي يريد ‪ -‬قوما‪ I‬آخرين يملون التبعة ويقومون با على‬
‫حقيقتها‪.‬‬

‫"إ“ن™ •يش•أ™ ي”ذ™ “هب–ك‪¤‬م– أ—ي§ه•ا ال̃ناس” •وي•أ™ت“ ب“آخ•ر“ي •ن و•ك—ان— ال‪œ‬له” ع•ل—ى ذ—ل“ك• —قد“يرا‪."I‬‬

‫)‪(280‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫و سيحمل هؤلء " ال سلمون!" التقل يديون ال عار غدا‪ ،I‬ح ي يرون قو ما‪ I‬آخر ين‬
‫يملون راية ال وهم على هوانم مقيمون!‬

‫وسواء قام هؤلء " السلمون" من نومتهم أم ظلوا فيها‪...‬‬

‫وسواء كف الكيد النون عن الرب لدين ال‪ ،‬أم زاد الكيد جنونا‪ I‬وضراوة‪...‬‬

‫سيعود النسان إل ال!‬

‫سيعود شديد اليان‪!...‬‬

‫فبقدر الكفر الال¡‪ ...‬بقدر عذابات الناس‪ ...‬وبقدر ظلم الطاغوت‪...‬‬

‫سيكون النور‪!...‬‬

‫وبشائر هذا النور‪ ...‬بادية ف الظلمات‪...‬‬

‫وغدا‪ I‬يشرق دين ال‪...‬‬

‫وسواء أبصرنا بأعيننا‪ ...‬ف العمر الدود‪ ...‬أم كان غدا‪ ...I‬ف جيل آخر‪...‬‬

‫سيعود النسان إل ال!‬

‫سيعود شديد اليان!‬

‫" و•الل‪œ‬ه” م”ت“م§ ن”ور“ه“ و•ل—و– —كر“ه• ا™لك—اف“ر”ون—"‪.‬‬

‫صدق ال العظيم‬

‫الفهرس‬

‫)‪(281‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬


‫جاهلية القرن العشرين‬

‫‪ -‬مقدمة‬
‫‪ -‬تهيد‬
‫‪ -‬صفحة من التاريخ‬
‫‪ -‬ملمح الاهلية الديثة‬
‫‪ -‬فساد ف التصور‬
‫‪ -‬وفساد ف السلوك‬
‫ف السياسة‬
‫ف القتصاد‬
‫ف الجتماع‬
‫ف الخلق‬
‫ف علقات النسي‬
‫ف الفن‬
‫ف كل شيء!‬
‫‪ -‬ل بد من السلم!‬
‫‪ -‬لاذا يكرهون السلم؟!‬
‫‪ -‬عودة النسان إل ال‬

‫)‪(282‬‬ ‫منب التوحيد والهاد‬

You might also like