You are on page 1of 22

‫مفهوم المواطنـة ‪:Citizenship‬‬

‫مفهوم المواطنة من المفاهيم التي يدور حولها جدل ً كبيرًا‪ ،‬لذا‬


‫يصعب أن نجد لها تعريفا ً يرضى به كل المختصين في هذا المجال‪،‬‬
‫وبالتالي يختلف مفهوم المواطنة تبعا ً للزاوية التي نتناولها منها‪ ،‬وتبعا ً‬
‫لهوية من يتحدث عنها‪ ،‬وتبعا ً لما يراد بها‪.‬‬
‫والمواطنة في اللغة العربية منسوبة إلى الوطن‪ ،‬وهو المنزل‬
‫الذي يقيم فيه النسان‪ ،‬والجمع أوطان‪ ،‬ويقال وطن بالمكان وأوطن به‬
‫أي أقام‪ ،‬وأوطنه اتخذه وطنًا‪ ،‬وأوطن فلن ارض كذا أي اتخذها محل‬
‫ومسكنا ً يقيم فيه ) ابن منظور‪ ،(1994 ،‬وفي اللغة النجليزية تأتي‬
‫المواطنة ترجمة لمصطلح)‪ (Citizenship‬ويقصد به غرس السلوك‬
‫الجتماعي المرغوب حسب قيم المجتمع‪ ،‬من اجل إيجاد المواطن‬
‫الصالح ‪ ) Good Citizen‬الخولي‪.(1981 ،‬‬
‫وبالرجوع إلى الموسوعة العربية العالمية )‪ ،1996‬ص ‪ (311‬نجد‬
‫أنها تعرف المواطنة بأنها "اصطلح يشير إلى النتماء إلى أمة أو وطن"‬
‫وفي قاموس علم الجتماع تم تعريفها على أنها مكانة أو علقة‬
‫اجتماعية تقوم بين فرد طبيعي ومجتمع سياسي‪ .‬وتعرف دائرة‬
‫المعارف البريطانية )‪ (Encyclopedia Britannica‬المواطنة كما وردت‬
‫عند ) الكواري‪،2001،‬ص ‪ (118‬بأنها" علقة بين فرد ودولة كما يحددها‬
‫قانون تلك الدولة‪ ،‬وبما تتضمنه تلك العلقة من حقوق وواجبات في‬
‫تلك الدولة"‪.‬‬
‫ويعرفها مركز التربية الوطنية )‪(Center For Civic Education, 1998‬‬
‫بأنها" العضوية في الجماعة السياسية‪ ،‬وأعضاء الجماعة السياسية‬
‫مواطنوها وبذلك فالمواطنة هي أيضا ً العضوية في المجتمع‪ ،‬والعضوية‬
‫تتطلب المشاركة القائمة على الفهم الواعي‪ ،‬والتفاهم‪ ،‬وقبول الحقوق‬
‫والمسؤوليات"‪.‬‬

‫مفهوم الوطنيـة ‪:‬‬


‫تعرف الموسوعة العربية العالمية )‪ ،1996‬ص ‪ (110‬الوطنية‬
‫بأنها "تعبير قويم يعني حب الفرد وإخلصه لوطنه الذي يشمل النتماء‬
‫‪2‬‬
‫إلى الرض والناس والعادات والتقاليد والفخر بالتاريخ والتفاني في‬
‫خدمة الوطن‪ .‬ويوحي هذا المصطلح بالتوحد مع المة"‬
‫كما تعرف بأنها "الشعور الجمعي الذي يربط بين أبناء الجماعة‬
‫ويمل قلوبهم بحب الوطن والجماعة‪ ،‬والستعداد لبذل أقصى الجهد في‬
‫سبيل بنائهما‪ ،‬والستعداد للموت دفاعا ً عنهما" )‪.(www.albyan.com‬‬
‫أهمية تربية المواطنة وأهدافها‪:‬‬
‫تأتي أهمية تربية المواطنة من حيث أنها عملية متواصلة لتعميق‬
‫الحس والشعور بالواجب تجاه المجتمع‪ ،‬وتنمية الشعور بالنتماء للوطن‬
‫والعتزاز به‪ ،‬وغرس حب النظام والتجاهات الوطنية‪ ،‬والخوة والتفاهم‬
‫والتعاون بين المواطنين‪ ،‬واحترام النظم والتعليمات‪ ،‬وتعريف الناشئة‬
‫ت مصادفة بل ثمرة‬ ‫بمؤسسات بلدهم‪ ،‬ومنظماته الحضارية‪ ،‬وأنها لم تأ ِ‬
‫عمل دؤوب وكفاح مرير‪ ،‬ولذا من واجبهم احترامها ومراعاتها‪ .‬كما أن‬
‫أهداف تربية المواطنة لتتحقق بمجرد تسطيرها وإدراجها في الوثائق‬
‫الرسمية‪ ،‬بل إن تحقيق الهداف يتطلب ترجمتها إلى إجراءات عملية‬
‫وتضمينها المناهج والكتب الدراسية‪.‬‬
‫وتتمثل أهمية تربية المواطنة في أنها‪:‬‬
‫عم وجود الدولة الحديثة‪ ،‬والدستور الوطني‪.‬‬ ‫‪ -‬تد ّ‬
‫مي القيم الديمقراطية‪ ،‬والمعارف المدنية‪.‬‬ ‫‪ -‬تن ّ‬
‫‪ -‬تسهم في الحفاظ على استقرار المجتمع‪.‬‬
‫مي مهارات اتخاذ القرار والحوار واحترام الحقوق والواجبات‬ ‫‪ -‬تن ّ‬
‫لدى الطلب‪.‬‬

‫ويمكن القول بأن هدف تعليم المواطنة كما يراه ناريان )‪(2004‬‬
‫يساعد التلميذ على‪:‬‬ ‫هو تقديم برنامج‬
‫أن يكونوا مواطنين مطلعين وعميقي التفكير يتحلون‬
‫بالمسؤولية‪ ،‬ومدركين لحقوقهم وواجباتهم‪.‬‬
‫تطوير مهارات الستقصاء والتصال‪.‬‬
‫تطوير مهارات المشاركة والقيام بأنشطة ايجابية‬
‫ومسؤولية‪.‬‬
‫تعزيز نموهم الروحي‪ ،‬والخلقي‪ ،‬والثقافي‪ ،‬وان يكونوا‬
‫اكثر ثقة بأنفسهم‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫تشجعهم على لعب دور ايجابي في مدرستهم وفي‬
‫مجتمعهم وفي العالم‪.‬‬
‫أبعاد المواطنة‪:‬‬
‫مفهوم المواطنة له أبعاد متعددة‪ ،‬تختلف تبعا للزاوية التي يتم‬
‫تناوله منها‪ ،‬و من هذه البعاد ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬البعد المعرفي‪ /‬الثقافي‪ :‬حيث تمثل المعرفة عنصرا‬
‫جوهريا في نوعية المواطن الذي تسعى إليه مؤسسات المجتمع‪،‬‬
‫ول يعني ذلك بأن المي ليس مواطنا يتحمل مسؤولياته ويدين‬
‫بالولء للوطن‪ ،‬وإنما المعرفة وسيلة تتوفر للمواطن لبناء مهاراته‬
‫وكفاءاته التي يحتاجها‪ .‬كما أن التربية الوطنية تنطلق من ثقافة‬
‫الناس مع الخذ في العتبار الخصوصيات الثقافية للمجتمع‬
‫)فريحه‪.(2004 ،‬‬
‫‪ -2‬البعد المهاراتي‪ :‬ويقصد به المهارات الفكرية‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫التفكير الناقد‪ ،‬والتحليل‪ ،‬وحل المشكلت‪ ...‬وغيرها‪ ،‬حيث أن‬
‫المواطن الذي يتمتع بهكذا مهارات يستطيع تمييز المور ويكون‬
‫اكثر عقلنية ومنطقية فيما يقول ويفعل‪.‬‬
‫‪ -3‬البعد الجتماعي‪ :‬ويقصد بها الكفاءة الجتماعية في‬
‫) المعمري‪.(2002 ،‬‬ ‫التعايش مع الخرين والعمل معهم‬
‫‪ -4‬البعد النتمائي‪ :‬أو البعد الوطني ويقصد به غرس انتماء‬
‫التلميذ لثقافاتهم ولمجتمعهم ولوطنهم‪.‬‬
‫‪ -5‬البعد الديني‪ :‬أو القيمي‪ ،‬مثل‪ :‬العدالة والمساواة والتسامح‬
‫والحرية والشورى‪ ،‬والديمقراطية‪.‬‬
‫‪ -6‬البعد المكاني‪ :‬وهو الطار المادي والنساني الذي يعيش‬
‫فيه المواطن‪ ،‬أي البيئة المحلية التي يتعلم فيها ويتعامل مع‬
‫أفرادها‪ ،‬ول يتحقق ذلك إل من خلل المعارف والمواعظ في‬
‫غرفة الصف‪ ،‬بل لبد من المشاركة التي تحصل في البيئة المحلية‬
‫والتطوع في العمل البيئي‪.‬‬
‫آليات التعليم والمواطنة‪:‬‬
‫يسهم التعليم فى تربية النشء عن طريق أربع آليات هى ‪:‬‬
‫المقررات الدراسية ‪ :‬حيث هناك نص تعليمى يستهدف خلق المواطن المهتم‬ ‫•‬
‫بقضايا وطنه ‪ ،‬والمشارك بفعالية فى الحياة العامة ‪ ،‬وبين نص تعليمى يستهدف التربية‬
‫اليديولوجية أو مذهب معين يخلع شرعية على نظام سياسى ما ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫دور المعلم فى التنشئة فهو من ناحية حامل وناقل للقـيم الساسية والمبادئ العليا‬ ‫•‬
‫التى ارتضاها المجتمع ‪ ،‬وهو من ناحية أخرى ‪ ،‬يبث من خلل الشرح وطريقة‬
‫التدريس والسلوك قيمًا ثقافية قد ل تخلو من دللت سياسية صريحة أو مضمرة ‪.‬‬
‫التنظيمات المدرسية والنشطة الطلبية ‪ :‬فالمدرسة قد تشجع الطلب على‬ ‫•‬
‫مزاولة أنشطة فنية ورياضية وثقافية تفجر الطاقات البداعية ‪ ،‬وتنمى مهارات‬
‫المشاركة وتغذى قيم النتماء والجماعية والثقة بالنفس ‪ .‬وبالمقابل‪ ،‬قد تكون البيئة‬
‫المدرسية مصدرًا للحباط والخمول والسلبية‪.‬‬
‫الطقوس المدرسية ‪ :‬تساعد على بث القيم المرغوبة فى نفوس النشء ‪ ،‬كما‬ ‫•‬
‫تكرس الطابع الجمعى لحب الوطن والنتماء إليه لكونها تمارس بطريقة جماعية غالبًا‬

‫التربية على المواطنة وحقوق النسان مجالتها ومستويات تدخل الفعل المدني‪:‬‬
‫ترتبط التربية على المواطنة وحقوق النسان بثلثة مستويات تشكل‬
‫المجالت التي تتجسد فيها مختلف مظاهر ترسيخ ثقافة الحق والواجب‬
‫والديمقراطية‪ ،‬و التي تتطلب من الهيئات المدنية التتبع اليومي‬
‫والنتقال من حركة الدفاع عن حقوق النسان إلى مواقع تتسم‬
‫بالمبادرة والقوة القتراحية المشاركة في بناء مجتمع المواطنة وحقوق‬
‫النسان‪ .‬وهذه المستويات هي‪ :‬المستوى البيداغوجي‪ ،‬والمستوى‬
‫التربوي‪ ،‬والمستوى الثقافي المجتمعي‪.‬‬

‫‪-1‬المستوى البيداغوجي ‪:‬‬


‫إن التجاه إلى تعزيز ثقافة حقوق النسان في البرامج الدراسية يضعنا‬
‫في قلب المستوي التعليمي التعلمي‪ ،‬حيث ل تستقل ثقافة حقوق‬
‫النسان بذاتها مادة مستقلة‪ ،‬مما يؤدي إلى ضرورة تبني أسلوب‬
‫"التدريس المندمج" أسلوبا تعليميا يدمج هذه الثقافة في منهاج كل‬
‫مادة دراسية وديداكتيك تدريسها‪ ،‬فتصبح جزءا من برنامجها‪ ،‬وتشغل‬
‫مكانا ما في كتبها‪ ،‬وتفتح فكر المتعلم وسلوكه‪ ،‬على قيم الكرامة‬
‫والمساواة والحرية والمواطنة والختلف‪ ،‬وغير ذلك من حقوق‬
‫النسان‪.‬‬
‫كما ينبغي أن يمتد هذا الحضور من مستوى تدريس المادة إلى مستوى‬
‫التأطير فيها؛ ومختلف العمليات التي يمارسها الشراف التربوي لكل‬
‫مادة تعليمية؛ إذ تصبح ثقافة حقوق النسان حاضرة موضوعا في‬
‫التنشيط التربوي (ندوات – ورشات‪-‬دروس تطبيقية)‪ ،‬وفي التأطير‬
‫والمراقبة التربويين‪.‬‬
‫فالتدريس المندمج لحقوق النسان يتأسس على النظر إلى المواد‬
‫الدراسية باعتبارها دوائر مستقلة عن بعضها‪ ،‬وتختلف عن بعضها‪ ،‬من‬
‫‪5‬‬
‫حيث محتوياتها وأهدافها الخاصة ووسائلها‪ ،‬وأساليب تدريسها وتقويمها‬
‫وتأطيرها‪ ،‬والسلك والمستويات والشعب الموجهة إليها…‪ ،‬ولكن قيم‬
‫حقوق النسان هي عنصر يوجد داخل كل هذه الدوائر (المواد)‪ ،‬ويبرز‬
‫عنصرا مشتركا بينها‪ ،‬يجعلها موحدة ومتكاملة‪ " .‬فالغرض هو تكامل‬
‫الموضوعات التي تدرس بالفعل في المدارس"‪ .‬وبهذا المعنى‪ ،‬وخلف‬
‫اختلف المواد التعليمية‪ ،‬يوجد تكاملها في توجهها إلى انفتاح شخصية‬
‫المتعلم على حقوق النسان‪ ،‬وإلى ترسيخ هذه الحقوق في سلوكه‬
‫ومواقفه‪.‬‬

‫‪ -2‬المستوى التربوي ‪:‬‬


‫يجدر بنا أن ل نقف بالتربية على المواطنة وحقوق النسان عند مستوى‬
‫التدريس المندمج‪ ،‬داخل الفصل الدراسي‪ ،‬وإنما يتطلب المر التأسيس‬
‫لهذا المستوى منذ مراحل التربية الولى داخل السرة والعائلة‪،‬‬
‫وتعزيزه من وراء جدران الفصل‪ ،‬سواء في الفضاء المدرسي نفسه‪ ،‬أو‬
‫في الفضاء السوسيوتربوي العام‪ ،‬فالمدرسة "ليست وحدها معنية‪،‬‬
‫ولكن هناك أيضا ما يسمى بـ"المدرسة الموازية"‪ ،‬أي وسائل العلم‬
‫والتصال الحديثة التي تلعب دورا مهما‪ ،‬وتشكل‪ ،‬إلى جانب هذه‬
‫الوسائل‪ ،‬مختلف فضاءات التربية‪.‬‬
‫فالتربية الشاملة على المواطنة وحقوق النسان‪ ،‬تتصل بنشر قيم‬
‫الحرية والكرامة‪ ،‬وترسيخ سلوكات المساواة والتسامح والديمقراطية‬
‫والختلف‪ ،‬في مختلف مراحل نمو الفرد وتطوره الفيزيولوجي والعقلي‬
‫والوجداني‪ ،‬وعبر مختلف المؤسسات التربوية والجتماعية‪ ،‬مثل السرة‬
‫والتعليم الولي والنشطة المدرسية ووسائل العلم ومؤسسات‬
‫التنشيط والتثقيف‪.‬‬
‫أ ـ السرة‪:‬‬
‫إن ما تكتسبه شخصية الفرد في مؤسسة السرة يمتد أثره‪ ،‬إيجابا أو‬
‫سلبا‪ ،‬على تفكيره وسلوكه في ما بعد طفولته الولى‪ ،‬ولعل ذلك ما‬
‫يجعل من التربية داخل السرة أحد أسس كل تربية‪ ،‬ومنها التربية على‬
‫حقوق النسان فإذا لم تجد هذه الخيرة ما يرسخها ويعززها وينسجم‬
‫معها‪ ،‬منذ الطفولة الولى في السرة والعائلة‪ ،‬فإن ذلك سيكون عائقا‬
‫أمامها في المراحل اللحقة للطفولة‪ ،‬وفي المؤسسات الخرى خارج‬
‫مجال السرة‪.‬‬
‫ب ـ التعليم الولي‬
‫إن نوعية ما يكتسبه الفرد في التعليم الولي‪ ،‬باعتباره مرحلة انتقال‬
‫من السرة إلى المدرسة‪ ،‬له أثر على تربية الطفل وتفتحه المبكر‪،‬‬
‫ومن ثمة يلزم أن تؤسس مرحلة التعليم الولي للتربية على حقوق‬
‫‪6‬‬
‫النسان بترسيخها للقيم والسلوكات التي تنسجم ومبادئ الثقافة‬
‫الحقوقية‪ ،‬كي ل تكون تلك المرحلة عائقا أمام هذه الثقافة بعديا‪.‬‬
‫ج ـ النشطة المدرسية‪:‬‬
‫ينبغي أن تقام‪ ،‬داخل الفضاء المدرسي و خارج الفصل وحصص المواد‬
‫الدراسية أعمال تربوية واجتماعية وثقافة‪ ،‬ستكون مصدر تربية على‬
‫قيم وسلوكات يقتضي المر أن تنسجم مع مبادئ حقوق النسان‪،‬‬
‫تعززها وترسخ الوعي بها والسلوك وفقها‪.‬‬
‫د ـ وسائل العلم‪:‬‬
‫تشكل وسائل العلم بالنسبة للفرد )الطفل‪-‬المتعلم(‪ ،‬وخصوصا‬
‫البصرية منها‪ ،‬مصدر تلقي معلومات ونماذج من السلوك والقيم‬
‫السائدة في بيئته ومحيطه‪ ،‬وخارجها أيضا‪ ،‬وتساهم بذلك وسائل العلم‬
‫في تشكيل ذهن الطفل وتطلعاته وأنماط سلوكه‪ ،‬سواء كانت تخصه‬
‫كفرد‪ ،‬أو في علقته مع الخرين‪ ،‬وهكذا فإن المواد التي يقدمها جهاز‬
‫التلفزيون للطفال‪ ،‬وللكبار أحيانا‪ ،‬تصبح ذات أثر فعلي حينما يتم‬
‫القتداء بما تتضمنه من شخصيات وقيم ورموز ومن ثمة فإن وسائل‬
‫العلم كذلك تكون عامل مساعدا أو عائقا للتربية على حقوق النسان‪،‬‬
‫حسب نوعية ما تقدمه وتنشره وتلقنه‪.‬‬
‫ونظرا لنتشارها الواسع‪ ،‬وللتعامل اليومي والمباشر معها‪ ،‬ولسرعة‬
‫أثرها المرئي‪ ،‬فإن وسائل العلم تملك أكبر الثر على الذهان‬
‫والسلوكات؛ مما يلزم استحضارها باعتبارها مصدرا رئيسيا للتربية على‬
‫حقوق النسان‪ ،‬وبصورة تنسجم مع باقي مصادر هذه التربية‪ ،‬فدور‬
‫العلم في التربية على حقوق النسان‪ ،‬ل يقل خطورة عن دور‬
‫المدرسة‪ ،‬بحكم امتداد مجاله إلى أوسع شرائح المجتمع وبحكم ما‬
‫أصبح في حوزته من وسائل التبليغ المقتدرة على مخاطبة كل الذهان‬
‫وما شهده هذا المجال من تحولت جذرية يسرت انتقال المعلومات‬
‫وتبادل الخبرات‪ ،‬إل أن العلم في بلدنا لم تنهض بعد‪ ،‬على الرغم مما‬
‫حققه في هذا المجال من تقدم‪ ،‬بالدور المنتظر منها على النحو الذي‬
‫تقتضيه طموحات النسان المغربي إلى غد يكون أفضل من يومه‪.‬‬
‫لذا فإن ربط العلم بالتنمية الشاملة وخططها بشكل رشيد وديناميكي‪،‬‬
‫من خلل تدعيم الحساس بالمواطنة والنتماء والرغبة في المشاركة‬
‫في بناء الوطن‪ ،‬والسهام في العتزاز الهوية‪ ،‬و خلق الوعي بأهمية‬
‫الكتفاء الذاتي والعتماد على النفس‪ ،‬وتعزيز قيم المساواة بين‬
‫الجنسين‪ ،‬والكرامة والعدالة الجتماعية‪ ،‬إضافة إلى تنمية ملكات‬
‫المحرية التفكير والتعبير‪ ،‬من شأنه أن يعزز نشر ثقافة حقوق النسان‬
‫وتجذيرها في المجتمع‪.‬‬
‫‪ -3‬المستوى الثقافي المجتمعي‪:‬‬
‫‪7‬‬
‫إن الممارسة البيداغوجية‪ ،‬والممارسة التربوية أيضا‪ ،‬ليستا معزولتين‬
‫عن البنية الثقافية المجتمعية عامة؛ مما يلزم من الفاعلين الحقوقيين‬
‫التفكير في أن ل نجاح للممارستين المذكورتين دون انسجامهما مع‬
‫ممارسة تشملهما‬
‫وتستغرقهما‪ ،‬وهي الممارسة الثقافية‪ ،‬فهذه الخيرة هي التي تؤسس‬
‫وتؤطر كل عملية تربوية )التنشئة( وتعليمية )التدريس(‪ ،‬وخصوصا على‬
‫مستوى التصورات والمعارف والقيم‪.‬‬
‫وفي ضوء هذا التصور‪ ،‬فإن تدريس ثقافة المواطنة وحقوق النسان‬
‫وتنشئة التلميذ على مبادئها ومفاهيمها وقيمها يتطلبان تأسيسهما على‬
‫نشر ثقافة نظرية وقيم للسلوك تتكامل وثقافة المواطنة بما هي ثقافة‬
‫حقوق وواجبات ومسؤوليات‪ ،‬تمهد لها وتشيعها وتحميها‪ ،‬نظريا‬
‫وتشريعيا وعمليا‪ ،‬على مستوى المجتمع كلية في مختلف مرافقه‬
‫وقطاعاته‪.‬‬
‫وهكذا تكون الحاجة كبيرة إلى ثقافة عقلنية إنسانية تنويرية‪ ،‬تؤمن‬
‫"تطبيق مبادئ حقوق النسان تطبيقا عمليا في المجتمع عموما كما‬
‫تعزز الدروس المستفادة وتهدي التلميذ إلى معرفة المساهمة التي قد‬
‫يقدمونها خارج الصف والمدرسة‪ ،‬وفي حياتهم ‪ ،‬إذ أن دمج الثقافة‬
‫الحقوقية في التكوين المعرفي والسلوكي والوجداني للفرد يقتضي‬
‫سيادة نسق ثقافي قيمي يرتكز على مبادئ ومفاهيم "العقل"‬
‫و"النسان" و"الحرية"‪ ،‬وهو النسق الذي يعلي من شأن "الذات" وحقها‬
‫في الوجود‪ ،‬وفي الكرامة‪ ،‬وفي التفكير‪.‬‬
‫إن دمج قيم المواطنة ومبادئ حقوق النسان في المواد الدراسية‪،‬‬
‫وتربية الفرد عليها‪ ،‬سيظل عمل غريبا عن النسق المجتمعي العام إذا‬
‫لم تتم تنمية ثقافة يكون النسان محورها‪ ،‬ويشكل العقل مبدأها‪ ،‬وتقوم‬
‫على الحرية والتنوير‪ ،‬فاستمرار ثقافة وقيم تمجدان "اللعقلنية"‪ ،‬ول‬
‫تستحضران النسان كقطب رئيسي‪ ،‬وترسخان السلطة‪ ،‬وتمارسان‬
‫الظلم والعنف…‪ ،‬من شأنه أن يجعل خطاب المواطنة وحقوق النسان‬
‫في المدرسة‪ ،‬وفي أي مكان آخر‪ ،‬مجرد قول "عديم المصداقية"‪،‬‬
‫فالمحيط الذي ترتبط به المدرسة ينبغي أن يؤمن بحقوق النسان‬
‫ويحترمها ويحميها‪ ،‬كي يترسخ ذلك على مستوى المدرسة‪.‬‬
‫هكذا‪ ،‬إذن‪ ،‬نجد أن فعل التربية والتكوين لشخصية الفرد ل يصدر عن‬
‫المدرس وحده‪ ،‬وإنما هو فعل يصدر عن عدة جهات‪ ،‬بل إن من هذه‬
‫الجهات من يسبق أثره تدخل المدرس ولعل ذلك ما يقضي بالنظر إلى‬
‫التربية على حقوق النسان من حيث هي تربية شمولية؛ ل يكفي‬
‫إنجازها داخل الفصل المدرسي وحده‪ ،‬بل إن المر يلزم بممارستها‬
‫على مستوى الفضاء التربوي إجمال‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫ونخلص إلى أن "التربية على المواطنة وحقوق النسان" مشروع ملزم‬
‫بأن يستحضر مستويات متعددة يؤسس بعضها الخر‪ ،‬ويكمل بعضها‬
‫الخر؛ فهو مشروع ل يتوقف عند حدود ما هو بيداغوجي فقط‪ ،‬ول‬
‫يرتبط بالنسق التربوي العام فحسب‪ ،‬بل هو مشروع يتعلق بهذين‬
‫المستويين معا وبدمجهما في نسق ثقافي مجتمعي أشمل يتسم‬
‫بالعقلنية والنسانية والتنوير‪.‬‬
‫بهذا المعنى‪ ،‬إذن‪ ،‬نجد أنفسنا أمام مشروع ليس بيداغوجيا خالصا‪ ،‬ول‬
‫تربويا صرفا‪ ،‬وإنما هو مشروع سوسيوثقافي إنه مشروع تحديث‬
‫العقل‪ ،‬وتنمية النسان‪ ،‬وتنوير القيم في أفق عقلني إنساني تحرري‬
‫يقر الحق ويحترم الواجب‪ ،‬وإقامة ذلك على نظام سياسي ديمقراطي‬
‫ينسجم وهذا الثقافي التنويري النساني‪ ،‬ويكون مع حقوق النسان ل‬
‫ضدها‬
‫دور المدرسة في تربية المواطنة‪:‬‬
‫تعد المدرسة المؤسسة الرسمية التي أنشأتها الدولة لتقوم بتربية وتعليم الناشئة مبادئ العلوم‬
‫والخلق والقيم والتجاهات وتنشئتهم التنشئة الصالحة التي تخلق منهم مواطنين صالحين‬
‫يسهمون في خدمة أنفسهم ومجتمعهم وأمتهم‪ .‬ويؤكد علماء الجتماع أن المدرسة مؤسسة‬
‫تربوية واجتماعية تعنى بتنظيم وضبط سلوك الجماعة بطريقة حضارية‪ .‬وهي كذلك تقوم‬
‫بتبسيط التراث الثقافي وخبرات الكبار‪ ،‬كما أنها تقوم بتنقية ذلك التراث وتطهيره مما هو‬
‫غير مناسب لتنشئة الصغار‪.‬‬
‫ويسود في أوساط التربويين إجماع على أن المدرسة تقوم بدور فاعل في المجتمع بل إنها‬
‫في بعض المجتمعات وخاصة الريفية منها تكون هي المحور الذي تتركز فيه نشاطات‬
‫المجتمع المحلي لسيما الشباب‪ .‬فالمدرسة هي المكان الذي تمارس فيه النشاطات الرياضية‬
‫والنشاطات الجتماعية والتربوية وعليه فإن بقاء المجتمع واستمراريته مرهون بمدى تفاعله‬
‫مع المؤسسة التعليمية‪ .‬وهناك ثلثة اتجاهات ترسم العلقة بين المدرسة والمجتمع‪:‬‬
‫الول‪ :‬المدرسة تعد المصدر الساس للتعلم مدى الحياة وتقديم العديد من الخدمات للمجتمع‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬المجتمع بالرغم من كل تعقيداته يظل هو المنهج المدرسي‪ .‬إذ إن الطلب يجمعون‬
‫معلوماتهم ومعارفهم من تفاعلهم داخل المجتمع‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬المدرسة تعد البيئة التي تطور المهارات الجتماعية وعليه فإنها تتعرف على‬
‫الحتياجات الكامنة في المجتمع وتحاول توفير العمال التي تلبي تلك الحتياجات‪) .‬‬
‫‪.(Naval, et.al, 2003‬‬
‫وتعد تربية المواطنة هدفًا مهمًا للمؤسسة التعليمية التي تقوم بإعداد الجيال حتي يصبحوا‬
‫متعلمين مدركين لواجباتهم وحقوقهم الوطنية ومتفاعلين مع مجتمعهم محققين لهدافه‬
‫وطموحاته‪ .‬وفي إطار المدرسة يتم تحصيل المعارف والمهارات والقيم اللزمة لتربية‬
‫المواطنة‪ ,‬وهذا يعني أن التعليم يؤدي للوصول للقيم والتجاهات الوطنية‪ .‬وهناك من‬
‫يتصور أن المدرسة ماهي إل غرف الفصول وما يلقى فيها من واجبات ومناهج‪ ،‬إل أن‬
‫المر أكبر من ذلك حيث إنها عبارة عن مجتمع صغير له نظام اجتماعي يشترك فيه الكبار‬
‫‪9‬‬
‫ممثلين بالهيئة التعليمية من معلمين وإداريين والصغار الذين هم الطلب‪ ،‬وتنشأ في هذا‬
‫النظام مجموعة من العلقات الجتماعية التي تؤثر في صياغة فكر وثقافة الفراد‪.‬‬
‫وللمعلم دور حاسم في تفعيل تربية المواطنة‪ .‬فهو الذي يتحمل مسؤولية تربية وتعليم الجيل‬
‫ويقف كل يوم أمام طلبه يتلقون منه العلم والخلق والسلوك السوي ‪ ،‬يبين لهم حقوق ربهم ‪،‬‬
‫وحقوق ولتهم وعلمائهم‪ ،‬ويبين لهم تميز وطنهم‪ ،‬ويذكرهم بنعمة ال عليهم ‪ ،‬ويؤكد عليهم‬
‫معرفة حقوق أخوانهم وحقوق مجتمعهم ويدعوهم إلى الترابط والبعد عن النحراف والفتنة‪،‬‬
‫ويحذرهم مما يضرهم أو يضر مجتمعهم‪ .‬ليست مهمه المعلم توصيل المعلومة أو المهارة‬
‫إلى الطالب فحسب بل لبد وأن يعمل على زرع الشعور بالمسؤولية والخلص في نفوس‬
‫الطلب ولبد أن يعتمد في ذلك على مجموعة من الطرائق والستراتيجيات التي تلعب دورا‬
‫ل‬
‫مهمًا في هذه الناحية‪ ,‬فلبد له أن يحمل معتقدات سليمة‪ ،‬ومخزوناً ثقافيًا واجتماعيًا فاع ً‬
‫حول أهمية التعليم في توطيد المن الفكري للشباب‪ ،‬لبد للمعلم أن يسهم في غرس روح‬
‫الولء والنتماء والهوية للوطن‪ ,‬لبد أن يكون المعلم واثقا من نفسه ومن معلوماته مبدعا في‬
‫أفكاره مرنا في سلوكه مجددا لرائه مرشدًا للطالب في كيفية اكتساب مبدأ التعاون والعمل‬
‫الجماعي وتوطيد حب الطالب لمجتمعه وتعزيز النتماء والشعور بالمسؤولية المشتركة في‬
‫الحفاظ على أمن وسلمة هذا الوطن من العبث والفساد‪ ) .‬العرادي‪(2004 ،‬‬
‫ومن مستلزمات حب الوطن أن تؤكد المدرسة على الطلب المحافظة على مرافق الوطن‬
‫ومكتسباته كموارد المياه والطرقات والمباني والشجار والمدارس والمصانع والمزارع‬
‫وغير ذلك ‪ .‬وتحذرهم من الفوضى والتخريب وأن ذلك إفساد في الرض يستوجب العقوبة‬
‫الصارمة التي ذكرها ال سبحانه عن المفسدين ‪.‬‬
‫تربية المواطنة و سياسة التعليم‪:‬‬
‫شكل النظام الساسي للحكم في المملكة العربية السعودية نقطة انطلق نحو البناء الشامل‬
‫لجميع الميادين السياسية والجتماعية والفكرية والثقافية والقتصادية‪ .‬وقد أكد النظام على‬
‫اللتزام بالعقيدة السلمية نصًا وروحًا‪ ،‬والنتماء للوطن وتعزيز وحدته الوطنية‪ ،‬من خلل‬
‫ترسيخ القيم السلمية وتربية الجيال على اليمان بال والتضحية من أجل الوطن وقضايا‬
‫المة‪ .‬كما أكد على إتاحة المجال أمام مشاركة المواطنين بكل فئاتهم في بناء المؤسسات‬
‫الحكومية وتعزيز النتماء الوطني‪ .‬وحتى يتحقق ذلك ل بد من إعداد الفرد المتكامل روحيًا‬
‫واجتماعيًا‪ ،‬الواعي لحقوقه الملتزم بواجباته‪ ،‬القوي النتماء لوطنه المعتز بأمته‪ ،‬المتمتع‬
‫بالروح العلمية والموضوعية‪ ،‬المؤمن بحقوق النسان ومبادىء العدل والخير والمساواة‪،‬‬
‫القادر على النتاج والتنمية والمبادرة المبدعة‪.‬‬
‫وقد جاءت وثيقة سياسة التعليم في المملكة )‪1390‬هـ( لتؤكد على هذه المفاهيم وتؤصلها‪.‬‬
‫فقد ورد في الوثيقة في المادة )‪ (28‬ما نصه‪ " :‬أن غاية التعليم فهم السلم فهمًا صحيحًا‬
‫ل‪ ،‬وغرس العقيدة السلمية ونشرها‪ ،‬وتزويد الطالب بالقيم والتعاليم السلمية والمثل‬ ‫متكام ً‬
‫العليا‪ ،‬وإكسابه المعارف والمهارات المختلفة‪ ،‬وتنمية التجاهات السلوكية البناءة‪ ،‬وتطوير‬
‫المجتمع اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا‪ ،‬وتهيئة الفرد ليكون عضوًا نافعًا في بناء مجتمعه‪ " .‬وقد‬
‫أوضحت الوثيقة أن الهداف العامة التي تحقق هذه الغاية تشمل ما يلي‪:‬‬
‫• تربية المواطن المؤمن ليكون لبنة صالحة في بناء أمته‪ ،‬ويشعر بمسؤوليته لخدمة بلده‬
‫‪10‬‬
‫والدفاع عنها‪.‬‬
‫• تزويد الطالب بالقدر المناسب من المعلومات الثقافية والخبرات المختلفة التي تجعل منه‬
‫ل في المجتمع ‪.‬‬
‫عضوًا عام ً‬
‫• تنمية إحساس الطلب بمشكلت المجتمع الثقافية والقتصادية والجتماعية‪ ،‬وإعدادهم‬
‫للسهام في حلها‪.‬‬
‫• تأكيد كرامة الفرد وتوفير الفرص المناسبة لتنمية قدراته حتى يستطيع السهام في نهضة‬
‫المة ‪.‬‬
‫• تبصير الطلب بما لوطنهم من أمجاد إسلمية تليدة‪ ،‬وحضارة عالمية إنسانية عريقة‪،‬‬
‫ومزايا جغرافية وطبيعية واقتصادية‪ ،‬وبما لمكانته من أهمية بين أمم الدنيا‪.‬‬
‫• تنمية وعيه ليدرك ما عليه من الواجبات وما له من الحقوق ‪ ،‬في حدود سنه وخصائص‬
‫المرحلة التي يمر بها‪ ،‬وغرس حب وطنه‪ ،‬والخلص لولة أمره‪.‬‬
‫• تدريبه على خدمة مجتمعه ووطنه ‪ ،‬وتنمية روح النصح والخلص لولة أمره‪.‬‬
‫• تحقيق الوفاء للوطن السلمي العام‪ ،‬وللوطن الخاص )المملكة العربية السعودية(‪ ،‬بما‬
‫يوافق هذه السن‪ ،‬من تسام في الفق وتطلع إلى العلياء‪ ،‬وقوة في الجسم‪.‬‬
‫ل عاليًا‪ ،‬لداء واجبهم في خدمة بلدهم‪،‬‬ ‫• إعداد مواطنين أكفاء مؤهلين علميًا وفكريًا تأهي ً‬
‫والنهوض بأمتهم‪ ،‬في ضوء العقيدة السليمة‪ ،‬ومبادئ السلم السديدة‪.‬‬
‫• تربية المواطن المؤمن ليكون لبنة صالحة في بناء أمته‪ ،‬ويشعر بمسؤوليته لخدمة بلده‬
‫والدفاع عنها‪.‬‬
‫ويؤكد الرشيد )‪1421‬هـ( أننا أمام تحد كبير بأن نحقق سياسة التعليم في المملكة بنظام‬
‫تعليمي يقدم للناشئة تعليمًا يزودهم بما ل يسعهم جهله‪ ،‬وما لتستقيم المواطنة إل به‪ ،‬بدينهم‬
‫الذي يهديهم إلى ربهم‪ ،‬ويعلمهم أخلق التعامل مع غيرهم‪ ،‬وبلغتهم التي هي وعاء كيانهم‬
‫الحضاري‪.‬‬
‫تربية المواطنة عبر المناهج الدراسية‪:‬‬
‫ينبغي أن تتضمن المناهج الدراسية مفاهيم معينة‪ ،‬كمفهوم المسؤولية الجتماعية‪ ،‬والملكية‬
‫العامة والمواطنة‪ ،‬والمشاركة في اتخاذ القرار‪ ،‬والتعاون‪ ،‬ومفهوم الحق والواجب‪ ،‬المساواة‪،‬‬
‫الخاء‪،‬الحوار‪ ،‬العدل‪ ،‬النقد البناء‪ ،‬حرية الرأي والتعبير‪ ،‬واحترام الرأي الخر ‪ ..‬الخ‪ .‬كما‬
‫ينبغي تضمين الكتب المدرسية بعض المعلومات الساسية التي يحتاجها المواطن ليكون‬
‫عنصرا فعال في وطنه الذي يعيش في إطاره‪ ،‬سواء كانت هذه المعلومات والمعارف ترتبط‬
‫بالحداث الجارية‪ ،‬أوببعض المفاهيم والمصطلحات الوطنية‪ ،‬والمؤسسات الحكومية‪.‬‬
‫وهناك عدة طرق يمكن تقديم تربية المواطنة من خللها في النظام التعليمي ومن ذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬المناهج الدراسية الرسمية‪.‬‬
‫‪ -2‬المناهج غير الرسمية‪.‬‬
‫‪ -3‬المناهج الخفية‪.‬‬
‫فعن طريق المناهج الرسمية يتم تدريس مقررات مدرسية محددة في التربية الوطنية إضافة‬
‫لما يتعلمه التلميذ من خلل دراسة بعض المعارف في العلوم الجتماعية كالتاريخ‬
‫والجغرافيا والجتماع ونحو ذلك‪ .‬وتلك المقررات تقدم معلومات عن أنظمة الدولة‬
‫‪11‬‬
‫ومؤسساتها والنظام الساسي للحكم‪ ،‬ومؤسسات الدولة‪ ،‬والحقوق والواجبات الوطنية‪....‬‬
‫ونحو ذلك‪ .‬وبالضافة لتلك المعارف يلتزم التلميذ إتقان مهارات عملية ترتبط بتربية‬
‫المواطنة‪ ,‬ومن ذلك ممارسة النشاط الوطني‪ ,‬التعاون اليجابي في المجتمع‪ ,‬العمل‬
‫التطوعي‪ ,‬النقد الهادف‪ ....‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫وينتظم مع عقد المعارف والمهارات مجموعة من القيم الوطنية التي تضفي على تربية‬
‫المواطنة روحها الوثابة ووقودها المستمر‪ .‬هذه القيم تتمثل في الولء للوطن‪ ،‬واللتزام‬
‫بالشورى‪ ,‬والتعايش مع الخرين‪ ,‬واللتزام بالواجبات الوطنية‪ ,‬وتحقيق العدالة‬
‫الجتماعية‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫وعن طريق المناهج غير الرسمية يتعلم الطلب دروسا تفاعلية بالنضمام للجمعيات‬
‫المدرسية وممارسة العمليات النتخابية والمشاركة في اتخاذ القرار والعمل التطوعي ونحو‬
‫ذلك‪ .‬أما المناهج الخفية فهي مرتبطة بالقيم والتجاهات التي يكتسبها الطلب بتفاعلهم مع‬
‫معلميهم ومع أسرهم ومع مؤسسات مجتمعهم المدني‪ .‬ولشك ان تلك القيم والتجاهات لها‬
‫من التأثيرات القوية ما قد يفوق ما يتعلمه الطلب في المدرسة من مناهج رسمية‪.‬‬
‫اشتملت مناهج التعليم العام في المملكة العربية السعودية على قيم واتجاهات ومفاهيم تعزز‬
‫تربية المواطنة في نفوس التلميذ وتمثل ذلك في مناهج التربية السلمية والعلوم الجتماعية‬
‫واللغة العربية وغيرها ‪ .‬وفي عام ‪1417‬هـ أقرت اللجنة العليا لسياسة التعليم تدريس مادة‬
‫التربية الوطنية بدءًا من الصف الرابع البتدائي حتى الصف الثالث ثانوي بواقع حصة‬
‫واحدة أسبوعيا ‪ .‬وقد أدركت وزارة التربية والتعليم أهمية إقرار هذه المادة لسباب كثيرة‬
‫منها ‪:‬‬
‫‪ .1‬أن تدريسها أصبح ضرورة وطنية بحكم أن المملكة تحتوي على أقدس بقاع الرض‬
‫)الحرمين الشريفين(‪.‬‬
‫‪ .2‬أنها أصبحت مستهدفة من الحاقدين والطامعين من أعداء العرب والمسلمين‪.‬‬
‫‪ .3‬أنها ضرورة اجتماعية نظرًا للتقدم الكبير في كافة المجالت‪ ،‬وما شهدته المملكة من نمو‬
‫اقتصادي وحضاري خلل العقدين الخيرين‪.‬‬
‫وقد قامت وزارة التربية والتعليم بصياغة أهداف المادة وتأليف كتب دراسية لها وعقد ورش‬
‫تدريبية للمعلمين‪ .‬كما شكلت لجنة عليا للتربية الوطنية للشراف على ذلك‪ .‬وقد جاءت‬
‫أهداف هذه المادة متوافقة مع وثيقة سياسة التعليم في المملكة ‪ .‬وكان من بين تلك الهداف‬
‫ما يلي ‪:‬‬
‫‪ .1‬تمكين العقيدة السلمية في نفوس الطلب‪ ،‬وجعلها ضابطة لسلوكهم وتصرفاتهم‪.‬‬
‫‪ .2‬التأكيد على وجوب طاعة ولة المر وفق الشريعة السلمية‪.‬‬
‫‪ .3‬تعزيز النتماء للوطن والحرص على أمنه واستقراره والدفاع عنه‪.‬‬
‫‪ .4‬تعريف الطلب بما لهم وما عليهم من الحقوق والواجبات باعتبارهم مواطنين‪.‬‬
‫‪ .5‬تدريب الطلب على مهارات الحوار وإبداء الرأي والمشاركة في النقاش‪.‬‬
‫‪ .6‬تنمية العتزاز بالنتماء للمة السلمية والعربية‪ ،‬وتبصيرهم بأهمية التواصل بالعالم‬
‫الخارجي‪.‬‬
‫‪ .7‬تكوين الوعي اليجابي بالتحديات والتيارات التي تواجه المملكة والمة العربية‬
‫‪12‬‬
‫والسلمية‪.‬‬
‫‪ .8‬تعريف الطلب بمؤسسات وطنهم ونظمه الحضارية‪.‬‬
‫‪ .9‬تعويد الطلب على حب النظام واحترام النظمة والتقيد بها‪.‬‬
‫‪ .10‬تعويد الطلب على اللتزام بقواعد المن والسلمة العامة والحماية المدنية‪.‬‬
‫‪ .11‬تعويد الطلب على العادات الصحية السليمة ونشر الوعي الصحي‪.‬‬
‫وتحظى المادة منذ إقرارها باهتمام الوزارة بالرغم من وجود كثير من المعوقات‬
‫والتحديات ‪ .‬وقد قامت الوزارة بإجراء دراسات تقويمية للمادة ولمدى اشتمال مناهج التعليم‬
‫العام على المفاهيم الوطنية‪.‬‬
‫وسائل تنمية مفاهيم المواطنة في المناهج الدراسية‬
‫هناك عدة صور يمكن بها تنمية مفهوم المواطنة في المناهج‬
‫الدراسية‪ ،‬يمكن توضيحها من خلل الشكل التالي) امبوسعيدي‪،‬‬
‫‪:(2004‬‬

‫المواطنة‬
‫تكتسب وتنمى عن طريق‬
‫التطبيقات العلمية‬ ‫المثلة الواردة في الكتاب‬

‫أسلوب دراسة الحالة‬ ‫الصور والرسومات والشكال‬

‫عرض الموضوعات عن‬ ‫الرحلت والزيارات الميدانية‬


‫طريق القصص‬
‫وفيما يلي عرضا ً موجزا ً لكل عنصر من العناصر السابقة الذكر‪:‬‬
‫‪ -1‬المثلة الواردة في الكتاب المدرسي‪ :‬والتي يفضل أن‬
‫تكون مرتبطة بالبيئة المحلية للطالب حتى يمكن ربط الطالب‬
‫بمجتمعه‪ .‬مثل عند تناول البيئة العمانية يضرب المثلة التالية ‪:‬‬
‫)البيئة اليابسة‪ :‬صحراء الربع الخالي‪ ،‬رملة آل وهيبة‪ ،‬سهل‬
‫الباطنة‪،‬البيئة المائية‪ :‬فلج دارس‪ ،‬وادي حلفين‪،‬عين الكسفة‪(...‬‬
‫‪ -2‬الصور والرسوم والشكال‪ :‬وفيها يتم التركيز على‬
‫مظاهر الحياة في المجتمع العماني‪ ،‬كما هو وارد في الصور‬
‫المدعمة للوحدة الرابعة‪-‬سلطنة عمان‪ -‬في كتاب الدراسات‬
‫الجتماعية للصف الرابع الساسي‪.‬‬

‫‪13‬‬
14
‫‪ -3‬أسلوب دراسة الحالة‪ :‬وفيه يتم ربط الطالب بقضايا‬
‫مجتمعه‪ ،‬وفيه يتم تناول قضايا ومشكلت يتم مناقشتها من‬
‫مختلف الجوانب‪ ،‬كما هو الحال على سبيل المثال في وحدة‬
‫المياه في سلطنة عمان للصف الرابع الساسي‪.‬‬
‫‪ -4‬التطبيقات العلمية‪ :‬وهنا يتم التركيز على التطبيقات‬
‫العلمية التي تتطلب التركيز فيها على المفاهيم والظواهر العلمية‬
‫من البيئة‪ ،‬مثل‪ :‬ظاهرة تملح التربة في منطقة الباطنة‪.‬‬
‫‪ -5‬مدخل القصص‪ :‬وهو من الساليب التي تجذب انتباه‬
‫الطلب وخاصة فيما يتعلق بالمواطنة‪ ،‬حيث يتم تناول شخصية‬
‫عمانية ودورها في المجتمع العماني‪ ،‬كما هو الحال في الدراسات‬
‫الجتماعية واللغة العربية والتربية السلمية‪.‬‬
‫‪ -6‬الرحلت والزيارات الميدانية‪ :‬من الساليب الهامة في‬
‫غرس قيمة الوطنية‪ ،‬ويتم ذلك من خلل القيام برحلت‬
‫الستكشاف أو الرحلت للمواقع التراثية والثرية‪.‬‬
‫مضمون مقررات التربية الوطنية‪:‬‬
‫تعتبر مواضيع المواطنة أكثر ارتباطا ً بمنهج الدراسات الجتماعية‬
‫من تربية وطنية وتاريخ وجغرافيا‪ ،‬ولكن مع أهمية المواطنة الصالحة‬
‫كان لبد من تخصيص مقرر مستقل لها يكون له وقته المخصص في‬
‫برنامج الدراسة في مختلف المراحل التعليمية‪ ،‬وذلك بهدف تطوير‬
‫معرفة الطلب وتشكيل مفاهيمهم وقناعاتهم واتجاهاتهم الوطنية ) التل‬
‫وآخرون‪.(1993 ،‬‬
‫وكمثال لذلك‪ ،‬يذكر مجلس التربية الوطنية )‪Center For Civic‬‬
‫‪ (Education, 1998‬المعايير الوطنية لكتب ومناهج علم التربية المدنية‬
‫في الوليات المتحدة المريكية والتي تركز على العديد من السس‬
‫منها جانبين‪ ،‬هما‪:‬‬
‫‪ -1‬المعرفة الوطنية‪ :‬وتهتم بما يجب أن يعرفه المواطنون عن‬
‫بلدهم‪ ،‬وهي تركز على خمسة أسئلة هي‪:‬‬
‫ما الحياة المدنية‪ ،‬والسياسية‪ ،‬والحكومة؟‬
‫ما أسس النظام السياسي ؟‬
‫كيف تعمل الحكومة الدستورية‪ ،‬لتجسيد العراض‪،‬‬
‫والقيم‪ ،‬والمبادئ الديمقراطية؟‬
‫ما علقة الدولة بالمم الخرى‪ ،‬وبالقضايا العالمية؟‬

‫‪15‬‬
‫ما ادوار المواطنين في تحقيق الديمقراطية ؟‬
‫ويندرج تحت الجابة على كل سؤال العديد من العناصر التي يمكن‬
‫أن تشكل أسس ومواضيع لمقررات التربية الوطنية؛ وتلك المعايير‬
‫وان كانت معدة للتربية الوطنية في الوليات المتحدة المريكية؛‬
‫إل أن أي بلد بإمكانه الفادة منها في بناء مقررات التربية الوطنية‪،‬‬
‫بعد استبعاد ما ل يلءم المجتمع الذي تعد له تلك المقررات‪.‬‬
‫‪ -2‬المهارات المدنية‪ :‬لكي يمارس المواطنون حقوقهم ويؤدوا‬
‫مسؤولياتهم كمواطنين صالحين‪ ،‬لن تكون المعرفة كافية لهم؛ بل‬
‫لبد من إكسابهم مهارات المشاركة الوطنية وهي‪:‬‬
‫القدرة على فهم معنى الشياء الوطنية الملموسة ) العلم‬ ‫‪-‬‬
‫الوطني‪ ،‬أحداث مدنية وسياسية(‬
‫القدرة على تمييز اللغة والرموز الوطنية ذات الهمية‬ ‫‪-‬‬
‫الخصوصية للمواطنين‬
‫القدرة على فهم القضايا السياسية ومعرفة تاريخها وصلتها‬ ‫‪-‬‬
‫بالحاضر‪.‬‬
‫القدرة على التمييز بين الحقيقة والرأي‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫تطوير مهارات صنع القرارات وما تقتضيه من مناقشة بعض‬ ‫‪-‬‬
‫القضايا مع الخرين‪.‬‬
‫نماذج لتجارب بعض الدول العربية والجنبية في مجال تعزيز‬
‫أهداف تربية المواطنة في المناهج الدراسية وفق‬
‫التجاهات المعاصرة ‪:‬‬
‫‪ -1‬تجربة مملكة البحرين‪:‬‬
‫قامت وزارة التربية والتعليم بمملكة البحرين في العام الدراسي‬
‫‪75/1976‬م بتطوير المناهج الدراسية تنفيذا ً لما ورد في الدستور‬
‫واستحدثت مادة التربية الوطنية‪ ،‬وافرد لها منهجا خاصا يدرس ضمن‬
‫إطار الدراسات الجتماعية‪ ،‬وفي بداية التسعينات أعيد النظر في‬
‫المناهج بحيث تعد التربية الوطنية قضية عامة ينبغي أن تسهم فيها‬
‫جميع المواد الدراسية‪ ،‬وبالتالي تم التجاه إلى دمج مفاهيم التربية‬
‫للمواطنة في المواد الدراسية بما يتفق مع أهدافها ومستويات‬
‫الطلبة) الخليفة‪.(2004 ،‬‬
‫‪ -2‬تجربة المملكة العربية السعودية‪:‬‬
‫كان الهتمام في المملكة بوجود مادة التربية الوطنية منذ ظهور‬
‫التعليم بشكل رسمي‪ ،‬فلم تكن البداية عام ‪1417‬هـ‪ ،‬وإنما سبق‬

‫‪16‬‬
‫تطبيقها عدة مرات خلل مراحل تطور التعليم‪ ،‬حيث كانت المرة‬
‫الولى عام ‪1348‬هـ تحت مسمى مادة "الخلق والتربية الوطنية"‬
‫لتدرس في الصف الثالث البتدائي بواقع حصة واحدة في السبوع‪،‬‬
‫والصف الرابع البتدائي بواقع حصتين في السبوع‪ ،‬وفي تلك الفترة‬
‫كانت المرحلة البتدائية نهائية تؤهل من يتخرج منها للعمل‪ ،‬وتتكون من‬
‫أربع مستويات تسبقها مرحلة تحضيرية مدتها ثلث سنوات )الحبيب‪،‬‬
‫‪.(1991‬‬
‫غابت التربية الوطنية كمادة مستقلة عن التعليم العام منذ عام‬
‫‪1355‬هـ إلى عام ‪1405‬هـ حتى عادت مرة أخرى من خلل التعليم‬
‫الثانوي المطور كمادة إجبارية يدرسها جميع الطلب من جميع‬
‫التخصصات بواقع ساعتين في السبوع لمدة فصل دراسي واحد‪ ،‬ولكن‬
‫هذا لم يستمر طويل ً فقد ألغي التعليم الثانوي المطور عام ‪1411‬هـ‬
‫ومعه ألغيت مادة التربية الوطنية‪ ،‬ثم عادت من جديد عام ‪1417‬هـ‬
‫كمادة مستقلة تدرس في جميع مراحل التعليم العام بداية من الصف‬
‫الرابع البتدائي إلى الثالث ثانوي )القحطاني‪1418 ،‬هـ(‪ .‬ولقد جاء في‬
‫الفقرة الثالثة من التعميم الوزاري رقم ‪ 611‬ما نصه "يسند تدريس‬
‫مادة التربية الوطنية إلى المدرسين السعوديين الذين تبدو عليهم‬
‫إمارات الستعداد والحماسة والقدرة على القيام بهذه المسؤولية‬
‫ويبدون فهما ً واضحا ً لها"‪.‬‬
‫‪ -3‬سلطنة عمان‪:‬‬
‫عند تتبع مسيرة التعليم الحديث بالسلطنة منذ عام ‪ 1970‬وحتى‬
‫الوقت الراهن يمكن ملحظة الهتمام المتنامي على مدى العقود‬
‫الماضية بالشأن المتعلق ببناء النسان العماني الذي يكن الولء لوطنه‪،‬‬
‫والنتماء لمجتمعه‪ ،‬والستعداد لخدمة وصون مكتسباته‪.‬‬
‫لذلك كانت التربية الوطنية قضية تربوية حاضرة على الدوام في‬
‫المناهج العمانية ‪ ،‬تتطور أهدافها ويتجدد محتواها وتتعدد أشكال معالجة‬
‫مواضيعها وفق وقع تقدم حياة المجتمع العماني؛ حيث اعتمدت المناهج‬
‫العمانية معالجة التربية الوطنية اعتمادا على مبدأ أن مفهوم التربية‬
‫الوطنية ل يختلف عن مفهوم التربية بمعناها الواسع إل بتركيزه على‬
‫علقة النسان بمجتمعه وبيئته ووطنه وأرضه لتدريب الفرد على الحياة‬
‫الجتماعية حتى يقوم بدوره من خلل علقاته مع الخرين‪.‬‬
‫وبذلك يتضح أن المناهج العمانية قد عالجت موضوع التربية‬
‫الوطنية من خلل أسلوبين ‪:‬‬

‫‪17‬‬
‫اعتمد احدهما على تضمين قدر من المعارف والمفاهيم والقيم‬
‫والتجاهات ذات العلقة بتنشئة الفرد تنشئة وطنية في جميع المواد‬
‫الدراسية وفق ما يتفق وطبيعة المادة الدراسية‪.‬‬
‫في حين أن السلوب الثاني‪ :‬قام على تخصيص مادة مستقلة باسم‬
‫التربية الوطنية تعنى بالشأن الوطني والمواطنة‪ ،‬كي تتم معالجتها من‬
‫مختلف أبعادها وبعمق وتوسع من اجل غرس القيم والتجاهات الوطنية‬
‫المستهدفة لدى الفراد ) الشيدي‪.(2004 ،‬‬
‫‪ -4‬الوليات المتحدة المريكية ‪:‬‬
‫المجتمع المريكي خليط من المهاجرين الذين قدموا من أنحاء‬
‫مختلفة من العالم‪ ،‬مما يتطّلب من النظام السياسي محاولة دمجهم في‬
‫الحياة الجديدة أو إعادة التشكيل اليديولوجي لهم لتدعيم الستقلل‬
‫السياسي وتثبيت الحكم الديمقراطي من خلل النظام التربوي‪.‬‬
‫ونظرا لن الوليات المتحدة دولة اتحادية مكونة من خمسين ولية‬
‫لكل منها نظام تعليمي مستقل‪ ،‬فإنه يصعب التعميم بالنسبة لبرامج‬
‫ن هذه‬‫ومناهج التربية الوطنية حيث تختلف كل ولية عن الخرى‪ ،‬إل أ ّ‬
‫البرامج تحظى بالهتمام والعناية من قبل السلطات التربوية في كل‬
‫الوليات بصور وأشكال مختلفة ‪ ،‬فغالبية الوليات تكتفي بالمواد‬
‫الجتماعية أو القومية "التاريخ‪ ،‬الجغرافيا"‪ ،‬وبعض الوليات تضع منهجا ً‬
‫مستقل ً ‪ ،‬وبعضها الخر يضعها كمادة إجبارية‪ ،‬كولية ميرلند )العريان‪،‬‬
‫‪.(1990‬‬
‫وتمتد برامج تربية المواطنة ضمن المناهج الدراسية التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬الدراسات الجتماعية ‪ :‬تعد التربية الوطنية هدفا ً رئيسا ً للدراسات‬
‫الجتماعية‪ ،‬حيث يعد التاريخ مادة إجبارية في جميع الوليات وجميع‬
‫المدارس‪ ،‬ويركز على‪" :‬التاريخ المريكي‪ ،‬الدستور‪ ،‬البنية السياسية‪،‬‬
‫نظام الحكم‪ ،‬القيم الديمقراطية"‪ .‬أما الجغرافيا فينصب تدريسها على‬
‫جغرافية كل ولية مع اهتمام قليل في الونة الخيرة بتدريس جغرافية‬
‫العالم من خلل تقسيمه إلى مناطق متماثلة )العريان‪.(1990 ،‬‬
‫‪ .2‬التربية الوطنية ‪ :‬تدرس بعض الوليات منهجا ً مستقل ً للتربية الوطنية‬
‫يركز على ‪" :‬الحقوق والواجبات‪ ،‬المسؤولية‪ ،‬القانون‪ ،‬دور المواطن في‬
‫البناء والنتاج وغيره"‪ ،‬وبدأ في السنوات الخيرة الهتمام ببعض القضايا‬
‫التي تواجه المجتمع المريكي‪ ،‬مثل ‪" :‬الجريمة‪ ،‬التلوث‪ ،‬الفقر‪،‬‬
‫المخدرات‪ ،‬الهجرة" وبعض القضايا العالمية‪ ،‬مثل ‪" :‬الصراعات العالمية‬
‫والسلم‪ ،‬المشكلت البيئية‪،‬التكنولوجيا‪ ،‬الطاقة وحقوق النسان"‪ ،‬وتدمج‬

‫‪18‬‬
‫هذه الموضوعات في الدراسات الجتماعية والمواد الخرى إذا لم يكن‬
‫هناك منهج مستقل في الولية )العريان‪.(1990 ،‬‬
‫أشكال تربية المواطنة في الوليات المتحدة مع نماذج منهـا ‪:‬‬
‫‪ .1‬السلوب التقليدي ‪:‬‬
‫يعد هذا السلوب من أقدم أساليب تعليم المواطنة في الوليات‬
‫المتحدة‪ ،‬ويهدف إلى تعليم الطلب قدرا ً محدودا ً من النشطة‬
‫السياسية‪ ،‬مثل التصويت في النتخابات )أيوب‪.(1998 ،‬‬
‫‪ .2‬السلوب التقنـي ‪:‬‬
‫يقدم هذا السلوب سلسلة من النشطة التي غالبا ً ما تكون عن طريق‬
‫إعطاء الطلب أسئلة للتكملة على استمارة معينة‪ ،‬ويعطي الطلب بعض‬
‫النشطة الضافية التي تجمع بين خبرتهم واهتماماتهم ومحتوى المنهج‬
‫)أيوب‪.(1998 ،‬‬
‫‪ .3‬السلوب )البنائى( "التجريبي" ‪:‬‬
‫يشجع هذا السلوب الطلب على ممارسة اهتماماتهم من خلل منهج‬
‫وأنشطة معدة بشكل متكامل تتماشى مع خبراتهم‪ ،‬وتجعلهم يبحثون‬
‫على نطاق واسع في المجالت السياسية )أيوب‪.(1998 ،‬‬
‫‪ -5‬اليـابان ‪:‬‬
‫يعد النظام التعليمي أحد المقومات السياسية للنهضة اليابانية‬
‫المعاصرة‪ ،‬حيث تم توجيهه سياسيا ً لتدعيم الولء الوطني للنظام‬
‫السياسي‪ ،‬وترسيخ القيم الجماعية وتغذية الفراد بالمعتقدات التي تعلي‬
‫من شأن النتماء القومي‪ ،‬وتحث على التضحية بالمنفعة الشخصية في‬
‫مقابل الصالح العام )عبد البديع‪.(1983 ،‬‬
‫ورغم ما يتميز به المجتمع الياباني المعاصر من وجود اتجاهات‬
‫يمينية تدعو لمزيد من الجماعية وأخرى يسارية تؤكد على الفردية‪،‬‬
‫وجماعات ليبرالية واشتراكية وشيوعية‪ ،‬إل أن هذه التجاهات والجماعات‬
‫ليس لها تأثير على البرنامج الرسمي للتنشئة السياسية من خلل النظام‬
‫التعليمي )عبد البديع‪.(1983 ،‬‬
‫وتضع وزارة التربية اليابانية عددا ً من الهداف التي تسعى لتحقيقها‬
‫من خلل موضوعات التربية الوطنية‪ ،‬أهمها ‪:‬‬
‫‪ .1‬احترام الذات‪ ،‬والخرين‪ ،‬والنسانية كافة‪.‬‬
‫‪ .2‬فهم الشعوب والثقافات المختلفة‪.‬‬
‫‪ .3‬تنمية استعداد الطلب على تحمل المسؤولية تجاه أنفسهم‪،‬‬
‫ومجتمعهم‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫‪ .4‬زيادة الوعي بالمشكلت والقضايا المحلية والعالمية‪.‬‬
‫‪ .5‬تكوين التجاهات الخاصة بعملية السلم التفاهم الدولي‪.‬‬
‫هذا ول تضع وزارة التربية اليابانية مادة دراسية مستقلة تحت مسمى‬
‫التربية الوطنية أو التربية الدولية في مراحل التعليم العام‪ ،‬وإنما تضمن‬
‫موضوعاتها في معظم المواد الدراسية‪ ،‬وبشكل خاص في مقررات‬
‫الدراسات الجتماعية والتربية الخلقية‪.‬‬
‫ويتم اللجوء لعدد من الساليب والوسائل لتنفيذ برامج التربية‬
‫الدولية‪ ،‬منهـا‪ :‬المواد الدراسية ‪ :‬تتضمن معظم المواد الدراسية ‪ ،‬مثل‬
‫"الدراسات الجتماعية" موضوعات تتعلق بالتربية الدولية‪ ،‬أبرزها ‪:‬‬
‫"التكافل والتعاون الدولي‪ ،‬العلقات الدولية‪ ،‬المشكلت الدولية‪ ،‬الوضاع‬
‫الدولية والسياسة اليابانية‪ ،‬ثقافات وشعوب العالم‪ ،‬المنظمات الدولية‪،‬‬
‫المعاهدات الدولية‪ ،‬مصادر الثقافة اليابانية‪ ،‬التأثير المتبادل بين اليابان‬
‫والثقافات الخرى‪ ،‬دور اليابان في عالم اليوم والغد" )ساتو‪.(1979 ،‬‬
‫المملكة المتحدة‪:‬‬ ‫‪-6‬‬
‫تسعى المملكة المتحدة إلى ضرورة تعلم مهارات الوطنية وعلى إدماج‬
‫العتبارات المتعلقة بالمواطنة ضمن التعليم في كل مستوياته ابتداء من‬
‫السنوات الولى وانتهاء إلى التعليم المستمر وتعليم الكبار)كارين‪،‬‬
‫‪.(2000‬‬
‫وهناك عدة نماذج للتربية الوطنية في التعليم الساسي في المملكة‬
‫المتحدة منها‪:‬‬
‫‪-1‬من خلل القيام بالمشاريع التربوية البيئية‪.‬‬
‫‪-2‬ضمن جميع المواد الدراسية‪.‬‬
‫‪-3‬السابيع العامة‪.‬‬
‫‪ -4‬جماعات النشاط‪.‬‬
‫‪ -5‬من خلل النقاشات وتمثيل الدوار‪.‬‬
‫الصيــن ‪:‬‬ ‫‪-7‬‬
‫تتمثل طبيعة التربية في الصين في الربط بين التعليم والعمل النتاجي‬
‫لتنمية وتكامل الشخصية‪ ،‬وإدراك أهمية التعليم في التنمية القتصادية‬
‫على المستوى القومي‪ .‬وهكذا يبدو واضحا ً أن التعليم في الصين هو‬
‫تعليم سياسي بالدرجة الولى )عبود وآخرون‪.(1997 ،‬‬
‫وتسعى برامج التربية السياسية لتحقيق الهداف التاليــة ‪:‬‬
‫‪ .1‬تنمية الشخصية المتكاملة للفرد ليكون عامل ً عن وعى اشتراكي‬
‫اجتماعي ثقافي‪.‬‬
‫‪20‬‬
‫‪ .2‬غرس روح المسؤولية لدى الفراد ‪ ،‬وقبولها كمواطنين‪.‬‬
‫‪ .3‬احترام الفرد لذاته وللكبار وللسلطات‪.‬‬
‫‪ .4‬احترام القانون واللتزام به‪.‬‬
‫‪ .5‬رفع مستوى الوعي بأهمية العمل اليدوي واحترامه ‪.‬‬
‫هذا وتضع دولة الصين منهجا ً مستقل ً للتربية الوطنية في جميع‬
‫مراحل التعليم العام تحت مسمى التربية السياسية‪ ،‬ول تكتفي بذلك بل‬
‫تضمن موضوعاتها في معظم المواد الدراسية الخرى‪ ،‬وتوجه هذه‬
‫المواد لخدمة أهدافها )مرسي ‪.(1998 ،‬‬
‫ولتنفيذ سياستها في مجال التربية الوطنية تتبع الصين الساليب‬
‫التالية ‪:‬‬
‫‪ .1‬رياض الطفال ‪ :‬رغم أن هذه المرحلة ليست إلزامية إل أنها من أهم‬
‫المراحل في مجال التربية السياسية‪ ،‬حيث يبدأ في هذه المرحلة غرس‬
‫روح العمل الجماعي واحترام السلطة واللتزام بالنظام من خلل أداء‬
‫بعض العمال البسيطة مثل مسح الرضيات وترتيب الدوات والملبس‬
‫وتعلم الناشيد الوطنية )عبود وآخرون‪.(1997 ،‬‬
‫التعليم العام ‪:‬‬
‫أ ( المواد الدراسيـة ‪ :‬تعد مادة التربية السياسية من أهم المواد‬
‫الدراسية في مناهج التعليم العام بمراحله الثلث‪ ،‬وأبرز موضوعاتها ‪:‬‬
‫"الخلق والعقيدة الشيوعية‪ ،‬الحزب الشيوعي‪ ،‬احترام السلطة‪،‬‬
‫الشتراكية‪ ،‬الملكية الخاصة والعامة‪ ،‬المشاركة السياسية‪ ،‬النظام ‪،‬‬
‫التعاون‪ ،‬المسؤولية"‪ ،‬إضافة لتوجيه المواد الدراسية الخرى لخدمة مادة‬
‫التربية السياسية كأساس للنظام التعليمي )عبود وآخرون ‪.(1997 ،‬‬
‫ب( الربط بين التعليم والعلم المنتج ‪ :‬يعد هذا السلوب من الجوانب‬
‫الساسية للتربية السياسية‪ ،‬وذلك لربط النظرية بالتطبيق أو الطلب‬
‫بالعمل ‪ ،‬ويبدأ في المرحلة البتدائية من خلل قيام الطلب ببعض‬
‫العمال الجماعية لتطوير الحقول المدرسية والمشاركة في بعض‬
‫أعمال المصانع والشركات‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫المواطنة انفتاح متوازن ‪:‬‬

‫حينما نتحدث عن المواطنة باعتبارها محضنا للهوية وللخصوصيات الحضارية‪ ،‬فإننا نقر‪،‬‬
‫من جهة ثانية‪ ،‬أن كمال هذه المواطنة ومعرفة قيمتها الحقيقية يكمنان في وضعها في محيطها‬
‫القليمي والدولي عن طريق النفتاح على كل الوطان‪ ،‬والطلع على تجارب الخرين‬
‫والبحـث عن الحكمـة أينمـا وجدت‪ ،‬لغنـاء رصيدنا الحضاري والثقـافي و تعزيزه‪ ،‬و نقل‬
‫تجاربنـا إلى الغير للفـادة منهـا و التعريف بها‪.‬‬

‫فالنغلق الجامد يؤدي‪ ،‬عبر التاريخ‪ ،‬إلى الضمحلل والفناء‪ .‬والتلقح والندماج المتزن‬
‫يؤدي إلى التطور والزدهار‪ .‬وغاية التربية على المواطنة أن تمكن النسان من آليات التنمية‬
‫الذاتية والنفتاح الموزون على المحيط‪.‬‬

‫وقد لخص صاحب الجللة كل هذه البعاد في قوله‪" :‬إن المواطنة التي نريدها ل ينبغي أن‬
‫سد في‬
‫جّ‬ ‫تختزل في مجرد التوفر الشكلي على بطاقة تعريف أو جواز سفر‪ ،‬وإنما يجب أن ُت َ‬
‫الغيرة على الوطن‪ ،‬والعتزاز بالنتماء إليه‪ ،‬والمشاركة الفاعلة في مختلف أوراش التنمية‬
‫التي نتمناها وطنية كانت أو جهوية أو محلية‪ ،‬وتوسيع إشعاعه العالمي"‪.‬‬

‫‪22‬‬

You might also like