Professional Documents
Culture Documents
ث عليها ح ّ
التعاون بين الناس في البر والخير والصلح من المبادئ التي َ
وى وَل َ ت ََعاوَُنوا ْ ع ََلى ال ِث ْم ِ َوال ْعُد َْوا ِ
ن السلم ،يقول تعالى} :وَت ََعاوَُنوا ْ ع ََلى اْلبّر َوالت ّ ْ
ق َ
ب { 1كما يشير الرسول العظم ) صلى الله قا ِ ديد ُ ال ْعِ َ
ش ِ ن الل ّ َ
ه َ قوا ْ الل ّ َ
ه إِ ّ َوات ّ ُ
عليه وآله وسلم ( إلى أن التعاون يؤدي إلى الخير ،وانعدامه سبيل للشر ،إذ روي
عنه أنه قال )) :ل يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف ،ونهوا عن المنكر،
وتعاونوا على البر ،فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت عنهم البركات ،وسلط بعضهم على
بعض ،ولم يكن لهم ناصر في الرض ول في السماء (( 2وعنه ) صلى الله عليه
وآله وسلم ( أيضًا )) :إن معاونة المسلم خير وأعظم أجرا ً من صيام شهر
واعتكافه في المسجد الحرام (( . 3
فالتعاون في مجال الخير والصلح وكل ما فيه منافع عامة بخدم المجتمع،
ويساهم في تقويته وفاعليته وحيويته ،أما التعاون على الثم والعدوان فهو يؤدي
إلى خراب وفساد المجتمع ،ويساهم في تأخره وتخلفه عن ركب التحضر
والتقدم .ولذلك نهانا الله تعالى عن هذا النوع من التعاون ،قال تعالى } :وَل َ
ن {.ت ََعاوَُنوا ْ ع ََلى ال ِث ْم ِ َوال ْعُد َْوا ِ
2ـ تنمية العمل التطوعي:
ومن سمات المجتمع الفاعل والقوي نمو حركة العمل التطوعي في المجتمع،
فالعمال التطوعية عامل رئيس من عوامل بناء المجتمع القوي والمتقدم ،ول
يمكن أن يتقدم المجتمع بصورة حقيقية في ظل غياب ثقافة وروح العمل
التطوعي من الفضاء الجتماعي.
ولو ألقينا نظرة فاحصة على المجتمعات المتقدمة في عالمنا المعاصر لوجدنا
أن من أسباب قوة تلك المجتمعات وتقدمها هو شياع وانتشار العمال التطوعية
بما بخدم تقدم المجتمع وتطوره.
وكأمثلة على ذلك :أعلن الملياردير المريكي ) بيل غيتس ( رئيس مجلس إدارة
))مايكروسوفت((العالمية وأحد مؤسسيها ،عن تبرعه بمبلغ ثمان وعشرين بليون
دولر من ثروته لعمال الخير ،أي ما يقارب نصف ثروته ! . 4
كما أوصت حلقة أمريكية بـ 35مليون دولر لمصلحة إجراء بحوث طبية ،إذ
ذكرت صحيفة الحياة أن حلقة أمريكية واسمها ) أوجينيا بودسون ( توقيت في
نهاية 2005م عن مائة سنة بثروة تبلغ قيمتها 35مليون دولر لمصلحة جامعة
ميامي في سبيل إجراء بحوث طبية.
وقد عاشت حياتها كلها في شكل متواضع جدا ً لتتمكن من تحقيق أهدافها الخيرية.
وسيمنح ثلثا الـ 35مليون دولر إلى مركز بحوث حول مرض السكري ،والثلث
الخير إلى مركز بحوث حول السرطان ،والمركزان تابعان لجامعة فلوريدا .5
كما أن مؤسس شبكة CNNالمريكية واسمه ) تيد تورنر ( تبرع بثلث ثروته
إلى المنظمات النسانية في المم المتحدة ،ويساوي مبلغ مليار دولر أمريكي
.6
والمثلة على ذلك كثيرة ،وكلها تشير إلى انتشار روح المساهمة في العمال
التطوعية في البلد الغربية ،والتي تعد ركيزة مهمة من ركائز التقدم المجتمعي،
وعماد من أعمدة قوة المجتمع وحيويته.
عندما تكثر في أي مجتمع روح المبادرة إلى فعل الخيرات ،والتيان بالعمال
النافعة ،وتأسيس المشاريع العلمية والثقافية ...يتقدم المجتمع ،ويرتقي نحو
سللم المجد والكمال.
ومجتمعنا أحوج ما يكون إلى تنمية روح المبادرة بين أفراده من جهة،
ومؤسساته من جهة أخرى؛ إذا ما أردنا أن يكون مجتمعنا مجتمعا ً قويا ً وفاعل ً
ومتقدمًا.
أما المجتمع الذي يكثر فيه الكلم ،ويقل فيه العمل ،و يترامى أفراده إلقاء
المسؤولية على بعضهم البعض ،ويتحدثون عن المفروضات على الخرين،
ويتناسون القيام بواجباتهم ،فهذا المجتمع سيراوح مكانه ،ولن يتقدم خطوة نحو
المام؛ بل سيعيش حالة من التراجع المستمر والتقهقر نحو الوراء.
ويحذر القرآن الكريم مثل هؤلء الناس الذين يكتفون بالكلم بديل ً عن العمل،
عند َ الل ّهِ َأن
قتا ً ِ فعَُلو َ
ن * ك َب َُر َ
م ْ ما َل ت َ ْ قوُلو َ
ن َ م تَ ُ
مُنوا ل ِ َ
ذي َ
نآ َ
َ
يقول تعالىَ } :يا أي َّها ال ّ ِ َ
ن {. 11 فعَُلو َ
ما َل ت َ ْ
قوُلوا َ
تَ ُ
والمام علي ) عليه السلم ( أيضا ً يوبخ أصحابه الذين يكثرون الكلم في
المجالس ،ولكنهم حين العمل يقدمون العذار لعدم القيام بواجباتهم ،يقول
صم الصلب ،وفعلكم يطمع فيكم العداء، ) عليه السلم ( )) :كلمكم ُيوهي ال ّ
حَياد (( . 12 تقولون في المجالس :ك َْيت وك َْيت ،فإذا جاء القتال قلتمَ :
حْيدي َ
وهذه آفة الكثير من المجتمعات المتخلفة ،حيث يكثر الكلم عن المشاكل
والنواقص والثغرات ،ولكنهم ل يعملون شيئا ً لتجاوز ذلك.
ومن أجل تجاوز تلك الحالة ،علينا أن ننمي صفة المبادرة في مجتمعنا ،بل وأن
يبادر كل واحد منا في تأسيس مشروع خيري ،أو تشييد عمل ثقافي مميز ،أو بناء
مشاريع صحية ،أو المساهمة في حل المشكلت الجتماعية ،أو جعل أوقاف
جديدة تخدم الحاجات الجديدة للمجتمع ...وغير ذلك كثير.
ومن هنا لبد من تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني كخطوة لبد منها في
عصر العولمة للنهوض بالمجتمع ،وتنمية قدراته ،واستثمار ما لدى أفراده من
إمكانات ومهارات ومواهب يمكن صقلها وتجميعها لتصب بعد ذلك في بناء
المجتمع بناء قويًا.
وبهذه السس التي ذكرناها يمكن أن نؤسس لبناء مجتمع فاعل وقوي
ومتماسك ،وهي صفات رئيسة من صفات أي مجتمع قوي وفاعل وناهض .