You are on page 1of 625

‫الباب الول‪ -‬شبهات حول السلم )‪(1‬‬

‫السلم هو الدين الذي ارتضاه الله لعباده وجبل عليه رسله‬


‫وأنبياءه من لدن آدم حتى حبيبه و مصطفاه محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم والذي جعله خاتم النبياء والمرسلين‪ ,‬وإذا استلهمنا‬
‫آيات القرآن الكريم واسترشدنا بمعانيه الجليلة السامية لوجدنا‬
‫ذلك واضحا ومؤكدا في العديد والعديد من المواضع واليات بدءا‬
‫من قوله تعالى‪} :‬إن الدين عند الله السلم{ ومرورا بتأكيد‬
‫إسلم النبياء والمرسلين جميعا في قوله تعالى في أمر إبراهيم‬
‫ة لك‬ ‫ة مسلم ً‬ ‫وإسماعيل‪} :‬ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أم ً‬
‫وأرنا مناسكنا وتب علينآ إنك أنت التواب الرحيم{ ‪ ،‬وقوله‪} :‬ما‬
‫ما وما كان‬ ‫فا مسل ً‬ ‫كان إبراهيم يهودًيا ول نصرانًيا ولكن كان حني ً‬
‫من المشركين{ وقوله تعالى على لسان يوسف ‪} :‬رب قد‬
‫آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الحاديث فاطر السماوات‬
‫ما وألحقني‬ ‫والرض أنت وليي في الدنيا والخرة توفني مسل ً‬
‫بالصالحين{ ‪ ،‬وقوله تعالى‪} :‬وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم‬
‫بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين{‬
‫مما يدل دللة قاطعة أن دين الله واحد من حيث الفطرة‬
‫السليمة التي تقوم على اليمان بالله الواحد المتفرد بكل صفات‬
‫القدرة والكمال وملئكته وبالموت بعد الحياة وبالبعث والنشور‬
‫والحساب والجنة والنار‪ ,‬على تلك العقيدة الواحدة والفطرة‬
‫السليمة بعث وآمن ودعا إليها كل الرسل والنبياء وإن جعل الله‬
‫لكل منهم شرعة ومنهاجا‪ ,‬حتى جاء محمد خاتم النبياء‬
‫والمرسلين يناسب زمانهم وينفع أقوامهم فسمى الله رسالته‬
‫الخاتمة بالسلم الذي يحمل نفس العقيدة الواحدة السليمة‬
‫ويستكمل الشريعة القوية في كل ما يصلح الدين والدنيا من‬
‫عبادات ومعاملت وأخلق تجدر بالنسان في كل مكان وزمان‬
‫من يوم أرسل محمد صلى الله عليه وسلم وإلى يوم القيامة‪,‬‬
‫وترفع ذلك النسان إلى أرقى درجات اليمان والذعان والخلص‬
‫والصفاء والسلم النفسي والجتماعي مع النفس والهل والجار‬
‫والمجتمع بأسره‪ ،‬لتتكون أمة مسلمة مؤمنة امتدحها ربها في‬
‫كتابه العزيز حيث قال‪} :‬كنتم خير أمة أخرجت للناس} وذلك ما‬
‫التزموا بتعاليم ربهم وهديه وأمرهم بمواصلة التمسك بدينه‪} :‬يا‬
‫أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ول تموتن إل وأنتم‬
‫مسلمون} وقوله تعالى‪ :‬يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا‬
‫ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون}‬
‫ومنذ فجر الدعوة المحمدية وكعهد الكفار والمعاندين‬
‫والمشككين على مر العصور والجيال كان للدعوة أعداؤها الذين‬

‫‪1‬‬
‫حاربوها بشتى الساليب بدءا من الباطيل والكاذيب وانتهاء‬
‫بالحرب في ميادين القتال‪.‬‬
‫نقول إنه منذ أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوته‬
‫وجهر بها وإلى يومنا هذا وما زال أعداء السلم في مشارق‬
‫الرض ومغاربها يكيدون للسلم كيدا ويشنون عليه حربا ل هوادة‬
‫فيها في كل مجال وكل ميدان‪ ,‬وبشتى الوسائل والساليب قول‬
‫وفعل‪ ,‬كيدا ودسا وخبثا ومكرا وغزوا وافتراء واجتراء على‬
‫العقيدة الغراء والشريعة السمحاء‪ ,‬وتفريقا وتشتيتا وإضعافا‬
‫للمة المسلمة‪ ,‬يتناولون بذلك ل جوهر السلم وعقيدة‬
‫المسلمين وحسب بل يتخطون ذلك إلى كل مقومات السلم‬
‫كدين من عقيدة وشريعة وكتاب وسنة ثم أمة السلم ذاتها من‬
‫شعوب ودول قائمة أو تاريخ وعلم وحضارة شيدها المسلمون‬
‫في شتى بقاع الرض على مر القرون والزمان‪.‬‬
‫إن الهجمة الشرسة على السلم وأمة السلم والتي بدأت منذ‬
‫فجر الدعوة وإلى يومنا هذا لم تتوقف ولن تتوقف حتى تقوم‬
‫الساعة‪ ,‬أنبأنا بذلك ربنا في كتابه العزيز حيث قال عز من قائل‪:‬‬
‫قا من الذين أوتوا الكتاب‬‫}‪.‬يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فري ً‬
‫ة‬
‫يردوكم بعد إيمانكم كافرين‪ ،‬يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا بطان ً‬
‫من دونكم ل يألونكم خبال ً ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من‬
‫أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم اليات إن كنتم‬
‫تعقلون{ ‪ ,‬وأنبأنا بذلك رسوله الكريم في حديثه الشريف‪ ,‬عن‬
‫ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪ :‬قال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪ ) :‬يوشك أن تداعى عليكم المم من‬
‫ق كما تداعى الكلة على قصعتها قال قلنا يا رسول الله‬ ‫كل أف ٍ‬
‫أمن قلةٍ بنا يومئذ ٍ قال أنتم يومئذ ٍ كثيٌر ولكن تكونون غثاًء كغثاء‬
‫السيل ينتزع المهابة من قلوب عدوكم ويجعل في قلوبكم الوهن‬
‫قال قلنا وما الوهن قال حب الحياة وكراهية الموت( أخرجه أبو‬
‫داود وأحمد في المسند‪.‬‬
‫وإن ما نشاهده اليوم من اشتداد الهجوم على السلم‬
‫والمسلمين في كل مجال وميدان لهو أصدق دليل على ذلك‪.‬‬
‫ولقد وعدنا الله وقد صدق وعده أن ينصر السلم دائما‪} :‬أم‬
‫حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم‬
‫مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا‬
‫ب{ وأكد دفاعه عن عباده‬ ‫معه متى نصر الله أل إن نصر الله قري ٌ‬
‫المؤمنين {إن الله يدافع عن الذين آمنوا} ‪ ,‬وقال جل شأنه‪:‬‬
‫}وما جعله الله إل بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إل‬

‫‪2‬‬
‫من عند الله العزيز الحكيم{ وبين أن كل تلك المحاولت‬
‫الغاشمة فكرية كانت أو فعلية ستبوء بالفشل الذريع‪.‬‬
‫مع علمنا بذلك وإيماننا الراسخ بأن الله منجز وعده فإننا قد أمرنا‬
‫وكلفنا من ربنا وخالقنا بأن ندافع ما استطعنا عن ديننا وعن‬
‫مقدساتنا وعن أمتنا وعن أوطاننا حيث قال تعالى‪} :‬أم حسبتم‬
‫أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم‬
‫الصابرين‪ ،‬وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل‬
‫ج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم‬ ‫عليكم في الدين من حر ٍ‬
‫دا عليكم‬
‫المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهي ً‬
‫وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلة وآتوا الزكاة واعتصموا‬
‫بالله هو مولكم فنعم المولى ونعم النصير}‪ .‬وأكد على ذلك نبيه‬
‫ومصطفاه محمد صلى الله عليه وسلم‪ :‬عن تميم ٍ الداري قال‬
‫سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪ ) :‬ليبلغن هذا‬
‫المر ما بلغ الليل والنهار ول يترك الله بيت مدرٍ ول وبرٍ إل أدخله‬
‫ل عًزا يعز الله به السلم وذًل‬ ‫الله هذا الدين بعز عزيزٍ أو بذل ذلي ٍ‬
‫يذل الله به الكفر ( أخرجه أحمد وإذا كان الدفاع عن السلم‬
‫فرضا على أمة السلم في كل زمان ومكان فإن للدفاع صوره‬
‫وأشكاله المختلفة التي أمر بها المسلمون‪.‬‬
‫وفي إطار الدفاع عن السلم فإن حالنا هنا ـ وهو الدفاع بالكلمة‬
‫والحجة والحقيقة الناصعة الساطعة هام وخطير وجليل ـ ل تقل‬
‫أهميته عن المنافحة عن السلم في ميادين القتال لنه يجابه‬
‫خطرا أشد على السلم مما يلقيه علينا أعداء السلم من قنابل‬
‫ونيران وما يسلطه علينا من مدافع وطائرات ودبابات‪.‬‬
‫إن هجوم أعداء السلم – وهم كثر – على العقيدة السلمية‬
‫ذاتها وعلى رسولنا الكريم وعلى مبادئ شريعتنا الغراء وعلى‬
‫تاريخنا السلمي كله لهو أشد خطرا مما ذكرنا من حروب‬
‫وغزوات‪.‬‬
‫ولكي نستطيع أن ندافع عن السلم في هذا المجال يجدر بنا أن‬
‫نعرف العداء ظاهرهم وخافيهم حتى نحذر المسلمين من‬
‫شرورهم ونفضح أساليبهم ونفند حججهم ونكشف أكاذيبهم‬
‫وادعاءاتهم ونخرس ألسنتهم التي تمتد بالسوء إلى ديننا الحنيف‪.‬‬
‫لقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يجادل أعداءه فكريا‬
‫بالتي هي أحسن لذلك فنحن هنا ل ننصب منبرا للسباب‬
‫والشتائم ول نتعرض للعقائد الفاسدة التي يتبعها ويعيش عليها‬
‫الن معظم من يهاجمون السلم أو يعادونه أو يخالفونه بل‬
‫سيقتصر دفاعنا هنا على الرد على شبهات المشككين في عقيدة‬

‫‪3‬‬
‫المسلمين وكتابنا الكريم ورسولنا العظيم وشريعتنا الغراء‬
‫وتاريخنا المجيد وحضارتنا الزاهرة لقرون طويلة‪.‬‬
‫إننا هنا نذكر كل شائعة كاذبة وكل دسيسة خبيثة وكل مقولة‬
‫خاطئة‪ ,‬نبين مصدرها وأصلها ومن روجها ودعا لها ثم نفند ذلك‬
‫بالعقل والحكمة والحجة البالغة قاصدين من وراء ذلك أن يفهم‬
‫أبناء السلم الغرض الساس من الهجمة الشرسة على دينهم‬
‫الحنيف‪ ,‬ليتثبتوا من قوة حجتهم وصحة دينهم ويثبتوا ويجادلوا من‬
‫جادلهم بنفس الحجة وذات السلوب‪ ،‬كما نقصد ونأمل أن يقرأها‬
‫من استطاع أن يقف بالمرصاد لهؤلء العداء المتحدين للسلم‬
‫ل لعله يثوب إلى رشده ويعرف‬ ‫وأهله‪ ,‬موضحين ضلل كل مض ٍ‬
‫موطن خطئه وزيف ادعائه هو ومن كانوا على شاكلته فإذا عرف‬
‫ذلك وأدرك صدقه ربما كف عن ادعائه أو أوقف هجومه وربما‬
‫هداه الله بعد ضلل وأخذ بيده بل وبقلبه إلى اليمان الصحيح‬
‫والدين القويم‪ .‬هذا هدفنا وتلك بغيتنا والله من وراء القصد وهو‬
‫يهدي السبيل‪.‬‬
‫======================‬
‫هل في السلم رواسب وثنية ؟‬
‫لماذا تقدس الكعبة؟‬
‫?لماذ يقبل الحجر السود؟‬
‫?الصلة لماذا شرعت؟ وما قيمتها في عصر العلم والتقدم؟‬
‫تقدس الكعبة‪:‬‬
‫‪ -‬دعا إبراهيم عليه السلم ربه )فاجعل أفئدة من الناس تهوي‬
‫إليهم( فاستجاب له ربه وجعل من بيت إبراهيم محجة ومكان‬
‫التقاء تهوي إليه أفئدة البشر في مشارق الرض ومغاربها‪.‬‬
‫‪ -‬إن الله تعالى كرم العرب بأن جعل عاصمتهم قبلة يتوجه إليها‬
‫الناس‪.‬‬
‫‪ -‬فيه رمز لتكريم إبراهيم ومحمد عليهما السلم )قد نرى تقلب‬
‫ل وجهك شهر‬ ‫وجهك في السماء فلتولينك قبلة ترضاها فو ّ‬
‫المسجد الحرام ‪(..‬‬
‫‪ -‬فيه رمز لتوحيد الفكر والقلب‪.‬‬
‫‪-‬في اتجاه المسلمين اتجاها ً واحدا ً رمزا ً لوحدة العقيدة والهدف‪.‬‬
‫‪-‬التجاه إلى الكعبة إنما يتم بالجسد وحده أما القلب والروح‬
‫فإلى الله اتجاههما وبه تعلقهما‪.‬‬
‫‪-‬روحانية التجاه فالمسلم ل يتجه إلى الكعبة بذاتها بل يدرك بأنه‬
‫يتجه بفكره وروحه إلى الله تعالى‪.‬‬
‫‪-‬أن الجسد يطوف بالبيت الجامد واللسان والقلب يلهجان‬
‫بقولهما )لبيك اللهم لبيك ‪ ،‬لبيك ل شريك لك لبيك(‬

‫‪4‬‬
‫الحجر السود‪:‬‬
‫‪-‬اتخذ العرب آلهتهم من أشياء ل تحصى ومع ذلك لم يكن الحجر‬
‫السود ضمن آلهتهم‪.‬‬
‫‪-‬كان للحجر السود مكانة محترمة لنه من بقايا بناء إبراهيم‬
‫للكعبة‪.‬‬
‫‪-‬اعتماد السلم على الحجر مع أن السلم ل يقر )وثنية( كانت‬
‫في الجاهلية‪.‬‬
‫‪-‬أن استلم الحجر السود يرجع إلى اعتبار رمزي ل إلى تقديس‬
‫الحجر ذاته‪.‬‬
‫‪-‬أعاد محمد الحجر إلى مكانه بيده الشريفة قبل بعثته وأنهى‬
‫مشكلة حرجة كادت أن تقع بين قريش‪.‬‬
‫‪-‬وقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوما ً أمام هذا الحجر‬
‫وقال‪) :‬إني أعلم أنك حجر ل تضر ول تنفع ‪ ،‬ولول أنني رأيت‬
‫رسول الله يقبلك ما قبلتك(‪.‬‬
‫‪-‬ليس تقبيله واجبا ً على الناس ‪ ،‬ول يشترط على الحاج أو‬
‫المعتمر تقبيله‪.‬‬
‫الصلة لماذا شرعت؟ وما قيمتها في عصر العلم والتقدم؟‬
‫?تتحقق فيها أهداف عظيمة منها‪:‬‬
‫‪-1‬وحدة الهدف وذلك باتجاه المصلين إلى قبلة واحدة ‪ ،‬وتلوة‬
‫واحدة ‪ ،‬وحركة واحدة ‪ ،‬قال فيليب حتي‪) :‬وإذا نظرت إلى العالم‬
‫در لك أن‬ ‫السلمي في ساعة الصلة بعين طائر في الفضاء وق ّ‬
‫تستوعب جميع أنحائه بقطع النظر عن خطوط الطول والعرض‬
‫لرأيت دوائر عديدة من المتعبدين تدور حول مركز واحد وهو‬
‫الكعبة وتنتشر في مساحة تزداد قدرا ً وحجمًا(‪.‬‬
‫‪-2‬في الصلة مساواة‪:‬حيث ل فرق بين غني وفقير ‪ ،‬صغير‬
‫وكبير ‪ ،‬وفي هذا تحقق عملي للمساواة‪.‬‬
‫‪-3‬تدارس لحوال الحي‪:‬فُيتساءل عن من غاب وما سبب غيابه ‪،‬‬
‫فإن كان مريضا ً عادوه ‪ ،‬وإن كان محتاجا ً ساعدوه‪.‬‬
‫‪-4‬في الصلة ثورة روحية ل يعرفها إل من تذوق حلوتها‪.‬‬
‫?النسان العصري أصبح جزءا ً من آلة وتكالبت عليه الدنيا فأصبح‬
‫أحوج ما يكون إلى الصلة ليجد فيها راحته ‪ ،‬ويتمم فيها إنسانيته‬
‫بعالميها المادي والروحي‪.‬‬
‫?المسلم الذي يتذوق طعم هذا اللقاء الذي يكون خمس مرات‬
‫في اليوم الواحد يتمنى أن يطول‪.‬‬
‫?الصلة اليوم عند الكثيرين طقوس وحركات جسدية فقدت فيها‬
‫الصلة الروحية بين العبد وربه وليست الصلة التي يريدها‬
‫السلم‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫?الصلة التي يريدها السلم لقاء مع الله ووقوف في حضرته‪.‬‬
‫?الصلة الحية ترقي النسان إلى مصاف الملئكة فتدعوه إلى‬
‫ترك الصفات الذميمة وتنهاه عنها وتدعوه إلى كل صفة حميدة‪.‬‬
‫?قال مونتسكيو‪):‬إن المرء لشد ارتباطا ً بالدين الحافل بكثير من‬
‫الشعائر منه بأي دين آخر أقل منه احتفال ً بالشعائر ‪ ،‬وذلك لن‬
‫المرء شديد التعلق بالمور التي تسيطر دائما ً على تفكيره(‪.‬‬
‫?كتب سعيد بن الحسن أحد يهود السكندرية الذي اعتنق‬
‫السلم‪):‬إذا كان الله قد تحدث مرتين إلى بني إسرائيل في كل‬
‫العصور ‪ ،‬فإنه يتحدث إلى هذه الجماعة في كل وقت من أوقات‬
‫الصلة ‪ ،‬وأيقنت في نفسي أني خلقت لكون مسلمًا(‬
‫يقول رينان‪):‬ما دخلت مسجدا ً قط دون أن تهزني عاطفة حارة ‪،‬‬
‫أو بعبارة أخرى دون أن يصيبني أسف على أنني لم أكن مسلمًا(‬
‫? كانت الصلة سبب انتشار السلم في كثير من بلدان‬
‫العالم‪.‬فهل تجد في الكعبة أو الحجر السود أو الصلة أية‬
‫رواسب وثنية؟‬
‫أم أنها تمام السعادة البشرية التي ل تتحقق إل بها؟‬
‫================‬
‫مفهوم الحرية عند دعاة الصلح‬
‫إن الحرية الحقة هي التحرر من ضغط شطحات النفس وهواها‬
‫وشهواتها ‪ ،‬وهي التحرر من تقاليد المجتمع المنحرفة ‪ ،‬وأعرافه‬
‫الضالة ‪ ،‬وهي التحرر من القوى ‪ ،‬والمصالح القتصادية الطاغية ‪،‬‬
‫المهيمنة على الحياة ‪ ،‬المواجهة لسلوك النسان في هذا العصر‪.‬‬
‫الحرية هي التحرر من أغلل السيطرة ‪ ،‬وقوى الضغوط الموجهة‬
‫للنسان من داخل نفسه ومن خارجها على السواء‪.‬‬
‫إن الحرية الحقة كما يراها دعاة الصلح هي المستمدة من‬
‫العبودية المطلقة لله وحده ‪ ،‬المرتكزة عليها ‪ ،‬فإذا استشعر‬
‫النسان بهذه العبودية تحرر من كل عبودية سواها ‪ ،‬وأحس من‬
‫لحظته بضآلة كل قوة أخرى على الرض ‪ ،‬وكل قيمة أخرى ‪،‬‬
‫وكل جاه ‪ ،‬وكل سلطان‪.‬‬
‫وهذه الحرية ‪ ،‬ل ينافيها أن يخضع النسان لنظام ‪ ،‬ويتقيد بقيود‬
‫ذلك النظام ‪ ،‬لن الحياة ل بد لها من نظام يحكمها ‪ ،‬والنظام ل‬
‫بد له من قيود ‪ ،‬وهو حين يخضع للنظام الذي يرتضيه الله ‪ ،‬إنما‬
‫يخضع ? في الحقيقة ? لله ‪ ،‬ومن ثم يطيع ولي المر ‪ ،‬ويطيع‬
‫نظامه المستمد من شريعة الله‪.‬‬
‫وهذه الحرية ل يعارضها أن تطيع المرأة زوجها ‪ ،‬وتقر بأحقيته‬
‫في القوامة عليها ‪ ،‬في الحدود المرسومة في شريعة الله ‪ ،‬لنها‬
‫حين تطيعه ل تفقد كيانها ‪ ،‬ول شخصيتها‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫ول ينقص من تلك الحرية للمرأة أن تكون في البيت ترعى‬
‫شؤونه وتربي صغاره وتوفر فيه السكينة‪.‬‬
‫وليس نقصا ً لتلك الحرية حينما تؤمر المرأة بالحجاب الشرعي‬
‫لتستر بذلك مفاتنها عن الجانب ولُيقضي على مثيرات الشهوة‬
‫ومحركاتها في المجتمع ‪ ،‬ول ينقص من تلك الحرية ول ينافيها ?‬
‫حد ّ للرجال والنساء على سواء طريق‬ ‫ولن يكون ذلك ? حينما ي ُ َ‬
‫يسلكونه ومعالم ينتهون إليها لتضبط تصرفاتهم ويحد من‬
‫شطحاتهم‪.‬‬
‫ل ينافي شيء من هذه الشياء جميعها الحرية الحقة ‪ ،‬لنها حرية‬
‫النسان الراقي المنظم ‪ ،‬ذي الرسالة السامية ‪ ،‬المنظمة ‪،‬‬
‫والمنظمة للحياة أيضا ً ‪ ،‬ولكن ليس المقصود من الحجاب ? كما‬
‫يتخيله الجاهلون أو يصوره المغرضون ? أن تحبس المرأة في‬
‫بيتها ل ترى الناس ‪ ،‬ول تتنسم الهواء ‪ ،‬وأن تختفي عن الحياة في‬
‫الخارج اختفاء كام ً‬
‫ل‪.‬‬
‫وليس معنى القرار في البيت ‪ ،‬أن تدخله عروسا ً ‪ ،‬ول تخرج منه‬
‫إل إلى القبر ‪ ،‬ل بل إنها تخرج ‪ ،‬ل بد أن ترى الرجال ويرونها لن‬
‫الحياة وضروراتها تحتم ذلك ‪ ،‬ولكن بضوابط السلم وفي إطار‬
‫حدوده‪.‬‬
‫فليس الخروج هو الممنوع في ذاته ‪ ،‬وإنما الهدف منه هو موضع‬
‫السؤال ‪ ،‬هل تخرج لتتعلم؟ أو لتعمل؟ أو لترى الشمس وتشم‬
‫الهواء ل بأس في هذا كله في الشرع‪.‬‬
‫أما أن يكون في باطن إحساسها إثارة الفتنة ‪ ،‬ويكون العلم‬
‫والعمل والنزهة ساترا ً لكل ذلك ‪ ،‬فهنا يقع الحجر‪.‬‬
‫وهي تتعامل مع الرجل ويتعامل معها ‪ ،‬ويكلمها وتكلمه ‪،‬‬
‫ويتبادلن الخدمات التي تحتمها ضرورات الحياة ‪ ،‬في هذا الجو‬
‫النظيف المكشوف الذي ل يخفي وراءه الفتنة ‪ ،‬ول دفع إليه‬
‫غرض دنيء‪.‬‬
‫أما العواطف التي تثير في نفسها الحنين الفطري إلى الجنس‬
‫الخر ‪ ،‬فهي شيء طبيعي ‪ ،‬تستلزمه الفطرة ‪ ،‬فل تحتقر ‪ ،‬ول‬
‫تكبت ‪ ،‬ول تستقذر ‪ ،‬فليس الجنس دنسا ً في ذاته ‪ ،‬ول هو‬
‫حرام ‪ ،‬ولكن يجب أن يوضع في إطاره الصحيح النظيف ‪ ،‬وفي‬
‫الزواج يجد الجنس مصرفه الطبيعي ‪ ،‬يجده مرتبطا ً بهدف أعلى‬
‫وأسمى ‪ ،‬وليس هو في ذاته كل الهدف المطلوب‪.‬‬
‫سورة‬‫أما إذا لم يكن زواج فهناك علج مؤقت ‪ ،‬للتخفيف من َ‬
‫تلك الغريزة وتحد من فورتها حتى يحين الزواج‪:‬‬
‫ل‪ :‬يجب أن ينظف المجتمع من دواعي الثارة المجنونة التي‬ ‫أو ً‬
‫تستفز الشهوة وتحركها‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫ثانيًا‪ :‬يجب أن تجعل للحياة أهداف جادة تستنقذ الطاقة‬
‫النفيسة ‪ ،‬وترفعها عن الدنس المحظور‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬تستنفذ الطاقة الحيوية الفائضة في أعمال جسدية دائمة ‪،‬‬
‫فيشغل الشباب بالرياضة والعمل ‪ ،‬والفتاة في تدبير المنزل‬
‫وشؤونه ‪ ،‬وكلهما جيد يرفع المشاعر ويشغلها إلى حين‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬إن العبادة جزء من النشاط الحي للنسان وهي وسيلة‬
‫ناجحة للتسامي والرتفاع بالنسان إلى أعلى‪.‬‬
‫وبهذا ُيخفف من سورة تلك الغريزة وُيحد من اندفاعها ‪ ،‬حتى‬
‫ُيقدر لهما الزواج فهو العلج الحاسم‪.‬‬
‫هذا هو التحرير الحقيقي للمرأة وللرجل كما رسمه السلم ‪،‬‬
‫وكما ينادي به دعاته ‪ ،‬أما التحرير المزعوم الذي وصلت إليه‬
‫المرأة في الغرب ‪ ،‬والذي ينادي به دعاة التحرير في الشرق‬
‫السلمي بدافع التقليد فهو مسخ للمرأة ‪ ،‬ومسخ للرجل ‪ ،‬ومسخ‬
‫للجيال‪.‬‬
‫=================‬
‫حول الستغناء بالقرآن عن السنة وعلقة السنة‬
‫بالقرآن‬
‫ن يكتفون بالقرآن الكريم‪ ..‬ويشككون فى صحة الحاديث‬ ‫م ْ‬
‫هناك َ‬
‫‪ ،‬ويظهرون التناقضات بينها ‪ ،‬ويذكرون الحديث الذى ينص على‬
‫عدم زيارة المرأة للقبول ‪ ،‬والحديث الذى يقول )فى معناه( أن‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم قال إننى قد أمرتكم بعدم زيارة‬
‫القبور من قبل ‪ ،‬والن أسمح لكم بزيارة القبور‪ ..‬فيشيرون إلى‬
‫ذلك بأنه تناقض‪ ..‬ويدللون على ذلك بأن المة قد فقدت الكثير‬
‫من الحاديث النبوية عبر الزمان ‪ ،‬أو أن هذه الحاديث قد حرفت‬
‫عن معانيها الصحيحة‪) ..‬انتهى(‪.‬‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫فى بداية الجواب عن شبهة هؤلء الذين يشككون فى الحاديث‬
‫النبوية‪ .‬ننبه على مستوى جهل كل الذين يثيرون مثل هذه‬
‫الشبهات حول الحديث النبوى الشريف‪ ..‬ذلك أن التدرج والتطور‬
‫فى التشريع الذى يمثله حديث النهى عن زيارة القبور ثم‬
‫إباحتها‪ ..‬هذا التدرج والتطور فى التشريع ل علقة له بالتناقض‬
‫بأى وجه من الوجوه ‪ ،‬أو أى حال من الحوال‪.‬‬
‫ثم إن التشكيك فى بعض الحاديث النبوية ‪ ،‬والقول بوجود‬
‫تناقضات بين بعض هذه الحاديث ‪ ،‬أو بينها وبين آيات قرآنية‪ ..‬بل‬
‫والتشكيك فى مجمل‬
‫الحاديث النبوية ‪ ،‬والدعوة إلى إهدار السنة النبوية والكتفاء‬
‫بالقرآن الكريم‪ ..‬إن هذه الدعوة قديمة وجديدة ‪ ،‬بل ومتجددة‪..‬‬

‫‪8‬‬
‫ذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب عليه‪..‬‬ ‫وكما ح ّ‬
‫ذر من إنكار سنته ‪ ،‬ومن الخروج عليها‪.‬‬ ‫فلقد ح ّ‬
‫ونحن بإزاء هذه الشبهة نواجه بلونين من الغلو‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬يهدر كل السنة النبوية ‪ ،‬اكتفاء بالقرآن الكريم‪ ..‬ويرى‬
‫أن السلم هو القرآن وحده‪.‬‬
‫وثانيهما‪ :‬يرى فى كل المرويات المنسوبة للرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم سنة نبوية ‪ ،‬يكفر المتوقف فيها ‪ ،‬دونما فحص وبحث‬
‫وتمحيص لمستويات " الرواية " و " الدراية " فى هذه المرويات‪.‬‬
‫ودونما تمييز بين التوقف إزاء الراوى وبين إنكار ما ثبت عن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪..‬‬
‫وبين هذين الغلوين يقف علماء السنة النبوية ‪ ،‬الذين وضعوا‬
‫علوم الضبط للرواية ‪ ،‬وحددوا مستويات المرويات ‪ ،‬بناء على‬
‫مستويات الثقة فى الرواة‪ ..‬ثم لم يكتفوا ـ فى فرز المرويات ـ‬
‫بعلم " الرواية " والجرح والتعديل للرجال ـ الرواة ـ وإنما‬
‫ضا لهذه المرويات التى رواها‬‫اشترطوا سلمة " الدراية " أي ً‬
‫العدول الضابطون عن أمثالهم حتى رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫أى أن هؤلء العلماء بالسنة قد اشترطوا " نقد المتن والنص‬
‫والمضمون " بعد أن اشترطوا " نقد الرواية والرواة " وذلك حتى‬
‫يسلم المتن والمضمون من " الشذوذ والعلة القادحة " ‪ ،‬فل‬
‫دا ‪ ،‬وألصق‬ ‫يكون فيه تعارض حقيقى مع حديث هو أقوى منه سن ً‬
‫منه بمقاصد الشريعة وعقائد السلم ‪ ،‬ومن باب أولى أل يكون‬
‫ضا حقيقّيا مع محكم القرآن الكريم‪..‬‬ ‫ضا تناق ً‬
‫الثر المروى متناق ً‬
‫ولو أننا طبقنا هذا المنهاج العلمى المحكم ‪ ،‬الذى هو خلصة‬
‫علوم السنة النبوية ومصطلح الحديث ‪ ،‬لما كانت هناك هذه‬
‫المشكلة ـ القديمة‪..‬‬
‫المتجددة ـ‪ ..‬ولكن المشكلة ـ مشكلة الغلو ‪ ،‬بأنواعه ودرجاته ـ‬
‫إنما تأتى‬
‫من الغفلة أو التغافل عن تطبيق قواعد هذا المنهج الذى أبدعته‬
‫المة السلمية ‪ ،‬والذى سبقت به حضارتنا كل الحضارات فى‬
‫ميدان " النقد الخارجى والداخلى للنصوص والمرويات "‪ ..‬وهذه‬
‫الغفلة إنما تتجلى فى تركيز البعض على " الرواية " مع إهمال "‬
‫الدراية " أو العكس‪ ..‬وفى عدم تمييز البعض بين مستويات‬
‫المرويات ‪ ،‬كأن يطلب من الحاديث ظنية الثبوت ما هو من‬
‫اختصاص النصوص قطعية الثبوت‪ ..‬أو من مثل تحكيم " الهوى "‬
‫أو " العقل غير الصريح " فى المرويات الصحيحة ‪ ،‬الخالية متونها‬
‫ومضامينها من الشذوذ والعلة القادحة‪..‬‬

‫‪9‬‬
‫ضا آفة الذين ل يميزون بين التوقف إزاء " الرواية‬ ‫وهناك أي ً‬
‫والرواة " ـ وهم بشر غير معصومين ‪ ،‬وفيهم وفى تعديلهم‬
‫وقبول مروياتهم اختلف الفقهاء وعلماء الحديث والمحدثون ـ‬
‫وبين التوقف إزاء " السنة " ‪ ،‬التى ثبتت صحة روايتها ودرايتها‬
‫عن المعصوم صلى الله عليه وسلم‪ ..‬فتوقف العلماء‬
‫المتخصصين ـ وليس الهواة أو المتطفلين ـ إزاء " الرواية والرواة‬
‫" شىء ‪ ،‬والتوقف إزاء " السنة " التى صحت وسلمت من‬
‫الشذوذ والعلل القادحة شىء آخر‪ ..‬والول حق من حقوق علماء‬
‫هذا الفن ‪ ،‬أما الثانى فهو تكذيب للمعصوم صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ ،‬والعياذ بالله‪..‬‬
‫أما الذين يقولون إننا ل حاجة لنا إلى السنة النبوية ‪ ،‬اكتفاء بالبلغ‬
‫القرآنى ‪ ،‬الذى لم يفرط فى شىء‪ ..‬فإننا نقول لهم ما قاله‬
‫القدمون ـ من أسلفنا ـ للقدمين ـ من أسلفهم ـ‪:‬‬
‫إن السنة النبوية هى البيان النبوى للبلغ القرآنى ‪ ،‬وهى التطبيق‬
‫العملى لليات القرآنية ‪ ،‬التى أشارت إلى فرائض وعبادات‬
‫وتكاليف وشعائر ومناسك ومعاملت السلم‪ ..‬وهذا التطبيق‬
‫ول القرآن إلى حياة معيشة ‪ ،‬ودولة وأمة‬ ‫العملى ‪ ،‬الذى ح ّ‬
‫ومجتمع ونظام وحضارة ‪ ،‬أى الذى " أقام الدين " ‪ ،‬قد بدأ‬
‫بتطبيقات الرسول صلى الله عليه وسلم للبلغ القرآنى ‪ ،‬ليس‬
‫ما بفريضة إلهية نص‬ ‫دا من الرسول ‪ ،‬وإنما كان قيا ً‬ ‫عا ول تزي ّ ً‬
‫تطو ً‬
‫عليها القرآن الكريم )وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل‬
‫إليهم ولعلهم يتفكرون ( )‪ .(1‬فالتطبيقات النبوية للقرآن ـ التى‬
‫صل ـ‬ ‫هى السنة العملية والبيان القولى الشارح والمفسر والمف ّ‬
‫دا على القرآن الكريم‪ ..‬هى‬ ‫هى ضرورة قرآنية ‪ ،‬وليست تزي ّ ً‬
‫مقتضيات قرآنية ‪ ،‬اقتضاها القرآن‪ ..‬ويستحيل أن نستغنى عنها‬
‫ما بفريضة‬ ‫بالقرآن‪ ..‬وتأسًيا بالرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وقيا ً‬
‫طاعته ـ التى نص عليها القرآن الكريم‪) :‬قل أطيعوا الله‬
‫والرسول ( )‪) (2‬أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ( )‪) (3‬من يطع‬
‫الرسول فقد أطاع الله ( )‪) (4‬قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى‬
‫يحببكم الله ( )‪) (5‬إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ( )‪.(6‬‬
‫تأسًيا بالرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وطاعة له ‪ ،‬كان تطبيق‬
‫المة ـ فى جيل الصحابة ومن بعده ـ لهذه العبادات والمعاملت‪..‬‬
‫فالسنة النبوية ‪ ،‬التى بدأ تدوينها فى العهد النبوى ‪ ،‬والتى اكتمل‬
‫تدوينها وتمحيصها فى عصر التابعين وتابعيهم ‪ ،‬ليست إل التدوين‬
‫للتطبيقات التى جسدت البلغ القرآنى ديًنا ودنيا فى العبادات‬
‫والمعاملت‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫ب السنة النبوية ‪ ،‬وليست هى‬‫فالقرآن الكريم هو الذى ت َط َل ّ َ‬
‫بالمر الزائد الذى يغنى عنه ويستغنى دونه القرآن الكريم‪.‬‬
‫أما العلقة الطبيعية بين البلغ اللهى ـ القرآن ـ وبين التطبيق‬
‫النبوى لهذا البلغ اللهى ـ السنة النبوية ـ فهى أشبه ما تكون‬
‫بالعلقة بين " الدستور " وبين " القانون "‪ .‬فالدستور هو مصدر‬
‫حجة‬ ‫ومرجع القانون‪ ..‬والقانون هو تفصيل وتطبيق الدستور ‪ ،‬ول ُ‬
‫ول دستورية لقانون يخالف أو يناقض الدستور‪ ..‬ول غناء ول‬
‫اكتفاء بالدستور عن القانون‪.‬‬
‫إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ليس مجرد مبّلغ فقط ‪،‬‬
‫ول‬ ‫وإنما هو مبّلغ ‪ ،‬ومبين للبلغ ‪ ،‬ومطبق له ‪ ،‬ومقيم للدين ‪ ،‬تح ّ‬
‫القرآن على يديه إلى حياة عملية ـ أى إلى سنة وطريقة يحياها‬
‫المسلمون‪.‬‬
‫وإذا كان بيان القرآن وتفسيره وتفصيله هو فريضة إسلمية دائمة‬
‫وقائمة على المة إلى يوم الدين‪ ..‬فإن هذه الفريضة قد أقامها ـ‬
‫أول من أقامها ـ حامل البلغ ‪ ،‬ومنجز البيان ‪ ،‬ومقيم السلم ـ‬
‫عليه الصلة والسلم‪.‬‬
‫والذين يتصورون أن الرسول صلى الله عليه وسلم مجرد مبّلغ‬
‫إنما يضعونه فى صورة أدنى من صورتهم هم ‪ ،‬عندما ينكرون‬
‫عليه البيان النبوى للبلغ القرآنى ‪ ،‬بينما يمارسون هم القيام بهذا‬
‫البيان والتفسير والتطبيق للقرآن الكريم !‪ ..‬وهذا " مذهب "‬
‫يستعيذ المؤمن بالله منه ومن أهله ومن الشيطان الرجيم !‪.‬‬
‫‪00000000000000‬‬
‫)‪ (1‬النحل‪.44 :‬‬
‫)‪ (2‬آل عمران‪.32 :‬‬
‫)‪ (3‬النساء‪.59 :‬‬
‫)‪ (4‬النساء‪.80 :‬‬
‫)‪ (5‬آل عمران‪.31 :‬‬
‫)‪ (6‬الفتح‪.10 :‬‬
‫=================‬
‫السلم انتشر بالسيف ‪ ،‬ويحبذ العنف‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫وهى من أكثر الشبه انتشاًرا ‪ ،‬ونرد عليها بالتفصيل حتى نوضح‬
‫المر حولها‪:‬‬
‫يقول الله تعالى مخاطبا ً نبيه محمدا ً صلى الله عليه وسلم‪) :‬وما‬
‫أرسلناك إل رحمة للعالمين( )‪.(1‬‬
‫إن هذا البيان القرآنى بإطاره الواسع الكبير ‪ ،‬الذى يشمل‬
‫المكان كله فل يختص بمكان دون مكان ‪ ،‬والزمان بأطواره‬

‫‪11‬‬
‫المختلفة وأجياله المتعاقبة فل يختص بزمان دون زمان ‪،‬‬
‫والحالت كلها سلمها وحربها فل يختص بحالة دون حالة ‪ ،‬والناس‬
‫أجمعين مؤمنهم وكافرهم عربهم وعجمهم فل يختص بفئة دون‬
‫فئة ؛ ليجعل النسان مشدوها متأمل ً فى عظمة التوصيف‬
‫القرآنى لحقيقة نبوة سيد الولين والخرين ‪) ،‬وما أرسلناك إل‬
‫رحمة للعالمين( رحمة عامة شاملة ‪ ،‬تجلت مظاهرها فى كل‬
‫موقف لرسول الله صلى الله عليه وسلم تجاه الكون والناس‬
‫من حوله‪.‬‬
‫والجهاد فى السلم حرب مشروعة عند كل العقلء من بنى‬
‫البشر ‪ ،‬وهى من أنقى أنواع الحروب من جميع الجهات‪:‬‬
‫‪ -1‬من ناحية الهدف‪.‬‬
‫‪ -2‬من ناحية السلوب‪.‬‬
‫‪ -3‬من ناحية الشروط والضوابط‪.‬‬
‫‪ -4‬من ناحية النهاء واليقاف‪.‬‬
‫‪ -5‬من ناحية الثار أو ما يترتب على هذه الحرب من نتائج‪.‬‬
‫وهذا المر واضح تمام الوضوح فى جانبى التنظير والتطبيق فى‬
‫دين السلم وعند المسلمين‪.‬‬
‫وبالرغم من الوضوح الشديد لهذه الحقيقة ‪ ،‬إل أن التعصب‬
‫والتجاهل بحقيقة الدين السلمى الحنيف ‪ ،‬والصرار على جعله‬
‫طرفا ً فى الصراع وموضوعا ً للمحاربة ‪ ،‬أحدث لبسا ً شديدا ً فى‬
‫هذا المفهوم ـ مفهوم الجهاد ـ عند المسلمين ‪ ،‬حتى شاع أن‬
‫السلم قد انتشر بالسيف ‪ ،‬وأنه يدعو إلى الحرب وإلى العنف ‪،‬‬
‫ويكفى فى الرد على هذه الحالة من الفتراء ‪ ،‬ما أمر الله به من‬
‫العدل والنصاف ‪ ،‬وعدم خلط الوراق ‪ ،‬والبحث عن الحقيقة كما‬
‫هى ‪ ،‬وعدم الفتراء على الخرين ‪ ،‬حيث قال سبحانه فى كتابه‬
‫ن الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم‬ ‫سو َ‬
‫م َتلب ِ ُ‬
‫العزيز‪) :‬ل ِ َ‬
‫تعلمون ( )‪.(2‬‬
‫ولقد فطن لبطلن هذا الدعاء كاتب غربى كبير هو توماس‬
‫كارليل ‪ ،‬حيث قال فى كتابه " البطال وعبادة البطولة " ما‬
‫ترجمته‪ " :‬إن اتهامه ـ أى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ـ‬
‫بالتعويل على السيف فى حمل الناس على الستجابة لدعوته‬
‫سخف غير مفهوم ؛ إذ ليس مما يجوز فى الفهم أن يشهر رجل‬
‫فرد سيفه ليقتل به الناس ‪ ،‬أو يستجيبوا له ‪ ،‬فإذا آمن به من‬
‫يقدرون على حرب خصومهم ‪ ،‬فقد آمنوا به طائعين مصدقين ‪،‬‬
‫وتعرضوا للحرب من غيرهم قبل أن يقدروا عليها " )‪.(3‬‬
‫ويقول المؤرخ الفرنسى غوستاف لوبون فى كتابه " حضارة‬
‫العرب " وهو يتحدث عن سر انتشار السلم فى عهده صلى الله‬

‫‪12‬‬
‫عليه وسلم وفى عصور الفتوحات من بعده ـ‪ " :‬قد أثبت التاريخ‬
‫أن الديان ل تفرض بالقوة ‪ ،‬ولم ينتشر السلم إذن بالسيف بل‬
‫انتشر بالدعوة وحدها ‪ ،‬وبالدعوة وحدها اعتنقته الشعوب التى‬
‫قهرت العرب مؤخرا ً كالترك والمغول ‪ ،‬وبلغ القرآن من النتشار‬
‫فى الهند ـ التى لم يكن العرب فيها غير عابرى سبيل ـ ما زاد‬
‫عدد المسلمين إلى خمسين مليون نفس فيها‪ ..‬ولم يكن السلم‬
‫أقل انتشارا ً فى الصين التى لم يفتح العرب أى جزء منها قط ‪،‬‬
‫وسترى فى فصل آخر سرعة الدعوة فيها ‪ ،‬ويزيد عدد مسلميها‬
‫على عشرين مليونا فى الوقت الحاضر " )‪.(4‬‬
‫هذا وقد مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلثة عشر‬
‫عاما ً ‪ ،‬يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ‪ ،‬وقد كان نتاج‬
‫هذه المرحلة أن دخل فى السلم خيار المسلمين من الشراف‬
‫وغيرهم ‪ ،‬وكان الداخلون أغلبهم من الفقراء ‪ ،‬ولم يكن لدى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ثروة عظيمة يغرى بها هؤلء‬
‫الداخلين ‪ ،‬ولم يكن إل الدعوة ‪ ،‬والدعوة وحدها ‪ ،‬ولم يقف المر‬
‫مل المسلمون ـ لسيما الفقراء والعبيد ومن‬ ‫عند هذا الحد بل تح ّ‬
‫ل عصبية له منهم ـ من صنوف العذاب وألوان البلء ما تعجز‬
‫الجبال الرواسى عن تحمله ‪ ،‬فما صرفهم ذلك عن دينهم وما‬
‫تزعزعت عقيدتهم ‪ ،‬بل زادهم ذلك صلبة فى الحق ‪ ،‬وصمدوا‬
‫صمود البطال مع قلتهم وفقرهم ‪ ،‬وما سمعنا أن أحدا ً منهم ارتد ّ‬
‫سخطا ً عن دينه ‪ ،‬أو أغرته مغريات المشركين فى النكوص عنه ‪،‬‬
‫وإنما كانوا كالذهب البريز ل تزيده النار إل صفاء ونقاء ‪،‬‬
‫وسنتكلم هنا على الجانبين التنظيرى والتطبيقى ‪ ،‬ونقصد‬
‫بالتنظيرى ما ورد فى مصادر السلم )الكتاب والسنة( ‪ ،‬ونعنى‬
‫بالتطبيقى ما حدث عبر القرون ابتداء من الحروب التى شارك‬
‫فيها النبى صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وانتهاء بعصرنا الحاضر ‪ ،‬ثم‬
‫نختم ببيان هذه النقاط الخمسة التى ذكرناها سابقًا‪.‬‬
‫ل‪ :‬الجانب التنظيرى‬‫أو ً‬
‫ورد فى القرآن الكريم وفى السنة النبوية آيات وأحاديث تبين‬
‫شأن الجهاد فى السلم ‪ ،‬ويرى المطالع لهذه اليات والحاديث ‪،‬‬
‫أن المجاهد فى سبيل الله ‪ ،‬هو ذلك الفارس النبيل الخلقى‬
‫المدرب على أخلق الفروسية العالية الراقية ؛ حتى يستطيع أن‬
‫يمتثل إلى الوامر والنواهى الربانية التى تأمره بضبط النفس‬
‫قبل المعركة وأثناء المعركة وبعد المعركة ‪ ،‬فقبل المعركة يجب‬
‫عليه أن يحرر نفسه من كل الطماع ‪ ،‬وأل يخرج مقاتل من أجل‬
‫أى مصلحة شخصية ‪ ،‬سواء كانت تلك المصلحة من أجل نفسه‬
‫أو من أجل الطائفة التى ينتمى إليها ‪ ،‬أو من أجل أى عرض‬

‫‪13‬‬
‫دنيوى آخر ‪ ،‬وينبغى أن يتقيد بالشروط التى أحل الله فيها الجهاد‬
‫‪ ،‬وأن يجعل ذلك لوجه الله تعالى ‪ ،‬ومعنى هذا أنه سوف يلتزم‬
‫بأوامر الله ‪ ،‬ويستعد لنهاء الحرب فورا ً ‪ ،‬إذا ما فقدت الحرب‬
‫شرطا ً من شروط حلها أو سببا ً من أسباب استمرارها ‪ ،‬وسواء‬
‫أكان ذلك الفارس منتصرا ً ‪ ،‬أو أصابه الذى من عدوه ‪ ،‬فإن الله‬
‫يأمره بضبط النفس ‪ ،‬وعدم تركها للنتقام ‪ ،‬والتأكيد على اللتزام‬
‫بالمعانى العليا ‪ ،‬وكذلك الحال بعد القتال ‪ ،‬فإنه يجب عليه أن‬
‫يجاهد نفسه الجهاد الكبر ؛ حتى ل يتحول الفارس المجاهد إلى‬
‫ص مؤذ ٍ لمجتمعه أو لجماعته أو للخرين ‪ ،‬وبالرغم من أن‬ ‫شخ ٍ‬
‫لفظة الجهاد إذا أطلقت انصرف الذهن إلى معنى القتال فى‬
‫سبيل الله‪ .‬إل أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أسماه‬
‫بالجهاد الصغر ‪ ،‬وسمى الجهاد المستمر بعد القتال بالجهاد الكبر‬
‫؛ لن القتال يستمر ساعات أو أيام ‪ ،‬وما بعد القتال يستغرق‬
‫عمر النسان كله‪.‬‬
‫وفيما يلى نورد اليات القرآنية والحاديث النبوية التى تحدثت عن‬
‫هذه القضية ‪ ،‬ثم بعد ذلك نستخرج منها الهداف والشروط‬
‫والضوابط والساليب ‪ ،‬ونعرف منها متى تنتهى الحرب ‪ ،‬والثار‬
‫المترتبة على ذلك‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬القرآن الكريم‪:‬‬
‫‪) -1‬وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ول تعتدوا إن الله ل‬
‫يحب المعتدين * واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث‬
‫أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ول تقاتلوهم عند المسجد‬
‫الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء‬
‫الكافرين( )‪.(5‬‬
‫‪) -2‬فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم * وقاتلوهم حتى ل تكون‬
‫فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فل عدوان إل على الظالمين( )‬
‫‪.(6‬‬
‫‪) -3‬كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا ً وهو‬
‫خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا ً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم ل‬
‫تعلمون ( )‪.(7‬‬
‫‪) -4‬يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد‬
‫عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر‬
‫عند الله والفتنة أكبر من القتل ( )‪.(8‬‬
‫‪) -5‬وكأين من نبى قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم‬
‫فى سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين ( )‬
‫‪.(9‬‬

‫‪14‬‬
‫‪) -6‬ول تحسبن الذين قُت ُِلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند‬
‫ربهم ي ُْرَزُقون ( )‪.(10‬‬
‫‪) -7‬فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا فى سبيلى‬
‫وقاتلوا وقتلوا لكفرن عنهم سيئاتهم ( )‪.(11‬‬
‫‪) -8‬فليقاتل فى سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالخرة‬
‫ومن يقاتل فى سبيل الله فُيقتل أو ي َِغلب فسوف نؤتيه أجرا‬
‫عظيما ً ( )‪.(12‬‬
‫‪) -9‬وما لكم ل تقاتلون فى سبيل الله والمستضعفين من الرجال‬
‫والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية‬
‫الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك‬
‫نصيرا ً ( )‪.(13‬‬
‫‪) -10‬فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل‬
‫الله لكم عليهم سبيل ً ( )‪.(14‬‬
‫‪) -11‬وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير‬
‫ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع‬
‫دابر الكافرين * ليحق الحق ويبطل الباطل ولوكره المجرمون (‬
‫)‪.(15‬‬
‫‪) -12‬فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن‬
‫الله رمى ( )‪.(16‬‬
‫‪) -13‬وقاتلوهم حتى ل تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن‬
‫انتهوا فإن الله بما يعملون بصير( )‪.(17‬‬
‫‪) 14‬ول تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس‬
‫ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط( )‪.(18‬‬
‫‪) -15‬وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو‬
‫السميع العليم ( )‪.(19‬‬
‫‪) -16‬يا أيها النبى قل لمن فى أيديكم من السرى إن يعلم الله‬
‫فى قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا ً مما أخذ منكم ويغفر لكم والله‬
‫غفور رحيم ( )‪.(20‬‬
‫‪) -17‬فإن تابوا وأقاموا الصلة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله‬
‫غفور رحيم * وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى‬
‫يسمع كلم الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم ل يعلمون ( )‪.(21‬‬
‫‪) -18‬إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم‬
‫الجنة يقاتلون فى سبيل الله فََيقت ُُلون وَُيقت َُلون ( )‪.(22‬‬
‫ُ‬
‫موا وإن الله على نصرهم‬ ‫قات َُلون بأنهم ظ ُل ِ ُ‬‫ن للذين ي ُ َ‬ ‫‪) -19‬أذ ِ َ‬
‫جوا من ديارهم بغير حق إل أن يقولوا َرب َّنا‬ ‫خرِ ُ‬ ‫لقدير * الذين أ ُ ْ‬
‫الله( )‪.(23‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الحاديث النبوية الشريفة‪:‬‬

‫‪15‬‬
‫‪ -1‬عن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ عن النبى صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪ " :‬تكفل الله لمن جاهد فى سبيله ل يخرجه من بيته‬
‫إل جهاد فى سبيله وتصديق كلمته بأن يدخله الجنة أو يرجعه إلى‬
‫مسكنه الذى خرج منه مع ما نال من أجر أو غنيمة " )‪.(24‬‬
‫‪ -2‬عن وهب بن منبه ‪ ،‬قال‪ :‬سألت جابرا ً عن شأن ثقيف إذ‬
‫بايعت ‪ ،‬قال‪ :‬اشترطت على النبى صلى الله عليه وسلم أن ل‬
‫صدقة عليها ول جهاد ‪ ،‬وأنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم بعد‬
‫ذلك يقول‪ " :‬سيتصدقون ويجاهدون إذا أسلموا " )‪.(25‬‬
‫‪ -3‬عن سعد بن زيد بن سعد الشهلى أنه أهدى إلى رسول صلى‬
‫الله عليه وسلم سيفا ً من نجران فلما قدم عليه أعطاه محمد بن‬
‫مسلمة ‪ ،‬وقال‪ " :‬جاهد بهذا فى سبيل الله فإذا اختلفت أعناق‬
‫الناس فاضرب به الحجر ‪ ،‬ثم ادخل بيتك وكن حلسا ً ملقى حتى‬
‫تقتلك يد خاطئة أو تأتيك منية قاضية‪ .‬قال الحاكم‪ :‬فبهذه‬
‫السباب وما جانسها كان اعتزال من اعتزل عن القتال مع على ـ‬
‫رضى الله عنه ـ وقتال من قاتله " )‪.(26‬‬
‫‪ -4‬عن سعيد بن جبير قال‪ " :‬خرج علينا أو إلينا ابن عمر فقال‬
‫رجل كيف ترى فى قتال الفتنة فقال وهل تدرى ما الفتنة كان‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم يقاتل المشركين وكان الدخول‬
‫عليهم فتنة وليس كقتالكم على الملك " )‪.(27‬‬
‫‪ -5‬عن عبد الله بن عمرو ـ رضى الله عنهما ـ قال‪ :‬جاء رجل إلى‬
‫النبى صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬إنى أريد الجهاد فقال‪ " :‬أحى‬
‫والداك ؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬ففيهما فجاهد " )‪.(28‬‬
‫ويتضح من هذه اليات والحاديث أن هدف الحرب فى السلم‬
‫يتمثل فى التى‪:‬‬
‫‪ -1‬رد العدوان والدفاع عن النفس‪.‬‬
‫‪ -2‬تأمين الدعوة إلى الله وإتاحة الفرصة للضعفاء الذين يريدون‬
‫اعتناقها‪.‬‬
‫‪ -3‬المطالبة بالحقوق السليبة‪.‬‬
‫‪ -4‬نصرة الحق والعدل‪.‬‬
‫ويتضح لنا أيضا أن من شروط وضوابط الحرب‪:‬‬
‫)‪ (1‬النبل والوضوح فى الوسيلة والهدف‪.‬‬
‫)‪ (2‬ل قتال إل مع المقاتلين ول عدوان على المدنيين‪.‬‬
‫)‪ (3‬إذا جنحوا للسلم وانتهوا عن القتال فل عدوان إل على‬
‫الظالمين‪.‬‬
‫)‪ (4‬المحافظة على السرى ومعاملتهم المعاملة الحسنة التى‬
‫تليق بالنسان‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫)‪ (5‬المحافظة على البيئة ويدخل فى ذلك النهى عن قتل‬
‫الحيوان لغير مصلحة وتحريق الشجار ‪ ،‬وإفساد الزروع والثمار ‪،‬‬
‫والمياه ‪ ،‬وتلويث البار ‪ ،‬وهدم البيوت‪.‬‬
‫)‪ (6‬المحافظة على الحرية الدينية لصحاب الصوامع والرهبان‬
‫وعدم التعرض لهم‪.‬‬
‫الثار المترتبة على الجهاد‬
‫يتضح لنا مما سبق أن الجهاد فى السلم قد اتسم بنبل الغاية‬
‫والوسيلة معا ‪ ،‬فل غرو أن تكون الثار والثمار المتولدة عن هذا‬
‫الجهاد متناسقة تماما فى هذا السياق من النبل والوضوح ؛ لن‬
‫النتائج فرع عن المقدمات ‪ ،‬ونلخص هذه الثار فى النقاط التالية‪:‬‬
‫)‪ (1‬تربية النفس على الشهامة والنجدة والفروسية‪.‬‬
‫)‪ (2‬إزالة الطواغيت الجاثمة فوق صدور الناس ‪ ،‬وهو الشر الذى‬
‫يؤدى إلى الفساد فى الرض بعد إصلحها‪.‬‬
‫)‪ (3‬إقرار العدل والحرية لجميع الناس مهما كانت عقائدهم‪.‬‬
‫)‪ (4‬تقديم القضايا العامة على المصلحة الشخصية‪.‬‬
‫)‪ (5‬تحقيق قوة ردع مناسبة لتأمين الناس فى أوطانهم‪.‬‬
‫يقول الله سبحانه وتعالى فى سورة الحج‪:‬‬
‫)الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إل أن يقولوا ربنا الله ولول‬
‫دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات‬
‫ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ً ولينصرن الله من ينصره إن‬
‫الله لقوى عزيز ( )‪.(29‬‬
‫قال المام القرطبى عند تفسيره لهذه الية‪:‬‬
‫)ولول دفع الله الناس بعضهم ببعض( أى لول ما شرعه الله‬
‫تعالى للنبياء والمؤمنين من قتال العداء ‪ ،‬لستولى أهل الشرك‬
‫وعطلوا ما بينته أرباب الديانات من مواضع العبادات ‪ ،‬ولكنه دفع‬
‫بأن أوجب القتال ليتفرغ أهل الدين للعبادة‪ .‬فالجهاد أمر متقدم‬
‫فى المم ‪ ،‬وبه صلحت الشرائع واجتمعت المتعبدات ؛ فكأنه‬
‫قال‪ :‬أذن فى القتال ‪ ،‬فليقاتل المؤمنون‪ .‬ثم قوى هذا المر فى‬
‫القتال بقوله‪) :‬ولول دفع الله الناس( الية ؛ أى لول القتال‬
‫والجهاد لتغلب على الحق فى كل أمة‪ .‬فمن استشبع من‬
‫النصارى والصابئين الجهاد فهو مناقض لمذهبه ؛ إذ لول القتال لما‬
‫بقى الدين الذى يذب عنه‪ .‬وأيضا ً هذه المواضع التى اتخذت قبل‬
‫تحريفهم وتبديلهم وقبل نسخ تلك الملل بالسلم إنما ذكرت لهذا‬
‫المعنى ؛ أى لول هذا الدفع لُهدمت فى زمن موسى الكنائس ‪،‬‬
‫وفى زمن عيسى الصوامع والبيع ‪ ،‬وفى زمن محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم المساجد‪ " .‬لهدمت " من هدمت البناء أى نقضته‬

‫‪17‬‬
‫فانهدم‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬هذا أصوب ما قيل فى تأويل الية " )‬
‫‪.(30‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الناحية التطبيقية‬
‫)‪ (1‬حروب النبى صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫)أ( الحرب ظاهرة اجتماعية‪:‬‬
‫الحرب ظاهرة إنسانية قديمة قدم النسان على ظهر هذه‬
‫البسيطة ‪ ،‬فمنذ ُوجد النسان وهو يصارع ويحارب ‪ ،‬وكعلقة من‬
‫العلقات الجتماعية الحتمية نشأت الحرب ‪ ،‬فالحتكاك بين‬
‫البشر لبد وأن ي ُوَّلد صداما ً من نوع ما ‪ ،‬لقد جبل النسان على‬
‫غريزة التملك التى تدعوه إلى التشبث بما يملكه ‪ ،‬حيث إن هذه‬
‫الغريزة هى التى تحفظ عليه البقاء فى الحياة ‪ ،‬وهى بالتالى‬
‫التى تتولد عنها غريزة المقاتلة ‪ ،‬فى أبسط صورها دفاعا ً عن‬
‫حقه فى الستمرار والحياة ‪ ،‬وقد تتعقد نفسية النسان وتصبح‬
‫حاجاته ومتطلباته مركبة ‪ ،‬فل يقاتل طالبا ً للقوت أو دفاعا ً عنه‬
‫فقط ‪ ،‬وإنما يقاتل طلبا ً للحرية ورفعا ً للظلم واستردادا للكرامة‪.‬‬
‫صل العلمة ابن خلدون هذه الحقيقة فى مقدمته فيقول‪" :‬‬ ‫ف ّ‬ ‫وي ُ َ‬
‫اعلم أن الحروب وأنواع المقاتلة لم تزل واقعة فى الخليقة منذ‬
‫برأها الله ‪ ،‬وأصلها إرادة انتقام بعض البشر من بعض ويتعصب‬
‫لكل منها أهل عصبيته ‪ ،‬فإذا تذامروا لذلك وتوافقت الطائفتان ؛‬
‫إحداهما تطلب النتقام والخرى تدافع ‪ ،‬كانت الحرب وهو أمر‬
‫طبيعى فى البشر ‪ ،‬إما غيرة ومنافسة وإما عدوان وإما غضب‬
‫لله ولدينه ‪ ،‬وإما غضب للملك وسعى فى تمهيده " )‪.(31‬‬
‫)ب( الحرب فى الكتب المقدسة قبل السلم‪:‬‬
‫إذا ما تجاوزنا المم والحضارات البشرية ‪ ،‬وتأملنا فى الكتب‬
‫السماوية المقدسة )التوراة ـ النجيل( ‪ ،‬نرى أن هذه الكتب‬
‫المقدسة قد تجاوزت السباب المادية الغريزية التى يقاتل‬
‫النسان من أجلها إلى أسباب أكثر ُرقِّيا وحضارة ‪ ،‬فبعد أن كان‬
‫النسان يقاتل رغبة فى امتلك الطعام أو الرض ‪ ،‬أو رغبة فى‬
‫الثأر الشخصى من الخرين ‪ ،‬أو حتى ردا للعدوان ‪ ،‬نرى أن‬
‫الكتب المقدسة قد أضافت أسبابا ً أخرى ‪ ،‬أسبابا ً إلهية تسمو‬
‫بالبشرية عن الدنايا وظلم الخرين ‪ ،‬إلى بذل النفس إقامة‬
‫للعدل ‪ ،‬ونصرة للمظلوم ‪ ،‬ومحاربة للكفر والخروج عن منهج‬
‫مح‬‫س َ‬‫الله ‪ ،‬لقد حددت الكتب السماوية المناهج والطر التى ي ُ ْ‬
‫فيها بإقامة القتال وعبرت بالنسان مرحلة بناء المجد الشخصى‬
‫المؤسس على النا ‪ ،‬إلى مرحلة التضحية من أجل المبادئ‬
‫والمثل اللهية العليا ‪ ،‬التى تعمل فى إطار الجماعة البشرية ل‬
‫فى محيط الفرد الواحد‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫الحرب فى العهد القديم‪:‬‬
‫وردت أسباب الحرب فى ست وثلثين آية تقع فى ثمانية أسفار‬
‫من أسفار العهد القديم هى‪) :‬التكوين ـ العدد ـ التثنية ـ يوشع ـ‬
‫القضاة ـ صموئيل الول ـ الملوك الثانى ـ حزقيال(‪.‬‬
‫)‪ (1‬ففى سفر العدد ـ الصحاح الثالث عشر ‪ ،‬ورد ما يفيد أن‬
‫موسى ـ عليه السلم ـ بعد خروجه بقومه من مصر بعث رسل‬
‫يتحسسون أمر أرض كنعان ـ فلسطين ـ ليستقروا فيها‪:‬‬
‫" فساروا حتى أتوا موسى وهارون وكل جماعة بنى إسرائيل إلى‬
‫برية فاران إلى قادش ‪ ،‬وردوا إليهما خبًرا وإلى كل الجماعة ‪،‬‬
‫وأروهم ثمر الرض وأخبروه ‪ ،‬وقالوا‪ :‬قد ذهبنا إلى الرض التى‬
‫أرسلتنا إليها وحقا إنها تفيض لبنا ً وعسل ً وهذا ثمرها غير أن‬
‫الشعب الساكن فى الرض معتز والمدن حصينة عظيمة جدا ً‬
‫وأيضا قد رأينا بنى عناق هناك " )‪.(32‬‬
‫)‪ (2‬وجاء فى سفر صموئيل الول ـ الصحاح الخامس‬
‫والعشرون‪:‬‬
‫" فأجاب نابال عبيد داود وقال‪ :‬من هو داود ومن هو ابن يسى‬
‫قد كثر اليوم العبيد الذين يقحصون كل واحد من أمام سيده ‪،‬‬
‫أآخذ خبزى ومائى وذبيحى الذى ذبحت لجارى وأعطيه لقوم ل‬
‫أعلم من أين هم ؟ فتحول غلمان داود إلى طريقهم ورجعوا‬
‫وجاءوا وأخبروه حسب كل هذا الكلم ‪ ،‬فقال داود لرجاله‪ :‬ليتقلد‬
‫كل واحد منكم سيفه وتقلد داود سيفه وصعد وراء داود نحو‬
‫أربعمائة رجل ومكث مائتان مع المتعة " )‪.(33‬‬
‫)‪ (3‬وفى سفر الملوك الثانى ـ الصحاح الثالث‪:‬‬
‫" وكان ميشع ملك موآب الثانى صاحب مواش ‪ ،‬فأدى لملك‬
‫إسرائيل مائة ألف خروف ومائة ألف كبش بصوفها ‪ ،‬وعند موت‬
‫آخاب عصى ملك موآب على ملك إسرائيل وخرج الملك يهورام‬
‫فى ذلك اليوم من السامرة وعد كل إسرائيل وذهب وأرسل إلى‬
‫يهو شافاط ملك يهوذا يقول‪ :‬قد عصى على ملك موآب ‪ ،‬فهل‬
‫تذهب معى إلى موآب للحرب ؟ " )‪.(34‬‬
‫)‪ (4‬جاء فى حزقيال الصحاح الواحد والعشرون‪:‬‬
‫" وكان إلى كلم الرب قائل‪ :‬يا ابن آدم اجعل وجهك نحو‬
‫أورشليم وتكلم على المقادس وتنبأ على أرض إسرائيل وقل‬
‫لرض إسرائيل هكذا قال الرب هأنذا عليك وأستل سيفى من‬
‫غمده فأقطع منه الصديق والشرير من حيث إنى أقطع منك‬
‫الصديق والشرير فلذلك يخرج سيفى من غمده على كل بشر‬
‫من الجنوب إلى الشمال فيعلم كل بشر أنى أنا الرب سللت‬
‫سيفى من غمده ل يرجع أيضا ً " )‪.(35‬‬

‫‪19‬‬
‫)‪ (5‬وجاء فى سفر يوشع الصحاح الثالث والعشرون‪:‬‬
‫" وأنتم قد رأيتم كل ما عمل الرب إلهكم هو المحارب عنكم‬
‫انظروا‪ :‬قد قسمت لكم بالقرعة هؤلء الشعوب الباقين ملكا ً‬
‫حسب أسباطكم من الردن وجميع الشعوب التى قرضتها والبحر‬
‫العظيم نحو غروب الشمس والرب إلهكم هو ينفيهم من أمامكم‬
‫ويطردهم من قدامكم فتملكون أرضهم كما كلمكم الرب إلهكم "‬
‫)‪.(36‬‬
‫)‪ (6‬وجاء فى سفر القضاة الصحاح الول‪:‬‬
‫" وحارب بنو يهوذا أورشليم وأخذوها وضربوا بحد السيف‬
‫وأشعلوا المدينة بالنار وبعد ذلك نزل بنو يهوذا لمحاربة الكنعانيين‬
‫سكان الجبل وسكان الجنوب والسهل "‪.‬‬
‫)‪ (7‬وفى سفر القضاة الصحاح الثامن عشر‪:‬‬
‫" فأما هم فقد أخذوا ما صنع ميخا ً والكاهن الذى له وجاءوا إلى‬
‫ليش إلى شعب مستريح مطمئن فضربوهم بحد السيف وأحرقوا‬
‫ن ينقذ لنها بعيدة عن صيدون ولم يكن‬ ‫م ْ‬
‫المدينة بالنار ولم يكن َ‬
‫لهم أمر مع إنسان وهى فى الوادى الذى لبيت رحوب فبنوا‬
‫المدينة وسكنوا بها ودعوا اسم المدينة دان باسم دان أبيهم الذى‬
‫ولد لسرائيل ولكن اسم المدينة أول‪ :‬ليش " )‪.(37‬‬
‫)‪ (8‬وفى صموئيل الول الصحاح الرابع‪:‬‬
‫" وخرج إسرائيل للقاء الفلسطينيين للحرب ونزلوا عند حجر‬
‫المعونة ‪ ،‬وأما الفلسطينيون فنزلوا فى أفيق واصطف‬
‫الفلسطينيون للقاء إسرائيل واشتبكت الحرب فانكسر إسرائيل‬
‫أمام الفلسطينيين وضربوا من الصف فى الحقل نحو أربعة آلف‬
‫رجل " )‪.(38‬‬
‫)‪ (9‬وفى التكوين الصحاح الرابع والثلثون‪ " :‬فحدث فى اليوم‬
‫الثالث إذ كانوا متوجعين أن ابنى يعقوب شمعون ولوى أخوى‬
‫دينة أخذ كل واحد منهما سيفه وأتيا على المدينة بأمن وقتل كل‬
‫ذكر وقتل حمور وشكيم ابنه بحد السيف لنهم بخسوا أختهم ‪،‬‬
‫غنمهم وبقرهم وكل ما فى المدينة وما فى الحقل أخذوه وسبوا‬
‫ونهبوا كل ثروتهم وكل أطفالهم ونسائهم وكل ما فى البيوت " )‬
‫‪.(39‬‬
‫)‪ (10‬وفى سفر التكوين الصحاح الرابع عشر‪:‬‬
‫" فلما سمع إبرام أن أخاه سبى جر غلمانه المتمرنين ولدان بيته‬
‫ثلثمائة وثمانية عشر وتبعهم إلى دان وانقسم عليهم ليل ً هو‬
‫وعبيده فكسرهم وتبعهم إلى حوبة التى من شمال دمشق‬
‫واسترجع كل الملك واسترجع لوطا ً أخاه أيضا ً وأملكه والنساء‬
‫أيضا ً والشعب " )‪.(40‬‬

‫‪20‬‬
‫)‪ (11‬وفى سفر العدد الصحاح الواحد والعشرون‪:‬‬
‫" فقال الرب لموسى ل تخف منه لنى قد دفعته إلى يدك مع‬
‫جميع قومه وأرضه فتفعل به كما فعلت بسيحون ملك الموريين‬
‫الساكن فى حبشون فضربوه وبنيه وجميع قومه حتى لم يبق لهم‬
‫شارد وملكوا أرضه " )‪(41‬‬
‫)‪ (12‬وفى سفر العدد الصحاح الخامس والعشرون‪:‬‬
‫" ثم كلم الرب موسى قائل ضايقوا المديانيين واضربوهم لنهم‬
‫ضايقوكم بمكايدهم التى كادوكم بها " )‪.(42‬‬
‫)‪ (13‬وفى سفر العدد الصحاح الثالث والثلثون‪:‬‬
‫تطالعنا التوراة ‪ ،‬أن الله قد أمر موسى ـ عليه السلم ـ أن يشن‬
‫حربا ً على أقوام قد عبدوا غير الله ـ سبحانه وتعالى ـ‪ " :‬وكلم‬
‫الرب موسى فى عربات مو آب على أردن أريحا قائل‪ " :‬كلم بنى‬
‫إسرائيل وقل لهم‪ :‬إنكم عابرون الردن إلى أرض كنعان‬
‫فتطردون كل سكان الرض من أمامكم وتمحون جميع تصاويرهم‬
‫وتبيدون كل أصنامهم المسبوكة وتخربون جميع مرتفعاتهم " )‬
‫‪.(43‬‬
‫)‪ (14‬وشبيه به ما ورد فى سفر صموئيل الصحاح السابع عشر‬
‫آية ‪47 :45‬‬
‫" فقال داود للفلسطينى‪ :‬أنت تأتى إلى بسيف وبرمح وبترس ‪،‬‬
‫وأنا آتى إليك باسم رب الجنود إله صفوف إسرائيل الذين عيرتهم‬
‫‪ 000‬فتعلم كل الرض أنه يوجد إله لسرائيل " )‪.(44‬‬
‫)‪ (15‬وفى سفر صموئيل الول الصحاح الثالث والعشرون‪:‬‬
‫" فذهب داود ورجاله إلى قعيلة وحارب الفلسطينيين وساق‬
‫مواشيهم وضربهم ضربة عظيمة وخلص داود سكان قعيلة " )‬
‫‪.(45‬‬
‫)‪ (16‬فى سفر المزامير المزمور الثامن عشر‪:‬‬
‫يسبح داود الرب ويمجده لنه يعطيه القوة على محاربة أعدائه‪" :‬‬
‫الذى يعلم يدى القتال فتحنى بذراعى قوس من نحاس‪ ..‬أتبع‬
‫أعدائى فأدركهم ول أرجع حتى أفنيهم أسحقهم فل يستطيعون‬
‫القيام ‪ ،‬يسقطون تحت رجلى تمنطقنى بقوة للقتال تصرع تحتى‬
‫القائمين على وتعطينى أقفية أعدائى ومبغضى أفنيهم " )‪.(46‬‬
‫هذه بعض من حروب بنى إسرائيل التى سجلتها نصوص كتبهم‬
‫وأسفارهم ‪ ،‬فمفهوم الحرب والقتال ‪ ،‬ليس مفهوما ً كريها ً من‬
‫وجهة النظر التوراتية ‪ ،‬وكأنها حروب مستمدة من الشريعة‬
‫الدينية التوراتية ‪ ،‬وهى كانت دائما تتم بمباركة الرب ومعونته‬
‫وكأن الرب ـ حسب تعبير التوراة ـ قد استل سيفه من غمده فل‬
‫يرجع )‪.(47‬‬

‫‪21‬‬
‫الحرب فى العهد الجديد‪:‬‬
‫كذلك نرى النجيل لم يهمل الكلم عن الحروب بالكلية ‪ ،‬بل جاء‬
‫نص واضح صريح ‪ ،‬ل يحتمل التأويل ول التحريف يقرر أن‬
‫المسيحية على الرغم من وداعتها وسماحتها التى تمثلت فى‬
‫النص الشهير " من ضربك على خدك اليمن فأدر له اليسر " ـ‬
‫إل أنها تشير إلى أن السيد المسيح ـ عليه السلم ـ قد يحمل‬
‫السيف ويخوض غمار القتال إذا دعته الظروف لذلك ؛ فجاء فى‬
‫النجيل على لسان السيد المسيح‪:‬‬
‫" ل تظنوا أنى جئت لرسى سلما ً على الرض ‪ ،‬ما جئت لرسى‬
‫سلما ً ‪ ،‬بل سيفا ً ‪ ،‬فإنى جئت لجعل النسان على خلف مع‬
‫أبيه ‪ ،‬والبنت مع أمها والكنة مع حماتها وهكذا يصير أعداء‬
‫النسان أهل بيته " )‪.(48‬‬
‫ولعلنا نلحظ التشابه الكبير بين هذه المقولة وحديث الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ] :‬بعثت بالسيف بين يدى الساعة حتى‬
‫يعبد الله وحده [ )‪.(49‬‬
‫ً‬
‫مما سبق يتبين لنا واضحا وجليا أن الحرب والقتال سنة كونية‬
‫سرت فى المم جميعًا‪ ،‬ولم نر فى تاريخ المم أمة خلت من‬
‫حروب وقتال ‪ ،‬ورأينا من استعراض الكتب المقدسة ـ التوراة‬
‫والنجيل ـ أنه سنة شرعية لم تخل شريعة من الشرائع السماوية‬
‫السابقة على السلم من تقريره والقيام به كما مر‪.‬‬
‫لقد كان هذا القدر كافيا فى إثبات أن محمدا ً صلى الله عليه‬
‫وسلم سائر على سنن من سبقه من النبياء ‪ ،‬وأن الجهاد لتقرير‬
‫الحق والعدل مما يمدح به السلم ؛ ل مما به يشان ‪ ،‬وأن ما هو‬
‫جواب لهم فى تبرير هذه الحروب وسفك الدماء كان جوابا ً لنا‬
‫فى مشروعية ما قام به النبى صلى الله عليه وسلم من القتال‬
‫والجهاد‪.‬‬
‫ولنشرع الن فى تتميم بقية جوانب البحث مما يزيل الشبهة‬
‫ويقيم الحجة ويقطع الطريق على المشككين ‪ ،‬فنتكلم عن‬
‫غزوات النبى صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ممهدين لذلك بالحالة التى‬
‫كانت عليها الجزيرة العربية من حروب وقتال وسفك للدماء‬
‫لتفه السباب وأقلها شأنا ً ‪ ،‬حتى يبدو للناظر أن القتال كان‬
‫غريزة متأصلة فى نفوس هؤلء ل تحتاج إلى قوة إقناع أو‬
‫استنفار‪.‬‬
‫الحرب عند العرب قبل السلم سجلت كتب التاريخ والدب‬
‫العربى ما اشتهر وعرف بأيام العرب ‪ ،‬وهى عبارة عن مجموعة‬
‫من الملحم القتالية التى نشبت بين العرب قبل مبعث النبى‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وليس يعنينا سرد هذه الملحم وتفاصيلها‬

‫‪22‬‬
‫ولكن الذى يعنينا هنا أن نقف على بعض الجوانب التى تصلح‬
‫للمقارنة )السباب ـ الزمن المستغرق ـ الثار التى خلفتها هذه‬
‫الحروب(‪.‬‬
‫قال العلمة محمد أمين البغدادى‪ " :‬اعلم أن الحروب الواقعة‬
‫بين العرب فى الجاهلية أكثر من أن تحصر ‪ ،‬ومنها عدة وقائع‬
‫مشهورة ل يتسع هذا الموضع لذكرها ولنذكر بعضا ً منها على‬
‫سبيل الجمال " )‪.(50‬‬
‫وقد ذكرت كتب التواريخ أياما ً كثيرة للعرب )البسوس ـ وداحس‬
‫والغبراء ـ يوم النسار ـ يوم الجفار ـ يوم الفجار ـ يوم ذى قار ـ‬
‫يوم شعب جبلة ـ يوم رحرحان ‪ 000‬إلخ( والمتأمل فى هذه‬
‫الملحم واليام يرى أن الحماسة الشديدة والعصبية العمياء‬
‫وعدم الكتراث بعواقب المور والشجاعة المتهورة التى ل تتسم‬
‫بالعقل ‪ ،‬كانت هى الوقود المحرك لهذه الحروب ‪ ،‬هذا فضل ً عن‬
‫تفاهة السباب التى قامت من أجلها هذه المجازر ‪ ،‬والمدة‬
‫الزمنية الطويلة التى استمرت فى بعضها عشرات السنين ‪،‬‬
‫والثار الرهيبة التى خلفتها هذه الحروب ‪ ،‬وعلى الرغم من أننا‬
‫لم نقف على إحصاء دقيق لما خلفته هذه الحروب إل أن‬
‫الكلمات التى قيلت فى وصف آثارها من الفناء والخراب وتيتم‬
‫الطفال وترمل النساء ‪ 000‬إلخ لتوقفنا على مدى ما أحدثته‬
‫الحرب فى نفوس الناس من اليأس والشؤم ‪ ،‬ويصف لنا الشاعر‬
‫زهير بن أبى سلمى طرفا ً من ذلك فى معلقته المشهورة وهو‬
‫يخاطب الساعين للسلم بين عبس وذبيان‪:‬‬
‫تداركتما عبسا وذبيان بعدما تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم‬
‫فهو يقول للساعين للسلم‪ :‬إنكما بتحملكما ديات الحرب من‬
‫مالكما ‪ ،‬أنقذتما عبسا وذبيان بعدما يأسوا ‪ ،‬ودقوا بينهما عطر‬
‫منشم ‪ ،‬ومنشم هو اسم لمرأة كانت تبيع العطر يضرب بها‬
‫المثل فى التشاؤم ‪ ،‬دليل على عظم اليأس الذى أصاب نفوس‬
‫الناس من انتهاء هذه الحرب )‪.(51‬‬
‫هذه إطللة سريعة ومختصرة على الحروب وأسبابها لدى العرب‬
‫قبل السلم والن نشرع فى الكلم على تشريع الجهاد فى‬
‫السلم ثم نتبع ذلك بتحليل موثق لغزوات النبى صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫الجهاد فى شرعة السلم‪:‬‬
‫لما استقر النبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة وأسس حكومته‬
‫النبوية بها ‪ ،‬بعد ثلثة عشر عاما ً من الدعوة إلى الله وتحمل‬
‫الذى والعذاب فى سبيل ذلك تخللتها ثلث هجرات جماعية كبيرة‬
‫ـ هاجت ثائرة قريش وحقدوا على رسول الله صلى الله عليه‬

‫‪23‬‬
‫وسلم لما أحرزه من استقرار ونجاح لهذه الدولة الوليدة ـ دون‬
‫ظلم أو استبداد أو سفك للدماء ـ ولذلك فقد كان صلى الله عليه‬
‫وسلم مقصودا ً بالقتل ‪ ،‬إذ ليس معقول ً أن تنام أعينهم على هذا‬
‫التقدم والنمو ‪ ،‬ومصالحهم قائمة على الزعامة الدينية فى جزيرة‬
‫العرب ‪ ،‬وهذه الدولة الجديدة قائمة على أساس دينى ربما يكون‬
‫سببا ً فى زوال هذه الزعامة الدينية الوثنية الموروثة‪ .‬وإذا كان‬
‫السلم دينا ً بلغت الميول السلمية فيه مداها فى قوله تعالى‪:‬‬
‫)فاصفح عنهم وقل سلم ( )‪ (53‬إل أن الميول السلمية ل تتسع‬
‫لمنع القائمين بهذا الدين الجديد من الدفاع عن أنفسهم وعن‬
‫دينهم الذى أنزله الله للنسانية كافة ‪ ،‬فى عالم يضيع فيه الحق‬
‫والعدل إن لم يكن لهما قوة تحميهما‪ ،‬فكان ل مناص من السماح‬
‫للمسلمين بحماية أنفسهم ودينهم بالسلح الذى يشهره خصومهم‬
‫ُ‬
‫قات َُلو َ‬
‫ن‬ ‫ن للذين ي ُ َ‬‫فى وجوههم ‪ ،‬ولذلك كان التعبير بقوله تعالى‪):‬أذ ِ َ‬
‫موا وإن الله على نصرهم لقدير * الذين أخرجوا من‬ ‫بأنهم ظ ُل ِ ُ‬
‫ديارهم بغير حق إل أن يقولوا ربنا الله ولول دفع الله الناس‬
‫بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها‬
‫اسم الله كثيرا ً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز ( )‬
‫‪.(53‬‬
‫أقول‪ :‬كان التعبير بالذن الذى يدل على المنع قبل نزول الية‬
‫يدل على طروء القتال فى السلم وأنه ظل ممنوعا ً طيلة العهد‬
‫المكى وبعضا ً من العهد المدنى‪.‬‬
‫" هذا ولم يغفل السلم حتى فى هذا الموطن ـ موطن الدفاع‬
‫عن النفس والدين ـ أن ينصح لتباعه بعدم العدوان ؛ لن‬
‫الموضوع حماية حق ل موضوع انتقام ول شفاء حزازات‬
‫الصدور ‪ ،‬وهذا من مميزات الحكومة النبوية ‪ ،‬فإن القائم عليها‬
‫من نبى يكون كالجراح يضع مشرطه حيث يوجد الداء‬
‫لستئصاله ‪ ،‬مع عدم المساس بالعضاء السليمة ‪ ،‬ومقصده‬
‫استبقاء حياة المريض ل قتله ‪ ،‬والعالم كله فى نظر الحكومة‬
‫النبوية شخص مريض تعمل لستدامة وجوده سليما ً قويًا‪ ..‬إن‬
‫طبيعة هذا العالم مبنية على التدافع والتغالب ليس فيما بين‬
‫الناس فحسب ‪ ،‬ولكن فيما بينهم وبين الوجود المحيط بهم ‪،‬‬
‫وبين كل فرد والعوامل المتسلطة عليه من نفسه ‪ ،‬ول أظن أن‬
‫قارئا ً من قرائنا يجهل الناموس الذى اكتشفه دارون وروسل‬
‫ولس ودعوه ناموس تنازع البقاء وبنوا عليه كل تطور أصاب‬
‫النواع النباتية والحيوانية والنسان أيضا ً " )‪.(54‬‬
‫" ألم تر كيف تصدى خصوم الدين النصرانى للمسيح ‪ ،‬وما كان‬
‫يدعو إل للصلح والسلم حتى إنهم استصدروا أمرا ً بصلبه فنجاه‬

‫‪24‬‬
‫الله منهم ‪ ،‬وما زالوا بالذين اتبعوه يضطهدونهم ويقتلونهم حتى‬
‫مضت ثلثة قرون وهم مشردون فى الرض ل تجمعهم جامعة ‪،‬‬
‫إلى أن حماهم من أعدائهم السيف على يد المبراطور‬
‫قسطنطين الذى أعمل السيف فى الوثنيين من أعدائهم‪ ..‬أفيريد‬
‫مثيرو هذه الشبهة أن يقوم دين على غير السنن الطبيعية فى‬
‫عالم مبنى على سنن التدافع والتنازع واستخدام القوة الحيوانية‬
‫لطمس معالم الحق ودك صروح العدل " ؟‬
‫" يقول المعترضون‪ :‬وماذا أعددتم من حجة حين تجمع المم‬
‫على إبطال الحروب وحسم منازعاتها عن طريق التحكيم ‪ ،‬وهذا‬
‫قرآنكم يدعوكم إلى الجهاد وحثكم على الستبسال فيه ؟‬
‫نقول‪ :‬أعددنا لهذا العهد قوله تعالى‪) :‬وإن جنحوا للسلم فاجنح‬
‫لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم( )‪.(55‬‬
‫" هذه حكمة بالغة من القرآن ‪ ،‬بل هذه معجزة من معجزاته‬
‫الخالدة ‪ ،‬وهى أدل دليل على أنه لم يشرع الحرب لذاتها ‪ ،‬ولكن‬
‫لنها من عوامل الجتماع التى لبد منها ما دام النسان فى‬
‫عقليته ونفسيته المأثورتين عنه ‪ ،‬غير أنه لم ينف أن يحدث تطور‬
‫عالمى يتفق فيه على إبطال الحرب فصرح بهذا الحكم قبل‬
‫حجة لهله من ناحية ‪ ،‬وليدل على أنه ل يريد‬ ‫حدوثه ليكون ُ‬
‫الحرب لذاتها من ناحية أخرى ‪ ،‬ولو كان يريدها لذاتها لما نوه‬
‫لهذا الحكم " )‪.(56‬‬
‫ثانيًا‪ :‬نظرة تحليلية لغزوات النبى صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫إذا تتبعنا هذه الغزوات وقسمناها حسب الطوائف التى ضمتها ‪،‬‬
‫أمكننا التعرف على القبائل التى حدثت معها هذه المعارك وهى‬
‫كالتى‪:‬‬
‫)‪ (1‬قريش مكة‪:‬‬
‫وهى القبيلة التى ينتمى إليها النبى صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬حيث‬
‫أن قريش هو فهر بن مالك ‪ ،‬وقيل النضر بن كنانة ‪ ،‬وعلى كل‬
‫القولين فقريش جد للنبى صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وكانت معهم‬
‫الغزوات‪ :‬سيف البحر ـ الرابغ ـ ضرار ـ بواط ـ سفوان ـ ذو‬
‫العشيرة ـ السويق ـ ذو قردة ـ أحد ـ حمراء السد ـ بدر الخرة ـ‬
‫الحزاب ـ سرية العيص ـ سرية عمرو بن أمية ـ الحديبية ـ سيف‬
‫البحر الثانية ‪8‬هـ ـ فتح مكة‪.‬‬
‫)‪ (2‬قبيلة بنو غطفان وأنمار‪:‬‬
‫غطفان من مضر ‪ ،‬قال السويدى‪ " :‬بنو غطفان بطن من قيس‬
‫ابن عيلن بن مضر ‪ ،‬قال فى العبر‪ :‬وهم بطن متسع كثير‬
‫الشعوب والبطون " )‪ ، (57‬قال ابن حجر فى فتح البارى‪" :‬‬
‫تميم وأسد وغطفان وهوازن جميعهم من مضر بالتفاق " )‪، (58‬‬

‫‪25‬‬
‫أما أنمار فهم يشتركون فى نفس النسب مع غطفان ‪ ،‬قال ابن‬
‫حجر‪ " :‬وسيأتى بعد باب أن أنمار فى قبائل منهم بطن من‬
‫غطفان " )‪ ، (59‬أى أن أنمار ينتسبون إلى مضر أيضا ً ونسبهم‬
‫كالتالى‪ :‬أنمار بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس‬
‫عيلن بن مضر )‪.(60‬‬
‫والغزوات التى ضمتها هى‪ :‬قرقرة الكدر ـ ذى أمر ـ دومة الجندل‬
‫ـ بنى المصطلق ـ الغابة ـ وادى القرى ـ سرية كرز بن جابر ـ‬
‫ذات الرقاع ـ تربة ـ الميفعة ـ الخربة ـ سرية أبى قتادة ـ عبد الله‬
‫بن حذافة )‪.(61‬‬
‫)‪ (3‬بنو سليم‪:‬‬
‫قال السويدى‪ " :‬بضم السين المهملة قبيلة عظيمة من قيس‬
‫عيلن والنسبة إليهم سلمى ‪ ،‬وسليم من أولد خصفة بن قيس‬
‫بن عيلن بن مضر )‪ ، (62‬والغزوات التى خاضها صلى الله عليه‬
‫وسلم مع بنى سليم هى‪ :‬بئر معونة ـ جموم ـ سرية أبى العوجاء‬
‫ـ غزوة بنى ملوح وبنى سليم )‪.(63‬‬
‫)‪ (4‬بنو ثعلبة‪:‬‬
‫ثعلبة هو ابن سعد بن ضبة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر )‬
‫‪ ، (64‬نسبه الدكتور على الجندى إلى مر بن أد هكذا‪ :‬ثعلبة بن‬
‫مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر )‪ ، (65‬والغزوات التى‬
‫غزاها صلى الله عليه وسلم معهم هى‪ :‬غزوة ذى القصة ـ غزوة‬
‫بنى ثعلبة ـ غزوة طرف ـ سرية الحسمى )‪.(66‬‬
‫)‪ (5‬بنو فزارة وعذرة‪:‬‬
‫قال فى سبائك الذهب‪ " :‬بنو فزارة بطن من ذبيان من غطفان ‪،‬‬
‫قال فى العبر‪ :‬وكانت منازل فزارة بنجد ووادى القرى ‪ ،‬ونسب‬
‫فزارة‪ :‬فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن‬
‫قيس عيلن بن مضر‪.‬‬
‫أما بنو عذرة‪ :‬بنوه بطن من قضاعة ‪ ،‬ونسبهم هكذا‪ :‬عذرة بن‬
‫سعد بن جهينة بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحافى بن‬
‫قضاعة )‪ .(67‬ونسبهم إلى قضاعة أيضا ً الدكتور على الجندى‬
‫معتمدا ً على أنساب ابن حزم هكذا‪ :‬عذرة بن سعد بن أسلم بن‬
‫عمران بن الحافى بن قضاعة )‪ ، (68‬وعلى هذا فبنو عذرة ليسو‬
‫من مضر وإنما كانوا موالين لبنى فزارة وهم من مضر‪ .‬وكان‬
‫معهما الغزوات والسرايا التية‪:‬‬
‫سرية أبى بكر الصديق ـ سرية فدك ـ سرية بشير بن سعد ـ‬
‫غزوة ذات أطلح )‪.(69‬‬
‫)‪ (6‬بنو كلب وبنو مرة‪:‬‬

‫‪26‬‬
‫أما بنو كلب فهم‪ :‬بنو كلب بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب‬
‫بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن‬
‫إلياس بن مضر ‪ ،‬وبنو مرة هم أبناء كعب بن لؤى فيكون كلب‬
‫بطن من مرة ‪ ،‬وهذه نفس سلسلة النسب التى ذكرها الدكتور‬
‫على الجندى معتمدا ً على أنساب ابن حزم )‪ ، (70‬والغزوات التى‬
‫كانت معهم‪ :‬غزوة قريظة ـ غزوة بنى كلب ـ غزوة بنى مرة ـ‬
‫سرية ضحاك )‪.(71‬‬
‫)‪ (7‬عضل والقارة‪:‬‬
‫قال فى سبائك الذهب‪" :‬عضل بطن من بنى الهون من مضر" ‪،‬‬
‫ونسبهم هكذا‪ :‬عضل بن الهون بن خزيمة بن مدركة بن إلياس‬
‫بن مضر ‪ ،‬وأما القارة فلم يذكرها السويدى فى السبائك ول‬
‫الدكتور الجندى ‪ ،‬إل أن الستاذ الشيخ محمد الخضرى نسبها إلى‬
‫خزيمة بن مدركة ‪ ،‬وذكر الفارة بالفاء الموحدة ل بالقاف المثناة‬
‫)‪ (72‬وقد غزاهم النبى صلى الله عليه وسلم غزوة واحدة هى‬
‫غزوة الرجيع )‪.(73‬‬
‫)‪ (8‬بنو أسد‪:‬‬
‫قال السويدى‪ " :‬بنو أسد حى من بنى خزيمة ‪ ،‬ونسبهم هكذا‪:‬‬
‫أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر )‪ ، (74‬والغزوات‬
‫التى غزاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هى‪ :‬سرية قطن ـ‬
‫سرية عمر مرزوق ـ غزوة ذات السلسل )‪.(75‬‬
‫)‪ (9‬بنو ذكوان‪ :‬قال السويدى‪ " :‬بنو ذكوان بطن من بهتة من‬
‫سليم ‪ ،‬وهم من الذين مكث النبى صلى الله عليه وسلم شهرا ً‬
‫يقنت فى الصلة يدعو عليهم وعلى رعل )‪ (76‬ونسبهم هكذا‪:‬‬
‫ذكوان بن بهتة بن سليم بن منصور بن عكرمة خصفة بن قيس‬
‫عيلن بن مضر )‪ ، (77‬ولم يغزهم رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم إل غزوة واحدة هى غزوة بئر معونة‪.‬‬
‫)‪ (10‬بنو لحيان‪:‬‬
‫من المعروف أن بنى لحيان من هذيل ‪ ،‬وهذيل هو‪ :‬ابن مدركة‬
‫بن مضر)‪ ،(78‬وغزاهم النبى صلى الله عليه وسلم غزوة واحدة‬
‫هى‪:‬غزوة بنى لحيان )‪.(79‬‬
‫)‪ (11‬بنو سعد بن بكر‪:‬‬
‫نسبهم‪ :‬سعد بن بكر بن هوازن بن سليم بن منصور بن عكرمة‬
‫ابن خصفة بن قيس عيلن بن مضر )‪ ، (80‬وقد أرسل لهم النبى‬
‫صلى الله عليه وسلم سرية واحدة هى سرية فدك‪.‬‬
‫)‪ (12‬بنو هوازن‪:‬‬

‫‪27‬‬
‫بنو هوازن بطن من قيس عيلن ‪ ،‬ونسبهم هكذا‪ :‬هوازن بن سليم‬
‫بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلن بن مضر )‪،(81‬‬
‫وقد غزاهم صلى الله عليه وسلم غزوة ذات عرق‪.‬‬
‫)‪ (13‬بنو تميم‪:‬‬
‫بنو بطن من طابخة ‪ ،‬قال فى العبر‪ " :‬وكانت منازلهم بأرض نجد‬
‫دائرة من هنالك على البصرة واليمن ‪ ،‬ونسبهم هكذا‪ :‬تميم بن‬
‫مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر " )‪.(82‬‬
‫)‪ (14‬بنو ثقيف‪:‬‬
‫بنو ثقيف بطن من هوازن اشتهروا باسم أبيهم ثقيف ‪ ،‬ونسبهم‪:‬‬
‫ثقيف بن منبه بن بكر بن بهتة بن سليم بن منصور بن عكرمة بن‬
‫خصفة بن قيس عيلن بن مضر )‪ ، (83‬وقد غزاهم النبى صلى‬
‫الله عليه وسلم غزوتين هما‪ :‬غزوة حنين ـ غزوة الطائف‪.‬‬
‫ونستطيع من خلل هذا التتبع أن نقول‪:‬‬
‫إن هذه القبائل كانت جميعها تنتسب إلى مضر وهو جد النبى‬
‫صلى الله عليه وسلم أو من والهم ‪ ،‬وبالمعنى الدق كانت نتيجة‬
‫غضب إخوته من أجداده ‪ ،‬أما اليهود فقد كانوا مع قريش حسب‬
‫معاهدتهم معهم ‪ ،‬وبذلك ظهر جليا ً أن الغزوات والسرايا التى‬
‫خاضها أو أرسلها النبى صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬كانت موجهة فى‬
‫نطاق ضيق هو نسل مضر ‪ ،‬فل يمكن أن يقال حينئذ‪ :‬أن النبى‬
‫صلى الله عليه وسلم قد أشعل نار الحرب ضد العرب جميعا ً ‪ ،‬أو‬
‫أنه خاض الحروب لكراه الناس على اعتناق السلم ‪ ،‬ولو كان‬
‫المر كما يقولون لوقعت حرب عدوانية أو دفاعية ضد أى قبيلة‬
‫من مئات القبائل العربية ‪ ،‬وهذه الحقيقة تحتاج إلى مزيد من‬
‫التعمق والتحليل فى بعض خصائص القبائل العربية ؛ إذ قد يقول‬
‫قائل أو يعترض معترض‪ :‬إن هذا الذى توصلنا إليه بالبحث ـ أل‬
‫وهو انحصار القتال مع المضريين ـ لم يحدث إل اتفاقا ً ‪ ،‬والمور‬
‫التفاقية ل تدل على شىء ول يستخرج منها قانون كلى نحكم به‬
‫على جهاد النبى صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬إذ كان من الممكن أن‬
‫يقاتل النبى صلى الله عليه وسلم ربيعة بدل ً من مضر ‪ ،‬أو يقاتل‬
‫ربيعة ومضر معا ً ‪ ،‬أو يقاتل القحطانية بدل ً من العدنانية أو‬
‫يقاتلهما معا ً ‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫ذلك المتوقع أن تزيد اللفة والمودة بين أفراد وقبائل الجد‬
‫الواحد ل أن تشتعل نار الحرب والقتال بينهم ‪ ،‬فما الذى عكس‬
‫هذا التوقع وقلب المر رأسا ً على عقب ؟!‬
‫وللجابة على هذه الشبهة نقول‪:‬‬
‫كان من أشهر المثلة العربية المثل المشهور " انصر أخاك ظالما ً‬
‫أو مظلوما ً " وقد كان العرب يطبقون هذا المثل تطبيقا ً حرفيا ً ـ‬

‫‪28‬‬
‫دون هذا التعديل الذى أضافه السلم عليه ـ فكانوا ينصرون‬
‫إخوانهم وبنى أعمامهم نصرا ً حقيقيا ً على كل حال فى صوابهم‬
‫وخطئهم وعدلهم وظلمهم ‪ ،‬وإذا دخلت قبيلتان منهم فى حلف‬
‫كان لكل فرد من أفراد القبيلتين النصرة على أفراد القبيلة‬
‫الخرى ‪ ،‬وهذا الحلف قد يعقده الفراد وقد يعقده رؤساء القبائل‬
‫والمر واحد فى الحالين‪.‬‬
‫بينما هم كذلك فى بنى أبيهم وفى حلفائهم ‪ ،‬إذ بك تراهم حينما‬
‫تتشعب البطون قد نافس بعضهم بعضا ً فى الشرف والثروة ‪،‬‬
‫فنجد القبائل التى يجمعها أب واحد كل واحدة قد وقفت لختها‬
‫بالمرصاد تنتهز الفرصة للغض منها والستيلء على موارد رزقها ‪،‬‬
‫وترى العداء قد بلغ منها الدرجة التى ل تطاق ‪ ،‬كما كان بين‬
‫بطنى الوس والخزرج ‪ ،‬وبين عبس وذبيان ‪ ،‬وبين بكر وتغلب‬
‫ابنى وائل ‪ ،‬وبين عبد شمس وهاشم ‪ 000 ،‬إلخ ‪ ،‬فكانت روح‬
‫الجتماع سائدة بين القبيلة الواحدة ‪ ،‬تزيدها العصبية حياة ونموا ً ‪،‬‬
‫وكانت مفقودة تماما ً بين القبائل المختلفة ؛ فكانت قواهم‬
‫متفانية فى قتالهم وحروبهم ونزاعاتهم‪.‬‬
‫وقد علل الشيخ محمد الخضرى بك هذه الحقيقة العجيبة بأمرين‪:‬‬
‫المر الول‪:‬‬
‫التنافس فى مادة الحياة بين بنى الب الواحد ‪ ،‬إذ أن حياتهم‬
‫كانت قائمة على المراعى التى يسيمون فيها أنعامهم ‪ ،‬والمناهل‬
‫التى منها يشربون‪.‬‬
‫المر الثانى‪:‬‬
‫تنازع الشرف والرياسة ‪ ،‬وأكثر ما يكون ذلك إذا مات أكبر الخوة‬
‫وله ولد صالح لن يكون موضع أبيه ‪ ،‬فينازع أعمامه رياسة‬
‫العشيرة ول يسلم أحد منهما للخر ‪ ،‬وقد يفارق رئيس أحد‬
‫البيتين الديار مضمرا ً فى نفسه ما فيها من العداوة والبغضاء ‪،‬‬
‫وقد يبقيا متجاورين ‪ ،‬وفى هذه الحالة يكون التنافر أشد كما كان‬
‫الحال بين الوس والخزرج من المدينة ‪ ،‬وبين هاشم وأمية من‬
‫مكة ‪ ،‬وبين عبس وذبيان من قيس ‪ ،‬وبين بكر وتغلب من ربيعة‪.‬‬
‫ومتى وجد النفور بين جماعتين أو بين شخصين ل يحتاج شبوب‬
‫نار الحرب بينهما إلى أسباب قوية ‪ ،‬بل إن أيسر النزاع كاف‬
‫لنشوب نار الحرب وتيتم الطفال وتأيم النساء ؛ لذلك كانت‬
‫الجزيرة العربية دائمة الحروب والمنازعات )‪.(84‬‬
‫هذه الحقيقة التى توصلنا إليها ـ وهى أن نار الحرب سريعة‬
‫النشوب بين أبناء الب أو الجد الواحد ـ تدعم ما توصلنا إليه من‬
‫أن الحرب إنما كانت نتيجة غضب إخوته من أجداده ‪ ،‬وإذا كان‬
‫الخلف محصورا ً فى السببين السابقين ‪ ،‬فأى سبب هو الذى أجج‬

‫‪29‬‬
‫نار الغيرة والحقد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ هل‬
‫السبب هو التنافس فى مادة الحياة الدنيا ‪ ،‬أم الخوف من انتزاع‬
‫الشرف والسيادة التى تؤول إلى النبى صلى الله عليه وسلم إذ‬
‫هم أذعنوا له بالرسالة والنبوة ؟‬
‫أما عن السبب الول فليس واردا ً على الطلق ‪ ،‬فلقد ضرب‬
‫كفار مكة حصارا ً تجويعيا ً على رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫وعلى بنى هاشم وبنى عبد المطلب ‪ ،‬فانحازوا إلى شعب أبى‬
‫طالب ثلث سنوات كاملة ‪ ،‬عاشوا فيها الجوع والحرمان ما ل‬
‫يخطر ببال ‪ ،‬حتى إنهم من شدة الجوع قد أكلوا ورق الشجر‬
‫وكان يسمع من بعيد بكاء أطفالهم وأنين شيوخهم ‪ ،‬ومع ذلك‬
‫فقد التزم النبى صلى الله عليه وسلم الصبر والثبات ‪ ،‬ولم يأمر‬
‫أصحابه أن يشنوا حربا ً أو قتال ً لفك هذا الحصار ‪ ،‬والخبير يعلم ما‬
‫الذى يمكن أن يفعله الجوع بالنفس البشرية ‪ ،‬إن لم يصحبها نور‬
‫من وحى أو ثبات من إيمان‪.‬‬
‫كان السبب الثانى إذن كفيل ً بإشعال هذه النار فى قلوب هؤلء‬
‫وعلى حد تعبير الستاذ العلمة محمد فريد وجدى‪ " :‬كان مقصودا ً‬
‫بالقتل من قريش ‪ ،‬وليس يعقل أن تغمض قريش عينها ‪،‬‬
‫ومصلحتها الحيوية قائمة على زعامة الدين فى البلد العربية ‪،‬‬
‫وعن قيام زعامة أخرى فى البلد كيثرب يصبح منافسا ً لم القرى‬
‫‪ ،‬وربما بزها سلطانا ً على العقول ‪ ،‬وكر على قريش فأباد‬
‫خضراءها وسلبها حقها الموروث " )‪ ، (85‬والذى يؤيد هذا ويقويه‬
‫ذلك الحوار الذى دار بين الخنس بن شريق وبين أبى جهل ؛ إذ‬
‫قال له الخنس‪ :‬يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد ؟ ـ‬
‫يعنى القرآن ـ فقال ما سمعت ؟ تنازعنا نحن وبنو عبد مناف‬
‫الشرف ‪ ،‬أطعموا فأطعمنا ‪ ،‬وحملوا فحملنا ‪ ،‬وأعطوا فأعطينا ‪،‬‬
‫حتى إذا تجاثينا على الركب ‪ ،‬وكنا كفرسى رهان قالوا منا نبى‬
‫يأتيه الوحى من السماء ‪ ،‬فمتى ندرك هذا ؟! والله ل نؤمن به‬
‫أبدا ً ول نصدقه‪.‬‬
‫ليست الصدفة إذن ول محض التفاق هما اللذان دفعا النبى صلى‬
‫الله عليه وسلم لقتال أبناء أجداده من مضر دون ربيعة أو غيرها‬
‫من العرب ‪ ،‬بل الطبيعة العربية المتوثبة دائما ً ‪ ،‬لمن ينازعها‬
‫الشرف والسيادة من أبناء الب الواحد ـ على ما بيناه آنفا ً ـ كانت‬
‫هى السبب الرئيسى لشتعال هذه الحروب ولولها لما اضطر‬
‫صلى الله عليه وسلم للقتال بعد ثلثة عشر عاما ً من الدعوة‬
‫والصبر تخللها من المشاق والعنت ما الله به عليم ‪ ،‬ومع ذلك‬
‫فقد كان هجيراه ـ بأبى هو وأمى ـ " اللهم اهد قومى فإنهم ل‬
‫يعلمون "‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫وثمة أمر آخر ينبغى الشارة إليه ‪ ،‬يتعلق بالثار الناجمة عن هذا‬
‫القتال ‪ ،‬من حيث أعداد القتلى التى نجمت عن هذه الغزوات‬
‫والجدول التى يعطينا صورة بيانية عن هذه الثار كالتى‪:‬‬
‫الغزوة ‪ /‬شهداء المسلمين ‪ /‬قتلى المشركين ‪ /‬الملحظة‬
‫بدر ‪/ 70 / 14 /‬‬
‫ُأحد ‪/ 22 / 70 /‬‬
‫الخندق ‪/ 3 / 6 /‬‬
‫بنو المصطلق ‪ /‬ـ ‪/ 3 /‬‬
‫خيبر ‪ / 19 /‬لم يدخل اليهود فى هذه الحصائية لن لهم حكم‬
‫آخر بسبب خيانتهم ‪ ،‬فهم ُقتلوا بناء على حكم قضائى ‪ ،‬بسبب‬
‫الحرب‪.‬‬
‫بئر مونة ‪ / 69‬ـ ‪/‬‬
‫مؤتة ‪/ 14 / 14 /‬‬
‫حنين ‪/ 71 / 4 /‬‬
‫الطائف ‪ / 13 /‬ـ ‪/‬‬
‫معارك أخرى ‪/ 256 / 118 /‬‬
‫المجموع ‪ 756 / 439 / 317 /‬من الجانبين‪.‬‬
‫حا وجلًيا أن السلم متمثل ً فى‬‫وبعد فقد بدا للناظرين واض ً‬
‫شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم أبعد ما يكون عن حمل‬
‫الناس على اعتناق السلم بالسيف ‪ ،‬وهو الذى قال صلى الله‬
‫عليه وسلم لعدائه بعدما قدر عليهم‪ " :‬اذهبوا فأنتم الطلقاء "‬
‫هكذا دون شرط أو قيد ‪ ،‬أقول حتى دون اشتراط السلم‪.‬‬
‫والنتائج الحقيقية‪:‬‬
‫)‪ (1‬تحويل العرب الوحوش إلى عرب متحضرين ‪ ،‬والعرب‬
‫الملحدين الوثنيين إلى عرب مسلمين موحدين‪.‬‬
‫)‪ (2‬القضاء على أحداث السلب والنهب وتعزيز المن العام فى‬
‫بلد تفوق مساحتها مساحة فرنسا بضعفين‪.‬‬
‫)‪ (3‬إحلل الخوة والروحانية محل العداوة والبغضاء‪.‬‬
‫)‪ (4‬إثبات الشورى مكان الستبداد )‪.(86‬‬
‫هذا وقد وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ضوابط وقيود‬
‫كان من شأنها أن تحدد وظيفة الجهاد فى نشر السلم فى ربوع‬
‫المعمورة ‪ ،‬دون سفك للدماء ما استطعنا إلى ذلك سبيل ً ‪.‬‬
‫ومن هذه الضوابط قوله تعالى‪) :‬وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ‬
‫إليهم على سواء إن الله ل يحب الخائنين ( )‪.(87‬‬
‫فإن كان بين المسلمين والكفار عهد أو أمان فل يجوز للمسلمين‬
‫الغدر حتى ينقضى المد ‪ ،‬فإن خاف المسلمون من أعدائهم‬
‫خيانة بأن ظهر من قرائن أحوالهم ما يدل على خيانتهم من غير‬

‫‪31‬‬
‫تصريح منهم ‪ ،‬فحينئذ يخبرهم المسلمون أنه ل عهد بيننا وبينكم‬
‫حتى يستوى علم المسلمين وعلم أعدائهم بذلك‪.‬‬
‫ودلت الية على أنه إذا وجدت الخيانة المحققة من العداء لم‬
‫يحتج أن ينبذ إليهم عهدهم ‪ ،‬لنه لم يخف منهم بل علم ذلك‪.‬‬
‫ودل مفهوم الية أيضا ً على أنه إذا لم يخف منهم خيانة بأن يوجد‬
‫منهم ما يدل على عدم الخيانة ‪ ،‬أنه ل يجوز نبذ العهد إليهم ‪ ،‬بل‬
‫يجب الوفاء إلى أن تتم مدته )‪.(88‬‬
‫انتشار السلم‬
‫أ ـ معدلت انتشار السلم‪:‬‬
‫الذى يؤكد على الحقيقة التى توصلنا إليها ـ وهى أن انتشار‬
‫السلم كان بالدعوة ل بالسيف ـ أن انتشار السلم فى الجزيرة‬
‫العربية وخارجها ‪ ،‬كان وفق معدلت متناسبة تماما ً من الناحيتين‬
‫الكمية والكيفية ‪ ،‬مع التطور الطبيعى لحركة الدعوة السلمية ‪،‬‬
‫ول يوجد فى هذه المعدلت نسب غير طبيعية أو طفرات تدل‬
‫على عكس هذه الحقيقة ‪ ،‬والجدول التى يوضح هذه النسب‪:‬‬
‫السنوات بالهجرى ‪ /‬فارس ‪ /‬العراق ‪ /‬سورية ‪ /‬مصر ‪ /‬الندلس‬
‫نسبة المسلمين مع نهاية أول مائة عام ‪/%2 /%3 /%5 /‬‬
‫‪/%2‬أقل من ‪%1‬‬
‫السنوات التى صارت النسبة فيها ‪ %25‬من السكان‪/185 /‬‬
‫‪295 /275 /275 /225‬‬
‫السنوات التى صارت النسبة فيها ‪ %50‬من السكان‪/235 /‬‬
‫‪355 /330 /330 /280‬‬
‫السنوات التى صارت النسبة فيها ‪ %75‬من السكان‪/280 /‬‬
‫‪400 /385 /385 /320‬‬
‫* حسبت السنوات منذ عام ‪ 13‬قبل الهجرة عندما بدأ تنزيل‬
‫القرآن الكريم‪.‬‬
‫وتوضح معلومات أخرى أن شعب شبه الجزيرة العربية كان‬
‫الشعب الول فى الدخول فى السلم ‪ ،‬وقد أصبح معظمهم‬
‫مسلمين فى العقود الولى بعد تنزيل القرآن الكريم‪.‬‬
‫وهكذا كان عدد العرب المسلمين يفوق عدد المسلمين من غير‬
‫العرب فى البداية ‪ ،‬ومهدوا الطريق للتثاقف السلمى والتعريب‬
‫من أجل المسلمين غير العرب ‪ ،‬ولم يمض وقت على هؤلء فى‬
‫أصولهم من أديان ومذاهب متعددة من كل المم والحضارات‬
‫السابقة‪.‬‬
‫كان على هؤلء جميعا ً أن يوظفوا بشكل موحد عمليات توأمية‬
‫للتقليد والبتكار فى وقت واحد وذلك حسب خلفياتهم الصلية‬
‫تحت التأثير الثورى والمتحول الكثر عمقا ً للفكر السلمى‬

‫‪32‬‬
‫ومؤسساته ‪ ،‬وقاموا عن طريق عملية التنسيق المزدوجة بتنقية‬
‫تراثهم من علوم وتكنولوجيا وفلسفات عصر ما قبل القرآن‬
‫الكريم وذلك إما بالقبول الجزئى أو الرفض الجزئى ‪ ،‬وقاموا‬
‫كذلك بالبتكار من خلل انطلقهم من أنظمتهم الفكرية الحسية‬
‫وتراثهم فى ضوء القرآن الكريم والسنة‪.‬‬
‫ومن هنا ولدت العلوم السلمية والتكنولوجيا السلمية والحضارة‬
‫السلمية الحديثة متناسبة مع اليدولوجية والرؤية السلمية‬
‫الشاملة )‪.(89‬‬
‫خصائص ذلك النتشار‪:‬‬
‫ـ عدم إبادة الشعوب‪.‬‬
‫ـ جعلوا العبيد حكامًا‪.‬‬
‫ـ لم يفتحوا محاكم تفتيش‪.‬‬
‫ـ ظل اليهود والنصارى والهندوك فى بلدهم‪.‬‬
‫ـ تزاوجوا من أهل تلك البلد وبنوا ُأسرا ً وعائلت على مر التاريخ‪.‬‬
‫ـ ظل إقليم الحجاز ـ مصدر الدعوة السلمية ـ فقيرا ً إلى عصر‬
‫البترول فى الوقت الذى كانت الدول الستعمارية تجلب خيرات‬
‫البلد المستعمرة إلى مراكزها‪.‬‬
‫ـ تعرضت بلد المسلمين لشتى أنواع العتداءات )الحروب‬
‫الصليبية ـ الستعباد فى غرب إفريقيا ـ إخراج المسلمين من‬
‫ديارهم فى الندلس وتعذيب من بقى منهم فى محاكم التفتيش(‬
‫ونخلص من هذا كله أن تاريخ المسلمين نظيف وأنهم يطالبون‬
‫خصومهم بالنصاف والعتذار ‪ ،‬وأنهم لم يفعلوا شيئا ً يستوجب‬
‫ذلك العتذار حتى التاريخ المعاصر‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ سرية سيف البحر ـ رمضان ‪ 1‬هجرية ـ ‪ 30‬راكب ـ حمزة بن‬
‫عبد المطلب ـ ‪300‬أبو جهل ـ انصرف المسلمون بدون قتال ـ‬
‫بعثت هذه السرية لدراسة أحوال مكة ووجد العداء أن‬
‫المسلمين منتبهون فانصرفوا عنهم‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ سرية الرابغ ـ شوال سنة ‪ 1‬هجرية ـ ‪ 60‬ـ عبيدة بن الحارث‬
‫ـ ‪ 200‬عكرمة بن أبى جهل أو أبو صيان ـ انصرف المسلمون‬
‫بدون قتال ـ بعثت هذه السرية لتفقد أحوال أهل مكة فرأت‬
‫جمعا ً عظيما ً من قريش بأسفل ثنية المرة‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ سرية ضرار ـ فى ذى القعدة سنة ‪ 1‬هجرية ـ ‪ 80‬سعد بن‬
‫أبى وقاص ـ خرج حتى بلغ الجحفة ثم رجع ولم يلق كيدًا‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ غزوة ودان وهى غزوة البواب ـ صفر ‪ 2‬هجرية ـ ‪ 70‬ـ سيدنا‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم ـ عاهد عمرو بن مخثى الضمرى‬
‫على أل يعين قريش ول المسلمين‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫‪ 5‬ـ غزوة بواط ـ ربيع الول ‪ 2‬هجرية ـ ‪ 200‬ـ سيدنا محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم ـ ‪ 100‬ـ أمية بن خلف ـ بلغ إلى بواط ناحية‬
‫رضوى ثم رجع إلى المدينة لقى فى الطريق قريشا ً وأمية ـ‬
‫رضوى اسم جبل بالقرب من ينبع‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ غزوة صفوان أو بدر الولى ـ ربيع الول ‪ 2‬هجرية ـ ‪ 70‬ـ‬
‫سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ـ كرز بن جابر الفهرى ـ خرج‬
‫فى طلب العدو حتى بلغ صفوان فلم يدركه ـ كان كرز بن جابر‬
‫قد أغار على مواشى لهل المدينة‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ غزوة ذى العشيرة ـ جمادى الخرة ‪ 2‬هجرية ـ ‪ 150‬ـ سيدنا‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم ـ وادع بنى مذلج وحلفائهم من بنى‬
‫ضمرة ـ ذو العشيرة موضع بين مكة والمدينة من بطن ينبع‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ سرية النخلة ـ فى رجب ‪ 2‬هجرية ـ ‪ 12‬ـ عبد الله بن جحش‬
‫ـ قافلة تحت قيادة بنى أمية ـ أطلق السيران وودى القتيل ـ‬
‫أرسلوا لستطلعن قريش فوقع الصدام‪.‬‬
‫‪ 9‬ـ غزوة بدر الكبرى ـ رمضان ‪ 2‬هجرية ـ ‪ 313‬ـ سيدنا محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم ـ ‪ 1000‬ـ أبو جهل ـ ‪ 22‬ـ ‪ 70‬ـ ‪ 70‬ـ انتصر‬
‫المسلمون على العدو ـ بين بدر ومكة سبعة منازل وبين بدر‬
‫والمدينة ثلثة منازل لما علم بخروج قريش إلى المدينة ارتحل‬
‫دفاعا ً عن المسلمين‪.‬‬
‫‪ 10‬ـ سرية عمير بن العدى الخطمى ـ فى رمضان ‪ 2‬هجرية ـ ‪1‬‬
‫ـ عمير ـ ‪ 1‬ـ عصماء بن مروان ـ ‪ 1‬ـ قتل عمير اخته التى كانت‬
‫تحض قومها على الحرب ضد المسلمين‪.‬‬
‫‪ 11‬ـ سرية سالم بن عمير النصارى ـ فى شوال ‪ 2‬هجرية ـ ‪ 1‬ـ‬
‫سالم ـ ‪ 1‬ـ الخطمية أبو عكفة ـ كان أبو عكفة اليهودى يستفز‬
‫اليهود على المسلمين فقتله سالم‪.‬‬
‫‪ 12‬ـ غزوة بنى قينقاع ـ فى شوال ‪ 2‬هجرية ـ النبى صلى الله‬
‫عليه وسلم ـ قبيلة بنى قينقاع ـ تم إجلئهم ـ أتوا بالشر فى‬
‫المدينة حين كان المسلمون فى بدر فأجلوا لذلك‪.‬‬
‫‪ 13‬ـ غزوة السويق ـ فى ذى الحجة ‪ 2‬هجرية ـ ‪ 200‬ـ النبى‬
‫صلى الله عليه وسلم ـ ‪ 200‬ـ أبو سفيان ـ خرج النبى صلى الله‬
‫عليه وسلم فى طلبه فلم يدركه ـ بعث أبو سفيان من قريش‬
‫إلى المدينة فأتوا ناحية منها فحرقوا فى أسوال من نخل ووجدوا‬
‫بها رجلين فقتلوهما‪.‬‬
‫‪ 14‬ـ غزوة قرقرة الكدر أو غزوة بنى سليم ـ محرم ‪ 2‬هجرية ـ‬
‫‪ 70‬ـ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ـ كرز بن جابر الفهرى ـ‬
‫‪ 1‬ـ خرج العدو يغزو المدينة فانصرف حين رأى جمعا ً من‬
‫المسلمين ـ أسر عبد اسمه يسار فأطلق سراحه‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫‪ 15‬ـ سرية قررة الكدر ـ ‪ 2‬هجرية ـ ‪ 1‬ـ غالب بن عبد الله الليثى‬
‫ـ قبيلة بنى غطفان وبنى سليم ـ ‪ 3‬ـ قتل من العداء وفر الباقون‬
‫ـ بعثت هذه السرية إكمال ً إذ اجتمع العداء مرة أخرى‪.‬‬
‫‪ 16‬ـ سرية محمد بن مسلمة ـ ربيع الول ـ ‪ 3‬هجرية ـ محمد بن‬
‫مسلمة النصارى الخزرجى ـ ‪ 1‬ـ كعب بن الشرف اليهودى ـ ‪ 1‬ـ‬
‫‪ 1‬ـ كان كعب بن الشرف يحرض القبائل من اليهود ضد‬
‫المسلمين ودعا قريشا ً للحرب فوقعت غزوة أحد‪.‬‬
‫‪ 17‬ـ غزوة ذى أمر أو غزوة غطفان أو أنمار ـ فى ربيع سنة ‪3‬‬
‫هجرية ـ ‪ 450‬ـ النبى صلى الله عليه وسلم ـ بنو ثعلبة وبنو‬
‫محارب ـ اجتمعت بنو ثعلبة وبنو محارب للغارة على المدينة‬
‫فانصرفوا حين رأوا جمعا ً من المسلمين ـ خرج النبى صلى الله‬
‫عليه وسلم فى أصحابه حتى بلغ نجد وهنا أسلم وعثود الذى هم‬
‫بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ 18‬ـ سرية قردة ـ فى جمادى الخرة سنة ‪ 3‬هجرية ـ ‪ 100‬ـ زيد‬
‫بن حارثة ـ أبو سفيان ـ ‪ 1‬ـ خرج زيد بن حارثة فى بعث فتلقى‬
‫قريشا ً فى طريقهم إلى العراق ـ أسر فراء بن سفيان دليل‬
‫القافلة التجارية فأسلم‪.‬‬
‫‪ 19‬ـ غزوة ُأحد ـ شوال ‪ 3‬هجرية ـ ‪ 650‬راجل ـ النبى صلى الله‬
‫عليه وسلم ـ ‪ 2800‬راجل ـ ‪ 200‬راكب أبو سفيان الموى ـ ‪ 40‬ـ‬
‫‪ 70‬ـ ‪ 30‬ـ لحقت خسارة فادحة بالمسلمين ولكن فشل الكفار‬
‫نتيجة لرعب أصابهم ـ بين أحد والمدينة ثلثة أيمال كانوا العداء‬
‫زحفوا من مكة إلى ُأحد‪.‬‬
‫ـ غزوة حمراء السد ـ فى ‪ 7‬من شوال المكرم سنة ‪ 3‬هجرية ـ‬
‫‪ 540‬ـ النبى صلى الله عليه وسلم ـ ‪ 2790‬ـ أبو سفيان ـ ‪ 2‬أبو‬
‫عزة ومعاوية بن المغيرة ـ خرج النبى صلى الله عليه وسلم‬
‫مرعبا ً للعدو ـ لما آن الغد من يوم ُأحد خرج المسلمون إلى‬
‫معسكر العدو لئل يغير عليهم ثانية ظانا ً بهم ضعفا ً ‪ ،‬أسر رجلن ‪،‬‬
‫وقتل أبو عزة الشاعر لن كان وعد فى بدر بأنه ل يظاهر أبدا ً‬
‫على المسلمين ثم نقض عهده وحث المشركين على المسلمين‪.‬‬
‫‪ 21‬ـ سرية قطن أو سرية أبى سلمة المخزومى ـ فى غرة‬
‫محرم الحرام سنة ‪ 4‬هجرية ـ ‪ 150‬أبو سلمة المخزومى ـ طلحة‬
‫وسلمة ـ لم يتمكنوا من الغارة على المدينة بمظاهرة قام بها‬
‫المسلمون ـ هو رئشيس قطاع الطريق أراد الغارة على المدينة‬
‫ولكن المسلمين تظاهروا فوصلوا إلى قطن وهو مسكنه فتفرق‬
‫جمعه‪.‬‬
‫‪ 22‬ـ سرية عبد الله بن أنيس ـ فى ‪ 5‬من محرم الحرام سنة ‪4‬‬
‫هجرية ـ ‪ 1‬ـ عبد الله بن أنيس الجهنى النصارى ـ ‪ 1‬ـ سفيان‬

‫‪35‬‬
‫الهذيلى ـ ‪ 1‬ـ سمع عبد الله بأن سفيان استنفر قوما ً ضد‬
‫المسلمين بعرفى فوصل عليها وقتل بها أبا سفينان‪.‬‬
‫‪ 23‬ـ سرية الرجيع ـ فى صفر ‪ 4‬هجرية ـ ‪ 10‬عاصم بن ثابت ـ‬
‫‪ 100‬ـ من عضل والقارة ـ ‪ 10‬ـ استشهاد عشرة قراء‪.‬‬
‫‪ 24‬ـ سرية بئر معونة ـ ‪ 70‬ـ منذر بن عمر ـ جماعة كبيرة ـ عامر‬
‫بن مالك ـ ‪ 1‬ـ ‪.69‬‬
‫‪ 25‬ـ سرية عمر بن أمية الضميرى ـ ربيع الول ‪ 4‬هجرية ـ ‪ 1‬ـ‬
‫عمر بن أمية الضمرى ـ ‪ 2‬قبيلة بنى كلب‪.‬‬
‫‪ 26‬ـ غزوة بنى النضير ـ ربيع أول ‪ 4‬هجرية ـ النبى صلى الله‬
‫عليه وسلم ـ قبيلة النضير ـ تم إجلئهم بأنهم هموا بقتل الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ 27‬ـ غزوة بدر الخرى ـ ذى القعدة ‪ 4‬هجرية ـ ‪ 1510‬النبى‬
‫صلى الله عليه وسلم ـ ‪ 2050‬أبو سفيان ـ لم تحدث مواجهة ـ‬
‫خرج أبو سفيان فى أهل مكة حتى نزل بناحية الظهران أو‬
‫عسفان ولما علم النبى صلى الله عليه وسلم خرج إليه فرجع أبو‬
‫سفينان رجع النبى أيضًا‪.‬‬
‫‪ 28‬ـ غزوة دومة الجندل ـ سنة ‪ 5‬هجرية ـ ‪ 1000‬النبى صلى‬
‫الله عليه وسلم ـ أهل الدومة ـ رجع الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم قبل أن يصل إليها ولم يلق كيدًا‪.‬‬
‫‪ 29‬ـ غزوة بنى المصطلق ـ ‪ 2‬شعبان ‪ 5‬هجرية ـ النبى صلى الله‬
‫عليه وسلم ـ الحارث بن ضرار سيد بنى المصطلق ـ ‪ 19‬ـ ‪ 10‬ـ‬
‫انهزم العدو وأطلق السرى كلهم‪.‬‬
‫‪ 30‬ـ غزوة الحزاب أو الخندق ـ شوال ‪ 5‬هجرية ـ ‪ 3000‬ـ النبى‬
‫صلى الله عليه وسلم ـ ‪ 10000‬أبو سفيان ـ ‪ 6‬ـ ‪ 10‬ـ انقلب‬
‫العدو خاسرًا‪.‬‬
‫‪ 31‬ـ سرية عبد الله بن عتيك ـ ذى القعدة ‪ 5‬هجرية ـ ‪ 5‬ـ عبد‬
‫الله بن عتيك النصارى ـ ‪ 1‬ـ سلم بن أبى الحقيق ـ ‪.1‬‬
‫‪ 32‬ـ غزوة بنى قريظة ـ النبى صلى الله عليه وسلم ـ بنو قريظة‬
‫ـ ‪ 4‬ـ ‪ 200‬ـ ‪ 400‬ـ من العداء من قتل ومنهم من أسر ـ قتلهم‬
‫كان حكما ً قضائيا ً بسبب الخيانة وكان هذا الحكم موافقا ً لنصوص‬
‫التوراة التى كانوا يؤمنون بها‪.‬‬
‫‪ 33‬ـ سرية الرقطاء ـ ‪ 30‬ـ محمد بن مسلمة ـ ‪ 30‬ـ ثمامة بن‬
‫آثال ـ ‪ 1‬ـ أثر ثمالة فأطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ‬
‫كان ثمامة سيد نجد ‪ ،‬وأسلم بعد أن أطلق سراحه من السر‪.‬‬
‫‪ 34‬ـ غزوة بنى لحيان ـ ‪ 6‬هجرية ـ ‪ 200‬ـ النبى صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ بنو لحيا من بطون هذيل ـ تفرق العدو حين علم بمقدم‬

‫‪36‬‬
‫المسلمون إليه ـ كانت الغزوة لتأديب أهل الرجيع الذين قتلوا‬
‫عشرة من القراء‪.‬‬
‫‪ 35‬ـ غزوة ذى قردة ـ ‪ 6‬هجرية ـ ‪ 500‬ـ النبى صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ خيل من غطفن تحت قيادة عيينة الفزارى ـ امرأة واحدة‬
‫ـ ‪ 3‬ـ ‪ 1‬ـ أغاروا على لقاح لرسول الله فخرج المسلمون ولحقوا‬
‫بهم‪.‬‬
‫‪ 36‬ـ سرية عكاشة محصن ـ ‪ 40‬ـ عكاشة بن محصن السدى ـ‬
‫بنو أسد ـ تفرق العداء ولم تحدث مواجهة ـ كان بنو أسد قد‬
‫أجمعوا الغارة على المدينة فبعثت إليهم هذه السرية‪.‬‬
‫‪ 37‬ـ سرية ذى القصة ـ ‪ 6‬هجرية ـ ‪ 10‬ـ محمد بن مسلمة ـ‬
‫‪ 100‬بنو ثعلبة ـ ‪ 1‬جريح ـ ‪ 9‬ـ استشهد تسعة من الدعاة وأصيب‬
‫محمد بن مسلمة بجرح ـ كان عشرة من القراء ذهبوا للدعوة‬
‫وبينما هم نائمون قتلهم بنو ثعلبة وذو القصة اسم موضع‪.‬‬
‫‪ 38‬ـ سرية بنى ثعلبة ـ ‪ 6‬هجرية ـ ‪ 40‬ـ أبو عبيدة بن الجراح ـ‬
‫بنو ثعلبة ـ ‪ 1‬ـ انصرف العدو وغنم المسلمون ما كان لهم من‬
‫متاع‪.‬‬
‫‪ 39‬ـ سرية الجموم ـ ‪ 6‬هجرية ـ زيد بن حارثة ـ بنو سليم ـ ‪ 10‬ـ‬
‫أسر مجموعة رجال وأطلقهم النبى صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ 40‬ـ سرية الطرف أو الطرق ـ ‪ 6‬هجرية ـ ‪ 15‬ـ زيد بن حارثة ـ‬
‫بنو ثعلبة ـ هرب العداء وأصاب المسلمون عشرين بعيرا ً ـ بعثت‬
‫هذه السرية لمعاقبة المجرمين بذى القصة‪.‬‬
‫‪ 41‬ـ سرية وادى القرى ـ ‪ 12‬ـ زيد بن حارثة ـ سكان وادى‬
‫القرى ـ ‪ 1‬جريح ـ ‪ 9‬ـ قتل من المسلمين تسعة رجال وجرح‬
‫واحد ـ كان زيدا ً ذاهبا ً للجولة فحملوا عليه وعلى أصحابه‪.‬‬
‫‪ 42‬ـ دومة الجندل ـ ‪ 6‬هجرية ـ عبد الرحمن بن عوف ـ قبيلة بنى‬
‫كلب ـ الصبغ بن عمرو ـ تحقق نجاح ملموس فى مجال الدعوة ـ‬
‫أسلم الصبغ بن عمرو وكان نصرانيا ً وأسلم معه كثير من قومه‪.‬‬
‫‪ 43‬ـ سرية فداك ـ ‪ 6‬هجرية ـ ‪ 200‬ـ على بن أبى طالب ـ بنو‬
‫سعد بن بكر ـ هربت بنو سعد وأصاب المسلمون مائة بعير‬
‫وألفى شاة ـ بلغ النبى صلى الله عليه وسلم أنهم يريدون أن‬
‫ى رضى الله الله عنه بالمظاهرة عليهم‪.‬‬ ‫يمدوا يهود خيبر فقام عل ّ‬
‫‪ 44‬ـ سرية أم فرقة ـ ‪ 7‬هجرية ـ أبو بكر الصديق رضى الله عنه‬
‫ـ بنو فزارة تحت قيادة أم قرفة ـ ‪ 2‬ـ انهزم العدو ـ كانت بنو‬
‫فزارة قد أغاروا على قافلة زيد بن حارثة‪.‬‬
‫‪ 45‬ـ سرية عبد الله بن رواحة ـ ‪ 6‬هجرية ـ ‪ 30‬ـ عبد الله بن‬
‫رواحة ـ ‪ 30‬ـ أسير بن رزام اليهودى ـ ‪ 1‬ـ ‪ 30‬ـ وقع اشتباك‬
‫لسوء فهم الفريقين فقتل اليهود جميعًا‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫‪ 46‬ـ سرية العرنيين ـ ‪ 6‬هجرية ـ ‪ 20‬ـ كرز بن جابر الفهرى ـ‬
‫رجال من عكل وعريننة ـ ‪ 1‬ـ ‪ 8‬ـ قتلوا الراعى واستاقوا البل‬
‫فأسروا ومثل بهم ـ استوخموا المدينة فشربوا من ألبان البل‬
‫وأبوالها فصحوا ثم قتلوا يسارا راعى النبى صلى الله عليه وسلم‬
‫واستاقوا البل‪.‬‬
‫‪ 47‬ـ سرية عمرو بن أمية الضمرى ـ ‪ 6‬هجرية ـ ‪ 1‬ـ عمرو بن‬
‫أمية الضمرى ـ كان عمرو قد جاء إلى مكة ليقتل النبى صلى الله‬
‫عليه وسلم ثم أسلم من حسن خلقه الشريف ثم ذهب إلى مكة‬
‫يدعو أهلها‪.‬‬
‫‪ 48‬ـ غزوة الحديبية ـ ‪ 6‬هجرية ـ ‪ 1400‬ـ النبى صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ أهل مكة ـ سهيل بن عمرو القرشى ـ تم الصلح بين‬
‫النبى صلى الله عليه وسلم وبين ريش عشر سنوات ـ كان النبى‬
‫قد خرج معتمرا ً فصدته قريش عن البيت فى الحديبية‪.‬‬
‫‪ 49‬ـ غزوة خيبر ‪ 7‬هجرية ـ ‪ 100‬ـ النبى صلى الله عليه وسلم ـ‬
‫‪ 10000‬ـ يهود خيبر كنانة بن أبى الحقيق ـ ‪ 50‬جريحا ً ـ ‪ 18‬ـ ‪93‬‬
‫ـ فتح الله للمسلمين فتحا ً مبينا ً ـ كان اليهود قد قاتلوا المسلمين‬
‫فى ُأحد والحزاب ونقضوا عهدهم مع النبى صلى الله عليه‬
‫وسلم فأفسد خططهم العدوانية‪.‬‬
‫‪ 50‬ـ غزوة وادى القرى ـ المحرم ‪ 6‬هجرية ـ ‪ 1382‬ـ النبى صلى‬
‫الله عليه وسلم ـ اليهود من وادى القرى‪.‬‬
‫‪ 51‬ـ غزوة ذات الرقاع ـ ‪ 7‬هجرية ـ ‪ 400‬ـ النبى صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ بنو غطفان وبنو محارب وبنو ثعلبة وبنو أنمار ـ تفرق‬
‫العدو ـ كانت بنو عطفان قد جمعوا جموعا ً من القبائل للغارة‬
‫على المسلمين فلما قام المسلمون بحشودهم تفرقوا جميعًا‪.‬‬
‫‪ 52‬ـ سرية عيص ـ فى صفر ‪ 7‬هجرية ـ ‪ 72‬ـ أبو جندل وأبو‬
‫بصير ـ قافلة قريش ـ ‪ 9‬ـ أخذ أموال العدو ثم ردها إليهم بأمر‬
‫النبى صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ 53‬ـ سرية الكديد ـ صفر ‪ 7‬هجرية ـ ‪ 60‬ـ غالب بن عبد الله‬
‫الليثى ـ بنو الملوح ـ ‪ 1‬ـ وقع اشتباك ـ كانت بنو الملوح قد قتلوا‬
‫أصحاب بشير بن سويد فبعثت إليهم هذه السرية للتوبيخ‪.‬‬
‫‪ 54‬ـ سرية فدك ـ فى صفر سنة ‪ 7‬هجرية ـ غالب بن عبد الله‬
‫الليثى ـ أهل فدك ـ قتل ناس من العدو‪.‬‬
‫‪ 55‬ـ سرية حسمى ـ فى جمادى الخرة ‪ 7‬هجرية ـ ‪ 500‬ـ زيد‬
‫بن حارثة ـ ‪ 102‬ـ الهنيد بن عوض الجزرى ـ ‪ 100‬ـ ‪ 2‬ـ انتصر‬
‫المسلمون وقتل الهنيد مع ابنه وأطلق الباقون بعد توبتهم ـ كان‬
‫دحية الكلبى محمل ً ببعض الهدايا من قيصر فقابله الهنيد فى‬
‫ناس وقطع عليه الطريق‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫‪ 56‬ـ سرية تربة ـ فى شعبان سنة ‪ 7‬هجرية ـ عمر بن الخطاب ـ‬
‫أهل تربة ـ تفرق العدو ـ بين تربة ومكة منزلن كان أهل تربة قد‬
‫اصطلحوا مع بنى غطفان فقام المسلمون بالمظاهرة فى‬
‫محالهم‪.‬‬
‫‪ 57‬ـ سرية بنى كلب ـ فى شعبان ‪ 7‬هجرية ـ أبو بكر الصديق‬
‫رضى الله عنه ـ بنو كلب ـ انتصر المسلمون سبى من العداء‬
‫جماعة وقتل آخرون ـ كانوا أجمعوا الهجوم على المسلمين مع‬
‫بنى محارب وبنى أنمار‪.‬‬
‫‪ 58‬ـ سرية الميفعة ـ رمضان ‪ 7‬هجرية ـ غالب بن عبد الله الليثى‬
‫ـ أهل الميفعة ـ وقع اشتباك ـ كانوا حلفاء أهل خيبر‪.‬‬
‫‪ 59‬ـ سرية خربة ـ فى رمضان ‪ 7‬هجرية ـ أسامة بن زيد ـ أهل‬
‫خربة ـ بينما أسامة وأصحابه يمشون فى الطريق إذ هبط إليهم‬
‫رجل من الجبل فقتله أسامة بعد أن قال ل إله إل الله‪.‬‬
‫‪ 60‬ـ سرية بنى مرة ـ شوال ‪ 7‬هجرية ـ ‪ 30‬بشير بن سعد ـ بنو‬
‫مرة بالقرب من فدك ـ وقع اشتباك كانوا حلفاء أهل خيبر‪.‬‬
‫‪ 61‬ـ سرية بشير بن سعد النصارى ـ فى شوال ‪ 7‬هجرية ـ ‪30‬‬
‫بشير بن سعد ـ بنو فزارة وعذرة ـ جرح جميع المسلمين وأسر‬
‫منهم رجلن ـ كانت بنو فزارة وعذرة قد ساعدوا اليهود فى خيبر‬
‫فبعثت إليهم هذه السرية للترويع‪.‬‬
‫‪ 62‬ـ سرية ابن أبى العوجاء ـ ‪ 7‬هجرية ـ ‪ 50‬ـ ابن أبى العوجاء ـ‬
‫بنو سليم ـ ‪ 1‬ـ ‪ 49‬ـ أصيب ابن أبى العوجاء بجرح واستشهد‬
‫الباقون ـ قام المسلمون بحشد قواهم فى محالهم لنهم كانوا‬
‫يجمعون للغارة على المدينة‪.‬‬
‫‪ 63‬ـ سرية ذات أطلح ـ ‪ 8‬هجرية ـ ‪ 15‬ـ كعب بن عمير النصارى‬
‫ـ أهالى ذات أطلح بنو قضاعة ـ ‪ 14‬ـ استشهد المسلمون جميعا ً‬
‫وبرأ واحد منهم ـ كانوا يجمعون فى عدد كبير للغارة على‬
‫المسلمين فبعث إليهم كتيبة لتخوفيهم فاستشهد المسلمون‬
‫جميعًا‪.‬‬
‫‪ 64‬ـ سرية ذات عرق ـ فى ربيع الول ‪ 8‬هجرية ـ ‪ 25‬ـ شجاع بن‬
‫دوا‬
‫وهب السدى ـ بنو هوازن أهالى ذا عرق ـ كانت هوازن قد م ّ‬
‫يد المعونة لعداء المسلمين مرارا ً ثم اجتمعوا على مشارف‬
‫المدينة فاحتشد المسلمون لتخويفهم‪.‬‬
‫‪ 65‬ـ سرية مؤنة ـ فى جمادى الولى سنة ‪ 8‬هجرية ـ ‪ 3000‬ـ‬
‫زيد بن حارثة ـ مائة ألف ـ شرحبيل الغسانى ـ ‪ 12‬ـ لم نعرف‬
‫عدد المفقودين ـ انتصر المسلمون ـ كان شرحبيل قد قتل‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقعت لذلك الحرب وهزم‬
‫ثلثة آلف مائة ألف‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫‪ 66‬ـ سرية ذات السلسل ـ جمادى الخرة ‪ 8‬هجرية ـ ‪ 500‬ـ‬
‫عمرو بن العاص القرشى ـ بنو قضاعة ساكنوا السلسل ـ هرب‬
‫العداء بمظاهرة المسلمين ـ كانت قضاعة قد تجمعت للغارة‬
‫على المدينة‪.‬‬
‫‪ 67‬ـ سرية سيف البحر ـ فى رجب ‪ 8‬هجرية ـ ‪ 300‬ـ أبو عبيدة ـ‬
‫قريش ـ أقام المسلمون على الساحل أياما ً ثم انصرفوا ـ كان‬
‫الغرض من هذه السرية تشتيت همم قريش‪.‬‬
‫‪ 68‬ـ سرية محارب ـ فى شعبان ‪ 8‬هجرية ـ ‪ 15‬ـ أبو قتادة‬
‫النصارى ـ بنو غطفان ـ هرب العدو خائفا ً وأصاب المسلمون‬
‫أنعاما ً ـ تجمع بنو غطفان بخضرة فأرسلت إليهم سرية مكونة من‬
‫خمسة عشر رجل ً للستطلع‪.‬‬
‫‪ 69‬ـ غزوة فتح مكة ـ رمضان ‪ 8‬هجرية ـ ‪ 10000‬ـ النبى صلى‬
‫الله عليه وسلم ـ قريش مكة ـ ‪ 2‬ـ ‪ 12‬ـ انتصر المسلمون ـ لم‬
‫يتعرض للمسلمين أحد إل كتيبة واحدة ثم دخل النبى صلى الله‬
‫عليه وسلم مكة وجعل الناس كلهم طلقاء ول تثريب عليهم‪.‬‬
‫‪ 70‬ـ سرية خالد ـ فى رمضان ‪ 8‬هجرية ـ خالد بن الوليد ـ الصنم‬
‫العزى ـ كانت العزى صنم بنى كنانة فحطمها خالد رضى الله‬
‫عنه‪.‬‬
‫‪ 71‬ـ سرية عمرو بن العاص ـ ‪ 8‬هجرية ـ عمرو بن العاس ـ‬
‫الصنم سواع ـ كانت سواع صنم بنى هذيل فحطمها عمرو بن‬
‫العاص رضى الله عنه‪.‬‬
‫‪ 72‬ـ سرية سعد الشهلى ـ رمضان ‪ 8‬هجرية ـ سعد بن زيد‬
‫الشهلى النصارى ـ الصنم مناة ـ كانت مناة صنما ً للوس‬
‫والخزرج فهدمها سعد الشهلى رضى الله عنه‪.‬‬
‫‪ 73‬ـ سرية خالد بن الوليد ـ شوال ‪ 8‬هجرية ـ ‪ 350‬ـ خالد بن‬
‫الوليد ـ بنو جذيمة ـ ‪ 95‬ـ قتل خمسة وتسعون رجل ً من بنى‬
‫جذيمة ممن كانوا أسلموا فكره الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫قتلهم وودى بهم الدية ـ كان خالد بن الوليد بعث داعيا ً وكانت بنو‬
‫جذيمة قد أسلموا من قبل فشك خالد فى إسلمهم وقتل منهم‬
‫رجا ً‬
‫ل‪.‬‬
‫‪ 74‬ـ غزوة حنين أو أوطاس أو هوازن ـ شوال ‪ 8‬هجرية ـ‬
‫‪ 12000‬ـ النبى صلى الله عليه وسلم ـ بنو ثقيف وبنو هوازن‬
‫وبنو معز وبنو أحسم ـ ‪ 6‬ـ ‪ 6000‬ـ ‪ 71‬ـ انتصر المسلمون ـ‬
‫أطلق النبى صلى الله عليه وسلم سراح جميع السرى وأعطاهم‬
‫الكسوة كذلك‪.‬‬
‫‪ 75‬ـ غزوة الطائف ـ شوال ‪ 8‬هجرية ـ ‪ 12000‬ـ النبى صلى الله‬
‫عليه وسلم ـ بنو ثقيف ـ جمع كثير ـ ‪ 13‬ـ جمع كثير ـ رجع النبى‬

‫‪40‬‬
‫صلى الله عليه وسلم بعد محاصرة دامت شهرا ً ـ لما رفع النبى‬
‫صلى الله عليه وسلم عنهم الحصار قدموا عليه وأسلموا‪.‬‬
‫‪ 76‬ـ سرية عيينة بن حصن ـ فى محرم ‪ 9‬هجرية ـ ‪ 150‬ـ عيينى‬
‫بن حصن الفزارى ـ قبيلة بنى تميم ـ ‪ 62‬ـ تم القضاء على الثورة‬
‫ـ قامت هذه القبيلة بإغراء القبائل التابعة لها ومنعتها عن أداء‬
‫الجزية ولما خرج إليهم عيينى أسر منهم ‪ 11‬رجل ً و ‪ 21‬امرأة و‬
‫‪ 20‬ولدا ً فأطلقهم النبى صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه‬
‫سيدهم‪.‬‬
‫‪ 77‬ـ سرية قطبة بن عامر ـ فى صفر ‪ 9‬هجرية ـ ‪ 20‬ـ قطبة بن‬
‫عامر ـ قبيلة خثم ـ أكثر من النصف ـ أكرهم ـ تفرقوا وانتشروا ـ‬
‫كانوا يدبرون مؤامرة ضد المسلمين فجاء قطبة ببعضهم أسيرا ً‬
‫فأطلقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ 78‬ـ سرية الضحاك ابن سفيان الكلبى ـ ربيع أول ‪ 9‬هجرية ـ‬
‫الضحاك رضى الله عنه ـ قبيلة بنى كلب ـ بعث المسلمون إلى‬
‫بنى كلب داعين فاعترض لهم الكفار فوقع اشتباك‪.‬‬
‫‪ 79‬ـ سرية عبد الله بن حذافة ـ ربيع أول ‪ 9‬هجرية ـ ‪ 300‬ـ عبد‬
‫الله بن حذافة القرشى السهمى ـ القراصنة من الخثعميين ـ‬
‫هربوا ـ كانوا قد اجتمعوا فى ساحل جدة يريدون الغارة على‬
‫مكة فتفرقوا حين رأوا هذه السرية‪.‬‬
‫‪ 80‬ـ سرية بن طىء ـ ‪ 9‬هجرية ـ ‪ 150‬ـ على رضى الله عنه ـ‬
‫بنى طىء ـ أسرت سفانة بنت حاتم وغيرها من الناس‪.‬‬
‫‪ 81‬ـ غزوة تبوك ـ ‪ 9‬هجرية ـ ‪ 3000‬ـ الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ هرقل قيصر الروم ـ قام النبى صلى الله عليه وسلم‬
‫بالتجمع مع أصحابه وأرهب العداء ثم رجع إلى المدينة‪.‬‬
‫‪ 82‬ـ سرية دومة الجندل ـ ‪ 420‬ـ خالد بن الوليد ـ أكيدر أمير‬
‫دومة الجندل ـ أسر أكيدر وقتل أخوه ـ أطلق رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم سراح أكيدر وعقد الحلف مع حكومات نصرانية‬
‫أخرى‪.‬‬
‫‪000000000000000000‬‬
‫)‪ (1‬النبياء‪.107 :‬‬
‫)‪ (2‬آل عمران‪.71 :‬‬
‫)‪ (3‬حقائق السلم وأباطيل خصومه ص ‪ 166‬ط الهيئة المصرية‬
‫العامة للكتاب‪.‬‬
‫)‪ (4‬غوستاف لوبون حضارة العرب ص ‪ 129 ، 128‬ط الهيئة‬
‫المصرية للكتاب‪.‬‬
‫)‪ (5‬البقرة‪.191-190 :‬‬
‫)‪ (6‬البقرة‪.193 ،192 :‬‬

‫‪41‬‬
‫)‪ (7‬البقرة‪.216 :‬‬
‫)‪ (8‬البقرة‪.217 :‬‬
‫)‪ (9‬آل عمران‪.146 :‬‬
‫)‪ (10‬آل عمران‪.169 :‬‬
‫)‪ (11‬آل عمران‪.195 :‬‬
‫)‪ (13) ، (12‬النساء‪.75 ، 74 :‬‬
‫)‪ (14‬النساء‪.90 :‬‬
‫)‪ (15‬النفال‪7 :‬ـ ‪.8‬‬
‫)‪ (16‬النفال‪.17 :‬‬
‫)‪ (17‬النفال‪.39 :‬‬
‫)‪ (18‬النفال‪.47 :‬‬
‫)‪ (19‬النفال‪.61 :‬‬
‫)‪ (20‬النفال‪.70 :‬‬
‫)‪ (21‬التوبة‪5 :‬ـ ‪.6‬‬
‫)‪ (22‬التوبة‪.111 :‬‬
‫)‪ (23‬الحج‪.40-39 :‬‬
‫)‪ (24‬رواه مسلم ـ كتاب المارة ـ باب فضل الجهاد والخروج فى‬
‫سبيل الله‪.‬‬
‫)‪ (25‬رواه أبو داود فى سننه ـ كتاب الخراج والمارة والفئ ـ‬
‫باب ما جاء فى خبر الطائف‪.‬‬
‫)‪ (26‬رواه الحاكم فى مستدركه ـ كتاب معرفة الصحابة رضى‬
‫الله عنهم ـ ذكر إسلم أمير المؤمنين على ـ رضى الله عنه ـ‪.‬‬
‫)‪ (27‬رواه البخارى ـ كتاب التفسير ـ باب قول الله تعالى‬
‫)وقاتلوهم حتى ل تكون فتنة )‪.‬‬
‫)‪ (28‬مصنف عبد الرازق ـ كتاب الجهاد ـ باب الرجل يغزو وأبوه‬
‫كاره‪.‬‬
‫)‪ (29‬الحج‪.40 :‬‬
‫)‪ (30‬القرطبى ج ‪ 12‬تفسير سورة الحج‪.‬‬
‫)‪ (31‬تاريخ ابن خلدون ‪ 226 / 1‬فصل فى الحروب ومذاهب‬
‫المم فى ترتيبها‪.‬‬
‫)‪ (32‬سفر العدد ـ الصحاح الثالث عشر ـ اليات‪.29-26 :‬‬
‫)‪ (33‬سفر صموئيل الول ـ الصحاح الخامس والعشرون آية‬
‫‪.14-10‬‬
‫)‪ (34‬سفر الملوك الثانى ـ الصحاح الثالث ‪ ،‬اليات ‪ 4‬ـ ‪.8‬‬
‫)‪ (35‬سفر حزقيال ـ أصحاح ‪ 21‬آيات ‪ 1‬ـ ‪.5‬‬
‫)‪ (36‬سفر يوشع ـ الصحاح الثالث والعشرون ـ اليات ‪3‬ـ ‪.5‬‬
‫)‪ (37‬سفر القضاة ـ الصحاح الثامن عشر ـ اليات ‪27‬ـ ‪.30‬‬

‫‪42‬‬
‫)‪ (38‬سفر صموئيل الول ـ الصحاح الرابع ‪ ،‬اليات ‪1‬ـ ‪.4‬‬
‫)‪ (39‬سفر التكوين ـ الصحاح الرابع والثلثون ـ اليات ‪25‬ـ ‪.29‬‬
‫)‪ (40‬سفر التكوين ـ الصحاح الرابع عشر ـ اليات ‪ 14‬ـ ‪.16‬‬
‫)‪ (41‬سفر العدد ـ الصحاح الواحد والعشرون اليتان ‪34‬ـ ‪.35‬‬
‫)‪ (42‬سفر العدد ـ الصحاح الخامس والعشرون الية ‪.16‬‬
‫)‪ (43‬الصحاح الثالث والثلثون اليات ‪50‬ـ ‪.53‬‬
‫)‪ (44‬سفر صموئيل ـ الصحاح السابع عشر اليات ‪45‬ـ ‪.47‬‬
‫)‪ (45‬سفر صموئيل الول ـ الصحاح الثالث والعشرون الية ‪.6‬‬
‫)‪ (46‬سفر المزامير ـ المزمور الثامن عشر اليات ‪.41-35‬‬
‫)‪ (47‬سفر حزقيال الصحاح الواحد والعشرون آية ‪.5‬‬
‫)‪ (48‬إنجيل متى ـ الصحاح العاشر آية ‪.36-34‬‬
‫)‪ (49‬رواه أحمد وأبو داود‪.‬‬
‫)‪ (50‬سبائك الذهب ‪.443‬‬
‫)‪ (51‬شرح المعلقات السبع للزوزنى ص ‪ ، 83‬ط مصطفى‬
‫الحلبى‪.‬‬
‫)‪ (52‬الزخرف‪.89 :‬‬
‫)‪ (53‬الحج‪.40-39 :‬‬
‫)‪ (54‬السيرة المحمدية تحت ضوء العلم والفلسفة لمحمد فريد‬
‫وجدى ص ‪ 163 ، 164‬بتصرف‪.‬‬
‫)‪ (55‬النفال‪.61 :‬‬
‫)‪ (56‬السيرة النبوية لمحمد فريد وجدى ‪.166 ، 165‬‬
‫)‪ (57‬سبائك الذهب ص ‪ 120‬ط دار الكتب العلمية ‪ ،‬موسوعة‬
‫القبائل العربية لمحمد سليمان الطيب ‪ 51 / 1‬دار الفكر العربى‪.‬‬
‫)‪ (58‬فتح البارى ‪ 543 / 6‬دار المعرفة ـ بيروت‪.‬‬
‫)‪ (59‬فتح البارى ‪.424 / 7‬‬
‫)‪ (60‬تاريخ الدب الجاهلى د‪ .‬على الجندى ‪.472‬‬
‫)‪ (61‬رحمة للعالمين للمنصور فورى ص ‪.462‬‬
‫)‪ (62‬فى تاريخ الدب الجاهلى ‪.473‬‬
‫)‪ (63‬رحمة للعالمين للمنصور فورى ص ‪.462‬‬
‫)‪ (64‬سبائك الذهب ‪.8‬‬
‫)‪ (65‬تاريخ الدب الجاهلى ص ‪.470‬‬
‫)‪ (66‬رحمة للعالمين المنصور فوزى ص ‪.462‬‬
‫)‪ (67‬سبائك الذهب ‪.87‬‬
‫)‪ (68‬تاريخ الدب الجاهلى ص ‪.466‬‬
‫)‪ (69‬رحمة للعالمين للمنصور فورى ص ‪.463‬‬
‫)‪ (70‬سبائك الذهب ‪ ، 295‬تاريخ الدب الجاهلى ص ‪.467‬‬
‫)‪ (71‬رحمة للعالمين ص ‪.463‬‬

‫‪43‬‬
‫تاريخ الدولة الموية للشيخ محمد الخضرى ص ‪.156‬‬ ‫)‪(72‬‬
‫رحمة للعالمين ص ‪.463‬‬ ‫)‪(73‬‬
‫سبائك الذهب ص ‪ ، 256‬تاريخ الدب الجاهلى ص ‪.467‬‬ ‫)‪(74‬‬
‫رحمة للعالمين ص ‪.463‬‬ ‫)‪(75‬‬
‫سبائك الذهب ص ‪.127‬‬ ‫)‪(76‬‬
‫سبائك الذهب ص ‪.126‬‬ ‫)‪(77‬‬
‫تاريخ الدب الجاهلى ص ‪.467‬‬ ‫)‪(78‬‬
‫رحمة للعالمين ص ‪.463‬‬ ‫)‪(79‬‬
‫سبائك الذهب ص ‪ ، 148‬تاريخ الدب الجاهلى ص ‪.473‬‬ ‫)‪(80‬‬
‫سبائك الذهب ص ‪ ، 124‬وتاريخ الدب الجاهلى ص ‪.473‬‬ ‫)‪(81‬‬
‫سبائك الذهب ص ‪ ، 86 ، 85‬تاريخ الدب الجاهلى ص‬ ‫)‪(82‬‬
‫‪.470‬‬
‫)‪ (83‬سبائك الذهب رقم ‪ ، 148 ، 147‬تاريخ الدب الجاهلى ص‬
‫‪.473‬‬
‫)‪ (84‬تاريخ الدولة الموية الشيخ محمد الخضرى بك ص ‪، 32‬‬
‫‪ ، 33‬ط دار القلم ‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫)‪ (85‬السيرة المحمدية تحت ضوء العلم والفلسفة الستاذ محمد‬
‫فريد وجدى ص ‪ ، 162‬ط الهيئة المصرية العامة للكتاب‪.‬‬
‫)‪ (86‬رحمة للعالمين ص ‪.469‬‬
‫)‪ (87‬النفال‪.58 :‬‬
‫)‪ (88‬تفسير ابن كثير ‪.321 / 2‬‬
‫)‪ (89‬الفكر السلمى فى تطوير مصادر المياه والطاقة ‪ ،‬د‪ .‬سيد‬
‫وقار أحمد حسينى ـ عالم زائر فى جامعة ستانفورد ‪، 75-71‬‬
‫ترجمة د‪ .‬سمية زكريا زيتونى طبعة‪ :‬فصلت للدراسات والترجمة‬
‫والنشر‪.‬‬
‫‪and m rg nc of a Muslim Soci ty in Richard W. bulli t, Conv rsion of‬‬
‫‪Islam M i r & d. N h mia L vtzion (N w York Holm s Iran in Conv rsion‬‬
‫‪to Islam, (Publ., Inc, 1979) Pp. 30-51, p31 for fig 1.1‬‬
‫=================‬
‫هل السلم مسئول عن تخلف المسلمين ؟‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ حقائق التاريخ تبين بما ل يدع مجال ً للشك أن السلم قد‬
‫استطاع بعد فترة زمنية قصيرة من ظهوه أن يقيم حضارة رائعة‬
‫كانت من أطول الحضارات عمًرا فى التاريخ‪ .‬ول تزال الشواهد‬
‫على ذلك ماثلة للعيان فيما خلفه المسلمون من علم غزيز فى‬
‫شتى مجالت العلوم والفنون ‪ ،‬وتضم مكتبات العالم آلًفا مؤلفة‬
‫من المخطوطات العربية السلمية تبرهن على مدى ما وصل‬
‫إليه المسلمون من حضارة عريقة‪ .‬يضاف إلى ذلك الثار‬

‫‪44‬‬
‫السلمية المنتشرة فى كل العالم السلمى والتى تشهد على‬
‫عظمة ما وصلت إليه الفنون السلمية‪.‬‬
‫وحضارة المسلمين فى الندلس وما تبقى من معالمها حتى يومنا‬
‫هذا شاهد على ذلك فى أوروبا نفسها‪ .‬وقد قامت أوروبا بحركة‬
‫ترجمة نشطة فى القرنين الثانى عشر والثالث عشر لعلوم‬
‫المسلمين‪ .‬وكان ذلك هو الساس الذى بنت عليه أوروبا حضارتها‬
‫الحديثة‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ يشتمل القرآن الكريم على تقدير كبير للعلم والعلماء وحث‬
‫على النظر فى الكون ودراسته وعمارة الرض‪ .‬واليات الخمس‬
‫الولى التى نزلت من الوحى اللهى تنبه إلى أهمية العلم‬
‫والقراءة والتأمل )‪ .(1‬وهذا أمر كانت له دللة هامة انتبه إليها‬
‫المسلمون منذ البداية‪ .‬وهكذا فإن انفتاح السلم على التطور‬
‫الحضارى بمفهومه الشامل للناحيتين المادية والمعنوية ل يحتاج‬
‫إلى دليل‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ أما تخلف المسلمين اليوم فإن السلم ل يتحمل وزره ‪ ،‬لن‬
‫السلم ضد كل أشكال التخلف‪ .‬وعندما تخلف المسلمون عن‬
‫إدراك المعانى الحقيقية للسلم تخلفوا فى ميدان الحياة‪ .‬ويعبر‬
‫مالك بن نبى ـ المفكر الجزائرى الراحل ـ عن ذلك تعبيًرا صادًقا‬
‫حين يقول‪ " :‬إن التخلف الذى يعانى منه المسلمون اليوم ليس‬
‫سببه السلم ‪ ،‬وإنما هو عقوبة مستحقة من السلم على‬
‫المسلمين لتخليهم عنه ل لتمسكهم به كما يظن بعض الجاهلين‬
‫"‪ .‬فليست هناك صلة بين السلم وتخلف المسلمين‪.‬‬
‫حا على كل تطور حضارى‬ ‫‪ 4‬ـ ل يزال السلم وسيظل منفت ً‬
‫يشتمل على خير النسان‪ .‬وعندما يفتش المسلمون عن السباب‬
‫الحقيقية لتخلفهم فلن يجدوا السلم من بين هذه السباب ‪،‬‬
‫فهناك أسباب خارجية ترجع فى جانب كبير منها إلى مخلفات‬
‫عهود الستعمار التى أعاقت البلد السلمية عن الحركة اليجابية‬
‫ضا‬
‫‪ ،‬وهذا بدوره ـ بالضافة إلى بعض السباب الداخلية ـ أدى أي ً‬
‫إلى نسيان المسلمين للعناصر اليجابية الدافعة لحركة الحياة فى‬
‫السلم‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ ل يجوز الخلط بين السلم والواقع المتدنى للعالم السلمى‬
‫المعاصر‪ .‬فالتخلف الذى يعانى منه المسلمون ُيعد مرحلة فى‬
‫تاريخهم ‪ ،‬ول يعنى ذلك بأى حال من الحوال أنهم سيظلون‬
‫كذلك إلى نهاية التاريخ‪ .‬ول يجوز اتهام السلم بأنه وراء هذا‬
‫التخلف ‪ ،‬كما ل يجوز اتهام المسيحية بأنها وراء تخلف دول‬
‫أمريكا اللتينية‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫إن المانة العلمية تقتضى أن يكون الحكم على موقف السلم‬
‫من الحضارة مبنّيا على دراسة موضوعية منصفة لصول السلم‬
‫وليس على أساس إشاعات واتهامات وأحكام مسبقة ل صلة لها‬
‫بالحقيقة‪.‬‬
‫================‬
‫هل صحيح أن الصوم يقلل حركة النتاج ؟‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ الصوم من العبادات التى لم ينفرد بها السلم‪ .‬فقد أخبر‬
‫ضا على المم السابقة‪:‬‬ ‫ضا أي ً‬‫القرآن الكريم أن الصوم كان مفرو ً‬
‫)يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من‬
‫رف‬ ‫قبلكم ( )‪ .(1‬ول تزال هناك ديانات أخرى حتى يومنا هذا َتع ِ‬
‫حا بين الصوم فى السلم‬ ‫شعيرة الصوم‪ .‬ولكن هناك فرًقا واض ً‬
‫والصوم فى غيره من الديانات‪ .‬ويتمثل هذا الفرق فى أن الصوم‬
‫قا للتقويم‬
‫فى السلم يأتى فى شهر معين من العام طب ً‬
‫الهجرى ‪ ،‬ويبدأ صيام كل يوم بالمتناع التام عن الطعام‬
‫والشراب وعن كل الشهوات من طلوع الفجر حتى غروب‬
‫الشمس‪ .‬وهذا يعنى أن المسلم يقضى نهار يومه كله ـ وهو وقت‬
‫العمل المعتاد ـ وهو صائم على النحو المشار إليه‪ .‬ولعل هذا هو‬
‫السبب الذى من أجله يتوهم البعض أن الصوم السلمى بهذه‬
‫الطريقة يقلل حركة النتاج لدى الفرد والمجتمع‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ والصوم فى حقيقة المر برئ من هذه التهمة‪ .‬فالصوم‬
‫يفترض فيه أنه يعمل على تصفية النفوس والتسامى بالرواح‪.‬‬
‫وهذا من شأنه أن يمد الفرد بطاقة روحية تجعله أقدر على‬
‫ما‪ .‬وهذه الطاقة الروحية‬ ‫النتاج والعمل أكثر مما لو لم يكن صائ ً‬
‫قوة ل يستهان بها‪ .‬وقد حارب المسلمون فى غزوة بدر أيام‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم وهم صائمون وانتصروا ‪ ،‬وحارب‬
‫الجنود المصريون عام ‪1973‬م وهم صائمون حيث كان ذلك فى‬
‫شهر رمضان وانتصروا‪ .‬ولم يقلل الصوم من نشاطهم ‪ ،‬بل كان‬
‫ما‪.‬‬
‫العكس هو الصحيح تما ً‬
‫‪ 3‬ـ ما نراه فى بعض البلد السلمية من قلة النتاج فى شهر‬
‫الصوم يرجع إلى أسباب أخرى غير الصوم‪ .‬فمن عادة الكثيرين‬
‫أن يظلوا متيقظين فى شهر الصوم معظم الليل‪ .‬ول يأخذون‬
‫طا كافًيا من النوم ‪ ،‬فنجدهم ـ نظًرا لذلك ـ متعبين أثناء‬‫قس ً‬
‫النهار‪ .‬ومن هنا يقل إنتاجهم ‪ ،‬ويقبلون على أعمالهم ببطء وفى‬
‫تثاقل‪ .‬ويعتذرون عن ذلك بأنهم صائمون‪ .‬وقد يكون اعتذارهم‬
‫هذا فى أول النهار‪ .‬فلو كان للصوم أى تأثير على النشاط ـ كما‬

‫‪46‬‬
‫يزعمون ـ فإن ذلك ل يكون فى أول النهار ‪ ،‬بل يكون فى فترة‬
‫متأخرة منه‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ لقد ثبت أن للصوم فوائد كثيرة صحية وروحية واجتماعية‬
‫وتربوية‪ .‬فالمفروض أنه فرصة سنوية للمراجعة والتأمل والتقييم‬
‫والنقد الذاتى على المستويين الفردى والجتماعى بهدف القضاء‬
‫على السلبيات والتخلص من الكثير من المراض الجتماعية ‪،‬‬
‫وهذا من شأنه أن يدفع حركة المجتمع بخطى أسرع ‪ ،‬وبإخلص‬
‫أكثر ‪ ،‬وبوعى أفضل‪.‬‬
‫================‬
‫لماذا حّرم السلم الحرير والذهب على الرجال ؟‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ يعتمد القول بتحريم لبس الحرير والتختم بالذهب للرجال فى‬
‫السلم على العديد من المرويات عن النبى صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ كما ذهب إلى ذلك جمهور العلماء ـ وتتلخص وجهة‬
‫نظرهم فى أن من طبيعة الرجل الصلبة والقوة‪ .‬والسلم يريد‬
‫ضا عن‬‫دا أي ً‬
‫دا عن مظاهر الضعف ‪ ،‬وبعي ً‬ ‫أن يتربى الرجال بعي ً‬
‫مظاهر الترف الذى يحاربه السلم ويعده مظهًرا من مظاهر‬
‫الظلم الجتماعى ‪ ،‬وذلك حتى يكون الرجل قادًرا على الكفاح‬
‫ضا إذا اقتضى‬ ‫والنتصار فى معارك الحياة وميادين القتال أي ً‬
‫المر‪ .‬ولما كان التزين بالذهب وارتداء الحرير ُيعدان من مظاهر‬
‫الترف فقد حرمهما السلم على الرجال‪ .‬ولكنه أباحهما للمرأة‬
‫مراعاة لمقتضى أنوثتها وما فطرت عليه من حب للزينة )‪.(1‬‬
‫‪ 2‬ـ وعلى الرغم من هذا التحريم فإنه إذا كانت هناك ضرورة‬
‫صحية تقضى بلبس الرجل للحرير فإن السلم يبيح له ذلك ول‬
‫يمنعه‪ .‬فقد أذن النبى صلى الله عليه وسلم لكل من عبد الرحمن‬
‫بن عوف والزبير بن العوام فى لبس الحرير لنهما كانا يشكوان‬
‫من حكة فى جسمهما )‪.(2‬‬
‫‪ 3‬ـ وقد ذهب المام الشوكانى )توفى حوالى عام ‪1840‬م( فى‬
‫كتابه الشهير " نيل الوطار " إلى القول بأن أحاديث النبى صلى‬
‫الله عليه وسلم فى النهى عن لبس الحرير تدل على الكراهية‬
‫فقط وليس على التحريم‪ .‬والكراهية هنا درجة أخف من التحريم‪.‬‬
‫ويقوى الشوكانى رأيه هذا بأن هناك ما ل يقل عن عشرين‬
‫صحابّيا منهم أنس والبراء بن عازب قد لبسوا الحرير‪ .‬ومن غير‬
‫المعقول أن يقدم هؤلء الصحابة على ما هو محّرم ‪ ،‬كما يبعد‬
‫ضا أن يسكت عنهم سائر الصحابة وهم يعلمون تحريمه )‪.(3‬‬ ‫أي ً‬
‫‪ 4‬ـ أما التختم بالذهب أى اتخاذه كخاتم ونحوه للرجال فقد ذهب‬
‫دا على بعض الحاديث‬ ‫ضا اعتما ً‬
‫جمهور العلماء إلى تحريمه أي ً‬

‫‪47‬‬
‫النبوية‪ .‬ولكن هناك جماعة من العلماء ذهبوا إلى القول بكراهة‬
‫التختم بالذهب للرجال كراهة تنزيه فقط‪ .‬وكراهة التنزيه بعيدة‬
‫عن التحريم وقريبة من الباحة أو الجواز ‪ ،‬واعتمدوا فى ذلك‬
‫دا من الصحابة قد تختموا بالذهب منهم‬ ‫ضا على أن هناك عد ً‬ ‫أي ً‬
‫سعد بن أبى وقاص ‪ ،‬وطلحة بن عبيد الله ‪ ،‬وصهيب ‪ ،‬وحذيفة ‪،‬‬
‫وجابر بن سمرة ‪ ،‬والبراء بن عازب‪ .‬الذين فهموا أن النهى‬
‫للتنزيه وليس للتحريم )‪.(4‬‬
‫‪-------------‬‬
‫)‪ (1‬راجع‪ :‬الحلل والحرام فى السلم للدكتور القرضاوى ص ‪80‬‬
‫وما بعدها ـ الدوحة ـ قطر ‪1978‬م‪.‬‬
‫)‪ (2‬راجع‪ :‬نيل الوطار للشوكانى ج ‪ 2‬ص ‪ 81‬ـ دار الجيل ‪،‬‬
‫بيروت ‪1973‬م‪.‬‬
‫ضا‪ :‬فقه السنة‬ ‫)‪ (3‬نيل الوطار ج ‪ 2‬ص ‪ 73‬وما بعدها‪ .‬راجع أي ً‬
‫للشيخ سيد سابق ج ‪ 3‬ص ‪ 481‬وما بعدها‪ .‬بيروت ‪1971‬م‪.‬‬
‫)‪ (4‬راجع‪ :‬فقه السنة للشيخ سيد سابق ـ المجلد الثالث ص ‪482‬‬
‫وما بعدها ‪ 488 ،‬وما بعدها‪.‬‬
‫=================‬
‫هل تحريم زواج المسلمة بغير المسلم ُيعد نزعة‬
‫عنصرية ؟‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ صحيح أن السلم يجيز زواج المسلم من غير المسلمة‬
‫)مسيحية أو يهودية( ول يجيز زواج المسلمة من غير المسلم‪.‬‬
‫وللوهلة الولى ُيعد ذلك من قبيل عدم المساواة ‪ ،‬ولكن إذا‬
‫م انعدام‬‫عرف السبب الحقيقى لذلك انتفى العجب ‪ ،‬وزال وَهْ ُ‬
‫المساواة‪ .‬فهناك وجهة نظر إسلمية فى هذا الصدد توضح‬
‫الحكمة فى ذلك‪ .‬وكل تشريعات السلم مبنية على حكمة معينة‬
‫ومصلحة حقيقية لكل الطراف‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ الزواج فى السلم يقوم على " المودة والرحمة " والسكن‬
‫النفسى‪ .‬ويحرص السلم على أن تبنى السرة على أسس‬
‫سليمة تضمن الستمرار للعلقة الزوجية‪ .‬والسلم دين يحترم‬
‫كل الديان السماوية السابقة ويجعل اليمان بالنبياء السابقين‬
‫جميًعا جزءا ً ل يتجزأ من العقيدة السلمية‪ .‬وإذا تزوج مسلم من‬
‫مسيحية أو يهودية فإن المسلم مأمور باحترام عقيدتها ‪ ،‬ول يجوز‬
‫له ـ من وجهة النظر السلمية ـ أن يمنعها من ممارسة شعائر‬
‫دينها والذهاب من أجل ذلك إلى الكنيسة أو المعبد‪ .‬وهكذا‬
‫يحرص السلم على توفير عنصر الحترام من جانب الزوج‬

‫‪48‬‬
‫لعقيدة زوجته وعبادتها‪ .‬وفى ذلك ضمان وحماية للسرة من‬
‫النهيار‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ أما إذا تزوج غير مسلم من مسلمة فإن عنصر الحترام‬
‫دا‪ .‬فالمسلم يؤمن بالديان السابقة ‪،‬‬ ‫لعقيدة الزوجة يكون مفقو ً‬
‫وبأنبياء الله السابقين ‪ ،‬ويحترمهم ويوقرهم ‪ ،‬ولكن غير المسلم‬
‫دق‬ ‫ص ّ‬‫فا وَي ُ َ‬‫ل يؤمن بنبى السلم ول يعترف به ‪ ،‬بل يعتبره نبّيا زائ ً‬
‫ـ فى العادة ـ كل ما يشاع ضد السلم وضد نبى السلم من‬
‫افتراءات وأكاذيب ‪ ،‬وما أكثر ما يشاع‪.‬‬
‫وحتى إذا لم يصرح الزوج غير المسلم بذلك أمام زوجته فإنها‬
‫ستظل تعيش تحت وطأة شعور عدم الحترام من جانب زوجها‬
‫لعقيدتها‪ .‬وهذا أمر ل تجدى فيه كلمات الترضية والمجاملة‪.‬‬
‫فالقضية قضية مبدأ‪ .‬وعنصر الحترام المتبادل بين الزوج‬
‫والزوجة أساس لستمرار العلقة الزوجية‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ وقد كان السلم منطقّيا مع نفسه حين حّرم زواج المسلم‬
‫من غير المسلمة التى تدين بدين غير المسيحية واليهودية ‪،‬‬
‫وذلك لنفس السبب الذى من أجله حّرم زواج المسلمة بغير‬
‫المسلم‪.‬‬
‫فالمسلم ل يؤمن إل بالديان السماوية وما عداها ُتعد أدياًنا‬
‫بشرية‪ .‬فعنصر التوقير والحترام لعقيدة الزوجة فى هذه الحالة ـ‬
‫دا‪ .‬وهذا يؤثر سلًبا على العلقة‬ ‫دا عن المجاملت ـ يكون مفقو ً‬ ‫بعي ً‬
‫الزوجية ‪ ،‬ول يحقق " المودة والرحمة " المطلوبة فى العلقة‬
‫الزوجية‪.‬‬
‫==================‬
‫حجاب‬ ‫قضية ال ِ‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫السياق القرآنى لية الخمار يبين أن العلة هى العفاف وحفظ‬
‫الفروج ‪ ،‬حيث يبدأ بالحديث عن تميز الطيبين والطيبات عن‬
‫الخبيثين والخبيثات‪ ..‬وعن آداب دخول بيوت الخرين ‪ ،‬المأهول‬
‫منها وغير المأهول‪ ..‬وعن غض البصر‪ ..‬وحفظ الفروج ‪ ،‬لمطلق‬
‫المؤمنين والمؤمنات‪..‬وعن فريضة الختمار ‪ ،‬حتى ل تبدو زينة‬
‫المرأة ـ مطلق المرأة ـ إل لمحارم حددتهم الية تفصي ً‬
‫ل‪.‬‬
‫فالحديث عن الختمار حتى فى البيوت ‪ ،‬إذا حضر غير المحارم‪..‬‬
‫ثم يواصل السياق القرآنى الحديث عن الحصان بالنكاح )الزواج(‬
‫وبالستعفاف للذين ل يجدون نكاحا ً حتى يغنيهم الله من فضله‪:‬‬
‫)الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين‬
‫والطيبون للطيبات أولئك مبرءون مما يقولون لهم مغفرة ورزق‬
‫كريم * يا أيها الذين آمنوا ل تدخلوا بيوتا ً غير بيوتكم حتى‬

‫‪49‬‬
‫كرون *‬ ‫تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم َتذ ّ‬
‫فإن لم تجدوا فيها أحدا ً فل تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم‬
‫ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم * ليس‬
‫عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا ً غير مسكونة فيها متاع لكم والله‬
‫يعلم ما تبدون وما تكتمون * قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم‬
‫ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون *‬
‫وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ول‬
‫يبدين زينتهن إل ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ول‬
‫يبدين زينتهن إل لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو‬
‫أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بنى إخوانهن أو بنى أخواتهن أو‬
‫نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولى الربة من‬
‫الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ول‬
‫يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا ً‬
‫أيها المؤمنون لعلكم تفلحون * وأنكحوا اليامى منكم والصالحين‬
‫من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله‬
‫واسع عليم * وليستعفف الذين ل يجدون نكاحا ً حتى يغنيهم الله‬
‫من فضله والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن‬
‫علمتم فيهم خيرا ً وآتوهم من مال الله الذى آتاكم ول تكرهوا‬
‫فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا‬
‫ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ( )‪.(1‬‬
‫فنحن أمام نظام إسلمى ‪ ،‬وتشريع إلهى مفصل ‪ ،‬فى العفة‬
‫وعلقتها بستر العورات عن غير المحارم‪ .‬وهو تشريع عام ‪ ،‬فى‬
‫كل مكان توجد فيه المرأة مع غير محرم‪.‬‬
‫بل إن ذات السورة ـ )النور( تستأنف التشريع لستر العورات‬
‫داخل البيوت ـ نصا ً وتحديدا ً ـ فتقول آياتها الكريمة‪) :‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم‬
‫منكم ثلث مرات من قبل صلة الفجر وحين تضعون ثيابكم من‬
‫ث عورات لكم ليس عليكم ول‬ ‫الظهيرة ومن بعد صلة العشاء ثل ُ‬
‫وافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين‬ ‫عليهم جناح بعدهن ط ّ‬
‫الله لكم اليات والله عليم حكيم * وإذا بلغ الطفال منكم الحلم‬
‫فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم كذلك يبين الله لكم آياته‬
‫والله عليم حكيم * والقواعد من النساء اللتى ل يرجون نكاحا ً‬
‫فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن‬
‫يستعففن خير لهن والله سميع عليم ( )‪.(2‬‬
‫فنحن أمام تشريع لستر العورات ‪ ،‬حتى داخل البيوت ‪ ،‬عن غير‬
‫المحارم ـ الذين حددتهم اليات ـ ومنهم الصبيان إذا بلغوا الحلم‪..‬‬
‫فحيث أمر الله بالعفاف وحرم الزنا وأقر الزواج وأباح إمكانية‬

‫‪50‬‬
‫التعدد فكان لبد لكمال التشريع من المر بدرء ما يوصل إلى‬
‫عكس ذلك كله فأمر بالحجاب وبغض البصر وبعدم الخلوة وهو‬
‫مٌر له سبحانه فى كل دين‪.‬‬ ‫َ‬
‫أ ْ‬
‫=================‬
‫حد الزنا في السلم‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫إن جريمة الزنا لهى من أقذر الجرائم حتى أنكرها كل دين ‪ ،‬بل‬
‫وأنكرها العقلء والراشدون من الناس ‪ ،‬كما أنكرها أصحاب‬
‫المدنية الغربية جهًرا وإن قبلوها سًرا وذلك لما فيها من عدوان‬
‫على حقوق الزواج ومن اختلط للنساب وحل لروابط السرة‬
‫وقتل لما فى قلوب الباء من عطف وحنان على البناء ‪ ،‬ورعاية‬
‫ل سخى لهم بما يبلغ حد التضحية بالراحة والنفس ‪ ،‬المر‬ ‫وبذ ٍ‬
‫الذى ل يكون إل إذا ملت عاطفة البوة قلوب الباء وذلك ل‬
‫قا أن هؤلء البناء‬‫عا محق ً‬
‫يكون إل إذا وقع فى قلوب الباء وقو ً‬
‫من أصلبهم‪.‬‬
‫ثم لعلك ل تعجب لما تقرأ من الخبار الواردة إلينا من أمريكا‬
‫وأوروبا عن آباء قتلوا أولدهم بأيديهم وأتوا على السرة كلها فى‬
‫لحظة واحدة دون أن ينبض فيهم شعور بالتردد قبل الجريمة أو‬
‫الندم بعدها ‪ ،‬وذلك شفاء لما فى نفوسهم من شكوك فى صحة‬
‫نسب هؤلء البناء إليهم حتى لقد تحولت هذه الشكوك إلى‬
‫عواطف من الجنون الذى أفقد هؤلء الباء كل شعور إنسانى‬
‫نحو البناء المشكوك فى نسبهم ‪ ،‬وهيهات أن يخلو شعور‬
‫أوروبى من الشك فى نسبة أبنائه إليه مع هذه الباحية المطلقة‬
‫للجمع بين النساء والرجال فى أى مكان وأى زمان‪.‬‬
‫فإن أراد السلم أن يحارب هذه الجريمة برصد هذه العقوبة‬
‫الرادعة ـ الرجم للمحصن ‪ ،‬والجلد لغير المحصن ـ كان ذلك عند‬
‫أعداء السلم تهمة شنيعة يرمونه بها ويحاكمونه عليها ليخرجوه‬
‫من حدود النسانية المتحضرة إلى عالم سكان الدغال ورعاة‬
‫البل والشياه فى الصحارى‪.‬‬
‫ويقولون‪ :‬كيف يحكم السلم بإهدار آدمية النسان حتى يأمر‬
‫بجلده على مرائى ومسمع من الناس ؟ ثم كيف تصل الوحشية‬
‫فى قسوتها إلى أن ُيلقى بالنسان فى حفرة ثم تتناوله اليدى‬
‫رجما ً بالحجارة إلى أن يموت‪.‬‬
‫هكذا يقولون )كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إل‬
‫كذبا ً ( )‪.(1‬‬
‫ول ننكر أن فى شريعة السلم حكم الجلد والرجم يقول الله‬
‫تعالى‪) :‬الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد ٍ منهما مائة جلدة ول‬

‫‪51‬‬
‫تأخذكم بهما رأفة فى دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الخر‬
‫وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ( )‪.(2‬‬
‫ئ مسلم‬ ‫وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ] ل يحل دم امر ٍ‬
‫إل بإحدى ثلث‪ :‬الثيب الزانى ‪ ،‬والنفس بالنفس ‪ ،‬والتارك لدينه‬
‫المفارق للجماعة [ )‪.(3‬‬
‫والنظام السلمى كل متكامل ل تفهم جزئياته إل فى نسق واحد‪.‬‬
‫فإن السلم قد حّرم النظر إلى " الجنبيات " قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ] النظرة سهم من سهام إبليس مسمومة‬
‫فمن تركها من خوف الله أثابه إيمانا ً يجد حلوته فى قلبه [ )‪.(4‬‬
‫وكذلك أمر النساء أل يظهرن الزينة إل للزواج أو القارب من‬
‫الصلب الذين ل ُيخشى منهم فتنة‪.‬قال الله تعالى‪) :‬يا أيها النبى‬
‫قل لزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلبيبهن (‬
‫)‪ ، (5‬وقال‪:‬‬
‫)وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ( )‪ .(6‬وأمر أيضا ً أل‬
‫يختلى رجل بامرأة ل تحل له قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ] ما اجتمع رجل وامرأة إل وكان الشيطان ثالثهما [‪.‬‬
‫وحرم أيضا ً أن يمس الرجل امرأة ل تحل له فقال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ] لئن تضرب بمخيط فى رأسك فتدمى به‬
‫رأس خير لك من أن تمس امرأة ل تحل لك [‪ .‬وقبل هذا كله‬
‫فقد استطاع السلم أن يربى الضمير فى الرجل والمرأة على‬
‫حد سواء على ضوء ما جاء فى قصة ماعزو الغامدية‪.‬‬
‫والسلم كذلك حض الشباب على إخراج هذه الشهوة فى‬
‫منفذها الشرعى بالزواج‪ .‬فقال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ] :‬يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه‬
‫أغض للبصر وأحفظ للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له‬
‫وجاء [ )‪ (7‬أى قاطع للشهوة‪.‬‬
‫وكذلك رخص للرجل أن يتزوج بامرأة واحدة أو اثنين أو ثلثة أو‬
‫أربع مادام يملك النفقة ويستطيع العدل‪.‬‬
‫وأمر أولياء المور أن ل يغالوا فى مهور بناتهم فقال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ] إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه‬
‫فزوجوه إل تفعلوا تكن فتنة فى الرض وفساد كبير [ )‪ .(8‬وأمر‬
‫الغنياء أن يساعدوا الشباب فى نفقات الزواج‪ .‬وقد قام الخليفة‬
‫العادل عمر بن عبد العزيز بتزويج الشباب والفتيات من بيت مال‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫هذا كله هو بعض ملمح السلم فى تيسير أمر إخراج هذه‬
‫الشهوة بطريق مشروع ‪ ،‬والحقيقة أن مثل هذه الشنيعة ل‬
‫تحصل فى المجتمع المسلم ـ الذى تسوده الفضيلة ـ إل بعد تدبير‬

‫‪52‬‬
‫عظيم من كل الطرفين يدل على إجرام كل الطرفين ولكن مع‬
‫دا‬
‫كل هذا فإن شريعة السلم قد وضعت شروط من الصعب ج ً‬
‫توافرها قبل إيقاع العقوبة‪.‬‬
‫فإن لم تتوفر مجتمعة ل يقام الحد على صاحب هذه الفعلة جلدا ً‬
‫كان أو رجما ً وهذه هى الشروط‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ لبد حتى تثبت الجريمة من شهادة أربعة شهود عدول‬
‫يشهدون بأنهم رأوا من الرجل والمرأة ما يكون بين الرجل‬
‫وزوجته من اتصال مباشر ‪ ،‬المر الذى ل يكاد يراه أحد ٌ من‬
‫البشر‪.‬‬
‫وكأن الشريعة ل ترصد هذه العقوبة على هذه الفعلة بوصفها‬
‫ولكنها ترصدها على شيوع هذه الفعلة على المل من الناس‬
‫بحيث ل يبغى بين الناس من يعرف معروفا ً ول ينكر منكرًا‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ إن الشريعة السلمية تقرر درء الحدود بالشبهات بمعنى أن‬
‫أى شك فى شهادة الشهود يفسر لصالح المتهم فيسقط بذلك‬
‫الحد‪ .‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ] ادرءوا الحدود‬
‫بالشبهات [ )‪.(9‬‬
‫‪ 3‬ـ فرضت الشريعة عقوبة الجلد ثمانين جلدة على من قذف‬
‫محصنة ثم لم يأت بأربعة يشهدون بأنهم رأوا منها ومن المقذوف‬
‫بها ما يكون بين الزوج وزوجته قال الله تعالى‪) :‬والذين يرمون‬
‫المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ول‬
‫تقبلوا لهم شهادة أبدا ً وأولئك هم الفاسقون ( )‪.(10‬‬
‫‪ 4‬ـ رغبت الشريعة السلمية فى التستر على عورات المسلمين‬
‫وإمساك اللسنة عن الجهر بالفواحش وإن كانت وقعت ‪ ،‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫] لرجل جاء يشهد‪ :‬هل سترتهما بثوبك [ يقول الله تعالى‪) :‬إن‬
‫الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فى الذين آمنوا لهم عذاب أليم‬
‫فى الدنيا والخرة والله يعلم وأنتم ل تعلمون ( )‪.(11‬‬
‫أبعد هذا كله يتخرص متخرص ويقول‪ :‬إن السلم يظلم النسان‬
‫ويهدر أدميته حين يأخذ أولئك الذين يأتون الفاحشة على أعين‬
‫بما يأخذهم به من جلد بالسياط‪ .‬وفضح بين المل من الناس‪.‬‬
‫أفل يسأل هؤلء المتخرصون أنفسهم ماذا يبقى للنسان من‬
‫آدميته وكرامته إذا تركت هذه الفاحشة يعالى بها بعض الدميين‬
‫من غير استحياء ثم ل يضرب على أيديهم أحد‪ .‬إن إنسانا ً توفرت‬
‫له كل هذه الميسرات وتجرأ على الترتيب لهذه الفعلة الشنيعة‪.‬‬
‫ثم افتضح حاله حين يراه هذا العدد فى هذا الوضع‪ .‬إن إنسانا ً فى‬
‫مثل هذا الحال لهو إنسان مفسد ضال مضل ولو لم يتم بتره أو‬
‫تربيته فإن هذا يشكل خطرا ً على المجتمع كله‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫والمتحدثون عن حقوق النسان يقولون ل بأس من أن يحبس‬
‫قترة من الزمن ثم يخرج لكى يمارس عمله ول يعلمون أن مثل‬
‫هذا الحبس سوف يمكنه من أن يخالط من هو أجرم منه ليتعلم‬
‫منه ويعلمه ويخرجان إلى المجتمع بعد أن أصبحا إمامين فى‬
‫الضلل ليضل الناس عن طريق رب الناس وهذا هو المشاهد‪.‬‬
‫فضل ً عن الذى يترتب على الحد من تكفير لهذا الذنب‪.‬‬
‫وإن المتتبع ل يجد هذه العقوبة قد نفذت " حال تنفيذ العقوبات "‬
‫إل فى أعداد محدودة ول ضرر فى هذا مادام قد وفر المن‬
‫والستقرار للمجتمع‪.‬‬
‫‪---------------------‬‬
‫)‪ (1‬الكهف‪.5 :‬‬
‫)‪ (2‬النور‪.2 :‬‬
‫)‪ (3‬رواه مسلم‪.‬‬
‫)‪ (4‬رواه الحاكم فى المستدرك‪.‬‬
‫)‪ (5‬الحزاب‪.59 :‬‬
‫)‪ (6‬النور‪.31 :‬‬
‫)‪ (7‬رواه البخارى‪.‬‬
‫)‪ (8‬رواه ابن ماجه‪.‬‬
‫)‪ (9‬رواه الترمذى‪.‬‬
‫)‪ (10‬النور‪.4 :‬‬
‫)‪ (11‬النور‪.19 :‬‬
‫===================‬
‫وامون على النساء‬ ‫الرجال ق ّ‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫فى المدينة المنورة نزلت آيات " القوامة " قوامة الرجال على‬
‫النساء‪ ..‬وفى ظل المفهوم الصحيح لهذه القوامة تحررت المرأة‬
‫المسلمة من تقاليد الجاهلية الولى ‪ ،‬وشاركت الرجال فى‬
‫العمل العام مختلف ميادين العمل العام على النحو الذى أشرنا‬
‫إلى نماذجه فى القسم الول من هذه الدراسة ؛ فكان مفهوم‬
‫القوامة حاضرا ً طوال عصر ذلك التحرير‪ ..‬ولم يكن عائقا ً بين‬
‫المرأة وبين هذا التحرير‪..‬‬
‫ولحكمة إلهيةِ قرن القرآن الكريم فى آيات القوامة بين مساواة‬
‫النساء للرجال وبين درجة القوامة التى للرجال على النساء ‪ ،‬بل‬
‫وقدم هذه المساواة على تلك الدرجة ‪ ،‬عاطفا ً الثانية على الولى‬
‫ب " واو " العطف ‪ ،‬دللة على المعية والقتران‪ ..‬أى أن‬
‫المساواة والقوامة صنوان مقترنان ‪ ،‬يرتبط كل منهما بالخر ‪،‬‬

‫‪54‬‬
‫وليسا نقيضين ‪ ،‬حتى يتوهم واهم أن القوامة نقيض ينتقص من‬
‫المساواة‪..‬‬
‫لحكمة إلهية جاء ذلك فى القرآن الكريم ‪ ،‬عندما قال الله‬
‫سبحانه وتعالى فى الحديث عن شئون السرة وأحكامها‪:‬‬
‫)ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله‬
‫عزيز حكيم ( )‪.(1‬‬
‫وفى سورة النساء جاء البيان لهذه الدرجة التى للرجال على‬
‫النساء فى سياق الحديث عن شئون السرة ‪ ،‬وتوزيع العمل‬
‫والنصبة بين طرفى الميثاق الغليظ الذى قامت به السرة الرجل‬
‫والمرأة فإذا بآية القوامة تأتى تالية لليات التى تتحدث عن توزيع‬
‫النصبة والحظوظ والحقوق بين النساء وبين الرجال ‪ ،‬دونما غبن‬
‫لطرف ‪ ،‬أو تمييز يخل بمبدأ المساواة ‪ ،‬وإنما وفق الجهد‬
‫صل به كل طرف ما يستحق من ثمرات‪)..‬ول‬ ‫والكسب الذى يح ّ‬
‫تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما‬
‫اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن‬
‫الله كان بكل شئ عليما ً * ولكل جعلنا موالى مما ترك الوالدان‬
‫والقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان‬
‫ضل الله‬ ‫وامون على النساء بما ف ّ‬ ‫على كل شئ شهيدا ً * الرجال ق ّ‬
‫بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم‪.(2) (..‬‬
‫ولقد فقه حبر المة ‪ ،‬عبد الله بن عباس ] ‪3‬ق هجرية ‪ 68‬هجرية‬
‫‪687 619 /‬م [ الذى دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم ربه‬
‫أن يفقهه فى الدين فهم الحكمة اللهية فى اقتران المساواة‬
‫بالقوامة ‪ ،‬فقال فى تفسيره لقول الله ‪ ،‬سبحانه وتعالى ‪):-‬ولهن‬
‫مثل الذى عليهن بالمعروف( تلك العبارة النسانية ‪ ،‬والحكمة‬
‫الجامعة‪ " :‬إننى لتزين لمرأتى ‪ ،‬كما تتزين لى ‪ ،‬لهذه الية " !‬
‫وفهم المسلمون قبل عصر التراجع الحضارى ‪ ،‬الذى أعاد بعضا ً‬
‫من التقاليد الجاهلية الراكدة إلى حياة المرأة المسلمة مرة‬
‫أخرى ? أن درجة القوامة هى رعاية ُرّبان السرة الرجل‬
‫لسفينتها ‪ ،‬وأن هذه الرعاية هى مسئولية وعطاء‪ ..‬وليست‬
‫ديكتاتورية ول استبدادا ينقص أو ينتقص من المساواة التى قرنها‬
‫القرآن الكريم بهذه القوامة ‪ ،‬بل وقدمها عليها‪..‬‬
‫ولم يكن هذا الفهم السلمى لهذه القوامة مجرد تفسيرات أو‬
‫استنتاجات ‪ ،‬وإنما كان فقها ً محكوما ً بمنطق القواعد القرآنية‬
‫الحاكمة لمجتمع السرة ‪ ،‬وعلقة الزوج بزوجه‪ ..‬فكل شئون‬
‫السرة ُتدار ‪ ،‬وكل قراراتها ت ُّتخذ بالشورى ‪ ،‬أى بمشاركة كل‬
‫أعضاء السرة فى صنع واتخاذ هذه القرارات ‪ ،‬لن هؤلء العضاء‬
‫مؤمنون بالسلم والشورى صفة أصيلة من صفات المؤمنين‬

‫‪55‬‬
‫والمؤمنات )والذين يجتنبون كبائرالثم والفواحش وإذا ما غضبوا‬
‫هم يغفرون *والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلة وأمرهم‬
‫شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون * والذين إذا أصابهم البغى‬
‫هم ينتصرون( )‪.(3‬‬
‫فالشورى واحدة من الصفات المميزة للمؤمنين والمؤمنات ‪ ،‬فى‬
‫كل ميادين التدبير وصناعة القرار‪ ..‬والسرة هى الميدان‬
‫ب هذه الشورى ‪ ،‬ويلزم‬ ‫التأسيسى والول فى هذه الميادين‪ ..‬تج ُ‬
‫هذا التشاور فى مجتمع السرة ? لتتأسس التدابير والقرارات‬
‫على الرضا ‪ ،‬الذى ل سبيل إليه إل بالمشاركة الشورية فى صنع‬
‫القرارات‪ ..‬يستوى فى ذلك الصغير والخطير من هذه التدابير‬
‫والقرارات‪ ..‬حتى لقد شاءت الحكمة اللهية أن ينص القرآن‬
‫الكريم على تأسيس قرار الرضاعة للطفال ‪ -‬أى سقاية‬
‫المستقبل وصناعة الغد على الرضا الذى تثمره الشورى‪ ..‬ففى‬
‫سياق اليات التى تتحدث عن حدود الله فى شئون السرة‪ ..‬تلك‬
‫الحدود المؤسسة على منظومة القيم‪ ..‬والمعروف‪ ..‬والحسان‪..‬‬
‫جناح والحرج‪ ..‬وعدم المضارة والظلم والعدوان‪..‬‬ ‫ونفى ال ُ‬
‫والدعوة إلى ضبط شئون السرة بقيم التزكية والطهر ‪ ،‬ل "‬
‫بترسانة " القوانين الصماء !‪ ..‬فى هذا السياق ينص القرآن‬
‫الكريم على أن تكون الشورى هى آلية السرة فى صنع كل‬
‫القرارات‪) :‬والوالدات يرضعن أولدهن حولين كاملين لمن أراد‬
‫أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ل‬
‫تكلف نفس إل وسعها ل تضار والدة بولدها ول مولود له بولده‬
‫وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصال ً عن تراض منهما وتشاور‬
‫فل جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولدكم فل جناح عليكم‬
‫إذا سلمتم ما أتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أن الله بما‬
‫تعملون بصير( )‪.(4‬‬
‫هكذا فهم المسلمون معنى القوامة‪ ..‬فهى مسئولية وتكاليف‬
‫للرجل ‪ ،‬مصاحبة لمساواة النساء بالرجال‪ ..‬وبعبارة المام محمد‬
‫عبده‪ " :‬إنها تفرض على المرأة شيئا ً وعلى الرجل أشياء "‪.‬‬
‫وكانت السنة النبوية فى عصر البعثة البيان النبوى للبلغ القرآنى‬
‫مله‬‫فى هذا الموضوع‪ ..‬فالمعصوم صلى الله عليه وسلم الذى ح ّ‬
‫ربه الحمل الثقيل فى الدين‪ ..‬والدولة‪ ..‬والمة‪ ..‬والمجتمع ‪) -‬إنا‬
‫سنلقى عليك قول ً ثقيل ً ( )‪ .(5‬هو الذى كان فى خدمة أهله ‪-‬‬
‫أزواجه ‪ -‬وكانت شوراهن معه وله صفة من صفات بيت النبوة ‪،‬‬
‫فى الخاص والعام من المور والتدابير‪ ..‬ويكفى أن هذه السنة‬
‫العملية قد تجسدت تحريرا ً للمرأة ‪ ،‬شاركت فيه الرجال بكل‬
‫ميادين الجتماع والسياسة والقتصاد والتربية‪ ..‬وحتى القتال‪..‬‬

‫‪56‬‬
‫كما كان صلى الله عليه وسلم دائم التأكيد على التوصية بالنساء‬
‫خيرًا‪..‬فحريتهن حديثة العهد ‪ ،‬وهن قريبات من عبودية التقاليد‬
‫الجاهلية ‪ ،‬واستضعافهن يحتاج إلى دوام التوصية بهن والرعاية‬
‫لهن‪ ..‬وعنه صلى الله عليه وسلم تروى أقرب زوجاته إليه عائشة‬
‫رضى الله عنها‪ " :‬إنما النساء شقائق الرجال " رواه أبو داود‬
‫والترمذى والدارمى والمام أحمد وعندما سئلت‪:‬‬
‫ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل فى بيته ؟‬
‫قالت‪ " :‬كان بشرا ً من البشر ‪ ،‬يغلى ثوبه ‪ ،‬ويحلب شاته ‪ ،‬ويخدم‬
‫وام على المة كلها‬ ‫ق ّ‬
‫نفسه " رواه المام أحمد يفعل ذلك ‪ ،‬وهو ال َ‬
‫‪ ،‬فى الدين والدولة والدنيا جميعا ً !‪..‬وفى خطبته صلى الله عليه‬
‫وسلم بحجة الوداع ] ‪ 10‬هجرية ‪ 632 /‬م [ وهى التى كانت‬
‫إعلنا عالميا خالدا ً للحقوق والواجبات الدينية والمدنية ? كما‬
‫صاغها السلم أفرد صلى الله عليه وسلم للوصية بالنساء فقرات‬
‫خاصة ‪ ،‬أكد فيها على التضامن والتناصر بين النساء والرجال فى‬
‫المساواة والحقوق والواجبات فقال‪ " :‬أل واستوصوا بالنساء‬
‫خيرا ً ‪ ،‬فإنهن عوان عندكم ‪ ،‬ليس تملكون منهن شيئا ً غير ذلك ‪،‬‬
‫إل أن يأتين بفاحشة مبينة‪ .‬أل إن لكم على نسائكم حقا ً‬
‫ولنسائكم عليكم حقًا‪ ..‬فاتقوا الله فى النساء ‪ ،‬واستوصوا بهن‬
‫خيرا ً ‪ ،‬أل هل بلغت !‪ .‬اللهم فاشهد " )‪.(6‬‬
‫هكذا ُفهمت القوامة فى عصر التنزيل‪ ..‬فكانت قيادة للرجل فى‬
‫السرة ‪ ،‬اقتضتها مؤهلته ومسئولياته فى البذل والعطاء‪ ..‬وهى‬
‫قيادة محكومة بالمساواة والتناصر والتكافل بين الزوج وزوجه‬
‫فى الحقوق والواجبات ومحكومة بالشورى التى يسهم بها‬
‫الجميع ويشاركون فى تدبير شئون السرة‪ ..‬هذه السرة التى‬
‫قامت على " الميثاق الغليظ " ميثاق الفطرة والذى تأسس على‬
‫المودة والرحمة ‪ ،‬حتى غدت المرأة فيها السكن والسكينة‬
‫ن لباس لكم وأنتم‬ ‫لزوجها حيث أفضى بعضهم إلى بعض ‪ ،‬ه ّ‬
‫لباس لهن ‪ ،‬فهى بعض الرجل والرجل بعض منها‪):‬بعضكم من‬
‫بعض( )‪) - (7‬ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا‬
‫إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن فى ذلك ليات لقوم‬
‫ن لباس لكم وأنتم لباس لهن ( )‪) (9‬وقد‬ ‫يتفكرون ( )‪) (8‬ه ّ‬
‫أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا ( )‪.(10‬‬
‫وإذا كانت القوامة ضرورة من ضروريات النظام والتنظيم فى أية‬
‫وحدة من وحدات التنظيم الجتماعى ‪ ،‬لن وجود القائد الذى‬
‫يحسم الختلف والخلف ‪ ،‬هو مما ل يقوم النظام والنتظام إل‬
‫به‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫فلقد ربط القرآن هذه الدرجة فى الريادة والقيادة بالمؤهلت‬
‫وبالعطاء ‪ ،‬وليس بمجرد " الجنس " فجاء التعبير‪) :‬الرجال‬
‫وام على كل امرأة‪ ..‬لن‬ ‫قوامون على النساء( وليس كل رجل ق ّ‬
‫إمكانات القوامة معهودة فى الجملة والغالب لدى الرجال ‪ ،‬فإذا‬
‫تخلفت هذه المكانات عند واحد من الرجال ‪ ،‬كان الباب مفتوحا ً‬
‫أمام الزوجة إذا امتلكت من هذه المقومات أكثر مما لديه لتدير‬
‫دفة الجتماع السرى على نحو ما هو حادث فى بعض‬
‫الحالت !‪..‬‬
‫هكذا كانت القوامة فى الفكر والتطبيق فى عصر صدر السلم‪..‬‬
‫لكن الذى حدث بعد القرون الولى وبعد الفتوحات التى أدخلت‬
‫إلى المجتمع السلمى شعوبا ً لم يذهب السلم عاداتها‬
‫الجاهلية ‪ ،‬فى النظر إلى المرأة والعلقة بها ‪ ،‬قد أصاب النموذج‬
‫السلمى بتراجعات وتشوهات أشاعت تلك العادات والتقاليد‬
‫الجاهلية فى المجتمعات السلمية من جديد‪..‬‬
‫وان " التى وصف الرسول صلى‬ ‫ويكفى أن نعرف أن كلمةٍ " ع َ َ‬
‫الله عليه وسلم بها النساء ‪ ،‬فى خطبة حجة الوداع ‪ ،‬والتى تعنى‬
‫صف والوسط " )‪ (11‬أى الخيار وتعنى‬ ‫فى ] لسان العرب [‪ " :‬الن ّ َ‬
‫ذات المعنى فى موسوعات مصطلحات الفنون )‪ ..(12‬قد‬
‫أصبحت تعنى ‪ -‬فى عصر التراجع الحضارى ‪ -‬أن المرأة أسيرة‬
‫لدى الرجل ‪ ،‬وأن النساء أسرى عند الرجال‪ ..‬وأن القوامة هى‬
‫لون من " القهر " لولئك النساء السيرات !! حتى وجدنا إماما ً‬
‫عظيما ً مثل ابن القيم ‪ ،‬يعبر عن واقع عصره العصر المملوكى‬
‫فيقول هذا الكلم الغريب والعجيب‪ " :‬إن السيد قاهر‬
‫لمملوكه ‪،‬حاكم عليه ‪ ،‬مالك له‪ .‬والزوج قاهر لزوجته ‪ ،‬حاكم‬
‫عليها ‪ ،‬وهى تحت سلطانه وحكمه شبه السير " )‪!! (13‬‬
‫وهو فهم لمعنى القوامة ‪ ،‬وعلقة الزوج بزوجه ‪ ،‬يمثل انقلبا ً‬
‫جذريا على إنجازات السلم فى علقة الزواج بالزوجات !‪..‬‬
‫انقلب جذرّيا فالعادات والتقاليد الجاهلية التى أصبحت تغالب‬
‫قيم السلم فى تحرير المرأة ومساواة النساء للرجال‪..‬‬
‫ووجدنا كذلك فى عصور التقليد والجمود الفقهى تعريف بعض "‬
‫الفقهاء " لعقد النكاح ‪ ،‬فإذا به‪ " :‬عقد تمليك بضع الزوجة " !!‪..‬‬
‫وهو انقلب على المعانى القرآنية السامية لمصطلحات " الميثاق‬
‫الغليظ " و " المودة "‪ ..‬والرحمة‪ ..‬والسكن والسكينة‪ ..‬وإفضاء‬
‫كل طرف إلى الطرف الخر ‪ ،‬حتى أصبح كل منهما لباسا ً له "‪..‬‬
‫هكذا حدث النقلب ‪ ،‬فى عصور التراجع الحضارى لمسيرة أمة‬
‫السلم‪..‬‬

‫‪58‬‬
‫ولذلك ‪ ،‬كان من مقتضيات البعث الحضارى ‪ ،‬الحديث‬
‫والمعاصر ‪ ،‬لنموذج السلم فى تحرير المرأة وإنصافها ‪ ،‬كبديل‬
‫للنموذج الغربى الذى اقتحم عالم السلم فى ركاب الغزوة‬
‫الستعمارية الغربية لبلدنا والذى شقيت وتشقى به المرأة‬
‫السوية فى الغرب ذاته كان من مقتضيات ذلك إعادة المفاهيم‬
‫السلمية الصحيحة لمعنى قوامة الرجال على النساء‪ ..‬وهى‬
‫المهمة التى نهضت بها الجتهادات السلمية الحديثة والمعاصرة‬
‫لعلم علماء مدرسة الحياء والتجديد‪..‬‬
‫فالمام محمد عبده ‪ ،‬قد وقف أمام آيات القوامة )ولهن مثل‬
‫الذىعليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة( )‪ (14‬فإذا به يقول‪:‬‬
‫ؤدى بالتفصيل‬ ‫" هذه كلمة جليلة جدا ً ‪ ،‬جمعت على إيجازها مال ي ُ َ‬
‫إل فى سفر كبير ‪ ،‬فهى قاعدة كلية ناطقة بأن المرأة مساوية‬
‫للرجل فى جميع الحقوق ‪ ،‬إل أمرا ً واحدا ً عّبر عنه بقوله‪:‬‬
‫)وللرجال عليهن درجة( وقد أحال فى معرفة ما لهن وما عليهن‬
‫على المعروف بين الناس فى معاشراتهن ومعاملتهن فى‬
‫أهليهن ‪ ،‬وما يجرى عليه عرف الناس هو تابع لشرائعهم‬
‫وعقائدهم وآدابهم وعاداتهم‪..‬‬
‫فهذه الجملة تعطى الرجل ميزانا يزن به معاملته لزوجه فى‬
‫م بمطالبتها بأمر من المور يتذكر‬ ‫جميع الشئون والحوال ‪ ،‬فإذا ه ّ‬
‫أنه يجب عليه مثله بإزائه ‪ ،‬ولهذا قال ابن عباس ‪ ،‬رضى الله‬
‫عنهما‪ :‬إننى لتزين لمرأتى كما تتزين لى ‪ ،‬لهذه الية‪.‬‬
‫وليس المراد بالمثل المثل بأعيان الشياء وأشخاصها ‪ ،‬وإنما‬
‫المراد‪ :‬أن الحقوق بينهما متبادلة ‪ ،‬وأنهما كفئان ‪ ،‬فما من عمل‬
‫تعمله المرأة للرجل إل وللرجل عمل يقابله لها ‪ ،‬وإن لم يكن‬
‫مثله فى شخصه ‪ ،‬فهو مثله فى جنسه ‪ ،‬فهما متماثلن فى‬
‫الذات والحساس والشعور والعقل ‪ ،‬أى أن كل منهما بشر تام له‬
‫عقل يتفكر فى مصالحه ‪ ،‬وقلب يحب ما يلئمه ويسر به ‪ ،‬ويكره‬
‫مال يلئمه وينفر منه ‪ ،‬فليس من العدل أن يتحكم أحد الصنفين‬
‫بالخر ويتخذه عبدا يستذله ويستخدمه فى مصالحه ‪ ،‬ول سيما‬
‫بعد عقد الزوجية والدخول فى الحياة المشتركة التى ل تكون‬
‫سعيدة إل باحترام كل من الزوجين الخر والقيام بحقوقه‪..‬‬
‫هذه الدرجة التى ُرفع النساء إليها لم يرفعهن إليها دين سابق ول‬
‫شريعة من الشرائع ‪ ،‬بل لم تصل إليها أمة من المم قبل السلم‬
‫ول بعده‪..‬‬
‫لقد خاطب الله تعالى النساء باليمان والمعرفة والعمال‬
‫الصالحة ‪ ،‬فى العبادات والمعاملت ‪ ،‬كما خاطب الرجال ‪ ،‬وجعل‬
‫لهن مثل ما جعله عليهن ‪ ،‬وقرن أسماءهن بأسمائهم فى آيات‬

‫‪59‬‬
‫كثيرة ‪ ،‬وبايع النبى صلى الله عليه وسلم المؤمنات كما بايع‬
‫المؤمنين ‪ ،‬وأمرهن بتعلم الكتاب والحكمة كما أمرهم ‪ ،‬وأجمعت‬
‫المة على ما مضى به الكتاب والسنة من أنهن مجزيات على‬
‫أعمالهن فى الدنيا والخرة‪..‬‬
‫وأما قوله تعالى‪) :‬وللرجال عليهن درجة( فهو يوجب على المرأة‬
‫شيئا ً ‪ ،‬وذلك أن هذه الدرجة درجة الرياسة والقيام على المصالح‬
‫‪ ،‬المفسرة بقوله تعالى )الرجال قوامون على النساء بما فضل‬
‫الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم( )‪.(15‬‬
‫إن الحياة الزوجية حياة اجتماعية ‪ ،‬ول بد لكل اجتماع من رئيس ‪،‬‬
‫لن المجتمعين لبد أن تختلف آراؤهم ورغباتهم فى بعض المور ‪،‬‬
‫ول تقوم مصلحتهم إل إذا كان لهم رئيس ُيرجع إلى رأيه فى‬
‫الخلف ‪ ،‬لئل يعمل كل ضد الخر فتفصم عروة الوحدة الجامعة‬
‫ويختل النظام ‪ ،‬والرجل أحق بالرياسة لنه أعلم بالمصلحة ‪،‬‬
‫وأقدر على التنفيذ بقوته وماله ‪ ،‬ومن ثم كان هو المطالب شرعا ً‬
‫بحماية المرأة والنفقة عليها ‪ ،‬وكانت هى مطالبة بطاعته فى‬
‫المعروف‪.‬‬
‫إن المراد بالقيام " القوامة " هنا هو الرياسة التى يتصرف فيها‬
‫المرؤوس بإرادته واختياره ‪ ،‬وليس معناه أن يكون المرؤوس‬
‫مقهورا مسلوب الرادة ل يعمل عمل إل ما يوجهه إليه رئيسه‪.‬‬
‫إن المرأة من الرجل والرجل من المرأة بمنزلة العضاء من بدن‬
‫الشخص الواحد ‪ ،‬فالرجل بمنزلة الرأس والمرأة بمنزلة البدن‪.‬‬
‫أما الذين يحاولون بظلم النساء أن يكونوا سادة فى بيوتهم ‪،‬‬
‫دا لغيرهم "?)‪.!! (16‬‬
‫فإنما يلدون عبي ً‬
‫" وإذا كانت عصور التراجع الحضارى كما سبق وأشرنا قد‬
‫استبدلت بالمعانى السامية لعقد الزواج المودة ‪ ،‬والرحمة ‪،‬‬
‫والسكن والميثاق الغليظ " ذلك المعنى الغريب "عقد تمليك ُبضع‬
‫الزوجة " ! ? وعقد أسر وقهر !‪ .‬فلقد أعاد الجتهاد السلمى‬
‫الحديث والمعاصر العتبار إلى المعانى القرآنية السامية‪ ..‬وكتب‬
‫الشيخ محمود شلتوت ] ‪ 13101383‬هجرية ‪1963 1893‬م [‬
‫فى تفسيره للقرآن الكريم تحت عنوان ] الزواج ميثاق غليظ [‬
‫يقول‪:‬‬
‫" لقد أفرغت سورة النساء على عقد الزواج صبغة كريمة ‪،‬‬
‫أخرجته عن أن يكون عقد تمليك كعقد البيع والجارة ‪ ،‬أو نوعا‬
‫من السترقاق والسر حيث أفرغت عليه صبغة " الميثاق الغليظ‬
‫"‪.‬‬
‫ولهذا التعبير قيمته فى اليحاء بموجبات الحفظ والرحمة‬
‫والمودة‪ .‬وبذلك كان الزواج عهدا شريفا ً وميثاقا ً غليظا ً ترتبط به‬

‫‪60‬‬
‫القلوب ‪ ،‬وتختلط به المصالح ‪ ،‬ويندمج كل من الطرفين فى‬
‫صاحبه ‪ ،‬فيتحد شعورهما ‪ ،‬وتلتقى رغباتهما وآمالهما‪ .‬كان علقة‬
‫ن لباس‬ ‫دونها علقة الصداقة والقرابة ‪ ،‬وعلقة البوة والبنوة)ه ّ‬
‫لكم وأنتم لباس لهن( )‪) (17‬ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم‬
‫أزواجا ً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن فى ذلك ليات‬
‫لقوم يتفكرون( )‪ .(18‬يتفكرون فيدركون أن سعادة الحياة‬
‫الزوجية إنما ُتبنى على هذه العناصر الثلثة‪ :‬السكن والمودة‬
‫والرحمة‪..‬‬
‫وإذا تنبهنا إلى أن كلمة )ميثاق( لم ترد فى القرآن الكريم إل‬
‫تعبيًرا عما بين الله وعباده من موجبات التوحيد ‪ ،‬والتزام الحكام‬
‫‪ ،‬وعما بين الدولة والدولة من الشئون العامة والخطيرة ‪ ،‬علمنا‬
‫مقدار المكانة التى سما القرآن بعقد الزواج إليها ‪ ،‬وإذا تنبهنا‬
‫مرة أخرى إلى أن وصف الميثاق " بالغليظ " لم يرد فى موضع‬
‫من مواضعه إل فى عقد الزواج وفيما أخذه الله على أنبيائه من‬
‫مواثيق)وأخذنا منهم ميثاقا ً غليظًا( )‪ .(19‬تضاعف لدينا سمو هذه‬
‫المكانة التى رفع القرآن إليها هذه الرابطة السامية "‪.‬‬
‫ثم تحدث الشيخ شلتوت عن المفهوم السلمى الصحيح "‬
‫للقوامة " فقال‪:‬‬
‫"‪ ..‬وبينت السورة الدرجة التى جعلها الله للرجال على النساء ‪،‬‬
‫بعد أن سوى بينهما فى الحقوق والواجبات ‪ ،‬وأنها ل تعدو درجة‬
‫الشراف والرعاية بحكم القدرة الطبيعية التى يمتاز بها الرجل‬
‫على المرأة ‪ ،‬بحكم الكد والعمل فى تحصيل المال الذى ينفقه‬
‫فى سبيل القيام بحقوق الزوجة والسرة ‪ ،‬وليست هذه الدرجة‬
‫درجة الستعباد والتسخير ‪ ،‬كما يصورها المخادعون المغرضون "‬
‫)‪.(20‬‬
‫تلك هى شبهة الفهم الخاطىء والمغلوط لقوامة الرجال على‬
‫النساء‪ ..‬والتى ل تعدو أن تكون النعكاس لواقع بعض العادات‬
‫الجاهلية التى ارتدت فى عصور التراجع الحضارى لمتنا‬
‫السلمية فغالبت التحرير السلمى للمرأة حتى انتقلت بالقوامة‬
‫من الرعاية والريادة ‪ ،‬المؤسسة على إمكانات المسئولية والبذل‬
‫والعطاء ‪ ،‬إلى قهر السيد للمسود والحر للعبد والمالك‬
‫للمملوك !‪.‬‬
‫ولن هذا الفهم غريب ومغلوط ‪ ،‬فإن السبيل إلى نفيه وإزالة‬
‫غباره وآثاره هو سبيل البديل السلمى الذى فقهه الصحابة ‪،‬‬
‫رضوان الله عليهم للقوامه‪ ..‬والذى بعثه من جديد الجتهاد‬
‫السلمى الحديث والمعاصر ‪ ،‬ذلك الذى ضربنا عليه المثال من‬
‫فكر وإبداع الشيخ محمد عبده والشيخ محمود شلتوت‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫بل إننا نضيف ‪ ،‬للذين يرون فى القوامة استبدادا بالمرأة وقهرا‬
‫لها سواء منهم غلة السلميين الذين ينظرون للمرأة نظرة دونية‬
‫‪ ،‬ويعطلون ملكاتها وطاقاتها بالتقاليد أو غلة العلمانيين ‪ ،‬الذين‬
‫حسبوا ويحسبون أن هذا الفهم المغلوط هو صحيح السلم‬
‫وحقيقته ‪ ،‬فيطلبون تحرير المرأة بالنموذج الغربى‪ ..‬بل وتحريرها‬
‫من السلم !‪ ..‬أقول لهؤلء جميعًا‪:‬‬
‫إن هذه الرعاية التى هى القوامة ‪ ،‬لم يجعلها السلم للرجل‬
‫بإطلق‪ ..‬ولم يحرم منها المرأة بإطلق‪ ..‬وإنما جعل للمرأة رعاية‬
‫? أى " قوامة " ? فى الميادين التى هى فيها أبرع وبها أخبر من‬
‫الرجال‪ ..‬ويشهد على هذه الحقيقة نص حديث رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ‪ ،‬فالمير‬
‫الذى على الناس راع عليهم ‪ ،‬وهو مسئول عنهم ‪ ،‬والرجل راع‬
‫على أهل بيته ‪ ،‬وهو مسئول عنهم ‪ ،‬والمرأة راعية على بيت‬
‫بعلها وولده ‪ ،‬وهى مسئولة عنهم‪ ..‬أل فكلكم راع وكلكم مسئول‬
‫عن راعيته " رواه البخارى والمام أحمد‪.‬‬
‫فهذه الرعاية "القوامة "‪-‬هى فى حقيقتها " تقسيم للعمل " تحدد‬
‫الخبرة ُ والكفاءة ُ ميادين الختصاص فيه‪ ..‬فالكل راع ومسئول‪-‬‬
‫وليس فقط الرجال هم الرعاة والمسئولون‪-‬وكل صاحب أو‬
‫وامة على ميدان‬ ‫وام أو راعية وق ّ‬ ‫صاحبة خبرة وكفاءة هو راع وق ّ‬
‫من الميادين وتخصص من التخصصات‪ ..‬وإن تميزت رعاية‬
‫الرجال وقوامتهم فى السر والبيوت والعائلت وفقا ً للخبرة‬
‫والمكانات التى يتميزون بها فى ميادين الكد والحماية‪..‬فإن‬
‫لرعاية المرأة تميزا ً فى إدارة مملكة السرة وفى تربية البناء‬
‫والبنات‪ ..‬حتى نلمح ذلك فى حديث الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم الذى سبق إيراده ‪ -‬عندما جعل الرجل راعيا ً ومسئول ً على‬
‫" أهل بيته " بينما جعل المرأة راعية ومسئولة على " بيت بعلها‬
‫وولده "‪..‬‬
‫فهذة " القوامة " ‪ -‬توزيع للعمل ‪ ،‬تحدد الخبرة والكفاءة ميادينه‪..‬‬
‫سرا ً ول تملكا ول عبودية ‪ ،‬بحال من الحوال‪..‬‬ ‫وليست قهرا ً ول قَ ْ‬
‫هكذا وضحت قضية القوامة‪ ..‬وسقطت المعانى الزائفة‬
‫والمغلوطة لخر الشبهات التى يتعلق بها الغلة‪ ..‬غلة‬
‫السلميين‪ ..‬وغلة العلمانيين‪.‬‬
‫فالطريق مفتوح أمام إنهاض المرأة بفكر متزن يرى أنها مع‬
‫الرجل قد خلقا من نفس واحدة وتساويا فى الحقوق والواجبات‬
‫واختلفت وظائف كل منهما اختلف تكامل كتكامل خصائصهما‬
‫الطبيعية لعمارة الدنيا وعبادة الله الواحد الحد‪.‬‬
‫‪--------------------‬‬

‫‪62‬‬
‫)‪ (1‬البقرة‪.228 :‬‬
‫)‪ (2‬النساء‪.34-32 :‬‬
‫)‪ (3‬الشورى‪.39 - 37 :‬‬
‫)‪ (4‬البقرة‪.233 :‬‬
‫)‪ (5‬المزمل‪.5 :‬‬
‫)‪] (6‬مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوى والخلفة الراشدة[‬
‫ص ‪ .283‬جمعها وحققها‪ :‬د‪ .‬محمد حميد الله‪ .‬طبعة القاهرة سنة‬
‫‪1956‬م‪.‬‬
‫)‪ (7‬آل عمران‪.195 :‬‬
‫)‪ (8‬الروم‪.21 :‬‬
‫)‪ (9‬البقرة‪.187 :‬‬
‫)‪ (10‬النساء‪.21 :‬‬
‫)‪ (11‬ابن منظور ] لسان العرب [ طبعة دار المعارف‪ .‬القاهرة‪.‬‬
‫)‪ (12‬انظر‪ :‬الراغب الصفهانى ] المفردات فى غريب القرآن [‬
‫طبعة دار التحرير‪ .‬القاهرة سنة ‪1991‬م‪ .‬وأبو البقاء الكفوى‬
‫] الكليات [ ق ‪ 2‬ص ‪ .287‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬عدنان درويش ‪ ،‬طبعة‬
‫دمشق سنة ‪1982‬م‪.‬‬
‫)‪ ] (13‬إعلم الموقعين [ ج ‪ 2‬ص ‪ .106‬طبعة بيروت سنة‬
‫‪1973‬م‪.‬‬
‫)‪ (14‬البقرة‪.228 :‬‬
‫)‪ (15‬النساء‪.34 :‬‬
‫)‪ ] (16‬العمال الكاملة للمام محمد عبده [ ج ‪ 4‬ص ‪? 606‬‬
‫‪ -611‬وج ‪ 5‬ص ‪ .203 ،201‬دراسة وتحقيق‪ :‬د‪ .‬محمد عمارة‪.‬‬
‫طبعة القاهرة ‪1993‬م‪.‬‬
‫)‪ (17‬البقرة‪.187 :‬‬
‫)‪ (18‬الروم‪.21 :‬‬
‫)‪ (19‬النساء‪.21 :‬‬
‫)‪ (20‬تفسير القرآن الكريم [ ص ‪ .174 172‬طبعة القاهرة‬
‫‪ 1399‬هجرية ‪1979‬م‪.‬‬
‫================‬
‫الرتداد عن السلم وعقوبته العادلة‬
‫الرتداد عن السلم يسلخ المرتد عن المجتمع ‪ ،‬ويسلبه حق‬
‫الحياة! وهذا الحكم شغب عليه بعض الناس ‪ ،‬ورأوه مصادرة‬
‫لحرية الرأي ‪ ،‬ولحق كل امرئ أن يؤمن إذا شاء وأن يكفر إذا‬
‫شاء‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫ونحن نحترم حق أي إنسان أن يؤمن وأن يكفر ‪ ،‬ولكن هذا الحق‬
‫يتقرر لصاحبه وهو فرد لم تتضح له المور ‪ ،‬إن له أن يدرس‬
‫ويوازن ويرجح ‪ ،‬وأن يبقى على ذلك طول عمره‪.‬‬
‫فإذا آثر الوثنية أو اليهودية أو النصرانية لم يعترضه أحد ‪ ،‬وبقي له‬
‫حقه كامل ً في حياة آمنة هادئة‪.‬‬
‫وإذا آثر السلم فعليه أن يخلص له ‪ ،‬ويتجاوب معه في أمره‬
‫ونهيه وسائر هديه‪.‬‬
‫فإن السلم بتلك العقوبة يجعل الفرد الذي يقدم على الدخول‬
‫فيه ل يقدم إل بعد اطلع وإقتناع ودراية وفهم لجميع جوانبه ‪،‬‬
‫فإن حصل القتناع فأهل ً وسهل ً به مسلما ً مؤمنا ً له ما للمسلمين‬
‫وعليه ما على المسلمين ‪ ،‬وإن لم تحصل عنده قناعة فله دينه‬
‫الذي هو عليه ويبقى ذميا ً في دولة السلم ُتطبق عليه قوانين‬
‫الذميين‪.‬‬
‫فالرتداد ليس مسألة شخصية وإن بدا ذلك في ظاهر المر ‪،‬‬
‫فالرتداد عن السلم إذا بحثنا عنه نجد أن المرتدين الوائل‬
‫معظمهم قد ارتدوا بسبب ترك دفع الزكاة ‪ ،‬إنه ارتداد عن أداء‬
‫فريضة جماعية ‪ ،‬فالضرر الذي ينتج منه يعود على الجماعة التي‬
‫يستمتع المرتد بمزايا وجوده بين ظهرانيها ‪ ،‬ونضيف هنا أن خطر‬
‫الرتداد في هذا المجتمع كخطر )القتل والزنا( فيه العدوى التي‬
‫مت في المجتمع‪.‬‬ ‫لو كانت من غير عقاب ل نتشرت وع ّ‬
‫فالرتداد تحلل من اللتزامات ‪ ،‬ول يمكن أن يتحلل فرد من‬
‫التزاماته نحو ربه والمجتمع ‪ ،‬لن ترك اللتزامات نحو الخالق هي‬
‫في الوقت ذاته التزامات نحو نفس المرتد وجماعته التي يعيش‬
‫فيها ‪ ،‬فهو بتحلله خطر على بقية المجتمع‪.‬‬
‫فالمة السلمية تحرص حرصا ً شديدا ً على سلمتها الجسدية‬
‫والعصبية والفكرية والروحية العقائدية ‪ ،‬فل تبيح لفرد أن يجاهرها‬
‫العداء ‪ ،‬ومن جاهرها العداء اعتبرته خارجا ً عن القانون ُيعاقب‬
‫ل بحسبها وأكثرها نصت على‬ ‫بعقوبة تنص عليها قوانين الدول ك ّ‬
‫عقوبة العدام‪.‬‬
‫ففي الرتداد إساءة إلى السلم ‪ ،‬واستهزاء قد يكون مدروسا ً أو‬
‫مخططا ً له من فئات غير مسلمة من الداخل أو من الخارج ‪،‬‬
‫ت ديني السابق ثم‬‫ت السلم وترك ُ‬ ‫فكأن المرتد يقول‪) :‬دخل ُ‬
‫اطلعت على السلم عمليا ً وجربته طويل ً فوجدته ل يرقى إلى‬
‫مرتبة الدين السابق فديني الول أفضل!!( ‪ ،‬وهو يكون بهذا‬
‫دعاية خطر هائل ليمنع دخول الشعوب في دين السلم الذي‬
‫جّربه ‪ -‬هو بعقله الخرب ‪ -‬ولو اطلع عليه أي فرد بتجرد‬
‫وموضوعية لستغنى عن الدنيا به‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫فالمرتد يعتبر نفسه أنه هو المهتدي والخرون ? المؤمنون ?‬
‫مغفلون ‪ ،‬يقيدون أنفسهم بالتزامات تحد من استمتاعهم‬
‫بحيوانيتهم المطلقة ‪ ،‬إنه يدعوهم إلى الهدى ‪ ،‬ويبشرهم بالنور‬
‫الجديد والستجابة لدعوته أل وهي النطلق من القيود دون‬
‫إرهاق أو جهد‪.‬‬
‫فالرتداد عن دين الله بعد اليمان معناه إفساد نظام ل مجرد‬
‫تغيير عقيدة فردية ‪ ،‬فالسلم نظام عملي قائم على عقيدة ‪،‬‬
‫ومجتمع قائم على هذا النظام ‪ ،‬وأوامره مفروضة لصالح الفرد‬
‫أول ً ‪ ،‬ولصالح المجتمع في الوقع ذاته ‪ ،‬فهي إذن مسألة شخصية‬
‫وإنما يرجع الضرر والنفع فيها على المجتمع‪.‬‬
‫وهنا نتساءل هل من حرية الرأي عند اعتناق السلم أن نكسر‬
‫قيوده ونهدم حدوده؟ أو بتعبير آخر هل حرية الرأي تعطي‬
‫صاحبها في أي مجتمع إنساني حق الخروج على هذا المجتمع‬
‫ونبذ قواعده ومشاقة أبنائه؟‬
‫هل خيانة الوطن أو التجسس لحساب أعدائه من الحرية؟ هل‬
‫إشاعة الفوضى في جنباته والهزء بشعائره ومقدساته من‬
‫الحرية؟‬
‫إن قضية الرتداد تحتاج إلى إيضاح لتعرف أبعادها ‪ ،‬فالسلم‬
‫معروض للغمار والعباقرة على أنه عقيدة وشريعة ‪ ،‬وكتابه ونهج‬
‫نبيه صلى الله عليه وسلم يقرران مثل ً أن الله واحد ‪ ،‬وأن الخرة‬
‫حق ‪ ،‬وأن القصاص حق ‪ ،‬وأن الصيام حق‪.‬‬
‫ومعنى ذلك أن الذي يدخل في السلم يرتضي كل هذه التعاليم‬
‫وينفذها‪.‬‬
‫فإذا جاء من قال‪ :‬أؤمن بالله وأرفض الخرة ‪ ،‬أو أؤمن بهما‬
‫وأرفض شريعة الصيام ‪ ،‬وشريعة القصاص ‪ ،‬وما أشبه ذلك ‪..‬‬
‫فهل يترك هذا الشخص ليعبث بدين الله على هذا النحو؟ كل‪.‬‬
‫إما أن يثوب إلى رشده ويرجع إلى الجماعة ‪ ،‬أو ل ‪ ،‬فالخلص‬
‫منه حتم ‪ ،‬ول تتهم جماعة تؤمن بوجودها وتصون حقيقتها وتذود‬
‫العبث عن كيانها‪.‬‬
‫لو أن إنسانا ً ثارت في صدره شبهة لوجب على الراسخين في‬
‫العلم أن يزيلوها ‪ ،‬ولو بقيت في نفسه هذه الشبهة فاعتزل بها‬
‫ما أحس أحد خطره ول خطورتها‪.‬‬
‫أما أن تنبت في رأس أحد فكرة أن الرجل مثل ً ل يجوز أن يرأس‬
‫البيت ول أن يضاعف له الميراث ‪ ،‬أو تنبت في رأسه فكرة أن‬
‫نظام الربا يجب أن يسود ويمتد ويوجه القتصاد كله‪ .‬ثم يتحول‬
‫هذا الشخص إلى داعية لفكرته ويحاول تنفيذها بشتى الطرق ‪...‬‬
‫فذاك ما ل يمكن قبوله باسم السلم‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫وإقناع السلم بقبول هذا الوضع سفه ‪ ،‬ومطالبته بتوفير حق‬
‫الحياة والحركة لمن يريد نقض بنائه وتنكيس لوائه أمر عجيب‪.‬‬
‫ل يوجد في الدنيا مجتمع ينتحر بهذه الطريقة السقيمة ‪ ،‬ولذلك ل‬
‫نرى أي غرابة في أن يستتاب المرتد فإذا لم يتب قتل‪.‬‬
‫والقرآن الكريم لم يذكر حد الرتداد صراحة ‪ ..‬ولكن جاء في‬
‫دل دينه فاقتلوه( و )ل يحل دم المرئ مسلم إل‬ ‫السنة )من ب ّ‬
‫بإحدى ثلث‪ :‬زنا بعد إحصان ‪ ،‬وقتل النفس التي حرم الله بغير‬
‫حق ‪ ،‬والتارك لدينه المفارق للجماعة(‪.‬‬
‫وكشف القرآن الكريم أن اليهود جعلوا من حرية الرتداد وسيلة‬
‫للطعن في السلم ‪ ،‬أعلنوا عن دخولهم فيه حتى ينفوا عن‬
‫أنفسهم تهمة التعصب ‪ ،‬ثم قرروا الرتداد السريع كأنهم اكتشفوا‬
‫فيه ما ينفر من البقاء عليه ‪ ،‬والمر كله لعب بالدين واستهانة‬
‫بحقه‪.‬‬
‫وما يقبل ذلك مبدأ محترم يشق لنفسه طريقا ً في الحياة‪.‬‬
‫ل أن يخرج من المدينة‬ ‫على أن النبي صلى الله عليه وسلم قَب ِ َ‬
‫ويلحق بمكة من كره السلم ‪ ،‬وذلك في معاهدة الحديبية ‪ ،‬وما‬
‫نعلم أحدا ً ارتد عن دينه ‪ ،‬ول نعرف شخصا ً طبيعيا ً فضل الشرك‬
‫على التوحيد ‪ ،‬أو أهواء الرض على شريعة السماء؟!‬
‫إل ما ورد عن جبلة بن اليهم الذي كره أن يقتص منه لما لطم‬
‫رجل ً من العامة ‪ ،‬وقال‪ :‬كيف وأنا أمير وهو سوقة؟ فلما قال له‬
‫أمير المؤمنين‪ :‬إن السلم سوى بينكما ‪ ،‬احتال حتى خرج من‬
‫سلطان السلم ‪ ،‬ولحق بالروم متنصرا ً ‪ ،‬وهذا الرعن لم يفعل‬
‫ذلك لن التثليث أرجح في نفسه من التوحيد ‪ ،‬ولكنها حمية غبية‬
‫أفقدته الرشد وأضلته عن سواء السبيل‪.‬‬
‫ويروون عنه أنه راجع أمره وذكر ما كان منه وقال‪:‬‬
‫تنصرت الشراف من عار لطمة وما كان فيها لو صبرت لها ضرر‬
‫تكنفني منها لجاج وغيره وبعت لها العين الصحيحة بالعور‬
‫فيا ليت أمي لم تلدني وليتني رجعت إلى المر الذي قال عمر‬
‫ونلفت النظر إلى أن قوى كثيرة تعمل الن لنهش الكيان‬
‫السلمي ‪ ،‬وتوهين عراه ‪ ،‬وإثارة لغط مفتعل حول شعب اليمان‬
‫كله ‪ ،‬أعلها وأدناها‪.‬‬
‫وعلى المسلمين أن يدفعوا عن دينهم بالوسائل المشروعة كلها ‪،‬‬
‫ُيثبتون القلق ‪ ،‬ويقتلون الخائن ‪ ،‬ويحيون في جو من الوضوح‬
‫والخلص‪.‬‬
‫صرين‬ ‫إن سرقة العقائد والخلق أصبحت حرفة لعصابات من المن ّ‬
‫الذين يكرهون السلم وكتابه ونبيه صلى الله عليه وسلم‬

‫‪66‬‬
‫ويبعثرون أسباب الفتنة في كل ناحية حتى يقلبوا المجتمع كله‬
‫رأسا ً على عقب‪.‬‬
‫ومن حق المسؤولين عن هذه المة المظلومة أن يحموا عقائدها‬
‫وشرائعها ويردوا عنها كيد المتربصين ‪ ،‬ومؤامرات الحاقدين‪.‬‬
‫ويجب أن نتشبث بحدود السلم كلها ‪ ،‬مدركين أن الصحة‬
‫العقلية والجتماعية في إقامتها ‪ ،‬وكما جاء في الحديث الشريف‪:‬‬
‫حد ّ يقام في الرض بحقه أبرك لها من أن تمطر أربعين‬ ‫)ل َ َ‬
‫صباحًا(‪.‬‬
‫إن الغيث يحيي ما مات من الرض ‪ ،‬ولكن الحدود تحيي ما مات‬
‫من الخلق ‪ ،‬وتمنع أوبئة الفساد من التيان على المم ‪ ،‬وتدمير‬
‫حاضرها ومستقبلها‪.‬‬
‫=====================‬
‫لماذا حّرم السلم أكل لحم الخنزير ؟‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ لم يكن السلم أول الديان التى حرمت أكل لحم الخنزير‪.‬‬
‫فالديانة اليهودية تحّرم أكل لحم الخنزير‪ .‬ول يوجد حتى الن‬
‫يهودى فى أوروبا وأمريكا يأكل لحم الخنزير إل فيما ندر‪ .‬ولم‬
‫يعب أحد على اليهود ذلك ‪ ،‬بل يحترم الغرب العادات الدينية‬
‫لليهود‪ .‬وعندما جاء السيد المسيح ـ عليه السلم ـ صرح ـ كما‬
‫جاء فى النجيل ـ بأنه لم يأت لينقض الناموس بل ليكمله ‪ ،‬أى‬
‫أنه لم يأت ليغير التشريعات اليهودية‪ .‬ومن بينها بطبيعة الحال‬
‫تحريم أكل لحم الخنزير‪ .‬والمر المنطقى بناء على ذلك أن يكون‬
‫ضا )‪.(1‬‬‫ما فى المسيحية أي ً‬ ‫الخنزير محر ً‬
‫ضا أكل لحم الخنزير‪ .‬وهذا التحريم‬ ‫‪ 2‬ـ عندما جاء السلم حّرم أي ً‬
‫امتداد لتحريمه فى الديانات السماوية السابقة‪ .‬وقد نص القرآن‬
‫الكريم عليه صراحة فى أربعة مواضع )‪ .(2‬وهناك من ناحية‬
‫أخرى ـ بجانب هذا التحريم الدينى ـ أسباب ومبررات أخرى تؤكد‬
‫هذا التحريم‪ .‬ومن ذلك ما أثبته العلماء المسلمون من أن أكل‬
‫لحم الخنزير ضار بالصحة ول سيما فى المناطق الحارة‪ .‬وفضل ً‬
‫عن ذلك فإن اليات القرآنية التى ورد فيها تحريم لحم الخنزير‬
‫قد جمعت هذا التحريم مع تحريم أكل الميتة والدم‪ .‬وضرر أكل‬
‫الميتة والدم محقق لما يتجمع فيهما من ميكروبات ومواد ضارة ‪،‬‬
‫ضا على أكل لحم الخنزير‪.‬‬ ‫مما يدل على أن الضرر ينسحب أي ً‬
‫وإذا كانت الوسائل الحديثة قد تغلبت على ما فى لحم الخنزير‬
‫ودمه وأمعائه من ديدان شديدة الخطورة )الدودة الشريطية‬
‫وبويضاتها المتكلسة( فمن الذى يضمن لنا بأنه ليست هناك آفات‬
‫أخرى فى لحم الخنزير لم يكشف عنها بعد ؟ فقد احتاج النسان‬

‫‪67‬‬
‫قروًنا طويلة ليكشف لنا عن آفة واحدة‪ .‬والله الذى خلق النسان‬
‫أدرى به ويعلم ما يضره وما ينفعه‪ .‬ويؤكد لنا القرآن هذه الحقيقة‬
‫فى قوله‪) :‬وفوق كل ذى علم عليم ( )‪.(3‬‬
‫‪ 3‬ـ يحسب السلم حساب الضرورات فيبيح فيها المحرمات‪.‬‬
‫وفى ذلك قاعدة مشهورة تقول‪ " :‬الضرورات تبيح المحظورات‬
‫"‪ .‬ومن هنا فإن المسلم إذا ألجأته الضرورة الملحة ـ التى يخشى‬
‫منها على حياته ـ لتناول الطعمة المحرمة ومنها الخنزير فل حرج‬
‫عليه‪ .‬كما يشير إلى ذلك القرآن الكريم‪) :‬فمن اضطر غير باغ ول‬
‫عاد فل إثم عليه ( )‪ .(4‬ولكن هذه الباحة ل يجوز أن تتعدى حدود‬
‫تلك الضرورة وإل كان المسلم آثمًا‪.‬‬
‫)‪ (1‬راجع‪ :‬الحلل والحرام للدكتور القرضاوى ص ‪ 42‬ـ قطر‬
‫‪1978‬م‪.‬‬
‫)‪ (2‬البقرة‪ ، 173 :‬والمائدة‪ ، 3 :‬والنعام‪ ، 145 :‬والنحل‪115 :‬‬
‫)‪ (3‬يوسف‪.76 :‬‬
‫)‪ (4‬البقرة‪.173 :‬‬
‫==============‬
‫الحدود فى السلم‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫إن الدارس للسلم وأحكامه يدرك حقائق أساسية لتشريع‬
‫الحدود فى السلم نحاول أن نشير إلى بعضها بإيجاز‪:‬‬
‫ل‪ :‬الحدود فى السلم إنما هى زواجر تمنع النسان المذنب أن‬ ‫أو ً‬
‫يعود إلى هذه الجريمة مرة أخرى‪.‬‬
‫وهى كذلك تزجر غيره عن التفكير فى مثل هذه الفعلة وتمنع من‬
‫ضا نكال " مانع " من‬ ‫يفكر من أن يقارف الذنب ‪ ،‬وهى أي ً‬
‫الجريمة على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة‪.‬‬
‫ثانًيا‪ :‬إن من المقرر لدى علماء السلم قاعدة " درء الحدود‬
‫بالشبهات " أى جعل الظن والشك فى صالح المتهم‪.‬‬
‫ثالًثا‪ :‬ليس المراد بالحدود التشفى والتشهى وإيقاع الناس فى‬
‫الحرج وتعذيبهم بقطع أعضائهم أو قتلهم أو رجمهم‪.‬‬
‫إنما المراد هو أن تسود الفضيلة ‪ ،‬ومن هنا نجد الشرع الشريف‬
‫ييسر فى هذه الحدود‪.‬‬
‫فإذا اشتدت الظروف فى حالت الجوع والخوف والحاجة تعطل‬
‫الحدود ‪ ،‬كما فعل سيدنا عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ فى‬
‫عام الرمادة‪.‬‬
‫ضا أن السلم يأمر بالستر قبل الوصول إلى‬ ‫ومن التيسير أي ً‬
‫ل يشهد على‬ ‫الحاكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرج ٍ‬
‫الزنا ] لو سترته بثوبك كان خيًرا لك [ )‪.(1‬‬

‫‪68‬‬
‫رابًعا‪ :‬الشريعة السلمية شريعة عامة لكل زمان ومكان ‪،‬‬
‫والناس مختلفون فى ضبط نفوسهم ‪ ،‬فلبد من وجود عقاب‬
‫رادع يضبط أصحاب النفوس الضعيفة من الوقوع فى الجرائم‬
‫والحدود والردة عن السلم حتى يسلم المجتمع من الفساد‬
‫ظاهًرا وباطًنا‪.‬‬
‫سا‪ :‬الحدود إنما هى جزء من النظام السلمى العام ‪ ،‬فلبد‬ ‫خام ً‬
‫من فهم النظام ككل حتى تفهم الحدود ول يمكن تطبيق الحدود‬
‫إل مع تطبيق النظام السلمى ككل وإل ل ينسجم المر ول‬
‫تستقيم حكمة الله من تشريعه‪.‬‬
‫سا‪ :‬الحدود دعوة صريحة للتخلق بالخلق الحسنة التى هى‬ ‫ساد ً‬
‫ضا طريق إلى التوبة إلى الله ‪،‬‬ ‫من مقاصد الدين وهى أي ً‬
‫فالمذنب إذا عوقب بعقاب الشارع الذى هو منسجم مع تكوينه‬
‫وواقع وفق علم الله تعالى به وبنفسيته فإن هذا يخاطب قلبه‬
‫ومشاعره بوجوب الرجوع إلى ربه‪.‬‬
‫ويكفى ارتداع المسلم عن الجريمة ودخوله فى رحمة ربه‬
‫معرفته بأن ربه هو الذى شرع له هذا الحكم ‪ ،‬فإن هذا وحده من‬
‫شأنه أن يجعله يتوب وينجذب إلى ربه ويصير مؤمًنا بالله جل‬
‫جلله خاصة إذا علم أن هذا الحد يكفر عنه هذا الذنب‪.‬‬
‫سابًعا‪ :‬السلم دين ‪ ،‬والحدود والتعاذير إنما هى فى كل دين بل‬
‫وفى كل نظام قانونى ومن أراد على ذلك مثال فالتوراة مثل ً‬
‫تأمر بحرق الزانية والزانى إذا كانت ابنة كاهن‪.‬‬
‫ذلك قولهم " وإذا تدنست ابنة كاهن بالزنا فقد دنست أباها ‪،‬‬
‫بالنار تحرق ]اللويين ‪.[9 :21‬‬
‫ومن النظم القانونية من يأمر بقتل الخارج على النظام إلى غير‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ثامًنا‪ :‬الحدود عقوبات واعية تتناسب مع النفس البشرية‬
‫والعقوبات البديلة خالية من هذه القيم‪.‬‬
‫)‪ (1‬رواه أبو داود‪.‬‬
‫===================‬
‫هل صحيح أن السلم ضد حرية العتقاد ؟‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ لقد كفل السلم للنسان حرية العتقاد‪ .‬وجاء ذلك فى‬
‫وضوح تام فى القرآن الكريم‪) :‬ل إكراه فى الدين ( )‪ .(1‬فل‬
‫يجوز إرغام أحد على ترك دينه واعتناق دين آخر‪ .‬فحرية النسان‬
‫فى اختيار دينه هى أساس العتقاد‪ .‬ومن هنا كان تأكيد القرآن‬
‫دا ل يقبل التأويل فى قوله‪) :‬فمن شاء فليؤمن‬ ‫على ذلك تأكي ً‬
‫ومن شاء فليكفر ( )‪.(2‬‬

‫‪69‬‬
‫‪ 2‬ـ وقد أقر النبى صلى الله عليه وسلم الحرية الدينية فى أول‬
‫دستور للمدينة حينما اعترف لليهود بأنهم يشكلون مع المسلمين‬
‫أمة واحدة‪.‬‬
‫ومن منطلق الحرية الدينية التى يضمنها السلم كان إعطاء‬
‫الخليفة الثانى عمر بن الخطاب للمسيحيين من سكان القدس‬
‫المان " على حياتهم وكنائسهم وصلبانهم ‪ ،‬ل يضار أحد منهم ول‬
‫يرغم بسبب دينه "‪.‬‬
‫ضا حرية المناقشات الدينية على أساس‬ ‫‪ 3‬ـ لقد كفل السلم أي ً‬
‫موضوعى بعيد عن المهاترات أو السخرية من الخرين‪ .‬وفى ذلك‬
‫يقول القرآن‪) :‬ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة‬
‫وجادلهم بالتى هى أحسن ( )‪ .(3‬وعلى أساس من هذه المبادئ‬
‫السمحة ينبغى أن يكون الحوار بين المسلمين وغير المسلمين ‪،‬‬
‫وقد وجه القرآن هذه الدعوة إلى الحوار إلى أهل الكتاب فقال‪:‬‬
‫)قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أل نعبد إل‬
‫الله ول نشرك به شيًئا ول يتخذ بعضنا بع ً‬
‫ضا أرباًبا من دون الله *‬
‫فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ( )‪ .(4‬ومعنى هذا أن‬
‫الحوار إذا لم يصل إلى نتيجة فلكل دينه الذى يقتنع به‪ .‬وهذا ما‬
‫ضا الية الخيرة من سورة )الكافرون( التى ختمت‬ ‫عبرت عنه أي ً‬
‫بقوله تعالى للمشركين على لسان محمد صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫)لكم دينكم ولى دين ( )‪.(5‬‬
‫‪ 4‬ـ القتناع هو أساس العتقاد‪ :‬فالعقيدة الحقيقية هى التى تقوم‬
‫على القناع واليقين ‪ ،‬وليس على مجرد التقليد أو الرغام‪ .‬وكل‬
‫فرد حر فى أن يعتقد ما يشاء وأن يتبنى لنفسه من الفكار ما‬
‫يريد ‪ ،‬حتى ولو كان ما يعتقده أفكاًرا إلحادية‪ .‬فل يستطيع أحد أن‬
‫يمنعه من ذلك طالما أنه يحتفظ بهذه الفكار لنفسه ول يؤذى بها‬
‫دا من الناس‪ .‬أما إذا حاول نشر هذه الفكار التى تتناقض مع‬ ‫أح ً‬
‫معتقدات الناس ‪ ،‬وتتعارض مع قيمهم التى يدينون لها بالولء ‪،‬‬
‫فإنه بذلك يكون قد اعتدى على النظام العام للدولة بإثارة الفتنة‬
‫والشكوك فى نفوس الناس‪ .‬وأى إنسان يعتدى على النظام‬
‫العام للدولة فى أى أمة من المم يتعرض للعقاب ‪ ،‬وقد يصل‬
‫المر فى ذلك إلى حد تهمة الخيانة العظمى التى تعاقب عليها‬
‫معظم الدول بالقتل‪ .‬فقتل المرتد فى الشريعة السلمية ليس‬
‫لنه ارتد فقط ولكن لثارته الفتنة والبلبلة وتعكير النظام العام‬
‫فى الدولة السلمية‪ .‬أما إذا ارتد بينه وبين نفسه دون أن ينشر‬
‫ذلك بين الناس ويثير الشكوك فى نفوسهم فل يستطيع أحد أن‬
‫يتعرض له بسوء ‪ ،‬فالله وحده هو المطلع على ماتخفى الصدور‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫وقد ذهب بعض العلماء المحدثين إلى أن عقاب المرتد ليس فى‬
‫الدنيا وإنما فى الخرة ‪ ،‬وأن ما حدث من قتل للمرتدين فى‬
‫السلم بناء على بعض الحاديث النبوية فإنه لم يكن بسبب‬
‫الرتداد وحده ‪ ،‬وإنما بسبب محاربة هؤلء المرتدين للسلم‬
‫والمسلمين )‪.(6‬‬
‫‪------------------‬‬
‫)‪ (1‬البقرة‪.256 :‬‬
‫)‪ (2‬الكهف‪.29 :‬‬
‫)‪ (3‬النحل‪.125 :‬‬
‫)‪ (4‬آل عمران‪.64 :‬‬
‫)‪ (5‬الكافرون‪.6 :‬‬
‫)‪ (6‬راجع‪ :‬الحرية الدينية فى السلم للشيخ عبد المتعال‬
‫الصعيدى ص ‪ 88 ،73 ،3،72‬ـ دار الفكر العربى ـ الطبعة الثانية‬
‫)دون تاريخ‬
‫==================‬
‫ما موقف السلم من الديمقراطية وحقوق النسان ؟‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ُيعد السلم أول من نادى بحقوق النسان وشدد على ضرورة‬
‫حمايتها‪ .‬وكل دارس للشريعة السلمية يعلم أن لها مقاصد‬
‫تتمثل فى حماية حياة النسان ودينه وعقله وماله وأسرته‪.‬‬
‫والتاريخ السلمى سجل للخليفة الثانى عمر بن الخطاب‬
‫مواجهته الحاسمة لنتهاك حقوق النسان وقوله فى ذلك‪ " :‬متى‬
‫استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراًرا " ؟‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ تنبنى حقوق النسان فى السلم على مبدأين أساسيين هما‪:‬‬
‫مبدأ المساواة بين كل بنى النسان ‪ ،‬ومبدأ الحرية لكل البشر‪.‬‬
‫ويؤسس السلم مبدأ المساواة على قاعدتين راسختين هما‪:‬‬
‫وحدة الصل البشرى ‪ ،‬وشمول الكرامة النسانية لكل البشر‪ .‬أما‬
‫وحدة الصل البشرى فإن السلم يعبر عنها بأن الله قد خلق‬
‫الناس جميًعا من نفس واحدة‪ .‬فالجميع إخوة فى أسرة إنسانية‬
‫كبيرة ل مجال فيها لمتيازات طبقية‪ .‬والختلفات بين البشر ل‬
‫تمس جوهر النسان الذى هو واحد لدى كل البشر‪ .‬ومن هنا‬
‫فهذه الختلفات ينبغى ـ كما يشير القرآن الكريم ـ أن تكون‬
‫قا‬
‫دافًعا إلى التعارف والتآلف والتعاون بين الناس وليس منطل ً‬
‫للنزاع والشقاق‪) :‬يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى‬
‫وجعلناكم شعوًبا وقبائل لتعارفوا * إن أكرمكم عند الله أتقاكم (‬
‫)‪.(1‬‬

‫‪71‬‬
‫أما القاعدة الخرى للمساواة فهى شمول الكرامة النسانية لكل‬
‫البشر‪ .‬وقد نص القرآن على ذلك فى قوله‪) :‬ولقد كرمنا بنى آدم‬
‫( )‪ .(2‬فالنسان بهذا التكريم جعله الله خليفة فى الرض ‪،‬‬
‫دا فى هذا الكون ‪ ،‬وسخر له ما‬ ‫وأسجد له ملئكته ‪ ،‬وجعله سي ً‬
‫فى السموات وما فى الرض‪ .‬فالنسان بذلك له مكانته ومكانه‬
‫المفضل بين الخلق جميًعا‪ .‬وقد منح الله هذه الكرامة لكل الناس‬
‫جا من الحصانة والحماية لكل فرد من‬ ‫بل استثناء لتكون سيا ً‬
‫أفراد النسان ‪ ،‬ل فرق بين غنى وفقير وحاكم ومحكوم‪ .‬فالجميع‬
‫أمام الله وأمام القانون وفى الحقوق العامة سواء‪.‬‬
‫أما المبدأ الثانى الذى ترتكز عليه حقوق النسان فهو مبدأ‬
‫فا ومسئول ً عن عمارة‬ ‫الحرية‪ .‬فقد جعل الله النسان كائًنا مكل ً‬
‫الرض وبناء الحضارة النسانية‪ .‬وليست هناك مسئولية دون‬
‫حرية ‪ ،‬حتى فى قضية اليمان والكفر التى جعلها الله مرتبطة‬
‫بمشيئة النسان )فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ( )‪.(3‬‬
‫وهكذا تشمل الحرية كل الحريات النسانية دينية كانت أم‬
‫سياسية أم فكرية أم مدنية‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ الحكم فى تعاليم السلم لبد أن يقوم على أساس من‬
‫العدل والشورى‪ .‬وقد أمر الله الناس فى القرآن بالعدل وألزمهم‬
‫بتطبيقه )إن الله يأمر بالعدل والحسان ( )‪) .(4‬وإذا حكمتم بين‬
‫الناس أن تحكموا بالعدل ( )‪ .(5‬واليات فى ذلك كثيرة‪ .‬أما‬
‫الشورى فهى مبدأ أساسى ملزم‪ .‬وكان النبى )يستشير أصحابه‬
‫فا لرأيه‪ .‬وأظهر مثل على ذلك‬ ‫ويأخذ برأى الغلبية وإن كان مخال ً‬
‫خروج المسلمين إلى غزوة ُأحد‪ .‬فقد كان الرسول يرى عدم‬
‫الخروج ‪ ،‬ولكن الكثرية كانت ترى الخروج‪ .‬فنزل على رأيهم‬
‫وخرج ‪ ،‬وكانت الهزيمة للمسلمين‪ .‬ومع ذلك شدد القرآن على‬
‫ضرورة الشورى فقال مخاطًبا النبى‪) :‬فاعف عنهم واستغفر لهم‬
‫وشاورهم فى المر ( )‪ .(6‬ول يلتفت فى هذا الصدد إلى رأى قلة‬
‫من الفقهاء الذين يزعمون أن الشورى غير ملزمة‪ .‬فهذا الزعم‬
‫مخالف للنصوص الدينية الصريحة‪.‬‬
‫وقد ترك السلم للمسلمين حرية اختيار الشكل الذى تكون عليه‬
‫قا للمصلحة العامة‪ .‬فإذا كانت المصلحة تقتضى أن‬ ‫الشورى طب ً‬
‫تكون الشورى بالشكل المعروف الن فى الدول الحديثة‬
‫فالسلم ل يعترض على ذلك‪ .‬وكل ما فى المر هو التطبيق‬
‫قا لظروف كل عصر وما يستجد من‬ ‫السليم مع المرونة طب ً‬
‫تطورات محلية أو دولية‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫ومن ذلك يتضح مدى حرص السلم على حقوق النسان‬
‫وصيانتها ‪ ،‬وحرصه على التطبيق السليم لمبدأ الشورى أو‬
‫الديمقراطية بالمفهوم الحديث‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ السلم أتاح الفرصة لتعددية الراء ‪ ،‬وأباح الجتهاد حتى فى‬
‫القضايا الدينية طالما توافرت فى المجتهد شروط الجتهاد‪.‬‬
‫وجعل للمجتهد الذى يجتهد ويخطئ أجًرا وللذى يجتهد ويصيب‬
‫أجران‪ .‬والدارس لمذاهب الفقه السلمى المعروفة يجد بينها‬
‫خلًفا فى وجهات النظر فى العديد من القضايا‪ .‬ولم يقل أحد‪ :‬إن‬
‫ذلك غير مسموح به‪ .‬ومن هنا نجد أن السلم يتيح الفرصة أمام‬
‫الرأى الخر ليعبر عن وجهة نظره دون حرج مادام الجميع‬
‫يهدفون إلى ما فيه خير المجتمع والحفاظ على أمنه واستقراره‪.‬‬
‫‪-----------------------‬‬
‫)‪ (1‬الحجرات‪.13 :‬‬
‫)‪ (2‬السراء‪.70 :‬‬
‫)‪ (3‬الكهف‪.29 :‬‬
‫)‪ (4‬النحل‪.90 :‬‬
‫)‪ (5‬النساء‪.58 :‬‬
‫)‪ (6‬آل عمران‪159 :‬‬
‫==================‬
‫ما أسباب تفرق المسلمين رغم دعوة السلم‬
‫للوحدة ؟‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ل ينكر أحد أن الشعوب السلمية فى عصرنا الحاضر متفرقة‬
‫ومتنازعة فيما بينها ‪ ،‬فهذا واقع ملموس ل يحتاج إلى برهان‪.‬‬
‫ولكن هذا ُيعد مرحلة فى تاريخ المسلمين شأنهم فى ذلك شأن‬
‫بقية الشعوب والمم الخرى‪ .‬ول يعنى ذلك أنهم سيظلون كذلك‬
‫إلى البد‪ .‬وكما استطاعت الشعوب الوروبية أن تتغلب على‬
‫عوامل الفرقة والتنازع فيما بينها والتى أدت إلى حربين عالميتين‬
‫شهدهما القرن العشرون ـ فإن الشعوب السلمية سوف‬
‫ضا على عوامل الفرقة‬ ‫تستطيع فى مستقبل اليام أن تتغلب أي ً‬
‫فيما بينها ‪ ،‬والبحث عن صيغة ملئمة للتعاون المثمر من أجل‬
‫مصلحة المجتمعات السلمية كلها‪.‬‬
‫وهناك محاولت مستمرة فى هذا الصدد وإن كانت بطيئة وذات‬
‫تأثير محدود ومتواضع مثل منظمة المؤتمر السلمى التى تضم‬
‫كل الدول السلمية ‪ ،‬إل أنه يمكن تطوير العمل فى هذه‬
‫المنظمة وغيرها من منظمات إسلمية أخرى للوصول بها إلى‬
‫مرحلة متقدمة من التعاون الوثق‪ .‬وللمة السلمية فى تعاليم‬

‫‪73‬‬
‫السلم فى الوحدة والتعاون والتآلف والتكافل أعظم سند يضمن‬
‫لها نجاح هذه المحاولت فى مستقبل اليام‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ فالسلم فى مصادره الصلية يدعو إلى الوحدة والتضامن‬
‫ويحذر من الفرقة والتنازع )واعتصموا بحبل الله جميًعا ول تفرقوا‬
‫( )‪ ، (1‬ويدعو إلى الشعور بآلم الخرين والمشاركة فى‬
‫تخفيفها ‪ ،‬ويجعل المة كلها مثل الجسد الواحد ـ كما يقول النبى‬
‫صلى الله عليه وسلم ـ ] إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر‬
‫العضاء بالسهر والحمى [ )‪ .(2‬ويعتبر السلم رابطة العقيدة‬
‫بمنزلة رابطة الخوة‪) :‬إنما المؤمنون إخوة ( )‪ .(3‬وحينما هاجر‬
‫النبى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة آخى بين المهاجرين‬
‫والنصار ‪ ،‬فأصبحوا إخوة متحابين متضامنين فى البأساء‬
‫والضراء‪ .‬وآيات القرآن وأحاديث النبى صلى الله عليه وسلم فى‬
‫ذلك أكثر من أن تحصى‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ هناك أسباب خارجية كثيرة أدت إلى النقسام والفرقة بين‬
‫المسلمين فى العصر الحديث‪ .‬وترجع هذه السباب فى قدر كبير‬
‫منها إلى الفترة التى هيمن فيها الستعمار على بلد العالم‬
‫السلمى‪ .‬وعندما رحل ترك مشكلت عديدة كان هو سبًبا فيها‬
‫مثل مشكلت الحدود ‪ ،‬وكانت القاعدة التى على أساسها خطط‬
‫سد "‪ .‬ومن هنا عمل على إحياء‬ ‫لسياساته هى مبدأ‪ " :‬فَّرق ت َ ُ‬
‫مرة‪ .‬وقام بنهب‬ ‫العصبيات العرقية بين شعوب البلد المستع َ‬
‫خيرات هذه البلد ‪ ،‬وأدى ذلك إلى إفقارها وتخلفها الحضارى‬
‫الذى ل تزال آثاره باقية حتى اليوم‪ .‬ول تزال معظم شعوب‬
‫العالم السلمى تعانى من المشكلت التى خلفها الستعمار‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ انشغل المسلمون بالمشكلت الكثيرة التى خلفها الستعمار‬
‫وغفلوا عن تعاليم السلم فى الوحدة والتضامن‪.‬‬
‫ولكن الشعوب السلمية ل تزال تحن إلى وحدة جهودها ‪،‬‬
‫وتضامنها فيما بينها ‪ ،‬وتجميع قواها فى سبيل الخير لهذه‬
‫الشعوب جميعها‪ .‬ول يزال المسلم فى أى بلد إسلمى يشعر‬
‫بآلم المسلمين فىمناطق العالم المختلفة بوصفه جزءا ً من المة‬
‫السلمية‪ .‬وهذا من شأنه أن يعمل على توفير أساس راسخ‬
‫لمحاولت إعادة التضامن والوحدة بين أقطار العالم السلمى ‪،‬‬
‫بمعنى توحيد الجهود والتكامل فيما بينها فى ميادين الثقافة‬
‫والقتصاد والسياسة والمن ‪ ،‬وتبادل الخبرات والمنافع ‪ ،‬وكل ما‬
‫يعود على المسلمين بالخير ‪ ،‬مما يجعلهم أقدر على القيام بدور‬
‫فّعال فى ترسيخ قواعد السلم والمن فى العالم كله‪.‬‬
‫‪----------------------‬‬
‫)‪ (1‬آل عمران‪.103 :‬‬

‫‪74‬‬
‫)‪ (2‬رواه المام مسلم وغيره )راجع‪ :‬فيض القدير ج ‪ 5‬ص ‪514‬‬
‫وما بعدها(‪.‬‬
‫)‪ (3‬الحجرات‪.10 :‬‬
‫====================‬
‫الجنة في السلم هي للزواج وشرب الخمر فقط !!‬
‫إن ما يردده أعداء السلم عن العقيدة السلمية حيال موضوع‬
‫الجنة وأنه نعيم بالخمر والنساء والغناء فيه قصور كبير عن‬
‫العتقاد الصحيح حيال ذلك ‪ ،‬فإن نعيم الجنة ليس نعيما حسي ّا ً‬
‫جسديا ً فقط بل هو كذلك نعيم قلبي بالطمأنينة والرضى به‬
‫سبحانه وتعالى وبجواره ‪ ،‬بل إن أعظم نعيم في الجنة على‬
‫ب سبحانه وتعالى ‪ ،‬فإن أهل الجنة إذا رأوا‬ ‫الطلق هو رؤية الر ّ‬
‫ل ما كانوا فيه من ألوان النعيم ‪ ،‬يقول الله‬ ‫وجهه الكريم نسوا ك ّ‬
‫َ‬
‫سَنى‬ ‫ح ْ‬ ‫سُنوا ال ْ ُ‬‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫سبحانه وتعالى في سورة يونس ‪ )) :‬ل ِل ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫وَزَِياد َة ٌ (( فالحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله الكريم ‪،‬‬
‫مئ ِذٍ‬ ‫جوه ٌ ي َوْ َ‬ ‫ويقول الله سبحانه وتعالى في سورة القيامة ‪ )) :‬وُ ُ‬
‫ضَرة ٌ إ َِلى َرب َّها َناظ َِرة ٌ (( وفي الحديث الصحيح ‪ )) :‬فيكشف‬ ‫َنا ِ‬
‫الحجاب فما أعطوا شيئا ً أحب إليهم من النظر إلى ربهم عزوجل‬
‫(( مسلم برقم ‪181 :‬‬
‫وفيها ما تشتهيه النفس وتلذ ّ العين ول يسمعون فيها لغوا ول‬
‫تأثيما إل قيل سلما سلما ‪ ،‬يقول الله سبحانه وتعالى ‪ )) :‬ل‬
‫سلما ً (( الواقعة ‪26 :‬‬ ‫ْ‬
‫سلما ً َ‬ ‫ن ِفيَها ل َْغوا ً َول ت َأِثيما ً إ ِّل ِقيل ً َ‬
‫مُعو َ‬
‫س َ‬‫يَ ْ‬
‫وما ذكروه من أن دخول الجنة يتحقق بترك محرمات معينة‬
‫ليفوز النسان بها في الخرة هو أيضا خطأ كبير بهذا الطلق إذ‬
‫أن السلم دين يأمر بالعمل ل بالترك فقط فل تتحقق النجاة إل‬
‫بفعل المأمورات وليس بترك المنهيات فقط فهو قيام بالواجبات‬
‫وانتهاء عن المحرمات ‪ ،‬وكذلك فإنه ليس كل نعيم الجنة مما‬
‫كان محرما في الدنيا على سبيل المكافأة بل كم في الجنة من‬
‫النعيم الذي كان مباحا في الدنيا فالزواج مباح هنا وهو نعيم هناك‬
‫والفواكه الطيبة من الرمان والتين وغيرها مباح هنا وهو من‬
‫النعيم هناك والشربة من اللبن والعسل مباح هنا وهو نعيم هناك‬
‫وهكذا ‪ ،‬بل إن المفسدة التي تشتمل عليها المحرمات في الدنيا‬
‫تنتزع منها في الخرة إذا كانت من نعيم الجنة كالخمر مثل ً قال‬
‫م ع َن َْها‬ ‫ل َول هُ ْ‬ ‫الله سبحانه وتعالى عن خمر الجنة ‪ )) :‬ل ِفيَها غ َوْ ٌ‬
‫ن (( فل ُتذهب العقل ول تسّبب صداعا ً ول مغصا ً ‪ ،‬فطبيعتها‬ ‫ي ُن َْزُفو َ‬
‫مختلفة عما هي عليه في الدنيا ‪ ) ،‬انظر تفسير الية ( والمقصود‬
‫أن نعيم الجنة ليس مقصورا على إباحة المحرمات الدنيوية ‪.‬‬
‫وكذلك مما يجدر التنبيه عليه أن هناك من المحرمات التي ل‬

‫‪75‬‬
‫يجازى على تركها في الدنيا بإعطاء نظيرها في الخرة سواء من‬
‫ذلك المطعومات أو المشروبات أو الفعال والقوال فالسم مثل ً‬
‫ل يكون نعيما في الخرة مع حرمته في الدنيا وكذا اللواط ونكاح‬
‫المحارم وغير ذلك ل تباح في الخرة مع حظرها في الدنيا ‪ ،‬وهذا‬
‫واضح بحمد الله ‪.‬‬
‫وأعلم أن كل ما في الجنة من سررها وفرشها وأكوابها _ مخالف‬
‫لما في الدنيا من صنعة العباد ‪ ،‬وإنما دلنا الله بما أراناه من هذا‬
‫الحاضر على ما عنده من الغائب ولذلك ليس في الدنيا شيىء‬
‫مما في الجنة إل السماء ‪.‬‬
‫قال شيخ السلم المام ابن تيمية رحمة الله عليه ‪ :‬واليهود‬
‫والنصارى والصابئون من المتفلسفة وغيرهم فإنهم ينكرون أن‬
‫يكون في الجنة أكل وشرب ولباس وزواج ويمنعون وجود ما‬
‫أخبر به القرآن ‪.‬‬
‫والرد عليهم هو أن ما ورد في القرآن الكريم من وصف ملذات‬
‫الجنة أن حقيقتها ليست مماثلة لما في الدنيا ‪ ،‬بل بينها تباين‬
‫عظيم من التشابه في السماء ‪ ،‬فنحن نعلمها إذا خوطبنا بتلك‬
‫السماء من جهة القدر المشترك بينهما ولكن لتلك الحقائق‬
‫خاصية ل ندركها في الدنيا ‪ ،‬ول سبيل إلي إدراكنا لها لعدم إدراك‬
‫عينها أو نظيرها من كل وجه ‪ ،‬وتلك الحقائق على ما هي عليه‬
‫) رسالة الكليل من مجموعة الرسائل الكبرى _ لبن تيمة ‪: 2‬‬
‫‪( 11‬‬
‫عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال ‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ )) :‬يأكل أهل الجنة فيها ويشربون ‪ ،‬ول‬
‫يتغوطون ‪ ،‬ول يتمخطون ‪ ،‬ول يبولون ‪ ،‬ولكن طعامهم ذاك جشاء‬
‫كرشح المسك ‪ ،‬يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس ((‬
‫] مسلم برقم ‪[ 2835‬‬
‫ان طعام وشراب أهل الجنة ليس لحاجة البقاء وإنما كنوع من‬
‫المتعة واللذة ‪ ،‬مكافأة ً لمن دخلها من الصالحين ‪ .‬والحقيقة ان‬
‫إنسان الجنة كامل الخلق والتكوين ‪ ،‬ولكن تركيبته الكيميائية‬
‫والفيزيائية مختلفة فليس له حاجة بتاتا ً للجهاز الهضمي بما فيه‬
‫من اجهزة لمعالجة الطعام والشراب ثم التخلص من‬
‫الفضلت ‪. .‬‬
‫وفي معنى قوله سبحانه وتعالى ‪ )) :‬ولهم فيها أزواج مطهرة ((‬
‫البقرة ‪21 :‬‬
‫ن‪.‬‬‫ق َ‬
‫ص ْ‬
‫ن َول ي َب ْ ُ‬
‫مِني َ‬
‫ن َولي ُ ْ‬
‫ض َ‬
‫ح ْ‬
‫ن َول ي َ ِ‬
‫ن َول ي َل ِد ْ َ‬‫ن َول ي َت َغَوّط ْ َ‬
‫أي ل ي َب ُل ْ َ‬
‫تفسير القرطبي‬
‫وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير الية ‪:‬‬

‫‪76‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حة‬ ‫ل ا ِْبن أِبي ط َل ْ َ‬ ‫مط َهَّرة (( َقا َ‬ ‫م ِفيَها أْزَواج ُ‬ ‫وله ت ََعاَلى ‪ )) :‬وَل َهُ ْ‬ ‫وَقَ ْ‬
‫ن‬ ‫ذى‪ .‬وََقا َ‬ ‫َ‬
‫ذر َواْل َ‬ ‫ق َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫مط َهَّرة ِ‬
‫م ْ‬ ‫هد ِ‬ ‫جا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ا ِْبن ع َّباس ُ‬ ‫عَ ْ‬
‫ي َوال ْوََلد وََقا َ‬
‫ل‬ ‫من ِ ّ‬ ‫خام َوال ْب َُزاق َوال ْ َ‬ ‫ول َوالن ّ َ‬ ‫حْيض َوال َْغاِئط َوال ْب َ ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ْ‬ ‫ن اْل َ َ‬
‫حْيض ول‬ ‫هل َ‬ ‫مأَثم ‪ .‬وَِفي رَِواَية ع َن ْ ُ‬ ‫ذى َوال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مط ْهََرة ِ‬ ‫دة َ‬ ‫قََتا َ‬
‫ك ََلف‪.‬‬
‫ولقد جاء في الحديث الذي رواه ابو هريرة رضي الله عنه عن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ :‬يقول الله تعالى ‪ )) :‬أعددت‬
‫لعبادي الصالحين ما ل عين رأت ‪ ،‬ول أذن سمعت ‪ ،‬ول خطر‬
‫على قلب بشر ‪ ،‬فأقرأوا إن شئتم ‪ :‬فل تعلم نفس ما أخفى لهم‬
‫من قرة أعين (( ] البخاري برقم ‪ ] [ 3244‬مسلم برقم ‪[ 2824‬‬
‫والية من سورة السجدة ‪17 :‬‬
‫وإليكم الن هذه النصوص القاطعة من كتاب النصارى التي تدل‬
‫على حسية الجنة لديهم ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬ماورد على لسان المسيح عليه السلم بشرب الخمر في‬
‫ملكوت الله أي الجنة ‪:‬‬
‫مرقس ] ‪ )) : [ 25 : 14‬الحق اقول لكم اني ل اشرب بعد من‬
‫نتاج الكرمة الى ذلك اليوم حينما اشربه جديدا في ملكوت‬
‫الله‪(( .‬‬
‫فالمسيح وعد تلميذه بأنه سيشرب الخمر معهم في ملكوت الله‬
‫الجديد وهذا الملكوت الجديد حسب ما يعتقده المسيحيين‬
‫سيتحقق بعد أن يدين الله العالم ويحاسبهم في يوم القيامة‬
‫وهذا النص كافي لبيان حسية الجنة واقامة الحجة على‬
‫النصارى ‪. . .‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬ما ورد في النجيل على اشتمال الجنة على الكل ‪:‬‬
‫جاء في إنجيل لوقا ] ‪ [ 30 : 22‬قول المسيح لتلميذه ‪ )) :‬وأنا‬
‫أجعل لكم كما جعل لي أبي ملكوتا ً ‪ ،‬لتأكلوا وتشربوا على‬
‫مائدتي في ملكوتي ‪ ،‬ونجلسوا على كراسي تدينون أسباط‬
‫إسرائيل الثنى عشر ((‬
‫عندما تقيم غ َداًء أوَ‬
‫ْ‬ ‫قال المسيح في إنجيل لوقا ] ‪َ ُ ِ ُ َ َ ْ ِ )) : [ 12 : 14‬‬
‫ك‬‫جيَران َ َ‬ ‫ك وَل َ ِ‬ ‫ك وَل َ أ َقْرَِباَء َ‬ ‫خوَت َ َ‬ ‫ك وَل َ إ ِ ْ‬ ‫صد َِقاَء َ‬ ‫َ‬
‫شاًء‪ ،‬فَل َ ت َد ْع ُ أ ْ‬ ‫عَ َ‬
‫َ‬ ‫ال َغ ْن َِياَء‪ ،‬ل ِئ َل ّ ي َد ْ ُ‬
‫ت‪.‬‬‫كوفِئ ْ َ‬ ‫ن قَد ْ ُ‬ ‫كو َ‬ ‫ل‪ ،‬فَت َ ُ‬ ‫قاب ِ ِ‬ ‫م َ‬‫م أْيضا ً ِبال ْ ُ‬ ‫ك هُ ْ‬ ‫عو َ‬
‫ن َوال ْعُْر َ‬
‫ج‬ ‫مَعاِقي َ‬ ‫قَراءَ َوال ْ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ة اد ْع ُ ال ْ ُ‬ ‫م ً‬‫م وَِلي َ‬ ‫قي ُ‬ ‫ما ت ُ ِ‬ ‫عن ْد َ َ‬
‫ن‪ِ ،‬‬ ‫‪َ13‬ولك ِ ْ‬
‫َ‬
‫مَباَركا ً ل ّ‬
‫ه‪،‬‬‫ك بِ ِ‬ ‫كافُِئون َ َ‬ ‫ما ي ُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫كو َ‬ ‫مل ِ ُ‬‫ن هَؤ ُل َِء ل َ ي َ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫كو َ‬ ‫ي؛ ‪14‬فَت َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫َوال ْعُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‪،‬‬‫مت ّك ِِئي َ‬ ‫حد ُ ا ل ْ ُ‬ ‫ذا أ َ‬ ‫معَ هَ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ما َ‬ ‫مةِ الب َْراِر؛ ‪15.‬فَل َ ّ‬ ‫كافَأ ِفي قَِيا َ‬ ‫ك تُ َ‬ ‫فَإ ِن ّ َ‬
‫ه! ((‬ ‫ت الل ِ‬ ‫كو ِ‬ ‫مل َ ُ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ل الط َّعا َ‬ ‫سي َت ََناوَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫طوَبى ل ِ َ‬ ‫ه‪ُ :‬‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫َقا َ‬
‫وهذه النصوص كلها على خلف معتقد النصارى ‪. . .‬‬

‫‪77‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬ما جاء على لسان المسيح من وجود النعيم الحسي في‬
‫الجنة عن طريق ضربه لمثل النسان الفقير ‪:‬‬
‫ي‪ ،‬ي َل ْب َ ُ‬
‫س‬ ‫ن غ َن ِ ّ‬ ‫سا ٌ‬ ‫ك إ ِن ْ َ‬ ‫ن هَُنال ِ َ‬ ‫كا َ‬ ‫قال المسيح عليه السلم ‪َ )) :‬‬
‫م‪.‬‬‫ل ي َوْ ٍ‬ ‫مت َن َّعما ً ك ُ ّ‬ ‫ة‪ُ ،‬‬ ‫مت َْرفَ َ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫م ال ْوَل َئ ِ َ‬ ‫قي ُ‬ ‫ب‪ ،‬وَي ُ ِ‬ ‫م الث َّيا ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ن وََنا ِ‬ ‫وا َ‬ ‫ج َ‬ ‫ال ُْر ُ‬
‫و‬
‫عن ْد َ َباب ِهِ وَهُ َ‬ ‫مط ُْروحا ً ِ‬ ‫ه ل َِعاَزُر‪َ ،‬‬ ‫م ُ‬ ‫س ُ‬ ‫نا ْ‬ ‫كي ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سا ٌ‬ ‫ن إ ِن ْ َ‬ ‫كا َ‬ ‫‪20‬وَ َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ط ِ‬ ‫ساقِ ِ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ت ال ْ ُ‬ ‫فَتا ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫شب َعَ ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫شت َِهي أ ْ‬ ‫ح‪21 ،‬ي َ ْ‬ ‫قُرو ِ‬ ‫ب ِبال ْ ُ‬ ‫صا ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ت‬ ‫ما َ‬ ‫ه‪22.‬وَ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫س قُُرو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ت ت َأِتاي وَت َل َ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫حّتى الك ِل َ ُ‬ ‫ي‪َ .‬‬ ‫مائ ِد َةِ الغَن ِ ّ‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫ت الغَن ِ ّ‬ ‫ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫م‪ .‬ث ُ ّ‬ ‫هي َ‬ ‫ن إ ِب َْرا ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫ض ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ة إ ِلى ِ‬ ‫ملئ ِك ُ‬ ‫ه ال َ‬ ‫ملت ْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ن‪ ،‬وَ َ‬ ‫كي ُ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ِ‬
‫َ‬
‫ب‪َ ،‬رأى‬ ‫ن‪23 .‬وَإ ِذ ْ َرفَعَ ع َي ْن َي ْهِ وَهُوَ ِفي ال َْهاوِي َةِ ي َت َعَذ ّ ُ‬ ‫أْيضا ً وَد ُفِ َ‬
‫ل‪َ :‬ياأ َِباي‬ ‫دى َقائ ِ ً‬ ‫ه‪24 .‬فََنا َ‬ ‫ضن ِ ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن ب َِعيد ٍ وَل َِعاَزَر ِفي ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫هي َ‬ ‫إ ِب َْرا ِ‬
‫َ‬
‫ماءِ‬ ‫صب َعِهِ ِفي ال ْ َ‬ ‫ف إِ ْ‬ ‫س ط ََر َ‬ ‫م َ‬ ‫ل ل َِعاَزَر ل ِي َغْ ِ‬ ‫س ْ‬ ‫مِني‪ ،‬وَأْر ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫م! اْر َ‬ ‫هي َ‬ ‫إ ِب َْرا ِ‬
‫م‬
‫هي َ‬ ‫ن إ ِب َْرا ِ‬ ‫ب‪َ25 .‬ولك ِ ّ‬ ‫ذا الل ِّهي ِ‬ ‫ب ِفي هَ َ‬ ‫معَذ ّ ٌ‬ ‫ساِني‪ :‬فَإ ِّني ُ‬ ‫وَي ُب َّرد َ ل ِ َ‬
‫حَيات ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك َ‬ ‫خي َْرات ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ي‪ ،‬ت َذ َك ّْر أن ّ َ‬ ‫َقا َ‬
‫ك‪ ،‬وَل َِعاَزُر‬ ‫ة ِفي أث َْناِء َ‬ ‫مل ً‬ ‫كا ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ك ن ِل َ‬ ‫ل‪َ :‬ياب ُن َ ّ‬
‫َ‬
‫ضل ً‬ ‫ب‪26 .‬وَفَ ْ‬ ‫ك ت َت َعَذ ّ ُ‬ ‫ت هَُنا َ‬ ‫ن ي َت َعَّزى هَُنا‪ ،‬وَأن ْ َ‬ ‫ه ال َ‬ ‫ل ال ْب َل ََيا‪َ .‬ولك ِن ّ ُ‬ ‫َنا َ‬
‫ُ‬
‫ن‬‫ت‪ ،‬حتى إ ِ ّ‬ ‫ة قَد ْ أث ْب ِت َ ْ‬ ‫م ً‬ ‫ظي َ‬ ‫م هُوّة ً ع َ ِ‬ ‫ن ب َي ْن ََنا وَب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫ه‪ ،‬فَإ ِ ّ‬ ‫ذا ك ُل ّ ِ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫عَ ْ‬
‫ك‬‫ن هَُنا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن‪ ،‬وَل َ ال ِ‬ ‫قد ُِرو َ‬ ‫ن هَُنا ل َ ي َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن العُُبوَر ِ‬ ‫ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ن ال ْعُُبوَر إ ِل َي َْنا (( ] انجيل لوقا ‪ [ 19 : 16‬ترجمة كتاب‬ ‫طيُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫الحياة‬
‫ان هذا الكلم من المسيح حجة على النصارى ‪ ،‬فقد قال المسيح‬
‫‪ )) :‬ان إليعازر هذا في كفالة ابراهيم يتنعم ويتلذذ في الخرة (( ‪.‬‬
‫كما قال ‪ )) :‬ان ذلك الغني كان كل يوم يتنعم ويتلذذ في دنياه ((‬
‫‪ .‬والذي يبتدر إلى الفهام منه التنعم بالطيبات المألوفة المعروفة‬
‫‪ ،‬وقد جاء ذلك في النجيل كثيرا ً ولكن النصارى محجوبون‬
‫بالتقليد عن النظر في أقوال النبياء ‪...‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬رؤية الله في الخرة بالجسد ‪:‬‬
‫جاء في سفر أيوب ‪ )) :‬أعلم أن إلهى حي ‪ ،‬وأنى سأقوم فى‬
‫اليوم الخير بجسدى وسأرى بعينى الله مخّلصى (( ]أى ‪25 :19‬ـ‬
‫‪ [27‬وفى ترجمة البروتستانت‪ " :‬وبدون جسدى "‪.‬‬
‫خامسا ً ‪ :‬التكاء واللتقاء مع النبياء ‪:‬‬
‫ورد في إنجيل متى ] ‪ [ 11 : 8‬قول المسيح ‪ )) :‬وأقول لكم ان‬
‫كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ويتكئون مع إبراهيم‬
‫واسحق ويعقوب في ملكوت السموات‪((.‬‬
‫فهل بعد كل هذا سيستمر النصارى بدعوه أن جنتهم جنة روحيه‬
‫فقط ??‬
‫===================‬
‫سؤال ‪ :‬كيف عالج السلم خطيئة آدم عليه السلم ؟‬
‫الجواب ‪:‬‬

‫‪78‬‬
‫الحمد لله ‪،‬‬
‫لقد عالج السلم الخطيئة دون صلب أو قتل ‪ ،‬ودون التجرء على‬
‫الخالق سبحانه وتعالى بالقول بأنه تجسد ليذوق العذاب واللم‬
‫وهو معلق على الصليب ‪ .‬نعم أخي السائل هذا ما تقوله الكنيسة‬
‫ل‪ :‬ان لم يكن اللهوت قد مات‬ ‫‪ ،‬فلو أنك سألت اتباع الكنيسة قائ ً‬
‫على الصليب وان من مات هو الناسوت فماذا كان دور اللهوت‬
‫وهو معلق على الصليب؟ فسيكون الجواب بأن اللهوت تعلق‬
‫على الصليب ليذوق العذاب واللم ‪ ،‬وان ماذاقه الله من ألم‬
‫وعذاب على الصليب هو كفارة لنا ) تعالى الله عما يقول‬
‫الظالمون علوا ً كبيرا ً (‬
‫يقول البروتستانت لقد حكم الله على الخطيئة ) في أي صورة‬
‫من صورها ( بأنها تستحق الموت والسبب في ذلك هو قداسة‬
‫الله المطلقة غير المحدودة ‪ ،‬حتى أن أية خطية ل يمكن أن‬
‫تظهر في محضره ‪ .‬لن مقتضيات قداسته وجلله ومقامه اللهي‬
‫واعتباره السامي تتطلب القضاء الفوري الحتمي على كل‬
‫خطية ‪ .‬ونحن نقول ‪ :‬إذا كان المر كذلك عندكم فكيف آمنتم‬
‫بتجسده وتعليقه على الصليب وتحمله العذاب واللم على ذاك‬
‫الصليب الذي ل يعلق عليه ال الملعين كما يقول الكتاب في‬
‫سفر التثنية ‪ .‬فأي خطايا أعظم من هذه في حق مقام الله‬
‫السامي وقداسته وجلله ؟! أم ان قداسته المطلقة تتطلب ان‬
‫يعالج الخطأ بخطأ آخر في حقه ؟!‬
‫لقد كان السلم واضحا وضوح الشمس في رابعة النهار فيما‬
‫حدث لدم عليه السلم فلقد أغوى الشيطان آدم قبل ان ينعم‬
‫الله عليه بالنبوة فأكل وزوجته من الشجرة التي نهاهما الله عن‬
‫الكل منها ‪ .‬قال تعالى ‪ )) :‬وقُل ْنا يا آدم اسك ُ َ‬
‫ة‬ ‫ك ال ْ َ‬
‫جن ّ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ت وََزوْ ُ‬ ‫ن أن ْ َ‬ ‫َ َ َ َ ُ ْ ْ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫كوَنا ِ‬ ‫جَرة َ فَت َ ُ‬ ‫ش َ‬ ‫قَرَبا هَذ ِهِ ال ّ‬ ‫ما وََل ت َ ْ‬ ‫شئ ْت ُ َ‬
‫ث ِ‬ ‫حي ْ ُ‬‫دا َ‬ ‫من َْها َرغ َ ً‬ ‫وَك َُل ِ‬
‫كاَنا ِفيهِ وَقُل َْنا‬ ‫َ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ما َ‬ ‫م ّ‬ ‫ما ِ‬ ‫جه ُ َ‬ ‫ن ع َن َْها فَأ ْ‬
‫خَر َ‬ ‫طا ُ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫الظالمين فَأَزل ّهُ َ‬
‫مَتاع ٌ إ َِلى‬ ‫َْ‬
‫قّر وَ َ‬ ‫ست َ َ‬‫م ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫م ِفي الْر ِ‬ ‫ض ع َد ُوّ وَل َك ُ ْ‬ ‫م ل ِب َعْ ٍ‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫طوا ب َعْ ُ‬ ‫اهْب ِ ُ‬
‫ب‬
‫وا ُ‬ ‫ه هُوَ الت ّ ّ‬ ‫ب ع َل َي ْهِ إ ِن ّ ُ‬‫ت فََتا َ‬ ‫ما ٍ‬ ‫ن َرب ّهِ ك َل ِ َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫قى آد َ ُ‬ ‫ن فَت َل َ ّ‬ ‫حي ٍ‬
‫ِ‬
‫م (( نعم لقد عصى آدم عليه السلم قبل ان يكون نبيا ً ربه‬ ‫حي ُ‬ ‫الّر ِ‬
‫ه‬
‫جت ََباه ُ َرب ّ ُ‬ ‫ما ْ‬ ‫ولكن ثم ماذا ؟ ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ‪ )) :‬ث ُ ّ‬
‫دى (( طه ‪122 /‬‬ ‫ب ع َل َي ْهِ وَهَ َ‬ ‫فََتا َ‬
‫هكذا عالج الله عز وجل الخطيئة ‪ ،‬ندم آدم ‪ ،‬فتاب‪ ،‬فغفر الله له‬
‫ذلك الذنب‪ ،‬وانتهت هذه الخطيئة بالتوبة‪.‬‬
‫جميع النبياء لم يذكروا توارث الخطيئة‪:‬‬
‫إن جميع النبياء السابقين ‪ ،‬ليس فيهم من ذكر خطيئة آدم‬
‫وتوارثها ‪ ،‬ولم يسأل أي نبي الله سبحانه وتعالى أن يغفر له هذه‬

‫‪79‬‬
‫الخطيئة التي ورثها عن آدم ‪ ،‬فلماذا تفرد بها بولس الطرطوسي‬
‫؟!‬
‫الجواب ‪ :‬لنها ليست عقيدة من الله ‪ ،‬وإنما جاءت من عقائد‬
‫وثنية " فكل ما قيل وسمع عن المسيح والخطيئة والصلب‬
‫والخلص والفدية ‪ ،‬كلما قيل موجود في الديانات الهندية القديمة‬
‫‪ ،‬قاله الهنود عن " فشنو" و" براهما" و"كرشنا"‪ .‬وقاله البوذيون‬
‫عن "بوذا " ‪ ،‬وقاله المصريون ‪ ،‬والفرس ‪ ،‬واليونان عن آلهتهم‬
‫القديمة أيضًا‪ ،‬يعتقد الهنود أن " كرشنا" المولود الذي هو نفس‬
‫الله " فشنو" الذي ل ابتداء له ول انتهاء تحرك حنوّا ً كي يخلص‬
‫النسان بتقديم نفسه ذبيحة عنه‪.‬وهذا نص دعاء هندي يتوسلون‬
‫به ‪":‬إني مذنب ومرتكب الخطيئة وطبيعتي شريرة‪ ،‬وحملتني‬
‫أمي بالثم‪ ،‬فخلصني ياذا العين الحندوقية‪ ،‬يا مخلص المخطئين‬
‫من الثام والذنوب"‬
‫فالوثنيات القديمة هي أصل هذا العتقاد عند النصارى ‪ ،‬ولذلك‬
‫نجد أن تحول كثير من أصحاب الديانات الوثنية إلى المسيحية ‪،‬‬
‫كان سهل ً بسبب التشابه الكبير بين أصول تلك العقائد مع العقائد‬
‫المسيحية‪.‬‬
‫أما العقائد السلمية فلم تجاري العقائد النصرانية الباطلة‪ ،‬بل‬
‫حدد القرآن المواقف تحديدا ً واضحا ً حيث نفى القول بالصلب‬
‫نفيا ً قاطعا ً ‪ ،‬فقال عنه ‪ )) :‬وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن‬
‫مريم رسول الله ‪ ،‬وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن‬
‫الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إل أتباع الظن‬
‫وما قتلوه يقينا ً * بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا ً حكيما ((‬
‫ولو أن القرآن كان من عند غير الله ‪ ،‬لكان الولى به واليسر‬
‫لرواج دعوته أن يقول بصلب المسيح ‪ ،‬باعتبار ان هذه الشاعة‬
‫التي روجها كتبة الناجيل بعد رفع المسيح بزمن وانتشرت بين‬
‫الناس‪ .‬ففي تلك الحال فإنه يستميل النصارى إليه ويقلل من‬
‫المشاكل والعقبات التي تعترض قبولهم السلم إل ان شيئا من‬
‫ن ((‬
‫صِلي َ‬ ‫خي ُْر ال ْ َ‬
‫فا ِ‬ ‫ص ال ْ َ‬
‫حقّ وَهُوَ َ‬ ‫ق ّ‬
‫ذلك لم يحدث ‪ .‬فالقرآن ‪ )) :‬ي َ ُ‬
‫النعام ‪57 /‬‬
‫====================‬
‫السؤال ‪ :‬التثليث عند النصارى هل له وجود في‬
‫السلم ؟‬
‫في النصرانية يستخدمون كلمة " التثليث " على أنها الركن‬
‫الساس لذلك الدين ‪ ،‬فهل ورد ذكر لذلك العتقاد في القرآن ؟‬
‫وإذا كان ذلك اعتقادا ً صحيحا ً ‪ ،‬أفل يندرج ذلك تحت مقدمات‬
‫الشرك ؟‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫الحمد لله نعم ورد ذكر لهذا العتقاد في القرآن الكريم ‪ ،‬ولكنه‬
‫ورد ببطلنه والمناداة على صاحبه بالكفر والشرك ‪ ،‬قال الله‬
‫م ((‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ح اب ْ ُ‬ ‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ه هُوَ ال ْ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ن َقآُلوا ْ إ ِ ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫فَر ال ّ ِ‬ ‫قد ْ ك َ َ‬‫تعالى ‪ )) :‬ل ّ َ‬
‫ث‬ ‫ه َثال ِ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ن َقاُلوا ْ إ ِ ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫فَر ال ّ ِ‬ ‫قد ْ ك َ َ‬ ‫المائدة ‪ ، 17 /‬وقال تعالى ‪ )) :‬ل ّ َ‬
‫ن‬
‫س ّ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ل َي َ َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ما ي َ ُ‬‫م َينت َُهوا ْ ع َ ّ‬ ‫حد ٌ وَِإن ل ّ ْ‬ ‫ه َوا ِ‬ ‫ن إ ِل َهٍ إ ِل ّ إ ِل َ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫ث َل َث َةٍ وَ َ‬
‫َ‬
‫م (( المائدة ‪ ، 73 /‬وقال تعالى ‪:‬‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫فُروا ْ ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ن الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ح اب ْ ُ‬ ‫سي ُ‬ ‫م ِ‬‫صاَرى ال ْ َ‬ ‫ت الن ّ َ‬ ‫ن الل ّهِ وََقال َ ْ‬ ‫ت ال ْي َ ُ َهود ُ ع َُزي ٌْر اب ْ ُ‬ ‫)) وََقال َ ِ‬
‫م‬‫ل َقات َل َهُ ُ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫فُروا ْ ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬‫ل ال ّ ِ‬ ‫ن قَوْ َ‬ ‫ؤو َ‬ ‫ضاه ِ ُ‬ ‫م يُ َ‬ ‫واه ِهِ ْ‬ ‫ك قَوْل ُُهم ب ِأفْ َ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫دو ِ‬ ‫من ُ‬ ‫م أْرَباًبا ّ‬ ‫م وَُرهَْبان َهُ ْ‬ ‫حَباَرهُ ْ‬ ‫ذوا ْ أ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن ‪ ،‬ات ّ َ‬ ‫كو َ‬ ‫ه أّنى ي ُؤ ْفَ ُ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ُ‬
‫ه إ ِل ّ هُ َ‬
‫و‬ ‫دا ل ّ إ ِل َ َ‬ ‫ح ً‬‫دوا ْ إ ِل ًَها َوا ِ‬ ‫مُروا ْ إ ِل ّ ل ِي َعْب ُ ُ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ح اب ْ َ‬ ‫سي َ‬ ‫م ِ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫ن (( التوبة ‪31 /‬‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫ه عَ ّ‬ ‫حان َ ُ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ُ‬
‫وصار هذا من المور المنتشرة علمها بين المسلمين ‪ ،‬ولذلك‬
‫أجمعوا على كفر النصارى ‪ ،‬بل أجمعوا على كفر من لم‬
‫يكفرهم ‪ ،‬قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نواقض السلم‬
‫ك في كفرهم ‪،‬‬ ‫ش ّ‬ ‫فر المشركين ‪ ،‬أو َ‬ ‫المجمع عليها ‪ ) :‬من لم ي ُك َ ّ‬
‫حح مذهبهم كفر (‬ ‫أو ص ّ‬
‫وإننا لنعجب من هذا السؤال والذي يظن صاحبه أن الشرك الذي‬
‫عند النصارى له وجود في دين المسلمين ‪ ،‬ولذلك فإننا ننصح‬
‫السائل بالقراءة في كتب العقائد والتي تبين التوحيد ومعناه‬
‫وأحكامه ‪ ،‬وتبين أيضا ً الشرك وأنواعه ‪ ،‬وسماع الشرطة المفيدة‬
‫في ذلك ‪ ،‬فإن هذا من أوجب الواجبات على العبد ‪ ،‬وهذا التثليث‬
‫الذي يعتقده النصارى ليس من مقدمات الشرك ‪ ،‬بل هو الشرك‬
‫بعينه ‪ ،‬والتثليث الذي اخترعه النصارى المتأخرون ل يستدل عليه‬
‫بشيء من العقل والفطرة ول بشيء من الكتب اللهية التي‬
‫أنزلها الله سبحانه وتعالى ‪.‬‬
‫قال ابن القيم ‪:‬‬
‫وهذا شأن جميع أهل الضلل مع رؤسائهم ومتبوعيهم ‪ ،‬فجّهال‬
‫حد في تثليثهم وتناقضه وتكاذبه قالوا ‪:‬‬ ‫النصارى إذا ناظرهم المو ّ‬
‫الجواب على القسيس ‪ ،‬والقسيس يقول ‪ :‬الجواب على‬
‫المطران ‪ ،‬والمطران يحيل الجواب على البترك ‪ ،‬والبترك على‬
‫السقف ‪ ،‬والسقف على الباب ‪ ،‬والباب على الثلثمائة والثمانية‬
‫مع الذي اجتمعوا في عهد " قسطنطين " ‪،‬‬ ‫ج َ‬‫عشر أصحاب الم ْ‬
‫ووضعوا للنصارى هذا التثليث والشرك المناقض للعقول‬
‫والديان ‪ " ...‬مفتاح دار السعادة " ) ‪. ( 148 / 2‬‬
‫ومن حيث اللفظ فإنه لم يأت في القرآن ول في السنة ‪ ،‬بل جاء‬
‫لفظ " التثليث " في كلم العلماء عند كلمهم على التثليث في "‬

‫‪81‬‬
‫الستجمار بالحجارة ‪ ،‬الوضوء ‪ ،‬الغسل ‪ ،‬غسل الميت ‪ ،‬التسبيح‬
‫في الركوع والسجود ‪ ،‬الستئذان للدخول للبيت ‪ ،‬وغير ذلك ‪.‬‬
‫والمعنى في كل ما سبق إنما هو فعل المر ثلث مرات ‪ ،‬ول‬
‫علقة له بتثليث النصارى ‪ ،‬والذي بّين الله تعالى أنه قولهم‬
‫وأمرهم بتوحيده تعالى والعتقاد بعيسى أنه رسول وليس بإله‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية ‪:‬‬
‫قال تعالى ‪ } :‬يا أهل الكتاب ل تغلوا في دينكم ول تقولوا على‬
‫الله إل الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته‬
‫ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ول تقولوا ثلثة‬
‫انتهوا خيرا ً لكم { ‪ ،‬فذكر سبحانه في هذه الية " التثليث والتحاد‬
‫" ‪ ،‬ونهاهم عنهما وبّين أن المسيح إنما هو } رسول الله وكلمته‬
‫ألقاها إلى مريم وروح منه { ‪ ،‬وقال ‪ } :‬فآمنوا بالله ورسله { ‪،‬‬
‫ثم قال ‪ } :‬ول تقولوا ثلثة انتهوا خيرا ً لكم { ‪ " .‬الجواب الصحيح‬
‫" ) ‪. ( 15 / 2‬‬
‫وقد ظن بعض النصارى ? لجهلهم ? أن ضمير الجمع الدال على‬
‫التعظيم في نحو قوله تعالى ‪ ) :‬إنا فتحنا لك ( ‪ ) ،‬إنا أنزلناه ( أنه‬
‫يدل على عقيدتهم الفاسدة عقيدة التثليث ‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية ‪:‬‬
‫متها وخلفها ‪ :‬أن الّنبي صّلى الله عليه‬ ‫مة وأئ ّ‬‫ومذهب سلف ال ّ‬
‫وسلم سمع القرآن من جبريل ‪ ،‬وجبريل سمعه من الله عز وجل‬
‫‪ ،‬وأما قوله } نتلوا { و } نقص { } فإذا قرأناه { ‪ :‬فهذه الصيغة‬
‫في كلم العرب للواحد العظيم الذي له أعوان يطيعونه ‪ ،‬فإذا‬
‫فعل أعوانه فعل ً بأمره قال ‪ :‬نحن فعلنا ‪ ،‬كما يقول الملك ‪ :‬نحن‬
‫فتحنا هذا البلد ‪ ،‬وهزمنا هذا الجيش ‪ ،‬ونحو ذلك ؛ لنه إنما يفعل‬
‫بأعوانه ‪ ،‬والله تعالى رب الملئكة وهم ل يسبقونه بالقول ‪ ،‬وهم‬
‫بأمره يعملون ‪ ،‬ول يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ‪،‬‬
‫وهو مع هذا خالقهم وخالق أفعالهم وقدرتهم ‪ ،‬وهو غني عنهم ‪،‬‬
‫وليس هو كالمِلك الذي يفعل أعوانه بقدرة وحركة يستغنون بها‬
‫عنه ‪ ،‬فكان قوله ِلما فعله بملئكته ‪ :‬نحن فعلنا ‪ :‬أحق وأولى من‬
‫قول بعض الملوك ‪.‬‬
‫وهذا اللفظ هو من " المتشابه " الذي ذكر أن النصارى احتجوا به‬
‫ما وجدوا في‬ ‫على النبي صلى الله عليه وسلم على التثليث ل ّ‬
‫مهم الله حيث تركوا‬ ‫القرآن } إنا فتحنا لك { ونحو ذلك ‪ ،‬فذ ّ‬
‫كم من القرآن أن الله واحد ‪ ،‬وتمسكوا بالمتشابه الذي‬ ‫المح َ‬
‫يحتمل الواحد الذي معه نظيره ‪ ،‬والذي معه أعوانه الذين هم‬
‫عبيده وخلقه ‪ ،‬واتبعوا المتشابه يبتغون بذلك الفتنة ‪ ،‬وهي فتنة‬

‫‪82‬‬
‫القلوب بتوهم آلهة متعددة ‪ ،‬وابتغاء تأويله ‪ ،‬وما يعلم تأويله إل‬
‫الله والراسخون في العلم ‪.‬‬
‫" مجموع الفتاوى " ) ‪. ( 234 ، 233 / 5‬‬
‫==================‬
‫السؤال ‪ :‬نصراني يريد آيات وأحاديث تدل على محبة‬
‫الله في السلم‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬الحب فى القران الكريم ‪:‬‬
‫م‬‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫يقول الله سبحانه وتعالى في سورة آل عمران ‪ )) :‬قُ ْ‬
‫فوٌر‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫م ذ ُُنوب َك ُ ْ‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬ ‫ه وَي َغْ ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حب ِب ْك ُ ُ‬ ‫ه َفات ّب ُِعوِني ي ُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫حّبو َ‬ ‫تُ ِ‬
‫م ((‬ ‫حي ٌ‬ ‫َر ِ‬
‫ويكفي أن نقول لهذا السائل النصراني أن من أسماء الله‬
‫الحسنى في القرآن أنه الودود وهو الكثير الحب لعباده يقول الله‬
‫سبحانه وتعالى ‪ )) :‬وهو الغفور الودود (( ] البروج الية ‪[15‬‬
‫وإليك المزيد ‪:‬‬
‫‪ .1‬الله في السلم يحب العدل ‪:‬‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫جاء في سورة الممتحنة الية الثامنة ‪ )) :‬ل ي َن َْهاك ُ ُ‬
‫كم من ديارك ُ َ‬
‫م‬
‫م أن ت َب َّروهُ ْ‬ ‫َِ ِ ْ‬ ‫جو ُ ّ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ن وَل َ ْ‬ ‫دي ِ‬ ‫م ِفي ال ّ‬ ‫قات ُِلوك ُ ْ‬ ‫م يُ َ‬ ‫لَ ْ‬
‫ن (( ويقول الله سبحانه‬ ‫طي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫طوا إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫وَت ُ ْ‬
‫مُنوا ْ ل َ‬ ‫َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وتعالى في سورة المائدة الية ‪َ )) : 87 :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫دوا ْ إ ِ ّ‬ ‫م وَل َ ت َعْت َ ُ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ت َ‬ ‫موا ْ ط َي َّبا ِ‬ ‫حّر ُ‬ ‫تُ َ‬
‫ن (( ويقول الله تبارك وتعالى في سورة العراف الية ‪:‬‬ ‫دي َ‬ ‫معْت َ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ن (( ويقول‬ ‫دي َ‬ ‫معْت َ ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫ة إ ِن ّ ُ‬ ‫في َ ً‬ ‫خ ْ‬ ‫عا وَ ُ‬ ‫ضّر ً‬ ‫م تَ َ‬ ‫عوا ْ َرب ّك ُ ْ‬ ‫‪ )) : 55‬اد ْ ُ‬
‫َ‬
‫ن (( الية‬ ‫طي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫طوا إ ِ ّ‬ ‫س ُ‬ ‫الله تبارك وتعالى ‪ )) :‬وَأقْ ِ‬
‫التاسعة من سورة الحجرات ‪.‬‬
‫مُلوا ْ‬ ‫َ‬
‫مُنوا وَع َ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما ال ّ ِ‬ ‫ويقول المولى تبارك وتعالى ‪ )) :‬وَأ ّ‬
‫ب ال ّ‬ ‫الصال ِحات فَيوّفيه ُ‬
‫ن (( الية ‪57 :‬‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫جوَرهُ ْ‬ ‫مأ ُ‬ ‫ّ َ ِ ُ َ ِ ْ‬
‫ح‬‫م قَْر ٌ‬ ‫سك ْ‬ ‫ُ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫من سورة آل عمران ‪ .‬ويقول جل جلله ‪ِ )) :‬إن ي َ ْ‬
‫س وَل ِي َعْل َ َ‬
‫م‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫داوِل َُها ب َي ْ َ‬ ‫م نُ َ‬ ‫ك الّيا ُ‬ ‫ه وَت ِل ْ َ‬ ‫مث ْل ُ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م قَْر ٌ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫س ال ْ َ‬ ‫م ّ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫فَ َ‬
‫ن ((‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫داء َوالل ّ ُ‬ ‫شه َ َ‬ ‫م ُ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫خذ َ ِ‬ ‫مُنوا ْ وَي َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫الية ‪ 140 :‬من سورة آل عمران ‪.‬‬
‫‪ .2‬الله يحب الخير وعمله ‪:‬‬
‫سَعى ِفي‬ ‫ذا ت َوَّلى َ‬ ‫وفي ذلك يقول المولى تبارك وتعالى ‪ )) :‬وَإ ِ َ‬
‫َ‬
‫ساد َ ((‬ ‫ف َ‬ ‫ب ال َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫ل َوالل ّ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ث َوالن ّ ْ‬ ‫حْر َ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫سد َ فِي َِها وَي ُهْل ِ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ض ل ِي ُ ْ‬ ‫الْر ِ‬
‫ت ال ْي َُهود ُ‬ ‫الية ‪ 205 :‬من سورة البقرة ‪ .‬ويقول تعالى ‪ )) :‬وََقال َ ِ‬
‫َ‬
‫ن‬‫سوط ََتا ِ‬ ‫مب ْ ُ‬ ‫داه ُ َ‬ ‫ل يَ َ‬ ‫ما َقاُلوا ْ ب َ ْ‬ ‫م وَل ُعُِنوا ْ ب ِ َ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫ت أي ْ ِ‬ ‫ة غ ُل ّ ْ‬ ‫مغُْلول َ ٌ‬ ‫ي َد ُ الل ّهِ َ‬
‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ك‬‫من ّرب ّ َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ما أنزِ َ‬ ‫من ُْهم ّ‬ ‫ن ك َِثيًرا ّ‬ ‫زيد َ ّ‬ ‫شاء وَل َي َ ِ‬ ‫ف يَ َ‬ ‫فقُ ك َي ْ َ‬ ‫ُين ِ‬

‫‪83‬‬
‫ما‬ ‫مةِ ك ُل ّ َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫ضاء إ َِلى ي َوْم ِ ال ْ ِ‬ ‫داوَة َ َوال ْب َغْ َ‬ ‫م ال ْعَ َ‬ ‫قي َْنا ب َي ْن َهُ ُ‬ ‫فًرا وَأ َل ْ َ‬ ‫ط ُغَْياًنا وَك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫أ َوقَدوا ْ نارا ل ّل ْحرب أ َط ْ َ َ‬
‫ه‬‫دا َوالل ّ ُ‬ ‫سا ً‬ ‫ض فَ َ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫سعَوْ َ‬ ‫ه وَي َ ْ‬ ‫ها الل ّ ُ‬ ‫فأ َ‬ ‫َ ْ ِ‬ ‫ْ ُ َ ً‬
‫ن (( الية ‪ 64 :‬من سورة المائدة ‪ .‬ويقول ‪:‬‬ ‫دي َ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل َ يُ ِ‬
‫َ‬
‫ل‬‫خ َ‬ ‫ت َوالن ّ ْ‬ ‫شا ٍ‬ ‫معُْرو َ‬ ‫ت وَغ َي َْر َ‬ ‫شا ٍ‬ ‫معُْرو َ‬ ‫ت ّ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫شأ َ‬ ‫ذي أن َ‬ ‫)) وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫شاب ِهٍ ك ُُلوا ْ‬ ‫ختل ِ ً ُ‬
‫مت َ َ‬ ‫شاب ًِها وَغ َي َْر ُ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َوالّر ّ‬ ‫ه َوالّزي ُْتو َ‬ ‫فا أك ُل ُ ُ‬ ‫م ْ َ‬ ‫َوالّزْرع َ ُ‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫سرُِفوا ْ إ ِن ّ ُ‬ ‫صاد ِهِ وَل َ ت ُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ي َوْ َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫مَر َوآُتوا ْ َ‬ ‫ذا أث ْ َ‬ ‫مرِهِ إ ِ َ‬ ‫من ث َ َ‬ ‫ِ‬
‫ذوا ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ن (( سورة النعام ويقول جل جلله ‪َ )) :‬يا ب َِني آد َ َ‬ ‫سرِِفي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ُ‬ ‫ْ‬
‫ب‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫سرُِفوا ْ إ ِن ّ ُ‬ ‫شَرُبوا ْ وَل َ ت ُ ْ‬ ‫جد ٍ وك ُُلوا ْ َوا ْ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عند َ ك ُ ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ِزين َت َك ُ ْ‬
‫ك‬ ‫ما آَتا َ‬ ‫ن (( سورة العراف ويقول سبحانه ‪َ )) :‬واب ْت َِغ ِفي َ‬ ‫سرِِفي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫سن ك َ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن الد ّن َْيا وَأ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫صيب َ َ‬ ‫س نَ ِ‬ ‫خَرة َ وََل َتن َ‬ ‫داَر اْل ِ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫َْ‬
‫ن ((‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه َل ي ُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ض إِ ّ‬ ‫ساد َ ِفي الْر ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ك وََل ت َب ِْغ ال ْ َ‬ ‫ه إ ِل َي ْ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫مث ْل َُها‬ ‫ة ّ‬ ‫سي ّئ َ ٌ‬ ‫سي ّئ َةٍ َ‬ ‫جَزاء َ‬ ‫سورة القصص ‪ .‬ويقول سبحانه ‪ )) :‬وَ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫فَمن ع َ َ َ‬
‫ن (( سورة‬ ‫مي َ‬ ‫ب الظال ِ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه َل ي ُ ِ‬ ‫جُره ُ ع ََلى الل ّهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫ح فَأ ْ‬ ‫صل َ َ‬ ‫فا وَأ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫ديد ٌ ((‬ ‫ش ِ‬ ‫خي ْرِ ل َ‬ ‫َ‬ ‫ب ال َ‬ ‫ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه لِ ُ‬ ‫الشورى ويقول سبحانه وتعالى ‪ )) :‬وَإ ِن ّ ُ‬
‫ه‬‫ت َوالل ّ ُ‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫ه ال ّْرَبا وَي ُْرِبي ال ّ‬ ‫حقُ الل ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫سورة العاديات ويقول )) ي َ ْ‬
‫فارٍ أ َِثيم ٍ (( سورة البقرة ‪.‬‬ ‫ل كَ ّ‬ ‫ب كُ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل َ يُ ِ‬
‫‪.3‬الله يحب التوابين والمتطهرين ‪:‬‬
‫ساء ِفي‬ ‫ذى َفاع ْت َزُِلوا ْ الن ّ َ‬
‫َ‬
‫ل هُوَ أ ً‬ ‫ض قُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫حي‬‫م ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ك عَ‬ ‫سأ َُلون َ َ‬ ‫)) وَي َ ْ‬
‫ْ‬
‫ث‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن فَأُتوهُ ّ‬ ‫ذا ت َط َهّْر َ‬ ‫ن فَإ ِ َ‬ ‫ى ي َط ْهُْر َ‬ ‫حت ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫قَرُبوهُ ّ‬ ‫ض وَل َ ت َ ْ‬ ‫حي ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫ن (( سورة‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫مت َط َهّ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن وَي ُ ِ‬ ‫واِبي َ‬ ‫ب الت ّ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫مَرك ُ ُ‬ ‫أ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫س‬
‫س َ‬ ‫جد ٌ أ ّ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫دا ل ّ َ‬ ‫م ِفيهِ أب َ ً‬ ‫ق ْ‬ ‫البقرة ويقول تبارك وتعالى ‪ )) :‬ل َ ت َ ُ‬
‫َ‬ ‫حقّ َأن ت َ ُ‬ ‫َ‬ ‫قوى م َ‬
‫ن أن‬ ‫حّبو َ‬ ‫ل يُ ِ‬ ‫جا ٌ‬ ‫م ِفيهِ ِفيهِ رِ َ‬ ‫قو َ‬ ‫ل ي َوْم ٍ أ َ‬ ‫ن أوّ ِ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ع ََلى الت ّ ْ َ‬
‫ن (( سورة التوبة ‪.‬‬ ‫ري َ‬ ‫مط ّهّ ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ي َت َط َهُّروا ْ َوالل ّ ُ‬
‫‪.4‬الله يحب المؤمنين ويغفر لهم ‪:‬‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫حّبو َ‬ ‫م تُ ِ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ل ِإن ُ‬ ‫وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى ‪ )) :‬قُ ْ‬
‫م (( الية‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر ّر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫م ذ ُُنوب َك ُ ْ‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬ ‫ه وَي َغْ ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حب ِب ْك ُ ُ‬ ‫َفات ّب ُِعوِني ي ُ ْ‬
‫ن‬ ‫دافِعُ ع َ ِ‬ ‫ه يُ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫‪ 31 :‬من سورة آل عمران ‪ .‬ويقول تعالى ‪ )) :‬إ ِ ّ‬
‫فورٍ (( الية ‪ 38 :‬من‬ ‫ن كَ ُ‬ ‫وا ٍ‬ ‫خ ّ‬ ‫ل َ‬ ‫ب كُ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه َل ي ُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫مُنوا إ ِ ّ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫مُلوا‬ ‫مُنوا وَع َ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫جزِيَ ال ّ ِ‬ ‫سورة الحج ‪ .‬ويقول تعالى ‪ )) :‬ل ِي َ ْ‬
‫ن (( الية ‪ 45 :‬من‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه َل ي ُ ِ‬ ‫ضل ِهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫من فَ ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ال ّ‬
‫سورة الروم ‪.‬‬
‫‪ .5‬الله يحب المتقين ‪:‬‬
‫َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫قى فَإ ِ ّ‬ ‫ن أوَْفى ب ِعَهْد ِهِ َوات ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫وفي ذلك يقول تعالى ‪ )) :‬ب ََلى َ‬
‫ن (( الية ‪ 76 :‬من سورة آل عمران ‪ .‬ويقول سبحانه‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫يُ ِ‬
‫م‬‫شي ًْئا وَل َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫صوك ُ ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫م َين ُ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫ن ثُ ّ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫مَ َ‬ ‫هدّتم ّ‬ ‫عا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪ )) :‬إ ِل ّ ال ّ ِ‬
‫ظاهروا ْ ع َل َيك ُ َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫م إِ ّ‬ ‫مد ّت ِهِ ْ‬ ‫م إ َِلى ُ‬ ‫م ع َهْد َهُ ْ‬ ‫موا ْ إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫دا فَأت ِ ّ‬ ‫ح ً‬ ‫مأ َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫يُ َ ِ ُ‬
‫ن (( الية ‪ 4 :‬من سورة التوبة ‪ .‬ويقول تبارك وتعالى‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫يُ ِ‬

‫‪84‬‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫سول ِهِ إ ِل ّ ال ّ ِ‬ ‫عند َ َر ُ‬ ‫عند َ الل ّهِ وَ ِ‬ ‫ن ع َهْد ٌ ِ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ل ِل ْ ُ‬ ‫كو ُ‬ ‫ف يَ ُ‬ ‫‪ )) :‬ك َي ْ َ‬
‫م‬ ‫موا ْ ل َهُ ْ‬ ‫قي ُ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م َفا ْ‬ ‫موا ْ ل َك ُ ْ‬ ‫قا ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫حَرام ِ فَ َ‬ ‫جد ِ ا ل ْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫عند َ ال ْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫هدت ّ ْ‬ ‫عا َ‬ ‫َ‬
‫ن (( الية السابعة من سورة التوبة ‪.‬‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫‪.6‬الله محبة ويأمر بالخوة ‪:‬‬
‫ة الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م َ‬ ‫فّرُقوا ْ َواذ ْك ُُروا ْ ن ِعْ َ‬ ‫ميًعا وَل َ ت َ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫ِ‬ ‫حب ْ‬ ‫موا ْ ب ِ َ‬ ‫ص ُ‬ ‫)) َواع ْت َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫واًنا‬ ‫خ َ‬ ‫مت ِهِ إ ِ ْ‬ ‫حُتم ب ِن ِعْ َ‬ ‫صب َ ْ‬ ‫م فَأ ْ‬ ‫ن قُُلوب ِك ُ ْ‬ ‫ف ب َي ْ َ‬ ‫داء فَأل ّ َ‬ ‫م أع ْ َ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫م إ ِذ ْ ُ‬ ‫ع َل َي ْك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ه ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ك ي ُب َي ّ ُ‬ ‫من َْها ك َذ َل ِ َ‬ ‫كم ّ‬ ‫قذ َ ُ‬ ‫ن الّنارِ فَأن َ‬ ‫م َ‬ ‫فَرةٍ ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫فا ُ‬ ‫ش َ‬ ‫ى َ‬ ‫م ع َل َ‬
‫كنت ُ ْ َ‬ ‫وَ ُ‬
‫ن (( الية ‪ 103 :‬من سورة آل عمران ‪.‬‬ ‫دو َ‬ ‫م ت َهْت َ ُ‬ ‫آَيات ِهِ ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫‪.7‬الله يحب الصابرين ‪:‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ه رِب ّّيو َ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ي َقات َ َ‬ ‫من ن ّب ِ ّ‬ ‫يقول المولى تبارك وتعالى ‪ )) :‬وَك َأّين ّ‬
‫َ‬
‫ما‬ ‫فوا ْ وَ َ‬ ‫ضعُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ل الل ّهِ وَ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫صاب َهُ ْ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ما وَهَُنوا ْ ل ِ َ‬ ‫ك َِثيٌر فَ َ‬
‫ن (( سورة آل عمران ‪.‬‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫كاُنوا ْ َوالل ّ ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ا ْ‬
‫‪.8‬الله يحب المحسنين ‪:‬‬
‫ب‬ ‫وا ِ‬ ‫ن ثَ َ‬ ‫س َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ب الد ّن َْيا وَ ُ‬ ‫وا َ‬ ‫ه ثَ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫يقول سبحانه وتعالى ‪َ )) :‬فآَتاهُ ُ‬
‫ن (( سورة آل عمران ‪ .‬ويقول ‪:‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫خَرةِ َوالل ّ ُ‬ ‫ال ِ‬
‫ن‬‫حّرُفو َ‬ ‫ة يُ َ‬ ‫سي َ ً‬ ‫م َقا ِ‬ ‫جعَلَنا قُلوب َهُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫م لعّناهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ميَثاقَهُ ْ‬ ‫ضِهم ّ‬ ‫ق ِ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫)) فَب ِ َ‬
‫ى‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ما ذ ُك ُّروا ْ ب ِهِ وَل َ ت ََزا ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫سوا ْ َ‬ ‫ال ْك َل ِ َ‬
‫ل ت َطل ِعُ ع َل َ‬ ‫م ّ‬ ‫ظا ّ‬ ‫ضعِهِ وَن َ ُ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫عن ّ‬ ‫م َ‬
‫ب‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ح إِ ّ‬ ‫ف ْ‬ ‫ص َ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫ف ع َن ْهُ ْ‬ ‫م َفاع ْ ُ‬ ‫من ْهُ ُ‬ ‫م إ ِل ّ قَِليل ً ّ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫خآئ ِن َةٍ ّ‬ ‫َ‬
‫ن ِفي‬ ‫قو َ‬ ‫ن ُينفِ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫ن (( سورة المائدة ‪ .‬ويقول ايضا ‪ )) :‬ال ِ‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ُ‬ ‫ْ‬
‫ه‬‫س َوالل ّ ُ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫ظ َوال َْعاِفي َ‬ ‫ن ال ْغَي ْ َ‬ ‫مي َ‬ ‫كاظ ِ ِ‬ ‫ضّراء َوال ْ َ‬ ‫سّراء َوال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ن (( سورة آل عمران ‪ .‬ويقول سبحانه ‪:‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫يُ ِ‬
‫سن ُوَا ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ح ِ‬ ‫م إ َِلى الت ّهْل ُك َةِ وَأ ْ‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫قوا ْ ب ِأي ْ ِ‬ ‫ل الل ّهِ وَل َ ت ُل ْ ُ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫قوا ْ ِفي َ‬ ‫ف ُ‬ ‫)) وَأن ِ‬
‫ن (( سورة البقرة ويقول سبحانه ‪ )) :‬ل َي ْ َ‬
‫س‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫قوا ْ‬ ‫ما ات ّ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫موا ْ إ ِ َ‬ ‫ما ط َعِ ُ‬ ‫ح ِفي َ‬ ‫جَنا ٌ‬ ‫ت ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ْ ال ّ‬ ‫مُنوا ْ وَع َ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ع ََلى ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ه‬‫سُنوا ْ َوالل ّ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫قوا ْ وّأ ْ‬ ‫م ات ّ َ‬ ‫مُنوا ْ ث ُ ّ‬ ‫قوا ْ ّوآ َ‬ ‫م ات ّ َ‬ ‫ت ثُ ّ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ْ ال ّ‬ ‫مُنوا ْ وَع َ ِ‬ ‫ّوآ َ‬
‫ن (( سورة المائدة ‪.‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫يُ ِ‬
‫‪.9‬الله يحب المتوكلين ‪:‬‬
‫ت‬ ‫كن َ‬ ‫م وَل َوْ ُ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ ِلن َ‬ ‫م َ‬ ‫مةٍ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ما َر ْ‬ ‫يقول ربنا جل جلله ‪ )) :‬فَب ِ َ‬
‫م‬‫فْر ل َهُ ْ‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫ف ع َن ْهُ ْ‬ ‫ك َفاع ْ ُ‬ ‫حوْل ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ضوا ْ ِ‬ ‫ف ّ‬ ‫لن َ‬ ‫ب َ‬ ‫قل ْ ِ‬ ‫ظ ال ْ َ‬ ‫ظا غ َِلي َ‬ ‫فَ ّ‬
‫َ‬
‫ب‬
‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ل ع ََلى الل ّهِ إ ِ ّ‬ ‫ت فَت َوَك ّ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ذا ع ََز ْ‬ ‫مرِ فَإ ِ َ‬ ‫م ِفي ال ْ‬ ‫شاوِْرهُ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ن (( سورة آل عمران‬ ‫مت َوَك ِّلي َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫‪ .10‬الله يحب المتواضعين ‪:‬‬
‫شي ًْئا‬ ‫كوا ْ ب ِهِ َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ه وَل َ ت ُ ْ‬ ‫دوا ْ الل ّ َ‬ ‫يقول الله سبحانه وتعالى ‪َ )) :‬واع ْب ُ ُ‬
‫جارِ ِذي‬ ‫ن َوال ْ َ‬ ‫كي ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫مى َوال ْ َ‬ ‫قْرَبى َوال ْي ََتا َ‬ ‫ذي ال ْ ُ‬ ‫ساًنا وَب ِ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫وال ِد َي ْ ِ‬ ‫وَِبال ْ َ‬
‫ت‬ ‫مل َك َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ب َواب ْ ِ‬ ‫جن ِ‬ ‫ب ِبال َ‬ ‫ح ِ‬ ‫صا ِ‬ ‫ب َوال ّ‬ ‫جن ُ ِ‬ ‫جارِ ال ْ ُ‬ ‫قْرَبى َوال ْ َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫خوًرا (( سورة النساء‬ ‫خَتال ً فَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫كا َ‬ ‫من َ‬ ‫ب َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫مان ُك ُ ْ‬ ‫أي ْ َ‬
‫ويقول سبحانه ‪ )) :‬ل َ جر َ‬
‫ن‬
‫ما ي ُعْل ُِنو َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫سّرو َ‬ ‫ما ي ُ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫مأ ّ‬ ‫َ َ َ‬

‫‪85‬‬
‫ن‬
‫ن (( سورة النحل ويقول سبحانه ‪ )) :‬إ ِ ّ‬ ‫ري َ‬ ‫ست َك ْب ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫إ ِن ّ ُ‬
‫ن‬
‫ما إ ِ ّ‬ ‫ن ال ْك ُُنوزِ َ‬ ‫م َ‬‫م َوآت َي َْناه ُ ِ‬ ‫سى فَب ََغى ع َل َي ْهِ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫من قَوْم ِ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫َقاُرو َ‬
‫ُ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ح إِ ّ‬ ‫فَر ْ‬ ‫ه َل ت َ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ه قَوْ ُ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قوّةِ إ ِذ ْ َقا َ‬ ‫صب َةِ أوِلي ال ْ ُ‬ ‫ه ل َت َُنوُء ِبال ْعُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫فات ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ن (( )‪ (76‬سورة القصص ويقول تبارك وتعالى ‪:‬‬ ‫حي َ‬ ‫فرِ ِ‬ ‫ْ‬
‫ب ال َ‬ ‫ح ّ‬ ‫َل ي ُ ِ‬
‫ه َل‬ ‫َْ‬
‫ن الل ّ َ‬ ‫حا إ ِ ّ‬ ‫مَر ً‬ ‫ض َ‬ ‫ش ِفي الْر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫س وََل ت َ ْ‬ ‫ك ِللّنا ِ‬ ‫خد ّ َ‬ ‫صعّْر َ‬ ‫)) وََل ت ُ َ‬
‫خورٍ (( )‪ (18‬سورة لقمان ‪.‬‬ ‫ل فَ ُ‬ ‫خَتا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫ب كُ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫يُ ِ‬
‫‪.11‬الله يحب المينين ‪:‬‬
‫ن‬‫خَتاُنو َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ل عَ ِ‬ ‫جاد ِ ْ‬ ‫يقول الحق تبارك وتعالى ‪ )) :‬وَل َ ت ُ َ‬
‫َ‬ ‫َأن ُ‬
‫ما (( )‪ (107‬سورة‬ ‫واًنا أِثي ً‬ ‫خ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫من َ‬ ‫ب َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫سه ُ ْ‬ ‫ف َ‬
‫ة َفانب ِذ ْ‬ ‫خَيان َ ً‬ ‫من قَوْم ٍ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫خافَ ّ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫النساء ‪ .‬ويقول جل جلله ‪ )) :‬وَإ ِ ّ‬
‫ن (( )‪ (58‬سورة‬ ‫خائ ِِني َ‬ ‫ب ال َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫واء إ ِ ّ‬ ‫س َ‬ ‫م ع ََلى َ‬ ‫إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫النفال ‪.‬‬
‫‪ .18‬الله محب للخير ‪:‬‬
‫ل إ ِل ّ‬ ‫قوْ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬‫سوَِء ِ‬ ‫جهَْر ِبال ّ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫يقول تبارك وتعالى ‪ )) :‬ل ّ ي ُ ِ‬
‫ما (( )‪ (148‬سورة النساء ‪ .‬ويقول‬ ‫ميًعا ع َِلي ً‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫من ظ ُل ِ َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫ب كُ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫مُنوا إ ِ ّ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫ّ‬
‫دافِعُ ع َ ِ‬ ‫ه يُ َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫سبحانه ‪ )) :‬إ ِ ّ‬
‫فورٍ (( )‪ (38‬سورة الحج ويقول تبارك وتعالى ‪ )) :‬ل ِك َي َْل‬ ‫ن كَ ُ‬ ‫وا ٍ‬ ‫خْ ّ‬ ‫َ‬
‫ب كُ ّ‬
‫ل‬ ‫ح ّ‬ ‫ه َل ي ُ ِ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫ما آَتاك ُ ْ‬ ‫حوا ب ِ َ‬ ‫فَر ُ‬ ‫م وََل ت َ ْ‬ ‫ما َفات َك ُ ْ‬ ‫وا ع ََلى َ‬ ‫س ْ‬ ‫ت َأ َ‬
‫خورٍ (( )‪ (23‬سورة الحديد ‪.‬‬ ‫ل فَ ُ‬ ‫خَتا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ثانيا ‪ :‬الحب في السنة النبوية الشريفة ‪:‬‬
‫‪ - 1‬قال صلى الله عليه وسلم ‪ )) :‬ل يؤمن أحدكم حتى يحب‬
‫لخيه ما يحب لنفسه (( ‪.‬‬
‫‪ - 2‬عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه و سلم ‪ " :‬ل تدخلون الجنة حتى تؤمنوا و ل تؤمنوا حتى‬
‫تحابوا ‪ ،‬أول أدّلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلم‬
‫بينكم " ) رواه مسلم (‬
‫‪ - 3‬وقال ‪ :‬صلى الله عليه وسلم ‪ )) :‬تهادوا تحابوا (( ‪ .‬رواه‬
‫البيهقي‬
‫‪ - 4‬وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪" :‬من أحب رجل لله فقد أحبه الله‪ .‬فدخل جميعا الجنة‪ ,‬وكان‬
‫الذي أحب لله أرفع منزلة‪ ,‬ألحق الذي أحبه لله"‪ .‬رواه الطبراني‬
‫والبزار بنحوه بإسناد حسن‪.‬‬
‫‪ - 5‬عن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫"حقت محبتي للمتحابين في‪ ,‬حقت محبتي للمتواصين في‪ ,‬حقت‬
‫محبتي للمتبادلين في‪ .‬المتحابون في على منابر من نور‪ ,‬يغبطهم‬
‫بمكانتهم النبيون والصديقون والشهداء"‪ .‬رواه المام أحمد وابن‬
‫حبان و الحاكم والقضاعي‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫وفي رواية ‪" :‬حقت محبتي للذين يتناصرون من أجلي‪ ,‬وحقت‬
‫محبتي للذين يتصادقون من أجلي"‪ .‬رواه الطبراني في الثلتة‬
‫وأحمد بنحوه ورجال أحمد ثقات‪.‬‬
‫‪ -6‬عن معاذ رضي الله عنه قال ‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله‬
‫عليه و سلم يقول ‪ " :‬قال الله تبارك و تعالى ‪ :‬وجبت محبتي‬
‫ي و المتزاورين ‪ ،‬و المتباذلين‬‫ي ‪ ،‬و المتجالسين ف ّ‬ ‫للمتحابين ف ّ‬
‫ي " )رواه مالك و غيره (‬ ‫ف ّ‬
‫‪ -7‬عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫ن الله تعالى يقول يوم القيامة ‪ :‬أين‬ ‫الله عليه و سلم ‪" :‬إ ّ‬
‫ّ‬
‫ل إل ّ ظلي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المتحابون بجللي ؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم ل ظ ّ‬
‫) رواه مسلم (‬
‫ب أن يجد طعم اليمان‬ ‫‪ -8‬قال عليه الصلة و السلم ‪ " :‬من أح ّ‬
‫ب المرء ل يحبه إل لله ) رواه الحاكم و قال ‪ :‬صحيح السناد‬ ‫فليح ّ‬
‫و لم يخرجاه و أقّره الذهبي (‬
‫‪ -9‬عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫ب‬‫الله عليه و سلم ‪ " :‬من سّره أن يجد حلوة اليمان‪ ،‬فليح ّ‬
‫المرء ل يحبه إل لله" ) رواه أحمد و الحاكم و صححه الذهبي (‬
‫‪ -10‬عن أنس رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫ن فيه وجد حلوة اليمان ‪ :‬أن يكون‬ ‫عليه و سلم ‪ " :‬ثلث من ك ّ‬
‫ب المرء ل يحبه إل‬ ‫ب إليه مما سواهما ‪ ،‬و أن يح ّ‬ ‫الله و رسوله أح ّ‬
‫لله ‪ ،‬و أن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه ‪ ،‬كما‬
‫يكره أن يلقى في النار " )متفق عليه(‬
‫‪ -11‬عن أبي أمامة رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫ب لله ‪ ،‬و أبغض لله ‪ ،‬و أعطى لله ‪ ،‬و‬ ‫الله عليه و سلم ‪ " :‬من أح ّ‬
‫منع لله ‪ ،‬فقد استكمل اليمان " ) رواه أبو داود بسند حسن (‬
‫‪ -12‬قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ‪ " :‬ل يؤمن أحدكم‬
‫ب لنفسه " ) رواه الشيخان (‬ ‫ب لخيه ما يح ّ‬ ‫حتى يح ّ‬
‫‪ -13‬عن أنس بن مالك قال ‪ :‬مر رجل بالنبي صلى الله عليه و‬
‫سلم و عنده ناس ‪ ،‬فقال رجل ممن عنده ‪ :‬إني لحب هذا لله ‪،‬‬
‫فقال النبي صلى الله عليه و سلم ‪":‬أعلمته؟" قال ‪ :‬ل ‪ ،‬قال ‪" :‬‬
‫قم إليه فأعلمه " فقام إليه فأعلمه ‪ ،‬فقال ‪ :‬أحّبك الذي أحببتني‬
‫له ثم قال ‪ ،‬ثم رجع فسأله النبي صلى الله عليه و سلم فأخبره‬
‫بما قال فقال النبي صلى الله عليه و سلم ‪":‬أنت مع من أحببت ‪،‬‬
‫و لك ما احتسبت " ) رواه أحمد و الحاكم و صححه الذهبي (‬
‫‪ -14‬وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف يوضح‬
‫ب الناس إلى الله أنفعهم‬ ‫ب الناس له حيث قال "أح ّ‬ ‫أسباب ح ّ‬
‫ب العمال إلى الله سرور تدخله على مسلم‪ ،‬أو‬ ‫للناس‪ ،‬وأح ّ‬

‫‪87‬‬
‫ة‪ ،‬أو تقضي عنه دينا ً أو تطرد عنه جوعًا‪ ،‬ولئن‬ ‫تكشف عنه كرب ً‬
‫أمشي مع أخ لي في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا‬
‫المسجد شهرًا‪ ،‬في مسجد المدينة‪ ،‬ومن كف غضبه ستر الله‬
‫عورته‪ ،‬ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه‪ ،‬مل الله قلبه‬
‫رجاء يوم القيامة‪ ،‬ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يثبتها له‬
‫ثبت الله قدمه يوم تزول القدام" المعجم الصغير"‪.‬‬
‫‪ -15‬قال صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬مثل المؤمنين في توادهم ‪،‬‬
‫وتراحمهم ‪ ،‬وتعاطفهم ‪،‬مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى‬
‫له سائر الجسد بالسهر والحمى ( رواه مسلم ‪.‬‬
‫‪ -16‬عن سهل بن سعد الساعدي قال‪ :‬جاء رجل إلى النبي‬
‫فقال‪ :‬يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته أحبني الله‬
‫وأحبني الناس فقال ‪ )) :‬ازهد في الدنيا يحبك الله‪ ،‬وازهد فيما‬
‫عند الناس يحبك الناس (( ]رواه ابن ماجة وغيره‪ ،‬والحديث‬
‫صحيح[‪.‬‬
‫َ‬
‫ه ع َل َي ْهِ‬ ‫صّلى الل ُ‬ ‫ه عنها ‪ ،‬أن رسول الّله َ‬ ‫ة رضي الل ّ ُ‬ ‫‪ -17‬وعن عائش َ‬
‫م‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫جل ً ع َلى سرِي ّةٍ ‪ ،‬فَ َ‬ ‫َ‬ ‫سّلم ‪ ،‬بعَ َ‬
‫صحاب ِهِ في صلت ِهِ ْ‬ ‫قرأ ل ْ‬ ‫ن يَ ْ‬‫كا َ‬ ‫ث َر ُ‬ ‫و َ‬
‫َ‬
‫ل‬‫ك لرسو ِ‬ ‫كروا ذل َ‬ ‫جُعوا ‪ ،‬ذ َ َ‬ ‫ما َر َ‬ ‫حد ٌ { فَل َ ّ‬ ‫هأ َ‬ ‫ل هُوَ الل ّ ُ‬ ‫م بـ } قُ ْ‬ ‫خت ِ ُ‬‫َفي ْ‬
‫ع‬
‫صن َ ُ‬‫شيٍء ي َ ْ‬ ‫سُلوه ُ ل ِيّ َ‬ ‫سّلم ‪ ،‬فقال ‪َ ? :‬‬ ‫ه ع َل َي ْهِ و َ‬ ‫صّلى الل ُ‬ ‫الّله َ‬
‫حب أ َن أ َقْرأ َ‬ ‫ة الرحمن ‪ ،‬فَأ َنا أ ُِ‬ ‫سألوه ‪ ،‬فَ َ‬ ‫َ‬ ‫ذل َ‬
‫َ‬ ‫ّ ْ‬ ‫َ‬ ‫ف ُ ّ ْ َ ِ‬ ‫ص َ‬‫ل ‪ :‬لن َّها ِ‬ ‫قا َ‬ ‫ك ؟ ؛ فَ َ‬
‫ن الّله‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سّلم ‪ ? :‬أ ْ‬
‫خب ُِروه ُ أ ّ‬ ‫ه ع َل َي ْهِ و َ‬ ‫صّلى الل ُ‬ ‫ل الّله َ‬ ‫ب َِها‪ ،‬فقال رسو ُ‬
‫ه ؛ متفقٌ عليه‬ ‫تعالى ُيحب ّ ُ‬
‫‪ -18‬روى مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه )) أن رجل‬
‫زار أخا له في قرية أخرى فأرسل الله له على مدرجته ملكا‬
‫ً ‪ .....‬فقال إن الله قد أحبك كما أحببته فيه (( ‪.‬‬
‫‪ -19‬قال صلى الله عليه وسلم ‪ )) :‬من أحب لقاء الله أحب الله‬
‫لقاءه ‪ ،‬ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه قلنا ‪ :‬يا رسول الله !‬
‫كلنا يكره الموت ؟ قال ‪ :‬ليس ذلك كراهية الموت ‪ ،‬ولكن‬
‫المؤمن إذا حضر جاءه البشير من الله ‪ ،‬فليس شيء أحب إليه‬
‫من أن يكون قد لقي الله فأحب الله لقاءه ‪ ،‬وإن الفاجر أو‬
‫الكافر إذا حضر جاءه ماهو صائر إليه من الشر ‪ ،‬أو ما يلقى من‬
‫الشر ‪ ،‬فكره لقاء الله ‪ ،‬فكره الله لقاءه (( صحيح التغريب بسندٍ‬
‫صحيح‬
‫‪ -20‬قال صلى الله عليه وسلم ‪ :‬قال الله تبارك وتعالى ‪ )) :‬إذا‬
‫أحب عبدي لقائي أحببت لقاءه‪ ،‬وإذا كره لقائي كرهت لقاءه ((‬
‫صحيح على شرط الشيخين‬
‫‪ -21‬قال صلى الله عليه وسلم ‪ )) :‬إن رجل زار أخا له في‬
‫قرية ‪ ،‬فأرصد الله تعالى على مدرجته ملكا ‪ ،‬فلما أتى عليه‬

‫‪88‬‬
‫الملك قال ‪ :‬أين تريد ؟ قال ‪ :‬أزور أخا لي في هذه القرية ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬هل عليك من نعمة ]تربها[ ؟ قال ‪ :‬ل ‪ ،‬إل أني أحببته في‬
‫الله ‪ ،‬قال ‪ :‬فإني رسول الله إليك أن الله عز وجل قد أحبك كما‬
‫أحببته له (( صحيح على شرط مسلم‬
‫‪ -22‬قال صلى الله عليه وسلم ‪ )) :‬ما من رجلين تحابا في الله‬
‫بظهر الغيب؛ إل كان أحبهما إلى الله أشدهما حبا ً لصاحبه ((‬
‫السلسلة الصحيح ورجاله ثقات‬
‫‪ -23‬قال صلى الله عليه وسلم ‪ )) :‬ما تحاب رجلن في الله إل‬
‫كان أحبهما إلى الله عز وجل أشدهما حبا لصاحبه (( السلسلة‬
‫الصحيحة بسند ٍ صحيح‬
‫‪ -24‬قال صلى الله عليه وسلم ‪ )) :‬إذا أحب أحدكم أخاه في الله‬
‫فليبين له ‪ ،‬فإنه خير في اللفة ‪ ،‬و أبقى في المودة (( السلسلة‬
‫الصحيحة بسند ٍ حسن‬
‫‪ -25‬قال صلى الله عليه وسلم ‪ )) :‬أحب عباد الله إلى الله‬
‫أحسنهم خلقا (( السلسلة الصحيحة بسند ٍ جيد‬
‫‪ -26‬قال صلى الله عليه وسلم ‪ )) :‬ما أحب عبد عبدا لله إل‬
‫أكرمه الله عز وجل (( السلسلة الصحيحة بسند ٍ جيد‬
‫‪ -27‬قال صلى الله عليه وسلم ‪ )) :‬من سره أن يحب الله و‬
‫رسوله فليقرأ في " المصحف" (( السلسلة الصحيحة بسندٍ‬
‫حسن‬
‫وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين‬
‫والصلة والسلم على خاتم الرسل محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‬
‫=======================‬
‫نصراني يسأل عن موقف المسلمين من الكاثوليك‬
‫والتعايش السلمي‬
‫السؤال ‪:‬‬
‫لست أدري كيف هي علقتكم بالكنيسة الكاثوليكية ‪ ،‬أنا من‬
‫أمريكا والبلد السلمية تبدو غريبة بالنسبة لي ‪ ،‬ل أعرف الكثير‬
‫عنهم ولكن الذي يبدو أن المسلمين يعادون الدين الكاثوليكي ‪.‬‬
‫هل هم منفتحين للحوار ؟ لماذا ل تؤمنون بالرب عيسى ؟ أليس‬
‫الحب البدي لله عظيم لدرجة أنه يستطيع أن يتنزل علينا‬
‫ويحفظنا من جميع الذنوب حتى نتمكن من العيش معه للبد ؟‬
‫لماذا توجد حروب في الشرق الوسط ؟ أل يرى السلم أو يقبل‬
‫بالقوة المخلصة للمسيح ‪ ،‬مع تعليماته بأن نحب بعضنا البعض ‪،‬‬
‫هل إذا اتبعت أنا وأنت )السلم ‪-‬التسليم الكامل( فكل شيء‬
‫سيسير على ما يرام بالنسبة للبشر ؟‬

‫‪89‬‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫الحمد لله‬
‫العداوة في السلم وعند المسلمين ليست أمرا عشوائيا ً بل‬
‫تحكمها أصول وثوابت شأنها في ذلك شأن باقي الحكام‬
‫السلمية الشرعية وهذه الصول والثوابت هي من عند الله‬
‫تعالى المنّزه عن النقائص الذي له السماء الحسنى والصفات‬
‫العلى ومصدر الحكام عندنا هو القرآن والسنة الصحيحة الثابتة ‪،‬‬
‫والقرآن والسنة جاءا بعقيدة واضحة وهي عقيدة التوحيد المبنية‬
‫ن محمدا ً رسول الله صلى الله‬ ‫على شهادة أن ل إله إل الله وأ ّ‬
‫عليه وسلم خاتم النبياء وإمام المرسلين ول نشرك مع الله آلهة‬
‫أخرى بل نفرده باللوهية والربوبية والسماء والصفات ول ندعو‬
‫له صاحبة ول ولدا ً ‪ ،‬ونوالي من والى الله ونعادي من عاداه‬
‫وُنبغض من سّبه وجعل له زوجة وولدا ً فالله فرد أحد صمد لم يلد‬
‫ولم يولد ولم يكن له صاحبة ول ولد سبحانه أّنى يكون له ولد وله‬
‫ما في السماوات وما في الرض ليس له شريك وليس محتاجا ً‬
‫إلى ولد كما يحتاج البشر وهو خالق الوالد وما ولد ‪ ،‬فالمسلمون‬
‫طوع أمر الله وليس عندهم اختيار في التشريع بل هم ملزمون‬
‫ضى‬ ‫ذا قَ َ‬ ‫من َةٍ إ ِ َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫ن َول ُ‬ ‫م ٍ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن لِ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫بأحكام الله ‪ ،‬قال تعالى ‪ )) :‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫الل ّه ورسول ُ َ‬
‫ص الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ن ي َعْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫مرِه ِ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬‫خي ََرة ُ ِ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ن ل َهُ ُ‬ ‫كو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫مًرا أ ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ ََ ُ ُ‬
‫مِبيًنا (( سورة الحزاب‬ ‫ضلل ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫وََر ُ‬
‫ومن هذه الحكام الحب في الله والبغض في الله ‪.‬‬
‫والمسلمون عندهم مجال واسع للحوار بل أمر الله في كتابه‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم وأمته من بعده بمحاورة أهل الكتاب‬
‫من اليهود والنصارى فقال سبحانه ‪ )) :‬قل يا أهل الكتاب تعالوا‬
‫إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أل نعبد إل الله ول نشرك به شيئا ً ول‬
‫يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا‬
‫مسلمون (( آل عمران ‪.64 :‬‬
‫ونحن نؤمن بعيسى عليه السلم نبيا ً مرسل ً من عند الله ‪ ،‬ومعاذ‬
‫الله أن نجعل عيسى إلها ً وربا ً كما يزعم النصارى ول يفّرقون بين‬
‫سل ‪ ،‬وبين الخالق والمخلوق قال الله تعالى ‪:‬‬ ‫مر ِ‬ ‫الرسول وال ُ‬
‫َ‬
‫ذوِني‬ ‫خ ُ‬ ‫س ات ّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت ِللّنا‬ ‫ت قُل ْ َ‬ ‫م ءأن ْ َ‬ ‫مْري َ َ‬‫ن َ‬ ‫سى اب ْ َ‬ ‫عي َ‬ ‫ه َيا ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫)) وَإ ِذ ْ َقا َ‬
‫ما‬ ‫ن أُقو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫حان َ َ‬ ‫ن الل ّهِ َقا َ‬ ‫م َ َ‬ ‫ُ‬
‫ل َ‬ ‫ن ِلي أ ْ‬ ‫كو ُ‬ ‫ك َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ل ُ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ي إ ِلهَي ْ ِ‬ ‫وَأ ّ‬
‫سي َول‬ ‫ف ِ‬ ‫ما ِفي ن َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ت َعْل َ ُ‬ ‫مت َ ُ‬
‫قد ْ ع َل ِ ْ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫ت قُل ْت ُ ُ‬ ‫ن ك ُن ْ ُ‬ ‫حقّ إ ِ ْ‬ ‫س ِلي ب ِ َ‬ ‫ل َي ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫م ِإل َ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫ما قُل ْ ُ‬ ‫ب َ‬ ‫م ال ْغُُيو ِ‬ ‫عل ُ‬ ‫ت َ‬ ‫ك أن ْ َ‬ ‫ك إ ِن ّ َ‬ ‫س َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ما ِفي ن َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫أع ْل َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫م ُ‬ ‫ما د ُ ْ‬ ‫دا َ‬ ‫شِهي ً‬ ‫م َ‬ ‫ت ع َل َي ْهِ ْ‬ ‫م وَك ُن ْ ُ‬ ‫ه َرّبي وََرب ّك ُ ْ‬ ‫دوا الل ّ َ‬ ‫ن اع ْب ُ ُ‬ ‫مْرت َِني ب ِهِ أ ِ‬ ‫أ َ‬
‫ت ع ََلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يٍء‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫م وَأن ْ َ‬ ‫ب ع َل َي ْهِ ْ‬ ‫ت الّرِقي َ‬ ‫ت أن ْ َ‬ ‫ما ت َوَفّي ْت َِني ك ُن ْ َ‬ ‫م فَل َ ّ‬‫ِفيهِ ْ‬
‫شِهيد ٌ (( سورة المائدة ‪ ،‬وقال تعالى يخاطبك ‪ -‬أيها السائل أنت‬ ‫َ‬

‫‪90‬‬
‫وأصحابك وستكون سعيدا إذا استجبت ‪ )) : -‬يا أهل الكتاب ل‬
‫تغلوا في دينكم ول تقولوا على الله إل الحق إنما المسيح عيسى‬
‫ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا‬
‫بالله ورسله ول تقولوا ثلثة انتهوا خيرا ً لكم إنما الله إله واحد‬
‫سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الرض‬
‫وكفى بالله وكيل ً (( النساء ‪.171 -‬‬
‫والسلم دين الهدى والرحمة والمحبة ولكن أقواما ً يفرضون على‬
‫المسلمين قتالهم عندما يقفون في طريق إبلغ الهدى للناس ‪،‬‬
‫والمسلمون ل يقاتلون أحدا ً حتى يبلغوه دين الله ويخيرونه بين‬
‫أمور أولها السلم ‪ ،‬وثانيها ‪ :‬إذا أبى السلم وبقي على دينه‬
‫فعليه دفع الجزية للمسلمين لقاء رعايته فإذا رفض الول والثاني‬
‫فالقتال ‪.‬‬
‫ونحن المسلمين إذا قاتلنا فإنما نقاتل من أجل تخليص العباد من‬
‫عبادة العباد إلى عبادة رب العالمين وننقلهم من جور الديان إلى‬
‫عدل السلم ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والخرة‬
‫ونؤمن أن عيسى عليه السلم لم يمت وأن الله رفعه إليه وأنه‬
‫ينزل في آخر الزمان إلى الدنيا ويحكم بالسلم حيث قال صلى‬
‫الله عليه وسلم ينزل عيسى في دمشق عند المنارة البيضاء‬
‫رواه أبو داود )‪ (4/117‬وصححه اللباني رحمه الله ‪.‬‬
‫والسلم ناسخ للرسالت السابقة ول يقبل الله من أحد غيره‬
‫ممن عاش وأدرك السلم ‪ .‬وإذا أسلم الناس لرب العالمين‬
‫واتبعوا خير المرسلين محمدا صلى الله عليه وسلم وعملوا‬
‫الصالحات فإن الله يرضى عنهم ويرزقهم حياة طيبة في الدنيا‬
‫َ ُ‬
‫ن َذ َك َرٍ أوْ أن َْثى وَهُ َ‬
‫و‬ ‫م ْ‬‫حا ِ‬‫صال ِ ً‬‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫م ْ‬‫والخرة ‪ ،‬قال تعالى ‪َ )) :‬‬
‫َ‬
‫ما َ‬
‫كاُنوا‬ ‫ن َ‬‫س ِ‬
‫ح َ‬ ‫م ب ِأ ْ‬‫جَرهُ ْ‬‫مأ ْ‬ ‫جزِي َن ّهُ ْ‬‫ة وَل َن َ ْ‬‫حَياة ً ط َي ّب َ ً‬
‫ه َ‬ ‫ن فَل َن ُ ْ‬
‫حي ِي َن ّ ُ‬ ‫م ٌ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ُ‬
‫ن (( سورة النحل ‪ ،‬نرجو أن نكون قد وفقنا في الجابة‬ ‫ُ‬
‫ملو َ‬ ‫ي َعْ َ‬
‫على التساؤلت التي طرحتها ونسأل الله أن يهدينا جميعا لّتباع‬
‫الحقّ ‪ ،‬والسلم على من اّتبع الهدى ‪.‬‬
‫السلم سؤال وجواب‬
‫الشيخ محمد صالح المنجد )‪(www.islam-qa.com‬‬
‫==================‬
‫الرد على من يزعمون إجحاف السلم للمرأة في‬
‫الحقوق المالية‬
‫ل يستطيع خصوم السلم إنكار ما أعطاه السلم للمرأة من‬
‫حقوق مالية ‪ ،‬إل إذا كانوا جاهلين بالسلم وتعاليمه ‪ ،‬أو‬
‫متجاهلين لذلك ‪ ،‬بقصد النيل منه ومن مبادئه والتشنيع عليه ‪،‬‬
‫وذلك لن حضارتهم التي يفخرون بها ‪ ،‬وبما أعطته للمرأة من‬

‫‪91‬‬
‫حقوق في مختلف المور ‪ ،‬ل تزال إلى اليوم قاصرة عما أعطاه‬
‫السلم للمرأة منذ أربعة عشر قرنا ً ‪ ،‬فهم ل يستطيعون إنكار‬
‫شيء قائم اليوم تنص عليه قوانينهم ‪ ،‬ويطبقه مجتمعهم وتحميه‬
‫حكوماتهم ‪ ،‬ففي فرنسا ? مثل ً ? ذات العراقة في الرقي والتقدم‬
‫‪ ،‬وصاحبة الثورة الكبرى منشئة الحريات كما يصفونها ‪ ،‬والتي‬
‫يعتبر قانونها أساسا ً لقوانين كثير من الدول الوربية وغيرها من‬
‫دول العالم ‪ ،‬ل زالت المرأة فيها مقيدة في بعض تصرفاتها‬
‫المالية بموافقة الزوج ‪ ،‬كما أشارت لذلك المادة )‪ /1426‬من‬
‫القانون المدني الفرنسي(‪.‬‬
‫وفي بلجيكا ‪ ،‬مازالت إلى اليوم تقيد حرية المرأة في التصرف‬
‫في مالها بإذن زوجها ‪ ،‬وللزوج في القانون البلجيكي أن يعطي‬
‫زوجته تصريحا ً عاما ً دائما ً أو لمدة محددة عن كل أو بعض‬
‫التصرفات ‪ ،‬بيد أن حق الزوج في سحب هذا التصريح يظل قائما ً‬
‫‪ ،‬فهي أهلية تخضع لهيمنة الزوج وإشرافه‪.‬‬
‫هذان نموذجان لما أعطته حضارة نقاد السلم والعائبين عليه‬
‫بخسه لحقوق المرأة المالية ? كما يزعمون ? أقول هذا‬
‫أنموذجان لما أعطته حضارتهم للمرأة من حقوق مالية في‬
‫القرن العشرين ‪ ،‬فماذا أعطى السلم للمرأة من حقوق مالية‬
‫منذ أربعة عشر قرنًا‪.‬‬
‫لقد أباح السلم للمرأة أن تملك كل أصناف المال من دراهم‬
‫وضياع ودور وعقار وغير ذلك ‪ ،‬أباح لها أن تملك ذلك بكل أسباب‬
‫التملك ‪ ،‬مستقلة في هذا التملك عن غيرها من زوج وغيره‪.‬‬
‫وأباح لها أن تنمي هذه الموال بكل وسائل التنمية المباحة ‪ ،‬بأن‬
‫تباشر هي ذلك إذا اضطرت أو توكل من يقوم به‪.‬‬
‫ولها كامل حق التصرف في مالها ? إذا كانت بالغة رشيدة ?‬
‫بالبيع والشراء ‪ ،‬والجازة والهبة والتصدق والوقف والوصية وغير‬
‫ذلك من التصرفات المشروعة ‪ ،‬وجعل لها شخصيتها وأهليتها‬
‫الكاملة المستقلة في إبرام تلك العقود ‪ ،‬وهي فتاة أو هي‬
‫زوجة ‪ ،‬فل تدخل لبيها ول لزوجها بعد زواجها ‪ ،‬ول لحد من‬
‫أقاربها فيما تملك إل برضاها وموافقتها ما دامت بالغة رشيدة‪.‬‬
‫ومما أعطاه السلم للمرأة مهرها في النكاح ‪ ،‬فقد ألزم السلم‬
‫الزوج بدفع مهر لها ول يسقط عنه بحال ‪ ،‬حتى لو لم يسم أثناء‬
‫العقد ‪ ،‬وهذا المهر المدفوع من الزوج حق خالص لها ‪ ،‬ل يجوز‬
‫لحد أن يأخذ منه شيئا ً ‪ ،‬ول أن يتصرف فيه بدون إذنها ‪ ،‬ولها‬
‫كامل الحرية في التصرف به كباقي أملكها ‪ ،‬وقد تكلمنا عن ذلك‬
‫في صفحة )وجوب المهر في النكاح وملكيتها له(‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫وقد كانت قبل السلم محرومة من هذا الحق ‪ ،‬إذ كان يأخذه‬
‫والدها أو وليها من دونها‪.‬‬
‫كذلك هناك حق كانت المرأة الجاهلية محرومة منه قبل مجيء‬
‫السلم ‪ ،‬فلما جاء السلم أعطاها هذا الحق ‪ ،‬ذلك هو الميراث ‪،‬‬
‫فقد جعل لها الحق في أن ترث أباها وأمها وزوجها ‪ ،‬وبقية‬
‫أقاربها ‪ ،‬إذا توفرت الشروط المشروطة لذلك في الشريعة ‪،‬‬
‫فلها حقها من الميراث نصيبا ً مفروضا ً ‪ ،‬مهما كان الميراث‬
‫المخلف ‪ ،‬قليل ً أو كثيرا ً ‪ ،‬عقارا ً أو منقول ً ‪ ،‬حقا ً خالصا ً لها وملكا ً‬
‫من أملكها تتصرف فيه كيف تشاء‪.‬‬
‫أعطاها السلم هذه الحقوق المالية وأباح لها تنميتها ‪ ،‬والعمل‬
‫على زيادتها بكل الوسائل المتاحة في السلم ‪ ،‬بنفسها أو‬
‫بواسطة وكيل توكله هي ‪ ،‬كما أعطاها كامل الحرية في التصرف‬
‫بها بكل أنواع التصرف المشروعة ‪ ،‬وجعل لها شخصيتها وأهليتها‬
‫المستقلة في ذلك ‪ ،‬فل سلطة ول وصاية ول ولية لحد عليها ‪،‬‬
‫كما أن لها الحق في التقاضي أمام القضاء ‪ ،‬حماية لموالها ‪ ،‬ومع‬
‫كل ما أعطاها من حقوق مالية فإنه ألزم الزوج بالنفاق عليها ‪،‬‬
‫مهما كانت ثروتها ‪ ،‬ومهما كان مستوى الزوج المادي ‪ ،‬والنفقة‬
‫تشمل الكل والشرب واللباس والمسكن ‪ ،‬وتأثيثه كما تقدم‪.‬‬
‫كذلك لم يفرق السلم بينها وبين الرجل في مقدار الحقوق‬
‫المالية ‪ ،‬إل في المواريث ولسباب بيناها فيما سبق بعنوان )حقها‬
‫في الميراث( وسنذكر طرفا ً من ذلك هنا ‪ ،‬أما في بقية الموال‬
‫المكتسبة بالجهد والتعب فل تفرقة فيها بينهما ‪ ،‬ل في الجر على‬
‫العمل ‪ ،‬كما يفعل الغرب اليوم في كل دولة بل استثناء حيث‬
‫ينقص أجر المرأة عن الرجل ‪ ،‬ول في ربح التجارة ‪ ،‬ول في ريع‬
‫الرض ‪ ..‬الخ ‪ ،‬لن هذه الموال خاضعة لمقياس المساواة بين‬
‫الجهد والجزاء‪.‬‬
‫أعطيت المرأة المسلمة كل هذا منذ أربعة عشر قرنا ً بينما‬
‫المرأة الفرنسية كانت إلى سنة ‪1942‬م محرومة من حق‬
‫التقاضي عن مالها ‪ ،‬وكما كانت محرومة من عقد التصرفات‬
‫والعقود ما لم تحصل على إذن خطي من زوجها )المادة ‪217‬‬
‫من القانون الفرنسي قبل تعديله سنة ‪.(1942‬‬
‫بل إنها ل زالت إلى اليوم مقيدة في بعض التصرفات المالية‬
‫بموافقة الزوج كما سبق ‪ ،‬حتى بعد تعديل القانون الفرنسي‪.‬‬
‫كذلك نصت القوانين الغربية جميعها على أن تقدم المرأة‬
‫الدوطة لزوجها عند الزواج ‪ ،‬والدوطة كما عرفها القانون‬
‫الفرنسي هي‪ :‬المال الذي تقدمه الزوجة لزوجها لتعينه على‬

‫‪93‬‬
‫تحمل أعباء الزوجية ‪ ،‬وكل ما تقدمه الزوجة من مال لزوجها أو‬
‫يقدمه أبوها أو جدها أو أحد أقاربها‪.‬‬
‫والزوج وحده هو صاحب الحق في إدارة الموال التي تتكون منها‬
‫الدوطة واستغللها ما دامت العلقة الزوجية قائمة ‪ ،‬كما نص‬
‫على ذلك القانون الفرنسي ‪ ،‬هذا بينما السلم يلزم الزوج إلزاما ً‬
‫أن يقدم هو المهر لها ‪ ،‬ول يمكن أن يسقط عنه بحال ‪ ،‬إل إن‬
‫أسقطته أو بعضه هي ول يجوز له أن يأخذ منه شيئا ً البتة ‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪) :‬وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن‬
‫قنطارا ً فل تأخذوا منه شيئا ً ‪ ،‬أتأخذونه بهتانا ً وإثما ً مبينا ً ‪ ،‬وكيف‬
‫تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا ً غليظًا(‬
‫‪ ،‬إل إذا تنازلت هي أو وهبته شيئا ً منه‪.‬‬
‫وبينما تنص القوانين الغربية على إلزام الزوجة في الغرب على‬
‫مشاركة زوجها في نفقة البيت وتحمل تبعاته ‪ ،‬نرى السلم ?‬
‫كما قدمنا ? يلزم الزوج بالنفاق عليها مهما كان ثراؤها ‪ ،‬وعليه‬
‫أن ينفق عليها كأنها ل تملك شيئا ً ‪ ،‬ولها أن تشكوه إذا امتنع عن‬
‫النفاق ‪ ،‬أو قتر فيه بالنسبة لما يملك ‪ ،‬ويحكم لها الشرع بالنفقة‬
‫أو بالنفصال‪.‬‬
‫فأين ما يفخرون به على السلم في مجال الحقوق المالية‬
‫بالذات ‪ ،‬وكيف ساغ لهم مؤاخذة السلم في هذا المجال؟‬
‫والسلم منحها من الحقوق والتكريم فيه ‪ ،‬ما عجزت حضارتهم‬
‫حتى اليوم عن أن تصل إليها ‪ ،‬إن هو إل الجهل أو التجاهل‬
‫والمكابرة ‪ ،‬ولقد دأب أعداء السلم على الطعن في السلم ‪،‬‬
‫ورميه بظلم المرأة ‪ ،‬حين أعطاها نصف ما أعطى الذكر من‬
‫الميراث ‪ ،‬واتخذوا ذلك سلحا ً وذريعة للنيل منه ولتأليب المرأة‬
‫وإثارتها على السلم ‪ ،‬ولم يحاول هؤلء إما جهل ً وإما عن عمد‬
‫معرفة وبيان ما بنى عليه السلم عمله هذا في التفرقة‪.‬‬
‫إن الساس الذي بنى عليه السلم تفريقه ذلك في توزيعه الرث‬
‫‪ ،‬هو توزيعه العباء والواجبات في الحياة بين الذكر والنثى ‪،‬‬
‫فألزم الرجل بأعباء وواجبات مالية ل تلزم بمثلها المرأة‪.‬‬
‫وقد بينا تلك العباء والواجبات في صفحة )حقها في الميراث( ‪،‬‬
‫على أن هذه التفرقة إنما تكون في المال الموروث بل تعب‬
‫فقط ‪ ،‬وهو مصدر واحد من مصادر تمّلك المرأة في السلم ‪،‬‬
‫أما بقية المصادر من المال المكتسب بالتعب والجهد ‪ ،‬فل تفرقة‬
‫فيه بين الرجل والمرأة ‪ ،‬ل في الجر على العمل ‪ ،‬ول في ربح‬
‫التجارة ‪ ،‬ول في ريع الرض ‪ ..‬الخ ‪ ،‬لنه يتبع مقياسا ً هو المساواة‬
‫بين الجهد والجزاء ‪ ،‬وقد كفل السلم ذلك للجميع وأتاح للكل‬
‫الفرص‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫فل ظلم إذا ً ‪ ،‬ول شبهة ظلم في ذلك للمرأة ‪ ،‬وإنما في توزيع‬
‫قائم على العدل والنصاف على قدر الحاجة ‪ ،‬ومقياس الحاجة‬
‫هو التكاليف المنوطة بمن حملها‪.‬‬
‫‪hgvzdsdi‬‬
‫====================‬
‫سؤال ‪ :‬ما هو نعيم المرأة في الجنة ؟‬
‫جواب ‪:‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ‪ ،‬والصلة‬
‫والسلم على أشرف النبياء والمرسلين نبينا محمد وآله وصحبه‬
‫أجمعين ‪ .‬أما بعد ‪ :‬فإني لما رأيت كثرة أسئلة النساء عن‬
‫أحوالهن في الجنة وماذا ينتظرهن فيها أحببت أن أجمع عدة‬
‫فوائد تجلي هذا الموضوع لهن مع توثيق ذلك بالدلة الصحيحة‬
‫وأقوال العلماء فأقول مستعينا بالله ‪:‬‬
‫فائدة )‪ : (1‬ل ينكر على النساء عند سؤالهن عما سيحصل لهن‬
‫في الجنة من الثواب وأنواع النعيم ‪ ،‬لن النفس البشرية مولعة‬
‫بالتفكير في مصيرها ومستقبلها ورسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم لم ينكر مثل هذه السئلة من صحابته عن الجنة وما فيها‬
‫ومن ذلك أنهم سألوه صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬الجنة وما بنائها ؟‬
‫( فقال صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬لبنة من ذهب ولبنة من‬
‫فضة ‪ (...‬إلى آخر الحديث ‪ .‬ومرة قالوا له ‪ ) :‬يا رسول الله هل‬
‫نصل إلى نسائنا في الجنة ؟ ( فأخبرهم بحصول ذلك‪.‬‬
‫فائدة )‪ : (2‬أن النفس البشرية ? سواء كانت رجل أو امرأة ?‬
‫تشتاق وتطرب عند ذكر الجنة وما حوته من أنواع الملذات وهذا‬
‫حسن بشرط أن ل يصبح مجرد أماني باطلة دون أن نتبع ذلك‬
‫بالعمل الصالح فإن الله يقول للمؤمنين ‪ ) :‬وتلك الجنة التي‬
‫وقوا النفس‬ ‫أورثتموها بما كنتم تعملون ( الزخرف آية ‪ .72‬فش ّ‬
‫دقوا ذلك بالعمل ‪.‬‬
‫بأخبار الجنة وص ّ‬
‫فائدة )‪ : (3‬أن الجنة ونعيمها ليست خاصة بالرجال دون النساء‬
‫إنما هي قد ) أعدت للمتقين ( ? آل عمران آية ‪-133‬من‬
‫الجنسين كما أخبرنا بذلك تعالى قال سبحانه ‪ ) :‬ومن يعمل من‬
‫الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ( ?‬
‫النساء آية ‪. -124‬‬
‫فائدة )‪ : (4‬ينبغي للمرأة أن ل تشغل بالها بكثرة السئلة‬
‫والتنقيب عن تفصيلت دخولها للجنة ‪ :‬ماذا سيعمل بها ؟ أين‬
‫ستذهب ؟ إلى آخر أسئلتها ‪ ..‬وكأنها قادمة إلى صحراء مهلكة !‬
‫ويكفيها أن تعلم أنه بمجرد دخولها الجنة تختفي كل تعاسة أو‬
‫شقاء مر بها ‪ ..‬ويتحول ذلك إلى سعادة دائمة وخلود أبدي‬

‫‪95‬‬
‫ويكفيها قوله تعالى عن الجنة ‪ ) :‬ل يمسهم فيها نصب وما هم‬
‫منها بمخرجين ( ? الحجر آية ‪ -48‬وقوله ‪ ) :‬وفيها ما تشتهيه‬
‫النفس وتلذ العين وأنتم فيها خالدون ( ? الزخرف آية ‪. -71‬‬
‫ويكفيها قبل ذلك كله قوله تعالى عن أهل الجنة ‪ ) :‬رضي الله‬
‫عنهم ورضوا عنه ( ? المائدة ‪.-119‬‬
‫فائدة )‪ : (5‬عند ذكر الله للمغريات الموجودة في الجنة من أنواع‬
‫المأكولت والمناظر الجميلة والمساكن والملبس فإنه يعمم ذلك‬
‫للجنسين ) الذكر والنثى ( فالجميع يستمتع بما سبق ‪ .‬ويتبقى ‪:‬‬
‫أن الله قد أغرى الرجال وشوقهم للجنة بذكر ما فيها من ) الحور‬
‫العين ( و ) النساء الجميلت ( ولم يرد مثل هذا للنساء ‪ ..‬فقد‬
‫تتساءل المرأة عن سبب هذا !؟ والجواب ‪ -1 :‬أن الله ‪ ) :‬ل‬
‫يسئل عما يفعل وهم يسئلون ( ? النبياء ‪ -23‬ولكن ل حرج أن‬
‫نستفيد حكمة هذا العمل من النصوص الشرعية وأصول السلم‬
‫فأقول ‪ -2 :‬أن من طبيعة النساء الحياء ? كما هو معلوم ? ولهذا‬
‫فإن الله ? عزوجل ? ل يشوقهن للجنة بما يستحين منه ‪ -3 .‬أن‬
‫شوق المرأة للرجال ليس كشوق الرجال للمرأة ? كما هو‬
‫وق الرجال بذكر نساء الجنة مصداقا‬ ‫معلوم ? ولهذا فإن الله ش ّ‬
‫لقوله صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬ما تركت بعدي فتنة أضر على‬
‫الرجال من النساء ( ? أخرجه البخاري ? أما المرأة فشوقها إلى‬
‫الزينة من اللباس والحلي يفوق شوقها إلى الرجال لنه مما‬
‫جبلت عليه كما قال تعالى ) أومن ينشأ في الحلية ( ? الزخرف‬
‫آية ‪ -4 -18‬قال الشيخ ابن عثيمين ‪ :‬إنما ذكر ? أي الله‬
‫عزوجل ? الزوجات للزواج لن الزوج هو الطالب وهو الراغب‬
‫في المرأة فلذلك ذكرت الزوجات للرجال في الجنة وسكت عن‬
‫الزواج للنساء ولكن ليس مقتضى ذلك أنه ليس لهن أزواج ‪ ..‬بل‬
‫لهن أزواج من بني آدم ‪.‬‬
‫فائدة ) ‪: ( 6‬‬
‫المرأة ل تخرج عن هذه الحالت في الدنيا فهي ‪:‬‬
‫‪ -1‬إما أن تموت قبل أن تتزوج ‪.‬‬
‫‪ -2‬إما أن تموت بعد طلقها قبل أن تتزوج من آخر ‪.‬‬
‫‪ -3‬إما أن تكون متزوجة ولكن ل يدخل زوجها معها الجنة ?‬
‫والعياذ بالله ?‬
‫‪ -4‬إما أن تموت بعد زواجها ‪.‬‬
‫‪ -5‬إما أن يموت زوجها وتبقى بعده بل زوج حتى تموت ‪.‬‬
‫‪ -6‬إما أن يموت زوجها فتتزوج بعده غيره ‪.‬‬
‫هذه حالت المرأة في الدنيا ولكل حالة ما يقابلها في الجنة ‪:‬‬

‫‪96‬‬
‫‪ -1‬فأما المرأة التي ماتت قبل أن تتزوج فهذه يزوجها الله ?‬
‫عزوجل ? في الجنة من رجل من أهل الدنيا لقوله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ) :‬ما في الجنة أعزب ( ? أخرجه مسلم ? قال‬
‫الشيخ ابن عثيمين ‪ :‬إذا لم تتزوج ? أي المرأة ? في الدنيا فإن‬
‫الله تعالى يزوجها ما تقر بها عينها في الجنة ‪ ..‬فالنعيم في الجنة‬
‫ليس مقصورا على الذكور وإنما هو للذكور والناث ومن جملة‬
‫النعيم ‪ :‬الزواج ‪.‬‬
‫‪ -2‬ومثلها المرأة التي ماتت وهي مطلقة ‪.‬‬
‫‪ -3‬ومثلها المرأة التي لم يدخل زوجها الجنة ‪ .‬قال الشيخ ابن‬
‫عثيمين ‪ :‬فالمرأة إذا كانت من أهل الجنة ولم تتزوج أو كان‬
‫زوجها ليس من أهل الجنة فإنها إذا دخلت الجنة فهناك من أهل‬
‫الجنة من لم يتزوجوا من الرجال ‪ .‬أي فيتزوجها أحدهم ‪.‬‬
‫‪-4‬وأما المرأة التي ماتت بعد زواجها فهي ? في الجنة ? لزوجها‬
‫الذي ماتت عنه ‪.‬‬
‫‪ -5‬وأما المرأة التي مات عنها زوجها فبقيت بعده لم تتزوج حتى‬
‫ماتت فهي زوجة له في الجنة ‪.‬‬
‫‪ -6‬وأما المرأة التي مات عنها زوجها فتزوجت بعده فإنها تكون‬
‫لخر أزواجها مهما كثروا لقوله صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬المرأة‬
‫لخر أزواجها ( ? سلسلة الحاديث الصحيحة لللباني‬
‫ولقول حذيفة ? رضي الله عنه ? لمرأته ‪ ) :‬إن شئت أن تكوني‬
‫زوجتي في الجنة فل تزوجي بعدي فإن المرأة في الجنة لخر‬
‫أزواجها في الدنيا فلذلك حرم الله على أزواج النبي أن ينكحن‬
‫بعده لنهن أزواجه في الجنة ( ‪.‬‬
‫مسألة ‪ :‬قد يقول قائل ‪ :‬إنه قد ورد في الدعاء للجنازة أننا نقول‬
‫) وأبدلها زوجا خيرا من زوجها ( فإذا كانت متزوجة ‪ ..‬فكيف‬
‫ندعوا لها بهذا ونحن نعلم أن زوجها في الدنيا هو زوجها في‬
‫الجنة وإذا كانت لم تتزوج فأين زوجها ؟‬
‫والجواب كما قال الشيخ ابن عثيمين ‪ :‬إن كانت غير متزوجة‬
‫فالمراد خيرا من زوجها المقدر لها لو بقيت وأما إذا كانت‬
‫متزوجة فالمراد بكونه خيرا من زوجها أي خيرا منه في الصفات‬
‫في الدنيا لن التبديل يكون بتبديل العيان كما لو بعت شاة ببعير‬
‫مثل ويكون بتبديل الوصاف كما لو قلت ك بدل الله كفر هذا‬
‫الرجل بإيمان وكما في قوله تعالى ‪ ) :‬ويوم تبدل الرض غير‬
‫الرض والسماوات ( ? سورة إبراهيم آية ‪ -48‬والرض هي‬
‫الرض ولكنها مدت والسماء هي السماء لكنها انشقت ‪.‬‬
‫فائدة )‪ : (7‬ورد في الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم‬
‫للنساء ‪ ) :‬إني رأيتكن أكثر أهل النار ‪ (...‬وفي حديث آخر قال‬

‫‪97‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬إن أقل ساكني الجنة النساء ( ?أخرجه‬
‫البخاري ومسلم ? وورد في حديث آخر صحيح أن لكل رجل من‬
‫أهل الدنيا ) زوجتان ( أي من نساء الدنيا ‪ .‬فاختلف العلماء ?‬
‫لجل هذا ? في التوفيق بين الحاديث السابقة ‪ :‬أي هل النساء‬
‫أكثر في الجنة أم في النار ؟ فقال بعضهم ‪ :‬بأن النساء يكن أكثر‬
‫أهل الجنة وكذلك أكثر أهل النار لكثرتهن ‪ .‬قال القاضي عياض ‪:‬‬
‫) النساء أكثر ولد آدم ( ‪ .‬وقال بعضهم ‪ :‬بأن النساء أكثر أهل‬
‫النار للحاديث السابقة ‪ .‬وأنهن ? أيضا ? أكثر أهل الجنة إذا‬
‫جمعن مع الحور العين فيكون الجميع أكثر من الرجال في‬
‫الجنة ‪ .‬وقال آخرون ‪ :‬بل هن أكثر أهل النار في بداية المر ثم‬
‫يكن أكثر أهل الجنة بعد أن يخرجن من النار ? أي المسلمات ?‬
‫قال القرطبي تعليقا على قوله صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬رأيتكن‬
‫أكثر أهل النار ( ‪ ) :‬يحتمل أن يكون هذا في وقت كون النساء‬
‫في النار وأما بعد خروجهن في الشفاعة ورحمة الله تعالى حتى‬
‫ل يبقى فيها أحد ممن قال ‪ :‬ل إله إل الله فالنساء في الجنة أكثر‬
‫( ‪ .‬الحاصل ‪ :‬أن تحرص المرأة أن ل تكون من أهل النار ‪.‬‬
‫فائدة )‪ : (8‬إذا دخلت المرأة الجنة فإن الله يعيد إليها شبابها‬
‫وبكارتها لقوله صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬إن الجنة ليدخلها‬
‫عجوز ‪ ....‬إن الله تعالى إذا أدخلهن الجنة حولهن أبكارا ( ‪.‬‬
‫فائدة )‪ : (9‬ورد في بعض الثار أن نساء الدنيا يكن في الجنة‬
‫أجمل من الحور العين بأضعاف كثيرة نظرا لعبادتهن الله ‪.‬‬
‫فائدة )‪ : (10‬قال ابن القيم ) إن كل واحد محجور عليه أن يقرب‬
‫أهل غيره فيها ( أي في الجنة ‪ .‬وبعد ‪ :‬فهذه الجنة قد تزينت لكن‬
‫معشر النساء كما تزينت للرجال ) في مقعد صدق عند مليك‬
‫مقتدر ( فالله الله أن تضعن الفرصة فإن العمر عما قليل يرتحل‬
‫ول يبقى بعده إل الخلود الدائم ‪ ،‬فليكن خلودكن في الجنة ? إن‬
‫شاء الله ? واعلمن أن الجنة مهرها اليمان والعمل الصالح وليس‬
‫الماني الباطلة مع التفريط وتذكرن قوله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫) إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحصنت فرجها‬
‫وأطاعت زوجها قيل لها ‪ :‬ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة‬
‫شئت ( ‪ .‬واحذرن ‪ -‬كل الحذر ? دعاة الفتنة و) تدمير ( المرأة‬
‫من الذين يودون إفسادكن وابتذالكن وصرفكن عن الفوز بنعيم‬
‫الجنة ‪ .‬ول ُتغررن بعبارات وزخارف هؤلء المتحررين‬
‫والمتحررات من الكتاب والكاتبات ومثلهم أصحاب ) القنوات (‬
‫فإنهم كما قال تعالى ‪ ) :‬ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون‬
‫سواء ( ‪ .‬أسأل الله أن يوفق نساء المسلمين للفوز بجنة النعيم‬
‫وأن يجعلهن هاديات مهديات وأن يصرف عنهن شياطين النس‬

‫‪98‬‬
‫من دعاة وداعيات ) تدمير ( المرأة وإفسادها وصلى الله على‬
‫نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ‪ ] .‬كتبه الدكتور أبو حفص [‬
‫يقول الدكتور أحمد عبد الكريم أستاذ الشريعة بالبوسنة ‪:‬‬
‫خلها فقد استحقّ من نعيمها ما‬ ‫الجّنة دار النعيم المقيم ‪ ،‬و من د َ َ‬
‫ن‬
‫ل بحسبه ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ُيناسب منزلته فيها ‪ ،‬و هذا للرجال و النساء ك ّ‬
‫ي صلى الله عليه و‬ ‫) النساء شقائق الرجال ( كما أخبر بذلك النب ّ‬
‫م‬‫سّلم فيما رواه أبو داود و الترمذي و أحمد بإسناد صحيح عن أ ّ‬
‫المؤمنين عائشة بنت الصديق رضي الله عنهما ‪.‬‬
‫مع الله تعالى في الذكر ‪ ،‬و الوعد بالجر و الثواب بين‬ ‫و قد ج َ‬
‫ت ُتتلى من كتابه العزيز ؛ منها قوله‬ ‫الرجال و النساء في آيا ٍ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ٍ‬ ‫عا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ضيعُ ع َ َ‬ ‫م أّني ل أ ِ‬ ‫م َرب ّهُ ْ‬ ‫ب ل َهُ ْ‬ ‫جا َ‬ ‫ست َ َ‬‫تعالى ‪َ ) :‬فا ْ‬
‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫جوا ِ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫جُروا وَ أ ْ‬ ‫ها َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ض َفال ّ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ن ب َعْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫ذ َك َرٍ أوْ أن َْثى ب َعْ ُ‬
‫سي َّئات ِهِ ْ‬
‫م‬ ‫م َ‬ ‫ن ع َن ْهُ ْ‬ ‫فَر ّ‬ ‫سِبيِلي وَ َقات َُلوا وَ قُت ُِلوا ل ُك َ ّ‬ ‫ذوا ِفي َ‬ ‫م وَ ُأو ُ‬ ‫د َِيارِه ِ ْ‬
‫َ‬
‫عن ْد ِ الل ّهِ وَ الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫واًبا ِ‬ ‫حت َِها الن َْهاُر ث َ َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫خل َن ّهُ ْ‬ ‫وَ لد ْ ِ‬
‫ب ( ] آل عمران ‪. [ 195 :‬‬ ‫وا ِ‬ ‫ن الث ّ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫عن ْد َه ُ ُ‬ ‫ِ‬
‫قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الية ‪ ) :‬أي قال لهم‬
‫مخبرا ً أنه ل يضيع عمل عامل منكم لديه بل يوفي كل عامل‬
‫ض (( أي‬ ‫ن ب َعْ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫بقسط عمله من ذكر أو أنثى ‪ ،‬و قوله )) ب َعْ ُ‬
‫‪ :‬جميعكم في ثوابي سواء ( ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن ذ َك َرٍ أوْ أنَثى وَ هُ َ‬
‫و‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َعْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫و قال تعالى ‪ ) :‬وَ َ‬
‫قيًرا ( ] النساء ‪124 :‬‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ة وَ ل ي ُظ ْل َ ُ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫خُلو َ‬ ‫ك ي َد ْ ُ‬ ‫ن فَأ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫م ٌ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫[‪.‬‬
‫قال ابن كثير ‪ :‬في هذه الية بيان إحسانه و كرمه و رحمته في‬
‫قبول العمال الصالحة من عباده ذكرانهم و إناثهم بشرط اليمان‬
‫‪.‬انتهى‬
‫ف‬
‫و اليات الدالة على المراد غير ما ذكرنا كثيرة ‪ ،‬و منها ما ُتعَر ُ‬
‫ن‬‫سَنه ع َ ْ‬ ‫دللته بمعرفة سبب نزوله ‪ ،‬فقد روى الترمذي بإسناد ٍ ح ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ت‬‫قال َ ْ‬‫م فَ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ي صلى الله ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫ت الن ّب ِ ّ‬ ‫صارِي ّةِ أن َّها أت َ ِ‬ ‫ماَرة َ الن ْ َ‬ ‫م عُ َ‬ ‫أ ّ‬
‫َ‬ ‫ما أ ََرى ك ُ ّ‬
‫يٍء‬‫ش ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ساَء ي ُذ ْك َْر َ‬ ‫ما أَرى الن ّ َ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫جا ِ‬ ‫يٍء إ ِل ّ ِللّر َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ت َوال ْ ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫سل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ة ‪ ) :‬إِ ّ‬ ‫ت هَذ ِهِ الي َ َ‬ ‫فَن ََزل َ ْ‬
‫ة‪.‬‬‫ت ( الي َ َ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫َوال ْ ُ‬
‫و ما دام السؤال منصب ّا ً على نعيم المرأة في الجّنة فنقول ‪ ،‬و‬
‫بالله التوفيق ‪:‬‬
‫ن الله تعالى يجمعُ بينهما فيها ‪،‬‬ ‫إذا كان الزوجان من أهل الجّنة فإ ّ‬
‫درجات الدنى‬ ‫حقُ بهم أبناءهم ‪ ،‬و يرفع َ‬ ‫هم من فضِله فُيل ِ‬ ‫بل يزيد ُ‬
‫منهم فُيلحقه بمن فاقه في الدرجة ‪ ،‬بدللة إخباره تعالى عن‬
‫دعائهم للمؤمنين‬ ‫حملة العرش من الملئكة أّنهم يقولون في ُ‬

‫‪99‬‬
‫من آبائهم‬ ‫من صلح ِ‬ ‫} ‪ ...‬ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم و َ‬
‫وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم { ] غافر ‪. [ 8 :‬‬
‫و قوله تعالى } والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم‬
‫ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء ‪ ] { ...‬الطور ‪.[ 21 :‬‬
‫ما أن يكون كافرا ً ‪ ،‬فهذا‬ ‫ما إن كان أحد الزوجين من أهل النار فإ ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ن الله تعالى‬ ‫ُيخّلد فيها ‪ ،‬و ل ينفعه كون قرينه من أهل الجّنة ‪ ،‬ل ّ‬
‫بو‬ ‫ذا ُ‬‫م ال ْعَ َ‬ ‫ف ع َن ْهُ ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫خ ّ‬‫ن ِفيَها ل ي ُ َ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫قضى على الكافرين أّنهم ) َ‬
‫ن ( ] البقرة ‪ 162 :‬و آل عمران ‪. [ 88 :‬‬ ‫م ي ُن ْظ َُرو َ‬ ‫ل هُ ْ‬
‫ن كافرات‬ ‫و قضى تعالى بالتفريق بين النبياء و زوجاتهم إن ك ّ‬
‫فروا امرأةََ‬
‫ْ َ‬ ‫ن كَ َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫مث َل ً ل ِل ّ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ضَر َ‬ ‫يوم القيامة ‪ ،‬فقال سبحانه ‪َ ) :‬‬
‫نوح و ا َ‬
‫ما‬ ‫ن فَ َ‬
‫خان ََتاهُ َ‬ ‫حي ْ ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫عَباد َِنا َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ت ع َب ْد َي ْ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ط َ‬
‫كان ََتا ت َ ْ‬ ‫مَرأة َ ُلو ٍ‬ ‫ُ ٍ َ ْ‬
‫ن(‬ ‫خِلي َ‬ ‫دا ِ‬ ‫معَ ال ّ‬ ‫خل الّناَر َ‬ ‫ل اد ْ ُ‬‫شْيئا ً وَ ِقي َ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ما ِ‬ ‫م ي ُغْن َِيا ع َن ْهُ َ‬‫فَل َ ْ‬
‫] التحريم ‪ ، [ 10:‬فكان التفريق بين سائر الناس لختلف الدين‬
‫أولى ‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن كثير ] في تفسيره ‪ [ 394 / 4 :‬عند هذه الية‬
‫الكريمة ‪:‬‬
‫ن ( أي ‪ :‬نبيين‬ ‫حي ْ ِ‬
‫صال ِ َ‬ ‫عَباد َِنا َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ت ع َب ْد َي ْ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫كان ََتا ت َ ْ‬‫قال تعالى ) َ‬
‫رسولين عندهما في صحبتهما ليل ً ونهارا ً يؤاكلنهما و يضاجعانهما‬
‫ما ( أي ‪ :‬في‬ ‫خان ََتاهُ َ‬ ‫و يعاشرانهما أشد العشرة و الختلط ‪ ) ،‬فَ َ‬
‫دقاهما في الرسالة ‪،‬‬ ‫ص َ‬ ‫اليمان لم يوافقاهما على اليمان ‪ ،‬و ل َ‬
‫فلم ُيجد ِ ذلك كله شيئا ً ‪ ،‬و ل دفع عنهما محذورا ً ‪ ،‬و لهذا قال‬
‫كفرهما ‪ ،‬و قيل‬ ‫شْيئا ً ( أي ‪ :‬ل ُ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ما ِ‬ ‫م ي ُغْن َِيا ع َن ْهُ َ‬ ‫تعالى ) فَل َ ْ‬
‫ن ( ‪.‬اهـ ‪.‬‬ ‫خِلي َ‬ ‫دا ِ‬‫معَ ال ّ‬ ‫خل الّناَر َ‬ ‫للمرأتين ) اد ْ ُ‬
‫ن من فارَقها‬ ‫ج ‪ ،‬فإ ّ‬ ‫أما إن كان للمرأة في الدنيا أكثر من زو ٍ‬
‫ل زواجه بطلقه ‪ ،‬فتعّين افتراقهما في الخرة كما‬ ‫ح ّ‬‫بطلق ُ‬
‫افترقا في الدنيا ‪.‬‬
‫ما إن مات عنها و هي في عصمته ‪ ،‬ثم تزّوجت غيره بعده ‪،‬‬ ‫وأ ّ‬
‫فلهل العلم ثلثة أقوال في من تكون معه في الجّنة ‪:‬‬
‫خلقا ً و عشرة ً معها في‬ ‫القول الول ‪ :‬أّنها مع من كان أحسن َُهم ُ‬
‫الدنيا ‪. .‬‬
‫القول الثاني ‪ :‬أنها ُتخّير فتختار من بينهم من تشاء ‪ ،‬و ل أعرف‬
‫دليل ً لمن قال به ‪.‬‬
‫و هذان القولن ذكرهما المام القرطبي في كتابه الشهير‬
‫التذكرة في أحوال الموتى و أمور الخرة ] ‪ . [ 278 : 2‬و اختار‬
‫الثاني منهما الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله ‪ ،‬و بعض‬
‫المعاصرين ‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫ج لها في الدنيا ‪،‬‬ ‫والقول الثالث ‪ :‬أنها تكون في الجّنة مع آخر زو ٍ‬
‫أي مع من ماتت وهي في عصمته ‪ ،‬أو مات عنها و لم تنكح‬
‫ل على هذا القول ما رواه البيهقي في سننه ] ‪69 / 7‬‬ ‫بعده ‪ ،‬و يد ّ‬
‫[ عن حذيفة رضي الله عنه ثم أنه قال لمرأته إن شئت أن‬
‫تكوني زوجتي في الجنة فل تزوجي بعدي فإن المرأة في الجنة‬
‫لخر أزواجها في الدنيا فلذلك حرم الله على أزواج النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم أن ينكحن بعده لنهن أزواجه في الجنة ‪ ،‬و‬
‫ن رسول الله صلى الله عليه‬ ‫حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أ ّ‬
‫و سّلم قال ‪ ) :‬أيما امرأة توفي عنها زوجها ‪ ،‬فتزوجت بعده ‪،‬‬
‫لمة اللباني رحمه الله ] في‬ ‫فهي لخر أزواجها ( و قد صححه الع ّ‬
‫السلسلة الصحيحة ‪ ، [1281‬و لم أقف على تصحيح أحد ٍ َقبَله‬
‫له ‪.‬‬
‫ل به غيُره ‪،‬‬ ‫دل عنه إلى غيره ‪ ،‬و ل ُيعد َ ُ‬ ‫و إذا صح الحديث فل ُيع َ‬
‫حها ‪.‬‬ ‫ج َ‬ ‫فلذلك كان القول الثالث أولى القوال بالعتبار ‪ ،‬و أر َ‬
‫ن الله‬ ‫ج من أهل الدنيا في حياتها ؛ فإ ّ‬ ‫كن للمرأة زو ٌ‬ ‫أما إذا لم ي ُ‬
‫ن الزواج من جملة‬ ‫تعالى يزّوجها بمن تقّر به عيُنها في الجّنة ‪ ،‬ل ّ‬
‫ما تشتهيه النفوس ‪ ،‬و‬ ‫النعيم الذي ُوعد به أهل الجّنة ‪ ،‬و هو م ّ‬
‫س وَت َل َذ ّ‬ ‫َ‬
‫ف ُ‬ ‫شت َِهيهِ الن ْ ُ‬ ‫ما ت َ ْ‬‫تتطّلع إليه ‪ ،‬و قد قال تعالى ‪ ) :‬وَ ِفيَها َ‬
‫ن ( ] الزخرف ‪. [ 71 :‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬
‫م ِفيَها َ‬
‫ن وَ أن ْت ُ ْ‬
‫الع ْي ُ ُ‬
‫و ينبغي للمسلم أن يشتغل بسؤال الله تعالى الجّنة و نعيمها‬
‫قد ْ َفاَز‬ ‫ة فَ َ‬ ‫جن ّ َ‬‫ل ال ْ َ‬ ‫خ َ‬‫ن الّنارِ وَ أ ُد ْ ِ‬ ‫ح عَ ِ‬‫حزِ َ‬
‫ن ُز ْ‬
‫م ْ‬ ‫على وجه الجمال ‪ ) ،‬فَ َ‬
‫خلها فحق على الله أن ُيرضيه ‪ ،‬و الله الموّفق ‪.‬‬ ‫( ‪ ،‬و من د َ‬
‫=====================‬
‫سؤال ‪ :‬نصراني يسأل عن حكم الجزية في السلم‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫الحمد لله ‪،‬‬
‫لم يكن السلم أول الديان والملل تعاطيا ً مع شريعة الجزية‪ ،‬بل‬
‫هي شريعة معهودة عند أهل الكتاب يعرفونها كما يعرفون‬
‫أبناؤهم ‪ ،‬فهاهم بنو اسرائيل عندما دخلوا بأمر الرب إلى الرض‬
‫المقدسة مع نبيهم يشوع أخذوا الجزية من الكنعانيين‪ ،‬فيقول‬
‫النص في سفر يشوع ‪ )) : 10 : 16‬فلم يطردوا الكنعانيين‬
‫الساكنين في جازر‪ .‬فسكن الكنعانيون في وسط افرايم الى هذا‬
‫اليوم وكانوا عبيدا ً تحت الجزية (( وفي سفر القضاة ‪ 1 : 1‬نجد‬
‫ان بنو اسرائيل سألوا الرب قائلين ‪ )) :‬من مّنا يصعد الى‬
‫الكنعانيين اول لمحاربتهم ‪ .‬فقال الرب يهوذا يصعد‪ .‬هوذا قد‬
‫دفعت الرض ليده (( و في العداد ‪ 33 _ 30‬نجدهم يضعون‬

‫‪101‬‬
‫الجزية على الكنعانيين ‪ .‬وعلى سكان قطرون وسكان نهلول و‬
‫سكان بيت شمس و سكان بيت عناة وغيرهم ‪.‬‬
‫ونجد في كتابهم المقدس أيضا ً ان نبي الله سليمان عليه السلم‬
‫كان متسلطا ً على جميع الممالك من النهر الى ارض فلسطين‬
‫والى تخوم مصر‪ .‬وكانت هذه الممالك تقدم له الجزية وتخضع له‬
‫كل أيام حياته‪ .‬ملوك الول ‪ . 21 : 4‬فيقول النص كما في ترجمة‬
‫كتاب الحياة ‪ )) :‬فكانت هذه الممالك تقدم له الجزية وتخضع له‬
‫كل ايام حياته (( وفي ترجمة الفانديك ‪ )) :‬كانوا يقدمون الهدايا‬
‫ويخدمون سليمان كل أيام حياته ((‬
‫بل ان كتابهم المقدس فيه من الشرائع والحكام ما هو أشد و‬
‫أعظم بكثير من حكم الجزية ‪ ،‬فالرب مثل ً يأمر أنبيائه ان يضعوا‬
‫الناس تحت نظام التسخير والعبودية بخلف الجزية التي أهون‬
‫بكثير من هذا النظام ‪ ....‬فعلى سبيل المثال نجد في سفر التثنية‬
‫‪ 10 : 20‬أن الرب يأمر نبيه موسى قائل ً ‪ )) :‬حين تقرب من‬
‫مدينة لكي تحاربها استدعها الى الصلح‪ .‬فان اجابتك الى الصلح‬
‫وفتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير‬
‫ويستعبد لك‪(( .‬‬
‫ويقول كاتب سفر صموئيل الثاني ‪ 1 : 8‬كما في ترجمة كتاب‬
‫الحياة عن نبي الله داود ‪ )) :‬وقهر أيضا ً الموآبيين وجعلهم‬
‫يرقدون على الرض في صفوف متراصة‪ ،‬وقاسهم بالحبل ‪.‬‬
‫فكان يقتل صفين ويستبقي صفا ً ‪ .‬فأصبح الموآبيين عبيدا ً لداود‬
‫يدفعون له الجزية ‪ (( .‬وفي العدد ‪ )) : 15‬وكان الرب ينصر داود‬
‫حيثما توجه ((‬
‫لقد كانت الجزية من شرائع التوراة والمسيح عليه السلم لم‬
‫يذكر كلمة واحدة للغائها أو استنكارها ‪ .‬بل ان بولس قد أكد‬
‫على ضرورة اللتزام بها وذلك في قوله في رسالة رومية ‪: 13‬‬
‫‪ )) : 7‬فاعطوا الجميع حقوقهم ‪ .‬الجزية لمن له الجزية ‪ .‬الجباية‬
‫لمن له الجباية ‪ .‬والخوف لمن له الخوف والكرام لمن له‬
‫الكرام ((‬
‫وبالتالي كيف يصح لعاقل من النصارى قرأ كتابه المقدس أن‬
‫يعيب ويطعن على حكم الجزية ؟! أل يعلم المبشرون أن طعنهم‬
‫على هذا الحكم هو في الحقيقة طعن على كتابهم المقدس ؟!‬
‫هذا وان الجزية في السلم هي ضريبة مالية تفرض على غير‬
‫المسلمين الذين اجتمعت فيهم الصفات التية ‪:‬‬
‫اول ً ‪ :‬ل يؤمنون بالله ول باليوم الخر ايمانا ً صحيحا ً يرتضيه ربنا‬
‫سبحانه وتعالى ‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬ل يحرمون ما حرم الله ورسوله فل يتبعون شرعه‪ ،‬في‬
‫تحريم المحرمات ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬ل يدينون بالدين الصحيح ‪.‬‬
‫ن ِبالل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫مُنو َ‬‫ن ل ي ُؤ ْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ودليل ذلك قوله سبحانه وتعالى ‪َ )) :‬قات ُِلوا ال ّ ِ‬
‫ن‬
‫ن ِدي َ‬ ‫ديُنو َ‬ ‫ه ول ي َ ِ‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫حّر َ‬
‫ما َ‬‫ن َ‬‫مو َ‬ ‫حّر ُ‬‫خرِ ول ي ُ َ‬‫ول ِبال ْي َوْم ِ اْل ِ‬
‫ال ْحق من ال ّذي ُ‬
‫م‬
‫ن ي َد ٍ وَهُ ْ‬ ‫ة عَ ْ‬ ‫جْزي َ َ‬ ‫طوا ال ْ ِ‬ ‫حّتى ي ُعْ ُ‬
‫ب َ‬‫ن أوُتوا ال ْك َِتا َ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ ّ ِ َ‬
‫ن ((‬ ‫صاِغُرو َ‬ ‫َ‬
‫فهؤلء نحاربهم حتى يسلموا أو يدخلوا تحت سلطان السلم بأن‬
‫يبذلوا الجزية ومتى بذلوا الجزية؛ وجب قبولها منهم‪ ،‬وحرم‬
‫قتالهم وصاروا في حماية المسلمين ورعايتهم ‪ )) ،‬والله يحكم ل‬
‫معقب لحكمه ((‬
‫وتسقط الجزية ول تؤخذ من الصبي منهم والمرأة والمجنون‬
‫والعمى والمريض والشيخ الكبير والفقير ونحوه?‪. .‬‬
‫قال المام القرطبي ‪ :‬قال علماؤنا رحمة الله عليهم ‪ :‬والذي دل‬
‫عليه القرآن أن الجزية تؤخذ من الرجال المقاتلين ‪ ,‬لنه تعالى‬
‫قال ‪ " :‬قاتلوا الذين " إلى قوله ‪ " :‬حتى يعطوا الجزية "‬
‫فيقتضي ذلك وجوبها على من يقاتل ‪ .‬ويدل على أنه ليس على‬
‫العبد وإن كان مقاتل ‪ ,‬لنه ل مال له ‪ ,‬ولنه تعالى قال ‪ " :‬حتى‬
‫يعطوا " ‪ .‬ول يقال لمن ل يملك حتى يعطي ‪ .‬وهذا إجماع من‬
‫العلماء على أن الجزية إنما توضع على جماجم الرجال الحرار‬
‫البالغين ‪ ,‬وهم الذين يقاتلون دون النساء والذرية والعبيد‬
‫والمجانين المغلوبين على عقولهم والشيخ الفاني ‪ .‬أ هـ الجامع‬
‫لحكام القرآن )‪.(8/72‬‬
‫وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم نماذج رائدة في التسامح‬
‫مع أهل الذمة في ظل المجتمع السلمي فهو القائل ‪ )) :‬من‬
‫ظلم معاهدا ً أو انتقصه حقا ً أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا ً‬
‫بغير طيب نفس فأنا حجيجه ـ أي خصمه ـ يوم القيامة (( ‪.‬‬
‫هذا وقد ذهب بعض المفسرين الي ان المر في الية الكريمة‬
‫ليس على اطلقه بل ان الذين تفرض عليهم الجزية من أهل‬
‫الكتاب هم الذين ل زالوا ينساقون مع المشركين ضد المسلمين‬
‫من نقض للعهد أو اثارة العدو ومعونته أو الغارة على اطراف‬
‫المملكة ‪ ،‬كما فعل النصارى في الشام ‪ ،‬فجاء المر اللهي‬
‫بقتالهم حين بدأوا السلم بالشر حتى يعطوا الجزية وهم‬
‫صاغرون والصغار هو جريان أحكام السلم عليهم كما نقل عن‬
‫المام الشافعي ‪ .‬و قال الرافعي في أول كتاب الجزية ‪ :‬الصح‬
‫عند الصحاب تفسير الصغار بالتزام أحكام السلم و جريانها‬
‫عليهم ‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫?يقول الدكتور يوسف القرضاوي ‪ :‬ان هذه الية ل تقرأ منفصلة‬
‫عن سائر اليات الخرى في القرآن‪ ،‬فإذا وجد في أهل الكتاب‬
‫من اعتزل المسلمين‪ ،‬فلم يقاتلوهم‪ ،‬ولم يظاهروا عليهم عدوا‪،‬‬
‫وألقوا إليهم السلم‪ ،‬فليس على المسلمين أن يقاتلوهم‪ ،‬وقد قال‬
‫م فَل َ ْ‬
‫م‬ ‫ن اع ْت ََزُلوك ُ ْ‬ ‫الله تعالى ‪ :‬في شأن قوم من المشركين ‪ )) :‬فَإ ِ ِ‬
‫سِبيل ً ((‬ ‫م َ‬ ‫م ع َل َي ْهِ ْ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ما َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫سل َ َ‬‫م ال ّ‬ ‫وا إ ِل َي ْك ُ ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫م وَأ َل ْ َ‬‫قات ُِلوك ُ ْ‬ ‫يُ َ‬
‫)النساء‪ .(90:‬وقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬دعوا الحبشة‬
‫ما ودعوكم " والحبشة نصارى أهل كتاب‪ ،‬كما هو معلوم‪.‬‬
‫ن لَ ْ‬
‫م‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ه عَ َ ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫يقول الله سبحانه وتعالى ‪ )) :‬ل ي َن َْهاك ُ ُ‬
‫م‬
‫ن ت َب َّروهُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ن د َِيارِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جوك ُ ْ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ن وَل َ ْ‬ ‫دي ِ‬ ‫م ِفي ال ّ‬ ‫قات ُِلوك ُ ْ‬ ‫يُ َ‬
‫ن‬
‫ه عَ ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ما ي َن َْهاك ُ ُ‬ ‫ن إ ِن ّ َ‬
‫طي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫طوا إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫وَت ُ ْ‬
‫ظاهَُروا ع ََلى‬ ‫م وَ َ‬ ‫َ‬
‫ن د َِيارِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جوك ُ ْ‬ ‫خَر ُ‬‫ن وَأ ْ‬ ‫دي ِ‬ ‫م ِفي ال ّ‬ ‫ن َقات َُلوك ُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫م ال ّ‬ ‫ُ‬
‫م فَأول َئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫ن ((‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ن ي َت َوَل ّهُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ن ت َوَل ّوْهُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫جك ُ ْ‬ ‫خَرا ِ‬ ‫إِ ْ‬
‫انظر التفسير الواضح للدكتور محمد محمود حجازي ‪.‬‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ‪.‬‬
‫=====================‬
‫إلغاء التبني‬
‫قال تعالى ‪ :‬الحزاب ‪36‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫كو َ‬ ‫مًرا أن ي َ ُ‬ ‫هأ ْ‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ضى الل ّ ُ‬ ‫ذا قَ َ‬ ‫من َةٍ إ ِ َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن وََل ُ‬ ‫م ٍ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن لِ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫وَ َ‬
‫ضَلًل‬ ‫َ‬
‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ص الل ّ َ‬ ‫من ي َعْ ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫مرِه ِ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫خي ََرة ُ ِ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ل َهُ ُ‬
‫مِبيًنا‬ ‫ّ‬
‫روى أن هذه الية نزلت في عبد الله بن جحش ‪ ،‬وفي زينب أخته‬
‫لنها لم يتقبل في البداية زواج زينب من زيد بن حارثة ‪.‬‬
‫سرق من أهله ثم بيع في السوق على أنه‬ ‫وزيد بن حارثة كان ُ‬
‫رقيق فاشتراه حكيم بن حزام ‪ ،‬ثم وهبه للسيدة خديجة أم‬
‫المؤمنين رضى الله عنها ‪ ،‬ثم وهبته بدورها إلى رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ .‬فأصبح زيد مولى رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪.‬‬
‫وبينما هو في السوق ذات يوم إذ رآه جماعة من قبيلته فعرفوه‬
‫وذهبوا إلى أبيه وأعمامه وقالوا لهم ‪ :‬إن ابنكم وجدناه في‬
‫المكان الفلني ‪ ،‬فلما علموا بذلك جاءوا بقضهم وقضيضهم ‪،‬‬
‫وسألوا ‪ ..‬فدلوهم على مكانه ‪ ،‬فذهبوا إلى رسول الله صلى الله‬
‫سرق مبيع‬ ‫عليه وسلم وأخبروه القصة وقالوا له ‪ :‬إن ابننا هذا ُ‬
‫ولم يكن عبدا ً ونحن جئناك لترده إلينا ‪ ،‬فالرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم قال لهم ‪ :‬خيروه فإن اختاركم فهنيئا ً لكم ‪ ،‬وإن اختارني‬
‫فما كان لي أن أسلمه ‪ ،‬فما كان من زيد إل أن قال ‪ :‬واللهِ ما‬
‫كنت لختار على رسول الله أحدا ً ‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫فباللهِ عليكم مثل هذا التصرف كيف يكافئه رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ؟ أراد أن يكرمه كما تفعل العرب بأن يتبناه فسماه‬
‫} زيد بن محمد { وكان أسمه } زيدا ً بن حارثة { ‪.‬‬
‫فلما أراد الله تعالى أن ينهي قضية التبني والتي كانت عادة من‬
‫العادات السيئة في الجاهلية شاء سبحانه أن تجيء على يد‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله قوله ‪ :‬الحزاب ‪} 4‬‬
‫م قَوْل ُ ُ‬ ‫عياءك ُ َ‬ ‫وما جع َ َ‬
‫كم {‬ ‫م ذ َل ِك ُ ْ‬‫م أب َْناءك ُ ْ‬‫ْ‬ ‫ل أد ْ ِ َ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫وكان من أحكام التبني في الجاهلية )) أحكام بشرية ما انزل الله‬
‫بها من سلطان (( أن زوجة المتبني ل يتزوجها أبوه المدعي‬
‫وعلج هذه المسأله يحتاج إلى شقين ‪:‬‬
‫‪ (1‬شق ينهي التبني‬
‫‪ (2‬شق يتعلق بزواج طليقة البن بالتبني‬
‫وهذا المسألة جاءت لتعدل نظاما ً اجتماعيا فاسدا حتى وإن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫جاءت على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فالحق سبحانه‬
‫وتعالى يعالج القضية علب رب لنفاذ المر في نصرة حبيب له‬
‫هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فل يشوه عمله ولكن‬
‫يقول ‪ } :‬ادعوهم لبائهم هو اقسط عند الله { فكأنه سبحانه‬
‫يقول له ‪ :‬إن كنت يا محمد تكافئ زيد لختياره لك على أبيه‬
‫وعشيرته بأن تتبناه وتجعله زيد بن محم فهذا عدل منك في‬
‫حقه ‪ ،‬ولكن الله عنده عدل أفضل من هذا ‪ ،‬فأنت يامحمد عملت‬
‫القسط بعرف البشر لكن حكم رب البشر أقسط من حكمك ‪،‬‬
‫وحين يرد الله حكمك إلى حكمه ويعطيك هذا الشرف بأنك‬
‫مقسط فهذا تكريم لك ؛ ولذلك قال ‪ } :‬هو أقسط عن الله { ‪.‬‬
‫فكأن فعل الرسول صلى الله عليه وسلم كان قسطا ً وعدل ً‬
‫‪،‬ولكن بقانون البشر ‪ ،‬ولكن الله تعالى أرسله ليغير قوانين‬
‫البشر بقوانين رب البشر ‪.‬‬
‫هنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تبنى زيد لنه فضله واختاره‬
‫على أبيه ‪ ،‬ولكن بعد أن كان زيد بن محمد ‪ ،‬عاد ليصبح زيد ابن‬
‫حارثه ‪ ،‬فكأن الله تعالى يكرمه بشيء يعوضه عن ذلك ‪ ،‬ولهذا‬
‫تجد أن الَعلم الوحيد من صحابة رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم الذي ذكر في القرآن بنصه وفصه هو زيد بن حارثه ‪ ...‬قال‬
‫جَناك ََها‪ ...‬الحزاب ‪، { 37‬‬ ‫من َْها وَط ًَرا َزوّ ْ‬ ‫ضى َزي ْد ٌ ّ‬ ‫ما قَ َ‬‫تعالى ‪ } :‬فَل َ ّ‬
‫فإذا كان الله تعالى حرمه من شرف النتساب إلى رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فقد جعل اسمه ُيتعبد بتلوته إلى أن تقوم‬
‫الساعة ‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫هنا الية تبين الحكمة من كل هذه القصة في قوله سبحنه وتعالى‬
‫م إِ َ‬
‫ذا‬ ‫عَيائ ِهِ ْ‬‫ج أ َد ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ج ِفي أْزَوا ِ‬ ‫حَر ٌ‬‫ن َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ن ع ََلى ال ْ ُ‬ ‫ي َل ي َ ُ‬
‫كو َ‬ ‫‪ } :‬ل ِك َ ْ‬
‫فُعوًل { الحزاب ‪37‬‬ ‫كا َ‬
‫مُر الل ّهِ َ‬
‫م ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ن وَط ًَرا وَ َ َ‬ ‫من ْهُ ّ‬ ‫وا ِ‬ ‫ض ْ‬‫قَ َ‬
‫فكان ل بد من حدوث هذا المر حتى ينهي الله التبني وما يترتب‬
‫عليه من أحكام وعادات الجاهلية ثم نقول ‪ :‬هب أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم كان له اختيار في هذه العملية ولم تكن‬
‫مسبقة أو أراد الله بها شيئا ً وقد حدث فرضا ً ‪ ،‬فهل نزع الله منه‬
‫الرسالة أم جعله رسول ً كما هو ؟‬
‫ظل رسول ً لله يتنزل عليه وحيه ‪.‬‬
‫إذن ‪ ..‬فل شيء فيها ‪ ،‬وهذا مثل الذين يقولون عن نبي الله‬
‫يوسف عليه السلم ‪ :‬كيف همت به وهم بها وهو نبي وابن نبي ؟‬
‫كأنهم يغارون أكثر من الله مع أنهم لو عرفوا ملبسات الموقف‬
‫لما قالوا هذا لن هذا فضول ل أصل له ‪.‬‬
‫يقول الحق سبحانه ‪ :‬الحزاب ‪38‬‬
‫ة الل ّهِ ِفي‬ ‫سن ّ َ‬‫ه ُ‬ ‫ه لَ ُ‬
‫ض الل ّ ُ‬ ‫ما فََر َ‬ ‫ج ِفي َ‬ ‫ح ََر ٍ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ِ‬‫ن ع ََلى الن ّب ِ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫} ّ‬
‫دوًرا {‬ ‫ق ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫مُر اللهِ قَد ًَرا ّ‬ ‫نأ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ل وَ َ‬‫من قَب ْ ُ‬ ‫وا ِ‬ ‫َ‬
‫خل ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ما دام الله هو الذي فرضها فمن أين يأتي الحرج ‪ ،‬فالله فرض‬
‫فرضا ً ونفذه رسوله لنه مأمور بتنفيذ أوامر الله فل شيء عليه ‪،‬‬
‫وهذه مثل مسألة السراء تماما ً حينما قالوا ‪ :‬أتدعي يامحمد أنك‬
‫أتيت بيت المقدس في ليلة ونحن نضرب إليها أكباد البل‬
‫شهرا ً ؟! وهذا غباء منهم ‪ ،‬لكنه أفادنا نحن الن إذ ناقشنا الكلم‬
‫نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل ‪ } :‬إني أسريت‬
‫إلى بيت المقدس في ليلة { وإنما قال ‪ُ } :‬أسري بي { ‪ ،‬من‬
‫الذي أسرى به ؟ الذي أسرى به هو الله سبحنه جل شأنه ‪.‬‬
‫إذن المسشألة منتهية ول مشكلة لن الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم ليبس له دخل بالموضوع ‪ ،‬وفعله ل علقة له بالقضية لن‬
‫الفاعل هو الل ‪ ،‬فمادام الله هو الذي أسرى به ‪ ،‬فلماذا نشكك‬
‫في المر ؟ ‪.‬‬
‫ومع ذلك فهذه القضية نفعتنا الن لنعلم أن الغباء يؤدي بصاحبه‬
‫إلى عكس ما قصده ‪ ،‬فهم حين قالوا ‪ :‬أتدعي أنك أتيت بيت‬
‫المقدس في ليلة ‪ ،‬ونحن نضرب إليها أكباد البل في شهر ‪...‬‬
‫باللله عليكم لو أن الرسول كان قد قال لهم ‪ } :‬إنه رأى بيت‬
‫المقدس في المنام { هل كانوا سيكذبونه أو يردون عليه هذا‬
‫الرد ؟‬
‫إذن هم فهموا وعرفوا أنه ذهب ‘لى بيت المقدس بشحمه‬
‫ولحمه بحسده وروحه ‪ ،‬بدليل أنهم قارنوا بين سفره وسفرهم‬
‫الذي يظل شهرا ً وهو لم يستغرق ليلة واحدة ‪ ،‬فهذه نفعتنا في‬

‫‪106‬‬
‫الرد على الذين يقولون ‪ } :‬إن السراء كان بالرؤيا أو بالروح‬
‫دون الجسد {‬
‫ومعنى ‪ } :‬ما كان على النبي من حرج { أي من إثم أو ملمة‬
‫فيما فرض الله له ‪ ،‬وقوله ‪ } :‬سنة الله في الذين خلوا من‬
‫قبل { الذين خلوا من قبل إخوانه من الرسل ‪ ،‬كان عندهم كذا‬
‫وكذا ‪ ،‬أو فيما قبل السلم كان التعدد شائعا ً ويمل الدنيا فبم يكن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعا ً من الرسل ‪.‬‬
‫وهنا نلحظ كلمة ‪ } :‬فيما فرض الله له { ولم يقل } فيما فرض‬
‫الله عليه { أي فرض الله في صالحه ‪.‬‬
‫ه وَلَ‬ ‫شوْن َ ُ‬ ‫خ َ‬ ‫ّ‬
‫ت اللهِ وَي َ ْ‬‫ساَل ِ‬ ‫ن ي ُب َل ُّغو َ‬
‫ن رِ َ‬ ‫ثم يقول تعالى ‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫شو َ‬
‫ه { الحزاب ‪39‬‬ ‫دا إ ِّل الل ّ َ‬ ‫ح ً‬‫نأ َ‬ ‫خ َ ْ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫س‬‫شى الّنا َ‬ ‫خ َ‬ ‫كأن الله سبحانه أراد أن يتكلم عن موضوع } وَت َ ْ‬
‫شاه ُ { الحزاب ‪. 37‬‬ ‫خ َ‬ ‫حقّ َأن ت َ ْ‬ ‫هأ َ‬
‫والل ّ َ‬
‫َ ُ‬
‫فبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرسل ل يخشون‬
‫في البلغ عن الله شيئا ً فنفى عنه أن تكون الخشية في البلغ ‪،‬‬
‫إنما الخشية في الستحياء أو مخافة أن تلوكه اللسن إنما هم ل‬
‫يملكون له شيئا ً ‪ ،‬هنا يلحظ أن الخبر محذوف ولل فمن هم‬
‫الذين يبلغون رسالت الله ويخشونه ول يخشون أحدا ً غيره ؟‬
‫وتقديره أن هؤلء الذين يبلغون رسالت الله ويخشونه ‪ ،‬ل يمكن‬
‫أن يتهموا بأنهم خشوا الناس من أجل البلغ ‪ ،‬والذي سيحاسبهم‬
‫هو الله ؛ ولذلك قال تعالى ‪ } :‬وكفى بالله حسيبا ً { الحزاب ‪39‬‬
‫====================‬
‫هل يوجد خلص فى السلم‬
‫السلم عليكم‬
‫سئل احد النصارى عن الخلص فى السلم ‪ .‬وكيف ينال المسلم‬
‫وهل يضمن له السلم الخلص من الخطيه ؟‬
‫وللرد انقل له ولكم رد جميل للدكتور السيد العربى‬
‫الحمد لله وكفى وسلم على عباده الذين اصطفى‪.......‬وبعد‪:‬‬
‫* حقيقة التوبة‪:‬‬
‫ة‬ ‫وبا ً وت َ ْ‬
‫وب ً‬ ‫ب تَ ْ‬ ‫ب ِإلى الل ّهِ ي َُتو ُ‬ ‫ب‪ .‬وتا َ‬ ‫جوع ُ من الذ ّن ْ ِ‬ ‫ة‪ :‬الّر ُ‬ ‫وب ُ‬ ‫* لغة‪ :‬الت ّ ْ‬
‫َ‬
‫ب‬
‫ب‪ :‬تائ ِ ٌ‬ ‫وا ٌ‬ ‫ة‪ ،‬وَرجل ت َ ّ‬ ‫مْعصيةِ ِإلى الطاع ِ‬ ‫جعَ عن ال َ‬ ‫ب وَر َ‬ ‫متابًا‪ :‬أنا َ‬ ‫و َ‬
‫ه‪ .‬وتاب العبد‪ :‬رجع إلى طاعة ربه وعبد تواب‪ :‬كثير‬ ‫ِإلى الل ّ ِ‬
‫الرجوع إلى الطاعة وأصل التوبة الرجوع يقال‪ :‬تاب وثاب وأب‬
‫وأناب‪ :‬أى رجع‪.‬‬
‫ة‪ ،‬أو‬ ‫قه للّتوب ِ‬ ‫ب الله عليه‪ :‬وفّ َ‬ ‫ده‪ .‬وتا َ‬ ‫ب عَلى ع َب ْ ِ‬ ‫ب‪ :‬ي َُتو ُ‬ ‫وا ٌ‬ ‫ه تَ ّ‬ ‫والل ّ ُ‬
‫ضل ِهِ وقبوله‪،‬‬ ‫ف ْ‬ ‫جعَ عليه ب ِ َ‬ ‫ف‪ ،‬أو َر َ‬ ‫خفي ِ‬ ‫ديد إلى الت ّ ْ‬ ‫ش ِ‬ ‫جعَ به من الت ّ ْ‬ ‫ر َ‬
‫ب على‬ ‫وا ٌ‬ ‫وهو ت َ ّ‬

‫‪107‬‬
‫ة مما اقْت ََرف َأي‬ ‫ت عليهِ الت ّوْب َ َ‬ ‫ت ُفلنًا‪ :‬ع ََر ْ‬
‫ض ُ‬ ‫ست َت َب ْ ُ‬
‫عباِده ‪ ،‬وا ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‪.‬‬ ‫سَتتابه‪ :‬سأَله أن ي َُتو َ‬ ‫ط منه‪ .‬وا ْ‬ ‫م على ما فََر َ‬ ‫جوع َ والن ّد َ َ‬ ‫الّر ُ‬
‫* ومعناها شرعا‪:‬‬
‫َ‬
‫ه عليه أي عاد َ عليه‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َأص ُ‬
‫ب الل ُ‬ ‫ب‪ .‬وتا َ‬ ‫جعَ وأنا َ‬ ‫ب عاد َ ِإلى اللهِ وَر َ‬ ‫ل تا َ‬
‫فرة‪ .‬وقوله تعالى‪" :‬فتاب عليه" أي قبل توبته‪ ،‬أو وفقه‬ ‫مغْ ِ‬ ‫بال َ‬
‫دوا ِإلى َ‬ ‫َ‬
‫ميعًا؛ أي ُ‬
‫طاعِته‬ ‫عو ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫للتوبة‪ .‬وقوله تعالى‪ :‬وُتوُبوا ِإلى الّله َ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫ب ِإلي ِ‬ ‫ضله ِإذا تا َ‬ ‫ف ْ‬ ‫ده ب َ‬ ‫ب على ع َب ْ ِ‬ ‫ب‪ :‬ي َُتو ُ‬
‫وا ُ‬ ‫وأنيُبوا ِإليه‪ .‬والل ّ ُ‬
‫ه الت ّ‬
‫من ذ َْنبه‪.‬‬
‫والتوب‪ :‬ترك الذنب على أجمل الوجوه‪ ...‬وهو أبلغ وجوه‬
‫العتذار‪ ،‬فإن العتذار على ثلثة أوجه‪ :‬إما أن يقول المعتذر‪ :‬لم‬
‫أفعل‪ ،‬أو يقول‪ :‬فعلت لجل كذا‪ ،‬أو فعلت وأسأت وقد أقلعت‪،‬‬
‫ول رابع لذلك‪ ،‬وهذا الخير هو التوبة‪ ...،‬والتائب يقال لباذل التوبة‬
‫ولقابل التوبة‪ ،‬فالعبد تائب إلى الله‪ ،‬والله تائب على عبده‪...‬‬
‫والتواب‪ :‬العبد الكثير التوبة‪ ،‬وقد يقال ذلك لله تعالى لكثرة‬
‫قبوله توبة العباد‪ ...‬ول يجوز أن يقال في حق الله تعالى‪ :‬تائب‬
‫اسم فاعل من تاب يتوب ‪ ,‬فليس لنا أن نطلق عليه من السماء‬
‫والصفات إل ما أطلقه هو على نفسه أو نبيه عليه السلم أو‬
‫جماعة المسلمين‪ ،‬وإن كان في اللغة محتمل جائزا ‪ ,‬قال الله‬
‫تعالى "لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والنصار" ]التوبة‪:‬‬
‫‪ [117‬وقال‪" :‬وهو الذي يقبل التوبة عن عباده" ]التوبة‪[104 :‬‬
‫وإنما قيل لله عز وجل تواب‪ ،‬لمبالغة الفعل وكثرة قبوله توبة‬
‫عباده لكثرة من يتوب إليه‪ ......‬وقوله‪} :‬ومن تاب وعمل صالحا‬
‫فإنه يتوب إلى الله متابا{ )الفرقان‪ ،(71/‬أي‪ :‬التوبة التامة‪ ،‬وهو‬
‫الجمع بين ترك القبيح وتحري الجميل‪} .‬عليه توكلت وإليه‬
‫متاب{ )الرعد‪،(30/‬‬
‫* شروط التوبة‪:‬‬
‫التوبة في الشرع‪:‬‬
‫‪ -1‬ترك الذنب لقبحه‪.‬‬
‫‪ -2‬والندم على ما فرط منه‪.‬‬
‫‪ -3‬والعزيمة على ترك المعاودة‪.‬‬
‫‪ -4‬وتدارك ما أمكنه أن يتدارك من العمال بالعمال بالعادة‪.‬‬
‫فمتى اجتمعت هذه الربع فقد كملت شرائط التوبة‪.‬‬
‫* قال القرطبى ‪:‬ول يكفي في التوبة عند علمائنا قول القائل‪ :‬قد‬
‫تبت‪ ،‬حتى يظهر منه في الثاني خلف الول‪ ،‬فإن كان مرتدا رجع‬
‫إلى السلم مظهرا شرائعه‪ ،‬وإن كان من أهل المعاصي ظهر‬
‫منه العمل الصالح‪ ،‬وجانب أهل الفساد والحوال التي كان عليها‪،‬‬

‫‪108‬‬
‫وإن كان من أهل الوثان جانبهم وخالط أهل السلم‪ ،‬وهكذا‬
‫يظهر عكس ما كان عليه‪.‬‬
‫* قال سفيان بن عينه‪ :‬التوبة نعمة من الله أنعم الله بها على‬
‫هذه المة دون غيرها من المم وكانت توبة بني إسرائيل القتل‪.‬‬
‫** أحكام التوبة‪:‬‬
‫* حكم التوبة‪:‬قال القرطبى‪ }..:‬اية النساء‪{18-17..‬‬
‫اتفقت المة على أن التوبة فرض على المؤمنين؛ لقوله تعالى‪:‬‬
‫"وتوبوا إلى الله جميعا آيه المؤمنون"‪] .‬النور‪ .[31 :‬وقوله تعالى‪:‬‬
‫"يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا "} التحريم‪{ 8:‬‬
‫أمر بالتوبة وهي فرض على العيان في كل الحوال وكل‬
‫الزمان‪ ....‬وتصح من ذنب مع القامة على غيره من غير نوعه‬
‫خلفا للمعتزلة في قولهم‪ :‬ل يكون تائبا من أقام على ذنب‪ .‬ول‬
‫فرق بين معصية ومعصية ‪ -‬هذا مذهب أهل السنة‪ ...‬وليس على‬
‫النسان إذا لم يذكر ذنبه ويعلمه أن يتوب منه بعينه‪ ،‬ولكن يلزمه‬
‫إذا ذكر ذنبا تاب منه‪ ....‬ومثاله رجل كان يتعاطى بابا من أبواب‬
‫الربا ول يعرف أنه ربا فإذا سمع كلم الله عز وجل‪" :‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين‪ .‬فإن لم‬
‫تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله" ]البقرة‪ [279 :‬عظم عليه‬
‫هذا التهديد‪ ،‬وظن أنه سالم من الربا‪ ،‬فإذا علم حقيقة الربا الن‪،‬‬
‫ثم تفكر فيما مضى من أيامه وعلم أنه لبس منه شيئا كثيرا في‬
‫أوقات متقدمة‪ ،‬صح أن يندم عليه الن جملة‪ ،‬ول يلزمه تعيين‬
‫أوقاته‪ ...،‬وهكذا كل ما واقع من الذنوب والسيئات كالغيبة‬
‫والنميمة وغير ذلك من المحرمات التي لم يعرف كونها محرمة‪،‬‬
‫فإذا فقه العبد وتفقد ما مضى من كلمه تاب من ذلك جملة‪،‬‬
‫وندم على ما فرط فيه من حق الله تعالى‪،‬‬
‫* التوبة النصوح‪:‬‬
‫* قال القرطبى‪}...:‬اية التحريم‪{8:‬‬
‫وأصل التوبة النصوح من الخلوص؛ يقال‪ :‬هذا عسل ناصح إذا‬
‫خلص من الشمع‪ .‬وقيل‪ :‬هي مأخوذة من النصاحة وهي الخياطة‪.‬‬
‫وفي أخذها منها وجهان‪ :‬أحدهما‪ :‬لنها توبة قد أحكمت طاعته‬
‫وأوثقتها كما يحكم الخياط الثوب بخياطته ويوثقه‪ .‬والثاني‪ :‬لنها‬
‫قد جمعت بينه وبين أولياء الله وألصقته بهم؛ كما يجمع الخياط‬
‫الثوب ويلصق بعضه ببعض‪.‬‬
‫اختلفت عبارة العلماء وأرباب القلوب في التوبة النصوح على‬
‫ثلثة وعشرين قول‪:‬‬
‫‪ -1‬هي التي ل عودة بعدها كما ل يعود اللبن إلى الضرع‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫‪ -2‬وروي عن عمر وابن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل‬
‫رضي الله عنهم‪ .‬ورفعه معاذ إلى النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وقال قتادة‪ :‬النصوح الصادقة الناصحة‪.‬‬
‫‪ -3‬وقيل الخالصة؛ يقال‪ :‬نصح أي أخلص له القول‪ .‬وقال الحسن‪:‬‬
‫النصوح أن يبغض الذنب الذي أحبه ويستغفر منه إذا ذكره‪.‬‬
‫‪ -4‬وقيل‪ :‬هي التي ل يثق بقبولها ويكون على وجل منها‪.‬‬
‫‪ -5‬وقيل‪ :‬هي التي ل يحتاج معها إلى توبة‪.‬‬
‫‪ -6‬وقال الكلبي‪ :‬التوبة النصوح الندم بالقلب‪ ،‬والستغفار‬
‫باللسان‪ ،‬والقلع عن الذنب‪ ،‬والطمئنان على أنه ل يعود‪.‬‬
‫‪ -7‬وقال الكلبي‪ :‬التوبة النصوح الندم بالقلب‪ ،‬والستغفار‬
‫باللسان‪ ،‬والقلع عن الذنب‪ ،‬والطمئنان على أنه ل يعود‪.‬‬
‫‪ -8‬وقال سعيد بن المسيب‪ :‬توبة تنصحون بها أنفسكم‪.‬‬
‫‪ -9‬وقال القرظي‪ :‬يجمعها أربعة أشياء‪ :‬الستغفار باللسان‪،‬‬
‫وإقلع بالبدان‪ ،‬وإضمار ترك العود بالجنان‪ ،‬ومهاجرة سيء‬
‫الخلن‪.‬‬
‫‪ -10‬وقال سفيان الثوري‪ :‬علمة التوبة النصوح أربعة‪ :‬القلة‬
‫والعلة والذلة والغربة‪.‬‬
‫‪ -11‬وقال الفضيل بن عياض‪ :‬هو أن يكون الذنب بين عينيه‪ ،‬فل‬
‫يزال كأنه ينظر إليه‪.‬‬
‫‪ -12‬ونحوه عن ابن السماك‪ :‬أن تنصب الذنب الذي أقللت فيه‬
‫الحياء من الله أمام عينك وتستعد لمنتظرك‪.‬‬
‫‪ -13‬وقال أبو بكر الوراق‪ :‬هو أن تضيق عليك الرض بما رحبت‪،‬‬
‫وتضيق عليك نفسك؛ كالثلثة الذين خلفوا‪.‬‬
‫‪ -14‬وقال أبو بكر الواسطي‪ :‬هي توبة ل لفقد عوض؛ لن من‬
‫أذنب في الدنيا لرفاهية نفسه ثم تاب طلبا لرفاهيتها في الخرة؛‬
‫فتوبته على حفظ نفسه ل لله‪.‬‬
‫‪ -15‬وقال أبو بكر الدقاق المصري‪ :‬التوبة النصوح هي رد‬
‫المظالم‪ ،‬واستحلل الخصوم‪ ،‬وإدمان الطاعات‪.‬‬
‫‪ -16‬وقال رويم‪ :‬هو أن تكون لله وجها بل قفا‪ ،‬كما كنت له عند‬
‫المعصية قفا بل وجه‪.‬‬
‫‪ -17‬وقال ذو النون‪ :‬علمة التوبة النصوح ثلث‪ :‬قلة الكلم‪ ،‬وقلة‬
‫الطعام‪ ،‬وقلة المنام‪.‬‬
‫‪ -18‬وقال شقيق‪ :‬هو أن يكثر صاحبها لنفسه الملمة‪ ،‬ول ينفك‬
‫من الندامة؛ لينجو من آفاتها بالسلمة‪.‬‬
‫‪ -19‬وقال سري السقطي‪ :‬ل تصلح التوبة النصوح إل بنصيحة‬
‫النفس والمؤمنين؛ لن من صحب توبته أحب أن يكون الناس‬
‫مثله‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫‪ -20‬وقال الجنيد‪ :‬التوبة النصوح هو أن ينسى الذنب فل يذكره‬
‫أبدا؛ لن من صحت توبته صار محبا لله‪ ،‬ومن أحب الله نسي ما‬
‫دون الله‪.‬‬
‫‪ -21‬وقال ذو الذنين‪ :‬هو أن يكون لصاحبها دمع مسفوح‪ ،‬وقلب‬
‫عن المعاصي جموح‪.‬‬
‫‪ -22‬وقال فتح الموصلي‪ :‬علمتها ثلث‪ :‬مخالفة الهوى‪ ،‬وكثرة‬
‫البكاء‪ ،‬ومكابدة الجوع والظمأ‪.‬‬
‫‪ -23‬وقال سهل بن عبدالله التستري‪ :‬هي التوبة لهل السنة‬
‫والجماعة؛ لن المبتدع ل توبة له؛ بدليل قوله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪) :‬حجب الله على كل صاحب بدعة أن يتوب(‪ .‬وعن‬
‫حذيفة‪ :‬بحسب الرجل من الشر أن يتوب من الذنب ثم يعود فيه‪.‬‬
‫* قبول الله للتوبة‪:‬قال القرطبى‪ }..:‬اية النساء‪{18-17..‬‬
‫إذا تاب العبد فالله سبحانه بالخيار إن شاء قبلها‪ ،‬وإن شاء لم‬
‫يقبلها‪ .‬وليس قبول التوبة واجبا على الله من طريق العقل كما‬
‫قال المخالف؛ لن من شرط الواجب أن يكون أعلى رتبة من‬
‫الموجب عليه‪ ،‬والحق سبحانه خالق الخلق ومالكهم‪ ،‬والمكلف‬
‫لهم؛ فل يصح أن يوصف بوجوب شيء عليه‪ ،‬تعالى عن ذلك‪ ،‬غير‬
‫أنه قد أخبر سبحانه وهو الصادق في وعده بأنه يقبل التوبة عن‬
‫العاصين من عباده بقوله تعالى‪" :‬وهو يقبل التوبة عن عباده‬
‫ويعفو عن السيئات" ]الشورى‪.[25 :‬‬
‫وقوله‪" :‬ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده" ]التوبة‪:‬‬
‫‪ [104‬وقوله‪" :‬وإني لغفار لمن تاب" ]طه‪ [82 :‬فإخباره سبحانه‬
‫وتعالى عن أشياء أوجبها على نفسه يقتضي وجوب تلك الشياء‪.‬‬
‫والعقيدة أنه ل يجب عليه شيء عقل؛ فأما السمع فظاهره قبول‬
‫توبة التائب‪ .‬قال أبو المعالي وغيره‪ :‬وهذه الظواهر إنما تعطي‬
‫غلبة ظن‪ ،‬ل قطعا على الله تعالى بقبول التوبة‪ .‬قال ابن عطية‪:‬‬
‫وقد خولف أبو المعالي وغيره في هذا المعنى‪ .‬فإذا فرضنا رجل‬
‫قد تاب توبة نصوحا تامة الشروط فقال أبو المعالي‪ :‬يغلب على‬
‫الظن قبول توبته‪ .‬وقال غيره‪ :‬يقطع على الله تعالى بقبول توبته‬
‫كما أخبر عن نفسه جل وعز‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وكان أبي رحمه‬
‫الله يميل إلى هذا القول ويرجحه‪ ،‬وبه أقول‪ ،‬والله تعالى أرحم‬
‫بعباده من أن ينخرم في هذا التائب المفروض معنى قوله‪" :‬وهو‬
‫الذي يقبل التوبة عن عباده" ]الشورى‪ [25 :‬وقوله تعالى‪" :‬وإني‬
‫لغفار" ]طه‪ ...[82 :‬وإذا تقرر هذا فاعلم أن في قوله "على‬
‫الله" حذفا وليس على ظاهره‪ ،‬وإنما المعنى على فضل الله‬
‫ورحمته بعباده‪ .‬وهذا نحو قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ‪:‬‬
‫)أتدري ما حق العباد على الله( ؟ قال‪ :‬الله ورسوله أعلم‪ .‬قال‪:‬‬

‫‪111‬‬
‫)أن يدخلهم الجنة(‪ .‬فهذا كله معناه‪ :‬على فضله ورحمته بوعده‬
‫الحق وقوله الصدق‪ .‬دليله قوله تعالى‪" :‬كتب على نفسه‬
‫الرحمة" ]النعام‪ [12 :‬أي وعد بها‪.‬‬
‫* شروط التوبة‪:‬قال القرطبى‪ }..:‬اية النساء‪..18-17..‬وال‬
‫عمران‪..135 :‬والتحريم‪{8:‬‬
‫وهي أربعة‪ :‬الندم بالقلب‪ ،‬وترك المعصية في الحال‪ ،‬والعزم‬
‫على أل يعود إلى مثلها‪ ،‬وأن يكون ذلك حياء من الله تعالى ل من‬
‫غيره؛ فإذا اختل شرط من هذه الشروط لم تصح التوبة‪ .‬وقد‬
‫قيل من شروطها‪ :‬العتراف بالذنب وكثرة الستغفار‪ ...‬ول يكفي‬
‫في التوبة عند علمائنا قول القائل‪ :‬قد تبت‪ ،‬حتى يظهر منه في‬
‫الثاني خلف الول‪ ،‬فإن كان مرتدا رجع إلى السلم مظهرا‬
‫شرائعه‪ ،‬وإن كان من أهل المعاصي ظهر منه العمل الصالح‪،‬‬
‫وجانب أهل الفساد والحوال التي كان عليها‪ ،‬وإن كان من أهل‬
‫الوثان جانبهم وخالط أهل السلم‪ ،‬وهكذا يظهر عكس ما كان‬
‫عليه‪ ..‬والذنوب التي يتاب منها إما كفر أو غيره‪ ،‬فتوبة الكافر‬
‫إيمانه مع ندمه على ما سلف من كفره‪ ،‬وليس مجرد اليمان‬
‫نفس توبة‪ ،‬وغير الكفر إما حق لله تعالى‪ ،‬وإما حق لغيره‪ ،‬فحق‬
‫الله تعالى يكفي في التوبة منه الترك؛ غير أن منها ما لم يكتف‬
‫الشرع فيها بمجرد الترك بل أضاف إلى ذلك في بعضها قضاء‬
‫كالصلة والصوم‪ ،‬ومنها ما أضاف إليها كفارة كالحنث في اليمان‬
‫والظهار وغير ذلك‪ ،‬وأما حقوق الدميين فل بد من إيصالها إلي‬
‫مستحقيها‪ ،‬فإن لم يوجدوا تصدق عنهم‪ ،‬ومن لم يجد السبيل‬
‫لخروج ما عليه لعسار فعفو الله مأمول‪ ،‬وفضله مبذول؛ فكم‬
‫ضمن من التبعات وبدل من السيئات بالحسنات‪ .‬قال العلماء‪:‬‬
‫الذنب الذي تكون منه التوبة ل يخلو‪ ،‬إما أن يكون حقا لله أو‬
‫للدميين‪ .‬فإن كان حقا لله كترك صلة فإن التوبة ل تصح منه‬
‫حتى ينضم إلى الندم قضاء ما فات منها‪ .‬وهكذا إن كان ترك‬
‫صوم أو تفريطا في الزكاة‪ .‬وإن كان ذلك قتل نفس بغير حق‬
‫فأن يمكن من القصاص إن كان عليه وكان مطلوبا به‪ .‬وإن كان‬
‫قذفا يوجب الحد فيبذل ظهره للجلد إن كان مطلوبا به‪ .‬فإن‬
‫عفي عنه كفاه الندم والعزم على ترك العود بالخلص‪ .‬وكذلك‬
‫إن عفي عنه في القتل بمال فعليه أن يؤديه إن كان واجدا له‪،‬‬
‫قال الله تعالى‪" :‬فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف‬
‫وأداء إليه بإحسان" ]البقرة‪ .[178 :‬وإن كان ذلك حدا من حدود‬
‫الله كائنا ما كان فإنه إذا تاب إلى الله تعالى بالندم الصحيح‬
‫سقط عنه‪ .‬وقد نص الله تعالى على سقوط الحد عن المحاربين‬
‫إذا تابوا قبل القدرة عليهم‪ .‬وفي ذلك دليل على أنها ل تسقط‬

‫‪112‬‬
‫عنهم إذا تابوا بعد القدرة عليهم؛ حسب ما تقدم بيانه‪ .‬وكذلك‬
‫الشراب والسراق والزناة إذا أصلحوا وتابوا وعرف ذلك منهم‪ ،‬ثم‬
‫رفعوا إلى المام فل ينبغي له أن يحدهم‪ .‬وإن رفعوا إليه فقالوا‪:‬‬
‫تبنا‪ ،‬لم يتركوا‪ ،‬وهم في هذه الحالة كالمحاربين إذا غلبوا‪ .‬هذا‬
‫مذهب الشافعي‪ .‬فإن كان الذنب من مظالم العباد فل تصح‬
‫التوبة منه إل برده إلى صاحبه والخروج عنه ‪ -‬عينا كان أو غيره ‪-‬‬
‫إن كان قادرا عليه‪ ،‬فإن لم يكن قادرا فالعزم أن يؤديه إذا قدر‬
‫في أعجل وقت وأسرعه‪ .‬وإن كان أضر بواحد من المسلمين‬
‫وذلك الواحد ل يشعر به أو ل يدري من أين أتى‪ ،‬فإنه يزيل ذلك‬
‫الضرر عنه‪ ،‬ثم يسأله أن يعفو عنه ويستغفر له‪ ،‬فإذا عفا عنه‬
‫فقد سقط الذنب عنه‪ .‬وإن أرسل من يسأل ذلك له‪ ،‬فعفا ذلك‬
‫المظلوم عن ظالمه ‪ -‬عرفه بعينه أو لم يعرفه ‪ -‬فذلك صحيح‪.‬‬
‫وإن أساء رجل إلى رجل بأن فزعه بغير حق‪ ،‬أو غمه أو لطمه‪،‬‬
‫أو صفعه بغير حق‪ ،‬أو ضربه بسوط فآلمه‪ ،‬ثم جاءه مستعفيا‬
‫نادما على ما كان منه‪ ،‬عازما على أل يعود‪ ،‬فلم يزل يتذلل له‬
‫حتى طابت نفسه فعفا عنه‪ ،‬سقط عنه ذلك الذنب‪ .‬وهكذا إن‬
‫كان شانه بشتم ل حد فيه‪...‬وليصر العبد على الذنب‪ ...‬والصرار‬
‫هو العزم بالقلب على المر وترك القلع عنه‪ .‬ومنه صر الدنانير‬
‫أي الربط عليها؛ وقال قتادة‪ :‬الصرار الثبوت على المعاصي؛‬
‫قال سهل بن عبدالله‪ :‬الجاهل ميت‪ ،‬والناسي نائم‪ ،‬والعاصي‬
‫سكران‪ ،‬والمصر هالك‪ ،‬والصرار هو التسويف‪ ،‬والتسويف أن‬
‫يقول‪ :‬أتوب غدا؛ وهذا دعوى النفس‪ ،‬كيف يتوب غدا ل يملكه!‪.‬‬
‫وقال غير سهل‪ :‬الصرار هو أن ينوي أل ّ يتوب فإذا نوى التوبة‬
‫النصوح خرج عن الصرار‪.‬‬
‫* ومما يعين على التوبة وعدم الصرار‪:‬‬
‫* قال القرطبى‪}...:‬اية‪135..‬ال عمران{‬
‫قال علماؤنا‪ :‬الباعث على التوبة وحل الصرار إدامة الفكر في‬
‫كتاب الله العزيز الغفار‪ ،‬وما ذكره الله سبحانه من تفاصيل الجنة‬
‫ووعد به المطيعين‪ ،‬وما وصفه من عذاب النار وتهدد به العاصين‪،‬‬
‫ودام على ذلك حتى قوي خوفه ورجاؤه فدعا الله رغبا ورهبا؛‬
‫والرغبة والرهبة ثمرة الخوف والرجاء‪ ،‬يخاف من العقاب ويرجو‬
‫الثواب‪ ،‬والله الموفق للصواب‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن الباعث على ذلك‬
‫تنبيه إلهي ينبه به من أراد سعادته؛ لقبح الذنوب وضررها إذ هي‬
‫سموم مهلكة‪ .‬قلت‪ :‬وهذا خلف في اللفظ ل في المعنى‪ ،‬فإن‬
‫النسان ل يتفكر في وعد الله ووعيده إل بتنبيهه؛ فإذا نظر العبد‬
‫بتوفيق الله تعالى إلى نفسه فوجدها مشحونة بذنوب اكتسبها‬
‫وسيئات اقترفها‪ ،‬وانبعث منه الندم على ما فرط‪ ،‬وترك مثل ما‬

‫‪113‬‬
‫سبق مخافة عقوبة الله تعالى صدق عليه أنه تائب‪ ،‬فإن لم يكن‬
‫كذلك كان مصرا على المعصية وملزما لسباب الهلكة‪ .‬قال‬
‫سهل بن عبدالله‪ :‬علمة التائب أن يشغله الذنب على الطعام‬
‫خّلفوا‪.‬‬
‫والشراب؛ كالثلثة الذين ُ‬
‫* وعلى العبد ان يتوب من قريب‪:‬‬
‫قال القرطبى‪ }..:‬اية النساء‪{18-17..‬‬
‫ومعنى من قريب كما قال تعالى‪ ":‬إنما التوبة على الله للذين‬
‫يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب" قال ابن عباس‬
‫والسدي‪ :‬معناه قبل المرض والموت‪ .‬وروي عن الضحاك أنه‬
‫قال‪ :‬كل ما كان قبل الموت فهو قريب‪ .‬وقال أبو مجلز‬
‫والضحاك أيضا وعكرمة وابن زيد وغيرهم‪ :‬قبل المعاينة للملئكة‬
‫والسوق‪ ،‬وأن يغلب المرء على نفسه‪ ....‬قال الهروي وقيل‪:‬‬
‫المعنى يتوبون على قرب عهد من الذنب من غير إصرار‪.‬‬
‫والمبادر في الصحة أفضل‪،‬وقوله تعالى‪ ":‬وليست التوبة للذين‬
‫يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الن‬
‫ول الذين يموتون وهم كفار" نفى سبحانه أن يدخل في حكم‬
‫التائبين من حضره الموت وصار في حين اليأس؛ كما كان‬
‫فرعون حين صار في غمرة الماء والغرق فلم ينفعه ما أظهر من‬
‫اليمان؛ لن التوبة في ذلك الوقت ل تنفع‪ ،‬لنها حال زوال‬
‫التكليف‪ .‬وبهذا قال ابن عباس وابن زيد وجمهور المفسرين‪ .‬وأما‬
‫الكفار يموتون على كفرهم فل توبة لهم في الخرة‪ ...،‬وقد قيل‪:‬‬
‫إن السيئات هنا الكفر‪ ،‬فيكون المعنى وليست التوبة للكفار‬
‫الذين يتوبون عند الموت‪ ،‬ول للذين يموتون وهم كفار‪ .‬وان كانت‬
‫السيئات ما دون الكفر؛ فالمعنى ليست التوبة لمن عمل دون‬
‫الكفر من السيئات ثم تاب عند الموت‪ ،‬ول لمن مات كافرا فتاب‬
‫يوم القيامة‪ ...‬وقوله‪":‬حتى إذا حضر أحدهم الموت" يعني‬
‫الشرق والنزع ومعاينة ملك الموت‪" .‬قال إني تبت الن" فليس‬
‫لهذا توبة‪.‬‬
‫* هل على التائب غسل‪:‬‬
‫ليس على التائب غسل ل على الوجوب ول الستحباب ال اذا كان‬
‫كافرا مشركا ثم اسلم فمن المشروع ان يغتسل واختلفوا هل‬
‫هذا الغسل واجب ام مندوب‪...‬ففى الحديث عن قيس بن عاصم‪:‬‬
‫)أنه أسلم فأمره النبي صلى الّله عليه وآله وسلم أن يغتسل‬
‫بماء وسدر(‪ }.‬رواه الخمسة إل ابن ماجه وأخرجه أيضا ً ابن حبان‬
‫وابن خزيمة وصححه ابن السكن {‪ ...‬وعن أبي هريرة‪) :‬أن‬
‫ثمامة أسلم فقال النبي صلى الّله عليه وآله وسلم‪ :‬اذهبوا به إلى‬
‫حائط بني فلن فمروه أن يغتسل(‪ }...‬رواه أحمد وأخرجه أيضا ً‬

‫‪114‬‬
‫عبد الرزاق والبيهقي وابن خزيمة وابن حبان وأصله في‬
‫الصحيحين وليس فيهما المر بالغتسال وإنما فيهما أنه اغتسل{‬
‫وهذه الحاديث تدل على مشروعية الغسل لمن أسلم‪ .‬وقد ذهب‬
‫إلى الوجوب مطلقا ً أحمد بن حنبل‪ ...‬وذهب الشافعي إلى أنه‬
‫يستحب له أن يغتسل فإن لم يكن جنبا ً أجزأه الوضوء‪...‬ولعل هذا‬
‫فى حق الكافر الصلى وليس المرتد‪.‬‬
‫* هل تكرار الذنب يمنع التوبة‪:‬‬
‫* قال القرطبى‪}...:‬اية‪135..‬ال عمران{‬
‫قوله تعالى‪" :‬وهم يعلمون"‪ ..‬فيه أقوال‪ ..‬وقال الحسن بن‬
‫الفضل‪" :‬وهم يعلمون" أن لهم ربا يغفر الذنب‪ .‬قلت‪ :‬وهذا أخذه‬
‫من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فيما يحكي عن ربه عز وجل قال‪) :‬أذنب عبد ذنبا فقال‬
‫اللهم اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى أذنب عبدي ذنبا فعلم أن‬
‫له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ثم عاد فأذنب فقال أي رب اغفر‬
‫لي ذنبي ‪ -‬فذكر مثله مرتين‪ ،‬وفي آخره‪ :‬اعمل ما شئت فقد‬
‫غفرت لك( أخرجه مسلم‪ .‬وفيه دليل على صحة التوبة بعد نقضها‬
‫بمعاودة الذنب؛ لن التوبة الولى طاعة وقد انقضت وصحت‪،‬‬
‫وهو محتاج بعد مواقعة الذنب الثاني إلى توبة أخرى مستأنفة‪،‬‬
‫والعود إلى الذنب وإن كان أقبح من ابتدائه؛ لنه أضاف إلى‬
‫الذنب نقض التوبة‪ ،‬فالعود إلى التوبة أحسن من ابتدائها؛ لنه‬
‫أضاف إليها ملزمة اللحاح بباب الكريم‪ ،‬وإنه ل غافر للذنوب‬
‫سواه‪ .‬وقوله في آخر الحديث )اعمل ما شئت( أمر معناه‬
‫الكرام في أحد القوال؛ فيكون من باب قوله‪" :‬ادخلوها بسلم"‬
‫]الحجر‪ .[46 :‬وآخر الكلم خبر عن حال المخاطب بأنه مغفور له‬
‫ما سلف من ذنبه‪ ،‬ومحفوظ إن شاء الله تعالى فيما يستقبل من‬
‫شأنه‪ .‬ودلت الية والحديث على عظيم فائدة العتراف بالذنب‬
‫والستغفار منه‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم‪) :‬إن العبد إذا اعترف‬
‫بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه( أخرجاه في الصحيحين‪.‬‬
‫وصدق من قال قال‪:‬‬
‫يستوجب العفو الفتى إذا اعترف بما جنى من الذنوب واقترف‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫أقرر بذنبك ثم اطلب تجاوزه إن الجحود جحود الذنب ذنبان‬
‫وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪) :‬والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم‬
‫ولجاء بقوم يذنبون ويستغفرون فيغفر لهم(‪ .‬وهذه فائدة اسم‬
‫الله تعالى الغفار والتواب‪،‬‬
‫* هل التوبة تسقط الحد‪:‬قال القرطبى‪ }..:‬اية النساء‪{18-17..‬‬

‫‪115‬‬
‫ول خلف فيما أعلمه أن التوبة ل تسقط حدا؛ ولهذا قال علماؤنا‪:‬‬
‫إن السارق والسارقة والقاذف متى تابوا وقامت الشهادة عليهم‬
‫أقيمت عليهم الحدود‪.‬‬
‫* متى ليقبل الله التوبة‪:‬‬
‫* روى الترمذي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪) :‬إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر(‪ .‬قال‪ :‬هذا حديث‬
‫حسن غريب‪ .‬ومعنى ما لم يغرغر‪ :‬ما لم تبلغ روحه حلقومه؛‬
‫فيكون بمنزلة الشيء الذي يتغرغر به‪.‬‬
‫* وأما قوله تعالى‪} :‬إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا‬
‫لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون{‪ ).‬سورة آل عمران‪ .‬الية‪:‬‬
‫‪(90‬‬
‫* قال القرطبى‪:‬‬
‫قال قتادة وعطاء الخراساني والحسن‪ :‬نزلت في اليهود كفروا‬
‫بعيسى والنجيل‪ ،‬ثم ازدادوا كفرا بمحمد صلى الله عليه وسلم‬
‫والقرآن‪ .‬وقال أبو العالية‪ :‬نزلت في اليهود والنصارى كفروا‬
‫بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم بنعته وصفته "ثم‬
‫ازدادوا كفرا" بإقامتهم على كفرهم‪...‬‬
‫وقوله‪" :‬لن تقبل توبتهم" مشكل لقوله‪" :‬وهو الذي يقبل التوبة‬
‫عن عباده ويعفوا عن السيئات" ]الشورى‪ [25 :‬فقيل‪ :‬المعنى لن‬
‫تقبل توبتهم عند الموت‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهذا قول حسن؛ كما قال‬
‫عز وجل‪" :‬وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر‬
‫أحدهم الموت قال إني تبت الن" ]النساء‪ ....[18 :‬وقيل‪" :‬لن‬
‫تقبل توبتهم" التي كانوا عليها قبل أن يكفروا؛ لن الكفر قد‬
‫أحبطها‪ .‬وقيل‪" :‬لن تقبل توبتهم" إذا تابوا من كفرهم إلى كفر‬
‫آخر؛ وإنما تقبل توبتهم إذا تابوا إلى السلم‪ ...‬وقال قطرب‪ :‬هذه‬
‫الية نزلت في قوم من أهل مكة قالوا‪ :‬نتربص بمحمد ريب‬
‫المنون‪ ،‬فإن بدا لنا الرجعة رجعنا إلى قومنا‪ .‬فأنزل الله تعالى‪:‬‬
‫"إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم" أي‬
‫لن تقبل توبتهم وهم مقيمون على الكفر؛ فسماها توبة غير‬
‫مقبولة؛ لنه لم يصح من القوم عزم‪ ،‬والله عز وجل يقبل التوبة‬
‫كلها إذا صح العزم‪.‬ا‪.‬هـ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫* السبت‪ 16 ,‬جمادى الثانية‪1423 ,‬هـ‪ 2002 / 08 / 24 },,,,‬م‬
‫‪ 04:39:40‬ص{‬
‫جمعه ورتبه وكتبه الفقير‬
‫د‪ /‬السيد العربى بن كمال‬
‫منقول من الخ حليمو‬

‫‪116‬‬
‫===================‬
‫هل صحيح أن الزكاة تتيح للغنى فرصة عند الله أفضل‬
‫من فرصة الفقير ؟‬
‫المصدر وزارة الوقاف المصرية‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ُتعد الزكاة فى السلم أول ضريبة نظامية فى تاريخ القتصاد‬
‫فى العالم‪ .‬فالذى كان يحدث قبل ذلك هو أن الحكام كانوا‬
‫يفرضون الضرائب حسب أهوائهم ‪ ،‬وبقدر حاجتهم إلى الموال‬
‫قا لغراضهم الشخصية‪ .‬وكان عبء هذه الضرائب يقع على‬ ‫تحقي ً‬
‫كاهل الفقراء أكثر مما يقع على كاهل الغنياء ‪ ،‬أو يقع على كاهل‬
‫الفقراء وحدهم‪ .‬ولما جاء السلم وفرض الزكاة قام بتنظيم‬
‫جمعها وحدد لها نسبة معينة ‪ ،‬وجعلها تقع على عاتق الغنياء‬
‫والمتوسطين ‪ ،‬وأعفى منها الفقراء )‪ .(1‬وتشريع الزكاة ليس‬
‫ما مالّيا ‪ ،‬وإنما هو فى الوقت نفسه عبادة كالصلة‬ ‫فقط نظا ً‬
‫والصيام والحج ‪ ،‬يؤديها المسلم القادر على دفعها ‪ ،‬ليس خوًفا‬
‫من السلطة التنفيذية ‪ ،‬ولكن تقرًبا إلى الله واستجابة لتعاليم‬
‫دينه‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ شعر الفقراء فى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫بعجزهم عن أداء الزكاة مثل الغنياء‪ .‬ورأوا أن هذا من شأنه أن‬
‫يعطى للغنياء ميزة الحصول على الثواب من الله بأدائهم للزكاة‬
‫وحرمان الفقراء من هذا الثواب مع أنه ل ذنب لهم فى فقرهم‪.‬‬
‫وقام الفقراء بعرض ما يشعرون به على النبى صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬فأوصاهم بالتسبيح والتحميد والتكبير )أى بقول سبحان‬
‫الله ‪ ،‬والحمد لله ‪ ،‬والله أكبر( ثلًثا وثلثين مرة عقب كل صلة ‪،‬‬
‫وبين لهم أن هذا من شأنه أن يرفع من درجاتهم عند الله ويجعل‬
‫منزلتهم عنده ل تقل عن منزلة الغنياء الذين يؤدون الزكاة )‪.(2‬‬
‫‪ 3‬ـ المعيار الذى اعتمده القرآن فى المفاضلة بين الناس بصفة‬
‫عامة هو معيار التقوى والعمل الصالح كما جاء فى القرآن‬
‫الكريم‪) :‬إن أكرمكم عند الله أتقاكم ( )‪ .(3‬والتقوى مفهوم عام‬
‫يشمل كل عمل يقوم به النسان ـ أّيا كان هذا العمل دينًيا أم‬
‫دنيوًيا ـ طالما قصد به وجه الله ونفع الناس ودفع الذى عنهم‪.‬‬
‫فالقرب من الله ل يتوقف على أداء الزكاة أو غيرها من الشعائر‬
‫ضا على التوجه العام من جانب‬ ‫السلمية فحسب ‪ ،‬بل يتوقف أي ً‬
‫النسان فى كل ما يقوم به فى حياته من أعمال ‪ ،‬وما يصدر عنه‬
‫من سلوك وما يخرج من فمه من أقوال‪ .‬والسلم يعلق أهمية‬
‫كبيرة على النية‪ .‬فالعمال بالنيات كما يقول النبى ـ عليه الصلة‬
‫والسلم ـ ] إنما العمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى [ )‪.(4‬‬

‫‪117‬‬
‫وهذا يعنى أن الفقير الذى ل يستطيع إخراج الزكاة ويتمنى أن لو‬
‫كان لديه مال ليزكى به فإنه يثاب على هذه النية مادامت‬
‫صادقة‪ .‬وقد ُيخرج الغنى الزكاة ويقصد من وراء ذلك التظاهر‬
‫أمام الناس والحصول على مكانة بينهم فل يثاب على ذلك بشىء‬
‫‪----**----‬‬
‫)‪ (1‬راجع‪ :‬محمد قطب‪ :‬شبهات حول السلم ـ ص ‪ 91‬ـ مكتبة‬
‫وهبة سنة ‪1960‬م‪.‬‬
‫)‪ (2‬فتح البارى بشرح صحيح البخارى ج ‪ 2‬ص ‪ 325‬تحقيق محمد‬
‫فؤاد عبد الباقى‪ .‬المطبعة السلفية‪.‬‬
‫)‪ (3‬الحجرات‪.13 :‬‬
‫)‪ (4‬البخارى‪ .‬باب الوحى رقم ‪ ، 1‬واليمان ‪ ، 41‬والنكاح ‪، 5‬‬
‫والطلق ‪ ، 11‬والترمذى فضائل الجهاد ‪ ، 16‬والنسائى طهارة‬
‫‪59‬‬
‫=====================‬
‫هل لله روح ؟‬
‫هذا السؤال حديث وورد للشيخ محمد بن صالح المنجد ‪ -‬وذكرنى‬
‫هذا بنقاش موضوع احد العضاء بخصوص روح الله ‪ ،‬وقد أجاب‬
‫وأورد بعض اليات كدليل لفهمه او فهم احد المفسرين ‪ ،‬وهذا‬
‫تفسير آخر وهو الدق ربما فى ضوء عقيدة أهل السنة ‪:‬‬
‫السؤال‪:‬‬
‫أجادل مسيحيا فيقول لي ‪ :‬إن لله روحا ‪ .‬فسؤالي هل لله روح ؟‬
‫) روح كروح النسان والملئكة وسائر الخلق ( وهل الروح شئ‬
‫مخلوق أم ماذا ؟ ‪.‬‬
‫الجواب‪:‬‬
‫الحمد لله‬
‫ليس لحد أن يصف الله تعالى إل بما وصف به نفسه ‪ ،‬أو وصفه‬
‫به رسوله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬لنه ل أحد أعلم بالله من الله‬
‫تعالى ‪ ،‬ول مخلوق أعلم بخالقه من رسول الله صلى الله عليه‬
‫ل أ َأ َنتم أ َع ْل َ َ‬
‫ه ( البقرة‪.140/‬‬ ‫م أم ِ الل ّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫وسلم ‪ .‬قال الله تعالى ‪ ) :‬قُ ْ ْ ُ ْ‬
‫ؤاد َ ك ُ ّ‬
‫ل‬ ‫صَر َوال ْ ُ‬
‫ف َ‬ ‫معَ َوال ْب َ َ‬
‫س ْ‬‫ن ال ّ‬ ‫عل ْ ٌ‬
‫م إِ ّ‬ ‫س لَ َ‬
‫ك ب ِهِ ِ‬ ‫ما ل َي ْ َ‬ ‫ف َ‬‫ق ُ‬ ‫) َول ت َ ْ‬
‫ؤول ً ( السراء‪. 36/‬‬ ‫س ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬‫ن ع َن ْ ُ‬
‫كا َ‬‫ك َ‬ ‫ُأول َئ ِ َ‬
‫والروح ليست من صفات الله تعالى ‪ ،‬بل هي خلق من مخلوقات‬
‫الله تعالى ‪ .‬وأضيفت إلى الله تعالى في بعض النصوص إضافة‬
‫ملك وتشريف ‪ ،‬فالله خالقها ومالكها ‪ ،‬يقبضها متى شاء ‪،‬‬
‫ويرسلها متى شاء ‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫فالقول في الروح ‪ ،‬كالقول في )بيت الله( و )ناقة الله( و )عباد‬
‫الله( و )رسول الله( فكل هذه مخلوقات أضيفت لله تعالى‬
‫للتشريف والتكريم ‪.‬‬
‫ومن النصوص التي أضيفت فيها الروح إلى الله ‪ :‬قوله تعالى ‪:‬‬
‫حه ( السجدة‪ . 9/‬وهذا في حق آدم‬ ‫ن ُرو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫خ ِفيهِ ِ‬ ‫ف َ‬‫واه ُ وَن َ َ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫) ثُ ّ‬
‫عليه السلم ‪.‬‬
‫ه‬
‫ت ِفي ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫ف ْ‬
‫ه وَن َ َ‬ ‫سوّي ْت ُ ُ‬ ‫ذا َ‬ ‫ً‬
‫وقال سبحانه وتعالى عن آدم أيضا ‪ ) :‬فَإ ِ َ‬
‫ن ( الحجر‪. 29/‬‬ ‫َ‬ ‫دي‬‫ج ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫قُعوا ل َ ُ‬ ‫حي فَ َ‬ ‫ن ُرو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫سل َْنا إ ِل َي َْها ُرو َ‬
‫حَنا‬ ‫جابا ً فَأْر َ‬ ‫ح َ‬ ‫م ِ‬ ‫دون ِهِ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫خذ َ ْ‬ ‫وقال تعالى ‪َ ) :‬فات ّ َ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫ن ك ُن ْ َ‬ ‫ك إِ ْ‬ ‫من ْ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫عوذ ُ ِبالّر ْ‬ ‫ت إ ِّني أ ُ‬ ‫سوِي ّا ً * َقال َ ْ‬ ‫شرا ً َ‬ ‫ل ل ََها ب َ َ‬ ‫مث ّ َ‬ ‫فَت َ َ‬
‫غلما ً َزك ِي ّا ً ( مريم‪-17/‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك ُ‬ ‫ب لَ ِ‬ ‫ك لهَ َ‬ ‫ل َرب ّ ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ما أَنا َر ُ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬‫قي ّا ً * َقا َ‬ ‫تَ ِ‬
‫‪. 19‬‬
‫فالروح هنا هو عبد الله ورسوله جبريل الذي أرسله إلى مريم ‪.‬‬
‫حَنا( فالضافة هنا للتكريم‬ ‫وقد أضافه الله إليه في قوله )ُرو َ‬
‫والتشريف ‪ ،‬وهي إضافة مخلوق إلى خالقه سبحانه وتعالى ‪.‬‬
‫ْ‬
‫ت‬
‫س ُ‬ ‫ل ‪ :‬لَ ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫سى ‪ ،‬فَي َ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ُ‬ ‫وفي حديث الشفاعة الطويل ‪ ) :‬فَي َأُتو َ‬
‫ه ( رواه البخاري‬ ‫مت ُ ُ‬ ‫ح الل ّهِ وَك َل ِ َ‬ ‫ه ُرو ُ‬ ‫سى ‪ ،‬فَإ ِن ّ ُ‬ ‫م ب ِِعي َ‬ ‫ن ع َل َي ْك ُ ْ‬ ‫ل ََها ‪ ،‬وَل َك ِ ْ‬
‫)‪ (7510‬ومسلم )‪. (193‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله ‪ " :‬فليس في مجرد‬
‫الضافة ما يستلزم أن يكون المضاف إلى الله صفة له ‪ ،‬بل قد‬
‫يضاف إليه من العيان المخلوقة وصفاتها القائمة بها ما ليس‬
‫بصفة له باتفاق الخلق ‪ ،‬كقوله تعالى )بيت الله( و )ناقة الله(‬
‫و)عباد الله( بل وكذلك روح الله عند سلف المسلمين وأئمتهم‬
‫وجمهورهم ‪ .‬ولكن إذا أضيف إليه ما هو صفة له وليس بصفة‬
‫لغيره مثل كلم الله وعلم الله ويد الله ونحو ذلك كان صفة له "‬
‫انتهى من "الجواب الصحيح" )‪. (4/414‬‬
‫وهذه القاعدة ذكرها شيخ السلم في مواضع ‪ ،‬وحاصلها أن‬
‫المضاف إلى الله نوعان ‪:‬‬
‫‪ -1‬أعيان قائمة بذاتها ‪ ،‬فهذه الضافة للتشريف والتكريم ‪ ،‬كبيت‬
‫الله وناقة الله ‪ ،‬وكذلك الروح ‪ ،‬فإنها ليست صفة ‪ ،‬بل هي عين‬
‫قائمة بنفسها ‪ ،‬ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث‬
‫البراء بن عازب الطويل في وفاة النسان وخروج روحه ‪:‬‬
‫ْ‬
‫ها‬ ‫خذ ُ َ‬‫قاِء ( ) فَي َأ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ن ِفي ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫قط َْرة ُ ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫سي ُ‬ ‫ما ت َ ِ‬ ‫ل كَ َ‬ ‫سي ُ‬ ‫ج تَ ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫) فَت َ ْ‬
‫َ‬
‫ها )يعني‬ ‫عو َ‬ ‫م ي َد َ ُ‬ ‫ها ل َ ْ‬ ‫خذ َ َ‬ ‫ذا أ َ‬ ‫)يعني يأخذ ملك الموت الروح ( فَإ ِ َ‬
‫ْ‬
‫ها ِفي ذ َل ِ َ‬
‫ك‬ ‫جعَُلو َ‬ ‫ها فَي َ ْ‬ ‫ذو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫حّتى ي َأ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ة ع َي ْ ٍ‬ ‫الملئكة( ِفي ي َد ِهِ ط َْرفَ َ‬
‫َ‬
‫ك‬
‫س ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫حة ِ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ب نَ ْ‬ ‫من َْها ك َأط ْي َ ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫ط ( )وَي َ ْ‬ ‫حُنو ِ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫ن وَِفي ذ َل ِ َ‬ ‫ف ِ‬‫ال ْك َ َ‬

‫‪119‬‬
‫َ‬ ‫ت ع ََلى وَ ْ‬
‫ن ب َِها ( ‪ .‬انظر روايات‬ ‫دو َ‬ ‫صعَ ُ‬ ‫ل فَي َ ْ‬ ‫ض َقا َ‬ ‫جهِ الْر ِ‬ ‫جد َ ْ‬ ‫وُ ِ‬
‫الحديث في "أحكام الجنائز" لللباني )ص ‪. (198‬‬
‫صُر (‬ ‫ه ال ْب َ َ‬‫ض ت َب ِعَ ُ‬ ‫ذا قُب ِ َ‬ ‫ح إِ َ‬ ‫ن الّرو َ‬ ‫وقال صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬إ ِ ّ‬
‫رواه مسلم )‪ (920‬أي ‪ :‬إذا خرجت الروح تبعها البصر ينظر إليها‬
‫أين تذهب ‪ .‬فهذا كله يدل على أن الروح عين قائمة بنفسها ‪.‬‬
‫‪ -2‬صفات ل تقوم بنفسها ‪ ،‬بل ل بد لها من موصوف تقوم به ‪،‬‬
‫كالعلم والرادة والقدرة ‪ ،‬فإذا قيل ‪ :‬علم الله ‪ ،‬وإرادة الله ‪ ،‬فهذا‬
‫من إضافة الصفة إلى الموصوف ‪.‬‬
‫قال ابن القيم رحمه الله في كتاب "الروح" ‪:‬‬
‫" المسألة السابعة عشرة ‪ :‬وهي هل الروح قديمة أو محدثة‬
‫مخلوقة ؟‬
‫م ‪ ،‬وضل فيها طوائف من بنى‬ ‫ثم قال ‪ :‬فهذه مسألة زل فيها عال َ ٌ‬
‫آدم ‪ ،‬وهدى الله أتباع رسوله فيها للحق المبين ‪ ،‬والصواب‬
‫المستبين ‪ ،‬فأجمعت الرسل صلوات الله وسلمه عليهم على أنها‬
‫محدثة مخلوقة مصنوعة مربوبة مدّبرة ‪ ،‬هذا معلوم بالضطرار‬
‫من دين الرسل صلوات الله وسلمه عليهم ‪ ،‬كما يعلم‬
‫بالضطرار من دينهم أن العالم حادث ‪ ،‬وأن معاد البدان واقع ‪،‬‬
‫وأن الله وحده الخالق وكل ما سواه مخلوق له " ثم نقل عن‬
‫الحافظ محمد بن نصر المروزي قوله ‪ " :‬ول خلف بين‬
‫المسلمين أن الرواح التي في آدم وبنيه وعيسى ومن سواه من‬
‫بنى آدم كلها مخلوقة لله ‪ ،‬خلقها وأنشأها وكونها واخترعها ثم‬
‫أضافها إلى نفسه كما أضاف إليه سائر خلقه قال تعالى ‪:‬‬
‫ميعا ً ِ‬ ‫َ‬
‫ه(‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫ض َ‬‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫خَر ل َك ُ ْ‬
‫س ّ‬‫) وَ َ‬
‫الجاثية‪" 13/‬‬
‫انتهى من "الروح" )ص ‪. (144‬‬
‫وربما أشكل على بعض الناس قوله سبحانه في شأن عيسى‬
‫ه‬‫مت ُ ُ‬‫ل الل ّهِ وَك َل ِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫م َر ُ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سى اب ْ ُ‬ ‫عي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ال ْ َ‬ ‫عليه السلم ‪ ) :‬إ ِن ّ َ‬
‫ه ( النساء‪ . 171/‬فظنوا كما ظنت‬ ‫من ْ ُ‬‫ح ِ‬ ‫م وَُرو ٌ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ها إ َِلى َ‬ ‫أ َل ْ َ‬
‫قا َ‬
‫من( للتبعيض ‪ ،‬وأن الروح جزء من الله ‪ .‬والحق أن‬ ‫النصارى أن ) ِْ‬
‫من( هنا لبتداء الغاية ‪ ،‬أي هذه الروح من عند الله ‪ ،‬مبدأها‬ ‫) ِْ‬
‫ومنشأها من الله تعالى ‪ ،‬فهو الخالق لها ‪ ،‬والمتصرف فيها‬
‫قال ابن كثير رحمه الله ‪:‬‬
‫م‬‫خَر ل َك ُ ْ‬ ‫س ّ‬ ‫ه ( كقوله ‪ ) :‬وَ َ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ح ِ‬ ‫" فقوله في الية والحديث ‪ ) :‬وَُرو ٌ‬
‫ن‬ ‫ميعا ً ِ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫ه ( أي من خلقه و ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫ما ِفي ال ّ‬ ‫َ‬
‫ن( للتبعيض كما تقوله النصارى عليهم لعائن‬ ‫م ْ‬ ‫عنده ‪ ،‬وليست ) ِ‬
‫الله المتتابعة ‪ ،‬بل هي لبتداء الغاية كما في الية الخرى ‪ ،‬وقد‬
‫قال مجاهد في قوله ‪) :‬وروح منه( أي ورسول منه ‪ ،‬وقال غيره ‪:‬‬

‫‪120‬‬
‫ومحبة منه ‪ ،‬والظهر الول ‪ ،‬وهو أنه مخلوق من روح مخلوقة ‪.‬‬
‫وأضيفت الروح إلى الله على وجه التشريف ‪ ،‬كما أضيفت الناقة‬
‫ة الل ّهِ ( العراف‪ ، 73/‬وفي‬ ‫والبيت إلى الله في قوله ‪ ) :‬هَذ ِهِ َناقَ ُ‬
‫ن ( الحج‪ . 26/‬وكما روي في‬ ‫في َ‬ ‫طائ ِ ِ‬‫ي ِلل ّ‬ ‫قوله ‪ ) :‬وَط َهّْر ب َي ْت ِ َ‬
‫الحديث الصحيح ‪ ) :‬فأدخل على ربي في داره ( أضافها إليه‬
‫إضافة تشريف ‪ ،‬وهذا كله من قبيل واحد ونمط واحد " انتهى من‬
‫"تفسير ابن كثير" )‪. (1/784‬‬
‫وقال اللوسي رحمه الله ‪ : :‬حكي أن طبيبا نصرانيا حاذقا‬
‫للرشيد ناظر على بن الحسين الواقدى المروزى ذات يوم فقال‬
‫له ‪ :‬إن في كتابكم ما يدل على أن عيسى عليه السلم جزء منه‬
‫سو ُ‬
‫ل‬ ‫م َر ُ‬‫مْري َ َ‬
‫ن َ‬ ‫سى اب ْ ُ‬
‫عي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ال ْ َ‬
‫تعالى ‪ ،‬وتل هذه الية ‪ ) :‬إ ِن ّ َ‬
‫ه ( فقرأ الواقدي قوله‬ ‫من ْ ُ‬
‫ح ِ‬ ‫م وَُرو ٌ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ها إ َِلى َ‬ ‫قا َ‬ ‫ه أ َل ْ َ‬ ‫الل ّهِ وَك َل ِ َ‬
‫مت ُ ُ‬
‫ميعا ً ِ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫من ْ ُ‬ ‫ج ِ‬‫ض َ‬‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫ما ِفي ال ّ‬ ‫م َ‬‫خَر ل َك ُ ْ‬ ‫س ّ‬ ‫تعالى ‪ ) :‬وَ َ‬
‫( الجاثية‪ . 13/‬فقال ‪ :‬إذا ً يلزم أن يكون جميع الشياء جزءا ً منه‬
‫سبحانه وتعالى علوا كبيرا ‪ ،‬فانقطع النصراني فأسلم ‪ ،‬وفرح‬
‫الرشيد فرحا شديدا " ‪.‬‬
‫وقال رحمه الله ‪ " :‬ل حجة للنصارى على شيء مما زعموا في‬
‫تشريف عيسى عليه السلم بنسبة الروح إليه ؛ إذ لغيره عليه‬
‫السلم مشاركة له في ذلك ‪ ،‬ففي إنجيل لوقا ‪ :‬قال يسوع‬
‫لتلميذه ‪ :‬إن أباكم السماوي يعطي روح القدس الذين يسألونه ‪.‬‬
‫وفى إنجيل متى ‪ :‬إن يوحنا المعمداني امتل من روح القدس وهو‬
‫في بطن أمه ‪.‬‬
‫وفى التوراة ‪ :‬قال الله تعالى لموسى عليه السلم ‪ :‬اختر سبعين‬
‫من قومك حتى أفيض عليهم من الروح التي عليك ‪.‬‬
‫وفيها في حق يوسف عليه السلم ‪ :‬يقول الملك ‪ :‬هل رأيتم مثل‬
‫هذا الفتى الذي روح الله تعالى عز وجل حال فيه ‪.‬‬
‫وفيها أيضا ‪ :‬إن روح الله تعالى حلت على دانيال ‪ . . .‬إلى غير‬
‫ذلك " انتهى من "روح المعاني" )‪. (6/25‬‬
‫وجاء في إنجيل لوقا )‪ ) : (1/41‬وامتلت الياصبات من الروح‬
‫القدس ( ‪.‬‬
‫وقوله )‪ ) : (26 ،1/25‬وكان في أورشليم رجل صالح تقي اسمه‬
‫سمعان ‪ ،‬ينتظر الخلص لسرائيل ‪ ،‬والروح القدس كان عليه ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وكان الروح القدس أوحى إليه أنه ل يذوق الموت قبل أن يرى‬
‫مسيح الرب ‪ .‬فجاء إلى الهيكل بوحي من الروح ( فهذا صريح‬
‫في أن الروح مَلك يأتي بالوحي ‪ ،‬وصريح أيضا في أن عيسى‬
‫عليه السلم )مسيح الرب( فهو عبد لله تعالى ‪ ،‬والله هو الذي‬
‫مسحه ‪ ،‬وجعلها مسيحا ‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫منقول عن ‪:‬‬
‫السلم سؤال وجواب )‪(www.islam-qa.com‬‬
‫====================‬
‫هل السلم يمدح الرهبانية ؟‬
‫قال تعالى ‪ " :‬لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب‬
‫والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد‬
‫ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي‬
‫عزيز ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة‬
‫والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون ثم قفينا على آثارهم‬
‫برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه النجيل وجعلنا في قلوب‬
‫الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إل‬
‫ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم‬
‫أجرهم وكثير منهم فاسقون "‬
‫فهل نفهم من هذه الية أن السلم يمتدح الرهبانية ‪ ..‬لن‬
‫الرهبانية قرنت بالرأفة والرحمة ؟‬
‫فنضع رد شيخ السلم ابن تيمية على هذه النقطة مع قليل من‬
‫التصرف من قبلى ‪ ..‬قال ‪ :‬ان هذه الية ل مدح فيها على‬
‫الطلق للرهبانية ‪ ..‬بل هى مذمة لهم واستنكار عليهم هذه‬
‫البدعة التى لم ينزل الله بها من سلطان ‪ ..‬وانما فيه مدح لمن‬
‫اتبع عيسى عليه السلم بما جعل الله في قلوبهم من الرحمة‬
‫والرأفة ‪ ..‬حيث يقول " وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة‬
‫ورحمة " ثم قال " ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم " ‪ ..‬اى‬
‫وابتدعوا رهبانية ما كتبناها عليهم وهذه الرهبانية لم يشرعها الله‬
‫ولم يجعلها مشروعة لهم ‪ ..‬بل نفى جعله عنها ‪.‬‬
‫وهذا الجعل المنفى عن ’’البدع‘‘ هو الجعل الذي اثبته للمشروع‬
‫بقوله تعالى " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا " وقوله " لكل‬
‫أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه " فالرهبانية ابتدعوها النصارى ولم‬
‫يشرعها الله‬
‫وقال علماء اللغة ‪:‬‬
‫فى قوله ’’ورهبانية‘‘ قولن ‪ :‬أحدهما أنها منصوبة يعني ابتدعوها‬
‫إما بفعل مضمر يفسره ما بعده أو يقال هذا الفعل عمل في‬
‫المضمر والمظهر ‪ ..‬كما هو قول ’’الكوفيين‘‘ حكاه عنهم ابن‬
‫جرير وثعلب وغيرهما ونظيره قوله " يدخل من يشاء في رحمته‬
‫والظالمين أعد لهم عذابا أليما " وقوله " فريقا هدى وفريقا حق‬
‫عليهم الضللة " وعلى هذا القول فل تكون الرهبانية معطوفة‬
‫على الرأفة والرحمة ‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫والقول الثانى إنها معطوفة عليها فيكون الله قد جعل في قلوبهم‬
‫الرأفة والرحمة والرهبانية المبتدعة ‪ ..‬ويكون هذا جعل خلقيا‬
‫كونيا ‪ ..‬والجعل الكوني يتناول الخير والشر كقوله تعالى "‬
‫وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار " ‪.‬‬
‫وعلى هذا القول فل مدح للرهبانية بجعلها في القلوب ‪ ..‬فثبت‬
‫على التقديرين أنه ليس في القرآن مدح للرهبانية ثم قال " إل‬
‫ابتغاء رضوان الله " ‪ ..‬أى لم يكتب عليهم إل ابتغاء رضوان الله‬
‫وابتغاء رضوان الله بفعل ما أمر به ‪ ..‬ل بما يبتدع وهذا يسمى‬
‫استثناء منقطعا كما في قوله " اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم‬
‫به من علم إل اتباع الظن وما قتلوه " وقوله تعالى " يا أيها الذين‬
‫آمنوا ل تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إل أن تكون تجارة عن‬
‫تراض منكم ول " وقوله تعالى " ل يذوقون فيها الموت إل الموتة‬
‫الولى " وقوله تعالى " فما لهم ل يؤمنون وإذا قرئ عليهم‬
‫القرآن ل يسجدون بل الذين كفروا يكذبون والله أعلم بما يوعون‬
‫فبشرهم بعذاب أليم إل الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر‬
‫غير ممنون " وقوله تعالى " ل يسمعون فيها لغوا ول تأثيما إل‬
‫قيل سلما سلما " وقوله " وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إل‬
‫خطأ " وهذا أصح القوال في هذه الية كما هو مبسوط في‬
‫موضع آخر ‪.‬‬
‫ول يجوز أن يكون المعنى أن الله كتبها عليهم ابتغاء رضوان‬
‫الله ‪ ..‬فإن الله ل يفعل شيئا ابتغاء رضوان نفسه ول أن المعنى‬
‫أنهم ابتدعوها ابتغاء رضوانه كما يظن هذا وهذا بعض الغالطين‬
‫كما قد بسط في موضع آخر ‪ ..‬وذكر أنهم ابتدعوا الرهبانية وما‬
‫رعوها حق رعايتها ‪ ..‬وليس في ذلك مدح لهم بل هو ذم ثم قال‬
‫تعالى " فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم " وهم الذين آمنوا منهم‬
‫بمحمد وكثير منهم فاسقون ‪ ..‬ولو أريد الذين آمنوا بالمسيح أيضا‬
‫فالمراد من اتبعه على دينه الذي لم يبدل ‪ ..‬وإل فكلهم يقولون‬
‫إنهم مؤمنون بالمسيح وبكل حال فلم يمدح سبحانه إل من اتبع‬
‫المسيح على دينه الذي لم يبدل ‪ ..‬ومن آمن بمحمد لم يمدح‬
‫النصارى الذين بدلوا دين المسيح ول الذين لم يؤمنوا بمحمد ‪..‬‬
‫فإن قيل قد قال بعض الناس إن قوله تعالى ورهبانية ابتدعوها‬
‫عطف على رأفة ورحمة وإن المعنى أن الله جعل في قلوب‬
‫الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية أيضا ابتدعوها وجعلوا الجعل‬
‫شرعيا ممدوحا قيل هذا غلظ لوجوه ‪:‬‬
‫منها أن الرهبانية لم تكن في كل من اتبعه بل الذين صحبوه‬
‫كالحواريين لم يكن فيهم راهب ‪ ..‬وإنما ابتدعت الرهبانية بعد‬
‫ذلك بخلف الرأفة والرحمة فإنها جعلت في قلب كل من اتبعه ‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫ومنها أنه أخبر أنهم ابتدعوا الرهبانية بخلف الرأفة والرحمة ‪..‬‬
‫فإنهم لم يبتدعوها وإذا كانوا ابتدعوها لم يكن قد شرعها لهم فإن‬
‫كان المراد هوالجعل الشرعي الديني ل الجعل الكوني القدري‬
‫فلم تدخل الرهبانية في ذلك ‪ ..‬وإن كان المراد الجعل الخلقي‬
‫الكوني فل مدح للرهبانية في ذلك ‪.‬‬
‫ومنها أن الرأفة والرحمة جعلها في القلوب والرهبانية ل تختص‬
‫بالقلوب ‪ ..‬بل الرهبانية ترك المباحات من النكاح واللحم وغير‬
‫ذلك ‪ ..‬وقد كان طائفة من الصحابة رضوان الله عليهم هموا‬
‫بالرهبانية فأنزل الله تعالى نهيهم عن ذلك بقوله تعالى " يا أيها‬
‫الذين آمنوا ل تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ول تعتدوا إن الله‬
‫ل يحب المعتدين " وثبت في الصحيحين أن نفرا من أصحاب‬
‫النبي قال أحدهم أما أنا فأصوم ل أفطر وقال آخر أما أنا فأقوم‬
‫ل أنام وقال آخر أما أنا فل أتزوج النساء وقال آخر أما أنا فل آكل‬
‫اللحم ‪ ..‬فقام النبي خطيبا فقال ما بال رجال يقول أحدهم كذا‬
‫وكذا لكني أصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء وآكل اللحم‬
‫فمن رغب عن سنتي فليس مني ‪.‬‬
‫وفي صحيح البخاري أن النبي رأى رجل قائما في الشمس فقال‬
‫ما هذا قالوا هذا أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ول‬
‫يستظل ول يتكلم ويصوم فقال مروه فليجلس وليستظل وليتكلم‬
‫وليتم صومه ‪.‬‬
‫وثبت في صحيح مسلم عن النبي أنه كان يقول في خطبته خير‬
‫الكلم كلم الله وخير الهدى هدي محمد وشر المور محدثاتها‬
‫وكل بدعة ضللة وفي السنن عن العرباض بن سارية أن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قال عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين‬
‫المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم‬
‫ومحدثات المور فإن كل بدعة ضللة ‪ ..‬قال الترمذي حديث‬
‫حسن صحيح ‪ ..‬وقد بينت النصوص الصحيحة أن الرهبانية بدعة‬
‫وضللة وما كان بدعة وضللة لم يكن هدى ‪ ..‬ولم يكن الله جعلها‬
‫بمعنى أنه شرعها كما لم يجعل الله ما شرعه المشركون من‬
‫البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ‪.‬‬
‫فإن قيل قد قال طائفة معناها ما فعلوها إل ابتغاء رضوان الله ما‬
‫كتبناها عليهم إل ابتغاء رضوان الله ‪ ..‬وقالت طائفة ما فعلوها أو‬
‫ما ابتدعوها إل ابتغاء رضوان الله ‪ ..‬قيل كل القولين خطأ والول‬
‫أظهر خطأ فإن الرهبانية لم يكتبها الله عليهم ‪ ..‬بل لم يشرعها ل‬
‫إيجابا ول استحبابا ولكن ذهبت طائفة إلى أنهم لما ابتدعوها كتب‬
‫عليهم إتمامها ‪ ..‬وليس في الية ما يدل على ذلك فإنه قال " ما‬
‫كتبناها عليهم إل ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها " فلم‬

‫‪124‬‬
‫يذكر أنه كتب عليهم نفس الرهبانية ول إتمامها ول رعايتها ‪ ..‬بل‬
‫أخبر أنهم ابتدعوا بدعة وأن تلك البدعة لم يرعوها حق رعايتها ‪.‬‬
‫فإن قيل قوله تعالى " فما رعوها حق رعايتها " ‪ ..‬يدل على أنهم‬
‫لو رعوها حق رعايتها لكانوا ممدوحين ‪ ..‬قيل ليس في الكلم ما‬
‫يدل على ذلك بل يدل على أنهم مع عدم الرعاية يستحقون من‬
‫الذم ما ل يستحقونه بدون ذلك فيكون ذم من ابتدع البدعة ولم‬
‫يرعها حق رعايتها أعظم من ذم من رعاها وإن لم يكن واحد‬
‫منهما محمودا بل مذموما مثل نصارى بني تغلب ونحوهم ممن‬
‫دخل في النصرانية ولم يقوموا بواجباتها بل أخذوا منها ما وافق‬
‫أهواءهم فكان كفرهم وذمهم أغلظ ممن هو أقل شرا منهم‬
‫والنار دركات كما أن الجنة درجات ‪.‬‬
‫وأيضا فالله تعالى إذا كتب شيئا على عباده لم يكتب ابتغاء‬
‫رضوانه بل العباد يفعلون ما يفعلون ابتغاء رضوان الله ‪ ..‬وأيضا‬
‫فتخصيص الرهبانية بأنه كتبها ابتغاء رضوان الله دون غيرها‬
‫تخصيص بغير موجب ‪ ..‬فإن ما كتبه ابتداء لم يذكر أنه كتبه ابتغاء‬
‫رضوانه فكيف بالرهبانية ‪ ..‬وأما قول من قال ما فعلوها إل ابتغاء‬
‫رضوان الله فهذا المعنى لو دل عليه الكلم لم يكن في ذلك مدح‬
‫للرهبانية ‪ ..‬فإن من فعل ما لم يأمر الله به بل نهاه عنه مع‬
‫حسن مقصده غايته أن يثاب على قصده ل يثاب على ما نهى‬
‫عنه ول على ما ليس بواجب ول مستحب فكيف والكلم ل يدل‬
‫عليه فإن الله قال " ما كتبناها عليهم إل ابتغاء رضوان الله " ولم‬
‫يقل ما فعلوها إل ابتغاء رضوان الله ‪ ..‬ول قال ما ابتدعوها إل‬
‫ابتغاء رضوان الله ‪ ..‬ولو كان المراد ما فعلوها أو ما ابتدعوها إل‬
‫ابتغاء رضوان الله لكان منصوبا على المفعولية ولم يتقدم لفظ‬
‫الفعل ليعمل فيه ول نفي البتداع بل أثبته لهم ‪ ..‬وإنما تقدم لفظ‬
‫الكتابة فعلم أن القول الذي ذكرناه هو الصواب وأنه استثناء‬
‫منقطع فتقديره وابتدعوا رهبانية ما كتبناها عليهم لكن كتبنا‬
‫عليهم ابتغاء رضوان الله فإن إرضاء الله واجب مكتوب على‬
‫الخلق وذلك يكون بفعل المأمور وبترك المحظور ‪ ..‬ل بفعل ما‬
‫لم يأمر بفعله وبترك ما لم ينه عن تركه والرهبانية فيها فعل ما‬
‫لم يؤمر به وترك ما لم ينه عنه ‪.‬‬
‫هذه المشاركه بقلم الخ ابن القيم‬
‫==================‬
‫الخلط بين السلم وغيره من الديان ‪ -‬إبطال نظرية‬
‫د‪ :‬ففي الوقت الذي يجري فيه صريف القلم الجهادية من‬ ‫أما بع ُ‬
‫علماء المسلمين في شتى فجاج أرض الله‪ ،‬بالدعوة إلى الله‪،‬‬
‫والتبصير في الدين‪ ،‬ومواجهة موجات اللحاد والزندقة‪ ،‬ورد‬

‫‪125‬‬
‫دعاوى الجاهلية القديمة والمعاصرة‪ :‬القومية‪ .‬البعثية‪. . . . .‬‬
‫الماركسية‪ .‬العلمنة‪ .‬الحداثة ‪ . . . .‬وصد عاديات التغريب‬
‫والنحراف‪ ،‬والغزو والمعنوي بجميع أنواعه وضروبه‪ ،‬وأشكاله‪،‬‬
‫بدت محنة أخرى في ظاهرة هي أبشع الظواهر المعادية للسلم‬
‫والمسلمين؛ إذ نزعت في المواجهة نزعا عنيفا بوقاحة‪ ،‬وفراهة؛‬
‫كيدا ً للمسلمين‪ ،‬وطعنا ً في الدين‪ ،‬ولي ّا ً بألسنتهم؛ لفساد نزعة‬
‫التدين بالسلم‪ ،‬والدخول فيه‪ ،‬وتذويب شخصيته في معترك‬
‫الديانات‪ ،‬ومطاردة التيار السلمي‪ ،‬وكبت طلئعه المؤمنة‪،‬‬
‫وسحب أهله عنه إلى ردةٍ شاملة‪.‬‬
‫وكل ذلك يجري على سنن الصراع والتقابل والتدافع‪ ،‬كما قال أبو‬
‫العلء المعري‪:‬‬
‫يجنى تزايد هذا من تناقض ذا كالليل إن طال غال اليوم بالقصر‬
‫وأعلى من ذلك وأجل قول الله ‪-‬تعالى‪} :-‬ول يزالون يقاتلونكم‬
‫حتى يردونكم عن دينكم إن استطاعوا{ ]البقرة‪.[217 /‬‬
‫وقوله ‪-‬سبحانه‪} :-‬ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء{‬
‫]النساء‪.[89 /‬‬
‫وذلك فيما جهرت به اليهود والنصارى‪ ،‬من الدعوة الجادة إلى‪:‬‬
‫"نظرية الخلط بين السلم وبين ما هم عليه من دين محرف‬
‫منسوخ" وزرع خلياهم في أعماق السلم في كل صقع ودار‪،‬‬
‫وصهر المسلمين معهم في قالب واحد فل ولء‪ ،‬ول براء‪ ،‬ول‬
‫تقسيم للمل إلى مسلم وكافر أبدا‪ ،‬ول لتعبدات الخلئق إلى حق‬
‫وباطل‪ .‬ونصبوا لذلك مجموعة من الشعارات وصاغوا له كوكبة‬
‫من الدعايات‪ ،‬وعقدوا له المؤتمرات‪ ،‬والندوات‪ ،‬والجمعيات‪،‬‬
‫والجماعات‪ ،‬إلى آخر ما هنالك من مخططات وضغط‪ ،‬ومباحثات‬
‫ظاهرة‪ ،‬أو خفية‪ ،‬معلنة‪ ،‬أو سرية‪ ،‬وما يتبع ذلك من خطوات‬
‫نشيطة‪ ،‬ظهر أمرها وانتشر وشاع واشتهر‪.‬‬
‫وهم في الوقت نفسه في حالة استنفار‪ ،‬وجد ودأب في نشر‬
‫التنصير‪ ،‬وتوسيع دائرته‪ ،‬والدعوة إليه‪ ،‬واستغلل مناطق الفقر‪،‬‬
‫والحاجة‪ ،‬والجهل‪ ،‬وبعث النشرات عبر صناديق البريد‪.‬‬
‫من هنا اشتد السؤال ‪ ،‬ووقع كثيرا ً من أهل السلم عن هذه "‬
‫النظرية " التي حلت بهم ‪ ،‬ونزلت بساحتهم ‪ ،‬ما الباعث لها ‪ ،‬وما‬
‫الغالية التي ترمي إليها ‪ ،‬وما مدى مصداقية شعاراتها ‪ ،‬وعن‬
‫حكم السلم فيها‪ ،‬وحكم الستجابة لها من المسلمين ‪ ،‬وحكم‬
‫من أجاب فيها ‪ ،‬وحكم من دعا إليها ‪ ،‬ومهد السبيل لتسليكها بين‬
‫المسلمين ‪ ،‬ونشرها في ديارهم ‪ ،‬ونثر من أجلها وسائل التغريب‬
‫‪ ،‬وأسباب التهويد ‪ ،‬والتنصير في صفوف المسلمين ‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫حتى بلغت الحال ببعضهم إلى فكرة ‪ " :‬طبع القرآن الكريم ‪،‬‬
‫والتوراة والنجيل في غلف واحد ؟‬
‫وحتى بلغ الخلط والدمج مبلغه ببناء " مسجد ‪ ،‬وكنسية ‪ ،‬ومعبد "‬
‫في محل واحد ‪ ،‬في ‪ " :‬رحاب الجامعات " و " المطارات " و "‬
‫الساحات العامة " ؟‬
‫فما جوابكم يا علماء السلم ؟؟‬
‫بين يدي الجواب ‪:‬‬
‫ل شك أن الوضع قائم مشهور ‪ ،‬والسؤال وارد مطلوب ‪،‬‬
‫والجواب واجب محتوم ‪ ،‬على كل من آتاه الله علما ً ‪ ،‬وبصيرة‬
‫في دين الله ‪ ،‬وهذا من بعض حق الله على كل عبد مسلم ؛‬
‫لتبصير المسلمين في أمر دينهم ‪ ،‬وكشف الحقيقة عما يحل‬
‫بهم ‪ ،‬حتى يصيروا على بصيرة من أمرهم ‪ ،‬وحراسة الشريعة‬
‫برد كل مكيدة توجد إليهم ‪ ،‬وإلى دينهم ‪ " :‬دين السلم " وتطعن‬
‫في الله ‪ ،‬وفي كتابه ‪ ،‬وفي رسوله ‪ ،‬وسنته ‪ ،‬وهو باب عظيم من‬
‫أبواب مجاهدة الكافرين ودفع مكايدهم ‪ ،‬وشرورهم عن‬
‫المسلمين ‪ ،‬وهي تكون بالحجة والبيان ‪ ،‬والسيف والسنان ‪،‬‬
‫والقلب والجنان ‪ ،‬وليس وراء ذلك حبة خردل من إيمان ‪ .‬قال‬
‫الله تعالى ‪ } :‬كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم‬
‫تدرسون { ] آل عمران ‪. [ 79 /‬‬
‫وقد رأيت أن أكتب الجواب عن هذا السؤال ‪ ،‬مبينا ً له بالحجة ‪،‬‬
‫والبيان ‪ ،‬والدليل والبرهان ‪ ،‬مرتبا ً له في مقامات ثلثة ‪:‬‬
‫المقام الول ‪ :‬المسرد التاريخي لهذه النظرية ‪ ،‬وتشخيص‬
‫وقائعها وخطواتها في الحاضر والعابر ؛ ليحصل تمام التصور‬
‫لمحل السؤال ‪.‬‬
‫المقام الثاني ‪ :‬في الجواب على سبيل الجمال ‪.‬‬
‫المقام الثالث ‪ :‬في الجواب على طريقة النشر والتفصيل ‪،‬‬
‫بتشخيص الصول العقدية السلمية التي ترفض هذه النظرية‬
‫وتنابذها ‪.‬‬
‫المقام الول‬
‫المسرد التاريخي لهذه النظرية وتشخيص وقائعها‬
‫إنها نظرية اليهود والنصارى ‪ ،‬وهي حديثة بصنع شعاراتها ‪،‬‬
‫سحب‬ ‫والعمل من أجلها على كافة المستويات ‪ -‬كما سيأتي ‪ -‬ل َ‬
‫المسلمين من إسلمهم ‪ ،‬لكنها قديمة عند اليهود ‪ ،‬والنصارى ‪،‬‬
‫في كوكبة تدابيرهم الكيدية ومواقفهم العدائية للسلم ‪،‬‬
‫والمسلمين ‪.‬‬
‫وبتتبع مراحلها التاريخية ‪ ،‬وجدتها قد مرت في حقب زمانية أربع‬
‫هي ‪:‬‬

‫‪127‬‬
‫‪ -1‬مرحلتها في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫قد بين الله ‪ -‬سبحانه ‪ -‬في محكم كتابه ‪ ،‬أن اليهود ‪ ،‬والنصارى‬
‫في محاولة دائبة ؛ لضلل المسلمين عن إسلميهم ‪ ،‬وردهم إلى‬
‫الكفر ‪ ،‬ودعوتهم المسلمين إلى اليهودية أو النصرانية فقال ‪-‬‬
‫تعالى ‪ } : -‬ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم‬
‫كفارا ً حسدا ً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا‬
‫واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شئ قدير {‬
‫]البقرة ‪. [109 /‬‬
‫وقال ‪ -‬تعالى ‪ } : -‬وقالوا لن يدخل الجنة إل من كان هودا ً أو‬
‫نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين بلى من‬
‫أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ول خوف عليهم‬
‫ول هم يحزنون { ] البقرة ‪. [ 112 ، 111 /‬‬
‫وقال ‪ -‬تعالى ‪ } : -‬قالوا كونوا هودا ً أو نصارى تهتدوا قل بل ملة‬
‫إبراهيم حنيفا ً وما كان من المشركين { ] البقرة ‪. [ 135 /‬‬
‫وهكذا في عدد من آيات الله ‪ ،‬يتلوها المسلمون في كتاب الله ؛‬
‫ليحذروا الكافرين من اليهود ‪ ،‬والنصارى ‪ ،‬وغيرهم ‪ ،‬فخمدت حينا ً‬
‫من الدهر حتى انقراض القرون المفضلة ‪.‬‬
‫‪ -2‬مرحلة الدعوة إليها بعد انقراض القرون المفضلة ‪:‬‬
‫ثم بدت محاولتهم مرة أخرى تحت شعار صنعوه ‪ ،‬وموهوا به‬
‫على الجهال ‪ ،‬وهو ‪ :‬أن الملل ‪ :‬اليهودية ‪ ،‬والنصرانية ‪،‬‬
‫والسلم ‪ .‬هي بمنزلة المذاهب الفقهية الربعة عند المسلمين‬
‫كل طريق منها يوصل إلى الله ‪ -‬تعالى ‪(2) . -‬‬
‫وهكذا فيما يثيرونه من الشبه ‪ ،‬ومتشابه القول ‪ ،‬وبتر النصوص ‪،‬‬
‫مما يوهمون به ‪ ،‬ويستدرجون به أقواما ً ‪ ،‬ويتصدون به آخرين ‪،‬‬
‫من ذوي اللقاب الضخمة هنا وهناك ؟‬
‫ثم تلقاها عنهم دعاة ‪ " :‬وحدة الوجود " و " التحاد " و " الحلول‬
‫" وغيرهم من المنتسبين إلى السلم من ملحدة المتصوفة في‬
‫مصر ‪ ،‬والشام ‪ ،‬وأرض فارس ‪ ،‬وأقاليم العجم ‪ ،‬ومن غلة‬
‫الرافضة وهي من مواريثهم عن التتر ‪ ،‬وغيرهم حتى بلغ الحال‬
‫أن بعض هؤلء الملحدة يجيزون التهود ‪ ،‬والتنصر ‪ ،‬بل فيهم من‬
‫ش فيمن‬ ‫يرجح دين اليهود والنصارى على دين السلم ‪ ..‬وهذا فا ٍ‬
‫غلبت عليهم الفلسفة منهم ‪ ،‬ثم انتقلوا إلى أن أفضل الخلق‬
‫عندهم هو ‪ " :‬المحقق " وهو ‪ :‬الداعي إلى الحلول ‪ ،‬والتحاد ‪.‬‬
‫وقد كشفهم شيخ السلم ابن تيمية ‪ -‬رحمه الله تعالى ‪ -‬في‬
‫مواضع من كتبه )‪. (3‬‬
‫مَعت هذه الدعوة الكفرية بمواجهة علماء السلم لها ‪،‬‬ ‫وقد قُ ِ‬
‫والمناداة عليها ‪ ،‬وعلى منتحليها ‪ ،‬بأنها كفر وردة عن السلم ‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫وكان لشيخ السلم ابن تيمية ‪ -‬رحمه الله تعالى ‪ -‬مواقف‬
‫إسلمية مشهورة خالدة ‪ ،‬ولغيره من علماء المسلمين الذين‬
‫ردوا على هؤلء الغلة‪ ،‬مثل الحلج ‪ :‬الحسين بن منصور‬
‫الفارسي ‪ ،‬المقتول على الردة ‪ ، (4) 309‬وابن عربي محمد بن‬
‫علي الطائي ‪ ،‬قدوة السوء للقائلين بوحدة الوجود ‪ ،‬في كتابه ‪:‬‬
‫الفصوص ‪ ،‬المتوفى سنة ‪ ، 638‬وابن سبعين ‪ .‬ت سنة ‪، 699‬‬
‫وغيرهم كثير )‪. (5‬‬
‫‪ -3‬مرحلة الدعوة إليها في النصف الول من القرن الرابع عشر ‪:‬‬
‫وقد خمدت حينا ً من الدهر محتجرة في صدر قائليها ‪ ،‬المظهرين‬
‫للسلم ‪ ،‬المبطنين للكفر واللحاد ‪ ،‬حتى تبنتها " الماسونية " )‬
‫‪ (6‬وهي ‪ " :‬منظمة يهودية للسيطرة على العالم ‪ ،‬ونشر اللحاد‬
‫والباحية " ‪ .‬تحت غطاء الدعوة إلى وحدة الديان الثلثة ‪ ،‬ونبذ‬
‫التعصب بجامع اليمان بالله ‪ ،‬فكلهم مؤمنون ‪ .‬وقد وقع في‬
‫در الفغاني ‪ ،‬ت سنة ‪1314‬‬ ‫صف َ‬
‫حبال دعوتهم ‪ :‬جمال الدين بن َ‬
‫بتركيا )‪ (7‬وتلميذه الشيخ محمد عبده بن حسن التركماني ‪ .‬ت‬
‫سنة ‪ 1323‬بالسكندرية )‪. (8‬‬
‫وكان من جهود محمد عبده ‪ ،‬في ذلك ‪ ،‬أن ألف هو ‪ ،‬وزعيم‬
‫الطائفة ميرزا باقر اليراني ‪ ،‬الذي تنصر ‪ ،‬ثم عاد إلى السلم ‪،‬‬
‫ومعهم ممثل جمال الفغاني ‪ ،‬وعدد من رجال الفكر في ‪" :‬‬
‫بيروت " ألفوا فيه جمعية باسم ‪ " :‬جمعية التأليف والتقريب "‬
‫موضوعها التقريب بين الديان الثلثة ‪ .‬وقد دخل في هذه‬
‫الجمعية بعض اليرانيين ‪ ،‬وبعض النجليز ‪ ،‬واليهود ‪ ،‬كما تراه‬
‫مفصل ً في كتاب ‪ " :‬تاريخ الستاذ المام ‪" 829 - 817 / 1 :‬‬
‫تأليف محمد رشيد رضا ‪ .‬المتوفى سنة ‪. 1354‬‬
‫ومن جهود محمد عبده في ذلك ‪ ،‬مراسلت بينه ‪ ،‬وبين بعض‬
‫القساوسة ‪ ،‬كما في كتاب ‪ " :‬العمال الكاملة للشيخ محمد‬
‫عبده ‪ " 368 - 363 / 2 :‬جمع محمد عمارة ‪.‬‬
‫وقد جالت مطارحات في هذه النظرية ‪ ،‬بين عدد من المؤيدين ‪،‬‬
‫والمعارضين ‪ ،‬بين محمد عبده ‪ ،‬ومحمد حسين هيكل ‪ ،‬والطبيب‬
‫حسن الهراوي ‪ ،‬وعبد الجواد الشرقاوي ‪ ،‬وذلك في مجلة ‪" :‬‬
‫السياسة السبوعية بمصر " في العداد ‪ 2821 /‬لشهر صفر عام‬
‫‪ ، 1351‬وما بعده ‪.‬‬
‫وفي ‪ " :‬صحيفة الهلل " في العداد ‪ 485 ، 484 /‬لعام ‪، 1357‬‬
‫‪ ، 1358‬مقالت بعنوان ‪ " :‬هل يمكن توحيد السلم‬
‫والمسيحية ؟ " بين كل من ‪ /‬محمد فريد وجدي ‪ ،‬ومحمد عرفة ‪،‬‬
‫وعبد الله الفيشاوي الغزي ‪ ،‬وبين القساوسة ‪ ،‬وكان الحوار ‪،‬‬
‫وكانت المراسلت جارية في هذه المقالت في الجواب على هذا‬

‫‪129‬‬
‫السؤال ‪ :‬هل يمكن التوحيد بين السلم والمسيحية من جهة‬
‫السلوب الروحي فقط ‪ ،‬أو من جهة المور المادية ‪ ،‬وكان‬
‫النصراني إبراهيم لوقا يستصعب توحيد السلم والمسيحية في‬
‫كل المرين جميعا ً ‪ ،‬ولكنه استسهل الجمع بين المسلمين‬
‫والنصارى في مصالح الوطن ‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬
‫" ل سبيل إلى الوحدة الكاملة إل بأن تعتنق إحداهما مبادئ‬
‫الخرى ‪ ،‬فإما إيمان بلهوت المسيح ‪ ،‬وتجسده ‪ ،‬وموته ‪،‬‬
‫وقيامه ‪ ،‬فيكون الجميع مسيحيين ‪ ،‬وإما إيمان بالمسيح كواحد‬
‫من الرسل النبيين ‪ ،‬فيصبح به الجميع مسلمين " ‪.‬‬
‫‪ -4‬مرحلة الدعوة إليها في العصر الحاضر ‪:‬‬
‫في الربع الخير من القرن الرابع عشر هجري ‪ ،‬وحتى عامنا هذا‬
‫‪ . 1416‬وفي ظل " النظام العالمي الجديد " ‪ :‬جهرت اليهود ‪،‬‬
‫والنصارى ‪ ،‬بالدعوة إلى التجمع الديني بينهم ‪ ،‬وبين المسلمين ‪،‬‬
‫وبعبارة أخرى ‪ " :‬التوحيد بين الموسوية ‪ ،‬والعيسوية ‪،‬‬
‫والمحمدية " باسم ‪:‬‬
‫" الدعوة إلى التقريب بين الديان "‪ " .‬التقارب بين الديان " ‪ .‬ثم‬
‫باسم ‪ " :‬نبذ التعصب الديني "‪.‬‬
‫ثم باسم ‪ " :‬الخاء الديني " وله ‪ :‬فتح مركز بمصر بهذا السم )‬
‫‪. (9‬‬
‫وباسم ‪ " :‬مجمع الديان " وله فتح مركز بسيناء مصر بهذا السم‬
‫)‪. (10‬‬
‫وباسم ‪ " :‬الصداقة السلمية المسيحية " ‪.‬‬
‫وباسم ‪ " :‬التضامن السلمي المسيحي ضد الشيوعية " ‪.‬‬
‫ثم أخرجت للناس تحت عدة شعارات ‪:‬‬
‫* " وحدة الديان " ‪ " .‬توحيد الديان " ‪ " .‬توحيد الديان الثلثة‬
‫" ‪ " .‬البراهيمية " ‪ " .‬الملة البراهيمية " ‪ " .‬الوحدة البراهيمية‬
‫" ‪ " .‬وحدة الدين اللهي " ‪ " .‬المؤمنون " ‪ " .‬المؤمنون متحدون‬
‫" ‪ " .‬الناس متحدون " ‪ .‬الديانة العالمية " ‪ " .‬التعايش بين‬
‫مل ُّيون " ‪ " .‬العالمية وتوحيد الديان " )‪. (11‬‬‫الديان " ‪ " .‬ال ِ‬
‫ثم لحقها شعار آخر ‪ ،‬هو " وحدة الكتب السماوية " ‪ .‬ثم امتد أثر‬
‫هذا الشعار إلى فكرة طبع ‪ " :‬القرآن الكريم ‪ ،‬والتوراة ‪،‬‬
‫والنجيل " في غلف واحد ‪.‬‬
‫ثم دخلت هذه الدعوة في ‪ " :‬الحياة التعبدية العملية " )‪ (12‬؛ إذ‬
‫دعا " البابا " إلى إقامة صلة مشتركة من ممثلي الديان الثلثة ‪:‬‬
‫سيس " في ‪ " :‬إيطاليا "‬ ‫السلميين والكتابيين ‪ ،‬وذلك بقرية ‪ " :‬أ ِ‬
‫‪ .‬فأقيمت فيها بتاريخ ‪ 1986 / 10 / 27 :‬م ‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫ثم تكرر هذا الحدث مرات أخرى باسم ‪ " :‬صلة روح القدس )‬
‫‪. (13‬‬
‫ففي ‪ " :‬اليابان " على قمة جبل ‪ " :‬كيتو " أقيمت هذه الصلة‬
‫المشتركة ‪ ،‬وكان ‪ -‬واحسرتاه ‪ -‬من الحضور ممثل لبعض‬
‫المؤسسات السلمية المرموقة ‪.‬‬
‫وما يتبع ذلك ‪ ،‬من أساليب بارعة للستدراج ‪ ،‬ولفت النظار إليها‬
‫واللتفاف حولها ‪ ،‬كالتلويح بالسلم العالمي ‪ ،‬ونشدان الطمأنينة‬
‫والسعادة للنسانية ‪ ،‬والخاء ‪ ،‬والحرية ‪ ،‬والمساواة ‪ ،‬والبر‬
‫والحسان ‪ .‬وهذه نظيرة وسائل الترغيب الثلثة التي تنتحلها‬
‫الماسونية ‪ " :‬الحرية ‪ ،‬والخاء ‪ ،‬والمساواة " أو ‪ " :‬السلم ‪،‬‬
‫والرحمة ‪ ،‬والنسانية " وذلك بالدعوة إلى " الروحية الحديثة "‬
‫القائمة على تحضير الرواح ‪ ،‬روح المسلم ‪ ،‬وروح اليهودي ‪،‬‬
‫وروح النصراني ‪ ،‬وروح البوذي ‪ ،‬وغيرهم ‪ ،‬وهي من دعوات‬
‫الصهيونية العالمية الهدامة ‪ ،‬كما بين خطرها الستاذ محمد محمد‬
‫حسين ‪ -‬رحمه الله تعالى ‪ -‬في كتابه ‪ " :‬الروحية الحديثة دعوة‬
‫هدامة ‪ /‬تحضير الرواح وصلته بالصهيونية العالمية " ‪.‬‬
‫آثار هذه النظرية على السلم والمسلمين ‪:‬‬
‫وعلى إثر هذا الدور العملي الجريء حصل مجموعة من الثار ‪:‬‬
‫* فمن آثارها ‪ :‬اقتحام العقبة ‪ ،‬وكسر حاجز الهيبة من المسلمين‬
‫من وجه ‪ ،‬وكسر حاجز النفرة من الكافرين من وجه آخر ‪.‬‬
‫* ومن آثارها ‪ :‬أن قدم ‪ " :‬البابا " نفسه إلى العالم ‪ ،‬بأنه القائد‬
‫الروحي للديان جميعا ً ‪ ،‬وأنه حامل رسالة ‪ " :‬السلم العالمي "‬
‫للبشرية ‪.‬‬
‫* ومن آثارها ‪ :‬أن " البابا " اعتبر ‪ :‬يوم ‪ 10 / 27 :‬أكتوبر عام‬
‫‪ 1986‬م عيدا ً لكل الديان ‪ ،‬وأول يوم من شهر يناير ‪ ،‬هو ‪" :‬‬
‫يوم التآخي " ‪.‬‬
‫* ومن آثارها ‪ :‬اتخاذ نشيد ‪ ،‬يردده الجميع ‪ ،‬أسموه ‪ " :‬نشيد الله‬
‫الواحد رب ‪ ،‬وأب " ‪.‬‬
‫* ومن آثارها ‪ :‬أنه انتشر في العالم ‪ ،‬عقد المؤتمرات لهذه‬
‫النظرية ‪ ،‬وانعقاد الجمعيات ‪ ،‬وتأليف الجماعات الداعية لوحدة‬
‫الديان ‪ ،‬وإقامة الندية ‪ ،‬والندوات فكان منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬أنه في تاريخ ‪ 2 / 15 - 12‬فبراير ‪ 1987‬م ‪ :‬عقد " المؤتمر‬
‫البراهيمي " في قرطبة ‪ ،‬بمشاركة أعداد من اليهود والنصارى ‪،‬‬
‫ومن المنتسبين للسلم من القاديانيين والسماعيليين ‪ .‬وكان‬
‫انعقاده باسم ‪ " :‬مؤتمر الحوار الدولي للوحدة البراهيمية " ‪.‬‬
‫وافتتح لهذا الغرض معهد باسم ‪ " :‬معهد قرطبة لوحدة الديان‬

‫‪131‬‬
‫في أوربا " ‪ .‬أو ‪ " :‬المركز الثقافي السلمي " ‪ .‬أو ‪ " :‬مركز‬
‫قرطبة للبحاث السلمية " ‪.‬‬
‫وكان متولي ذلك ‪ :‬النصراني ‪ :‬روجيه جارودي ‪ .‬وكانت أهم نقطة‬
‫في انعقاده ‪ ،‬هي ‪ :‬إثبات الشتراك واللقاء بين عدد من‬
‫المنتسبين إلى الديان )‪. (14‬‬
‫‪ -2‬وفي تاريخ ‪ 3 / 21 :‬مارس ‪ 1987 /‬م تأسست الجماعة‬
‫العالمية للمؤمنين بالله ‪ ،‬باسم ‪ " :‬المؤمنون متحدون " ‪.‬‬
‫‪ -3‬وفي صيف هذا العام ‪ -‬أيضا ً ‪ -‬تأسس " نادي الشباب المتدين‬
‫"‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -4‬وفي شهر إبريل ‪ ،‬منه ‪ -‬أيضا ‪ -‬تأسست جمعية باسم ‪" :‬‬
‫الناس متحدون " ‪.‬‬
‫‪ -5‬عمل لهذه المؤسسات ‪ ،‬لوائح ‪ ،‬وأنظمة داخلية ركزت على‬
‫إذابة الفوارق بين السلم ‪ ،‬واليهودية ‪ ،‬والنصرانية ‪ ،‬وتجريد‬
‫الشخصية السلمية من هويتها ‪ " :‬السلم ناسخ لما قبله " و "‬
‫القرآن ناسخ لجميع الكتب قبله ومهيمن عليها " وذلك باسم ‪" :‬‬
‫وحدة الديان " ‪.‬‬
‫‪ -6‬رأس مال جماعة ‪ " :‬المؤمنون متحدون " وهو ‪, 000 " :‬‬
‫‪ 800‬دولر " ‪.‬‬
‫‪ -7‬في حال حلها تعود أموالها إلى ‪ " :‬الصليب الحمر "‬
‫ومؤسسات الصدقات الكنسية ‪.‬‬
‫‪ -8‬من اعتبارات هذه الجمعية الرموز التية ‪:‬‬
‫* " رمز الحسان " هو ‪ :‬مؤسس الصليب الحمر ‪.‬‬
‫* " رمز التطور " هو ‪ :‬دارون ‪.‬‬
‫* " رمز المساواة " هو ‪ :‬كارل ماركس ‪.‬‬
‫* " رمز السلم العالمي للبشرية و " الخاء الديني " هو ‪ :‬البابا ‪.‬‬
‫‪ -9‬اتخذت هذه الجمعية " راية " عليها الشعارات التية ‪ " :‬شعار‬
‫المم المتحدة " و " قوس قزح " )‪ (15‬ورقم " ‪ - " 7‬رمز النصر‬
‫عندهم ‪ -‬وهو أيضا ً اسم أول سفينة اكتشفت القارة المريكية ‪،‬‬
‫وحملت رسالة النصرانية إلى هذه القارة ‪.‬‬
‫‪ - 10‬تتابع عقد المؤتمرات لوحدة الديان في ‪ " :‬نيويورك " و "‬
‫البرتغال " ‪ ،‬وغيرهما ‪.‬‬
‫* ومن آثار هذه النظرية ‪ :‬أنه فضل ً عن مشاركة بعض من‬
‫المنتسبين إلى السلم في هذه اللقاءات ‪ -‬على أراضي الدول‬
‫الكافرة ‪ -‬في المؤتمرات ‪ ،‬والندوات ‪ ،‬والجمعيات وإقامة‬
‫الصلوات المشتركة ‪ ،‬مدفوعين كانوا أو مختارين ‪ -‬وأمرهم إلى‬
‫الله تعالى ‪ -‬فإنه ما كادت شعارات هذه النظرية تلوح في‬
‫الفق ‪ ،‬وتصل إلى السماع ‪ ،‬وإل وقد تسربت إلى ديار السلم ‪،‬‬

‫‪132‬‬
‫فطاشت بها أحلم ‪ ،‬وعملت من أجلها أقلم ‪ ،‬وفاهت بتأييدها‬
‫أفمام ‪ ،‬وانطلقت بالدعوة إليها ألسن من بعد أخرى ‪ ،‬وعلى‬
‫الدعوة بها سدة المؤتمرات الدولية ‪ ،‬وردهات النوادي الرسمية ‪،‬‬
‫والهلية ‪.‬‬
‫وكان منها في ‪ " :‬مؤتمر شرم الشيخ بمصر " في شهر شوال‬
‫عام ‪ ، 1416‬تركيز كلمات بعض أصحاب الفخامة !!!! من‬
‫المسلمين !!!! على الصفة الجامعة بين المؤتمرين ‪ ،‬وهي ‪" :‬‬
‫البراهيمية " وهو مؤتمر يجمع لفيفا ً من المسلمين ‪ ،‬واليهود ‪،‬‬
‫والنصارى ‪ ،‬والشيوعيين ‪.‬‬
‫ومنها أنه بتاريخ ‪ . 10 / 10 / 1416 :‬أعلن بعضهم عن إصدار‬
‫كتاب يجمع بين دفتيه ‪ :‬القرآن الكريم ‪ ،‬والتوراة ‪ ،‬والنجيل " )‬
‫‪. (16‬‬
‫وفي بعض الفاق صدر قرار رسمي بجواز تسمية مواليد‬
‫المسلمين ‪ ،‬بأسماء اليهود المختصة بهم ؛ وذلك إثر تسمية‬
‫مواليد المسلمين باسم ‪ " :‬رابين " )‪. (17‬‬
‫وهكذا ينتشر عقد التهويد ‪ ،‬والتنصير ‪ ،‬بنثر شعاراتهم بين‬
‫المسلمين ‪ ،‬ومشاركة المسلمين لهم في أفراحهم ‪ ،‬وأعيادهم ‪،‬‬
‫وإعلن صداقتهم ‪ ،‬والحفاوة بهم ‪ ،‬وتتبع خطواتهم وتقليدهم ‪،‬‬
‫وكسر حاجز النفرة منهم بذلك ‪ ،‬وبتطبيع العلقات معهم )‪. (18‬‬
‫وهكذا في سلسلة يجر بعضها بعضا ً في الحياة المعاصرة ‪.‬‬
‫هذه خلصة ما جهرت به اليهود ‪ ،‬والنصارى ‪ ،‬في مجال نظرية‬
‫توحيد ديانتهم مع دين السلم ‪ ،‬وهي بهذا الوصف ‪ ،‬من‬
‫مستجدات عصرنا ‪ ،‬باختراع شعاراتها ‪ ،‬وتبني اليهود ‪ ،‬والنصارى‬
‫لها على مستوى الكنائس ‪ ،‬والمعابد ‪ ،‬وإدخالها ساحة السياسة‬
‫على ألسنة الحكام ‪ ،‬والتتابع الحثيث بعقد المؤتمرات ‪،‬‬
‫والجمعيات ‪ ،‬والجماعات ‪ ،‬والندوات ؛ لبلورتها ‪ ،‬وإدخالها الحياة‬
‫العملية فعل ً ‪ .‬وتلصصهم ديار المسلمين لها ‪ ،‬من منظور ‪" :‬‬
‫النظام الدولي الجديد " )‪ . (19‬مستهدفين قبل هيمنة ديانتهم ‪،‬‬
‫إيجاد ردة شاملة عند المسلمين عن السلم ‪.‬‬
‫وكان منشور الجهر بها ‪ ،‬وإعلنها ‪ ،‬على لسان النصراني‬
‫المتلصص إلى السلم ‪ :‬روجيه جارودي )‪ ، (20‬فعقد لهذه‬
‫الدعوة ‪ " :‬المؤتمر البراهيمي " ثم توالت الحداث كما أسلفت‬
‫في صدر هذه المقدمة ‪.‬‬
‫ول يعزب عن البال ‪ ،‬وجود مبادرات نشطة جدا ً من اليهود‬
‫والنصارى ‪ ،‬في الدعوة إلى ‪ " :‬الحوار بين أهل الديان " )‪(21‬‬
‫وباسم " تبادل الحضارات والثقافات " و " بناء حضارة إنسانية‬

‫‪133‬‬
‫موحدة " و " وبناء مسجد ‪ ،‬وكنيسة ‪ ،‬ومعبد " في محل واحد ‪،‬‬
‫وبخاصة في رحاب الجامعات وفي المطارات ‪.‬‬
‫وكان من مداخل السوء المبطنة لتمهيد السبيل إلى هذه النظرية‬
‫‪ ،‬وإفساد الديانة ‪ ،‬إجراء الدراسات المقارنة في الشرعيات ‪ ،‬بين‬
‫الديان الثلثة ‪ ،‬ومن هنا يتبارى كل في محاولة إظهار دينه على‬
‫الدين كله ‪ ،‬فتذوب وحدة الدين السلمي ‪ ،‬وتميزه ‪ ،‬وتسمن‬
‫الشبه ‪ ،‬وتستسلم لها القلوب الضعيفة ‪. . .‬‬
‫وكنت أشرت إلى خطر ذلك في بعض ما كتبت ‪ ،‬ثم رأيت كلما ً‬
‫حسنا ً في مقدمة ترجمة الستاذ ‪ /‬محمد خليفة التونسي ‪،‬‬
‫لكتاب ‪ " :‬بروتوكولت حكماء صهيون " ‪ :‬ص ‪ 78 /‬فقال ما‬
‫نصه ‪:‬‬
‫" وقل مثل ذلك في علم مقارنة الديان ‪ ،‬التي يحاول اليهود‬
‫بدراسة تطورها ‪ ،‬ومقارنة بعض أطوارها ببعض ‪ ،‬ومقارنتها بمثلها‬
‫في غيرها ‪ ،‬أن يمحوا قداستها ‪ ،‬ويظهروا النبياء ‪ ،‬مظهر‬
‫الدجالين " انتهى ‪.‬‬
‫هذا عرض موجز عن تاريخ هذه النظرية ‪ " :‬وحدة الديان "‬
‫وتدرجها في فتراتها الزمنية الثلث المذكورة وبيان بعض آثارها‬
‫التآمرية على السلم والمسلمين ‪ ،‬ويأتي في آخر الجواب‬
‫الجمالي تفصيل ما تستهدفه هذه النظرية في السلم‬
‫والمسلمين ‪.‬‬
‫المقام الثاني‬
‫في الجواب على سبيل الجمال‬
‫إن الدعوة إلى هذه النظرية الثلثية ‪ :‬تحت أي من هذه‬
‫الشعارات ‪ :‬إلى توحيد دين السلم الحق الناسخ لما قبله من‬
‫الشرائع ‪ ،‬مع ما عليه اليهود والنصارى من دين دائر كل منهما‬
‫عرفت لمواجهة السلم‬ ‫بين النسخ والتحريف ‪ ،‬هي أكبر مكيدة ُ‬
‫والمسلمين اجتمعت عليها كلمة اليهود والنصارى بجامع علتهم‬
‫المشتركة ‪ " :‬بغض السلم والمسلمين " ‪ .‬وغلفوها بأطباق من‬
‫الشعارات اللمعة ‪ ،‬وهي كاذبة خادعة ‪ ،‬ذات مصير مروع مخوف‬
‫‪ .‬فهي في حكم السلم ‪ :‬دعوة بدعية ‪ ،‬ضالة كفرية ‪ ،‬خطة مأثم‬
‫لهم ‪ ،‬ودعوة لهم إلى ردة شاملة عن السلم ؛ لنها تصطدم مع‬
‫بدهيات العتقاد ‪ ،‬وتنتهك حرمة الرسل والرسالت ‪ ،‬وتبطل‬
‫صدق القرآن ‪ ،‬ونسخه ما قبله من الكتب ‪ ،‬وتبطل نسخ السلم‬
‫لجميع ما قبله من الشرائع ‪ ،‬وتبطل ختم نبوة محمد والرسالة‬
‫المحمدية ‪ -‬عليه الصلة والسلم ‪ -‬فهي نظرية مرفوضة شرعا ً ‪،‬‬
‫محرمة قطعا ً بجميع أدلة التشريع في السلم من كتاب وسنة ‪،‬‬
‫وإجماع ‪ ،‬وما ينطوي تحت ذلك من دليل ‪ ،‬وبرهان ‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫لهذا ‪ :‬فل يجوز لمسلم يؤمن بالله ربا ً ‪ ،‬وبالسلم دينا ً ‪ ،‬وبمحمد‬
‫صلى الله عليه وسلم رسول ً ‪ ،‬الستجابة لها ‪ ،‬ول الدخول في‬
‫مؤتمراتها ‪ ،‬وندواتها ‪ ،‬واجتماعاتها ‪ ،‬وجمعياتها ‪ ،‬ول النتماء إلى‬
‫محافلها ‪ ،‬بل يجب نبذها ‪ ،‬ومنابذتها ‪ ،‬والحذر منها ‪ ،‬والتحذير من‬
‫عواقبها ‪ ،‬واحتساب الطعن فيها ‪ ،‬والتنفير منها ‪ ،‬وإظهار الرفض‬
‫لها ‪ ،‬وطردها عن ديار المسلمين ‪ ،‬وعزلها عن شعورهم ‪،‬‬
‫ومشاعرهم والقضاء عليها ‪ ،‬ونفيها ‪ ،‬وتغريبها إلى غربها ‪،‬‬
‫وحجرها في صدر قائلها ‪ ،‬ويجب على الوالي المسلم إقامة حد‬
‫الردة على أصحابها ‪ ،‬بعد وجود أسبابها ‪ ،‬وانتفاء موانعها ‪ ،‬حماية‬
‫للدين ‪ ،‬وردعا ً للعابثين ‪ ،‬وطاعة لله ‪ ،‬ولرسوله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬وإقامة للشرع المطهر ‪.‬‬
‫وأن هذه الفكرة إن حظيت بقبول من يهود ‪ ،‬ونصارى ‪ ،‬فهم‬
‫جديرون بذلك ؛ لنهم ل يستندون إلى شرع منزل مؤبد ‪ ،‬بل‬
‫دينهم إما باطل محرف ‪ ،‬وإما حق منسوخ بالسلم ‪ ،‬أما‬
‫المسلمون فل والله ‪ ،‬ل يجوز لهم بحال النتماء إلى هذه‬
‫الفكرة ؛ لنتمائهم إلى شرع منزل مؤبد كله حق ‪ ،‬وصدق ‪،‬‬
‫وعدل ‪ ،‬ورحمة ‪.‬‬
‫وليعلم كل مسلم عن حقيقة هذه الدعوة ‪ :‬أنها فلسفية النزعة ‪،‬‬
‫سياسية النشأة ‪ ،‬إلحادية الغاية )‪ (22‬تبرز في لباس جديد لخذ‬
‫ثأرهم من المسلمين ‪ :‬عقيدة ‪ ،‬وأرضا ً ‪ ،‬وملكا ً ‪ ،‬فهي تستهدف‬
‫السلم والمسلمين في‪:‬‬
‫‪ -1‬إيجاد مرحلة التشويش على السلم ‪ ،‬والبلبلة في‬
‫المسلمين ‪ ،‬وشحنهم بسيل من الشبهات ‪ ،‬والشهوات ؛ ليعيش‬
‫المسلم بين نفس نافرة ‪ ،‬ونفس حاضرة ‪.‬‬
‫‪ -2‬قصد المد السلمي ‪ ،‬واحتوائه ‪.‬‬
‫‪ -3‬تأتي على السلم من القواعد ‪ ،‬مستهدفة إبرام القضاء على‬
‫السلم واندراسه ‪ ،‬ووهن المسلمين ‪ ،‬ونزع اليمان من قلوبهم ‪،‬‬
‫وََوأِده ‪.‬‬
‫‪ -4‬حل الرابطة السلمية بين العالم السلمي في شتى بقاعه ؛‬
‫لحلل الخوة البلدية اللعينة ‪ " :‬أخوة اليهود والنصارى " ‪.‬‬
‫‪ -5‬كف أقلم المسلمين ‪ ،‬وألسنتهم عن تكفير اليهود والنصارى‬
‫وغيرهم ‪ ،‬ممن كفرهم الله ‪ ،‬وكفرهم رسوله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬إن لم يؤمنوا بهذا السلم ‪ ،‬ويتركوا ما سواه من‬
‫الديان ‪.‬‬
‫‪ -6‬وتستهدف إبطال أحكام السلم المفروضة على المسلمين‬
‫أمام الكافرين من اليهود والنصارى وغيرهم من أمم الكفر ممن‬
‫لم يؤمن بهذا السلم ‪ ،‬ويترك ما سواه من الديان ‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫‪ -7‬وتستهدف كف المسلمين عن ذروة سنام السلم ‪ :‬الجهاد‬
‫في سبيل الله ‪ ،‬ومنه ‪ :‬جهاد الكتابيين ‪ ،‬ومقاتلتهم على السلم ‪،‬‬
‫وفرض الجزية عليهم إن لم يسلموا ‪.‬‬
‫والله ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬يقول‪ } :‬قاتلوا الذين ل يؤمنون بالله ول‬
‫باليوم الخر ول يحرمون ما حرم الله ورسوله ول يدينون دين‬
‫الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم‬
‫صاغرون { ] التوبة ‪. [ 29 /‬‬
‫وكم في مجاهدة الكافرين ‪ ،‬أعداء الله ‪ ،‬ورسوله ‪ ،‬والمؤمنين ‪،‬‬
‫من " إرهاب " لهم ‪ ،‬وإدخال للرعب في قلوبهم ‪ ،‬فينتصر به‬
‫السلم ‪ ،‬ويذل به أعداؤه ‪ ،‬ويشف الله به صدور قوم مؤمنين‬
‫والله ‪ -‬تعالى ‪ -‬يقول ‪ } :‬وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن‬
‫رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم { ] النفال ‪. [ 60 /‬‬
‫فوا عجبا من تفريط المسلمين ‪ ،‬بهذه القوة الشرعية ؛ لظهور‬
‫تفريطهم في مواقفهم المتهالكة ‪ :‬موقف ‪ :‬اغتيال الجهاد ‪ ،‬ووأده‬
‫‪ .‬وموقف ‪ :‬تأويل الجهاد للدفاع ‪ ،‬ل للستسلم على كلمة السلم‬
‫أو الجزية إن لم يسلموا ‪ .‬موقف ‪ :‬تلقيب الجهاد باسم ‪" :‬‬
‫الرهاب " للتنفير منه ؛ حتى بلغت الحال بالمسلمين إلى تآكل‬
‫موقفهم في فرض الجزية على الكافرين في تاريخهم اللحق ؟‬
‫وإن فرض الجزية على اليهود ‪ ،‬والنصارى ‪ ،‬إن لم يسلموا ‪ :‬عزة‬
‫للمسلمين ‪ ،‬وصغار على الكافرين ؛ لهذا كانت لهم محاولت منذ‬
‫القرن الرابع الهجري لبطال الجزية ‪ ،‬وإسقاطها عنهم ‪ ،‬وكان‬
‫أول كتاب زوره اليهود في أوائل القرن الرابع الهجري ‪ ،‬فعرضه‬
‫الوالي على العلماء ‪ ،‬فحكم المام المفسر محمد بن جرير‬
‫الطبري المتوفى سنة ‪ - 310‬رحمه الله تعالى ‪ -‬بأنه مزور‬
‫موضوع ؛ لن فيه شهادة معاوية بن أبي سفيان ‪ -‬رضي الله عنه‬
‫‪ -‬وهو إنما أسلم عام الفتح بعد عام خيبر سنة ‪ ، 7‬وهم يزعمون‬
‫أن هذا الكتاب ‪ ،‬وضع عنهم الجزية عام خيبر ‪ ،‬وفيه شهادة سعد‬
‫بن معاذ ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬وقد توفي عام الخندق قبل خيبر ‪.‬‬
‫فثبت تزويره ‪.‬‬
‫وما زال اليهود يخرجونه من وقت إلى آخر ‪ ،‬وفي كل مرة يحكم‬
‫العلماء بتزويره ‪ ،‬فكان في عصر الخطيب البغدادي المتوفى‬
‫سنة ‪ 463‬فأبطله ‪.‬‬
‫وأخرجوه في القرن السابع في عصر شيخ السلم ابن تيمية‬
‫المتوفى سنة ‪ - 728‬رحمه الله تعالى ‪ -‬فأبطله ‪ ،‬وهكذا ‪ ،‬وشرح‬
‫ذلك مبسوط في كتاب ‪ " :‬أحكام أهل الذمة ‪ " 8 - 5 / 1 :‬لبن‬
‫القيم المتوفى سنة ‪ - 751‬رحمه الله تعالى ‪. -‬‬

‫‪136‬‬
‫وزور النصارى " وثيقة سانت كاترين " المعلقة في ‪ " :‬دير طور‬
‫سيناء " ‪ " :‬سانت كاترين " و " كاترين " اسم زوجة أحد الرهبان‬
‫‪ ،‬وقد سميت كنيسة دير الطور باسمها ؛ لنها دفنت فيها في‬
‫القرن التاسع ‪.‬‬
‫وهي وثيقة مكذوبة وضعها النصارى ‪.‬‬
‫وفي ‪ " :‬مجلة الدارة " العدد ‪ 3 /‬لعام ‪ . 1400‬ص ‪130 - 124 /‬‬
‫‪ .‬بحث مهم في بيان بعض الوثائق التي زورها اليهود ‪،‬‬
‫والنصارى ‪ ،‬ومنها هذه الوثيقة ‪ .‬والكاتب هو عبد الباقي فصه ‪.‬‬
‫الجزائر ‪ .‬جامعة قسنطينة ‪.‬‬
‫ويزاد عليه ‪ :‬أن من أدلة تزويرها ‪ ،‬ذكر شهادة أبي هريرة ‪ -‬رضي‬
‫الله عنه ‪ -‬عليها ‪ ،‬وهو إنما أسلم عام خيبر سنة ‪ ، 7‬وهي مؤرخة‬
‫في العام الثاني من الهجرة ‪.‬‬
‫وانظر عن ‪ " :‬دير طور سيناء " ‪ ،‬والذي سمي في القرن التاسع‬
‫باسم ‪ " :‬دير سانت كاترين " ‪ " :‬الموسوعة العربية الميسرة ‪1 :‬‬
‫‪ " 830 /‬و ‪ " :‬المنجد " مادة ‪ " :‬دير طور سيناء " ‪ .‬و " المنجد‬
‫في العلم ‪ .‬ص ‪. " 295 /‬‬
‫‪ -8‬وتستهدف هدم قاعدة السلم ‪ ،‬وأصله ‪ " :‬الولء والبراء " و "‬
‫الحب والبغض في الله " ‪ ،‬فترمي هذه النظرية الماكرة إلى‬
‫كسر حاجز براءة المسلمين من الكافرين ‪ ،‬ومفاصلتهم ‪ ،‬والتدين‬
‫بإعلن بغضهم وعداوتهم ‪ ،‬والبعد عن موالتهم ‪ ،‬وتوليهم ‪،‬‬
‫وموادتهم ‪ ،‬وصداقتهم ‪.‬‬
‫‪ -9‬وتستهدف صياغة الفكر بروح العداء للدين في ثوب وحدة‬
‫الديان ‪ ،‬وتفسيخ العالم السلمي من ديانته ‪ ،‬وعزل شريعته في‬
‫القرآن والسنة عن الحياة ‪ ،‬حينئذ يسهل تسريحه في مجاهل‬
‫الفكر ‪ ،‬والخلقيات الهدامة ‪ ،‬مفرغا ً من كل مقوماته ‪ ،‬فل‬
‫ما‬
‫يترشح لقيادة أو سيادة ‪ ،‬وجعل المسلم في محطة التلقي ل ِ َ‬
‫عليه أعدائه ‪ ،‬وأعداء دينه ‪ ،‬وحينئذ ٍ يصلون إلى خسة الغاية ‪:‬‬
‫القفز إلى السلطة العالمية بل مقاوم ‪.‬‬
‫‪ -10‬وتستهدف إسقاط جوهر السلم ‪ ،‬واستعلئه ‪ ،‬وظهوره‬
‫وتميزه ‪ ،‬بجعل دين السلم المحكم المحفوظ من التحريف‬
‫والتبديل ‪ ،‬في مرتبة متساوية مع غيره من كل دين محرف‬
‫منسوخ ‪ ،‬بل مع العقائد الوثنية الخرى ‪.‬‬
‫‪ -11‬وترمي إلى تمهيد السبيل ‪ " :‬للتبشير بالتنصير " والتقديم‬
‫لذلك بكسر الحواجز لدى المسلمين ‪ ،‬وإخماد توقعات المقاومة‬
‫من المسلمين ؛ لسبق تعبئتهم بالسترخاء ‪ ،‬والتبلد ‪.‬‬
‫‪ -12‬ثم غاية الغايات ‪ :‬بسط جناح الكفرة من اليهود ‪،‬‬
‫والنصارى ‪ ،‬والشيوعيين ‪ ،‬وغيرهم على العالم بأسره ‪ ،‬والتهامه ‪،‬‬

‫‪137‬‬
‫وعلى العالم السلمي بخاصة ‪ ،‬وعلى الشرق الوسط بوجه‬
‫خاص ‪ ،‬وعلى قلب العالم السلمي ‪ ،‬وعاصمته ‪ " :‬الجزيرة‬
‫العربية " بوجه أخص ‪ ،‬في أقوى مخطط تتكالب فيه أمم الكفر‬
‫وتتحرك من خلله ؛ لغزو شامل ضد السلم والمسلمين بشتى‬
‫أنواع النفوذ ‪ :‬الفكري ‪ ،‬والثقافي ‪ ،‬والقتصادي ‪ ،‬والسياسي ‪،‬‬
‫وإقامة سوق مشترك ‪ ،‬ل تحكمه دولة السلم ‪ ،‬ول سمع فيه ‪،‬‬
‫ول طاعة لخلق فاضل ول فضيلة ‪ ،‬ول كسب حلل ‪ ،‬فيفشو‬
‫الربا ‪ ،‬وتنتشر المفسدات ‪ ،‬وتدجن الضمائر ‪ ،‬والعقول ‪ ،‬وتشتد‬
‫القوى الخبيثة ضد أي فطرة سليمة ‪ ،‬وشريعة مستقيمة ‪ .‬وما "‬
‫مؤتمر السكان والتنمية " المعقود بالقاهرة في ‪/ 3 / 29 :‬‬
‫‪ 1415‬و " المؤتمر العالمي للمرأة " المعقود في بكين عام‬
‫‪ . 1416‬إل طروحات لنفاذ هذه الغايات البهيمية ‪.‬‬
‫هذا بعض ما تستهدفه هذه النظيرة الثمة ‪ ،‬وإن من شدة‬
‫البتلء ‪ ،‬أن يستقبل نزر من المسلمين ‪ ،‬ولفيف من المنتسبين‬
‫إلى السلم هذه " النظرية " ويركضوا وراءها إلى ما ُيعقد لها‬
‫من مؤتمرات ‪ ،‬ونحوها ‪ ،‬وتعلو أصواتهم بها ‪ ،‬مسابقين هؤلء‬
‫الكفرة إلى دعوتهم الفاجرة ‪ ،‬وخطتهم الماكرة ‪ ،‬حتى فاه بعض‬
‫المنتسبين إلى السلم بفكرته الثمة ‪:‬‬
‫" إصدار كتاب يجمع بين دفتيه ‪ " :‬القرآن الكريم ‪ ،‬والتوراة ‪،‬‬
‫والنجيل " ‪.‬‬
‫وإنا لنتلوا قول الله ‪ -‬تعالى ‪ } : -‬إن هي إل فتنتك تضل بها من‬
‫تشاء وتهدي بها من تشاء { ] العراف ‪. [ 155 /‬‬
‫ومن المعلوم أن " باب التأويل والجتهاد " باب واسع قد يؤول‬
‫بصاحبه إلى اعتقاد الحلل حراما ً ‪ ،‬والحرام حلل ً )‪ ، (23‬هذا إذا‬
‫كان في أصله سائغا ً فكيف إذا كان غير سائغ ‪ ،‬بل هو اجتهاد‬
‫آثم ؛ لمصادمته أصول الدين المعلومة منه بالضرورة ‪ ،‬وعلى كل‬
‫الحالين فل يجوز ترك بيان السنة والهدى ‪ ،‬ويجب رد الجتهادات‬
‫والتأويلت الخاطئة ‪ ،‬فضل عن الفاسدة أصل ً ‪ ،‬بل يجب البيان‬
‫لحفظ هذا الدين ‪ ،‬وكف العدوان عليه ‪ .‬وهذا من إعطاء السلم‬
‫حقه ‪ ،‬والوفاء بموجب العلم واليمان ‪.‬‬
‫إن هذه الدعوة بجذورها ‪ ،‬وشعاراتها ‪ ،‬ومفرداتها ‪ ،‬هي من أشد‬
‫ما ابلي به المسلمون في عصرنا هذا ‪ ،‬وهي أكفر آحاد ‪ " :‬نظرية‬
‫الخلط بين السلم والكفر ‪ ،‬والحق والباطل ‪ ،‬والهدى والضللة ‪،‬‬
‫والمعروف والمنكر ‪ ،‬والسنة والبدعة ‪ ،‬والطاعة والمعصية " ‪.‬‬
‫وهذه الدعوة الثمة ‪ ،‬والمكيدة المهولة ‪ ،‬قد اجتمعت فيها بليا‬
‫التحريف ‪ ،‬والنتحال ‪ ،‬وفاسد التأويل ‪ ،‬وإن هذه المة‬
‫المرحومة ‪ ،‬أمة السلم ‪ ،‬لن تجتمع على ضللة ‪ ،‬ول يزال فيها ‪-‬‬

‫‪138‬‬
‫بحمد الله ‪ -‬طائفة ظاهرة على الحق ‪ ،‬حتى تقوم الساعة ‪ ،‬من‬
‫أهل العلم والقرآن ‪ ،‬والهدى والبيان ‪ ،‬تنفي عن دين الله تحريف‬
‫الغالين ‪ ،‬وانتحال المبطلين ‪ ،‬وتأويل الجاهلين ‪ ،‬فكان حقا ً علينا‬
‫وعلى جميع المسلمين ‪ :‬التعليم ‪ ،‬والبيان ‪ ،‬والنصح ‪ ،‬والرشاد ‪،‬‬
‫وصد العاديات عن دين السلم ‪ .‬ومن حذر فقد بشر ‪.‬‬
‫وق هذه النظرية الخطرة‬ ‫هذا جواب على سبيل الجمال يط ّ‬
‫ويكشف مخططاتها القريبة ‪ ،‬والبعيدة في الهدم ‪ ،‬والتدمير ‪،‬‬
‫وقفزهم إلى السلطة بل مقاوم ‪.‬‬
‫وخلصته ‪ " :‬أن دعوة المسلم إلى التوحيد دين السلم مع غيره‬
‫من الشرائع والديان الدائرة بين التحريف والنسخ بشريعة‬
‫السلم ‪:‬‬
‫ردة ظاهرة ‪ ،‬وكفر صريح ؛ لما تعلنه من نقض جرئ للسلم‬
‫أصل ً ‪ ،‬وفرعا ً ‪ ،‬واعتقادا ً ‪ ،‬وعمل ً ‪ ،‬وهذا إجماع ل يجوز أن يكون‬
‫محل خلف بين أهل السلم " ‪ .‬وإنها دخول معركة جديدة مع‬
‫عباد الصليب ‪ ،‬ومع أشد الناس عدواة للذين آمنوا ‪ .‬فالمر جد‬
‫وما هو بالهزل ‪.‬‬
‫والن أقيم الدلة مفصلة على هذه الخلصة الحكمية ‪ ،‬لن‬
‫النفوس تطمع بإقامة الدليل ‪ ،‬وإظهار البراهين ‪ ،‬وتوضيح الحجة‬
‫للسالكين ‪ ،‬فإلى البيان مفصل ً حتى ل تخفى الحال على مسلم‬
‫يقرأ القرآن ‪ ،‬ولتنقذه من التيه في ضباب الشعارات الكاذبة‬
‫ونقول لكل مسلم ‪ } :‬تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي‬
‫حديث بعد الله وآياته يؤمنون { ] الجاثية ‪. [ 6 /‬‬
‫المقام الثالث ‪-‬في الجواب مفصل ً‬
‫وهو يتجلى بإقامة الصول ‪ ،‬والمسلمات العقدية التية ‪:‬‬
‫الصل العام ‪ :‬دين النبياء واحد ‪ ،‬وشرائعهم متعددة ‪ ،‬والكل من‬
‫عند الله ‪-‬تعالى ‪. -‬‬
‫من أصول العتقاد في السلم ‪ :‬اعتقاد توحد الملة والدين في ‪:‬‬
‫التوحيد ‪ ،‬والنبوات ‪ ،‬والمعاد ‪ ،‬واليمان الجامع بالله ‪ ،‬وملئكته ‪،‬‬
‫وكتبه ورسله ‪ ،‬واليوم الخر ‪ ،‬والقدر خيره وشره ‪ ،‬وما تقتضيه‬
‫النبوة والرسالة من واجب الدعوة ‪ ،‬والبلغ ‪ ،‬والتبشير ‪ ،‬والنذار ‪،‬‬
‫وإقامة الحجة ‪ ،‬وإيضاح المحجة ‪ ،‬وإخراج الناس من الظلمات‬
‫إلى النور ‪ ،‬بإصلح النفوس ‪ ،‬وتزكيتها ‪ ،‬وعمارتها بالتوحيد ‪،‬‬
‫والطاعة ‪ ،‬وتطهيرها من النحراف ‪ ،‬والحكم بين الناس بما أنزل‬
‫الله ‪.‬‬
‫واعتقاد تعدد الشرائع وتنوعها في الحكام ‪ ،‬والوامر والنواهي ‪.‬‬
‫وهذا الصل هو ‪ " :‬جوهر الرسالت كلها " ‪.‬‬
‫وتفصيل هذا الصل العقدي بشقيه كالتي ‪:‬‬

‫‪139‬‬
‫أما توحد الملة والدين في دعوة جميع النبياء والمرسلين ‪:‬‬
‫فنعتقد أن أصل الدين واحد ‪ ،‬بعث الله به جميع النبياء‬
‫والمرسلين ‪ ،‬واتفقت دعوتهم إليه ‪ ،‬وتوحدت سبيلهم عليه ‪ ،‬وإنما‬
‫التعدد في شرائعهم المتفرعة عنه ‪ ،‬وجعلهم الله ‪ -‬سبحانه ‪-‬‬
‫وسائط بينه وبين عباده في تعريفهم بذلك ‪ ،‬ودللتهم عليه ؛‬
‫لمعرفة ما ينفعهم ‪ ،‬وما يضرهم ‪ ،‬وتكميل ما يصلحهم في‬
‫معاشهم ‪ ،‬ومعادهم ‪:‬‬
‫ُبعثوا جميعا ً بالدين الجامع الذي هو عبادة لله وحده ل شريك له ‪،‬‬
‫بالدعوة إلى توحيد الله ‪ ،‬والستمساك بحبله المتين ‪.‬‬
‫وبعثوا بالتعريف في الطريق الموصل إليه ‪.‬‬
‫وبعثوا ببيان حالهم بعد الوصول إليه ‪.‬‬
‫فاتحدت دعوتهم إلى هذه الصول الثلثة ‪:‬‬
‫* الدعوة إلى الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬في إثبات التوحيد ‪ ،‬وتقريره ‪ ،‬وعبادة‬
‫الله وحده ل شريك له ‪ ،‬وترك عبادة ما سواه ‪ ،‬فالتوحيد هو دين‬
‫العالم بأسره من آدم إلى آخر نفس منفوسة من هذه المة ‪.‬‬
‫* والتعريف بالطريق الموصل إليه ‪ -‬سبحانه ‪ -‬في إثبات النبوات‬
‫وما يتفرع عنها من الشرائع ‪ ،‬من صلة ‪ ،‬وزكاة ‪ ،‬وصيام ‪،‬‬
‫وجهاد ‪ ،‬وغيرها ‪ :‬أمرا ً ‪ ،‬ونهيا ً في دائرة أحكام التكليف الخمسة ‪:‬‬
‫المر وجوبا ً ‪ ،‬أو استحبابا ً ‪ ،‬والنهي ‪ :‬تحريما ً ‪ ،‬أو كراهة ‪،‬‬
‫والباحة ‪ ،‬وإقامة العدل ‪ ،‬والفضائل ‪ ،‬والترغيب ‪ ،‬والترهيب ‪.‬‬
‫* والتعريف بحال الخليقة بعد الوصول إلى الله ‪ :‬في إثبات‬
‫المعاد ‪ ،‬واليمان باليوم الخر ‪ ،‬والموت ‪ ،‬وما بعده من القبر ‪،‬‬
‫ونعيمه ‪ ،‬وعذابه ‪ ،‬والبعث بعد الموت ‪ ،‬والجنة والنار ‪ ،‬والثواب‬
‫والعقاب ‪.‬‬
‫وعلى هذه الصول الثلثة ‪ ،‬مدار الخلق والمر ‪ ،‬وإن السعادة‬
‫والفلح لموقوفة عليها ل غير‬
‫وهذا مما اتفقت عليه جميع الكتب المنزلة ‪ ،‬وبعث به جميع‬
‫النبياء والرسل ‪ ،‬وتلك هي الوحدة الكبرى بين الرسل ‪،‬‬
‫والرسالت ‪ ،‬والمم ‪.‬‬
‫وهذا هو المقصود من قول النبي صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬إنا‬
‫لت أمهاتهم شتى ودينهم واحد " متفق‬ ‫معشر النبياء أخوة ل ِعَ ّ‬
‫عليه من حديث أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪. -‬‬
‫وهو المقصود في قول الله ‪ -‬تعالى ‪ } : -‬شرع لكم من الدين ما‬
‫وصى به نوحا ً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى‬
‫وعيسى أن أقيموا الدين ول تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما‬
‫تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب {‬

‫‪140‬‬
‫] الشورى ‪ . [ 13 /‬وهذه الصول الكلية هي ما تضمنته عامة‬
‫السور المكية من القرآن الكريم ‪.‬‬
‫وإذا تأملت سر إيجاد الله لخليقته وهو عبادته ‪ ،‬كما في قول الله‬
‫‪ -‬تعالى ‪ } : -‬وما خلقت الجن والنس إل ليعبدون { ] الذاريات ‪/‬‬
‫‪ . [ 56‬عرفت ضرورة توحد الملة ‪ ،‬والدين ‪ ،‬ووحدة الصراط‬
‫ولهذا جاء في أم القرآن ‪ ،‬فاتحة الكتاب الله ‪ -‬عز وجل ‪: -‬‬
‫} اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم { ثم أتبع‬
‫ذلك بأن اليهود والنصارى ‪ ،‬خارجون عن هذا الصراط ‪ ،‬فقال ‪-‬‬
‫سبحانه ‪ } -‬غير المغضوب عليهم والضالين { ‪.‬‬
‫م العظيمة مما قصه الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬علينا في‬ ‫حك َ َ‬‫وبهذا تدرك ال ِ‬
‫القرآن العظيم من قصص النبياء وأخبارهم مع أممهم ؛ لخذ‬
‫العبرة ‪ ،‬والتفكر ‪ ،‬وتثبيت أفئدة النبياء وإثبات النبوة والرسالة ‪،‬‬
‫وجعلها موعظة وذكرى للمؤمنين ‪ ،‬وأخبار المم المكذبة لرسلهم‬
‫وما صارت إليه عاقبتهم ‪ ،‬وأنها سننه ‪ -‬سبحانه ‪ -‬فيمن أعرض‬
‫عن سبيله ‪.‬‬
‫والدين بهذا العتبار ‪ :‬هو ‪ " :‬دين السلم " بمعناه العام ‪ ،‬وهو ‪:‬‬
‫إسلم الوجه لله ‪ ،‬وطاعته ‪ ،‬وعبادته وحده ‪ ،‬والبراءة من الشرك‬
‫‪ ،‬واليمان بالنبوات ‪ ،‬والمبدأ ‪ ،‬والمعاد ‪.‬‬
‫ولوحدة الدين بهذا العتبار في دعوة جميع النبياء والمرسلين ‪،‬‬
‫وحد ‪ -‬سبحانه ‪ " : -‬الصراط " و " السبيل " في جميع آيات‬
‫القرآن الكريم ‪.‬‬
‫وهذا الدين " دين السلم " بهذا أي باعتبار ‪ :‬وحدته العامة ‪،‬‬
‫وتوحد صراطه ‪ ،‬وسبيله ‪ ،‬هو الذي ذكره الله في آيات من كتابه‬
‫ديق ‪ ،‬وموسى ‪،‬‬ ‫عن أنبيائه ‪ :‬نوح ‪ ،‬وإبراهيم ‪ ،‬وبنيه ‪ ،‬ويوسف الص ّ‬
‫ودعوة نبي الله سليمان ‪ ،‬وجواب بلقيس ملكة سبأ ‪ ،‬وعن‬
‫الحواريين ‪ ،‬وعن سحرة فرعون ‪ ،‬وعن فرعون حين أدركه‬
‫الغرق ‪.‬‬
‫ودين السلم بهذا العتبار ‪ :‬هو دين جميع النبياء والمرسلين‬
‫وملتهم بل إن إسلم كل نبي ورسول يكون سابقا ً لمته ‪ ،‬وهو‬
‫محل بعثته إلى أمته ‪ ،‬وما يتبع ذلك من شريعته ‪.‬‬
‫كما قال الله ‪ -‬تعالى ‪ } : -‬ولقد بعثنا في كل أمة رسول ً أن‬
‫اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت { ] النحل ‪. [ 36 /‬‬
‫وقال ‪ -‬سبحانه ‪ } : -‬وما أرسلنا من قبلك من رسول إل نوحي‬
‫إليه أنه ل إله إل أنا فاعبدون { ] النبياء ‪. [ 25 /‬‬
‫وإنما خص الله ‪ -‬سبحانه ‪ -‬نبيه إبراهيم ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬بأن ‪" :‬‬
‫دين السلم " بهذا العتبار العام هو ملته ‪ ،‬في مثل قوله تعالى ‪:‬‬

‫‪141‬‬
‫} قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا ً { ] آل عمران ‪[ 95 /‬‬
‫لوجوه ‪:‬‬
‫أولها ‪ :‬أنه ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬واجه في تحقيق التوحيد ‪ ،‬وتحطيم‬
‫الشرك ‪ ،‬ونصر الله له بذلك ما قص الله خبره ‪ ،‬أمرا ً عظيما ً ‪.‬‬
‫ثانيها ‪ :‬أن الله ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬جعل في ذريته النبوة‬
‫والكتاب ؛ ولذا قيل له ‪ " :‬أبو النبياء " ؛ ولذا قال الله تعالى ‪:‬‬
‫} ملة أبيكم إبراهيم { ] الحج ‪ [ 78 /‬وهو ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬تمام‬
‫ثمانية عشر نبيا ً سماهم الله في كتابه من ذريته ‪ ،‬وهم ‪ :‬ابنه‬
‫إسماعيل ‪ ،‬ومن ذريته من محمد عليهما الصلة والسلم ‪ ،‬وابنه‬
‫إسحاق ومن ذريته ‪ :‬يعقوب بن إسحاق ‪ ،‬ويوسف ‪ ،‬وأيوب ‪ ،‬وذو‬
‫الكفل ‪ ،‬وموسى ‪ ،‬وهارون ‪ ،‬وإلياس ‪ ،‬واليسع ‪ ،‬ويونس ‪ ،‬وداود‬
‫وسليمان ‪ ،‬وزكريا ‪ ،‬ويحيى ‪ ،‬وعيسى ‪ -‬عليهم السلم ‪. -‬‬
‫ثالثهما ‪ :‬لبطال مزاعم اليهود‪ ،‬والنصارى في دعواهم أنهم على‬
‫ملة إبراهيم ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬فقد كذبهم الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬في قوله ‪:‬‬
‫} أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والسباط‬
‫كانوا هودا ً أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله ومن اظلم ممن كتم‬
‫شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون { ‪ ] .‬البقرة ‪/‬‬
‫‪. [ 140‬‬
‫ورد الله عليهم محاجتهم في ذلك بقوله ‪ } :‬يا أهل الكتاب لم‬
‫تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والنجيل إل من بعده أفل‬
‫تعقلون ‪ .‬ها أنتم هؤلء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون‬
‫فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم ل تعلمون ‪ .‬ما كان‬
‫إبراهيم يهوديا ً ول نصرانيا ً ولكن كان حنيفا ً مسلما ً وما كان من‬
‫المشركين { ] آل عمران ‪. [ 67 - 65 /‬‬
‫ثم بين ‪ -‬سبحانه ‪ -‬أن أولى الناس بإبراهيم هم الذين على ملته‬
‫وسنته ‪ ،‬فقال ‪ -‬تعالى ‪ } : -‬إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه‬
‫وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين { ] آل عمران ‪68 /‬‬
‫[‪.‬‬
‫وبين ‪ -‬سبحانه ‪ -‬أن هذه المحاولة الكاذبة البائسة من أهل‬
‫الكتاب جارية في محاولتهم مع المسلمين ؛ لضللهم عن‬
‫دينهم ‪ ،‬ولبس الحق بالباطل ‪ ،‬فقال تعالى ‪ } :‬وقالوا كونوا هودا ً‬
‫أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا ً وما كان من‬
‫المشركين ‪ .‬قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم‬
‫وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والسباط وما أوتي موسى وعيسى‬
‫وما أوتي النبيون من ربهم ل نفرق بين أحد منهم ونحن له‬
‫مسلمون ‪ .‬فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا ‪ ،‬وإن تولوا‬

‫‪142‬‬
‫فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم {‬
‫] البقرة ‪. [ 137 - 135 /‬‬
‫وهكذا يجد المتأمل في كتاب الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬التنبيه في كثير من‬
‫اليات إلى أن هذا القرآن ما أنزل إل ليجدد دين إبراهيم ؛ حتى‬
‫دعاهم بالتسمية التي يكرهها اليهود والنصارى ‪ " :‬ملة إبراهيم "‬
‫فاقرأ قول الله ‪ -‬تعالى ‪ } : -‬وجاهدوا في الله حق جهاده هو‬
‫اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم‬
‫هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا ً‬
‫عليكم وتكونوا شهداء على الناس { ] الحج ‪. [ 78 /‬‬
‫والخلصة ‪:‬‬
‫أن لفظ ‪ " :‬السلم " له معنيان ‪ ،‬معنى عام ‪ :‬يتناول إسلم كل‬
‫أمة متبعة لنبي من أنبياء الله الذي بعث فيهم ‪ ،‬فيكونون‬
‫مسلمين‪ ،‬حنفاء على ملة إبراهيم بعبادتهم لله وحده واتباعهم‬
‫لشريعة من بعثه الله فيهم ‪ ،‬فأهل التوراة قبل النسخ والتبديل ‪،‬‬
‫مسلمون حنفاء على ملة إبراهيم ‪ ،‬فهم على " دين السلم " ‪،‬‬
‫ثم لما بعث الله نبيه عيسى ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬فإن من آمن من‬
‫أهل التوراة بعيسى ‪ ،‬واتبعه فيما جاء به فهو مسلم حنيف على‬
‫ملة إبراهيم ‪ ،‬ومن كذب منهم بعيسى ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬فهو كافر‬
‫ل يوصف بالسلم ؛ ثم لما بعث الله محمدا ً ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬وهو خاتمهم ‪ ،‬وشريعته خاتمة الشرائع ‪ ،‬ورسالته خاتمة‬
‫الرسالت ‪ ،‬وهي عامة لهل الرض وجب على أهل الكتابين ‪،‬‬
‫وغيرهم ‪ ،‬اتباع شريعته ‪ ،‬وما بعثه الله به ل غير ‪ ،‬فمن لم يتبعه‬
‫فهو كافر ل يوصف بالسلم ول أنه حنيف ‪ ،‬ول أنه على ملة‬
‫إبراهيم ‪ ،‬ول ينفعه ما يتمسك به من يهودية ‪ ،‬أو نصرانية ‪ ،‬ول‬
‫يقبله الله منه ‪ ،‬فبقي اسم ‪ " :‬السلم " عند الطلق منذ بعثة‬
‫محمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬حتى يرث الله الرض ومن عليها‬
‫‪ ،‬مختصا ً بمن يتبعه ل غير ‪ .‬وهذا هو معناه الخاص الذي ل يجوز‬
‫إطلقه على دين سواه ‪ ،‬فكيف وما سواه دائر بين التبديل‬
‫والنسخ ‪ .‬فإذا قال أهل الكتاب للمسلمين ‪ " :‬كونوا هودا ً ‪ ،‬أو‬
‫نصارى " فقد أمر الله المسلمين أن يقولوا لهم ‪ " :‬بل ملة‬
‫إبراهيم حنيفا ً ‪ ،‬ول يوصف أحد اليوم بأنه مسلم ‪ ،‬ول أنه على‬
‫ملة إبراهيم ‪ ،‬ول أنه من عباد الله الحنفاء إل إذا كان متبعا ً لما‬
‫بعث الله به خاتم أنبيائه ورسله محمدا ً ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‬
‫‪.-‬‬
‫وأما تنوع الشرائع وتعددها ‪ :‬فيقول الله ‪ -‬تعالى ‪ } : -‬لكل جعلنا‬
‫منكم شرعة ومنهاجا ً { ] المائدة ‪. [ 48 /‬‬

‫‪143‬‬
‫شرعة ‪ :‬أي شريعة وسنة ‪ .‬قال بعض العلماء ‪ :‬سميت الشريعة‬
‫شريعة ‪ ،‬تشبيها ً بشريعة الماء ‪ ،‬من حيث أن من شرع فيها على‬
‫الحقيقة المصدوقة ‪َ ،‬رَوى وتطهر ‪.‬‬
‫ومنهاجا ً ‪ :‬أي طريقا ً ‪ ،‬وسبيل ً واضحا إلى الحق ؛ ليعمل به في‬
‫ً‬
‫الحكام ‪ ،‬والوامر ‪ ،‬والنواهي ؛ ليعلم الله من يطيعه ممن يعصيه‬
‫‪.‬‬
‫ً‬
‫ويقول ‪ -‬سبحانه ‪ } : -‬لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه فل‬
‫ينازعنك في المر وادع إلى ربك إنك لعلى هدىً مستقيم {‬
‫] الحج ‪. [ 67 /‬‬
‫منسكا ً ‪ :‬متعبدا ً هم ناسكوه ‪ :‬متعبدون به ‪.‬‬
‫وقال ‪ -‬تعالى ‪ -‬في حق نبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ } :‬ثم جعلناك على شريعة من المر فاتبعها { ] الجاثية ‪. [ 18 /‬‬
‫وقد علمنا الصول التي تساوت فيها الملل ‪ ،‬وتوطأت دعوة أنبياء‬
‫الله ورسله إليها ‪ :‬إلى دين واحد ‪ ،‬وملة واحدة في تقرير‬
‫العبودية لله ‪ -‬سبحانه ‪ -‬ل شريك له وتوحيده ‪ ،‬وتقرير النبوة ‪،‬‬
‫والمعاد ‪ ،‬ووحدة التشريع من عند الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬فهذه ل تتغير ول‬
‫تتبدل ‪ ،‬ول يدخلها نسخ فهي محكمة غير منسوخة ‪ ،‬ول تقبل‬
‫الجتهاد ‪ ،‬ول التخصيص ‪.‬‬
‫أما الشرائع ‪ ،‬فهي ‪ ،‬مختلفة ‪ ،‬متنوعة ‪ ،‬ومتنوعة ‪ ،‬ويعترضها‬
‫النسخ ‪ ،‬فكل شريعة رسول تخالف الخرى في كل أو بعض أمور‬
‫التشريع ‪:‬‬
‫فهناك حكم تعبدي في شريعة رسول ينتهي بانتهاء شريعته ببعثة‬
‫رسول آخر ‪ ،‬فينسخه ‪.‬‬
‫وهناك حكم يغير في بعض جزئياته في وقته ‪ ،‬أو كيفيته ‪ ،‬أو‬
‫مقداره ‪ ،‬أو حكمه من التشديد إلى التخفيف ‪ ،‬وبعكسه ‪.‬‬
‫وهناك حكم يكون في شريعة لحقة دون السابقة ‪ ،‬أو عكسه ‪.‬‬
‫وهكذا ‪ ،‬من تنوع التشريع في الحكام العملية والقولية ‪ ،‬من‬
‫الوامر والنواهي ‪ ،‬حسب سابق علم الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬وحكمته في‬
‫تشريعه وأمره ‪ ،‬بأوضاع كل أمة ‪ ،‬وأزمانها ‪ ،‬وأحوالها وطبائعها‬
‫من قوتها ‪ ،‬وضعفها ‪ ،‬وحسب أبدية التشريع ‪ ،‬أو تغييره ونسخه ‪.‬‬
‫وهذا يكاد ينتظم أبواب التشريع في العبادات ‪ ،‬والمعاملت ‪،‬‬
‫والنكاح ‪ ،‬والفرق ‪ ،‬والجنايات والحدود ‪ ،‬واليمان والنذور ‪،‬‬
‫والقضاء ‪ ،‬وغير ذلك من الفروع التي ترجع إلى وحدة الدين‬
‫والملة ‪.‬‬
‫ولذا فإن شريعة السلم ‪ ،‬وهي آخر الشرائع ‪ ،‬باينت جميع‬
‫الشرائع في عامة الحكام العملية ‪ ،‬والقولية ‪ ،‬والوامر‬

‫‪144‬‬
‫والنواهي ؛ لما لها من صفة الدوام ‪ ،‬والبقاء ‪ ،‬وأنها آخر شريعة‬
‫نزلت من عند الله ‪ ،‬ناسخة لما قبلها من شرائع النبياء ‪.‬‬
‫والن إلى بينان تحقيق اليمان الجامع بالله ‪ ،‬وكتبه ‪ ،‬ورسله ‪،‬‬
‫بيان نقض الكتابيين لهذا الصل العقدي العام ‪ ،‬وكفرهم به ‪ ،‬وما‬
‫هم عليه من نواقض لهذه الركان الثلثة ‪:‬‬
‫اليمان بالله تعالى ‪:‬‬
‫الصل في بني آدم هو ‪ " :‬التوحيد " وهو المقصود الذي خلقوا له‬
‫فيما أمرهم الله به على ألسنة أنبيائه ورسله ‪ } :‬اعبدوا الله ما‬
‫لكم من إله غيره { ‪.‬‬
‫وقد كان الناس على هذا الصل ‪ :‬كلهم على السلم والتوحيد ‪،‬‬
‫والخلص ‪ ،‬والفطرة ‪ ،‬والسداد ‪ ،‬والستقامة ‪ :‬المة واحدة ‪،‬‬
‫والدين واحد ‪ ،‬والمعبود واحد ‪.‬‬
‫وذلك من أبينا أبي البشر نبي الله آدم ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬إلى قبيل‬
‫عهد رسول الله نوح ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬كلهم على الهدى ‪ ،‬وعلى‬
‫شريعة من الحق ؛ لتباعهم النبوة ‪.‬‬
‫أول وقع الشرك في قوم نوح من الغلو في القبور ‪:‬‬
‫ثم كان من مكايد الشيطان أن اختلفوا بعد ذلك بتركهم اتباع‬
‫النبياء فيما أمروا به من التوحيد والدين ‪ ،‬ووقعوا في الشرك‬
‫بسبب تعظيم الموتى ‪ ،‬عندئذ ٍ انقسموا ‪ :‬موحدين ‪ ،‬ومشركين ‪.‬‬
‫هكذا نفذ الشيطان إلى قلوبهم بإدباب الخلف بينهم بترك اتباع‬
‫النبياء ‪ ،‬وكادهم بتعظيم موتاهم حتى عكفوا على قبورهم ‪ ،‬ثم‬
‫كادهم بتصوير تماثيلهم ‪ ،‬ثم كادهم بعبادتهم ‪ ،‬فكان هؤلء‬
‫المشركون في قوم نوح هم أول صنف من المشركين وشركهم‬
‫هذا ‪ " :‬تعظيم الموتى " هو الشرك الرضي ‪ ،‬وهو أول شرك‬
‫بالله ‪ ،‬طرق العالم ‪ ،‬وكان نوح ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬هو أول رسول‬
‫بعث إلى المشركين ‪.‬‬
‫قال غير واحد من السلف في قول الله ‪ -‬تعالى ‪ } : -‬وقالوا ل‬
‫تذرن آلهتكم ول تذرن ودا ً ول سواعا ً ول يغوث ويعوق ونسرا ً {‬
‫] نوح ‪ " : [ 23 /‬إن هذه أسماء قوم صالحين كانوا فيهم ‪ ،‬فلما‬
‫ماتوا عكفوا على قبورهم ‪ ،‬ثم صوروا تماثيلهم ‪ ،‬ثم بعد ذلك‬
‫عبدوهم ‪ ،‬وذلك أول ما عبدت الصنام ‪ ،‬وأن هذه الصنام صارت‬
‫إلى العرب ‪ " . . .‬ابتدعوا الشرك ‪ ،‬وابتدعوا عبادة الوثان ‪ ،‬بدعة‬
‫من تلقاء أنفسهم بشبهات زينها الشيطان لهم بالمقاييس‬
‫الفاسدة ‪ ،‬والفلسفة الحائدة ‪.‬‬
‫قال البخاري في ‪ " :‬صحيحه " عن ابن عباس ‪ -‬رضي الله عنهما‬
‫‪ " -‬هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح ‪ ،‬فلما هلكوا أوحى‬
‫الشيطان إلى قومهم ‪ :‬أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا‬

‫‪145‬‬
‫يدعون أنصابا ً ‪ ،‬وسموها بأسمائهم ففعلوا ‪ ،‬فلم تعبد حتى إذا‬
‫هلك أولئك ‪ ،‬ونسخ العلم ‪ :‬عبدت " ‪.‬‬
‫عندئذ ٍ لما عبدت الصنام ‪ ،‬والطواغيت ‪ ،‬وشرع الناس في‬
‫الضللة والكفر ‪ ،‬بعث الله رحمة بعباده أول رسول إلى أهل‬
‫الرض وهو ‪ :‬رسول الله نوح ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬وهو ‪ :‬نوح بن لمك‬
‫بن متوشلخ بن أخنوخ ‪ -‬وهو نبي الله إدريس عليه السلم ‪ -‬بن‬
‫يرد بن مهليبل من قينن بن أنوش بن نبي الله شيت ‪ -‬عليه‬
‫السلم ‪ ، -‬بن آدم أبي البشر ‪ -‬عليه السلم ‪. -‬‬
‫وكان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على السلم كما في‬
‫صحيح البخاري عن ابن عباس ‪ -‬رضي الله عنهما ‪. -‬‬
‫ومكث نوح ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬في قومه ألف سنة إل خمسين‬
‫عاما ً ‪ .‬يدعوهم إلى عبادة الله وحده ل شريك له وينهاهم عن‬
‫عبادة ما سواه فلما أعلمه الله أنه لن يؤمن من قومه إل من قد‬
‫آمن أهلكهم الله بالغرق بدعوته ‪ .‬وجاءت الرسل من بعده‬
‫مى الله منهم في القرآن العظيم ‪:‬‬ ‫س ّ‬
‫تترى ‪َ .‬‬
‫هودا ً ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬وهو ‪ :‬هود بن شالخ بن أرفخشذ بن سام‬
‫ابن نوح ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬وهو أول نبي من نسل العرب ‪ ،‬بعثه‬
‫الله في الحقاف بحضر موت وهم قومه ‪ :‬عاد الولى ‪ ،‬وهم أول‬
‫من عبد الصنام بعد الطوفان ‪ ،‬كما فصل الله ذلك في سورة‬
‫العراف ‪ . [ 72 - 65 ] :‬وفي سورة هود ‪ . [ 60 - 50 ] :‬وفي‬
‫سورة المؤمنون ‪ . [ 41 - 31 ] :‬وفي سورة الشعراء ‪- 123 ] :‬‬
‫‪ [ 140‬وفي سورة ‪ ) :‬حم السجدة ( ‪ . [ 16 - 15 ] :‬وفي سورة‬
‫الحقاف ‪ . [ 25 - 21 ] :‬وغيرها من سور القرآن الكريم ‪.‬‬
‫ونبي الله صالحا ً ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬وهو ‪ :‬صالح بن عبيد بن ماسح‬
‫بن عبيد بن حادر بن ثمود بن عاثر بن إرم بن سام بن نوح ‪.‬‬
‫وهو ثاني نبي من نسل العرب بعثه الله في قومه ثمود ‪ ،‬بعد نبي‬
‫الله هود في عاد ‪ .‬وقد ذكر الله في القرآن العظيم من خبرهم‬
‫مع نبيهم ‪ ،‬وخبر الناقة وإصرارهم على عبادة الصنام ‪ ،‬في عدة‬
‫سور من القرآن ‪ ،‬في السور المذكورة ‪ ،‬وفي سورة الحجر ‪،‬‬
‫وغيرها ‪.‬‬
‫أول وقوع الشرك في الرض في قوم إبراهيم من عبادة‬
‫الكواكب ‪:‬‬
‫حتى إذا عم الرض الشرك من طراز جديد من دين الصابئة في‬
‫حران ‪ ،‬والمشركين من عبدة الكواكب والشمس والقمر في‬
‫كابل ‪ ،‬وعبدة الصنام في بابل ‪ ،‬لما كانت النماردة ‪ ،‬والفراعنة‬
‫ملوك الرض شرقا ً وغربا ً ‪ ،‬وهذا هو الصنف الثاني " عبادة‬
‫الكواكب " وهو " الشرك السماوي " من المشركين بعد‬

‫‪146‬‬
‫مشركي قوم نوح ‪ ،‬عبدة القبور ‪ ،‬وكان كل من على وجه الرض‬
‫كفارا ً سوى إبراهيم الخليل ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬وامرأته سارة ‪ ،‬وابن‬
‫أخيه لوط ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬بعث الله رسوله ‪ :‬إمام الحنفاء ‪ ،‬وأبا‬
‫النبياء ‪ ،‬وأساس الملة الخالصة ‪ ،‬والكلمة الباقية ‪ :‬إبراهيم خليل‬
‫الرحمن من أرض بابل وهو ‪:‬‬
‫إبراهيم بن آزر ‪ -‬وهو تارخ ‪ -‬بن ناحور بن ساروغ بن راعو بن‬
‫فالغ بن عاير بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح ‪ -‬عليه‬
‫السلم ‪. -‬‬
‫وكان الخليل ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬هو الذي أزال الله به تلك الشرور ‪،‬‬
‫وأبطل به ذلك الضلل ‪ ،‬فإن الله ‪ -‬سبحانه ‪ -‬آتاه رشده في‬
‫ضغره ‪ ،‬وابتعثه رسول ً ‪ ،‬واتخذه خليل ً في كبره ‪.‬‬
‫وقد قص الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬خبره مع أبيه ‪ ،‬وقومه في عدد من سور‬
‫القرآن ‪ ،‬وفي سورة إبراهيم ‪ ،‬في إنكاره عليهم عبادة الوثان ‪،‬‬
‫قرها عندهم ‪ ،‬وتنقصها ‪ ،‬وتكسيره لها ‪ ،‬ومناظرته ‪ -‬عليه‬ ‫وح ّ‬
‫السلم ‪ -‬لملك بابل النمرود بن كنعان ‪ ،‬ومحاجته له ‪ ،‬حتى اهلك‬
‫الله النمرود ببعوضة فهاجر إبراهيم ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬إلى أرض‬
‫الشام ‪ ،‬ثم إلى الديار المصرية ‪ ،‬وتزوج بهاجر ‪ ،‬وكان الولدان‬
‫المباركان والنبيان الكريمان ‪ :‬إسماعيل من هاجر القبطية‬
‫المصرية ‪ ،‬وإسحاق من سارة ابنة عمه ‪.‬‬
‫ولما وقع بين سارة وهاجر من غيرة النساء ما وقع ‪ ،‬هاجر‬
‫إبراهيم بهاجر ‪ ،‬وابنها إسماعيل إلى مكة ‪ -‬حرسها الله تعالى ‪-‬‬
‫فكان ما كان من أمرهم في البلد الحرام من نبوع زمزم ‪ ،‬وبناء‬
‫البيت الحرام وغيرها من المور العظام ‪.‬‬
‫وكان لوط بن هارون بن تارخ قد بعثه الله نبيا ً ‪ ،‬فاتفقت بعثته مع‬
‫بعثة عمه الخليل إبراهيم ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬بن تارخ ‪ -‬آزر ‪ -‬في‬
‫زمن واحد وكان من خبره مع قومه في أرض سدوم بالشام‬
‫قرب الردن ما قصه الله في كتابه من دعوته لهم إلى عبادة الله‬
‫‪ ،‬وترك عبادة الوثان ‪ ،‬وما ابتدعوه من فعل الفاحشة ‪ ،‬فأهلكهم‬
‫الله ‪ ،‬وأنجاه هو وأهله إل امرأته كانت من الغابرين ‪.‬‬
‫ثم بعث الله نبيه شعيبا ً خطيب النبياء ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬إلى مدين‬
‫أصحاب اليكة ‪ -‬وهي شجرة كانوا يعبدونها ‪ -‬وهو قوم من العرب‬
‫‪ ،‬يسكون مدين في أطراف الشام ‪ ،‬وهو ‪:‬‬
‫نبي الله ‪ :‬شعيب بن مكيل بن بشجن بن مدين بن إبراهيم ‪،‬‬
‫وقيل غير ذلك في نسبه ‪.‬‬
‫وهكذا تتابع النبياء من ذرية إبراهيم ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬في ذرية‬
‫ابنيه النبيين الكريمين ‪ :‬الذبيح إسماعيل أبو العرب ‪ ،‬ثم إسحاق ‪-‬‬
‫عليها السلم ‪. -‬‬

‫‪147‬‬
‫هم‬‫جر ُ‬‫* وكان إسماعيل ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬قد بعثه الله في ُ‬
‫والعماليق ‪ ،‬واليمن ‪ ،‬وغيرهم من أهل تلك الناحية في الحجاز‬
‫واليمن من جزيرة العرب ‪ .‬وكان من ذريته خاتم النبياء محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫* وكان إسحاق عليه السلم ‪ -‬قد بعثه الله نبيا ً في الشام وحران‬
‫وما والها ‪ .‬وكان من ذريته العيص ‪ ،‬ومن سللته ‪ :‬نبي الله أيوب‬
‫‪ -‬عليه السلم ‪ -‬بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم ‪ -‬عليهم السلم‬
‫‪.-‬‬
‫ومن سللة إسحاق ‪ :‬ذو الكفل ‪ ،‬قال ابن كثير ‪ :‬وزعم قوم أنه‬
‫ابن أيوب ‪ .‬ثم استظهر ابن كثير أنه نبي ‪.‬‬
‫وأيوب ‪ ،‬وذو الكفل أرسل إلى أهل دمشق في الشام ‪.‬‬
‫وكان من ذريته نبي الله يعقوب ‪ -‬وهو إسرائيل ‪ ، -‬وإليه تنسب‬
‫بنو إسرائيل وتتابعت من بني إسرائيل ‪ :‬يوسف ‪ ،‬وموسى ‪،‬‬
‫وهارون ‪ ،‬وإلياس ‪ ،‬واليسع ‪ ،‬ويونس ‪ ،‬وداود ‪ ،‬وسليمان ‪،‬‬
‫ويحيى ‪ ،‬وزكريا ‪ ،‬وعيسى ‪ -‬عليهم السلم ‪. -‬‬
‫أول وقوع الشرك من النوعين في العرب وغيرهم وبعثة خاتم‬
‫النبياء محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫هكذا تتابع أنبياء بني إسرائيل ‪ ،‬وكان آخرهم المسيح عيسى ابن‬
‫مريم ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬وعلى حين فترة من النبياء والرسل ‪،‬‬
‫وكان الشرك من الصنفين ‪ :‬عبادة القبور والكواكب قد انتشر‬
‫في الرض ‪ ،‬وكانت العرب على إرث من ملة أبيهم إبراهيم في‬
‫جزيرة العرب ‪ ،‬ولكن كان عمرو بن لحي الخزاعي في رحلته‬
‫المشؤومة إلى الشام رآهم بالبلقاء لهم أصنام يستجلبون بها‬
‫المنافع ويستدفعون بها المضار ‪ ،‬فجلب مثل ذلك إلى مكة في‬
‫وقت كانت ولية البيت لخزاعة قبل قريش وكان هو سيد‬
‫خزاعة ‪ ،‬فكان برحلته المشؤومة هذه ‪ ،‬هو أول من غير دين‬
‫ب الوثان في البيت‬ ‫إسماعيل ‪ ،‬وانحراف عن ملة إبراهيم ‪ ،‬فَن َ َ‬
‫ص َ‬
‫الحرام ‪ ،‬وسيب السائبة ‪ ،‬وبحر البحيرة ‪ ،‬ووصل والوصيلة ‪،‬‬
‫وحمى الحامي ‪.‬‬
‫من هنا اتخذت العرب الصنام ‪ ،‬وكان أقدمها ‪ " :‬مناة " وكان‬
‫على ساحل البحر بقديد بين مكة والمدينة ‪ ،‬ثم " اللت "‬
‫بالطائف وهي صخرة مربعة ُيلت عندها السويق ‪ ،‬ثم " العزى "‬
‫وهي بوادي نخلة بعد ‪ " :‬الشرائع " للخارج من مكة شرقا ً ‪.‬‬
‫ثم تعددت الصنام في جزيرة العرب ‪ ،‬وكان لكل قبيلة صنم من‬
‫شجر أو حجر ‪ ،‬أو تمر ‪ ،‬وهكذا ‪ ،‬حتى كان منها حول الكعبة‬
‫ثلثمائة وستون صنما ً ‪ ،‬بل اتخذ أهل كل دار صنما ً لهم في دارهم‬
‫‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫ول تسأل عن انتشار الصنام ‪ ،‬وعبادة النار والكواكب في‬
‫فارس ‪ ،‬والمجوس ‪ ،‬والصابئة ‪ ،‬وأمم سواهم منهم من يعبد الماء‬
‫‪ ،‬ومنهم من يعبد الحيوان ‪ ،‬ومنهم من يعبد الملئكة ‪.‬‬
‫ومنهم من قال ‪ :‬الصانع اثنان ‪ ،‬هم الوثنية من المجوس ‪ ،‬وهم‬
‫شر من مشركي العرب ‪ ،‬وعظموا النور ‪ ،‬والنار ‪ ،‬والماء ‪،‬‬
‫والتراب ‪ ،‬وهكذا في أمم سواهم من ‪ :‬الصابئة ‪ ،‬والدهرية‬
‫والفلسفة ‪ ،‬والملحدة ‪ ،‬فصل ابن القيم ‪ -‬رحمه الله تعالى ‪-‬‬
‫فيهم وفي مذهبهم ‪ ،‬ومعبوداتهم ‪ :‬القول في ‪ " :‬إغاثة اللهفان ‪:‬‬
‫‪. " 320 - 203 / 2‬‬
‫بعثة خاتم النبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫لما كانت أمم الرض كذلك من الشرك ‪ ،‬والوثنية ‪ ،‬بعث الله‬
‫النبي الرسول الخاتم لجميع النبياء والمرسلين ‪ ،‬المبشر به من‬
‫المسيح ‪ ،‬ومن قبله من النبياء والمرسلين ‪ ،‬داعيا ً إلى ملة‬
‫إبراهيم ‪ ،‬ودين المرسلين قبل إبراهيم وبعده داعيا ً إلى ‪" :‬‬
‫التوحيد الخالص " ونبذ الشرك أرضيه ‪ ،‬وسماويه ‪ ،‬وسد ذريعة‬
‫هذا وهذا ‪ ،‬فََنهى عن اتخاذ القبور مساجد ‪ ،‬ونهى عن الصلة‬
‫عليها ‪ ،‬وإليها ‪ ،‬وعن تشريفها ؛ وهذا لسد ذرائع الشرك الرضي‬
‫التي من ‪ " :‬تعظيم الموتى " في قوم نوح ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬ونهى‬
‫عن الصلة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها ؛ لسد ذرائع "‬
‫الشرك السماوي " التي من ‪ " :‬عبادة الكواكب " في قوم‬
‫إبراهيم ‪ -‬عليه السلم ‪. (24) -‬‬
‫والخلصة ‪:‬‬
‫أن اليمان بالله ‪ -‬تعالى ‪ ، -‬الذي هو المطلوب من جميع‬
‫الثقلين ‪ ،‬ل يتم تحقيقه إل بالعتقاد الجازم بأن الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬رب‬
‫كل شئ ‪ ،‬ومليكه ‪ ،‬وأنه متصف بصفات الكمال والجلل ‪ ،‬وأنه ‪-‬‬
‫سبحانه ‪ -‬هو المستحق للعبادة وحده ل شريك له ‪ ،‬والقيام‬
‫بذلك ‪ ،‬علما ً ‪ ،‬وعمل ً ‪ ،‬ول يتحقق ذلك إل باتباع خاتم النبياء‬
‫والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم ل كما يظن‬
‫المتجاهلون ‪ ،‬أن اليمان بالله يتحقق باليمان بوجوده ‪ ،‬وربوبيته ‪،‬‬
‫دون اليمان بأسمائه وصفاته ‪ ،‬وتوحيده في عبادته ‪ ،‬ودون‬
‫المتابعة لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬مما جعلهم‬
‫ينادون بالتحاد بين السلم الحق ‪ ،‬القائم على التوحيد الكامل‬
‫وبين كل دين محرف مبدل ‪ ،‬فيه من نواقض هذا اليمان ما‬
‫تقشعر منه جلود الذين آمنوا ‪.‬‬
‫ومن هذه النواقض ما يأتي ‪:‬‬
‫نواقض اليمان بالله لدى اليهود ‪:‬‬

‫‪149‬‬
‫إن " اليهود " قبحهم الله ‪ ،‬هم بيت اللحاد ‪ ،‬والتطاول الخطير ‪-‬‬
‫تعالى الله ‪ -‬عما يقولون علوا ً كبيرا ً ‪.‬‬
‫وهذا بعض ما في القرآن الكريم من عقائدهم اللحادية ‪،‬‬
‫وكفرهم بالله ‪ -‬عز وجل ‪: -‬‬
‫قال الله ‪ -‬تعالى ‪ } : -‬وقالت اليهود عزير ابن الله { ] التوبة ‪/‬‬
‫‪. [ 30‬‬
‫وقال الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬عن اليهود ‪ } :‬لقد سمع الله قول الذين قالوا‬
‫إن الله فقير ونحن أغنياء { ] آل عمران ‪. [ 181 /‬‬
‫وقال ‪ -‬سبحانه ‪: -‬‬
‫غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل‬ ‫} وقالت اليهود يد الله مغلولة ُ‬
‫يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيرا ً منهم ما أنزل‬
‫إليك من ربك طغيانا ً وكفرا ً وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى‬
‫يوم القيامة كلما أوقدا نارا ً للحرب أطفأها الله ويسعون في‬
‫الرض فسادا ً والله ل ُيحب المفسدين { ] المائدة ‪. [ 64 /‬‬
‫وقال ‪ -‬سبحانه ‪ }: -‬إن الذين يكفرون بالله ورسله ‪ ،‬ويريدون أن‬
‫يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض‬
‫ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيل أولئك هم الكافرون حقا ً {‬
‫] النساء ‪. [ 151 - 150 /‬‬
‫نواقض اليمان بالله لدى النصارى ‪:‬‬
‫إن النصارى هم ‪ :‬المثلثة ‪ ،‬عباد الصليب ‪ ،‬الذين سبوا الله مسبة‬
‫ما سبه إياها أحد من البشر ‪ .‬وقد فضحهم الله في القرآن‬
‫العظيم ‪.‬‬
‫قال الله ‪ -‬تعالى ‪ } : -‬وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت‬
‫النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول‬
‫الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون ‪ .‬اتخذوا أحبارهم‬
‫ورهبانهم أربابا ً من دون الله والمسيح عيسى ابن مريم وما أمروا‬
‫إل ليعبدوا إلها ً واحدا ً ل إله إل هو سبحانه عما يشركون { ] التوبة‬
‫‪. [ 31 ، 30 /‬‬
‫وقال تعالى ‪ } :‬لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن‬
‫مريم ‪ ] { . . .‬المائدة ‪. [ 73 /‬‬
‫وقال سبحانه ‪ } :‬لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلثة ‪] { . . .‬‬
‫المائدة ‪. [ 73 /‬‬
‫وقال جل وعز ‪ } :‬يا أهل الكتاب ل تغلوا في دينكم ول تقولوا‬
‫على الله إل الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله‬
‫وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ول تقولوا‬
‫ثلثة انتهوا خيرا ً لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد‬

‫‪150‬‬
‫له ما في السموات وما في الرض وكفى بالله وكيل ً { ] النساء ‪/‬‬
‫‪. [ 171‬‬
‫اليمان بالكتب المنزلة ‪:‬‬
‫من أركان اليمان ‪ ،‬وأصول العتقاد ‪ :‬اليمان بجميع كتب الله‬
‫المنزلة على أنبيائه ورسله ‪ .‬وأن كتاب الله ‪ " :‬القرآن الكريم "‬
‫هو آخر كتب الله نزول ً ‪ ،‬وآخرها عهدا ً برب العالمين ‪ ،‬نزل به‬
‫جبريل المين ‪ ،‬من عند رب العالمين ‪ ،‬على نبيه ورسوله المين‬
‫محمد ‪ .‬وأنه ناسخ لكل كتاب أنزل من قبل ‪ :‬الزبور ‪ ،‬والتوراة ‪،‬‬
‫والنجيل وغيرها ‪ ،‬ومهيمن عليه ‪ ،‬فلم يبق كتاب منزل يتعبد الله‬
‫به ‪ ،‬ويتبع سوى " القرآن العظيم " ‪ .‬ومن يكفر به فقد قال الله‬
‫تعالى في حقه ‪ } :‬ومن يكفر من الحزاب فالنار موعده { ] هود‬
‫‪. [ 17 /‬‬
‫ومن الحقائق العقدية ‪ ،‬المتعين بيانها هنا ‪ :‬أن من الكتب‬
‫المنسوخة بشريعة السلم ‪ " :‬التوراة والنجيل " وقد لحقهما ‪،‬‬
‫التحريف ‪ ،‬والتبديل ‪ ،‬بالزيادة والنقصان والنسيان ‪ ،‬كما جاء بيان‬
‫ذلك في آيات من كتاب الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬منها عن ‪" :‬التوراة " قول‬
‫الله ‪ -‬تعالى ‪: -‬‬
‫} فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون‬
‫الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ول تزال تطلع على‬
‫خائنة منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين {‬
‫] المائدة ‪. [ 13 /‬‬
‫وقال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬عن " النجيل " ‪ } :‬ومن الذين قالوا إنا نصارى‬
‫أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا ً مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة‬
‫والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون {‬
‫] المائدة ‪. [ 14 /‬‬
‫وأن ما في أيدي اليهود ‪ ،‬والنصارى اليوم من التوراة والناجيل‬
‫المتعددة ‪ ،‬والسفار ‪ ،‬والصحاحات ‪ ،‬التي بلغت العشرات ‪،‬‬
‫ليست هي عين التوراة المنزلة على موسى عليه السلم ‪ ،‬وعين‬
‫النجيل المنزل على عيسى عليه السلم ؛ لنقطاع أسانيدها ‪،‬‬
‫واحتوائها على كثير من التحريف ‪ ،‬والتبديل ‪ ،‬والغاليط ‪،‬‬
‫والختلف فيها ‪ ،‬واختلف أهلها عليها ‪ ،‬واضطرابهم فيها ‪ ،‬وأن ما‬
‫كان منها صحيحا ً فهو منسوخ بالسلم ‪ ،‬وما عداه فهو محرف‬
‫مبدل ‪ ،‬فهي دائرة بين النسخ والتحريف ‪.‬‬
‫ولهذا فليست بكليتها وحيا ً ‪ ،‬ول إلهاما ً ‪ ،‬وإنما هي كتب مؤلفة من‬
‫متأخريهم بمثابة التواريخ ‪ ،‬والمواعظ لهم ‪ ،‬وحاشا لله ‪ ،‬أن يكون‬
‫ما بأيدي اليهود من التوراة هو عين التوراة المنزلة على نبي الله‬

‫‪151‬‬
‫موسى ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬وأن يكون ما بأيدي النصارى من الناجيل‬
‫هو عين النجيل المنزل على نبي الله عيسى ‪ -‬عليه السلم ‪. -‬‬
‫ب حينما رأى‬ ‫ض َ‬‫وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه غ َ ِ‬
‫مع عمر بن الخطاب ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬صحيفة فيها شئ من‬
‫التوراة وقال صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬أفي شك أنت يا ابن‬
‫الخطاب ؟ ألم آت بها بيضاء نقية ؟ لو كان أخي موسى حيا ً ما‬
‫وسعه إل اتباعي " رواه أحمد والدارمي ‪ ،‬وغيرهما ‪.‬‬
‫نواقض اليمان بهذا الصل لدى اليهود والنصارى ‪:‬‬
‫لم يسلم اليمان بهذا الصل العقدي ‪ ،‬والركن اليماني إل لهل‬
‫السلم ‪ ،‬وأما أمة الغضب ‪ :‬اليهود ‪ ،‬وأمة الضلل ‪ :‬النصارى ‪،‬‬
‫فقد كفروا به ؛ إذ ل يؤمنون بالقرآن ‪ ،‬ول بنسخه لما قبله ‪،‬‬
‫وينسبون ما في أيديهم من بقايا التوراة والنجيل مع ما أضيف‬
‫إليهما من التحريف ‪ ،‬والتبديل ‪ ،‬والتغيير ‪ ،‬إلى الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬بل‬
‫فيهما من الفتراء نسبة أشياء من القبائح إلى عدد من النبياء ‪-‬‬
‫حاشاهم عن فرى الفاكين ‪ -‬وانظر الن الشارة إلى طرف من‬
‫هذه النصوص المفتراة في نواقض إيمانهم بجميع النبياء والرسل‬
‫وما جاءوا به ‪:‬‬
‫* فقد نسبت اليهود الردة إلى نبي الله سليمان ‪ -‬عليه السلم ‪-‬‬
‫وأنه عبد الصنام كما في سفر الملوك الول ‪ .‬الصحاح ‪/ 11 /‬‬
‫عدد ‪. 5 /‬‬
‫* ونسبت اليهود إلى نبي الله هارون ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬صناعة‬
‫العجل ‪ ،‬وعبادته له كما في الصحاح ‪ 32 /‬عدد ‪ 1 /‬من سفر‬
‫الخروج ‪.‬‬
‫وإنما هو عمل السامري ‪ ،‬وقد أنكره عليه هارون ‪ -‬عليه السلم ‪-‬‬
‫إنكارا ً شديدا ً ‪ ،‬كما في القرآن الكريم ‪.‬‬
‫* وقد نسبت اليهود إلى خليل الله إبراهيم ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬أنه‬
‫قدم امرأته سارة إلى فرعون لينال الخير بسببها ‪.‬‬
‫كما في الصحاح ‪ 12 /‬العدد ‪ 14 /‬من سفر التكوين ‪.‬‬
‫* وقد نسبت اليهود إلى لوط ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬شرب الخمر حتى‬
‫سكر ‪ ،‬ثم زنى بابنته ‪.‬‬
‫كما في سفر التكوين ‪ .‬الصحاح ‪ 19 /‬العدد ‪. 30 /‬‬
‫* ونسبت اليهود ‪ :‬الزنى إلى نبي الله داود ‪ -‬عليه السلم ‪-‬‬
‫فولدت له سليمان ‪ -‬عليه السلم ‪. -‬‬
‫كما في سفر صموئيل الثاني ‪ .‬الصحاح ‪ 11 /‬العدد ‪. 11 /‬‬
‫* ونسبت النصارى ‪ -‬قبحهم الله ‪ -‬إلى جميع أنبياء بني إسرائيل‬
‫أنهم سراق ولصوص ‪ ،‬كما في شهادة يسوع عليهم ‪.‬‬
‫إنجيل يوحنا ‪ .‬الصحاح ‪ / 10 /‬العدد ‪. 8 /‬‬

‫‪152‬‬
‫* ونسبت النصارى ‪ -‬قبحهم الله ‪ -‬جد سليمان ‪ ،‬وداود ‪ :‬فارض ‪،‬‬
‫من نسل يهوذا بن يعقوب ‪ ،‬من نسل الزنى ‪.‬‬
‫كما في ‪ :‬إنجيل متى ‪ .‬الصحاح ‪ 1 /‬العدد ‪. 10 /‬‬
‫ً‬
‫فهذه أمة الغضب ‪ ،‬وهذه أمة التثليث والضلل يرمون جمعا من‬
‫أنبياء الله ورسله بقبائح المور التي تقشعر منها الجلود ‪،‬‬
‫وينسبون هذا إلى كتب الله المنزلة ‪ :‬التوراة والنجيل ‪ -‬وحاشا‬
‫لله ‪. -‬‬
‫إن هذا كفر بالله من جهتين ‪ :‬جهة نسبته إلى الوحي ‪ ،‬ومن جهة‬
‫الكذب على النبياء والرسل بذلك ‪.‬‬
‫فكيف يدعى إلى وحدة المسلمين الموحدين ‪ ،‬والمعظمين‬
‫لرسل الله وأنبيائه مع هذه المم الكافرة الناقضة لليمان بالكتب‬
‫المنزلة والنبياء والرسل ‪.‬‬
‫ومن هنا ‪ :‬كيف ل يستحي من المنتسبين إلى السلم من يدعو‬
‫إلى طبع هذه السفار والصحاحات المحرفة المفترى فيها مع‬
‫كتاب الله المعصوم ‪ " :‬القرآن الكريم " ‪.‬‬
‫إن هذا من أعظم المحرمات ‪ ،‬وأنكى الجنايات ‪ ،‬ومن اعتقده‬
‫صحيحا ً فهو مرتد عن السلم ‪.‬‬
‫اليمان بالرسل ‪:‬‬
‫من أركان اليمان ‪ ،‬وأصول العتقاد ‪ " ،‬اليمان بالرسل " إيمانا ً‬
‫مؤت َِلفا ً ‪ ،‬ل تفريق فيه ول تبعيض ‪ ،‬ول اختلف ‪،‬‬ ‫جامعا ً ‪ ،‬عاما ً ‪ُ ،‬‬
‫وهو يتضمن تصديقهم ‪ ،‬وإجللهم ‪ ،‬وتعظيمهم كما شرع الله في‬
‫حقهم ‪ ،‬وطاعتهم فيمن بعثوا به في المر ‪ ،‬والنهي ‪ ،‬والترغيب ‪،‬‬
‫والترهيب ‪ ،‬وما جاءوا به عن الله كافة ‪.‬‬
‫وهذا أصل معلوم من الدين بالضرورة ‪ ،‬فيجب اليمان بجميع‬
‫ة وتفصيل ً ‪ ،‬من قص الله ‪ -‬سبحانه ‪ -‬علينا‬ ‫أنبياء الله ورسله ‪ ،‬جمل ً‬
‫خبره ومن لم يقصص خبره ‪.‬‬
‫دة النبياء ‪ ،‬كما جاءت به الرواية من حديث أبي ذر ‪ -‬رضي‬ ‫ع ّ‬‫وأن ِ‬
‫الله عنه ‪ -‬وغيره ‪ " :‬مائة ألف وعشرون ألفا ً " وعدة الرسل‬
‫منهم ‪ " :‬ثلثمائة وخمسة عشر جما ً غفيرا ً " ‪ .‬وسمى الله منهم‬
‫في القرآن الكريم ‪ ،‬خمسة وعشرين ‪ ،‬فأول نبي هو ‪ :‬آدم ‪ -‬عليه‬
‫السلم ‪ -‬وقيل ‪ :‬بل هو نبي رسول ‪ .‬وأول نبي رسول نوح ‪ -‬عليه‬
‫السلم ‪ -‬وآخر نبي رسول هو محمد صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫وكان عيسىبن مريم قبله ‪ ،‬ولم يكن بينهما نبي ول رسول ‪.‬‬
‫وقد ذكر الله منهم في مواضع متفرقة من القرآن ‪ :‬سبعة ‪ ،‬هم ‪:‬‬
‫آدم ‪ ،‬وهود ‪ ،‬وصالح ‪ ،‬وشعيب ‪ ،‬وإسماعيل ‪ ،‬وإدريس ‪ ،‬وذو‬
‫الكفل ‪ ،‬ومحمد ‪ -‬صلى الله عليهم أجمعين ‪. -‬‬

‫‪153‬‬
‫وذكر ثمانية عشر منهم في موضع واحد ‪ ،‬في أربع آيات متواليات‬
‫من سورة النعام ‪ ( 86 - 83 ) :‬وهم ‪ :‬إبراهيم ‪ ،‬وإسحاق ‪،‬‬
‫ويعقوب ‪ ،‬ونوح ‪ ،‬وداود ‪ ،‬وسليمان ‪ ،‬وأيوب ‪ ،‬ويوسف ‪،‬‬
‫وموسى ‪ ،‬وهارون ‪ ،‬وزكريا ‪ ،‬ويحيى ‪ ،‬وعيسى ‪ ،‬وإلياس ‪،‬‬
‫وإسماعيل ‪ ،‬واليسع ‪ ،‬ويونس ‪ ،‬ولوط ‪.‬‬
‫ومن هذا العدد ‪ :‬خمسة هو أولو العزم من الرسل ‪ ،‬وهم الذين‬
‫ذكرهم الله ‪ -‬سبحانه ‪ -‬بقوله ‪ } :‬وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم‬
‫ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم { ] الحزاب‬
‫‪.[7/‬‬
‫ومن هذا العدد المبارك ‪ :‬أربعة من العرب ‪ ،‬وهم ‪ :‬هود ‪،‬‬
‫وصالح ‪ ،‬وشعيب ‪ ،‬ومحمد ‪ -‬صلى الله عليهم وسلم أجمعين ‪) -‬‬
‫‪. (25‬‬
‫وذكر الله ‪ -‬سبحانه ‪ -‬ولد يعقوب باسم ‪ " :‬السباط " ولم يذكر‬
‫اسم أحد منهم سوى ‪ :‬يوسف ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬وهم اثنا عشر ابنا ً‬
‫ليعقوب ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬ليس فيهم نبي سوى يوسف ‪ -‬عليه‬
‫السلم ‪ -‬وهو الذي قواه ابن كثير ‪ -‬رحمه الله تعالى ‪ -‬في "‬
‫تاريخه " ‪ .‬وقيل ‪ :‬بل كانوا جميعهم أنبياء ‪.‬‬
‫واليات التي يرد فيها ذكر ‪ " :‬السباط " المراد بهم شعوب بني‬
‫إسرائيل ‪ ،‬وما كان يوجد فيهم من النبياء ‪ ،‬وقد ثبت في السنة‬
‫تسمية نبيين هما ‪ :‬شيت بن آدم ‪ ،‬ويوشع بن نون ‪ -‬عليهم السلم‬
‫‪.-‬‬
‫وعن ابن عباس ‪ -‬رضي الله عنهما ‪ -‬قال ‪ " :‬كل النبياء من بني‬
‫إسرائيل إل عشرة ‪ :‬نوحا ً ‪ ،‬وشعيبا ً ‪ ،‬وهودا ً ‪ ،‬وصالحا ً ‪ ،‬ولوطا ً ‪،‬‬
‫وإبراهيم‪ ،‬وإسحاق ‪ ،‬ويعقوب ‪ ،‬وإسماعيل ‪ ،‬ومحمدا ً صلى الله‬
‫وسلم عليهم أجمعين " ‪.‬‬
‫وكل النبياء والرسل ‪ :‬رجال ‪ ،‬أحرار ‪ ،‬من البشر ‪ ،‬من أهل‬
‫القرى والمصار ‪ ،‬ليس فيهم امرأة ‪ ،‬ول ملك ‪ ،‬ول أعرابي ‪ ،‬ول‬
‫جني ‪.‬‬
‫خلقة البشرية ‪ ،‬والخلق العلية ‪،‬‬ ‫وكلهم على غاية الكمال في ال ِ‬
‫مصطفون من خيار قومهم ‪ ،‬الذين بعثهم الله فيهم ‪ ،‬وبلسانهم ‪،‬‬
‫خُلقا ً ‪ ،‬ونسبا ً ومواهب ‪ ،‬وقدرات ‪،‬‬ ‫خلقة ‪ ،‬و ُ‬
‫من خيارهم ِ‬
‫معصومون في تحمل الرسالة ‪ ،‬وتبلغيها ‪ ،‬ومن كبائر الذنوب ‪،‬‬
‫واقترافها ‪ ،‬وإن وقعت صغيرة فل يقرون عليها ‪ ،‬بل يسارع النبي‬
‫حوَبة ‪.‬‬‫إلى التوبة منها ‪ ،‬والتوبة تغفر ال َ‬
‫وكل نبي يبعث إلى قومه خاصة إل محمدا ً ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬فبعثته عامة إلى الثقلين ‪.‬‬
‫وكل نبي يبعث بلسان قومه ‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫وقد يبعث الله ‪-‬سبحانه ‪ -‬نبيا ً وحده ‪ ،‬أو رسول ً وحده ‪ ،‬وقد يجمع‬
‫الله بعثة نبيين اثنين ‪ ،‬أو نبي ورسول ‪ ،‬أو أكثر من ذلك في زمن‬
‫واحد ‪ ،‬ومن ذلك ‪:‬‬
‫أن الله ‪ -‬سبحانه ‪ -‬بعث نبيه ورسوله إبراهيم ‪ -‬عليه السلم ‪-‬‬
‫وبعث في زمنه ‪ :‬لوطا ً ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬وهو ابن أخيه ‪.‬‬
‫وبعث الله ‪ -‬سبحانه ‪ -‬إسماعيل‪ ،‬وإسحاق ‪ -‬عليهما السلم ‪، -‬‬
‫في زمن واحد ‪.‬‬
‫وبعث الله ‪ -‬سبحانه ‪ -‬يعقوب ‪ ،‬وابنه يوسف ‪ -‬عليهما السلم ‪-‬‬
‫في زمن واحد ‪ .‬وبعث الله ‪ -‬سبحانه موسى ‪ ،‬وأخاه هارون ‪-‬‬
‫عليهما السلم ‪ -‬في زمن واحد ‪ ،‬قيل ‪ :‬وشعيب ‪ -‬عليه السلم ‪-‬‬
‫الذي أدركه موسى ‪ ،‬وتزوج ابنته ‪ .‬وهو غلط ‪ ،‬كما قرره‬
‫المفسرون منهم ابن جرير ‪ -‬رحمه الله تعالى ‪ -‬في ‪ " :‬الجواب‬
‫الصحيح ‪. " 250 - 249 / 2 :‬‬
‫وبعث الله ‪ -‬سبحانه ‪ -‬داود وابنه سليمان ‪ -‬عليهما السلم ‪ -‬في‬
‫زمن واحد ‪.‬‬
‫وبعث الله ‪ -‬سبحانه ‪ -‬زكريا ‪ ،‬ويحيى ‪ -‬عليهما السلم ‪ -‬في زمن‬
‫واحد ‪.‬‬
‫وقال ‪ -‬تعالى ‪ -‬في سورة " يس " ‪ } :‬واضرب لهم مثل ً أصحاب‬
‫القرية إذ جاءها المرسلون إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا‬
‫بثالث { ] إلى آخر اليات ‪ 17 - 13 /‬من سورة يس [ ‪.‬‬
‫وقد اختار ابن كثير ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬أنهم ثلثة رسل من رسل الله ‪-‬‬
‫تعالى ‪. -‬‬
‫وكلهم بعثهم الله مبشرين ‪ ،‬ومنذرين ‪ ،‬ولتحقيق العبودية لله ‪-‬‬
‫سبحانه ‪ -‬وتوحيده ‪ ،‬وأدى كل واحد منهم ‪ -‬عليهم السلم ‪-‬‬
‫المانة ‪ ،‬وبلغ ‪ ،‬وبشر ‪ ،‬وأنذر ‪ ،‬وقد أيدهم الله بالمعجزات‬
‫الباهرات ‪ ،‬واليات الظاهرات ‪.‬‬
‫والرسل أفضل من النبياء ‪ ،‬وقد فضل الله ‪ -‬سبحانه ‪ -‬بعضهم‬
‫على بعض ‪ ،‬ورفع بعضهم درجات ‪ ،‬وأفضلهم جميعا ً ‪ :‬خمسة هم‬
‫أولو العزم من الرسل ‪.‬‬
‫وأفضل الجميع على الطلق ‪ ،‬بل أفضل جميع الخلئق ‪ :‬هو‬
‫خاتمهم نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وأنه ل نبي‬
‫بعده ‪ ،‬وان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة ‪ ،‬وبعث محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم إلى الثقلين عامة ‪.‬‬
‫وكلهم متفقون على وحدة الملة والدين ‪ :‬في التوحيد ‪ ،‬والنبوة‬
‫والبعث ‪ ،‬وما يشمله ذلك من اليمان الجامع بالله وملئكته ‪،‬‬
‫شره ‪ ،‬وما في ذلك‬ ‫وكتبه ‪ ،‬ورسله ‪ ،‬واليوم الخر ‪ ،‬والقدر خيره و َ‬

‫‪155‬‬
‫من وحدة العبادة لله ‪ -‬تعالى ‪ -‬ل شريك له ‪ ،‬فالصلة والزكاة ‪،‬‬
‫والصدقات ‪ ،‬كلها عبادات ل ُتصرف إل لله ‪ -‬تعالى ‪. -‬‬
‫وشرائعهم في العبادات في صورها ‪ ،‬ومقاديرها ‪ ،‬وأوقاتها ‪،‬‬
‫وأنوعها ‪ ،‬وكيفيتها ‪ ،‬متعددة ‪.‬‬
‫حتى جاءت الرسالة الخاتمة ‪ ،‬والنبوة الخالدة ‪ ،‬فنسخ الله بها‬
‫جميع الشرائع فل يجوز لبشر ‪ ،‬كتابي ول غير كتابي ‪ ،‬أن يتعبد‬
‫الله بشريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ومن تعبد‬
‫الله بغير هذه الشريعة الخاتمة ‪ ،‬فهو كافر ‪ ،‬وعمله هباء ‪:‬‬
‫} وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا {‬
‫] الفرقان ‪. [ 23 /‬‬
‫فواجب على كل مكلف اليمان ‪ ،‬بان نبينا ورسولنا محمدا ً صلى‬
‫الله عليه وسلم هو خاتم النبياء والمرسلين ‪ ،‬فلم يبق رسول‬
‫يجب اتباعه سوى محمد صلى الله عليه وسلم ولو كان أحد من‬
‫أنبياء الله حيا ً لما وسعه إل اتباعه صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وأنه ل‬
‫يسع الكتابيين إل ذلك ‪ ،‬كما قال الله تعالى ‪ } :‬الذين يتبعون‬
‫الرسول النبي المي الذي يجدونه مكتوبا ً عندهم في التوراة‬
‫والنجيل { ] العراف ‪. [ 157 /‬‬
‫وأن بعثته صلى الله عليه وسلم عامة لجميع الثقلين ‪ ،‬والناس‬
‫أجمعين ‪ } :‬وما أرسلناك إل كافة للناس بشيرا ً ونذيرا ً ولن أكثر‬
‫الناس ل يعلمون { سبأ ‪. [ 28 /‬‬
‫وقال ‪ -‬تعالى ‪ } : -‬قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ً‬
‫{ ] العراف ‪. [ 158 /‬‬
‫وقال ‪ -‬تعالى ‪ } : -‬وأوحي إلى هذا القرآن لنذركم به ومن بلغ {‬
‫] النعام ‪. [ 19 /‬‬
‫وقال ‪-‬يسبحانه ‪ } : -‬وقل للذين أوتوا الكتاب والميين أأسلمتم‬
‫فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلغ { ] آل‬
‫عمران ‪. [ 20 /‬‬
‫من نواقض هذا الصل ‪:‬‬
‫من كفر بنبي واحد ‪ ،‬أو رسول واحد ‪ ،‬أو آمن ببعض وكفر‬
‫ببعض ‪ ،‬فهو كمن كفر بالله وجحده ‪ ،‬وقد فرق بين الله ورسله ‪،‬‬
‫ول ينفعه إيمانه ببقية الرسل ؛ ذلك أن الرسل حملة رسالة‬
‫واحدة ‪ ،‬ودعاة دين واحد ‪ ،‬وإن اختلفت شرائعهم ‪ ،‬ومرسلهم‬
‫واحد ‪ ،‬فهم وحدة يبشر المتقدم منهم بالمتأخر ‪ ،‬ويصدق المتأخر‬
‫المتقدم ‪.‬‬
‫قال تعالى ‪ } :‬إن الذين كفروا بالله ورسله ‪ ،‬ويريدون أن يفرقوا‬
‫بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن‬

‫‪156‬‬
‫يتخذوا بين ذلك سبيل ً أولئك هم الكافرون حقا ً { ] النساء ‪150 /‬‬
‫‪. [ 151 -‬‬
‫ولهذا ‪ :‬فمن لم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ً ورسول ً ‪،‬‬
‫وأنه خاتم النبياء والرسل ‪ ،‬وأن شريعته ناسخة لجميع ما قبلها ‪،‬‬
‫وأنه ل يسع أحدا ً من أهل الرض اتباع غير شرعه ‪ :‬فهو كافر‬
‫مخلد في النار كمن كفر بالله وجحده ربا ً معبودا ً ‪.‬‬
‫وقد بين الله ‪ -‬سبحانه ‪ -‬كفر اليهود والنصارى ؛ ليمانهم ببعض‬
‫الرسل ‪ ،‬وكفرهم ببعض ‪ ،‬كما قال ‪ -‬تعالى ‪ } : -‬وإذا قيل لهم‬
‫آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه‬
‫وهو الحق مصدقا لما معهم { ] البقرة ‪. [ 91 /‬‬
‫} وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا‬
‫ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا ً لما معهم { ] البقرة ‪/‬‬
‫‪. . [ 91‬‬
‫فاليهود ل يؤمنون بعيسى ابن مريم ‪ ،‬ول يؤمنون بمحمد صلى‬
‫الله عليه وسلم } فباؤوا بغضب على غضب { ] البقرة ‪[ 90 /‬‬
‫غضب بكفرهم بالمسيح عيسى ابن مريم ‪ ،‬وغضب بكفرهم‬
‫بمحمد صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬والنصارى ‪ :‬ل يؤمنون بمحمد‬
‫صلى الله عليه وسلم َفأتوا من كفرهم به ‪. .‬‬
‫لهذا ‪ :‬فهم بكفرهم هذا كفار مخلدون في النار ‪ ،‬فكيف ينادون‬
‫بوحدتهم مع دين السلم ‪. .‬‬
‫وانظر إلى حديث عبادة بن الصامت ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قال ‪ " :‬من شهد أن ل إله إل الله‬
‫وحده ل شريك له ‪ ،‬وأن محمدا ً عبده ورسوله وأن عيسى عبد‬
‫الله ورسوله ‪ ،‬وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ‪ ،‬والجنة حق‬
‫والنار حق ‪ :‬أدخله الله الجنة على ما كان من العمل " متفق‬
‫عليه ‪. .‬‬
‫فقوله ‪ " :‬وأن عيسى عبد الله ورسوله " تعريض باليهود‬
‫وتعريض بالنصارى ‪ -‬أنفسهم ‪ -‬في قولهم باليمان به مع التثليث‬
‫وهو شرك محض ؛ وبه تعرف السر في تخصيص ذكر عيسى ‪-‬‬
‫عليه السلم ‪ -‬في هذا الحديث العظيم الجامع ‪. .‬‬
‫أل ‪ :‬ل وحدة بين مسلم يؤمن بجميع أنبياء الله ورسله ويهودي أو‬
‫نصراني ‪ :‬ل يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم كما قال الله ‪-‬‬
‫سبحانه ‪. : -‬‬
‫} فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في‬
‫شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم { ] البقرة ‪/‬‬
‫‪. . [ 137‬‬

‫‪157‬‬
‫نسبة القبائح ‪ ،‬والكبائر إلى النبياء كصناعة الصنام ‪ ،‬والردة ‪،‬‬
‫والزنا ‪ ،‬والخمر ‪ ،‬والسرقة ‪،‬‬
‫فمن نسب أي قبيحة من تلك القبائح ‪ ،‬ونحوها إلى أي نبي أو‬
‫رسول فهر كافر مخلد في النار ‪ ،‬مثل كفره بالله ‪ ،‬وجحده له ‪. .‬‬
‫وقد كان لليهود ‪ ،‬والنصارى ‪ -‬قبحهم الله وأخزاهم ‪ -‬أوفر نصيب‬
‫من نسبة القبائح إلى أنبياء الله ورسله ‪ -‬عليهم السلم ‪ -‬كما‬
‫تقدم ذكر بعض منها ‪. .‬‬
‫ومن نواقض هذا الصل ‪. :‬‬
‫نفي بشرية أحد من النبياء ‪ ،‬أو تأليه أحد منهم ‪. .‬‬
‫وقد نقض اليهود ‪ ،‬والنصارى هذا الصل العظيم بافترائهم ‪،‬‬
‫وكذبهم ‪ ،‬وتحريفهم ‪ ،‬كما فضحهم الله في آيات من ‪ " :‬القرآن‬
‫العظيم " وحكم بكفرهم ‪ ،‬وضللهم ‪. .‬‬
‫فقال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬عن اليهود والنصارى ‪ } :‬وقالت اليهود عزير‬
‫ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم‬
‫يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون {‬
‫] التوبة ‪. . [ 30 /‬‬
‫وقال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬عن النصارى ‪ } :‬لقد كفر الذين قالوا إن الله‬
‫هو المسيح ابن مريم { ] المائدة ‪. . [72 /‬‬
‫وقال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬عن النصارى ‪ } :‬لقد كفر الذين قالوا إن الله‬
‫ثالث ثلثة وما من إله إل إله واحد { ] المائدة ‪. . [73 /‬‬
‫ومن ونواقض هذا الصل ‪:‬‬
‫عدم اليمان بعموم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع‬
‫أهل الرض عربهم ‪ ،‬وعجمهم ‪ ،‬إنسهم ‪ ،‬وجنهم ‪. .‬‬
‫ومنه أن العيسوية من اليهود وفريقا ً من النصارى آمنوا بنبوة‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم للعرب خاصة ‪ ،‬وأنكروا عموم‬
‫رسالته ‪ .‬وإنكار عموم رسالته صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬كفر ‪،‬‬
‫يناقض صريح القرآن ‪ } :‬وما أرسلناك إل كافة للناس بشيرا ً‬
‫ونذيرا ً ولكن أكثر الناس ل يعلمون { ] سبأ ‪. . [ 28 /‬‬
‫واليات بهذا المعنى كثيرة ‪ ،‬وفي صحيح مسلم ‪ " :‬أرسلت إلى‬
‫الخلق كافة وختم بي النبيون " ‪. .‬‬
‫النتيجة ‪:‬‬
‫* يجب على كل المسلمين ‪ :‬الكفر بهذه النظرية ‪ " :‬وحدة كل‬
‫دين محرف منسوخ مع دين السلم الحق المحكم المحفوظ من‬
‫التحريف والتبديل الناسخ لما قبله " ‪ .‬وهذا من بدهيات العتقاد‬
‫والمسلمات في السلم ‪.‬‬

‫‪158‬‬
‫وأن حال الدعاة إليها من اليهود ‪ ،‬والنصارى مع المسلمين هم‬
‫كما قال الله ‪ -‬تعالى ‪ } : -‬وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا‬
‫خلوا عضوا عليكم النامل من الغيظ { ] آل عمران ‪. [ 119 /‬‬
‫* ويجب على أهل الرض اعتقاد تعدد الشرائع وتنوعها وأن‬
‫شريعة السلم هي خاتمة الشرائع ‪ ،‬ناسخة لكل شريعة قبلها ‪،‬‬
‫فل يجوز لبشر من أفراد الخلئق أن يتعبد الله بشريعة غير‬
‫شريعة السلم ‪.‬‬
‫وإن هذا الصل لم يسلم لحد إل لهل السلم ‪ ،‬فأمة الغضب ‪:‬‬
‫اليهود ‪ ،‬كافرون بهذا الصل ؛ لعدم إيمانهم بشريعة عيسى ‪-‬‬
‫عليه السلم ‪ -‬ولعدم إيمانهم بشريعة محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬وأمة الضلل ‪ :‬النصارى ‪ ،‬كافرون بهذا الصل ؛ لعدم‬
‫إيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وبشريعته ‪ ،‬وبعموم رسالته‬
‫‪.‬‬
‫والمتان كافرتان بذلك ‪ ،‬وبعدم إيمانهم بمحمد صلى الله عليه‬
‫وسلم ومتابعته في شريعته ‪ ،‬وترك ما سواها ‪ ،‬وبعدم إيمانهم‬
‫بنسخ شريعة السلم لما قبلها من الشرائع ‪ ، ،‬وبدعم إيمانهم بما‬
‫جاء به من القرآن العظيم ‪ ،‬وأنه ناسخ لما قبله من الكتب‬
‫والصحف ‪.‬‬
‫} ومن يبتغ غير السلم دينا ً فلن يقبل منه وهو في الخرة من‬
‫الخاسرين { ] آل عمران ‪. [ 58 /‬‬
‫* ويجب على جميع أهل الرض من الكتابيين وغيرهم ‪ :‬الدخول‬
‫في السلم بالشهادتين ‪ ،‬واليمان بما جاء في السلم جملة‬
‫وتفصيل ً ‪ ،‬والعمل به ‪ ،‬واتباعه ‪ ،‬وترك ما سواه من الشرائع‬
‫المحرفة والكتب المنسوبة إليها ‪ ،‬وأن من لم يدخل في السلم‬
‫فهو كافر مشرك ‪ ،‬كما قال الله ‪ -‬تعالى ‪ } : -‬يا أهل الكتاب لم‬
‫تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون { ] آل عمران ‪. [ 70 /‬‬
‫* يجب على أمة السلم ‪ " :‬أمة الستجابة " ‪ " ،‬أهل القبلة " ‪:‬‬
‫اعتقاد أنهم على الحق وحدهم في ‪ " :‬السلم الحق " وأنه آخر‬
‫الديان ‪ ،‬وكتابه القرآن آخر الكتب ‪ ،‬ومهيمنا ً عليها ‪ ،‬ورسوله آخر‬
‫الرسل وخاتمهم ‪ ،‬وشريعته ناسخة لشرائعهم ‪ ،‬ول يقبل الله من‬
‫عبد سواه ‪ .‬فالمسلمون حملة شريعة إلهية خاتمة ‪ ،‬خالدة ‪،‬‬
‫سالمة من النحراف الذي أصاب أتباع الشرائع السابقة ‪ ،‬ومن‬
‫التحريف الذي داخل التوراة والنجيل مما ترتب عليه تحريف‬
‫الشريعتين المنسوختين ‪ :‬اليهودية والنصرانية ‪.‬‬
‫* ويجب على ‪ " :‬أمة الستجابة " لهذا الدين إبلغه إلى " أمة‬
‫الدعوة " من كل كافر من يهود ونصارى ‪ ،‬وغيرهم ‪ ،‬وان يدعوهم‬
‫إليه ‪ ،‬حتى يسلموا ‪ ،‬ومن لم يسلم فالجزية أو القتال ‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫قال الله ‪ -‬تعالى ‪ } -‬قاتلوا الذين ل يؤمنون بالله ول باليوم الخر‬
‫ول يحرمون ما حرم الله ورسوله ول يدينون دين الحق من الذين‬
‫أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون { ] التوبة ‪/‬‬
‫‪. [ 29‬‬
‫* ويجب على كل مسلم يؤمن بالله ربا ً وبالسلم دينا ً وبمحمد‬
‫ً‬
‫صلى الله عليه وسلم نبيا رسول ً ‪ :‬أن يدين الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬ب ُِبغ ِ‬
‫ض‬
‫الكفار من اليهود والنصارى ‪ ،‬وغيرهم ‪ ،‬ومعاداتهم في الله ‪-‬‬
‫تعالى ‪ -‬وعدم محبتهم ‪ ،‬ومودتهم ‪ ،‬وموالتهم ‪ ،‬وتوليهم ‪ ،‬حتى‬
‫يؤمنوا بالله وحده ربا ً ‪ ،‬وبالسلم دينا ً ‪ ،‬وبمحمد صلى الله عليه‬
‫وسلم نبيا ً رسول ً ‪.‬‬
‫قال الله ‪ -‬تعالى ‪ } : -‬يا أيها الذين آمونا ل تتخذوا اليهود‬
‫والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم‬
‫إن الله ل يهدي القوم الظالمين { ] المائدة ‪ . [ 51 /‬واليات في‬
‫هذا المعنى كثيرة ‪.‬‬
‫ولهذا صار من آثار قطع الموالة بيننا وبينهم ‪ ،‬أنه ل توارث بين‬
‫مسلم وكافر أبدا ً ‪.‬‬
‫* يجب على كل مسلم اعتقاد كفر من لم يدخل في هذا السلم‬
‫من اليهود والنصارى وغيرهم ‪ ،‬وتسميته كافرا ً ‪ ،‬وأنه عدو لنا ‪،‬‬
‫وأنه من أهل النار ‪.‬‬
‫قال الله ‪ -‬تعالى ‪ } : -‬قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم‬
‫جميعا ً الذي له ملك السموات والرض ل إله إل هو يحيي ويميت‬
‫فآمنوا بالله ورسوله النبي المي الذي يؤمن بالله وكلماته‬
‫واتبعوه لعلكم تهتدون { ] العراف ‪. [ 158 /‬‬
‫وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ " :‬والذي‬
‫نفسي بيده ل يسمع بي أحد من هذه المة ‪ ،‬يهودي ‪ ،‬ول نصراني‬
‫‪ ،‬ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إل كان من أهل النار " ‪.‬‬
‫ولهذا ‪ :‬فمن لم يكفر باليهود والنصارى فهو كافر ‪ ،‬طردا ً لقاعدة‬
‫الشريعة ‪ " :‬من لم يكفر الكافر فهو كافر " ‪.‬‬
‫ونقول لهل الكتاب كما قال الله ‪ -‬تعالى ‪ } : -‬انتهوا خيرا ً لكم {‬
‫] النساء ‪. [ 171 /‬‬
‫* ول يجوز لحد من أهل الرض اليوم أن يبقى على أي من‬
‫الشريعتين ‪ " :‬اليهودية والنصرانية " فضل ً عن الدخول في‬
‫إحداهما ‪ ،‬ول يجوز لمتبع أي دين غير السلم وصفه بأنه مسلم ‪،‬‬
‫أو أنه على ملة إبراهيم ‪ ،‬لما يأتي ‪:‬‬
‫‪ -1‬لن ما كان فيهما ‪ -‬أي اليهودية والنصرانية ‪ -‬من شرع صحيح‬
‫فهو منسوخ بشريعة السلم فل يقبل الله من عبد أن يتعبده‬
‫بشرع منسوخ ‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫‪ -2‬ولن ما كان منسوبا ً إليهما من شرع محرف مبدل ‪ ،‬فتحرم‬
‫نسبته إليهما ‪ ،‬فضل ً عن أن يجوز لحد اتباعه ‪ ،‬أو أن يكون دين‬
‫أحد من النبياء ل موسى ول عيسى ‪ ،‬ول غيرهما ‪.‬‬
‫‪ -3‬ولن كل عبد مأمور بأن يتبع الدين الناسخ لما قبله ‪ ،‬وهو بعد‬
‫مبعث محمد صلى الله عليه وسلم دين السلم الذي جاء به ‪،‬‬
‫بعبادة الله وحده ل شريك له ‪ ،‬وتوحيده بالعبادة ‪ ،‬فمن كان‬
‫كذلك كان عبدا ً حنيفا ً ‪ ،‬مسلما ً ‪ ،‬على ملة إبراهيم ‪ ،‬ومن لم‬
‫يؤمن بجميع النبياء والمرسلين ‪ ،‬ويخص نبيه ورسوله محمدا ً‬
‫صلى الله عليه وسلم بالتباع دون سواه فل يجوز وصفه بأنه‬
‫حنيف ‪ ،‬ول مسلم ‪ ،‬ول على ملة إبراهيم ‪ ،‬بل هو كافر في‬
‫مشاقة وشقاق ‪.‬‬
‫قال الله تعالى ‪ } :‬وقالوا كونوا هودا ً أو نصارى تهتدوا قل بل ملة‬
‫إبراهيم حنيفا ً وما كان من المشركين قولوا آمنا بالله وما أنزل‬
‫إلينا وأما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب‬
‫والسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم ل‬
‫نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون فإن آمنوا بمثل ما ءامنتم‬
‫به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله‬
‫وهو السميع العليم { ] البقرة ‪. [ 137 - 135 /‬‬
‫فبطلت بهذه نظرية الخلط بين دين السلم الحق ‪ ،‬وبين غيره‬
‫من الشرائع الدائرة بين التحريف والنسخ ‪ ،‬وأنه لم يبق إل‬
‫السلم وحده ‪ ،‬والقرآن وحده ‪ ،‬وأن محمدا ً صلى الله عليه‬
‫وسلم ل نبي بعده ‪ ،‬وأن شريعته ناسخة لما قبله ‪ ،‬ول يجوز اتباع‬
‫أحد سواه ‪.‬‬
‫* وأنه ل يجوز لمسلم طباعة التوراة ‪ ،‬والنجيل ‪ ،‬وتوزيعهما ‪،‬‬
‫ونشرهما ‪ ،‬وأن نظرية طبعهما مع القرآن الكريم في غلف واحد‬
‫‪ ،‬من الضلل البعيد ‪ ،‬والكفر العظيم ‪ ،‬لما فيها من الجمع بين‬
‫الحق ‪ " :‬القرآن الكريم " والباطل ‪ :‬في التوراة والنجيل من‬
‫التحريف والتبديل ‪ ،‬وأن ما فيهما من حق فهو منسوخ ‪.‬‬
‫* وأنه ل يجوز الستجابة لدعوتهم ببناء " مسجد ‪ ،‬وكنيسة ‪،‬‬
‫ومعبد " )‪ (26‬في مجمع واحد لما فيها من الدينونة والعتراف‬
‫بدين يعبد الله به سوى السلم ‪ ،‬وإخفاء ظهوره على الدين كله ‪،‬‬
‫ودعوة مادية إلى أن الديان ثلثة على أهل الرض التدين بأي‬
‫دم التساوي ‪ ،‬وأن السلم غير ناسخ لما قبله ‪،‬‬ ‫منها ‪ ،‬وأنها على قَ َ‬
‫وهذه المردودات السالبة ‪ ،‬فيها الكفر والضلل ‪ ،‬ما ل يخفى ‪،‬‬
‫فعلى المسلمين بعامة ‪ ،‬ومن بسط الله يده عليهم خاصة ‪،‬‬
‫الحذر الشديد ‪ ،‬من مقاصد الكفرة من اليهود والنصارى في‬
‫إضلل المسلمين ‪ ،‬والكيد لهم فإن بيوت الله في أرض الله هي ‪:‬‬

‫‪161‬‬
‫" المساجد " وحدها ‪ } :‬قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم‬
‫عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين { ] العراف ‪. [ 29 /‬‬
‫وهذه المساجد من شعائر السلم ‪ ،‬فواجب تعظيمها ‪ ،‬ورعاية‬
‫حرمتها ‪ ،‬وعمارتها ‪ ،‬ومن تعظيمها ورعايتها عدم الرضا بحلول‬
‫كنائس الكفرة ‪ ،‬ومعابدهم في حرمها ‪ ،‬وفي جوارها ‪ ،‬وإقرار‬
‫إنشائها في بلد السلم ‪ ،‬ورفض مساجد المضارة بالسلم ‪،‬‬
‫ضرار بالمسلمين في بلد الكافرين ‪.‬‬ ‫وال ّ‬
‫ضاّرة للسلم ‪ ،‬ول يجوز‬ ‫م َ‬
‫فإن " المسجد " والحال هذه ‪ ،‬مسجد ُ‬
‫إقراره ‪ ،‬ول الصلة فيه ‪ ،‬ويحب على من بسط الله يده من ولة‬
‫المسلمين هدم هذا المجمع ‪ ،‬فضل ً عن السكوت عنه ‪ ،‬أو‬
‫المشاركة فيه ‪ ،‬أو السماح به ‪ ،‬وإن كان ‪ -‬والحال ما ذكر ‪ -‬في‬
‫بلد كفر ‪ ،‬وجب على المسلمين إعلن عدم الرضا به ‪ ،‬والمطالبة‬
‫بهدمه ‪ ،‬والدعوة إلى هجره ‪.‬‬
‫وانظر ‪ ،‬كيف تشابهت أعمال المنافقين ‪ ،‬ومقاصدهم ‪ ،‬في قديم‬
‫الدهر وحديثه ؛ إذ بني المنافقون مسجدا ً ضرارا ً بالمؤمنين ‪ ،‬أما‬
‫عملهم اليوم ‪ ،‬فهو ‪ :‬أشد ضرارا ً باليمان ‪ ،‬والمؤمنين ‪ ،‬والسلم‬
‫والمسلمين ‪ ،‬وقد أنزل الله ‪ -‬سبحانه ‪ -‬قرآنا ً ُيتلى إلى يوم‬
‫القيامة ‪ ،‬فقال الحكيم الخبير سبحانه وتعالى ‪ } : -‬والذين اّتخذوا‬
‫مسجدا ً ضرارا ً وكفرا ً وتفريقا ً بين المؤمنين وإرصادا ً لمن حارب‬
‫الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إل الحسنى والله يشهد‬
‫إنهم لكاذبون ‪ .‬ل تقيم فيه أبدا ً لمسجد أسس على التقوى من‬
‫أول يوم أحق أن تقوم فيه ‪ ،‬فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله‬
‫طهرين ‪ .‬أفمن أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار‬ ‫م َ‬
‫يحب ال ُ‬
‫به في نار جنهم والله ل يهدي القوم الظالمين ‪ .‬ل يزال بنيانهم‬
‫الذي بنوا ريبة في قلوبهم إل أن تقطع قلوبهم والله عليم‬
‫حكيم { ] التوبة ‪. [ 110 - 107 /‬‬
‫ل الستعمار‬ ‫ثم رأيت الفرق الباطنية ‪ ،‬التي أسست من قِب َ ِ‬
‫الروسي ‪ ،‬والنجليزي ‪ ،‬واليهودية العالمية ‪ ،‬منسوبة إلى السلم‬
‫ظلما ً ؛ لهدمه ‪ ،‬والعدوان عليه ‪ ،‬ومنها ‪:‬‬
‫" البابية " نسبة إلى ‪ :‬المرزا علي محمد الشيرازي ‪ ،‬الملقب ‪" :‬‬
‫باب المهدي " المولود سنة ‪ 1235‬والهالك سنة ‪. 1265‬‬
‫و " البهائية " نسبة إلى البهاء حسين ابن الميرزا المولود بإيران‬
‫سنة ‪ ، 1233‬والهالم سنة ‪. 1309‬‬
‫و " القاديانية " نسبة إلى ‪ :‬مرزا غلم أحمد القادياني الهالك سنة‬
‫‪. 1325‬‬
‫المحكوم بكفرها ‪ -‬أي هذه الفرق ‪ -‬بإجماع المسلمين ‪ ،‬وقد‬
‫دولية ‪.‬‬
‫صدرت بكفرها قرارات شرعية َ‬

‫‪162‬‬
‫فرق تدعو إلى هذه النظرية ‪ " :‬نظرية الخلط " ‪.‬‬ ‫هذه ال ِ‬
‫ومنها قول بهاء المذكور )‪: (27‬‬
‫" يجب على الجميع ترك التعصبات ‪ ،‬وأن يتبادلوا زيارة الجوامع‬
‫والكنائس مع بعضهم البعض ؛ لن اسم الله في جميع هذه‬
‫المعابد مادام الكل يجتمعون لعبادة الله ‪ ،‬فل خلف بين الجميع ‪،‬‬
‫فليس منهم أحد يعبد الشيطان ‪ ،‬فيحق للمسلمين أن يذهبوا إلى‬
‫كنائس النصارى ‪ ،‬وصوامع اليهود ‪ ،‬وبالعكس يذهب هؤلء إلى‬
‫المساجد السلمية " انتهى ‪.‬‬
‫ضرار باليمان‬ ‫ما أشبه الليلة بالبارحة ‪ ،‬فإن عمل منافقي اليوم ِ‬
‫والمؤمنين بوجه أشد نكاية وأذى للسلم والمسلمين ‪.‬‬
‫* أل أنه واجب على المسلمين ‪ ،‬الحذر والتيقظ من مكايد‬
‫أعدائهم ‪.‬‬
‫ح‬‫سو َ‬‫م ُ‬ ‫* وواجب على المسلمين ‪ ،‬الحذر من ارتداء الكفرة ُ‬
‫جلب الشخصيات المتميعة ونحو ذلك من أساليبهم ‪،‬‬ ‫الحوار ‪ ،‬و َ‬
‫التي هي بحق ‪ " :‬رجس من عمل الشيطان " ‪.‬‬
‫* وليعلم كل مسلم ‪ ،‬أنه ل لقاء بين أهل السلم والكتابيين‬
‫وغيرهم من أمم الكفر إل وفق الصول التي نصبت عليها الية‬
‫الكريمة ‪ } :‬قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم‬
‫أل نعبد إل الله ول نشرك به شيئا ً ول يتخذ بعضنا بعضا ً أربابا ً من‬
‫دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون { ] آل عمران ‪/‬‬
‫‪ . [ 64‬وهي توحيد الله تعالى ونبذ الشراك به وطاعته في‬
‫الحكم والتشريع واتباع خاتم النبياء والمرسلين محمد ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬الذي بشرت به التوراة والنجيل ‪.‬‬
‫* فيجب أن تكون هذه الية شعار كل مجادلة بين أهل السلم‬
‫وبين أهل الكتاب وغيرهم وكل جهد ُيبذل لتحقيق غير هذه‬
‫الصول فهو باطل ‪ . .‬باطل ‪ . .‬باطل ‪.‬‬
‫* وإن إفشال تلك المؤتمرات التي هي في حقيقتها ‪ " :‬مؤامرات‬
‫" على المسلمين ‪ ،‬مؤكد بوعد الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬للمسلمين في قوله‬
‫جل وعز ‪ } :‬لن يضروكم إل أذى { ] آل عمران ‪. [ 111 /‬‬
‫وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪ " :‬ل تزال‬
‫طائفة من أمتي ظاهرة على الحق ل يضرهم من خالفهم ول من‬
‫خذلهم حتى تقوم الساعة " ‪.‬‬
‫وثبت ‪ -‬أيضا ً ‪ -‬عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪ " :‬سألت‬
‫ربي أن ل يسلط على أمتي عدوا ً من غيرهم فيجتاحهم فأعطانيها‬
‫" ‪ .‬الحديث ‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫* ولكن هذا ‪ -‬وأيم الله ‪ -‬ل بد له من موقفين ‪ :‬موقف رفع راية‬
‫الجهاد ‪ ،‬وتوظيف القدرات بصد العاديات ‪ ،‬وموقف للبناء‬
‫وتحصين المسلمين بإسلمهم على وجهه الصحيح‬
‫* ول تلتفت أيها المسلم إلى غلط الغالطين ‪ ،‬ول إلى من‬
‫خدعتهم دعوة إخوان الشياطين ‪ ،‬ول إلى المأجورين ‪ ،‬ول إلى‬
‫أفراد من الفرق الضالة من المنتسبين إلى السلم ‪ ،‬للمناصرة ‪،‬‬
‫والترويج لهذه النظرية ‪ ،‬فيتسنمون الفتيا وما هم بفقهاء ‪ ،‬ول‬
‫بصيرة لهم في الدين ‪ ،‬وإنما حالهم كما قال الله تعالى ‪ } :‬وإن‬
‫منهم فريقا ً يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو‬
‫من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله‬
‫ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون { ] آل عمران ‪. [ 78 /‬‬
‫اللهم إني قد بينت ونصحت في هذا كل مسلم قدر نفسه حق‬
‫قدرها مؤمنا ً بالله ربا ً ‪ ،‬وبالسلم دينا ً ‪ ،‬وبمحمد صلى الله عليه‬
‫وسلم نبيا ً ورسول ً ‪ ،‬فأذعن للحق ‪ ،‬اللهم فاشهد ‪.‬‬
‫نسأل الله ‪ -‬سبحانه ‪ -‬أن يهدي ضال المسلمين ‪ ،‬وأن يذب عنهم‬
‫البأس ‪ ،‬وأن يصرف عنهم كيد الكائدين ‪ ،‬وأن يثبتنا جميعا ً على‬
‫السلم حتى نلقاه إنه على كل شئ قدير ‪.‬‬
‫وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ‪.‬‬
‫تحريرا ً‬
‫في ‪1417 / 5 / 8‬‬
‫بقلم بكر بن عبد الله أبو زيد‬
‫________________________________________‬
‫هوامش‬
‫)‪ (1‬ما جاء بين القوسين من‪ " :‬هداية الحيارى " لبن القيم‪.‬‬
‫وهكذا في المواضع بعده من هذه المقدمة‪.‬‬
‫)‪ (2‬الفتاوى ‪. 203 / 4 :‬‬
‫)‪ (3‬الفتاوى ‪. 523 / 28 ، 168 - 164 / 14 ، 208 - 203 / 4 :‬‬
‫الصفدية ‪ . 268 ، 100 - 98 / 1 :‬الرد على المنطقيين ‪ :‬ص ‪/‬‬
‫‪. 283 - 282‬‬
‫)‪ (4‬ل أستعمل الرمز " هـ " إشارة إلى التاريخ الهجري ؛ لنه‬
‫ليس لدينا في السلم سواه ‪ ،‬والتاريخ الميلدي ليس قسيما ً له‬
‫وعند وروده منقول ً أرمز له بحرف ‪ " :‬م " ‪.‬‬
‫)‪ (5‬تنبيه ‪ :‬عظمت الفتنة في عصرنا بمدح الملحدة المنتسبين‬
‫إلى السلم والفتخار بهم ‪ ،‬وإظهار مقالتهم ‪ ،‬وساعد على ذلك‬
‫طبع المستعمرين ‪ -‬المستشرقين ‪ -‬لكتبهم ‪ ،‬ونشرها ‪ ،‬وكل هذه‬
‫مخاطر يجب الحذر منها ‪ ،‬وعلى من بسط الله يده أن يكف‬

‫‪164‬‬
‫أقلم أصحابها ‪ ،‬وألسنتهم ‪ ،‬طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬في نصرة هذا الدين ‪ ،‬وحماية لهله من شرورهم ‪.‬‬
‫)‪ (6‬الموسوعة الميسرة ‪ :‬ص ‪. 454 - 449 /‬‬
‫)‪ (7‬انظر ‪ :‬كتاب ‪ " :‬صحوة الرجل المريض " لموفق بني‬
‫المرجه ‪ :‬ص ‪ . 345 /‬وكتاب ‪ " :‬جمال الدين الفغاني في‬
‫الميزان " ‪.‬‬
‫)‪ (8‬المراجع السابقة ‪.‬‬
‫)‪ (9‬في كتاب محمد البهي ‪ " :‬الخاء الديني ‪ ،‬ومجمع الديان ‪/‬‬
‫سياسة غير إسلمية " ‪ .‬ص ‪ 3 /‬قال ما نصه ‪ " :‬الخاء الديني ‪:‬‬
‫جماعة تمارس نشاطها المشترك بين المسلمين والمسيحيين‬
‫في المركز العام لجمعيات الشبان المسلمين بالقاهرة ‪. " . . . .‬‬
‫)‪ (10‬في المرجع السابق ‪ " :‬مجمع الديان ‪ :‬مبني يقام في وادي‬
‫الراحة بسيناء للعبادات الثلثة " ‪.‬‬
‫)‪ (11‬العالمية ‪ :‬مذهب معاصر ‪ ،‬يدعو إلى البحث عن حقيقة‬
‫واحدة يستخلصها من ديانات العالم المتعددة ‪ ،‬وحقيقته نسف‬
‫للسلم انظر ‪ :‬معجم المناهي اللفظية ص ‪. 371 - 270 /‬‬
‫)‪ (12‬من هنا حتى الفقرة العاشرة ‪ ،‬مستخلص من ‪ :‬سلسلة‬
‫تقارير المعلومات بوزارة الوقاف الكويتية تحت الوثيقة رقم ‪/‬‬
‫‪ 61334‬بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات السلمية ‪.‬‬
‫بالرياض ‪.‬‬
‫)‪ (13‬لم يفصح لنا الخبر إلى أي القبلتين صلى بهم البابا ‪. . .‬‬
‫وهل كانت الصلة في بيت رحمة ‪ -‬المسجد ‪ -‬أم في بيت‬
‫عذاب ‪ :‬الكنيسة ‪ ،‬والمعبد ‪ .‬وهذه أول صلة يؤم فيها كافر‬
‫مسلما ً ‪ . . .‬؟؟!!‬
‫)‪ (14‬انظر كتاب ‪ " :‬الجارودي ووثيقة إشبيلية " لسعد ظلم ‪.‬‬
‫وكتاب ‪ " :‬السلم والديان " لمحمد عبد الرحمن عوض ‪.‬‬
‫)‪ (15‬جاء في الصحاح التاسع من سفر التكوين " ما يفيد ‪-‬‬
‫قبحهم الله ما أكذبهم ‪ -‬أن الله جعل " قوس قزح " علمة تذكره‬
‫أن ل يعود إلى إهلك أهل الرض مرة أخرى كما كان مع قوم‬
‫نوح ‪ ،‬فهو علمة ميثاق بين الله وبين أهل الرض ‪ " :‬أنه إذا رأى‬
‫الله ‪ " :‬قوس قزح " تذكر حتى ل يتورط مرة أخرى في طوفان‬
‫آخر ‪ .‬قاتل الله اليهود ما أكذبهم ‪ ،‬وعليهم لعنة الله المتتابعة إلى‬
‫يوم القيامة " ‪ .‬وانظر ‪ " :‬قذائف الحق " للغزالي ) ص ‪- 24 /‬‬
‫‪. ( 25‬‬
‫)‪ (16‬نشر في وسائل العلم المختلفة ‪ ،‬ومنها في ‪ :‬جريدة‬
‫الرأي ‪ .‬في العدد رقم ‪ ، 9316 /‬ص ‪ 1 /‬بتاريخ ‪/ 10 / 13‬‬
‫‪. 1416‬‬

‫‪165‬‬
‫)‪ (17‬نشر الخبر في وسائل العلم ‪ ،‬وفي الصحافة العالمية ‪.‬‬
‫منذ شهر رمضان عام ‪. 1416‬‬
‫)‪ (18‬تطبيع العلقات ‪ :‬مصطلح دولي معاصر ‪ ،‬وهو اتفاق ‪ ،‬أو‬
‫معاهدة ثنائية بين بلدين ‪ ،‬تهدف إلى جعل العلقات بينهما طبيعية‬
‫‪ ،‬ومتكيفة مع الوضع الجديد للبلدين ‪ ،‬ويشمل التطبيع عدة نواح ‪،‬‬
‫وليس مقصورا ً على الناحية السياسية فقط ؛ إذ يشمل العلقات‬
‫القتصادية ‪ ،‬والتمثيل الدبلوماسي والتبادل التجاري ‪ ،‬والتعاون‬
‫العلمي ‪ ،‬وفتح المجال للسياح من البلدين ‪ " .‬كتاب كلمات‬
‫غريبة ‪. " 148 :‬‬
‫)‪ (19‬ويقال ‪ " :‬النظام العالمي الجديد " و "النظام العالمي‬
‫المعاصر " وحقيقته من خلل القوى العاملة في ‪ " :‬المؤسسات‬
‫الدولية " ‪ :‬نظام استعماري غربي من وجه جديد ضد أمم‬
‫وحضارات ديانة الجنوب وفي مقدمتها " الملة السلمية " يهدف‬
‫إلى سلب الدين والخلق ‪ ،‬وفرض التقليد والتبعية لهم في‬
‫خصوصيات حضارتهم في الدين والخلق ‪.‬‬
‫)‪ (20‬انتشر إعلميا ً حال هذا التقييد ‪ ،‬إعلن جارودي ‪ ،‬أنه لم‬
‫يتخل عن النصرانية ‪ ،‬وأخذ يرمي بآراء جديدة في السلم ‪ ،‬منها‬
‫أن الصلوات المفروضات ثلث وليست خمسا ً وأنه يدعو إلى‬
‫عقيدة دينية جديدة تخلط بين السلم والنصرانية والشيوعية ‪،‬‬
‫إلى آخر كفرياته ‪ ،‬كما نشر في ‪ " :‬مجلة المجلة " هذا العام‬
‫‪ . 1416‬وقد رد عليه شيخ الزهر جاد الحق ‪ -‬رحمه الله تعالى ‪-‬‬
‫قبيل وفاته ‪ ،‬ورد عليه الشيخ عبد العزيز ابن عبد الله بن باز‬
‫المفتي العام للملكة العربية السعودية في ‪ " :‬مجلة البعث‬
‫السلمي لعدد ‪ 6 /‬ربيع الول عام ‪ 1417‬ص ‪. " 31 - 24 /‬‬
‫ومثل هذا الرجل وانكشاف حقيقته بعد سنين ‪ ،‬يعطي المسلمين‬
‫درسا ً بالتثبيت والتبين قبل الندفاع ‪ ،‬فإن المسلمين قد أكبروه ‪،‬‬
‫وشهروه ‪ ،‬ثم صارت حقيقة حاله ما ذكر ‪ ،‬فإلى الله المشتكى ‪،‬‬
‫وهو المستعان ‪.‬‬
‫)‪ (21‬وكان آخرها ‪ " :‬مؤتمر السلم والحوار الحضاري بين‬
‫الديان " المنعقد في القاهرة في شهر ربيع الول عام ‪. 1417‬‬
‫وفي ‪ " :‬مجلة الصلح " الماراتية في العدد ‪ 351 /‬في ‪/ 4 / 1‬‬
‫‪ 1417‬تقرير عنه ‪ ،‬وكشف حقائق مزعجة على لسان بعض‬
‫المشاركين من المسلمين ؟!‬
‫)‪ (22‬انظر كتاب ‪ " :‬اليمان " لعثمان عبد القادر الصافي ‪ .‬ص ‪/‬‬
‫‪. 117‬‬
‫)‪ (23‬الفتاوى ‪. 65 - 62 / 21 :‬‬
‫)‪ (24‬انظر ‪ :‬مجموع الفتاوى ‪. 613 - 12 / 28 :‬‬

‫‪166‬‬
‫)‪ (25‬جمعهم بعضهم بقوله ‪ " :‬شهصم " ‪.‬‬
‫)‪ (26‬انظر حاشية ‪ ، 23 /‬وهذه صورة مشروع لهذه الفكرة‬
‫المراد تنفيذها لمسجد وكنائس في بعض دول شرق آسيا‪.‬‬
‫)‪ (27‬كتاب ‪ :‬أهمية الجهاد في السلم للشيخ علي العلياني ‪ :‬ص‬
‫‪509 - 508 /‬‬
‫تم بحمد الله ‪.‬‬
‫====================‬
‫إثبات صفة الساق ‪ ...‬ورد شبهات المبتدعة الفساق‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ بالله من شرور‬
‫أنفسنا‪ ،‬ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده الله فل مضل له‪ ،‬ومن‬
‫يضلل فل هادي له‪.‬‬
‫وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له‪ .‬وأشهد أن محمدا ً‬
‫عبده ورسوله‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن إ ِل ّ وَأنُتم‬ ‫موت ُ ّ‬‫قات ِهِ وَل َ ت َ ُ‬ ‫حقّ ت ُ َ‬ ‫ه َ‬ ‫قوا ْ الل ّ َ‬ ‫مُنوا ْ ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫}َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫ق‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫خل َ‬ ‫حد َةٍ وَ َ‬ ‫س َوا ِ‬ ‫ف ٍ‬ ‫من ن ّ ْ‬ ‫قكم ّ‬ ‫خل َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫قوا َرب ّك ُ‬ ‫س ات ّ ُ‬ ‫}َيا أي َّها الّنا ُ‬
‫ذي‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫قوا ْ الل ّ َ‬ ‫ساء َوات ّ ُ‬ ‫جال ً ك َِثيًرا وَن ِ َ‬ ‫ما رِ َ‬ ‫من ْهُ َ‬ ‫ث ِ‬ ‫جَها وَب َ ّ‬ ‫من َْها َزوْ َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م َرِقيًبا{‪.‬‬ ‫ن ع َلي ْك ُ ْ‬ ‫كا َ‬‫ه َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫حا َ‬ ‫ن ب ِهِ َوالْر َ‬ ‫ساءلو َ‬ ‫تَ َ‬
‫َ‬
‫ح ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫صل ِ ْ‬‫دا ي ُ ْ‬ ‫دي ً‬‫س ِ‬ ‫ه وَُقوُلوا قَوًْل َ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫}َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫قد ْ َفاَز فَوًْزا‬ ‫ه فَ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫من ي ُط ِعْ الل ّ َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫م ذ ُُنوب َك ُ ْ‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬ ‫م وَي َغْ ِ‬ ‫مال َك ُ ْ‬ ‫أع ْ َ‬
‫ما{‪.‬‬ ‫ظي ً‬ ‫عَ ِ‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فإن أصدق الحديث كتاب الله‪ ،‬وأحسن الهدي هدي محمد‪ ،‬وشر‬
‫المور محدثاتها‪ ،‬وكل محدثة بدعة‪ ،‬وكل بدعة ضللة‪ ،‬وكل ضللة‬
‫في النار‪.‬‬
‫وبعد‪ ،‬إن الساق صفة من صفات الله الذاتية الخبرية‪ ،‬دلت عليها‬
‫صريح السنة النبوية‪ ،‬فعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه –‬
‫إن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال‪..." :‬‬
‫فيكشف عن ساقه‪ ،‬فيسجد له كل مؤمن" والحديث متفق عليه‬
‫واللفظ للبخاري‪ .‬وعليه ذهب بعض السلف إلى إن الساق في‬
‫ق{ هي ساق الله تعالى‪.‬‬ ‫سا ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫ف عَ ْ‬ ‫ش ُ‬ ‫م ي ُك ْ َ‬ ‫قوله تعالى‪} :‬ي َوْ َ‬
‫فإن هذه الصفة ضل فيها كثير من الناس عن الصواب‪ ،‬حتى آل‬
‫المآل المبتدعة إلى تعطيل هذه الصفة – والعياذ بالله ‪ .-‬وقد‬
‫أثارت المبتدعة عدة شبهات حول هذه الصفة؛ من جملتها‬
‫قولهم‪:‬‬
‫‪ (1‬إن ظاهر الية تشبيه‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫‪ (2‬إن الصحابة متنازعون في إثبات صفة الساق‪.‬‬
‫‪ (3‬إن ظاهر الية إثبات ساق واحدة فقط‪.‬‬
‫ونقول في الرد على هذه الشبهات بعد التوكل على الله‪:‬‬
‫ل‪ ،‬قد يراد به‬ ‫المطلب الول‪ :‬إن إطلق لفظ التشبيه إطلقا ً مجم ً‬
‫معنى باطل أو حق‪ ،‬فبإطلقه يراد به أحد المعنيين‪:‬‬
‫المعنى الول‪ :‬تشبيه الخالق بالمخلوق؛ أي ما يجب ويمتنع ويجوز‬
‫للمخلوق‪ ،‬يوجب ويمتنع ويجوز للخالق‪ ،‬وهذا التشبيه المذموم‬
‫الذي يكفر به قائله‪ ،‬وهذا هو المعنى الحق في نفي التشبيه‪.‬‬
‫المعنى الثاني‪ :‬المشابهة في اللفظ والمعنى العام الكلي؛ أي إن‬
‫حقيقة معنى أسماء الله وصفاته غير حقيقة أسماء وصفات‬
‫المخلوقين‪ ،‬وإن اشتركت في اللفظ والمعنى العام الكلي‪ ،‬وهذا‬
‫هو المعنى الباطل في نفي التشبيه‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬إن الله سمى نفسه بأسماء‪ ،‬وسمى بعض عياده بها‪.‬‬
‫وكذلك سمى صفاته بأسماء‪ ،‬وسمى ببعضها صفات خلقه‪ ،‬وليس‬
‫المسمى كالمسمى؛ وبيانه‪ :‬سمى الله نفسه بالسميع البصير‪،‬‬
‫ع‬
‫مي ُ‬
‫س ِ‬‫ه هُوَ ال ّ‬ ‫وأثبت بذلك صفة السمع والبصر قال تعالى‪} :‬إ ِن ّ ُ‬
‫صيُر{‪ ،‬وقد أثبت الله للنسان صفة السمع والبصر قال تعالى‪:‬‬ ‫الب َ ِ‬
‫َ‬
‫ميًعا‬ ‫جعَل َْناه ُ َ‬
‫س ِ‬ ‫ج ن ّب ْت َِليهِ فَ َ‬ ‫شا ٍ‬‫م َ‬
‫فة ٍ أ ْ‬ ‫من ن ّط ْ َ‬ ‫ن ِ‬‫سا َ‬ ‫قَنا ا ْ ِ‬
‫لن َ‬ ‫خل َ ْ‬
‫}إ ِّنا َ‬
‫صيًرا{‪ .‬والمشابهة هنا وقعت في السم والمعنى العام الكلي‪،‬‬ ‫بَ ِ‬
‫والنتفاء واقع في التماثل فإن سمع وبصره الله ليس كسمع‬
‫ع‬
‫مي ُ‬ ‫س ِ‬‫يٌء وَهُوَ ال ّ‬ ‫ش ْ‬‫مث ْل ِهِ َ‬ ‫س كَ ِ‬ ‫وبصر النسان‪ ،‬قال تعالى‪} :‬ل َي ْ َ‬
‫صيُر{ أي‪ :‬إن الله يسمع ل كسمع النسان‪ ،‬ويبصر ل كما يبصر‬ ‫الب َ ِ‬
‫النسان؛ ونظائر هذا كثيرة‪.‬‬
‫وعليه فإن القول في الصفات جميعها من باب واحد‪ ،‬فإنا نثبت‬
‫لله صفة الساق ل كساق المخلوقات‪ ،‬كما أثبتنا لله سمعا ً ل‬
‫كسمع المخلوقات‪.‬‬
‫وقد زلت المبتدعة في ضابط نفي التشبيه‪ ،‬وزاغت عن الحق‪،‬‬
‫فنفت التشبيه في السم والمعنى العام الكلي‪ ،‬حتى صارت‬
‫المبتدعة ترمي بعضها البعض بالتشبيه‪ ،‬فكل من نفى شيئا ً سمى‬
‫من أثبته مشبهًا‪.‬‬
‫أما نفي التشبيه عند أهل السنة والجماعة‪ ،‬إنما يقصد به المعنى‬
‫الول‪ .‬قال المام العظم أبو حنيفة النعمان فيما نسب إليه‪:‬‬
‫"يعلم ل كعلمنا‪ ،‬ويقدر ل كقدرتنا‪ ،‬ويرى ل كرؤيتنا" )‪ (1‬وهذا‬
‫صيُر{‬ ‫ميعُ الب َ ِ‬‫س ِ‬ ‫يٌء وَهُوَ ال ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫س كَ ِ‬
‫مث ْل ِهِ َ‬ ‫معنى قوله تعالى‪} :‬ل َي ْ َ‬
‫فنفي المثل وأثبت الصفة )‪.(2‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬إن من زعم نزاع الصحابة في إثبات صفة‬
‫الساق‪ ،‬إما مخطأ فُيصوب‪ ،‬أو جاهل فُيعلم‪ ،‬وإما كذاب فُيترك‪ .‬إذ‬

‫‪168‬‬
‫إن الصحابة لم يختلفوا في إثبات صفة الساق‪ ،‬وإنما الخلف وقع‬
‫ق{‪ ،‬إذ إن الصفة‬ ‫سا ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫ف عَ ْ‬ ‫ش ُ‬ ‫م ي ُك ْ َ‬ ‫في تفسير قوله تعالى‪} :‬ي َوْ َ‬
‫ذكرت على وجه التنكير‪ ،‬دون أن تضاف إلى الله‪ ،‬وهذا الذي‬
‫جعل الصحابة – رضوان الله عليهم – والتابعين يختلفون في‬
‫المراد بالـ)ساق(‪ ،‬وللصحابة – رضوان الله عليهم – في تفسير‬
‫هذه الية ثلثة أقوال أحدها لم يصح‪:‬‬
‫القول الول‪ :‬تفسير الساق بالنور العظيم‪ ،‬فقد قال أبو يعلى )‬
‫‪ :(3‬حدثنا القاسم بن يحيى‪ :‬حدثنا الوليد بن مسلم‪ :‬حدثنا أبو‬
‫سعيد روح بن جناح‪ ،‬عن مولى لعمر بن عبد العزيز‪ ،‬عن أبي‬
‫بردة‪ ،‬عن أبيه – رضي الله عنه ‪ ،-‬عن النبي – صلى الله عليه‬
‫ق{ قال‪" :‬عن نور عظيم‬ ‫سا ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫ف عَ ْ‬ ‫ش ُ‬ ‫م ي ُك ْ َ‬‫وعلى آله وسلم ‪} -‬ي َوْ َ‬
‫يخرون له سجدًا"‪ ،‬وفي سند هذا الثر مقال‪ ،‬فإن روح بن جناح‬
‫ليس بقوي )‪.(4‬‬
‫القول الثاني‪ :‬تفسير الساق بالشدة‪ ،‬وقد روى عن ابن عباس –‬
‫ق{‬ ‫سا ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫ف عَ ْ‬ ‫ش ُ‬ ‫م ي ُك ْ َ‬ ‫رضي الله عنهما – في قوله تعالى‪} :‬ي َوْ َ‬
‫قال‪" :‬عن شدة من المر" وأسند البيهقي الثر المذكور عن ابن‬
‫عباس – رضي الله عنهما – بسندين كلهما حسن )‪.(5‬‬
‫القول الثالث‪ :‬تفسير الساق بأنها صفة لله تعالى على ما يليق‬
‫به‪.‬‬
‫قال ابن القيم )‪" :(6‬الصحابة متنازعون في تفسير الية؛ هل‬
‫ن الرب تعالى يكشف‬ ‫دة‪ ،‬أو المراد بها أ ّ‬ ‫ش ّ‬‫المراد الكشف عن ال ّ‬
‫عن ساقه؟ ول يحفظ عن الصحابة والتابعين نزاع فيما يذكر أنه‬
‫من الصفات أم ل في غير هذا الموضع‪ ،‬وليس في ظاهر القرآن‬
‫ن ذلك صفة الله؛ لنه سبحانه لم يضف الساق إليه‪،‬‬ ‫ما يدل على أ ّ‬
‫وإنما ذكره مجردا ً عن الضافة منكرًا‪ ،‬والذين أثبتوا ذلك صفة‬
‫كاليدين والصبع لم يأخذوا ذلك من ظاهر القرآن‪ ،‬وإنما أثبتوه‬
‫بحديث أبي سعيد الخدري المتفق على صحته‪ ،‬وهو حديث‬
‫الشفاعة الطويل‪ ،‬وفيه‪" :‬فيكشف الرب عن ساقه‪ ،‬فيخرون له‬
‫م‬‫جدًا"‪ ،‬ومن حمل الية على ذلك؛ قال‪ :‬قوله تعالى‪} :‬ي َوْ َ‬ ‫س ّ‬ ‫ُ‬
‫جوِد{ مطابق لقوله ‪ -‬صلى‬ ‫س ُ‬ ‫ن إ َِلى ال ّ‬ ‫ق وَي ُد ْع َوْ َ‬
‫سا ٍ‬‫ن َ‬
‫ف عَ ْ‬
‫ش ُ‬ ‫ي ُك ْ َ‬
‫الله عليه وعلى آله وسلم ‪" :-‬فيكشف عن ساقه‪ ،‬فيخرون له‬
‫سجدًا" وتنكيره للتعظيم والتفخيم‪ ،‬كأنه قال‪ :‬يكشف عن ساق‬
‫عظيمة؛ جلت عظمتها‪ ،‬وتعالى شأنها أن يكون لها نظير أو مثيل‬
‫دة ل يصح بوجه‪ ،‬فإن لغة‬ ‫ش ّ‬ ‫أو شبيه‪ .‬قالوا‪ :‬وحمل الية على ال ّ‬
‫شف‬ ‫دة عن القوم‪ ،‬ل ك ُ ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫ش َ‬ ‫القوم في مثل ذلك أن يقال‪ :‬ك ُ ِ‬
‫م‬‫ذا هُ ْ‬ ‫ب إِ َ‬ ‫م ال ْعَ َ‬
‫ذا َ‬ ‫فَنا ع َن ْهُ ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫ما ك َ‬ ‫عنها‪ ،‬كما قال الله تعالى‪} :‬فَل َ ّ‬
‫ضّر{؛‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ما ب ِهِ ْ‬ ‫فَنا َ‬ ‫ش ْ‬ ‫م وَك َ َ‬ ‫مَناهُ ْ‬ ‫ح ْ‬‫ن{‪ ،‬وقال‪} :‬وَل َوْ َر ِ‬ ‫َينك ُُثو َ‬

‫‪169‬‬
‫دة هو المكشوف ل المكشوف عنه‪ ،‬وأيضا ً فهناك‬ ‫ش ّ‬‫فالعذاب و ال ّ‬
‫دة وتشتد ول تزال إل بدخول الجنة‪ ،‬وهناك ل يدعون‬ ‫ش ّ‬ ‫تحدث ال ّ‬
‫دة"‪.‬‬‫ش ّ‬ ‫إلى السجود‪ ،‬وإنما يدعون إليه أشد ما كانت ال ّ‬
‫فبهذا تثبت صفة الساق لله تعالى‪ ،‬من حديث أبي سعيد الخدري‬
‫– رضي الله عنه – المتفق على صحته‪ ،‬وهو من أحاديث‬
‫الشفاعة‪ ،‬وتنكير الساق إنما للتعظيم والتفخيم‪ ،‬فانطلقا ً من هذا‬
‫الحديث الصحيح نرى الية من آيات الصفات المفسرة بالسنة؛‬
‫لن الية جاءت محتملة المعنى حيث جاء الساق مجردا ً عن‬
‫الضافة المخصصة فجاءت السنة مبينة بأن المراد بالساق هو‬
‫ساق الرحمن‪ .‬وهذه طريقة أهل العلم قديما ً وحديثًا‪ ،‬في اليمان‬
‫ما جاءت به السنة مفسرة أو مفصلة لما أجمل‬
‫المطلب الثالث‪ :‬أما ما نسبته المبتدعة إلى ظاهر القرآن ‪ -‬الذي‬
‫هو حجة الله على عباده ‪ ،-‬إلى أقبح النقص والعيب‪ ،‬فزعموا أن‬
‫ظاهره ومدلوله إثبات بأن لله ساق واحدة‪ .‬فهذه الدعوى تدل‬
‫على إن ظاهر ما وصف الله به نفسه في كتابه يدل على هذه‬
‫الصفة الشنيعة المستقبحة فيكون سبحانه قد وصف نفسه بأشنع‬
‫الصفات في ظاهر كلمه‪ ،‬فأي طعن في القرآن أعظم من طعن‬
‫من يجعل هذا الظاهر ومدلوله؟ وهل هذا إل من جنس قول‬
‫الذين جعلوا القرآن عضين فعضهوه بالباطل وقالوا هو سحر أو‬
‫شعر‪ ،‬أو كذب مفترى؟‬
‫فإن هذا القول كفرًا‪ ،‬بل هو أشد من كفر مشركي الجاهلية‪،‬‬
‫وبيانه‪:‬‬
‫ل‪ :‬إن الكفار أقروا بعظمة القرآن‪ ،‬وشرف قدره‪ ،‬وعلوه‪،‬‬ ‫أو ً‬
‫وجللته حتى قال فيه رأس الكفر‪" :‬والله إن لكلمه لحلوة‪ ،‬وإن‬
‫عليه لطلوة‪ ،‬وإن أسفله لمغدق‪ ،‬وإن أعله لجنى‪ ،‬وإنه ليعلو‪،‬‬
‫وما يعلى‪ ،‬وما يشبه كلم البشر" رواه الحاكم والحديث صحيح‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬لم يدع أعداء الرسول‪ ،‬الذين جهروا بالمحاربة والعداوة‪ ،‬أن‬
‫ظاهر كلمه أبطل الباطل‪ ،‬وأبين المحال وهو وصف الخالق‬
‫سبحانه بأقبح الهيئات‪ ،‬والصور‪ ،‬ولو كان ذلك ظاهر القرآن‪ ،‬لكان‬
‫ذلك من أقرب الطرق لهم إلى الطعن فيه‪ ،‬وقالوا كيف يدعونا‬
‫إلى عبادة رب له ساق واحدة‪ ،‬فكيف كانوا يسكتون له على‬
‫ذلك‪ ،‬وهم يوردون عليه ما هو أقل من هذا بكثير‪ ،‬كما أوردوا‬
‫ب‬‫ص ُ‬‫ح َ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫دو ِ‬ ‫من ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬‫ما ت َعْب ُ ُ‬
‫م وَ َ‬ ‫عليه المسيح لما قال‪} :‬إ ِن ّك ُ ْ‬
‫جهن َ‬
‫ن{‪ .‬فقد أخرج الحاكم في مستدركه عن ابن‬ ‫م ل ََها َوارِ ُ‬
‫دو َ‬ ‫م أنت ُ ْ‬
‫َ َّ َ‬
‫ن‬‫دو َ‬‫ما ت َعْب ُ ُ‬
‫م وَ َ‬‫عباس ‪ -‬رضي الله عنهما ‪ -‬قال‪" :‬ما نزلت‪} :‬إ ِن ّك ُ ْ‬
‫من دون الل ّه حصب جهن َ‬
‫ن{‪ ،‬فقال المشركون‪:‬‬ ‫دو َ‬‫م ل ََها َوارِ ُ‬ ‫م أنت ُ ْ‬ ‫ِ َ َ ُ َ َ ّ َ‬ ‫ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫الملئكة‪ ،‬وعيسى‪ ،‬وعزير‪ ،‬يعبدون من دون الله‪ .‬فقال‪ :‬لو كان‬

‫‪170‬‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫هؤلء الذين يعبدون آلهة ما وردوها‪ .‬قال‪ :‬فنزلت }إ ِ ّ‬
‫ن{ عيسى وعزير‬ ‫دو َ‬ ‫مب ْعَ ُ‬
‫ك ع َن َْها ُ‬ ‫سَنى أ ُوْل َئ ِ َ‬‫ح ْ‬‫مّنا ال ْ ُ‬ ‫ت ل َُهم ّ‬ ‫ق ْ‬‫سب َ َ‬‫َ‬
‫والملئكة" والحديث صحيح‪ .‬فتعلقوا بظاهر ما لم يدل على ما‬
‫أوردوه‪ ،‬وهو دخول المسيح عيسى وعزير والملئكة فيما عبد من‬
‫دون الله إما بعموم لفظ "ما" وإما بعموم المعنى‪ ،‬فأوردوا على‬
‫هذا الظاهر هذا اليراد‪.‬‬
‫ونحن نبين أن هذه الصورة الشنيعة ليست تفهم من ظاهر‬
‫ق{‪ ،‬فدعوى‬ ‫سا ٍ‬ ‫عن َ‬ ‫ف َ‬ ‫ش ُ‬ ‫م ي ُك ْ َ‬‫القرآن‪ ،‬أن الله سبحانه قال‪} :‬ي َوْ َ‬
‫المبتدعة بأن ظاهر هذا إثبات ساق واحد‪ ،‬فرية ظاهرة‪ ،‬فمن أين‬
‫م‬
‫في ظاهر القرآن إثبات ساق واحد لله؟ فإنه سبحانه قال‪} :‬ي َوْ َ‬
‫ق{ فعلى تقدير أن يكون الساق من الصفات‬ ‫سا ٍ‬ ‫عن َ‬ ‫ف َ‬ ‫ش ُ‬ ‫ي ُك ْ َ‬
‫فليس من ظاهر القرآن ما يوجب أنه ل يكون له إل ساق واحد‬
‫فلو دل على ما ذكر لم يدل على نفي ما زاد على ذلك ل‬
‫بمنطوقه ول بمفهومه‪ ،‬حتى إن القائلين بمفهوم اللقب ل يدل‬
‫ذلك عندهم على نفي ما عدا المذكور لنه متى كان للتخصيص‬
‫بالذكر سبب غير الختصاص بالحكم لم يكن المفهوم مرادا ً‬
‫بالتفاق‪ ،‬وليس المراد بالية إثبات الصفة‪ ،‬حتى يكون تخصيص‬
‫المر بالذكر مرادا ً بل المقصود حكم آخر وهو بيان تفريط العبد‬
‫في حق الله‪ ،‬وبيان سجود الخلئق إذا كشف عن ساق وهذا حكم‬
‫قد يختص بالمذكور دون غيره‪ ،‬فل يكون له مفهوم‪.‬‬
‫نفرض أنه سبحانه أخبر أنه يكشف عن ساق واحدة هي صفة‪،‬‬
‫فمن أين في ظاهر الية إنه ليس له إل تلك الصفة الواحدة؟ فإنه‬
‫لو سمع قائل ً يقول‪" :‬كشفت عن عيني وأبديت عن ركبتي وعن‬
‫ساقي أو قدمي أو يدي" هل يفهم منه أنه ليس له إل ذلك الواحد‬
‫فقط؟ فكم هذا التلبيس والتدليس! فلو قال واحد من الناس‪:‬‬
‫"هذا لم يكن ظاهر كلمه ذلك" فكيف يكون ظاهر أفصح الكلم‬
‫وأبينه ذلك‪.‬‬
‫فإن المفرد المضاف يراد به ما هو أكثر من واحد كقوله تعالى‪:‬‬
‫ت‬‫ما ِ‬ ‫ت ب ِك َل ِ َ‬‫صد ّقَ ْ‬ ‫ها{ وقوله‪} :‬وَ َ‬ ‫صو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ت الل ّهِ ل َ ت ُ ْ‬‫م َ‬ ‫دوا ْ ن ِعْ َ‬‫}وَِإن ت َعُ ّ‬
‫ُ‬
‫م{‬ ‫سآئ ِك ُ ْ‬ ‫ث إ َِلى ن ِ َ‬ ‫صَيام ِ الّرفَ ُ‬ ‫ة ال ّ‬ ‫م ل َي ْل َ َ‬
‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫ح ّ‬‫ه{ وقوله‪} :‬أ ِ‬ ‫َرب َّها وَك ُت ُب ِ ِ‬
‫مْلك{ و‪} :‬ب ِي َد ِ َ‬
‫ك‬ ‫فلو كان الساق صفة لكان بمنزلة قوله‪} :‬ب ِي َد ِهِ ال ْ ُ‬
‫صن َعَ ع ََلى ع َي ِْني{)‪.(7‬‬ ‫خْير{ و‪} :‬وَل ِت ُ ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫هذا – والله أسأل – أن يظهر هدي عبده ورسوله – صلى الله‬
‫عليه وعلى آله وسلم ‪ ،-‬وينشر جواهره‪ ،‬ويبرز ضمائره‪ ،‬ويفضح‬
‫عن لغاته‪ ،‬ويفصح القناع عن إشاراته‪ ،‬ويميط عن وجود خرائده‬
‫اللثام‪ ،‬ويسفر عن جمال حور مقصوراته الخيام‪ ،‬ويبين بدائع ما‬
‫فيه من سحر الكلم‪ ،‬ويدل على ما حواه من درر مجمعة على‬

‫‪171‬‬
‫أحسن نظام‪ ،‬ويؤيده برجال يخدموه بفوائد تقر بها العين‪ ،‬وفرائد‬
‫يقول البحر الزاخر من أين أخذوها؟! من أين؟! وتحقيقات تنزاح‬
‫بها شبه الضالين‪ ،‬وتدقيقات ترتاح لها نفوس المنصفين‪ ،‬وتحرق‬
‫نيرانها أفئدة الحاسدين ل يعقلها إل العالمون‪ ،‬ول يجحدها إل‬
‫الظالمون‪ ،‬ول يغص منها إل كل مريض الفؤاد‪ .‬من يهدي الله فهو‬
‫المهتدي ومن يضلل فما له من هاد‪.‬‬
‫أسأل الله تعالى أن يجعلنا من دعاة الحق وأنصاره وأن يرينا‬
‫الحق حقا ويرزقنا إتباعه ويرينا الباطل باطل ً ويرزقنا اجتنابه انه‬
‫على كل شيء قدير‪ .‬اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك‬
‫العلى أن تجدد اليمان في قلوبنا‪ ،‬اللهم حبب إلينا اليمان زينه‬
‫في قلوبنا‪ ،‬وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من‬
‫ن َقاُلوا َرب َّنا‬‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬
‫الراشدين‪ ،‬اللهم اجعلنا ممن قلت فيهم‪} :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫خاُفوا وَل ت َ ْ‬
‫حَزُنوا‬ ‫ة أ َّل ت َ َ‬
‫مَلئ ِك َ ُ‬‫م ال ْ َ‬ ‫ل ع َل َي ْهِ ُ‬ ‫موا ت َت َن َّز ُ‬
‫قا ُ‬‫ست َ َ‬
‫ما ْ‬ ‫ه ثُ ّ‬‫الل ّ ُ‬
‫جن ّةِ ال ِّتي ُ‬ ‫َ‬
‫ن{‪ ،‬اللهم إنا نسألك الثبات في‬ ‫دو َ‬ ‫م ُتوع َ ُ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫شُروا ِبال ْ َ‬ ‫وَأب ْ ِ‬
‫المر والعزيمة على الرشد‪ ،‬وآخر دعوانا أن والحمد لله رب‬
‫العالمين والصلة والسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين‬
‫والتابعين بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬
‫سبحانك اللهم وبحمدك‪ ،‬أشهد أن ل إله إل الله‪ ،‬أستغفرك وأتوب‬
‫إليك‪.‬‬
‫جمع وإعداد الفقير إلى الله الغني المنان‪ /‬أبو إبراهيم أحمد‬
‫الرئيسي البلوشي الحنفي‬
‫المصادر والمراجع‪:‬‬
‫)‪ (1‬منح الروض الزهر في شرح الفقه الكبر‪ ،‬علي القارئ‪ ،‬ص‬
‫‪.108-107‬‬
‫)‪ (2‬شرح العقيدة الطحاوية‪ ،‬ابن أبي عز الحنفي‪ ،‬ص ‪.122‬‬
‫)‪ (3‬مسند أبي يعلى‪ ،‬أحمد بن علي بن المثنى أبو يعلى‪) ،‬‬
‫‪.(7282‬‬
‫)‪ (4‬مجمع الزائد‪ ،‬علي بن أبي بكر الهيثمي‪ .7/128 ،‬فتح الباري‪،‬‬
‫ابن حجر‪.8/664 ،‬‬
‫)‪ (5‬فتح الباري‪ ،‬ابن حجر‪.13/428 ،‬‬
‫)‪ (6‬الصواعق المرسلة‪ ،‬ابن القيم‪.1/252 ،‬‬
‫)‪ (7‬الصواعق المرسلة‪ ،‬ابن القيم‪ ،247-1/239 ،‬بتصرف‪.‬‬
‫=================‬
‫المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق‬
‫من النظريات التي بنى عليها المجتمع الغربي الحديث المساواة‬
‫بين الرجل والمرأة ‪ ،‬المساواة في كل شيء ‪ ،‬في الحقوق‬
‫والواجبات ‪ ،‬وفي اللتزامات والمسؤوليات ‪ ،‬فيقوم الجنسان‬

‫‪172‬‬
‫بأعمال من نوع واحد ‪ ،‬وتقسم بينهما واجبات جميع شعب الحياة‬
‫بالتساوي‪.‬‬
‫وبسبب هذه الفكرة الخاطئة للمساواة ‪ ،‬انشغلت المرأة‬
‫الغربية ‪ ،‬بل انحرفت عن أداء واجباتها الفطرية ووظائفها‬
‫الطبيعية ‪ ،‬التي يتوقف على أدائها بقاء المدنية ‪ ،‬بل بقاء الجنس‬
‫البشري بأسره ‪ ،‬واستهوتها العمال والحركات السياسية ‪،‬‬
‫والقتصادية ‪ ،‬والجتماعية ‪ ،‬وجذبتها إلى نفسها بكل ما في طبعها‬
‫وشخصيتها من خصائص ‪ ،‬وشغلت أفكارها وعواطفها شغل ً ‪،‬‬
‫أذهلها عن وظائفها الطبيعية ‪ ،‬حتى أبعدت من برنامج حياتها ‪،‬‬
‫القيام بتبعات الحياة الزوجية ‪ ،‬وتربية الطفال وخدمة البيت ‪،‬‬
‫ورعاية السرة ‪ ،‬بل ك ُّره إلى نفسها كل هذه العمال ‪ ،‬التي هي‬
‫وظائفها الفطرية الحقيقية ‪ ،‬وبلغ من سعيها خلف الرجل طلبا ً‬
‫للمساواة إلى حد محاكاته في كل حركاته وسكناته ‪ ،‬لبس الرجل‬
‫القصير من اللباس فلبست المرأة مثله ‪ ،‬ونزل البحر فنزلته ‪،‬‬
‫وجلس في المقهى والمنتزه فجلست مثله بدافع المساواة ‪،‬‬
‫ولعب الرياضة فلعبت مثله ‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫وكان من نتيجة ذلك أن تبدد شمل النظام العائلي في الغرب‬
‫الذي هو أس المدنية ودعامتها الولية ‪ ،‬وانعدمت ? أو كادت ?‬
‫الحياة البيتية ‪ ،‬التي تتوقف على هدوئها واستقرارها قوة النسان‬
‫‪ ،‬ونشاطه في العمل ‪ ،‬وأصبحت رابطة الزواج ‪ -‬التي هي‬
‫الصورة الصحيحة الوحيدة لرتباط الرجل والمرأة ‪ ،‬وتعاونهما‬
‫على خدمة الحياة والمدنية ‪ -‬أصبحت واهية وصورية في مظهرها‬
‫ومخبرها‪.‬‬
‫وجاء التصوير الخاطئ للمساواة بين الرجال والنساء بإهدار‬
‫الفضائل الخلقية ‪ ،‬التي هي زينة للرجال عامة ‪ ،‬وللنساء خاصة‬
‫فقاد المرأة إلى التبذل وفساد الخلق ‪ ،‬حتى عادت تلك‬
‫المخزيات التي كان يتحرج من مقارفتها الرجال من قبل ‪ ،‬ل‬
‫تستحي من ارتكابها بنات حواء في المجتمع الغربي الحديث‪.‬‬
‫هكذا كان تصورهم الخاطئ للمساواة ‪ ،‬وهكذا كانت نتائجه على‬
‫الحياة ‪ ،‬وعلى كل مقومات الحياة الفاضلة ‪ ،‬والعجيب أن يوجد‬
‫في عالمنا السلمي اليوم من ينادي بهذه الفكار ‪ ،‬ويعمل على‬
‫نشرها وتطبيقها في مجتمعنا السلمي ‪ ،‬على الرغم مما ظهر‬
‫واتضح من نتائجها ‪ ،‬وآثارها السيئة المدمرة ‪ ،‬ونسي أولئك أو‬
‫تناسوا أن لدينا من مباديء ديننا ومقومات مجتمعنا وموروثات‬
‫ماضينا ما يجعلنا في غنى عن أن نستورد مبادئ وتقاليد وأنظمة‬
‫ل تمت إلى مجتمعنا المسلم بصلة ‪ ،‬ول تشده إليها آصرة ‪ ،‬ول‬
‫يمكن أن ينجح تطبيقها فيه ‪ ،‬لن للمجتمع المسلم من الصالة‬

‫‪173‬‬
‫والمقومات ‪ ،‬وحرصه عليها ما يقف حائل ً دون ذلك التطبيق ‪ ،‬أو‬
‫على القل كمال نجاحه ‪ ،‬كما نسي أولئك المنادون باستيراد هذه‬
‫النظم والنظريات ‪ ،‬ونسي معهم أولئك الواضعون لهذه النظم‬
‫من الغربيين أو تناسوا الفروق الجوهرية الدقيقة العميقة التي‬
‫أوجدها الخالق سبحانه بين الذكر والنثى من بني البشر مما‬
‫يتعذر بل يستحيل تطبيق نظرية المساواة الكاملة بين الذكر‬
‫والنثى في جميع الحقوق والواجبات واللتزامات والمسؤوليات‪.‬‬
‫وهاهم ينادون بالمساواة بين المرأة والرجل بينما القرآن الكريم‬
‫يقرر خلف ذلك فيقول تبارك وتعالى نقل ً لكلم امرأة عمران‪:‬‬
‫)فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت‬
‫وليس الذكر كالنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها‬
‫من الشيطان الرجيم(‪.‬‬
‫وهاهي شهادة من أحد مفكري الغرب واضعي نظرية المساواة ‪،‬‬
‫يقول كاريل في كتابه )النسان ذلك المجهول(‪:‬‬
‫)إن ما بين الرجل والمرأة من فروق ‪ ،‬ليست ناشئة عن اختلف‬
‫العضاء الجنسية ‪ ،‬وعن وجود الرحم والحمل ‪ ،‬أو عن اختلف‬
‫في طريقة التربية ‪ ،‬وإنما تنشأ عن سبب جد عميق ‪ ،‬هو تأثير‬
‫العضوية بكاملها بالمواد الكيماوية ‪ ،‬ومفرزات الغدد التناسلية ‪،‬‬
‫وإن جهل هذه الوقائع الساسية هو الذي جعل رواد الحركة‬
‫النسائية يأخذون بالرأي القائل‪ :‬بأن كل من الجنسين الذكور‬
‫والناث يمكن أن يتلقوا ثقافة واحدة وأن يمارسوا أعمال ً‬
‫متماثلة ‪ ،‬والحقيقة أن المرأة مختلفة اختلفا ً عميقا ً عن الرجل ‪،‬‬
‫جيرة في جسمها تحمل طابع جنسها ‪ ،‬وكذلك الحال‬ ‫ح َ‬
‫فكل ُ‬
‫بالنسبة إلى أجهزتها العضوية ‪ ،‬ول سيما الجهاز العصبي ‪ ،‬وإن‬
‫القوانين العضوية )الفيزيولوجية( كقوانين العالم الفلكي ‪ ،‬ول‬
‫سبيل إلى خرقها ‪ ،‬ومن المستحيل أن نستبدل بها الرغبات‬
‫النسانية ‪ ،‬ونحن مضطرون لقبولها كما هي في النساء ‪ ،‬ويجب‬
‫أن ينمين استعداداتهن في اتجاه طبيعتهن الخاصة ‪ ،‬ودون أن‬
‫يحاولن تقليد الذكور ‪ ،‬فدورهن في تقدم المدنية أعلى من دور‬
‫الرجل ‪ ،‬فل ينبغي لهن أن يتخلين عنه(‪.‬‬
‫ويقول الستاذ المودودي‪ ...) :‬فهذا علم الحياء ‪ ،‬قد أثبتت بحوثه‬
‫وتحقيقاته أن المرأة تختلف عن الرجل في كل شيء ‪ ،‬من‬
‫الصورة والسمت ‪ ،‬والعضاء الخارجية ‪ ،‬إلى ذرات الجسم‬
‫والجواهر الهيولينية )البروتينية( لخلياه النسيجية ‪ ،‬فمن لدن‬
‫حصول التكوين الجنسي في الجنين يرتقي التركيب في الصنفين‬
‫في صورة مختلفة ‪ ،‬فهيكل المرأة ونظام جسمها ‪ ،‬يركب تركيبا ً‬
‫تستعد به لولدة الولد وتربيته ‪ ،‬ومن التكوين البدائي في الرحم‬

‫‪174‬‬
‫إلى سن البلوغ ‪ ،‬ينمو جسم المرأة ‪ ،‬وينشأ لتكميل ذلك‬
‫الستعداد فيها ‪ ،‬وهذا هو الذي يحدد لها طريقها في أيامها‬
‫المستقبلة(‪.‬‬
‫وإذا تقرر هذا الختلف الدقيق في التكوين بين الذكر والنثى ‪،‬‬
‫فمن الطبيعي والبديهي أن يكون هناك اختلف في اختصاص كل‬
‫منهما في هذه الحياة ‪ ،‬يناسب تكوينه وخصائصه التي ركبت‬
‫فيه ‪ ،‬وهذا ما قرره السلم وراعاه ‪ ،‬عندما وزع الختصاصات‬
‫على كل من الرجل والمرأة ‪ ،‬فجعل للرجل القوامة على البيت ‪،‬‬
‫والقيام بالكسب والنفاق ‪ ،‬والذود عن الحمى ‪ ،‬وجعل للمرأة‬
‫البيت ‪ ،‬تدبر شئونه ‪ ،‬وترعى أطفاله ‪ ،‬وتوفر فيه السكينة‬
‫والطمأنينة ‪ ،‬هذا مع تقريره أن الرجل والمرأة من حيث إنسانيتها‬
‫على حد سواء ‪ ،‬فهما شطران متساويان للنوع النساني ‪،‬‬
‫مشتركان بالسوية في تعمير الكون ‪ ،‬وتأسيس الحضارة ‪ ،‬وخدمة‬
‫النسانية ‪ ،‬كل في مجال اختصاصه ‪ ،‬وكل الصنفين قد أوتي‬
‫القلب والذهن ‪ ،‬والعقل والعواطف ‪ ،‬والرغبات والحوائج البشرية‬
‫‪ ،‬وكل منهما يحتاج إلى تهذيب النفس ‪ ،‬وتثقيف العقل ‪ ،‬وتربية‬
‫الذهن ‪ ،‬وتنشئة الفكر ‪ ،‬لصلح المدنية وفلحها ‪ ،‬حتى يقوم كل‬
‫منهما بنصيبه من خدمة الحياة والمدنية ‪ ،‬فالقول بالمساواة من‬
‫هذه الجهات صواب ل غبار عليه ‪ ،‬ومن واجب كل مدنية صالحة‬
‫أن تعني بالنساء عنايتها بالرجال ‪ ،‬في إيتائهن فرص الرتقاء‬
‫والتقدم ‪ ،‬وفقا ً لمواهبهن وكفاءتهن الفطرية‪.‬‬
‫ثم إن ما يزعمون أنه مساواة بين الرجل والمرأة ‪ ،‬ويحاولون‬
‫إقناع المرأة بأن القصد منه مراعاة حقوقها ‪ ،‬والرفع من‬
‫مكانتها ‪ ،‬إنما هو في الحقيقة عين الظلم لها ‪ ،‬والعدوان على‬
‫حقوقها ‪ ،‬وذلك لنهم بمساواة المرأة بالرجل في العباء‬
‫ملوا الرجل ‪ ،‬فمع ما خصصت له‬ ‫والحقوق ‪ ،‬حملوها أكثر مما ح ّ‬
‫المرأة من الحمل والولدة ‪ ،‬والرضاع وتربية الطفال ‪ ،‬ومع ما‬
‫تتعرض له في حياتها ‪ ،‬وما تعانيه من آلم الحيض والحمل‬
‫والولدة ‪ ،‬ومع قيامها على تنشئة أطفالها ‪ ،‬ورعاية البيت‬
‫ملونها زيادة على ذلك ‪ ،‬مثل‬ ‫والسرة ‪ ،‬مع تحملها لهذا كله ‪ ،‬يح ّ‬
‫ما يحمل الرجل من الواجبات ‪ ،‬ويجعلون عليها مثل ما عليه من‬
‫اللتزامات التي أعفي الرجل لجل القيام بها من جميع‬
‫اللتزامات ‪ ،‬فيفرض عليها أن تحمل كل التزاماتها الفطرية ‪ ،‬ثم‬
‫تخرج من البيت كالرجل لتعاني مشقة الكسب ‪ ،‬وتكون معه‬
‫على قدر المساواة في القيام بأعمال السياسة والقضاء ‪،‬‬
‫والصناعات ‪ ،‬والمهن ‪ ،‬والتجارة ‪ ،‬والزراعة ‪ ،‬والمن ‪ ،‬والدفاع‬
‫عن حوزة الوطن‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫وليس هذا فحسب ‪ ،‬بل يكون عليها بعد ذلك ‪ ،‬أن تغشى‬
‫المحافل والنوادي ‪ ،‬فتمتع الرجل بجمال أنوثتها ‪ ،‬وتهيئ له‬
‫أسباب اللذة والمتعة‪.‬‬
‫ً‬
‫وليس تكليف المرأة بالواجبات الخارجة عن اختصاصها ظلما لها‬
‫فحسب ‪ ،‬بل الحقيقة أنها ليست أهل ً كل الهلية ‪ ،‬للقيام بواجبات‬
‫الرجال ‪ ،‬لما يعتور حياتها من المؤثرات والموانع الطبيعية التي‬
‫تؤثر على قواها العقلية والجسمية ‪ ،‬والنفسية ‪ ،‬وتمنعها من‬
‫مزاولة العمل بصفة منتظمة ‪ ،‬وتؤثر على قواها وهي تؤديه‪.‬‬
‫ثم إن قيام المرأة بتلك العمال ‪ ،‬فيه مسخ لمؤهلتها الفطرية‬
‫والطبيعية ‪ ،‬يقول )ول ديوارنت( مؤلف قصة الحضارة‪:‬‬
‫)إن المرأة التي تحررت من عشرات الواجبات المنزلية ونزلت‬
‫فخورة إلى ميدان العمل بجانب الرجل ‪ ،‬في الدكان والمكتب ‪،‬‬
‫قد اكتسبت عادته وأفكاره وتصرفاته ‪ ،‬ودخنت سيجاره ‪ ،‬ولبست‬
‫بنطلونه(‪.‬‬
‫وفي هذا خطر كبير ‪ ،‬يؤدي إلى انحطاط المدنية والحضارة‬
‫النسانية ‪ ،‬ثم ما هي المنفعة والفائدة التي تحقق للمدنية‬
‫والحضارة من قيام المرأة بأعمال الرجال؟ إن فيها كل المضرة‬
‫والمفسدة ‪ ،‬لن الحضارة والحياة النسانية ‪ ،‬حاجتهما إلى الغلظة‬
‫والشدة والصلبة ‪ ،‬مثل حاجتهما إلى الرقة واللين والمرونة ‪،‬‬
‫وافتقارها إلى القواد البارعين والساسة والداريين ‪ ،‬كافتقارها‬
‫إلى المهات المربيات ‪ ،‬والزوجات الوفيات ‪ ،‬والنساء المدبرات‬
‫ل غنى للحياة عن أحدهما بالخر‪.‬‬
‫فماذا في المساواة ? بمفهومهم ? من محاسن ‪ ،‬تجنيها المرأة‬
‫والمجتمع؟ وما هو عذر أولئك المنادين بالمساواة ‪ ،‬بعد أن‬
‫دحضت حجتهم؟ ‪ ،‬نحن ل نشك أنهم يدركون ? أو عقلؤهم على‬ ‫ُ‬
‫القل ? كل الموانع الفطرية ‪ ،‬والطبيعية والعقلية ‪ ،‬والجسمية‬
‫الحائلة دون مساواة المرأة بالرجل ‪ ،‬ومقتنعون بها كل القتناع ‪،‬‬
‫ولكن اللهفة الجنسية المسعورة ل تستطيع الصبر على رؤية‬
‫دئ لحظة من الزمن ‪ ،‬فاصطنعت هذه الشعارات كي‬ ‫ال ّ‬
‫طعم المه ّ‬
‫تضمن وجود المرأة أمامهم في كل وقت ‪ ،‬وفي كل مكان في‬
‫البيت وفي المكتب وفي المصنع وفي السارع وفي كل مكان‬
‫يتجه إليه الرجل ‪ ،‬أو يوجد فيه ‪ ،‬ليروي غ ُّلته ويطفئ حرقته‬
‫الجنسية البهيمية‪.‬‬
‫والمرأة بما تحس به في قرارة نفسها من ضيق بالنوثة ‪ ،‬مع‬
‫تصور الرفعة في مكانة الرجل ‪ ،‬تندفع وراء هذه الشعارات ‪،‬‬
‫دون روية أو تمحيص لها ‪ ،‬تنشد إشباع رغبتها ‪ ،‬في أن تكون رجل ً‬
‫ل أنثى ‪ ،‬فإذا أبت الطبيعة )طبيعتها( عليها ذلك فل أقل من أن‬

‫‪176‬‬
‫تكون رجل ً ‪ ،‬يقيم مضطرا ً في جسم أنثى ‪ ،‬وعليها أن تعمل على‬
‫إرضاء هذا النزوع في نفسها بكل وسيلة ‪ ،‬وأن تحقق لهذا الكائن‬
‫المتمرد في صدرها كل ما يرضيه من شارات الرجل الطبيعي‪.‬‬
‫ول نعلم أيظل هذا الندفاع من المرأة إلى محاكاة الرجال ‪ ،‬بعد‬
‫أن ظهرت الن لوثة التخنث والخنفسة بين الشباب فانعكست‬
‫المور ‪ ،‬وانقلبت المفاهيم ‪ ،‬وتغيرت معايير الشياء أم ل؟ فما‬
‫كان سّبة في الماضي ‪ ،‬صار مصدر فخر واعتزاز الن‪.‬‬
‫====================‬
‫الرد على القص الجاهل زكريا بطرس حول شبهة ‪,‬‬
‫جفاء الشريعة السلمية‬
‫زعم زكريا بطرس الجاهل بالسلم أن كل من اليهودية والسلم‬
‫يهتمان بالشكليات ولذا تكثر الوامر فيهما ‪ ,‬وان العلقة بين‬
‫النسان وربه فى السلم محصورة فى تنفيذ هذة الوامر ‪,‬‬
‫وبعدية عن الناحية الداخلية من مشاعر وتوجه النسان ‪ ,‬فهى ل‬
‫تقيم علقة حب بين النسان وربة ‪ ,‬بل تقيم علقة جافة تتمثل‬
‫فى أوامر وتنفيذ وثواب وعقاب ‪ ,‬وبالطبع فهذا كلم من ليعرف‬
‫عن وظيفة العبادات فى السلم شيئا ‪ ,‬وكلم من لم يلتقى فى‬
‫حياتة ‪ ,‬ومن لم يتأمل القران ولو للحظات ليعرف ان رب‬
‫العالمين عندما شرع هذة العبادات لم يجعلها جامدة كما يزعم‬
‫هذا الجاهل ‪ ,‬وانما جعلها كنوع من أنواع الخصوصية فى العلقة ‪,‬‬
‫والترقى بالنفس وتأهيلها للقرب من الله تعالى ‪ ,‬ليكون الله فى‬
‫نفس المؤمن بة المسلم لة شأنا يمل عليه كل الجزيئات حياتة ‪,‬‬
‫فهو يصل بتدرجه فى هذة العبادات الى ان يكون اللع تعالى هو‬
‫مقصدة وتوجهة فى كل افعالة ‪ :‬فهو ينفق فى سبيلة ‪ ,‬ويسعى‬
‫فى سبيلة ‪ ,‬ويقوم من الليل ليناجية ويبكى ساجدا تعظيما لة ‪,‬‬
‫ويرفع أكف الضراعة الية ان يحوز رضاة ‪ ,‬وان يشرفة الله تعالى‬
‫بان ينتسب الية فيكون عبدا ربانيا ‪.‬‬
‫العبادات ليست جافة ال عند من لم يجربها ‪ ,‬او عند من اخترع‬
‫غيرها وزينها لة ربة الجديد " ابليس " وبالتالى فهو ل يجد راحة‬
‫بداخلها ال عندما يتفانى فى ارضاء اللة الجديد المزيف ‪ ,‬ومن ثم‬
‫تكون العبادات الحقيقية ثقيلة على قلبة السود الذى سيختم‬
‫علية بعد فترة من هذا الشطح ‪ ,‬فل يعود يميز بين الحق والباطل‬
‫‪ ,‬وبين الجميل والقبيح ‪.‬‬
‫ولنطالع بعض العبادات كيف تناولها الله تعالى فى كتابة القران ‪,‬‬
‫وهل هى كما زعم زكريا الكذاب مجرد حركات وواجبات تؤدى‬
‫والسلم ‪ .‬ام ان هذة الفروض لها جوهرها ‪ ,‬ولها‬
‫وظيفتها ؟ ! ‪ ....‬هيا نرى ‪:‬‬

‫‪177‬‬
‫العبادات ‪ :‬وظيفة الصلة ‪ :‬ذكر الله تعالى ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ري )‪(14‬‬ ‫صَلة َ ل ِذ ِك ْ ِ‬ ‫ه إ ِّل أَنا َفاع ْب ُد ِْني وَأقِم ِ ال ّ‬ ‫ه َل إ ِل َ َ‬ ‫)‪ (13‬إ ِن ِّني أَنا الل ّ ُ‬
‫سورة طة ‪....‬‬
‫جوهر الصلة ‪ :‬الخشوع ‪:‬‬
‫َ‬
‫ن )‪ (2‬سورة‬ ‫شُعو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫م َ‬ ‫صَلت ِهِ ْ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن )‪ (1‬ال ّ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ح ال ْ ُ‬ ‫قَد ْ أفْل َ َ‬
‫المؤمنون‬
‫التفانى فى الصلة مانا وكيفية ‪ :‬التهجد والتضرع والبكاء ‪:‬‬
‫جدا ً وَقَِياما ً )‪ (64‬سورة الفرقان‬ ‫س ّ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ل َِرب ّهِ ْ‬ ‫ن ي َِبيُتو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫_ ‪َ (63‬وال ّ ِ‬
‫وفا ً‬ ‫خ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن َرب ّهُ ْ‬ ‫عو َ‬ ‫جِع ي َد ْ ُ‬ ‫ضا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫جاَفى ُ‬
‫م عَ ِ‬ ‫جُنوب ُهُ ْ‬ ‫_ )‪} (15‬س{ ت َت َ َ‬
‫معًا)‪ (16‬سورة السجدة‬ ‫وَط َ َ‬
‫شوعا ً )‪ (109‬سورة‬ ‫ن ي َب ْ ُ‬ ‫خرو َ َ‬
‫خ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫زيد ُهُ ْ‬ ‫ن وَي َ ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ن ل ِلذ َْقا ِ‬ ‫_ )‪ (108‬وَي َ ِ ّ‬
‫السراء‬
‫فهل يقال عن مثل هذة الصلة انها جمود فى العلقة بين العبد‬
‫والرب ؟!‬
‫أم يقال عن زكريا بطرس انة جاهل بالسلم ‪,‬كذاب على‬
‫الله ؟ !‬
‫وبنفس الكيفية سنجد ان العبادات ل يهتم فيها بالناحية الشكلية‬
‫فقط ‪ ,‬وانما لها جورها ووظيفتها فى تهذيب النفس ‪.‬‬
‫التكافل الجتماعىبر الوالدين ولو كانا كافرين ‪:‬‬
‫م فََل‬ ‫عل ْ ٌ‬ ‫ك ب ِهِ ِ‬ ‫س لَ َ‬ ‫ما ل َي ْ َ‬ ‫ك ِبي َ‬ ‫شرِ َ‬ ‫على َأن ت ُ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫دا َ‬ ‫جاهَ َ‬ ‫)‪ (14‬وَِإن َ‬
‫معُْروفا ً )‪ (15‬سورة لقمان‬ ‫ما ِفي الد ّن َْيا َ‬ ‫حب ْهُ َ‬ ‫صا ِ‬ ‫ما وَ َ‬ ‫ت ُط ِعْهُ َ‬
‫صلة الرحام ‪:‬‬
‫َ‬
‫من َْها‬‫خل َقَ ِ‬ ‫حد َةٍ وَ َ‬ ‫س َوا ِ‬ ‫ف ٍ‬ ‫من ن ّ ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫ق ُ‬ ‫خل َ َ‬‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫قوا ْ َرب ّك ُ ُ‬ ‫س ات ّ ُ‬ ‫َيا أي َّها الّنا ُ‬
‫ه‬
‫ن بِ ِ‬ ‫ساءُلو َ‬ ‫ذي ت َ َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫قوا ْ الل ّ َ‬ ‫ساء َوات ّ ُ‬ ‫جال ً ك َِثيرا ً وَن ِ َ‬ ‫ما رِ َ‬ ‫من ْهُ َ‬ ‫ث ِ‬ ‫جَها وَب َ ّ‬ ‫َزوْ َ‬
‫م َرِقيبا ً )‪ (1‬سورة النساء ‪,‬‬ ‫ن ع َل َي ْك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫حا َ‬ ‫َوال َْر َ‬
‫ل‬‫ه ب ِك ُ ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ب الل ّهِ إ ِ ّ‬ ‫ض ِفي ك َِتا ِ‬ ‫ضه ُ ْ َ َ‬ ‫وَأوُْلوا ْ ال َْر َ‬
‫ُ‬
‫م أوْلى ب ِب َعْ ٍ‬ ‫حام ِ ب َعْ ُ‬
‫م )‪ (75‬سورة النفال‬ ‫يٍء ع َِلي ٌ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫البر بغير المسلمين والقساط لهم ‪:‬‬
‫كم‬ ‫جو ُ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ن وَل َ ْ‬ ‫دي ِ‬ ‫م ِفي ال ّ‬ ‫قات ُِلوك ُ ْ‬ ‫م يُ َ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫)‪َ (7‬ل ي َن َْهاك ُ ُ‬
‫من ديارك ُ َ‬
‫ن)‬ ‫طي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫م ْ‬‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫طوا إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫م وَت ُ ْ‬ ‫م أن ت َب َّروهُ ْ‬ ‫َِ ِ ْ‬ ‫ّ‬
‫‪(8‬‬
‫الصدقة ‪:‬‬
‫امر الله تعالى بالصدقة وحدث عليها لتساهم فى تقويم التراحيم‬
‫بين اشخاص المجتمع المسلم ‪ ,‬وبالطبع فان الله تعالى لن ينال‬
‫من هذة الصدقة ال التقوى من عبادة ‪ ,‬وقد ترك الله سبحانة‬
‫الباب مفتوحا امام عباده ليتنافسوا فى الجود بصدقاتهم ‪ ,‬بنفس‬
‫الوقت الذى حذر فية من يكنزون الموال من سوء العاقبة ‪,‬‬

‫‪178‬‬
‫فقال سبحانة مرغبا ‪:‬‬
‫َ‬
‫صَلة َ وَأن َ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫م ّ‬ ‫قوا ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫ب الل ّهِ وَأَقا ُ‬ ‫ن ك َِتا َ‬ ‫ن ي َت ُْلو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫)‪ (28‬إ ِ ّ‬
‫جاَرة ً ّلن ت َُبوَر )‪ (29‬فاطر ‪.‬‬ ‫ن تِ َ‬ ‫جو َ‬ ‫ة ي َْر ُ‬ ‫سّرا ً وَع ََلن ِي َ ً‬ ‫م ِ‬ ‫َرَزقَْناهُ ْ‬
‫خْيرا ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قوا َ‬ ‫طيُعوا وَأنفِ ُ‬ ‫مُعوا وَأ ِ‬ ‫س َ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫ست َط َعْت ُ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ه َ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫)‪َ (15‬فات ّ ُ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ن )‪ (16‬التغابن‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫سهِ فَأوْل َئ ِ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ح نَ ْ‬ ‫ش ّ‬ ‫من ُيوقَ ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫لن ُ‬
‫وقال سبحانة محذرا ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م إ ِلى الت ّهْلك َ ِ‬
‫ة‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫قوا ب ِأي ْ ِ‬ ‫ل اللهِ وَل َ ت ُل ُ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫قوا ْ ِفي َ‬ ‫ف ُ‬ ‫‪ (194‬وَأن ِ‬
‫َ‬
‫ن )‪ (195‬البقرة‬ ‫َ‬ ‫سِني‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫سن ُوَا ْ إ ِ ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫وَأ ْ‬
‫ْ‬ ‫كم من قَب َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫ل أن ي َأت ِ َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ما َرَزقَْنا ُ ّ‬ ‫م ّ‬ ‫قوا ْ ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫مُنوا ْ أن ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫)‪َ (253‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن)‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ن هُ ُ‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫ة َوال ْ َ‬ ‫فاع َ ٌ‬ ‫ش َ‬ ‫ة وَل َ َ‬ ‫خل ّ ٌ‬ ‫م ل ّ ب َي ْعٌ ِفيهِ وَل َ ُ‬ ‫ي َوْ ٌ‬
‫‪ (254‬البقرة‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫)‪ (9‬وََأنفِ ُ‬
‫ت‬
‫مو ْ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫حد َك ُ ُ‬ ‫يأ َ‬ ‫ل أن ي َأ َت ِ َ‬ ‫من قَب ْ ِ‬ ‫كم ّ‬ ‫ما َرَزقَْنا ُ‬ ‫من ّ‬ ‫قوا ِ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫كن ّ‬ ‫صد ّقَ وَأ َ ُ‬ ‫ب فَأ ّ‬ ‫ري ٍ‬ ‫ل قَ ِ‬ ‫ج ٍ‬
‫َ‬
‫خْرت َِني إ َِلى أ َ‬ ‫ب ل َوَْل أ َ ّ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫قو َ‬ ‫فَي َ ُ‬
‫ن )‪ (10‬المنافقون ‪.‬‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬‫ال ّ‬
‫ثم قال سبحانة معلما لهم كيف الصدقة تكون ‪:‬‬
‫قو َ‬
‫ما‬ ‫ن َ‬ ‫م ل َ ي ُت ْب ُِعو َ‬ ‫ل الل ّهِ ث ُ ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫وال َهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ف ُ َ‬ ‫ن ُين ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫)‪ (261‬ال ّ ِ‬
‫ذى ل ّه َ‬ ‫من ّا ً وَل َ أ َ ً‬ ‫َأن َ‬
‫م وَل َ هُ ْ‬
‫م‬ ‫ف ع َل َي ْهِ ْ‬ ‫خو ْ ٌ‬ ‫م وَل َ َ‬ ‫عند َ َرب ّهِ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جُرهُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ُ ْ‬ ‫قوا ُ َ‬ ‫ف ُ‬
‫ن )‪ (262‬البقرة‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫الذبيحة ‪[:‬كان من المسائل التى انتقض بها زكريا السلم مسألة‬
‫الذبيحة ‪ ,‬وقارن بين السلم واليهودية فى ان كل منهما تعتمد‬
‫ذبائح الحيوانات ‪ ,‬اما عندة هو فالمر كان اسمى ‪ .‬واذا كان‬
‫الذبيحة هو يسوع ؟ ؟ ؟ !‬
‫وبرغم سفاهة كلمة من اعتماد يسوع كذبيحة مثل الخروف‬
‫والمواشى ‪ ,‬ال انة لم يفهم معنى الذبيحة فى السلم‬
‫فالله تعالى شرعها كنوع من انواع البذل والعطاء التى يمتحن بها‬
‫المأمورون بفعلها ‪ ,‬ومن ثم فقد قال سبحانة ‪:‬‬
‫منك ُ ْ‬
‫م‬ ‫وى ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ه الت ّ ْ‬ ‫كن ي ََنال ُ ُ‬ ‫ها وَل َ ِ‬ ‫ماؤ ُ َ‬ ‫مَها وََل د ِ َ‬ ‫حو ُ‬ ‫ه لُ ُ‬ ‫ل الل ّ َ‬ ‫)‪َ (36‬لن ي ََنا َ‬
‫ن)‬‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شرِ ال ْ ُ‬ ‫م وَب َ ّ‬ ‫داك ُ ْ‬ ‫ما هَ َ‬ ‫ه ع ََلى َ‬ ‫م ل ِت ُك َب ُّروا الل ّ َ‬ ‫ها ل َك ُ ْ‬ ‫خَر َ‬ ‫س ّ‬ ‫ك َ‬ ‫ك َذ َل ِ َ‬
‫‪ (37‬الحج‬
‫وقال ايضا ‪.‬‬
‫ُ‬
‫ما َرَزقَُهم‬ ‫م الل ّهِ ع ََلى َ‬ ‫س َ‬ ‫سكا ً ل ِي َذ ْك ُُروا ا ْ‬ ‫من َ‬ ‫جعَل َْنا َ‬ ‫مة ٍ َ‬ ‫لأ ّ‬ ‫)‪ (33‬وَل ِك ُ ّ‬
‫حد فَل َ َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫خب ِِتي َ‬ ‫م ْ‬ ‫شرِ ال ْ ُ‬ ‫موا وَب َ ّ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ه َوا ِ ٌ‬ ‫م إ ِل َ ٌ‬ ‫مةِ اْلن َْعام ِ فَإ ِل َهُك ُ ْ‬ ‫من ب َِهي َ‬ ‫ّ‬
‫‪ (34‬الحج‬
‫اذن فالله تعالى يخبرنا انة جعل لكل امة منسكا ليذكروا اسم‬
‫الله على ما رزقهم من بهيمة النعام ‪ ,‬ليحقق فية العباد التقوى‬
‫والطاعة ‪ ,‬وعلية فهى عبادة شخصية مطلوب من كل واحد‬
‫القيام بها فى الحج حسب استطاعتة ‪ .‬ويدهى ان عيسى لم يذبح‬

‫‪179‬‬
‫‪ ,‬ويفرض صلبة فهو ل علقة لة بأعمال وافعال العباد ‪ ,‬وبالتالى‬
‫فلن تتحقق التقوى لحد منهم بموتة على الصليب ‪.‬‬
‫الصلح بين الناس‬
‫حوا ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صل ِ ُ‬ ‫قوا وَت ُ ْ‬ ‫م أن ت َب َّروا وَت َت ّ ُ‬ ‫مان ِك ُ ْ‬ ‫ة لي ْ َ‬ ‫ض ً‬ ‫ه ع ُْر َ‬ ‫جعَُلوا ْ الل َ‬
‫ّ‬ ‫)‪ (223‬وَل َ ت َ ْ‬
‫م )‪ (224‬البقرة‬ ‫ميعٌ ع َِلي ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫س َوالل ّ ُ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫ب َي ْ َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫كما ً ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ن أهْل ِهِ وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫كما ً ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ما َفاب ْعَُثوا ْ َ‬ ‫قاقَ ب َي ْن ِهِ َ‬ ‫ش َ‬ ‫م ِ‬ ‫فت ُ ْ‬ ‫خ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫)‪ (34‬وَإ ِ ْ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ص َ‬ ‫َ‬
‫خِبيرا )‬ ‫ن ع َِليما َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ما إ ِ ّ‬ ‫ه ب َي ْن َهُ َ‬ ‫ق الل ُ‬ ‫لحا ي ُوَفّ ِ‬ ‫دا إ ِ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫أهْل َِها ِإن ي ُ ِ‬
‫‪ (35‬النساء‬
‫ع‬
‫ف ْ‬ ‫ش َ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫من َْها وَ َ‬ ‫ب ّ‬ ‫صي ٌ‬ ‫ه نَ ِ‬ ‫كن ل ّ ُ‬ ‫ة يَ ُ‬ ‫سن َ ً‬ ‫ح َ‬ ‫ة َ‬ ‫فاع َ ً‬ ‫ش َ‬ ‫فعْ َ‬ ‫ش َ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫)‪ّ (84‬‬
‫قيتا )‬ ‫ً‬ ‫م ِ‬‫يٍء ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ع َلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫كا َ‬ ‫من َْها وَ َ‬ ‫ل ّ‬ ‫ف ٌ‬ ‫ه كِ ْ‬ ‫كن ل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ة يَ ُ‬ ‫سي ّئ َ ً‬ ‫ة َ‬ ‫فاع َ ً‬ ‫ش َ‬ ‫َ‬
‫‪ (85‬النساء‬
‫خير في ك َِثير من نجواهُم إل ّ من أ َمر بصدقَة أ َو معروف أوَ‬
‫ٍ ّ ّ ْ َ ْ ِ َ ْ َ َ ِ َ َ ٍ ْ َ ْ ُ ٍ ْ‬ ‫لّ َ ْ َ ِ‬
‫ف‬
‫سو ْ َ‬ ‫ت الل ّهِ فَ َ‬ ‫ضا ِ‬ ‫مْر َ‬ ‫ك اب ْت ََغاء َ‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬ ‫فعَ ْ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫س وَ َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫ح ب َي ْ َ‬ ‫صل َ ٍ‬ ‫إِ ْ‬
‫ظيما ً )‪ (114‬النساء‬ ‫َ‬
‫جرا ً ع َ ِ‬ ‫ن ُؤ ِْتيهِ أ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ه ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫م َوات ّ ُ‬ ‫خوَي ْك ُ ْ‬ ‫نأ َ‬ ‫حوا ب َي ْ َ‬ ‫صل ِ ُ‬ ‫خوَة ٌ فَأ ْ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ما ال ْ ُ‬ ‫)‪ (9‬إ ِن ّ َ‬
‫ن )‪ (10‬الحجرات‬ ‫مو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ت ُْر َ‬
‫اذن فالمؤمن يسير بين الناس بالصلح والصلح بينهم ‪ .‬ول‬
‫يكتفى بمجرد الصلح بين الفرقاء بل يميل المظلوم اذا مادعت‬
‫الحاجة لذالك ‪:‬‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫ما فَِإن ب َغَ ْ‬ ‫حوا ب َي ْن َهُ َ‬ ‫صل ِ ُ‬ ‫ن اقْت َت َُلوا فَأ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫فَتا ِ‬ ‫طائ ِ َ‬ ‫)‪ (8‬وَِإن َ‬
‫َ‬ ‫ما ع ََلى اْل ُ ْ‬
‫مرِ الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫فيَء إ َِلى أ ْ‬ ‫حّتى ت َ ِ‬ ‫قات ُِلوا ال ِّتي ت َب ِْغي َ‬ ‫خَرى فَ َ‬ ‫داهُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫إِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫طوا إ ِ ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ل وَأقْ ِ‬ ‫ما ِبال ْعَد ْ ِ‬ ‫حوا ب َي ْن َهُ َ‬ ‫صل ِ ُ‬ ‫ت فَأ ْ‬ ‫فَِإن َفاء ْ‬
‫ن )‪ (9‬الحجرات‬ ‫طي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫المعاملت المادية‬
‫قيم ِ ذ َل ِ َ‬
‫ك‬ ‫ست َ ِ‬‫م ْ‬ ‫س ال ْ ُ‬ ‫سطا ِ‬
‫ق ْ َ‬ ‫م وَزُِنوا ْ ِبال ِ‬ ‫ل ِإذا ك ِل ْت ُ ْ‬ ‫)‪ (34‬وَأ َوُْفوا ال ْك َي ْ َ‬
‫ن ت َأ ِْويل ً )‪ (35‬السراء‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬
‫َ‬
‫خي ٌْر وَأ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫م ‪ ..‬هود‬ ‫شَياءهُ ْ‬ ‫سأ ْ‬ ‫سوا ْ الّنا َ‬ ‫خ ُ‬ ‫وَل َ ت َب ْ َ‬
‫الحب فى السلم ‪:‬حب الله ‪:‬‬
‫دادا ً ي ُ ِ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ح ّ‬ ‫م كَ ُ‬ ‫حّبون َهُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ أن َ‬ ‫دو ِ‬ ‫من ُ‬ ‫خذ ُ ِ‬ ‫من ي َت ّ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن الّنا َ ِ‬ ‫م َ‬ ‫)‪ (164‬وَ ِ‬
‫حب ّا ً ل ّل ّهِ ‪ .‬البقرة‬ ‫شد ّ ُ‬ ‫مُنوا ْ أ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫الل ّهِ َوال ّ ِ‬
‫_ ثم يبين لهم الله طريق تحقق هذا الحب ‪ .‬وهو بطاعتة‬
‫سبحانة ‪:‬‬
‫فْر ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ه وَي َغْ ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حب ِب ْك ُ ُ‬ ‫ه َفات ّب ُِعوِني ي ُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫حّبو َ‬ ‫م تُ ِ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ل ِإن ُ‬ ‫)‪ (30‬قُ ْ‬
‫م )‪ (31‬ال عمران‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر ّر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫ذ ُُنوب َك ُ ْ‬
‫وجعل سبحانة هذا الحب هو تمييز للعلقة بينة سبحانة وبين‬
‫عبادة المتقين ‪:‬‬

‫‪180‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ف ي َأِتي الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫سو ْ َ‬ ‫عن ِدين ِهِ فَ َ‬ ‫م َ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫من ي َْرت َد ّ ِ‬ ‫مُنوا ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫)‪َ (53‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ه المائدة‬ ‫حّبون َ ُ‬ ‫م وَي ُ ِ‬ ‫حب ّهُ ْ‬ ‫قوْم ٍ ي ُ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫حب المؤمنين بعضهم بعضا ‪:‬‬
‫اخى الله تعالى بين المؤمنين بعضهم البعض ‪ ,‬فقال ‪:‬‬
‫خوَة ٌ ‪ ....‬الحجرات‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ما ال ْ ُ‬ ‫)‪ (9‬إ ِن ّ َ‬
‫ثم وصف حبهم لبعض الى درجة اليثار فقال ‪:‬‬
‫جَر‬
‫ها َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫حّبو َ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫من قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ما َ‬ ‫لي َ‬ ‫ِ‬ ‫داَر َوا ْ‬ ‫ؤوا ال ّ‬ ‫ن ت َب َوّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫)‪َ (8‬وال ّ ِ‬
‫ن ع ََلى‬ ‫ُ‬
‫ما أوُتوا وَي ُؤ ْث ُِرو َ‬ ‫م ّ‬ ‫ة ّ‬ ‫ج ً‬ ‫حا َ‬ ‫م َ‬ ‫دورِه ِ ْ‬ ‫ص ُ‬‫ن ِفي ُ‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫م وََل ي َ ِ‬ ‫إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫ة الحشر‬ ‫ص ٌ‬ ‫صا َ‬ ‫خ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ب ِهِ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫م وَل َوْ َ‬ ‫سه ِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫َأن ُ‬
‫رحمة المتقين بعضهم بعضا ‪:‬‬
‫يصف سبحانة مجتمع وشخصيات المتقين فيقول ‪:‬‬
‫م‪..‬‬ ‫داء ع ََلى ال ْك ُ ّ‬ ‫ل الل ّه وال ّذين مع َ‬ ‫سو ُ‬
‫ماء ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫فارِ ُر َ‬ ‫ش ّ‬ ‫هأ ِ‬ ‫ِ َ ِ َ َ َ ُ‬ ‫مد ٌ ّر ُ‬ ‫ح ّ‬‫م َ‬ ‫ّ‬
‫‪ .‬الفتح‬
‫شخصية المتقين عموما ‪:‬‬
‫والن نستطيع ان نقول اننا صرنا على بينة من شخصية التقى ‪,‬‬
‫فهو المؤمن بالله ‪ ,‬واليوم الخر ‪ ,‬والقائم يصلى فى جوف اليل ‪.‬‬
‫واطراف النهار ‪ .‬وهو المتصدق بأحسن ما عندة يبذلة للضعفاء‬
‫والمساكين ‪ ,‬وهو الموفى بعهدة ‪ ,‬والصابر ‪ ,‬والشاكر ‪ ,,‬الخ‬
‫ن ال ْب ِّر‬ ‫َ‬
‫ب وَل َك ِ ّ‬ ‫مغْرِ ِ‬ ‫ق َوال ْ َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫م قِب َ َ‬ ‫جوهَك ُ ْ‬ ‫س ال ْب ِّر أن ت ُوَّلوا ْ وُ ُ‬ ‫ل ّي ْ َ‬
‫ما َ‬
‫ل‬ ‫ن َوآَتى ال ْ َ‬ ‫ب َوالن ّب ِّيي َ‬ ‫ملئ ِك َةِ َوال ْك َِتا ِ‬ ‫خرِ َوال ْ َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫نآ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن َواب ْ َ‬ ‫كي َ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫مى َوال ْ َ‬ ‫قْرَبى َوال ْي ََتا َ‬ ‫حب ّهِ ذ َِوي ال ْ ُ‬ ‫ع ََلى ُ‬
‫َ‬
‫ن‬‫موُفو َ‬ ‫كاة َ َوال ْ ُ‬ ‫صلة َ َوآَتى الّز َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ب وَأَقا َ‬ ‫ن وَِفي الّرَقا ِ‬ ‫سآئ ِِلي َ‬ ‫َوال ّ‬
‫ْ‬ ‫حي َ ْ‬ ‫ْ‬
‫س‬
‫ن الب َأ ِ‬ ‫ضّراء وَ ِ‬ ‫ساء وال ّ‬ ‫ن ِفي ال ْب َأ َ‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫دوا ْ َوال ّ‬ ‫عاهَ ُ‬ ‫ذا َ‬ ‫م إِ َ‬ ‫ب ِعَهْد ِه ِ ْ‬
‫ُ‬ ‫ُأول َئ ِ َ‬
‫ن )‪ .. (177‬البقرة‬ ‫قو َ‬ ‫مت ّ ُ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫صد َُقوا وَأول َئ ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬
‫فالذى يبدأ يومة بالسجود لله فى مسجدة قبل طلوع الشمس ‪,‬‬
‫ثم يسعى فى الرض بالصلح ‪ .‬وصلة الرحم ‪ ,‬ومساعدة‬
‫الضعفاء ‪ .‬واطعام الفقراء والمساكين من احسن ماعنده ‪ ,‬والذى‬
‫يحب اخواتة فى اليمان ‪ ,‬ويؤثرهم على نفسة ‪ ,‬والذى يجاهد‬
‫فقط لصد العدوان ‪ ,‬ويقبل السلم ‪ ,‬ول يكره احدا على شىء ل‬
‫يريدة ‪ ,‬والذى يحسن لسراه الذين بدأوة بالقتال ‪ ,‬والذى يراقب‬
‫الله تعالى فى كل اعمالة وافعالة ‪ ,‬ويوفى الكيل ول يبخس‬
‫الناس اشيائهم ‪ ,‬حتى اذا ما انتهى نهارة ختمة بالسجود لله تعالى‬
‫فى مسجدة ‪ ,‬ثم يسجد ليلة يتقلب بكاءا واستغفارا ‪ ,‬ول يزنى ‪,‬‬
‫ول يقتل ‪ ,‬ول يسرق ويخاف ان يغضب ربة ‪ ,‬او ان يكذب علية‬
‫بالقنمة والمفتريات المخترعات ‪ ,‬ويرى يوم الحساب كما لو كان‬
‫امامة ‪.....‬الخ‬

‫‪181‬‬
‫هذا يقال عن مثل هذا انة يؤدى عبادتة جافة منتظرا الجر فقط ‪,‬‬
‫او خوفا من العقاب فقط ‪ ..‬؟‬
‫أل ما اشد جهلك يا قمص الشر والجهل ! !‬
‫لقد شاهدت صلتك التى صليتها من اجل هداية المسلمين‬
‫فاشفقت عليك اشفاقى على تائة اعمى ‪ .‬كنت اود ان اخذ بيدك‬
‫لعبر بك الطريق ‪ ,‬ولكنى اعرف غلط قلبك الذى سيمنعك من‬
‫قبول المساعدة ‪ ,‬لذا سأتركك تعبر الطريق كما انت ‪ ,‬وانا‬
‫موجود فى الخدمة متى تحب ‪!!! ... ....‬‬
‫إسأل يا زكريا وتعلم بدل من اضاعة عمرك فى طلب النقائص‬
‫الوهمية المنبثقة من مخلفات المذاهب لتلصقها بالسلم ‪.‬‬
‫إ سأل يا جاهل حتى كيف تصلى ‪ ,‬فهل تدعوا وانت تصلى للول ‪.‬‬
‫ام للثانى ‪ ,‬ام للثالث ؟!‬
‫السلم امر بمجادلة اهل الكتاب بالتى هي احسن ‪ ,‬واستثنى من‬
‫ذالك الظالم منهم ‪ ,‬فمثلك ل احترم لة ‪ ,‬ل سيما انة قد بدت‬
‫البغضاء من فمك ‪ ,‬وما يخفى صدرك اعظم ‪..‬‬
‫ووانا فقط اريد ان اتعلم ‪ .................. ,‬ول هجوم لى على‬
‫كتابك ‪ ,‬بل اريد ان اتعلم منك القداسة ‪ ,‬والدب ‪ ,‬كما اردت ان‬
‫يعرفك احد كيف يكون محمد أسوة حسنة وهو يفعل كذا وكذا ‪,‬‬
‫يا كذا وكذا ‪,‬‬
‫ولى سؤال اخير ايها القص الجاهل ؟‬
‫كيف كانت طريقة الصلة عند يسوع ؟؟؟؟‬
‫ولمن كان يصلى ؟ ؟ ؟‬
‫وهل كان يصلى بالصليب ؟ ؟ ؟‬
‫وهل صلتك مثل صلة يسوع ؟ ؟ ؟ ؟‬
‫ولمن تدعو فى صلتك الب ‪ ,‬ام البن ‪ ,‬ام الروح القدس ‪ ,‬ام‬
‫الله الواحد امين ‪ ,‬ام اولوهيم ‪ ,‬؟ ؟ ؟‬
‫===============‬
‫شبهة ‪ :‬تعظيم الحجر السود‬
‫ن أعداء السلم حملت واسعة تهدف إلى التشكيك في‬ ‫ش ّ‬
‫الشريعة السلمية ‪ ،‬وذلك من خلل الطعن في شخص النبي‬
‫صلى الله عليه وسّلم ‪ ،‬وتناول سيرته بالثلب والتجريح تارة ‪،‬‬
‫والكذب والتدليس تارة أخرى ‪.‬‬
‫واليوم نجد أنفسنا أمام لون آخر من أساليبهم الملتوية في‬
‫تشويه هذه السيرة العطرة ‪ ،‬وذلك عن طريق التشكيك في‬
‫بعض ما جاء في شريعة السلم من ممارسات وعبادات ‪،‬‬
‫وتصويرها على غير حقيقتها ‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫وفي هذا الطار ‪ ،‬أثارت كتابات المستشرقين ومن سار على‬
‫منوالهم شبهات حول تقبيل الحجر السود ‪ ،‬واعتبروا ذلك نوعا ً‬
‫من الطقوس الوثنية التي سرت إلى الدعوة المحمدية تأثرا ً منها‬
‫سر بعضهم ذلك بأنه نوع ٌ من‬ ‫بالبيئة التي نبعت فيها ‪ ،‬وقد يف ّ‬
‫المجاملة لقوم النبي صلى الله عليه وسلم في أسلوب العبادة‬
‫السائد بينهم ‪.‬‬
‫ولن نتعّرض لتفسيرهم الخير هذا لوضوح منابذة رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم للشرك والمشركين منذ اللحظة الولى‬
‫التي أعلن فيها دعوته ‪ ،‬وسنقتصر على بيان تلبيسهم فيما يتعلق‬
‫بتعظيم المسلمين للحجر السود ‪ ،‬وإظهار وجه الحقيقة في‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫دون تقبيل الحجر السود عبادة‬ ‫وإذا كان هؤلء المستشرقون يع ّ‬
‫له من دون الله ‪ ،‬فلبد إذا ً أن نبدأ ببيان حقيقة العبادة وماهّيتها ‪.‬‬
‫إن من يعبد شيئا مهما كانت طبيعته فإنه يعتقد أن له سلطة‬
‫غيبية ينعكس تأثيرها على الواقع ‪ ،‬وبالتالي فإن العابد يتقّرب إلى‬
‫معبوده رجاء للنفع أو دفعا ً للضّر ‪ ،‬وهو في الوقت ذاته يعتقد أن‬
‫التقصير في حق هذا المعبود أو ترك عبادته يترّتب عليه حصول‬
‫الضرر ووقوعه كنوع من العقاب ‪ ،‬ومثل هذا مشاهد ٌ حتى في‬
‫واقع الناس اليوم من أتباع الديانات الوثنية المنتشرة في أرجاء‬
‫الرض ‪ ،‬إذ يلحظ في أتباع تلك الديانات خضوعا ً لمعبوداتهم‬
‫ة في جلب المنافع المختلفة ‪ ،‬أو دفع المضاّر من القحط‬ ‫رغب ً‬
‫والجفاف ونحوه ‪ ،‬مع تعّلق قلوبهم بهذا المعبود خشية منه ورهبة‬
‫من سلطانه ‪.‬‬
‫وهذه السلطة الغيبية قد تكون في نظرهم سلطة ذاتية ‪ ،‬بمعنى‬
‫أن العابد يرى استقلل معبوده بالنفع والضّر ‪ ،‬وهذا كالذين‬
‫يعبدون الشمس والكواكب لعتقادهم بتأثيرها على نواميس‬
‫الكون وتسييرها للخلئق ‪ ،‬أو أن تكون السلطة غير ذاتية بأن‬
‫وة علوية لها قدرة‬ ‫كل واسطة بينه وبين ق ّ‬ ‫يعتقد أن معبوده يش ّ‬
‫ذاتية مستقلة في النفع والضّر ‪ ،‬فيؤدي ذلك إلى عبادته رجاء‬
‫شفاعته عند من يقدر على النفع والضّر ‪ ،‬كما هو الحال مع كفار‬
‫قريش الذين كانوا يعتقدون أن الصنام والوثان التي يعبدونها‬
‫ل وعل ‪ ،‬وتشفع لهم عنده ‪ ،‬يقول الله عزوج ّ‬
‫ل‬ ‫تقربهم إلى الله ج ّ‬
‫مبينا ذلك ‪ } :‬والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إل ليقربونا‬
‫إلى الله زلفى إن الله { ) الزمر ‪ ، ( 3 :‬وفي موضع آخر ‪:‬‬
‫} ويعبدون من دون الله ما ل يضرهم ول ينفعهم ويقولون هؤلء‬
‫شفعاؤنا عند الله { ) يونس ‪. ( 18 :‬‬

‫‪183‬‬
‫وبناء على ما سبق ‪ ،‬فإن المسلمين لم يعبدوا الحجر السود ‪،‬‬
‫لنهم ل يرون أن أحدا ً يملك الضّر والنفع غير الله تعالى ‪ ،‬فهم‬
‫ينفون وجود أية سلطة ذاتية في المخلوقات مهما كانت ‪ ،‬كما‬
‫أنهم يرون أن علقة المخلوق بالخالق علقة مباشرة ليس فيها‬
‫وسيط ‪ ،‬وأن العباد ل يحتاجون إلى شفيعٌ يقصدونه بالتقّرب دون‬
‫دون ذلك من الشرك الكبر المخرج من‬ ‫الله عزوجل ‪ ،‬بل إنهم يع ّ‬
‫ملة السلم ‪ ،‬لنهم يرون أن العبادات ل يجوز صرفها لي مخلوق‬
‫‪ ،‬سواء أكان ملكا ً مقّربا ً أم نبي ّا ً مرسل ً ‪ ،‬فضل ً عن كونه حجرا ً ل‬
‫يضّر ول ينفع ‪.‬‬
‫ي الجليل عمر بن الخطاب في مقولته‬ ‫ويقّرر ذلك الصحاب ّ‬
‫الشهيرة ‪ " :‬إني أعلم أنك حجر ل تضر ول تنفع ولول أني رأيت‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك " ‪ ،‬فقد أراد أن يبّين‬
‫للناس أن هذا الفعل هو محض اتباع للنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬وليس لن الحجر ينفع أو يضّر ‪ ،‬وعليه فإنه ل قدسية‬
‫لحجار الكعبة بذاتها ‪ ،‬وإنما اكتسب الحجر السود هذه المزية‬
‫لمر الله تعالى بتقبيله ‪ ،‬ولو لم يرد ذلك المر لم يكن لحد أن‬
‫يقوم بتقديسه أو تقبيله ‪.‬‬
‫ثم إن رحى العبادة تدور على قضّيتين أساسّيتين ‪ :‬تمام المحبة‬
‫ب شيئا ً ولم يخضع له فليس‬ ‫ل والخضوع ‪ ،‬فمن أح ّ‬ ‫مع غاية الذ ّ‬
‫بعابد له ‪ ،‬ومن خضع لشيء دون أن يحّبه فهو كذلك ليس بعابد‬
‫ل مجرد ٌ من الخضوع‬ ‫له ‪ ،‬ومعلوم أن تقبيل الحجر السود هو فع ٌ‬
‫ل لذلك الحجر ‪.‬‬ ‫والذ ّ‬
‫يضاف إلى ما سبق ‪ ،‬أن المسلم يعتقد فضيلة خاصة في الركن‬
‫اليماني كما يعتقد فضيلة الحجر السود ‪ ،‬فقد ورد في مسند‬
‫المام أحمد عن عبدالله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال ‪ ) :‬إن مسح الركن اليماني والركن السود يحط الخطايا‬
‫حطا ً ( ‪ ،‬ومع ذلك ل يرى المسلم مشروعّية تقبيل الركن‬
‫اليماني ‪ ،‬وإن كان يفعله بعض جّهال المسلمين‪.‬‬
‫ك أنه يرى في‬ ‫ومن المناسب أن نقول ‪ :‬إن من يعبد شيئا فل ش ّ‬
‫معبوده أنه أعلى منه وأفضل منه ؛ لن العابد ل يعبد من يرى أنه‬
‫ة وقدرا ً ‪ ،‬ونحن نعلم أن حرمة المؤمن‬ ‫مثله أو أدنى منه منزل ً‬
‫أعظم من حرمة الكعبة ‪ ،‬بل أعظم من حرمة الدنيا بأسرها ‪ ،‬كما‬
‫جاء في الحديث الذي رواه أصحاب السنن عدا أبي داود عن‬
‫عبدالله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫) لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم ( ‪ ،‬وجاء عن‬
‫عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال في الكعبة ‪ " :‬ما‬
‫أعظمك وأعظم حرمتك والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك ( ‪،‬‬

‫‪184‬‬
‫ة‬
‫فما سبق يبّين لنا نظرة الشرع للمسلم في كونه أعظم حرم ً‬
‫ح أن يقال إن‬ ‫من الكعبة بما فيها الحجر السود ‪ ،‬فكيف يص ّ‬
‫المسلمين يعبدون هذا الحجر ؟!!‪.‬‬
‫ولنقف قليل ً لنتدّبر ‪ ،‬ألم يكن العرب في جاهلّيتهم يتخذون العديد‬
‫من اللهة من مختلف الشياء ‪ ،‬وهم مع ذلك لم يتخذوا الحجر‬
‫السود إلها من دون الله ‪ ،‬ولكنهم جعلوا له حرمة ومكانة‬
‫باعتباره من البقايا الموروثة للكعبة التي بناها إبراهيم و إسماعيل‬
‫عليهما السلم ‪ ،‬فإذا كان هذا حال العرب في جاهلّيتهم بمثل هذا‬
‫الوضوح ‪ ،‬فأين عقول المستشرقين عندما نسبوا ذلك إلى‬
‫المسلمين ؟! ‪.‬‬
‫منقول عن الشبكة السلمية‬
‫===================‬
‫السلم غير صالح للتطبيق اليوم‬
‫يثير بعض أهل الهواء ‪ ..‬شبهات‪ ،‬مثل‪:‬السلم غير صالح للتطبيق‬
‫اليوم‪ ،‬لن الزمن تغير‪ ،‬ويستدلون أن عمر – رضي الله عنه ‪-‬‬
‫أوقف حدا ً من حدود الله عام الرمادة‪ ،‬لن الظروف فيه كانت ل‬
‫تساعد على تطبيق الحد كالفقر وغيره؟ ويستدلون بقصه علي‬
‫رضي الله عنه حينما أوقف حد القصاص من رجل؟ بماذا نرد‬
‫على مثل هذه الشبهات؟‬
‫الجواب‬
‫الحمد لله وحده‪ ،‬وبعد‪ :‬فالله تعالى خالق الخلق الذي هو أعلم‬
‫بمصالحهم وبما يناسب حاجاتهم‪ ،‬قال تعالى‪" :‬أل يعلم من خلق‬
‫وهو اللطيف الخبير"]الملك‪ ،[14 :‬وقد أرسل رسوله عليه‬
‫السلم خاتما ً للرسل‪ ،‬قال تعالى‪" :‬وخاتم النبيين"]الحزاب‪،[40:‬‬
‫وإذا كان خاتمهم فإن كل ما جاء به صالح للمة إلى قيام الساعة‪،‬‬
‫فإن الله حكيم عليم‪ ،‬ولو علم أنه سيأتي على الناس زمان ل‬
‫يناسبهم هذا الدين لما ختم النبوة أو لرشد العباد إلى تغيير‬
‫الحكام‪ ،‬ومن آمن بأن الله ربه وخالقه عليم حكيم وأن محمدا ً –‬
‫صلى الله عليه وسلم –خاتم رسله وأنبيائه فإنه ل يكون عنده‬
‫شك في هذا بحمد الله‪ .‬وكل من نظر في أحكام الشرع وتأمل‬
‫حكمها وجدها على وفق مصالح العباد‪ ،‬ووجدها دليل ً على حكمة‬
‫مشروعيتها‪ ،‬ولكن قد يرد النقص في ذهن من لم يمعن النظر‬
‫فيها‪ ،‬أو لم يوفقه الله ويرزقه البصيرة‪ .‬وأما إيقاف عمر – رضي‬
‫الله عنه ‪ -‬حد السرقة عام الرمادة كما في إعلم الموقعين )‬
‫‪ (3/10‬فهو بسبب عدم تحقق شروط القطع‪ ،‬ل لنه غير مناسب‬
‫لزمانه‪ ،‬بل إذا سرق جائع ليسد رمقه فقد أخذ حقا ً له‪ ،‬إذ يجب‬
‫على صاحب المال بذل ذلك له مواساة له وإحياء له‪ ،‬فإذا بان أن‬

‫‪185‬‬
‫السارق ل حاجة له وهو مستغن عن السرقة قطع‪ ،‬ومعلوم من‬
‫قواعد الشرع أن الضرورات تبيح المحظورات‪ ،‬والشرع ل يقطع‬
‫يد السارق إل بعد التحقق من توفر شروط السرقة في السارق‬
‫وفي الشيء المسروق‪ ،‬وبعد التأكد من الظروف المحيطة بهذه‬
‫القضية‪ ،‬فل يكون قد سرق لدفع الجوع عن نفسه‪ .‬ففرق بين‬
‫إيقاف الحكام لعدم صلحيتها وبين عدم تنفيذ القطع في سارق‬
‫لعدم توفر شروط القطع‪ ،‬فالثاني في الحقيقة مطبق لحكام‬
‫الشرع‪ .‬وكذلك قضية علي – رضي الله عنه – فإنه لم يقم حد‬
‫الغيلة على من تاب قبل القدرة عليه‪ ،‬ومن تاب من حد قبل‬
‫القدرة عليه سقط عنه في أحد قولي أهل العلم‪ ،‬وهو الراجح‬
‫قد ُِروا‬
‫ن تَ ْ‬ ‫كما قال تعالى في المحاربين‪" :‬إّل ال ّذين تابوا من قَب َ‬
‫لأ ْ‬‫ِ ْ ْ ِ‬ ‫ِ َ َ ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫م" ]المائدة‪ ،[34:‬ونذكر القصة‬ ‫حي ٌ‬‫فوٌر َر ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه غَ ُ‬ ‫م َفاع ْل َ ُ‬
‫موا أ ّ‬ ‫ع َل َي ْهِ ْ‬
‫كما جاءت في الطرق الحكمية )‪ (1/82‬لبن القيم لتبيين أنها حد‬
‫غيلة إذا قتل طمعا ً في مال المقتول فليست القضية قصاصا ً بل‬
‫حد غيلة‪.‬قال ابن القيم رحمه الله ‪" :‬ومن قضايا علي – رضي‬
‫الله عنه – أنه أتي برجل وجد في خربة بيده سكين متلطخ بدم‬
‫وبين يديه قتيل يتشخط في دمه فسأله‪ ،‬فقال أنا قتلته‪ ،‬قال‬
‫اذهبوا به فاقتلوه‪ ،‬لما ذهبوا به أقبل رجل مسرعا ً فقال يا قوم ل‬
‫تعجلوا ردوه إلى علي فردوه‪ ،‬فقال الرجل يا أمير المؤمنين ما‬
‫هذا صاحبه أنا قتلته‪ ،‬فقال علي للول ما حملك على أن قلت أنا‬
‫قاتله ولم تقتله؟ قال يا أمير المؤمنين وما أستطيع أن أصنع وقد‬
‫وقف العسس على الرجل يتشخط في دمه وأنا واقف وفي يدي‬
‫سكين وفيها أثر الدم وقد أخذت في خربة فخفت أن ل يقبل‬
‫مني وأن يكون قسامة‪ ،‬فاعترفت بما لم أصنع واحتسبت نفسي‬
‫عند الله‪ ،‬فقال علي بئسما صنعت فكيف كان حديثك؟ قال إني‬
‫رجل قصاب خرجت إلى حانوتي في الغلس فذبحت بقرة‬
‫وسلختها فبينما أنا أصلحها والسكين في يدي أخذني البول فأتيت‬
‫خربة كانت بقربي فدخلتها فقضيت حاجتي وعدت أريد حانوتي‬
‫فإذا بهذا المقتول يتشحط في دمه فراعني أمره فوقفت أنظر‬
‫إليه والسكين في يدي فلم أشعر إل بأصحابك قد وقفوا علي‬
‫فأخذوني‪ ،‬فقال الناس هذا قتل هذا ما له قاتل سواه‪ ،‬فأيقنت‬
‫أنك ل تترك قولهم لقولي فاعترفت بما لم أجنه‪ ،‬فقال علي‬
‫للمقر الثاني فأنت كيف كانت قصتك؟ فقال أعرابي أفلس‬
‫فقتلت الرجل طمعا ً في ماله ثم سمعت حس العسس فخرجت‬
‫من الخربة واستقبلت هذا القصاب على الحال التي وصف‬
‫فاستترت منه ببعض الخربة حتى أتى العسس فأخذوه وأتوك به‪،‬‬
‫فلما أمرت بقتله علمت أني أبوء بدمه أيضا ً فاعترفت بالحق‪،‬‬

‫‪186‬‬
‫فقال علي للحسن – رضي الله عنهم – ما الحكم في هذا؟" أ‪.‬هـ‬
‫قال يا أمير المؤمنين إن كان قد قتل نفسا ً فقد أحيا نفسا ً وقد‬
‫ميعًا"‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قال الله تعالى‪" :‬وم َ‬
‫ج ِ‬ ‫س َ‬ ‫حَيا الّنا َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ها فَك َأن ّ َ‬ ‫حَيا َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ َ ْ‬
‫====================‬
‫الرد على من قال إن الديان اساطير الشعوب‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫سأل احد الخوه منذ ايام سؤال في منتدي الجامع وقال ان في‬
‫مواقع الملحديين ودعاه العلمانيه انهم يقولون ان الديان اساسها‬
‫اساطير وان ابراهيم ابو الديان الثلثه هو السطوره الكبري وان‬
‫محتوي الديانات الثلث موجود في وان اقول له ل تحزن يا اخي‬
‫ان كانوا قالوها فقد قالها اسلفهم وائمه الكفر من قبلهم " }وَإ ِ َ‬
‫ذا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ذا َأنَز َ‬
‫ن{ )‪ (24‬سورة‬ ‫طيُر الوِّلي َ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َقاُلوا ْ أ َ‬ ‫ل َرب ّك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ل ل َُهم ّ‬ ‫ِقي َ‬
‫َ‬
‫طيُر‬ ‫سا ِ‬ ‫ذا إ ِّل أ َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن َوآَباؤ َُنا هَ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫عد َْنا ن َ ْ‬ ‫قد ْ و ُ ِ‬ ‫النحل "}ل َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن اك ْت َت َب ََها‬ ‫طيُر اْلوِّلي َ‬ ‫سا ِ‬ ‫ن{ )‪ (83‬سورة المؤمنون }وََقاُلوا أ َ‬ ‫اْلوِّلي َ‬
‫صيًل{ )‪ (5‬سورة الفرقان‪.‬‬ ‫َ‬
‫مَلى ع َل َي ْهِ ب ُك َْرة ً وَأ ِ‬ ‫ي تُ ْ‬ ‫فَهِ َ‬
‫اذا فهي ليست شبهه جديده والرد عليها باذن الله يسير وهو اننا‬
‫كمسلمين يكفينا القران دليل قاطعا فكل انبياء الله الذين ذكروا‬
‫في القران والذين لم يذكروا نحن بهم مؤمنون وعلي انهم كانوا‬
‫يقولون ل اله ال الله شاهدون وهل افضل من قول الله في ذلك‬
‫ن ِبالل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م َ‬ ‫لآ َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫من ّرب ّهِ َوال ْ ُ‬ ‫ل إ ِل َي ْهِ ِ‬ ‫ما ُأنزِ َ‬ ‫ل بِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫م َ‬ ‫}آ َ‬
‫َ‬
‫معَْنا‬ ‫س ِ‬ ‫سل ِهِ وََقاُلوا ْ َ‬ ‫من ّر ُ‬ ‫حد ٍ ّ‬ ‫نأ َ‬ ‫فّرقُ ب َي ْ َ‬ ‫سل ِهِ ل َ ن ُ َ‬ ‫ملئ ِك َت ِهِ وَك ُت ُب ِهِ وَُر ُ‬ ‫وَ َ‬
‫صيُر{ )‪ (285‬سورة البقرة وايضا‬ ‫م ِ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫ك َرب َّنا وَإ ِل َي ْ َ‬ ‫فَران َ َ‬ ‫وَأ َط َعَْنا غ ُ ْ‬
‫ن َأنَبآئ َِها‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ص ع َل َي ْ َ‬ ‫ق ّ‬ ‫قَرى ن َ ُ‬ ‫ك ال ْ ُ‬ ‫يقول ربنا وهو الحكيم العليم }ت ِل ْ َ‬
‫ل‬‫من قَب ْ ُ‬ ‫ما ك َذ ُّبوا ْ ِ‬ ‫مُنوا ْ ب ِ َ‬ ‫كاُنوا ْ ل ِي ُؤ ْ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫سل ُُهم ِبال ْب َي َّنا ِ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫جاءت ْهُ ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫وَل َ َ‬
‫ن{ )‪ (101‬سورة العراف‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ى قُُلو ِ‬ ‫ك ي َط ْب َعُ الل ّ ُ َ‬
‫ه ع َل َ‬ ‫ك َذ َل ِ َ‬
‫ان انبياء الله جميعا كانوا يذكرون قصص المم الغابره لقوامهم‬
‫لتذكروا ويتدبروا كيف كان عاقبه السابقين المكذبين وتجدهم‬
‫رضوان الله عليهم وخاصا موسي وعيسي ومحمد يذكر كل واحد‬
‫منهم الخر ويطلب من قومه ان يصدقوه وينصروه ‪.‬‬
‫وفي العلم الحديث نجد العلم يشهد ان هؤلء ما كانوا اساطير‬
‫وحتي قصص مثل الطوفان جاء العلم ليؤكده فقط اعلم ان من‬
‫يكذب في الجزء يكذب في الكل فهل من القصص الموجود في‬
‫القران ثبت كذب ولو فقره صغيره ؟ اتحدي وانظر معي قصه‬
‫الطوفان وهي السطوره الكبري بالنسبه للملحدين اما نحن فهي‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مه ِ أ ْ‬ ‫حا إ َِلى قَوْ ِ‬ ‫سل َْنا ُنو ً‬ ‫الحق ‪ :‬قال تعالى في سورة نوح ‪) :‬إ ِّنا أْر َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ك من قَب َ‬ ‫َ‬
‫ل َيا قَوْم ِ إ ِّني‬ ‫م }‪َ {1‬قا َ‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ل أن ي َأت ِي َهُ ْ‬ ‫ْ ِ‬ ‫م َ ِ‬ ‫أنذ ِْر قَوْ َ‬
‫ن }‪.{2‬‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ذيٌر ّ‬ ‫م نَ ِ‬ ‫ل َك ُ ْ‬

‫‪187‬‬
‫فقصه الطوفان قد ذكرت عده مرات منها ‪ :‬منها قصه الطوفان‬
‫السومريه وكذلك قصة الطوفان البابلية وهي قصتان الولي في‬
‫ملحمة جلجامش والثانيهـ قصة بيروسوس وهناك قصه الطوفان‬
‫اليهوديه وهي قريبه جدا منها في القران برغم ما حوت من‬
‫تحريف إل أنها بمجموعها تؤكد حدوث قصة الطوفان وهي في‬
‫شكلها العام تتطابق من القرآن الكريم فمن أخبر محمدا ً بتلك‬
‫بتفاصيل تلك السطوره التي كانت أحداثها قبل ولدته بآلف‬
‫السنين ‪.‬‬
‫نعم الدلة الثرية في العراق تدل على ثبوت قصة الطوفان وان‬
‫كان هناك من يرى من علماء التاريخ وبعض المفسرين أن‬
‫الطوفان الذي أصاب قوم نوح لم يشمل كامل الكرة الرض بل‬
‫شمل منطقة معينة هي وادي الرافدين ولقد أجرت عدة بعثات‬
‫أثرية ببعض التنقيبات في سهول بلد الرافدين للبحث عن الثار‬
‫التي تذخر بها تلك المنطقة التي شهدت عدة حضارات ولقد‬
‫كشفت تلك التنقيبات إلى أن هذه المنطقة شهدت طوفانا ً‬
‫عظيما ً قضى على الحضارة السومرية التي كان أهلها يقطنون‬
‫في سهول الرافدين فقد ظهرت آثار الطوفان جلية في أربعة‬
‫مدن رئيسية في بلد الرافدين ‪ :‬أور ـ أريش ـ شورباك ـ كيش‬
‫ولقد كشفت التنقيبات الثرية إلى أن هذه المدن قد ضربها‬
‫الطوفان في حوالي ‪ 3000‬قبل الميلد وكذلك تم اكتشاف‬
‫سفينه نوح فقد أكتشف علماء الثار عام ‪ 1959‬آثار لسفينة نوح‬
‫على جبل جودي أو ما يعرف بجبل ‪Gudi‬في في المنقطة الواقعة‬
‫بين العراق وتركيا وسوريا لحظ انه كما قال القران علي جبل‬
‫الجودي !!!!!!‬
‫وانظر الي اكتشاف مساكن قوم عاد ‪ :‬قد ذكر الله تعالى قوم‬
‫عاد في سياق حديثه عن نبيه هود عليه السلم قال تعالى ‪:‬‬
‫ن إ ِل َ ٍ‬
‫ه‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫دوا الل ّ َ‬ ‫ل َيا قَوْم ِ اع ْب ُ ُ‬ ‫هودا ً َقا َ‬ ‫م ُ‬ ‫خاهُ ْ‬ ‫عاد ٍ أ َ َ‬ ‫)وَإ َِلى َ‬
‫َ‬
‫ن()هود‪. (50:‬‬ ‫فت َُرو َ‬ ‫م ْ‬ ‫م إ ِّل ُ‬ ‫ن أن ْت ُ ْ‬ ‫غ َي ُْره ُ إ ِ ْ‬
‫ولقد حدد القرآن مكان قوم عاد في الحقاف والحقاف جمع‬
‫حقف وهي الرمال‪ ،‬ولم يعيين القرآن موقعها‪ ،‬إل أن الخباريين‬
‫عمان ولقد قال تعالى ‪:‬‬ ‫كانوا يقولون إن موقعها بين اليمن و ُ‬
‫َ‬ ‫)َواذ ْك ُْر أ َ َ‬
‫ن‬‫ن ب َي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت الن ّذ ُُر ِ‬ ‫خل َ ِ‬ ‫ف وَقَد ْ َ‬ ‫قا ِ‬ ‫ه ِباْل َ ْ‬
‫ح َ‬ ‫م ُ‬‫عاد ٍ إ ِذ ْ أن ْذ ََر قَوْ َ‬ ‫خا َ‬
‫ب ي َوْم ٍ‬ ‫ذا َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ف ع َل َي ْك ُ ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫ه إ ِّني أ َ َ‬ ‫دوا إ ِّل الل ّ َ‬
‫َ‬
‫فهِ أّل ت َعْب ُ ُ‬ ‫خل ْ ِ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ي َد َي ْهِ وَ ِ‬
‫م( )الحقاف‪ (21:‬ولقد أخبر القرآن الكريم أن قوم عاد بنوا‬ ‫ظي ٍ‬ ‫عَ ِ‬
‫مدينة اسمها ) إرم ( ووصفها القرآن بأنها كانت مدينة عظيمة ل‬
‫َ‬
‫ك ب َِعاٍد}‬ ‫ل َرب ّ َ‬ ‫ف فَعَ َ‬ ‫م ت ََر ك َي ْ َ‬ ‫نظير لها في تلك البلد قال تعالى ‪):‬أل َ ْ‬

‫‪188‬‬
‫مث ْل َُها ِفي ال ْب َِلد ِ }‪{8‬‬ ‫خل َقْ ِ‬‫م يُ ْ‬ ‫ماد ِ }‪ {7‬ال ِّتي ل َ ْ‬ ‫ت ال ْعِ َ‬‫ذا ِ‬ ‫م َ‬ ‫‪ {6‬إ َِر َ‬
‫)سورة الفجر (‪.‬‬
‫وقد ذكر المؤرخون أن عادا ً عبدوا أصناما ً ثلثة يقال لحدها ‪:‬‬
‫صداء وللخر ‪ :‬صمود ‪ ،‬وللثالث ‪ :‬الهباء وذلك نقل ً عن تاريخ‬
‫الطبري الكتشافات الثرية لمدينة "إرم"‬
‫فى بداية عام ‪1990‬امتلت الجرائد العالمية الكبرى‬
‫بتقاريرصحفية تعلن عن‪ " :‬اكتشاف مدينة عربية خرافية مفقودة‬
‫" ‪ ",‬اكتشاف مدينة عربية أسطورية " ‪ ",‬أسطورة الرمال‬
‫)عبار("‪ ,‬والمر الذي جعل ذلك الكتشاف مثيرا ً للهتمام هو‬
‫الشارة إلى تلك المدينة في القرآن الكريم‪ .‬ومنذ ذلك الحين‪,‬‬
‫فإن العديد من الناس؛ الذين كانوا يعتقدون أن "عادًا" التي روى‬
‫عنها القرآن الكريم أسطورة وأنه ل يمكن اكتشاف مكانها‪ ،‬لم‬
‫يستطيعوا إخفاء دهشتهم أمام ذلك الكتشاف فاكتشاف تلك‬
‫المدينة التي لم ُتذكر إل على ألسنة البدو قد أثار اهتماما ً وفضول ً‬
‫كبيرين‪.‬‬
‫منذ اللحظة التي بدأت فيها بقايا المدينة في الظهور‪ ,‬كان من‬
‫الواضح أن تلك المدينة المحطمة تنتمي لقوم "عاد" ولعماد‬
‫ذكرت في القرآن الكريم؛ حيث أن العمدة‬ ‫مدينة "إَرم" التي ُ‬
‫الضخمةالتي أشار إليها القرآن بوجه خاص كانت من ضمن البنية‬
‫التي كشفت عنها الرمال‪ .‬قال د‪ .‬زارينزوهو أحد أعضاء فريق‬
‫البحث و قائد عملية الحفر‪ ,‬إنه بما أن العمدة الضخمة ُتعد من‬
‫عبار"‪ ,‬وحيث أن مدينة "إَرم" ُوصفت‬ ‫العلمات المميزة لمدينة " ُ‬
‫في القرآن بأنها ذات العماد أي العمدة الضخمة‪ ,‬فإن ذلك يعد‬
‫خير دليل على أن المدينة التي اكُتشفت هي مدينة "إَرم" التي‬
‫ذكرت في القرآن الكريم قال تعالى في سورة الفجر ‪:‬‬
‫َ‬
‫ماد ْ )‪ (7‬ال ِّتى ل َ ْ‬
‫م‬ ‫ت العِ َ‬ ‫ذا ِ‬‫م َ‬
‫ك ب َِعاد ْ )‪ (6‬إ َِر َ‬ ‫ل َرب ّ َ‬‫ف فَعَ َ‬ ‫م ت ََر ك َي ْ َ‬‫" أل َ ْ‬
‫د)‪"(8‬‬ ‫مث ْل َُها ِفى الِبل ْ‬ ‫خل َقْ ِ‬ ‫يُ ْ‬
‫المدينة السطورية والتي ذكرت في القرآن باسم إرم ‪Iram‬والتي‬
‫ن فريدة َ جدا ً حيث تبدو مستديرة ويمر بها رواق‬ ‫كو َ‬ ‫أنشأت ِلكي ت َ ُ‬
‫ت‬
‫كان ْ‬ ‫ل المواقع الخرى في اليمن حتى الن َ‬ ‫مد دائري‪ ،‬بينما ك ُ ّ‬ ‫مع ّ‬
‫ل بأن سكان‬ ‫التي اكتشفت كانت أبنيتها ذات أعمدة مربعة ُيقا ُ‬
‫ت‬ ‫َ‬
‫صنع ْ‬ ‫ب أو َ‬ ‫ن العمدةِ التي غطيت بالذه ِ‬ ‫م ْ‬‫مدينة أرم َبنوا العديد ِ‬
‫من الفضةِ وكانت هذه العمدةِ رائعة المنظر هذه الصورة هي‬
‫لقلعة من قلع إرم والتي تقع على عمق ‪ 10‬أمتار تحت طبقات‬
‫من الرمال الصحراوية والتي تتميز بأعمدتها الضخمة والتي تم‬
‫تصويرها عبر أحد القمار الصناعية المريكية المتطورة قال‬
‫ن ب ِك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ة ت َعْب َُثو َ‬
‫ل ِريٍع آي َ ً‬ ‫تعالى على لسان نبي الله هود‪( :‬أت َب ُْنو َ‬

‫‪189‬‬
‫ن( )الشعراء ‪128‬ـ ‪.(129‬إن الذي‬ ‫دو َ‬‫خل ُ ُ‬
‫م تَ ْ‬‫صان ِعَ ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫وَت َت ّ ِ‬
‫يسافر إلى جزيرة العرب يلحظ انتشار الصحارى بكثرة في‬
‫معظم المناطق باستثناء المدن والمناطق التي زرعت لحقًا‪.‬‬
‫لكن القرآن الكريم يذكر أنه هذه الصحارى كانت يوما ً من اليام‬
‫جنات ويعيون‪.‬‬
‫فقال لهم هود( ‪ :‬أتبنون بكل ريع آية تعبثون‪ ،‬وتتخذونمصانع‬
‫لعلكم تخلدون‪ ،‬وإذا بطشتم بطشتم جبارين‪ ،‬فأتقوا الله‬
‫واطيعون ‪ .‬واتقوا الذيأمدكم بما تعلمون‪ ،‬أمدكم بأنعام وبنين‬
‫وجنات وعيون ‪ ،‬إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) الشعراء‬
‫ولقد كشفت السجلت التاريخية أن هذه المنطقة تعرضت إلى‬
‫ت قبل ذلك أراضي‬ ‫كان ْ‬‫تغيرات مناخية حولتها إلى صحارى‪ ،‬والتي َ‬
‫ن المنطقةِ مغطاة‬ ‫م ْ‬‫ة فقد كانت مساحات واسعة ِ‬ ‫من ِْتج َ‬
‫خصبة ُ‬
‫ن‪ ،‬قبل ألف أربعمائة سنة ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫بالخضرة كما أخبر القرآ ِ‬
‫فت صور القمار الصناعية التي ألتقطها أحد القمار‬ ‫كش َ‬ ‫ولقد َ‬
‫الصناعية التابعة لوكالة الفضاء المريكية ناسا عام ‪ 1990‬عن‬
‫ت والسدود ِ القديمةِ التي استعملت في‬ ‫ن القنوا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م واسع ِ‬ ‫نظا َ‬
‫الَريّ في منطقة قوم عاد والتي يقدر أنها كانت قادرة على توفير‬
‫ص [كما تم تصوير مجرى لنهرين‬ ‫المياه إلى ‪ 200.000‬شخ َ‬
‫جافين قرب مساكن قوم عاد أحد الباحثين الذي أجرى أبحاثه في‬
‫ل" لقد كانت المناطق التي حول مدنية مأرب‬ ‫تلك المنطقةقا َ‬
‫خصبة جدا ً ويعتقد أن المناطق الممتدة بين مأرب وحضرموت‬
‫كانت كلها مزروعة ‪".‬‬
‫أما سبب اندثار حضارة عاد فقط فسرته مجلة ‪A‬‬
‫عبار" قد‬ ‫‪m'interesse‬الفرنسية التي ذكرت أن مدينة إرم أو" ُ‬
‫تعرضت إلى عاصفةرملية عنيفة أدت إلى غمر المدينةبطبقاتمن‬
‫الرمال وصلت سماكتها إلى حوالي ‪ 12‬متر‬
‫وهذا تماما ً هو مصداق لقوله تعالى ‪:‬‬
‫َ‬
‫ب‬‫ذا َ‬ ‫قُهم ع َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ت ل ّن ُ ِ‬‫سا ٍ‬‫ح َ‬ ‫صًرا ِفي أ َّيام ٍ ن ّ ِ‬ ‫صْر َ‬ ‫حا َ‬ ‫م ِري ً‬ ‫سل َْنا ع َل َي ْهِ ْ‬‫)فَأْر َ‬
‫ن {‪.‬‬
‫صُرو َ‬ ‫م َل ُين َ‬ ‫خَزى وَهُ ْ‬ ‫خَرةِ أ َ ْ‬ ‫ب اْل ِ‬ ‫ذا ُ‬‫حَياةِ الد ّن َْيا وَل َعَ َ‬ ‫ي ِفي ال ْ َ‬ ‫خْز ِ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫من أخبر محمد بن عبد الله عن قصة عاد ومن أخبره عن مكانهم‬
‫بالتحديد في منطقة الحقاف أي أرض الرمال والتي هي الربع‬
‫الخالي الذي يتميز برماله المتحركة التي تشغل معظم‬
‫مساحته‪،‬من أخبره أن قوم عاد بنوا مدينة عظمة تسمى إرم فيها‬
‫قصور وقلع ضخمة تتميز بأعمدة عظيمة ‪ ،‬إنه رب العالمين‬
‫منزل القرآن على قلب حبيبه محمد بن عبد الله ‪ .‬وهل ما زالت‬
‫اساطير‬

‫‪190‬‬
‫تحكى سورة الكهف‪ ,‬و هى السورة الثامنة عشر من القرآن‬
‫الكريم‪ ,‬عن مجموعة من الفتية لجؤوا إلى أحد الكهوف للختباء‬
‫من حاكم أنكر وجود الله و مارس ألوانا ً من القهر و الظلم على‬
‫ب‬ ‫المؤمنين‪ ,‬واليات التالية توضح الكهف)أ َم حسبت أ َ َ‬
‫حا َ‬ ‫ص َ‬‫نأ ْ‬ ‫ْ َ ِ ْ َ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫َ‬
‫ة إ ِلى الكهْ ِ‬ ‫جبا ً * إ ِذ ْ أَوى ال ِ‬
‫فت ْي َ ُ‬ ‫ن آَيات َِنا ع َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫كاُنوا ِ‬ ‫ف والّرِقيم ِ َ‬ ‫الك َهْ ِ‬
‫ة وهَيئ ل َنا م َ‬
‫ضَرب َْنا‬ ‫شدا ً * فَ َ‬ ‫مرَِنا َر َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ً َ ّ ْ َ ِ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ك َر ْ‬ ‫دن َ‬ ‫من ل ّ ُ‬ ‫قاُلوا َرب َّنآ آت َِنا ِ‬ ‫فَ َ‬
‫ددا ً *" الي اخر قصه اهل الكهف‬ ‫ن عَ َ‬ ‫سِني َ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ِفي الك َهْ ِ‬ ‫ذان ِهِ ْ‬‫ع ََلى آ َ‬
‫كما يرويها رب العزه في كتابه الكريم قصه هولء الفتيه وبدا‬
‫البحث عن اين يمكن ان يكون هذا الكهف وضعت عده احنمالت‬
‫لكن الذى ُأشير إليه باعتباره المكان الذى عاش فيه أصحاب‬
‫الكهف هو مدينة "طرسوس‪ ".‬و بالفعل فإن هناك كهفا ً شديد‬
‫الشبه بذلك الذى و صفه القرآن الكريم ‪ ,‬و يقع على جبل ُيعرف‬
‫باسم "إنسيلوس" أو "بنسيلوس" بشمال غرب "طرسوس‪ ".‬و‬
‫فكرة أن تكون مدينة "طرسوس" هى المكان الصحيح كان رأى‬
‫علماء المسلمين ‪.‬‬
‫و قد حدد "الطبرى" ‪ ,‬و هو واحد من أهم مفسرى القرآن‬
‫الكريم‪ ,‬اسم الجبل الذى يوجد به الكهف على أنه "بينسيلوس" و‬
‫ذلك فى كتابه "تاريخ المم" و أضاف أن الجبل فى "طرسوس‪,‬‬
‫و قال أيضا ً "محمد أمين"‪ ,‬وهو من أشهر مفسرى القرآن‪ ,‬أن‬
‫الجبل كان اسمه "بنسيلوس" و أنه فى "طرسوس"‪ .‬و يمكن أن‬
‫تنطق "بنسيلوس" على أنها "إنسيلوس"‪ ,‬و فى رأيه أن الختلف‬
‫بين الكلمتين يرجع إلى اختلف نطق حرف "الباء"‪ ,‬أو لفقدان‬
‫حرف من الكلمة الصلية و هو ما ُيعرف "بالنحت التاريخى‬
‫للكلمة"‪.‬‬
‫و أوضح "فخر الدين الرازى") وهو أيضا ً من أشهر علماء القرآن‬
‫الكريم‪ ,‬أنه بالرغم من أن المكان ُيطلق عليه "إفسوس"‪ ,‬فإن‬
‫القصد هو "طرسوس" لن "إفسوس" ما هى إل مسمى آخر‬
‫لمدينة "طرسوس‪ ".‬بالضافة إلى ذلك‪ ,‬فإنه فى شروح كل من‪:‬‬
‫القاضى البيضاوى والناصفى و تفسير الجللين و التبيان و تفسير‬
‫العاملي والناصوحى بيلمين وغيرهم من العلماء‪ ,‬تم تحديد‬
‫المكان على أنه "طرسوس‪ ".‬هذا إلى جانب أن كل هؤلء‬
‫ذا ط َل ََعت ت َّزاوَُر‬ ‫س إِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫المفسرين فسروا قوله تعالى‪ ) :‬وَت ََرى ال ّ‬
‫م‬
‫ل وَهُ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫م َ‬ ‫ضه ُ ْ‬
‫قرِ ُ‬ ‫ذا غ ََرَبت ت ّ ْ‬ ‫ن وَإ ِ َ‬ ‫مي ِ‬ ‫ت الي َ ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫م َ‬ ‫فه ِ ْ‬‫عن ك َهْ ِ‬ ‫َ‬
‫من‬ ‫مهْت َد ِ وَ َ‬ ‫ه فَهُوَ ال ُ‬ ‫من ي َهْد ِ الل ُ‬ ‫ت اللهِ َ‬ ‫ن آَيا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ه ذ َل ِ َ‬ ‫من ْ ُ‬
‫جوَةٍ ّ‬ ‫في فَ ْ‬
‫َ‬
‫م ُرُقود ٌ‬ ‫قاظا ً وَهُ ْ‬ ‫م أي َ‬ ‫سب ُهُ ْ‬
‫ح َ‬ ‫شدا ً * وت َ ْ‬ ‫مْر ِ‬ ‫ه وَل ِي ّا ً ّ‬ ‫جد َ ل َ ُ‬‫ل فََلن ت َ ِ‬ ‫ضل ِ ْ‬‫يُ ْ‬
‫صيدِ‬ ‫ط ذ َِراع َي ْهِ ِبالوَ ِ‬ ‫س ٌ‬ ‫ل وَك َل ْب ُُهم َبا ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫ت ال ّ‬
‫ش َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫قل ّب ُُهم َ‬
‫مي ِ‬ ‫ت الي َ ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ون ُ َ‬

‫‪191‬‬
‫عبا ً () الية‬
‫م ُر ْ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫م فَِرارا ً وَل َ ُ‬
‫مل ِئ ْ َ‬
‫ت ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ت ِ‬‫م ل َوَل ّي ْ َ‬
‫ت ع َل َي ْهِ ْ‬
‫ل َوِ اط ّل َعْ َ‬
‫‪ (17‬بقولهم أن مدخل الكهف كان من نحو الشمال ‪.‬‬
‫مقام أصحاب الكهف موضعا ً للهتمام أيام الخلفة‬ ‫وكذلك كان ُ‬
‫العثمانية‪ ,‬وقد أجريت بعض البحاث بهذا الشأن‪ .‬و تمت بعض‬ ‫ُ‬
‫المراسلت و تبادل المعلومات حول هذا الموضوع فى مخازن‬
‫السجلت العثمانية برئاسة الوزراء؛ فعلى سبيل المثال‪ ,‬أشتمل‬
‫خطاب بعثته إدارة "طرسوس" المحلية إلى رئيس خزانة الدولة‬
‫العثمانية على طلبا ً رسميا ُ بإعطاء مرتبات لهؤلء المسؤولين عن‬
‫تنظيف "الكهف" و الحفاظ عليه‪ .‬ونص الرد على أنه لكى‬
‫خصص مرتبات لهؤلء الشخاص‪ ,‬لبد من التأكد أن هذا المكان‬ ‫تُ َ‬
‫هو بالفعل المكان الذى أقام به أصحاب الكهف‪ .‬و البحث الذى‬
‫ُأجرى بهذا الصدد قد ساعد كثيرا ً فى تحديد المكان الحقيقى‬
‫للكهف‪.‬‬
‫و بعد التحقيقات التى أجراها المجلس القومى تم إعداد تقرير‬
‫ينص علىالتى‪:‬‬
‫دنة"‪ ,‬يوجد كهفا ً‬ ‫"إلى الشمال من مدينة طرسوس‪ ,‬فى بلدة "ع َ َ‬
‫على جبل يبعد ساعتين عن المدينة و مدخله يتجه ناحية الشمال‬
‫كما أخبر القرآن الكريم"‬
‫والسؤال الن هل مازال قصص النبياء والمم السابقه التي اخبر‬
‫عنها القران اساطير؟‬
‫ل اله ال انت سبحانك اني كنت من الظالمين‬
‫=================‬
‫الرد على شبهة تحويل القبلة وان قبلة اليهود هى‬
‫الصل‬
‫الحديث في هذا الدرس يكاد يقتصر على حادث تحويل القبلة‬
‫والملبسات التي أحاطت به والدسائس التي حاولها اليهود في‬
‫الصف المسلم بمناسبته والقاويل التي أطلقوها من حوله ;‬
‫ومعالجة آثار هذه القاويل في نفوس بعض المسلمين وفي‬
‫الصف المسلم على العموم ول توجد رواية قطعية في هذا‬
‫الحادث كما أنه ل يوجد قرآن يتعلق بتاريخه بالتفصيل واليات‬
‫الخاصة به هنا تتعلق بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة‬
‫وكان هذا في المدينة بعد ستة عشر أو سبعة عشر شهرا من‬
‫الهجرة ومجموع الروايات المتعلقة بهذا الحادث يمكن أن‬
‫يستنبط منها بالجمال أن المسلمين في مكة كانوا يتوجهون إلى‬
‫الكعبة منذ أن فرضت الصلة وليس في هذا نص قرآني وأنهم‬
‫بعد الهجرة وجهوا إلى بيت المقدس بأمر إلهي للرسول ص‬
‫يرجح أنه أمر غير قرآني ثم جاء المر القرآني الخير فول وجهك‬

‫‪192‬‬
‫شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوكم شطره فنسخه‬
‫وعلى أية حال فقد كان التوجه إلى بيت المقدس وهو قبلة أهل‬
‫الكتاب من اليهود والنصارى سببا في اتخاذ اليهود إياه ذريعة‬
‫للستكبار عن الدخول في السلم إذ أطلقوا في المدينة ألسنتهم‬
‫بالقول بأن اتجاه محمد ومن معه إلى قبلتهم في الصلة دليل‬
‫على أن دينهم هو الدين وقبلتهم هي القبلة ; وأنهم هم الصل‬
‫فأولى بمحمد ومن معه أن يفيئوا إلى دينهم ل أن يدعوهم إلى‬
‫الدخول في السلم‬
‫وفي الوقت ذاته كان المر شاقا على المسلمين من العرب‬
‫الذين ألفوا في الجاهلية أن يعظموا حرمة البيت الحرام ; وأن‬
‫يجعلوه كعبتهم وقبلتهم وزاد المر مشقة ما كانوا يسمعونه من‬
‫اليهود من التبجح بهذا المر واتخاذه حجة عليهم وكان الرسول‬
‫ص يقلب وجهه في السماء متجها إلى ربه دون أن ينطق لسانه‬
‫بشيء تأدبا مع الله وانتظارا لتوجيهه بما يرضاه ثم نزل القرآن‬
‫يستجيب لما يعتمل في صدر الرسول ص قد نرى تقلب وجهك‬
‫في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد‬
‫الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره وتقول الروايات إن‬
‫هذا كان في الشهر السادس عشر أو السابع عشر من الهجرة‬
‫وإن المسلمين حينما سمعوا بتحويل القبلة كان بعضهم في‬
‫منتصف صلة فحولوا وجوهم شطر المسجد الحرام في أثناء‬
‫صلتهم وأكملوا الصلة تجاه القبلة الجديدة عندئذ انطلقت أبواق‬
‫يهود وقد عز عليهم أن يتحول محمد ص والجماعة المسلمة عن‬
‫قبلتهم وأن يفقدوا حجتهم التي يرتكنون إليها في تعاظمهم وفي‬
‫تشكيك المسلمين في قيمة دينهم انطلقت تلقي في صفوف‬
‫المسلمين وقلوبهم بذور الشك والقلق في قيادتهم وفي أساس‬
‫عقيدتهم قالوا لهم إن كان التوجه فيما مضى إلى بيت المقدس‬
‫باطل فقد ضاعت صلتكم طوال هذه الفترة ; وإن كانت حقا‬
‫فالتوجه الجديد إلى المسجد الحرام باطل وضائعة صلتكم إليه‬
‫كلها وعلى أية حال فإن هذا النسخ والتغيير للوامر أو لليات ل‬
‫يصدر من الله فهو دليل على أن محمدا ل يتلقى الوحي من الله‬
‫وتتبين لنا ضخامة ما أحدثته هذه الحملة في نفوس بعض‬
‫المسلمين وفي الصف السلمي من مراجعة ما نزل من القرآن‬
‫في هذا الموضوع منذ قوله تعالى ما ننسخ من آية أو ننسها وقد‬
‫استغرق درسين كاملين في الجزء الول ومن مراجعة هذا‬
‫الدرس في هذا الجزء أيضا ومن التوكيدات واليضاحات‬
‫والتحذيرات التي سندرسها فيما يلي تفصيل عند استعراض النص‬
‫القرآني أما الن فنقول كلمة في حكمة تحويل القبلة واختصاص‬

‫‪193‬‬
‫المسلمين بقبلة خاصة بهم يتجهون إليها فقد كان هذا حادثا‬
‫عظيما في تاريخ الجماعة المسلمة وكانت له آثار ضخمة في‬
‫حياتها لقد كان تحويل القبلة أول عن الكعبة إلى المسجد القصى‬
‫لحكمة تربوية أشارت إليها آية في هذا الدرس وما جعلنا القبلة‬
‫التي كنت عليها إل لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على‬
‫عقبيه فقد كان العرب يعظمون البيت الحرام في جاهليتهم‬
‫ويعدونه عنوان مجدهم القومي ولما كان السلم يريد استخلص‬
‫القلوب لله وتجريدها من التعلق بغيره وتخليصها من كل نعرة‬
‫وكل عصبية لغير المنهج السلمي المرتبط بالله مباشرة المجرد‬
‫من كل ملبسة تاريخية أو عنصرية أو أرضية على العموم فقد‬
‫نزعهم نزعا من التجاه إلى البيت الحرام واختار لهم التجاه‬
‫فترة إلى المسجد القصى ليخلص نفوسهم من رواسب الجاهلية‬
‫ومن كل ما كانت تتعلق به في الجاهلية وليظهر من يتبع الرسول‬
‫اتباعا مجردا من كل إيحاء آخر اتباع الطاعة الواثقة الراضية‬
‫المستسلمة ممن ينقلب على عقبيه اعتزازا بنعرة جاهلية تتعلق‬
‫بالجنس والقوم والرض والتاريخ ; أو تتلبس بها في خفايا‬
‫المشاعر وحنايا الضمير أي تلبس من قريب أو من بعيد حتى إذا‬
‫استسلم المسلمون واتجهوا إلى القبلة التي وجههم إليها الرسول‬
‫ص وفي الوقت‬
‫ذاته بدأ اليهود يتخذون من هذا الوضع حجة لهم صدر المر‬
‫اللهي الكريم بالتجاه إلى المسجد الحرام ولكنه ربط قلوب‬
‫المسلمين بحقيقة أخرى بشأنه هي حقيقة السلم حقيقة أن هذا‬
‫البيت بناه إبراهيم وإسماعيل ليكون خالصا لله وليكون تراثا‬
‫للمة المسلمة التي نشأت تلبية لدعوة إبراهيم ربه أن يبعث في‬
‫بنيه رسول منهم بالسلم الذي كان عليه هو وبنوه وحفدته كما‬
‫مر في درس وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن في الجزء‬
‫الماضي ولقد كان الحديث عن المسجد الحرام بنائه وعمارته وما‬
‫أحاط بهما من ملبسات ; والجدل مع أهل الكتاب والمشركين‬
‫حول إبراهيم وبنيه ودينه وقبلته وعهده ووصيته كان هذا الحديث‬
‫الذي سلف في هذه السورة خير تمهيد للحديث عن تحويل قبلة‬
‫المسلمين من المسجد القصى إلى المسجد الحرام بعد هذه‬
‫الفترة فتحويل قبلة المسلمين إلى المسجد الحرام الذي بناه‬
‫إبراهيم وإسماعيل ودعوا عنده ذلك الدعاء الطويل يبدو في هذا‬
‫السياق هو التجاه الطبيعي المنطقي مع وراثة المسلمين لدين‬
‫إبراهيم وعهده مع ربه فهو التجاه الحسي المتساوق مع التجاه‬
‫الشعوري الذي ينشئه ذلك التاريخ لقد عهد الله إلى إبراهيم أن‬
‫يكون من المسلمين ; وعهد إبراهيم بهذا السلم إلى بنيه من‬

‫‪194‬‬
‫بعده كما عهد به يعقوب وهو إسرائيل ولقد علم إبراهيم أن‬
‫وراثة عهد الله وفضله ل تكون للظالمين ولقد عهد الله إلى‬
‫إبراهيم وإسماعيل بإقامة قواعد البيت الحرام فهو تراث لهما‬
‫يرثه من يرثون عهد الله إليهما والمة المسلمة هي الوارثة لعهد‬
‫الله مع إبراهيم وإسماعيل ولفضل الله عليهما ; فطبيعي إذن‬
‫ومنطقي أن ترث بيت الله في مكة وأن تتخذ منه قبلة فإذا اتجه‬
‫المسلمون فترة من الزمان إلى المسجد القصى الذي يتجه إليه‬
‫اليهود والنصارى فقد كان هذا التوجه لحكمة خاصة هي التي‬
‫أشار إليها السياق وبيناها فيما سبق فالن وقد شاء الله أن يعهد‬
‫بالوراثة إلى المة المسلمة وقد أبى أهل الكتاب أن يفيئوا إلى‬
‫دين أبيهم إبراهيم وهو السلم فيشاركوا في هذه الوراثة الن‬
‫يجيء تحويل القبلة في أوانه تحويلها إلى بيت الله الول الذي‬
‫بناه إبراهيم لتتميز للمسلمين كل خصائص الوراثة حسيها‬
‫وشعوريها وراثة الدين ووراثة القبلة ووراثة الفضل من الله‬
‫جميعا إن الختصاص والتميز ضروريان للجماعة المسلمة‬
‫الختصاص والتميز في التصور والعتقاد ; والختصاص والتميز‬
‫في القبلة والعبادة وهذه كتلك ل بد من التميز فيها والختصاص‬
‫وقد يكون المر واضحا فيما يختص بالتصور والعتقاد ; ولكنه قد‬
‫ل يكون بهذه الدرجة من الوضوح فيما يختص بالقبلة وشعائر‬
‫العبادة هنا تعرض التفاتة إلى قيمة أشكال العبادة إن الذي ينظر‬
‫إلى هذه الشكال مجردة عن ملبساتها ومجردة كذلك عن طبيعة‬
‫النفس البشرية وتأثراتها ربما يبدو له أن في الحرص على هذه‬
‫الشكال بذاتها شيئا من التعصب الضيق أو شيئا من التعبد‬
‫للشكليات ولكن نظرة أرحب من هذه النظرة وإدراكا أعمق‬
‫لطبيعة الفطرة يكشفان عن حقيقة أخرى لها كل العتبار إن في‬
‫النفس النسانية ميل فطريا ناشئا من تكوين النسان ذاته من‬
‫جسد ظاهر وروح مغيب إلى اتخاذ أشكال ظاهرة للتعبير عن‬
‫المشاعر المضمرة فهذه المشاعر المضمرة ل تهدأ أو ل تستقر‬
‫حتى تتخذ لها شكل ظاهرا تدركه الحواس ; وبذلك يتم التعبير‬
‫عنها يتم في الحس كما تم في النفس فتهدأ حينئذ وتستريح ;‬
‫وتفرغ الشحنة الشعورية تفريغا كامل ; وتحس بالتناسق بين‬
‫الظاهر والباطن ; وتجد تلبية مريحة لجنوحها إلى السرار‬
‫والمجاهيل وجنوحها إلى الظواهر والشكال في ذات الوان‬
‫وعلى هذا الساس الفطري أقام السلم شعائره التعبدية كلها‬
‫فهي ل تؤدي بمجرد النية ول بمجرد التوجه الروحي ولكن هذا‬
‫التوجه يتخذ له شكل ظاهرا قياما واتجاها إلى القبلة وتكبيرا‬
‫وقراءة وركوعا وسجودا في الصلة وإحراما من مكان معين‬

‫‪195‬‬
‫ولباسا معينا وحركة وسعيا ودعاء وتلبية ونحرا وحلقا في الحج‬
‫ونية وامتناعا عن الطعام والشراب والمباشرة في الصوم وهكذا‬
‫في كل عبادة حركة وفي كل حركة عبادة ليؤلف بين ظاهر‬
‫النفس وباطنها وينسق بين طاقاتها ويستجيب للفطرة جملة‬
‫بطريقة تتفق مع تصوره الخاص ولقد علم الله أن الرغبة‬
‫الفطرية في اتخاذ أشكال ظاهرة للقوى المضمرة هي التي‬
‫حادت بالمنحرفين عن الطريق السليم فجعلت جماعة من الناس‬
‫ترمز للقوة الكبرى برموز محسوسة مجسمة من حجر وشجر‬
‫ومن نجوم وشمس وقمر ومن حيوان وطير وشيء حين اعوزهم‬
‫أن يجدوا متصرفا منسقا للتعبير الظاهر عن القوى الخفية فجاء‬
‫السلم يلبي دواعي الفطرة بتلك الشكال المعينة لشعائر‬
‫العبادة مع تجريد الذات اللهية عن كل تصور حسي وكل تحيز‬
‫لجهة فيتوجه الفرد إلى قبلة حين يتوجه إلى الله بكليته بقلبه‬
‫وحواسه وجوارحه فتتم الوحدة والتساق بين كل قوى النسان‬
‫في التوجه إلى الله الذي ل يتحيز في مكان ; وإن يكن النسان‬
‫يتخذ له قبلة من مكان ولم يكن بد من تمييز المكان الذي يتجه‬
‫إليه المسلم بالصلة والعبادة وتخصيصه كي يتميز هو ويتخصص‬
‫بتصوره ومنهجه واتجاهه فهذا التميز تلبية للشعور بالمتياز‬
‫والتفرد ; كما أنه بدوره ينشىء شعورا بالمتياز والتفرد ومن هنا‬
‫كذلك كان النهي عن التشبه بمن دون المسلمين في خصائصهم‬
‫التي هي تعبير ظاهر عن مشاعر باطنه كالنهي عن طريقتهم في‬
‫الشعور والسلوك سواء ولم يكن هذا تعصبا ول تمسكا بمجرد‬
‫شكليات وإنما كان نظرة أعمق إلى ما وراء الشكليات كان نظرة‬
‫إلى البواعث الكامنة وراء الشكال الظاهرة وهذه البواعث هي‬
‫التي تفرق قوما عن قوم وعقلية عن عقلية وتصورا عن تصور‬
‫وضميرا عن ضمير وخلقا عن خلق واتجاها في الحياة كلها عن‬
‫اتجاه‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه قال إن رسول الله ص قال إن‬
‫اليهود والنصارى ل يصبغون فخالفوهم وقال رسول الله ص وقد‬
‫خرج على جماعة فقاموا له ل تقوموا كما تقوم العاجم يعظم‬
‫بعضها وقال صلوات الله وسلمه عليه ل تطروني كما أطرت‬
‫النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله نهى عن‬
‫تشبه في مظهر أو لباس ونهى عن تشبه في حركة أو سلوك‬
‫ونهى عن تشبه في قول أو أدب لن وراء هذا كله ذلك الشعور‬
‫الباطن الذي يميز تصورا عن تصور ومنهجا في الحياة عن منهج‬
‫وسمة للجماعة عن سمة ثم هو نهى عن التلقي من غير الله‬
‫ومنهجه الخاص الذي جاءت هذه المة لتحققه في الرض نهى‬

‫‪196‬‬
‫عن الهزيمة الداخلية أمام أي قوم آخرين في الرض الهزيمة‬
‫الداخلية تجاه مجتمع معين هي التي تتدسس في لنفس لتقلد‬
‫هذا المجتمع المعين والجماعة المسلمة قامت لتكون في مكان‬
‫القيادة للبشرية ; فينبغي لها أن تستمد تقاليدها كما تستمد‬
‫عقيدتها من المصدر الذي اختارها للقيادة والمسلمون هم‬
‫العلون وهم المة الوسط وهم خير أمة أخرجت للناس فمن أين‬
‫إذن يستمدون تصورهم ومنهجهم ومن أين إذن يستمدون‬
‫تقاليدهم ونظمهم إل يستمدوها من الله فهم سيستمدونها من‬
‫الدنى الذي جاءوا ليرفعوه‬
‫ولقد ضمن السلم للبشرية أعلى أفق في التصور وأقوم منهج‬
‫في الحياة فهو يدعو البشرية كلها أن تفيء إليه وما كان تعصبا‬
‫أن يطلب السلم وحدة البشرية على أساسه هو ل على أي‬
‫أساس آخر ; وعلى منهجه هو ل على أي منهج آخر ; وتحت رايته‬
‫هو ل تحت أية راية أخرى فالذي يدعوك إلى الوحدة في الله‬
‫والوحدة في الرفع من التصور والوحدة في الفضل من النظام‬
‫ويأبى أن يشتري الوحدة بالحيدة عن منهج الله والتردي في‬
‫مهاوي الجاهلية ليس متعصبا أو هو متعصب ولكن للخير والحق‬
‫والصلح‬
‫والجماعة المسلمة التي تتجه إلى قبلة مميزة يجب أن تدرك‬
‫معنى هذا التجاه إن القبلة ليست مجرد مكان أو جهة تتجه إليها‬
‫الجماعة في الصلة فالمكان أو الجهة ليس سوى رمز رمز‬
‫للتميز والختصاص تميز التصور وتميز الشخصية وتميز الهدف‬
‫وتميز الهتمامات وتميز الكيان والمة المسلمة اليوم بين شتى‬
‫التصورات الجاهلية التي تعج بها الرض جميعا وبين شتى‬
‫الهداف الجاهلية التي تستهدفها الرض جميعا وبين شتى‬
‫الهتمامات الجاهلية التي تشغل بال الناس جميعا وبين شتى‬
‫الرايات الجاهلية التي ترفعها القوام جميعا المة المسلمة اليوم‬
‫في حاجة إلى التميز بشخصية خاصة ل تتلبس بشخصيات‬
‫الجاهلية السائدة ; والتميز بتصور خاص للوجود والحياة ل يتلبس‬
‫بتصورات الجاهلية السائدة ; والتميز بأهداف واهتمامات تتفق مع‬
‫تلك الشخصية وهذا التصور ; والتميز براية خاصة تحمل اسم الله‬
‫وحده فتعرف بأنها المة الوسط التي أخرجها الله للناس لتحمل‬
‫أمانة العقيدة وتراثها‬
‫إن هذه العقيدة منهج حياة كامل وهذا المنهج هو الذي يميز المة‬
‫المستخلفة الوارثة لتراث العقيدة الشهيدة على الناس المكلفة‬
‫بأن تقود البشرية كلها إلى الله وتحقيق هذا المنهج في حياة‬
‫المة المسلمة هو الذي يمنحها ذلك التميز في الشخصية والكيان‬

‫‪197‬‬
‫وفي الهداف والهتمامات وفي الراية والعلمة وهو الذي يمنحها‬
‫مكان القيادة الذي خلقت له وأخرجت للناس من أجله وهي بغير‬
‫هذا المنهج ضائعة في الغمار مبهمة الملمح مجهولة السمات‬
‫مهما اتخذت لها من أزياء ودعوات وأعلم ثم نعود من هذا‬
‫الستطراد بمناسبة تحويل القبلة لنواجه النصوص القرآنية‬
‫بالتفصيل‬
‫مع التحية‬
‫عن موقع الخيمة البحاث العلمية‬
‫‪http://www.khayma.com/islamissolutio...zelal/2/u7.htm‬‬
‫===================‬
‫مغزى رجم الشيطان فى الحج ‪ -‬الشعراوى‬
‫يسخر النصاري من رجم الشيطان اثناء فريضة الحج ‪ ,‬فما هو‬
‫مغزى رجم الشيطان‬
‫والله جل جلله يريدنا أن نلتفت إلى أننا في الحج إنتصرنا على‬
‫الشيطان ‪ ..‬بأن امتنعنا عن كل ما نهى الله عنه ‪ ..‬ليس امتناعا‬
‫يشمل ما حرم الله في الوقات العادية ‪ ..‬ولكن التحريم إمتد إلى‬
‫بعض ما كان مباحا ‪ ..‬فكأن التحريم زاد ورغم ذلك قدرنا عليه ‪..‬‬
‫وقضينا مناسك الحج في ذكر الله و النشغال بالعبادة والدعاء ‪..‬‬
‫بمعنى أننا لسنا قادرين فقط على طاعة المنهج ‪ ..‬بل إننا قادرون‬
‫على طاعات أكبر وأكثر‬
‫أراد الله سبحانه وتعالى بقصة إبراهيم وإسماعيل مع إبليس أن‬
‫يعلمنا بعد أن وقفنا بعرفات وغفر لنا ذنوبنا ‪ ..‬لكي نحافظ على‬
‫هذه التوبة ‪ ,‬ل بد أن نرجم الشيطان في أنفسنا رجما معنويا فل‬
‫نجعل له فيها مدخل ‪ ,‬إذا حاول أو يوسوس لنا بمعصية فل نستمع‬
‫إليه ‪ ..‬وإنما نرجمه بعصياننا لنزغاته حتى يبتعد عنا ويتركنا ول‬
‫يكون له علينا سلطان أنت إذا أصغيت إلى الشيطان مجرد‬
‫إصغاء ‪ . .‬فهذه أو خطوة من خطوات المعصية ‪ ..‬أنه يريد أن‬
‫يستميلك لتستمع إليه ‪ ..‬فل تترك له هذه الفرصة ‪ ..‬ول تستمع‬
‫لغوائه ‪ ..‬بل ارجمه على الفور بالعصيان ‪ .‬بعض الناس يتساءل ‪:‬‬
‫نحن نرجم حجرا ‪ ..‬فما علقة الشيطان بهذه الحجر ؟ وهل‬
‫الشيطان موجود فيه ؟ بعض العلماء يقولون إن الشياطين‬
‫تحبس في هذه الحجار في أيام منى ‪ ..‬ونحن نقول لهم سواء‬
‫أكان هذه صحيحا أم غير صحيح ‪ ..‬فإنه اختبار كما قلنا لليمان‬
‫في القلب ‪ ..‬فعّلة السباب اليمانية ليست في أن نفهمها ‪ ..‬أو‬
‫نعرف الحكمة منها ‪ ..‬ولكن علة الشياء في أن الله سبحانه‬
‫وتعالى قد أمرنا بها ‪ ..‬إننا نقبل حجرا ونرجم حجرا ‪ ..‬والسبب‬
‫في هذا أن الله تبارك وتعالى أمرنا والواجب أن نطيع المر دون‬

‫‪198‬‬
‫أن نحاول أن نفلسف المور بعقولنا الضيقة والعاجزة ‪ ..‬ذلك إنه‬
‫مادام الله سبحانه وتعالى قد أمر ‪ ..‬فل بد أن هناك حكمة‬
‫عرفناها أو لم نعرفها ‪ ..‬ذلك أن هناك أسرارا كثيرة في الكون ل‬
‫نعلم عنها شيئا ‪ .‬ويريد الله سبحانه وتعالى أن نعرف إنه مادمنا‬
‫قد أتممنا الحج – والحج مادام من حلل به وجه الله فهو مقبول‬
‫ومبرور – فإن الشيطان لن يتركنا بمجرد غفران الذنب ‪ ,‬أنه‬
‫يحاول أن يدفعنا في ذنوب ومعاص جديدة ‪ ..‬وبمجرد عودتنا من‬
‫الحج هو سيعمل على أن يفسد علينا الطاعة ويضع في نفوسنا‬
‫المعصية ‪ .‬والله جل جلله يريدنا أن نلتفت إلى أننا في الحج‬
‫إنتصرنا على الشيطان ‪ ..‬بأن امتنعنا عن كل ما نهى الله عنه ‪..‬‬
‫ليس امتناعا يشمل ما حرم الله في الوقات العادية ‪ ..‬ولكن‬
‫التحريم إمتد إلى بعض ما كان مباحا ‪ ..‬فكأن التحريم زاد ورغم‬
‫ذلك قدرنا عليه ‪ ..‬وقضينا مناسك الحج في ذكر الله و النشغال‬
‫بالعبادة والدعاء ‪ ..‬بمعنى أننا لسنا قادرين فقط على طاعة‬
‫المنهج ‪ ..‬بل إننا قادرون على طاعات أكبر وأكثر ‪ ..‬فإذا تذكرنا‬
‫هذه الحكمة إلتزمنا تقوى الله بعد أداء مناسك الحج ‪ ..‬وعرفنا‬
‫إننا قادرون على الطاعة فالتزمناها ‪ ..‬ولذلك يقول الحق سبحانه‬
‫وتعالى ‪ ) :‬فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم ءاباكم أو‬
‫أشد ذكرا فمن الناس من يقول ربنا ءاتنا في الدنيا وماله في‬
‫الخرة من خلق ( – سورة البقرة إن الله سبحانه وتعالى يريدنا‬
‫لكي ل نضل ول ننحرف ‪ ,‬أن نذكره دائما بعد أداء فريضة الحج‬
‫كما نذكر آباءنا على التباعد ‪ ..‬أن وهم بعيدون عنا ‪ ..‬أن نذكر الله‬
‫سبحانه وتعالى ‪ ..‬لن هذا هو التلقي الذي تنعدم فيه كل الهواء‬
‫وكل النتماءات إن الحق تبارك وتعالى يريد أن يقرب من خلقه‬
‫ما يجعل حركاتهم تتساند ول تتعاند ‪ ..‬فيجب أن يكون ذكرنا لله‬
‫أشد من ذكرنا لبائنا ‪ ..‬لن الباء مهما طال بهم العمر إنتهوا وما‬
‫توا ‪ ..‬والله أزلي ل يموت ‪ ..‬وإذا كان الباء هم السبب المباشر‬
‫في قدومنا إلى الدنيا ‪ ..‬فإن الله سبحانه وتعالى هو الذي أوجدنا‬
‫من عدم ‪ ,‬وخلقنا من عدم ‪ ..‬فالخلق يرد إلى الخالق ‪ ..‬ونحن‬
‫مجرد أسباب ‪ ..‬فل بد أن نذكر الصل في اليجاد ‪ ..‬وهو الذي‬
‫أوجد من عدم أكثر مما نذكر السباب ‪ ..‬بعد النجاح الذي حققه‬
‫إبراهيم وإسماعيل وهاجر عليهم السلم وصمودهم أمام البلء ‪..‬‬
‫حدث الفداء ‪ ..‬كما يروى القرآن الكريم ‪ ) :‬وفديناه بذبح عظيم *‬
‫وتركنا عليه في الخرين * سلم على إبراهيم * كذلك نجزي‬
‫المحسنين * إنه من عبادنا المؤمنين * وبشرناه بإسحاق نبيا من‬
‫الصالحين ( – سورة الصافات إذن ساعة أمر الله إبراهيم أن‬
‫يذبح إبنه لم يكن عنده إل إسماعيل وُبشر بإسحاق بعد ذلك ‪..‬‬

‫‪199‬‬
‫ورغم شدة البتلء فإن إبراهيم وإسماعيل سلما المر لله‬
‫واستجابا له ‪ ..‬ولذلك وصف الله إبراهيم بأنه حليم أواب ‪ ) ..‬فلما‬
‫أسلما وتله للجبين ( – سورة الصافات أي بدأ التنفيذ فعل ‪..‬‬
‫وأمسك إبراهيم بالسكين ليذبح إبنه ‪ ..‬ولكن السكين لم تذبح ‪..‬‬
‫لن السكين ل تذبح بذاتها ولكن بأمر الله لها ‪ ..‬فكما قال الله‬
‫تبارك وتعالى للنار التي ألقوا فيها إبراهيم عليه السلم ‪ ) ..‬قلنا يا‬
‫نار كوني بردا وسلما على إبراهيم ( – سورة النبياء فإنها لم‬
‫تحرقه ‪ ..‬كذلك أمر السكين أل تذبح فلم تذبح ‪ ..‬وفي ساعة‬
‫الوفاء بالمر نادى الله سبحانه إبراهيم كما جاء في قول الله‬
‫تبارك وتعالى ‪ ) :‬وناديناه أن يا إبراهيم * قد صدقت الرءيا ( –‬
‫سورة الصافات إن الله سبحانه وتعالى يريد من خلقه أن يؤمنوا‬
‫بحكمة أوامره ‪ ..‬وأن يقبلوا على تنفيذها برضاه ‪ .‬فإذا أقبلت‬
‫على تنفيذ المر بالرضا يرفع الله قضاءه ‪ ..‬ولذلك أحفظ هذه‬
‫الية جيدا وتذكرها وأنت في منى ‪ ..‬حتى تعرف إنه في كل‬
‫أحداث الحياة التي تصيب‬
‫النسان ل يرفع الله قضاءه إل إذا رضي بالقضاء من إبتلى به ‪..‬‬
‫فإذا رأيت قضاء قد طال على مقضي عليه كمرض ل يشقى رغم‬
‫كل وسائل العلج ‪ ,‬أو إبتلء في الولد أو المال ولم يرفع رغم‬
‫طول الزمن ‪ ..‬فأعلم إن المتبلى غير راض بقضاء الله ومتبرم به‬
‫‪ ..‬وساعة يرضى ويسلم بحكمة القضاء ‪ ..‬يرفع عنه ‪ ..‬وإبراهيم‬
‫صدق الرؤيا ‪ ,‬وما دام قد صدقها برضا نفس وقبول وتسليم‬
‫بحكمة الله سبحانه فيما يأمر به ‪ ..‬رفع القضاء عنه وقيل له ل‬
‫تقتل إبنك ‪ ..‬وأتى الفداء بكبش نزل من السماء فكأن الله تبارك‬
‫وتعالى هو الذي فدى إسماعيل بهذا الكبش ‪ ..‬ليس هذا فقط ‪,‬‬
‫ولكن الله سبحانه وتعالى بدل من أن يميت البن الوحيد لبراهيم‬
‫وهو إسماعيل ‪ ..‬بشره بغلم ثان هو إسحاق ! إذن فالذي يقبل‬
‫من الخلق على أوامر الحق الغيبية ‪ ..‬التي ل يعلم لها حكمة ثقة‬
‫منه في حكمة الله سبحانه ‪ ,‬يكون جزاؤه كبيرا ‪ ..‬وكلما كان‬
‫الحكم أبعد عن تصور العقل ‪ ..‬كأن اليمان أقوى في الصدور ‪..‬‬
‫والذين يمتنعون من الخلق عن أشياء حرمها الخالق ‪ ,‬لنهم ل‬
‫يعرفون الحكمة ‪ ..‬فإذا ظهرت الحكمة وعرف الضرر الذي‬
‫يصيب النسان منها إمتنعوا عنها ‪ ..‬هؤلء ل يمتنعون عن إيمان‬
‫بأمر الله ‪ ..‬ولكن عن إيمان بالطب أو العلوم أو غير ذلك ‪ ..‬ول‬
‫بد أن نعرف أن هناك فرقا بين تكليف الخلق للخلق ‪ ,‬وتكليف‬
‫الخالق لخلقه ‪ .‬تكليف الخلق للخلق ل بد أن نعرف حكمته لتنفذه‬
‫‪ ..‬ولكن تكليف الخالق لخلق ننفذه إيمانا بحكمة الله سبحانه‬
‫وتعالى فيما شرع ‪ ..‬وكل شيء جاء من المشرع وتقف عقولنا‬

‫‪200‬‬
‫عن إدراكه فنحن ننفذه إيمانا بحكمة الله ‪ .‬المام على رضي الله‬
‫عنه ‪ ..‬ساعة تكلم عن المسح على الخفين ‪ ..‬قال ‪ :‬لو أن‬
‫المسألة تخضع للعقل ‪ ..‬لكان المسح على باطن القدم أولى من‬
‫المسح على ظاهره ‪ ..‬لن باطن القدم هو الذي يتعرض‬
‫للتساخ ‪ ..‬ولكن العملية هي إعداد النفس للقبال على إليه‬
‫يريدك أن تقبل عليه بالطاعة ‪ ,‬ول تستبيح لنفسك أن تدخل على‬
‫الله سبحانه وتعالى بأي نوع من الجدل ‪ ..‬فالله سبحانه ل ُيسأ ُ‬
‫ل‬
‫ل عما يفعل ‪ ,‬ول عما يأمر ‪ .‬إنك حينما تأتي لترجم الشيطان‬
‫فأنت في الواقع تريد أن تسد عليه المداخل التي يدخل منها إلى‬
‫نفسك ‪ ..‬سواء في قمة ‪ .‬عقيدتك برجم الشيطان الكبر ‪ ,‬أو في‬
‫فروع عقيدتك برجم الشياطين الصغار ‪ ..‬وتقوم برجم الشيطان‬
‫سبع مرات ‪ .‬كل هذا أمر حسي مناسب لماديتك ‪ ..‬ولكن هناك‬
‫حكمة للمر يجب أل تخفي عليك هي أن الله سبحانه وتعالى يريد‬
‫منا بعد أن أدينا مناسك الحج أن نتقبل قضاءه كله بالرضا مهما‬
‫بدا لنا ‪ ..‬وأن نعلم أن ما قضى الله به هو الخير ‪...‬‬
‫=====================‬
‫شعيرة الحج وتنقيبات المستشرقين في أصولها‬
‫يساهم المستشرق فير ‪ T.H.Weir‬في "دائرة المعارف السلمية"‬
‫بتكريس شبهة التأثير النصراني واليهودي والجاهلي في صياغة‬
‫ملمح الشريعة السلمية واليحاء بأن العديد من العبادات التي‬
‫جاء بها النبي محمد ما هي إل ّ موروثات متأصلة لدى العرب زمن‬
‫الجاهلية حيث يقول تحت مادة "الجاهلية"‪ ..." :‬ولكنه ]محمدا ً‬
‫صلى الله عليه وآله وسلم[ وجد الحج إلى الماكن المقدسة‬
‫ً‬
‫صل ً في نفوس العرب ل يستطيع له دفعًا‪ .‬وكان قصاراه أل ّ‬ ‫متأ ّ‬
‫ُيبقي من بيوت العبادة إل ّ على بيت واحد جعله بيت الله الواحد"‪.‬‬
‫ويقول الهولندي فنسنك في نفس التجاه تحت مادة "أصل الحج‬
‫في السلم"‪ " :‬لم تكن نظرة النبي إلى الحج واحدة على‬
‫ما بعد‬ ‫دث‪ ،‬أ ّ‬
‫ح ِ‬‫الدوام‪ ،‬فلبد أنه اشترك كثيرا ً في مناسكه وهو َ‬
‫دعوته فقد كانت عنايته قليلة أول المر بالحج‪ .‬فلم يرد ذكر الحج‬
‫لخرى أن النبي اتخذ‬ ‫في السور القديمة‪ .‬ول يبدو من المصادر ا ُ‬
‫خطة محددة حيال هذه العادة الوثنية الصل"‪.‬‬
‫صل "فنسنك" أكثر في دعمه لهذه الشبهة فيقول تحت نفس‬ ‫ويف ّ‬
‫المادة‪" :‬إن الوقوف في سهل عرفات من أهم مناسك الحج‪،‬‬
‫سر هذا المر‬ ‫فالحج بدون الوقوف باطل في السلم‪ ،‬وإنما يف ّ‬
‫بأنه أثر لفكرة جاهلية‪ ،‬وقد وازن "هوتسما ‪ "Houtsma‬بين‬
‫دون‬ ‫الوقوف وبين إقامة بني إسرائيل على جبل سينا‪ .‬فهؤلء يع ّ‬
‫أنفسهم لهذه القامة بالمتناع عن النساء وبغسل ثيابهم‪ ،‬وبذلك‬

‫‪201‬‬
‫يقفون أمام الرب‪ ،‬وعلى هذا النحو ل يقرب المسلمون النساء‬
‫ويرتدون ثياب الحرام ويقفون أمام الخالق في سفح جبل‬
‫دس"‪.‬‬ ‫مق ّ‬
‫وينساق "فنسنك" تحت مادة "إحرام" مع هذه الدعوى قائ ً‬
‫ل‪:‬‬
‫دس عند قدماء‬ ‫"ونلحظ أن ثوب الحرام ربما كان الثوب المق ّ‬
‫ن الجزء العلى من الثوب الذي كان يرتديه‬ ‫الساميين‪ ،‬إذ ْ إ ّ‬
‫الكاهن العظم في "العهد القديم" كان غير مخيط‪ ..‬ويرتدي‬
‫ميل حول‬ ‫صدرة" حول الحرقفتين وال َ‬ ‫كهنة اليهود الفود "ال ّ‬
‫الكتفين‪ .‬ونجد لهذا نظيرا ً في السلم عند الصلة وفي تكفين‬
‫الميت‪.‬‬
‫وكان العرب في جاهليتهم عند الكهانة يلبسون رداًء ومئزرًا‪ ،‬كما‬
‫كان الزهاد المتأخرون يرتدون مثل هذا الثوب‪ .‬يضاف إلى ذلك‬
‫أن اللون البيض يعد ّ مقدسا ً في كثير من الديان‪ ...‬فلباس‬
‫الحرام والحالة هذه قديم جدا ً ول يرجع أصله للسلم‪ .‬زد على‬
‫م كذلك‪ ...‬وهذه عادة سامية قديمة‬ ‫ذلك أن لبس الحذاء محر ٌ‬
‫ّ‬
‫كذلك‪ ...‬ويجب كذلك على المحرم أن ل يغطي رأسه‪ ،‬وربما‬
‫كانت هذه عادة من عادات الحزن قبل السلم"‪.‬‬
‫وينقل "فنسنك" رأي المستشرق سنوك هجروينيه في هذا‬
‫ور هذه الشبهة مرة ً بأنها نظريات يراها النبي‬ ‫الموضوع‪ ،‬الذي ص ّ‬
‫صلى الله عليه وآله وسلم ليتفادى بها الصورة القاسية التي‬
‫ورها‬ ‫ُ‬
‫كانت تمارس بها هذه العبادات في الجاهلية‪ ،‬ومرة ً أخرى يص ّ‬
‫بأّنها ممارسات مشتملة على قذارات كانت على عهد الجاهلية‪،‬‬
‫ومنها ما كان على عهد الديانات السامية أيضا ً كاليهود فيقول في‬
‫مادة "إحرام"‪" :‬إن محّرمات الحرام قد غدت قاسية في نظر‬
‫النبي‪ ،‬لذلك نجده أثناء مكثه في مكة قبل الحج يتحّلل من هذه‬
‫المحّرمات‪ ...،‬وعلى ذلك فإن ما تراءى للنبي ومعاصريه أنه‬
‫إهمال يستوجب التكفير قد غدا في نظر الجيال اللحقة أمرا ً‬
‫رم من جملة ُأمور‪ :‬النكاح والتطّيب‬ ‫ح ِ‬ ‫مباحًا‪ ...‬وقد منع الشرع ال ُ‬
‫م ْ‬
‫وإراقة الدم والصيد‪ ،‬كما حّرم اقتلع النبات‪.‬‬
‫ونلحظ بهذه المناسبة أن بعض الديان السامّية يحّرم النكاح في‬
‫ص بالذكر من هذه الديان ما يقول بالتوحيد‪.‬‬ ‫ُ‬
‫حالت أخرى‪ ،‬ونخ ّ‬
‫وكان إهمال العناية بالبدن ظاهرة معروفة بين الشعوب السامّية‬
‫ور لنا الروايات أن النادبات في الجاهلية‬ ‫في الحوال الدينية‪ ،‬وتص ّ‬
‫دة حدادهم عن‬ ‫ن قذرات ذوات شعر أشعث‪ .‬ويمتنع اليهود م ّ‬ ‫ك ّ‬
‫جاج في الجاهلية‬ ‫الستحمام وتقليم الظافر‪ .‬ويذكرون أن الح ّ‬
‫مخون شعورهم بالدهان وقت الحرام‬ ‫وفي عصر النبي كانوا يض ّ‬
‫تخفيفا ً لوطأة القذارة"‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫دد‪،‬‬
‫كما ويصّرح المستشرق "بوهل "‪ "Fr. Buhl‬بالشبهة دون تر ّ‬
‫فيقول تحت مادة "الجمرة"‪" :‬ورمي الجمرات شعيرة أخذها‬
‫ص صراحة في القرآن‪ ،‬ولكنها ذكرت‬ ‫السلم عن الوثنية فلمم ين ّ‬
‫في سير النبي وفي الحديث"‪.‬‬
‫‪00000000000000000000000000‬‬
‫يكفي جوابا ً على هذه الوهام أن القرآن الكريم يصّرح في أكثر‬
‫من آية كريمة أن بيت الله الحرام هو واحد‪ ،‬وقد أقام قواعده‬
‫نبي الله إبراهيم عليه السلم وولده نبي الله إسماعيل عليه‬
‫السلم وذلك في قوله تعالى‪) :‬وإذ يرفع إبراهيم القواعد من‬
‫البيت وإسماعيل رّبنا تقبل مّنا إّنك أنت السميع العليم(‪ ،‬ثم أمر‬
‫الله سبحانه نبّيه إبراهيم عليه السلم أن يطهر هذا البيت لداء‬
‫عبادة الحج اللهي‪ ،‬حيث جاء في القرآن الكريم عن ذلك‪) :‬وإذ‬
‫وأنا لبراهيم مكان البيت أن ل تشرك بي شيئا ً وطّهر بيتي‬ ‫ب ّ‬
‫ذن في الناس بالحج‬ ‫كع السجود* وأ ّ‬‫للطائفين والقائمين والر ّ‬
‫ج عميق(‪ ،‬وقوله تعالى‬ ‫يأتوك رجال ً وعلى ضامرٍ يأتين من كل ف ّ‬
‫أيضًا‪) :‬وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا ً واتخذوا من مقام‬
‫إبراهيم مصّلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طّهرا بيتي‬
‫للطائفين والعاكفين والر ّ‬
‫كع السجود(‪.‬‬
‫واستمر الحال زمنا ً طويل ً حتى أفسد أهل الجاهلية هذا الحج‬
‫البراهيمي‪ ،‬وحّرفوه عن شرعته اللهية باتخاذهم الصنام في‬
‫بيت الله وشعائر الحج الخرى شركاء لله سبحانه يتقربون إليها‬
‫دونه تعالى‪ ،‬ومحقوا صورته الولى التي شّرعها الله لنبيه إبراهيم‬
‫عليه السلم‪ ،‬واستبدلوها بالدجل والهراء‪ ،‬حتى وصفهم القرآن‬
‫الكريم بقوله‪) :‬وما كان صلتهم عن البيت إل ّ مكاًء وتصدية(‪،‬‬
‫فأمر الله تعالى نبيه الكريم محمدا ً صلى الله عليه وآله وسلم‬
‫لولى إمضاًء لشريعة‬ ‫بإعادة عبادة الحج اللهي إلى صورته ا ُ‬
‫إبراهيم عليه السلم فيها‪ ،‬حيث قال في قرآنه المجيد‪) :‬إن أول‬
‫ت وضع للناس للذي ببكة مباركا ً وهدىً للعالمين* فيه آيات‬ ‫بي ٍ‬
‫م ومن دخله كان آمنا ً ولله على الناس حج‬ ‫م إبراهي َ‬
‫بّينات مقا ُ‬
‫البيت من استطاع إليه سبيل ً ومن كفر فإن الله غني عن‬
‫العالمين(‪.‬‬
‫كما أن قول "بوهل" تحت مادة "الجمرة"‪ :‬جهل منه أو تجاهل‪،‬‬
‫فإن كثيرا ً من مفردات الشريعة السلمية جاءت كليات في‬
‫صلها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في‬ ‫القرآن الكريم ثم ف ّ‬
‫حديثه وسيرته الشريفة بوحي وإلهام من الله سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫===========================‬
‫هل السلم انتشر بحد السيف ؟‬

‫‪203‬‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫وهى من أكثر الشبهات انتشاًرا ‪ ،‬ونرد عليها بالتفصيل حتى‬
‫نوضح المر حولها‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يقول الله تعالى مخاطبا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم‪ } :‬وما‬
‫أرسلناك إل رحمة للعالمين {‪.‬‬
‫إن هذا البيان القرآنى بإطاره الواسع الكبير ‪ ،‬الذى يشمل‬
‫المكان كله فل يختص بمكان دون مكان ‪ ،‬والزمان بأطواره‬
‫المختلفة وأجياله المتعاقبة فل يختص بزمان دون زمان ‪،‬‬
‫والحالت كلها سلمها وحربها فل يختص بحالة دون حالة ‪ ،‬والناس‬
‫أجمعين مؤمنهم وكافرهم عربهم وعجمهم فل يختص بفئة دون‬
‫فئة ؛ ليجعل النسان مشدوها متأمل ً فى عظمة التوصيف‬
‫القرآنى لحقيقة نبوة سيد الولين والخرين ‪ ) ،‬وما أرسلناك إل‬
‫رحمة للعالمين ( رحمة عامة شاملة ‪ ،‬تجلت مظاهرها فى كل‬
‫موقف لرسول الله صلى الله عليه وسلم تجاه الكون والناس‬
‫من حوله‪.‬‬
‫والجهاد فى السلم حرب مشروعة عند كل العقلء من بنى‬
‫البشر ‪ ،‬وهى من أنقى أنواع الحروب من جميع الجهات‪:‬‬
‫‪ -1‬من ناحية الهدف‪.‬‬
‫‪ -2‬من ناحية السلوب‪.‬‬
‫‪ -3‬من ناحية الشروط والضوابط‪.‬‬
‫‪ -4‬من ناحية النهاء واليقاف‪.‬‬
‫‪ -5‬من ناحية الثار أو ما يترتب على هذه الحرب من نتائج‪.‬‬
‫وهذا المر واضح تمام الوضوح فى جانبى التنظير والتطبيق فى‬
‫دين السلم وعند المسلمين‪.‬‬
‫وبالرغم من الوضوح الشديد لهذه الحقيقة ‪ ،‬إل أن التعصب‬
‫والتجاهل بحقيقة الدين السلمى الحنيف ‪ ،‬والصرار على جعله‬
‫طرفا ً فى الصراع وموضوعا ً للمحاربة ‪ ،‬أحدث لبسا ً شديدا ً فى‬
‫هذا المفهوم ـ مفهوم الجهاد ـ عند المسلمين ‪ ،‬حتى شاع أن‬
‫السلم قد انتشر بالسيف ‪ ،‬وأنه يدعو إلى الحرب وإلى العنف ‪،‬‬
‫ويكفى فى الرد على هذه الحالة من الفتراء ‪ ،‬ما أمر الله به من‬
‫العدل والنصاف ‪ ،‬وعدم خلط الوراق ‪ ،‬والبحث عن الحقيقة كما‬
‫هى ‪ ،‬وعدم الفتراء على الخرين ‪ ،‬حيث قال سبحانه فى كتابه‬
‫ن الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم‬ ‫سو َ‬‫م َتلب ِ ُ‬
‫العزيز‪ ) :‬ل ِ َ‬
‫تعلمون (‪.‬‬
‫ولقد فطن لبطلن هذا الدعاء كاتب غربى كبير هو توماس‬
‫كارليل ‪ ،‬حيث قال فى كتابه " البطال وعبادة البطولة " ما‬
‫ترجمته‪ " :‬إن اتهامه ـ أى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ـ‬

‫‪204‬‬
‫بالتعويل على السيف فى حمل الناس على الستجابة لدعوته‬
‫سخف غير مفهوم ؛ إذ ليس مما يجوز فى الفهم أن يشهر رجل‬
‫فرد سيفه ليقتل به الناس ‪ ،‬أو يستجيبوا له ‪ ،‬فإذا آمن به من‬
‫يقدرون على حرب خصومهم ‪ ،‬فقد آمنوا به طائعين مصدقين ‪،‬‬
‫وتعرضوا للحرب من غيرهم قبل أن يقدروا عليها " ‪.‬‬
‫ويقول المؤرخ الفرنسى غوستاف لوبون فى كتابه " حضارة‬
‫العرب " وهو يتحدث عن سر انتشار السلم فى عهده صلى الله‬
‫عليه وسلم وفى عصور الفتوحات من بعده ـ‪ " :‬قد أثبت التاريخ‬
‫أن الديان ل تفرض بالقوة ‪ ،‬ولم ينتشر السلم إذن بالسيف بل‬
‫انتشر بالدعوة وحدها ‪ ،‬وبالدعوة وحدها اعتنقته الشعوب التى‬
‫قهرت العرب مؤخرا ً كالترك والمغول ‪ ،‬وبلغ القرآن من النتشار‬
‫فى الهند ـ التى لم يكن العرب فيها غير عابرى سبيل ـ ما زاد‬
‫عدد المسلمين إلى خمسين مليون نفس فيها‪ ..‬ولم يكن السلم‬
‫أقل انتشارا ً فى الصين التى لم يفتح العرب أى جزء منها قط ‪،‬‬
‫وسترى فى فصل آخر سرعة الدعوة فيها ‪ ،‬ويزيد عدد مسلميها‬
‫على عشرين مليونا فى الوقت الحاضر "‪.‬‬
‫هذا وقد مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلثة عشر‬
‫عاما ً ‪ ،‬يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ‪ ،‬وقد كان نتاج‬
‫هذه المرحلة أن دخل فى السلم خيار المسلمين من الشراف‬
‫وغيرهم ‪ ،‬وكان الداخلون أغلبهم من الفقراء ‪ ،‬ولم يكن لدى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ثروة عظيمة يغرى بها هؤلء‬
‫الداخلين ‪ ،‬ولم يكن إل الدعوة ‪ ،‬والدعوة وحدها ‪ ،‬ولم يقف المر‬
‫مل المسلمون ـ لسيما الفقراء والعبيد ومن‬ ‫عند هذا الحد بل تح ّ‬
‫ل عصبية له منهم ـ من صنوف العذاب وألوان البلء ما تعجز‬
‫الجبال الرواسى عن تحمله ‪ ،‬فما صرفهم ذلك عن دينهم وما‬
‫تزعزعت عقيدتهم ‪ ،‬بل زادهم ذلك صلبة فى الحق ‪ ،‬وصمدوا‬
‫صمود البطال مع قلتهم وفقرهم ‪ ،‬وما سمعنا أن أحدا ً منهم ارتد ّ‬
‫سخطا ً عن دينه ‪ ،‬أو أغرته مغريات المشركين فى النكوص عنه ‪،‬‬
‫وإنما كانوا كالذهب البريز ل تزيده النار إل صفاء ونقاء ‪،‬‬
‫وسنتكلم هنا على الجانبين التنظيرى والتطبيقى ‪ ،‬ونقصد‬
‫بالتنظيرى ما ورد فى مصادر السلم )الكتاب والسنة( ‪ ،‬ونعنى‬
‫بالتطبيقى ما حدث عبر القرون ابتداء من الحروب التى شارك‬
‫فيها النبى صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وانتهاء بعصرنا الحاضر ‪ ،‬ثم‬
‫نختم ببيان هذه النقاط الخمسة التى ذكرناها سابقًا‪.‬‬
‫ل‪ :‬الجانب التنظيرى ورد فى القرآن الكريم وفى السنة النبوية‬ ‫أو ً‬
‫آيات وأحاديث تبين شأن الجهاد فى السلم ‪ ،‬ويرى المطالع لهذه‬
‫اليات والحاديث ‪ ،‬أن المجاهد فى سبيل الله ‪ ،‬هو ذلك الفارس‬

‫‪205‬‬
‫النبيل الخلقى المدرب على أخلق الفروسية العالية الراقية ؛‬
‫حتى يستطيع أن يمتثل إلى الوامر والنواهى الربانية التى تأمره‬
‫بضبط النفس قبل المعركة وأثناء المعركة وبعد المعركة ‪ ،‬فقبل‬
‫المعركة يجب عليه أن يحرر نفسه من كل الطماع ‪ ،‬وأل يخرج‬
‫مقاتل من أجل أى مصلحة شخصية ‪ ،‬سواء كانت تلك المصلحة‬
‫من أجل نفسه أو من أجل الطائفة التى ينتمى إليها ‪ ،‬أو من أجل‬
‫أى عرض دنيوى آخر ‪ ،‬وينبغى أن يتقيد بالشروط التى أحل الله‬
‫فيها الجهاد ‪ ،‬وأن يجعل ذلك لوجه الله تعالى ‪ ،‬ومعنى هذا أنه‬
‫سوف يلتزم بأوامر الله ‪ ،‬ويستعد لنهاء الحرب فورا ً ‪ ،‬إذا ما‬
‫فقدت الحرب شرطا ً من شروط حلها أو سببا ً من أسباب‬
‫استمرارها ‪ ،‬وسواء أكان ذلك الفارس منتصرا ً ‪ ،‬أو أصابه الذى‬
‫من عدوه ‪ ،‬فإن الله يأمره بضبط النفس ‪ ،‬وعدم تركها للنتقام ‪،‬‬
‫والتأكيد على اللتزام بالمعانى العليا ‪ ،‬وكذلك الحال بعد القتال ‪،‬‬
‫فإنه يجب عليه أن يجاهد نفسه الجهاد الكبر ؛ حتى ل يتحول‬
‫ص مؤذ ٍ لمجتمعه أو لجماعته أو‬‫الفارس المجاهد إلى شخ ٍ‬
‫للخرين ‪ ،‬وبالرغم من أن لفظة الجهاد إذا أطلقت انصرف الذهن‬
‫إلى معنى القتال فى سبيل الله‪ .‬إل أن الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم قد أسماه بالجهاد الصغر ‪ ،‬وسمى الجهاد المستمر بعد‬
‫القتال بالجهاد الكبر ؛ لن القتال يستمر ساعات أو أيام ‪ ،‬وما‬
‫بعد القتال يستغرق عمر النسان كله‪.‬‬
‫وفيما يلى نورد اليات القرآنية والحاديث النبوية التى تحدثت عن‬
‫هذه القضية ‪ ،‬ثم بعد ذلك نستخرج منها الهداف والشروط‬
‫والضوابط والساليب ‪ ،‬ونعرف منها متى تنتهى الحرب ‪ ،‬والثار‬
‫المترتبة على ذلك‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬القرآن الكريم‬
‫‪ ) -1‬وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ول تعتدوا إن الله ل‬
‫يحب المعتدين * واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث‬
‫أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ول تقاتلوهم عند المسجد‬
‫الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء‬
‫الكافرين( )‪.(5‬‬
‫‪ ) -2‬فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم * وقاتلوهم حتى ل تكون‬
‫فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فل عدوان إل على الظالمين( )‬
‫‪.(6‬‬
‫‪ ) -3‬كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا ً‬
‫وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا ً وهو شر لكم والله يعلم‬
‫وأنتم ل تعلمون ( )‪.(7‬‬

‫‪206‬‬
‫‪ ) -4‬يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير‬
‫وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه‬
‫أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ( )‪.(8‬‬
‫‪ ) -5‬وكأين من نبى قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم‬
‫فى سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين ( )‬
‫‪.(9‬‬
‫ُ‬
‫‪ ) -6‬ول تحسبن الذين قُت ِلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند‬
‫ربهم ي ُْرَزُقون ( )‪.(10‬‬
‫‪ ) -7‬فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا فى سبيلى‬
‫وقاتلوا وقتلوا لكفرن عنهم سيئاتهم ( )‪.(11‬‬
‫‪ ) -8‬فليقاتل فى سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالخرة‬
‫ومن يقاتل فى سبيل الله فُيقتل أو ي َِغلب فسوف نؤتيه أجرا‬
‫عظيما ً ( )‪.(12‬‬
‫‪ ) -9‬وما لكم ل تقاتلون فى سبيل الله والمستضعفين من‬
‫الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه‬
‫القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك‬
‫نصيرا ً ( )‪.(13‬‬
‫‪ ) -10‬فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل‬
‫الله لكم عليهم سبيل ً ( )‪.(14‬‬
‫‪ ) -11‬وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير‬
‫ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع‬
‫دابر الكافرين * ليحق الحق ويبطل الباطل ولوكره المجرمون (‬
‫)‪.(15‬‬
‫‪ ) -12‬فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن‬
‫الله رمى ( )‪.(16‬‬
‫‪ ) -13‬وقاتلوهم حتى ل تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن‬
‫انتهوا فإن الله بما يعملون بصير( )‪.(17‬‬
‫‪ ) -14‬ول تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس‬
‫ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط( )‪.(18‬‬
‫‪ ) -15‬وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو‬
‫السميع العليم ( )‪.(19‬‬
‫‪ ) -16‬يا أيها النبى قل لمن فى أيديكم من السرى إن يعلم الله‬
‫فى قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا ً مما أخذ منكم ويغفر لكم والله‬
‫غفور رحيم ( )‪.(20‬‬
‫‪ ) -17‬فإن تابوا وأقاموا الصلة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن‬
‫الله غفور رحيم * وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى‬
‫يسمع كلم الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم ل يعلمون ( )‪.(21‬‬

‫‪207‬‬
‫‪ ) -18‬إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم‬
‫الجنة يقاتلون فى سبيل الله فََيقت ُُلون وَُيقت َُلون ( )‪.(22‬‬
‫ُ‬
‫موا وإن الله على نصرهم‬ ‫قات َُلون بأنهم ظ ُل ِ ُ‬‫ن للذين ي ُ َ‬ ‫‪) -19‬أذ ِ َ‬
‫جوا من ديارهم بغير حق إل أن يقولوا َرب َّنا‬ ‫خرِ ُ‬ ‫لقدير * الذين أ ُ ْ‬
‫الله( )‪.(23‬‬
‫‪....‬‬
‫ثانيا‪ :‬ما ورد فى الحاديث النبوية الشريفة‬ ‫ً‬
‫‪ -1‬عن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ عن النبى صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪ " :‬تكفل الله لمن جاهد فى سبيله ل يخرجه من بيته‬
‫إل جهاد فى سبيله وتصديق كلمته بأن يدخله الجنة أو يرجعه إلى‬
‫مسكنه الذى خرج منه مع ما نال من أجر أو غنيمة " )‪.(24‬‬
‫‪ -2‬عن وهب بن منبه ‪ ،‬قال‪ :‬سألت جابرا ً عن شأن ثقيف إذ‬
‫بايعت ‪ ،‬قال‪ :‬اشترطت على النبى صلى الله عليه وسلم أن ل‬
‫صدقة عليها ول جهاد ‪ ،‬وأنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم بعد‬
‫ذلك يقول‪ " :‬سيتصدقون ويجاهدون إذا أسلموا " )‪.(25‬‬
‫‪ -3‬عن سعد بن زيد بن سعد الشهلى أنه أهدى إلى رسول صلى‬
‫الله عليه وسلم سيفا ً من نجران فلما قدم عليه أعطاه محمد بن‬
‫مسلمة ‪ ،‬وقال‪ " :‬جاهد بهذا فى سبيل الله فإذا اختلفت أعناق‬
‫الناس فاضرب به الحجر ‪ ،‬ثم ادخل بيتك وكن حلسا ً ملقى حتى‬
‫تقتلك يد خاطئة أو تأتيك منية قاضية‪ .‬قال الحاكم‪ :‬فبهذه‬
‫السباب وما جانسها كان اعتزال من اعتزل عن القتال مع على ـ‬
‫رضى الله عنه ـ وقتال من قاتله " )‪.(26‬‬
‫‪ -4‬عن سعيد بن جبير قال‪ " :‬خرج علينا أو إلينا ابن عمر فقال‬
‫رجل كيف ترى فى قتال الفتنة فقال وهل تدرى ما الفتنة كان‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم يقاتل المشركين وكان الدخول‬
‫عليهم فتنة وليس كقتالكم على الملك " )‪.(27‬‬
‫‪ -5‬عن عبد الله بن عمرو ـ رضى الله عنهما ـ قال‪ :‬جاء رجل إلى‬
‫النبى صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬إنى أريد الجهاد فقال‪ " :‬أحى‬
‫والداك ؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬ففيهما فجاهد " )‪.(28‬‬
‫ويتضح من هذه اليات والحاديث أن هدف الحرب فى السلم‬
‫يتمثل فى التى‪:‬‬
‫‪ -1‬رد العدوان والدفاع عن النفس‪.‬‬
‫‪ -2‬تأمين الدعوة إلى الله وإتاحة الفرصة للضعفاء الذين يريدون‬
‫اعتناقها‪.‬‬
‫‪ -3‬المطالبة بالحقوق السليبة‪.‬‬
‫‪ -4‬نصرة الحق والعدل‪.‬‬
‫ويتضح لنا أيضا أن من شروط وضوابط الحرب‪:‬‬

‫‪208‬‬
‫)‪ (1‬النبل والوضوح فى الوسيلة والهدف‪.‬‬
‫)‪ (2‬ل قتال إل مع المقاتلين ول عدوان على المدنيين‪.‬‬
‫)‪ (3‬إذا جنحوا للسلم وانتهوا عن القتال فل عدوان إل على‬
‫الظالمين‪.‬‬
‫)‪ (4‬المحافظة على السرى ومعاملتهم المعاملة الحسنة التى‬
‫تليق بالنسان‪.‬‬
‫)‪ (5‬المحافظة على البيئة ويدخل فى ذلك النهى عن قتل‬
‫الحيوان لغير مصلحة وتحريق الشجار ‪ ،‬وإفساد الزروع والثمار ‪،‬‬
‫والمياه ‪ ،‬وتلويث البار ‪ ،‬وهدم البيوت‪.‬‬
‫)‪ (6‬المحافظة على الحرية الدينية لصحاب الصوامع والرهبان‬
‫وعدم التعرض لهم‪.‬‬
‫الثار المترتبة على الجهاد يتضح لنا مما سبق أن الجهاد فى‬
‫السلم قد اتسم بنبل الغاية والوسيلة معا ‪ ،‬فل غرو أن تكون‬
‫الثار والثمار المتولدة عن هذا الجهاد متناسقة تماما فى هذا‬
‫السياق من النبل والوضوح ؛ لن النتائج فرع عن المقدمات ‪،‬‬
‫ونلخص هذه الثار فى النقاط التالية‪:‬‬
‫)‪ (1‬تربية النفس على الشهامة والنجدة والفروسية‪.‬‬
‫)‪ (2‬إزالة الطواغيت الجاثمة فوق صدور الناس ‪ ،‬وهو الشر الذى‬
‫يؤدى إلى الفساد فى الرض بعد إصلحها‪.‬‬
‫)‪ (3‬إقرار العدل والحرية لجميع الناس مهما كانت عقائدهم‪.‬‬
‫)‪ (4‬تقديم القضايا العامة على المصلحة الشخصية‪.‬‬
‫)‪ (5‬تحقيق قوة ردع مناسبة لتأمين الناس فى أوطانهم‪.‬‬
‫يقول الله سبحانه وتعالى فى سورة الحج‪:‬‬
‫) الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إل أن يقولوا ربنا الله ولول‬
‫دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات‬
‫ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ً ولينصرن الله من ينصره إن‬
‫الله لقوى عزيز ( )‪.(29‬‬
‫قال المام القرطبى عند تفسيره لهذه الية‪:‬‬
‫)ولول دفع الله الناس بعضهم ببعض( أى لول ما شرعه الله‬
‫تعالى للنبياء والمؤمنين من قتال العداء ‪ ،‬لستولى أهل الشرك‬
‫وعطلوا ما بينته أرباب الديانات من مواضع العبادات ‪ ،‬ولكنه دفع‬
‫بأن أوجب القتال ليتفرغ أهل الدين للعبادة‪ .‬فالجهاد أمر متقدم‬
‫فى المم ‪ ،‬وبه صلحت الشرائع واجتمعت المتعبدات ؛ فكأنه‬
‫قال‪ :‬أذن فى القتال ‪ ،‬فليقاتل المؤمنون‪ .‬ثم قوى هذا المر فى‬
‫القتال بقوله‪ ) :‬ولول دفع الله الناس( الية ؛ أى لول القتال‬
‫والجهاد لتغلب على الحق فى كل أمة‪.‬‬

‫‪209‬‬
‫فمن استشبع من النصارى والصابئين الجهاد فهو مناقض‬
‫لمذهبه ؛ إذ لول القتال لما بقى الدين الذى يذب عنه‪ .‬وأيضا ً هذه‬
‫المواضع التى اتخذت قبل تحريفهم وتبديلهم وقبل نسخ تلك‬
‫الملل بالسلم إنما ذكرت لهذا المعنى ؛ أى لول هذا الدفع‬
‫لُهدمت فى زمن موسى الكنائس ‪ ،‬وفى زمن عيسى الصوامع‬
‫والبيع ‪ ،‬وفى زمن محمد صلى الله عليه وسلم المساجد‪" .‬‬
‫لهدمت " من هدمت البناء أى نقضته فانهدم‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬هذا‬
‫أصوب ما قيل فى تأويل الية " )‪.(30‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الناحية التطبيقية )‪ (1‬حروب النبى صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫)أ( الحرب ظاهرة اجتماعية‪:‬‬
‫الحرب ظاهرة إنسانية قديمة قدم النسان على ظهر هذه‬
‫البسيطة ‪ ،‬فمنذ ُوجد النسان وهو يصارع ويحارب ‪ ،‬وكعلقة من‬
‫العلقات الجتماعية الحتمية نشأت الحرب ‪ ،‬فالحتكاك بين‬
‫البشر لبد وأن ي ُوَّلد صداما ً من نوع ما ‪ ،‬لقد جبل النسان على‬
‫غريزة التملك التى تدعوه إلى التشبث بما يملكه ‪ ،‬حيث إن هذه‬
‫الغريزة هى التى تحفظ عليه البقاء فى الحياة ‪ ،‬وهى بالتالى‬
‫التى تتولد عنها غريزة المقاتلة ‪ ،‬فى أبسط صورها دفاعا ً عن‬
‫حقه فى الستمرار والحياة ‪ ،‬وقد تتعقد نفسية النسان وتصبح‬
‫حاجاته ومتطلباته مركبة ‪ ،‬فل يقاتل طالبا ً للقوت أو دفاعا ً عنه‬
‫فقط ‪ ،‬وإنما يقاتل طلبا ً للحرية ورفعا ً للظلم واستردادا للكرامة‪.‬‬
‫صل العلمة ابن خلدون هذه الحقيقة فى مقدمته فيقول‪" :‬‬ ‫ف ّ‬
‫وي ُ َ‬
‫اعلم أن الحروب وأنواع المقاتلة لم تزل واقعة فى الخليقة منذ‬
‫برأها الله ‪ ،‬وأصلها إرادة انتقام بعض البشر من بعض ويتعصب‬
‫لكل منها أهل عصبيته ‪ ،‬فإذا تذامروا لذلك وتوافقت الطائفتان ؛‬
‫إحداهما تطلب النتقام والخرى تدافع ‪ ،‬كانت الحرب وهو أمر‬
‫طبيعى فى البشر ‪ ،‬إما غيرة ومنافسة وإما عدوان وإما غضب‬
‫لله ولدينه ‪ ،‬وإما غضب للملك وسعى فى تمهيده " )‪.(31‬‬
‫)ب( الحرب فى الكتب المقدسة قبل السلم‪:‬‬
‫إذا ما تجاوزنا المم والحضارات البشرية ‪ ،‬وتأملنا فى الكتب‬
‫السماوية المقدسة )التوراة ـ النجيل( ‪ ،‬نرى أن هذه الكتب‬
‫المقدسة قد تجاوزت السباب المادية الغريزية التى يقاتل‬
‫النسان من أجلها إلى أسباب أكثر ُرقِّيا وحضارة ‪ ،‬فبعد أن كان‬
‫النسان يقاتل رغبة فى امتلك الطعام أو الرض ‪ ،‬أو رغبة فى‬
‫الثأر الشخصى من الخرين ‪ ،‬أو حتى ردا للعدوان ‪ ،‬نرى أن‬
‫الكتب المقدسة قد أضافت أسبابا ً أخرى ‪ ،‬أسبابا ً إلهية تسمو‬
‫بالبشرية عن الدنايا وظلم الخرين ‪ ،‬إلى بذل النفس إقامة‬
‫للعدل ‪ ،‬ونصرة للمظلوم ‪ ،‬ومحاربة للكفر والخروج عن منهج‬

‫‪210‬‬
‫مح‬ ‫س َ‬
‫الله ‪ ،‬لقد حددت الكتب السماوية المناهج والطر التى ي ُ ْ‬
‫فيها بإقامة القتال وعبرت بالنسان مرحلة بناء المجد الشخصى‬
‫المؤسس على النا ‪ ،‬إلى مرحلة التضحية من أجل المبادئ‬
‫والمثل اللهية العليا ‪ ،‬التى تعمل فى إطار الجماعة البشرية ل‬
‫فى محيط الفرد الواحد‪.‬‬
‫الحرب فى العهد القديم‬
‫وردت أسباب الحرب فى ست وثلثين آية تقع فى ثمانية أسفار‬
‫من أسفار العهد القديم هى‪) :‬التكوين ـ العدد ـ التثنية ـ يوشع ـ‬
‫القضاة ـ صموئيل الول ـ الملوك الثانى ـ حزقيال(‪.‬‬
‫)‪ (1‬ففى سفر العدد ـ الصحاح الثالث عشر ‪ ،‬ورد ما يفيد أن‬
‫موسى ـ عليه السلم ـ بعد خروجه بقومه من مصر بعث رسل‬
‫يتحسسون أمر أرض كنعان ـ فلسطين ـ ليستقروا فيها‪:‬‬
‫" فساروا حتى أتوا موسى وهارون وكل جماعة بنى إسرائيل إلى‬
‫برية فاران إلى قادش ‪ ،‬وردوا إليهما خبًرا وإلى كل الجماعة ‪،‬‬
‫وأروهم ثمر الرض وأخبروه ‪ ،‬وقالوا‪ :‬قد ذهبنا إلى الرض التى‬
‫أرسلتنا إليها وحقا إنها تفيض لبنا ً وعسل ً وهذا ثمرها غير أن‬
‫الشعب الساكن فى الرض معتز والمدن حصينة عظيمة جدا ً‬
‫وأيضا قد رأينا بنى عناق هناك " )‪.(32‬‬
‫)‪ (2‬وجاء فى سفر صموئيل الول ـ الصحاح الخامس‬
‫والعشرون‪:‬‬
‫" فأجاب نابال عبيد داود وقال‪ :‬من هو داود ومن هو ابن يسى‬
‫قد كثر اليوم العبيد الذين يقحصون كل واحد من أمام سيده ‪،‬‬
‫أآخذ خبزى ومائى وذبيحى الذى ذبحت لجارى وأعطيه لقوم ل‬
‫أعلم من أين هم ؟ فتحول غلمان داود إلى طريقهم ورجعوا‬
‫وجاءوا وأخبروه حسب كل هذا الكلم ‪ ،‬فقال داود لرجاله‪:‬‬
‫ليتقلد كل واحد منكم سيفه وتقلد داود سيفه وصعد وراء داود‬
‫نحو أربعمائة رجل ومكث مائتان مع المتعة " )‪.(33‬‬
‫)‪ (3‬وفى سفر الملوك الثانى ـ الصحاح الثالث‪:‬‬
‫" وكان ميشع ملك موآب الثانى صاحب مواش ‪ ،‬فأدى لملك‬
‫إسرائيل مائة ألف خروف ومائة ألف كبش بصوفها ‪ ،‬وعند موت‬
‫آخاب عصى ملك موآب على ملك إسرائيل وخرج الملك يهورام‬
‫فى ذلك اليوم من السامرة وعد كل إسرائيل وذهب وأرسل إلى‬
‫يهو شافاط ملك يهوذا يقول‪ :‬قد عصى على ملك موآب ‪ ،‬فهل‬
‫تذهب معى إلى موآب للحرب ؟ " )‪.(34‬‬
‫)‪ (4‬جاء فى حزقيال الصحاح الواحد والعشرون‪:‬‬
‫" وكان إلى كلم الرب قائل‪ :‬يا ابن آدم اجعل وجهك نحو‬
‫أورشليم وتكلم على المقادس وتنبأ على أرض إسرائيل وقل‬

‫‪211‬‬
‫لرض إسرائيل هكذا قال الرب هأنذا عليك وأستل سيفى من‬
‫غمده فأقطع منه الصديق والشرير من حيث إنى أقطع منك‬
‫الصديق والشرير فلذلك يخرج سيفى من غمده على كل بشر‬
‫من الجنوب إلى الشمال فيعلم كل بشر أنى أنا الرب سللت‬
‫سيفى من غمده ل يرجع أيضا ً " )‪.(35‬‬
‫)‪ (5‬وجاء فى سفر يوشع الصحاح الثالث والعشرون‪:‬‬
‫" وأنتم قد رأيتم كل ما عمل الرب إلهكم هو المحارب عنكم‬
‫انظروا‪ :‬قد قسمت لكم بالقرعة هؤلء الشعوب الباقين ملكا ً‬
‫حسب أسباطكم من الردن وجميع الشعوب التى قرضتها والبحر‬
‫العظيم نحو غروب الشمس والرب إلهكم هو ينفيهم من أمامكم‬
‫ويطردهم من قدامكم فتملكون أرضهم كما كلمكم الرب إلهكم "‬
‫)‪.(36‬‬
‫)‪ (6‬وجاء فى سفر القضاة الصحاح الول‪:‬‬
‫" وحارب بنو يهوذا أورشليم وأخذوها وضربوا بحد السيف‬
‫وأشعلوا المدينة بالنار وبعد ذلك نزل بنو يهوذا لمحاربة الكنعانيين‬
‫سكان الجبل وسكان الجنوب والسهل "‪.‬‬
‫)‪ (7‬وفى سفر القضاة الصحاح الثامن عشر‪:‬‬
‫" فأما هم فقد أخذوا ما صنع ميخا ً والكاهن الذى له وجاءوا إلى‬
‫ليش إلى شعب مستريح مطمئن فضربوهم بحد السيف وأحرقوا‬
‫ن ينقذ لنها بعيدة عن صيدون ولم يكن‬ ‫م ْ‬
‫المدينة بالنار ولم يكن َ‬
‫لهم أمر مع إنسان وهى فى الوادى الذى لبيت رحوب فبنوا‬
‫المدينة وسكنوا بها ودعوا اسم المدينة دان باسم دان أبيهم الذى‬
‫ولد لسرائيل ولكن اسم المدينة أول‪ :‬ليش " )‪.(37‬‬
‫)‪ (8‬وفى صموئيل الول الصحاح الرابع‪:‬‬
‫" وخرج إسرائيل للقاء الفلسطينيين للحرب ونزلوا عند حجر‬
‫المعونة ‪ ،‬وأما الفلسطينيون فنزلوا فى أفيق واصطف‬
‫الفلسطينيون للقاء إسرائيل واشتبكت الحرب فانكسر إسرائيل‬
‫أمام الفلسطينيين وضربوا من الصف فى الحقل نحو أربعة آلف‬
‫رجل " )‪.(38‬‬
‫)‪ (9‬وفى التكوين الصحاح الرابع والثلثون‪:‬‬
‫" فحدث فى اليوم الثالث إذ كانوا متوجعين أن ابنى يعقوب‬
‫شمعون ولوى أخوى دينة أخذ كل واحد منهما سيفه وأتيا على‬
‫المدينة بأمن وقتل كل ذكر وقتل حمور وشكيم ابنه بحد السيف‬
‫لنهم بخسوا أختهم ‪ ،‬غنمهم وبقرهم وكل ما فى المدينة وما فى‬
‫الحقل أخذوه وسبوا ونهبوا كل ثروتهم وكل أطفالهم ونسائهم‬
‫وكل ما فى البيوت " )‪.(39‬‬
‫)‪ (10‬وفى سفر التكوين الصحاح الرابع عشر‪:‬‬

‫‪212‬‬
‫" فلما سمع إبرام أن أخاه سبى جر غلمانه المتمرنين ولدان بيته‬
‫ثلثمائة وثمانية عشر وتبعهم إلى دان وانقسم عليهم ليل ً هو‬
‫وعبيده فكسرهم وتبعهم إلى حوبة التى من شمال دمشق‬
‫واسترجع كل الملك واسترجع لوطا ً أخاه أيضا ً وأملكه والنساء‬
‫أيضا ً والشعب " )‪.(40‬‬
‫)‪ (11‬وفى سفر العدد الصحاح الواحد والعشرون‪:‬‬
‫" فقال الرب لموسى ل تخف منه لنى قد دفعته إلى يدك مع‬
‫جميع قومه وأرضه فتفعل به كما فعلت بسيحون ملك الموريين‬
‫الساكن فى حبشون فضربوه وبنيه وجميع قومه حتى لم يبق لهم‬
‫شارد وملكوا أرضه " )‪(41‬‬
‫)‪ (12‬وفى سفر العدد الصحاح الخامس والعشرون‪:‬‬
‫" ثم كلم الرب موسى قائل ضايقوا المديانيين واضربوهم لنهم‬
‫ضايقوكم بمكايدهم التى كادوكم بها " )‪.(42‬‬
‫)‪ (13‬وفى سفر العدد الصحاح الثالث والثلثون‪:‬‬
‫تطالعنا التوراة ‪ ،‬أن الله قد أمر موسى ـ عليه السلم ـ أن يشن‬
‫حربا ً على أقوام قد عبدوا غير الله ـ سبحانه وتعالى ـ‪ " :‬وكلم‬
‫الرب موسى فى عربات مو آب على أردن أريحا قائل‪ " :‬كلم بنى‬
‫إسرائيل وقل لهم‪ :‬إنكم عابرون الردن إلى أرض كنعان‬
‫فتطردون كل سكان الرض من أمامكم وتمحون جميع تصاويرهم‬
‫وتبيدون كل أصنامهم المسبوكة وتخربون جميع مرتفعاتهم " )‬
‫‪.(43‬‬
‫)‪ (14‬وشبيه به ما ورد فى سفر صموئيل الصحاح السابع عشر‬
‫آية ‪47 :45‬‬
‫" فقال داود للفلسطينى‪ :‬أنت تأتى إلى بسيف وبرمح وبترس ‪،‬‬
‫وأنا آتى إليك باسم رب الجنود إله صفوف إسرائيل الذين عيرتهم‬
‫‪ 000‬فتعلم كل الرض أنه يوجد إله لسرائيل " )‪.(44‬‬
‫)‪ (15‬وفى سفر صموئيل الول الصحاح الثالث والعشرون‪:‬‬
‫" فذهب داود ورجاله إلى قعيلة وحارب الفلسطينيين وساق‬
‫مواشيهم وضربهم ضربة عظيمة وخلص داود سكان قعيلة " )‬
‫‪.(45‬‬
‫)‪ (16‬فى سفر المزامير المزمور الثامن عشر‪:‬‬
‫يسبح داود الرب ويمجده لنه يعطيه القوة على محاربة أعدائه‪" :‬‬
‫الذى يعلم يدى القتال فتحنى بذراعى قوس من نحاس‪ ..‬أتبع‬
‫أعدائى فأدركهم ول أرجع حتى أفنيهم أسحقهم فل يستطيعون‬
‫القيام ‪ ،‬يسقطون تحت رجلى تمنطقنى بقوة للقتال تصرع تحتى‬
‫القائمين على وتعطينى أقفية أعدائى ومبغضى أفنيهم " )‪.(46‬‬

‫‪213‬‬
‫هذه بعض من حروب بنى إسرائيل التى سجلتها نصوص كتبهم‬
‫وأسفارهم ‪ ،‬فمفهوم الحرب والقتال ‪ ،‬ليس مفهوما ً كريها ً من‬
‫وجهة النظر التوراتية ‪ ،‬وكأنها حروب مستمدة من الشريعة‬
‫الدينية التوراتية ‪ ،‬وهى كانت دائما تتم بمباركة الرب ومعونته‬
‫وكأن الرب ـ حسب تعبير التوراة ـ قد استل سيفه من غمده فل‬
‫يرجع )‪.(47‬‬
‫الحرب فى العهد الجديد‪:‬‬
‫كذلك نرى النجيل لم يهمل الكلم عن الحروب بالكلية ‪ ،‬بل جاء‬
‫نص واضح صريح ‪ ،‬ل يحتمل التأويل ول التحريف يقرر أن‬
‫المسيحية على الرغم من وداعتها وسماحتها التى تمثلت فى‬
‫النص الشهير " من ضربك على خدك اليمن فأدر له اليسر " ـ‬
‫إل أنها تشير إلى أن السيد المسيح ـ عليه السلم ـ قد يحمل‬
‫السيف ويخوض غمار القتال إذا دعته الظروف لذلك ؛ فجاء فى‬
‫النجيل على لسان السيد المسيح‪:‬‬
‫" ل تظنوا أنى جئت لرسى سلما ً على الرض ‪ ،‬ما جئت لرسى‬
‫سلما ً ‪ ،‬بل سيفا ً ‪ ،‬فإنى جئت لجعل النسان على خلف مع‬
‫أبيه ‪ ،‬والبنت مع أمها والكنة مع حماتها وهكذا يصير أعداء‬
‫النسان أهل بيته " )‪.(48‬‬
‫ولعلنا نلحظ التشابه الكبير بين هذه المقولة وحديث الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ] :‬بعثت بالسيف بين يدى الساعة حتى‬
‫يعبد الله وحده [ )‪.(49‬‬
‫مما سبق يتبين لنا واضحا ً وجليا أن الحرب والقتال سنة كونية‬
‫سرت فى المم جميعًا‪ ،‬ولم نر فى تاريخ المم أمة خلت من‬
‫حروب وقتال ‪ ،‬ورأينا من استعراض الكتب المقدسة ـ التوراة‬
‫والنجيل ـ أنه سنة شرعية لم تخل شريعة من الشرائع السماوية‬
‫السابقة على السلم من تقريره والقيام به كما مر‪.‬‬
‫لقد كان هذا القدر كافيا فى إثبات أن محمدا ً صلى الله عليه‬
‫وسلم سائر على سنن من سبقه من النبياء ‪ ،‬وأن الجهاد لتقرير‬
‫الحق والعدل مما يمدح به السلم ؛ ل مما به يشان ‪ ،‬وأن ما هو‬
‫جواب لهم فى تبرير هذه الحروب وسفك الدماء كان جوابا ً لنا‬
‫فى مشروعية ما قام به النبى صلى الله عليه وسلم من القتال‬
‫والجهاد‪.‬‬
‫ولنشرع الن فى تتميم بقية جوانب البحث مما يزيل الشبهة‬
‫ويقيم الحجة ويقطع الطريق على المشككين ‪ ،‬فنتكلم عن‬
‫غزوات النبى صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ممهدين لذلك بالحالة التى‬
‫كانت عليها الجزيرة العربية من حروب وقتال وسفك للدماء‬
‫لتفه السباب وأقلها شأنا ً ‪ ،‬حتى يبدو للناظر أن القتال كان‬

‫‪214‬‬
‫غريزة متأصلة فى نفوس هؤلء ل تحتاج إلى قوة إقناع أو‬
‫استنفار‪.‬‬
‫الحرب عند العرب قبل السلم سجلت كتب التاريخ والدب‬
‫العربى ما اشتهر وعرف بأيام العرب ‪ ،‬وهى عبارة عن مجموعة‬
‫من الملحم القتالية التى نشبت بين العرب قبل مبعث النبى‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وليس يعنينا سرد هذه الملحم وتفاصيلها‬
‫ولكن الذى يعنينا هنا أن نقف على بعض الجوانب التى تصلح‬
‫للمقارنة )السباب ـ الزمن المستغرق ـ الثار التى خلفتها هذه‬
‫الحروب(‪.‬‬
‫قال العلمة محمد أمين البغدادى‪ " :‬اعلم أن الحروب الواقعة‬
‫بين العرب فى الجاهلية أكثر من أن تحصر ‪ ،‬ومنها عدة وقائع‬
‫مشهورة ل يتسع هذا الموضع لذكرها ولنذكر بعضا ً منها على‬
‫سبيل الجمال " )‪.(50‬‬
‫وقد ذكرت كتب التواريخ أياما ً كثيرة للعرب )البسوس ـ وداحس‬
‫والغبراء ـ يوم النسار ـ يوم الجفار ـ يوم الفجار ـ يوم ذى قار ـ‬
‫يوم شعب جبلة ـ يوم رحرحان ‪ 000‬إلخ( والمتأمل فى هذه‬
‫الملحم واليام يرى أن الحماسة الشديدة والعصبية العمياء‬
‫وعدم الكتراث بعواقب المور والشجاعة المتهورة التى ل تتسم‬
‫بالعقل ‪ ،‬كانت هى الوقود المحرك لهذه الحروب ‪ ،‬هذا فضل ً عن‬
‫تفاهة السباب التى قامت من أجلها هذه المجازر ‪ ،‬والمدة‬
‫الزمنية الطويلة التى استمرت فى بعضها عشرات السنين ‪،‬‬
‫والثار الرهيبة التى خلفتها هذه الحروب ‪ ،‬وعلى الرغم من أننا‬
‫لم نقف على إحصاء دقيق لما خلفته هذه الحروب إل أن‬
‫الكلمات التى قيلت فى وصف آثارها من الفناء والخراب وتيتم‬
‫الطفال وترمل النساء ‪ 000‬إلخ لتوقفنا على مدى ما أحدثته‬
‫الحرب فى نفوس الناس من اليأس والشؤم ‪ ،‬ويصف لنا الشاعر‬
‫زهير بن أبى سلمى طرفا ً من ذلك فى معلقته المشهورة وهو‬
‫يخاطب الساعين للسلم بين عبس وذبيان‪:‬‬
‫تداركتما عبسا وذبيان بعدما تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم فهو‬
‫يقول للساعين للسلم‪ :‬إنكما بتحملكما ديات الحرب من مالكما ‪،‬‬
‫أنقذتما عبسا وذبيان بعدما يأسوا ‪ ،‬ودقوا بينهما عطر منشم ‪،‬‬
‫ومنشم هو اسم لمرأة كانت تبيع العطر يضرب بها المثل فى‬
‫التشاؤم ‪ ،‬دليل على عظم اليأس الذى أصاب نفوس الناس من‬
‫انتهاء هذه الحرب )‪.(51‬‬
‫هذه إطللة سريعة ومختصرة على الحروب وأسبابها لدى العرب‬
‫قبل السلم والن نشرع فى الكلم على تشريع الجهاد فى‬

‫‪215‬‬
‫السلم ثم نتبع ذلك بتحليل موثق لغزوات النبى صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫الجهاد فى شرعة السلم‬
‫لما استقر النبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة وأسس حكومته‬
‫النبوية بها ‪ ،‬بعد ثلثة عشر عاما ً من الدعوة إلى الله وتحمل‬
‫الذى والعذاب فى سبيل ذلك تخللتها ثلث هجرات جماعية كبيرة‬
‫ـ هاجت ثائرة قريش وحقدوا على رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم لما أحرزه من استقرار ونجاح لهذه الدولة الوليدة ـ دون‬
‫ظلم أو استبداد أو سفك للدماء ـ ولذلك فقد كان صلى الله عليه‬
‫وسلم مقصودا ً بالقتل ‪ ،‬إذ ليس معقول ً أن تنام أعينهم على هذا‬
‫التقدم والنمو ‪ ،‬ومصالحهم قائمة على الزعامة الدينية فى جزيرة‬
‫العرب ‪ ،‬وهذه الدولة الجديدة قائمة على أساس دينى ربما يكون‬
‫سببا ً فى زوال هذه الزعامة الدينية الوثنية الموروثة‪ .‬وإذا كان‬
‫السلم دينا ً بلغت الميول السلمية فيه مداها فى قوله تعالى‪:‬‬
‫)فاصفح عنهم وقل سلم ( )‪ (53‬إل أن الميول السلمية ل تتسع‬
‫لمنع القائمين بهذا الدين الجديد من الدفاع عن أنفسهم وعن‬
‫دينهم الذى أنزله الله للنسانية كافة ‪ ،‬فى عالم يضيع فيه الحق‬
‫والعدل إن لم يكن لهما قوة تحميهما‪ ،‬فكان ل مناص من السماح‬
‫للمسلمين بحماية أنفسهم ودينهم بالسلح الذى يشهره خصومهم‬
‫ُ‬
‫قات َُلو َ‬
‫ن‬ ‫ن للذين ي ُ َ‬‫فى وجوههم ‪ ،‬ولذلك كان التعبير بقوله تعالى‪):‬أذ ِ َ‬
‫موا وإن الله على نصرهم لقدير * الذين أخرجوا من‬ ‫بأنهم ظ ُل ِ ُ‬
‫ديارهم بغير حق إل أن يقولوا ربنا الله ولول دفع الله الناس‬
‫بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها‬
‫اسم الله كثيرا ً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز ( )‬
‫‪.(53‬‬
‫أقول‪ :‬كان التعبير بالذن الذى يدل على المنع قبل نزول الية‬
‫يدل على طروء القتال فى السلم وأنه ظل ممنوعا ً طيلة العهد‬
‫المكى وبعضا ً من العهد المدنى‪.‬‬
‫" هذا ولم يغفل السلم حتى فى هذا الموطن ـ موطن الدفاع‬
‫عن النفس والدين ـ أن ينصح لتباعه بعدم العدوان ؛ لن‬
‫الموضوع حماية حق ل موضوع انتقام ول شفاء حزازات‬
‫الصدور ‪ ،‬وهذا من مميزات الحكومة النبوية ‪ ،‬فإن القائم عليها‬
‫من نبى يكون كالجراح يضع مشرطه حيث يوجد الداء‬
‫لستئصاله ‪ ،‬مع عدم المساس بالعضاء السليمة ‪ ،‬ومقصده‬
‫استبقاء حياة المريض ل قتله ‪ ،‬والعالم كله فى نظر الحكومة‬
‫النبوية شخص مريض تعمل لستدامة وجوده سليما ً قويًا‪ ..‬إن‬
‫طبيعة هذا العالم مبنية على التدافع والتغالب ليس فيما بين‬

‫‪216‬‬
‫الناس فحسب ‪ ،‬ولكن فيما بينهم وبين الوجود المحيط بهم ‪،‬‬
‫وبين كل فرد والعوامل المتسلطة عليه من نفسه ‪ ،‬ول أظن أن‬
‫قارئا ً من قرائنا يجهل الناموس الذى اكتشفه دارون وروسل‬
‫ولس ودعوه ناموس تنازع البقاء وبنوا عليه كل تطور أصاب‬
‫النواع النباتية والحيوانية والنسان أيضا ً " )‪.(54‬‬
‫" ألم تر كيف تصدى خصوم الدين النصرانى للمسيح ‪ ،‬وما كان‬
‫يدعو إل للصلح والسلم حتى إنهم استصدروا أمرا ً بصلبه فنجاه‬
‫الله منهم ‪ ،‬وما زالوا بالذين اتبعوه يضطهدونهم ويقتلونهم حتى‬
‫مضت ثلثة قرون وهم مشردون فى الرض ل تجمعهم جامعة ‪،‬‬
‫إلى أن حماهم من أعدائهم السيف على يد المبراطور‬
‫قسطنطين الذى أعمل السيف فى الوثنيين من أعدائهم‪ ..‬أفيريد‬
‫مثيرو هذه الشبهة أن يقوم دين على غير السنن الطبيعية فى‬
‫عالم مبنى على سنن التدافع والتنازع واستخدام القوة الحيوانية‬
‫لطمس معالم الحق ودك صروح العدل " ؟ " يقول المعترضون‪:‬‬
‫وماذا أعددتم من حجة حين تجمع المم على إبطال الحروب‬
‫وحسم منازعاتها عن طريق التحكيم ‪ ،‬وهذا قرآنكم يدعوكم إلى‬
‫الجهاد وحثكم على الستبسال فيه ؟ نقول‪ :‬أعددنا لهذا العهد‬
‫قوله تعالى‪) :‬وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو‬
‫السميع العليم( )‪.(55‬‬
‫" هذه حكمة بالغة من القرآن ‪ ،‬بل هذه معجزة من معجزاته‬
‫الخالدة ‪ ،‬وهى أدل دليل على أنه لم يشرع الحرب لذاتها ‪ ،‬ولكن‬
‫لنها من عوامل الجتماع التى لبد منها ما دام النسان فى‬
‫عقليته ونفسيته المأثورتين عنه ‪ ،‬غير أنه لم ينف أن يحدث تطور‬
‫عالمى يتفق فيه على إبطال الحرب فصرح بهذا الحكم قبل‬
‫حجة لهله من ناحية ‪ ،‬وليدل على أنه ل يريد‬ ‫حدوثه ليكون ُ‬
‫الحرب لذاتها من ناحية أخرى ‪ ،‬ولو كان يريدها لذاتها لما نوه‬
‫لهذا الحكم " )‪.(56‬‬
‫ثانيًا‪ :‬نظرة تحليلية لغزوات النبى صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫إذا تتبعنا هذه الغزوات وقسمناها حسب الطوائف التى ضمتها ‪،‬‬
‫أمكننا التعرف على القبائل التى حدثت معها هذه المعارك وهى‬
‫كالتى‪:‬‬
‫)‪ (1‬قريش مكة‪:‬‬
‫وهى القبيلة التى ينتمى إليها النبى صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬حيث‬
‫أن قريش هو فهر بن مالك ‪ ،‬وقيل النضر بن كنانة ‪ ،‬وعلى كل‬
‫القولين فقريش جد للنبى صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وكانت معهم‬
‫الغزوات‪ :‬سيف البحر ـ الرابغ ـ ضرار ـ بواط ـ سفوان ـ ذو‬
‫العشيرة ـ السويق ـ ذو قردة ـ أحد ـ حمراء السد ـ بدر الخرة ـ‬

‫‪217‬‬
‫الحزاب ـ سرية العيص ـ سرية عمرو بن أمية ـ الحديبية ـ سيف‬
‫البحر الثانية ‪8‬هـ ـ فتح مكة‪.‬‬
‫)‪ (2‬قبيلة بنو غطفان وأنمار‪:‬‬
‫غطفان من مضر ‪ ،‬قال السويدى‪ " :‬بنو غطفان بطن من قيس‬
‫ابن عيلن بن مضر ‪ ،‬قال فى العبر‪ :‬وهم بطن متسع كثير‬
‫الشعوب والبطون " )‪ ، (57‬قال ابن حجر فى فتح البارى‪" :‬‬
‫تميم وأسد وغطفان وهوازن جميعهم من مضر بالتفاق " )‪، (58‬‬
‫أما أنمار فهم يشتركون فى نفس النسب مع غطفان ‪ ،‬قال ابن‬
‫حجر‪ " :‬وسيأتى بعد باب أن أنمار فى قبائل منهم بطن من‬
‫غطفان " )‪ ، (59‬أى أن أنمار ينتسبون إلى مضر أيضا ً ونسبهم‬
‫كالتالى‪ :‬أنمار بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس‬
‫عيلن بن مضر )‪.(60‬‬
‫والغزوات التى ضمتها هى‪ :‬قرقرة الكدر ـ ذى أمر ـ دومة الجندل‬
‫ـ بنى المصطلق ـ الغابة ـ وادى القرى ـ سرية كرز بن جابر ـ‬
‫ذات الرقاع ـ تربة ـ الميفعة ـ الخربة ـ سرية أبى قتادة ـ عبد الله‬
‫بن حذافة )‪.(61‬‬
‫)‪ (3‬بنو سليم‪:‬‬
‫قال السويدى‪ " :‬بضم السين المهملة قبيلة عظيمة من قيس‬
‫عيلن والنسبة إليهم سلمى ‪ ،‬وسليم من أولد خصفة بن قيس‬
‫بن عيلن بن مضر )‪ ، (62‬والغزوات التى خاضها صلى الله عليه‬
‫وسلم مع بنى سليم هى‪ :‬بئر معونة ـ جموم ـ سرية أبى العوجاء‬
‫ـ غزوة بنى ملوح وبنى سليم )‪.(63‬‬
‫)‪ (4‬بنو ثعلبة‪:‬‬
‫ثعلبة هو ابن سعد بن ضبة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر )‬
‫‪ ، (64‬نسبه الدكتور على الجندى إلى مر بن أد هكذا‪ :‬ثعلبة بن‬
‫مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر )‪ ، (65‬والغزوات التى‬
‫غزاها صلى الله عليه وسلم معهم هى‪ :‬غزوة ذى القصة ـ غزوة‬
‫بنى ثعلبة ـ غزوة طرف ـ سرية الحسمى )‪.(66‬‬
‫)‪ (5‬بنو فزارة وعذرة‪:‬‬
‫قال فى سبائك الذهب‪ " :‬بنو فزارة بطن من ذبيان من غطفان ‪،‬‬
‫قال فى العبر‪ :‬وكانت منازل فزارة بنجد ووادى القرى ‪ ،‬ونسب‬
‫فزارة‪ :‬فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن‬
‫قيس عيلن بن مضر‪.‬‬
‫أما بنو عذرة‪ :‬بنوه بطن من قضاعة ‪ ،‬ونسبهم هكذا‪ :‬عذرة بن‬
‫سعد بن جهينة بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحافى بن‬
‫قضاعة )‪ .(67‬ونسبهم إلى قضاعة أيضا ً الدكتور على الجندى‬
‫معتمدا ً على أنساب ابن حزم هكذا‪ :‬عذرة بن سعد بن أسلم بن‬

‫‪218‬‬
‫عمران بن الحافى بن قضاعة )‪ ، (68‬وعلى هذا فبنو عذرة ليسو‬
‫من مضر وإنما كانوا موالين لبنى فزارة وهم من مضر‪ .‬وكان‬
‫معهما الغزوات والسرايا التية‪:‬‬
‫سرية أبى بكر الصديق ـ سرية فدك ـ سرية بشير بن سعد ـ‬
‫غزوة ذات أطلح )‪.(69‬‬
‫)‪ (6‬بنو كلب وبنو مرة‪:‬‬
‫أما بنو كلب فهم‪ :‬بنو كلب بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب‬
‫بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن‬
‫إلياس بن مضر ‪ ،‬وبنو مرة هم أبناء كعب بن لؤى فيكون كلب‬
‫بطن من مرة ‪ ،‬وهذه نفس سلسلة النسب التى ذكرها الدكتور‬
‫على الجندى معتمدا ً على أنساب ابن حزم )‪ ، (70‬والغزوات التى‬
‫كانت معهم‪ :‬غزوة قريظة ـ غزوة بنى كلب ـ غزوة بنى مرة ـ‬
‫سرية ضحاك )‪.(71‬‬
‫)‪ (7‬عضل والقارة‪:‬‬
‫قال فى سبائك الذهب‪" :‬عضل بطن من بنى الهون من مضر" ‪،‬‬
‫ونسبهم هكذا‪ :‬عضل بن الهون بن خزيمة بن مدركة بن إلياس‬
‫بن مضر ‪ ،‬وأما القارة فلم يذكرها السويدى فى السبائك ول‬
‫الدكتور الجندى ‪ ،‬إل أن الستاذ الشيخ محمد الخضرى نسبها إلى‬
‫خزيمة بن مدركة ‪ ،‬وذكر الفارة بالفاء الموحدة ل بالقاف المثناة‬
‫)‪ (72‬وقد غزاهم النبى صلى الله عليه وسلم غزوة واحدة هى‬
‫غزوة الرجيع )‪.(73‬‬
‫)‪ (8‬بنو أسد‪:‬‬
‫قال السويدى‪ " :‬بنو أسد حى من بنى خزيمة ‪ ،‬ونسبهم هكذا‪:‬‬
‫أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر )‪ ، (74‬والغزوات‬
‫التى غزاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هى‪ :‬سرية قطن ـ‬
‫سرية عمر مرزوق ـ غزوة ذات السلسل )‪.(75‬‬
‫)‪ (9‬بنو ذكوان‪:‬‬
‫قال السويدى‪ " :‬بنو ذكوان بطن من بهتة من سليم ‪ ،‬وهم من‬
‫الذين مكث النبى صلى الله عليه وسلم شهرا ً يقنت فى الصلة‬
‫يدعو عليهم وعلى رعل )‪ (76‬ونسبهم هكذا‪ :‬ذكوان بن بهتة بن‬
‫سليم بن منصور بن عكرمة خصفة بن قيس عيلن بن مضر )‬
‫‪ ، (77‬ولم يغزهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إل غزوة‬
‫واحدة هى غزوة بئر معونة‪.‬‬
‫)‪ (10‬بنو لحيان‪:‬‬
‫من المعروف أن بنى لحيان من هذيل ‪ ،‬وهذيل هو‪ :‬ابن مدركة‬
‫بن مضر)‪ ،(78‬وغزاهم النبى صلى الله عليه وسلم غزوة واحدة‬
‫هى‪:‬غزوة بنى لحيان )‪.(79‬‬

‫‪219‬‬
‫)‪ (11‬بنو سعد بن بكر‪:‬‬
‫نسبهم‪ :‬سعد بن بكر بن هوازن بن سليم بن منصور بن عكرمة‬
‫ابن خصفة بن قيس عيلن بن مضر )‪ ، (80‬وقد أرسل لهم النبى‬
‫صلى الله عليه وسلم سرية واحدة هى سرية فدك‪.‬‬
‫)‪ (12‬بنو هوازن‪:‬‬
‫بنو هوازن بطن من قيس عيلن ‪ ،‬ونسبهم هكذا‪ :‬هوازن بن سليم‬
‫بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلن بن مضر )‪،(81‬‬
‫وقد غزاهم صلى الله عليه وسلم غزوة ذات عرق‪.‬‬
‫)‪ (13‬بنو تميم‪:‬‬
‫بنو بطن من طابخة ‪ ،‬قال فى العبر‪ " :‬وكانت منازلهم بأرض نجد‬
‫دائرة من هنالك على البصرة واليمن ‪ ،‬ونسبهم هكذا‪ :‬تميم بن‬
‫مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر " )‪.(82‬‬
‫)‪ (14‬بنو ثقيف‪:‬‬
‫بنو ثقيف بطن من هوازن اشتهروا باسم أبيهم ثقيف ‪ ،‬ونسبهم‪:‬‬
‫ثقيف بن منبه بن بكر بن بهتة بن سليم بن منصور بن عكرمة بن‬
‫خصفة بن قيس عيلن بن مضر )‪ ، (83‬وقد غزاهم النبى صلى‬
‫الله عليه وسلم غزوتين هما‪ :‬غزوة حنين ـ غزوة الطائف‪.‬‬
‫ونستطيع من خلل هذا التتبع أن نقول‪ :‬إن هذه القبائل كانت‬
‫جميعها تنتسب إلى مضر وهو جد النبى صلى الله عليه وسلم أو‬
‫من والهم ‪ ،‬وبالمعنى الدق كانت نتيجة غضب إخوته من‬
‫أجداده ‪ ،‬أما اليهود فقد كانوا مع قريش حسب معاهدتهم معهم ‪،‬‬
‫وبذلك ظهر جليا ً أن الغزوات والسرايا التى خاضها أو أرسلها‬
‫النبى صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬كانت موجهة فى نطاق ضيق هو‬
‫نسل مضر ‪ ،‬فل يمكن أن يقال حينئذ‪ :‬أن النبى صلى الله عليه‬
‫وسلم قد أشعل نار الحرب ضد العرب جميعا ً ‪ ،‬أو أنه خاض‬
‫الحروب لكراه الناس على اعتناق السلم ‪ ،‬ولو كان المر كما‬
‫يقولون لوقعت حرب عدوانية أو دفاعية ضد أى قبيلة من مئات‬
‫القبائل العربية ‪ ،‬وهذه الحقيقة تحتاج إلى مزيد من التعمق‬
‫والتحليل فى بعض خصائص القبائل العربية ؛ إذ قد يقول قائل أو‬
‫يعترض معترض‪ :‬إن هذا الذى توصلنا إليه بالبحث ـ أل وهو‬
‫انحصار القتال مع المضريين ـ لم يحدث إل اتفاقا ً ‪ ،‬والمور‬
‫التفاقية ل تدل على شىء ول يستخرج منها قانون كلى نحكم به‬
‫على جهاد النبى صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬إذ كان من الممكن أن‬
‫يقاتل النبى صلى الله عليه وسلم ربيعة بدل ً من مضر ‪ ،‬أو يقاتل‬
‫ربيعة ومضر معا ً ‪ ،‬أو يقاتل القحطانية بدل ً من العدنانية أو‬
‫يقاتلهما معا ً ‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫‪220‬‬
‫ذلك المتوقع أن تزيد اللفة والمودة بين أفراد وقبائل الجد‬
‫الواحد ل أن تشتعل نار الحرب والقتال بينهم ‪ ،‬فما الذى عكس‬
‫هذا التوقع وقلب المر رأسا ً على عقب ؟!‬
‫وللجابة على هذه الشبهة نقول‪:‬‬
‫كان من أشهر المثلة العربية المثل المشهور " انصر أخاك ظالما ً‬
‫أو مظلوما ً " وقد كان العرب يطبقون هذا المثل تطبيقا ً حرفيا ً ـ‬
‫دون هذا التعديل الذى أضافه السلم عليه ـ فكانوا ينصرون‬
‫إخوانهم وبنى أعمامهم نصرا ً حقيقيا ً على كل حال فى صوابهم‬
‫وخطئهم وعدلهم وظلمهم ‪ ،‬وإذا دخلت قبيلتان منهم فى حلف‬
‫كان لكل فرد من أفراد القبيلتين النصرة على أفراد القبيلة‬
‫الخرى ‪ ،‬وهذا الحلف قد يعقده الفراد وقد يعقده رؤساء القبائل‬
‫والمر واحد فى الحالين‪.‬‬
‫بينما هم كذلك فى بنى أبيهم وفى حلفائهم ‪ ،‬إذ بك تراهم حينما‬
‫تتشعب البطون قد نافس بعضهم بعضا ً فى الشرف والثروة ‪،‬‬
‫فنجد القبائل التى يجمعها أب واحد كل واحدة قد وقفت لختها‬
‫بالمرصاد تنتهز الفرصة للغض منها والستيلء على موارد رزقها ‪،‬‬
‫وترى العداء قد بلغ منها الدرجة التى ل تطاق ‪ ،‬كما كان بين‬
‫بطنى الوس والخزرج ‪ ،‬وبين عبس وذبيان ‪ ،‬وبين بكر وتغلب‬
‫ابنى وائل ‪ ،‬وبين عبد شمس وهاشم ‪ 000 ،‬إلخ ‪ ،‬فكانت روح‬
‫الجتماع سائدة بين القبيلة الواحدة ‪ ،‬تزيدها العصبية حياة ونموا ً ‪،‬‬
‫وكانت مفقودة تماما ً بين القبائل المختلفة ؛ فكانت قواهم‬
‫متفانية فى قتالهم وحروبهم ونزاعاتهم‪.‬‬
‫وقد علل الشيخ محمد الخضرى بك هذه الحقيقة العجيبة بأمرين‪:‬‬
‫المر الول‪:‬‬
‫التنافس فى مادة الحياة بين بنى الب الواحد ‪ ،‬إذ أن حياتهم‬
‫كانت قائمة على المراعى التى يسيمون فيها أنعامهم ‪ ،‬والمناهل‬
‫التى منها يشربون‪.‬‬
‫المر الثانى‪:‬‬
‫تنازع الشرف والرياسة ‪ ،‬وأكثر ما يكون ذلك إذا مات أكبر الخوة‬
‫وله ولد صالح لن يكون موضع أبيه ‪ ،‬فينازع أعمامه رياسة‬
‫العشيرة ول يسلم أحد منهما للخر ‪ ،‬وقد يفارق رئيس أحد‬
‫البيتين الديار مضمرا ً فى نفسه ما فيها من العداوة والبغضاء ‪،‬‬
‫وقد يبقيا متجاورين ‪ ،‬وفى هذه الحالة يكون التنافر أشد كما كان‬
‫الحال بين الوس والخزرج من المدينة ‪ ،‬وبين هاشم وأمية من‬
‫مكة ‪ ،‬وبين عبس وذبيان من قيس ‪ ،‬وبين بكر وتغلب من ربيعة‪.‬‬
‫ومتى وجد النفور بين جماعتين أو بين شخصين ل يحتاج شبوب‬
‫نار الحرب بينهما إلى أسباب قوية ‪ ،‬بل إن أيسر النزاع كاف‬

‫‪221‬‬
‫لنشوب نار الحرب وتيتم الطفال وتأيم النساء ؛ لذلك كانت‬
‫الجزيرة العربية دائمة الحروب والمنازعات )‪.(84‬‬
‫هذه الحقيقة التى توصلنا إليها ـ وهى أن نار الحرب سريعة‬
‫النشوب بين أبناء الب أو الجد الواحد ـ تدعم ما توصلنا إليه من‬
‫أن الحرب إنما كانت نتيجة غضب إخوته من أجداده ‪ ،‬وإذا كان‬
‫الخلف محصورا ً فى السببين السابقين ‪ ،‬فأى سبب هو الذى أجج‬
‫نار الغيرة والحقد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ هل‬
‫السبب هو التنافس فى مادة الحياة الدنيا ‪ ،‬أم الخوف من انتزاع‬
‫الشرف والسيادة التى تؤول إلى النبى صلى الله عليه وسلم إذ‬
‫هم أذعنوا له بالرسالة والنبوة ؟ أما عن السبب الول فليس‬
‫واردا ً على الطلق ‪ ،‬فلقد ضرب كفار مكة حصارا ً تجويعيا ً على‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى بنى هاشم وبنى عبد‬
‫المطلب ‪ ،‬فانحازوا إلى شعب أبى طالب ثلث سنوات كاملة ‪،‬‬
‫عاشوا فيها الجوع والحرمان ما ل يخطر ببال ‪ ،‬حتى إنهم من‬
‫شدة الجوع قد أكلوا ورق الشجر وكان يسمع من بعيد بكاء‬
‫أطفالهم وأنين شيوخهم ‪ ،‬ومع ذلك فقد التزم النبى صلى الله‬
‫عليه وسلم الصبر والثبات ‪ ،‬ولم يأمر أصحابه أن يشنوا حربا ً أو‬
‫قتال ً لفك هذا الحصار ‪ ،‬والخبير يعلم ما الذى يمكن أن يفعله‬
‫الجوع بالنفس البشرية ‪ ،‬إن لم يصحبها نور من وحى أو ثبات من‬
‫إيمان‪.‬‬
‫كان السبب الثانى إذن كفيل ً بإشعال هذه النار فى قلوب هؤلء‬
‫وعلى حد تعبير الستاذ العلمة محمد فريد وجدى‪ " :‬كان مقصودا ً‬
‫بالقتل من قريش ‪ ،‬وليس يعقل أن تغمض قريش عينها ‪،‬‬
‫ومصلحتها الحيوية قائمة على زعامة الدين فى البلد العربية ‪،‬‬
‫وعن قيام زعامة أخرى فى البلد كيثرب يصبح منافسا ً لم القرى‬
‫‪ ،‬وربما بزها سلطانا ً على العقول ‪ ،‬وكر على قريش فأباد‬
‫خضراءها وسلبها حقها الموروث " )‪ ، (85‬والذى يؤيد هذا ويقويه‬
‫ذلك الحوار الذى دار بين الخنس بن شريق وبين أبى جهل ؛ إذ‬
‫قال له الخنس‪ :‬يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد ؟ ـ‬
‫يعنى القرآن ـ فقال ما سمعت ؟ تنازعنا نحن وبنو عبد مناف‬
‫الشرف ‪ ،‬أطعموا فأطعمنا ‪ ،‬وحملوا فحملنا ‪ ،‬وأعطوا فأعطينا ‪،‬‬
‫حتى إذا تجاثينا على الركب ‪ ،‬وكنا كفرسى رهان قالوا منا نبى‬
‫يأتيه الوحى من السماء ‪ ،‬فمتى ندرك هذا ؟! والله ل نؤمن به‬
‫أبدا ً ول نصدقه‪.‬‬
‫ليست الصدفة إذن ول محض التفاق هما اللذان دفعا النبى صلى‬
‫الله عليه وسلم لقتال أبناء أجداده من مضر دون ربيعة أو غيرها‬
‫من العرب ‪ ،‬بل الطبيعة العربية المتوثبة دائما ً ‪ ،‬لمن ينازعها‬

‫‪222‬‬
‫الشرف والسيادة من أبناء الب الواحد ـ على ما بيناه آنفا ً ـ كانت‬
‫هى السبب الرئيسى لشتعال هذه الحروب ولولها لما اضطر‬
‫صلى الله عليه وسلم للقتال بعد ثلثة عشر عاما ً من الدعوة‬
‫والصبر تخللها من المشاق والعنت ما الله به عليم ‪ ،‬ومع ذلك‬
‫فقد كان هجيراه ـ بأبى هو وأمى ـ " اللهم اهد قومى فإنهم ل‬
‫يعلمون "‪.‬‬
‫وثمة أمر آخر ينبغى الشارة إليه ‪ ،‬يتعلق بالثار الناجمة عن هذا‬
‫القتال ‪ ،‬من حيث أعداد القتلى التى نجمت عن هذه الغزوات‬
‫والجدول التى يعطينا صورة بيانية عن هذه الثار كالتى‪:‬‬
‫الغزوة ‪ /‬شهداء المسلمين ‪ /‬قتلى المشركين ‪ /‬الملحظة بدر ‪/‬‬
‫‪ُ / 70 / 14‬أحد ‪ / 22 / 70 /‬الخندق ‪ / 3 / 6 /‬بنو المصطلق ‪ /‬ـ ‪/‬‬
‫‪ / 3‬خيبر ‪ / 19 /‬لم يدخل اليهود فى هذه الحصائية لن لهم حكم‬
‫آخر بسبب خيانتهم ‪ ،‬فهم ُقتلوا بناء على حكم قضائى ‪ ،‬بسبب‬
‫الحرب‪.‬‬
‫بئر مونة ‪ / 69‬ـ ‪ /‬مؤتة ‪ / 14 / 14 /‬حنين ‪ / 71 / 4 /‬الطائف ‪/‬‬
‫‪ / 13‬ـ ‪ /‬معارك أخرى ‪ / 256 / 118 /‬المجموع ‪/ 439 / 317 /‬‬
‫‪ 756‬من الجانبين‪.‬‬
‫حا وجلًيا أن السلم متمثل ً فى‬
‫وبعد فقد بدا للناظرين واض ً‬
‫شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم أبعد ما يكون عن حمل‬
‫الناس على اعتناق السلم بالسيف ‪ ،‬وهو الذى قال صلى الله‬
‫عليه وسلم لعدائه بعدما قدر عليهم‪ " :‬اذهبوا فأنتم الطلقاء "‬
‫هكذا دون شرط أو قيد ‪ ،‬أقول حتى دون اشتراط السلم‪.‬‬
‫والنتائج الحقيقية‪:‬‬
‫)‪ (1‬تحويل العرب الوحوش إلى عرب متحضرين ‪ ،‬والعرب‬
‫الملحدين الوثنيين إلى عرب مسلمين موحدين‪.‬‬
‫)‪ (2‬القضاء على أحداث السلب والنهب وتعزيز المن العام فى‬
‫بلد تفوق مساحتها مساحة فرنسا بضعفين‪.‬‬
‫)‪ (3‬إحلل الخوة والروحانية محل العداوة والبغضاء‪.‬‬
‫)‪ (4‬إثبات الشورى مكان الستبداد )‪.(86‬‬
‫هذا وقد وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ضوابط وقيود‬
‫كان من شأنها أن تحدد وظيفة الجهاد فى نشر السلم فى ربوع‬
‫المعمورة ‪ ،‬دون سفك للدماء ما استطعنا إلى ذلك سبي ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ومن هذه الضوابط قوله تعالى‪) :‬وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ‬
‫إليهم على سواء إن الله ل يحب الخائنين ( )‪.(87‬‬
‫فإن كان بين المسلمين والكفار عهد أو أمان فل يجوز للمسلمين‬
‫الغدر حتى ينقضى المد ‪ ،‬فإن خاف المسلمون من أعدائهم‬
‫خيانة بأن ظهر من قرائن أحوالهم ما يدل على خيانتهم من غير‬

‫‪223‬‬
‫تصريح منهم ‪ ،‬فحينئذ يخبرهم المسلمون أنه ل عهد بيننا وبينكم‬
‫حتى يستوى علم المسلمين وعلم أعدائهم بذلك‪.‬‬
‫ودلت الية على أنه إذا وجدت الخيانة المحققة من العداء لم‬
‫يحتج أن ينبذ إليهم عهدهم ‪ ،‬لنه لم يخف منهم بل علم ذلك‪.‬‬
‫ودل مفهوم الية أيضا ً على أنه إذا لم يخف منهم خيانة بأن يوجد‬
‫منهم ما يدل على عدم الخيانة ‪ ،‬أنه ل يجوز نبذ العهد إليهم ‪ ،‬بل‬
‫يجب الوفاء إلى أن تتم مدته )‪.(88‬‬
‫انتشار السلم أ ـ معدلت انتشار السلم‪:‬‬
‫الذى يؤكد على الحقيقة التى توصلنا إليها ـ وهى أن انتشار‬
‫السلم كان بالدعوة ل بالسيف ـ أن انتشار السلم فى الجزيرة‬
‫العربية وخارجها ‪ ،‬كان وفق معدلت متناسبة تماما ً من الناحيتين‬
‫الكمية والكيفية ‪ ،‬مع التطور الطبيعى لحركة الدعوة السلمية ‪،‬‬
‫ول يوجد فى هذه المعدلت نسب غير طبيعية أو طفرات تدل‬
‫على عكس هذه الحقيقة ‪ ،‬والجدول التى يوضح هذه النسب‪:‬‬
‫السنوات بالهجرى ‪ /‬فارس ‪ /‬العراق ‪ /‬سورية ‪ /‬مصر ‪ /‬الندلس‬
‫نسبة المسلمين مع نهاية أول مائة عام ‪/%2 /%3 /%5 /‬‬
‫‪/%2‬أقل من ‪ %1‬السنوات التى صارت النسبة فيها ‪ %25‬من‬
‫السكان‪ 295 /275 /275 /225 /185 /‬السنوات التى صارت‬
‫النسبة فيها ‪ %50‬من السكان‪355 /330 /330 /280 /235 /‬‬
‫السنوات التى صارت النسبة فيها ‪ %75‬من السكان‪/280 /‬‬
‫‪ * 400 /385 /385 /320‬حسبت السنوات منذ عام ‪ 13‬قبل‬
‫الهجرة عندما بدأ تنزيل القرآن الكريم‪.‬‬
‫وتوضح معلومات أخرى أن شعب شبه الجزيرة العربية كان‬
‫الشعب الول فى الدخول فى السلم ‪ ،‬وقد أصبح معظمهم‬
‫مسلمين فى العقود الولى بعد تنزيل القرآن الكريم‪.‬‬
‫وهكذا كان عدد العرب المسلمين يفوق عدد المسلمين من غير‬
‫العرب فى البداية ‪ ،‬ومهدوا الطريق للتثاقف السلمى والتعريب‬
‫من أجل المسلمين غير العرب ‪ ،‬ولم يمض وقت على هؤلء فى‬
‫أصولهم من أديان ومذاهب متعددة من كل المم والحضارات‬
‫السابقة‪.‬‬
‫كان على هؤلء جميعا ً أن يوظفوا بشكل موحد عمليات توأمية‬
‫للتقليد والبتكار فى وقت واحد وذلك حسب خلفياتهم الصلية‬
‫تحت التأثير الثورى والمتحول الكثر عمقا ً للفكر السلمى‬
‫ومؤسساته ‪ ،‬وقاموا عن طريق عملية التنسيق المزدوجة بتنقية‬
‫تراثهم من علوم وتكنولوجيا وفلسفات عصر ما قبل القرآن‬
‫الكريم وذلك إما بالقبول الجزئى أو الرفض الجزئى ‪ ،‬وقاموا‬

‫‪224‬‬
‫كذلك بالبتكار من خلل انطلقهم من أنظمتهم الفكرية الحسية‬
‫وتراثهم فى ضوء القرآن الكريم والسنة‪.‬‬
‫ومن هنا ولدت العلوم السلمية والتكنولوجيا السلمية والحضارة‬
‫السلمية الحديثة متناسبة مع اليدولوجية والرؤية السلمية‬
‫الشاملة )‪.(89‬‬
‫خصائص ذلك النتشار‪:‬‬
‫ـ عدم إبادة الشعوب‪.‬‬
‫ـ جعلوا العبيد حكامًا‪.‬‬
‫ـ لم يفتحوا محاكم تفتيش‪.‬‬
‫ـ ظل اليهود والنصارى والهندوك فى بلدهم‪.‬‬
‫ـ تزاوجوا من أهل تلك البلد وبنوا ُأسرا ً وعائلت على مر التاريخ‪.‬‬
‫ـ ظل إقليم الحجاز ـ مصدر الدعوة السلمية ـ فقيرا ً إلى عصر‬
‫البترول فى الوقت الذى كانت الدول الستعمارية تجلب خيرات‬
‫البلد المستعمرة إلى مراكزها‪.‬‬
‫ـ تعرضت بلد المسلمين لشتى أنواع العتداءات )الحروب‬
‫الصليبية ـ الستعباد فى غرب إفريقيا ـ إخراج المسلمين من‬
‫ديارهم فى الندلس وتعذيب من بقى منهم فى محاكم التفتيش(‬
‫ونخلص من هذا كله أن تاريخ المسلمين نظيف وأنهم يطالبون‬
‫خصومهم بالنصاف والعتذار ‪ ،‬وأنهم لم يفعلوا شيئا ً يستوجب‬
‫ذلك العتذار حتى التاريخ المعاصر‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ سرية سيف البحر ـ رمضان ‪ 1‬هجرية ـ ‪ 30‬راكب ـ حمزة بن‬
‫عبد المطلب ـ ‪300‬أبو جهل ـ انصرف المسلمون بدون قتال ـ‬
‫بعثت هذه السرية لدراسة أحوال مكة ووجد العداء أن‬
‫المسلمين منتبهون فانصرفوا عنهم‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ سرية الرابغ ـ شوال سنة ‪ 1‬هجرية ـ ‪ 60‬ـ عبيدة بن الحارث‬
‫ـ ‪ 200‬عكرمة بن أبى جهل أو أبو صيان ـ انصرف المسلمون‬
‫بدون قتال ـ بعثت هذه السرية لتفقد أحوال أهل مكة فرأت‬
‫جمعا ً عظيما ً من قريش بأسفل ثنية المرة‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ سرية ضرار ـ فى ذى القعدة سنة ‪ 1‬هجرية ـ ‪ 80‬سعد بن‬
‫أبى وقاص ـ خرج حتى بلغ الجحفة ثم رجع ولم يلق كيدًا‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ غزوة ودان وهى غزوة البواب ـ صفر ‪ 2‬هجرية ـ ‪ 70‬ـ سيدنا‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم ـ عاهد عمرو بن مخثى الضمرى‬
‫على أل يعين قريش ول المسلمين‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ غزوة بواط ـ ربيع الول ‪ 2‬هجرية ـ ‪ 200‬ـ سيدنا محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم ـ ‪ 100‬ـ أمية بن خلف ـ بلغ إلى بواط ناحية‬
‫رضوى ثم رجع إلى المدينة لقى فى الطريق قريشا ً وأمية ـ‬
‫رضوى اسم جبل بالقرب من ينبع‪.‬‬

‫‪225‬‬
‫‪ 6‬ـ غزوة صفوان أو بدر الولى ـ ربيع الول ‪ 2‬هجرية ـ ‪ 70‬ـ‬
‫سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ـ كرز بن جابر الفهرى ـ خرج‬
‫فى طلب العدو حتى بلغ صفوان فلم يدركه ـ كان كرز بن جابر‬
‫قد أغار على مواشى لهل المدينة‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ غزوة ذى العشيرة ـ جمادى الخرة ‪ 2‬هجرية ـ ‪ 150‬ـ سيدنا‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم ـ وادع بنى مذلج وحلفائهم من بنى‬
‫ضمرة ـ ذو العشيرة موضع بين مكة والمدينة من بطن ينبع‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ سرية النخلة ـ فى رجب ‪ 2‬هجرية ـ ‪ 12‬ـ عبد الله بن جحش‬
‫ـ قافلة تحت قيادة بنى أمية ـ أطلق السيران وودى القتيل ـ‬
‫أرسلوا لستطلعن قريش فوقع الصدام‪.‬‬
‫‪ 9‬ـ غزوة بدر الكبرى ـ رمضان ‪ 2‬هجرية ـ ‪ 313‬ـ سيدنا محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم ـ ‪ 1000‬ـ أبو جهل ـ ‪ 22‬ـ ‪ 70‬ـ ‪ 70‬ـ انتصر‬
‫المسلمون على العدو ـ بين بدر ومكة سبعة منازل وبين بدر‬
‫والمدينة ثلثة منازل لما علم بخروج قريش إلى المدينة ارتحل‬
‫دفاعا ً عن المسلمين‪.‬‬
‫‪ 10‬ـ سرية عمير بن العدى الخطمى ـ فى رمضان ‪ 2‬هجرية ـ ‪1‬‬
‫ـ عمير ـ ‪ 1‬ـ عصماء بن مروان ـ ‪ 1‬ـ قتل عمير اخته التى كانت‬
‫تحض قومها على الحرب ضد المسلمين‪.‬‬
‫‪ 11‬ـ سرية سالم بن عمير النصارى ـ فى شوال ‪ 2‬هجرية ـ ‪ 1‬ـ‬
‫سالم ـ ‪ 1‬ـ الخطمية أبو عكفة ـ كان أبو عكفة اليهودى يستفز‬
‫اليهود على المسلمين فقتله سالم‪.‬‬
‫‪ 12‬ـ غزوة بنى قينقاع ـ فى شوال ‪ 2‬هجرية ـ النبى صلى الله‬
‫عليه وسلم ـ قبيلة بنى قينقاع ـ تم إجلئهم ـ أتوا بالشر فى‬
‫المدينة حين كان المسلمون فى بدر فأجلوا لذلك‪.‬‬
‫‪ 13‬ـ غزوة السويق ـ فى ذى الحجة ‪ 2‬هجرية ـ ‪ 200‬ـ النبى‬
‫صلى الله عليه وسلم ـ ‪ 200‬ـ أبو سفيان ـ خرج النبى صلى الله‬
‫عليه وسلم فى طلبه فلم يدركه ـ بعث أبو سفيان من قريش‬
‫إلى المدينة فأتوا ناحية منها فحرقوا فى أسوال من نخل ووجدوا‬
‫بها رجلين فقتلوهما‪.‬‬
‫‪ 14‬ـ غزوة قرقرة الكدر أو غزوة بنى سليم ـ محرم ‪ 2‬هجرية ـ‬
‫‪ 70‬ـ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ـ كرز بن جابر الفهرى ـ‬
‫‪ 1‬ـ خرج العدو يغزو المدينة فانصرف حين رأى جمعا ً من‬
‫المسلمين ـ أسر عبد اسمه يسار فأطلق سراحه‪.‬‬
‫‪ 15‬ـ سرية قررة الكدر ـ ‪ 2‬هجرية ـ ‪ 1‬ـ غالب بن عبد الله الليثى‬
‫ـ قبيلة بنى غطفان وبنى سليم ـ ‪ 3‬ـ قتل من العداء وفر الباقون‬
‫ـ بعثت هذه السرية إكمال ً إذ اجتمع العداء مرة أخرى‪.‬‬

‫‪226‬‬
‫‪ 16‬ـ سرية محمد بن مسلمة ـ ربيع الول ـ ‪ 3‬هجرية ـ محمد بن‬
‫مسلمة النصارى الخزرجى ـ ‪ 1‬ـ كعب بن الشرف اليهودى ـ ‪ 1‬ـ‬
‫‪ 1‬ـ كان كعب بن الشرف يحرض القبائل من اليهود ضد‬
‫المسلمين ودعا قريشا ً للحرب فوقعت غزوة أحد‪.‬‬
‫‪ 17‬ـ غزوة ذى أمر أو غزوة غطفان أو أنمار ـ فى ربيع سنة ‪3‬‬
‫هجرية ـ ‪ 450‬ـ النبى صلى الله عليه وسلم ـ بنو ثعلبة وبنو‬
‫محارب ـ اجتمعت بنو ثعلبة وبنو محارب للغارة على المدينة‬
‫فانصرفوا حين رأوا جمعا ً من المسلمين ـ خرج النبى صلى الله‬
‫عليه وسلم فى أصحابه حتى بلغ نجد وهنا أسلم وعثود الذى هم‬
‫بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ 18‬ـ سرية قردة ـ فى جمادى الخرة سنة ‪ 3‬هجرية ـ ‪ 100‬ـ زيد‬
‫بن حارثة ـ أبو سفيان ـ ‪ 1‬ـ خرج زيد بن حارثة فى بعث فتلقى‬
‫قريشا ً فى طريقهم إلى العراق ـ أسر فراء بن سفيان دليل‬
‫القافلة التجارية فأسلم‪.‬‬
‫‪ 19‬ـ غزوة ُأحد ـ شوال ‪ 3‬هجرية ـ ‪ 650‬راجل ـ النبى صلى الله‬
‫عليه وسلم ـ ‪ 2800‬راجل ـ ‪ 200‬راكب أبو سفيان الموى ـ ‪ 40‬ـ‬
‫‪ 70‬ـ ‪ 30‬ـ لحقت خسارة فادحة بالمسلمين ولكن فشل الكفار‬
‫نتيجة لرعب أصابهم ـ بين أحد والمدينة ثلثة أيمال كانوا العداء‬
‫زحفوا من مكة إلى ُأحد‪.‬‬
‫ـ غزوة حمراء السد ـ فى ‪ 7‬من شوال المكرم سنة ‪ 3‬هجرية ـ‬
‫‪ 540‬ـ النبى صلى الله عليه وسلم ـ ‪ 2790‬ـ أبو سفيان ـ ‪ 2‬أبو‬
‫عزة ومعاوية بن المغيرة ـ خرج النبى صلى الله عليه وسلم‬
‫مرعبا ً للعدو ـ لما آن الغد من يوم ُأحد خرج المسلمون إلى‬
‫معسكر العدو لئل يغير عليهم ثانية ظانا ً بهم ضعفا ً ‪ ،‬أسر رجلن ‪،‬‬
‫وقتل أبو عزة الشاعر لن كان وعد فى بدر بأنه ل يظاهر أبدا ً‬
‫على المسلمين ثم نقض عهده وحث المشركين على المسلمين‪.‬‬
‫‪ 21‬ـ سرية قطن أو سرية أبى سلمة المخزومى ـ فى غرة‬
‫محرم الحرام سنة ‪ 4‬هجرية ـ ‪ 150‬أبو سلمة المخزومى ـ طلحة‬
‫وسلمة ـ لم يتمكنوا من الغارة على المدينة بمظاهرة قام بها‬
‫المسلمون ـ هو رئشيس قطاع الطريق أراد الغارة على المدينة‬
‫ولكن المسلمين تظاهروا فوصلوا إلى قطن وهو مسكنه فتفرق‬
‫جمعه‪.‬‬
‫‪ 22‬ـ سرية عبد الله بن أنيس ـ فى ‪ 5‬من محرم الحرام سنة ‪4‬‬
‫هجرية ـ ‪ 1‬ـ عبد الله بن أنيس الجهنى النصارى ـ ‪ 1‬ـ سفيان‬
‫الهذيلى ـ ‪ 1‬ـ سمع عبد الله بأن سفيان استنفر قوما ً ضد‬
‫المسلمين بعرفى فوصل عليها وقتل بها أبا سفينان‪.‬‬

‫‪227‬‬
‫‪ 23‬ـ سرية الرجيع ـ فى صفر ‪ 4‬هجرية ـ ‪ 10‬عاصم بن ثابت ـ‬
‫‪ 100‬ـ من عضل والقارة ـ ‪ 10‬ـ استشهاد عشرة قراء‪.‬‬
‫‪ 24‬ـ سرية بئر معونة ـ ‪ 70‬ـ منذر بن عمر ـ جماعة كبيرة ـ عامر‬
‫بن مالك ـ ‪ 1‬ـ ‪.69‬‬
‫‪ 25‬ـ سرية عمر بن أمية الضميرى ـ ربيع الول ‪ 4‬هجرية ـ ‪ 1‬ـ‬
‫عمر بن أمية الضمرى ـ ‪ 2‬قبيلة بنى كلب‪.‬‬
‫‪ 26‬ـ غزوة بنى النضير ـ ربيع أول ‪ 4‬هجرية ـ النبى صلى الله‬
‫عليه وسلم ـ قبيلة النضير ـ تم إجلئهم بأنهم هموا بقتل الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ 27‬ـ غزوة بدر الخرى ـ ذى القعدة ‪ 4‬هجرية ـ ‪ 1510‬النبى‬
‫صلى الله عليه وسلم ـ ‪ 2050‬أبو سفيان ـ لم تحدث مواجهة ـ‬
‫خرج أبو سفيان فى أهل مكة حتى نزل بناحية الظهران أو‬
‫عسفان ولما علم النبى صلى الله عليه وسلم خرج إليه فرجع أبو‬
‫سفينان رجع النبى أيضًا‪.‬‬
‫‪ 28‬ـ غزوة دومة الجندل ـ سنة ‪ 5‬هجرية ـ ‪ 1000‬النبى صلى‬
‫الله عليه وسلم ـ أهل الدومة ـ رجع الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم قبل أن يصل إليها ولم يلق كيدًا‪.‬‬
‫‪ 29‬ـ غزوة بنى المصطلق ـ ‪ 2‬شعبان ‪ 5‬هجرية ـ النبى صلى الله‬
‫عليه وسلم ـ الحارث بن ضرار سيد بنى المصطلق ـ ‪ 19‬ـ ‪ 10‬ـ‬
‫انهزم العدو وأطلق السرى كلهم‪.‬‬
‫‪ 30‬ـ غزوة الحزاب أو الخندق ـ شوال ‪ 5‬هجرية ـ ‪ 3000‬ـ النبى‬
‫صلى الله عليه وسلم ـ ‪ 10000‬أبو سفيان ـ ‪ 6‬ـ ‪ 10‬ـ انقلب‬
‫العدو خاسرًا‪.‬‬
‫‪ 31‬ـ سرية عبد الله بن عتيك ـ ذى القعدة ‪ 5‬هجرية ـ ‪ 5‬ـ عبد‬
‫الله بن عتيك النصارى ـ ‪ 1‬ـ سلم بن أبى الحقيق ـ ‪.1‬‬
‫‪ 32‬ـ غزوة بنى قريظة ـ النبى صلى الله عليه وسلم ـ بنو قريظة‬
‫ـ ‪ 4‬ـ ‪ 200‬ـ ‪ 400‬ـ من العداء من قتل ومنهم من أسر ـ قتلهم‬
‫كان حكما ً قضائيا ً بسبب الخيانة وكان هذا الحكم موافقا ً لنصوص‬
‫التوراة التى كانوا يؤمنون بها‪.‬‬
‫‪ 33‬ـ سرية الرقطاء ـ ‪ 30‬ـ محمد بن مسلمة ـ ‪ 30‬ـ ثمامة بن‬
‫آثال ـ ‪ 1‬ـ أثر ثمالة فأطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ‬
‫كان ثمامة سيد نجد ‪ ،‬وأسلم بعد أن أطلق سراحه من السر‪.‬‬
‫‪ 34‬ـ غزوة بنى لحيان ـ ‪ 6‬هجرية ـ ‪ 200‬ـ النبى صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ بنو لحيا من بطون هذيل ـ تفرق العدو حين علم بمقدم‬
‫المسلمون إليه ـ كانت الغزوة لتأديب أهل الرجيع الذين قتلوا‬
‫عشرة من القراء‪.‬‬

‫‪228‬‬
‫‪ 35‬ـ غزوة ذى قردة ـ ‪ 6‬هجرية ـ ‪ 500‬ـ النبى صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ خيل من غطفن تحت قيادة عيينة الفزارى ـ امرأة واحدة‬
‫ـ ‪ 3‬ـ ‪ 1‬ـ أغاروا على لقاح لرسول الله فخرج المسلمون ولحقوا‬
‫بهم‪.‬‬
‫‪ 36‬ـ سرية عكاشة محصن ـ ‪ 40‬ـ عكاشة بن محصن السدى ـ‬
‫بنو أسد ـ تفرق العداء ولم تحدث مواجهة ـ كان بنو أسد قد‬
‫أجمعوا الغارة على المدينة فبعثت إليهم هذه السرية‪.‬‬
‫‪ 37‬ـ سرية ذى القصة ـ ‪ 6‬هجرية ـ ‪ 10‬ـ محمد بن مسلمة ـ‬
‫‪ 100‬بنو ثعلبة ـ ‪ 1‬جريح ـ ‪ 9‬ـ استشهد تسعة من الدعاة وأصيب‬
‫محمد بن مسلمة بجرح ـ كان عشرة من القراء ذهبوا للدعوة‬
‫وبينما هم نائمون قتلهم بنو ثعلبة وذو القصة اسم موضع‪.‬‬
‫‪ 38‬ـ سرية بنى ثعلبة ـ ‪ 6‬هجرية ـ ‪ 40‬ـ أبو عبيدة بن الجراح ـ‬
‫بنو ثعلبة ـ ‪ 1‬ـ انصرف العدو وغنم المسلمون ما كان لهم من‬
‫متاع‪.‬‬
‫‪ 39‬ـ سرية الجموم ـ ‪ 6‬هجرية ـ زيد بن حارثة ـ بنو سليم ـ ‪ 10‬ـ‬
‫أسر مجموعة رجال وأطلقهم النبى صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ 40‬ـ سرية الطرف أو الطرق ـ ‪ 6‬هجرية ـ ‪ 15‬ـ زيد بن حارثة ـ‬
‫بنو ثعلبة ـ هرب العداء وأصاب المسلمون عشرين بعيرا ً ـ بعثت‬
‫هذه السرية لمعاقبة المجرمين بذى القصة‪.‬‬
‫‪ 41‬ـ سرية وادى القرى ـ ‪ 12‬ـ زيد بن حارثة ـ سكان وادى‬
‫القرى ـ ‪ 1‬جريح ـ ‪ 9‬ـ قتل من المسلمين تسعة رجال وجرح‬
‫واحد ـ كان زيدا ً ذاهبا ً للجولة فحملوا عليه وعلى أصحابه‪.‬‬
‫‪ 42‬ـ دومة الجندل ـ ‪ 6‬هجرية ـ عبد الرحمن بن عوف ـ قبيلة بنى‬
‫كلب ـ الصبغ بن عمرو ـ تحقق نجاح ملموس فى مجال الدعوة ـ‬
‫أسلم الصبغ بن عمرو وكان نصرانيا ً وأسلم معه كثير من قومه‪.‬‬
‫‪ 43‬ـ سرية فداك ـ ‪ 6‬هجرية ـ ‪ 200‬ـ على بن أبى طالب ـ بنو‬
‫سعد بن بكر ـ هربت بنو سعد وأصاب المسلمون مائة بعير‬
‫وألفى شاة ـ بلغ النبى صلى الله عليه وسلم أنهم يريدون أن‬
‫ى رضى الله الله عنه بالمظاهرة عليهم‪.‬‬ ‫يمدوا يهود خيبر فقام عل ّ‬
‫‪ 44‬ـ سرية أم فرقة ـ ‪ 7‬هجرية ـ أبو بكر الصديق رضى الله عنه‬
‫ـ بنو فزارة تحت قيادة أم قرفة ـ ‪ 2‬ـ انهزم العدو ـ كانت بنو‬
‫فزارة قد أغاروا على قافلة زيد بن حارثة‪.‬‬
‫‪ 45‬ـ سرية عبد الله بن رواحة ـ ‪ 6‬هجرية ـ ‪ 30‬ـ عبد الله بن‬
‫رواحة ـ ‪ 30‬ـ أسير بن رزام اليهودى ـ ‪ 1‬ـ ‪ 30‬ـ وقع اشتباك‬
‫لسوء فهم الفريقين فقتل اليهود جميعًا‪.‬‬
‫‪ 46‬ـ سرية العرنيين ـ ‪ 6‬هجرية ـ ‪ 20‬ـ كرز بن جابر الفهرى ـ‬
‫رجال من عكل وعريننة ـ ‪ 1‬ـ ‪ 8‬ـ قتلوا الراعى واستاقوا البل‬

‫‪229‬‬
‫فأسروا ومثل بهم ـ استوخموا المدينة فشربوا من ألبان البل‬
‫وأبوالها فصحوا ثم قتلوا يسارا راعى النبى صلى الله عليه وسلم‬
‫واستاقوا البل‪.‬‬
‫‪ 47‬ـ سرية عمرو بن أمية الضمرى ـ ‪ 6‬هجرية ـ ‪ 1‬ـ عمرو بن‬
‫أمية الضمرى ـ كان عمرو قد جاء إلى مكة ليقتل النبى صلى الله‬
‫عليه وسلم ثم أسلم من حسن خلقه الشريف ثم ذهب إلى مكة‬
‫يدعو أهلها‪.‬‬
‫‪ 48‬ـ غزوة الحديبية ـ ‪ 6‬هجرية ـ ‪ 1400‬ـ النبى صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ أهل مكة ـ سهيل بن عمرو القرشى ـ تم الصلح بين‬
‫النبى صلى الله عليه وسلم وبين ريش عشر سنوات ـ كان النبى‬
‫قد خرج معتمرا ً فصدته قريش عن البيت فى الحديبية‪.‬‬
‫‪ 49‬ـ غزوة خيبر ‪ 7‬هجرية ـ ‪ 100‬ـ النبى صلى الله عليه وسلم ـ‬
‫‪ 10000‬ـ يهود خيبر كنانة بن أبى الحقيق ـ ‪ 50‬جريحا ً ـ ‪ 18‬ـ ‪93‬‬
‫ـ فتح الله للمسلمين فتحا ً مبينا ً ـ كان اليهود قد قاتلوا المسلمين‬
‫فى ُأحد والحزاب ونقضوا عهدهم مع النبى صلى الله عليه‬
‫وسلم فأفسد خططهم العدوانية‪.‬‬
‫‪ 50‬ـ غزوة وادى القرى ـ المحرم ‪ 6‬هجرية ـ ‪ 1382‬ـ النبى صلى‬
‫الله عليه وسلم ـ اليهود من وادى القرى‪.‬‬
‫‪ 51‬ـ غزوة ذات الرقاع ـ ‪ 7‬هجرية ـ ‪ 400‬ـ النبى صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ بنو غطفان وبنو محارب وبنو ثعلبة وبنو أنمار ـ تفرق‬
‫العدو ـ كانت بنو عطفان قد جمعوا جموعا ً من القبائل للغارة‬
‫على المسلمين فلما قام المسلمون بحشودهم تفرقوا جميعًا‪.‬‬
‫‪ 52‬ـ سرية عيص ـ فى صفر ‪ 7‬هجرية ـ ‪ 72‬ـ أبو جندل وأبو‬
‫بصير ـ قافلة قريش ـ ‪ 9‬ـ أخذ أموال العدو ثم ردها إليهم بأمر‬
‫النبى صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ 53‬ـ سرية الكديد ـ صفر ‪ 7‬هجرية ـ ‪ 60‬ـ غالب بن عبد الله‬
‫الليثى ـ بنو الملوح ـ ‪ 1‬ـ وقع اشتباك ـ كانت بنو الملوح قد قتلوا‬
‫أصحاب بشير بن سويد فبعثت إليهم هذه السرية للتوبيخ‪.‬‬
‫‪ 54‬ـ سرية فدك ـ فى صفر سنة ‪ 7‬هجرية ـ غالب بن عبد الله‬
‫الليثى ـ أهل فدك ـ قتل ناس من العدو‪.‬‬
‫‪ 55‬ـ سرية حسمى ـ فى جمادى الخرة ‪ 7‬هجرية ـ ‪ 500‬ـ زيد‬
‫بن حارثة ـ ‪ 102‬ـ الهنيد بن عوض الجزرى ـ ‪ 100‬ـ ‪ 2‬ـ انتصر‬
‫المسلمون وقتل الهنيد مع ابنه وأطلق الباقون بعد توبتهم ـ كان‬
‫دحية الكلبى محمل ً ببعض الهدايا من قيصر فقابله الهنيد فى‬
‫ناس وقطع عليه الطريق‪.‬‬
‫‪ 56‬ـ سرية تربة ـ فى شعبان سنة ‪ 7‬هجرية ـ عمر بن الخطاب ـ‬
‫أهل تربة ـ تفرق العدو ـ بين تربة ومكة منزلن كان أهل تربة قد‬

‫‪230‬‬
‫اصطلحوا مع بنى غطفان فقام المسلمون بالمظاهرة فى‬
‫محالهم‪.‬‬
‫‪ 57‬ـ سرية بنى كلب ـ فى شعبان ‪ 7‬هجرية ـ أبو بكر الصديق‬
‫رضى الله عنه ـ بنو كلب ـ انتصر المسلمون سبى من العداء‬
‫جماعة وقتل آخرون ـ كانوا أجمعوا الهجوم على المسلمين مع‬
‫بنى محارب وبنى أنمار‪.‬‬
‫‪ 58‬ـ سرية الميفعة ـ رمضان ‪ 7‬هجرية ـ غالب بن عبد الله الليثى‬
‫ـ أهل الميفعة ـ وقع اشتباك ـ كانوا حلفاء أهل خيبر‪.‬‬
‫‪ 59‬ـ سرية خربة ـ فى رمضان ‪ 7‬هجرية ـ أسامة بن زيد ـ أهل‬
‫خربة ـ بينما أسامة وأصحابه يمشون فى الطريق إذ هبط إليهم‬
‫رجل من الجبل فقتله أسامة بعد أن قال ل إله إل الله‪.‬‬
‫‪ 60‬ـ سرية بنى مرة ـ شوال ‪ 7‬هجرية ـ ‪ 30‬بشير بن سعد ـ بنو‬
‫مرة بالقرب من فدك ـ وقع اشتباك كانوا حلفاء أهل خيبر‪.‬‬
‫‪ 61‬ـ سرية بشير بن سعد النصارى ـ فى شوال ‪ 7‬هجرية ـ ‪30‬‬
‫بشير بن سعد ـ بنو فزارة وعذرة ـ جرح جميع المسلمين وأسر‬
‫منهم رجلن ـ كانت بنو فزارة وعذرة قد ساعدوا اليهود فى خيبر‬
‫فبعثت إليهم هذه السرية للترويع‪.‬‬
‫‪ 62‬ـ سرية ابن أبى العوجاء ـ ‪ 7‬هجرية ـ ‪ 50‬ـ ابن أبى العوجاء ـ‬
‫بنو سليم ـ ‪ 1‬ـ ‪ 49‬ـ أصيب ابن أبى العوجاء بجرح واستشهد‬
‫الباقون ـ قام المسلمون بحشد قواهم فى محالهم لنهم كانوا‬
‫يجمعون للغارة على المدينة‪.‬‬
‫‪ 63‬ـ سرية ذات أطلح ـ ‪ 8‬هجرية ـ ‪ 15‬ـ كعب بن عمير النصارى‬
‫ـ أهالى ذات أطلح بنو قضاعة ـ ‪ 14‬ـ استشهد المسلمون جميعا ً‬
‫وبرأ واحد منهم ـ كانوا يجمعون فى عدد كبير للغارة على‬
‫المسلمين فبعث إليهم كتيبة لتخوفيهم فاستشهد المسلمون‬
‫جميعًا‪.‬‬
‫‪ 64‬ـ سرية ذات عرق ـ فى ربيع الول ‪ 8‬هجرية ـ ‪ 25‬ـ شجاع بن‬
‫دوا‬
‫وهب السدى ـ بنو هوازن أهالى ذا عرق ـ كانت هوازن قد م ّ‬
‫يد المعونة لعداء المسلمين مرارا ً ثم اجتمعوا على مشارف‬
‫المدينة فاحتشد المسلمون لتخويفهم‪.‬‬
‫‪ 65‬ـ سرية مؤنة ـ فى جمادى الولى سنة ‪ 8‬هجرية ـ ‪ 3000‬ـ‬
‫زيد بن حارثة ـ مائة ألف ـ شرحبيل الغسانى ـ ‪ 12‬ـ لم نعرف‬
‫عدد المفقودين ـ انتصر المسلمون ـ كان شرحبيل قد قتل‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقعت لذلك الحرب وهزم‬
‫ثلثة آلف مائة ألف‪.‬‬
‫‪ 66‬ـ سرية ذات السلسل ـ جمادى الخرة ‪ 8‬هجرية ـ ‪ 500‬ـ‬
‫عمرو بن العاص القرشى ـ بنو قضاعة ساكنوا السلسل ـ هرب‬

‫‪231‬‬
‫العداء بمظاهرة المسلمين ـ كانت قضاعة قد تجمعت للغارة‬
‫على المدينة‪.‬‬
‫‪ 67‬ـ سرية سيف البحر ـ فى رجب ‪ 8‬هجرية ـ ‪ 300‬ـ أبو عبيدة ـ‬
‫قريش ـ أقام المسلمون على الساحل أياما ً ثم انصرفوا ـ كان‬
‫الغرض من هذه السرية تشتيت همم قريش‪.‬‬
‫‪ 68‬ـ سرية محارب ـ فى شعبان ‪ 8‬هجرية ـ ‪ 15‬ـ أبو قتادة‬
‫النصارى ـ بنو غطفان ـ هرب العدو خائفا ً وأصاب المسلمون‬
‫أنعاما ً ـ تجمع بنو غطفان بخضرة فأرسلت إليهم سرية مكونة من‬
‫خمسة عشر رجل ً للستطلع‪.‬‬
‫‪ 69‬ـ غزوة فتح مكة ـ رمضان ‪ 8‬هجرية ـ ‪ 10000‬ـ النبى صلى‬
‫الله عليه وسلم ـ قريش مكة ـ ‪ 2‬ـ ‪ 12‬ـ انتصر المسلمون ـ لم‬
‫يتعرض للمسلمين أحد إل كتيبة واحدة ثم دخل النبى صلى الله‬
‫عليه وسلم مكة وجعل الناس كلهم طلقاء ول تثريب عليهم‪.‬‬
‫‪ 70‬ـ سرية خالد ـ فى رمضان ‪ 8‬هجرية ـ خالد بن الوليد ـ الصنم‬
‫العزى ـ كانت العزى صنم بنى كنانة فحطمها خالد رضى الله‬
‫عنه‪.‬‬
‫‪ 71‬ـ سرية عمرو بن العاص ـ ‪ 8‬هجرية ـ عمرو بن العاس ـ‬
‫الصنم سواع ـ كانت سواع صنم بنى هذيل فحطمها عمرو بن‬
‫العاص رضى الله عنه‪.‬‬
‫‪ 72‬ـ سرية سعد الشهلى ـ رمضان ‪ 8‬هجرية ـ سعد بن زيد‬
‫الشهلى النصارى ـ الصنم مناة ـ كانت مناة صنما ً للوس‬
‫والخزرج فهدمها سعد الشهلى رضى الله عنه‪.‬‬
‫‪ 73‬ـ سرية خالد بن الوليد ـ شوال ‪ 8‬هجرية ـ ‪ 350‬ـ خالد بن‬
‫الوليد ـ بنو جذيمة ـ ‪ 95‬ـ قتل خمسة وتسعون رجل ً من بنى‬
‫جذيمة ممن كانوا أسلموا فكره الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫قتلهم وودى بهم الدية ـ كان خالد بن الوليد بعث داعيا ً وكانت بنو‬
‫جذيمة قد أسلموا من قبل فشك خالد فى إسلمهم وقتل منهم‬
‫رجا ً‬
‫ل‪.‬‬
‫‪ 74‬ـ غزوة حنين أو أوطاس أو هوازن ـ شوال ‪ 8‬هجرية ـ‬
‫‪ 12000‬ـ النبى صلى الله عليه وسلم ـ بنو ثقيف وبنو هوازن‬
‫وبنو معز وبنو أحسم ـ ‪ 6‬ـ ‪ 6000‬ـ ‪ 71‬ـ انتصر المسلمون ـ‬
‫أطلق النبى صلى الله عليه وسلم سراح جميع السرى وأعطاهم‬
‫الكسوة كذلك‪.‬‬
‫‪ 75‬ـ غزوة الطائف ـ شوال ‪ 8‬هجرية ـ ‪ 12000‬ـ النبى صلى الله‬
‫عليه وسلم ـ بنو ثقيف ـ جمع كثير ـ ‪ 13‬ـ جمع كثير ـ رجع النبى‬
‫صلى الله عليه وسلم بعد محاصرة دامت شهرا ً ـ لما رفع النبى‬
‫صلى الله عليه وسلم عنهم الحصار قدموا عليه وأسلموا‪.‬‬

‫‪232‬‬
‫‪ 76‬ـ سرية عيينة بن حصن ـ فى محرم ‪ 9‬هجرية ـ ‪ 150‬ـ عيينى‬
‫بن حصن الفزارى ـ قبيلة بنى تميم ـ ‪ 62‬ـ تم القضاء على الثورة‬
‫ـ قامت هذه القبيلة بإغراء القبائل التابعة لها ومنعتها عن أداء‬
‫الجزية ولما خرج إليهم عيينى أسر منهم ‪ 11‬رجل ً و ‪ 21‬امرأة و‬
‫‪ 20‬ولدا ً فأطلقهم النبى صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه‬
‫سيدهم‪.‬‬
‫‪ 77‬ـ سرية قطبة بن عامر ـ فى صفر ‪ 9‬هجرية ـ ‪ 20‬ـ قطبة بن‬
‫عامر ـ قبيلة خثم ـ أكثر من النصف ـ أكرهم ـ تفرقوا وانتشروا ـ‬
‫كانوا يدبرون مؤامرة ضد المسلمين فجاء قطبة ببعضهم أسيرا ً‬
‫فأطلقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ 78‬ـ سرية الضحاك ابن سفيان الكلبى ـ ربيع أول ‪ 9‬هجرية ـ‬
‫الضحاك رضى الله عنه ـ قبيلة بنى كلب ـ بعث المسلمون إلى‬
‫بنى كلب داعين فاعترض لهم الكفار فوقع اشتباك‪.‬‬
‫‪ 79‬ـ سرية عبد الله بن حذافة ـ ربيع أول ‪ 9‬هجرية ـ ‪ 300‬ـ عبد‬
‫الله بن حذافة القرشى السهمى ـ القراصنة من الخثعميين ـ‬
‫هربوا ـ كانوا قد اجتمعوا فى ساحل جدة يريدون الغارة على‬
‫مكة فتفرقوا حين رأوا هذه السرية‪.‬‬
‫‪ 80‬ـ سرية بن طىء ـ ‪ 9‬هجرية ـ ‪ 150‬ـ على رضى الله عنه ـ‬
‫بنى طىء ـ أسرت سفانة بنت حاتم وغيرها من الناس‪.‬‬
‫‪ 81‬ـ غزوة تبوك ـ ‪ 9‬هجرية ـ ‪ 3000‬ـ الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ هرقل قيصر الروم ـ قام النبى صلى الله عليه وسلم‬
‫بالتجمع مع أصحابه وأرهب العداء ثم رجع إلى المدينة‪.‬‬
‫‪ 82‬ـ سرية دومة الجندل ـ ‪ 420‬ـ خالد بن الوليد ـ أكيدر أمير‬
‫دومة الجندل ـ أسر أكيدر وقتل أخوه ـ أطلق رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم سراح أكيدر وعقد الحلف مع حكومات نصرانية‬
‫أخرى‪.‬‬
‫المراجع‬
‫)‪ (1‬النبياء‪.107 :‬‬
‫)‪ (2‬آل عمران‪.71 :‬‬
‫)‪ (3‬حقائق السلم وأباطيل خصومه ص ‪ 166‬ط الهيئة المصرية‬
‫العامة للكتاب‪.‬‬
‫)‪ (4‬غوستاف لوبون حضارة العرب ص ‪ 129 ، 128‬ط الهيئة‬
‫المصرية للكتاب‪.‬‬
‫)‪ (5‬البقرة‪.191-190 :‬‬
‫)‪ (6‬البقرة‪.193 ،192 :‬‬
‫)‪ (7‬البقرة‪.216 :‬‬
‫)‪ (8‬البقرة‪.217 :‬‬

‫‪233‬‬
‫)‪ (9‬آل عمران‪.146 :‬‬
‫)‪ (10‬آل عمران‪.169 :‬‬
‫)‪ (11‬آل عمران‪.195 :‬‬
‫)‪ (13) ، (12‬النساء‪.75 ، 74 :‬‬
‫)‪ (14‬النساء‪.90 :‬‬
‫)‪ (15‬النفال‪7 :‬ـ ‪.8‬‬
‫)‪ (16‬النفال‪.17 :‬‬
‫)‪ (17‬النفال‪.39 :‬‬
‫)‪ (18‬النفال‪.47 :‬‬
‫)‪ (19‬النفال‪.61 :‬‬
‫)‪ (20‬النفال‪.70 :‬‬
‫)‪ (21‬التوبة‪5 :‬ـ ‪.6‬‬
‫)‪ (22‬التوبة‪.111 :‬‬
‫)‪ (23‬الحج‪.40-39 :‬‬
‫)‪ (24‬رواه مسلم ـ كتاب المارة ـ باب فضل الجهاد والخروج فى‬
‫سبيل الله‪.‬‬
‫)‪ (25‬رواه أبو داود فى سننه ـ كتاب الخراج والمارة والفئ ـ‬
‫باب ما جاء فى خبر الطائف‪.‬‬
‫)‪ (26‬رواه الحاكم فى مستدركه ـ كتاب معرفة الصحابة رضى‬
‫الله عنهم ـ ذكر إسلم أمير المؤمنين على ـ رضى الله عنه ـ‪.‬‬
‫)‪ (27‬رواه البخارى ـ كتاب التفسير ـ باب قول الله تعالى‬
‫)وقاتلوهم حتى ل تكون فتنة )‪.‬‬
‫)‪ (28‬مصنف عبد الرازق ـ كتاب الجهاد ـ باب الرجل يغزو وأبوه‬
‫كاره‪.‬‬
‫)‪ (29‬الحج‪.40 :‬‬
‫)‪ (30‬القرطبى ج ‪ 12‬تفسير سورة الحج‪.‬‬
‫)‪ (31‬تاريخ ابن خلدون ‪ 226 / 1‬فصل فى الحروب ومذاهب‬
‫المم فى ترتيبها‪.‬‬
‫)‪ (32‬سفر العدد ـ الصحاح الثالث عشر ـ اليات‪.29-26 :‬‬
‫)‪ (33‬سفر صموئيل الول ـ الصحاح الخامس والعشرون آية‬
‫‪.14-10‬‬
‫)‪ (34‬سفر الملوك الثانى ـ الصحاح الثالث ‪ ،‬اليات ‪ 4‬ـ ‪.8‬‬
‫)‪ (35‬سفر حزقيال ـ أصحاح ‪ 21‬آيات ‪ 1‬ـ ‪.5‬‬
‫)‪ (36‬سفر يوشع ـ الصحاح الثالث والعشرون ـ اليات ‪3‬ـ ‪.5‬‬
‫)‪ (37‬سفر القضاة ـ الصحاح الثامن عشر ـ اليات ‪27‬ـ ‪.30‬‬
‫)‪ (38‬سفر صموئيل الول ـ الصحاح الرابع ‪ ،‬اليات ‪1‬ـ ‪.4‬‬
‫)‪ (39‬سفر التكوين ـ الصحاح الرابع والثلثون ـ اليات ‪25‬ـ ‪.29‬‬

‫‪234‬‬
‫)‪ (40‬سفر التكوين ـ الصحاح الرابع عشر ـ اليات ‪ 14‬ـ ‪.16‬‬
‫)‪ (41‬سفر العدد ـ الصحاح الواحد والعشرون اليتان ‪34‬ـ ‪.35‬‬
‫)‪ (42‬سفر العدد ـ الصحاح الخامس والعشرون الية ‪.16‬‬
‫)‪ (43‬الصحاح الثالث والثلثون اليات ‪50‬ـ ‪.53‬‬
‫)‪ (44‬سفر صموئيل ـ الصحاح السابع عشر اليات ‪45‬ـ ‪.47‬‬
‫)‪ (45‬سفر صموئيل الول ـ الصحاح الثالث والعشرون الية ‪.6‬‬
‫)‪ (46‬سفر المزامير ـ المزمور الثامن عشر اليات ‪.41-35‬‬
‫)‪ (47‬سفر حزقيال الصحاح الواحد والعشرون آية ‪.5‬‬
‫)‪ (48‬إنجيل متى ـ الصحاح العاشر آية ‪.36-34‬‬
‫)‪ (49‬رواه أحمد وأبو داود‪.‬‬
‫)‪ (50‬سبائك الذهب ‪.443‬‬
‫)‪ (51‬شرح المعلقات السبع للزوزنى ص ‪ ، 83‬ط مصطفى‬
‫الحلبى‪.‬‬
‫)‪ (52‬الزخرف‪.89 :‬‬
‫)‪ (53‬الحج‪.40-39 :‬‬
‫)‪ (54‬السيرة المحمدية تحت ضوء العلم والفلسفة لمحمد فريد‬
‫وجدى ص ‪ 163 ، 164‬بتصرف‪.‬‬
‫)‪ (55‬النفال‪.61 :‬‬
‫)‪ (56‬السيرة النبوية لمحمد فريد وجدى ‪.166 ، 165‬‬
‫)‪ (57‬سبائك الذهب ص ‪ 120‬ط دار الكتب العلمية ‪ ،‬موسوعة‬
‫القبائل العربية لمحمد سليمان الطيب ‪ 51 / 1‬دار الفكر العربى‪.‬‬
‫)‪ (58‬فتح البارى ‪ 543 / 6‬دار المعرفة ـ بيروت‪.‬‬
‫)‪ (59‬فتح البارى ‪.424 / 7‬‬
‫)‪ (60‬تاريخ الدب الجاهلى د‪ .‬على الجندى ‪.472‬‬
‫)‪ (61‬رحمة للعالمين للمنصور فورى ص ‪.462‬‬
‫)‪ (62‬فى تاريخ الدب الجاهلى ‪.473‬‬
‫)‪ (63‬رحمة للعالمين للمنصور فورى ص ‪.462‬‬
‫)‪ (64‬سبائك الذهب ‪.8‬‬
‫)‪ (65‬تاريخ الدب الجاهلى ص ‪.470‬‬
‫)‪ (66‬رحمة للعالمين المنصور فوزى ص ‪.462‬‬
‫)‪ (67‬سبائك الذهب ‪.87‬‬
‫)‪ (68‬تاريخ الدب الجاهلى ص ‪.466‬‬
‫)‪ (69‬رحمة للعالمين للمنصور فورى ص ‪.463‬‬
‫)‪ (70‬سبائك الذهب ‪ ، 295‬تاريخ الدب الجاهلى ص ‪.467‬‬
‫)‪ (71‬رحمة للعالمين ص ‪.463‬‬
‫)‪ (72‬تاريخ الدولة الموية للشيخ محمد الخضرى ص ‪.156‬‬
‫)‪ (73‬رحمة للعالمين ص ‪.463‬‬

‫‪235‬‬
‫سبائك الذهب ص ‪ ، 256‬تاريخ الدب الجاهلى ص ‪.467‬‬ ‫)‪(74‬‬
‫رحمة للعالمين ص ‪.463‬‬ ‫)‪(75‬‬
‫سبائك الذهب ص ‪.127‬‬ ‫)‪(76‬‬
‫سبائك الذهب ص ‪.126‬‬ ‫)‪(77‬‬
‫تاريخ الدب الجاهلى ص ‪.467‬‬ ‫)‪(78‬‬
‫رحمة للعالمين ص ‪.463‬‬ ‫)‪(79‬‬
‫سبائك الذهب ص ‪ ، 148‬تاريخ الدب الجاهلى ص ‪.473‬‬ ‫)‪(80‬‬
‫سبائك الذهب ص ‪ ، 124‬وتاريخ الدب الجاهلى ص ‪.473‬‬ ‫)‪(81‬‬
‫سبائك الذهب ص ‪ ، 86 ، 85‬تاريخ الدب الجاهلى ص‬ ‫)‪(82‬‬
‫‪.470‬‬
‫)‪ (83‬سبائك الذهب رقم ‪ ، 148 ، 147‬تاريخ الدب الجاهلى ص‬
‫‪.473‬‬
‫)‪ (84‬تاريخ الدولة الموية الشيخ محمد الخضرى بك ص ‪، 32‬‬
‫‪ ، 33‬ط دار القلم ‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫)‪ (85‬السيرة المحمدية تحت ضوء العلم والفلسفة الستاذ محمد‬
‫فريد وجدى ص ‪ ، 162‬ط الهيئة المصرية العامة للكتاب‪.‬‬
‫)‪ (86‬رحمة للعالمين ص ‪.469‬‬
‫)‪ (87‬النفال‪.58 :‬‬
‫)‪ (88‬تفسير ابن كثير ‪.321 / 2‬‬
‫)‪ (89‬الفكر السلمى فى تطوير مصادر المياه والطاقة ‪ ،‬د‪ .‬سيد‬
‫وقار أحمد حسينى ـ عالم زائر فى جامعة ستانفورد ‪، 75-71‬‬
‫ترجمة د‪ .‬سمية زكريا زيتونى طبعة‪ :‬فصلت للدراسات والترجمة‬
‫والنشر‪.‬‬
‫‪and emergence of a Muslim Society in Richard W. bulliet, Conversion‬‬
‫‪of Islam Meier & ed. Nehemia Levtzion (New York Holmes Iran in‬‬
‫‪.Conversion to Islam, (Publ., Inc, 1979) Pp. 30-51, p31 for fig 1.1‬‬
‫تم بحمد الله‬
‫===================‬
‫حول الدجال‬
‫إخوانى قام أحد النصارى بذكر عدة شبهات حول الدجال و نزول‬
‫عيسى مستدل بكلم بعض المحسوبين على السلم ‪.‬‬
‫فقمت بتجميع ردود أهل العلم على هذا الموضوع مفندا شبههم‬
‫فأرجو من إخوانى من وجد خطأ فى كلمى أن يصوبه لى أو أن‬
‫وجد إضافة تستحق أن يضيفها و جزاكم الله خيرا سأقوم بعرض‬
‫نص الموضوع و أيضا تحميله كملف وورد‬
‫الرد على الشبهة الولى‬

‫‪236‬‬
‫هذه أول شبهاتك‪ :‬وصارت هنا مشكلة عند الخلف المعاصر ‪ ،‬أل‬
‫دا ‪،‬‬
‫قا ‪ ،‬ومرت ً‬
‫وهى ‪ :‬كيف سيكون منكر هذه الحاديث كافًرا وزندي ً‬
‫و… ‪ ،‬بينما النكار قد صدر هذه المرة من أكبر منصب رسمى‬
‫فى العلم فى البلد‬
‫أبدأ بسم الله‬
‫أول و قبل كل شيئى ليس هناك أحد حجة على السلم و لكن‬
‫السلم حجة على الجميع فأذا أتى أى أنسان بقول يخالف قول‬
‫الرسول أى كان هذا الشخص فقوله مردود عليه فنحن نشهد أن‬
‫محمدا رسول الله و ل نقول أن فلن رسول الله لكى نأخذ بقوله‬
‫ممكن دا عند غير المسلمين فأنهم أتخذوا أحبارهم و رهبانهم‬
‫أربابا من دون الله يشرعون لهم و يحللون لهم ما حرم عليهم‬
‫رسلهم فهذا ل يعنينا فى شيئ‬
‫قاعدة هامة عندنا و هى أن العقل السليم ل يتناقض مع النقل‬
‫الصحيح وإذا حدث هذا التعارض فل بد ان القصور هنا هو في‬
‫الفهم من العقل او في فهم النص او في كليهما ‪.‬‬
‫وكم من عائب قول صحيحا ‪ ...‬وافته من الفهم السقيم‬
‫ثانيا نحن مؤمنون معنى ذلك أننا نسلم بكل ما جاء بالقرآن‬
‫والسنة من المور التي ذكرت والتفاصيل التي وضحت والله‬
‫امتدح المؤمنين بصفة مهمة في أول سورة البقرة وهي قولة عز‬
‫ب ‪) (..‬البقرة‪ (3:‬ولذلك فإن كثيرا من‬ ‫ن ِبال ْغَي ْ ِ‬ ‫ن ي ُؤ ْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫وجل )ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫الناس الذين لديهم نوع من الشك والريبة عندما يمرون باليات‬
‫والحاديث التي تذكر أمورا مستقبلية ستقع فإنهم يشكون في‬
‫ذلك وبعضهم قد يعترض على ذلك أو يتجه بسهام التأويل‬
‫والتحريف لبعض الشياء المذكورة في القرآن والسنة وهذا أمر‬
‫مناف لليمان وليس من منهج المؤمن أبدا أنه يعمد الى هذه‬
‫التفاصيل الموجودة في القرآن والسنة فيغير فيها بزعمه أو‬
‫يكذبها أو ينفيها مثل لنها تخالف عقله أو لنه يراها غير واقعية‬
‫بزعمه ولذلك فإنه ل بد من اليمان الكامل والجازم بكل ما ثبت‬
‫لدينا مما ورد من كلم ربنا سبحانه وتعالى وفي سنة نبيه محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫لن إنكار الحاديث الثابتة عن النبي‪ ،‬ومقابلتها بالرد والطراح ‪،‬‬
‫يدل على الستخفاف بأقوال رسول الله ‪ ،‬ويستلزم مشاقته‬
‫واتباع غير سبيل المؤمنين ‪ ،‬وقد قال الله تعالى ‪ } :‬ومن يشاقق‬
‫الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله‬
‫ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا { وقال تعالى ‪ } :‬بل كذبوا‬
‫بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من‬
‫قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين { وليس إنكار الحاديث‬

‫‪237‬‬
‫الثابتة عن النبي بالمر الهين ‪ ،‬لن الله تعالى يقول ‪ } :‬وما آتاكم‬
‫الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد‬
‫العقاب { ‪.‬‬
‫وقد قال المام أحمد رحمه الله تعالى ‪ :‬من رد حديث رسول‬
‫الله فهو على شفا هلكة ‪ .‬وقال إسحاق بن راهوية ‪ :‬من بلغه عن‬
‫رسول الله خبر يقر بصحته ثم رده بغير تقية فهو كافر ‪ .‬وقال أبو‬
‫محمد البربهاري في شرح السنة ‪ :‬إذا سمعت الرجل يطعن على‬
‫الثار ول يقبلها ‪ ،‬أو ينكر شيئا من أخبار رسول الله فاتهمه على‬
‫السلم فإنه رجل رديء المذهب والقول ‪ ،‬وإنما يطعن على‬
‫رسول الله وعلى أصحابه ‪ .‬وقال أيضا ‪ :‬ل يخرج أحد من أهل‬
‫القبلة عن السلم حتى يرد آية من كتاب الله عز وجل ‪ ،‬أو يرد‬
‫شيئا من آثار رسول الله ‪ ،‬أو يصلي لغير الله ‪ ،‬أو يذبح لغير الله ‪،‬‬
‫فقد وجب عليك أن تخرجه من السلم ‪ .‬وقال أيضا ‪ :‬من رد آية‬
‫من كتاب الله فقد رد الكتاب كله ‪ ،‬ومن رد حديثا عن رسول الله‬
‫فقد رد الثر كله وهو كافر بالله العظيم ‪.‬‬
‫وقال إبراهيم بن أحمد بن شاقل ‪ :‬من خالف الخبار التي نقلها‬
‫العدل عن العدل موصولة بل قطع في سندها ‪ ،‬ول جرح في‬
‫ناقليها وتجرأ على ردها فقد تهجم على رد السلم ‪ .‬وقال ابن‬
‫حزم في كتاب الحكام ‪ :‬جاء النص ثم لم يختلف فيه مسلمان‬
‫في أن ما صح عن رسول الله أنه قاله ففرض اتباعه ‪ ،‬وأنه‬
‫تفسير لمراد الله في القرآن وبيان مجمله ‪ .‬انتهى‬
‫الرد على الشبهة الثانية‬
‫الشبهة الثانية‪ :‬إن الذي يلقى بصره على أحاديث الدجال ‪ُ ،‬يدرك‬
‫لول وهلة أنها من الكلم الملفق الذى يصفه الوضاعون‬
‫وينسبونه للنبى لمقاصد شتى ‪ ،‬إما لفساد عقائد الناس ‪ ،‬أو‬
‫لتصغير شأن النبى فى نظر أهل النقد‬
‫من أين أتى هذا الدجال بأن أحاديث الدجال موضوعة أين دليله‬
‫العلمى؟؟؟؟؟‬
‫هل لن عقله الفاسد لم يستطع أدراكها تصبح غير‬
‫مقبولة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟‬
‫أصبر و سأثبت لك بالدليل النقلى و البرهان العلمى صدق‬
‫أحاديث الدجال و أنها شاهد على صدق الرسول و على العجاز‬
‫العلمى فى الحديث الشريف‬
‫أول الدليل النقلى‪:‬‬
‫خروج الدجال فقد جاء فيه أكثر من مائة حديث من الصحاح‬
‫والحسان ‪ ،‬وقد ذكرت لك بعضها و كلها صحيحة فهل أتيتنى أنت‬

‫‪238‬‬
‫بحديث صحيح ينكر الحاديث الصحيحة التى ذكرته لك من‬
‫قبل؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟‬
‫‪ .‬وقد تواترت الحاديث في خروج الدجال من وجوه متعددة ولو‬
‫لم يكن منها سوى المر بالستعاذة من فتنة الدجال في كل‬
‫صلة لكان ذلك كافيا في إثبات خروجه ‪ ،‬والرد على من أنكر‬
‫ذلك ‪ ،‬وقد روى عبد الرزاق بإسناد حسن ‪ ،‬عن ابن عباس رضي‬
‫الله عنهما قال ‪ :‬سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول ‪:‬‬
‫إنه سيخرج بعدكم قوم يكذبون بالرجم ويكذبون بالدجال‬
‫ويكذبون بالحوض ويكذبون بعذاب القبر ويكذبون بقوم يخرجون‬
‫من النار ‪ .‬وهذا الثر له حكم المرفوع لن فيه إخبارا عن أمر‬
‫غيبي وذلك ل يقال من قبل الرأي ‪ ،‬وإنما يقال عن توقيف ‪.‬‬
‫وقد ظهر مصداق ما جاء فيه من التكذيب بالدجال وغيره ‪،‬‬
‫فأنكرت طوائف كثيرة من الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة‬
‫خروج الدجال بالكلية ‪ ،‬وردوا الحاديث الواردة فيه ‪ ،‬ذكر ذلك‬
‫ابن كثير في النهاية قال ‪ :‬وخرجوا بذلك عن حيز العلماء لردهم‬
‫ما تواترت به الخبار الصحيحة عن رسول الله ‪ ،‬وذكر النووي في‬
‫شرح مسلم أن مذهب أهل السنة وجميع المحدثين والفقهاء‬
‫والنظار إثبات خروج الدجال خلفا لمن أنكره من الخوارج‬
‫والجهمية وبعض المعتزلة ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫وقد تبع الخوارج والجهمية والمعتزلة على إنكار خروج الدجال‬
‫كثير من المنتسبين إلى العلم في زماننا وقبله بزمان ‪ ،‬وأنكر‬
‫بعضهم كثيرا من أشراط الساعة مما هو ثابت عن النبي ‪،‬‬
‫وبعضهم يتأولها على ما يوافق عقليته الفاسدة‪ .‬ولو كان الذين‬
‫أشرنا إليهم أهل علم على الحقيقة لما ردوا شيئا من الحاديث‬
‫الثابتة عن النبي ‪ ،‬ولكانوا يقابلونها بالرضا والقبول والتسليم‬
‫ثانيا العجاز العلمى فى حديث الدجال‬
‫يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا‬
‫يتساءل قارئ القرآن الكريم عن الوصف حثيثا الذي جاء في الية‬
‫) رقم ‪ (54‬من سورة العراف ولم يذكر في بقية آيات تغشية‬
‫الليل النهار ‪ ,‬أو التغشية بغير تحديد ‪ ,‬وللجابة علي ذلك أقول إن‬
‫آية سورة العراف مرتبطة بالمراحل الولي من خلق السماوات‬
‫والرض ‪ ,‬بينما بقية اليات تصف الظاهرة بصفة عامة ‪.‬‬
‫واللفظة ) حثيثا ( تعني مسرعا حريصا ‪ ,‬يقال ) حثه ( من باب‬
‫رده و ) استحثه ( علي الشيء أي حضه عليه ) فاحتث (‪ ,‬و‬
‫) حثثه تحثيثا وحثحثة ( بمعني حضه ‪ ,‬و ) تحاثوا ( بمعني‬
‫تحاضوا ‪.‬‬

‫‪239‬‬
‫والدللة الواضحة للية الكريمة ) رقم ‪ (54‬من سورة العراف‬
‫أن حركة تتابع الليل والنهار ) أي حركة دوران الرض حول‬
‫محورها أمام الشمس ( كانت في بدء الخلق سريعة متعاقبة‬
‫بمعدلت أعلي من سرعتها الحالية وإل ما غشي الليل النهار‬
‫يطلبه حثيثا ‪ ,‬وقد ثبت ذلك أخيرا عن طريق دراسة مراحل النمو‬
‫المتتالية في هياكل الحيوانات وفي جذوع الشجار المعمرة‬
‫والمتأحفرة ‪ ,‬وقد انضوت دراسة تلك الظاهرة في جذوع‬
‫الشجار تحت فرع جديد من العلوم التطبيقية يعرف باسم علم‬
‫تحديد الزمنة بواسطة الشجار أو‬
‫)‪(Dendrochronology‬‬
‫وقد بدأ هذا العلم بدراسة الحلقات السنوية التي تظهر في جذوع‬
‫الشجار عند عمل قطاعات مستعرضة فيها وهي تمثل مراحل‬
‫النمو المتتالية في حياة النبات ) من مركز الساق حتي طبقة‬
‫الغطاء الخارجي المعروفة باسم اللحاء (‪ ,‬وذلك من أجل التعرف‬
‫علي الظروف المناخية والبيئية التي عاشت في ظلها تلك‬
‫الشجار حيث أن الحلقات السنوية في جذوع الشجار تنتج‬
‫بواسطة التنوع في الخليا التي يبنيها النبات في فصول السنة‬
‫المتتابعة ) الربيع ‪ ,‬والصيف ‪ ,‬والخريف ‪ ,‬والشتاء ( فترق رقة‬
‫شديدة في فترات الجفاف ‪ ,‬وتزداد سمكا في الونة المطيرة ‪.‬‬
‫وقد تمكن الدارسون لتلك الحلقات السنوية من متابعة التغيرات‬
‫المناخية المسجلة في جذوع عدد من الشجار الحية المعمرة‬
‫مثل أشجار الصنوبر ذات المخاريط الشوكية المعروفة باسم‬
‫)‪(Pinusaristata‬‬
‫إلي أكثر من ثمانية آلف سنة مضت ‪ ,‬ثم انتقلوا إلي دراسة‬
‫الحافير عبر العصور الرضية المتعاقبة ‪ ,‬وطوروا تقنياتهم من‬
‫أجل ذلك فتبين لهم أن الحلقات السنوية في جذوع الشجار‬
‫)‪(AnnualRings‬‬
‫وخطوط النمو في هياكل الحيوانات‬
‫)‪(LinesofGrowth‬‬
‫يمكن تصنيفها إلي السنوات المتتالية ‪ ,‬بفصولها الربعة ‪,‬‬
‫وشهورها الثني عشر ‪ ,‬وأسابيعها الستة والخمسين ‪ ,‬وأيامها ‪,‬‬
‫ونهار كل يوم وليلة وأن عدد اليام في السنة يتزايد باستمرار مع‬
‫تقادم عمر العينة المدروسة ‪ ,‬ومعني ذلك أن سرعة دوران‬
‫الرض حول محورها أمام الشمس كانت في القديم أسرع منها‬
‫اليوم ‪ ,‬وهنا تتضح روعة التعبير القرآني يطلبه حثيثا عند بدء‬
‫الخلق كما جاء في الية رقم )‪ (54‬من سورة العراف ‪.‬‬

‫‪240‬‬
‫تزايد عدد أيام السنة بتقادم عمر الرض وعلقتها بالسرعة‬
‫الفائقة لدوران الرض حول محورها عند بدء الخلق‬
‫في أثناء دراسة الظروف المناخية والبيئية القديمة كما هي‬
‫مدونة في كل من جذوع النباتات وهياكل الحيوانات القديمة‬
‫اتضح للدارسين أنه كلما تقادم الزمن بتلك الحلقات السنوية‬
‫وخطوط النمو زاد عدد اليام في السنة ‪ ,‬وزيادة عدد اليام في‬
‫السنة هو تعبير دقيق عن زيادة سرعة دوران الرض حول‬
‫محورها أمام الشمس ‪.‬‬
‫وبتطبيق هذه الملحظة المدونة في الحافير ) البقايا الصلبة‬
‫للكائنات البائدة ( بدقة بالغة أتضح أن عدد أيام السنة في العصر‬
‫الكمبري‬
‫‪((CambrianPeriod‬‬
‫أي منذ حوالي ستمائة مليون سنة مضت ـ كان ‪ 425‬يوما ‪ ,‬وفي‬
‫منتصف العصر الوردوفيشي‬
‫)‪(OrdovicianPeriod‬‬
‫أي منذ حوالي ‪ 450‬مليون سنة مضت ـ كان ‪ 415‬يوما ‪ ,‬وبنهاية‬
‫العصر التراياسي‬
‫)‪(TriassicPeriod‬‬
‫أي منذ حوالي مائتي مليون سنة مضت ـ كان ‪ 385‬يوما ‪ ,‬وهكذا‬
‫ظل هذا التناقص في عدد أيام السنة ) والذي يعكس التناقص‬
‫التدريجي في سرعة دوران الرض حول محورها ( حتي وصل‬
‫عدد أيام السنة في زماننا الراهن إلي ‪ 365,25‬يوم تقريبا )‪365‬‬
‫يوما ‪ 5,‬ساعات ‪ 49,‬دقيقة ‪ 12,‬ثانية (‪ .‬وباستكمال هذه الدراسة‬
‫اتضح أن الرض تفقد من سرعة دورانها حول محورها أمام‬
‫الشمس واحدا من اللف من الثانية في كل قرن من الزمان‬
‫بسبب كل من عمليتي المد والجزر وفعل الرياح المعاكسة لتجاه‬
‫دوران الرض حول محورها ‪ ,‬وكلهما يعمل عمل الكابح‬
‫) الفرامل ( التي تبطيء من سرعة دوران الرض حول محورها ‪.‬‬
‫وبمد هذه الدراسة إلي لحظة تيبس القشرة الخارجية للرض‬
‫) أي قريبا من بداية خلقها علي هيئتها الكوكبية ( منذ حوالي‬
‫‪ 4,600‬مليون سنة مضت وصل عدد اليام بالسنة إلي ‪2200‬‬
‫يوم تقريبا ‪ ,‬ووصل طول الليل والنهار معا إلي حوالي الربع‬
‫ساعات ‪ ,‬ومعني هذا الكلم أن سرعة دوران الرض حول‬
‫محورها أمام الشمس كانت ستة أضعاف سرعتها الحالية ‪!!..‬‬
‫فسبحان الله الذي أنزل في محكم كتابه من قبل ألف وأربعمائة‬
‫سنة قوله الحق ‪:‬‬

‫‪241‬‬
‫إن ربكم الله الذي خلق السماوات والرض في ستة أيام ثم‬
‫استوي علي العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا ‪...‬‬
‫) العراف ‪(54:‬‬
‫وسبحان الله الذي أبقي لنا في هياكل الكائنات الحية والبائدة ما‬
‫يؤكد تلك الحقيقة الكونية ‪ ,‬حتي تبقي هذه الشارة القرآنية‬
‫الموجزة يطلبه حثيثا مما يشهد بالعجاز العلمي للقرآن الكريم ‪,‬‬
‫وبأنه كلم الله الخالق ‪ ,‬وبأن خاتم النبياء والمرسلين الذي تلقاه‬
‫عن طريق الوحي كان موصول برب السماوات والرض ‪ ,‬وأنه‬
‫) صلي الله عليه وسلم ( ما كان ينطق عن الهوي ‪!!...‬‬
‫ارتباك دوران الرض قبل‬
‫طلوع الشمس من مغربها‬
‫بمعرفة كل من سرعة دوران الرض حول محورها أمام الشمس‬
‫في أيامنا الراهنة ‪ ,‬ومعدل تباطؤ سرعة هذا الدوران مع الزمن ‪,‬‬
‫توصل العلماء إلي الستنتاج الصحيح أن أرضنا سوف يأتي عليها‬
‫وقت تجبر فيه علي تغيير اتجاه دورانها بعد فترة من‬
‫الضطراب ‪ ,‬فمنذ اللحظة الولي لخلقها إلي اليوم وإلي أن يشاء‬
‫الله تدور أرضنا من الغرب إلي الشرق ‪ ,‬فتبدو الشمس طالعة‬
‫من الشرق ‪ ,‬وغاربة في الغرب ‪ ,‬فإذا انعكس اتجاه دوران‬
‫الرض طلعت الشمس من مغربها وهو من العلمات الكبري‬
‫للساعة ومن نبوءات المصطفي ) صلي الله عليه وسلم (‬
‫فعن حذيفة بن أسيد الغفاري ) رضي الله عنه ( أنه قال ‪:‬‬
‫اطلع النبي ) صلي الله عليه وسلم ( علينا ونحن نتذاكر ‪ ,‬فقال ‪:‬‬
‫ما تذاكرون؟ ‪ ,‬قلنا ‪ :‬نذكر الساعة ‪,‬‬
‫فقال ‪ :‬إنها لن تقوم حتي تروا قبلها عشر آيات‬
‫فذكر ‪ :‬الدخان ‪ ,‬الدجال ‪ ,‬والدابة ‪ ,‬وطلوع الشمس من مغربها ‪,‬‬
‫ونزول عيسي بن مريم ‪ ,‬ويأجوج ومأجوج ‪ ,‬وثلثة خسوف ‪:‬‬
‫خسف بالمشرق ‪ ,‬وخسف بالمغرب ‪ ,‬وخسف بجزيرة العرب ‪,‬‬
‫وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلي محشرهم‬
‫وعن عبدالله بن عمرو ) رضي الله عنه ( قال ‪ :‬سمعت رسول‬
‫الله ) صلي الله عليه وسلم ( يقول ‪ :‬إن أول اليات خروجا‬
‫طلوع الشمس من مغربها ‪ ,‬وخروج الدابة علي الناس ضحي ‪,‬‬
‫وأيهما ما كانت قبل صاحبتها ‪ ,‬فالخري علي إثرها قريبا ‪.‬‬
‫وفي حديث الدجال الذي رواه النواس بن سمعان ) رضي الله‬
‫عنه ( قال ‪ :‬ذكر رسول الله ) صلي الله عليه وسلم ( الدجال ‪..‬‬
‫قلنا يا رسول الله ‪ :‬وما لبثه في الرض؟ قال ) صلي الله عليه‬
‫وسلم (‪ :‬أربعون يوما ‪ ,‬يوم كسنة ‪ ,‬ويوم كشهر ‪ ,‬ويوم كجمعة ‪,‬‬
‫وسائر أيامه كأيامكم ‪ ,‬قلنا يارسول الله فذلك اليوم الذي كسنة‬

‫‪242‬‬
‫أتكفينا فيه صلة يوم؟ قال ) صلي الله عليه وسلم (‪ :‬ل ‪ ,‬أقدروا‬
‫له ‪...‬‬
‫ومن المور العجيبة أن يأتي العلم التجريبي في أواخر القرن‬
‫العشرين ليؤكد أنه قبل تغيير اتجاه دوران الرض حول محورها‬
‫أمام الشمس ستحدث فترة اضطراب نتيجة لتباطؤ سرعة‬
‫دوران الرض حول محورها ‪ ,‬وفي فترة الضطراب تلك ستطول‬
‫اليام بشكل كبير ثم تقصر وتنتظم بعد ذلك ‪.‬‬
‫ويعجب النسان لهذا التوافق الشديد بين نبوءة المصطفي‬
‫) صلي الله عليه وسلم ( وما أثبته العلم التجريبي في أواخر‬
‫القرن العشرين ‪ ,‬والسؤال الذي يفرض نفسه ‪ :‬من الذي علم‬
‫ذلك لهذا النبي المي ) صلي الله عليه وسلم ( ؟ ولماذا أشار‬
‫القرآن الكريم إلي مثل هذه القضايا الغيبية التي لم تكن معروفة‬
‫في زمن الوحي؟ ول لقرون من بعده؟ لول أن الله ) تعالي (‬
‫يعلم بعلمه المحيط أن النسان سيصل في يوم من اليام إلي‬
‫اكتشاف تلك الحقائق الكونية‬
‫أرجو أن تذكر لى رد هؤلء الجهال عندما يدركون هذه الحقيقة و‬
‫التى أثبتها العلم لهم و هل سيستمرون فى ضللهم من أن‬
‫أحاديث الدجال منافية للعلم؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟‬
‫الشبهة الثالثة‬
‫الشبهة الثالثة‪ :‬ـ إنه أشبه بالساطير الباطلة ‪ ،‬فإن رجل ً يمشى‬
‫على رجلين يطوف البلد يدعو الناس لعبادته ويكون معه جنة‬
‫ونار تمشيان معه أينما ذهب يلقى فيهما من يشاء كل هذه المور‬
‫التى يسيغها العقل ‪ ،‬والنبى أجل من أن يأتى بشى تنقضه بداهة‬
‫النظر ‪ ،‬وهل مثل هذا المر مما يصلح أن يسيغه عقل بشرى ناط‬
‫الله به تمييز الممكن من المستحيل وجعله الفارق بين الحق‬
‫والباطل ‪.‬‬
‫لقد اثبت العلم فساد عقله عندما جاء مؤيدا لصدق النبى محمد‬
‫فى أخباره عن طول اليوم فى حديثه عن الدجال فهل يصح بعد‬
‫ذلك حكم العقل الناقص على النقل الصحيح‬
‫المتواتر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟‬
‫و أين حكم العقل عندما أخبر رسول الله أصحابه و هم فى مكة‬
‫مستضعفين أنهم سيملكون ملك كسرى و قيصر و سيفتحون‬
‫القسطنطنية و قد تحققت بفضل الله هذه النبؤات هل كان‬
‫العقل بمفرده يستطيع تصديق هذا المر ؟؟‬
‫ثانيا‪:‬هل تؤمن بقدرة الله أم ل؟؟؟؟‬
‫أن الله الذى خلق الكون هو الذى سيخلق الدجال و فتنته ومما‬
‫أعلمه أن المسيح الدجال والجساسة خلق من مخلوقات الله عز‬

‫‪243‬‬
‫وجل ‪ ،‬حاله حال الدابة التي تخرج في آخر الزمان‪ ،‬وليس ذلك‬
‫على الله بعزيز‬
‫فهل هذا صعب على الله؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟‬
‫لخلق السموات و الرض أعظم من خلق الدجال و فتنته لو كان‬
‫هؤلء الجهال يعلمون‬
‫و هل أستطاع عقله أن يعى كل أمور الكون و وقفت أمامه فقط‬
‫مسألة الدجال؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟‬
‫كتب في ‪May 5 2005, 08:37 AM :‬‬
‫الشبهة الرابعة‬
‫الشبهة الرابعة‪ :‬كيف يعقل أن رجل ً أعور مكتوب على جبهته‬
‫كافر ‪ ،‬يقرأها الكاتب والمى على السواء يقوم بين الناس‬
‫فيدعوهم لعبادته فتروج له دعوة أو تسمع له كلمة ؟!‬
‫أى إنسان بلغ به النحطاط العقلى إلى درجة يعتقد بألوهية رجل‬
‫مشوه الخلقة مكتوب فى وجهه كافر بالحرف العريضة ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫أعلموا رحمكم الله أن الله عز وجل جعل من سنته أن يبتلي‬
‫الناس ليظهر المؤمن من الكافر وليتبين المسلم الحق من‬
‫المرتاب الشاك ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى ينزل بالعباد فتنا‬
‫ليتميز أهل الجنة من أهل النار بل حتى يتميز المسلمون في‬
‫مدى ايمانهم ولذلك فإن هناك آيات عظيمة وفتن كثيرة وابتلءات‬
‫كثيرة ستنزل بالعباد وهذه البتلءات لها فوائد كبيره وهي‬
‫تمحيص الناس وتبيين من هو على الطريقة السوية ممن يسير‬
‫على هوى أو يحذو حذو سبل الشيطان‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫ذير ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫جال ت َ ْ‬ ‫مرِ الد ّ ّ‬ ‫م ب ِأ ْ‬ ‫ومه ْ‬ ‫ذار اْلن ْب َِياء قَ ْ‬ ‫ي إ ِن ْ َ‬ ‫ل ا ِْبن ال ْ ْعََرب ِ ّ‬ ‫وََقا َ‬
‫قاد ‪ ,‬وَك َذ َل ِ َ‬
‫ك‬
‫َ‬
‫سن اِلع ْت ِ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫زعَها ع َ ْ‬ ‫حّتى َل ي َُزع ْ ِ‬ ‫مأِنيَنة ل ََها َ‬ ‫فَتن وَط ُ َ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫شاَر‬ ‫ذير‪,‬وَأ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫دة ِفي الت ّ ْ‬ ‫ه زَِيا َ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫صّلى الّله ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫ي َ‬ ‫ريب الن ّب ِ ّ‬ ‫ق ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫َ‬
‫شَبه‬ ‫ن د َفَُعوا ال ّ‬ ‫مان َثاب ِِتي َ‬ ‫لي َ‬ ‫كاُنوا ع ََلى ا ْ ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫م إِ َ‬ ‫ك إ َِلى أن ّهُ ْ‬ ‫معَ ذ َل ِ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫قي ِ‬ ‫ِبال ْي َ ِ‬
‫ما أيده به الله من خوارق للعادت ستجعل كثير من الناس‬
‫يفتنون به و هذا هو البتلء و الفتنة العظيمة التى حذر منها‬
‫الرسول‬
‫ري الّله اْلَية ع ََلى َيد‬ ‫َ‬ ‫خ ّ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫ج ِ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫جوز أ ْ‬ ‫ل ك َْيف ي َ ُ‬ ‫ن ِقي َ‬ ‫ي ‪ :‬فَإ ِ ْ‬ ‫طاب ِ ّ‬ ‫َقا َ‬
‫ن آَيات اْلن ْب َِياء فَك َْيف‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫مة ِ‬ ‫ظي َ‬‫موَْتى آَية ع َ ِ‬ ‫حَياء ال ْ َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫كاِفر ؟ فَإ ِ ّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ه ع ََلى‬ ‫َ‬
‫واب أن ّ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫عي الّرُبوب ِّية ؟ َفال ْ َ‬ ‫فت َرٍ ي َد ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ذاب ُ‬ ‫جال وَهُوَ ك َ ّ‬ ‫ي ََنالَها الد ّ ّ‬
‫َ‬
‫طل غ َْير‬ ‫مب ْ ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫ل ع ََلى أن ّ ُ‬ ‫ما ي َد ُ ّ‬ ‫م َ‬ ‫عن ْد َهُ ْ‬‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫فت َْنة ل ِل ْعَِباد ِ إ ِذ ْ َ‬ ‫سِبيل ال ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫قَرؤ ُه ُ ك ّ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫جب َْهته كاِفر ي َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مكُتوب ع َلى َ‬ ‫ور َ‬ ‫ه أع ْ َ‬ ‫واه ُ وَهُوَ أن ّ ُ‬ ‫حقّ ِفي د َع ْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫در ‪ ,‬إ ِذ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫ذات َوال ْ َ‬ ‫قص ال ّ‬ ‫فر وَن َ ْ‬ ‫سم ال ْك ُ ْ‬ ‫معَ وَ ْ‬ ‫ضة َ‬ ‫ح َ‬ ‫دا ِ‬ ‫واه ُ َ‬ ‫سِلم ‪ ,‬فَد َع ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬

‫‪244‬‬
‫َ‬ ‫ن إ ِل ًَها َل ََزا َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫مة ِ‬ ‫سال ِ َ‬‫جهه ‪َ ,‬وآَيات اْلن ْب َِياء َ‬ ‫ن وَ ْ‬ ‫ك عَ ْ‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ل َوْ َ‬
‫ن‪.‬‬ ‫شت َب َِها ِ‬‫ضة فََل ي َ ْ‬ ‫مَعاَر َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫من قال لهذا الجاهل أن كل الناس تستطيع قرائتها ؟؟؟؟؟؟؟؟؟‬
‫أن النص يصرح بأن الذى يستطيع قرائتها هو المؤمن فقط " أنه‬
‫مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن " وفي رواية أخرى‬
‫"يقرؤه كل مؤمن كاتب أو غير كاتب " سواء يعرف القراءة‬
‫والكتابة أو ل يعرف أي أن كل المؤمنون يستطيعون أن يقرؤوا‬
‫هذه الحروف بين أعيني الدجال ) ك ف ر ( كافر واللف طبعا‬
‫في الماضي ل يكتبونها في الخط لكن تنطق "والكفار يحجبهم‬
‫عنها بحوله وقوته "‪.‬‬
‫الشبهة الخامسة‬
‫الشبهة الخامسة‪ :‬ـ لماذا لم يذكر القرآن عن هذا المسيح الدجال‬
‫شيئا ً مع خطورة أمره وعظم فتنته كما تدل عليه تلك الحاديث‬
‫الموضوعة ‪ ،‬فهل يعقل أن القرآن يذكر ظهور دابة الرض ‪ ،‬ول‬
‫يذكر ظهور ذلك الدجال الذى معه جنة ونار يفتن بهما الناس ؟‬
‫تساءل العلماء عن الحكمة في عدم التصريح بذكر الدجال في‬
‫القرآن الكريم مع عظم فتنته وتحذير النبياء منه والمر‬
‫بالستعاذة منه فتنته في الصلة فأجابوا عن ذلك بأجوبة منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬إنه مذكور من ضمن اليات التي ذكرت في قوله تعالى ) ‪....‬‬
‫ْ‬
‫من‬‫ت ِ‬ ‫من َ ْ‬‫نآ َ‬ ‫م ت َك ُ ْ‬‫مان َُها ل َ ْ‬
‫سا ِإي َ‬
‫ف ً‬ ‫ك ل َ َين َ‬
‫فعُ ن َ ْ‬ ‫ت َرب ّ َ‬ ‫ض آَيا ِ‬ ‫م ي َأِتي ب َعْ ُ‬ ‫ي َوْ َ‬
‫َ‬
‫ن ( سورة‬ ‫منت َظ ُِرو َ‬ ‫ل انت َظ ُِروا ْ إ ِّنا ُ‬‫خي ًْرا قُ ِ‬ ‫مان َِها َ‬ ‫ت ِفي ِإي َ‬ ‫سب َ ْ‬‫ل أوْ ك َ َ‬ ‫قَب ْ ُ‬
‫النعام آية ) ‪( 158‬‬
‫وهذه اليات هي الدجال وطلوع الشمس من مغربها والدابة وهي‬
‫المذكورة في تفسير هذه الية فقد روى مسلم والترمذي عن‬
‫أبى هريرة رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ) :‬ثلث إذا خرجن ل ينفع نفسا ً إيمانها لم تكن آمنت من‬
‫قبل او كسبت في إيمانها خيرا طلوع الشمس من مغربها‬
‫والدجال ودابة الرض ‪0‬‬
‫إن القران الكريم ذكر نزول عيسى عليه السلم قال تعالى‬
‫ساع َةِ ‪ ( ..‬سورة الزخرف آية )‪(61‬‬ ‫م ّلل ّ‬ ‫ه ل َعِل ْ ٌ‬ ‫) وَإ ِن ّ ُ‬
‫والمراد بكونه علما ً للساعة كونه من أشراطها ينزل على الرض‬
‫فيعلم به قرب الساعة إي نزول عيسى بن مريم ومن المعلوم‬
‫أنه هو الذي يقتل المسيح الدجال فاكتفى بذكر مسيح الهدى‬
‫عيسى بن مريم عليه السلم عن مسيح الضللة ‪ ،‬وعادة العرب‬
‫أنها تكتفي بذكر أحد الضدين دون الخر ‪0‬‬

‫‪245‬‬
‫ض أ َك ْب َُر‬ ‫َْ‬
‫ت َوالْر ِ‬‫ماَوا ِ‬
‫س َ‬‫خل ْقُ ال ّ‬ ‫‪ -3‬انه مذكور في قوله تعالى ) ل َ َ‬
‫خل ْق الناس ول َك َ‬
‫ن ( سورة غافر آية )‬ ‫مو َ‬ ‫س َل ي َعْل َ ُ‬ ‫ن أك ْث ََر الّنا ِ‬
‫ن َ ِ ّ ِ َ ِ ّ‬ ‫م ْ‬
‫ِ‬
‫‪(57‬‬
‫والمقصود بالناس هنا المسيح الدجال من إطلق الكل على‬
‫البعض قال ابو العالية " ‪ ) : " 1‬أي اعظم من خلق الدجال حين‬
‫عظمته اليهود (‪0‬‬
‫ً‬
‫‪-‬أن القرآن الكريم لم يذكر الدجال احتقارا لشأنه لنه يدعي‬
‫الربوبية وهو بشر ينافي حاله جلل الرب وعظمته وكماله‬
‫وكبرياءه وتنزهه عن النقص فلذلك كان أمره عند الله أحقر‬
‫واصغر من أن يذكر ‪ ،‬ومن هذا حذرت النبياء منه وبينت خطره‬
‫وفتنته كما سبق أن كل نبي انذر أمته ) العور الدجال ( وحذرها‬
‫من فتنته ‪0‬‬
‫فإن اعترض بأن القرآن الكريم ذكر فرعون وهو قد ادعى‬
‫الربوبية واللوهية فنقول ‪:‬‬
‫ذكر عبرة للناس وعظة وأما أمر‬ ‫أن أمر فرعون انقضى وانتهى و ُ‬
‫الدجال فسيحدث في اخر الزمان فترك ذكره امتحانا ً به مع أن‬
‫ادعاءه الربوبية اظهر من أن ينبه على بطلنه لن الدجال ظاهر‬
‫النقص واضح الذم أحقر واصغر من المقام الذي يدعيه فترك‬
‫الله ذكره لما يعلم تعالى من عباده المؤمنين أن مثل هذا ل‬
‫يخيفهم ول يزيدهم إل إيمانا وتسليما لله ورسوله كما قال الشاب‬
‫الذي يقتله الدجال ويحييه ) والله ما كنت فيك اشد بصيرة مني‬
‫اليوم ( أي قد استيقنت اكثر ما كنت عليه بعد أن قتلني ‪0‬‬
‫وقد يترك ذكُر الشيء لوضوحه كما ترك النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم في مرض موته أن يكتب كتابا ً بخلفة الصديق رضي الله‬
‫عنه لوضوحه وذلك لعظم قدر أبى بكر عند الصحابة رضي الله‬
‫عنهم ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم ) يأبي الله‬
‫والمؤمنون إل أبا بكر ( ‪0‬‬
‫الشبهة السادسة‬
‫‪-‬الشبهة السادسة‪ :‬ـ إن كون هذه الحاديث موضوعة ‪ ،‬يعرف‬
‫بالحس من الحديث الطويل الذى نسب إلى النواس بن سمعان‬
‫‪-‬هل أتيت لنا بأقوال علماء الحديث الذين يؤيدون دعواك؟‬
‫ن هذه القصة صحيحة – بل متواترة‪ -‬لم ينفرد بها تميم‬ ‫‪-‬اعلم أ ّ‬
‫الداري؛ كما يظن بعض الجهلة من المعلقين على ))النهاية(( لبن‬
‫كثير(‪ ،‬فقد تابعه عليها أبو هريرة وعائشة وجابر‬
‫‪-‬أما لو كان أنكارك له أعتمادا على عقلك القاصر فقد أثبت لك‬
‫قصور عقلك و فاسده بذكر العجاز العلمى فى حديث الدجال‬

‫‪246‬‬
‫‪-‬هذه بعض المواقع التى تحتوى على أقوال أهل العلم من علماء‬
‫الحديث فى تكذيب ذلك الدعى الكذاب و من أتبعه من المغفلين‬
‫و التى تثبت صحة هذه الحاديث‬
‫‪-‬إقامة البرهان في الرد على من أنكر خروج المهدي والدجال‬
‫إقامة البرهان في الرد على من أنكر خروج المهدي والدجال‬
‫‪http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=10&book=1603-‬‬
‫قصة المسيح الدجال ونزول عيسى عليه الصلة والسلم وقتله‬
‫إياه ‪.‬للشيخ ناصر الدين اللبانى ‪:‬توضيح العلمة اللبانى رحمه‬
‫الله كان أعلم المسلمين فى عصرنا بالحديث‬
‫‪http://www.saaid.net/book/open.php?cat=1&book=1073‬‬
‫أحاديث وردت في فتنة الدجال ‪ .‬معتز أحمد عبد الفتاح‬
‫‪http://www.saaid.net/book/open.php?cat=3&book=1212‬‬
‫الشبهة السابعة‬
‫الشبهة السابعة‪ :‬قد يقول بعض الناس ما هي فائدة ذكر هذه‬
‫الخبار ؟؟ ولماذا ندرس أشياء قد ل تقع في عصرنا ؟؟ ولما‬
‫نتعرض لتفاصيل بعض المور التي لن تحدث في هذا الزمن الذي‬
‫نعيش فيه ؟؟‬
‫فنقول أيها الخوة أن من هذه الشياء فوائد فمن ذلك‬
‫أول ‪ :‬أن اليمان بالغيب من صفات المسلم ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬أفرض مثل الن نحن سنتعرض لحديث الدجال هب أن‬
‫انسان قال غنني أكاد أجزم بأن الدجال لن يقوم ولن يظهر في‬
‫هذا الزمن فنقول إن في ذكر حديث الدجال تعليم هام للمة‬
‫وفيه بيان لمواقف الناس من الدجال عندما يظهر فيها أسوة لنا‬
‫وعبرة ونحن نعيش في هذا العصر كيف نواجه الفتن لن الفتن‬
‫كثيرة فتنة الدجال وفتنة الدجاجله الخرين قد يظهرون في هذا‬
‫الزمن صحيح أنهم ليسوا هم الدجال الكبر ولكن في بيان‬
‫الموقف من الدجال الكبر درس لنا في كيفية الوقوف وما هو‬
‫الموقف الصحيح أمام الدجاجلة الذين يظهرون ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬كيف ستتعلم الجيال القادمة التي سيظهر فيها الدجال‬
‫الموقف الصحيح اذا لم تنقل روايات مثل الدجال عبر ديننا نحن‬
‫وكيف ستتربى الجيال على الثبات امام الدجال اذا لم نعلم نحن‬
‫الجيل الذي نعيش فيه والجيل الذي سيلينا بحيث تنقل هذه‬
‫المواقف لذلك الجيل الذي سيظهر فيه الدجال مع العلم أننا ل‬
‫نستطيع أن نجزم مائة بالمائة أن الدجال لن يظهر في عصرنا ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬حساسية المؤمن ودقة شعوره وخوفه من الله عز وجل‬
‫يجعله ينظر برهبة لمثل هذه الحاديث التي فيها ذكر الدجال وما‬
‫حول الدجال من الفتن الخرى‬

‫‪247‬‬
‫‪May 5 2005, 08:39 AM‬‬ ‫كتب في ‪:‬‬
‫الشبهة الثامنة‬
‫الشبهة الثامنة‪ ، :‬ولكن الدليل الحسي على بطلن هذا الحديث‬
‫أن واضعه بقصر نظره خيل له أن أسلحة الناس لن تزال القسي‬
‫والسهام والنشاب والجعاب حتى تقوم الساعة ‪ ،‬ولم يدرك أنه‬
‫لن يمر على وضع هذا الحديث نحو سبعة قرون حتى ل يوجد‬
‫البارود والبندق‬
‫إن الحديث يوضح حقيقة واضحة لمآل هذه الحضارة وأنه الزوال‬
‫المهلك ولهذا فإنه من المرجح أن زوال هذه الحضارة سيكون‬
‫بما صنعته من وسائل الدمار بحيث تحدث الحروب المدمرة التى‬
‫تؤدى إلى هلك معظم البشر وعلى دمار وسائل الصناعة الحديثة‬
‫مما يجعل من يبقى من الناس بعد الموت العام الذى يصيب‬
‫البشر يستخدمون الوسائل التقليدية فى الحروب وهو السلح‬
‫البيض ولهذا فإن هذا الحديث يوفر للمسلم البشرى والطمئنان‬
‫إلى ما سوف يحدث ويجعله فى راحة بال عند حدوث الموت‬
‫العام‪.‬‬
‫كما إن الموت العام الذى أشار إليه الحديث قد ل يحدث نتيجة‬
‫لقيام الحروب فقد يحدث نتيجة لعقاب ينزل من السماء على‬
‫الكافرين والبغاة فقد ورد فى القرآن ما يشير إلى ذلك فى قوله‬
‫تعالى ) حتى إذا أخذت ألرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم‬
‫قادرون عليها جاءها أمرنا ليل أو نهارا ً فأصبحت كأن لم تغن‬
‫بالمس( وظن الناس وخاص الكافرين بأنهم قادرون على حماية‬
‫الرض ما أشارت إليه الخبار في وسائل العلم عن حدوث‬
‫اصطدام مذنب بكوكب المشترى وأن الحكومة المريكية أمرت‬
‫علماءها برصد المذنبات لصدها عن الرض بما يملكونه من‬
‫صواريخ قوية والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس ل‬
‫يعلمون(‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬خروج أحد المذنبات والتي سوف يكون له تأثير على الحياة‬
‫النباتية ‪ ،‬ومن المعروف أن مذنب هالي يتكرر كل ستة وسبعين‬
‫عاما ً ‪ ،‬ومن المعلوم أن هذا المذنب يصحبه دخان كثيف فلقد‬
‫حاول العلماء تصوير مذنب هالي عندما أقترب من الرض عام‬
‫‪1986‬م ولكنهم لم يستطيعوا أن يصوروه عن قرب لكثافة‬
‫الدخان الذي يتركه خلفه ويذكر أن مذنب هالي لو أقترب من‬
‫الرض بشكل كبير جدا لصاب الرض دخان كثيف يؤثر على‬
‫النباتات ولو صحت هذه المقولة العلمية فإنها تتفق مع ما ورد‬
‫من أحاديث من أنه يسبق الدجال سنوات يقل فيها النبات ففي‬
‫الحديث الطويل الذي رواه ابن ماجه عن أبى أمامه الباهلى‬

‫‪248‬‬
‫رضى الله عنه جاء فيه ) وإن قبل الدجال ثلث سنوات شداد‬
‫يصيب الناس منها جوع شديد يأمر الله السماء في السنة الولى‬
‫أن تحبس ثلث مطرها ويأمر الرض فتحبس ثلث نباتها ثم يأمر‬
‫السماء في الثانية فتحبس ثلثي مطرها ويأمر الرض فتحبس‬
‫ثلثي نباتها ثم يأمر الله السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها‬
‫كله فل تقطر قطره ويأمر الرض فتحبس نباتها فل تنبت خضراء‬
‫فل تبقى ذات ظلف إل هلكت إلى ما شاء الله ( ‪ .‬هذا الوصف‬
‫لما يصيب الرض قبل خروج الدجال يتفق مع ما ذكره علماء‬
‫الفلك عن ما ينتج من تأثير اقتراب المذنب هالي من الرض من‬
‫خلل الدخان الذي سوف يقذفه على الرض ‪ ،‬لهذا فليس من‬
‫المستبعد أن تكون علمة الدخان التي وردت في الحاديث‬
‫الصحيحة من أنها إحدى العلمات العشر ‪ ،‬وقد يكون الدخان‬
‫الذي يقذفه المذنب عندما يأذن الله بذلك هو الدخان المشار إليه‬
‫بأنه أحد العلمات العشر‬
‫الشبهة التاسعة‬
‫الشبهة التاسعة‪ :‬قول بعض المتخرصين ‪ :‬إن الحاديث الواردة‬
‫في نزول عيسى كلها مزيفة ل يقبلها العقل و انه ل ذكر لنزوله‬
‫فى القران‬
‫فجوابه أن يقال ‪ :‬بل نزول عيسى عليه الصلة والسلم في آخر‬
‫الزمان حقيقة يؤكدها القرآن ‪ ،‬تعالى في صفة ‪r‬قال الله ‪ } :‬وما‬
‫ينطق عن الهوى ‪ .‬إن هو إل وحي يوحى { وقد تواترت عن‬
‫رسوله أنه أخبر بنزول عيسى عليه الصلة والسلم في آخر‬
‫الزمان ‪ ،‬فيجب النبي بذلك لقول الله تعالى ‪ } :‬وما آتاكم‬
‫الرسول فخذوه { وقد جاء في ذلك ‪r‬اليمان آيتان من القرآن ‪:‬‬
‫إحداهما ‪ :‬قول الله تعالى ‪ } :‬وإن من أهل الكتاب إل ليؤمنن به‬
‫قبل موته { قال ابن عباس رضي الله عنهما ‪ :‬قبل موت عيسى‬
‫بن مريم ‪ .‬رواه ابن جرير بإسناد صحيح ‪ .‬وروى الحاكم في‬
‫مستدركه عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الية قال ‪:‬‬
‫خروج عيسى بن مريم ‪ .‬قال الحاكم ‪ :‬صحيح على شرط‬
‫الشيخين ‪ .‬ووافقه الذهبي في تلخيصه ‪ .‬وروى أبو بكر الجري‬
‫في كتاب الشريعة عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الية‬
‫قال ‪ :‬يعني أنه سيدركه أناس من أهل الكتاب حين يبعث عيسى‬
‫فيؤمنون به ‪ .‬وروى ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه‬
‫أنه قال في هذه الية نحو قول ابن عباس رضي الله عنهما ‪.‬‬
‫وهذا القول هو الصحيح في تفسير الية ‪ ،‬وقد اختاره ابن جرير‬
‫وابن كثير ‪ ،‬وبه يقول أبو مالك والحسن وقتادة وعبدالرحمن مع‬
‫العلم أن القران نفى موت عيسى عليه السلم و أثبت أنه‬

‫‪249‬‬
‫سيموت سورة مريم" وسلم علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم‬
‫أبعث حيا"‬
‫الية الثانية ‪ :‬قوله تعالى ‪ } :‬وإنه لعلم للساعة { وقرأ ابن عباس‬
‫وأبو هريرة وقتادة والعمش ‪ } :‬وإنه لعََلم للساعة {بفتح العين‬
‫واللم أي أمارة وعلمة على اقتراب الساعة ‪ ،‬قال ابن عباس‬
‫رضي الله عنهما في قوله ‪ } :‬وإنه لعلم للساعة { قال ‪ :‬هو‬
‫خروج عيسى بن مريم يوم القيامة ‪ .‬رواه المام أحمد وسعيد بن‬
‫منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم في‬
‫مستدركه وصححه هو والذهبي ‪ .‬وقد رواه ابن حبان في صحيحه‬
‫والحاكم‬
‫من حديث ابن ‪ } :r‬وإنه عباس رضي الله عنهما عن النبي لعلم‬
‫للساعة { قال ‪ ) :‬نزول عيسى بن مريم قبل يوم القيامة (‬
‫صححه الحاكم والذهبي ‪ .‬وقد روي عن أبي هريرة ومجاهد‬
‫والحسن وقتادة وأبي العالية وأبي مالك وعكرمة والضحاك نحو‬
‫قول ابن عباس رضي الله عنهما ‪.‬‬
‫ومما جاء في اليتين والحاديث الثابتة في نزول عيسى عليه‬
‫الصلة والسلم في آخر الزمان عن النبي وأبو هريرة وغيرهما‬
‫من السلف في تفسير اليتين من ‪ ،r‬وما قاله ابن عباس سورة‬
‫النساء وسورة الزخرف يعلم أن نزول عيسى عليه الصلة‬
‫والسلم حق ‪ ،‬والحق ل يتنافى مع السلم ‪ ،‬ومن زعم أن نزوله‬
‫يتنافى مع السلم فهو ممن يشك في إسلمه ‪ ،‬الله ‪ ،‬إذ لبد في‬
‫تحقيقها من ‪r‬لنه لم يحقق الشهادة بأن محمدا رسول من أمور‬
‫الغيب التصديق بكل ما أخبر به رسول الله مما كان فيما مضى ‪،‬‬
‫وما سيكون في المستقبل ‪.‬‬
‫وأما قول بعض المتخرصين ‪ :‬إن الحاديث الواردة في نزول‬
‫عيسى كلها مزيفة ل يقبلها العقل ‪.‬‬
‫فجوابه أن يقال ‪ :‬هذه مكابرة ل تصدر من رجل له أدنى مسكة‬
‫من عقل ودين ‪ .‬وإذا كان عقل المرء فاسدا فل شك أنه يتصور‬
‫الحق في صورة الباطل ‪ ،‬وقد جاء في نزول عيسى عليه الصلة‬
‫والسلم أكثر من خمسين حديثا مرفوعا أكثرها من الصحاح‬
‫والباقي غالبه من الحسان ‪ ،‬فمن زعم أنها كلها مزيفة فل شك‬
‫أنه فاسد العقل والدين‬
‫الشبهة العاشرة‬
‫الشبهة العاشرة‪ :‬وأما قوله ‪ :‬ولو كان من أصول اليمان ‪،‬‬
‫اليمان برجعة عيسى أو ظهور الدجال أو المهدي لجاء ذلك في‬
‫القرآن الكريم صريحا محكما ‪.‬‬

‫‪250‬‬
‫فجوابه أن يقال ‪ :‬كل ما ‪r‬من المغيبات مما كان فيما مضى وما‬
‫سيكون في المستقبل ‪ ،‬فاليمان به داخل في ضمن ‪r‬أخبر به‬
‫رسول الله ‪ ،‬وذلك من أعظم أصول اليمان ‪ ،‬وقد جاء المر‬
‫‪r‬اليمان بالرسول في آيات كثيرة من القرآن وكلها محكمات ‪.‬‬
‫واليمان ‪r‬باليمان بالرسول داخل أيضا في ضمن قول الله‬
‫تعالى ‪ } :‬وما بأخبار الرسول آتاكم الرسول فخذوه { وداخل‬
‫أيضا في ضمن قوله تعالى ‪ } :‬فل وربك ل يؤمنون حتى يحكموك‬
‫فيما شجر بينهم ثم ل يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت‬
‫ويسلموا تسليما { وداخل أيضا في ضمن قوله تعالى ‪ } :‬فليحذر‬
‫الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم {‬
‫وهذه اليات كلها محكمات ‪ ،‬وكلها تدل على أن ‪r‬تصديق أخبار‬
‫النبي من أعظم أصول اليمان ‪.‬‬
‫وقد قال المام أحمد رحمه الله تعالى في قوله تعالى ‪:‬‬
‫} فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم‬
‫عذاب أليم { قال ‪ :‬أتدري ما الفتنة ؟ الفتنة الشرك لعله إذا رد‬
‫بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك ‪ ،‬ثم جعل يتلو‬
‫هذه الية ‪ } :‬فل وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم‬
‫ثم ل يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما { ‪.‬‬
‫الخاتمة‬
‫‪-‬و أختم بذلك ‪:‬هل المسيح المنتظر عقيدة خاصة بالمسلمين‬
‫فقط؟؟؟‬
‫‪-‬هل أهل هذه الديانات الثلثة على باطل فى أنتظارهم‬
‫للمسيح؟؟؟؟؟‬
‫‪-‬هنا يكذبك الواقع فاليهود ينتظرون مسيحهم و هو المسيح‬
‫الدجال لعلك ل يخفى عليك حرصهم على بناء الهيكل المزعوم‬
‫ليظهر لهم مسيحهم الكذاب الذى يطمعوا أن يحكموا الرض‬
‫تحت قيادته الذى وهو الذىحذر منه الرسول صلى الله عليه و‬
‫سلم‬
‫‪-‬و النصارى و المسلمون ينتظرون المسيح الحق و هو عيسى‬
‫ابن مريم عليه السلم و نزول عيسى عليه السلم مرتبط بخروج‬
‫الدجال‬
‫‪-‬فا المسيح أخبر النصارى فى النجيل أنه سيأتى " في الباب‬
‫السادس عشر من إنجيل متى هكذا‪" :27 :‬فإن ابن النسان‬
‫سوف يأتي في مجد أبيه مع ملئكته وحينئذ يجازى كل واحد‬
‫حسب عمله" ‪" :28‬الحق أقول لكم إن من القيام ههنا قوما ً ل‬
‫يذوقون الموت حتى يروا ابن النسان آتيا ً في ملكوته"‬

‫‪251‬‬
‫بل الكثر من ذلك أن النجيل أخبر أنه قبل نزول المسيح عليه‬
‫السلم سيخرج المسيح الدجال و أليك النص‬
‫وقبل حلول المجيء الثاني للمسيح سيجري استعراض للمسيح‬
‫الدجال ويتم التروّيج له بأن المسيح الدجال قادم) ويظنه الناس‬
‫المسيح الحقيقي(‪ .‬فلنقرأ قول الكتاب حول هذا المر الخطير‬
‫من ‪ 2‬تسالونيكي ‪ 4 - 3 :2‬ما يلي" ل يخدعنكم احد على طريقة‬
‫ما‪.‬لنه ل يأتي إن لم يات الرتداد اول ويستعلن انسان الخطية‬
‫ابن الهلك المقاوم والمرتفع على كل ما يدعى إلها أو معبودا‬
‫حتى انه يجلس في هيكل الله كاله مظهرا نفسه انه اله‪".‬‬
‫‪-‬و القران أخبر المسلمين أن المسيح من علمات الساعة‬
‫النص"} وإنه لعلم للساعة"‬
‫‪-‬و لكن لنقارن هنا بين موعد نزول المسيح بين النص النجيلى و‬
‫نص القران لنعلم أيهما هو الحق‬
‫‪-‬النص النجيلى‪ :‬غلط لن كل من القائمين هناك ذاقوا الموت‬
‫وصاروا عظاما ً بالية وترابًا‪ ،‬ومضى على ذوقهم الموت أزيد من‬
‫ألف وثمانمائة سنة‪ ،‬وما رأى أحد منهم ابن الّله آتيا ً في ملكوته‬
‫في مجد أبيه مع الملئكة مجازيا ً كل ً على حسب عمله‪.‬‬
‫‪-‬أما القران فقد أعلنها صراحة أن عيسى ابن مريم عليه السلم‬
‫علم من علمات الساعة أى أن و قت نزوله سيكون فى أخر‬
‫الزمان‬
‫َ‬
‫ه‬
‫دوا ِفي ِ‬ ‫عن ْد ِ غ َي ْرِ الل ّهِ ل َوَ َ‬
‫ج ُ‬ ‫ن ِ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ن وَل َوْ َ‬
‫كا َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫قْرآ َ‬ ‫" أفََل ي َت َد َب ُّرو َ‬
‫خت َِلًفا ك َِثيًرا"‬ ‫ا ْ‬
‫و أخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‬
‫=======================‬
‫هل تكلم يسوع في المهد ؟‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‪.‬‬
‫الحمد لله وكفى وصلة وسلما ً على عبده الذي اصطفى ‪ ,‬عنوان‬
‫الشبهة كما قرأتم إخواني ‪ ,‬يقول النصراني ‪:‬‬
‫أيها المسلم هل تكلم يسوع في المهد ؟ أثبت ذلك وبالدليل كما‬
‫يقول القرآن ‪ ,‬ثم أن المسيح إذا تكلم في المهد لظهرت‬
‫الناجيل ذلك ولشتهر بين الناس ولتمسك به المسيحيين ذلك‬
‫كمعجزة من معجزات المسيح عليه السلم ودليل ً على ألوهيته ‪,‬‬
‫فكيف أغفل كتبة الناجيل ذلك ‪ .‬إنتهى‬
‫أقول والله المستعان ‪ ,‬القرآن أخبرنا أن المسيح عليه السلم‬
‫تكلم في المهد وهكذا أخبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم ‪,‬‬
‫ولم يكن للمسلمين مصلحة في إظهار ذلك أو إخفاءه كما يعلم‬
‫الجميع ولم يكن الخوض فيه من باب ضرر أو مصلحه للمسلمين‬

‫‪252‬‬
‫إنما هو كلم الله وهكذا حدث يقينا ً ‪ ,‬كما سترى بالدليل من‬
‫الكتاب المقدس ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬فإن الناجيل لم تظهر جميع حالت يسوع في كل وقت من‬
‫الزمان ‪ ,‬فالفترة ما بين طفولة يسوع إلى مرحلة تعميده وبعثته‬
‫مجهولة تماماولم يذكرها أحد من أصحاب الناجيل ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬هناك الكثير من الناجيل التي رفضها قسطنطين ومجمعه‬
‫في القرن الرابع وبين فابري سيوس أن منها موضوعه في ثلث‬
‫مجلدات ويربوا عددها على السبعين وإختفت ‪ ,‬ومن بين الناجيل‬
‫التي سماها هي إنجيل الطفولة فأين ذلك النجيل حتى نرى ما‬
‫فيه ؟‬
‫رابعا ً ‪ :‬لقد ذكر الرسول ذلك وذكر القرآن ذلك في عهد الرسول‬
‫أمام جميع النصارى في شبه الجزيرة العربية وخارجها ولم يصلنا‬
‫إعتراض من أحد منهم على ذلك الكلم ‪ ,‬مع العلم أن همهم‬
‫الول كان إبطال دعوة الرسول وقد جادلوه في الكثير من أمثال‬
‫هل مريم بنت عمران هي أخت هارون ؟ فبين الرسول لهم أنهم‬
‫كانوا ينسبون للصالحين من قومهم وليس أخوها نسبا ً أي من‬
‫أمها وأبوها ‪ ,‬فإن جادلوه في مثل هذا المر أل يجادلوه فيما هو‬
‫أهم منه ؟‬
‫خامسا ً ‪ :‬من قال أن الناجيل الحالية لم تذكر أن يسوع تكلم في‬
‫المهد ؟؟؟؟؟؟؟؟‬
‫إقرأ يا هداك الله ما أكتب وبنص الناجيل هكذا ‪:‬‬
‫هل تكلم عيسى فى المهد؟‬
‫لو لم يتكلم عيسى عليه السلم فى المهد وُيبّرأ أمه ‪ ،‬لحكم‬
‫اليهود على أمه بالحرق تبعا ً لشريعتهم‪ 9) :‬واذا تدنست ابنة‬
‫كاهن بالزنى فقد دنست اباها‪.‬بالنار تحرق ( لويين ‪ ،9 :21‬وبما‬
‫أن اليهود لم يحرقوها ولم يمسوها بأذى ‪ ،‬فلبد أن تكون قد أتت‬
‫بالدليل‪ .‬والسؤال هو لماذا تركها اليهود ولم يحرقوها بالنار ؟؟ مع‬
‫أنها كانت خادمة في الهيكل ؟؟ ستجد العجب هنا ‪:‬‬
‫يحكى لنا لوقا ‪ 1‬أعداد ‪ : 66-57‬واما اليصابات فتم زمانها لتلد‬
‫ظم رحمته‬ ‫فولدت ابنا‪ 58.‬وسمع جيرانها واقرباؤها ان الرب ع ّ‬
‫لها ففرحوا معها‪ 59.‬وفي اليوم الثامن جاءوا ليختنوا الصبي‬
‫وسموه باسم ابيه زكريا‪ 60.‬فاجابت امه وقالت ل بل يسمى‬
‫يوحنا‪ 61.‬فقالوا لها ليس احد في عشيرتك تسمى بهذا السم‪.‬‬
‫‪ 62‬ثم اومأوا الى ابيه ماذا يريد ان يسمى‪ 63.‬فطلب لوحا وكتب‬
‫قائل اسمه يوحنا‪.‬فتعجب الجميع‪ 64.‬وفي الحال انفتح فمه‬
‫ولسانه وتكلم وبارك الله‪ 65.‬فوقع خوف على كل‬
‫دث بهذه المور جميعها في كل جبال اليهودية‪66.‬‬ ‫جيرانهم‪.‬وتح ّ‬

‫‪253‬‬
‫فاودعها جميع السامعين في قلوبهم قائلين اترى ماذا يكون هذا‬
‫الصبي‪.‬وكانت يد الرب معه‬
‫م؟ فلو انفتح فم زكريا عليه السلم‬ ‫من الذى انفتح فمه وتكل ّ َ‬
‫وتكلم ‪ ،‬فل عجب فى ذلك ‪ ،‬فهو كان صائما ً عن الكلم بمحض‬
‫إرادته مع مقدرته على الكلم ‪ ،‬وإل لما سميناه صائما ً ‪ ،‬بل قلنا‬
‫إنه كان أخرص‪ .‬فلماذا تعجب الناس إذن ووقع خوف على‬
‫جيرانهم؟ هل لن الرجل النبى الذى كان يتكلم معهم ويعلمهم‬
‫تكلم الن أيضًا؟ ل ‪ ،‬بل لن المتكلم كان الطفل الذى فى المهد ‪،‬‬
‫وهو لم يكن يوحنا المعمدان ‪ ،‬بل كان عيسى عليه السلم‬
‫نفسه ‪ ،‬وقد نسبوا هذه القصة ليوحنا حتى يبرأوا أنفسهم من دم‬
‫المسيح عيسى ابن مريم )على زعمهم( ‪ ،‬والدليل على ذلك قول‬
‫النص بعدها تعقيبا ً على كلم الصبى‪ :‬أترى ماذا يكون هذا‬
‫الصبى ؟؟؟؟؟؟؟‬
‫كتبه العبد الفقير ‪ :‬خطاب المصري‬
‫===================‬
‫المطالبة بمنع تعدد الزوجات أو تقييده‬
‫تثار في العالم السلمي ضجة كبرى بصدد تعدد الزوجات ‪ ،‬الذي‬
‫سخرت لهذه الضجة أقلم تكتب ‪ ،‬ودور‬ ‫أباحه السلم ‪ ،‬وقد ُ‬
‫للطبع تطبع ‪ ،‬وصحف تنشر ‪ ،‬وعقدت لذلك الندوات والمؤتمرات‬
‫‪ ،‬وُألفت الكتب ‪ ،‬وألقيت المحاضرات ‪ ،‬واقترحت القوانين ‪ ،‬كل‬
‫هذا من أجل تشريع تعدد الزوجات ‪ ،‬بل إن بعض الدول سّنت‬
‫قوانين تمنع أو تقيد تعدد الزوجات ‪ ،‬فهل هناك مشكلة اليوم‬
‫تعرف بمشكلة تعدد الزوجات في العالم السلمي تستحق كل‬
‫هذه الضجة ‪ ،‬وكل هذا الهتمام؟‬
‫لقد دلت الحصاءات عن الزواج والطلق على أن نسبة‬
‫المتزوجين بأكثر من واحدة ? في بعض البلد التي تثار فيها هذه‬
‫الضجة على القل ? نسبة قليلة جدا ً ‪ ،‬ل تكاد تبلغ الواحد باللف ‪،‬‬
‫وذلك حيث كان لرتفاع مستوى المعيشة ‪ ،‬وازدياد نفقات الولد‬
‫في معيشتهم ‪ ،‬وفي تعليمهم ‪ ،‬والعناية بصحتهم ‪ ،‬أثر كبير في‬
‫انخفاض عدد المتزوجين بأكثر من واحدة ‪ ،‬يضاف إلى ذلك تنوع‬
‫مطالب الحياة ‪ ،‬وكثرتها للبيت وللولد وللزوجة ‪ ،‬التي تتطلبها‬
‫الحياة الكريمة ‪ ،‬مما كان له أعظم الثر في الحد من التعدد ‪،‬‬
‫وسينخفض التعدد من يوم لخر تبعا ً لتعقد الحياة ‪ ،‬وكثرة مطالبها‬
‫من يوم لخر ‪ ،‬فليس التعدد الن من الهمية بالمكان الذي تثار‬
‫من أجله كل هذه الضجة ‪ ،‬اللهم إل من الراغبين في الشهرة‬
‫بأنهم تقدميون ‪ ،‬وأنهم متحررون‪.‬‬

‫‪254‬‬
‫ونتساءل‪ :‬لماذا يريد هؤلء وضع العراقيل في وجه تعدد‬
‫الزوجات؟ هل يفعلون ذلك غيرة على المرأة ‪ ،‬وحرصا ً على‬
‫مصلحتها وكرامتها؟‬
‫إن الله الذي خلق المرأة وهو الذي شرع هذا النظام لهو أغير‬
‫على المرأة ‪ ،‬وأشد حرصا ً على مصالحها وكرامتها ‪ ،‬من أولئك‬
‫الذئاب الشرسة المسعورة ‪ ،‬المتلبسين بجلد الحمل‪.‬‬
‫أم هل يفعلون ذلك خوفا ً من أن يؤدي انتشار التعدد إلى كثرة‬
‫النسل ‪ ،‬فتؤدي كثرته إلى المجاعة كما يقول علماء الرقام الذين‬
‫ل يؤمنون بأن الله هو الرزاق؟ أو تؤدي كثرة النسل إلى ازدحام‬
‫في السكان ‪ ،‬مما يتسبب عنه سوء الحالة الصحية ‪ ،‬وانتشار‬
‫الوبئة؟‬
‫أما عن الول وهو الخوف من المجاعة‪:‬‬
‫ل‪ :‬نحن نؤمن بأن الله هو الرزاق ‪ ،‬فلن يخرج المولود من‬ ‫فأو ً‬
‫بطن أمه إلى هذه الحياة إل وقد تكفل الله برزقه ‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫)ول تقتلوا أولدكم خشية إملق نحن نرزقهم وإياكم(‪.‬‬
‫وثانيًا‪ :‬إن بلدنا السلمية فيها من الخيرات والثروات ما لم‬
‫يستثمر إل القل القل منه ‪ ،‬فلو وجهت الجهود إلى استثمارها‬
‫فإنها تكفي لضعاف عدد السكان الن‪.‬‬
‫وأما عن الثاني وهو الخوف من ازدحام السكان‪:‬‬
‫فإن البلد السلمية من التساع بحيث تكفي رقعتها لضعاف‬
‫العدد الموجود حاليا ً ‪ ،‬ول يوجد بلد إسلمي يشكو من ازدحام‬
‫السكان إل بعض القاليم في باكستان ‪ ،‬وبعض الجزر في‬
‫إندونيسيا ‪ ،‬ولكنهم في اعتقادي ل يخشون ل هذا ول ذاك ‪ ،‬ولكن‬
‫هذه الفكرة جزء ل يتجزأ من خطة متكاملة ‪ ،‬تهدف إلى تحطيم‬
‫السرة والبيت ‪ ،‬وتعطيل أكبر قدر ممكن من نسائه عن الزواج ‪،‬‬
‫ليتم لهم ما يريدونه من تحطيم المجتمع بواسطة المرأة ‪ ،‬وهي‬
‫أمضى سلح يمكن استعماله في هذا الشأن‪.‬‬
‫والثائرون على نظام تعدد الزوجات منهم من تطرف فطالب‬
‫بمنع التعدد وتحريمه ‪ ،‬ومنهم من طالب بوضع قيود ُتقيد راغب‬
‫التعدد‪.‬‬
‫المنادون بمنع التعدد‬
‫أما المنادون بمنع التعدد وتحريمه فقد زعموا أن القرآن يحرم‬
‫التعدد فقد قال تعالى‪) :‬وإن خفتم أل تقسطوا في اليتامى‬
‫فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلث ورباع ‪ ،‬فإن خفتم‬
‫أل تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ‪ ،‬ذلك أدنى أل تعولوا( ‪،‬‬
‫وقال في آية أخرى‪) :‬ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو‬
‫حرصتم ‪ ،‬فل تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة( الية‪.‬‬

‫‪255‬‬
‫تفسيرهم لليتين‪:‬‬
‫ويقولون في تفسير هاتين اليتين‪ :‬إن الله قد أباح في الية‬
‫الولى التعدد ولكنه اشترط لباحته العدل بين الزوجات ‪ ،‬ثم ذكر‬
‫في الية الثانية أن هذا العدل متعذر ومستحيل ‪ ،‬فتكون النتيجة‬
‫بحسب مقدماتهم هذه أن التعدد حرام‪.‬‬
‫خطأ هذا التفسير‪:‬‬
‫وواضح أن هذا عبث بآيات الله وتحريف لها عن مواضعها ‪ ،‬فما‬
‫كان الله ليرشد إلى تزوج العدد من النساء عند الخوف من ظلم‬
‫اليتامى ويضع العدل بين الزوجات شرطا ً في التعدد من النساء‬
‫بأسلوب يدل على استطاعته والقدرة عليه ثم يعود وينفي‬
‫استطاعته والقدرة عليه‪.‬‬
‫التفسير الصحيح لليتين‪:‬‬
‫فتخريج اليتين الذي يتفق مع جلل التنزيل وحكمة التشريع‬
‫ويرشد إليه سياقهما وسبب نزول الثانية منهما أنه لما قال في‬
‫الية الولى‪) :‬فإن خفتم أل تعدلوا فواحدة( ‪ُ ،‬فهم منه أن العدل‬
‫بين الزوجات واجب ‪ ،‬وتبادر إلى النفوس أن العدل بإطلقه‬
‫ينصرف إلى معناه الكامل )المساواة في كل شيء( فتحرج لذلك‬
‫المؤمنون ‪ ،‬لن العدل بهذا المعنى الذي يتبادر إلى الذهان غير‬
‫مستطاع ‪ ،‬لن فيه ما ل يدخل تحت الختيار ‪ ،‬فجاءت الية الثانية‬
‫‪ ،‬ترشد إلى العدل المطلوب في الية الولى )فإن خفتم أل‬
‫تعدلوا( وهو العدل في المور المادية ‪ ،‬كالقسم والنفقة‬
‫ونحوهما ‪ ،‬أما الميل القلبي الذي أشارت الية الثانية إلى عدم‬
‫استطاعته ‪ ،‬فل مؤاخذة فيه ‪ ،‬على أن ل يشتط‪) :‬فل تميلوا كل‬
‫الميل(‪.‬‬
‫وبهذا يتضح جليا ً أن الية الثانية تتعاون مع الية الولى ‪ ،‬على‬
‫تقرير مبدأ التعدد بما يزيل التحرج منه ‪ ،‬إذ تنطويان للشروط‬
‫اللزمة لجواز التعدد وتيسير على الناس في هذه الرخصة‪.‬‬
‫المطالبون بوضع القيود‬
‫وأما الذين يطالبون بوضع قيود لتعدد الزوجات غير القيود‬
‫الشرعية ‪ ،‬التي ذكرها القرآن وهي أن ل يزيد عن أربع ‪ ،‬وأن‬
‫يعدل بين زوجاته ‪ ،‬فقد اقترحوا إضافة شروط منها‪:‬‬
‫‪ -1‬أن ل يباح تعدد الزوجات إل إذا كان له مبرر‪.‬‬
‫‪ -2‬وأن يخضع تقدير هذا المبرر لشراف القضاء ‪ ،‬فل يؤذن‬
‫بالتعدد إل إذا كان المبرر داعيا ً إلى التعدد حقًا‪.‬‬
‫‪ -3‬وأن يتحقق القاضي من استطاعته على العدل‪.‬‬
‫‪ -4‬وأن يتثبت القاضي من قدرته على النفاق على زوجاته‬
‫وذريته‪.‬‬

‫‪256‬‬
‫مبرراتهم في تلك القيود‪:‬‬
‫وهؤلء يقولون‪ :‬إن من يرغب في الزواج على امرأته يجب أن‬
‫يكون مستعدا ً لقامة الدليل أمام القضاء ‪ ،‬على أن زواجه الجديد‬
‫له مبرر مشروع يتفق مع مقاصد الشريعة ‪ ،‬وتقدير هذا المبرر‬
‫من سلطة القاضي ‪ ،‬بحيث إذا اقتنع القاضي بما أبداه الرجل من‬
‫أسباب أذن له في تعدد الزوجات ‪ ،‬وإذا لم يقتنع رفض الذن له‬
‫بالزواج الجديد ‪ ،‬وأصبح هذا الزواج محرما ً قانونا ً ‪ ،‬وادعوا بأن‬
‫القرآن يشترط مع العدالة وجود الضرورة الداعية للتعدد ‪،‬‬
‫وزعموا أن قوله تعالى‪) :‬وإن خفتم أل تقسطوا في اليتامى‬
‫فانكحوا ما طاب لكم من النساء ‪ (...‬الية ‪ ،‬قد أباح التعدد في‬
‫حالة ضرورة الخوف من عدم القساط لليتيمة ‪ ،‬ومجانبة العدل‬
‫في إدارة أموالها ‪ ،‬وجعل هذه الضرورة شرطا ً لجواز التعدد ‪،‬‬
‫فالجواب في الية وهو قوله‪) :‬فانكحوا( مترتب على الشرط‬
‫ومقيد به ‪ ،‬والشرط هو قوله‪) :‬وإن خفتم أل تقسطوا في‬
‫اليتامى( ‪ ،‬فالية إذا ً تنص على أن التعدد ل يجوز إل لهذه‬
‫الضرورة ‪ ،‬غير أنه من الممكن أن تقاس عليها الضرورات التي‬
‫تشبهها ‪ ...‬وبذلك ينتهي صاحب هذا الرأي إلى أن السلم ل يبيح‬
‫التعدد إل بشرطين وهما‪ :‬العدل والضرورة ‪ ،‬سواء في ذلك‬
‫الضرورة التي صرحت بها الية أو ضرورة أخرى تشبهها وتقاس‬
‫عليها‪.‬‬
‫التفسير العجيب للية‪:‬‬
‫ويذهب صاحب هذا الرأي في تفسير قوله تعالى‪) :‬وإن خفتم أل‬
‫تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم ‪ (...‬الية ‪ ،‬مذهبا ً‬
‫عجيبا ً فهو يفسر هذه الية بأن الله تعالى لما حرم أكل أموال‬
‫اليتامى وحظرها على الولياء في قوله‪) :‬وآتوا اليتامى أموالهم‬
‫ول تتبدلوا الخبيث بالطيب ول تأكلوا أموالهم إلى أموالكم ‪ ،‬إنه‬
‫صل أموال اليتامى عن أموالهم ‪ ،‬فجعل الشيء‬ ‫كان حوبا ً كبيرًا( فَ َ‬
‫من طعام اليتيم يفضل ويحبس فيفسد ‪ ،‬فاشتد ذلك عليهم‬
‫فنزل‪) :‬ويسألونك عن اليتامى قل إصلح لهم خير ‪ ،‬وإن‬
‫تخالطوهم فإخوانكم ‪ ،‬والله يعلم المفسد من المصلح ‪ ،‬ولو شاء‬
‫الله لعنتكم ‪ ،‬إن الله عزيز حكيم( ‪ ،‬فخلطوا طعامهم بطعامهم ‪،‬‬
‫وخالطوهم في أموالهم ‪ ،‬ثم إنهم شعروا بحرج من الختلط‬
‫باليتيمات ‪ ،‬إذا لم يكونوا محارم لهن ‪ ،‬لضرورة اتصالهم بهن ‪،‬‬
‫والتعرف على أحوالهن ‪ ،‬فنزل قوله تعالى‪) :‬وإن خفتم أل‬
‫تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء ‪ (...‬الية ‪،‬‬
‫أي اليتيمات وأضيفوهن إلى زوجاتكم‪.‬‬
‫التفسير الصحيح للية وبيان خطأ تفسيرهم‪:‬‬

‫‪257‬‬
‫وما ذهب إليه صاحب هذا التفسير مخالف لما أجمع عليه‬
‫المفسرون من السلف والخلف في معنى هذه الية ‪ ،‬ولم يسبق‬
‫إليه أحد من قبل ‪ ،‬بل معنى الية كما يراه جمهور المفسرون‪:‬‬
‫وإن خفتم أل تقسطوا في زواج اليتيمات فدعوهن ‪ ،‬وانكحوا ما‬
‫طاب لكم من النساء سواهن‪.‬‬
‫ويؤيده ما رواه البخاري وغيره عن عائشة أم المؤمنين رضي الله‬
‫عنها‪ :‬أنه كان الرجل تكون عنده اليتيمة في حجره ‪ ،‬تشركه في‬
‫ماله ‪ ،‬ويعجبه مالها وجمالها ‪ ،‬فيريد وليها أن يتزوجها من غير أن‬
‫يقسط في صداقها ‪ ،‬فيعطيها مثل ما يعطيها غيره ‪ ،‬فنهوا أن‬
‫ينكحوهن ‪ ،‬إل أن يقسط إليهن ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في‬
‫الصداق ‪ ،‬وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن( ‪،‬‬
‫فل دليل في تلك الية على ما ذهب إليه أولئك من شرط المبرر‬
‫للتعدد كما يدعون‪.‬‬
‫تفسيرهم حل غير سليم‪:‬‬
‫ثم إن التفسير على الوجه الذي ذهب إليه صاحب هذا الرأي‬
‫يتضمن حل ً غير سليم للمشكلة التي يزعم أن الية تتصدى‬
‫لحلها ‪ ،‬وذلك أن اقتراح الزواج باليتيمات ل يعد مخرجا ً سليما ً‬
‫لتحرج الولياء من الختلط بهن ‪ ،‬فقد ل يكون للولي رغبة في‬
‫اليتيمة ‪ ،‬وقد ل تكون هي راغبة في الزواج به ‪ ،‬وقد ل تكون‬
‫صالحة لزواجه بها لسبب ما ‪ ،‬وقد يكون في حجره يتيمات ل‬
‫يجوز الجمع بينهن ‪ ،‬وقد يكون في حجره أكثر من أربع يتيمات ‪،‬‬
‫فإذا كان الزواج باليتيمة مخرجا ً في حالة ما فإنه ل يمكن أن‬
‫يكون مخرجا ً في آلف الحالت‪.‬‬
‫ل دليل لشتراط المبرر‪:‬‬
‫ثم إن اشتراط مبرر لباحة التعدد َيهم جماعة المسلمين فلو كان‬
‫مرادا ً ومطلوبا ً للشارع لنص عليه صراحة ولم يغفل عنه‪.‬‬
‫كما أنه لو كان هناك قيد للتعدد غير العدل لبينه الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم للصحابة الذين كانوا متزوجين بأكثر من أربع ‪،‬‬
‫فأمرهم عند نزول الية المحددة للعدد بالكتفاء بأربع وتسريح‬
‫الباقي ‪ ،‬والوقت وقت وحي وبيان‪.‬‬
‫شبهة والرد عيها‪:‬‬
‫وأجابوا عن انتشار التعدد في عهد رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم بأنه كان عهد حروب فكان الناس يعيشون مبررا ً عاما ً يراه‬
‫كل إنسان في زيادة عدد الرامل‪.‬‬
‫ويرد على مثل هذا الرأي ‪ ،‬بأن العالم يشهد اليوم زيادة في عدد‬
‫العانسات ‪ ،‬وعزفا ً من الشباب عن الزواج ‪ ..‬ومثل ذلك النظر‬
‫يقتضي أن نعتبر زيادة عدد غير المتزوجات مبررا ً عاما ً يبيح تعدد‬

‫‪258‬‬
‫الزوجات حتى يستوعب عددا ً من الرامل والمطلقات‬
‫والعانسات‪.‬‬
‫شبهة أخرى والرد عليها‪:‬‬
‫ومما قالوه لشتراط المبرر‪ :‬إن الزواج بواحدة هو الصل في‬
‫السلم وأن التعدد استثناء ‪ ،‬ول يعمل بالستثناء إل عند الضرورة‬
‫وهي تظهر عند وجود مبرر لتعدد الزوجات‪.‬‬
‫ويرد عليهم بأن الية التي ورد فيها مشروعية تعدد الزوجات ‪ ،‬لم‬
‫يرد بها أن الزواج بواحدة هو الصل والواجب ‪ ،‬وأن غيره ضرورة‬
‫واستثناء ‪ ،‬بل المر في ذلك مبني على العدل وعدم الخوف من‬
‫الجور‪.‬‬
‫إلى غير ذلك من الحجج الواهية‪.‬‬
‫أضرار إثبات المبرر عن طريق القاضي‪:‬‬
‫ولو سلمنا جدل ً بضرورة وجود مبرر ‪ ،‬يكون إثباته عن طريق‬
‫القاضي عند إرادة الزواج بأكثر من واحدة ‪ ،‬فإن هذه الفكرة‬
‫سوف تفشل عند التطبيق وذلك لن إثبات ذلك المبرر عند‬
‫القاضي سوف يؤدي إلى فضائح وإساءات ‪ ،‬أو يتحول إذن‬
‫القاضي إلى إجراء صوري ‪ ،‬يتعين على القاضي اتخاذه لمجرد‬
‫رغبة الرجل في الزواج بأكثر من واحدة ‪ ،‬دون بحث جدي في‬
‫مبررات الزواج ‪ ،‬حفاظا ً على كرامة السرة ‪ ،‬اللهم إل إذا كان‬
‫الدعاة لهذا القيد ل يهدفون إلى تقييد تعدد الزوجات بوجود مبرر‬
‫يخضع لتقدير القضاء وإنما يهدفون إلى منع تعدد الزوجات ? وهذا‬
‫هو الواقع ? نظرا ً لما يحيط بإثبات المبرر عند القاضي من‬
‫صعوبات وفضائح ‪ ،‬يجد الرجل معها نفسه مضطرا ً إما إلى طلق‬
‫زوجته والزواج ممن يريدها ‪ ،‬وإما إلى البقاء على زوجته على‬
‫كره منه ‪ ،‬وفي هذه الحالة ‪ ،‬قد تضطره كراهيته لزوجته مع‬
‫تزيين الشيطان له أن يبحث عن أخرى عن طريق الحرام‪.‬‬
‫فمثل ً لو تقدم رجل يطلب الزواج بأخرى ‪ ،‬لن زوجته ل تعفه ‪ ،‬أو‬
‫لنها ذات عيب جنسي ‪ ،‬أو لنه يكرهها بطبعه ‪ ،‬فكيف يثبت ذلك‬
‫للقاضي ‪ ،‬ثم إن في إثبات بعض المبررات التي يمكن إثباتها‬
‫كشفا ً لعورات النساء ‪ ،‬وفضحا ً لسرار السر ‪ ،‬وتعرضا ً لحرماتهم‬
‫بدون ضرورة شرعية ‪ ،‬ولو فرض وثبت ذلك العيب فإنه سيكون‬
‫سبة للزوجة ولهلها وربما للزوج نفسه‪.‬‬
‫إن هذه المور من السرار العائلية التي ل يكسب المجتمع‬
‫والفراد إل الشر من إثارتها ‪ ،‬ولعله أكرم للمرأة الجديدة أن‬
‫يتزوج الرجل وأن يطلق في هذه الحوال بعيدا ً عن المحاكم وفي‬
‫صمت‪.‬‬
‫تقييد التعدد قضاء بالعدل بين الزوجات والرد عليهم‪:‬‬

‫‪259‬‬
‫أما عن تقييد التعدد قضاء بالعدل بين الزوجات ‪ ،‬بحيث ل يجوز‬
‫التعدد إل بإذن القاضي ‪ ،‬ول يأذن القاضي إل إذا تأكد من عدالة‬
‫راغب التعدد مستقبل ً بين زوجاته كما يرون ‪ ،‬فقد احتجوا له بأن‬
‫القرآن ورد به تقييد تعدد الزوجات باستطاعة العدل ‪ ،‬فوجب‬
‫التحقق من ذلك قضاء عند إرادة التعدد‪.‬‬
‫ويرد عليهم‪ :‬بأن القرآن فعل ً اشترط العدل بين الزوجات ولكنه‬
‫أوجب ذلك تدينا ً بين العبد وربه ‪ ،‬ولم يوجبه قضاًء إل إذا وقع‬
‫ظلم بين الزوجات بالفعل من ظلم الزوج لزوجاته ‪ ،‬وقوله‬
‫تعالى‪) :‬فإن خفتم أل تعدلوا فواحدة( ‪ ،‬إنما هو خطاب موجه‬
‫للفراد في شأن ل يعرف إل من جهتهم ‪ ،‬يرجعون فيه إلى نياتهم‬
‫وعزائمهم وليس له من المارات الصادقة المطردة أو الغالبة‬
‫مما يجعل معرفته وتقديره داخلين تحت سلطان الحاكم حتى‬
‫يترتب على تلك المارات تشريع ‪ ،‬يمنع تعدد الزوجات أو إباحته‬
‫أو تقييده‪.‬‬
‫استدللهم بآية والرد عليهم‪:‬‬
‫وأما عن اشتراط التعدد بالمقدرة قضاء ‪ ،‬بحيث ل يأذن له‬
‫القاضي بالزواج من أخرى إل إذا ثبت لديه أنه يستطيع النفاق‬
‫على زوجته أو زوجاته ‪ ،‬وعلى أولده منهن ‪ ،‬ومن تجب عليه‬
‫إعالتهم من أقاربه ‪ ،‬فقد احتج له القائلون به‪ :‬بأن القرآن يفيد‬
‫ذلك ‪ ،‬حيث يستفاد ضمنا ً من قوله تعالى‪) :‬ذلك أدنى أل تعولوا(‬
‫على تفسير )تعولوا( بتكثير عيالكم ‪ ،‬كما ذهب إليه المام‬
‫الشافعي‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ولما ورد القرآن بتقييد تعدد الزوجات باستطاعة النفاق‬
‫وجب التحقق من ذلك دينا ً وقضاًء عند إرادة التعدد‪.‬‬
‫ويجاب‪ :‬بأن معنى قوله تعالى‪) :‬تعولوا( أي‪ :‬تميلوا وتجوروا ‪ ،‬من‬
‫الجور ومن الميل عن الحق ‪ ،‬وهو ما فسره به أكثر المفسرين ‪،‬‬
‫وذهب إليه الجمهور ‪ ،‬أما تفسير )تعولوا( بتكثير عيالكم ففيه نظر‬
‫فإنه كما يخشى كثرة العيال من تعدد الحرائر كذلك يخشى من‬
‫تعدد السراري أيضًا‪.‬‬
‫ويشهد لما ذهب إليه الجمهور أن العدل مطلوب وواجب بين‬
‫الحرائر ‪ ،‬أما الماء فل يجب العدل بينهن في القسم وغيره ‪ ،‬وإن‬
‫فعل فحسن‪.‬‬
‫قال الشوكاني عند تفسير قوله تعالى‪) :‬فإن خفتم أل تعدلوا‬
‫فواحدة أو ما ملكت أيمانكم( وفيه دليل على أنه ل حق للمملوك‬
‫في القسم ‪ ،‬كما يدل على ذلك جعله قسيما ً للواحدة في المن‬
‫من عدم العدل‪.‬‬

‫‪260‬‬
‫وحتى على تفسير )تعولوا( بمعنى تكثر عيالكم على تسليمنا‬
‫بذلك ‪ ،‬فإنه يطلب التثبت من المقدرة على النفاق قضاء‪.‬‬
‫ثم إنه لم يثبت عن رسول الله ول عن أحد من صحابته أو من‬
‫سلف المة اشتراط المقدرة على النفاق قضاء‪.‬‬
‫أما المقدرة على النفاق فيما بينه وبين ربه فهي مطلوبة حتى‬
‫في حالة زواجه من زوجة واحدة ‪ ،‬كما قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪) :‬يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة‬
‫فليتزوج ‪ ،‬ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء( ‪ ،‬والباءة‬
‫مؤنة النكاح على أحد معنييها ‪ ،‬أو هي الجماع على معناها اللغوي‬
‫وهو المعنى الثاني ويكون تقديره‪ :‬من استطاع منكم الجماع‬
‫لقدرته على مؤنته وهي مؤنة النكاح فليتزوج‪.‬‬
‫كلمة أخيرة‪:‬‬
‫هذا هو رأي جمهور علماء المسلمين فما زعم أولئك المبتدعون‬
‫أنها أدلة تكلفا ً وتمحكا ً لبدع ابتدعوها وأفهام خاطئة أو مغرضة‬
‫فهموها لمدلولت النصوص ‪ ،‬فأوجدوا شروطا ً وسّنوا قيودا ً لم‬
‫يشترطها ولم يسنها الشارع على الناس ‪ ،‬ولم يقيدهم بها ‪ ،‬وإنما‬
‫هو اليغال في الجرأة على كلم الله ‪ ،‬ومحاولة تحريفه ‪ ،‬حتى‬
‫يتفق مع رأي رأوه وفكرة اختمرت في عقولهم يريدون تكليف‬
‫الناس بها ظلما ً وزورا ً )وما جعل عليكم في الدين من حرج(‪.‬‬
‫==================‬
‫غي َْرهُ {‬ ‫وجا ً َ‬ ‫ح َز ْ‬ ‫حّتى ت َن ْك ِ َ‬
‫عدُ َ‬
‫ن بَ ْ‬‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫ل لَ ُ‬‫ح ّ‬ ‫فَل ت َ ِ‬ ‫ها َ‬‫ق َ‬‫ن طَل ّ َ‬ ‫فإ ِ ْ‬‫َ‬
‫نص الشبهه ‪-:‬‬
‫ح ّ‬
‫ل‬ ‫قَها فََل ت َ ِ‬
‫ن ط َل ّ َ‬‫يقال أن ما جاء فى سورة البقرة ‪ } 230 :2‬فَإ ِ ْ‬
‫ح َزْوجا ً غ َي َْره ُ {‪.‬‬ ‫حّتى ت َن ْك ِ َ‬‫ن ب َعْد ُ َ‬
‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫لَ ُ‬
‫وفسرها البيضاوي بقوله‪ :‬قالت امرأة رفاعة لرسول الله‪ :‬إن‬
‫ت طلقي‪ ،‬وإن عبد الرحمن بن الزبير تزوجني‪،‬‬ ‫رفاعة طلقني فب ّ‬
‫وإن ما معه مثل هدبة الثوب‪ .‬فقال رسول الله‪ :‬أتريدين أن‬
‫ترجعي إلى رفاعة؟ قالت‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬ل‪ ،‬حتى تذوقي عسيلته‬
‫ويذوق عسيلتك ‪.‬‬
‫وكثيرا ً ما تكون امرأة لها زوج عظيم وأولد وبنات هم سادة‬
‫ب يطّلقها زوجها‪ ،‬ثم يندم على ما فعل‪.‬‬ ‫مجتمعهم‪ ،‬وفي حالة غض ٍ‬
‫فإذا الشرع القرآني ُيلزم هذه السيدة أن ُتجامع غير زوجها قبل‬
‫أن تعود إليه‪.‬‬
‫الرد على الشبهه ‪-:‬‬
‫نذكر أول ما فيما يطلق عليه النصارى الكتاب المقدس قبل أن‬
‫نرد على هذه الشبهة ‪ ،‬ليتبين للقارئ أن ما لدى عباد الصليب‬
‫من الضلل المبين في باب النكاح مما حرفوه عن دين أنبياءهم‬

‫‪261‬‬
‫الكرام ‪ ،‬ما يجعلهم يستحون من النكار على المسلمين شيئا من‬
‫محاسن شريعتهم التي بشر بها جميع النبياء ‪.‬‬
‫ومما جاء فيم يطلقون عليه الكتاب المقدس ‪-:‬‬
‫ً‬
‫الرب يأمر بالرذيلة و يوقع الناس في الزنا عقابا لهم !!! ‪:‬‬
‫سفر صموئيل الثانى ]‪ : [12-11 :12‬رب الرباب نفسه يسلم‬
‫ذا َقا َ‬
‫ل‬ ‫أهل بيت نبيه داود عليه السلم للزنى عقابا ً له ‪ )) :‬هَك َ َ‬
‫ك‬‫م ع َي ْن َي ْ َ‬ ‫خذ ُ ن ِساَء َ َ‬ ‫ن ب َي ْت ِ َ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫م ع َل َي ْ َ‬ ‫الرب‪ :‬هَئ َن َ ُ‬
‫ما َ‬ ‫كأ َ‬ ‫َ‬ ‫ك‪َ ،‬وآ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫شّر ِ‬ ‫ذا أِقي ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫س‪.‬‬‫م ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن هَذ ِهِ ال ّ‬ ‫سائ ِك َِفي ع َي ْ ِ‬ ‫معَ ن ِ َ‬ ‫جعُ َ‬ ‫ضط ِ‬ ‫ريب ِك‪ ،‬فَي َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ن لِ َ‬
‫ق‬ ‫طيهِ ّ‬ ‫وَأع ْ ِ‬
‫ل‬‫سَراِئي َ‬ ‫ميِع إ ِ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫دا َ‬ ‫مَر قُ ّ‬ ‫ذا ال ْ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫سّر وَأ ََنا أ َفْعَ ُ‬ ‫ت ِبال ّ‬ ‫ت فَعَل ْ َ‬
‫ل َن َ َ‬
‫ك أن ْ َ‬ ‫ّ‬
‫س‪((.‬‬ ‫م ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫دا َ‬ ‫وَقُ ّ‬
‫سفر عاموس ] ‪ : [ 16 : 7‬النبي عاموس يقول لمصيا كاهن‬
‫بيت إيل ‪)) :‬أنت تقول ل تتنبأ على اسرائيل ‪ .‬ول تتكلم عن بيت‬
‫اسحاق لذلك هكذا يقول الرب ‪ :‬امرأتك تزني في المدينة وبنوك‬
‫وبناتك يسقطون بالسيف ‪(( .‬‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫سفر إرميا ] ‪ [ 10 : 8‬يقول الرب ‪ :‬ل ِذ َل ِ َ‬
‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫م ِل َ‬ ‫ساَءهُ ْ‬ ‫طي ن ِ َ‬ ‫ك أع ْ ِ‬
‫مول َ ٌ‬ ‫صِغيرِ إ َِلى ال ْك َِبيرِ ك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ع‬ ‫حد ٍ ُ‬ ‫ل َوا ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن لن ّهُ ْ‬ ‫كي َ‬ ‫مال ِ ِ‬ ‫م لِ َ‬ ‫قول َهُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫وَ ُ‬
‫ب‪.‬‬ ‫ل ِبال ْك َذ ِ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫حد ٍ ي َعْ َ‬ ‫ل َوا ِ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫ِ‬ ‫كاه ِ‬ ‫ي إ َِلى ال ْ َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ِبالّرب ْ ِ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫سفر إشعيا ] ‪ : [ 16 : 3‬وََقا َ‬
‫صهْي َوْ َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ن ب ََنا ِ‬ ‫لأ ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ب‪ِ :‬‬ ‫ل الّر ّ‬
‫ن‬ ‫ق وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ي َت َ َ‬
‫ت ب ِعُُيون ِهِ ّ‬ ‫مَزا ٍ‬ ‫غا ِ‬ ‫ت الع َْنا َِ‬ ‫دا ِ‬ ‫دو َ‬ ‫م ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫شي َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن وَي َ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫م ْ‬ ‫شا َ‬
‫ة‬
‫م َ‬ ‫ها َ‬ ‫سي ّد ُ َ‬ ‫صل ِعُ ال ّ‬ ‫ن ‪17‬ي ُ ْ‬ ‫جل ِهِ ّ‬ ‫ن ب ِأْر ُ‬ ‫ش َ‬ ‫خ ْ‬ ‫ش ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫ن وَي ُ َ‬ ‫شي ِهِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِفي َ‬ ‫خاط َِرا ٍ‬ ‫وَ َ‬
‫ن‪.‬‬ ‫ب ع َوَْرت َهُ ّ‬ ‫ن وَي ُعَّري الّر ّ‬ ‫صهْي َوْ َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ب ََنا ِ‬
‫ث على اختطاف بنات شيلوه واغتصابهن‪-:‬‬ ‫ح ّ‬ ‫الرب ي ُ ِ‬
‫سفر القضاة ] ‪ : [ 20 : 21‬واوصوا بني بنيامين قائلين امضوا‬
‫واكمنوا في الكروم‪ .‬وانظروا فاذا خرجت بنات شيلوه ليدرن في‬
‫الرقص فاخرجوا انتم من الكروم واخطفوا لنفسكم كل واحد‬
‫امرأته من بنات شيلوه واذهبوا الى ارض بنيامين‪.‬‬
‫وفي سفر هوشع ] ‪ : [3-2 :1‬الرب يأمر هوشع أن يأخذ لنفسه‬
‫امرأة زنى ‪ :‬ول تتساءل إذا كان هذا تشجيعا ً للزانيات أن يتمادين‬
‫فى بغائهم ‪ ،‬فإن الرب سينصفهن وسيزوجهن من أنبياء وقضاة ؟‬
‫خذ ْ‬ ‫ب ُ‬ ‫ع‪» :‬اذ ْهَ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ب ل ُِهو َ‬ ‫ل الّر ّ‬ ‫شعَ َقا َ‬ ‫هو َ‬ ‫ب ُ‬ ‫م الّر ّ‬ ‫ما ك َل ّ َ‬ ‫ل َ‬ ‫‪ )) :‬أ َوّّ َ‬
‫ت زًِنى َتارِك َ ً‬ ‫ك امرأ َة َ زًنى وأ َول َد َ زًنى ل َ ّ َ‬
‫ة‬ ‫ض قَد ْ َزن َ ْ‬ ‫ن الْر َ‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫س َ ْ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ل ِن َ ْ‬
‫ه اْبنًا‪(( .‬‬ ‫َ‬
‫ت لَ ُ‬ ‫ت وَوَل َد َ ْ‬ ‫حب ِل َ ْ‬ ‫م فَ َ‬ ‫ت د ِب ْل َي ِ َ‬ ‫مَر ب ِن ْ َ‬ ‫جو َ‬ ‫خذ َ ُ‬ ‫ب وَأ َ‬ ‫ب!‪ .‬فَذ َهَ َ‬ ‫الّر ّ‬
‫يهوذا جد المسيح يزني بكنته ثامار ) زوجة ابنه (‬
‫سفر التكوين ] ‪ : [ 15 : 38‬فرآها يهوذا فحسبها زانية لنها كانت‬
‫قد غطت وجهها‪ .‬فمال إليها على الطريق وقال‪ :‬هاتي أدخل‬
‫عليك‪ .‬لنه لم يعلم أنها كنته‪ .‬فقالت ‪ :‬ماذا تعطيني لكي تدخل‬
‫علي‪ .‬فقال‪ :‬إني أرسل جدي معزى من الغنم‪ .‬فقالت‪ :‬هل‬

‫‪262‬‬
‫تعطيني رهنا حتى ترسله؟ فقال‪ :‬ما الرهن الذي أعطيك؟‬
‫فقالت‪ :‬خاتمك وعصاك التي في يدك‪ .‬فأعطاها ودخل عليها‬
‫فحبلت منه‪ ...‬وبعد ثلثة شهور قيل ليهوذا‪ :‬إن كنتك ثامار قد‬
‫زنت وها هي الن حبلى من الزنا‬
‫ثم إنهم يجعلون نسب المسيح جاء من فارص وزارح ‪ ،‬التوأم‬
‫اللذين حملت بهما ثامار من الزنى !!!‬
‫والحاصل ‪ :‬أن طائفة كتبت هذا الكلم في كتابها ‪ ،‬ل يصح عقل‬
‫ول منطقا أن ينكر أتباعها على المسلمين ‪ ،‬أن في شريعتهم‬
‫التي نزلت من الله تعالى ‪ ،‬إباحة الطلق ‪ ،‬وأن الرجل إذا طلق‬
‫زوجته ‪ ،‬ثلث طلقات ‪ ،‬حرمت عليه ‪ ،‬ثم إذا تزوجت رجل آخر ـ‬
‫بغير اتفاق مع الول ـ وطلقها الخر ‪ ،‬وأحبت أن ترجع إلى‬
‫الول ‪ ،‬جاز لها ذلك ‪.‬‬
‫ومعلوم أن هذا النصراني يجهل أن المقصود بقول النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ) ل حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك ( دخول‬
‫الزوج على زوجته ‪ ،‬أي ل يحل لك أن ترجعي إلى الول ‪ ،‬حتى‬
‫يحصل الدخول بينك ويين الثاني ‪ ،‬ثم يطلقك هذا الثاني ‪ ،‬طلقا‬
‫شرعيا ‪ ،‬فإن أردت الرجوع إلى الول جاز لك ذلك ‪.‬‬
‫أو ربما تجاهل وهو يعلم ‪ ،‬ليفترى على دين السلم ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫) فإذا ً الشرع القرآني ُيلزم هذه السيدة أن ُتجامع غير زوجها قبل‬
‫أن تعود إليه( ‪ ،‬ليوهم أن المقصود تجامع غير زوجها بالحرام ‪،‬‬
‫بينما الحديث في ذكر دخول الزوج الثاني على زوجته ‪ ،‬لتحل‬
‫لزوجها الول ‪ ،‬ليس فيه ذكر أن تجامع غير زوجها بالحرام !!‬
‫ومعلوم أنه باتفاق العلماء أن زواجها من الثاني يكون باطل إن‬
‫كان باتفاق مسبق مع الول ‪ ،‬لكي يحلل لها الرجوع إلى الول ‪،‬‬
‫وفي الحديث الصحيح )لعن الله المحلل والمحلل له ( رواه أحمد‬
‫والنسائي وأبوداود والترمذي من حديث علي رضي الله عنه ‪ ،‬أي‬
‫الذي يتزوج المرأة باتفاق معها أو مع زوجها الول ‪ ،‬ثم يطلقها‬
‫لتحل للول فقط ‪.‬‬
‫وأما إن طلق الرجل زوجته ثلث طلقات ‪ ،‬ثم تزوجت رجل آخر ‪،‬‬
‫ثم طلقها بعد الدخول بها من قصد تحليلها للول‪ ،‬جاز لها أن‬
‫ترجع إلى الول بزواج جديد وعقد جديد ‪.‬‬
‫كما أنه من المعلوم أن طلق الغضبان ل يقع ‪ ،‬لحديث ) لطلق‬
‫في إغلق ( رواه أحمد وأبو داود من حديث عائشة رضي الله‬
‫عنها ‪ ،‬والغلق هو الغضب الشديد ‪ ،‬فقول النصراني )وكثيرا ً ما‬
‫تكون امرأة لها زوج عظيم وأولد وبنات هم سادة مجتمعهم‪،‬‬
‫ب يطّلقها زوجها‪ ،‬ثم يندم على ما فعل ( جهل‬ ‫وفي حالة غض ٍ‬
‫بشريعة السلم التي تجعل الطلق حال الغضب غير واقع ‪.‬‬

‫‪263‬‬
‫كما أن إباحة الطلق ‪ ،‬من محاسن السلم ‪ ،‬ذلك أن الزواج قد‬
‫ليمكن استمراره لسبب من السباب ‪ ،‬وتصبح العشرة بين‬
‫الزوجين متعذرة ‪ ،‬وفيها مضرة كبيرة على الزوجين ‪ ،‬فيكون‬
‫الزوج أو الزوجة بين خيارين ‪:‬‬
‫الول ‪ -:‬أن يتخذ الزوج عشيقة أو الزوجة عشيقا مع بقاء عقد‬
‫النكاح إذا كان الطلق ل يصح ‪ ،‬ومن فعل هذا فقد أغضب الله‬
‫تعالى ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن يفترقا ‪ ،‬ويرى كل سبيله ‪ ،‬كما قال تعالى )وإن يتفرقا‬
‫يغن الله كل من سعته ( ‪ ،‬وهو الطلق الشرعي ‪.‬‬
‫ولريب أن التفرق في هذه الحالة هو الخيار الصحيح الذي يقره‬
‫العقل والمنطق ‪ ،‬ولما كانت النصارى في سابق عهدها ل تبيح‬
‫الطلق‪ ،‬فقد وقع عليهم حرج عظيم بسبب ذلك ‪ ،‬اضطرهم أن‬
‫ُيقروا النفصال بين الزوجين ‪ ،‬فيأخذوا بما أقرته شريعة السلم‬
‫قال الله تعالى ‪ )) :‬الطلق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح‬
‫بإحسان‪ ،‬ول يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ً إل أن يخافا‬
‫أل يقيما حدود الله فإن خفتم الله فل جناح عليهما فيما افتدت‬
‫به‪ ،‬تلك حدود الله فل تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم‬
‫الظالمون*فإن طلقها فل تحل له من بعد حتى تنكح زوجا ً‬
‫غيره ((‪.‬‬
‫وهذا يفهم منه أن للرجل إذا طلق امرأته أن يراجعها ما دامت‬
‫في عدتها‪ ،‬فإن طلقها الثانية فله أن يراجعها كذلك‪ ،‬فإن طلقها‬
‫الثالثة فليس له عليها سبيل حتى تنكح زوجا غيره‪ ،‬فإن طلقها‬
‫الزوج الثاني وخرجت من عدتها فللزوج الول أن يتزوجها‪.‬‬
‫وهذا إبطال لما كان يفعل في الجاهلية‪ ،‬فقد كان للرجل أن‬
‫يطلق امرأته‪ ،‬فإذا قاربت العدة راجعها‪ ،‬ثم يطلقها‪ ،‬ثم يراجعها‪،‬‬
‫وهكذا حتى تكون كالمعلقة‪ ،‬ل هي ذات زوج فتسكن إليه‪ ،‬ول هي‬
‫مسرحة حتى تحل للزواج‪ ،‬فأبطل الله ذلك‪ ،‬وأبان أن ليس‬
‫للرجل أن يفعل ذلك إل مرتين فإن طلقها الثالثه فل تعود له إل‬
‫بعد أن تتزوج غيره‪ ،‬فإن طلقها الثاني حلت للول‪ ،‬وهذا التشريع‬
‫فيه رحمة بالمرأة‪ ،‬وإزالة لعنت الزواج‪.‬‬
‫وهذا فيه قطع طمع الرجل فيها‪ ،‬إذ شرط في حلها له أن تبعد‬
‫عنه فتكون ذات زوج‪ ،‬وربما أمسكها طول حياته فل ينالها أبدا‪،‬‬
‫فيكون ذلك أدعى لن يتروي في الطلق فل يسرف فيه ول يبذر‪.‬‬
‫قال الله تعالى في حق المطلقة ثلثا ‪ )) :‬فإن طلقها فل تحل له‬
‫من بعد حتى تنكح زوجا ً غيره (( أي حتى تنكح زوجا ً غيره نكاح‬
‫رغبة‪ ،‬نكاحا ً معتادًا‪ ،‬يراد للدوام والستمرار‪ ،‬ل نكاحا ً صوريا ليس‬
‫فيه من النكاح إل صورته‪ ،‬فأما معناه وحقيقته من سكون كل‬

‫‪264‬‬
‫منهما إلى الخر‪ ،‬ومن التواد والتراحم والتحاب فليس منها في‬
‫قليل ول كثير‪ ،‬ويدل على ذلك أن من مقاصد الشرع أن يصون‬
‫المرأة ول يعرضها على كثير‪ ،‬فليس في عرضها ما يصلح أن‬
‫يكون غرضا‪.‬‬
‫وإنما أراد الشارع أن يخيف المطلق‪ ،‬فهو يقول ‪ :‬تأن في‬
‫الطلق‪ ،‬فإذا بلغت الطلقة الثالثة لم تحل لك ل في حال عزوبتها‬
‫ول في حال زواجها‪ ،‬لنها ذات زوج‪ ،‬وذات الزوج ل تحل‪ ،‬ول تحل‬
‫لك إل إذا فارقها زوجها‪ ،‬وهذا نادر وقليل الوقوع‪ ،‬فإذا كنت‬
‫متعلقا بها فل تخاطر بطلقها‪ ،‬وكما يدل النظر العقلي على‬
‫بطلن عقد نكاح التحليل وفساده جاءت النصوص عن النبي صلى‬
‫الله عليه وآله وسلم والصحابة والتابعين ببما يدل على تحريمه‪:‬‬
‫)‪ (1‬ورد عن ابن مسعود)رضي الله عنه( أنه قال ‪)) :‬لعن رسول‬
‫الله المحلل والمحلل له (( رواه المام أحمد في مسنده‪،‬‬
‫والنسائى في سننه‪ ،‬والترمذي في جامعه‪.‬‬
‫ولما روي الترمذي عن ابن مسعود )) لعن المحلل (( صحح‬
‫الحديث ثم قال‪ :‬والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب‬
‫النبي)صلى الله عليه وآله وسلم(‪ ،‬منهم‪ :‬عمر ابن الخطاب‪،‬‬
‫وعثمان بن عفان‪ ،‬وعبدالله بن عمر‪ ،‬وهو قول الفقهاء من‬
‫التابعين‪.‬‬
‫)‪ (2‬عن عقبة بن عامر أنه قال‪ :‬قال رسول الله)صلى الله عليه‬
‫وآله وسلم( ‪ )) :‬أل أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا بلى يارسول‬
‫الله‪ ،‬قال هو المحلل‪ ،‬لعن الله المحلل والمحلل له (( رواه ابن‬
‫ماجه في سننه‪.‬‬
‫)‪ (3‬روي عمرو بن نافع عن أبيه قال‪ :‬جاء رجل إلى ابن عمر‬
‫فسأله عن رجل طلق امرأته ثلثا‪ ،‬فتزوجها أخ له من غير‬
‫مؤامرة بينهما ليحلها لخيه‪ ،‬هل تحل للول؟ قال ل‪ ،‬إل نكاح‬
‫رغبة‪ .‬كنا نعد هذا سفاحا على عهد رسول الله)صلى الله عليه‬
‫وآله وسلم(‪ .‬رواه الحاكم في صحيحه‪.‬‬
‫)‪ (4‬قال عمر بن الخطاب)رضي الله عنه(‪ :‬ل أوتي بمحلل ول‬
‫محلل له إل رجمتها‪.‬‬
‫أرأيتم أن الشريعة السلمية كانت أشد إنكارا ً لما أنكرتموه‪،‬‬
‫وأشد استهجانا لما استهجنتموه‪ ،‬فسمت الحلل تيسا ً مستعارا‪،‬‬
‫وهذا فيه من التقبيح والتسهجان ما فيه‪ ،‬ولعنته‪ ،‬وهل يلعن الله‬
‫ورسوله من يفعل مستحبا أو جائزا أو مكروها ً أو صغيرًا‪ ،‬أو لعنته‬
‫مختصة يمن أرتكب كبيرة أو ما هو أعظم منها‪ ،‬كما قال ابن‬
‫عباس‪ ،‬كل ذنب ختم بلعنة أو غضب أو عذاب أو نار فهو كبيرة‪.‬‬
‫المصدر ‪-:‬‬

‫‪265‬‬
‫‪halimo .com‬‬ ‫موقع‬
‫====================‬
‫شبهة التوكل والتواكل‬
‫أثار خصوم السلم شبهة أن السلم دين يدعو إلى الكسل‬
‫والتقاعس وعدم العمل‪ ،‬والركون إلى التوكل على الله‪ ،‬وأنه دين‬
‫يعكس على أتباعه آثارا ً سلبية تتمثل في حمل الفراد على‬
‫التثاقل والتواكل والكسل والتعلق بأهداب الغيب والعيش في‬
‫الخيال بعيدا ً عن الواقع‪ ،‬فهو يقوم على العتقاد بأن كل شيء‬
‫مكتوب في علم الله قبل وقوعه وحدوثه‪ ،‬وأن هذا التصور يجعل‬
‫المسلم مسلوب الرادة‪ ،‬فنزوع الفعل ينتظر الغيب المحتوم‬
‫عليه مجبر‪ ،‬فلماذا يعمل؟؟ وهذه الشبهة ليست جديدة وإنما‬
‫تتجدد مع الزمن لتظهر في كل عصر بثوب جديد‪ .‬ورد ّ هذه‬
‫الشبهة يكمن في أن من أثارها أساء فهم عقيدة اليمان بالغيب‬
‫س بين التوكل والتواكل‪.‬‬‫والقضاء والقدر‪ ،‬وحصل لديه ل ُب ْ ٌ‬
‫فالتواكل يعني العتماد على الله تعالى في تحصيل النتائج دون‬
‫الخذ بالسباب خلفا ً لمعنى التوكل الذي دعا إليه السلم وهو‬
‫العتماد على الله تعالى في حصول النتائج بعد الخذ بالسباب‬
‫في العمل‪ ،‬وهو المعنى الذي حّثت عليه نصوص القرآن الكريم‬
‫والسنة النبوية الشريفة‪ ،‬ودليل ذلك‪.‬‬
‫ل‪ :‬القرآن الكريم ربطت اليات الكريمة اليمان بالعمل‪،‬‬ ‫أو ً‬
‫واعتبرت العمل الصالح شرط لليمان في أكثر من سبعين‬
‫موضعا‪ ،‬والعمل كلمة جامعة تشمل كل جهد إنساني تصلح به‬
‫الدنيا وينتفع به الفرد والمجتمع ومن ذلك قوله تعالى »والعصر‬
‫إن النسان لفي خسر‪ ،‬إل الذين آمنوا وعلموا الصالحات« العصر‬
‫‪ ،3 - 1‬وقوله‪» :‬إل الذين آمنوا وعملوا الصالحات« التين‪،6 /‬‬
‫وقوله عز وجل‪» :‬وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله‬
‫والمؤمنون« التوبة‪ 01 /‬وقال أيضًا‪» :‬فامشوا في مناكبها وكلوا‬
‫من رزقه« الملك‪ .51 /‬وغيرها الكثير فالعمل والمشي المطلوب‬
‫في اليات الكريمة ُينافي التواكل والتقاعس والقعود‪.‬‬
‫دت السنة النبوية الشريفة على العمل والخذ بالسباب‪،‬‬ ‫ثانيًا‪ :‬إك ّ‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪» :‬ما منكم من أحد إل‬
‫وقد كتب مقعده من الجنة والنار‪ ،‬فقيل يا رسول الله‪ :‬أفل ندع‬
‫ل ميسر لما‬ ‫العمل ونتكل على الكتاب؟‪ ،‬فقال‪ :‬ل‪ ،‬اعملوا‪ ،‬فك ٌ‬
‫خلق له« وراه البخاري‪ .‬وقال في حديث آخر‪» :‬اعقلها وتوكل«‪،‬‬ ‫ُ‬
‫وقال أيضًا‪ :‬أطيب الكسب عمل الرجل بيده وكل بيٍع مبرور«‬
‫السيوطي‪ ،‬وقال‪» :‬تداووا عباد الله‪ ،‬فإن الله تعالى لم يضع داء‬
‫إل وضع له دواء‪ «..‬رواه أحمد‪ .‬فالقبال على الخذ بالسباب‬

‫‪266‬‬
‫ب شرعي‪ ،‬فمن أراد الكسب الشريف سعى له‪ ،‬ومن أراد‬ ‫واج ٌ‬
‫الذرية تزوج‪ ،‬ومن أراد النجاح درس‪ ،‬ومن أراد الشفاء أخذ‬
‫الدواء‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬إن اليمان بالغيب والقدر خيره وشره والعتقاد بأن كل‬
‫در ومكتوب ل يتصادم مع وظيفة النسان في الحياة من‬ ‫مق ّ‬
‫شيء ُ‬
‫ضرورة العمار والستخلف‪ ،‬فقد رد ّ المام أحمد بن حنبل عندما‬
‫ج قوم بالتوأكل مستندين على حديث »لو أنكم توكلتم على‬ ‫احت ّ‬
‫الله حق توكله‪ ،‬لرزقكم كما يرزق الطير‪ ،‬تغدوا خماصا ً وتروح‬
‫بطانًا«رواه أصحاب السنن‪ ،‬فقال‪ :‬أي شيٍء هذا غير العمل‬
‫»تغدو وتروح«‪ .‬وأكد ّ هذا المفهوم سيدنا عمر بن الخطاب رضي‬
‫الله عنه بقوله‪» :‬ل يقعد أحدكم عن طلب الرزق يقول اللهم‬
‫ارزقني وقد علم أن السماء ل تمطر ذهبا ً ول فضة«‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬أما قضية أن النسان مسلوب الرادة مجبر على جميع‬
‫أفعاله‪ ،‬فهذه مقولة غير صحيحة‪ ،‬لن النسان في نظر السلم‬
‫مخيّر في المور الرادية‪ ،‬فهو يفعل الخير فُيثاب ويفعل الشر‬
‫مسّير في بعض المور التي تخرج عن إرادته مثل‬ ‫فيعاقب‪ ،‬وهو ُ‬
‫حياته وولدته وعمره‪ ..‬الخ وهكذا فالنسان مخّير في المور‬
‫الرادية )التي سيحاسب عليها( ومسّير في المور الل ارادية قال‬
‫تعالى‪» :‬إنا هديناه السبيل إما شاكرا ً وإما كفورًا« النسان‪ .3 /‬ول‬
‫يسمح السلم للنسان بالتقاعس والكسل والنحراف ثم يحتج‬
‫بعد ذلك بالقدر‪ ،‬لن هذا ل يتفق مع روح السلم والغاية التي من‬
‫خلق النسان‪ .‬وهكذا يخطئ من يظن أن السلم يطلب‬ ‫أجلها ُ‬
‫من النسان أن يخضع ويقبل بالواقع بكل ما فيه‪ ،‬دون أن يكون‬
‫له تأثير وتغيير فيه‪ ،‬لكن يعمل ويتوكل‪ ،‬فالتوكل على الله يهبه‬
‫قوة عظيمة‪ ،‬قال عليه السلم‪» :‬من أحب أن يكون أقوى الناس‬
‫فليتوكل على الله«‪ .‬وبعد هذا هل يبقى لهذه الشبهة للسلم‬
‫مدخل أو وجود؟!‬
‫منقول من منتدى ابن مريم‬
‫====================‬
‫الغلمان في الجنة بين الحقيقة والفتراء‬
‫قرأت لحدهم مقال يدعي فيه أن القرآن الكريم يغري العرب‬
‫كي يعتنقوا السلم بأن الجنة التي تنتظرهم فيها غلمان سوف‬
‫يطوفون عليهم ليمارسوا معهم الشذوذ الجنسي وحجتهم في‬
‫ذلك هذه اليات‪:‬‬
‫َ‬
‫م ل ُؤ ْل ُؤ ٌ ّ‬
‫مك ُْنو ٌ‬
‫ن(‬ ‫ن ل ّهُ ْ‬
‫م ك َأن ّهُ ْ‬ ‫م ِغل ْ َ‬
‫ما ٌ‬ ‫ف ع َل َي ْهِ ْ‬ ‫قوله تعالى‪) :‬وَي َ ُ‬
‫طو ُ‬
‫) الطور ‪( 24 :‬‬

‫‪267‬‬
‫خل ّدون إ َ َ‬
‫م‬‫سب ْت َهُ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ذا َرأي ْت َهُ ْ‬ ‫م َ ُ َ ِ‬ ‫ن ّ‬ ‫دا ٌ‬ ‫م وِل ْ َ‬ ‫ف ع َل َي ْهِ ْ‬ ‫طو ُ‬ ‫وقوله تعالى‪) -‬وَي َ ُ‬
‫منُثوًرا( ) النسان ‪( 19 :‬‬ ‫ل ُؤ ْل ُ ً‬
‫ؤا ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ق‬
‫ب وَأَباِري َ‬ ‫وا ٍ‬ ‫ن ‪ 17‬ب ِأك ْ َ‬ ‫دو َ‬ ‫خل ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ّ‬ ‫دا ٌ‬ ‫م وِل ْ َ‬ ‫ف ع َل َي ْهِ ْ‬ ‫طو ُ‬ ‫وقوله تعالى )ي َ ُ‬
‫ْ‬
‫ما‬‫م ّ‬ ‫ن ‪ 19‬وََفاك ِهَةٍ ّ‬ ‫ن ع َن َْها وََل ُينزُِفو َ‬ ‫عو َ‬ ‫صد ّ ُ‬ ‫ن ‪َ 18‬ل ي ُ َ‬ ‫مِعي ٍ‬ ‫من ّ‬ ‫س ّ‬ ‫وَك َأ ٍ‬
‫ن ‪ ) (21‬الواقعة ‪( 21 – 17 :‬‬ ‫شت َُهو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫م ّ‬‫حم ِ ط َي ْرٍ ّ‬ ‫ن ‪ 20‬وَل َ ْ‬ ‫خي ُّرو َ‬ ‫ي َت َ َ‬
‫كم هو أمر خبيث أن يجهد المرء نفسه في سبيل افتعال نقائص‬
‫في عقائد الخرين للنيل منهم ومما يعتقدون‬
‫كم هو خبيث أن ينسلخ المرء من ضميره ومن إنسانيته كي يتهم‬
‫دين الخرين بما هو منه براء‬
‫كم هو خبيث أن يبرر النسان لغاياته كل الوسائل مهما كانت‬
‫دنيئة منحطة‬
‫نعرف أن كل ما يخالف الفطرة السوية هو شيء خبيث لكننا لم‬
‫نر بين الخبائث شيئا أخبث من البهتان ‪.‬‬
‫لكن ما أيسر ذلك عند قوم ل يؤمنون والحرى أنهم عن فطرتهم‬
‫بعيدون معاندون لن الخلق في الصل هي فطرية وما دور‬
‫الديان فيها إل التهذيب والتنمية والعمل على تفعيلها وتقويتها كي‬
‫تكون مستقرة مستمرة‬
‫ن‬
‫دا ٌ‬ ‫م وِل ْ َ‬ ‫ف ع َل َي ْهِ ْ‬ ‫طو ُ‬ ‫يقول أحدهم معلقا على قوله تعالى‪ } :‬وَي َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫م ل ُؤ ْل ُ ً‬ ‫خل ّدون إ َ َ‬
‫ت‬ ‫م َرأي ْ َ‬ ‫ت ثَ ّ‬ ‫ذا َرأي ْ َ‬ ‫منُثوًرا ‪ 19‬وَإ ِ َ‬ ‫ؤا ّ‬ ‫سب ْت َهُ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ذا َرأي ْت َهُ ْ‬ ‫م َ ُ َ ِ‬ ‫ّ‬
‫حلوا‬‫ّ‬ ‫ست َب َْرقٌ وَ ُ‬ ‫ضٌر وَإ ِ ْ‬ ‫خ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫سند ُ ٍ‬ ‫ب ُ‬ ‫م ث َِيا ُ‬ ‫عال ِي َهُ ْ‬ ‫ملكا كِبيًرا ‪َ 20‬‬ ‫ما وَ ُ‬ ‫ن َِعي ً‬
‫َ‬
‫ة‪ ) .{....‬سورة النسان (‬ ‫ض ٍ‬ ‫من فِ ّ‬ ‫ساوَِر ِ‬ ‫أ َ‬
‫هل كل هذا الشذوذ يليق بقدسية الله العلي؟‪ ......‬غلمان لهم‬
‫يرتدون الحرير!!! وعليهم حلي كالنساء!!!‬
‫وفي موقع مسيحي قرأت قولهم‪ :‬إن القرآن يغري بغلمان‬
‫نصفهم العلى ذكري والسفل أنثوي‬
‫كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إل كذبا‬
‫قالوا لنا قديما‪ :‬كل إناء بما فيه ينضح‬
‫وصدقوا فمن ذا الذي يطمع في أن يجني سكرا من حنظل ‪،‬‬
‫فالشيء يرجع في المذاق لصله‪.‬‬
‫حّلوا‬ ‫ست َب َْرقٌ وَ ُ‬ ‫ضٌر وَإ ِ ْ‬ ‫خ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫سند ُ ٍ‬ ‫ب ُ‬ ‫م ث َِيا ُ‬ ‫عال ِي َهُ ْ‬ ‫إن هذ الوصف } َ‬
‫ة‪ {....‬هو وصف للبرار المنعمين في الجنة وليس‬ ‫َ‬
‫ض ٍ‬ ‫من فِ ّ‬ ‫ساوَِر ِ‬ ‫أ َ‬
‫وصفا لخدمهم‬
‫البرار الذين تستطرد اليات في وصف نعيمهم بدًءا من قوله‬
‫شربون من ك َأ ْ‬
‫كاُفوًرا {‬ ‫جَها َ‬ ‫مَزا ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫س َ‬
‫كا َ‬ ‫ٍ‬ ‫ن اْل َب َْراَر ي َ ْ َ ُ َ ِ‬ ‫تعالى‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫ساوَِر‬ ‫حّلوا أ َ‬ ‫ست َب َْرقٌ وَ ُ‬ ‫ضٌر وَإ ِ ْ‬ ‫خ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫سند ُ ٍ‬ ‫ب ُ‬ ‫م ث َِيا ُ‬ ‫عال ِي َهُ ْ‬
‫إلى أن قال‪َ } :‬‬
‫جَزاء‬ ‫م َ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫شَراًبا ط َُهوًرا ‪ 21‬إ ِ ّ‬ ‫م َ‬ ‫م َرب ّهُ ْ‬ ‫قاهُ ْ‬ ‫س َ‬‫ضة ٍ و َ َ‬ ‫من فِ ّ‬ ‫ِ‬

‫‪268‬‬
‫كوًرا { لحظ التقرير بأن هذا المذكور هو جزاء‬ ‫ش ُ‬ ‫م ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫سعْي ُ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫وَ َ‬
‫لهؤلء البرار‬
‫ويتضح المعنى أكثر حينما نعود إلى اليات القرآنية التي تناولت‬
‫نفس الموضوع لنرى لمن يكون هذا اللباس ؟‬
‫مُلوا‬ ‫مُنوا وَع َ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫قال تعالى في سورة الكهف‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ُ‬ ‫الصال ِحات إنا َل نضيع أ َجر م َ‬
‫ت‬ ‫جّنا ُ‬ ‫م َ‬ ‫ك ل َهُ ْ‬ ‫مًل ‪ 30‬أوْل َئ ِ َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ُ ِ ُ ْ َ َ ْ‬ ‫ّ َ ِ ِّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ب‬‫من ذ َهَ ٍ‬ ‫ساوَِر ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِفيَها ِ‬ ‫حل و ْ َ‬ ‫م الن َْهاُر ي ُ َ‬ ‫حت ِهِ ُ‬ ‫من ت َ ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫ع َد ْ ٍ‬
‫ن ِفيَها ع ََلى‬ ‫مت ّك ِِئي َ‬ ‫ق ّ‬ ‫ست َب َْر ٍ‬ ‫س وَإ ِ ْ‬ ‫سند ُ ٍ‬ ‫من ُ‬ ‫ضًرا ّ‬ ‫خ ْ‬ ‫ن ث َِياًبا ُ‬ ‫سو َ‬ ‫وَي َل ْب َ ُ‬
‫قا {‬ ‫ف ً‬
‫مْرت َ َ‬ ‫ت ُ‬ ‫سن َ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫وا ُ‬ ‫م الث ّ َ‬ ‫ك ن ِعْ َ‬ ‫اْل ََرائ ِ ِ‬
‫َ‬
‫ت‬
‫جّنا ٍ‬ ‫ن ‪ِ 51‬في َ‬ ‫مي ٍ‬ ‫قام ٍ أ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫وفي سورة الدخان ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫ن ‪{ 53‬‬ ‫قاب ِِلي َ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ق ّ‬ ‫ست َب َْر ٍ‬‫س وَإ ِ ْ‬ ‫سند ُ ٍ‬ ‫من ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫سو َ‬ ‫ن ‪ 52‬ي َل ْب َ ُ‬ ‫وَع ُُيو ٍ‬
‫ت‬‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَع َ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ل ال ّ ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫ه ي ُد ْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫وفي سورة الحج‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ب‬ ‫من ذ َهَ ٍ‬ ‫ساوَِر ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِفيَها ِ‬ ‫حل و ْ َ‬ ‫حت َِها الن َْهاُر ي ُ َ‬ ‫من ت َ ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫َ‬
‫ريٌر ‪{ 23‬‬ ‫ح ِ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫سهُ ْ‬‫ؤا وَل َِبا ُ‬ ‫ُ‬
‫وَلؤ ْل ً‬ ‫ُ‬
‫صط َ َ‬ ‫َ‬
‫عَباد َِنا‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫في َْنا ِ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫م أوَْرث َْنا ال ْك َِتا َ‬ ‫وفي سورة فاطر‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫ن‬ ‫ت ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫خي َْرا ِ‬ ‫ساب ِقٌ ِبال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫صد ٌ و َ ِ‬ ‫قت َ ِ‬ ‫م ْ‬‫من ُْهم ّ‬ ‫سه ِ و َ ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ل ّن َ ْ‬ ‫م َ‬
‫ظال ِ ٌ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫فَ ِ‬
‫ن ِفيَها‬ ‫حل ّوْ َ‬ ‫خُلون ََها ي ُ َ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬ ‫ت ع َد ْ ٍ‬ ‫جّنا ُ‬ ‫ل ال ْك َِبيُر ‪َ 32‬‬ ‫ض ُ‬ ‫ف ْ‬ ‫ك هُوَ ال ْ َ‬ ‫الل ّهِ ذ َل ِ َ‬
‫ب وَل ُؤ ْل ُ ً‬ ‫م َ‬
‫ريٌر ‪{ 33‬‬ ‫ح ِ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫سه ُ ْ‬ ‫ؤا وَل َِبا ُ‬ ‫من ذ َهَ ٍ‬ ‫ساوَِر ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫ِ ْ‬
‫صب َُروا‬ ‫ما َ‬ ‫هم ب ِ َ‬ ‫جَزا ُ‬ ‫وفي سورة النسان نفسها قال عن البرار‪ } :‬وَ َ‬
‫ريًرا ‪{ 12‬‬ ‫ح ِ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫جن ّ ً‬ ‫َ‬
‫وإن تعجب فعجب أمرهم حين تبحث عن هدف هذه التشويهات‬
‫هل هو محاولة تشكيك المسلمين في دينهم ؟‬
‫لو كان هذا هدفهم فإنهم في حال من الغباء ل يحسدون عليها‬
‫لن التجارب دلت على أن كل محاولت التشكيك في الدين‬
‫الحنيف تذهب هباء فهي كسراب يحسبه الظمآن ماء‪ .‬لنها‬
‫شبهات دائما شهواء ليس لها عين تبصر ول أذن تسمع بل هي‬
‫من كل مظاهر الحياة خواء‪.‬‬
‫أم تراهم يعتقدون أنهم بذلك يبنون لهم جدارا من الثقة بينهم‬
‫وبين الناس احتفاء بذكائهم ورفعة تفكيرهم وأنهم وحدهم‬
‫العقلنيون التنويريون التحرريون الذين حرروا أنفسهم من‬
‫عبودية الحق ولكنهم سقطوا في بحر عبودية الخلق ‪ ،‬فاستبدلوا‬
‫الذي هو أدنى بالذي هو خير رفضوا أن يعبدوا إلها واحدا هو‬
‫خالقهم ورازقهم ومدبر أمورهم وعبدوا آلهة متعددة من خلق‬
‫الله قادهم إليها رسول العقل أو بالحرى شيطان العقل الذي‬
‫زين لهم سوء عملهم فرأوه حسنا نعم عبدوا " نيتشه وآينشتاين‬
‫وفولتير " وغيرهم وغيرهم‬

‫‪269‬‬
‫يقولون – زعما – نحن نعمل عقولنا ول نغّيبها ولقد خلطوا بين‬
‫الهوى والعقل كما خلطوا بين الغراض وحسن القصد‬
‫كل فلقد غابت عقولهم وقلوبهم وأخلقهم أيضا !!!!!‬
‫نعم غابت عقولهم يوم أن ظنوا أن طرائقهم تجدي في التشكيك‬
‫فالمشكك يجب ان يكون أكثر حنكة من ذلك فأين هؤلء من‬
‫الذين كانوا يدسون السم في العسل ورغم هذا فقد رجع سمهم‬
‫عليهم فكانوا هم الشاربين له فقتلهم ؟‬
‫كم أنتم مساكين قليلو البضاعة ل تعرفون كيف تشتبهون ول‬
‫كيف تغرون الناس بما تعتقدون ‪ ،‬وربما لنكم تعرفون أن ليس‬
‫لما تعتقدون من قرار ‪ ،‬فلو أغرقتم في طرحه لكانت النتيجة‪:‬‬
‫الفرار الفرار‪.‬‬
‫هنا تبدو أفضل طريقة ما بات يعرف بـ " أفضل وسيلة للدفاع‬
‫هي الهجوم "‬
‫لكن من تهاجمون ؟!!!!‬
‫تهاجمون عقيدة قوم ل أمل لهم في الحياة بدونها ‪ ،‬قوم يعلمون‬
‫أنه ل خير فيهم إن لم يكونوا مؤمنين‪.‬‬
‫كناطح صخرة يوما ليوهنها فلم يصبها وأوهى قرنه الوعل‬
‫إن مشككي اليوم المتفاخرين بعقولهم يصنفون أنفسهم في‬
‫ة من ضده عدوه الذي‬ ‫من العقلء يقبل نصيح ً‬ ‫من ِ‬ ‫خندق الضد و َ‬
‫يكيل له الطعنات !!!!!!!‬
‫وغابت قلوبهم يوم أن حجبوها بحجاب من الظلمة حتى أصبحت‬
‫ل تفرق بين ما ينبغي وما ل ينبغي يوم أن تنكروا لخالقهم‬
‫ورازقهم والمنعم عليهم حيث أسكنهم في أرضه وغطاهم‬
‫بسمائه وأسبل عليهم ستره وهم مع ذلك يبارزونه بالمعاصي ل‬
‫ت الل ّهِ‬‫ن ِبآَيا ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ل َ ي ُؤ ْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬
‫ري ال ْك َذ ِ َ‬ ‫فت َ ِ‬‫ما ي َ ْ‬
‫بل بالفتراء عليه } إ ِن ّ َ‬
‫ن{‬ ‫كاذ ُِبو َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫وَأ ُْولئ ِ َ‬
‫ك هُ ُ‬
‫نعم فقد غرهم حلمه عليهم وصبره عن معاقبتهم وتلك والله‬
‫صفة الخسيس الذي يكافئ على الجميل عصيانا ‪ ،‬وعلى‬
‫ذي‬ ‫ريم ِ * ال ّ ِ‬‫ك ال ْك َ ِ‬ ‫ك ب َِرب ّ َ‬‫ما غ َّر َ‬ ‫ن َ‬ ‫سا ُ‬
‫لن َ‬ ‫ِ‬ ‫الحسان نكرانا } َيا أ َي َّها ا ْ‬
‫شاء َرك ّب َ َ‬ ‫َ‬ ‫ك فَعَد َل َ َ‬‫وا َ‬ ‫ق َ‬‫خل َ َ‬
‫ك{‬ ‫ما َ‬ ‫صوَرةٍ ّ‬ ‫ك * ِفي أيّ ُ‬ ‫س ّ‬‫ك فَ َ‬ ‫َ‬
‫وغابت أخلقهم حين رضوا لنفسهم بالكذب والتلفيق وإن بسوء‬
‫التأويل واستنطاق النصوص بسيء ما يعتقدون هم ويباشرون ل‬
‫بما تحتمله هذه النصوص تصريحا أو تلميحا‪.‬‬
‫هل القرآن الكريم يغري بالشذوذ الجنسي ؟‬
‫لعنة الله والملئكة والناس أجمعين على قوم قد شذت عقولهم‬
‫كما شذت أخلقهم فظنوا أن للقرآن شذوذا كشذوذهم‬
‫أي اجتراء وافتراء على الله ذلك الذي يتمتع به هؤلء !!!!!‬

‫‪270‬‬
‫الله عز وجل يقول متحدثا عن بعض مظاهر نعيم أهل الجنة‪:‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫من‬ ‫س ّ‬ ‫ب وَأَباِريقَ وَك َأ ٍ‬ ‫وا ٍ‬ ‫ن * ب ِأك ْ َ‬ ‫دو َ‬ ‫خل ّ ُ‬ ‫م َ‬‫ن ّ‬ ‫دا ٌ‬ ‫م وِل ْ َ‬ ‫ف ع َل َي ْهِ ْ‬ ‫طو ُ‬ ‫} يَ ُ‬
‫ن*‬ ‫خي ُّرو َ‬ ‫ما ي َت َ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ن * وََفاك ِهَةٍ ّ‬ ‫ن ع َن َْها وََل ُينزُِفو َ‬ ‫عو َ‬ ‫صد ّ ُ‬ ‫ن * َل ي ُ َ‬ ‫مِعي ٍ‬ ‫ّ‬
‫ن { هذا حديث عن الخدم الذين يخدمون‬ ‫شت َُهو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫حم ِ طي ْرٍ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وَل ْ‬
‫من أمضوا حياتهم طاعة للجليل اعترافا له بالجميل إنهم يقدمون‬
‫لمخدوميهم ما يطلبونه منهم من مشروبات ومطعومات هذا ما‬
‫تذكره اليات فهل يفهم منها شيء غير هذا ؟‬
‫ن‬
‫دو َ‬ ‫خل ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ّ‬ ‫دا ٌ‬‫م وِل ْ َ‬ ‫ف ع َل َي ْهِ ْ‬ ‫طو ُ‬ ‫يقولون‪ :‬نعم فهذه اليات تقول‪ } :‬وَي َ ُ‬
‫مل ْ ً‬ ‫َ‬ ‫ؤا منُثورا * وإ َ َ‬ ‫إ َ َ‬
‫كا‬ ‫ما وَ ُ‬ ‫ت ن َِعي ً‬ ‫م َرأي ْ َ‬ ‫ت ثَ ّ‬ ‫ذا َرأي ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫م ل ُؤ ْل ُ ً ّ‬ ‫سب ْت َهُ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ذا َرأي ْت َهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫من‬ ‫خضر وإستبرقٌ وحّلوا أ َ‬ ‫َ‬
‫ساوَِر ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫ْ ٌ َِ ْ َْ‬ ‫ُ‬ ‫س‬ ‫د‬ ‫سن‬
‫َُ ْ َ ُ ُ ُ ٍ‬ ‫ب‬ ‫يا‬ ‫ِ‬ ‫ث‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫عا‬ ‫َ‬ ‫*‬ ‫را‬‫ِ ً‬ ‫بي‬ ‫ك‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫جَزاء وَكا َ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ن لك ْ‬ ‫َ‬ ‫ذا كا َ‬‫َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫شَراًبا طُهوًرا * إ ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫م َرب ّهُ ْ‬ ‫قاهُ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ضة ٍ و َ َ‬ ‫فِ ّ‬
‫كوًرا {‬ ‫ش ُ‬ ‫م ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫سعْي ُ ُ‬ ‫َ‬
‫يقولون‪ :‬إن هذه اليات تحكي عن نظافة هؤلء الولدان وأناقتهم‬
‫الشديدة وليس ذلك إل للسبب الذي يعتقدونه !!!!‬
‫قولوا بالله عليكم ما ذا نقول لقوم يسيئون النية لمجرد الوصف‬
‫بالنظافة والناقة وكأنهما قد أصبحا جرما في عرف هؤلء ولم ل‬
‫والوسخ والدنس في عرف بعضهم وتقاليدهم شعيرة من‬
‫الشعائر وعبادة من العبادات‪.‬‬
‫أما إسلمنا فهو دين النظافة فالنظافة عندنا من اليمان وقول‬
‫أحد الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم‪ " :‬الرجل منا يحب أن‬
‫يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا فهل يدخل ذلك في الكبر ؟ فرد‬
‫عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم قائل‪ :‬إن الله جميل يحب‬
‫الجمال "‬
‫إسلمنا هو دين الوضوء والغسل وإماطة الذى عن الطريق‬
‫إسلمنا هو الذي أمرنا بأن نلبس أحسن الثياب وأن نتطيب ولو‬
‫كنا مقدمين على عبادة ربنا وخالقنا‬
‫جد ٍ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عند َ ك ُ ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ذوا ْ ِزين َت َك ُ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ففي سورة العراف } َيا ب َِني آد َ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ‪ 31‬قُ ْ‬ ‫سرِِفي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫سرُِفوا ْ إ ِن ّ ُ‬ ‫شَرُبوا ْ وَل َ ت ُ ْ‬ ‫وك ُُلوا ْ َوا ْ‬
‫هي‬ ‫ل ِ‬ ‫ق قُ ْ‬ ‫ن الّرْز ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ج ل ِعَِباد ِهِ َوال ْط ّي َّبا ِ‬ ‫خَر َ‬ ‫ي أَ ْ‬ ‫ة الل ّهِ ال ّت ِ َ‬ ‫م ِزين َ َ‬ ‫حّر َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫ص ُ‬ ‫ف ّ‬ ‫ك نُ َ‬ ‫مةِ ك َذ َل ِ َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ة ي َوْ َ‬ ‫ص ً‬ ‫خال ِ َ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا َ‬ ‫مُنوا ْ ِفي ال ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ِل ّ ِ‬
‫ن ‪{ 32‬‬ ‫مو َ‬ ‫قوْم ٍ ي َعْل َ ُ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫الَيا ِ‬
‫فليتهم بدل أن ينطقوا بهذا السفه من القول أن ينظفوا أفعالهم‬
‫ويتأنقوا في كلمهم‬
‫إن السلم يعتبر الشذوذ جريمة ل تضاهيها جريمة لنها تخالف‬
‫الفطرة التي فطر الله الناس عليها وكل ما يخالف الفطرة هو‬
‫يخالف السلم لن السلم دين الفطرة لنستمع إلى هذه اليات‪:‬‬
‫َ ْ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م َرب ّك ُ ْ‬ ‫خل َقَ ل َك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن * وَت َذ َُرو َ‬ ‫مي َ‬ ‫ن ال َْعال َ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن الذ ّك َْرا َ‬ ‫} أت َأُتو َ‬

‫‪271‬‬
‫ن { وقوله تعالى‪ } :‬وَُلو ً‬ ‫كم ب ْ َ‬ ‫َ‬
‫طا إ ِذ ْ َقا َ‬
‫ل‬ ‫دو َ‬ ‫عا ُ‬ ‫م َ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫ل أنت ُ ْ‬ ‫ج ُ َ‬ ‫أْزَوا ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ش َ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ل‬‫جا َ‬ ‫ن الّر َ‬ ‫م ل َت َأُتو َ‬ ‫ن * أئ ِن ّك ُ ْ‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ت ُب ْ ِ‬ ‫ة وَأنت ُ ْ‬ ‫ح َ‬‫فا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫مهِ أت َأُتو َ‬ ‫قو ْ ِ‬‫لِ َ‬
‫َ‬
‫ن { وقوله تعالى‪:‬‬ ‫جهَُلو َ‬ ‫م تَ ْ‬‫م قَوْ ٌ‬ ‫ل أنت ُ ْ‬ ‫ساء ب َ ْ‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫دو ِ‬ ‫من ُ‬ ‫شهْوَة ً ّ‬ ‫َ‬
‫ن ال ْ َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫م ْْ‬ ‫كم ب َِها ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫سب َ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ة َ‬ ‫ش َ‬ ‫ح َ‬ ‫فا ِ‬ ‫م ل َت َأُتو َ‬ ‫مهِ إ ِن ّك ُ ْ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫ل لِ َ‬ ‫طا إ ِذ ْ َقا َ‬ ‫} وَُلو ً‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ل وَت َأُتو َ‬ ‫سِبي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫قط َُعو َ‬ ‫ل وَت َ ْ‬ ‫جا َ‬ ‫ن الّر َ‬ ‫م ل َت َأُتو َ‬ ‫ن * أئ ِن ّك ُ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ن ال َْعال َ ِ‬ ‫م َ‬
‫حد ٍ ّ‬ ‫أ َ‬
‫ب‬‫ذا ِ‬ ‫مهِ إ ِّل َأن َقاُلوا ائ ْت َِنا ب ِعَ َ‬ ‫ب قَوْ ِ‬ ‫وا َ‬ ‫ج َ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫منك ََر فَ َ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ِفي َناِديك ُ ُ‬
‫ن{‬ ‫صاد ِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫كن َ‬ ‫الل ّهِ ِإن ُ‬
‫مل قوم لوط‬ ‫مل ع َ‬ ‫ولقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من ع َ ِ‬
‫ثلث مرات ولعله لم يلعن على ذنب ثلث مرات إل عليه‬
‫وهل بعد هذا التشنيع على هذه الفعلة وفاعليها يقال إن السلم‬
‫يغري عليها لجل اليمان به ؟‬
‫أما كان الْولى أن يبيحها في الدنيا لجل اجتذاب الشواذ في كل‬
‫عصر وحين وما أوفر حظهم في هذه اليام حيث تدافع عنهم بلد‬
‫الحريات !!‬
‫أما كان من الْولى بهؤلء المفترين على الله أن يوجهوا طاقتهم‬
‫لمحاربة مخالفي الفطرة الذين يرضون لنفسهم بالدون من‬
‫الشياء أيهما أْولى محاربة جريمة ظاهرة أم اختلق وافتراء شيء‬
‫ليس له وجود إل في أذهان حقدة القوم وماكريهم ؟‬
‫هل كان العرب وقت نزول القرآن مشتهرين باللواط ؟‬
‫لقد فات هؤلء المفترين أن يدعموا كلمهم ببيان حال العرب‬
‫وقت نزول القرآن وهل كانت هذه الفعلة منتشرة بينهم وأنهم‬
‫كانوا يستملحونها ويميلون إليها كي يكون لهم شيء من حجة‬
‫يدفعون به عن أنفسهم الخجل من سوء تدبيرهم وشذوذ‬
‫تفكيرهم‪.‬‬
‫جاء في كتاب ) البداية والنهاية ‪( 162 / 9‬‬
‫وقال نمير بن عبد الله الشعناني عن أبيه قال قال الوليد بن عبد‬
‫الملك لول أن الله ذكر قوم لوط في القرآن ما ظننت أن ذكرا‬
‫يفعل هذا بذكر‬
‫وقال ص ‪ 163‬من نفس الجزء ‪:‬‬
‫والمقصود أن مفسدة " اللواط " من أعظم المفاسد وكانت ل‬
‫تعرف بين العرب قديما كما قد ذكر ذلك غير واحد منهم فلهذا‬
‫قال الوليد بن عبد الملك لول أن الله عز وجل قص علينا قصة‬
‫قوم لوط في القرآن ما ظننت أن ذكرا يعلو ذكرا أ‪ .‬هـ‬
‫نعم لكننا مع ذلك ل نستبعد أن تكون هناك حالت فردية لكنها لم‬
‫تكن لترقى إلى مستوى الظاهرة وإل لما قال الوليد بن عبد‬
‫الملك ما قال وكان ذلك بعد بضعة عقود من نزول القرآن‪.‬‬
‫والحاصل أن هذه الدعوى الخبيثة باطلة من عدة وجوه أهمها‪:‬‬

‫‪272‬‬
‫الول – أن اليات التي احتجوا بها ليس فيها ما يشير إلى هذا‬
‫الفهم ل من قريب ول من بعيد‪.‬‬
‫الثاني – لو كان السلم يغري على اتباعه بتلك الساليب‬
‫الرخيصة لباحها في الدنيا حتى يحصل على قلوب الشواذ خالصة‬
‫له لكن الواقع أن السلم قد حاربها بكل قوة ففي الحديث " من‬
‫وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل و المفعول به " ‪.‬‬
‫ولقد فصل الفقهاء عقوبة اللواط في ضوء الصول الشرعية‬
‫وأجمعوا على أنها من أكبر الكبائر وأعظم الجرائم ‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أنه لم يثبت تاريخيا أن مسألة اللواط كانت تمثل ظاهرة‬
‫عند العرب حتى يغريهم القرآن بها بل إن النقل السابق عن‬
‫الوليد بن عبد الملك ليؤكد أنهم ما كانوا يعرفونها‪ ،‬وعلى ذلك‬
‫فكيف يغريهم بما ل يعرفون ؟‬
‫ونحن نتفهم دوافع مثل هذه الفكار التي تطرح علينا بين الفينة‬
‫والفينة ‪.‬‬
‫فلقد قرأت لحدهم في الحث عليه قوله‪ :‬ربما يكون اللواط‬
‫والسحاق أفضل من الناحية العملية فعلى القل لن تعاني‬
‫مجتمعاتنا من مشكلة الجهاض والحمل في سن مبكرة أ‪.‬هـ‬
‫وهنا ماذا نقول لقوم قد انتكست فطرتهم وراحوا يطالبون بما‬
‫تأنف عنه البهائم الرتع ‪ ،‬إنهم ينظرون إلى أخلقيات الغرب على‬
‫أنها المثال الذي يجب أن نسعى إليه مهما تعارضت تلك الخلق‬
‫مع أصولنا الدينية والعرفية بل مع فطرتنا السوية التي فطر الله‬
‫الناس عليها‬
‫وعلى ذلك فإن عبدة الله الغربي حين رأوا أن هذا المر قد شاع‬
‫وذاع حتى أصبح قانونا في بعض بلد أوربا ‪ -‬فالقانون البريطاني‬
‫مثل قد اعترف به كعلقة شرعية – راحوا يحاولون إغراءنا به ولو‬
‫عن طريق الدعاء بأنه متعة مستباحة لهل الجنة‪.‬‬
‫إنها حرب ضد القيم تستخدم فيها كل السبل‬
‫من الحصائيات الواردة عن حجم الشذوذ الذكوري في بلد‬
‫الغرب‬
‫" يؤكد ‪ : Kinsey‬أن ‪ % 4‬من الشعب المريكي شاذون جنسيا ً ‪ .‬و‬
‫في بعض الدراسات الحديثة وصلت نسبة الشاذين جنسيا ً في‬
‫بريطانيا و أمريكا و السويد ما بين ‪ % 22 _ 18‬من مجموع‬
‫الرجال "‬
‫وعلى ذلك فإن الغراء بمسألة الشذوذ الجنسي يصلح في البلد‬
‫التي تشجع عليه وتسن له القوانين التي تحميه حيث يعول كثير‬
‫من قادة هذه البلد على أصوات الشواذ في النتخابات وليس‬

‫‪273‬‬
‫في دين يشنع من أمره ويبالغ في النهي ويرتب على ارتكابه‬
‫شديد العقاب في الدنيا والخرة‬
‫هذه المشاركه بقلم الشيخ الحبيب الخطيب‬
‫======================‬
‫حول زواج المتعة‬
‫الشبهه ‪-:‬‬
‫كثر لغط أعداء الدين فى الفترة الخيرة حول زواج المتعة‬
‫وحكمه فى السلم‪ ،‬واستدلوا على إباحة زواج المتعة بثلثة أدلة‪:‬‬
‫ساء‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫صَنا ُ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫‪ -1‬ورود ذكره فىكتاب الله لقوله تعالى))َوال ْ ُ‬
‫ما وََراء ذ َل ِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫كم ّ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م وَأ ُ ِ‬ ‫ب الل ّهِ ع َل َي ْك ُ ْ‬ ‫م ك َِتا َ‬ ‫مان ُك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ت أي ْ َ‬ ‫مل َك َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫إ ِل ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫من ْهُ ّ‬ ‫مت َعُْتم ب ِهِ ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫حي َ‬ ‫سافِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن غ َي َْر ُ‬ ‫صِني َ‬ ‫ح ِ‬‫م ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫وال ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫أنت َب ْت َُغوا ْ ب ِأ ْ‬
‫َفآتوهُ ُ‬
‫من ب َعْدِ‬ ‫ضي ُْتم ب ِهِ ِ‬ ‫ما ت ََرا َ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ح ع َل َي ْك ُ ْ‬ ‫جَنا َ‬ ‫ة وَل َ ُ‬ ‫ض ً‬ ‫ري َ‬ ‫ن فَ ِ‬ ‫جوَرهُ ّ‬ ‫نأ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫كيما ((النساء ‪24‬‬ ‫ً‬ ‫ح ِ‬ ‫ً‬
‫ن ع َِليما َ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ضة ِ إ ِ ّ‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫‪ -2‬أن رسول الله )ص( أذن لبعض صحابته بهذا الزواج عام الفتح‬
‫‪ -3‬فتوى نفر من الصحابة و التابعين بإباحة زواج المتعة‬
‫الرد على الشبهه ‪-:‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪:‬‬
‫عجبا ً ممن يتعدون على شرائع السلم و يهاجمونه فى الوقت‬
‫الذى تجمع كتبهم بشرائع جائرة أوفاسقة أو مضحكة منها‪:‬‬
‫م‬‫ما ك َل ّ َ‬ ‫ل َ‬ ‫أ‪ -‬الرب يأمر نبيه هوشع بالزنا و باتخاذ أبناء زنا ))‪2‬أ َوّّ َ‬
‫مَرأ َة َ زًِنى‬ ‫ك\ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ف ِ‬ ‫خذ ْ ل ِن َ ْ‬
‫ب ُ‬ ‫ع‪\» :‬ذ ْهَ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ب ل ُِهو َ‬ ‫ل \لّر ّ‬ ‫شعَ َقا َ‬ ‫هو َ‬ ‫ب ُ‬ ‫\لّر ّ‬
‫ن \ل َْر‬ ‫َ‬
‫ب!«(( هوشع ‪2:1‬‬ ‫ة \لّر ّ‬ ‫ت زًِنى َتارِك َ ً‬ ‫ض قَد ْ َزن َ ْ‬ ‫َ‬ ‫وَأوْل َد َ زًِنىل َ ّ‬
‫شعبي ي َ‬
‫ه‬
‫شب َ ُ‬ ‫خ َ‬ ‫سأل ُ َ‬ ‫ب‪ -‬وكذلك نقرأ فى هوشع ‪ْ َ ِ ْ َ 12 )) 15-12:4‬‬
‫َ‬
‫م‪.‬‬‫ت إ ِل َهِهِ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م فََزُنوا ِ‬ ‫ضل ّهُ ْ‬ ‫ح \لّزَنى قَد ْ أ َ‬ ‫ن ُرو َ‬ ‫خب ُِره ُ ل َ ّ‬ ‫صاه ُ ت ُ ْ‬ ‫وَع َ َ‬
‫ت \ل ْب َّلو ِ‬
‫ط‬ ‫ح َ‬ ‫ل تَ ْ‬ ‫خُرون َعََلى \لت ّل َ ِ‬ ‫ل وَي ُب َ ّ‬ ‫جَبا ِ‬ ‫س \ل ْ ِ‬ ‫ؤو ِ‬ ‫ن ع ََلى ُر ُ‬ ‫حو َ‬ ‫‪13‬ي َذ ْب َ ُ‬
‫ن ظ ِل َّها َ‬ ‫َ‬
‫َو\لل ّب َْنى َو\ل ْب ُط ْم ِ ل ّ‬
‫ق‬
‫س ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫م وَت َ ْ‬ ‫ك ت َْزِني ب ََنات ُك ُ ْ‬ ‫ن! ل ِذ َل ِ َ‬ ‫س ٌ‬ ‫ح َ‬
‫ن‪.‬‬ ‫ق َ‬ ‫س ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م لن ّهُ ّ‬
‫َ‬
‫ن وَل َ ك َّنات ِك ُ ْ‬ ‫ن ي َْزِني َ‬ ‫م لن ّهُ ّ‬
‫َ‬
‫عاقِب ُب ََنات ِك ُ ْ‬ ‫م‪14 .‬ل َ أ ُ َ‬ ‫ك َّنات ُك ُ ْ‬
‫ب‬‫شعْ ٌ‬ ‫ت \لّزَنى‪ .‬وَ َ‬ ‫معَ \لّناذ َِرا ِ‬ ‫ت وَي َذ ْب َ ُ‬ ‫م ي َعْت َزُِلو َ‬ ‫َ‬
‫ن َ‬ ‫حو َ‬ ‫معَ \لّزان َِيا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫لن ّهُ ْ‬
‫ع((‬ ‫صَر ُ‬ ‫ل يُ ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫ل َ ي َعْ ِ‬
‫و هكذا يشفع زنى لزنى ووزانية لزانى و يستفحل الزنى فى‬
‫مجتمع الكتاب المقدس!‬
‫ج‪ -‬الونانية‪ :‬و هو ما يعرف فى قاموس كولينز الطبى‬
‫بممارسةالعملية الجنسية ثم سحب القضيب قبل النزال ليتم‬
‫النزال فى الخارج‪ ،‬و هذا السممستمد من وحى الكتاب‬
‫اللمقدس إذ جعل الرب زوجة المتوفى من اليهود تركة يرثها‬
‫أخوهفل تحل لغيره ‪ ،‬و البن المنتج ينسب للخ الميت!! هكذا‬

‫‪274‬‬
‫زواج بالكراه و تزويرأنساب و ظلم و جور‪ ،‬و حين أبى )أونان(‬
‫أن ينسب إبنه لغيره أماته الرب!!‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ذا ِ ُ‬
‫م‬‫ج ب َِها وَأقِ ْ‬ ‫ك وَت ََزوّ ْ‬ ‫خي َ‬ ‫مَرأةِأ ِ‬ ‫ل ع ََلى إ ْ‬ ‫خ ْ‬ ‫ن‪» :‬اد ْ ُ‬ ‫لوَنا َ‬ ‫ل ي َُهو َ‬ ‫قا َ‬ ‫)) ‪8‬فَ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫سل ً ل َ ِ‬
‫ل‬‫خ َ‬ ‫ن إ ِذ ْ د َ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ه‪ .‬فَ َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫كو ُ‬ ‫ن النسل ل َ ي َ ُ‬ ‫نأ ّ‬ ‫م أوَنا ُ‬ ‫ك«‪9 .‬فَعَل ِ َ‬ ‫خي َ‬ ‫نَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‪.‬‬
‫خي ِ‬ ‫سل ً ل ِ‬ ‫ي نَ ْ‬ ‫ي ل َ ي ُعْط ِ َ‬ ‫ض ل ِك َ ْ‬ ‫سد َ ع َلى ا َلْر َِ‬ ‫ه أفْ َ‬ ‫خيهِ أن ّ ُ‬ ‫مَرأةِ أ ِ‬ ‫ع ََلى إ ْ‬
‫ه أْيضًا(( تكوين ‪10- 8 :38‬‬ ‫مات َ ُ‬ ‫ه فَأ َ‬ ‫ما فَعَل َ ُ‬ ‫ب َ‬ ‫ي الّر ّ‬ ‫ح ِفيعَي ْن َ ِ‬ ‫قب ُ َ‬ ‫‪10‬فَ َ‬
‫ثانيًا‪:‬‬
‫بالنسبة لزواج المتعة أو الزواج المؤقت فهو أحد النكحة التى‬
‫كانت قبل السلم ‪ ،‬و هو زواج يتم بإيجاب و قبول و مهر و يثبت‬
‫به نسب الولد و التوارث بينه و بين أبويه‪ ،‬و لكنه يختلف عن‬
‫الزواج الذى إرتضاه ربنا شرعا ً أبديا ً لمة السلم فى عدة مسائل‬
‫أهمهاعنصر التأقيت‪ ،‬إذ ينتهى بحلول أجل معين ـــ و الشريعة‬
‫الخالدة حرصت على ضمان حفظ كيان السرة و جعلت الرابطة‬
‫الزوجية ميثاقا ً غليظا ً ‪ ،‬لذا حتى فى تشريع الطلق وضعت العدة‬
‫و فرقت بين طلق البدعة و طلق السنة ‪..‬إلخ ‪ ،‬كل هذا لضمان‬
‫بقاء السرة و عدم افتراقها إل بعد إستحالة المعيشة بين‬
‫الزوجين ـــ و حكم هذا الزواج هو التحريم البدى إذ ثبت عن‬
‫رسول الله )ص( بالحاديث الصحيحة أنه أباحه للضرورة فى عام‬
‫الفتح ثم أخبر بتحريمه إلى يوم القيامة و الله سبحانه و تعالى هو‬
‫المشرع ‪ ،‬له المر والملك سبحانه‪،‬‬
‫أدلة التحريم‪:‬‬
‫ُ‬
‫ة ((‬ ‫ض ً‬ ‫ري َ‬ ‫ن فَ ِ‬ ‫جوَرهُ ّ‬ ‫ن َفآُتوهُن ّأ ُ‬ ‫من ْهُ ّ‬ ‫مت َعُْتم ب ِهِ ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫‪ -‬قوله تعالى ))فَ َ‬
‫فنجيبه بالتى‪-:‬‬
‫ن َفآُتوهُ ّ‬
‫ن‬ ‫من ْهُ ّ‬ ‫م ب ِهِ ِ‬ ‫مت َعْت ُ ْ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ما ا ِ ْ‬ ‫وله ت ََعاَلى " فَ َ‬ ‫أ‪ -‬قال ابن كثير }وَقَ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن ِفي‬ ‫مُهوره ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫ن َفآُتوهُ ّ‬ ‫ن ب ِ ْهِ ّ‬ ‫مت ُِعو َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫ضة " أي ْك َ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫ن فَ‬ ‫جوره ّ‬ ‫أ ُ‬
‫َ‬ ‫ل ت ََعاَلى " وَك َْيف ت َأ ُ‬ ‫قاب ََلة ذ َل ِ َ‬
‫ضى ب َْعضك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ه وَقَد ْ أفْ َ‬ ‫ذون َ ُ‬ ‫خ ُ‬ ‫ماَقا َ‬ ‫ك كَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫إ َِلى ب َْعض } ‪.‬‬
‫معَْنى‬ ‫ما ‪ }:‬ال ْ َ‬ ‫هد وَغ َْيره َ‬ ‫جا ِ‬ ‫م َ‬ ‫سن وَ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫و نقل القرطبى عن ال ْ َ‬
‫حيح " َفآُتوهُ ّ‬
‫ن‬ ‫ص ِ‬ ‫ح ال ّ‬ ‫كا ِ‬ ‫ساء ِبالن ّ َ‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ماِع ِ‬ ‫ج َ‬ ‫م ِبال ْ ِ‬ ‫م وَت َل َذ ّذ ْت ُ ْ‬ ‫فعْت ُ ْ‬ ‫ماا ِن ْت َ َ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫مْهر‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ج َ‬ ‫قد ْ و َ َ‬ ‫دة فَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫مّرة َوا ِ‬ ‫معََها َ‬ ‫جا َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن ‪ ,‬فَإ ِ َ‬ ‫مُهوَرهُ ّ‬ ‫ن " أيْ ُ‬ ‫جوَرهُ ّ‬ ‫أ ُ‬
‫َ‬
‫كاح‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ‪ .‬فَإ ِ ْ‬ ‫س ّ‬ ‫م يُ َ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫مْثلَها إ ِ ْ‬ ‫مْهر ِ‬ ‫مى ‪ ,‬أوْ َ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫مًل إ ِ ْ‬ ‫كا ِ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫سد ‪ ,‬هَ ْ‬ ‫فا ِ‬ ‫كاح ال ْ َ‬ ‫ماِلك ِفي الن ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ت الّرَواَية ع َ ْ‬ ‫ف ْ‬ ‫خت َل َ َ‬ ‫قد ْ ا ِ ْ‬ ‫دا فَ َ‬ ‫س ً‬ ‫َفا ِ‬
‫َ‬
‫ل‬‫قا َ‬ ‫حا ؟ فَ َ‬ ‫حي ً‬ ‫ص ِ‬ ‫مهًْرا َ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ذا َ‬ ‫مى إ ِ َ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫مْثل ‪ ,‬أوْ ال ْ ُ‬ ‫مْهرال ْ ِ‬ ‫حقّ ب ِهِ َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫َ‬
‫واع َل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫ض ْ‬ ‫ما ت ََرا َ‬ ‫ن َ‬ ‫كأ ّ‬ ‫هبه ; وَذ َل ِ َ‬ ‫مذ ْ َ‬ ‫هر َ‬ ‫ظا ِ‬ ‫مى ‪ ,‬وَهُوَ َ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫مْهر ال ْ ُ‬ ‫مّرةال ْ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫قّناه ُ ; ِل ّ‬ ‫مات َي َ ّ‬ ‫جع إ ِلى َ‬ ‫ن ي ُْر َ‬ ‫جب أ ْ‬ ‫جت َِهاد في َ ِ‬ ‫مْثل ا ِ ْ‬ ‫مْهر ال ِ‬ ‫قين ‪ ,‬وَ َ‬ ‫يَ ِ‬
‫مْهر ال ْ ِ‬ ‫َ‬
‫مْثل "‬ ‫وله ‪َ " :‬‬ ‫جه قَ ْ‬ ‫ك ‪ .‬وَوَ ْ‬ ‫ش ّ‬ ‫حقّ ِبال ّ‬ ‫ست َ َ‬ ‫وال َل ت ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫اْل ْ‬

‫‪275‬‬
‫ل‪) :-‬أ َيما ا ِ َ‬ ‫َ‬
‫ذن‬‫ت ب ِغَي ْرِ إ ِ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫مَرأة ن ُك ِ َ‬ ‫ّ َ ْ‬ ‫م َقا َ‬ ‫سل ّ َ‬‫صّلى الّله ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫ي َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ن‬‫م ْ‬‫ل ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ما ا ِ ْ‬ ‫مْثلَها ب ِ َ‬ ‫مْهر ِ‬ ‫ل ب َِها فَل ََها َ‬ ‫خ َ‬ ‫طل فَإ ِن ْد َ َ‬ ‫كاحَها َبا ِ‬ ‫وَل ِي َّها فَن ِ َ‬
‫فَْرجَها ( ‪.‬‬
‫َ‬
‫مت َْعة ;‬ ‫وازال ْ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫مل اْلَية ع ََلى َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن تُ ْ‬ ‫جوز أ ْ‬ ‫داد ٍ ‪ :‬وََل ي َ ُ‬ ‫من ْ َ‬‫خوَي ْزِ َ‬ ‫ل ا ِْبن ُ‬ ‫َقا َ‬
‫مت َْعة‬ ‫كاح ال ْ ُ‬ ‫م ن ََهى ع َن ْن ِ َ‬ ‫سل ّ َ‬‫صّلى الّله ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫سول الّله‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ِل َ ّ‬
‫ل‪ " } :‬فَأ َنكحوهُن بإذ ْ َ‬
‫ن" {‬ ‫ن أهْل ِهِ ّ‬ ‫ّ ِِ ِ‬ ‫ْ ِ ُ‬ ‫ن الّله ت ََعاَلى َقا َ‬ ‫ه ; وَِل َ ّ‬ ‫م ُ‬‫حّر َ‬ ‫وَ َ‬
‫كاح ال ّ‬ ‫ن هُوَ الن ّ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ي‬
‫ي ب ِوَل ِ ّ‬ ‫ع ّ‬ ‫شْر ِ‬ ‫ن الهِْلي َ‬ ‫كاح ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫معْلوم أ ّ‬ ‫وَ َ‬
‫ك‬‫س ك َذ َل ِ َ‬‫مت َْعة ل َي ْ َ‬ ‫كاح ال ْ ُ‬ ‫ن ‪ ,‬وَن ِ َ‬ ‫شاه ِد َي ْ ِ‬ ‫وَ َ‬
‫كما أن اليات بينات فالله تعالىيقول‪ ) :‬وأحل لكم ما وراء ذلكم (‬
‫فالكلم كله في النكاح الصحيح ‪ ،‬وليس من المتعة في شيء‬
‫‪،‬ولذلك‬
‫قال تعالى ‪ }:‬فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ‪،‬‬
‫ول جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ‪ ،‬إن الله كان‬
‫عليما حكيما {‬
‫‪ .‬وقال‪ ) :‬والمحصنات من النساء إل ما ملكت أيمانكم كتاب الله‬
‫عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم أنتبتغوا بأموالكم محصنين {‬
‫وقف عند قوله تعالى ‪ } :‬محصنين { فلو كانت الية في المتعة‬
‫لما قال الله ‪} :‬محصنين { لن المتعة ل تحصن ‪ ،‬ولو كانت الية‬
‫في المتعة ماقال ‪ } :‬محصنين { لنها ل تدخل في الحصان ‪.‬‬
‫ولذلك هذه الرواية عندهم عن إسحاق بن عمار قال ‪ :‬سألت أبا‬
‫إبراهيم عليه السلم)موسى الكاظم( عن الجل إذا هو زنا وعنده‬
‫المة يطأها ‪ ،‬تحصنه المة ‪ ،‬قال ‪ :‬نعم ‪ .‬قال ‪ :‬فأن كانت عنده‬
‫ه ‪ ،‬قال ‪ :‬ل ‪ ،‬إنما هو على الشيء الدائم‬ ‫صن ُ ُ‬‫امرأة متعة أتح ّ‬
‫عنده ‪ .‬وهذا في وسائل الشيعة جـ ‪ 28‬ص ) ‪. (68‬‬
‫‪ .‬فالية إذن ليست في المتعة ‪ ،‬وإنما هي في النكاح الصحيح ‪،‬‬
‫بدللة ماقبلها ‪ ،‬أنها ذكرت في المحرمات ‪ ،‬فذكر الله تبارك‬
‫وتعالى ما يحل ‪ ،‬ثم بدللة قوللله تبارك وتعالى ‪ } :‬محصنين { ‪،‬‬
‫والمتعة كما قلنا ل تحصن إنما الذي يحصن هوالنكاح الشرعي‬
‫بدللة قولهم هم ‪.‬‬
‫وقد ذكرالله تبارك وتعالى التمتع في غير النكاح في مواضع من‬
‫كتابه الكريم كما قال جل ذكره ‪} :‬ذهبتم طيباتكم في حياتكم‬
‫الدنيا واستمتعتم بها { وقال جل ذكره ‪ } :‬فاستمتعتم خلقكم {‬
‫فل يلزم من ذكر كلمة متعة أنها تكون دائما على هذا الذي‬
‫زعموه وهو نكاح لمتعة ‪ .‬وأما عن الجر أنه ذكره في الية ‪:‬‬
‫} فما استمتعتم به منهن فآتوهن جورهن فريضة { ‪ ،‬قالوا اذكر‬
‫الجر دليل على ذكر المتعة ‪ .‬وهذا غير صحيح وذلك أن لجر أيضا‬
‫يذكر ويراد به المهر‬

‫‪276‬‬
‫كما قال الله جل وعلى ‪ } :‬والمحصنات من المؤمنات‬
‫المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن‬
‫أجورهن { وقال جل ذكره ‪ } :‬فأنكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن‬
‫أجورهن { والمتعة ليس فيها إذن الهل ‪.‬‬
‫وقال جل ذكره{ ‪ :‬يا أيها إنا أحللنا لك أزواجك الذي آتيت‬
‫أجورهن { أي مهورهن‬
‫وقال سبحانه{ ‪:‬ول جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن‬
‫أجورهن { ‪ .‬فالجر يذكر ويراد به المهرالذي هو النكاح الصحيح‬
‫أما من قال أنها فى زواج المتعة كان عمدته ما روى عن ابن‬
‫َ‬
‫ن‬‫مى َفآُتوهُ ّ‬‫س ّ‬
‫م َ‬
‫ل ُ‬
‫ج ٍ‬‫ن إ َِلى أ َ‬
‫من ْهُ ّ‬
‫م ب ِهِ ِ‬
‫مت َعْت ُ ْ‬
‫ست َ ْ‬ ‫عباس قرأ ))فَ َ‬
‫ما ا ِ ْ‬
‫ن(( نقول إن هذه القراءة غير صحيحة وهي قراءة شاذة ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫جوَرهُ ّ‬
‫أ ُ‬
‫ل هيمن السبع ول هي من العشر ل يحتج بها‬
‫ب‪ -‬أن هذا الزواج لم يبح إلللضرورة كما أسلفنا فى ظرف‬
‫خاص علما ً أنه لم يسمح به مع المؤمنات‪ .‬بل كان سبب إباحته‬
‫فى هذا الظرف هو تغرب المؤمنين عن نسائهم فى غزو أرض ل‬
‫إسلم فيها‬
‫ج‪ -‬جاءت الحاديث مصرحة بتحريمه منها ما رواه مسلم عن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أيها الناس إني قد كنت‬
‫أذنت لكم في الستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى‬
‫يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيءفليخل سبيله ول تأخذوا‬
‫مما آتيتموهن شيئاراجع أيضا ً صحيح اللبانيصحيح الجامع ‪،7878‬‬
‫صحيح ابن ماجة ‪1597‬‬
‫‪ -2‬و لمن إحتج لشرعية زواج المتعة باباحةنفر قليل من الصحابة‬
‫الكرام له فنجيب بالتى‪-:‬‬
‫أ‪ -‬إن ورود هذا القول عن بعض الصحابة الكرام ل يعارض‬
‫تحريمه‪ ،‬فهو عائد ل محالة لعدم بلوغ الدليل ‪ ،‬و معلوم أن السنة‬
‫لم تجتمع لحد بعد رسول الله )ص( كاملة‪ ،‬و كل إنسان يؤخذ‬
‫من قوله و ُيترك إلرسول الله )ص(‪،‬‬
‫و قال الشافعى‪ " :‬ما منا إل رد و رد عليه" و قال أبو حنيفة "‬
‫إذاخالف قولى الدليل فاضربوا بكلمى عرض الحائط"‪ ،‬و قال‬
‫المام مالك" كل يؤخذ من قولهو ُيترك إل صاحب هذا القبر‪ ،‬و‬
‫أشار لقبر رسول الله )ص(‬
‫حكى عنه إباحتها من الصحابة‬ ‫و حسبنا أن نعلم أن أشهر من ُ‬
‫الكرام كان إبن عباس رضى الله عنه‪ ،‬و قد ثبت عنه أن إباحتها‬
‫تكون فقط فى حالة الضرورة و الحاجة‪ ،‬فلما بلغه إكثار الناس‬
‫منها رجع‪.‬‬

‫‪277‬‬
‫قال الخطابى ] إن سعيد بن الجبير‪ ،‬قال قلت لبن عباس‪ :‬هل‬
‫تدرى ما صنعت وبما أفتيت؟‪....‬قد سارت بفتياك الركبان‪ ،‬و‬
‫قالت فيه الشعراء‪ ،‬قال‪ :‬و ما قالوا؟ قلت‪ :‬قالوا‪:‬‬
‫قد قلت للشيخ لما طال محبسه يا صاح هل لك فى فتيا ابن‬
‫عباس‬
‫هل لك فىرخصة الطراف أنسة تكون مثواك حتى رجعة الناس؟‬
‫فقال ابن عباس‪) :‬إنا لله و إناإليه راجعون! والله ما بهذا أفتيت‬
‫ول هذا أردت و ول أحللت إل مثل ما أحل الله الميتة و الدم و‬
‫لحم الخنزير‪ ،‬و ما تحل إل لمضطر‪ ،‬و ما هى إل كالميتة و الدم‬
‫ولحم الخنزير‪..‬أه ]‬
‫ب‪ -‬قال المام الشوكانى ] على كل حال فنحن متعبدون بما‬
‫بلغناعن الشارع ‪ ،‬و قد صح لنا التحريم المؤبد‪ ،‬و مخالفة طائفة‬
‫من الصحابة له غير قادحة في حجيته‪ ،‬ول قائمة لنا بالمعذرة عن‬
‫العمل به‪ ،‬كيف و الجمهور من الصحابة قد حفظواالتحريم و‬
‫عملوا به‪ ،‬و رووه لنا‪ ،‬حتى قال ابن عمر‪ --‬فيما أخرجه ابن ماجة‬
‫باسناد صحيح‪ -‬أن رسول الله )ص( ‪)) :‬أن لما فى المتعة ثلثا ً ثم‬
‫حرمها‪ ،‬و الله ل أعلمأحدا ً تمتع و هو محصن إل رجمته‬
‫بالحجارة(( ‪ ،‬وقال أبو هريرة فيما يرويه عن النبى(ص( " هدم‬
‫المتعة الطلق و العدة و الميراث" أخرجه الدارقطنى و حسنه‬
‫الحافظ‪ ،‬وليمنع من كونه حسنا ً كون إسناده فيه مؤمل إبن‬
‫إسماعيل لن الختلف فيه ل يخرج الحديث عن حد الحسن إذا‬
‫إنضم إليه من الشواهد ما يقويه كما هو شأن الحسن لغيره‪....‬أه‬
‫]‬
‫‪ -3‬و أخيرا ً ‪-:‬‬
‫من إحتج بأن التحريم لم يصدر عن رسول الله )ص( و إنما صدر‬
‫عن عمر ابن الخطاب رضى الله عنه فى عهد خلفته ‪ ،‬فنجيب‬
‫بأن النصوص الصحيحةالصريحة أكدت أن التحريم صدر عن‬
‫رسول الله )ص( فيظهر بطلن العتراض‪ ،‬و ما فعله أمير‬
‫المؤمنين عمر ل يعدو أن يكون دليل ً أخر يؤكد علم جل الصحابة‬
‫بالتحريم‪ ،‬فأراد عمر رضى الله عنه نشر هذا العلم ? تأكيد الخبر‬
‫الثابت ليس أكثر‪،‬‬
‫و ما كان الصحابة الكرام ليقروا عمر على خطأ أو بدعة ‪ ،‬و ما‬
‫كان للفاروق صاحب رسول الله فى الدنيا و البرزخ و الخرة أن‬
‫يشرع بفى دين الله ما ليس منه و حاشاه‬
‫و أماالحديث المنسوب للمام على و الذى يقول أما حديث ) لول‬
‫أن عمر نهى عن المتعة مازنى إل شقي ( نقول أن هذه الرواية‬

‫‪278‬‬
‫باطلة ‪ ,‬فهي من روايات المفضل بن عمر والذي هوضعيف عند‬
‫الجميع ‪.‬‬
‫قال النجاشي‪ :‬المفضل بن عمر أبو عبد الله وقيل أبو محمد‬
‫الجعفي الكوفي ‪ ،‬فاسد المذهب ! مضطرب الرواية ل يعبأ به و‬
‫قيل ‪ :‬أنه كان خطابيا و قد ذكرت له مصنفات ل يعول عليها و‬
‫إنما ذكره للشرط الذي قدمناه له ‪ .‬رجال النجاشي ‪-2/359‬‬
‫‪. 360‬‬
‫وقال ابن الغضائري كما نقل عنه صاحب مجمع الرجال للقهبائي‬
‫‪ 6/131‬والحلي فيرجاله ص ‪ 258‬وأبو داود الحلي في رجاله ص‬
‫‪ : 280‬المفضل بن عمر الجعفي أبو عبد الله ضعيف متهافت‬
‫مرتفع القول خطابي وقد زيد عليه شيء كثير وحمل الغلة في‬
‫حديثه حمل عظيما ول يجوز أن يكتب حديثه ‪.‬‬
‫مجمع الرجال للقهبائي ‪ 6/131‬والحلي في رجاله ص ‪258‬وأبو‬
‫داود الحلي في رجاله ص ‪. 280‬‬
‫وقال الردبيلي‪ :‬وروى روايات غير نقية الطريق فيمدحه وأورد‬
‫الكشي أحاديث تقتضي مدحه والثناء عليه لكن طرقها غير نقية‬
‫كلها ‪،‬وأحاديث تقتضي ذمه والبراءة منه وهي أقرب إلى الصحة‬
‫فالولى عدم العتماد والله أعلم ‪ .‬جامع الرواة ‪- 2/258‬‬
‫المصادر‪-:‬‬
‫فقه السنة‬
‫الدرر السنية‬
‫عتاد الجهاد‬
‫موقع الجامع‬
‫===================‬
‫هل المسلمون عباد أوثان‬
‫بسم الله‪،‬والحمد لله‪،‬والصلة والسلم على رسول الله‬
‫وبعد‪:‬‬
‫ممال ريب فيه أن هذا من باب التشكيك في السلم‪،‬وأن‬
‫المنصف من غير المسلمين ليعلم أن المسلمين ل يعبدون الحجر‬
‫السود ‪،‬وماتقبيله إل من باب الطاعة‪،‬وحينما حج عمر ‪-‬رضي الله‬
‫عنه ‪-‬ووقف أمام الحجر السود قال قولته الشهيرة‪:‬إني لعلم‬
‫أنك حجر ‪،‬ل تضر ول تنفع‪،‬ولول أني رأيت رسول الله يقبلك‬
‫ماقبلتك‪.‬هكذابهذه الكلمات أبطل عمر زعم الزاعمين ‪،‬و شبهات‬
‫المستشرقين‪،‬وليس في الحج وثنية على الطلق‪،‬فالطواف‬
‫ليقصد لذاته‪،‬ول السعي بين الصفاوالمروة‪،‬ول الوقوف بعرفة‪،‬إن‬
‫المقصود من شعائر الحج هو المتثال لمر الله تعالى‪،‬وإظهار‬
‫الطاعة له ‪،‬يقول الدكتور القرضاوي عن شبهة الوثنية في الحج‪:‬‬

‫‪279‬‬
‫الحج هو من ملة إبراهيم عليه السلم‪ ،‬فقد بدأ الحج إلى بيت‬
‫الله الحرام منذ أمر الله إبراهيم أن يؤذن في الناس بالحج )وأذن‬
‫في الناس بالحج يأتوك رجال ً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج‬
‫عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام ٍ معلومات‬
‫على ما رزقهم من بهيمة النعام( ‪.‬‬
‫فإبراهيم هو الذي بدأ الحج ول يمكن أن يتهم إبراهيم بعبادة‬
‫الصنام‪ ،‬وهو محطم الصنام‪ ،‬إبراهيم الذي حطم الصنام وجعلها‬
‫جذاذا ً إل كبيرا ً لهم لعلهم إليه يرجعون وهو صاحب الملة الحنيفية‬
‫ملة التوحيد )أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا ً وما كان من المشركين(‬
‫بعض الناس يقولون‪ :‬إن الطواف بالكعبة وتقبيل الحجر السود‬
‫هو من بقايا الوثنية‪ ،‬ل‪ ،‬الحقيقة أن الحجر السود هو بداية‬
‫الطواف‪ ،‬يعني نحن نبدأ الطواف من عند هذا الحجر‪ ،‬والتقبيل‬
‫عمل رمزي فالحج يتميز بأن فيه اللغة الرمزية‪ ،‬فرمي الجمار‬
‫مثل ً رمز لمقاومة الشر الذي يتمثل في الشيطان؛ والمسلم‬
‫يقتدي في هذا بإبراهيم عليه السلم حينما رمى إبليس حينما‬
‫تعرض له ليثنيه عن ذبح ولده فرماه بالجمار فلذلك نحن حينما‬
‫نرمي الجمار نتمثل الشر والناس حتى العوام يكادون يتمثلون‬
‫إبليس "أي كأنهم يرونه" ويقولون هذا إبليس الكبير وإبليس‬
‫المتوسط وإبليس الصغير‪ ،‬فهذه عملية رمزية‪ ،‬وكذلك تقبيل‬
‫الحجر السود فهو ليس عمل ً أساسيا ً أو عبادة وكما قال الشاعر‬
‫قديمًا‪:‬‬
‫ُ‬
‫أمر على الديار ديار ليلى أقّبل ذا الجدار وذا الجداَر‬
‫وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الدياَر‬
‫النسان عندما تأتيه رسالة من عزيز عليه أو من حبيب إليه يقّبلها‬
‫فهو ل يقصد الرسالة بحد ذاتها ولكن لنها تحمل كلم الحبيب‪.‬‬
‫سيدنا عمر وقف أمام الحجر السود وقال له‪ :‬أيها الحجر إني‬
‫أقبلك وأنا أعلم أنك حجر ل تضر ول تنفع‪ ،‬ولول أني رأيت رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك‪.‬‬
‫بعض المستشرقين يقول‪ :‬إن المسلمين يعبدون الحجر السود‪،‬‬
‫ل‪ ،‬المسلم يقول‪ :‬اللهم إيمانا ً بك وتصديقا ً بكتابك ووفاًء بعهدك‪،‬‬
‫وليس بالحجر‪.‬‬
‫هذا في حين أدخل أهل الجاهلية على الحج بعض الطقوس‬
‫الوثنية وبعض الشياء غير المقبولة فكانوا يطوفون عرايا‪ ،‬فجاء‬
‫عريان بعد هذا العام‪ ،‬وهو العام‬ ‫السلم وقال ل يطوف بالبيت ُ‬
‫التاسع حينما ذهب سيدنا أبو بكر ورآه سيدنا علي أعلن أبو بكر‬
‫"ل يحج بعد العام مشرك ول يطوف بالبيت عريان" كانوا يقولون‬
‫"لبيك اللهم لبيك‪ ،‬لبيك ل شريك لك إل شريكا هو لك تملكه وما‬

‫‪280‬‬
‫ملك" يقصدون بهذا الشريك الصنام‪ ،‬فجاء السلم ومحى هذا‬
‫وقال "لبيك اللهم لبيك‪ ،‬لبيك ل شريك لك لبيك‪ ،‬إن الحمد‬
‫والنعمة لك والملك ل شريك لك" النبي عليه الصلة والسلم‬
‫يقول‪" :‬أفضل الدعاء دعاء عرفة‪ ،‬وأفضل ما قلته أنا والنبيون من‬
‫قبلي ل إله إل الله وحده ل شريك له‪ ،‬له الملك وله الحمد وهو‬
‫على كل شيء قدير"‪ ،‬فهذا يدلنا على أن السلم أراد بالحج‬
‫تثبيت التوحيد ل إدخال طقوس الشرك‪ .‬فالحمد لله الحج ‪-‬كما‬
‫شرعه السلم وكما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وكما‬
‫طبقه‪ -‬محرر من الشرك تماما ً والحمد لله رب العالمين‪ .‬انتهى‬
‫المصدر ‪ :‬منتدى ابن مريم‬
‫======================‬
‫هل الدين أفيون ‪..‬؟‬
‫قال لي صاحبي الدكتور وهو يغمز بعينيه ‪:‬‬
‫وما رايك في الذين يقولون ان الدين افيون ‪!!...‬‬
‫وانه يخدر الفقراء والمظلومين ليناموا على ظلمهم وفقرهم‬
‫ويحلموا بالجنة والحور العين ‪..‬‬
‫في حين يثبت الغنياء على غناهم باعتبار انه حق ‪..‬‬
‫وان الله خلق الناس درجات ‪...‬؟‪.‬‬
‫وما رايك في الذين يقولون ان الدين لم ينزل من عند الله ‪..‬‬
‫وانما هو طلع من الرض من الظروف والدواعي الجتماعية‬
‫ليكون سلحا ً لطبقة على طبقة ‪..‬؟‬
‫وهو يشير بذلك الى الماديين وافكارهم ‪..‬‬
‫قلت ‪:‬‬
‫ليس ابعد من الخطأ القائل بان الدين افيون ‪ ..‬فالدين في‬
‫حقيقته اعباء وتكاليف وتبعات ‪..‬‬
‫وليس تخفيفا ً وتحلل ً ‪ ..‬وبالتالي ليس مهربا ً من المسئوليات‬
‫وليس افيونا ً ‪..‬‬
‫وديننا عمل وليس كسل ‪..‬‬
‫) وقل اعملوا فسيرى الله عملكم (‬
‫ونحن نقول بالتوكل وليس التواكل ‪..‬‬
‫والتوكل يقتضي عندنا العزم واستفراغ الوسع ‪..‬‬
‫وبذل غاية الطاقة والحيلة ‪.‬‬
‫ثم التسليم بعد ذلك لقضاء الله وحكمه ‪.‬‬
‫) فاذا عزمت فتوكل على الله (‬
‫العزم اول ً ‪..‬‬
‫والنبي يقول لمن اراد ان يترك ناقته سائبة توكل ً على حفظ الله‬
‫) اعقلها وتوكل (‬

‫‪281‬‬
‫أي ابذل وسعك اول فثبتها في عقالها ثم توكل ‪..‬‬
‫والدين صحو وانتباه ويقظة ‪ .‬ومحاسبة للنفس ومراقبة‬
‫للضمير ‪..‬‬
‫في كل فعل وفي كل كلمة وكل خاطر ‪ .‬وليس هذا حال اكل‬
‫الفيون ‪.‬‬
‫انما اكل الفيون الحقيقي هو المادي الذي ينكر الدين هربا ً من‬
‫تبعاته ومسئولياته ‪.‬‬
‫ويتصور ان لحظته ملكه ‪ .‬وانه لحسيب ول رقيب ول بعث بعد‬
‫الموت ‪..‬‬
‫فيفعل ما يخطر على باله ‪ .‬واين هذا الرجل من المتدين المسلم‬
‫الذي يعتبر نفسه مسئول ً عن سابع جار ‪..‬‬
‫واذا جاع فرد في امته او ضربت دابة عاتب نفسه بانه لم يقم‬
‫بواجب الدين في عنقه ‪..‬‬
‫وليس صحيحا ً ان ديننا خرج من الرض ‪ ..‬من الظروف والدواعي‬
‫الجتماعية ‪..‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ليكون سلحا لطبقة على طبقة وتثبيتا لغنى الغنياء وفقر الفقراء‬
‫‪..‬‬
‫والعكس هو الصحيح ‪...‬‬
‫فالسلم جاء ثورة على الغنياء والكانزين المال والمستغلين‬
‫الظالمين ‪..‬‬
‫فامر صراحة بال يكون المال دولة بين الغنياء يحتكرونه‬
‫ويتداولونه بينهم ‪..‬‬
‫وانما يكون حقا ً للكل ‪..‬‬
‫) والذين يكنزون الذهب والفضة ول ينفقونها في سبيل الله‬
‫فبشرهم بعذاب اليم (‬
‫والنفاق يبدا من زكاة اجبارية ) ‪ ( 2،5‬في المائة ‪..‬‬
‫ثم يتصاعد اختياريا ً الى كل ما في الجيب وكل ما في اليد ‪.‬‬
‫فل تبقي لنفسك ال خبزك ‪ ..‬كفافك ‪..‬‬
‫) يسألونك ماذا ينفقون قل العفو (‬
‫والعفو هو كل ما زاد على الكفاف والحاجة ‪..‬‬
‫وبهذا جمع السلم بين التكليف الجبري القانوني والتكليف‬
‫الختياري القائم على الضمير ‪..‬‬
‫وهذا اكرم للنسان من نزع املكه بالقهر والمصادرة ‪..‬‬
‫ووصل الى النفاق الى ما فوق التسعين في المائة بدون‬
‫ارهاق ‪..‬‬
‫ولم يأت السلم ليثبت ظلم الظالمين ‪ .‬بل جاء ثورة صريحة‬
‫على كل الظالمين ‪.‬‬

‫‪282‬‬
‫وجاء سيفا ً وحربا على رقاب الطواغين والمستبدين ‪..‬‬
‫اما التهمة التي يسوقها الماديون بأن الدين رجعي وطبقي بدليل‬
‫اليات ‪..‬‬
‫) والله فضل بعضكم على بعض في الرزق (‬
‫) ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات (‬
‫فنحن نرد بان هذه اليات تنطبق على لندن وباريس وبرلين‬
‫وموسكو ‪..‬‬
‫بمثل ما تنطبق على القاهرة ودمشق وجدة ‪..‬‬
‫واذا مشينا في شوارع موسكو فسوف نجد من يسير على رجليه‬
‫‪..‬‬
‫ومن يركب بسكليت ‪ .‬ومن يركب عربة موسكوفتش ‪..‬‬
‫ومن يركب عربة زيم فاخرة ‪..‬‬
‫وماذا يكون هذا ال التفاضل في الرزق بعينه والدرجات والرتب‬
‫القتصادية ‪..‬‬
‫والتفاوت بين الناس حقيقة جوهرية ‪..‬‬
‫ولم تستطع الشيوعية ان تلغي التفاوت ‪..‬‬
‫ولم يقل حتى غلة المادية والفوضوية بالمساواة ‪..‬‬
‫والمساواة غير ممكنة فكيف نساوي بين غير متساويين ‪..‬‬
‫الناس يولدون من لحظة الميلد غير متساوين في الذكاء والقوة‬
‫والجمال والمواهب ‪..‬‬
‫يولدون درجات في كل شيء ‪..‬‬
‫واقصى ما طمعت فيه المذاهب القتصادية هي المساواة في‬
‫الفرص وليس المساواة بين الناس ‪..‬‬
‫ان يلقى كل واحد نفس الفرصة في التعليم والعلج والحد الدنى‬
‫للمعيشة ‪..‬‬
‫وهو نفس ما تحض عليه الديان ‪..‬‬
‫اما الغاء الدرجات والغاء التفاوت فهو الظلم بعينه والمر الذي‬
‫ينافي الطبيعة ‪..‬‬
‫والطبيعة تقوم كلها على اساس التفاضل والتفاوت والتنوع في‬
‫ثمار الرض وفي البهائم وفي الناس ‪..‬‬
‫في القطن نجد طويل التيلة ‪ .‬وقصير التيلة ‪..‬‬
‫وفي الحيوان والنسان نجد الرتب والدرجات والتفاوت اكثر ‪..‬‬
‫هذا هو قانون الوجود كله ‪ ..‬التفاضل ‪..‬‬
‫وحكمة هذا القانون واضحة ‪ .‬فلو كان جميع الناس يولدون بخلقة‬
‫واحدة وقالب واحد ونسخة واحدة ‪..‬‬
‫لما كان هناك داع لميلدهم اصل ‪.‬‬
‫وكان يكفي ان نأتي بنسخة واحدة فتغني عن الكل ‪..‬‬

‫‪283‬‬
‫وكذلك الحال في كل شيء ‪..‬‬
‫ولنتهى المر الى فقر الطبيعة وافلسها ‪..‬‬
‫وانما غنى الطبيعة وخصبها ليظهر ال بالتنوع في ثمارها وغلتها‬
‫والتفاوت في الوانها واصنافها ‪..‬‬
‫ومع ذلك فالدين لم يسكت على هذا التفاوت بين الغنياء‬
‫والفقراء ‪..‬‬
‫ً‬
‫بل امر بتصحيح الوضاع وجعل للفقير نصيبا من مال الغني ‪.‬‬
‫وقال ان هذا التفاوت فتنة وامتحان ‪..‬‬
‫) وجعلنا بعضكم لبعض فتنة اتصبرون (‬
‫سوف نرى ماذا يفعل القوي بقوته ‪.‬‬
‫هل ينجد بها الضعفاء او يضرب ويقتل ويكون جبارا ً في‬
‫الرض ‪...‬؟‬
‫وسوف نرى ماذا يفعل الغني بغناه ‪..‬‬
‫هل يسرف ويطغى ‪..‬؟ او يعطف ويحسن ‪..‬؟‬
‫وسوف نرى ماذا يفعل الفقير بفقره ‪..‬‬
‫هل يحسد ويحقد ويسرق ويختلس ‪..‬‬
‫او يعمل ويكد ويجتهد ليرفع مستوى معيشته بالشرع والعدل ‪..‬‬
‫وقد امر الدين بالعدل وتصحيح الوضاع بالمساواة بين الفرص ‪..‬‬
‫وهدد بعذاب الخرة وقال ان الخرة ستكون ايضا ً درجات اكثر‬
‫تفاوتا ً لتصحيح ما لم يجر تصحيحه في الرض ‪.‬‬
‫)) وللخرة اكبر درجات واكبر تفضيل ((‬
‫وللذين يتهمون السلم بالرجعية السياسية نقول إن السلم أتى‬
‫بأكثر الشرائع تقدمية في نظم الحكم ‪.‬‬
‫احترام الفرد في السلم بلغ الذروة ‪ ..‬وسبق ميثاق حقوق‬
‫النسان وتفوق عليه ‪ ..‬فماذا يساوي الفرد الواحد في السلم إنه‬
‫يساوي النسانية كلها ‪.‬‬
‫) من قتل نفا بغير نفس أو فساد في الرض فكأنما قتل الناس‬
‫جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ( ‪.‬‬
‫ل تغني المنجزات ول الصلحات المادية ول التعمير ول السدود‬
‫ول المصانع ‪ ..‬إذا قتل الحاكم فردا واحدا ظلما في سبيل هذا‬
‫الصلح ‪ ،‬فإنه يكون قد قتل الناس جميعا‪.‬‬
‫ذروة في احترام الفرد لم يصل إليها مذهب سياسي قديم أو‬
‫جديد ‪ ..‬فالفرد في السلم له قيمة مطلقة بينما في كل‬
‫المذاهب السياسية له قيمة نسبية ‪ ..‬والفرد في السلم آمن في‬
‫بيته ‪ ..‬وفي أسراره " ل تجسس ول غيبة " آمن في ماله ورزقه‬
‫وملكيته وحريته ‪.‬‬

‫‪284‬‬
‫كل شيء حتى التحية حتى إفساح المجلس حتى الكلمة الطيبة‬
‫لها مكان في القرآن ‪.‬‬
‫وقد نهى القرآن عن التجبر والطغيان والنفراد بالحكم ‪.‬‬
‫وقال الله للنبي " وهو من هو في كماله وصلحيته " ‪.‬‬
‫) وما أنت عليهم بجبار ( ‪.‬‬
‫) فذكر إنما أنت مذكر ‪ ..‬لست عليهم بمسيطر ( ‪.‬‬
‫) إنما المؤمنون إخوة ( ‪.‬‬
‫ونهى عن عبادة الحاكم وتأليه العظيم ‪:‬‬
‫) ل يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ( ‪.‬‬
‫) وقضى ربك أل تعبدوا إل إياه ( ‪.‬‬
‫ونهى عن الغوغائية وتملق الدهماء والسوقة والجري وراء‬
‫الغلبية المضللة وقال أن ‪:‬‬
‫) بل أكثر الناس ل يعلمون ( ‪.‬‬
‫) بل أكثرهم ل يعقلون ( ‪.‬‬
‫) أكثر الناس ل يؤمنون ( ‪.‬‬
‫) إن يتبعون إل الظن وإن هم إل يخرصون ( ‪ " .‬يكذبون "‬
‫) إن هم إل كالنعام بل هم أضل ( ‪.‬‬
‫ونهى عن العنصرية والعرقية ‪:‬‬
‫) إن أكرمكم عند الله أتقاكم ( ‪.‬‬
‫) هو الذي خلقكم من نفس واحدة ( ‪.‬‬
‫وبالمعنى العلمي كان السلم تركيبا جدليا جامعا بين مادية‬
‫اليهودية وروحانية المسيحية ‪ ،‬بين العدل الصارم الجاف الذي‬
‫يقول ‪ :‬السن بالسن والعين بالعين ‪ .‬وبين المحبة والتسامح‬
‫المتطرف الذي يقول ‪ :‬من ضربك على خدك اليمن فأدر له‬
‫اليسر ‪ .‬وجاء القرآن وسطا بين التوراة التي حرفت حتى‬
‫أصبحت كتابا ماديا ليس فيه حرف واحد عن الخرة ‪ ،‬وبين‬
‫النجيل الذي مال إلى رهبانية تامة ‪ ،‬ونادى القرآن بناموس‬
‫الرحمة الجامع بين العدل والمحبة فقال بشرعية الدفاع عن‬
‫النفس ولكنه فضل العفو والصفح والمغفرة ‪.‬‬
‫) ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم المور ( ‪.‬‬
‫وإذا كانت الرأسمالية أطلقت للفرد حرية الكسب إلى درجة‬
‫استغلل الخرين ‪ ..‬وإذا كانت الشيوعية سحقت هذه الحرية‬
‫تماما ‪ ..‬فإن السلم قدم الحل الوسط ‪.‬‬
‫) للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن ( ‪.‬‬
‫الفرد حر في الكسب ولكن ليس له أن يأخذ ثمرة أرباحه كلها ‪..‬‬
‫وإنما له فيها نصيب ‪ ..‬وللفقير نصيب يؤخذ زكاة وإنفاقا من ‪2.5‬‬
‫في المائة إلى ‪ %90‬جبرا واختيارا ‪ ..‬وهذا النصيب ليس تصدقا‬

‫‪285‬‬
‫وتفضل وإنما هو حق الله في الربح ‪ ..‬وبهذه المعادلة الجميلة‬
‫حفظ السلم للفرد حريته وللفقير حقه ‪.‬‬
‫ولهذا أصاب القرآن كل الصواب حينما خاطب أمة السلم قائل ‪:‬‬
‫) وكذلك جعلناكم أمة وسطا ( ‪.‬‬
‫فقد اختار السلم الوسط العدل في كل شيء ‪.‬‬
‫وهو ليس الوسط الحسابي وإنما الوسط الجدلي أو التركيب‬
‫الذي يجمع النقيضين " اليمين واليسار " ويتجاوزهما ويزيد‬
‫عليهما ‪ ..‬ولذلك ليس في السلم يمين ويسار وإنما فيه " صراط‬
‫" العتدال الوسط الذي نسميه الصراط المستقيم من خارج عنه‬
‫باليمين أو اليسار فقد انحرف ‪.‬‬
‫ولم يقيدنا القرآن بدستور سياسي محدد أو منهج مفصل للحكم‬
‫لعلم الله بأن الظروف تتغير بما يقتضي الجتهاد في وضع دساتير‬
‫متغيرة في الزمنة المتغيرة ‪ ،‬وحتى يكون البا مفتوحا أمام‬
‫المسلمين للخذ والعطاء من المعارف المتاحة في كل عصر‬
‫دون انغلق على دستور بعينه ‪.‬‬
‫ولهذا اكتفى القرآن بهذه التوصيات السياسية العامة السالفة‬
‫كخصائص للحكم المثل ‪ ..‬ولم يكبلنا بنظرية وهذا سر من أسرار‬
‫إعجازه وتفوقه وليس فقرا ول نقصا فيه ‪.‬‬
‫وتلك لمسة أخرى من تقديمة القرآن التي سبقت كل‬
‫التقديمات ‪.‬‬
‫ونرد على القائلين بأن الدين جمود وتحجر ‪ ..‬بأن السلم لم يكن‬
‫أبدا دين تجمد وتحجر وإنما كان دائما وأبدا دين نظر وفكر‬
‫وتطوير وتغيير بدليل آياته الصريحة ‪.‬‬
‫) قل سيروا في الرض فانظروا كيف بدأ الخلق ( ‪.‬‬
‫) فلينظر النسان مم خلق ‪ ..‬خلق من ماء دافق ‪ ..‬يخرج من بين‬
‫الصلب والترائب (‬
‫) أفل ينظرون إلى البل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت‬
‫وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الرض كيف سطحت ( ‪.‬‬
‫أوامر صريحة بالنظر في خلق النسان وفي خلق الحيوان وفي‬
‫خلق الجبال وفي طبقات الرض وفي السماء وأفلكها ‪..‬‬
‫والتشريح والفسيولوجيا والبيولوجيا وعلم الجنة ‪.‬‬
‫أوامر صريحة بالسير في الرض وجمع الشواهد واستنباط‬
‫الحكام والقوانين ومعرفة كيف بدأ الخلق ‪ ..‬وهو ما نعرفه الن‬
‫بعلوم التطور ‪.‬‬
‫ول خوف من الخطأ ‪.‬‬
‫فالسلم يكافئ الذي يجتهد ويخطئ بأجر والذي يجتهد ويصيب‬
‫بأجرين ‪.‬‬

‫‪286‬‬
‫وليس صحيحا ما يقال من أننا تخلفنا بالدين وتدم الغرب‬
‫باللحاد ‪ ..‬والحق أننا تخلفنا حينما هجرنا أوامر ديننا ‪.‬‬
‫وحينما كان المسلمون يأتمرون بهذه اليات حقا كان هناك تقدم‬
‫وكانت هناك دولة من المحيط إلى الخليج وعلماء مثل ابن سينا‬
‫في الطب وابن رشد في الفلسفة وابن الهيثم في الرياضيات‬
‫وابن النفيس في التشريح وجابر بن حيان في الكيمياء ‪.‬‬
‫وكانت الدنيا تأخذ عنا علومنا ‪ ..‬وما زالت مجمعات النجوم‬
‫وأبراجها تحتفظ إلى الن بأسمائها العربية في المعاجم‬
‫الوروبية ‪ ..‬وما زالوا يسمون جهاز التقطير بالفرنسية ‪imbique‬‬
‫ومنه الفعل من كلمة أمبيق العربية ‪ imbiquer .‬ولم يتقدم الغرب‬
‫باللحاد بل بالعلم ‪.‬‬
‫وإنما وقع الخلط مما حدث في العصور الوسطى من طغيان‬
‫الكنيسة ومحاكم التفتيش وحجرها على العلم والعلماء وما حدث‬
‫من سجن غاليليو وحرق جيوردانو برونو ‪.‬‬
‫حينما حكمت الكنيسة وانحرف بها البابوات عن أهدافها النبيلة‬
‫فكانت عنصر تأخر ‪ ..‬فتصور النقاد السطحيون أن هذا ينسحب‬
‫أيضا على السلم وهو خطأ ‪ ..‬فالسلم ليس بابوية ول كهنوت ‪..‬‬
‫والله لم يقم بينه وبين المسلمين أوصياء ول وسطاء ‪.‬‬
‫وحينما حكم السل بالفعل كان عنصر تقدم كما شرحنا وكما‬
‫يقول التاريخ مكذبا هذه المزاعم السطحية ‪.‬‬
‫وآيات القرآن الصريحة تحض على العلم وتأمر بالعلم ول تقيم‬
‫بين العلم والدين أي تناقض ‪:‬‬
‫) وقل رب زدني علما ( ‪.‬‬
‫) هل يستوي الذين يعلمون والذين ل يعلمون ( ‪.‬‬
‫) شهد الله أنه ل إله إل هو والملئكة وأولو العلم ( ‪.‬‬
‫جعل الله الملئكة وأولي العلم في الية مقترنين بشرف اسمه‬
‫ونسبته ‪.‬‬
‫وأول آية في القران وأول كلمة كانت " اقرأ " والعلماء في‬
‫القرآن موعودون بأرفع الدرجات ‪:‬‬
‫) يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ( ‪.‬‬
‫وتتكرر كلمة العلم ومشتقاته في القرآن نحوا من ثمانمائة‬
‫وخمسين مرة ‪.‬‬
‫فكيف يتكلم بعد هذا متكلم عن تناقض بين الدين والعلم أو حجر‬
‫من الدين على العلم ‪.‬‬
‫والنظر في الدين وتطوير فهمه مطلوب ‪ ،‬وتاريخ السلم كله‬
‫حركات إحياء وتطوير ‪ ..‬والقرآن بريء من تهمة التحجير على‬
‫الناس وكل شيء في ديننا يقبل التطوير ‪ ..‬ما عدا جوهر العقيدة‬

‫‪287‬‬
‫وصلب الشريعة ‪ ..‬لن الله واحد ولن يتطور إلى اثنين أو ثلثة ‪..‬‬
‫هذا أمر مطلق ‪ ..‬وكذلك الشر شر والخير خير ‪ ..‬لن يصبح القتل‬
‫فضيلة ول السرقة حسنة ول الكذب حلية يتحلى بها الصالحون ‪.‬‬
‫وفيما عدا ذلك فالدين مفتوح للفكر والجتهاد والضافة‬
‫والتطوير ‪.‬‬
‫وجوهر السلم عقلني منطقي يقبل الجدل والحوار ويحض على‬
‫استخدام العقل والمنطق ‪.‬‬
‫وفي أكثر من مكان وفي أكثر من صفحة في القرآن نعثر على‬
‫التساؤل ‪ " ..‬أفل يعقلون " ‪ " ..‬أفل يفقهون " ‪.‬‬
‫وأهل الدين عندنا هم " أولو اللباب " ‪.‬‬
‫) شر الدواب عند الله الصم البكم الذين ل يعقلون ( ‪.‬‬
‫) أفلم يسيروا في الرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان‬
‫يسمعون بها ( ‪.‬‬
‫احترام العقل في لب وصميم الديانة ‪.‬‬
‫واليجابية عصبها والثورة روحها ‪.‬‬
‫لم يكن السلم أبدا خانعا ول سلبيا ‪.‬‬
‫) وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ( ‪.‬‬
‫) إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان‬
‫مرصوص ( ‪.‬‬
‫والجهاد بالنفس والمال والولد ‪ ..‬والقتال والثبات وعدم النكوص‬
‫على العقاب ‪ ،‬ومواجهة اليأس والمصابة والمرابطة في صلب‬
‫ديننا ‪.‬‬
‫فكيف يمكن لدين بهذه المرونة والعقلنية والعلمية واليجابية‬
‫والثورة أن يتهم بالتحجر والجمود إلى من صديق عزيز مثل‬
‫الدكتور القادم من فرنسا ل يعرف من أوليات دينه شيئا ولم يقرأ‬
‫في قرآنه حرفا ‪.‬‬
‫المصدر ‪ :‬كتاب\حوار مع صديقي الملحد ‪ ....‬للكاتب مصطفى‬
‫محمود‬
‫================‬
‫الدين أفيون الشعوب‬
‫تلك قولة كارل ماركس …‬
‫ودعاة الشيوعية في الشرق السلمي يرددونها وراءه ‪ .‬ويريدون‬
‫تطبيقها كذلك على السلم ‪.‬‬
‫وكارل ماركس أو غيره من الدعاة الولين للشيوعية ربما كانوا‬
‫معذورين في ثورتهم على الدين ورجاله ‪ .‬بسبب الملبسات‬
‫الخاصة التي واجهتهم هناك ‪ .‬فقد كان القطاع يمثل أبشع أدواره‬
‫في أوربا ‪ ،‬وفي روسيا بوجه خاص ‪ ،‬حيث يموت اللوف جوعا ً‬

‫‪288‬‬
‫كل عام ‪ ،‬ويموت المليين بالسل وغيره من المراض ‪ ،‬والصقيع‬
‫يقضي على عدد مماثل ‪ ..‬كل ذلك والقطاعيون يلغون في دماء‬
‫أولئك الكادحين ‪ ،‬ويعيشون في ترف فاجر يستمتعون فيه بكل ما‬
‫يخطر على القلب من ألوان المتاع ‪ .‬فإذا خطر للكادحين أن‬
‫يرفعوا رؤوسهم ‪ ،‬بل إذا خطر لهم أن يحسوا مجرد إحساس‬
‫بالظلم الذين يعيشون فيه ‪ ،‬أسرع رجال الدين يقولون لهم ‪" :‬‬
‫من ضربك على خدك اليمن فأدر له اليسر ‪ ،‬ومن أخذ رداءك‬
‫فاترك له الثوب أيضا ً " وذهبوا يخدرونهم عن ثورتهم أو عن‬
‫إحساسهم باللم ‪ ،‬بما يمنونهم به من نعيم الخرة الذي ُأعد‬
‫للصابرين على الظلم ‪ ،‬والراضين بالشقاء ‪.‬‬
‫فإذا لم تفلح الماني البعيدة فليفلح التهديد ‪ .‬فمن عصي سيده‬
‫القطاعي فهو عاص لله وللكنيسة ولرجال الدين ‪ .‬ولنذكر أن‬
‫الكنيسة ذاتها كانت من ذوات القطاع ‪ ،‬وكان لها مليين من‬
‫رقيق الرض تستعبدهم لحسابها الخاص ‪ ،‬فكان طبيعيا ً أن تقف‬
‫في صف القيصر والشراف ضد الشعب المكافح ‪ .‬لن الملك‬
‫جميعا ً معسكر واحد ضد المكافحين ‪ ،‬ولن الثورة – يوم تقوم –‬
‫لن تعفي أحدا ً من مصاصي الدماء سواء كانوا من الشراف أو‬
‫من رجال الدين ‪.‬‬
‫فإذا لم تفلح الماني والتهديد معا ً فلتوقع العقوبات فعل ً على‬
‫الثائرين ‪ ،‬ولتوقع باسم تأديب الخارجين على الدين والملحدين‬
‫بآيات الله ‪.‬‬
‫ومن هنا كان الدين عدوا ً حقيقيا ً للشعب هناك ‪ .‬وكانت قولة في‬
‫محلها تلك التي قالها كارل ماركس ‪ " :‬الدين أفيون الشعب‬
‫" ‪..‬هناك !‬
‫ولكن الشيوعيين في الشرق السلمي يشيرون إلى مسلك "‬
‫رجال الدين المحترفين " في استرضاء ذوي السلطان على‬
‫حساب الكادحين من الشعب ‪ ،‬وتمنية هؤلء بالجنة التي أعدت‬
‫للصابرين ‪ ،‬ليرضوا عما هم فيه من هوان وظلم ‪ ،‬ويستمتع‬
‫المجرمون وهم آمنون ‪ .‬ويستشهدون مثل ً بما كان من بعض‬
‫رجال الزهر في عهد فاروق ‪ ،‬كانوا يقّبلون يده ويلقبونه بالملك‬
‫الصالح ‪ ،‬ويدعون له ‪ ،‬ويؤولون آيات القرآن على مزاجهم ‪،‬‬
‫ويزيفون معالم السلم ليستخرجوا من هذه وتلك ما يثّبت‬
‫سلطانه ‪ ،‬ويمنع الشعب المكافح من الثورة عليه ‪ ،‬وإل اعتبروا‬
‫خارجين على أوامر الله التي توجب الطاعة " لولي المر منكم‬
‫"!‬
‫ة مؤداها أن السلم ذاته‬ ‫ثم يخلط الشيوعيون بهذه الحقيقة شبه ً‬
‫يأمر بهذا الفحش إذ يقول ‪ " :‬ول تتمنوا ما فضل الله به بعضكم‬

‫‪289‬‬
‫على بعض ) ( " أو يقول ‪ " :‬ول تمدن عينيك إلى ما متعنا به‬
‫أزواجا ً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ‪ .‬ورزق ربك خير‬
‫وأبقى ) ( " فالسلم إذن ككل دين ‪ ،‬أفيون يخدر المكافحين ‪.‬‬
‫وهنا الشبهة التي نريد أن نتناولها بالحديث ‪.‬‬
‫نريد أن نبحث هل هذا السلوك الشائن من رجال الدين‬
‫المحترفين قد أوحى به الدين ذاته ‪ ،‬أم هو فسوق منهم عن أمر‬
‫الدين الصحيح ‪ ،‬ومثلهم فيه كمثل كل فاسق من الشعراء و‬
‫الكتاب والصحفيين الذين عفروا جباههم بالتراب ‪ ،‬ومرغوا‬
‫كرامتهم في الدنس ‪ ،‬ليستمتعوا بشيء من المتاع الزائل فضل ً‬
‫عن أنه متاع حرام ‪.‬‬
‫وأنا مقتنع أشد القتناع بأن جريمة رجال الدين هؤلء أكبر‬
‫وأفحش من جريمة الفساق من الشعراء والكتاب والصحفيين‬
‫المرتزقين ‪ ،‬لن في أيديهم كتاب الله‪ ،‬وهم يتلون آياته ‪،‬‬
‫ويعرفون حقيقة الدين ‪ ،‬وحقيقة موقفهم وهم يشترون بآيات الله‬
‫ثمنا ً قليل ً وما يأكلون في بطونهم إل النار ‪ ،‬ولكني أعود فأكرر أنه‬
‫ليس في السلم رجال دين ‪ .‬وأن كل ما يقولونه ليس حجة على‬
‫السلم ‪ .‬وأن مصيبة هذا الشعب جاءته من الجهل بحقيقة دينه –‬
‫وليس الجهل من أوامر السلم للناس ! – وأنه يكفي لدحض‬
‫تهمة التخدير عن الدين السلمي أن الحركة التي ثارت ضد‬
‫الطاغية هي في حقيقتها الحركة الدينية ‪ ،‬التي أحس الملك‬
‫السابق خطرها على وجوده فقتل داعيتها وفتح المعتقلت لكتم‬
‫أنفاسها قبل أن تقضي عليه ‪ .‬ولكن الله أراد غير ما كان يريد ‪.‬‬
‫يكفي هذا لدحض الشبهة الجاهلة ‪ .‬كما يكفي كذلك أن نذكر أن‬
‫جميع الحركات التحريرية في الشرق السلمي كانت من وحي‬
‫الدين ‪ .‬حركة الشعب المصري ضد الحتلل الفرنسي كانت‬
‫حركة علماء الدين ‪ .‬والثورة على ظلم محمد علي كان رائدها‬
‫السيد عمر مكرم الزعيم الديني ‪.‬‬
‫والثورة على النجليز في السودان كان زعيمها المهدي الكبير‬
‫وهو زعيم ديني ‪ .‬والثورة على الطليان في ليبيا ‪ ،‬وعلى‬
‫الفرنسيين في المغرب كلها حركات دينية ‪ .‬وثورة الندونيسيين‬
‫على هولندا كانت ثورة باسم الدين وعلى أساس الدين ‪.‬‬
‫في كل مكان ثورة تشهد بأن هذا الدين قوة تحريرية ‪ .‬ل دعوة‬
‫للستخذاء والرضى بالظلم والهوان ‪ .‬ولكنا ل نكتفي بهذه‬
‫الحقيقة الواقعة الواضحة الدللة ‪ ،‬بل نمضي في مناقشة الشبهة‬
‫الجاهلة التي تتعلق بتخدير الكادحين عن طلب العدالة الجتماعية‬
‫والتوزيع القتصادي العادل ‪ ،‬وهي أهم ما تلوكه ألسنة الشيوعيين‬
‫‪.‬‬

‫‪290‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫يقول المفسرون في آية ‪ " :‬ول تتمنوا ما فضل الله به بعضكم‬
‫على بعض " إنها نزلت بشأن إمرأة قالت ‪ :‬لماذا يختص الرجال‬
‫بالجهاد في سبيل الله وتحرم من ذلك النساء ؟ وقيل إنها نهي‬
‫عن التمني الفارغ مع القعود عن العمل ‪ ،‬لنه يؤدي إلى الحسد –‬
‫وهو شعور منحرف – دون إنتاج عملي يفيد منه المجموع ‪ .‬أي‬
‫أنها دعوة للناس أن يعملوا ما ينالون به الفضل ‪ ،‬بدل أن يتمنوا‬
‫وهم قاعدون ‪.‬‬
‫ما الية الخرى ‪ " :‬ول تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا ً‬
‫أ ّ‬
‫منهم ‪ " ..‬فهي دعوة إلى الستعلء على القيم المادية ‪ ،‬التي قد‬
‫تدعو إلى إكبار أصحابها في أعين المحرومين منها ‪ .‬والخطاب‬
‫فيها على الرجح موجه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫لصغار شأن الكافرين الذين في أيديهم من متاع الحياة الشيء‬
‫الكثير ‪ ،‬ولكنه هو أعلى منهم بما معه من الحق القوي‪ .‬فهي في‬
‫واد آخر غير ما يفهمه منها السطحيون !‬
‫ويظهر أن هؤلء المفسرين في صدر السلم كانوا يعلمون أن‬
‫الشيوعية ستظهر بعد ألف عام ‪ ،‬وأن دعاتها سيتهمون السلم ‪،‬‬
‫فقاموا ينفون عنه التهمة ‪ ،‬وينتحلون التفاسير التي تحول الحق‬
‫عن وجهته ‪ ،‬فأبدوا هذه الراء التي تحمل الرد الكافي على‬
‫الشيوعيين وغير الشيوعيين !‬
‫ومع ذلك فنحن نفترض جدل ً أن هذه اليات وأشباهها تدعو‬
‫للرضى بالواقع وعدم التطلع إلى ما في يد الخرين ‪ .‬فمتى تصح‬
‫هذه الدعوة ؟ ومتى تتعين إطاعتها ؟‬
‫إن السلم ينبغي أن يؤخذ كله ‪ ،‬ول يجعل أجزاء وتفاريق يؤخذ‬
‫بعضها ويترك البعض الخر ‪.‬‬
‫وهذه الدعوة للفقراء والمحرومين أن يصبروا ول يتطلعوا إلى ما‬
‫عند الغنياء ‪ ،‬هي إحدى كفتي الميزان ‪ .‬وتقابلها من الجانب‬
‫الخر دعوة مثلها أو أشد منها إلى الغنياء أل يستأثروا بأموالهم ‪،‬‬
‫بل ينفقوها في سبيل الله ؛ وتهديد لهم شديد بما ينالهم من‬
‫العقاب في الخرة على هذه الثرة البغيضة ‪.‬‬
‫فإذا نظرنا إلى المسألة على هذا الوضع فالكفتان متوازنتان ‪:‬‬
‫إنفاق في جانب واحتفاظ بالكرامة عن ذل التطلع ‪ ،‬وبنظافة‬
‫ب آخر ‪ .‬وبهذا وذاك يعيش المجتمع في‬ ‫النفس من الحقد في جان ٍ‬
‫سلم ٍ نفسي يتمشى مع السلم القتصادي الذي يوزع الثروة‬
‫على الجميع ‪ ،‬فل يوجد مترف هنا ومحروم هناك ‪ .‬وقد تحدثنا من‬
‫قبل عن " النفاق " وصوره المتعددة التي يمكن أن تنفذ في‬
‫العصر الحديث بما ينفي عنها صفة الحسان ‪ ،‬ويدخلها في باب‬

‫‪291‬‬
‫التعاون النساني الكريم ‪ .‬فل نحتاج إلى العودة إلى هذه المسألة‬
‫من جديد ‪ ،‬ولكنا نقول ‪ :‬إنه حين يعيش المجتمع على هذه‬
‫الصورة فلن يكون هناك ظلم يطلب من المظلومين الرضاء به ‪،‬‬
‫أو حرمان اقتصادي يؤمرون بالخضوع له ‪.‬‬
‫أما حين ينكل الغنياء عن واجبهم في النفاق ‪ ،‬وتحمل تكاليف‬
‫الخدمة الجتماعية لمجموع الشعب ‪ ،‬فمن ذا الذي يدعو الفقراء‬
‫والمحرومين إلى الرضى بما هم فيـه من حرمان ؟ !‬
‫السلم يصنع ذلك ؟‬
‫السلم الذي يهدد الراضين بالظلم ‪ ،‬القاعدين عن مكافحته ‪،‬‬
‫بسوء المصير في الدنيا والخرة ؟‬
‫" إن الذين توفاهم الملئكة ظالمي أنفسهم ‪ :‬قالوا فيم كنتم ؟‬
‫قالوا ‪ :‬كنا مستضعفين في الرض ‪ .‬قالوا ‪ :‬ألم تكن أرض الله‬
‫واسعة فتهاجروا فيها ؟ فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا ً ‪ .‬إل‬
‫المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ل يستطيعون حيلة‬
‫ول يهتدون سبيل ً ؛ فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم ‪ ،‬وكان الله‬
‫عفوا ً غفورا ً ) ( " ‪.‬‬
‫إنها إذن جريمة ل ينفع فيها اعتذار ‪ .‬جريمة أن يرضى النسان‬
‫بالظلم بحجة أنه ضعيف في الرض ‪ .‬والقرآن يسميهم ظالمي‬
‫أنفسهم ‪ ،‬حين رضوا لها غير الوضع الكريم الذي أراده الله‬
‫للناس ‪ ،‬ودعاهم إلى تحقيقه بكل ما يستطيعون من جهد ‪.‬‬
‫والدعوة إلى الهجرة كانت لمناسبة خاصة وليست هي السبيل‬
‫الوحيد لمواجهة الظلم ‪ .‬فللجماعات سبل ُأخرى سيأتي بيانها ‪.‬‬
‫إنما نريد هنا أن نؤكد استفظاع السلم للرضى بالظلم ‪ ،‬إلى حد‬
‫أن تكون عقوبته هي جهنم ‪ ،‬ول ينجو منها إل المستضعفون‬
‫حقيقة ‪ ،‬الذين ل يستطيعون حيلة ول يهتدون سبيل ً ‪ .‬وذلك لكي‬
‫ل يقعد عن الجهاد أحد يملك ذرة من القدرة على الجهاد ‪.‬‬
‫أما المستضعفون حقيقة فليسوا متروكين لمرهم ‪ ،‬يحتملون‬
‫لمة السلمية كلها مدعوة للجهد في سبيلهم‬ ‫الظلم بل نصير ‪ .‬فا ُ‬
‫ودفع العدوان عنهم ‪ " :‬وما لكم ل تقاتلون في سبيل الله‬
‫والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان ‪ ،‬الذين يقولون ربنا‬
‫أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها ) ( " ‪.‬‬
‫فالظلم ل يقع على طائفة من الناس أو على كثرتهم ثم‬
‫يسكتون عنه فيرضى الله عنهم ولن يرضى الله عنهم حتى‬
‫يكافحوا الظلم ويردوه عن المظلومين ‪.‬‬
‫وربما ظن البعض أن هذه اليات خاصة بالعقيدة فحسب ‪ ،‬أي‬
‫بوجود مسلمين في وسط مشركين يجبرونهم على الشرك بالله‬
‫وعدم القيام بشعائر العبادة السلمية ‪.‬‬

‫‪292‬‬
‫ولكن السلم ل يفرق بين شعائر العبادة وبين تنفيذ النظم‬
‫الجتماعية والقتصادية والسياسية المتفرعة عن هذه العقيدة ‪.‬‬
‫ول يفرق بين أن يكون الذين يمنعون تنفيذها كفارا ً بالسم‬
‫والفعل ‪ .‬أو مسلمين بالسم وكفارا ً في واقع المر ‪ " :‬ومن لم‬
‫يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ) ( ‪.‬‬
‫والسلم يأمر بأل يكون المال " دولة بين الغنياء " ويأمر بأن‬
‫تكفل الدولة رعاياها بكل الطرق الممكنة ‪ :‬إما بإيجاد العمل‬
‫الكريم لهم ‪ ،‬وإما بالنفاق المباشر عليهم من بيت المال في‬
‫حالة العجز عن العمل ‪ .‬ويأمر نبي السلم بضمانات معينة –‬
‫ذكرناها من قبل – بالنسبة لموظفي الدولة ‪ ،‬وهي تنطبق‬
‫بالقياس على كل من يؤدي عمل ً في مؤسسة خاصة أو عامة ‪..‬‬
‫وكل ذلك جزء من هذا الدين ل يتم إيمان الناس حتى يقّروا به‬
‫ويسعوا إلى تنفيذه ‪ .‬وعليه تنطبق اليات السالفة الذكر التي‬
‫تذكر الظلم وحكم " ظالمي أنفسهم " الذين يقبلون هذا ول‬
‫يكافحونه ‪.‬‬
‫ونفرض أن الناس قد قعدوا عن مكافحة الظلم الجتماعي‬
‫مّنوا ما‬
‫إطاعة للمعنى المتوهم من اليات التي تقول ‪ " :‬ول ت َت َ َ‬
‫فضل الله به بعضكم على بعض " أو " ول تمدن عينيك إلى ما‬
‫متعنا به أزواجا ً منهم " فما الذي يحدث عند ذاك ؟‬
‫يحدث أن تتكدس الموال في يد فئة خاصة من الناس يتداولونها‬
‫فيما بينهم ويحرمون منها المجموع " كما يحدث في القطاع‬
‫والرأسمالية " وذلك منكر لنه مخالف لمر الله ‪ " :‬كيل يكون‬
‫دولة بين الغنياء " ‪.‬‬
‫ويحدث أن يحبس الغنياء هذه الموال ‪ ،‬أو ينفقوها على أنفسهم‬
‫في صورة ترف وملذات ‪ .‬فإن كان الولى فهي منكر ‪ " :‬والذين‬
‫يكنزون الذهب والفضة ول ينفقونها في سبيل الله فبشرهم‬
‫بعذاب أليم " ) ( ول عذاب إل على منكر ل يرضي الله ‪ .‬وإن‬
‫كانت الثانية فهي منكر كذلك واليات التي تحرم الترف كثيرة‬
‫جدا ً في القرآن ‪ ،‬كلها تصم المترفين بالكفر والفسوق ‪ " :‬وما‬
‫أرسلنا في قرية من نذير إل قال مترفوها إّنا بما أرسلتم به‬
‫مت َْرِفيَها‬‫كافرون ) ( " … " وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا ُ‬
‫ففسقوا فيها فحقّ عليها القول فدمرناها تدميرا ً ) ( " ‪" ..‬‬
‫وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال ‪ :‬في سموم وحميم ‪ ،‬وظل‬
‫من يحموم ‪ ،‬ل بارد ول كريم ‪ ،‬إنهم كانوا قبل ذلك مترفين " ) (‪.‬‬
‫ل يمكن إذن أن ينتج من قعود الناس عن مكافحة الظلم‬
‫الجتماعي إل منكر ‪ .‬فكيف يتهم السلم بأنه يدعو الناس إلى‬
‫الرضا بالمنكر والسكوت عليه ابتغاء مرضاة الله ! والله يقول ‪" :‬‬

‫‪293‬‬
‫لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن‬
‫مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ‪ .‬كانوا ل يتناهون عن منكر‬
‫فعلوه ‪ ،‬لبئس ما كانوا يفعلون " ) ( فيجعل السكوت على المنكر‬
‫وعدم التناهي عنه علمة من علمات الكفر بالله تستوجب غضبه‬
‫ولعنته وعقابه ؟ ! والرسول يقول ‪ " :‬من رأى منكم منكرا ً‬
‫فليغيره " ‪ .‬ويقول ‪ " :‬أفضل الجهاد عند الله كلمة حق عند إمام‬
‫جائر " ‪ .‬ولن تحدث هذه المنكرات في المجتمع ويرضى عنها‬
‫الحاكم أو يتسبب فيها إل كان إماما ً جائًر تجب مقاومته جهادا ً في‬
‫سبيل الله وابتغاء مرضاة الله ؟ !‬
‫أي عقل ذلك الذي يجيز فهم السلم على أنه يأمر بالرضى عن‬
‫الظلم والسكوت على الحرمان ‪ ،‬إل عقل منحرف ل يستطيع أن‬
‫يفهم ول يستطيع التخلص من الهوى والشهوات ؟‬
‫إنما تنصرف اليات التي أوردناها في أول الفصل إلى النهي عن‬
‫التمني الفارغ الذي ل يصحبه عمل منتج ؛ وإلى الرضى بما ل‬
‫يستطيع أحد في الرض أن يغيره ‪ :‬ل الدولة ول المجتمع ول أحد‬
‫من الناس ‪.‬‬
‫فلنفرض أن إنسانا ً وهب موهبة حازت له الشهرة وإعجاب الناس‬
‫‪ ،‬وآخر يتحرق شوقا ً إلى مثل هذه الشهرة وهو ل يملك مثل‬
‫موهبته ‪ .‬فما الذي تصنعه الدولة يا ترى لرضاء هذا الشوق ‪،‬‬
‫ومنعه أن يتحول إل حقد مريض ؟ هل "تصنع" الدولة له موهبة‬
‫في أحد مصانعها !؟‬
‫ولنفرض أن إنسانة جميلة تهفو لها الفئدة وتتبعها العيون ‪.‬‬
‫وُأخرى ليس لها جمالها ولكنها تتلهف إلى العجاب وتتطلع إلى‬
‫الجمال ‪ ،‬فما الذي يسع الدولة أن تقدمه إليها لتمنحها "‬
‫المساواة" التي تنشدها ؟‬
‫ولنفرض أن زوجين يتمتعان فيما بينهما بالحب ‪ ،‬أو ينجبان من‬
‫الطفال ما تقر به عينهما وتسعد نفسهما ‪ ،‬وآخرين لم يكتب لهما‬
‫الوفاق ‪ ،‬أو لم ينجبا الطفال رغم محاولت الطب الحديث ‪،‬‬
‫فماذا تصنع قوى الرض كلها لتعويضهما عما يفقدانه في هذا‬
‫الباب ؟‬
‫أن هذا وأمثاله كثير جدا ً في الحياة ‪ .‬ولن تحله الحلول القتصادية‬
‫ول نشر العدالة الجتماعية ‪ ،‬لنه يتعلق في جوهره بقيم غير‬
‫اقتصادية ‪ .‬فمن ذا الذي يحله إذن إل الدعوة إلى الرضى ‪،‬‬
‫والطمئنان إلى رزق الله الواسع الذي يقدر الناس بمقاييس‬
‫أخرى غير مقاييس الرض ‪ ،‬ويجزي حرمان الرض بنعيم السماء‬
‫؟!‬

‫‪294‬‬
‫بل في الميدان القتصادي والجتماعي ذاته ‪ ..‬من الذي يقول إن‬
‫المساواة المطلقة قد أمكن أن تطبق في واقع الرض ؟ في أي‬
‫بلد من بلد العالم كله تساوت جميع الجور أو تساوت جميع‬
‫المناصب ؟ فلنفرض أن عامل ً في التحاد السوفييتي شديد‬
‫الطموح عظيم التوق‪ .‬فهو تواق لن يكون مهندسا ً ‪ ،‬ولكن‬
‫مواهبه العقلية تحول دون ذلك رغم إعطائه جميع الفرص العادلة‬
‫‪ .‬أو أن عامل ً ل يجد في جسمه طاقة بعد وحدة العمل الجبارية‬
‫الولى ليقوم بعمل إضافي يأخذ عليه أجرا ً إضافيا ً ‪ ،‬ولكنه مع ذلك‬
‫يتحرق شوقا ً إلى ما يناله الخر القوي من أجر زائد ينفقه في‬
‫متع الحياة ‪ .‬ما الذي تملكه الدولة لهذا وذلك ؟ وكيف يستطيع أن‬
‫يسعد بحياته وهي مشوبة بالقلق المستمر والتطلع الدائم والحقد‬
‫المرير؟ وكيف – بغير التطلع إلى رحمة الله ونشدان الراحة في‬
‫رحابها – يستطيع أن يؤدي عمله في كما ينبغي ‪ ،‬ليستفيد من‬
‫جهده المجموع ؟ أبالحديد والنار خير ‪ ،‬أم بدافع داخلي من الرضا‬
‫والقبال ؟‬
‫هذه هي دعوة السلم ‪ .‬العمل لتحقيق الرغبات المشروعة ‪،‬‬
‫والرضا بما ل يستطيع تغييره أحد ‪ .‬أما حين يوجد الظلم الذي‬
‫يمكن تغيره ‪ ،‬فلن يرضى الله عن الناس حتى يزيلوا هذا الظلم‬
‫بالثورة عليه وتحطيمه ‪ " :‬ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو‬
‫يغلب فسوف نؤتيه أجرا ً عظيما ً ) ( " ‪.‬‬
‫فإذا كان في الدنيا كلها دين يصلح أن يكون أفيونا ً للشعب ‪ ،‬فلن‬
‫يكون هذا الدين هو السلم ‪ ،‬الذي يكافح الظلم بجميع صوره‬
‫وألوانه ‪ ،‬وينذر الذين يقبلون الظلم بشر العقاب ‪ ) .‬محمد‬
‫قطب(‬
‫==================‬
‫هل الله عز وجل يجبر الناس على الكفر؟؟‬
‫السؤال‪:‬‬
‫نقرأ في كثير من آيات القرآن أن الله تعالى يخبر بأنه جعل على‬
‫قلوب الكافرين أكنة وعلى أبصارهم غشاوة وختم عليها وأنه‬
‫يصمهم ويعميهم عن الحق ‪ ،‬وقد علمنا – أيضا ً – أن الله تعالى ل‬
‫يجبر أحدا ً على الكفر ‪ ،‬فما هو توجيه هذه اليات ؟‪.‬‬
‫الجواب‪:‬‬
‫الحمد لله‬
‫قال الشيخ الشنقيطي – رحمة الله تعالى عليه ‪: -‬‬
‫فالجواب ‪ :‬أن الله جل وعل بين في آيات كثيرة من كتابه العظيم‬
‫أن تلك الموانع التي يجعلها على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم ‪،‬‬
‫كالختم والطبع والغشاوة والكنة ‪ ،‬إنما جعلها عليهم جزاءا ً وفاقا ً‬

‫‪295‬‬
‫لما بادروا إليه من الكفر وتكذيب الرسل باختيارهم ‪ ،‬فأزاغ الله‬
‫قلوبهم بالطبع والكنة ونحو ذلك ‪ ،‬جزاء على كفرهم ‪ ،‬فمن‬
‫اليات الدالة على ذلك قوله تعالى ‪ ) :‬بل طبع الله عليها بكفرهم‬
‫( النساء‪ ، 155/‬أي بسبب كفرهم ‪ ،‬وهو نص قرآني صريح في‬
‫أن كفرهم السابق سبب الطبع على قلوبهم ‪ ،‬وقوله ‪ ) :‬فلما‬
‫زاغوا أزاغ الله قلوبهم ( الصف‪. 5/‬‬
‫ح أيضا ً على سبب إزاغة الله قلوبهم هو زيغهم‬‫وهو دليل واض ٌ‬
‫السابق ‪ ،‬وقوله ‪ ) :‬ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على‬
‫ض‬
‫قلوبهم ( المنافقون‪ ، 3/‬وقوله تعالى ‪ ) :‬في قلوبهم مر ٌ‬
‫فزادهم الله مرضا ً …( البقرة‪ ، 10/‬وقوله ‪ ) :‬ونقلب أفئدتهم‬
‫وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم‬
‫يعمهون ( النعام‪ ، 110/‬وقوله تعالى ‪ ) :‬كل بل ران على قلوبهم‬
‫ما كانوا يكسبون ( المطففين‪ ، 14/‬إلى غير ذلك من اليات‬
‫الدالة على أن الطبع على القلوب ومنعها من فهم ما ينفع عقاب‬
‫من الله على الكفر السابق على ذلك ‪ ،‬وهذا الذي ذكرنا هو وجه‬
‫رد شبهة الجبرية الذين يتمسكون بها في هذه اليات المذكورة‬
‫وأمثالها في القرآن الكريم ‪.‬‬
‫الشيخ محمد صالح المنجد‬
‫=====================‬
‫ليس في السلم نظام سياسي‬
‫نص الشبهه ‪-:‬‬
‫يزعم الفكر العلماني أنه ليس في السلم نظام سياسي محدد‬
‫ينبغي اللتزام به‪ ،‬وغاية ما هناك وجود بعض المبادئ العامة في‬
‫مجال‬
‫الرد على الشبهه ‪-:‬‬
‫ذكر الدلة على مجيء السلم بنظام سياسي‪:‬‬
‫لقد جاء السلم بنظام سياسي‪ ،‬وطلب من المسلمين اللتزام به‬
‫دون ما سواه من النظمة السياسية‪ ،‬وعلى ذلك أدلة متعددة‬
‫نوجزها فيما يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬النصوص الشرعية ودللتها على مجيء السلم بنظام‬ ‫أو ً‬
‫سياسي محدد‪:‬‬
‫جاءت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة ببيان نظام الحكم‬
‫)النظام السياسي( الذي ينبغي اتباعه واللتزام به؛ فبينت غايته‬
‫وطبيعته وشكله‪ ،‬وأصل السلطة فيه‪ ،‬ومصدر اللزام به‪ ،‬وصفات‬
‫القائمين عليه‪ ،‬وواجباتهم وحقوقهم‪ ،‬ومكانة المة فيه‪ ،‬إلى غير‬
‫ذلك من المور التي جاءت بها النصوص الشرعية أو دلت عليها‪،‬‬
‫كما أعطته مصطلحاته الخاصة به التي تميزه عن غيره بحيث ل‬

‫‪296‬‬
‫يشبه في ذلك نظاما ً بشريا ً سبقه‪ ،‬ول يشبهه نظام بشري جاء‬
‫بعده‪ ،‬فهو في ذلك متميز عن السابق واللحق‪.‬‬
‫والنظام السياسي في السلم أو نظام الحكم هو الخلفة‪،‬‬
‫والقائم عليه هو الخليفة‪ ،‬وقد يسمى المام‪ ،‬والمير‪ ،‬وأمير‬
‫المؤمنين‪ ،‬ومن النصوص التي جاءت في ذلك قوله تعالى‪( :‬وإذ‬
‫قال ربك للملئكة إني جاعل في الرض خليفة)‬
‫=====================‬
‫شبهات النصارى حول السلم‬
‫للدكتور منقذ السقار‬
‫المطلب الول ‪ :‬منهج النصارى في شبهاتهم عن السلم‬
‫و قبل أن نلج في عرض نماذج للشبهات التي أثارها النصارى‬
‫على عقائد السلم المختلفة نقف على بعض ملمح المنهج الذي‬
‫اختطه النصارى في إثارة الشبهات حول السلم ‪ ،‬فقد شاب‬
‫فهمهم للسلم الكثير من الغبش ‪ ،‬وكانت فكرتهم عن السلم‬
‫خليط من ذلك الغبش و الحقد الذي تكنه صدورهم للحق الذي‬
‫سطع فحجب الضلل بضيائه وحجته‪.‬‬
‫وأهم مايذكر هنا هو الكذب والتحريف والمغالطة من النصارى‬
‫الذين تصدوا لنقد السلم ودراسته‪.‬‬
‫الكذب و التلعب في النصوص ‪:‬‬
‫مارس النصارى الكذب في نقدهم لهذا الدين ‪ ،‬و من ذلك قول‬
‫وهيب خليل في كتابه " استحالة تحريف الكتاب المقدس " في‬
‫سياق حديثه عن معجزات المسيح المذكورة في القرآن‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫"و إن كان بعض المفسرين يحاولون أن يقللوا من شأن السيد‬
‫المسيح في المقدرة قائلين ‪ :‬إنه يصنع هذا بأمر الله ‪ ،‬فنجد أن‬
‫السلم يشهد بأن هذه المقدرة هي لله فقط "‪.‬‬
‫و من المعلوم عند كل مسلم أو مطلع على القرآن الكريم أن‬
‫الذي أحال معجزات المسيح إلى قدرة الله و إذنه هو القرآن‬
‫الكريم و ليس مفسروه ‪.‬‬
‫و من الكذب أيضا ً ما قاله صاحب كتاب "الحق" حين زعم أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مات انتظر المسلمون‬
‫قيامه كما قام المسيح‪ ،‬فلما لم يقم ارتد المسلمون عن‬
‫السلم" ‪.‬‬
‫و من المعلوم أن القرآن صرح بمثلية رسول الله لسائر البشر‬
‫في خاصية الموت‪ ،‬و قد صرح القرآن بموته‪ ،‬و لم يرد شيء فيه‬
‫أو عن رسولنا يفيد قيامته صلى الله عليه وسلم من الموت ‪ ،‬و‬
‫قد روي عن عمر أنه قال مثل هذا القول لحظة ذهوله عند‬

‫‪297‬‬
‫فاجعته برسول الله صلى الله عليه وسلم و سرعان ما أفاق‬
‫منه‪.‬‬
‫و أما حركة الردة فقد بدأت إبان حياته صلى الله عليه وسلم‬
‫بظهور السود العنسي ‪ ،‬و فشت بعد وفاته‪ ،‬و لم يكن من‬
‫دواعيها مثل هذا القول الذي ذكره النصراني‪.‬‬
‫و من الكذب أيضا ً قول القس شروش و هو عربي فلسطيني في‬
‫مناظرته لديدات أمام جمهور من العاجم الذين ل يعرفون‬
‫العربية‪ ،‬فيقول مكذبا ً القرآن في عربيته‪ " :‬لكن محمدا ً استعمل‬
‫كثيرا ً من الكلمات و الجمل الجنبية في القرآن ‪ ،‬و هذا يترك‬
‫كثيرا ً من التساؤل عند الناس إن كانت لغة الله غير كافية بحيث‬
‫تحتاج إلى عدة لغات أخرى… في كتاب ادعي أن الله أوحاه‬
‫بالعربية" ‪ ،‬و بالطبع ل يوجد في القرآن جملة غير عربية ‪ ،‬فقد‬
‫نزل بلسان عربي مبين ‪.‬‬
‫و من الكذب أيضا ً قوله‪ " :‬المسلمون غير العرب يشعرون بأنهم‬
‫مجبرون أن يحفظوا على القل أربعين سورة من القرآن بالعربية‬
‫مع أنهم ل يتكلمونها و ل يتخاطبونها " و أي من العلماء لم يوجب‬
‫مثل هذا ‪.‬‬
‫و من الكذب أيضا ً قول صاحب كتاب "الحق" النصراني بأن‬
‫رسول الله ما كان يدري من الذبيح إسماعيل أم إسحاق لذلك‬
‫قال ‪ ":‬أنا ابن الذبيحين" و أراد إسماعيل و إسحاق ‪ ،‬و يرد ابن‬
‫الخطيب بذكر آيات سورة الصافات و التي ذكرت قصة الذبيح‬
‫في سياق حديثها عن إسماعيل ‪ ،‬ثم اتبعت ذلك بالحديث عن‬
‫إسحاق و بشارة الله لبراهيم به ‪ ،‬و أما الحديث ‪ -‬لو سلمنا‬
‫بصحته لصحة معناه ‪ -‬فل خلف في أن مراد النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم أنه ابن الذبيحين‪ :‬عبد الله أبوه و إسماعيل ‪ ،‬و قصة‬
‫نجاة أبيه من الذبح مبسوطة في كتب التواريخ ‪.‬‬
‫تحريف النصوص ‪:‬‬
‫و يلجأ النصارى أيضا ً إلى تحريف ألفاظ النصوص السلمية ‪ ،‬و‬
‫من ذلك قول القس شروش لمستمعيه النجليز‪ ":‬أنتم معشر‬
‫المسلمين تعتقدون أن المسيح ما زال على قيد الحياة " ‪.‬يقول‬
‫ديدات ‪ :‬نعم‪ .‬فأكمل القس شروش " لكننا إذا قارنا هذا بما جاء‬
‫في القرآن فإننا سنجد تناقضا ً ‪ ،‬فإن القرآن يقول } و السلم‬
‫علي يوم ولدت و يوم أموت و يوم أبعث حيا ً { قرأها في العربية‬
‫صحيحة ‪ ،‬ثم ترجمها ‪" :‬و سلم علي يوم ولدت و يوم مت و يوم‬
‫أبعث حيا ً " فحول الفعال المضارعة و التي يراد منها المستقبل‬
‫إلى أفعال ماضية مستغل ً جهل مستمعيه بلغة العرب‪ ،‬و ظن أن‬
‫حيلته و كذبه ينطلي على العلمة العجمي ديدات ‪.‬‬

‫‪298‬‬
‫و من التحريف الذي مارسه النصارى تحريف المعاني و من ذلك‬
‫الخلط الذي وقعوا به و نسبوه للقرآن الكريم‪ ،‬فقد زعموا أن‬
‫قوله تعالى في قصة موسى } فأرسلنا عليهم الطوفان { يتحدث‬
‫عن الطوفان الذي وقع زمن نوح‪ ،‬فهو بذلك يخلط بين حديثين‬
‫متباعدين في الزمان‪.‬‬
‫و القرآن قد فصل في الحديث عن طوفان نوح‪ ،‬و أشار إلى‬
‫الهلك الذي أحدثه فيما ذكر طوفانا ً صغيرا ً كان أحد ما عذب به‬
‫الذين كفروا بموسى عليه السلم ‪.‬‬
‫وكما ذكر القرآن طوفان نوح العظيم و طوفان موسى بمصر‪،‬‬
‫كذا ذكرت التوراة الطوفانين‪ ،‬فطوفان نوح تحدث عنه‬
‫سفر) التكوين ‪ (24-7/10‬ثم تحدثت عن طوفان آخر أصاب‬
‫مصر انتقاما ً من فرعون الذي لم يؤمن بموسى‪ ،‬و لم يطلق بني‬
‫إسرائيل‪ ،‬فقد قال موسى لفرعون‪ ":‬أنت معاند بعد لشعبي حتى‬
‫ل تطلقه‪ .‬ها أنا غدا ً مثل الن أمطر بردا ً عظيما ً لم يكن مثله في‬
‫مصر" فنزل المطر و البرد ‪ ،‬فوعد فرعون موسى بإطلق شعب‬
‫بني إسرائيل" لكن فرعون لما رأى أن المطر و البرد و‬
‫الرعود ‪،‬و قد انقطعت عاد يخطئ و أغاظ قلبه هو و‬
‫عبيده…")الخروج ‪.(34-9/17‬‬
‫و من التحريف أيضا ً ما قاله الحداد الخوري في تعقيبه على قوله‬
‫تعالى } و من قبله كتاب موسى إماما ً و رحمة { ‪ ،‬فيقول‬
‫الحداد‪ ":‬إن محمد يصرح نهائيا ً بما ل يقبل الشك بأن إمام القرآن‬
‫هو كتاب موسى" ‪ ،‬و الية إنما تتحدث عن التوراة الصحيحة التي‬
‫أنزلها الله على موسى فكانت لقومه إماما ً و رحمة كما وصفت‬
‫في آيات أخر بأنها هدى و نور ‪ ،‬و ليس في النص صريحا ً ‪-‬كما‬
‫زعم الحداد‪ -‬أن التوراة إمام للقرآن ‪.‬‬
‫و يتحدث كتاب " الستحالة " عن قضية صلب المسيح فيقول‪":‬‬
‫أما النص الوارد في سورة النساء ‪ ،‬و الذي قد يبدو فيه معنى‬
‫إنكار المسيح و موته حيث جاء } وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى‬
‫ابن مريم رسول الله و ما قتلوه و ما صلبوه و لكن شبه لهم {‬
‫فإن هذه الكلمات التي يراها البعض ضد اليمان المسيحي‬
‫بالصلب هي في الواقع دليل على الصلب ‪ ،‬و لكنها تكذيب لليهود‬
‫في قولهم } إنا قتلنا المسيح { لن اليهود لم يقتلوه و لم‬
‫يصلبوه‪ ،‬لنهم لم يكونوا أصحاب السلطة و الحكم أيام ظهور‬
‫السيد المسيح بالجسد ‪ ،‬و إنما كانت السلطة بيد الرومان ‪ ،‬لذلك‬
‫فالرومان هم الذين نفذوا الحكم بصلب السيد المسيح ‪ ،‬و قد‬
‫خيل لليهود ‪ ،‬و شبه لهم بأنهم قتلوا السيد المسيح و صلبوه‪،‬‬
‫لنهم كانوا أصحاب شكاية ‪ ،‬فعندما أجيبت شكواهم تخيلوا بذلك‬

‫‪299‬‬
‫و هذا الغراب في التفسير لم ينقل عن أحد من مفسري القرآن‬
‫و لو على وجه ضعيف ‪ ،‬و هل يعقل أل ينسب القتل لليهود إل إذا‬
‫قاموا بأنفسهم بمباشرة القتل ‪ ،‬و أما ذهابهم في جمع من‬
‫الشيوخ و رؤساء الكهنة للقبض على المسيح ‪ ،‬ثم محاكمته و‬
‫الحكم عليه بالموت و دفعه للحاكم الروماني لينفذ الحكم ‪ ،‬ثم‬
‫إصرارهم على التنفيذ ‪ ،‬و رفض إطلقه بعد أن اقتنع الحاكم أنه‬
‫بار وبريء ‪ ،‬و عرض عليهم إطلقه ‪ ،‬فصرخوا و هاجوا ‪ :‬اصلبه ‪.‬‬
‫فخاف بيلطس من الفتنة ‪ ،‬فامتثل لمرهم بعد أن اتهموه بأنه ل‬
‫يحب القيصر…‪.‬‬
‫أفبعد ذلك كله يقال بأن اليهود ليسوا هم القتلة‪ ،‬بل الحاكم‬
‫الروماني ‪ ،‬ثم ماذا عن قوله تعالى } و ما قتلوه يقينا ً * بل رفعه‬
‫الله إليه { ثم على أي حال فإن اليات لم تكن تناقش من القاتل‬
‫اليهود أم الرومان ‪ ،‬إنما كانت تؤكد نجاة المسيح مما ظنه اليهود‬
‫من أنهم تمكنوا منه و قتلوه‪.‬‬
‫و مثله حرف القس أنيس شروش المعنى في قوله } حتى إذا‬
‫بلغ مغرب الشمس و جدها تغرب في عين حمئة { فقال شروش‬
‫‪ ":‬لقد كان الخرافيون القدامى في عصر محمد يعتقدون أن‬
‫الشمس تغرب في ينبوع" يقول القفال في تفسير هذه الية"‬
‫قال بعض العلماء ‪ :‬ليس المراد أنه انتهى إلى الشمس مغربا ً و‬
‫مشرقا ً حتى وصل إلى جرمها و مسها ‪ ،‬لنها تدور مع السماء‬
‫حول الرض‪ ،‬من غير أن تلتصق بالرض ‪ ،‬و هي أعظم من أن‬
‫تدخل في عين من عيون الرض ‪ ،‬بل هي أكبر من الرض أضعافا ً‬
‫مضاعفة ‪ ،‬بل المراد أنه انتهى إلى آخر العمارة من جهة المغرب‬
‫و من جهة المشرق ‪ ،‬فوجدها في رأي العين تغرب في عين‬
‫حمئة ‪ ،‬كما أنا نشاهدها في الرض الملساء كأنها تدخل في‬
‫الرض " ‪.‬‬
‫و يقول سيد قطب في بيان معنى هذه الية ‪ " :‬مغرب الشمس‬
‫هو المكان الذي تغرب عنده وراء الفق ‪ ،‬و هو يختلف بالنسبة‬
‫إلى المواضع ‪ ،‬فبعض المواضع يرى الرائي فيها أن الشمس‬
‫تغرب خلف الجبل ‪. ،‬تغرب في الماء كما في المحيطات … و‬
‫الظاهر من النص أن ذا القرنين غرب حتى وصل إلى نقطة على‬
‫شاطئ المحيط الطلسي‪ … ،‬فرأى الشمس تغرب فيه‪.‬‬
‫و الرجح أنه كان عند مصب أحد النهار حيث تكثر العشاب ‪ ،‬و‬
‫يجتمع حولها طين لزج هو الحمأ ‪ ،‬و توجد البرك‪ ،‬و كأنها عيون‬
‫الماء…عند هذه الحمأة وجد ذو القرنين قومًا…" ‪.‬‬

‫‪300‬‬
‫و هكذا يكشف علماؤنا هذا التحريف للنصراني ‪ ،‬فالقرآن لم يقل‬
‫بأن الشمس غربت في عين حمئة ‪ ،‬بل ذكر ما رآه ذو القرنين‬
‫} وجدها تغرب في عين حمئة { ‪.‬‬
‫و من التحريف أيضا ً أن النصارى حين استشهادهم بالنصوص‬
‫السلمية كانوا يختارون ما يعجبهم من النص و يدعون ما ل‬
‫يوافق هواهم ‪ ،‬و من ذلك قول وهيب خليل في كتابه " استحالة‬
‫تحريف الكتاب المقدس " في سياق حديثه عن أدلة ألوهية‬
‫المسيح في القرآن و السنة فيقول‪" :‬روى البخاري في الجزء‬
‫ل‪ ":‬ل تقوم الساعة حتى ينزل فيكم ابن مريم‬ ‫الثالث ص ‪ 107‬قائ ً‬
‫حكما ً مقسطا ً " ‪ ,‬و في هذا دليل قاطع على ألوهية السيد‬
‫المسيح‪ ،‬لن الدينونة لله وحده " ‪.‬‬
‫و قد غض النصراني طرفه عن بقية الحديث و فيه ‪ " :‬فيكسر‬
‫الصليب و يقتل الخنزير و يضع الجزية و يفيض المال حتى ل‬
‫يقبله أحد" فالمور المذكورة في تتمة الحديث تدل على بطلن‬
‫النصرانية ‪ ،‬و أن المسيح سيحطم رمزها )الصليب( ‪ ،‬و أنه‬
‫سيحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬كما أن الحديث‬
‫يتحدث عن أحداث قبل القيامة ‪ ،‬فالساعة ل تقوم حتى تحصل‬
‫هذه المور ‪ ،‬و الدينونة الكبرى إنما تكون بعد قيام الساعة‪.‬‬
‫و نصوص القرآن صريحة في أن الله هو الذي سيدين الخلئق‬
‫كما قال تعالى } ثم ردوا إلى الله مولهم الحق إل له الحكم و‬
‫هو أسرع الحاسبين {‬
‫مغالطات النصارى ‪:‬‬
‫و يقع النصارى عند إثارتهم للشبهات في مغالطات في الستدلل‬
‫‪ ،‬و من ذلك قول حبيب سعيد في كتابه " أديان العالم "‪ " :‬إن‬
‫الله في القرآن تحدث عن نفسه بصيغة الجمع ‪ ،‬و الجمع يدل‬
‫على التثليث " و يقول ‪ " :‬نسب القرآن الخلق للمسيح ‪ ،‬فيكون‬
‫مع الله الذي تحدث عن نفسه بصيغة الجمع ‪ :‬أي اثنان‪ ..‬و من‬
‫يخلق حيا ً يكون إلها ً "‪.‬‬
‫و مثله جاء في كتاب " الستحالة " بعد أن ذكر أن القرآن يجعل‬
‫من معجزات المسيح أنه يخلق من الطين كهيئة الطير فيكون‬
‫طيرا ً ‪.‬‬
‫و ذكر بأن المسيح يحيي الموتى ثم قال وهيب خليل‪ ":‬فإذا كان‬
‫السلم يشهد بأن الذي يحيي العظام و هي رميم هو الذي‬
‫أنشأها أول مرة فقط ‪ ،‬فمن يكون السيد المسيح الذي يشهد له‬
‫السلم بأنه يحيي الموتى؟ أليس هو الله الحي القيوم المحيي‬
‫المميت الذي أنشأها أول مرة ؟" ‪.‬‬

‫‪301‬‬
‫و المغالطة تكمن في أن اليات نصت في أن ذلك يكون بإذن‬
‫الله ‪.‬أي أنه تعالى هو الفاعل الحقيقي للحياء و الخلق‪.‬‬
‫كما أن معجزات المسيح في سياق النصوص التي وردت فيها‬
‫بينت أن المسيح إنما هو رسول الله فحسب‪.‬‬
‫و من المغالطة أيضا ً ما قاله وهيب خليل في سياق استدلله‬
‫على وجود التثليث في السلم حيث قال‪":‬عندما يقسم الشخص‬
‫المسلم فبم يقسم ؟ إنه يقول‪ :‬و الله العظيم ثلثة‪ .‬لماذا لم‬
‫يقل‪ :‬و الله العظيم ‪ .‬و يكتفي ؟…إذا كان المقصود هو التوكيد‬
‫فإن الفضل في هذه الحال أن نردد و بدل ً من ثلثة القول بأعداد‬
‫أكثر كثيرا ً لضمان التوكيد‪ .‬و لكن المعنى الصحيح في القول‪ :‬و‬
‫الله العظيم ثلثة هو "و الله الب" و "و الله البن"و"و الله الروح‬
‫القدس"‪..‬و ومعلوم أن الطلق في السلم يتم في الثلثة…لماذا‬
‫يتم بالثلثة ؟‪..‬إن ذلك يرجع إلى أن زواجنا يتم باسم الب و البن‬
‫و روح القدس ‪ ،‬و أن ذلك نقل إلى السلم مع بعض التعديلت "‪.‬‬
‫و من المعلوم أن المسلم حين يكرر البسملة أو أيا ً من كلمه‬
‫ثلثا ً ل يخطر ببال تثليث النصارى ‪ ،‬و إنما هو أسلوب في توكيد‬
‫الكلم أو المعاني ‪ ،‬و العرب تعتبر الرقم ثلثة من الرقام التي‬
‫تفيد الكثرة كالسبعة و السبعين خلفا ً للثنين و الربعة و‬
‫الستة‪.‬كما أن " الثلثة " هي أول الجمع المفيد للكثرة ‪ ،‬لذا يكثر‬
‫استخدامه في كلم الناس ‪.‬‬
‫و يرد المطعني شبهة النصراني‪ ،‬و يبين بأن المسلم إنما يقول‪ :‬و‬
‫الله العظيم ثلثا ً ‪ ،‬و ليس ثلثة‪ .‬فتمييز العدد تقديره ‪ " :‬مرة "‪.‬‬
‫أي أقسم ثلث مرات‪ ،‬و من الممكن أن يقسم مرة أو عشرة ‪ ،‬و‬
‫ذلك كله ل علقة له بالتثليث‪.‬‬
‫و يسخر ابن الخطيب من هذا النوع من الستدلل ‪ ،‬و يرى أنه‬
‫يمكن للنصارى أن يستدلوا أيضا ً لصحة معتقد التثليث بكون‬
‫المخلفين ثلثة ‪ ،‬و عدة المطلقة اليائس ثلثة أشهر ‪ ،‬و يفرض‬
‫على المتمتع أن يصوم في الحج ثلثة أيام…و هكذا فكل هذه‬
‫تصلح دليل ً على التثليث؟!‬
‫و من المغالطة أيضا ً قول القس شروش أن في القرآن أسماء‬
‫غير عربية كإبراهيم و فرعون و آدم… و أن هذا يتناقض مع‬
‫عربية القرآن ‪ ،‬و أسماء العلم ل علقة لهم بلغة المقال‪.‬‬
‫و من المغالطة احتجاجه على تسمية المسيح بعيسى بينما‬
‫تسميه الناجيل بالسم العبري أو السرياني " يسوع " فيقول ‪" :‬‬
‫أدعو السيد ديدات لنرى إن كان يستطيع أن يشرح لكم من أين‬
‫أتى بكلمة " عيسى " في القرآن في حين أن اسمه ‪:‬يسوع‬
‫بالعربية" ‪ .‬و المغالطة تكمن في أنه يتجاهل حقيقة معهودة في‬

‫‪302‬‬
‫سائر اللغات ‪ ،‬و هي أن السماء و اللفاظ عندما تنتقل من لغاتها‬
‫إلى لغات أخرى فليس بالضرورة أن تبقى الكلمة كما هي‪ ،‬بل‬
‫يعاد صرفها بما يلئم اللسان الذي ترجمت إليه ‪ ،‬و هو ما صنعه‬
‫شروش نفسه بعد دقائق حين قال و هو ينقل نصا ً إنجيليا ً‬
‫ك للقرآن " فقال له عيسى أنا هو الصراط…"‬ ‫بأسلوب محا ٍ‬
‫فاستخدم السم العربي للمسيح‪ ،‬و فعل ذلك ثانية حين عرب‬
‫اسم " مارية "‪ ،‬فاستخدم السم العربي" مريم "‪ ،‬و ذلك في‬
‫قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ":‬كذلك زوجته الثامنة "‬
‫مريم " كانت عضوا ً في طائفة مسيحية في مصر" ‪.‬‬
‫و من المغالطة أيضا ً قول صاحب كتاب "الحق"‪":‬إشعياء قال‬
‫قبل الميلد بنحو ‪700‬عام‪ ":‬الجالس على كرة الرض " )إشعيا‬
‫‪ (40/22‬بينما العلماء لم يجمعوا على كرويتها إل في عام‬
‫‪1543‬م ‪ ،‬و بينما يقول القرآن } و الرض مددناها { } و الله‬
‫جعل لكم الرض بساطا ً { } و هو الذي مد الرض { " فاستنتج‬
‫النصراني من هذه اليات أن القرآن‪ ،‬يقول بعدم كروية الرض‪.‬‬
‫و يبين ابن الخطيب معنى هذه اليات ‪ ،‬و أنها تتحدث عن بسط‬
‫الرض و مهادها كما يراها النسان و يمشي عليها‪ ،‬فالمقصود‬
‫بالرض اليابسة التي يمشي عليها الناس ‪ ،‬بينما حين تحدث‬
‫القرآن عن الرض ككوكب ذكر ما هو أدق من قول التوراة و‬
‫النصراني فقال } و الرض بعد ذلك دحاها { أي جعلها كالدحية ‪،‬‬
‫و هي البيضة ‪ ،‬و هذا ما ينطبق تماما ً على الرض ‪ ،‬و هو أدق‬
‫علميا ً من القول بأنها كروية ‪ ،‬فقد ثبت عند العلماء أنها منبعجة‬
‫في طرفيها ‪.‬‬
‫و يلجأ النصارى في شبهاتهم إلى محاكمة القرآن إلى كتبهم التي‬
‫ل سند لها ‪ ،‬و ل اعتداد و ل ثقة بها ‪ ،‬فيعرضها النصارى و كأنها‬
‫سندات و وثائق تاريخية ل خلف على صحتها‪.‬‬
‫و من ذلك تكذيبهم القرآن في قوله بأن اسم والد إبراهيم عليه‬
‫السلم هو آزر ‪ ،‬لنه قد جاء في التوراة أنه ‪ :‬تارح )انظر التكوين‬
‫‪ (11/27‬و كذا تكذيبهم أن يكون الذبيح إسماعيل ‪ ،‬لن التوراة‬
‫تقول بأنه إسحاق ‪) ،‬انظر التكوين ‪ (12-22/9‬و كذا تكذيبهم أن‬
‫تكون زوجة فرعون قد كفلت موسى ‪ ،‬وقالوا بأن الذي كفله هي‬
‫ابنة فرعون لما جاء في التوراة )انظر الخروج ‪ ،(7-2/5‬و كذبوا‬
‫أن يكون لون بقرة بني إسرائيل صفراء فاقع ‪ ،‬لن التوراة تقول‬
‫بأنها كانت حمراء اللون )انظر العدد ‪. (4-19/1‬‬
‫و يعرض النصارى أقوال غريبة أو منكرة و يقدمونها على أنها‬
‫أخبار إسلمية موثوق بها و من ذلك قول القس أنيس شروش و‬
‫هو يرد و يدفع عن مبالغة التوراة في قولها شمشون قتل ألفا ً‬

‫‪303‬‬
‫من الفلسطينيين بفك حمار )انظر القضاة ‪ (15/15‬فيوهم‬
‫شروش مستمعيه أن مثل ذلك منقول في تاريخ السلم وكتب‬
‫المسلمين‪ ،‬فيقول‪ " :‬المسعودي يخبرنا في كتابه مرادي )يقصد‬
‫مروج الذهب( أن عليا ً قتل ‪ 525‬رجل ً في يوم واحد بيديه‬
‫المجردتين من غير سلح و ل عصا و ل فك حمار ‪ ،‬و لعلي‬
‫أتساءل إن كانت هذه القصة أكثر قابلية للتصديق من قصة قتل‬
‫شمشون للف من الفلسطينيين بفك حمار كبير"‬
‫و المسلمون ل يعتبرون كتاب المسعودي من كتب الحتجاج ‪ ،‬و‬
‫مثل هذه الخبار نطعن بها و بقائليها فكيف يحتج بها علينا ؟‬
‫وما نسبه القس للمسعودي لم يخل من التحريف فقد قال‬
‫المسعودي في سياق ذكره لكثرة القتلى يوم صفين ‪ ،‬فذكر أن‬
‫عليا ً قتل " بكفه في يومه وليلته خمسمائة وثلث وعشرون رجل ً‬
‫" وليس مراده أن هؤلء قد قتلهم بيديه المجردتين‪ ،‬بل أراد كثرة‬
‫من قتل على يديه‪.‬‬
‫المناداة بالختلط المطلق‬
‫من الصيحات التي يطلقها أدعياء تحرير المرأة ‪ ،‬المطالبة بإتاحة‬
‫الفرص للختلط المطلق بين الرجال والنساء ‪ ،‬الختلط بل حدود‬
‫‪ ،‬ول حواجز ‪ ،‬ول قيود ‪ ،‬في البيت ‪ ،‬وفي دور التعليم في كل‬
‫مراحله ‪ ،‬وفي المعمل ‪ ،‬والمكتب ‪ ،‬والمتجر ‪ ،‬وفي السوق ‪،‬‬
‫وفي النوادي ‪ ،‬والملهي ‪ ،‬وفي السفار إلى خارج البلد لتبادل‬
‫الزيارات بين شباب العالم ‪ ،‬وفي كل مجال من مجالت الحياة ‪،‬‬
‫يجب أن يكون هناك اختلط ‪ ،‬لن ضرورة الحياة ‪ ،‬ومتطلبات‬
‫العصر ‪ ،‬ومصلحة الفتاة والفتى ‪ ،‬ومصلحة المة والمجتمع تقضي‬
‫بذلك وتحتمه‪.‬‬
‫وذلك لن الختلط ? كما يزعمون ? يهذب المشاعر الجنسية ‪،‬‬
‫ويكسر من حدتها ‪ ،‬لنه يقضي على الجوع الجنسي الفائر ‪ ،‬الذي‬
‫يؤدي إلى النحراف والشذوذ ‪ ،‬وحين يرى الشاب الفتاة وتراه ‪،‬‬
‫ويطمئن كل منهما إلى الرؤية والمقابلة ‪ ،‬وتزول اللهفة‬
‫المتلصصة المختلسة ‪ ،‬ل يعود الجنس هو الشاغل الول لهما ‪،‬‬
‫ويرتفع الشاب والفتاة عن بهيمية الغريزة ‪ ،‬ويشغلن لقاءهما‬
‫بشؤون العلم ‪ ،‬والدب ‪ ،‬ومناقشة المور السياسية والجتماعية‬
‫والفكرية ‪ ،‬وغيرها من المور الخارجة عن نطاق الجنس‪.‬‬
‫دعون ? تتهذب ألفاظه ‪،‬‬ ‫والشاب في المجتمع المختلط ? كما ي ّ‬
‫فل ينطق بالفحش الذي يستبيحه لنفسه في مجتمع الشبان ‪،‬‬
‫مراعاة لمشاعر الفتاة وأحاسيسها المرهفة‪.‬‬
‫وحين تتعود الفتاة على لقاء الرجل وصحبته ‪ ،‬تتغير في ذهنها‬
‫الصورة التي تخيلتها عنه ‪ ،‬وانطبعت في ذهنها ‪ ،‬بتأثير البيئة‬

‫‪304‬‬
‫المتحفظة ‪ ،‬فل يعود الرجل ذلك الذئب المفترس ‪ ،‬ول الحيوان‬
‫الجائع ‪ ،‬ول الجسد الظامئ ‪ ،‬ول الكائن المرهوب‪.‬‬
‫وبالتقاء الفتاة بالفتى ‪ ،‬يتعرف كل منهما على طباع الخر ‪ ،‬فل‬
‫يكون اللقاء في الزواج ‪ ،‬مسببا ً لتوتر العصاب ‪ ،‬وإرباك الفهام‪.‬‬
‫وبالتقاء الجنسين واختلطهما تكون متعة الجنس الهادئة ‪ ،‬وتزول‬
‫العقد النفسية التي يسببها الكبت الجنسي للذكر والنثى معا ً ‪،‬‬
‫فيتفرغ كل منهما لواجبه وعمله ‪ ،‬ول تعود الفتاة تنفق كل طاقتها‬
‫في التزين ‪ ،‬لتتصيد الرجال ‪ ،‬ول يعود التصيد هو جل همها ‪ ،‬إذ‬
‫أن اللقاء أصبح متاحا ً لها ‪ ،‬واجتباء الصديق ‪ ،‬أو العشيق حق من‬
‫حقوقها ‪ ،‬أقره المجتمع ‪ ،‬ويحميه القانون‪.‬‬
‫قالوا كل ذلك عن الختلط وفوائد الختلط ومميزاته ‪ ،‬قالوه‬
‫بألسنتهم وعلى صفحات الكتب والصحف ‪ ،‬وبواسطة وسائل‬
‫العلم الخرى ‪ ،‬أما في واقع المر ‪ ،‬وفي مجال التطبيق والعمل‬
‫‪ ،‬فل نرى أثرا ً لما قالوا‪.‬‬
‫فالواقع في البلد التي طبقت هذا المبدأ بحذافيره يخالف ما‬
‫قالوا ‪ ،‬فنرى الفضائح الخلقية والشذوذ الجنسي ‪ ،‬وأنواع‬
‫النحرافات ‪ ،‬وارتفاع نسبة الطلق ‪ ،‬وقد أصبحت هذه المور‬
‫شيئا ً عاديا ً ومألوفا ً ‪ ،‬ل يحدث اشمئزازا ً ‪ ،‬ول يثير احتجاجا ً ‪،‬‬
‫ولم نر الختلط ينتج الستمتاع الجنسي الهادئ ‪ ،‬فيغني عن‬
‫السراف فيه ‪،‬‬
‫ولم نر الفتاة بسبب الختلط تنصرف ? كما زعموا ? إلى‬
‫عملها ‪ ،‬وتكف عن السراف في التزين لتصيد الشباب ‪ ،‬ولم نر‬
‫الشباب يفعلون ذلك أيضًا‪.‬‬
‫ولم نر الشاب والشابة في لقائهما المستمر ‪ ،‬ينشغلن بغير‬
‫الجنس ‪ ،‬وأحلمه ومغامراته ‪ ،‬أما العمل أما المذاكرة التي جاءا‬
‫من أجلها فهي آخر ما يذكرانه ويفعلنه ‪،‬‬
‫ولم يؤد الختلط ? كما زعموا ? إلى تعرف كل من الفتى والفتاة‬
‫على الخر حقيقته فيتصنع ما ليس له طبعا ُ من الصفات‬
‫والسمات ‪ ،‬وتكون الكارثة بعد الزواج ‪ ،‬حيث يظهر وينكشف‬
‫المستور ‪ ،‬ويتضح الزيف ‪ ،‬ويظهر كل منهما على حقيقته‬
‫المغايرة لما كان يتظاهر به من قبل ‪ ،‬ول تحسبه قضى على‬
‫التوتر العصبي ‪ ،‬والعقد النفسية ? كما قالوا ?‬
‫بل إن الختلط نفسه سبب في حدوث توتر العصاب ‪ ،‬بما‬
‫يشاهد المشاهد أّنى اتجه ‪ ،‬وحيث كان من الجمال الفاتن‬
‫المكشوف السافر ‪ ،‬والمناظر الجنسية المثيرة‪.‬‬
‫ولعل الختلط وما يسببه من توترات العصاب والعقد النفسية ‪،‬‬
‫عامل قوي من عوامل كثرة النتحار في بلد الغرب ‪،‬‬

‫‪305‬‬
‫بل إن ما يحدثه الختلط هو عكس ما يدعون تماما ً ‪ ،‬فما تزيدهم‬
‫تلك المظاهر الخلبة من الجمال النسوي المكشوف إل شوقا ً‬
‫ورغبة ونهما ً ‪ ،‬لن نار الشهوة والعاطفة البهيمية المتأججة في‬
‫الصدور ل تخمد ول تكتفي بمنظر تراه من السفور والخلعة ‪ ،‬بل‬
‫تزداد لهيبا ً ‪ ،‬وتطلب منظرا ً آخر ‪ ،‬أكثر منه سفورا ً وحسورا ً‬
‫وتكشفا ً ‪ ،‬وهكذا تفننوا في شتى الوسائل والساليب ‪ ،‬لمحاولة‬
‫إطفاء أوار نهمهم ‪ ،‬وإرواء غليانهم الملتهب ‪ ،‬وما هذه الصورة‬
‫العارية ‪ ،‬وهذا الدب المكشوف ‪ ،‬والقصص الغرامية ‪ ،‬وهذه‬
‫المراقص والملهي ‪ ،‬والمسرحيات المشحونة بالغراءات‬
‫والنزعات العارمة ‪ ،‬ما هذه كلها إل نماذج من جهودهم ‪ ،‬وحيلهم‬
‫التي أوجدوها ‪ ،‬لخماد نار الشهوات المتأججة ‪ ،‬وإشباع الغرائز‬
‫الجامحة ‪ ،‬ولكن أّنى لهم ذلك ‪ ،‬وكل ما في حياتهم يغري ويثير‬
‫ويهيج‪.‬‬
‫وكل الذي اختفى هو التحايل على حصول المتعة المحرمة ‪،‬‬
‫والمعاكسة في الطرقات ‪ ،‬وهذه لم تختف ترفعا ً وتنزها ً ‪ ،‬وإنما‬
‫اختفت من شدة التيسير لتلك المطالب والمتع‪.‬‬
‫إن الختلط بطبيعته ? وكما هو الواقع ? يستحث في النساء حب‬
‫التبرج والعري ‪ ،‬بما يلفت أنظار الرجال ‪ ،‬ويثير إعجابهم ‪ ،‬لن‬
‫الجاذبية الجنسية التي قد أودعتها فطرة الرجل والمرأة تزداد‬
‫قوة وانتشارا ً باختلط الجنسين ‪ ،‬وتتخطى حدوده بكل سهولة ‪،‬‬
‫ثم من شأن هذا المجتمع المختلط ‪ ،‬أن تنشأ فيه غريزة جديدة‬
‫في الجنسين ‪ ،‬وهي الظهور بأبهى مظاهر الزينة ‪ ،‬وأشدها‬
‫اجتذابا ً للجنس الخر ‪ ،‬ولم يعد التزيد من أسباب الزينة ‪،‬‬
‫والتجمل شيئا ً ينكر ويعاب ‪ ،‬بسبب تبدل النظريات الخلقية ‪ ،‬بل‬
‫أصبح التبرج السافر ‪ ،‬والخذ بكل أسباب الفتنة ‪ ،‬والستهواء ‪،‬‬
‫أمرا ً مرغوبا ً فيه ‪ ،‬ول يقف هذا الفتتان بإبداء الزينة والجمال عند‬
‫حد ‪ ،‬بل يتجاوز الحدود كلها واحدا ً بعد الخر حتى ينتهي أمره إلى‬
‫آخر غايات التعري المشين‪.‬‬
‫إن السلم الحكيم كان يدرك خطر ونتائج الجنس غير المنظم‬
‫على الحياة والفرد والمة كلها ‪ ،‬حين اشتد غاية الشدة في‬
‫ن التشريعات الوقائية ‪ ،‬ووضع التحفظات الكثيرة ‪،‬‬ ‫أمره ‪ ،‬فس ّ‬
‫التي تمنع انطلق الجنس من عقاله بل قيود ‪ ،‬فعني بتقوية‬
‫الخشية من الله في النسان ‪ ،‬وبترسيخ فطرة الحياء فيه ‪،‬‬
‫لتكون سياجا ً داخليا ً ‪ ،‬وشرع الحجاب للمرأة لتستر مفاتنها عن‬
‫الجانب ‪ ،‬والستئذان عند دخول البيت ‪ ،‬وأمر بغض البصر من‬
‫كل من الرجل والمرأة ‪ ،‬ومنع الختلط والخلوة بين الرجل‬
‫والمرأة ‪ ،‬وحظر سفر المرأة بدون محرم لها ‪ ،‬ثم وضع الحدود‬

‫‪306‬‬
‫الزاجرة والرادعة لمن تخطى هذه الحواجز والموانع ‪ ،‬وارتكب‬
‫المحظور‪.‬‬
‫كل هذه الحواجز والموانع والسدود المتعددة والمتنوعة ‪ ،‬وضعها‬
‫السلم في طريق الجنس الجامح ‪ ،‬والشهوة البهيمية‬
‫الفوضوية ‪ ،‬وغير المشروعة ‪ ،‬وما ذاك إل لدراك السلم‬
‫لمخاطرها وعواقبها الوخيمة على الفرد والمة‪.‬‬
‫ولقد دلت الوقائع والحداث ‪ ،‬أنه ما سرى هذا الداء ? داء الجنس‬
‫العارم ? في مفاصل أمة إل أوردها موارد التلف والفناء ‪ ،‬قال‬
‫الله تعالى‪) :‬وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها‬
‫فحق عليها القول فدمرناها تدميرًا( ‪ ،‬ذلك بأنه يقتل في النسان‬
‫كل ما آتاه الله من القوى العقلية ‪ ،‬والجسدية ‪ ،‬لبقائه وتقدمه‬
‫في هذه الحياة ‪،‬‬
‫وأّنى للناس ذلك الهدوء وتلك الدعة والسكينة التي ل بد منها‬
‫لمعالجة أعمال النشاء والتعمير ‪ ،‬ما دامت تحيط بهم محركات‬
‫شهوانية من كل جانب ‪ ،‬وتكون عواطفهم عرضة أبدا ً لكل فن‬
‫جديد من الغراء والتهييج ‪ ،‬ويحيط بهم وسط شديد الثارة ‪ ،‬قوي‬
‫التحريض ‪ ،‬يجعل الدم في عروقهم في غليان مستمر ‪ ،‬بتأثير ما‬
‫حولهم من الدب الخليع ‪ ،‬والصور العارية ‪ ،‬والغاني الماجنة ‪،‬‬
‫والفلم الغرامية ‪ ،‬والرقص المثير ‪ ،‬والمناظر الجذابة من‬
‫الجمال النثوي العريان ‪ ،‬وفرص الختلط المتاحة بالصنف الخر؟‬
‫‪ -‬أستغفر الله ?‬
‫بل أّنى لهم ولجيالهم الناشئة أن يجدوا في غمرات هذه‬
‫المهيجات الجو الهادئ المعتدل ‪ ،‬الذي ل غنى لهم عنه لتنشئة‬
‫قواهم الفكرية والعقلية ‪ ،‬وهم ل يكادون يبلغون الحلم ‪ ،‬حتى‬
‫يقتلهم غول الشهوات البهيمية ‪ ،‬ويستحوذ عليهم؟ ‪ ،‬وإذا هم‬
‫وقعوا بين فكي هذا الغول ‪،‬‬
‫فأّنى لهم النجاة منه ومن غوائله وعواديه؟‬
‫========================‬
‫ما موقف السلم من الديمقراطية وحقوق النسان ؟‬
‫المصدر ‪ :‬وزارة الوقاف المصرية‬
‫‪ 1‬ـ ُيعد السلم أول من نادى بحقوق النسان وشدد على ضرورة‬
‫حمايتها‪ .‬وكل دارس للشريعة السلمية يعلم أن لها مقاصد‬
‫تتمثل فى حماية حياة النسان ودينه وعقله وماله وأسرته‪.‬‬
‫والتاريخ السلمى سجل للخليفة الثانى عمر بن الخطاب‬
‫مواجهته الحاسمة لنتهاك حقوق النسان وقوله فى ذلك‪ " :‬متى‬
‫استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراًرا " ؟‪.‬‬

‫‪307‬‬
‫‪ 2‬ـ تنبنى حقوق النسان فى السلم على مبدأين أساسيين هما‪:‬‬
‫مبدأ المساواة بين كل بنى النسان ‪ ،‬ومبدأ الحرية لكل البشر‪.‬‬
‫ويؤسس السلم مبدأ المساواة على قاعدتين راسختين هما‪:‬‬
‫وحدة الصل البشرى ‪ ،‬وشمول الكرامة النسانية لكل البشر‪ .‬أما‬
‫وحدة الصل البشرى فإن السلم يعبر عنها بأن الله قد خلق‬
‫الناس جميًعا من نفس واحدة‪ .‬فالجميع إخوة فى أسرة إنسانية‬
‫كبيرة ل مجال فيها لمتيازات طبقية‪ .‬والختلفات بين البشر ل‬
‫تمس جوهر النسان الذى هو واحد لدى كل البشر‪ .‬ومن هنا‬
‫فهذه الختلفات ينبغى ـ كما يشير القرآن الكريم ـ أن تكون‬
‫قا‬
‫دافًعا إلى التعارف والتآلف والتعاون بين الناس وليس منطل ً‬
‫للنزاع والشقاق‪) :‬يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى‬
‫وجعلناكم شعوًبا وقبائل لتعارفوا * إن أكرمكم عند الله أتقاكم (‬
‫)‪.(1‬‬
‫أما القاعدة الخرى للمساواة فهى شمول الكرامة النسانية لكل‬
‫البشر‪ .‬وقد نص القرآن على ذلك فى قوله‪) :‬ولقد كرمنا بنى آدم‬
‫( )‪ .(2‬فالنسان بهذا التكريم جعله الله خليفة فى الرض ‪،‬‬
‫دا فى هذا الكون ‪ ،‬وسخر له ما‬ ‫وأسجد له ملئكته ‪ ،‬وجعله سي ً‬
‫فى السموات وما فى الرض‪ .‬فالنسان بذلك له مكانته ومكانه‬
‫المفضل بين الخلق جميًعا‪ .‬وقد منح الله هذه الكرامة لكل الناس‬
‫جا من الحصانة والحماية لكل فرد من‬ ‫بل استثناء لتكون سيا ً‬
‫أفراد النسان ‪ ،‬ل فرق بين غنى وفقير وحاكم ومحكوم‪ .‬فالجميع‬
‫أمام الله وأمام القانون وفى الحقوق العامة سواء‪.‬‬
‫أما المبدأ الثانى الذى ترتكز عليه حقوق النسان فهو مبدأ‬
‫فا ومسئول ً عن عمارة‬ ‫الحرية‪ .‬فقد جعل الله النسان كائًنا مكل ً‬
‫الرض وبناء الحضارة النسانية‪ .‬وليست هناك مسئولية دون‬
‫حرية ‪ ،‬حتى فى قضية اليمان والكفر التى جعلها الله مرتبطة‬
‫بمشيئة النسان )فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ( )‪.(3‬‬
‫وهكذا تشمل الحرية كل الحريات النسانية دينية كانت أم‬
‫سياسية أم فكرية أم مدنية‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ الحكم فى تعاليم السلم لبد أن يقوم على أساس من‬
‫العدل والشورى‪ .‬وقد أمر الله الناس فى القرآن بالعدل وألزمهم‬
‫بتطبيقه )إن الله يأمر بالعدل والحسان ( )‪) .(4‬وإذا حكمتم بين‬
‫الناس أن تحكموا بالعدل ( )‪ .(5‬واليات فى ذلك كثيرة‪ .‬أما‬
‫الشورى فهى مبدأ أساسى ملزم‪ .‬وكان النبى )يستشير أصحابه‬
‫فا لرأيه‪ .‬وأظهر مثل على ذلك‬ ‫ويأخذ برأى الغلبية وإن كان مخال ً‬
‫خروج المسلمين إلى غزوة ُأحد‪ .‬فقد كان الرسول يرى عدم‬
‫الخروج ‪ ،‬ولكن الكثرية كانت ترى الخروج‪ .‬فنزل على رأيهم‬

‫‪308‬‬
‫وخرج ‪ ،‬وكانت الهزيمة للمسلمين‪ .‬ومع ذلك شدد القرآن على‬
‫ضرورة الشورى فقال مخاطًبا النبى‪) :‬فاعف عنهم واستغفر لهم‬
‫وشاورهم فى المر ( )‪ .(6‬ول يلتفت فى هذا الصدد إلى رأى قلة‬
‫من الفقهاء الذين يزعمون أن الشورى غير ملزمة‪ .‬فهذا الزعم‬
‫مخالف للنصوص الدينية الصريحة‪.‬‬
‫وقد ترك السلم للمسلمين حرية اختيار الشكل الذى تكون عليه‬
‫قا للمصلحة العامة‪ .‬فإذا كانت المصلحة تقتضى أن‬ ‫الشورى طب ً‬
‫تكون الشورى بالشكل المعروف الن فى الدول الحديثة‬
‫فالسلم ل يعترض على ذلك‪ .‬وكل ما فى المر هو التطبيق‬
‫قا لظروف كل عصر وما يستجد من‬ ‫السليم مع المرونة طب ً‬
‫تطورات محلية أو دولية‪.‬‬
‫ومن ذلك يتضح مدى حرص السلم على حقوق النسان‬
‫وصيانتها ‪ ،‬وحرصه على التطبيق السليم لمبدأ الشورى أو‬
‫الديمقراطية بالمفهوم الحديث‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ السلم أتاح الفرصة لتعددية الراء ‪ ،‬وأباح الجتهاد حتى فى‬
‫القضايا الدينية طالما توافرت فى المجتهد شروط الجتهاد‪.‬‬
‫وجعل للمجتهد الذى يجتهد ويخطئ أجًرا وللذى يجتهد ويصيب‬
‫أجران‪ .‬والدارس لمذاهب الفقه السلمى المعروفة يجد بينها‬
‫خلًفا فى وجهات النظر فى العديد من القضايا‪ .‬ولم يقل أحد‪ :‬إن‬
‫ذلك غير مسموح به‪ .‬ومن هنا نجد أن السلم يتيح الفرصة أمام‬
‫الرأى الخر ليعبر عن وجهة نظره دون حرج مادام الجميع‬
‫يهدفون إلى ما فيه خير المجتمع والحفاظ على أمنه واستقراره‬
‫‪----**----‬‬
‫)‪ (1‬الحجرات‪.13 :‬‬
‫)‪ (2‬السراء‪.70 :‬‬
‫)‪ (3‬الكهف‪.29 :‬‬
‫)‪ (4‬النحل‪.90 :‬‬
‫)‪ (5‬النساء‪.58 :‬‬
‫)‪ (6‬آل عمران‪.159 :‬‬
‫========================‬
‫ل يوجد أى ضمان بالنجاة والخلص ودخول الجنة‬
‫نص الشبهه ‪-:‬‬
‫في السلم ل يوجد أى ضمان بالنجاة والخلص ودخول الجنة‬
‫وهذا أمر مرعب حقا ً أن عيش النسان بل ضمان للنجاة‪ .‬أن‬
‫عيش حياته ول يدري هل عمل من العمال الصالحة ما يكفي‬
‫لخلصه يوم القيامة ول يدري هل صلي بما فيه الكفاية أم ل‬
‫الرد على الشبهه ‪-:‬‬

‫‪309‬‬
‫بالنسبه لوجود الضمانات من عدمها فأن حياة الشخص ستكون‬
‫رديئة شنيعة على حد تعبيرك إذا لم يكن لديه ضمان بالجنة‬
‫ن سوء التصور هو الذي يوصل إلى هذه النتيجة ‪ ،‬ولو‬ ‫فالجواب أ ّ‬
‫ل شخص عنده ضمان بالجنة لكانت مصيبة‬ ‫أّنك قلت ‪ :‬لو كان ك ّ‬
‫ل محظور بهذا‬ ‫ل حرام ويرتكب ك ّ‬ ‫عظيمة إذ أّنه سيفعل ك ّ‬
‫الضمان ‪ ،‬وكثيرا ما يفعل المجرمون من اليهود والنصارى ما‬
‫يفعلون اعتمادا على ذلك الضمان الباطل وصكوك الغفران‬
‫صفح من الرهبان ‪ ،‬وقد أخبرنا ربنا عن هؤلء بقوله ‪) :‬‬ ‫وطلبات ال ّ‬
‫َ‬ ‫صاَرى ت ِل ْ َ‬ ‫َ‬
‫م قُ ْ‬
‫ل‬ ‫مان ِي ّهُ ْ‬ ‫كأ َ‬ ‫دا أوْ ن َ َ‬ ‫هو ً‬ ‫ن ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِإل َ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬ ‫وََقاُلوا ل َ ْ‬
‫ن)‪ (111‬سورة البقرة ‪.‬‬ ‫صاد ِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫هان َك ُ ْ‬ ‫هاُتوا ب ُْر َ‬ ‫َ‬
‫وقضية الجّنة عندنا نحن المسلمين ليست بأهوائنا ول بأهواء‬
‫غيرنا كما قال ربنا ‪ ) :‬ل َيس بأ َمان ِيك ُم ول أ َمان ِ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫ي أهْ ِ‬ ‫َ ّ‬ ‫ْ َ ِ َ ّ ْ َ‬
‫صيًرا)‪(123‬‬ ‫ن اللهِ وَل ِّيا َول ن َ ِ‬ ‫ّ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫جد ْ ل َ ُ‬ ‫جَز ب ِهِ َول ي َ ِ‬ ‫سوءا ً ي ُ ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ي َعْ َ‬
‫سورة النساء (‪،‬‬
‫وإليك فيما يلي نبذة مختصرة في العتقاد السلمي بشأن ضمان‬
‫المصير ‪-:‬‬
‫يقدم السلم ضمانا لكل مسلم مخلص مطيع لله حتى يموت‬
‫على ذلك بأنه سيدخل الجنة قطعا وجزما ‪ .‬قال الله تعالى في‬
‫خل ُهُ ْ‬
‫م‬ ‫سن ُد ْ ِ‬ ‫ت َ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَع َ ِ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫محكم تنزيله ‪َ )** :‬وال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫حت َِها ال َن َْهاُر َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫قا وَ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫دا وَع ْد َ الل ّهِ َ‬ ‫ن ِفيَها أب َ ً‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫َ‬
‫ن الل ّهِ ِقيل )‪ (122‬سورة النساء(‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫صد َقُ ِ‬ ‫أ ْ‬
‫ت ل َهُ ْ‬
‫م‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَع َ ِ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫**وقال تعالى ‪ ) :‬وَع َد َ الل ّ ُ‬
‫م )‪ (9‬سورة المائدة ‪.‬‬ ‫َ‬
‫ظي ٌ‬‫جٌر ع َ ِ‬ ‫فَرة ٌ وَأ ْ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ب ِإن ُ‬ ‫عَباد َه ُ ِبال ْغَي ْ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ال ِّتي وَع َد َ الّر ْ‬ ‫ت ع َد ْ ٍ‬ ‫جّنا ِ‬ ‫**وقال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫مأ ْت ِّيا)‪ (61‬سورة مريم ‪،‬‬ ‫ن وَع ْد ُه ُ َ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ل أ َذ َل ِ َ‬
‫ت‬‫كان َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫قو َ‬ ‫مت ّ ُ‬ ‫عد َ ا ل ْ ُ‬ ‫خل ْد ِ ال ِّتي وُ ِ‬ ‫ة ال ْ ُ‬ ‫جن ّ ُ‬‫م َ‬ ‫خي ٌْر أ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫** وقال ‪ ) :‬قُ ْ‬
‫صيًرا)‪ (15‬سورة الفرقان ‪،‬‬ ‫م ِ‬ ‫جَزاًء وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫ف‬ ‫ن فَوْقَِها غ َُر ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م غ َُر ٌ‬ ‫م ل َهُ ْ‬ ‫وا َرب ّهُ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫**وقال ‪ ) :‬ل َك ِ‬
‫ميَعاد َ )‪(20‬‬ ‫ه ال ْ ِ‬ ‫ف الل ّ ُ‬ ‫خل ِ ُ‬ ‫حت َِها ال َن َْهاُر وَع ْد َ الل ّهِ ل ي ُ ْ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ة تَ ْ‬ ‫مْبني ّ ٌ‬ ‫َ‬
‫سورة الزمر ‪،‬‬
‫وكذلك يضمن السلم للكافر المعرض عن أمر الله عز وجل بأنه‬
‫سيدخل النار قطعا وجزما ‪،‬‬
‫فاَر َناَر‬ ‫ت َوال ْك ُ ّ‬ ‫قا ِ‬ ‫مَنافِ َ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫** قال تعالى ‪ ) :‬وَع َد َ الل ّ ُ‬
‫م)‬ ‫قي ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ب ُ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ه وَل َهُ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫م وَل َعَن َهُ ُ‬ ‫سب ُهُ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫ي َ‬ ‫ن ِفيَها ه ِ َ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫َ‬
‫‪ (68‬سورة التوبة ‪،‬‬

‫‪310‬‬
‫م‬‫ضى ع َل َي ْهِ ْ‬ ‫ق َ‬ ‫م ل يُ ْ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫م َناُر َ‬ ‫فُروا ل َهُ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫** وقال سبحانه ‪َ ) :‬وال ّ ِ‬
‫فوٍر)‪(36‬‬ ‫ل كَ ُ‬ ‫زي ك ُ ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫ك نَ ْ‬ ‫ذاب َِها ك َذ َل ِ َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ف ع َن ْهُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫خ ّ‬
‫موُتوا َول ي ُ َ‬ ‫فَي َ ُ‬
‫سورة فاطر ‪،‬‬
‫ّ‬
‫م الِتي ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫جهَن ّ ُ‬‫دين ‪ ) :‬هَذ ِهِ َ‬ ‫**وقال تعالى عن الكافرين يوم ال ّ‬
‫ن)‪ (64‬سورة يس ‪.‬‬ ‫فُرو َ‬ ‫م ت َك ْ ُ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ها ال ْي َوْ َ‬ ‫صل َوْ َ‬‫ن)‪(63‬ا ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ُتوع َ ُ‬
‫عد الله ل يتخّلف مع الفريقين كما ذكر عن حالهما بعد انتهاء‬ ‫فو ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫جد َْنا َ‬ ‫ن قَد ْ وَ َ‬ ‫ب الّنارِ أ ْ‬ ‫حا َ‬ ‫ص َ‬ ‫جن ّةِ أ ْ‬ ‫ب ال َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫دى أ ْ‬ ‫يوم القيامة ‪ ) :‬وََنا َ‬
‫َ‬
‫م فَأذ ّ َ‬
‫ن‬ ‫قا َقاُلوا ن َعَ ْ‬ ‫ح ّ‬‫م َ‬ ‫ما وَع َد َ َرب ّك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫جد ْت ُ ْ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫قا فَهَ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫وَع َد ََنا َرب َّنا َ‬
‫ة الل ّهِ ع ََلى ال ّ‬ ‫ن ل َعْن َ ُ‬ ‫َ‬
‫ن)‪ (44‬سورة العراف ‪،‬‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫مؤ َذ ّ ٌ‬
‫ن ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ُ‬
‫ل من آمن وعمل صالحا ومات على ذلك يدخل قطعا الجنة ‪،‬‬ ‫فك ّ‬
‫ل من كفر وعمل السيئات ومات على ذلك يدخل الّنار قطعا ‪،‬‬ ‫وك ّ‬
‫م إن من قواعد السلم العظيمة ان يعيش المؤمن بين الخوف‬ ‫ث ّ‬
‫م إنه ل يدري على‬ ‫والّرجاء فل يحكم لنفسه بالجنة لّنه سيغتّر ث ّ‬
‫ن ذلك قنوط‬ ‫أيّ شيء سيموت ‪ ،‬ول يحكم على نفسه بالّنار ل ّ‬
‫صالحات ويرجو أن‬ ‫من رحمة الله ويأس محّرم ‪ ،‬فهو يعمل ال ّ‬
‫يثيبه الله عليها ويجتنب السيئات خوفا من عقاب الله ‪ ،‬ولو أذنب‬
‫فإنه يتوب لينال المغفرة ويتقي بتوبته عذاب الّنار والله يغفر‬
‫دمه من‬ ‫ذنوب ويتوب على من تاب ‪ ،‬وإذا خاف المؤمن أن ما ق ّ‬ ‫ال ّ‬
‫العمل ل يكفي على حد تعبيرك زاد في العمل خوفا ورجاء ‪.‬‬
‫دم من أعمال صالحة فإّنه ل يركن إليها ول يغتّر فيهلك‬ ‫ومهما ق ّ‬
‫بل يعمل ويرجو الثواب ‪،‬‬
‫وفي الوقت ذاته يخشى على عمله من الرياء والُعجب والحبوط‬
‫وا‬
‫ما ءات َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ي ُؤ ُْتو َ‬ ‫ذي َ‬‫كما قال الله تعالى في وصف المؤمنين ‪َ ) :‬وال ّ ِ‬
‫وقُُلوبهم وجل َ ٌ َ‬
‫ن)‪، (60‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫م َرا ِ‬ ‫م إ َِلى َرب ّهِ ْ‬ ‫ة أن ّهُ ْ‬ ‫ُُ ْ َ ِ‬ ‫َ‬
‫فهكذا يبقى المؤمن يعمل ويرجو ويخاف إلى أن يلقى الله على‬
‫ب وجّنته ‪ ،‬ولو أّنك‬ ‫صالحات فيفوز برضى الر ّ‬ ‫التوحيد وعمل ال ّ‬
‫صحيحة للعمل ‪،‬‬ ‫ن هذه هي الدوافع ال ّ‬ ‫تمعنت في المر لعلمت أ ّ‬
‫ن الستقامة في الحياة ل تحصل إل ّ بهذا ‪.‬‬ ‫وأ ّ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ‬
‫المصدر ‪-:‬‬
‫)‪ (1‬موقع صيد الفوائد‬
‫)‪ (2‬الشيخ محمد صالح المنجد )‪(www.islam-qa.com‬‬
‫========================‬
‫ما هي فائدة الصلة و الدعاء إلى الله‬
‫يقول الديب ))مختار عبد القادر الفيل (( الطالب بكلية الداب ‪:‬‬
‫)) ‪ ..‬إني أؤمن بالله إيمانا ً قويا ً ‪ ,‬و أؤدي فرائض السلم ‪ ,‬و‬
‫لكني أوجه السؤال إليكم لرغبتي في المزيد من المعرفة عن‬

‫‪311‬‬
‫أمور إسلمنا و أسأل ‪ :‬ما هي فائدة الصلة و الدعاء إلى الله ‪ ,‬و‬
‫إنني لعلم أن الصلة رياضة و ثقافة و صلة وثيقة بالله ‪ ,‬و علقة‬
‫وثيقة لتقوية العطف بين الناس و بث روح التعاون بينهم‬
‫لجتماعهم في بيت الله ‪ .‬و لكن كيف نفهم الدعاء إلى الله طلبا ً‬
‫لشيء من الشياء ؟ فإن هذا الطلب إما أن يكون مطابقا ً لرادة‬
‫الله الثابتة فل فائدة فيه ‪ ,‬و إما أن يكون مخالفا ً للرادة اللهية‬
‫فل فائدة فيه كذلك ‪ ,‬و ل يفعل سبحانه و تعالى غير العدل ‪,‬‬
‫فليس ثمة ما يدعو إلى مطالبته لننا في هذه الحالة كمن ينزله‬
‫منزلة الحاكم الذي يقضي بقضاء ‪ ,‬ثم يعدل عنه بعد التزلف و‬
‫الستعطاف ‪ ...‬و أرجو أن أقرأ رد سيادتكم لعلم قبل كل شيء‬
‫هل يحرم علينا الدين أن نبحث في هذه المور ؟ ((‬
‫و أقول للطالب أنه أحسن فهم الصلة كما أحسن و صفها حين‬
‫قال أنها رياضة وصلة وثيقة بالله ‪ ,‬و إن المر الذي أشكل عليه‬
‫في فهم صلوات الدعاء قد أشكل على كثيرين ‪ ,‬و ورد عليهم‬
‫الشكال فيه على صور كثيرة بين جميع المتدينين في العصر‬
‫الحديث من المسلمين و غير المسلمين ‪ ..‬فحسب فريق منهم‬
‫أن القول بجدوى الصلة يناقض القول بالسنن اللهية و القوانين‬
‫الطبيعية التي أودعها الله طبائع الشياء و بنى عليها نظام الكون‬
‫كله و حسب فريق منهم – كما قال الطالب الديب – أن تنزيه‬
‫الله سبحانه و تعالى عن تبديل كلماته و تعديل قضائه يوجب‬
‫على النسان أن يتورع عن الطلب الذي يسأله فيه العدول عن‬
‫قضاء قضاه ‪.‬‬
‫و من كبار علماء الطبيعة الغربيين أناس تصدوا للرد على هذا‬
‫العتراض و أجابوا عن أسئلته جوابا ً يوافق إيمانهم بالله و‬
‫إيمانهم بالعلوم الطبيعية على السواء ‪ .‬وقد فرغ أحدهم لهذا‬
‫البحث ‪ -‬و هو الطبيب الجراح الكبير الكسيس كاريل ‪- Carrel‬‬
‫فكتب في رسالة خاصة أجمل فيها صفوة تجاربه العلمية و جعلها‬
‫جوابا ً على قول فريديريك نيتشه ))إنه لشيء مخجل أن يبتهل‬
‫النسان بالصلة (( ‪..‬‬
‫فكان من مقرراته في هذه الرسالة أن نفع الصلة قد ثبت له –‬
‫علميا ً – كما تثبت التجارب الطبيعية ‪ ,‬و أنه ل فرق في هذا بين‬
‫صلة النسان لنفسه أو صلته لغيره ما دام صادق النية صادق‬
‫الطلب في لحالتين ‪ .‬و أحد هؤلء العلماء الكبار – اوليفر لودج –‬
‫و هو من أشهر علماء الرياضة و الطبيعة يرد على القائلين‬
‫بمخالفة الصلة لسنن الكونية فيقول ‪:‬‬
‫))إنهم يتوهمون ذلك لنهم يحكمون على الصلة حكمهم على‬
‫ظاهرة طبيعية خارجة من حدود الكون ‪ .‬و لكنها في الواقع‬

‫‪312‬‬
‫ظاهرة كونية يحسب حسابها في أعمال الكون كما يحسب‬
‫حسابها في سائر الحوادث التي تقع في حياتنا بغير صلة ‪ ..‬و إذا‬
‫كانت الصلة تربية نفسية فلماذا يحسب المعترضون أن هذه‬
‫التربية ليست سببا ً لتحقيق بعض الحوادث كما تسببها كل تربية‬
‫يتم بها استعداد النسان لغاية من الغايات ؟ (( ‪.‬‬
‫و الواقع التاريخي عن الصلة – بمعنى الدعاء إلى الله – أنها‬
‫ظاهرة روحية تعرف بالديانات العليا ‪ ,‬و ل تعرف بالديانات‬
‫البدائية على هذا المعنى ‪.‬‬
‫فهي نتيجة لترقي النسان في فهم وحدة الكون ووحدة القوة‬
‫اللهية التي تقوم بتدبيره ‪ ,‬و لهذا تعرف في أديان الموحدين و‬
‫المتحضرين ‪ ,‬و لم تكن معروفة على هذا النحو بين الهمج الولين‬
‫الذين يعددون الرباب ‪ ,‬و يوزعونها بين عناصر الطبيعة في‬
‫الرض و السماء ‪ ,‬و يطلبون من كل منها ما يقدر عليه و ل يقدر‬
‫علي غيره ‪ ,‬و يجعلون صلتهم من قبيل المساومة على تبادل‬
‫المنفعة لعتقادهم أن أربابهم تحتاج إلى دعواتهم و قرابينهم كما‬
‫يحتاجون هم إلى نعمها و عطاياها ‪ .‬و قد بقيت من هذا السلوب‬
‫في الصلة بقية مشهودة بين الجهلء الذين يساومون الولياء‬
‫على الشموع و الذبائح إذا استجابوا لما يدعونهم إليه من إغاثة‬
‫الملهوف ‪ ,‬ورد المفقود ‪ ,‬و تحقيق الغرض المأمول و لو لم يكن‬
‫من الغراض التي تحسن بالولياء ‪.‬‬
‫فالصلة في الديان العليا علمة من علمات التقدم النساني في‬
‫فهم حقائق الكون و فهم الصفات اللهية ‪ ,‬و ل قوام لدين من‬
‫الديان بغير اليمان بالصلة على معنى الطلب و الدعاء ‪ ,‬مع‬
‫اليمان برياضتها الروحية و صلتها الوثيقة التي تربط عالم‬
‫الشهادة بعالم الغيب ‪ ,‬و تجعل وجود الله حقيقة أعلى من‬
‫حقيقة النواميس أو حقيقة الحوادث الكونية التي تهم النسان‬
‫في مطالب معيشته ‪ ,‬كما تهمه في مطالب ضميره ‪.‬‬
‫فل الدين و ل العلم يقضيان على النسان أن ينكر حقيقة‬
‫النواميس الطبيعية ‪ ,‬و لكن وجود الله قائم في ضمائرنا على‬
‫إيماننا بأن النواميس الطبيعية وحدها ل تغني النسان عن‬
‫التصال بخالقها ‪ ,‬لن وجود النواميس ل يلغي عمل الله ‪ ,‬و ل‬
‫يعني أن التصال به و النقطاع عنه سواء ‪ .‬و الذين يفهمون أن‬
‫نواميس الطبيعة واقع مفروغ منه يخالفون العلم و الفلسفة و‬
‫ليس قصاراهم أنهم ينكرون الرادة اللهية من ورائها‬
‫فمن المقررات العلمية المشهودة التي اشتهرت حديثا ً باسم‬
‫نظرية هيزنبرج ))‪ ((Heisenberg‬أن العلم ل يستطيع أن يعرف‬
‫مقدما ً كيف يتصرف كهرب واحد من كهارب الجسام المادية ‪ ,‬و‬

‫‪313‬‬
‫أن الذي نعرفه من ذلك إنما هو حكم الجملة يستحيل تطبيقه‬
‫على الجزاء المتفرقة ‪ ,‬و من المشاهد التي يقربون بها هذا‬
‫الرأي تقدير شركات التأمين لحوادث السيارات في البلد الواحد‬
‫و السنة الواحدة ‪ ,‬فإنهم يحسبون الحساب لصابة عشرين‬
‫سيارة من كل ألف سيارة – مثل ً – فيصدق هذا التقرير و تنتظم‬
‫عليه موارد الشركة و مصاريفها ‪ ,‬و لكن أخبر الخبراء في‬
‫الشركة لو سِئل أن يدل على هذه السيارات العشرين أو بعضها‬
‫لما استطاع ‪.‬‬
‫و العلماء الذين يعتقدون أن النواميس الكونية مسألة قديمة‬
‫حصلت و فرغ المر منها يتمثلون الكون كأنه مكنة صنعت و‬
‫أرسلت في طريقها و انقطعت عوامل التكوين فيها ‪ ,‬و لكن هذا‬
‫العتقاد ضرب من التصور ل يولفقه عليه كثير من العلماء و‬
‫المفكرين ‪ ,‬و من هؤلء المفكرين من يقول – كما قال بيرس‬
‫‪ - Pierce‬إن المصادفات قد تكون اليوم قوانين في دور التكوين و‬
‫ليس شذوذا ً عن قوانين مبرمة منذ الزل ‪ ,‬و إن القوانين قد‬
‫تكون مصادفات تكررت على وتيرة واحدة و لكنها ل يرتبط‬
‫بعضها ببعض ارتباط السباب بالمسببات ‪..‬‬
‫و مذهب بيرس هذا مطابق لقول الحكيم السلمي أبي حامد‬
‫الغزالي ‪ ,‬و مطابق للجماع الذي انعقدت عليه آراء المحدثين ‪,‬‬
‫فإنهم يقولون إن التجارب العلمية إنما هي تجارب وصفية تسجل‬
‫الواقع كما يتكرر أمام المجربين ‪ ,‬و لكنها ليست بالتفسيرات‬
‫التي تعلل السباب بعلة محققة غير علة التكرار و الستمرار ‪.‬‬
‫و من المثلة القديمة التي تضرب لتقريب هذا الرأي أن الديكة‬
‫تصيح قبل طلوع الشم أبدا ً و ليست هي علة طلوعها ‪ ,‬و أن‬
‫جرس القطار يدق قبل وصوله و ليس هو سبب الوصول ‪ ,‬و أن‬
‫ضوء القذيفة يرى عند انفجارها قبل سماع صوتها و ل علقة بين‬
‫سبب الرؤية وسبب السماع ‪ .‬و أيا ً كان الرأي في السببية عن‬
‫ك فيها أن قوانين‬ ‫علماء العصر الحديث فالقول الفصل الذي ل ش ّ‬
‫الطبيعة لم تحصر جميع عواملها ‪ ,‬و أن الحصر الذي وصلنا إليه‬
‫قد يعين على تقدير الحوادث المترتبة عليها بالجمال ‪ ,‬و ل يعتمد‬
‫عليه في تقدير حادثة واحدة بغير الظن و التقريب ‪.‬‬
‫فإذا نظرنا إلى التقدير العلمي فالباب مفتوح في الكون للعوامل‬
‫التي ل تحصرها ضوابط القوانين و النواميس ‪ .‬و إذا نظرنا إلى‬
‫التقدير الديني فالله تعالى فّعال لما يريد و الخلق ))عملية‬
‫مستمرة(( و ليس بالعملية اللية التي فرغت منها العناية اللهية ‪,‬‬
‫و تركتها همل ً بغير تبديل ‪ .‬و سنة الله ل تبديل لها حقا ً و لكننا ل‬
‫نعلم من سنة الله إل ما نهتدي إليه بعقولنا و هداية الله ‪ .‬و قد‬

‫‪314‬‬
‫تكون سنة الله في نصيب النسان موقوفة على تربية نفسية‬
‫تحققها الصلة ‪ ,‬و قد تكون هذه التربية النفسية سببا ًَ مشروطا ً‬
‫للسنة اللهية ل يجوز للمؤمن تعطيله ‪ ,‬أو ل يجوز له أن يدعي‬
‫القضاء فيه باسم الله ‪.‬‬
‫و الطالب الديب يرى للمسألة وجهين ل ثالث لهما من وجوه‬
‫البحث في فائدة الصلة ‪ .‬فإما أن يكون الطلب موافقا ً للرادة‬
‫اللهية فهو محقق بغير طلب ‪ ,‬و إما أن يكون مخالفا ً للرادة‬
‫اللهية فل معنى لطلبه ‪ ,‬لن الله يتنزه عن تغيير إرادته كما يغير‬
‫الحاكم قضاءه بالملق و الستعطاف ‪.‬‬
‫و لكن مسألة الصلة ل تنحصر في وجه من هذين الوجهين ‪ ,‬لننا‬
‫يجب أن نذكر – أول ً و آخرا ً – أن إرادة الله متمثلة في طبيعة‬
‫النسان و أن من طبيعة النسان أن تطلب الغوث عند الحاجة‬
‫إليه ‪ ,‬و أن طلبه من غير الله عبث مع اليمان بوجود الله القادر‬
‫على كل شيء ‪ ,‬فإذا اندفعت طبيعة النسان إلى طلب الغوث‬
‫من الله فمن أين له إذا قمع من هذه الطبيعة أنه ل يخالف إرادة‬
‫الله و من أين له الستجابة و هي كل ما يرجى من الدعاء ؟ من‬
‫أين له أن الدعاء نفسه ليس هو سبيل التصال بالله من جانب‬
‫النسان ‪ ,‬لنه في ذاته عمل من أعمال النفس التي تدل على‬
‫سجية من سجاياه و إن لم يكن لها جواب ‪.‬‬
‫و نعود إلى رأي الرياضي الكبير اوليفر لودج لن الرياضيين من‬
‫أقدر الناس على فرض الفروض التي تحل المجهولت ‪ ,‬فتقول ‪:‬‬
‫لماذا نحسب الصلة خارقة للنواميس الكونية و هي ظاهرة كونية‬
‫كسائر الظواهر التي تحدث كل يوم في هذا الكون ؟‬
‫و ليكن الطالب الديب على يقين أن سؤاله عن نفع الصلة ل‬
‫يمتنع في الدين السلمي بل يجب عليه وجوب التفكير ووجوب‬
‫سؤال أهل الذكر ‪ ,‬و كلهما فريضة من فرائض السلم ‪ ,‬و لكن‬
‫لمسألة الصلة – كما قلنا – وجها ً آخر ل ضير من السؤال عنه إذا‬
‫كان السؤال عنه هو جوابه المريح ‪ :‬أل يجوز للنسان أن يكشف‬
‫عن ذات نفسه أمام الله إل أن يعلق هذه المكاشفة مقدما ً‬
‫بالجواب ؟‬
‫الستاذ عباس محمود العقاد‬
‫كتاب ما يقال عن السلم‬
‫ص ‪224-219‬‬
‫=====================‬
‫ما موقف السلم من الفنون ؟‬
‫المصدر ‪ :‬وزارة الوقاف المصرية‬
‫الرد على الشبهة‪-:‬‬

‫‪315‬‬
‫‪ 1‬ـ السلم دين يحب الجمال ويدعو إليه فى كل شىء‪ .‬والنبى‬
‫صلى الله عليه وسلم يقول‪ ] :‬إن الله جميل يحب الجمال [ )‪.(1‬‬
‫والفن هو فى حقيقته إبداع جمالى ل يعاديه السلم‪ .‬وغاية ما فى‬
‫المر أن السلم يجعل الولوية للمبدأ الخلقى على المبدأ‬
‫الجمالى ‪ ،‬بمعنى أنه يجعل الثانى مترتًبا على الول ومرتب ً‬
‫طا به‪.‬‬
‫وهذا هو الموقف المبدئى للسلم إزاء جميع أشكال الفنون‪.‬‬
‫وهناك معيار إسلمى للحكم على أى فن من الفنون يتمثل فى‬
‫سُنه حسن وقبيحه قبيح‪ .‬والقرآن الكريم فى‬ ‫ح َ‬
‫قاعدة تقول‪َ :‬‬
‫العديد من آياته يلفت النظار إلى ما فى الكون من تناسق وإبداع‬
‫وإتقان ‪ ،‬وما يتضمنه ذلك من جمال وبهجة وسرور للناظرين )‬
‫‪ .(2‬ومن هنا ل يعقل أن يرفض السلم الفن إذا كان جمي ً‬
‫ل‪.‬‬
‫أما إذا اشتمل على القبح بما يعنيه ذلك من قبح مادى ومعنوى‬
‫فإن السلم يرفضه ول يوافق عليه‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ وترتيًبا على ما تقدم فإن الفن إذا كان هدفه المتعة الذهنية ‪،‬‬
‫وترقيق الشعور ‪ ،‬وتهذيب الحاسيس‪ ،‬فل اعتراض عليه‪ .‬ولكن‬
‫إذا خرج عن ذلك وخاطب الغرائز الدنيا فى النسان ‪ ،‬وخرج عن‬
‫أن يكون فّنا هادًفا فإنه حينئذ ل يساعد على بناء الحياة ‪ ،‬بل‬
‫عا‬
‫يعمل على هدمها ‪ ،‬وبذلك يخرج عن أن يكون فّنا ‪ ،‬بل يصير نو ً‬
‫من اللهو المذموم والعبث المرفوض‪ .‬وهذا أمر ل يقره السلم‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ إذا كانت الموسيقى والغناء تحمل إلينا ألحاًنا جميلة وكلمات‬
‫ما راقية ‪ ،‬وأصواًتا جميلة ‪ ،‬فذلك ل يرفضه السلم‬ ‫مهذبة وأنغا ً‬
‫طالما كان فى إطار المبدأ الخلقى ‪ ،‬أى طالما كان هدف الفن‬
‫هو السمو بالنسان وبأحاسيسه ووجدانه ومشاعره‪ .‬وقد امتدح‬
‫النبى صلى الله عليه وسلم صوت أبى موسى الشعرى‬
‫ـ وكان صوته جميل ً ـ وهو يتغنى بالقرآن‪ .‬وكان النبى يختار من‬
‫بين أصحابه للذان أجملهم صوًتا‪ .‬وقد سمع النبى صلى الله عليه‬
‫وسلم صوت الدف دون تحرج‪ .‬وفى يوم عيد دخل أبو بكر على‬
‫ابنته عائشة زوجة الرسول ولديها جاريتان تغنيان وتضربان‬
‫بالدفوف فاعترض أبو بكر على ذلك‪ .‬ولكن النبى صلى الله عليه‬
‫وسلم رفض ما أبداه أبو بكر من احتجاج فى هذا الصدد قائ ً‬
‫ل‪:‬‬
‫] دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد [ )‪ .(3‬وقد أوصى النبى صلى‬
‫الله عليه وسلم نفسه السيدة عائشة أن ترسل من يغنى فى‬
‫حفل زفاف قريبة لها ُزفت إلى رجل من النصار‪ .‬وهناك مرويات‬
‫أخرى عديدة عن النبى صلى الله عليه وسلم تبين أن الغناء‬
‫والموسيقى ليسا من المحرمات فى السلم ما لم يصحبهما‬
‫أمور منكرة غير أخلقية )‪.(4‬‬

‫‪316‬‬
‫‪ 4‬ـ أما الرقص‪ :‬فالسلم يفرق فيه بين رقص المرأة ورقص‬
‫الرجل‪ .‬فالرقصات الشعبية التى يؤديها الرجال مثل ً ل ضير فيها ‪،‬‬
‫وقد سمح النبى صلى الله عليه وسلم للسيدة عائشة بمشاهدة‬
‫الحباش وهم يرقصون فى يوم عيد‪ .‬ورقص المرأة أمام النساء‬
‫ل حرج فيه‪ .‬أما رقصها أمام الرجال فذلك ل يقره السلم لما‬
‫فيه من محاذيركثيرة‪.‬‬
‫ما مادام فى إطار المبدأ الخلقى ‪،‬‬ ‫‪ 5‬ـ أما التمثيل فإنه ليس حرا ً‬
‫ول ينكر أحد ما للتمثيل الهادف مدور فعال فى معالجة الكثير من‬
‫المشكلت والقضاء على العديد من السلبيات فى المجتمع‪ .‬ول‬
‫ضا أن يشتمل التمثيل على ألوان من اللهو البرئ‬ ‫حرج أي ً‬
‫والترويح المقبول والترفيه الذى ل يخرج عن نطاق المعقول‪.‬‬
‫وكذلك التصوير ل ضير فيه ‪ ،‬بل أصبح فى حياتنا المعاصرة يمثل‬
‫فى أحيان كثيرة ضرورةل غنى عنها‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ أما النحت أو التماثيل المجسمة فهناك نصوص واضحة فى‬
‫تحريمها‪ .‬ويرجع السبب فى تحريم السلم لذلك بالدرجة الولى‬
‫إلى ما يخشى من توقير هذه التماثيل أو عبادتها كما كان يفعل‬
‫دا على الطلق نظًرا‬ ‫ما‪ .‬إذا لم يكن ذلك وار ً‬ ‫عباد الصنام قدي ً‬
‫لرتفاع درجة الوعى لدى الناس فل ضرر منه ول حرج فيه انعدام‬
‫سبب التحريم‪ .‬غير أن السلم من باب سد الذرائع ل يريد أن‬
‫يفتح هذا الباب لما يمكن أن يترتب ليه من محاذير فى أزمنة‬
‫مستقبلية‪ .‬فالسلم يشرع لكل الجيال ولمختلف العصور‪ .‬وما‬
‫يستبعد فى بيئه قبل فى أخرى ‪ ،‬وما يعتبر مستحيل ً فى عصر قد‬
‫يصبح حقيقة واقعة فى عصر آخر قريب‬
‫أو بعيد‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ‬
‫المصادر‬
‫)‪ (1‬رواه مسلم فى كتاب اليمان‪.‬‬
‫)‪ (2‬انظر‪ :‬الحجر‪ ، 16 :‬النحل‪ ، 6 :‬فصلت‪.12 :‬‬
‫)‪ (3‬متفق عليه‪.‬‬
‫)‪ (4‬راجع‪ :‬الحلل والحرام فى السلم للدكتور القرضاوى ص‬
‫‪ 291‬وما بعدها ـ الدوحة ‪ ،‬قطر ‪1978‬م‪ ،‬والشيخ محمد الغزالى‪:‬‬
‫مائة سؤال عن السلم ج ‪ 1‬ص ‪ 174‬وما بعدها‪.‬‬
‫===================‬
‫من الذي أحرق مكتبة السكندرية ؟؟‬
‫من التهامات الشائعة التى ُيرمى بها السلم والمسلمون هو‬
‫إحراق عمرو بن العاص لمكتبة السكندرية‪ .‬ويستشهدون ببعض‬

‫‪317‬‬
‫النصوص التى ذكرت فى بعض المراجع التاريخية التى كتبها بعض‬
‫المؤرخين من المسلمين والنصارى‪.‬‬
‫وحجتهم فى ذلك ما كتبه عبد اللطيف البغدادى ) ‪ 1231‬م ( فى‬
‫كتابه “الفادة والعتبار فى المور المشاهدة والحوادث المعاينة‬
‫بأرض مصر” ‪ ،‬والمقريزى يكاد ينقل ماذكره البغدادى حرفيا ً ‪،‬‬
‫وكذلك ابن القفطى ) ‪ 1248‬م ( فى كتابه “أخيار العلماء بأخبار‬
‫الحكماء” ‪ ،‬وكذلك الكاتب النصرانى أبا الفرج الملطى ) ‪1277‬‬
‫م ( فى كتابه “مختصر الدول”‪.‬‬
‫‪ -‬من المعروف أن عمرو بن العاص قد فتح مصر عام ‪ 642‬م‪،‬‬
‫وقد تلحظ من التواريخ أعله أن أول من كتب عن هذا هو عبد‬
‫اللطيف البغدادى بعد الفتح بزمن يبلغ تقريبا ً ‪ 600‬عام‪ .‬أضف‬
‫إلى ذلك أن المؤرخين الذين سبقوه لم يشيروا إلى هذه التهمة‬
‫أية إشارة مع أنهم قد تكلموا فى كتبهم بإسهاب عن الفتح‬
‫العربى لمصر‪ .‬ومن هؤلء المؤرخين سعيد بن البطريق ) ‪ 905‬م‬
‫( تقريبا ً والطبرى واليعقوبى والبلذرى وابن عبد الحكم والكندى‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫أضف إلى ذلك أن الكتاب فى القرنين السابقين للفتح العربى لم‬
‫يذكروا شيئا ً عن وجود مكتبة عامة فى السكندرية‪ ،‬وكذلك لم‬
‫يشر إليها حنا النقيوس ول إلى إحراقها مع أنه كتب عن الفتح‬
‫العربى‪.‬‬
‫‪ -‬أك ّد َ لوبون جوستاف فى كتابه “حضارة العرب” المطبوع عام‬
‫‪ 1884‬بباريس )صفحة ‪ :( 208‬أن المكتبة لم تكن موجودة عند‬
‫الفتح العربى ‪ ،‬إذ كانت قد ُأحرَِقت عام ‪ 48‬ق ‪ .‬م عند مجىء‬
‫يوليوس قيصر إلى السكندرية‪.‬‬
‫وهذا ما أكده بطلر فى كتابه “فتح العرب لمصر” صفحة ‪- 303‬‬
‫‪ 307‬وأضاف أن يوليوس قيصر كان محصورا ً سنة ‪ 48‬ق ‪ .‬م فى‬
‫حى البروكيون يحيط به المصريون من كل جانب تحت قيادة‬
‫أخيلس ‪ ،‬فأحرق السفن التى فى الميناء لقطع خط الرجعة على‬
‫يوليوس وقيل إن النيران امتدت إلى المكتبة )يقصد هنا مكتبة‬
‫المتحف أو المكتبة الم( وأحرقت المكتبة وأفنتها أو قد فنيت‬
‫تماما ً فى القرن الرابع الميلدى‪.‬‬
‫ل‪ :‬أما المكتبة الوليدة التى قامت فى‬ ‫ويواصل بطلر دفاعه قائ ً‬
‫السيرابيوم فإنها كانت فى حجرات متصلة ببناء معبد السيرابيوم‬
‫وقد أحرق هذا المعبد فى عهد تيودوسيوس عام ‪ 391‬م على يد‬
‫المسيحيين الذين كان يقودهم رئيسهم تيوفيلوس‪.‬‬

‫‪318‬‬
‫‪ -‬أك ّد َ جيبون فى كتابه “إضمحلل وسقوط المبراطورية‬
‫ُ‬
‫الرومانية” الجزء التاسع )صفحة ‪ :( 275‬أن المكتبة قد أحرَِقت‬
‫عام ‪ 395 - 387‬م فى عهد تيودوسيوس‪.‬‬
‫وقد يدل على صدق هذه القوال أن أحد الرحالة الرومان واسمه‬
‫أورازيوس قد زار مصر فى أوائل القرن الخامس الميلدى وكتب‬
‫عنها سنة ‪ 416‬م وذكر أنه لم يجد سوى رفوف خالية من الكتب‬
‫فى هذه المكتبة‪.‬‬
‫ذكر جرجى زيدان فى جزئه الثالث من كتابه التمدن السلمى‬
‫)صفحة ‪ (43 – 42‬نقل ً عن أبى الفرج الملطى )النصرانى( –‬
‫وهذا مانقله المقريزى عنه بالحرف ‪ -‬أن يوحنا النحوى صّرح أن‬
‫المكتبة كان بها على عهد بطولماوس فيلدلفوس أكثر من ‪120‬‬
‫‪ 50‬كتابا ً وأن هذه الكتب تم احراقها فى ستة أشهر بعد أن‬
‫وزعت على أربعة آلف حمام‪.‬‬
‫‪ -‬ويعترض فريق من المؤرخين على رواية أبى الفرج لسباب‬
‫كثيرة ل يقرها العقل‪:‬‬
‫‪ -1‬مات يوحنا النحوى قبل فتح العرب لمصر بحوالى ‪ 30‬أو ‪40‬‬
‫سنة‪.‬‬
‫‪ -2‬كيف يعمل عمرو بن العاص على إحراق الكتب ثم يسلمها‬
‫مامات التى يقوم على خدمتها نصارى مصر – مع العلم‬ ‫إلى الح ّ‬
‫بوجود كتب ومقتنيات نفيسة فى هذه المكتبة؟‬
‫‪ -3‬ألم يكن فى استطاعة أصحاب الحمامات أن يبيعونها ويتربحوا‬
‫منها؟‬
‫‪ -4‬ألم يكن فى استطاعة أحد الثرياء من أمثال يوحنا النحوى أن‬
‫يشتروها؟‬
‫‪ -5‬كانت الكتب تصنع من ورق الكاغد الذى ل يصلح ليقاد النار‪.‬‬
‫‪ -6‬من المعروف أن المسلمين كانوا يعملون على نشر العلم منذ‬
‫غزوة بدر‪ ،‬ولذلك كانوا يطلقون سراح السير إذا قام بتعليم‬
‫عشرة من المسلمين‪.‬‬
‫‪ -7‬المدقق فى الحديث المنسوب ليوحنا النحوى لعمرو بن‬
‫در بمال‪ .‬وما كان‬ ‫العاص حيث ذكر أن هذه الكتب نفيسة ول ُتق ّ‬
‫لعمرو بن العاص أن يحرقها لنها مال يخص أقباط مصر ‪ ،‬والعهد‬
‫الذى أخذه عمرو على نفسه يقتضى حماية القباط وأموالهم‪.‬‬
‫‪ -8‬دفع عمرو بن العاص للمصريين فى الوجه القبلى ثمن ما‬
‫أتلفه الرومان فى هجومهم الثانى على مصر بسبب خطته التى‬
‫كانت ترمى إلى سحب القوات الرومانية بعيدا ً عن السكندرية‪.‬‬
‫فيستبعد أن يكون قد أتلف ممتلكاتهم وأموالهم إبرارا ً بعهده‬
‫معهم‪.‬‬

‫‪319‬‬
‫‪ -9‬رأى الرسول عليه الصلة والسلم مع عمر بن الخطاب رقوقا‬
‫من الكتاب المقدس ولم يأمره بحرقه أو التخلص منه‪ .‬كذلك‬
‫سأل الرسول عليه الصلة والسلم اليهود عن قول التوراة فى‬
‫الزناة وقرأوا عليه من الكتاب الذى بأيديهم ‪ ،‬ولم يأمر أحدا ً‬
‫بنزعه منهم أو حرقه‪.‬‬
‫‪ -10‬على الرغم من أن الكتاب المقدس به بعض النصوص التى‬
‫يراها المسلم شركا ً بينا ً أو كفرا ً صريحا ً أو قذفا ً ل مراء فيه فى‬
‫حق النبياء ‪ ،‬وعلى الرغم أن البعض قد يفهم النصوص التى‬
‫تشير إلى زنا الب ببناته ‪ ،‬أو زنا الحمى بكنته‪ ،‬إل أنه لم يقم أحد‬
‫من المسلمين بحرق نسخة واحدة من الكتاب المقدس ول توجد‬
‫نصوص فى القرآن أو السنة تحض على ذلك‪.‬‬
‫‪ -11‬أنشأ المأمون عام ‪ 830‬م فى بغداد “بيت الحكمة” وهو‬
‫عبارة عن مكتبة عامة ودار علم ومكتب ترجمة‪ ،‬وُيعد بيت‬
‫الحكمة أعظم صرح ثقافى نشأ بعد مكتبة السكندرية‪ .‬فيستبعد‬
‫مَر بالعلم والقراءة والبحث والتدبر أن يحرق كتابا ً‬ ‫ُ‬
‫على مسلم أ ِ‬
‫للعلم‪.‬‬
‫‪ -12‬قيام الكثيرين من العرب بدراسة اللغات الجنبية وترجمة‬
‫كتب بعض مشاهير العلوم فى العصر الغريقى‪ ،‬وإرسال العلماء‬
‫العرب )على نفقاتهم الخاصة( التجار إلى بلد الهند وبيزنطة‬
‫للبحث عن كتب العلم وشرائها ‪.‬‬
‫أنقل بعضا ً منهم من كتاب “شمس العرب ]أصل الترجمة شمس‬
‫الله[ تسطع على الغرب” للكاتبة زيجريد هونكه مثل ‪:‬‬
‫‪ (1‬كان العلماء المسلمين حريصين على اقتناء كتب العلم‬
‫اليونانية و الرومانية ودراسة ما فيها‪ .‬ومن أمثال ذلك رجل العلم‬
‫العظيم موسى بن شاكر وأولده الثلث محمد وأحمد وحسن فى‬
‫عصر الخليفة المأمون‪ .‬وقد برعوا فى علم الفلك ودراسة‬
‫طبقات الجو والرياضة‪ .‬وكانوا يرسلون أتباعهم إلى بلد‬
‫البيزنطيين على نفقاتهم لشراء الكتب وترجمتها والستفادة من‬
‫علومهم‪ .‬ولو كان فى السلم نص ينهى عن ذلك لما اقترفوا إثم‬
‫البحث عن العلم وترجمة الكتب وتعليم الغرب‪.‬‬
‫‪ (2‬حرص العلماء أمثال الخوارزمى على اقتناء كتب العلم الهندية‬
‫وغيرها‪ .‬فقد كان على علم بكتب بطلميوس عن جداول الحساب‬
‫والجبر وهو من قام بتصحيحها‪.‬‬
‫‪ (3‬ترجم ثابت بن قرة لبنى موسى عددا ً كبيرا ً من العمال‬
‫الفلكية والرياضية والطبية لبولونيوس وأرشميدس وإقليدس‬
‫وتيودوسيوس وأرستوطاليس وأفلطون وجالينوس وأبوقراط‬
‫وبطلميوس‪ .‬كما أنه صحح ترجمات حنين بن اسحق وولده ثم‬

‫‪320‬‬
‫شرع فى وضع مؤلفات ضخمة له‪ ،‬فوضع ‪ 150‬مؤلفا ً عربيا ً و ‪10‬‬
‫مؤلفات باللغة السريانية فى الفلك والرياضيات والطب‪ .‬فهذا‬
‫نموذجا ً من النماذج المشرقة فى صفحات علم العرب وتقديسهم‬
‫للعلم‪ .‬فهل يصدق أحد العقلء أن المسلمين قاموا بإحراق مكتبة‬
‫عظيمة مثل مكتبة السكندرية ثم بعد ذلك يتكبد علماؤهم مشقة‬
‫رقت كتبهم؟!!!‬ ‫ح ِ‬
‫البحث عن مؤلفات لنفس العلماء الذين ُ‬
‫فهل قابل الغرب هذا بالشكر؟ ل‪.‬‬
‫ً‬
‫فقد طمسوا الهوية العربية حتى ل يظهر السلم متلل وسط‬
‫الظلم الذى فرضه قساوسة وأساقفة وباباوات الدين النصرانى‬
‫على كل من أتى بحقيقة علمية تخالف الكتاب المقدس وُتظهر‬
‫جهل من أّلفوه‪.‬‬
‫فقد أسموْ الخوارزمى “ألجوريزموس” ‪ Algorizmus‬وأسموْ ابن‬
‫سينا “أريستوفوليس” ‪ Aristofolis‬أو ‪ Avicienne‬وأسموْ ابن رشد‬
‫“أفيروس” ‪Averoes‬‬
‫ونختتم هذا الرد بقول ألدوميلى ‪ Aldo Mieli‬فى كتابه القّيم‪“ :‬العلم‬
‫عند العرب”‪:‬‬
‫“فى القرن الول من خلفة العباسيين ]بداية القرن الثامن[ كان‬
‫المترجمون )من الغريقية إلى السريانية ‪ ،‬ومن السريانية إلى‬
‫العربية( هم الذين يحتلون المرتبة الولى – على وجه الخصوص‬
‫– من النشاط العلمى” وكان من بين هؤلء العلماء والمترجمين‬
‫نصارى ويهود احتضنتهم قصور الخلفة نفسها‪ .‬فل ُيعقل أن نحرق‬
‫كتبهم ونبيد علومهم ثم نحتضن علمائهم‪ .‬ومن أمثال هؤلء‬
‫العلماء تيوفيل بن توما الرهاوى وهو مسيحى مارونى توفى عام‬
‫‪ 785‬م‪ ،‬وجرجس بن جبريل بن بختيشوع المتوفى عام ‪ 771‬م ‪،‬‬
‫وكذلك أبى يحيى البطريق المتوفى عام ‪ 800‬م ‪) ،‬صفحة ‪184‬‬
‫من شمس العرب تشرق على الغرب(‪.‬‬
‫كتبه الخ ابو بكر‬
‫ابن مريم‬
‫=======================‬
‫هل هناك حب في السلم ؟؟‬
‫أول ‪ :‬الحب فى القران الكريم‬
‫ن الكريم على الصور الجنينية للحياة الروحية فى‬ ‫احتوى القرآ ُ‬
‫ه ‪ ،‬بقوة ‪ ،‬عن رابطةٍ خاصة ‪ ،‬متمّيزة ؛‬ ‫السلم‪ ،‬إذ أفصحت آيات ُ ُ‬
‫تجمع العبد بربه ‪ ..‬هى الحب والمحبة ‪.‬‬
‫قاتها‬‫ومن بين أربٍع وثمانين مرة ‪ ،‬وردت فيها كلمة الحب ومشت ّ‬
‫ب الله لعباده ‪،‬‬‫ح ّ‬
‫ت مخبرة ً عن ُ‬‫فى القرآن ؛ جاءت هذه اليا ُ‬
‫حّبهم إياه‬
‫و ُ‬

‫‪321‬‬
‫دادا ً‬ ‫َ‬
‫ن الل ّهِ أن ْ َ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫خذ ُ ِ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫قال عز من قائل ‪) :‬وَ ِ‬
‫حب ّا ً ل ِّله…( )البقرة‪(165/‬‬ ‫َ‬
‫شد ّ ُ‬ ‫مُنوا أ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب الل ّهِ َوال ّ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫م كَ ُ‬‫حّبون َهُ ْ‬‫يُ ِ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫ن ِدين ِ ِ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫ن ي َْرت َد ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫قال الله تعالى ‪َ) :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ة‬
‫عّز ٍ‬ ‫نأ ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ه أذ ِل ّةٍ ع ََلى ال ْ ُ‬ ‫حّبون َ ُ‬ ‫م وَي ُ ِ‬ ‫حب ّهُ ْ‬‫قوْم ٍ ي ُ ِ‬ ‫ه بِ َ‬‫ف ي َأِتي الل ّ ُ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫فَ َ‬
‫رين()المائدة‪( 54/‬‬ ‫كافِ ِ‬‫ع ََلى ال ْ َ‬
‫م‬ ‫ل ل َهُ ُ‬ ‫جعَ ُ‬ ‫سي َ ْ‬‫ت َ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَع َ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫قال تعالى ‪) :‬إ ِ ّ‬
‫د(‬‫دو ٌ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫حي ٌ‬ ‫ن َرّبي َر ِ‬ ‫ن وُد ًّا()مريم‪ ، (96/‬وقال تعالى ‪) :‬إ ِ ّ‬ ‫م ُ‬‫ح َ‬‫الّر ْ‬
‫د( )البروج‪( 14/‬‬ ‫دو ُ‬ ‫فوُر ال ْوَ ُ‬ ‫)هود‪ ، (90/‬وقال تعالى ‪) :‬وَهُوَ ال ْغَ ُ‬
‫قال تعالى‪) :‬قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم‬
‫وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن‬
‫ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا‬
‫حتى يأتي الله بأمره والله ل يهدي القوم الفاسقين( ]التوبة‪:‬‬
‫‪.]24‬‬
‫ه()آل‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حب ِب ْك ُ ُ‬ ‫ه َفات ّب ُِعوِني ي ُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫حّبو َ‬ ‫م تُ ِ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫وقال تعالى ‪) :‬قُ ْ‬
‫عمران‪(31/‬‬
‫إن هذه الية الخيرة تدل على صدق محبة العبد لربه‪ ،‬إذ ل يتم له‬
‫ذلك بمجرد دعوة قلبه أو لسانه فكم من أناس يدعون محبة الله‬
‫بقلوبهم وألسنتهم‪ :‬وأحوالهم تكذب دعواهم‪ ،‬فعلمة حب العبد‬
‫لربه وحب الله لعبده طاعة رسول الله ‪.‬‬
‫والقرآن والسنة مملوآن بذكر من يحبه الله سبحانه من عباده‬
‫المؤمنين وذكر ما يحبه من أعمالهم وأقوالهم وأخلقهم ‪.‬‬
‫فالحسان إلى الخلق سبب المحبة قال تعالى‪ ) :‬والله يحب‬
‫المحسنين ( ‪.‬‬
‫والصبر طريق المحبة أيضًا‪ ) :‬والله يحب الصابرين (‪.‬‬
‫ومحبة الله للمقاتلين في سبيله ايضا حيث قال سبحانه ‪) :‬إن‬
‫الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص(‬
‫الصف ‪. 4‬‬
‫والتقوى كذلك فإن الله يحب المتقين حيث قال تعالى‪ )) :‬إل‬
‫الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا‬
‫لهم إن الله يحب المتقين (( )التوبة‪. ( 7 :‬‬
‫وقال تعالى في محبته للمقسطين ‪ ) :‬ل ينهاكم الله عن الذين لم‬
‫يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم‬
‫وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين (‬
‫وحبه للتوابين والمتطهرين والمطهرين والمتوكلين والمقسطين‬
‫حيث قال سبحانه وتعالى ‪) :‬إن الله يحب التوابين ويحب‬
‫المتطهرين ‪ ) ( ..‬والله يحب المط ّّهرين ‪) (..‬إن الله يحب‬
‫المتوكلين‪) (..‬إن الله يحب المقسطين ( ‪...‬‬

‫‪322‬‬
‫وأشار الله سبحانه وتعالى في حبه لموسى عليه السلم حيث‬
‫قال ‪ ) :‬ان اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم‬
‫بالساحل ياخذه عدو لي وعدو له والقيت عليك محبة مني‬
‫ولتصنع على عيني ( سورة طه آية ‪39‬‬
‫وبالجملة فإن طريق محبة الله طاعة أوامره واجتناب نواهيه‬
‫بصدق وإخلص‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬الحب في السنة النبوية الشريفة‬
‫‪ -1‬عن أبي مالك الشعري أنه قال‪ :‬لما قضى رسول الله صلى‬
‫الله عليه وعلى آله وسلم صلته أقبل علينا بوجهه‪ .‬فقال‪" :‬ياأيها‬
‫الناس اسمعوا واعقلوا‪ .‬إن لله عزوجل عبادا ليسوا بأنبياء ول‬
‫شهداء‪ ,‬يغبطهم النبياء والشهداء على منازلهم وقربهم من الله"‪.‬‬
‫فجثا رجل من العراب من قاصية الناس‪ ,‬وألوى بيده إلى النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ .‬فقال‪ :‬يا رسول الله‪ ,‬ناس من المؤمنين‬
‫ليسوا بأنبياء ول شهداء‪ ,‬يغبطهم النبياء والشهداء على مجالسهم‬
‫وقربهم‪ .‬انعتهم لنا‪ ,‬حلهم لنا‪-‬يعني صفهم لنا‪ ,‬شكلهم لنا‪-‬فسر‬
‫وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بسؤال العرابي‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫"هم ناس من أفناء الناس ونوازع القبائل‪ ,‬لم تصل بينهم أرحام‬
‫متقاربة‪ ,‬تحابوا في الله وتصافوا‪ .‬يضع الله لهم يوم القيامة منابر‬
‫من نور فيجلسهم عليها‪ ,‬فيجعل وجوههم نورا وثيابهم نورا‪ ,‬يفزع‬
‫الناس يوم القيامة ول يفزعون‪ ,‬وهم أولياء الله الذين ل خوف‬
‫عليهم ول هم يحزنون" ) رواه كله المام أحمد والطبراني بنحوه‬
‫وزاد "على منابر من نور من لؤلؤ قدام الرحمان" ورجاله وثقوا (‬
‫وفي رواية‪ :‬قال‪ :‬يا رسول الله سمهم لنا‪ .‬قال‪ :‬فرأينا وجه‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل‪.‬‬
‫وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عيه‬
‫وسلم قال‪" :‬إن لله جلساء يوم القيامة عن يمين العرش ‪ -‬وكلتا‬
‫يدي الله يمين ‪ -‬على منابر من نور‪ ,‬وجوههم من نور‪ ,‬ليسوا‬
‫بأنبياء ول شهداء ول صديقين"‪ .‬قيل يا رسول الله من هم؟‪ .‬قال‪:‬‬
‫"هم المتحابون بجلل الله تبارك وتعالى"‪ .‬رواه الطبراني ورجاله‬
‫وثقوا‪.‬‬
‫‪ -2‬وعن أبي سعيد الخدري رضوان الله عليه قال‪ :‬قال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬إن المتحابين في الله تعالى لترى‬
‫غرفهم في الجنة كالكوكب الطالع الشرقي أو الغربي‪ .‬فيقال من‬
‫هؤلء؟ فيقال‪ :‬هؤلء المتحابون في الله عز وجل"‪ .‬رواه أحمد‬
‫برجال الصحيح ) انظر مجمع الزوائد (‬
‫‪ -3‬روى الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه‪ ,‬أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬إن الله إذا أحب عبدا‬

‫‪323‬‬
‫دعا جبريل‪ .‬فقال‪ :‬إني أحب فلنا فأحبه قال‪ :‬فيحبه جبريل‪ ,‬ثم‬
‫يوضع له القبول في الرض‪ .‬وإذا أبغض عبدا دعا جبريل عليه‬
‫السلم‪ ,‬فيقول‪ :‬إني أبغض فلنا فأبغضه‪ .‬قال‪ :‬فيبغضه جبريل‪ ,‬ثم‬
‫ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلنا فأبغضوه‪ ,‬ثم يوضع له‬
‫البغضاء في الرض"‪.‬‬
‫‪ -4‬فعن أبي الدرداء رضوان الله عليه يرفعه‪ ,‬قال‪" :‬مامن رجلين‬
‫تحابا في الله بظهر الغيب إل كان أحبهما إلى الله أشدهما حبا‬
‫لصاحبه"‪ .‬رواه الطبراني في الوسط ورجاله رجال الصحيح‪ ,‬غير‬
‫المعافى بن سليمان وهو ثقة‪.‬‬
‫‪ -5‬وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪" :‬من أحب رجل لله فقد أحبه الله‪ .‬فدخل جميعا الجنة‪ ,‬وكان‬
‫الذي أحب لله أرفع منزلة‪ ,‬ألحق الذي أحبه لله"‪ .‬رواه الطبراني‬
‫والبزار بنحوه بإسناد حسن‪.‬‬
‫‪ -6‬عن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫"حقت محبتي للمتحابين في‪ ,‬حقت محبتي للمتواصين في‪ ,‬حقت‬
‫محبتي للمتبادلين في‪ .‬المتحابون في على منابر من نور‪ ,‬يغبطهم‬
‫بمكانتهم النبيون والصديقون والشهداء"‪ .‬رواه المام أحمد وابن‬
‫حبان و الحاكم والقضاعي‪.‬‬
‫وفي رواية ‪" :‬حقت محبتي للذين يتناصرون من أجلي‪ ,‬وحقت‬
‫محبتي للذين يتصادقون من أجلي"‪ .‬رواه الطبراني في الثلتة‬
‫وأحمد بنحوه ورجال أحمد ثقات‪.‬‬
‫"المتحابون لجللي في ظل عرشي يوم لظل إل ظلي"‪ .‬رواه‬
‫المام أحمد والطبراني وإسنادهما جيد عن العرباض بن سارية‬
‫عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه تبارك وتعالى ‪.‬‬
‫‪ -7‬عن معاذ رضي الله عنه قال ‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله‬
‫عليه و سلم يقول ‪" :‬قال الله تبارك و تعالى ‪ :‬وجبت محبتي‬
‫ي و المتزاورين ‪ ،‬و المتباذلين‬
‫ي ‪ ،‬و المتجالسين ف ّ‬ ‫للمتحابين ف ّ‬
‫ي " )رواه مالك و غيره (‬ ‫ف ّ‬
‫‪ -8‬عن أبي أمامة رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫ب عبدا لله إل أكرمه الله عز وجل‬ ‫عليه و سلم ‪ " :‬ما من عبد أح ّ‬
‫" ) أخرجه أحمد بسند جّيد (‬
‫‪ -9‬عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫ن الله تعالى يقول يوم القيامة ‪ :‬أين‬ ‫الله عليه و سلم ‪" :‬إ ّ‬
‫ل إل ّ ظّلي‬
‫المتحابون بجللي ؟ اليوم أظّلهم في ظّلي يوم ل ظ ّ‬
‫) رواه مسلم (‬

‫‪324‬‬
‫ب أن يجد طعم اليمان‬ ‫‪ -10‬قال عليه الصلة و السلم ‪ " :‬من أح ّ‬
‫ب المرء ل يحبه إل لله ) رواه الحاكم و قال ‪ :‬صحيح السناد‬ ‫فليح ّ‬
‫و لم يخرجاه و أقّره الذهبي (‬
‫‪ -11‬عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫ب‬‫الله عليه و سلم ‪ " :‬من سّره أن يجد حلوة اليمان‪ ،‬فليح ّ‬
‫المرء ل يحبه إل لله" ) رواه أحمد و الحاكم و صححه الذهبي (‬
‫‪ -12‬عن أنس رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫ن فيه وجد حلوة اليمان ‪ :‬أن يكون‬ ‫عليه و سلم ‪ " :‬ثلث من ك ّ‬
‫ب المرء ل يحبه إل‬ ‫ب إليه مما سواهما ‪ ،‬و أن يح ّ‬‫الله و رسوله أح ّ‬
‫لله ‪ ،‬و أن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه ‪ ،‬كما‬
‫يكره أن يلقى في النار " )متفق عليه(‬
‫‪ -13‬عن أبي أمامة رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫ب لله ‪ ،‬و أبغض لله ‪ ،‬و أعطى لله ‪ ،‬و‬ ‫الله عليه و سلم ‪ " :‬من أح ّ‬
‫منع لله ‪ ،‬فقد استكمل اليمان " ) رواه أبو داود بسند حسن (‬
‫‪ -14‬عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه و سلم ‪ " :‬ل تدخلون الجنة حتى تؤمنوا و ل تؤمنوا حتى‬
‫تحابوا ‪ ،‬أول أدّلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلم‬
‫بينكم " ) رواه مسلم (‬
‫‪ -15‬عن أبي مالك الشعري قال ‪ " :‬كنت عند النبي صلى الله‬
‫عليه و سلم فنزلت عليه هذه الية ‪ ":‬يا أيها الذين آمنوا ل تسألوا‬
‫عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" )المائدة ‪ (101‬قال ‪ :‬فنحن نسأله‬
‫ن لله عبادا ليسوا بأنبياء و ل شهداء ‪ ،‬يغبطهم‬
‫إذ قال ‪ 3 :‬إ ّ‬
‫النبيون و الشهداء بقربهم و مقعدهم من الله يوم القيامة ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫و في ناحية القوم أعرابي فجثا على ركبتيه و رمى بيديه ‪ ،‬ثم قال‬
‫‪ :‬حدثنا يا رسول الله عنهم من هم ؟ قال ‪ :‬فرأيت في وجه النبي‬
‫صلىالله عليه و سلم الِبشر ‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه و سلم ‪:‬‬
‫" هم عباد من عباد الله من بلدان شتى ‪ ،‬و قبائل شتى من‬
‫شعوب القبائل لم تكن بينهم أرحام يتواصلون بها ‪ ،‬و ل دنيا‬
‫يتباذلون بها ‪ ،‬يتحابون بروح الله ‪ ،‬يجعل الله وجوههم نورا و‬
‫يجعل لهم منابر من لؤلؤ قدام الناس ‪ ،‬و ل يفزعون ‪ ،‬و يخاف‬
‫الناس و ل يخافون " ) رواه أحمد و الحاكم و صححه الذهبي (‬
‫‪ -16‬عن ابن مسعود رضي الله عنه قال‪:‬جاء رجل إلى رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬يا رسول الله ‪،‬كيف تقول في‬
‫ب"‬‫ب قوما ولم يلحق بهم ؟ قال ‪" :‬المرء مع من أح ّ‬ ‫رجل أح ّ‬
‫) الصحيحان (‬
‫ن رجل سأل‬ ‫‪ -17‬في الصحيحين أيضا عن أنس رضي الله عنه أ ّ‬
‫النبي صلى الله عليه و سلم متى الساعة ؟ قال ‪ " :‬ما أعددت‬

‫‪325‬‬
‫لها ؟ " قال ‪ :‬ما أعددت لها من كثير صلة و ل صوم و ل صدقة ‪،‬‬
‫ب الله و رسوله‪ ،‬قال ‪ ":‬أنت مع من أحببت" ‪ ،‬قال‬ ‫و لكني أح ّ‬
‫أنس ‪ :‬فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي صلى الله عليه و سلم‬
‫‪":‬أنت مع من أحببت" فأنا أحب النبي صلى الله عليه و سلم و أبا‬
‫بكر و عمر ‪ ،‬و أرجو أن أكون معهم بحبي إياهم ‪ ،‬و إن لم أعمل‬
‫بمثل أعمالهم‬
‫‪ -18‬وعن علي رضي الله عنه مرفوعا‪ ":‬ل يحب رجل قوما إل‬
‫حشر معهم" ) الطبراني في الصغير (‬
‫‪ -19‬قال صلى الله عليه و سلم ‪ " :‬المرء على دين خليله فلينظر‬
‫أحدكم من يخالل " )رواه أبو داود و غيره(‬
‫‪ -20‬قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ‪ " :‬ل يؤمن أحدكم‬
‫ب لنفسه " ) رواه الشيخان (‬ ‫ب لخيه ما يح ّ‬ ‫حتى يح ّ‬
‫‪ -21‬عن أنس بن مالك قال ‪ :‬مر رجل بالنبي صلى الله عليه و‬
‫سلم و عنده ناس ‪ ،‬فقال رجل ممن عنده ‪ :‬إني لحب هذا لله ‪،‬‬
‫فقال النبي صلى الله عليه و سلم ‪":‬أعلمته؟" قال ‪ :‬ل ‪ ،‬قال ‪" :‬‬
‫قم إليه فأعلمه " فقام إليه فأعلمه ‪ ،‬فقال ‪ :‬أحّبك الذي أحببتني‬
‫له ثم قال ‪ ،‬ثم رجع فسأله النبي صلى الله عليه و سلم فأخبره‬
‫بما قال فقال النبي صلى الله عليه و سلم ‪":‬أنت مع من أحببت ‪،‬‬
‫و لك ما احتسبت " ) رواه أحمد و الحاكم و صححه الذهبي (‬
‫‪ -22‬عن المقداد بن معدى كرب عن النبي صلى الله عليه و‬
‫سلم قال ‪ ":‬إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه " ) رواه أبو‬
‫داود والترمذي وقال حديث حسن (‬
‫‪ -23‬جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة – رضي الله عنه –‬
‫أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال إن الله تعالى ‪،‬‬
‫ي‬
‫قال ‪ ) :‬من عادى لي ولًيا فقد آذنته بالحرب ‪ ،‬وما تقّرب إل ّ‬
‫ي مما افترضته عليه ‪ ،‬وما يزال عبدي‬ ‫ب إل ّ‬
‫عبدي بشيء أح ّ‬
‫ت سمعه الذي‬ ‫ي بالنوافل حتى أحبه ‪ ،‬فإذا أحببته كن ُ‬‫يتقرب إل ّ‬
‫ش بها ‪ ،‬ورجله‬ ‫يسمع به ‪ ،‬وبصره الذي يبصر به ‪ ،‬ويده التي يبط ُ‬
‫التي يمشي بها ‪ ،‬وإن سألني لعطيّنه ‪ ،‬وإن استعاذني لعيذنه ‪،‬‬
‫وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن ‪،‬‬
‫يكره الموت وأنا أكره مساءته (‬
‫‪ -24‬وفي حديث أنس – أيضا ً – قال‪ :‬سمعت رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم يقول‪ ) :‬ل يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من‬
‫والده وولده والناس أجمعين ( ]البخاري )‪](1/9‬‬
‫‪ -25‬في حديث عبد الله بن هشام‪ ،‬رضي الله عنه‪ ،‬قال‪ :‬كنا مع‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب‪ ،‬فقال‬
‫له عمر‪ :‬يا رسول الله لنت أحب إلي من كل شيء‪ ،‬إل نفسي‪،‬‬

‫‪326‬‬
‫فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪ )) :‬ل والذي نفسي بيده حتى‬
‫أكون أحب إليك من نفسك(( فقال عمر‪ :‬والله لنت أحب إلى‬
‫من نفسي‪ ،‬فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‪)) :‬الن يا عمر((‬
‫]البخاري )‪](7/218‬‬
‫‪ -26‬يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬ل يؤمن أحدكم‬
‫حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما " ‪.‬‬
‫‪ -27‬وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف يوضح‬
‫ب الناس إلى الله أنفعهم‬ ‫ب الناس له حيث قال "أح ّ‬ ‫أسباب ح ّ‬
‫ب العمال إلى الله سرور تدخله على مسلم‪ ،‬أو‬ ‫للناس‪ ،‬وأح ّ‬
‫ً‬
‫ة‪ ،‬أو تقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا‪ ،‬ولئن‬ ‫ً‬ ‫تكشف عنه كرب ً‬
‫أمشي مع أخ لي في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا‬
‫المسجد شهرًا‪ ،‬في مسجد المدينة‪ ،‬ومن كف غضبه ستر الله‬
‫عورته‪ ،‬ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه‪ ،‬مل الله قلبه‬
‫رجاء يوم القيامة‪ ،‬ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يثبتها له‬
‫ثبت الله قدمه يوم تزول القدام" المعجم الصغير"‪.‬‬
‫‪ -28‬قال صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬مثل المؤمنين في توادهم ‪،‬‬
‫وتراحمهم ‪ ،‬وتعاطفهم ‪،‬مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى‬
‫له سائر الجسد بالسهر والحمى ( رواه مسلم‪.‬‬
‫‪ -29‬عن سهل بن سعد الساعدي قال‪ :‬جاء رجل إلى النبي‬
‫فقال‪ :‬يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته أحبني الله‬
‫وأحبني الناس فقال‪)) :‬ازهد في الدنيا يحبك الله‪ ،‬وازهد فيما عند‬
‫الناس يحبك الناس(( ]رواه ابن ماجة وغيره‪ ،‬والحديث صحيح[‪.‬‬
‫‪ -30‬عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫مَنافِقٌ ‪َ ،‬‬ ‫م إ ِل ّ ُ‬ ‫ضه ُ ْ‬ ‫ن ‪َ ،‬ول ي ُب ْغِ ُ‬ ‫م ٌ‬ ‫مؤ ِ‬ ‫م إ ِل ّ ُ‬ ‫حب ّهُ ْ‬‫في النصار ‪ » :‬ل ي ُ ِ‬
‫ه الّله « متفقٌ عليه ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ض ُ‬ ‫م أب ْغَ َ‬ ‫ضه ُ ْ‬‫ن أب ْغَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ‪ ،‬وَ َ‬ ‫م أحّبه الل ّ ُ‬ ‫حب ّهُ ْ‬ ‫أ َ‬
‫َ‬
‫ه ع َل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫صّلى الل ُ‬ ‫ه عنها ‪ ،‬أن رسول الّله َ‬ ‫ة رضي الل ّ ُ‬ ‫‪ -31‬وعن عائش َ‬
‫م‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫جل ً ع ََلى سرِي ّةٍ ‪ ،‬فَ َ‬ ‫سّلم ‪ ،‬بعَ َ‬
‫صحاب ِهِ في صلت ِهِ ْ‬ ‫قرأ ل ْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ث َر ُ‬ ‫و َ‬
‫َ‬
‫ل‬‫ك لرسو ِ‬ ‫كروا ذل َ‬ ‫جُعوا ‪ ،‬ذ َ َ‬ ‫ما َر َ‬ ‫حد ٌ { فَل َ ّ‬ ‫هأ َ‬ ‫ل هُوَ الل ّ ُ‬ ‫م بـ } قُ ْ‬ ‫خت ِ ُ‬‫َفي ْ‬
‫صن َعُ ذل َ‬
‫ك‬ ‫شيٍء ي َ ْ‬ ‫سُلوه ُ ل ِيّ َ‬ ‫سّلم ‪ ،‬فقال ‪َ » :‬‬ ‫ه ع َل َي ْهِ و َ‬ ‫صّلى الل ُ‬ ‫َ‬ ‫الّله‬
‫ن أ َقَْرأ َ ب َِها‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫سَألوه ‪ ،‬فَ َ‬
‫بأ ْ‬ ‫ح ّ‬‫ن ‪ ،‬فَأَنا أ ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫ح َ‬ ‫ة الّر ْ‬ ‫ف ُ‬‫ص َ‬ ‫ل ‪ :‬لن َّها ِ‬ ‫قا َ‬ ‫؟ « فَ َ‬
‫ن الّله تعالى‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سّلم ‪ » :‬أ ْ‬
‫خب ُِروه ُ أ ّ‬ ‫ه ع َل َي ْهِ و َ‬ ‫صّلى الل ُ‬ ‫ل الّله َ‬ ‫فقال رسو ُ‬
‫ه « متفقٌ عليه‬ ‫ُيحب ّ ُ‬
‫‪ -32‬روى الطبراني في الوسط من حديث عائشة قالت ‪ » :‬جاء‬
‫رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنك‬
‫لحب إلي من نفسي وإنك لحب إلي من ولدي وإني لكون في‬
‫البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك وإذا ذكرت موتي‬
‫وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين وإني إذا‬

‫‪327‬‬
‫دخلت الجنة خشيت أن ل أراك ‪ ،‬فلم يرد عليه النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم فأنزل الله } ومن يطع الله والرسول فأولئك مع‬
‫الذين أنعم الله عليهم ‪{ ...‬‬
‫‪ -33‬عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قال ‪ » :‬تهادوا تحابوا « رواه البيهقي‬
‫‪ -34‬روى مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه )) أن رجل‬
‫زار أخا له في قرية أخرى فأرسل الله له على مدرجته ملكا‬
‫ً ‪ .....‬فقال إن الله قد أحبك كما أحببته فيه (( ‪.‬‬
‫‪ -35‬عن ابن عباس رضي الله عنه مرفوعا ‪ )) :‬أوثق عرى‬
‫اليمان الموالة في الله والمعاداة في الله والحب في الله‬
‫والبغض في الله (( رواه الطبراني وحسنه الرناؤط‬
‫‪ -36‬جاء في الحديث القدسي قول المولى سبحانه وتعالى ‪" :‬‬
‫ى بالنوافل حتى أحبه ‪ ،‬فإذا أحببته كنت‬ ‫مازال عبدي يتقرب إل ّ‬
‫سمعه الذي يسمع به ‪ ،‬وبصره الذي يبصر به ‪ ،‬ويده التى يبطش‬
‫بها ‪ ،‬ورجله التى يبطش بها ‪ ،‬ولئن سألنى لعطينه ‪ ،‬ولئن‬
‫استعاذنى لعيذنه " رواه البخاري‪.‬‬
‫‪ -37‬قال صلى الله عليه وسلم ‪ )) :‬من أحب لقاء الله أحب الله‬
‫لقاءه ‪ ،‬ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه قلنا ‪:‬يا رسول الله !‬
‫كلنا يكره الموت ؟ قال ‪:‬ليس ذلك كراهية الموت ‪ ،‬ولكن‬
‫المؤمن إذا حضر جاءه البشير من الله ‪ ،‬فليس شيء أحب إليه‬
‫من أن يكون قد لقي الله فأحب الله لقاءه ‪ ،‬وإن الفاجر أو‬
‫الكافر إذا حضر جاءه ماهو صائر إليه من الشر ‪ ،‬أو ما يلقى من‬
‫الشر ‪ ،‬فكره لقاء الله ‪ ،‬فكره الله لقاءه (( صحيح التغريب بسندٍ‬
‫صحيح‬
‫‪ -38‬قال صلى الله عليه وسلم ‪ :‬قال الله تبارك وتعالى ‪ )) :‬إذا‬
‫أحب عبدي لقائي أحببت لقاءه‪ ،‬وإذا كره لقائي كرهت لقاءه ((‬
‫صحيح على شرط الشيخين‬
‫‪ -39‬قال صلى الله عليه وسلم ‪ )) :‬إن رجل زار أخا له في‬
‫قرية ‪ ،‬فأرصد الله تعالى على مدرجته ملكا ‪ ،‬فلما أتى عليه‬
‫الملك قال ‪ :‬أين تريد ؟ قال ‪ :‬أزور أخا لي في هذه القرية ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬هل عليك من نعمة‬
‫عوده‬
‫ما هي الحكمة من تحريم الربا مع العلم بأن كل الفريقين )الرابي‬
‫ما؟‬‫ضا تا ً‬
‫والمرابي( راضيان بالصفقة ر ً‬
‫رضا المتعاقدين ل يحول الحرام حلل ً ‪ ،‬كما لو تراضى الزانيان‬
‫على الفاحشة ‪ ،‬ورضا المتبايعين على المخدرات ل يجعل هذه‬
‫المور حل ً‬
‫ل‪.‬‬

‫‪328‬‬
‫إن الذين ينظرون إلى هذه المور من خلل نظرهم القصير‬
‫يبتغون منفعة عاجلة أو منفعة خاصة دون اكتراث بما تجره مثل‬
‫هذه المعاملت على المة من ويلت التخريب والدمار لقتصاد‬
‫المة ‪ ،‬والذي يلجأ إلى الستدانة إما أن يكون شديد الحاجة إلى‬
‫دا أو أمة ‪ -‬وهو الفقير المحتاج‬ ‫هذا القرض الربوي ‪ -‬سواء كان فر ً‬
‫فأي إنسانية هذه التي تستغل حاجة هذا النسان وعوزه‪.‬‬
‫وإما أن يكون القرض الربوي للنتاج ‪ ،‬فلو حدثت الخسارة ‪ ،‬من‬
‫الطرف الذي يتحمل المسئولية فإن تحملها صاحب القرض‬
‫فتكون الخسارة التي تلحق به وحده ‪ ،‬وهذا إجحاف بحقه ‪ ،‬وإذا‬
‫تحملها المقترض ‪ ،‬كذلك تكون الكارثة إذ لم يكن ليمد يده إلى‬
‫القرض لو أنه يستطيع تمويل مشروعه بنفسه ‪ ،‬ولكن يجب أن‬
‫يتعامل منذ البداية على الربح والخسارة فإذا ربحا فالربح بينهما‬
‫وإذا خسرا كانت الخسارة من المال وخسر العامل جهده وتعبه ‪،‬‬
‫وقد أعلن الله الحرب على المرابين ‪ ،‬قال تعالى‪) :‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين! فإن لم‬
‫تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس‬
‫أموالكم ل تظلمون ول تظلمون! وإن كان ذو عسرة فن َظ َِرة ٌ إلى‬
‫ميسرة ‪.(...‬‬
‫كذلك حرم الله عز وجل الربا لنه صوره من صور الظلم‬
‫القتصادى والله عز وجل ل يرضى بالظلم فى نبينا وما ارسلناك‬
‫ال رحمة للعالمين فى حديثه القدسى يا عبادى انى حرمت‬
‫الظلم على نفسى وجعلته بينكم محرما‬
‫=======================‬
‫ث علمي‬ ‫ة لبح ٍ‬‫إن اليمان بالله لم يأت نتيج ً‬
‫ث علمي‪،‬‬ ‫ة لبح ٍ‬ ‫يقول بعض الكّتاب‪ " :‬إن اليمان بالله لم يأت نتيج ً‬
‫أو تحليل منطقي‪ ،‬وإنما جاء عن طريق أن إنسانا ً ما وهو النبي‬
‫قال للناس‪ :‬إن هناك إلها ً وهذه هي صفاته‪ ،‬وهذه هي أحكامه‬
‫وتشريعاته‪ ،‬فالمؤمن لم يتوصل إلى ذاك " الله " بمحض عقله‪،‬‬
‫بل إن إيمانه جاء عن طريق تصديق النبي فيما قاله‪ .‬إذا ً اليمان‬
‫ما هو إل نوع من تصديق شخص ما وليس أكثر من ذلك‪ "..‬ا‪.‬هـ ‪،‬‬
‫بهذا التبسيط الساذج‪ ،‬يقرر الملحدة قضية اليمان بالله‪ ،‬ليس‬
‫هناك من دليل على وجوده‪ ،‬سوى شخص جاء وأخبر عنه‪ ،‬وأمر‬
‫الناس بطاعته‪ ،‬فاليمان ل يعدو أن يكون تصديق شخص ما‪ ،‬ل‬
‫أقل ول أكثر‪ ،‬فهل رأى أحد ٌ سخرية من العقل والمنطق كهذه‬
‫السخرية !!‬
‫إن اليمان بالله عز وجل خالق الوجود ومسّيره‪ ،‬أعظم وأجل من‬
‫أن يقال فيه هذا‪ ،‬ووجوده أعظم من أن يقتصر في الستدلل‬

‫‪329‬‬
‫عليه على خبر النبي رغم أهميته وعظم دللته‪ ،‬بل أدلة وجوده‬
‫أوسع وأعمق‪ ،‬فهي تتسع لتشمل كل ذرات الكون من فرشه إلى‬
‫عرشه‪ ،‬فما من مخلوق في هذا الكون إل وهو ينادي بالدللة على‬
‫خالقه‪ ،‬وهي دللة ل تقتصر على إثبات الوجود فقط‪ ،‬بل تتسع‬
‫لتدل على صفات هذا الخالق العظيم‪ ،‬من العلم والحكمة‬
‫والرادة والقدرة وغيرها‪.‬‬
‫ورغم سعة هذه الدللت وعظمتها‪ ،‬فقد وجد من شواذ البشر‪،‬‬
‫من زعم أنه ل إله‪ ،‬وأن الحياة مادة صماء ل تعقل ول تنطق‪،‬‬
‫وهي مع ذلك قد أوجدت نفسها بنفسها عن طريق التلقائية‬
‫والمصادفة !! وهي ذاتها تسّير نفسها عن طريق نظام الطبيعة‬
‫وقوانينها‪ ،‬دون أن يتدخل أحد ل في إيجادها ول في تسييرها‪ ،‬في‬
‫منطق يعجز العقل عن تصوره‪ ،‬إذ كيف لمادة صماء أن توجد‬
‫نفسها‪ ،‬فضل على أن تهب الحياة لغيرها ؟!! كيف ؟! والعقل‬
‫ض بأن الموجود لبد له من موجد‪ ،‬وأن المخلوق ل بد له من‬ ‫قا ٍ‬
‫خالق‪ ،‬كما نطق بذلك لسان الفطرة عند أعرابي‪ ،‬عندما سئل‬
‫عن دليل وجود الله ؟ فقال‪ :‬البعرة تدل على البعير‪ ،‬والثر يدل‬
‫على المسير‪ ،‬فسماء ذات أبراج‪ ،‬وأرض ذات فجاج‪ ،‬أل تدل على‬
‫العليم الخبير‪.‬‬
‫وفي كل شيء له آية *تدل على أنه واحد‬
‫ومع وضوح دلئل وجود الخالق سبحانه‪ ،‬إل أننا نرى أن ل بد من‬
‫التيان على ما يتشبث به الملحدة من شبه بالنقض والبطال‪،‬‬
‫ليعلموا أن ليس معهم من العلم شيٌء يستندون إليه في إنكار‬
‫خالقهم ورازقهم‪ ،‬فمن شبهات الملحدة‪:‬‬
‫الشبهة الولى ‪ ،‬قولهم‪ :‬إن العقول عاجزة عن تصور كنه هذا‬
‫الله وحقيقته‪ ،‬وما عجزت العقول عن إدراكه وتصوره فهذا دليل‬
‫على عدم وجوده‪.‬‬
‫ونحن نجيب على هذه الشبهة بقولنا‪ :‬إن المقدمة الولى من هذه‬
‫القضية صحيحة بل شك‪ ،‬فالعباد قاطبة عاجزون عن معرفة‬
‫حقيقة هذا الله العظيم‪ ،‬ومن مأثور كلم أهل العلم في ذلك‪،‬‬
‫قولهم‪" :‬كل ما خطر ببالك فالله بخلف ذلك‪ ،‬وعجزك عن درك‬
‫الدراك إدراك‪ ،‬والبحث في كنه ذات الله إشراك "‪ ،‬لكن المقدمة‬
‫الثانية غير صحيحة‪ ،‬إذ ليس كل ما عجزت العقول عن معرفة‬
‫حقيقته وكنهه عدم‪ ،‬وإل للزم أن تنكر العقول كثيرا من أسرار‬
‫هذا الكون لعجزها عن معرفة حقيقتها وكنهها‪ ،‬فقد وقف العلماء‬
‫عاجزين عن معرفة حقيقة المادة التي بين أيديهم‪ ،‬وهم يرونها‬
‫بأعينهم‪ ،‬ويذوقونها بألسنتهم‪ ،‬ويشمونها بأنوفهم‪ ،‬ويصرفونها في‬
‫طرق الحياة والعيش ‪ .‬فإذا كان هذا الشأن في معرفة أقرب‬

‫‪330‬‬
‫الشياء من النسان وألصقها به‪ ،‬فهل يطمع النسان أن يصل‬
‫بعقله إلى معرفة حقيقة الله تعالى؟ وهل يطمع النسان الذي ل‬
‫يعرف كيف يعرف ؟ ول يدرك كيف يدرك ؟ ول يعقل كيف‬
‫يعقل ؟ أن يعقل حقيقة الله تعالى !!‪.‬‬
‫إن العلم ل يزال عاجزا ً عن معرفة الطريقة التي يتم بها الدراك‪،‬‬
‫والوسيلة التي يتم بها التصال بين المادة والعقل‪ ،‬والكيفية التي‬
‫يتلقى بها العقل الروحاني الحساس بالشيء المادي فيدركه‪،‬‬
‫فهل يطمع بعد ذلك أن يعرف كنه ذات الله تعالى ؟‪.‬‬
‫إن عدم اقتداركم – أيها الملحدة ‪ -‬على تصور حقيقة الله ل يعني‬
‫استحالة وجوده‪ ،‬ويكفي العقول أن تستدل على وجود الله بآثاره‬
‫من نظام وإتقان وإحكام في هذا العالم‪ ،‬أما التطلع إلى إدراك‬
‫حقيقة ذاته‪ ،‬فهذا ما ل سبيل للنسان إليه‪ ،‬وفي هذا يقول أحد‬
‫الفلسفة الكبار‪" ،‬روجر باكون " ‪ " :‬إنه ل يوجد عالم من علماء‬
‫الطبيعة يستطيع أن يعرف كل شيء عن حقيقة ذبابة واحدة‬
‫وخواصها‪ ،‬فضل عن أن يعرف كنه ذات الله "‪.‬‬
‫الشبهة الثانية قولهم‪ :‬إن عقولنا ل يمكن أن تتصور حصول شيء‬
‫من ل شيء‪ ،‬أي استحالة خلق المادة من العدم‪ ،‬فكيف يخلق‬
‫الله من العدم ؟ وجوابنا عن هذه الشبهة من وجهين‪:‬‬
‫الوجه الول‪ :‬أن قولهم ل يمكننا أن نتصور حصول شيء من ل‬
‫شيء‪ ،‬مبني على قولهم بقدم المادة وأزليتها‪ ،‬وهذا عين المحال‪،‬‬
‫إذ كيف للمادة الصماء أن توجد نفسها !! وإذا كنتم ادعيتم عجز‬
‫العقول عن تصور خلق شيء من ل شيء‪ ،‬فإن العقول أعجز عن‬
‫تصور قدم المادة وأزليتها‪ ،‬ذلك أن المادة ل يعقل أن تخلو من‬
‫صورة تقوم بها‪ ،‬والعقل السليم يقطع بأن كل صورة تقوم في‬
‫المادة هي حادثة لنها تزول وتتغير‪ ،‬ول يخفى أن كل ما يطرأ‬
‫عليه العدم يستحيل عليه القدم ‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أن عجز العقول عن تصور حصول شيء من ل‬
‫شيء‪ ،‬ل يعني امتناعه في نفسه‪ ،‬فقد تعجز العقول عن تصور‬
‫أمور كثيرة وهي ثابتة‪ ،‬كعجزها عن تصور حقيقة المادة رغم أنها‬
‫ملمسة مشاهدة‪ ،‬فإذا كان هذا الشأن في معرفة أقرب الشياء‬
‫من النسان وألصقها به‪ ،‬فهل يطمع النسان أن يخضع بعقله‬
‫أفعال الله سبحانه لقوانين البشر وقدراتهم ‪!!.‬‬
‫إن منشأ هذه الشبهة – إنكار الخلق من العدم ‪ -‬هو قياس‬
‫التمثيل‪ ،‬فعندما رأوا أن المخلوق ل يمكن أن يصنع شيئا إل من‬
‫شيء آخر‪ ،‬نفوا أن يكون شيء مصنوعا من ل شيء‪ ،‬وإبطال هذا‬
‫القياس بإيضاح الفرق بين الخالق والمخلوق‪ ،‬فالمخلوق ل يمكنه‬
‫أن يصنع شيئا من ل شيء‪ ،‬أما الخالق فقدرته ليس لها حدود‪،‬‬

‫‪331‬‬
‫فهو على كل شيء قدير‪ } ،‬إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له‬
‫كن فيكون { ) يس ‪. ( 82 :‬‬
‫الشبهة الثالثة ‪ :‬قولهم لو كان نظام الكائنات مخلوقا من إله‬
‫حكيم‪ ،‬لكان موضوعا بقصد وحكمة‪ ،‬ولكانت علمات القصد‬
‫والحكمة تامة في كل شيء‪ ،‬إل أننا نرى في العالم أشياء ل‬
‫تنطبق على القصد والحكمة‪.‬‬
‫والجواب على هذه الشبهة‪ :‬أن جهلنا بحكمة مخلوق أو نظام ما‬
‫في هذا الكون‪ ،‬ليس مبررا على الطلق أن ننكر خالقه سبحانه‪،‬‬
‫ذلك أننا نشاهد من أسرار الله في مصنوعاته الحكم الباهرة ولم‬
‫تزل تظهر لنا يوما بعد يوم حكمة بعد أخرى‪ ،‬مما كان خافيا علينا‬
‫دهورا طويلة‪ ،‬فليس عدم إدراكنا للحكمة يعني انتفاءها وعدم‬
‫وجودها‪ ،‬فقد تظهر لنا في يوم من اليام ‪ ،‬كما ظهر سواها ‪.‬‬
‫وإذا تأملتم – أيها الملحدة ‪ -‬قصور العقل البشري وعجزه عن‬
‫إدراك كثير من المور المادية المشاهدة لنا‪ ،‬وقارنتم بين هذا‬
‫العجز وبين قدرة الله العظمى وحكمته‪ ،‬لم تستغربوا اختفاء‬
‫حكمة بعض الشياء عن عقولنا‪ ،‬ورأيتم أن من الولى قياس‬
‫القليل النادر‪ ،‬مما لم تظهر حكمته‪ ،‬على الكثير المستفيض الذي‬
‫ل يعد ول يحصى من شواهد حكم الله الظاهرة في مخلوقاته‪ ،‬ل‬
‫أن تتخذوا من هذا القليل النادر الذي خفيت حكمته دليل على‬
‫إنكار وجود الله الخالق‪.‬‬
‫الشبهة الرابعة ‪ ،‬قولهم‪ :‬إذا كان لكل موجود موجد‪ ،‬ولكل مخلوق‬
‫خالق فمن خلق الله ؟ والجواب على هذه الشبهة من وجهين‪:‬‬
‫الوجه الول‪ :‬أن إيراد هذا السؤال خطأ بين‪ ،‬ذلك أن قدرة الله‬
‫جل جلله تتعلق بالممكنات ل المستحيلت‪ ،‬وأن يخلق الله إلها‬
‫من المستحيلت بل شك‪ ،‬فل تتعلق به القدرة‪ ،‬ذلك أن هذا الله‬
‫الذي سيخلقه الله سبحانه سيكون مخلوقا‪ ،‬وإذا كان مخلوقا‬
‫فبالضرورة لن يكون خالقا وبالتالي ل يصلح أن يكون إلها‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أننا لو تنزلنا وقلنا بصحة السؤال‪ ،‬لفضى ذلك إلى‬
‫التسلسل‪ ،‬وهو محال عقل‪ ،‬بيانه أننا إذا أجبنا على سؤال من‬
‫خلق الله ؟ بالقول‪ :‬إنه خالق آخر‪ ،‬فسوف يرد نفس السؤال‬
‫على الخالق الخر‪ ،‬فيقال من خلق الخالق الخر‪ ،‬وهكذا دواليك‬
‫إلى ما ل نهاية‪ ،‬وفي المحصلة سنكون قد ارتكبنا محالين عقليين‪:‬‬
‫الول نفي الخالق‪ ،‬والثاني‪ :‬القول بتسلسل علل ل نهاية لها‪.‬‬
‫اليمان والعلم والفلسفة ‪:‬‬
‫كثيرا ما يستند الملحدة في إنكارهم للخالق إلى الفلسفة‬
‫والمنطق‪ ،‬ويحاولون أن يظهروا بمظهر الباحثين والمفكرين‪،‬‬
‫ولكنهم في حقيقة المر من أجهل المخلوقات على الطلق‪ ،‬ذلك‬

‫‪332‬‬
‫أن الدين والعلم والفلسفة كلها قد اتفقت على اليمان بالله‬
‫سبحانه‪ ،‬وأنه موجد الكون ومدبره‪ ،‬ولكن كما قال بعض‬
‫الفلسفة‪ :‬القليل من الفلسفة يبعد عن الله‪ ،‬لكن الكثير منها يرد‬
‫إلى الله‪ ،‬وقد اخترنا في خاتمة هذا المقال بعض مقولت لعظماء‬
‫من الفلسفة الذين نصوا على وجود الله سبحانه‪ ،‬واليمان به‪:‬‬
‫يقول "أفلطون"‪ " :‬إن العالم آية في الجمال والنظام‪ ،‬ول يمكن‬
‫أن يكون هذا نتيجة علل اتفاقية‪ ،‬بل هو صنع عاقل‪ ،‬توخى الخير‪،‬‬
‫ورتب كل شيء عن قصد وحكمة "‬
‫س في‬ ‫ُ‬
‫ص في ذاتي‪ ،‬أح ّ‬ ‫ويقول "ديكارت"‪" :‬إّني مع شعوري بنق ٍ‬
‫ت كاملة‪ ،‬وأراني مضطّرا إلى اعتقادي؛‬ ‫الوقت نفسه بوجود ذا ٍ‬
‫سْته في ذاتي تلك الذات الكاملة المتحلّية‬ ‫ن الشعور قد غ ََر َ‬
‫ل ّ‬
‫بجميع صفات الكمال؛ وهي الله"‪.‬‬
‫ويقول "أناكساغورس" أحد فلسفة اليونان الوائل‪ " :‬من‬
‫المستحيل على قوة عمياء‪ ،‬أن تبدع هذا الجمال‪ ،‬وهذا النظام‬
‫اللذين يتجليان في هذا العالم‪ ،‬لن القوة العمياء ل تنتج إل‬
‫الفوضى‪ ،‬فالذي يحرك المادة هو عقل رشيد‪ ،‬بصير حكيم "‬
‫ويقول ديكارت أيضًا‪ " :‬أنا موجود فمن أوجدني ومن خلقني؟‬
‫إنني لم أخلق نفسي‪ ،‬فل بد لي من خالق‪ .‬وهذا الخالق ل بد أن‬
‫يكون واجب الوجود‪ ،‬وغير مفتقر إلى من يوجده‪ ،‬أو يحفظ له‬
‫وجوده‪ ،‬ول بد أن يكون متصفا بكل صفات الجمال‪ .‬وهذا الخالق‬
‫هو الله بارئ كل شيء "‬
‫ويقول باسكال‪ " :‬إن إدراكنا لوجود الله‪ ،‬هو من الدراكات‬
‫الولية‪ ،‬التي ل تحتاج إلى جدل البراهين العقلية‪ ،‬فإنه كان يمكن‬
‫أن ل أكون‪ ،‬لو كانت أمي ماتت قبل أن أولد حيا‪ ،‬فلست إذا كائنا‬
‫واجب الوجود‪ ،‬ولست دائما ول نهائيا‪ ،‬فل بد من كائن واجب‬
‫الوجود‪ ،‬دائم ل نهائي‪ ،‬يعتمد عليه وجودي‪ ،‬وهو الله الذي ندرك‬
‫وجوده إدراكا أوليا‪ ،‬بدون أن نتورط في جدل البراهين العقلية‪،‬‬
‫ولكن على الذين لم يقدر لهم هذا اليمان القلبي أن يسعوا‬
‫للوصول إليه بعقولهم‪"..‬‬
‫وبهذه الثلة من أقوال هؤلء الفلسفة وبما سبق من أدلة عقلية‬
‫جلية‪ ،‬يتبين أن اليمان بوجود الخالق قضية ضرورية بديهية‪،‬‬
‫مركوزة في النفس والعقل‪ ،‬ل يخالطها ريب ول شك‪ ،‬ول تحتاج‬
‫لبرهان إل لمن فسدت فطرته‪ ،‬والله الموفق والهادي إلى سواء‬
‫لسبيل‪.‬‬
‫=====================‬
‫نشأة الحياة‬

‫‪333‬‬
‫للناس في كيفية نشأة الحياة مذهبان‪ ،‬مذهب يرى ويؤمن بالخلق‬
‫المباشر‪ ،‬بمعنى أن الله خلق الكون وسائر الحيوان‪ ،‬بقوله‪ :‬كن‪،‬‬
‫فكان ما أراد سبحانه‪ ،‬وعلى هذا المذهب علماء الديان وأكثر‬
‫علماء الطبيعة‪.‬‬
‫وذهب آخرون إلى أن نشوء الحياة في سائر الحيوان كان عن‬
‫طريق النشوء البطيء‪ ،‬وتحول أنواع‪ ،‬وظهور أنواع جديدة‪ ،‬وكان‬
‫من أشهر القائلين بهذا الرأي العالم الفرنسي "لمارك" الذي‬
‫زعم أن أنواع الحياء ليست أصيلة في الخلق والتكوين‪ ،‬بل‬
‫يشتق بعضها من بعض بطريق التحول والرتقاء التدريجي‪.‬‬
‫وظل هذا المذهب ضعيفا‪ ،‬ل يقوى على الوقوف أمام مذهب أهل‬
‫الديان‪ ،‬إلى أن جاء دارون فدفع مذهب التحول دفعة قوية‬
‫للمام‪ ،‬عندما وضع سنة ‪1859‬م كتابه في أصل النواع بطريق‬
‫النتخاب الطبيعي‪ ،‬ثم أصدر بعده كتابه ) تسلسل النسان ( سنة‬
‫‪1871‬م‪.‬‬
‫شرح نظرية دارون في الخلق ‪:‬‬
‫لم يكن دارون ملحدا‪ ،‬ولم يكن يقول في نظريته عن الخلق بأن‬
‫الحياة نشأت مصادفة‪ ،‬بل كان مؤمنا بوجود إله خالق‪ ،‬ولكنه كان‬
‫يقول إن الخلق جميعا نشأ من أصل واحد‪ ،‬وأراد – من خلل‬
‫نظريته النشوء والرتقاء ‪ -‬أن يقدم تفسيرا علميا للقانون الذي‬
‫أنشأ الله به الخلق‪ ،‬ويمكن شرح تلك النظرية عن طريق شرح‬
‫النواميس الربعة التي يرى دارون أن الحياء جميعها خاضعة لها‪:‬‬
‫‪ .1‬ناموس "تنازع البقاء "‪ :‬ومعناه أن الكائن في هذه الحياة في‬
‫صراع دائم مع الطبيعة من جهة‪ ،‬ومع أبناء نوعه من جهة أخرى‪،‬‬
‫وفي خضم هذا الصراع يحاول الكائن أن يحيا ويتغلب على‬
‫خصومه‪ ،‬إل أن الفوز في معركة البقاء‪ ،‬يتطلب في الفائز صفات‬
‫معينة تؤهله للفوز‪ ،‬وهذه الصفات تختلف من كائن لخر‪ ،‬فقد‬
‫تكون صفة الفوز لكائن هي القوة‪ ،‬ولخر هي عظم الجثة‪ ،‬ولخر‬
‫السرعة أو الجمال أو الذكاء أو الشجاعة وغيرها‪ ،‬فإذا تم الفوز‬
‫للفراد الذين لهم شيء من هذه الصفات كتب البقاء لهم‪ ،‬في‬
‫حين يكتب الفناء والهلك على من افتقد تلك الصفات‪.‬‬
‫‪ .2‬ناموس "تباينات الفراد"‪ :‬ومعناه أن الجساد الحية مّيالة‬
‫للتباين ببعض صفاتها عن الصل الذي نشأت منه‪ ،‬لذلك ل يتم‬
‫التشابه الكلي بين الباء والبناء‪ ،‬ول بين الصول والفروع‪،‬‬
‫وبمرور الدهور الطويلة تتعمق هذه التباينات‪ ،‬وتظهر النواع‬
‫الجديدة تحت أشكال مختلفة‪ ،‬كالنسان الذي تطور من قرد حيث‬
‫أن ذلك – وفق زعمهم – لم يحدث فجأة وإنما نتيجة تراكم‬

‫‪334‬‬
‫التباينات جيل بعد جيل‪ ،‬حتى أدت تلك التباينات في نهاية‬
‫المطاف إلى ظهور النسان واختفاء صورة القرد عنه‪.‬‬
‫‪ .3‬ناموس "تباينات بالرث" وهذا الناموس متمم للناموس‬
‫السابق‪ ،‬فالتباينات التي تحدث للفراد تنتقل بالوراثة من الصول‬
‫إلى الفروع‪ ،‬وتكون في أول المر جزئية وعرضية‪ ،‬ثم تصبح‬
‫بمرور الزمنة الطويلة جوهرية وتظهر في النواع‪.‬‬
‫‪ .4‬ناموس "النتخاب الطبيعي" وعليه يرتكز المذهب كله‪،‬‬
‫وخلصته أن ناموس الوراثة‪ ،‬كما ينقل التباينات‪ ،‬ينقل أيضا جميع‬
‫الصفات التي يحملها الصل إلى الفرع‪ ،‬مادية كانت أو معنوية‪،‬‬
‫أصلية أو مكتسبة‪ ،‬وهذه الصفات منها النافع كالقوة والصحة‬
‫والذكاء‪ ،‬ومنها الضار كالمراض والوجاع والعاهات‪ ،‬أما الضارة‬
‫فتنتهي إلى أحد أمرين‪ :‬إما أن تتلشى بتغلب الصفات النافعة‪،‬‬
‫وإما أن تؤدي إلى ملشاة صاحبها بذاته أو بنسله‪ .‬وأما النافعة‬
‫فهي التي تجعل صاحبها ممتازا وفائزا في معركة البقاء‪.‬‬
‫دارون والملحدة ‪:‬‬
‫سبق أن قلنا أن دارون لم يكن ملحدا‪ ،‬بل كان – كما يقول‬
‫الباحثون – مؤمنا بوجود خالق‪ ،‬إل أن نظريته ُأستغلت من قبل‬
‫الملحدة الماديين‪ ،‬الذين ل يؤمنون بوجود إله‪ ،‬إذ وجدوا فيها‬
‫سندا يدعمهم في تفسير الخلق والكون‪ ،‬فتبنوها وأخذوا يدافعون‬
‫عنها‪ ،‬وأنكروا على دارون اعترافه أن الحياة وجدت في الصل‬
‫بقدرة الخالق‪ ،‬فاتهموه بأنه يمالئ رجال الدين‪ ،‬ويترضاهم‪،‬‬
‫وأخذوا يخترعون تفسيرا لنشأة الحياة الولى من المادة الميتة‪،‬‬
‫فزعم بعضهم أن أصل الحياة ك ُّرية بسيطة ذات خلية واحدة‪،‬‬
‫وزعم آخرون أن الحياة عبارة عن كتل زللية حية صغيرة هي‬
‫أدنى من ذات الخلية الواحدة وأبسط‪ ،‬وأنها تكونت من الجماد‬
‫عن طريق التولد الذاتي‪ ،‬ومن أشهر القائلين بذلك العالم‬
‫البيولوجي اللماني " أرنست هيجل " ‪.‬‬
‫لقد ارتكب الملحدة أشد الشنائع العلمية من التزوير والكذب‬
‫نصرة لمعتقداتهم‪ ،‬وقد ذكر الباحثون أنواعا من التزوير ارتكبها‬
‫الملحدة‪ ،‬لتأييد النظرية الدارونية نصرة لعقائدهم‪ ،‬من تلك‬
‫التزويرات‪:‬‬
‫ما قام به العالم اللماني "ارنست هيجل ‪ "1919-1824‬عندما‬
‫رأى أن صور الجنة ل تتطابق تماما ً مع نظرية التطور‪ ،‬الذي يعد‬
‫من كبار أنصارها‪ ،‬حينئذ قام بعمليات رتوش وحذف في صور تلك‬
‫الجنة البشرية لكي تتطابق مع نظرياتهم‪ .‬لكن أحد العلماء‬
‫اكتشف عملية التزوير هذه وأعلنها في إحدى الصحف وتحدى‬
‫فيها "ارنست هيجل" الذي لم ير بد ّا ً من العتراف بجريمته‬

‫‪335‬‬
‫العلمية والخلقية بعد فترة صمت وتردد‪ ،‬فاعترف في مقالة‬
‫كتبها في ‪14/12/1908‬م وقال فيها‪ " :‬إن ما يعّزيه هو أنه لم‬
‫يكن الوحيد الذي قام بعملية تزوير لثبات صحة نظرية التطور‪،‬‬
‫بل إن هناك المئات من العلماء والفلسفة قاموا بعمليات تزوير‬
‫في الصور التي توضح بنية الحياء‪ ،‬وعلم التشريح‪ ،‬وعلم‬
‫النسجة‪ ،‬وعلم الجنة‪ ،‬لكي تطابق نظرية التطور"‬
‫إذن فهناك مئات من عمليات التزوير‪ ،‬قام بها أنصار نظرية‬
‫التطور لنصرة مذهبهم!!‪.‬‬
‫وهناك عملية تزوير مشهورة جرت في إنكلترا‪ ،‬وهي عملية تزوير‬
‫"إنسان بلتداون ‪ ، "Piltdown Man‬والتي حدثت في سنة ‪1912‬م‪،‬‬
‫عندما صنع أنصار نظرية التطور جمجمة من تركيب قحف إنسان‬
‫على فك قرد "أورانجتون" مع إضافة أسنان إنسانية إلى الفك‪،‬‬
‫وقدموا هذه الجمجمة على أنها الحلقة المفقودة بين القرد‬
‫والنسان ‪ .‬وخدعت عملية التزوير هذه كبار علماء البيولوجيا‬
‫وأطّباء السنان الذين فحصوا هذه الجمجمة المزيفة مدة تقارب‬
‫‪ 40‬سنة‪ ،‬وألفت المئات من الكتب فيها‪ ،‬وتم تقديم رسائل‬
‫دكتوراه عديدة‪ ،‬وكتب ما يقارب نصف مليون مقالة حولها‪ ،‬وفي‬
‫سنة ‪ 1949‬قام "كنت أوكلي" بإجراء تجربة الفلور على هذه‬
‫دعى سابقا ً أن عمرها‬ ‫الجمجمة‪ ،‬فتبين أنها ليست قديمة ‪ -‬حيث ا ُ ّ‬
‫يبلغ نصف مليون سنة ‪ -‬ثم قام "كنيت أوكلي" و "سير ولفود لي‬
‫كروس كلرك" من جامعة أكسفورد بإجراء تجارب أكثر دقة‪،‬‬
‫واستخدموا فيها أشعة اكس‪ ،‬فتبين أن هذه الجمجمة زائفة تماما ً‬
‫ومصنوعة‪ .‬وجاء في التقرير الذي نشر سنة ‪1953‬م ‪ " :‬إن‬
‫"إنسان بلتداون" ليس إل قضية تزوير وخداع تمت بمهارة من‬
‫قبل أناس محترفين‪ ،‬فالجمجمة تعود لنسان معاصر‪ .‬أما عظام‬
‫الفك فهي لقرد "أورانج" بعمر عشر سنوات‪ ،‬والسنان أسنان‬
‫إنسان غرست بشكل اصطناعي وركبت على عظام الفك‪ .‬وظهر‬
‫كذلك أن العظام عوملت بمحلول ديكرومايت البوتاسيوم لحداث‬
‫آثار بقع للتمويه وإعطاء شكل تاريخي قديم لها"‬
‫نقض الدارونية‬
‫يجدر التنبيه بداية إلى أن نظرية دارون‪ ،‬وإن لقت شهرة واسعة‪،‬‬
‫وغدت مادة تدرس – في فترة ما – في المدارس والجامعات‬
‫بقوة دفع الملحدين‪ ،‬إل أنها لم تتعد في نظر العلماء مصطلح‬
‫النظرية‪ ،‬أي أنها لم تصل وفق المصطلح العلمي إلى مرتبة‬
‫الحقيقة العلمية‪ ،‬وإنما هي مجموعة من الفتراضات في تفسير‬
‫نشأة الحياة‪ ،‬وقد كّر عليها العلماء بالنقض والبطال‪ ،‬وذكروا‬
‫وجوها متنوعة في نقضها‪ ،‬منها‪:‬‬

‫‪336‬‬
‫أنها نظرية قاصرة فهي لم تفسر جميع ظواهر الحياة في هذا‬
‫الكون‪ ،‬فهي ل تقدم أي تفسير لصل الحشرات مع أنها تمثل ‪80‬‬
‫‪ %‬من مجموع الحيوانات‪ ،‬فهل تطورت تلك الحشرات أم بقيت‬
‫م يجر عليها قانون التطور ؟!!‪.‬‬ ‫م لَ ْ‬
‫على ما هي عليه‪ ،‬ول ِ َ‬
‫وكذلك لم تقدم نظرية دارون أي تفسير عن أصل القوارض‪ ،‬مع‬
‫أن أعدادها هائلة وتزيد على أعداد الثدييات الخرى‪.‬‬
‫ولم تقدم نظرية دارون كذلك أيّ تفسير لصل الطيران بجميع‬
‫أشكاله‪ ،‬فأصله غير معروف تمامًا‪ .‬فهي ل تقدم أيّ تفسير‬
‫لكيفية ظهور الطيران لدى الحشرات‪ ،‬والخفافيش‪ ،‬والطيور!!‬
‫إذن ما قيمة نظرية ل تقوم بتفسير ‪ % 90‬من الظواهر التي من‬
‫المفترض تناولها‪ ،‬وهل هناك نظرية علمية أخرى أبدت عجزها‬
‫دت لتفسيرها ؟ وهل‬ ‫عن تفسير ‪ % 90‬من الظواهر التي تص ّ‬
‫يمكن أن تقبل الوساط العلمية مثل هذه النظرية ؟ هذا مع‬
‫التسليم بأنها فسرت النسبة الباقية تفسيرا علميا صحيحا !!‬
‫ومن أوجه نقض نظرية دارون ‪ -‬وهذا ي َرِد ُ على أنصار النظرية من‬
‫الملحدة ‪ ،-‬هو في سؤالهم عن كيفية انتقال الحياة من جمادٍ‬
‫ميت ؟! ولقد أجابوا عن ذلك بأن النتقال تم فجأة ومصادفة‪ ،‬ول‬
‫ب يصادم‬ ‫يخفى أن جواب المصادفة ليس جوابا ً علميًا‪ ،‬بل جوا ٌ‬
‫العلم‪ ،‬لنه كلما زادت معلوماتنا عن الخلية الحية‪ ،‬ومدى تعقيدها‬
‫تأكدنا أكثر وأكثر مدى استحالة ظهورها مصادفة‪ .‬ويكفي أن نعلم‬
‫أن جزيئات ‪ D.N.A‬الموجودة في النسان‪ ،‬تحتوي على معلومات‬
‫لو قمنا بتسجيلها على الورق لحتجنا لـ ‪ 900‬ألف صفحة تقريبًا‪،‬‬
‫وهذا يعادل ‪ 34‬ضعف المعلومات الواردة في دائرة المعارف‬
‫البريطانية‪ .‬فكيف يمكن إذن أن تظهر الخلية إلى الوجود مصادفة‬
‫ون‬ ‫علم من تطبيق قوانين الحتمالت الرياضية استحالة تك ّ‬ ‫؟ وقد ُ‬
‫جزيئة واحدة من البروتين عن طريق المصادفة‪ ،‬خلل أضعاف‬
‫عمر الكون‪ ،‬فكيف يمكن ظهور خلية واحدة حّية بطريق‬
‫المصادفة ؟ هذا ما لم يستطع الملحدة الجواب عنه ولن‬
‫يستطيعوا !!‬
‫ومن أوجه نقض نظرية دارون أنها تدعي أن الحياء قد تطورت‬
‫من خلية واحدة إلى أحياء ذات خليا متعددة‪ ،‬ثم تشّعبت‬
‫مساراتها في التطور‪ ،‬حتى ظهرت الحياء الحالية‪ ،‬التي تبلغ‬
‫أعدادها عدة مليين‪ .‬لذا فحسب هذه النظرية لبد من وجود‬
‫عشرات الحلقات الوسطى أو الحلقات النتقالية بين كل نوعين‪،‬‬
‫أي أن عدد أحياء الحلقات الوسطى يجب أن تبلغ عشرات ومئات‬
‫المليين‪ ،‬ولكن لم يتم العثور حتى الن على أي حلقة وسطى‪.‬‬
‫ولم يصح الزعم القائل بأن طائر "الركيوتاتريكس" يمثل الحلقة‬

‫‪337‬‬
‫الوسطى بين الزواحف والطيور‪ ،‬لنه تم العثور على متحجرة‬
‫طائر في نفس العهد الذي عاش فيه "الركيوتاتريكس"‪ .‬لذا ل‬
‫جد ّا ً وسلفا ً للطيور‪ ،‬بينما‬
‫يمكن أن يكون طائر "الركيوتاتريكس" َ‬
‫كانت هناك طيور حقيقية تعيش معه‪.‬‬
‫دم التطوريون بعض الجماجم التي تعود لقرود ‪-‬كانت تعيش‬ ‫كما ق ّ‬
‫سابقا ً ثم انقرضت‪ -‬وكأنها الحلقات المفقودة بين النسان‬
‫والقرد‪ .‬وكل هذه الجماجم مدار شك ونقاش حتى من قبل علماء‬
‫التطور أنفسهم‪ ،‬وسبق أن ذكرنا تزويرهم لنسان بلتداون‪ .‬ولو‬
‫كانت نظرية التطور صحيحة لكان من المفترض أن نعثر على‬
‫مئات اللف من متحجرات الحياء‪ ،‬التي تمثل الحلقات الوسطى‬
‫النتقالية بين النواع‪.‬‬
‫وهذا الفشل الذريع في الحصول على هذه المتحجرات )لنها غير‬
‫ل(‪ ،‬هو الذي دفع بعض علماء التطور إلى البحث عن‬ ‫موجودة أص ً‬
‫مخرج من هذه الورطة الكبيرة‪ ،‬التي تهدد بإعدام نظرية التطور‪،‬‬
‫فزعموا أن التطور حصل فجأة‪ ،‬ودون مراحل انتقالية‪ ،‬ولم‬
‫يستطيعوا أن يقدموا لهذه الفرضية الخيالية أي دليل ‪ .‬وبهذا‬
‫دخلت نظرية التطور في طريق مسدود‪ ،‬وخف الداعون لها‪ ،‬ومن‬
‫راقب الحال بين ما كان لهذه النظرية من بريق ولمعان‪ ،‬وبين ما‬
‫آلت إليه من خفوت وضمور‪ ،‬علم ما وصلت إلية نظرية دارون‪،‬‬
‫وصدق الله إذ يقول‪ } :‬بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا‬
‫هو زاهق ولكم الويل مما تصفون {)سورة النبياء ‪ -‬الية‪(18 :‬‬
‫مراجع أساسية للمقال‪:‬‬
‫‪ .1‬قصة اليمان بين الفلسفة والعلم واليمان‪ ..‬الشيخ نديم‬
‫الجسر‪.‬‬
‫‪ .2‬حقيقة الخلق ونظرية التطور ‪ ..‬فتح الله كولن‪.‬‬
‫===================‬
‫خصائص السلم ‪ ...‬الدكتور ‪ /‬عبد الله علوان‬
‫اليسر والبساطة والمعقولية‬
‫إن المتتبع لتعاليم الشريعة السلمية الغراء يجدها تمتاز باليسر‬
‫والبساطة والمعقولية ‪.‬‬
‫‪ #‬تمتاز باليسر لن مبادئها الساسية‬
‫}يريد الله بكم اليسر ول يريد بكم العسر{ ‪.‬‬
‫}وما جعل عليكم في الدين من حرج{ ‪.‬‬
‫}ل يكلف الله نفسا ً إل وسعها{ ‪.‬‬
‫}فمن اضطر غير باٍغ ول عاد ٍ فل إثم عليه{ ‪.‬‬
‫فهذه النصوص وغيرها تؤكد تأكيدا ً جازما ً أن السلم بمبادئه‬
‫السمحة ل يكلف النسان فوق طاقته ‪ ،‬ول يحمله من‬

‫‪338‬‬
‫المسؤوليات فوق استعداده ‪ ،‬بل نجد كل هذه التكاليف‬
‫والمسؤوليات تدخل في حيز المكان البشري ‪ ،‬والطاقة النسانية‬
‫‪ ،‬لكي ل يكون لي إنسان عذر أو حجة في التخلي عن أمر‬
‫شرعي ‪ ،‬أو ارتكاب مخالفة إسلمية ‪.‬‬
‫ولنضرب على ذلك بعض المثلة ‪:‬‬
‫من يسر هذه الشريعة أنها شرعت الحج للمسلم القادر‬
‫المستطيع في العمر مرة واحدة ‪.‬‬
‫ومن يسرها أنها شرعت الزكاة للقادر المالك للنصاب بنسبة ‪-‬‬
‫‪ - 2.5‬في المئة عل المور النقدية ‪ ،‬وعروض التجارة في العام‬
‫مرة واحدة ‪.‬‬
‫ومن يسرها أنها شرعت للمسلم خمس صلوات في اليوم والليلة‬
‫‪ ،‬يؤديها في أوقات مخصوصة متفرقة في المكان الذي يريد ‪،‬‬
‫ويسرت أمر أدائها بالتيمم عند فقد الماء ‪ ،‬وبأدائها قاعدا ً أو‬
‫مضطجعا ً أو موميا ً في حالة العجز أو المرض ؛ وبالجمع بين‬
‫صلتين مع قصر الرباعية في السفر ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ومن يسرها أنها شرعت الصوم شهرا قمريا واحدا في السنة ‪،‬‬
‫يصومه المسلم مستديرا ً مع الفصول الربعة ‪ ،‬وأباحت للصائم أن‬
‫يفطر إذا كان مريضا ً أو على سفر ‪.‬‬
‫ومن يسرها أنها أباحت للمسلم تناول المحرم أو أكل الميتة ؛ إذا‬
‫أشرف على الهلك ولم يجد شرابا ً أو طعاما ً يسد الحاجة ‪.‬‬
‫وتمتاز بالبساطة والمعقولية ‪:‬‬
‫لن مبادئها واضحة بسيطة مفهومة يعقلها كل ذي عقل ‪ ،‬ويفهمها‬
‫كل ذي فهم ‪ ،‬ويستجيب لها كل ذي فطرة سليمة صافية ‪.‬‬
‫ولنضرب على ذلك بعض المثلة ‪:‬‬
‫من بساطة الشريعة ومعقوليتها أنها أمرت النسان أن يفكر‬
‫ويقدر ويتأمل ؛ ليصل إلى حقيقة اليمان بواجد الوجود سبحانه ‪،‬‬
‫ويقر جزما ً واعتقادا ً بوحدانية الله المتقررة ‪ ،‬وقدرته المطلقة ‪.‬‬
‫ومن بساطتها ومعقوليتها أنها جعلت الصلة بين الخالق والمخلوق‬
‫قائمة على العتقاد أن الله هو رب كل شيء ‪ ،‬وهو القاهر فوق‬
‫عباده ‪ ،‬وهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه ‪ ،‬ويكشف السوء ‪.‬‬
‫ومن بساطتها ومعقوليتها أنها حاربت الخرافة والكهنوتية بكل‬
‫أشكالها وصورها ‪ ،‬حاربت فكرة التثليث ‪ ،‬وفكرة الواسطة بين‬
‫الخالق والمخلوق ‪ ،‬ونعتت بشدة على أولئك الذين يخدعون‬
‫الجماهير بكرسي العتراف ‪ ،‬وبيع صكوك الغفران ‪ ،‬ومنح الجنة ‪،‬‬
‫وحرمان النار ‪.‬‬

‫‪339‬‬
‫ومن بساطتها ومعقوليتها أنها تقبل التوبة من كل من يطرق باب‬
‫الله عز وجل تائبا ً منيبا ً صادقا ً ؛ مهما كان مولغا ً في الكفر ‪،‬‬
‫متماديا ً في الفسوق والعصيان دون واسطة من أحد ‪.‬‬
‫ومن بساطتها ومعقوليتها أنها ربطت اليمان بالحياة ‪ ،‬والعقيدة‬
‫بالعمل ؛ فالمسلم ل يكون عند الله مسلما ً إل إذا سلم الناس من‬
‫لسانه ويده ‪ ،‬والمؤمن ل يكون عند الله مؤمنا ً إل إذا أمنه الناس‬
‫على دمائهم وأموالهم ‪.‬‬
‫ومن بساطتها ومعقوليتها تقريرها بأن النية الصالحة شرط لقبول‬
‫العمل عند الله عز وجل ‪ ،‬فهذه النية إذا تحققت في المسلم‬
‫بشكل دائم ‪ ،‬فإنها تقلب العمل ‪-‬مهما كان نوعه‪ -‬إلى عبادة لله ‪،‬‬
‫وطاعة لرب العالمين ؛ وبناء على هذا يقول علماء الفقه‬
‫والصول ‪" :‬إن النية الصالحة تقلب العادة إلى عبادة" ‪.‬‬
‫هذا هو السلم في بساطته ويسره ومعقوليته وواقعيته ‪ .‬أل‬
‫فليفهم شباب الدعوة هذه الحقيقة ؟!! ‪.‬‬
‫‪-----------------------‬‬
‫العدل المطلق‬
‫من المعلوم لدى كل ذي فهم وبصيرة )أن هدف الشريعة‬
‫الساسي هو إقامة العدل المطلق بين الناس جميعا ً ‪ ،‬وتحقيق‬
‫المساواة بينهم ‪ ،‬وصيانة دمائهم وأعراضهم وأموالهم وعقولهم ‪،‬‬
‫كما صان لهم دينهم وأخلقهم ؛ فغايتها الوحيدة تحقيق مصالح‬
‫العباد في المعاش والمعاد ‪ ،‬وليست غاية الشريعة تحقيق‬
‫مصلحة طبقة خاصة دون طبقة ‪ ،‬ول جنس دون جنس ‪ ،‬ول أمة‬
‫دون أمة ؛ وليست غايتها تحقيق المصلحة المادية مع إهمال‬
‫الناحية الخلقية والروحية ‪ ،‬وليست غايتها تحقيق المصلحة‬
‫الدنيوية بقطع النظر عن المصالح الخروية كما تفعل القوانين‬
‫الرضية ؛ وليست غايتها تحقيق المصلحة الخروية بغض النظر‬
‫عن المصالح الدنيوية كما هو شأن بعض الديانات ‪ ،‬والنحل‬
‫المغالية في نزعتها الروحية ‪.‬‬
‫ومراعاة هذه العتبارات كلها مستحيل أن يتحقق في تشريع‬
‫بشرى ‪ ،‬فإن مراعاتها لتحقيق العدل المطلق لبني النسان تحتاج‬
‫إلى علم إله ‪ ،‬ورحمة إله ‪ ،‬وحكمة إله ‪ .‬فالنسان دائما ً ينظر من‬
‫زاوية ‪ ،‬ويغفل زوايا كثيرة ‪.‬‬
‫أما الذي ينظر النظرة المحيطة بكل شيء ‪ ،‬وكل جانب ؛ فهو‬
‫ة وعلما ً‬‫ة وحكم ً‬ ‫الخلق العليم الحكيم الذي وسع كل شيء ‪ ،‬رحم ً‬
‫}أل يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ؟ {‪.‬‬
‫ومن هذه النظرة السلمية الكلية في بناء شخصية النسان‬
‫وتوازنه ‪ ،‬وتحقيق العدل له وتكامله ؛ قال علماء الجتهاد‬

‫‪340‬‬
‫والصول ‪) :‬إن مقاصد التشريع السلمي خمسة ‪ :‬حفظ الدين ‪،‬‬
‫وحفظ النفس ‪ ،‬وحفظ العقل ‪ ،‬وحفظ النسب ‪ ،‬وحفظ المال( ‪.‬‬
‫وقالوا ‪) :‬إن كل ما جاء في الشريعة من مبادىء وأحكام ‪ ،‬وأوامر‬
‫ونواه ‪ ،‬وزواجر وعقوبات ؛ كلها تهدف إلى حفظ هذه المقاصد‬
‫الخمسة ‪. (..‬‬
‫وهذا تأكيد جازم على أن الشريعة نزلت لتحقق لبني النسان‬
‫الخير العام ‪ ،‬والعدل المطلق في دينهم ودنياهم وآخرتهم ‪.‬‬
‫فشعارها العام الذي ل يتبدل ‪} :‬وجعلناكم شعوبا ً وقبائل‬
‫لتعارفوا{ ‪.‬‬
‫ومبدؤها الثابت الذي ل يتغير ‪} :‬اعدلوا هو أقرب للتقوى{ ‪.‬‬
‫هذه هي خصيصة الشريعة في تحقيقها العدل المطلق لكل من‬
‫يعيش تحت ظل حكمه ونظامه ‪ ،‬فهل علم شباب الدعوة نظرة‬
‫السلم في بناء الشخصية النسانية ‪ ،‬وتكوين المجتمع‬
‫الفاضل ؟!!‬
‫تلكم ‪-‬يا شباب الدعوة‪ -‬أظهر ما في هذه الدعوة السلمية التي‬
‫تحملون إلى الدنيا لواءها من خصائص ومزايا ‪ ،‬وإن دعوة تحمل‬
‫في طياتها مزايا الربانية والعالمية والشمول ‪ ،‬وتحمل في‬
‫أنظمتها خصائص العدل والتجدد والبساطة ‪ ،‬وتحمل في طبيعتها‬
‫ظواهر الصالة والهيمنة والثبات ؛ لهي دعوة تستحق البقاء ‪،‬‬
‫وتستأهل الخلود ‪ ،‬وتضيء للدنيا أنوار الحق والحضارة والعرفان ‪،‬‬
‫وترفع في سماء البشرية منارات الهدى والعلم والمدنية ‪،‬‬
‫وتسطر في ضمير الزمن آيات المجد والقوة والعظمة والخلود ‪.‬‬
‫وهي جديرة أن يحملها الدعاة إلى الدنيا يعرفونها ‪ ،‬ويدعون‬
‫إليها ‪ ،‬وينشرونها في ربوع العالمين ‪ ،‬وآفاق المعمورة ‪ ،‬ومجاهل‬
‫الرض ‪.‬‬
‫ومما يؤكد صلحية الدعوة السلمية ‪ ،‬واتصافها بالتجدد والعطاء ‪،‬‬
‫وإيفائها بحاجات المم والشعوب ‪ ،‬ودفعها لعجلة التقدم الحضاري‬
‫‪ ،‬والبداع المادي في كل زمان ومكان ‪.‬‬
‫مما يؤكد هذا كله الشهادات التالية ‪:‬‬
‫‪-1‬شهادة الواقع العالمي ‪.‬‬
‫‪-2‬شهادة المؤتمرات الدولية ‪.‬‬
‫‪-3‬شهادة المنصفين من غير المسلمين في العالم ‪.‬‬
‫‪-------------------‬‬
‫شهادات ونظريات‬
‫أما شهادة الواقع العالمي‬
‫فإن النظريات القانونية التي يباهي بها العصر الحديث ‪ ،‬وتفتخر‬
‫بها الفلسفات القانونية قد سبقت بها الشريعة السلمية ‪،‬‬

‫‪341‬‬
‫وأرست قواعدها ‪ ،‬وقام على ذلك فقهها وتشريعها وقضاؤها قبل‬
‫أربعة عشر قرنا ً ‪.‬‬
‫وقد عرض القانوني الكبير الستاذ "عبد القادر عودة" رحمه الله‬
‫في مقدمة الجزء الول من كتابه القيم "التشريع الجنائي‬
‫السلمي" عرض طائفة من النظريات والمبادىء التشريعية التي‬
‫لم تعرفها القوانين الوضعية إل أخيرا ً ‪.‬‬
‫‪ #‬من هذه النظريات ‪" :‬نظرية المساواة" ‪:‬‬
‫هذه النظرية جاءت بها الشريعة السلمية من وقت نزولها‬
‫بنصوص صريحة تقررها وتفرضها فرضا ً ‪ ،‬وبصفة مطلقة بل قيود‬
‫ول استثناءات ‪ ،‬فل امتياز فرد على فرد ‪ ،‬ول جماعة على‬
‫جماعة ‪ ،‬ول جنس على جنس ‪ ،‬ول لون على لون ‪ ،‬ول لحاكم‬
‫على محكوم ‪.‬‬
‫والشعار في ذلك قوله تعالى في سورة الحجرات ‪} :‬يا أيها‬
‫الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا ً وقبائل‬
‫لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم{ ‪.‬‬
‫هذا على حين لم تعرف القوانين الوضعية هذه النظرية إل في‬
‫أواخر القرن الثامن عشر ‪ ،‬وأوائل القرن التاسع عشر ‪ ،‬وهي مع‬
‫هذا تطبقها تطبيقا ً محدودا ً بالنسبة إلى الشريعة التي توسعت‬
‫في تطبيق النظرية إل أقصى حد ‪.‬‬
‫‪ #‬ومن هذه النظريات ‪" :‬نظرية الحرية" ‪:‬‬
‫هذه النظرية قررتها الشريعة في أروع صورها ‪ ،‬فقررت حرية‬
‫التفكير ‪ ،‬وحرية العتقاد ‪ ،‬وحرية القول ‪.‬‬
‫وساق الشهيد "عبد القادر عودة" من النصوص الدالة على هذه‬
‫الحرية ما يمل النفس والبصر ‪.‬‬
‫‪ #‬ومن هذه النظريات ‪" :‬نظرية الشورى" ‪:‬‬
‫هذه النظرية نزل بها القرآن منذ عهده المكي }وأمرهم شورى‬
‫بينهم{ وأمدها في المدينة بقوله ‪} :‬وشاورهم في المر{ ‪.‬‬
‫وقد سبقت الشريعة السلمية القوانين الوضعية في تقريرها‬
‫مبدأ الشورى بأحد عشر قرنا ً ‪ ،‬حيث لم تأخذ القوانين به إل بعد‬
‫الثورة الفرنسية ما عدا القانون النجليزي ‪ ،‬فقد عرف مبدأ‬
‫الشورى في القرن السابع عشر ‪ ،‬وقانون الوليات المتحدة الذي‬
‫أقر المبدأ بعد منتصف القرن الثامن عشر ‪.‬‬
‫‪ #‬ومن هذه النظريات ‪" :‬نظرية تقييد سلطة الحاكم" ‪:‬‬
‫هذه النظرية تقوم على ثلثة مبادىء أساسية ‪:‬‬
‫أولها ‪ -‬وضع حدود لسلطة الحاكم ‪.‬‬
‫ثانيها ‪ -‬مسؤوليته عن عدوانه وأخطائه ‪.‬‬
‫ثالثها ‪ -‬تخويل المة حق عزله ‪.‬‬

‫‪342‬‬
‫وقد جاءت هذه النظرية السلمية بهذه المبادىء الثلثة في وقت‬
‫كانت سلطة الحاكم في العالم كله سلطة مطلقة على‬
‫المحكومين ‪ ،‬فكانت شريعة السلم أول شريعة تقيد هذه‬
‫السلطة ‪ ،‬وتلزم الحاكمين أن يتصرفوا داخل حدود معينة ‪،‬‬
‫وضمن دائرة خاصة ‪ ،‬ليس لهم أن يتجاوزوها ‪ ،‬وإل فلن يكون‬
‫لهم سمع ول طاعة ‪.‬‬
‫‪ #‬ومن ذلك ‪ :‬جملة نظريات في الثبات والتعاقد ‪:‬‬
‫مثل نظرية ‪ :‬إثبات الدين بالكتابة صغيرا ً كان الدين أم كبيرا ً ‪.‬‬
‫ومثل نظرية ‪ :‬حق الملتزم في إملء العقد لنه أضعف الطرفين‬
‫المتعاقدين ‪.‬‬
‫ومثل نظرية ‪ :‬تحريم المتناع عن تحمل الشهادات أو أدائها ‪.‬‬
‫وهذه النظريات كلها بعض ما اشتملت عليه آية المداينة المثبتة‬
‫في أواخر سورة البقرة من أحكام ومبادىء وتوجيهات ‪.‬‬
‫ومن التفريع على ما ذكرناه من نظريات ‪:‬‬
‫أن كثيرا ً من الحكام والنظريات التي قررتها الشريعة منذ أربعة‬
‫عشر قرنا ً ‪ ،‬وكانت في وقت ما موضع ارتياب أو اتهام من‬
‫خصوم الشريعة لم تجد البشرية بدأ من اللجوء إليها ‪ ،‬والعتراف‬
‫بها ؛ تحقيقا ً للعدل ‪ ،‬ورفعا ً للضرر والظلم عن الفراد‬
‫والمجتمعات‬
‫وأبرز مثل لذلك ‪:‬‬
‫أ‪-‬الطلق ‪:‬‬
‫الذي اضطرت دول الغرب كافة إلى العتراف به ‪ ،‬وآخرها تلك‬
‫الدولة الكاثوليكية العريقة بنصرانيتها وهي إيطاليا ؛ فقد عقد في‬
‫"لهاي" سنة ‪ 1968‬مؤتمر للقانون الدولي الخاص "الدورة‬
‫الحادية عشر" ‪ ،‬فكان مما تناوله البحث ‪ :‬إعداد معاهدة‬
‫العتراف بالطلق ‪ ،‬والتفريق القانوني على المستوى الدولي ‪،‬‬
‫وهذا معناه الرجوع إلى حكم السلم ‪.‬‬
‫ب‪-‬الربا ‪:‬‬
‫الذي زعموا في وقت من الوقات أن عجلة الحياة القتصادية ل‬
‫تدور إل به ‪ ،‬حتى قام من كبار القتصاديين في الغرب من ينقض‬
‫فكرة الربا من أساسها باسم العلم والقتصاد ل باسم الدين‬
‫واليمان ؛ ولعل أشهر اسم يذكر في هذا الصدد هو اسم‬
‫القتصادي البريطاني "كينز" الذي قرر أن المجتمع لن يصل إلى‬
‫العدالة الكاملة إل بالقضاء على سعر الفائدة ؛ وكذلك الدكتور‬
‫"شاخت" اللماني الذي يقول ‪" :‬بعملية رياضية متناهية يتضح أن‬
‫جميع المال صائر إلى عدد قليل من المرابين ‪. "..‬‬
‫وهناك صيحات في أوربة تنبعث هنا وهناك ‪:‬‬

‫‪343‬‬
‫صيحات تطالب بإباحة تعدد الزوجات ‪ ،‬قالت "آني بيزانت" في‬
‫كتابها "الديان المنتشرة في الهند" ‪) :‬متى وزنا المور بقسطاس‬
‫العدل المستقيم ظهر لنا أن تعدد الزوجات في السلم أرجح‬
‫وزنا ً من البغاء الغربي الذي يسمح بأن يتخذ الرجل امرأة لحض‬
‫إشباع شهوته ‪ ،‬ثم يقذف بها إلى الشارع متى قضى منها‬
‫وطره ‪. (..‬‬
‫وقد قيل ‪ :‬إن ألمانيا أباحت نظام تعدد الزوجات حل لزمة الولد‬
‫غير الشرعيين ‪ ،‬وتسوية لمشكلة التصال الحرام عن طريق‬
‫اتخاذ الخليلت ‪ ،‬كما ذكرت ذلك صحيفة الهرام القاهرية ‪.‬‬
‫وصيحات تنادي بوضع حد للختلط بين الجنسين ‪ ،‬ومحاربة‬
‫الميوعة والنحلل ؛ ذكرت جريدة الخبار القاهرية ‪) :‬أن النساء‬
‫السويديات خرجن في مظاهرة عامة شملت أنحاء السويد‬
‫احتجاجا ً على إطلق الحريات الجنسية هنا وهناك ‪ ،‬وقد اشترك‬
‫في هذه المظاهرات مائة ألف امرأة ‪. (..‬‬
‫وصيحات تنتقد بشدة عمل المرأة في المعمل ‪ ،‬وخروجها من‬
‫البيت ‪ ،‬وتخليها عن مسؤولية التربية ؛ نشرت جريدة "لسترن‬
‫ميل" النكليزية ما يلي ‪ ..) :‬لن تشتغل بناتنا في البيوت‬
‫كخوادم ‪ ،‬خير وأخف بلء من اشتغالهن في المعامل ‪ ،‬حيث تصبح‬
‫البنت ملوثة بأدران تذهب برونق حياتها إلى البد ‪ ،‬أل ليت بلدنا‬
‫كبلد المسلمين ‪ ،‬فيها الحشمة والعفاف رداء ‪ .‬إنه عار على بلد‬
‫النجليز أن تجعل بناتها مثل ً للرذائل بكثرة مخالطة الرجال ؛ فما‬
‫لنا ل نسعى وراء ما يجعل البنت تعمل بما يوافق فطرتها‬
‫الطبيعية من القيام في البيت ‪ ،‬وترك أعمال الرجال للرجال‬
‫سلمة لشرفها ‪. (..‬‬
‫إلى غير ذلك من هذه الصيحات الصلحية ‪ ،‬والنداءات التربوية ؛‬
‫التي تستهدف رجوع المرأة إلى وظيفتها الطبيعية التي خلقت‬
‫من أجلها ‪ ،‬والحد من فوضى الختلط بين الجنسين الذي‬
‫استفحل خطره ‪ ،‬وتطهير المجتمع من ظاهرة الميوعة‬
‫والنحلل ‪.‬‬
‫وهذا معناه العودة إلى نظام السلم ‪ ،‬ومبادىء الشريعة ‪ ،‬وحكم‬
‫القرآن ‪.‬‬
‫وصدق الله العظيم القائل في سورة فصلت ‪} :‬سنريهم آياتنا‬
‫في الفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف‬
‫بربك أنه على كل شيء شهيد{ ‪.‬‬
‫‪-----------------‬‬
‫شهادة المؤتمرات الدولية‬

‫‪344‬‬
‫اما شهادة المؤتمرات الدولية فحسبنا أن نذكر أشهر المؤتمرات‬
‫الدولية التي عقدت في هذا القرن ‪ ،‬والتي شهدت أن شريعة‬
‫السلم لهي الشريعة الحية الصالحة المتجددة الخالدة منذ أن‬
‫أنزلها الله إلى أن يرث الله الرض ومن عليها ‪:‬‬
‫أ‪ -‬ففي مدينة "لهاي" سنة ‪ 1937‬انعقد مؤتمر دولي للقانون‬
‫المقارن دعي إليه الزهر الشريف ‪ ،‬فمثله فيه مندوبان من كبار‬
‫العلماء حاضرا ً فيه عن "المسؤولية المدنية والجنائية في‬
‫الشريعة السلمية" ‪ ،‬وعن "استقلل الفقه السلمي ‪ ،‬ونفي كل‬
‫صلة مزعومة بين الشريعة السلمية ‪ ،‬والقانون الروماني" ‪.‬‬
‫وقد سجل المؤتمر على أثر ذلك قراره التاريخي الهام ‪ ،‬بالنسبة‬
‫إلى رجال التشريع الغربي وقد جاء فيه ‪:‬‬
‫‪-1‬اعتبار الشريعة السلمية مصدرا ً من مصادر التشريع العام ‪.‬‬
‫‪-2‬وإنها حية قابلة للتطور ‪.‬‬
‫‪-3‬وإنها شرع قائم بذاته ليس مأخوذا ً من غيره ‪.‬‬
‫ب‪-‬وفي نفس المدينة "لهاي" سنة ‪ 1948‬انعقد مؤتمر‬
‫المحامين الدولي الذي اشتركت )‪ (53‬دولة من جميع أنحاء‬
‫العالم ‪ ،‬والذي ضم جمعا ً غفيرا ً من الساتذة والمحامين اللمعين‬
‫من مختلف المم والقطار ‪.‬‬
‫اتخذ هذا المؤتمر العالمي القرار التالي ‪" :‬نظرا ً لما في التشريع‬
‫السلمي من مرونة ‪ ،‬وما له من شأن هام ‪ ،‬يجب على جمعية‬
‫المحامين الدولية ‪ ،‬أن تبني الدراسة المقارنة لهذا التشريع ‪،‬‬
‫وتشجع عليها ‪. "..‬‬
‫ج‪-‬وفي سنة ‪ 1950‬عقدت شعبة الحقوق الشرقية من المجمع‬
‫الدولي للحقوق المقارنة مؤتمرا ً للبحث في الفقه السلمي في‬
‫كلية الحقوق من جامعة "باريس" تحت اسم ‪" :‬إسبوع الفقه‬
‫السلمي" ‪ ،‬ودعت إليه عددا ً كبيرا ً من أساتذة كليات الحقوق‬
‫العربية ‪ ،‬وغير العربية ‪ ،‬وكليات الزهر الشريف ‪ ،‬ومن المحامين‬
‫الفرنسيين والعرب ‪ ،‬وغيرهم من المستشرقين ؛ وقد اشترك‬
‫فيه أربعة من مصر من الزهر والجامعات ‪ ،‬واثنان من سورية ‪،‬‬
‫وقد دارت المحاضرات حول موضوعات فقهية خمسة ‪ ،‬عينها‬
‫المجمع الدولي قبل عام ‪ ،‬ووجهت دعوة المحاضرات فيها ‪ ،‬وهي‬
‫‪:‬‬
‫‪-1‬إثبات الملكية ‪.‬‬
‫‪-2‬الستملك للمصلحة العامة ‪.‬‬
‫‪-3‬المسؤولية الجنائية ‪.‬‬
‫‪-4‬تأثير المذاهب الجتهادية بعضها في بعض ‪.‬‬
‫‪-5‬نظرية الربا في السلم ‪.‬‬

‫‪345‬‬
‫وكانت المحاضرات كلها باللغة الفرنسية ‪ ،‬وخصص لكل موضوع‬
‫يوم ‪ ،‬وعقب كل محاضرة كانت تفتح مناقشات مع المحاضر ‪.‬‬
‫وفي خلل بعض المناقشات وقف أحد العضاء ‪ ،‬وهو نقيب‬
‫سابق للمحامين في باريس فقال‪:‬‬
‫"أنا ل أعرف كيف أوفق ما كان يحكى لنا عن جمود الفقه‬
‫السلمي ‪ ،‬وعدم صلوحه أساسا ً تشريعيا ً يفي بحاجات المجتمع‬
‫العصري المتطور ‪ ،‬وبين ما نسمعه الن في المحاضرات ‪،‬‬
‫ومناقشاتها ‪ ،‬مما يثبت خلف ذلك تماما ً ببراهين النصوص‬
‫والمبادىء‬
‫وفي الختام وضع المؤتمرون بالجماع هذا التقرير الذي نترجمه‬
‫فيما يلي ‪:‬‬
‫)بناء على الفائدة المتحققة من المباحثات التي عرضت أثناء‬
‫"أسبوع الفقه السلمي" وما جرى حولها من المناقشات التي‬
‫نستنتج منها بوضوح ‪:‬‬
‫‪-1‬إن مبادىء الفقه السلمي لها قيمة حقوقية تشريعية ل يمارى‬
‫فيها ‪.‬‬
‫‪-2‬إن اختلف المذاهب الفقهية في هذه المجموعة العظمى‬
‫ينطوي على ثروة من المفاهيم والمعلومات ‪ ،‬ومن الصول‬
‫الحقوقية ‪-‬وهي مناط العجاب‪ -‬وبها يتمكن الفقه السلمي أن‬
‫يستجيب لجميع مطالب الحياة الحديثة ‪ ،‬والتوفيق بين حاجاتها ‪(..‬‬
‫في هذه الشهادات من المؤتمرات الدولية المتخصصة دليل‬
‫قاطع على عظمة هذه الدعوة السلمية ‪ ،‬وتجددها وعطائها ‪،‬‬
‫وشمولها وخلودها على مدى الزمان واليام ‪.‬‬
‫}ومن أحسن من الله حكما ً لقوم يوقنون{ ؟ ‪.‬‬
‫شهادة المنصفين في العالم‬
‫أما شهادة المنصفين في العالم‬
‫فإنها أعظم من أن تحصى ‪ ،‬وأكثر من أن تستقصى ‪ ،‬هذه‬
‫الشهادات ليست من رجال الزهر ‪ ،‬وعلماء السلم ‪ ،‬وأساتذة‬
‫الشريعة في الجامعات ؛ وإنما هي شهادات من كبار رجال‬
‫القانون الوضعي الذين رضعوا من لبانه ‪ ،‬وترعرعوا في رحابه ‪،‬‬
‫وهي شهادات معللة تحمل في عباراتها براهين صدقها ‪ ،‬معترفة‬
‫بفضل الشريعة وصلحيتها ‪ ،‬وسبقها وتفوقها ‪.‬‬
‫ول بأس أن نسوق هنا بعض شهادات هؤلء المنصفين للذين ل‬
‫يزالون يثقون بالفكرة إذا هبت ريحها من جهة الغرب ‪:‬‬
‫‪-‬يقول الدكتور "إيزكو انساباتو" ‪) :‬إن الشريعة السلمية تفوق‬
‫في كثير من بحوثها الشرائع الوربية ‪ ،‬بل هي تعطي للعالم‬
‫أرسخ الشرائع ثباتًا( ‪.‬‬

‫‪346‬‬
‫‪-‬ويقول العلمة "شبرل" عميد كلية الحقوق بجامعة "فينا" في‬
‫مؤتمر الحقوق سنة ‪) : 1927‬إن البشرية لتفتخر بانتساب رجل‬
‫كمحمد صلى الله عليه وسلم إليها ‪ ،‬إذ رغم أميته استطاع قبل‬
‫بضعة عشر قرنا ً أن يأتي بتشريع سنكون نحن الوربيين أسعد ما‬
‫نكون لو وصلنا إلى قمته بعد ألفي سنة( ‪.‬‬
‫‪-‬ويقول الفيلسوف النكليزي "برنارد شو" ‪) :‬لقد كان دين محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم موضع تقدير سام ٍ لما ينطوي عليه من‬
‫حيوية مدهشة ‪ ،‬وأنه الدين الوحيد الذي له ملكة الهضم لطوار‬
‫الحياة المختلفة ‪ ،‬وأرى واجبا ً أن يدعى محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم منقذ النسانية ‪ ،‬وإن رجل ً كشاكلته إذا تولى زعامة العالم‬
‫الحديث لنجح في حل مشكلته ‪. (..‬‬
‫‪-‬ويقول المؤرخ النكليزي "ويلز" في كتابه "ملمح تاريخ‬
‫النسانية" ‪) :‬إن أوروبة مدينة للسلم بالجانب الكبر من قوانينها‬
‫الدارية والتجارية ‪. (..‬‬
‫‪-‬ويقول المؤرخ الفرنسي "سيديو" ‪) :‬إن قانون نابليون منقول‬
‫عن كتاب فقهي في مذهب مالك هو شرح الدردير على متن‬
‫خليل( ‪.‬‬
‫‪-‬ونقل "غوستاف لوبون" عن الستاذ "ليبري" قوله ‪) :‬لو لم‬
‫يظهر العرب على مسرح التاريخ لتأخرت نهضة أوروبة الحديثة‬
‫عدة قرون( ‪.‬‬
‫‪-‬ويقول "لين بول" في كتابه "العرب في أسبانيا" ‪) :‬فكانت‬
‫أوروبة المية تزخر بالجهل والحرمان ‪ ،‬بينما كانت الندلس تحمل‬
‫إمامة العلم ‪ ،‬وراية الثقافة في العالم(‪.‬‬
‫‪-‬ويقول "أدموند بيرك" ‪) :‬إن القانون المحمدي قانون ضابط‬
‫للجميع من الملك إلى أقل رعاياه ‪ ،‬وهذا القانون نسج بأحكم‬
‫نظام حقوقي ‪ ،‬وشريعة السلم هي أعظم تشريع عادل لم‬
‫يسبق قط للعالم إيجاد نظام مثله ‪ ،‬ول يمكن فيما بعد ‪. (..‬‬
‫‪-‬وسبق أن ذكرنا ما قاله القانوني الكبير "فمبري" ‪) :‬إن فقه‬
‫السلم واسع إلى درجة أنني أعجب كل العجب كلما فكرت في‬
‫أنكم لم تستنبطوا منه النظممة والحكام الموافقة لزمانكم‬
‫وبلدكم ‪. (..‬‬
‫فهذه القوال وأقوال كثيرة غيرها تشهد بجلء ووضوح على ما‬
‫انطوت عليه الدعوة السلمية من ثروة قانونية وتشريعية ‪ ،‬وقوة‬
‫دفع علمية وحضارية ‪.‬‬
‫والفضل كل الفضل هو ما اعترف به المنصفون ‪ ،‬وما أقر به‬
‫المختصون من نبغاء العالم ومفكريه ‪.‬‬
‫شهد النام بفضله حتى العدا‬

‫‪347‬‬
‫والفضل ما شهدت به العداء‬
‫‪-------------------‬‬
‫والمسلمون الوائل من الرعيل الول من صحابة رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان ‪ ،‬حين علموا طبيعة‬
‫الدعوة ‪ ،‬ومهمة الداعية ‪ ،‬ومسؤولية المجاهد في سبيل الله ‪،‬‬
‫وحين علموا أن السلم دين ودولة ‪ ،‬وعبادة وسياسة ‪ ،‬ومصحف‬
‫وسيف ‪ ،‬ونظام حكم ‪ ،‬ومنهج حياة ‪ ،‬وحين تأصلت هذه المعاني‬
‫في نفوسهم ‪ ،‬وعرفوا في هذا الكون مسؤوليتهم ورسالتهم ‪،‬‬
‫خرجوا من محيطهم الضيق ‪ ،‬وبيئتهم المحدودة ‪ ،‬إلى أرجاء‬
‫الرض ‪ ،‬وآفاق الدنيا ‪ ،‬يمدنون المم ‪ ،‬ويكرمون النسان ‪،‬‬
‫ويرفعون لواء التوحيد ‪ ،‬ويرسون في العالمين قواعد المدنية‬
‫والحضارة ‪ ،‬وينشرون في الوجود أضواء العلم والمعرفة ‪،‬‬
‫ويسطرون على جبين الزمن مبادىء الحرية والعدالة‬
‫والمساواة ‪ .‬انطلقوا ليخرجوا الناس من عبادة العباد إلى عبادة‬
‫الله ‪ ،‬ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ‪ ،‬ومن جور الديان إلى عدل‬
‫السلم ‪.‬‬
‫‪ #‬ولم ينتقل عليه الصلة والسلم إلى المل العلى حتى انتشر‬
‫السلم في الجزيرة العربية ‪ ،‬ودخل اليمن والبحرين ‪ ،‬ووصل‬
‫إلى تهامة ونجد ‪.‬‬
‫‪ #‬وفي عهد الخلفاء الراشدين أخضع المسلمون المملكتين‬
‫العظيمتين ‪ :‬فارس والروم ‪ ،‬وامتد ظلهم إلى بلد السند شرقا ً ‪،‬‬
‫وإلى بلد الخزر وأرمينية ‪ ،‬وبلد الروس شمال ً ‪ ،‬ودخلت في‬
‫عدلهم بلد الشام ومصر وبرقة وطرابلس ‪ ،‬وبقية إفريقية ‪،‬‬
‫وذلك كله في خمس وثلثين سنة ‪.‬‬
‫‪ #‬وفي عهد بني أمية استبحر ملكهم ‪ ،‬وامتد سلطانهم إلى أن‬
‫دخلوا بلد السند ‪ ،‬ومعظم بلد الهند ‪ ،‬وصلوا إلى حدود الصين‬
‫شرقا ً ‪ ،‬ودخلوا بلد الندلس في أوروبة غربا ً ‪.‬‬
‫‪ #‬وفي عهد بني العباس استطاع الخليفة "هارون الرشيد" أن‬
‫يصور للعالم بسطة الدعوة السلمية الممتدة شرقا ً وغربا ً ‪،‬‬
‫وشمال ً وجنوبا ً ؛‬
‫فلم يجد غير أن يخاطب السحابة التي تمر به ول تمطره ‪،‬‬
‫فيقول لها بلسان المطمئن ‪) :‬أمطري حيث شئت فإن خراجك‬
‫سيحمل إلينا( !!‬
‫أما ما تركته الدعوة من أثر في بناء الحضارة النسانية ‪:‬‬
‫فإن التاريخ يشهد ‪ ،‬والمنصفين من فلسفة الغرب يشهدون أن‬
‫المسلمين على اختلف أجناسهم وبيئاتهم ‪ ،‬وتباين لغاتهم‬
‫وألوانهم في العصور السلمية الزاهية خلفوا في العالم آثارا ً‬

‫‪348‬‬
‫حضارية شاملة خالدة ‪ ،‬مازالت الجيال النسانية في كل زمان‬
‫ومكان تنهل من معينها ‪ ،‬وترتشف من سلسبيلها !!‬
‫والمؤرخون مجمعون على انتقال الحضارة السلمية إلى الغرب‬
‫كان عن طريق المعابر التالية ‪:‬‬
‫أ‪-‬معبر الندلس ‪.‬‬
‫ب‪-‬معبر صقلية ‪.‬‬
‫ج‪-‬معبر الحروب الصليبية ‪.‬‬
‫د‪-‬معبر مدارس الترجمة في شمال إسبانيا ‪ ،‬وفرنسا ‪ ،‬وإيطاليا ‪.‬‬
‫ه‪-‬معبر تجار المسلمين والدعاة الذين نشروا السلم في كثير‬
‫من البلدان الوربية ‪ ،‬والفريقية ‪ ،‬والسيوية ‪ ،‬وغيرها ‪.‬‬
‫ول شك أن الندلس هي المعبر الرئيسي لحضارة السلم في‬
‫شتى المجالت العلمية والفنية والدبية ‪.‬‬
‫ً‬
‫وبقيت أوروبة ‪-‬بعد عبور الحضارة السلمية إليها‪ -‬قرونا طويلة‬
‫ترتشف من معين الحضارة السلمية ‪ ،‬وتنهل من سلسبيل‬
‫علومها ومعارفها ؛ حتى استطاعت في أمد قصير أن تصل إلى‬
‫قمة الحضارة المادية ‪ ،‬وأن تصعد إلى ذرى العلوم الكونية في‬
‫العصر الحديث ‪.‬‬
‫ويشهد على هذا كبار الغربيين المختصين في علم الطب ‪،‬‬
‫والكيمياء ‪ ،‬والطبيعيات ‪ ،‬والرياضيات والفلسفة ‪ ،‬وسائر العلوم‬
‫الخرى ‪:‬‬
‫‪ #‬كتاب "شمس العرب تسطع على الغرب" للدكتورة "زيغريد‬
‫هونكة" إقرار صريح بالقفزة الحضارية الكبرى التي قفزتها‬
‫أوروبة نتيجة التأثر بالحضارة السلمية وعلومها في شتى‬
‫المجالت ‪.‬‬
‫وقال "دويبر" المدرس في جامعة "نيويورك" في كتابه "المنازعة‬
‫بين العلم والدين" ‪) :‬ولما آلت الخلفة إلى المأمون سنة )‬
‫‪(813‬م ‪ ،‬صارت بغداد العاصمة العلمية العظمى في الرض ؛‬
‫فجمع الخليفة إليها كتبا ً لتحصى ‪ ،‬وقرب إليه العلماء ‪ ،‬وبالغ في‬
‫الحفاوة بهم ‪ .‬وقد كانت جامعات المسلمين مفتوحة للطلبة‬
‫الوربيين الذين نزحوا إليها من بلدهم لطلب العلم ‪ ،‬وكان ملوك‬
‫أوروبة وأمراؤها يغدون على بلد المسلمين ليعالجوا فيها ‪. (..‬‬
‫‪ #‬وقال "سيديلوت" في كتابه "تاريخ العرب" ‪) :‬كان المسلمون‬
‫في القرون الوسطى متفردين في العلم والفلسفة والفنون ‪،‬‬
‫وقد نشروها أينما حلت أقدامهم ؛ وتسربت عنهم إلى أوروبة ‪،‬‬
‫فكانوا سببا ً لنهضتها وارتقائها ‪. (..‬‬

‫‪349‬‬
‫وقال "شريستي" في حديثه عن الفن السلمي ‪) :‬ظلت أوروبة‬
‫نحو ألف عام تنظر إلى الفن السلمي كأنه أعجوبة من‬
‫العاجيب( ‪.‬‬
‫‪ #‬وقال "بريفولت" في كتابه "تكوين النسانية" ‪) :‬العلم هو‬
‫أعظم ما قدمت الحضارة السلمية إلى العالم الحديث ‪ ،‬ومع أنه‬
‫ل توجد ناحية واحدة من نواحي النمو الوروبي إل ويلحظ فيها أثر‬
‫الثقافة السلمية النافذ … وهذه الحقائق مؤداها أن السلم بناء‬
‫حضاري ‪. (..‬‬
‫إن هذه القوال وأقوال ً كثيرة غيرها تبين بصدق ‪ ،‬وتشهد بحق‬
‫على ما انطوى عليه السلم من قوة دفع علمية وحضارية على‬
‫مدى العصور !!‬
‫ولول أن يكون السلم العظيم منهاج علم ‪ ،‬وهذا القرآن الكريم‬
‫مبعث حضارة ‪ ،‬وهذا الدين الخالد مفتاح نهضة ؛ لما أشاد هؤلء‬
‫المنصفون الغربيون بعظمة الحضارة السلمية ‪ ،‬ولما كشفوا عن‬
‫هذه الحقائق في طبيعة دعوة السلم ‪.‬‬
‫ولما سمعنا في التاريخ أيضا ً عن جدود عباقرة ‪ ،‬وآباء علماء نبغاء‬
‫؛ ملؤوا الدنيا معارف وعلوما ً ‪ ،‬ونشروا في العالم نور المدنية ‪،‬‬
‫ومعالم الحضارة ‪.‬‬
‫ومازالت أسماء هؤلء العباقرة الفذاذ تتردد على ألسنة الشرق‬
‫والغرب عبر القرون ‪.‬‬
‫ومازالت الجيال الصاعدة تتغنى بعلومهم ‪ ،‬وتفتخر بنبوغهم ‪،‬‬
‫وتتناقل آثارهم الحضارية على مدى الزمان واليام !!‬
‫وأذكر على سبيل المثال بعض أولئك العباقرة الفذاذ‬
‫واختصاصاتهم العلمية ‪ ،‬ليعرف شباب الدعوة كيف شاد أولئك‬
‫بنيان الحضارة ؟ وكيف حولوا مجرى التاريخ ؟ ‪:‬‬
‫‪ -‬ابن خلدون الذي حمل إلى النسانية لواء التاريخ ‪ ،‬وعلم‬
‫الجتماع والعمران ‪.‬‬
‫‪ -‬وأبو زكريا الرازي الذي حمل إلى النسانية لواء الطب ‪.‬‬
‫‪ -‬وأبو علي بن سينا الذي حمل إلى النسانية لواء الفلسفة ‪.‬‬
‫‪ -‬والشريف الدريسي الذي حمل لواء الجغرافية ‪.‬‬
‫‪ -‬وأبو بكر الخوارزمي الذي حمل لواء الرياضيات والفلك ‪.‬‬
‫‪ -‬وعلي بن الهيثم الذي حمل لواء علم الطبيعة والبصريات ‪.‬‬
‫‪ -‬وأبو القاسم الزهراوي الذي حمل لواء الجراحة ‪.‬‬
‫‪ -‬وأبو زكريا العوام الذي حمل لواء علم النبات ‪.‬‬
‫‪ -‬وأبو الريحان البيروني الذي حمل لواء علم التاريخ القديم‬
‫والثار‪.‬‬
‫‪ -‬وأبو البناء الذي حمل لواء الحساب ‪.‬‬

‫‪350‬‬
‫‪ -‬والمام الغزالي الذي حمل لواء النقد ‪ ،‬والتربية ‪ ،‬ومعالجة‬
‫آفات النفوس ‪.‬‬
‫‪ -‬والئمة ‪ :‬أبو حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل وابن تيمية …‬
‫الذين حملوا ألوية الفقه والقانون ‪.‬‬
‫وآلف غيرهم نقرأ في التاريخ أخبارهم ‪ ،‬وتتناقل الجيال آثارهم ‪،‬‬
‫ويثني المستغربون والمستشرقون على عظمة تراثهم‬
‫وعلومهم ؛ فكانت هذه الثار التي خلفوها على مدى التاريخ‬
‫منارات هدى ‪ ،‬وهذه الحضارة التي خلدوها على مدى الزمان‬
‫إشعاعات عرفان ومدنية !!‬
‫أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع‬
‫أجزاء من كتاب هذه الدعوة ما طبيعتها‬
‫========================‬
‫شرع الطلق لحماية الستقرار العائلي والجتماعي‬ ‫ُ‬
‫يأخذ الكثير من الغربيين على السلم أنه أباح الطلق ‪ ،‬ويعتبرون‬
‫ذلك دليل ً على استهانة السلم بقدر المرأة ‪ ،‬وبقدسية الزواج ‪،‬‬
‫وقلدهم في ذلك بعض المسلمين الذين تثقفوا بالثقافات‬
‫الغربية ‪ ،‬وجهلوا أحكام شريعتهم ‪ ،‬مع أن السلم ‪ ،‬لم يكن أول‬
‫من شرع الطلق ‪ ،‬فقد جاءت به الشريعة اليهودية من قبل ‪،‬‬
‫وعرفه العالم قديمًا‪.‬‬
‫وقد نظر هؤلء العائبون إلى المر من زاوية واحدة فقط ‪ ،‬هي‬
‫تضرر المرأة به ‪ ،‬ولم ينظروا إلى الموضوع من جميع جوانبه ‪،‬‬
‫كموا في رأيهم فيه العاطفة غير الواعية ‪ ،‬وغير المدركة‬ ‫ح ّ‬‫و َ‬
‫للحكمة منه ولسبابه ودواعيه‪.‬‬
‫إن السلم يفترض أول ً ‪ ،‬أن يكون عقد الزواج دائما ً ‪ ،‬وأن تستمر‬
‫الزوجية قائمة بين الزوجين ‪ ،‬حتى يفرق الموت بينهما ‪ ،‬ولذلك ل‬
‫يجوز في السلم تأقيت عقد الزواج بوقت معين‪.‬‬
‫غير أن السلم وهو يحتم أن يكون عقد الزواج مؤبدا ً يعلم أنه‬
‫إنما يشرع لناس يعيشون على الرض ‪ ،‬لهم خصائصهم ‪،‬‬
‫وطباعهم البشرية ‪ ،‬لذا شرع لهم كيفية الخلص من هذا العقد ‪،‬‬
‫إذا تعثر العيش ‪ ،‬وضاقت السبل ‪ ،‬وفشلت الوسائل للصلح ‪،‬‬
‫وهو في هذا واقعي كل الواقعية ‪ ،‬ومنصف كل النصاف لكل من‬
‫الرجل والمرأة‪.‬‬
‫فكثيرا ً ما يحدث بين الزوجين من السباب والدواعي ‪ ،‬ما يجعل‬
‫الطلق ضرورة لزمة ‪ ،‬ووسيلة متعينة لتحقيق الخير ‪،‬‬
‫والستقرار العائلي والجتماعي لكل منهما ‪ ،‬فقد يتزوج الرجل‬
‫والمرأة ‪ ،‬ثم يتبين أن بينهما تباينا ً في الخلق ‪ ،‬وتنافرا ً في‬
‫الطباع ‪ ،‬فيرى كل من الزوجين نفسه غريبا ً عن الخر ‪ ،‬نافرا ً منه‬

‫‪351‬‬
‫طلع أحدهما من صاحبه بعد الزواج على ما ل يحب ‪ ،‬ول‬ ‫‪ ،‬وقد ي ّ‬
‫يرضى من سلوك شخصي ‪ ،‬أو عيب خفي ‪ ،‬وقد يظهر أن المرأة‬
‫عقيم ل يتحقق معها أسمى مقاصد الزواج ‪ ،‬وهو ل يرغب‬
‫التعدد ‪ ،‬أول يستطيعه ‪ ،‬إلى غير ذلك من السباب والدواعي ‪،‬‬
‫التي ل تتوفر معها المحبة بين الزوجين ول يتحقق معها التعاون‬
‫على شؤون الحياة ‪ ،‬والقيام بحقوق الزوجية كما أمر الله ‪،‬‬
‫فيكون الطلق لذلك أمرا ً ل بد منه للخلص من رابطة الزواج‬
‫التي أصبحت ل تحقق المقصود منها ‪ ،‬والتي لو ألزم الزوجان‬
‫بالبقاء عليها ‪ ،‬لكلت الضغينة قلبيهما ‪ ،‬ولكاد كل منهما لصاحبه ‪،‬‬
‫وسعى للخلص منه بما يتهيأ له من وسائل ‪ ،‬وقد يكون ذلك سببا ً‬
‫في انحراف كل منهما ‪ ،‬ومنفذا ً لكثير من الشرور والثام‪،‬‬
‫شرع الطلق وسيلة للقضاء على تلك المفاسد ‪ ،‬وللتخلص‬ ‫لهذا ُ‬
‫من تلك الشرور ‪ ،‬وليستبدل كل منهما بزوجه زوجا ً آخر ‪ ،‬قد يجد‬
‫معه ما افتقده مع الول ‪ ،‬فيتحقق قول الله تعالى‪) :‬وإن يتفرقا‬
‫يغن الله كل ً من سعته ‪ ،‬وكان الله واسعا ً حكيمًا(‪.‬‬
‫وهذا هو الحل لتلك المشكلت المستحكمة المتفق مع منطق‬
‫العقل والضرورة ‪ ،‬وطبائع البشر وظروف الحياة‪.‬‬
‫ول بأس أن نورد ما قاله )بيتام( رجل القانون النجليزي ‪ ،‬لندلل‬
‫للهثين خلف الحضارة الغربية ونظمها أن ما يستحسنونه من تلك‬
‫الحضارة ‪ ،‬يستقبحه أبناؤها العالمون بخفاياها ‪ ،‬والذين يعشون‬
‫نتائجها‪.‬‬
‫يقول )بيتام(‪:‬‬
‫)لو وضع مشروع قانونا ً يحرم فض الشركات ‪ ،‬ويمنع رفع ولية‬
‫الوصياء ‪ ،‬وعزل الوكلء ‪ ،‬ومفارقة الرفقاء ‪ ،‬لصاح الناس‬
‫أجمعون‪ :‬أنه غاية الظلم ‪ ،‬واعتقدوا صدوره من معتوه أو مجنون‬
‫‪ ،‬فيا عجبا ً أن هذا المر الذي يخالف الفطرة ‪ ،‬ويجافي الحكمة ‪،‬‬
‫وتأباه المصلحة ‪ ،‬ول يستقيم مع أصول التشريع ‪ ،‬تقرره القوانين‬
‫بمجرد التعاقد بين الزوجين في أكثر البلد المتمدنة ‪ ،‬وكأنها‬
‫تحاول إبعاد الناس عن الزواج ‪ ،‬فإن النهي عن الخروج من‬
‫الشيء نهي عن الدخول فيه ‪ ،‬وإذا كان وقوع النفرة واستحكام‬
‫الشقاق والعداء ‪ ،‬ليس بعيد الوقوع ‪ ،‬فأيهما خير؟ ‪ ..‬ربط‬
‫الزوجين بحبل متين ‪ ،‬لتأكل الضغينة قلوبهما ‪ ،‬ويكيد كل منهما‬
‫للخر؟ أم حل ما بينهما من رباط ‪ ،‬وتمكين كل منهما من بناء‬
‫بيت جديد على دعائم قوية؟ ‪ ،‬أو ليس استبدال زوج بآخر ‪ ،‬خيرا ً‬
‫من ضم خليلة إلى زوجة مهملة أو عشيق إلى زوج بغيض(‪.‬‬
‫والسلم عندما أباح الطلق ‪ ،‬لم يغفل عما يترتب على وقوعه‬
‫من الضرار التي تصيب السرة ‪ ،‬خصوصا ً الطفال ‪ ،‬إل أنه لحظ‬

‫‪352‬‬
‫أن هذا أقل خطرا ً ‪ ،‬إذا قورن بالضرر الكبر ‪ ،‬الذي تصاب به‬
‫السرة والمجتمع كله إذا أبقى على الزوجية المضطربة ‪،‬‬
‫والعلئق الواهية التي تربط بين الزوجين على كره منهما ‪ ،‬فآثر‬
‫أخف الضررين ‪ ،‬وأهون الشرين‪.‬‬
‫وفي الوقت نفسه ‪ ،‬شرع من التشريعات ما يكون علجا ً لثاره‬
‫ونتائجه ‪ ،‬فأثبت للم حضانة أولدها الصغار ‪ ،‬ولقريباتها من‬
‫بعدها ‪ ،‬حتى يكبروا ‪ ،‬وأوجب على الب نفقة أولده ‪ ،‬وأجور‬
‫حضانتهم ورضاعتهم ‪ ،‬ولو كانت الم هي التي تقوم بذلك ‪ ،‬ومن‬
‫فر من الطلق وبغضه إلى النفوس فقال صلى الله‬ ‫جانب آخر ‪ ،‬ن ّ‬
‫عليه وسلم‪) :‬أيما امرأة سألت زوجها الطلق في غير بأس ‪،‬‬
‫فحرام عليها رائحة الجنة( ‪ ،‬وحذر من التهاون بشأنه فقال عليه‬
‫الصلة والسلم‪) :‬ما بال أحدكم يلعب بحدود الله ‪ ،‬يقول‪ :‬قد‬
‫طلقت ‪ ،‬قد راجعت( ‪ ،‬وقال عليه الصلة والسلم‪) :‬أُيلعب بكتاب‬
‫الله وأنا بين أظهركم( ‪ ،‬قاله في رجل طلق زوجته بغير ما أحل‬
‫الله‪.‬‬
‫واعتبر الطلق آخر العلج ‪ ،‬بحيث ل يصار إليه إل عند تفاقم المر‬
‫‪ ،‬واشتداد الداء ‪ ،‬وحين ل يجدي علج سواه ‪ ،‬وأرشد إلى اتخاذ‬
‫الكثير من الوسائل قبل أن يصار إليه ‪ ،‬فرغب الزوج في الصبر‬
‫والتحمل على الزوجات ‪ ،‬وإن كانوا يكرهون منهن بعض المور ‪،‬‬
‫إبقاء للحياة الزوجية ‪) ،‬وعاشروهن بالمعروف ‪ ،‬فإن كرهتموهن‬
‫فعسى أن تكرهوا شيئا ً ويجعل الله فيه خيرا ً كثيرًا(‪.‬‬
‫وأرشد الزوج إذا لحظ من زوجته نشوزا ً إلى ما يعالجها به من‬
‫التأديب المتدرج‪ :‬الوعظ ثم الهجر ‪ ،‬ثم الضرب غير المبرح ‪،‬‬
‫)واللتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع‬
‫واضربوهن فإن أطعنكم فل تبغوا عليهن سبي ً‬
‫ل(‪.‬‬
‫وأرشد الزوجة إذا ما أحست فتورا ً في العلقة الزوجية ‪ ،‬وميل‬
‫زوجها إليها إلى ما تحفظ به هذه العلقة ‪ ،‬ويكون له الثر الحسن‬
‫في عودة النفوس إلى صفائها ‪ ،‬بأن تتنازل عن بعض حقوقها‬
‫الزوجية ‪ ،‬أو المالية ‪ ،‬ترغيبا ً له بها وإصلحا ً لما بينهما‪.‬‬
‫وشرع التحكيم بينهما ‪ ،‬إذا عجزا عن إصلح ما بينهما ‪ ،‬بوسائلهما‬
‫الخاص‪.‬‬
‫كل هذه الجراءات والوسائل تتخذ وتجرب قبل أن يصار إلى‬
‫الطلق ‪ ،‬ومن هذا يتضح ما للعلئق والحياة الزوجية من شأن‬
‫عظيم عند الله‪.‬‬
‫م من‬ ‫فل ينبغي فصم ما وصل الله وأحكمه ‪ ،‬ما لم يكن ث َ ّ‬
‫الدواعي الجادة الخطيرة الموجبة للفتراق ‪ ،‬ول يصار إلى ذلك‬
‫إل بعد استنفاد كل وسائل الصلح‪.‬‬

‫‪353‬‬
‫ومن هدي السلم في الطلق ‪ ،‬ومن تتبع الدواعي والسباب‬
‫الداعية إلى الطلق يتضح أنه كما يكون الطلق لصالح الزوج ‪،‬‬
‫فإنه أيضا ً يكون لصالح الزوجة في كثير من المور ‪ ،‬فقد تكون‬
‫هي الطالبة للطلق ‪ ،‬الراغبة فيه ‪ ،‬فل يقف السلم في وجه‬
‫رغبتها وفي هذا رفع لشأنها ‪ ،‬وتقدير لها ‪ ،‬ل استهانة بقدرها ‪ ،‬كما‬
‫دعون ‪ ،‬وإنما الستهانة بقدرها ‪ ،‬بإغفال رغبتها ‪،‬‬
‫دعي الم ّ‬
‫ي ّ‬
‫وإجبارها على الرتباط برباط تكرهه وتتأذى منه‪.‬‬
‫وليس هو استهانة بقدسية الزواج كما يزعمون ‪ ،‬بل هو وسيلة‬
‫ليجاد الزواج الصحيح السليم ‪ ،‬الذي يحقق معنى الزوجية‬
‫وأهدافها السامية ‪ ،‬ل الزواج الصوري الخالي من كل معاني‬
‫الزوجية ومقاصدها‪.‬‬
‫إذ ليس مقصود السلم البقاء على رباط الزوجية كيفما كان ‪،‬‬
‫ولكن السلم جعل لهذا الرباط أهدافا ً ومقاصد ‪ ،‬ل بد أن تتحقق‬
‫منه ‪ ،‬وإل فليلغ ‪ ،‬ليحل محله ما يحقق تلك المقاصد والهداف‪.‬‬
‫=====================‬
‫مسألة رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة‬
‫من مسائل العتقاد التي تضافرت على إثباتها دلئل الكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬وأجمع السلف الصالح عليها‪ ،‬مسألة رؤية المؤمنين‬
‫لربهم يوم القيامة‪ ،‬حيث دلت الدلة الشرعية على أن المؤمنين‬
‫يرون ربهم عيانا ل يضارون في رؤيته كما ل يضارون في رؤية‬
‫الشمس والقمر ‪.‬‬
‫فمن أدلة الكتاب على الرؤية قول الحق سبحانه‪ } :‬وجوه يومئذ‬
‫ناضرة إلى ربها ناظرة {)القيامة‪ ،(23-22:‬قال ابن عباس في‬
‫تفسير الية‪ " :‬تنظر إلى وجه ربها إلى الخالق"‪ .‬وقال الحسن‬
‫البصري ‪":‬النضرة الحسن‪ ،‬نظرت إلى ربها عز وجل فنضرت‬
‫بنوره عز وجل"‪.‬‬
‫ومن أدلة رؤيته سبحانه يوم القيامة قوله تعالى‪ }:‬كل إنهم عن‬
‫ربهم يومئذ لمحجوبون {)المطففين‪ ،(15:‬قال المام‬
‫الشافعي ‪ ":‬وفي هذه الية دليل على أن المؤمنين يرونه عز‬
‫وجل يومئذ "‪ ،‬ووجه ذلك أنه لما حجب أعداءه عن رؤيته في حال‬
‫السخط دل على أن أولياءه يرونه في حال الرضا‪ ،‬وإل لو كان‬
‫الكل ل يرى الله تعالى‪ ،‬لما كان في عقوبة الكافرين بالحجب‬
‫فائدة إذ الكل محجوب ‪.‬‬
‫ومن أدلة رؤيته سبحانه يوم القيامة أيضا قوله تعالى‪ } :‬للذين‬
‫أحسنوا الحسنى وزيادة {)يونس‪ (26:‬والزيادة وإن كانت مبهمة‪،‬‬
‫إل أنه قد ورد في حديث صهيب تفسير النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم لها بالرؤية‪ ،‬كما روى ذلك مسلم في صحيحه عن صهيب‬

‫‪354‬‬
‫رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ ) :‬إذا دخل‬
‫أهل الجنة الجنة‪ ،‬قال‪ :‬يقول الله تبارك وتعالى‪ :‬تريدون شيئا‬
‫أزيدكم‪ ،‬فيقولون‪ :‬ألم تبيض وجوهنا‪ ،‬ألم تدخلنا الجنة‪ ،‬وتنجينا من‬
‫النار‪ ،‬قال‪ :‬فيكشف الحجاب‪ ،‬فما أعطوا شيئا أحب إليهم من‬
‫النظر إلى ربهم عز وجل‪ ،‬ثم تل هذه الية } للذين أحسنوا‬
‫الحسنى وزيادة {‪.‬‬
‫هذا ما يتعلق بالدلة من كتاب الله تعالى في إثبات رؤية‬
‫المؤمنين لربهم يوم القيامة‪ ،‬أما أحاديث السنة فقد نص أهل‬
‫ص على ذلك‬ ‫العلم على أن أحاديث الرؤية متواترة‪ ،‬وممن ن ّ‬
‫العلمة الكتاني في نظم المتناثر‪ ،‬و ابن حجر في فتح الباري‪ ،‬و‬
‫العيني في عمدة القاري‪ ،‬و ابن حزم في الفصل‪ ،‬و ابن تيمية في‬
‫درء تعارض العقل والنقل وغيرهم‪ ،‬ومن جملة تلك الحاديث‪:‬‬
‫‪ -1‬حديث أبي هريرة رضي الله عنه‪ ،‬أن ناسا ً قالوا لرسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ :‬يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ) :‬هل تضارون في رؤية‬
‫القمر ليلة البدر ؟ قالوا ‪ :‬ل‪ ،‬يا رسول الله‪ ،‬قال‪ :‬هل تضارون في‬
‫الشمس ليس دونها سحاب ؟ قالوا‪ :‬ل‪ ،‬يا رسول الله‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فإنكم ترونه كذلك ( رواه مسلم ‪ .‬ومعنى " تضارون" أي ل‬
‫يزاحم بعضكم بعضا‪ ،‬أو يلحق بعضكم الضرر ببعض بسبب‬
‫الرؤية‪ ،‬وتشبية رؤية الباري برؤية الشمس والقمر‪ ،‬ليس تشبيها‬
‫للمرئي بالمرئي‪ ،‬وإنما تشبيه الرؤية في وضوحها وجلئها برؤية‬
‫العباد الشمس والقمر إذ يرونهما من غير مزاحمة ول ضرر ‪.‬‬
‫‪ -2‬حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال‪ :‬قال النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ) :‬إنكم سترون ربكم عيانا ( رواه البخاري ‪.‬‬
‫‪ -3‬حديث صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪ ) :‬إذا دخل‬
‫أهل الجنة الجنة‪ ،‬قال‪ :‬يقول الله تبارك وتعالى‪ :‬تريدون شيئا‬
‫أزيدكم‪ ،‬فيقولون‪ :‬ألم تبيض وجوهنا‪ ،‬ألم تدخلنا الجنة‪ ،‬وتنجينا من‬
‫النار‪ ،‬قال‪ :‬فيكشف الحجاب‪ ،‬فما أعطوا شيئا أحب إليهم من‬
‫النظر إلى ربهم عز وجل‪ ،‬ثم تل هذه الية } للذين أحسنوا‬
‫الحسنى وزيادة { رواه مسلم ‪.‬‬
‫‪ -4‬حديث أبي موسى الشعري رضي الله عنه عن النبي ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬أنه قال‪ ) :‬جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما‪،‬‬
‫وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما‪ ،‬وما بين القوم وبين أن‬
‫ينظروا إلى ربهم إل رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن (‬
‫متفق عليه‬

‫‪355‬‬
‫‪ -5‬حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ) :‬ما منكم من أحد إل سيكلمه ربه‪ ،‬ليس‬
‫بينه وبينه ترجمان‪ ،‬ول حجاب يحجبه ( رواه البخاري ‪.‬‬
‫أما الجماع فقد قال شيخ السلم ابن تيمية ‪ -‬كما في مجموع‬
‫الفتاوى ‪ ": - 6/512‬أجمع سلف المة وأئمتها على أن المؤمنين‬
‫يرون الله بأبصارهم في الخرة "‪.‬‬
‫ورغم هذا الجماع وتلك الدلة التي بلغت حد التواتر ‪ -‬والتي لم‬
‫نذكر سوى اليسير منها ‪ -‬إل أن المعتزلة أنكرت رؤية المؤمنين‬
‫لربهم يوم القيامة‪ ،‬وزعمت أن ذلك محال‪ ،‬وسلكوا في سبيل‬
‫تأييد قولهم ونصرته مسلكين‪ ،‬المسلك الول‪ :‬العتراض على‬
‫استدللت أهل السنة‪ ،‬والمسلك الثاني‪ :‬الستدلل لمذهبهم ‪،‬‬
‫وسوف نعرض لكل المسلكين – بعد ذكرهما – بالنقد والتمحيص‬
‫ليستبين ضعف ما بنو عليه مذهبهم وفساده‪.‬‬
‫اعتراضات المعتزلة على أدلة أهل السنة‬
‫اعترض المعتزلة على ما أورده أهل السنة من أدلة الكتاب‬
‫باعتراضات‪ ،‬من ذلك قولهم‪ :‬أن المراد بالنظر في قوله تعالى‪} :‬‬
‫وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة { هو انتظار الثواب ل النظر‬
‫بالبصار‪.‬‬
‫وأجاب أهل السنة عن ذلك بأن تفسير النظر في الية بمعنى‬
‫دي بإلى كان ظاهرا في نظر‬ ‫النتظار خطأ بّين‪ ،‬لن النظر إذا ع ُ ّ‬
‫البصار‪ ،‬يقول العلمة اللغوي أبو منصور الزهري في كتابه‬
‫تهذيب اللغة ) ‪ ":( 14/371‬ومن قال‪ :‬إن معنى قوله‪ }:‬إلى ربها‬
‫ناظرة {‪ :‬بمعنى منتظرة فقد أخطأ‪ ،‬لن العرب ل تقول‪ :‬نظرت‬
‫إلى الشيء بمعنى انتظرته‪ ،‬وإنما تقول‪ :‬نظرت فلنًا‪ ،‬أي‪:‬‬
‫انتظرته‪ ،‬ومنه قول الحطيئة‪:‬‬
‫وقد نظرتكم أبناء صادرة للورد طال بها حوزي ] الحوز‪ :‬السير‬
‫الشديد [‬
‫فإذا قلت‪ :‬نظرت إليه لم يكن إل بالعين‪ ،‬وإذا قلت‪ :‬نظرت في‬
‫المر احتمل أن يكون تفكرا ً وتدبرا ً بالقلب " ا‪.‬هـ‪.‬‬
‫ومما يدل على أن النظر هنا ليس بمعنى النتظار أن الية سيقت‬
‫سر النظُر بالنتظار‬ ‫مساق المتنان بذكر نعيم أهل الجنان‪ ،‬ولو فُ ّ‬
‫لما عد ّ ذلك من النعيم‪ ،‬فإن النتظار تنغيص وكدر ‪-‬كما ل يخفى ‪-‬‬
‫إضافة إلى أن أهل الجنة ل ينتظرون شيئا فمهما تمنوا شيئا أتوا‬
‫به ‪.‬‬
‫واعترض نفاة الرؤية على الستدلل بقوله تعالى‪ }:‬للذين‬
‫أحسنوا الحسنى وزيادة { بأنه ليس في الية تصريح بالرؤية‪،‬‬
‫والزيادة يمكن تفسيرها بأوجه مختلفة كمن فسرها بمضاعفة‬

‫‪356‬‬
‫الحسنات‪ ،‬أو المغفرة والرضوان‪ ،‬وعليه فل يصح حملها على‬
‫الرؤية‪ ،‬وإل أصبح ذلك تكلفا وقول على الله بغير علم‪.‬‬
‫والجواب على ذلك من وجهين ‪:‬‬
‫الوجه الول‪ :‬أن ما ذ ُك َِر من أوجه التفسير ل ينافي تفسيرها‬
‫بالرؤية‪ ،‬فالزيادة هنا مبهمة‪ ،‬وهي شاملة لكل ما يتفضل الله به‬
‫على عباده بعد مجازاتهم بجنته‪ ،‬يقول المام الطبري ‪ -‬بعد أن‬
‫سرها بتضعيف‬ ‫ذكر أقوال المفسرين في الزيادة كمن ف ّ‬
‫الحسنات‪ ،‬أو المغفرة والرضوان‪ ،‬ومن فسرها بالرؤية ‪ " : -‬وغير‬
‫مستنكر من فضل الله أن يجمع ذلك لهم‪ ،‬بل ذلك كله مجموع‬
‫م "‪.‬‬‫لهم إن شاء الله ‪ .‬فأولى القوال في ذلك بالصواب أن يع ّ‬
‫سر الزيادة بالرؤية لم يأت اعتباطا‪،‬‬ ‫الوجه الثاني‪ :‬أن تفسير من ف ّ‬
‫وإنما جاء بناء على التفسير النبوي لها‪ ،‬فالنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم عندما ذكر رؤية المؤمنين لربهم تل هذه الية‪ } :‬للذين‬
‫أحسنوا الحسنى وزيادة {‪ ،‬ولو لم يكن كلمه صلى الله عليه‬
‫وسلم تفسيرا للية التي قرأها‪ ،‬لما كان في قراءتها فائدة‪ ،‬ولكان‬
‫ذكرها في الحديث لغوا وحشوا‪ ،‬وحاشاه صلى الله عليه وسلم‬
‫من ذلك ‪.‬‬
‫أما اعتراضهم على أحاديث السنة فيتلخص في ردهم الستدلل‬
‫بها بدعوى أنها أحاديث آحاد‪ ،‬ل يقبل الستدلل بها في مسائل‬
‫العتقاد‪ ،‬وهي دعوى مردودة بل شك‪ ،‬وتدل على جهل قائلها‬
‫بعلم الحديث وطرقه ورجاله‪ ،‬ذلك أن أهل العلم بالحديث قد‬
‫نصوا صراحة على تواتر أحاديث الرؤية‪ ،‬وقد سبق ذكر من نص‬
‫على ذلك‪ ،‬ويقول العلمة ابن الوزير اليماني ‪ -‬كما في الروض‬
‫الباسم ‪ -‬ردا على من زعم أن أحاديث الرؤية أحاديث آحاد‪ ،‬وأنها‬
‫من رواية جرير بن عبدالله البجلي فحسب‪ " :‬وهذا من الغراب‬
‫دثين يروون في الّرؤية أحاديث‬ ‫ن المح ّ‬‫الكثير والجهل العظيم‪ ,‬فإ ّ‬
‫صحابة أكثر من‬ ‫كثيرة تزيد على ثمانين حديثا ً عن خلق كثير من ال ّ‬
‫ثلثين صحابي ّا ً ‪ ..‬وروى حديث الرؤية علماء الحديث كّلهم في‬
‫جميع دواوين السلم من طرق كثيرة " ا‪.‬هـ ‪ ،‬ولو سلمنا جدل‬
‫بكون أحاديث الرؤية أحاديث آحاد فل يجوز ترك الستدلل بها إذا‬
‫صح سندها إلى النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وقد بينا صحة‬
‫الستدلل بأحاديث الحاد على مسائل العتقاد في مقال بعنوان‬
‫" أحاديث الحاد حجة في العقائد والحكام"‬
‫استدللت المعتزلة على نفي رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة‬
‫استدل المعتزلة على نفي الرؤية بآيات منها قوله تعالى‪ } :‬ل‬
‫تدركه البصار وهو يدرك البصار وهو اللطيف الخبير {)النعام‪:‬‬

‫‪357‬‬
‫‪ (103‬قالوا‪ :‬ومتعلق الدراك المنفي إدراك البصر فكان ذلك‬
‫ظاهرا في نفي الرؤية ‪.‬‬
‫وأجاب العلماء عن ذلك بأن المنفي هو الحاطة ل مطلق البصر‪،‬‬
‫بمعنى أن رؤية المؤمنين ربهم ل تعني أنهم يحيطون به سبحانه‪،‬‬
‫ول أنهم يدركون برؤيتهم له حقيقة ذاته‪ ،‬وممن ذهب إلى هذا‬
‫التفسير ابن عباس رضي الله عنهما حين عارضه سائل بقوله‬
‫تعالى‪ }:‬ل تدركه البصار {)النعام ‪ (103 :‬فقال له‪ :‬ألست ترى‬
‫السماء ؟ فقال‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬أتراها كلها ؟ قال‪ :‬ل ‪ .‬فبين له أن‬
‫نفى الدراك ل يقتضى نفى الرؤية‪.‬‬
‫وعن قتادة في قوله تعالى‪ }:‬ل تدركه البصار { قال‪ " :‬هو أجل‬
‫من ذلك وأعظم أن تدركه البصار" وعن عطية العوفي في‬
‫تفسير الية قال‪ ":‬هم ينظرون إلى الله ل تحيط أبصارهم به من‬
‫عظمته‪ ،‬وبصره يحيط بهم"‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية ‪ ":‬فإذا ً المعنى أنه ُيرى ول ُيدرك ول‬
‫ُيحاط به‪ ،‬فقوله‪ }:‬ل تدركه البصار {‪ ،‬يدل على غاية عظمته‪،‬‬
‫وأنه أكبر من كل شيء‪ ،‬وأنه لعظمته ل يدرك بحيث يحاط به‪،‬‬
‫فإن الدراك هو الحاطة بالشيء‪ ،‬وهو قدر زائد على الرؤية "‪.‬‬
‫ومما استدل به المعتزلة على نفي الرؤية‪ ،‬قوله تعالى‪ }:‬يسألك‬
‫أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى‬
‫أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة {)النساء‪ ،(153 :‬يقول‬
‫الجاحظ المعتزلي في رسائله‪ ":‬قد رأينا الله استعظم الرؤية‬
‫استعظاما ً شديدًا‪ ،‬وغضب على من طلب ذلك وأراده‪ ،‬ثم عذب‬
‫عليه‪ ،‬وعجب عباده ممن سأله ذلك‪ ،‬وحذرهم أن يسلكوا سبيل‬
‫الماضين‪ ،‬فقال في كتابه لنبيه صلى الله عليه وسلم‪ }:‬يسألك‬
‫أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا ً من السماء فقد سألوا موسى‬
‫أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة { فإن كان‬
‫الله تعالى ‪ -‬في الحقيقة ‪ -‬يجوز أن يكون مرئيًا‪ ،‬وببعض الحواس‬
‫مدركًا‪ ،‬وكان ذلك عليه جائزًا‪ ،‬فالقوم إنما سألوا أمرا ً ممكنًا‪ ،‬وقد‬
‫طمعوا في مطمع‪ ،‬فلم غضب هذا الغضب‪ ،‬واستعظم سؤالهم‬
‫هذا الستعظام‪ ،‬وضرب به هذا المثل‪ ،‬وجعله غاية في الجرأة‬
‫وفي الستخفاف بالربوبية "‪.‬‬
‫والجواب على ذلك أن الله غضب عليهم هذا الغضب‪ ،‬واستعظم‬
‫سؤالهم هذا الستعظام لكونه وقع على سبيل التعنت‪ ،‬والربط‬
‫بين إجابة سؤالهم واليمان به سبحانه‪ ،‬كما في الية الخرى ‪:‬‬
‫} وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم‬
‫الصاعقة وأنتم تنظرون {) البقرة‪ (55:‬فالله غضب عليهم ل لن‬

‫‪358‬‬
‫رؤيته غير جائزة‪ ،‬بل لنهم ربطوا بين إيمانهم به سبحانه وبين‬
‫رؤيته‪ ،‬وهذا منتهى التعنت والستهتار ‪.‬‬
‫ومما استدل به منكرو الرؤية قوله تعالى‪ } :‬وقال الذين ل‬
‫يرجون لقاءنا لول أنزل علينا الملئكة أو نرى ربنا لقد استكبروا‬
‫في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا {)الفرقان‪ (21:‬قالوا‪ :‬أل ترى أن‬
‫الله قد عد ّ قول الكفار " أو نرى ربنا " من أسباب الكفر والعتو‪،‬‬
‫أليس في ذلك أعظم الدلة على امتناع رؤيته سبحانه‬
‫واستحالتها‪.‬‬
‫والجواب على ذلك كالجواب على سابقه‪ ،‬بدليل قولهم‪ }:‬لول‬
‫أنزل علينا الملئكة {‪ ،‬فهل يقول قائل‪ :‬إن نزول الملئكة على‬
‫البشر ممتنع ومستحيل بهذه الية ؟!! كل ل يقول بذلك أحد‪ ،‬حتى‬
‫الذين ينفون الرؤية‪ ،‬لن نزول الملئكة على بعض البشر ثابت‬
‫بأدلة الشرع ول يمنعه العقل‪ ،‬وإنما عد ّ الله ذلك من أسباب‬
‫الكفر والعتو لعراضهم عن الحق رغم وضوحه‪ ،‬وتوقفهم عن‬
‫الستجابة له حتى يحصل لهم ما طلبوا من تلك اليات ‪.‬‬
‫والية السابقة إنما وردت في سياق ذكر تعنت المشركين‬
‫وفرضهم شروطا مسبقة على إيمانهم‪ ،‬وليس لن المشركين‬
‫طلبوا رؤية الله بدافع الشوق والرغبة‪ ،‬يقول المام الطبري في‬
‫تفسير الية‪ ":‬يقول تعالى ذكره‪ :‬وقال المشركون الذين ل‬
‫يخافون لقاءنا‪ ،‬ول يخشون عقابنا‪ :‬هل أنزل الله علينا ملئكة‪،‬‬
‫فتخبرنا أن محمدا محق فيما يقول‪ ،‬وأن ما جاءنا به صدق‪ ،‬أو‬
‫نرى ربنا فيخبرنا بذلك‪ ،‬كما قال جل ثناؤه مخبرا عنهم } وقالوا‬
‫لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الرض ينبوعا {)السراء ‪ (90:‬ثم‬
‫قال بعد } أو تأتي بالله والملئكة قبيل {)السراء ‪ (92 :‬يقول‬
‫الله‪ :‬لقد استكبر قائلوا هذه المقالة في أنفسهم‪ ،‬وتعظموا‪،‬‬
‫} وعتوا عتوا كبيرا { يقول‪ :‬وتجاوزوا في الستكبار بقيلهم ذلك‬
‫ده "‪.‬‬
‫ح ّ‬
‫ومما استدل به المعتزلة على إنكار الرؤية قوله تعالى لموسى‬
‫وقد سأله رؤيته سبحانه‪ }:‬لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن‬
‫استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخّر‬
‫موسى صعقا {)العراف‪ .(143 :‬قالوا‪ :‬وهذا النفي عام في‬
‫الدنيا والخرة فلو حصل في زمن ما لكان منافيا لمقتضى الية‪،‬‬
‫وقالوا‪ :‬إن حرف النفي "لن" عند علماء اللغة يفيد النفي المؤبد‪،‬‬
‫أي لن يكون هذا أبدا‪.‬‬
‫وأولوا طلب موسى رؤية ربه بأنه كان بدافع إقامة الحجة على‬
‫قومه الذين ألحوا عليه أن يروا الله جهرة ‪.‬‬
‫والرد على استدللهم هذا من وجوه‪:‬‬

‫‪359‬‬
‫الوجه الول‪ :‬أن سؤال موسى ربه أن يراه دليل على جواز رؤيته‬
‫سبحانه‪ ،‬إذ موسى أعلم بالله من أن يسأله مستحيل في حقه‪،‬‬
‫ودعوى أنه إنما سأله ليقيم الحجة على قومه عارية عن الدليل‬
‫بل هي محض تخرص‪ ،‬فموسى إنما سأل ربه منفردا ودون سابق‬
‫طلب من قومه كما تدل عليه اليات في قوله تعالى‪ }:‬وواعدنا‬
‫موسى ثلثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة‬
‫وقال موسى لخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ول تتبع‬
‫سبيل المفسدين‪ .‬ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب‬
‫أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر‬
‫مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخّر موسى‬
‫صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين {‬
‫) العراف‪ .(143-142:‬فواضح أنه ل دللة في منطوق النص ول‬
‫في مفهومه على أن طلب موسى الرؤية كان لقناع بني‬
‫إسرائيل باستحالتها‪ ،‬كيف وقد طلب الرؤية حال اعتكافه وخلوته‪،‬‬
‫ثم لماذا يطلب التوبة من سؤاله الرؤية إذا كان إنما سألها لقامة‬
‫الحجة على بني إسرائيل‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أن الله لم ينكر عليه سؤاله‪ ،‬ولو كان ما سأله‬
‫محال وممتنعا لنكر الله عليه سؤاله كما أنكر على نوح عليه‬
‫السلم سؤاله نجاة ابنه‪ ،‬وقال سبحانه لنبيه نوح عليه السلم‪:‬‬
‫} إني أعظك أن تكون من الجاهلين {‪.‬‬
‫ُ‬
‫الوجه الثالث‪ :‬أنه تعالى قال‪ }:‬لن تراني { ولم يقل إني ل أرى‪،‬‬
‫أو ل تجوز رؤيتي‪ ،‬أو لست بمرئي‪ ،‬والفرق بين الجوابين ظاهر‪،‬‬
‫ل طعاما ً فقال‬
‫مهِ حجر فظنه رج ٌ‬‫أل ترى أن من كان في ك ّ‬
‫أطعمنيه‪ ،‬فالجواب الصحيح أن يقول‪ :‬إنه ل يؤكل‪ ،‬أما إذا كان‬
‫طعاما‪ ،‬صح أن يقال إنك لن تأكله‪ ،‬وهذا يدل على أنه سبحانه‬
‫مرئي ولكن موسى ل تحتمل قواه رؤيته في هذه الدار‪ ،‬لضعف‬
‫قوى البشر فيها عن رؤيته تعالى‪ ،‬يوضحه قوله ‪ } :‬ولكن انظر‬
‫إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني { فأعلمه أن الجبل‬
‫مع قوته وصلبته ل يثبت للتجلي في هذه الدار فكيف بالبشر‬
‫الذي خلق من ضعف ‪.‬‬
‫الوجه الرابع‪ :‬تجليه سبحانه للجبل ‪ }:‬فلما تجلى ربه للجبل جعله‬
‫دكا { فإذا جاز أن يتجلى للجبل الذي هو جماد‪ ،‬فكيف يمتنع أن‬
‫يتجلى لرسله وأوليائه في دار كرامته‪.‬‬
‫الوجه الخامس‪ :‬قوله تعالى‪ } :‬ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر‬
‫مكانه فسوف تراني { حيث عّلق سبحانه رؤيته على استقرار‬
‫الجبل‪ ،‬واستقرار الجبل أمر ممكن‪ ،‬والمعّلق على الممكن‬
‫ممكن‪.‬‬

‫‪360‬‬
‫الوجه السادس‪ :‬أن دعواهم أن "لن" تفيد النفي المؤبد مردودة‬
‫كما قد نص على ذلك أئمة اللغة‪ ،‬يقول ابن مالك في ألفيته‪:‬‬
‫ومن رأى النفي بلن مؤبدا * فقوله اردد وسواه فاعضدا‬
‫ومما يدل على بطلن ادعاء أن "لن" تفيد النفي المؤبد‪ ،‬قوله‬
‫تعالى عن الكفار‪ }:‬ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم { أي‪:‬‬
‫الموت‪ ،‬فلو كانت "لن" تفيد التأبيد المطلق لما صح أن يتمنى‬
‫كافر الموت ل في الدنيا ول في الخرة‪ ،‬لكن الله ذكر أن الكفار‬
‫يتمنون الموت في الخرة‪،‬كما في قوله سبحانه‪ } :‬ونادوا يا مالك‬
‫ليقض علينا ربك {)الزخرف‪ (77 :‬فدل على أن "لن" ل تفيد‬
‫النفي بإطلق بل يمكن تقييدها بأدلة أخرى‪ ،‬وعليه فيكون معنى‬
‫قوله تعالى لموسى‪ } :‬لن تراني { أي في الدنيا ‪.‬‬
‫ومما استدل به منكرو الرؤية قوله سبحانه‪ }:‬وما كان لبشر أن‬
‫يكلمه الله إل وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسول فيوحي‬
‫بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم {)الشورى‪ .(51:‬ووجه استدللهم‬
‫بالية على نفي الرؤية أن الله حصر تكليمه للنبياء في ثلثة‬
‫أوجه‪ :‬وهي الوحي بأن يلقي في روعه ما يشاء‪ ،‬أو يكلمه‬
‫بواسطة من وراء حجاب‪ ،‬أو يرسل إليه رسول فيبلغه عنه‪،‬‬
‫فيستلزم ذلك انتفاء رؤيته حال التكلم‪.‬‬
‫والجواب أن الية تتحدث عن صور الوحي ل عن الرؤية‪ ،‬والوحي‬
‫إنما يقع في الدنيا ل في الخرة‪ ،‬فالية موافقة لمذهب السلف‬
‫في نفي الرؤية في الدنيا ول تعارض أدلة إثباتها في الخرة‪.‬‬
‫هذا ما يتعلق بما استدلوا به من القرآن الكريم‪ ،‬أما من السنة‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫فقد استدلوا ببعض الحاديث كحديث أبى ذر رضي الله عنه أن ّ ُ‬
‫سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬هل رأيت ربك ؟ قال‪:‬‬
‫) نور أّنى أراه ( رواه مسلم ‪ .‬قالوا‪ :‬هذا الحديث ينفي الرؤية‬
‫مطلقا حيث استبعد حصول الرؤية بقوله‪ ):‬أّنى أراه ( وأّنى‬
‫بمعنى كيف‪ .‬ولو علم صلى الله عليه وسلم بأنه سيراه في‬
‫الخرة لخبر أبا ذر رضي الله عنه‪.‬‬
‫والجواب عن هذا الستدلل بأنه خطأ بّين‪ ،‬فسؤال أبي ذر رضي‬
‫الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك ؟ متعلق‬
‫بحادثة المعراج‪ ،‬وهي حادثة وقعت في حياة النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فهي في الدنيا وليست في الخرة‪ ،‬وعليه فالنفي النبوي‬
‫ل ينسحب على الرؤية في الخرة‪.‬‬
‫وكونه صلى الله عليه وسلم لم يخبر أبا ذر في نفس الحديث‬
‫بأنه سيراه في الخرة غير لزم‪ ،‬لن سؤاله رضي الله عنه عن‬
‫واقعة المعراج فحسب‪ ،‬فجاء الجواب مقتصرا على تلك الحادثة‪.‬‬

‫‪361‬‬
‫أما المروي عن مجاهد في هذه المسألة‪ ،‬وما نقل عنه من‬
‫ده‬
‫تفسير قوله تعالى‪ } :‬إلى ربها ناظرة { فهو رأي تفرد به‪ ،‬وع ّ‬
‫العلماء شذوذا‪ ،‬قال المام القرطبي تفسيره ‪ " :‬قال ابن عبد‬
‫البر ‪ " :‬مجاهد وإن كان أحد الئمة بالتأويل‪ ،‬فإن له قولين‬
‫مهجورين عند أهل العلم ‪ :‬أحدهما هذا – يعني أن الله سبحانه‬
‫يجلس نبيه صلى الله عليه وسلم معه على كرسيه‪ -‬والثاني في‬
‫تأويل } وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة { قال‪ :‬معناه‬
‫تنتظر الثواب‪ ،‬وليس من النظر "‪.‬‬
‫ومع هذا فل يدل قوله هذا على أنه ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬ل يرى الرؤية‪،‬‬
‫وإنما غاية ما فيه أنه ذهب في تفسير الية مذهبا مخالفا لمذهب‬
‫من أثبتها‪ ،‬ول يعني انتفاء دللة الية عنده على الرؤية انتفاء دللة‬
‫غيرها من الدلة الخرى‪ ،‬ول سيما الحاديث والتي بلغت حد ّ‬
‫التواتر ‪.‬‬
‫تلك كانت شبهات من أنكر رؤية الباري سبحانه‪ ،‬وتلك كانت ردود‬
‫أهل السنة عليهم‪ ،‬والتي ظهر بها مدى صحة مذهب السلف في‬
‫إثبات الرؤية‪ ،‬ومدى ضعف وتهافت أدلة من أنكرها والله أعلم ‪.‬‬
‫=========================‬
‫الجزية رحمة وسماحة‬
‫المام حسن البنا‬
‫الجزية ضريبة كالخراج تجبى على الشخاص ل على الرض‬
‫والكلمة عربية مشتقة من الجزاء لنها تدفع نظير شئ هو‬
‫الحماية والمنعة‪ ،‬أو العفاء من ضريبة الدم والجندية‪ ،‬وذهب‬
‫بعض العلماء إلى أنها فارسية معربة وأصلها كزيت ومعناها‬
‫الخراج الذي يستعان به على الحرب ‪ .‬وقال إن كسرى هو أول‬
‫من وضع الجزية وعلى هذا فهي نظام في الضريبة نقله السلم‬
‫عن الفارسية ولم يبتكره ‪.‬‬
‫ولقد قرر السلم ضريبة الجزية على غير المسلمين في البلد‬
‫التى يفتحها نظير قيام الجند السلمي بحمايتهم وحراسة‬
‫أوطانهم والدفاع عنها في الوقت الذي قرر فيه إعفاءهم من‬
‫الجندية ‪ .‬فهي بدل نقدي لضريبة الدم‪ ،‬وإنما سلك السلم هذه‬
‫السبيل ولجأ إليها مع غير المسلمين من باب التخفيف عليهم‬
‫والرحمة بهم وعدم الحراج لهم حتى ل يلزمهم أن يقاتلوا في‬
‫صفوف المسلمين فيتهم بأنه إنما يريد لهم الموت والستئصال‬
‫والفناء والتعريض لمخاطر الحرب والقتال‪ ،‬فهي في الحقيقة‬
‫امتياز في صورة ضريبة وفى الوقت نفسه احتياط لتنقية صفوف‬
‫المجاهدين من غير ذوي العقيدة الصحيحة والحماسة المؤمنة‬
‫البصيرة ومقتضى هذا أن غير المسلمين من أبناء البلد التى‬

‫‪362‬‬
‫تدخل تحت حكم السلم إذا دخلوا في الجند أو تكفلوا أمر الدفاع‬
‫أسقط المام عنهم الجزية ‪ .‬وقد جرى العمل على هذا فعل في‬
‫كثير من البلد التى فتحها خلفاء السلم‪ ،‬وسجل ذلك قواد‬
‫الجيوش السلمية في كتب ومعاهدات ل زالت مقروءة في كتب‬
‫التاريخ السلمي ومنها ‪:‬‬
‫‪ -1‬كتاب خالد بن الوليد لصلوبا بن نسطونا حين دخل الفرات‬
‫وأوغل فيه وهذا نصه)) هذا كتاب من خالد بن الوليد لصلوبا بن‬
‫نسطونا وقومه ‪ .‬إني عاهدتكم على الجزية والمنعة فلك الذمة‬
‫والمنعة وما منعناكم فلنا الجزية وإل فل كتب سنة اثنتى عشرة‬
‫في صفر(( ‪.‬‬
‫‪-2‬وفى حمص رد المراء بأمر أبي عبيدة ما كانوا أخذوه من‬
‫الجزية من أهلها وما إليها حين جلوا عنها ليتجمعوا لقتال الروم‬
‫وقالوا لهل البلد إنما رددنا عليكم أموالكم لنه قد بلغنا ما جمع‬
‫لنا من الجموع وإنكم قد اشترطتم أن نمنعكم وإنا ل نقدر على‬
‫ذلك الن وقد رددنا علكم ما أخذنا منكم ونحن لكم على الشرط‬
‫وما كان بيننا وبينكم إن نصرنا الله عليهم‪ ،‬فكان جواب أهل هذه‬
‫البلد ردكم الله علينا ونصركم عليهم فلوا كانوا هم لم يردوا علينا‬
‫شيئا وأخذوا كل شئ‪ ،‬لوليتكم وعدلكم أحب إليننا مما كنا فيه‬
‫من الظلم والغشم‪ ،‬وكذلك فعل أبو عبيدة نفسه مع دمشق حين‬
‫كان يتجهز لليرموك ‪.‬‬
‫‪-3‬كتاب العهد الذي كتبه سويد بن مقرن أحد قواد عمر رضى‬
‫الله عنهما لرزبان وأهل دهيستان وسائر أهل جرجان ونصه )هذا‬
‫كتاب سويد بن مقرن لرزبان صول بن رزبان وأهل دهستان‬
‫وسائر أهل جرجان أن لكم الذمة وعلينا المنعة على أن عليكم‬
‫من الجزاء في كل سنة على قدر طاقتكم على كل حال ومن‬
‫ضا عن‬ ‫استعنا به منكم فله جزاؤه أي جزيته في معونته عو ً‬
‫جزائه‪ ،‬ولهم المان على أنفسهم وأموالهم ومالهم وشرائعهم ول‬
‫يغير شئ من ذلك( شهد سواد بن قطبة وهند بن عمر وسماك‬
‫بن مخرمة وعتبة بن النهاس وكتب في سنة ‪18‬هـ ‪ -‬الطبري ‪.‬‬
‫‪-4‬كتاب عتبة بن فرقد أحد عمال عمر بن الخطاب وهذا نصه ‪:‬‬
‫هذا ما أعطى عتبة بن فرقد عامل عمر بن الخطاب أمير‬
‫المؤمنين أهل أذربيجان سهلها وجبلها وحواشيها وشعارها وأهل‬
‫مللها كلهم المان على أنفسهم وأموالهم ومللهم وشرائعهم على‬
‫أن يؤدوا جزية على قدر طاقتهم‪ ،‬ومن حشر منهم في سنة أي‬
‫جند منهم في سنة وضع عنه جزاء تلك السنة ومن أقام فله مثل‬
‫من أقام من ذلك – الطبري ‪.‬‬

‫‪363‬‬
‫‪-5‬العهد الذي كان بين سراقة عامل عمر وبين شهر براز وقد‬
‫كتب به سراقة إلى عمر فأجازه واستحسنه وهذا نصه ) هذا ما‬
‫أعطى سراقة بن عمرو عامل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب‬
‫شهر براز وسكان أرمينية والرمن من المان ‪ .‬أعطاهم أمانا‬
‫لنفسهم وأموالهم وملتهم أل يضاورا ول ينقضوا‪ ،‬وعلى أرمينية‬
‫والبواب الطراء منهم أي الغرباء والقناء أي المقيمون ومن‬
‫حولهم فدخل معهم أن ينفروا لكل غارة وينفذوا لكل أمر ناب أو‬
‫حا على أن يوضع الجزاء أي الجزية عمن‬ ‫لم ينب رآه الوالي صل ً‬
‫أجاب إلى ذلك‪ ،‬ومن استغنى عنه منهم وقعد فعليه مثل ما على‬
‫أهل أذربيجان من الجزاء فإن حشروا أي جندوا وضع ذلك عنهم (‬
‫شهد عبدالرحمن بن ربيعة وسلمان بن ربيع وبكير بن عبدالله‬
‫وكتب مرضى بن مقرن وشهد – الطبري ‪.‬‬
‫‪-6‬أخيرا ً أمر الجارجمة فيما ذكره البلذري فقال حدثني مشايخ‬
‫من أهل إنطاكية أن الجراجمة من مدنية على جبل لكام عند‬
‫معدن الزاج فيما بين بياس وبوقا يقال لها الجرجومة‪ ،‬وأن أمرهم‬
‫كان في استيلء الروم على الشام وإنطاكية إلى بطريرك‬
‫إنطاكية وواليها‪ ،‬فلما قدم أبو عبيدة إلى إنطاكية وفتحها لزموا‬
‫مدينتهم وهموا باللحاق بالروم إذ خافوا على أنفسهم فلم يتنبه‬
‫المسلمون لهم ولم ينبهوا عليهم‪ ،‬ثم إن أهل إنطاكية نقضوا‬
‫وغدروا فوجه إليهم أبو عبيدة من فتحها ثانية وولها بعد فتحها‬
‫حبيب بن مسلمة الفهري فغزى الجرجومة فلم يقاتله أهلها‬
‫ولكنهم بدروا بطلب المان والصلح فصالحوه على أن يكونوا‬
‫أعوانا ً للمسلمين وعيونا ً ومسالح في جبل لكام وأل يؤخذوا‬
‫بالجزية ودخل من كان في مدينتهم من تاجر وأجير وتابع من‬
‫النباط وغيرهم وأهل القرى في هذا الصلح ‪ ...‬ولم يؤخذ‬
‫الجراجمة بالجزية قط حتى أن بعض العمال في عهد الواثق‬
‫العباسي ألزمهم جزية رؤوسهم فرفعوا ذلك إليه فأمر بإسقاطها‬
‫عنهم ‪.‬‬
‫وبهذا البيان يندفع كل ما يوجه إلى ضرية الجزية من نقد أو اتهام‬
‫وتظهر حكمة السلم ورحمة الله بعباده في تشريعاته واضحة ل‬
‫غموض فيها ول إبهام ‪.‬‬
‫‪ -7‬الحث على دوام الستعداد وكمال الشجاعة إذا تحتم الجهاد ‪.‬‬
‫فإذا كان ول بد من الحرب لغرض من الغراض النسانية‬
‫المشروعة التى سبقت الشارة إليها‪ ،‬فإن السلم يصرح بأن‬
‫و‬
‫ل وَهُ َ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫قَتا ُ‬ ‫ب ع َل َي ْك ُ ُ‬ ‫الجهاد والقتال فريضة على كل مسلم )ك ُت ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حّبوا‬‫ن تُ ِ‬‫سى أ ْ‬ ‫م وَع َ َ‬ ‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬‫شْيئا ً وَهُوَ َ‬ ‫هوا َ‬ ‫ن ت َك َْر ُ‬‫سى أ ْ‬ ‫ك ُْره ٌ ل َك ُ ْ‬
‫م وَع َ َ‬
‫َ‬
‫ن( )البقرة‪. (216:‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ت َعْل َ ُ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬
‫م وَأن ْت ُ ْ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫شّر ل َك ُ ْ‬‫شْيئا ً وَهُوَ َ‬ ‫َ‬

‫‪364‬‬
‫وهو حينئذ أفضل القربات إلى الله تبارك وتعالى والموت في‬
‫ساحاته شهادة توجب الكبار في الدنيا والجنة في الخرة ول‬
‫يعفى منه إل العاجزون عنه وعليهم أن يجهزوا غيرهم إن كانوا‬
‫شت ََرى‬‫ها ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫قادرين على ذلك وأن يخلفوهم في أهليهم بخير )إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن أ َن ْ ُ‬
‫ل‬
‫سِبي ِ‬‫ن ِفي َ‬ ‫قات ُِلو َ‬ ‫ة يُ َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫جن ّ َ‬ ‫ن ل َهُ ُ‬‫م ب ِأ ّ‬‫وال َهُ ْ‬
‫م َ‬‫م وَأ ْ‬‫سه ُ ْ‬
‫ف َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ل‬‫جي ِ‬ ‫قا ً ِفي الت ّوَْراةِ َواْل ِن ْ ِ‬ ‫ح ّ‬‫عدا ً ع َل َي ْهِ َ‬‫ن وَ ْ‬‫قت َُلو َ‬‫ن وَي ُ ْ‬ ‫قت ُُلو َ‬ ‫الل ّهِ فَي َ ْ‬
‫َ‬
‫ذي‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫شُروا ب ِب َي ْعِك ُ ُ‬ ‫ن الل ّهِ َفا ْ‬
‫ست َب ْ ِ‬ ‫م َ‬‫ن أوَْفى ب ِعَهْد ِهِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫َوال ْ ُ‬
‫م ( )التوبة‪. (111:‬‬ ‫ظي ُ‬ ‫فوُْز ال ْعَ ِ‬‫ك هُوَ ال ْ َ‬ ‫م ب ِهِ وَذ َل ِ َ‬ ‫َباي َعْت ُ ْ‬
‫وأحاديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم في ذلك أكثر من أن‬
‫تحصر وقد باشر هو بنفسه في أكثر من خمس وعشرين معركة‬
‫كان فيها مثال الشجاعة والنجدة والبأس حتى قال فارس أصحابه‬
‫على كرم الله وجهه‪ ،‬كنا إذا اشتد البأس وحمى الوطيس‬
‫واحمرت الحدق اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون‬
‫أدنانا إلى العدو وكذلك كان أصحابه رضوان الله عليهم يفعلون ‪.‬‬
‫ول يستطيع أحد أن يرى قى هذه الحكام والخلق لمثل ما‬
‫شرعت له من مقاصد وأغراض إل أكرم معاني الفضيلة النسانية‬
‫والجود بالنفس أقصى غاية الجودة وأجمل ما يكون الحق إذا‬
‫استعان بالقوة وأفض ما تكون القوة إذا استخدمت للحق‬
‫بالحق ‪.‬‬
‫=====================‬
‫ما يتعلق بملبس أهل الذمة وأزيائهم‬
‫ومن هذه الشبهات التي ضخمها المستشرقون‪ :‬ما يتعلق بملبس‬
‫أهل الذمة وأزيائهم‪ ،‬وما روي أن عمر بن الخطاب ‪-‬رضي الله‬
‫عنه‪ -‬اشترط عليهم أل يتشبهوا بالمسلمين في ثيابهم وسروجهم‬
‫ونعالهم‪ ،‬وأن يضعوا في أوساطهم أو على أكتافهم شارات معينة‬
‫تميزهم عن المسلمين‪ .‬وينسب ذلك إلى عمر بن عبد العزيز‬
‫أيضا‪.‬‬
‫ومن المستشرقين المؤرخين من يشكك في نسبة الشروط أو‬
‫الوامر المتعلقة بالزي إلى الخليفة العادل عمر بن الخطاب؛ لن‬
‫كتب المؤرخين القدمين الموثوق بها‪ ،‬والتي عنيت بمثل هذه‬
‫المور لم تشتمل عليها )كتب الطبري‪ ،‬والبلذري‪ ،‬وابن الثير‪،‬‬
‫واليعقوبي‪ ...‬وغيرهم()]‪ ([42‬وأنا مع هؤلء‪.‬‬
‫و)الشروط العمرية( التي تنسب إلى عمر بن الخطاب‪ ،‬والتي‬
‫شرحها ابن القيم في جزأين لم تثبت نسبتها إلى عمر بسند‬
‫صحيح‪ ،‬وهذا ما اعترف به ابن القيم وغيره‪ ،‬ولكنه ادعى أن‬
‫سلمه‪ ،‬فكم من أمور‬ ‫شهرتها ُتغني عن ثبوت سندها‪ .‬وهو ما ل ن ّ‬
‫تشتهر بين الناس ‪-‬حتى بين أهل العلم منهم‪ -‬ويتناقلها بعضهم‬

‫‪365‬‬
‫عن بعض‪ ،‬وهي في الحقيقة ل أصل لها‪ ([43]).‬فالمدار في‬
‫إثبات النقول على صحة السند‪ ،‬وسلمته من الشذوذ والعلة‪.‬‬
‫على أن المر أهون من أن يتكلف إنكاره ورده‪ ،‬لو عرفت دواعيه‬
‫وأسبابه‪ ،‬وعرفت الملبسات التاريخية التي وجد فيها‪.‬‬
‫فهو ليس أمًرا دينّيا يتعبد به في كل زمان ومكان كما فهم ذلك‬
‫جماعة من الفقهاء‪ ،‬وظنوه شرعا لزما‪ ،‬وهو ‪-‬إن صح‪ -‬ليس أكثر‬
‫من قرار إداري أو أمر من أوامر السلطة الشرعية الحاكمة‬
‫يتعلق بمصلحة زمنية للمجتمع آنذاك‪ ،‬ول مانع من أن تتغير هذه‬
‫المصلحة في زمن آخر‪ ،‬وحال أخرى‪ ،‬فُيلغى هذا المر أو ُيعدل‪.‬‬
‫لقد كان التمييز بين الناس تبعا لديانهم أمًرا ضرورّيا في ذلك‬
‫الوقت‪ ،‬وكان أهل الديان أنفسهم حريصين عليه‪ ،‬ولم يكن هناك‬
‫وسيلة للتمييز غير الزي؛ حيث لم يكن لديهم نظام )الهويات( أو‬
‫البطاقات الشخصية المعروف في عصرنا‪ ،‬التي يسجل فيها ‪-‬مع‬
‫اسم الشخص ولقبه ـ دينه وحتى مذهبه في بعض البلدان‪،‬‬
‫فالحاجة إلى التمييز وحدها هي التي دفعت إلى إصدار تلك‬
‫الوامر والقرارات‪ .‬ولهذا ل نرى في عصرنا أحدا من فقهاء‬
‫المسلمين‪ ،‬يرى ما رآه الولون من طلب التمييز في الزي لعدم‬
‫الحاجة إليه‪.‬‬
‫ويسرني أن أنقل هنا ما كتبه الدكتور الخربوطلي في توضيح هذه‬
‫القضية ودوافعها‪ ،‬فقد قال‪" ([44]):‬ونحن نرى أنه لو افترضنا‬
‫جدل حقيقة هذه الوامر الصادرة عن الخليفتين‪ ،‬فقد كان هذا ل‬
‫غبار عليه‪ ،‬فهو نوع من التحديد للملبس في نطاق الحياة‬
‫الجتماعية‪ ،‬للتمييز بين أصحاب الديان المختلفة‪ ،‬وبخاصة أننا‬
‫في وقت مبكر من التاريخ‪ ،‬ليس فيه بطاقات تثبت الشخصية‪،‬‬
‫وما تحمله عادة من تحديد الجنسية والدين والعمر وغير ذلك‪،‬‬
‫فقد كانت الملبس المتميزة هي الوسيلة الوحيدة لثبات دين كل‬
‫من يرتديها‪ ،‬وكان للعرب المسلمين ملبسهم‪ ،‬كما للنصارى أو‬
‫اليهود أو المجوس ملبسهم أيضا‪ ،‬وإذا كان المستشرقون قد‬
‫اعتبروا أن تحديد شكل ولون الثياب هو من مظاهر الضطهاد‪،‬‬
‫فنحن نقول لهم‪ :‬إن الضطهاد في هذه الصورة يكون قد لحق‬
‫بالمسلمين وأهل الذمة على السواء‪ .‬وإذا كان الخلفاء ينصحون‬
‫العرب والمسلمين بأل يتشبهوا بغيرهم‪ ،‬فمن المنطقي أن يأمروا‬
‫غير العرب وغير المسلمين أل يتشبهوا بالعرب المسلمين"‪.‬‬
‫وناقش المؤرخ )ترتون()]‪ ([45‬هذه المسألة أيضا‪ ،‬وأبدى رأيه‬
‫فيها فقال‪" :‬كان الغرض من القواعد المتعلقة بالملبس‪ :‬سهولة‬
‫التمييز بين النصارى والعرب‪ ،‬وهذا أمر ل يرقى إليه شك؛ بل‬
‫نراه مقررا تقريرا أكيدا عند كل من أبي يوسف)]‪ ([46‬وابن عبد‬

‫‪366‬‬
‫كتاب الذين وصلت كتبهم إلينا‪ ،‬على أنه‬ ‫الحكم‪ ،‬وهما من أقدم ال ُ‬
‫يجب أن نلحظ أنه لم تكن ثمة ضرورة وقت الفتح للزام‬
‫النصارى بلبس معين من الثياب يخالف ما يلبسه المسلمون؛ إذ‬
‫كان لكل من الفريقين وقتذاك ثيابه الخاصة‪ ،‬وكان النصارى‬
‫يفعلون ذلك من تلقاء أنفسهم دون جبر أو إلزام‪ .‬على أن الحاجة‬
‫استلزمت هذه الفروض فيما بعد‪ ،‬حين أخذ العرب بحظ من‬
‫التمدن؛ إذ حمل الغراء الشعوب الخاضعة لهم على القتداء بهم‬
‫في ملبسهم‪ ،‬والتشبه في ثيابهم‪ .‬ومهما يكن الرأي فإن كانت‬
‫هذه الوامر التي تحدد أنواع وأشكال الملبس حقيقية‪ ،‬فإنها لم‬
‫توضع موضع التنفيذ في معظم العصور التاريخية‪.‬‬
‫وهناك فرق بين وجود القانون ومدى تطبيق هذا القانون‪ ،‬فقد‬
‫انتهج معظم الخلفاء‪ ،‬والولة المسلمين سياسة تسامح وإخاء‬
‫ومساواة‪ ،‬ولم يتدخلوا كثيرا في تحديد ملبس أهل الذمة‪ ،‬ولم‬
‫ترتفع أصوات مطلقا بالشكوى أو الحتجاج‪.‬‬
‫وهناك أدلة تاريخية تثبت هذه الحقائق التي ذكرناها‪ ،‬فقد كان‬
‫الخطل الشاعر النصراني )المتوفى سنة ‪95‬هـ( يدخل على‬
‫الخليفة الموي عبد الملك بن مروان‪ ،‬وعليه جبة وحرز من الخز‪،‬‬
‫وفي عنقه سلسلة بها صليب من الذهب‪ ،‬وتتعصر لحيته خمرا)]‬
‫‪ ([47‬ويحسن الخليفة استقباله!‬
‫كما أن التفاقية التي وقعها المسلمون في سنة ‪89‬هـ مع‬
‫)الجراجمة( المسيحيين الذين يسكنون المناطق الجبلية من بلد‬
‫الشام تضمنت النص على أن يلبس الجراجمة لباس المسلمين‪.‬‬
‫)]‪([48‬‬
‫تحدث أبو يوسف عن لباس أهل الذمة وزيهم فقال‪" :‬ل يترك‬
‫أحد منهم يتشبه بالمسلمين في لباسه‪ ،‬ول في مركبه‪ ،‬ول في‬
‫هيئته"‪ .‬واعتمد أبو يوسف في تفسير ذلك على قول عمر بن‬
‫الخطاب‪" :‬حتى ُيعرف زيهم من زي المسلمين"‪ .‬أي أنه ل‬
‫اضطهاد في المر‪ ،‬إنما هي وسيلة اجتماعية للتمييز‪ ،‬مثلما نرى‬
‫اليوم في كل مجتمع حديث من تعدد الزياء‪ ،‬لكل طائفة أو‬
‫أصحاب حرفة أو مهنة زي واحد يميزهم‪.‬‬
‫من محاضرة السلم يري البشرية اسرة‪.‬‬
‫=====================‬
‫قضية الجزية‬
‫الشيخ د‪ .‬يوسف القرضاوى‬
‫برغم الصحائف المشرقة التي تؤكد مبادئ العدالة والسماحة‬
‫التي جاء بها السلم‪ ،‬وبرغم التاريخ الحافل بالتسامح الفذ في‬
‫شتى صوره ومظاهره رأينا بعض المستشرقين أثاروا بعض‬

‫‪367‬‬
‫وه هذا الموقف‬ ‫شبهات جمعوها من هنا وهناك‪ ،‬وحسبوها تش ّ‬
‫الناصع‪ ،‬والتاريخ الرائع‪ .‬والحقيقة أن هذه المسائل التي أثيرت‬
‫حولها تلك الشبهات لو فهمت على وجهها‪ ،‬وُوضعت في زمنها‬
‫وإطارها‪ ،‬لكانت مأثرة للسلم وأمته في علقاته مع أهل الذمة‪.‬‬
‫فمن هذه الشبهات التي أثارها ويثيرها المستشرقون‪ :‬قضية‬
‫)الجزية( التي غلفت بظلل كئيبة‪ ،‬وتفسيرات سوداء‪ ،‬جعلت أهل‬
‫الذمة يفزعون من مجرد ذكر اسمها‪ ،‬فهي في نظرهم ضريبة ذل‬
‫وهوان‪ ،‬وعقوبة فرضت عليهم مقابل المتناع عن السلم‪ .‬وهذه‬
‫ل شك نظرة زائفة‪ ،‬ول أساس لها من أحكام السلم وتعاليمه‬
‫وفلسفته العامة‪.‬‬
‫ومن نظر إلى المم الغالبة قبل السلم وإلى ما كانوا يفرضونه‬
‫على المم المغلوبة‪ ،‬تبين له عدل السلم وسماحته التي ل نظير‬
‫لها‪.‬‬
‫وقد بينت في كتابي )غير المسلمين في المجتمع السلمي( وجه‬
‫إيجاب الجزية على الذميين‪ ،‬وأنها بدل عن فريضتين فرضتا على‬
‫المسلمين‪ :‬فريضة لها طابع عسكري‪ ،‬وأخرى لها طابع مالي؛‬
‫فريضة الجهاد‪ ،‬وفريضة الزكاة‪ ،‬وخصوصا فريضة الجهاد‪ ،‬فهي‬
‫القرب إلى أن تكون الجزية بديل عنها‪ .‬ونظرا لـ )الطبيعة‬
‫الدينية( لهاتين الفريضتين لم يلزم السلم بهما غير المسلمين‪.‬‬
‫على أنه في حالة اشتراك الذميين في الخدمة العسكرية والدفاع‬
‫وزة مع المسلمين فإن الجزية تسقط عنهم‪.‬‬ ‫ح ْ‬
‫عن ال َ‬
‫كما أني بحثت في كتابي )فقه الزكاة( مدى جواز أخذ ضريبة من‬
‫أهل الذمة بمقدار الزكاة‪ ،‬ليتساووا بالمسلمين في اللتزامات‬
‫م )زكاة( نظرا لحساسية هذا العنوان بالنظر‬ ‫المالية‪ ،‬وإن لم ُتس َ‬
‫إلى الفريقين‪ .‬ول يلزم أيضا أن ُتسمى )جزية( ماداموا يأنفون‬
‫من ذلك‪ .‬وقد أخذ عمر ‪-‬رضيالله عنه‪ -‬من )نصارى بني تغلب(‬
‫‪-‬وهم قوم عرب‪) -‬الجزية( باسم )الصدقة( حين طلبوا منه ذلك‪،‬‬
‫تألفا لهم‪ ،‬واعتبارا بالمسميات ل بالسماء)]‪([27‬؛ إذ المقصود أن‬
‫يدفعوا ما يدل على إذعانهم لسلطان الدولة السلمية‪.‬‬
‫دا لية فرية‪،‬‬
‫وزيادة في اليضاح والبيان‪ ،‬ودفعا لكل شبهة‪ ،‬ور ّ‬
‫يسرني أن أسجل هنا ما كتبه المؤرخ المعروف سير توماس‬
‫أرنولد في كتابه )الدعوة إلى السلم( عن الغرض من فرض‬
‫الجزية وعلى من ُفرضت‪ .‬قال)]‪" :([28‬ولم يكن الغرض من‬
‫فرض هذه الضريبة على المسيحيين ‪-‬كما يريدنا بعض الباحثين‬
‫على الظن‪ -‬لونا من ألوان العقاب لمتناعهم عن قبول السلم‪،‬‬
‫وإنما كانوا يؤدونها مع سائر أهل الذمة‪ .‬وهم غير المسلمين من‬
‫رعايا الدولة الذين كانت تحول ديانتهم بينهم وبين الخدمة في‬

‫‪368‬‬
‫الجيش‪ ،‬في مقابل الحماية التي كفلتها لهم سيوف المسلمين‪.‬‬
‫ولما قدم أهل الحيرة المال المتفق عليه‪ ،‬ذكروا صراحة أنهم‬
‫دفعوا هذه الجزية على شريطة‪" :‬أن يمنعونا وأميرهم البغي من‬
‫المسلمين وغيرهم"‪([29]).‬‬
‫كذلك حدث أن سجل خالد في المعاهدة التي أبرمها مع بعض‬
‫أهالي المدن المجاورة للحيرة قوله‪" :‬فإن منعناكم فلنا الجزية‬
‫وإل فل"‪([30]).‬‬
‫ويمكن الحكم على مدى اعتراف المسلمين الصريح بهذا‬
‫الشرط‪ ،‬من تلك الحادثة التي وقعت في عهد الخليفة عمر‪ .‬لما‬
‫حشد المبراطور هرقل جيشا ضخما لصد قوات المسلمين‬
‫المحتلة‪ ،‬كان لزاما على المسلمين ‪-‬نتيجة لما حدث‪ -‬أن يركزوا‬
‫كل نشاطهم في المعركة التي أحدقت بهم‪ .‬فلما علم بذلك أبو‬
‫عبيدة قائد العرب كتب إلى عمال المدن المفتوحة في الشام‬
‫جبي من الجزية من هذه المدن‪ ،‬وكتب إلى الناس‬ ‫يأمرهم برد ما ُ‬
‫يقول‪" :‬إنما رددنا عليكم أموالكم؛ لنه بلغنا ما جمع لنا من‬
‫الجموع‪ ،‬وأنكم قد اشترطتم علينا أن نمنعكم‪ ،‬وإنا ل نقدر على‬
‫ذلك‪ ،‬وقد رددنا عليكم ما أخذنا منكم‪ ،‬ونحن لكم على الشرط‪،‬‬
‫وما كتبنا بيننا وبينكم إن نصرنا الله عليهم"‪ .‬وبذلك ردت مبالغ‬
‫طائلة من مال الدولة‪ ،‬فدعا المسيحيون بالبركة لرؤساء‬
‫المسلمين‪ ،‬وقالوا‪" :‬ردكم الله علينا‪ ،‬ونصركم عليهم )أي على‬
‫الروم( ‪ ..‬فلو كانوا هم‪ ،‬لم يردوا علينا شيئا‪ ،‬وأخذوا كل شيء‬
‫بقي لنا"‪([31]).‬‬
‫وقد فرضت الجزية ‪-‬كما ذكرنا‪ -‬على القادرين من الذكور مقابل‬
‫الخدمة العسكرية التي كانوا يطالبون بها لو كانوا مسلمين‪ ،‬ومن‬
‫الواضح أن أي جماعة مسيحية كانت ُتعفى من أداء هذه الضريبة‬
‫إذا ما دخلت في خدمة الجيش السلمي‪ .‬وكانت الحال على هذا‬
‫النحو مع قبيلة )الجراجمة( وهي مسيحية كانت تقيم بجوار‬
‫أنطاكية‪ ،‬سالمت المسلمين وتعهدت أن تكون عونا لهم‪ ،‬وأن‬
‫تقاتل معهم في مغازيهم‪ ،‬على شريطة أل تؤخذ بالجزية‪ ،‬وأن‬
‫تعطى نصيبها من الغنائم‪([32]).‬‬
‫ولما اندفعت الفتوح السلمية إلى شمال فارس سنة ‪22‬هـ‪ ،‬أبرم‬
‫مثل هذا الحلف مع إحدى القبائل التي تقيم على حدود تلك‬
‫البلد‪ ،‬وأعفيت من أداء الجزية مقابل الخدمة العسكرية‪([33]).‬‬
‫ونجد أمثلة شبيهة بهذه للعفاء من الجزية في حالة المسيحيين‬
‫الذين عملوا في الجيش أو السطول في ظل الحكم التركي‪.‬‬
‫مثال ذلك ما عومل به أهل ميغاريا )‪ (Migaria‬وهم جماعة من‬
‫مسيحي ألبانيا الذين ُأعفوا من أداء هذه الضريبة على شريطة‬

‫‪369‬‬
‫أن يقدموا جماعة من الرجال المسلحين لحراسة الدروب على‬
‫جبال )‪ (cithaeron‬و)‪ (Geraned‬التي كانت تؤدي إلى خليج كورنته؛‬
‫وكان المسيحيون الذين استخدموا طلئع لمقدمة الفتح التركي‪،‬‬
‫لصلح الطرق وإقامة الجسور‪ ،‬وقد أعفوا من أداء الخراج‪،‬‬
‫ومنحوا هبات من الرض المعفاة من جميع الضرائب‪([34]).‬‬
‫وكذلك لم يدفع أهالي )‪ (Hydra‬المسيحيون ضرائب مباشرة‬
‫للسلطان‪ ،‬وإنما قدموا مقابلها فرقة من مائتين وخمسين من‬
‫أشداء رجال السطول‪ ،‬كان ينفق عليهم من بيت المال في تلك‬
‫الناحية‪([35]).‬‬
‫وقد أعفي أيضا من الضريبة أهالي رومانيا الجنوبية الذين‬
‫ما من‬‫يطلقون عليهم )‪ ([Armatioli)([36‬وكانوا يؤلفون عنصًرا ها ّ‬
‫عناصر القوة في الجيش التركي خلل القرنين السادس عشر‬
‫والسابع عشر الميلديين‪ ،‬ثم المرديون )‪ (Midrdites‬وكان ذلك‬
‫على شريطة أن يقدموا فرقة مسلحة في زمن الحرب‪([37]).‬‬
‫وبتلك الروح ذاتها لم تقرر جزية الرؤوس على نصارى الغريق‬
‫الذين أشرفوا على القناطر)]‪ ([38‬التي أمدت القسطنطينية بماء‬
‫الشرب)]‪ ،([39‬ول على الذين كانوا في حراسة مستودعات‬
‫البارود في تلك المدينة)]‪([40‬؛ نظًرا إلى ما قدموه للدولة من‬
‫خدمات‪ .‬ومن جهة أخرى أعفي الفلحون المصريون من الخدمة‬
‫العسكرية على الرغم من أنهم كانوا على السلم‪ .‬وفرضت‬
‫عليهم الجزية في نظير ذلك كما فرضت على المسيحيين"‪]).‬‬
‫‪([41‬‬
‫هذا ما سجله المؤرخ المنصف توماس أرنولد مؤيدا بالدلة‬
‫والمراجع الموثقة‬
‫من محاضرة السلم يري البشرية اسرة‪.‬‬
‫===================‬
‫الجزية في السلم‬
‫بقلم د منقذ السقار‬
‫تمهيد‬
‫استشكل البعض ما جاء في القرآن من دعوة لخذ الجزية من‬
‫أهل الكتاب‪ ،‬وذلك في قوله تعالى‪ } :‬قاتلوا الذين ل يؤمنون‬
‫بالله ول باليوم الخر ول يحرمون ما حرم الله ورسوله ول يدينون‬
‫دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم‬
‫صاغرون { )‪ ، (1‬ورأوا – خطأ ً ‪ -‬في هذا المر القرآني صورة من‬
‫صور الظلم والقهر والذلل للشعوب التي دخلت في رعوية‬
‫المة المسلمة‬

‫‪370‬‬
‫ول ريب أن القائل قد ذهل عن الكثير من التميز الذي كفل به‬
‫السلم حقوق أهل الجزية‪ ،‬فقد ظنه كسائر ما أثر عن‬
‫الحضارات السابقة واللحقة له‪ ،‬فالسلم في هذا الباب وغيره‬
‫فريد عما شاع بين البشر من ظلم واضطهاد أهل الجزية‪ ،‬كما‬
‫سيتبين لنا من خلل البحث العلمي المتجرد النزيه‪.‬‬
‫أول ً ‪ :‬الجزية في اللغة‬
‫الجزية في اللغة مشتقة من مادة )ج ز ي(‪ ،‬تقول العرب‪:‬‬
‫"جزى ‪ ،‬يجزي‪ ،‬إذا كافأ عما أسدي إليه"‪ ،‬والجزية مشتق على‬
‫وزن ِفعلة من المجازاة‪ ،‬بمعنى "أعطوها جزاء ما منحوا من‬
‫المن"‪ ،‬وقال ابن المطرز‪ :‬بل هي من الجزاء "لنها تجزئ عن‬
‫الذمي"‪(2) .‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬الجزية قبل السلم‬
‫لم يكن السلم بدعا ً بين الديان‪ ،‬كما لم يكن المسلمون كذلك‬
‫بين المم حين أخذوا الجزية من المم التي دخلت تحت وليتهم‪،‬‬
‫فإن أخذ المم الغالبة للجزية من المم المغلوبة أشهر من علم ‪،‬‬
‫فالتاريخ البشري أكبر شاهد على ذلك‪.‬‬
‫وقد نقل العهد الجديد شيوع هذه الصورة حين قال المسيح‬
‫لسمعان‪ " :‬ماذا تظن يا سمعان؟ ممن يأخذ ملوك الرض الجباية‬
‫أو الجزية‪ ،‬أمن بنيهم أم من الجانب؟ قال له بطرس من‬
‫الجانب‪.‬قال له يسوع‪ :‬فإذا ً البنون أحرار " )متى ‪.(25-17/24‬‬
‫والنبياء عليهم السلم حين غلبوا على بعض الممالك بأمر الله‬
‫ونصرته أخذوا الجزية من المم المغلوبة‪ ،‬بل واستعبدوا المم‬
‫المغلوبة‪ ،‬كما صنع النبي يشوع مع الكنعانيين حين تغلب عليهم‬
‫"فلم يطردوا الكنعانيين الساكنين في جازر‪.‬فسكن الكنعانيون‬
‫في وسط افرايم إلى هذا اليوم وكانوا عبيدا ً تحت الجزية"‬
‫)يشوع ‪ ،(16/10‬فجمع لهم بين العبودية والجزية‪.‬‬
‫والمسيحية لم تنقض شيئا من شرائع اليهودية‪ ،‬فقد جاء المسيح‬
‫متمما ً للناموس ل ناقضا ً له )انظر متى ‪ ،(5/17‬بل وأمر المسيح‬
‫أتباعه بدفع الجزية للرومان‪ ،‬وسارع هو إلى دفعها ‪ ،‬فقد قال‬
‫لسمعان‪ " :‬اذهب إلى البحر وألق صنارة‪ ،‬والسمكة التي تطلع‬
‫أول خذها‪ ،‬ومتى فتحت فاها تجد أستارا‪ ،‬فخذه وأعطهم عني‬
‫وعنك" )متى ‪.(27-17/24‬‬
‫ولما سأله اليهود )حسب العهد الجديد( عن رأيه في أداء الجزية‬
‫أقر بحق القياصرة في أخذها "فأرسلوا إليه تلميذهم مع‬
‫الهيرودسيين قائلين‪ :‬يا معّلم نعلم أنك صادق‪ ،‬وتعّلم طريق الله‬
‫بالحق‪ ،‬ول تبالي بأحد لنك ل تنظر إلى وجوه الناس‪ .‬فقل لنا‪:‬‬
‫ماذا تظن ‪ ،‬أيجوز أن تعطى جزية لقيصر أم ل؟ ‪ ..‬فقال لهم‪:‬‬

‫‪371‬‬
‫لمن هذه الصورة والكتابة‪.‬قالوا له‪ :‬لقيصر‪ .‬فقال لهم‪ :‬أعطوا إذا ً‬
‫ما لقيصر لقيصر‪ ،‬وما لّله لّله" )متى ‪.(21-22/16‬‬
‫ولم يجد المسيح غضاضة في مجالسة ومحبة العشارين الذين‬
‫يقبضون الجزية ويسلمونها للرومان )انظر متى ‪،(11/19‬‬
‫واصطفى منهم متى العشار ليكون أحد رسله الثني عشر )انظر‬
‫متى ‪.(9/9‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ويعتبر العهد الجديد أداء الجزية للسلطين حقا مشروعا‪ ،‬بل‬
‫ويعطيه قداسة ويجعله أمرا ً دينيًا‪ ،‬إذ يقول‪" :‬لتخضع كل نفس‬
‫للسلطين‪ ،‬السلطين الكائنة هي مرتبة من الله‪ .‬حتى إن من‬
‫يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله‪ ،‬والمقاومون سيأخذون‬
‫لنفسهم دينونة‪ ...‬إذ هو خادم الله‪ ،‬منتقم للغضب من الذي يفعل‬
‫الشر‪ .‬لذلك يلزم أن يخضع له ليس بسبب الغضب فقط‪ ،‬بل‬
‫أيضا بسبب الضمير‪ .‬فإنكم لجل هذا توفون الجزية أيضًا‪ ،‬إذ هم‬
‫خدام الله مواظبون على ذلك بعينه‪ ،‬فأعطوا الجميع حقوقهم‪،‬‬
‫الجزية لمن له الجزية‪ ،‬الجباية لمن له الجباية‪ ،‬والخوف لمن له‬
‫الخوف‪ ،‬والكرام لمن له الكرام" )رومية ‪.(7-13/1‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬الجزية في السلم‬
‫لكن السلم كعادته ل يتوقف عند ممارسات البشر السابقة‬
‫عليه‪ ،‬بل يترفع عن زللهم‪ ،‬ويضفي خصائصه الحضارية‪ ،‬فقد‬
‫ارتفع السلم بالجزية ليجعلها‪ ،‬ل أتاوة يدفعها المغلوبون لغالبهم‪،‬‬
‫بل لتكون عقدا ً مبرما ً بين المة المسلمة والشعوب التي دخلت‬
‫في رعويتها‪ .‬عقد بين طرفين‪ ،‬ترعاه أوامر الله بالوفاء بالعهود‬
‫واحترام العقود‪ ،‬ويوثقه وعيد النبي صلى الله عليه وسلم لمن‬
‫أخل به ‪ ،‬وتجلى ذلك بظهور مصطلح أهل الذمة‪ ،‬الذمة التي‬
‫يحرم نقضها ويجب الوفاء بها ورعايتها بأمر النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫وقد أمر الله بأخذ الجزية من المقاتلين دون غيرهم كما نصت‬
‫الية على ذلك } قاتلوا الذين ل يؤمنون بالله ول باليوم الخر ول‬
‫يحرمون ما حرم الله ورسوله ول يدينون دين الحق من الذين‬
‫أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون { )‪ (3‬قال‬
‫القرطبي‪" :‬قال علماؤنا‪ :‬الذي دل عليه القرآن أن الجزية تؤخذ‬
‫من المقاتلين‪ ...‬وهذا إجماع من العلماء على أن الجزية إنما‬
‫توضع على جماجم الرجال الحرار البالغين‪ ،‬وهم الذين يقاتلون‬
‫دون النساء والذرية والعبيد والمجانين المغلوبين على عقولهم‬
‫والشيخ الفاني"‪(4).‬‬

‫‪372‬‬
‫وقد كتب عمر إلى أمراء الجناد‪) :‬ل تضربوا الجزية على النساء‬
‫والصبيان‪ ،‬ول تضربوها إل على من جرت عليه المواسي()‪ (5‬أي‬
‫ناهز الحتلم‪.‬‬
‫ً‬
‫ولم يكن المبلغ المدفوع للجزية كبيرا تعجز عن دفعه الرجال‪ ،‬بل‬
‫كان ميسورا ً ‪ ،‬لم يتجاوز على عهد النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫الدينار الواحد في كل سنة‪ ،‬فيما لم يتجاوز الربعة دنانير سنويا ً‬
‫زمن الدولة الموية‪.‬‬
‫فحين أرسل النبي معاذا ً إلى اليمن أخذ من كل حالم منهم‬
‫دينارا‪ ،‬يقول معاذ‪) :‬بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن‪،‬‬
‫فأمرني أن آخذ من كل ثلثين بقرة تبيعا‪ ،‬أو تبيعة‪ ،‬ومن كل‬
‫أربعين مسنة )هذه زكاة على المسلمين منهم(‪ ،‬ومن كل حالم‬
‫معافر)للجزية(()‪ ،(6‬والمعافري‪ :‬الثياب‪.‬‬ ‫دينارًا‪ ،‬أو عدله َ‬
‫وفي عهد عمر بن الخطاب‪ -‬رضي الله عنه‪ -‬ضرب الجزية على‬
‫أهل الذهب‪ :‬أربعة دنانير‪ ،‬وعلى أهل الوِرق‪ :‬أربعين درهما؛ مع‬
‫ذلك أرزاق المسلمين‪ ،‬وضيافة ثلثة أيام‪(7).‬‬
‫‪ -1‬التحذير من ظلم أهل الذمة‬
‫يأمر الله في كتابه والنبي في حديثه بالحسان لهل الجزية‬
‫وحسن معاملتهم‪ ،‬وتحرم الشريعة أشد التحريم ظلمهم والبغي‬
‫ث القرآن على البر والقسط بأهل الكتاب‬ ‫عليهم‪ ،‬فقد ح ّ‬
‫المسالمين الذين ل يعتدون على المسلمين } ل ينهاكم الله عن‬
‫الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن‬
‫تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين {)‪ ، (8‬والبر‬
‫أعلى أنواع المعاملة ‪ ،‬فقد أمر الله به في باب التعامل مع‬
‫الوالدين ‪ ،‬وهو الذي وضحه رسول الله صلى الله عليه وسلم في‬
‫حديث آخر بقوله ‪ )) :‬البر حسن الخلق (()‪. (9‬‬
‫ويقول صلى الله عليه وسلم في التحذير من ظلم أهل الذمة‬
‫وانتقاص حقوقهم‪ )) :‬من ظلم معاهدا ً أو انتقصه حقه أو كلفه‬
‫فوق طاقته أو أخذ منه شيئا ً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم‬
‫القيامة(( )‪ ،(10‬ويقول‪)) :‬من قتل معاهدا ً لم يرح رائحة الجنة ‪،‬‬
‫وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما ً ((‪(11) .‬‬
‫وحين أساء بعض المسلمين معاملة أهل الجزية كان موقف‬
‫العلماء العارفين صارمًا‪ ،‬فقد مّر هشام بن حكيم بن حزام على‬
‫أناس من النباط بالشام قد أقيموا في الشمس‪ ،‬فقال‪ :‬ما‬
‫شأنهم؟ قالوا‪ :‬حبسوا في الجزية‪ ،‬فقال هشام‪ :‬أشهد لسمعت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪)) :‬إن الله يعذب الذين‬
‫يعذبون الناس في الدنيا((‪ .‬قال‪ :‬وأميرهم يومئذ عمير بن سعد‬
‫خلوا‪(12) .‬‬‫على فلسطين‪ ،‬فدخل عليه‪ ،‬فحدثه‪ ،‬فأمر بهم ف ُ‬

‫‪373‬‬
‫وأما المر بالصغار الوارد في قوله‪ } :‬وهم صاغرون {‪ ،‬فهو‬
‫معنى ل يمكن أن يتنافى مع ما رأيناه في أقوال النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم من وجوب البر والعدل‪ ،‬وحرمة الظلم والعنت‪ ،‬وهو‬
‫ما فهمه علماء السلم ‪ ،‬ففسره الشافعي بأن تجري عليهم‬
‫أحكام السلم‪ ،‬أي العامة منها‪ ،‬فالجزية علمة على خضوع المة‬
‫المغلوبة للخصائص العامة للمة الغالبة‪.‬‬
‫وفسره التابعي عكرمة مولى ابن عباس بصورة دفع الجزية‬
‫للمسلمين‪ ،‬فقال‪" :‬أن يكونوا قيامًا‪ ،‬والخذ لها جلوسًا"‪ ،‬إذ لما‬
‫كانت اليد المعطية على العادة هي العالية‪ ،‬طلب منهم أن‬
‫يشعروا العاطي للجزية بتفضلهم عليه‪ ،‬ل بفضله عليهم‪ ،‬يقول‬
‫القرطبي في تفسيره‪" :‬فجعل يد المعطي في الصدقة عليا‪،‬‬
‫وجعل يد المعطي في الجزية سفلى‪ ،‬ويد الخذ عليا"‪(13) .‬‬
‫‪ -2‬بعض صيغ عقد الذمة في الدولة السلمية‬
‫وقدم السلم ضمانات فريدة لهل الذمة‪ ،‬لم ولن تعرف لها‬
‫ل‪ ،‬ففي مقابل دراهم معدودة يدفعها الرجال‬ ‫البشرية مثي ً‬
‫القادرون على القتال من أهل الذمة‪ ،‬فإنهم ينعمون بالعيش‬
‫المن والحماية المطلقة لهم من قبل المسلمين علوة على‬
‫أمنهم على كنائسهم ودينهم ‪.‬‬
‫وقد تجلى ذلك في وصايا الخلفاء لقادتهم ‪ ،‬كما أكدته صيغ‬
‫التفاقات التي وقعها المسلمون مع دافعي الجزية‪ ،‬ونود أن‬
‫نلفت نظر القارئ الكريم إلى تأمل الضمانات التي يضمنها‬
‫المسلمون وما يدفعه أهل الجزية في مقابلها‪.‬‬
‫ونبدأ بما نقله المؤرخون عن معاهدات النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم لهل الجزية‪ ،‬ونستفتح بما أورده ابن سعد في طبقاته من‬
‫كتاب النبي لربيعة الحضرمي‪ ،‬إذ يقول‪ " :‬وكتب رسول الله ‪e‬‬
‫لربيعة بن ذي مرحب الحضرمي وإخوته وأعمامه‪ ،‬أن لهم‬
‫أموالهم ونخلهم ورقيقهم وآبارهم وشجرهم ومياههم وسواقيهم‬
‫شراجهم )السواقي( بحضرموت ‪ ،‬وكل مال لل ذي‬ ‫ونبتهم و ِ‬
‫مرحب ‪ ،‬وإن كل رهن بأرضهم ُيحسب ثمره وسدره وقبضه من‬
‫رهنه الذي هو فيه ‪ ،‬وأن كل ما كان في ثمارهم من خير فإنه ل‬
‫صَر آل ذي‬ ‫يسأل أحد عنه ‪ ،‬وأن الله ورسوله براء منه ‪ ،‬وأن ن َ ْ‬
‫مرحب على جماعة المسلمين ‪ ،‬وأن أرضهم بريئة من الجور ‪،‬‬
‫وأن أموالهم وأنفسهم وزافر حائط الملك الذي كان يسيل إلى‬
‫آل قيس ‪ ،‬وأن الله جار على ذلك ‪ ،‬وكتب معاوية" )‪(14‬‬
‫وقوله‪ )) :‬وأن نصر آل ذي مرحب على جماعة المسلمين (( فيه‬
‫لفتة هامة‪ ،‬وهي أن المسلمين يقدمون حياتهم وأرواحهم‬
‫ودماءهم فدىً لمن دخل في حماهم ‪ ،‬وأصبح في ذمتهم ‪ ،‬إنها‬

‫‪374‬‬
‫ذمة الله تعالى وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ .‬يقول‬
‫القرافي‪" :‬فعقد يؤدي إلى إتلف النفوس والموال صونا ً‬
‫لمقتضاه عن الضياع إنه لعظيم"‪(15) .‬‬
‫كما كتب النبي صلى الله عليه وسلم كتاب ذمة وعهد إلى أهل‬
‫نجران النصارى‪ ،‬ينقله إلينا ابن سعد في طبقاته‪ ،‬فيقول‪ " :‬وكتب‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم لسقف بني الحارث بن كعب‬
‫وأساقفة نجران وكهنتهم ومن تبعهم ورهبانهم أن لهم ما تحت‬
‫أيديهم من قليل وكثير‪ ،‬من بيعهم وصلواتهم ورهبانهم وجوار الله‬
‫ورسوله‪ ،‬ل يغير أسقف عن أسقفيته ‪ ،‬ول راهب عن رهبانيته ‪،‬‬
‫ول كاهن عن كهانته ‪ ،‬ول يغير حق من حقوقهم ‪ ،‬ول سلطانهم‬
‫ول شيء مما كانوا عليه‪ ،‬ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم غير‬
‫مثقلين بظلم ول ظالمين ‪ ،‬وكتب المغيرة"‪(16) .‬‬
‫وانساح أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يطبقون ما تعلموه‬
‫من نبيهم العظيم‪ ،‬ويلتزمون لهل الجزية بمثل السلم‬
‫وخصائصه الحضارية‪ ،‬وقد أورد المؤرخون عددا ً مما ضمنوه لهل‬
‫الذمة‪ ،‬ومن ذلك العهدة العمرية التي كتبها عمر لهل القدس‪،‬‬
‫وفيها‪" :‬بسم الله الرحمن الرحيم ؛ هذا ما أعطى عبد الله عمر‬
‫أمير المؤمنين أهل إيلياء من المان ‪ ،‬أعطاهم أمانا ً لنفسهم‬
‫وأموالهم ‪ ،‬ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها‪،‬‬
‫أن ل ُتسكن كنائسهم ول ُتهدم ول ُينتقص منها ول من حيزها ‪ ،‬ول‬
‫من صليبهم ول من شيء من أموالهم ‪.‬‬
‫كن بإيلياء‬ ‫س ّ‬
‫ول يكرهون على دينهم‪ ،‬ول ُيضار أحد منهم ‪ ،‬ول ي ُ َ‬
‫معهم أحد من اليهود ‪ ،‬وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما‬
‫يعطي أهل المدائن‪ ،‬وعليهم أن ُيخرجوا منها الروم واللصوص ‪،‬‬
‫فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغ مأمنه ‪،‬‬
‫ومن أقام منهم فهو آمن‪ ،‬وعليه مثل ما على أهل إيلياء من‬
‫الجزية ‪...‬ومن شاء سار مع الروم ‪ ،‬ومن شاء رجع إلى أهله فإنه‬
‫ل يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم‪.‬‬
‫وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء‬
‫وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية ‪ ،‬شهد على‬
‫ذلك خالد بن الوليد ‪ ،‬وعمرو بن العاص ‪ ،‬وعبد الرحمن بن عوف‪،‬‬
‫ومعاوية بن أبي سفيان ‪ ،‬وكتب وحضر سنة خمس عشرة"‪) .‬‬
‫‪ ، (17‬وبمثله كتب عمر لهل اللد‪(18).‬‬
‫وحين فتح خالد بن الوليد دمشق كتب لهلها مثله‪" ،‬بسم الله‬
‫الرحمن الرحيم ‪ ،‬هذا ما أعطى خالد بن الوليد أهل دمشق إذا‬
‫دخلها أمانا ً على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم وسور مدينتهم ل‬
‫يهدم‪ ،‬ول يسكن شيء من دورهم ‪ ،‬لهم بذلك عهد الله وذمة‬

‫‪375‬‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء والمؤمنين‪ ،‬ل ُيعرض‬
‫لهم إل بخير إذا أعطوا الجزية"‪(19) .‬‬
‫ويسجل عبادة بن الصامت هذه السمات الحضارية للجزية في‬
‫السلم‪ ،‬وهو يعرض الموقف السلمي الواضح على المقوقس‬
‫عظيم القبط ‪ ،‬فيقول‪" :‬إما أجبتم إلى السلم ‪ ..‬فإن قبلت ذلك‬
‫أنت وأصحابك فقد سعدت في الدنيا والخرة ‪ ،‬ورجعنا عن‬
‫قتالكم‪ ،‬ولم نستحل أذاكم ول التعرض لكم ‪ ،‬فإن أبيتم إل‬
‫الجزية‪ ،‬فأدوا إلينا الجزية عن يد وأنتم صاغرون‪ ،‬نعاملكم على‬
‫شيء نرضى به نحن وأنتم في كل عام أبدا ً ما بقينا وبقيتم ‪،‬‬
‫نقاتل عنكم من ناوأكم وعرض لكم في شيء من أرضكم‬
‫ودمائكم وأموالكم‪ ،‬ونقوم بذلك عنكم إن كنتم في ذمتنا ‪ ،‬وكان‬
‫لكم به عهد علينا ‪(20) ."...‬‬
‫ونلحظ ثانية كيف يتقدم المسلم بنفسه لحماية أهل الجزية‬
‫وأموالهم‪ ،‬ونرى فداءه لهم بماله ودمه "نقاتل عنكم من ناوأكم‬
‫وعرض لكم في شيء من أرضكم ودمائكم وأموالكم‪ ،‬ونقوم‬
‫بذلك عنكم" ‪.‬‬
‫‪ -3‬حرص المسلمين على الوفاء بعقد الذمة‬
‫وقد خشي الخلفاء أن يقصر المسلمون في حقوق أهل الذمة ‪،‬‬
‫فتفقدوا أحوالهم‪ ،‬ومن ذلك ما رواه الطبري في تاريخه‪ ،‬في‬
‫سياقه لحديث عمر إلى وفد جاءه من أرض الذمة " قال عمر‬
‫للوفد‪ :‬لعل المسلمين يفضون إلى أهل الذمة بأذى وبأمور لها ما‬
‫ينتقضون بكم؟ فقالوا‪:‬ما نعلم إل وفاء وحسن ملكة"‪(21) .‬‬
‫ولما جاءه مال الجباية سأل عن مصدره مخافة العنت والمشقة‬
‫على أهل الذمة‪ ،‬ففي الثر عنه رضي الله عنه "أنه أتي بمال‬
‫كثير‪ ،‬أحسبه قال من الجزية فقال‪ :‬إني لظنكم قد أهلكتم‬
‫الناس؟ قالوا‪ :‬ل والله ما أخذنا إل عفوا صفوا‪ .‬قال‪ :‬بل سوط ول‬
‫نوط؟ قالوا‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬الحمد لله الذي لم يجعل ذلك على يدي‬
‫ول في سلطاني "‪(22) .‬‬
‫فته أن يوصي المسلمين‬ ‫ولما تدانى الجل به رضي الله عنه لم ي ُ‬
‫برعاية أهل الذمة فقال‪ " :‬أوصي الخليفة من بعدي بأهل الذمة‬
‫خيرًا‪ ،‬وأن يوفي لهم بعهدهم ‪ ،‬وأن يقاتلوا من ورائهم ‪ ،‬وأل‬
‫يكلفوا فوق طاقتهم "‪(23) .‬‬
‫وكتب علي رضي الله عنه إلى عماله على الخراج‪" :‬إذا قدمت‬
‫عليهم فل تبيعن لهم كسوة‪ ،‬شتاًء ول صيفًا‪ ،‬ول رزقا ً يأكلونه‪ ،‬ول‬
‫دابة يعملون عليها‪ ،‬ول تضربن أحدا ً منهم سوطا ً واحدا ً في درهم‪،‬‬
‫ول تقمه على رجله في طلب درهم‪ ،‬ول تبع لحد منهم ع ََرضا ً في‬
‫شيء من الخراج‪ ،‬فإنا إنما أمرنا الله أن نأخذ منهم العفو ‪ ،‬فإن‬

‫‪376‬‬
‫أنت خالفت ما أمرتك به يأخذك الله به دوني‪ ،‬وإن بلغني عنك‬
‫خلف ذلك عزلتك"‪(24) .‬‬
‫وأجلى الوليد بن يزيد نصارى قبرص مخافة أن يعينوا الروم‬
‫فردهم يزيد بن الوليد الخليفة بعده‪ ،‬يقول إسماعيل بن عياش‬
‫عن صنيع الوليد‪ :‬فاستفظع ذلك المسلمون‪ ،‬واستعظمه الفقهاء‪،‬‬
‫فلما ولي يزيد بن الوليد ردهم إلى قبرص ‪ ،‬فاستحسن‬
‫المسلمون ذلك من فعله‪ ،‬ورأوه عد ً‬
‫ل‪(25).‬‬
‫ولما أخذ الوليد بن عبد الملك كنيسة يوحنا من النصارى قهرًا‪،‬‬
‫وأدخلها في المسجد‪ ،‬اعتبر المسلمون ذلك من الغصب‪ ،‬فلما‬
‫ولي عمر بن عبد العزيز شكى إليه النصارى ذلك‪ ،‬فكتب إلى‬
‫عامله يأمره برد ما زاد في المسجد عليهم‪(26).‬‬
‫‪ -4‬من أقوال الفقهاء المسلمين في حراسة وتقرير حقوق أهل‬
‫الذمة‬
‫ونلحظ فيما سبق السلم لحراسة حقوق أهل الذمة في إقامة‬
‫شعائر دينهم وكنائسهم ‪ ،‬جاء في قوانين الحكام الشرعية ‪:‬‬
‫"المسألة الثانية‪ :‬فيما يجب لهم علينا‪ ،‬وهو التزام إقرارهم في‬
‫بلدنا إل جزيرة العرب وهي الحجاز واليمن‪ ،‬وأن نكف عنهم‪،‬‬
‫ونعصمهم بالضمان في أنفسهم وأموالهم‪ ،‬ول نتعرض لكنائسهم‬
‫ول لخمورهم وخنازيرهم ما لم يظهروها"‪(27) .‬‬
‫وينقل الطحاوي إجماع المسلمين على حرية أهل الذمة في أكل‬
‫الخنازير والخمر وغيره مما يحل في دينهم‪ ،‬فيقول‪" :‬وأجمعوا‬
‫على أنه ليس للمام منع أهل الذمة من شرب الخمر وأكل لحم‬
‫مصرا ً ليس‬ ‫الخنازير واتخاذ المساكن التي صالحوا عليها‪ ،‬إذا كان ِ‬
‫فيه أهل إسلم )أي في بلدهم التي هم فيها الكثرة("‪(28).‬‬
‫وتصون الشريعة نفس الذمي وماله ‪ ،‬وتحكم له بالقصاص من‬
‫قاتله ‪ ،‬فقد ُأخذ رجل من المسلمين على عهد علي رضي الله‬
‫عنه وقد قتل رجل ً من أهل الذمة‪ ،‬فحكم عليه بالقصاص‪ ،‬فجاء‬
‫أخوه واختار الدية بدل عن القود‪ ،‬فقال له علي‪" :‬لعلهم فرقوك‬
‫أو فّزعوك أو هددوك؟" فقال‪ :‬ل ‪ ،‬بل قد أخذت الدية‪ ،‬ول أظن‬
‫أخي يعود إلي بقتل هذا الرجل‪ ،‬فأطلق علي القاتل‪ ،‬وقال‪" :‬أنت‬
‫أعلم‪ ،‬من كانت له ذمتنا‪ ،‬فدمه كدمنا‪ ،‬وديته كدّيتنا"‪(29) .‬‬
‫وصونا ً لمال الذمي فإن الشريعة ل تفرق بينه وبين مال المسلم‪،‬‬
‫وتحوطه بقطع اليد الممتدة إليه‪ ،‬ولو كانت يد مسلم‪ ،‬يقول‬
‫ي‪" :‬الذمي محقون الدم على التأبيد والمسلم‬ ‫المفسر القرطب ّ‬
‫قق ذلك‬ ‫كذلك‪ ،‬وكلهما قد صار من أهل دار السلم‪ ،‬والذي يح ِ‬
‫ن مال‬ ‫ن المسلم يقطع بسرقة مال الذمي‪ ،‬وهذا يدل على أ ّ‬ ‫أ ّ‬

‫‪377‬‬
‫الذمي قد ساوى مال المسلم‪ ،‬فدل على مساواته لدمه‪ ،‬إذ المال‬
‫إّنما يحرم بحرمة مالكه"‪(30) .‬‬
‫قين‪ :‬أحدهما‪:‬‬ ‫ي‪" :‬ويلتزم ـ أي المام ـ لهم ببذل ح ّ‬ ‫قال الماورد ّ‬
‫ف آمنين‪،‬‬‫ف عنهم‪ .‬والثاِني‪ :‬الحماية لهم‪ ،‬ليكونوا بالك ّ‬ ‫الك ّ‬
‫وبالحماية محروسين"‪(31) .‬‬
‫ف عنهم‪ ،‬وضمان ما ُنتلفه عليهم‪،‬‬ ‫ي‪" :‬ويلزمنا الك ّ‬ ‫وقال النوو ّ‬
‫ل الحرب عنهم"‪(32) .‬‬ ‫ل‪ ،‬ودفعُ أه ِ‬ ‫سا وما ً‬‫نف ً‬
‫وتوالى تأكيد الفقهاء المسلمين على ذلك‪ ،‬يقول ابن النجار‬
‫الحنبلي‪" :‬يجب على المام حفظ أهل الذمة ومنع من يؤذيهم‬
‫ك أسرهم ودفع من قصدهم بأذى"‪(33) .‬‬ ‫وف ّ‬
‫ولما أغار أمير التتار قطلوشاه على دمشق في أوائل القرن‬
‫الثامن الهجري‪ ،‬وأسر من المسلمين والذميين من النصارى‬
‫واليهود عددًا‪ ،‬ذهب إليه المام ابن تيمية ومعه جمع من العلماء‪،‬‬
‫وطلبوا فك أسر السرى‪ ،‬فسمح له بالمسلمين‪ ،‬ولم يطلق‬
‫السرى الذميين‪ ،‬فقال له شيخ السلم‪" :‬لبد من افتكاك جميع‬
‫من معك من اليهود والنصارى الذين هم أهل ذمتنا‪ ،‬ول ندع لديك‬
‫أسيرًا‪ ،‬ل من أهل الملة‪ ،‬ول من أهل الذمة‪ ،‬فإن لهم ما لنا‪،‬‬
‫وعليهم ما علينا" ‪ ،‬فأطلقهم المير التتري جميعًا‪(34) .‬‬
‫وينقل المام القرافي عن المام ابن حزم إجماعا ً للمسلمين ل‬
‫تجد له نظيرا ً عند أمة من المم‪ ،‬فيقول‪" :‬من كان في الذمة‪،‬‬
‫وجاء أهل الحرب إلى بلدنا يقصدونه‪ ،‬وجب علينا أن نخرج‬
‫لقتالهم بالكراع والسلح‪ ،‬ونموت دون ذلك‪ ،‬صونا ً لمن هو في‬
‫ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فإن تسليمه‬
‫دون ذلك إهمال لعقد الذمة"‪(35) .‬‬
‫‪ -5‬صور ناصعة من معاملة المسلمين لهل الذمة‬
‫وحين عجز المسلمون عن أداء حقوق أهل الذمة وحمايتهم من‬
‫عدوهم ردوا إليهم ما أخذوه من الجزية لفوات شرطها‪ ،‬وهو‬
‫الحماية‪ ،‬فقد روى القاضي أبو يوسف في كتاب الخراج وغيره‬
‫من أصحاب السير عن مكحول أن الخبار تتابعت على أبي عبيدة‬
‫بجموع الروم‪ ،‬فاشتد ذلك عليه وعلى المسلمين ‪ ،‬فكتب أبو‬
‫ل ممن خّلفه في المدن التي صالح أهلها يأمرهم‬ ‫عبيدة لكل وا ٍ‬
‫جبي منهم من الجزية والخراج ‪ ،‬كتب إليهم أن‬ ‫أن يردوا عليهم ما ُ‬
‫يقولوا لهم‪ :‬إنما رددنا عليكم أموالكم‪ ،‬لنه قد بلغنا ما جمع لنا‬
‫من الجموع ‪ ،‬وإنكم قد اشترطتم علينا أن نمنعكم‪ ،‬وإنا ل نقدر‬
‫على ذلك‪ ،‬وقد رددنا عليكم ما أخذنا منكم‪ ،‬ونحن لكم على‬
‫الشرط وما كان بيننا وبينكم إن نصرنا الله عليهم"‪(36) .‬‬

‫‪378‬‬
‫وحين قام أهل الذمة بالمشاركة في الذود عن بلدهم أسقط‬
‫عنهم المسلمون الجزية‪ ،‬كما صنع معاوية رضي الله عنه مع‬
‫الرمن‪ ،‬يقول لوران المؤرخ الفرنسي في كتابه "أرمينية بين‬
‫بيزنطة والسلم" ‪" :‬إن الرمن أحسنوا استقبال المسلمين‬
‫ليتحرروا من ربقة بيزنطة‪ ،‬وتحالفوا معهم ليستعينوا بهم على‬
‫مقاتلة الخزر‪ ،‬وترك العرب لهم أوضاعهم التي ألفوها وساروا‬
‫عليها‪ ،‬والعهد أعطاه معاوية سنة ‪653‬م‪ ،‬إلى القائد تيودور‬
‫رختوني ولجميع أبناء جنسه ماداموا راغبين فيه‪ ،‬وفي جملته‪:‬‬
‫))أن ل يأخذ منهم جزية ثلث سنين‪ ،‬ثم يبذلون بعدها ما شاؤوا‪،‬‬
‫كما عاهدوه وأوثقوه على أن يقوموا بحاجة خمسة عشر ألف‬
‫مقاتل من الفرسان منهم بدل من الجزية‪ ،‬وأن ل يرسل الخليفة‬
‫إلى معاقل أرمينا أمراء ول قادة ول خيل ول قضاة‪ ...‬وإذا أغار‬
‫ة‬
‫عليهم الروم أمدهم بكل ما يريدونه من نجدات‪ .‬وأشهد معاوي ُ‬
‫الله على ذلك((‪(37) .‬‬
‫ول يتوقف حق أهل الذمة على دفع العدو عنهم‪ ،‬بل يتعداه إلى‬
‫دفع كل أذى يزعجهم‪ ،‬ولو كان بالقول واللسان‪ ،‬يقول القرافي‪:‬‬
‫"إن عقد الذمة يوجب لهم حقوقا ً علينا لنهم في جوارنا وفي‬
‫خفارتنا )حمايتنا( وذمتنا وذمة الله تعالى‪ ،‬وذمة رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬ودين السلم‪ ،‬فمن اعتدى عليهم ولو بكلمة‬
‫سوء أو غيبة‪ ،‬فقد ضيع ذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وذمة دين السلم"‪(38) .‬‬
‫وواصل المسلمون بهدي من دينهم عطاءهم الحضاري حين‬
‫تحولوا من آخذين للجزية إلى باذلين للمال رعاية وضمانا ً للفقراء‬
‫من أهل الذمة‪ ،‬فقد روى ابن زنجويه بإسناده أن عمر بن‬
‫الخطاب رأى شيخا ً كبيرا ً من أهل الجزية يسأل الناس فقال‪ :‬ما‬
‫أنصفناك إن أكلنا شبيبتك‪ ،‬ثم نأخذ منك الجزية‪ ،‬ثم كتب إلى‬
‫عماله أن ل يأخذوا الجزية من شيخ كبير‪ (39).‬وكان مما أمر به‬
‫رضي الله عنه ‪" :‬من لم يطق الجزية خففوا عنه‪ ،‬ومن عجز‬
‫فأعينوه"‪(40) .‬‬
‫وأرسل الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى عامله على البصرة عدي‬
‫بن أرطأة يقول‪" :‬وانظر من قبلك من أهل الذمة‪ ،‬قد كبرت سنه‬
‫وضعفت قوته‪ ،‬وولت عنه المكاسب‪ ،‬فأجرِ عليه من بيت مال‬
‫المسلمين ما يصلحه"‪(41) .‬‬
‫أما إذا امتنع الذمي عن دفع الجزية مع القدرة عليها فإنه يعاقب‪،‬‬
‫من غير أن تنقض ذمته‪ ،‬يقول القرطبي‪" :‬وأما عقوبتهم إذا‬
‫امتنعوا عن أدائها مع التمكين فجائز‪ ،‬فأما مع تبين عجزهم فل‬

‫‪379‬‬
‫تحل عقوبتهم‪ ،‬لن من عجز عن الجزية سقطت عنه‪ ،‬ول يكلف‬
‫الغنياء أداءها عن الفقراء"‪(42) .‬‬
‫لقد أدرك فقهاء السلم أهمية عقد الذمة وخطورة التفريط فيه‪،‬‬
‫وأنه ل ينقض بمجرد المتناع عن دفع الجزية‪ ،‬يقول الكاساني‬
‫الحنفي‪" :‬وأما صفة العقد )أي عقد الذمة( فهو أنه لزم في‬
‫حقنا‪ ،‬حتى ل يملك المسلمون نقضه بحال من الحوال‪ ،‬وأما في‬
‫حقهم )أي الذميين( فغير لزم"‪(43) .‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬شهادة المؤرخين الغربيين‬
‫ولسائل أن يسأل ‪ :‬هل حقق المسلمون هذه الم ُُثل العظيمة ‪،‬‬
‫هل وفوا ذمة نبيهم طوال تاريخهم المديد؟ وفي الجابة عنه‬
‫نسوق ثلث شهادات لغربيين فاهوا بالحقيقة التي أثبتها تاريخنا‬
‫العظيم‪.‬‬
‫يقول ولديورانت‪" :‬لقد كان أهل الذمة‪ ،‬المسيحيون‬
‫والزرادشتيون واليهود والصابئون يتمتعون في عهد الخلفة‬
‫الموية بدرجة من التسامح‪ ،‬ل نجد لها نظيرا في البلد المسيحية‬
‫في هذه اليام‪ ،‬فلقد كانوا أحرارا ً في ممارسة شعائر دينهم‪،‬‬
‫واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم‪ ،‬ولم يفرض عليهم أكثر من ارتداء‬
‫زيّ ذي لون خاص‪ ،‬وأداء ضريبة عن كل شخص باختلف دخله‪،‬‬
‫وتتراوح بين دينارين وأربعة دنانير‪ ،‬ولم تكن هذه الضريبة تفرض‬
‫إل على غير المسلمين القادرين على حمل السلح‪ ،‬ويعفى منها‬
‫الرهبان والنساء والذكور الذين هم دون البلوغ‪ ،‬والرقاء‬
‫والشيوخ‪ ،‬والعجزة‪ ،‬والعمى الشديد والفقر‪ ،‬وكان الذميون‬
‫يعفون في نظير ذلك من الخدمة العسكرية‪..‬ول تفرض عليهم‬
‫الزكاة البالغ قدرها اثنان ونصف في المائة من الدخل السنوي‪،‬‬
‫وكان لهم على الحكومة أن تحميهم‪(44) "...‬‬
‫يقول المؤرخ آدم ميتز في كتابه "الحضارة السلمية"‪" :‬كان أهل‬
‫الذمة يدفعون الجزية‪ ،‬كل منهم بحسب قدرته‪ ،‬وكانت هذه‬
‫الجزية أشبه بضريبة الدفاع الوطني‪ ،‬فكان ل يدفعها إل الرجل‬
‫القادر على حمل السلح‪ ،‬فل يدفعها ذوو العاهات‪ ،‬ول المترهبون‪،‬‬
‫وأهل الصوامع إل إذا كان لهم يسار"‪(45) .‬‬
‫ويقول المؤرخ سير توماس أرنولد في كتابه "الدعوة إلى‬
‫السلم" موضحا ً الغرض من فرض الجزية ومبينا ً على َ‬
‫من‬
‫ُفرضت‪" :‬ولم يكن الغرض من فرض هذه الضريبة على‬
‫المسيحيين ‪ -‬كما يردد بعض الباحثين ‪ -‬لونا ً من ألوان العقاب‬
‫لمتناعهم عن قبول السلم‪ ،‬وإنما كانوا يؤدونها مع سائر أهل‬
‫الذمة‪ .‬وهم غير المسلمين من رعايا الدولة الذين كانت تحول‬

‫‪380‬‬
‫ديانتهم بينهم وبين الخدمة في الجيش في مقابل الحماية التي‬
‫كفلتها لهم سيوف المسلمين"‪.‬‬
‫وهكذا تبين بجلء ووضوح براءة السلم بشهادة التاريخ‬
‫والمنصفين من غير أهله‪ ،‬ثبتت براءته مما ألحقه به الزاعمون‪،‬‬
‫وما فاهت فيه ألسنة الجائرين‪.‬‬
‫هذا والله أسأل أن يشرح صدورنا لما اختلفنا فيه من الحق بإذنه‬
‫إنه ولي ذلك والقادر عليه‪ ،‬وصلى الله وسلم وبارك على نبينا‬
‫محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫احصل على نسخة من الموضوع على ملف وورد‬
‫‪----------------‬‬
‫)‪ (1‬سورة التوبة ‪. 29 :‬‬
‫)‪ (2‬الجامع لحكام القرآن )‪ ،(8/114‬المغرب في ترتيب المعرب‬
‫)‪ ،(1/143‬وانظر مختار الصحاح )‪.(1/44‬‬
‫)‪ (3‬سورة التوبة ‪. (29) :‬‬
‫)‪ (4‬الجامع لحكام القرآن )‪.(8/72‬‬
‫)‪ (5‬انظره في إرواء الغليل ح )‪.(1255‬‬
‫)‪ (6‬رواه الترمذي في سننه ح )‪ ،(623‬وأبو داود في سننه ح )‬
‫‪ ،(1576‬والنسائي في سننه ح )‪ ،(2450‬وصححه اللباني في‬
‫مواضع متفرقة ‪ ،‬منها صحيح الترمذي )‪.(509‬‬
‫)‪ (7‬مشكاة المصابيح ح )‪ ،(3970‬وصححه اللباني‪.‬‬
‫)‪ (8‬الممتحنة ) ‪.( 8‬‬
‫)‪ (9‬رواه مسلم برقم )‪. (2553‬‬
‫)‪ (10‬رواه أبو داود في سننه ح )‪ (3052‬في )‪ ، (3/170‬وصححه‬
‫اللباني ح )‪ ،(2626‬و نحوه في سنن النسائي ح )‪ (2749‬في )‬
‫‪.(8/25‬‬
‫)‪ (11‬رواه البخاري ح )‪. (2295‬‬
‫)‪ (12‬رواه مسلم ح )‪(2613‬‬
‫)‪ (13‬الجامع لحكام القرآن )‪ ، (8/115‬وتفسير الماوردي )‬
‫‪.(352-2/351‬‬
‫)‪ (14‬طبقات ابن سعد )‪. (1/266‬‬
‫)‪ (15‬الفروق )‪(15-3/14‬‬
‫)‪ (16‬الطبقات الكبرى لبن سعد )‪. (266 /1‬‬
‫)‪ (17‬تاريخ الطبري )‪. (449 / 4‬‬
‫)‪ (18‬انظر‪ :‬تاريخ الطبري )‪.(449 /4‬‬
‫)‪ (19‬فتوح البلدان للبلذري )‪. (128‬‬
‫)‪ (20‬فتوح مصر وأخبارها لبن عبد الحكم )‪. (68‬‬
‫)‪ (21‬تاريخ الطبري )‪.(2/503‬‬

‫‪381‬‬
‫)‪ (22‬المغني )‪ ،(9/290‬أحكام أهل الذمة )‪.(1/139‬‬
‫)‪ (23‬رواه البخاري برقم )‪ (1392‬في )‪.(3/1356‬‬
‫)‪ (24‬الخراج )‪.(9‬‬
‫)‪ (25‬فتوح البلدان )‪.(156‬‬
‫)‪ (26‬فتوح البلدان )‪.(132‬‬
‫)‪ (27‬قوانين الحكام الشرعية )‪.(176‬‬
‫)‪ (28‬اختلف الفقهاء )‪.(233‬‬
‫)‪ (29‬مسند الشافعي )‪.(1/344‬‬
‫)‪ (30‬الجامع لحكام القرآن )‪.(2/246‬‬
‫)‪ (31‬الحكام السلطانية )‪.(143‬‬
‫)‪ (32‬انظر‪ :‬مغني المحتاج )‪.(4/253‬‬
‫)‪ (33‬مطالب أولي النهى )‪.(2/602‬‬
‫)‪ (34‬مجموع الفتاوى )‪.(618-28/617‬‬
‫)‪ (35‬الفروق )‪.(15-3/14‬‬
‫)‪ (36‬الخراج )‪ ، (135‬وانظره في‪ :‬فتوح البلدان للُبلذري ‪،‬‬
‫وفتوح الشام للذري‪.‬‬
‫)‪ (37‬وانظر فتوح البلدان )‪.(211 -210‬‬
‫)‪ (38‬الفروق )‪.(3/14‬‬
‫)‪ (39‬الموال )‪.(1/163‬‬
‫)‪ (40‬تاريخ مدينة دمشق )‪.(1/178‬‬
‫)‪ (41‬الموال )‪.(1/170‬‬
‫)‪ (42‬الجامع لحكام القرآن ‪.74-8/73‬‬
‫)‪ (43‬بدائع الصنائع )‪.(7/112‬‬
‫)‪ (44‬قصة الحضارة )‪.(12/131‬‬
‫)‪ (45‬الحضارة السلمية )‪.(1/96‬‬
‫======================‬
‫الرد على استدلل النصارى بمصادر الشيعة‬
‫بسم الله و الحمد لله و الصلة و السلم على رسول الله ‪......‬‬
‫يقول القس المهتدى " إبراهيم خليل فلوبرس " ‪ ..... ) :‬في‬
‫الثمانية أشهر الولى كنا ندرس دراسات نظرية ‪ ...‬يقدم الستاذ‬
‫المحاضرة على شكل نقاط رئيسية ‪ ،‬ونحن علينا أن نكمل البحث‬
‫من المكتبة ‪ ،‬وكان علينا أن ندرس اللغات الثلث‪ :‬اليونانية‬
‫والرامية والعبرية إضافة إلى اللغة العربية كأساس والنجليزية‬
‫كلغة ثانية ‪ ...‬بعد ذلك درسنا مقدمات العهد القديم والجديد ‪،‬‬
‫والتفاسير والشروحات وتاريخ الكنيسة ‪ ،‬ثم تاريخ الحركة‬
‫التبشيرية وعلقتها بالمسلمين ‪ ،‬وهنا نبدأ دراسة القرآن الكريم‬
‫والحاديث النبوية ‪ ،‬ونتجه للتركيز على الفرق التي خرجت عن‬

‫‪382‬‬
‫السلم أمثال السماعيلية ‪ ،‬والعلوية ‪ ،‬والقاديانية ‪ ،‬والبهائية ‪...‬‬
‫وبالطبع كانت العناية بالطلب شديدة ويكفي أن أذكر بأننا كنا‬
‫كل بتدريسنا ‪ 12‬أستاذا ً أمريكيا ً و ‪ 7‬آخرون‬ ‫حوالي ‪ 12‬طالبا ً وُ ّ‬
‫مصريون ‪( ...‬‬
‫فهذا هو منهج أهل الكفر فى محاربة السلم و المسلمين ‪ ,‬فهم‬
‫يستدلون بأقوال ساقطة لفرق خارجة عن السلم لعلمهم أن‬
‫عوام النصارى و كذلك بعض عوام المسلمين يظنون أن هذه‬
‫الفرق الكافرة ما هى إل مذاهب داخل بيت السلم !‬
‫و من هذه الفرق الساقطة التى يستدل النصارى بأقوالها و‬
‫تعاليمها ) الشعية ( أو ) الروافض ( ‪ ,‬فالن ل تجد موقًعا للتنصير‬
‫إل و به تفاسير الشيعة للقرأن الكريم و أحاديثهم المنسوبة كذًبا‬
‫للنبى صلى الله عليه و سلم ‪.‬‬
‫و الشيعة فرقة ضالة بإجماع المة ‪ ,‬و قولهم ليس بحجة فى‬
‫الدين ‪ ,‬بل هو كقول اليهود و النصارى مرفوض جملة و تفصيل ً ‪.‬‬
‫و لسهولة الرد على النصارى إذا ما استدلوا بأقوال الشيعة ‪ ,‬ما‬
‫عليك إل نقل إجماع علماء المة من الصحابة و التابعين و من‬
‫خَلفهم من العلماء الربانيين فى أن هذه الفرقة ليس لها من‬
‫السلم حظ و ل نصيب و ذلك بعد بيان حجية الجماع في‬
‫السلم ‪.‬‬
‫فإجماع المة هو مصدر التشريع الثالث فى السلم بعد القرأن و‬
‫السنة مصداًقا لقول المولى جل و عل ) و كذلك جعلناكم أمة‬
‫طا لتكونوا شهداء على الناس ( ) البقرة ‪ ( 143‬و لقول النبى‬ ‫وس ً‬
‫صلى الله عليه و سلم ) ل تجتمع أمتى على ضللة ( ) رواه‬
‫الترمذى ( ‪.‬‬
‫إجماع المة على أن الشيعة ليس لهم من السلم حظ و ل‬
‫نصيب ) * (‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية ‪ -‬رحمه الله رحمة واسعة ‪ )) : -‬وقد‬
‫اتفق أهل العلم بالنقل والرواية و السناد على أن الرافضة أكذب‬
‫الطوائف‪ ،‬والكذب فيهم قديم‪ ،‬ولهذا كان أئمة السلم يعلمون‬
‫امتيازهم بكثرة الكذب ((‪.‬‬
‫قال أشهب بن عبدالعزيز ‪ )) :‬سئل مالك ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬عن‬
‫الرافضة فقال ‪ :‬لتكلمهم ول تروي عنهم فإنهم يكذبون‪ .‬وقال‬
‫مالك ‪ :‬الذي يشتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ليس لهم اسم‪ ،‬أو قال‪ :‬نصيب في السلم ((‪.‬‬
‫وقال ابن كثير عند قوله سبحانه ‪ ) :‬محمد رسول الله والذين‬
‫معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون‬
‫فضل من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك‬

‫‪383‬‬
‫مثلهم في التوارة ومثلهم في النجيل كزرع أخرج شطئه فئازره‬
‫فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار (‬
‫)‪ .(1‬قال ‪ )) :‬ومن هذه الية انتزع المام مالك ‪ -‬رحمة الله عليه‬
‫‪ -‬في رواية عنه بتكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة ‪-‬‬
‫رضوان الله عليهم ‪ -‬قال ‪ :‬لنهم يغيظونهم ومن غاظ الصحابة ‪-‬‬
‫رضي الله عنهم ‪ -‬فهو كافر لهذه الية ((‪.‬‬
‫قال القرطبي ‪ )) :‬لقد أحسن مالك في مقالته وأصاب في‬
‫تأويله‪ ،‬فمن نقص واحدا منهم أو طعن عليه في روايته فقد رد‬
‫على الله رب العالمين وأبطل شرائع المسلمين (()‪.(2‬‬
‫وقال أبو حاتم ‪ )) :‬حدثنا حرملة قال ‪ :‬سمعت الشافعي ‪ -‬رحمه‬
‫الله ‪ -‬يقول لم أَر أحدا ً أشهد بالزور من الرافضة ((‪.‬‬
‫وقال مؤمل بن أهاب ‪ )) :‬سمعت يزيد بن هارون يقول ‪ :‬يكتب‬
‫عن كل صاحب بدعة إذا لم يكن داعية إل الرافضة فإنهم يكذبون‬
‫((‪.‬‬
‫وقال محمد بن سعيد الصبهاني ‪) :‬سمعت شريكا ً يقول ‪ :‬احمل‬
‫العلم عن كل من لقيت إل الرافضة‪ ،‬فإنهم يضعون الحديث‬
‫ويتخذونه دينا ً ((‪ .‬وشريك هو شريك بن عبدالله‪ ،‬قاضي الكوفة‪.‬‬
‫وقال معاوية ‪ )) :‬سمعت العمش يقول ‪ :‬أدركت الناس وما‬
‫يسمونهم إل الكذابين ((‪ .‬يعني أصحاب المغيرة بن سعيد‬
‫الرافضي الكذاب كما وصفه الذهبي )‪.(3‬‬
‫قال شيخ السلم " ابن تيمية " ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬معلقا ً على ما قاله‬
‫أئمة السلف ‪ )) :‬وأما الرافضة فأصل بدعتهم زندقة وإلحاد‬
‫مد‪ ،‬الكذب كثير فيهم‪ ،‬وهم يقرون بذلك حيث يقولون ‪ :‬ديننا‬ ‫وتع ّ‬
‫التقية‪ ،‬وهو أن يقول أحدهم بلسانه خلف ما في قلبه وهذا هو‬
‫الكذب والنفاق فهم في ذلك كما قيل ‪ :‬رمتني بدائها وانسلت ((‬
‫) ‪.( 4‬‬
‫قال عبدالله أحمد بن حنبل ‪ )) :‬سألت أبي عن الرافضة‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫الذي يشتمون أو يسبون أبا بكر وعمر ((‪ .‬وسئل المام أحمد عن‬
‫أبي بكر وعمر فقال ‪ )) :‬ترحم عليهما وتبرأ ممن يبغضهما (()‪.(5‬‬
‫روى الخلل عن أبي بكر المروزي قال ‪)) :‬سألت ابا عبدالله‬
‫عمن يشتم أبابكر وعمر وعائشة‪ ،‬قال ما أره في السلم (( )‪.(6‬‬
‫وروى الخلل قال ‪ )) :‬أخبرني حرب بن إسماعيل الكرماني‬
‫قال ‪ :‬ثنا موسى بن هارون بن زياد قال ‪ :‬سمعت الفريابي ورجل‬
‫يسأله عمن شتم أبابكر قال‪:‬كافر‪ ،‬قال‪ :‬فيلصى عليه؟ قال‪:‬ل (()‬
‫‪.(7‬‬
‫قال ابن حزم ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬عن الرافضة عندما ناظر النصارى‬
‫وأحضروا له كتب الرافضة للرد عليه ‪ )) :‬إن الرافضة ليسوا‬

‫‪384‬‬
‫مسلمين‪ ،‬وليس قولهم حجة على الدين‪ ،‬وإنما هي فرقة حدث‬
‫أولها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة‬
‫وكأن مبدئها إجابة ممن خذله الله لدعوة من كاد السلم وهي‬
‫طائفة تجري مجرى اليهود والنصارى في التكذيب والكفر (()‪.(8‬‬
‫وقال أبو زرعة الرازي ‪ )) :‬إذا رأيت الرجل ينقص أحدا ً من‬
‫أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق ((‪.‬‬
‫وسئلت اللجنة الدائمة للفتاء بالمملكة العربية السعودية سؤال ً‬
‫جاء فيه أن السائل وجماعة معه في الحدود الشمالية مجاورون‬
‫للمركز العراقي‪ ،‬وهناك جماعة على مذهب الجعفري ) الشيعة (‬
‫ومنهم من امتنع عن أكل ذبائحهم ومنهم من أكل‪ ،‬ونقول ‪ :‬هل‬
‫يحل لنا أن نأكل منها علما ً بأنهم يدعون عليا والحسن والحسين‬
‫وسائر سادتهم في الشدة والرخاء؟‬
‫فأجابت اللجنة برئاسة سماحة الوالد الشيخ عبدالعزيز بن باز‪،‬‬
‫والشيخ عبدالرزاق عفيفي‪ ،‬والشيخ عبدالله بن غديان‪ ،‬والشيخ‬
‫عبدالله بن قعود ‪ -‬أثابهم الله جميعا ً ‪: -‬‬
‫الجواب ‪ :‬الحمد لله وحده والصلة والسلم على رسوله وآله‬
‫وصحبه‪ ،‬وبعد ‪:‬‬
‫إذا كان المر كما ذكر السائل من أن الجماعة الذين لديه من‬
‫الجعفرية يدعون عليا ً والحسن والحسين وسادتهم فهم مشركون‬
‫مرتدون عن السلم والعياذ بالله‪ ،‬ليحل الكل من ذبائحهم لنها‬
‫ميتة ولو ذكروا عليها أسم الله )‪.(9‬‬
‫وسئل العلمة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين ‪ -‬حفظه‬
‫الله ورعاه من كل سؤ ‪ -‬سؤال جاء فيه فضيلة الشيخ يوجد في‬
‫بلدتنا شخص رافضي يعمل قصابا ويحضره أهل السنة كي يذبح‬
‫ذبائحهم‪ ،‬وكذلك هناك بعض المطاعم تتعامل مع هذا الشخص‬
‫الرافضي وغيره من الرافضة الذي يعملون في نفس المهنة‪ .‬فما‬
‫حكم التعامل مع هذا الرافضي وأمثاله؟ وما حكم ذبحه ‪ :‬هل‬
‫ذبيحته حلل أم حرام؟ أفتونا مأجورين والله ولي التوفيق‪.‬‬
‫وعليكم السلم ورحمة الله وبركاته‪ ،‬وبعد ‪ :‬فل يحل ذبح‬
‫الرافضي ول أكل ذبيحته‪ ،‬فإن الرافضة غالبا ً مشركون حيث‬
‫يدعون علي بن أبي طالب ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬دائما ً في الشدة‬
‫والرخاء حتى في عرفات والطواف والسعي‪ ،‬ويدعون أبناءه‬
‫وأئمتهم كما سمعناهم مرارا‪ ،‬وذا شرك أكبر وردة عن السلم‬
‫يستحقون القتل عليها‪.‬‬
‫كما هم يغلون في وصف علي ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬ويصفونه‬
‫بأوصاف لتصلح إل لله‪ ،‬كما سمعناهم في عرفات‪ ،‬وهم بذلك‬

‫‪385‬‬
‫مرتدون حيث جعلوه ربا ً وخالقًا‪ ،‬ومتصرفا ً في الكون‪ ،‬ويعلم‬
‫الغيب‪ ،‬ويملك الضر والنفع‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫كما أنهم يطعنون في القرآن الكريم‪ ،‬ويزعمون أن الصحابة‬
‫حرفوه وحذفوا منه أشياء كثيرة تتعلق بأهل البيت وأعدائهم‪ ،‬فل‬
‫يقتدون به ول يرونه دلي ً‬
‫ل‪.‬‬
‫كما أنهم يطعنون في أكابر الصحابة كالخلفاء الثلثة وبقية‬
‫العشرة‪ ،‬وأمهات المؤمنين‪ ،‬ومشاهير الصحابة كأنس وجابر وأبي‬
‫هريرة ونحوهم‪ ،‬فل يقبلون أحاديثهم‪ ،‬لنهم كفار في زعمهم! ول‬
‫يعملون بأحاديث الصحيحين إل ما كان عن أهل البيت‪ ،‬ويتعلقون‬
‫بأحاديث مكذوبة أو ل دليل فيها على ما يقولون‪ ،‬ولكنهم مع ذلك‬
‫ينافقون فيقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم‪ ،‬ويخفون في‬
‫أنفسهم ما ليبدون لك‪ ،‬ويقولون ‪ :‬من ل تقية له فل دين له‪ .‬فل‬
‫تقبل دعواهم في الخوة ومحبة الشرع‪..‬إلخ‪ ،‬فالنفاق عقيدة‬
‫عندهم‪ ،‬كفى الله شرهم‪ ،‬وصلى الله على محمد وآله وصحبه‬
‫وسلم)‪.(10‬‬
‫)‪ (1‬سورة الفتح‪ ،‬الية ‪. 29 :‬‬
‫)‪ (2‬أصول مذهب الشيعة المامية الثنا عشرية‪ ،‬د‪ .‬ناصر القفاري‬
‫)‪(1250/3‬‬
‫)‪ (3‬منهاج السنة لشيخ السلم ابن تيمية ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬المجلد‬
‫الول )‪.(60-59‬‬
‫)‪ (4‬منهاج السنة لشيخ السلم ابن تيمية ‪ -‬رحمه الله ‪.(68/1) -‬‬
‫)‪ (5‬المسائل والرسائل المروية عن المام احمد بن حنبل‪ ،‬لبعد‬
‫الله بن سليمان الحمدي )‪.(357/2‬‬
‫)‪ (6‬السنة‪ ،‬للخلل )‪ .(493/3‬وهذا تصريح من المام احمد في‬
‫تكفير الرافضة‪.‬‬
‫)‪ (7‬السنة‪ ،‬للخلل )‪.(499/3‬‬
‫)‪(8‬الفصل في الملل والنحل لبن حزم )‪.(78/2‬‬
‫)‪ (9‬فتاوى اللجنة الدائمة للفتاء‪ ،‬المجلد الثاني‪ ،‬ص ‪.264‬‬
‫)‪ (10‬هذه الفتوى صدرت من سماحته بعد ان وجه إليه سؤال‬
‫عن حكم التعامل مع الرافضة في عام ‪1414‬هـ‪ ،‬وأحب أن أبين‬
‫حول ما يتردد أن الشيخ عبدالله الجبرين رعاه الله هو الذي تفرد‬
‫بتكفير الروافض‪ ،‬والصحيح أن الئمة من السلف إلى الخلف‬
‫يكفرون هذه الفرقة وذلك لقامة الحجة عليهم وانتفاء عذر‬
‫الجهل عنهم‪.‬‬
‫* من عقائد الشيعة ص ‪ , 61 - 54‬للشيخ ‪/‬عبد الله بن محمد‬
‫السلفي حفظه الله ‪.‬‬
‫===================‬

‫‪386‬‬
‫عدالة السلم في جلد الزناة ورجمهم وجلد القاذفين‬
‫المجتمع السلمي ? من ناحية الغريزة الجنسية ? يخالف كل‬
‫المخالفة المجتمعات الشيوعية والرأسمالية‪.‬‬
‫إن التصال الجنسي هناك نداء الجسد ‪ ،‬ويكاد يكون معزول ً عن‬
‫الخلق والروح ‪ ،‬والعبادة واليمان‪.‬‬
‫أما نحن المسلمون فنربط العلقة الجنسية بتعاليم الدين ربطا ً‬
‫محكما ً ‪ ،‬ونضبطها داخل إطار من التصون والستعفاف ‪ ،‬قال‬
‫تعالى في وصف المؤمنين‪) :‬والذين هم لفروجهم حافظون ‪ ،‬إل‬
‫على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ‪ ،‬فمن‬
‫ابتغى وراء ذلك فألئك هم العادون(‪.‬‬

‫هناك متنفس واحد للرغبة الجنسية هو العقد الشرعي الذي‬


‫ارتضاه الله ‪ ،‬وهو اليوم بيت الزوجية وحده‪.‬‬
‫ل ملم فيما يقع داخله ‪ ،‬إنما الملم فنون الثارة والتذوق التي‬
‫لجأ إليها الباحيون ‪ ،‬ودفعوا إليها الذكور والناث دفعا ً خبيثا ً ‪،‬‬
‫كالختلط المطلق ‪ ،‬والرقص المنفرد والمزدوج ‪ ،‬والروايات التي‬
‫تقرأ أو تمثل بما تحوي من تبذل وخلعة ‪ ..‬وأخيرا ً اللقاء الحيواني‬
‫الذي ل غرض منه إل قضاء الوطر ‪ ،‬وإرواء الطباع المستثارة ‪..‬‬
‫المجتمع السلمي مضاد لهذا كله ‪ ،‬وهو يمقت الزنا وكل‬
‫مقدماته ‪ ،‬وقد أرصد عقوبة صارمة للزناة تدور بين الجلد ‪،‬‬
‫والقتل إذا كان المجرمان متزوجين‪.‬‬
‫ول شك أن مائة جلدة للبكر ‪ ،‬والعدام رجما ً للثيب عقوبات‬
‫شديدة ‪ ،‬بيد أنها عادلة ‪..‬‬
‫لكن الذي يلفت النظر في هذه العقوبات ضروب الحيطة البالغة‬
‫التي اتخذها السلم لتنفيذها‪.‬‬
‫ل بد من أربعة شهداء يرون الجريمة رأي العين ‪ ..‬والمألوف أن‬
‫هذه الجريمة ترتكب في خفاء غالبا ً ‪ ،‬وأن توفر أربعة أشخاص‬
‫لشهودها يندر وقوعه ‪ ،‬ومن الناحية التاريخية ندرك أن التطبيق‬
‫لحد الزنا لم يتم بالبينة المطلوبة إل قليل ً جدا ً ‪ ،‬حتى إن بعضهم‬
‫ظن الحد إرهابا ً فقط‪.‬‬
‫ونحن نعترف بأن السلم شدد في إثبات جريمة الزنا ‪ ،‬وأنه قصد‬
‫إلى هذا التشديد قصدا ً ‪ ،‬لما ينشأ عن الثبات من عواقب‬
‫اجتماعية غليظة واسعة ‪ ،‬إذ أن جريمة الزنا تتعدى أصحابها‬
‫المباشرين إلى أسرتهما معا ً ‪ ،‬وتسبب مآسي مادية وأدبية لفراد‬
‫السرتين كلتيهما ‪ ..‬فل جرم أن السلم يستوثق ويضاعف دلئل‬
‫الثبات‪.‬‬

‫‪387‬‬
‫والمجال واسع لتطبيق الحد في البيئات التي كثر فيها الخبث‬
‫والتبجح ‪ ..‬ففي أقطار أوربا وأمريكا ‪ ،‬وفي البلدان التي قلدتها‬
‫تحول ناس كثيرون إلى قطعان من الدواب ‪ ،‬تقترف الفاحشة‬
‫في الحدائق والطرق دون محاذرة‪.‬‬
‫وجلد هؤلء أو قتلهم ميسور لسهولة الستدلل على مناكرهم‪.‬‬
‫لكن السلم ? بيقين ? لم يعتمد على الحد جلدا ً كان أو قتل ً‬
‫لنشر العفة في المجتمع ‪ ،‬بل اعتمد على تأسيس اليقين في‬
‫القلوب ‪ ،‬وبناء الضمائر التي ترقب الله خفية ‪ ،‬وتأبى معصيته ولو‬
‫أتيحت لها‪.‬‬
‫ً‬
‫ثم قام السلم بعد هذا المهاد العظيم ‪ ،‬فأكد أوضاعا تضمن أل‬
‫يكون هناك انحراف‪..‬‬
‫منها‪ :‬إشاعة الملبس السائغة المحتشمة التي تكرم جسد المرأة‬
‫وتحميه‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬التوصية بغض البصر ومنع العيون الخائنة من البحث عن‬
‫العورات‪.‬‬
‫ً‬
‫ومنها‪ :‬تحريم الخلوة بين الرجل والمرأة ‪ ،‬سدا للذريعة وطهارة‬
‫للقلوب‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬المباعدة بين أنفاس الرجال والنساء ‪ ،‬حتى في المساجد‬
‫الجامعة ‪ ،‬فإن للرجال صفوفا ً مستقلة وللنساء صفوفا ً خاصة‬
‫بهن‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬رفض ازدواج التعليم ‪ ،‬فلكل من الجنسين مدارسه‬
‫وجامعاته‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬تيسير الزواج وجعله ظاهرة اجتماعية طبيعية ‪ ،‬ل تكلف‬
‫معها ول عنت‪.‬‬
‫والواقع أن البون شاسع بين السلوك السلمي في الصلت‬
‫الجنسية وبين السلوك المنحل المستورد من هنا وهناك ‪ ،‬وقد‬
‫انتهى السلوك الجنبي باعتبار الزنا حاجة بدنية ل يحرمها‬
‫القانون ‪ ،‬ما دامت محفوفة بالتراضي ‪ ،‬كما انتهى باستقبال‬
‫اللوف المؤلفة من اللقطاء على أنهم أناس طبيعيون ل ينبغي‬
‫التساؤل من أين جاؤوا؟‬
‫ونحن المسلمون نرفض بحسم هذه النتائج ‪ ،‬ونعد الزنا فاحشة‬
‫موبقة ‪ ،‬ونوصد كل البواب المفضية إليها ‪ ،‬ونعاقب على وقوعها‬
‫بالجلد والقتل ‪ ،‬ونرى أن السرة وحدها هي الملتقى المشروع‬
‫لشراف الناس‪.‬‬
‫وكما يهتم السلم بحفظ الحرمات ‪ ،‬يأبى التعرض لها ويعاقب‬
‫على تجريحها‪.‬‬

‫‪388‬‬
‫وفي الناس من يبسط لسانه بالذى في الخرين ول يبالي أن‬
‫ينسب إليهم الفك ‪ ،‬ويشيع عنهم الخنا‪.‬‬
‫ول يجوز ترك هؤلء الهجامين يلغون في العراض ‪ ،‬ويهينون ذوي‬
‫المروءات ‪ ،‬وقد طالبهم السلم أن يأتوا على ما يقولون بأربعة‬
‫شهداء ‪ ،‬وإل جلدوا ثمانين جلدة )والذين يرمون المحصنات ثم لم‬
‫يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ول تقبلوا لهم شهادة‬
‫أبدًا(‪.‬‬
‫وضرب المفترين هذا الحد ‪ ،‬ثم إسقاط كرامتهم أبد الدهر ‪ ،‬برد ّ‬
‫شهادتهم وعدها كذبا ً ‪ ،‬هو جزاء شديد بل ريب ‪ ،‬إل أنه عادل‬
‫ومزعج عن التهام بالباطل‪.‬‬
‫إن النساء الشريفات ينبغي أن يحطن بشتى الضمانات ليعشن‬
‫آمنات هادئات‪.‬‬
‫وثم أمر نلفت إليه النظر لدقته وروعته ‪ ،‬أن الدين يحب أن‬
‫تموت الخطيئة مكانها ‪ ،‬فل تلوكها اللسن وتبعثر نبأها في كل‬
‫مكان‪.‬‬
‫ً‬
‫فلو فرضنا أن شخصا وحده رأى جريمة جنسية ‪ ،‬فل يجوز له أن‬
‫يحدث بها أحدا ً ‪ ،‬من يدري؟ ربما كان هذا الكتمان معونة على‬
‫توبة وطهر‪.‬‬
‫إن الدين ل يقف متربصا ً أن تزل قدم فيجهز على صاحبها )ولو‬
‫يؤاخذ الله بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة(‪.‬‬
‫إن الدين يمنح فرصا ً من الستر الممدود كي يرشد الضال ويقلع‬
‫العاصي ‪ ،‬ومن هنا كلف المؤمن أن يصم أذنيه عن سماع‬
‫الشاعات الرديئة ‪ ،‬وأن يكذب مروجيها ما داموا ل يملكون أدلة‬
‫إثباتها ? وهي أدلة صعبة ? قال تعالى‪) :‬لول إذ سمعتموه ظن‬
‫المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا ً وقالوا هذا إفك مبين ‪ ،‬لول‬
‫جاؤوا عليه بأربعة شهداء ‪ ،‬فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله‬
‫هم الكاذبون(‪.‬‬
‫وبديهي أن السلم يكره الجريمة ‪ ،‬ويتوعد عليها بالنكال في‬
‫الدنيا والخرة ‪ ،‬ويتهدد أقواما ً يرتكبونها سرا ً ثم يبرزون للناس‬
‫وكأنهم أطهار شرفاء )إن الله ل يحب من كان خوانا ً أثيما ً ‪،‬‬
‫يستخفون من الناس ول يستخفون من الله وهو معهم إذ ُيبّيتون‬
‫ما ل يرضى من القول ‪ ،‬وكان الله بما يعملون محيطا(‪.‬‬
‫ومع البغضاء التي واجه بها الدين هؤلء المنافقين ‪ ،‬إل أنه آثر‬
‫ستر المستورين ‪ ،‬وفتح نافذة المل لمستقبل يصطلحون فيه مع‬
‫الغفور الودود ‪ ..‬فمن كشف القدر صفحته ‪ ،‬جلد كالحيوان وحل‬
‫وها وعلقة‬ ‫ج ّ‬
‫به ما يستحق ‪ ..‬لكن السلم نظر إلى البيوت و َ‬
‫الزوجين فيها نظرة خاصة ‪ ،‬نعم الظن أكذب الحديث ‪ ،‬والتهام‬

‫‪389‬‬
‫وبال على صاحبه ما لم يسانده شهود ‪ ،‬لكن الزوج قد يجد ما‬
‫يحرجه ول يستطيع إثباته ول يستطيع العيش معه‪.‬‬
‫وهنا يتدخل السلم ليرشد ويحكم ‪ ،‬إن المر خطير ‪ ،‬والقضية ل‬
‫مجال فيها لغيرة تتوهم ‪ ،‬أو لتخيل فاسد!! فإما أن يستيقن‬
‫الرجل مما يقول ‪ ،‬استيقانا ً ل يتراجع فيه ول يضطرب ‪ ،‬وإما أن‬
‫يسكت فل يرمي أهله بما قد يكن أبرياء منه‪.‬‬
‫وتجئ هنا شريعة اللعان لتنهي علقة مختلة مريبة )والذين يرمون‬
‫أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إل أنفسهم فشهادة أحدهم أربع‬
‫شهادات بالله إنه لمن الصادقين ‪ ،‬والخامسة أن لعنة الله عليه‬
‫إن كان من الكاذبين ‪ ،‬ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات‬
‫بالله إنه لمن الكاذبين ‪ ،‬والخامسة أن غضب الله عليها إن كان‬
‫من الصادقين(‪.‬‬
‫واللعان تشريع حاسم في موضعه ‪ ،‬وقلما يحتاج المجتمع‬
‫السلمي إلى وصف هذا الدواء ‪ ،‬فإن التعاليم العتيدة التي‬
‫تكتنف أرجاءه حصنته من هذه المتاعب ‪ ،‬وحمته من آثارها‬
‫الموجعة ‪..‬‬
‫والسرة السلمية قديما ً وحديثا ً أرجح كفة ‪ ،‬وأنقى صفحة ‪،‬‬
‫وأبين عفة من جميع السر التي تزحم القارات الخمس ‪،‬‬
‫والفضل في هذا الستقرار لتعاليم السلم الحنيف ‪..‬‬
‫===================‬
‫قطع يد السارق عقوبة عادلة أم جائرة؟‬
‫ل النعم ‪ ،‬ما أعظم أن يتحرك‬ ‫استتباب المن في مجتمع من أج ّ‬
‫النسان كيف يشاء دون قلق على دمه أو ماله أو عرضه! عندما‬
‫دعا إبراهيم ربه للبلد الذي أسسه ‪ ،‬طلب له أمرين اثنين ‪ ،‬رزقا ً‬
‫مكفول ً وأمنا ً مستقرا ً ‪ ،‬وقدم المن على الرزق وهو يسأل الله‬
‫حاجته )رب اجعل هذا بلدا ً آمنا ً وارزق أهله من الثمرات ‪.(..‬‬
‫ولكي يشيع المان ‪ ،‬ويطمئن كل إنسان ‪ ،‬شرع الله شرائع كثيرة‬
‫‪ ،‬من أهمها حد السرقة ‪ ،‬إن السرقة جريمة جديرة بالمطاردة‬
‫والستئصال ‪ ،‬ووجودها مثار ضيق وقلق فكيف إذا شاعت؟!‬
‫تصور عامل ً يكدح طوال الشهر ‪ ،‬يسعى على أهله وولده ‪ ،‬قبض‬
‫مرتبه الذي يرقبه بشوق وعاد إلى بيته وهو يفكر في سداد‬
‫الثغرات الكثيرة التي تنتظره ‪ ،‬ولكن يدا ً آثمة امتدت في الطريق‬
‫إلى ماله فسرقته ‪ ،‬ماذا يقول وما يفعل؟ وكيف يترك هذا اللص‬
‫يحصد في لحظات حصاد الخرين في أيام طوال؟‬
‫وأعرف موظفا ً تغرب عاما ً أو عامين ليؤسس بيتا ً يتزوج فيه فإذا‬
‫اللصوص ينقبون البيت ويستولون على كل ما أثل وهيأ!‬

‫‪390‬‬
‫وفلحا ً باع محصول زراعته ولم يهنأ بالثمن الذي ناله ‪ ،‬لن‬
‫اللصوص أخذوه منه!‬
‫‪ ...‬وهكذا يأكل القاعد الخبيث من كدح العامل المرهق‪.‬‬
‫وهؤلء الشطار اللئام يستولون على أموال الخرين فيتوسعون‬
‫في إنفاقها ويبعثرونها في لذاتهم دون حذر لنهم ما تعبوا في‬
‫كسبها‪.‬‬
‫ل ريب أن المجتمع المحترم بجب أن يخلص من هؤلء ‪ ،‬وأن‬
‫يرصد لهم العقوبة التي تقطع دابرهم ‪ ،‬وتروع قريبهم وبعيدهم‪.‬‬
‫اليدي في نظر السلم ثلثة‪:‬‬
‫يد عاملة ‪ ،‬وهذه حقها أن تكافأ وتصان وتشجع ‪ ،‬ومن حقها أن‬
‫يضمن لها سعيها وأن تذاد عنه الفات ‪ ،‬وأن تهنأ به دون متطفل‬
‫سمج يفتات عليه‪.‬‬
‫ويد عاطلة ‪ ،‬وهذه حقها أن تجد العمل الذي يشغلها ‪ ،‬وأن توفر‬
‫لها أسباب العيش الشريف ‪ ،‬وأن تأخذ حقها الطبيعي في‬
‫الحياة ‪ ،‬ول يجوز أن نلجئها إلى طلب القوت عن طريق التسول‬
‫أو التلصص‪.‬‬
‫ويد فاسدة ‪ ،‬وهي اليد التي عزفت عن العمل الشريف ‪،‬‬
‫وانبسطت للناس بالذى ‪ ،‬وعز علجها مع وفرة التعاليم الدينية‬
‫التي تغري بالحلل وتنفر من الحرام ‪ ،‬ماذا يصنع السلم لهذه‬
‫اليد إل أن يقطعها ليريح منها صحبها ويريح المجتمع كله من‬
‫فسادها؟‬
‫ونسأل الذين يستبقون هذه اليد ويأبون الخلص منها ماذا تبغون‬
‫من تركها؟ ربما قالوا‪ :‬نكفها عن الذى بالسجن حينا ً ثم نتركها‪.‬‬
‫ونقول‪ :‬فإذا خرجت من السجن لتستأنف السرقة وإنزال الفواجع‬
‫بغيرها ‪ ،‬أنتركها للبد؟‬
‫ل يقول بهذا رجل مخلص للناس ‪ ،‬غيور على كرامتهم المادية‬
‫والدبية! ومسألة التريث أو التعجل في إقامة الحد ليست موضع‬
‫الخلف بيننا وبين الشاغبين على العقوبات السلمية ‪ ،‬فإن الحد‬
‫ل يقام ? دينا ً ? إل بعد أن يستريح ضمير القاضي إلى ما يحكم به‬
‫ت الحاكم في قضية‬ ‫‪ ،‬وهو لن يحكم على جائع محرج ‪ ،‬ولن يب ّ‬
‫أحاطت بها شبهة‪.‬‬
‫إن اليد التي تقطع هي اليد التي ظلمت المجتمع ‪ ،‬ل اليد التي‬
‫ظلمها المجتمع ‪ ،‬قال تعالى‪) :‬والسارق والسارقة فاقطعوا‬
‫أيديهما جزاًء بما كسبا نكال ً من الله ‪ ،‬والله عزيز حكيم ‪ ،‬فمن‬
‫تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه(‪.‬‬

‫‪391‬‬
‫والبلد التي نفذت قطع السارق هدأت أحوالها ‪ ،‬وسادتها طمأنينة‬
‫كاملة وأغناها قطع يد واحدة عن فتح سجون كثيرة يسمن فيها‬
‫المجرمون ‪ ،‬ثم يخرجون أشد ضراوة وأكثر قساوة‪.‬‬
‫والسطو على مال الغير جريمة فيها قابلية النماء والتجدد ‪،‬‬
‫وتتحول من رغبة في المال الحرام إلى جراءة على الدم‬
‫الحرام ‪ ،‬وما أيسر أن يقتل اللص من يعترض طريقه وهو‬
‫يسرق ‪ ،‬سواء أكان المعترض حارس المن ‪ ،‬أو صاحب المال‪.‬‬
‫ويغلب أن يتعاون اللص مع اللص في إدراك مأربه ‪ ،‬ومن هنا‬
‫تتكون العصابات التي تقطع الطريق ‪ ،‬أو التي تتقاسم المهام في‬
‫إتمام أعمال السلب والنهب ‪ ،‬والسجون ساحات ممهدة لدراسة‬
‫هذه المعاصي وإحكام خطتها‪ .‬وطبيعي أن يتضاعف العقاب مع‬
‫استفحال الجرم على هذا النحو‪.‬‬
‫وقد سمعنا بأنباء السطو المسلح على السيارات والقطارات ‪ ،‬أو‬
‫على الحقول والمتاجر‪.‬‬
‫والغريب أن بعض الناس يتعاطف مع هؤلء القطاع ويحاول‬
‫تخفيف عقوباتهم ‪ ،‬وإني لشديد الريبة في ضمائر هؤلء‬
‫المدافعين ‪ ،‬وأكاد أقول‪ :‬ما يعطف على اللص إل لص ‪ ،‬ول على‬
‫القاتل إل قاتل‪.‬‬
‫وقد حسم السلم اللجاجة في مجازاة أولئك العابثين ‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪) :‬إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في‬
‫طع أيديهم وأرجُلهم من‬ ‫ق ّ‬
‫صّلبوا أو ت ُ َ‬ ‫الرض فسادا ً أن ي َ‬
‫قّتلوا أو ي َ‬
‫ف أو ُينفوا من الرض ‪ ،‬ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في‬ ‫خل ٍ‬‫ِ‬
‫الخرة عذاب عظيم ‪ ،‬إل الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم‬
‫فاعلموا أن الله غفور رحيم(‪.‬‬
‫وهنا ثلثة أمور ل بد منها‪:‬‬
‫أولها‪ :‬أنه ل بد من الحفاظ على أموال الناس ‪ ،‬وإقامة سياج منيع‬
‫حولها ‪ ،‬ورفض اشتهاء القاعدين الحصول عليها بالساليب‬
‫المعوجة ‪ ،‬والحدود السماوية ضمان أكيد لهذا المعنى‪.‬‬
‫ن‬‫ثانيها‪ :‬ل مكان للرحمة بمثيري الفوضى ومهدري الحقوق ‪ ،‬فإ ّ‬
‫َترك هؤلء فتح لبواب العذاب على المجتمع كله ‪ ،‬وإغراء بالظلم‬
‫‪ ،‬وإسقاط للقيم‪.‬‬
‫ً‬
‫ثالثها‪ :‬عندما يكون النحراف خطأ عارضا ً ‪ ،‬فالشارع أول المنادين‬
‫بإقالة العثرات ‪ ،‬وتيسير المتاب ‪ ،‬وهو القائل‪ :‬أن يخطئ المام‬
‫في العفو خير من أن يخطئ في العقاب‪.‬‬
‫لكن البون شاسع بين تعطيل الحدود ‪ ،‬والتدقيق في إيقاعها‪.‬‬
‫وهناك من يكذب ‪ ،‬فيقول‪ :‬إن القطع أوجد جمهورا ً من العاطلين‬
‫العاجزين عن العمل ‪ ،‬وهذا اجتراء غريب فإن القطع خلل أربعة‬

‫‪392‬‬
‫عشر قرنا ً نفع ولم يضر ‪ ،‬ولم يحس المجتمع بوجوده إل على‬
‫ندرة ‪ ،‬لن الرهاب بالقطع صرف اللصوص عن السرقة ‪،‬‬
‫وأغراهم بالبحث عن كسب معقول‪.‬‬
‫‪..‬‬
‫======================‬
‫رياسة الرجل ليس ظلما ً للمرأة‬
‫كان الرجل في المجتمع العربي الجاهلي هو صاحب السلطان‬
‫المطلق ‪ ،‬ورب السرة المهيمن على جميع أمورها ‪ ،‬ولم يكن‬
‫هناك نظام يحدد صلحياته في السرة ويبين حقوق زوجه عليه‬
‫ضح السس لعلقاتهما ومعاملة كل منهما‬ ‫وحقوقه عليها ‪ ،‬ويو ّ‬
‫للخر‪.‬‬
‫وقد كانت الحال كذلك في المجتمعات الخرى ‪ ،‬التي كانت قائمة‬
‫قبل ظهور السلم ‪ ،‬بل وأسوأ من ذلك‪.‬‬
‫وجاء السلم فأحدث انقلبا ً على وضع المرأة السائد آنذاك ‪،‬‬
‫فقلب المفاهيم التي كانت سائدة عن المرأة ‪ ،‬وألغى النظريات‬
‫التي كانت المرأة تعامل على أساسها ‪ ،‬وأنزل المرأة منزلة‬
‫رفيعة ‪ ،‬وأعطاها من الحقوق ما كان مثار دهشة وإعجاب‬
‫الصحابة أنفسهم قبل غيرهم‪.‬‬
‫ومما جاء به السلم في العلقة بين الزوج وزوجته – وكان‬
‫الساس الذي بنى عليه السلم علقة الرجل بالمرأة ‪ ،‬وبموجبه‬
‫يتم التعامل بينهما – ما أشار إليه سبحانه في قوله‪:‬‬
‫)ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا ً لتسكنوا إليها ‪،‬‬
‫وجعل بينكم مودة ورحمة( بين لهم أنها مخلوقة من أنفس‬
‫الرجال ‪ ،‬ل من طينة أخرى أحقر وأقل فتحتقر ‪ ،‬وتمتهن ‪،‬‬
‫وخلقت لتكون زوجا ً ‪ ،‬ل لتكون خادما ً ‪ ،‬زوجا ً يسكن إليها الرجل ‪،‬‬
‫ويجد بجانبها طمأنينة النفس ‪ ،‬وراحة البال ‪ ،‬في جو تسوده‬
‫المودة ‪ ،‬ويحكمه التراحم ‪ ،‬والتعاطف ‪ ،‬ل التحكم والتسلط‪:‬‬
‫)وجعل بينكم مودة ورحمة(‪.‬‬
‫على تلك السس السامية شرع السلم علقة المرأة بالرجل ‪،‬‬
‫وقرر ما للزوج وما للزوجة من حقوق وواجبات كل منهما قَِبل‬
‫الخر‪.‬‬
‫قال الله تعالى‪) :‬ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ‪ ،‬وللرجال‬
‫عليهن درجة(‬
‫قررت الية أن لها من الحقوق قبل الرجل مثلما عليها للرجل ‪،‬‬
‫وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع بعض‬
‫ما للمرأة من حقوق على الرجل ‪ ،‬وما له عليها ‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫‪393‬‬
‫)ولكم عليهن أل يوطئن فرشكم أحدا ً تكرهونه ‪ ،‬فإن فعلن ذلك‬
‫فاضربوهن ضربا ً غير مبرح ‪ ،‬ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن‬
‫بالمعروف(‬
‫سئل‪ :‬ما حق زوجة أحدنا؟ ‪ ،‬قال‪) :‬أن‬ ‫وفي حديث آخر عندما ُ‬
‫تطعمها إذا طعمت ‪ ،‬وتكسوها إذا اكتسيت ول تضرب الوجه ‪ ،‬ول‬
‫تقبح ‪ ،‬ول تهجر إل في البيت(‪.‬‬
‫فالرجل والمرأة طرفان ‪ ،‬يتبادلن الحقوق والواجبات في شركة‬
‫الحياة الزوجية ‪ ،‬ول تعني الية التماثل الحسي العيني بين حقوق‬
‫الرجل والمرأة ‪ ،‬إنما هو تماثل التكافؤ في الحق بينهما ‪ ،‬فإن‬
‫حقوقها ل تماثل عين حقوقه ‪ ،‬وحقوقه ل تماثل عين حقوقها‪.‬‬
‫فعن ابن عباس ‪ ،‬قال‪) :‬إني لحب أن أتزين للمرأة ‪ ،‬كما أحب‬
‫أن تتزين لي المرأة ‪ ،‬لن الله يقول‪) :‬ولهن مثل الذي عليهن‬
‫بالمعروف((‪.‬‬
‫فهذا تطبيق دقيق لوامر الله من السلف حتى في مثل هذه‬
‫المور‪.‬‬
‫ول شك أن الزينة التي يتزين بها الرجل غير الزينة التي تتزين بها‬
‫المرأة ‪ ،‬ولكنهما يتماثلن فيما وراء الشكل والصور من أهداف‬
‫ونتائج‪.‬‬
‫وقال بعض أهل العلم‪ :‬التماثل هاهنا في تأدية كل واحد منهما ما‬
‫عليه من الحق لصاحبه بالمعروف ‪ ،‬ول يماطله به ‪ ،‬ول يظهر‬
‫الكراهة ‪ ،‬بل ببشر وطلقة ‪ ،‬ول يتبعه أذى ومنة‪) :‬وعاشروهن‬
‫بالمعروف( وهذا من المعروف‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪) :‬وللرجال عليهن درجة(‪ :‬في هذا تقرير لمبدأ زيادة‬
‫حق الرجل على حق المرأة ‪ ،‬وهي زيادة اقتضاها العدل ‪،‬‬
‫وفرضتها طبيعة الشياء ‪ ،‬وأيدها العقل والمنطق ‪ ،‬وقد بين الله‬
‫هذه الدرجة وسببها في قوله تعالى‪) :‬الرجال قوامون على‬
‫ضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من‬ ‫النساء بما ف ّ‬
‫أموالهم(‪.‬‬
‫والسرة والبيت منظمة اجتماعية ‪ ،‬والحياة الزوجية شركة في‬
‫هذه الحياة ‪ ،‬فلبد أن يكون لها رئيس ‪ ،‬وطرفا تلك الشركة هما‪:‬‬
‫الزوج والزوجة ‪ ،‬فلبد أن يختار النسب والكفأ منهما لرئاسة‬
‫وإدارة تلك الشركة ‪ ،‬ولم يترك الختيار لهما أو لغيرهما من بني‬
‫البشر ‪ ،‬تحكمه العواطف ‪ ،‬وتسيره المصالح والهواء ‪ ،‬بل تولى‬
‫الله سبحانه وتعالى هذا الختيار ‪ ،‬وبين سبب هذا الختيار قال‬
‫تعالى‪) :‬الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على‬
‫بعض وبما أنفقوا من أموالهم(‪.‬‬

‫‪394‬‬
‫فالرياسة في السرة للرجل بأمر الله ‪ ،‬وذلك مقتضى العقل‬
‫وطبيعة الشياء ‪ ،‬فالرجل مقدم على المرأة في العقل والدين‪.‬‬
‫وهو أقدر منها على معالجة المور ‪ ،‬والتحكم بالعواطف ‪ ،‬والنظر‬
‫إلى الشياء بمنظار الواقع والمنطق والعقل ‪ ،‬كما أنه أبو الولد ‪،‬‬
‫إليه ينتسبون ‪ ،‬وهو المسئول عن نفقتهم ‪ ،‬ورعاية سائر شئونهم‬
‫في الخارج ‪ ،‬وهو صاحب المسكن ‪ ،‬وعليه إعداده ‪ ،‬وحمايته‬
‫ونفقته‪.‬‬
‫فرياسته للسرة إذا ً أمر طبيعي ل يحتمل الجدل والمعارضة ‪،‬‬
‫وليس في ذلك ظلم للمرأة ‪ ،‬أو جور على حق من حقوقها ‪،‬‬
‫ورياسة الرجل في الحقيقة إن هي إل امتياز نشأ للرجل بمقابل‬
‫التبعات الكثيرة ‪ ،‬والختصاصات الواسعة المسندة إليه ‪ ،‬وليس‬
‫فيها ما يعني إلغاء إرادة الزوجة ‪ ،‬ول إهدار شخصيتها ‪ ،‬فهي‬
‫رياسة المسئوليات ل التحكم الذي يجور على حقوق العدل ‪،‬‬
‫والمساواة ‪ ،‬والشورى‪.‬‬
‫وما برح السلم ينبه الرجال إلى هذه الحقيقة ‪ ،‬لرياستهم‬
‫للسرة والبيت ويحثهم على تطبيقها ‪ ،‬وأخذ أنفسهم بها ‪ ،‬والتقيد‬
‫بأوامر الشريعة ونواهيها في المعاشرة بين الزوجين بالمعروف‬
‫في حالة الحب والكره ‪ ،‬والرضا والسخط ‪ ،‬قال الله تعالى‪:‬‬
‫)وعاشروهن بالمعروف ‪ ،‬فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ً‬
‫ويجعل الله فيه خيرا ً كثيرًا(‪.‬‬
‫وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪) :‬ل يفرك مؤمن مؤمنة ‪،‬‬
‫إن كره منها خلقا ً رضي منها آخر(‪.‬‬
‫والفرك ضد الحب بين الزوجين ‪ ،‬فالحديث بمعنى الية ‪،‬‬
‫والقاعدة الشرعية في نظام المنزل التزام كل من الزوجين‬
‫العمل بإرشاد الشرع ‪ ،‬ومنع الضرر والضرار بينهما ‪ ،‬وعدم‬
‫تكليف الخر ما ليس في وسعه‪.‬‬
‫فالشرع ينبه الزوج إلى طبيعة رياسته في البيت ‪ ،‬ويشعر‬
‫الزوجين بما يجب أن تكون عليه العلقة بينهما من حب وتآلف‬
‫وتعاطف وتراحم ‪ ،‬ليتحقق المعنى السامي للزواج‪) :‬ومن آياته‬
‫أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا ً لسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً‬
‫ورحمة(‪.‬‬
‫=====================‬
‫المرأة‪..‬قبل وبعد السلم‬
‫• تمهيد *‬
‫الحمد لله رب العالمين والصلة والسلم على رسوله المين‪..‬‬
‫أما بعد‬

‫‪395‬‬
‫اخوتي العزاء ‪ :‬لقد كلفني هذا البحث وقتا ً ل يستهان به ‪ ،‬وكلي‬
‫رجاء أن ينال حظ القراءة منكم ‪ ،‬حتى يتم لي مناي المتمثل في‬
‫تعميم الفائدة ‪ ،‬وعند الله كرم الجر ‪ ،‬وجزيل الثواب‬
‫• حقائق *‬
‫الحق أن هذه المرأة عانت معاناة كثيرة ‪ ،‬بل كانت ضحية كل‬
‫نظام ‪ ،‬وحسرة كل زمان ‪ ،‬صفحات الحرمان ‪ ،‬ومنابع الحزان ‪،‬‬
‫ظلمت ظلما ً ‪ ،‬وهضمت هضما ً ‪ ،‬لم تشهد البشرية مثله أبدا ً‬
‫• صفحات من العار *‬
‫إن من صفحات العار على البشرية ‪ ،‬أن تعامل المرأة على أنها‬
‫ليست من البشر ‪ ،‬لم تمر حضارة من الحضارات الغابرة ‪ ،‬إل‬
‫وسقت هذه المرأة ألوان العذاب ‪ ،‬وأصناف الظلم والقهر‬
‫فعند الغريق قالوا عنها ‪:‬شجرة مسمومة ‪ ،‬وقالوا هي رجس من‬
‫عمل الشيطان ‪ ،‬وتباع كأي سلعة متاع‪.‬‬
‫وعند الرومان قالوا عنها ‪:‬ليس لها روح ‪ ،‬وكان من صور عذابها‬
‫أن يصب عليها الزيت الحار ‪ ،‬وتسحب بالخيول حتى الموت ‪.‬‬
‫وعند الصينيين قالوا عنها ‪:‬مياه مؤلمة تغسل السعادة ‪ ،‬وللصيني‬
‫حق لهله أن يرثوه فيها ‪.‬‬ ‫الحق أن يدفن زوجته حية ‪ ،‬وإذا مات ُ‬
‫وعند الهنود قالوا عنها ‪:‬ليس الموت ‪ ،‬والجحيم ‪ ،‬والسم ‪،‬‬
‫والفاعي ‪ ،‬والنار ‪ ،‬أسوأ من المرأة ‪ ،‬بل وليس للمرأة الحق عند‬
‫الهنود أن تعيش بعد ممات زوجها ‪ ،‬بل يجب أن تحرق معه ‪.‬‬
‫وعند الفرس أباحوا الزواج من المحرمات دون استثناء ‪ ،‬ويجوز‬
‫للفارسي أن يحكم على زوجته بالموت ‪.‬‬
‫وعند اليهود قالوا عنها ‪ :‬لعنة لنها سبب الغواية ‪ ،‬ونجسة في‬
‫حال حيضها ‪ ،‬ويجوز لبيها بيعها ‪.‬‬
‫وعند النصارى عقد الفرنسيون في عام ‪586‬م مؤتمرا ً للبحث‪:‬‬
‫هل تعد المرأة إنسانا ً أم غير إنسان؟ ! وهل لها روح أم ليست‬
‫لها روح؟ وإذا كانت لها روح فهل هي روح حيوانية أم روح‬
‫إنسانية؟ وإذا كانت روحا ً إنسانية فهل هي على مستوى روح‬
‫الرجل أم أدنى منها؟ وأخيرًا" قرروا أّنها إنسان ‪ ،‬ولكنها خلقت‬
‫لخدمة الرجل فحسب"‪ .‬وأصدر البرلمان النكليزي قرارا ً في‬
‫عصر هنري الثامن ملك إنكلترا يحظر على المرأة أن تقرأ كتاب‬
‫)العهد الجديد( أي النجيل)المحرف(؛ لّنها تعتبر نجسة ‪.‬‬
‫وعند العرب قبل السلم تبغض بغض الموت ‪ ،‬بل يؤدي الحال‬
‫إلى وأدها ‪ ،‬أي دفنها حية أو قذفها في بئر بصورة تذيب القلوب‬
‫الميتة ‪.‬‬
‫* تحرير المرأة *‬

‫‪396‬‬
‫ثم جاءت رحمة الله المهداة إلى البشرية جمعاء ‪ ،‬بصفات غيرت‬
‫وجه التاريخ القبيح ‪ ،‬لتخلق حياة لم تعهدها البشرية في حضاراتها‬
‫أبدا ً ‪..‬‬
‫معُْروف ((‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫ذي ع َل َي ْهِ ّ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫مث ْ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫جاء السلم ليقول )) وَل َهُ ّ‬
‫ف((‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫شُروهُ ّ‬ ‫عا ِ‬ ‫جاء السلم ليقول )ٍ) وَ َ‬
‫ن ((‬ ‫ضُلوهُ ّ‬ ‫جاء السلم ليقول )) َفل ت َعْ ُ‬
‫ر‬
‫قت ِ ِ‬
‫م ْ‬‫سِع قَد َُره ُ وَع ََلى ال ْ ُ‬ ‫مو ِ‬ ‫ن ع ََلى ال ْ ُ‬ ‫مت ُّعوهُ ّ‬ ‫جاء السلم ليقول )) وَ َ‬
‫ه((‬‫قَد َُر ُ‬
‫َ‬
‫م ((‬ ‫جد ِك ُ ْ‬‫ن وُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫سك َن ْت ُ ْ‬ ‫ث َ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سك ُِنوهُ ّ‬ ‫جاء السلم ليقول )) أ ْ‬
‫ن ((‬ ‫َ‬
‫قوا ع َلي ْهِ ّ‬ ‫ضي ّ ُ‬ ‫ن ل ِت ُ َ‬ ‫ضاّروهُ ّ‬ ‫جاء السلم ليقول )) َول ت ُ َ‬
‫ُ‬
‫ضة ((‬ ‫ري َ‬ ‫ن فَ ِ‬ ‫جوَرهُ ّ‬ ‫نأ ُ‬ ‫جاء السلم ليقول )) َفآُتوهُ ّ‬
‫ن‬‫دا ِ‬ ‫وال ِ َ‬‫ك ال ْ َ‬ ‫ما ت ََر َ‬ ‫م ّ‬ ‫ب ِ‬ ‫صي ٌ‬ ‫ساِء ن َ ِ‬ ‫جاء السلم ليقول )) وَِللن ّ َ‬
‫َواْل َقَْرُبو َ‬
‫ن ((‬
‫ن ((‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ما اك ْت َ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ب ِ‬ ‫صي ٌ‬ ‫ساِء ن َ ِ‬ ‫جاء السلم ليقول)) وَِللن ّ َ‬
‫كم ((‬ ‫ذي آَتا ُ‬ ‫ل الل ّهِ ال ّ ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جاء السلم ليقول )) َوآُتوهُ ْ‬
‫ن ((‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س له ُ ّ‬ ‫م ل َِبا ٌ‬ ‫جاء السلم ليقول )) وَأن ْت ُ ْ‬
‫ؤلِء بناِتي هُ َ‬
‫م ((‬ ‫ن أط ْهَُر ل َك ُ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ََ‬ ‫جاء السلم ليقول )) هَ ُ‬
‫سِبيل ً ((‬ ‫ن َ‬ ‫جاء السلم ليقول )) َفل ت َب ُْغوا ع َل َي ْهِ ّ‬
‫ساَء ك َْرها ً ((‬ ‫ل ل َك ُ َ‬
‫ن ت َرُِثوا الن ّ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫جاء السلم ليقول )) ل ي َ ِ‬
‫هن ((‬ ‫مو ُ‬ ‫ما آت َي ْت ُ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫بوا ب ِب َعْ ِ‬ ‫ن ل ِت َذ ْهَ ُ‬ ‫ضُلوهُ ّ‬ ‫جاء السلم ليقول )) َول ت َعْ ُ‬
‫َ‬ ‫سا ٌ‬
‫ن ((‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ح ب ِإ ِ ْ‬‫ري ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫ف أوْ ت َ ْ‬ ‫معُْرو ٍ‬ ‫ك بِ َ‬ ‫م َ‬ ‫جاء السلم ليقول )ِ) فَإ ِ ْ‬
‫وجاء الرسول الكريم ليبين لنا مكانة المرأة فسئل صلى الله‬
‫عليه وسلم من أحب الناس إليك ؟ قال ‪ " :‬عائشة " ‪..‬وكان‬
‫يؤتى صلى الله عليه وسلم بالهدية ‪ ،‬فيقول ‪ " :‬اذهبوا بها على‬
‫فلنة ‪ ،‬فإنها كانت صديقة لخديجة " ‪.‬‬
‫وهو القائل ‪ )) :‬استوصوابالنساء خيرا ً ((‬
‫وهو القائل ‪ )) :‬ل يفرك مؤمن مؤمنه إن كره منها خلقا رضى‬
‫منها آخر ((‬
‫وهو القائل ‪ )) :‬إنما النساء شقائق الرجال ((‬
‫وهو القائل ‪ )) :‬خيركم خيركم لهله وأنا خيركم لهلي ((‬
‫وهو القائل ‪ )) :‬ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ((‬
‫وهو القائل ‪ )) :‬أعظمها أجرا الدينار الذي تنفقه على أهلك ((‬
‫وهو القائل ‪ )) :‬من سعادة بن آدم المرأة الصالحة ((‬
‫ومن هديه ‪)) :‬عن عائشة قالت كنت أغتسل أنا ورسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم من إناء واحد ((‬
‫وهو القائل ‪ )) :‬وإنك مهما أنفقت من نفقة فإنها صدقة حتى‬
‫اللقمة التي ترفعها إلى في امرأتك ((‬

‫‪397‬‬
‫ومن مشكاته ‪ )) :‬أن امرأة قالت يا رسول الله صل علي وعلى‬
‫زوجي فقال صلى الله عليه وسلم صلى الله عليك وعلى‬
‫زوجك ((‬
‫وهناك الكثير والكثير من الدلة والبراهين ‪ ،‬على أن السلم هو‬
‫المحرر الحقيقي لعبودية المرأة ‪ ،‬وحتى ُيعلم هذا المر بصورة أو‬
‫ضح ‪ ،‬سأبين حفظ حقوق المرأة في السلم وهي جنين في‬
‫بطن أمها إلى أن تنزل قبرها‬
‫*بيانات وآيات *‬
‫طلقت‬ ‫‪.1‬حفظ السلم حق المرأة ‪ -:‬وهي في بطن أمها ‪ ،‬فإن ُ‬
‫أمها وهي حامل بها ‪ ،‬أوجب السلم على الب أن ينفق على الم‬
‫حّتى‬ ‫ن َ‬ ‫قوا ع َل َي ْهِ ّ‬ ‫ل فَأ َن ْفِ ُ‬ ‫م ٍ‬ ‫ح ْ‬
‫ت َ‬ ‫ن أول ِ‬
‫فترة الحمل بها )) وإن ك ُ ُ‬
‫ّ‬ ‫َِ ْ‬
‫مل َُهن((‬ ‫ح ْ‬‫ن َ‬ ‫ضعْ َ‬‫يَ َ‬
‫‪ .2‬حفظ السلم حق المرأة ‪ -:‬بحيث ل ُيقام على أمها الحد ‪،‬‬
‫حتى ل تتأثر وهي في بطن أمها )) ولما جاءت الغامدية وقالت يا‬
‫رسول الله طهرني فقال لها ‪ :‬حتى تضعي ما في بطنك ((‬
‫‪ .3‬حفظ السلم حق المرأة ‪ -:‬راضعة ؛ فلما وضعت الغامدية‬
‫ولدها ‪ ،‬وطلبت إقامة الحد قال صلى الله عليه وسلم )) اذهبي‬
‫فأرضعيه حتى تفطميه ((‬
‫‪ .4‬حفظ السلم حق المرأة ‪ -:‬مولودة من حيث النفقة والكسوة‬
‫معُْروف ((‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫سوَت ُهُ ّ‬ ‫ن وَك ِ ْ‬ ‫ه رِْزقُهُ ّ‬ ‫موُْلود ِ ل َ ُ‬‫)) وَع ََلى ال ْ َ‬
‫‪ .5‬حفظ السلم حق المرأة‪ -:‬في فترة الحضانة التي تمتد إلى‬
‫بضع سنين ‪ ،‬وأوجب على الب النفقة عليها في هذه الفترة‬
‫لعموم أدلة النفقة على البناء‬
‫‪ .6‬حفظ السلم حق المرأة‪ -:‬في الميراث عموما ً ‪ ،‬صغيرة كانت‬
‫ما‬‫ن ث ُل َُثا َ‬‫ن فَل َهُ ّ‬‫ساًء فَوْقَ اث ْن َت َي ْ ِ‬ ‫ن نِ َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫أو كبيرة قال الله تعالي )) فَإ ِ ْ‬
‫ف ((‬ ‫ص ُ‬ ‫حد َة ً فَل ََها الن ّ ْ‬ ‫ت َوا ِ‬ ‫ن َ‬
‫كان َ ْ‬ ‫ك وَإ ِ ْ‬‫ت ََر َ‬
‫‪ .7‬حفظ السلم حق المرأة ‪ -:‬في اختيار الزوج المناسب ‪ ،‬ولها‬
‫أحقية القبول أو الرد إذا كانت ثيبا ً لقوله عليه الصلة والسلم‬
‫)) ل تنكح اليم حتى تستأمر ((‬
‫‪ .8‬حفظ السلم حق المرأةحفظ السلم حق المرأة ‪ -:‬إذا كانت‬
‫بكرا ً فل تزوج إل بإذنها لقوله عليه الصلة والسلم )) ول تنكح‬
‫البكر حتى تستأذن ((‬
‫‪ .9‬حفظ السلم حق المرأة ‪ -:‬في صداقها ‪ ،‬وأوجب لها المهر ))‬
‫فَما استمتعتم به منهن َفآتوهُ ُ‬
‫ة ((‬ ‫ض ً‬
‫ري َ‬ ‫ن فَ ِ‬ ‫جوَرهُ ّ‬ ‫نأ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ ْ َُْ ْ ِ ِ ِ ُْ ّ‬ ‫َ‬
‫‪.10‬حفظ السلم حق المرأة ‪ -:‬مختلعة ‪ ،‬إذا بد ّ لها عدم الرغبة‬
‫في زوجها أن تخالع مقابل الفداء لقوله عليه الصلة والسلم‬
‫)) أقبل الحديقة وطلقها ((‬

‫‪398‬‬
‫مَتاعٌ‬ ‫ت َ‬ ‫قا ِ‬ ‫مط َل ّ َ‬ ‫‪ .11‬حفظ السلم حق المرأة‪ -:‬مطلقة ‪ )) ،‬وَل ِل ْ ُ‬
‫ن((‬ ‫قي َ‬ ‫قا ً ع ََلى ال ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ف َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫‪ .12‬حفظ السلم حق المرأة ‪ -:‬أرملة ‪ ،‬وجعل لها حقا ً في تركة‬
‫ن ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م ي َك ُ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ما ت ََرك ْت ُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ن الّرب ُعُ ِ‬ ‫زوجها ‪ ،‬قال الله تعالي )) وَل َهُ ّ‬
‫م ((‬ ‫ما ت ََرك ْت ُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن الث ّ ُ‬ ‫م وَل َد ٌ فَل َهُ ّ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫وَل َد ٌ فَإ ِ ْ‬
‫‪ .13‬حفظ السلم حق المرأة‪ -:‬في الطلق قبل الدخول ‪ ،‬وذلك‬
‫َ‬
‫م‬
‫حت ُ ُ‬ ‫ذا ن َك َ ْ‬ ‫مُنوا إ ِ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫في عدم العدة ‪ ،‬قال الله تعالي )) َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫قتموهُن من قَب َ‬
‫ن‬‫م ع َل َي ْهِ ّ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫سوهُ ّ‬ ‫م ّ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ّ ِ ْ ْ ِ‬ ‫م ط َل ّ ْ ُ ُ‬ ‫ت ثُ ّ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫دون ََها ((‬ ‫عد ّةٍ ت َعْت َ ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫‪ .14‬حفظ السلم حق المرأة ‪ -:‬يتيمة ‪ ،‬وجعل لها من المغانم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ل ِل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫يٍء فَأ ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫مت ُ ْ‬ ‫ما غ َن ِ ْ‬ ‫موا أن ّ َ‬ ‫نصيبا ً ‪ ،‬قال الله تعالي)) َواع ْل َ ُ‬
‫مى (( وجعل لها من بيت‬ ‫قْرَبى َوال ْي ََتا َ‬ ‫ذي ال ْ ُ‬ ‫ل وَل ِ ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫ه وَِللّر ُ‬ ‫س ُ‬ ‫م َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ل‬
‫ن أهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫سول ِهِ ِ‬ ‫ه ع َلى َر ُ‬ ‫ما أَفاَء الل ُ‬ ‫المال نصيبا قال الله تعالي )) َ‬
‫مى(( وجعل لها في‬ ‫قْرَبى َوال ْي ََتا َ‬ ‫ذي ال ْ ُ‬ ‫ل وَل ِ ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫قَرى فَل ِل ّهِ وَِللّر ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مى ((‬ ‫قْرَبى َوال ْي ََتا َ‬ ‫ة ُأوُلو ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ضَر ال ْ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ذا َ‬ ‫القسمة نصيبا ً )) وَإ ِ َ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫وال ِد َي ْ ِ‬ ‫خي ْرٍ فَل ِل ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قت ُ ْ‬ ‫ما أن ْفَ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫وجعل لها في النفقة نصيبا ً )) قُ ْ‬
‫َ‬
‫مى ((‬ ‫ن َوال ْي ََتا َ‬ ‫َواْلقَْرِبي َ‬
‫‪ .15‬حفظ السلم حق المرأة ‪ -:‬في حياتها الجتماعية ‪ ،‬وحافظ‬
‫على سلمة صدرها ‪ ،‬ووحدة صفها مع أقاربها ‪ ،‬فحرم الجمع بينها‬
‫وبين أختها ‪ ،‬وعمتها ‪ ،‬وخالتها ‪ ،‬كما في الية ‪ ،‬والحديث المتواتر‬
‫‪ .16‬حفظ السلم حق المرأة ‪ -:‬في صيانة عرضها ‪ ،‬فحرم النظر‬
‫م ((‬ ‫ل ل ِل ْمؤ ْمِنين يغُضوا م َ‬ ‫إليها )) قُ ْ‬
‫صارِه ِ ْ‬ ‫ن أب ْ َ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ُ ِ َ َ ّ‬
‫‪ .17‬حفظ السلم حق المرأة ‪ -:‬في معاقبة من رماها‬
‫م‬‫ت ثُ ّ‬ ‫صَنا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ي َْر ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫بالفاحشة ‪ ،‬من غير بينة بالجلد )) َوال ّ ِ‬
‫جل ْد َة ً ((‬ ‫ن َ‬ ‫ماِني َ‬ ‫م ثَ َ‬ ‫دوهُ ْ‬ ‫جل ِ ُ‬‫داَء َفا ْ‬ ‫شه َ َ‬ ‫م ي َأ ُْتوا ب ِأ َْرب َعَةِ ُ‬ ‫لَ ْ‬
‫‪ .18‬حفظ السلم حق المرأة ‪ -:‬إذا كانت أما ً ‪ ،‬أوجب لها‬
‫الحسان ‪ ،‬والبر ‪ ،‬وحذر من كلمة أف في حقها‬
‫ضعة ‪ ،‬فجعل لها أجرا ً ‪ ،‬وهو‬ ‫مر ِ‬ ‫‪ .19‬حفظ السلم حق المرأة ‪ُ -:‬‬
‫َ‬
‫م َفآُتوهُ ّ‬
‫ن‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫ضعْ َ‬ ‫ن أْر َ‬ ‫حق مشترك بين الراضعة والمرضعة )) فَإ ِ ْ‬
‫ن ((‬ ‫ُ‬
‫جوَرهُ ّ‬ ‫أ ُ‬
‫‪ .20‬حفظ السلم حق المرأة‪ -:‬حامل ً ‪ ،‬وهو حق مشترك بينها‬
‫ن‬
‫ضعْ َ‬ ‫حّتى ي َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫قوا ع َل َي ْهِ ّ‬ ‫ل فَأ َن ْفِ ُ‬ ‫م ٍ‬ ‫ح ْ‬ ‫ت َ‬ ‫ن أول ِ‬
‫وبين المحمول )) وإن ك ُ ُ‬
‫ّ‬ ‫َِ ْ‬
‫ن ((‬ ‫مل َهُ ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سك ُِنوهُ ّ‬ ‫‪ .21‬حفظ السلم حق المرأة ‪ -:‬في السكنى )) أ ْ‬
‫م ((‬ ‫جد ِك ُ ْ‬ ‫ن وُ ْ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫سك َن ْت ُ ْ‬ ‫ث َ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫َ‬
‫‪ .22‬حفظ السلم حق المرأة ‪ -:‬في صحتها فأسقط عنها الصيام‬
‫إذا كانت مرضع أو حبلى‬

‫‪399‬‬
‫‪ .23‬حفظ السلم حق المرأة‪ -:‬في الوصية ‪ ،‬فلها أن توصي ِلما‬
‫ن ((‬ ‫َ‬
‫ن ب َِها أوْ د َي ْ ٍ‬
‫صي َ‬
‫صي ّةٍ ُيو ِ‬
‫ن ب َعْد ِ وَ ِ‬‫م ْ‬
‫بعد موتها قال الله تعالي)) ِ‬
‫‪ .24‬حفظ السلم حق المرأة‪ -:‬في جسدها بعد موتها ‪ ،‬وهذا‬
‫يشترك فيه الرجل مع المرأة لقوله صلى الله عليه وسلم‬
‫)) كسر عظم الميت ككسره حيا ((‬
‫‪ .25‬حفظ السلم حق المرأة ‪ -:‬وهي في قبرها ‪ ،‬وهذا يشترك‬
‫فيه الرجل مع المرأة لقوله صلى الله عليه وسلم )) لن يجلس‬
‫أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلي جلده خير له من أن‬
‫يجلس على قبر ((‬
‫والحق أنني ل أستطيع أن أجمل حقوق المرأة في السلم فضل ً‬
‫عن تفصيلها‬
‫*الحضارة الغربية *‬
‫والسؤال هنا لي شيٍء دعت الحضارة المدنية اليوم ؟ وماهي‬
‫الحقوق التي ضمنتها للمرأة ؟‬
‫‪ .1‬أجمل لك القول أن الحضارة الغربية اليوم هي ‪ :‬ضمان‬
‫للمارسة قتل هوية المرأة ‪ ،‬وهضم لدنى حقوقها ‪.‬‬
‫‪ .2‬المرأة الغربية حياتها منذ الصغر نظر إلى مستقبل في صورة‬
‫شبح قاتل ‪ ،‬ل تقوى على صراعه ‪ ،‬فهي منذ أن تبلغ السادسة‬
‫عشرة تطرد من بيتها ‪ ،‬لُتسِلم ُأنوثتها مخالب الشهوات‬
‫الباطشة ‪ ،‬وأنياب الستغلل العابثة ‪ ،‬أوساط الرجال ‪.‬‬
‫‪ .3‬فما إن تدخل زحمة الوهام الحضارية ‪ ،‬وإذا بأعين الناس‬
‫تطاردها بمعاول النظر التي تحبل منها العذارى ‪.‬‬
‫‪ .4‬تتوجه نحوها الكلمات الفاسدة ‪ ،‬وكأنها لكمات قاتلت ‪ ،‬تبلد‬
‫من الحياء ‪ ،‬وتفقدها أغلى صفة ميزها الله بها ‪ ،‬هي ‪ " :‬حلوة‬
‫أنوثتها " التي هي أخص خصائصها ‪ ،‬ورمز هويتها ‪.‬‬
‫‪ُ .5‬تستغل أحوالها المادية ‪ ،‬فتدعى لكل رذيلة ‪ ،‬حتى تصبح كأي‬
‫سلعة ‪ ،‬تداولها أيدي تجار الخلق ‪ ،‬وبأبخس الثمان ‪ ،‬فإذا فقدت‬
‫شرفها ‪ ،‬وهان الثم عندها ‪ ،‬هان عليها ممارسته ‪.‬‬
‫‪ .6‬يخلق النظام الخلقي الغربي اليوم في المجتمعات ثمرات‬
‫سامة لكل مقومات الحياة ‪ ،‬أولها الحكم على هوية المرأة‬
‫بالعدام السريع ‪ ،‬على بوابة شهوات العالم الليبرالي ‪،‬‬
‫الديمقراطي ‪ ،‬والرأسمالي ‪.‬‬
‫‪ .7‬فالمرأة اليوم أسوأ حال ً مما مضى ‪ ،‬كانوا من قبل يقتلون‬
‫المرأة ‪ ،‬فاليوم يجعلون المرأة هي التي تقوم بقتل نفسها‪.‬‬
‫• شهادات الغرب *‬
‫شهد القوم على فساد نهجهم ‪..‬‬

‫‪400‬‬
‫• تقول " هيليسيان ستانسيري "" امنعوا الختلط ‪ ،‬وقّيدوا حرية‬
‫الفتاة‪ ،‬بل ارجعوا إلى عصر الحجاب ‪ ،‬فهذا خير لكم من إباحية‬
‫وانطلق ومجون أوربا ‪ ،‬وأمريكا ‪".‬‬
‫• وتقول " بيرية الفرنسية " وهي تخاطب بنات السلم " ل‬
‫ن ‪ ،‬لن عائلتها هي ُأنموذج‬ ‫ن من العائلة الوربية مثال ً لك ُ ّ‬‫تأخذ ّ‬
‫رديء ل يصلح مثال ً يحتذى ‪.‬‬
‫• وتقول الممثلة الشهيرة "مارلين مونرو" التي كتبت قبيل‬
‫انتحارها نصيحة لبنات جنسها تقول فيها ‪ " :‬إحذري المجد …‬
‫إحذري من كل من يخدعك بالضواء …إنى أتعس امرأة على‬
‫هذه الرض… لم أستطع أن أكون أما … إني امرأة أفضل البيت‬
‫… الحياة العائلية الشريفة على كل شيء … إن سعادة المرأة‬
‫الحقيقية في الحياة العائلية الشريفة الطاهرة بل إن هذه الحياة‬
‫العائلية لهي رمز سعادة المرأة بل النسانية " وتقول في النهاية‬
‫" لقد ظلمني كل الناس … وأن العمل في السينما يجعل من‬
‫المرأة سلعة رخيصة تافهة مهما نالت من المجد والشهرة‬
‫الزائفة "‬
‫• وتقول وتقول الكاتبة " اللدى كوك " أيضا ‪ " :‬إن الختلط‬
‫يألفه الرجال ‪ ،‬ولهذا طمعت المرأة بما يخالف فطرتها ‪ ،‬وعلى‬
‫قدر الختلط تكون كثرة أولد الزنا ‪ ،‬ول يخفى ما فى هذا من‬
‫البلء العظيم عن المرأة ‪ ،‬فيه أيها الباء ل يغرونكم بعض‬
‫دريهمات تكسبها بناتكم باشتغالهن فى المعامل ونحوها‬
‫ومصيرهن إلى ما ذكرنا فعلموهن البتعاد عن الرجال ‪ ،‬إذا دلنا‬
‫الحصاء على أن البلء الناتج عن الزنا يعظم ويتفاقم حيث يكثر‬
‫الختلط بين الرجال والنساء ‪ .‬ألم تروا أن أكثر أولد الزنا‬
‫أمهاتهن من المشتغلت فى المعامل ومن الخادمات فى البيوت‬
‫ومن أكثر السيدات المعرضات للنظار ‪ ..‬ولول الطباء الذين‬
‫يعطون الدوية للسقاط لرأينا أضعاف مما نرى الن ‪ ،‬ولقد أدت‬
‫بنا الحال إلى حد من الدناءة لم يكن تصوره فى المكان حتى‬
‫أصبح رجال مقاطعات فى بلدنا ل يقبلون البنت ما لم تكن‬
‫مجربة ‪ ،‬أعنى عندها أولد من الزنا ‪ ،‬فينتفع بشغلهم وهذا غاية‬
‫الهبوط فى المدينة ‪ ،‬فكم قاست هذه المرأة من مرارة الحياة ‪.‬‬
‫• وتقول ‪ .‬تقول الكاتبة النجليزية " أنى رود " عن ذلك ‪ " :‬إذا‬
‫اشتغلت بناتنا فى البيوت خوادم أو كالخوادم خير وأخف بلء من‬
‫اشتغالهن فى المعامل حيث تصبح البنت ملوثة بأدران تذهب‬
‫برونق حياتها إلى البد ‪ ...‬أياليت بلدنا كبلد المسلمين حيث فيها‬
‫الحشمة والعفاف والطهارة رداء الخادمة والرقيق اللذين يتنعمان‬
‫بأرغد عيش ويعاملن معاملة أولد رب البيت ول يمس عرضهما‬

‫‪401‬‬
‫بسوء ‪ .‬نعم إنه عار على بلد النكليز أن تجعل بناتها مثل للرذائل‬
‫بكثرة مخالطتهن للرجال ‪ ،‬فما بالنا ل نسعى وراء ما يجعل البنت‬
‫تعمل ما يوافق فطرتها الطبيعية كما قضت بذلك الديانة‬
‫السماوية وترك أعمال الرجال للرجال سلمة لشرفها‬
‫• نشرت صحيفة الخبار المصرية ) في عددها الصادر في‬
‫‪20/10/1972‬م ‪ ،‬ص ‪ : (4‬أنه قد أقيمت في هذا السبوع الحفلة‬
‫السنوية لسيدة العام وحضرها عدد كبير من السيدات على‬
‫اختلف مهنهن ‪ ..‬وكان موضوع الحديث والخطب التي ألقيت في‬
‫حضور الميرة ) آن ( البريطانية هو حرية المرأة وماذا تطلب‬
‫المرأة ‪ ..‬وحصلت على تأييد الجتماع الشامل فتاة عمرها ‪17‬‬
‫عاما ً رفضت رفضا ً باتا ً حركة التحرير النسائية وقالت أنها تريد أن‬
‫تظل لها أنوثتها ول تريد أن ترتدي البنطلون بمعنى تحدي‬
‫الرجل ‪ .‬وأنها تريد أن تكون امرأة وتريد زوجها أن يكون رجل ً ‪.‬‬
‫وصفق لها الجميع وعلى رأسهن الميرة ) آن ( ) كتاب المرأة‬
‫العربية المعاصرة إلى أين ؟! ص ‪. ( 50‬‬
‫• ومن هذا صرح الدكتور " جون كيشلر " أحد علماء النفس‬
‫المريكيين في شيكاغو ) أن ‪ %90‬من المريكيات مصابات‬
‫بالبرود الجنسي وأن ‪ %40‬من الرجال مصابون بالعقم ‪ ،‬وقال‬
‫الدكتور أن العلنات التي تعتمد على صور الفتيات العارية هي‬
‫السبب في هبوط المستوى الجنسي للشعب المريكي ‪ .‬ومن‬
‫شاء المزيد فليرجع الى تقرير لجنة الكونجرس المريكية لتحقيق‬
‫جرائم الحداث في أمريكا تحت عنوان ) أخلق المجتمع‬
‫المريكي المنهارة ( ‪ ) .‬المجتمع العاري بالوثائق والرقام ‪ ،‬ص‬
‫‪. (11‬‬
‫• خاتمة *‬
‫يتضح لنا جليا ً مما مضى أن اّلذين يدعون لتحرير المرأة من‬
‫تعاليم السلم ينقسمون إلى ثلثة أقسام‬
‫من لم يدينوا بالملة‬‫‪ -1‬إما أن يكونوا أعداًء للسلم وأهله ‪ ،‬م ّ‬
‫السمحة ‪ ،‬ولزموا الكفر ‪ ،‬وهنا ليس بعد الكفر ذنب كما يقال ‪.‬‬
‫‪ -2‬وإما أن يكونوا تحت مسمى السلم من المنافقين ‪،‬‬
‫والعلمانيين ‪ ،‬لكنهم عملء يتاجرون بالديانة ‪ ،‬ول يرقبون في‬
‫ق إل ً ول ذمة ‪.‬‬‫مخلو ٍ‬
‫‪ -3‬أن يكون مسلما ً لكنه جاهل ل يعرف السلم ول أحكامه ول‬
‫يعرف معنى الحضارة القائمة اليوم ملبس عليه ‪.‬‬
‫ن‬
‫ن أنه َ‬‫ولكن كيف يصل هذا البيان إلى نساء أهل السلم ‪ ،‬ليعلم َ‬
‫ن جوهرة الحياة ‪ ،‬ودرة الوجود ‪ ،‬ومنبع السعادة ‪ ،‬وروح‬ ‫أضاع َ‬
‫ن تعاليم هذا الدين‬ ‫السرور ‪ ،‬ونكهة اللذائذ ‪ ،‬عندما ترك َ‬

‫‪402‬‬
‫ن على‬ ‫ن حياته َ‬
‫ومن يخبر المسلمة ان الكافرات يتمنين أن يعش َ‬
‫منهج أهل السلم ‍‬
‫؟‬
‫من يقنع المسلمات اليوم أن الحضارة الغربية هي ‪ -:‬الحكم‬
‫السريع بالعدام على هوية المرأة ‪..‬‬
‫أخوكم ‪ /‬ابن القرية المعتصم ‪ 1424 / 3 /4‬هـ‬
‫وهذا مقال مشابه مطول للستاذ علء أبوبكر بعنوان "حفظ‬
‫السلم حقوق المرأة" =‬
‫================‬
‫الذمه المالية للمرأة في أوربا المسيحية‬
‫هذه المقالة منشورة في مجلة الزهر عام ‪ 1938‬أهديها لخواتي‬
‫المسلمات ومن حق المسلمة أن تفتخر بأن السلم أعطاكي‬
‫الحرية الكاملة والستقلل التام في الذمه المالية فل أحد يتحكم‬
‫فيما تملكية‬
‫الحرية الديمقراطية للمرأة الوربية‬
‫تحت هذا العنوان قرأت اليوم )‪ 21‬فبراير سنة ‪1938‬م( في‬
‫جريدة ألمانية ‪Zeitung am Mittag Hamburger‬هذا الخبر‪:‬‬
‫" نشرت الجريدة الرسمية الفرنسية للقوانين في يوم الحد ‪20‬‬
‫فبراير سنة ‪ 1938‬بإلغاء القانون الخاص بمنع المرأة المتزوجة ‪:‬‬
‫)ا(من توقيع أذونات الصرف المالية )الشيكات(‬
‫)ب( من فتحها حسابا جاريا في أي بنك من البنوك‬
‫)ج( من توقيع أي عقد مالي‬
‫)د( من استيلئها على الرث مباشرة بدون إذن القاضي في ذلك‬
‫كله‬
‫لم يدهشني هذا الخبر دهشتي لو بقيت بمصر ولم تسنح لي‬
‫الفرصة لتعرف أحوال البلد الغربية ودراسة الحالة الجتماعية‬
‫للمرأة الوربية على الخصوص ‪ ،‬لن الصورة التي في ذهن‬
‫الشرق عن أوربا صورة مبالغ فيها نحو ناحية الكمال والرقي‬
‫النساني ‪ ،‬بفضل الدعاية الثقافية والدبية التي تقوم بها الفلم‬
‫السينمائية ‪ ،‬ومدارس الرساليات الجنبية ‪ ،‬والنشرات والكتب‬
‫التي تحمل طابع البحث العلمي ‪.‬‬
‫عن هذا التصوير المبالغ فيه يود كل شرقي أن يكون أوربيا ‪ ،‬أو‬
‫على القل يحاول أن يظهر بمظهر أوربي كما ترغب المرأة‬
‫الشرقية وخصوصا المصرية في أن تحمل طابع المرأة الغربية‬
‫مهما كلفها ذلك من مجافاة لعادات وطنها ‪ ،‬وإسراف في تقليد "‬
‫مثالها " ‪Ideai‬‬

‫‪403‬‬
‫عن هذا التصور يتجلى الخضوع العمى في الشرق لسيادة‬
‫الوربي ‪ ،‬وتبين بوضوح تكلف العناء والتضحية بالقومية في إتباع‬
‫مشورة الوصي الغربي‬
‫إن منية أوربا مرتكزة على المادة وثقافتها ‪ ،‬للوصول إلى‬
‫المادة ‪ .‬فمدنيتها تتمثل في المخترعات الهندسية والكمياوية ‪،‬‬
‫وثقافتها في تعلم بسطة السلطان وسياسة الستعمار ‪.‬‬
‫مدنيتها القوة الحربية ‪ ،‬وثقافتها التبشير الروحي ‪ ،‬وأبحاثها‬
‫العلمية تصوير المم الضعيفة بصورة مشوهة كي يكون هناك‬
‫محل للنداء " بوجوب تمدين الشعوب غير الناضجة في السياسة‬
‫والدارة "‪.‬‬
‫وهذه المدنية المادية من أكبر عوامل انتشار المذهب الخلقي‬
‫النفعي ‪ ،‬وتربية الشعور الناني )‪ (Egoism‬ليس فقط تجاه‬
‫الشعوب غير الوربية ‪ ،‬وإنما فيما بين أمم الغرب أنفسها ‪ ،‬بل‬
‫فيما بين أفراد المة الواحدة منها وكلما تمكنت المادية من هذه‬
‫المدنية وقوي هذا الشعور الناني ‪ ،‬ضعفت القضايا الخلقية‬
‫الروحية ‪ ،‬وقلت قيمتها العلمية ‪ ،‬وأصبحت فقط أداة للدعاية بين‬
‫الشعوب الضعيفة أو الفطرية باسم " النسانية" وحملها على‬
‫الستسلم باسم " الخوة في النسانية" ولذلك كان أضعف‬
‫الشعوب وأزهدها في السلطان ‪ ،‬كالشعوب الهندية ‪ ،‬هو المعتنق‬
‫لهذه المذاهب الروحية بأمانة وإخلص ‪.‬‬
‫عن هذا الشعور الناني تأسست علقة الرجل بالمرأة في أوربا ‪،‬‬
‫وهي أقرب إلى علقة مادية منها إلى علقة نفسية روحية ‪ .‬ففي‬
‫انكلترا إلى الن ‪ ،‬وفي فرنسا لغاية تاريخ ‪ 20‬فبراير سنة ‪1938‬‬
‫تمنع المرأة المتزوجة من التصرف في شئونها المالية الخاصة بها‬
‫‪ ،‬ويمتد سلطان الرجل وقوامته عليها إلى ناحيتها القتصادية‬
‫المادية‪ ،‬بينما ل يحرم القانون ‪ ،‬بل قد تمنعه العادة حسبما يكون‬
‫منشأ المرأة في الحياة الجتماعية ‪ ،‬أن تتخذ الزوجة صديقا لها ‪،‬‬
‫كما يتخذ الزوج صديقة له‪.‬‬
‫ل تمنع المرأة فقط من التصرف في أمورها القتصادية ‪ ،‬بل‬
‫عليها بحكم العرف ‪ ،‬والعرف قانون ‪ ،‬أن تؤسس لخطيبها بيت‬
‫السرة المقبلة التي ستتكون منها مبدئيا ‪ .‬ولهذا ل يفهم الوربي‬
‫المادي ما فرضه السلم على الرجل من صداق لزوجته ‪،‬‬
‫ويحاول أن يصور المرأة المسلمة بالسلعة القابلة للبيع‬
‫والشراء ‪ ،‬ول يستحي حتى فيما يسميه أبحاثا علمية ‪ ،‬أو فيما‬
‫تطلع به الجرائد اليومية على الرأي العام ‪ ،‬من تسمية المهر في‬
‫السلم " ثمن شراء" )‪(Kaufpreis‬‬

‫‪404‬‬
‫ل يود أن يفهم الوربي أن المهر هو نصيب الرجل في بناء الحياة‬
‫البيتية ‪ ،‬وأن هذا اللتزام من جانبه وحده ‪ ،‬لما فرض له من‬
‫قوامته على المرأة ‪ ،‬ولما فرض فيه بحكم الطبيعية من أنه‬
‫المكافح في الحياة ‪ .‬فكون المرأة في أوربا هي التي تتحمل‬
‫تأسيس السرة وحدها‪ ،‬قلب للوضع الطبيعي ‪ ،‬وأشبه شيء‬
‫بوسيلة مغرية للرجل على زواجها ‪ ،‬كأن طبيعة النوثة فيها غير‬
‫كافية للغراء ‪ ،‬وكأن الرجل ل يشعر في طبيعته بالحاجة الملحة‬
‫إلى المرأة لسد هذا النقص فيه حتى تستمر سنة الكون في‬
‫البناء والتجديد في حياة البشر الجتماعية ولكنه المذهب المادي‬
‫الذي قارب أن يحول ما بقى في نفوسهم من شعور إلى غرائز ل‬
‫يكون للرادة عليها سبيل ‪.‬‬
‫السلم حجر على المرأة ولكن في التصرف في عفتها وخلقها ‪،‬‬
‫وأباح لها في جانب ذلك التصرف في مالها ‪.‬‬
‫هو لم يحجر عليها في الواقع وإنما ألزمها برعاية حقوق قرينها‬
‫فيما كان سبب الزواج ‪ ،‬وفيما المحافظة عليه سبب سعادة‬
‫الحياة الزوجية ‪.‬‬
‫لم يبح لها وإنما اعتد باستقللها ‪ ،‬وأكد لها هذا الستقلل فيما بعد‬
‫اقترانها ‪ ،‬في الوقت الذي هو مظنة التبعية ‪ ،‬والذي هو في‬
‫الواقع مبدأ التبعية في حياة المرأة الزوجية في المم التي تدعي‬
‫أنها منبع الديمقراطية ‪ ،‬وأنها رسل الحرية في الشعوب التي تبيح‬
‫التجار بالرقيق ‪ ،‬أو تبيح السر والرق باعتبار أنه تدبير من تدبير‬
‫الحرب المشروعة ‪.‬‬
‫إذا كان إطلق التصرف المالي للمرأة هو الحرية الديمقراطية‬
‫النسوية في القرن العشرين ‪ ،‬فللمرأة المسلمة أن تعتز بتمتعها‬
‫بهذه الديمقراطية منذ القرن السابع الميلدي وإذا كانت قوامة‬
‫الرجل الوربي على المرأة ‪ ،‬في شئونها المالية ‪ ،‬فليفخر الرجل‬
‫المسلم بأن قوامته على زوجته فيما يصون عليها شرفها‬
‫وكرامتها ‪ .‬وإذا عدت أوربا مبدأ التبعية والحجر على المرأة في‬
‫تصرفها المالي ظاهرة من ظواهر المدنية ‪ ،‬فليعتز الشرق‬
‫السلمي بجعل مبدأ السر في الحرب من أسباب ضمان الظفر‬
‫والنصر الذي ل يلبث أن يتبعه الترغيب في العتق ثانية ‪ ،‬وجعله‬
‫غاية أنواع للكفارة عن ارتكاب أشد أنواع الجرام مقتا عند الله‬
‫وعند الناس ‪.‬‬
‫المادية والروحية مذهبان متقابلن‪ ،‬وكلما غلت أوربا في المادية‬
‫تراءى لها الحق في القوة وتمثل لها الظلم عدل ‪ .‬كذلك كلما غل‬
‫الشرق في الروحية تراءت له الحياة الحقة في الزهد والتواكل‬
‫والستسلم ‪.‬‬

‫‪405‬‬
‫أما المذهب الخيار فهو مذهب العتداد بالنفس ‪ ،‬والمحافظة‬
‫على السلطان وأتباع العدل فيه ‪ ،‬هو المذهب القائل‬
‫)أ?( " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ‪ ".....‬والقائل أيضا‬
‫)ب?( " ول يظلم ربك أحدا‪".....‬‬
‫محمد البهي‬
‫مجله الزهر المجلد ‪ 9‬ص ‪135‬‬
‫=======================‬
‫مواجهات بين السلم وأعداء المرأة‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫درج اعداء السلم منذ قيامه على مهاجمته و محاولة الصاق تهم‬
‫به هو منها براء ‪ ....‬و لعل من اطرف وسائلهم فى ابتكار‬
‫الكاذيب ‪ :‬نزع جلودهم القذرة و الصاقها بالسلم ثم‬
‫مهاجمتها ‪!!!...‬‬
‫و فى هذا الموضوع نناقش احدى تلك القضايا التى اثارها اعداء‬
‫السلم بهذه الطريقة ذرا للرماد فى العيون عن حقيقة عقائدهم‬
‫الوثنية و عاداتهم التى اختلط فيها عهر النساء بدياثة الرجال ‪.‬‬
‫ذلك هو ‪ :‬قضية المرأة و حقوقها‬
‫ادعى اعداؤنا ان السلم قد سلب من المراة كل ما لها من‬
‫حقوق و الغى ادميتها و جعل منها اداة للمتعة و غيرها من‬
‫التهامات التى القيت جزافا ‪.‬‬
‫لكن بداية و قبل ان ابدا موضوعى و مناقشتى فقد حددت هدفه‬
‫موجها اياه الى طرفين ‪ :‬المسلمون ثم الطرف الخر هو ) اليهود‬
‫و النصارى ( ‪.‬‬
‫فالموضوع لم اكتبه لمناقشة العلمانيين او الملحدين ‪.‬‬
‫ذلك اننا لو قبلنا هجوما من هؤلء الملحدين على موقف السلم‬
‫من المراة فمن المستحيل ان نتقبله من اليهود و النصارى ‪.‬‬
‫ذلك ان العلمانى الذى ل دين له ليس له فكرة محددة او تصور‬
‫مسبق ثابت يمكننا مناقشته من خلله فى وجهة نظره فى‬
‫الحقوق المفترضة للمراة ‪.‬‬
‫اما اليهود و النصارى ‪ :‬فبين ايدينا كتبهم التى يؤمنون بها و‬
‫احتوت على ما يرون انه امر الله فى التعامل مع النساء ‪.‬‬
‫و فى هذا الموضوع مناقشتنا ستكون حول ‪ :‬المقارنة بين وضع‬
‫المرأة فى السلم ووضعها فى اليهودية و النصرانية ‪.‬‬
‫بماذا نبدأ ؟؟؟؟‬
‫فلنبدأ من اكثر النقاط شهرة ‪ ...‬المرأة ‪ ...‬انسان ام اداة للهو و‬
‫المتعة ؟؟؟ بين السلم و اليهودية و النصرانية ‪.‬‬
‫و لنبدأ بموقف السلم من المراة ‪....‬‬

‫‪406‬‬
‫و كما يعلم الجميع ‪ :‬ان مصدر المسلمين و معينهم هو القران و‬
‫السنة ‪ ...‬و سيكونان مرجعنا فى المناقشة عن موقف السلم و‬
‫قد نضيف بعض الحوادث التاريخية ‪.‬‬
‫فماذا يقول القران فى تلك المسألة ؟؟؟‬
‫نجد فى سورة النساء ‪:‬‬
‫الية‪} 124 :‬ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو‬
‫مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ول يظلمون نقيرا{‪.‬‬
‫و فى سورة النحل ‪:‬‬
‫الية‪} 97 :‬من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه‬
‫حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون{‪.‬‬
‫و فى سورة غافر ‪:‬‬
‫} يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الخرة هي دار القرار‪،‬‬
‫من عمل سيئة فل يجزى إل مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو‬
‫أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير‬
‫حساب {‬
‫فيا سبحان الله ‪ !!!...‬هذا هو قول القران الفصل ‪.‬‬
‫مقياس التفاضل بين البشر جميعا رجال او نساءا على قدم‬
‫المساواة هو ‪ :‬اليمان و العمل الصالح ‪.‬‬
‫فاذا اتجهنا الى سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم وجدنا‬
‫المزيد ‪...‬‬
‫يقول المعصوم صلى الله عليه و سلم ‪ ) :‬إنما النساء شقائق‬
‫الرجال( و فسر العلماء كلمة ) شقائق ( بالمثال ‪ ...‬فالنساء فى‬
‫التكاليف و فى الحساب و العقاب و الثواب سواء مع الرجال ‪.‬‬
‫و انطلقا من هذه المفاهيم السلمية الصيلة شهد التاريخ اسماء‬
‫بنت ابى بكر رضى الله عنها تلك الفتاة المسلمة التى تربت على‬
‫يد خير خلق الله ‪ -‬محمد صلى الله عليه و سلم ‪ -‬تقف ثابتة‬
‫الجنان امام الطاغية الكافر ابو جهل و هو يعنفها و يسالها عن‬
‫مكان رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم يصفعها صفعة تنشق‬
‫لها اذنها و يسقط قرطها لشدة الصفعة فل تهتز تلك الفتاة و ل‬
‫تضطرب ‪ ....‬ثم يشهدها التاريخ و هى تحمل الطعام فى غفلة‬
‫من الكفار الى رسول الله صلى الله عليه و سلم و صاحبه فى‬
‫الغار ‪.‬‬
‫و يشهد التاريخ تلك المسلمة ‪ :‬نسيبة بنت كعب ‪...‬‬
‫تلك المراة التى حملت السيف و قاتلت فى غزوة احد و فاقت‬
‫بطولتها شجاعة صناديد قريش من المشركين ‪ ...‬تلك المراة‬
‫التى شهد لها رسول الله صلى الله عليه و سلم و شهد لها‬
‫الفاروق عمر رضى الله عنه‪...‬‬

‫‪407‬‬
‫و يذكر القران بالتعظيم و التوقير نماذجا لنساء ارتقين بطاعتهن‬
‫لله فيقول عز وجل فى سورة التحريم ‪:‬‬
‫)وضرب الل ّه مث ًَل ل ّل ّذين آمنوا ا ِ َ‬
‫ن ِلي‬ ‫ب اب ْ ِ‬ ‫ت َر ّ‬ ‫ن إ ِذ ْ َقال َ ْ‬ ‫مَرأة َ فِْرع َوْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ َ َ ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫عند َ َ‬
‫قوْم ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫جِني ِ‬ ‫مل ِهِ وَن َ ّ‬‫ن وَع َ َ‬
‫َ‬
‫من فِْرع َوْ َ‬ ‫جِني ِ‬ ‫جن ّةِ وَن َ ّ‬‫ك ب َي ًْتا ِفي ال َ‬ ‫ِ‬
‫خَنا‬‫ف ْ‬‫جَها فَن َ َ‬ ‫ت فَْر َ‬ ‫صن َ ْ‬‫ح َ‬ ‫ن ال ِّتي أ ْ‬ ‫مَرا َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫م اب ْن َ َ‬ ‫مْري َ َ‬
‫ن }‪ {11‬وَ َ‬ ‫مي َ‬ ‫ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬
‫ن}‬ ‫قان ِِتي َ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ت َرب َّها وَك ُت ُب ِهِ وَ َ‬
‫كان َ ْ‬ ‫ما ِ‬‫ت ب ِك َل ِ َ‬ ‫صد ّقَ ْ‬ ‫حَنا وَ َ‬ ‫من ّرو ِ‬ ‫ِفيهِ ِ‬
‫‪( 12‬‬
‫ذلك هو مقياس الفضلية فى السلم ‪ ...‬التقوى و الطاعة ‪ ...‬و‬
‫ليس الجنس ‪.‬‬
‫فاذا كان هذا هو موقف السلم و صور لنساء تربين على السلم‬
‫‪ ...‬فما موقف اعدائه ؟؟؟ و ما هى صورة المراة التى افرزها و‬
‫يفرزها العهد القديم و العهد الجديد ؟؟؟‬
‫لنقرا عن تلك الصورة للمراة كما تراها كتب اليهود و النصارى‬
‫المقدسة ‪ ....‬لنقرا عن المرأة ‪ -‬البطلة ‪ -‬او بطولة المرأة كما‬
‫تصفها كتب اليهود و النصارى ‪.‬‬
‫يبدأ موقف اليهودية و النصرانية من المرأة من لدن امنا‬
‫حواء ‪ ....‬فقد حملها العهد القديم وزر الخطيئة الولى بالكامل ‪.‬‬
‫و لنقرأ من العهد القديم سفر التكوين ذلك الحوار بين اله الكتاب‬
‫المقدس و بين ادم ) الرجل الول ( و حواء ) المرأة الولى ( و‬
‫الحية ) الشيطان ( ‪:‬‬
‫‪ 11‬فقال من اعلمك انك عريان‪.‬هل اكلت من الشجرة التي‬
‫اوصيتك ان ل تأكل منها‪.‬‬
‫‪ 12‬فقال آدم المرأة التي جعلتها معي هي اعطتني من الشجرة‬
‫فأكلت‪.‬‬
‫‪ 13‬فقال الرب الله للمرأة ما هذا الذي فعلت‪.‬فقالت المرأة‬
‫الحّية غّرتني فاكلت‪.‬‬
‫‪ 14‬فقال الرب الله للحّية لنك فعلت هذا ملعونة انت من جميع‬
‫البهائم ومن جميع وحوش البرية‪.‬على بطنك تسعين وترابا تأكلين‬
‫كل ايام حياتك‪.‬‬
‫‪ 15‬واضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها‪.‬هو يسحق‬
‫راسك وانت تسحقين عقبه‪.‬‬
‫‪ 16‬وقال للمرأة تكثيرا اكثر اتعاب حبلك‪.‬بالوجع تلدين اولدا‪.‬والى‬
‫رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك‪.‬‬
‫‪ 17‬وقال لدم لنك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة‬
‫التي اوصيتك قائل ل تأكل منها ملعونة الرض بسببك‪.‬بالتعب تأكل‬
‫منها كل ايام حياتك‪.‬‬
‫‪ 18‬وشوكا وحسكا تنبت لك وتأكل عشب الحقل‪.‬‬

‫‪408‬‬
‫‪ 19‬بعرق وجهك تأكل خبزا حتى تعود الى الرض التي أخذت‬
‫منها‪.‬لنك تراب والى تراب تعود‬
‫نقرا بوضوح من هذا النص من العهد القديم ان خطأ ادم كان‬
‫بسبب حواء ‪ !!!..‬و ما عوقب ادم ال ل) سماعه لقول‬
‫امرأته (‪ !!!...‬فالشيطان اغوى المراة و المراة اغوت ادم ‪!!!...‬‬
‫و هكذا صار حمل المرأة وولدتها عقابا لها على اغوائها‬
‫لدم ‪ !!!...‬و هكذا يرينا النص نقطة مهمة من نظرة اليهود و‬
‫النصارى الى المراة ‪.‬‬
‫انها فى نظرهم ) عميل الشيطان ( لغواء الرجل ‪ !!!...‬فهى‬
‫السبب فى اخراج الرجل الول ) ادم ( من الجنة ‪.‬‬
‫و لنقارن ايها الخوة بين هذا النص و بين ما ورد فى القران‬
‫الكريم الذى اكد المسئولية الفردية عن الخطأ و لم يجعل الذنب‬
‫ذنب حواء ‪...‬‬
‫لنقرا من سورة طه ‪:‬‬
‫ما }‪{115‬‬ ‫ه ع َْز ً‬ ‫جد ْ ل َ ُ‬‫م نَ ِ‬ ‫ي وَل َ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ل فَن َ ِ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫قد ْ ع َهِد َْنا إ َِلى آد َ َ‬ ‫) وَل َ َ‬
‫َ‬
‫س أَبى }‪{116‬‬ ‫دوا إ ِّل إ ِب ِْلي َ‬ ‫ج ُ‬ ‫س َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫دوا ِلد َ َ‬ ‫ج ُ‬‫س ُ‬ ‫مَلئ ِك َةِ ا ْ‬ ‫وَإ ِذ ْ قُل َْنا ل ِل ْ َ‬
‫ة‬
‫جن ّ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ما ِ‬ ‫جن ّك ُ َ‬ ‫خرِ َ‬‫ك فََل ي ُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ك وَل َِزوْ ِ‬ ‫ذا ع َد ُوّ ل ّ َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫م إِ ّ‬‫قل َْنا َيا آد َ ُ‬ ‫فَ ُ‬
‫ك َل‬ ‫َ‬
‫جوع َ ِفيَها وََل ت َعَْرى }‪ {118‬وَأن ّ َ‬ ‫َ‬
‫ك أّل ت َ ُ‬ ‫ن لَ َ‬ ‫قى }‪ {117‬إ ِ ّ‬ ‫ش َ‬ ‫فَت َ ْ‬
‫شي ْ َ‬ ‫س إ ِل َي ْهِ ال ّ‬ ‫ُ‬
‫م‬
‫ل َيا آد َ ُ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫طا ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫سو‬ ‫حى }‪ {119‬فَوَ ْ‬ ‫ض َ‬‫مأ ِفيَها وََل ت َ ْ‬ ‫ت َظ ْ َ‬
‫َ‬ ‫ل أ َد ُل ّ َ‬
‫من َْها‬ ‫ك ّل ي َب َْلى }‪ {120‬فَأك ََل ِ‬ ‫مل ْ ٍ‬ ‫خل ْد ِ وَ ُ‬ ‫جَرةِ ال ْ ُ‬ ‫ش َ‬ ‫ك ع ََلى َ‬ ‫هَ ْ‬
‫ة‬
‫جن ّ ِ‬ ‫ق ال ْ َ‬ ‫من وََر ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن ع َل َي ْهِ َ‬ ‫فا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫خ ِ‬ ‫قا ي َ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ما وَط َ ِ‬ ‫وآت ُهُ َ‬ ‫س ْ‬‫ما َ‬ ‫ت ل َهُ َ‬ ‫فَب َد َ ْ‬
‫وى }‪({121‬‬ ‫ه فَغَ َ‬ ‫م َرب ّ ُ‬ ‫صى آد َ ُ‬ ‫وَع َ َ‬
‫و السؤال ‪ ...‬ايهما اكرم المراة ؟؟؟‬
‫اليهود و النصارى الذين ) لبسوا الخطيئة ( بالكامل لحواء و بناتها‬
‫‪ !!!...‬اما القران الذى نفى عنها هذه التهمة و جعل المسئولية و‬
‫المانة و التكليف مشتركة ؟؟‬
‫ثمة ملحظة اخرى فى نفس النص ‪...‬‬
‫ان الكتاب ) المقدس ؟؟!!!( يعلن بوضوح ان الحمل و الولدة و‬
‫المهما عقاب للمرأة على اغوائها لدم ‪ !!!...‬و على هذا فكلما‬
‫حملت امرأة او اشتاقت الى رجلها فعليها ان تتذكر ان هذا عقاب‬
‫لها على ذنبها و جرمها فى حق الرجل الذى اخرجته من‬
‫الجنة ‪!!!...‬‬
‫فاين هذا من القران الذى جعل هذه اللم فضيلة لها و سببا‬
‫لكرامها ؟؟‬
‫يقول القران الكريم فى سورة لقمان ‪:‬‬
‫) ووصينا اْلنسان بوال ِديه حمل َت ُ‬
‫ه ِفي‬ ‫صال ُ ُ‬ ‫ن وَفِ َ‬ ‫َ‬
‫ه وَهًْنا ع َلى وَهْ ٍ‬ ‫م ُ‬ ‫هأ ّ‬ ‫ِ َ َ ِ َ َْ ِ َ َ ْ ُ‬ ‫َ َ ّ َْ‬
‫دا َ‬
‫ك‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫وال ِد َي ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫نا ْ‬ ‫عامي َ‬
‫جاهَ َ‬ ‫صيُر }‪ {14‬وَِإن َ‬ ‫م ِ‬ ‫ي ال َ‬ ‫ك إ ِل ّ‬ ‫شكْر ِلي وَل ِ َ‬ ‫نأ ِ‬ ‫َ َ ْ ِ‬

‫‪409‬‬
‫ما ِفي‬ ‫حب ْهُ َ‬ ‫صا ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ما و‬‫م فََل ت ُط ِعْهُ َ‬ ‫عل ْ ٌ‬‫ك ب ِهِ ِ‬ ‫س لَ َ‬
‫َ‬ ‫ما ل َي ْ‬
‫ك ِبي َ‬ ‫شرِ َ‬ ‫على َأن ت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫م فَأن َب ّئ ُ ُ‬
‫كم‬ ‫جعُك ُ ْ‬ ‫مْر ِ‬ ‫ي َ‬‫م إ ِل َ ّ‬ ‫ب إ ِل َ ّ‬
‫ي ثُ ّ‬ ‫ن أَنا َ‬ ‫م ْ‬ ‫سِبي َ‬
‫ل َ‬ ‫معُْروًفا َوات ّب ِعْ َ‬ ‫الد ّن َْيا َ‬
‫ن }‪({15‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬
‫كنت ُ ْ‬‫ما ُ‬ ‫بِ َ‬
‫و بهذا الوهن و الضعف و الم الحمل قدم رسول الله صلى الله‬
‫عليه و سلم حسن صحبتها على حسن صحبة الوالد ‪.‬‬
‫فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال ‪ } :‬جاء رجل فقال ‪:‬‬
‫مك‬ ‫ُ‬
‫يارسول الله من أحقّ الناس بحسن صحابتي ؟؟ قال ‪ :‬أ ّ‬
‫ن‬ ‫ُ‬
‫م ْ‬‫مك قال ثم َ‬ ‫ن ؟؟ قال أ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن قال ‪ :‬أمك قال ‪ :‬ثم َ‬ ‫م ْ‬ ‫قال ‪ :‬ثم َ‬
‫قال ‪ :‬أبوك {‬
‫و ل زال السؤال ساريا ‪ ...‬من انصف المرأة ؟؟؟‬
‫و العجيب ان اضطهاد المرأة و قهرها ليس فقط باشعارها ان‬
‫حملها وولدتها و المها عقابا على خطيئتها بل يمتد هذا الضطهاد‬
‫الى حالة ما اذا انجبت انثى ‪!!!...‬‬
‫و لنرى من الكتاب المقدس ما يحدث للمراة التى تنجب انثى و‬
‫نقارنه بتلك التى تنجب ذكرا ‪!!!....‬‬
‫يقول الكتاب ) المقدس ( فى سفر اللويين ‪:‬‬
‫‪ 2‬كلم بني اسرائيل قائل‪.‬اذا حبلت امرأة وولدت ذكرا تكون‬
‫نجسة سبعة ايام‪.‬كما في ايام طمث علتها تكون نجسة‪.‬‬
‫‪ 3‬وفي اليوم الثامن يختن لحم غرلته‬
‫‪ 4‬ثم تقيم ثلثة وثلثين يوما في دم تطهيرها‪.‬كل شيء مقدس ل‬
‫س والى المقدس ل تجيء حتى تكمل ايام تطهيرها‪.‬‬ ‫تم ّ‬
‫‪ 5‬وان ولدت انثى تكون نجسة اسبوعين كما في طمثها‪.‬ثم تقيم‬
‫ستة وستين يوما في دم تطهيرها‪.‬‬
‫‪ 6‬ومتى كملت ايام تطهيرها لجل ابن او ابنة تأتي بخروف حولي‬
‫محرقة وفرخ حمامة او يمامة ذبيحة خطية الى باب خيمة‬
‫الجتماع الى الكاهن‬
‫هكذا ‪ !!!...‬المرأة ) نجسة ( طوال ايام طمثها ثم عندما تلد‬
‫تصير ) نجسة ( ‪!!!...‬‬
‫فاين هذا من قول رسول الله صلى الله عليه و سلم ) ل ينجس‬
‫المؤمن حيا و ل ميتا ( ‪...‬؟؟؟؟‬
‫و الغرب ‪ :‬كون المراة التى تلد انثى ) نجسة ( ضعف الفترة‬
‫التى تبقى فيها ) نجسة ( حال ولدتها ذكرا ‪!!!...‬‬
‫ل زال السؤال يلح بقوة ‪ ...‬ايهما انصف المرأة ؟؟؟‬
‫فاذا كنا قد ذكرنا امثلة حية من التاريخ السلمى لنساء تربين فى‬
‫مدرسة القران و السنة ففى المقابل دعونا نبحث عن امثلة‬
‫لنساء افتخرت بهن كتب اليهود و النصارى و جعلت منهن بطلت‬
‫و امثلة تحتذى لجميع نسائهم ‪.‬‬

‫‪410‬‬
‫فلنبدأ بامرأة خلدتها التوراة ‪ -‬العهد القديم ‪ -‬فى سفر كامل افرد‬
‫لها و باسمها ليحكى قصتها ‪...‬‬
‫يهوديت ‪ ....‬تلك المرأة اليهودية التى نجحت فى سطر اسمها‬
‫فى الكتاب المقدس ‪ ...‬تلك المراة التى يردد مليين اليهود و‬
‫النصارى قصتها فى قراءتهم لكتبهم المقدسة ‪ ...‬بل و يتعبدون‬
‫بتلك القراءة ‪...‬‬
‫ترى من هى تلك البطلة ؟؟؟ و ما هى جلئل العمال التى قامت‬
‫بها لتستحق كل هذا التقدير ؟؟؟‬
‫لنقرا قصتها من ذلك السفر المسجل باسمها ‪ ...‬يصفها ذلك‬
‫السفر قائل ‪:‬‬
‫‪ 4‬و كانت يهوديت قد بقيت ارملة منذ ثلث سنين و ستة اشهر‬
‫‪ 5‬و كانت قد هيات لها في اعلى بيتها غرفة سرية و كانت تقيم‬
‫فيها مع جواريها و تغلقها‬
‫‪ 6‬و كان على حقويها مسح و كانت تصوم جميع ايام حياتها ما خل‬
‫السبوت و رؤوس الشهور و اعياد ال اسرائيل‬
‫ثم يقول ‪:‬‬
‫‪ 8‬و كانت لها شهرة بين جميع الناس من اجل انها كانت تتقي‬
‫الرب جدا و لم يكن احد يقول عليها كلمة سوء‬
‫و ل ينسى ذلك السفر ان يصف جمالها الخاذ فيقول ‪:‬‬
‫‪ 7‬و كانت جميلة المنظر جدا و قد ترك لها بعلها ثروة واسعة و‬
‫حشما كثيرين و املكا مملوءة باصورة البقر و قطعان الغنم‬
‫الى هنا نجد ان تلك المراة امرأة مثالية ‪ ...‬فهى تتقى الله و ل‬
‫يشوب سمعتها شائبة و ليس للناس اى مأخذ عليها ‪.‬‬
‫فما هى حقيقة تلك التقوى و تلك الوصاف الجليلة ؟؟؟ و ما هو‬
‫العمل العظيم الذى جعل من تلك المرأة تحوذ سفرا كامل من‬
‫اسفار العهد القديم ؟؟؟ الواقع ان تلك المرأة ظهرت فى‬
‫ظروف قرر فيها اليهود تسليم مدينتها الى الشوريين ‪ ...‬فغضبت‬
‫و قررت التدخل لمحاولة منع هذه الهزيمة من الحلول بشعب‬
‫الله المختار ‪ ...‬و يمضى ذلك السفر فيصف صلتها و تضرعها‬
‫لكى توفق فيما هى مقبلة عليه من عمل بطولى ‪ ...‬فماذا كان‬
‫ذلك العمل و تلك البطولة التى قامت بها يهوديت ؟؟؟‬
‫لنقرا من سفرها ‪:‬‬
‫‪ 2‬و دعت وصيفتها و نزلت الى بيتها و القت عنها المسح و نزعت‬
‫عنها ثياب ارمالها‬
‫‪ 3‬و استحمت و ادهنت باطياب نفيسة و فرقت شعرها و جعلت‬
‫تاجا على راسها و لبست ثياب فرحها و احتذت بحذاء و لبست‬
‫الدمالج و السواسن و القرطة و الخواتم و تزينت بكل زينتها‬

‫‪411‬‬
‫‪ 4‬و زادها الرب ايضا بهاء من اجل ان تزينها هذا لم يكن عن‬
‫شهوة بل عن فضيلة و لذلك زاد الرب في جمالها حتى ظهرت‬
‫في عيون الجميع ببهاء ل يمثل‬
‫‪ 5‬و حملت وصيفتها زق خمر و اناء زيت و دقيقا و تينا يابسا و‬
‫خبزا و جبنا و انطلقت‬
‫‪ 6‬فلما بلغتا باب المدينة وجدتا عزيا و شيوخ المدينة منتظرين‬
‫‪ 7‬فلما راوها اندهشوا و تعجبوا جدا من جمالها‬
‫فيؤيدها شيوخ اليهود فيما علموا انها مقبلة عليه ‪!!!...‬‬
‫‪) 8‬غير انهم لم يسالوها عن شيء بل تركوها تجوز قائلين اله‬
‫ابائنا يمنحك نعمة و يؤيد كل مشورة قلبك بقوته حتى تفتخر بك‬
‫اورشليم و يكون اسمك محصى في عداد القديسين و‬
‫البرار‪(!!!!...‬‬
‫ثم يمضى ذلك السفر فى وصف العمل البطولى الذى حملته تلك‬
‫المراة على عاتقها ‪ !!!....‬فهو يصف خداعها لقائد جيوش‬
‫الشوريين بجمالها و بالخمر حتى تستدرجه بهاتين الوسيلتين‬
‫الرخيصتين الى الفراش ‪ !!!...‬و حين يصيبه الضعف و ينام تقوم‬
‫بالجهاز عليه ‪!!!...‬‬
‫لنقرأ ‪:‬‬
‫‪ 12‬فدخل حينئذ بوغا على يهوديت و قال ل تحتشمي ايتها الفتاة‬
‫الصالحة ان تدخلي على سيدي و تكرمي امام وجهه و تاكلي معه‬
‫و تشربي خمرا بفرح‬
‫‪ 13‬فاجابته يهوديت من انا حتى اخالف سيدي‬
‫‪ 14‬كل ما حسن و جاد في عينيه فانا اصنعه و كل ما يرضى به‬
‫فهو عندي حسن جدا كل ايام حياتي‬
‫‪ 15‬ثم قامت و تزينت بملبسها و دخلت فوقفت امامه‬
‫‪ 16‬فاضطرب قلب اليفانا لنه كان قد اشتدت شهوته‬
‫‪ 17‬و قال لها اليفانا اشربي الن و اتكئي بفرح فانك قد ظفرت‬
‫امامي بحظوة‬
‫‪ 18‬فقالت يهوديت اشرب يا سيدي من اجل انها قد عظمت‬
‫نفسي اليوم اكثر من جميع ايام حياتي‬
‫‪ 19‬ثم اخذت و اكلت و شربت بحضرته مما كانت قد هياته لها‬
‫جاريتها‬
‫‪ 20‬ففرح اليفانا بازائها و شرب من الخمر شيئا كثيرا جدا اكثر‬
‫مما شرب في جميع حياته‬
‫‪ 1‬و لما امسوا اسرع عبيده الى منازلهم و اغلق بوغا ابواب‬
‫المخدع و مضى‬
‫‪ 2‬و كانوا جميعهم قد ثقلوا من الخمر‬

‫‪412‬‬
‫‪ 3‬و كانت يهوديت وحدها في المخدع‬
‫‪ 4‬و اليفانا مضطجع على السرير نائما لشدة سكره‬
‫‪ 5‬فامرت يهوديت جاريتها ان تقف خارجا امام المخدع و تترصد‬
‫‪ 6‬و وقفت يهوديت امام السرير و كانت تصلي بالدموع و تحرك‬
‫شفتيها و هي ساكتة‬
‫‪ 7‬و تقول ايدني ايها الرب اله اسرائيل و انظر في هذه الساعة‬
‫الى عمل يدي حتى تنهض اورشليم مدينتك كما وعدت و انا اتم‬
‫ما عزمت عليه واثقة باني اقدر عليه بمعونتك‬
‫‪ 8‬و بعد ان قالت هذا دنت من العمود الذي في راس سريره‬
‫فحلت خنجره المعلق به مربوطا‬
‫‪ 9‬و استلته ثم اخذت بشعر راسه و قالت ايدني ايها الرب الله‬
‫في هذه الساعة‬
‫‪ 10‬ثم ضربت مرتين على عنقه فقطعت راسه و نزعت خيمة‬
‫سريره عن العمد و دحرجت جثته عن السرير‬
‫و هكذا صارت هذه العاهرة القديسة نموذجا يحتذى لبطولة‬
‫المرأة فى الكتاب المقدس ‪ !!!...‬و هذا هو دور المرأة كما يراه‬
‫اليهود و النصارى ‪!!!...‬‬
‫اداة للجنس و المتعه لهم ‪ ....‬ووسيلة رخيصة للحرب و التسلل‬
‫الى فراش اعدائهم ‪!!!...‬‬
‫و لعل البعض يظن ان يهوديت كانت العاهرة الوحيدة التى دخلت‬
‫الكتاب المقدس من اوسع ابوابه ‪ ...‬باب الجنس و العهر ‪ ....‬ال‬
‫ان هذا غير حقيقى ‪ ...‬توجد اخرى نجحت فى انتزاع سفر اخر‬
‫من اسفار الكتاب المقدس باسمها ‪ !!!...‬حتى لكأن الكتاب‬
‫المقدس صار كتابا يتتبع اخبار الساقطات و قصص الشذوذ و‬
‫العهر ‪!!!...‬‬
‫و تلك الخرى هى استير ‪ ...‬تلك المرأة ) البطلة ( التى نجحت‬
‫فى انقاذ شعب الله المختار من اعدائه مستفيدة بمواهبها‬
‫) الجنسية ( الخارقة ‪ !!!!...‬و منعا للتطويل فاننا نحيل القارئ‬
‫مباشرة الى سفر استير ليقرأ قصة تلك العاهرة البطلة ‪....‬‬
‫و لمن ل يملك ذلك الكتاب ) المقدس ( يمكنه قراءة قصة‬
‫العاهرة فى اى رواية من روايات ) الف ليلة و ليله ( مع ابدال‬
‫اسم ) شهرزاد ( باسم ) استير ( ‪ !!!...‬سفران من اسفار‬
‫الكتاب المقدس تم تسميتهما باسماء عاهرتين ‪!!!...‬‬
‫و مع هذا ظل اسمه ) الكتاب المقدس ( ‪!!!....‬‬
‫ثم بطلة اخرى من بطلت الكتاب المقدس تم تكريمها فى العهد‬
‫القديم و نجحت فى انتزاع الحظوة لدى بولس ‪ -‬كبير محرفى‬
‫دين المسيح ‪-‬‬

‫‪413‬‬
‫راحاب الزانية الجاسوسة ‪!!!...‬‬
‫اعطاها العهد القديم التكريم و حق الحياة بعد ابادة اهل مدينتها‬
‫بالكامل ‪:‬‬
‫يشوع ‪ 6:17‬فتكون المدينة وكل ما فيها محّرما للرب‪.‬راحاب‬
‫الزانية فقط تحيا هي وكل من معها في البيت لنها قد خبأت‬
‫المرسلين اللذين ارسلناهما‪.‬‬
‫يشوع ‪ 6:23‬فدخل الغلمان الجاسوسان واخرجا راحاب واباها‬
‫وامها واخوتها وكل ما لها واخرجا كل عشائرها وتركاهم خارج‬
‫محّلة اسرائيل‪.‬‬
‫يشوع ‪ 6:25‬واستحيا يشوع راحاب الزانية وبيت ابيها وكل ما‬
‫لها‪.‬وسكنت في وسط اسرائيل الى هذا اليوم‪.‬لنها خبأت‬
‫سسا اريحا‬ ‫المرسلين اللذين ارسلهما يشوع لكي يتج ّ‬
‫ثم يجدد بولس ‪ -‬القديس ؟؟!!!‪ -‬تكريمها فيقول ‪:‬‬
‫عبرانيين ‪ 11:31‬باليمان راحاب الزانية لم تهلك مع العصاة اذ‬
‫قبلت الجاسوسين بسلم‪!!!!!..‬‬
‫هذا هو دور المرأة عند اليهود و النصارى ‪ !!!...‬عاهرة و اداة‬
‫متعة و جاسوسة ‪!!!...‬‬
‫و ل عزاء لنساء اليهود و النصارى لنشغالهن بالتدريب على فنون‬
‫الدعارة المقدسة ‪!!!....‬‬
‫دعونا بعد هذا نستمر فى مقارنة وضع المرأة فى السلم‬
‫بوضعها فى كتب اليهود و النصارى المقدسة ‪....‬‬
‫و لنبدأ بالميراث ‪..‬‬
‫يقول المولى عز وجل فى سورة النساء ‪:‬‬
‫الية‪} 7 :‬للرجال نصيب مما ترك الوالدان والقربون وللنساء‬
‫نصيب مما ترك الوالدان والقربون مما قل منه أو كثر نصيبا‬
‫مفروضا{‪.‬‬
‫فجعل الله عز وجل للمرأة حقا معلوما فى الميراث كما ان‬
‫للرجل حقا ‪...‬‬
‫يقول المام القرطبى فى مناسبة نزول هذه الية ‪:‬‬
‫) لما ذكر الله تعالى أمر اليتامى وصله بذكر المواريث‪ .‬ونزلت‬
‫الية في أوس بن ثابت النصاري‪ ،‬توفي وترك امرأة يقال لها‪ :‬أم‬
‫كجة وثلث بنات له منها؛ فقام رجلن هما ابنا عم الميت ووصياه‬
‫يقال لهما‪ :‬سويد وعرفجة؛ فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته وبناته‬
‫شيئا‪ ،‬وكانوا في الجاهلية ل يورثون النساء ول الصغير وإن كان‬
‫ذكرا‪ ،‬ويقولون‪ :‬ل يعطى إل من قاتل على ظهور الحيل‪ ،‬وطاعن‬
‫بالرمح‪ ،‬وضارب بالسيف‪ ،‬وحاز الغنيمة‪ .‬فذكرت أم كجة ذلك‬
‫لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهما‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول الله‪،‬‬

‫‪414‬‬
‫ولدها ل يركب فرسا‪ ،‬ول يحمل كل ول ينكأ عدوا‪ .‬فقال عليه‬
‫السلم‪) :‬انصرفا حتى أنظر ما يحدث الله لي فيهن(‪ .‬فأنزل الله‬
‫هذه الية ردا عليهم‪ ،‬وإبطال لقولهم وتصرفهم بجهلهم؛ فإن‬
‫الورثة الصغار كان ينبغي أن يكونوا أحق بالمال من الكبار‪ ،‬لعدم‬
‫تصرفهم والنظر في مصالحهم‪ ،‬فعكسوا الحكم‪ ،‬وأبطلوا الحكمة‬
‫فضلوا بأهوائهم‪ ،‬وأخطؤوا في آرائهم وتصرفاتهم‪( .‬‬
‫ارايتم دفاعا عن المرأة و حقوقها كهذا ؟؟؟ تلك المراة لم تجد‬
‫ناصرا و ل حاميا لها ال شرع الله عز وجل ‪.‬‬
‫و يقول ايضا فى سورة النساء ‪:‬‬
‫}يا أيها الذين آمنوا ل يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ول‬
‫تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إل أن يأتين بفاحشة مبينة‬
‫وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا‬
‫ويجعل الله فيه خيرا كثيرا{‪.‬‬
‫و حدد الله عز وجل نصيب كل من الرجل و المرأة فى‬
‫الميراث ‪:‬‬
‫يقول عز وجل فى سورة النساء ‪:‬‬
‫}يوصيكم الله في أولدكم للذكر مثل حظ النثيين فإن كن نساء‬
‫فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف‬
‫ولبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم‬
‫يكن له ولد وورثه أبواه فلمه الثلث فإن كان له إخوة فلمه‬
‫السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين آباؤكم وأبناؤكم ل‬
‫تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما‬
‫حكيما‪ ،‬ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن‬
‫كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو‬
‫دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد‬
‫فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين وإن كان‬
‫رجل يورث كللة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما‬
‫السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد‬
‫وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من الله والله عليم‬
‫حليم‪ ،‬تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري‬
‫من تحتها النهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم‪ ،‬ومن يعص الله‬
‫ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين{‬
‫فجعل الله للمرأة حقا معلوما محددا فل يعتدى عليه فهو ظالم‬
‫جعل الله عقابه نار جهنم و العذاب المهين ‪.‬‬
‫و مع هذا النصيب المفروض للمرأة فى الميراث لم يكلفها الله‬
‫بنفقة بل جعل النفاق وظيفة الرجل ‪.‬‬
‫فالرجل مسئول عن نفقات ما تحته من النساء ‪.‬‬

‫‪415‬‬
‫يقول عز وجل ‪:‬‬
‫)الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض‬
‫وبما أنفقوا من أموالهم (‬
‫و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ‪:‬‬
‫) حق المرأة على الزوج‪ :‬أن يطعمها إذا طعم‪ ،‬ويكسوها إذا‬
‫اكتسى‪ ،‬ول يضرب الوجه‪ ،‬ول يقبح‪ ،‬ول يهجر إل في البيت(‬
‫و فى عطايا الباء لبنائهم يقول صلى الله عليه و سلم ‪:‬‬
‫)ساووا بين أولدكم في العطية‪ ،‬فلو كنت مفضل أحدا لفضلت‬
‫النساء(‬
‫و اعطى السلم للمرأة الحرية المالية الكاملة و جعلها مستقلة‬
‫بمالها عن زوجها فان شاءت اعطته و ان شاءت منعته‬
‫عن‬ ‫م َ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬
‫ة فَِإن ط ِب ْ َ‬ ‫حل َ ً‬‫ن نِ ْ‬‫صد َُقات ِهِ ّ‬ ‫ساء َ‬ ‫قال عز وجل ‪َ ) :‬وآُتوْاالن ّ َ‬
‫ريًئا }‪({4‬‬ ‫م ِ‬ ‫سا فَك ُُلوه ُ هَِنيًئا ّ‬ ‫ف ً‬ ‫ه نَ ْ‬ ‫من ْ ُ‬
‫يٍء ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫و من المواقف التى تؤكد هذه الستقللية المالية الكاملة هذا‬
‫الموقف ‪:‬‬
‫ة عن‬ ‫شعْب َ ُ‬ ‫ن ك َِثيرٍ أْنبأَنا ُ‬ ‫ة وأخبرنا اب ُ‬ ‫شعْب َ ُ‬ ‫مَر أخبرنا ُ‬ ‫ن عُ َ‬ ‫صب ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ح ْ‬
‫عن َ‬
‫س‬ ‫س وَ َ‬ ‫َ‬ ‫طاِء قال‪" :‬أ ْ‬ ‫ب عن ع َ َ‬
‫ن ع َّبا ٍ‬ ‫شهِد َ اب ُ‬ ‫ن ع َّبا ٍ‬ ‫شهَد ُ ع َلى اب ِ‬ ‫أّيو َ‬
‫صّلى‬
‫م فِط ْرٍ فَ َ‬ ‫ج ي َوْ َ‬ ‫خَر َ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الله صلى الله عليه وسلم أن ّ ُ‬ ‫ع ََلى رسو ِ‬
‫ر‪ :‬أك ْب َُر ِ ْ‬ ‫ن ك َِثي ٍ‬ ‫ه ب ِل َ ٌ‬ ‫ب ثُ ّ‬ ‫خط َ َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫علم ِ‬ ‫ل ـ قال اب ُ‬ ‫معَ ُ‬‫ساَء وَ َ‬ ‫م أَتى الن ّ َ‬ ‫م َ‬
‫ن"‬‫قي َ‬‫ن ي ُل ْ ِ‬‫جعَل ْ َ‬ ‫صد َقَةِ فَ َ‬ ‫ن بال ّ‬ ‫مَرهُ ّ‬ ‫ة ـ فأ َ‬ ‫شعْب َ َ‬ ‫ُ‬
‫فالمرأة فى نظر السلم عاقلة رشيدة ل تحتاج وصاية مالية‬
‫عليها ‪ ...‬بل هى قادرة على التصرف فى اموالها بمعرفتها و لها‬
‫مطلق الحرية و مطلق الهلية فى هذه المسالة‬
‫هذا موقف السلم رايناه فى القران و السنة ‪.‬‬
‫فما موقف كتب اليهود و النصارى فى المقابل ؟؟؟‬
‫هنا يمكننا ان نقول ان موقف النصارى ملخص فى هذه الجملة‬
‫من انجيل متى ‪ ) :‬متى ‪ 5:17‬ل تظنوا اني جئت لنقض الناموس‬
‫مل‪(.‬‬ ‫او النبياء‪.‬ما جئت لنقض بل لك ّ‬
‫و عليه فوجهة النصارى تابعة لوجهة اليهود و مستمدة من شرائع‬
‫العهد القديم ‪.‬‬
‫فلننظر الى كتاب اليهود و النصارى المقدس لنتعرف على وجهة‬
‫نظرهم فى تلك المسالة كجزأ من نظرتهم الى المرأة ‪.‬‬
‫فالمراة فى كتبهم ل ميراث لها و ل حق ‪ .‍...‬فل يحق لها ان ترث‬
‫ال فى حال واحد ‪ :‬ال يكون لها اخوة ذكور ‪.‬‬
‫و لنقرأ هذا من سفر العدد ‪:‬‬
‫‪ 8‬وتكلم بني اسرائيل قائل أّيما رجل مات وليس له ابن تنقلون‬
‫ملكه الى ابنته‪.‬‬

‫‪416‬‬
‫‪ 9‬وان لم تكن له ابنة تعطوا ملكه لخوته‪.‬‬
‫‪ 10‬وان لم يكن له اخوة تعطوا ملكه لخوة ابيه‪.‬‬
‫‪ 11‬وان لم يكن لبيه اخوة تعطوا ملكه لنسيبه القرب اليه من‬
‫عشيرته فيرثه‪.‬فصارت لبني اسرائيل فريضة قضاء كما امر الرب‬
‫موسى‬
‫هكذا نرى ان كتابهم المقدس جعل الميراث كامل للبن الذكر ‪...‬‬
‫فان لم يكن للمتوفى ابن ذكر ففى هذه الحالة فقط ‪ :‬ترث‬
‫النثى ‪.‬‬
‫بل السوا للنثى انها ليست فقط محرومة من الميراث ‪ ...‬بل‬
‫انها ايضا محرومة من المهر ذلك الحق الذى اعطاه لها‬
‫السلم ‪ ...‬بل و السوا و النكى انها مطالبة بدفع بائنة ) دوطة (‬
‫لمن يتقدم لها للزواج ‪ ...‬فهى تدفع حتى يرضى الرجل بالزواج‬
‫منها و ال كانت العنوسة مصيرها ‪.‬‬
‫و الواقع اننى حينما اتحدث عن قضية ميراث المراة فى كتب‬
‫اليهود و النصارى المقدسة انما اتحدث عنه من نافلة القول ‪...‬‬
‫ذلك ان المراة ذاتها جزء من الميراث عند اليهود و النصارى ‪.‬‬
‫فالمرأة التى يموت عنها زوجها جزء من ميراث اخو الزوج ‪.....‬‬
‫يتزوجها و ان لم ترض به و ان كانت كارهة له ‪.‬‬
‫و الواقع ان هذه العملية ل تعتبر زواجا بالمعنى المفهوم بل هى )‬
‫ميراث ( او بالدق ) اغتصاب ( ‪.‬‬
‫لنقرا هذا من كتابهم المقدس فى سفر التثنية ‪:‬‬
‫‪ 5‬اذا سكن اخوة معا ومات واحد منهم وليس له ابن فل تصر‬
‫امرأة الميت الى خارج لرجل اجنبي‪.‬اخو زوجها يدخل عليها‬
‫ويتخذها لنفسه زوجة ويقوم لها بواجب اخي الزوج‪.‬‬
‫‪ 6‬والبكر الذي تلده يقوم باسم اخيه الميت لئل يمحى اسمه من‬
‫اسرائيل‬
‫‪ 7‬وان لم يرضى الرجل ان يأخذ امرأة اخيه تصعد امرأة اخيه‬
‫الى الباب الى الشيوخ وتقول قد ابى اخو زوجي ان يقيم لخيه‬
‫اسما في اسرائيل‪.‬لم يشأ ان يقوم لي بواجب اخي الزوج‪.‬‬
‫ان هؤلء جعلوا المراة مجرد حيوان يرثه اهل المتوفى و لهم‬
‫مطلق الحرية فى التصرف فيه ‪.‬‬
‫هل راى احد القراء او سمع او تخيل امتهان للمراة و انسانيتها و‬
‫انوثتها بل و عفتها ابشع من ذلك ؟؟؟‬
‫فان كان النص السابق من سفر التثنية هو القانون او القاعدة‬
‫فدعونا نقرا من سفر التكوين تطبيق هذه النظرية ‪:‬‬
‫‪ 6‬واخذ يهوذا زوجة لعير بكره اسمها ثامار‪.‬‬
‫‪ 7‬وكان عير بكر يهوذا شريرا في عيني الرب‪.‬فأماته الرب‪.‬‬

‫‪417‬‬
‫‪ 8‬فقال يهوذا لونان ) ادخل على امرأة اخيك وتزوج بها واقم‬
‫نسل لخيك‪(.‬‬
‫‪ 9‬فعلم أونان )ان النسل ل يكون له(‪.‬فكان اذ دخل على امرأة‬
‫اخيه انه افسد على الرض لكيل يعطي نسل لخيه‪.‬‬
‫‪ 10‬فقبح في عيني الرب ما فعله‪.‬فاماته ايضا‪.‬‬
‫‪ 11‬فقال يهوذا لثامار كنته اقعدي ارملة في بيت ابيك حتى يكبر‬
‫شيلة ابني‪.‬لنه قال لعله يموت هو ايضا كاخويه‪.‬فمضت ثامار‬
‫وقعدت في بيت ابيها‬
‫يحكى النص هنا عن تطبيق نظرية ميراث اخو المتوفى لرملة‬
‫اخيه ‪....‬‬
‫و المثال هنا هو ‪ :‬ان ) عير( ابن ) يهوذا ( توفى عن امراته‬
‫) ثامار ( فامر ) يهوذا ( ابنه ) اونان ( اخو ) عير( ان يدخل على‬
‫امراة اخيه حتى تلد ابنا يحمل اسم ) عير ( ‪.‬‬
‫ارايتم انحلل اشد من هذا ؟؟؟‬
‫لكن دعونا نستكمل فالبقية اشد و انكى ‪...‬‬
‫فلما علم اونان ان ابناءه من ثامار لن يكونوا باسمه بل باسم‬
‫اخيه المتوفى لم يقرب ثامار ‪ ....‬فغضب ) اله الكتاب المقدس (‬
‫على اونان فاماته ‪...‬‬
‫فامر يهوذا امراة ابنه ثامار ان تعود لبيت ابيها حتى يكبر ابنه‬
‫الثالث فيرثها هو الخر ‪.‬‬
‫ثم نتابع بقية القصة من سفر التكوين ‪:‬‬
‫‪ 12‬ولما طال الزمان ماتت ابنة شوع امرأة يهوذا‪.‬ثم تعّزى يهوذا‬
‫فصعد الى جزاز غنمه الى تمنة هو وحيرة صاحبه العدلمي‪.‬‬
‫‪ 13‬فاخبرت ثامار وقيل لها هوذا حموك صاعد الى تمنة ليجّز‬
‫غنمه‪.‬‬
‫ففت وجلست في‬ ‫‪ 14‬فخلعت عنها ثياب ترملها وتغطت ببرقع وتل ّ‬
‫مدخل عينايم التي على طريق تمنة‪.‬لنها رأت ان شيلة قد كبر‬
‫وهي لم تعط له زوجة‪.‬‬
‫‪ 15‬فنظرها يهوذا وحسبها زانية‪.‬لنها كانت قد غطت وجهها‪.‬‬
‫‪ 16‬فمال اليها على الطريق وقال هاتي ادخل عليك‪.‬لنه لم يعلم‬
‫ي‪.‬‬
‫انها كنته‪.‬فقالت ماذا تعطيني لكي تدخل عل ّ‬
‫‪ 17‬فقال اني ارسل جدي معزى من الغنم‪.‬فقالت هل تعطيني‬
‫رهنا حتى ترسله‪.‬‬
‫‪ 18‬فقال ما الرهن الذي اعطيك‪.‬فقالت خاتمك وعصابتك‬
‫وعصاك التي في يدك‪.‬فاعطاها ودخل عليها‪.‬فحبلت منه‪.‬‬
‫‪ 19‬ثم قامت ومضت وخلعت عنها برقعها ولبست ثياب ترملها‬

‫‪418‬‬
‫‪ 20‬فارسل يهوذا جدي المعزى بيد صاحبه العدلمي ليأخذ الرهن‬
‫من يد المرأة‪.‬فلم يجدها‪.‬‬
‫‪ 21‬فسأل اهل مكانها قائل اين الزانية التي كانت في عينايم على‬
‫الطريق‪.‬فقالوا لم تكن ههنا زانية‪.‬‬
‫‪ 22‬فرجع الى يهوذا وقال لم اجدها‪.‬واهل المكان ايضا قالوا لم‬
‫تكن ههنا زانية‪.‬‬
‫‪ 23‬فقال يهوذا لتاخذ لنفسها لئل نصير اهانة‪.‬اني قد ارسلت هذا‬
‫الجدي وانت لم تجدها‬
‫‪ 24‬ولما كان نحو ثلثة اشهر أخبر يهوذا وقيل له قد زنت ثامار‬
‫كنتك‪.‬وها هي حبلى ايضا من الزنى‪.‬فقال يهوذا اخرجوها فتحرق‪.‬‬
‫‪ 25‬اما هي فلما اخرجت ارسلت الى حميها قائلة من الرجل‬
‫قق لمن الخاتم والعصابة والعصا‬ ‫الذي هذه له انا حبلى‪.‬وقالت ح ّ‬
‫هذه‪.‬‬
‫‪ 26‬فتحققها يهوذا وقال هي ابّر مني لني لم أعطها لشيلة‬
‫ابني‪.‬فلم يعد يعرفها ايضا‬
‫و العجيب انه من نسل هذا الزنا ) زنا المحارم ( ولد شخص له‬
‫شأن على حسب الناجيل ‪ ...‬انه اله النصارى يسوع المسيح ‪.‬‬
‫مرة اخرى و ليست اخيرة ‪ ...‬من انصف المرأة ؟؟؟ و من‬
‫ظلمها ؟؟؟‬
‫و مرة اخرى ‪ ....‬هنيئا للمسلمات اسلمهن ‪.‬‬
‫و مرة اخرى ‪ ...‬ل عزاء لنساء اليهود و النصارى ‪.‬‬
‫ناقشنا حتى الن ثلث حلقات من موقف السلم ثم من موقف‬
‫اليهود و النصارى من المرأة ‪.‬‬
‫دعونا بعد ذلك نرى بعضا من اوصاف النساء لدى كل من‬
‫الطرفين ‪.‬‬
‫يقول الله عز وجل فى وصف حال المؤمنين و المؤمنات ‪:‬‬
‫"والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف‬
‫وينهون عن المنكر" ]التوبة‪[71 :‬‬
‫و يصفهن رسول الله صلى الله عليه و سلم وصفا رقيقاو يحنو‬
‫عليهن عندما يسرع حادى الجمال فى السير فى احدى السفار‬
‫فيقول رسول الله صلى الله عليه و سلم للحادى ‪) :‬رويدك يا‬
‫أنجشة‪ ،‬ل تكسر القوارير( قال قتادة‪ :‬يعني ضعفة النساء‪.‬‬
‫فهذا هو السلم ‪ ...‬يكرم المرأة و يرعاها و يحنو عليها و يعاملها‬
‫بما يليق بها ‪ ...‬فماذا عن كتب اليهود و النصارى المقدسة ؟؟؟‬
‫لنقرأ هذه المجموعة من الوصاف فى سفر الجامعة ‪ ...‬يقول‬
‫الحكيم فى وصف المرأة ‪:‬‬

‫‪419‬‬
‫‪ 23‬كل هذا امتحنته بالحكمة‪.‬قلت اكون حكيما‪.‬اما هي فبعيدة‬
‫عني‪.‬‬
‫‪ 24‬بعيد ما كان بعيدا والعميق العميق من يجده‪.‬‬
‫‪ 25‬درت انا وقلبي لعلم ولبحث ولطلب حكمة وعقل ولعرف‬
‫الشر انه جهالة والحماقة انها جنون‪.‬‬
‫‪ 26‬فوجدت امّر من الموت المرأة التي هي شباك وقلبها اشراك‬
‫ويداها قيود‪.‬الصالح قدام الله ينجو منها‪.‬اما الخاطئ فيؤخذ بها‪.‬‬
‫انظروا ‪ !!!...‬فى جملة واحدة من العهد القديم وصفت المرأة‬
‫بعدد من الصفات يشيب له الوليد ‪!!!...‬‬
‫فهى امر من الموت ‪ !!!!....‬و هى شباك ‪ !!!!...‬و قلبها‬
‫اشراك ‪ !!!....‬و يداها قيود ‪!!!....‬‬
‫و على هذا فان علمة الصالح ‪ :‬النجاة من شرها ‪!!!...‬‬
‫و لعل هذه الفقرة تكون من الطرائف ‪ ...‬فهى عن الرحم ‪...‬‬
‫رحم المرأة ‪.‬‬
‫فقد اكرم السلم هذا الرحم ‪ ...‬و جعل وصله فريضة ‪ ...‬و جعل‬
‫قطعه كبيرة ‪.‬‬
‫يقول الله عز وجل ‪:‬‬
‫}فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الرض وتقطعوا‬
‫أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم أفل‬
‫يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها{‬
‫و يقول صلى الله عليه و سلم ‪:‬‬
‫"إن الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن‬
‫قطعني قطعه الله"‪.‬‬
‫و يقول عن الرحم ‪:‬‬
‫قال الله تبارك وتعالى للرحم‪ ) :‬خلقتك بيدي وشققت لك من‬
‫اسمي‪ ،‬وقرنت مكانك مني‪ ،‬وعزتي وجللي لصلن من وصلك‪،‬‬
‫ولقطعن من قطعك‪ ،‬ول أرضى حتى ترضى‪(.‬‬
‫فها هو السلم يجعل اسم الرحم مشتقا من اسم الله‬
‫) الرحمن ( ‪ ...‬فيصل الله من وصل رحمه ‪ ...‬و يقطع من قطع‬
‫هذا الرحم ‪...‬‬
‫و بهذا جعل السلم الصلة بين القارب موصولة بالرحم ‪ ...‬رحم‬
‫المرأة ‪ !!!...‬فماذا كان نصيب هذا الرحم من الغرب‬
‫النصرانى ؟؟؟!!!‬
‫لقد اطلقوا اسمه اللتينى ) هستيريا ( على الخلل النفسى ‪!!!...‬‬
‫فصار الرحم عندهم مرتبطا بالمرض النفسى ‪!!!!!!....‬‬
‫و لعل هذا يجلى لنا مكانة المرأة لدى الغرب النصرانى ‪!!!...‬‬
‫و لنقارن بين اية من القران و جملة من الناجيل ‪.....‬‬

‫‪420‬‬
‫يقول الله عز وجل فى سورة السراء ‪:‬‬
‫}وقضى ربك أل تعبدوا إل إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك‬
‫الكبر أحدهما أو كلهما فل تقل لهما أف ول تنهرهما وقل لهما‬
‫قول كريما‪ ،‬واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب‬
‫ارحمهما كما ربياني صغيرا{‪.‬‬
‫حرم الله عز وجل ان ينطق البن امام ابيه او امه باقل كلمة‬
‫يبدو منها التضجر ‪ :‬أف ‪....‬‬
‫اهذا خير ام هذا الموقف الذى يحكيه يوحنا فى انجيله بين‬
‫المسيح و امه قائل ‪:‬‬
‫‪ 3‬ولما فرغت الخمر قالت ام يسوع له ليس لهم خمر‪.‬‬
‫‪ 4‬قال لها يسوع ما لي ولك يا امرأة‪.‬لم تأت ساعتي بعد‪!!!!.‬‬
‫فلو ان يوحنا كان يكتب انجيله بالعاميه لكان قد قال على لسان‬
‫المسيح ‪ :‬انت مالك ياوليه مالكيش دعوه ‪!!!...‬‬
‫فايهما خير ؟؟؟ و ايهما انصف المرأة ؟؟؟‬
‫قارنوا هذا الموقف الذى ادعاه يوحنا فى انجيله بهذا الموقف‬
‫لرسول الله صلى الله عليه و سلم ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬يا‬ ‫جل ً أتى النب ّ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫مر‪" :‬أ ّ‬
‫ن عُ َ‬‫عن اب ِ‬
‫ل لَ َ‬ ‫ظيما ً فَهَ ْ‬ ‫َ‬
‫من‬ ‫ك ِ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫ة؟ َقا َ‬
‫ل ِلي ت َوْب َ ٌ‬ ‫ت ذ َن ْب َا ً ع َ ِ‬
‫صب ْ ُ‬‫ل الله إّني أ َ‬ ‫رسو َ‬
‫ُ‬
‫ل‪ :‬نعم قال‪ :‬فَب ِّرها"‪.‬‬ ‫ة؟ َقا َ‬‫خال َ ٍ‬
‫ن َ‬‫م ْ‬‫ك ِ‬ ‫ل لَ َ‬ ‫ل‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬هَ ْ‬ ‫م؟ قا َ‬‫أ ّ‬
‫ايهما خير للمرأة ؟؟؟‬
‫و لننطلق الى كيفية معاملة الرجل لزوجته ‪ ....‬كيف تصور‬
‫السلم هذه المعاملة ؟؟؟‬
‫بداية حافظ السلم على المرأة المسلمة ووقاها من الفتنة فى‬
‫دينها فمنع زواجها من كافر ‪...‬بل و فرق بين من تدخل السلم و‬
‫بين زوجها الكافر ‪.‬‬
‫يقول الله عز وجل فى سورة البقرة ‪:‬‬
‫}ول تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولمة مؤمنة خير من مشركة‬
‫ولو أعجبتكم ول تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير‬
‫من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى‬
‫الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون{‪.‬‬
‫فجعل زوج المسلمة لبد و ان يكون مسلما مثلها ‪ ....‬ثم بعد ذلك‬
‫حدد صفات هذا الزوج المقبول للمسلمة ‪.‬‬
‫يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم ‪) :‬إذا أتاكم من ترضون‬
‫خلقه ودينه فزوجوه‪ .‬إل تفعلوا تكن فتنة في الرض وفساد‬
‫عريض(‪.‬‬
‫هذه صفات الزوج الذى ارتضاه السلم للمرأة ‪ ....‬فهو مسلم ‪...‬‬
‫و هو ملتزم بدينه ‪ ...‬و هو متين الخلق ‪.‬‬

‫‪421‬‬
‫فلكأن السلم اب حنون للمرأة يحنو عليها و هو يختار لها زوجا‬
‫يعينها فى دينها و دنياها ‪.‬‬
‫فماذا عن اعداء السلم ؟؟‬
‫لقد جعل اعداء السلم كما اسلفنا من قبل المرأة حيوانا يباع و‬
‫يشترى ‪ ...‬فهم يتاجرون بعرضها ‪ ...‬و هم يدفعون بها الى فرش‬
‫اعدائهم لتحقيق مصالحهم و اهوائهم ‪ ...‬و على هذا فقد كان‬
‫طبيعيا ان يتركوا تلك المراة نهبا لكل طامع و فاسق و كافر ‪.‬‬
‫اقرأوا موقف بولس من الزوج الكافر للمرأة المؤمنة ‪:‬‬
‫كورنثوس ‪ 7:13‬والمرأة التي لها رجل غير مؤمن وهو يرتضي ان‬
‫يسكن معها فل تتركه‪.‬‬
‫و هكذا يترك بولس القديس المرأة المؤمنة تحت وصاية زوجها و‬
‫لو كان كافرا ‪ ...‬فالمر يرجع لرغبة هذا الزوج ‪ ...‬ان اراد ان‬
‫يحبسها على نفسه فواجب المراة ان تطيعه ‪ !!...‬و ان لم يكن‬
‫له غرض منها فليلقيها فى الطريق ‪!!!...‬‬
‫و هكذا تردت المرأة فى نظر كتاب ) الكتاب المقدس ( الى‬
‫هاوية لم تتردى اليها حتى الحيوانات ‪!!!....‬‬
‫راينا كيف حرص السلم على المراة عند زواجها فحدد صفات‬
‫الزوج المناسب لها ‪ :‬دينه و خلقه ‪.‬‬
‫فلنرى الن ‪ :‬هل للمراة حق فى تقرير مصيرها فى الرتباط‬
‫بشخص معين ام ل ‪....‬‬
‫و السؤال ‪ :‬هل كفل السلم للمراة حق رفض او قبول الزوج‬
‫المتقدم لها ؟؟؟‬
‫يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم ‪:‬‬
‫)آمروا النساء في أنفسهن‪ ،‬فإن الثيب تعرب عن نفسها‪ .‬وإذن‬
‫البكر صمتها(‬
‫و يقول ‪ ) :‬احملوا النساء على أهوائهن ( ]أي زوجوهن من‬
‫يرتضينه‪ ،‬إن كان كفؤا[ ‪.‬‬
‫و يقول صلى الله عليه و سلم ‪:‬‬
‫ن« َقاُلوا‪َ :‬يا‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫»ل َ ت ُن ْك َ ُ َ‬
‫ست َأذ َ َ‬ ‫ح ال ْب ِك ُْر َ‬
‫حّتى ت ُ ْ‬ ‫مَر وَل َ ت ُن ْك َ ُ‬
‫ست َأ َ‬
‫حّتى ت ُ ْ‬‫م َ‬ ‫ح الي ّ ُ‬
‫َ‬ ‫ل الل ّهِ ك َي ْ َ‬
‫ت«‬‫سك ُ َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫ل‪» :‬أ ْ‬ ‫ف إذ ْن َُها؟ َقا َ‬ ‫سو َ‬ ‫َر ُ‬
‫هذا هو قول السلم و موقفه ‪...‬‬
‫بل ان السلم وصل لدرجة ابعد من هذا الى ابطال و رد عقد‬
‫الزواج الذى تكره عليه الفتاة و يتم بغير رضاها ‪.‬‬
‫فعن خنساء بنت خذام أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك‬
‫فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحه ‪.‬‬

‫‪422‬‬
‫بل ان السلم اعطى لم الفتاة الحق فى ابداء رايها فى قبول او‬
‫رفض زوج ابنتها المستقبلى بحكم معرفتها بميول هذه البنة و‬
‫رغباتها ‪.‬‬
‫يقول المعصوم صلى الله عليه و سلم ‪) :‬آمروا النساء في‬
‫بناتهن(‬
‫بل و يصل الى ان يعطى المرأة الحق فى ان تطلب الزواج لمن‬
‫ترى فيه الصلح ‪....‬‬
‫فأن امرأة عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فقال‬
‫له رجل‪ :‬يا رسول الله زوجنيها‪ ،‬فقال‪) :‬ما عندك(‪ .‬قال‪ :‬ما عندي‬
‫شيء‪ ،‬قال‪) :‬اذهب فالتمس ولوخاتم من حديد(‪ .‬فذهب ثم رجع‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ل والله ما وجدت شيئا ول خاتما من حديد‪ ،‬ولكن هذا‬
‫إزاري ولها نصفه‪ ،‬قال سهل‪ :‬ما له رداء‪ ،‬فقال النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪) :‬وما تصنع بإزارك‪ ،‬إن لبسته لم يكن عليها منه‬
‫شيء‪ ،‬وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء(‪ .‬فجلس الرجل حتى‬
‫إذا طال مجلسه قام‪ ،‬فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فدعاه‬
‫أودعي له‪ ،‬فقال له‪) :‬ماذا معك من القرآن(‪ .‬فقال‪ :‬معي سورة‬
‫كذا وسورة كذا‪ ،‬لسور يعددها‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪) :‬أمكناكها بما معك من القرآن(‪....‬‬
‫فاذا كان السلم قد اعطى هذه الحرية للمرأة فماذا اعطاها‬
‫اعداؤه ؟؟ ‍‬
‫؟‬
‫هل يجد اعداء السلم من اليهود و النصارى فى كتبهم مثل تلك‬
‫الحقوق التى مكن السلم المرأة منها ؟؟؟‬
‫هل اعطاها دينهم حق الموافقة على زوجها او حق اختياره و‬
‫جعل هذا شرطا لصحة الزواج ؟ ‍‬
‫؟‬
‫ل نملك هنا سوى تكرار عرض هذا النص من سفر العدد ‪:‬‬
‫‪ 5‬اذا سكن اخوة معا ومات واحد منهم وليس له ابن فل تصر‬
‫امرأة الميت الى خارج لرجل اجنبي‪.‬اخو زوجها يدخل عليها‬
‫ويتخذها لنفسه زوجة ويقوم لها بواجب اخي الزوج‪.‬‬
‫‪ 6‬والبكر الذي تلده يقوم باسم اخيه الميت لئل يمحى اسمه من‬
‫اسرائيل‬
‫‪ 7‬وان لم يرضى الرجل ان يأخذ امرأة اخيه تصعد امرأة اخيه‬
‫الى الباب الى الشيوخ وتقول قد ابى اخو زوجي ان يقيم لخيه‬
‫اسما في اسرائيل‪.‬لم يشأ ان يقوم لي بواجب اخي الزوج‪.‬‬
‫والواقع ان اعداء السلم اعطوا المرأة حريات زائفة مخادعة ‪....‬‬
‫اعطوها حرية النحلل ‪ ...‬اعطوها حرية هدم القيم ‪ ....‬اعطوها‬
‫حرية العرى و العهر ‪ ...‬و منعوها حقوقها الفطرية التى اعطاها‬
‫لها الله ‪.‬‬

‫‪423‬‬
‫انها الفوضى تلك التى يسعى اليها اليهود و النصارى ‪ ....‬انها‬
‫الشيوعية الجنسية ‪ .‍...‬ل الحرية ‪.‬‬
‫انها المتعة الثمة ‪ ....‬ل الكرامة ‪.‬‬
‫ان الحرية تعنى اللتزام بالواجبات ل التمرد عليها مع الحصول‬
‫على الحقوق ل الفوضى ‪.‬‬
‫ثم لننظر بعد هذا الى كيفية معاملة الرجل و المراة كل منهما‬
‫للخر بعد الزواج ‪.‬‬
‫ما هى الضوابط التى وضعها السلم ثم اعداؤه للتعامل بين‬
‫طرفى هذا الرباط المقدس او الميثاق الغليظ ؟؟؟‬
‫بداية يحدد السلم حقوق كل طرف من طرفى هذه العلقة‬
‫وواجباته ‪ ....‬فواجب الرجل و حق المرأة حدده رسول الله صلى‬
‫الله عليه و سلم فى هذا الحديث ‪:‬‬
‫) حق المرأة على الزوج‪ :‬أن يطعمها إذا طعم‪ ،‬ويكسوها إذا‬
‫اكتسى‪ ،‬ول يضرب الوجه‪ ،‬ول يقبح‪ ،‬ول يهجر إل في البيت (‬
‫و يقول صلى الله عليه و سلم ‪:‬‬
‫) أى رجل لطم امرأته لطمة أمر الله عز وجل خازن النيران‬
‫فيلطمه على حر وجهه سبعين لطمة من نار جهنم (‬
‫بل و ان رسول الله صلى الله عليه و سلم اعطى المراة‬
‫خصوصية كبيرة ‪ :‬فنهى عن تتبع عثرات النساء ‪ ....‬فليس للرجل‬
‫ان يصير رقيبا على زوجته يتسقط لها الخطاء و يعاتبها و يشتد‬
‫فى عتابها و لومها ‪.‬‬
‫هل رايتم خيرا من هذا ؟؟؟‬
‫وواجب المرأة و حق الرجل يقول فيه صلى الله عليه و سلم ‪:‬‬
‫)خير النساء التي إذا نظرت إليها سرتك وإذا أمرتها أطاعتك وإذا‬
‫غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك(‬
‫فهل تجدون اكثر عدل فى معاملة المراة من تحديد واجباتها و‬
‫حقوقها فل يعتد على هذه الحقوق ال ظالم معاقب ؟؟ ‍‬
‫؟‬
‫هل يجد اليهود او النصارى فى دينهم شيئا كهذا او قريبا منه فى‬
‫معاملة المرأة ؟؟‬
‫كتبه الخ ‪ /‬ابو جهاد‬
‫==================‬
‫لماذا شرع السلم الطلق ؟؟‬
‫يأخذ الكثير من الغربيين على السلم أنه أباح الطلق ‪ ،‬ويعتبرون‬
‫ذلك دليل ً على استهانة السلم بقدر المرأة ‪ ،‬وبقدسية الزواج ‪،‬‬
‫وقلدهم في ذلك بعض المسلمين الذين تثقفوا بالثقافات‬
‫الغربية ‪ ،‬وجهلوا أحكام شريعتهم ‪ ،‬مع أن السلم ‪ ،‬لم يكن أول‬

‫‪424‬‬
‫من شرع الطلق ‪ ،‬فقد جاءت به الشريعة اليهودية من قبل ‪،‬‬
‫وعرفه العالم قديمًا‪.‬‬
‫وقد نظر هؤلء العائبون إلى المر من زاوية واحدة فقط ‪ ،‬هي‬
‫تضرر المرأة به ‪ ،‬ولم ينظروا إلى الموضوع من جميع جوانبه ‪،‬‬
‫كموا في رأيهم فيه العاطفة غير الواعية ‪ ،‬وغير المدركة‬ ‫ح ّ‬
‫و َ‬
‫للحكمة منه ولسبابه ودواعيه‪.‬‬
‫ً‬
‫إن السلم يفترض أول ً ‪ ،‬أن يكون عقد الزواج دائما ‪ ،‬وأن تستمر‬
‫الزوجية قائمة بين الزوجين ‪ ،‬حتى يفرق الموت بينهما ‪ ،‬ولذلك ل‬
‫يجوز في السلم تأقيت عقد الزواج بوقت معين‪.‬‬
‫ً‬
‫غير أن السلم وهو يحتم أن يكون عقد الزواج مؤبدا يعلم أنه‬
‫إنما يشرع لناس يعيشون على الرض ‪ ،‬لهم خصائصهم ‪،‬‬
‫وطباعهم البشرية ‪ ،‬لذا شرع لهم كيفية الخلص من هذا العقد ‪،‬‬
‫إذا تعثر العيش ‪ ،‬وضاقت السبل ‪ ،‬وفشلت الوسائل للصلح ‪،‬‬
‫وهو في هذا واقعي كل الواقعية ‪ ،‬ومنصف كل النصاف لكل من‬
‫الرجل والمرأة‪.‬‬
‫فكثيرا ً ما يحدث بين الزوجين من السباب والدواعي ‪ ،‬ما يجعل‬
‫الطلق ضرورة لزمة ‪ ،‬ووسيلة متعينة لتحقيق الخير ‪،‬‬
‫والستقرار العائلي والجتماعي لكل منهما ‪ ،‬فقد يتزوج الرجل‬
‫والمرأة ‪ ،‬ثم يتبين أن بينهما تباينا ً في الخلق ‪ ،‬وتنافرا ً في‬
‫الطباع ‪ ،‬فيرى كل من الزوجين نفسه غريبا ً عن الخر ‪ ،‬نافرا ً منه‬
‫طلع أحدهما من صاحبه بعد الزواج على ما ل يحب ‪ ،‬ول‬ ‫‪ ،‬وقد ي ّ‬
‫يرضى من سلوك شخصي ‪ ،‬أو عيب خفي ‪ ،‬وقد يظهر أن المرأة‬
‫عقيم ل يتحقق معها أسمى مقاصد الزواج ‪ ،‬وهو ل يرغب‬
‫التعدد ‪ ،‬أول يستطيعه ‪ ،‬إلى غير ذلك من السباب والدواعي ‪،‬‬
‫التي ل تتوفر معها المحبة بين الزوجين ول يتحقق معها التعاون‬
‫على شؤون الحياة ‪ ،‬والقيام بحقوق الزوجية كما أمر الله ‪،‬‬
‫فيكون الطلق لذلك أمرا ً ل بد منه للخلص من رابطة الزواج‬
‫التي أصبحت ل تحقق المقصود منها ‪ ،‬والتي لو ألزم الزوجان‬
‫بالبقاء عليها ‪ ،‬لكلت الضغينة قلبيهما ‪ ،‬ولكاد كل منهما لصاحبه ‪،‬‬
‫وسعى للخلص منه بما يتهيأ له من وسائل ‪ ،‬وقد يكون ذلك سببا ً‬
‫في انحراف كل منهما ‪ ،‬ومنفذا ً لكثير من الشرور والثام‪،‬‬
‫شرع الطلق وسيلة للقضاء على تلك المفاسد ‪ ،‬وللتخلص‬ ‫لهذا ُ‬
‫من تلك الشرور ‪ ،‬وليستبدل كل منهما بزوجه زوجا ً آخر ‪ ،‬قد يجد‬
‫معه ما افتقده مع الول ‪ ،‬فيتحقق قول الله تعالى‪ ) :‬وإن يتفرقا‬
‫يغن الله كل ً من سعته ‪ ،‬وكان الله واسعا ً حكيما ً (‪.‬‬
‫وهذا هو الحل لتلك المشكلت المستحكمة المتفق مع منطق‬
‫العقل والضرورة ‪ ،‬وطبائع البشر وظروف الحياة‪.‬‬

‫‪425‬‬
‫ول بأس أن نورد ما قاله ) بيتام ( رجل القانون النجليزي ‪ ،‬لندلل‬
‫للهثين خلف الحضارة الغربية ونظمها أن ما يستحسنونه من تلك‬
‫الحضارة ‪ ،‬يستقبحه أبناؤها العالمون بخفاياها ‪ ،‬والذين يعشون‬
‫نتائجها‪.‬‬
‫يقول ) بيتام (‪:‬‬
‫) لو وضع مشروع قانونا ً يحرم فض الشركات ‪ ،‬ويمنع رفع ولية‬
‫الوصياء ‪ ،‬وعزل الوكلء ‪ ،‬ومفارقة الرفقاء ‪ ،‬لصاح الناس‬
‫أجمعون‪ :‬أنه غاية الظلم ‪ ،‬واعتقدوا صدوره من معتوه أو مجنون‬
‫‪ ،‬فيا عجبا ً أن هذا المر الذي يخالف الفطرة ‪ ،‬ويجافي الحكمة ‪،‬‬
‫وتأباه المصلحة ‪ ،‬ول يستقيم مع أصول التشريع ‪ ،‬تقرره القوانين‬
‫بمجرد التعاقد بين الزوجين في أكثر البلد المتمدنة ‪ ،‬وكأنها‬
‫تحاول إبعاد الناس عن الزواج ‪ ،‬فإن النهي عن الخروج من‬
‫الشيء نهي عن الدخول فيه ‪ ،‬وإذا كان وقوع النفرة واستحكام‬
‫الشقاق والعداء ‪ ،‬ليس بعيد الوقوع ‪ ،‬فأيهما خير؟ ‪ ..‬ربط‬
‫الزوجين بحبل متين ‪ ،‬لتأكل الضغينة قلوبهما ‪ ،‬ويكيد كل منهما‬
‫للخر؟ أم حل ما بينهما من رباط ‪ ،‬وتمكين كل منهما من بناء‬
‫بيت جديد على دعائم قوية؟ ‪ ،‬أو ليس استبدال زوج بآخر ‪ ،‬خيرا ً‬
‫من ضم خليلة إلى زوجة مهملة أو عشيق إلى زوج بغيض (‪.‬‬
‫والسلم عندما أباح الطلق ‪ ،‬لم يغفل عما يترتب على وقوعه‬
‫من الضرار التي تصيب السرة ‪ ،‬خصوصا ً الطفال ‪ ،‬إل أنه لحظ‬
‫أن هذا أقل خطرا ً ‪ ،‬إذا قورن بالضرر الكبر ‪ ،‬الذي تصاب به‬
‫السرة والمجتمع كله إذا أبقى على الزوجية المضطربة ‪،‬‬
‫والعلئق الواهية التي تربط بين الزوجين على كره منهما ‪ ،‬فآثر‬
‫أخف الضررين ‪ ،‬وأهون الشرين‪.‬‬
‫وفي الوقت نفسه ‪ ،‬شرع من التشريعات ما يكون علجا ً لثاره‬
‫ونتائجه ‪ ،‬فأثبت للم حضانة أولدها الصغار ‪ ،‬ولقريباتها من‬
‫بعدها ‪ ،‬حتى يكبروا ‪ ،‬وأوجب على الب نفقة أولده ‪ ،‬وأجور‬
‫حضانتهم ورضاعتهم ‪ ،‬ولو كانت الم هي التي تقوم بذلك ‪ ،‬ومن‬
‫فر من الطلق وبغضه إلى النفوس فقال صلى الله‬ ‫جانب آخر ‪ ،‬ن ّ‬
‫عليه وسلم‪ ) :‬أيما امرأة سألت زوجها الطلق في غير بأس ‪،‬‬
‫فحرام عليها رائحة الجنة ( ‪ ،‬وحذر من التهاون بشأنه فقال عليه‬
‫الصلة والسلم‪ ) :‬ما بال أحدكم يلعب بحدود الله ‪ ،‬يقول‪ :‬قد‬
‫طلقت ‪ ،‬قد راجعت( ‪ ،‬وقال عليه الصلة والسلم‪ ) :‬أُيلعب بكتاب‬
‫الله وأنا بين أظهركم( ‪ ،‬قاله في رجل طلق زوجته بغير ما أحل‬
‫الله‪.‬‬
‫واعتبر الطلق آخر العلج ‪ ،‬بحيث ل يصار إليه إل عند تفاقم المر‬
‫‪ ،‬واشتداد الداء ‪ ،‬وحين ل يجدي علج سواه ‪ ،‬وأرشد إلى اتخاذ‬

‫‪426‬‬
‫الكثير من الوسائل قبل أن يصار إليه ‪ ،‬فرغب الزوج في الصبر‬
‫والتحمل على الزوجات ‪ ،‬وإن كانوا يكرهون منهن بعض المور ‪،‬‬
‫إبقاء للحياة الزوجية ‪ ) ،‬وعاشروهن بالمعروف ‪ ،‬فإن كرهتموهن‬
‫فعسى أن تكرهوا شيئا ً ويجعل الله فيه خيرا ً كثيرا ً (‪.‬‬
‫وأرشد الزوج إذا لحظ من زوجته نشوزا ً إلى ما يعالجها به من‬
‫التأديب المتدرج‪ :‬الوعظ ثم الهجر ‪ ،‬ثم الضرب غير المبرح ‪،‬‬
‫)واللتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع‬
‫واضربوهن فإن أطعنكم فل تبغوا عليهن سبي ً‬
‫ل(‪.‬‬
‫وأرشد الزوجة إذا ما أحست فتورا ً في العلقة الزوجية ‪ ،‬وميل‬
‫زوجها إليها إلى ما تحفظ به هذه العلقة ‪ ،‬ويكون له الثر الحسن‬
‫في عودة النفوس إلى صفائها ‪ ،‬بأن تتنازل عن بعض حقوقها‬
‫الزوجية ‪ ،‬أو المالية ‪ ،‬ترغيبا ً له بها وإصلحا ً لما بينهما‪.‬‬
‫وشرع التحكيم بينهما ‪ ،‬إذا عجزا عن إصلح ما بينهما ‪ ،‬بوسائلهما‬
‫الخاص‪.‬‬
‫كل هذه الجراءات والوسائل تتخذ وتجرب قبل أن يصار إلى‬
‫الطلق ‪ ،‬ومن هذا يتضح ما للعلئق والحياة الزوجية من شأن‬
‫عظيم عند الله‪.‬‬
‫م من‬ ‫فل ينبغي فصم ما وصل الله وأحكمه ‪ ،‬ما لم يكن ث َ ّ‬
‫الدواعي الجادة الخطيرة الموجبة للفتراق ‪ ،‬ول يصار إلى ذلك‬
‫إل بعد استنفاد كل وسائل الصلح‪.‬‬
‫ومن هدي السلم في الطلق ‪ ،‬ومن تتبع الدواعي والسباب‬
‫الداعية إلى الطلق يتضح أنه كما يكون الطلق لصالح الزوج ‪،‬‬
‫فإنه أيضا ً يكون لصالح الزوجة في كثير من المور ‪ ،‬فقد تكون‬
‫هي الطالبة للطلق ‪ ،‬الراغبة فيه ‪ ،‬فل يقف السلم في وجه‬
‫رغبتها وفي هذا رفع لشأنها ‪ ،‬وتقدير لها ‪ ،‬ل استهانة بقدرها ‪ ،‬كما‬
‫دعون ‪ ،‬وإنما الستهانة بقدرها ‪ ،‬بإغفال رغبتها ‪،‬‬ ‫دعي الم ّ‬
‫ي ّ‬
‫وإجبارها على الرتباط برباط تكرهه وتتأذى منه‪.‬‬
‫وليس هو استهانة بقدسية الزواج كما يزعمون ‪ ،‬بل هو وسيلة‬
‫ليجاد الزواج الصحيح السليم ‪ ،‬الذي يحقق معنى الزوجية‬
‫وأهدافها السامية ‪ ،‬ل الزواج الصوري الخالي من كل معاني‬
‫الزوجية ومقاصدها‪.‬‬
‫إذ ليس مقصود السلم البقاء على رباط الزوجية كيفما كان ‪،‬‬
‫ولكن السلم جعل لهذا الرباط أهدافا ً ومقاصد ‪ ،‬ل بد أن تتحقق‬
‫منه ‪ ،‬وإل فليلغ ‪ ،‬ليحل محله ما يحقق تلك المقاصد والهداف‪.‬‬
‫ويثار كذلك عن الحكمة في جعل الطلق بيد الرجل ؟؟ واليس‬
‫في ذلك ما ينقص من شأن المرأة ؟؟‬

‫‪427‬‬
‫وفي ذلك نقول ‪ :‬إن فصم رابطة الزوجية أمر خطير ‪ ،‬يترتب‬
‫عليه آثار بعيدة المدى في حياة السرة والفرد والمجتمع ‪ ،‬فمن‬
‫الحكمة والعدل أل تعطى صلحية البت في ذلك ‪ ،‬وإنهاء الرابطة‬
‫تلك ‪ ،‬إل لمن يدرك خطورته ‪ ،‬ويقدر العواقب التي تترب عليه‬
‫حق قدرها ‪ ،‬ويزن المور بميزان العقل ‪ ،‬قبل أن يقدم على‬
‫النفاذ ‪ ،‬بعيدا ً عن النزوات الطائشة ‪ ،‬والعواطف المندفعة ‪،‬‬
‫والرغبة الطارئة‪.‬‬
‫والثابت الذي ل شك فيه أن الرجل أكثر إدراكا ً وتقديرا ً لعواقب‬
‫هذا المر ‪ ،‬وأقدر على ضبط أعصابه ‪ ،‬وكبح جماح عاطفته حال‬
‫الغضب والثورة ‪ ،‬وذلك لن المرأة خلقت بطباع وغرائز تجعلها‬
‫أشد تأثرا ً ‪ ،‬وأسرع انقيادا ً لحكم العاطفة من الرجل ‪ ،‬لن‬
‫وظيفتها التي أعدت لها تتطلب ذلك ‪ ،‬فهي إذا أحبت أو كرهت ‪،‬‬
‫وإذا رغبت أو غضبت اندفعت وراء العاطفة ‪ ،‬ل تبالي بما ينجم‬
‫عن هذا الندفاع من نتائج ول تتدبر عاقبة ما تفعل ‪ ،‬فلو جعل‬
‫الطلق بيدها ‪ ،‬لقدمت على فصم عرى الزوجية لتفه السباب ‪،‬‬
‫وأقل المنازعات التي ل تخلو منها الحياة الزوجية ‪ ،‬وتصبح‬
‫السرة مهددة بالنهيار بين لحظة وأخرى‪.‬‬
‫وهذا ل يعني أن كل النساء كذلك ‪ ،‬بل إن من النساء من هن‬
‫ذوات عقل وأناة ‪ ،‬وقدرة على ضبط النفس حين الغضب من‬
‫بعض الرجال ‪ ،‬كما أن من الرجال من هو أشد تأثرا ً وأسرع‬
‫انفعال ً من بعض النساء ‪ ،‬ولكن العم الغلب والصل أن المرأة‬
‫كما ذكرنا ‪ ،‬والتشريع إنما يبني على الغالب وما هو الشأن في‬
‫الرجال والنساء ‪ ،‬ول يعتبر النوادر والشواذ ‪ ،‬وهناك سبب آخر‬
‫لتفرد الرجل بحق فصم عرى الزوجية‪.‬‬
‫إن إيقاع الطلق يترتب عليه تبعات مالية ‪ُ ،‬يلزم بها الزواج‪ :‬فيه‬
‫يحل المؤجل من الصداق إن وجد ‪ ،‬وتجب النفقة للمطلقة مدة‬
‫العدة ‪ ،‬وتجب المتعة لمن تجب لها من المطلقات ‪ ،‬كما يضيع‬
‫على الزوج ما دفعه من المهر ‪ ،‬وما أنفقه من مال في سبيل‬
‫إتمام الزواج ‪ ،‬وهو يحتاج إلى مال جديد لنشاء زوجية جديدة ‪،‬‬
‫ول شك أن هذه التكاليف المالية التي تترتب على الطلق ‪ ،‬من‬
‫شأنها أن تحمل الزواج على التروي ‪ ،‬وضبط النفس ‪ ،‬وتدبر‬
‫المر قبل القدام على إيقاع الطلق ‪ ،‬فل يقدم عليه إل إذا رأى‬
‫أنه أمر ل بد منه ول مندوحة عنه‪.‬‬
‫أما الزوجة فإنه ل يصيبها من مغارم الطلق المالية شيء ‪ ،‬حتى‬
‫يحملها على التروي والتدبر قبل إيقاعه – إن استطاعت – بل هي‬
‫تربح من ورائه مهرا ً جديدا ً ‪ ،‬وبيتا ً جديدا ً ‪ ،‬وعريسا ً جديدًا‪.‬‬

‫‪428‬‬
‫فمن الخير للحياة الزوجية ‪ ،‬وللزوجة نفسها أن يكون البت في‬
‫مصير الحياة الزوجية في يد من هو أحرص عليها وأضن بها‪.‬‬
‫والشريعة لم تهمل جانب المرأة في إيقاع الطلق ‪ ،‬فقد منحتها‬
‫الحق في الطلق ‪ ،‬إذا كانت قد اشترطت في عقد الزواج شرطا ً‬
‫صحيحا ً ‪ ،‬ولم يف الزوج به ‪ ،‬وأباحت لها الشريعة الطلق بالتفاق‬
‫بينها وبين زوجها ‪ ،‬ويتم ذلك في الغالب بأن تتنازل للزوج أو‬
‫تعطيه شيئا ً من المال ‪ ،‬يتراضيان عليه ‪ ،‬ويسمى هذا بالخلع أو‬
‫الطلق على مال ‪ ،‬ويحدث هذا عندما ترى الزوجة تعذر الحياة‬
‫معه ‪ ،‬وتخشى إن بقيت معه أن تخل في حقوقه ‪ ،‬وهذا ما بينه‬
‫الله تعالى في قوله‪) :‬ول يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ً‬
‫إل أن يخافا أل يقيما حدود الله ‪ ،‬فإن خفتم أل يقيما حدود الله‬
‫فل جناح عليهما فيما افتدت به(‪.‬‬
‫ُ‬
‫ولها طلب التفريق بينها وبينه ‪ ،‬إذا أعسر ولم يقدر على النفاق‬
‫عليها ‪ ،‬وكذا لو وجدت بالزوج عيبا ً ‪ ،‬يفوت معه أغراض الزوجية ‪،‬‬
‫ول يمكن المقام معه مع وجوده ‪ ،‬إل بضرر يلحق الزوجة ‪ ،‬ول‬
‫يمكن البرء منه ‪ ،‬أو يمكن بعد زمن طويل ‪ ،‬وكذلك إذا أساء‬
‫الزوج عشرتها ‪ ،‬وآذاها بما ل يليق بأمثالها ‪ ،‬أو إذا غاب عنها غيبة‬
‫طويلة‪.‬‬
‫كل تلك المور وغيرها ‪ ،‬تعطي الزوجة الحق في أن تطلب‬
‫التفريق بينها وبين زوجها ‪ ،‬صيانة لها أن تقع في المحظور ‪ ،‬وضنا ً‬
‫بالحياة الزوجية من أن تتعطل مقاصدها ‪ ،‬وحماية للمرأة من أن‬
‫تكون عرضة للضيم والتعسف‪.‬‬
‫منقول من موقع ‪islamunveiled‬‬
‫====================‬
‫تعدد الزوجات قبل السلم‬
‫تعدد الزوجات من النظم التي تعرضت لهجمات المستشرقين‬
‫الشرسة في إطار حملت مسعورة لم تتوقف أبدا للطعن في‬
‫السلم العظيم و رسوله المين )صلى الله عليه وسلم( ‪.‬‬
‫والحملة على التعدد بدأها اليهود مبكرا في عهد الرسول عليه‬
‫الصلة و السلم ‪.‬‬
‫عن عمر مولى غفرة ‪ )) :‬قالت اليهود لما رأت الرسول )صلى‬
‫الله عليه وسلم( يتزوج النساء ‪ :‬انظروا إلى هذا الذي ل يشبع‬
‫من الطعام ‪ ،‬ول والله ماله همة إل النساء (( ‪ ،‬وحسدوه لكثرة‬
‫نسائه وعابوه بذلك ‪ ..‬وقالوا – لعنهم الله – )) لو كان نبيا ما‬
‫رغب في النساء ‪ ..‬وكان أشدهم في ذلك حيى بن أخطب ‪،‬‬
‫فكذبهم الله تعالى وأخبرهم بفضله وسعته على نبيه ‪ ،‬ونزل قوله‬
‫سبحانه ‪} :‬أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله { –‬

‫‪429‬‬
‫يعنى رسول الله )صلى الله عليه وسلم( – } فقد آتينا آل‬
‫إبراهيم الكتاب و الحكمة وآتيناهم ملكا عظيما { )‪ (1‬يعني‬
‫سبحانه ما آتى داود وسليمان عليهما السلم ‪ ،‬فقد تزوج كلهما‬
‫أكثر مما تزوج نبينا محمد )صلى الله عليه وسلم( ‪ ،‬وكان لكل‬
‫منهما من الجواري ما لم يمتلك مثله رسولنا عليه السلم ‪.‬‬
‫وعلى مر العصور ظل أعداء هذا الدين في الداخل و الخارج‬
‫يحاولون النتقاص من مبدأ التعدد ‪ ،‬واتخاذه ذريعة للتشكيك في‬
‫القرآن الكريم والرسول العظيم والشريعة الغراء ‪.‬‬
‫ووصل المر بإحدى الدول السلمية إلى حظر تعدد الزوجات‬
‫واعتباره جريمة يعاقب عليها ‪ ،‬على غرار الدول الغربية !! وفي‬
‫مصر‪ ..‬حاولت جيهان زوج الرئيس الراحل أنور السادات‬
‫استصدار قانون مشابه يمنع التعدد ‪ ،‬لكن رجال الزهر الشريف‬
‫والتيار السلمي الجارف نجحوا في إحباط المحاولة ‪ ،‬وإن كانت‬
‫جيهان قد نجحت في تمرير قانون يجعل اقتران الرجل بأخرى‬
‫إضرارا بالزوجة الولى يعطيها الحق في طلب الطلق !! وبعد‬
‫مقتل السادات وانهيار سطوة جيهان تم إلغاء هذه المادة‬
‫المخالفة للشريعة الغراء ‪.‬‬
‫ولكن وسائل العلم المختلفة لم تتوقف عن مهاجمة التعدد‬
‫الشرعي والسخرية منه ‪ ،‬والتندر على معددي الزوجات في‬
‫الفلم والمسلسلت الساقطة التي تقوم في ذات الوقت بتزيين‬
‫الفواحش ‪ ،‬وتعرض اتخاذ العشيقات على أنه أمر كوميدي‬
‫للتسلية والفكاهة والتبسيط !!! وخرجت امرأة علمانية على‬
‫شاشة محطة دولية تهاجم التعدد في السلم ‪!!..‬‬
‫ووصل البعض إلى غاية السفه والضلل عندما نشر في صحيفة‬
‫أسبوعية قاهرية سلسلة مقالت عنوانها )) تعدد الزوجات‬
‫حرام (( !! هكذا بكل بساطة يحاول جاهل مغمور إلغاء نصوص‬
‫القرآن والسنة بجرة قلم أحمق مخبول !!!‬
‫ووصل تضليل الرأي العام في البلد السلمية حدا جعل النساء‬
‫في ريف مصر يتداولون قول شائعا عن الرجل ‪ )) :‬جنازته ول‬
‫جوازته (( ‪ ،‬أي موته أفضل من زواجه بأخرى !!‬
‫لكل هذه السباب وغيرها جاء هذا )الكتاب( ‪ ..‬وهو محاولة‬
‫متواضعة لتصحيح المفاهيم ورد المور إلى نصابها ‪ ،‬والله‬
‫المستعان على ما يصفون ‪..‬‬
‫تعدد الزوجات قبل السلم‬
‫لم يبتكر السلم نظام التعدد ‪ ..‬فالثابت تاريخيا أن تعدد الزوجات‬
‫ظاهرة عرفتها البشرية منذ أقدم العصور ‪ ..‬كانت الظاهرة‬
‫منتشرة بين الفراعنة ‪ ..‬وأشهر الفراعنة على الطلق وهو‬

‫‪430‬‬
‫رمسيس الثاني ‪ ،‬كان له ثماني زوجات وعشرات المحظيات و‬
‫الجواري ‪ ،‬وأنجب أكثر من مائة وخمسين ولدا وبنتا ‪ ..‬وأسماء‬
‫زوجاته ومحظياته وأولده منقوش على جدران المعابد حتى اليوم‬
‫‪..‬‬
‫وأشهر زوجات رمسيس الثاني هي الملكة الجميلة نفرتارى ‪..‬‬
‫وتليها في المكانة و الترتيب الملكة )) أيسه نفر (( أو )) إيزيس‬
‫نفر (( وهى والدة ابنه الملك )) مرنبتاح (( الذي تولى الحكم بعد‬
‫وفاة أبيه وإخوته الكبر سنا ‪.‬‬
‫ويروى أن فرعون موسى كانت له عدة زوجات منهن السيدة‬
‫)) آسيا (( عليها السلم ‪ ،‬وكانت ابنة عمه ‪ ،‬ولم تنجب أولدا‬
‫منه ‪ ،‬ولهذا احتضنت سيدنا موسى – على نبينا وعليه الصلة‬
‫والسلم – وقالت لفرعون عن الرضيع موسى الذي التقطته‬
‫الخادمات من صندوق عائم في مياه نهر النيل ‪ } :‬قرة عين لي‬
‫ولك ل تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا { ‪(2).‬‬
‫وكان تعدد الزوجات معروفا في عهد أبى النبياء خليل الرحمن‬
‫إبراهيم – صلى الله على نبينا وعليه وسلم – وأنجبت له السيدة‬
‫هاجر الذبيح )) إسماعيل (( جد العرب عليه السلم ‪ ،‬بينما رزقه‬
‫الله من )) سارة (( بسيدنا )) إسحاق (( عليه السلم ‪.‬‬
‫وجمع نبي الله يعقوب بين أختين – ابنتي خاله لبان – هما‬
‫)) ليا (( و )) راحيل (( )‪ (3‬وجاريتين لهما ‪ ،‬فكانت له أربع حلئل‬
‫في وقت واحد ‪..‬‬
‫وأنجب عليه السلم منهما السباط ) أحد عشر ولدا ( بالضافة‬
‫إلى سيدنا يوسف – عليه السلم ‪ ..‬وأمه هي )) راحيل (( التي‬
‫كانت أحب حليلت النبي يعقوب إلى قلبه ‪ ،‬وأنجبت له )) بنيامين‬
‫(( بعد يوسف – عليه السلم ‪.‬‬
‫***‬
‫وكانت لسيدنا داود – عليه السلم – عدة زوجات والعديد من‬
‫الجواري ‪ ..‬وكذلك كانت لبنه سليمان زوجات وجواري عديدات ‪.‬‬
‫ومن الضروري أن ننتبه هنا إلى ما بثه اليهود – قاتلهم الله – من‬
‫شائعات قبيحة ‪ ،‬وأكاذيب مفضوحة عن النبي الكريم داود – عليه‬
‫السلم – فقد زعم أعداء الله أن داود – عليه السلم – افتتن‬
‫بزوجة أحد قواده فأرسله إلى جبهة القتال ليموت هناك فيتزوج‬
‫داود من أرملته التي يريدها !! وهى فرية دنيئة أكد المفسرون‬
‫الكبار – ومنهم المام ابن كثير رضي الله عنه – أنها مكذوبة ‪،‬‬
‫ومن السرائيليات التي يجب طرحها وعدم اللتفاف إليها ‪(4) .‬‬

‫‪431‬‬
‫واليماء بعصمة النبياء عليهم السلم من ثوابت العقيدة ‪،‬‬
‫والطعن عمدا في طهارة المرسلين ونبل أخلقهم هو كفر صريح‬
‫يخرج من الملة – والعياذ بالله ‪..‬‬
‫لقد كان لداود وسليمان زوجات كثيرات وعشرات من الجواري )‬
‫ملك اليمين ( ‪ ،‬ومن ثم ل يتصور أن تبقى لي منهما حاجة إلى‬
‫غيرهن ‪ ..‬وليس نبي الله داود الذي كان يصوم يوما ويفطر يوما‬
‫هو الذي يتحايل ليتخلص من قائده حتى يتزوج بعد ذلك من‬
‫أرملته !!‪..‬‬
‫***‬
‫وكان تعدد الزوجات منتشرا في جزيرة العرب قبل السلم‬
‫أيضا ‪..‬‬
‫روى المام البخاري – رضي الله عنه – بإسناده أن غيلن الثقفي‬
‫أسلم وتحته عشر نسوة ‪ ،‬فقال له النبي )صلى الله عليه‬
‫وسلم( ‪ ) :‬اختر منهن أربعا ( ‪.‬‬
‫وروى أبو داود – رضي الله عنه – بإسناده أن عميرة السدى قال‬
‫‪ :‬أسلمت وعندي ثماني نسوة ‪ ،‬فذكرت ذلك للنبي )صلى الله‬
‫عليه وسلم( فقال ‪ ) :‬اختر منهن أربعا ( ‪.‬‬
‫وقال المام الشافعي – رضي الله عنه – في مسنده ‪ :‬أخبرني‬
‫من سمع ابن أبى الزياد يقول أخبرني عبد المجيد عن ابن سهل‬
‫عن عبد الرحمن عن عوف بن الحارث عن نوفل ابن معاوية‬
‫الديلمى قال ‪ :‬أسلمت وعندي خمس نسوة ‪ ،‬فقال لي رسول‬
‫الله )صلى الله عليه وسلم( ‪ ) :‬اختر أربعا أيتهن شئت ‪ ،‬وفارق‬
‫الخرى ( ‪.‬‬
‫وروى البخاري في كتاب النكاح أن النبي )صلى الله عليه وسلم(‬
‫آخى بين عبد الرحمن بن عوف وبين سعد بن عوف النصاري ‪،‬‬
‫وعند النصاري امرأتان ‪ ،‬فعرض عليه أن يناصفه زوجتيه وماله ‪،‬‬
‫فقال له عبد الرحمن بن عوف ‪ )) :‬بارك الله لك في أهلك‬
‫ومالك ‪ ..‬دلني على السوق ‪. (( ..‬‬
‫***‬
‫وكان تعدد الزوجات شائعا في الشعوب ذات الصل‬
‫)) السلفى (( ‪..‬‬
‫وهى التي تسمى الن بالروس والصرب والتشيك والسلوفاك ‪..‬‬
‫وتضم أيضا معظم سكان ليتوانيا وأستونيا ومقدونيا ورومانيا‬
‫وبلغاريا ‪..‬‬
‫وكان شائعا أيضا بين الشعوب الجرمانية والسكسونية التي‬
‫ينتمي إليها معظم سكان ألمانيا والنمسا وسويسرا وبلجيكا‬
‫وهولندا والدانمارك والسويد والنرويج وانجلترا ‪..‬‬

‫‪432‬‬
‫ويلحظ أن التعدد كان ومازال منتشرا بين شعوب وقبائل أخرى‬
‫ل تدين بالسلم ‪ ..‬ومنها الشعوب الوثنية في أفريقيا والهند‬
‫والصين واليابان‬
‫ومناطق أخرى في جنوب شرق آسيا ‪.‬‬
‫***‬
‫ويقول الدكتور محمد فؤاد الهاشمي ‪ )) :‬إن الكنيسة ظلت حتى‬
‫القرن السابع عشر تعترف بتعدد الزوجات ((‪(5).‬‬
‫ول يوجد نص صريح في أي من الناجيل الربعة يحظر تعدد‬
‫الزوجات ‪ ،‬وكل ما حدث هو أن تقاليد بعض الشعوب الوروبية‬
‫الوثنية كانت تمنع تعدد الزوجات ) ونقول بعض الشعوب ‪ ،‬لن‬
‫أغلبها‪ -‬كما ذكرنا – كان يعرف تعدد الزوجات على أوسع‬
‫نطاق ( ‪ ،‬فلما اعتنقت هذه القلية التي تمنع التعدد النصرانية‬
‫فرضت تقاليدها السابقة على النصرانيين ‪ ،‬وبمرور الزمن ظن‬
‫الناس أن تحريم التعدد هو من صلب النصرانية ‪ ،‬بينما هو تقليد‬
‫قديم فرضه البعض على الخرين على مر السنين ‪..‬‬
‫ونحن نتحدى معارضي التعدد أن يأتونا بنص على تحريم التعدد‬
‫في أي إنجيل من الربعة التي تمثل العهد الجديد ‪..‬‬
‫أما العهد القديم أو التوراة ففيها نصوص صريحة على إباحة‬
‫التعدد في دين الخليل إبراهيم وإسحاق ويعقوب ‪ ،‬وشريعة داود‬
‫وسليمان ‪ ،‬وغيرهم من أنبياء بنى إسرائيل – على نبينا وعليهم‬
‫الصلة والسلم ‪..‬‬
‫بل إن علماء الجتماع والمؤرخين ‪ ،‬ومنهم وستر مارك و‬
‫هوبهوس و هيلير و جنربرج وغيرهم ‪ ،‬يلحظون أن التعدد لم‬
‫ينتشر إل بين الشعوب التي بلغت قدرا معينا من الحضارة ‪..‬‬
‫وهى الشعوب التي استقرت في وديان النهار ومناطق المطار‬
‫الغزيرة ‪ ،‬وتحولت إلى الزراعة المنظمة والرعي بدل من الصيد‬
‫وجمع ثمار الغابات و الزراعة البدائية ‪ ..‬ففي المرحلة البدائية‬
‫من عمر المجتمعات كان السائد هو نظام وحدة السرة ‪ ،‬ووحدة‬
‫الزوجة ‪..‬‬
‫ويرى هؤلء المؤرخون وعلماء الجتماع أن نظام التعدد سوف‬
‫يتسع نطاقه كلما تقدمت المدنية ‪ ،‬واتسع نطاق الحضارة في‬
‫العالم ‪.‬‬
‫وشهادة هؤلء العلماء – وهم جميعا من غير المسلمين – هي‬
‫أقوى رد على المغالطين من معارضي التعدد الذين يزعمون أنه‬
‫قد انقضى زمانه وانتهى عصره !!‬
‫***‬

‫‪433‬‬
‫لقد كان تعدد الزوجات – إذن – معروفا ومنتشرا في سائر أنحاء‬
‫العالم قبل أن يبعث النبي محمد )صلى الله عليه وسلم( رحمة‬
‫للعالمين ‪..‬‬
‫وكان التعدد مطلقا بل أية حدود أو ضوابط أو قيود ‪ ..‬لم يكن‬
‫هناك كما يتضح من المثلة السابقة حد أقصى لعدد الزوجات أو‬
‫المحظيات ‪..‬‬
‫ولم يكن هناك اشتراط على الزوج أن يعدل بين زوجاته ‪ ،‬أو‬
‫يقسم بينهن بالسوية – كما أمر بذلك السلم ‪..‬‬
‫أفإذا أمر السلم العظيم بالرحمة والعدل والمساواة بين‬
‫الزوجات ‪ ،‬وتحديد الحد القصى بأربع زوجات ‪ ،‬وحظر التعدد إذا‬
‫خشي الزوج أل يعدل – يأتي نفر من الجهلة والمتنطعين‬
‫ليعترضوا ؟! هل من المعقول أن تأتينا الرحمة من السماء‬
‫فنردها على الرحمن الرحيم ؟!‬
‫لقد كانت المجتمعات الجاهلية – قبل السلم – تموج بألوان‬
‫شتى من الظلم والجرائم والفواحش ما ظهر منها وما بطن ‪..‬‬
‫وكانت المرأة بالذات هي الضحية والمجني عليها على الدوام ‪،‬‬
‫وفى كل المجتمعات كان الزوج يقضى معظم أوقاته في أحضان‬
‫صاحبات الرايات الحمراء ‪ ،‬ول يعود إلى بيته إل مكدودا منهك‬
‫القوى خالي الوفاض من المال والعافية !!‬
‫وما كانت المرأة تجرؤ على النكار أو العتراض عليه !! وكان‬
‫آخر يمضى الشهر تلو الشهر عند الزوجة الجميلة ‪ ،‬ويؤثر أولده‬
‫منها بالهدايا والموال الطائلة ‪ ،‬ول تجرؤ الخرى أو الخريات ول‬
‫أولدهن على النطق بكلمة واحدة إزاء هذا الظلم الفادح ‪..‬‬
‫فهل إذا جاء السلم واشترط تحقيق العدالة والرحمة و البر‬
‫والكرام لكل الزوجات والولد على قدم المساواة ‪ ..‬هل إذا‬
‫جاءت مثل هذه الضوابط نرفضها ‪ ،‬ونتطاول على التشريع اللهي‬
‫وعلى النبي وعلى الدين كله ؟!‬
‫إنها حقا ل تعمى البصار ‪ ..‬ولكن تعمى القلوب التي في الصدور‬
‫السوداء !!‬
‫‪------------------‬‬
‫)‪ (1‬سورة النساء الية ‪.54‬‬
‫)‪ (2‬سورة القصص الية ‪9‬‬
‫)‪ (3‬كان الجمع بين الختين جائزا حتى ذلك الوقت ثم منعه‬
‫القرآن بعد ذلك بنص صريح ‪.‬‬
‫)‪ (4‬ابن كثير – تفسير القرآن العظيم – تفسير سورة ص اليات‬
‫‪.25 – 21‬‬

‫‪434‬‬
‫)‪ ) (5‬كان نصرانيا وأسلم ( كتاب الديان في كفة الميزان ص‬
‫‪109‬‬
‫=================‪.‬‬
‫أسباب تعدد الزوجات قبل السلم‬
‫حديث الرقام‬
‫يأبى الله جل وعل إل أن يظهر آيات قدرته ودلئل رحمته حينا بعد‬
‫حين ‪..‬‬
‫وإذا كان على المؤمن أن يخضع لحكم ربه ولو لم يدرك علة‬
‫الحكم ‪ ،‬فإن غير المؤمنين يكتشفون في كل حين من أسرار‬
‫التشريع اللهي وحكمته ‪ ،‬ما يجعل المنصفين منهم ينحنون إجلل‬
‫للرب العظيم ‪..‬‬
‫والمثال الواضح هنا إباحة تعدد الزوجات ‪..‬‬
‫ففي آخر الحصاءات الرسمية لتعداد السكان بالوليات المتحدة‬
‫المريكية تبين أن عدد الناث يزيد على عدد الرجال بأكثر من‬
‫ثمانية مليين امرأة ‪ ..‬وفى بريطانيا تبلغ الزيادة خمسة مليين‬
‫امرأة ‪ ،‬وفى ألمانيا نسبة النساء إلى الرجال هي ‪ .. 1 : 3‬وفى‬
‫إحصائية نشرتها مؤخرا جريدة )) الميدان (( السبوعية )‪ (1‬أكدت‬
‫الرقام أنه من بين كل عشر فتيات مصريات في سن الزواج‬
‫) الذي تأخر من ‪ 22‬إلى ‪ 32‬سنة ( تتزوج واحدة فقط !! والزوج‬
‫دائما يكون قد تخطى سن الخامسة والثلثين وأشرف على‬
‫الربعين ‪ ،‬حيث ينتظر الخريج ما بين ‪ 10‬إلى ‪ 12‬سنة ليحصل‬
‫على وظيفة ثم يدخر المهر ثم يبحث عن نصفه الخر !!‬
‫وقالت الصحيفة ‪ :‬إن العلقات المحرمة تزيد ‪ ،‬وكذلك ظاهرة‬
‫الزواج العرفي في ظل وجود مليين من النساء بل زواج ‪..‬‬
‫وأكدت الباحثتان غادة محمد إبراهيم و داليا كمال عزام في‬
‫دراستهما )‪ (2‬تراجع حالت الزواج بين الشباب بنسبة ‪% 90‬‬
‫بسبب الغلء والبطالة وأزمة المساكن ‪.‬‬
‫***‬
‫وتقول إحصائية رسمية أمريكية ‪ :‬إنه يولد سنويا في مدينة‬
‫نيويورك طفل غير شرعي من كل ستة أطفال يولدون هناك‬
‫] صحيفة الخبار المصرية عدد ‪ ، [ 1968 / 7 /2‬ول شك أن‬
‫العدد على مستوى الوليات المتحدة يبلغ المليين من مواليد‬
‫السفاح سنويا ‪.‬‬
‫وفى كل من العراق وإيران اختل التوازن العددي بين الرجال‬
‫والنساء بصورة مفزعة بسبب الحرب الضارية التي استمرت بين‬
‫البلدين ثماني سنوات ‪ ..‬فالنسبة تتراوح بين ‪ 1‬إلى ‪ 5‬في بعض‬
‫المناطق ) رجل لكل خمسة نساء ( و ‪ 1‬إلى ‪ 7‬في مناطق أخرى‬

‫‪435‬‬
‫‪ ..‬والمر شديد الغرابة والخطورة في جمهورية البوسنة‬
‫والهرسك التي فرضت عليها حرب عنصرية قذرة طحنت البلد‬
‫أربع سنوات كاملة ) من عام ‪ 1992‬حتى عام ‪.. ( 1996‬‬
‫فالنسبة في معظم أنحاء البوسنة والهرسك هي رجل لكل ‪27‬‬
‫امرأة !! نعم ‪ 1‬إلى ‪ !!! 27‬ولنا أن نتخيل حجم المأساة‬
‫الجتماعية التي يعيشها حاليا هذا البلد المسلم الذي فرضت عليه‬
‫الشيوعية عشرات السنين ‪ ،‬ثم تحرر من الشيوعية المجرمة‬
‫ليقع بين أنياب صليبية أشد فتكا وإجراما ‪ ..‬فماذا تفعل الفتيات‬
‫المسلمات اللئي ل يجدن أزواجا من المسلمين ؟ وهل نتركهن‬
‫ليتزوجن من شباب الصرب الرثوذكس أو الكروات الكاثوليك ‪،‬‬
‫لن بعض المتنطعين و المتنطعات يأبون تعدد الزوجات ؟!! أو أن‬
‫هؤلء يفضلون ويفضلن أن تتخذ الفتيات المسلمات عشاقا ) زناة‬
‫من خلف الستار ( على النمط الغربي المنحل ؟!!‬
‫***‬
‫وفى تحقيق ساخن عن )) انفجار العوانس (( تذكر السيدة تهاني‬
‫البرتقالي مراسلة الهرام في الكويت ما حدث منذ سنوات‬
‫عندما انتشرت ظاهرة إرسال مئات الخطابات من فتيات إلى‬
‫زوجات كويتيات تطالب كل فتاة في رسالتها المرأة المتزوجة‬
‫بقبول مشاركة امرأة أخرى لها في زوجها لحل مشكلة العنوسة‬
‫في المجتمع الكويتي والخليجي بصفة عامة ‪ ..‬ويقول التحقيق‬
‫الذي نشرته مجلة الهرام العربي في عددها الول ‪ :‬إن عدد‬
‫عوانس الكويت حوالي ‪ 40‬ألف فتاة ‪.‬‬
‫وهو عدد ليس بالقليل بالمقارنة بتعداد الشعب الكويتي ككل ‪،‬‬
‫وهو نصف مليون نسمة ) أي أن نسبة العوانس في الكويت تبلغ‬
‫‪ % 16‬من عدد النساء في الكويت ‪ ،‬الذي يزيد على الربع مليون‬
‫نسمة ( ‪.‬‬
‫***‬
‫حرمان المرأة من العواطف أشد خطورة من حرمانها الجنسي ‪..‬‬
‫فمتعة الشباع الجنسي بدون عواطف ليس لها أي تأثير لدى‬
‫المرأة ‪ ..‬بينما الكلمة الرقيقة واللمسة الحانية تأثيرها أكثر‬
‫بكثير ‪ ،‬وتجعلها تنعم بالشباع الجنسي ‪ ..‬هذا ما يؤكده الدكتور‬
‫سعيد عبد العظيم – أستاذ المراض النفسية و العصبية بطب‬
‫القاهرة – ويضيف أن الحرمان العاطفي عند المرأة هو الطريق‬
‫السريع إلى النحراف أو البرود الجنسي ‪ ،‬بالضافة إلى العديد‬
‫من المراض الجسدية والنفسية وغيرها ‪(3) ..‬‬
‫‪ $‬يقول الدكتور محمد هلل الرفاعى أخصائي أمراض النساء‬
‫والتوليد ‪:‬‬

‫‪436‬‬
‫عدم الزواج أو تأخيره يعرض المرأة لمراض الثدي أكثر من‬
‫المتزوجة ‪ ،‬وكذلك سرطان الرحم والورام الليفية ‪ ..‬وقد سألت‬
‫كثيرا من المترددات على العيادة ‪ :‬هل تفضلين عدم الزواج أم‬
‫الشتراك مع أخرى في زوج واحد ؟‬
‫كانت إجابة الغلبية الساحقة هي تفضيل الزواج من رجل متزوج‬
‫بأخرى على العنوسة الكئيبة ‪ ،‬بل إن بعضهن فضلت أن تكون‬
‫حتى زوجة ثالثة أو رابعة على البقاء في أسر العنوسة ‪.‬‬
‫وإذا كان هذا هو رأى العلم ‪ ،‬فإن المرأة الطبيبة تكون أقدر على‬
‫وصف الحال بأصدق مقال ‪ ..‬تقول طبيبة في رسالة بعثت بها‬
‫إلى الكاتب الكبير أحمد بهجت )) إنها قرأت إحصائية تقول ‪ :‬إن‬
‫هناك ما يقرب من عشرة مليين سيدة وآنسة بمصر يعشن‬
‫بمفردهن ‪ ..‬وهن إما مطلقات أو أرامل لم ينجبن أو أنجبن ‪ ،‬ثم‬
‫كبر البناء وتزوجوا أو هاجروا ‪ ،‬أو فتيات لم يتزوجن مطلقا ‪..‬‬
‫وتقول الطبيبة ‪ :‬هل يستطيع أحد أن يتخيل حجم المأساة التي‬
‫يواجهها عالم )النساء الوحيدات( ؟ إن نساء هذا العالم ل‬
‫يستطعن إقامة علقات متوازنة مع الخرين ‪ ،‬بل يعشن في حالة‬
‫من التوتر والقلق والرغبة في النزواء بعيدا عن مصادر العيون و‬
‫اللسنة والتهامات المسبقة بمحاولت خطف الزواج من‬
‫الصديقات أو القريبات أو الجارات ‪ ..‬وهذا كله يقود إلى مرض‬
‫الكتئاب ‪ ،‬ورفض الحياة ‪ ،‬وعدم القدرة على التكيف مع نسيج‬
‫المجتمع ‪.‬‬
‫وتدق الطبيبة ناقوس الخطر محذرة مما يواجه هؤلء النسوة من‬
‫أمراض نفسية وعضوية مثل الصداع النصفي و ارتفاع ضغط‬
‫الدم والتهابات المفاصل وقرحة المعدة والثنى عشر والقولون‬
‫العصبي واضطرابات الدورة الشهرية وسقوط الشعر والنحراف‬
‫الخلقي ‪ ..‬ويضطر الكثير منهن للرتباط برجل متزوج ‪(4).‬‬
‫و الطريف أن بعض الدول الغربية التي تعانى من المشكلة‬
‫المزعجة ‪ ،‬وهى زيادة عدد النساء فيها على عدد الرجال ‪،‬‬
‫اضطرت إلى القرار بمبدأ تعدد الزوجات ‪ ،‬لنه الحل الوحيد‬
‫أمامها لتفادى وقوع انفجار اجتماعي ل قبل لها بمواجهته ‪ ،‬أو‬
‫علج آثاره المدمرة ‪ ..‬حدث هذا في ذات الوقت الذي يرفع فيه‬
‫بعض المسلمين – اسما فقط – راية الحرب على تعدد الزوجات‬
‫وشرعيته !!‬
‫يحكى الدكتور محمد يوسف موسى ما حدث في مؤتمر الشباب‬
‫العالمي الذي عقد عام ‪ ، 1948‬بمدينة ميونخ اللمانية ‪ ..‬فقد‬
‫وجهت الدعوة إلى الدكتور محمد يوسف وزميل مصري له‬
‫للمشاركة في حلقة نقاشية داخل المؤتمر كانت مخصصة لبحث‬

‫‪437‬‬
‫مشكلة زيادة عدد النساء أضعافا مضاعفة عن عدد الرجال بعد‬
‫الحرب العالمية الثانية ‪ ..‬وناقشت الحلقة كل الحلول المطروحة‬
‫من المشاركين الغربيين ‪ ،‬وانتهت إلى رفضها جميعا ‪ ،‬لنها‬
‫قاصرة عن معالجة واحتواء المشكلة العويصة ‪ .‬وهنا تقدم‬
‫الدكتور محمد موسى وزميله الخر بالحل الطبيعي الوحيد ‪ ،‬وهو‬
‫ضرورة إباحة تعدد الزوجات ‪..‬‬
‫في البداية قوبل الرأي السلمي بالدهشة و النفور ‪ ..‬ولكن‬
‫الدراسة المتأنية المنصفة العاقلة انتهت بالباحثين في المؤتمر‬
‫إلى إقرار الحل السلمي للمشكلة ‪ ،‬لنه ل حل آخر سواه ‪..‬‬
‫وكانت النتيجة اعتباره توصية من توصيات المؤتمر الدولي ‪..‬‬
‫وبعد ذلك بعام واحد تناقلت الصحف ووكالت النباء مطالبة‬
‫سكان مدينة )) بون (( العاصمة اللمانية الغربية بإدراج نص في‬
‫الدستور اللماني يسمح بتعدد الزوجات )‪ (5‬وهكذا يتبين الحق‬
‫ولو كره العلمانيون !!‬
‫***‬
‫والخذ بنظام تعدد الزوجات جّنب المجتمعات السلمي شرورا‬
‫ومصائب ل حصر لها ‪ ..‬وتكفى مقارنة بسيطة بين المجتمع‬
‫السعودي مثل – الذي تندر فيه الجرائم الخلقية مثل الغتصاب‬
‫والدعارة – وبين المجتمع المريكي الذي تكاد نسبة العشيقات‬
‫فيه تزيد على نسبة الزوجات ‪ ..‬كما تبلغ نسبة الطفال غير‬
‫الشرعيين فيه أكثر من ‪ % 45‬من نسبة المواليد سنويا !! وتقول‬
‫الحصاءات الرسمية المريكية إن عدد الطفال غير الشرعيين‬
‫كان ‪ 88‬ألف مولود سنة ‪ ، 1938‬ثم ارتفع إلى ‪ 202‬ألف عام‬
‫‪ ، 1957‬ووصل إلى ربع مليون مولود من الزنا عام ‪ .. 1958‬ثم‬
‫قفز الرقم إلى المليين من ثمرات الزنا في التسعينيات !!‬
‫والرقام الحقيقية تكون عادة أضعاف الرقام الرسمية التي‬
‫تذكرها الحكومات ‪ ..‬وما خفي كان أعظم !!‬
‫ولكل هذا تساءل الكاتب الشهير الفرنسي أتيين دينيه ‪ )) :‬هل‬
‫حظر تعدد الزوجات له فائدة أخلقية ؟! ويجيب بنفسه ‪ :‬إن هذا‬
‫المر مشكوك فيه ‪ ..‬لن الدعارة النادرة في أكثر القطار‬
‫السلمية سوف تتفشى بآثارها المخربة ‪ ،‬وكذلك سوف تنتشر‬
‫عزوبة النساء بآثارها المفسدة ‪ ،‬على غرار البلد التي تحظر‬
‫التعدد ‪(6) .‬‬
‫ضوابط التعدد‬
‫قال الله تعالى ‪ } :‬وإن خفتم أل تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما‬
‫طاب لكم من النساء مثنى وثلث ورباع فإن خفتم أل تعدلوا‬
‫فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى أل تعولوا { ‪(7) .‬‬

‫‪438‬‬
‫قال ابن كثير في تفسير هذه الية التي نصت على إباحة تعدد‬
‫الزوجات‪ :‬أي أنه إذا كان تحت حجر أحدكم يتيمة وخاف أل‬
‫يعطيها مهر مثلها فليعدل إلى ما سواها من النساء فإنهن كثير‬
‫ولم يضيق الله عليه ‪(8) .‬‬
‫وروى البخاري – بإسناده – أن عروة بن الزبير سأل خالته‬
‫السيدة عائشة – رضي الله عنها – عن هذه الية فقالت ‪ ) :‬يا‬
‫ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في ماله‬
‫ويعجبه مالها وجمالها فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط‬
‫] يعدل [ في صداقها ] مهرها [ فيعطيها مثل ما يعطيها غيره ‪،‬‬
‫فنهى الولياء عن نكاح من عنده من اليتامى إل أن يقسطوا‬
‫إليهن ‪ ،‬ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق ] أي يعطوهن‬
‫أعلى مهر تحصل عليه نظائرهن [ ‪ ،‬وأمروا ] وفى حالة خشية‬
‫عدم العدل [ أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن ] من‬
‫غير اليتامى الموجودات في كفالة هؤلء [ (‪.‬‬
‫وروى أبو جعفر محمد بن جرير في تفسيره عن ربيعة في معنى‬
‫الية ‪ ،‬قال تعالى عن اليتامى ‪ :‬اتركوهن فقد أحللت لكم أربعا ‪..‬‬
‫وقال أبو جعفر أيضا نقل عن آخرين ‪ :‬انكحوا غيرهن من الغرائب‬
‫اللواتي أحلهن الله لكم وطيبهن من واحدة إلى أربع ‪ ،‬فإن خفتم‬
‫أن تظلموا إذا تزوجتم من الغرائب أكثر من واحدة ‪ ،‬فتزوجوا‬
‫منهن واحدة فقط ‪ ،‬أو ما ملكت أيمانكم ‪ ..‬وقال آخرون ‪ :‬بل‬
‫معنى ذلك النهي عن نكاح ما فوق الربع حرصا على أموال‬
‫اليتامى أن يتلفها الولياء ‪ ،‬وذلك أن قريشا – في الجاهلية – كان‬
‫الواحد منهم يتزوج العشرة من النساء أو أكثر أو أقل ‪ ،‬فإذا أنفق‬
‫ماله كله على زوجاته العشر و صار معدما تحول إلى مال‬
‫اليتامى فأنفقه على نسائه أو تزوج به أخريات فنهاهم الله تعالى‬
‫عن ذلك ‪(9) .‬‬
‫وقال المام النسفى في تفسيره ‪ )) :‬قيل ‪ :‬كانوا – في الجاهلية‬
‫– ل يتحرجون من الزنا ‪ ،‬ويتحرجون من ولية اليتامى ‪ ،‬فقيل لهم‬
‫إن خفتم ظلم اليتامى فخافوا كذلك من الزنا فتزوجوا ما حل‬
‫لكم من النساء ‪ ،‬ول تحوموا حول المحرمات ‪ ..‬أو أنهم كانوا‬
‫يتحرجون من الولية في أموال اليتامى ‪ ،‬ول يتحرجون من‬
‫الستكثار من النساء مع أن الظلم يقع بينهن إذا كثرن عن أربع ‪،‬‬
‫فكأنما يقال لهم ‪ :‬إذا تحرجتم من ظلم اليتامى فتحرجوا أيضا‬
‫من ظلم النساء الكثيرات ‪ ،‬فإن خفتم من عدم العدل بين‬
‫الزوجات فالزموا واحدة أو الماء ] الجواري [ بل حصر حتى ل‬
‫تظلموا أحدا ‪(10) ..‬‬

‫‪439‬‬
‫وأما معنى } خفتم { فهو ‪ :‬إذا غلب على الظن عدم القسط‬
‫] عدم العدل [ في اليتيمة فاعدلوا عنها ] اتركوها إلى غيرها [ ‪..‬‬
‫وليس القيد هنا لزما ‪ ،‬بمعنى أنه حتى في حالة من لم يخف‬
‫الظلم في اليتامى فله أن يتزوج أكثر من واحدة ] اثنتين أو ثلثا‬
‫أو أربعا [ مثل من يخاف الظلم تماما )‪ (11‬فإباحة التعدد حكم‬
‫عام لكل المسلمين بضوابطه ‪.‬‬
‫أما معنى قوله تعالى ‪ } :‬ذلك أدنى أل تعولوا { أي أقرب إلى أل‬
‫تظلموا ‪ ،‬وليس كما ذهب إليه البعض ‪) :‬أدنى أل تكثر عيالكم (‬
‫فقد نقل الطبري عن ابن عباس ومجاهد وابن عمير أن العول هو‬
‫الجور ] الظلم [ ‪ ،‬والميل كما أن المعنى ليس كما قال آخر ذلك‬
‫أدنى أل تفتقروا ‪ ،‬فالمعنى ل يستقيم بذلك ‪ ،‬وإنما الصحيح هو ما‬
‫ذهب إليه جمهور العلماء من أن الهدف هو أل تظلموا ول تميلوا‬
‫عن الحق ‪.‬‬
‫عدم الزيادة على أربع‬
‫يستفاد من نص الية الكريمة وأقوال المفسرين – رضي الله‬
‫عنهم – أن الله تعالى أحل للمسلم من زوجة إلى أربع ‪ ..‬فل‬
‫تجوز الزيادة على أربع في وقت واحد ‪ ،‬فإذا خاف الزوج أن‬
‫يظلم إذا تزوج أكثر من واحدة فإن عليه أن يكتفي بزوجة واحدة‬
‫فقط ‪.‬‬
‫وكذلك إذا خاف أل يعدل إن تزوج ثلثة فعليه الكتفاء باثنين ‪..‬‬
‫وإذا خاف زوج الثلث الظلم إن تزوج بالرابعة فعليه القتصار‬
‫على الثلث فقط ‪.‬‬
‫والشريعة الغراء تحظر حتى الزواج بواحدة فقط إذا خاف الزوج‬
‫أن يظلمها ‪ ..‬فالسلم العظيم حريص على العدل في كل‬
‫الظروف و الحوال ‪.‬‬
‫وهناك إجماع بين العلماء على عدم جواز الجمع بين أكثر من‬
‫أربع زوجات )‪ (12‬وإذا كان الرسول )صلى الله عليه وسلم( قد‬
‫جمع بين تسع زوجات ‪ ،‬فهذا حكم خاص به عليه السلم ‪ ،‬ول‬
‫يجوز القياس عليه أو تعميمه ‪.‬‬
‫وسوف نورد فيما بعد أسباب اقترانه عليه السلم بكل زوجة‬
‫وظروف كل زيجة ‪ ،‬لزالة اللبس وسوء الفهم والرد على أكاذيب‬
‫المستشرقين واليهود بهذا الصدد ‪..‬‬
‫قال المام الشافعي – رضي الله عنه – في مسنده ‪ )) :‬وقد‬
‫دلت سنة النبي )صلى الله عليه وسلم( المبينة عن الله تعالى أنه‬
‫ل يجوز لحد غير رسول الله )صلى الله عليه وسلم( أن يجمع‬
‫بين أكثر من أربع نسوة (( ‪ ..‬وذهب بعض الشيعة إلى جواز‬

‫‪440‬‬
‫الجمع بين تسع نسوة لكل مسلم ) مثنى ‪ +‬ثلث ‪ +‬رباع فيكون‬
‫المجموع تسعا ( !!‬
‫وفى رأى أخر شاذ ‪ ،‬بل يجوز الجمع بين ‪ 18‬زوجة ) على أساس‬
‫مثنى تفيد ‪ 2+2‬وثلث تفيد ‪ ، 3+3‬ورباع تفيد ‪ 4+4‬فيكون‬
‫المجموع ‪ 18‬زوجة ( !!!‬
‫ولكن نصوص السنة القاطعة وعمل الصحابة والتابعين ‪ ،‬تفيد‬
‫اقتصار المسلم على أربع فقط ‪ ،‬كما أجمع علماء أهل السنة من‬
‫السلف والخلف على أنه ل يجوز لغير النبي )صلى الله عليه‬
‫وسلم( الزيادة على أربع زوجات ‪ .‬ونشير هنا إلى الحاديث التي‬
‫سبق أن أوردناها في الفصل الول من هذا الكتاب ‪ ،‬ومنها حديث‬
‫المام البخاري – رضي الله عنه – ] كما رواه مالك والنسائي‬
‫والدارقطنى [ ‪ ،‬أن غيلن الثقفي قد أسلم وله عشر زوجات‬
‫فقال له النبي )صلى الله عليه وسلم( ‪ ) :‬اختر منهن أربعا وفارق‬
‫سائرهن ( ‪.‬‬
‫وكذلك حديث أبى داود أن حارث بن قيس السدى قال ‪ :‬أسلمت‬
‫وعندي ثمان نسوة ‪ ،‬فذكرت ذلك للنبي )صلى الله عليه وسلم(‬
‫فقال ‪ ) :‬اختر منهن أربعا( ‪(13).‬‬
‫وقال ابن كثير موضحا معنى } مثنى وثلث ورباع { ‪ :‬انكحوا من‬
‫شئتم من النساء إن شاء أحدكم اثنين وإن شاء ثلثا وإن شاء‬
‫أربعا ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ } :‬جاعل الملئكة رسل أولى أجنحة مثنى‬
‫وثلث ورباع { )‪ (14‬أي منهم من له جناحان ‪ ،‬ومنهم من له ثلثة‬
‫أجنحة ‪ ،‬ومنهم من له أربعة أجنحة ‪ ..‬والمقام هنا كما يقول ابن‬
‫عباس – رضي الله عنه – وجمهور العلماء وهو مقام امتنان‬
‫وإباحة ‪ ،‬فلو كان يجوز للرجال الجمع بين أكثر من أربع زوجات‬
‫لذكره تعالى ‪(15) .‬‬
‫ورد المام القرطبى على من زعم إباحة أكثر من أربع قائل ‪:‬‬
‫)) قال هذا من بعد فهمه للكتاب والسنة ‪ ،‬وأعرض عما كان عليه‬
‫سلف هذه المة ‪ ،‬وزعم أن )) الواو (( في الية جامعة ‪ ،‬والذي‬
‫صار إلى هذه الجهالة وقال هذه المقالة هم الرافضة وبعض أهل‬
‫الظاهر ‪ .‬وذهب البعض إلى أقبح منها فقالوا بإباحة الجمع بين‬
‫ثماني عشر زوجة ‪ ،‬وهذا كله جهل باللسان ] اللغة [ والسنة ‪،‬‬
‫ومخالفة لجماع المة ‪ ،‬إذ لم ُيسمع عن أحد من الصحابة أو‬
‫التابعين أنه جمع في عصمته أكثر من أربع (( ‪.‬‬
‫وبعد أن أورد الحاديث التي أمر الرسول )صلى الله عليه وسلم(‬
‫الصحابة المشار إليهم بإمساك أربع وتطليق ما زاد عليهن ‪ ،‬أكد‬
‫القرطبى )‪ (16‬أن ما أبيح للرسول )صلى الله عليه وسلم( من‬
‫الجمع بين تسع زوجات هو من خصوصياته )صلى الله عليه‬

‫‪441‬‬
‫وسلم( ثم قال القرطبى ‪ :‬الله تعالى خاطب العرب بأفصح‬
‫اللغات ‪ ،‬والعرب ل تدع أن تقول تسعة وتقول اثنين ثلثة أربعا ‪،‬‬
‫وكذلك تستقبح من يقول ‪ :‬أعط فلنا أربعة ستة ثمانية ول يقول‬
‫ثمانية عشر ‪ .‬وإنما الواو في الية الكريمة } مثنى وثلث‬
‫ورباع { ‪ ،‬هي بدل انحكوا ثلثا بدل من مثنى ‪ ،‬ورباعا بدل من‬
‫ثلث (( ‪ ..‬فإذا تزوج بخامسة يبطل العقد ‪ ،‬ويقام عليه الحد على‬
‫اختلف بين العلماء في ذلك ‪ ..‬وقيل ولماذا لم يستخدم الله‬
‫تعالى لفظ ) أو ( في الية ؟ ورد عليه القرطبى بأن ) أو ( لو‬
‫استخدمت لجاز أن يمنع زوج الثنين من اتخاذ ثالثة وزوج الثلث‬
‫من اتخاذ رابعة ‪ ،‬بينما هذا مباح له ‪.‬‬
‫القدرة على التعديد‬
‫أشرنا من قبل إلى أن القدرة شرط لستخدام رخصة تعدد‬
‫الزوجات ‪ ..‬وذلك لن زواج الثانية أو الثالثة أو الرابعة هو مثل‬
‫زواج الولى ‪ ،‬فيشترط فيه الستطاعة المالية والصحية والنفسية‬
‫‪ ..‬فإذا انتفى شرط القدرة أو الستطاعة فل يجوز التعدد ‪.‬‬
‫وذلك بديهي ‪ ،‬لن من ل يستطيع النفاق على بيتين يجب عليه‬
‫القتصار على واحدة ‪ .‬وزوج الثنين عليه الكتفاء بهما إذا لم يكن‬
‫في استطاعته أن يعول زوجة ثالثة أو رابعة وهكذا ‪..‬‬
‫والنفاق الذي نقصده إنما يمتد أيضا إلى أولده من الزوجة أو‬
‫الزوجات والستطاعة الصحية – في رأينا – هي القدرة على‬
‫ممارسة الجماع مع الزوجات ‪ ،‬لن واجب الزوج أن يلبى الرغبات‬
‫الطبيعية للزوجة أو الزوجات حتى يساعدهن على التزام العفة‬
‫والطهارة ‪ ..‬فإذا كان الزوج عاجزا جنسيا مثل فإنه ل يتصور‬
‫السماح له بإمساك حتى ولو زوجة واحدة ‪ ،‬لن في ذلك ظلما‬
‫فادحا لها ‪..‬‬
‫ونرى كذلك أن الرجل الذي تؤهله قدرته الجنسية للزواج بواحدة‬
‫فقط يحظر عليه القتران بغيرها حتى ل يظلمها ‪ ،‬ويفوت‬
‫مصلحتها من الزواج ‪ ،‬والمر في ذلك يتوقف على ظروف كل‬
‫حالة على حدة ‪ ،‬ويعتمد أول على ضمير الزوج وصدقه مع النفس‬
‫‪ ،‬وورعه في دينه سوف يمنعه من ظلم زوجته أو زوجاته ‪.‬‬
‫فإذا أصر الرجل على إمساك زوجة أو زوجات ل يقدر على‬
‫إمتاعهن بالجماع بالقدر المعقول ‪ ،‬فإن لها أو لهن الحق في‬
‫اللجوء إلى القضاء لطلب التطليق للضرر وخشية الفتنة ‪..‬‬
‫وللقاضي هنا سلطة واسعة في تقدير مدى الضرر حسب كل‬
‫حالة على حدة ‪..‬‬

‫‪442‬‬
‫أما القدرة النفسية فنعنى بها القدرة على تطبيق معايير العدالة‬
‫بين الزوجات في كل شئ ممكن بغير محاباة لحداهن أو لولده‬
‫منها ‪ ،‬على حساب زوجته أو زوجاته الخريات وأولدهن منه ‪..‬‬
‫فإذا تخلف أحد مقومات الستطاعة أو المقدرة الثلثة المذكورة‬
‫ل يجوز تعديد الزوجات مطلقا ‪.‬‬
‫العدل بين الزوجات‬
‫يقول الله تبارك وتعالى ‪ } :‬فإن خفتم أل تعدلوا فواحدة ‪) { ..‬‬
‫‪(17‬‬
‫ويقول عز من قائل ‪ } :‬ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو‬
‫حرصتم فل تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا‬
‫وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما ( )‪ (18‬فكيف يمكن التوفيق‬
‫بين النصين ؟ وما هي العدالة المطلوبة ؟‬
‫يقول المام القرطبى ‪ )) :‬أخبر الله تعالى بعدم استطاعة تحقيق‬
‫العدل بين النساء في ميل الطبع في المحبة والجماع والحظ من‬
‫القلب ‪ ،‬فوصف الله تعالى حالة البشر وأنهم بحكم الخلقة ل‬
‫يملكون ميل قلوبهم إلى بعض دون بعض ‪.‬‬
‫ولهذا كان )صلى الله عليه وسلم( يقسم بين زوجاته ] في‬
‫النفقات [ ‪ ،‬فيعدل ثم يقول ‪ ) :‬اللهم إن هذه قسمتي فيما أملك‬
‫فل تلمني فيما تملك ول أملك ( ‪ ..‬ثم نهى الله تعالى عن المبالغة‬
‫في الميل فقال ‪ } :‬فل تميلوا كل الميل { أي ل تتعمدوا الساءة‬
‫– كما قال مجاهد – الزموا التسوية في القسم والنفقة لن هذا‬
‫مما يستطاع (( ‪(19).‬‬
‫وروى قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبى‬
‫هريرة قال ‪ :‬قال رسول الله )صلى الله عليه وسلم( ‪ ) :‬من‬
‫كانت له امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه مائل (‬
‫)‪ . (20‬والمقصود هنا الذي ل يعدل في النفقة والمبيت وليس‬
‫في الحب وهوى القلب ‪ ،‬فل أحد يملك القلوب سوى رب القلوب‬
‫مَعلقة {‬ ‫(‪ .‬وقال ابن عباس وابن جرير والحسن البصري ‪ } :‬كال ُ‬
‫أي تتركونها ل هي مطلقة ] فتبتغى زوجا آخر [ ول هي ذات زوج‬
‫] يرعاها ويقوم على شئونها ويعطيها حقوقها [ ‪ ،‬وقال قتادة‬
‫} كالمعلقة { أي كالمسجونة ‪ ..‬وكان أبى بن كعب – رضي الله‬
‫عنه – يقرأ الية هكذا ‪ } :‬فتذروها كالمسجونة { ‪..‬‬
‫وقرأ ابن مسعود – رضي الله عنه – } فتذروها كأنها معلقة {‬
‫وهى قراءات لتوضيح المعنى فحسب ‪ ،‬وليست تغييرا في‬
‫نصوص المصحف الشريف أو ألفاظه – حاشا لله‬

‫‪443‬‬
‫يقول الشيخ السيد سابق ‪ )) :‬فإن العدل المطلوب هو العدل‬
‫الظاهر المقدور عليه ‪ ،‬وليس هو العدل في المحبة و المودة و‬
‫الجماع (( ‪(21) .‬‬
‫قال محمد بن سيرين – رضي الله عنه – )) سألت عبيدة عن‬
‫هذه الية فقال ‪ :‬العدل المنفى في الحب والجماع (( ‪ .‬وقال أبو‬
‫بكر بن العربي ] عن الحب [ ‪ :‬ذلك ل يملكه أحد إذ قلبه بين‬
‫إصبعين من أصابع الرحمن يصرفه كيف يشاء ‪ ،‬وكذلك الجماع‬
‫فقد ينشط للواحدة ما ل ينشط للخرى ‪ ..‬فإن لم يكن ذلك‬
‫بقصد منه فل حرج عليه فيه ‪ ،‬فإنه ل يستطيعه فل يتعلق به‬
‫تكليف (( ‪.‬‬
‫وقال المام الخطابي ‪ )) :‬يجب القسم بين الحرائر الضرائر ‪،‬‬
‫وإنما المكروه في الميل هو ميل العشرة الذي يترتب عليه بخس‬
‫الحقوق ] المادية [ دون ميل القلوب (( ‪،‬ويقول الشيخ سيد‬
‫قطب رحمة الله عليه ‪ )) :‬المطلوب هو العدل في المعاملة‬
‫والنفقة والمعاشرة والمباشرة ‪ ..‬أما العدل في مشاعر القلوب‬
‫وأحاسيس النفوس فل يطالب به أحد من بنى النسان ‪ ،‬لنه‬
‫خارج عن إرادة النسان ‪ ،‬وهو العدل الذي قال الله عنه } ولن‬
‫تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء { هذه الية التي يحاول بعض‬
‫الناس أن يتخذ منها دليل على تحريم التعدد ‪ ،‬والمر ليس‬
‫كذلك ‪ ..‬وشريعة الله ليست هازلة حتى تشرع المر في آية‬
‫وتحرمه في آية أخرى ‪ ..‬ولن الشريعة ل تعطى باليمين وتسلب‬
‫بالشمال !!‬
‫فالعدل المطلوب في الية هو العدل في النفقة والمعاملة و‬
‫المعاشرة و المباشرة ‪ ،‬ويدونه يتعين عدم التعدد ‪ ،‬فهو يشمل‬
‫سائر الوضاع الظاهرة بحيث ل ينقص زوجة شيئا منها ‪ ،‬وبحيث‬
‫ل تؤثر إحدى الزوجات على الخريات بشيء من نفقة أو‬
‫معاشرة أو مباشرة ‪ ،‬وذلك على النحو الذي كان الرسول )صلى‬
‫الله عليه وسلم( – وهو أرفع إنسان عرفته البشرية – يفعله‬
‫ويقوم به ‪ ،‬في الوقت الذي كان الجميع ل يجهلون أنه عليه‬
‫السلم كان يحب عائشة لكن هذا لم يجعله يفضلها على غيرها‬
‫في القسم أو النفقة ‪(22).‬‬
‫***‬
‫والخلصة أن الميل القلبي أو الحب لزوجة أكثر من غيرها – فيما‬
‫نرى – يجب أن يظل في مكانه داخل الصدر ‪ ،‬ول يترجم إلى‬
‫تصرفات أو من أفعال من شأنها أن تجرح أحاسيس باقي‬
‫الزوجات أو تضر بمصالحهن ومصالح أولدهن لحساب الزوجة‬
‫المحظية وأولدها ‪..‬‬

‫‪444‬‬
‫ونحن أول وأخيرا بشر ولسنا ملئكة ‪ ،‬ولهذا يجب أن يقنع الجميع‬
‫بالعدالة فيما يستطاع ‪ ،‬فالعدل المطلق ل مكان له إل في الخرة‬
‫عند الله تعالى الذي ل يظلم عنده أحد ‪ ..‬ول سبيل إلى إجبار أحد‬
‫من البشر على العدل في المشاعر والحاسيس ‪..‬‬
‫والله تعالى بعدله ورحمته سوف يعوض تلك التي ل تحظى بقدر‬
‫كبير من الحب أو الجاذبية أو محبة زوجها ‪ ،‬سوف يعوضها إن‬
‫صبرت واتقت كل الخير في الدنيا والخرة ‪ ..‬ولعل هذا الوضع‬
‫يكون اختبارا لها وابتلء من الله تؤجر عليه إن صبرت وامتثلت‬
‫لمر الله ‪ ،‬ونذكر هنا مثل هذه الزوجة بأن بقاءها مع زوجها‬
‫وتمتعها بقدر منقوص من حبه ‪ ،‬مع كل حقوقها الخرى وحقوق‬
‫أولدها ‪ ،‬خير لها ألف مرة من الطلق البغيض والحرمان التام‬
‫من كل ذلك ‪ ..‬فالدنيا ليست دار بقاء ومتاعها ناقص وزائل في‬
‫النهاية ‪ ،‬والنعيم المقيم والسعادة التامة مكانها الجنة وليست‬
‫الرض ‪..‬‬
‫وأخيرا فإنه لو كان صحيحا أن الية ‪ 129‬من سورة النساء تحظر‬
‫التعدد ] لنها كما زعموا ‪ :‬قطعت بأن العدل بين النساء مستحيل‬
‫[ نقول لو كان هذا صحيحا لكان واجبا أن يطلق الرسول عليه‬
‫السلم وأصحابه زوجاتهم فور نزول الية ويكتفي كل منهم‬
‫بواحدة ‪ ،‬لكنهم لم يفعلوا ‪ ،‬وحاشا لله أن يخالف النبي )صلى‬
‫الله عليه وسلم( وصحابته أمر الله في مثل هذه الحالة أو‬
‫غيرها ‪..‬‬
‫ولهذا فالصحيح أن التعدد مسموح به ومباح إلى قيام الساعة ‪..‬‬
‫خاصة وأن من علمات الساعة أن ) تبقى النساء ويذهب الرجال‬
‫حتى يكون لخمسين امرأة قيم ] رجل [ واحد ( حديث شريف )‬
‫‪(23‬‬
‫القسم بين الزوجات‬
‫ة هو ‪ :‬توزيع النصاب‬ ‫قسم – بفتح القاف وسكون السين – لغ ً‬ ‫ال َ‬
‫قسم – بكسر القاف – فهو النصيب‬ ‫على عدد من الناس ‪ ..‬أما ال ِ‬
‫ذاته والجمع أقسام ‪.‬‬
‫وأما في اصطلح الفقهاء فمعناه العدل بين الزوجات في المبيت‬
‫والنفقة وغيرها )‪ (24‬والعدل أو القسم واجب على الزوج في‬
‫الطعام والسكن والكسوة والمبيت ] عند كل واحدة مثل‬
‫الخرى [ ‪ ،‬وسائر المور المادية بل تفرقة بين غنية وفقيرة أو‬
‫عظيمة وحقيرة ‪ ،‬فإذا خاف عدم العدل وعدم الوفاء بحقوقهن‬
‫جميعا فإنه يحرم عليه الجمع بينهن ‪(25) .‬‬
‫والعبرة في النفقة – طبقا للراجح من مذهب الحناف – هي‬
‫بحالة الزوج يسرا أو عسرا بغض النظر عن حال الزوجات ‪.‬‬

‫‪445‬‬
‫وعلى ذلك تجب التسوية بينهن في النفقة وتشمل المأكل‬
‫والمشرب والملبس والمسكن ‪..‬‬
‫لن القول بغير ذلك من شأنه أن يتسبب في الخلفات و الحقاد‬
‫والعداوات بين الزوجات وأولد كل منهن ‪ ،‬وهم أولد رجل واحد ‪.‬‬
‫ولذلك نشدد على ضرورة العدل التام في النفقات وسائر المور‬
‫المادية ‪ .‬كما يجب – في رأينا – أن يجتهد الب لخفاء مشاعره‬
‫ومحبته لحدى زوجاته عن الخريات ‪ ،‬فالفطنة والكياسة‬
‫والحكمة مطلوبة من الزوج حماية لكيان السرة ومنعا‬
‫للخلفات ‪..‬‬
‫وضع الفقهاء شروطا للقسم ‪ ...‬أولها العقل ‪ :‬إذ ل يجب القسم‬
‫على المجنون ‪ ،‬أما الزوجة المجنونة فيجب القسم لها إذا كانت‬
‫هادئة قائمة بمنزل زوجها بحيث يمكنه مباشرتها ‪ ،‬وإل فل قسم‬
‫لها ‪.‬‬
‫والشرط الثاني للقسم أن يكون الزوج بالغا ‪ ،‬أما الزوجة فل‬
‫يشترط لها البلوغ ‪ ،‬بل يكفى أن تكون مطيقة للوطء ‪ ،‬فإذا لم‬
‫يكن الزوج بالغا وظلم أحدى زوجاته ‪ ،‬فإن الثم يقع على وليه ‪،‬‬
‫لنه هو الذي زوجه ‪ ،‬وهو الذي احتمل مسئولية ذلك ‪ ،‬فعليه أن‬
‫يدور به على نسائه ليعدل بينهن ‪(26).‬‬
‫والشرط الثالث للقسم ‪ :‬أل تكون المرأة ناشزا ‪ ..‬فإن كانت‬
‫عاصية خارجة على طاعة زوجها فل حق لها في القسم ‪ ..‬ول‬
‫يسقط القسم وجود مانع يمنع الوطء ‪ ،‬سواء كان هذا المانع‬
‫بالزوجة مثل الحيض أو النفاس أو المرض ‪ ،‬أو كان المانع بالزوج‬
‫مثل المرض أو الضعف الجنسي ‪ ،‬لن الوطء ليس لزما للقسم ‪،‬‬
‫فالمبيت الغرض منه النس وليس الجماع بالضرورة ‪ ..‬فإذا كان‬
‫الزوج مريضا مرضا ل يستطيع معه النتقال فيجوز له أن يقيم‬
‫عند من يستريح لخدمتها وتمريضها ‪ ..‬وذلك مأخوذ من فعل‬
‫الرسول )صلى الله عليه وسلم( عندما داهمه مرض الموت‬
‫فأذنت له زوجاته – رضي الله عنهن – بأن يقيم في منزل السيدة‬
‫عائشة – رضي الله عنها – لما يعلمن من حبه لها وارتياحه‬
‫لتمريضها له وخدمتها إياه ‪..‬‬
‫ول يجوز مطلق ترك إحدى الزوجات بغير جماع عمدا بحجة عدم‬
‫الحب لها ‪ ،‬لن هذا يؤدى إلى تعريضها للفتنة و الفساد ‪ ..‬فإذا لم‬
‫يجامعها بالقدر الكافي لعفتها وإحصانها فل مفر من الطلق ‪،‬‬
‫ولعل الله يبدلها زوجا خيرا منه ‪ ،‬ويبدله زوجا خيرا له منها ‪.‬‬
‫وهناك رأى وجيه يحدد حق كل زوجة في المبيت عندها بليلة كل‬
‫أربع ليال على اعتبار أنه يحق له الزواج من أربع ‪ ..‬وهو ذات‬
‫الحق بالنسبة للمتزوج بواحدة الذي تشغله العبادة أو العمل‬

‫‪446‬‬
‫فعليه أن يبيت عند زوجته ليلة واحدة كل أربع ليال ‪ ،‬وله أن يتعبد‬
‫الثلث ليال الباقيات ‪..‬‬
‫وهناك الرأي الراجح الذي ذكرناه من قبل وذهب إلى ضرورة أن‬
‫يجامع الرجل كل زوجة بالقدر المعقول الذي يكفى لعفافها‬
‫وصرفها عن التعلق بغيره ‪ ..‬ويرى بعض الحناف أنه يجب الحكم‬
‫للزوجة قضاء بالوطء من وقت لخر ‪ ،‬بما يراه القاضي كافيا‬
‫لعفافها وإحصانها ‪..‬‬
‫ويرى المالكية أنه يحرم على الزوج المتناع عمدا عن جماع‬
‫إحدى الزوجات في نوبتها ليوفر قوته وحيويته لجماع أخرى أجمل‬
‫منها يتلذذ بها أكثر ‪ ..‬فإذا كان عند صاحبة النوبة ووجد في نفسه‬
‫الميل والقدرة على الجماع ثم امتنع عامدا ليوفر قوته للجمل‬
‫فنه يأثم بذلك ‪ ،‬لنه إضرار متعمد منه بصاحبة النوبة ‪ ،‬حتى ولو‬
‫لم تتضرر بالفعل ولم تبادر بالشكوى ‪..‬‬
‫وللزوج أن يقسم بين زوجاته حسب حالة ‪ ..‬فإن كان يعمل‬
‫بالنهار قسم بينهن بالليل ‪ ،‬ولو كان عمله الذي يكسب قوته منه‬
‫ليل ] مثل الحارس وغيره [ ‪ ،‬قسم بينهن بالنهار ‪ ..‬أي لكل‬
‫واحدة ليلة أو يوم مثل ‪ ،‬أو لكل واحدة يومان أو ليلتان ‪ ..‬ويجوز‬
‫أن يقسم بينهن ‪ :‬لكل واحدة أسبوع أو أكثر بالتراضي بينهن ‪،‬‬
‫على تفصيل واختلف في الراء بين المذاهب ‪(27).‬‬
‫ويحرم على الزوج أن يجامع غير صاحبة النوبة ‪ ،‬ول أن ُيقّبل‬
‫ضرتها ‪ ..‬ويجوز له الدخول على زوجاته من غير صاحبة اليوم أو‬
‫الليلة للضرورة أو لقضاء حاجة أو إذا احتاجت منه شيئا من‬
‫المصروفات أو لرعاية الولد وغير ذلك من المصالح الضرورية ‪.‬‬
‫ويرى الحنابلة أن القسم يجب أن يكون ليلة و ليلة ‪ ،‬بحيث ل‬
‫تزيد عن ذلك إل بالتراضي عليه ‪ ..‬وله أن يخرج في ليلة كل‬
‫واحدة منهن لقضاء ما جرت عليه العادة من صلوات وأداء حقوق‬
‫وواجبات وغيرها ‪ ..‬وليس له أن يتعمد الخروج الكثير في ليلة‬
‫إحداهن دون الخرى ‪ ،‬لن ذلك ظلم وإجحاف بها ] إل إذا رضيت‬
‫بذلك [ ‪.‬‬
‫ويضيف الحنابلة حكما طريفا آخر هو ‪ :‬أنه ل يجوز للزوج الدخول‬
‫على أي زوجة أخرى غير صاحبة النوبة ليل إل في النوازل‬
‫الشديدة ‪ ،‬مثل مرض الموت إذا كانت تريد أن توصى إليه وغير‬
‫ذلك من المور الخطيرة فحسب ‪ ..‬أما في النهار فيجوز له‬
‫الدخول على غير صاحبة النوبة لقضاء حاجة بشرط أل يطيل‬
‫البقاء عندها ‪ ،‬فإن أطال البقاء عندها يقضى اليوم لضرتها ‪ ،‬وإذا‬
‫جامع غير صاحبة النوبة فإنه يلتزم بقضاء الجماع لصاحبة النوبة ]‬

‫‪447‬‬
‫أي يجامعها مرة بدل وعوضا عن جماعه لغيرها [ خلفا لرأى‬
‫الشافعية ‪.‬‬
‫وبالنسبة للزوجة الجديدة نحن نرجح رأى الحناف الذي ل يعطى‬
‫لي زوجة قديمة أو جديدة استثناء في المبيت ‪ ،‬وكذلك ل فرق‬
‫بين البكر والثيب ] من سبق لها الزواج [ ولو تزوج بكرا جديدة أو‬
‫ثيبا جديدة يبدأ المبيت عندها ‪ :‬سبع ليال للبكر وثلث ليال إذا‬
‫كانت الجديدة ثيبا ‪ ،‬ثم يعوض نساءه الباقيات عن هذه المدة ‪،‬‬
‫فذلك هو ما يقتضيه مبدأ العدل بين الزوجات ‪ ..‬وسنة الرسول‬
‫)صلى الله عليه وسلم( تدل على التسوية في القسم ‪ ،‬ولكن‬
‫يكون البدء بالدور للجديدة فهذا جائز ‪ ،‬ثم يعطى الخريات من‬
‫اليام والليالي مثل ما أمضى عند الجديدة ‪..‬‬
‫ويجوز للزوجة أن تتنازل لضرتها عن نصيبها بمقابل أو بغير مقابل‬
‫‪ ..‬وإذا تنازلت لها ثم رجعت يجوز هذا الرجوع ‪(28) .‬‬
‫وقد تنازلت أم المؤمنين سودة بنت زمعة – رضي الله عنها –‬
‫عندما كبرت في السن عن ليلتها للسيدة عائشة – رضي الله‬
‫عنها – لما تعلمه من حب النبي )صلى الله عليه وسلم( لها ‪..‬‬
‫وهكذا ضربت السيدة سودة أروع المثلة ‪ ،‬واكتفت بأن تحشر‬
‫يوم القيامة ضمن أزواج المصطفى )صلى الله عليه وسلم(‬
‫وكفى بها نعمة ‪.‬‬
‫وفى حالة سفر الزوج هناك تفرقة بين سفر النتقال من بلد إلى‬
‫بلد آخر للستقرار فيه ] مثل من يسافر من الريف للستقرار‬
‫بمدينة معينة ‪ ،‬أو يهاجر نهائيا من دولة إلى أخرى [ ‪ ،‬وبين السفر‬
‫العارض المؤقت الذي يرجع بعده إلى بلده الذي به زوجاته ‪.‬‬
‫فإذا كان الزوج مسافرا إلى البلد الخر ليستقر به نهائيا فيجب‬
‫عليه اصطحاب كل الزوجات معه إن تيسر ذلك ‪ ،‬أو إجراء قرعة‬
‫بينهن ليأخذ الفائزة في القرعة معه بعض الوقت ثم يعيدها‬
‫وتسافر إليه أخرى ‪ ،‬وهكذا ‪ ..‬فإن تعذر عليه هذا الحل أيضا ل‬
‫مفر من تطليق من ل يريدها وإمساك من يريد اصطحابها معه‬
‫إلى حيث يستقر نهائيا ‪ ،‬فهذه الحالة ليست سفرا بالمعنى‬
‫الدقيق وإنما هي هجرة في حقيقة المر ‪ ،‬فل يجوز هنا هجر بعض‬
‫الزوجات واصطحاب البعض الخر إل برضا الجميع ‪ ،‬وهو يكاد‬
‫يكون مستحيل في هذه الحالة ‪ ،‬لن الزوجة المرغوب عنها سوف‬
‫تفقد زوجها نهائيا برحيله إلى البلد الخر ‪(29) .‬‬
‫أما إذا كان السفر مؤقتا لغرض التجارة أو الحج أو الغزو أو‬
‫العلج أو السياحة وغيرها ‪ ،‬فالرأي الذي نرجحه هو أنه يجب على‬
‫الزوج إجراء قرعة بين الزوجات لتحديد من تسافر معه ‪ ..‬ومدة‬
‫السفر المؤقت هنا تسقط من الحساب ‪ ،‬بمعنى أنها تعتبر من‬

‫‪448‬‬
‫نصيب الفائزة في القرعة وحدها ول تعويض للخريات عنها عند‬
‫العودة من السفر ‪ ..‬وإذا سافرت الزوجة وحدها فل تعويض لها‬
‫عما فاتها في غيابها ‪ ..‬أما إذا سافرت كل الزوجات مع زوجهن‬
‫فإن عليه القسم بينهن كما كان يفعل في بلده الول‬
‫وأخيرا ‪ :‬هل يجوز للزوج أن يجمع بين زوجاته في مكان واحد ؟‬
‫يرى الفقهاء أنه إذا كان المنزل يحتوى على عدة شقق أو أدوار‬
‫لكل منها باب خاص بها ولها منافع تامة مستقلة عن بقية الشقق‬
‫] دورة مياه و مطبخ ومنشر لتجفيف الملبس المغسولة [ فإنه‬
‫يجوز للزوج أن يجمع بين زوجاته في هذا المنزل ولو بدون رضا‬
‫كل منهن ‪ ،‬طالما أن كل واحدة سوف تسكن في شقة منفصلة‬
‫ومستقلة عن الخريات ‪(30) .‬‬
‫أما إذا كان المسكن له باب واحد ودورة مياه واحدة ومطبخ‬
‫واحد ‪ ،‬وبه عدة حجرات أو حجرة واحدة فل يجوز للرجل أن‬
‫يجمع كل زوجاته في مثل هذا المنزل إل برضائهن جميعا ‪..‬‬
‫وكذلك لو كانوا جميعا على سفر وأقاموا في غرفة أو خيمة‬
‫واحدة ] مثل السفر للحج مثل [ فيجوز في هذه الحالة برضاهن‬
‫أو بدون رضاهن في حالة الضرورة ] مثل تكدس الخيام في منى‬
‫وعرفات [ ‪.‬‬
‫وأفتى المالكية بأن مجامعة الرجل زوجته أمام الخرى أو‬
‫الخريات حرام ‪ ،‬وليس مكروها ‪ ،‬والحرمة تشمل كل الحالت‬
‫سواء كانت الزوجة محل الجماع مكشوفة العورة للخريات أم ل‬
‫)‪ ...(31‬ونحن نؤيد هذا الرأي المالكي السديد ‪ ،‬فالحقيقة أنه ل‬
‫يجوز مثل هذا الجماع من الناحية النسانية ‪ ،‬لن فيه جرحا عميقا‬
‫لمشاعر الخريات ‪ ،‬وإثارة سخيفة للغريزة والحقاد فيما بينهن ‪..‬‬
‫كما أن فيه خدشا لحياء من يجامعها زوجها أمام الخريات ‪..‬‬
‫والنسان الذي كرمه الله يختلف عن الحيوانات العجماوات ‪،‬‬
‫ولهذا ترفض الفطرة النسانية السليمة مثل هذا الجماع أمام‬
‫أخريات ‪ ..‬بل إن بعض الحيوانات مثل القطط يستحيل عليها‬
‫ممارسة الجنس إذا كان هناك من يراقبها أو يراها ‪ ،‬أو حتى يقف‬
‫قريبا منها ‪ ،‬ولو لم يكن يراها !! وسبحان الله الذي أعطى كل‬
‫شيء خلقه ثم هدى ‪...‬‬
‫ونرى أنه يمكن للزوج زيادة نفقة إحدى الزوجات عن الخريات‬
‫في حالت وظروف خاصة ‪ ،‬منها زيادة عدد أولدها عن‬
‫الخريات ‪.‬‬
‫فإذا أعطى مثل ستة أرغفة لزوجة عندها خمسة أطفال بينما‬
‫أعطى من لها ثلثة أربعة أرغفة فإنه ل يكون ظالما بداهة ‪ ..‬بل‬
‫هذا هو صميم العدل ‪ ،‬إذ القسمة هنا على أساس أن لكل فرد‬

‫‪449‬‬
‫رغيفا ‪ ..‬وكذلك إذا كانت أحدى الزوجات مريضة مرضا شديدا‬
‫يحتاج إلى علج ‪ .‬وعلى الزوجات الخريات أن يحمدن الله على‬
‫نعمة العافية ‪ ،‬ول يطلبن مقابل لما تكلفه علج أختهن المريضة ‪.‬‬
‫***‬
‫وإذا اشترطت المرأة في عقد الزواج أل يتزوج عليها ‪ ،‬فإن على‬
‫الزوج احترام العقد وعدم القتران بأخرى إل برضا الزوجة الولى‬
‫وتنازلها عن الشرط ‪ ..‬ففي الحديث الشريف ‪ ) :‬إن أحق‬
‫الشروط أن توفوا ما استحللتم به الفروج ( ]رواه البخاري‬
‫ومسلم[ ‪ ..‬ومعنى الحديث الواضح أن الشروط المدرجة في‬
‫عقد الزواج هي أولى الشروط بالحترام واللتزام ‪.‬‬
‫‪-------------------‬‬
‫)‪ (1‬عدد الثلثاء ‪ 6‬مايو ‪. 1997‬‬
‫)‪ (2‬أعدت تحت أشراف أساتذة المركز القومي للبحوث‬
‫الجتماعية والجنائية‪.‬‬
‫)‪ (3‬مجلة طبيبك الخاص عدد مايو ‪. 1997‬‬
‫)‪ (4‬صندوق الدنيا – الهرام – عدد ‪ 13‬مايو ‪ 1997‬م ‪.‬‬
‫)‪ (5‬السيد سابق – فقه السنة – نظام السرة – المجلد الثاني –‬
‫ط مكتبة المسلم – ص ‪.104‬‬
‫)‪ (6‬كتاب محمد رسول الله ‪ ،‬ترجمة المرحوم الدكتور عبد‬
‫الحليم محمود شيخ الزهر السبق ‪.‬‬
‫)‪ (7‬الية ‪ 3‬من سورة النساء ‪.‬‬
‫)‪ (8‬ابن كثير – تفسير القرآن العظيم – تفسير الية ‪ 3‬من سورة‬
‫النساء ‪.‬‬
‫)‪ (9‬راجع جامع البيان في تفسير القرآن لبن جرير الطبري‬
‫تفسير سورة النساء ‪.‬‬
‫)‪ (10‬تفسير النسفى – سورة النساء ‪.‬‬
‫)‪ (11‬السيد سابق ‪ -‬فقه السنة – المجلد الثاني نظام السرة –‬
‫ط مكتبة المسلم ص ‪ 95‬الهامش ‪.‬‬
‫)‪ (12‬السيد سابق – المرجع السابق ‪.‬‬
‫)‪ (13‬راجع الفصل الول "التعدد قبل السلم" من هذا الكتاب‪.‬‬
‫)‪ (14‬الية الولى من سورة فاطر‬
‫)‪ (15‬ابن كثير‪ ...‬المرجع المشار إليه من قبل‬
‫)‪ (16‬الجامع لحكام القرآن – القرطبى – ط الريان – ص ‪1578‬‬
‫‪.‬‬
‫)‪ (17‬الية ‪ 3‬من سورة النساء ‪.‬‬
‫)‪ (18‬الية ‪ 129‬من سورة النساء ‪.‬‬

‫‪450‬‬
‫)‪ (19‬الجامع لحكام القرآن للقرطبى – الية ‪ 129‬من سورة‬
‫النساء ‪.‬‬
‫)‪ (20‬رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة والترمذي ‪.‬‬
‫)‪ (21‬فقه السنة – المجلد الثاني – نظام السرة ص ‪. 99‬‬
‫)‪ (22‬سيد قطب – في ظلل القرآن – الجزء الول – ط دار‬
‫الشروق – ص ‪. 582‬‬
‫)‪ (23‬رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه ‪.‬‬
‫)‪ (24‬الفقه على المذاهب الربعة – الجزء الرابع – قسم الحوال‬
‫الشخصية – ط الريان – ص ‪ 213‬وما بعدها ‪.‬‬
‫)‪ (25‬السيد سابق – فقه السنة – ط مكتبة المسلم – المجلد‬
‫الثاني ص ‪. 98‬‬
‫)‪ (26‬الفقه على المذاهب الربعة ‪.‬‬
‫)‪ (27‬الفقه على المذاهب الربعة – الجزء الرابع ص ‪ 216‬وما‬
‫بعدها ‪..‬‬
‫)‪ (28‬المرجع السابق ص ‪219‬‬
‫)‪ (29‬لمرجع السابق ص ‪. 220‬‬
‫)‪ (30‬راجع التفاصيل في المرجع السابق ص ‪. 223‬‬
‫)‪ (31‬المرجع السابق ص ‪. 224‬‬
‫===============‬
‫هل تحريم زواج المسلمة بغير المسلم ُيعد نزعة‬
‫عنصرية ؟‬
‫الرد على شبهة تحريم زواج المسلمة بغير المسلم وهل ُيعد‬
‫نزعة عنصرية ؟‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ صحيح أن السلم يجيز زواج المسلم من غير المسلمة‬
‫)مسيحية أو يهودية( ول يجيز زواج المسلمة من غير المسلم‪.‬‬
‫وللوهلة الولى ُيعد ذلك من قبيل عدم المساواة ‪ ،‬ولكن إذا‬
‫م انعدام‬‫عرف السبب الحقيقى لذلك انتفى العجب ‪ ،‬وزال وَهْ ُ‬
‫المساواة‪ .‬فهناك وجهة نظر إسلمية فى هذا الصدد توضح‬
‫الحكمة فى ذلك‪ .‬وكل تشريعات السلم مبنية على حكمة معينة‬
‫ومصلحة حقيقية لكل الطراف‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ الزواج فى السلم يقوم على " المودة والرحمة " والسكن‬
‫النفسى‪ .‬ويحرص السلم على أن تبنى السرة على أسس‬
‫سليمة تضمن الستمرار للعلقة الزوجية‪ .‬والسلم دين يحترم‬
‫كل الديان السماوية السابقة ويجعل اليمان بالنبياء السابقين‬
‫جميًعا جزءا ً ل يتجزأ من العقيدة السلمية‪ .‬وإذا تزوج مسلم من‬
‫مسيحية أو يهودية فإن المسلم مأمور باحترام عقيدتها ‪ ،‬ول يجوز‬

‫‪451‬‬
‫له ـ من وجهة النظر السلمية ـ أن يمنعها من ممارسة شعائر‬
‫دينها والذهاب من أجل ذلك إلى الكنيسة أو المعبد‪ .‬وهكذا‬
‫يحرص السلم على توفير عنصر الحترام من جانب الزوج‬
‫لعقيدة زوجته وعبادتها‪ .‬وفى ذلك ضمان وحماية للسرة من‬
‫النهيار‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ أما إذا تزوج غير مسلم من مسلمة فإن عنصر الحترام‬
‫دا‪ .‬فالمسلم يؤمن بالديان السابقة ‪،‬‬ ‫لعقيدة الزوجة يكون مفقو ً‬
‫وبأنبياء الله السابقين ‪ ،‬ويحترمهم ويوقرهم ‪ ،‬ولكن غير المسلم‬
‫دق‬‫ص ّ‬‫فا وَي ُ َ‬‫ل يؤمن بنبى السلم ول يعترف به ‪ ،‬بل يعتبره نبّيا زائ ً‬
‫ـ فى العادة ـ كل ما يشاع ضد السلم وضد نبى السلم من‬
‫افتراءات وأكاذيب ‪ ،‬وما أكثر ما يشاع‪.‬‬
‫وحتى إذا لم يصرح الزوج غير المسلم بذلك أمام زوجته فإنها‬
‫ستظل تعيش تحت وطأة شعور عدم الحترام من جانب زوجها‬
‫لعقيدتها‪ .‬وهذا أمر ل تجدى فيه كلمات الترضية والمجاملة‪.‬‬
‫فالقضية قضية مبدأ‪ .‬وعنصر الحترام المتبادل بين الزوج‬
‫والزوجة أساس لستمرار العلقة الزوجية‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ وقد كان السلم منطقّيا مع نفسه حين حّرم زواج المسلم‬
‫من غير المسلمة التى تدين بدين غير المسيحية واليهودية ‪،‬‬
‫وذلك لنفس السبب الذى من أجله حّرم زواج المسلمة بغير‬
‫المسلم‪.‬‬
‫فالمسلم ل يؤمن إل بالديان السماوية وما عداها ُتعد أدياًنا‬
‫بشرية‪ .‬فعنصر التوقير والحترام لعقيدة الزوجة فى هذه الحالة ـ‬
‫دا‪ .‬وهذا يؤثر سلًبا على العلقة‬ ‫دا عن المجاملت ـ يكون مفقو ً‬ ‫بعي ً‬
‫الزوجية ‪ ،‬ول يحقق " المودة والرحمة " المطلوبة فى العلقة‬
‫الزوجية‬
‫====================‬
‫اشتراط الولي في النكاح ل يقيد حرية المرأة‬
‫من الشبه التي يثيرها أعداء السلم ‪ ،‬ويقولون بأنها تنافي حرية‬
‫المرأة في اختيار من ترضاه زوجا ً لها ‪ ،‬اشتراط الولي في النكاح‬
‫‪ ،‬فيقولون‪ :‬إن وجود الولي واشتراطه ‪ ،‬يمنع الفتاة من أن تختار‬
‫من تريده زوجا ً لها بحرية تامة ‪ ،‬بل كثيرا ً ما يفرض عليها الولي‬
‫من يرضاه هو ‪ ،‬ويختاره لها زوجا ً ‪ ،‬وهذا ينافي أبسط الحقوق‪.‬‬
‫هذا ملخص الشبهة التي يثيرها أعداء السلم ‪ ،‬ويظنون أنهم‬
‫وجهوا طعنة ل ترد ‪ ،‬ووجدوا ثغرة وثلما ً في السلم – زعموا –‬
‫يستطيعون من خللهما الطعن في عدالته في حق المرأة ‪،‬‬
‫والنيل منه‪.‬‬

‫‪452‬‬
‫ونقول‪ :‬إن ما زعموه من تحكم الولي بموليته في النكاح ‪ ،‬ليس‬
‫من السلم في شيء ‪ ،‬بل هو تقاليد لبعض المجتمعات السلمية‬
‫‪ ،‬توارثوها عن آبائهم ‪ ،‬وأعراف تعارفوا عليها ‪ ،‬وبمرور الزمن ‪،‬‬
‫وتعاقب الجيال وبسبب الجهل بالدين ‪ ،‬أخذت تلك العراف‬
‫والتقاليد طابع الحترام والتقديس ‪ ،‬وأخيرا ً ُألصقت بالدين ‪،‬‬
‫والدين منها براء ‪ ،‬وقد أسلفنا الكلم على )رأي المرأة في اختيار‬
‫زوجها( وأوضحنا هدي السلم في هذا الموضوع ‪ ،‬ودور الولي‬
‫في هذا الشأن ‪ ،‬وذكرنا ما جاء عن رسوله صلى الله عليه وسلم‬
‫في ذلك ‪ ،‬وما فهمه السلف منه وطبقوه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إن السلم أعطى للمرأة البالغة العاقلة‪ :‬بكرا ‪ ،‬أو ثيبا ‪ ،‬كامل‬
‫الحرية في قبول أو رفض من تقدم لخطبتها ‪ ،‬ولم يجعل لبيها ‪،‬‬
‫وهو أقرب الناس إليها ‪ ،‬ول لولي غيره أن يجبرها على من ل‬
‫ترضاه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪) :‬ل تنكح الّيم حتى‬
‫ُتستأمر ‪ ،‬ول تنكح البكر حتى ُتستأذن(‪.‬‬
‫بل وصل المر إلى رد الزواج ‪ ،‬وإبطال العقد ‪ ،‬إذا جرى بدون‬
‫رضاها ‪ ،‬كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في نكاح‬
‫خنساء بنت خدام ‪ ،‬حين زّوجها أبوها وهي ثيب من شخص ل‬
‫تريده ‪ ،‬حيث رد نكاحه‪.‬‬
‫وخّير رسول الله صلى الله عليه وسلم فتاة بكرا ً ‪ ،‬زّوجها أبوها‬
‫من ابن أخيه ‪ ،‬وهي غير راضية ‪ ،‬خيرها بالمضاء أو الرد‪.‬‬
‫ولم يجعل السلم للولي حقا ً في تزويج موليته ‪ ،‬بغير إذنها ‪ ،‬إل‬
‫الب بالنسبة لبنته الصغيرة غير البالغة ‪ ،‬فقد أجمع أهل العلم‬
‫من المسلمين على أن للب – فقط – تزويجها بغير إذنها ‪ ،‬لما‬
‫روت عائشة رضي الله عنها‪) :‬أن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫تزوجها وهي بنت ست سنين ‪ ،‬وأدخلت عليه وهي بنت تسع‬
‫سنين( ‪ ،‬على أن يكون الزوج كفئا ً ‪ ،‬لن الله تعالى أقامه مقامها‬
‫ناظرا ً لها فيما فيه الحظ لنفسها ‪ ،‬فل يجوز له أن يفعل ما ل حظ‬
‫لها فيه ‪ ،‬ولنه إذا حرم عليه التصرف في مالها بما ل حظ لها فيه‬
‫‪ ،‬ففي نفسها أولى‪.‬‬
‫وقد جاز للب فقط تزويج الصغيرة غير البالغة ‪ ،‬لن عطف الب‬
‫وحبه لبنته يدعوانه إلى اختيار الصلح لها‪.‬‬
‫لما كانت المرأة عاطفية بطبعها ‪ ،‬مندفعة في تصرفاتها ‪ ،‬يغّرها‬
‫المظهر ‪ ،‬ول تسعى إلى معرفة المخبر من الرجل غالبا ً ‪ ،‬فقد‬
‫جعل السلم للولي حق منع الزواج إذا اختارت لنفسها زوجا ً غير‬
‫كفء لها ولسرتها ‪ ،‬وذلك لن المرأة وأسرتها يعيران بالزوج غير‬
‫الكفء ‪ ،‬ويلحقهما بسببه مذلة وعار ‪ ،‬وليس في هذا ما ينافي‬
‫حرية المرأة في اختيار من ترضاه ‪ ،‬لكن لكل حرية حدود تنتهي‬

‫‪453‬‬
‫إليها ‪ ،‬فليس لحد كائنا ً من كان مطلق الحرية في كل ما يفعل ‪،‬‬
‫بل هناك اعتبارات تجب مراعاتها ‪ ،‬وحدود ُينتهى إليها‪.‬‬
‫وأيضًا‪ :‬صيانة المرأة ‪ ،‬وتكريما ً لها ‪ ،‬ولما طبعها الله عليه من‬
‫الحياء ‪ ،‬فقد جعل السلم حق تولي العقد ومباشرته للولي ‪ ،‬فل‬
‫يصح أن تتولى المرأة مباشرة عقد نكاحها ‪ ،‬لقول رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪) :‬ل نكاح إل بولي( ‪ ،‬وقوله‪) :‬ل تزوج‬
‫المرأة المرأة ‪ ،‬ول تزوج المرأة نفسها(‪.‬‬
‫وروى عكرمة بن خالد قال‪ :‬جمعت الطريق ركبا ً ‪ ،‬فجعلت امرأة‬
‫منهم ثيب أمرها بيد رجل غير ولي ‪ ،‬فأنكحها ‪ ،‬فبلغ ذلك عمر ‪،‬‬
‫فجلد الناكح والمنكح ‪ ،‬ورد نكاحها‪.‬‬
‫وقد أجيب على من اعترض بالحاديث الخرى ‪ ،‬التي يفهم منها‬
‫أن للمرأة تولي عقد نكاحها بنفسها ‪ ،‬مثل‪) :‬الثيب أحق بنفسها‬
‫من وليها( ‪ ،‬وغيره ‪ ،‬بأن المراد اعتبار الرضى منها ‪ ،‬أما مباشرة‬
‫العقد ‪ ،‬فهي للولي ‪ ،‬جمعا ً بين الحاديث‪.‬‬
‫وليس في هذا أيضا ً ما يؤثر على حريتها في اختيار زوجها ‪ ،‬ول ما‬
‫يمس كرامتها بل العكس هو الصحيح ‪ ،‬فالسلم ينظر إلى المرأة‬
‫على أن لها من الكرامة والمنزلة وشفافية الشعور ‪ ،‬ورهافة‬
‫الحس ‪ ،‬ما جعله ينأى بها عن كل ما يخدش حياءها ‪ ،‬أو يجرح‬
‫مشاعرها وإحساسها ‪ ،‬لذلك جعل مباشرة عقد النكاح للولي‪.‬‬
‫فمن مقاصد هذا التشريع الحكيم صيانة المرأة عن أن تباشر‬
‫بنفسها ما يشعر بوقاحتها ‪ ،‬ورعونتها ‪ ،‬وميلها إلى الرجال ‪ ،‬مما‬
‫ينافي حال أرباب الصيانة والمروءة‪.‬‬
‫كما أن المرأة لقلة تجربتها في المجتمع ‪ ،‬وعدم معرفتها شئون‬
‫الرجال وخفايا أمورهم ‪ ،‬غير مأمونة حين تستبد بالمر لسرعة‬
‫انخداعها ‪ ،‬وسهولة اغترارها بالمظاهر البراقة دون تَروّ وتفكير‬
‫في العواقب ‪ ،‬وقد اشترط إذن الولي مراعاة لمصالحها لنه أبعد‬
‫نظرا ً ‪ ،‬وأوسع خبرة ‪ ،‬وأسلم تقديرا ً ‪ ،‬وحكمه موضوعي ل دخل‬
‫فيه للعاطفة أو الهوى ‪ ،‬بل يبنيه على اختيار من يكون أدوم نكاحا ً‬
‫‪ ،‬وأحسن عشرة‪.‬‬
‫وكيف ل يكون لوليها سلطان في زواجها وهو الذي سيكون –‬
‫شاءت أم أبت ‪ ،‬بل شاء هو أو أبى – المرجع في حالة الختلف ‪،‬‬
‫وفي حالة فشل الزواج يبوء هو بآثار هذا الفشل ‪ ،‬ويجني ثمرات‬
‫خطأ فتاته التي تمردت عليه ‪ ،‬وانفردت بتزويج نفسها؟!‬
‫إن الهدف من رقابة الولي على اختيار الزوج ليس فقط تسهيل‬
‫الزواج ‪ ،‬وإنما أيضا ً تأمينه وتوفير عوامل الستقرار له ‪ ،‬ورعاية‬
‫مصالح الفتاة التي ائتمنه الله عليها ‪ ،‬وإن قصر نظرها عن‬
‫إدراكها ‪ ،‬ومن هنا كان مبنى الولية على حسن النظر ‪،‬‬

‫‪454‬‬
‫والشفقة ‪ ،‬وذلك معتبر بمظنته ‪ ،‬وهي القرابة ‪ ،‬فأقربهم منها‬
‫صبة‪.‬‬ ‫أشفقهم عليها ‪ ،‬وهذا أغلب ما يكون في العَ َ‬
‫وأيضا ً يجب على ولي المرأة أن يتقي الله فيمن يزوجها منه ‪،‬‬
‫خُلقه ‪،‬‬ ‫قه أو ُ‬ ‫خل ُ‬ ‫وأن يراعي خصال الزوج ‪ ،‬فل يزوجها ممن ساء َ‬
‫صر عن القيام بحقها ‪ ،‬فإن النكاح يشبه الرق‬ ‫أو ضعف دينه ‪ ،‬أو ق ّ‬
‫‪ ،‬والحتياط في حقها أهم ‪ ،‬لنها رقيقة بالنكاح ل مخلص لها ‪،‬‬
‫والزوج قادر على الطلق بكل حال‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله‪:‬‬
‫وإذا رضيت رجل ً ‪ ،‬وكان كفؤا ً لها ‪ ،‬وجب على وليها – كالخ ثم‬
‫العم – أن يزوجها به ‪ ،‬فإن عضلها أو امتنع عن تزويجها زّوجها‬
‫الولي البعد منه أو الحاكم بغير إذنه باتفاق العلماء ‪ ،‬فليس‬
‫للولي أن يجبرها على نكاح من ل ترضاه ‪ ،‬ول يعضلها عن نكاح‬
‫من ترضاه إذا كان كفؤا ً باتفاق الئمة ‪ ،‬وإنما يجبرها ويعضلها أهل‬
‫الجاهلية والظلمة الذين يزوجون نساءهم لمن يختارونه لغرض ‪،‬‬
‫ل لمصلحة المرأة ‪ ،‬ويكرهونها على ذلك ‪ ،‬أو ُيخجلونها حتى تفعل‬
‫‪ ،‬ويعضلونها عن نكاح من يكون كفؤا ً لها لعداوة أو غرض ‪ ،‬وهذا‬
‫كله من عمل الجاهلية ‪ ،‬والظلم والعدوان ‪ ،‬وهو مما حرمه الله‬
‫ورسوله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬واتفق المسلمون على تحريمه ‪،‬‬
‫وأوجب الله على أولياء النساء أن ينظروا في مصلحة المرأة ‪ ،‬ل‬
‫في أهوائهم كسائر الولياء والوكلء ممن تصرف لغيره ‪ ،‬فإنه‬
‫يقصد مصلحة من تصرف له ‪ ،‬ل يقصد هواه ‪ ،‬فإن هذا من‬
‫المانة التي أمر الله أن تؤدى إلى أهلها فقال‪) :‬إن الله يأمركم‬
‫أن تؤدوا المانات إلى أهلها ‪ ،‬وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا‬
‫بالعدل(‪.‬‬
‫ومما سبق يتضح أن الولي في النكاح في الشريعة السلمية ‪،‬‬
‫ليس له منع المرأة من أن تختار لنفسها من ترضاه زوجا ً لها ‪ ،‬إذا‬
‫كان كفئا ً ‪ ،‬وليس للولي إجبارها على من يرضاه هو ‪ ،‬ول ترضاه‬
‫هي‪.‬‬
‫والسلم في هذا الباب ‪ ،‬قد أعطى المرأة من الحقوق والتكريم‬
‫ما لم تعطه امرأة من قبل في الديانات السماوية ‪ ،‬والنظم‬
‫الجتماعية ‪ ،‬ولن تعطى مثله أيضا ً مستقبل ً‬
‫======================‬
‫اول مشروعية الختان‬
‫اخرج المام احمد و ابن ماجة و الترمذى و اللفظ لحمد قال‬
‫ن ع َب ْدِ‬‫ي عَ ْ‬
‫ت الب َُنان ِ ّ‬ ‫ن َثاب ِ ٍ‬ ‫ة عَ ْ‬‫م َ‬‫سل َ َ‬
‫ن َ‬ ‫ماد ُ ب ْ ُ‬
‫ح ّ‬‫خب ََرَنا َ‬ ‫ل أَ ْ‬‫زيد ُ َقا َ‬ ‫حد ّث ََنا ي َ ِ‬‫َ‬
‫ة‬
‫ش َ‬ ‫عائ ِ َ‬‫ن َ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫ما ِ‬‫ن الن ّعْ َ‬
‫زيزِ ب ْ ِ‬‫ن ع َب ْد ِ ال ْعَ ِ‬ ‫ح عَ ْ‬ ‫ن َرَبا ٍ‬ ‫اللهِ ب ْ ِ‬
‫ّ‬

‫‪455‬‬
‫ب‬‫ج َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫خَتاَنا ِ‬ ‫قى ال ْ ِ‬ ‫ذا ال ْت َ َ‬
‫ل إِ َ‬ ‫م َقا َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫عَ ْ‬
‫س ُ‬
‫ل‬ ‫ال ْغُ ْ‬
‫و فى صحيح مسلم‬
‫و حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن عبد الله النصاري حدثنا‬
‫هشام بن حسان حدثنا حميد بن هلل عن أبي بردة عن أبي‬
‫موسى الشعري ح و حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد العلى‬
‫وهذا حديثه حدثنا هشام عن حميد بن هلل قال ول أعلمه إل عن‬
‫أبي بردة عن أبي موسى قال‬
‫اختلف في ذلك رهط من المهاجرين والنصار فقال النصاريون ل‬
‫يجب الغسل إل من الدفق أو من الماء وقال المهاجرون بل إذا‬
‫خالط فقد وجب الغسل قال قال أبو موسى فأنا أشفيكم من‬
‫ذلك فقمت فاستأذنت على عائشة فأذن لي فقلت لها يا أماه أو‬
‫يا أم المؤمنين إني أريد أن أسألك عن شيء وإني أستحييك‬
‫فقالت ل تستحيي أن تسألني عما كنت سائل عنه أمك التي‬
‫ولدتك فإنما أنا أمك قلت فما يوجب الغسل قالت على الخبير‬
‫سقطت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس بين‬
‫شعبها الربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل‬
‫قال العسقلنى‪ :‬الختان اى الموضع الذى يختن‬
‫قلت فهذا يدل على ان النساء فى عهد النبى كن يختتن‬
‫فقد اشار الى فرج النثى بلفظ الختان‬
‫و اخرج ابو داوود فى سننه قال‬
‫ن ع َب ْدِ‬ ‫ب بْ ُ‬ ‫ها ِ‬ ‫ي وَع َب ْد ُ ال ْوَ ّ‬ ‫ق ّ‬‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن الد ّ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ع َب ْد ِ الّر ْ‬ ‫ن بْ ُ‬ ‫ما ُ‬ ‫سل َي ْ َ‬ ‫حد ّث ََنا ُ‬ ‫َ‬
‫ن َقا َ‬ ‫َ‬
‫ي َقال َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫سا َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫مد ُ ب ْ ُ‬
‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫حد ّث ََنا ُ‬‫ن َ‬ ‫مْرَوا ُ‬ ‫حد ّث ََنا َ‬ ‫جعِ ّ‬ ‫ش َ‬ ‫حيم ِ ال ْ‬ ‫الّر ِ‬
‫ُ‬
‫ة‬
‫م ع َط ِي ّ َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫مي ْرٍ ع َ ْ‬ ‫ن عُ َ‬ ‫ك بْ ِ‬ ‫مل ِ ِ‬‫ن ع َب ْد ِ ال ْ َ‬ ‫ي عَ ْ‬ ‫كوفِ ّ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ها ِ‬ ‫ع َب ْد ُ ال ْوَ ّ‬
‫َ‬
‫ة‬
‫صارِي ّ ِ‬ ‫اْلن ْ َ‬
‫ه ع َل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ل ل ََها الن ّب ِ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫دين َةِ فَ َ‬ ‫م ِ‬‫ن ِبال ْ َ‬ ‫خت ِ ُ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫مَرأ َة ً َ‬ ‫نا ْ‬ ‫أ ّ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫ظى ل ِل ْ َ‬ ‫وسل ّم َل تنهكي فَإن ذ َل ِ َ َ‬
‫ب إ َِلى ال ْب َعْ ِ‬
‫ل‬ ‫ح ّ‬ ‫مْرأةِ وَأ َ‬ ‫َ‬ ‫ح َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ِ ّ‬ ‫ُِْ ِ‬ ‫َ َ َ‬
‫قال العلمة اللبانى " حديث صحيح"‬
‫‪http://arabic.islamicweb.com/Books/albani.asp?id=16216‬‬
‫قلت ‪ :‬و لعل قول النبى ل تنهى اى ل تبالغى فى ازاله الغلفة‬
‫و ما عليه العلماء المعتبرون هو ازالة الجلدة التى كعرف‬
‫الديك) الغلفة( او بعضها‬
‫مي وَلَ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫دة َ‬
‫ش ّ‬‫م ع َط ِّية ‪ " :‬أ ِ‬ ‫ديث أ ّ‬ ‫ح ِ‬
‫م ‪ .‬وَِفي َ‬ ‫م َ‬‫ش َ‬ ‫ما ّ‬‫وَِفي الن َّهاَية ِفي َ‬
‫مَبال ََغة ِفي ِ‬
‫ه‪/‬‬ ‫حة َوالن ّْهك ال ْ ُ‬ ‫مام ِ الّرائ ِ َ‬ ‫ش َ‬ ‫سير ب ِإ ِ ْ‬ ‫طع ال ْي َ ِ‬‫ق ْ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫كي " َ‬
‫شب ّ َ‬ ‫ت ُن ْهِ ِ‬
‫عون المعبود شرح سنن أبى داوود‬
‫عَ‬ ‫َ‬
‫قط َ‬ ‫ن تَ ْ‬‫خَتان َُها أ ْ‬
‫ن" اى المرأة" وَ ِ‬ ‫خت َت ِ ُ‬‫م تَ ْ‬ ‫و قال المام ابن تيمية‪ :‬ن َعَ ْ‬
‫َ‬
‫ك‬
‫دي ِ‬ ‫ف ال ّ‬ ‫جل ْد َةِ ال ِّتي ك َعُْر ِ‬ ‫أع َْلى ال ْ ِ‬

‫‪456‬‬
‫و قال ابن القيم‪ :‬قال الماوردي والسنة أن يستوعب القلفة التي‬
‫تغشى الحشفة بالقطع من أصلها وأقل ما يجزئ فيه أن ل‬
‫يتغشى بها شيء من الحشفة وأما خفض المرأة فهو قطع جلدة‬
‫في الفرج فوق مدخل الذكر ومخرج البول على أصل كالنواة" و‬
‫النواة هى نفس العضو ‪ clitoris‬الذى تغشاه الغلفة ‪prepuce‬‬
‫"ويؤخذ منه الجلدة المستعلية دون أصلها‬
‫‪http://arabic.islamicweb.com/Books/t...book=95&id=191‬‬
‫و قال المام تقى الدين ابن تيمية‬
‫عندما سئل هل تختتن المراة؟‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ك }و‬ ‫دي ِ‬ ‫ف ال ّ‬ ‫جل ْد َةِ ال ِّتي ك َعُْر ِ‬ ‫قط َعَ أع َْلى ال ْ ِ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫خَتان َُها أ ْ‬ ‫ن وَ ِ‬ ‫خت َت ِ ُ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ن َعَ ْ‬
‫تلك الجلدة هى القلفة ‪ prepuce‬او ‪clitoralhood‬‬
‫‪{ http://en.wikipedia.org/wiki/Image:C...er_anatomy.gif‬‬
‫ة‪-‬‬
‫خات ِن َ ُ‬ ‫ي ال ْ َ‬ ‫ضةِ ‪ -‬وَه ِ َ‬ ‫خافِ َ‬ ‫م ل ِل ْ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫{َقا َ‬
‫ظى ل ََها ِ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ج{‬ ‫عن ْد َ الّزوْ ِ‬ ‫جهِ وَأ ْ‬ ‫ه أب َْهى ل ِل ْوَ ْ‬ ‫كي فَإ ِن ّ ُ‬ ‫مي وََل ت ُن ْهِ ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫‪}:‬أ ِ‬
‫قط ْع وذ َل ِ َ َ‬
‫ل‬
‫ج ِ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫خَتا ِ‬ ‫صود َ ب ِ ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫كأ ّ‬ ‫ي َعِْني ‪َ :‬ل ت َُبال ِِغي ِفي ال ْ َ ِ َ‬
‫ن‬‫خَتا ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫صود ُ ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫م ْ‬ ‫قل ْفَةِ َوال ْ َ‬ ‫قن َةِ ِفي ال ْ ُ‬ ‫حت َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫سة ِ ا ل ْ ُ‬ ‫جا َ‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت َط ِْهيُره ُ ِ‬
‫ديد َةَ‬ ‫ة َ‬ ‫ت قلفاء َ‬ ‫ذا َ‬ ‫شهْوَت َِها فَإ ِن َّها إ َ‬ ‫ل َ‬ ‫دي ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ش ِ‬ ‫م ً‬ ‫مغْت َل ِ َ‬ ‫ت ُ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫مْرأةِ ت َعْ ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ن القلفاء!!! فَإ ِ ّ‬ ‫مةِ ‪َ :‬يا اب ْ َ‬ ‫شات َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬
‫ل ِفي ال ُ‬ ‫قا ُ‬ ‫ذا ي ُ َ‬ ‫شهْوَةِ ‪ .‬وَل ِهَ َ‬ ‫ال ّ‬
‫ن ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ش ِفي‬ ‫ح ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫ف َ‬ ‫م ْ‬ ‫جد ُ ِ‬ ‫ذا ُيو َ‬ ‫ل أك ْث ََر وَل ِهَ َ‬ ‫جا ِ‬ ‫القلفاء ت َت َط َل ّعُ إَلى الّر َ‬
‫ذا‬‫ن وَإ ِ َ‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ساِء ال ْ ُ‬ ‫جد ُ ِفي ن ِ َ‬ ‫ما َل ُيو َ‬ ‫ج َ‬ ‫ساِء ال ِفْرِن ْ ِ‬
‫ْ‬ ‫ساِء التتر وَن ِ َ‬ ‫نِ َ‬
‫صود ُ‬ ‫ق ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬
‫شهْوَة ُ فَل ي َك ْ ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ف ْ‬ ‫ضعُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫خَتا ِ‬ ‫ْ‬
‫ة ِفي ال ِ‬ ‫َ‬
‫مَبالغَ ُ‬ ‫ْ‬
‫ت ال ُ‬ ‫صل ْ‬ ‫َ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫هّ‬ ‫َ‬
‫ل ‪ .‬وَالل ُ‬ ‫دا ِ‬ ‫صود ُ ِباع ْت ِ َ‬ ‫ق ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ال َ‬‫ْ‬ ‫ص َ‬ ‫ح َ‬ ‫مَبال ِغَةٍ َ‬ ‫ن غ َي ْرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ذا قُط ِعَ ِ‬ ‫ل فَإ ِ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫الّر ُ‬
‫َ‬
‫أع ْل َ ُ‬
‫م‬
‫قلت‪ :‬فالختان المشروع هو ازالة القلفة التى تحيط ببظر الفتاة‬
‫‪.removal or splitting of the clitoral hood‬‬
‫و هذا يوازى فى ختان الذكور ازالة القلفة التى فى مقدمة ذكر‬
‫الصبى‬
‫و ليس ازلة البظر ‪ clitoris‬او حتى جزء منه فهذا مما نهى عنه‬
‫النبى صلى الله عليه و سلم بقوله للخافضة‬
‫َ‬
‫كي‬ ‫مي وََل ت ُن ْهِ ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫أ ِ‬
‫ووضح العلة من ذلك بقوله‬
‫َ‬ ‫ظى ل ِل ْ َ‬ ‫فَإن ذ َل ِ َ َ‬
‫ب إ َِلى ال ْب َعْ ِ‬
‫ل‬ ‫ح ّ‬ ‫مْرأةِ وَأ َ‬ ‫َ‬ ‫ح َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ِ ّ‬
‫اراء المذاهب‬
‫َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫وا ٍ‬ ‫ن ع ََلى أقْ َ‬ ‫خَتا ِ‬ ‫حك ْم ِ ال ْ ِ‬ ‫قَهاُء ِفي ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ف ال ْ ُ‬ ‫خت َل َ َ‬ ‫ن‪:‬ا ْ‬ ‫خَتا ِ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫حك ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫عن ْد َ‬ ‫شاذ ّ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ة وَهُوَ وَ ْ‬ ‫مال ِك ِي ّ ُ‬ ‫ة َوال ْ َ‬ ‫في ّ ُ‬ ‫حن َ ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ل ‪ - 2 :‬ذ َهَ َ‬ ‫ل اْلوّ ُ‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن ال ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ة عَ َ‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫ة ِفي َ‬ ‫سن ّ ٌ‬ ‫ن ُ‬ ‫خَتا َ‬ ‫مد َ ‪ :‬إَلى أ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫شافِعِي ّةِ ‪ ،‬وَرَِواي َ ً‬ ‫ال ّ‬
‫سَلم ِ ‪،‬‬ ‫شَعائ ِرِ اْل ِ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫فط َْرةِ وَ ِ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ‪ .‬وَهُوَ ِ‬ ‫ج ٍ‬ ‫وا ِ‬ ‫س بِ َ‬ ‫ل وَل َي ْ َ‬ ‫جا ِ‬ ‫الّر َ‬

‫‪457‬‬
‫كوا‬ ‫ما ل َوْ ت ََر ُ‬ ‫م ‪ ،‬كَ َ‬ ‫ما ُ‬ ‫م اْل ِ َ‬ ‫حاَرب َهُ ْ‬ ‫ل ب َل ْد َةٍ ع ََلى ت َْرك ِهِ َ‬ ‫معَ أ َهْ ُ‬ ‫جت َ َ‬ ‫فَل َوْ ا ْ‬
‫ة‬
‫في ّ ِ‬ ‫حن َ ِ‬ ‫عن ْد َ ال ْ َ‬ ‫مال ِك ِي ّةِ ‪ ،‬وَ ِ‬ ‫عن ْد َ ال ْ َ‬ ‫مْرأ َةِ ِ‬ ‫حقّ ال ْ َ‬ ‫ب ِفي َ‬ ‫دو ٌ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ن ‪ .‬وَهُوَ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫اْل َ َ‬
‫سن ّةٍ ‪ ،‬وَِفي قَوْ ٍ‬
‫ل‬ ‫س بِ ُ‬ ‫ة وَل َي ْ َ‬ ‫م ً‬ ‫مك ُْر َ‬ ‫خَتان َُها َ‬ ‫حَناب ِل َةِ ِفي رَِواي َةٍ ي ُعْت َب َُر ِ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫ه‬ ‫ث ‪ :‬إن ّ ُ‬ ‫ك ‪ ،‬وَِفي َثال ِ ٍ‬ ‫ن ك َذ َل ِ َ‬ ‫قه ِ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ة ِفي َ‬ ‫سن ّ ٌ‬ ‫ه ُ‬ ‫في ّةِ ‪ :‬إن ّ ُ‬ ‫حن َ ِ‬ ‫عن ْد َ ال ْ َ‬ ‫ِ‬
‫ما‬ ‫ه ع َن ْهُ َ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫س َر ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ن ع َّبا‬ ‫ِ‬ ‫ث اب ْ‬ ‫دي ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫سن ّي ّةِ ب ِ َ‬ ‫ست َد َّلوا ِلل ّ‬ ‫ب ‪َ .‬وا ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ست َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ث أِبي‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫دي ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ساِء { وَب ِ َ‬ ‫ة ِللن ّ َ‬ ‫م ٌ‬ ‫مكُر َ‬ ‫ل َ‬ ‫جا ِ‬ ‫ة ِللّر َ‬ ‫سن ّ ٌ‬ ‫ن ُ‬ ‫خَتا ُ‬ ‫عا ‪ } :‬ال ِ‬ ‫مْرفو ً‬ ‫َ‬
‫ف‬
‫داد ُ ‪ ،‬وَن َت ْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ست ِ ْ‬ ‫ن ‪َ ،‬واِل ْ‬ ‫خَتا ُ‬ ‫ْ‬
‫فطَرةِ ال ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ِ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫م ٌ‬ ‫خ ْ‬ ‫عا } َ‬ ‫مْرُفو ً‬ ‫هَُري َْرة َ َ‬
‫ن ال ْ ِ‬ ‫ب { ‪ .‬وَقَد ْ قُرِ َ‬ ‫م اْلظ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫اْل ِب ِ ِ‬
‫ن ِفي‬ ‫خَتا ُ‬ ‫شارِ ِ‬ ‫ص ال ّ‬ ‫فارِ ‪ ،‬وَقَ ّ‬ ‫قِلي ُ‬ ‫ط ‪ ،‬وَت َ ْ‬
‫ل ع ََلى‬ ‫ما ي َد ُ ّ‬ ‫م ّ‬ ‫جًبا ‪ .‬وَ ِ‬ ‫ك َوا ِ‬ ‫س ذ َل ِ َ‬ ‫ب وَغ َي ْرِهِ وَل َي ْ َ‬ ‫شارِ ِ‬ ‫ص ال ّ‬ ‫ق ّ‬ ‫ث بِ َ‬ ‫دي ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫م‬‫داًء فَل َ ْ‬ ‫سد ِ اب ْت ِ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫جْزءٍ ِ‬ ‫ن قَط ْعُ ُ‬ ‫خَتا َ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫كأ ّ‬ ‫ب ك َذ َل ِ َ‬ ‫جو ِ‬ ‫ع َد َم ِ ال ْوُ ُ‬
‫ل الّثاِني ‪- 3 :‬‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫فارِ ‪ .‬ال ْ َ‬ ‫ص اْل َظ ْ َ‬ ‫سا ع ََلى قَ ّ‬ ‫شْرِع قَِيا ً‬ ‫جًبا ِبال ّ‬ ‫ن َوا ِ‬ ‫ي َك ُ ْ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫حُنو ٍ‬ ‫س ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ضى قَوْ ِ‬ ‫قت َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ‪ ،‬وَهُوَ ُ‬ ‫حَناب ِل َ ُ‬ ‫ة َوال ْ َ‬ ‫شافِعِي ّ ُ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ذ َهَ َ‬
‫ست َد َّلوا‬ ‫َ‬
‫ساِء ‪َ .‬وا ْ‬ ‫ل َوالن ّ َ‬ ‫جا ِ‬ ‫ب ع ََلى الّر َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ن َوا ِ‬ ‫خَتا َ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫مال ِك ِي ّةِ ‪ :‬إَلى أ ّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫مل ّ َ‬ ‫َ‬ ‫قول ِه تعاَلى ‪ } :‬ث ُ َ‬
‫م‬
‫هي َ‬ ‫ة إب َْرا ِ‬ ‫ن ات ّب ِعْ ِ‬ ‫حي َْنا إل َْيك أ ْ‬ ‫م أوْ َ‬ ‫ّ‬ ‫ب بِ َ ْ ِ َ َ‬ ‫جو ِ‬ ‫ل ِل ْوُ ُ‬
‫َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫ه ‪َ -‬قا َ‬ ‫ه ع َن ْ ُ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ث أِبي هَُري َْرة َ ‪َ -‬ر ِ‬ ‫دي ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫جاَء ِفي َ‬ ‫فا { قَد ْ َ‬ ‫حِني ً‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫م الن ّب ِ ّ‬ ‫هي ُ‬ ‫ن إب َْرا ِ‬ ‫خت َت َ َ‬ ‫م‪}:‬ا ْ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه ع َلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ُ‬ ‫ة ِبال ْ َ‬
‫مْرَنا‬ ‫دوم ِ { وَأ ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫سن َ ً‬ ‫ن َ‬ ‫ماِني َ‬ ‫ن ثَ َ‬ ‫م وَهُوَ اب ْ ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫مورِ ال ِّتي‬ ‫ك اْل ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ف‬ ‫ب‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫ّ‬ ‫ص‬
‫ُ‬ ‫ُ َ ْ ِ َ َ َ ْ ٌ َ ِِ ْ ِ ِ‬ ‫ِبا ّ َ ِ ْ َ ِ َ َ‬ ‫م‬ ‫هي‬ ‫را‬ ‫ب‬ ‫إ‬ ‫ع‬ ‫با‬ ‫ت‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ق‬‫ك ‪ } :‬أل ِ‬ ‫ث ك َذ َل ِ َ‬ ‫دي ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫عَنا ‪ .‬وَوََرد َ ِفي ال ْ َ‬ ‫شْر ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫فعَل َُها فَ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫جًبا‬ ‫ن َوا ِ‬ ‫م ي َك ُ ْ‬ ‫ن ل َوْ ل َ ْ‬ ‫خَتا َ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫ن { َقاُلوا ‪ :‬وَِل ّ‬ ‫خت َت ِ ْ‬ ‫فرِ َوا ْ‬ ‫شعَْر ال ْك ُ ْ‬ ‫ع َْنك َ‬
‫ن إل َي َْها‬ ‫جاَز ن َظ َُر ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫خات ِ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫جل ِهِ ‪ ،‬وَل َ ّ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ف ال ْعَوَْرةِ ِ‬ ‫ش ُ‬ ‫جاَز ك َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫لَ َ‬
‫ن ال ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شَعاِر‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫خَتا َ‬ ‫كأ ّ‬ ‫ب ك َذ َل ِ َ‬ ‫جو ِ‬ ‫ن أد ِل ّةِ ال ْوُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ‪ ،‬وَ ِ‬ ‫حَرا ٌ‬ ‫ما َ‬ ‫وَك َِلهُ َ‬
‫صّلى الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫م ‪ .‬وَِفي قَوْل ِهِ َ‬ ‫شَعارِه ِ ْ‬ ‫سائ ِرِ ِ‬ ‫جًبا ك َ َ‬ ‫ن َوا ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫ل ع ََلى أ ّ‬
‫ن‬ ‫ل { د َِلي ٌ‬ ‫س ُ‬ ‫ب ال ْغُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫خَتاَنا ِ‬ ‫قى ال ْ ِ‬ ‫ذا ال ْت َ َ‬ ‫م‪}:‬إ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ع َل َي ْهِ وَ َ‬
‫ل‪.‬‬ ‫ج ِ‬ ‫كالّر ُ‬ ‫ب إَزال َت َُها َ‬ ‫ج َ‬ ‫ة فَوَ َ‬ ‫ضل َ ً‬ ‫ك فَ ْ‬ ‫ن هَُنا َ‬ ‫ن ؛ وَِل َ ّ‬ ‫خت َت ِ ّ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ساَء ك ُ ّ‬ ‫الن ّ َ‬
‫قل ْ َ‬ ‫قاَء ال ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ع‬
‫من َ ُ‬ ‫ة وَي َ ْ‬ ‫س َ‬ ‫جا َ‬ ‫س الن ّ َ‬ ‫حب ِ ُ‬ ‫فةِ ي َ ْ‬ ‫ن بَ َ‬ ‫بأ ّ‬ ‫جو ِ‬ ‫ن اْلد ِل ّةِ ع ََلى ال ْوُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ ِ‬
‫ص‬
‫ل نَ ّ‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫ذا ال ْ َ‬ ‫ث ‪ - 4 :‬هَ َ‬ ‫ل الّثال ِ ُ‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫ب إَزال َت َُها ‪ .‬ال ْ َ‬ ‫ج ُ‬ ‫صَلةِ فَت َ ِ‬ ‫ة ال ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ص ّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ب ع َلى‬ ‫ج ٌ‬ ‫ن َوا ِ‬ ‫خَتا َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫مغِْني ‪ ،‬وَهُوَ أ ّ‬ ‫ة ِفي ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫دا َ‬ ‫ن قُ َ‬ ‫ع َلي ْهِ اب ْ ُ‬
‫ن‪.‬‬ ‫ب ع َل َي ْهِ ّ‬ ‫ج ٍ‬ ‫وا ِ‬ ‫س بِ َ‬ ‫ساِء وَل َي ْ َ‬ ‫حقّ الن ّ َ‬ ‫ة ِفي َ‬ ‫م ٌ‬ ‫مك ُْر َ‬ ‫ل ‪ ،‬وَ َ‬ ‫جا ِ‬ ‫الّر َ‬
‫‪http://feqh.al-islam.com/Display.asp...23%23%23%23%23‬‬
‫قلت و خلصة القول‬
‫َ‬
‫ساِء‬
‫حقّ الن ّ َ‬
‫ة ِفي َ‬ ‫مك ُْر َ‬
‫م ٌ‬ ‫ل ‪ ،‬وَ َ‬ ‫ب ع ََلى الّر َ‬
‫جا ِ‬ ‫ج ٌ‬‫ن َوا ِ‬ ‫ن ال ْ ِ‬
‫خَتا َ‬ ‫وَهُوَ أ ّ‬
‫ب ع َل َي ْهِ ّ‬
‫ن‬ ‫ج ٍ‬ ‫وا ِ‬‫س بِ َ‬‫وَل َي ْ َ‬
‫السباب الطبية لجراحة الختان الشرعى‪:‬‬
‫أسباب عضوية‪:‬‬
‫ـ حجم القلفة وزيادة طولها‪.‬‬

‫‪458‬‬
‫ـ وجود التهابات بينها وبين البظر مما يؤدي إلى شدة حساسية‬
.‫البظر واللم عند لمسه‬
‫ـ تراكم اللخن مما يزيد من تكاثر البكتريا والتهابات الجهاز البولي‬
.‫الصاعد‬
‫ والتي تؤدي إلى‬،‫ـ اللتصاقات التي تحدث نتيجة لهذه اللتهابات‬
‫قفل المجرى البولي والتناسلي خاصة في الطفال قبل سن‬
‫البلوغ وفي مرحلة الكبر في سن اليأس )نسبة لقلة هرمون‬
.(‫الستروجين‬
:‫أسباب جنسية‬
‫ـ قلة الرتواء الجنسي نسبة لضيق القلفة لللتصاقات أو كبر‬
.‫ وبعد البظر إلى داخل الجسم‬،‫حجمها‬
‫ـ شدة الشبق الجنسي نتيجة لللتصاقات والحكة وكثرة النشغال‬
.‫بالمنطقة وملمستها‬
:‫أسباب نفسية‬
‫ بعض حالت الكتئاب‬،‫ التبول اللإرادي‬،‫ الهستريا‬،‫البرود الجنسي‬
"‫ حالة النيمفومينيا " الهوس الجنسى‬،‫النفسي‬
‫و يؤيد ذلك ما ورد فى دائرة المعارف المجانية‬
http://en.wikipedia.org/wiki/Female_circumcision
Clitoridotomy
Clitoridotomy" (also called "hoodectomy" as a slang term) involves"
the removal or splitting of the clitoral hood. The United Nations
Population Fund states that this is comparable to male circumcision.
[1] In the United States and other Western countries, clitoridotomy
is usually performed on adult women rather than on children.
(Sunna circumcision, named after the Arabic word for anything
approved by Islamic law and centred in Islamic tradition: in fact,
there is no genuine approval for this, and some Muslim clergy
oppose all forms of FGC
‫و فى نفس المصدر السابق‬
Through the 1950s, some doctors continued to advocate
clitoridotomy for hygienic reasons or to reduce masturbation. For
example, C.F. McDonald wrote in a 1958 paper titled Circumcision of
the Female [4],[5], "If the male needs circumcision for cleanliness
and hygiene, why not the female? I have operated on perhaps 40
patients who needed this attention." The author describes
symptoms as "irritation, scratching, irritability, masturbation,
frequency and urgency," and in adults, smegmaliths causing
"dyspareunia and frigidity." The author then reported that a two-
year old was no longer masturbating so frequently after the
procedure. Of adult women, the author stated that "for the first time
in their lives, sex ambition became normally satisfied." In the U.S.,
the last documented clitoridotomy to reduce sexual activity

459
occurred in 1958. The procedure was performed on a 5-year-old girl,
.reportedly to stop her from masturbating
medical discussion of the topic of female sunna circumcision
this message deals with the topic of female circumcision it's mostly
written in English so it will be difficult for those who dont have
medical background to cope with
I apologize for any scientific mistakes that may be encountered. in
fact the data on the web are some what controversial ,contradicting
and some times misleading
"medical indications of female circumcision" hoodectomy
Two Common Abnormalities
The two common problems that make the highly sensitive area of
the clitoris unable to be stimulated are phimosis and redundancy.
Sebaceous glands about the clitoris attempt to prevent adhesions of
the prepuce to it. This sometimes fails and the clitoris is tightly
adherent to the prepuce. This defect is recorded as 1 plus or 25 per
cent of the normal surface adherent, to 4 plus or complete
coverage. A prepuce for the protection of the clitoris is normal and
useful, but if it is excessive and extends past the eminence of
clitoris it can prevent contact and is harmful : said doctor W.G.
: Rathmann, M.D and He added
Additional Indications
The following situations would indicate the need for circumcision
.although less phimosis or redundancy is present
If the patient is quite adipose, a circumcision could be indicated .1
although she has less anatomic defect. Obstruction by the adjacent
tissues adds to her problem. This operation may help cure her
.adiposity by relieving psychosomatic factors
If the husband is unusually awkward or difficult to educate, one .2
.should at times make the clitoris easier to find
If the clitoris is quite small and is difficult to contact, a .3
circumcision might help by making it more accessible
dr. Rathmann made a Questionnaire on a groupe of women on
which he perfomed the surgical procedure " hoodectomy" and
received 112 Questionnaires
:the results
in
:women" had never experienced an orgasm"73
(Not Successful (12.4% 9
(Successful (87.6% 64
in
:women" had experienced an orgasm with difficulty"39
(Not Improved (12.5% 5
(improved (87.5% 34

460
http://www.noharmm.org/femcirctech.htm
: in an article published on scientific American .com
Why do so many women have difficulty reaching orgasm? A new
study suggests that, for some, an anatomical disorder may be to
blame. Researchers at Boston University School of Medicine report
that roughly one quarter of the women they have treated for sexual
dysfunction have clitoral phimosis, which means the hood of skin
surrounding their clitoris is too tight or there is no opening in the
skin for the glans of the clitoris to protrude for stimulation. The
scientists, who were led by Irwin Goldstein, presented their findings
at the Female Sexual Function Forum, a four-day meeting in Boston
.of physicians and therapists that ended Sunday
The analysis was based on photographs taken of the vulvas of
roughly 200 women who have been evaluated at Boston University's
.Woman's Sexual Health Clinic since its opening in 1998
:It adds
Goldstein and his co-workers found that women with the highest
degrees of phimosis were the most likely to report problems
experiencing orgasm. Clitoral phimosis is roughly equivalent to an
.uncircumcised man with an extremely tight foreskin
http://www.sciam.com/article.cfm?art...D9F&sc=I100322
: on wikipedia .org
Through the 1950s, some doctors continued to advocate
clitoridotomy for hygienic reasons or to reduce masturbation. For
example, C.F. McDonald wrote in a 1958 paper titled Circumcision of
the Female [4],[5], "If the male needs circumcision for cleanliness
and hygiene, why not the female? I have operated on perhaps 40
patients who needed this attention." The author describes
symptoms as "irritation, scratching, irritability, masturbation,
frequency and urgency," and in adults, smegmaliths causing
"dyspareunia and frigidity." The author then reported that a two-
year old was no longer masturbating so frequently after the
procedure. Of adult women, the author stated that "for the first time
in their lives, sex ambition became normally satisfied." In the U.S.,
the last documented clitoridotomy to reduce sexual activity
occurred in 1958. The procedure was performed on a 5-year-old girl,
reportedly to stop her from masturbating. Justification of the
procedure on hygienic grounds, or to reduce masturbation, has
since declined. The view that masturbation is a cause of mental and
physical illness has dissipated since the mid-20th century
http://en.wikipedia.org/wiki/Clitoridotomy
:i say
so justification of the procedure on hygienic grounds or to reduce
masturbation has declined as the view that masturbation causes
mental or physical illness has dissipated!!!! Ofcourse they"
infidels"don’t care if the girl is a chronic maturbator
.sexually hyperactive or not ,

461
‫‪:The part to be taken during hoodectomy‬‬
‫‪!!.I say just what makes the clitoris easier to find‬‬
‫‪Just to expose part of the clitoris like the glans or more to make the‬‬
‫‪clitoris accessible‬‬
‫‪This procedure is to be performed only if the clitoris is redundant or‬‬
‫‪tight‬‬
‫مقدار ما يؤخذ فى الختان‬
‫قال صلى الله عليه و سلم فى الحديث الذى رواه ابو داوود قال‪:‬‬
‫ن ع َب ْدِ‬ ‫ب بْ ُ‬ ‫ها ِ‬ ‫ي وَع َب ْد ُ ال ْوَ ّ‬ ‫ق ّ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن الد ّ َ‬ ‫م ِ‬‫ح َ‬ ‫ن ع َب ْد ِ الّر ْ‬ ‫ن بْ ُ‬ ‫ما ُ‬ ‫سل َي ْ َ‬‫حد ّث ََنا ُ‬ ‫َ‬
‫ن َقا َ‬ ‫ي َقاَل َ‬ ‫َ‬
‫حيم ِ اْل ْ‬
‫ل‬ ‫سا َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫مد ُ ب ْ ُ‬
‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫حد ّث ََنا ُ‬‫ن َ‬ ‫مْرَوا ُ‬ ‫حد ّث ََنا َ‬ ‫جعِ ّ‬ ‫ش َ‬ ‫الّر ِ‬
‫ة‬
‫م ع َط ِي ّ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ب ال ُ‬ ‫ْ‬
‫نأ ّ‬ ‫مي ْرٍ ع َ ْ‬ ‫ن عُ َ‬ ‫ك بْ ِ‬ ‫مل ِ ِ‬‫ن ع َب ْد ِ ال َ‬ ‫ي عَ ْ‬ ‫كوفِ ّ‬ ‫ها ِ‬ ‫ع َب ْد ُ الوَ ّ‬
‫َ‬
‫ة‬
‫صارِي ّ ِ‬ ‫اْلن ْ َ‬
‫ه ع َل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ل ل ََها الن ّب ِ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫دين َةِ فَ َ‬ ‫م ِ‬‫ن ِبال ْ َ‬
‫خت ِ ُ‬‫ت تَ ْ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫مَرأ َة ً َ‬ ‫نا ْ‬ ‫أ ّ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫ظى ل ِل ْ َ‬ ‫وسل ّم َل تنهكي فَإن ذ َل ِ َ َ‬
‫ب إ َِلى ال ْب َعْ ِ‬
‫ل‬ ‫ح ّ‬ ‫مْرأةِ وَأ َ‬ ‫َ‬ ‫ح َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ِ ّ‬ ‫ُِْ ِ‬ ‫َ َ َ‬
‫قال العلمة اللبانى " حديث صحيح"‬
‫‪http://arabic.islamicweb.com/Books/albani.asp?id=16216‬‬
‫قلت ‪ :‬و لعل قول النبى ل تنهى اى ل تبالغى فى ازاله الغلفة‬
‫و ما عليه العلماء المعتبرون هو ازالة الجلدة التى كعرف‬
‫الديك) الغلفة( او بعضها‬
‫مي وََل‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫دة َ‬
‫ش ّ‬‫م ع َط ِّية ‪ " :‬أ ِ‬ ‫ديث أ ّ‬ ‫ح ِ‬
‫م ‪ .‬وَِفي َ‬ ‫م َ‬‫ش َ‬ ‫ما ّ‬‫وَِفي الن َّهاَية ِفي َ‬
‫مَبال ََغة ِفي ِ‬
‫ه‪/‬‬ ‫حة َوالن ّْهك ال ْ ُ‬ ‫مام ِ الّرائ ِ َ‬ ‫ش َ‬ ‫سير ب ِإ ِ ْ‬ ‫طع ال ْي َ ِ‬‫ق ْ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫كي " َ‬
‫شب ّ َ‬ ‫ت ُن ْهِ ِ‬
‫عون المعبود شرح سنن أبى داوود‬
‫َ‬
‫قط َ َ‬
‫ع‬ ‫ن تَ ْ‬‫خَتان َُها أ ْ‬
‫ن" اى المرأة" وَ ِ‬ ‫خت َت ِ ُ‬‫م تَ ْ‬ ‫و قال المام ابن تيمية‪ :‬ن َعَ ْ‬
‫َ‬
‫ك‬
‫دي ِ‬ ‫ف ال ّ‬ ‫جل ْد َةِ ال ِّتي ك َعُْر ِ‬ ‫أع َْلى ال ْ ِ‬
‫و قال ابن القيم‪ :‬قال الماوردي والسنة أن يستوعب القلفة التي‬
‫تغشى الحشفة بالقطع من أصلها وأقل ما يجزئ فيه أن ل‬
‫يتغشى بها شيء من الحشفة وأما خفض المرأة فهو قطع جلدة‬
‫في الفرج فوق مدخل الذكر ومخرج البول على أصل كالنواة" و‬
‫النواة هى نفس العضو ‪ clitoris‬الذى تغشاه الغلفة ‪prepuce‬‬
‫"ويؤخذ منه الجلدة المستعلية دون أصلها‬
‫‪http://arabic.islamicweb.com/Books/t...book=95&id=191‬‬
‫‪But some argue that the prepuce covers the clitoris and prevents‬‬
‫‪any painful tactile stimulation of it‬‬
‫‪i say: this occur in some not all women whose clitorises are too‬‬
‫‪sensitive after orgasm, making additional stimulation painful; they‬‬
‫‪are probably not able to experience multiple orgasms. " as said by‬‬
‫‪"the article published on psychcentral.com‬‬
‫‪http://psychcentral.com/psypsych/Org..._female_orgasm‬‬
‫‪But during the preceding phases of orgasm " namely excitation,‬‬
‫‪plateau and orgasmic phases" stimulation of clitoris is beneficial for‬‬
‫‪optimum sexual pleasure and the woman " whose clitoris is too‬‬

‫‪462‬‬
sensitive and had hoodectomy"can already have a successful
orgasm but those who argue talk about the miracle called multiple
orgasms!! Namely successive orgasms
They want to say, seemingly, ahusband should leave the clitoris
untouched during intercourse definitely after the woman first
orgasm so lets the woman to have multiple orgasms and that comes
when the prepuce covers the clitoris so if she loses her prepuce the
clitoris will be exposed" i say: this can be avoided by chosing a
sexual position with which its impossible to the clitoris to be touched
" by the husband
So the uncircumcised woman can experience what is called multiple
orgasms and she knows when to stimulate manually her clitoris and
when not to ;of course if her clitoris is too sensitive she avoid s
touching it after orgasm in order to attain additional ones! Adding
the view that women can attain orgasms even without direct
stimulation of their clitorises what is called vaginal orgasm " but this
"is controversial
Vaginal Orgasms
A vaginal orgasm is achieved via stimulation of the interior of the
vagina, which includes the G-Spot, the interior walls and the cervix.
Vaginal orgasms are usually described as "deep" and "relaxing", and
can be followed by a profound sense of calm. There is a difference
in physiological response between the two types of orgasms as well.
Masters & Johnson, who began their human sexuality studies in the
1950's and who are considered to be pioneers in the filed of human
physiology, reported that "during a vaginal orgasm the internal
organs are pushed downward, contracting the upper half of the
."vagina
Clitoral Orgasms
The clitoral orgasm is achieved by direct stimulation of the clitoris.
This can be achieved either manually, orally, during intercourse or
with the aid of sex toys. The clitoral orgasm is probably the most
common form of orgasm among women. In fact, the clitoris is
actually very similar in structure to the penis. It is made up of the
same type of tissue, and is lined with the same sensitive nerve
endings. Clitoral orgasms are typically described as "higher" and
"intense" and can be accompanied by a sense of over stimulation.
Many women report that their clitoris is too sensitive to be touched
directly following an orgasm. Masters & Johnson also discovered
that there are physiological changes during clitoral orgasms that do
not exist during a vaginal orgasm. They described the response to
clitoral stimulation as "tenting", which means that the internal
organs, for example the bladder and the uterus, are "pulled up
."towards the breast, expanding the top of the vagina
So if the woman is to or should!! have multiple orgasms and her
clitoris is too sensitive and even painful to touch after orgasm she
must depend on or shift to what is called vaginal orgasm!! so just

463
‫‪she lets her husband's copulatory organ in and out without touching‬‬
‫‪the clitoris‬‬
‫بن مريم‬
‫==================‬
‫ما أفلح قوم وّلوا أمرهم امرأة‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫صَرة "‪ ..‬وكل من ولى‬ ‫إن " الولية " بكسر الواو وفتحها هى " الن ّ ْ‬
‫ى‬
‫ى الذين آمنوا ( )‪) (2‬إن وَل ِي ّ َ‬ ‫أمر الخر فهو وليه)‪)(1‬الله ول ّ‬
‫ى المؤمنين( )‪) (4‬قل يا أيها الذين هادوا إن‬ ‫الله ( )‪) (3‬والله ول ّ‬
‫زعمتم أنكم أولياء ل ِل ّهِ من دون الناس فتمنوا الموت ( )‪) (5‬ما‬
‫لكم من َوليتهم من شىء ( )‪.(6‬‬
‫وإذا كانت " النصرة " هى معنى " الولية " ‪ ،‬فل مجال للخلف‬
‫على أن للمرأة نصرة وسلطانا ً ‪ ،‬أى ولية ‪ ،‬فى كثير من ميادين‬
‫الحياة‪..‬‬
‫فالمسلمون مجمعون على أن السلم قد سبق كل الشرائع‬
‫الوضعية والحضارات النسانية عندما أعطى للمرأة ذمة مالية‬
‫خاصة ‪ ،‬وولية وسلطانا على أموالها ‪ ،‬ملكا وتنمية واستثمارا‬
‫وإنفاقا ً ‪ ،‬مثلها فى ذلك مثل الرجل سواء بسواء‪ ..‬والولية المالية‬
‫والقتصادية من أفضل الوليات والسلطات فى المجتمعات‬
‫النسانية ‪ ،‬على مر تاريخ تلك المجتمعات‪ ..‬وفى استثمار الموال‬
‫ولية وسلطان يتجاوز الطار الخاص إلى النطاق العام‪..‬‬
‫والمسلمون مجمعون على أن للمرأة ولية على نفسها ‪ ،‬تؤسس‬
‫لها حرية وسلطانا فى شئون زواجها ‪ ،‬عندما يتقدم إليها الراغبون‬
‫فى القتران بها ‪ ،‬وسلطانها فى هذا يعلو سلطان وليها الخاص‬
‫والولى العام لمر أمة السلم‪..‬‬
‫والمسلمون مجمعون على أن للمرأة ولية ورعاية وسلطانا ً فى‬
‫بيت زوجها ‪ ،‬وفى تربية أبنائها‪ ..‬وهى ولية نص على تميزها بها‬
‫صل أنواع‬ ‫وفيها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى ف ّ‬
‫وميادين الوليات‪:‬‬
‫] كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ‪ ،‬فالمير الذى على الناس‬
‫راع عليهم وهو مسئول عنهم ‪ ،‬والرجل راع على أهل بيته وهو‬
‫مسئول عنهم ‪ ،‬والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهى‬
‫مسئولة عنهم ‪ ،‬أل فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته [ )‪.(7‬‬
‫لكن قطاعا من الفقهاء قد وقف بالوليات المباحة والمفتوحة‬
‫ميادينها أمام المرأة عند " الوليات الخاصة " ‪ ،‬واختاروا حجب‬
‫المرأة عن " الوليات العامة "‪ ،‬التى تلى فيها أمر غيرها من‬
‫الناس ‪ ،‬خارج السرة وشئونها‪..‬‬

‫‪464‬‬
‫ونحن نعتقد أن ما سبق وقدمناه فى القسم الول من هذه‬
‫الدراسة من وقائع تطبيقات وممارسات مجتمع النبوة والخلفة‬
‫الراشدة لمشاركات النساء فى العمل العام بدءا ً من الشورى‬
‫فى المور العامة‪ ..‬والمشاركة فى تأسيس الدولة السلمية‬
‫الولى‪ .‬وحتى ولية الحسبة والسواق والتجارات ‪ ،‬التى و ّ‬
‫لها‬
‫شفاء بنت عبد الله بن عبد‬ ‫عمر بن الخطاب رضى الله عنه " لل ّ‬
‫شمس ] ‪ 20‬هجرية ‪641/‬م [‪ ..‬وانتهاء بالقتال فى ميادين‬
‫ضا ما أوردناه من اليات القرآنية الدالة على أن‬‫الوغى‪ ..‬وأي ً‬
‫الموالة والتناصر بين الرجال والنساء فى العمل العام سائر‬
‫ميادين العمل العام وهى التى تناولها القرآن الكريم تحت فريضة‬
‫المر بالمعروف والنهى عن المنكر )والمؤمنون والمؤمنات‬
‫بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر‬
‫ويقيمون الصلة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك‬
‫سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ( )‪.(8‬‬
‫نعتقد أن ما سبق وأوردناه حول هذه القضية ‪ -‬قضية ولية المرأة‬
‫ومشاركتها مع الرجل فى وليات العمل العام كاف وواف فى‬
‫الرد ّ على الذين يمارون فى ولية المرأة للعمل العام‪.‬‬
‫أما الضافة التى نقدمها فى هذا القسم من هذه الدراسة قسم‬
‫إزالة الشبهات فهى خاصة بمناقشة الفهم المغلوط للحديث‬
‫النبوى الشريف‪ ] :‬ما أفلح قوم يلى أمرهم امرأة [‪ ..‬إذ هو‬
‫الحديث الذى يستظل بظله كل الذين يحّرمون مشاركة المرأة‬
‫فى الوليات العامة والعمل العام‪..‬‬
‫ولقد وردت لهذا الحديث روايات متعددة ‪ ،‬منها‪ ] :‬لن يفلح قوم‬
‫تملكهم امرأة [‪ ] ..‬لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة [‪ ] ..‬ولن‬
‫يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة [ رواها‪ :‬البخارى والترمذى‬
‫والنسائى والمام أحمد‪..‬‬
‫وإذا كانت صحة الحديث من حيث " الرواية " هى حقيقة ل شبهة‬
‫فيها‪ ..‬فإن إغفال مناسبة ورود هذا الحديث يجعل " الدراية "‬
‫بمعناه الحقيقى مخالفة للستدلل به على تحريم ولية المرأة‬
‫للعمل العام‪..‬‬
‫ذلك أن ملبسات قول الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬لهذا‬
‫الحديث تقول‪ :‬إن نفرا ً قد قدموا من بلد فارس إلى المدينة‬
‫المنورة ‪ ،‬فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫‪ " -‬من يلى أمر فارس " ؟ ‪ " -‬قال ] أحدهم [‪ :‬امرأة‪.‬‬
‫‪ -‬فقال صلى الله عليه وسلم " ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة "‪.‬‬

‫‪465‬‬
‫فملبسات ورود الحديث تجعله نبوءة سياسية بزوال ملك فارس‬
‫وهى نبوءة نبوية قد تحققت بعد ذلك بسنوات– أكثر منه تشريعا ً‬
‫عاما يحرم ولية المرأة للعمل السياسى العام‪..‬‬
‫ً‬
‫ثم إن هذه الملبسات تجعل معنى هذا الحديث خاصا " بالولية‬
‫العامة " أى رئاسة الدولة وقيادة المة‪..‬‬
‫فالمقام كان مقام الحديث عن امرأة تولت عرش الكسروية‬
‫الفارسية ‪ ،‬التى كانت تمثل إحدى القوتين العظم فى النظام‬
‫العالمى لذلك التاريخ‪ ..‬ول خلف بين جمهور الفقهاء باستثناء‬
‫طائفة من الخوارج على اشتراط " الذكورة " فيمن يلى "‬
‫المامة العظمى " والخلفة العامة لدار السلم وأمة السلم‪..‬‬
‫أما ماعدا هذا المنصب بما فى ذلك وليات القاليم والقطار‬
‫والدول القومية والقطرية والوطنية فإنها ل تدخل فى ولية‬
‫المامة العظمى لدار السلم وأمته‪ ..‬لنها وليات خاصة وجزئية ‪،‬‬
‫يفرض واجب المر بالمعروف والنهى عن المنكر المشاركة فى‬
‫حمل أماناتها على الرجال والنساء دون تفريق‪..‬‬
‫فالشبهة إنما جاءت من خلط مثل هذه الوليات الجزئية والخاصة‬
‫بالمامة العظمى والولية العامة لدار السلم وأمته وهى الولية‬
‫التى اشترط جمهور الفقهاء " الذكورة " فيمن يليها‪ ..‬ول حديث‬
‫للفقه المعاصر عن ولية المرأة لهذه المامة العظمى ‪ ،‬لن هذه‬
‫الولية قد غابت عن متناول الرجال ‪ ،‬فضل ً عن النساء ‪ ،‬منذ‬
‫سقوط الخلفة العثمانية ] ‪ 1342‬هجرية ‪1924‬م [ وحتى‬
‫الن !‪..‬‬
‫وأمر آخر لبد من الشارة إليه ‪ ،‬ونحن نزيل هذه الشبهة عن‬
‫ولية المرأة للعمل العام ‪ ،‬وهو تغير مفهوم الولية العامة فى‬
‫عصرنا الحديث ‪ ،‬وذلك بانتقاله من‪ ":‬سلطان الفرد " إلى "‬
‫سلطان المؤسسة " ‪ ،‬والتى يشترك فيها جمع من ذوى السلطان‬
‫والختصاص‪..‬‬
‫ول " القضاء " من قضاء القاضى الفرد إلى قضاء‬ ‫لقد تح ّ‬
‫مؤسسى ‪ ،‬يشترك فى الحكم فيه عدد من القضاة‪..‬‬
‫فإذا شاركت المرأة فى " هيئة المحكمة " فليس بوارد الحديث‬
‫عن ولية المرأة للقضاء ‪ ،‬بالمعنى الذى كان واردا ً فى فقه‬
‫القدماء ‪ ،‬لن الولية هنا الن لمؤسسة وجمع ‪ ،‬وليست لفرد من‬
‫الفراد ‪ ،‬رجل ً كان أو امرأة‪ ..‬بل لقد أصبحت مؤسسة التشريع‬
‫والتقنين مشاركة فى ولية القضاء ‪ ،‬بتشريعها القوانين التى‬
‫ينفذها القضاة‪ ..‬فلم يعد قاضى اليوم ذلك الذى يجتهد فى‬
‫استنباط الحكم واستخلص القانون ‪ ،‬وإنما أصبح " المنفذ "‬

‫‪466‬‬
‫للقانون الذى صاغته وقننته مؤسسة ‪ ،‬تمثل الجتهاد الجماعى‬
‫والمؤسسى ل الفردى فى صياغة القانون‪..‬‬
‫وكذلك الحال مع تحول التشريع والتقنين من اجتهاد الفرد إلى‬
‫اجتهاد مؤسسات الصياغة والتشريع والتقنين‪..‬‬
‫فإذا شاركت المرأة فى هذه المؤسسات ‪ ،‬فليس بوارد الحديث‬
‫عن ولية المرأة لسلطة التشريع بالمعنى التاريخى والقديم‬
‫لولية التشريع‪..‬‬
‫وتحولت سلطات صنع " القرارات التنفيذية " فى النظم الشورية‬
‫والديمقراطية عن سلطة الفرد إلى سلطان المؤسسات‬
‫المشاركة فى العداد لصناعة القرار‪ ..‬فإذا شاركت المرأة فى‬
‫هذه المؤسسات ‪ ،‬فليس بوارد الحديث عن ولية المرأة لهذه‬
‫السلطات والوليات ‪ ،‬بالمعنى الذى كان فى ذهن الفقهاء الذين‬
‫عرضوا لهذه القضية فى ظل " فردية " الوليات ‪ ،‬وقبل تعقد‬
‫النظم الحديثة والمعاصرة ‪ ،‬وتميزها بالمؤسسية والمؤسسات‪..‬‬
‫لقد تحدث القرآن الكريم عن ملكة سبأ ‪ -‬وهى امرأة ‪ -‬فأثنى‬
‫عليها وعلى وليتها للولية العامة ‪ ،‬لنها كانت تحكم بالمؤسسة‬
‫الشورية ل بالولية الفردية )قالت يا أيها المل أفتونى فى أمرى‬
‫ما كنت قاطعة أمرا ً حتى تشهدون( )‪ ..(9‬وذم القرآن الكريم‬
‫فرعون مصر ‪ -‬وهو رجل لنه قد انفرد بسلطان الولية العامة‬
‫وسلطة صنع القرار)قال فرعون ما أريكم إل ما أرى وما أهديكم‬
‫إل سبيل الرشاد ( )‪ ..(10‬فلم تكن العبرة بالذكورة أو النوثة فى‬
‫الولية العامة حتى الولية العامة وإنما كانت العبرة بكون هذه‬
‫الولية " مؤسسة شورية " ؟ أم " سلطانا فرديا ً مطلقا ً " ؟ أما‬
‫ولية المرأة للقضاء‪ ..‬والتى يثيرها البعض كشبهة على اكتمال‬
‫أهلية المرأة فى الرؤية السلمية‪..‬‬
‫فإن إزالة هذه الشبهة يمكن أن تتحقق بالتنبيه على عدد من‬
‫النقاط‪:‬‬
‫أولها‪ :‬أن ما لدينا فى تراثنا حول قضية ولية المرأة لمنصب‬
‫القضاء هو " فكر إسلمى " و " اجتهادات فقهية " أثمرت "‬
‫أحكاما ً فقهية "‪ ..‬وليس "دينا " وضعه الله سبحانه وتعالى وأوحى‬
‫به إلى رسوله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فالقرآن الكريم لم يعرض‬
‫لهذه القضية ‪ ،‬كما لم تعرض لها السنة النبوية ‪ ،‬لن القضية لم‬
‫تكن مطروحة على الحياة الجتماعية والواقع العملى لمجتمع‬
‫صدر السلم ‪ ،‬فليس لدينا فيها نصوص دينية أصل ً ‪ ،‬ومن ثم فإنها‬
‫من مواطن ومسائل الجتهاد‪..‬‬
‫ثم إن هذه القضية هى من " مسائل المعاملت " وليست من "‬
‫شعائر العبادات "‪ ..‬وإذا كانت " العبادات توقيفية " ت ُل َْتمس من‬

‫‪467‬‬
‫النص وتقف عند الوارد فيه ‪ ،‬فإن " المعاملت " تحكمها المقاصد‬
‫الشرعية وتحقيق المصالح الشرعية المعتبرة‪..‬والموازنة بين‬
‫المصالح والمفاسد فيها‪ ..‬ويكفى فى " المعاملت " أن ل تخالف‬
‫ما ورد فى النص ‪ ،‬ل أن يكون قد ورد فيها نص‪..‬‬
‫ومعلوم أن " الحكام الفقهية " التى هى اجتهادات الفقهاء ‪،‬‬
‫مثلها كمثل الفتاوى ‪ ،‬تتغير بتغير الزمان والمكان والمصالح‬
‫الشرعية المعتبرة‪..‬‬
‫فتولى المرأة للقضاء قضية فقهية ‪ ،‬لم ولن ي ُغَْلق فيها باب‬
‫الجتهاد الفقهى السلمى‪..‬‬
‫وثانيها‪ :‬أن اجتهادات الفقهاء القدماء حول تولى المرأة لمنصب‬
‫القضاء هى اجتهادات متعددة ومختلفة باختلف وتعدد مذاهبهم‬
‫واجتهاداتهم فى هذه المسألة ‪ ،‬ولقد امتد زمن اختلفهم فيها جيل ً‬
‫بعد جيل‪..‬‬
‫ومن ثم فليس هناك " إجماع فقهى " فى هذه المسألة حتى‬
‫يكون هناك إلزام للخلف بإجماع السلف ‪ ،‬وذلك فضل ً عن أن‬
‫إلزام الخلف بإجماع السلف هو أمر ليس محل إجماع‪ ..‬ناهيكم‬
‫عن أن قضية إمكانية تحقق الجماع أى اجتماع سائر فقهاء عصر‬
‫ما على مسألة من مسائل فقه الفروع كهذه المسألة هو مما ل‬
‫ور حدوثه حتى لقد أنكر كثير من الفقهاء إمكانية حدوث‬ ‫ص ّ‬
‫ي ُت َ َ‬
‫الجماع فى مثل هذه الفروع أص ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ومن هؤلء المام أحمد بن حنبل ] ‪ 241 164‬هجرية ‪855 780‬‬
‫م [ الذى قال‪ " :‬من ادعى الجماع فقد كذب ! "‪.‬‬
‫فباب الجتهاد الجديد والمعاصر والمستقبلى فى هذه المسألة‬
‫وغيرها من فقه الفروع مفتوح‪ ..‬لنها ليست من المعلوم من‬
‫الدين بالضرورة أى المسائل التى لم ولن تختلف فيها مذاهب‬
‫فطر السليمة لعلماء وعقلء السلم‪..‬‬ ‫المة ول ال ِ‬
‫وثالثها‪ :‬أن جريان " العادة " فى العصر السلمية السابقة ‪،‬‬
‫على عدم ولية المرأة لمنصب القضاء ل يعنى " تحريم " الدين‬
‫لوليتها هذا المنصب ‪ ،‬فدعوة المرأة للقتال ‪ ،‬وانخراطها فى‬
‫معاركه هو مما لم تجربه " العادة " فى العصر السلمية‬
‫السابقة ‪ ،‬ولم يعن ذلك " تحريم " اشتراك المرأة فى الحرب‬
‫والجهاد القتالى عند الحاجة والستطاعة وتعّين فريضة الجهاد‬
‫القتالى على كل مسلم ومسلمة‪ ..‬فهى قد مارست هذا القتال‬
‫وشاركت فى معاركه على عصر النبوة والخلفة الراشدة‪ ..‬من‬
‫غزوة ُأحد ] ‪ 3‬هجرية ‪625‬م [ إلى موقعة اليمامة ] ‪ 12‬هجرية‬
‫‪ 633‬م [ ضد ردة مسيلمة الكذاب ] ‪ 12‬هجرية ‪ 633‬م [‪ ..‬وفى‬

‫‪468‬‬
‫" العادة " مرتبطة " بالحاجات " المتغيرة بتغير المصالح‬
‫والظروف والملبسات ‪ ،‬وليست هى مصدر الحلل والحرام‪..‬‬
‫رابعها‪ :‬أن علة اختلف الفقهاء حول جواز تولى المرأة لمنصب‬
‫القضاء ‪ ،‬فى غيبة النصوص الدينية – القرآنية والنبوية – التى‬
‫تتناول هذه القضية ‪ ،‬كانت اختلف هؤلء الفقهاء فى الحكم الذى‬
‫" قاسوا " عليه توليها للقضاء‪ .‬فالذين " قاسوا " القضاء على‪:‬‬
‫"المامة العظمى " التى هى الخلفة العامة على أمة السلم‬
‫ودار السلم مثل فقهاء المذهب الشافعى قد منعوا توليها‬
‫للقضاء ‪ ،‬لتفاق جمهور الفقهاء باستثناء بعض الخوارج على جعل‬
‫" الذكورة " شرطا من شروط الخليفة والمام ‪ ،‬فاشترطوا هذا‬
‫الشرط " الذكورة " – فى القاضى ‪ ،‬قياسا ً على الخلفة والمامة‬
‫العظمى‪.‬‬
‫ً‬
‫ويظل هذا " القياس " قياسا على " حكم فقهى " – ليس عليه‬
‫إجماع وليس " قياسا ً " على نص قطعى الدللة والثبوت‪..‬‬
‫والذين أجازوا توليها القضاء ‪ ،‬فيما عدا قضاء " القصاص والحدود‬
‫" مثل أبى حنفية " ] ‪ 150 80‬هجرية ‪ 767 699 /‬م [ وفقهاء‬
‫مذهبه قالوا بذلك " لقياسهم " القضاء على " الشهادة " ‪،‬‬
‫فأجازوا قضاءها فيما أجازوا شهادتها فيه ‪ ،‬أى فيما عدا "‬
‫القصاص والحدود "‪.‬‬
‫فالقياس هنا أيضا ً على " حكم فقهى " وليس على نص قطعى‬
‫الدللة والثبوت‪..‬وهذا الحكم الفقهى المقيس عليه وهو شهادة‬
‫المرأة فى القصاص والحدود‪ ..‬أى فى الدماء ليس موضع‬
‫إجماع‪ ..‬فلقد سبق وذكرنا فى رد شبهة أن شهادة المرأة هى‬
‫على النصف من شهادة الرجل إجازة بعض الفقهاء لشهادتها فى‬
‫الدماء ‪ ،‬وخاصة إذا كانت شهادتها فيها هى مصدر البينة الحافظة‬
‫لحدود الله وحقوق الولياء‪..‬‬
‫أما الفقهاء الذين أجازوا قضاء المرأة فى كل القضايا مثل المام‬
‫محمد بن جرير الطبرى ] ‪ 224310‬هجرية ‪923 839 /‬م [ فقد‬
‫حكموا بذلك " لقياسهم " القضاء على " الفتيا "‪ ..‬فالمسلمون‬
‫قد أجمعوا على جواز تولى المرأة منصب الفتاء الدينى أى‬
‫التبليغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من أخطر‬
‫المناصب الدينية وفى توليها للفتاء سنة عملية مارستها نساء‬
‫كثيرات على عهد النبوة من أمهات المؤمنين وغيرهن فقاس‬
‫هؤلء الفقهاء قضاء المرأة على فتياها ‪ ،‬وحكموا بجواز توليها كل‬
‫أنواع القضاء ‪ ،‬لممارستها الفتاء فى مختلف الحكام‪.‬‬
‫وهم قد عللوا ذلك بتقريرهم أن الجوهرى والثابت فى شروط‬
‫القاضى إنما يحكمه ويحدده الهدف والقصد من القضاء ‪ ،‬وهو‪:‬‬

‫‪469‬‬
‫ضمان وقوع الحكم بالعدل بين المتقاضين‪ ..‬وبعبارة أبى الوليد‬
‫بن رشد الحفيد ] ‪ 520595‬هجرية ‪1198 1126 /‬م [‪ :‬فإن "‬
‫من رأى حكم المرأة نافذا فى كل شئ قال‪ :‬إن الصل هو أن‬
‫كل من يأتى منه الفصل بين الناس فحكمه جائز ‪ ،‬إل ما خصصه‬
‫الجماع من المامة الكبرى " )‪.(11‬‬
‫وخامسها‪ :‬أن " الذكورة " لم تكن الشرط الوحيد الذى اختلف‬
‫حوله الفقهاء من بين شروط من يتولى القضاء‪..‬‬
‫فهم مثل اختلفوا فى شرط " الجتهاد " فأوجب الشافعى ]‬
‫‪ 150204‬هجرية ‪767820 /‬م [ وبعض المالكية أن يكون‬
‫القاضى مجتهدًا‪ ..‬على حين أسقط أبو حنيفة هذا الشرط ‪ ،‬بل‬
‫وأجاز قضاء " العامى " أى المى فى القراءة والكتابة وهو غير‬
‫الجاهل ووافقه بعض الفقهاء المالكية قياسا على أمية النبى‬
‫صلى الله عليه وسلم )‪.(12‬‬
‫واختلفوا كذلك فى شرط كون القاضى " عامل " وليس مجرد "‬
‫عالم " بأصول الشرع الربعة‪ :‬الكتاب ‪ ،‬والسنة ‪ ،‬والجماع ‪،‬‬
‫والقياس‪ ..‬فاشترطه الشافعى ‪ ،‬وتجاوز عنه غيره من الفقهاء )‬
‫‪.(13‬‬
‫كما اشترط أبو حنيفة ‪ ،‬دون سواه أن يكون القاضى عربيا من‬
‫قريش )‪.(14‬‬
‫فشرط " الذكورة " فى القاضى ‪ ،‬هو واحد من الشروط التى‬
‫اختلف فيها الفقهاء ‪ ،‬حيث اشترطه البعض فى بعض القضايا‬
‫دون البعض الخر ‪ ،‬وليس فيه إجماع‪ ..‬كما أنه ليس فيه نصوص‬
‫دينية تمنع أو تقيد اجتهادات المجتهدين‪..‬‬
‫وسادسها‪ :‬أن منصب القضاء ووليته قد أصابها هى الخرى ما‬
‫أصاب الوليات السياسية والتشريعية والتنفيذية من تطور انتقل‬
‫بها من " الولية الفردية " إلى ولية " المؤسسة " فلم تعد "‬
‫ولية رجل " أو " ولية امرأة " ‪ ،‬وإنما أصبح " الرجل " جزءا ً من‬
‫المؤسسة والمجموع ‪ ،‬وأصبحت " المرأة " جزءا ً من المؤسسة‬
‫والمجموع‪ ..‬ومن ثم أصبحت القضية فى " كيف جديد " يحتاج‬
‫إلى " تكييف جديد " يقدمه الجتهاد الجديد لهذا الطور‬
‫المؤسسى الجديد الذى انتقلت إليه كل هذه الوليات‪ ..‬ومنها‬
‫ولية المرأة للقضاء‪..‬‬
‫)‪ (1‬الراغب الصفهانى ‪ ،‬أبو القاسم الحسين بن محمد‬
‫] المفردات فى غريب القرآن [ طبعة دار التحرير ‪ ،‬القاهرة‬
‫‪1991‬م‪.‬‬
‫)‪ (2‬البقرة‪.257 :‬‬
‫)‪ (3‬العراف‪.196 :‬‬

‫‪470‬‬
‫)‪ (4‬آل عمران‪.68 :‬‬
‫)‪ (5‬الجمعة‪.6 :‬‬
‫)‪ (6‬النفال‪.72 :‬‬
‫)‪ (7‬رواه البخارى ومسلم والمام أحمد‪..‬‬
‫)‪ (8‬التوبة‪.71 :‬‬
‫)‪ (9‬النمل‪.32 :‬‬
‫)‪ (10‬غافر‪.29 :‬‬
‫)‪ ] (11‬بداية المجتهد ونهاية المقتصد [ ج ‪ 2‬ص ‪ .494‬طبعة‬
‫القاهرة سنة ‪1974‬م‪ .‬والماوردى ] أدب القاضى [ ج ‪ 1‬ص‬
‫‪ 628-625‬طبعة بغداد سنة ‪1971‬م‪ .‬والحكام السلطانية ص ‪65‬‬
‫طبعة القاهرة سنة ‪1973‬م‪.‬‬
‫)‪ ] (12‬بداية المجتهد ونهاية المقتصد [ ج ‪ 2‬ص ‪.493،494‬‬
‫)‪ ](13‬أدب القاضى [ ج ‪ 1‬ص ‪.643‬‬
‫)‪ (14‬محمد محمد سعيد ] كتاب دليل السالك لمذهب المام‬
‫مالك [ ص ‪ 190‬طبعة القاهرة سنة ‪ 1923‬م‪.‬‬
‫الكاتب‪ :‬أ‪.‬د محمود حمدى زقزوق‪ ،‬وزير الوقاف‬
‫=======================‬
‫حجاب المرأة ليس في السلم فقط‬
‫ل امرأة تصّلي أو تتنّبأ‬‫ما ك ّ‬
‫‪ 1‬كورنت ‪ (1 :11‬قال بولس‪ :‬وأ ّ‬
‫طى فتشين رأسها لّنها والمحلوقة شيء واحد‬ ‫ورأسها غير مغ ّ‬
‫طى‪ :‬فلُيقص شعُرها‪.‬‬ ‫بعينه‪ .‬إذ المرأة إن كانت ل تتغ ّ‬
‫)‪1‬كورنث ‪ (30 :11‬احكموا في أنفسكم‪ :‬هل يليق بالمرأة أن‬
‫طاة؟!‬‫تصّلي إلى الله وهي غير مغ ّ‬
‫)‪1‬تيمو ‪ (9 :2‬الّنساء يزِين ذواتهن بلباس الحشمة ل بضفائر أو‬
‫ذهب أو للئ أو ملبس كثيرة الّثمن‬
‫======================‬
‫حقها في الميراث‬
‫كانت المرأة في الجاهلية ‪ ،‬تابعا ً للرجل في كل شيء ‪ ،‬مسلوبة‬
‫الحق والرادة ‪ ،‬حتى قال عمر بن الخطاب‪) :‬والله أن كنا في‬
‫الجاهلية ل نعد للنساء أمرا ً ‪ ،‬حتى أنزل الله فيهن ما أنزل ‪،‬‬
‫وقسم لهن ما قسم( ‪ ،‬ووصل المر في بعض القبائل إلى حد‬
‫جعلها كالمتاع ‪ ،‬تورث كما يورث ‪ ،‬وتنتقل إلى الورثة كما ينتقل ‪،‬‬
‫وكانوا يحرمونها من كثير من الحقوق ‪ ،‬ويرون أنها ليست أهل ً‬
‫لتلك الحقوق‪.‬‬
‫ومما سلبته الجاهلية المرأة الميراث ‪ ،‬فقد كانوا يرون أنها ل‬
‫تستحق أن ترث من أقاربها شيئا ً ‪ ،‬لنها ل تحمل السيف ‪ ،‬ول‬
‫تحمي البيضة ‪ ،‬ول تحوز الغنيمة ‪ ،‬لذا كان الميراث وقفا ً على‬

‫‪471‬‬
‫ذوي البلء في الحروب ‪ ،‬من الولد الذكور وحدهم ‪ ،‬يأخذه الكبر‬
‫فالكبر ‪ ،‬ولن المال الذي يعطى لها يذهب إلى الغرماء الذين‬
‫تزوجت إليهم ‪ ،‬وقد يكونون من العداء ‪ ،‬وهم حريصون على أن‬
‫يبقى مالهم في أسرهم ‪ ،‬فكانوا يحرمونها من الميراث ‪ ،‬ومن أي‬
‫حق مالي آخر كالمهر والوصية وغيرهما‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك‪:‬‬
‫جاء السلم والمرأة تعامل هذه المعاملة الجائرة ‪ ،‬فأزال عنها‬
‫ذلك الحيف وأبعد الظلم ‪ ،‬وقرر لها نصيبا ً من الميراث ‪ ،‬حقا ً‬
‫مفروضا ً ‪ ،‬خالصا ً لها ‪ ،‬ل مّنة فيه لحد ول فضل ‪ ،‬ونزل القرآن‬
‫يقرر مبدأ حقها في الميراث‪) :‬للرجال نصيب مما ترك الوالدان‬
‫والقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والقربون مما قل‬
‫منه أو كثر ‪ ،‬نصيبا ً مفروضًا( ‪ ،‬فكان هذا قلبا ً كامل ً للوضاع‬
‫السائدة ‪ ،‬وتغييرا ً جذريا ً لمألوفات الحقاب والقرون ‪ ،‬وتحطيما ً‬
‫لشرع البيئة ‪ ،‬وتقاليدها القائمة على الفروسية وحماية الذمار ‪،‬‬
‫صار للمرأة نصيب في الميراث ‪ ،‬بعد أن كانت هي نصيبا ً من‬
‫الميراث ‪ ،‬وأصبحت تملك وتتصرف في ملكها بعد أن كانت هي‬
‫مملوكة‪.‬‬
‫وتوالت اليات تفصل نصيب كل وارث ‪ ،‬وتبين مقداره ‪ ،‬وقد كان‬
‫لهذا التغيير الجذري للموروثات والتقاليد أثره في المجتمع‬
‫المسلم ‪ ،‬حتى إن بعضا ً من المسلين دهشوا لهذا التكريم البالغ ‪،‬‬
‫والعطاء السخي للمرأة ‪ ،‬ووقع المر من نفوس بعضهم موقع‬
‫الستغراب والتساؤل ‪ ،‬فقالوا‪) :‬تعطى المرأة الربع أو الثمن ‪،‬‬
‫وتعطى البنة النصف ‪ ،‬ويعطى الغلم الصغير ‪ ،‬وليس أحد من‬
‫هؤلء يقاتل القوم ‪ ،‬ول يحوز الغنيمة؟( ‪ ،‬وبذلوا محاولت لعله‬
‫يكون تغيير أو رجوع ‪ ،‬ولكن ما أمضاه الله لن يرجع عنه ‪ ،‬وما‬
‫حكم به لن يغير‪.‬‬
‫عن ابن عباس في قوله تعالى‪) :‬يوصيكم الله في أولدكم ‪،‬‬
‫للذكر مثل حظ النثيين( ‪ ،‬وذلك أنه لما نزلت الفرائض التي‬
‫فرض الله فيها للولد الذكر ‪ ،‬والنثى ‪ ،‬والبوين ‪ ،‬كرهها الناس أو‬
‫بعضهم وقالوا‪ :‬تعطى المرأة الربع أو الثمن ‪ ،‬وتعطى البنة‬
‫النصف ‪ ،‬ويعطى الغلم الصغير ‪ ،‬وليس من هؤلء أحد يقاتل‬
‫القوم ‪ ،‬ول يحوز الغنيمة؟!! اسكتوا عن هذا الحديث ‪ ،‬لعل‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ينساه ‪ ،‬أو نقول له فُيغّير ‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬يا رسول الله تعطى الجارية نصف ما ترك أبوها ‪ ،‬وليست‬
‫تركب الفرس ‪ ،‬ول تقاتل القوم ‪ ،‬ويعطى الصبي الميراث ‪،‬‬
‫وليس يغني شيئا ً ‪ ،‬وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية ‪ ،‬ل يعطون‬
‫الميراث إل لمن قاتل القوم ‪ ،‬ويعطونه الكبر فالكبر ‪..‬‬

‫‪472‬‬
‫ظلمات الجاهلية للمرأة ‪،‬‬ ‫ظلمة من ُ‬ ‫وبهذا قضى السلم على ُ‬
‫عاشت أسيرة لها قرونا ً طويل ً ‪ ،‬عانت بسببها كثيرا ً من تبعيتها‬
‫للرجل وتسلطه عليها وتحكمه بها‪.‬‬
‫وقد بنى السلم توزيع النصاب على الورثة على قاعدة‪) :‬للذكر‬
‫مثل حظ النثيين( ‪ ،‬وهو عادل في ذلك ومنصف كل النصاف ‪،‬‬
‫وهذا متفق مع عدالة السلم في توزيع العباء والواجبات ‪ ،‬فهو‬
‫يلزم الرجل في مقابل ذلك بأعباء ‪ ،‬وواجبات مالية ‪ ،‬ل تلزم‬
‫بمثلها المرأة‪) :‬فالرجل يتزوج ويدفع المهر ‪ ،‬ويؤثث البيت ويعد‬
‫السكن ‪ ،‬والمرأة تتزوج ويدفع لها المهر ‪ ،‬ويؤثث لها البيت ويعد‬
‫السكن ‪ ،‬والرجل يتزوج فيعول امرأة )زوجته( وأولدًا‪.‬‬
‫والبنت تتزوج فيعولها الرجل ‪ ،‬ول تعوله ول تكلف بشيء من‬
‫ذلك‪ :‬ولو كانت ثرية وهو فقير‪.‬‬
‫البنت في حال الصغر نفقتها على أبيها أو أخيها أو قريبها الذكر ‪،‬‬
‫وفي الكبر على زوجها ‪ ،‬والبن في حال الكبر ‪ ،‬يعول نفسه‬
‫وأسرته ‪ ،‬ومن ل عائل له من أهله وذويه‪.‬‬
‫نفقة أولدها بعد الزواج على أبيهم ‪ ،‬بخلف نفقة أولد البن فإنها‬
‫عليه‪.‬‬
‫الرجل يتحمل نفقات الضيافة والعقل ‪ ،‬والجهاد والمغارم ‪،‬‬
‫والمرأة ل تتحمل شيئا ً من ذلك‪.‬‬
‫فقد وضع السلم في اعتباره تلك العباء والتكاليف واللتزامات‬
‫التي كلف بها الرجل حين أعطاه ضعف نصيب النثى في‬
‫الميراث ‪ ،‬ولو دقق النظر في مقدار ما يخسره الرجل من المال‬
‫‪ ،‬للقيام بتلك العباء والتكاليف ‪ ،‬لعرفنا أن السلم كان كريما ً‬
‫متسامحا ً مع المرأة حين طرح عنها كل تلك العباء وألقاها على‬
‫كاهل الرجل ‪ ،‬ثم أعطاها نصف ما يأخذ‪.‬‬
‫والمرأة بهذا التشريع الكريم ربحت من جانبين‪:‬‬
‫الول‪ :‬قرر لها حقا ً في الميراث ‪ ،‬ولم يكن لها شيء من ذلك في‬
‫الجاهلية‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬قدر لها هذا الحق بنصف نصيب الذكر ‪ ،‬مع طرح كافة‬
‫العباء واللتزامات المالية عنها‪.‬‬
‫ومن هنا يظهر مقدار تكريم السلم لها ‪ ،‬وتقديره إياها وفضله‬
‫عليها‪.‬‬
‫====================‬
‫لماذا تنكرون التعدد في الزوجات في السلم وكتابكم‬
‫المقدس‬
‫يقول ‪:‬‬
‫زوجات إبراهيم هن ‪:‬‬

‫‪473‬‬
‫‪ -1‬سارة أخته لبيه )تكوين ‪(12 :20‬‬
‫‪ -2‬هاجر )تكوين ‪(15 :16‬‬
‫‪ -3‬قطورة )تكوين ‪(1 :25‬‬
‫‪ -4‬حجور )الطبرى ج ‪ 1‬ص ‪(311‬‬
‫َ‬
‫ت‬‫كان َ ْ‬‫واِتي َ‬‫سَرارِيّ الل ّ َ‬ ‫ما ب َُنو ال ّ‬
‫‪ -5‬يقول سفر التكوين ‪ )) :‬وَأ ّ‬
‫شْرقا ً‬
‫حاقَ اب ْن ِهِ َ‬
‫س َ‬
‫ن إِ ْ‬ ‫م عَ ْ‬‫صَرفَهُ ْ‬
‫طاَيا وَ َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫هي ُ‬‫م إ ِب َْرا ِ‬ ‫م فَأ َع ْ َ‬
‫طاهُ ْ‬ ‫هي َ‬ ‫ل ِب َْرا ِ‬
‫ي‪ ((.‬تكوين ‪6 :25‬‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬ ‫إَلى أ َ‬
‫ح ّ‬ ‫ق وَهُوَ ب َعْد ُ َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫ض ال َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫ِ‬
‫ومعنى ذلك أنه كان سيدنا إبراهيم يجمع على القل ثلث زوجات‬
‫بالضافة إلى السرارى التي ذكرها الكتاب بالجمع‪.‬‬
‫وإذا علمنا أن سليمان كلن عنده ‪ 300‬من السرارى ‪ ،‬وداود ترك‬
‫جزء من سراريه لحفظ البيت ‪ ،‬ويبلغ عددهن ‪ 10‬سرارى‬
‫)صموئيل الثاني ‪.(16 :15‬‬
‫فإذا ما افترضنا بالقياس أن سيدنا إبراهيم كان عنده ‪ 10‬سرارى‬
‫فقط بالضافة إلى زوجاته‪ ،‬يكون قد جمع تحته ‪ 13‬زوجة‬
‫وسريرة‪.‬‬
‫وزوجات يعقوب هن ‪:‬‬
‫‪ -1‬ليئة‬
‫‪ -2‬راحيل‬
‫‪ -3‬زلفة‬
‫‪ -4‬بلهة‬
‫وبذلك يكون سيدنا يعقوب قد جمع ‪ 4‬زوجات في وقت واحد‪.‬‬
‫وزوجات موسى هن‪:‬‬
‫‪ -1‬صفورة )خروج ‪(22-11 :2‬‬
‫‪ -2‬امرأة كوشية )وهو في سن التسعين( عدد ‪15-1 :12‬‬
‫وبذلك يكون نبي الله موسى قد تزوج من اثنتين )يؤخذ في‬
‫العتبار أن اسم حمى موسى جاء مختلفًا‪ :‬فقد أتى رعوئيل‬
‫)خروج ‪ (28 :2‬ويثرون )خروج ‪ (1 :3‬وحوباب القينى قضاة ‪:1‬‬
‫‪ (16‬وقد يشير هذا إلى وجود زوجة ثالثة لموسى عليه السلم ؛‬
‫إل إذا اعترفنا بخطأ الكتاب في تحديد اسم حمى موسى عليه‬
‫السلم‪.‬‬
‫وزوجات جدعون هن ‪ )) :‬كان لجدعون سبعون ولدا ً خارجون من‬
‫صلبه ‪ ،‬لن كانت له نساء كثيرات (( قضاة ‪31-30 :8‬‬
‫وإذا ما حاولنا استقراء عدد زوجاته عن طريق عدد أولده ‪،‬‬
‫نقول‪ :‬أنجب إبراهيم ‪ 13‬ولدا ً من ‪ 4‬نساء‪ .‬فيكون المتوسط‬
‫التقريبى ‪ 3‬أولد لكل امرأة‪.‬‬
‫وكذلك أنجب يعقوب ‪ 12‬ولدا ً من ‪ 4‬نساء ‪ ،‬فيكون المتوسط‬
‫التقريبى ‪ 3‬أولد لكل امرأة‪.‬‬

‫‪474‬‬
‫ولما كان جدعون قد أنجب ‪ 70‬ولدًا‪ :‬فيكون عدد نسائه إذن ل‬
‫يقل عن ‪ 23‬امرأة‪.‬‬
‫وزوجات داود هن‪:‬‬
‫‪ -1‬ميكال ابنة شاول )صموئيل الول ‪(27-20 :18‬‬
‫‪ -2‬أبيجال أرملة نابال )صموئيل الول ‪(42 :25‬‬
‫‪ -3‬أخينوعيم اليزرعيلية )صموئيل الول ‪(43 :25‬‬
‫‪ -4‬معكة ابنت تلماى ملك جشور )صموئيل الثاني ‪(5-2 :3‬‬
‫‪ -5‬حجيث )صموئيل الثاني ‪(5-2 :3‬‬
‫‪ -6‬أبيطال )صموئيل الثاني ‪(5-2 :3‬‬
‫‪ -7‬عجلة )صموئيل الثاني ‪(5-2 :3‬‬
‫‪ -8‬بثشبع أرملة أوريا الحثى )صموئيل الثاني ‪(27 :11‬‬
‫‪ -9‬أبيشج الشونمية )ملوك الول ‪(4-1 :1‬‬
‫وجدير بالذكر أن زوجة نبي الله )أبيشج الشونمية( كانت في‬
‫عمر يتراوح بين الخامسة عشر والثامنة عشر ‪ ،‬وكان داود قد‬ ‫ُ‬
‫شاخ ‪ ،‬أى يتراوح عمره بين ‪ 65‬و ‪ 70‬سنة‪ .‬أى أن العمر بينه‬
‫وبين آخر زوجة له كان بين ‪ 45‬و ‪ 50‬سنة‪.‬‬
‫وكذلك كان عمر إبراهيم عندما تزوج هاجر ‪) 85‬أنجب إسماعيل‬
‫وعمره ‪ 86‬سنة ]تكوين ‪ .([16 :16‬وكان عمر هاجر عندما‬
‫طيت لسارة من‬ ‫ُ‬
‫تزوجها إبراهيم حوالى ‪ 25‬إلى ‪ 30‬سنة )فقد أع ِ‬
‫ضمن هدايا فرعون له ‪ ،‬وتزوجها بعد هذا الموعد بعشر سنوات‬
‫ديت‬ ‫ُ‬
‫هى مدة إقامته في أرض كنعان‪ .‬فمتوسط عمرها عندما أه ِ‬
‫لسارة بين ‪ 20 - 15‬سنة(‪.‬‬
‫وبذلك يكون الفرق في العمر بين إبراهيم وهاجر بين ‪ 55‬و ‪60‬‬
‫سنة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه قَد ْ َرفّ َ‬
‫ع‬ ‫ل‪ ،‬وَأن ّ ُ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫مِلكا ً ع ََلى إ ِ ْ‬
‫ه َ‬ ‫ب قَد ْ أث ْب َت َ ُ‬ ‫ن الّر ّ‬ ‫داوُد ُ أ ّ‬ ‫م َ‬ ‫)) وَع َل ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ساًء‬‫سَرارِيَ وَن ِ َ‬ ‫داوُد ُ أْيضا ً َ‬ ‫خذ َ َ‬
‫ل‪13 .‬وَأ َ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫شعْب ِهِ إ ِ ْ‬‫ل َ‬ ‫ج ِ‬‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫مل ْك َ ُ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫داوُد َ ب َُنو َ‬‫ن‪ ،‬فَوُل ِد َ أْيضا ً ل ِ َ‬ ‫حب ُْرو َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫جيئ ِهِ ِ‬
‫م ِ‬ ‫م ب َعْد َ َ‬‫شِلي َ‬ ‫ن أوُر َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ت‪ ((.‬صموئيل الثاني ‪13-12 :5‬‬ ‫وَب ََنا ٌ‬
‫ويمكن استقراء عدد نساء داود في أورشليم كالتى‪:‬‬
‫ملك داود في حبرون على سبط يهوذا نحو ‪ 7‬سنين ‪ ،‬تزوج فيها‬
‫ست زوجات ‪ ،‬أى بمعدل زوجة جديدة كل سنة‪.‬‬
‫ولما نتقل داود إلى أورشليم ملكا ً على إسرائيل ‪ ،‬كان عمره ‪37‬‬
‫سنة ‪ ،‬وقد بدأت المملكة تستقر‪ .‬فمن المتوقع أن يستمر معدل‬
‫إضافة الزوجات الجدد كما كان سلفًا‪ ،‬أى زوجة جديدة كل سنة‪.‬‬
‫وإذا أخذنا عامل السن في العتبار ‪ ،‬فإننا يمكننا تقسيم مدة‬
‫حياته في أورشليم ‪ ،‬التي بلغت ‪ 33‬سنة إلى ثلث فترات ‪ ،‬تبلغ‬
‫كل منها احدى عشر سنة ‪ ،‬ويكون المعدل المقبول في الفترة‬

‫‪475‬‬
‫الولى زوجة جديدة كل سنة ‪ ،‬وفى الفترة الثانية زوجة جديدة‬
‫كل سنتين ‪ ،‬وفى الفترة الثالثة زوجة جديدة كل ثلث سنوات‪.‬‬
‫وبذلك يكون عدد زوجات داود الجدد الئى أخذهن في أورشليم‬
‫‪ 20‬زوجة على القل‪.‬‬
‫أما بالنسبة للسرارى فيقدرها العلماء ب ‪ 40‬امرأة على القل‪.‬‬
‫فقد هرب داود خوفا ً من الثورة التي شنها عليه ابنه أبشالوم مع‬
‫زوجاته وسراريه وترك عشر نساء من سراريه لحفظ البيت‬
‫)صموئيل الثاني ‪.(16-12 :15‬‬
‫وبذلك يكون لداود ‪ 29‬زوجة و ‪ 40‬سرية ‪ ،‬أى ‪ 69‬امرأة على‬
‫القل‪ .‬وهذا رقم متواضع إذا قورن بحجم نساء ابنه سليمان الذي‬
‫وصل إلى ‪ 1000‬امرأة‪.‬‬
‫نساء رحبعام هن‪:‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫سائ ِ ِ‬ ‫ميِع ن ِ َ‬ ‫ج ِ‬
‫ن َ‬ ‫م أك ْث ََر ِ‬
‫م ْ‬ ‫شالو َ‬‫ت أب ْ َ‬
‫ة ب ِن ْ َ‬ ‫معْك َ َ‬ ‫م َ‬ ‫حب َْعا ُ‬‫ب َر ُ‬‫ح ّ‬ ‫)) وَأ َ‬
‫شرة َ ا َ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫ة وَوَل َد َ ث َ َ‬
‫مان ِي َ ً‬ ‫سّري ّ ً‬‫ن ُ‬‫سّتي َ‬
‫مَرأة ً وَ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي عَ َ َ‬ ‫مان ِ َ‬ ‫خذ َ ث َ َ‬
‫ه ات ّ َ‬ ‫سَراِريهِ لن ّ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫ة‪ ((.‬أخبار اليام الثاني ‪21 :11‬‬ ‫ن اب ْن َ ً‬ ‫سّتي َ‬ ‫ن اْبنا ً وَ ِ‬ ‫ري َ‬‫ش ِ‬ ‫ع ْ‬‫وَ ِ‬
‫نساء هوشع هن ‪:‬‬
‫زوجتين )هوشع ‪ 3-2 :1‬و هوشع ‪2-1 :3‬‬
‫===================‬
‫هل المرأة أقل شأنا ومكانا من الرجل؟‬
‫اليكم اسئلة عده حول هذه الشبهات‬
‫قال تعالى ) ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا‬
‫إليها( فهل المقصود أن الله خلق الرجل ليعبده ويكون خليفته‬
‫في الرض وخلقت المرأة ليسكن إليها الرجل أم أن خلفة‬
‫الرض للنساء والرجال ليكمل بعضهما حيث تحتاج المرأة للرجل‬
‫ليحميها ويحتاج الرجل للمرأة ليسكن إليها وتقوم هي بتربيه‬
‫الولد ويقوم هو بالعمال الشاقه فتكتمل خلفتهما أم أن خلفه‬
‫الرض للرجال فقط؟‬
‫هل المرأة أقل شأنا ومكانا من الرجل؟‬
‫فتوى‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه‪،‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فإن السلم وضع المرأة في موضعها اللئق بها‪ ،‬كما هو شأنه‬
‫في كل ما جاء به من هداية‪ ،‬لنه تنزيل من حكيم حميد‪ ،‬فصحح‬
‫كثيرا من الفكار الخاطئة التي كانت مأخوذة عنها في الفلسفات‬
‫القديمة‪ ،‬وفي كلم من ينتمون إلى الديان ورد ّ لها اعتبارها‪،‬‬
‫وكرمها غاية التكريم‪ ،‬واعتبرها كاملة المسؤولية والهلية‬
‫كالرجل‪ ،‬وإن أول تكليف إلهي صدر للنسان كان للرجل والمرأة‬

‫‪476‬‬
‫م‬‫جميعا‪ ،‬حيث قال الله للنسان الول آدم وزوجه‪ :‬وَقُل َْنا َيا آ َد َ ُ‬
‫ما وََل ت َ ْ‬ ‫اسك ُ َ‬
‫قَرَبا‬ ‫شئ ْت ُ َ‬
‫ث ِ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫دا َ‬ ‫من َْها َرغ َ ً‬ ‫ة وَك َُل ِ‬ ‫جن ّ َ‬‫ك ال ْ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ت وََزوْ ُ‬ ‫ن أن ْ َ‬‫ْ ْ‬
‫ن البقرة‪.{35 :‬‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫كوَنا ِ‬ ‫جَرة َ فَت َ ُ‬ ‫ش َ‬‫هَذ ِهِ ال ّ‬
‫وهي قسيمة الرجل‪ ،‬لها ما له من الحقوق‪ ،‬وعليها أيضا من‬
‫الواجبات ما يلئم فطرتها وتكوينها‪ ،‬وعلى الرجل بما اختص به‬
‫من شرف الرجولة وقوة الجلد أن يلي رئاستها‪ ،‬فهو بذلك وليها‬
‫يحوطها بقوته ويذود عنها بدمه‪ ،‬وينفق عليها من كسب يده‪ .‬قال‬
‫ل ع َل َي ْهِ ّ‬
‫ن‬ ‫جا ِ‬ ‫ف وَِللّر َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬‫ذي ع َل َي ْهِ ّ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫مث ْ ُ‬
‫ن ِ‬ ‫الله تعالى‪ :‬وَل َهُ ّ‬
‫ة }البقرة‪.{228 :‬‬ ‫ج ٌ‬
‫د ََر َ‬
‫وجعلها الله سكنا للرجل تكريما لهما بما ينشأ عن ذلك من‬
‫سك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ف ِ‬ ‫ن أ َن ْ ُ‬
‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫خل َقَ ل َك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫ن آ ََيات ِهِ أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫المودة والرحمة‪ .‬قال تعالى‪ :‬وَ ِ‬
‫َ‬
‫ة }الروم‪{21 :‬‬ ‫م ً‬‫ح َ‬ ‫موَد ّة ً وََر ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل ب َي ْن َك ُ ْ‬
‫جعَ َ‬ ‫سك ُُنوا إ ِل َي َْها وَ َ‬‫جا ل ِت َ ْ‬
‫أْزَوا ً‬
‫سك ُُنوا إ ِل َي َْها‪ :‬معناه لتميلوا إليها وتألفوا بها‪ ،‬فإن‬ ‫وقوله تعالى‪ :‬ل ِت َ ْ‬
‫الجنسية علة للضم والختلف سبب للتنافر‪ .‬راجع كتب التفسير‬
‫عند تفسير الية المذكورة‪.‬‬
‫والحاصل أن خلفة الرض قد جعلها الله للرجال والنساء جميعا‪،‬‬
‫فساوى بينهما في أصل التكليف‪ ،‬وخص كل منهما بما يليق به‪،‬‬
‫وجعل للرجل درجة على المرأة بما له من القوامة‪.‬‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫مسائل تتعلق بالمرأة في السلم‬
‫السؤال‬
‫لماذا خلق الله النساء‪ ،‬وما هو دور المرأة المسلمة في الحياة‪،‬‬
‫وهل عمل المرأة بخلف الشروط التي حددها رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم حرام؟‬
‫فتوى‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه‪،‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فقد منح السلم المرأة مكانة سامية‪ ،‬وكرمها أنثى وبنتا وأختا‬
‫وزوجة وأمًا‪ ،‬ووضعها في موضعها اللئق بها‪ ،‬وقد سبق تفصيل‬
‫القول في ذلك في الفتوى رقم‪.16441 :‬‬
‫وأما حكم عمل المرأة‪ ،‬فإن الصل فيه الباحة بشرط خلو العمل‬
‫من المحاذير الشرعية‪ ،‬وقد سبق الجابة على ذلك في عدة‬
‫مواضع‪ ،‬فانظر الفتاوى ذات الرقام التالية‪،44756 ،31817 :‬‬
‫‪.46908‬‬
‫وأما لماذا خلق الله عز وجل النساء؟ فإن الله تعالى لم يخلق‬
‫شيئا ً إل لحكمة‪ ،‬لكننا قد نعلم هذه الحكم وقد نجهلها‪ ،‬وقد نعلم‬

‫‪477‬‬
‫بعضها دون البعض الخر‪ ،‬وقد يعلمها بعض الناس دون بعض‪،‬‬
‫حسب ما يعطيهم الله تعالى من العلم والفهم‪.‬‬
‫وأما بخصوص المرأة‪ ،‬فإنها شقيقة الرجل‪ ،‬وهي إنسان كامل‬
‫خل َ ْ‬ ‫َ‬
‫من ذ َك َ ٍ‬
‫ر‬ ‫كم ّ‬ ‫قَنا ُ‬ ‫س إ ِّنا َ‬ ‫النسانية‪ ،‬قال الله تعالى‪َ :‬يا أي َّها الّنا ُ‬
‫ل ل ِتعارُفوا إ َ‬ ‫ُ‬
‫عند َ الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م ِ‬ ‫مك ُ ْ‬‫ن أك َْر َ‬ ‫ِ ّ‬ ‫شُعوًبا وَقََبائ ِ َ َ َ َ‬ ‫م ُ‬ ‫جعَل َْناك ُ ْ‬ ‫وَأنَثى وَ َ‬
‫خِبيٌر }الحجرات‪ ،{13:‬وقال عز وجل‪َ :‬يا أ َي َّها‬ ‫م َ‬ ‫ه ع َِلي ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫قاك ُ ْ‬ ‫أ َت ْ َ‬
‫من َْها‬‫خل َقَ ِ‬ ‫حد َةٍ وَ َ‬ ‫س َوا ِ‬ ‫ف ٍ‬ ‫من ن ّ ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫ق ُ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫قوا ْ َرب ّك ُ ُ‬ ‫س ات ّ ُ‬ ‫الّنا ُ‬
‫ه‬
‫ن بِ ِ‬ ‫ساءُلو َ‬ ‫ذي ت َ َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫قوا ْ الل ّ َ‬ ‫ساء َوات ّ ُ‬ ‫جال ً ك َِثيًرا وَن ِ َ‬ ‫ما رِ َ‬ ‫من ْهُ َ‬ ‫ث ِ‬ ‫جَها وَب َ ّ‬ ‫َزوْ َ‬
‫م َرِقيًبا }النساء‪ ،{1:‬وقال النبي صلى‬ ‫ن ع َل َي ْك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫حا َ‬ ‫َوال َْر َ‬
‫الله عليه وسلم‪ :‬إنما النساء شقائق الرجال‪ .‬صحيح رواه أبو داود‬
‫والترمذي عن عائشة رضي الله عنها‪.‬‬
‫فالرجال والنساء من جنس واحد‪ ،‬ل قوام للنسانية ول استمرار‬
‫للبشرية إل بهما‪.‬‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫ط من منزلة المرأة‬ ‫حكم من ادعى بأن السلم قد ح ّ‬
‫السؤال‬
‫ما حكم من قال ‪ .. :‬لماذا ل يقف القانون في السماء والرض‬
‫مع المرأة ‪..‬؟ هل تجب عليها التوبة ‪.‬؟‬
‫فتوى‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه‪،‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فواجب المسلم أن يسلم لما قضى الله به وحكم‪ ،‬وينقاد له‬
‫من َةٍ إ ِ َ‬
‫ذا‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن َول ُ‬ ‫م ٍ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن لِ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ظاهرا وباطنا‪ ،‬قال الله تعالى‪ :‬وَ َ‬
‫م ال ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫قَضى الل ّه ورسول ُ َ‬
‫ن‬‫م ْ‬‫خي ََرة ُ ِ‬ ‫ن ل َهُ ُ‬ ‫كو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫مرا ً أ ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ ََ ُ ُ‬ ‫َ‬
‫م}الحزاب‪ .{36 :‬وقال تعالى‪َ :‬فل وََرب ّ َ‬ ‫َ‬
‫حّتى‬ ‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ك ل ي ُؤ ْ ِ‬ ‫مرِه ِ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫ما‬ ‫م ّ‬ ‫حَرجا ً ِ‬ ‫م َ‬ ‫سه ِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫دوا ِفي أ َن ْ ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫م ل يَ ِ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫جَر ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ما َ‬ ‫ك ِفي َ‬ ‫مو َ‬ ‫حك ّ ُ‬ ‫يُ َ‬
‫سِليما ً }النساء‪ .{65:‬وقال رسول الله صلى‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ّ ُ‬‫ت وَي ُ َ‬ ‫ضي ْ َ‬ ‫قَ َ‬
‫الله عليه وسلم‪ :‬ل يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت‬
‫به‪ .‬رواه أبن أبي عاصم في السنة والحكيم الترمذي في نوادر‬
‫الصول‪ .‬وقد ضعفه بعض أهل الحديث ولكن له شواهد تقوية‪.‬‬
‫ثم إن المرأة لم تحظ بشيء من التكريم والتقدير مثلما حظيت‬
‫به في ظل السلم‪ ،‬فقد كرمها الله تعالى أما ً وبنتا وأختا وزوجة‪،‬‬
‫ورغب الشرع الحكيم في تربية البنات والحسان إليهن‪.‬‬
‫وعليه؛ فقائل هذا الكلم الذي سألت عنه ل علم له بما كانت‬
‫عليه المرأة قبل السلم‪ ،‬ول بما هي عليه الن في المجتمعات‬
‫غير المسلمة‪ ،‬ثم إنه أعظم القول فيما قاله‪ .‬وليبادر إلى التوبة‪،‬‬

‫‪478‬‬
‫فعَ ُ‬
‫ل‬ ‫ما ي َ ْ‬‫ل عَ ّ‬‫سأ َ ُ‬‫فإن الله هو العدل الحكم اللطيف الخبير‪ .‬و}ل ي ُ ْ‬
‫وهم ي َ‬
‫ن{‪.‬‬‫سأُلو َ‬
‫َ ُ ْ ُ ْ‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫الموارد المالية للمرأة في السلم‬
‫وهذا العنوان يلزمني أن أكتب تفصيل ً لتلك الموارد بل إجمال‬
‫لمرها ‪ ،‬مع بيان لسندها الشرعي الذي ل يأتيه الباطل من بين‬
‫يديه ول من خلفه ‪ ،‬لنه تشريع الحكيم الحميد ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪-‬‬
‫وحتى نحسم شبهات الطاعنين الذين يحلو لهم اتخاذ شؤون‬
‫المرأة هدًفا لسهامهم الكليلة التي لن تنال من شرعة الله ‪-‬‬
‫تعالى ‪ -‬بحال ‪.‬‬
‫وهذا جانب ‪ -‬من جوانب حقوق المرأة في السلم ‪ -‬له تحديه‬
‫فةٍ من الناس أن‬ ‫ص َ‬
‫الصارم أمام قوانين الرض جميًعا ليعلم ذو ن َ َ‬
‫شرعة الله غالية ‪ ،‬وأنها منصفة ذات عدل ورحمة ‪ ،‬وتلك صورة‬
‫لما حضرني من موارد المرأة المالية في السلم ‪.‬‬
‫جا‬‫ما ومشرًبا وعل ً‬ ‫‪ .1‬حقها في النفقة عليها ‪ :‬سكًنا وكسوة ً ومطع ً‬
‫‪ ،‬أي ما يغطي حاجاتها جميًعا بالمعروف ‪.‬‬
‫هذا الحق كفله لها الشرع ‪ ،‬الشريف فألزم به أبويها ‪ ،‬أو‬
‫عصبتها ‪) ،‬نشأة ً إلى الدخول بها ( ‪ ،‬فلم ُيضيْعها ‪ 0‬كما تفعل‬
‫القوانين الغربية إذا بلغت الفتاة بينهم سن السادسة عشرة ؛‬
‫فإنها ل ُتلزم والديها بإيوائها ول بكفالتها ‪ ،‬وهذا أمر معروف ل‬
‫ضى له الكاتبون ضد السلم ‪.‬‬ ‫ي َعْ َ‬
‫إن البوين ‪ ،‬فالعصبة ملزمون بأداء هذا الحق من حقوقها حتى‬
‫ما بأداء هذا الحق‬ ‫تنتقل بالدخول بها إلى بيت زوجها ؛ فيكون ملز ً‬
‫لها ؛ فإذا فقدت الزوج ‪ -‬لوفاة أو طلق ‪ -‬كان لهذه الحقوق‬
‫عودة إلزام إلى البوين أو العصبة في حال افتقارها ‪.‬‬
‫ن الحق المالي بجواره إلزام من يتعلق به هذا‬ ‫م ْ‬‫وهذا الجانب َ‬
‫الحق بالمحافظة عليها ‪ ،‬وصيانتها ‪ ،‬وتوفير كرامتها ‪ .‬وقد تكفلت‬
‫مصادر الفقه السلمي بتفصيل هذا الحق ‪.‬‬
‫‪ .2‬وللمرأة نصيب مالي محدد ‪ -‬من "الميراث" حدده الكتاب‬
‫ما ‪ ،‬أو بنًتا‬ ‫العزيز على أي حال كان وضعها ‪ :‬زوجة ‪ ،‬أو جدة ً ‪ ،‬أو أ ً‬
‫‪ ،‬أو أخًتا ‪ ،‬وفي سورة النساء اليات الحادية عشرة والثانية‬
‫عشرة والثالثة عشرة ‪ ،‬ثم آخر آياتها تفصيل لنصيبها في أي‬
‫ل حظ‬ ‫مث ُ‬ ‫أحوالها قال تعالى ‪ ) :‬يوصيكم الله في أولدكم للذكر ِ‬
‫ن ثلثا ما ترك ‪ ،‬وإن كانت‬ ‫ن نساًء فوق اثنتين فله ّ‬ ‫النثيين ‪ ،‬فإن ك ّ‬
‫س مما ترك‬ ‫واحدة فلها النصف ‪ ،‬ولبويه لكل واحد ٍ منهما السد ُ‬
‫ه أبواه فلمهِ الثلث ‪،‬‬ ‫إن كان له ولد ‪ ،‬فإن لم يكن له ولد ٌ وَوَرِث َ ُ‬
‫صى بها أو‬ ‫س من بعد وصية يو ِ‬ ‫مه السد ُ‬‫فإن كان له إخوة ٌ فل ِ‬

‫‪479‬‬
‫دين ‪ ،‬أباؤكم وأبناؤكم ل تدرون أيهم أقرب لكم نفًعا فريضة من‬
‫ما ‪ ،‬ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن‬ ‫ما حكي ً‬ ‫الله ‪ ،‬إن الله كان علي ً‬
‫لم يكن لهن ولد ٌ ‪ ،‬فإن كان لهن ولد ٌ فلكم الربع مما تركن من‬
‫بعد وصيةٍ يوصين بها أو دين ‪ ،‬ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن‬
‫ن مما تركتم ‪ ،‬من بعد‬ ‫لكم ولد ٌ ‪ ،‬فإن كان لكم ولد ٌ فلهن الثم ُ‬
‫ة أو امرأةٌ‬‫ث كلل ً‬ ‫وصيةٍ توصون بها أو دين ‪ ،‬وإن كان رج ٌ‬
‫ل ُيوَر ُ‬
‫ت فلكل واحد ٍ منهما السدس ‪ ،‬فإن كانوا أكثر من‬ ‫وله أخ أو أخ ُ‬
‫ن غير‬ ‫صى بها أو دي ٍ‬ ‫ذلك بهم شركاء في الثلث ‪ ،‬من بعد وصيةٍ ُيو َ‬
‫ة من الله والله عليم حليم ‪ ،‬تلك حدود الله ‪ ،‬ومن‬ ‫مضار ‪ ،‬وصي ً‬ ‫ُ‬
‫ت تجري من تحتها النهار خالدين‬ ‫يطع الله ورسوله ُيدخله جنا ٍ‬
‫فيها وذلك الفوز العظيم‪) .‬النساء ‪ ،‬آية ‪.(12 - 11 :‬‬
‫ول يفوتني ‪ -‬عقب الحديث عن حقها في الميراث ‪ -‬أن أبين هنا‬
‫أمرين ‪:‬‬
‫ل نفسها ‪ ،‬أو‬ ‫أولها ‪ :‬أن المرأة ليست ملزمة بنفقة شرعية ِقب َ‬
‫ل أحد ‪.‬‬ ‫قِب َ َ‬
‫ثانيهما ‪ :‬أنها ‪ -‬باعتبار ما كفل لها الشرع الشريف من )ذمة مالية‬
‫مستقلة( لها أن تستغل مالها بطرق مشروعة ‪ ،‬مما يجعل نصيبها‬
‫المالي يتضاعف دون أن تنتقصه واجبة عكس الحال في الرجال ‪.‬‬
‫ل أو كُثر ‪ ،‬ليس لوليها أن‬ ‫‪" .3‬المهر " وهو حق مالي ثابت لها ق ّ‬
‫يغفله أو يتنازل عنه ‪ ،‬وليس له نهاية مالية محددة ‪ ،‬قال تعال ‪:‬‬
‫ة( سورة النساء ‪ : ،‬الية‪ ، (4 :‬أي ‪:‬‬ ‫)وأتوا النساء صدقاتهن ِنحل ً‬
‫آتو النساء مهورهن وجوًبا ‪ ،‬فالمهر ملك خالص لها ‪ ،‬مال تقدم‬
‫منه وما تأخر ‪ .‬قال تعالى ‪) :‬وءاتيتم إحداهن قنطاًرا فل تأخذوا‬
‫ما مبيًنا ( )سورة النساء ‪ :‬آية‪..(20 :‬‬ ‫منه شيئا ً أتأخذونه بهتاًنا وإث ً‬
‫وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد نهى عن كثرة الصداق‬
‫ثم رجع عن ذلك ‪ ..‬قال الحافظ أبو يعلى عن الشعبي عن‬
‫مسروق قال ‪ :‬ركب عمر بن الخطاب منبر رسول الله ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ .‬ثم قال ‪ :‬ما إكثاركم في صداق النساء !! وقد‬
‫كان رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وأصحابه والصدقات‬
‫فيما بينهم أربعمائة درهم ‪ ،‬فما دون ذلك ‪ .‬ولو كان الكثار في‬
‫ذلك تقوى عند الله أو كرامة لم تسبقوهم إليها ‪ .‬فلعرفن ما زاد‬
‫رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ثم نزل فاعترضته امرأة من قريش فقالت ‪ :‬يا أمير‬
‫المؤمنين نهيت الناس أن يزيدوا في مهر النساء على أربعمائة‬
‫درهم ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ .‬فقالت ‪ :‬أما سمعت ما أنزل الله في القرآن‬
‫؟ قال ‪ :‬وأي ذلك ؟ فقالت ‪ :‬أما سمعت الله يقول ‪) :‬وءاتيتم‬
‫إحداهن قنطاًرا( الية ‪ ،‬قال ‪ :‬اللهم غفًرا كل الناس أفقه من‬

‫‪480‬‬
‫عمر ‪ .‬ثم رجع فركب المنبر فقال ‪ :‬أيها الناس إني كنت نهيتكم‬
‫أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم ‪ ،‬فمن شاء‬
‫أن يعطى من ماله ما أحب ‪.‬‬
‫قال أبو يعلى ‪ :‬وأظنه قال ‪ :‬فمن طابت نفسه فليفعل‪.‬‬
‫إسناده جيد قوي‪.‬‬
‫وينبغي أل يفوتنا في هذا المقام أن هذا الحق المالي في المهر‬
‫ة‬
‫صا بالزوجة إذا كانت مسلمة فقط ‪ ،‬فهو حقها مسلم ً‬ ‫ليس خا ً‬
‫ة‪.‬‬‫كانت أو كتابي ً‬
‫ضا ‪ -‬للماء المؤمنات قال تعالى ‪ ) :‬ومن لم‬ ‫والمهر واجب ‪ -‬أي ً‬
‫يستطع منكم طول ً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت‬
‫أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بأيمانكم بعضكم من‬
‫بعض فأنكحوهن بإذن أهلهن وءاتوهن أجورهن بالمعروف (‬
‫)سورة النساء ‪ ،‬آية ‪ُ) .(25 :‬أجورهن‪ :‬مهورهن( ‪.‬‬
‫‪ .4‬وتعمل المرأة ‪ ،‬ول خلف في عملها عند حاجتها هي ‪ ،‬أو حاجة‬
‫المجتمع نفسه إليها ؛ كطبيبة أو مدرسة لبنات جنسها ‪ ،‬وقد تعمل‬
‫في مهنة تخص النساء داخل بيتها ‪ ،‬أو ل تخص النساء كأن تكون‬
‫أديبة تعكف على التأليف أو كتابة المقالت المفيدة ‪.‬‬
‫ذلك كله وما شابهه ‪ ،‬للمرأة أن تمارس العمل بها موفورة‬
‫الكرامة حريصة عليها ل ابتذال لشخصها في هذا العمل ‪ ،‬ول‬
‫لسري ‪ ،‬ولقد دلت الشريعة الغراء على ما‬ ‫تفريط في واجبها ا ُ‬
‫للشخص الذي نيط به أكثر من واجب ‪ -‬فاستوفاه بإحسان وأمانة‬
‫‪ -‬من أجر عظيم عند الله تعالى ‪.‬‬
‫فأما ما كان لها من مال من هذا العمل ‪ ،‬فهو ملكها الخالص ‪،‬‬
‫كما نص عليه أكثر الفقهاء ‪ ،‬وقد استشهد بعض العلماء ‪ -‬في هذا‬
‫ب مما اكتسبن( ‪) .‬سورة‬ ‫المقام ‪ -‬بقوله تعالى ‪ ) :‬وللنساء نصي ٌ‬
‫النساء ‪ ،‬آية ‪.(32 :‬‬
‫على أن ما تقدم بشأن عملها أمر ل خلف فيه‪.‬‬
‫‪ .5‬وبما للمرأة من ذمة مالية مستقلة ‪ ،‬فإنها تستطيع أن‬
‫)تضارب( بمالها مع أمين يحسن التجارة ‪ ،‬ويقوم عنها بالعمل ‪،‬‬
‫جا في هذا‬ ‫وقد اشترط بعض الفقهاء إ ِذ ْ َ‬
‫ن وليها ‪ :‬أًبا ‪ ،‬أو زو ً‬
‫المقام ليس للحكر عليها ‪ ،‬بل صوًنا لها من القيل والقال ‪ ،‬ومالها‬
‫وربحه حق لها ‪.‬‬
‫وبعد ‪ ..‬فذلك شيء مما كفله السلم للمسلمة من موارد مالية ‪،‬‬
‫وحسبي أن ألفت النظر ‪ -‬هنا ‪ -‬إلى مقال الستاذ الذكتورة‬
‫إسمت غنيم ‪ -‬بنفس هذا العدد لنتبين ما فعله السلم للمرأة ‪..‬‬
‫وما فعله الغرب بها ‪ ..‬ول تزال ‪ -‬إلى يومنا هذا ‪ -‬عرضة للتشرد‬
‫والضياع بالرغم مما نسمعه من حديث الغوغاء ‪.‬‬

‫‪481‬‬
‫ذلك ‪ -‬إذن ‪ -‬ما قدمه السلم ‪ ،‬أي ما فعله تشريًعا ل يمكن النيل‬
‫منه منذ كان السلم من خمسة عشر قرًنا إلى يومنا هذا ‪ ..‬إلى‬
‫يوم يبعثون ‪.‬‬
‫تشريع سماوي ‪ ..‬وليس تشريًعا وضعًيا كهذا الذي اكتسبت به‬
‫المرأة شيًئا من حقها في الغرب ‪ ،‬يمكن ‪ -‬فيما بعد ‪ -‬أن ينصل‬
‫ل في الحرب العالمية الثانية حيث أعدت‬ ‫ص َ‬
‫فيحول ‪ ،‬بل لقد ن َ َ‬
‫المرأة للترفيه عن الجنود ‪.‬‬
‫فأما لدى أهل الكتاب فتلك هي المرأة فيما يرون ‪ " :‬إنها أدنى‬
‫من الرجل لنها هي التي أغوت آدم بالكل من الشجرة‬
‫المحرمة ‪ ،‬ولذلك فالمرأة بطبعها خاطئة" ومن هنا نشأ مفهوم‬
‫جعلت حواء متسببة فيها ‪ .‬ولذا يشكر اليهودي‬ ‫الخطيئة الصلية و ُ‬
‫ربه صباح كل يوم على أنه لم يخلقه امرأة ‪ .‬كذلك فإننا نجد‬
‫بعض آبائهم الوائل أدانوا المرأة باعتبارها أقوى مصادر الخطيئة‬
‫والغواية ‪ ،‬ويوضح "ترتوليات الول " نظرته قائل ‪:" :‬إنها مدخل‬
‫الشيطان إلى نفس النسان ‪ ،‬وإنها دافعة بالمرء إلى الشجرة‬
‫الممنوعة ‪ ،‬ناقضة لقانون الله " ‪.‬‬
‫ولقد حدث أن قرر أحد المجامع في رومية أن المرأة حيوان‬
‫نجس ل روح له ول خلود ‪ ،‬ولكن يجب عليها العبادة والخدمة ‪،‬‬
‫وأن يكمم فمها كالبعير لمنعها من الضحك والكلم ‪ ،‬لنها أحبولة‬
‫الشيطان ‪ ،‬وما زالت تلك النظرة ضاربة بجذورها حتى اليوم‬
‫وليس أدل على ذلك من أن بعض الديرة في اليونان ‪ -‬على‬
‫سبيل المثال ‪ -‬ما زالت حتى الن تحرم دخول النساء إليها ‪.‬‬
‫وحينما نصل إلى طلئع العصر الحديث فإننا نجد المرأة الغربية‬
‫في مكانة متدهورة للغاية ‪ .‬ففي سنة ‪1790‬م ‪ ،‬بيعت امرأة في‬
‫أسواق انجلترا "بشلنين" لنها ثقلت بتكاليف معيشتها على‬
‫الكنيسة التي كانت تؤويها ‪ .‬وظلت المرأة إلى سنة ‪1882‬م ‪،‬‬
‫محرومة من حقها الكامل في ملك العقار وحرية المقاضاة ‪..‬‬
‫وكان تعليم المرأة يجلب لها العار ! حدث ‪ -‬حينما كانت‬
‫)اليصابات بلكويل( تتعلم في جامعة جنيف سنة ‪1849‬م ‪ -‬أن‬
‫النسوة المقيمات معها قاطعنها وزوين ذيولهن من طريقها‬
‫احتقاًرا لها كأنها دنس ‪ .‬فأين حقوقها المالية فضل ً‬
‫كمال السلم وسبقه في تكريم المرأة‬
‫السؤال‬
‫هناك العديد من النساء الغربيات يستغربن عدم مصافحة بعض‬
‫المسلمين لهن وبعضهن ل يتقبلنه ويرين أن هذا انتقاص لهن‪ ،‬أو‬
‫الذي رفض مصافحتهن متشدد أو ما إلى ذلك‪ ،‬خصوصا ً أنه يحدث‬
‫أمامهن أن بعض المسلمين يصافحهن والبعض الخر يرفض في‬

‫‪482‬‬
‫نفس المجلس‪ ،‬فأرجو من حضرتكم بيان عظمة السلم في‬
‫الحفاظ على المرأة بعدم السماح للرجال الجانب بمصافحتها‪،‬‬
‫وبيان أن هذا ليس انتقاصا ً لها أو أنها أدنى من الرجل‪ ....‬الرجاء‬
‫توضيح ذلك وما يتعلق به بطريقة منطقية يسهل معها إقناعهن أو‬
‫على القل بيان ذلك لهن‪ ،‬آخذين بعين العتبار أن هؤلء النساء‬
‫غربيات يعشن في بلد ‪ -‬في نظرهم‪ -‬تدعي الحرية أو بعضهن‬
‫يتمتعن بحقوق أمام القانون أفضل من الرجال كما في البلد‬
‫الوروبي الذي أنا فيه حاليًا؟ وجزاكم الله خيرًا‪.‬‬
‫فتوى‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه‪،‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فإن ما يثار على ألسنة بعض الغربيين وأتباعهم من شتى البلد‬
‫عن السلم إنما هو طنطنة وجعجعة ُيقصد بها التشويش على‬
‫صورة السلم الزاهية‪ ،‬وإدخال الشبهات على أهله‪ ،‬وتخويف غير‬
‫المسلمين منه‪ ،‬وقد تصدى العلماء قديما ً وحديثا ً للرد على‬
‫إفكهم‪ ،‬والذب عن دينهم‪ ،‬وبيان عوار أفكارهم وسفاهة أحلمهم‪،‬‬
‫ومن أهم الكتب في ذلك كتاب المرأة بين الفقه والقانون‬
‫للدكتور‪ /‬مصطفى السباعي رحمه الله‪ ،‬فليراجع هذا الكتاب فإنه‬
‫مفيد في موضوعه‪ ،‬وقد بينا حكم المصافحة في الفتوى رقم‪:‬‬
‫‪ ،29380‬والفتوى رقم‪.32160 :‬‬
‫كما بينا الرد على بعض الشبهات المثارة حول مكانة المرأة في‬
‫السلم وذلك في الفتاوى ذات الرقام التالية‪،3661 ،5729 :‬‬
‫‪.16441‬‬
‫علما ً بأن المسلم يجب عليه اليقين بصحة دين السلم وكمال‬
‫عدله مع المرأة وغيرها‪ ،‬فقد راعى السلم حقوق الحياء‬
‫والموات‪ ،‬والكبار والصغار‪ ،‬حتى أثبت حقوقا ً للجنة في بطون‬
‫أمهاتهم‪ ،‬بل وأثبت حقوقا ً للنسانية كلها كافرهم ومسلمهم‪ ،‬فأمر‬
‫بالقسط مع جميع الناس ولو كانوا كفارًا‪ ،‬قال الله تعالى‪:‬‬
‫َ‬
‫ن ]الحجرات‪ ،[9:‬وقال تعالى‪:‬‬ ‫َ‬ ‫طي‬‫س ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ح ّ‬‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫طوا إ ِ ّ‬ ‫س ُ‬ ‫وَأقْ ِ‬
‫شركين استجار َ َ‬ ‫وإ َ‬
‫م الل ّهِ ث ُ ّ‬
‫م‬ ‫معَ ك َل َ َ‬
‫س َ‬
‫حّتى ي َ ْ‬ ‫ك فَأ ِ‬
‫جْره ُ َ‬ ‫م َْ ِ ِ َ ْ َ َ َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫حد ٌ ّ‬ ‫نأ َ‬ ‫َِ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن ]التوبة‪.[6:‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ّ ي َعْل ُ‬ ‫م قَوْ ٌ‬
‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ه ذ َل ِ َ‬‫من َ ُ‬
‫مأ َ‬ ‫ه َ‬ ‫أب ْل ِغْ ُ‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫الحكمة من جعل شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل‬
‫السؤال‬
‫لي قريبة ألمانية غير مسلمة تريد أن تستفسر لماذا شهادة‬
‫الرجل تعادل شهادة امرأتين‪ ....‬أرجو أن تكون إجابة مقنعة لغير‬
‫المسلمين؟‬

‫‪483‬‬
‫فتوى‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه‬
‫أما بعد‪ :‬فإنا ننصحك بتجنب مخالطة هذه المرأة إل بقدر ما‬
‫تتطلبه دعوتها إلى السلم‪ ،‬إذ ل تجوز الخلوة بها ول الدخول‬
‫عليها إل مع محرم‪ ،‬ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قال‪~ :‬ل يخلون رجل بامرأة إل ومعها ذو محرم‪~~.‬‬
‫ذلك لن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم‪ ،‬وما خل رجل‬
‫بامرأة إل كان الشيطان ثالثهما‪ ،‬ثم عن سؤالك‪ ،‬فاعلم أن‬
‫المسلم يكفيه من تبرير الحكم أي حكم أنه ورد في كتاب الله‬
‫وأن عليه إجماع المة السلمية‪ ،‬وقد ورد في القرآن الكريم أن‬
‫دوا‬ ‫ست َ ْ‬
‫شه ِ ُ‬ ‫شهادة المرأة نصف شهادة الرجل‪ ،‬قال الله تعالى‪َ :‬وا ْ‬
‫ل وا َ‬ ‫كوَنا َر ُ َ‬
‫ن‬‫مَرأَتا ِ‬ ‫ن فََر ُ‬
‫ج ٌ َ ْ‬ ‫جلي ْ ِ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م يَ ُ‬ ‫جال ِك ُ ْ‬
‫م فَإ ِ ْ‬ ‫ن رِ َ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫َ‬
‫شِهيد َي ْ ِ‬
‫]البقرة‪ .[282:‬هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن ما تتميز به‬
‫المرأة من عواطف وانفعالت ووجدان وميوعة في المواقف‬
‫وميل إلى السكينة والراحة والخلود‪ ،‬كلها أمور تجعلها في رتبة‬
‫دون رتبة الرجل‪ ،‬وخاصة في مجال الشهادة والحكام التي‬
‫تترتب عليها نقل الملك وسائر أنواع الحقوق‪ .‬وقد ثبت عمليا ً‬
‫عن طريق تشريح الدماغ أن مخ الرجل يحتوي على خليا عصبية‬
‫تزيد بنسبة ‪ 16‬في المائة عن مخ المرأة‪ ،‬وهناك دراسات كثيرة‬
‫أثبتت فروقا ً حقيقية بين الرجل والمرأة في المجال الذهني‪،‬‬
‫نحيلك فيها على الفتوى رقم‪ .21357 :‬والله أعلم‪.‬‬
‫المفتي‪ :‬مركز الفتوى بإشراف د‪.‬عبدالله الفقيه‬
‫=========================‬
‫وجوه العجاز في حديث ناقصات عقل‬
‫عزيز محمد ابوخلف‬
‫باحث إسلمي‬
‫‪amkhalaf@ksu.edu.sa‬‬
‫كثيرا ما ُيتهم السلم بأنه ينتقص من حق المرأة في الحياة‬
‫والوجود والحقوق ‪ .‬وُتعقد لجل هذا البرامج والندوات‬
‫والمناظرات في أماكن مختلفة ‪ .‬واكثر ما يجري عليه التركيز هو‬
‫عقل المرأة وان السلم يعتبرها ناقصة عقل ‪ ،‬ويستشهدون‬
‫بالحديث الوارد في الصحيحين من أن النساء ناقصات عقل ‪.‬‬
‫فهل ما يقولونه حق وصحيح ‪ ،‬وهل المرأة فعل ناقصة عقل ‪،‬‬
‫وهل الرسول وصفها بذلك حقا وقصد ما فهموه هم من‬
‫الحديث ‪ ،‬أم يا ترى أن المر هو خلف ذلك؟‬
‫حديث ناقصات عقل‬

‫‪484‬‬
‫روى المام مسلم رحمه الله في صحيحه في باب اليمان عن‬
‫مْعشَر النساء‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال ‪ } :‬يا َ‬
‫ن أكثر أهل النار ‪ .‬فقالت‬ ‫ن وأك ْث ِْرن الستغفار ‪ ،‬فإني رأُيتك ُ ّ‬ ‫صد ّقْ َ‬‫تَ َ‬
‫جْزلة ‪ :‬وما لنا يا رسول الله أكثُر أهل النار؟ قال ‪:‬‬ ‫امرأة منهن َ‬
‫ل‬
‫ت عق ٍ‬ ‫ن العشير ‪ ،‬وما رأيت من ناقصا ِ‬ ‫فْر َ‬ ‫ن الّلعن ‪ ،‬وت َك ْ ُ‬ ‫ت ُك ْث ِْر َ‬
‫ن‬
‫كن ‪ .‬قالت يا رسول الله وما نقصا ُ‬ ‫من ْ ُ‬‫ب ِ‬ ‫ب لذي ل ّ‬ ‫ودين أغل َ‬
‫ن العقل فشهادة امرأتين تعْد ِ ُ‬
‫ل‬ ‫العقل والدين؟ قال ‪ :‬أما ُنقصا ُ‬
‫ث الليالي ما ُتصلي ‪،‬‬ ‫جل ‪ ،‬فهذا نقصان العقل ‪ ،‬وَتمك ُ‬ ‫شهادة َ َر ُ‬
‫جْزلة أي‬ ‫وُتفطر في رمضان ‪ ،‬فهذا نقصان الدين { ‪ .‬ومعنى ال َ‬
‫ن العشير أي ُتنكرن حق‬ ‫ذات العقل والرأي والوقار ‪ ،‬وت َك ْ ُ‬
‫فْر َ‬
‫الزوج ‪.‬‬
‫وهذا الحديث ل يمكن فهمه بمعزل عن آية الد ّْين التي تتضمن‬
‫شهدوا شهيدين‬ ‫نصاب الشهادة ‪ ،‬وذلك في قوله تعالى ‪ } :‬واست َ ْ‬
‫ون‬ ‫ض ْ‬‫من َتر َ‬ ‫م ّ‬‫ل وامرأتان ِ‬ ‫ج ٌ‬ ‫جل َْين فَر ُ‬ ‫من ِرجاِلكم ‪ ،‬فإن لم يكونا َر ُ‬
‫ل إحداهما فَت ُذ َك َّر إحداهما الخرى { البقرة‬ ‫ض ّ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫شهداء ‪ ،‬أ ْ‬ ‫من ال ّ‬
‫‪. 282‬‬
‫الفهم الخاطئ والمتناقض للحديث‬
‫يبدو أن ما يتبادر إلى أذهان هؤلء الذين يتيهون فرحا ً وطربا ً‬
‫باتهام السلم انه يعتبر المرأة ناقصة عقل قوله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪" :‬وما رأيت من ناقصات عقل" ‪ .‬فاستنتج هؤلء أن النساء‬
‫ناقصات عقل ‪ ،‬وان نقص العقل هو نقص في القدرات العقلية ‪،‬‬
‫أي أن قدرات النساء على التفكير هي اقل من قدرات الرجال ‪.‬‬
‫بمعنى أن المرأة تختلف عن الرجل في تركيبة العقل فهي اقل‬
‫منه وانقص ‪ ،‬أي أن تركيبة الدماغ عند المرأة هي غيرها عند‬
‫الرجل ‪ .‬ولو انهم تدّبروا الحديث لوجدوا أن هذا الفهم ل يمكن‬
‫أن يستوي ‪ ،‬وانه يتناقض مع واقع الحديث نفسه ‪ ،‬وذلك‬
‫للملحظات التالية ‪:‬‬
‫جْزلة ناقشت الرسول ‪ .‬والجزلة ‪،‬‬ ‫• ذكر الحديث أن امرأة منهن َ‬
‫كما قال العلماء ‪ ،‬هي ذات العقل والرأي والوقار ‪ ،‬فكيف تكون‬
‫هذه ناقصة عقل وذات عقل ووقار في نفس الوقت ؟ أليس هذا‬
‫مدعاة إلى التناقض؟‬
‫• تعجب الرسول صلى الله عليه وسلم من قدرة النساء وان‬
‫الواحدة منهن تغلب ذا اللب أي الرجل الذكي جدا ‪ .‬فكيف تغلب‬
‫ناقصة العقل رجل ذكيا جدا؟‬
‫• أن هذا الخطاب موجه لنساء مسلمات ‪ ،‬وهو يتعلق بأحكام‬
‫إسلمية هي نصاب الشهادة والصلة والصوم ‪ .‬فهل يا ترى لو أن‬

‫‪485‬‬
‫امرأة كافرة ذكية وأسلمت ‪ ،‬فهل تصير ناقصة عقل بدخولها في‬
‫السلم؟!‬
‫فهذا الفهم حصر العقل في القدرات العقلية ولم يأخذ الحديث‬
‫بالكامل ‪ ،‬أي لم يربط أجزاءه ببعض ‪ ،‬كما لم يربطه مع الية‬
‫الكريمة ‪ .‬فالحديث يعلل نقصان العقل عند النساء بكون شهادة‬
‫امرأتين تعدل شهادة رجل واحد ‪ ،‬والية تعلل ذلك بالضلل‬
‫والتذكير ‪ .‬ولم تصرح الية بان النساء ناقصات عقل ‪ ،‬ول أن‬
‫الحاجة إلى نصاب الشهادة هذا لجل أن تفكير المرأة اقل من‬
‫تفكير الرجل ‪.‬‬
‫فما هو التفكير وما هو العقل؟‬
‫أنا اعرف التفكير كالتالي ‪:‬‬
‫سي مع الخبرة‬ ‫ح ّ‬
‫التفكير عملية ذهنية يتفاعل فيها الدراك ال ِ‬
‫والذكاء لتحقيق هدف ‪ ،‬ويحصل بدوافع وفي غياب الموانع ‪.‬‬
‫حيث يتكون الدراك الحسي من الحساس بالواقع والنتباه إليه ؛‬
‫أما الخبرة فهي ما اكتسبه النسان من معلومات عن الواقع ‪،‬‬
‫ومعايشته له‪ ،‬وما اكتسبه من أدوات التفكير وأساليبه ؛ وأما‬
‫الذكاء فهو عبارة عن القدرات الذهنية الساسية التي يتمتع بها‬
‫الناس بدرجات متفاوتة ‪ .‬ويحتاج التفكير إلى دافع يدفعه ‪ ،‬ول بد‬
‫من إزالة العقبات التي تصده وتجنب الوقوع في أخطائه بنفسية‬
‫مؤهلة ومهيأة للقيام به ‪.‬‬
‫إن هذا التصور للتفكير يتعلق بالنسان بغض النظر عن كونه رجل‬
‫دل‬‫أو امرأة ‪ ،‬فهو ينطبق على كل منهما على حد سواء ‪ .‬ول ت َ ُ‬
‫معطيات العلم المتعلقة بأبحاث الدماغ والتفكير والتعلم على أي‬
‫اختلف جوهري بين المرأة والرجل من حيث التفكير والتعلم ‪.‬‬
‫ف في قدرات الحواس والذكاء ‪ ،‬ول في‬ ‫كما ل تدل على اختل ٍ‬
‫تركيب الخليا العصبية المكونة للدماغ ‪ ،‬ول في طرق اكتساب‬
‫المعرفة ‪ .‬معنى هذا أن المرأة والرجل سواء بالفطرة من حيث‬
‫عملية التفكير ‪ ،‬ول يتميز أحدهما عن الخر إل في الفروق‬
‫الفردية ‪.‬‬
‫وعليه فان التفكير ليس مجرد قدرات عقلية أو ذكاء ‪ ،‬بل هو‬
‫أوسع من ذلك وتدخل فيه عوامل كثيرة ويمر في مراحل متعددة‬
‫‪ ،‬فهو عملية معقدة وليست بالبسيطة ‪ .‬كما أن العقل في مفهوم‬
‫القرآن والسنة هو أوسع من مجرد التفكير ‪ ،‬إذ هو لفت انتباه‬
‫للتفكير من اجل العمل ‪ .‬ولهذا فسوف نلحظ دقة التعبير في‬
‫الحديث ‪ ،‬فهو عبر بناقصات عقل مما يعني أن النقص هو في‬
‫عوامل أخرى تؤثر في التفكير وليس في نفس القدرات الفطرية‬
‫إلى ليس في قدرات الدماغ ‪ ،‬كما يتوهم كثيرون ‪.‬‬

‫‪486‬‬
‫أين العجاز في هذا؟‬
‫يكمن العجاز في الحديث عن نقصان عقل المرأة بهذه الطريقة‬
‫‪ ،‬فهذا ل يمكن أن يحيط به بشر ‪ .‬فنصوص القرآن والسنة ل‬
‫تفرق بين قدرات المرأة العقلية وقدرات الرجل ‪ ،‬ويتجلى ذلك‬
‫في الخطاب اليماني العام لكل من الرجل والمرأة ‪ .‬هذا‬
‫بالضافة إلى كثير من النصوص التي تتحدث عن ذكاء النساء‬
‫وقدراتهن وآرائهن السديدة في مواضع متعددة من الكتاب‬
‫والسنة ‪ .‬فإذا كان لم يثبت علميا أي اختلف في قدرات النساء‬
‫العقلية عن قدرات الرجال ‪ ،‬ونصوص القرآن والسنة ل تعارضان‬
‫هذا ‪ ،‬فمعنى هذا أن نقصان العقل المشار إليه ليس في القدرات‬
‫العقلية ‪ .‬فالتفكير عملية معقدة تدخل فيها القدرات العقلية ‪،‬‬
‫ويدخل فيها عوامل أخرى منها الدراك الحسي والدوافع والموانع‬
‫والخبرة ‪.‬‬
‫وإذا نظرنا إلى الية نجد أنها عللت الحاجة إلى نصاب الشهادة‬
‫المذكور بالضلل والتذكير ‪ ،‬وهذا أمر متعلق بالدراك الحسي‬
‫وبالدوافع والموانع ‪ .‬وهذا ينطبق على كل من الرجل والمرأة‬
‫لكن المرأة لها خصوصيتها من حيث أنها تمر في حالت وتتعرض‬
‫لتغيرات جسدية ونفسية تؤثر على طريقة تفكيرها ‪ .‬هذا بالضافة‬
‫إلى أن الحديث يجري عن أحكام إسلمية في مجتمع مسلم ‪،‬‬
‫والمرأة بحكم طبيعتها وعيشها في المجتمع السلمي خاصة‬
‫تكون خبرتها اقل من الرجال إجمال ل سيما في المجالت التي‬
‫يقل تواجدها فيه ‪ .‬إذن فنقصان العقل هو إشارة إلى عوامل‬
‫أخرى غير القدرات العقلية التي قد تتبادر إلى أذهان من‬
‫يتسرعون في إطلق الحكام وكيل التهامات دونما تحقيق أو‬
‫فهم صحيح ‪ .‬وقد آن الوان لهؤلء أن يتراجعوا وان ينصفوا‬
‫السلم حق النصاف ‪ ،‬وعلى المرأة إل تنجرف وراءهم وان تثق‬
‫بربها ودينها وتفاخر بذلك ‪.‬‬
‫ملحظة‬
‫هذه المقالة جزء من بحث أوسع واكمل حول هذا الموضوع‬
‫تقدمنا به إلى مؤتمر العجاز العلمي في القرآن ‪ .‬ومن اجل‬
‫التمكن من متابعة الموضوع يرجى مطالعة المقالت التالية ‪:‬‬
‫تنمية مهارات التفكير‬
‫?‪http://www.islamway.com/bindex.php‬‬
‫‪section=articles&article_id=269‬‬
‫مواجهة المشاكل والتغلب عليها‬
‫‪http://www.islamway.com/bindex?section=articles&article_id=340‬‬
‫كيف واجهت أم المؤمنين عائشة حادثة الفك؟‬

‫‪487‬‬
‫‪http://www.lahaonline.com/Daawa/DaawaObsta/a2-30-02-‬‬
‫‪1424.doc_cvt.htm‬‬
‫=====================‬
‫هذه القضايا تهم المرأة‬
‫خباب بن مروان الحمد‬
‫الحمد لله رب العالمين ‪ ،‬والصلة والسلم على أشرف النبياء‬
‫والمرسلين ‪ ،‬نبينا محمد وعلى آله أفضل الصلة ‪ ،‬وأزكى‬
‫ما بعد‪:‬‬‫التسليم أ ّ‬
‫فهذا عرض يسير لبعض القضايا التي يحصل اللبس في فهمها‬
‫من الرجل أو المرأة على السواء ‪ ،‬والتي تحتاج لتوضيح ‪ ،‬ودفع‬
‫الفهم الخاطئ لها‪ ،‬حاولت الختصار في عرضها ونقاشها ‪ ،‬لتكون‬
‫سهلة المنال ‪ ،‬ميسرة للفهم ‪ ،‬واضحة المعنى ‪ ،‬سائل ً ربي‬
‫التوفيق والسداد ‪ ،‬وإليه الستناد ‪ ،‬وعليه العتماد‪.‬‬
‫* هل المرأة مساوية للرجل في كل شيء؟‬
‫ن المرأة مساوية للرجل في النسانية وفي‬ ‫والجواب عن ذلك ‪ :‬أ ّ‬
‫أغلب تكاليف السلم وفي جزاء الخرة كما قال تعالى‪:‬‬
‫ل منكم من ذكر أو‬ ‫}فاستجاب لهم ربهم أني ل أضيع عمل عام ٍ‬
‫أنثى بعضكم من بعض{وكذا في الموالة والتناصر؛ ولذا قال‬
‫النبي ـ صّلى الله عليه وسّلم ـ ‪):‬النساء شقائق الرجال(أخرجه‬
‫أحمد)‪(6/256‬وأبوداود في الطهارة)‪ (236‬من حديث عائشة‪،‬‬
‫ححه اللباني في الصحيحة)‪ .(2863‬ولكن السلم مع ذلك‬ ‫وص ّ‬
‫نظر في طبيعة المرأة ومدى تحملها لبعض العبادات وصعوبتها‬
‫كالجهاد في سبيل الله‪ ،‬أو لعدم ملءمتها للمرأة كملبس‬
‫الحرام‪ ،‬فأسقطها عنها‪ .‬ومن ذلك عدم جواز تولية المرأة‬
‫للمناصب العامة كالخلفة والقضاء ؛ لذا يقول رسول الهدى ـ‬
‫ما ما‬‫صّلى الله عليه وسّلم ـ )ل يفلح قوم وّلوا أمرهم امرأة(‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن السلم ظلم المرأة في إعطاء الذكر من‬ ‫يورده بعضهم أ ّ‬
‫الميراث ضعفيها ‪ ،‬فإّنه يقال لهؤلء‪ :‬مادام أّنه تعالى قد شرع‬
‫ذلك فينبغي على العبد المسلم أن يستسلم لشرعه ول يعترض‬
‫ن الله مادام قد خلقنا‬ ‫مإ ّ‬ ‫عليه كما قال تعالى‪):‬ويسّلموا تسليما( ث ّ‬
‫ما يفعل وهم‬ ‫فل اعتراض عليه لقوله تعالى )ل ُيسئل ع ّ‬
‫يسألون(وقد قال تعالى‪):‬أل له الخلق والمر(فما دام الشرع من‬
‫عنده تعالى فينبغي على عبيده الستسلم والخضوع لمره‪،‬‬
‫ن الشريعة السلمية لم تعط المرأة أقل من‬ ‫ويقال كذلك ‪ :‬إ ّ‬
‫الرجل في جميع المورايث ‪ ،‬فإّنه في العصبات قد تستحقّ المرأة‬
‫طردة في إعطاء‬ ‫نصف الميراث أو أكثر ‪ ،‬فليست المواريث م ّ‬
‫ن الشريعة‬ ‫ل من الرجل ‪ ،‬ومما يجاب على ذلك بأ ّ‬ ‫المرأة أق ّ‬

‫‪488‬‬
‫وام على‬ ‫ظ النثيين ؛ لن الرجل هو الق ّ‬ ‫فرضت للذكر مثل ح ّ‬
‫المرأة ‪ ،‬والمتولي شؤونها فيما تحتاجه‪ ،‬فالقضية ليست للتفضيل‬
‫الذي ل يستند إلى حكمة من ورائه بقدر ما هي للفرق بين‬
‫المسؤوليات‪.‬‬
‫ولقد بان حقا ً أن المرأة لو بلغت ما بلغت من العلم والثروة‬
‫كبها الله فيها‬ ‫الفكرية ‪ ،‬أو المخزون المعلوماتي ‪ ،‬فللفطرة التي ر ّ‬
‫جعلتها تطلب الفوارق عن الرجال في معاملة الدارات لها ؛‬
‫ن‬
‫فالمرأة في الغرب تجد روح المساواة في العمل ‪ ،‬ولكّنه ّ‬
‫ن ‪ ،‬فأين إذا ً دعاوى‬ ‫يطالبن بإجازات وضع الحمل ‪ ،‬ورعاية أطفاله ّ‬
‫المساواة بين الرجل والمرأة حتى في مجال العمل؟!‬
‫خلقت من نفس واحدة ‪ ،‬إذ كان وجودها الول مستندا ً‬ ‫ن المرأة ُ‬ ‫إ ّ‬
‫لوجود آدم ـ عليه الصلة والسلم ـ وقد بّين الله سبحانه وتعالى‬
‫جَها{‬‫من َْها َزوْ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫م َ‬ ‫حد َةٍ ث ُ ّ‬ ‫س َوا ِ‬ ‫ف ٍ‬ ‫من ن ّ ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫ق ُ‬ ‫خل َ َ‬
‫ذلك فقال‪َ } :‬‬
‫)الزمر‪.(6:‬‬
‫وهذا أمر كوني قدري من الله‪ ،‬أنشأ المرأة في إيجادها الول‬
‫عليه‪ ،‬وجاء الشرع الكريم المنزل من عند الله ليعمل به في‬
‫أرضه‪ ،‬بمراعاة هذا المر الكوني القدري في حياة المرأة في‬
‫واما ً عليها ‪ ،‬وجعلها مستندة إليه‬ ‫جميع النواحي‪ ،‬فجعل الرجل ق ّ‬
‫ن ع ََلى‬ ‫مو َ‬ ‫وا ُ‬‫ل قَ ّ‬ ‫جا ُ‬ ‫في جميع شؤونها‪ ،‬كما قال تعالى‪ }:‬الّر َ‬
‫ساء{ )النساء‪.(34:‬‬ ‫الن ّ َ‬
‫فمحاولة مساواة المرأة مع الرجل في جميع نواحي الحياة غير‬
‫ل‪ ،‬وشرعا ً منزل ً‬ ‫ن الفوارق بين النوعين كونا ً وقدرا ً أو ً‬ ‫متحققة؛ ل ّ‬
‫ثانيًا‪ ،‬تمنع من ذلك منعا ً باتا ً ‪ ،‬ولهذا يقول تعالى في محكم‬
‫ن درجة{ يعني في الحقوق الزوجية‬ ‫التنزيل ‪}:‬وللرجال عليه ّ‬
‫ولوضوح الفوارق الكونية والقدرية والشرعية بين الذكر والنثى‪،‬‬
‫ح عن النبي صلى الله عليه وسلم أّنه لعن المتشبه من‬ ‫وص ّ‬
‫ن سبب هذا اللعن هو محاولة من أراد‬ ‫النوعين بالخر‪ .‬ول شك أ ّ‬
‫التشبه منهم بالخر لتحطيم هذه الفوارق الفطرية والشرعية‬
‫طم‪.‬‬ ‫التي ل يمكن أن تتح ّ‬
‫كما نص القرآن على أن شهادة امرأتين بمنزلة شهادة رجل‬
‫ج ٌ‬
‫ل‬ ‫ن فََر ُ‬ ‫كوَنا َر ُ َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫واحد‪ ،‬في قوله تعالى‪ } :‬فَِإن ل ّ ْ‬
‫جلي ْ ِ‬ ‫وا َ‬
‫ن‪) {...‬البقرة‪ ،(82:‬فالله الذي خلقهما ل شك أّنه أعلم‬ ‫مَرأَتا ِ‬ ‫َ ْ‬
‫بحقيقتهما‪ ،‬وقد صرح في كتابه بقيام الرجل مقام امرأتين في‬
‫الشهادة‪.‬‬
‫ض‬ ‫ضك ُ ْ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ما فَ ّ‬ ‫من ّوْا ْ َ‬
‫قال تعالى‪} :‬وَل َ ت َت َ َ‬
‫َ‬ ‫م ع َلى ب َعْ ٍ‬ ‫ه ب ِهِ ب َعْ َ‬
‫سأُلوا ْ‬ ‫ن َوا ْ‬ ‫ما اك ْت َ َ‬
‫سب ْ َ‬ ‫م ّ‬‫ب ّ‬ ‫صي ٌ‬ ‫ساء ن َ ِ‬ ‫سُبوا ْ وَِللن ّ َ‬ ‫ما اك ْت َ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ب ّ‬‫صي ٌ‬ ‫ل نَ ِ‬
‫جا ِ‬ ‫ّللّر َ‬

‫‪489‬‬
‫ه‪) {..‬النساء‪)(32:‬وانظر بتوسع‪:‬أضواء البيان‬ ‫من فَ ْ‬
‫ضل ِ ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫الل ّ َ‬
‫للشنقيطي ‪(5/169‬‬
‫ومن جميل ما أختم به هذه القضّية ما قاله الديب مصطفى‬
‫وس‬ ‫صادق الرافعي ـ رحمه الله ـ للمرأة المسلمة‪):‬احذري ته ّ‬
‫الوربية في طلب المساواة بالرجل ‪ ،‬لقد ساوته في الذهاب إلى‬
‫لق لم يجد اللحية!( وحي القلم)‪(1/264‬‬ ‫ن الح ّ‬ ‫لق ‪ ،‬ولك ّ‬ ‫الح ّ‬
‫====================‬
‫* هل النساء ناقصات عقل ودين ؟‬
‫قبل البدء بمناقشة هذه القضّية يحسن عرض حديث من أحاديث‬
‫المصطفى ـ صلى الله عليه وسّلم ـ في الموضوع ذاته ‪ ،‬فقد‬
‫ن رسول الله‬ ‫روى المام مسلم في صحيحه في كتاب اليمان ‪ ،‬أ ّ‬
‫ـ صّلى الله عليه وسّلم ـ قال‪):‬يا معشر النساء تصدقن وأكثرن‬
‫ن أكثر أهل النار ‪ ،‬فقالت امرأة جزلة‬ ‫الستغفار؛ فإّني رأيتك ّ‬
‫ن‪ :‬وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار؟ فقال‪ :‬تكثرن اللعن ‪،‬‬ ‫منه ّ‬
‫وتكفرن العشير ‪ ،‬وما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي‬
‫ن ‪ .‬قالت‪ :‬يا رسول الله ! وما نقصان العقل والدين؟‬ ‫ب منك ّ‬ ‫ل ّ‬
‫ما نقصان العقل ؛ فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل ‪،‬‬ ‫قال‪ :‬أ ّ‬
‫فهذا نقصان العقل‪ ،‬وتمكث الليالي ما تصلي ‪ ،‬وتفطر في‬
‫رمضان ‪ ،‬فهذا نقصان الدين(‪.‬‬
‫]معنى الجزلة‪:‬أي ذات العقل والرأي والوقار ‪ ،‬وتكفرن العشير‪:‬‬
‫ن فضله[‬ ‫أي تنكر َ‬
‫وقد اختلف كثير من المعاصرين خصوصا ً حيال توضيح نقص‬
‫العقل والدين ‪ ،‬وكان منهم من خضع للروح الغربية ‪ ،‬فسرت في‬
‫سر الحديث على حسب‬ ‫نفسه مظاهر الهزيمة الداخلية ‪ ،‬وبدأ يف ّ‬
‫دعى‬ ‫ما يفهم ‪ ،‬من خلل الروح النهزامية الدخيلة ‪ ،‬وبعضهم ا ّ‬
‫ن مقصده من ذلك الممازحة للنساء‬ ‫زورا ً على رسول الله بأ ّ‬
‫اللواتي كان يمازحهن في حديثه هذا ‪ ،‬فكان ذلك من قبيل‬
‫قه‬‫ق في ح ّ‬ ‫م غير لئ ٍ‬‫ن ليس إل ّ ! وهذا زع ٌ‬ ‫المباسطة والمداعبة له ّ‬
‫مة‪.‬‬ ‫ـ عليه الصلة والسلم ـ وهو في مقام التبليغ والنصح لل ّ‬
‫ما الذين هداهم الله ووفقهم لذكر الصواب في هذه القضية فهم‬ ‫أ ّ‬
‫السواد العظم ـ ولله الحمد ـ من أهل العلم‪ ،‬وقد كانت‬
‫تفسيراتهم موافقة لمراد رسول الله ـ صّلى الله عليه وسّلم ـ‬
‫ما من حاول المناكفة والجدل في ذلك‬ ‫في إيراده لهذا الحديث‪ ،‬أ ّ‬
‫صة من النساء المتحررات من‬ ‫على غير الفهم الصحيح ‪ ،‬وبخا ّ‬
‫صة حدثت قبل فترة في‬ ‫ربقة العبودية لله ‪ ،‬فيحلو لي أن أذكر ق ّ‬
‫ن الشيخ‬ ‫مجلس حاشد جمع أكابر أهل العلم والثقافة ؛ حيث إ ّ‬
‫مصطفى السباعي ـ رحمه الله ـ كان في أحد المؤتمرات يحاضر‬

‫‪490‬‬
‫حول بعض قضايا السلم ‪ ،‬وبعد أن انتهى من ذلك ‪ ،‬قامت امرأة‬
‫معترضة عليه وقد كانت تحمل شهادة عالية في أحد التخصصات‬
‫النادرة ‪ ،‬حيث قالت‪ :‬أوضح لي يا سيدي كيف قال الرسول‪):‬ما‬
‫م عينيك إلى‬ ‫رأيت من ناقصات عقل ودين‪ (..‬وأنت ترى بأ ّ‬
‫المستويات التي وصلنا لها من التخصصات الصعبة والنادرة ‪،‬‬
‫وسنصل فيما بعد إلى أعلى من ذلك ‪ ،‬فأجابها الشيخ مصطفى‬
‫السباعي ـ رحمه الله ـ ‪:‬صدقت ! لكن حين قال رسول الله ـ‬
‫صلى الله عليه وسلم ـ ‪):‬ما رأيت من ناقصات عقل ودين( كان‬
‫بخطابه ذاك يقصد نساء الصحابة أما أنت وأمثالك ؛ فل عقل ول‬
‫دين!!‬
‫ما عن تفسيرات العلماء لهذا النص النبوي فقد جاءت على عدة‬ ‫أ ّ‬
‫ن مختلفة ‪ ،‬واختلفها من باب اختلف التنوع ل اختلف‬ ‫معا ٍ‬
‫التضاد‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫ن نقصان عقلها‬ ‫‪1‬ـ أّنه ـ عليه الصلة والسلم ـ بّين في الحديث أ ّ‬
‫جَبر بشهادة امرأة أخرى؛‬ ‫ن شهادتها ت ُ ْ‬
‫من جهة ضعف حفظها ‪ ،‬وأ ّ‬
‫وذلك لضبط الشهادة بسبب أّنها قد تنسى أو تزيد في الشهادة ‪،‬‬
‫ولهذا قال تعالى ) أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الخرى(‬
‫سره أهل العلم بأّنه النسيان ‪ ،‬والمرأة معروفة‬ ‫والضلل هنا ف ّ‬
‫بطبيعة الحال بأّنها في التفكير والبداع قد تكون أقوى من الرجل‬
‫لّنها تستغل التفكير بالعقل اليمن المتجه للبداع والمهارات‬
‫البتكارية ‪ ،‬ولكّنها في الحفظ واستذكار المعلومات فهي قليلة‬
‫الضبط لها ‪ ،‬وأكثر نسيانا ً من الرجل ؛ وذلك لطبيعة الفطرة التي‬
‫كبها الله فيها‪ ،‬ولذا قال تعالى ‪ ):‬أن تضل إحداهما فتذكر‬ ‫ر ّ‬
‫ما سبب نقصان دينها فلّنها في حال الحيض‬ ‫إحداهما الخرى(‪.‬وأ ّ‬
‫والنفاس تدع الصلة وتدع الصوم‪ ،‬ول تقضي الصلة )فهذا من‬
‫ن المرأة غير مؤاخذة‬ ‫نقصان الدين(‪ .‬ومما ينبغي التنبيه إليه أ ّ‬
‫ن ذلك أمر كتبه الله على بنات آدم ‪،‬‬ ‫على هذا النقصان ؛ ل ّ‬
‫ن عليه ‪ ،‬رفقا ً بهن وتيسيرا ً لمرهن ‪.‬‬ ‫وفطره ّ‬
‫ن تكون المرأة ‪،‬‬ ‫ما ُيفهم من هذا الحديث أ ْ‬ ‫نم ّ‬‫‪2‬ـ وقال بعضهم إ ّ‬
‫بطبيعتها النثوية أنقص عقل ً من زوجها ‪ ،‬لتستطيع أن تخلب لّبه ‪،‬‬
‫وقد جاء في حديث آخر‪):‬ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب‬
‫ن( ولذا فقد تفعل المرأة بعض‬ ‫ب الرجل الحازم من إحداك ّ‬ ‫لل ّ‬
‫الشياء ‪ ،‬لتحّبب زوجها فيها من حسن تبعلها له ‪ ،‬وحسن تدللها‪،‬‬
‫لينجذب لها ‪ ،‬ويميل لحبها ‪ ،‬وقد وصف العرب النساء بهذه‬
‫صّية فقال شاعرهم‪:‬‬ ‫الخا ّ‬
‫ن أضعف خلق الله إنسانا‬ ‫يصرعن ذا اللب حتى ل حراك به وه ّ‬

‫‪491‬‬
‫لهذا فالمرأة ط َب َعََها الله على ذلك لتؤدي دورها في الحياة‬
‫ن الرجل جبله الله على الخشونة والقيام بأمور‬ ‫الزوجية ‪ ،‬كما أ ّ‬
‫زوجه ‪ ،‬لتتعادل الحياة الزوجية ما بين الخشونة والنعومة ‪ ،‬ويؤدي‬
‫ب الزينة‬ ‫ل من الزوجين دوره تجاه الخر‪ ،‬لهذا كانت المرأة تح ّ‬ ‫ك ّ‬
‫والتجمل والحلي ‪ ،‬ومن كانت هذه غالب اهتماماته الدنيوية ‪ ،‬فإّنه‬
‫سيكون عقله منشغل ً بها عن غيرها من الهتمامات الخرى‪،‬‬
‫ل على ذلك‬ ‫للتصدر للناس في الدعوة والتربية والتعليم ؛ ومما يد ّ‬
‫قوله تعالى ‪):‬أومن ينشؤ في الحلية وهو في الخصام غير مبين(‬
‫فطبيعة من نشأ في الجو المخملي والمترف ‪ ،‬ومن يبحث عن‬
‫الزياء و)الموضة(وأدوات التجميل ‪،‬أن يكون أكثر تفكيره وطلبه‬
‫مّتجها ً لذاك الشيء ‪ ،‬ول يعير اهتماما ً لهموم أخرى إل ّ ما رحم‬
‫الله ‪ ،‬وإن كان قد ذكر التأريخ السلمي قديما ً وحديثا ً من النساء‬
‫ن ‪ ،‬أو بدعوتهن وتوجيههن ‪ ،‬أو بدمائهن ‪،‬‬ ‫طرن بأقلمه ّ‬ ‫اللواتي س ّ‬
‫ن المرأة‬ ‫ما يفتخر المسلمون به ‪ ،‬ويفاخرون به المم ‪،‬ول ريب أ ّ‬
‫المسلمة لعبت دورا ً كبيرا ً في الدعوة إلى السلم والتعلم ‪،‬‬
‫والجهاد من أجله‪.‬‬
‫ن المرأة تمّر بفترات وتغّيرات جسدية قد تعاني منها كثيرا‬ ‫‪3‬ـ أ ّ‬
‫ً‪،‬وقد يكون لذلك أثره البالغ على نفسيتها‪ ،‬وطريقة تعاملها مع‬
‫الناس‪ ،‬وكذلك على طريقة تفكيرها ‪ ،‬وقد أكدت كثير من‬
‫ن له تأثيرا ً شديدا ً على نفسية المرأة ‪،‬‬‫البحاث الطبية هذا ‪ ،‬وأ ّ‬
‫ما يعّرضها للصابة بالحباط ‪ ،‬وقّلة التركيز والكسل ‪،‬‬ ‫م ّ‬
‫واضطراب الذاكرة ‪ ،‬كما قد تؤثر على سرعة النفعال عندها ‪،‬‬
‫وتصيبها بالقلق ‪ ،‬والوهن ‪ ،‬وتغير المزاج ‪ ،‬والتوتر ‪ ،‬والشعور‬
‫بالوحدة ‪ ،‬وثقل الجسم‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ العقل جاء لعرض الراء ‪ ،‬واختيار الرأي الفضل ‪ ،‬وآفة‬
‫الختيار الهوى والعاطفة ‪ ،‬والمرأة بطبعها تتحيز إلى العاطفة‬
‫وتتميز بها ‪ ،‬فهي معرضة للحمل ‪ ،‬واحتضان الوليد ‪ ،‬فالصفة‬
‫الغالبة عليها العاطفة وهذا مفسد للرأي ؛ ولهذا فهي تحكم على‬
‫جبلت عليها‪،‬فكانت النساء ناقصات‬ ‫الشياء متأثرة بعواطفها التي ُ‬
‫ملها‬ ‫ن أزيد ‪ .‬وأكبر دليل على عاطفة المرأة تح ّ‬ ‫ن عاطفته ّ‬ ‫عقل ؛ل ّ‬
‫لمتاعب الحمل والولدة ‪ ،‬وصبرها على رعاية طفلها‪ ،‬ويصعب‬
‫على الرجل أن يتحمل ما تتحمله المرأة في ذلك‪.‬‬
‫ولهذا كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسّلم ـ يأمر بمراعاة‬
‫مشاعر المرأة ؛ لّنها رقيقة ‪ ،‬وعاطفتها تجيش بسرعة وتندفع‬
‫بقوة ‪ ،‬وحين كان حادي رسول الله ـ صلى الله عليه وسّلم ـ‬
‫يحدو في سفره وهو يسوق ليرّوح عن الناس تعبهم وعن البل‬
‫جهدها ‪ ،‬ناداه ـ عليه الصلة والسلم ـ قائل ً له‪) :‬يا أنجشة رفقا ً‬

‫‪492‬‬
‫ى الله عليه وسّلم ـ النساء‬ ‫ّ‬
‫بالقوارير( فشّبه رسول الله ـ صل َ‬
‫ن‪.‬‬
‫ن ومشاعره ّ‬ ‫بأّنهن قوارير‪ ،‬مراعاة لعواطفه ّ‬
‫ن المرأة ُتعفى من فروض وواجبات ل‬ ‫ما عن نقصان دينها ؛ فل ّ‬ ‫أ ّ‬
‫يعفى منها الرجل ‪ ،‬فهي تعفى من الصلة في دورتها الشهرية ‪،‬‬
‫وتعفى كذلك من الصيام وقت حيضها ‪ ،‬أو حملها ورضاعها ‪،‬‬
‫وتعفى من الجهاد ‪ ،‬وصلة الجمعة ‪ ،‬والجماعة في المسجد‪،‬‬
‫ل من تكاليف الرجل الدينية ‪،‬‬ ‫فصارت تكاليف المرأة الدينية أق ّ‬
‫جب ِل ِّتها التي فُط َِرت عليها‪ ،‬وصدق الله حين‬‫وذلك تقدير من الله ل ِ‬
‫ما‬
‫ما اكتسبوا وللنساء نصيب م ّ‬ ‫قال‪):‬للرجال نصيب م ّ‬
‫اكتسبن(النساء)‪(32‬‬
‫ن وصف المرأة بهذا الوصف ل يعني‬ ‫ما تجدر الشارة إليه أ ّ‬ ‫وم ّ‬
‫ذلك نفيه عن بعض الرجال ‪ ،‬وأّنهم ل يمكن أن يوصفوا به ‪،‬‬
‫فهناك الكثير من اليات القرآنية التي نفت العقل عن كبراء‬
‫القوم ‪ ،‬وعظمائهم من المنافقين والكفار‪ ،‬لتنكبهم صراط الله‬
‫المستقيم ‪ ،‬وإيثارهم الزائلة الفانية ‪ ،‬على الدائمة الباقية‪ ،‬فهم‬
‫ناقصو عقول ‪ ،‬ومنعدمو دين ـ عياذا بالله من ذلك ـ‬
‫===================‬
‫النساء ناقصات عقل ودين‬
‫شبهات حول السلم‬
‫الرد على الشبهة‪ :‬المصدر الحقيقي لهذه الشبهة هو العادات‬
‫والتقاليد الموروثة ‪ ،‬والتي تنظر إلى المرأة نظرة دونية‪ ..‬وهى‬
‫عادات وتقاليد جاهلية ‪ ،‬حرر السلم المرأة منها‪ ..‬لكنها عادت‬
‫إلى الحياة الجتماعية ‪ ،‬في عصور التراجع الحضاري مستندة‬
‫كذلك إلى رصيد التمييز ضد المرأة الذي كانت عليه مجتمعات‬
‫غير إسلمية ‪ ،‬دخلت في إطار المة السلمية والدولة‬
‫السلمية ‪ ،‬دون أن تتخلص تماما ً من هذه المواريث‪.‬‬
‫فسرعة الفتوحات السلمية التي اقتضتها معالجة القوى العظمى‬
‫المناوئة للسلم قوى الفرس والروم وما تبعها من سرعة امتداد‬
‫الدولة السلمية ‪ ،‬قد أدخلت في الحياة السلمية شعوبا ً وعادات‬
‫وتقاليد لم تتح هذه السرعة للتربية السلمية وقيمها أن تتخلص‬
‫تلك الشعوب من تلك العادات والتقاليد ‪ ،‬والتي تكون عادة أشد‬
‫رسوخا ً وحاكمية من القيم الجديدة‪ ..‬حتى لتغالب فيه هذه‬
‫العادات الموروثة العقائد والنساق الفكرية والمثل السامية‬
‫للديان والدعوات الجديدة والوليدة ‪ ،‬محاولة التغلب عليها !‪.‬‬
‫ولقد حاولت هذه العادات والتقاليد بعد أن ترسخت وطال عليها‬
‫المد ‪ ،‬في ظل عسكرة الدولة السلمية في العهدين المملوكي‬
‫والعثماني أن تجد لنظرتها الدونية للمرأة " غطاء شرعّيا " في‬

‫‪493‬‬
‫التفسيرات المغلوطة لبعض الحاديث النبوية وذلك بعد عزل هذه‬
‫الحاديث عن سياقها ‪ ،‬وتجريدها من ملبسات ورودها ‪ ،‬وفصلها‬
‫عن المنطق السلمي منطق تحرير المرأة كجزء من تحريره‬
‫للنسان ‪ ،‬ذكرا ً كان أو أنثى هذا النسان فلقد جاء السلم ليضع‬
‫عن الناس إصرهم والغلل التي كانت عليهم ‪ ،‬وليحيى ملكات‬
‫وطاقات النسان مطلق جنس ونوع النسان وليشرك الناث‬
‫والذكور جميعا ً في حمل المانة التي حملها النسان ‪ ،‬وليكون‬
‫بعضهم أولياء بعض في النهوض بالفرائض الجتماعية ‪ ،‬الشاملة‬
‫لكل ألوان العمل الجتماعي والعام‪..‬‬
‫لكن العادات والتقاليد الجاهلية في احتقار المرأة ‪ ،‬والنتقاص من‬
‫أهليتها ‪ ،‬وعزلها عن العمل العام ‪ ،‬وتعطيل ملكاتها وطاقاتها‬
‫الفطرية قد دخلت في حرب ضروس ضد القيم السلمية لتحرير‬
‫المرأة‪ ..‬وسعت إلى التفسيرات الشاذة والمغلوطة لبعض‬
‫الحاديث النبوية والمأثورات السلمية كي تكون " غطاًء شرعًيا"‬
‫لهذه العادات والتقاليد‪..‬‬
‫فبعد أن بلغ التحرير السلمي للمرأة إلى حيث أصبحت به وفيه‪:‬‬
‫* طليعة اليمان بالسلم‪ ..‬والطاقة الخلقة الداعمة للدين‬
‫ورسوله صلى الله عليه وسلم كما كان حال أم المؤمنين خديجة‬
‫بنت خويلد ] ‪3 68‬ق هجرية ‪620 556 /‬م [ رضى الله عنها‪..‬‬
‫حتى لقد كان عام وفاتها عام حزن المسلمين ورسول السلم‬
‫ودعوة السلم‪..‬‬
‫* وطليعة شهداء السلم‪ ..‬كما جسدتها شهادة سمية بنت خياط‬
‫] ‪7‬ق هجرية ‪615‬م[ ‪ ،‬أم عمار بن ياسر ] ‪ 57‬ق هجرية ‪37‬‬
‫هجرية ‪657 567/‬م[‪..‬‬
‫*وطليعة المشاركة في العمل العام السياسي منه ‪ ،‬والشورى ‪،‬‬
‫والفقهي ‪ ،‬والدعوى ‪ ،‬والدبي ‪ ،‬والجتماعي‪ .‬بل والقتالي ‪ -‬كما‬
‫تجسدت في كوكبة النخبة والصفوة النسائية التي تربت في‬
‫مدرسة النبوة‪..‬‬
‫بعد أن بلغ التحرير السلمي للمرأة هذه الفاق‪ ..‬أعادت العادات‬
‫والتقاليد المرأة أو حاولت إعادتها إلى أسر وأغلل منظومة من‬
‫القيم الغربية عن الروح السلمية‪ ..‬حتى أصبحت المفاخرة‬
‫والمباهاة بأعراف ترى‪:‬‬
‫* أن المرأة الكريمة ل يليق بها أن تخرج من مخدعها إل مرتان‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬إلى مخدع الزوجية‪ ..‬وثانيتهما‪ :‬إلى القبر الذي ُتدفن‬
‫فيه !‪..‬‬
‫* فهي عورة ‪ ،‬ل يسترها إل " القبر " !‪.‬‬
‫سترت بقبر !‬‫ولم أر نعمة شملت كريما ً *** كنعمة عورة ُ‬

‫‪494‬‬
‫وإذا كان السلم قد حفظ حياتها من الوأد المادي القتل فإن‬
‫المجد والمكرمات فى تلك العادات هي في موتها !‬
‫ومن غاية المجد والمكرمات *** بقاء البنين وموت البنات !‬
‫تهوى حياتي وأهوى موتها شفقا *** والموت أكرم نّزال على‬
‫الحرم !‬
‫* وشوراها شؤم يجب اجتنابها‪ ..‬وإذا حدثت فلمخالفتها ‪ ،‬وللحذر‬
‫من الخذ بها !‪.‬‬
‫والكثر خطورة من هذه العراف والعادات والتقاليد ‪ ،‬التي‬
‫سادت أوساطا ملحوظة ومؤثرة في حياتنا الجتماعية ‪ ،‬إبان‬
‫مرحلة التراجع الحضاري ‪ ،‬هي التفسيرات المغلوطة لبعض‬
‫المرويات السلمية بحثا ً عن مرجعية إسلمية وغطاء شرعي‬
‫لقيم التخلف والنحطاط التي سادت عالم المرأة في ذلك‬
‫التاريخ‪ ..‬لقد كان الحظ الوفر في هذا المقام للتفسير الخاطىء‬
‫الذي ساد وانتشر لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي‬
‫رواه البخاري ومسلم عن نقص النساء في العقل والدين‪ ..‬وهو‬
‫حديث رواه الصحابي الجليل أبو سعيد الخدرى رضي الله عنه‬
‫فقال‪ " :‬خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو‬
‫طر إلى المصلى فمّر على النساء ‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫فِ ْ‬
‫‪ " -‬يا معشر النساء ‪ ،‬ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب‬
‫الرجل الحازم من إحداكن "‪.‬‬
‫‪ -‬قلن‪ :‬وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله ؟‪.‬‬
‫‪ -‬قال‪ " :‬أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل " ؟‪.‬‬
‫‪ -‬قلن‪ :‬بلى‪.‬‬
‫ل ولم‬‫‪ -‬قال‪ " :‬فذلك من نقصان عقلها‪ .‬أليس إذا حاضت لم تص ّ‬
‫تصم ؟ "‪.‬‬
‫‪ -‬قلن‪ :‬بلى‪.‬‬
‫‪ -‬قال‪ " :‬فذلك من نقصان دينها "‪.‬‬
‫ذلكم هو الحديث الذي اّتخذ َ تفسيره المغلوط ول يزال " غطاء‬
‫شرعّيا " للعادات والتقاليد التي تنتقص من أهلية المرأة‪ ..‬والذي‬
‫ينطلق منه نفر من غلة السلميين فى " جهادهم " ضد إنصاف‬
‫المرأة وتحريرها من أغلل التقاليد الراكدة‪ ..‬وينطلق منه‬
‫المتغربون وغلة العلمانيين في دعوتهم إلى إسقاط السلم من‬
‫حسابات تحرير المرأة ‪ ،‬وطلب هذا التحرير في النماذج الغربية‬
‫الوافدة‪..‬‬
‫المر الذي يستوجب إنقاذ المرأة من هذه التفسيرات المغلوطة‬
‫لهذا الحديث‪ ..‬بل إنقاذ هذا الحديث الشريف من هذه التفسيرات‬
‫!‪..‬‬

‫‪495‬‬
‫وذلك من خلل نظرات في " متن " الحديث و " مضمونه "‬
‫نكثفها فى عدد من النقاط‪:‬‬
‫أولها‪ :‬أن الذاكرة الضابطة لنص هذا الحديث قد أصابها ما يطرح‬
‫بعض علمات الستفهام‪ ..‬ففي رواية الحديث شك من الرواة‬
‫حول مناسبة قوله‪ ..‬هل كان ذلك فى عيد الضحى ؟ أم في عيد‬
‫الفطر؟‪ ..‬وهو شك ل يمكن إغفاله عند وزن المرويات‬
‫والمأثورات‪.‬‬
‫وثانيتها‪ :‬أن الحديث يخاطب حالة خاصة من النساء ‪ ،‬ول يشّرع‬
‫شريعة دائمة ول عامة في مطلق النساء‪ ..‬فهو يتحدث عن "واقع‬
‫" والحديث عن " الواقع " القابل للتغير والتطور شيء ‪،‬‬
‫ما ومعاملت شيء آخر‪..‬‬ ‫والتشريع " للثوابت " عبادات وقي ً‬
‫ُ‬
‫فعندما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " إنا أمة أمية ‪ ،‬ل‬
‫نكتب ول نحسب "‪ .‬رواه البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود‬
‫والمام أحمد فهو يصف " واقعا ً " ‪ ،‬ول يشرع لتأييد الجهل‬
‫بالكتابة والحساب ‪ ،‬لن القرآن الكريم قد بدأ بفريضة " القراءة‬
‫" لكتاب الكون ولكتابات القلم ‪) :‬اقرأ باسم ربك الذي خلق *‬
‫خلق النسان من علق * اقرأ وربك الكرم * الذي علم بالقلم *‬
‫علم النسان ما لم يعلم( )‪ (1‬ولن الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم الذي وصف " واقع " المية الكتابية والحسابية ‪ ،‬وهو الذي‬
‫غير هذا الواقع ‪ ،‬بتحويل البدو الجهلء الميين إلى قراء وعلماء‬
‫وفقهاء ‪ ،‬وذلك امتثال ً لمر ربه ‪ ،‬في القرآن الكريم ‪ ،‬الذي علمنا‬
‫أن من وظائف جعل الله سبحانه وتعالى القمر منازل أن نتعلم‬
‫عدد السنين والحساب )هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر‬
‫نورًاوقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله‬
‫ذلك إل بالحق يفصل اليات لقوم يعلمون ( )‪ .(2‬فوصف " الواقع‬
‫ل‪ " :‬نحن مجتمعات متخلفة " ل يعنى‬ ‫" – كما نقول الن مث ً‬
‫شرعنة هذا " الواقع " ول تأييده ‪ ،‬فضل ً عن تأبيده ‪ ،‬بأي حال من‬
‫الحوال‪.‬‬
‫وثالثتها‪ :‬أن في بعض روايات هذا الحديث وخاصة رواية ابن‬
‫عباس رضي الله عنهما ما يقطع بأن المقصود به إنما هي حالت‬
‫خاصة لنساء لهن صفات خاصة ‪ ،‬هي التي جعلت منهن أكثر أهل‬
‫النار ‪ ،‬ل لنهن نساء ‪ ،‬وإنما لنهن كما تنص وتعلل هذه الرواية "‬
‫يكفرن العشير " ‪ ،‬ولو أحسن هذا العشير إلى إحداهن الدهر كله‬
‫ة أو شيئا ً ل يعجبها ‪ ،‬كفرت كفر نعمة بكل النعم‬ ‫‪ ،‬ثم رأت منه ه ِن َ ً‬
‫التي أنعم عليها بها ‪ ،‬وقالت بسبب النزق أو الحمق أو غلبة‬
‫العاطفة التي تنسيها ما قدمه لها هذا العشير من إحسان‪ " :‬ما‬

‫‪496‬‬
‫رأيت منك خيرا ً قط " ! رواه البخاري ومسلم والنسائي ومالك‬
‫في الموطأ‪..‬‬
‫فهذا الحديث إذن وصف لحالة بعينها ‪ ،‬وخاص بهذه الحالة‪..‬‬
‫ما ودائما ً لجنس النساء‪..‬‬‫وليس تشريعا ً عا ّ‬
‫ورابعتها‪ :‬أن مناسبة الحديث ترشح ألفاظه وأوصافه لن يكون‬
‫خلق من‬ ‫المقصود من ورائها المدح وليس الذم‪ ..‬فالذين يعرفون ُ‬
‫خلق العظيم)وإنك‬ ‫صنعه الله على عينه ‪ ،‬حتى جعله صاحب ال ُ‬
‫لعلى خلق عظيم( )‪..(3‬‬
‫والذين يعرفون كيف جعل الرسول صلى الله عليه وسلم من "‬
‫العيد " الذى قال فيه هذا الحديث " فرحة " إشراك في‬
‫الستمتاع بها مع الرجال كل النساء ‪ ،‬حتى الصغيرات ‪ ،‬بل وحتى‬
‫حّيض والنفساء !‪ ..‬الذين يعرفون صاحب هذا الخلق العظيم ‪،‬‬ ‫ال ُ‬
‫ويعرفون رفقه بالقوارير ‪ ،‬ووصاياه بهن حتى وهو على فراش‬
‫المرض يودع هذه الدنيا‪ ..‬ل يمكن أن يتصوروه صلى الله عليه‬
‫وسلم ذلك الذي يختار يوم الزينة والفرحة ليجابه كل النساء‬
‫ومطلق جنس النساء بالذم والتقريع والحكم المؤبد عليهن‬
‫بنقصان الهلية ‪ ،‬لنقصانهن في العقل والدين !‪..‬‬
‫وإذا كانت المناسبة يوم العيد والزينة والفرحة ل ترشح أن يكون‬
‫الذم والغم والحزن والتبكيت هو المقصود‪ ..‬فإن ألفاظ الحديث‬
‫تشهد على أن المقصود إنما كان المديح ‪ ،‬الذي يستخدم وصف "‬
‫الواقع " الذي تشترك في التحلي بصفاته غالبية النساء‪ ..‬إن لم‬
‫يكن كل النساء‪..‬‬
‫فالحديث يشير إلى غلبة العاطفة والرقة على المرأة ‪ ،‬وهى‬
‫عاطفة ورقة صارت " سلحا ً " تغلب به هذه المرأة أشد الرجال‬
‫ل‪ ..‬وإذا كانت غلبة العاطفة إنما تعنى تفوقها‬ ‫حزما ً وشدة وعق ً‬
‫على الحسابات العقلية المجردة والجامدة ‪ ،‬فإننا نكون أمام‬
‫عملة ذات وجهين ‪ ،‬تمثلها المرأة‪ ..‬فعند المرأة تغلب العاطفة‬
‫على العقلنية ‪ ،‬وذلك على عكس الرجل ‪ ،‬الذي تغلب عقلنيته‬
‫وحساباته العقلنية عواطفه‪ ..‬وفى هذا التمايز فقرة إلهية ‪،‬‬
‫وحكمة بالغة ‪ ،‬ليكون عطاء المرأة في ميادين العاطفة بل حدود‬
‫وبل حسابات‪ ..‬وليكون عطاء الرجل في مجالت العقلنية‬
‫المجردة والجامدة مكمل ً لما نقص عند " الشق اللطيف والرقيق‬
‫! "‪..‬‬
‫فنقص العقل الذي أشارت إليه كلمات الحديث النبوي الشريف‬
‫هو وصف لواقع تتزين به المرأة السوية وتفخر به ‪ ،‬لنه يعنى‬
‫غلبة عاطفتها على عقلنيتها المجردة‪ ..‬ولذلك ‪ ،‬كانت " مداعبة "‬
‫خلق العظيم الذي آتاه ربه جوامع الكلم للنساء ‪ ،‬فى‬ ‫صاحب ال ُ‬

‫‪497‬‬
‫يوم الفرحة والزينة ‪ ،‬عندما قال‪ :‬لهن‪ " :‬إنهن يغلبن بسلح‬
‫العاطفة وسلطان الستضعاف أهل الحزم واللباب من عقلء‬
‫الرجال ‪ ،‬ويخترقن بالعواطف الرقيقة أمنع الحصون !‪:‬‬

‫‪ " -‬ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم‬
‫من إحداكن "‬
‫فهو مدح للعاطفة الرقيقة التي تذهب بحزم ذوى العقول‬
‫واللباب‪ ..‬ويا بؤس وشقاء المرأة التي حرمت من شرف امتلك‬
‫هذا السلح الذي فطر الله النساء على تقلده والتزين به في هذه‬
‫الحياة ! بل وأيضا ً يا بؤس أهل الحزم والعقلنية من الرجال‬
‫الذين حرموا في هذه الحياة من الهزيمة أمام هذا السلح‪ ..‬سلح‬
‫العاطفة والستضعاف !‪..‬‬
‫وإذا كان هذا هو المعنى المناسب واللئق بالقائل وبالمخاطب‬
‫وبالمناسبة وأيضا ً المحبب لكل النساء والرجال معا ً الذي قصدت‬
‫إليه ألفاظ " نقص العقل " في الحديث النبوي الشريف‪ ..‬فإن‬
‫المراد " بنقص الدين " هو الخر وصف الواقع غير المذموم ‪ ،‬بل‬
‫إنه الواقع المحمود والممدوح !‪..‬‬
‫فعندما سألت النسوة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن‬
‫المقصود من نقصهن في الدين ‪ ،‬تحدث عن اختصاصهن " برخص‬
‫" في العبادات تزيد على " الرخص " التي يشاركن فيها الرجال‪..‬‬
‫خص فيها‬‫فالنساء يشاركن الرجال في كل " الرخص " التي ر ّ‬
‫الشارع من إفطار الصائم في المرض والسفر‪ ..‬إلى قصر الصلة‬
‫وجمعها في السفر‪ ..‬إلى إباحة المحرمات عند الضرورات‪ ..‬إلخ‬
‫ثم يزدن عن الرجال في " رخص" خاصة بالناث ‪ ،‬من مثل‬
‫سقوط فرائض الصلة وصيام رمضان عن الحّيض والنفساء‪ ..‬و‬
‫كذلك إفطار المرضع ‪ ،‬عند الحاجة ‪ ..‬إلخ‬
‫وإذا كان الله سبحانه وتعالى يحب أن ُتؤَتى رخصه كما يحب أن‬
‫ُتؤَتى عزائمه ‪ ،‬فإن التزام النساء بهذه " الرخص " الشرعية هو‬
‫الواجب المطلوب والمحمود ‪ ،‬وفيه لهن الجر والثواب‪ ..‬ول‬
‫يمكن أن يكون بالمر المرذول والمذموم‪ ..‬ووصف واقعه في هذا‬
‫الحديث النبوي مثله كمثل وصف الحديث لغلبة العاطفة الرقيقة‬
‫الفياضة على العقلنية الجامدة ‪ ،‬عند النساء ‪ ،‬هو وصف لواقع‬
‫ما للنساء ‪ ،‬ينتقص من أهلية المرأة‬ ‫محمود‪ ..‬ول يمكن أن يكون ذ ّ‬
‫ومساواتها للرجال ‪ ،‬بأي حال من الحوال‪.‬‬
‫إن العقل ملكة من الملكات التي أنعم الله بها على النسان ‪،‬‬
‫وليس هناك إنسان رجل ً كان أو امرأة يتساوى مع الخر مساواة‬
‫كلية ودقيقة في ملكة العقل ونعمته‪ ..‬ففي ذلك يتفاوت الناس‬

‫‪498‬‬
‫ويختلفون‪ ..‬بل إن عقل النسان الواحد وضبطه ذكرا ً كان أو أنثى‬
‫يتفاوت زيادة ونقصا ً بمرور الزمن ‪ ،‬وبما يكتسب من المعارف‬
‫والعلوم والخبرات‪ ..‬وليست هناك جبلة ول طبيعة تفرق بين‬
‫الرجال والنساء في هذا الموضوع‪..‬‬
‫وإذا كان العقل في السلم هو مناط التكليف ‪ ،‬فإن المساواة‬
‫بين النساء والرجال في التكليف والحساب والجزاء شاهدة على‬
‫أن التفسيرات المغلوطة لهذا الحديث النبوي الشريف ‪ ،‬هي‬
‫تفسيرات ناقصة لمنطق السلم في المساواة بين النساء‬
‫والرجال في التكليف‪ ..‬ولو كان لهذه التفسيرات المغلوطة‬
‫نصيب من الصحة لنقصت تكاليف السلم للنساء عن تكليفاته‬
‫للرجال ‪ ،‬ولكانت تكاليفهن في الصلة والصيام والحج والعمرة‬
‫والزكاة وغيرها على النصف من تكاليف الرجال !‪.‬‬
‫ولكنها " الرخصة "‪ ،‬التي ُيؤجر عليها الملتزمون بها والملتزمات ‪،‬‬
‫كما ُيؤجرون جميعا ً عندما ينهضون بعزائم التكاليف‪ ..‬إن النقص‬
‫المذموم في أي أمر من المور هو الزى يمكن إزالته وجبره‬
‫وتغييره ‪ ،‬وإذا تغير وانجبر كان محمودًا‪ ..‬ولو كانت " الرخص "‬
‫التي شرعت للنساء بسقوط الصلة والصيام للحائض والنفساء‬
‫حّيض ونفساء‬ ‫ما ‪ ،‬لكان صيامهن وصلتهن وهن ُ‬ ‫مثل ً نق ً‬
‫صا مذمو ً‬
‫دا ومأجوًرا‪ ..‬لكن الحال ليس كذلك ‪ ،‬بل إنه‬ ‫أمًرا مقبول ً ومحمو ً‬
‫على العكس من ذلك‪.‬‬
‫وأخيًرا ‪ ،‬فهل يعقل عاقل‪ ..‬وهل يجوز في أي منطق ‪ ،‬أن يعهد‬
‫السلم ‪ ،‬وتعهد الفطرة اللهية بأهم الصناعات النسانية‬
‫والجتماعية صناعة النسان ‪ ،‬ورعاية السرة ‪ ،‬وصياغة مستقبل‬
‫المة إلى ناقصات العقل والدين ‪ ،‬بهذا المعنى السلبي ‪ ،‬الذي‬
‫ظلم به غلة السلميين وغلة العلمانيين السلم ورسوَله الكري َ‬
‫م‬
‫‪ ،‬الذي حرر المرأة تحريره للرجل ‪ ،‬عندما بعثه الله بالحياة‬
‫والحياء لمطلق النسان )يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله‬
‫وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم( )‪ (4‬فوضع بهذا الحياء ‪ ،‬عن‬
‫ملوا من الصار والغلل )الذين‬ ‫ح ّ‬
‫الناس كل الناس ما كانوا قد ُ‬
‫يتبعون الرسول النبي المي الذي يجدونه مكتوبا ً عندهم في‬
‫التوراة والنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل‬
‫لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والغلل‬
‫التي كانت عليهم‪.(5) (..‬‬
‫إنها تفسيرات مغلوطة ‪ ،‬وساقطة ‪ ،‬حاول بها أسرى العادات‬
‫والتقاليد إضفاء‬
‫الشرعية الدينية على هذه العادات والتقاليد التي ل علقة لها‬
‫بالسلم‪ ..‬والتي يبرأ منها هذا الحديث النبوي الشريف‪..‬‬

‫‪499‬‬
‫وإذا كان لنا في ختام إزالة هذه الشبهة أن نزكى المنطق‬
‫السلمي الذي صوبنا به معنى الحديث النبوي الشريف ‪ ،‬وخاصة‬
‫بالنسبة للذين ل يطمئنون إلى المنطق إل إذا دعمته وزكته "‬
‫النصوص " ‪ ،‬فإننا نذكر بكلمات إمام السلفية ابن القيم ‪ ،‬التي‬
‫تقول‪ " :‬إن المرأة العدل كالرجل في الصدق والمانة والديانة "‬
‫)‪.(6‬‬
‫وبكلمات المام محمد عبده ‪ ،‬التي تقول‪:‬‬
‫" إن حقوق الرجل والمرأة متبادلة ‪ ،‬وإنهما أكفاء‪ ..‬وهما متماثلن‬
‫في الحقوق والعمال ‪ ،‬كما أنهما متماثلن في الذات والحساس‬
‫والشعور والعقل ‪ ،‬أي أن كل منهما بشر تام له عقل يتفكر في‬
‫سّر به ‪ ،‬ويكره ما ل يلئمه‬
‫مصالحه ‪ ،‬وقلب يحب ما يلئمه وي ُ َ‬
‫وينفر منه‪(7)..‬‬
‫وبكلمات الشيخ محمود شلتوت ‪ ،‬التي تقول‪:‬‬
‫" لقد قرر السلم الفطرة التي خلقت عليها المرأة‪ ..‬فطرة‬
‫النسانية ذات العقل والدراك والفهم‪ ..‬فهي ذات مسئولية‬
‫مستقلة عن مسئولية الرجل ‪ ،‬مسئولة عن نفسها ‪ ،‬وعن‬
‫عبادتها ‪ ،‬وعن بيتها ‪ ،‬وعن جماعتها‪ ..‬وهى ل تقل في مطلق‬
‫المسئولية عن مسئولية أخيها الرجل ‪ ،‬وإن منزلتها في المثوبة‬
‫والعقوبة عند الله معقودة بما يكون منها من طاعة أو مخالفة ‪،‬‬
‫وطاعة الرجل ل تنفعها وهى طالحة منحرفة ‪ ،‬ومعصيته ل تضرها‬
‫‪ ،‬وهى صالحة مستقيمة)ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو‬
‫أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ول ُيظلمون نقيرا( )‪(8‬‬
‫)فاستجاب لهم ربهم أنى ل أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو‬
‫أنثى بعضكم من بعض( )‪(9‬‬
‫وليقف المتأمل عند هذا التعبير اللهي " بعضكم من بعض " ‪،‬‬
‫ليعرف كيف سما القرآن بالمرأة حتى جعلها بعضا ً من الرجل ‪،‬‬
‫وكيف حد ّ من طغيان الرجل فجعله بعضا ً من المرأة‪ .‬وليس في‬
‫دى به معنى المساواة أوضح ول أسهل من هذه‬ ‫المكان ما ُيؤ ّ‬
‫الكلمة التي تفيض بها طبيعة الرجل والمرأة ‪ ،‬والتي تتجلى في‬
‫حياتهما المشتركة ‪ ،‬دون تفاضل وسلطان )للرجال نصيب مما‬
‫اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن( )‪.(10‬‬
‫وإذا كانت المرأة مسئولة مسئولية خاصة فيما يختص بعبادتها‬
‫ونفسها ‪ ،‬فهي في نظر السلم أيضا ً مسئولة مسئولية عامة فيما‬
‫يختص بالدعوة إلى الخير والمر بالمعروف والرشاد إلى‬
‫الفضائل ‪ ،‬والتحذير من الرذائل‪ .‬وقد صرح القرآن بمسئوليتها‬
‫في ذلك الجانب ‪ ،‬وقرن بينها وبين أخيها الرجل في تلك‬
‫المسئولية ‪ ،‬كما قرن بينها وبينه في مسئولية النحراف عن‬

‫‪500‬‬
‫واجب اليمان والخلص لله وللمسلمين )والمؤمنون والمؤمنات‬
‫بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر‬
‫ويقيمون الصلة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك‬
‫سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ( )‪) (11‬المنافقون‬
‫والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن‬
‫المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم‬
‫الفاسقون * وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم‬
‫خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم( )‪.(12‬‬

‫فليس من السلم أن تلقى المرأة حظها من تلك المسئولية‬


‫المر بالمعروف والنهى عن المنكر وهى أكبر مسئولية في نظر‬
‫السلم على الرجل وحده ‪ ،‬بحجة أنه أقدر منها عليها ‪ ،‬أو أنها‬
‫ذات طابع ل يسمح لها أن تقوم بهذا الواجب ‪ ،‬فللرجل دائرته ‪،‬‬
‫وللمرأة دائرتها ‪ ،‬والحياة ل تستقيم إل بتكاتف النوعين فيما‬
‫ينهض بأمتهما ‪ ،‬فإن تخاذل أو تخاذل أحدهما انحرفت الحياة‬
‫الجادة عن سبيلها المستقيم‪..‬‬
‫والسلم فوق ذلك لم يقف بالمرأة عند حد اشتراكها مع أخيها‬
‫الرجل في المسئوليات جميعها خاصها وعامها بل رفع من‬
‫شأنها ‪ ،‬وكرر تلقاء تحملها هذه المسئوليات احترام رأيها فيما‬
‫تبدو وجاهته ‪ ،‬شأنه في رأي الرجل تماما ً سواًء بسواء‪ .‬وإذا كان‬
‫السلم جاء باختيار آراء بعض الرجال ‪ ،‬فقد جاء أيضا ً باختيار رأى‬
‫بعض النساء‪.‬‬
‫وفى سورة المجادلة احترم السلم رأى المرأة ‪ ،‬وجعلها مجادلة‬
‫ومحاورة للرسول ‪ ،‬وجمعها وإياه في خطاب واحد)والله يسمع‬
‫ما خالدًا‪ ..‬فكانت‬ ‫تحاوركما( )‪ (13‬وقرر رأيها ‪ ،‬وجعله تشريعا ً عا ّ‬
‫سورة المجادلة أثرا ً من آثار الفكر النسائي ‪ ،‬وصفحة إلهية خالدة‬
‫نلمح فيها على مر الدهور صورة احترام السلم لرأى المرأة ‪،‬‬
‫فالسلم ل يرى المرأة مجرد زهرة ‪ ،‬ينعم الرجل بشم رائحتها ‪،‬‬
‫وإنما هي مخلوق عاقل مفكر ‪ ،‬له رأى ‪ ،‬وللرأي قيمته ووزنه‪.‬‬
‫وليس هناك فارق ديني بين المرأة والرجل في التكليف‬
‫والهلية ‪ ،‬سوى أن التكليف يلحقها قبل أن يلحق الرجل ‪ ،‬وذلك‬
‫لوصولها ‪ -‬بطبيعتها ‪ -‬إلى مناط التكليف ‪ ،‬وهو البلوغ ‪ ،‬قبل أن‬
‫يصل إليه الرجل )‪.(14‬‬
‫هكذا تضافرت الحجج المنطقية مع نصوص الجتهاد السلمي‬
‫على إزالة شبهة النتقاص من أهلية المرأة ‪ ،‬بدعوى أن النساء‬
‫ناقصات عقل ودين‪..‬‬

‫‪501‬‬
‫وهكذا وضحت المعاني والمقاصد الحقة لحديث رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬الذي اتخذت منه التفسيرات المغلوطة " غطاًء‬
‫شرعّيا " للعادات والتقاليد الراكدة ‪ ،‬تلك التي حملها البعض من‬
‫غلة السلميين على السلم ‪ ،‬زورا ً وبهتاًنا‪ ..‬والتي حسبها غلة‬
‫العلمانيين دينا ً إلهّيا ‪ ،‬فدعوا ‪ -‬لذلك ‪ -‬إلى تحرير المرأة من هذا‬
‫السلم !‪.‬‬
‫لقد صدق الله العظيم إذ يقول‪):‬سنريهم آياتنا في الفاق وفى‬
‫أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل‬
‫شيء شهيد ( )‪.(15‬‬
‫إننا نلح منذ سنوات طوال وقبلنا ومعنا الكثيرون من علماء‬
‫السلم ومفكريه على أن هذا الدين الحنيف إنما يمثل ثورة كبرى‬
‫لتحرير المرأة ‪ ،‬لكن الخلف بيننا وبين الغرب والمتغربين هو‬
‫دا مساويا ً‬
‫حول " نموذج "هذا التحرير‪ ..‬فهم يريدون المرأة ن ّ‬
‫للرجل‪ ..‬ونحن مع السلم نريد لها " مساواة الشقين المتكاملين‬
‫‪ ،‬ل الندين المتماثلين "‪ ..‬وذلك ‪ ،‬لتتحرر المرأة ‪ ،‬مع بقائها أنثى ‪،‬‬
‫ومع بقاء الرجل رجل ً ‪ ،‬كي يثمر هذا التمايز الفطري بقاء ‪ ،‬ويجدد‬
‫القبول والرغبة والجاذبية والسعادة بينهما سعادة النوع النساني‪.‬‬
‫ونلح على أن هذا " التشابه‪ ..‬والتمايز " بين النساء والرجال ‪ ،‬هو‬
‫الذي أشار إليه القرآن الكريم عندما قرن المساواة بالتمايز ‪،‬‬
‫فقالت آياته المحكمات‪) :‬ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف‬
‫وللرجال عليهن درجة( )‪) (16‬وليس الذكر كالنثى( )‪.(17‬‬
‫نلح على ذلك المنهاج في التحرير السلمي للمرأة‪ ..‬ولقد شاءت‬
‫إرادة الله سبحانه وتعالى أن يشهد شاهد من أهلها على صدق‬
‫هذا المنهاج السلمي ‪ ،‬فتنشر صحيفة ] الهرام [ تقريرا ً علميا ً‬
‫عن نتائج دراسة علمية استغرقت أبحاثها عشرين عاما ً ‪ ،‬وقام بها‬
‫فريق من علماء النفس في الوليات المتحدة المريكية ‪ ،‬وإذا بها‬
‫تكشف عن مصداقية حقائق هذا المنهاج القرآني في تشابه‬
‫الرجال والنساء في اثنتين وثلثين صفة‪ ..‬وتمّيز المرأة عن‬
‫الرجل في اثنتين وثلثين صفة‪ ..‬وتميز الرجل عن المرأة كذلك‬
‫فى اثنتين وثلثين صفة–فهناك التشابه‪) :‬ولهن مثل الذي عليهن‬
‫بالمعروف(‪)،‬خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها( )‪(18‬‬
‫)بعضكم من بعض( )‪ .(19‬وهناك التمايز الفطري )وليس الذكر‬
‫كالنثى(‪ ..‬فهما يتشابهان في نصف الصفات ‪ ،‬ويتمايزان في‬
‫نصفها الخر‪..‬‬
‫فالنموذج المثل لتحررهما معا ً هو " مساواة الشقين‬
‫المتكاملين ‪ ،‬ل الندين المتماثلين "‪ ..‬ولذلك ‪ ،‬آثرت أن أقدم‬
‫للقارئ خلصة هذه الدراسة العلمية ‪ ،‬كما نشرتها ] الهرام [–‪-‬‬

‫‪502‬‬
‫تحت عنوان ] اختلف صفات الرجل عن المرأة لمصلحة كليهما [‬
‫‪ -‬ونصها‪:‬‬
‫" في دراسة قام بها علماء النفس في الوليات المتحدة‬
‫المريكية ‪ ،‬على مدى عشرين عاما ً ‪ ،‬تم حصر عدد الصفات‬
‫الموجودة في كل من الرجل والمرأة ‪ ،‬ووجد أن هناك ‪ 32‬صفة‬
‫مشتركة في كل منهما ‪ ،‬وأن ‪ 32‬صفة أخرى موجودة في الرجل‬
‫‪ ،‬و ‪ 32‬صفة أخرى موجودة عند المرأة ‪ ،‬بدرجات مختلفة في‬
‫الشدة ‪ ،‬ومن هنا جاءت الفروق بين صفات الرجولة والنوثة‪.‬‬
‫وتوصل العلماء من خلل هذه التجارب إلى أن وجود نصف عدد‬
‫الصفات مشتركة في كل من الرجل والمرأة يعمل على وجود‬
‫السس المشتركة بينهما ‪ ،‬لتسهيل التفاهم والتعامل مع بعضهما‬
‫البعض‪..‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أما وجود عدد آخر من الصفات متساويا بينهما ومختلفا عند كل‬
‫منهما في الدرجة والشهرة فمعناه تحقيق التكامل بينهما‪ .‬كما‬
‫توصلوا إلى أنه كي يعيش كل من الرجل والمرأة في انسجام‬
‫وتناغم تام ‪ ،‬لبد أن يكون لدى كل منهما الصفات السيكولوجية‬
‫المختلفة ‪ ،‬فمثل ً الرجل العصبي الحاد المزاج ل يمكنه أن يتعايش‬
‫مع امرأة عصبية حادة المزاج ‪ ،‬والرجل البخيل عليه أل يتزوج‬
‫امرأة بخيلة ‪ ،‬والرجل المن طوى ‪ ،‬الذي ل يحب الناس ‪ ،‬ل يجوز‬
‫أن يتزوج من امرأة منطوية ول تحب الناس‪ .‬وهكذا‪.‬‬
‫وكان من نتائج هذه الدراسات الوصول إلى نتيجة مهمة ‪ ،‬أل وهى‬
‫أن كل إنسان يحب أل يعيش مع إنسان متماثل معه في الصفات‬
‫وكل شيء ‪ ،‬أي صورة طبق الصل من صفاته الشخصية ‪ ،‬ومن‬
‫هنا جاءت الصفات المميزة للرجولة متمثلة فدى‪ :‬قوة العضلت‬
‫وخشونتها والشهامة ‪ ،‬والقوة في الحق ‪ ،‬والشجاعة فدى موضع‬
‫الشجاعة ‪ ،‬والنخوة ‪ ،‬والهتمام بمساندة المرأة وحمايتها والدفاع‬
‫عنها وجلب السعادة لها‪ .‬كما تتضمن أيضا ً صفات الحب ‪،‬‬
‫والعطاء ‪ ،‬والحنان ‪ ،‬والكرم ‪ ،‬والصدق في المشاعر وفى القول‬
‫وحسن التصرف‪ ..‬إلخ‪.‬‬
‫أما عن صفات النوثة ‪ ،‬فهي تتميز بالدفء ‪ ،‬والنعومة ‪،‬‬
‫والحساسية ‪ ،‬والحنان ‪ ،‬والتضحية ‪ ،‬والعطاء ‪ ،‬وحب الخير ‪،‬‬
‫والتفاني في خدمة أولدها ‪ ،‬والحكمة ‪ ،‬والحرص على تماسك‬
‫السرة وترابطها ‪ ،‬وحب المديح ‪ ،‬والذكاء ‪ ،‬وحسن التصرف ‪،‬‬
‫وغير ذلك من الصفات‪..‬‬
‫ولذلك ‪ ،‬فمن المهم أن يكون لدى كل من الرجل والمرأة دراية‬
‫كافية بطبيعة الرجل وطبيعة المرأة ‪ ،‬وبذلك يسهل على كل‬
‫منهما التعامل مع الطرف الخر في ضوء خصائص كل منهما‪..‬‬

‫‪503‬‬
‫فعندما يعرف الرجل أن المرأة مخلوق مشحون بالمشاعر‬
‫والحاسيس والعواطف ‪ ،‬فإنه يستطيع أن يتعامل معها على هذا‬
‫الساس‪ .‬وبالمثل ‪ ،‬إذا عرفت المرأة طبيعة الرجل ‪ ،‬فإن هذا‬
‫سيساعدها أيضا ً على التعامل معه‪.(20) ..‬‬
‫تلك هي شهادة الدراسة العلمية ‪ ،‬التي قام بها فريق من علماء‬
‫النفس في الوليات المتحدة المريكية والتي استغرق البحث‬
‫فيها عشرون عامًا‪ ..‬والتي تصدق على صدق المنهاج القرآنى في‬
‫علقة النساء بالرجال‪ :‬الشتراك والتماثل في العديد من‬
‫الصفات‪ ..‬والتمايز في العديد من الصفات ‪ ،‬لتكون بينهما "‬
‫المساواة " و " التمايز " في ذات الوقت‪..‬‬
‫ومرة أخرى ل أخيرة صدق الله العظيم إذ يقول‪):‬سنريهم آياتنا‬
‫في الفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك‬
‫أنه على كل شيء شهيد( )‪.(21‬‬
‫المراجع‬
‫)‪ (1‬العلق‪.5-1 :‬‬
‫)‪ (2‬سورة يونس‪ :‬الية ‪.5‬‬
‫)‪ (3‬القلم‪.4 :‬‬
‫)‪ (4‬النفال‪.24 :‬‬
‫)‪ (5‬العراف‪.157 :‬‬
‫)‪ ] (6‬الطرق الحكمية في السياسة الشرعية [ ص ‪.236‬‬
‫)‪ ] (7‬العمال الكاملة للمام محمد عبده [ ج ‪ 4‬ص ‪ .606‬دراسة‬
‫وتحقيق د‪ .‬محمد عمارة‪ .‬طبعة القاهرة ‪1993‬م‪.‬‬
‫)‪ (8‬النساء‪.124 :‬‬
‫)‪ (9‬آل عمران‪.195 :‬‬
‫)‪ (10‬النساء‪.32 :‬‬
‫)‪ (11‬التوبة‪.71 :‬‬
‫)‪ (12‬التوبة‪.68 -67 :‬‬
‫)‪ (13‬المجادلة‪.1 :‬‬
‫)‪ ](14‬السلم عقيدة وشريعة [ ص ‪ .228-223‬طبعة القاهرة‬
‫سنة ‪ 1400‬هجرية ‪1980-‬م‪.‬‬
‫)‪ (15‬فصلت‪.53 :‬‬
‫)‪ (16‬سورة البقرة‪.228 :‬‬
‫)‪ (17‬سورة آل عمران‪.36 :‬‬
‫)‪ (18‬سورة العراف‪.189 :‬‬
‫)‪ (19‬سورة آل عمران‪.195 :‬‬
‫)‪ ] (20‬الهرام [ في ‪ -2001-4 -29‬ص ‪.2‬‬
‫)‪ (21‬فصلت‪53 :‬‬

‫‪504‬‬
‫================‬
‫* هل السلم يدعو إلى ضرب المرأة وانتهاك‬
‫كرامتها؟!‬
‫ما بّين حقوق الزوجين ‪ ،‬وما‬ ‫ن السلم ل ّ‬ ‫والجواب عن ذلك أ ّ‬
‫ن المرأة إذا بدأت منها‬ ‫ل منهما في حقّ الخر‪ ،‬بّين أ ّ‬ ‫يراعيه ك ّ‬
‫علمات النشوز ‪ ،‬فليكن موقف الزوج تجاهها عادل ً ‪ ،‬فل تأخذه‬
‫ن هذا موكل لترتيبات الشارع‬ ‫الهواء أو النزعات النفعالية ‪ ،‬فإ ّ‬
‫الحكيم ‪ ،‬في علج تلك المشكلة ‪ ،‬فل يكون الضرب أو الطلق‬
‫أولها ‪ ،‬ولذا كانت مراتب التأديب كما يلي‪:‬‬
‫لتي تخافون‬ ‫‪1‬ـ الوعظ بل هجر ول ضرب ‪ :‬قال تعالى ‪) :‬وال ّ‬
‫ن على‬ ‫كرن بكتاب الله ‪ ،‬وحقوقه ّ‬ ‫ن‪ (...‬أي فَي ُذ َ ّ‬‫ن فعظوه ّ‬ ‫نشوزه ّ‬
‫ن ‪ ،‬فإن أبت الزوجة ‪ ،‬ولم ينفع معها الوعظ والتذكير ‪،‬‬ ‫أزواجه ّ‬
‫فينتقل إلى المرتبة الثانية‪.‬‬
‫ن في المضاجع‪(...‬‬ ‫‪2‬ـ الهجر في المضاجع ‪ :‬قال تعالى‪):‬واهجروه ّ‬
‫وذلك بأن يوّليها ظهره في المضجع ‪ ،‬أو ينفرد عنها في فراش‬
‫ح عنه صّلى‬ ‫يخصه ‪ ،‬كما يجوز له أن يهجرها فترة طويلة ؛ فقد ص ّ‬
‫وز أهل العلم‬ ‫الله عليه وسّلم أّنه هجر نساءه شهرا ً ‪ ،‬ولهذا ج ّ‬
‫هجر الزوج لزوجه أكثر من ثلثة أيام بسبب عذره الشرعي‬
‫لنشوز المرأة ‪ ،‬وترفعها عنه كما ذكره المام الخطابي في معالم‬
‫السنن ‪ ،‬وغيره من أهل العلم‪.‬‬
‫وهذا يخص من أحاديث النهي العامة التي تنهى عن هجر المسلم‬
‫لخيه المسلم أكثر من ثلث ‪ ،‬كما في قوله صّلى الله عليه‬
‫ل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلث( أخرجه البخاري‪.‬‬ ‫وسّلم )ل يح ّ‬
‫ن ذلك بداية‬ ‫ن( ول يك ْ‬ ‫‪3‬ـ الضرب‪ :‬كما قال الله تعالى‪):‬واضربوه ّ‬
‫ن آخر العلج الكي‪ ،‬ولذا كان‬ ‫علج الداء ‪ ،‬وليكن هو آخره ؛ فإ ّ‬
‫القول الحقّ من أقوال العلماء أن ل يبدأ الرجل بضرب زوجه‬
‫بداية نشوزها ‪ ،‬كما هو مذهب المام أحمد ‪ ،‬وقول ابن عّباس ‪،‬‬
‫وغيرهم كثير من أهل العلم ‪.‬‬
‫دة شروط‪:‬‬ ‫ن الضرب للزوجة ‪ ،‬ليس على إطلقه بل له ع ّ‬ ‫مإ ّ‬‫ث ّ‬
‫أ ـ أن تصّر المرأة على النشوز والعصيان‪.‬‬
‫ب ـ أن يتناسب نوع العقاب مع نوع التقصير‪.‬‬
‫ج ـ أن يراعي الرجل ‪ ،‬مقصوده من الضرب ‪ ،‬وأّنه للعلج‬
‫والتأديب ل غير ‪ ،‬فينبغي التخفيف منه بقدر المكان ‪ ،‬ويتحقق‬
‫ذلك كما ذكره أهل العلم )باللكزة ونحوها أو بالسواك( ولهذا‬
‫مته في‬ ‫صى رسول الرحمة محمد ـ صّلى الله عليه وسّلم ـ أ ّ‬ ‫و ّ‬
‫ن‬‫ل‪...):‬اّتقوا الله في النساء ‪ ،‬فإّنكم أخذتموه ّ‬ ‫حجة الوداع قائ ً‬
‫ن أن‬ ‫ن لكم عليه ّ‬ ‫ن بكلمة الله ‪ ،‬وإ ّ‬ ‫بأمانة الله ‪ ،‬واستحللتم فروجه ّ‬

‫‪505‬‬
‫ن ضربا ً غير‬‫ل يوطئن فرشكم أحدا ً تكرهونه ‪ ،‬فإن فعلن فاضربوه ّ‬
‫مبرح( وقد عد ّ اللوسي الضرب غير المبرح بأّنه)الذي ل يقطع‬
‫لحما ً ‪ ،‬ول يكسر عظمًا( روح المعاني)‪(5/562‬‬
‫ويجب كذلك على من ابتلي بترفع زوجته عنه ‪ ،‬ولم يكن لها علج‬
‫إل الضرب ‪ ،‬بأن يتقي الله في ضربه ‪ .‬قال عطاء ‪ :‬قلت لبن‬
‫عّباس ‪ :‬ما الضرب غير المبرح ؟ قال‪ :‬السواك ونحوه‪.‬ويتجّنب‬
‫ن الرسول ـ‬ ‫المواضع المخوفة كالرأس والبطن ‪ ،‬وكذا الوجه ؛ فإ ّ‬
‫صّلى الله عليه وسّلم ـ نهى عن ضرب الوجه نهيا ً عامًا‪ ،‬ولذا ذكر‬
‫ن الرجل لو ابتلي بضرب‬ ‫المحققون من أهل العلم ‪ ،‬كالنووي بأ ّ‬
‫ن زوجها يجب‬ ‫زوجه ‪ ،‬وأفضى ذلك إلى تلف بعض أعضائها ‪ ،‬بأ ّ‬
‫ن ذلك منه للتلف ل‬ ‫عليه الغرم ؛ لّنه كما قال النووي تبّين بأ ّ‬
‫للصلح‪.‬‬
‫وقد أخرج أبو داود من حديث معاوية بن حيدة القشيري ـ رضي‬
‫الله عنه ـ قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول الله ! ما حقّ زوجة أحدنا عليه ؟‬
‫قال‪):‬أن تطعمها إذا طعمت ‪ ،‬وتكسوها إذا اكتسيت ‪ ،‬أو‬
‫اكتسبت ‪ ،‬ول تضرب الوجه ‪ ،‬ول تقّبح ‪ ،‬ول تهجر إل ّ في‬
‫ححه ابن الملقن في البدر المنير)‬ ‫البيت(أخرجه أبو داود وص ّ‬
‫‪ (8/289‬وكذا قال اللباني‪):‬حسن صحيح( في صحيح سنن أبي‬
‫داود‪/‬صـ ‪.402‬‬
‫فهذا هو موقف السلم من قضية ضرب المرأة ‪ ،‬وليس كما‬
‫ن السلم يأمر بضرب المرأة‬ ‫يمّثله العلمانيين ‪ ،‬والذين يقولون إ ّ‬
‫وإهانتها ‪ ،‬أو المنهزمون الذين ينفون ذلك عن السلم بروح‬
‫طلعهم على النصوص‬ ‫الهزيمة لقّلة تضلعهم بعلم الشريعة ‪ ،‬وا ّ‬
‫صا مبتسرا ً من عدة نصوص من‬ ‫التي تعرضت لذلك ‪ ،‬آخذين ن ّ‬
‫الكتاب والسنة ‪ ،‬مع عدم ذكر سباق النص ولحاقه ‪ ،‬ليتضح‬
‫المعنى ‪ ،‬وتبين الصورة ‪.‬‬
‫ن الرجل إذا استخدم هذا العلج الخير مع زوجه‬ ‫ول يعني ذلك أ ّ‬
‫ل‪...‬فالرجل قد يضرب ابنه على‬ ‫ن لها حقدا ً ؛ ك ّ‬
‫أّنه يكرهها ‪ ،‬أو يك ّ‬
‫ب الناس إليه ‪ ،‬لكنه فعل ذلك لجل‬ ‫معصية ارتكبها ‪ ،‬وابنه من أح ّ‬
‫حّبه لبنه ‪ ،‬فيكون رجل ً مستقيما ً على دينه ‪ ،‬ومرضيا ً عند ربه‪.‬‬
‫====================‬
‫ن كيد المرأة أعظم من كيد‬ ‫* هل من المعقول أ ّ‬
‫ن عظيم(‬ ‫ن كيدك ّ‬ ‫ن الله يقول عن النساء)إ ّ‬ ‫الشيطان‪،‬ل ّ‬
‫ن كيد الشيطان كان ضعيفًا(؟!‬ ‫ويقول عن الشيطان )إ ّ‬
‫ن هذه المسألة قد اختلف فيها أهل العلم على قولين‪:‬‬ ‫والحقّ أ ّ‬
‫ص الية؛‬ ‫ن كيد المرأة أعظم من كيد الشيطان لظاهر ن ّ‬ ‫‪1‬ـ أ ّ‬
‫وممن اختار هذا القول من العلماء المعاصرين الشيخ محمد‬

‫‪506‬‬
‫المين الشنقيطي صاحب أضواء البيان ؛ حيث يقول في كتابه‬
‫المذكور)‪):(2/217‬كيد النساء أعظم من كيد الشيطان ‪ ،‬والية‬
‫ن كيد الشيطان كان ضعيفًا(فقوله في‬ ‫المذكورة هي قوله‪):‬إ ّ‬
‫ن كيد الشيطان‬ ‫ن عظيم(وقوله في الشيطان)إ ّ‬ ‫ن كيدك ّ‬ ‫النساء)إ ّ‬
‫ن كيدهن أعظم من كيده‪.‬‬ ‫ل على أ ّ‬ ‫كان ضعيفًا(يد ّ‬
‫ويضيف الشيخ ـ رحمه الله ـ ‪ :‬قال مقاتل عن يحيى بن أبي‬
‫كثير ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال ـ صّلى الله عليه وسّلم ـ ‪):‬إ ّ‬
‫ن‬
‫ن‬
‫ن الله تعالى يقول‪):‬إ ّ‬ ‫كيد النساء أعظم من كيد الشيطان ؛ ل ّ‬
‫كيد الشيطان كان ضعيفا ً ( وقال تعالى‪):‬إن كيدكن عظيم( ا‪.‬هـ‬
‫وقال الديب الحسن بن آية الحسني الشنقيطي‪:‬‬
‫ما استعظم الله كيدهنه إل ّ لنهن ه ّ‬
‫ن هنه(ا‪.‬هـ‬
‫ن المسألة تحتاج لتوضيح‪ ،‬وتبيين ما في‬ ‫‪2‬ـ الرأي الخر يرى أ ّ‬
‫اليتين من فروق ومن ذلك‪:‬‬
‫ن الظاهر ل مقابلة بين العظيم والضعيف‪.‬‬ ‫أـأ ّ‬
‫ن ‪ ،‬وبالنسبة للشيطان‬ ‫ب ـ الكيد بالنسبة للنساء هو لجنسه ّ‬
‫للعموم‪.‬‬
‫ج ـ كيد الشيطان كان ضعيفا ً ؛ لّنه يمكن دحره والتخلص منه‬
‫بالستعاذة ‪ ،‬أو الذان ‪ ،‬أو ذكر الله عمومًا‪ ،‬وكيد النساء عظيم ؛‬
‫لنه من الصعب طردها!‬
‫ن قوله تعالى‪):‬الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين‬ ‫دـ أ ّ‬
‫ن‬
‫كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إ ّ‬
‫كيد الشيطان كان ضعيفا( فالية تقابل بين من يقاتل في سبيل‬
‫الله ومن يقاتل في سبيل الطاغوت الذي هو الشيطان ‪ ،‬فمن‬
‫ك أّنه الشيطان ‪ ،‬فكيد الشيطان‬ ‫الذي سيكون كيده ضعيفًا؟ل ش ّ‬
‫بالنسبة لولياء الله الصادقين ضعيف ل يقدر عليهم‪ ،‬كما أخبر‬
‫الله تعالى )إّنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم‬
‫يتوكلون( فمن كان يسنده القوي فأّنى يضعف؟!‬
‫ما ما ورد في سورة يوسف ‪ ،‬فالمقابلة بين كيد المرأة وكيد‬ ‫أ ّ‬
‫ن أعظم من كيد الرجل ـ والقصص في‬ ‫ن كيده ّ‬ ‫كأ ّ‬ ‫الرجل‪ ،‬ول ش ّ‬
‫ن على العظمة المطلقة‬ ‫ذلك كثيرة جدا ً ـ وجاء وصف كيده ّ‬
‫ن‪ ،‬وقد نّبه على هذه النقطة‬ ‫مبالغة في تحقيق ذلك الوصف فيه ّ‬
‫الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله ـ في بعض دروسه‬
‫وشروحاته والله أعلم ‪.‬‬
‫ن كيد المرأة ليس أقوى من‬ ‫فيتبين أن الراجح ـ والله أعلم ـ أ ّ‬
‫كيد الشيطان ‪ ،‬فقد وصف الله كيد المرأة في سياق معين ‪،‬‬
‫ووصف كيد الشيطان في سياق معين ‪ ،‬وكيد الشيطان أعظم‬
‫ن كيد المرأة جزء من كيد الشيطان ‪ ،‬ولكن‬ ‫من كيد المرأة ‪ ،‬ل ّ‬

‫‪507‬‬
‫ن كيد الشيطان عن طريق الوسوسة ‪،‬‬ ‫ذكر بعض أهل العلم أ ّ‬
‫بينما كيد المرأة عن طريق المباشرة ‪ ،‬والمواجهة وهذا يكون له‬
‫أعظم الدور في التأثير على المقابل‪.‬‬
‫وة ‪ ،‬بل‬ ‫ً‬
‫ن هذا الكيد يعد ّ مظهرا من مظاهر الق ّ‬ ‫وليس يعني ذلك أ ّ‬
‫هو من مظاهر الضعف كما بّينه الستاذ الدكتور محمد السيد‬
‫الدسوقي ؛ فكيد المرأة ل علقة له بكيد الشيطان بحال من‬
‫قا ً ‪ ،‬ل‬
‫الحوال ‪ ،‬لّنه أسلوب الضعيف الذي يحاول أن ينال ح ّ‬
‫يستطيع الوصول إليه صراحة ‪.‬‬
‫وصلى الله على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم‬
‫أجمعين‬
‫==========================‬
‫لماذا ل يتحجب الرجل‬
‫عزيز محمد أبوخلف‬
‫باحث إسلمي‬
‫‪amakhalaf@gawab.com‬‬
‫تزداد الحملت العدائية الموجهة ضد السلم يوما ً بعد يوم ‪ ،‬وذلك‬
‫من اجل التأثير على أفكار معتنقيه وتنفير الخرين منه ‪ .‬ول يعدو‬
‫المر أن يكون محاولة لبعاد السلم والمسلمين عن الحياة‬
‫العملية ‪ ،‬لن السلم دين مؤثر عمليا ً ‪ ،‬وسبق أن حكم به‬
‫المسلمون الدنيا فترة طويلة ‪ ،‬ومن غير المستبعد أن تتكرر هذه‬
‫التجربة مرة أخرى ‪.‬‬
‫تتركز المحاولت بشراسة من اجل محاولة النفاذ إلى السلم‬
‫من خلل المرأة ؛ فالمرأة مقتل لية أمة يمكن الوصول إليها من‬
‫خللها ‪ ،‬وذلك ِلما للمرأة من أدوار فعالة ل تقوم الحياة بدونها ‪.‬‬
‫كما أن أعداد النساء الداخلت في السلم في ازدياد ل سيما في‬
‫بلد الغرب ‪ ،‬مما يشجع على تصويب السهام تجاه الفكار‬
‫الخاصة بالمرأة ‪ .‬لذلك تجد الهجوم يتركز على عقل المرأة وأن‬
‫السلم ينتقص منه ‪ ،‬وعلى الحجاب ‪ ،‬وعلى التعدد ‪ ،‬وغير ذلك‬
‫من الفكار السلمية ‪.‬‬
‫فلسفة السلم في النظرة إلى الرجل والمرأة‬
‫يسلط السلم النظر في العلقة ما بين المرأة والرجل على‬
‫التكاثر وبناء السرة السعيدة ‪ ،‬في علقة متكاملة ما بين الفرد‬
‫والجماعة ؛ فتراه ُيسهل كل ما يؤدي إلى ذلك ‪ ،‬ويحد من كل ما‬
‫يعيق تحقيق هذه المهمة ‪ .‬وهو بهذا يخالف الحضارة الغربية التي‬
‫تجعل من الجنس هدفا ً ‪ ،‬فتسهل كل ما يحقق هذا الهدف ‪ ،‬في‬
‫حين أن السلم يعتبره وسيلة لتحقيق الهدف المنشود ‪ ،‬وانه‬
‫يأتي بشكل تلقائي في سعينا لتحقيق ذلك الهدف ‪.‬‬

‫‪508‬‬
‫فالسلم يحصر العلقة ما بين الرجل والمرأة في الزواج ويحث‬
‫عليه ويسهل كل ما يؤدي إليه ‪ ،‬ويحث على تكثير النسل ‪ .‬كما‬
‫انه يمنع الختلط لغير سبب ‪ ،‬ويمنع التبرج والخلوة ‪ ،‬ويدعو إلى‬
‫ستر العورات ‪ ،‬كما انه يمنع شيوع الفكار الجنسية والمثيرة من‬
‫قصص وكتابات وأفلم ومسلسلت يمكن أن تؤدي إلى تسهيل‬
‫شيوع الفاحشة والدعوة إليها ‪.‬‬
‫كما أن السلم يراعي الفطرة والتكوين الجسدي لكل من‬
‫المرأة والرجل من الناحية النسانية ‪ ،‬ويراعى الفروق بينهما ‪.‬‬
‫فهو ل ُيغفل أمر الغرائز في النسان ‪ ،‬ول يطلق لها العنان ول‬
‫يكبتها كل الكبت ‪ ،‬بل يراعي العوامل المؤثرة فيها ‪ ،‬ويضبطها‬
‫بضوابط تكفل لها السير الحسن ‪ ،‬ويهذبها ويسيرها في اتجاه‬
‫السعادة ‪ .‬ويجعل التعاون أساسا للعلقة ما بين الرجل والمرأة‬
‫من اجل أن يتحقق الهدف المنشود ‪ ،‬ويدعو إلى عدم النظر إلى‬
‫الخر بنظرة الحسد وتمنى ما لم يحصل عليه ‪ .‬كما انه يجعل‬
‫للعقل سلطانا ً ليدرك به صاحبه عاقبة المور ولينظر فيما يضمن‬
‫تحقيق الهدف ‪ .‬وبغير ذلك تستوي المور بين النسان والبهائم ‪،‬‬
‫لن هذه تسير وفق الغرائز المبرمجة فيها ‪ ،‬والنسان له عقل‬
‫يميز به الشياء ويدرك به عاقبة المور ‪.‬‬
‫وهذا يعني أن المسلم إذا نظر إلى المرأة فإن نظرته تكون لجل‬
‫الزوجية أي التكاثر ‪ ،‬والمرأة المسلمة إذا نظرت إلى الرجل‬
‫تكون نظرتها لجل ذلك أيضا ‪ .‬ول بد من غض البصر على مبدأ‬
‫أن النظرة الولى لك والثانية عليك ‪ ،‬فل ينظر أي منهما للخر‬
‫نظرة شهوة إل على أساس من الحلل الذي هدفه التكاثر ‪ .‬وبناء‬
‫عليه فان للرجل أن يطلب اكثر من امرأة للزواج إلى الحد‬
‫القصى وهو أربع نسوة ‪ ،‬في حين أن المرأة ل يمكنها أن تعدد‬
‫لن ذلك يتنافى مع مبدأ التكاثر الذي أشرنا إليه ‪ .‬فالرجل يمكنه‬
‫أن ينجب من اكثر من واحدة ‪ ،‬أما المرأة فل يمكنها أن تنجب إل‬
‫من واحد مهما كثر عدد المجتمعين عليها ‪.‬‬
‫لماذا ل يتحجب الرجل؟‬
‫الحجاب شعار متحرك في الطرقات والمحال والمؤسسات‬
‫وأماكن العمل ‪ ،‬فهو وسيلة دعوية متحركة وفاعلة حتى لو لم‬
‫تد ْع ُ صاحبته إلى ذلك ‪ ،‬أو لم تكن هي نفسها قدوة تحترم هذا‬
‫الزي الذي ترتديه ‪ .‬فمجرد وجود هذا الحجاب أو اللباس الشرعي‬
‫كاف لثارة أعداء السلم والعمل على محاربته ‪ .‬وقد تنوعت‬
‫أساليب العمل على خلع الحجاب والتخلص منه ‪ ،‬ومنها المناداة‬
‫بحجاب للرجل مثل حجاب المرأة ‪ .‬وبما انهم يعلمون تماما انه ل‬
‫حجاب على الرجل في السلم ‪ ،‬فانهم اتخذوا ذلك منفذا‬

‫‪509‬‬
‫للتخفيف من حجاب المرأة ‪ .‬والحجة في ذلك أن ما يثير الرجل‬
‫من المرأة هو نفسه ما يثير المرأة من الرجل ‪ ،‬فل بد أن‬
‫يتساوى الثنان في اللباس ‪ .‬فإذا لم يحصل وكان الرجل له الحق‬
‫في التخفيف من اللبس كالقميص والبنطلون وغير ذلك ‪ ،‬فل اقل‬
‫أن ُيسمح للمرأة بذلك ‪.‬‬
‫لكن السلم يوجب ستر العورة لكل من الرجل والمرأة ‪ ،‬على‬
‫اختلف في المذاهب على مستوى الستر ؛ فيتراوح عند المرأة‬
‫ما بين جميع الجسد أو الوجه والكفين ‪ ،‬وما بين السرة والركبة‬
‫عند الرجل ‪ .‬كما ُيشترط في اللباس أل يصف ‪ ،‬ول يشف ما تحته‬
‫‪ ،‬ول يكون مثيرا ً أو ملفتا ً للنظر ‪ ،‬مع مطالبة الطرفين بغض‬
‫البصر ‪ .‬فهل يعني الختلف في اللباس ما بين المرأة والرجل‬
‫وجود اختلف أيضا في طبيعة الثارة وطبيعة الجسد عند كل‬
‫منهما؟ هذا مع العلم أن كل من المرأة والرجل إنسان بالدرجة‬
‫الولى ‪ ،‬وما عند هذا من الغرائز هو ما عند تلك ‪ ،‬فأين الفرق؟‬
‫المرأة بحكم طبيعة تكوينها الجسدي مثيرة ‪ ،‬لذلك جاء التركيز‬
‫على لباسها لمنع الثارة والذى ‪ .‬فالمرأة مطلوبة ‪ ،‬وذلك على‬
‫الرغم من أن لها نفس غرائز الرجل وما يثيرها يثيره ‪ ،‬لكن‬
‫الختلف يكمن في المستوى ونقطة البدء ‪ .‬فإذا كان الرجل‬
‫مثارا ً ومهيئا ً أي تغلب عليه الشهوة لي سبب فانه يطلب‬ ‫ُ‬
‫المرأة ‪ ،‬وقد يلجا إلى العنف ‪ ،‬وإذا لم يكن هناك ما يردعه‬
‫فسيقضي شهوته منها رغما ً عنها ‪ .‬لكن لننظر إلى العكس ‪ ،‬لو‬
‫أن المرأة هي التي تشتهي الرجل وطلبته ‪ ،‬فانه يلزمها في هذه‬
‫الحالة أن تثيره أول ً ‪ ،‬ثم بعد ذلك تقضي منه شهوتها ‪ .‬أما إذا لم‬
‫يتهيج فمن العسير عليها أن تأخذ منه شيئا ‪ ،‬ومن هنا كانت‬
‫الثارة من قبل المرأة سواء كانت طالبة أم مطلوبة ‪.‬‬
‫ومما يؤكد أن المرأة هي المطلوبة وأنها عرضة للذى ‪ ،‬ما يحصل‬
‫في الحروب وفي حالت الغتصاب ؛ فنرى كيف ينقض الجنود‬
‫المحتلون على النساء مثل الكلب المسعورة ‪ .‬أما ما يقال من‬
‫أن الغتصاب انعكاس لمرض نفسي فغير صحيح ‪ ،‬بل هو دليل‬
‫على شدة طلب الرجل للمرأة ‪ ،‬وانه يحصل على ما يريد منها‬
‫بالقوة لنها تقاوم بطبيعتها فيبادل المقاومة بأخرى ‪.‬‬
‫شبهات أخرى‬
‫• الحجاب ل يمنع الرجل من أن يهاجم المرأة ل في الحرب ول‬
‫في السلم ‪ ،‬والدليل ما حصل في البوسنة والهرسك وحالت‬
‫الغتصاب للمحجبات وغيرهن ‪ .‬نقول أن هذا ل يمنعه البتة ولكنه‬
‫يخففه ‪ ،‬كما انه يؤكد أن المرأة مطلوبة سواء كانت محجبة أم ل‬
‫‪ ،‬لكن الحجاب يضع في طريقه عقبات كثيرة ‪.‬‬

‫‪510‬‬
‫• المرأة تتحجب خوفا من الرجال ‪ .‬الحجاب فرض من الله‬
‫ويجب أن يكون طاعة لله وخوفا من عقوبته ‪ .‬لنه إذا كان‬
‫اللباس بسبب معين فانه يمكن أن يزول بزوال هذا السبب ‪،‬‬
‫وهذا غير صحيح ‪ ،‬بل لن الله فرضه وهذا دائم ‪ .‬ولباس المرأة‬
‫فرض سواء حدثت إثارة أم لم تحدث ‪ ،‬وسواء تعرضت لعتداء‬
‫الرجال أم ل ‪ ،‬وسواء فتنت الرجال أم ل ‪ ،‬وسواء افتتن بها‬
‫الرجال أم ل ‪.‬‬
‫• التركيز على الحجاب يعني أن المرأة سلعة جنسية ‪ ،‬وان‬
‫المقصود هو حماية الرجل ‪ .‬وهل هناك من ينكر أن المرأة فيها‬
‫غريزة الجنس وان الرجل فيه نفس الغريزة؟ ثم إنها حماية لكل‬
‫منهما وليس لواحد على حساب الخر ‪ ،‬لكننا بّينا أن المرأة لها‬
‫وضعية تختلف عن الرجل من حيث إثارته ‪ ،‬فهي المطلوبة وهي‬
‫العرضة للذى في النهاية ‪ .‬والوضع إجمال هو حماية لكل منهما‬
‫على حد سواء ‪ ،‬لن الحياة ل تستقيم والشهوات مثارة ‪ ،‬فمصير‬
‫ذلك القلق الدائم ‪.‬‬
‫هل لنا أن نتساءل؟‬
‫هناك من يتساءل ‪ :‬إذا كان السلم دين الله فكيف يستطيع‬
‫هؤلء أن يشككوا فيه ويعملوا على تفكيك عراه الواحدة تلو‬
‫الخرى؟ وبدل ً من الحديث عن تقاعس أهله عن القيام به ‪ ،‬أو‬
‫عزو المر إلى شدة بأس أعدائه وما إلى ذلك ‪ ،‬ل بد من إظهار‬
‫الجانب الفكري في الموضوع ‪ .‬فنقول إن الذي يسهل مهاجمة‬
‫مطّبق ؛ فالسلم‬ ‫أفكار السلم هو النظر إليه مجزءا ً وغير ُ‬
‫بطبيعته متكامل وينبع من أصول ل بد من مراعاتها في النظر‬
‫إلى أحكامه ‪ .‬وهذه الحكام يرتبط بعضها ببعض من حيث‬
‫التطبيق الشامل لها والتعاون ما بين الفرد والجماعة ‪ ،‬لذلك من‬
‫الصعب أن نلمس أثرها وهي غير مطبقة بهذا الشكل ‪ .‬أضف‬
‫إلى ذلك أن كثيرا ً من الجتهادات ليست عملية ‪ ،‬ولم تج ِ‬
‫ر‬
‫مراجعتها على مر الزمن ‪ ،‬كما أن هناك الكثير من الحكام التي‬
‫كم المستفادة منها ‪ ،‬ل سيما ما‬ ‫ح َ‬
‫يجهل المسلمون واقعها وال ِ‬
‫يمكن أن نخاطب به الناس بلغة العصر الحاضر‬
‫=======================‬
‫الشبهة)‪:(1‬تركيب المرأة الجسدي يعارض دعوتهم‬
‫للمساواة التامة‬
‫كيان المرأة النفسي‬ ‫أثبتت الدراسات الطّبية المتعددة أن ِ‬
‫والجسدي قد خلقه الله تعالى على هيئةٍ تخالف تكوين الرجل‪،‬‬
‫ة‪ ،‬كما‬ ‫ة كامل ً‬
‫وقد ب ُِني جسم المرأة ليلئم وظيفة المومة ملءم ً‬
‫أن نفسيتها قد هُي َّئت لتكون ربة أسرةٍ وسيدة البيت وقد كان‬

‫‪511‬‬
‫ة في‬ ‫لخروج المرأة إلى العمل وتركها بيتها وأسرتها نتائج فادح ً‬
‫شر في العام‬ ‫كل مجال‪ .‬ويقول تقرير هيئة الصحة العالمية الذي ن ُ ِ‬
‫مه المتواصلة لمد‬ ‫ُ‬
‫ل مولود ٍ يحتاج إلى رعاية أ ّ‬ ‫ن كل طف ٍ‬ ‫الماضي أ ّ‬
‫ن هذه الرعاية يؤدي إلى‬ ‫قدا َ‬ ‫ت على القل‪ .‬وأن فُ ْ‬ ‫ث سنوا ٍ‬ ‫ة ثل ِ‬
‫دى الطفل كما يؤدي إلى انتشار جرائم الُعنف‬ ‫اختلل الشخصية ل َ َ‬
‫ريعةٍ في المجتمعات الغربية وطالبت هذه‬ ‫م ِ‬‫الذي انتشر بصورةٍ ُ‬
‫موَّقرة بتفريغ المرأة للمنزل وطلبت من جميع حكومات‬ ‫الهيئة ال ُ‬
‫دفع لها راتبا ً شهريا ً إذا لم يكن لها من‬ ‫فّرغ المرأة وت ً ْ‬ ‫العالم أن ت ُ َ‬
‫ي َُعوُلها حتى تستطيع أن تقوم بالرعاية الكاملة لطفالها‪.‬‬
‫ضن وَرْوضات‬ ‫محا ِ‬ ‫وقد أثبتت الدراسات الطبية والنفسية أن ال َ‬
‫الطفال ل تستطيع القيام بد َْور الم في التربية ول في إعطاء‬
‫ن الداِفق الذي ُتغذيه به‪.‬‬ ‫الطفل الحنا َ‬
‫الختلف على مستوى الخليا‪:‬‬
‫إن هيكل المرأة الجسدي يختلف عن هيكل الرجل‪ ،‬بل إن كل‬
‫خلية من خليا جسم المرأة تختلف في خصائصها وتركيبها عن‬
‫جَهر ل ََهاَلنا أن نجد الفروق‬ ‫م ْ‬ ‫قنا النظر في ال ِ‬ ‫خليا الرجل‪ .‬وإذا دقّ ْ‬
‫ة بين خلية الرجل وخلية المرأة‪ ..‬ستون مليون خلية في‬ ‫واضح ً‬
‫ة في المجهر ت ُن ْب ُِئك‬ ‫جسم النسان ومع هذا فإن نظرة ً فاحص ً‬
‫خَبر اليقين‪ :‬هذه خلية رجل وهذه خلية امرأة‪ ،‬كل خليةٍ فيها‬ ‫ال َ‬
‫ة بطابع النوثة‪.‬‬ ‫طبوع ٌ‬ ‫م ْ‬‫ذكورة أو َ‬ ‫سم ال ّ‬ ‫مي ْ ِ‬‫ة بِ َ‬‫م ٌ‬‫سو َ‬ ‫مو ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ة بين خلية دم ٍ بيضاَء‬ ‫وفي الصورة التالية نرى الفروق واضح ً‬
‫جِليا ً بين خلية من فم ِ امرأ ٍ‬
‫ة‬ ‫ل وأخرى لمرأةٍ كما نرى الفرق َ‬ ‫لرج ٍ‬
‫ل‪ ،‬ثم ننظر في الصورة على مستوى أعمق من‬ ‫وخليةٍ من َفم رج ٍ‬
‫صبغيات أو‬ ‫جسيمات الملونة )ال ّ‬ ‫مستوى الخليا إلى مستوى ال ُ‬
‫ة‬
‫الكروموسومات(‪ .‬هذه الجسميات الملونة موجودة ٌ في كل خلي ٍ‬
‫س بالنجستروم )واحد على بليون من الميليمتر( في َثخانتها‬ ‫وُتقا ُ‬
‫ج؛منها واحد ٌ مسؤول عن الذكورة‬ ‫وهي موجودة ٌ على هيئة أزوا ٍ‬
‫والنوثة‪.‬‬
‫ضح في الصورة على‬ ‫مو َ ّ‬‫ففي خلية الذكر نجد هذا الزوج كما هو ُ‬
‫هيئة ‪ x y‬بينما هو في خلية المرأة على هيئة ‪ xx‬والصورة التالية‬
‫ُتوضح هذه الفروق الثلثة‪.‬‬
‫مّيز عن‬ ‫م َ‬ ‫ون )صبغ( للذكورة يختلف في شكله ال ُ‬ ‫مل َ ّ‬
‫سيم ال ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫إ ّ‬
‫صبغ النوثة‪ ،‬بل ول يقتصر الختلف على الشكل والمظهر إنما‬ ‫ِ‬
‫ك بالنسبة‬ ‫سمي ٌ‬ ‫خَبر فصبغ الذكورة قصيٌر َ‬ ‫م ْ‬‫يتعداه إلى الحقيقة وال َ‬
‫صبغ النوثة ومع ذلك فهو يجعل الخلية الذكرية أكثر نشاطا ً‬ ‫لِ ِ‬
‫من شقيقتها النثوية‪.‬‬ ‫ة وأكثر إقداما ً ِ‬ ‫كيم ً‬ ‫وأقوى ش ِ‬
‫الختلف على مستوى النطفة‪:‬‬

‫‪512‬‬
‫سلية‬ ‫سّلم الفروق وارتفعنا إلى مستوى الخليا التنا ُ‬ ‫سرنا في ُ‬ ‫وإذا ِ‬
‫ة‬‫ف ُ‬ ‫ن هائل ً بين الحيونات المنوية )ن ُط ْ َ‬ ‫سعا ً والب َوْ َ‬ ‫سنجد الفرق شا ِ‬
‫ويضة )ُنطفة المرأة(‪.‬‬ ‫الرجل( وبين الب ُ َ‬
‫صية مئات المليين من الحيونات المنوية في كل قَذ ْفَ ِ‬
‫ة‬ ‫خ ْ‬ ‫رز ال ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫تُ ْ‬
‫ة‬
‫ويضة واحدة ً في الشهر‪ .‬ونظرة ٌ فاحص ٌ‬ ‫مب َْيض ب ُ َ‬ ‫رز ال ِ‬ ‫ف ِ‬
‫ي بينما ي ُ ْ‬ ‫من ِ ّ‬ ‫َ‬
‫مَنويّ الذي ُيقاس بالميكرون )واحد على‬ ‫لخصائص الحيوان ال َ‬
‫سد خصائص الرجولة‪.‬‬ ‫ج ّ‬ ‫مليون من المليمتر( تجعلنا‪ .‬ن ُوِْقن بأنه ي ُ َ‬
‫جسد خصائص النوثة‪ .‬فالحيوان المنوي له‬ ‫بينما نرى البويضة ت ُ َ‬
‫ل وهو سريع‬ ‫ل طوي ٌ‬ ‫ة وله ذ َي ْ ٌ‬ ‫فح ٌ‬ ‫ص ّ‬
‫م َ‬ ‫سوة ٌ ُ‬ ‫ب وعليه قُل ُن ْ ُ‬ ‫مد َب ّ ٌ‬ ‫س ُ‬ ‫رأ ٌ‬
‫قّر له َقراٌر حتى يصل إلى هدفه أو‬ ‫شكيمة ل ي َ ِ‬ ‫الحركة قوِيّ ال ّ‬
‫يموت‪ .‬بينما البويضة كبيرة الحجم )‪ ،1/5‬ميليمتر( وت ُعَْتبر أكبر‬
‫خليةٍ في جسم النسان الذي يحتوي على ستين مليون خلية‪.‬‬
‫ع‬
‫ش ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫ل وعليها تا ٌ‬ ‫دى باختيا ٍ‬ ‫ل وت ََتها َ‬ ‫دل ٍ‬ ‫ة َتسير ب ِ َ‬ ‫ة ساكن ٌ‬ ‫وهي هادئ ٌ‬
‫حه ول ُتفارقه‪ ،‬فإن‬ ‫يدعو الراغبين إليها وهي في مكانها ل ت َب َْر ُ‬
‫أتاها زوجها و إل ماتت في مكانها ثم قذفها الرحم مع دم‬
‫ث‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫الط ّ ْ‬
‫ي الرجل تحت المجهر‬ ‫من ِ ّ‬
‫قنا النظر في قطرةٍ صغيرةٍ من َ‬ ‫وإذا دقّ ْ‬
‫ب‬
‫عبا َ‬ ‫خُر ُ‬ ‫م ُ‬‫لهالنا ما نرى‪ ..‬مئات المليين من الحيوانات المنوية ت َ ْ‬
‫جري في طريقها‬ ‫ذيالها ل ِت َ ْ‬ ‫رب بأ ْ‬ ‫طم وهي َتض ِ‬ ‫متل ِ‬ ‫مّني ال ُ‬ ‫حرِ ال َ ِ‬ ‫بَ ْ‬
‫مخاطر حتى تصل‬ ‫فاِوز وال َ‬ ‫م َ‬ ‫فوف ِبال َ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ْ‬ ‫عر ال َ‬ ‫الشاق الطويل الوَ ِ‬
‫إلى البويضة‪ ،‬وفي أثناء هذه الرحلة الشاقة الهاد َِرة تموت مليين‬
‫الحيوانات المنوية ول يصل إلى البويضة إل بضع مئات‪.‬‬
‫ذن لها‬ ‫وهناك على ذلك الجدار تقف هذه الحيوانات تنتظر أن ي ُؤ ْ َ‬
‫جدار‬ ‫رز ك ُوّة ً في ِ‬ ‫دعة فَت ُب ْ ِ‬ ‫مب ْ ِ‬
‫درة اللهية ال ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫بالدخول وتتحرك ي َد ُ ال ُ‬
‫ح تلك‬ ‫ق َ‬ ‫من َوِيّ قداختارته العناية اللهية ل ِي ُل َ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫البويضة أما حيوا ٍ‬
‫وة‬ ‫مك ُْنونة وي َِلج الحيوان المنوىّ سريعا ً إلى هذه الك ُ ّ‬ ‫درة ال َ‬ ‫ال ّ‬
‫ضي لها‬ ‫ف ِ‬ ‫قف وجها ً ِلوجهٍ أما م البويضة‪ ..‬وهناك ي ُ ْ‬ ‫فْرجة ل ِي َ ِ‬ ‫وال ُ‬
‫ونا‬ ‫حدان ل ِي ُك َ ّ‬ ‫طيه‪ .‬ويت ّ ِ‬ ‫طيها أسرار الوراثة وت ُعْ ِ‬ ‫سّره وي ُعْ ِ‬ ‫كنون ِ‬ ‫م ْ‬ ‫بِ َ‬
‫خُلق الله سبحانه وتعالى منها النسان‬ ‫مشاج التي ي َ ْ‬ ‫ة ال ِ‬ ‫الّنطف َ‬
‫كام ً‬
‫ل‪.‬‬
‫الختلف على مستوى النسجة والعضاء‪:‬‬
‫وإذا ارتفعنا من مستوى الصبغيات )الكروموسومات( والخليا إلى‬
‫مستوى النسجة والعضاء وجدنا الفروق الهائلة الواضحة لكل‬
‫ة‬
‫شدودة ٌ قوي ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫فَتى َ‬ ‫ضلت ال َ‬ ‫ذي ع َي َْنين بين الذكورة والنوثة‪ ..‬فَعَ َ‬
‫وض‬ ‫ح ْ‬ ‫من ْك ََبين واسعُ الصدر ضّيق البطن صغير ال َ‬ ‫عريض ال ِ‬ ‫وهو َ‬
‫سمه توزيعا ً‬ ‫ج ْ‬ ‫دهن ِ‬ ‫وزع ال ّ‬ ‫جز كبير‪ ..‬ي َت َ ّ‬ ‫ف له ول ع َ ُ‬ ‫سِبيًا‪ ,‬ل أْردا َ‬ ‫نِ ْ‬
‫ة‪ ..‬وينمو‬ ‫م محدودة ٌ بسيط ٌ‬ ‫دهن في الغالب الع َ ّ‬ ‫عادل ً وط ََبقة ال ّ‬

‫‪513‬‬
‫شْعر‬ ‫عذاِريه وينمو َ‬ ‫شْعر ُ‬ ‫سّرة كما ينمو َ‬ ‫حوَ ال ّ‬ ‫جها ً ن َ ْ‬ ‫مت ّ ِ‬
‫شعُْر الَعاَنة ُ‬ ‫َ‬
‫ش‪ ..‬بينما نجد عضلت‬ ‫َ‬ ‫ذ َقِْنه وشارِِبه وي َغْل ُ ُ‬
‫ج ّ‬ ‫صُبح أ َ‬ ‫ظ صوُته وي ُ ْ‬
‫سِتدارةً‬ ‫ب الجسم ا ْ‬ ‫س ُ‬‫هنيةٍ ت ُك ْ ِ‬ ‫مكسوة ً بطبقةٍ د ُ ْ‬ ‫ةو َ‬ ‫الفتاة »رقيق ً‬
‫متعاِقبة‬ ‫فر والن ُّتوءات الواضحة ال ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ً‬
‫مْرغوًبا فيه خاليا من ال ُ‬ ‫وامتلًء َ‬
‫التي ل ترتاح الَعين لُرؤيِتها« كما يقول أستاذ علم التشريح‬
‫الدكتور شفيق عبد الملك في كتابه مبادئ علم التشريح ووظائف‬
‫العضاء ويواصل الدكتور شفيق كلمه فيقول‪:‬‬
‫»و ل تقتصر هذه الطبقة الدهنية على استدارة الجسم وستر ما‬
‫ظى‬ ‫ح َ‬ ‫ت بل إن بعض المناطق الخاصة ت َ ْ‬ ‫فرٍ أو ن ُُتوءا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ي َعْت َوُِره من ُ‬
‫ن ويتخذ ُ‬ ‫ديرا ِ‬ ‫ذين ي َك ُْبران ويست ِ‬ ‫ّ‬
‫مْثل‪ :‬الثد َْيين الل َ‬ ‫ب وافرٍ منها ِ‬ ‫ب َِنصي ٍ‬
‫هرة وال ِْليتان وكما‬ ‫كرة‪ ،‬وكذلك منطقة الّز ْ‬ ‫كل منهما شكل ِنصف ُ‬
‫حوض‬ ‫خدان و غيرهما من مواضعَ خاصة‪ .‬وي َّتسع ال َ‬ ‫ف ِ‬ ‫يستدير ال َ‬
‫مو‬ ‫صص له ويكتمل ن ُ ُ‬ ‫حذا ً شكل ً مناسبا يّتفق مع العمل الذي خ ّ‬ ‫ً‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ُ‬
‫مْبيض الذي يقوم بعملية‬ ‫أعضاء التناسل الباطنة كالرحم وال ِ‬
‫البياض السابقة للطمث وكذلك العضاء التناسلية الظاهرة‬
‫فَرين الكبيرين ويتخذ كل منهما شكله وحجمه وُقوامه‬ ‫كال ّ‬
‫ش َ‬
‫قة الزهرة‬ ‫شعر في منط َ‬ ‫ضعه في البالغ ‪,‬ويظهر ال ّ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫وب ُْنيانه و َ‬
‫صبغةِ الطفولة‪.‬‬ ‫صبوغا ً ب ِ‬ ‫والبطين وي َن َْعم الصوت بعد أن كان م ْ‬
‫وغرض كل هذه التغييرات في الفتاة اكتساب جمال المنظر‬
‫مة‬ ‫سن ون ُُعو َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ضارة الط ّْلعة مما يتفق مع ُ‬ ‫قوام ون َ َ‬ ‫ورشاقة ال َ‬
‫ة للغراء«‪.‬‬ ‫ضارة النوثة؛وكلها عوامل قوي ٌ‬ ‫ون َ َ‬
‫وتختلف العضاء التناسلية للرجل والمرأة اختلفا ً يعرفه كل‬
‫ل فَد َوَْرةٌ‬ ‫ط به الحمل فإن لم يكن حم ٌ‬ ‫منو ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ح ٌ‬ ‫إنسان فللمرأة ر ِ‬
‫مل أو تتوقف الحياة الجنسية‬ ‫ح َ‬‫ض( حتى ت َ ْ‬ ‫حي ْ ٌ‬ ‫ث) َ‬ ‫م ٌ‬ ‫ة وط َ ْ‬ ‫شهري ٌ‬
‫ذية‬‫للمرأة‪ .‬وللمرأة أثداء لها وظيفة جمالية كما لها وظيفة ت َغْ ِ‬
‫مه بأحسن وأنظف وأل َْيق غذاء‪ ..‬ليس‬ ‫الطفل منذ ِولدته إلى ِفطا ِ‬
‫سب ولكن تركيب العظام يختلف في الرجل عن المرأة‬ ‫هذا فح ْ‬
‫سَعة وفي الشكل والزاوية‪.‬‬ ‫ضيق وال ّ‬ ‫في القوة والمتانة وفي ال ّ‬
‫وإذا نظرنا لحوض المرأة مثل ً وجدناه يختلف عن حوض الرجل‬
‫اختلفا كبيرا ً يقول الدكتور شفيق عبد الملك أستاذ التشريح ما‬
‫يلي‪:‬‬
‫قيامه بوظيفة‬ ‫»يمتاز حوض السيدة عن حوض الرجل بالنسبة ل ِ ِ‬
‫ضروريات اللزمة التي ل يحتاج‬ ‫مةٍ ِإضافيةٍ تت َط َّلب منه بعض ال ّ‬ ‫ٍها ّ‬
‫ذيِته‬ ‫مو الجنين في الحوض وط ُُرق ت َغْ ِ‬ ‫إليها حوض الرجل‪ ..‬فَن ُ ُ‬
‫ت الولدة‬ ‫جه وقْ َ‬ ‫خَر ِ‬‫م ْ‬‫من َ‬ ‫ف الحوض و ِ‬ ‫مروِره بتجوي ِ‬ ‫فظه ثم ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫و ِ‬
‫سُهل معها اتمام‬ ‫زم بعض التغييرات والتعديلت التي ي َ ْ‬ ‫مما يستل ْ ِ‬
‫حصر كل هذه التغييرات في أن‬ ‫لم والطفل‪ ,‬وتن ْ َ‬ ‫الولدة بالنسبة ل ُ‬

‫‪514‬‬
‫ق‬
‫عظامه أَر ّ‬ ‫ن تكون ِ‬ ‫صر‪ ،‬وأ ْ‬ ‫يكون تجويف حوض السيدة أوسع وأقْ َ‬
‫ط َتضاريسا ً ‪,‬ثم َيذكر الدكتور ‪ 19‬فرقا ً بين‬ ‫س َ‬ ‫ة وأب ْ َ‬ ‫خشون ً‬ ‫ل ُ‬ ‫وأ َقَ ّ‬
‫حوض الرجل والمرأة ينبغي على طالب الطب أن يحفظها‬
‫خِتم ذلك بقوله‪:‬‬ ‫وي َعَِيها‪ ،‬وي َ ْ‬
‫صَغر‬ ‫»وإن تكن رِّقة الِعظام وُنعومتها وبساطة تضاريسها و ِ‬
‫ة في أكثر عظام الهيكل في‬ ‫جِلي ً‬ ‫رها ظاهرة ً َ‬ ‫ف ِ‬‫ح َ‬‫ور ُ‬ ‫وكاتها وقلة غ َ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫ل في عظام الحوض للنثى‬ ‫جّلى بأوضح شك ٍ‬ ‫المرأة غير أنها ت َت َ َ‬
‫ر‬
‫ط واف ٍ‬ ‫س ٍ‬ ‫ق ْ‬ ‫التي بل نزاع ُتشارك صفات عظام الهيكل الخرى ب ِ‬
‫ي الخاص‬ ‫ع ّ‬ ‫فها @ الن ّوْ ِ‬ ‫مّيزة للنوثة زيادة ً على ت َك َي ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫في صفاتها ال ُ‬
‫بما ُيناسب ما يتطلب منها القيام بعمل تنفرد به دون غيرها من‬
‫عظام الهيكل«‪.‬‬
‫وخلصة القول‪:‬أن أعضاء المرأة الظاهرة والخفية وعضلتها‬
‫وعظامها تختلف إلى حد ٍ كبيرٍ عن تركيب أعضاء الرجل الظاهرة‬
‫ملها‪.‬‬ ‫ح ّ‬ ‫والخفية كما تختلف عضلته وعظامه في شدتها وقوةِ ت َ َ‬
‫خَتلف ع َب َث َا ً إذ ليس في‬ ‫م ْ‬
‫وليس هذا البناء الهَْيكلي والُعضوي ال ُ‬
‫سواء عِلمناها أم‬ ‫ة َ‬ ‫م ٌ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ئ إل ّ وله ِ‬ ‫جسم النسان ول في الكون ش ٌ‬
‫جِهلناها‪ ،‬وما أكثَر ما نجهل وأقل ما نعلم‪.‬‬
‫والحكمة في الختلف الب َّين في التركيب التشريحي والوظيفي‬
‫ي‬
‫)الفسيولوجي( بين الرجل والمرأة هو أن هيكل الرجل قد ب ُن ِ َ‬
‫قى المرأة في المنزل‬ ‫دح ويكافح وت َب ْ َ‬ ‫مْيدان العمل ل ِي َك ْ َ‬ ‫خُرج إلى َ‬ ‫ل ِي َ ْ‬
‫طها الله بها؛وهي الحمل والولدة‪,‬‬ ‫تؤدي وظيفتها العظيمة التي أنا َ‬
‫كن إليها الرجل‬ ‫س ُ‬ ‫ش الّزْوجية؛ حتى ي َ ْ‬ ‫ع ّ‬ ‫وتربية الطفال ‪,‬وتهيئة ِ‬
‫ن‬ ‫خل َقَ ل َ ُ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ن آَيات ِهِ أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫عند عودته من خارج المنزل‪+ .‬وَ ِ‬
‫فسك ُ َ‬ ‫َ‬
‫ة"‪.‬‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫موَد ّة ً وََر ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫ل ب َي ْن َ ُ‬‫جعَ َ‬ ‫سك ُُنوا إ ِل َي َْها وَ َ‬ ‫جا ل ّت َ ْ‬ ‫م أْزَوا ً‬ ‫أن ْ ُ ِ ْ‬
‫والفرق تراه في الرجل البالغ والمرأة البالغة كما تراه في‬
‫ة ل تتحرك إل‬ ‫ة هادئ ٌ‬ ‫الحيوان المنوي والبويضة‪ .‬البويضة ساكن ٌ‬
‫فح‬ ‫ص ّ‬ ‫م َ‬ ‫خ ُ‬ ‫شع‪ ،‬والحيوان المنوي صارو ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫بمقدار وعليها الّتاج ال ُ‬
‫مفاِوز ِلتفوز ب َِغرضها وغايتها أو‬ ‫ة ت َن ْط َِلق ع َْبر المخاطر وال َ‬ ‫ذيف ٌ‬‫وقَ ِ‬
‫تموت‪ ..‬ليس ذلك فحسب بل ترى الفرق في كل خليةٍ من خليا‬
‫المرأة وفي كل خليةٍ من خليا الرجل‪ .‬تراه في الد ّم ِ والعظام‪،‬‬
‫ضِلي وتراه في‬ ‫تراه في الجهاز التناسلي‪ ،‬تراه في الجهاز العَ َ‬
‫اختلف الُهرمونات هرمونات الذكورة وهرمونات النوثة وتراه‬
‫بعد هذا وذاك في الختلف النفسي بين إقدام الرجل وصلبته‬
‫فر المرأة ودللها‪.‬‬ ‫خ َ‬ ‫و َ‬
‫من موازين قد قلبناها‪ ،‬فإننا‬ ‫م ِ‬ ‫قِلب الموازين‪ ،‬وك َ ْ‬ ‫وإذا أردنا أن ن َ ْ‬
‫ن‬
‫طرنا الله عليها ‪,‬وُنصاِدم التكوي َ‬ ‫فطرة التي فَ َ‬ ‫ُنصاِدم بذلك ال ِ‬
‫الب َُيولوجي والنفسي الذي خَلقنا الله عليه‪..‬‬

‫‪515‬‬
‫هل التكوين النفسي‬ ‫جا ُ‬ ‫فطرة وت َ َ‬ ‫دمة ال ِ‬ ‫مصا َ‬ ‫وتكون نتيجة ُ‬
‫ه‬
‫ة الل ِ‬ ‫سن ّ ُ‬ ‫والجسدي للمرأة وبال ً على المرأة وعلى المجتمع‪ ,‬و ُ‬
‫دي ً‬
‫ل"‪.‬‬ ‫سن ّةِ اللهِ ت َب ْ ِ‬ ‫جد َ ل ِ ُ‬‫ة ‪+‬وََلن ت َ ِ‬ ‫ماضي ٌ‬
‫فروق أخرى جسدية ونفسية بين الذكر والنثى ‪:‬‬
‫فروق الفسيولوجية )الوظيفية( والتشريحية بين الذكر‬ ‫ن ال ُ‬ ‫إ ّ‬
‫ي َتبتدئ بالفروق على‬ ‫د‪َ ..‬فه َ‬ ‫صى وت ُعَ ّ‬ ‫ح َ‬‫والنثى أكثر من أن ت ُ ْ‬
‫ملونة أو الكروموسومات( التي‬ ‫سيمات ال ُ‬ ‫ج َ‬‫صب ِْغيات )ال ُ‬ ‫مستوي ال ّ‬
‫خاَنتها ُتقاس‬ ‫ن ثَ َ‬ ‫تتحكم في الوراثة‪ ..‬والتي ت َد ِقّ وت َد ِقّ حتى أ ّ‬
‫بالنجستروم )واحد على بليون من الملميتر(‪ ...‬وترتفع إلى‬
‫ضح لك تلك‬ ‫مستوى الخليا وكل خلية في جسم النسان ُتو ِ‬
‫الحقيقة الفاصلة بين الذكورة والنوثة‪ ..‬تتجلى الفروق بأوضح ما‬
‫طفة الذكر )الحيونات المنوية( ونطفة المرأة‬ ‫يكون في ن ُ ْ‬
‫)البويضة(‪ ...‬ثم ترتفع الفروق بعد ذلك في أجهزة الجسم‬
‫ح في اختلف‬ ‫وضو ٍ‬ ‫ضلت‪ ...‬وتتجّلى ب ِ ُ‬ ‫المختلفة من العظام إلى العَ َ‬
‫الجهزة التناسلية بين الذكر والنثى‪ ...‬ول تقتصر الفروق على‬
‫ق‬
‫الجهاز التناسلي وإنما تشمل جميع أجهزة الجسم‪ ..‬ولكنها ت َد ِ ّ‬
‫ماء‬ ‫ص ّ‬‫دد ال ّ‬ ‫وت َد ِقّ في بعض الجهزة وتتضح في أخرى‪ ..‬وجهاز الغُ َ‬
‫هو أحد الجهزة التي تتجلى فيها الفروق كأوضح ما يكون‪...‬‬
‫هرمونات النوثة في تأثيرها‬ ‫ذكورة تختلف عن ُ‬ ‫فهُْرمونات ال ّ‬
‫ط ويَتمّثل في ِزياد ِ‬
‫ة‬ ‫اختلفا ً كبيرا ً رغم أن الفرق الكيماوِيّ بسي ٌ‬
‫ت من الهيدروجين ‪ cH3‬إلى التركيب‬ ‫ذ َّرةٍ من الكربون وثلثة ذرا ٍ‬
‫الجزئي ‪ molecular structure‬في هرمون النوثة‪..‬‬
‫ل‬
‫جا ِ‬ ‫وهذه ملحظة أخرى هامة أشار إليها القرآن الكريم " وَِللّر َ‬
‫ة "‪.‬‬ ‫ج ٌ‬ ‫ن د ََر َ‬ ‫ع َل َي ْهِ ّ‬
‫هرمون النوثة )مجموعة مثيلية( وكذلك‬ ‫ذكورة ُيساوي ُ‬ ‫فُهرمون ال ّ‬
‫الجهاز التناسلي للرجل يساوي الجهاز التناسلي للمرأة @ أعضاء‬
‫إضافية‪.‬‬
‫وفي أثناء تكوين الجنين في مراحله الولي يكون جنين الذكر‬
‫صُعب التفريق بينهما إل‬ ‫مشابها ً في أّول المر لجنين النثى وي َ ْ‬
‫سْرعان ما‬ ‫صبغيات )الكروموسومات(‪ ...‬ولكن ُ‬ ‫على مستوى ال ّ‬
‫دى‬ ‫مهاد ‪ Hypothalamus‬ل َ َ‬ ‫عى تحت ال ِ‬ ‫تتميز منطقة في المخ ت ُد ْ َ‬
‫ذكر عن مثيله الجنين النثى‪ ..‬وهذه الضافة والزيادة‬ ‫الجنين ال ّ‬
‫مخ جنين الذكر تؤدي إلى الفروق الهائلة فيما ب َْعد بين الجهاز‬ ‫فى ُ‬
‫التناسلي للذكر والجهاز التناسلى للنثى‪ ..‬كما يؤدى إلى الفروق‬
‫صماء وغدد النثى‪ .....‬وتؤثر هذه الغدد‬ ‫غدد الذكر ال ّ‬ ‫الهائلة بين ُ‬
‫م يختلف‬ ‫على مختلف أنشطة الجسم وعلى هيكله أيضًا‪ ..‬ومن ث َ ّ‬
‫ِبناُء هيكل الذكر عن بناء هيكل النثى كما تختلف الوظائف تبعا ً‬

‫‪516‬‬
‫مخ بين جنين‬ ‫مهاد من ال ُ‬ ‫ماُيز منطقةِ تحت ال ِ‬ ‫لذلك‪ ..‬والسبب في ت َ َ‬
‫ة‬
‫م ُ‬‫شي َ‬‫م ِ‬ ‫فرُِزه َ‬ ‫هرمون التستسرون الذي ت ُ ْ‬ ‫الذكر وجنين النثى هو ُ‬
‫الجنين الذكر‪ ...‬ثم تنمو الُغدة التناسلية وتؤثر بالتالي على‬
‫خية تحت المهاد« )‪.(578‬‬ ‫م ّ‬
‫المنطقة ال ُ‬
‫م أساسا ً على هيكل النثى‬ ‫م ُ‬
‫ص ّ‬‫ومن الغريب حقا ً أن هيكل البناء ي ُ َ‬
‫فإذا وجد صبغ الذكورة )كروموسوم الذكورة( فإنه ُيضيف إلى‬
‫ت تجعل النهاية ذكرًا‪ .‬أما إذا اختفى هذا‬ ‫كيان إضافا ٍ‬ ‫ذلك ال ِ‬
‫صل في‬ ‫ح ُ‬ ‫قحة كما ي َ ْ‬ ‫مل َ ّ‬‫م من تركيب البويضة ال ُ‬ ‫الكروموسوم الها ّ‬
‫ن‬ ‫ل فإ ّ‬ ‫ج ّ‬ ‫رينا ُقدرة المولى عّز و َ‬ ‫بعض الحالت النادرة التي ت ُ ِ‬
‫ن كانت ناقصة التكوين ففي‬ ‫النتيجة النهائية هي جسم امرأةٍ وإ ْ‬
‫قحة تحتوي فقط‬ ‫مل َ ّ‬‫حالة ترنر ‪ Turner Syndrome‬فإن البويضة ال ُ‬
‫ة‬‫حتوية على ‪ xx‬ول ذكٌر محتوي ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫موسوم ‪ x‬فل هي أنثى ُ‬ ‫كرو ُ‬‫على ُ‬
‫على ‪ ..xy‬فماذا تكون النتيجة؟‬
‫مل ول ت َِلد‪ ...‬أما إذا‬ ‫ح َ‬ ‫حيض ول ت َ ْ‬ ‫تكون النتيجة أنثى غير أنها ل ت َ ِ‬
‫صل في حالة كلينفلتر‬ ‫ح ُ‬ ‫كانت نتيجة التلقيح مثل ً ‪ xxy‬كما ي ْ‬
‫‪ Kleinfelter Syndrome‬فإن الطفل المولود يكون ذكرا ً رغم وجود‬
‫مة باِرد‬ ‫ف الهِ ّ‬ ‫ن كان ذكرا ً ضعي َ‬ ‫ة‪ ..‬وإ ْ‬ ‫صبغيات النوثة بصورةٍ كامل ٍ‬ ‫ِ‬
‫صبغ النوثة فيه‪..‬‬ ‫كم ِ‬ ‫شْهوة خائَر العزيمة‪ ...‬وذلك ل َِترا ُ‬ ‫ال ّ‬
‫حة وصار حاصلها‬ ‫ق َ‬ ‫مل َ ّ‬‫ذكورة في البويضة ال ُ‬ ‫صب ْغُ ال ّ‬ ‫أما إذا زاد ِ‬
‫صبغين )كروموسومين( كاملين من‬ ‫الكروموسومي ‪ xyy‬أي أن بها ِ‬
‫كيمة شديد َ‬ ‫أصباغ الذكورة فإن النتيجة تكون ذكرا ً قويّ الش ِ‬
‫جرَِيت لع َْتى‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫فحوصات التي أ ْ‬ ‫دوان‪ ..‬حتى أن ال ُ‬ ‫البأس كثيَر العُ ْ‬
‫ن كثيرا ً‬ ‫تأ ّ‬ ‫دهم بأسا ً وِإقداما ً أظ ْهََر ْ‬ ‫رمين في السجون وأش ّ‬ ‫ج ِ‬
‫م ْ‬ ‫ال ُ‬
‫صبغ )كروموسوم( الذكورة!!‪.‬‬ ‫منهم كانوا ممن لديهم زيادة ٌ في ِ‬
‫حص الرجال المشهورون في التاريخ بزيادة الشجاعة‬ ‫ولَعله لو فُ ِ‬
‫جُعه في‬ ‫مْر ِ‬ ‫والقدام والرجولة والخشونة ل َُربما وجدنا أن ذلك َ‬
‫كثيرٍ من الحالت إلى زيادة صبغ الذكورة ‪ y‬لدى هؤلء‬
‫سواَء كان ذلك في مجال‬ ‫جْرأتهم وإقدامهم َ‬ ‫صوفين بزيادة ُ‬ ‫مو ْ ُ‬ ‫ال َ‬
‫الخير أو في مجال الشر‪.‬‬
‫ل وآخر من حيث القدام وصفات الرجولة يرجع‬ ‫والفرق بين رج ٍ‬
‫في بعض الحيان إلى زيادة هرمون الرجولة َلدى هذا وقِّلته‬
‫سبية َلدى ذاك‪.‬‬ ‫الن ّ ْ‬
‫رينا كيف‬ ‫صي ُُهم قَْبل الُبلوغ ت ُ ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫م َ‬ ‫صّيين الذين ت َ ّ‬ ‫خ ِ‬ ‫م ْ‬‫ونظرة ٌ إلى ال َ‬
‫ي‬
‫ص ّ‬ ‫خ ِ‬ ‫م ْ‬
‫عذاِرى ال َ‬ ‫شعٌْر ِ‬ ‫حول رجولتهم إلى النوثة‪ ...‬ول ينبت َ‬ ‫ت َت َ َ‬
‫دهن بنفس الطريقة التي يتوزع فيها‬ ‫وزع ال ّ‬ ‫وذ َقِْنه وشاِربه‪ ..‬وي َت َ َ‬
‫ق‪...‬‬ ‫عظامه وت َرِ ّ‬ ‫جز‪ ...‬وَتلين ِ‬ ‫ف والعَ ُ‬ ‫في النثى‪ ...‬أي في الْردا ِ‬

‫‪517‬‬
‫قى صوَته رخيما ً على ن َْبرة الطفولة دون أن ُتصيَبه ِغلظة‬ ‫وي َب ْ َ‬
‫خشونتها‪.‬‬ ‫الرجولة و ُ‬
‫سرعان‬ ‫ُ‬
‫ن علمات الّرجولة ُ‬ ‫صوا ب َْعد البلوغ فإ ّ‬ ‫خ ُ‬ ‫ما أولئك الذين أ ْ‬ ‫أ ّ‬
‫ة‪.‬‬
‫موّ ثاني ً‬ ‫ذقن والشاِرب ول يعود إلى الن ّ ُ‬ ‫شعر ال ّ‬ ‫قط َ‬ ‫ما ت َْندِثر ويس ُ‬
‫هل‪ ...‬كما تبدأ الصفات النثوية والنفسية‬ ‫وتبدأ العضلت في الت َّر ّ‬
‫في الظهور لول مرة‪..‬‬
‫وى الّتماُثل الفكري بين‬ ‫ضح د َع ْ َ‬ ‫البحاث العلمية الحديثة تف َ‬
‫الجنسين‪:‬‬
‫شَرْته مجلة الريدرز دايجست الواسعة النتشار في‬ ‫ل نَ َ‬ ‫وفي مقا ٍ‬
‫عدد ديسمبر ‪ 1979‬تحت عنوان »لماذا يفكر الولد تفكيرا ً‬
‫خص لكتاب »الدماغ‪ :‬آخر الحدود«‬ ‫مل َ ّ‬
‫مختلفا ً عن البنات« وهو ُ‬
‫للدكتور ريتشارد ديستاك »‪ «The Brain: The Last Frontier‬جاء ما‬
‫يلي‪:‬‬
‫غم أن هذه‬ ‫مَغايرةٍ لتفكير البنات ر ْ‬ ‫صْبيان يفكرون بطريقةٍ ُ‬ ‫»إن ال ّ‬
‫عين إلى المساواة‬ ‫دا ِ‬
‫دم أنصار المرأة وال ّ‬ ‫ص ُ‬‫صَعة ست ْ‬ ‫الحقيقة النا ِ‬
‫ْ‬
‫مة بين الجنسين‪ ..‬ولكن المساواة الجتماعية في َرأِينا تعتمد‬ ‫التا ّ‬
‫رفة الفروق في كيفية السلوك ومعرفة الفروق بين مخ‬ ‫معْ ِ‬ ‫على َ‬
‫الفتى ومخ الفتاة‪.‬‬
‫وفي الوقت الحاضر فإن الفروق بين الولد والبنات التي لحظها‬
‫ما ً‬‫هل تجاهُل ً تا ّ‬ ‫الباء والمعلمون والباحثون على مدار السنين تتجا َ‬
‫ماثل‪.‬‬ ‫مت َ َ‬‫ي ُ‬ ‫ج ِدراس ّ‬ ‫دم للطلبة والطالبات منه ٌ‬ ‫ق َ‬ ‫وي ُ َ‬
‫ن ط َُرقَ التدريس في المدارس البتدائية ُتلئم البنات أكثر مما‬ ‫إ ّ‬
‫ما في المراحل‬ ‫تلئم الولد وِلذا فُهم ُيعانون في هذه المرحلة‪ ..‬أ ّ‬
‫التي ت َِليها حتى الجامعة فَِهي ُتلئم الفتيان أكثر مما تلئم‬
‫الفتيات‪..‬‬
‫ويعتقد الباحثون الجتماعيون أن الختلف في سلوك الولد عن‬
‫البنات راجعٌ إلى التوجيه والتربية في البيت والمدرسة والمجتمع‬
‫مقداما ً كثيَر الحركة بل‬ ‫و التي ترى أن الولد يجب أن يكون ِ‬
‫فين ‪,‬بينما ترى في الفتاة‬ ‫ي ب ِهَّز الك َت ِ َ‬‫دوان ّ‬ ‫ك عُ ْ‬ ‫سلو ٍ‬ ‫مْنه أيّ ُ‬ ‫قَبل ِ‬ ‫وت َ ْ‬
‫ة‪.‬‬ ‫ة لطيف ً‬ ‫ة هادئ ً‬ ‫أن تكون رقيق ً‬
‫ولكن البحاث العلمية ت ُب َّين أن الختلف بين الجنسين ليس عائدا ً‬
‫شأة والتربية وإنما َيعود أيضا ً إلى اختلف التركيب‬ ‫سب إلى الن ّ ْ‬ ‫فح ْ‬
‫البيوليجي وإلى اختلف تكوين المخ لدى الفتى عن الفتاة‪.‬‬
‫مط َْلقة بين الفتى‬ ‫وحتى لو حاول الداعون إلى المساواة ال ُ‬
‫طى ل َِعب‬ ‫شئوهما على نفس المنهج حتى ل َت ُعْ ِ‬ ‫ن ي ُن ْ ّ‬ ‫والفتاة أ ْ‬
‫طى الَعرائس للولد فإن‬ ‫دسات وآلت الحرب للفتيات وُتع ِ‬ ‫س ْ‬‫م َ‬ ‫ال ُ‬

‫‪518‬‬
‫ض نفسها وتؤدي إلى‬ ‫الفروق البيولوجية العميقة الجذور ستفرِ ُ‬
‫مَغاِير بين الفتى والفتاة‪.‬‬ ‫السلوك ال ُ‬
‫ن‬
‫مق هذه الفروق فوجدوا أ ّ‬ ‫ولقد أدرك العلماء والباحثون ع ُ ْ‬
‫جْنسه‪ ..‬فالِبنت‬ ‫سب ِ‬ ‫الطفل الرضيع يختلف في سلوكه على ح ْ‬
‫بعد ولدتها بأيام تنتبه إلى الصوات وخاصة صوت الم بينما الولد‬
‫ت‬
‫ث صو ٍ‬ ‫حدا ِ‬ ‫رث لذلك‪ ..‬ولهذا فإن ّالرضيعة يمكن إخافَُتها ب ِإ ِ ْ‬ ‫ل يك ْت َ ِ‬
‫ئ بأكثر مما يمكن إخافة أخيها‪..‬‬ ‫مفاج ٍ‬ ‫ُ‬
‫مّيز‬‫وتقول الدراسة أن الطفلة تستطيع في الشهر الخامس أن ت ُ َ‬
‫محاوََلة الكلم‬ ‫مْعهودة ل َد َْيها‪ ..‬وتبدأ الطفلة ُ‬ ‫صور ال َ‬ ‫سُهولةٍ بين ال ّ‬ ‫بِ َ‬
‫مُناغاة من الشهر الخامس إلى الثامن بينما يفشل أخوها في‬ ‫وال ُ‬
‫ة‪ ..‬وتبدأ الطفلة في الحديث‬ ‫ن ووجه ل ُعْب َ ٍ‬ ‫التفريق بين وجه إنسا ٍ‬
‫كن من ت َعَّلم اللغات في الغالب أكثر من‬ ‫عادة ً قَْبل أخيها‪ ..‬وتتم ّ‬
‫أخيها‪.‬‬
‫رية وفي‬ ‫ص ِ‬ ‫وي ُظ ِْهر الولد تفوقا ً كبيرا ً على البنات في المور الب َ َ‬
‫الشياء التي تت َط َّلب َتواُزًنا كامل ً في الجسم‪ ..‬ويقوم الطفل‬
‫ماز‬ ‫ضوٍْء غ َ ّ‬‫ك أوْ ليّ َ‬ ‫ذكر بالستجابة السريعة ليّ جسم متحر ٍ‬ ‫ال ّ‬
‫سرعة أكبر من أخته وله‬ ‫َ‬
‫كما أنه ي َن ْت َِبه إلى الشكال الهندسية ب ِ ُ‬
‫ة على محاولة الت ّعَّرف عليها وتفكيكها‪..‬‬ ‫قدرة ٌ فائق ٌ‬
‫ن الولد يُتوُقون إلى الت ّعَّرف على بيئاتهم‬ ‫صبا فإ ّ‬‫ن ال ّ‬ ‫س ّ‬ ‫وفي ِ‬
‫ميل البنات‬ ‫ن إلى آخر لكتشافها بينما ت َ ِ‬ ‫وي َن َْتقلون بك َْثرةٍ من مكا ٍ‬
‫إلى البقاء في أماكنهم‪..‬‬
‫مهارةٍ أكبَر في كل ما يتعلق بالشكال‬ ‫ويستطيع الولد التصرف ب ِ َ‬
‫ثلثية »‪Three Dimensional‬‬ ‫ت ُ‬ ‫الهندسية وفي كل ما له اتجاها ٌ‬
‫ق‬‫معَّينا ً من وََر ٍ‬ ‫ون شكل ً ُ‬ ‫من الولد أن ي ُك َ ّ‬ ‫‪ «objects‬وعندما ي ُط َْلب ِ‬
‫وقا ً كبيرًا‪.‬‬ ‫ف ّ‬‫وق على أخته في ذلك ت َ‬ ‫ف ّ‬‫مث َل ً فإنه يت َ‬
‫وى َ‬ ‫ق ّ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫درات والمعلومات في‬ ‫مذه ِل هو؛أن تخزين الق ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وما ي ُعْت ََبر اكتشافا ُ‬
‫مع‬‫دماغ يختلف في الولد عنه في البنت‪ ..‬ففي الفتى تتج ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ف عن القدرات الهندسية‬ ‫ن مختل ٍ‬ ‫درات الكلمية في مكا ٍ‬ ‫ق ُ‬ ‫ال ُ‬
‫دى الفتاة‬ ‫مخ ل َ َ‬ ‫صي ال ُ‬ ‫كل فَ ّ‬ ‫والفراغية بينما هي موجودة ٌ في ِ‬
‫مخ أخته‪.‬‬ ‫من ُ‬ ‫صصا ً ِ‬ ‫خ ّ‬ ‫ومعنى ذلك أن دماغ الفتى أكثر ت َ َ‬
‫جْزِئيًا؛لماذا نرى‬ ‫سر وَلو ُ‬ ‫ف ّ‬ ‫فة حديًثا ت ُ َ‬ ‫ش َ‬ ‫مك ْت َ َ‬ ‫ولعل هذه الحقائق ال ُ‬
‫مْعمارِّيين من الذكور دون الناث‪ ..‬وقد كان‬ ‫أغلب المهندسين ال ِ‬
‫أول من اكتشف هذه الحقيقة الباحث النفسي لنسدل من‬
‫كد‬ ‫َ‬
‫المعهد القومي للصحة في الوليات المتحدة عام ‪ 1962‬ثم أ ّ‬
‫هذه البحاث كثيرون؛منهم ُأستاذة علم النفس في جامعة‬
‫مكماستر بكندا ‪,‬الدكتورة‪ ,‬ساندرا ويلسون‪.‬‬

‫‪519‬‬
‫رينا تساويا ً بين الفتى والفتاة ما‬ ‫ولهذا نجد أن اختبارات الذكاء ت ُ ِ‬
‫حص ترتيب الصور والفراغات بين‬ ‫صين منهما‪ ...‬وهما فَ ْ‬ ‫عدا فَ ْ‬
‫ح َ‬
‫وقا ً‬‫ريانا تف ّ‬ ‫الصابع ‪ Picture arrangment and digial span‬فإنهما ي ُ ِ‬
‫كبيرا ً في صالح الولد على البنات‪.‬‬
‫وق الولد‬ ‫ف ّ‬‫ما إلى ت َ َ‬ ‫حص الذكاء في مجموعةٍ يؤدي دائ ً‬ ‫ولهذا فإن ف ْ‬
‫على البنات‪.‬‬
‫ويقول أستاذ علم النفس في جامعة جورجيا البروفسور توراناس‬
‫ة ك َْأداَء في القدرات‬ ‫قب َ ً‬
‫كل ع َ َ‬ ‫ش ّ‬ ‫»إن المساواة بين الجنسين ت ُ َ‬
‫دى الفتاة تحتاج إلى الحساسية‬ ‫لقة ل َ َ‬
‫قدرات الخ ّ‬ ‫لقة‪ .‬فال ُ‬ ‫خ ّ‬‫ال َ‬
‫والصفات النثوية بينما تحتاج في الفتى إلى الستقللية وصفات‬
‫الرجولة«‪.‬‬
‫ئ‬
‫ميلون إلى كثرة الحركة وش ٍ‬ ‫ن أغلب الولد ي َ ِ‬ ‫وتقول الدراسة إ ّ‬
‫ّ‬
‫كينة والهدوء وقِلة الحركة‪.‬‬ ‫س ِ‬ ‫من العُْنف بينما أكثر الفتيات إلى ال ّ‬
‫إن هذه الدراسات احصائية وتتحدث عن الجنسين على صورة‬
‫ة‪ :‬أيْ أنها ل تتحدث عن هذا‬ ‫الُعموم ولكنها ليست شخصي ً‬
‫الشخص أو ذاك وإنما تتحدث عن المجموع والصبغة الغالبة‪..‬‬
‫شد ّ فرد ٌ من هذا الجنس أو ذاك عن القاعدة أمٌر ل‬ ‫ن يَ ُ‬‫مكاِنية أ ْ‬‫وإ ْ‬
‫ي ُل ِْغي القاعدة في ذاتها‪.‬‬
‫وعلينا أن ل نتجاهل الحقائق العلمية البيولجية فنحاول أن نجعل‬
‫ة لتربية الفتاة‪ ,‬ودوَر الفتى في الحياة مماثل ً‬ ‫تربية الفتى مماثل ً‬
‫ي على‬ ‫مي ْن ِ ّ‬‫دورِ الفتاة لننا فقط نرغب في ذلك‪ ...‬فهذا التفكير ال َ‬ ‫لِ َ‬
‫الرغبات ‪ُ Wishful Thinking‬يصاِدم الحقائق العلمية«‪.‬‬
‫ا ه‪ -‬مقال الريدرز دايجست‬
‫وقد أثبتت البحاث الطبية أن دماغ الرجل أكبر من دماغ المرأة‬
‫وأن التلفيف الموجودة في مخ الرجل هي أكثر بكثيرٍ من تلك‬
‫الموجودة في مخ المرأة‪.‬‬
‫وتقول البحاث أن المقدرة العقلية والذكاء تعتمدان إلى حد كبير‬
‫على حجم ووَْزن المخ وعدد التلفيف الموجودة فيه‪.‬‬
‫مقاَرنة‬ ‫فالنسان ي ُعْت ََبر صاحب أكبر دماغ بين جميع الحيوانات بال ُ‬
‫خه أكثر بكثير مما هي عليه‬ ‫م ّ‬‫مع حجم ووزن جسمه‪ ..‬وتلفيف ُ‬
‫في أي من الحيوانات الدنيا أو العليا‪.‬‬
‫ن وزن وحجم المخ يعتمد على وزن وحجم‬ ‫وقد يقال إ ّ‬
‫الشخص‪.‬وهذا صحيح فإن مخ الفيل أكبر من مخ النسان ولكن‬
‫ل جدًا‪ ..‬وأما مخ النسان‬ ‫مخ الفيل بالنسبة لوزنه وحجمه ضئي ٌ‬
‫فإنه كبير بالقياس إلى جسمه ومقارنته ببقية الحيوانات‪.‬‬
‫سبان فإن دماغ الرجل‬ ‫ح ْ‬ ‫وحتى لو أخذنا هذه الحقيقة في ال ُ‬
‫قل وأكثر تلفيفا ً من دماغ المرأة‪.‬‬ ‫ظل أكبر وأث ْ َ‬ ‫سي َ َ‬

‫‪520‬‬
‫ويزيد مخ الرجل في المتوسط عن مخ المرأة بمقدار مائة‬
‫جرام‪ ...‬كما يزيد حجمه بمعدل مائتي سنتيمتر مكعب‪ .‬ونسبة‬
‫وزن مخ الرجل إلى جسمه هي ‪ 1/40‬بينما نسبة مخ المرأة إلى‬
‫سب‪.‬‬ ‫جسمها تبلغ ‪ 1/44‬فح ْ‬
‫من‬ ‫شريف ِ‬ ‫ولعل في هذا دليل ً على ما ورد في الحديث الن َب َوِيّ ال ّ‬
‫قل المرأة بالنسبة للرجل‪.‬‬ ‫قصان ع َ ْ‬ ‫نُ ْ‬
‫ل واحدٍ‬ ‫ة لشهادة رج ٍ‬ ‫وجعل الله سبحانه شهادة المرأتين مساوي ً‬
‫ج ٌ‬
‫ل‬ ‫ن فََر ُ‬ ‫كوَنا َر ُ َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫م فَِإن ل ّ ْ‬ ‫جال ِك ُ ْ‬ ‫دوا َ‬ ‫ست َ ْ‬
‫جلي ْ ِ‬ ‫َ‬
‫من ّر َ‬ ‫ن ِ‬ ‫شِهيد َي ْ ِ‬ ‫شه ِ ُ‬
‫َ‬
‫}َوا ْ‬
‫ما فَت ُذ َك َّر‬ ‫داهُ َ‬‫ح َ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫ض ّ‬‫داِء أن ت َ ِ‬ ‫شهَ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ضو ْ َ‬ ‫من ت َْر َ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫مَرأَتا ِ‬ ‫َوا ْ‬
‫خَرى{]البقرة ‪.[281‬‬ ‫ما ال ْ‬‫ُ‬
‫داهُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫إِ ْ‬
‫ة{‬ ‫ج ٌ‬‫ن د ََر َ‬ ‫ل ع َل َي ْهِ ّ‬ ‫جا ِ‬ ‫هذه الفروق كلها تؤكد إعجاز الية} وَِللّر َ‬
‫صرة ً فقط على التركيب البيولوجي ولكنها‬ ‫قت َ ِ‬ ‫م ْ‬
‫وليست الدرجة ُ‬
‫ضا تشمل التركيب النفسي‪ ...‬والقدرات العقلية والكلمية‪..‬‬ ‫أي ً‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن(‪.‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫صام ِ غ َي ُْر ُ‬ ‫خ َ‬ ‫حل ْي َةِ وَهُوَ ِفي ال ْ ِ‬ ‫شأ ِفي ال ْ ِ‬ ‫من ي ُن َ ّ‬ ‫فّنية ) أوَ َ‬ ‫وال َ‬
‫ت في التاريخ وجدت النابغين في كل فَْرٍع من فروع‬ ‫فإذا ن َظ َْر َ‬
‫ص‪...‬‬ ‫ح ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫صيهم ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫المعرفة والختراع والحياة من الرجال ل َيكاد ي ُ ْ‬
‫بينما النابغات من النساء في أي مجال من مجالت المعرفة أو‬
‫كر المئات من‬ ‫الختراع محدودات معدودات وتستطيع أن ت َذ ْ ُ‬
‫ن من فنون المعرفة‪ ..‬وفي ِقيادة الجيوش وفي‬ ‫الرجال في كل ف ّ‬
‫سر‬ ‫الختراعات وفي الصناعة وفي المال والقتصاد‪ ..‬ولكنه سي َعْ ُ‬
‫ن ت َعُد ّ العشرات من النساء في أي من هذه الفنون‬ ‫عليك أ ْ‬
‫المختلفة من المعارف النسانية والصناعات والختراعات‪...‬‬
‫وتستطيع أن تعد عشرات النبياء والمرسلين وهم صفوة البشر‪..‬‬
‫ف بصفات الن ُّبوة‬ ‫جد َ واحدة ً ت َّتص ُ‬ ‫ولكنك ل تستطيع أن ت َ ِ‬
‫مهات النبياء‬ ‫ُ‬ ‫ع َ‬
‫ظم بعض هؤلء النساء من أ ّ‬ ‫والرسالة‪ ...‬رغم ِ‬
‫دة النساء في زمانها‪...‬‬ ‫سي ّ َ‬
‫ذراُء َ‬ ‫م العَ ْ‬ ‫مْري َ ُ‬ ‫وزوجاتهم وبناتهم‪ ...‬ف َ‬
‫ن أحد ٌ من‬ ‫ضارِع ُهُ ّ‬ ‫هراء سيدة نساء العالمين‪ ...‬ل ي ُ َ‬ ‫وفاطمة الّز ْ‬
‫ن‬
‫ف الرجال‪ ..‬لك ّ‬ ‫من آل ِ‬ ‫ل الواحدةِ منهن خيٌر ِ‬ ‫النساء‪ ..‬وِنعا ُ‬
‫ف‬‫مصا ّ‬ ‫قى بعد ذلك أّنه لم ت َْرقَ واحدة ٌ منهن إلى َ‬ ‫الحقيقة ت َب ْ َ‬
‫الن ُّبوة‪...‬‬
‫دحا ً في المرأة‪ ...‬فإن أعظم العباقرة يَتصاغ َُر أمام‬ ‫وليس هذا قَ ْ‬
‫م قادةِ الدنيا من الرجال أن‬ ‫ط المهات‪ ...‬ول يستطيع أعظ َ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫أب َ‬
‫ن‪ ...‬إنه ل يستطيع أن ي ُْنجب‬ ‫جهُل ُهُ ّ‬ ‫فَعل ما تفعُله أبسط النساء وأ ْ‬ ‫ي ْ‬
‫َ‬ ‫مَله في بطنه ِتسعة أ ْ‬
‫عه‬‫مك ُِنه إ ِْرضا ُ‬ ‫شهرٍ كما أّنه ل ي ُ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫طفل ً وي َ ْ‬
‫وتربيته مهما كان له من العبقرية والّنبوغ!!‬
‫ظه‬‫ل مهما كان ح ّ‬ ‫ُ‬
‫مومة ل يستطيع أن يقوم بها أيّ رج ٍ‬ ‫فوظيفة ال ُ‬
‫عظيما من الّنبوغ‪ ..‬ووظيفة المومة تتصاغر أمامها كل الوظائف‬

‫‪521‬‬
‫ة‬
‫جن ّ ُ‬ ‫جّنة تحت أقدامها »ال َ‬ ‫جعل الرسول الكريم ال َ‬ ‫الخرى‪ ..‬حتى ي َ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ضعاف‬ ‫رعاية الم بأ ْ‬ ‫مَته ب ِ ِ‬ ‫صي أصحابه وأ ّ‬ ‫ت« وي ُوْ ِ‬ ‫مها ِ‬ ‫دام ِ ال ّ‬ ‫ت أقْ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ت َ‬
‫ت اللهِ وسلمه عليه‬ ‫وا ُ‬ ‫صل َ‬ ‫صطفى َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ال ُ‬ ‫سئ ِ َ‬ ‫ب‪ .‬فعندما ُ‬ ‫جُبه ِلل ِ‬ ‫ما ي ُوْ ِ‬
‫حب َِتي وب ِّري‪ ,‬قال‬ ‫ص ْ‬ ‫سن ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫س بِ ُ‬ ‫حقّ النا ُ ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫حد ِ أصحابه‪َ :‬‬ ‫من أ َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫دناك«‪.‬‬ ‫دناك فأ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫م أبوك ث ُ ّ‬ ‫مك ث ُ ّ‬ ‫مأ ّ‬ ‫مك ث ُ ّ‬ ‫مأ ّ‬ ‫مك ث ُ ّ‬ ‫المصطفى‪» :‬أ ّ‬
‫َ‬
‫ث‬ ‫ح ّ‬ ‫ما َ‬ ‫ث ع َل َي ِْهما أي ّ َ‬ ‫ن الكريم على ب ِّر الوالدين وح ّ‬ ‫قرآ ُ‬ ‫كز ال ُ‬ ‫ور ّ‬
‫ضِلها‪.‬‬ ‫مزيد َ فَ ْ‬ ‫ُ‬
‫زيادة ذكرٍ ل ِي ُب َّين َ‬ ‫ِ‬ ‫م بِ‬ ‫ص ال ّ‬ ‫خ ّ‬ ‫و َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬‫ه وَهًْنا ع َلى وَهْ ٍ‬ ‫م ُ‬ ‫هأ ّ‬ ‫مل َت ْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫وال ِد َي ْهِ َ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫سا َ‬ ‫صي َْنا ال ِن ْ َ‬ ‫قال تعالى‪ }:‬وَوَ ّ‬
‫َ‬
‫ك { ] لقمان[ ‪.‬‬ ‫وال ِد َي ْ َ‬ ‫شك ُْر ِلي وَل ِ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫نأ ِ‬ ‫مي ْ ِ‬‫عا َ‬ ‫ه ِفي َ‬ ‫صال ُ ُ‬ ‫وَفِ َ‬
‫ه‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م ُ‬ ‫هأ ّ‬ ‫ملت ْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ساًنا َ‬ ‫ح َ‬ ‫وال ِد َي ْهِ إ ِ ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫سا َ‬ ‫صي َْنا ال ِن ْ َ‬ ‫وقال عَز ّمن قائل } وَوَ ّ‬
‫شهًْرا { ]الحقاف[ ‪.‬‬ ‫ن َ‬ ‫ه ث َل َُثو َ‬ ‫صال ُ ُ‬ ‫ه وَفِ َ‬ ‫مل ُ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫ه ك ُْر ً‬ ‫ضعَت ْ ُ‬ ‫ها وَوَ َ‬ ‫ك ُْر ً‬
‫}وقَضى رب َ َ‬
‫ك‬‫عن ْد َ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ما ي َب ْل ُغَ ّ‬ ‫ساًنا إ ِ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫وال ِ ُد َي ْ ِ‬ ‫دوا إ ِل ّ إ ِّياه ُ وَِبال ْ َ‬ ‫ك أل ّ ت َعْب ُ ُ‬ ‫َ ّ‬ ‫َ َ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫ما وَُقل لهُ َ‬ ‫ف وَل َ ت َن ْهَْرهُ َ‬ ‫ما أ ّ‬ ‫قل لهُ َ‬ ‫ما فَل َ ت َ ُ‬ ‫ما أوْ ك ِل َهُ َ‬ ‫حد ُهُ َ‬ ‫ال ْك ِب ََر أ َ‬
‫ب‬‫مةِ وَُقل ّر ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ن الّر ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ح الذ ّ ّ‬ ‫جَنا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ض ل َهُ َ‬ ‫ف ْ‬ ‫خ ِ‬ ‫ما َوا ْ‬ ‫ري ً‬ ‫قَوْل ً ك َ ِ‬
‫صِغيًرا{ ] السراء[‪.‬‬ ‫ما َرب َّياِني َ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫مه ُ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫اْر َ‬
‫ويقول الستاذ العقاد رحمه الله في المرأة في القرآن في فصل‬
‫ست شواه ِد ُ التاريخ الحاضر‬ ‫ِ»وللرجال عليهن درجة« »فَل َي ْ َ‬
‫قيم الفارق بين الجنسين‪ .‬إذ‬ ‫سَتفيضة بالظاهرة الوحيدة التي ت ُ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ُ‬
‫ل من الشواهد التاريخية والشواهد‬ ‫ل شك أن طبيعة الجنس أد َ ّ‬
‫ص بها الذكوُر من نوع‬ ‫خت ُ ّ‬ ‫الحاضرة على القوامة الطبيعية التي ا ْ‬
‫قل من جميع النواع التي تحتاج إلى هذه‬ ‫ن لم ن َ ُ‬ ‫النسان إ ْ‬
‫ل ما في طبيعة الجنس الفسيولوجية في أصل‬ ‫قوامة‪ ..‬فَك ُ ّ‬ ‫ال َ‬
‫قّبل وبين‬ ‫س ي َت َ َ‬ ‫جن ْ ٍ‬ ‫س ُيريد و ِ‬ ‫ة بين جن ٍ‬ ‫ل على أنه علق ٌ‬ ‫التركيب ي َد ُ ّ‬
‫جيب َةٍ تتمثلن على هذا النحو في جميع‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫غبةٍ داعيةٍ ورغبة ُ‬ ‫َر ْ‬
‫مِلك الرادة وترتبط بالعلقة الجنسية وقتا ً‬ ‫أنواع الحيوانات التي ت َ ْ‬
‫من الوقات‪.‬‬
‫وعلى وجود الرغبة الجنسية عند الذكور والناث ل تبدأ النثى‬
‫بالرادة والدعوة ول بالِعراك ل ِْلغَلبة على الجنس الخر‪..‬‬
‫رضه‬ ‫ف ِ‬ ‫وليس هذا مما ي َْرجع في ُأصوله إلى الحياء الذي ت َ ْ‬
‫هد ذلك‬ ‫ب الدين والخلق؛بل ُيشا َ‬ ‫كيه واج ُ‬ ‫المجتمعات الدينية وي َُز ّ‬
‫ف حياُء الدب والدين‪ .‬فل‬ ‫بين ذكور الحيوان وإناثه حيث ل ي ُعَْر ُ‬
‫ذكور بل تت َعَّرض لها لتراها وت َت ّب َِعها‬ ‫ب ال ّ‬ ‫م الناث على ط َل َ ِ‬ ‫قد ِ ُ‬ ‫تُ ْ‬
‫ة‬
‫ج ِ‬ ‫ظر ل ِن َِتي َ‬ ‫من ْت َ ِ‬ ‫موِْقف ال ُ‬ ‫طر عليها باختيارها ول تزال النثى ب ِ َ‬ ‫سي ِْ ِ‬ ‫وت ُ َ‬
‫عها‪.‬‬ ‫فر بها أقْد َُرها على ان ِْتزا ِ‬ ‫الِعراك عليها بين الذكور ل ِي َظ ْ َ‬
‫ب إذا‬ ‫ن الغ ِْتصا َ‬ ‫من ذلك على طبيعة السيطرة الجنسية أ ّ‬ ‫ل ِ‬ ‫وأد َ ّ‬
‫ن هناك‬ ‫ني ُ‬ ‫َ‬
‫كو َ‬ ‫صل من الذكر للنثى ول ي َت َأّتى أ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫صل إ ِّنما ي َ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫شهوة الجنسية‬ ‫ة ال ّ‬ ‫َ‬
‫ذكر‪ ..‬وإن غ َلب َ َ‬ ‫سد ِيّ من أنثى ل ِ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ب َ‬ ‫اغ ِْتصا ٌ‬

‫‪522‬‬
‫ضراوة والسيطرة وتنتهي بالمرأة إلى‬ ‫ت َن ْت َِهي بالرجل إلى ال ّ‬
‫عن طبيعة‬ ‫مقُ من ذلك في البان َةِ َ‬ ‫شية‪ ...‬وأع ْ َ‬ ‫الستسلم والغَ ْ‬
‫قية في العلمات‬ ‫مت َل َ ّ‬‫ة ُ‬ ‫سل ِْبي ّ‬ ‫ض النوثة تكاد تكون َ‬ ‫وارِ َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫الجنس؛أ ّ‬
‫هرمونات الذكورة‬ ‫فت ُ‬ ‫مونها بالعلمات الثانوية فإذا ضعُ َ‬ ‫س ّ‬‫التي ي ُ َ‬
‫ة على الكائن‬ ‫دها صفات النوثة غالب ً‬ ‫قَيت ب َعْ َ‬ ‫وقَّلت إْفرازاُتها ب َ ِ‬
‫مشاهَد ٌ عند إخصاء الذكور‬ ‫الحي كائنا ً ما كان جنسه )وذلك ما هو ُ‬
‫ن صفات‬ ‫ل صفات الذكورة(‪ ..‬ولك َ‬ ‫ح ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ض َ‬‫فتظهر الصفات النثوية وت ْ‬
‫ظهر‬ ‫فت هرمونات النوثة‪ ...‬إنما ي َ ْ‬ ‫الذكورة ل تأتي وحدها إذا ضعُ َ‬
‫منها ما كان ي َُعوُقه عائق عن الظهور‪.‬‬
‫شِبه‬ ‫ص ل يُ ْ‬ ‫ي خا ّ‬ ‫ن عاطف ّ‬ ‫ومن الطبيعي أن يكون للمرأة تكوي ٌ‬
‫دي‬ ‫تكوين الرجل لن ملزمة الطفل الوليد ل ت َْنتهي بمناول َِته الث َ ْ‬
‫عي‬ ‫شعورية َتستد ِ‬ ‫ة ُ‬ ‫مجاوَب َ ٌ‬ ‫مَعها من ت َعَهّد ٍ دائم و ُ‬ ‫عه‪ ..‬ولُبد َ‬ ‫وإْرضا ِ‬
‫شيئا ً كثيرا من التناسب بين مزاجها ومزاجه‪ ..‬وبين فهمها وفهمه‬ ‫ً‬
‫ومدارج حسه وعطفه‪ ..‬وهذه حالة من حالت النوثة شوهدت‬
‫كر إلى شيخوختها العالية فل‬ ‫صباها البا ِ‬ ‫كثيرا ً في أطوار حياتها من ِ‬
‫مشاَبهة للطفل من الرضى والغضب وفي التدليل‬ ‫تخلو من ُ‬
‫ملها ولو كان في‬ ‫من ُيعا ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ب ِ‬ ‫حد ْ ِ‬ ‫ولية وال َ‬ ‫حب ال ِ‬ ‫مجافاةِ ‪,‬وفي ُ‬ ‫وال ُ‬
‫سن أبنائها‪..‬‬ ‫سّنها أو ِ‬ ‫مْثل ِ‬ ‫ِ‬
‫صطن ُِعه المرأة أو تتركه باختيارها إذ كانت‬ ‫َ‬ ‫خلق مما ت َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫وليس هذا ال ُ‬
‫رن فيها أدواته الجسدية ول‬ ‫قت َ ِ‬‫ة للرضاع ت َ ْ‬ ‫م ً‬ ‫حضانة الطفال ت َت ِ ّ‬
‫تنفصل إحداهما عن الخرى‪ .‬ول شك أن الخلئق الضرورية‬
‫لنثوي‬ ‫ل من أصول الّلين ا ُ‬ ‫ص ٌ‬
‫ِ‬ ‫صغار أ ْ‬ ‫للحضانة وت َعَّهد الطفال ال ّ‬
‫س والستجابة للعاطفة‪.‬‬ ‫ح ّ‬ ‫الذي جعل المرأة سريعة النقياد لل ِ‬
‫قليب‬ ‫سُهل على الرجل من تحكيم ِ العقل وت َ ْ‬ ‫صُعب عليها ما ي ْ‬ ‫وي ْ‬
‫مزاج‬ ‫ْ‬
‫ي وصلبة العزيمة‪ ...‬فهما ول شك مختلفان في هذا ال ِ‬ ‫الرأ ِ‬
‫ماراة فيه«‪.‬‬ ‫م َ‬‫اختلفا ً ل سبيل إلى ال ُ‬
‫ض هو‬ ‫تتعّرض المرأة وتنتظُر والرجل يطلب ويسعى والت ّعَّر ُ‬
‫ُ‬
‫غواُء‬ ‫وراَءه ال ْ‬ ‫ف فَ َ‬ ‫ريق الغراء ‪,‬فإن لم ي َك ْ ِ‬ ‫وة الولى في ط َ ِ‬ ‫خط ْ َ‬ ‫ال ُ‬
‫ري ُ‬
‫ك‬ ‫ح ِ‬ ‫مْعناه ت َ ْ‬ ‫سل بالّزين َةِ والْيماء‪ .‬وكل ذلك َ‬ ‫حي َْلة والت ّوَ ّ‬ ‫بالت ّن ِْبيهِ وال ِ‬
‫رين والنتظار«‪.‬‬ ‫خ ِ‬ ‫إرادة ال َ‬
‫» فإرادة المرأة تتحقق بأمرين‪ :‬النجاح في أن ت َُراد والقدرة على‬
‫النتظار‪ .‬ولهذا كانت إرادة المرأة سلبية في الشؤون الجنسية‬
‫قل في جميع الشؤون«‪.‬‬ ‫ن لم ن َ ُ‬ ‫لإ ْ‬ ‫على الق ّ‬
‫من‬ ‫سرة بل ِ‬ ‫ف للنثى ول حاجة بها إلى الرادة القا ِ‬ ‫»فالغواء كا ٍ‬
‫دها بالرادة التي ت َغِْلب بها الذكر ع ُْنوة لنها متى‬ ‫ث ت َْزِوي ُ‬ ‫العَب َ ِ‬
‫جد َْوى‬ ‫مل ِبغير َ‬ ‫طوال فترة الح ْ‬ ‫ة ُ‬ ‫ضي َعَ ٌ‬‫م ْ‬ ‫مَلت كانت هذه الرادة َ‬ ‫ح َ‬
‫دوه‬ ‫ن ي ُؤ َ ّ‬ ‫مط َْلب الّنوع مرة أ ْ‬ ‫دوا َ‬ ‫على حين أن الذكور قادرون إذا أ ّ‬

‫‪523‬‬
‫ت بل عائق من التركيب والتكوين‪ ...‬وليس هذا في حالة‬ ‫مرا ٍ‬
‫النثى بميسورٍ على وجهٍ من الوجوه«‪.‬‬
‫ده؛‬
‫وعلى هذا يعتز الرجل بأن يريد المرأة ول ت َعْت َّز المرأة بأن ُتري َ‬
‫سن في النساء ‪,‬والرادة الغالبة هي‬ ‫محا ِ‬ ‫حوَُر ال َ‬ ‫م ْ‬‫لن الغواء هو ِ‬
‫دة‬ ‫دت الطبيعة المرأة ب ِعِ ّ‬ ‫محور المحاسن في الرجال‪ .‬ولذا َزوَّ َ‬
‫دة الغََلبة والعزيمة‪ .‬بل جعلتها حين ت ُغَْلب‬ ‫ع ّ‬ ‫عن ِ‬ ‫ضْتها َ‬ ‫الغواء ‪,‬وع َوّ َ‬
‫سواء«‪.‬‬ ‫مشيئة الجنسين على ال ّ‬ ‫هي الغالبة في تحقيق َ‬
‫ا‪.‬ه ‪ -‬كلم الستاذ العقاد‬
‫جنين من الشهر الرابع حيث‬ ‫والفروق بين الذكر والنثى في ال َ‬
‫ذكورة وأعضاء النوثة‪ ..‬وحيث يكون المخ ومنطقة‬ ‫ت ََتميز أعضاء ال ّ‬
‫مّيزت كامل ً بين الجنين الذكر والجنين النثى‪.‬‬ ‫»تحت المهاد« قد ت َ َ‬
‫وقد لحظ العلماء والطباء والمَرّبون الختلف الشاسع في‬
‫وأمين‪..‬‬ ‫سلوك الطفل الذكر عن سلوك شقيقته النثى ولو كانا ت َ ْ‬
‫دراكا ً من أخته‪.‬‬ ‫عنفا ً ونشاطا ً وإ ْ‬ ‫صبي عادة ً أكثر ُ‬ ‫فال ّ‬
‫سّببونه‬ ‫ن الزائد وما ي ُ َ‬ ‫وتشكو المهات في العادة من َنشاط أولده ِ ّ‬
‫ن من متاعب وتحطيم ٍ في أثاث المنزل بينما البنات في العادة‬ ‫له َ ُ‬
‫ت‪..‬‬ ‫هادئا ٌ‬
‫حِهن والعناية‬ ‫ري ِ‬ ‫س ِ‬ ‫صغيرات إلى اللعب بالعرائس وإلى ت َ ْ‬ ‫ميل ال ّ‬ ‫وت َ ِ‬
‫ُ‬
‫صِبي فِْعل ذلك‬ ‫صُعب على ال ّ‬ ‫من ت ِْلقائًيا ب ِد َْور الم بينما ي َ ْ‬ ‫ق ْ‬‫بهن وي َ ُ‬
‫ُ‬
‫مزقها ل ِي َْنظر ما‬ ‫ن أع ْط َِيت له وي ُ ّ‬ ‫وي َرَقبة العروسة إ ْ‬ ‫وسرعان ما ي َل ْ ِ‬
‫في أحشائها؟‬
‫ة من الولد والبنات‬ ‫ويعرف الباء والمهات الذين رزقهم الله ذ ُّري ً‬
‫قف البنت الصغيرة أمام‬ ‫الفروق الشاسعة بين أطفالهم‪ ..‬وت َ ِ‬
‫هن لم‬ ‫المرآة وت َت َد َّلل ِتلقائيًا‪ ..‬وكثيرا ً ما كنت أسمع من بناتي و ُ‬
‫جاوِْزن بعد سن الثالثة عند ل ِْبسها ثوبا ً جديدا ً واستعدادها للخروج‬ ‫يُ َ‬
‫شوف الجمال!!‪ ..‬أو يا بابا إيه رأيك في الفستان‬ ‫مع أمها‪ :‬يا بابا ُ‬
‫حلوة دي«‪.‬‬ ‫ده »أو يا بابا شوف الّتسريحة ال ُ‬ ‫الجميل َ‬
‫ل منذ‬ ‫فَعل مثل ذلك بل هو مشغو ٌ‬ ‫طر ِببال الصبي أن ي ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫ولم ي ْ‬
‫طفولته الباكرة باللعب بالكرة أو ب َِتفكيك اللعاب التي ت ُْهدى له‬
‫ل ِي َْعرف ما بداخلها‪.‬‬
‫َ‬
‫ج اختلفها عند‬ ‫وتستمر الفروق تنمو يوما ً بعد يوم حتى ت َب ُْلغ أوَْ َ‬
‫شط‬ ‫جعَِتها الطويلة وت َن ْ َ‬ ‫البلوغ عندما تستيقظ الُغدد التناسلية من هَ ْ‬
‫فَت ُْرسل هرمونات الذكورة إلى الصبي لُيصبح رجل ً فينمو شعر‬
‫ش غليظًا‪ ...‬وتنمو عضلته‬ ‫ج ّ‬ ‫عذاِريه وذ َْقنه وشاربه ويصبح صوته أ َ‬ ‫ُ‬
‫ل‪ ..‬ويكون‬ ‫وى‪ ..‬ويتوزع الدهن في جسمه توزيعا ً عاد ً‬ ‫ق َ‬ ‫وعظامه وت َ ْ‬
‫ذراعين‪ ..‬أما الفتاة‬ ‫دين مفتول ال ّ‬ ‫وي الساع َ‬ ‫كبين قَ ِ‬ ‫من ْ َ‬ ‫عريض ال ِ‬
‫ؤها وأجهزتها التناسلية‬ ‫مر عليها هرمونات النوثة فتنمو أْثدا ُ‬ ‫فتنهَ ِ‬

‫‪524‬‬
‫في أيّ ن ُُتوءٍ أو‬ ‫خ ِ‬ ‫وتبدأ الحيض‪ ..‬ويتوزع الدهن في جسمها بحيث ي ُ ْ‬
‫زها‪..‬‬ ‫ج ِ‬‫فَرةٍ ل ترتاح لها العين‪ ..‬ويزداد الدهن في أْردافها وع َ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ُ‬
‫ن الهرمونات‬ ‫صير رخيمًا‪ ..‬ليس هذا فحسب ‪,‬ولك ّ‬ ‫وي َن ُْعم صوتها وي َ ِ‬
‫ل الفتى‬ ‫شَية فَتجع َ‬ ‫م ْ‬ ‫قوام وال ِ‬ ‫ؤثر في السلوك كما تؤثر في ال َ‬ ‫تُ َ‬
‫ة‬
‫مّيال ً‬‫فر والحياء َ‬ ‫خ ْ‬ ‫مغامرة وتجعل الفتاة شديدة ال َ‬ ‫حبا ً ل ِل ْ ُ‬ ‫م ِ‬‫قداما ً ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫دلل والت ّغَّنج‪.‬‬ ‫إلى ال ّ‬
‫ْ‬
‫وهي فروقٌ تظهر في الحيوان المنويّ والبويضة كما ت َظهر في‬
‫الفتاة اليافَِعة والشاب الذي طّر شارُِبه‪.‬‬
‫وظائف المرأة الفسيولوجية ت َُعوُقها عن العمل خارج المنزل‪:‬‬
‫حْيض والحمل‬ ‫ري المرأة في ال َ‬ ‫وإذا نظرنا فقط إلى ما ي َعْت َ ِ‬
‫والولدة ل ََعرْفنا أن خروجها إلى مجال العمل إنما هو تعطيل‬
‫فطرتها وتكوينها البيولوجي الذي ل‬ ‫مل ِ‬ ‫مصاد ِ ٌ‬ ‫العمل ذاته‪ ..‬كما أنه ُ‬
‫ة عنه ‪..‬‬ ‫ح َ‬ ‫دو َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫َ‬
‫)أ ( المحيض‪:‬‬
‫قَردة والورانج‬ ‫ن أنثي النسان‪ ..‬والثد ِْييات الُعليا مثل‪ :‬ال ِ‬ ‫إِ ّ‬
‫مّية كاملة‪ ..‬أما بقّية‬ ‫ح ِ‬ ‫حيض ولها د َوَْرة َر ِ‬ ‫والشمبانزي هي التي ت َ ِ‬
‫ضبع‬‫حْيض الرنب وال ّ‬ ‫الحيوانات فل تحيض إناثها رغم ما ُيشاع عن َ‬
‫زل دما ً من أرحامها‬ ‫خفاش‪ ..‬فهذه جميعا ً ل تحيض وإن كانت ت ُن ْ ِ‬ ‫وال ّ‬
‫ي الشديد‪.‬‬ ‫جها الجنس ّ‬ ‫عند اهِْتيا ِ‬
‫ي وعادة ً ما‬ ‫وللحيوانات جميِعها فترة ٌ محدودة للنشاط الجنس ّ‬
‫ص ٌ‬
‫ل‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫صل الربيع بينما النشاط الجنسي للنسان ُ‬ ‫يكون في ف ْ‬
‫رز الناث من هذه الحيوانات بويضاتها إل‬ ‫ف ِ‬ ‫مدار العام‪ ..‬ول ت ُ ْ‬ ‫على َ‬
‫في فترةٍ محدودةٍ من العام بينما ُتفرز المرأة ُبويضة مرة ً في كل‬
‫ن اليْأس‪ ..‬أ َيْ خلل ما َيزيد على ثلثين‬ ‫س ّ‬ ‫شهرٍ منذ البلوغ إلى ِ‬
‫حيض في كل شهر‬ ‫ة ل ِل ْ َ‬ ‫ض ٌ‬ ‫معَّر َ‬ ‫مدة ُ‬ ‫ة‪ ..‬وهي طوال هذه ال ُ‬ ‫عاما ً كامل ً‬
‫ة‬
‫معانا ٍ‬ ‫مل وت َت ََعرض المرأة في أثناء الحيض للم و ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫إل إذا وقع ال َ‬
‫صها فيما يلي‪:‬‬ ‫خ ُ‬ ‫ن ُل َ ّ‬
‫ظهر وأسفل‬ ‫‪ُ (1‬تصاب أكثر النساء بآلم وأْوجاع في أسفل ال ّ‬
‫ٍ‬
‫عي‬ ‫ست َد ْ ِ‬ ‫البطن‪ ..‬وتكون آلم بعض النساء فوق الحتمال مما ي َ ْ‬
‫كنة لللم‪.‬‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫استدعاء الطبيب واستعمال الدوية ال ُ‬
‫ضيق أثناء الحيض‬ ‫‪ُ (2‬تصاب كثيٌر من النساء بحالةٍ من الكآبة وال ّ‬
‫مزاج سريعة‬ ‫قّلبة ال ِ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ة عند بدايته‪ ..‬وتكون المرأة عادة ً ُ‬ ‫وخاص ً‬
‫ن حالتها العقلية والفكرية تكون‬ ‫ة الحتمال‪ ..‬كما أ ّ‬ ‫الهِْتياج قليل َ‬
‫مستوىً لها‪.‬‬ ‫دنى ُ‬ ‫في أ ْ‬
‫ب بداية‬ ‫قة( قُْر َ‬ ‫قي َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ي )ال ّ‬ ‫صف ّ‬ ‫صداع الن ّ ْ‬ ‫‪ُ (3‬تصاب بعض النساء بال ّ‬
‫ئ‪.‬‬‫صحبها َزغ َْللة في الرؤية وَقَ ّ‬ ‫حة وت َ ْ‬ ‫مب ْرِ َ‬‫الحيض‪ ..‬وتكون اللم ُ‬

‫‪525‬‬
‫قل الرغبة الجنسية َلدى المرأة وخاصة عند بداية الحيض‪..‬‬ ‫‪ (4‬ت ُ ِ‬
‫كينة‪.‬‬ ‫س ِ‬ ‫ميل كثيٌر من النساء في َفترة الحيض إلى العُْزلة وال ّ‬ ‫وت َ‬
‫ن فترة الحيض هي فترة َنزيف‬ ‫ي وفسيولوجي؛إذ ْ أ ّ‬ ‫وهذا أمٌر طبيع ٌ‬
‫موِيّ من قُْعر الرحم‪ ..‬وتكون الجهزة التناسلية بأكملها في حال ٍ‬
‫ة‬ ‫د َ‬
‫مَرضية‪.‬‬ ‫شب ْهِ َ‬ ‫ِ‬
‫قد‬‫ف ِ‬‫قر الدم )النيميا( الذي ين ُْتج عن النزيف الشهريّ إذ ْ ت َ ْ‬ ‫‪ (5‬فَ ْ‬
‫ة‬
‫مية من امرأ ٍ‬ ‫مية من الدم في أثناء حيضها‪ ..‬وتختلف الك ِ ّ‬ ‫المرأة ك ِ ّ‬
‫جد‬ ‫ة الدم أثناء الحيض وزنا ً وحجما ً فَوُ ِ‬ ‫مي ُ‬ ‫ست ك ِ ّ‬ ‫خَري وقد قِي ْ َ‬ ‫إلى أ ُ ْ‬
‫ما بين ُأوقي ََّتين )‪ 60‬ميليليتر( وثمان أوقيات )مائتين وأربعين‬
‫ميليلتر(‪.‬‬
‫ة‪..‬‬
‫ويةٍ كامل ٍ‬ ‫مئ َ ِ‬ ‫‪ (6‬تنخفض درجة حرارة المرأة أثناء الحيض بدرجةٍ ِ‬
‫ي‬‫ف في جسم الكائن الح ّ‬ ‫وذلك لن العمليات الحيوية التي ل ت َك ُ ّ‬
‫مي هذه العمليات‬ ‫س ّ‬ ‫تكون في أد َْنى مستوياتها أثناء الحيض‪ .‬وت ُ َ‬
‫قل‬ ‫قل إنتاج الطاقة كما ت َ ِ‬ ‫بال َْيض أو الستقلب ‪ Metabolism‬وي َ ِ‬
‫عمليات التمثيل الغذائي‪ ..‬وتقل كمية استقلب المواد الّنشوية‬
‫والدهون والبروتين‪..‬‬
‫قل إفرازاتها‬ ‫صماء بالت ّغَّير أثناء الحيض فت َ ِ‬ ‫دد ال ّ‬ ‫‪ُ (7‬تصاب الغُ َ‬
‫الحيوية الهامة للجسم إلى أدنى مستوى لها أثناء الحيض‪.‬‬
‫طئ‬ ‫ة للعوامل السابقة تنخفض درجة حرارة الجسم وي ُب ْ ِ‬ ‫نتيج ً‬
‫الن ّْبض وينخفض ضغط الدم وُتصاب كثير من النساء بالشعور‬
‫فُتور أثناء فترة الحيض‪..‬‬ ‫سل وال ُ‬ ‫دوخة والك َ َ‬ ‫بال ّ‬
‫دة والخروج خارج المنزل‬ ‫جه ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن العمال ال ُ‬ ‫من المعلوم أ ّ‬ ‫و ِ‬
‫على قد ْرٍ من القوة والنشاط‬ ‫صعاب الحياة تحتاج إلى أ ْ‬ ‫مواجهة ِ‬ ‫و ُ‬
‫جه كل شهرٍ هذه‬ ‫َ‬
‫والطاقة‪ ..‬فكيف ي َت َأّتى للمرأة ذلك وهي ُتوا ِ‬
‫شْبه مريضة‪ ..‬وفي‬ ‫التغييرات الفيسيولوجية الطبيعية التي تجعلها ِ‬
‫سدية والفكرية‪..‬‬ ‫أدنى حالتها الج َ‬
‫ُ‬
‫ول ودعا‬ ‫مه ل َوَل ْ َ‬ ‫قد فيه ُرْبع ل ِت ْرٍ من د َ ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ف يَ ْ‬‫ل بن َْز ٍ‬ ‫صيب رج ٌ‬ ‫وَلو أ ِ‬
‫لمور وطلب أجازة ً من عمله‪ ..‬فكيف‬ ‫عظاِئم ا ُ‬ ‫ِبالوَْيل والث ُّبور و َ‬
‫ت إليها أحد‪..‬‬ ‫ف ُ‬ ‫زف كل شهرٍ ول ي َل ْت َ ِ‬ ‫سكينة التي ت َن ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫بال ِ‬
‫ف عنها واجباتها اثناء‬ ‫ف َ‬ ‫خ ّ‬ ‫حمةِ الله بالمرأة‪ ..‬كيف َ‬ ‫ظر إلى آثارِ ر ْ‬ ‫وان ْ ُ‬
‫عفاها من‬ ‫ضائها‪ ..‬وأ ْ‬ ‫ق َ‬ ‫فاها من الصلة ولم ُيطالبها ب َ‬ ‫الحيض فأع ْ َ‬
‫جْنسًيا‬ ‫ُ‬
‫عفاها من الّتصال ِ‬ ‫خر وأ ْ‬ ‫الصوم وطالبها القضاء في أيام أ َ‬
‫طلب منهما أن‬ ‫ذى و َ‬ ‫ن الحيض أ َ‬ ‫خَبر زوجها بأ ّ‬ ‫خَبرها وأ ْ‬ ‫ب َِزْوجها وأ ْ‬
‫ن‬ ‫سأُلون َ َ‬ ‫َ‬ ‫ي َعَْتزل ك ّ‬
‫ك عَ ِ‬ ‫ل منهما الخر في الحيض قال تعالى‪ ) :‬وَي َ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫قَرُبوهُ ّ‬ ‫ض وَل َ ت َ ْ‬ ‫حي ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ساَء ِفي ال ْ َ‬ ‫ل هُوَ أذ ًىً َفاع ْت َزُِلوا الن ّ َ‬ ‫ض قُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫حي‬ ‫م ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ذا تط َهرن فَأتوهُن من حي ُ َ‬ ‫ْ‬
‫ه‬‫ن الل َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫م الل ُ‬ ‫مَرك ُ ُ‬ ‫ثأ َ‬ ‫ّ ِ ْ َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ن فَإ ِ َ َ ّ ْ َ‬ ‫حّتى ي َط ْهُْر َ‬ ‫َ‬
‫ن( )‪.(579‬‬ ‫ري َ‬ ‫َ‬
‫مت َطهّ ِ‬ ‫ْ‬
‫ب ال ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن وَي ُ ِ‬‫واِبي َ‬ ‫ب الت ّ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫يُ ِ‬

‫‪526‬‬
‫)ب( الحمل‪:‬‬
‫مل فيه بفاِرغ‬ ‫ح ِ‬ ‫ظر اليوم الذي ت َ ْ‬ ‫ل َتكاد الفتاة تتزوج حتى تنت َ ِ‬
‫ل لّول مّرة‪ .‬ومع‬ ‫حا عندما ت َعَْلم بأنها حام ٌ‬ ‫طير فََر ً‬ ‫صْبر وتكاد ت َ ِ‬ ‫ال ّ‬
‫هن‪..‬‬ ‫هذه السعادة الغامرة تبدأ اللم والْوجاع والوَ ْ‬
‫}ووصينا النسان بوال ِديه حمل َت ُ‬
‫ه ِفي‬ ‫صال ُ ُ‬ ‫ن وَفِ َ‬ ‫ه وَهًْنا ع َلى وَهْ ٍ‬
‫َ‬ ‫م ُ‬ ‫هأ ّ‬ ‫ِْ َ َ ِ َ َ ْ ِ َ َ ْ ُ‬ ‫َ َ ّ َْ‬
‫َ‬
‫صيُر{ ] لقمان[‪.‬‬ ‫م ِ‬ ‫ي ال ْ َ‬ ‫ك إ ِل َ ّ‬ ‫وال ِد َي ْ َ‬‫شك ُْر ِلي وَل ِ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫نأ ِ‬ ‫مي ْ ِ‬ ‫عا َ‬ ‫َ‬
‫ها‬‫ه ك ُْر ً‬ ‫ه ك ُْر ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ضعَت ْ ُ‬ ‫ها وَوَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫هأ ّ‬ ‫ملت ْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ساًنا َ‬ ‫ح َ‬ ‫وال ِد َي ْهِ إ ِ ْ‬ ‫ن بِ َ‬‫سا َ‬ ‫صي َْنا ال ِن ْ َ‬ ‫}وَوَ ّ‬
‫شهًْرا{ ]الحقاف[‬ ‫ن َ‬ ‫ه ث َل َُثو َ‬ ‫صال ُ ُ‬ ‫ه وَفِ َ‬ ‫مل ُ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫وَ َ‬
‫قئ‪..‬‬ ‫كيان المرأة أثناء الحمل ويبدأ الحمل بالغََثيان وال َ‬ ‫قِلب ِ‬ ‫ي َن ْ َ‬
‫شُهر الْولى من‬ ‫ُ‬ ‫دا وخاصة في ال ْ‬ ‫وكثيًرا ما يكون ذلك شدي ٍ‬
‫جِنيَنها كل ما يحتاج إليه من مواد غذائية‬ ‫طي الم َ‬ ‫الحمل‪ .,.‬وت ُعْ ِ‬
‫ضومةٍ جاهزةٍ حنى ولو كانت هي في أشد الحاجة إليها‪ ..‬بل إن‬ ‫مه ْ ُ‬
‫صل على حاجاته من د َم ِ الم‬ ‫ن الجنين يح ُ‬ ‫المر أب َْعد من ذلك‪ ..‬فإ ّ‬
‫عظامها‪..‬‬ ‫طيه ما يحتاج إليه من ِ‬ ‫ضط َّرت الم المسكينة أن ت ُعْ ِ‬ ‫ولو ا ْ‬
‫ب‬‫ح ِ‬ ‫جّراء س ْ‬ ‫وس السنان من َ‬ ‫س ّ‬‫ن العظام وت َ َ‬ ‫َ‬
‫حتى لُتصاب ب ِِلي ِ‬
‫الجنين للكالسيوم وفيتامين »د« من دم الم وعظامها‪.‬‬
‫صْبن بفقر الدم أثناء الحمل وخاصة في‬ ‫مْعظم المهات ي ُ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫كما أ ّ‬
‫صْنع‬‫مة ل ِ ُ‬ ‫مواد الها ّ‬ ‫صف الثاني من مدة الحمل‪ ..‬وذلك لن ِْتقال ال ُ‬ ‫الن ّ ْ‬
‫خْزِنها في جسم‬ ‫ن َ‬ ‫الدم من الم إلى الجنين وسحبها من أماك ِ ِ‬
‫الم‪.‬‬
‫دي إلى‬ ‫جُته فإنه ي ُؤ َ ّ‬ ‫وفقر الدم )النيميا( ي ُن ِْهك الم وإذا زادت در َ‬
‫ط القلب‪.‬‬ ‫هبو ِ‬ ‫ُ‬
‫حب كل ما يحتاج إليه من مواد‬ ‫س َ‬ ‫ن الجنين ي َ ْ‬ ‫سب ولك ّ‬ ‫ليس هذا فح ْ‬
‫ل‪ُ ..‬يعاني من ِلين‬ ‫هزي ً‬ ‫حا َ‬ ‫شب َ ً‬ ‫وه حتى ولو َترك الم َ‬ ‫م ّ‬ ‫مه ون ُ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫ل ِِبناِء ِ‬
‫ة‬
‫ضي ً‬‫قص الفيتامينات وفقر الدم‪ ..‬وهي تفعل ذلك را ِ‬ ‫العظام ون َ ْ‬
‫مة التي ُيفرزها‬ ‫خذ ِ جميع المواد السا ّ‬ ‫ختارة‪ ..‬كما تقوم الم بأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫جسم الجنين وت َط ُْردها ب َد َل ً عنه‪.‬‬
‫ضد ّ‬ ‫عة ِ‬ ‫منا َ‬ ‫طي جنينها مواد ال َ‬ ‫ل هذا بل ت ُعْ ِ‬ ‫في الم بك ّ‬ ‫ول تك ْت َ ِ‬
‫ضّره من مواد ٍ موجودةٍ في‬ ‫ل ما ي َ ُ‬ ‫مة ك ّ‬ ‫شي َ‬ ‫م ِ‬ ‫منع عنه ال َ‬ ‫المراض وت َ ْ‬
‫صد عنه دخول‬ ‫دم الم ول تسمح لها بالمرور إلى الجنين كما أنها ت َ ُ‬
‫در‪.‬‬ ‫الميكروبات إل فيما ن َ ُ‬
‫مُله قُب َْيل‬ ‫ضعاف ما يتح ّ‬ ‫ضعاف أ ْ‬ ‫حمل القلب أ ْ‬ ‫وفي الحمل يت َ َ‬
‫ويتين كاملتين؛ دورة ٌ للم‬ ‫م ِ‬ ‫ن يقوم ب ِد َوَْرت َْين د َ َ‬ ‫ن ع ََليه أ ْ‬ ‫الحمل‪ ..‬فإ ّ‬
‫مل ت َب َِعات هاتين الد ّْورَتين‪ ..‬وتزداد كمية الدم‬ ‫ح ّ‬ ‫دورة ٌ للجنين ويت َ‬ ‫و َ‬
‫ضخه يومًيا‬ ‫في ما ي َ ُ‬ ‫ضعْ َ‬ ‫خها قلب الم إلى ما َيزيد عن ِ‬ ‫ض ّ‬ ‫التي ي ُ‬
‫ما في أثناء‬ ‫)يضخ القلب قبل الحمل حوالي ‪ 6500‬لتر يومًيا‪ .‬أ ّ‬

‫‪527‬‬
‫ضخها القلب إلى‬ ‫كمية التي ي َ ُ‬ ‫صل ال ِ‬ ‫ب نهايته فَت َ ِ‬ ‫ة قُْر َ‬ ‫الحمل وخاص ً‬
‫‪ 15,000‬لتر يومًيا(‪.‬‬
‫طن‬‫متلِء الب ْ‬ ‫ل‪ ..‬وبا ْ‬ ‫مه قلي ً‬ ‫ج ُ‬ ‫وتزداد سرعة القلب ونبضاته‪ ..‬ويك ُْبر ح ْ‬
‫ب الحاجز على القلب والرئتين فُيصِبح‬ ‫حجا ُ‬ ‫موّ الجنين َيضَغط ال ِ‬ ‫ون ُ ُ‬
‫ق التنفس والن ََهجان )‬ ‫ضي ِ‬ ‫شكو الحامل من ِ‬ ‫ة وت َ ْ‬ ‫صعوب ً‬ ‫فس أكثر ُ‬ ‫الت ّن َ ّ‬
‫ظهرها‪..‬‬ ‫قي على َ‬ ‫ست َل ْ ِ‬ ‫‪ (580‬وخاصة عندما ت َ ْ‬
‫ئ هذه‬ ‫متل ِ ُ‬ ‫م على الوِْردة العائدة من الساَقين فت ْ‬ ‫ح ُ‬‫وَيضَغط الر ِ‬
‫ورم‬ ‫ي الساَقين‪ ..‬كما ت َت َ ّ‬ ‫ة د ََوال َ‬ ‫سّبب ً‬ ‫م َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ف ُ‬
‫الخيرة بالدماء وتن ْت َ ِ‬
‫خر الحمل‪..‬‬ ‫دمان قليل ً في أ ََوا ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ال َ‬
‫قئ‬ ‫ي من أّول الحمل فَي َك ُْثر ال َ‬ ‫َ‬
‫وُيصاب الجهاز الهضم ّ‬
‫ذع والتهابات‬ ‫حْرقة والل ّ ْ‬ ‫قل‪.‬الشهية‪ُ ,‬ثم بعد ذلك َتزداد ال ُ‬ ‫والغََثيان‪.‬وت َ ِ‬
‫طرب الُغدد‬ ‫ض َ‬ ‫مساك وت َ ْ‬ ‫المعدة‪ ..‬كما ُتصاب الحامل في العادة بال ْ‬
‫الصماء في وظائفها‪ ..‬وُتصاب بعض النساء ب ِت َوَّرم الغدد الد َّرِقية‬
‫أثناء الحمل نتيجة نقص الُيود‪.‬‬
‫كل هذه التغيرات وأكثر منها تحدث في الحمل الطبيعي‪..‬‬
‫جاِري‬ ‫م َ‬
‫ن ُيضاف إلى هذه المتاعب التهابات ال َ‬ ‫وفي كثيرٍ من الحيا ِ‬
‫الب َوِْلية‪ ..‬التي تزداد زيادة ً كبيرة ً أثناء الحمل‪ ..‬مما يؤدي إلى‬
‫جل والقدام‬ ‫ول وت َوَّرم الْر ُ‬ ‫قدان البروتين )الّزلل( من الب َ ْ‬ ‫فُ ْ‬
‫جه وارتفاع ضغط الدم‪..‬‬ ‫والوَ ْ‬
‫مم الحمل‬ ‫س ّ‬
‫تت َ‬ ‫ل في حدوث حال ِ‬ ‫وهذا الخير ي ُعَْتبر أهم عام ٍ‬
‫رض نفسها على الطبيب‬ ‫ن ت َعْ ِ‬‫ن على الحامل أ ْ‬ ‫الخطيرة‪ِ .‬لذا فإ ّ‬
‫ن‬
‫شهر الحمل الخيرة ينبغي أ ْ‬ ‫مُتابعة حالتها وفي أ ْ‬ ‫مرة ً كل شهر ل ِ‬
‫عين‪..‬‬ ‫ُ‬
‫يراها الطبيب مرة كل أسبو َ‬
‫مضاعفاِته ‪,‬ول عن الحمل خارج‬ ‫مل الّتوائ ِم ِ و ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫دث عن َ‬ ‫ولن نتح ّ‬
‫حم وخطورته على حياة الم‪ ..‬ول عن أمراض القلب وأمراض‬ ‫الر ِ‬
‫خر‪ ..‬ولكننا ُنشير‬ ‫لآ َ‬ ‫كل هذه لها مجا ٌ‬ ‫مم الحمل‪ .‬فَ ُ‬ ‫س ّ‬ ‫الك َُلى وت َ َ‬
‫مشاقّ أثناء الحمل الطبيعي‪.‬‬ ‫ده الم من َ‬ ‫فقط إلى ما ُتكاب ِ ُ‬
‫دل كيلو جرام وُربع‪ ,‬كل‬ ‫معَ ّ‬ ‫وفي أثناء الحمل يزداد وَْزن الم ب ِ ُ‬
‫شهر حتى إذا بلغ الحمل ِنهايته كانت الزيادة عشرة كيلو‬
‫ة منها‬ ‫شيمة‪ ..‬وثلث ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫شيته وال َ‬ ‫ة منها للجنين وأغ ْ ِ‬ ‫جرامات؛ سْبع ٌ‬
‫ة في وَْزن الحامل‪..‬‬ ‫زيادة ٌ فِعِْلي ٌ‬
‫ب النساء والولدة في كتاب‬ ‫من أساتذةِ ط ِ ّ‬ ‫ة ِ‬ ‫موع ٌ‬ ‫ج ُ‬ ‫ويقول م ْ‬
‫»الحمل والولدة‪ .‬والعقم عند الجنسين«‪»:‬والطفل ي ُعَْتبر كالنبات‬
‫ستمد كل ما يحتاج إليه من الشجرة التي يتعلق‬ ‫في ِْلي الذي ي َ ْ‬ ‫الط ّ َ‬
‫بها فهو يعيش ويأخذ غذاءه من الم كامل ً مهما كانت حالتها أو‬
‫حًا«‪.‬‬ ‫شب َ َ‬ ‫ظروفها حتي لو تركها َ‬

‫‪528‬‬
‫ن‬‫طباء – وهذا صحيح – أ ّ‬ ‫معظم ال ِ‬ ‫خر يقول »يعْت َِبر ُ‬ ‫ضٍع آ َ‬ ‫وفي موْ ِ‬
‫ن المواد الغذائية‬ ‫ُ‬ ‫ف ٌ‬ ‫مت َط َ ّ‬
‫مه ل ّ‬ ‫ل على أ ّ‬ ‫الجنين داخل الرحم ُ‬
‫ميِنة والجلوكوز وكذا الفيتامينات والملح ‪,‬كالحديد‬ ‫كالحماض ال ِ‬
‫والكالسيوم والفسفور وغيرها تنتقل من الم إلى الجنين خلل‬
‫مية حتى‬ ‫صفةٍ إْلزا ِ‬ ‫ن ط ََلبات الجنين ت ُل َّبي ب ِ‬ ‫المشيمة‪ ..‬والمعروف أ ّ‬
‫ص في كل أو بعض هذه المواد الحيوية عند‬ ‫ق ٌ‬ ‫ن كان هناك ن ْ‬ ‫وإ ْ‬
‫الم«‪.‬‬
‫ن‬
‫سب ولك ّ‬ ‫ول ُتعاني الم من كل هذه المتاعب الجسدية فح ْ‬
‫ب فهي بين الخوف‬ ‫طرا ٍ‬ ‫ض ِ‬ ‫رب أّيما ا ْ‬ ‫ضط َ ِ‬ ‫فسية كذلك ت ْ‬ ‫حالَتها الن ْ‬
‫متاعبه والولدة ومتاعبها والرجاء‬ ‫والرجاء‪ ..‬الخوف من الحمل و َ‬
‫والفرح بالمولود الجديد‪ ..‬وتضطرب نفسيُتها وُتصاب في كثيرٍ من‬
‫مل‬ ‫كتاب »الح ْ‬ ‫مزاج‪ ..‬ويقول ِ‬ ‫قّلب ال ِ‬ ‫الحيان بالقلق والكآَبة‪ ..‬وت َ َ‬
‫مشار إليه آِنفًا‪» :‬تحتاج )الحامل( إلى عنايةٍ شديد ٍ‬
‫ة‬ ‫والولدة« ال ُ‬
‫طين بها في هذه الفترة بالذات‪ .‬إذ ْ تكون أكثر حساسي ً‬
‫ة‬ ‫حي ِ‬ ‫م ِ‬
‫من ال ُ‬
‫مْيل إلى الهموم‬ ‫ت سريعة التأثير والنفعال وال َ‬ ‫ض ْ‬‫م َ‬ ‫من أيّ فترةٍ َ‬ ‫ِ‬
‫فهِ السباب‪ ..‬وذلك بسبب التغير الفيسيولوجي في‬ ‫والحثْزن لت ْ َ‬
‫جوّ من الحنان والب ُْعد عن‬ ‫حاط ب ِ َ‬ ‫ن تُ َ‬ ‫جزاء الجسم‪ِ ..‬لذا يجب أ ْ‬ ‫كل أ ْ‬
‫السباب التي ت ُؤ َّدي إلى تأثرها وانفعالها وخاصة من ناحية الزوج‬
‫أو الذين يعيشون ويتعاملون معها«‪..‬‬
‫جوٍّ من الحنان في‬ ‫ن ُتحاط ب ِ َ‬ ‫كن أ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ل ِلي باللهِ عليك هل ي ُ ْ‬ ‫وقُ ْ‬
‫مه حالُتها‬ ‫مل ل ت ُهِ ّ‬ ‫مك َْتب‪ ..‬وصاحب العَ َ‬ ‫جر أو في ال َ‬ ‫مت ْ َ‬ ‫صَنع أو ال َ‬ ‫م ْ‬‫ال َ‬
‫الفيسيولوجية ول َيعرف حاجتها البيولوجية إلى الحنان‪ ..‬إنه‬
‫مقاب َِله راتبا ً مهما كانت‬ ‫ْ‬
‫خذ ُ ُ‬ ‫ن تؤدي عمل ً تأ ُ‬ ‫ن عليها أ ْ‬ ‫يعرف فقط أ ّ‬
‫ظروفها‪..‬‬
‫مِلها‪) ..‬وحتى لو كان المسؤول عن‬ ‫ح ْ‬ ‫وليس هو مسؤول ً عن َ‬
‫حملها فإنه ل ي َْهتم لذلك في الغالب(‪ ،‬كما أنه لم يكن مسؤول ً‬
‫عن حالتها أثناء الحيض‪..‬‬
‫مت َك َّررة وحالت الحمل والولدة تتناَقض‬ ‫ل شك أن حالة الحيض ال ُ‬
‫ة العمل‪ .‬وخروجها إلى العمل ل ُِتناِفس الرجال ُيصاِدم‬ ‫ومصلح َ‬
‫ة في أمراض الحيض‪ ..‬كما يسبب‬ ‫ملحوظ ً‬ ‫سّبب زيادة ً َ‬ ‫فطرة‪ ..‬وي ُ َ‬ ‫ال ِ‬
‫صح‬ ‫ما ما ي َن ْ َ‬ ‫زيادة ملحوظة في مضاعفات الحمل والولدة‪ ..‬ودائ ً‬
‫ي‪..‬‬ ‫فس ّ‬ ‫الطباء الحوامل بالراحة واجتناب الْرهاق الجسديّ والن ْ‬
‫فوا عنها ما‬ ‫ف ُ‬ ‫خ ّ‬ ‫كما ينصحون زوج الحامل وأفراد ُأسرتها بأن ي ُ َ‬
‫ملوا ما قَد ْ ي َب ْد ُُر‬ ‫حت َ ِ‬‫ن يَ ْ‬ ‫ن ُيعاملوها بالّرْفق والحنان وأ ْ‬ ‫استطاعوا وأ ْ‬
‫غير‬ ‫خُلق على َ‬ ‫ة‪ ..‬أو سوء ُ‬ ‫معاملةٍ أو ِغل ْظ َ ٍ‬ ‫سوِء ُ‬‫فاٍء أوْ ُ‬ ‫ج َ‬‫من َ‬ ‫منها ِ‬
‫عادتها وطبيعتها‪..‬‬

‫‪529‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫تأ ْ‬ ‫ج فإذا أَرد ْ َ‬ ‫ضل ٍَع أع ْوَ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫خل ِ َ‬ ‫ن المرأة قد ُ‬ ‫وفي الحديث‪):‬إ ّ‬
‫سْرَتها‪ ..‬ولكن عليك أن تستمتع بها على ما فيها من‬ ‫مها ك َ‬ ‫ُتقي ْ َ‬
‫كم لهِْلي«‪.‬‬ ‫ه وأنا خيُر ُ‬ ‫َ‬ ‫كم خيُر ُ‬ ‫وج‪» (..‬وخيُر ُ‬
‫كم لهْل ِ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ِ‬
‫ن(‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ه وَهًْنا ع َلى وَهْ ٍ‬ ‫م ُ‬ ‫هأ ّ‬ ‫ملت ْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫وصدق الله العظيم حيث يقول‪َ ) :‬‬
‫وحيث يقول }حمل َت ُ‬
‫ها{‪.‬‬ ‫ه ك ُْر ً‬ ‫ضعَت ْ ُ‬ ‫ها وَوَ َ‬ ‫ه ك ُْر ً‬ ‫م ُ‬ ‫هأ ّ‬ ‫َ َ ْ ُ‬
‫ره‪ ..‬وهي في آلم ٍ وأْوجاٍع‬ ‫خ ِ‬ ‫من أّول الحمل إلى آ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫فهي في وَهْ ٍ‬
‫جه ب َعْد َ‬ ‫ضَعه‪ُ ..‬ثم ُتوا ِ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫مِله إلى أ ْ‬ ‫من أّول ح ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ب وأْوصا ٍ‬ ‫ومصاع َ‬
‫مشقة التربية‪.‬أَفل تكون بعد هذا كله‬ ‫َ‬ ‫م َ‬
‫ة الّرضاعة و َ‬ ‫ق َ‬ ‫ش ّ‬ ‫ذلك َ‬
‫فّرغ الكامل لها‬ ‫وفير الت ّ َ‬ ‫وقير والحترام‪ ..‬وت َ ْ‬ ‫جديَرة ً بالتكريم والت ّ ْ‬ ‫َ‬
‫مُنوطة بها‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ؤديَ هذه الوظيفة العظيمة ال َ‬ ‫ل ِت ُ َ‬
‫قيت ل ِد َْور الم العظيم حينما‬ ‫م ِ‬ ‫فر ال َ‬ ‫حض والك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫أل إنه الجهل ال َ‬
‫دام‪.‬‬ ‫كب والقْ َ‬ ‫منا ِ‬ ‫خُرج من بيتها ل ُِتناِفس الّرجال بال َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫ي ُط َْلب منها أ ْ‬
‫)ج( آلم الولدة‪:‬‬
‫خَر‪ ..‬ومع هذا فل َتكاد المرأة ت َن َْتهي‬ ‫فوقُ أيّ أل َم ٍ آ َ‬ ‫َ‬ ‫م الط ّْلق ت َ ُ‬ ‫ن آل َ‬ ‫إ ّ‬
‫خرج إلى‬ ‫طفل ي َ ْ‬ ‫خَرى‪ ..‬ول َيكاد ال ّ‬ ‫ولدةٍ أ ْ‬ ‫ُ‬
‫ست َعِد ّ ل ِ ِ‬ ‫من ولدةٍ حتى ت َ ْ‬ ‫ِ‬
‫ة‬
‫مت ْعَب َ ٍ‬‫فت َّر ث َغُْرها عن اب ِْتسامةٍ ُ‬ ‫مس جسمه جسمها حتى ي َ ْ‬ ‫الدنيا وُيل ِ‬
‫من ث َد ِْيها‪.‬‬ ‫ضعةٍ له ِ‬ ‫طيه أّول َر ْ‬ ‫وهي ت ُعْ ِ‬
‫ملية شديدة الخطورة وت َن َْتهي كثيٌر‬ ‫وفي الماضي كانت الولدة ع َ‬
‫وفاة الم أ َ َوفاة الجنين أو وفاتهما مًعا‪..‬‬ ‫من حالتها ب ِ َ‬
‫قد ْ‬ ‫شرة بين الوالدات‪ ..‬والحمد لله ف َ‬ ‫من ْت َ ِ‬ ‫مى الّنفاس ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫كما كانت ُ‬
‫فات الولدة على الم‬ ‫مضاع َ َ‬ ‫ض ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫خ ْ‬ ‫ن في العصور الحديثة َ‬ ‫مك َ َ‬ ‫أ ْ‬
‫طر الولدة‪..‬‬ ‫خا ِ‬ ‫م َ‬ ‫كن من ِإزالةِ جميع َ‬ ‫م ّ‬ ‫م ي َت َ َ‬ ‫طب ل ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫والجنين ‪,‬ولك ّ‬
‫جموعة‬ ‫م ُ‬‫رية‪ ..‬و َ‬ ‫ص ِ‬ ‫قي ْ َ‬ ‫ن بالعملية ال َ‬ ‫ة من النساء ي َل ِد ْ َ‬ ‫جموع ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ول َتزا ُ‬
‫قد حياتها أثناء‬ ‫ف ِ‬ ‫ة تَ ْ‬ ‫ة قليل ً‬ ‫ن مجموع ً‬ ‫ت‪ ..‬كما أ ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫دن بال ِ‬ ‫خرى ي َل ِ ْ‬ ‫أُ ْ‬
‫حم‪..‬‬ ‫مّزق الّر ِ‬ ‫مى الّنفاس أو ت َ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫الولدة أو بسبب ُ‬
‫منة الناتجة عن الحمل والولدة فل تزال ‪,‬رغم‬ ‫مْز ِ‬ ‫أما المراض ال ُ‬
‫مراض الك َُلى‬ ‫مها أ ْ‬ ‫دم الط ّّبي الهائل ‪,‬ليست بالقليلة‪ .‬وأهَ ّ‬ ‫ق ّ‬ ‫الت ّ َ‬
‫وضغط الدم وأمراض القلب وأمراض الجهاز التناسلي وأمراض‬
‫فسية وحالت الكآبة ت َك ُْثر أثناء الحمل‬ ‫الكبد‪ ..‬كما أن ّالمراض الن ْ‬
‫وفي فْترة الّنفاس‪..‬‬
‫)د( فترة النفاس‪:‬‬
‫ه بالمريضة‪ ..‬وت َُعاِني من الْرهاق‬ ‫شب َ َ‬ ‫قي الم في فترة النفاس أ ْ‬ ‫ت َب ْ َ‬
‫ه أثناء الحمل والولدة‪.‬‬ ‫جُهود الشاقّ الذي بذ َل َت ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َْعد ال َ‬
‫عظم‬ ‫ويف البطن من َ‬ ‫ج ِ‬ ‫مل ت َ ْ‬ ‫حم الذي كان ي َ‬ ‫ن الر ِ‬ ‫مةِ اللهِ أ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫من ر ْ‬ ‫و ِ‬
‫سّرة‬ ‫مستوى ال ّ‬ ‫مباشرة ً بعد الولدة إلى ُ‬ ‫العانة إلى القص َينزل ُ‬
‫دل سنتيمترين يومًيا‪ ..‬وفي خلل‬ ‫معَ ّ‬ ‫مستواه تدريجًيا ب ِ ُ‬ ‫فض ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫وي َن ْ َ‬
‫مل‪...‬‬ ‫جه إلى ما كان عليه َقبل الح ْ‬ ‫ست ّةِ أسابيعَ ي َُعود ُ أد َْرا ُ‬ ‫ِ‬

‫‪530‬‬
‫خّيل حالة الرحم في نهاية الحمل وهو يّتسع لكثَر من‬ ‫ن ت َت َ َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ول َ َ‬
‫سع‬ ‫ضوٍ ل يت ّ ِ‬ ‫سْبعةِ آلف ميليلتر ل َِيعود بعد نهاية النفاس إلى ع ُ ْ‬
‫من ميليلترين فقط‪ ..‬كما أن وزنه عند نهاية الحمل‬ ‫لكثَر ِ‬
‫بمحتوياته تبلغ ستة آلف جرام منها‪:‬‬
‫‪1000‬جرام وزن الرحم ذاته‪.‬‬
‫‪3500‬جرام وزن الجنين‪.‬‬
‫‪1000‬جرام وزن السائل المينوس المحيط بالجنين‪.‬‬
‫‪ 500‬جرام وزن المشيمة‪.‬‬
‫أما في نهاية فترة النفاس فيعود الرحم إلى وزنه الطبيعي وهو‬
‫ول وخاصة‬ ‫صعوبةٍ أثناء الت ّب َ ّ‬ ‫فساء من ُ‬ ‫ما وُتعاني الن ّ َ‬ ‫خمسون جرا ً‬
‫مهَْبل‬ ‫سّلخات جدار ال ِ‬ ‫لوَلى ع َ ِ‬ ‫في اليام ا ُ‬
‫ة ل ِت َ َ‬ ‫قب الولدة نتيج ً‬
‫جَرى الَبول أثناء الولدة‪ ..‬ولكن سرعان ما تزول‬ ‫م ْ‬‫فْرج و َ‬ ‫حة ال َ‬ ‫وفَت ْ َ‬
‫هذه اللم‪..‬‬
‫ي‬
‫مل أ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ة القلب ل ت َت َ َ‬ ‫ضل َ َ‬
‫ن عَ َ‬ ‫فساء ب َِعدم الجهاد ل ّ‬ ‫صح الن ّ َ‬ ‫وت ُن ْ َ‬
‫د‪ ..‬ولكن ليس معنى ذلك أل ّ تتحّرك الّنفساء؛ بل إ ّ‬
‫ن‬ ‫مجهود ٍ شدي ٍ‬
‫مطلوبة ل ِت َْنشيط الدورة الدموية وخاصة في‬ ‫ْ‬ ‫حرك ََتها الخفيفة َ‬
‫ط‬
‫صل حالت هبو ٍ‬ ‫ح ُ‬ ‫الساقين‪ ..‬ولكن الجهاد ضاّر بالم‪ ,‬وقد ت َ ْ‬
‫ئ نتيجة استعجال الم في الحركة الشديدة‪.‬‬ ‫ج ٍ‬ ‫مفا ِ‬ ‫ُ‬
‫صن على‬ ‫حرِ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ل السابق من المهات ك ُ ّ‬ ‫جي َ‬ ‫قا أن ّال ِ‬ ‫والغريب ح ّ‬
‫ل‬‫جي ْ ِ‬ ‫ما ال ِ‬ ‫مَبال ٍَغ فيها‪ ..‬أ ّ‬ ‫مة أثناء فترة الّنفاس بدرجةٍ ُ‬ ‫الراحة التا ّ‬
‫ة‬
‫رص على الحركة والجهاد بصور ٍ‬ ‫ح ِ‬ ‫قْيض ذلك ي َ ْ‬ ‫ي فَعََلى ن َ ِ‬ ‫الحال ّ‬
‫صلحة‬ ‫م ْ‬ ‫حد ِ الجانبين ليس في َ‬ ‫مغالة في أ َ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫ة‪ ..‬ول شك أ ّ‬ ‫مزعج ٍ‬ ‫ُ‬
‫ن خير المور أوسطها‪.‬‬ ‫فساء‪ ..‬وأ ّ‬ ‫الن ّ َ‬
‫مى الّنفاس‪ ..‬والحمد لله بفضل‬ ‫ح ّ‬ ‫خشاه النفساء هو ُ‬ ‫وأخشى ما ت َ ْ‬
‫الله‪ُ ,‬ثم بفضل الت ّْعقيم والمحافظة التامة على النظافة أثناء‬
‫الولدة وقبلها وبعدها فإن حدوث هذه الحالت أصبح نادرا‪ ..‬وكم‬
‫مى النفاس في الماضي فقد كانت‬ ‫ح ّ‬ ‫دت بها ُ‬ ‫من حياةٍ ياِنعةٍ أوْ َ‬
‫ضع الذين هم أكثر‬ ‫شًعا ي َْغتال الوالدات‪ ..‬وي ُي َّتم الطفال الّر ّ‬ ‫غ ُوْل ً ب َ ِ‬
‫ما يكونون حاجة لمهاتهم‪.‬‬
‫)هـ( الرضاعة‪:‬‬
‫قّرر السلم حقّ الطفل المولود في الّرضاعة فقال تعالى‪:‬‬
‫َ‬ ‫كامل َين ل ِم َ‬ ‫ن َ َ‬ ‫} وال ْوال ِدات يرضع َ‬
‫م‬‫ن أَراد َ أن ي ُت ِ ّ‬ ‫ن َ ِ ْ ِ َ ْ‬ ‫حوْلي ْ ِ‬ ‫ن أوْل َد َهُ ّ‬ ‫َ َ َ ُ ُْ ِ ْ َ‬
‫ة{‪.‬‬ ‫ضاع َ َ‬ ‫الّر َ‬
‫قت في أثناء الحمل‬ ‫قة حتى ولو ط ُل ّ َ‬ ‫ف َ‬ ‫كما قّرر حق أمه في الن ّ َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن أن‬ ‫جل ُهُ ّ‬ ‫لأ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ت ال ْ‬ ‫ضع حملها}وَأوْل َ ُ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫دتها أ ْ‬ ‫ع ّ‬ ‫فجعل نهاية ِ‬
‫َ‬
‫من‬
‫َ‬
‫سك َن ُْتم ّ‬ ‫ث َ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫سك ُِنوهُ ّ‬ ‫ن{ وقال تعالى‪} :‬أ ْ‬ ‫مل َهُ ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ضعْ َ‬ ‫يَ َ‬
‫ُ‬
‫قوا‬‫ل فَأن ْفِ ُ‬ ‫م ٍ‬ ‫ح ْ‬‫ت َ‬ ‫ن أوْل َ ِ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫ن وَإ ِ ْ‬ ‫قوا ع َل َي ْهِ ّ‬ ‫ضي ّ ُ‬ ‫ن ل ِت ُ َ‬ ‫ضاّروهُ ّ‬ ‫م وَل َ ت ُ َ‬ ‫جد ِك ُ ْ‬ ‫وّ ْ‬

‫‪531‬‬
‫ن‬ ‫ع َل َيهن حتى يضعن حمل َهن فَإن أ َرضعن ل َك ُم َفآتوهُ ُ‬
‫جوَرهُ ّ‬ ‫نأ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ِْ ّ َ ّ َ َ ْ َ َ ْ ُ ّ ِ ْ ْ َ ْ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ق‬
‫خَرى‪ .‬ل ِي ُن ْفِ ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ضعُ ل ُ‬ ‫ست ُْر ِ‬ ‫م فَ َ‬ ‫سْرت ُ ْ‬ ‫ن ت ََعا َ‬ ‫ف وَإ ِ ْ‬ ‫معُْرو ٍ‬ ‫م بِ َ‬ ‫مُروا ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫وَأت َ ِ‬
‫ه لَ‬ ‫ما آَتاه ُ الل ُ‬ ‫م ّ‬ ‫فقْ ِ‬ ‫ه فَل ْي ُن ْ ِ‬ ‫ن قُد َِر ع َل َي ْهِ رِْزقُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫سعَت ِهِ وَ َ‬ ‫من َ‬ ‫سعَةٍ ّ‬ ‫ذو َ‬ ‫ُ‬
‫سًرا{‪.‬‬ ‫سرٍ ي ُ ْ‬ ‫ه ب َعْد َ ع ُ ْ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫جعَ ُ‬ ‫سي َ ْ‬ ‫ها َ‬ ‫ما آَتا َ‬ ‫سا إ ِل ّ َ‬ ‫ف ً‬ ‫ه نَ ْ‬‫ف الل ُ‬ ‫ي ُك َل ّ ُ‬
‫موَْلى ‪,‬عز وجل‪ ,‬حقّ الطفل في‬ ‫قّرر ال َ‬ ‫في هذه اليات الكريمة ي ُ َ‬
‫جه‬ ‫ضعَْته‪ ..‬وي ُوَ ّ‬ ‫مه في النفقة إذا أْر َ‬ ‫الرضاعة كما ُيقرر حق أ ّ‬
‫دهما‪ ..‬رغم‬ ‫ْ‬
‫مرا ويتشاَورا في أمر وَِلي ِ‬ ‫ن يأت َ ِ‬ ‫الوالدين كليهما إلى ا ْ‬
‫وة والطلق‪ ..‬وي َْربط ذلك كله بتقوى الله وي َُرّقق‬ ‫ف َ‬‫ج ْ‬ ‫ال َ‬
‫ت ول‬ ‫سعَِته دون ع َن َ ٍ‬ ‫من َ‬ ‫فق ِ‬ ‫ن ي ُن ْ ِ‬ ‫بأ ْ‬ ‫مشاعرهما‪ ..‬وَيطلب من ال ِ‬
‫ي‬
‫سر الن ّد ِ ّ‬ ‫سماحة والي ُ ْ‬ ‫خل‪ ..‬وإنما هي ال ّ‬ ‫قِتيرٍ ول ب ُ ْ‬ ‫إْرهاق‪ ,‬ودون ت ْ‬
‫في أمر هذا الدين كله‪..‬‬
‫ن‬‫شَر قْرًنا من نزول هذه اليات الكريمة فإ ّ‬ ‫ةع َ‬ ‫ي أْربع َ‬ ‫ض ّ‬ ‫م ِ‬ ‫وبعد ُ‬
‫جير حتى اليوم‪ ..‬ول َيزال الوليد‬ ‫ديا ِ‬ ‫خب ِط في ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫النسانية ل تزال ت َ ْ‬
‫موْه ُ عام‬ ‫س َ‬ ‫معاناة حتى في عامنا هذا الذي أ ْ‬ ‫والم يعانون أشد ّ ال ُ‬
‫صحة‬ ‫ت الد ّوَِلية وهيئة ال ّ‬ ‫ظما ُ‬ ‫الطفل )‪ ..(1979‬ول تزال المن َ ّ‬
‫ضْعن‬ ‫ن ي ُْر ِ‬ ‫در البيان ت ِل ْوَ البيان ُتناِدي المهات أ ْ‬ ‫ص ِ‬ ‫العالمية ت ُ ْ‬
‫أولدهن‪ ..‬ول تزال الهيئات الطبية تصدر النشرات والمقالت‬
‫صر)‬ ‫ح َ‬ ‫جد َْوى الّرضاعة من الم وفوائدها التي ل َتكاد ت ُ ْ‬ ‫حول َ‬
‫ة‬
‫ة كامل ً‬ ‫ق ً‬ ‫ف ًَ‬ ‫ضع ن َ َ‬ ‫مْر ِ‬ ‫رض القانون الدولي للم ال ُ‬ ‫ف ِ‬‫ن يَ ْ‬ ‫‪ ..(581‬أما أ ْ‬
‫مَر‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صل إليه حضارة القرن العشرين التِعيسة‪ ..‬بينما قد أ َ‬ ‫مٌر لم ت َ ِ‬ ‫فأ ْ‬
‫شَر قرًنا من الزمان‪ .‬وفوائد الرضاعة‬ ‫ةع َ‬ ‫السلم بذلك منذ أربع َ‬
‫جُزها هنا فيما يلي‪:‬‬ ‫صي ولكنا ن ُوْ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن تُ ْ‬ ‫من أ ْ‬ ‫للطفل والم أكثُر ِ‬
‫فوائد الرضاعة للوليد‪:‬‬
‫متكّررة‬ ‫وية ال ُ‬ ‫معَ ّّ‬
‫معَ ِ‬ ‫ت ال َ‬ ‫قل بذلك الن ََزل ُ‬ ‫قم جاهٌز‪ ..‬وت َ ِ‬ ‫‪ (1‬لبن الم ُ‬
‫ضعون من القاروَرة‪.‬‬ ‫واللتهابات التي ُتصيب الطفال الذين َير َ‬
‫ي وذلك بسبب‬ ‫وكذلك تقل اللتهابات التي ُتصيب الجهاز التنفس ّ‬
‫مضادةٍ للميكروبات في لبن الم‪.‬‬ ‫ُوجود مواد ٍ ُ‬
‫ضر من الجاموس أو البقار‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫خر ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ماِثله أيّ لب ٍ‬ ‫‪ (2‬لبن الم ل ي ُ َ‬
‫ما ب َِيوم‬ ‫حاجات الطفل يو ً‬ ‫في ب ِ َ‬ ‫كب ل ِي َ ِ‬ ‫مم وُر ّ‬ ‫ص ّ‬ ‫أو الغنام فهو قد ُ‬
‫فطام‪ ..‬فتْركيب اللبا وهو‬ ‫ن ال ِ‬ ‫س ّ‬ ‫منذ ولدته وحتى يك ُْبر إلى ِ‬
‫مباشرة ً ولمدة ثلثة‬ ‫ي بعد الولدة ُ‬ ‫رزه الثد ْ ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫السائل الصفر الذي ي ُ ْ‬
‫كزةٍ من البروتينات‬ ‫مَر ّ‬ ‫ت ُ‬ ‫ميا ٍ‬ ‫أو أربعة أيام ٍ يحتوي على ك ِ ّ‬
‫مضادات للميكروبات‬ ‫حتوية على ال ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ضومة والمواد ال ُ‬ ‫مه ْ ُ‬ ‫ال َ‬
‫ضد المراض من‬ ‫قل جهاز المناعة ِ‬ ‫والجراثيم )‪ ..(582‬كما أنها ت َن ْ ُ‬
‫الم إلى الطفل‪..‬‬
‫ب‬
‫س ٍ‬ ‫كر وب ِن ِ َ‬ ‫س ّ‬ ‫‪ (3‬يحتوي لبن الم على كمية كافيةٍ من البروتين وال ّ‬
‫سب الطفل تمامًا‪ ..‬بينما المواد البروتينية الموجودة في لبن‬ ‫ُتنا ِ‬

‫‪532‬‬
‫البقار والغنام وغيرها من الحيوانات تناسب أطفال تلك‬
‫ن َنوعية‬ ‫ي كما أ ّ‬ ‫الحيوانات أكثر من مناسبتها للطفل النسان ّ‬
‫ما من‬ ‫ض ً‬ ‫سكريات الموجودة في لبن الم أسهل ه ْ‬ ‫البروتينات وال ّ‬
‫تلك الموجودة في اللبان الخرى‪.‬‬
‫ضعون من القارورة الوفيات‬ ‫دى الطفال الذين َير َ‬ ‫‪ (4‬تك ُْثر ل َ َ‬
‫مهاد« وهذا النوع من‬ ‫ت ال ِ‬ ‫موْ ُ‬ ‫عى »‪َ Cot Death‬‬ ‫جئة التي ت ُد ْ َ‬ ‫مفا ِ‬ ‫ال ُ‬
‫قمون أْثداء أمهاتهم‪.‬‬ ‫ْ‬
‫دى الطفال الذين ي َلت َ ِ‬ ‫الوفيات ل ي ُعَْرف ل َ‬
‫سرع وأكمل من‬ ‫مو الطفال الذين َيرضعون من أمهاتهم أ ْ‬ ‫‪ (5‬ن ُ ُ‬
‫أولئك الذين يرضعون من القارورة‪.‬‬
‫ما بينما تكُثر‬ ‫وا سلي ً‬ ‫م ّ‬ ‫‪ (6‬ينمو الطفل الذي َيرضع من أمه نفسًيا ن ُ ُ‬
‫دى أولئك الذين يرضعون من‬ ‫المراض والعلل النفسية ل َ‬
‫القارورة‪.‬‬
‫ففة بواسطة‬ ‫ج ّ‬ ‫م َ‬ ‫ضعون اللبان ال ُ‬ ‫‪ (7‬يَتعّرض الطفال الذين ُير َ‬
‫جلدية بأنواعها والّرْبو‬ ‫القارورة إلى أمراض الحساسية ال ِ‬
‫ي بالضافة إلى النزلت المعوية‬ ‫م ّ‬ ‫ض ِ‬‫وحساسية الجهاز اله ْ‬
‫ي ل ُيعانون‬ ‫ضعون من الثد ْ ِ‬ ‫المتكررة بينما نجد الطفال الذين ي ُْر َ‬
‫من هذه المراض إل ّ ناِدرًا‪.‬‬
‫الفوائد للم‪:‬‬
‫م‬‫مهِ ّ‬‫ل ُ‬ ‫ى بين الم وطفلها أثناء الّرضاعة عام ٌ‬ ‫‪ (1‬الرتباط النفس ّ‬
‫سّية الم والطفل‪.‬‬ ‫ف ِ‬ ‫ل ِن َ ْ‬
‫جسم الم إلى رشاقته وحجمه الطبيعي بسرعةٍ إذا‬ ‫‪َ (2‬يعود ِ‬
‫قامت الم بإرضاع وليدها‪.‬‬
‫ضعه الطبيعي أثناء‬ ‫حم بسرعةٍ إلى حجمه وَوَ ْ‬ ‫‪ (3‬يعود الَر ِ‬
‫هرمون‬ ‫ي ُيؤدي إلىإفراز ُ‬ ‫ن امتصاص الثد ِ‬ ‫الّرضاعة‪ ..‬وذلك ل ّ‬
‫ودة الرحم إلى حالته‬ ‫رع ب ِعَ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫الكسوتوسن ‪ Oxytocine‬الذي ي ُ ْ‬
‫الطبيعية‪..‬‬
‫صيب الرحم بالْنتان ‪ Sepsis‬واللتهابات المتكررة‪ .‬كما‬ ‫ُ‬
‫ولول ذلك ل ِ‬
‫مى الّنفاس‪..‬‬ ‫ح ّ‬‫ن ذلك يساعد على حصول ُ‬ ‫أ ّ‬
‫مدة الرضاعة‪:‬‬
‫مال الّرضاعة‬ ‫ن كَ َ‬ ‫قّرر السلم حق الوليد في الّرضاعة ‪ ,‬وذ َك ََر أ ّ‬
‫ن َ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫حوْلي ْ ِ‬ ‫ن أوْل َد َهُ ّ‬ ‫ضعْ َ‬ ‫ت ي ُْر ِ‬ ‫دا ُ‬ ‫وال ِ َ‬ ‫حوْل َْين كاملين قال تعالى } َوال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ه ِفي‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صال ُ‬ ‫ة{ وقال تعالى‪}:‬وَفِ َ‬ ‫ضاع َ َ‬ ‫م الّر َ‬ ‫ن أَراد َ أن ي ُت ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن لِ َ‬
‫ملي ْ ِ‬ ‫كا ِ‬
‫ن{ ‪.‬‬ ‫مي ْ ِ‬‫عا َ‬ ‫َ‬
‫شهًْرا{ ومنها‬ ‫ن َ‬ ‫ه ث َل َُثو َ‬ ‫ُ‬
‫صال ُ‬ ‫ه وَفِ َ‬ ‫ُ‬
‫مل ُ‬ ‫ح ْ‬‫وقال في موضع آخر }وَ َ‬
‫شهر‪.‬‬ ‫ةأ ْ‬ ‫ست ّ َ‬‫مل ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ل ال َ‬ ‫ن أقَ ّ‬ ‫ي َرضي الله عنه‪ ,‬على أ ّ‬ ‫ل عل ِ ّ‬ ‫استد ّ ّ‬
‫صحة العالمية أن‬ ‫ب هيئةال ّ‬ ‫قّرُره الطب اليوم‪.‬وُتطال ُ‬ ‫ضا ما ي ُ َ‬ ‫وهذا أي ً‬

‫‪533‬‬
‫وه‬ ‫م ّ‬ ‫فّرغ الم لكل مولود ٍ ثلثة أعوام ٍ كاملةٍ لهمية الم في ن ُ ُ‬ ‫ت َت َ َ‬
‫ي والجسديّ السليم‪.‬‬ ‫النفس ّ‬
‫ن العالم الثالث‬ ‫جدت هيئة الصحة العالمية والُيوِنيسف أ ّ‬ ‫وقد وَ َ‬
‫حوَ إ ِلقام ِ أطفالهن‬ ‫ْ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫جه ْ َ‬‫ن المهات ات َ َ‬ ‫ة حقيقية حيث أ ّ‬ ‫جه أْزم ً‬ ‫ُيوا ِ‬
‫القارورة بدل ً من الثدي‪ .‬ففي البرازيل كانت نسبة الطفال الذين‬
‫خفضت إلى‬ ‫سَنة ‪ .1940‬وقد ان ْ َ‬ ‫يرضعون من أمهاتهم ‪ 96‬بالمائة َ‬
‫‪ 40‬بالمائة عام ‪ 1974‬وفي تشيلي كانت النسبة ‪ 95‬بالمائة سنة‬
‫‪ 1955‬وقد انخفضت إلى ‪ 20‬بالمائة فقط عام ‪ .82‬ونفس‬
‫قيةِ د َُول أمريكا اللتينية وبقية دول العالم‬ ‫الظاهرة موجودة ٌ في ب َ ِ‬
‫ي لمدة أسبوع‬ ‫ع ّ‬‫صنا ِ‬ ‫فة اللبن ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫الثالث‪ ..‬والغريب حقا ً أن ك ُل َ‬
‫ْ‬
‫ست َهِْلك أكثر من ِنصف دخل العامل في أوْغ َْندا ون َْيجيريا وجامايكا‬ ‫تَ ْ‬
‫ف صغيرٍ في إندونسيا أو سيريلنكا‪ ،‬والكاسب‬ ‫موَظ ّ ٍ‬ ‫جر ُ‬ ‫أو ِنصف أ ْ‬
‫الوحيد هو الشركات الحتكارية الغربية التي تكسب في عام ٍ‬
‫صّنعة للطفال في دول‬ ‫م َ‬ ‫ذية ال ُ‬ ‫ي مليون دولر من ب َْيع الغ ْ ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫ال َ‬
‫العالم الثالث‪..‬‬
‫قْته الصحة العالمية‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫سم »قاتل الطفال« الذي أطل َ‬ ‫نا ْ‬ ‫قا ي َْبدو أ ّ‬ ‫وح ً‬
‫على هذه الشركات هو السم المناسب لها‪.‬‬
‫ضْعن‬ ‫ن ي ُْر ِ‬ ‫صقاِع الْرض المهات على أ ْ‬ ‫ث الطباء في كاّفة أ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫وي َ ُ‬
‫َ‬
‫كنة‪ ..‬وفي أغلب الحوال ل َتزيد هذه‬ ‫م ِ‬ ‫م ْ‬‫مد ّةٍ ُ‬‫ول ُ‬ ‫أولدهن لط ْ َ‬
‫دة التي يعيشها النسان‬ ‫شهُرٍ نتيجة للحياة الن ّك ِ َ‬ ‫سّتة أ ْ‬ ‫المدة عن ِ‬
‫ن‬‫م َ‬‫ق ْ‬ ‫في القرن العشرين‪ ..‬بل ل تزال كثيٌر من المهات ي ُل ْ ِ‬
‫مِهم أْثدائه ّ‬
‫ن‪..‬‬ ‫أْولدهن القارورة ب َد َل ً من إ ِْلقا ِ‬
‫ن رأيت الفروق الفيسيولوجية والتشريحية بين الرجل‬ ‫والن بعد أ ْ‬
‫ة في‬ ‫طرة ٌ ل ِْلبقاء في الب َْيت وخاص ً‬ ‫ض ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن المرأة ُ‬ ‫والمرأة وكيف أ ّ‬
‫مجال ً‬ ‫دع َ‬ ‫كد لك بما ل ي َ َ‬ ‫سي ََتأ ّ‬
‫فترة الحمل والولدة والّرضاعة َ‬
‫معْت ََرك الحياة وتْرك‬ ‫دعوة إلى خروج المرأة إلى ُ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫شك بأ ّ‬ ‫لل ّ‬
‫ما‬ ‫ة وبعيدة ٌ كل ّالب ُْعد ع ّ‬ ‫بيتها وأولدها وزوجها هي دعوة ٌ جاهِلي ٌ‬
‫طرة‬ ‫ف ْ‬ ‫قّرره علوم البيولوجيا والطب‪ ..‬وهي دعوة ٌ ُتصاِدم ال ِ‬ ‫تُ َ‬
‫ب‬
‫خيمة على الم والطفل وال ِ‬ ‫ة‪ ..‬وتكون نتائجها و ِ‬ ‫ة واضح ً‬ ‫دم ً‬ ‫مصا َ‬ ‫ُ‬
‫ره‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫س ِ‬ ‫والسرة بل والمجتمع ب ِأ ْ‬
‫) المرجع ‪ " :‬عمل المرأة في الميزان " للدكتور محمد علي البار‬
‫‪ ،‬ص ‪. (105-63‬‬
‫‪---‬‬
‫)‪ (578‬من كتاب علم الفيسيولوجيا للدكتورة فلور ستراند طبعة‬
‫‪.1978‬‬
‫‪.Physiology: A Regulatory Systems Approach by Fleur Strand 1978‬‬

‫‪534‬‬
‫)‪ (579‬انظر المزيد من التفصيل في فصل »المحيض« من كتاب‬
‫»دورة الرحام« للمؤلف‪.‬‬
‫)‪ (580‬هذا التعبير شائع ولعل الصواب نهج ويعني ذلك صعوبة‬
‫في التنفس‪.‬‬
‫)‪ (581‬نشرت صحيفة ‪ Arab News‬في عددها الصادر في ‪10‬‬
‫فبراير ‪ 1981‬تقريرا جديدا عن هيئة الصحة العالمية يهاجم فيه‬
‫أغذية الطفال المصنعة ويتهم الشركات الغربية التي تبيع في كل‬
‫عام بما قيمته ألفي مليون دولر من أغذية الطفال بأنها تساهم‬
‫في قتل الطفال في البلد النامية ‪ ..‬وذلك لن الغذية المصنعة‬
‫واللبان المجففة تمنع الم من الرضاعة‪ ..‬واستعمال القارورة‬
‫يؤدي إلى كثير من النزلت المعوية الخطيرة نتيجة عدم التعقيم‬
‫ولذا فإن تقرير الصحة العالمية يدعو الحكومات وخاصة في البلد‬
‫النامية إلى محاربة هذه الغذية المصنعة وتقول البحاث الطبية‬
‫الحديثة أن حوالي عشرة مليين طفل يلقون حتفهم نتيجة‬
‫استخدام القارورة في دول العالم الثالث سنويًا‪ ..‬وذلك نتيجة‬
‫الصابة بالنزلت المعوية وسواء التغذية التي تصاحب استخدام‬
‫القارورة ‪ .‬وفي تقرير لليونيسف نشرته جريدة المدينة في ‪10‬‬
‫ديسمبر ‪ 1983‬جاء فيه أن أطفال الزجاجات هم أكثر عرضة‬
‫لسوء التغذية بثلثة أضعاف الذين يرضعون من أمهاتهم وفي‬
‫ن نسبة الوفيات هي خمس‬ ‫مماثلة أ ّ‬ ‫ظهرت دراسات ُ‬ ‫مصر أ ْ‬
‫أضعاف ما هي عليه عند الطفال الذين َيرضعون الْثداَء‪ .‬ونفس‬
‫شيِلي والبرازيل والفيليبين‪.‬‬ ‫ت في الِهند وت ْ ِ‬ ‫جد َ ْ‬
‫النسبة وُ ِ‬
‫)‪ (582‬يحتوي اللبا بصورة خاصة على كميات من البروتيين‬
‫الواقي ضد الهجوم الميكروبي والذي تصنعه بأمر الله الخليا‬
‫مفاوية الموجودة أصل ً في أمعاء الم ‪ ..‬ثم ُتهاجر هذه الخليا‬ ‫الل ّ ْ‬
‫لبا‪ ،‬وأهم هذه البروتينات هو ‪IgA:‬‬ ‫فَرز مع ال ّ‬ ‫إلى الثدي ومن هناك ت ُ ْ‬
‫وهذا البروتين متخصص في الدفاع عن الجسم في المعاء‬
‫والجهاز التنفسي ‪ ..‬وهذان الجهازان هما اللذان يتعرضان للهجوم‬
‫ي في وفيات‬ ‫الميكروبي في الطفال ‪ ...‬بل وهما السبب الرئيس ّ‬
‫ة في دول العالم الثالث‪.‬‬ ‫الطفال وخاص ً‬
‫========================‬
‫الشبهة)‪ : (2‬قولهم بالمساواة ) التامة (بين الرجل‬
‫والمرأة‬
‫م بين‬ ‫وى فيها السل ُ‬ ‫س ّ‬
‫والجواب أن يقال ‪ :‬ما هي الموُر التي َ‬
‫ة؟ وما هي الموُر التي فَّرق فيها بينهما؟ ل شك أن‬ ‫الرجل والمرأ ِ‬
‫ل‬
‫م الفص ِ‬ ‫ن السؤالين ضرورِيّ حتى ل ُيؤِدي عد ُ‬ ‫ب عن ه َ‬
‫ذي ِ‬ ‫الجوا ِ‬
‫ن من‬ ‫عي ِ‬
‫ض ل َِنو َ‬‫ة‪ .‬وفيما يأتي عْر ٌ‬‫في هذهِ المسألةِ إلى ظلم ِ المرأ ِ‬

‫‪535‬‬
‫ت‬ ‫مغَْزى وراء التفريقا ِ‬ ‫ل في ت ِْبيان اِلحكمةِ وال ْ‬ ‫ن الدخو ِ‬ ‫الحكام ِ دو َ‬
‫ب التبريرِ والدفاِع عن‬ ‫ب أسلو ِ‬ ‫ج البحث في اجتنا ِ‬ ‫ما مع منه ِ‬ ‫اْنسجا ً‬
‫ه‪:‬‬ ‫أحكام ِ شرِع الل ِ‬
‫ققت فيها المساواة ُ بين الرجل والمرأة وهي‬ ‫أ‪ -‬الحكام التي َتح ّ‬
‫كثيرة ٌ منها‪:‬‬
‫ت‬ ‫ج وزكاةٍ مع اختلفا ٍ‬ ‫َ‬
‫ت من طهارةٍ وصلةٍ وصوم ٍ وح ٍ‬ ‫‪ -1‬العبادا ُ‬
‫ست‪ .‬أما‬ ‫ف َ‬ ‫ت أو ن َ‬ ‫ض ْ‬ ‫صوم ِ ُتفطر المرأة ُ ُوجوبا إذا حا َ‬ ‫في ال ّ‬ ‫يسيرة‪ .‬فَ َ‬
‫س‪،‬‬ ‫في الصلةِ فل اختلف بينها وبين الرجل إطلًقا إل في اللبا ِ‬
‫ن‬‫د‪ ،‬وكو ِ‬ ‫ل من صلِتها في المسج ِ‬ ‫ن صلِتها في بيِتها أفض ُ‬ ‫وفي كو ِ‬
‫ل‪،‬‬ ‫ف الرجا ِ‬ ‫صفو ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫خل ِ‬ ‫ف النساء في الجماعةِ آخَرها ب ِ ِ‬ ‫خيرِ صفو ِ‬
‫ل‪ ،‬وفي‬ ‫ح كالرجا ِ‬ ‫ق ل بالتسبي ِ‬ ‫في ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫سَها بالت ّ ْ‬ ‫م إذا َ‬ ‫وفي ت َْنبيهَِها الما َ‬
‫ة‬
‫رها بالقراءةِ في الصل ِ‬ ‫جه ْ ِ‬ ‫عدم جوازِ إمامِتها للرجال‪ ،‬وفي َ‬
‫قد ْرٍ يؤمن معه‬ ‫ب فَت َْرفعُ صوَتها ب ِ َ‬ ‫ل الجان ِ‬ ‫م الرجا ِ‬ ‫الجهرية أما َ‬
‫ة‪.‬‬ ‫الفتن ُ‬
‫ذنيَها‬ ‫ُ‬
‫حذاء أ ُ‬ ‫ض الفقهاء من أنها ل ت َْرفَعُ يد َْيها ِ‬ ‫أما ما ذهب إليه بع ُ‬
‫ة‪ .‬وذهب آخرون‬ ‫ل والمرأ ِ‬ ‫سنة للرج ِ‬ ‫ذه هي ال ّ‬ ‫من ْك َب َْيها فه ِ‬ ‫بل حذاَء ِ‬
‫صح في هذا‬ ‫عها وسجوِدها؛ ول ي َ ِ‬ ‫خد َي َْها في ُركو ِ‬ ‫م فَ ْ‬ ‫ض ّ‬ ‫إلى أنها ت َ ُ‬
‫ل بأنها ل تفرج أصاب َِعها في الركوِع‪ ،‬وبأنها تضع‬ ‫ل‪ ،‬وكذلك القو ُ‬ ‫دلي ٌ‬
‫مْيها أو أنها تضع يد َي َْها في التشهدِ‬ ‫شماِلها تحت قد َ َ‬ ‫يميَنها على ِ‬
‫َ‬
‫ل بأنها‬ ‫كبتيها‪ .‬أما القو ُ‬ ‫صابعها ُر ْ‬ ‫سأ َ‬ ‫على فخديها حتى تب ْل ُغَ ُرؤو ُ‬
‫ة‬
‫سن ُ‬ ‫صد َ التشهد َ الخيَر فال ّ‬ ‫ن قَ َ‬ ‫سها للتشهد ِ فإ ْ‬ ‫جُلو ِ‬ ‫ل ُ‬ ‫تتورك في حا ِ‬
‫متوركا بالنسبةِ للرجل والمرأة على السواء‪ ،‬وكذلك‬ ‫س ُ‬ ‫فيهِ الجلو ُ‬
‫د‪.‬‬
‫ة الصلة في المسج ِ‬ ‫ل يصح القول إنه ي ُك َْره ُ حضوُرها جماع َ‬
‫ي كاَنك تراها‬ ‫ة صلةِ النب ّ‬ ‫خ اللباني في نهايةِ كتابه »صف ُ‬ ‫قال الشي ُ‬
‫ه‬
‫ل ما تقدم من صفةِ صلت ِ‬ ‫م« ما نصه‪ :‬ك ُ‬ ‫من التكبيرِ إلى التسلي ِ‬
‫ل والنساُء‪ ،‬ولم ي َرِد ْ في‬ ‫صلى الله عليه وسلم يستوي فيه الرجا ُ‬
‫م قوِله صلى‬ ‫ض ذلك‪ ،‬بل إن عمو َ‬ ‫من َبع ِ‬ ‫ضي استثناًء ِ‬ ‫قت َ ِ‬ ‫سنةِ ما ي َ ْ‬ ‫ال ّ‬
‫صّلي« يشملهن‪ ،‬وهو قول‬ ‫ُ‬
‫وني أ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ما َرأي ْت ُ ُ‬ ‫صّلوا ك َ َ‬ ‫الله عليه وسلم » َ‬
‫ل المرأة ُ في َالصلةِ كما يفعل‬ ‫ي قال‪ »:‬تفعَ ُ‬ ‫خعِ ّ‬ ‫إبراهيم الن ّ َ‬
‫داَء »أنها‬ ‫م الد ّْر َ‬ ‫ح عن أ ّ‬ ‫ل«)‪ ،(583‬وروى البخاري بسن َد ٍ صحي ٍ‬ ‫الرج ُ‬
‫ة )‪ (584‬أما‬ ‫قيهَ ً‬ ‫ل وكانت ف ِ‬ ‫ة الرج ِ‬ ‫جْلس َ‬ ‫س في صلِتها ِ‬ ‫كانت تجل ِ ُ‬
‫ث انضمام ِ المرأة في السجود وأنها ليست في ذلك كالرجل‪،‬‬ ‫حدي ُ‬
‫ح‪ .‬رواه أبو داود في »المراسيل« عن يزيد ِ بن‬ ‫ص ّ‬ ‫ل ول ي َ ِ‬ ‫س ٌ‬ ‫مْر َ‬‫فهو ُ‬
‫ن عمَر أنه كان يأمُر‬ ‫ب‪ .‬وأما ما رواه المام أحمد عن اب ِ‬ ‫أبي حبي ٍ‬
‫ح إسناد ُه ُ لن فيه عبد الله بن‬ ‫ِنساَءه ُ ي َت ََرب ّْعن في الصلة فل يص ّ‬
‫عمر العمري وهو ضعيف« )‪. (585‬‬

‫‪536‬‬
‫ة‬
‫ل إل في أمورٍ معدود ٍ‬ ‫ف عن الرج ِ‬ ‫ج فإن المرأة َ ل تختل ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫وفي ال َ‬
‫صر ول‬ ‫ق ّ‬ ‫سها المشروِع‪ ،‬وأنها ت ُ َ‬ ‫من لبا ِ‬ ‫قليلةٍ هي‪ :‬أّنها ل ت َن ْزِع ُ شيئا ً ِ‬
‫ق‪ ،‬إّنما‬ ‫حل ْ ٌ‬ ‫س على النساِء َ‬ ‫حِلق لقوِله صلى الله عليه وسلم‪» :‬ل َي ْ َ‬ ‫تَ ْ‬
‫شعَْرها َفتقص منه قَ ْ‬
‫در‬ ‫معُ َ‬ ‫ج َ‬ ‫على النساء التقصيُر« )‪ ، (586‬فَت َ ْ‬
‫وداع إذا‬ ‫مَلة‪ ،‬وأنها إن حاضت فل تنتظر ل ِت َ ُ‬ ‫ُ‬
‫ف ال َ‬ ‫ف طوا َ‬ ‫طو َ‬ ‫الن ْ ُ‬
‫ت‬‫ل البي ِ‬ ‫ف النساِء حو َ‬ ‫ة‪ .‬وطوا ُ‬ ‫ف الَفاض ِ‬ ‫طوا َ‬‫ت َ‬ ‫كانت قد طاف ْ‬
‫حو َ‬
‫ل‬ ‫ن َ‬ ‫ل عليهِ ّ‬ ‫م َ‬
‫ي‪ ،‬فل َر َ‬ ‫ش ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ن بين الصفا والمروةِ ك ُل ُ‬ ‫سعْي ُهُ ّ‬ ‫و َ‬
‫طباع ٌ )‪. (587‬‬ ‫ض ّ‬ ‫ت ول بين الصفا والمروة وليس عليهن ا ْ‬ ‫البي ِ‬
‫جهًْرا فَُيجاب عنه أن عائشة رضي الله‬ ‫ل بأنها ل ت ُل َّبي َ‬ ‫أما القو ُ‬
‫ة‪:‬‬ ‫ل‪ ،‬قال أبو عطي َ‬ ‫مَعها الرجا ُ‬ ‫عنها كانت ترفع صوَتها حتى يس َ‬
‫م كيف كانت ت َل ِْبي ُ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ل الل ِ‬ ‫ة رسو ِ‬ ‫ت عائشة تقول‪ :‬إني لع ْل َ ُ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ُ ،‬ثم سمعها ُتلّبي ب َعْد َ ذلك )‪ .(588‬وعلى‬
‫فت َْنة‪.‬‬ ‫ش ال ِ‬ ‫خ َ‬ ‫هذا فإن المرأة ت َُلبي وترفعُ صوَتها ما لم ت َ ْ‬
‫ة ل عند‬ ‫ف في ع ََرفَ َ‬ ‫موقِ ِ‬ ‫ف في حاشيةِ ال َ‬ ‫ق ُ‬‫ل بأنها ت ِ‬ ‫وأما القو ُ‬
‫ل يكون راكبًا‪ ،‬فهذا مما ل‬ ‫قعُد ُ في حين أن الرج َ‬ ‫ت وت ْ‬ ‫خرا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫َال ّ‬
‫ل‪.‬‬‫ف له دلي ً‬ ‫أعرِ ُ‬
‫ف لنه‬ ‫ل عدا الطوا َ‬ ‫فعُله الرج َ‬ ‫ل ما ي ْ‬ ‫حج تفعل ك ّ‬ ‫ض في ال َ‬ ‫والحائ ِ ُ‬
‫ت‪»:‬افْعَِلي ما‬ ‫ض ْ‬ ‫ة لما حا َ‬ ‫صلة ٌ قال صلى الله عليه وسلم لعائش َ‬
‫ري« )‪. (589‬‬ ‫ت حتى ت َط ْهُ ِ‬ ‫طوفي بالبي ِ‬ ‫ج‪ ،‬غ َي َْر أل ت َ ُ‬ ‫ل الحا ُ‬ ‫يفعَ ُ‬
‫‪ -2‬المعاملت‪ :‬ل تشترط الذكورة في عقود البيع والتجارة‬
‫والقرض والهبة والوقف والحوالة والضمان والقراض والشركة‬
‫والجارة والجعالة والمساقاة والمزارعة والرهن والشفعة وغيرها‬
‫من العقود‪ ،‬ولذا فإن الرجل والمرأة في النشطة المالية‬
‫والقتصادية المختلفة سواء‪.‬‬
‫‪ -3‬الحدود والقصاص‪ :‬تستوي المرأة والرجل في كل ما يتعلق‬
‫جم بلباسها‬ ‫جم الزانية فإنها ت ُْر َ‬ ‫بالحدود والقصاص إل فيما يخص ر ْ‬
‫ما وهذا اجتهاد ٌ فقهي وليس‬ ‫ة والرجل قائ ً‬ ‫الشرعي‪ ،‬وُتجلد جالس ً‬
‫ة‬
‫ما َيعتمد على نص‪ ،‬فما ُرِوي من أنه »ُتضَرب المرأة جالس ً‬ ‫حك ً‬
‫ما« ل يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم )‪.(590‬‬ ‫والرجل قائ ً‬
‫صن‪ ،‬ول‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬‫فى الزاني غير ال ُ‬ ‫صنة وي ُن ْ َ‬ ‫ح َ‬
‫م ْ‬ ‫فى الزانية غير ال ُ‬ ‫ول ت ُن ْ َ‬
‫تدخل مع العاقلة فل شئ عليها من الدية‪ .‬ول يصح القول‪ :‬إن‬
‫ل المرأة ُ إذا‬ ‫قت َ ُ‬‫دا على حديث »ل ت ُ ْ‬ ‫دت ل تقتل اعتما ً‬ ‫المرأة إذا ارت ّ ّ‬
‫ارتدت« قال الداَرقطني‪ :‬ل يصح هذا الحديث عن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم )‪. (591‬‬
‫حكى بعض أهل‬ ‫دية‪ ،‬وقد َ‬ ‫ول تستوى المرأة مع الرجل في ال ّ‬
‫الجماع على أن دية المرأة على النصف من دية الرجل منهم ابن‬
‫مْرِوي عن عمر‬ ‫المنذر وابن عبد البر وابن حزم وغيرهم وهو َ‬

‫‪537‬‬
‫وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت وغيرهم رضي الله عنهم ولم‬
‫قل عن أحد خلُفه ممن ي ُعَْتد به سوى الصم وابن ع ُل َّية من‬ ‫ي ُن ْ َ‬
‫كتب‬ ‫المعتزلة حكاه عنهما الشوكاني في الّنيل نقل ً عن البحر من ُ‬
‫الزيدية ومثل هذين ل ي ُعَْتد بخلفهما« )‪.(592‬‬
‫‪ -4‬الصيد والذبائح واليمان والنذور فالرجل والمرأة فيها سواء‪.‬‬
‫‪ -5‬الفتاء‪ :‬فللمرأة العالمة بالحكام الشرعية المتمكنة من‬
‫فِتي النساء والرجال على حد سواء ضمن‬ ‫الفتاء الشرعي أن ت ُ ْ‬
‫حدود الشريعة‪.‬‬
‫ب‪ -‬الحكام والمسائل التي ثبت فيها التفريق بين الرجل‬
‫والمرأة‪:‬‬
‫َ‬
‫مث ْ ُ‬
‫ل‬ ‫م ِللذ ّك َرِ ِ‬ ‫ه ِفي أوْل َد ِك ُ ْ‬ ‫م الل ُ‬ ‫صيك ُ ُ‬ ‫‪ -1‬الميراث‪ :‬قال تعالى‪ُ} :‬يو ِ‬
‫َ‬ ‫َ ّ ُ‬
‫جك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ك أْزَوا ُ‬ ‫ما ت ََر َ‬ ‫ف َ‬ ‫ص ُ‬ ‫م نِ ْ‬ ‫ن{)‪ ،(593‬وقال تعالى }وَل َك ُ ْ‬ ‫حظ النث َي َي ْ ِ‬
‫من‬ ‫ن ِ‬ ‫ما ت ََرك ْ َ‬ ‫م ّ‬‫م الّرب ُعُ ِ‬ ‫ن وَل َد ٌ فَل َك ُ ُ‬ ‫ن ل َهُ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ن وَل َد ٌ فَِإن َ‬ ‫كن ل ّهُ ّ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ِإن ل ّ ْ‬
‫َ‬
‫كن‬ ‫م يَ ُ‬ ‫م ِإن ل ّ ْ‬ ‫ما ت ََرك ْت ُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ن الّرب ُعُ ِ‬ ‫ن وَل َهُ ّ‬ ‫ن ب َِها أوْ د َي ْ ٍ‬ ‫صي َ‬ ‫صي ّةٍ ُيو ِ‬ ‫ب َعْد ِ وَ ِ‬
‫ما ت ََرك ُْتم{ )‪.(594‬‬ ‫م ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن الث ّ ُ‬ ‫م وَل َد ٌ فَل َهُ ّ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫م وَل َد ٌ فَِإن َ‬ ‫ل ّك ُ ْ‬
‫‪ -2‬الشهادة وفيها تفصيل كما يأتي‪:‬‬
‫شْرب‬ ‫ة كحد ال ّ‬ ‫قَبل شهادة النساء في القصاص والحدود كاف ً‬ ‫أ‪ -‬ل ت ُ ْ‬
‫وقطع الطريق والقتل بالّردة وكذلك التعزير فل بد في كل هذه‬
‫قَبل فيها‬ ‫من شهادة رجلين إل الزنا واللواط وإتيان البهائم فل ي ُ ْ‬
‫ت ثُ ّ‬
‫م‬ ‫صَنا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ي َْر ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل لقوله تعالى‪َ } :‬وال ّ ِ‬ ‫أربعة رجا ٍ‬ ‫ل من‬ ‫أق ّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫داَء {)‪.(595‬‬ ‫شه َ َ‬ ‫م ي َأُتوا ب ِأْرب َعَةِ ُ‬ ‫لَ ْ‬
‫خْلع‬‫جعة وال ُ‬ ‫ب‪ -‬ما ي َط ِّلع عليه الرجال عادة كالّنسب والطلق والّر ْ‬
‫والولدة والنكاح والوصية والتوكيل في المال فلبد فيها من‬
‫حه‬ ‫ج َ‬ ‫قبل فيه شهادة النساء ور ّ‬ ‫شهادة رجلين‪ ،‬وقال أبو حنيفة ت ُ ْ‬
‫َ‬
‫م {)‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫ل ّ‬ ‫دوا ذ َوَيْ ع َد ْ ٍ‬ ‫شه ِ ُ‬ ‫ابن قيم الجوزية‪ .‬قال تعالى‪ } :‬وَأ ْ‬
‫‪.(596‬‬
‫قْرض والجارة والرهن والوديعة‬ ‫ج‪ -‬المعاملت المالية كالبيع وال َ‬
‫قا مالًيا‬ ‫صب والوْقف‪ ،‬وكذلك قتل الخطأ لن ح ً‬ ‫والقرار والغَ ْ‬
‫يترتب عليه‪ ،‬فيكفي في هذا كله رجلن أو رجل وامرأتان لقوله‬
‫ن‬ ‫كوَنا َر ُ َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫م فَِإن ل ّ ْ‬ ‫جال ِك ُ ْ‬ ‫دوا َ‬ ‫ست َ ْ‬
‫جلي ْ ِ‬ ‫من ّر َ‬ ‫ن ِ‬ ‫شِهيد َي ْ ِ‬ ‫شه ِ ُ‬ ‫تعالى‪َ } :‬وا ْ‬
‫ل وا َ‬
‫داِء{ )‪. (597‬‬ ‫شه َ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ضو ْ َ‬ ‫من ت َْر َ‬ ‫م ّ‬‫ن ِ‬ ‫مَرأَتا ِ‬ ‫ج ٌ َ ْ‬ ‫فََر ُ‬
‫د‪ -‬ما ل يط ّل ِعُ عليه الرجال عادة ً وت َغِْلب على النساء معرفته‬
‫قبل فيه شهادة امرأتين كعُُيوب النساء تحت‬ ‫والطلع عليه فت ُ ْ‬
‫حل الجماع‬ ‫م َ‬ ‫ثيابهن والولدة والَبكارة والثيوبة والقْرن )انسداد َ‬
‫ظم( والرتق )انسداد محل الجماع بلحم( والب ََرص‪ .‬ول يصح ما‬ ‫ب ِعَ ْ‬
‫ذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة‬ ‫ح َ‬‫ُرِوي عن ُ‬
‫القابلة وحدها« )‪. (598‬‬

‫‪538‬‬
‫هـ‪ -‬الرضاعة‪ :‬وتقبل فيها شهادة امرأة واحدة عدل لقوله صلى‬
‫الله عليه وسلم الذي أخرجه البخاري من حديث عقبة بن الحارث‬
‫كما« وَترجم له‬ ‫ضعَت ْ ُ‬ ‫ت أنها قد أْر َ‬ ‫م ْ‬ ‫ف وََقد َزع َ َ‬ ‫رضي الله عنه »ك َي ْ َ‬
‫ضعة« )‪. (599‬‬ ‫مْر ِ‬ ‫البخاري بقوله‪» :‬باب شهادة ال ُ‬
‫ل أو‬ ‫و‪ -‬رؤية هلل رمضان وُتقبل فيه شهادة رجل مسلم واحد ٍ عد ٍ‬
‫شهادة مسلمةٍ واحدةٍ على السواء‪.‬‬
‫ذبح من النعام عند الولدة إذ ي َُعق عن‬ ‫‪ -3‬العقيقة‪ :‬وهي ما ي ُ ْ‬
‫ن‬‫الذكر شاتان وعن النثى شاة‪ .‬قال صلى الله عليه وسلم »ع َ ِ‬
‫ن وعن الجارية شاة« )‪.(600‬‬ ‫كاِفئتا ِ‬ ‫م َ‬ ‫الُغلم ِ شاتان ُ‬
‫‪ -4‬الجهاد بالنفس فل يجب على المرأة‪ ،‬وإنما ُتجاهد ِبمالها‬
‫وكذلك بالحج »فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت‪ :‬يا رسول‬
‫د؟ قال‪ :‬نعم عليهن جهاد ٌ ل قتال فيه‪:‬‬ ‫الله هل على النساء جها ٌ‬
‫حج والُعمرة« )‪. (601‬‬ ‫ال َ‬
‫قبور ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث‬ ‫‪ -5‬زيارة ال ُ‬
‫الصحيح ‪ " :‬لعن الله زائرات القبور " ‪ .‬ولكن لو مرت بقبر أو‬
‫بسور المقبرة فل حرج أن تقف وُتسلم على الموتى ‪.‬‬
‫‪ -6‬العورة‪ :‬ففي حين أن عورة الرجل من السرة إلى الركبة فإن‬
‫ة في‬ ‫رق ٌ‬ ‫ف ِ‬‫المرأة كلها عورة في النظر‪ .‬وينشأ عن هذا الفرق ت َ ْ‬
‫ستر جسدها كله‪ .‬وفي حين أن‬ ‫اللباس‪ .‬ذلك أن المرأة مأمورة ٌ ب َ‬
‫الرجل مأموٌر بأل يتجاوز ثوبه كعبيه والفضل أن يكون لمنتصف‬
‫ة في جر الزار لنه يكون أستر لهن قال‬ ‫ساقيه فإن للمرأة رخص ً‬
‫م‬
‫ه إليه يو َ‬ ‫م ي َن ْظ ُرِ الل ُ‬ ‫خَيلء‪ ،‬ل َ ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫جّر ث َوْب َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪َ »:‬‬
‫ن؟ قال‪:‬‬ ‫ة‪ :‬فَك َي ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫قيامةِ فَ َ‬
‫صن َعُ النساُء ب ِذ ُِيول ِهِ ّ‬ ‫ف يَ ْ‬ ‫سلم َ‬ ‫م َ‬ ‫تأ ّ‬ ‫قال ْ‬ ‫ال ِ‬
‫عا‬
‫ه ِذرا ً‬ ‫ن‪ ،‬قال‪ :‬فَي ُْر ِ‬
‫خي ْن َ ُ‬ ‫مه ّ‬ ‫ف أْقدا ُ‬ ‫ش ُ‬ ‫ن ت َن ْك َ ِ‬ ‫شب ًْرا‪ ،‬فقالت‪ :‬إ ِذ َ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫خي َ‬ ‫ي ُْر ِ‬
‫ن ع ََليه« )‪. (602‬‬ ‫ل ي َزِد ْ َ‬
‫‪َ -7‬بول الصبي والصبية‪ :‬ذلك أن بول الصبي الذي لم ُيجاِوز‬
‫ضح‪ .‬أما بول الصبية فلبد فيه من الَغسل‪ ،‬قال‬ ‫سن ََتين يكفيه الن ّ ْ‬
‫سل« )‬ ‫ضح‪ ،‬وبول الجارية ي ُغْ َ‬ ‫صلى الله عليه وسلم »بول الُغلم ي ُن ْ َ‬
‫‪.(603‬‬
‫معت َب ًَراع ُْرًفا إل‬ ‫‪ -8‬السفر ‪ :‬فل يجوز للمرأة أن تسافر سفًرا ُ‬
‫حَرم حتى لو كان السفر للحج‪ .‬وما ذهبت إليه‬ ‫م ْ‬ ‫صحَبة َزوج أو َ‬ ‫بِ ُ‬
‫قة النساء فل يصح‪ ،‬وذلك‬ ‫بعض المذاهب من جواز سفرها في رِفْ َ‬
‫ضت ِهِ للحاديث الصحيحة ومنها قوله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫لمعار َ‬
‫مَعها‬ ‫ل إل و َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ل عليها َر َ‬ ‫خ ُ‬
‫حَرم ول ي َد ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫»ل ُتسافر امرأة ٌ إل مع ِذي َ‬
‫حَرم« )‪. (604‬‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫‪ -9‬ومما تفترق به المرأة عن الرجل اختصاص الم بقد ْرٍ زائد ٍ من‬
‫ج ٌ‬
‫ل‬ ‫هريرة رضي الله عنه قال‪»:‬جاء َر َ‬ ‫ب‪ .‬فعن أبي ُ‬ ‫الب ِّر عن ال ِ‬

‫‪539‬‬
‫س‬ ‫إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬م َ‬
‫حقّ النا ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ُ ِ‬
‫من؟ قال‪ :‬أمك‪ .‬قال ثم‬ ‫مك‪ .‬قال‪ُ :‬ثم َ‬ ‫ْ‬ ‫صحاَبتي؟ قال أ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫س ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫بِ ُ‬
‫مِغيرة‬ ‫من؟ قال‪ :‬أمك‪ .‬قال ثم من؟ قال‪ :‬أبوك« )‪ . (605‬وعن ال ُ‬
‫شْعبة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫بن ُ‬
‫عقوقَ المهات ووأد َ البنات« )‪(606‬‬ ‫ْ‬ ‫كم ُ‬ ‫م علي ُ‬ ‫حّر َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫قال‪» :‬إ ّ‬
‫ما بأن عقوق الوالدين‬ ‫عل ً‬ ‫ث بالذكر عقوق المهات ِ‬ ‫خص الحدي ُ‬ ‫فَ َ‬
‫م‪.‬‬
‫حّر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫كليهما ُ‬
‫سط‬ ‫‪ -10‬ومما تفترق فيه النساء عن الرجال أنه ليس لهن و َ‬
‫الطريق‪ ،‬وأنه ينبغي عليهن اجتناب الرجال في الط ُّرقات قال‬
‫ط الطريق« )‪. (607‬‬ ‫س ُ‬ ‫س للنساِء وَ َ‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪» :‬ل َي ْ َ‬
‫‪ -11‬اختصاص البنات بقد ْرٍ زائد ٍ في التربية عن النباء‪ .‬قال صلى‬
‫ن‬ ‫صَبر عَليهن‪ ،‬وأ َط ْعَ ََُ‬ ‫ت‪ ،‬فَ َ‬
‫م ّ‬ ‫ّ‬ ‫ث بنا ٍ‬ ‫الله عليه وسلم‪» :‬من كان له ثل ُ‬
‫ة«‬ ‫قيام ِ‬ ‫م ال ِ‬ ‫ن النارِ َيو َ‬ ‫م َ‬ ‫حجاًبا ِ‬ ‫ن له ِ‬ ‫جد َِته‪ ،‬ك ُ ّ‬ ‫ن من ِ‬ ‫ن وكساهُ ّ‬ ‫وسقاهُ ّ‬
‫ت‬
‫من هذ ِهِ البنا ِ‬ ‫ي ِ‬ ‫ن اب ْت ُل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫)‪ ، (608‬وقال صلى الله عليه وسلم » َ‬
‫من النار« )‪. (609‬‬ ‫َ‬
‫ست ًْرا ِ‬ ‫ن‪ ،‬كن له ِ‬ ‫ن إليهِ ّ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫ئ‪ ،‬فأ ْ‬ ‫بش ٍ‬
‫‪ -12‬تقديم النساء على الرجال في الحضانة‪ ،‬ذلك أنه في حالة‬
‫ض فإن الم أحق بحضانة الولد من الب‬ ‫افتراق الزوجين عن بع ٍ‬
‫ما لم تتزوج‪ ،‬فعن عمرو بن العاص أن امرأة ً قالت‪» :‬يا رسو َ‬
‫ل‬
‫حواًء‪ ،‬وث َد ِْيي له‬ ‫جري له ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن اب ِْني هذا كان بط ِْني له ِوعاًء و ِ‬ ‫اللهِ إ ّ‬
‫ل الله صلى الله‬ ‫مّني‪ ،‬فقال رسو ُ‬ ‫عه ِ‬ ‫عم أبوه أن ين ْزِ َ‬ ‫سقاًء‪ ،‬وَز َ‬ ‫ِ‬
‫كحي« )‪. (610‬‬ ‫ت أحقّ ب ِهِ ما لم ت ُن ْ َ‬ ‫عليه وسلم‪ :‬أن ِ‬
‫ه رسول الله‬ ‫حّرم ُ‬ ‫‪ -13‬الغتسال في الحمامات العامة ‪ :‬فقد َ‬
‫ه من الفقهاء‬ ‫ح ُ‬ ‫صلى الله عليه وسلم على النساء‪ .‬ومن أبا َ‬
‫ث غير صحيح‪.‬‬ ‫فساء والمريضة فقد استدل على ذلك بحدي ٍ‬ ‫للن ّ َ‬
‫والصواب أن دخول المسلمة الحمام العمومي ل يصح‪ .‬ولو بمئزٍر‬
‫ن‬‫م ُ‬ ‫من كان ي ُؤ ْ ِ‬ ‫لما ثبت في الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم‪َ » :‬‬
‫من كان يؤمن‬ ‫م بغيرِ إزاٍر‪ ،‬و َ‬ ‫ما َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل ال َ‬ ‫خ ِ‬ ‫خرِ فل يد ْ ُ‬ ‫بالله واليوم ِ ال ِ‬
‫ه الحمام‪ ،‬ومن كان يؤمن بالله‬ ‫حِليل َت َ ُ‬‫ل َ‬ ‫خ ْ‬ ‫خرِ فل ي ُد ْ ِ‬ ‫بالله واليوم ال ِ‬
‫مُر«)‪.(611‬‬ ‫خ ْ‬ ‫س على مائدةٍ ُيداُر عليها ال َ‬ ‫جل ْ‬ ‫واليوم الخر فل ي َ ْ‬
‫‪ -14‬الملعنة ‪ :‬فهي خاصة بالرجل دون المرأة‪ .‬فللرجل أن‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ت على زوجته بالزنا‪ .‬قال تعالي‪َ }:‬وال ّ ِ‬ ‫شَهد أربع شهادا ٍ‬ ‫يَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫حد ِه ِ ْ‬ ‫شَهاد َة ُ أ َ‬ ‫م فَ َ‬ ‫سه ُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫داُء إ ِل ّ أن ْ ُ‬ ‫شه َ َ‬ ‫م ُ‬ ‫كن ل ّهُ ْ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫م وَل َ ْ‬ ‫جه ُ ْ‬ ‫ن أْزَوا َ‬ ‫مو َ‬ ‫ي َْر ُ‬
‫ن{ )‪. (612‬‬ ‫صاد ِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه لَ ِ‬ ‫ت ِباللهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫دا ٍ‬ ‫شَها َ‬ ‫أ َْرب َعُ َ‬
‫ص بخصوص قذف المرأة لزوجها بالزنا فيظل‬ ‫وبما أنه لم ي َرِد ْ ن َ ّ‬
‫مل به ِنصاب‬ ‫الحكم كما هو أي أنه ي ُط َْلب منها إحضار ما ي َك ْ ُ‬
‫جِلدت حد القذف‪.‬‬ ‫الشهادة وإل ُ‬

‫‪540‬‬
‫خرى‪ ،‬ول‬ ‫ولية في الزواج ‪ :‬فليس للمرأة أن ُتزّوج امرأة ً أ ُ ْ‬ ‫‪ -15‬ال ِ‬
‫سها قال صلى الله عليه وسلم‪»:‬ل ت ُزِّوج المرأةُ‬ ‫ف َ‬ ‫أن ت َُزّوج ن َ ْ‬
‫فسضها« )‪. (613‬‬ ‫ة‪ ،‬ول ت َُزّوج المرأة ُ ن َ ْ‬ ‫المرأ َ‬
‫عا‬ ‫َ‬
‫‪ -16‬وجوب استئذان الزوجة زوجها إن أرادت أن تصوم ت َطوّ ً‬
‫في حين ل يجب عليه أن يستأذنها إن أراد أن يفعل ذلك‪.‬‬
‫‪ -17‬التعدد في الزواج ‪ :‬فقد أباح الشرع السلمي للرجل أن‬
‫يتزوج أربعا ً دون أن يبيح للمرأة أن تتزوج بأكثر من رجل‪ .‬ول‬
‫ح ل يحتاج‬ ‫دا التساؤل عن الحكمة في ذلك؛ لنه أمٌر واض ٌ‬ ‫يصح أب ً‬
‫لجواب‪ ،‬فاختلط النساب أمٌر وارد ٌ في ت َعَد ّد ِ الزواج دون تعدد‬
‫ن أشد‬ ‫جنا ِ‬ ‫سته ِ‬ ‫ذوق البشرِّيين ي َ ْ‬ ‫فطرة وال ّ‬ ‫الزوجات‪.‬كما أن ال ِ‬
‫قبلن تعدد الزوجات‪.‬‬ ‫الستهجان تعدد الزواج بينما ي َ ْ‬
‫‪ -18‬ولية أمور المسلمين ويشمل المنع من السياسة والقضاء‬
‫ة« )‬ ‫مرأ ً‬ ‫ما ْ‬ ‫مَرهُ ُ‬ ‫م وَّلوا أ ْ‬ ‫ح قَوْ ٌ‬ ‫فل ِ َ‬
‫ن يُ ْ‬‫قال صلى الله عليه وسلم »ل َ ْ‬
‫‪. (614‬‬
‫حُرم عليها ذلك بخلف الرجل‪ ،‬قال‬ ‫طر خارج المنزل فَي َ ْ‬ ‫‪ -19‬التع ّ‬
‫مّرت‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪» :‬أّيا امرأةٍ است َعْط ََرت ثم خرجت‪ ،‬فَ َ‬
‫ن زانية« )‪. (615‬‬ ‫عي ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫ة‪ ،‬وك ّ‬ ‫حها فهي زاني ٌ‬ ‫جدوا رِي ْ َ‬ ‫على َقوم ٍ ِلي ِ‬
‫‪ -20‬إباحة الذهب والحرير‪ ،‬فهو أمٌر خاص بالنساء دون الرجال‪.‬‬
‫ب على‬ ‫س الحريرِ والذ ّهَ ِ‬ ‫م ِلبا ُ‬ ‫حّر َ‬ ‫قال صلى الله عليه وسلم‪ُ » :‬‬
‫لناث ِِهم« )‪. (616‬‬ ‫ل ِ‬ ‫مِتي وأ ُ ِ‬
‫ح ّ‬ ‫ُ‬
‫كورِ أ ّ‬ ‫ذُ ُ‬
‫رع‬ ‫ش ِ‬ ‫شَرع للرجل على زوجته المتوفاة‪ ،‬و ُ‬ ‫‪ -21‬الحداد ‪ ،‬فلم ي ُ ْ‬
‫ح ّ‬
‫ل‬ ‫للمرأة على زوجها المتوّفى‪ .‬قال صلى الله عليه وسلم‪»:‬ل ي َ ِ‬
‫ث َليا ٍ‬
‫ل‪،‬‬ ‫ت َفوقَ ثل ِ‬ ‫مي ٍ‬ ‫حد ّ على َ‬ ‫خرِ أن ت َ ِ‬ ‫ن بالله واليوم ال ِ‬ ‫م ُ‬ ‫لمرأةٍ ت ُؤ ْ ِ‬
‫إل الزوج‪ ،‬فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا« )‪. (617‬‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫متوّفى عنها زوجها والمطلقة قال تعالى‪َ} :‬وال ّ ِ‬ ‫‪ -22‬العدة لل ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ر‬
‫ش َهُ ٍ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫ن أْرب َعَ َ‬ ‫سهِ ّ‬‫ف ِ‬ ‫ن ب ِأن ْ ُ‬ ‫ص َ‬ ‫جا ي َت ََرب ّ ْ‬ ‫ن أْزَوا ً‬ ‫م وَي َذ َُرو َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫ن ِ‬ ‫ي ُت َوَفّوْ َ‬
‫ن‬
‫سه ِ ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن ب ِأن ْ ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ت ي َت ََرب ّ ْ‬ ‫قا ُ‬‫مط َل ّ َ‬ ‫شًرا{ )‪ ، (618‬وقال تعالى‪َ } :‬وال ْ ُ‬ ‫وَع َ ْ‬
‫مَنع من‬ ‫عدة ٌ لكنه ي ُ‬ ‫ة قُُروٍء{ )‪ . (619‬وليس على الرجل ِ‬ ‫ث َل َث َ َ‬
‫الزواج حتى تنتهي عدة زوجته الرابعة )‪. (620‬‬
‫‪ -23‬اتباع الجنائز‪ ،‬لنهي النبي صلى الله عليه وسلم النساء عن‬
‫ه‪ .‬فقد صح عن أم عطية رضي الله‬ ‫ي تنزي ٍ‬ ‫اتباع الجنائز وهو نه ُ‬
‫م علينا«)‬ ‫عنها قولها‪» :‬نهانا رسول الله عن اتباِع الجنائز‪ ،‬ولم ي َعْزِ ْ‬
‫ب‪.‬‬ ‫ح ٌ‬ ‫مست َ َ‬ ‫‪ . (621‬أما الرجال فإن اتباع الجنائز في حقهم ُ‬
‫‪ -24‬إنزال الميت في القبر‪ :‬فهو خاص بالرجال ي َت َوَل ّوَْنه‪ ،‬ولو كان‬
‫الميت أنثى وذلك لما يأتي‪:‬‬
‫أ – أنه المعهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وجرى عليه‬
‫عمل المسلمين حتى اليوم‪.‬‬

‫‪541‬‬
‫ب– أن الرجال أقوى على ذلك‪.‬‬
‫ن‬
‫ف شئ من أبدان ِهِ ّ‬ ‫ضى ذلك إلى اْنكشا ِ‬ ‫ج‪ -‬لو ت َوَل ّْته النساء لفْ َ‬
‫أمام الرجال )‪. (622‬‬
‫ة بالقتال‪ ،‬لكن‬ ‫م َ‬
‫كلف ٌ‬ ‫‪ -25‬اقتسام غنائم الحرب‪ :‬فالمرأة ليست ُ‬
‫ضخ لها إن قاتلت؛‬ ‫َ‬
‫إذا أِذن لها المام واشتركت في المعركة ُير َ‬
‫طي‬ ‫بمعني أن المام يعطيها عطاًء غير محدد‪ ،‬لكن دون أن ت ُعْ َ‬
‫مقاتلين‪ .‬وما رواه حشرج بن زياد عن جدته‪:‬‬ ‫صص ال ُ‬ ‫ح َ‬‫ةك ِ‬ ‫حص ً‬ ‫ِ‬
‫خي َْبر« فهو‬ ‫ن يوم َ‬ ‫م له ُ ّ‬ ‫سه َ َ‬‫»أن النبي صلى الله عليه وسلم أ ْ‬
‫حديث ضعيف )‪. (623‬‬
‫ض على كل مسلم ٍ ذكر‪،‬‬ ‫‪ -26‬الختان ‪ :‬ففي حين أن الختان فَْر ٌ‬
‫خَتن إل إن ظهرت لختان‬ ‫فإنه ليس كذلك بالنسبة للنساء فل ي ُ ْ‬
‫بعضهن حاجة‪ .‬أما إن لم تكن حاجة فل ختان‪ ،‬وذلك يختلف من‬
‫امرأةٍ لمرأة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪ -27‬وث َ ْ‬
‫م على الذكور؛ لنهم‬ ‫ن جائٌز بحق النساء حرا ٌ‬ ‫قب الذ ُ ِ‬
‫جْعل القراط في آذانهم‪.‬‬ ‫ممنوعون من َ‬
‫جليها بالحناء فإنه ليس‬ ‫ضب َيدْيها ورِ ْ‬ ‫خ ْ‬
‫‪ -28‬وفي حين أن للمرأة َ‬
‫ل ما‬‫ب الّرج ِ‬ ‫للرجل أن يفعل ذلك قال صلى الله عليه وسلم »ط ِي ْ ُ‬
‫ي ريحه«‬ ‫ف َ‬‫خ ِ‬‫طيب النساء ما ظهر لونه و َ‬ ‫ي ل َوُْنه‪ ،‬و ِ‬ ‫ف َ‬ ‫خ ِ‬ ‫حه و َ‬ ‫ظ َهََر رِي ْ ُ‬
‫)‪.(624‬‬
‫حِلق رأسها بخلف الرجل؛ لما في ذلك‬ ‫‪ -29‬ول يجوز للمرأة أن ت ْ‬
‫محّرم‪.‬‬ ‫مث َْلة‪ ،‬ولما فيه من التشّبه بالرجال وكل ذلك ُ‬ ‫من ال ُ‬
‫‪ -30‬استحقاقها المهر عند الزواج وليس ذلك للرجل‪.‬‬
‫ة الذ ِك ْرِ بين الرجل والمرأة يجد أن‬ ‫وبعد فإن الدارس للفروق آنف َ‬
‫ب معينةٍ اقتضاها العدل بين الجنسين‪،‬‬ ‫ة لسبا ٍ‬ ‫تلك الفروق راجع ٌ‬
‫وأن المساواة بينهما في مثل هذه الحالت من التفريق تؤدي إلى‬
‫م أن المساواة في كثيرٍ من الحيان تؤدي‬ ‫الظلم‪ .‬وكما هو معلو ٌ‬
‫إلى الظلم‪ ،‬وأن العدل كثيًرا ما يقتضي التفرقة والتفريق بإعطاء‬
‫ف بما يناسب قدراته ويتناسب‬ ‫مك َل ّ ٍ‬
‫قه‪ ،‬وتكليف كل ُ‬ ‫قح ّ‬ ‫ل ِذي ح ٍ‬ ‫ك ّ‬
‫مع طبيعته‪ .‬ولذا فإن كل مساواةٍ يقتضيها العدل وتقتضيها‬
‫الفطرة حققها السلم فعل ً بين الجنسين كالمساواة في الكرامة‬
‫النسانية وفي أصل التكليف وفي الثواب والعقاب‪ .‬أما التكاليف‬
‫وى السلم بين الرجل والمرأة في كل ما من‬ ‫س ّ‬‫الشرعية فقد َ‬
‫ما بأحدهما بتحميله فوق طاقته‪ .‬أو بتكليفه‬ ‫حق ظل ً‬ ‫شأنه أن ل ي ُل ْ ِ‬
‫لنثوية كإعفاء المرأة من‬ ‫بما ل يتناسب مع طبيعته الذ ّك َرية أو ا ُ‬
‫ِ‬
‫الجهاد‪ ،‬والختلف في اللباس نظًرا لختلف أجساد الجنسين‪.‬‬
‫وأن الفاحص لكثيرٍ من الفروق بين الجنسين في التكاليف يجد‬
‫أنها من باب التنوع والختصاص في المهام والوظائف‪ ،‬وليس‬

‫‪542‬‬
‫هناك من يقبل القول‪ :‬إن التنوع في التخصص والوظيفة بين‬
‫خر‪ ،‬بل إن ما‬ ‫المهندس والطبيب يعني أن أحدهما أفضل من ال َ‬
‫خر‪ .‬فهما يكملن بعضهما بعضا ً‬ ‫يقوم به أحدهما ل يقوم به ال َ‬
‫كليهما‪ ،‬وصدق رسول الله صلى الله عليه‬ ‫والمجتمع بحاجةٍ ل ِ‬
‫وسلم إذ قال‪»:‬النساء شقائقُ الرجال« )‪. (625‬‬
‫مال ي ُعَد ّ تفريقا ً بين الرجل والمرأة‪:‬‬
‫ضا للمسائل التي تستوي فيها المرأة مع الرجل‪،‬‬ ‫ما سبق كان عر ً‬
‫والمسائل التي يفرق فيها بينهما‪ .‬والصل أن الرجل والمرأة‬
‫سواء في كل شئ إل ما ثبت فيه التفرقة‪.‬‬
‫) المرجع ‪ :‬المرأة المسلمة بين اجتهادات الفقهاء وممارسات‬
‫المسلمين ‪ ،‬ص ‪138-123‬بتصرف يسير( ‪ .‬وانظر للزيادة ‪:‬‬
‫رسالة " الحكام التي تخالف فيها المرأة الرجل ‪ ،‬للستاذ سعد‬
‫الحربي " ‪.‬‬
‫الشبهة )‪ : (3‬دعوتهم لتولية المرأة للمناصب السياسية‬
‫روى البخاري – بإسناده ‪ -‬عن أبي بكرة رضي الله عنه قال ‪ :‬لقد‬
‫نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫حق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم ‪-‬‬ ‫كدت أن أل ْ َ‬ ‫أيام الجمل بعد ما ِ‬
‫قال ‪ :‬لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس قد‬
‫مّلكوا عليهم بنت كسرى قال ‪ :‬لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة‬
‫وهم‬ ‫ح َ‬ ‫وُيوِرد بعض أعداء المّلة – من المستشرقين ومن ن َ َ‬
‫حا ن َ ْ‬
‫شبهات حول هذا الحديث ‪ ،‬وسأوِرد بعض ما‬ ‫دة ُ‬ ‫ع ّ‬
‫فهم – ِ‬ ‫فل ّ‬‫ول َ ّ‬
‫ُ‬
‫ت عليه من تلك الشبهات ‪ ،‬وأجيب عنها – بمشيئة الله – ‪.‬‬ ‫وقَ ْ‬
‫ف ُ‬
‫الشبهة الولى ‪:‬‬
‫لماذا لم يتذكر أبو بكرة راوية الحديث هذا الحديث إل بعد ربع‬
‫قرن وفجأة وفى ظل ظروف مضطربة ؟‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫لم ينفرد أبو بكرة رضي الله عنه بهذا المر ‪ ،‬فقد جاء مثل ذلك‬
‫كروا أحاديث سمعوها من‬ ‫عن عدد من الصحابة ‪ ،‬أي أنهم تذ ّ‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ولم يرووها إل في مناسباتها ‪ ،‬أو‬
‫كرها ‪.‬‬‫حين تذ ّ‬
‫فمن ذلك ‪:‬‬
‫‪ – 1‬ما قاله حذيفة رضي الله عنه قال ‪ :‬قام فينا رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم مقاما ً ما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫سَيه َ‬‫ظه ‪ ،‬ون َ ِ‬ ‫ف َ‬
‫ح ِ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ف َ‬
‫ظه َ‬ ‫ح ِ‬
‫دث به ‪َ ،‬‬ ‫إلى قيام الساعة إل ّ ح ّ‬
‫سَيه ‪ ،‬قد علمه أصحابي هؤلء ‪ ،‬وإنه ليكون منه الشيء قد‬ ‫نَ ِ‬
‫ه الّرجل إذا غاب عنه ثم‬ ‫ج َ‬‫كر الرجل و ْ‬ ‫كره كما يذ ُ‬ ‫نسيته فأراه فأذ ُ‬
‫إذا رآه ع ََرَفه ‪ .‬رواه مسلم ‪.‬‬

‫‪543‬‬
‫‪ – 2‬وروى مسلم عن عمرو بن أخطب قال صلى بنا رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم الفجر وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت‬
‫الظهر فنزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر‬
‫ثم نزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس‬
‫فأخبرنا بما كان وبما هو كائن فأعلمنا أحفظنا‬
‫‪ – 3‬ما فعله عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما حينما توّلى‬
‫الخلفة سنة ‪ 64‬هـ ‪ ،‬فإنه أعاد بناء الكعبة على قواعد إبراهيم ‪،‬‬
‫فإن النبي صلى الله عليه وسلم ما ت ََرك ذلك إل لحدثان الناس‬
‫بالسلم ‪ ،‬فلما زالت هذه العِّلة أعاد ابن الزبير بناء الكعبة ‪.‬‬
‫ك عبد الملك بن مروان في ذلك فهدم الكعبة ‪ ،‬وأعاد بناءها‬ ‫وش ّ‬
‫على البناء الول ‪.‬‬
‫روى المام مسلم أن عبد الملك بن مروان بينما هو يطوف‬
‫بالبيت إذ قال ‪ :‬قاتل الله ابن الزبير حيث يكذب على أم‬
‫المؤمنين ‪ ،‬يقول سمعتها تقول ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ :‬يا عائشة لول حدثان قومك بالكفر لنقضت البيت حتى‬
‫جر ‪ ،‬فإن قومك قصروا في البناء ‪ ،‬فقال الحارث‬ ‫ح ْ‬
‫أزيد فيه من ال ِ‬
‫بن عبد الله بن أبي ربيعة ‪ :‬ل تقل هذا يا أمير المؤمنين فأنا‬
‫دث هذا ‪ .‬قال ‪ :‬لو كنت سمعته قبل أن‬ ‫سمعت أم المؤمنين تح ّ‬
‫أهدمه لتركته على ما بنى ابن الزبير ‪.‬‬
‫فهذا عبد الملك يعود إلى قول ابن الزبير ‪ ،‬وذلك أن ابن الزبير‬
‫لم ينفرد بهذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها ‪ ،‬وإنما رواه‬
‫غيره عنها ‪.‬‬
‫هذا من جهة‬
‫كر ابن‬ ‫م لَ ْ‬
‫م يتذ ّ‬ ‫قل عبد الملك بن مروان ل ِ َ‬ ‫ومن جهة أخرى لم ي ُ‬
‫الزبير هذا إل بعد أن توّلى ‪ ،‬وبعد ما يزيد على خمسين سنة بعد‬
‫وفاة النبي صلى الله عليه وسلم !‬
‫إلى غير ذلك مما ل ُيذكر إل في حينه ‪ ،‬ول ُيذكر إل في مناسبته ‪.‬‬
‫رد برواية الحديث ‪ ،‬شأنه‬ ‫ثم إن أبا بكرة رضي الله عنه لم ينف ِ‬
‫كشأن حديث عائشة في بناء الكعبة على قواعد إبراهيم ‪ ،‬إذ لم‬
‫ينفرد به ابن الزبير عن عائشة ‪.‬‬
‫فحديث‪ :‬ل ُيفلح قوم وّلوا أمرهم امرأة قد رواه الطبراني من‬
‫حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه ‪.‬‬
‫فزالت العِّلة التي عّللوا بها ‪ ،‬وهي تفّرد أبو بكرة بهذا الحديث ‪،‬‬
‫ولو تفّرد فإن تفّرده ل يضر ‪ ،‬كما سيأتي – إن شاء الله – ‪.‬‬
‫الشبهة الثانية ‪:‬‬
‫زعم بعضهم أن الحديث مكذوب ‪ ،‬فقال ‪ :‬الكذب في متن‬
‫الحديث فهو القول بأن النبي )صلى الله عليه وسلم( قاله لما‬

‫‪544‬‬
‫بلغه أن الفرس ولوا عليهم ابنة كسرى ‪ .‬في حين أنه ليس في‬
‫تاريخ الفرس أنهم ولوا عليهم ابنة كسرى ول أية امرأة أخرى ‪.‬‬
‫الجواب ‪ :‬هذا أول قائل إن في البخاري حديثا موضوعا مكذوبا ‪،‬‬
‫ولول أنه قيل به لما تعّرضت له ! لسقوط هذا القول ‪ ،‬ووهاء‬
‫هذه الشبهة !‬
‫فإن كل إنسان يستطيع أن ُيطلق القول على عواهنه ‪ ،‬غير أن‬
‫الدعاوى ل تثبت إل على قدم البّينة وعلى ساق الثبات ‪.‬‬
‫فإن قوله ‪ ) :‬في حين أنه ليس في تاريخ الفرس أنهم ولوا‬
‫عليهم ابنة كسرى ول أية امرأة أخرى (‬
‫دعوى ل دليل عليها ول مستند سوى النفي العام !‬
‫دم على النافي ‪.‬‬ ‫مق ّ‬ ‫مثِبت ُ‬ ‫في حين أن القاعدة ‪ :‬ال ْ ُ‬
‫كتب الحديث تنص على ذلك ‪.‬‬ ‫كتب التاريخ قبل ُ‬ ‫و ُ‬
‫قال ابن جرير الطبري في التاريخ ‪:‬‬
‫ثم ملكت بوران بنت كسرى أبرويز بن هرمز بن كسرى أنو‬
‫شروان‬
‫َ‬
‫وقال ابن الجوزي في المنت َظم ‪:‬‬
‫ومن الحوادث ملك ) بوران ( بنت كسرى أبرويز ‪ .‬اهـ ‪.‬‬
‫قد ابن الثير في كتابه ) الكامل في التاريخ ( بابا ً قال فيه ‪:‬‬ ‫وقد ع َ َ‬
‫ذكر ملك ) بوران ( ابنة ابرويز بن هرمز بن أنو شروان ‪.‬‬
‫ت الفرس ) بوران ( لنهم لم‬ ‫مل ّك َ ْ‬ ‫ثم قال ‪ :‬لما قُِتل شهريراز َ‬
‫ت السيرة في‬ ‫مّلكونه ‪ ،‬فلما أحسن ْ‬ ‫يجدوا من بيت المملكة رجل ي ُ َ‬
‫ت فيهم ‪ ،‬فأصلحت القناطر ‪ ،‬ووضعت ما بقي من‬ ‫رعيتها ‪ ،‬وعدل ْ‬
‫دت خشبة الصليب على ملك الروم ‪ ،‬وكانت مملكتها‬ ‫الخراج ‪ ،‬ور ّ‬
‫سنة وأربعة أشهر ‪ .‬اهـ ‪.‬‬
‫صه ‪:‬‬‫وفي البدء والتاريخ للمقدسي ما ن ّ‬
‫وكان باذان بعث برجلين إلى المدينة كما أمره أبرويز ليأتياه‬
‫بالنبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فبينما هما عند النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم إذ قال لهما ‪ :‬إن ربى أخبرني إنه قََتل كسرى ابنه‬
‫هذه الليلة لكذا ساعات مضين منها ‪ ،‬فانصرف الرجلن ونظرا‬
‫فإذا هو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ثم وثب شهرابراز‬
‫مَلك عشرين يوما ثم اغتالته‬ ‫الفارسي الذي كان بناحية الروم فَ َ‬
‫بوران دخت بنت ابرويز فقتلته ‪ ،‬وملكت بوران دخت سنة ونصف‬
‫ب الخراج ‪،‬‬ ‫ج ِ‬‫ت في الرعية ولم ت َ ْ‬ ‫سنة ‪ ،‬فأحسنت السيرة وع َد َل َ ْ‬
‫واد ‪ ،‬وفيها يقول الشاعر ‪:‬‬ ‫وفّرقت الموال في الساورة والق ّ‬
‫دهقانة يسجد الملوك لها *** يجبى إليها الخراج في الجرب اهـ ‪.‬‬
‫مَلك فارس أكثر من امرأة في‬ ‫كر ابن كثير رحمه الله أنه َ‬ ‫بل ذ َ َ‬
‫أزمنة متقاِربة‬

‫‪545‬‬
‫قال ابن كثير في البداية والنهاية ‪:‬‬
‫فملكوا عليهم ابنة كسرى بوران بنت ابرويز ‪ ،‬فأقامت العدل‬
‫وأحسنت السيرة ‪ ،‬فأقامت سنة وسبع شهور ‪ ،‬ثم ماتت ‪ ،‬فمّلكوا‬
‫عليهم أختها ازرميدخت زنان ‪ ،‬فلم ينتظم لهم أمر ‪ ،‬فمّلكوا‬
‫عليهم سابور بن شهريار وجعلوا أمره إلى الفرخزاذ بن البندوان‬
‫ت ذلك ‪ ،‬وقالت ‪:‬‬ ‫فزّوجه سابور بابنة كسرى ازرميدخت ‪ ،‬فكرِهَ ْ‬
‫موا إليه‬ ‫إنما هذا عبد من عبيدنا ! فلما كان ليلة عرسها عليه هَ ّ‬
‫فقتلوه ‪ ،‬ثم ساروا إلى سابور فقتلوه أيضا ‪ ،‬ومّلكوا عليهم هذه‬
‫المرأة ‪ ،‬وهي ازرمدخيت ابنة كسرى ‪ ،‬ولعبت فارس بملكها لعبا‬
‫كثيرا ‪ ،‬وآخر ما استقر أمرهم عليه في هذه السنة أن مّلكوا‬
‫امرأة ‪ ،‬وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬لن يفلح قوم‬
‫ولوا أمرهم امرأة ‪ .‬اهـ ‪.‬‬
‫وقال الذهبي في التاريخ ‪ :‬ومات قتل ملك الفرس شهر براز ابن‬
‫شيرويه قتله أمراء الدولة وملكوا عليهم بوران بنت كسرى ‪.‬‬
‫اهـ ‪.‬‬
‫ح ُ‬
‫كم ‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ول يخلو كتاب تاريخ من ِذكر تولي ) بوران ( ال ُ‬
‫كرها خليفة بن خياط ‪ ،‬واليعقوبي ‪ ،‬وابن خلدون ‪ ،‬واليافعي‬ ‫فقد ذ َ َ‬
‫كتب تواريخ المدن ‪ ،‬كتاريخ بغداد ‪ ،‬وغيرها ‪.‬‬ ‫‪،‬و ُ‬
‫ح )أنه ليس في تاريخ الفرس أنهم ولوا عليهم ابنة‬ ‫على أنه لو ص ّ‬
‫كسرى ول أية امرأة أخرى(‬
‫لكان فيه دليل على قائله وليس له !‬
‫كيف ذلك ؟‬
‫يكون قد أثبت أنه ل ُيعرف ل في جاهلية ول في إسلم أن امرأة‬
‫صبا ً !!‬ ‫توّلت َ‬
‫من ْ ِ‬
‫الشبهة الثالثة ‪:‬‬
‫قول القائل ‪ :‬هل من المعقول أن نعتمد في حديث خطير هكذا‬
‫على راوية قد تم جلده )أبو بكرة( في عهد عمر بن الخطاب‬
‫تطبيقا ً لحد القذف ؟!‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫سبق أن عِلمت أن أبا بكرة رضي الله عنه لم ينفرد برواية‬
‫الحديث ‪.‬‬
‫ثم الجواب عن هذه الشبهة أن ُيقال ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬ل ب ُد ّ أن ُيعلم أن أبا بكرة رضي الله عنه صحابي جليل ‪.‬‬
‫دول بتزكية الله‬ ‫ثانيا ً ‪ :‬الصحابة كّلهم عدول عند أهل السنة ‪ ،‬ع ُ ُ‬
‫ت عن كل‬ ‫لهم وبتزكية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أغ ْن َ ْ‬
‫تزكية ‪.‬‬

‫‪546‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬أبو بكرة رضي الله عنه لم يفسق بارتكاب كبيرة ‪ ،‬وإنما‬
‫شِهد في قضية ‪ ،‬فلما لم تتم الشهادة أقام عمر رضي الله عنه‬
‫حد ّ على من شِهدوا ‪ ،‬وكان مما قاله عمر رضي الله عنه‪ :‬قبلت‬ ‫ال ْ َ‬
‫شهادته ‪.‬‬
‫قَبل ‪ ،‬ومن‬ ‫ت شهادته فيما ُيست َ ْ‬ ‫ب نفسه قَب ِل ْ ُ‬ ‫وقال لهم ‪ :‬من أك ْذ َ َ‬
‫جْز شهادته‬ ‫ُ‬
‫لم يفعل لم أ ِ‬
‫قل ‪ :‬لم أقبل روايته ‪.‬‬ ‫فعمر رضي الله عنه لم ي ُ‬
‫وفرق بين قبول الشهادة وبين قبول الرواية ‪.‬‬
‫فروق ‪.‬‬ ‫والفروق ذكرها القرافي في كتابه ‪ :‬ال ُ‬
‫كد الفرق بين الرواية والشهادة ما نقله ابن حجر‬ ‫رابعا ً ‪ :‬مما يؤ ّ‬
‫عن المهّلب حينما قال ‪:‬‬
‫واستنبط المهلب من هذا أن إكذاب القاذف نفسه ليس شرطا‬
‫في قبول توبته ‪ ،‬لن أبا بكرة لم ُيكذب نفسه ‪ ،‬ومع ذلك فقد‬
‫مُلوا بها ‪.‬‬ ‫قبل المسلمون روايته وع ِ‬
‫على أن آية القذف في قبول الشهادة ‪.‬‬
‫وعلى أن هناك فَْرقا ً بين القاِذف لغيره ‪ ،‬وبين الشاهد – كما‬
‫سيأتي –‬
‫سق ‪،‬‬ ‫خامسا ً ‪ :‬أبو بكرة رضي الله عنه لم ي ََر أنه ارتكب ما ُيف ّ‬
‫سقوني !‬ ‫ولذا لم ي ََر وجوب التوبة عليه ‪ ،‬وكان يقول ‪ :‬قد ف ّ‬
‫سق ‪.‬‬ ‫وهذا يعني أنه لم ي ََر أنه ارتكب ما ُيف ّ‬
‫قال البيهقي ‪ :‬إن صح هذا فلنه امتنع من التوبة من قَذ ِْفه ‪ ،‬وأقام‬
‫على ذلك ‪.‬‬
‫ذف المغيرة ‪ ،‬وإنما أنا‬ ‫قال الذهبي ‪ :‬قلت ‪ :‬كأنه يقول لم أق ِ‬
‫شاهد ‪ ،‬فجنح إلى الفرق بين القاذف والشاهد ‪ ،‬إذ نصاب‬
‫موا قاِذفين ‪.‬‬ ‫س ّ‬‫م بالرابع لتعّين الرجم ‪ ،‬ولما ُ‬ ‫الشهادة لو ت ّ‬
‫سادسا ً ‪ :‬في الرواية ُتقبل رواية المبتدع ‪ ،‬إذا لم تكن بدعته‬
‫مّلي ( ‪،‬‬‫فرة ‪ ،‬وهذا ما ُيطلق عليه عند العلماء ) الفاسق ال ْ ِ‬ ‫مك ّ‬ ‫ُ‬
‫الذي ِفسقه متعلق بالعقيدة ‪ ،‬ل بالعمل ‪.‬‬
‫وروى العلماء عن ُأناس تكّلموا في القدر ‪ ،‬ورووا عن الشيعة ‪،‬‬
‫وليس عن الرافضة الذين غ ََلوا في دين الله !‬
‫صدِقهم ‪.‬‬ ‫ورووا عن الخوارج ل ِ ِ‬
‫من يشرب النبيذ ‪.‬‬ ‫ورووا ع ّ‬
‫وعن غيرهم من خاَلف أو وقع في بدعة‬
‫فإذا كان هؤلء في نظر أهل العلم قد فسقوا بأفعاِلهم هذه ‪ ،‬فإنه‬
‫رووا عنهم لن هؤلء ل يرون أنهم فسقوا بذلك ‪ ،‬ولو رأوه فسقا ً‬
‫لتركوه !‬
‫مل الفرق البّين الواضح ‪.‬‬ ‫فتأ ّ‬

‫‪547‬‬
‫وأبو بكرة رضي الله عنه مع كونه صحابيا ً جاوز القنطرة ‪ ،‬إل أنه‬
‫سق ‪ ،‬ولو رأى ذلك ل ََتاب منه ‪.‬‬ ‫ت بما ُيف ّ‬ ‫يرى بنفسه أنه لم يأ ِ‬
‫سق ‪.‬‬ ‫ت بما ُيف ّ‬ ‫وهو – حقيقة – لم يأ ِ‬
‫ذف ابتداء ‪ ،‬كما‬ ‫ُ‬
‫غاية ما هناِلك أنه أدى شهادة طِلبت منه ‪ ،‬فلم يق ِ‬
‫عِلمت ‪.‬‬
‫طعن فيمن‬ ‫طعن في الصحابة َ‬ ‫والصحابة قد جاوزوا القنطرة ‪ ،‬وال ّ‬
‫حبوا ‪.‬‬
‫ص ِ‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله ‪:‬‬
‫حُبوا الرسول صلى الله عليه‬ ‫فإن القدح في خير القرون الذين ص ِ‬
‫ح في الرسول عليه السلم ‪ ،‬كما قال مالك وغيره من‬ ‫وسلم قَد ْ ٌ‬
‫أئمة العلم ‪ :‬هؤلء طعنوا في أصحاب رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬وإنما طعنوا في أصحابه ليقول القائل ‪ :‬رجل سوء كان‬
‫له أصحاب سوء ‪ ،‬ولو كان رجل صالحا لكان أصحابه صالحين ‪،‬‬
‫قُلوا القرآن والسلم وشرائع النبي صلى‬ ‫وأيضا فهؤلء الذين ن َ َ‬
‫الله عليه وسلم ‪ . .‬اهـ ‪.‬‬
‫َ‬
‫دالة ‪.‬‬ ‫صحبة كافية في العَ َ‬ ‫فإن مرتبة ال ّ‬
‫قل لغيرهم‬ ‫ولذا قيل لهم ما لم ي ُ َ‬
‫ونالوا من شرف المراتب ما لم ي َن َْله غيرهم‬
‫فر لك ‪ ،‬سوى‬ ‫فإنه ل يوجد أحد قيل له ‪ :‬اعمل ما شئت فقد غ ُ ِ‬
‫أصحاب بدر ‪.‬‬
‫روى البخاري ومسلم عن علي رضي الله عنه قال ‪ :‬بعثنا رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال ائتوا روضة‬
‫خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها ‪ ،‬فانطلقنا تعادي بنا‬
‫خيلنا فإذا نحن بالمرأة فقلنا ‪ :‬اخرجي الكتاب ‪ .‬فقالت ‪ :‬ما معي‬
‫ن الكتاب أو لتلقين الثياب ‪ ،‬فأخرجته من‬ ‫كتاب ‪ ،‬فقلنا ‪ :‬لتخرج ّ‬
‫عقاصها ‪ ،‬فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من‬
‫حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة‬
‫يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬يا حاطب ما هذا ؟ قال ‪ :‬ل‬
‫ملصقا ً في قريش ‪ -‬قال‬ ‫ي يا رسول الله إني كنت أمرا ُ‬ ‫تعجل عل ّ‬
‫سفيان كان حليفا لهم ‪ -‬ولم يكن من أنفسها وكان ممن كان‬
‫معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم ‪ ،‬فأحببت إذ‬
‫مون بها‬ ‫ح ُ‬‫خذ فيهم َيدا ً ي َ ْ‬ ‫فاتني ذلك من النسب فيهم أن ات ّ ِ‬
‫كفرا ‪ ،‬ول ارتدادا عن ديني ‪ ،‬ول رضا بالكفر‬ ‫قرابتي ‪ ،‬ولم أفعله ُ‬
‫دق ‪ ،‬فقال‬ ‫ص َ‬
‫بعد السلم ‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪َ :‬‬
‫عمر ‪ :‬دعني يا رسول الله اضرب عنق هذا المنافق ! فقال ‪ :‬إنه‬

‫‪548‬‬
‫قد شهد بدرا ‪ ،‬وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال‬
‫اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ‪.‬‬
‫وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا ً ‪ :‬إن الله عز وجل‬
‫اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ‪ .‬رواه‬
‫المام أحمد ‪.‬‬
‫فأنت ترى أن هذا الصحابي فََعل ما فََعل ‪ ،‬ولو فََعله غيره ممن‬
‫لم ي ََنل شرف شهود غزوة بدر ‪ ،‬لربما كان له شأن آخر ‪.‬‬
‫وُيقال مثل ذلك في حق أبي بكرة رضي الله عنه ‪ ،‬فإنه نال‬
‫شَرف تعديل وتوثيقا ً ‪.‬‬ ‫شرف الصحبة ‪ ،‬وكفى بهذا ال ّ‬
‫ثم إن أبا بكرة الثقفي له أربعة عشر حديثا في صحيح البخاري !‬
‫م لم ُيطَعن إل في هذا الحديث ؟‬ ‫فل ِ َ‬
‫أنا أخِبرك !‬ ‫ُ‬
‫لنه عاَرض أهواء أقوام ُيريدون إخراج المرأة !‬
‫الشبهة الرابعة ‪:‬‬
‫ِذكر بلقيس ملكة سبأ في القرآن الكريم ‪.‬‬
‫حيث قال القائل ‪) :‬ويكفينا إشادة القرآن ببلقيس ملكة سبأ وهى‬
‫امرأة(‬
‫دة أوجه ‪:‬‬ ‫شبهة من ع ّ‬ ‫والجواب عن هذه ال ّ‬
‫الوجه الول ‪ :‬أن ُيقال أين هي الشادة ؟‬
‫كفر ؟‬ ‫أفي نسبتها للضلل وال ُ‬
‫ن الل ّهِ إ ِن َّها‬
‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ت َعْب ُد ُ ِ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ها َ‬ ‫صد ّ َ‬ ‫كما في قوله تعالى ‪} :‬وَ َ‬
‫ن{‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬‫ن قَوْم ٍ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫َ‬
‫أم في ِذكر بعثها للرشوة باسم الهدية ؟!‬
‫م ب ِهَد ِي ّةٍ فََناظ َِرة ٌ ب ِ َ‬
‫م‬ ‫ة إ ِل َي ْهِ ْ‬‫سل َ ٌ‬‫مْر ِ‬ ‫كما في قوله تعالى ‪ } :‬وَإ ِّني ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫ما آَتان ِ َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫ما ٍ‬‫ن بِ َ‬ ‫دون َ ِ‬ ‫م ّ‬‫ل أت ُ ِ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫ما َ‬ ‫سل َي ْ َ‬ ‫جاَء ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ن * فَل َ ّ‬ ‫سُلو َ‬ ‫مْر َ‬ ‫جعُ ال ْ ُ‬ ‫ي َْر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{‬ ‫حو َ‬ ‫فَر ُ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫م ب ِهَد ِي ّت ِك ُ ْ‬ ‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫م بَ ْ‬‫ما آَتاك ُ ْ‬ ‫م ّ‬
‫خي ٌْر ِ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫كر عنها أنها كانت عاقلة حكيمة‬ ‫وربما ُيقصد بالشادة ما ذ ُ ِ‬
‫وهذا ُيجاب عنه في ‪:‬‬
‫ُ‬
‫الوجه الثاني ‪ :‬أن ُيقال إنها كانت كافرة ‪ ،‬فهل إذا أثني على كافر‬
‫كفره ؟!‬ ‫ل يكون في هذا إشادة ب ِ ُ‬ ‫ق ٍ‬ ‫ل أو ب ِعَ ْ‬ ‫ب ِعَد ْ ٍ‬
‫ن( فهل ُيمكن أن‬ ‫ج ّ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫فري ٌ‬ ‫ع ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫بل وفي نفس القصة ‪َ) :‬قا َ‬
‫كم‬ ‫صب ! وُتح ّ‬ ‫ُيقال ‪ :‬هذا فيه ثناء على العفاريت ! فُتوّلى المنا ِ‬
‫في الناس ؟!!!‬
‫م‬‫ح أن فيه إشادة – مع ما فيه من ذ ّ‬ ‫الوجه الثالث ‪ :‬أن هذا لو ص ّ‬
‫– فليس فيه مستند ول دليل ‪.‬‬
‫أما لماذا ؟‬
‫فلن هذا من شرع من قبلنا ‪ ،‬وجاء شرعنا بخلفه ‪.‬‬

‫‪549‬‬
‫الوجه الرابع ‪:‬‬
‫ملك كان ِلبلقيس قبل إسلمها ‪ ،‬فإنها لما أسلمت لله‬ ‫أن هذا ال ْ ُ‬
‫سليمان عليه الصلة والسلم ‪ ،‬فقد حكى الله‬ ‫ت ُ‬ ‫رب العالمين ت َب ِعَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ع‬
‫م َ‬
‫ت َ‬‫م ُ‬‫سل ْ‬‫سي وَأ ْ‬ ‫ف ِ‬
‫ت نَ ْ‬
‫م ُ‬‫ب إ ِّني ظل ْ‬ ‫ت َر ّ‬‫عنها أنها قالت ‪َ) :‬قال ْ‬
‫ن(‬
‫مي َ‬‫ب ال َْعال َ ِ‬‫ن ل ِل ّهِ َر ّ‬ ‫ما َ‬ ‫سل َي ْ َ‬‫ُ‬
‫حكم‬‫ملك ‪ ،‬بل صارت تحت ُ‬ ‫فلما أسلمت مع سليمان لم يُعد لها ُ‬
‫سليمان عليه الصلة والسلم ‪.‬‬
‫أخيرا ً ‪:‬‬
‫صب ‪ ،‬ومن‬ ‫إلى كل من خاض في مسألة تولية المرأة للمنا ِ‬
‫ُيطاِلب أن تكون المرأة ) قاضية ( !‬
‫فار قديما وحديثا ‪.‬‬ ‫بل ويستدل بعضهم بما كان من الك ّ‬
‫أما قديما فيستدّلون بقصة ِببلقيس !‬
‫حكم ) اليزابيث ( !‬ ‫وأما حديثا ً فيستشهدون ب ُ‬
‫ل على صحة‬ ‫وعجيب ممن ترك الكتاب والسنة وأصبح يستد ّ‬
‫أقواله بأحوال الكفار قديما وحديثا ً !‬
‫ومتى كانت أفعال الكفار مصدرا ً للتشريع ؟؟!!‬
‫حكم ملكة بريطانيا فإنه في الواقع تشريفي وراثي فحسب ‪.‬‬ ‫أما ُ‬
‫من الرجال‬ ‫ذين في السياسة والحياة العامة هم ِ‬ ‫ف ِ‬
‫ثم إن المتن ّ‬
‫سواء بسواء في بقية الدول الوربية ‪.‬‬
‫ولو لم يكن كذلك فإنه من أفعال النصارى التي ل مستند فيها ول‬
‫شبهة أصل ً !‬ ‫دليل ول ُ‬
‫ثم إنهم يزعمون أن المرأة الغربية أكثر حصول ً على الحقوق من‬
‫غيرها ‪ ،‬وهي ل تتوّلى المناصب الكبرى ذات الخطورة والهمية ‪.‬‬
‫" وحتى الن فجميع رؤساء الوليات المتحدة هم من الّرجال‬
‫الِبيض ذوي نفوذ مالي واجتماعي كبير "‬
‫كما قال د ‪ .‬المسلتي في كتابه ) أمريكا كما رأيتها ( ‪.‬‬
‫كد أن الدعاوى في واد ٍ والواقع في واد ٍ آخر !!‬ ‫وهذا يؤ ّ‬
‫شبهات القوم إنما ُتثار في بلد السلم فحسب !‬ ‫كد أيضا أن ُ‬ ‫ويؤ ّ‬
‫صب‬ ‫وإل فما معنى أن ُتطاَلب المرأة أن تتوّلى القضاء والمنا ِ‬
‫القيادية ‪ ،‬وهي ل تأخذ نصيبها من قيادة وإدارة دّفة‬
‫كم ؟؟؟!!!‬ ‫ح ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫والله نسأل أن يهدينا سواء السبيل ‪.‬‬
‫كتبه ‪ /‬عبد الرحمن السحيم‬
‫الرياض‬
‫‪---‬‬
‫)‪ (583‬أخرجه ابن أبي شيبة )‪ (1/75/2‬بسند صحيح‪.‬‬
‫)‪ (584‬رواه البخاري في »التاريخ الصغير« ص ‪.95‬‬

‫‪550‬‬
‫)‪ (585‬صفة صلة النبي ‪.170‬‬
‫)‪ (586‬صحيح أخرجه أبو زرعة في »تاريخ دمشق« ت )‪(88/1‬‬
‫عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا ً به وأخرجه أبو داود )‬
‫‪ (1985‬والدارمي )‪ (2/64‬والدارقطني ص ‪ 277‬وانظر‬
‫»السلسلة الصحيحة« )‪.(2/605‬‬
‫)‪ (587‬انظر‪ :‬المغني لبن قدامة )‪.(3/394‬‬
‫)‪ (588‬أخرجه البخاري )‪-769‬مختصرة( والطيالسي )‪(1513‬‬
‫وأحمد )‪.(180-100-6/32‬‬
‫)‪ (589‬صحيح انظر إرواء الغليل )‪.(4/1121‬‬
‫)‪ (590‬إرواء الغليل )‪.(7/2332‬‬
‫)‪ (591‬ابن قيم‪ ،‬المنار‪.‬‬
‫)‪ (592‬انظر‪» :‬موسوعة الجماع للسعدي« و»فقه عمر بن‬
‫الخطاب« للدكتور رويعي الرحيلي )‪.(3/470‬‬
‫)‪ (593‬سورةالنساء‪.11:‬‬
‫)‪ (594‬سورة النساء‪.12 :‬‬
‫)‪ (595‬سورة النور‪.4 :‬‬
‫)‪ (596‬سورة الطلق‪.2 :‬‬
‫)‪ (597‬سورة البقرة‪.282:‬‬
‫)‪ (598‬ضعيف أخرجه الدارقطني )‪ (524‬والبيهقي )‪(10/151‬‬
‫وانظر »إرواء الغليل‪.(8/2684) ،‬‬
‫ضا صحيح سنن الترمذي )‪.(1/337‬‬ ‫)‪ (599‬وانظر لذلك أي ً‬
‫)‪ (600‬رواه الترمذي )‪ (1/286‬وأحمد )‪ (158-6/31‬وابن ماجه )‬
‫‪ (3263‬وابن حبان )‪ .(1058‬والبيهقي )‪ (9/301‬وإسناده صحيح‬
‫على شرط مسلم‪.‬‬
‫)‪ (601‬رواه أحمد )‪ (6/165‬وابن ماجه )‪ (2901‬بإسناد صحيح‪.‬‬
‫)‪ (602‬صحيح‪.‬أخرجه الترمذي‪ 22 :‬باب ‪ 8‬وأحمد )‪(2/9‬‬
‫والبخاري )‪3665‬ح ‪ (5783‬في اللباس ومسلم ك ‪37‬ح ‪50-42‬‬
‫عن ابن عمر رضي الله عنهما‪.‬‬
‫)‪ (603‬صحيح‪ .‬رواه أحمد )‪ (97-1/76‬وأبو داود )‪(378‬‬
‫والترمذي )‪ (1/119‬وابن ماجه )‪ (525‬والطحاوي )‪(1/55‬‬
‫والدارقطني ص ‪ 47‬وانظر إرواء الغليل )‪.(166‬‬
‫)‪ (604‬رواه أحمد بإسناد صحيح )‪.(1/222‬‬
‫)‪ (605‬طرف من حديث صحيح رواه البخاري ح ‪ 5971‬ومسلم‬
‫ك ‪45‬ح ‪ 4-1‬عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (606‬رواه المخلص في »الفوائد المنتقاة )‪ (9/5/2‬وابن حبان‬
‫في »صحيحه« )‪ (1969‬وابن عدي )‪ (192/1‬عن أبي هريرة‬

‫‪551‬‬
‫رضي الله عنه‪ ،‬وسنده حسن‪.‬وانظر )السلسلة الصحيحة« )‬
‫‪.(1/856‬‬
‫)‪ (607‬رواه ابن حبان كما في الموارد ‪ ،1969‬والكامل لبن‬
‫عدي ‪ (192/1‬والبيهقي في الشَعب ‪ 2/475/2‬عن أبي هريرة‬
‫وصححه اللباني في الصحيحة ح ‪.856‬‬
‫)‪ (608‬صحيح ابن ماجه )‪ (3669‬والبخاري في »الدب المفرد )‬
‫‪ (76‬وأحمد )‪ (4/154‬عن عقبة بن عامر رضي الله عنه وانظر‬
‫السلسلة الصحيحة )‪.(1027-293‬‬
‫)‪ (609‬رواه البخاري ومسلم وأحمد ‪ 33،87 ،6/27،29‬عن‬
‫عائشة رضي الله عنها‪.‬‬
‫)‪ (610‬صحيح‪ ،‬وتقدم ص ‪.114‬‬
‫)‪ (611‬حديث حسن‪ .‬أخرجه الترمذي والحاكم عن جابر بن عبد‬
‫الله رضي الله عنهما؛ وتقدم تخريجه ص ‪.117‬‬
‫)‪ (612‬سورة النور‪.6 :‬‬
‫)‪ (613‬صحيح‪ .‬أخرجه ابن ماجه )‪ (1882‬والدارقطني )‪(384‬‬
‫والبيهقي )‪ (7/110‬عن أبي هريرة رضي الله عنه وانظر »إرواء‬
‫الغليل« )‪.(6/1841‬‬
‫)‪ (614‬حديث صحيح‪ .‬أخرجه البخاري ‪ 4425‬ح ‪ 7099‬في الفتن‬
‫والترمذي ك ‪ 31‬باب ‪ 75‬وأحمد ‪ 43 ،5/38‬عن أبي بكرة رضي‬
‫الله عنه وانظر الضعيفة )‪ (1/436‬و »إرواء الغليل« )‪.(2613‬‬
‫)‪ (615‬حديث حسن‪ .‬رواه النسائي ‪8/153‬ح ‪ 5126‬والحاكم في‬
‫المستدرك ‪ 2/396‬وأحمد في المسند ‪ 4/400‬عن أبي موسى‬
‫رضي الله عنه وانظر صحيح الجامع )‪.(2701‬‬
‫)‪ (616‬صحيح‪ .‬أخرجه الترمذي)‪ (1/321‬والنسائي)‪(2/285‬‬
‫والطيالسي)‪ (506‬وأحمد)‪ (4/394‬والبيهقي)‪ .(3/275‬وانظر‬
‫السلسلة الصحيحة ‪663-1/662‬‬
‫)‪ (617‬أخرجه البخاري )‪ (401-9/400-3/114‬عن أم حبيبة‬
‫رضي الله عنها‪.‬‬
‫)‪ (618‬سورة البقرة‪.234 :‬‬
‫)‪ (619‬سورة البقرة‪.228 :‬‬
‫مَنع من الزواج من أخت مطلقته طلًقا‬ ‫)‪ (620‬قلت‪ :‬وكذالك ي ُ ْ‬
‫رجعًيا أو عمتها أو خالتها‪.‬‬
‫)‪ (621‬أخرجه البخاري )‪ (1/328‬ومسلم )‪ (3/47‬والسياق له‬
‫وأبو داود )‪ (2/63‬وابن ماجه )‪ (1/487‬وأحمد )‪ (6/408‬والبيهقي‬
‫)‪.(4/77‬‬
‫)‪ (622‬اللباني‪ ،‬أحكام الجنائز ص ‪.147‬‬
‫)‪ (623‬إرواء الغليل )‪.(5/1238‬‬

‫‪552‬‬
‫)‪ (624‬صحيح أخرجه الترمذي ك ‪ 41‬باب ‪35‬ح ‪2939 ،2938‬‬
‫وحسنه عن أبي هريرة رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (625‬سبق في التعليق ص ‪ 129‬بيان صحة الحديث ومخرجيه‪.‬‬
‫======================‬
‫السؤال‪ :‬ما هي حقوق المرأة في السلم ؟ وكيف‬
‫تغيرت منذ العصر الذهبي للسلم ) من القرن‬
‫‪---‬‬
‫الجواب‪:‬‬
‫الحمد لله‬
‫أول ‪:‬‬
‫ما ً (‬ ‫ُ‬
‫لقد كرم السلم المرأة تكريما عظيما ‪ ،‬كرمها باعتبارها ) أ ّ‬
‫يجب برها وطاعتها والحسان إليها ‪ ،‬وجعل رضاها من رضا الله‬
‫تعالى ‪ ،‬وأخبر أن الجنة عند قدميها ‪ ،‬أي أن أقرب طريق إلى‬
‫الجنة يكون عن طريقها ‪ ،‬وحرم عقوقها وإغضابها ولو بمجرد‬
‫التأفف ‪ ،‬وجعل حقها أعظم من حق الوالد ‪ ،‬وأكد العناية بها في‬
‫حال كبرها وضعفها ‪ ،‬وكل ذلك في نصوص عديدة من القرآن‬
‫والسنة ‪.‬‬
‫ساًنا (‬ ‫ح َ‬ ‫وال ِد َي ْهِ إ ِ ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫سا َ‬ ‫صي َْنا ال ِن ْ َ‬ ‫ومن ذلك ‪ :‬قوله تعالى ‪ ) :‬وَوَ ّ‬
‫َ‬
‫ن‬‫وال ِ ُد َي ْ ِ‬ ‫دوا ِإل إ ِّياه ُ وَِبال ْ َ‬ ‫ك أل ت َعْب ُ ُ‬ ‫ضى َرب ّ َ‬ ‫الحقاف‪ ، 15/‬وقوله ‪ ) :‬وَقَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ف‬
‫ما أ ّ‬ ‫ل ل َهُ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ما َفل ت َ ُ‬ ‫كلهُ َ‬ ‫ما أوْ ِ‬ ‫حد ُهُ َ‬ ‫ك ال ْك ِب ََر أ َ‬ ‫عن ْد َ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ما ي َب ْل ُغَ ّ‬ ‫ساًنا إ ِ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫إِ ْ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ح الذ ّ ّ‬ ‫جَنا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ض ل َهُ َ‬ ‫ف ْ‬ ‫خ ِ‬ ‫ما َوا ْ‬ ‫ري ً‬ ‫ول ك َ ِ‬ ‫ما قَ ْ‬ ‫ل ل َهُ َ‬ ‫ما وَقُ ْ‬ ‫َول ت َن ْهَْرهُ َ‬
‫صِغيًرا ( السراء‪. 24 ،23/‬‬ ‫ما َرب َّياِني َ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫مه ُ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ب اْر َ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫مةِ وَقُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫الّر ْ‬
‫ي رضي‬ ‫م ّ‬ ‫سل َ ِ‬ ‫ة ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫جاه ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ة بْ ِ‬ ‫مَعاوِي َ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫وروى ابن ماجه )‪ (2781‬ع َ ْ‬
‫َ‬
‫ت ‪َ :‬يا‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫م فَ ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫الله عنه َقال ‪ :‬أت َي ْ ُ‬
‫ه الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ج َ‬ ‫ك وَ ْ‬ ‫ك أ َب ْت َِغي ب ِذ َل ِ َ‬ ‫معَ َ‬ ‫جَهاد َ َ‬ ‫ت ال ْ ِ‬ ‫ت أَرد ْ ُ‬
‫َ‬
‫ل الل ّهِ إ ِّني ك ُن ْ ُ‬ ‫سو َ‬ ‫َر ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ع‬
‫ج ْ‬ ‫ل ‪ :‬اْر ِ‬ ‫م ‪َ .‬قا َ‬ ‫ت ‪ :‬ن َعَ ْ‬ ‫ك ؟ قُل ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ةأ ّ‬ ‫حي ّ ٌ‬ ‫كأ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ل ‪ :‬وَي ْ َ‬ ‫خَرة َ ‪َ :‬قا َ‬ ‫داَر ال ِ‬ ‫َوال ّ‬
‫ل الل ّهِ ‪ ،‬إ ِّني‬ ‫َ‬
‫سو َ‬ ‫ت ‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫خرِ فَ ُ‬ ‫ب ال َ‬ ‫جان ِ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م أت َي ْت ُ ُ‬ ‫ها ‪ .‬ث ُ ّ‬ ‫فَب َّر َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫خَرة َ ‪،‬‬ ‫داَر ال ِ‬ ‫ه الل ّهِ َوال ّ‬ ‫ج َ‬ ‫ك وَ ْ‬ ‫ك أب ْت َِغي ب ِذ َل ِ َ‬ ‫معَ َ‬ ‫جَهاد َ َ‬ ‫ت ال ْ ِ‬ ‫ت أَرد ْ ُ‬ ‫ك ُن ْ ُ‬
‫ل الل ّهِ ‪َ .‬قا َ‬ ‫ك ! أ َحي ٌ ُ‬
‫ل‪:‬‬ ‫سو َ‬ ‫م َيا َر ُ‬ ‫ت ‪ :‬ن َعَ ْ‬ ‫ك ؟ قُل ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ةأ ّ‬ ‫َ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ل ‪ :‬وَي ْ َ‬ ‫َقا َ‬
‫ل الل ّهِ ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سو َ‬ ‫ت ‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫قل ْ ُ‬ ‫مه ِ ف َ ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م أت َي ْت ُ ُ‬ ‫ها ‪ .‬ث ُ ّ‬ ‫جعْ إ ِل َي َْها فَب َّر َ‬ ‫َفاْر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫خَرة َ ‪،‬‬ ‫داَر ال ِ‬ ‫ه الل ّهِ َوال ّ‬ ‫ج َ‬ ‫ك وَ ْ‬ ‫ك أب ْت َِغي ب ِذ َل ِ َ‬ ‫معَ َ‬ ‫جَهاد َ َ‬ ‫ت ال ْ ِ‬ ‫ت أَرد ْ ُ‬ ‫إ ِّني ك ُن ْ ُ‬
‫ل الل ّهِ ‪َ .‬قا َ‬ ‫ك ! أ َحي ٌ ُ‬
‫ل‪:‬‬ ‫سو َ‬ ‫م َيا َر ُ‬ ‫ت ‪ :‬ن َعَ ْ‬ ‫ك ؟ قُل ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ةأ ّ‬ ‫َ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ل ‪ :‬وَي ْ َ‬ ‫َقا َ‬
‫ة ( صححه اللباني في صحيح سنن‬ ‫جن ّ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫جل ََها فَث َ ّ‬ ‫م رِ ْ‬ ‫ك ال َْز ْ‬ ‫ح َ‬ ‫وَي ْ َ‬
‫مَها فَإ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫ابن ماجة ‪ .‬وهو عند النسائي )‪ (3104‬بلفظ ‪َ ) :‬فال َْز ْ‬
‫جل َي َْها ( ‪.‬‬ ‫ت رِ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ة تَ ْ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ي‬ ‫وروى البخاري )‪ (5971‬ومسلم )‪ (2548‬ع َ َ‬
‫ض َ‬ ‫ن أِبي هَُري َْرة َ َر ِ‬ ‫ْ‬
‫م‬
‫سل َ‬‫ّ‬ ‫ه ع َلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ل إ َِلى َر ُ‬ ‫ج ٌ‬ ‫جاَء َر ُ‬ ‫ل‪َ ):‬‬ ‫ه َقا َ‬ ‫ه ع َن ْ ُ‬ ‫الل ّ ُ‬

‫‪553‬‬
‫ل‪:‬‬ ‫حاب َِتي ؟ َقا َ‬ ‫ل الل ّه ‪ ،‬م َ‬ ‫سو َ‬ ‫قا َ‬ ‫فَ َ‬
‫ص َ‬ ‫ن َ‬ ‫س ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫س بِ ُ‬ ‫حقّ ُالّنا ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫ِ َ ْ‬ ‫ل ‪َ :‬يا َر ُ‬
‫ن ؟ َقا َ‬ ‫ك ‪َ .‬قا َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ؟ َقا َ‬ ‫ك ‪َ .‬قا َ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ل ‪ :‬ثُ ّ‬
‫م‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل ‪ :‬ثُ ّ‬ ‫مأ ّ‬ ‫ل ‪ :‬ثُ ّ‬ ‫م ْ‬‫م َ‬ ‫ل ‪ :‬ثُ ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ك(‪.‬‬ ‫م أ َُبو َ‬ ‫ل ‪ :‬ثُ ّ‬ ‫ن ؟ َقا َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل ‪ :‬ثُ ّ‬ ‫ك ‪َ.‬قا َ‬ ‫م َ‬ ‫أ ّ‬
‫ُ‬
‫إلى غير ذلك من النصوص التي ل يتسع المقام لذكرها ‪.‬‬
‫وقد جعل السلم من حق الم على ولدها أن ينفق عليها إذا‬
‫احتاجت إلى النفقة ‪ ،‬ما دام قادرا مستطيعا ‪ ،‬ولهذا لم يعرف عن‬
‫أهل السلم طيلة قرون عديدة أن المرأة ُتترك في دور العجزة ‪،‬‬
‫أو يخرجها ابنها من البيت ‪ ،‬أو يمتنع أبناؤها من النفقة عليها ‪ ،‬أو‬
‫تحتاج مع وجودهم إلى العمل لتأكل وتشرب ‪.‬‬
‫ة ‪ ،‬فأوصى بها الزواج خيرا ‪ ،‬وأمر‬ ‫وكرم السلم المرأة زوج ً‬
‫بالحسان في عشرتها ‪ ،‬وأخبر أن لها من الحق مثل ما للزوج إل‬
‫أنه يزيد عليها درجة ‪ ،‬لمسئوليته في النفاق والقيام على شئون‬
‫السرة ‪ ،‬وبين أن خير المسلمين أفضُلهم تعامل مع زوجته ‪،‬‬
‫وحرم أخذ مالها بغير رضاها ‪ ،‬ومن ذلك قوله تعالى ‪:‬‬
‫ذي‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫مث ْ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫ف ( النساء‪ ، 19/‬وقوله ‪ ) :‬وَل َهُ ّ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫شُروهُ ّ‬ ‫عا ِ‬ ‫) وَ َ‬
‫م(‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ّ‬
‫ة َوالل ُ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ن د ََر َ‬ ‫َ‬
‫ل ع َلي ْهِ ّ‬ ‫جا ِ‬ ‫ف وَِللّر َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ِبال َ‬ ‫ع َل َي ْهِ ّ‬
‫البقرة‪. 228/‬‬
‫خي ًْرا ( رواه‬ ‫ساِء َ‬ ‫صوا ِبالن ّ َ‬ ‫ست َوْ ُ‬ ‫وقوله صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬ا ْ‬
‫البخاري )‪ (3331‬ومسلم )‪. (1468‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫خي ُْرك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م لهْل ِهِ وَأَنا َ‬ ‫خي ُْرك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫خي ُْرك ُ ْ‬ ‫وقوله صلى الله عليه وسلم ‪َ ) :‬‬
‫ل َهِْلي ( رواه الترمذي )‪ (3895‬وابن ماجه )‪ (1977‬وصححه‬
‫اللباني في صحيح الترمذي ‪.‬‬
‫وكرمها بنتا ‪ ،‬فحث على تربيتها وتعليمها ‪ ،‬وجعل لتربية البنات‬
‫ل‬‫عا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫أجرا عظيما ً ‪ ،‬ومن ذلك ‪ :‬قوله صلى الله عليه وسلم ‪َ ) :‬‬
‫ه ( رواه‬ ‫جاريتين حتى تبل َُغا جاَء يوم ال ْقيامة أ َنا وهُو وض َ‬
‫صاب ِعَ ُ‬ ‫مأ َ‬ ‫َ ْ َ ِ َ َ ِ َ َ َ َ َ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ ََِْ ِ َ ّ َْ‬
‫مسلم )‪. (2631‬‬
‫مرٍ رضي الله عنه قال ‪:‬‬ ‫عا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ة بْ َ‬ ‫قب َ َ‬‫وروى ابن ماجه )‪ (3669‬عن ع ُ ْ‬
‫ن لَ ُ‬
‫ه‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل‪َ ):‬‬ ‫قو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه ع َل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ساهُ ّ‬ ‫ن وَك َ‬ ‫قاهُ ّ‬ ‫س َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫مه ُ ّ‬ ‫ن ‪ ،‬وَأطعَ َ‬ ‫صب ََر ع َلي ْهِ ّ‬ ‫ت ‪ ،‬فَ َ‬ ‫ث ب ََنا ٍ‬ ‫َثل ُ‬
‫مةِ ( وصححه اللباني في‬ ‫قَيا َ‬‫م ال ْ ِ‬ ‫ن الّنارِ ي َوْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫جاًبا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫جد َت ِهِ ك ُ ّ‬ ‫ِ‬
‫صحيح ابن ماجه ‪.‬‬
‫دته( أي من غناه ‪.‬‬ ‫ج َ‬ ‫وقوله ‪) :‬من ِ‬
‫وكرم السلم المرأة أختا وعمة وخالة ‪ ،‬فأمر بصلة الرحم ‪،‬‬
‫وحث على ذلك ‪ ،‬وحرم قطيعتها في نصوص كثيرة ‪ ،‬منها ‪ :‬قوله‬
‫َ‬ ‫س ‪ ،‬أ َفْ ُ‬ ‫َ‬
‫موا‬ ‫م ‪ ،‬وَأط ْعِ ُ‬ ‫سل َ‬ ‫شوا ال ّ‬ ‫صلى الله عليه وسلم ‪َ ) :‬يا أي َّها الّنا ُ‬
‫خُلوا‬ ‫م ‪ ،‬ت َد ْ ُ‬ ‫س ن َِيا ٌ‬ ‫ل َوالّنا ُ‬ ‫صّلوا ِبالل ّي ْ ِ‬ ‫م ‪ ،‬وَ َ‬ ‫حا َ‬ ‫صُلوا ال َْر َ‬ ‫م ‪ ،‬وَ ِ‬ ‫الط َّعا َ‬

‫‪554‬‬
‫سلم ٍ ( رواه ابن ماجه )‪ (3251‬وصححه اللباني في‬ ‫ة بِ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫جن ّ َ‬
‫صحيح ابن ماجه ‪.‬‬
‫م أنه‬ ‫سل ّ َ‬‫ه ع َل َي ْهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ّ ُ‬
‫ي َ‬‫ن الن ّب ِ ّ‬
‫وروى البخاري )‪ (5988‬ع َ ْ‬
‫ن‬‫م ْ‬‫ه ‪ ،‬وَ َ‬ ‫ْ‬
‫صلت ُ ُ‬ ‫ك وَ َ‬‫صل ِ‬‫َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫م ْ‬‫ه تعالى – عن الرحم‪َ ) : -‬‬ ‫ل ‪ :‬قال الل ّ ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ه(‪.‬‬ ‫ك قَط َعْت ُ ُ‬ ‫قَط َعَ ِ‬
‫وقد تجتمع هذه الوجه في المرأة الواحدة ‪ ،‬فتكون زوجة وبنتا‬
‫وأما وأختا وعمة وخالة ‪ ،‬فينالها التكريم من هذه الوجه‬
‫مجتمعة ‪.‬‬
‫وبالجملة ؛ فالسلم رفع من شأن المرأة ‪ ،‬وسوى بينها وبين‬
‫الرجل في أكثر الحكام ‪ ،‬فهي مأمورة مثله باليمان والطاعة ‪،‬‬
‫ومساوية له في جزاء الخرة ‪ ،‬ولها حق التعبير ‪ ،‬تنصح وتأمر‬
‫بالمعروف وتنهى عن المنكر وتدعو إلى الله ‪ ،‬ولها حق التملك ‪،‬‬
‫تبيع وتشتري ‪ ،‬وترث ‪ ،‬وتتصدق وتهب ‪ ،‬ول يجوز لحد أن يأخذ‬
‫مالها بغير رضاها ‪ ،‬ولها حق الحياة الكريمة ‪ ،‬ل ُيعتدى عليها ‪ ،‬ول‬
‫ُتظلم ‪ .‬ولها حق التعليم ‪ ،‬بل يجب أن تتعلم ما تحتاجه في دينها ‪.‬‬
‫ومن قارن بين حقوق المرأة في السلم وما كانت عليه في‬
‫الجاهلية أو في الحضارات الخرى علم حقيقة ما قلناه ‪ ،‬بل‬
‫نجزم بأن المرأة لم تكرم تكريما أعظم مما كرمت به في‬
‫السلم ‪.‬‬
‫ول داعي لن نذكر حال المرأة في مجمتع الغريق أو الفرس أو‬
‫اليهود ‪ ،‬لكن حتى المجتمعات النصرانية كان لها موقف سيء مع‬
‫المرأة ‪ ،‬فقد اجتمع اللهوتيون في "مجمع ماكون" ليبحثوا ‪ :‬هل‬
‫المرأة جسد بحت أم جسد ذو روح ؟! وغلب على آرائهم أنها‬
‫خْلو من الروح الناجية ‪ ،‬ول يستثنى من ذلك إل مريم عليها‬ ‫ِ‬
‫السلم ‪.‬‬
‫وعقد الفرنسيون مؤتمرا سنة ‪586‬م للبحث في شأن المرأة ‪:‬‬
‫هل لها روح أم ل ؟ وإذا كانت لها روح هي روح حيوانية أم روح‬
‫إنسانية ؟ وأخيرا قرروا أنها إنسان ! ولكنها خلقت لخدمة الرجل‬
‫فحسب ‪.‬‬
‫وأصدر البرلمان النجليزي قرارا في عصر هنري الثامن يحظر‬
‫على المرأة أن تقرأ "العهد الجديد" لنها تعتبر نجسة ‪.‬‬
‫والقانون النجليزي حتى عام ‪ 1805‬م كان يبيح للرجل أن يبيع‬
‫زوجته ‪ ،‬وقد حدد ثمن الزوجة بستة بنسات ‪.‬‬
‫وفي العصر الحديث أصبحت المرأة تطرد من المنزل بعد سن‬
‫الثامنة عشرة لكي تبدأ في العمل لنيل لقمة العيش ‪ ،‬وإذا ما‬
‫رغبت في البقاء في المنزل فإنها تدفع لوالديها إيجار غرفتها‬
‫وثمن طعامها وغسيل ملبسها !‬

‫‪555‬‬
‫ينظر ‪" :‬عودة الحجاب" )‪. (56 -2/47‬‬
‫فكيف يقارن هذا بالسلم الذي أمر ببرها والحسان إليها‬
‫وإكرامها ‪ ،‬والنفاق عليها ؟!‬
‫ثانيا ً ‪:‬‬
‫وأما تغير هذه الحقوق عبر العصور ‪ ،‬فل تغير فيها من حيث‬
‫المبدأ والتأصيل النظري ‪ ،‬وأما من حيث التطبيق فالذي ل شك‬
‫فيه أن العصر الذهبي للسلم كان المسلمون فيه أكثر تطبيقا‬
‫لشريعة ربهم ‪ ،‬ومن أحكام هذه الشريعة ‪ :‬بر الم والحسان إلى‬
‫الزوجة والبنت والخت والنساء بصفة عامة ‪ .‬وكلما ضعف التدين‬
‫كلما حدث الخلل في أداء هذه الحقوق ‪ ،‬لكن ل تزال طائفة إلى‬
‫يوم القيامة تتمسك يدينها ‪ ،‬وتطبق شريعة ربها ‪ ،‬وهؤلء هم أولى‬
‫الناس بتكريم المرأة وإيصال حقوقها إليها ‪.‬‬
‫ورغم ضعف التدين عند كثير من المسلمين اليوم إل أن المرأة‬
‫ما ً وبنتا وزوجة وأختا ‪ ،‬مع التسليم‬ ‫تبقى لها مكانتها ومنزلتها ‪ ،‬أ ّ‬
‫بوجود التقصير أو الظلم أو التهاون في حقوق المرأة عند بعض‬
‫الناس ‪ ،‬وكل مسئول عن نفسه ‪.‬‬
‫السلم سؤال وجواب‬
‫عوده‬
‫حقوق المرأة في الرث اسلميا ً‬
‫‪ -1‬في الحضارات السابقة للسلم ‪:‬‬
‫كانت المرأة‪ ,‬في الحضارات القديمة تحرم من حقها في الرث‬
‫حتى ل ينتقل المال بزواج البنت من بيت الب الى بيت الزوج‪,‬‬
‫وكان ينحصر الرث في البن الكبر البالغ القوي القادر على حمل‬
‫السلح والدفاع عن القبيلة ‪0‬‬
‫‪ -2‬في الشريعة السلمية ‪:‬‬
‫لقد تناولت الشريعة السلمية مسائل التوريث بإفاضة وتفصيل‬
‫وتحديد شمل جميع حالت التوارث وسببه وموانعه وترتيبه ‪0‬‬
‫أ ‪) -‬حق المرأة في الرث( ‪:‬‬
‫أعطى السلم المرأة الحق في إرث والديها وأقاربها وجعله‬
‫ك‬‫ما ت ََر َ‬‫م ّ‬‫ب ّ‬ ‫ل َنصي ِ ٌ‬ ‫جا ِ‬ ‫نصيبا ً مفروضا ً لها لقوله تعالى ‪ّ ):‬للّر َ‬
‫ن َوال َقَْرُبو َ‬
‫ن‬ ‫دا ِ‬‫وال ِ َ‬‫ك ال ْ َ‬
‫ما ت ََر َ‬‫م ّ‬
‫ب ّ‬ ‫صي ٌ‬ ‫ساء ن َ ِ‬ ‫ن َوال َقَْرُبو َ‬
‫ن وَِللن ّ َ‬ ‫دا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫وال ِ َ‬
‫ل من َ‬
‫ضا )‪(7‬النساء(‪0‬‬ ‫فُرو ً‬ ‫م ْ‬
‫صيًبا ّ‬‫ه أوْ ك َث َُر ن َ ِ‬
‫ما قَ ّ ِ ْ ُ‬ ‫م ّ‬‫ِ‬
‫ويرى فقهاء المسلمين أن هذه الية تقرر قاعدة عامة في تثبيت‬
‫شرعية الرث الذي يحق للجنسين ‪-‬الرجال والنساء‪ -‬كما يرون‬
‫فيه تشريعا ً حقوقيا ً لسنة جديدة لم تكن مألوفة من قبل وهي‬
‫توريث المرأة ‪0‬‬

‫‪556‬‬
‫وتنحصر أسباب الرث في الشريعة السلمية في ثلثة ‪ :‬الزوجية‬
‫والقرابة والتعصيب ‪ 0‬وأنواعه بثلثة أيضا ً ‪ } :‬الرث بالفرض و‬
‫الرث بالتعصيب و الرث بالرحم {‬
‫‪} -1‬الرث بالفرض{ ‪:‬‬
‫والفرض "لغة " معناه التقدير‪ ,‬وقد أطلق الفقهاء على بحث‬
‫المواريث " علم الفرائض " لن أنصباء الورثة محدودة‬
‫مقطوعة ‪ 0‬فالتوريث بالفرض يعتبر‪ ,‬بمثابة ميراث بالتخصيص أي‬
‫أن أصحاب الفروض يأخذون فرضهم أو حصتهم المحفوظة من‬
‫التركة قبل أي وارث آخر نزول ً عند حديث الرسول الشريف ‪" :‬‬
‫الحقوا الفرائض بأهلها ‪ ,‬فما بقي فهي لولى رجل ذكر "‪0‬‬
‫ترث المرأة بالفرض في ثمانية حالت في حين ل يرث الرجل‬
‫بالفرض إل في أربعة حالت فقط ‪0‬‬
‫وهذه الحالت التي ترث فيها المرأة بالفرض هي ‪:‬‬
‫*الزوجة ‪ :‬ونصيبها محدد بالية ‪:‬‬
‫م وَل َد ٌ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫م وَل َد ٌ فَِإن َ‬ ‫كن ل ّك ُ ْ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫م ِإن ل ّ ْ‬ ‫ما ت ََرك ْت ُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ن الّرب ُعُ ِ‬ ‫)وَل َهُ ّ‬
‫َ‬
‫ن)‬ ‫ن ب َِها أوْ د َي ْ ٍ‬ ‫صو َ‬ ‫صي ّةٍ ُتو ُ‬ ‫من ب َعْد ِ وَ ِ‬ ‫ما ت ََرك ُْتم ّ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن الث ّ ُ‬ ‫فَل َهُ ّ‬
‫‪(12‬النساء(‬
‫*الم ‪ :‬ونصيبها محدد بالية ‪:‬‬
‫ه وَل َد ٌ فَِإن‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ك ِإن َ‬ ‫ما ت ََر َ‬ ‫م ّ‬‫س ِ‬ ‫سد ُ ُ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫من ْهُ َ‬ ‫حد ٍ ّ‬ ‫ل َوا ِ‬ ‫)وَل َب َوَي ْهِ ل ِك ُ ّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫كن ل ّه ول َد وورث َ َ‬
‫ه‬
‫م ِ‬ ‫خوَة ٌ فَل ّ‬ ‫ه إِ ْ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ث فَِإن َ‬ ‫مهِ الث ّل ُ ُ‬ ‫واه ُ فَل ّ‬ ‫ه أب َ َ‬ ‫ُ َ ٌ َ َ ِ ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫لّ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م لَ‬ ‫م وَأبناؤ ُك ُ ْ‬ ‫ن آَبآؤ ُك ُ ْ‬ ‫صي ب َِها أوْ د َي ْ ٍ‬ ‫صي ّةٍ ُيو ِ‬ ‫من ب َعْد ِ وَ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫سد ُ ُ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ع َِليما‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ن الل ّهِ إ ِ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ة ّ‬ ‫ض ً‬ ‫ري َ‬ ‫فعا ً فَ ِ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫ب ل َك ُ ْ‬ ‫م أقَْر ُ‬ ‫ن أي ّهُ ْ‬ ‫ت َد ُْرو َ‬
‫ما )‪(11‬النساء(‬ ‫كي ً‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫*البنت ‪ :‬فرض لها النصف إذا لم يكن معها أخ أو أخت ‪) :‬وَِإن‬
‫ف )‪ (11‬النساء (‬ ‫ص ُ‬ ‫حد َة ً فَل ََها الن ّ ْ‬ ‫ت َوا ِ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫َ‬
‫*بنت البن ‪ :‬ترث بالفرض إذا لم يكن يحجبها فرع وارث أعلى‬
‫منها ل من الذكور ول من الناث ‪0‬‬
‫*الخت الشقيقة ‪ :‬ترث أخاها المتوفي النصف فرضا ً إن كانت‬
‫ن‬
‫كا َ‬ ‫واحدة أي ليس لها أخ أو أخت شقيقة وأل ترث وفق )وَِإن َ‬
‫ما‬
‫من ْهُ َ‬ ‫حد ٍ ّ‬ ‫ل َوا ِ‬ ‫ت فَل ِك ُ ّ‬ ‫خ ٌ‬ ‫خ أ َوْ أ ُ ْ‬ ‫ه أَ ٌ‬ ‫ة َأو ا َ‬
‫مَرأة ٌ وَل َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ث ك َل َل َ ً‬ ‫ل ُيوَر ُ‬ ‫ج ٌ‬ ‫َر ُ‬
‫َ‬
‫من ب َعْدِ‬ ‫ث ِ‬ ‫كاء ِفي الث ّل ُ ِ‬ ‫شَر َ‬ ‫م ُ‬ ‫ك فَهُ ْ‬ ‫من ذ َل ِ َ‬ ‫كان ُوَا ْ أك ْث ََر ِ‬ ‫س فَِإن َ‬ ‫سد ُ ُ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫م‬
‫ه ع َِلي ٌ‬ ‫ن الل ّهِ َوالل ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ة ّ‬‫صي ّ ً‬ ‫ضآّر وَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن غ َي َْر ُ‬ ‫صى ب َِهآ أوْ د َي ْ ٍ‬ ‫صي ّةٍ ُيو َ‬ ‫وَ ِ‬
‫م )‪ (12‬النساء(‪0‬‬ ‫حِلي ٌ‬ ‫َ‬
‫*الخت لب ‪ :‬إذا لم يكن معها أخت شقيقة للمتوفي تخضع‬
‫لنفس أحكام الخت الشقيقة ‪0‬‬
‫*الجدة الصحيحة ‪ :‬وهي أم لب أو أم أب الب ‪ ,‬أو أم الب‬
‫وكذلك أم الم‪ ,‬وهي ترث بواقع السدس إن كانت واحدة ‪0‬‬

‫‪557‬‬
‫‪} -2‬الرث بالتعصيب{‪:‬‬
‫ترث المرأة بالتعصيب إذا كانت تشترك في جهة القرابة بدرجة‬
‫واحدة كالخ مع أخته الشقيقة أو أخوته‪ ,‬وكبنت البن مع ابن‬
‫مساو لها في الدرجة ولم يحجبهم من هو أقرب منهم درجة ‪0‬‬
‫ففي هذه الحالت ترث النثى نصف ما‬
‫يرثه الذكر طبقا ً للقاعدة السلمية واستنادا ً إلى الية ‪:‬‬
‫ل َ ّ ُ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(11‬النساء(‪0‬‬ ‫حظ النث َي َي ْ ِ‬ ‫م ِللذ ّك َرِ ِ‬
‫مث ْ ُ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ه ِفي أوْل َد ِك ُ ْ‬ ‫صيك ُ ُ‬
‫) ُيو ِ‬
‫والحالت التي ترث فيها النثى بالتعصيب هي ‪ :‬البنت‪ ,‬بنت البن‪,‬‬
‫الخت لبوين‪ ,‬والخت لب ‪0‬‬
‫‪} -3‬الرث بالرحم{ ‪:‬‬
‫يعرف الفقهاء ذوي الرحام‪ ,‬بالقارب من غير أصحاب الفروض‬
‫أو العصاب مثل ‪ :‬أولد البنت‪ ,‬والجد غير الصحيح )وهو أبو الم‬
‫وأبو أم الب( والجدة غير الصحيحة وأبناء الخوة لم وأولد‬
‫الخوات وبنات الخوة ‪0‬‬
‫والشريعة السلمية لم تورد نصا ً صريحا ً في تأريث ذوي الرحام‬
‫ولكن جمهور الفقهاء يرى تأريثهم بترتيبهم في الرث‪ ,‬وفي حال‬
‫لم يترك المتوفي أحدا ً من أصحاب الفروض ول من العصبة من‬
‫أقاربه‬
‫ب ‪) -‬النتقادات(‬
‫على الرغم من كل هذه الحقوق المتعددة التي منحتها الشريعة‬
‫السلمية للمرأة في الميادين المختلفة جميعها وعلى الرغم من‬
‫أن معظم هذه الحقوق لم تنلها " المرأة العالمية " اليوم في‬
‫مختلف دول العالم إل بعد جهود كبيرة ومتتابعة وظلت في أكثرها‬
‫بشكل مطالب تسعى إلى تنفيذها المم المتحدة‪ ,‬فإن بعض‬
‫المتحاملين على السلم ‪ ,‬تذرعوا " بقاعدة الرث " عند‬
‫المسلمين التي تقول ‪ " :‬للذكر مثل حظ النثيين " ليوجهوا‬
‫أنتقاداتهم اللذعة فيقولون ‪:‬‬
‫" إن هذه القاعدة تكرس مبدأ التمييز ضد المرأة وهي تلحق بها‬
‫الجور والضرر على أعتبار أن الولد يرث ضعفي ما ترثه البنت‬
‫من البوين ‪ 0‬ومن هذه النتقادات ما جاء على لسان " جبريال‬
‫بير " من قوله ‪ ":‬إن قضية الرث ونصيب المرأة منه نصف‬
‫نصيب الرجل لهو بدون شك سبب مهم بالنسبة لدونية المرأة‬
‫العربية المسلمة"‪0‬‬
‫وقد لقى هؤلء المتحاملين على السلم ‪ ,‬صدى ليس فقط عند‬
‫غير المسلمين بل عند بعض الفئات المسلمة الجاهلة جهل ً مطبقا ً‬
‫لحكام الشريعة والغاية النبيلة التي وضعت من أجلها‪ ,‬فطالبت‬

‫‪558‬‬
‫هي الخرى بتعديل هذه القاعدة حتى يتساوى نصيب الذكر و‬
‫النثى في الميراث ‪0‬‬
‫فلهؤلء نقول ‪:‬‬
‫إن قاعدة " التنصيف " هذه ليست قاعدة مطردة وثابتة في‬
‫جميع أنصبة الرث التي تتعلق بالنساء فهناك حالت ‪:‬‬
‫‪ -1‬يتساوى فيها الذكر مع النثى في نصيبهما من الرث ‪ 0‬فقد‬
‫تساوى نصيب الب وهو مذكر ‪ ,‬مع نصيب الم وهي أنثى في‬
‫ميراث أبنهما ‪ 0‬وكذلك يتعادل نصيب الخ والخت في الميراث‬
‫إذا كان رجل يورث كللة )أي ليس له والد ول ولد(‪ 0‬فلكل واحد‬
‫منهما السدس ‪0‬‬
‫‪ -2‬إن قاعدة التنصيف مفروضة فقط في أنصبة الرث وليس‬
‫على مال التركة كله ‪ 0‬إذ قد تزيد حصة الناث على حصة الذكور‬
‫في مجموع مال التركة ‪ 0‬مثل ً ‪ :‬إذا توفي رجل وله زوجة وأم‬
‫وثلث بنات ومولود ذكر ‪ ,‬فإن مجموع ما ترثه الناث يفوق ما‬
‫يرثه الذكر ‪0‬‬
‫‪ -3‬إن هذه القاعدة ل تطبق في المال الموهوب‪ ,‬إذ للبنت أن‬
‫تتساوى مع أخيها في الهبة أي في العطاء البوي الممنوح وهو‬
‫على قيد الحياة بل يحظر تفضيل البن على البنت لقوله) ( ‪" :‬‬
‫سوٌوا بين أولدكم في العطية ‪ ,‬فلو كنت مفضل ً أحدا ً لفضلت‬
‫النساء "‪0‬‬
‫‪ -4‬كذلك المر في الوصية ‪ 0‬وهي بتعريف الفقهاء ‪ :‬تمليك‬
‫مضاف إلى ما بعد الموت بطريق الشرع ‪ 0‬فإنه يجوز للموصي‬
‫أن يطبق قاعدة المساواة في الوصية بين الذكور والناث‪ ,‬أو أن‬
‫يراعي قاعدة التنصيف إن أراد ذلك ‪0‬‬
‫‪ -5‬وأخيرا ً إن قاعدة التنصيف مستثناة في الراضي الميرية التي‬
‫يراعى فيها مبدأ التساوي بين الذكور والناث في إنتقال الراضي‬
‫الميرية من شخص إلى آخر ‪0‬‬
‫*****‬
‫الحكمة الشرعية من هذه القاعدة ‪:‬‬
‫إن التمييز الحاصل في الميراث بين الذكور والناث من الولد ‪,‬‬
‫ل يقصد منه أبدا ً " التهوين " أو التقليل من اعتبارهن كونهن "‬
‫إناث " كما يدعي البعض ‪ 0‬لن هذا النصاب قد حدد من وجهة‬
‫الشرع السلمي على أساس المهام بين أعباء الرجل القتصادية‬
‫في الحياة العائلية ‪ ,‬وبين أعباء المرأة ‪0‬‬
‫لذا يرى رجال الدين السلمي أن جعل نصيب المرأة في‬
‫الميراث نصف نصيب الرجل " ينبغي أل ينفك عن تحديد‬
‫مسؤوليات الرجل الشرعية‪ ,‬مادية ومعنوية ومنها إلتزام النفاق‬

‫‪559‬‬
‫على المرأة التي هي في وليته زوجة وبنتًا‪ ,‬أما ً أو أختًا‪ ,‬أو قريبة‬
‫تلزمه النفقة عليها ‪0‬‬
‫فالتفاوت في التبعات المالية هو الذي أدى إلى تفاوت في أنصبة‬
‫الميراث ‪0‬‬
‫والتزام الرجل بها شرعا ً بل منة ول تمنين‪ ,‬هو الذي حدا بالشرع‬
‫السلمي إلى أن يحكم للمرأة نصف نصيب الرجل في الرث ‪0‬‬
‫وأننا لو ألقينا نظرة سريعة على وجوه وجوب النفاق المكلف بها‬
‫الرجل شرعا ً لدركنا في نهاية المطاف أن المرأة هي الرابحة‬
‫ماديًا‪ ,‬لن الرجل مطلوب منه شرعا ً وباختصار ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يتكفل أمه وأباه ‪ ,‬واخنه وأخاه‪ ,‬وأقاربه الدنى فالدنى إن‬
‫كانوا معسرين ‪ 0‬والمرأة معفاة من هذا الواجب لقوله تعالى ‪:‬‬
‫ن‬ ‫خي ْرٍ فَل ِل ْ َ‬
‫وال ِد َي ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫قُتم ّ‬ ‫ما َأن َ‬
‫ف ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن قُ ْ‬ ‫قو َ‬‫ذا ُينفِ ُ‬‫ما َ‬‫ك َ‬ ‫سأ َُلون َ َ‬ ‫)ي َ ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ل )‪ (215‬البقرة(‪0‬‬ ‫سِبي ِ‬‫ن ال ّ‬
‫ن َواب ْ ِ‬ ‫كي ِ‬
‫سا ِ‬‫م َ‬‫مى َوال َ‬ ‫ن َوالي ََتا َ‬ ‫َوالقَْرِبي َ‬
‫كذلك لبد من التنويه بأن الشرع السلمي هو أول شرع قرر‬
‫للمرأة حقها في الرث منذ ‪1400‬سنة ونيف ‪ 0‬وقد خطا خطوة‬
‫كبيرة في مجال القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة‪ ,‬إذ منحها‬
‫من الحقوق المالية أكثر بكثير مما تطمح إليه " المرأة العالمية "‬
‫اليوم في تحقيق ما تصبو اليه في مجال المساواة في الحقوق‬
‫المالية والقتصادية والسرية كماورد في المادة الثالثة عشر‪,‬‬
‫وفي البند " ح " من المادة السادسة عشرة من أتفاقية القضاء‬
‫على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ‪0‬‬
‫وأن ما ترثه المرأة المسلمة تدخره لتتمكن من النفاق على‬
‫نفسها في حال عدم زواجها ‪ ,‬أو في حال وفاة الزوج إذا لم يترك‬
‫لهاما يقوم بأودها ‪ 0‬فيكون المال الذي ورثته بمثابة مال أحتياطي‬
‫تنفقه عند الضرورة على نفسها أو على أسرتها ‪0‬‬
‫وتجدر الشارة هنا إلى أنه إن قدر للمرأة أن تساعد في عملية‬
‫النفاق بسبب ضيق حال الزوج‪ ,‬أو بسبب إعساره‪ ,‬أو بسبب‬
‫أرتفاع مستوى المعيشة‪ ,‬أو لي سبب أخر فإنها تقوم بعملها هذا‬
‫متطوعة ومحتسبة في عملها هذا أجرا ً وثوابا ً من الله تعالى ‪0‬‬
‫جاء في حديث للرسول ) ( عن أم سلمة أنها قالت ‪ " :‬يا رسول‬
‫الله‪ ,‬هل لي في بني أبي سلمة أجر أن أنفق عليهم‪ ,‬ولست‬
‫بتاركتهم هكذا‪ ,‬ول هكذا )أي يتفرقون في طلب القوت يمينا ً‬
‫ل( إنا هم بني ‪0‬‬ ‫وشما ً‬
‫فقال النبي ) ( ‪ " :‬لك أجر ما أنفقت عليهم "‪0‬‬
‫‪ -2‬أن يعول زوجه وأولده ‪ ,‬ويؤمن لهم المسكن والمأكل‬
‫والمشرب والملبس وسائر مصاريف تكاليف الحياة المعيشية من‬
‫تطبيب وتعليم وترفيه‪ ,‬والمرأة معفاة من ذلك ‪0‬‬

‫‪560‬‬
‫‪ -3‬أن يؤمن نفقة الزوجة إذاما طلقت حتى تنتهي مدة عدتها‪,‬‬
‫وقد تمتد فترة النفقة إذا ما كانت حامل ً إلى أن تضع حملها ‪ 0‬كما‬
‫يطلب من الرجل أن يؤمن أجرة الرضاعة إذا أمتنعت الم عن‬
‫إرضاع رضيعها ‪ 0‬والمرأة معفاة من ذلك ‪0‬‬
‫ف لَ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬‫سوَت ُهُ ّ‬‫ن وَك ِ ْ‬ ‫ه رِْزقُهُ ّ‬ ‫موُْلود ِ ل َ ُ‬ ‫يقول تعالى ‪َ ) :‬وعَلى ال ْ َ‬
‫سعََها )‪ (233‬البقرة(‪0‬‬ ‫س إ ِل ّ وُ ْ‬‫ف ٌ‬ ‫ت ُك َل ّ ُ‬
‫ف نَ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن)‬ ‫مل َهُ ّ‬‫ح ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ضعْ َ‬ ‫حّتى ي َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫قوا ع َل َي ْهِ ّ‬ ‫ل فَأنفِ ُ‬ ‫م ٍ‬ ‫ح ْ‬ ‫ت َ‬‫ن أوَل ِ‬ ‫) وَِإن ك ُ ّ‬
‫‪(6‬الطلق(‬
‫ُ‬
‫خَرى )‪(6‬الطلق (‪0‬‬ ‫هأ ْ‬ ‫ضعُ ل َ ُ‬ ‫ست ُْر ِ‬ ‫م فَ َ‬ ‫سْرت ُ ْ‬ ‫) وَِإن ت ََعا َ‬
‫‪ -4‬أن يقدم المهر لعروسه قل أو كثر و ل تتكلف المرأة شيئا ً‬
‫ة )‪(4‬النساء(‪0‬‬ ‫حل َ ً‬ ‫صد َُقات ِهِ ّ‬
‫ن نِ ْ‬ ‫ساء َ‬ ‫لقوله تعالى ‪َ) :‬وآُتوا ْ الن ّ َ‬
‫إذن هذه العباء المالية الملقاة على عاتق الرجل شرعًا‪ ,‬هي‬
‫التي أدت الى هذا التفاوت في أنصبة الرث بينه وبين المرأة ‪0‬‬
‫وعليه يمكن القول بأن الرجل والمرأة متعاكسان في الملك‬
‫والمصروف‪ ,‬فليس هناك من غبن أو ظلم‪ -‬كما يتوهم المغرضون‬
‫‪ -‬في قضية الميراث عند المسلمين بتطبيق قاعدة التنصيف ‪0‬‬
‫ومقارنة سريعة وبسيطة بين ما يمكن أن تملكه النساء‬
‫المسلمات عن طريق الرث وما يمكن أن تحصل عليه النساء‬
‫غير المسلمات في العالم من أموال معتمدين على ماجاء في‬
‫تقرير برنامج ‪:‬‬
‫" خطة العمل العالمية للنصف الثاني من عقد المم المتحدة‬
‫للمرأة العالمية عام ‪" 1980‬‬
‫لدركنا بطلن التعرض لهذه القاعدة موضوع النتقادات ‪0‬‬
‫يقول التقرير ‪ " :‬فبينما تمثل المرأة ‪ %50‬من سكان العالم‬
‫الراشدين وثلث قوة العمل الرسمية ‪ ,‬فإنها تعمل تقريبا ً ثلثي‬
‫ساعات العمل ول تتلقى إل عشر الدخل العالمي‪ ,‬وتمتلك أقل‬
‫من واحد بالمائة من الممتلكات في العالم "‪0‬‬
‫بينما مقدار أو نسبة ما تملكه المرأة المسلمة عن طريق الرث‬
‫يمثل ‪ 33.33‬بالمائة رغم قاعدة التنصيف ‪ 0‬فالدعوة إلى تغير "‬
‫قاعدة التنصيف " في قضية الرث دعوة ل يمكن أن تعطي ثمارا ً‬
‫مقنعة للداعين لها‪ ,‬هذا فضل ً عن أنها حكم شرعي إلهي ل يقبل‬
‫التعديل ول التبديل ومن أعلم بمصلحة الخلق إل هو سبحانه‬
‫وتعالى ؟‪0‬‬
‫‪ -5‬رأي المنصفين بنظام التوريث عند السلم ‪:‬‬
‫جاء على لسان " أنا بيزنت " في كتابها ‪ " :‬الديان المنتشرة في‬
‫الهند " ما يلي ‪:‬‬

‫‪561‬‬
‫" إن قاعدة الرث في السلم للمرأة‪ ,‬أكثر عدل ً وأوسع حرية‬
‫من ناحية الستقلل الذي يمنحه إياه القانون المسيحي النكليزي‬
‫‪ 0‬وما سنه السلم للمرأة يعتبر قانونا ً نموذجا ً إذ تكفل بحمايتها‬
‫في كل ماتملكه عن أقاربها أو زوجها أو أبيها "‪0‬‬
‫كما جاء على لسان " غوستاف لوبون " في هذا الموضوع ما يلي‬
‫‪:‬‬
‫ً‬
‫" منح القرآن المرأة حقوقا إرثية بأحسن مما في قوانيننا‬
‫الوروبية ‪ 0‬وإن قوانين الميراث التي نص عليهاالقرآن على جانب‬
‫كبير من العدل والنصاف ‪ 0‬وأن الشريعة السلمية منحت‬
‫الزوجان حقوقا ً في المواريث ل نجد مثلها في قوانيننا "‪0‬‬
‫‪-----------------------------‬‬
‫منقول عن‪ ) :‬حقوق المرأة بين الشرع السلمي والشرعة‬
‫العالمية لحقوق النسان (‬
‫======================‬
‫ف‬
‫عُرو ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫ه ّ‬
‫شُرو ُ‬ ‫عا ِ‬ ‫و َ‬‫َ‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫إن الزواج مبني على التفاهم والمحبة والتراحم والمعاشرة‬
‫الحسنة بالمعروف وإعطاء كل من الزوجين للخر حقه‪ ....‬قال‬
‫ف }النساء‪ ،{19:‬وقال تعالى‪:‬‬ ‫ن ِبال ْ َ‬
‫معُْرو ِ‬ ‫شُروهُ ّ‬ ‫عا ِ‬
‫الله تعالى‪ :‬وَ َ‬
‫ف }البقرة‪.{228:‬‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫ذي ع َل َي ْهِ ّ‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫مث ْ ُ‬ ‫وَل َهُ ّ‬
‫ن ِ‬
‫وينبغي لكل الزوجين أن يكون سترا ً ولباسا ً لصاحبه يعفه عن‬
‫التطلع إلى ما حرم الله تعالى‪ ،‬وأن يقيما حياتهما على طاعة الله‬
‫ومن ذلك تشاورهما في برامجهما‪ ،‬ولكن شرع الله حاكم عليهما‬
‫ويجب التسليم له دائمًا‪ ،‬ول شك أن امتناع الزوجة عن موافقة‬
‫زوجها في طلب الفراش معصية خطيرة يجب الحذر منها‪ ،‬لما‬
‫توجبه من سخط الله ولعن الملئكة‪ ،‬كما في الصحيحين عن أبي‬
‫هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪ :‬إذا‬
‫دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته‪ ،‬فبات غضبان عليها لعنتها‬
‫الملئكة حتى تصبح‪.‬‬
‫وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم قال‪ :‬والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته‬
‫إلى فراشه فتأبى عليه إل كان الذي في السماء ساخطا ً عليها‬
‫حتى يرضى عنها‪.‬‬
‫ومحل هذا إذا لم يكن لديها عذر شرعي كالصيام الواجب‬
‫والمرض أو نحو ذلك‪ ،‬فإذا كانت المرأة معذورة شرعًا‪ ،‬كأن‬
‫ل‪ ،‬فل حرج عليها إن لم تجبه إلى‬ ‫كانت مريضة ل تطيق الجماع مث ً‬

‫‪562‬‬
‫ذلك‪ ،‬بل قد يحرم عليها إجابته إلى الجماع أحيانًا‪ ،‬كأن دعاها إليه‬
‫وهي حائض‪ ،‬أو صائمة في صيام واجب أو محرمة بنسك‪.‬‬
‫ولكن مما ينبغي التنبه له أن الدعوة إلى الفراش أعم من‬
‫الجماع‪ ،‬فيجب عليها أن تجيبه للستمتاع بها بما فوق الزار إن‬
‫كانت حائضًا‪ ،‬وبما تطيقه إن كانت مريضة‪ ،‬قال النووي في‬
‫شرحه لهذا الحديث‪ :‬فيه دليل على تحريم امتناعها من فراشه‬
‫لغير عذر شرعي‪ ،‬وليس الحيض بعذر في المتناع لن له حقا من‬
‫الستمتاع بما فوق الزار‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫وقال الشوكاني في نيل الوطار‪ :‬قوله‪" :‬فبات غضبان عليها"‬
‫المعصية منها تتحقق بسبب الغضب منه‪ ،‬بخلف ما إذا لم يغضب‬
‫من ذلك فل تكون المعصية متحققة‪ ،‬إما لنه عذرها‪ ،‬وإما لنه‬
‫ترك حقه من ذلك‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫كما يجب على المسلم الستسلم لما حكم الله به ورسوله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬والبعد عن العتراض وتحكيم العقول فيما ثبتت‬
‫ن وََل‬ ‫م ٍ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ن لِ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫فيه نصوص الوحي‪ ،‬فقد قال الله تعالى‪ :‬وَ َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫خي ََرة ُ ِ‬ ‫ْ‬
‫م ال ِ‬ ‫ن لهُ ُ‬ ‫َ‬ ‫كو َ‬ ‫مًرا َأن ي َ ُ‬ ‫ذا قَضى الل ّه ورسول ُ َ‬
‫هأ ْ‬ ‫ُ ََ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫من َةٍ إ ِ َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫مِبيًنا }الحزاب‪:‬‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ضلل ّ‬ ‫ل َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ص الل َ‬ ‫من ي َعْ ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫مرِه ِ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫ن ل َهُ ُ‬
‫م‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫خَتاُر َ‬ ‫شاء وَي َ ْ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫خل ُقُ َ‬ ‫ك يَ ْ‬ ‫‪ ،{36‬وقال تعالى‪ :‬وََرب ّ َ‬
‫ن }القصص‪ ،{68:‬وقال‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ وَت ََعاَلى ع َ ّ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬‫خي ََرة ُ ُ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫م ثُ ّ‬
‫م‬ ‫جَر ب َي ْن َهُ ْ‬‫ش َ‬ ‫ما َ‬ ‫ك ِفي َ‬ ‫مو َ‬ ‫حك ّ ُ‬ ‫ى يُ َ‬ ‫حت ّ َ‬
‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ك ل َ ي ُؤ ْ ِ‬ ‫الله تعالى‪ :‬فَل َ وََرب ّ َ‬
‫ما }النساء‪:‬‬ ‫سِلي ً‬ ‫موا ْ ت َ ْ‬ ‫سل ّ ُ‬ ‫ت وَي ُ َ‬ ‫ضي ْ َ‬ ‫ما قَ َ‬ ‫م ّ‬ ‫جا ّ‬ ‫حَر ً‬ ‫م َ‬ ‫سه ِ ْ‬ ‫ف ِ‬‫دوا ْ ِفي َأن ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫ل َ يَ ِ‬
‫‪.{65‬‬
‫وقال العلمة ابن القيم رحمة الله عليه‪ :‬أقسم سبحانه بنفسه‬
‫المقدسة قسما مؤكدا ً بالنفي قبله على عدم إيمان الخلق حتى‬
‫يحكموا رسوله في كل ما شجر بينهم من الصول والفروع‪،‬‬
‫وأحكام الشرع المعاد‪ ،‬ولم يثبت لهم اليمان بمجرد هذا التحكيم‬
‫حتى ينتفي عنهم الحرج‪ ،‬وهو ضيق الصدر‪ ،‬وتنشرح صدورهم‬
‫لحكمه كل النشراح‪ ،‬وتقبله كل القبول‪ ،‬ولم يثبت لهم اليمان‬
‫بذلك حتى ينضاف إليه مقابلة حكمه بالرضى والتسليم وعدم‬
‫المنازعة‪ ،‬وانتفاء المعارضة والعتراض‪.‬‬
‫وقال عز وجل في كتابه مبينا أن السخط من أحكامه وعدم‬
‫َ‬ ‫الرضا بها كفر‪ :‬ذ َل َ َ‬
‫ه‬
‫وان َ ُ‬
‫ض َ‬ ‫هوا رِ ْ‬ ‫ه وَك َرِ ُ‬ ‫ط الل ّ َ‬ ‫خ َ‬ ‫س َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫م ات ّب َُعوا َ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ُ‬ ‫ِ‬
‫فَأ َحب َ َ‬
‫م }محمد‪ ،{28:‬وذكر العلماء سبعة شروط لـ )ل‬ ‫مال َهُ ْ‬‫ط أع ْ َ‬ ‫ْ َ‬
‫إله إل الله( حتى ينتفع بها قائلها‪ ،‬ومنها‪ :‬النقياد والقبول لما دلت‬
‫عليه ل إله إل الله من‪ :‬إفراده تعالى بالعبادة والطاعة‪ ،‬ثم إن الله‬
‫تعالى جعل للمرأة حقوقا على الرجل يجب عليه أن يسلمها لها‪،‬‬
‫وأوجب عليها مقابل ذلك طاعته وتسليم نفسها له إن أرادها‬

‫‪563‬‬
‫للفراش وكانت مستطيعة‪ ،‬لن الزوج يستحق بالعقد تسليم‬
‫العوض عن ما أصدقها وهو الستمتاع بها‪ ،‬كما تستحق المرأة‬
‫العوض وهو الصداق‪ ،‬فمتى ما طلب الرجل زوجته وجب عليها‬
‫طاعته في ذلك ما لم يمنعها منه مانع شرعي‪ ،‬أو مانع في نفسها‬
‫كمرض ونحوه‪ ،‬ول يخفى أن على الرجل أن يراعي حقوق زوجته‬
‫مث ْ ُ‬
‫ل‬ ‫ن ِ‬‫ويتقي الله تعالى فيها‪ ،‬فالله سبحانه وتعالى يقول‪ :‬وَل َهُ ّ‬
‫ف }البقرة‪.{228:‬‬ ‫ن ِبال ْ َ‬
‫معُْرو ِ‬ ‫ذي ع َل َي ْهِ ّ‬
‫ال ّ ِ‬
‫الريحانه‬
‫=================‬
‫عمل المرأة في الميزان‬
‫إن الصل في عمل المرأة في السلم أن تكون في البيت راعية‬
‫لمال زوجها ‪ ،‬مدبرة لمره ‪ ،‬قائمة على شؤون بيتها ‪ ،‬عاملة‬
‫لتحقيق أهداف الزوجية ‪ ،‬والمومة النبيلة بكل صدق وإخلص ‪،‬‬
‫فإذا كان على زوجها كسب المال ‪ ،‬فإن عليها إنفاق ذلك لتدبير‬
‫شؤون المنزل ‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم‪) :‬المرأة راعية في‬
‫بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها(‪.‬‬
‫وقد ألزم السلم الزوج بالنفاق عليها ‪ ،‬مهما كان مستواه‬
‫المادي ‪ ،‬هذا إذا كانت ذات زوج ‪ ،‬وإذا لم تكن ذات زوج فقد‬
‫ألزم السلم أقاربها‪ :‬أباها ‪ ،‬أو أخاها ‪ ،‬أو غيرهما ممن تلزمها‬
‫إعالتها ‪ ،‬ألزمهم بالنفاق عليها ‪ ،‬وإذا لم يكن هذا ول ذاك ‪ ،‬وهي‬
‫فقيرة ‪ ،‬فقد جعل السلم حق النفاق عليها وكفالتها ‪ ،‬على ولي‬
‫أمر المسلمين من بيت المال ‪ ،‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪) :‬ما من مؤمن إل وأنا أولى الناس به في الدنيا والخرة ‪،‬‬
‫اقرؤوا إن شئتم‪) :‬النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم( ‪ ،‬فأيما‬
‫مؤمن ترك مال ً فلورثته ‪ ،‬وإن ترك دينا ً أو ضياعا ً ‪ ،‬فليأتني ‪ ،‬فأنا‬
‫موله(‪.‬‬
‫كل ذلك حرصا ً من السلم على أن تبقى المرأة في مكانها‬
‫الطبيعي )البيت( ل تبرحه ‪ ،‬تكريما ً لها ‪ ،‬وتقديرا ً لرسالتها في‬
‫الحياة وصونا ً لها من البتذال في زحمة الحياة ‪ ،‬ومتاهات البحث‬
‫عن مصدر للرزق ‪ ،‬لكن قد ل يتيسر للمرأة من يقوم بإعالتها‬
‫ممن ذكرنا ‪ ،‬أو تضطرها بعض الظروف إلى العمل مع وجود‬
‫العائل مثل خصاصة قّيم السرة أو ضآلة معاشه أو مرضه أو‬
‫عجزه أو سبب آخر من هذا القبيل ‪ ،‬حينئذ يكون الخروج من‬
‫البيت ضرورة ل بد منها‪.‬‬
‫وقد راعى السلم هذه الضرورات ‪ ،‬فأباح لذلك خروجها من‬
‫البيت ‪ ،‬والبحث عن مصدر للرزق ‪ ،‬تقضي به حاجتها وتسد‬

‫‪564‬‬
‫عوزها ‪ ،‬على أن يكون في مجال العمال المشروعة التي تحسن‬
‫أداءها‪.‬‬
‫ول تتنافر مع طبيعتها ‪ ،‬وأن تؤديه وهي في وقار وحشمة ‪ ،‬وفي‬
‫صورة بعيدة عن مظان الفتنة ‪ ،‬وأن ل يكون من شأن هذا العمل‬
‫أن يؤدي إلى ضرر اجتماعي ‪ ،‬أو خلقي ‪ ،‬أو يعوقها عن أداء‬
‫واجباتها الخرى ‪ ،‬نحو زوجها ‪ ،‬وأولدها ‪ ،‬وبيتها ‪ ،‬ويكلفها ما ل‬
‫تطيقه ‪ ،‬ول تخرج في زيها وزينتها ‪ ،‬وستر أعضاء جسمها ‪،‬‬
‫واختلطها بغيرها أثناء أدائها لعملها في الخارج عما سنته‬
‫الشريعة السلمية في هذه الشؤون‪.‬‬
‫هذا هو هدي السلم في عمل المرأة ‪ ،‬أما إتاحة الفرصة للمرأة‬
‫للعمل ‪ ،‬وإباحته لها مطلقا ً ‪ ،‬لضرورة ولغيرها ‪ ،‬فذلك مما يتنافى‬
‫مع الشريعة ‪ ،‬ومع الفطرة السليمة ‪ ،‬التي فطر الله عليها المرأة‬
‫‪ ،‬ويتنافى مع رسالتها الساسية في الحياة ‪ ،‬ومعطل لسمى‬
‫خصائص المرأة من ووظائفها الطبيعية ‪ ،‬والجتماعية ‪ ،‬ومعطل‬
‫لقوامة الرجل على المرأة‪.‬‬
‫ً‬
‫وقد برر دعاة عمل المرأة مطلقا في أي حال بمبررات أعتقد‬
‫أنها ل تصمد أمام البحث والمناقشة ‪،‬‬
‫فمما قالوا‪ :‬إن عمل المرأة يقيها السأم القاتل الذي يورثها إياه‬
‫بقاؤها الطويل الذي تقضيه بين جدران البيت!!‬
‫ونقول‪:‬‬
‫إن قيام المرأة في بيت زوجها ‪ ،‬راعية لماله ‪ ،‬مدبرة لمره ‪،‬‬
‫مدركة لهداف زوجيتها ‪ ،‬وأمومتها ‪ ،‬عاملة لها في وعي ‪،‬‬
‫وصدق ‪ ،‬وإخلص ‪ ،‬كاف لملء فراغ قلبها وعقلها ووقتها ‪ ،‬الذي‬
‫دعون أنها تشكو منه ‪ ،‬وكفيل بأن يمل عليها بيتها بهجة ‪ ،‬ويحوله‬ ‫ي ّ‬
‫إلى جنة وارفة ‪ ،‬فيها من أنواع المتع النفسية ‪ ،‬والعقلية ‪ ،‬ما‬
‫دعونه ‪ ،‬ويمل نفسها بشعور‬ ‫ُيذهب عنها السأم والملل الذي ي ّ‬
‫السعادة والرتياح ‪ ،‬إن حققت رسالتها كاملة وقامت بواجبها كما‬
‫ينبغي‪.‬‬
‫صبوا أنفسهم للدفاع عن المرأة‪:‬‬ ‫وقد شهدت بذلك واحدة ممن ن ّ‬
‫)فيليس ماكجنلي( كاتبة أمريكية ‪ ،‬قالت في مقال لها بعنوان‪:‬‬
‫)البيت مملكة المرأة بدون منازع(‪:‬‬
‫)وهل ن ُعَد ّ – نحن النساء – بعد أن نلنا حريتنا أخيرا ً ‪ ،‬خائنات‬
‫لجنسنا إذا ارتددنا لدورنا القديم في البيوت(‪.‬‬
‫وتجيب على هذا السؤال بقولها‪:‬‬
‫)إن لي آراء حاسمة في هذه النقطة ‪ ،‬فإنني أصر على أن للنساء‬
‫أكثر من حق في البقاء كربات بيوت ‪ ،‬وإنني أقدر مهنتنا ‪،‬‬

‫‪565‬‬
‫وأهميتها في الحقل البشري ‪ ،‬إلى حد أدنى أراها كافية لن تمل‬
‫الحياة والقلب(‪.‬‬
‫إنه تقرير امرأة مثقفة ‪ ،‬غربية ‪ ،‬بإملء واقعها وتجربتها ‪ ،‬وهي‬
‫أدرى بمهام النثى وفطرتها من غيرها من غير جنسها‪.‬‬
‫وقالوا أيضًا‪:‬‬
‫إن مجد المة بكثرة اليدي العاملة ‪ ،‬وأن المرأة نصف المجتمع ‪،‬‬
‫وليس مما يتحقق به هذا المجد أن يكون نصف المجتمع عاط ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ونقول‪:‬‬
‫دعون ‪ ،‬بل إنه موكول إليه من المهام‬ ‫ل تعطيل لهذا النصف كما ت ّ‬
‫ما هو أصعب ‪ ،‬وأشق ‪ ،‬وأهم من المهام الموكولة إلى الرجال ‪،‬‬
‫فإذا كان بناء مجد المة في حاجة إلى اليدي العاملة ‪ ،‬والدمغة‬
‫المفكرة ‪ ،‬وينشئها ويتعهدها بالرعاية والتوجيه حتى تخرج إلى‬
‫معترك الحياة سوية قوية ‪ ،‬تخدم المة ‪ ،‬وتبني المجد ‪ ،‬ثم يؤمن‬
‫لها العش الدافئ ‪ ،‬والسكن النفسي ‪ ،‬عند أوبتها من معترك‬
‫سيه ومن‬ ‫الحياة متعبة ‪ ،‬مرهقة العصاب ‪ ،‬فيجد في عشه ما ين ّ‬
‫ينسيه ذلك التعب ‪ ،‬بل ويهبه العزم ‪ ،‬والتصميم على مواصلة‬
‫السير‪.‬‬
‫ل شك أنه عمل شاق ‪ ،‬ومهمة صعبة ‪ ،‬ورسالة سامية ‪ ،‬ومن لهذا‬
‫كله سوى المرأة‪.‬‬
‫فل تعطيل لهذا النصف إذا ً ‪ ،‬بل هو قائم برسالته التي أوجد من‬
‫أجلها ‪ ،‬وفي اليوم الذي حدث في هذه الرسالة تقصير وإهمال ‪،‬‬
‫ظهرت نتائج ذلك على البناء ‪ُ ،‬بناة المجد‪ :‬انحرافا ً في الخلق ‪،‬‬
‫وتشردا ً في الفاق ‪ ،‬وتفككا ً في السرة ‪ ،‬وانحلل ً وتدهورا ً في‬
‫المجتمعات ‪ ،‬وبالتالي تهدما ً وسقوطا ً للمجد الذي ُبني‪.‬‬
‫فما هو العمل في رأي هؤلء إن لم يكن ذلك منه ‪ ،‬بل أهمه‬
‫وأشقه وإذا كان مقياس العمل والعطل هو النتاج للحياة ‪ ،‬فإن‬
‫عمل المرأة – من حيث ذلك – هو المقدم ‪ ،‬أما أن يكون عمل‬
‫الرجل هو كل شيء ‪ ،‬وعمل المرأة ل شيء ‪ ،‬فذلك الظلم بعينه‬
‫لها ولرسالتها الجليلة في الحياة‪.‬‬
‫وسياسة الدولة كلها ليست بأعظم شأنا ً ‪ ،‬ول بأخطر عاقبة من‬
‫سياسة البيت ‪ ،‬لنهما عدلن متقاربان ‪ ،‬عالم العراك والجهاد ‪،‬‬
‫يقابله عالم السكينة والطمئنان ‪ ،‬وتدبير الجيل الحاضر ‪ ،‬يقابله‬
‫تدبير الجيل المقبل ‪ ،‬وكلهما في اللزوم ‪ ،‬وجللة الخطر سواء ‪،‬‬
‫ولول مركب النقص في المرأة لكان لها فخر بمملكة البيت‬
‫وتنشئة المستقبل فيه ‪ ،‬ول يقل عن فخر الرجال بسياسة‬
‫الحاضر ‪ ،‬وحسن القيام على مشكلت المجتمع ‪ ،‬وإنما كانت‬
‫الفة كلها من حب المحاكاة بغير نظر إلى معنى المحاكاة‪.‬‬

‫‪566‬‬
‫ل من الرجل والمرأة مسؤولية ‪ ،‬واختصاصه في بناء هذا‬ ‫فلك ّ‬
‫المجد ‪ ،‬كما قسمه الله بينهما ‪ ،‬وكل من هذين الختصاصين‬
‫قر منه ‪ ،‬أو يهون من شأنه ‪ ،‬أو يستغني‬ ‫مهم ‪ ،‬ول يمكن أن يح ّ‬
‫عنه ‪ ،‬فالرجل إلى النتاج ‪ ،‬وتنمية الثروة ‪ ،‬وكسب الرزق ‪،‬‬
‫وحماية العرين ‪ ،‬والمرأة إلى السرة ‪ ،‬إلى عمل أشق‪ :‬تحمل‬
‫الجنين ‪ ،‬وتلد وترضع ‪ ،‬وتربي ‪ ،‬وترعى الزوج والولد ‪ ،‬وُتمّرض ‪،‬‬
‫وتدبر شؤون المنزل ‪ ،‬وتثمر السكن ‪ ،‬والمودة والرحمة ‪ ،‬وتبذل‬
‫من ذات نفسها ‪ ،‬وجهدها الحسي ما تبذل ‪ ،‬لتوفر للزوجية‬
‫والمومة ظروف عملها الملئمة‪.‬‬
‫هل به‬ ‫ُ‬
‫وهذا الفتراق في العمل والمهام ‪ ،‬الذي هو مقتضى ما أ ّ‬
‫كل منهما ‪ ،‬هو عين التقائهما على السهام ‪ ،‬بأدنى ما يكون ‪ ،‬في‬
‫بناء المة ومجدها ‪ ،‬فإذا أدى كل منهما ما وجه إليه بحق ‪،‬‬
‫استقامت مصلحة المة على أكمل وجه‪.‬‬
‫ومما قالوا أي أيضًا‪:‬‬
‫قد تكون المرأة ل عائل لها ‪ ،‬وقد يتوفى عنها زوجها ‪ ،‬ويترك لها‬
‫أطفال ً صغارا ً ‪ ،‬ول شيء لها ول لهم ‪ ،‬فتجد في العمل عصمة لها‬
‫ولولدها من الضياع‪.‬‬
‫ونقول‪:‬‬
‫إن السلم قد أوجب على أقارب المرأة الفقيرة إعالتها ‪،‬‬
‫والنفقة عليها ‪ ،‬كما أوجب على أقارب أطفالها ذلك ‪ ،‬وإن لم‬
‫يوجد لها ولطفالها أقارب ‪ ،‬فقد أوجب لهما حقا ً في بيت مال‬
‫المسلمين ‪ ،‬فيقوم الحاكم بإعالتها ‪ ،‬والنفقة عليها ‪ ،‬وعلى أولدها‬
‫الصغار الفقراء ‪ ،‬حتى يشبوا ويقدروا على العمل ‪ ،‬هذا هو الصل‬
‫في السلم‪.‬‬
‫وإذا لم يحصل لها ذلك فقد أبيح لها القيام بعمل تقيم به أودها ‪،‬‬
‫وأود أطفالها ‪ ،‬في حدود ما شرعه السلم ‪ ،‬وضمن آدابه‬
‫وتعاليمه‪.‬‬
‫على أن ثمة عوارض أخرى طبيعية ‪ ،‬تشترك في تقرير عجز‬
‫المرأة عن عمل التكسب في الخارج ‪ ،‬تلك هي ما يعتور المرأة‬
‫من العادة الشهرية ‪ ،‬والحمل تسعة أشهر ‪ ،‬والولدة وما تتركه‬
‫من الثار النفسية والعقلية والبدنية ‪ ،‬في كيان المرأة العام كما‬
‫يقرر ذلك علم الطب‪.‬‬
‫وتدل مشاهدات أساطين علمي الحياء والتشريح ‪ ،‬على أن‬
‫المرأة تطرأ عليها في مدة حيضها التغيرات التية‪:‬‬
‫‪ -1‬تقل في جسمها قوة إمساك الحرارة ‪ ،‬فتنخفض حرارتها‪.‬‬
‫‪ -2‬يبطئ النبض ‪ ،‬وينقص ضغط الدم ‪ ،‬ويقل عدد خلياه‪.‬‬
‫‪ -3‬وتصاب الغدد الصماء واللوزتان ‪ ،‬والغدد اللمفاوية بالتغير‪.‬‬

‫‪567‬‬
‫‪ -4‬ويختل الهضم ‪ ،‬وتضعف قوة التنفس‪.‬‬
‫‪ -5‬يتلبد الحس ‪ ،‬فتتكاسل العضاء ‪ ،‬وتتخلف الفطنة ‪ ،‬وقوة‬
‫تركيز الفكر‪.‬‬
‫وكل هذه التغيرات ‪ ،‬تدني المرأة الصحيحة إلى حالة المرض‬
‫إدناء يستحيل معه التمييز بين صحتها ومرضها‪.‬‬
‫وأشد على المرأة من مدة الحيض زمان الحمل ‪ ،‬فيكتب الطبيب‬
‫)ريبريت(‪:‬‬
‫)ل تستطيع قوى المرأة أن تتحمل من مشقة الجهد البدني‬
‫والعقلي ما تتحمله في عامة الحوال ‪ ،‬وأن عوارض الحامل لو‬
‫عرضت لرجل ‪ ،‬أو امرأة غير حامل لحكم عليه أو عليها بالمرض‬
‫بدون شك ‪ ،‬ففي هذه المدة يبقى مجموعها العصبي مختل ً على‬
‫أشهر متعددة ‪ ،‬ويضطرب فيها التزان الذهني ‪ ،‬وتعود جميع‬
‫عناصرها الروحية في حالة فوضى دائمة(‪.‬‬
‫أما عقب وضع الحمل ‪ ،‬فتكون المرأة عرضة لمراض متعددة إذ‬
‫تكون جراح نفاسها مستعدة أبدا ً للتسمم ‪ ،‬وتصبح أعضاؤها‬
‫الجنسية في حركة لتقلصها إلى حالتها الطبيعية قبل الحمل ‪ ،‬مما‬
‫يختل به نظام جسمها كله ‪ ،‬ويستغرق بضعة أسابيع في عودته‬
‫إلى نصابه‪.‬‬
‫وبذلك تبقى المرأة سكنا ً للرجل ‪ ،‬ول يمكن أن يجد ذلك السكن‬
‫لدى امرأة ‪ ،‬يحضر فل يجدها ‪ ،‬لنها في عملها ‪ ،‬أو يجدها ‪ ،‬ولكنها‬
‫– مثله – مثقلة بتعب الفكر والنفس والجسم ‪ ،‬وقد أفقدها العمل‬
‫رهافة الحس ‪ ،‬ورقة النوثة ‪ ،‬بسبب قسوة العمل ومسؤولياته ‪،‬‬
‫واعتبرت نفسها أنها صنوه ‪ ،‬ومساوية له في الكسب ‪ ،‬وفي‬
‫تبعات البيت ولوازمه ‪ ،‬وفقد الرجل لذلك قوة البأس ‪ ،‬الذي كان‬
‫يمارسه ‪ ،‬ولذة الرضا منها بذلك البأس ‪ ،‬والستسلم لرجولته‬
‫والشعور بحمايته ‪ ،‬وفقد تبعا ً لذلك القوامة عليها ‪ ،‬والله يقول‪:‬‬
‫)الرجال قوامون على النساء( ‪ ،‬وإذا فقد الرجل هذا الحق اختل‬
‫نظام السرة ‪ ،‬والمجتمع ‪ ،‬لنه من القوانين التي ل تنعقد روابط‬
‫السرة إل بها‬
‫ثم إن عمل المرأة خارج البيت مدعاة لثارة المشاكل في‬
‫البيت ‪ ،‬مما ينتج عنه تفكك السرة ‪ ،‬فكثيرا ً ما تثور المشكلت‬
‫بين الزوجين بسبب العمل ‪ ،‬فمثل ً قد ترغب الزوجة في العمل‬
‫صر المرأة بحق الزوجية ‪،‬‬ ‫والزوج ل يرغب ‪ ،‬أو العكس ‪ ،‬وقد تق ّ‬
‫والبيت بسبب عملها بدون رضى زوجها ‪ ،‬وقد ينشأ الخلف على‬
‫مدى مساهمة الزوجة المادية ‪ ،‬بمتطلبات البيت ‪ ،‬ومدى‬
‫التزامات الرجل المادية نحو زوجته وبيته ‪ ،‬إلى غير ذلك ‪ ،‬هذا‬

‫‪568‬‬
‫بالضافة إلى المشاكل التي تنشأ بين الزوجين بسبب احتكاكها‬
‫واختلطها بالرجال الخرين في العمل‪.‬‬
‫=========================‬
‫قوامة الرجل على المرأة ل يسلبها حريتها‬
‫يقول المتقولون على السلم‪ :‬إن السلم يجعل الرجل قواما ً‬
‫على المرأة )الرجال قوامون على النساء( ‪ ،‬قد فرض وصايته‬
‫عليها ‪ ،‬وسلبها بذلك حريتها وأه[ليتها ‪ ،‬وثقتها بنفسها‪.‬‬
‫ونقول‪ :‬ليس المر كما يرون ويفهمون من القوامة ‪ ،‬فليس‬
‫قوامة الرجل في السلم قوامة السطوة والستبداد والقوة‬
‫والستعباد ‪ ،‬ولكنها قوامة التبعات ‪ ،‬واللتزامات والمسؤوليات ‪،‬‬
‫قوامة مبينة على الشورى والتفاهم على أمور البيت والسرة ‪،‬‬
‫قوامة ليس منشؤها تفضيل عنصر الرجل على عنصر المرأة ‪،‬‬
‫وإنما منشؤها ما ركب الله في الرجل من ميزات فطرية ‪ ،‬تؤهله‬
‫لدور القوامة ل توجد في المرأة ‪ ،‬بينما ركب في المرأة ميزات‬
‫فطرية أخرى ‪ ،‬تؤهلها للقيام بما خلقت من أجله ‪ ،‬وهو المومة‬
‫ورعاية البيت وشؤونه الداخلية‪.‬‬
‫فهو أقوم منها في الجسم ‪ ،‬وأقدر على الكسب والدفاع عن بيته‬
‫وعرضه ‪ ،‬ل شك في ذلك ‪ ،‬وهو أقدر منها على معالجة المور ‪،‬‬
‫وحل معضلت الحياة بالمنطق والحكمة وتحكيم العقل ‪ ،‬والتحكم‬
‫بعواطفه ل شك في ذلك أيضا ً ‪ ،‬والمومة والبيت في حاجة إلى‬
‫نوع آخر من الميزات الفطرية ‪ ،‬في حاجة إلى العاطفة الدافقة‬
‫والحنان الدافئ ‪ ،‬والحساس المرهف ‪ ،‬لتضفي على البيت روح‬
‫الحنان والحب ‪ ،‬وتغمر أولدها بالعطف والشفقة‪.‬‬
‫وإذا سألنا هؤلء المدعين‪ :‬أيهما أجدر أن تكون له القوامة بما‬
‫فيها من تبعات‪ :‬الفكر والعقل ‪ ،‬أم العاطفة والنفعال؟ ل شك‬
‫أنهم يوافقوننا أن الفكر هو الجدر ‪ ،‬لنه هو الذي يستطيع تدبير‬
‫المور ‪ ،‬بعيدا ً عن النفعال الحاد الذي كثيرا ً ما يلتوي بالتفكير ‪،‬‬
‫فيحيد به عن الصراط المستقيم ‪ ،‬فالرجل بطبيعته المفكرة ل‬
‫المنفعلة ‪ ،‬وبما هيأه الله له من قدرة على الصراع واحتمال‬
‫أعصابه لنتائجه وتبعاته ‪ ،‬أصلح من المرأة في أمر القوامة على‬
‫البيت ‪ ،‬بل إن المرأة نفسها ‪ ،‬ل تحترم الرجل الذي تسّيره ‪،‬‬
‫فيخضع لرغباتها بل تحتقره بفطرتها ‪ ،‬ول تقيم له أي اعتبار‪.‬‬
‫والرجل أيضا ً أب الولد ‪ ،‬وإليه ينتسبون ‪ ،‬وهو المسؤول عن‬
‫نفقتهم ورعاية سائر شئونهم ‪ ،‬وهو صاحب المسكن ‪ ،‬عليه‬
‫إيجاده وحمايته ونفقته‪.‬‬
‫ونسأل هؤلء أيضا ً ‪ ،‬أليس من النصاف والعدل أن يكون من‬
‫كلف هذه التكاليف من أمور البيت وشئونه ‪،‬‬ ‫مل هذه التبعات و ُ‬
‫ح ّ‬
‫ُ‬

‫‪569‬‬
‫كفلت لها جميع أمورها ‪ ،‬وجعلت‬ ‫أحق بالقوامة والرياسة ‪ ،‬ممن ُ‬
‫في حل من جميع اللتزامات؟ ل شك أن المنطق وبداهة المور ‪،‬‬
‫يؤيدان ذلك‪.‬‬
‫ً‬
‫فرياسة الرجل إذا ‪ ،‬إنما نشأت له في مقابل التبعات التي كلف‬
‫بها ‪ ،‬وما وهبه الله من ميزات فطرية ‪ ،‬تجعله مستعدا ً للقوامة‪.‬‬
‫ثم إن القوامة التي جعلها السلم للرجل ‪ ،‬ل استبداد فيها ‪ ،‬ول‬
‫استعباد للمرأة ‪ ،‬بل هي مبينة على الشورى والتفاهم بين‬
‫الشريكين‪.‬‬
‫وقد نبه السلم الرجال لذلك ‪ ،‬ووجههم إلى تحقيق معنى‬
‫القوامة التي يعنيها قال الله تعالى‪) :‬وعاشروهن بالمعروف( ‪،‬‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم‪) :‬خيرك خيركم لهله( ‪ ،‬وُيشعر‬
‫الرجال أن النساء بحاجة إلى الرعاية ‪ ،‬ل إلى التسلط والتشدد‪:‬‬
‫)استوصوا بالنساء خيرا ً ‪ ،‬فإنهن عوان عندكم( ‪ ،‬قال هذا في‬
‫حجة الوداع ‪ ،‬وهو من آخر ما قال صلى الله عليه وسلم عن‬
‫النساء ‪ ،‬ويقول صلى الله عليه وسلم‪) :‬خياركم ‪ ،‬خياركم‬
‫لنسائهم( ‪ ،‬ويوصيهم بالصبر والحتمال ‪ ،‬والصبر والحتمال من‬
‫خلقا ً ‪،‬‬‫مقومات القوامة )ل يفرك مؤمن مؤمنة ‪ ،‬إن كره منها ُ‬
‫رضي منها آخر(‪.‬‬
‫وجماع القول‪ :‬أن نظرية السلم في المرأة أنها إنسان قبل كل‬
‫شيء ‪ ،‬والنسان له حقوقه النسانية ‪ ،‬وأنها شقيقة الرجل ‪،‬‬
‫خلقت من نفس عنصره الذي خلق منه ‪ ،‬فهو وهي سيان في‬
‫النسانية ‪) ،‬إنما النساء شقائق الرجال( ‪ ،‬هكذا يقول رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ويقول الله تعالى‪) :‬ومن آياته أن خلق‬
‫لكم من أنفسكم أزواجًا(‪.‬‬
‫وإذا استشعر الزوج ذلك ‪ ،‬وامتثل ما أمره الله ‪ ،‬وأمره رسوله به‬
‫‪ ،‬ل شك أنه سينصف المرأة ‪ ،‬ومن شذ عن ذلك ‪ ،‬واستبد ‪،‬‬
‫وتعالى ‪ ،‬وجار على المرأة ‪ ،‬فإن السلم ل يرضى منه ذلك ‪ ،‬ول‬
‫يؤخذ السلم بجريرة الشواذ ‪ ،‬العاصين لوامره ول يمكن أن‬
‫يحكم على السلم وصلحه بأفعالهم‪.‬‬
‫=======================‬
‫الشبهة)‪ : (1‬القول بأزلية المادة وأبديتها ‪..‬‬
‫وقبل أن ندخل في الردود عليهم يحسن بنا أن نذكر مقصدهم‬
‫بالمادة‪ ،‬وصفاتها لديهم‪ ،‬حتى يتسنى لنا الرد ّ على وجهٍ ل تبقى‬
‫معه فجوة فيها‪.‬‬
‫تعريف المادة لدى »لينين«‪:‬‬
‫يعرف »لينين« المادة بقوله‪) :‬هي مقولة فلسفية تخدم في‬
‫تعيين الواقع الموضوعي المعطى للنسان في إحساساته التي‬

‫‪570‬‬
‫تنسخه‪ ،‬تصوره‪ ،‬تعكسه‪ ،‬والموجود بصورة مستقلة عن‬
‫الحساسات(‪.‬‬
‫وبناًء على هذا التعريف الذي يعتبر المادة شاملة لجميع مفاهيم‬
‫الشياء كالورد والشجر‪ ،‬والبيت ونحوها ‪ -‬إذ كلها مفاهيم –‬
‫تكتسب المادة خاصية السبق على الدراك والتأثير فيه‪ ،‬وبما أن‬
‫د‪ُ ،‬أطلق على هذه‬ ‫الفلسفة تدرس المفاهيم شاملة إلى أقصى ح ّ‬
‫الدراسة مقولة فلسفية‪ ،‬وبما أن المادة تدرس المفاهيم شاملة‬
‫د‪ ،‬فهي إذن على هذا الساس مقولة فلسفية‪،‬‬ ‫إلى أقصى ح ّ‬
‫دي الموجود‬ ‫ووظيفتها‪ :‬تعيين الواقع الموضوعي؛ أي‪ :‬الواقع الما ّ‬
‫خارج الدراك‪ ،‬وهو المؤثر في أعضاء حواس النسان وإثارة‬
‫إحساساته‪.‬‬
‫إذن‪ :‬فالفكر انعكاس للمادة الواقعة على الدماغ‪ ،‬وهو يفكر في‬
‫المادة التي تعكس عليه‪ ،‬وقبل انعكاس المادة على الدماغ ل‬
‫يوجد فكر‪ ،‬فالمادة إذن تسبق الفكر عنده‪.‬‬
‫بعد أن عرفنا المادة وأنها سابقة – حسب قولهم – في الوجود‬
‫على الفكر‪ ،‬أذكر هنا رأيهم في أزلية المادة وأبديتها‪.‬‬
‫يقول الماديون‪) :‬وبالتالي فليس للكون نهاية ول حدود‪ ،‬العالم‬
‫ي‬
‫أبدي وليس له أي )بداية( ولن يكون له أيّ )نهاية(‪ ،‬ومن هنا‪ ،‬فأ ّ‬
‫عالم غيبي‪ ،‬غير مادي‪ ،‬غير موجود‪ ،‬ول يمكن أن يوجد‪.‬‬
‫وفي واقع المر أنه إذا لم يوجد شيء غير المادة‪ ،‬فل يوجد غير‬
‫دي واحد‪ ،‬وهذا يعني أنه عند وجود الشياء والظواهر‬ ‫عالم ما ّ‬
‫المختلفة في العالم المحيط بنا‪ ،‬هناك خاصية واحدة توحدها‪،‬‬
‫هي‪ :‬ماديتها(‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬فل يوجد شيء – على حد ّ تعبيرهم – غير العالم المادي‪ ،‬ول‬
‫يمكن أن يوجد عالم روحي أو يوم آخر‪ ،‬كما جاءت به الديان‪،‬‬
‫فالنسان‪ ،‬في نظرهم نتاج المادة فقط‪ ،‬فالمادة هي الخالقة‪،‬‬
‫ولها خصائص الخالق‪ ،‬وليس هناك عالم غيبي؛ لن العالم محصور‬
‫فيما تدركه الحواس‪ ،‬ولم يكتفوا بإنكار وجود الله سبحانه وتعالى‪،‬‬
‫بل صّرحوا بأن الله من إبداع النسان‪ ،‬وأن المشكلة ليست هي‬
‫مشكلة وجوده سبحانه‪ ،‬بل هي مشكلة فكرة وجوده‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬مبدؤهم الذي ينطلقون منه‪ :‬أن الله ل نفع فيه‪ ،‬وإثارة‬
‫النقاش حول وجوده ل طائل تحته‪ ،‬إذ لديهم فكرة ل تتغير؛ وهي‪:‬‬
‫هراٌء‪.‬‬
‫مو ُ‬
‫أن ما وراء الكون المادي وه ٌ‬
‫فهذه المادة هي كل شيء‪ ،‬ترد بمعنى الطبيعة‪ ،‬كما أن الطبيعة‬
‫ترد بمعنى المادة‪.‬‬
‫وأما قولهم بأبدية المادة فيعللون لها بقولهم‪) :‬إن في الطبيعة ل‬
‫دا بل أثر‪ ،‬وإذا كان المر‬ ‫ينشأ شيء من ل شيء‪ ،‬ول يختفي أب ً‬

‫‪571‬‬
‫ما‪ ،‬لننا إذا سلمنا بأنه‬ ‫كذلك فإن المادة أو الطبيعة قد وجدت دائ ً‬
‫في وقت من الوقات لم يكن هناك شيء في العالم‪ ،‬أي لم تكن‬
‫توجد مادة‪ ،‬فمن أين لها أن تنشأ؟ ولكن ما أن توجد المادة فهذا‬
‫ما‪،‬‬
‫يعني أنها لم تنشأ في أي وقت من الوقات‪ ،‬بل وجدت دائ ً‬
‫ما فهي أبدية وخالدة؛ ولهذا لم يمكن أن ُتخلق‪ ،‬فل‬ ‫وستوجد دائ ً‬
‫دا‪،‬‬ ‫يمكن أن يخلق ما ل يمكن إفناؤه‪ ،‬وبذلك فالمادة لم تنشأ أب ً‬
‫ما فهي أبدية(‪.‬‬ ‫ما وستوجد دائ ً‬ ‫بل وجدت دائ ً‬
‫إذن‪ ،‬فالمادة أبدية خالدة‪ ،‬لم تنشأ من العدم؛ لنه ل يمكن أن‬
‫يخلق ما ل يمكن إفناؤه؛ ولهذا ل يجوز السؤال عن بداية المادة‬
‫ونهايتها؛ لن آثارها واضحة ومشاهدة‪ ،‬والحركة كذلك محال‬
‫خلقها وإفناؤها؛ لنه صنعة المادة‪.‬‬
‫يقول »انجلز«‪) :‬المادة من دون حركة‪ ،‬أمر غير معقول‪ ،‬بقدر ما‬
‫هي الحركة من دون المادة‪ ،‬وإذن فالحركة محال خلقها وإفناؤها‬
‫قدر ما هو محال ذلك بالنسبة للمادة نفسها(‪.‬‬
‫الردود على هذه الشبهة‪:‬‬
‫قبل البدء في الرد ّ عليهم أورد هنا الساس الفكري لهذه الفكرة‬
‫المادية‪ ،‬فإن الساس الفكري لهذه الفكرة المادية التي نشأت‬
‫منها الشيوعية هو حصر نطاق المعرفة في المادة وحدها‪.‬‬
‫وهذا الفكر وإن كان نشأ ونما في أوروبا فيما بعد القرن السابع‬
‫عشر‪ ،‬إل ّ أنه قديم في البشرية قدم الفات والنحرافات فيها‪،‬‬
‫دا لفكرة هؤلء الماديين أو الدهريين الذين أنكروا‬ ‫ويعتبر امتدا ً‬
‫ما ونسبوا الموت للدهر بدل ً من الله‪ ...‬كما أشار إلى‬ ‫البعث قدي ً‬
‫حَيا‬ ‫ت وَن َ ْ‬ ‫مو ُ‬ ‫حَيات َُنا الد ّن َْيا ن َ ُ‬ ‫ي إ ِل ّ َ‬ ‫ما ه ِ َ‬ ‫ذلك القرآن الكريم‪ } :‬وََقاُلوا َ‬
‫ما ي ُهْل ِك َُنا إ ِل ّ الد ّهُْر {‪.‬‬ ‫وَ َ‬
‫ديون‪ ،‬ولذلك تراهم يتطاولون‬ ‫كذلك أعداء الرسالت أغلبهم ما ّ‬
‫بالمادة وينكرون البعث واليوم الخر ويرون الجزاء للنسان‬
‫ما‬‫قاصًرا على متع الحياة الدنيا‪ ...‬يقول سبحانه وتعالى‪ } :‬وَ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫سل ُْتم ب ِ ِ‬
‫ه‬ ‫ما أْر ِ‬ ‫ها إ ِّنا ب ِ َ‬ ‫مت َْرُفو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ذيرٍ إ ِل ّ َقا َ‬ ‫من ن ّ ِ‬ ‫سل َْنا ِفي قَْري َةٍ ّ‬ ‫أْر َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫كافرون * وَقاُلوا نح َ‬
‫ن{‪،‬‬ ‫معَذ ِّبي َ‬ ‫ن بِ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫دا وَ َ‬ ‫وال ً وَأوْل َ ً‬ ‫م َ‬ ‫ن أك ْث َُر أ ْ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ ُ َ‬
‫ن*‬ ‫جو َ‬ ‫خَر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫ما أ َن ّ ُ‬ ‫ظا ً‬ ‫ع َ‬ ‫م ت َُراًبا وَ ِ‬ ‫م وَ ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫مت ّ ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م إِ َ‬ ‫م أن ّك ُ ْ‬
‫}أ َيعِدك ُ َ‬
‫َ ُ ْ‬
‫حَيا‬ ‫ت وَن َ ْ‬ ‫مو ُ‬ ‫حَيات َُنا الد ّن َْيا ن َ ُ‬ ‫ي إ ِل ّ َ‬ ‫ن هِ َ‬ ‫ن * إِ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ُتوع َ ُ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫ت هَي َْها َ‬ ‫هَي َْها َ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫مب ُْعوِثي َ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ح ُ‬‫ما ن َ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫كما يحكي القرآن مقالة الماديين لدى ظهور السلم‪ } :‬وََقاُلوا ْ‬
‫ة‬
‫جن ّ ٌ‬ ‫ك َ‬ ‫ن لَ َ‬ ‫كو َ‬ ‫عا * أ َوْ ت َ ُ‬ ‫ض َينُبو ً‬ ‫ن ال َْر‬ ‫م َ‬ ‫جَر ل ََنا ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫حّتى ت َ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ن لَ َ‬ ‫م َ‬ ‫َلن ن ّؤ ْ ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫ماء‬ ‫س َ‬ ‫ط ال ّ‬ ‫ق َ‬ ‫س ِ‬ ‫جيًرا * أوْ ت ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫خلل ََها ت َ ْ‬ ‫جَر ال َن َْهاَر ِ‬ ‫ف ّ‬ ‫ب فَت ُ َ‬ ‫عن َ ٍ‬ ‫ل وَ ِ‬ ‫خي ٍ‬ ‫من ن ّ ِ‬ ‫ّ‬
‫ن لَ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫كو َ‬ ‫ملئ ِك َةِ قَِبيل ً * أوْ ي َ ُ‬ ‫ي ِباللهِ َوال ْ َ‬ ‫فا أوْ ت َأت ِ َ‬ ‫س ً‬ ‫ت ع َل َي َْنا ك ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ما َزع َ ْ‬ ‫كَ َ‬

‫‪572‬‬
‫َ‬
‫حّتى ت ُن َّز َ‬
‫ل‬ ‫ك َ‬ ‫ن ل ُِرقِي ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ماء وََلن ن ّؤ ْ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ف أوْ ت َْرَقى ِفي ال ّ‬ ‫خُر ٍ‬ ‫من ُز ْ‬ ‫ت ّ‬ ‫ب َي ْ ٌ‬
‫ه{‪.‬‬ ‫قَرؤ ُ ُ‬ ‫ع َل َي َْنا ك َِتاًبا ن ّ ْ‬
‫وقد بّين القرآن أن هذا الذي طلبه الماديون في شأن التصديق‬
‫بالرسالة الخاتمة ليس غريًبا‪ ،‬ول غير معهود في تاريخ البشرية‪،‬‬
‫ن لَ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫وإنما هو أمر تكرر على عهد الرسالت السابقة‪ } :‬وََقا َ‬
‫ْ‬
‫من قَب ْل ِِهم‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫ك َقا َ‬ ‫ة ك َذ َل ِ َ‬‫ه أ َوْ ت َأِتيَنا آي َ ٌ‬ ‫مَنا الل ّ ُ‬ ‫ن ل َوْل َ ي ُك َل ّ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫م {؛ أي‪ :‬أشبهت قلوب مشركي‬ ‫ت قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫شاب َهَ ْ‬ ‫م تَ َ‬ ‫ل قَوْل ِهِ ْ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ّ‬
‫العرب قلوب من تقدمهم في الكفر والعناد‪.‬‬
‫َ‬
‫سأُلوا ْ‬ ‫ب َأن ت ُن َّز َ‬ ‫ك أ َهْ ُ‬ ‫سأ َل ُ َ‬
‫قد ْ َ‬ ‫ماء فَ َ‬ ‫س َ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ك َِتاًبا ّ‬ ‫ل ع َل َي ْهِ ْ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫} يَ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ة{‪.‬‬ ‫جهَْر ً‬ ‫قالوا أرَِنا اللهِ َ‬ ‫ك فَ َ‬ ‫من ذ َل ِ َ‬ ‫سى أك ْب ََر ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ُ‬
‫حر أوَ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سا ِ ٌ ْ‬ ‫ل إ ِل َقالوا َ‬ ‫سو ٍ‬ ‫من ّر ُ‬ ‫من قَب ْل ِِهم ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما أَتى ال ِ‬ ‫} كذ َل ِك َ‬
‫طا ُ‬‫م َ‬ ‫َ‬
‫ن{‪ ،‬فتشابهت قلوبهم‪،‬‬ ‫غو َ‬ ‫م قَوْ ٌ‬ ‫ل هُ ْ‬ ‫وا ب ِهِ ب َ ْ‬ ‫ص ْ‬‫وا َ‬ ‫ن * أت َ َ‬ ‫جُنو ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫وقال متأخروهم بما قال به متقدموهم‪.‬‬
‫فالظاهرة العامة لهم هي الركون إلى المادة‪ ،‬وإنكار ما وراء‬
‫المحسوس المشاهد‪ ،‬ول يعرفون غيرها في مجال القناع‬
‫والقتناع‪.‬‬
‫ن هناك فروًقا بين اللحاد القديم والحديث‪ ،‬من أهمها ما يلي‪:‬‬ ‫ولك ّ‬
‫ل‪ :‬أن اللحاد بمعنى‪ :‬إنكار وجود الله أصل ً – وهو أبرز ما في‬ ‫أو ً‬
‫ما – لم يكن ظاهرة منتشرة متفشية‬ ‫التجاه المادي الحديث عمو ً‬
‫في القديم‪ ،‬وإنما الذي كان شائًعا هو الشرك بمعنى منح‬
‫خصائص اللوهية لغير الله عز وجل‪ ،‬وإشراك آلهة مزعومة معه‬
‫سبحانه‪.‬‬
‫ُ‬
‫صحيح أن الملحدة الدهرية كان لهم وجود منذ القدم – كما أشير‬
‫من قبل – ولكن هؤلء كانوا شرذمة قليلين مع اختلف آرائهم في‬
‫هذا الجانب‪ ،‬فإنهم كانوا على طائفتين‪:‬‬
‫الولى‪ :‬الفلسفة الدهرية اللهية‪ ،‬القائلون بقدم العالم‪ ،‬وكان من‬
‫مقدمتهم أرسطو‪ ،‬وأتباعه‪ ،‬فهؤلء لم يكونوا يقولون‪ :‬بأن المادة‬
‫هي الخالقة‪ ،‬بل كانوا يثبتون للعالم علة يتشبه بها‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬الفلسفة الدهرية الملحدة أو الطبيعية‪ ،‬القائلون بما ذكر‬
‫حَيا{ فهؤلء‬ ‫ت وَن َ ْ‬ ‫مو ُ‬ ‫حَيات َُنا الد ّن َْيا ن َ ُ‬ ‫ي إ ِل ّ َ‬ ‫ما ه ِ َ‬ ‫الله عنهم بقولهم‪َ } :‬‬
‫يشبهون في بعض الجوانب الشيوعيين في العصر الحاضر‪ ،‬وقد‬
‫عل ْم ٍ إ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ما ل َُهم ب ِذ َل ِ َ‬ ‫رد ّ الله عليهم في هذا القول بقوله‪ } :‬وَ َ‬
‫ن{؛ أي‪) :‬يتوهمون ويتخيلون(‪ ،‬فقولهم هذا ما كان‬ ‫م إ ِل ّ ي َظ ُّنو َ‬ ‫هُ ْ‬
‫دا إلى علم أو يقين‪ ،‬بل كان عن ظن وتخمين‪.‬‬ ‫مستن ً‬
‫ولكن الشيوعية الحديثة وإن كانت تشبه أفكارهم في جانب‬
‫اللحاد معهم إل ّ أنها تختلف معها في بعض الجوانب – كما يأتي ‪.-‬‬

‫‪573‬‬
‫ل‪ ،‬انتشر في‬ ‫ثانًيا ‪ :‬اللحاد في هذا الزمن هو إنكار وجود الله أص ً‬
‫العصور الحديثة انتشاًرا واسًعا في دول أوروبا بصورة ملفتة‬
‫للنظر‪ ،‬وأصبح له حكومات تحرسه‪ ،‬ودول تحميه‪ ،‬بل لقد غزا بلد‬
‫السلم حتى قام في ربوعها ناعقون يرددون سفاهاته وينشرون‬
‫ضللته‪.‬‬
‫ثالًثا‪ :‬إن إلحاد هذا الزمان يضرب بسيف من العلم‪ ،‬ويزعم بأنه‬
‫يقوم على سند من العلم وتأييد من البحث‪ ،‬وذلك أن الصفة التي‬
‫ما وحديًثا هي أن الماديين يتصورون أن‬ ‫تتصف بها المادية قدي ً‬
‫ضا وراء الحس‪...‬‬ ‫المادة حقائق محسوسة ملموسة وليست فرو ً‬
‫والنظرة العلمية في تصورهم هي ما تخضع للبحث التجريبي‪ ،‬وما‬
‫مى علمّيا في نظرهم‪ ،‬ومن ث َ ّ‬
‫م‬ ‫ل يخضع للبحث التجريبي ل يس ّ‬
‫دين والغيب من مجال البحث العلمي حيث ل‬ ‫أبعدوا مفاهيم ال ّ‬
‫س‬
‫يقوم عليها دليل عندهم‪ ،‬ووصل المر أن أصبح الدين في ح ّ‬
‫كثير من العلماء الوروبيين مثل ً للخرافة‪ ،‬وصاروا يدفعون عقيدة‬
‫اليمان بالله بحجة أن العلم يأباها‪ ..،‬وشّنوا حملة ضد اليمان‬
‫عامة وضد ّ السلم خاصة‪ ...‬بل بلغ المر إلى أن أصبحت هذه‬
‫الراء والفكار الملحدة تدرس في كثير من جامعات العالم‬
‫السلمي تارة باسم الفلسفة‪ ،‬وتارة باسم الجيولوجية‪ ،‬وتارة‬
‫باسم القتصاد الحديث‪.‬‬
‫وهذه النظرية يمكن إبطالها بما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬عدم استقرارهم على منهج معين‪ ،‬وذلك؛‬
‫أ ‪ .‬تراجعهم عن تعريف المادة ‪:‬‬
‫سبق تعريف المادة كما عرفوها‪ ،‬وذلك ما قال به الشيوعية‬
‫أخيًرا‪ ،‬حيث أعادوا صياغة تعريفها بقولهم‪ :‬هي‪) :‬الوجود‬
‫الموضوعي خارج الذهن(‪ ،‬ولكن ماذا كانوا يقولون في تعريف‬
‫المادة في أول أمرهم؟ كانوا يقولون‪ :‬هي‪) :‬كل ما تقع عليه‬
‫الحواس(‪ ،‬وحصروا موادها في أمور أربعة؛ الماء والهواء والتراب‬
‫دي يخبط المائدة بيده أو يضرب الرض بقدمه‬ ‫والنار‪ ،‬وكان الما ّ‬
‫ويقول لمن يجادله‪ :‬هذه هي الحقيقة التي ألمسها بيدي وقدمي‬
‫أو أراها بعيني وأسمعها بأذني‪.‬‬
‫ثم توالت الكتشافات العلمية‪ ،‬وشاعت العلوم التجريبية في‬
‫القرنين الخيرين‪ ،‬وشاعت معها قوانين الحركة والضوء وسائر‬
‫عرفت بالقوانين الوضعية‪ ،‬فتجاوزت ما تقع عليه‬ ‫القوانين التي ُ‬
‫الحواس إلى عالم الذرة‪ ،‬فأعادوا صياغة تعريف المادة بأنها‪:‬‬
‫)الوجود الموضوعي خارج الذهن(‪.‬‬
‫ب ‪ .‬تراجعهم عن القول بأسبقية المادة على الفكر‪:‬‬

‫‪574‬‬
‫إن هؤلء الشيوعيين كانوا في بداية أمرهم يقولون بأسبقية‬
‫المادة على الفكر‪ ،‬وأرادوا بذلك إنكار المغيبات على أنها أفكار‪،‬‬
‫والمادة سابقة لها‪ ،‬فل يفكر فيها‪ ،‬بل الصل هو المادة‪.‬‬
‫ولكنهم سرعان ما تراجعوا عن القول بأسبقية المادة في الوجود‬
‫على الفكر‪ ،‬يقول أصحاب أسس الماركسية اللينينية‪) :‬إن‬
‫النشاط الذهني أو الفكر خاصة مميزة للمادة‪ ،‬ولكنها ليست‬
‫شكل ً من أشكال المادة‪ ،‬وفي المسألة الساسية في الفلسفة‬
‫يطرح الفكر كضد للمادة والروح كضد للطبيعة‪ ،‬فالمادة هي أي‬
‫شيء يوجد خارج العقل ول يتوقف عليه‪ ،‬وبالتالي‪ :‬من الخطأ‬
‫الجسيم اعتبار الفكر جزًءا من المادة‪ ،‬وفي الوقت الحالي يعتبر‬
‫التوحيد بين الفكر والمادة من مفاهيم المادية المنحطة(‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬لقد وصف الشيوعيون أنفسهم الفكر المادي للقرن التاسع‬
‫عشر الذي قامت الماركسية والشيوعية على أساسه‪ ،‬والذي‬
‫يسوي بين المادة والفكر‪ ،‬ويعتبر الفكر شكل ً متطوًرا من أشكال‬
‫دي‪ ،‬وصفوا هذا القول بأنه من‬ ‫المادة يعكس الوسط الما ّ‬
‫المفاهيم المنحطة‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬هؤلء على اضطراب تام في تفسير الفكر‪ ،‬فبعضهم‬
‫اعتبروه من المادة‪ ،‬وبعضهم اعتبروا التوحيد بين المادة والفكر‬
‫طا‪ ،‬فلنتساءل‪ :‬ما هو الحق لديكم في هذا الباب؟ هل‬ ‫ما منح ً‬
‫كل ً‬
‫هما شيء واحد‪ ،‬أم بينهما انفصال؟‪.‬‬
‫ج ‪ .‬تراجعهم عن القول بالمادة بأنها هي أصل كل شيء‪ ،‬وذلك؛‬
‫أنه لما جاء القرن العشرون وجاء معه تفجير الذرة فتحولت‬
‫المادة إلى طاقة وفتح ذلك الباب إلى تعريفات جديدة للمادة‪،‬‬
‫منها‪ :‬أنها صورة مختلفة من الطاقة فحسب‪ ،‬وقال آخر منهم‪ :‬إن‬
‫المادة مركبة من بروتونات وإليكترونات‪ ،‬أي شحنات موجبة‬
‫وسالبة من الكهرباء‪.‬‬
‫ما تغير مفهوم المادة ورأوا عدم صحة القول بأنها هي وراء كل‬ ‫فل ّ‬
‫شيء‪ ،‬بل اكتشف أخيًرا أن المادة في نفسها طاقة تشكلت‬
‫بوضع خاص فصارت مادة‪ ،‬قالوا‪ :‬وماذا في المر؟ إن ما نقوله‬
‫بالنسبة إلى المادة قد انتقل إلى الطاقة التي هي أصل المادة‪،‬‬
‫هكذا قال »لينين«‪.‬‬
‫من العرض السابق لتعريف المادة وبيان أقوالهم حولها رأينا أن‬
‫المادة التي قال بها الشيوعيون والماديون‪ ،‬وبنوا عليها مذهبهم‬
‫ما‪ ،‬ولم ي َُعد لها ذلك المفهوم السطحي الذي‬ ‫قد تغير مفهومها تما ً‬
‫نشأت الشيوعية في ظلها‪ ،‬فالمادة في القرن العشرين تحولت‬
‫إلى طاقة‪.‬‬

‫‪575‬‬
‫وقررت الحقائق العلمية أخيًرا؛ أن الشيء الصلد الذي نلمسه‬
‫فنراه ذا حجم ثابت ليس أكثر من شحنات كهربية وإلكترونية‪ ،‬بل‬
‫دي المكون من جبال وأنهار وأرض وأشجار ونحو ذلك‬ ‫العالم الما ّ‬
‫مما تشهد به حواسنا‪ ،‬هو كتل من الشعاعات الضوئية المتحركة‪.‬‬
‫وبهذا نكون قد قضينا على القول بأن المادة هي أصل كل شيء‪،‬‬
‫وفيما يلي نقد أقوالهم في أزلية المادة وأبديتها‪.‬‬
‫‪ -2‬عدم وجود دليل قاطع على أزلية المادة وأبديتها‪ :‬فإن هؤلء‬
‫الملحدة عندما يوجه إليهم السؤال – الذي يقوم عليه التحدي –‬
‫ما‬
‫من خلق المادة؟ فإنهم يجيبون‪ :‬إن العلم أثبت أنها وجدت دائ ً‬
‫منذ الزل‪ ،‬فنحن نطرح عليهم سؤال ً لبد ّ من إجابته لثبات هذا‬
‫المدعى‪ ،‬وهو‪ :‬أين الدليل العلمي القاطع الذي يثبت صدق‬
‫دعواكم أن المادة وجدت منذ الزل؟ وكل ما ذكرتموه من‬
‫الستدللت بأنها سابقة للفكر‪ ،‬وأنها ل تنشأ عن ل شيء‪ ،‬وما ل‬
‫يمكن إفناؤه ل يمكن أن يخلق‪ ،‬هذه الشبهات الثلث السابقة‬
‫الذكر ليست إل ّ تخمينات وظنون وليس عليها أيّ دليل علمي‬
‫قاطع‪ ،‬فكيف تؤمنون بالنظريات هذه وأنتم ما أثبتموها إل ّ‬
‫ن آثار وجوده‬ ‫بالظنون الكاذبة‪ ،‬ولم تؤمنوا بالخالق المبدع مع أ ّ‬
‫ظاهرة وباهرة؟‬
‫‪ -3‬مخالفة الشيوعية للمنهج العلمي‪ :‬وذلك؛ أن فلسفتهم المادية‬
‫هي – حسب زعمهم – الفلسفة العلمية الوحيدة التي تتفق‬
‫وسائر العلوم‪ ،‬ومن شأن المنهج العلمي الطبيعي – كما هو‬
‫دي‪ ،‬وعدم تجاوزه إلى ما‬ ‫معروف – القتصار على الكون الما ّ‬
‫وراءه؛ لن وسائله التي يعتمدها هي الملحظة والتجربة‪ ،‬وهذه‬
‫دي‪ ،‬فهي ل تملك‬ ‫الوسائل قاصرة عن إدراك ما وراء الكون الما ّ‬
‫إزاءه أية وسيلة للنفي أو الثبات‪ .‬فكان الواجب على الماركسية‬
‫والشيوعية أن تلتزم بموضوع هذا المنهج ول تتجاوزه إلى غيره‪،‬‬
‫دي ول تتعداه إلى غيره؛ ولكنها‬ ‫مها في دراسة الكون الما ّ‬ ‫فتركز ه ّ‬
‫أقحمت نفسها بشيٍء خارج عن مجال خطته التي خطها لنفسه‪،‬‬
‫فتقحمت عالم الغيب‪ ،‬وأنكرت وجود الله سبحانه‪.‬‬
‫‪ -4‬مخالفة المادة ‪ -‬التي زعموا أنها أزلية ‪ -‬خصائص الزلية‬
‫المعترف بها لدى جميع العقلء‪ ،‬والمعترف بها لدى الشيوعيين‬
‫ما‪ :‬وذلك؛‬ ‫ضا لزا ً‬
‫أي ً‬
‫أن الزلي كما هو مجمع عليه عند العقلء لبد ّ أن تتوفر فيه‬
‫الشروط التية‪:‬‬
‫م فإنه‬‫فا على ذاته‪ ،‬ومن ث َ ّ‬ ‫‪ -1‬أن يكون وجوده من ذاته ومتوق ً‬
‫يكون مستغنًيا في وجوده وفي بقاء هذا الوجود واستمراره عن‬

‫‪576‬‬
‫غيره‪ ،‬ول يستطيع غيره أن يؤثر عليه في إيجاد أو تحويل أو‬
‫إعدام‪.‬‬
‫ما ل بداية له؛ لنه لو كانت له بداية لكان محدًثا‬ ‫‪ -2‬أن يكون قدي ً‬
‫من العدم‪ ،‬فل يكون أزلّيا‪.‬‬
‫من‬‫‪ -3‬أن يكون باقًيا ل نهاية له؛ لنه لو كانت له نهاية لكان هناك َ‬
‫يستطيع إفناَءه‪.‬‬
‫ما يسلمون بهذه الشروط الواجب توافرها فيما‬ ‫ّ‬ ‫والماديون عمو ً‬
‫هو أزلي‪ ،‬ولكنهم يحاولون تطبيقها على المادة‪ ،‬ويزعمون أنها‬
‫أزلية‪ ،‬فهل المادة كذلك؟ هذا ما سيحقق فيما يأتي في الرد ّ‬
‫الخامس‪ ،‬وما بعده‪.‬‬
‫‪ -5‬أدلة حدوث الكون أو المادة ‪:‬‬
‫وهذه الدلة يمكن تقسيمها إلى مجموعتين‪:‬‬
‫المجموعة الولى‪ :‬في بيان الدلة العقلية الفلسفية القديمة‪:‬‬
‫وأصل هذه الدلة‪ :‬هو إثبات حدوث العالم من ظاهرة التغير‬
‫الملزمة لكل شيء فيه‪ ،‬وذلك؛ أن التغير نوع من الحدوث‬
‫للصورة والهيئة والصفات‪ ،‬وهذا الحدوث لبد ّ له من علة‪،‬‬
‫ما إلى نقطة بدء‬ ‫وتسلسل ً مع العلل للمتغيرات الولى سنصل حت ً‬
‫نقرر فيها أن هذا الكون له بداية في صفاته وأعراضه‪ ،‬وفي ذاته‬
‫ومادته الولى‪ ،‬وحينما نصل إلى هذه الحقيقة لبد ّ أن نقرر أن‬
‫قا أزلّيا‪ -‬ل يمكن أن يتصف بصفات تقتضي حدوثه –‬ ‫هناك خال ً‬
‫وهذا الخالق هو الذي خلق هذا الكون وأوجده بالصفات التي هو‬
‫عليها‪ ،‬والذي يوضح ذلك ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬دليل اللزام العقلي بين الوجود والعدم‪:‬‬
‫ن {‪.‬‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ن غ َي ْرِ َ‬ ‫َ‬
‫قو َ‬‫خال ِ ُ‬ ‫م هُ ُ‬‫يٍء أ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫م ْ‬‫قوا ِ‬ ‫خل ِ ُ‬
‫م ُ‬ ‫قال تعالى‪ } :‬أ ْ‬
‫قوا‬ ‫خل ِ ُ‬‫م ُ‬ ‫َ‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية – رحمه الله ‪) :-‬وقد قيل‪} :‬أ ْ‬
‫يٍء{‪ :‬من غير رب خلقهم‪ ،‬وقيل‪ :‬من غير مادة‪،‬‬ ‫ش ْ‬‫ن غ َي ْرِ َ‬‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫وقيل ‪ :‬من غير عاقبة وجزاء‪ ،‬والول مراد قطًعا‪ ،‬فإن كل ما خلق‬
‫دث‬ ‫من مادة أو لغاية فلبد ّ له من خالق‪ ،‬ومعرفة الفطر أن المح َ‬
‫دث لبد ّ له من مادة‬ ‫دث أظهر فيها من أن كل مح َ‬ ‫لبد له من مح ِ‬
‫خلق منها وغاية خلق لها‪ ،‬فإن كثيًرا من العقلء نازع في هذا‬
‫وهذا‪ ،‬ولم ُينازع في الول‪ ،‬طائفة قالت‪ :‬إن هذا العالم حدث من‬
‫غير محدث أحدثه‪ ،‬بل من الطوائف من قال‪ :‬إنه قديم بنفسه‬
‫ما أن يقول‪ :‬إنه محدث حدث‬ ‫واجب بنفسه ليس له صانع‪ ،‬وأ ّ‬
‫بنفسه بل صانع‪ ،‬فهذا ل يعرف عن طائفة معروفة‪ ،‬وإنما يحكى‬
‫ما ل يعرف(‪.‬‬ ‫ع ّ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫ن غ َي ْرِ َ‬ ‫َ‬
‫م هُ ُ‬ ‫يٍء أ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫م ْ‬‫قوا ِ‬ ‫خل ِ ُ‬
‫م ُ‬‫وقال في موضع آخر‪) :‬قوله‪} :‬أ ْ‬
‫ن{ فيها قولن‪ :‬فالكثرون على أن المراد‪ :‬أم خلقوا من‬ ‫قو َ‬ ‫خال ِ ُ‬‫ال ْ َ‬

‫‪577‬‬
‫خَر ل َ ُ‬
‫كم‬ ‫س ّ‬
‫غير خالق‪ ،‬بل من العدم المحض؟ كما قال تعالى‪} :‬وَ َ‬
‫ه{‪.‬‬ ‫َ‬
‫من ْ ُ‬‫ميًعا ّ‬ ‫ج ِ‬‫ض َ‬ ‫ما ِفي ا َلْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬‫س َ‬‫ما ِفي ال ّ‬ ‫ّ‬
‫ه{‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫من ْ ُ‬
‫ح ّ‬
‫م وَُرو ٌ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫َ‬
‫ها إ ِلى َ‬ ‫قا َ‬ ‫ْ‬
‫ه أل َ‬ ‫مت ُ ُ‬ ‫َ‬
‫وكما قال تعالى‪} :‬وَكل ِ َ‬
‫ه{‪ ،‬وقيل‪ :‬أم خلقوا من غير مادة‪،‬‬ ‫ن الل ِ‬ ‫م َ‬ ‫مة ٍ ف َ ِ‬ ‫من ن ّعْ َ‬‫كم ّ‬ ‫ما ب ِ ُ‬ ‫}وَ َ‬
‫ل ذلك على‬ ‫ن{ فد ّ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫قو َ‬‫خال ِ ُ‬ ‫م هُ ُ‬ ‫وهذا ضعيف؛ لقوله بعد ذلك‪} :‬أ ْ‬
‫أن التقسيم أم خلقوا من غير خالق‪ ،‬أم هم الخالقون؟ ولو كان‬
‫المراد‪ :‬من غير مادة لقال‪ :‬أم خلقوا من غير شيء‪ ،‬أم من ماء‬
‫مهين؟ فدل على أن المراد‪ :‬أن خالقهم ل مادتهم؛ ولن كونهم‬
‫خلقوا من غير مادة ليس فيه تعطيل وجود الخالق‪ ،‬فلو ظنوا ذلك‬
‫ل على جهلهم؛ ولنهم لم‬ ‫لم يقدح في إيمانهم بالخالق بل د ّ‬
‫يظنوا ذلك‪ ،‬ول يوسوس الشيطان لبن آدم ذلك‪ ،‬بل كلهم‬
‫يعرفون أنهم خلقوا من آبائهم وأمهاتهم؛ ولن اعترافهم بذلك ل‬
‫يوجب إيمانهم ول يمنع كفرهم‪ ،‬والستفهام‪ :‬استفهام إنكار‪،‬‬
‫مقصوده تقرير أنهم لم يخلقوا من غير شيء‪ ،‬فإذا أقروا بأن‬
‫ما إذا أقروا بأنهم خلقوا من مادة لم‬ ‫قا خلقهم نفعهم ذلك‪ ،‬وأ ّ‬ ‫خال ً‬
‫ن ذلك عنهم من الله شيًئا(‪.‬‬ ‫يغ ِ‬
‫والمقصود‪ :‬بيان أن في هذه الية‪ ،‬ذكر الله – عز وجل – شيئين‬
‫في قضية الخلق‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫ما أنهم خلقوا من العدم‪ ،‬والعدم هو الصل‪.‬‬ ‫أ‪-‬إ ّ‬
‫ب ‪ -‬وإما أنهم خلقوا من شيء‪ ،‬وخلقوا أنفسهم بأنفسهم‪،‬‬
‫فالوجود هو الصل‪.‬‬
‫فمعنى الية‪ :‬هل انتقلوا من العدم إلى الوجود من غير خالق؟ أم‬
‫هل كانوا هم الخالقين لنفسهم في هذا النتقال؟ وكلهما من‬
‫المور المستحيلة بداهة‪.‬‬
‫ما؛ لن العدم ل يمكن أن يكون هو الصل؛‬ ‫جد ل يكون عد ً‬ ‫والمو ِ‬
‫لنه هو النفي العام لكل ما يخطر بالبال‪ ،‬ونفي صفاته‪ ،‬فل ذات‬
‫ول قوة ول إرادة ول علم ول حياة ول أي شيء‪ ،‬ول يمكن أن‬
‫يتحول هذا العدم إلى الوجود‪ ،‬ول يمكن أن يأتي من هذا العدم‬
‫العام‪ :‬ذوات وصفات وُقوى تنطلق بنفسها منه إلى الوجود‪ ،‬فقد‬
‫ثبت لنا أن العدم ل يمكن أن يكون هو الصل‪ ،‬قال شيخ السلم‬
‫ابن تيمية رحمه الله‪) :‬ولم يذكر القرآن خلق شيء من ل شيء‪،‬‬
‫بل ذكر أنه خلق المخلوق بعد أن لم يكن شيًئا‪ ،‬كما قال تعالى‪} :‬‬
‫شي ًْئا{‪ ،‬مع إخباره أنه خلقه من‬ ‫ك َ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫ل وَل َ ْ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫خل َ ْ‬
‫قت ُ َ‬ ‫وَقَد ْ َ‬
‫نطفة(‪.‬‬
‫فإذا لم يكن العدم هو الصل لبد ّ أن يكون الوجود هو الصل؛ لنه‬
‫نقيض العدم‪ ،‬ولذلك يستحيل عقل ً أن يطرأ العدم على وجود‬
‫علمنا أنه هو الصل‪.‬‬ ‫ِ‬

‫‪578‬‬
‫سي‬ ‫ولو نظرنا إلى الموجودات التي تقع تحت مجال إدراكنا الح ّ‬
‫في هذا الكون العظيم لوجدنا أن هذه الموجودات – ومنها‬
‫النسان – لم تكن ثم كانت‪ ،‬وأن أشكال ً كبيرة كانت معدومة في‬
‫أشكالها وصورها ثم وجدت‪ ،‬كما هو مشاهد لنا باستمرار‪ ،‬كما‬
‫تبدو لنا صورة التغيرات الكثيرة الدائمة في كل جزء من أجزاء‬
‫س بها‪ ،‬أو ندرك قواها‬ ‫هذه المواد الكونية التي نشاهدها‪ ،‬أو نح ّ‬
‫وخصائصها‪ ،‬فمن موت إلى حياة‪ ،‬ومن حياة إلى موت‪ ،‬ومن‬
‫تغييرات في الشكال والصور إلى تغييرات في الصفات والقوى‪،‬‬
‫وكل ذلك ل يعلل في عقولنا – وفق قوانين هذا الكون الثابتة‬
‫التي استفدناها من الكون نفسه‪ -‬إل ّ بالسباب المؤثرة التي‬
‫تحمل سّر هذه التغييرات الكثيرة المتعاقبة في كل شيء من هذا‬
‫الكون على اختلف جواهره وصفاته‪ ،‬سواء منها المتناهي في‬
‫الصغر أو المتناهي في الكبر‪.‬‬
‫وهنا نقول‪ :‬لو كان الصل في هذه الموجودات المعروفة على‬
‫حواسنا )المادة( هو الوجود الزلي‪ ،‬لم تكن عرضة للتحول‬
‫والتغير والزيادة والنقص‪ ،‬والبناء والفناء‪ ،‬ولم يحتج صور وجوداتها‬
‫وتغيراتها إلى أسباب ومؤثرات‪ ،‬وبما أنه عرضة للتغيير والتحويل‪،‬‬
‫وبما أن قوانينها تفرض احتياجاتها إلى السباب والمؤثرات‪ ،‬لزم‬
‫عقل ً أل يكون الصل فيها الوجود‪ ،‬وإنما يجب عقل ً أن يكون‬
‫الصل فيها هو العدم‪ ،‬ولبد ّ لها من سبب أوجدها من العدم‪ ،‬وهو‬
‫الله سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫‪ -2‬دليل المكان في الكون أو المادة ‪:‬‬
‫بملحظتنا لكل شيء في الكون‪ ،‬سواء كان من الشياء المادية‬
‫التي يمكن أن ُندركها ببعض حواسنا كالرض والكواكب والنجوم‪،‬‬
‫أو صفة من الصفات القائمة في الشياء المادية التي نستنبط‬
‫وجودها بعقولنا كالجاذبية الخاصة الموجودة في حجر‬
‫المغناطيس‪ ،‬وكخواص المركبات المادية التي ل حصر لها في‬
‫الكون سواء في ذلك الظواهر الكيميائية أو الفيزيائية‪ ،‬من خلل‬
‫ملحظتنا لجميع هذه الشياء الكونية‪ ،‬ندرك بداهة في كل واحد‬
‫منها أنه كان من الممكن عقل ً أن يتخذ صورة وحالة غير ما هو‬
‫عليه الن‪ ،‬فما المانع من أن يكون العقل في البهائم والنطق في‬
‫العجماوات؟ وما المانع من أن تكون الرض أدنى إلى الشمس‬
‫والقمر من الوضع الذي هي عليه؟ أو غير ذلك من أشياء كثيرة‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬إن الحكمة تقتضي أن تكون هذه الشياء كما هي عليه‬
‫الن‪ ،‬وإل ّ لختل النظام وفسدت النتائج المرجوة من هذا الكون‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬إن الحكمة هي من صفات الحكيم – هو الله سبحانه – وما‬
‫دام أن كل شيء في الكون يحتمل أن يكون على واحد من‬

‫‪579‬‬
‫أوضاع كثيرة غير الوضع الذي هو عليه الن‪ ،‬فإن العقول لبد ّ أن‬
‫تحكم بداهة بأن ما كان كذلك فلبد ّ من مخصص قد خصصه‬
‫باحتمال موافق للحكمة والبداع والتفاق من جملة احتمالت‬
‫كثيرة‪ ،‬ولول وجود المخصص للزم ترجيح أحد المتساويين على‬
‫الخر من غير مرجح‪ ،‬أو القول بأن موافقة الحكمة – فيما ل‬
‫حصر له من العداد – كان على طريق التصادف‪ ،‬وكلهما‬
‫مستحيل عق ً‬
‫ل‪.‬‬
‫‪ -3‬دليل التقان في الكون ‪:‬‬
‫من أعظم ما يدهشنا في أنفسنا في الكون من حولنا ذلك‬
‫التقان العجيب في التركيب والصنع‪ ،‬فما نصادف من شيء في‬
‫الرض ول في السماء إل ّ وهو في غاية التقان‪ ،‬مركب أحكم‬
‫خلق من أجلها‪.‬‬ ‫دي به إلى غايته التي ُ‬ ‫تركيب يؤ ّ‬
‫أليس من التقان هندسة الكون العجيبة‪ ،‬في مخطط كواكبه‬
‫دي به إلى الخلل والنقص أو‬ ‫ونجومه‪ ،‬بحيث إن أيّ تغيير فيه يؤ ّ‬
‫الخراب والفناء‪ ،‬وكذلك أليس من التقان المدهش هذا النسان‬
‫في خلقه وتكوينه‪ ،‬وكذلك هذه الحيوانات المدهشة في تكوينها؟‬
‫نعم‪ ،‬في كل شيء نرى فيه التقان المدهش الذي ل يصدر إل ّ‬
‫عن متقن بنفسه يتقن كل شيء صنًعا‪.‬‬
‫فهذه أدلة علمية عقلية كلها تدل على أن الكون بما فيه المادة‪،‬‬
‫حادثة وموجودة بعد أن لم يكن لها وجود‪ ،‬فهي حادثة‪ ،‬والحادث‬
‫دث‪ ،‬وبهذه يبطل قول الماديين بأزلية المادة كما‬ ‫مح ِ‬ ‫لبد ّ له من ُ‬
‫أنها في حالة حدوث وتغيير دائمين‪ ،‬فحدوثها وتغييرها دليل على‬
‫أن لها بداية‪ ،‬وهذا الدليل نفسه يقودنا إلى أن للمادة نهاية‬
‫محتومة لبد ّ أن تصير إليها؛ لن كل شيء له بداية لبد ّ أن يكون‬
‫له نهاية‪.‬‬
‫وحين ل يسلم بهذه الدلة المنطقية العقلية التي تدل على حدوث‬
‫الكون )المادة( وبدايته ونهايته طائفة من المفتونين بالعلوم‬
‫الحديثة وقوانينها‪ ،‬ومنجزاتها‪ ،‬فإنني أعرض لهم أدلة من هذه‬
‫العلوم وقوانينها التي تثبت حدوث الكون‪ ،‬وأنه لبد ّ له من إله‬
‫أوجده من العدم‪ ،‬كما أن له نهاية محتومة سيصير إليها‪.‬‬
‫المجموعة الثانية‪ :‬في بيان الدلة العلمية على أن المادة ليست‬
‫أزلية ول أبدية‪:‬‬
‫وهذه الدلة يمكن أن نقسمها قسمين‪:‬‬
‫الول‪ :‬الدلة العلمية الحديثة الدالة على أن المادة ليست بأزلية‪:‬‬
‫وذلك بما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬أثبتت الكتشافات العلمية في العصر الحديث أن للمادة بداية‪،‬‬
‫حيث لحظ العلماء أن حركة المادة في الكون كله حركة دائرية‪،‬‬

‫‪580‬‬
‫ي موجب‪،‬‬ ‫فكل ذرة من ذرات الكون مؤلفة من جزئي كهرب ّ‬
‫مى )إليكترون(‪،‬‬ ‫ي كهربي سالب‪ ،‬وُيس ّ‬ ‫مى )البروتون(‪ ،‬وجزئ ٍ‬ ‫وُيس ّ‬
‫مى )النيترون(‪،‬‬ ‫وبعض الذرات تحتوي على جزء ثالث معتدل وُيس ّ‬
‫ما‬
‫هذا‪ ،‬ويشكل البروتون والنيترون في حالة وجوده كتلة النواة‪ ،‬أ ّ‬
‫الليكترون فهو يدور بسرعة دائرية هائلة‪ ،‬ولول هذا الدوران‬
‫ي‬
‫لجذبت كتلة النواة كتلة الليكترون‪ ،‬ولم يكن هناك امتداد ل ّ‬
‫مادة على الطلق‪ ،‬بل لول هذا الدوران لكانت الرض كلها – كما‬
‫يقال – في حجم البيضة‪.‬‬
‫هذا الدوران هو سنة الله في الطبيعة‪ ،‬فالقمر يدور حول الرض‪،‬‬
‫والرض تدور حول الشمس‪ ،‬وهكذا كل ذرة تدور في هذا الكون‪،‬‬
‫والذي نريده هو‪ :‬أن الشيء الدائر لبد ّ أن تكون له نقطة بداية‬
‫زمانية ومكانية ابتدأ منها‪.‬‬
‫ده على القائلين‬ ‫‪ -2‬يقول »إدوارد لوثر كيسيل« في معرض ر ّ‬
‫بأزلية الكون‪) :‬ولكن القانون الثاني من قوانين الديناميكا‬
‫الحرارية ُيثبت خطأ هذا الرأي الخير‪ ،‬فالعلوم ُتثبت بكل وضوح‬
‫أن هذا الكون ل يمكن أن يكون أزلّيا‪ ،‬فهنالك انتقال حراري‬
‫مستمر من الجسام الباردة إلى الجسام الحارة‪ ،‬ومعنى ذلك؛‬
‫أن الكون يتجه إلى درجة تتساوى فيها جميع الجسام وينضب‬
‫منها معين الطاقة‪ ،‬ويومئذ لن تكون هناك عمليات كيماوية أو‬
‫طبيعية‪ ،‬ولن يكون هناك أثر للحياة نفسها في هذا الكون‪ ،‬ولما‬
‫كانت الحياة ل تزال قائمة؛ ول تزال العمليات الكيماوية‬
‫ن هذا‬‫والطبيعية تسير في طريقها‪ ،‬فإننا نستطيع أن نستنتج أ ّ‬
‫الكون ل يمكن أن يكون أزلّيا وإل ّ لستهلكت طاقته منذ زمن‬
‫بعيد‪ ،‬وتوقف كل نشاط في الوجود‪ ،‬وهكذا توصلت العلوم – دون‬
‫قصد – إلى أن لهذا الكون بداية‪ ،‬وهي بذلك تثبت وجود الله؛ لن‬
‫ئ‪ ،‬أو‬‫ما له بداية ل يمكن أن يكون قد بدأ بنفسه‪ ،‬ولبد ّ من مبد ٍ‬
‫من محرك أول‪ ،‬أو من خالق هو‪ :‬الله(‪.‬‬
‫فهذه الدلة العلمية القاطعة ُتثبت أن المادة غير أزلية‪ ،‬والن‬
‫أعرض فيما يلي الدلة العلمية على أن المادة ليست أبدية‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬الدلة العلمية الدالة على أن المادة ليست أبدية‪:‬‬
‫من أشهر هذه الدلة‪:‬‬
‫‪ -1‬ما سبق معنا من قانون الديناميكا الحرارية‪ ،‬فإنه قد جاء فيه‪:‬‬
‫ما‬
‫ن مكونات هذا الكون تفقد حرارتها تدريجّيا‪ ،‬وأنها سائرة حت ً‬ ‫أ ّ‬
‫إلى يوم تصير فيه الجسام تحت درجة من الحرارة بالغة‬
‫النخفاض هي الصفر المطلق‪ ،‬ويومئذ تنعدم الطاقة‪ ،‬وتستحيل‬
‫الحياة‪ ،‬ول مناص من حدوث هذه الحالة من انعدام الطاقة عندما‬

‫‪581‬‬
‫تصل درجة حرارة الجسام إلى الصفر المطلق بمضي الوقت‪..‬‬
‫ول شك أنه يدل على أن للمادة نهاية محتومة ستصير إليها‪.‬‬
‫‪ -2‬ومنها قانون تحطم الشموس‪ ،‬وفحواه‪ :‬أن ذرات الشموس‬
‫دا‪ ،‬وبواسطة هذا التحطم‬ ‫تتحطم في قلبها المرتفع الحرارة ج ّ‬
‫الهائل المستمر تتولد هذه الطاقة الحرارية التي ل مثيل لها‪،‬‬
‫وكما هو معلوم فإن الذرة عندما تتحطم تفقد جزًءا من كتلتها‬
‫حيث يتحول هذا الجزء إلى طاقة‪ ،‬فكل يوم يمر بل كل لحظة‬
‫تمر على أيّ شمس فإنها تفقد جزًءا ولو يسيًرا من كتلتها‪،‬‬
‫ومعنى هذا بالضرورة أن سيأتي الوقت الذي تستنفد الشموس‬
‫كتلتها نهائّيا؛ أي‪ :‬أنها تفنى‪.‬‬
‫‪) -3‬جون كليفلند كوتران( عالم الكيمياء والرياضيات يقول‪:‬‬
‫)تدلنا الكيمياء على أن بعض المواد على سبيل الزوال والفناء‪،‬‬
‫ولكن بعضها يسير نحو الفناء بسرعة كبيرة والخر بسرعة‬
‫ضئيلة‪ ،‬وعلى ذلك فإن المادة ليست أبدية‪.(..‬‬
‫فهذه الدلة كلها تدل على أن المادة ليست أزلية ول أبدية‪ ،‬بل‬
‫إنها مخلوقة وفانية‪ ،‬وبهذا يسقط دعوى الشيوعية في كون‬
‫المادة هي الصل‪ ،‬والحياة هي المادة‪.‬‬
‫) المرجع ‪ :‬رسالة ‪ :‬الشرك في القديم والحديث ‪ ،‬للستاذ أبوبكر‬
‫محمد زكريا ‪. (712-692 / 2 ،‬‬
‫=========================‬
‫إن الحياة إنما هي من نتاج المادة‬
‫وذلك؛ في قولهم ‪ :‬إن الحياة إنما هي من نتاج المادة دون أن‬
‫يكون وراءها شيء‪ ،‬بل تطورت ذاتّيا‪ ،‬ونشأت تلقائّيا حسب‬
‫ضا بالقوانين الطبيعية‪.‬‬ ‫قوانين المادة التطورية‪ ،‬هذا ما يسمونه أي ً‬
‫هذه الشبهة مؤلفة من ثلثة جوانب‪:‬‬
‫الجانب الول‪ :‬القول بالتطور الذاتي‪ ،‬وهذا ما كان يقول به‬
‫الشيوعيون في بداية أمرهم‪.‬‬
‫الجانب الثاني‪ :‬القول بنظرية النشوء والرتقاء‪ ،‬هذا ما مالوا إليه‬
‫بعدما سمعوا أن داروين قد أظهر هذا القول كالفرضية أو‬
‫ما لمواقفهم السابقة‪.‬‬‫النظرية‪ ،‬دع ً‬
‫الجانب الثالث‪ :‬القول بنسبة الخلق والحياة إلى الطبيعة‪ ،‬فهذا‬
‫وإن كانوا في حقيقة أمرهم ل ُيبالون بجانب البحث عن الخالق‬
‫أو المسبب‪ ،‬إل ّ أنهم قالوا بهذا القول رغم إنكارهم لذلك في‬
‫كتاباتهم هروًبا من الكنيسة‪ ،‬وإله الكنيسة‪.‬‬
‫الجانب الول‪ :‬القول بالتطور الذاتي‪:‬‬
‫الرد عليه بما يلي‪:‬‬

‫‪582‬‬
‫إن هذا القول إنما هو محاولة تفسيرهم لظاهرة الحياة في‬
‫ما أنكروا وجود الخالق – جل ّ وعل – لزمهم أن‬ ‫المادة‪ ،‬فإنهم ل ّ‬
‫يقولون‪ :‬إن المادة الولى للكون التي هي عديمة الحياة‬
‫والحساس والدراك والفكر‪ ،‬قد ارتقت بالتطور الذاتي حتى‬
‫نشأت الحياة‪ ،‬التي هي أكمل وأرقى من مادة الكون الولى‪ ،‬ثم‬
‫نشأت بعد ذلك في الحياة‪ :‬الحساسات الراقية‪ ،‬حتى مستوى‬
‫الفكر‪ ،‬ووعي ما في الكون عن طريقه‪ ،‬وبذلك استطاعت المادة‬
‫أن تعي ذاتها‪ ،‬متمثل ً ذلك في الجهاز الراقي الذي أبدعته بالتطور‬
‫الذاتي‪ ،‬وهو الدماغ‪.‬‬
‫قبل مناقشة هذه المسألة‪ :‬لبد ّ من طرح سؤال وهو‪ :‬ما هو‬
‫الدليل العلمي على أن الروح والفكر والحساس ثمرة من‬
‫ثمرات المادة؟‬
‫إن أدق ما قدمته الشيوعية من برهان على هذه الدعوى إلى‬
‫الن هو‪ :‬أن الحياة تنشأ عن الحرارة ‪ ،‬والحرارة بدورها تنشأ من‬
‫الحركة‪ ،‬أي أن‪ :‬الحركة ‪ +‬حرارة = حياة‪.‬‬
‫ونحن نلجأ إلى نفس السلوب الذي تسير عليه الماركسية لضبط‬
‫سلمة معارفنا‪ ،‬وهو التطبيق العلمي لنرى هل الحركة ‪+‬‬
‫الحرارة = الحياة؟‬
‫ولنتساءل من الذي جمع هاتين الظاهرتين إلى بعضهما )بجهد من‬
‫تطبيقه الخاص( بهذه البساطة أو بما شاء من التعقيد الكيميائي‬
‫فاستخرج منها حقيقة الحياة؟‪ ...‬وهنا لبد ّ أن ُيعاد إلى الذهان‬
‫ل من الّرق‬ ‫خبر المؤتمر الذي عقده ستة من علماء الحياة في ك ّ‬
‫والغرب في نيويورك ‪1959‬م‪ ،‬وكان فيهم العالم الروسي‬
‫)أوبارين( أستاذ الكيمياء الحيوية في أكاديمية العلوم السوفيتية‪،‬‬
‫أمل ً في فهم شيء عن أصل الحياة ومنشأها على ظهر الرض‪،‬‬
‫وإلى معرفة مدى إمكان إيجاد الحياة عن طريق التفاعل‬
‫الكيميائي‪.‬‬
‫لقد قرر المجتمعون في نهاية بحوثهم بالجماع )أن أمر الحياة ل‬
‫ما ما‪ ،‬وأن هذا‬ ‫ل‪ ،‬ول مطمع في أن يصل إليه العلم يو ً‬ ‫يزال مجهو ً‬
‫السّر أبعد من أن يكون من مجرد بناء مواد عضوية معينة‬
‫وظواهر طبيعية خاصة(‪.‬‬
‫ثم إن الحقيقة التي أجمع عليها العلماء حتى الن – مسلمهم‬
‫وكافرهم – أن العلم ل يدري إلى اليوم شيًئا عن الحياة والروح‪،‬‬
‫فهل تجميع الحرارة والحركة ينتج حياة بهذه البساطة؟ إن مما ل‬
‫شك فيه أن كل ّ من الحركة والحرارة من أبرز خصائص الحياة‪،‬‬
‫ولكن من المفروغ منه في قواعد المنطق أن خواص شيٍء ما‬
‫ليست تعبيًرا عن الجوهر الذاتي الذي يقوم به؛ فالماء مثل ً في‬

‫‪583‬‬
‫ل من الحركة والحرارة‪ ،‬وهكذا أن الحركة‬ ‫حالة الغليان يتصف بك ّ‬
‫والحرارة خصيصتان من خصائص الحياة الدالة عليها كاليدروجين‬
‫والكربون والوزون والوكسجين‪ ،‬وغير ذلك من عناصر الحياة‬
‫الساسية‪ ،‬أما جوهر الحياة ذاته فشيء آخر ل يقف عليه إنسان‪.‬‬
‫ولهذا قال »انجلز«‪) :‬ليس في مكنة العلم الطبيعي حتى الوقت‬
‫الراهن أن يؤكد شيًئا بخصوص أصل الحياة(‪ ،‬فهذا اعتراف منهم‬
‫على أنهم ما وصلوا في خصوص الحياة إلى نتيجة علمية ثابتة‪،‬‬
‫وإنما هذه القوال دعاوى كاذبة‪ ،‬وأحاجي فارغة تناقض حتى‬
‫المبادئ العقلية‪.‬‬
‫فالنسان ليس من صنع المادة؛ لن المصنوع ل يحيط بصانعه‪،‬‬
‫والنسان قد أحاط بصورة المادة وخرج بها إلى دائرة الثير‪ ،‬بل‬
‫إلى عمليات رياضية فكرية في قدرة النسان أن يحتويها‪ ،‬وهذا ل‬
‫يأتي إل إذا كان في طبيعة النسان شيء يعلو على مكونات‬
‫المادة‪ ،‬شيء مفارق لكل خصائصها المعروفة‪.‬‬
‫فمادة الكون الولى‪ ،‬التي ليس فيها مركبات متقنة‪ ،‬وليس فيها‬
‫حياة ول إحساس ول وعي‪ ،‬ل تستطيع أن ترقى إلى الكمال‬
‫ضا أن تصنع أجزاًء فيها هي أكمل منها‬ ‫ارتقاًء ذاتّيا‪ ،‬ول تستطيع أي ً‬
‫وأرقى‪ ،‬وذلك؛ لن فاقد الشيء ل ُيعطيه‪ ،‬وصنع الناقص لما هو‬
‫أرقى منه نظير تحول العدم إلى الوجود تحول ً ذاتّيا؛ لن القيمة‬
‫ضا‪ ،‬والعدم المحض ل ُيخرجه إلى‬ ‫ما مح ً‬ ‫الزائدة قد كنت عد ً‬
‫الوجود إل قوة مكافئة له‪ ،‬أو أقوى منه‪ ،‬والمادة العمياء الصماء‬
‫الجاهلة لم تكن أقوى ول مكافئة لمادة حّية مريدة ذات وعي‬
‫وإحساس‪ ،‬بل هي أقل قيمة منها‪ ،‬فهي إذن عاجزة بداهة عن‬
‫إنتاج ما هو خير منها‪.‬‬
‫فهذه الدعوى – دعوى وجود الحياة نتيجة التطور الذاتي – كانت‬
‫تقول بها الشيوعية في بداية أمرها‪ ،‬وكانت تقول‪ :‬إن المادة‬
‫تتطور من كمية إلى كيفية‪ ،‬ومصادفة يحدث في المادة شيء‬
‫آخر‪ ،‬والحياة ما هي إل نتيجة من نتائج هذه المصادفة في المادة‬
‫في بعض مراحل تطورها‪ ،‬وُتمثل الشيوعية لها بالماء إذا زاد في‬
‫غليانه يزيد في الحرارة‪ ،‬ولكن لما تصل الحرارة إلى ‪ %100‬فإنه‬
‫يصبح بخاًرا‪ ،‬فأخذ شكل ً آخر في بعض تطورها‪ ،‬فيقال لهم‪ :‬إن‬
‫التطور في مثل هذه الشياء أحدث شيًئا آخر ولكن ليس لذاتها‪،‬‬
‫بل بفعل فاعل‪ ،‬ثم إن حدوث البخار من الماء شيء يمكن إثباته‬
‫بالتجربة‪ ،‬فهل الحياة مثل هذا؟ هل يمكن إثبات الحياة في مادة‬
‫ت ما على سبيل التجربة؟‬ ‫مي ٍ‬
‫ثم إن هذا المبدأ من مبادئ الماركسية‪ ،‬ل يمكن أن يعتبر قانوًنا‬
‫ما ينطبق على كل حركة تطور في الطبيعة‪ ،‬فالعلوم المادية‬ ‫عا ّ‬

‫‪584‬‬
‫النسانية ل تقرر به‪ ،‬وهو وإن صدق ببعض المثلة‪ ،‬فإنه ل يصدق‬
‫بآلف المثلة الخرى‪.‬‬
‫ما التطور في الكيف‪ ،‬ما لم‬ ‫إن التراكم في الكم ل يقتضي دائ ً‬
‫يكن نظام ذلك الشيء يقتضي ذلك‪ ،‬إن الملحظة ُتثبت أن لكل‬
‫طا معينة في أنظمته وسننه الثابتة‪،‬‬ ‫حالة تطور في الكون شرو ً‬
‫فمتى استوفيت هذه الشروط تحقق التطور‪ ،‬فمث ً‬
‫ل‪:‬‬
‫أ‪ -‬بيضة الدجاجة المّلقحة إذا وجدت ضمن حرارة ذات مقدار‬
‫معين‪ ،‬ورطوبة ذات مقدار معين‪ ،‬بدأ جنينها يتكون تدريجّيا حتى‬
‫يتكامل داخل القشرة‪ ،‬وفي نهاية ثلثة أسابيع يكون قد تكامل‪،‬‬
‫وبدأ ينقر القشرة من الداخل حتى يكسرها‪ ،‬وعندئذ يخرج من‬
‫غلفه إلى الهواء‪ ،‬ليبدأ رحلة حياته إلى الرض‪.‬‬ ‫ُ‬
‫عى في المبدأ‬ ‫مد ّ َ‬
‫لقد حصل التطور‪ ،‬ولكن على خلف ال ُ‬
‫الماركسي‪ ،‬فل تراكم الحرارة هو الذي أحدث ظاهرة التغير‪ ،‬ول‬
‫تراكم الرطوبة‪ ،‬بل ثبات درجة الحرارة‪ ،‬وثبات درجة الرطوبة‪،‬‬
‫ون جنين البيضة تكوًنا تدريجّيا‪ ،‬ضمن الوقت‬ ‫قد ساعدا على تك ّ‬
‫المخصص في نظام الكون لتكامل تكوينه‪ ،‬ولو أن الحرارة‬
‫سلقت‬ ‫دد في نظام التكوين ل ُ‬ ‫تراكمت أكثر من المقدار المح ّ‬
‫البيضة‪ ،‬ولهلكت نواة جنينها‪ ،‬ولو زاد هذا التراكم لحترقت‬
‫البيضة‪.‬‬
‫فنظام الكون هو نظام تحديد مقادير لكل شيء‪ ،‬ضمن خطط‬
‫ثابتة‪ ،‬وليست تغيراته ثمرة تراكمات‪ ،‬هذه هي الحقيقة التي تدل‬
‫عليها الملحظات والتجارب العلمية‪ ،‬وهي التي أعلنها الله عز‬
‫داٍر{ ‪.‬‬‫ق َ‬
‫م ْ‬
‫عند َه ُ ب ِ ِ‬‫يٍء ِ‬ ‫ل َ‬
‫ش ْ‬ ‫وجل بقوله‪ } :‬وَك ُ ّ‬
‫ف لنقض فكرة التراكم المدعاة في المبدأ‬ ‫إن هذا المثال كا ٍ‬
‫الشيوعي‪ ،‬الذي يعتبرونه قانوًنا شامل ً لكل تطور في الوجود‪،‬‬
‫ف لنقض فكرة التطور السريع المفاجئ‪ ،‬إذ المور‬ ‫ضا كا ٍ‬
‫وهو أي ً‬
‫تتطور في الغالب تطوًرا تدريجّيا‪.‬‬
‫ب‪ -‬والكائنات الحية تبدأ حركة بنائها منذ لحظة التقاء خلية لقاح‬
‫الذكر بخلية بيضة النثى‪ ،‬ويسير بناء الكائن في نمو متدرج‪ ،‬حتى‬
‫إذا استوفى الشروط اللزمة لظهور الحياة فيه دّبت الحياة فيه‪،‬‬
‫ثم يسير ضمن نظام نمو متدرج‪ ،‬حتى إذا استكمل نموه الجنيني‪،‬‬
‫ضا حتى‬ ‫تمخضت عنه أمه فولدت‪ ،‬ثم يسير في نمو تدريجي أي ً‬
‫ل‪ ،‬ثم يعود إلى طور‬ ‫يبلغ‪ ،‬ويتدرج في النماء حتى يكون شاّبا‪ ،‬فكه ً‬
‫ما‪ ،‬ثم يقضي أجله المقدر له‪،‬‬ ‫خا‪ ،‬فهر ً‬ ‫النحدار‪ ،‬فيصير شي ً‬
‫سخ جسمه‪ ،‬ويعود تراًبا كما بدأ من التراب‪ ،‬وقد‬ ‫فيموت‪ ،‬فيتف ّ‬
‫يموت في أيّ مرحلة من المراحل السابقة‪ ،‬فينحدر ويعود إلى‬
‫مثل مرحلة البدء‪ ،‬دون أن يمّر في المراحل المعتادة للحياء‪،‬‬

‫‪585‬‬
‫وتخضع كل المراحل لنظام المقادير المحددة في كل شيء‪ :‬في‬
‫العناصر‪ ،‬وفي الصفات‪ ،‬وفي الزمان‪ ،‬وفي درجة الحرارة‪ ،‬وفي‬
‫سائر ما يلزم لتكوين الحي‪ ،‬وإعداده لداء وظائفه‪.‬‬
‫ضا لنقض كل ما قالوا في مبدأ التطور‪،‬‬ ‫ف أي ً‬
‫هذا المثال الثاني كا ٍ‬
‫ففكرة التراكم المقررة في المبدأ فكرة منقوضة‪ ،‬ذلك؛ لن‬
‫الحياء تخضع لنظام المقادير المحددة سواء في جواهرها‬
‫وأعراضها‪ ،‬ول تخضع لفكرة التراكم الكمي‪ ،‬وفكرة التطور‬
‫ضا؛ لن‬ ‫السريع المفاجئ المقررة في المبدأ الشيوعي منقوضة أي ً‬
‫الحياء تسير وفق نظام البناء المتدرج‪ ،‬ل وفق التطور السريع‬
‫المفاجئ‪) ،‬أو الصدفة – كما يقولون‪.(-‬‬
‫فهذان المثالن من آلف المثلة في نقض أقوال الشيوعية في‬
‫القول بالتطور – على التفسير الذي يريدونه – وبنقض مبدأ‬
‫ضا مبدؤهم القائل بأن الحياة وظيفة من وظائف‬ ‫التطور ينقض أي ً‬
‫المادة‪ ،‬متى وصل تركيبها إلى وضع خاص بالتطور‪ ،‬فإن آخر ما‬
‫توصلت إليه العلوم النسانية التي قام بها الغربيون والشرقيون‬
‫الماركسيون‪ ،‬والتي أنفقوا في سبيلها ألوف المليين‪ ،‬وعشرات‬
‫السنين‪ ،‬قد انتهت إلى قرار علمي جازم هو أنه ل تتولد الحياة إل ّ‬
‫من الحياة‪ ،‬وأن وسائل العلوم النسانية ل تملك تحويل المادة‬
‫التي ل حياة فيها‪ ،‬إلى أدنى وأبسط خلية حية‪.‬‬
‫صفة‬ ‫وبما أن الوعي مرتبط بالحياة فهو مظهر من مظاهرها‪ ،‬و ِ‬
‫من صفاتها‪ ،‬فل سبيل للمادة الميتة أن يكون الوعي أحد‬
‫وظائفها‪ ،‬مهما كانت عالية التنظيم‪.‬‬
‫فالعلوم النسانية‪ ،‬قد كفتنا مهمة إبطال هذا المبدأ من مبادئ‬
‫الماركسية وسائر الماديين الملحدين‪.‬‬
‫ل‬
‫على أن مبدأهم هذا هو في الساس ادعاء غير مقترن بأيّ دلي ٍ‬
‫عقلي أو علمي‪ ،‬وهو من لوازم مبدئهم الول الباطل الذي يرون‬
‫فيه أن المادة هي أساس الوجود وجوهره‪.‬‬
‫الجانب الثاني‪ :‬القول بنظرية النشوء والرتقاء ‪:‬‬
‫وكما سبق أن هذا ما مالوا إليه بعدما سمعوا أن داروين قد أظهر‬
‫ما‬‫هذا القول‪ ،‬فوجدوا فيه غايتهم المنشودة‪ ،‬فقالوا بها دع ً‬
‫لمواقفهم السابقة‪ ،‬وقالوا‪ :‬انتصرت المادة‪.‬‬
‫يقول )جون لويس(‪) :‬لقد حول داروين ما كان يجول بخاطر‬
‫العديد من المفكرين إلى فكرة ممكنة مقنعة‪ ،‬وهي أن عالم‬
‫الحيوان لم يوجد نتيجة خلق واحدة‪ ،‬بل هو ثمرة تغيرات ارتقائية‬
‫عملت على تحويل النواع التي ظهرت في عصور مبكرة إلى‬
‫دا‪ ،‬والتي ظهرت في عصور متأخرة‪...‬‬ ‫الشكال الكثر تعقي ً‬
‫والنسان نفسه لم ُيخلق بفعل خاص منفصل‪ ،‬بل هو ثمرة‬

‫‪586‬‬
‫الرتقاء‪ ،‬ونظرية الرتقاء ل تستبعد قوى ما فوق الطبيعة من‬
‫عملية الخلق فحسب‪ ،‬بل تضع بدل هذه القوى‪ :‬تطور الحياة‬
‫دا مده ً‬
‫شا(‪.‬‬ ‫الطبيعي‪ ،‬وقد كان هذا تجدي ً‬
‫فهذا القول ُيظهر لنا مدى تأثر الماديين بهذه النظرية الخبيثة‪،‬‬
‫وسيأتي بيان مجمل لهذه النظرية مع الرد عليها فيما بعد‪.‬‬
‫الجانب الثالث‪ :‬القول بوجود الخلق من الطبيعة‪:‬‬
‫سبق أن ذكرنا‪ :‬أن المادة والطبيعة عندهم شيء واحد‪ ،‬ولكنهم‬
‫طا من الكنائس البابوية المنحرفة قالوا‪ :‬الخلق‬ ‫لما وجدوا ضغو ً‬
‫إنما هو من الطبيعة‪ .‬فلينظر مدى صحة هذا القول‪ ،‬وهل الطبيعة‬
‫قا؟‬
‫تصلح أن تكون خال ً‬
‫في الحقيقة‪ :‬إن هذه فرية راجت في عصرنا هذا‪ ،‬راجت حتى‬
‫على الذين – يظنون أنهم – نبغوا في العلوم المادية‪ ،‬وعلل‬
‫كثيرون وجود الشياء وحدوثها بها‪ ،‬فقالوا‪ :‬الطبيعة هي التي ُتوجد‬
‫ث‪.‬‬
‫وتحد ُ‬
‫وهؤلء نوجه إليهم هذا السؤال‪ :‬ماذا تريدون بالطبيعة؟ هل تعنون‬
‫بالطبيعة ذوات الشياء؟ أم تريدون بها السنن والقوانين‬
‫والضوابط التي تحكم الكون؟ أم تريدون بها قوة أخرى وراء هذا‬
‫الكون أوجدته وأبدعته؟‬
‫فإننا نرى‪ :‬أن الطبيعة في اللغة‪ :‬السجية‪.‬‬
‫ما في عقول الناس اليوم فلها مفاهيم‪:‬‬ ‫أ ّ‬
‫المفهوم الول‪ :‬أنها عبارة عن الشياء بذاتها‪) ،‬الكون نفسه(‪،‬‬
‫فالجماد والنبات والحيوان كل هذه الكائنات هي الطبيعة‪.‬‬
‫وهو مفهوم غير دقيق وحكم غير سديد‪ ،‬فإن هذا القول يصبح‬
‫دا للقول السابق بأن الشيء يوجد نفسه – بأسلوب آخر‪ ،‬أي‬ ‫تردي ً‬
‫أنهم يقولون‪ :‬الكون خلق الكون‪ ،‬فالسماء خلقت السماء‪،‬‬
‫والرض خلقت الرض‪ ،‬والكون خلق النسان والحيوان‪ ،‬هذا‬
‫القول ل يخرج بالطبيعة بالنسبة لخلق الوجود عن تفسير الماء‬
‫دث‪ ،‬وهي‬ ‫مح ِ‬‫بالماء‪ ،‬والشياء أوجدت ذاتها‪ ،‬فهي الحادث وال ُ‬
‫الخالق والمخلوق في الوقت ذاته‪ ،‬وقد سبق بيان كون العقل‬
‫جد نفسه‪ ،‬كما أن الشيء‬ ‫النساني يرفض التسليم بأن الشيء يو ِ‬
‫ل يخلق شيًئا أرقى منه‪ ،‬فالطبيعة من سماء وأرض ونجوم‬
‫وشموس وأقمار ل تملك عقل ً ول سمًعا ول بصًرا‪ ،‬فكيف تخلق‬
‫ما؟ هذا ل يكون‪ ،‬فبطلن هذا القول بّين‪،‬‬ ‫إنساًنا سميًعا بصيًرا علي ً‬
‫فهو ل يخلو عن أمرين‪:‬‬
‫ما ادعاء بأن الشيء وجد بذاته من غير سبب‪.‬‬ ‫‪ -1‬إ ّ‬

‫‪587‬‬
‫ن واحد‪ ،‬فالسبب عين‬ ‫ما ازدواج الخالق والمخلوق في كائ ٍ‬ ‫‪ -2‬وإ ّ‬
‫المسبب‪ ،‬وهو مستحيل‪ ،‬بل هو من التهافت والتناقض بحيث ل‬
‫يحتاج إلى الوقوف والشرح‪.‬‬
‫فإن قالوا‪ :‬خلق كل ذلك مصادفة‪ ،‬يقال‪ :‬ثبت لدينا يقيًنا أن ل‬
‫مصادفة في خلق الكون – كما سيأتي‪.-‬‬
‫وكان مما ساعد على انتشار هذا القول‪ :‬نظرية التولد الذاتي‪،‬‬
‫ون )دود(‬ ‫وكان من أدلتها‪ :‬ما شاهده العلماء الطبيعيين من تك ّ‬
‫على براز النسان أو الحيوان‪ ،‬وتكون بكتيريا تأكل الطعام‬
‫فتفسده‪ ،‬فقالوا‪ :‬ها هي ذي حيوانات تتولد من الطبيعة وحدها‪،‬‬
‫وراجت هذه النظرية التي مكّنت للوثن الجديد )الطبيعة( في‬
‫دا عن هدي الله الحق‪ ،‬لكن الحق ما‬ ‫قلوب الضالين والتائهين بعي ً‬
‫لبث أن كشف باطل هذه النظرية على يد العالم الفرنسي‬
‫المشهور )باستير( الذي أثبت أن الدود المتكون والبكتيريا‬
‫المتكونة المشار إليها لم تتولد ذاتّيا من الطبيعة‪ ،‬وإنما من أصول‬
‫صغيرة سابقة لم تتمكن العين من مشاهدتها‪ ،‬وقام بتقدير الدلة‬
‫التي أقنعت العلماء بصدق قوله‪ ،‬فوضع غذاء وعزله عن الهواء‬
‫وأمات البكتيريا بالغليان‪ ،‬فما تكونت بكتيريا جديدة ولم يفسد‬
‫الطعام‪ ،‬وهذه هي النظرية التي قامت عليها الغذية المحفوظة‬
‫)المعلبات(‪.‬‬
‫وبهذا يظهر بطلن هذا المفهوم للطبيعة جلّيا وبيًنا‪.‬‬
‫المفهوم الثاني‪ :‬أن الطبيعة عبارة عن القوانين التي تحكم‬
‫الكون؛ بمعنى أنها تعني صفات الشياء وخصائصها‪ ،‬فهذه‬
‫الصفات من حرارة وبرودة ورطوبة ويبوسة‪ ،‬وملسة وخشونة‪،‬‬
‫وهذه القابليات‪ :‬من حركة وسكون‪ ،‬ونمو واغتذاء‪ ،‬وتزاوج وتوالد‪،‬‬
‫كل هذه الصفات والقابليات‪ :‬هي الطبيعة‪.‬‬
‫دعون العلم والمعرفة من القائلين بأن‬ ‫إن هذا تفسير الذين ي ّ‬
‫الطبيعة هي الخالقة‪ ،‬فهم يقولون‪ :‬إن هذا الكون يسير على‬
‫سنن وقوانين تسّيره وتنظم أموره في كل جزئية‪ ،‬والحداث التي‬ ‫ُ‬
‫تحدث فيه تقع وفق هذه القوانين‪ ،‬مثله كمثل الساعة التي تسير‬
‫ل‪ ،‬فإنها تسير بذاتها دون مسّير‪.‬‬ ‫بدقة وانتظام دهًرا طوي ً‬
‫الردود‪:‬‬
‫‪ -1‬إن هذا القول ليس جواًبا‪ ،‬وإنما هو انقطاع عن الجواب‪،‬‬
‫وذلك؛‬
‫إن هؤلء في واقع المر ل ُيجيبون عن السؤال المطروح‪ :‬من‬
‫خلق الكون؛ ولكنهم يكشفون لنا عن الكيفية التي يعمل الكون‬
‫بها‪ ،‬هم يكشفون لنا كيف يعمل القوانين في الشياء‪ ،‬ونحن نريد‬
‫جد القوانين التي تحكمه‪.‬‬ ‫جد الكون ومو ِ‬ ‫إجابة عن مو ِ‬

‫‪588‬‬
‫)كان النسان القديم يعرف أن السماء ُتمطر‪ ،‬لكننا اليوم نعرف‬
‫كل شيء عن عملية تبخر الماء في البحر‪ ،‬حتى نزول الماء على‬
‫الرض‪ ،‬وكل هذه المشاهدات صور للوقائع‪ ،‬وليست في ذاتها‬
‫تفسيًرا لها‪ ،‬فالعلم ل يكشف لنا كيف صارت هذه الوقائع‬
‫قوانين؟ وكيف قامت بين الرض والسماء على هذه الصورة‬
‫المفيدة المدهشة‪ ،‬حتى إن العلماء يستنبطون منها قوانين‬
‫علمية؟‬
‫إن ادعاء النسان بعد كشفه لنظام الطبيعة أنه قد كشف تفسير‬
‫الكون ليس سوى خدعة لنفسه‪ ،‬فإنه قد وضع بهذا الدعاء حلقة‬
‫من وسط السلسلة مكان الحلقة الخيرة(‪.‬‬
‫سر شيًئا )من الكون(‪ ،‬وإنما هي نفسها بحاج ٍ‬
‫ة‬ ‫‪ -2‬الطبيعة ل تف ّ‬
‫إلى تفسير‪ ،‬وذلك؛ )لو أنك سألت طبيًبا‪ :‬ما السبب وراء احمرار‬
‫الدم؟(‪.‬‬
‫لجاب‪ :‬لن في الدم خليا حمراء‪ ،‬حجم كل خلية منها ‪1/700‬‬
‫من البوصة‪.‬‬
‫‪ -‬حسًنا‪ ،‬ولكن لماذا تكون هذه الخليا حمراء؟‬
‫مى )الهيموجلوبين(‪ ،‬وهي مادة تحدث‬ ‫‪ -‬في هذه الخليا مادة ُتس ّ‬
‫لها الحمرة حين تختلط بالكسجين في القلب‪.‬‬
‫‪ -‬هذا جميل‪ ،‬ولكن من أين تأتي هذه الخليا التي تحمل‬
‫)الهيموجلوبين(؟‬
‫‪ -‬إنها ُتصنع في كبدك‪.‬‬
‫‪ -‬عجًبا! ولكن كيف ترتبط هذه الشياء الكثيرة من الدم والخليا‬
‫طا كلّيا وتسير نحو أداء واجبها‬ ‫والك َِبد وغيرها‪ ،‬بعضها ببعض ارتبا ً‬
‫المطلوب بهذه الدقة الفائقة؟‬
‫‪ -‬هذا ما ُنسميه »بقانون الطبيعة«‪.‬‬
‫‪ -‬ولكن ما المراد »بقانون الطبيعة« هذا يا سيادة الطبيب؟‬
‫‪ -‬المراد بهذا القانون هو‪ :‬الحركات الداخلية العمياء للقوى‬
‫الطبيعية والكيماوية‪.‬‬
‫ما إلىنتيجة معلومة؟ وكيف‬ ‫‪ -‬ولكن لماذا تهدف هذه القوى دائ ً‬
‫ُتنظم نشاطها حتى تطير الطيور في الهواء‪ ،‬ويعيش السمك في‬
‫الماء‪ ،‬ويوجد إنسان في الدنيا‪ ،‬بجميع ما لديه من المكانيات‬
‫والكفاءات العجيبة المثيرة؟‬
‫‪ -‬ل تسألني عن هذا ‪ ،‬فإن علمي ل يتكلم إل ّ عن )ما يحدث(‪،‬‬
‫وليس له أن يجيب‪) :‬لماذا يحدث؟(‪.‬‬
‫هكذا يتضح من هذه السئلة عدم صلحية العلم الحديث لشرح‬
‫العلل والسباب وراء هذا الكون‪ ،‬وأن من أمعن النظر في تعبير‬

‫‪589‬‬
‫الطبيعيين يجد أنها جميعها أفعال مبنية للمجهول؛ لجهلهم أو‬
‫تجاهلهم الفاعل الحقيقي‪.‬‬
‫‪ -3‬إن مبدأ السببية متفق عليه بين المؤمنين والملحدين نظرّيا‪،‬‬
‫فأين تطيقه عملّيا؟ والمراد بالسببية هنا‪ :‬أن النسان الذي أنعم‬
‫الله عز وجل عليه بالعقل‪ ،‬منذ أن أشرقت أشعة عقله على‬
‫الوجود بدأ يتساءل ول يزال وسيبقى يتساءل عن بداية نشأته‪،‬‬
‫وأين سينتهي مصيره؟ ويتساءل عن هذه الموجودات‪ ،‬والكائنات‪،‬‬
‫كيف وجدت؟ ومن أوجدها؟ وما هي السباب الكامنة وراءها؟‬
‫هذا المبدأ من المبادئ الثابتة التي لم تتغير على مدى التاريخ‪،‬‬
‫وهو محل اتفاق بين المؤمنين والملحدين‪ ،‬أما المؤمنون فيقولون‬
‫ما‬
‫به نظرّيا وعملّيا‪ ،‬وهذا أشهر من أن يقام عليه دليل‪ ،‬أ ّ‬
‫ضا قالوا به نظرّيا‪ ،‬والدليل عليه ما يلي‪:‬‬ ‫الملحدون‪ ،‬فهؤلء أي ً‬
‫ما في نشاطنا سؤال ً عن‬ ‫يقول »سبركين وياخوت«‪) :‬نواجه دائ ً‬
‫علل هذه الظواهر أو تلك‪ ،‬وهو أحد السئلة التي تساعد على‬
‫تبّين الطبيعة الداخلية للظواهر التي تجري حولنا والتوصل إلى‬
‫جوهرها‪ ،‬ولم يكن عبًثا؛ أن كتب الفيلسوف اليوناني‬
‫ضل أن أجد السبب الحقيقي ولو‬ ‫»ديموقريطس« يقول‪) :‬لف ّ‬
‫لظاهرة واحدة من أن أصبح قيصًرا على بلد فارس(‪ .‬فإذن‪ ،‬ماذا‬
‫تعني مقولتنا )السبب( و)النتيجة(؟ تعرف من الخبرة أنه )ل‬
‫مونه‬ ‫شيء( ل ينتج شيًئا‪ ،‬وكل ظاهرة لها ما ُيولدها‪ ،‬وهو الذي ُيس ّ‬
‫)السبب(‪ .‬السبب هو‪ :‬ما يخلق وينتج ويولد ظاهرة أخرى‪ ،‬وما‬
‫مى نتيجة أو فع ً‬
‫ل(‪.‬‬ ‫ينتج تحت تأثير السبب ُيس ّ‬
‫فهذا المبدأ العام الذي اعترف به الماديون الملحدون وأخذوا به‬
‫من الناحية النظرية هل طبقوه من الناحية العملية؟‬
‫هذا ما سيتضح لنا عندما يطرح سؤال – وهو مثار خلف جذري‬
‫بين المؤمنين من جهة‪ ،‬وبين الماديين الملحدين من جهة أخرى‪-‬‬
‫وهو‪:‬‬
‫ما هو السبب الكامن وراء هذا الوجود من أرض وسماوات ونبات‬
‫وحيوانات وإنسان وغيره من المخلوقات؟‬
‫هذا السؤال نجد الجابة عليه جاهزة وميسرة ومتوفرة عند‬
‫ل‬
‫الماديين‪ ،‬وهي أن هذا من المور الميتافيزيقية التي ل تهمنا بحا ٍ‬
‫من الحوال‪ ،‬ول نشغل عقولنا بها؛ لنها أمور تافهة‪ ،‬والبحث عنها‬
‫حا –‬ ‫مضيعة للوقت‪ ،‬فكل شيء يخالف نظريتهم – ولو كان صحي ً‬
‫ل يأخذون به ويصمونه بوصمة عار عندهم وهي إرجاعه إلى‬
‫الميتافيزيقية‪ ،‬أو المثالية التي هي في عرفهم عدوة للعلم‪ ،‬فهم‬
‫دي‪ ،‬هذا العالم وجد‪ ،‬ول خالق له‪،‬‬ ‫ل يعرفون إل العالم الما ّ‬
‫وبالتالي فليس له سبب أول أوجده‪.‬‬

‫‪590‬‬
‫دي عند فيلسوف العهد‬ ‫وقد كتب »لينين« بصدد المفهوم الما ّ‬
‫القديم )هيراكليت( يقول في ترجمة حرفية‪) :‬العالم‪ ،‬وحدة الكل‪،‬‬
‫لم يخلقه أي إله ول أيّ إنسان‪ ،‬ولكن كان وسيبقى ناًرا حية أزلّيا‬
‫دا لمبادئ‬ ‫تشتعل وتنطفئ بموجب قوانين‪ ...‬هذا عرض جيد ج ّ‬
‫المادية الجدلية(‪.‬‬
‫في هذا النص نرى أن »لينين« نفى السبب الول في إيجاد‬
‫دي‪ ،‬وهذا نفي صريح للقانون الذي قرروه هم أنفسهم‪،‬‬ ‫العالم الما ّ‬
‫حين وقفوا في تفسيره عند حدود معينة لم يتجاوزوها؛ لن تجاوز‬
‫دي بهم إلى العتراف بخالق الكون‪ ،‬ومن ث َ ّ‬
‫م‬ ‫هذه الحدود يؤ ّ‬
‫العتراف بالديان‪ ،‬وهذا ما ل يرضونه‪.‬‬
‫والمقصود‪ :‬بيان كون تفسيرهم لمظاهر الكون في وجوده وتغيره‬
‫بالطبيعة وعدم تفسيرهم للطبيعة إنما هو هروب منهم لقانون‬
‫السببية – المعترف به لديهم – فإن تطبيقهم العملي لهذا القانون‬
‫ما إلى العتراف بخالق للكون‪ .‬وهذا ما ل‬ ‫سيؤديهم حت ً‬
‫قا‪.‬‬
‫يستيسغونه مطل ً‬
‫ضا للطبيعة‪ ،‬فما بقي‬ ‫وبهذا يظهر بطلن هذا المفهوم )الثاني( أي ً‬
‫ما‪ ،‬وإن كانوا ينكرونه بشدة لما‬ ‫إل ّ أن يقولوا بالمفهوم الثالث حت ً‬
‫يترتب على العتراف به من إثبات وجود الله وبالتالي‬
‫بمستلزمات هذا الثبات التي هي عبادة الله وحده ل شريك له‪.‬‬
‫وهذا المفهوم الثالث بيانه ما يلي‪:‬‬
‫المفهوم الثالث‪ :‬أن يقول‪ :‬إن الطبيعة قوة أوجدت الكون‪ ،‬وهي‬
‫قوة حّية سميعة بصيرة حكيمة قادرة‪ ..‬فإننا نقول لهم‪ :‬هذا‬
‫ميتم هذه القوة )الطبيعة(‪،‬‬ ‫صواب وحق‪ ،‬وخطؤكم في أنكم س ّ‬
‫وقد دلتنا هذه القوة المبدعة الخالقة على السم الذي تستحقه‬
‫وهو )الله(‪ ،‬وهو عرفنا بأسمائه الحسنى وصفاته العليا‪ ،‬فعلينا أن‬
‫مى به نفسه سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫ميه بما س ّ‬ ‫ُنس ّ‬
‫قال ابن القيم‪) :‬وكأّني بك أيها المسكين تقول‪ :‬هذا كله من فعل‬
‫الطبيعة‪ ،‬وفي الطبيعة عجائب وأسرار! فلو أراد الله أن يهديك‬
‫لسألت نفسك بنفسك‪ ،‬وقلت‪ :‬أخبريني عن هذه الطبيعة‪ ،‬أهي‬
‫ذات قائمة بنفسها لها علم وقدرة على هذه الفعال العجيبة؟ أم‬
‫ليست كذلك؟ بل عرض وصفة قائمة بالمطبوع تابعة له محمولة‬
‫فيه؟‬
‫فإن قالت لك‪ :‬بل من ذات قائمة بنفسها‪ ،‬لها العلم التام والقدرة‬
‫ور‪ ،‬فلم‬ ‫والرادة والحكمة‪ ،‬فقل لها‪ :‬هذا هو الخالق البارئ المص ّ‬
‫ميه طبيعة؟!‬ ‫تس ّ‬

‫‪591‬‬
‫مى به‬ ‫ويا لله! عن ذكر الطبائع يرغب فيه‍ا فهل ّ سميَته بما س ّ‬
‫ت في جملة العقلء والسعداء‪ ،‬فإن‬ ‫نفسه على ألسن رسله ودخل َ‬
‫هذا الذي وصفته به الطبيعة صفته تعالى‪.‬‬
‫وإن قالت لك‪ :‬بل الطبيعة عرض محمول مفتقر إلى حامل‪ ،‬وهذا‬
‫ل‪ ،‬وقد‬ ‫كله فعلها بغير علم منها ول إرادة ول قدرة ول شعور أص ً‬
‫شوهد من آثارها ما شوهد!‬
‫فقل لها‪ :‬هذا ما ل يصدقه ذو عقل سليم‪ ،‬كيف تصدر هذه‬
‫الفعال العجيبة والحكم الدقيقة التي تعجز عقول العقلء عن‬
‫من ل فعل له ول قدرة ول شعور؟‬ ‫معرفتها وعن القدرة عليها م ّ‬
‫وهل التصديق بمثل هذا إل ّ دخول في سلك المجانين‬
‫والمبرسمين‪.‬‬
‫ن مثل هذه‬ ‫ثم ُقل لها بعد‪ :‬ولو ثبت لك ما ادعيت فمعلوم أ ّ‬
‫مبدعها‬ ‫الصفة ليست بخالقة لنفسها ول مبدعة لذاتها‪ ،‬فمن رّبها و ُ‬
‫وخالقها؟ ومن طبعها وجعلها تفعل ذلك؟ فهي إذن من أدل‬
‫الدليل على بارئها وفاطرها وكمال قدرته وعلمه وحكمته‪ ،‬فلم‬
‫ب العالم جحدك لصفاته وأفعاله إل ّ مخالفتك‬ ‫ك تعطيلك ر ّ‬ ‫جد ِي ْ َ‬
‫يُ ْ‬
‫العقل والفطرة‪.‬‬
‫ولو حاكمناك إلى الطبيعة لريناك أنك خارج عن موجبها‪ ،‬فل أنت‬
‫مع موجب العقل‪ ،‬ول الفطرة‪ ،‬ول الطبيعة‪ ،‬ول النسانية أص ً‬
‫ل‪،‬‬
‫ل‪ ،‬فإن رجعت إلى العقل وقلت‪ :‬ل يوجد‬ ‫وكفى بذلك جهل ً وضل ً‬
‫حكمة إل من حكيم قادر عليم‪ ،‬ول تدبير متقن إل ّ من صانع قادر‬
‫مدّبر عليم بما يريد قادر عليه‪ ،‬ل ُيعجزه ول يصعب عليه ول‬
‫يؤوده‪.‬‬
‫قيل لك‪ :‬فإذن أقررت – ويحك – بالخلق العظيم الذي ل إله‬
‫دع تسميته طبيعة أو عقل ً فعال ً أو موجًبا‬ ‫ب سواه‪ ،‬ف َ‬ ‫غيره ول ر ّ‬
‫ب العالمين‪،‬‬ ‫ور ر ّ‬ ‫بذاته‪ ،‬وقل‪ :‬هذا هو الله الخالق البارئ المص ّ‬
‫ب المشارق والمغارب‪ ،‬الذي‬ ‫وقيوم السماوات والرضين‪ ،‬ور ّ‬
‫قه‪ ،‬وأتقن ما صنع‪ ،‬فما لك جحدت أسماءه‬ ‫خل َ َ‬‫أحسن كل شيء َ‬
‫قه إلى سواه؟‬ ‫صنعه إلى غيره وخل َ‬ ‫وصفاته ‪ -‬بل وذاته‪ -‬وأضفت ُ‬
‫مع أنك مضطر إلى القرار به وإضافة البداع والخلق والربوبية‬
‫د‪ ،‬فالحمد لله رب العالمين‪.‬‬ ‫والتدبير إليه ول ب ّ‬
‫ملت قولك‪) :‬طبيعة( ومعنى هذه اللفظة‪ ،‬لدّلك‬ ‫على أنك لو تأ ّ‬
‫ل عليه معناها؛ لن‬ ‫ل العقو َ‬
‫على الخالق الباري لفظها كما د ّ‬
‫)طبيعة( فعلية بمعنى مفعولة‪ ،‬أي مطبوعة‪ ،‬ول يحتمل غير هذا‬
‫ألبتة؛ لنها على بناء الغرائز التي ركبت في الجسم ووضعت فيه‬
‫كالسجية والغريزة‪ ،‬والبحيرة والسليقة‪ ،‬والطبيعة؛ فهي التي طبع‬
‫عليها الحيوان وطبعت فيه‪.‬‬

‫‪592‬‬
‫ل لفظ الطبيعة‬ ‫ومعلوم أن طبيعة من غير طابع لها محال‪ ،‬فقد د ّ‬
‫ل معناها عليه‪.‬‬ ‫على الباري تعالى كما د ّ‬
‫والمسلمون يقولون‪ :‬إن الطبيعة خلق من خلق الله مسخر‬
‫مربوب‪ ،‬وهي سنة في خليقته التي أجراها عليه‪ ،‬ثم إنه يتصرف‬
‫فيها كيف شاء وكما شاء‪ ،‬فيسلبها تأثيرها إذا أراد‪ ،‬ويقلب تأثيرها‬
‫ور‪ ،‬وأنه‬ ‫ده إذا شاء؛ لُيريَ عباده أنه وحده البارئ المص ّ‬ ‫إلى ض ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه كُ ْ‬
‫ن‬ ‫لل ُ‬ ‫قو َ‬ ‫شي ًْئا أ ْ‬
‫ن يَ ُ‬ ‫ذا أَراد َ َ‬
‫مُره ُ إ ِ َ‬‫ما أ ْ‬
‫يخلق ما يشاء‪ } ،‬إ ِن ّ َ‬
‫ن{‪ .‬وإن الطبيعة التي انتهى نظر الخفافيش إليها إنما هي‬ ‫فَي َ ُ‬
‫كو ُ‬
‫خلق من خلقه بمنزلة سائر مخلوقاته‪.(..‬‬
‫) المرجع ‪ :‬رسالة ‪ :‬الشرك في القديم والحديث ‪ ،‬للستاذ أبوبكر‬
‫محمد زكريا ‪. ( 730-712 / 2 ،‬‬
‫الشبهة)‪ : (3‬القول بالمصادفة‬
‫جد أوجده‪ ،‬بل وجد صدفة‬ ‫وأن الكون أو النسان ل يحتاج إلى مو ِ‬
‫جد له‪.‬‬ ‫دون تقدير ول تدبير‪ ،‬فل خالق ول مو ِ‬
‫الرد على هذه الشبهة ‪:‬‬
‫القول بالصدفة هو المخرج الثاني للقائلين بنظرية النشوء‬
‫ما قالوا بنظرية الرتقاء والتطور‪،‬‬ ‫والرتقاء لصل النسان‪ ،‬فإنهم ل ّ‬
‫سئلوا عن أساس التطور‪ ،‬فأجابوا بأنه حدث فعل ً‬ ‫والنشوء ُ‬
‫بالصدفة‪ ،‬وأن الحياة والكون إنما هما نتيجتا الصدفة‪ ،‬وقد سبق‬
‫معنا الرد على نظرية التطور والنشوء والرتقاء‪ ،‬وأما القول‬
‫بالصدفة فيقال في الرد عليها‪:‬‬
‫إن القول بالصدفة من الفتراءات الثمة التي قال بها الغافلون‬
‫عن البداع الكوني‪ ،‬وما في العالم من أسرار ونواميس هي أكبر‬
‫شاهد على مدبر حكيم‪ ،‬إن ما يحدث في الكون من تقدير في‬
‫الرزاق والجال‪ ،‬وما عليه الكون من إبداع‪ ،‬وما يحتوي عليه من‬
‫أسرار ل مرد له إلى العشوائية والرتجال‪ ،‬فهي قضية من‬
‫المسّلمات التي اتفقت عليها الدلئل العلمية المادية‪ ،‬والبراهين‬
‫العقلية المنطقية‪.‬‬
‫فالدلئل العلمية المادية المستندة إلى الوسائل النسانية تحيل‬
‫وجود المتقنات الراقية الدقيقة المعقدة بالمصادفة‪ ،‬وترفض‬
‫المصادفة في أية ظاهرة كونية ذات إتقان دقيق معقد‪ ،‬والباحثون‬
‫العلميون سواء أكانوا مثاليين أو ماديين‪ ،‬يبحثون باستمرار عن‬
‫سبب أية ظاهرة كونية يشاهدونها‪ ،‬ويرفضون ادعاء المصادفة‬
‫ضا قاطًعا؛ لن المناهج العلمية الستقرائية قد أثبتت‬ ‫فيها رف ً‬
‫للعلماء أنه ما من ظاهرة تحدث في الكون دون أن تكون‬
‫مسبوقة بسبب مكافئ لحدوثها‪ ،‬وإذا كانت هذه الظاهرة من‬
‫الظواهر التي تحتاج إلى علم ومهارة حتى يكون قادًرا على‬

‫‪593‬‬
‫إنتاجها‪ ،‬قرروا أن منتجها صاحب علم ومهارة‪ ،‬وهكذا‪ .‬فكيف‬
‫بالكون كله وما فيه من متقنات ل حصر لها‪ ،‬أصغرها الذرة‬
‫وأكثرها المجرة – في نظرنا ‪ ،-‬وأدناها في الحياء التي اكتشفناها‬
‫الفيروس‪ ،‬وأعلها فيما نشاهد‪ :‬النسان؟‬
‫وللرد عليهم علمّيا‪ُ ،‬يذكر ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬إن البروتينات من المركبات الساسية في جميع الخليا الحية‪،‬‬
‫وهي تتكون من خمسة عناصر‪ ،‬هي‪ :‬الكربون واليدروجين‪،‬‬
‫والنيتروجين‪ ،‬والكسجين‪ ،‬والكبريت‪ ،‬ويبلغ عدد الذرات في الجزء‬
‫ما كان عدد العناصر الكيماوية في‬ ‫الواحد )‪ (40‬ألف ذرة‪ ،‬ول ّ‬
‫الطبيعة )‪ (92‬عنصًرا موزعة بقدر معلوم‪ ،‬فإن احتمال اجتماع‬
‫ت‬‫دا من جزئيا ِ‬
‫هذه العناصر الخمسة لكي تكون جزئًيا واح ً‬
‫البروتين يمكن حسابه لمعرفة كميات المادة التي ينبغي أن‬
‫طا مستمًرا لكي ُتؤّلف هذا الجزئي‪ .‬وقد حاول أحد‬ ‫تخلط خل ً‬
‫العلماء حساب الفترة الزمنية التي يجب أن تستغرقها عملية‬
‫خلط العناصر المذكورة هي )‪ 243 (10‬سنة‪ ....‬معنى ذلك أنه‬
‫قبل وجود الكون وما بعد أيامنا هذه بمليون سنة أمامه )‪(239‬‬
‫صفر‪ ،‬واشترط العلماء توفر مواد كونية تساوي حجم الكون‬
‫مليون أمامه )‪ (431‬صفر مرة‪ ،‬فهل هذا معقول؟ كل تلك‬
‫الرقام المستحيلة يطلبها قانون الصدفة لتكوين جزئي‪ ،‬واحدة‬
‫من جزئيات الخلية الحية‪ ...،‬أل يكفي خلق النسان من بليين‬
‫الخليا ]الحية[ التي تحركها إشعاعة الحياة )تلك النفخة اللهية‬
‫العظمى في المادة(‪ ،‬أل يكفي هذا لكي يؤمن الملحدون بالخالق‬
‫الواحد الحد الفرد الصمد؟(‪.‬‬
‫‪ -2‬يقول أحد الباحثين المعاصرين‪ :‬إن )معظم الحيوانات‬
‫والنباتات تتكون من عدد هائل من تلك الوحدات الدقيقة الحجم‬
‫ميها )الخليا(‪ ،‬كما يتكون المبنى من مجموعة من‬ ‫التي نس ّ‬
‫الحجار المرصوصة(‪.‬‬
‫وخليا أجسامنا وأجسام غيرنا من الحيوانات دائمة النقسام‪،‬‬
‫وذلك النقسام قد يكون لنمو الجسم أو لتعويض ما يفقد أو‬
‫يموت من الخليا لسباب عديدة‪ ،‬وكل خلية من هذه الخليا‬
‫سا من مادة عجيبة نطلق عليها اسم )البروتوبلزم(‪.‬‬ ‫تتكون أسا ً‬
‫وتوجد بداخل كل خلية محتويات عديدة ذات وظائف محددة‪،‬‬
‫ومن هذه المحتويات أجسام دقيقة تحمل عوامل وراثية هي التي‬
‫نطلق عليها اسم )الكروموسومات(‪ ،‬وعدد هذه الكروموسومات‬
‫ثابت في خليا كل نوع من أنواع الحيوانات والنباتات المختلفة‪،‬‬
‫فعددها في خليا القط – مثل ً – يختلف عن عددها في خليا‬
‫الكلب أو الفيل أو الرنب أو نبات الجزر أو الفول‪ .‬وفي كل خلية‬

‫‪594‬‬
‫من الخليا التي يتكون منها جسم النسان يوجد ستة وأربعون‬
‫من هذه الكروموسومات‪.‬‬
‫وعندما تنقسم الخلية إلى خليتين داخل أجسامنا‪ ،‬فإن كل خلية‬
‫جديدة ل بد أن تحتوي على العدد نفسه من )الكروموسومات(‪،‬‬
‫وهي ستة وأربعون‪ ،‬إذ لو اختل هذا العدد لما أصبح النسان‬
‫إنساًنا‪.‬‬
‫والخليا – كما ذكرت – دائمة النقسام‪ .‬يحدث هذا في جميع‬
‫ساعات اليوم حتى في أثناء نومنا‪ ،‬ونحن حتى الن ما ندرك‬
‫حقيقة القوى المهيمنة على هذه العملية المذهلة – عملية‬
‫انقسام الخليا –‪ ،‬بل يكتفي العلم بوصف خطوات العملية التي‬
‫يمكن ملحظتها تحت عدسات )الميكروسكوب( العادي‪ ،‬أو عن‬
‫طريق )الميكروسكوب اللكتروني( الذي يكبر الشياء تكبيًرا أكثر‬
‫بكثير من تكبير الميكروسكوب العادي‪.‬‬
‫إن جميع الخليا الناتجة عن عمليات النقسام في جسم النسان‬
‫ما‪،‬‬‫ل بد أن تحتوي – كما ذكرت – على ستة وأربعين كروموسو ً‬
‫فيما عدا نوعين من الخليا؛ هما الخليا التناسلية‪ ،‬أي الحيوان‬
‫المنوي في الذكر والبويضة في النثى‪ ،‬إذ عندما تنقسم خليا‬
‫النسجة لتكوين هذه الخليا التناسلية فإنها تنتج خليا ل تحتوي‬
‫ما‪ ،‬بل تحتوي على نصف هذا‬ ‫على الستة والربعين كروموسو ً‬
‫العدد؛ أي يصبح في كل خلية تناسلية ذكرية أو أنثوية ثلثة‬
‫ما فقط‪.‬‬ ‫وعشرون كروموسو ً‬
‫لماذا يحدث ذلك؟ يحدث هذا؛ لحكمة بالغة ولهدف عظيم‪ ،‬إذ إن‬
‫الخلية الذكرية )الحيوان المنوي( ل بد أن تندمج مع الخلية‬
‫النثوية )البويضة( لتكوين أول خلية في جسم الجنين‪ ،‬وهي التي‬
‫نطلق عليها اسم )الخلية الملقحة(‪ ،‬وبهذا الندماج يعود عدد‬
‫الكروموسومات في الخلية الجديدة إلى العدد الصلي وهو ستة‬
‫ما(‪.‬‬‫وأربعون )كروموسو ً‬
‫وهذه الخلية الملقحة التي أصبحت تحتوي على ستة وأربعين‬
‫ما( توالي انقسامها فتصبح خليتين‪ ،‬ثم أربع خليا‪ ،‬ثم‬ ‫)كروموسو ً‬
‫ثمان خليا‪ ،‬وهكذا حتى يتم تكوين الجنين الذي يخرج من بطن‬
‫أمه ويستمر نموه عن طريق انقسام الخليا حتى يصبح إنساًنا‬
‫ما(‪،‬‬
‫كامل النمو في كل خلية من خلياه ستة وأربعون )كروموسو ً‬
‫كما هو الحال في خليا جسد أبيه وأمه وأجداده وجميع أفراد‬
‫الجنس البشري‪.‬‬
‫إن اختزال عدد الكروموسومات إلى النصف عند تكوين الخليا‬
‫التناسلية بالذات لكي تندمج فيعود العدد الصلي‬
‫قا نتيجة مصادفة‬ ‫)للكروموسومات( في الخليا ل يمكن مطل ً‬

‫‪595‬‬
‫عليا تعرف‬ ‫عمياء‪ ،‬بل ل بد أن يكون نتيجة تخطيط دقيق من قوة ُ‬
‫ماذا تفعل‪ ،‬وهي في الوقت نفسه ل يمكن أن تخضع للتجربة‬
‫واحتمال الخطأ‪ ،‬إذ لو حدث خطأ مرة واحدة عند بدء الخلق‬
‫قضي على الكائن الحي قبل تكوين الجيل الثاني؛ أي أن هذا‬ ‫ل ُ‬
‫م منذ تكوين أول جنين ظهر في‬ ‫الترتيب ل بد أن يكون قد ت َ ّ‬
‫الوجود‪ .‬أل يكفي هذا وحده دليل ً على وجود قوة ُ‬
‫عليا مدبرة‬
‫دا أن يكون هذا المبدأ أو القانون‬ ‫مقدرة حكيمة؟ بل ل يمكن أب ً‬
‫الذي يسود جميع الكائنات الحية من صنع مصادفة عمياء تتخبط‬
‫في الظلم‪ ،‬إذ إن المصادفة ل يمكن أن تتخذ مظهر قانون عام‬
‫تخضع له جميع الكائنات‪.‬‬
‫فهذه بعض المثلة من جملة عشرات المثلة للدلئل العلمية‬
‫المادية المستندة إلى الوسائل النسانية‪ ،‬تحيل وجود المتقنات‬
‫الراقية الدقيقة المعقدة بالصدفة‪.‬‬
‫ضا تحيل وجود المتقنات‬ ‫وأما البراهين العقلية المنطقية فهي أي ً‬
‫الراقية الدقيقة المعقدة بالصدفة‪ .‬وفيما يلي استعراض سريع‬
‫لبعض هذه الدلة‪:‬‬
‫‪ -1‬إن الرض هي الكوكب الوحيد الذي يمكن أن توجد فيه الحياة‬
‫على الوجه الذي نعرفه )إن حركة دوران الرض حول نفسها إن‬
‫ما هي عليه؛ لطالت اليام أو قصرت‪،‬‬ ‫أسرعت أو أبطأت ع ّ‬
‫ولتوقفت الحياة بسبب برودة الليل أو قيظ النهار‪ ،‬والشمس في‬
‫نفس الموقع بالضبط الذي يمكنها من حفظ الحياة على الرض‪،‬‬
‫ودرجة حرارتها البالغة )‪ (6500‬درجة مئوية هي على وجه‬
‫التحديد درجة الحرارة اللزمة لكوكبنا‪ ،‬فلو انحرف متوسط درجة‬
‫طا على الهامش الصغير الذي ل يتجاوز )‬ ‫دا أو هبو ً‬
‫الحرارة صعو ً‬
‫‪ (28‬درجة لنعدمت أمواج المد‪ ،‬فغمرت السهول والجبال‬
‫وغطت كل شيء على ظهر الرض تحت طبقة من الماء عمقها )‬
‫‪ (2500‬متر‪.‬‬
‫أما محور الرض فإنه إن لم يكن على زاوية )‪ (23‬درجة كما هو‪،‬‬
‫فلن تكون هناك فصول‪ ،‬ولتحركت أبخرة المحيطات نحو‬
‫القطبين‪ :‬الشمالي والجنوبي‪ ،‬مكونة تراكمات هائلة من الثلج‬
‫ما من الماء‪ ،‬لن تكون‬ ‫عند القطبين‪ ،‬تاركة وسط الرض خالًيا تما ً‬
‫هناك عندئذ ٍ أمطار‪ ،‬وستخلو المحيطات من مياهها‪ ،‬وستنبعج‬
‫الرض عند خط الستواء تحت ضغط الثلوج المتراكمة عند‬
‫القطبين‪ ،‬وسيترتب على ذلك آثار هائلة‪.‬‬
‫ما‬
‫أما الغازات التي يتكون منها الغلف الجوي فإنها إن اختلفت ع ّ‬
‫هي عليه فلن يستطيع أي شيء أن يبقى حّيا‪ ،‬واحتمال أن يكون‬
‫كل هذا وليد الصدفة احتمال متناهي الضآلة‪ ،‬ول يعدو أن يكون‬

‫‪596‬‬
‫دا في المليار؛ ولذلك يقول » آينشتين « ‪) :‬ل أستطيع أن‬ ‫واح ً‬
‫أصدق أن الكون قد نتج عن رمية زهر(‪.‬‬
‫‪ -2‬لقد وجد من يقول‪) :‬لو جلست ستة من القردة على آلت‬
‫كاتبة‪ ،‬وظلت تضرب على حروفها بليين السنين فل نستبعد أن‬
‫نجد في بعض الوراق الخيرة التي كتبتها قصيدة من قصائد‬
‫شكسبير – فكذلك الكون الموجود الن‪ ،‬نتيجة لعمليات عمياء‪،‬‬
‫ظّلت تدور في المادة لبليين السنين(‪.‬‬
‫هذا قول أحد الملحدة من المنكرين لوجود الله‪ ،‬ويجاب عن هذه‬
‫الفرية؛ بأن أي كلم من هذا القبيل )لغو مثير(‪ ،‬بكل ما تحويه‬
‫ن‪ ،‬فإن جميع علومنا تجهل – إلى يوم الناس‬ ‫هذه الكلمة من معا ٍ‬
‫ما ذا روح عجيبة‪ ،‬في روعة‬ ‫هذا – أية مصادفة أنتجت واقًعا عظي ً‬
‫الكون‪.‬‬
‫ثم إن الرياضيات التي تعطينا نكتة )المصادفة( هي نفسها التي‬
‫تنفي أي إمكان رياضي في وجود الكون الحالي بفعل قانون‬
‫المصادفة‪ ،‬ولهذا رد ّ على هذه الفرية عالم آخر من الغرب بقوله‪:‬‬
‫)لو تناولت عشرة دراهم وكتبت عليها العداد من واحد إلى‬
‫دا‪ ،‬ثم حاولت أن تخرج‬ ‫عشرة ثم رميتها في جيبك‪ ،‬وخلطتها جي ً‬
‫من الواحد إلى العشرة بالترتيب العددي بحيث تلقي كل درهم‬
‫في جيبك بعد تناوله مرة أخرى‪ ،‬فإمكان أن نتناول الدرهم‬
‫المكتوب عليه واحد في المحاولة الولى هو واحد في المائة‪،‬‬
‫وإمكان أن نخرج الدراهم )‪ (4 ،3 ،2 ،1‬بالترتيب هو واحد في‬
‫عشرة آلف‪ ...‬حتى إن المكان في أن تنجح في تناول الدراهم‬
‫من )‪ (10-1‬بالترتيب واحد في عشرة بليين من المحاولت(‪.‬‬
‫وعلى ذلك فكم يستغرق بناء هذا الكون لو نشأ بالمصادفة‬
‫والتفاق؟ إن حساب ذلك بالطريقة نفسها يجعل هذا الحتمال‬
‫خالًيا يصعب حسابه فضل ً عن تصوره‪.‬‬
‫جد حكيم عليم خبير‪،‬‬ ‫إن كل ما في الكون يحكي أنه إيجاد مو ِ‬
‫ي‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما أك ْ َ‬ ‫ولكن النسان ظلوم جهول‪ } :‬قُت ِ َ‬
‫نأ ّ‬ ‫م ْ‬‫ه* ِ‬ ‫فَر ُ‬ ‫ن َ‬ ‫سا ُ‬ ‫لن َ‬
‫لا ِ‬
‫سَره ُ * ث ُ ّ‬
‫م‬ ‫ل يَ ّ‬ ‫سِبي َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫قد َّره ُ * ث ُ ّ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫خل َ َ‬
‫ق ُ‬ ‫فة ٍ َ‬‫من ن ّط ْ َ‬ ‫ه* ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫خل َ َ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مَره ُ *‬ ‫ما أ َ‬ ‫ض َ‬ ‫ق ِ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫شَره ُ * ك َل ّ ل َ ّ‬ ‫شاء أن َ‬ ‫ذا َ‬ ‫م إِ َ‬ ‫ه فَأقْب ََره ُ * ث ُ ّ‬ ‫مات َ ُ‬ ‫أ َ‬
‫قَنا‬ ‫ق ْ‬‫ش َ‬ ‫م َ‬ ‫صّبا * ث ُ ّ‬ ‫ماء َ‬ ‫صب َب َْنا ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫مهِ * أ َّنا‬ ‫ن إ َِلى ط ََعا ِ‬ ‫سا ُ‬
‫لن َ‬ ‫ِ‬ ‫فَل َْينظ ُرِ ا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عن ًَبا‬ ‫حّبا * وَ ِ‬ ‫قا * فَأنب َت َْنا ِفيَها َ‬ ‫ش ّ‬‫ض َ‬ ‫قَنا الْر َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ش َ‬ ‫م َ‬ ‫قا * ث ُ ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫ض َ‬ ‫الْر َ‬
‫ل{‪ .‬كيف يمكن أن تتأتى المصادفة في ذلك‬ ‫خ ً‬ ‫ضًبا * وََزي ُْتوًنا وَن َ ْ‬ ‫وَقَ ْ‬
‫كله‪ ،‬في خلق النسان وتكوينه‪ ،‬وفي صنع طعامه على هذا النحو‬
‫ما‬ ‫ن َ‬ ‫سا ُ‬‫لن َ‬ ‫لا ِ‬ ‫در الذي تشارك فيه الرض والسماء‪ } .‬قُت ِ َ‬ ‫المق ّ‬
‫ن ظ َُلو ً‬
‫ما‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه{‪ .‬وصدق الله في وصفه للنسان‪ } :‬إ ِن ّ ُ‬ ‫فَر ُ‬ ‫أ َك ْ َ‬
‫ل{‪.‬‬ ‫جُهو ً‬ ‫َ‬

‫‪597‬‬
‫قال المام ابن القيم‪ :‬سل المعطل الجاحد‪ :‬ما تقول في دولب‬
‫دائر على نهر قد ُأحكمت آلته‪ ،‬وُأحكم ترتيبه‪ ،‬وُقدرت أدواته‬
‫أحسن تقدير وأبلغه بحيث ل يرى الناظر فيه خلل ً في مادته ول‬
‫في صورته‪ ،‬وقد جعل على حديقة عظيمة فيها من كل أنواع‬
‫م شعثها‬ ‫الثمار والزروع يسقيها حاجتها‪ ،‬وفي تلك الحديقة من يل ِ ّ‬
‫ويحسن مراعاتها وتعهدها والقيام بجميع مصالحها فل يختل منها‬
‫شيء ول تتلف ثمارها‪ ،‬ثم يقسم قيمتها عند الجذاذ على سائر‬
‫المخارج بحسب حاجاتهم وضروراتهم‪ ،‬فيقسم لكل صنف منهم‬
‫ما يليق به‪ ،‬ويقسمه هكذا على الدوام‪ ...‬أترى هذا اتفاًقا بل صانع‬
‫؟ بل اتفق وجود ذلك الدولب والحديقة وكل‬ ‫ول مختار ول مدبر ‍‬
‫ذلك اتفاًقا من غير فاعل ول قّيم ول مدبر‪ ..‬أفترى ما يقول لك‬
‫عقلك في ذلك لو كان؟ وما الذي يفتيك به؟ وما الذي يرشدك‬
‫إليه؟‬
‫ن خلق قلوًبا عمًيا ل بصائر لها –‬ ‫ولكن من حكمة العزيز الحكيم أ ْ‬
‫فل ترى هذه اليات الباهرة إل رؤية الحيوانات البهيمية – كما‬
‫خلق أعيًنا عمًيا ل أبصار لها‪ ،‬والشمس والقمر والنجوم مسخرات‬
‫بأمره وهي ل تراها‪ ،‬فما ذنبها إن أنكرتها وجحدتها! فهي تقول‬
‫في ضوء النهار‪ :‬هذا ليل! ولكن أصحاب العين ل يعرفون شيًئا‪.‬‬
‫ولقد أحسن القائل‪:‬‬
‫مى العالمون عند الضياء‬ ‫َ‬
‫وَهَب ِْني قلت هذا الصبح ليل أي َعْ َ‬
‫أخيًرا ‪ :‬ما أقول‪ ،‬هو ما اعترف به كبار علماء الكون المعاصرين‪،‬‬
‫من تراجع العلم المعاصر عن اعتبار الكون عن طريق المصادفة‬
‫إلى إدراك أنه مظهر لخطة عليم حكيم قدير مهيمن على كل‬
‫شيء‪.‬‬
‫لمة الفلكي الرياضي البريطاني السيد )جيمس جينز(‪:‬‬ ‫يقول الع ّ‬
‫)لقد كنا قبل ثلثين سنة – ونحن ننظر إلى الكون – نظن أننا‬
‫أمام حقيقة من النوع الميكانيكي‪ ،‬وكان يبدو لنا أن الكون‬
‫يشتمل على ركام من المادة المبعثرة‪ ،‬وقد اجتمعت أجزاؤه‬
‫ن عمل هذه المادة ينحصر في أن ترقص لبعض‬ ‫بالمصادفة‪ ،‬وأ ّ‬
‫صا ل معنى له‪ ،‬تحت تأثير قوى عمياء ل هدف لها‪ ،‬وأنها‬ ‫الوقت رق ً‬
‫بعد نهاية الرقص ستنتهي هذه المادة في صورة كون ميت‪ ،‬وأن‬
‫الحياة قد وجدت مصادفة خلل عمل هذه القوى العمياء‪ ،‬وأن‬
‫دا من الكون قد نعمت بهذه الحياة‪ ،‬أو على سبيل‬ ‫بقعة صغيرة ج ّ‬
‫الحتمال يمكن أن توجد هذه الحياة في بقاع أخرى‪ ،‬وأن كل هذه‬
‫ما ما‪ ،‬وسيبقى الكون فاقد الروح‪.‬‬ ‫ستنتهي يو ً‬
‫ولكن توجد اليوم أدلة قوية‪ ،‬تضطر علم الطبيعة إلى قبول‬
‫الحقيقة القائلة‪ :‬بأن نهر العلم ينساب نحو حقيقة غير ميكانيكية‪.‬‬

‫‪598‬‬
‫إن الكون أشبه بفكر عظيم منه بماكينة عظيمة‪ .‬إن )الذهن( لم‬
‫يدخل إلى هذا العالم المادي كأجنبي عنه‪ ،‬ونحن نصل الن إلى‬
‫مكان يجدر بنا فيه استقبال )الذهن( كخالق هذا الكون وحاكمه‪.‬‬
‫إن هذا الذهن – بل شك – ليس كأذهاننا البشرية‪ ،‬بل هو ذهن‬
‫خل َقَ الذهن النساني من )الذرة‪ ،‬المادة(‪ ،‬وهذا كله كان موجو ً‬
‫دا‬ ‫َ‬
‫قا‪.‬‬
‫في ذلك الذهن الكوني في صورة برنامج معد ساب ً‬
‫إن العلم الجديد يفرض علينا أن نعيد النظر في أفكارنا عن‬
‫العالم‪ ،‬تلك التي أقمناها على عجل‪ ،‬لقد اكتشفنا أن الكون يشهد‬
‫بوجود قوة منظمة أو مهيمنة‪.(..‬‬
‫فهذا التراجع يدلنا على أن مواقفهم غير ثابتة‪ ،‬بل هي واهية‬
‫البنيان والساس‪ ،‬وما الستدللت التي استدلوا بها على أفكارهم‬
‫إل ظنوًنا وتخميًنا‪ ،‬فالعالم من خلق خالق مبدع حكيم مريد خلقه‬
‫د‪ ،‬وهو يهيمن عليه ويحيط به في جميع‬ ‫على خطة مسبقة مع ّ‬
‫أجزائه‪.‬‬
‫) المرجع ‪ :‬رسالة ‪ :‬الشرك في القديم والحديث ‪ ،‬للستاذ أبوبكر‬
‫محمد زكريا ‪. (744-734 / 2 ،‬‬
‫====================‬
‫مقارنات دينية بين السلم والمسحية عن الكذب‬
‫أنقل لكم الشبهة وردها‬
‫مقارنات دينية بين السلم والمسحية عن الكذب‬
‫‪----------------------------------‬‬
‫فى المسيحية‬
‫‪----------------‬‬
‫الله المنزة عن الكذب تيطس ‪2 : 1‬‬
‫وقد نهى عن الكذب باتا فقال ‪ :‬ل تكذبوا بعضكم على بعض‬
‫كولوسى ‪9 : 3‬‬
‫كما قال ‪ :‬اطرحوا عنكم الكذب افسس ‪25 : 4‬‬
‫وفى الوصايا العشر ل تشهد بالزور‬
‫واضح جدا من اليات وكلم رب المجد لينا ان الكذب حرام‬
‫تعالو نشوف الكذب فى السلم‬
‫فى السلم‬
‫‪---------------‬‬
‫نقراء فى مسند احمد كتاب من مسند القبائل باب من حديث‬
‫اسماء ابنه يزيد‬
‫حدثنا عبد الرزاق اخبرنا سفيان عن عبد الله بن عثمان بن خثيم‬
‫عن شهر بن حوشب عن ااسماء ابنه يزيد عن النبى قال ‪ :‬ل‬
‫يصلح الكذبال فى ثلث كذب الرجل مع امراتة لترضى عنه او‬

‫‪599‬‬
‫الكذب فى الحرب فان الحرب خدعة او الكذب فى اصلح بين‬
‫الناس‬
‫) طبعا الكذب هو الكذب مفيش كذب ابيض او كذب اسود (‬
‫نقراء فى سنن ابى داود كتاب الدب باب فى اصلح ذات البين‬
‫حدثنا الربيع بن سليمان الجيزى حدثنا ابو السود عن نافع يعنى‬
‫ابن يزيد عن ابن الهادى ان عبد الوهاب بن ابى بكر حدثه عن‬
‫ابن شهاب عن حميد عن امه ام كلثوم بنت عقبة قالت ما‬
‫سمعت رسول الله يرخص فى شىء من الكذب ال فى ثلث كان‬
‫رسول يقول ل اعده كاذبا الرجل يصلح بين الناس يقول القول‬
‫ول يريد به ال الصلح والرجل يقول فى الحرب والرجل يحدث‬
‫امراته والمراة تحدث زوجها‬
‫‪--------------------‬‬
‫نفس الحديث موجود فى كتاب كنز العمال فى سنن القوال‬
‫والفعال ‪ -‬حرف الهمزه حديث رقم ‪ 8260‬و ‪ 8261‬و ‪8262‬‬
‫وحياء علوم الدين الجزء الثالث باب بيان ما رخص فيه من‬
‫الكذب لحجه السلم ابو حامد محمد الغزالى الطوسى الشافعى‬
‫‪--------------------‬‬
‫معلش مع احترامى لى شخص مهما كان التصريح بالكذب‬
‫هيخلينى اعمل اى حاجة ممكن اكون بزنى وادخل على مراتى‬
‫)مع ان انا طالب لسه مش متجوز ( واقولها ان العربية كانت‬
‫عطلنة وهكذا مدام عندى باب اخرج منه وغيرة كتير من المثلة‬
‫لدرجة ان الكذب وصل فى القران زى الية دى‬
‫وهزى اليك بجذع النخلة تسقط عليك رطبا جنيا فكلى واشربى‬
‫وقرى عينا فاما ترين من البشر احد فقولى انى نذرت للرحمان‬
‫صوما فلن اكلم اليوم انسيا سورة مريم ‪26 - 25‬‬
‫‪--------------------‬‬
‫الرد‬
‫اقتباس‪:‬‬
‫الله المنزة عن الكذب تيطس ‪2 : 1‬‬
‫وقد نهى عن الكذب باتا فقال ‪ :‬ل تكذبوا بعضكم على بعض‬
‫كولوسى ‪9 : 3‬‬
‫كما قال ‪ :‬اطرحوا عنكم الكذب افسس ‪25 : 4‬‬
‫وفى الوصايا العشر ل تشهد بالزور‬
‫واضح جدا من اليات وكلم رب المجد لينا ان الكذب حرام‬
‫اقتباس‪:‬‬
‫) طبعا الكذب هو الكذب مفيش كذب ابيض او كذب اسود (‬

‫‪600‬‬
‫لنرى كيف كذب التلميذ النجيب بطرس صاحب الرسالت‬
‫مدونة داخل الكتاب المقدس ونرى كذبه وإنكاره لربه والقسم‬ ‫ال ُ‬
‫)علما ً بأن اليسوع أمر بعدم القسم( ولعن ‪ ...‬ولكننا لم نعلم من‬
‫الكتاب المقدس ‪ :‬بطرس يلعن من ؟‬
‫فما موقف المسيحية من بطرس ‪ ،‬هل اليسوع فداه كما فدا‬
‫يهوذا مسلمه !!!!!!!‬
‫بطرس كاذب‬
‫‪ 35 :26‬قال له بطرس و لو اضطررت أن أموت معك ل أنكرك‬
‫هكذا قال أيضا جميع التلميذ ) متى (‬
‫ولكنه كذب وانكره‬
‫‪ 71 :14‬فابتدا يلعن و يحلف اني ل اعرف هذا الرجل الذي‬
‫تقولون عنه ) مرقس (‬
‫فما هي الكفارة لخيانة الرب والحلف بالكذب ‪:‬‬
‫سفر لويين‬
‫س‬ ‫ساد ِ‬ ‫ال َ‬
‫ُ‬ ‫ح ال ّ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ْ‬
‫ذا أ َ ْ َ َ‬
‫حد َ‬ ‫ج َ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫ة ِبالّر ّ‬ ‫خَيان َ ً‬ ‫ن ِ‬ ‫خا َ‬ ‫حد ٌ و َ َ‬ ‫خط َأ أ َ‬ ‫سى‪»2 :‬إ ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ب لِ ُ‬ ‫ل الّر ّ‬ ‫‪1‬وََقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جد َ‬ ‫حب ِهِ ‪3‬أوْ وَ َ‬ ‫صا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ص َ‬ ‫سُلوبا ً أوِ اغ ْت َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة أوْ َ‬ ‫مان َ ً‬ ‫ة أوْ أ َ‬ ‫ه وَِديعَ ً‬ ‫حب َ ُ‬‫صا ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫سا‬ ‫ن‬
‫َ َ َ ُ ِْ َ ُ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬
‫ْ ِ ْ‬ ‫م‬ ‫ٍ‬ ‫ء‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫ِ َ‬ ‫ً‬ ‫ا‬‫ذب‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫ق ً َ َ َ َ َ َ َ َ‬
‫ل‬ ‫ح‬ ‫و‬ ‫ها‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ط‬ ‫لُ َ‬
‫خط َأ َ وأ َذ ْنب يرد ال ْمسُلوب ال ّذي سل َبه أوَ‬ ‫ذا أ َْ‬ ‫طئا ً ب ِهِ ‪4 -‬فَإ ِ َ‬
‫َ ََ ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َُ ّ َ ْ‬ ‫خ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ةَ‬
‫قط َ‬ ‫ّ‬
‫عن ْد َه ُ أوِ الل َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ة الِتي أود ِع َ ْ‬ ‫ه أوِ الوَِديعَ َ‬ ‫صب َ ُ‬ ‫ذي اغت َ َ‬ ‫ب ال ِ‬ ‫ص َ‬ ‫مغْت َ َ‬ ‫ال ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫زيد ُ‬ ‫سهِ وَي َ ْ ِ‬ ‫ه ب َِرأ ِ‬ ‫ض ُ‬ ‫كاِذبًا‪ .‬ي ُعَوّ ُ‬ ‫ف ع َل َي ْهِ َ‬ ‫حل َ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬ ‫ها ‪5‬أوْ ك ُ ّ‬ ‫جد َ َ‬ ‫ال ِّتي وَ َ‬
‫ه‪6 .‬وَي َأِتي إ َِلى‬ ‫م ِ‬ ‫حةِ إ ِث ْ ِ‬ ‫م ذ َِبي َ‬ ‫ه ي َوْ َ‬ ‫ه ي َد ْفَعُ ُ‬ ‫ذي هُوَ ل َ ُ‬ ‫ه‪ .‬إ َِلى ال ّ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫م َ‬ ‫خ ْ‬ ‫ع َل َي ْهِ ُ‬
‫ة إ ِث ْم ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ك ذ َِبي َ‬ ‫م َ‬ ‫وي ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫ن ال ْغَن َم ِ ب ِت َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫حيحا ً ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫مهِ ك َْبشا ً َ‬ ‫حةٍ ل ِث ْ ِ‬ ‫ب ب ِذ َِبي َ‬ ‫الّر ّ‬
‫َ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫ن‪7 .‬فَي ُك َ ّ‬ ‫إ َِلى ال ْ َ‬
‫ه ِفي‬ ‫ح ع َن ْ ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ب فَي ُ ْ‬ ‫م الّر ّ‬ ‫ما َ‬ ‫نأ َ‬ ‫كاه ِ ُ‬ ‫فُر ع َن ْ ُ‬ ‫كاه ِ ِ‬
‫ه«‬‫مذ ِْنبا ً ب ِ ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫ما فَعَل َ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫يِء ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ال ّ‬
‫فأين بطرس من كل هذا ؟‬
‫===========‬
‫وللرد على الحديث الذي ذكرته جنابك ‪ ،‬فأحب أن أوضح لك أننا‬
‫ل نزيد على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حرف ‪.‬‬
‫ولكن كلمك يوضح للجميع أنكار ما جاء بالحديث ‪ ،‬ولكن إنكارك‬
‫هو اعتراف صريح بأنك على استعداد تام لتسليم أخوك أو والدك‬
‫لعدائهم بل بساطة ‪.‬‬
‫بمعنى أسهل ‪:‬‬
‫كل ً منا له عدو ‪ ...‬ومثال ‪:‬‬
‫تحرش مجرم بأخيك أو والدك وحدثت مشاجرة كبيرة ‪ ،‬فذهب‬
‫المجرم وآتى بسكين لطعن أبيك وأنت تعلم أن أبيك في المكان‬
‫الفلني ‪ ،‬فسألك المجرم أين أبيك ؟‬

‫‪601‬‬
‫فماذا سيكون ردك له ؟‬
‫أبي في المكان الفلني‬
‫======================‬
‫مفهوم الحرية عند أدعياء تحرير المرأة‬
‫إن التصرف المتطرف الخاطئ للحرية ‪ ،‬الذي غذاه الحقد السود‬
‫والثورة الجامحة على النظام الجتماعي الفاسد الذي كان يحكم‬
‫المجتمع الوربي ‪ ،‬نبع منه مفهوم الحرية الشخصية ‪ ،‬عند‬
‫المنادين بالحرية والتحرر في بلد السلم ‪ ،‬فيتصورونها – كما هي‬
‫عند الغربيين – بأنها النطلق بل قيد ‪ ،‬والتحرر من كل ضابط ‪،‬‬
‫والتخلص من كل رقابة ‪ ،‬حتى ولو كانت تلك الرقابة نابعة من‬
‫ذاته هو ‪ ،‬من ضميره ‪ ،‬فلتحطم وليحطم معها الضمير إن احتاج‬
‫المر ‪ ،‬حتى ل يقف شيء في وجه استمتاعه بالحياة ‪ ،‬وحتى ل‬
‫تفسد عليه نشوة اللذة ‪ ،‬ومعنى هذا ترك النسان وشأنه يفعل ما‬
‫يشاء ويترك ما يشاء ‪ ،‬وهكذا بدون قيود ول ضوابط ‪ ،‬ول رقابة ‪،‬‬
‫سلم بذلك الحق ‪ ،‬وعلى الحكومة أن تحافظ‬ ‫وعلى المجتمع أن ي ّ‬
‫على تلك الحرية وتحميها‪.‬‬
‫هذا هو مفهوم الحرية عندهم ‪ ،‬صورة طبق الصل من مفهوم‬
‫الحرية في الغرب ‪ ،‬فل دين يحكم النفوس ‪ ،‬ويكبح جماحها ‪ ،‬ول‬
‫أخلق تهذب طباعها ‪ ،‬وتوقظ مشاعرها ‪ ،‬وتثير فيها روح النخوة‬
‫والغيرة والباء ‪ ،‬ول مثل ‪ ،‬ول فضائل ‪ ،‬تقاس على أساسها‬
‫العمال خيرها وشرها ‪ ،‬ول حياء يمنع ارتكاب الشطط ‪،‬‬
‫والمجاهرة بالمنكر ل ينبغي أن يكون شيء من ذلك ‪ ،‬لنه من‬
‫الماضي ‪ ،‬وكل ما هو من الماضي فهو عقبة في طريق التصور‬
‫والتقدم فلينبذ وليحطم‪.‬‬
‫وهكذا قال دعاة الحرية في الغرب ‪ ،‬وهكذا يقول دعاتها في‬
‫الشرق ‪ ،‬وهم إن لم يستطيعوا التصريح بذلك ‪ ،‬إل أن مفهوم‬
‫كلمة الحرية كما يتصورونه ينبئ عن ذلك ‪ ،‬كما أن رائحته تفوح‬
‫مما يطلقونه من شعارات باسم الحرية ‪ ،‬بل إن التطبيق الجاري‬
‫الن في البلد السلمية لمفهوم الحرية سيوصل حتما ً إلى ذلك‬
‫إذا استمر سائرا ً في ذلك الطريق‪.‬‬
‫ولما كانت المرأة عامل ً أساسيا ً وعنصرا ً هاما ً في تحقيق مفهوم‬
‫الحرية هذا ‪ ،‬فقد وجهوا جل اهتمامهم إليها ‪ ،‬وعملوا على تكييفها‬
‫للدور الذي يريدون أن تقوم به‪.‬‬
‫فأخرجوها من البيت باسم الحرية والتحرر ‪ ..‬وأقحموها في‬
‫مجالت العمل المختلفة البعيدة عن اختصاصها والمتنافرة مع‬
‫خصائصها ‪ ،‬فقضوا بذلك على أنوثتها ‪ ،‬وعلى السرة والبيت‬
‫باسم الحرية والتحرر‪.‬‬

‫‪602‬‬
‫خلعوا عنها حجابها ‪ ،‬وكشفوا عن موطن الزينة والفتنة منها ‪،‬‬
‫ليشبعوا بذلك نهمهم الجنسي باسم الحرية والتحرر‪.‬‬
‫انتزعوها من حمى حاميها وراعيها وحافظها )الرجل( بتحريضهم‬
‫لها على التمرد على قوامته ليسهل لهم غوايتها وتحقيق مآربهم‬
‫منها‪.‬‬
‫تركوها تختلط بل أرغموها على الختلط بالرجال ‪ ،‬والخلوة بهم ‪،‬‬
‫فقضوا بذلك على عفتها وكرامتها وحيائها ‪ ،‬باسم الحرية والتحرر‪.‬‬
‫وقضوا على رسالتها الساسية في الوجود ‪ ،‬وهي الزوجية‬
‫والمومة فجنوا بذلك على النسانية ‪ ،‬والحضارة والمدنية ‪ ،‬فعلوا‬
‫ذلك باسم الحرية‪.‬‬
‫أخذوا منها كل شيء باسم الحرية ولم يعطوها إل أقل القليل‪.‬‬
‫فهل هذه حرية حقًا؟ ‪ ،‬هل الحرية النطلق بل قيود ول‬
‫ضوابط؟ ‪ ،‬هل الحرية الخروج على الدين والمثل والفضائل؟‬
‫هل تكون الحياة بهذا المفهوم ‪ ،‬حياة إنسانية راقية ‪ ،‬تتفق مع‬
‫مركز النسان في هذا الوجود ‪ ،‬ومع رسالته التي أعده الله لها ‪،‬‬
‫وهي عمارة الكون ‪ ،‬والخلفة في الرض‪.‬‬
‫إن الحرية بمفهومها الصحيح براء من ذلك ‪ ،‬وإن الحياة النسانية‬
‫الراقية ل تقبل ذلك المفهوم ‪ ،‬بل إن الحرية الحقة هي التحرر‬
‫من كل ما سموه حرية‪.‬‬
‫======================‬
‫أن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫أما الشبهة الثانية والزائفة التى تثار حول موقف السلم من‬
‫شهادة المرأة‪ ..‬التى يقول مثيروها‪ :‬إن السلم قد جعل المرأة‬
‫نصف إنسان ‪ ،‬وذلك عندما جعل شهادتها نصف شهادة الرجل ‪،‬‬
‫مستدلين على ذلك بآية سورة البقرة‪):‬يا أيها الذين آمنوا إذا‬
‫تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل‬
‫ول يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذى عليه‬
‫الحق وليتق الله ربه ول يبخس منه شيئا ً فإن كان الذى عليه‬
‫الحق سفيها ً أو ضعيفا ً أو ل يستطيع أن يمل هو فليملل وليه‬
‫بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين‬
‫فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما‬
‫عوا ول تسأموا‬ ‫فتذكر إحداهما الخرى ول يأب الشهداء إذا ما د ُ ُ‬
‫أن تكتبوه صغيًرا أو كبيًرا إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم‬
‫للشهادة وأدنى أل ترتابوا إل أن تكون تجارة حاضرة تديرونها‬
‫بينكم فليس عليكم جناح أل تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ول يضار‬

‫‪603‬‬
‫كاتب ول شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم واتقوا الله ويعلمكم‬
‫الله والله بكل شىء عليم( )‪.(1‬‬
‫ومصدر الشبهة التى حسب مثيروها أن السلم قد انتقص من‬
‫أهلية المرأة ‪ ،‬بجعل شهادتها على النصف من شهادة الرجل‪:‬‬
‫] فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان [ هو الخلط بين " الشهادة‬
‫" وبين " الشهاد " الذى تتحدث عنه هذه الية الكريمة‪..‬‬
‫فالشهادة التى يعتمد عليها القضاء فى اكتشاف العدل المؤسس‬
‫على البينة ‪ ،‬واستخلصه من ثنايا دعاوى الخصوم ‪ ،‬ل تتخذ من‬
‫الذكورة أو النوثة معياًرا لصدقها أو كذبها ‪ ،‬ومن ثم قبولها أو‬
‫رفضها‪ ..‬وإنما معيارها تحقق اطمئنان القاضى لصدق الشهادة‬
‫بصرف النظرعن جنس الشاهد ‪ ،‬ذكًرا كان أو أنثى ‪ ،‬وبصرف‬
‫النظر عن عدد الشهود‪ ..‬فالقاضى إذا اطمأن ضميره إلى ظهور‬
‫البينة أن يعتمد شهادة رجلين ‪ ،‬أو امرأتين ‪ ،‬أو رجل وامرأة ‪ ،‬أو‬
‫رجل وامرأتين ‪ ،‬أو امرأة ورجلين ‪ ،‬أو رجل واحد أو امرأة‬
‫واحدة‪ ..‬ول أثر للذكورة أو النوثة فى الشهادة التى يحكم القضاء‬
‫بناًء على ما تقدمه له من البينات‪..‬‬
‫أما آية سورة البقرة ‪ ،‬والتى قالت‪ ] :‬واستشهدوا شهيدين من‬
‫رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من‬
‫الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الخرى[ فإنها تتحدث‬
‫عن أمر آخر غير" الشهادة " أمام القضاء‪ ..‬تتحدث عن " الشهاد‬
‫" الذى يقوم به صاحب الدين للستيثاق من الحفاظ على د َْينه ‪،‬‬
‫وليس عن " الشهادة " التى يعتمد عليها القاضى فى حكمه بين‬
‫المتنازعين‪ ..‬فهى ‪ -‬الية ‪ -‬موجهة لصاحب الحق الد ّْين وليس إلى‬
‫القاضى الحاكم فى النزاع‪ ..‬بل إن هذه الية ل تتوجه إلى كل‬
‫صاحب حق د َْين ول تشترط ما اشترطت من مستويات الشهاد‬
‫وعدد الشهود فى كل حالت الد ّْين‪ ..‬وإنما توجهت بالنصح‬
‫والرشاد فقط النصح والرشاد إلى دائن خاص ‪ ،‬وفى حالت‬
‫خاصة من الديون ‪ ،‬لها ملبسات خاصة نصت عليها الية‪ ..‬فهو‬
‫دين إلى أجل مسمى‪ ..‬ولبد من كتابته‪ ..‬ولبد من عدالة الكاتب‪.‬‬
‫ويحرم امتناع الكاتب عن الكتابة‪..‬ولبد من إملء الذى عليه‬
‫الحق‪ ..‬وإن لم يستطع فليملل وليه بالعدل‪ ..‬والشهاد ل بد أن‬
‫يكون من رجلين من المؤمنين‪ ..‬أو رجل وامرأتين من المؤمنين‪..‬‬
‫وأن يكون الشهود ممن ترضى عنهم الجماعة‪ ..‬ول يصح امتناع‬
‫الشهود عن الشهادة‪ ..‬وليست هذه الشروط بمطلوبة فى‬
‫التجارة الحاضرة‪ ..‬ول فى المبايعات‪..‬‬
‫ثم إن الية ترى فى هذا المستوى من الشهاد الوضع القسط‬
‫والقوم‪ ..‬وذلك ل ينفى المستوى الدنى من القسط‪..‬‬

‫‪604‬‬
‫ولقد فقه هذه الحقيقة حقيقة أن هذه الية إنما تتحدث عن "‬
‫الشهاد" فى د َْين خاص ‪ ،‬وليس عن الشهادة‪ ..‬وإنها نصيحة‬
‫وإرشاد لصاحب الد ّْين ذى المواصفات والملبسات الخاصة‬
‫وليست تشريعا ً موجها ً إلى القاضى الحاكم فى المنازعات‪ ..‬فقه‬
‫ذلك العلماء المجتهدون‪..‬‬
‫صلوا‬
‫ومن هؤلء العلماء الفقهاء الذين فقهوا هذه الحقيقة ‪ ،‬وف ّ‬
‫القول فيها شيخ السلم ابن تيمية ]‪ 661728‬هجرية ‪1263/‬‬
‫‪ [1328‬وتلميذه العلمة ابن القيم ]‪ 691751‬هجرية ‪1292 /‬‬
‫‪1350‬م [ من القدماء والستاذ المام الشيخ محمد عبده ]‬
‫‪ 12651323‬هجرية [ والمام الشيخ محمود شلتوت ]‬
‫‪ 13101383‬هجرية ‪18931963/‬م[ من المحدثين والمعاصرين‬
‫فقال ابن تيمية فيما يرويه عنه ويؤكد عليه ابن القيم‪:‬‬
‫قال عن " البينة " التى يحكم القاضى بناء عليها‪ ..‬والتى وضع‬
‫قاعدتها الشرعية والفقهية حديث رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ " :‬البينة على المدعى ‪ ،‬واليمين على المدعى عليه " رواه‬
‫البخارى والترمذى وابن ماجه‪:‬‬
‫" إن البينة فى الشرع ‪ ،‬اسم لما يبّين الحق ويظهره ‪ ،‬وهى تارة‬
‫تكون أربعة شهود ‪ ،‬وتارة ثلثة ‪ ،‬بالنص فى بينة المفلس ‪ ،‬وتارة‬
‫شاهدين ‪ ،‬وشاهد واحد ‪ ،‬وامرأة واحدة ‪ ،‬وتكون ُنكول ً )‪، (2‬‬
‫ويميًنا‪ ،‬أو خمسين يمينا ً أو أربعة أيمان ‪ ،‬وتكون شاهد الحال‪.‬‬
‫فقوله صلى الله عليه وسلم‪ " :‬البينة على المدعى " ‪ ،‬أى عليه‬
‫أن يظهر ما يبّين صحة دعواه ‪ ،‬فإذا ظهر صدقه بطريق من‬
‫كم له‪ (3) " ..‬فكما تقوم البينة بشهادة الرجل الواحد‬ ‫ح ِ‬
‫الطرق ُ‬
‫أو أكثر ‪ ،‬تقوم بشهادة المرأة الواحدة ‪ ،‬أو أكثر‪ ،‬وفق معيار البينة‬
‫التى يطمئن إليها ضمير الحاكم ‪ -‬القاضى ‪..-‬‬
‫صل ابن تيمية القول فى التمييز بين طرق حفظ الحقوق ‪،‬‬ ‫ولقد ف ّ‬
‫التى أرشدت إليها ونصحت بها آية الشهاد ‪ -‬الية ‪ 282‬من سورة‬
‫دين " وبين طرق‬ ‫البقرة وهى الموجهة إلى صاحب " الحق ال ّ‬
‫البينة ‪ ،‬التى يحكم الحاكم القاضى بناء عليها‪ ..‬وأورد ابن القيم‬
‫تفصيل ابن تيمية هذا تحت عنوان ] الطرق التى يحفظ بها‬
‫النسان حقه [‪ ..‬فقال‪:‬‬
‫" إن القرآن لم يذكر الشاهدين ‪ ،‬والرجل والمرأتين فى طرق‬
‫الحكم التى يحكم بها الحاكم ‪ ،‬وإنما ذكر النوعين من البينات فى‬
‫الطرق التى يحفظ بها النسان حقه ‪ ،‬فقال تعالى‪)?? :‬يا أيها‬
‫الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب‬
‫بينكم كاتب بالعدل ول يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب‬
‫وليملل الذى عليه الحق وليتق الله ربه ول يبخس منه شيئا ً فإن‬

‫‪605‬‬
‫كان الذى عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو ل يستطيع أن يمل هو‬
‫فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم‬
‫يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء ( )‪..(4‬‬
‫فأمرهم ‪ ،‬سبحانه ‪ ،‬بحفظ حقوقهم بالكتاب )‪ ، (5‬وأمر من عليه‬
‫الحق أن يملى الكاتب ‪ ،‬فإن لم يكن ممن يصح إملؤه أملى عنه‬
‫وليه ‪ ،‬ثم أمر من له الحق أن يستشهد على حقه رجلين ‪ ،‬فإن‬
‫لم يجد فرجل وامرأتان ‪ ،‬ثم نهى الشهداء المتحملين للشهادة‬
‫خص لهم فى‬ ‫طلبوا لذلك ‪ ،‬ثم ر ّ‬ ‫عن التخلف عن إقامتها إذا ُ‬
‫التجارة الحاضرة أل يكتبوها ‪ ،‬ثم أمرهم بالشهاد عند التبايع ‪ ،‬ثم‬
‫أمرهم إذا كانوا على سفر ولم يجدوا كاتبا ً ‪ ،‬أن يستوثقوا بالرهان‬
‫المقبوضة‪.‬‬
‫كل هذا نصيحة لهم ‪ ،‬وتعليم وإرشاد لما يحفظون به حقوقهم ‪،‬‬
‫وما تحفظ به الحقوق شئ وما يحكم به الحاكم ] القاضى [‬
‫شئ ‪ ،‬فإن طرق الحكم أوسع من الشاهد والمرأتين ‪ ،‬فإن‬
‫الحاكم يحكم بالنكول ‪ ،‬واليمين المردودة ول ذكر لهما فى‬
‫القرآن وأيضًا‪ :‬فإن الحاكم يحكم بالقرعة بكتاب الله وسنة‬
‫رسوله الصريحة الصحيحة‪ ..‬ويحكم بالقافة )‪ (6‬بالسنة الصريحة‬
‫الصحيحة التى ل معارض لها ويحكم بالقامة )‪ (7‬بالسنة الصحيحة‬
‫الصريحة ‪ ،‬ويحكم بشاهد الحال إذا تداعى الزوجان أو الصانعان‬
‫متاع البيت والدكان ‪ ،‬ويحكم ‪ ،‬عند من أنكر الحكم بالشاهد‬
‫واليمين بوجود الجر فى الحائط ‪ ،‬فيجعله للمدعى إذا كان جهته‬
‫وهذا كله ليس فى القرآن ‪ ،‬ول حكم به رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬ول أحد من أصحابه‪..‬‬
‫ل عن‬ ‫فإن قيل‪ :‬فظاهر القرآن يدل على أن الشاهد والمرأتين بد ٌ‬
‫ضى بهما إل عند عدم الشاهدين‪.‬‬ ‫ق َ‬
‫الشاهدين ‪ ،‬وأنه ل ي ُ ْ‬
‫قيل‪ :‬القرآن ل يدل على ذلك ‪ ،‬فإن هذا أمر لصحاب الحقوق بما‬
‫يحفظون به حقوقهم ‪ ،‬فهو سبحانه أرشدهم إلى أقوى الطرق ‪،‬‬
‫فإن لم يقدروا على أقواها انتقلوا إلى ما دونها‪ ..‬وهو سبحانه لم‬
‫يذكر ما يحكم به الحاكم ‪ ،‬وإنما أرشدنا إلى ما يحفظ به الحق ‪،‬‬
‫وطرق الحكم أوسع من الطرق التى ُتحفظ بها الحقوق " )‪..(8‬‬
‫وبعد إيراد ابن القيم لهذه النصوص نقل ً عن شيخه وشيخ السلم‬
‫ابن تيمية علق عليها ‪ ،‬مؤكدا ً إياها ‪ ،‬فقال‪ " :‬قلت ] أى ابن‬
‫كم إل بشاهدين ‪،‬أو‬ ‫ح َ‬‫القيم [‪ :‬وليس فى القرآن ما يقتضى أنه ل ي ُ ْ‬
‫شاهد وامرأتين ‪ ،‬فإن الله سبحانه إنما أمر بذلك أصحاب الحقوق‬
‫أن يحفظوا حقوقهم بهذا الّنصاب ‪ ،‬ولم يأمر بذلك الحكام أن‬
‫يحكموا به ‪ ،‬فضل ً عن أن يكون قد أمرهم أل يقضوا إل بذلك‪.‬‬
‫ولهذا يحكم الحاكم بالنكول ‪ ،‬واليمين المردودة ‪ ،‬والمرأة‬

‫‪606‬‬
‫مط )‪(9‬‬ ‫ق ُ‬‫الواحدة ‪ ،‬والنساء المنفردات ل رجل معهن ‪ ،‬وبمعاقد ال ُ‬
‫‪ ،‬ووجوه الجّر ‪ ،‬وغير ذلك من طرق الحكم التى ُتذكر فى‬
‫القرآن‪..‬فطرق الحكم شئ ‪ ،‬وطرق حفظ الحقوق شئ آخر ‪،‬‬
‫وليس بينهما تلزم ‪ ،‬فُتحفظ الحقوق بما ل يحكم به الحاكم مما‬
‫يعلم صاحب الحق أنه يحفظ به حقه ‪ ،‬ويحكم الحاكم بما ل‬
‫يحفظ به صاحب الحق حقه ‪ ،‬ول خطر على باله‪.(10) " ..‬‬
‫فطرق الشهاد ‪ ،‬فى آية سورة البقرة التى تجعل شهادة‬
‫المرأتين تعدل شهادة رجل واحد هى نصيحة وإرشاد لصاحب‬
‫دين ذى الطبيعة الخاصة ‪ ..-‬وليست التشريع الموجه إلى‬ ‫ال ّ‬
‫الحاكم القاضى والجامع لطرق الشهادات والبينات‪ ..‬وهى أيضا ً‬
‫خاصة بد َْين له مواصفاته وملبساته ‪ ،‬وليست التشريع العام فى‬
‫البينات التى ُتظهر العدل فيحكم به القضاة‪..‬‬
‫* وبعد هذا الضبط والتمييز والتحديد‪ ..‬أخذ ابن تيمية يعدد حالت‬
‫البينات والشهادات التى يجوز للقاضى الحاكم الحكم بناء عليها‪..‬‬
‫فقال‪ " :‬إنه يجوز للحاكم ? ] القاضى [ ? الحكم بشهادة الرجل‬
‫الواحد إذا عرف صدقه فى غير الحدود ‪ ،‬ولم يوجب الله على‬
‫الحاكم أل يحكم إل بشاهدين أصل ً ‪ ،‬وإنما أمر صاحب الحق أن‬
‫يحفظ حقه بشاهدين ‪ ،‬أو بشاهد وامرأتين ‪ ،‬وهذا ل يدل علىأن‬
‫الحاكم ل يحكم بأقل من ذلك ‪ ،‬بل قد حكم رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬بالشاهد واليمين ‪ ،‬وبالشاهد فقط ‪ ،‬وليس ذلك‬
‫مخالفا ً لكتاب الله عند من فهمه ‪ ،‬ول بين حكم الله وحكم‬
‫رسوله خلف‪ ..‬وقد قبل النبى صلى الله عليه وسلم شهادة‬
‫العرابى وحده على رؤية هلل رمضان ‪ ،‬وتسمية بعض الفقهاء‬
‫ذلك إخبارا ً ‪ ،‬ل شهادة ‪ ،‬أمر لفظى ل يقدح فى الستدلل ‪ ،‬ولفظ‬
‫الحديث يرد ّ قوله ‪ ،‬وأجاز صلى الله عليه وسلم شهادة الشاهد‬
‫سَلب )‪ ، (11‬ولم يطالب القاتل بشاهد آخر ‪،‬‬ ‫الواحد فى قضية ال ّ‬
‫واستحلفه ‪ ،‬وهذه القصة ]وروايتها فى الصحيحين[ صريحة فى‬
‫ذلك‪ ..‬وقد صرح الصحاب‪ :‬أنه ُتقبل شهادة الرجل الواحد من‬
‫خَرقى ]‪ 334‬هجرية‬ ‫غير يمين عند الحاجة ‪ ،‬وهو الذى نقله ال ِ‬
‫‪945‬م [ فى مختصره ‪،‬فقال‪ :‬وِتقبل شهادة الطبيب العدل فى‬
‫الموضحة )‪ (12‬إذا لم يقدر على طبيبين ‪ ،‬وكذلك البيطار فى داء‬
‫الدابة‪.(13) "..‬‬
‫* وكما تجوز شهادة الرجل الواحد فى غير الحدود‪ ..‬وكما تجوز‬
‫شهادة الرجال وحدهم في الحدود ‪ ،‬تجوز عند البعض شهادة‬
‫النساء وحدهن فى الحدود‪ ..‬وعن ذلك يقول ابن تيمية ‪ ،‬فيما‬
‫نقله ابن القيم‪ " :‬وقد قبل النبى صلى الله عليه وسلم شهادة‬
‫المرأة الواحدة فى الرضاع ‪ ،‬وقد شهدت على فعل نفسها ‪ ،‬ففى‬

‫‪607‬‬
‫الصحيحين عن عقبة ابن الحارث‪ " :‬أنه تزوج أم يحيى بنت أبى‬
‫ت ذلك‬ ‫َ‬
‫ة سوداء ‪ ،‬فقالت‪ :‬قد أرضعتكما‪ .‬فذكر ُ‬ ‫م ٌ‬
‫إهاب ‪ ،‬فجاءت أ َ‬
‫ت‬‫للنبى صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فأعرض عنى ‪ ،‬قال‪ :‬فتنحي ُ‬
‫ن قد أرضعتكما ! "‪.‬‬ ‫تأ ْ‬‫ت ذلك له ‪ ،‬قال‪ :‬فكيف ؟ وقد زعم ْ‬ ‫فذكر ُ‬
‫وقد نص أحمد على ذلك فى رواية بكر بن محمد عن أبيه ‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فى المرأة تشهد على مال يحضره الرجال من إثبات استهلل‬
‫مام يدخله النساء ‪ ،‬فتكون بينهن جراحات‪.‬‬ ‫الصبى )‪ ،(14‬وفى الح ّ‬
‫ت لحمد فى شهادة الستدلل‪" :‬‬ ‫وقال إسحاق بن منصور‪ :‬قل ُ‬
‫مام ‪،‬‬‫تجوز شهادة امرأة واحدة فى الحيض والعدة والسقط والح ّ‬
‫وكل مال يطلع عليه إل النساء "‪.‬‬
‫فقال‪" :‬تجوز شهادة امرأة إذا كانت ثقة ‪ ،‬ويجوز القضاء بشهادة‬
‫النساء منفردات فى غير الحدود والقصاص عند جماعة من‬
‫خَلف والسلف "‪ .‬وعن عطاء ]‪ 114-27‬هجرية ‪732 647/‬م [‬ ‫ال َ‬
‫أنه أجاز شهادة النساء فى النكاح‪ .‬وعن شريح ]‪ 78‬هجرية ‪/‬‬
‫‪697‬م [ أنه أجاز شهادة النساء فى الطلق‪ .‬وقال بعض الناس‪:‬‬
‫تجوز شهادة النساء فى الحدود‪ .‬وقال مهنا‪ :‬قال لى أحمد بن‬
‫حنبل‪ :‬قال أبو حنيفة‪ :‬تجوز شهادة القابلة وحدها ‪ ،‬وإن كانت‬
‫يهودية أو نصرانية‪.(15) "..‬‬
‫ذلك أن العبرة هنا فى الشهادة إنما هى الخبرة والعدالة ‪،‬‬
‫وليست العبرة بجنس الشاهد ذكرا ً كان أو أنثى ففى مهن مثل‬
‫الطب‪ ..‬والبيطرة‪ ..‬والترجمة أمام القاضى‪ ..‬تكون العبرة‬
‫"بمعرفة أهل الخبرة " )‪.(16‬‬
‫* بل لقد ذكر ابن تيمية فى حديثه عن الشهاد الذى تحدثت عنه‬
‫آية سورة البقرة أن نسيان المرأة ‪ ،‬ومن ثم حاجتها إلى أخرى‬
‫تذكرها )أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الخرى)ليس طبًعا ول‬
‫ما فى كل أنواع الشهادات‪ ..‬وإنما‬ ‫جبلة فى كل النساء ‪ ،‬وليس حت ً‬
‫هو أمر له علقة بالخبرة والمران ‪ ،‬أى أنه مما يلحقه التطور‬
‫والتغيير‪ ..‬وحكى ذلك عنه ابن القيم فقال‪:‬‬
‫" قال شيخنا ابن تيمية ‪ ،‬رحمه الله تعالى‪ :‬قوله تعالى‪)::‬فإن لم‬
‫يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل‬
‫إحداهما فتذكر إحداهما الخرى)فيه دليل على أن استشهاد‬
‫امرأتين مكان رجل واحد إنما هو لذكار إحداهما للخرى ‪ ،‬إذا‬
‫ضلت ‪ ،‬وهذا إنما يكون فيما فيه الضلل فى العادة ‪ ،‬وهو‬
‫ف فيه‬ ‫النسيان وعدم الضبط‪ ..‬فما كان من الشهادات ل ُيخا ُ‬
‫الضلل فى العادة لم تكن فيه على نصف الرجل‪.(17) "..‬‬
‫دينه وفق‬ ‫فحتى فى الشهاد ‪ ،‬يجوز لصاحب الد ّْين أن يحفظ َ‬
‫نصيحة وإرشاد آية سورة البقرة بإشهاد رجل وامرأة ‪ ،‬أو امرأتين‬

‫‪608‬‬
‫‪ ،‬وذلك عند توافر الخبرة للمرأة فى موضوع الشهاد‪ ..‬فهى فى‬
‫هذا الشهاد ليست شهادتها دائما ً على النصف من شهادة‬
‫الرجل‪..‬‬
‫ولقد كرر ابن القيم وأكد هذا الذى أشرنا إلى طرف منه ‪ ،‬فى‬
‫غير كتابه ] الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية [ فقال فى‬
‫كتابه " إعلم الموقعين عند رب العالمين" أثناء حديثه عن "‬
‫البينة " وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ " :‬البينة على‬
‫المدعى واليمين على من أنكر " خلل شرحه لخطاب عمر بن‬
‫الخطاب إلى أبى موسى الشعرى ] ‪21‬ق هجرية ‪ 44‬هجرية‬
‫‪665 -602‬م [ فى قواعد القضاء وآدابه ‪ -‬قال‪ " :‬إن البينة فى‬
‫كلم الله ورسوله ‪ ،‬وكلم الصحابة اسم لكل ما يبين الحق‪ ..‬ولم‬
‫يختص لفظ البينة بالشاهدين‪ ..‬وقال الله فى آية الد ّْين‪:‬‬
‫)واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل‬
‫وامرأتان )فهذا فى الّتحمل والوثيقة التى يحفظ بها صاحب المال‬
‫حقه ‪ ،‬ل فى طرق الحكم وما يحكم به الحاكم ‪ ،‬فإن هذا شئ‬
‫وهذا شئ ‪ ،‬فذكر سبحانه ما يحفظ به الحقوق من الشهود ‪ ،‬ولم‬
‫يذكر أن الحكام ل يحكمون إل بذلك‪ ..‬فإن طرق الحكم أعم من‬
‫طرق حفظ الحقوق‪ ..‬وقال سبحانه‪):‬ممن ترضون من الشهداء‬
‫)لن صاحب الحق هو الذى يحفظ ماله بمن يرضاه‪." ..‬‬
‫وعلل ابن تيمية حكمة كون شهادة المرأتين فى هذه الحالة‬
‫تعدلن شهادة الرجل الواحد ‪ ،‬بأن المرأة ليست مما يتحمل عادة‬
‫مجالس وأنواع هذه المعاملت‪ ..‬لكن إذا تطورت خبراتها‬
‫وممارساتها وعاداتها ‪ ،‬كانت شهادتها حتى فى الشهاد على حفظ‬
‫الحقوق والديون مساوية لشهادة الرجل‪ ..‬فقال‪:‬‬
‫" ول ريب أن هذه الحكمة فى التعدد هى فى التحمل ‪ ،‬فأما إذا‬
‫عقلت المرأة ‪ ،‬وحفظت وكانت ممن يوثق بدينها فإن المقصود‬
‫حاصل بخبرها كما يحصل بأخبار الديانات ‪ ،‬ولهذا ُتقبل شهادتها‬
‫وحدها فى مواضع ‪ ،‬وُيحكم بشهادة امرأتين ويمين الطالب فى‬
‫أصح القولين ‪ ،‬وهو قول مالك ] ‪ 179-93‬هجرية ‪795-712‬م [‬
‫وأحد الوجهين فى مذهب أحمد‪" ..‬‬
‫قف الحكم فى حفظ الحقوق البتة‬ ‫والمقصود أن الشارع لم ي َ ِ‬
‫على شهادة ذكرين ‪ ،‬ل فى الدماء ول فى الموال ول فى الفروج‬
‫ول فى الحدود‪ ..‬وسر المسألة أل يلزم من المر بالتعدد فى‬
‫جانب التحمل وحفظ الحقوق المر بالتعدد فى جانب الحكم‬
‫والثبوت ‪ ،‬فالخبر الصادق ل تأتى الشريعة برده أبدًا‪.‬‬
‫وهذا الذى قاله ابن تيمية وابن القيم فى حديثهما عن آية سورة‬
‫البقرة هو الذى ذكره المام محمد عبده ‪ ،‬عندما أرجع تميز‬

‫‪609‬‬
‫شهادة الرجال على هذا الحق الذى تحدثت عنه الية على شهادة‬
‫النساء ‪ ،‬إلى كون النساء فى ذلك التاريخ كن بعيدات عن حضور‬
‫مجالس التجارات ‪ ،‬ومن ثم بعيدات عن تحصيل التحمل‬
‫والخبرات فى هذه الميادين‪ ..‬وهو واقع تاريخى خاضع للتطور‬
‫والتغير ‪ ،‬وليس طبيعة ول جبلة فى جنس النساء على مر‬
‫العصور‪ ..‬ولو عاش المام محمد عبده إلى زمننا هذا ‪ ،‬الذى زخر‬
‫ويزخر بالمتخصصات فى المحاسبة والقتصاد وإدارة العمال ‪،‬‬
‫وب " سيدات العمال " اللئى ينافسن " رجال العمال " لفاض‬
‫وتوسع فيما قال ‪ ،‬ومع ذلك ‪ ،‬فحسبه أنه قد تحدث قبل قرن من‬
‫الزمان فى تفسيره لية سورة البقرة هذه رافضا ً أن يكون‬
‫ما فى كل موضوعات الشهادات ‪،‬‬ ‫نسيان المرأة جبلة فيها وعا ّ‬
‫فقال‪:‬‬
‫" تكلم المفسرون فى هذا ‪ ،‬وجعلوا سببه المزاج ‪ ،‬فقالوا‪ :‬إن‬
‫مزاج المرأة يعتريه البرد فيتبعه النسيان ‪ ،‬وهذا غير متحقق ‪،‬‬
‫والسبب الصحيح أن المرأة ليس من شأنها الشتغال بالمعاملت‬
‫المالية ونحوها من المعاوضات ‪ ،‬فلذلك تكون ذاكرتها ضعيفة ‪،‬ول‬
‫تكون كذلك فى المور المنزلية التى هى شغلها ‪ ،‬فإنها أقوى‬
‫ذاكرة من الرجل ‪ ،‬يعنى أن من طبع البشر ذكرانا ً وإناثا ً أن يقوى‬
‫تذكرهم للمور التى تهمهم ويكثر اشتغالهم بها " )‪.(18‬‬
‫ولقد سار الشيخ محمود شلتوت الذى استوعب اجتهادات ابن‬
‫تيمية وابن القيم ومحمد عبده مع هذا الطريق ‪ ،‬مضيفا ً إلى هذه‬
‫الجتهادات علما ً آخر عندما لفت النظر إلى تساوى شهادة الرجل‬
‫فى " اللعان "‪ ..‬فكتب يقول عن شهادة المرأة وكيف أنها دليل‬
‫على كمال أهليتها ‪ ،‬وذلك على العكس من الفكر المغلوط الذى‬
‫صا من إنسانيتها‪..‬‬ ‫يحسب موقف السلم من هذه القضية انتقا ً‬
‫كتب يقول‪:‬‬
‫إن قول الله سبحانه وتعالى‪) :‬فإن لم يكونا رجلين فرجل‬
‫وامرأتان )ليس واردا ً فى مقام الشهادة التى يقضى بها القاضى‬
‫ويحكم ‪ ،‬وإنما هو فى مقام الرشاد إلى طرق الستيثاق‬
‫والطمئنان على الحقوق بين المتعاملين وقت التعامل)يأيها الذين‬
‫آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم‬
‫كاتب بالعدل وليأب كاتب أن يكتب كما علمه الله )إلى أن قال‪:‬‬
‫)واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل‬
‫وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر‬
‫إحداهما الخرى ( )‪.(19‬‬

‫‪610‬‬
‫فالمقام مقام استيثاق على الحقوق ‪ ،‬ل مقام قضاء بها‪ .‬والية‬
‫ترشد إلى أفضل أنواع الستيثاق الذى تطمئن به نفوس‬
‫المتعاملين على حقوقهم‪.‬‬
‫وليس معنى هذا أن شهادة المرأة الواحدة أو شهادة النساء‬
‫اللتى ليس معهن رجل ‪ ،‬ليثبت بها الحق ‪ ،‬ول يحكم بها‬
‫القاضى ‪ ،‬فإن أقصى ما يطلبه القضاء هو " البينة "‪.‬‬
‫وقد حقق العلمة ابن القيم أن البينة فى الشرع أعم من‬
‫الشهادة ‪ ،‬وأن كل ما يتبين به الحق ويظهره ‪ ،‬هو بينة يقضى بها‬
‫القاضى ويحكم‪ .‬ومن ذلك‪ :‬يحكم القاضى بالقرائن القطعية ‪،‬‬
‫ويحكم بشهادة غير المسلم متى وثق بها واطمأن إليها‪.‬‬
‫واعتبار المرأتين فى الستيثاق كالرجل الواحد ليس لضعف عقلها‬
‫‪ ،‬الذى يتبع نقص إنسانيتها ويكون أثرا ً له ‪ ،‬وإنما هو لن المرأة‬
‫كما قال الشيخ محمد عبده " ليس من شأنها الشتغال‬
‫بالمعاملت المالية ونحوها من المعاوضات ‪ ،‬ومن هنا تكون‬
‫ذاكرتها فيها ضعيفة ‪ ،‬ول تكون كذلك فى المور المنزلية التى‬
‫هى شغلها ‪ ،‬فإنها فيها أقوى ذاكرة من الرجل ‪ ،‬ومن طبع البشر‬
‫عامة أن يقوى تذكرهم للمور التى تهمهم ويمارسونها ‪ ،‬ويكثر‬
‫اشتغالهم بها‪.‬‬
‫والية جاءت على ما كان مألوفا ً فى شأن المرأة ‪ ،‬ول يزال أكثر‬
‫النساء كذلك ‪ ،‬ل يشهدن مجالس المداينات ول يشتغلن بأسواق‬
‫المبايعات ‪ ،‬واشتغال بعضهن بذلك ل ينافى هذا الصل الذى‬
‫تقضى به طبيعتها فى الحياة‪.‬‬
‫وإذا كانت الية ترشد إلى أكمل وجوه الستيثاق ‪ ،‬وكان‬
‫المتعاملون فى بيئة يغلب فيها اشتغال النساء بالمبايعات وحضور‬
‫مجالس المداينات ‪ ،‬كان لهم الحق فى الستيثاق بالمرأة على‬
‫نحو الستيثاق بالرجل متى اطمأنوا إلى تذكرها وعدم نسيانها‬
‫على نحو تذكر الرجل وعدم نسيانه‪.‬‬
‫هذا وقد نص الفقهاء على أن من القضايا ما تقبل فيه شهادة‬
‫المرأة وحدها ‪ ،‬وهى القضايا التى لم تجر العادة بإطلع الرجال‬
‫على موضوعاتها ‪ ،‬كالولدة والبكارة ‪ ،‬وعيوب النساء والقضايا‬
‫الباطنية‪.‬‬
‫وعلى أن منها ما تقبل فيه شهادة الرجل وحده ‪ ،‬وهى القضايا‬
‫التى تثير موضوعاتها عاطفة المرأة ول تقوى على تحملها ‪ ،‬على‬
‫أنهم قدروا قبول شهادتها فى الدماء إذا تعينت طريقا ً لثبوت‬
‫الحق واطمئنان القاضى إليها‪ .‬وعلى أن منها ما تقبل شهادتهما‬
‫معًا‪.‬‬

‫‪611‬‬
‫ومالنا نذهب بعيدا ً ‪ ،‬وقد نص القرآن على أن المرأة كالرجل‬
‫سواء بسواء فى شهادات اللعان ‪ ،‬وهو ما شرعه القرآن بين‬
‫الزوجين حينما يقذف الرجل زوجه وليس له على ما يقول شهود‬
‫)والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إل أنفسهم فشهادة‬
‫أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين * والخامسة أن‬
‫لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين * ويدرأ عنها العذاب أن تشهد‬
‫أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين * والخامسة أن غضب الله‬
‫عليها إن كان من الصادقين ( )‪.(20‬‬
‫أربع شهادات من الرجل ‪ ،‬يعقبها استمطار لعنة الله عليه إن كان‬
‫من الكاذبين ‪ ،‬ويقابلها ويبطل عملها ‪ ،‬أربع شهادات من المرأة‬
‫يعقبها استمطار غضب الله عليها إن كان من الصادقين‪ ..‬فهذه‬
‫عدالة السلم فى توزيع الحقوق العامة بين الرجل والمرأة ‪،‬‬
‫وهى عدالة تحقق أنهما فى النسانية سواء‪.(21) ..‬‬
‫هكذا وضحت صفحة السلم‪ ..‬وصفحات الجتهاد السلمى فى‬
‫قضية مساواة شهادة المرأة وشهادة الرجل ‪ ،‬طالما امتلك‬
‫الشاهد أو الشاهدة مقومات ومؤهلت وخبرة هذه الشهادة‪ ..‬لن‬
‫الهلية النسانية بالنسبة لكل منهما واحدة ‪ ،‬ونابعة من وحدة‬
‫الخلق ‪ ،‬والمساواة فى التكاليف ‪ ،‬والتناصر فى المشاركة بحمل‬
‫المانة التى حملها النسان ‪ ،‬أمانة استعمار وعمران هذه الحياة‪.‬‬
‫*وأخيرا ً وليس آخرا ً فإن ابن القيم يستدل بالية القرآنية‪) :‬وكذلك‬
‫جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول‬
‫عليكم شهيدا ً ( )‪ .(22‬على أن المرأة كالرجل فى هذه الشهادة‬
‫على بلغ الشريعة ورواية السنة النبوية‪ ..‬فالمرأة كالرجل فى "‬
‫رواية الحديث " ‪ ،‬التى هى شهادة على رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪..‬‬
‫وإذا كان ذلك مما أجمعت عليه المة ‪ ،‬ومارسته راويات الحديث‬
‫النبوى جيل ً بعد جيل " والرواية شهادة " فكيف تقبل الشهادة من‬
‫المرأة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ول تقبل على واحد‬
‫من الناس ؟‪ ..‬إن المرأة العدل ] بنص عبارة ابن القيم [ كالرجل‬
‫فى الصدق والمانة والديانة )‪.(23‬‬
‫ذلكم هو منطق شريعة السلم وكلها منطق وهذا هوعدلها بين‬
‫النساء والرجال وكلها عدل وكما يقول ابن القيم‪ ":‬وما أثبت الله‬
‫سا أو عقل ً ‪،‬‬ ‫ورسوله قط حكما ً من الحكام ُيقطع ببطلن سببه ح ّ‬
‫ما منه‬
‫فحاشا أحكامه سبحانه من ذلك ‪ ،‬فإنه ل أحسن حك ً‬
‫سبحانه وتعالى ول أعدل‪ .‬ول يحكم حكما ً يقول العقل‪ :‬ليته حكم‬
‫طر بحسنها ‪،‬‬ ‫ف َ‬
‫بخلفه ‪ ،‬بل أحكامه كلها مما يشهد العقل وال ِ‬

‫‪612‬‬
‫ووقوعها على أتم الوجوه وأحسنها ‪ ،‬وأنه ل يصلح فى موضعها‬
‫سواها " )‪.(24‬‬
‫هذا‪ ..‬ولقد تعمدنا فى إزالة هذه الشبهة أمران‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬أن ندع نصوص أئمة الجتهاد السلمى هى التى تبدد‬
‫غيوم هذه الشبهة ‪ ،‬ل نصوصنا نحن‪ ..‬وذلك حتى ل ندع سبيل ً‬
‫لشبهات جديدة فى هذا الموضوع !‬
‫وثانيهما‪ :‬أن تكون هذه النصوص للئمة المبرزين فى إطار‬
‫السلف والسلفيين‪ ..‬وذلك حتى نقطع الطريق على أدعياء‬
‫السلفية الذين حملوا العادات الراكدة لمجتمعاتهم على دين‬
‫السلم ‪ ،‬فاستبدلوا هذه العادات بشريعة السلم !‪ ..‬وحتى نقطع‬
‫الطريق كذلك على غلة العلمانيين والعلمانيات ‪ ،‬الذين استبدلوا‬
‫البدع الفكرية الوافدة بحقائق وحقيقة السلم ‪ ،‬والذين‬
‫يتحسسون مسدساتهم إذا ذكرت مصطلحات السلفية والسلفيين‬
‫!‪..‬‬
‫فإنصاف المرأة ‪ ،‬وكمال واكتمال أهليتها هو موقف السلم ‪،‬‬
‫الذى نزل به الروح المين على قلب الصادق المين‪ ..‬وهو موقف‬
‫كل تيارات الجتهاد السلمى ‪ ،‬على امتداد تاريخ السلم‪.‬‬
‫)‪ (1‬البقرة‪.282 :‬‬
‫)‪ (2‬النكول‪ :‬هو المتناع عن اليمين‪.‬‬
‫)‪ (3‬ابن القيم ] الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية [ ص ‪.34‬‬
‫تحقيق محمد جميل غازى‪ .‬طبعة القاهرة سنة ‪1977‬م‪.‬‬
‫)‪ (4‬سورة البقرة‪.282 :‬‬
‫)‪ (5‬أى الكتابة‪.‬‬
‫)‪ (6‬القافة‪ :‬مفردها قائف هو الذى يعرف الثار آثار القدام‬
‫ويعرف شبه الرجل بأخيه وأبيه‪..‬‬
‫)‪ (7‬القامة‪ :‬اليمان ‪ ،‬تقسم على أهل المحلة الذين وجد المقتول‬
‫فيهم‪.‬‬
‫)‪ ] (8‬الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية [ص ‪، 105-103‬‬
‫‪.219،236‬‬
‫)‪ (9‬مفردها قمط بكسر القاف وسكون الميم‪ :‬ما تشد به‬
‫الخصاص ومكونات البناء ولبناته‪.‬‬
‫)‪ ] (10‬الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية [ ص ‪.198‬‬
‫سلب بفتح السين مشددة ‪ ،‬وفتح اللم ‪ :-‬هو متاع القتيل‬ ‫)‪ (11‬ال ّ‬
‫سل َب ُ ُ‬
‫ه "‪.‬‬ ‫وعدته ‪ ،‬يأخذه قاتله‪ ..‬وفى الحديث‪ " :‬من قتل قتيل ً فله َ‬
‫)‪ (12‬الموضحة‪ :‬هى الجراحات التى هى دون قتل النفس‪.‬‬
‫)‪ ] (13‬الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية [ ص ‪، 113 ، 98‬‬
‫‪.123‬‬

‫‪613‬‬
‫)‪ (14‬استهلل الصبى‪ :‬هو أن يحدث منه ما يدل على حياته ساعة‬
‫الولدة من رفع صوت أو حركة عضو أو عين ‪ ،‬وهو شرط لتمتعه‬
‫بحقوق الحياء‪.‬‬
‫)‪] (15‬الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية [ ص ‪.117-115‬‬
‫)‪ (16‬المصدر السابق‪ .‬ص ‪.193 ، 188‬‬
‫)‪ ] (17‬إعلم الموقعين عن رب العالمين [ ج ‪ 1‬ص ‪-94 ،92-90‬‬
‫‪ .103،104، 95‬طبعة بيروت سنة ‪1973‬م‪.‬‬
‫)‪ ] (18‬العمال الكاملة للمام محمد عبده [ ج ‪ 4‬ص ‪.732‬‬
‫دراسة وتحقيق‪ :‬د‪ .‬محمد عمارة‪ .‬طبعة القاهرة سنة ‪1993‬م‪.‬‬
‫)‪ (19‬البقرة‪.282 :‬‬
‫)‪ (20‬النور‪.69:‬‬
‫)‪ ] (21‬السلم عقيدة وشريعة [ ص ‪ .241 -239‬طبعة القاهرة‬
‫سنة ‪ 1400‬هجرية سنة ‪1980‬م‪.‬‬
‫)‪ (22‬البقرة‪.143 :‬‬
‫)‪ ] (23‬الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية [ ص ‪.244 ،236‬‬
‫)‪ (24‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.329‬‬
‫============================‬
‫شبهات وأباطيل‬
‫قصة الصراع بين الحق والباطل والخير والشر قصة قديمة بدأت‬
‫فصولها مع بداية وجود النسان على الرض‪ ،‬وسوف تتواصل‬
‫فصولها طالما كان هناك إنسان في هذا الوجود‪.‬‬
‫وعندما ظهر السلم منذ أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان لم‬
‫يتوقف سيل الشبهات التي يثيرها المشككون من خصوم هذا‬
‫الدين تشكيكا في مصادره أو في نبيه أو في مبادئه وتعاليمه‪ .‬ول‬
‫تزال الشبهات القديمة تظهر حتى اليوم في أثواب جديدة يحاول‬
‫مروجوها أن يضيفوا عليها طابعا علميا زائفا‪.‬‬
‫ومن المفارقات الغريبة في هذا الصدد أن يكون السلم – وهو‬
‫الدين الذي ختم الله به الرسالت ‪ ،‬وكان آخر حلقة في سلسلة‬
‫اتصال السماء بالرض – قد اختص من بين كل الديانات التي‬
‫عرفها النسان سماوية كانت أم أرضية بأكبر قدر من الهجوم‬
‫وإثارة الشبهات حوله‪.‬‬
‫ووجه الغرابة في ذلك يتمثل في أن السلم في الوقت الذي جاء‬
‫فيه يعلن للناس الكلمة الخيرة لدين الله على لم ينكر أيا من‬
‫أنبياء الله السابقين ول ما أنزل عليهم من كتب سماوية ‪ ،‬ولم‬
‫يجبر أحد من أتباع الديانات السماوية السابقة على اعتناق‬
‫السلم ‪ .‬ولم يقتصر المر على عدم النكار ‪ ،‬وإنما جعل السلم‬

‫‪614‬‬
‫اليمان بأنبياء الله جميعا وما أنزل عليهم من كتب عنصرا أساسيا‬
‫من عقيدة كل مسلم بحيث ل تصح هذه العقيدة بدونه‪.‬‬
‫ومن شأن هذا الموقف المتسامح للسلم إزاء الديانات السابقة‬
‫أن يقابل بتسامح مماثل وأن يقلل من عدد المناهضين للسلم‪.‬‬
‫ولكن الذي حدث كان على العكس من ذلك تماما‪ .‬فقد وجدنا‬
‫السلم – على مدى تاريخه – يتعرض لحملت ضارية من كل‬
‫اتجاه ‪ .‬وليس هناك في عالم اليوم دين من الديان يتعرض لمثل‬
‫ما يتعرض له السلم في العلم الدولي من ظلم فادح‬
‫وافتراءات كاذبة‪.‬‬
‫وهذا يبين لنا أن هناك جهل فاضحا بالسلم وسوء فهم لتعاليمه‬
‫سواء كان ذلك بوعي أو بغير وعى ‪ ،‬وأن هناك خلطا واضحا بين‬
‫السلم كدين وبعض التصرفات الحمقاء التي تصدر من بعض‬
‫أبناء المسلمين باسم الدين وهو منها براء‪.‬‬
‫ومواجهة ذلك تكون ببذل جهود علمية مضاعفة من اجل توضيح‬
‫الصورة الحقيقة للسلم ‪ ،‬ونشر ذلك على أوسع نطاق‪.‬‬
‫ولم يقتصر علماء المسلمين على مدى تاريخ السلم في القيام‬
‫بواجبهم في الرد على هذه الشبهات كل بطريقته الخاصة‬
‫وبأسلوبه الذي يعتقد أنه السبيل القوم للرد ‪ ،‬وهناك محاولت‬
‫جادة بذلت في الفترة الخيرة للدفاع عن السلم في مواجهة‬
‫حملت التشكيك‪.‬‬
‫وسنعرض لبعض الشبهات التي أثارها الحاقدون والرد عليها‬
‫بالحجة الدامغة‪.‬‬
‫الشبهة الولى‪ :‬حول عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫وموقف القرآن من العصمة‪:‬‬
‫هناك من ل يعترفون بأن الرسول معصوم عن الخطأ ‪ ،‬ويقدمون‬
‫الدلة على ذلك بسورة ]عبس وتولى[ وكذلك عندما جامل‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬زوجاته ‪ ،‬ونزلت الية الكريمة‬
‫التي تنهاه عن ذلك‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫إن عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وكذلك عصمة كل‬
‫الرسل ‪ -‬عليهم السلم ‪ -‬يجب أن تفهم في نطاق مكانة‬
‫حى إليه‪ ..‬أي أنه ‪-‬‬ ‫الرسول‪ ..‬ومهمة الرسالة‪ ..‬فالرسول‪ :‬بشر يو َ‬
‫مع بشريته ‪ -‬له خصوصية التصال بالسماء ‪ ،‬بواسطة الوحي‪..‬‬
‫ولذلك فإن هذه المهمة تقتضى صفات يصنعها الله على عينه‬
‫فيمن يصطفيه ‪ ،‬كي تكون هناك مناسبة بين هذه الصفات وبين‬
‫هذه المكانة والمهام الخاصة الموكولة إلى صاحبها‪.‬‬

‫‪615‬‬
‫والرسول مكلف بتبليغ الرسالة ‪ ،‬والدعوة إليها ‪ ،‬والجهاد في‬
‫سبيل إقامتها وتطبيقها‪ ..‬وله على الناس طاعة هي جزء من‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل{‪،‬‬ ‫سو َ‬‫طيُعوا الّر ُ‬ ‫ه وَأ ِ‬ ‫طيُعوا الل ّ َ‬‫طاعة الله ‪ -‬سبحانه وتعالى – }أ ِ‬
‫طاعَ‬‫قد ْ أ َ َ‬ ‫ل فَ َ‬‫سو َ‬ ‫ن ي ُط ِِع الّر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل{‪َ } ،‬‬ ‫سو َ‬‫ه َوالّر ُ‬ ‫طيُعوا الل ّ َ‬
‫}قُ ْ َ‬
‫لأ ِ‬
‫ه{ ولذلك‬ ‫م الل ّ ُ‬‫حب ِب ْك ُ ُ‬
‫ه َفات ّب ُِعوِني ي ُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫حّبو َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م تُ ِ‬ ‫ه{‪} ،‬قُ ْ‬
‫ل إِ ْ‬ ‫الل ّ َ‬
‫كانت عصمة الرسل فيما يبلغونه عن الله ضرورة من ضرورات‬
‫صدقهم والثقة في هذا البلغ اللهي الذي اختيروا ليقوموا به بين‬
‫سل‬ ‫مْر ِ‬ ‫الناس‪ ..‬وبداهة العقل ‪ -‬فضل ً عن النقل ‪ -‬تحكم بأن ُ‬
‫الرسالة إذا لم يتخير الرسول الذي يضفي الصدق على رسالته ‪،‬‬
‫كان عابًثا‪ ..‬وهو ما يستحيل على الله‪ ،‬الذي يصطفى من الناس‬
‫رسل ً تؤهلهم العصمة لضفاء الثقة والصدق على البلغ اللهي‪..‬‬
‫حجة على الناس بصدق هذا الذي يبلغون‪.‬‬ ‫وال ُ‬
‫وفى التعبير عن إجماع المة على ضرورة العصمة للرسول فيما‬
‫يبلغ عن الله‪.‬‬
‫الشبهة الثانية‪ :‬قوم النبي محمد صلى الله عليه وسلم زناة من‬
‫أصحاب الجحيم!‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫ما ذنب النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن يقع قومه ومن‬
‫أرسل إليهم في خطيئة الزنا أو أن يكونوا من أصحاب الجحيم ؟‬
‫مادام هو صلوات الله وسلمه عليه قد برئ من هذه الخطيئة‬
‫ولسيما في مرحلة ما قبل النبوة ‪ ،‬وكانت مرحلة الشباب التي‬
‫يمكن أن تكون إغراء له ولمثاله أن يقعوا في هذه الخطيئة ؛‬
‫لسيما وأن المجتمع الجاهلي كان يشجع على ذلك وكان الزنا‬
‫فيه من المور العادية التي يمارسها أهل الجاهلية شباًنا وشيًبا‬
‫ضا‪ .‬وكان للزنا فيه بيوت قائمة يعترف المجتمع بها ‪ ،‬وُتعلق‬ ‫أي ً‬
‫على أبوابها علمات يعرفها بها الباحثون عن الخطيئة ‪ ،‬وتعرف‬
‫بيوت البغايا باسم أصحاب الرايات‪.‬‬
‫ومع هذا العتراف العلني من المجتمع الجاهلي بهذه الخطيئة ‪،‬‬
‫ومع أن ممارستها للشباب وحتى للشيب لم تكن مما يكره‬
‫دا صلى الله عليه‬ ‫المجتمع أو يعيب من يمارسونه ؛ فإن محم ً‬
‫دا بل شهدت كل كتب السير والتواريخ له‬ ‫وسلم لم يقع فيها أب ً‬
‫صلى الله عليه وسلم بالطهارة والعفة وغيرهما من الفضائل‬
‫الشخصية التي يزدان بها الرجال وتحسب في موازين تقويمهم‬
‫وتقديرهم ‪ ،‬وأرسله الله سبحانه ليغير هذا المنكر‪ .‬هذه واحدة‬
‫والثانية‪ :‬أن الرسالة التي دعا بها ودعا إليها محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم حّرمت الزنا تحريما ً قاطعا ً وحملت آياتها في القرآن‬
‫الكريم عقابا ً شديدا ً للزاني والزانية يبدأ بعقوبة بدنية هي أن يجلد‬

‫‪616‬‬
‫كل منهما مائة جلدة قاسية يتم تنفيذها علنا ً بحيث يشهدها الناس‬
‫لتكون عبرة وزجرا ً لهم عن التورط فيها‬
‫فإذا كان محمد صلى الله عليه وسلم قد طهر من هذه الخطيئة‬
‫في المجتمع الذي كان يراها عادية ومألوفة ‪ ،‬ثم كانت رسالته‬
‫صلى الله عليه وسلم تحرمها التحريم القاطع والصريح ‪ ،‬وتضع‬
‫مرتكبيها في مرتبة النحطاط والشذوذ عن السوياء من البشر‪..‬‬
‫م ي ُعَّير محمد صلى الله عليه وسلم بأن بعض قومه زناة؟!‬ ‫فل ِ َ‬
‫وهل يصح في منطق العقلء أن يعيبوا إنسانا ً بما في غيره من‬
‫العيوب ؟ وأن يحملوه أوزار الخرين وخطاياهم ؟‪.‬‬
‫وهنا يكون للمسألة وجه آخر يجب التنويه إليه وهو خاص‬
‫بالمسئولية عن الخطيئة أهي فردية خاصة بمن يرتكبونها ؟ أم أن‬
‫آخرين يمكن أن يحملوها نيابة عنهم ويؤدون كفارتها ؟ !‬
‫أن السلم يمتاز بأمرين مهمين‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬أن الخطيئة فردية يتحمل من وقع فيها وحده عقوبتها ول‬
‫يجوز أن يحملها عنه أو حتى يشاركه في حملها غيره وصريح‬
‫ت‬‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫سعََها ل ََها َ‬ ‫فسا ً إ ِل ّ وُ ْ‬ ‫ه نَ ْ‬ ‫ف الل ّ ُ‬ ‫آيات القرآن يقول‪} :‬ل ي ُك َل ّ ُ‬
‫س إ ِّل ع َل َي َْها َول ت َزُِر‬ ‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫ب كُ ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ت{ ثم‪َ} :‬ول ت َك ْ ِ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما اك ْت َ َ‬ ‫وَع َل َي َْها َ‬
‫خَرى{‪ .‬وورد هذا النص في آيات كثيرة‪.‬‬ ‫َوازَِرة ٌ وِْزَر أ ُ ْ‬
‫أما المر الثاني‪ :‬فيما أقره السلم في مسألة الخطيئة فهو أنها‬
‫ل تورث‪ ،‬ول تنقل من مخطئ ليتحمل عنه وزره آخر حتى ولو‬
‫وما ً ل‬ ‫قوا ي َ ْ‬ ‫بين الباء وأبنائهم وفى هذا يقول القرآن الكريم‪َ} :‬وات ّ ُ‬
‫شْيئًا{‪.‬‬ ‫س َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫س عَ ْ‬ ‫ف ٌ‬ ‫زي ن َ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫ت{‪.‬‬ ‫سل َ َ‬ ‫َ‬ ‫ك ت َب ُْلو ك ُ ّ‬ ‫}هَُنال ِ َ‬
‫ف ْ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬
‫ب{‪.‬‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ريعُ ال ْ ِ‬ ‫س ِ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ت إِ ّ‬ ‫سب َ ْ‬‫ما ك َ َ‬ ‫س َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫ه كُ ّ‬ ‫جزِيَ الل ّ ُ‬ ‫}ل ِي َ ْ‬
‫سَها{‪.‬‬ ‫جاد ِ ُ‬ ‫ْ‬
‫م ت َأِتي ك ُ ّ‬
‫ف ِ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫ل عَ ْ‬ ‫س تُ َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫}ي َوْ َ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ي ُظ ْل َ ُ‬ ‫ت وَهُ ْ‬ ‫سب َ ْ‬‫ما ك َ َ‬ ‫س بِ َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫جَزى ك ُ ّ‬ ‫}وَل ِت ُ ْ‬
‫ة{‪.‬‬ ‫هين َ ٌ‬‫ت َر ِ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫س بِ َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫}ك ُ ّ‬
‫وغير هذا كثير مما يؤكد ما أقّره السلم من أن الخطايا فردية‬
‫وأنها ل تورث ول يجزى فيها والد عن ولده ‪ ،‬ول مولود هو جاز‬
‫عن والده شيئًا‪.‬‬
‫وما دام المر فل أن فلم يلم محمد صلى الله عليه وسلم ول‬
‫يعاب شخصه أو تعاب رسالته بأن بعض أهله أو حتى كلهم زناة‬
‫مارسوا الخطيئة التي كان يعترف بها مجتمعه ول يجزى فيها شيئا ً‬
‫أو ينقص الشرف والمروءة أو يعاب بها عندهم من يمارسها‪.‬‬
‫وحسب محمد صلى الله عليه وسلم أنه لم يقع أبدا ً في هذه‬
‫الخطيئة ل قبل زواجه ول بعده ‪ ،‬ثم كانت رسالته دعوة كبرى‬
‫إلى التعفف والتطهر وإلى تصريف الشهوة البشرية في‬

‫‪617‬‬
‫المصرف الحلل الذي حض السلم عليه وهو النكاح الشرعي‬
‫الحلل ‪ ،‬ودعا المسلمين إلى عدم المغالة في المهور تيسيرا ً‬
‫على الراغبين في الحلل‪.‬‬
‫الشبهة الثالثة‪ :‬محمد صلى الله عليه وسلم يحّرم ما أحل الله‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫استند الظالمون لمحمد صلى الله عليه وسلم في توجيه هذا‬
‫التهام إلى ما جاء في مفتتح سورة التحريم من قوله تعالى‪َ} :‬يا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك َوالل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ج َ‬ ‫ت أْزَوا ِ‬ ‫ضا َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ك ت َب ْت َِغي َ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ما أ َ‬ ‫م َ‬ ‫حّر ُ‬ ‫م تُ َ‬‫ي لِ َ‬ ‫أي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫م{‪.‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫غَ ُ‬
‫وهذه الية وآيات بعدها تشير إلى أمر حدث في بيت النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم عاتبته نساؤه وتظاهرن عليه بدوافع الغيرة‬
‫المعروفة عن النساء عامة إذ كان صلى الله عليه وسلم قد دخل‬
‫ما ل يوجد في بيوتهن ‪ ،‬فأسر إلى‬ ‫عند إحداهن وأكل عندها طعا ً‬
‫إحداهن بالمر فأخبرت به أخريات فعاتبنه فحّرم صلى الله عليه‬
‫وسلم تناول هذا الطعام على نفسه ابتغاء مرضاتهن‪.‬‬
‫والواقعة صحيحة لكن اتهام الرسول بأنه يحّرم ما أحل الله هو‬
‫تصّيد للعبارة وحمل لها على ما لم ترد له‪..‬‬
‫ه لَ َ‬ ‫َ‬
‫ك{ هو فقط من باب "‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ما أ َ‬ ‫م َ‬ ‫حّر ُ‬ ‫م تُ َ‬ ‫فمطلع الية }ل ِ َ‬
‫المشاكلة " لما قاله النبي لنسائه ترضية لهن ؛ والنداء القرآني‬
‫ما له صلى الله عليه وسلم بتحريم ما أحل الله ؛ ولكنه‬ ‫ليس اتها ً‬
‫من باب العتاب له من ربه سبحانه الذي يعلم تبارك وتعالى أنه‬
‫صلى الله عليه وسلم يستحيل عليه أن يحّرم شيًئا أو أمًرا أو‬
‫عمل ً أحّله الله ؛ ولكنه يشدد على نفسه لصالح مرضاة زوجاته‬
‫من خلقه العالي الكريم‪.‬‬
‫ل‬ ‫قوّ َ‬‫ولقد شهد الله للرسول بتمام تبليغ الرسالة فقال‪} :‬وَل َوْ ت َ َ‬
‫ما‬‫ن فَ َ‬ ‫ه ال ْوَِتي َ‬ ‫من ْ ُ‬‫قط َعَْنا ِ‬‫م لَ َ‬‫ن ثُ ّ‬‫مي ِ‬‫ه ِبال ْي َ ِ‬ ‫من ْ ُ‬‫خذ َْنا ِ‬ ‫ل لَ َ‬ ‫ض الَقاِوي ِ‬
‫َ‬
‫ع َل َي َْنا ب َعْ َ‬
‫ن{‪.‬‬ ‫منك ُم م َ‬
‫زي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫حا ِ‬‫ه َ‬ ‫حد ٍ ع َن ْ ُ‬ ‫نأ َ‬ ‫ِ ْ ْ ِ ْ‬
‫دا صلى الله عليه وسلم يحّرم ما أحل‬ ‫وعليه فالقول بأن محم ً‬
‫الله من المستحيلت على مقام نبوته التي زكاها الله تبارك‬
‫ن‬
‫وى إ ِ ْ‬ ‫ن ال ْهَ َ‬ ‫ما ي َن ْط ِقُ ع َ ِ‬‫وتعالى وقد دفع عنه مثل ذلك بقوله‪} :‬وَ َ‬
‫حى{‪.‬‬ ‫ي ُيو َ‬ ‫ح ٌ‬ ‫هُوَ إل ّ وَ ْ‬
‫فمقولة بعضهم أنه يحّرم هو تحميل اللفظ على غير ما جاء فيه ‪،‬‬
‫وما هو إل وعد أو عهد منه صلى الله عليه وسلم لبعض نسائه‬
‫فهو بمثابة يمين له كفارته ول صلة له بتحريم ما أحل الله‪.‬‬
‫الشبهة الرابعة‪ :‬محمد صلى الله عليه وسلم أمي فكيف عّلم‬
‫القرآن ؟‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬

‫‪618‬‬
‫والمي إما أن يكون المراد به من ل يعرف القراءة والكتابة أخ ً‬
‫ذا‬
‫من " المية " ‪ ،‬وإما أن يكون المراد به من ليس من اليهود أخ ً‬
‫ذا‬
‫من " الممية " حسب المصطلح اليهودي الذي يطلقونه على من‬
‫ليس من جنسهم‪.‬‬
‫فإذا تعاملنا مع هذه المقولة علمنا أن المراد بها من ل يعرف‬
‫القراءة والكتابة فليس هذا مما يعاب به الرسول ‪ ،‬بل لعله أن‬
‫دا ودليل ً قوًيا على أن ما نزل عليه من القرآن إنما هو‬ ‫يكون تأكي ً‬
‫وحى ُأوحى إليه من الله لم يقرأه في كتاب ولم ينقله عن أحد‬
‫ول تعلمه من غيره‪ .‬بهذا يكون التهام شهادة له ل عليه‪.‬‬
‫حا في قوله‪:‬‬ ‫دا صري ً‬ ‫وقد رد القرآن على هذه المقولة ر ً‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صيل ً قُ ْ‬
‫ل‬ ‫مَلى ع َل َي ْهِ ب ُك َْرة ً وَأ ِ‬ ‫ي تُ ْ‬ ‫ن اك ْت َت َب ََها فَهِ َ‬‫طيُر الوِّلي َ‬ ‫سا ِ‬ ‫}وََقاُلوا أ َ‬
‫فورا ً‬ ‫َ‬
‫ن غَ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ض إ ِن ّ ُ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬
‫سّر ِفي ال ّ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ذي ي َعْل َ ُ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫أن َْزل َ ُ‬
‫حيمًا{‪.‬‬ ‫َر ِ‬
‫وحسب النبي المي الذي ل يعرف القراءة ول الكتابة أن يكون‬
‫الكتاب الذي أنزل عليه معجًزا لمشركى العرب وهم أهل‬
‫الفصاحة والبلغة ؛ بل ومتحدًيا أن يأتوا بمثله أو حتى بسورة من‬
‫مثله‪.‬‬
‫كفاه بهذا دليل ً على صدق رسالته وأن ما جاء به ـ كما قال بعض‬
‫كبارهم ـ " ليس من سجع الكهان ول من الشعر ول من قول‬
‫البشر "‪.‬‬
‫أما إذا تعاملنا مع مقولتهم عن محمد )أنه " أمي " على معنى أنه‬
‫من المميين ـ أي من غير اليهود ـ فما هذا مما يعيبه‪ .‬بل إنه‬
‫لشرف له أنه من المميين أي أنه من غير اليهود‪.‬‬
‫ذلك لن اعتداد اليهود بالتعالي على من عداهم من " المميين "‬
‫واعتبار أنفسهم وحدهم هم الرقى والعظم وأنهم هم شعب الله‬
‫المختار ـ كما يزعمون‪.‬‬
‫ما مع ما جاء به محمد )من المساواة‬ ‫كل هذا مما يتنافى تما ً‬
‫الكاملة بين بني البشر رغم اختلف شعوبهم وألوانهم وألسنتهم‬
‫على نحو ما ذكره القرآن ؛ الذي اعتبر اختلف الجناس واللوان‬
‫دا ـ ل يعطى تميًزا‬ ‫واللسنة هو لمجرد التعارف والتمايز ؛ لكنه ـ أب ً‬
‫لجنس على جنس ‪ ،‬فليس في السلم ـ كما يزعم اليهود ـ أنهم‬
‫شعب الله المختار‪.‬‬
‫ولكن التمايز والتكريم في منظور السلم ؛ إنما هو بالتقوى‬
‫خل َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قَناك ُ ْ‬ ‫س إ ِّنا َ‬ ‫والصلح كما في الية الكريمة‪َ} :‬يا أي َّها الّنا ُ‬
‫ل ل ِتعارُفوا إ َ‬ ‫ُ‬
‫عن ْد َ الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م ِ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫ن أك َْر َ‬ ‫ِ ّ‬ ‫شُعوبا ً وَقََبائ ِ َ َ َ َ‬ ‫م ُ‬ ‫جعَل َْناك ُ ْ‬ ‫ذ َك َرٍ وَأن َْثى وَ َ‬
‫م{‪.‬‬ ‫قاك ُ ْ‬ ‫أ َت ْ َ‬

‫‪619‬‬
‫الشبهة الخامسة‪ :‬محاولة النبي محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫النتحار‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫الحق الذي يجب أن يقال‪ ..‬أن هذه الرواية التي استندتم إليها ـ يا‬
‫خصوم السلم ـ ليست صحيحة رغم ورودها في صحيح البخاري‬
‫ـ رضي الله عنه ـ ؛ لنه أوردها ل على أنها واقعة صحيحة ‪ ،‬ولكن‬
‫أوردها تحت عنوان " البلغات " يعنى أنه بلغه هذا الخبر مجرد‬
‫بلغ ‪ ،‬ومعروف أن البلغات في مصطلح علماء الحديث‪ :‬إنما هي‬
‫مجرد أخبار وليست أحاديث صحيحة السند أو المتن‪.‬‬
‫وقد علق المام ابن حجر العسقلني في فتح الباري بقوله‪:‬‬
‫" إن القائل بلغنا كذا هو الزهري ‪ ،‬وعنه حكي البخاري هذا‬
‫البلغ ‪ ،‬وليس هذا البلغ موصول ً برسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬وقال الكرمانى‪ :‬وهذا هو الظاهر "‪.‬‬
‫هذا هو الصواب ‪ ،‬وحاش أن يقدم رسول الله ـ وهو إمام‬
‫المؤمنين ـ على النتحار ‪ ،‬أو حتى على مجرد التفكير فيه‪.‬‬
‫ل فإن محمدا ً صلى الله عليه وسلم كان بشرا ً من البشر‬ ‫وعلى ك ٍ‬
‫ولم يكن ملكا ً ول مدعًيا لللوهية‪.‬‬
‫والجانب البشرى فيه يعتبر ميزة كان صلى الله عليه وسلم‬
‫ن َرّبي‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬‫ل ُ‬ ‫يعتني بها ‪ ،‬وقد قال القرآن الكريم في ذلك‪} :‬قُ ْ‬
‫ل{‪.‬‬‫سو ً‬ ‫شرا ً َر ُ‬ ‫ت إ ِل ّ ب َ َ‬ ‫ل ك ُن ْ ُ‬‫هَ ْ‬
‫ومن ثم فإذا أصابه بعض الحزن أو الحساس بمشاعر ما نسميه‬
‫‪ -‬في علوم عصرنا ‪ -‬بالحباط أو الضيق فهذا أمر عادى ل غبار‬
‫عليه ؛ لنه من أعراض بشريته صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وحين فتر )تأخر( الوحي بعد أن تعلق به الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم كان يذهب إلى المكان الذي كان ينزل عليه الوحي فيه‬
‫ب للمكان الذي جمع بينه وبين‬ ‫يستشرف لقاء جبريل ‪ ،‬فهو مح ّ‬
‫حبيبه بشيء من بعض السكن والطمأنينة ‪ ،‬فماذا في ذلك أيها‬
‫الظالمون دائما ً لمحمد صلى الله عليه وسلم في كل ما يأتي وما‬
‫يدع ؟‬
‫وإذا كان أعداء محمد صلى الله عليه وسلم يستندون إلى الية‬
‫ذا‬‫مُنوا ب ِهَ َ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م ي ُؤ ْ ِ‬ ‫ك ع ََلى آَثارِه ِ ْ‬
‫م إِ ْ‬ ‫س َ‬
‫ف َ‬
‫خعٌ ن َ ْ‬‫ك َبا ِ‬‫الكريمة‪} :‬فَل َعَل ّ َ‬
‫سفًا{‪.‬‬ ‫َ‬
‫ثأ َ‬ ‫دي ِ‬ ‫ح ِ‬‫ال ْ َ‬
‫فالية ل تشير أبدا ً إلى معنى النتحار ‪ ،‬ولكنها تعبير أدبي عن‬
‫حزن النبي محمد صلى الله عليه وسلم بسبب صدود قومه عن‬
‫السلم ‪ ،‬وإعراضهم عن اليمان بالقرآن العظيم ؛ فتصور كيف‬
‫كان اهتمام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بدعوة الناس‬

‫‪620‬‬
‫إلى الله ‪ ،‬وحرصه الشديد على إخراج الكافرين من الظلمات‬
‫إلى النور‪.‬‬
‫وهذا خاطر طبيعي للنبي النسان البشر الذي يعلن القرآن على‬
‫لسانه صلى الله عليه وسلم اعترافه واعتزازه بأنه بشر في قوله‬
‫‪ -‬ردا ً على ما طلبه منه بعض المشركين‪} :-‬وقالوا لن نؤمن لك‬
‫حتى تفجر لنا من الرض ينبوعا ً * أو تكون لك جنة من نخيل‬
‫وعنب فتفجر النهار خللها تفجيرا ً * أو تسقط السماء كما‬
‫زعمت علينا كسفا ً أو تأتي بالله والملئكة قبيل ً * أو يكون لك‬
‫بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل‬
‫علينا كتابا نقرؤه{‪ .‬فكان رده‪} :‬سبحان ربى{ متعجبا ً مما طلبوه‬
‫ومؤكدا ً أنه بشٌر ل يملك تنفيذ مطلبهم‪} :‬هل كنت إل بشرا ً‬
‫رسو ً‬
‫ل{‪.‬‬
‫أما قولهم على محمد صلى الله عليه وسلم أنه ليست له معجزة‬
‫فهو قول يعبر عن الجهل والحمق جميعًا‪.‬‬
‫حيث ثبت في صحيح الخبار معجزات حسية تمثل معجزة‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬كما جاءت الرسل بالمعجزات‬
‫من عند ربها ؛ منها نبع الماء من بين أصابعه ‪ ،‬ومنها سماع حنين‬
‫الجذع أمام الناس يوم الجمعة ‪ ،‬ومنها تكثير الطعام حتى يكفى‬
‫الجم الغفير ‪ ،‬وله معجزة دائمة هي معجزة الرسالة وهى القرآن‬
‫ظ ‪ ،‬ووعد ببيانه ؛ لذا يظهر‬ ‫ف َ‬ ‫الكريم الذي وعد الله بحفظه فَ ُ‬
‫ح ِ‬
‫بيانه في كل جيل بما يكتشفه النسان ويعرفه‪.‬‬
‫الشبهة السادسة‪ :‬مات النبي صلى الله عليه وسلم بالسم‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫حين تصاب القلوب بالعمى بسبب ما يغشاها من الحقد‬
‫والكراهية يدفعها حقدها إلى تشويه الخصم بما يعيب ‪ ،‬وبما ل‬
‫يعيب ‪ ،‬واتهامه بما ل يصلح أن يكون تهمة ‪ ،‬حتى إنك لترى من‬
‫يعيب إنسانا ً مثل ً بأن عينيه واسعتان أو أنه أبيض اللون طويل‬
‫القامة ‪ ،‬أو مثل ً قد أصيب بالحمى ومات بها ‪ ،‬أو أن فلنا ً من‬
‫الناس قد ضربه وأسال دمه ؛ فهذا كأن أو أن تعيب الورد بأن‬
‫لونه أحمر مثل ً ؛ وغير ذلك مما يستهجنه العقلء ويرفضونه‬
‫سا وعجًزا‪.‬‬
‫ويرونه إفل ً‬
‫أن محمدا ً صلى الله عليه وسلم قدمت له امرأة من نساء اليهود‬
‫شاة مسمومة فأكل منها فمات صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وينقلون عن تفسير البيضاوي‪:‬‬
‫أنه لما فتحت خيبر واطمأن الناس سألت زينب بنت الحارس ‪-‬‬
‫وهى امرأة سلم بن مشكم )اليهودي( ‪ -‬عن أي الشاة أحب إلى‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم ؟ فقيل لها‪ :‬إنه يحب الذراع لنه‬

‫‪621‬‬
‫أبعدها عن الذى فعمدت إلى عنزة لها فذبحتها ثم عمدت إلى‬
‫مت به الشاة ‪ ،‬وذهبت بها جارية‬ ‫م ل يلبث أن يقتل لساعته فس ّ‬ ‫س ّ‬
‫لها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقالت له‪ :‬يا محمد هذه‬
‫هدية أهديها إليك‪.‬‬
‫وتناول محمد الذراع فنهش منها‪ ..‬فقال صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫ارفعوا أيديكم فإن هذه الذراع والكتف تخبرني بأنها مسمومة ؛‬
‫ثم سار إلى اليهودية فسألها لم فعلت ذلك ؟ قالت‪ :‬نلت من‬
‫قومي ما نلت … وكان ذلك بعد فتح " خيبر " أحد أكبر حصون‬
‫اليهود في المدينة وأنه صلى الله عليه وسلم قد عفا عنها‪.‬‬
‫ثم يفصحون عن تفسير البيضاوي‪:‬‬
‫أنه صلى الله عليه وسلم لما اقترب موته قال لعائشة ـ رضي‬
‫الله عنها ـ يا عائشة هذا أوان انقطاع أبهري‪.‬‬
‫فليس في موته صلى الله عليه وسلم بعد سنوات متأثًرا بذلك‬
‫سم إل أن جمع الله له بين الحسنيين ‪ ،‬أنه لم يسلط عليه من‬ ‫ال ّ‬
‫ضا كتب له النجاة من كيد‬ ‫يقتله مباشرة وعصمه من الناس وأي ً‬
‫الكائدين وكذلك كتب له الشهادة ليكتب مع الشهداء عند ربهم‬
‫وما أعظم أجر الشهيد‪.‬‬
‫ضا‪ ..‬ل شك أن عدم موته بالسم فور أكله للشاة المسمومة‬ ‫وأي ً‬
‫ما من‬ ‫َ‬
‫وحياته بعد ذلك سنوات ُيعد معجزة من معجزاته ‪ ،‬وع َل ً‬
‫أعلم نبوته يبرهن على صدقه ‪ ،‬وعلى أنه رسول من عند الله‬
‫قا ويقيًنا‪.‬‬ ‫ح ً‬
‫وقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يموت في الجل الذي أجله له‬
‫رغم تأثره بالسم من لحظة أكله للشاة المسمومة حتى موته بعد‬
‫ذلك بسنوات‪.‬‬
‫الشبهة السابعة‪ :‬يحتاج محمد صلى الله عليه وسلم إلى الصلة‬
‫عليه‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫الحق أن الصلة على محمد صلى الله عليه وسلم من ربه ومن‬
‫المؤمنين ليست دليل حاجة بل هي مظهر تكريم واعتزاز وتقدير‬
‫له من الحق سبحانه وتقدير له من أتباعه ‪ ،‬وليست كما يزعم‬
‫الظالمون لسد حاجته عند ربه لن ربه قد غفر له ما تقدم من‬
‫ذنبه وما تأخر‪.‬‬
‫لن أي مقارنة منصفة بين ما كان عليه صلى الله عليه وسلم‬
‫وبين غيره من أنبياء الله ورسله ترتفع به ليس فقط إلى مقام‬
‫العصمة ؛ بل إلى مقام الكمال الذي أتم به الله الرسالت ‪ ،‬وأتم‬
‫به التنزيل ‪ ،‬وأتم به النعمة ‪ ،‬فلم تعد البشرية بعد رسالته صلى‬
‫الله عليه وسلم بحاجة إلى رسل ورسالت‪.‬‬

‫‪622‬‬
‫لذلك فإن رسالته صلى الله عليه وسلم وهى الخاتمة والكاملة‬
‫حملت كل احتياجات البشرية وما يلزمها من تشريعات ونظم‬
‫ومعاملت وما ينبغي أن تكون عليه من أخلق وحضارة مما‬
‫افتقدت مثل كماله كل الرسالت السابقة‪.‬‬
‫وحسب رسالة محمد صلى الله عليه وسلم أنها جاءت رحمة‬
‫َ‬
‫ة‬
‫م ً‬ ‫ك إ ِّل َر ْ‬
‫ح َ‬ ‫سل َْنا َ‬‫ما أْر َ‬‫عامة للبشرية كلها كما قال القرآن‪} :‬وَ َ‬
‫ن{‪ .‬فلم تكن كما جاء ما قبلها رسالة خاصة بقوم‬ ‫مي َ‬‫ل ِل َْعال َ ِ‬
‫دا قال يا قوم‬ ‫رسولهم كما قال تعالى‪} :‬وإلى عاد أخاهم هو ً‬
‫اعبدوا الله{‪.‬‬
‫حا قال يا قوم اعبدوا الله{‪.‬‬ ‫}وإلى ثمود أخاهم صال ً‬
‫}وإلى مدين أخاهم شعيًبا قال يا قوم اعبدوا الله{‪.‬‬
‫وهكذا كل رسول كان مرسل ً إلى قومه‪..‬‬
‫لت كانت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلى العالمين وإلى‬
‫الناس كافة كما جاء في قوله تعالى‪} :‬وما أرسلناك إل رحمة‬
‫للعالمين{‪} ،‬وما أرسلناك إل كافة للناس بشيرا ً ونذيرًا{‪.‬‬
‫ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم كانت فوق كونها عالمية فقد‬
‫كانت هي الخاتمة والكاملة التي ـ كما أشرنا ـ تفي باحتياجات‬
‫البشر جميعا ً وتقوم بتقنين وتنظيم شئونهم المادية والمعنوية عبر‬
‫الزمان والمكان بكل ما فيه خيرهم في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫وفى هذا قال الله تعالى‪} :‬ما كان محمد أبا أحد من رجالكم‬
‫ولكن رسول الله وخاتم النبيين{‪.‬‬
‫وقال في وصفه لكمال الدين برسالة محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم )السلم(‪} :‬اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم‬
‫نعمتي ورضيت لكم السلم دينا{‪.‬‬
‫إن عموم رسالة محمد إلى العالمين ‪ ،‬وباعتبارها الرسالة الكاملة‬
‫والخاتمة ؛ يعنى امتداد دورها واستمرار وجودها إلى أن يرث الله‬
‫الرض ومن عليها مصداقا ً لقوله تعالى‪} :‬هو الذي أرسل رسوله‬
‫بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله{‪.‬‬
‫الشبهة الثامنة‪ :‬خلو الكتب السابقة من البشارة برسول السلم‪.‬‬
‫الرد على الشبهة‪:‬‬
‫إن وجود البشارات وعدمها في الكتب المشار إليها آنفا سواء ‪،‬‬
‫وجودها مثل عدمها ‪ ،‬وعدمها مثل وجودها‪ .‬فرسالة رسول‬
‫السلم صلى الله عليه وسلم ليست في حاجة إلى دليل يقام‬
‫عليها من خارجها ‪ ،‬بحيث إذا لم يوجد ذلك الدليل " الخارجي "‬
‫بطلت ‪ -‬ل سمح الله ‪ -‬تلك الرسالة ؛ فهي رسالة دليلها فيها ‪،‬‬
‫ووجود البشارات بها في كتب متقدمة ‪ -‬زمنا ‪ -‬عليها ل يضيف‬
‫إليها جديدا ً ‪ ،‬وعدم وجود تلك البشارات ل ينال منها شيئا ً قط‪.‬‬

‫‪623‬‬
‫فهي حقيقة قائمة بذاتها لها سلطانها الغنى عما سواها‪ .‬ودليلها‬
‫قائم خالد صالح للفحص في كل زمان ومكان ‪ ،‬باق بقاء رسالته‬
‫أبد الدهر أشرق ولم يغب ‪ ،‬ظهر ولم يختف ‪ ،‬قوى ولم يضعف‪.‬‬
‫عل ولم يهبط ‪ ،‬إنه دليل صدق النبياء كلهم‪ .‬فكل النبياء مضوا‬
‫ولم يبق من أدلة صدقهم إل ما جاء في هذا الدليل " القرآن‬
‫العظيم " حيث شهد لهم بالصدق والوفاء وأنهم رسل الله‬
‫المكرمون‪..‬‬
‫فل يظنن أحد ُ أننا حين نتحدث عن بشارات الكتب السابقة‬
‫برسول السلم إنما نتلمس أدلة نحن في حاجة إليها لثبات‬
‫صدق رسول السلم في دعواه الرسالة‪ .‬فرسول السلم ليس‬
‫في حاجة إلى " تلك البشارات " حتى ولو سلم لنا الخصوم‬
‫بوجودها فله من أدلة الصدق ما لم يحظ به رسول غيره‪.‬‬
‫والبشارات موجودة في الكتب السابقة وقد وضعت فيه أبحاث‬
‫وكتب من أراد الطلع عليها فليرجع مثل إلى كتاب إظهار الحق‬
‫للشيخ رحمت الله الهندي تحقيق الدكتور أحمد حجازي السقا‪.‬‬
‫====================‬

‫الفهرس العام ‪:‬‬

‫‪624‬‬
625

You might also like