You are on page 1of 192

‫الستراتيجي‬

‫ة الشاملة‬
‫لمناصرة الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم‬

‫دروس وعبر من الحروب‬


‫الصليبية‬

‫ي‬ ‫ص ّ‬
‫لب ّ‬ ‫د‪ .‬علي محمد محمد ال ّ‬
‫الهداء‬

‫إلى محبي رسول الله صلى الله عليه وسلم في المشارق‬

‫والمغارب‪.‬‬

‫إلى المجاهدين في سبيل الله بالقوال والفعال إلى كل‬

‫مسلم حريص على إعزاز دين الله تعالى أهدي هذا الكتاب‬

‫سائل المولى عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته الُعل أن‬

‫يكون خالصا ً لوجهه الكريم قال تعالى‪" :‬فمن كان يرجوا‬

‫لقاء ربه فليعمل عمل ً صالحا ً وُيشرك بعبادة ربه أحدًا"‬

‫)الكهف‪(111 :‬‬

‫ص ّ‬
‫لبي‬ ‫د‪.‬علي محمد محمد ال ّ‬

‫‪- 2-‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫إن الحمد الله‪ ،‬نحمده‪ ،‬ونستعينه ونستهديه ونستغفره‪،‬‬


‫ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده‬
‫الله فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل‪ ،‬فل هادي له ‪ ،‬وأشهد أن ل‬
‫إله إل الله وحده ل شريك له وأشهد أن محمدا ً عبده‬
‫ورسوله "يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق ُتقاته ول‬
‫تموتن إل وأنتم مسلمون" )آل عمران‪ ،‬آية‪.(102 :‬‬

‫"يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسه واحدة‬


‫ث منهما رجال ً كثيرا ً ونساء واتقوا الله‬
‫وخلق منها زوجها وب ّ‬
‫الذي تساءلون به والرحام إن الله كان عليكم رقيبا"‬
‫)النساء‪ ،‬آية‪.(1 :‬‬

‫"يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قول ً سديدا * ُيصلح‬
‫لكم أعمالكم ويغفر لكم ذُنوبكم ومن يطع الله ورسوله‬
‫فقد فاز فوزا ً عظيمًا" )الحزاب‪ ،‬آية‪.(71 ، 70 :‬‬

‫أما بعد‪:‬‬
‫يارب لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت‪ ،‬ولك‬
‫الحمد بعد الرضى‪ ،‬هذا الكتاب "استراتيجية شاملة‬
‫لمناصرة النبي صلى الله عليه وسلم دروس مستقادة من‬
‫الحروب الصليبية" جزء من كتاب موسوعة الحروب‬
‫مى "الحملت الصليبية‪ ،‬الرابعة‪ ،‬والخامسة‪،‬‬ ‫الصليبية المس ّ‬
‫والسادسة‪ ،‬والسابعة‪ ،‬اليوبيون بعد صلح الدين" رأيت‬
‫م الفائدة حيث أنه يبين لنا دور المة‬
‫نشره على انفراد لتع ّ‬
‫في فهمها لمناصرة النبي صلى الله عليه وسلم وأسلوب‬
‫علماء وفقهاء السلم للمناصرة في عهد الحروب الصليبية‬
‫حيث كانت رؤيتهم‪ ،‬شاملة تناولت مفردات الصراع‬

‫‪- 3-‬‬
‫والتصدي للمشروع الصليبي الغازي‪ ،‬فكريا ً وسياسيًا‪،‬‬
‫وعسكريًا‪ ،‬وإعلميًا‪ ،‬واقتصاديًا‪ ،‬وثقافيا ً ‪ ...‬إلخ‪.‬‬

‫كانت موسوعتي عن الحروب الصليبية قد تحدثت عن‬


‫جهاد المسلمين عسكريا ً وسياسيا ً في عهد السلجقة‬
‫والزنكيين واليوبيين‪ ،‬وجهود العلماء في تحريض المة‬
‫وتعليمها وتربيتها على وجوب الجهاد والحرص على‬
‫الشهادة في سبيل الله ولم يقتصر دور المة في المقاومة‬
‫على القادة العسكريين والسياسيين فقط‪ ،‬بل العلماء‬
‫مة‬ ‫والفقهاء والخطباء والشعراء والدباء والتجار وعا ّ‬
‫المسلمين إل إنني في الكتاب الرابع اكتشفت شيئا ً جديدًا‪،‬‬
‫يضاف إلى الحروب والقتال والجهاد‪ ،‬إل وهو الحوار‪،‬‬
‫والمناظرات‪ ،‬والجدال مع الغزاة في عقائدهم‪ ،‬وكتبهم‬
‫المقدسة‪ ،‬وأصول ديانتهم‪ ،‬فكان مبحث مستقل ً في‬
‫الكتاب الرابع من الحروب الصليبية‪ ،‬تحدثت فيه عن‬
‫الجدل الثقافي بين المسلمين والنصارى في عهد الحروب‬
‫الصليبية‪ ،‬فتكلمت عن أهم موضوعات دعوة المسلمين‬
‫للنصارى‪ ،‬كالدعوة إلى التوحيد‪ ،‬واعتناق السلم‪ ،‬واليمان‬
‫بالقرآن الكريم‪ ،‬ومناقشة عقائدهم‪ ،‬كنقض المانة‪،‬‬
‫واختلف الناجيل‪ ،‬ومناقشة قولهم في المسيح عليه‬
‫السلم‪ ،‬وإبطال التثليث‪ ،‬ونفي اللوهية عن المسيح‪ ،‬ونفي‬
‫بنوة المسيح لله سبحانه وتعالى‪ ،‬وإبطال الصلب ومناقشة‬
‫شعائرهم وطقوسهم‪ ،‬كالتعميد والعتراف وصكوك‬
‫الغفران وأعيادهم‪ ،‬وصلة النصارى وصيامهم وتشريع‬
‫النصارى في الزواج ومناقشتهم في تركهم الختان‪،‬‬
‫وتعظيمهم للصور والتماثيل‪ ،‬وحقيقة خوارق العادات لديهم‬
‫وأهم الشبه التي أثاروها كدعوى أن القرآن ورد بتعظيم‬
‫النصارى والثناء عليهم‪ ،‬وشبهاتهم في تعدد الزوجات في‬
‫السلم ودعوى انتشار السلم بالسيف ودعوى عدم جزم‬
‫المسلمين بصحة القرآن لختلف الصحابة في جمعه‬
‫وتعدد قراءاته وانتقادهم للطلق في السلم‪ ،‬ودعو أن‬

‫‪- 4-‬‬
‫المسلمين وثنيون كفار‪ ،‬وقد ذكرت جهود القائمين على‬
‫دعوى النصارى في عصر الحروب الصليبية من القادة‬
‫والولة‪ ،‬وجهود صلح الدين ونور الدين والملك العادل‪،‬‬
‫ويوسف بن تاشفين في دعوى النصارى‪ ،‬ودور العلماء‪،‬‬
‫مثل صالح بن الحسين بن طلحة الجعفري وأحمد بن‬
‫إدريس القرافي‪ ،‬ومحمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي‬
‫في قيادة المعركة العقائدية الفكرية الثقافية ضد‬
‫الصليبيين‪ ،‬ووضحت وسائل الدعوة السلمية‪ ،‬من الكتب‬
‫كالعلم بما في دين النصارى من الفساد والوهام‬
‫للقرطبي‪ ،‬والجوبة الفاخرة للقرافي‪ ،‬وطريق الجهاد‪،‬‬
‫كالمشروع المقاوم الذي قاده نور الدين محمود الشهيد‬
‫وصلح الدين اليوبي والملك العادل‪ ،‬والمرابطون‬
‫والموحدون في الندلس‪ ،‬ووسيلة الرسل‪ ،‬والمسجد‬
‫والرسائل‪.‬‬

‫هذا وقد شرحت أساليب المسلمين في دعوى النصارى‪،‬‬


‫كالساليب العقلية‪ ،‬من السبر والتقسيم‪ ،‬وقياس الولى‪،‬‬
‫والقياس المساوي‪ ،‬والمحاكمات العقلية وأسلوب القلب‬
‫وتناقض الخصوم وأسلوب المقاربة والستدلل بمسلمات‬
‫الخصم والساليب العاطفية‪ ،‬كأسلوب الترهيب وأسلوب‬
‫الستهزاء والتهكم وأسلوب اللين والتلطف بالخطاب‪،‬‬
‫وأسلوب القسم‪ ،‬والساليب الفنية كأسلوب ضرب‬
‫المثال‪ ،‬وأسلوب القصة وأسلوب التكرار‪ ،‬وأسلوب‬
‫الستفهام‪ ،‬وأسلوب التعجب‪ ،‬وأسلوب استخدام الشعر‬
‫في تأدية بعض المعاني وبينت آثار دعوة المسلمين‬
‫للنصارى في عصر الحروب الصليبية‪ ،‬كدخول أعداد كبيرة‬
‫من النصارى في السلم وتأثر النصارى بعادات‬
‫المسلمين‪ ،‬وأخلقهم وتقاليدهم‪ ،‬وتحسن نظرة كثير من‬
‫النصارى‪ ،‬وحسن معاملة النصارى لمن تحت أيديهم من‬
‫المسلمين وظهور عزة السلم وتغير التكتيك الصليبي‪،‬‬
‫وإعجاب بعض القادة الوروبيين بالحضارة السلمية‪،‬‬

‫‪- 5-‬‬
‫واهتمام كثير من علماء الغرب بثقافة الشرق وتأثر‬
‫النصارى باللغة العربية‪ ،‬وفقدان الثقة بالبابا ورجال الدين‪،‬‬
‫ولخصت أهم الدروس والعبر والفوائد من دعوة المسلمين‬
‫للنصارى في عصر الحروب الصليبية والتي من أهمها‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب الحذر من خصوم السلم في كل زمان‬
‫ومكان وإن تغيرت الوسائل وتنوعت الساليب‪.‬‬
‫‪ -2‬وجوب الدعوة إلى الله على بصيرة‪ ،‬ول يكون‬
‫ذلك إل بوجود العلماء الربانيين‪.‬‬
‫‪ -3‬أهمية التدرج في الدعوة وعدم استعجال النتائج‬
‫خاصة في المجال الدعوي‪.‬‬
‫‪ -4‬إن المقاومة الهادئة للغزاة على منهج سليم‬
‫أساس النجاح والنتصار على العداء وتحصين‬
‫الصف الداخلي‪.‬‬
‫‪ -5‬للقليات السلمية في ديار الغرب رسالة هامة‪،‬‬
‫ولذلك علينا التصال بها وتقوية العلقة بيننا وبينها‬
‫لتحقيق المقاصد المرجوة على المدى البعيد‪.‬‬
‫‪ -6‬إن ثبات المسلمين في ديارهم لمقاومة الغزاة‬
‫من أهم أسباب بقاء السلم فيها‪ ،‬ومن ثم دحر‬
‫العدو وهزيمته‪.‬‬
‫‪ -7‬كان لحركة التأليف التي قام بها علماء‬
‫المسلمين أثر كبير في تقرير عقيدة السلم وبيان‬
‫السنة وإبراز محاسن الدين وإبطال شبهات العداء‬
‫حوله بمختلف اللغات‪.‬‬
‫‪ -8‬ظهر مبدأ التخصص في دعوة النصارى والتصدي‬
‫لشبهاتهم وكان من أبرز العلماء القرافي‬
‫والقرطبي‪.‬‬
‫‪ -9‬إن اللتزام بالسلم وأحكامه له تأثير في نشر‬
‫السلم وقبوله عند الخرين‪.‬‬
‫خطورة الختلف والتناحر على المة وأثر‬ ‫‪-10‬‬
‫الوحدة في عزتها وقوتها وهزيمة أعدائها‪.‬‬

‫‪- 6-‬‬
‫عدم القنوط واليأس مهما كبرت الرزايا‬ ‫‪-11‬‬
‫وكثرت الفتن‪.‬‬

‫وأحب أن أبين للقارئ الكريم في الوقت الذي كانت تجري‬


‫فيه رحى المعارك الحربية بين المسلمين والصليبيين وكان‬
‫هناك معارك أخرى بين الطرفين في صورة السجال‬
‫الديني والجدل الثقافي‪ ،‬والردود‪ ،‬المتبادلة ومحاولة كل‬
‫طرف إثبات أفضلية معتقده الديني وقد برز في هذا‬
‫الجدال والسجال أعلم وقادة من أشهرهم القرطبي‬
‫والخزرجي والقرافي وغيرهم فدافعوا عن عقيدة المة‬
‫وثقافتها وتاريخها‪ ،‬وخلد الله ذكر مساعيهم وأعمالهم‬
‫الحضارية الرائعة التي ل تزال آثارها إلى يومنا هذا‪ ،‬ونصر‬
‫الله بهم السلم في المجال الفكري والدعوي والعقدي‬
‫والثقافي‪ ،‬وتحقق بهم قول الله تعالى‪" :‬ويأبى الله إل أن‬
‫يتم نوره ولو كره الكافرون" )التوبة‪.(32 ،‬‬

‫وقول الله تعالى‪" :‬يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله‬


‫متم نوره ولو كـره الكافـرون")الصف‪ ،‬آية‪.(9 :‬‬

‫إننا في أشد الحاجة لمناصرة رسول الله صلى الله عليه‬


‫وسلم مناصرة شاملة تليق بمقامه عند الله عز وجل وفق‬
‫رؤية إستراتيجية متكاملة‪ ،‬وعلينا أن نخرج من موقع‬
‫المدافع إلى الهجوم‪ ،‬حيث أنه خير وسيلة للدفاع‪،‬‬
‫فلنحرص على هداية القوم ودعوتهم إلى الدين الصحيح‬
‫والعقيدة السليمة وإل فالحد الدنى فلنشغلهم بأنفسهم‪.‬‬

‫إن لدينا رصيدا ً زاخرا ً وتراثا ً عظيمًا‪ ،‬مما خطه أئمة الهدي‬
‫بمداد النور على صفحات الزمن يرشدنا إلى الطريق‬
‫القويم والمنهج السليم لنصرة محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬

‫‪- 7-‬‬
‫يقول الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله – في كتابه‬
‫قذائف الحق أن القوم لو شغلوا بنزهات دينهم ومضحكات‬
‫عقيدتهم لجهدناهم أي جهد‪ ،‬وشغلناهم كل مشغل )‪.(1‬‬
‫وهذا الكلم صحيح‪ ،‬ولكننا نذهب إلى دعوتهم والحرص‬
‫على سلمتهم والخذ بأيدي الباحثين عن الحقيقة منهم‬
‫إلى بر السلم ونعتمد في ذلك مبدأ الهجوم بالحجج‬
‫والبراهين والدلة على العقول‪ ،‬مع صدق وإخلص في‬
‫دعوتهم يغزو القلوب يقول أبو الحسن الندوي في تقديمه‬
‫لكتاب رحمة الله الكيرانوي "إظهار الحق" مادحا ً أسلوبه‬
‫وخطته الهجومية‪ :‬وهكذا ظهر هذا الكتاب إلى حيز الوجود‬
‫ويمتاز بعدة ميزات منها‪ :‬أن المؤلف آثر خطة الهجوم‬
‫على خطة الدفاع‪ ،‬التي ل تزال أقوى وأكثر تأثيرا ً في‬
‫النفس‪ ،‬فإنها تلجيء الخصم إلى أن يتخذ موقف الدفاع‬
‫وأن يقف في قفص التهام‪ ،‬ويدافع عن نفسه وينفي‬
‫التهمة‪ ،‬لذلك لما طبع كتاب العلمة رحمة الله الكيرانوي‬
‫أثار ضجة كبرى في الوساط النصرانية والوروبية ناهيك‬
‫عما كتبته صحف انجلترا تعليقا ً على هذا الكتاب‪ :‬لو دام‬
‫الناس يقرأون هذا الكتاب لوقف تقدم المسيحية في‬
‫العالم )‪(2‬وقد اشترى القساوسة كميات كبيرة من طبعات‬
‫الكتاب‪ ،‬وأتلفوها‪ ،‬إحراقا ً وإبادة‪ ،‬ليتغيب الكتاب عن‬
‫السوق)‪.(3‬‬

‫إننا اليوم في حاجة مآسة في إعادة النظر في التعامل مع‬


‫المشاريع الغازية‪ ،‬سواء صليبية‪ ،‬أو غيرها ولبد من‬
‫المواجهة الشاملة وترتيب الولويات في ذلك‪ ،‬فالمشروع‬
‫الصليبي الفكري والسياسي والقتصادي والعسكري‬
‫والثقافي والعلمي‪ ..‬إلخ بداية هزيمته تحقيق انتصارات‬
‫‪()1‬التنصير‪ ،‬أكرم كساب ص ‪381‬س ‪.‬‬
‫‪()2‬إظهار الحق )‪.(1/16/17‬‬
‫‪()3‬التنصير ص ‪.382‬‬

‫‪- 8-‬‬
‫ساحقة في المجال الفكري والعقدي والحضاري وهذه‬
‫تسبق النتصارات العسكرية والسياسية‪ ،‬وقد فصلت ذلك‬
‫في موسوعة الحروب الصليبية‪.‬‬

‫إنني أدعوا المسلمين للحفاظ على صورة السلم‬


‫المشرقة عند عامة النصارى ودعوتهم إليه بالساليب‬
‫الحديثة‪ ،‬عبر الفضائيات‪ ،‬بالمناظرات‪ ،‬والدروس والخطب‬
‫والمحاضرات واستخدام كل وسائل العلم الحديثة‬
‫والممكنة‪ ،‬فعندنا ما نقدم لهم ولغيرهم من المم من‬
‫عقيدة صحيحة وتصور عن الكون والحياة والنسان‬
‫والموت والجنة والنار والقضاء والقدر ومناحي الحياة من‬
‫خلل الوحي المنزل على محمد حبيبنا صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬

‫إنني أدعوا بالهتمام بإنشاء مراكز ومدارس مختصة‬


‫لدعوة النصارى والتصدي لهم في إفريقيا وآسيا وأمريكا‬
‫الجنوبية والماكن التي بها الدول الفقيرة وغيرها‪ ،‬وتحصين‬
‫المسلمين بالعقيدة الصحيحة‪ ،‬والدين القويم‪ ،‬والقدرة‬
‫على مناقشة عقائد النصارى‪ ،‬فهذا من مناصرة النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬كما أن دعم حركات المقاومة في‬
‫العراق وفلسطين وغيرها من فقه المناصرة لرسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وتعليم المة لدينها وتحصين شبابها‬
‫وفتياتها بالمعرفة الصحيحة والثقافة السليمة من مناصرة‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫فهذه الفكار قابلة للنقاش والنضاج والزيادة والنقصان‬


‫حتى تبلور وفق رؤية لمشروع المناصرة للرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم‪.‬‬

‫‪- 9-‬‬
‫هذا وقد انتهيت من مقدمة هذا الكتاب يوم السبت‬
‫الساعة الحادية عشر وخمسة وعشرون دقيقة صباحا ً من‬
‫تاريخ ‪12/05/14296‬ه ‪17/05/2008 -‬م بالدوحة‬
‫والفضل لله من قبل ومن بعد‪ ،‬وأسأله سبحانه وتعالى‬
‫بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعل عملي لوجهه‬
‫خالصا ً ولعباده نافعا ً ويشرح صدور العباد للنتفاع به‬
‫ويبارك فيه بمنه وكرمه وجوده وأن يثيبني على كل حرف‬
‫كتبته ويجعله في ميزان حسناتي‪ ،‬وأن يثيب إخواني الذين‬
‫أعانوني من أجل إتمام هذا الجهد المتواضع‪ ،‬ونرجو من‬
‫كل مسلم يصله هذا الكتاب أن ل ينسى العبد الفقير إلى‬
‫عفو ربه ومغفرته ورحمته ورضوانه "رب أوزعني أن‬
‫ي وعلى والديّ وأن أعمل‬ ‫أشكر نعمتك التي أنعمت عل ّ‬
‫صالحا ً ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادة الصالحين"‬
‫)النمل‪ ،‬آية‪.(19 :‬‬

‫وقال تعالى‪" :‬ما يفتح الله للناس من رحمة فل ممسك لها‬


‫وما يمسك فل مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم"‬
‫)فاطر‪ ،‬آية‪.(19 :‬‬

‫وقال تعالى‪" :‬سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلم‬


‫على المرسلين * والحمد لله رب العالمين" )الصافات‪:‬‬
‫‪.(182 – 180‬‬

‫سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن ل إله إل أنت أستغفرك‬


‫وأتوب إليك وآخر‬
‫دعونا أن الحمد لله رب العالمين‬

‫الخوة الكرام‪ :‬يسرني أن تصل ملحظاتكم وانطباعاتكم‬


‫حول هذا الكتاب وغيره من كتبي من خلل دور النشر‬
‫وأطلب من إخواني الدعاء في ظهر الغيب بالخلص لله‬

‫‪-10-‬‬
‫رب العالمين‪ ،‬والصواب للوصول للحقائق ومواصلة‬
‫المسيرة في خدمة تاريخ المة والمساهمة في النهوض‬
‫بها‪.‬‬
‫‪Mail: abumohamad2@maktoob.com‬‬

‫‪-11-‬‬
‫الجدل الثقافي بين المسلمين والنصارى في‬
‫عهد الحروب الصليبية‪:‬‬
‫إن من خصائص الدعوة السلمية عالميتها‪ ،‬وقد وردت‬
‫آيات كثيرة تدل على ذلك منها‪:‬‬
‫‪ -‬بعض اليات التي ورد فيها لفظ "العالمين"‬
‫قال تعالى‪" :‬وما أرسلناك إل رحمة للعالمين")النبياء‪ ،‬آية‪:‬‬
‫‪ (107‬أي ‪ :‬وما أرسلناك يا محمد بالشرائع والحكام إل‬
‫رحمة لجميع الناس )‪.(1‬‬

‫وقال سبحانه‪" :‬تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون‬


‫للعالمين نذيرًا")الفرقان‪ ،‬الية‪ :(1:‬أي ليكون محمد لجميع‬
‫الجن والنس )‪.(2‬‬
‫وقال تعالى "قل ل أسئلكم عليه أجرا ً إن هو إل ّ‬ ‫‪-‬‬
‫ذكرى للعالمين" )النعام‪ ،‬آية‪.(90 :‬‬
‫وقال ‪" :‬فأين تذهبون * إن هو إل ذكٌر‬ ‫‪-‬‬
‫للعالمين")الكوثر‪،‬ن الية‪ (27-26 :‬إلى غير ذلك من‬
‫اليات ووجه الستدلل لهذه اليات ظاهر من جهة‬
‫كون النس والجن هم المكلفون من العالمين‪،‬‬
‫فالدعوة‪ ،‬إذن متوجهة إليهما )‪.(3‬‬

‫‪ -‬بعض اليات التي ورد فيها لفظ "الناس"‪ :‬قال‬


‫تعالى‪" :‬قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعًا"‬
‫)العراف‪ ،‬آية‪ (158 :‬أي قل يا محمد للناس كلهم "إني‬
‫رسول الله إليكم جميعًا" ل إلى بعضكم دون بعض كما‬
‫كان من قبلي من الرسل )‪ (4‬وقال أبو السعود‪ .‬لما حكي‬
‫ما في الكتابين من نعوت رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم وشرف من يتبعه من أهلها ونيلهم لسعادة الدارين‪،‬‬

‫‪()1‬فتح القدير‪ ،‬محمد علي الشوكاني )‪.(3/616‬‬


‫‪()2‬جامع البيان للطبري نقل ً عن دعوة المسلمين للنصارى )‪.(1/849‬‬
‫‪()3‬دعوة المسلمين في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/50‬‬
‫‪()4‬إرشاد العقل السليم )‪.(2/280‬‬

‫‪-12-‬‬
‫أمر عليه الصلة والسلم ببيان أن تلك السعادة غير‬
‫مختصة بهم بل شاملة لكل من يتبعه كائنا ً من كان ببيان‬
‫عموم رسالته للثقلين )‪ (1‬واليات أيضًا‪ ،‬قوله تعالى‪" :‬ياأيها‬
‫الناس قد جاَءكم برهان من ربكم "النساء‪ ،‬آية‪(174 :‬‬
‫وقوله ‪" :‬قل ياأيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم"‬
‫)يونس‪ ،‬الية‪ (108 :‬وقوله "هذا بلغٌ للناس ولُينذروا‬
‫به")إبراهيم‪ ،‬آية ‪ (52 :‬إلى غير ذلك ووجه الستدلل بهذه‬
‫اليات هو توجيه الخطاب في عموم الناس )‪.(2‬‬
‫وقال تعالى‪ " :‬وما أرسلناك إل كافة للناس بشيرا ً ونذيرًا"‬
‫)سبأ‪ ،‬الية‪ (28 :‬وغير ذلك من اليات التي تدل على‬
‫عموم الرسالة السلمية‪.‬‬

‫‪ -‬الحاديث التي تدل على عالمية السلمية‪ :‬ورد‬


‫الكثير من الحاديث التي تدل على عالمية الدعوة‬
‫السلمية منها حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما‬
‫قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬وكان النبي‬
‫يبعث إلى قومه‪ :‬خاصة وبعثت إلى الناس كافة )‪ ،(3‬وحديث‬
‫أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫ون )‪،(4‬‬
‫وسلم ‪ :‬وأرسلت إلى الخق كافة وختم بي النبي ّ‬
‫وأيضا ً حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله‬
‫صلى الله وسلم قال‪ :‬والذي نفس محمد بيده ل يسمع بن‬
‫أحد من هذه المة يهودي ول نصراني ثم يموت ولم يؤمن‬
‫بالذي أرسلت به إل كان من أصحاب النار )‪ ،(5‬ودلت السنة‬
‫كذلك على شمول دعوته صلى الله عليه وسلم للجن‪،‬‬
‫فمن ذلك ما ورد في الحديث عن جابر بن عبدالله رضي‬
‫الله عنه قال‪ :‬خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على‬

‫‪()1‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫‪()2‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪ (1/851‬جل هذا‬
‫المبحث مختصر من هذا الكتاب‪.‬‬
‫‪()3‬البخاري رقم ‪.335‬‬
‫‪()4‬مسلم رقم ‪.523‬‬
‫‪()5‬مسلم رقم ‪.523‬‬

‫‪-13-‬‬
‫أصحابه‪ ،‬فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها‪،‬‬
‫فسكتوا‪ ،‬فقال‪ :‬لقد قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا‬
‫أحسن مردودا ً منكم‪ ،‬كنت كلما أتيت على قوله‪" :‬فبأ ّ‬
‫ي‬
‫ءالء ربكما تكذبان" قالوا ل بشيء من نعمك ربنا نكذب‬
‫فلك الحمد )‪ .(1‬فهذا الحديث يدل على مخاطبة رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم الجن‪ ،‬وقراءته القرآن عليهم‪،‬‬
‫وإنصاتهم له‪ ،‬وإيمانهم بنعم الله سبحانه وتعالى عليهم‬
‫والتي من أعظمها السلم )‪(2‬وفعله صلى الله عليه وسلم‬
‫كذلك يدل على عالمية الدعوة‪ ،‬فبعد دعوته عليه الصلة‬
‫والسلم لقومه "وعشيرته القربين أخذ يعرض نفسه على‬
‫القبائل في أسواق العرب وفي المواسم‪ ،‬فعن رجل من‬
‫بني مالك بن كنانة قال‪ :‬رأيت رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم سوف ذي المجاز يتخللها يقول ‪:‬أيها الناس قولوا ‪:‬‬
‫ل إله إل الله تفلحوا )‪ ،(3‬ثم إرساله الكتب والرسائل إلى‬
‫الملوك والمراء‪ ،‬فعن أنس بن مالك رضي الله عنه ‪ :‬أن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى وإلى قيصر‪،‬‬
‫وإلى النجاشي وإلى قيصر وإلى النجاشي وإلى كل جبار‬
‫يدعوهم إلى الله تعالى )‪.(4‬‬
‫‪ -‬فعل الصحابة رضي الله عنهم بعده صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ :‬فبعد وفاته صلى الله عليه وسلم واستلم‬
‫أبي بكر رضي الله عنه الخلفة وبعد قضائه على فتنة‬
‫الردة في السنة الحادية عشرة من الهجرة بدأ بالفتوحات‬
‫السلمية نشرا ً للدعوة‪ ،‬حيث أرسل الجيوش إلى العراق‬
‫ضد الدول الفارسية وإلى الشام ضد الروم‪ ،‬ثم متابعة‬
‫ذلك من قبل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومن بعده‬
‫عثمان بن عفان رضي الله عنه‪ ،‬حيث امتدت الدولة‬
‫السلمية من حدود الصين إلى طرابلس الغرب شرقا ً‬
‫وغربًا‪ ،‬ومن أرمينية إلى اليمن شمال ً وجنوبا ً ولما ارتضى‬
‫‪()1‬صحيح سنن الترمذي )‪.(3/342‬‬
‫‪()2‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/54‬‬
‫‪()3‬مسند أحمد رقم ‪ 16023‬صحيح لغيره‪.‬‬
‫صليبية )‪.(1/54‬‬
‫‪ 4‬دعوة المسلمين للّنصارى في عصر الحروب ال ّ‬
‫)(‬

‫‪-14-‬‬
‫سبحانه وتعالى دين السلم للثقلين النس والجن‪ ،‬وكانت‬
‫الدعوة السلمية متوجهة كما سبق إيضاحه‪ ،‬لذلك مّيز ج ّ‬
‫ل‬
‫وعل هذا الدين لكي يصلح لهذه العالمية بمميزات أهمها‪:‬‬

‫‪ -1‬سلمته من التحريف بحفظ الكتاب والسنة ‪ :‬قال‬


‫تعالى‪" :‬إنا نحن نزلنا الذكر وإّنا له لحافظون" )الحجر‪ ،‬آية‪:‬‬
‫‪.(9‬‬
‫‪ -2‬شموله الموضوعي والزماني والمكاني‪ :‬والمقصود‬
‫بالشمول الموضوعي أي وفاؤه بجميع حاجات النسان‬
‫العتقادية والعملية قال سبحانه وتعالى‪" :‬اليوم أكملت‬
‫ت عليكم نعمتي ورضيت لكم السلم‬ ‫لكم دينكم وأتمم ُ‬
‫ف ل إثم فإن الله‬ ‫ضطّر في مخمصة غير متجان ٍ‬ ‫دينا‪ ،‬فمن ا ُ‬
‫غفور رحيم" )المائدة‪ ،‬آية ‪ (3 :‬وقال‪" :‬ونزلنا عليك الكتاب‬
‫تبيانا لكل شيٍء" )النحل‪ ،‬آية‪.(89 :‬‬
‫سط ًَا"‬
‫مة و َ‬
‫‪ -3‬الوسطية ‪ :‬قال تعالى ‪" :‬وكذلك جعلناكم أ ّ‬
‫)البقرة‪ ،‬آية‪.(143 :‬‬
‫‪ -4‬أنه دين الفطرة‪ :‬فكل إنسان يولد مستعدا ً لقبول‬
‫السلم مهيأ له قال صلى الله عليه وسلم‪ :‬ما من مولد إل‬
‫يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه‪.‬‬
‫‪ -5‬الكمال‪ ،‬وكذلك الوضوح )‪.(1‬‬

‫ل‪ :‬أهمية دعوة النصارى إلى السلم‪:‬‬ ‫أو ً‬


‫يمكن أن نبرز أهمية دعوة النصارى خاصة من خلل‬
‫النقاط التية‪:‬‬
‫‪ -1‬توجيه الخطاب في القرآن في كثير من اليات لهل‬
‫الكتاب وتخصيصهم في ذلك أمرا ً لهم بالتوحيد أو اليمان‬
‫بمحمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وأو بيانا ً لتحريفهم الكلم‬
‫عن مواضعه أو ردا ً على‬

‫‪()1‬المصدر نفسه )‪ 1/56‬إلى ‪.(61‬‬

‫‪-15-‬‬
‫شبههم أو غير ذلك ومن هذه اليات قوله تعالى‪ :‬قل ياأهل‬
‫الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم" )آل عمران‪،‬‬
‫آية‪ (64 :‬وقوله تعالى‪ :‬ياأهل الكتاب لم تلبسون الحق‬
‫بالباطل" )آل عمران‪ ،‬آية ‪ (71:‬إلى غير ذلك من اليات‬
‫ول شك أن النصارى من أهل الكتاب‪.‬‬

‫‪ -2‬حث القرآن على مجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن‬


‫كما قال تعالى‪" :‬ول تجادلوا أهل الكتاب إل بالّتي هي‬
‫أحسن" )العنكبوت‪ ،‬آية‪ – (46 :‬بالجميل من القول وهو‬
‫الدعاء إلى الله بآياته والتنبيه على حججه )‪ ،(1‬وذلك تقديرا ً‬
‫)‪(2‬‬
‫لما عندهم من بقية أثر الرسل‬

‫‪ -3‬تخصيص القرآن للنصارى وتوجيه الخطاب لهم وذلك‬


‫في قوله تعالى ‪" :‬وليحكم أهل النجيل بما أنزل الله فيه "‬
‫)المائدة ‪ :‬الية ‪ ،(47 :‬قيل ‪ :‬هذا أمر للنصارى الن‬
‫باليمان بمحمد صلى الله عليه وسلم )‪.(3‬‬

‫‪ -4‬تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم أهل الكتاب في‬


‫كثير من الحاديث دعوة لهم‪ ،‬ومن ذلك قوله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ :‬والذي نفسي بيده ل يسمع بي أحد من هذه‬
‫المة يهودي ول نصراني‪ ،‬ثم يموت ولم يؤمن بالذي‬
‫أرسلت به إل كان من أصحاب النار )‪ ،(4‬وقوله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ :‬ثلثة لهم أجران رجل من أهل الكتاب آمن‬
‫بنبيه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم )‪.(5‬‬

‫‪()1‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/64‬‬


‫‪()2‬المصدر نفسه )‪.(1/64‬‬
‫‪()3‬الجامع لحكام القرآن )‪.(3/136‬‬
‫‪()4‬مسلم رقم ‪.153‬‬
‫‪()5‬البخاري رقم ‪.97‬‬

‫‪-16-‬‬
‫‪ -5‬تميز النبي صلى الله عليه وسلم لسلوب دعوة أهل‬
‫الكتاب بمراعاة التدرج حسب الهمية وذلك في وصيته‬
‫لمعاذ بن جبل حينما أرسله إلى اليمن حيث قال له صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ :‬إنك ستأتي قوما ً أهل كتاب‪ ،‬فإذا جئتهم‬
‫فأدعهم إلى أن يشهدوا أن ل إله إل الله ‪ ...‬إلى أن قال‬
‫فإن هم أطاعوا لك بذلك‪ ،‬فإياك وكرائم أموالهم‪ ،‬واتق‬
‫دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب )‪.(1‬‬

‫‪ -6‬تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم للنصارى في‬


‫الدعوة كما في قصة وفد نصارى نجران )‪.(2‬‬

‫‪ -7‬عناية السلم بمعاملة أهل الذمة سواء يهودا ً أو‬


‫نصارى‪ ،‬فقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمة‬
‫ذمة المعاهد‪ ،‬ووجوب الوفاء له قال صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ :‬من قتل معاهدا ً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها‬
‫توجد من مسيرة أربعين عاما ً )‪ (3‬وحرم السلم ظلم‬
‫المعاهد أو تكليفه فوق طاقته أو أخذ شيء من ماله بغير‬
‫طيب نفس‪ ،‬لقوله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬أل من ظلم‬
‫معاهدا ً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا ً‬
‫بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة )‪ ،(4‬وأباح الزواج‬
‫منهم وأحل الله طعامهم‪.‬‬

‫‪ -8‬إن دين النصارى دين عالمي – بمعنى أنه يعده أتباعه‬


‫دينا ً للبشرية جمعًا‪ ،‬ولذلك ينشطون في الدعوة إليه‪،‬‬
‫بعكس كثير من الديانات والمذاهب الخرى التي يراها‬
‫أتباعها دينا لهم وحدهم‪ ،‬ولذلك ل يسعون لنشرها‪،‬‬
‫كاليهودية والهندوسية وعلى ذلك ففي دعوة النصارى‬
‫‪()1‬البخاري رقم ‪.1496‬‬
‫‪()2‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/65‬‬
‫‪()3‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/66‬‬
‫‪()4‬صحيح سنن أبي داود )‪.(2/261‬‬

‫‪-17-‬‬
‫واهتداء البعض منهم حد لنتشار النصرانية في مجتمعات‬
‫غير نصرانية‪ ،‬ومن ثم إتاحة الفرصة لنشر السلم في مثل‬
‫هذه المجتمعات‪.‬‬

‫‪ -9‬كون النصارى ذوي قوة وكثرة وانتشار في الوقت‬


‫الحاضر وكثير من المجتمعات غير النصرانية تسعى‬
‫لتقليدهم ومتابعتهم منخدعة بما بلغوه من حضارة مادية‬
‫وقوة عسكرية وبهداية هؤلء النصارى أو البعض منهم وهم‬
‫بهذا النفوذ بالنسبة للعالم سوف يكون في ذلك صلح‬
‫أقوام كثيرين كانوا يرونهم المثال لهم‪.‬‬

‫‪ -10‬أن أكثر الشبه تثار حول السلم خصوصا ً في الوقت‬


‫الحاضر إنما هي من قبلهم وباهتداء البعض منهم فيه رد‬
‫على مثل هذه الشبه‪.‬‬

‫‪ -11‬إن اهتداء بعض النصارى يساعد كثيرا ً في فضح‬


‫باطل إخوانهم السابقين في الديانة‪ ،‬لخبرتهم فيها‪ ،‬وما في‬
‫ذلك من مساعدة للدعاة ودعم لجهودهم‪.‬‬

‫‪ -12‬إن حروب المسلمين في أغلب فترات التاريخ‬


‫السلمي كانت مع النصارى‪ ،‬كحروب المسلمين في‬
‫الندلس‪ ،‬وصقلية‪ ،‬والحروب الصليبية في الشام ومصر‪،‬‬
‫بل ل تزال هذه الحروب مستمرة في بعض الجهات من‬
‫العالم‪ ،‬وباهتداء بعض النصارى يساعد ذلك في كشف‬
‫عدوان إخوانهم السابقين في الديانة وربما يساعد في‬
‫إزالة ذلك العدوان )‪.(1‬‬

‫‪()1‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/67‬‬

‫‪-18-‬‬
‫‪ -13‬وبالضافة إلى ما سبق‪ ،‬فإن النصارى أهل ملة‬
‫سماوية قبل أن يطرأ عليه النسخ والتحريف وهي آخر‬
‫وة‬
‫الملل قبل رسالة السلم وفي كتبهم من البشارات بنب ّ‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فإذا تصدى المختصون لبراز‬
‫هذه البشارات وشرحها فربما يكون ذلك سببا ً في إسلم‬
‫الكثيرين منهم‪ ،‬بل ويكون هؤلء أيضا ً عونا ً في دعوة بني‬
‫ملتهم السابقة )‪.(1‬‬

‫ثانيًا‪ :‬أهم موضوعات دعوة المسلمين للنصارى‪:‬‬


‫اتجهت جهود المسلمين في دعوتهم للنصارى في هذه‬
‫الفترة إلى معالجة الموضوعات الساسية في الدين‬
‫السلمي‪ ،‬وذلك بالدعوة إلى أصول الدين وأسسه التي ل‬
‫يتم إسلمهم إل بها‪ ،‬كالتوحيد‪ ،‬والتصديق بالقرآن‪ ،‬وقبول‬
‫السلم بعمومه‪ ،‬واليمان بنبوة محمد صلى الله عليه‬
‫وة عيسى عليه السلم ونفي ألوهيته‬ ‫وسلم والقرار بنب ّ‬
‫وإليك شيء من التفصيل‪:‬‬

‫‪ -1‬الدعوة إلى التوحيد‪ :‬كان أمر التوحيد أهم‬


‫أمور العقيدة السلمية التي دعا المسلمون‬
‫النصارى إليها في فترة الحروب الصليبية وذلك من‬
‫خلل الدعوة المباشرة بالحث على توحيد الله‬
‫سبحانه وتعالى ونفي الشريك عنه‪ ،‬أو من خلل‬
‫إبطال عقيدة التثليث‪ ،‬أو من خلل نفي اللوهية‬
‫عن المسيح عليه السلم )‪ ،(2‬وقد جعل العلماء‬
‫دعوة النصارى إلى التوحيد هي أولى ما تصرف‬
‫فيه الهمم‪ ،‬حيث بين ذلك القرآن في وأكد على‬
‫أهمية إقامة الدلة على وحدانية الله سبحانه‬
‫وتعالى‪ ،‬ولهذه الغاية ألف كتابا ً خاصا ً بذلك سماه‪:‬‬

‫‪()1‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/68‬‬


‫‪()2‬المصدر نفسه )‪.(1/174‬‬

‫‪-19-‬‬
‫أدلة الوحدانية في الرد على النصرانية )‪ .(1‬وكثيرا ً‬
‫ما تتكرر الدعوة إلى التوحيد في ثنايا مناقشات‬
‫العلماء المسلمين للنصارى وردودهم عليهم‪ ،‬فمن‬
‫ذلك مثل ً دعوة القرطبي لصاحب كتاب تثليث‬
‫الوحدانية إلى نبذ الشرك وتوحيد الباري سبحانه‬
‫وتعالى‪ ،‬وبيان براءة عيسى عليه السلم من تثليث‬
‫النصارى وأنه ما بلغهم إل أن الله واحد فرد صمد‬
‫ل شريك له سبحانه وتعالى )‪ (2‬وفي هذا السياق‬
‫وبعد أن عرض الجعفري شيئا ً من الدلة على‬
‫توحيد الله سبحانه وتعالى من التوراة والنجيل‬
‫ل‪ .. :‬فمن أشرك مع‬ ‫وجه كلمه إلى النصارى قائ ً‬
‫الله غيره فقد كفر بالتوراة والنجيل )‪ ،(3‬وكانت‬
‫دعوة النصارى إلى التوحيد بالضافة إلى الطريقة‬
‫المباشرة من خلل دعوتهم الصريحة إلى توحيد‬
‫الله سبحانه وتعالى ونفي الشريك عنه كانت أيضا ً‬
‫من خلل إبطال عقائدهم الشركية المنافية للتوحيد‬
‫وذلك بإبطال عقيدة التثليث لديهم وهدمها وإبراز‬
‫تناقضها‪ ،‬وكذلك من خلل نفي اللوهية عن‬
‫المسيح عليه السلم وإقامة الدلة المختلفة على‬
‫ذلك )‪.(4‬‬

‫‪ -2‬الدعوة إلى اعتناق السلم بشكل‬


‫مجمل‪ :‬كان من موضوعات دعوة المسلمين‬
‫للنصارى في هذا الفترة دعوتهم إلى اعتناق‪ ،‬أو‬
‫من خلل ذكر الدلة على صحته وبيان محاسنه‪ ،‬أو‬
‫من خلل رد الشبه عن تشريعاته‪.‬‬
‫‪ -1‬الدعوة المباشرة إلى اعتناق‬
‫السلم‪ :‬ومن المثلة على ذلك دعوة صلح‬
‫‪()1‬أدلة الوحدانية في الرد على النصرانية ص ‪.21 ، 20‬‬
‫‪()2‬العلم بما في دين النصارى من الفساد والوهام ص ‪.176‬‬
‫‪()3‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الصليبية )‪.(1/176‬‬
‫‪()4‬دعوة المسلمين للّنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/176‬‬

‫‪-20-‬‬
‫الدين لرناط الصليبي الذي نقض الصلح مع‬
‫المسلمين‪ ،‬فغدر بقافلة مسلمة قادمة من‬
‫مصر إلى الشام‪ ،‬فلما ناشده أصحابها الله‬
‫وذكروه بالصلح الذي بينه وبين المسلمين رد‬
‫بكلم يتضمن الستخفاف برسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬لذلك لما علم صلح الدين‬
‫أقسم إن ظفر به ليقتلنه لستخفافه برسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فلما جيء بهذا‬
‫الصليبي مع السرى بعد معركة حطين في‬
‫منتصف شوال سنة ‪583‬ه ذكره صلح الدين‬
‫بما صدر منه ثم عرض عليه السلم فأبى‬
‫فقتله )‪ ،(1‬والشاهد من ذلك هو عرض‬
‫السلم على هذا القائد الصليبي ودعوته إلى‬
‫اعتناقه ومثل ذلك عرض السلم على صاحب‬
‫صيدا وقد شهد ذلك ابن شداد حيث قال ‪... :‬‬
‫ولقد رأيته وقد دخل عليه صاحب صيدا‬
‫بالناصرة‪ ،‬فاحترمه وأكرمه‪ ،‬وأكل معه‬
‫الطعام‪ ،‬ومع ذلك عرض عليه السلم فذكر‬
‫له طرفا ً من محاسنه‪ ،‬وحثه عليه )‪(2‬ومن‬
‫نماذج عرض السلم على النصارى في هذه‬
‫الفترة ودعوتهم إلى اعتناقه استغلل صلح‬
‫الدين للقاءاته بوفود الفرنج ليضاح محاسن‬
‫السلم ثم دعوتهم إليه )‪ ،(3‬وقد بين الجعفري‬
‫أن من أسباب تأليفه كتاب – تخجيل من‬
‫حرف التوراة والنجيل – هو دعوة النصارى‬
‫إلى السلم‪ ،‬حيث قال ‪ :‬فعسى الله أن يقدر‬
‫هداية بعضهم‪ ،‬ونحن مأمورون بدعائهم إلى‬
‫)‪(4‬‬
‫سبيل ربنا بالحكمة والموعظة الحسنة‬
‫‪()1‬المصدر نفسه )‪ (1/178‬النوادر السلطانية ص)‪.(131 – 130‬‬
‫‪()2‬المصدر نفسه ص ‪.66‬‬
‫‪()3‬دعوة المسلمين للّنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/179‬‬
‫‪()4‬تخجيل من حرف التوراة والنجيل صالح بن الحسين )‪.(1/103‬‬

‫‪-21-‬‬
‫وتكرر في ثنايا مناقشة القرطبي لكتاب أحد‬
‫القساوسة النصارى دعوته لهذا القسيس إلى‬
‫اعتناق السلم‪ ،‬ومن ذلك قوله‪ .. :‬فالله الله‪،‬‬
‫أدرك بقية نفسك قبل حلول رمسك‪،‬‬
‫واستعمل عقلك‪ ،‬ول تعول على تقليد فاسد‪،‬‬
‫واتبع الدين القويم‪ ،‬دين الب إبراهيم "ما كان‬
‫إبراهيم يهوديا ً ول نصرانيا ً ولكن كان حنيفا ً‬
‫مسلما ً وما كان من المشركين" )‪) (1‬آل‬
‫عمران‪ ،‬آية‪ (67 :‬وفي موضع آخر من‬
‫مناقشته لهذا القسيس في كتابه ‪ :‬العلم بما‬
‫في دين النصارى من الفساد والوهام بين له‬
‫أنه لول رجاء استنقاذه من الضلل إلى الهدى‬
‫لما ناقشه‪ ،‬ولما أعطى الحكمة إلى غير‬
‫أهلها‪ ،‬حيث يقول‪ ... :‬فلعل مقلب القلوب‬
‫يستنقذك من عبادة إله مصلوب‪ ،‬ويبدلك بها‬
‫إخلص العبادة لعلم الغيوب‪ ،‬ولول رجاء ذلك‬
‫لما كان ينبغي لي أن أعطي الحكمة غير أهلها‬
‫)‪.(2‬‬
‫‪ -2‬الدعوة إلى السلم من خلل بيان‬
‫محاسنه‪ :‬اهتم العلماء المسلمون في عصر‬
‫الحروب الصليبية ببيان محاسن السلم‬
‫وسماحته لعل ذلك يكون للهداية واعتناق‬
‫السلم ومن هؤلء ‪ :‬القرطبي الذي عقد‬
‫فصل ً في كتابه – العلم بما في دين النصارى‬
‫من الفساد والوهام – مبينا ً فيه محاسن‬
‫السلم ومبرزا ً الهدف من ذلك بقوله‪ :‬الغرض‬
‫من هذا الفن أن نبين فيه عقيدة السلم‪،‬‬
‫وجمل ً من أصوله وأحكامه‪ ،‬ومواضع من فروع‬
‫دينه أنكرتها النصارى عليه‪ ،‬وإنما فعلنا ذلك‬

‫‪()1‬العلم بما في دين النصارى من الفساد والوهام ص ‪.101‬‬


‫‪()2‬المصدر نفسه ص ‪.106‬‬

‫‪-22-‬‬
‫لغرضين )‪ ،(1‬ثم وضح أن أحد الغرضين هو‪.. :‬‬
‫إنه ل يبعد أن يقف على هذا الكتاب نصراني‬
‫أو يهودي لم يسمع قط من ديننا تفصيل ً ول‬
‫تصريحًا‪ ،‬بل إنما سمع له سبا ً وتقبيحًا‪ ،‬فأردت‬
‫أن أسرده على الجملة‪ ،‬ليتبين حسنه لمن‬
‫كان ذكي العقل‪ ،‬صحيح الفطرة‪ ،‬فلعل ذلك‬
‫يكون سبب هداه‪ ،‬وجلء عماه )‪(2‬وبعد ذلك‬
‫عرض القرطبي شيئا ً من محاسن السلم من‬
‫خلل ثلثة جوانب هي‪:‬‬

‫مراعاته لمصالح العباد في الخرة‪ :‬حيث‬ ‫‪-‬‬


‫جاءت تشر يعاته بإيضاح كل ما يتعلق بها مما يحتاج‬
‫إليه العباد وغاية الوضوح‪ ،‬وتعبدنا الله سبحانه وتعالى‬
‫بعبادة محصنة‪ ،‬كالصلة والحج وغير ذلك تعظيما ً له‬
‫سبحانه وتعالى‪ ،‬وخضوعا ً له بالظاهر والباطن )‪.(3‬‬
‫مراعاته لمصالح العباد الدنيوية‪ :‬فجاءت‬ ‫‪-‬‬
‫تشريعاته في هذا الجانب حماية للدين‪ ،‬والنفس‬
‫والمال‪ ،‬والنسب‪ ،‬والعرض والعقل‪ ،‬ولجل ذلك شرع‬
‫العقوبات‪ ،‬وحرم كل ما يؤثر على هذه الضرورات‬
‫كالغيبة‪ ،‬والقذف‪ ،‬وقول الزور‪ ،‬والغش والسرقة‪،‬‬
‫وأكل أموال الناس بالباطل‪ ،‬وحرم الخمر لنها تذهب‬
‫العقل الذي هو مناط التكليف وغير ذلك من أنـواع‬
‫الفساد )‪.(4‬‬
‫اتمامه لمكارم الخلق‪ :‬يقول القرطبي‪.. :‬‬ ‫‪-‬‬
‫وأما مكارم الخلق التي تضمنها شرعنا فل تخفي‬
‫على متأمل‪ ،‬وذلك أن شرعنا أمرنا بها ظاهرا ً وباطنًا‪،‬‬
‫ونهانا عن رذائلها وسفاسفها )‪(5‬ثم وضح القرطبي‬
‫‪()1‬دعوة المسلمين النصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/180‬‬
‫‪()2‬العلم بما في دين النصارى من الفساد والوهام ص ‪.438‬‬
‫‪()3‬المصدر نفسه ص ‪.439‬‬
‫‪()4‬العلم بما في دين النصارى من الفساد والوهام ص ‪.441‬‬
‫‪()5‬المصدر نفسه ص ‪.444‬‬

‫‪-23-‬‬
‫أمثلة على مكارم الخلق في السلم‪ ،‬هذه المكارم‬
‫التي تسعى للتحلي بها كل نفس طاهرة‪ ،‬للخير‪،‬‬
‫مبغضة للشر‪ ،‬فمن المكارم الظاهرة عدد القرطبي‬
‫النظافة والطهارة والتطيب وتحسين الهيئة وقص‬
‫الشارب‪ ،‬وإعفاء اللحية‪ ،‬وغير ذلك وبين أن من‬
‫النظافة الباطنية التخلي عن مذموم الخلق‬
‫كالغضب‪ ،‬والحسد‪ ،‬والبخل‪ ،‬ومهانة النفس‪ ،‬والكبر‪،‬‬
‫والرياء والتحلي بالخلق المحمودة كالتوبة من‬
‫المعاصي وحسن الصحبة والنصيحة والعدل‪،‬‬
‫والتواضع‪ ،‬والخلص‪ ،‬والصبرن والصدق‪ ،‬والتوكل‪،‬‬
‫ومحبة الله ورسله إلى غير ذلك )‪ .(1‬وأخيرا ً أكد‬
‫القرطبي على أن المتدبر لهذه المحاسن سيعلم من‬
‫غير شك أنها حق من الله‪ ،‬وأن الذي جاء بها ل يجوز‬
‫عليه الغلط والكذب‪ ،‬وعلى ذلك فل يسعه إل قبولها‬
‫واليمان بالذي دعا إليها وهو السلم )‪.(2‬‬

‫ج‪ -‬الدعوة إلى السلم من خلل رد الشبه عن‬


‫تشريعاته‪ :‬قد يكون سبب عدم قبول الحق شبهة في‬
‫ذهن المدعو‪ ،‬وبإزالة هذه الشبهة تزول العقبة ويتحقق‬
‫القبول‪ ،‬وهكذا الحال مع النصارى فإنما كانت كثير من‬
‫الشبة التي يثيرها بعض مضليهم مانعة من العلماء في‬
‫فترة الحروب الصليبية للذود عن السلم بدحض الشبه‬
‫التي يروج لها أئمة الضلل من النصارى ومن المثلة على‬
‫ذلك رسالة أحد القساوسة إلى أبي عبيدة الخزرجي التي‬
‫تتضمن الكثير من الشبه والمفتريات حول تشريعات‬
‫السلم ورد أبي عبيدة الخزرجي التي تتضمن الكثير من‬
‫الشبه والمفتريات حول تشريعات السلم‪ ،‬ورد أبي عبيدة‬
‫على هذا القسيس داحضا ً شبه ومفترياته )‪ ،(3‬ومثله‬

‫‪()1‬المصدر نفسه ص ‪.445‬‬


‫‪()2‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪. (1/182‬‬
‫‪()3‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/182‬‬

‫‪-24-‬‬
‫القرافي الذي عرض كثيرا ً من شبه النصارى في هذه‬
‫الفترة وأبطلها )‪.(1‬‬

‫‪ -3‬الدعوة إلى اليمان بالقرآن‪ :‬أدرك العلماء في‬


‫عصر الحروب الصليبية الخطر الذي تتعرض له المة من‬
‫جراء تكاليف أعدائها عليها‪ ،‬خصوصا ً النصارى وما يقومون‬
‫به من حرب عسكرية وفكرية ضد السلم في هذه‬
‫الفترة‪ ،‬وبالتحديد ما يثيرونه حول القرآن رغبة منهم في‬
‫زعزعة ثقة المة بكتابها‪ ،‬لذلك اشتد عنايتهم بكتاب الله‬
‫ل‪ ،‬ودعوة لهؤلء النصارى ثانيًا‪ ،‬وذلك بتنفيذ‬
‫دفاعا ً عنه أو ً‬
‫مفترياتهم حوله‪ ،‬وتصحيح شبههم التي قد تمنع الكثيرين‬
‫منهم من التصديق به ول شك أن التصديق بالقرآن‬
‫واليمان به يعني الدخول في السلم واعتناقه‪ ،‬إذ أن‬
‫القرآن والسنة بينا كل ما يتعلق بهذا الدين من عقائد‬
‫وتشريعات يجب على المسلم اللتزام بها والقرآن قد أمر‬
‫بالخذ بالسنة‪ ،‬كما قال تعالى‪" :‬وما ءاتاكم الرسول‬
‫فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد‬
‫العقاب")الحشر‪ ،‬آية‪ (7 :‬ومن ثم فإن تسليم النصارى‬
‫بصحة القرآن وإقتناعهم بذلك‪ ،‬وقبولهم لوامره ونواهيه‪،‬‬
‫يعني نبذهم لما هم عليه من عقائد باطلة ودخولهم في‬
‫السلم وكانت عناية المة في هذه الفترة بدعوة النصارى‬
‫إلى اليمان بالقرآن من خلل ما يلي‪:‬‬

‫أ‪ -‬عناية القرآن بخدمة كتاب الله بشكل عام‪ :‬من‬


‫خلل المؤلفات في تفسيره‪ ،‬أو قراءته‪ ،‬أو إيضاح غريبه‪،‬‬
‫أو بيان محكمة ومتشابهه‪ ،‬أو ما يتعلق بناسخه ومنسوخه‪،‬‬
‫أو أحكامه أو إبراز فضائله‪ ،‬أو بلغته‪ ،‬أو إعرابه إلى غير‬
‫ذلك ول شك أن هذه المؤلفات حول كتاب الله سبحانه‬
‫وتعالى تساعد على فهمه وإيضاحه‪ ،‬ول يخفى أثر ذلك في‬

‫‪()1‬المصدر )‪.(1/183‬‬

‫‪-25-‬‬
‫زيادة ترسيخ إيمان المسلمين بكتاب ربهم‪ ،‬ومن ثم‬
‫صمودهم أمام شبهات أعدائهم من النصارى وغيرهم‪ ،‬كما‬
‫أن هذه الدراسات حول كتاب الله قد تزيل غشاوة الجهل‬
‫عن كثير من النصارى فيفهمون كتاب الله سبحانه‪ ،‬وقد‬
‫يكون ذلك سببا ً في إسلمهم )‪.(1‬‬

‫ب‪ -‬عناية العلماء ببيان إعجازه القرآن الكريم‬


‫بشكل عام وإبراز ذلك للنصارى بشكل خاص‪:‬‬
‫حيث اعتنى العلماء في هذه الفترة ببيان إعجاز القرآن‬
‫بشكل عام‪ ،‬فظهرت مؤلفات قصرت الحديث على هـذا‬
‫الجانب‪ ،‬ككتاب البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن )‪،(2‬‬
‫وكتاب التنبيه على إعجاز القرآن )‪ ،(3‬ول يخفى أن إظهار‬
‫إعجاز القرآن له أثر كبير في إقناع غير المسلمين‪ ،‬لذلك‬
‫أبرز بعض العلماء هذا الجانب للنصارى من خلل عدة‬
‫أمور منها‪:‬‬

‫‪ -‬إثبات إعجازه من خلل حفظه من التحريف‬


‫والتبديل‪:‬‬
‫وهذا من أعظم العجاز‪ ،‬وما كان ذلك ليتحقق لو ُوكل‬
‫حفظه إلى البشر‪ ،‬حيث أشار القرافي إلى حفظ الله‬
‫سبحانه وتعالى لكتابه‪ ،‬وذلك بتهيئة أسباب ذلك‪ ،‬من‬
‫العناية بجمعه وأل يداخله غيره؛ حذرا ً مما وقع لهل‬
‫الكتاب‪ ،‬ثم نقله من السلف إلى الخلف نقل ً متواثرًا‪،‬‬
‫فصدق الله إذ يقول "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا لله‬
‫لحافظون")الحجر‪ ،‬الية‪.(4) (9 :‬‬

‫‪()1‬المصدر نفسه )‪(1/189‬‬


‫‪()2‬لكمال الدين عبدالواحد بن عبدالكريم الزملكاني المتوفي سنة ‪651‬ه‪.‬‬
‫ي سنة ‪562‬ه‪.‬‬
‫لمحمد بن أبي القاسم البقالي الخوارزمي المتوف ّ‬
‫‪()3‬‬

‫‪()4‬الجوبة الفاخرة‪ ،‬أحمد بن إدريس القارفي ص ‪.95‬‬

‫‪-26-‬‬
‫قال القرطبي حول هذه الية "وإّنا له لحافظون" – من أن‬
‫يزاد فيه أو ينقص منه )‪ ،(1‬وبين – رحمه الله تعالى – في‬
‫كتابه العلم حفظ الله سبحانه وتعالى لكتابه مقابل‬
‫التحريف والتبديل الذي جرى على التوارة والنجيل )‪ ،(2‬ثم‬
‫أورد أمثله على ذلك )‪.(3‬‬

‫‪ -‬إثبات إعجازه ببيان فصاحته‪ :‬وفي ذلك قال‬


‫الخزرجي مخاطبا ً النصارى ومبينا ً إعجاز القرآن بفصاحته‪،‬‬
‫وأن العرب الوائل – وهم الفصحاء – أقروا له بذلك‪:‬‬
‫يلتفت إلى مقال العجم الجهلء )‪ ،(4‬ثم وضع أن العرب‬
‫وقت نزول القرآن وهم أشد أعداء الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وقد كان منهم ما كان من سب الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم وأصحابه وإيذائهم‪ ،‬بل وحربهم ما تكلموا‬
‫في فصاحته‪ ،‬وقد جرى لهم التحدي أن يأتوا بمثله كما قال‬
‫تعالى ‪" :‬قل لئن اجتمعت النس والجن على أن يأتوا بمثل‬
‫هذا القرآن ل يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا"‬
‫)السراء‪ ،‬آية‪ ،(88 :‬فما استطاعوا ذلك‪ ،‬ثم كان التحدي‬
‫بعشر سور كما قال سبحانه "قل فأتوا بعشر سور مثله‬
‫مفتريات" )هود‪ ،‬آية‪ (13 :‬حتى صار التحدي إلى سورة‬
‫واحدة " قل فأتوا بسورة مثله")يونس‪ ،‬آية ‪ (38 :‬ومع‬
‫ذلك عجزوا ولن يستطيعوا لو حاولوا كما أخبر سبحانه ‪:‬‬
‫"ولن تفعلوا" وفي مناقشة القرطبي للنصارى في كتابه‬
‫العلم بين أن فصاحة القرآن أمر ل يقبل الشك ‪ :‬حتى أن‬
‫العاقل الفصيح إذا سمعه قال‪ :‬ليس هذا من كلم البشر‬
‫خذِ العفو‬‫)‪ ،(5‬ثم وضح نماذج من إعجازه‪ ،‬كقوله تعالى‪ُ " :‬‬
‫مر بالعُرف وأعرض عـن الجاهلين ")العراف؛ ‪.(199‬‬ ‫وأ ُ‬
‫وكيف أن هذه الية لما نزلت قال أبو جهل ‪ :‬إن رب محمد‬
‫‪()1‬الجامع لحكام القرآن )‪.(5/5‬‬
‫‪()2‬العلم بما في دين النصارى من الفساد والوهام ص ‪.189‬‬
‫‪()3‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/190‬‬
‫‪()4‬المصدر نفسه )‪.(1/190‬‬
‫‪()5‬العلم بما في دين النصارى من الفساد والوهام ص ‪.327‬‬

‫‪-27-‬‬
‫لفصيح )‪ ،(1‬ثم لفت القرطبي النظر إلى جوانب من‬
‫الفصاحة من هذه الية‪ ،‬حيث تضمنت أحكاما ً وتفسير‬
‫الحلل والحرام‪ ،‬والعراض عن أهل الجهل والجترام‬
‫والمر بالتزام أخلق الكرام‪ ،‬مع ما هي عليه من اللفظ‬
‫الموجز الجزل الرصين )‪ ،(2‬ومثال آخر أورده القرطبي هو‬
‫قوله تعالى‪" :‬إن الله يأمر بالعدل والحسان وإيتائ ِذى‬
‫القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم‬
‫تذكرون " )النحل‪ ،‬آية‪.(90 :‬‬
‫وكيف أن الوليد بن المغيرة‪ ،‬لما سمع هذه الية وهو من‬
‫أفصح قريش وكان من أشد أعداء الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم قال‪ :‬إن له لحلوة وإن عليه لطلوة‪ ،‬وإن أسفله‬
‫لمغدق وأن أعله لمثمر مورق وما يقول هذا بشر )‪ ،(3‬وقد‬
‫جرت مناظرة بين أحد قساوسة بلنسية بالندلس وأبي‬
‫علي بن رشيق التغلبي‪ ،‬حول فصاحة القرآن‪ ،‬حيث بدأ‬
‫القسيس يتكلم حول إعجاز القرآن‪ ،‬وأن العرب – وهم‬
‫الفصحاء والبلغاء – عجزوا عن التيان بشيء مثله‪ ،‬وأن‬
‫هذا التحدي باق إلى آخر الدهر فوافقه ابن رشيق على‬
‫ذلك‪ ،‬بعد ذلك أفصح القسيس عما يريد الوصول إليه‪،‬‬
‫فذكر كتاب المقامات للحريري مدعيا أن الدباء والشعراء‪،‬‬
‫عجزوا عن معارضته‪ ،‬وأن الحريري قد أنشد بيتين اثنين‬
‫في إحدى المقامات وتحدى أن يعززهما أحد بثالث‪ ،‬وإن‬
‫السنين انصرفت وما أتى أحد بثالث لهما رغم د َْرس‬
‫الناس لتلك المقامات وتداولها بينهم‪ ،‬وانتهى إلى القول‬
‫على ضوء ما سبق‪ :‬أن ما أتى به الحريري كلم فصيح‬
‫يصح أن يكون معجزة وليس هو بنبي‪ ،‬فإذا حصل ذلك فإن‬
‫نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم ل تثبت بمسألة‬
‫التحدى المنصوص عليه بالقرآن‪ ،‬فلما أخذ ابن رشيق يرد‬
‫عليه بالدلة والبراهين العلمية‪ ،‬أخذ القسيس يرد عليه‬
‫بقوله‪ :‬قد سمعت هذا وناظرني فيه فلن في تلك الثناء‬
‫‪()1‬دعوة المسلمين للّنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/191‬‬
‫‪()2‬العلم بما في دين النصارى من الفساد والوهام ص ‪.330 - 329‬‬
‫‪()3‬المستدرك للحاكم )‪ (2/506‬صحيح السناد على شرط البخاري‪.‬‬

‫‪-28-‬‬
‫انقدح في ذهن ابن رشيق بيت ثالث على شاكلة بيتي‬
‫الحريري‪ ،‬فساقه للقسيس‪ ،‬الذي راح يفهمه لمن معه‪،‬‬
‫وعند ذلك انقطعت حجة القسيس‪ ،‬وكـانت النتيجة كما‬
‫يقول ابن رشيق‪ :‬إنه انفصل عنهم وهم كالمسلمين في‬
‫انقطاع شبهتهم )‪.(1‬‬

‫‪ -‬إثبات إعجازه يلفت النظر إلى طريقة نظمه‬


‫وأسلوبه الغريب‪:‬‬
‫وفي معرض مناقشة القرطبي للنصارى لفت أنظارهم‬
‫إلى نظم القرآن وأسلوبه الغريب ‪ ... :‬والذي خالف به‬
‫أسلوب كلم العرب‪ ،‬حتى كأنه ليس بينه وبينه نسب ول‬
‫سبب‪ ،‬فل هو كمنظوم كلمهما فيكون شعرا ً موزونا ً ول‬
‫كمنثوره فيكون نثرا ً عريا ً عن الفواصل محروما‪ ،‬بل تشبه‬
‫رؤوس آيته وفواصله قوافي النظم‪ ،‬ول تدانيها‪ ،‬وتخالف‬
‫آية متفرقات النثر‪ ،‬وتناويها‪ ،‬فصار لذلك أسلوبا ً خارجا ً عن‬
‫كلمهم‪ ،‬ومنهاجا ً خارجا ً لعادة خطابهم )‪ (2‬ثم ضرب‬
‫للقرطبي مثال ً على ذلك موجها ً إلى النصارى وهو قوله‬
‫تعالى‪" :‬وأذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا ً‬
‫سلم‬‫شرقيا")مريم‪ ،‬آية‪ (33 – 16 :‬إلى قوله تعالى "وال ّ‬
‫حي ًّا")مريم‪ ،‬آية ‪:‬‬ ‫ُ‬
‫ي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث َ‬ ‫عل ّ‬
‫‪ ،(33 – 16‬طالبا ً منهم التأمل في معاني هذه اليات‪،‬‬
‫ولفتا ً أنظارهم إلى نظمها البديع المنيف الذي عجزت‬
‫العرب عن معارضته)‪.(3‬‬

‫‪ -‬إعجاز القرآن بإخباره عن بعض المغيبات فتقع‬


‫كما أخبر‪:‬‬
‫ومن ذلك بيان الخزرجي لحد القساوسة النصارى أن من‬
‫إعجاز القرآن إخباره عن بعض المغيبات فتحصل كما‬
‫‪()1‬المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى إفريقية والندلس )‪.(11/157‬‬
‫‪()2‬العلم بما في دين النصارى من الفساد والوهام ص ‪.333‬‬
‫‪()3‬العلم بما في دين النصارى من الفساد والوهام ص ‪.334- 333‬‬

‫‪-29-‬‬
‫أخبر‪ ،‬حيث أورد العديد من المثلة منها قوله تعالى ‪ " :‬الم‬
‫غلبت الروم * في أدنى الرض وهم من بعد غلبهم‬
‫سيغلبون * في بضع سنين لله المر من قبل ومن بعد‬
‫ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله ينصر من يشاء وهو‬
‫ن أكثر‬
‫ف الله وعده ولك ّ‬‫خل ُ‬
‫العزيز الرحيم* وعد الله ل ي ُ‬
‫الناس ل يعلمون *" )الروم‪ ،‬آية‪ (6 – 1 :‬فما كان بضع‬
‫سنين حتى تحقق ذلك وغلبت الروم الفرس )‪.(1‬‬

‫ومثال آخر هو قوله تعالى‪" :‬لقد صدق الله رسوله الّرءيا‬


‫بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله ءامنين‬
‫سكم ومقصرين ل تخافون فعلم مالم تعلموا‬ ‫محلقين ُرُءو َ‬
‫فجعل من دون ذلك فتحا ً قريبًا")الفتح‪ ،‬آية‪ (27 :‬فصدق‬
‫وعده فدخلوا مكة وتحقق الفتح القريب وهو فتح خيبر‬
‫)‪(2‬ومن المثلة التي أوردها الخزرجي قوله تعالى‪" :‬وإذ‬
‫يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتوّدون أن غير ذات‬
‫الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته‬
‫ويقطع دابر الكافرين )‪ "(3‬فيظفر المسلمون بالنصر على‬
‫قريش في بدر‪ ،‬وما كذب خبر القرآن‪ ،‬وبعد عدة أمثلة‬
‫ذكرها الخزرجي على ذلك خاطب النصارى متعجبا ً من‬
‫عدم تصديقهم بالقرآن‪ ،‬وبمن جاء به رغم إعجازه‪ ،‬وذلك‬
‫بقوله‪ :‬ومن أعجب الشياء أنكم تؤمنون بنبوة مريم وحنة‬
‫وهما امرأتان‪ ،‬بل كتاب ومعجزة‪ ،‬ول ذكرنا في صحف‬
‫النبياء‪ ،‬وتكفرون بسيد المرسلين محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم وله كتاب يعجز النس والجن )‪(4‬وأكد القرطبي في‬
‫رده النصارى في كتابه العلم بما في دين النصارى من‬
‫الفساد والوهام أن الخبار عن المغيبات في القرآن فتقع‬

‫‪()1‬مقامع الصلبان ومراتع رياض أهل اليمان ص ‪.207‬‬


‫‪()2‬مقامع الصلبان ومراتع رياض أهل اليمان ص ‪.208‬‬
‫‪()3‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/195‬‬
‫‪()4‬مقامع الصلبان ومراتع رياض أهل اليمان ص ‪.213‬‬

‫‪-30-‬‬
‫كما أخبر به من وجوه إعجازه )‪ ،(1‬ثم عرض أمثلة كثيرة‬
‫على ذلك )‪.(2‬‬
‫وفي هذا السياق قال ابن النبارى ‪ :‬فإنه لما كان ل يجوز‬
‫أن يقع ذلك على وجه النفاق دل على أنه من عند علم‬
‫الغيوب )‪ ،(3‬ثم أورده أمثلة عديدة على ذلك)‪.(4‬‬

‫‪ -‬إعجاز القرآن بإخباره عن بعض المم السابقة‪:‬‬


‫تحدث القرطبي عن وجه من وجوه إعجاز القرآن الكريم‪،‬‬
‫وهو ما تضمنه من الخبار عن المم السالفة التي يشهد‬
‫العلماء بصحتها مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينل‬
‫ذلك بتعليم بشري )‪ ،(5‬حيث أورد في رده على النصارى‬
‫أمثلة على ذلك‪ .‬خصوصا ً ما كان يثيره أهل الكتاب في‬
‫عهده صلى الله عليه وسلم من أسئلة ينزل القرآن مجيبا ً‬
‫عليها‪ ،‬فما ينكرون منها شيئًا‪ ،‬مع شدة عداوتهم لرسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم وحرصهم على تكذيبه ومن‬
‫ذلك‪ :‬سؤالهم عن الروح وعن ذي القرنين‪ ،‬وعن أصحاب‬
‫الكهف‪ ،‬وعن عيسى عليه السلم‪ ،‬وعن حكم الرجم‪ ،‬وعن‬
‫ما حرم إسرائيل على نفسه‪ ،‬وغير ذلك من أمورهم‪ ،‬التي‬
‫نزل القرآن مجيبا ً عنها فلم ينكروا منها شيئا ً )‪.(6‬‬

‫ج‪ -‬الدعوة إلى اليمان بالقرآن من خلل رد‬


‫الشبه التي أثيرت حوله‪:‬‬
‫وما أكثر الشبه والمفتريات التي أثارها ويثيرها أعداء‬
‫السلم على القرآن‪ ،‬عبر التاريخ السلمي وأعداء السلم‬
‫من النصارى في فترة الحروب الصليبية رددوا شبه من‬
‫كان قبلهم‪ ،‬وافتروا غيرها طعنا ً في الدين‪ ،‬وإضعافا ً‬
‫‪()1‬العلم بما في دين النصارى من الفساد والوهام ص ‪.195‬‬
‫‪()2‬الداعي إلى السلم ص ‪.424‬‬
‫‪()3‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/196‬‬
‫‪()4‬العلم بما في دين النصارى من الفساد والوهام ص ‪.343‬‬
‫‪()5‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/196‬‬
‫‪()6‬المصدر نفسه‪.‬‬

‫‪-31-‬‬
‫للمسلمين‪ ،‬ويأبى الله إل أن يتم نوره وقد تصدى علماء‬
‫المة في فترة الحروب الصليبية للرد على مطاعن‬
‫النصارى ومفترياتهم حول كتاب الله‪ ،‬كالقرافي‪،‬‬
‫والخزرجي‪ ،‬وابن النباري‪ ،‬وابن رشيق التغلبي‪ ،‬وغيرهم‬
‫)‪ .(1‬ول يخفى أثر إزالة الشبه في قبول الحق لدى من‬
‫يمنعه من الهدى سوء فهم‪ ،‬أو تضليل معاند‪ ،‬يقول‬
‫القرطبي في مقدمة نبذة كتبها عن محاسن السلم‪ .. :‬إنه‬
‫ل يبعد أن يقف على هذا الكتاب نصراني أو يهودي لم‬
‫ل‪ ،‬ول تصريحًا‪ ،‬بل إنما سمع له‬ ‫يسمع قط من ديننا تفصي ً‬
‫سبا ً وتقبيحا ً فأردت أن أسرده على الجملة‪ ،‬لتبيين حسنه‬
‫لمن كان ذكي العقل صحيح الفطرة‪ ،‬فلعل ذلك أن يكون‬
‫سب هداه وجلء عماه )‪.(2‬‬
‫س‪ -‬الدعوة إلى اليمان بنبوة محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم‪:‬‬
‫نبوة محمد صلى الله عليه وسلم كانت ول تزال أساس‬
‫الحوارات والمناظرات التي تجري بين المسلمين وغيرهم‪،‬‬
‫ففي الوقت الذي يسعى الدعاة المسلمون إلى القناع‬
‫بصدقه صلى الله عليه وسلم وصحة رسالته يسعى‬
‫المعاندون إلى تكذيب ذلك بل وإثارة الشبه حول شخصه‬
‫صلى الله عليه وسلم وحول رسالته‪ ،‬لذلك ما ترك علماء‬
‫المة صغيرة ول كبيرة في حياته صلى الله عليه وسلم إل‬
‫كتبوا عنها‪ ،‬وما غادروا شيئا ً من أقواله وأفعاله إل قيدوه‬
‫وميزوا صحيحه من ضعيفه‪ ،‬فكتبوا في سيرته‪ ،‬ومغازيه‪،‬‬
‫وأخلقه‪ ،‬وشمائله‪ ،‬ومناقبه‪ ،‬وفضائله‪ ،‬وحقوقه ودلئل‬
‫نّبوته‪ ،‬ومعجزاته‪ ،‬وهديه وصنفوا في أقواله وأفعاله‬
‫فظهرت الموسوعات الحديثية كالصحيحين والسنن‬
‫والمسانيد‪ ،‬والمصنفات‪ ،‬وغيرها من كتب الحديث‪ ،‬فصار‬
‫القارئ في أي جانب من هذه الجوانب المتعلقة به صلى‬
‫الله عليه وسلم كأنه عاش معه لدقة ما ن ُِقل عنه وفي‬
‫عصر الحروب الصليبية كان من أهم المور التي دعا‬
‫‪()1‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/196‬‬
‫‪()2‬المصدر نفسه )‪.(1/196‬‬

‫‪-32-‬‬
‫المسلمون النصارى إليها اليمان بنّبوة محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم ول شك أن تصديق النصارى بذلك وإيمانهم به‬
‫يعني بالضرورة نبذهم لما هم عليه من الكفر والضلل‬
‫والدخول السلم وقد كانت الدعوة إلى اليمان بمحمد‬
‫وته صلى الله‬
‫صلى الله عليه وسلم من خلل‪ ،‬إثبات نب ّ‬
‫عليه وسلم‪ ،‬ورد الشبه التي يثيرها النصارى حول شخصه‬
‫وته )‪.(1‬‬
‫أو نب ّ‬

‫وقد اتجه العلماء في هذه الفترة إلى إثبات نّبوته عليه‬


‫الصلة والسلم من خلل ما يلي‪:‬‬
‫من خلل تأليف الكتب عنه صلى الله عليه‬ ‫‪-‬‬
‫وسلم بشكل عام‪ ،‬خاصة ما يتعلق بدلئل نّبوته‬
‫ومعجزاته‪ ،‬وشمائله وأخلقه ومناقبه وفضائله‬
‫والمؤلفات في ذلك كثيرة والحمد لله على ذلك‪.‬‬
‫من خلل المؤلفات الموجهة إلى النصارى وفي‬ ‫‪-‬‬
‫وته صلى الله عليه وسلم وكانت‬ ‫ثناياها الحديث عن نب ّ‬
‫طريقة العلماء في ذلك على النحو التالي‪:‬‬
‫إثبات نّبوته صلى الله عليه وسلم من خلل‬ ‫‪-‬‬
‫دعواه النّبوة‪ ،‬حيث وضح الجعفري في كتابه الرد‬
‫على النصارى أن مجئ محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫ودعواه النّبوة أمر مقطوع به‪ ،‬قد ثبت عن طريق‬
‫التواتر فل يسوغ النزاع فيه‪ ،‬وإن من أنكر ذلك كمن‬
‫جحد وجود بغداد ومكة )‪.(2‬‬
‫إثبات نّبوَته من خلل ذكر البشارات به صلى‬ ‫‪-‬‬
‫الله عليه وسلم من التوراة والنجيل حيث أسهب‬
‫العلماء في هذه الفترة بذكر البشارات بمحمد صلى‬
‫الله عليه وسلم من التوراة والنجيل‪ ،‬وذلك إلزاما ً‬
‫للمعاندين من النصارى بما ل يستطيعون إنكاره‬
‫وإيضاحا ً لمن يجهل ذلك منهم‪ ،‬أوحال بينه وبين فهمه‬
‫‪()1‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/199‬‬
‫‪()2‬المصدر نفسه )‪.(1/201‬‬

‫‪-33-‬‬
‫تضليل مبطل من قساوستهم حيث ساق الجعفري‬
‫مثل ً أربعا ً وثمانين بشارة بنبوةّ محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم من التوراة والنجيل‪ ،‬ويسرد القرافي إحدى‬
‫وخمسين بشارة في كتابه الجوبة الفاخرة وقد‬
‫أسهب الخزرجي والقرطبي والمتطبب في معـرض‬
‫ردودهم على النصـارى بذكر البشارات به صلى الله‬
‫عليه وسلم من التوراة والنجيل )‪.(1‬‬

‫وقد انبرى كثير من علماء عصر الحروب الصليبية للرد‬


‫على علماء النصارى الذين جعلوا رسول الله صلى الله‬
‫وته غرضا ً لهم‪ ،‬فاستفرغوا الوسع في تفنيد‬ ‫عليه وسلم ونب ّ‬
‫شبههم ورد باطلهم‪ ،‬انتصارا ً لرسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وطمعا ً في هداية من كانت مثل هذه الشبه حجابا ً‬
‫بينه وبين قبول الحق )‪.(2‬‬

‫ك‪ -‬الدعوة إلى اليمان بنبوة المسيح عليه‬


‫السلم‪. :‬‬
‫اعتنى السلم بالمسيح عيسى ابن مريم عليه السلم‬
‫بصفته أحد أولي العزم من الرسل‪ ،‬فجاء القرآن بتكريمه‬
‫وأمه وحتى عائلته وصحح الخطاء ورد التهامات‬
‫والفتراءات الباطلة التي كان يوجهها اليهود والنصارى‬
‫للمسيح وأمه‪ ،‬فمن تكريم القرآن للمسيح عليه السلم أن‬
‫جاءت إحدى السور باسم عائلته وهي سورة آل عمران‪،‬‬
‫وسورة أخرى هي سورة مريم باسم أمه التي ورد أسمها‬
‫في القرآن في مواضع كثيرة‪ ،‬كلها تتحدث عنها بكل‬
‫التقدير والحترام والتبجيل ومن ذلك قوله تعالى‪" :‬وإذ‬
‫ك‬
‫قالت الملئكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهّر ِ‬
‫واصطفاك على نساء العالمين" )آل عمران‪ ،‬الية‪(42 :‬‬
‫وقوله تعالى‪" :‬ومريم ابنت عمران التي احصنت فرجها‬
‫‪()1‬المصدر نفسه )‪.(1/201‬‬
‫‪()2‬المصدر نفسه )‪.(1/222‬‬

‫‪-34-‬‬
‫صدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت‬ ‫فنفخنا فيه من روحنا و ّ‬
‫من القانتين" )الزخرف‪ ،‬الية‪.(59 :‬‬

‫وتحدث القرآن عن حياة المسيح منذ ولدته وحتى رفعه‬


‫إلى السماء فهو بشر مخلوق عبد للخالق عّز وجل‪ ،‬قال‬
‫تعالى "إن هو إل عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثل ً لبني‬
‫إسرائيل" )الزخرف‪ ،‬آية‪ ،(59 :‬وهو نبي ورسول من عند‬
‫الله عز وجل‪ ،‬قال تعالى‪" :‬ما المسيح ابن مريم إل رسول‬
‫ل" )المائدة‪ ،‬الية‪ (75 :‬والمسيح‬ ‫س ُ‬‫قد خلت من قبله الّر ُ‬
‫باّر بوالدته وليس بجبار ول شقي قال تعالى ‪ ":‬وبّرا‬
‫بوالدتي ولم يجعلني جّبارا ً شقيًا")مريم‪ ،‬الية‪.(32 :‬‬

‫وهو قدوة صالحة في العبادة والخلص لله سبحانه‬


‫عبد الله ءاتني الكتاب وجعلني نبيا *‬
‫وتعالى‪" :‬قال إني ُ‬
‫صلة والزكاة ما‬‫وجعلني ًمباركا ً أين ما كنت وأوصاني بال ّ‬
‫حيّا" )مريم‪ ،‬آية‪.(31 ، 30 :‬‬‫دمت َ‬

‫وقد أرسله الله إلى بني إسرائيل وأيده بالمعجزات التي‬


‫منها إبراء الكمه والبرص وإحياء الموتى‪ ،‬ونزول المائدة‬
‫من السماء‪ ،‬وغير ذلك قال تعالى ‪" :‬ورسول ً إلى بني‬
‫إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من‬
‫الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا ً بإذن الله وأبر ُ‬
‫ئ‬
‫الكمه والبرص وأحي الموتى بإذن الله وأنّبئكم بما تأكلون‬
‫وما تدخرون في ُبيوُِتكم إن في ذلك لية لكم إن كنتم‬
‫مؤمنين" )آل عمران‪ ،‬آية‪.(49 :‬‬

‫ولما بلغ رسالة ربه وأراد به أعداؤه كيدا ً نجاه الله من‬
‫كيدهم فتوفاه ورفعه إليه )‪" (1‬إذ قال الله يا عيسى إني‬
‫ي( آل عمران‪ ،‬آية‪.(55 :‬‬ ‫متوفيك ورافعك إل ّ‬
‫‪()1‬دعوة المسلمين للّنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/224‬‬

‫‪-35-‬‬
‫شّبه لهم"‬‫وه ولكن ُ‬ ‫وقال سبحانه ‪ " :‬وما قتلوه وما صلب ُ ُ‬
‫)النساء‪ ،‬آية‪ .(157 :‬هذا هو مجمل اعتقاد المسلمين‬
‫بالمسيح عليه السلم وقد ضل النصارى في ذلك ضلل‬
‫بعيدا ً بجعلهم المسيح عيسى عليه السلم ابنا ً لله تعالى‬
‫الله عن ذلك‪ ،‬قال سبحانه‪" :‬وقالت النصارى المسيح ابن‬
‫الله" )التوبة‪ ،‬آية‪ ،(30 :‬بل ادعوا أن الله سبحانه هو‬
‫ل وعل‪" :‬لقد ك ََفر الذين قالوا إن‬ ‫المسيح ابن مريم قال ج ّ‬
‫ن مريم" )المائدة‪ ،‬آية‪ (17 :‬وقد كانت‬ ‫الله هو المسيح اب ُ‬
‫نّبوة المسيح عليه السلم منذ ظهور السلم إلى الوقت‬
‫الحاضر من القضايا الرئيسية التي تناولها العلماء‬
‫المسلمين في مناقشاتهم مع النصارى رجاء هدايتهم للحق‬
‫في ذلك‪ ،‬وقد اعتنى العلماء في عصر الحروب الصليبية‬
‫بيان ذلك للنصارى ودعوتهم إلى اليمان بنبوته عليه‬
‫السلم‪ ،‬ونبذ معتقداتهم الباطلة حوله‪ ،‬وذلك من خلل ما‬
‫يلي‪:‬‬

‫وة المسيح عليه السلم من خلل‬ ‫‪ -‬الدعوة إلى اليمان بنب ّ‬


‫بيان معتقد المسلمين فيه على الجمال‪ ،‬فما كتب أحد من‬
‫علماء عصر الحروب الصليبية في مناقشة النصارى إل‬
‫ووضح معتقد المسلمين في المسيح صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬ونعي على النصارى ضللهم في ذلك قال ابن‬
‫الجوزي عند قوله تعالى‪" :‬ما المسيح ابن مريم إل رسول‬
‫قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقه")المائدة‪ ،‬الية‪:‬‬
‫‪ (75‬فيه رد على اليهود في تكذيبهم رسالته وعلى‬
‫النصارى في ادعائهم إلهيته والمعنى‪ :‬أنه ليس بإله وإنما‬
‫حكمه حكمم من سبق من الرسل )‪.(1‬‬

‫‪()1‬زادر المسير في علم التفسير )‪.(2/306‬‬

‫‪-36-‬‬
‫وقال البغوي‪ :‬أي ليس بإله بل هو كالرسل الذين مضوا لم‬
‫يكونوا آلهة )‪.(1‬‬
‫وقال الرازي‪ :‬أي ما هو إل رسول من جنس الرسل الذين‬
‫خلوا من قبل )‪ ،(2‬وعند قوله تعالى ‪" :‬كانا يأكلن الطعام"‬
‫)المائدة الية‪ (75 :‬قال‪ :‬وأعلم أن المقصود من ذلك‬
‫الستدلل على فساد قول النصارى )‪ .(3‬أي نفيهم نّبوته‬
‫وإدعائهم اللوهية له‪ .‬وهكذا كل مفسري هذا العصر لم‬
‫يغفلوا بيان عقيدة المسلمين في المسيح عليه السلم‬
‫وفضح ضلل النصارى فيه وذلك في تفسيرهم لليات التي‬
‫تتحدث عن عيسى عليه السلم أو النصارى بشكل عام )‪.(4‬‬
‫وبعد أن بين القرطبي حيرة اليهود والنصارى في عيسى‬
‫ضح رحمه الله‬ ‫عليه السلم‪ ،‬وتضارب أقوالهم حوله‪ ،‬و ّ‬
‫سبحانه وتعالى ومّنه علينا – نحن المسلمين – وعلى‬
‫النصارى بأن بعث سيد المرسلين لينزه الله المسيح وأمه‬
‫على لسان نبيه مما قالته اليهود فيهما‪ ،‬ويشهد ببراءتهما‬
‫ن مريم إل‬ ‫مما نسب إليهما‪ ،‬قال سبحانه‪" .‬ما المسيح اب ُ‬
‫ه صديقه" )المائدة‪،‬‬ ‫م ُ‬
‫رسول قد خلت من قبله الرسل وأ ّ‬
‫آية‪ (75 :‬ثم ذكّر القرطبي النصارى بموقف النجاشي من‬
‫عقيدة المسلمين بعيسى عليه السلم حينما أخبره بها‬
‫جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه بقوله‪ :‬نقول فيه – أي‬
‫المسيح عليه السلم – الذي جاء به نبينا صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وهو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى‬
‫مريم العذراء البتول فلما سمع النجاشي ذلك ضرب بيده‬
‫الرض‪ ،‬وأخذ عودا ً منها وقال‪ :‬ما عدا عيسى ابن مريم ما‬
‫قلت هذا العود‪ ،‬فتناخرت بطارقة حوله فقال‪ :‬وإن نخرتم‬
‫والله )‪ .(5‬ثم خاطب القرطبي النصارى بعد ذلك قائ ً‬
‫ل‪... :‬‬
‫فهذا – أي رأي النجاشي – قول أهل العلم من قبلكم‪،‬‬

‫‪()1‬معالم التنزيل )‪.(3/82‬‬


‫‪()2‬التفسير الكبير )‪.(52 -6/51‬‬
‫‪()3‬المصدر نفسه )‪.(6/52‬‬
‫‪()4‬دعوة المسلمين للّنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/226‬‬
‫‪()5‬العلم بما في دين النصارى من الفساد والوهام‪ ،‬ص ‪.256‬‬

‫‪-37-‬‬
‫العارفين بشريعتكم‪ ،‬وما عدا ذلك فشجرته غثاء "ومثل‬
‫كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الرض ما لها‬
‫من قرار ")إبراهيم‪ ،‬آية‪.(26 :‬‬
‫وقد دعا الخزرجي القسيس الذي طلب منه اليمان‬
‫بألوهية عيسى إلى اليمان بنّبوته بعد إيضاح عقيدة‬
‫المسلمين فيه عليه السلم حيث قال ‪ :‬ونحن بالمسيح ابن‬
‫مريم رسول الله أولى‪ ،‬قدرناه حق قدره‪ ،‬وقلنا بفضله‬
‫المعلوم وفخره واعتقدناه بمنزلة تقبلها الفهام وتليق‬
‫بالعقول‪" ...‬لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا ً لله ول‬
‫الملئكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر‬
‫فسيحشرهم إليه جميعًا" )النساء‪ ،‬آية‪ ،(175 :‬وتبرأنا من‬
‫طرفي نقيض ‪ :‬مفتون به ضال‪ ،‬وظالم‬ ‫قوم غدوا فيه على ُ‬
‫بغيض )‪ ...(1‬ثم دعاه إلى اليمان بنبوة المسيح عليه السلم‬
‫ل‪ ... :‬ما أزين بك أن تقول‪ :‬إن الله خلق عيسى وأمه‬ ‫قائ ً‬
‫ل‪ ،‬وهي صديقة مباركة وكانا يأكلن‬ ‫آية للناس‪ ،‬عبدا ً ورسو ً‬
‫الطعام )‪.(2‬‬

‫‪ -‬الدعوة إلى اليمان بنبوةّ المسيح عليه السلم‬


‫من خلل ذكر الدلة على ذلك من كتب النصارى‪:‬‬
‫ي‬
‫تصريح المسيح نفسه في النجيل بأنه نب ّ‬ ‫‪-‬‬
‫مُرسل من الله سبحانه وتعالى‪ ،‬حيث أورد ابن‬
‫النباري نقول من النجيل صرح فيها المسيح بعبوديته‬
‫ونبوته‪ ،‬ومن ذلك قول المسيح للحواريين‪.. :‬‬
‫ي في‬ ‫أخرجوني من هذه المدينة‪ ،‬فإنه ما أكرم نب ّ‬
‫مدينته‪ ،‬حيث أورد هذا النص مع شيء من الختلف‬
‫اليسير الخزرجي في إثباته لنّبوة المسيح عليه السلم‬
‫)‪.(3‬‬

‫‪()1‬مقامع الصلبان ومراتع رياض أهل اليمان ص ‪.128‬‬


‫صارى في عصر الحروب الصليبية ) ‪.(1/228‬‬
‫‪ 2‬دعوة المسلمين للن ّ‬
‫)(‬

‫‪()3‬مقامع الصلبان ومراتع رياض أهل اليمان ص ‪.131‬‬

‫‪-38-‬‬
‫وة‪،‬‬‫شهادة بعض أنبياء بني إسرائيل له بالنب ّ‬ ‫‪-‬‬
‫ومنهم أشعيا‪ .‬قال لوقا ‪ :‬جاء يسوع إلى الناصرة‬
‫حيث تربى‪ ،‬ودخل كعادته في مجامعهم يوم السبت‬
‫ليقرأ فدفع إليه سفر أشعيا النبي‪ ،‬فلما فتحه إذا فيه‬
‫ي من أجل هذا مسحني‬ ‫مكتوب )روح الرب عل ّ‬
‫وأرسلني لبشر المساكين‪ ،‬وأشفي منكسري‬
‫القلوب‪ ،‬وأنذر المأسورين بالتخلية‪ ،‬والعميان بالنظر‪،‬‬
‫وأبشر بالسنة المقبولة ثم طوى السفر ودفعه إلى‬
‫الخادم فجعلوا ينظرون إليه‪ ،‬فقال‪ :‬اليوم كمل هذا‬
‫المكتوب في سماعكم )‪ ،(1‬قال الجعفري معلقا ً على‬
‫ذلك‪ :‬فهذه نبوءة من أشعيا على تصديق ودعوى‬
‫النّبوة والرسالة )‪.(2‬‬
‫شهادة بعض تلمذته وحوارييه له بالنّبوة ‪ :‬فهذا‬ ‫‪-‬‬
‫يوحنا النجيلي تلميذ المسيح عليه السلم وحبيبه‬
‫وأحد مدوني النجيل يقول‪ :‬كان الناس إذا رأوا يسوع‬
‫ي حقا ً )‪ .(3‬قال‬
‫وسمعوا كلمه يقولون‪ :‬هذا النب ّ‬
‫الجعفري‪ :‬هذا هو يوحنا النجيلي الذي سمي حبيب‬
‫المسيح يشهد بنّبوته‪ ،‬وهو أحسن أقوال أهل زمانه‬
‫فيه )‪.(4‬‬
‫اعتراف أهل زمانه له بالنبوة‪ ،‬وإقراره لهم‬ ‫‪-‬‬
‫وعدم النكار عليهم ومن ذلك قول متى في إنجيله‪:‬‬
‫لما دنا المسيح وأصحابه من أورشليم‪ ،‬أرسل من‬
‫جاءه بأتان وجحش‪ ،‬فركب وفرش الناس له ثيابهم‪،‬‬
‫وأرتجت المدينة لدخوله‪ ،‬فقال الجميع‪ :‬هذا يسوع‬
‫النبي الذي من ناصرة الخليل )‪ .(5‬وقد وضح الجعفري‬
‫وجه الدللة من هذا النص‪ ،‬وهو الشهادة للمسيح من‬

‫‪()1‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/228‬‬


‫‪()2‬تخجيل من حرف التوراة والنجيل للجعفري )‪.(1/198‬‬
‫‪()3‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/229‬‬
‫‪()4‬تخجيل من حرف التوراة والنجيل )‪.(1/207‬‬
‫‪()5‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/230‬‬

‫‪-39-‬‬
‫أصحابه وأهل زمانه بالّنبوة وعدم إنكاره عليهم‪ ،‬وذلك‬
‫رضا بما يقولون )‪.(1‬‬

‫ثم توجه الجعفري باستفهام إلى النصارى غايته دعوتهم‬


‫إلى اليمان بنبوة المسيح عليه السلم وذلك بقوله‪ :‬كيف‬
‫يسمع – أي المسيح – آلفا ً من الناس يشهدون أنه النب ّ‬
‫ي‬
‫التي من الناصرة ويقرهم على ذلك‪ ،‬ول تقوم به الحجة ؟‬
‫أفيظن متأخرو النصارى يومنا هذا أنهم أعلم بالمسيح ممن‬
‫رآه وشاهده وصحبه )‪(2‬؟‪ .‬وقد ورد في النجيل ‪ :‬أن امرأة‬
‫رأت المسيح فقالت له‪ :‬أنت ذاك النبي الذي كنا ننتظر‬
‫مجيئة؟ فقال لها المسيح ‪ :‬صدقت‪ ،‬طوبى لك أيتها المرأة‬
‫ي المنتظر؟‬ ‫‪ ،‬فهذه المرأة تسأل المسيح هل هو النب ّ‬
‫)‪(3‬‬

‫ويصدقها المسيح إذ أقرت له بالنبوة‪ ،‬حيث أورد هذا النص‬


‫وة المسيح وذلك في مناقشته‬ ‫المتطبب مستدل ً به على نب ّ‬
‫للنصارى في كتابه النصيحة اليمانية )‪.(4‬‬

‫‪ -‬الدعوة إلى اليمان بنبوةّ عيسى عليه السلم من خلل‬


‫نفي اللوهية عنه‪ ،‬وإثبات عبوديته لله سبحانه وتعالى‪،‬‬
‫وتفنيد شبه النصارى وأدلتهم على ألوهيته‪ ،‬حيث أسهب‬
‫علماء هذه الفترة في بحث هذه القضايا ومناقشاتها من‬
‫خلل ما أورده من أدلة نقلية وعقلية على ذلك )‪.(5‬‬

‫ثالثًا‪ :‬مناقشة عقائد النصارى‪ :‬تصدى علماء‬


‫المسلمين في عصر الحروب الصليبية لمناقشة معتقدات‬
‫النصارى إبطال ً لها وتفنيدا ً لحجج النصارى عليها‪ ،‬وبيانا ً‬
‫ل عنه هؤلء في ديانتهم‪ ،‬وقياما ً بواجب‬ ‫للحق الذي ض ّ‬
‫‪()1‬الرد على النصارى‪ ،‬صالح بن الحسين ص ‪. 88‬‬
‫‪()2‬دعوة المسلمين للّنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/230‬‬
‫‪ 3‬المصدر نهفس )‪(1/230‬‬
‫)(‬

‫‪()4‬النصيحة اليمانية ص ‪.109‬‬


‫‪()5‬دعوة المسلمين للّنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/231‬‬

‫‪-40-‬‬
‫الدعوة الذي حصلت به الخيرية لهذه المة ومن أهم هذه‬
‫المعتقدات‪.‬‬
‫‪ -1‬نقض المانة‪ :‬وثيقة المانة‪ ،‬أو ما يعرف بقانون‬
‫اليمان عند النصارى‪ ،‬هو أصل عقيدتهم‪ ،‬وهو الذي ل يتم‬
‫إيمان نصراني إل باعتقاده‪ ،‬ونص هذه المانة ما يلي‪:‬‬
‫نؤمن بالله الواحد الب ضابط الكل‪ ،‬مالك كل شيء‪ ،‬صانع‬
‫ما يرى وما ل يرى‪ ،‬وبالرب الواحد يسوع المسيح ابن الله‬
‫الواحد بكر الخلئق كلها‪ ،‬الذي ولد من أبيه قبل العوالم‬
‫كلها‪ ،‬وليس بمصنوع‪ ،‬إله حق من إله حق من جوهر أبيه‬
‫الذي بيده أتقننت العوالم‪ ،‬وخلق كل شيء الذي من أجلنا‬
‫معشر الناس ومن أجل خلصنا نزل من السماء وتجسد‬
‫من روح القدس وصار إنسانًا‪ ،‬وحبل به وولد من مريم‬
‫البتول‪ ،‬وأوجع وصلب أيام فيلطس )‪(1‬النبطي‪ ،‬ودفن وقام‬
‫في اليوم الثالث – كما هو مكتوب – وصعد إلى السماء‬
‫وجلس عن يمين أبيه وهو مستعد للمجئ تارة أخرى‬
‫للقضاء بين الموات والحياء ونؤمن بروح القدس الواحد‬
‫روح الحق الذي يخرج عن أبيه روح محبته وبمعمودية‬
‫واحدة لغفران الخطايا‪ ،‬وبجماعة واحدة قديسية جاثليفية‬
‫)‪ ،(2‬وبقيامه أبداننا وبالحياة الدائمة إلى أبد البدين )‪.(3‬‬

‫ولقد اهتم علماء المسلمين في فترة الحروب الصليبية‬


‫بهذه المانة لمكانتها في الديانة النصرانية حيث ناقشوها‬
‫مبينين تناقضها وتهافتها‪ ،‬ومن ثم هدم ما يقوم عليها من‬
‫معتقدات في الديانة النصرانية‪ ،‬ومن وجوه التناقض التي‬
‫بينها هؤلء العلماء في هذه المانة ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬إن فيها القـرار بوحـدانية الله سبحانه ثم نقض ذلك‬
‫بالشرك‪ ،‬فقولهم فيها‪ :‬نؤمن بالله الواحد الب ‪ "..‬يناقض‬
‫قولهم أيضًا‪ ... :‬وبالرب الواحد يسوع المسيح )‪.(4‬‬
‫‪()1‬المصدر نفسه )‪.(1/231‬‬
‫‪()2‬الجاثليقية ‪ :‬والجمع ‪ :‬جثقالة ‪ ،‬وهو متقدم الساقفه )يونانية(‪.‬‬
‫‪()3‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/236‬‬
‫‪()4‬المصدر نفسه )‪.(1/237‬‬

‫‪-41-‬‬
‫‪ -‬إقرارهم فيها بأن الله صانع ما يرى ومال يرى‪ ،‬ثم‬
‫قولهم‪ ،‬عن المسيح ‪ .. :‬الذي بيده أتقنت العوالم‪ ،‬وخلق‬
‫كل شيء )‪.(1‬‬
‫‪ -‬قولهم في المانة‪ :‬إن يسوع المسيح ابن الله بكر‬
‫الخلئق الذي ولد أبيه‪ ،‬مشعر بحدوثه‪ ،‬فل معنى لكونه ابن‬
‫الله إل إذا تأخر عنه‪ ،‬إذ كونهما معا ً كما يقر به النصارى‬
‫مستحيل ببداهة العقول)‪.(2‬‬
‫‪ -‬قولهم فيها‪ :‬إن يسوع بكر الخلئق كلها‪ .‬ل يفهم منه إل‬
‫أن المسيح خلقه الله قبل كل الخلئق أي أنه مخلوق‬
‫مصنوع‪ ،‬وهذا مناقض لما في أمانتهم وهو‪ ... :‬وليس‬
‫بمصنوع إله حق من إله حق )‪.(3‬‬

‫وقد ذكر العلماء وجوه من التناقض كثيرة فصلها الدكتور‬


‫سليمان بن عبدالله الرومي في كتابه القيم دعوة‬
‫المسلمين للّنصارى في عصر الحروب الصليبية ‪ .‬وقد‬
‫)‪(4‬‬

‫أبرز العلماء المسلمون كالجعفري والمتطبب والقرافي‬


‫تهافت هذه المانة التي بعدها النصارى أساس ديانتهم‬
‫والتي ل يصلح إيمان أحدهم إل باعتقادها‪ ،‬فأصبحوا‪ ،‬بذلك‪،‬‬
‫كما وصفهم القرافي هزأ ً للناظر ومصنفة للمناظر )‪.(5‬‬

‫‪ -2‬اختلف التاجيل‪ :‬النجيل ‪ :‬من اللفظ اليوناني أو‬


‫نجيلون ومعناه خبر طيب )‪ ،(6‬وتأتي بمعنى الحلوان – وهو‬
‫ما يعطي لمن يأتي بالبشرى‪ ،‬ثم أريد بها البشرى عينها‪،‬‬
‫واستعملها على الكتاب الذي يتضمن هذه البشرى عند‬
‫النصارى منذ أواخر القرن الول إلى الوقت الحاضر ‪،‬‬
‫)‪(7‬‬

‫‪()1‬المصدر نفسه )‪.(1/237‬‬


‫‪()2‬المصدر نفسه )‪.(1/237‬‬
‫‪()3‬المصدر نفسه )‪.(1/237‬‬
‫‪()4‬المصدر نفسه )‪.(239 ، 238 ، 1/237‬‬
‫‪()5‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/240‬‬
‫‪()6‬نخبة من علماء اللهوت النصارى ص ‪.120‬‬
‫‪()7‬المسيحية د‪ .‬أحمد ص ‪.204‬‬

‫‪-42-‬‬
‫حيث يشمل الكتاب العهد القديم والعهد الجديد‪ ،‬فالعهد‬
‫القديم يعني التوراة والكتب الملحقة بها حيث تضم تسعا ً‬
‫وثلثين سفرا ً )‪ ،(1‬والعهد الجديد يعني السفار التاريخية‬
‫والناجيل الربعة ورسالة أعمال الرسل والسفار التعليمية‬
‫حيث يبلغ تعدادها جميعا ً سبعا ً وعشرين سفرا ً والعهد‬
‫القديم أو التوراة على الرغم من إيمان النصارى به إل‬
‫أنهم يفسرون كثيرا ً من نصوصه تفسيرا ً يوافق عقائدهم‬
‫الباطلة كالتثليث وألوهية المسيح وغير ذلك‪ ،‬لعدم‬
‫استطاعتهم التصرف بنصوصه كالنجيل لنه محفوظ عند‬
‫أعدائهم اليهود )‪ ،(2‬والنجيل في الصل هو الكتاب الذي‬
‫أنزل على عيسى عليه السلم‪ ،‬قال تعالى " وقفينا على‬
‫ءاثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا ً لما بين يديه من التوراة‬
‫وءاتيناه النجيل فيه هدى ونور ومصدقا ً لما بين يديه من‬
‫التوراة وهدى وموعظة للمتقين")المائدة‪ ،‬الية‪ .(46 :‬لكن‬
‫هذا النجيل الذي أنزل على عيسى عليه السلم ليس هو‬
‫الذي بين النصارى اليوم‪ .‬إذ بين أيديهم الن أربعة أناجيل‬
‫انتخبت من عدد غير محدود من الناجيل‪ ،‬حيث اعتمدت‬
‫الكنيسة هذه الربعة بما يسمى بالناجيل القانونية من بين‬
‫أناجيل كثيرة تم استبعادها أطلق عليها الناجيل غير‬
‫القانونية )‪ (3‬وقد كان ذلك سنة ‪170‬م وقد بين صاحب‬
‫قصة الحضارة هذه القضية بقوله ‪ :‬أما الناجيل فليس‬
‫أمرها بهذه السهولة‪ ،‬وذلك أن الناجيل الربعة التي‬
‫وصلت إلينا هي البقية من عدد أكبر منها كثيرا ً كانت في‬
‫وقت ما منتشرة بين المسيحيين في القرنين الول والثاني‬
‫)‪ .(4‬وإذا كانت هذه الناجيل الربعة قد تم اختبارها من بين‬
‫أناجيل كثيرة فل يستبعد أن يكون النجيل الصحيح من بين‬
‫ما تم استبعاده وحتى هذه الربعة المعتمدة لم تسلم من‬
‫الختلف فيما بينها بل والتناقض الذي ل يمكن التوفيق فيه‬
‫صليبية )‪.(1/241‬‬
‫‪ 1‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب ال ّ‬
‫)(‬

‫‪()2‬المسيحية د‪ .‬أحمد شلبي ص ‪.204‬‬


‫‪()3‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/241‬‬
‫‪()4‬المصدر نفسه )‪.(1/242‬‬

‫‪-43-‬‬
‫وقد تساءل ابن القيم )‪ ،(1‬كيف يكون في النجيل الذي‬
‫أنزل على عيسى قصة صلبه وما جرى له من اللم ثم‬
‫الموت والقيام من القبر إلى غير ذلك مما هو من كلم‬
‫شيوخ النصارى )‪ ،(2‬وفيما يلي نبذة على ما يسمى عند‬
‫النصارى بالناجيل الربعة القانونية التي أقروها لتوافق‬
‫التحريفات التي أدخلوها على ديانتهم في مجامعهـم‬
‫المختلفة ‪ :‬مثل إنجيل متى‪ ،‬وإنجيل مرقس‪ ،‬وإنجيل لوقا‪،‬‬
‫وإنجيل يوحنا )‪.(3‬‬

‫هذه هي أناجيل النصارى التي عليها عماد ديانتهم‪ ،‬وهي‬


‫في اعتقاد المسلمين ل يمكن أن تكون النجيل الذي أنزله‬
‫الله عّز وجل على عبده عيسى عليه السلم وأحسن‬
‫ل وعل‬ ‫أحوالها أن تكون متضمنه لبعض ما أنزله الله ج ّ‬
‫على عيسى‪ ،‬وكثير مما فيها حرف بلفظه أو بمعناه قال‪:‬‬
‫"ُيحرفون الكلم عن مواضعه")المائدة ‪ ،‬الية ‪ .(13 :‬قال‬
‫القرطبي‪ :‬أي يتأولونه على غير تأويله ويلقون ذلك إلى‬
‫العوام )‪ .(4‬ولمكانة الناجيل عند النصارى‪ ،‬لكونها عماد‬
‫ديانتهم‪ ،‬وأساس ضللهم بما حرفوا فيها‪ ،‬فقد اهتم بعض‬
‫من العلماء المسلمين في عصر الحروب الصليبية‬
‫بدارستها مبينين تناقضها وعدم الطمأنينة إلى ما فيها‪،‬‬
‫وإظهار ذلك للنصارى هدما لساس عقائدهم الباطلة‪،‬‬
‫ورغبة في هداية من شاء الله هدايته منهم‪ ،‬فهذا الجعفري‬
‫من وقف على التناقض في النجيل‪ ،‬ومصادمة‬ ‫يوضح أن َ‬
‫بعضه بعضا ً يشهد بأنه ليس هو النجيل الحق المنزل من‬
‫عند الله‪ ،‬وأن أكثره من أقوال الرواة وأقاصيصهم‪ ،‬وأن‬
‫نقلته أفسدوه ومزجوه بحكاياتهم وألحقوا به أمورا ً غير‬
‫مسموعة من المسيح ول من أصحابه‪.‬‬

‫صليبية )‪.(1/242‬‬
‫‪ 1‬دعوة المسلمين للّنصارى في عصر الحروب ال ّ‬
‫)(‬

‫‪()2‬هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى ص ‪. 48‬‬


‫صليبية )‪.(1/242‬‬‫‪ 3‬دعوة المسلمين للّنصارى في عصر الحروب ال ّ‬
‫)(‬

‫‪()4‬الجامع لحكام القرآن )‪.(6/77‬‬

‫‪-44-‬‬
‫وهو ليس إنجيل ً واحدا ً بل أربعة أناجيل كتب كل واحد منها‬
‫في قطر من القطار‪ ،‬بقلم غير قلم الخر‪ ،‬وتضمن كل‬
‫كتاب أقاصيص وحكايات أغفلها الكتاب وإذا كان المر‬
‫كذلك فقد انخرمت الثقة بهذا النجيل‪ ،‬وعدمت الطمأنية‬
‫بنقلته )‪ ،(1‬ثم أورد الجعفري نماذج عديدة تبين تحريف‬
‫النجيل وتناقضه ومن ذلك‪:‬‬

‫قال متى‪ :‬من يوسف خطيب مريم – وهو الذي‬ ‫‪-‬‬


‫يسمى يوسف النجار ‪ ...‬إلى إبراهيم الخليل اثنتان‬
‫وأربعون ولدة )‪(2‬وقال لوقا‪ :‬ل ولكن بينهما أربع‬
‫وخمسون ولدة )‪ .(3‬ثم عقب الجعفري على ذلك‬
‫بقوله ‪ :‬وهذا تكاذب قبيح )‪..(4‬‬
‫نصان آخران أحدهما عند لوقا يصف المسيح‬ ‫‪-‬‬
‫عليه السلم بأنه سيملك على بني إسرائيل ‪ ،‬ونص‬
‫)‪(5‬‬

‫آخر عند يوحنا يصف المسيح عليه السلم بأنه‬


‫الضعيف الذليل )‪ .(6‬حيث عقب عليهما الجعفري‬
‫بقوله‪ :‬وهذا تكاذب قبيح‪ ،‬لن أحدهما يقول‪ :‬إن يسوع‬
‫يملك على بني إسرائيل‪ ،‬والخر يصفه بصفة ضعيف‬
‫ذليل )‪.(7‬‬

‫وهكذا استطرد الجعفري بذكر نماذج من تحريف النجيل‬


‫وتناقضه في اثنين وخمسين موضعًا‪ ،‬عقب بعد عرضها‬
‫بقوله‪ :‬فهذا كتاب قد تلعبت به بنيات الطرق وتزاحمت به‬
‫تراجمة الفرق‪ ،‬وولد من لسان إلى لسان‪ ،‬وعبث به‬

‫صليبية )‪(1/246‬‬
‫‪ 1‬دعوة المسلمين للّنصارى في عصر الحروب ال ّ‬
‫)(‬

‫‪()2‬الكتاب المقدس‪ ،‬إنجيل متى‪ ،‬الصحاح )‪.(1/16‬‬


‫‪()3‬الكتاب المقدس‪ ،‬إنجيل متى‪ ،‬الصحاح )‪.(1/16‬‬
‫‪()4‬المصدر نفسه إنجيل لوقا‪ ،‬الصحاح )‪.(34 – 3/23‬‬
‫‪()5‬تخجيل من حرف التوراة والنجيل )‪.(1/285‬‬
‫‪()6‬الكتاب المقدس‪ ،‬إنجيل يوحنا )‪.(11 – 19/1‬‬
‫‪()7‬دعوة المسلمين للّنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/246‬‬

‫‪-45-‬‬
‫التحريف والتصحيف في كل زمان )‪ ،(1‬وخاطب الخزرجي‬
‫أحد قساوسة النصارى بقوله‪ ... :‬أنا جيلكم إل حكايات‪،‬‬
‫وتواريخ‪ ،‬وكلم كهنة‪ ،‬وتلميذ وغيرهم‪ ،‬حتى إني أحلف‬
‫بالذي ل إله إل هو أن تاريخ الطبري عندنا أصح نقل ً من‬
‫النجيل‪ ،‬ويعتمد عليه العاقل أكثر‪ ،‬مع أن التاريخ عندنا ل‬
‫يجوز أن ينبني عليه شيء من أمر الدين )‪ .(2‬ثم أورد‬
‫الخزرجي في نقاشه مع القسيس أمثلة على تنقض‬
‫النجيل مبتدئا ً لها بقوله‪ :‬وفي النجيل الذي بأيديكم كثير‬
‫من المتناقضات )‪ ،(3‬ثم ذكر كثيرا ً من الدلة على ذلك ثم‬
‫ل‪ :‬أخبرني أيها المغرور عن هذا‬ ‫وجه خطابه للقسيس قائ ً‬
‫الخلف‪ ،‬أتعده تتميما ً أو نقصا ً لشريعة من سبقه )‪(4‬؟‬
‫وأخيرا ً بعد أن انتهى الخزرجي من سرد المثلة الكثيرة‬
‫على تناقض النجيل وبين أن فيها الكفاية على تهافت‬
‫الناجيل‪ ،‬والدليل على ما اشتملت عليه من الزلل‬
‫ل‪ :‬فليت شعري أين هذا‬ ‫والباطيل‪ ،‬بعد ذلك تساءل قائ ً‬
‫النجيل المنزل عند الله؟ وأين كلماته من بين هذه‬
‫الكلمات)‪ .(5‬وقد بين القرافي أنه لكثرة التحريف والتبديل‬
‫من النجيل وكثرة كتبته واختلف طوائف النصارى فيه فل‬
‫يمكن والحال هذه تمييز الكلم الذي أنزله الله عن غيره‬
‫حيث قال‪ :‬وأما النصارى فل يتعين لهم شيء مما أنزل‬
‫الله تعالى أبدا ً )‪(6‬وفي موضع آخر وصف القرافي كتب‬
‫النصارى بقوله‪ ...:‬ومن طالع كتبهم وأناجيلهم وجد فيها‬
‫من العجائب ما يقضي له بأن القوم تفرقت شرائعهم‬
‫وأحكامهم‪ ،‬ونقولهم‪ .. ،‬وأن القوم ل يلتزمون مذهبًا‪،‬‬
‫والعجب أن أناجيلهم حكايات‪ ،‬وتواريخ ومجريات وكلم‬
‫كفرة وكهنة )‪ .(7‬ثم أورد بعد ذلك خمسة عشرة مثال ً من‬
‫‪()1‬المصدر نفسه )‪.(1/248‬‬
‫‪()2‬المصدر نفسه )‪.(1/248‬‬
‫‪()3‬المصدر نفسه )‪.(1/248‬‬
‫‪()4‬مقامع الصلبان ومراتع رياض أهل اليمان ص ‪.155‬‬
‫‪()5‬مقامع الصلبان ومراتع رياض أهلها اليمان ص ‪.157‬‬
‫‪()6‬الجوبة الفاخرة ص ‪.27‬‬
‫‪()7‬المصدر نفسه ص ‪27‬‬

‫‪-46-‬‬
‫تناقضات الناجيل تدل على تغييرها وتبديلها وعدم الوثوق‬
‫بشيء منها )‪ ،(1‬وهكذا من ومصادمة بعضها بعضا وإبراز‬
‫العلماء المسلمين لختلف الناجيل وتناقضها ومصادمة‬
‫بعضها بعضا وإيراد المثلة على ذلك‪ ،‬إيضاح بما ل يدع‬
‫مجال ً للشك لضعف ما بنى عليه النصارى عقائدهم الذي‬
‫يعدونه أساس ديانتهم )‪.(2‬‬

‫‪ -3‬مناقشة قولهم في المسيح عليه السلم‪:‬‬


‫المسيح عيسى ابن مريم عليه السلم بشر مخلوق ليس‬
‫بإله ول ابن إله‪ ،‬قال تعالى‪" :‬إن هو إل عبد أنعمنا عليه‬
‫وجعلناه مثل ً لبني إسرائيل" )الزخرف‪ ،‬آية‪ (59 :‬وقال‬
‫سبحانه وتعالى"ما المسيح ابن مريم إل رسول قد خلت‬
‫من قبله الرسل")المائدة‪ ،‬آية ‪ .(75‬وما أدعى عليه السلم‬
‫الربوبية ول اللوهية‪ ،‬ولم يأمر أحدا ً باتخاذه إلهًا‪ ،‬بل إنه‬
‫عبدالله ورسوله كما قال الله سبحانه فيما حكاه عنه‪" :‬ما‬
‫قلت لهم إل ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي‬
‫وربكم")المائدة‪ ،‬آية‪.(117 :‬‬

‫وقد عاش المسيح عيسى ابن مريم عليه السلم يدعو إلى‬
‫التوحيد وإخلص العبادة لله وحده‪ ،‬وكان قدوة صالحة في‬
‫ذلك قال تعالى‪" :‬قال إني عبدالله ءاتاني الكتاب وجعلني‬
‫نبيًا* وجعلني مباركًا‪ ،‬أين ما كنت وأوصاني بال ّ‬
‫صلة والزكاة‬
‫ما دمت حيًا")مريم‪ ،‬اليتان‪ (31 – 30 :‬ولما بلغ رسالة ربه‬
‫وأراد به أعداؤه كيدا ً نجاه الله منهم‪ ،‬وذلك برفعه إليه قال‬
‫الله تعالى‪" :‬إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك‬
‫ك" )آل عمران‪ ،‬آية‪.(55 :‬‬ ‫مطُهر َ‬ ‫و ُ‬

‫‪()1‬دعوة المسلمين للّنصارى في عصر الحروب الصليبية)‪.(1/250‬‬


‫‪()2‬المصدر نفسه )‪.(1/250‬‬

‫‪-47-‬‬
‫وقال سبحانه وتعالى ‪" :‬وما قلتوه وما صلبوه ولكن ُ‬
‫شّبه‬
‫لهم" )النساء‪،‬الية ‪ (157 :‬وقد ضل النصارى في المسيح‬
‫عيسى ابن مريم عليه السلم ضلل بعيدا ً إذ اعتقدوا فيه‬
‫اللوهية‪ ،‬وجعلوه إبنا لله نزل ليصلب ويقتل فداًء للبشرية‪،‬‬
‫وتكفيرا ً لخطيئة أبيهم آدم )‪(1‬ولقد ناقش العلماء‬
‫المسلمون في عصر الحروب الصليبية عقيدة النصارى‬
‫بالمسيح نقاشا ً مستفيضًا‪ ،‬فضحا ً لباطل النصارى في ذلك‪،‬‬
‫وبيانا ً للحق الذي ُلبس على عامتهم فأسهبوا في ردودهم‬
‫على النصارى في إبطال اتخاذهم المسيح أحد ثلثة آلهة‪،‬‬
‫ورد ادعائهم فيه التحاد والتجسد‪ ،‬ونفي اللوهية عنه‪،‬‬
‫وهدم زعمهم نبوته لله – تعالى الله عن ذلك‪ ،‬وتفنيد ما‬
‫أدعوه من قتله وصلبه وفيما يلي عرض لبعض جهودهم‬
‫في ذلك‪:‬‬

‫أ‪ -‬إبطال التثليث‪ :‬إتخذ النصارى المسيح عليه السلم‬


‫إلها ً بجعله واحدا ً من ثلثة وقد بدأ بذرة التثليث في‬
‫النصرانية بولس‪ ،‬بعد المسيح عليه السلم‪ ،‬حيث استقرت‬
‫فرقها المختلفة على هذه العقيدة بعد ذلك في مجمع نيقية‬
‫عام ‪325‬م بتأليه الب وتأليه البن‪ ،‬ثم تأليه روح القدس‬
‫في مجمع القسطنطينية عام ‪381‬م‪ ،‬وعرفت هذه العقيدة‬
‫بالتثليث‪ .‬وكان النصارى قبل مجمع نيقية مختلفين بين‬
‫موحدين ومشركين على ديانة بولس حتى جمعهم‬
‫قسطنطين )‪ ،(2‬على الشرك بالله في هذا المجتمع ‪،‬‬
‫)‪(3‬‬

‫وإيمان النصارى بالتثليث سماعا ً وتقليدا ً بما ورثوه عن‬


‫آبائهم مع هدم الخوض في كنه هذه العقيدة أو التعمق‬
‫فيها قال أحدهم‪ .. :‬وهذه – أي التثليث – حقيقة تفوق‬
‫الدراك البشري عن إدراكها )‪ ،(4‬وقال أحد القساوسة ‪ :‬إن‬
‫الثالثوث سر يصعب فهمه وإدراكه كمن يحاول وضع مياه‬
‫‪()1‬دعوة المسلمين للّنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/251‬‬
‫‪()2‬المصدر نفسه )‪.(1/252‬‬
‫‪()3‬مجموعة الشرع الكْنسي‪ ،‬حنانيا‪ ،‬إلياس كساب ص ‪.40‬‬
‫‪()4‬حقائق أساسية في اليمان المسيحي ص ‪.53‬‬

‫‪-48-‬‬
‫المحيط كلها في كفه )‪(1‬ولهذا التعقيد في فهم عقيدة‬
‫التثليث لدى النصارى اختلفوا في تحديدها وفي المراد‬
‫منها )‪.(2‬‬
‫وقد عرض بعض العلماء المسلمين في عصر الحروب‬
‫الصليبية عقيدة التثليث لدى النصارى كما يعتقدونها‪ ،‬حيث‬
‫قال نصر بن يحي المتطبب ‪ :‬إن الله سبحانه وتعالى‬
‫جوهر واحد وثلثة أقانيم الب‪ ،‬وأقنـوم البـن‪ ،‬وأقنـوم‬
‫روح القـدس‪ ،‬وأنها – أي الذات اللهية – واحدة في‬
‫الجوهر مختلفة القانيم )‪(3‬وقال القرافي في عرض عقيدة‬
‫التثليث عند النصارى‪ ... :‬النصارى مجمعون على القول‬
‫بالثالوث‪ ،‬وهو أن ربهم أب‪ ،‬وابن‪ ،‬وروح فالب الذات‪،‬‬
‫والبن النطق الذي هو الكلم النفساني والروح الحياة‪،‬‬
‫فالب جوهر‪ ،‬واختلفوا في الكلم والحياة هل هما صفتان‬
‫للب أو ذاتان قائمتان بأنفسهما‪ ،‬أو خاصيتان لذلك الجوهر‬
‫)‪(4‬؟ وبعد عرض هؤلء العلماء لعقيدة التثليث لدى النصارى‬
‫تصدوا لمناقشتها وتفنيد أدلتهم عليها على النحو التالي‪:‬‬

‫‪ -‬بيان فساد هذه العقيدة وكفر من يعتقدها‬


‫ابتداءً ‪ :‬ففي تفسير قوله تعالى ‪" :‬لقد كفر الذين قالوا‬
‫ه واحد وإن لم ينتهوا‬
‫إن الله ثالث ثلثة وما من إله إل إل ٌ‬
‫ن الذين كفروا منهم عذاب أليم* أفل‬ ‫سس ّ‬ ‫م ّ‬
‫عما يقولون لي َ َ‬
‫يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم" )المائدة‪،‬‬
‫الية ‪ .(74 – 73 :‬قال ابن عطيه بعد أن بين أن هذا القول‬
‫لبعض فرق النصارى‪ .. :‬وهم على اختلف أحوالهم كفار‬
‫من حيث جعلوا في اللهية عددا ً ومن حيث جعلوا لعيسى‬
‫عليه السلم حكما ً إلهيا ً ‪ ..‬ثم توعد تبارك وتعالى هؤلء‬
‫القائلين هذه المقولة الكفرية العظيمة بمس العذاب‬
‫بالدنيا من القتل والسبي‪ ،‬وبعذاب الخرة بعد ل يفلت منه‬
‫صليبية )‪.(1/253‬‬
‫‪ 1‬دعوة المسلمين للّنصارى في عصر الحروب ال ّ‬
‫)(‬

‫‪()2‬المصدر نفسه )‪.(1/253‬‬


‫‪()3‬النصيحة اليمانية ص ‪ 57 – 56‬محمد الشرقاوي‪.‬‬
‫‪()4‬الجوبة الفاخرة ص‪.111‬‬

‫‪-49-‬‬
‫أحد )‪(1‬وبعد أن وضع الرازي تثليث النصارى عقب لقوله‪.. :‬‬
‫ول يرى في الدنيا مقالة أشد فسادا ً وأظهر بطلنا ً من‬
‫مقالة النصارى )‪.(2‬‬

‫وقال الجعفري ‪ .. :‬عند النصارى ثلثة ألهة قديمة أزلية‬


‫‪..‬وذلك باطل وكفر )‪ .(3‬وقال القرطبي ‪ .. :‬وفيه – أي‬
‫التثليث – خروج عن التوراة والنجيل والمزامير والنبوات‬
‫وسائر الكتب )‪.(4‬‬

‫‪ -‬إيراد الدلة من كتب النصارى على وحدانية الله‬


‫‪ :‬حيث ساق كثير من العلماء في معرض مناقشتهم‬
‫للنصارى وإبطالهم لعقيدة التثليث لديهم الدلة من التوراة‬
‫والنجيل التي تثبت وحدانية الله سبحانه وتعالى وتنقص‬
‫التثليث الذي يعتقدونه‪ ،‬فمنها أورده الجعفري من ذلك‬
‫قول الله في التوراة‪ :‬يا موسى أنا الله أنا إله غيور‪ ،‬أنا‬
‫الله وحدي‪ ،‬وليس معي غيري )‪.(5‬‬

‫وقوله لموسى عليه السلم‪ :‬ل يكن لك إله غيري )‪ .(6‬ومن‬


‫الدلة التي أوردها القرافي من التوراة على التوحيد‬
‫وإبطال التثليث قول الله سبحانه وتعالى لبني إسرائيل‪ :‬أنا‬
‫الله ربكم الذي أخرجتكم من أرض مصر من بيت العبودية‬
‫ل يكون لكم إله غيري )‪ .(7‬ومن النجيل قول يوحنا‪ :‬إن‬
‫المسيح رفع بصره إلى السماء وتضرع إلى الله وقال‪ :‬إن‬
‫الحياة الدائمة تجب للناس أن يعلموا أنك أنت الله الواحد‬

‫‪()1‬المحرر الوجيز )‪.(162-5/161‬‬


‫‪()2‬تفسير الرازي )‪.(6/51‬‬
‫‪()3‬تخجيل من حرف التوراة والنجيل )‪.(2/582‬‬
‫‪()4‬الجامع لحكام القرآن )‪.(3/161‬‬
‫‪()5‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/256‬‬
‫‪()6‬المصدر نفسه )‪.(1/256‬‬
‫‪()7‬المصدر نفسه )‪.(1/256‬‬

‫‪-50-‬‬
‫الحق‪ ،‬وأنك أرسلت يسوع المسيح )‪ ،(1‬ثم علق القرافي‬
‫)‪(2‬‬
‫على ذلك بقوله‪ :‬وهذا هو التوحيد المحض‬

‫‪ -‬إبطال عقيدة التثليث من خلل بيان اختلف‬


‫النصارى في تفسير هذه العقيدة اختلفا ً شديدًا‪ ،‬حتى أن‬
‫بعض فرقهم تكفر البعض الخر وفي مناقشة القرافي‬
‫لذلك وضح أن اختلفهم في أصل ديانتهم دليل على أنهم‬
‫ليسوا على دين‪ ،‬ول في شيء من أمرهم على يقين‬
‫)‪(3‬وقال القرطبي في ثنايا عرضه لعقيدة التثليث لدى‬
‫النصارى‪ ،‬وسياقه لختلفاتهم فيها‪ .. :‬وهم مع ذلك فيما‬
‫ذكرناه من القاليم مختلفون‪ ،‬وبالحيرة عمون )‪ .(4‬وقال‪:‬‬
‫وإذا وقفت على هذه القاويل الضعيفة والراء السخيفة لم‬
‫تشك في تخبطهم في عقائدهم وحيرتهم في مقاصدهم‬
‫)‪.(5‬‬

‫‪ -‬إبطال عقيدة التثليث من خلل تفنيد أدلة‬


‫النصارى عليها‪:‬‬
‫حيث عرض بعض العلماء المسلمين أمثلة من أدلة‬
‫النصارى على عقيدة التثليث‪ ،‬بيانا ً لهشاشتها‪ ،‬وإيضاحا ً‬
‫لضعفها ومن ثم ‪ :‬إبطال ً لهذه العقيدة المعتمدة عليها )‪.(6‬‬

‫‪ -‬بيان فساد عقيدة التثليث بالدلة العقلية‪ :‬وقد‬


‫توسع العلماء المسلمون في عصر الحروب الصليبية في‬
‫‪()1‬المصدر نفسه )‪.1/257‬‬
‫‪()2‬أدلة الوحدانية في الرد على النصرانية ص ‪.59‬‬
‫‪()3‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/258‬‬
‫‪()4‬العلم بما في دين النصارى من الفساد والوهام ص ‪.80‬‬
‫‪()5‬المصدر نفسه ص ‪.81‬‬
‫‪()6‬دعوة المسلمين للّنصارى )‪.(1/259‬‬

‫‪-51-‬‬
‫إبطالة عقيدة التثليث من خلل طلبهم من النصارى عرض‬
‫هذه العقيدة على العقل السليم المجرد من الهوى‬
‫وتحكيمه فيها‪ ،‬وسيظهر لهم فساد ماهم عليه ومن ذلك‬
‫أنه قد كتب أحد علماء النصارى في الندلس كتابا ً سماه –‬
‫تثليث الوحدانية – وبعث به إلى المسلمين في قرطبة‪،‬‬
‫فرد عليه القرطبي منتقدا ً عنوان الكتاب‪ ،‬وموضحًا‪ ،‬أن‬
‫قوله‪ :‬تثليث الوحدانية – مركب من مضاف ومضاف إليه‪،‬‬
‫فالتثليث تعدد وكثرة والوحدانية مأخوذة من الوحدة‪،‬‬
‫ومعناها راجع إلى نفي التعدد والكثرة‪ ،‬فمعنى هذا القول –‬
‫تكثير مال يتكثر – وتكثير مال يتكثر باطل بالضرورة )‪،(1‬‬
‫وألزم الجعفري النصارى بلوازم ل مفر لهم منها في‬
‫قولهم بالتثليث‪ ،‬فإن كانوا يقولون ‪ :‬إن الثلثة بمجموعها‬
‫إله واحد‪ ،‬وإن كل واحد على انفراده ليس بإله فإنهم‬
‫حينئذ يخالفون أمانتهم التي هي أصل إيمانهم والتي‬
‫يقولون فيها‪ :‬إن الب إله واحد‪ ،‬وإن البن إله واحد‪ ،‬وإن‬
‫روح القدس إله واحد )‪ .(2‬وإن قالوا ‪ :‬إن الله أحدهم‬
‫والباقي صفات له أبطلوا ثالوثهم‪ ،‬وفسدت أمانتهم‬
‫ووافقوا المسلمين في أن الله تعالى واحد وله صفات من‬
‫العلم والقدرة والرادة والحياة والسمع والبصر والكلم‪،‬‬
‫وإن شيئا ً من الصفات ليس بإله وإنما الله ذات موصوفة‬
‫بالصفات )‪ ،(3‬وإن أثبتوا اللهية لكل واحد من الثلثة فإنهم‬
‫حينئذ كالثنوية من المجوس الذين يقولون بأصلين قديمين‬
‫مدبرين للعالم‪ ،‬حيث وضع ابن النباري استحالة ذلك وأن‬
‫ل وعلى ‪ ":‬ولعل‬ ‫الله سبحانه وتعالى بين هذا المر بقوله ج ّ‬
‫بعضهم على بعض" )المؤمنون‪ ،‬آية‪ (91 :‬وقوله سبحانه‬
‫وتعالى ""لو كان فيهما‪ ،‬ءالهة إل الله لفسدتا")النبياء‪ ،‬آية‪:‬‬
‫‪.(4) (23‬‬

‫‪()1‬العلم بما في دين النصارى من الفساد والوهام ص ‪.47‬‬


‫‪()2‬الرد على النصارى‪ ،‬ص ‪.79 - 78‬‬
‫‪()3‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/263‬‬
‫‪()4‬الداعي إلى السلم للنباري ص ‪.362‬‬

‫‪-52-‬‬
‫ب‪ -‬إبطال التحاد والتجسد ‪ :‬بقصد بالتحاد‬
‫والتجسد ‪ :‬أن القنوم الثاني البن قد صار جسدا ً لجل بني‬
‫النسان وتخليصهم من خطيئة أبيهم فاتخذ طبيعة البشر‬
‫وحل بين الناس بصورة إنسان هو المسيح‪ ،‬فقبل الله‬
‫اتخاذ الحالة البشرية والتقي النسان مباشرة بهذه الصورة‬
‫)‪ ،(1‬حيث صار في السيد المسيح طبيعتان‪ :‬طبيعة ل هوتية‪،‬‬
‫التي هي طبيعة كلمة الله وروحه‪ ،‬وطبيعة ناسوتية التي‬
‫اتخذت من مريم العذراء واتخذت )‪(2‬به قال الجعفري‪... :‬‬
‫وزعم النصارى أن ربهم عبارة عن لهوت وناسوت واتحدا‬
‫فصارا مسيحا ً وكثيرا ً ما يقولون‪ :‬اتحد اللهوت بالناسوت‪،‬‬
‫ويعبرون عن ذلك بالتأنس والتجسد )‪(3‬وكلم النصارى في‬
‫دعوى اتحاد اللهوت بالناسوت متناقض ومضطرب ولهذا‬
‫يقال‪ :‬لو اجتمع عشرة من النصارى لتفرقوا على أحد‬
‫عشر قول‪ .‬بل إن المر بلغ في ذلك أن كل فرقة منهم‬
‫تكفر الخرى )‪(4‬ومن خلل ردود العلماء المسلمين على‬
‫النصارى في فترة الحروب الصليبية‪ ،‬ناقشوا هذه العقيدة‬
‫إما بشكل مستقل‪ ،‬أو ضمن مناقشتهم لقضايا أخرى‬
‫كألوهية المسيح عليه السلم‪ ،‬أو نبوته لله‪ ،‬أو في ردهم‬
‫لعقيدة التثليث وكان من إبطالهم لدعوى التحاد والتجسد‬
‫ما يلي‪:‬‬

‫إن التحاد الذي يدعونه لم يشاهدوه بالعيان‪،‬‬ ‫‪-‬‬


‫ولم يدعيه أوائلهم‪ ،‬حيث وضح الجعفري أنهم إن‬
‫ادعوا شيئا ً من ذلك فقد تحامقوا وأكذبهم عقلؤهم‬
‫)‪.(5‬‬
‫إن أقوال المسيح عليه السلم بأنه إنسان‬ ‫‪-‬‬
‫تكذبهم في هذه الدعوى ومن ذلك قوله لليهود‪ :‬لم‬
‫‪()1‬دعوة المسلمين للّنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/264‬‬
‫‪()2‬الحروب الصحيح لمن يدل دين المسيح لبن تيمية )‪.(4/76‬‬
‫‪()3‬الرد على النصارى ص ‪.65‬‬
‫‪()4‬الجواب الصحيح لمن يدل دين المسيح )‪.(4/76‬‬
‫‪()5‬الرد على النصارى ص ‪.65‬‬

‫‪-53-‬‬
‫تريدون قتلي؟ وأنا إنسان من بني آدم كلمتكم بالحق‬
‫الذي سمعته من الله )‪(1‬وقوله‪ :‬للثعالب أحجار‪ ،‬ولطير‬
‫السماء أوكار وابن النسان ليس له موضع يسند‬
‫رأسه )‪ .(2‬فبين الجعفري أن المسيح عليه السلم‬
‫بهذه النصوص وغيرها أثبت أنه إنسان‪ ،‬وذلك تكذيب‬
‫لمن يقول إنه إنسان وإله )‪.(3‬‬
‫وأشار الجعفري إلى تصريح النجيل‪ ،‬بأن‬ ‫‪-‬‬
‫المسيح عليه السلم جاع وشبع وتألم واعترضته‬
‫عوارض البشر‪ ،‬فذلك كله يبطل التحاد الذي يزعمه‬
‫النصارى لن هذه الوصاف تنافي اللوهية)‪ .(4‬وأما من‬
‫أبرز حجج النصارى على التحاد قول المسـيح عليه‬
‫السـلم‪ :‬أنا بأبي وأبي بي)‪ ،(5‬حيث يقولون‪ :‬إن هذا‬
‫تصريح من المسيح بأنه متحد بالله والله متحد به‬
‫)‪(6‬فبعد أن أورد الجعفري هذه الحجة لهم رد عليهم‬
‫بقول يوحنا‪ :‬تضرع المسيح إلى الله في تلميذه‬
‫فقال‪ :‬أيها القدوس أحفظهم باسمك ليكونوا هم أيضا ً‬
‫شيئا ً واحدا ً كما أنا شيء واحد‪ ،‬قد منحتهم من المجد‬
‫الذي أعطيتني ليكونوا شيئا ً واحدًا‪ ،‬فأنا بهم وأنت بي‬
‫)‪ ،(7‬ثم وضح معنى ذلك بأنك يا إلهي معي وأنت لي‪،‬‬
‫وأنا أيضا ً مع أصحابي وأنا لهم‪ ،‬وكما أنك أرسلتني‬
‫لدعو عبادك إلى توحيدك فكذلك أنا أرسلتهم ليدعو‬
‫إليك‪ ،‬فكن لهم كما كنت لي )‪ .(8‬ثم أكد الجعفري أن‬
‫هذا هو التأويل الصحيح لقول المسيح‪ ،‬وإن عدل عنه‬
‫فيلزم منه حلول الله سبحانه في رجل من خلقه وأن‬
‫يكون التلميذ أيضا ً متداخلي مع المسيح ويكون‬

‫‪()1‬دعوة المسلمين للّنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/265‬‬


‫‪()2‬المصدر نفسه )‪.(1/2654‬‬
‫‪()3‬المصدر نفسه )‪.(1/265‬‬
‫‪()4‬المصدر نفسه )‪.(1/266‬‬
‫‪()5‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/268‬‬
‫‪()6‬تخجيل من حرف التوراة والنجيل )‪.(1/412‬‬
‫‪()7‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/269‬‬
‫‪()8‬تخجيل من خرف التوراة والنجيل )‪.(1/413‬‬

‫‪-54-‬‬
‫المسيح متداخل ً معهم‪ ،‬ومعنى ذلك‪ ،‬أن الله أيضا ً حال‬
‫في التلميذ حالون في الله‪ ،‬وهذا‪ .‬مال يقولون به‬
‫النصارى)‪.(1‬‬

‫ج‪ -‬نفي اللوهية عن المسيح‪ :‬قال تعال‪" :‬لقد كفر‬


‫الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم" )المائدة‪ ،‬آية‪:‬‬
‫‪ (17‬وتأليه المسيح قد بدأت بوادره في حياته عليه‬
‫السلم‪ ،‬واستمر هذا النحراف بتأثير الفلسفات القديمة‬
‫والديانات الوثنية السائدة في المناطق التي انتشرت فيها‬
‫النصرانية حيث تسربت إليها مع بولس اليهودي من دور‬
‫كبير في هذا النحراف بديانة النصارى وإفسادها عقيدة‬
‫وشريعة )‪ ،(2‬وبذلك انقسم النصارى بعد المسيح عليه‬
‫السلم إلى قسمين‪ :‬طائفة جنحت للشرك بالله بتأليه‬
‫المسيح ونبوته وقد استمر هذا الوضع والنزاع في طبيعة‬
‫المسيح عليه السلم حتى مطلع القرن الرابع الميلدي‬
‫حين حمل لواء التوحيد – أريوس المصري )‪ ،(3‬الذي أنكر‬
‫معتقدات بولس وقرر أن المسيح ليس إلها ول ابن إله‬
‫)‪(4‬واشتد الصراع لذلك بين أتباع وثنية بولس وتوحيد‬
‫أربوس‪ ،‬حتى دخل قسطنطين حاكم الرومان بالنصرانية‬
‫فأمر بعقد مجمع ديني ضخم لجميع الكنائس‪ ،‬وذلك‬
‫للفصل في أمر الخلف بين أريوس ومعارضيه‪ ،‬حيث عقد‬
‫مجمع نيقيه سنة ‪325‬م الذي حضره ألف وثمانمائة‬
‫وأربعون من الساقفة الذين اشتد الخلف بينهم في طبيعة‬
‫المسيح حتى انسحب أكثرهم ولم يبق إل ثلثمائة وثمانية‬
‫عشرة أسقفا ً وكان قسطنطين لخلفيته الوثنية يميل إلى‬
‫رأي تأليه المسيح عليه السلم‪ ،‬فأيد هذا الرأي وانتهى هذا‬

‫‪()1‬دور بولس في إفساد النصرانية ص ‪.216‬‬


‫‪()2‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/269‬‬
‫‪()3‬المصدر نفسه )‪.(1/270‬‬
‫‪()4‬المصدر نفسه‪.‬‬

‫‪-55-‬‬
‫المجمع إلى قرارات أهمها القول بألوهية المسيح وتكفير‬
‫أريوس وأتباعه )‪.(1‬‬

‫وقد تصدى العلماء المسلمون في فترة الحروب الصليبية‬


‫إلى مناقشة دعوى ألوهية المسيح عليه السلم وتفنيد أدلة‬
‫النصارى وشبههم التي يعتمدون عليها في ذلك وكان‬
‫إبطال هذه العقيدة على النحو التالي‪:‬‬
‫‪ -‬بيان كفر من يؤمن بهذه العقيدة ابتداًء‪ ،‬إذ وضح‬
‫القرطبي كفر النصارى‪ ،‬إذ غلوا بالمسيح عليه السلم حتى‬
‫جعلوه إلها ً )‪ .(2‬وذكر ابن الجوزي أن الذين كفروا من‬
‫النصارى هم المقيمون على اعتقاد اللوهية بالمسيح‬
‫)‪(3‬عليه السلم‪ .‬وقال عطية عن النصارى ‪ ... :‬إنما الحق‬
‫أنهم على اختلف أحوالهم كفار من حيث جعلوا في اللهية‬
‫عددًا‪ ،‬ومن حيث جعلوا لعيسى عليه السلم حكما ً إلهيا ً )‪.(4‬‬
‫وقال الجعفري ‪ :‬وأما النصارى فإنهم مجمعون على ألوهية‬
‫المسيح واعتقاد ربوبيته وأنه الله الذي خلق العالم وجبل‬
‫بيده طينة آدم )‪ ،(5‬ثم ناقش فساد هذه العقيدة مبينا ً‬
‫كفرهم وبطلن معتقدهم‪ ،‬ومنزها ً الله عن كفرهم‬
‫وضللهم تعالى الله عما يقولون علوا ً كبيرا ً )‪.(6‬‬

‫‪ -‬عدم ذكر عقيدة اللوهية في المسيح من النبياء‬


‫السابقين‪ :‬حيث وضح القرافي ذلك وعليه فالنصارى إما‬
‫أنهم يكفرون بهؤلء النبياء المذكورين في كتبهم لنسبتهم‬
‫الجهل بخالقهم وإما أنهم يكذبون بكتبهم‪ ،‬إذ ليس فيها‬

‫‪()1‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/270‬‬


‫‪()2‬الجامع لحكام القرآن )‪(3/176‬‬
‫‪()3‬زاد المسير )‪(2/306‬‬
‫‪()4‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪(1/271‬‬
‫‪()5‬تخجيل من حرف التوراة والنجيل )‪(1/165‬‬
‫‪()6‬دعوة المسلمين للنصارى )‪(1/271‬‬

‫‪-56-‬‬
‫حرف واحد يدل على أن أحدا ً من هؤلء النبياء قال‪ :‬إن‬
‫المسيح إله )‪.(1‬‬

‫‪ -‬نفي المسيح عليه السلم اللوهية عن نفسه‪ ،‬وتصريحه‬


‫بذلك في التوراة والنجيل‪ ،‬حيث استشهد عدد من العلماء‬
‫بنقول منهما توضح ذلك‪ ،‬منها ما أورده القرافي من أن‬
‫الشيطان قال ليسوعَ ‪ .. :‬اسجد لي وأعطيك ملك الرض‪،‬‬
‫قال له يسوع‪ :‬اذهب عني يا شيطان ‪ :‬إن الله أمر في‬
‫التوراة أل يسجد لغيره‪ ،‬ول يعبد إله سواه )‪ ،(2‬فدل ذلك‬
‫على أنه كان متعبدا ً بأحكام التوراة ول متعبد إل مكلف‬
‫مربوب )‪.(3‬‬

‫‪ -‬إبطال ألوهية المسيح عليه السلم بأدلة عقلية‬


‫منها‪:‬‬
‫‪ -‬حاجة المسيح عليه السلم إلى الكل والشرب واتصافه‬
‫بالصفات البشرية الخرى التي تستحيل على الله‪:‬‬

‫قال البوصيري‪:‬‬
‫أسمعتم أن الله لحاجة‬
‫يتناول المشروب والمأكول‬

‫وينام من تعب ويدعو ربه‬

‫ويرود من الحر الهجير مقيل‬

‫‪()1‬المصدر نفسه )‪(1/271‬‬


‫‪()2‬دعوة المسلمين للّنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/272‬‬
‫‪()3‬أدلة الوحدانية في الرد على النصرانية ص ‪.60‬‬

‫‪-57-‬‬
‫ويمسه اللم الذي لم‬
‫يستطع‬

‫)‪(1‬‬
‫صرفا ً له عنه ول تحويل‬

‫وقال نصر بن يحيي المتطبب‪ ... :‬تقولون – أي النصارى‬


‫‪ -‬إنه بقي مدة الحمل في أحشاء مريم‪ ،‬واغتذى بدم‬
‫طمثها ورضع لبنها‪ ،‬وأكل‪ ،‬وشرب‪ ،‬ويخضع‪ ،‬ويذل‪ ،‬ويمتهن‪،‬‬
‫ويعذب بكل أنواع العذاب‪ ،‬ويتألم ‪ ...‬وهذه جميعها من‬
‫صفات البشر وليس من صفات من يدعى له باللوهية )‪.(2‬‬
‫وبمثل ذلك احتج الجعفري على النصارى في نفي اللوهية‬
‫عن المسيح )‪.(3‬‬

‫‪ -‬عجز المسيح عليه السلم عن المدافعة عن نفسه حينما‬


‫صلب بزعمهم ينفي عنه اللوهية‪ :‬حيث وضح الرازي أنه‬
‫إذا كان إلهًا‪ ،‬أو ابن إله‪ ،‬أو كان جزء من الله حال ً فيه‪،‬‬
‫فلم لم يدافع عن نفسه‪ ،‬ولم يهلك أعداءه المتربصين به‬
‫مع قدرته على ذلك‪ ،‬وأي حاجة له بإظهار الجزع واحتمال‬
‫اللم والتعرض للهانة)‪.(4‬‬

‫‪ -‬وقرر الخزرجي النصارى بما يعتقدونه من أن الرب صعد‬


‫فصار على يمين الرب وآثر الصلب‪ .‬ثم ناقشهم متسائل ً‬
‫عن هذين الربين أيهما خلق صاحبه‪ ،‬فالمخلوق إذا ضعيف‬
‫عاجز ليس إله وهل هذان الربان إذا أرادا أمرا ً فلمن‬

‫‪()1‬منظومة البوصيري في الرد على النصارى ص ‪.60‬‬


‫‪()2‬منظومة البوصيري في الرد على النصارى واليهود ص ‪.7‬‬
‫‪()3‬دعوة المسلمين للّنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/273‬‬
‫‪()4‬المصدر نفسه ص ‪.285 - 284‬‬

‫‪-58-‬‬
‫الحكم منهما‪ ،‬فالذي له الحكم هو الرب القادر‪ ،‬والخر‬
‫عاجز ليس بإله )‪ ،(1‬ثم خاطب الخزرجي النصارى بقوله‬
‫تعالى‪" :‬لو كان فيهما ءالهة إل الله لفسدتا فسبحان الله‬
‫ما يصفون" )النبياء‪ ،‬الية‪ (22 :‬وقوله‪" :‬ما‬ ‫رب العرش ع ّ‬
‫ه‬ ‫اتخذ الله من ولد وما كان معه من إلهٍ إذا لذهب ك ُ ّ‬
‫ل إل ٍ‬
‫ما‬
‫ن الله ع ّ‬
‫سبحا َ‬
‫بما خلق ولعل بعضهم على بعض ُ‬
‫يصفون")المؤمنون‪ ،‬الية‪.(91:‬‬

‫‪ -‬وعرض الجعفري قول النصارى إن المسيح عليه السلم‬


‫هو إله العباد وخالقهم ورازقهم وبارئهم ومدبرهم في‬
‫جميع أحوالهم‪ ،‬ثم تساءل ‪ :‬كيف كان حال الوجود والله‬
‫في اللحود )‪(2‬؟‪ .‬ومن الذي كان يقوم برزق العباد ويدبر‬
‫شؤونهم وإلههم مصلوب )‪.(3‬‬

‫‪ -‬وبين الجعفري زعم النصارى أن المسيح خلق آدم‬


‫وذريته أجمعين‪ ،‬ثم اعترض عليهم بقوله‪ ...:‬فمريم من‬
‫خلقها؟ فإن قالوا‪ :‬ليست من خلقه نقضوا مقالهم‪ ،‬وإن‬
‫زعموا أنه خلقها فيقال لهم‪ .. :‬كيف تلد المسيح وهو‬
‫خالقها؟ أم كيف ترضعه وهو رازقها؟‪ ،‬أسمعتم يا معشر‬
‫العقلء بإمرأة ولدت خالقها‪ ،‬وأرضعت ثديها رازقها؟‬
‫‪ -‬وسأل القرافي النصارى‪ ،‬هل الله يعلم الغيب أم ل‪ ،‬فإن‬
‫قالوا ‪ :‬ل كذبتهم كتبهم لثباتها ذلك وإن قالوا‪ :‬نعم بطل‬
‫اعتقادهم اللوهية بالمسيح لن نصوص النجيل توضح عدم‬
‫علمه بالمغيبات )‪.(4‬‬
‫‪ -‬إبطال ألوهية المسيح عليه السلم من خلل تنفيذ شبه‬
‫النصارى التي يستدلون بها على ذلك‪.‬‬

‫‪()1‬مقامع الصلبان ومراتع رياض أهل اليمان ص ‪.179 - 178‬‬


‫‪()2‬تخجيل من حرف التوراة والنجيل )‪.(1/396‬‬
‫صاى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/275‬‬ ‫‪ 3‬دعوة المسلمين للن ّ‬
‫)(‬

‫‪()4‬المصدر نفسه )‪.(1/275‬‬

‫‪-59-‬‬
‫‪ -‬مما يستدل به النصارى في إثباتهم اللوهية للمسيح‬
‫عليه السلم‪ ،‬أنه نفخة من روح الله بعد أن سواه من‬
‫تراب )‪.(1‬‬
‫ثم قال مخاطبا ً أحد قساوسة النصارى‪ ... :‬فلماذا أوجب‬
‫اللوهية لعيسى ولم توجبها لدم وأنت تقر له بروح من‬
‫الله في حجاب من تراب )‪.(2‬‬
‫‪ -‬مما يعتمد عليه النصارى في إثباتهم اللوهية للمسيح‬
‫عليه السلم معجزته التي أجراها الله على يديه‪ ،‬تأييدا ً له‪،‬‬
‫وتصديقا ً لنبوته وقد ناقش نصر بن يحي المتطبب ذلك‬
‫مبينا ً أن يلزمهم في إثباتهم اللوهية للمسيح بسبب‬
‫معجزاته إثباتها أيضا ً لبقية النبياء الذين أجرى الله سبحانه‬
‫وتعالى على أيديهم مثل هذه المعجزات ثم أورد أمثلة‬
‫لمعجزات النبياء السابقين لعيسى عليه السلم من‬
‫التوراة والنجيل‪ ،‬ومع ذلك لم يكن أحد منهم بها إلها ً أو‬
‫ينسبه أحد إلى اللوهية‪ ،‬ففي سفر الملوك ورد أن إلياس‬
‫أحيا ابن الرمل‪ ،‬واليسع أحيا السرائيلية وحزقيال أحيا‬
‫خلقا ً كثيرًا‪ ،‬وأخبرت التوراة أن يوسف أبرأ عين أبيه‬
‫يعقوب بعد أن ذهبت‪ ،‬وموسى طرح العصا فصارت حية‬
‫لها عينان تبصران بها وفي إنجيل لوقا ورد أن اليسع أبرأ‬
‫أبرصا وأبرص صحيحًا‪ ،‬وهذا أعظم من فعل المسيح‪ ،‬ولم‬
‫يكن واحد من هؤلء النبياء بمعجزاته إلهًا‪ ،‬فلم تثبت‬
‫اللوهية بها للمسيح فقط )‪(3‬؟ ووضح القرافي بطلن جعل‬
‫المعجزة دليل ً على اللوهية من خلل إيراده مجموعة من‬
‫معجزات الرسل عليه السلم ولم يكونوا بها آلهة أو يدعيها‬
‫أحد لهم )‪.(4‬‬

‫‪ -‬نفي بنوة المسيح لله سبحانه وتعالى‪ :‬مما‬


‫يعتقده النصارى بنوة المسيح عليه السلم لله سبحانه‬
‫‪()1‬الجوبة الفاخرة ص ‪.107 ، 106‬‬
‫‪()2‬مقامع الصلبان ومراتع رياض أهل اليمان ص ‪.129‬‬
‫‪()3‬النصيحة اليمانية ص ‪.105 - 104‬‬
‫‪()4‬دعوة المسلمين في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/276‬‬

‫‪-60-‬‬
‫وتعالى‪":‬وقالت الّنصارى المسيح ابن الله")التوبة‪ ،‬الية‪:‬‬
‫‪ ،(30‬وأن البن مساوٍ للب في الوجود وأن الب خلق‬
‫العالم بواسطة البن الذي نزل بصورته البشرية فداء لبني‬
‫آدم‪ ،‬وهو الذي يتولى محاسبة الناس يوم القيامة‪،‬‬
‫ويصرحون بذلك بأمانتهم التي ل يتم إيمان نصراني إل بها‪:‬‬
‫نؤمن بالله الواحد الب ضابط الكل‪ ،‬مالك كل شيء‪ ،‬صانع‬
‫ما يرى ومال يرى‪ ،‬وبالرب الواحد يسوع المسيح ابن الله‬
‫الواحد بكر الخلئق كلها‪ ،‬الذي ولد من أبيه قبل العوام‬
‫كلها‪ ،‬وليس بموضوع إله حق من إله حق )‪ (1‬وقد تصدى‬
‫علماء المسلمين في عصر الحروب الصليبية إلى مناقشة‬
‫هذه العقيدة الضالة وبيان فسادها وكان ذلك على النحو‬
‫التالي‪:‬‬
‫‪ -‬بيان فساد هذه العقيدة وكفر من يعتقدها‬
‫ابتداء‪:‬‬
‫قال القرطبي ‪ .. :‬وظاهر قول النصارى أن المسيح ابن‬
‫الله إنما أرادوا نبوة النسل‪ ،‬كما قالت العرب في‬
‫الملئكة‪ ..‬هذا أشنع الكفر )‪ .(2‬وقال الجعفري بعد أن‬
‫عرض عقيدة النصارى في بنوة المسيح لله ‪ :‬وأعلم أن‬
‫هذه دعوى ملفقة وعقيدة هامتها بسيوف أدلة السلم‬
‫مغلقة والدليل على فسادها المعقول والمنقول)‪ ،(3‬وقد‬
‫بين الرازي‪ :‬أن نسبة المسيح عليه السلم إلى البنوة لله‬
‫سبحانه وتعالى أفحش أنواع الكفر‪ ،‬وأن ذلك من دسائس‬
‫بولس في ديانه النصارى بعد رفع عيسى عليه السلم )‪.(4‬‬

‫‪ -‬ذكر الدلة من كتب النصارى على نفي بنوة المسيح ‪:‬‬


‫حيث أورد بعض العلماء مجموعة من الدلة من كتب‬
‫النصارى تدل دللة صريحة على نفي بنوة المسيح لله كما‬
‫يدعيها النصارى‪ ،‬ومن ذلك ما أورده الجعفري من إنجيل‬
‫‪()1‬تخجيل من حرف التوراة والنجيل )‪.(2/501‬‬
‫‪()2‬الجامع لحكام القرآن نقل ً عن دعوة المسلمين للنصارى )‪.(1/277‬‬
‫‪()3‬الرد على النصارى ص ‪.57‬‬
‫‪()4‬تفسير الرازي )‪.(8/28‬‬

‫‪-61-‬‬
‫مرقص حيث قال‪ :‬خرج المسيح وتلميذه إلى البحر وتبعه‬
‫جمع كثير‪ ،‬فأبرأ أعللهم وشفاهم‪ ،‬فجعلوا يزدحمون عليه‬
‫ويقولون‪ :‬أنت ابن الله؟ فكان ينهاهم )‪ ،(1‬ونص آخر أورده‬
‫الجعفري وهو أن لوقا قال‪ :‬كان كل من له مريض يأتي به‬
‫إلى يسوع فيضع يده عليه فيبرأ فيقول‪ :‬أنت ابن الله‪،‬‬
‫فكان ينهرهم ول يدعهم ينطقون بهذا )‪ .(2‬ثم علق‬
‫الجعفري بعد هذه النصوص بقوله‪ :‬فهذا النجيل يكذب من‬
‫يدعي ذلك على السيد المسيح – أي أنه ابن الله)‪.(3‬‬

‫وقد وضح العلماء بعض الدلة العقلية في نفي بنوة‬


‫المسيح لله عز وجل والتي منها‪:‬‬
‫‪ -‬عجز المسيح عليه السلم عن المدافعة عن نفسه حينما‬
‫أراد به أعداؤه كيدا ً حيث وضح الرازي أنه لو كان إلها أو‬
‫ابن إله‪ ،‬أو كان جزء من الله حال ً فيه لم يهلك أعداءه‬
‫المتربصين به مع قدرته على ذلك‪ ،‬وأي حاجة إلى إظهار‬
‫الجزع واحتمال اللم والتعرض للهانة )‪ ،(4‬بل أين والده‬
‫عنه وهو القادر على كل شيء‪ ،‬حيث ساق القرافي أبيات‬
‫شعرية ضمن مناقشته للنصارى متسائل ً فيها عن ضعف‬
‫ابن الله وعدم مدافعة والده عنه‪:‬‬
‫عجبي للمسيح بين النصارى‬

‫وإلى أي والد نسبوه‬

‫أسلموه إلى اليهود وقالوا‬


‫إنهم بعد قتله صلبوه‬

‫‪()1‬انجيل لوقا الصحاح )‪.(12 – 3/7‬‬


‫‪()2‬انجيل لوقا الصحاح )‪.(4/41‬‬
‫‪()3‬الرد على النصارى للجعفري ص ‪.61‬‬
‫‪()4‬دعوة المسلمين للّنصارى )‪.(1/278‬‬

‫‪-62-‬‬
‫وإذا كان ما يقولون حقا ً‬

‫)‪(1‬‬
‫وصحيحا ً فأين كان أبوه‬

‫‪ -‬ولعجز المسيح وهو ابن الله بزعم النصارى عن المدافعة‬


‫عن نفسه‪ ،‬فالولى لهم عقل ً أن يعبدوا عدوه الذي‬
‫استطاع بزعمهم قتله وصلبه‪ ،‬فهم يقولون‪ :‬إن المسيح‬
‫بعد إيذائه وقتله وقيامه من بين الموات صعد ليجلس‬
‫على يمين أبيه يستريح ثم سيعود لمحاربة عدوه )‪ .(2‬وعلق‬
‫ل‪ ..:‬وما أجدرهم بأن يعبدوا الن‬‫القرافي على ذلك قائ ً‬
‫عدوه ويتركوه فإن الغلب الن لعدوه والمتوقع في‬
‫المستقبل ل يدري كيف هو‪ ،‬ولعل الكسرة في النوبة‬
‫الثانية تكون أعظم )‪.(3‬‬

‫‪ -‬أن المسيح وهو ابن الله بزعم النصارى معترض على‬


‫قضاء الله متبرم من لقائه وهو أولى الناس بالرضاء‬
‫والرغبة في لقاء الله‪ ،‬إذ وضع القرافي أن النصارى مقرين‬
‫أن المسيح تألم وتبرم عند قتله وصلبه وقال‪ :‬إلهي إلهي‬
‫لم خذلتني )‪(4‬ويعتقدون أنه نزل ليصلب إيثارا ً للعالم بنفسه‬
‫تخليصا ً لهم من الشيطان ورجسه‪ ،‬ثم تساءل القرافي‪:‬‬
‫كيف ل يرضى ابن الله بقضاء الله‪ ،‬وهو سوف يذهب للقاء‬
‫والده‪ ،‬فينبغي أن يكون ولد الرب الثبت عند المصائب‪،‬‬
‫والكثر رغبة في لقاء والده )‪.(5‬‬

‫‪()1‬الجوبة الفاخرة ص ‪.59‬‬


‫‪()2‬المصدر نفسه ص ‪.117‬‬
‫‪()3‬المصدر نفسه ص ‪.117‬‬
‫‪()4‬دعوة المسلمين للّنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/279‬‬
‫‪()5‬المصدر نفسه )‪.(1/279‬‬

‫‪-63-‬‬
‫‪ -‬وقد نفى نصر بن يحي المتطبب بنوة المسيح عليه‬
‫السلم لله سبحانه وتعالى باعتراضه على النصارى من‬
‫خلل أمانتهم التي يعتقدونها إذ يقولون فيها‪ :‬إن المسيح‬
‫مولود من أبيه أزلي‪ ..‬وأنه خالق الخلئق كلها‪ ،..‬فإذا كان‬
‫المر كما يقول النصارى‪ ،‬فالمسيح ليس أزليًا‪ ،‬لنه حادث‬
‫ب‬‫بولدته‪ ،‬وإذا كان هو خالق الخلئق كلها‪ ،‬فأي فضل لل َ‬
‫على البن )‪.(1‬‬

‫‪ -‬وقد عمل العلماء على إبطال بنوة المسيح لله سبحانه‬


‫من خلل تفنيد أدلة النصارى على ذلك‪ ،‬فقد استدل‬
‫النصارى على بنوة المسيح لله ولد من غير أب‪ ،‬وقد ورد‬
‫القرافي على ذلك بأن الولى إثباتها لدم لنه وجد من غير‬
‫أب‪ ،‬ولم يباشر الرحام‪ ،‬ول تطور في أطوار البشر )‪.(2‬‬

‫‪ -‬وقد بين العلماء إبطال نبوة المسيح من خلل إيضاح‬


‫المعنى الصحيح للبنوة والبوة اللتين وردتا في كتب‬
‫النصارى‪ :‬فبعد أن أورد الجعفري مجموعة من النصوص‬
‫التي فيها لفظة البّنوة كما في النصوص السابقة وضح أنه‬
‫وة‪ ،‬وإن صح فإن معناها‬ ‫إن كان النقل لها فاسدا ً فل بن ّ‬
‫العبودية والخدمة والجتباء والصطفاء‪ ،‬فقول الله في‬
‫النجيل‪" :‬هذا ابني" أي عبدي‪ :‬والدليل أنها لم ترد في‬
‫كتب النصارى في الغالب إل مقرونة بالعبودية والخدمة‪،‬‬
‫وإن وردت مطلقة فيحمل المطلق على المقيد‪ ،‬مثال ذلك‬
‫في التوراة قول الله تعالى‪" :‬يا موسى قل لفرعون ‪:‬‬
‫يقول لك الرب الله‪ :‬إسرائيل ابني بكري‪ ،‬أرسله يعبدني‬
‫)‪ ،(3‬ففسر البنوة بالعبودية )‪ .(4‬ووضح القرافي أن معنى‬
‫البوة لله إحسانه لخلقه إحسان الباء للبناء وهو المراد‬

‫‪()1‬المصدر نفسه )‪(1/279‬‬


‫‪()2‬الجوبة الفاخرة ص ‪.102‬‬
‫‪()3‬التوراة‪ ،‬سفر الخروج الصحاح )‪.(4/21‬‬
‫‪()4‬الرد على النصارى ص ‪.61‬‬

‫‪-64-‬‬
‫من قول المسيح‪ :‬إني ذاهب إلى أبي وأبيكم‪ ،‬وإلهي‬
‫وإلهكم‪ .‬والبوة على هذا المعنى أمر مشترك بين عيسى‬
‫وبقية الخلق وهو معنى قول اليهود في القرآن‪" :‬نحن أبنؤا‬
‫ه" المائدة‪ ،‬الية ‪ .(18 :‬ثم إن النصارى يحكمون‬ ‫الله وأحّبؤ ُ‬
‫بأبوة الولدة بصدر الكلم وهو قوله‪ :‬أبي‪ ،‬ويعقلون عن‬
‫قوله‪ :‬وأبيكم‪ ،‬وعن قوله‪ :‬وإلهي وتصريحه عليه السلم‬
‫بأنه مخلوق مربوب‪ ،‬له إله يعبده )‪.(1‬‬

‫س‪ -‬إبطال عقيدة الصلب الفداء‪ :‬تعد قضية الصلب‬


‫والفداء من أهم عقائد النصارى‪ ،‬إذ يعتقدون أن هناك‬
‫خطيئة ملزمة لكل إنسان يولد على هذه الرض‪ ،‬وهذه‬
‫الخطيئة موروثة منذ زمن آدم عليه السلم الذي أخطأ في‬
‫حق ربه بأكله من الشجرة التي ُنهي عن الكل منها‬
‫فاستحق لذلك العقوبة‪ ،‬وأورث هذه الخطيئة لذريته من‬
‫بعده‪ ،‬ومن رحمة الله إنهاء الخطيئة المتوارثة بأن أنزل‬
‫ابنه ليقتل وُيصلب فداء للبشرية وتكفيرا ً لخطيئة أبيهم آدم‬
‫)‪(2‬وقال القرطبي في عرضه لعقيدة الصلوبية عند النصارى‬
‫‪ :‬ل خلف عند النصارى أن أنكار صلب المسيح كفر‪ ،‬ومن‬
‫شك فيه فهو كافر )‪.(3‬‬

‫وفي رسالة أحد القساوسة إلى أبي عبيدة التي عرض‬


‫عليه فيها دين النصرانية‪ ،‬ودعاه إلى الدخول فيه وضح له‬
‫عقيدة الصلب بقوله‪ :‬حمدا ً لله الذي هدانا لدينه‪ ،‬وأيدنا‬
‫بيمينه وخصنا بابنه ومحبوبه‪ ،‬ومد علينا رحمته بصلب‬
‫يسوع المسيح إلهنا الذي خلق السموات والرض وما‬
‫بينهن والذي فدانا بدمه المقدس‪ ،‬ومن عذاب جهنم وقانا‪،‬‬
‫ورفع عن أعناقنا الخطيئة التي كانت في أعناق بني آدم‬

‫‪()1‬الجوبة الفاخرة ص ‪.101‬‬


‫‪()2‬الجواب الصحيح لمن يدل دين المسيح )‪.(108 – 2/107‬‬
‫‪()3‬العلم بما في دين النصارى من الفساد والوهام ص ‪.282‬‬

‫‪-65-‬‬
‫بسبب أكله من الشجرة التي ُنهي عنها‪ ،‬فخلصنا المسيح‬
‫بدمه‪ ،‬وفدانا بدمه‪ ،‬ومن عذاب جهنم وقانا )‪.(1‬‬

‫وقد ناقش العلماء المسلمون هذه القضية موضحين عدم‬


‫وقوع الصلب على المسيح عليه السلم ومبطلين أساس‬
‫هذه العقيدة – وهو الفداء بسبب الخطيئة – وذلك بتفنيد‬
‫أدلة النصارى ومزاعمهم حولها‪ ،‬وفيما يلي عرض لذلك‪:‬‬
‫‪ -‬إبطال الصلب‪ :‬وقد كان إبطال هذه العقيدة على‬
‫النحو التالي‪:‬‬
‫‪ -‬بيان عقيدة المسلمين في أن عيسى عليه السلم لم‬
‫ُيقتل ولم يصلب فعند تفسير قوله تعالى‪" :‬وقولهم إنا قتلنا‬
‫المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه‬
‫ولكن شبه لهم")النساء‪ ،‬آية‪ ،(157 :‬وضح ابن الجوزي‬
‫أقوال العلماء في ذلك مبينا ً فيها أن الذي قتل وصلب‬
‫ليس المسيح عليه السلم وإنما هو شخص منهم ألقي‬
‫عليه شبه المسيح‪ ،‬أما المسيح فقد رفعه الله إليه )‪،(2‬‬
‫وبين القرطبي أن هذه الية رد على النصارى وأنهم لم‬
‫يقتلوا المسيح عليه السلم‪ ،‬بل ألقي شبه على غيره ‪.‬‬
‫)‪(3‬‬

‫وعند قوله تعالى‪" :‬ويمكرون ويمكر الله والله خير‬


‫الماكرين" )النفال‪ ،‬الية‪ (30 :‬وضح القرطبي أن مكر الله‬
‫هو إلقاء شبه عيسى على غيره‪ ،‬ورفعه عليه السلم إليه‪،‬‬
‫حيث رفعه جبريل إلى السماء وذلك في كوة البيت الذي‬
‫لجأ إليه‪ ،‬وألقي شبه عيسى على يهوذا الذي دخل في أثره‬
‫فأخذ وقتل وصلب )‪ .(4‬وقال أيضًا‪ :‬والصحيح أن الله تعالى‬
‫رفعه إلى السماء من غير وفاة ول نوم‪ ،‬كما قال الحسن‬
‫وابن زيد وهو اختيار الطبري‪ ،‬وهو الصحيح عن ابن عباس‬
‫)‪ .(5‬ومعنى الوفاة في قوله تعالى‪" :‬إني متوفيك ورافعك‬
‫‪()1‬مقامع الصلبان ومراتع رياض أهل اليمان ص ‪.60 - 59‬‬
‫‪()2‬زاد المسير في علم التفسير )‪.(218 – 2/217‬‬
‫‪()3‬الجامع لحكام القرآن )‪.(2/64‬‬
‫‪()4‬المصدر نفسه )‪.(2/65‬‬
‫‪()5‬المصدر نفسه )‪.(2/64‬‬

‫‪-66-‬‬
‫ي )‪ ،(1‬وفي مناقشة القرطبي لعقيدة‬‫ي" أي قابضك إل ّ‬‫إل ّ‬
‫الصلب لدى النصارى قال‪ ... :‬إن عيسى ابن مريم لم‬
‫يقتله اليهود ول غيرهم‪ ،‬بل رفعه الله إليه من غير قتل ول‬
‫موت )‪ .(2‬وبعد أن عرض الجعفري قصة صلب المسيح‬
‫عليه السلم في رأي النصارى ختم بقول الله تعالى‪" :‬وما‬
‫قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم" )النساء‪ ،‬آية‪.(157 :‬‬

‫وذكر الدلة من كتب النصارى على عدم وقوع الصلب‪:‬‬


‫وهي كثيرة فمن ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬ما أورده الجعفري أن متى قال في إنجيله‪ :‬إن رئيس‬
‫الكهنة أقسم بالله الحي على المأخوذ‪ :‬أما قلت لنا إن‬
‫كنت المسيح ابن الله الحي؟ فقال له‪ :‬أنت قلت )‪ .(3‬حيث‬
‫عقب الجعفري على ذلك بقوله‪ .. :‬وذلك من أدل الدللة‬
‫على أن المأخوذ ليس هو السيد المسيح‪ ،‬ولو كان هو‬
‫المسيح نفسه لم يوار في الجواب ‪ ..‬وكيف المسيح‬
‫ويقسم عليه بالله تعالى‪ :‬أين المسيح ؟ فل يقول له ‪ :‬إنا‬
‫المسيح )‪.(4‬‬

‫‪ -‬إن مستند النصارى في إثبات الصلب هو نصوص من‬


‫النجيل والنجيل قابل للتحريف والتبديل وفيه من التناقض‬
‫الشيء الكثير والدلة على ذلك أكثر من أن تحصر‪.‬‬

‫‪ -‬إن النصوص التي يستدل بها النصارى على صلب‬


‫المسيح ليست قاطعة في ذلك بل يتطرق إليها الحتمال‬
‫الكبير في أن المصلوب غير عيسى ومن شوهد ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬جاء في النجيل أن المصلوب استسقى اليهود ماًء‬
‫فأعطوه خل ممزوجا ً والناجيل كلها مصرحة بأنه كان‬
‫‪()1‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/284‬‬
‫‪()2‬العلم بما في دين النصارى من الفساد والوهام ص ‪.284‬‬
‫صارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/285‬‬
‫‪ 3‬دعوة المسلمين للن ّ‬
‫)(‬

‫‪()4‬الرد على النصارى ص ‪.74‬‬

‫‪-67-‬‬
‫يطوي أربعين يوما ً وليلة ويقول للتلميذ ‪ :‬إن لي طعاما ً‬
‫تعرفونه‪ ،‬وبعد أن أورد الخزرجي ذلك عقب عليه متسائل ً‬
‫كيف بمن يستطيع الصبر أربعين يوما ً على الجوع‬
‫والعطش بأن يظهر الحاجة والمذلة لعدائه بسبب عطش‬
‫يوم واحد؟ وهذا ل يفعله أدنى الناس فكيف بخواص‬
‫النبياء؟ لذلك فإن المدعي للعطش غير المسيح عليه‬
‫السلم )‪.(1‬‬
‫‪ -‬إن المسيح عند صلبه في زعم النصارى قال‪ :‬إلهي إلهي‬
‫م خذلتني‪ ،‬وقد ناقش الخزرجي ذلك بأن هذا القول من‬ ‫لِ َ‬
‫عيسى عليه السلم فيه اعتراض على قضاء الله‪ ،‬وهذا‬
‫مما ينزه عنه‪ ،‬خصوصا ً وإن النصارى يذكرون أن الصلب‬
‫كان لتخليص الناس من الخطيئة‪ ،‬فكيف يفديهم بنفسه‬
‫راضيا ً مختارا ً وهذا القول منه فيه تبرم وعجز ورغبة في‬
‫الخلص من قبضة من أراد به السوء‪ ،‬مع ما يضاف إلى‬
‫ذلك من أن النصارى يروون في كتبهم أن النبياء إبراهيم‬
‫وإسحاق ويعقوب كانوا مستبشرين عند الموت بلقاء الله‬
‫ولم يهابوا مذاقه مع أنهم عبيد الله والمسيح ابن الله‬
‫بزعم النصارى فينبغي أن يكون أثبت منهم‪ ،‬ذلك كله يدل‬
‫على أن المصلوب غير عيسى ابن مريم)‪.(2‬‬

‫وقد تصدى العلماء لعقيدة الصلب وهو الفداء بسبب‬


‫الخطيئة وبينوا بطلنها وكان ذلك على النحو التالي‪:‬‬
‫‪ -‬إيضاح مبدأ السلم في أن النسان ل يؤاخذ بذنب غيره‪،‬‬
‫فبعد أن وضح الجعفري أن التوبة تكفر الذنب‪ ،‬وأن‬
‫النسان ل يؤاخذ بخطيئة غيره ثم أورد على ذلك نصوصا ً‬
‫من كتب النصارى عقب بعدها بقوله‪ ...:‬وذلك موافق‬
‫ل اسمه ‪" :‬ول تزر وازرة ِوزَر ُأخرى" )النعام‪،‬‬
‫لقول ربنا ج ّ‬
‫آية‪.(164 :‬‬

‫‪()1‬مقامع الصلبان ومراتع رياض أهل اليمان ص ‪.286‬‬


‫‪()2‬مقامع الصلبان ومراتع أهل اليمان ص ‪.164‬‬

‫‪-68-‬‬
‫‪ -‬ذكر الدلة من كتب النصارى والتي تنفي أن يعاقب‬
‫النسان بذنب غيره حيث أورد الجعفري مجموعة من‬
‫النصوص من كتب النصارى تهدم أساس اعتقادهم بالصلب‬
‫وأنه كان تكفيرا ً لخطيئة آدم عليه السلم‪ ،‬فمن ذلك ما‬
‫جاء في التوراة إن الله قال لقابيل‪ :‬إنك إن أحسنت تقبلت‬
‫منك‪ ،‬وإن لم تحسن فإن الخطيئة رابضة ببابك )‪ .(1‬وقوله‪:‬‬
‫ل آخذ الولد بخطيئة والده ول الوالد بخطيئة ولده‪ ،‬طهارة‬
‫الطاهر له تكون‪ ،‬وخطيئة الخاطئ عليه تكون )‪.(2‬‬

‫‪ -‬وقد وضح كثير من علماء عصر الحروب الصليبية الذين‬


‫ناقشوا النصارى ومنهم على سبيل المثال‪ :‬الخزرجي‬
‫والقرطبي أن الصلب الذي وقع على عيسى تكفيرا ً‬
‫لخطيئة آدم يتنافى مع عدل الله‪ ،‬وأن هذا من الظلم الذي‬
‫ينزه الله عنه‪ ،‬فل يأخذ سبحانه وتعالى أحدا ً بذنب غيره)‪.(3‬‬
‫‪ -‬وعلى زعم النصارى أن البشرية غارقة في خطيئة أبيهم‬
‫آدم عليه السلم‪ ،‬ثاوية بالجحيم حتى جاء عيسى عليه‬
‫السلم وخلصهم من ذلك بصلبه‪ ،‬تساءل كل من الخزرجي‬
‫والقرطبي هل من هؤلء الثاوين بالجحيم أنبياء الله‬
‫إبراهيم وموسى وغيرهم ثم يجيبان على ذلك التساؤل بأن‬
‫هذا لو كان لصرحت به التوراة ونطقت به النبياء‬
‫السابقين لعيسى عليه السلم )‪.(4‬‬

‫‪ -‬وبعد أن وضح القرافي أن صلب المسيح على قول‬


‫النصارى إنما كان لخلص العالم من خطيئة أبيهم آدم‪،‬‬
‫سألهم ما معنى هذا الخلص الذي يريدونه؟ هل هو من‬
‫شرور الدنيا وآفاتها؟ فهاهم مشاركون لسائر البشر في‬
‫الخير والشر‪ .‬أو من تكاليف العبادة؟ فهاهم مخاطبون‬

‫‪()1‬سفر التكوين الصحاح )‪.(4/7‬‬


‫‪()2‬دعوة المسلمين للّنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/287‬‬
‫‪()3‬مقامع الصلبان ص ‪.183‬‬
‫‪()4‬مقامع الصلبان ومراتع رياض أهل اليمان ص ‪.175 - 174‬‬

‫‪-69-‬‬
‫بالمبادرة‪ .‬أو من أهوال يوم القيامة؟ فيكذبهم النجيل‬
‫الذي ورد به قول الله‪ :‬إني جامع الناس في يوم القيامة‬
‫عن يميني وشمالي‪ ،‬فأقول لهل اليمين‪ :‬فعلتم خيرًا‪،‬‬
‫فاذهبوا إلى النعيم‪ ،‬وأقول لهل الشمال؛ فعلتم شرا ً‬
‫فاذهبوا إلى الجحيم )‪ (1‬وبناء على ذلك فما فائدة الصلب‬
‫والفداء إذن )‪(2‬؟‬

‫‪ -‬وبعد أن قرر الجعفري النصارى بقولهم‪ :‬إن سبب‬


‫الصلب هو التكفير من خطيئة آدم عليه السلم‪ ،‬ثم قولهم‬
‫بتوبة آدم من هذه الخطيئة كما تصرح بذلك كتبهم ألزمهم‬
‫بلزمين ل مفرد لهم منها‪:‬‬
‫‪ -‬إن اعترفوا بتوبة آدم فما فائدة الصلب الذي يعتقدونه‪.‬‬
‫‪ -‬إن قالوا بعدم توبته كذبتهم‪ ،‬وكل اللزمين ببطلن عقيدة‬
‫الفداء من الخطيئة )‪.(3‬‬

‫رابعًا‪ :‬مناقشة شعائر النصارى وطقوسهم‪ :‬تعد‬


‫النصرانية فقيرة في تشريعاتها وأحكامها والعناية الكبرى‬
‫فيها بالروحانيات التي أهملها اليهود حينما أفرطوا في‬
‫ماديات الحياة‪ ،‬وهذا ما يؤكد أنها تكملة لديان بني‬
‫إسرائيل )‪ ،(4‬وقد عبر أحد العلماء المسلمين في عصر‬
‫الحروب الصليبية عن ذلك بقوله‪ :‬ليس للنصارى شيء من‬
‫الحكام والفرائض والسنن المحتاج إليها في المعاملت‬
‫والمناكحات والناجيل التي بأيديهم ليس فيها سوى‬
‫مواعظ ووصايا قد خلطت بكفر بواح ‪ ..‬وأي شيء‬
‫استحسنوه بعقولهم شرعوه وحكموا به )‪ .(5‬وقد كان‬
‫النصارى الوائل يوجبون على أنفسهم ما أوجبته التوراة‬
‫والنجيل‪ ،‬ويحرمون على أنفسهم ما حرمته‪ ،‬ول يستثنون‬
‫‪()1‬الجوبة الفاخرة ص ‪.109‬‬
‫‪()2‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/288‬‬
‫‪()3‬تخجيل من حرف التوراة والنجيل )‪.(1/369‬‬
‫‪()4‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/289‬‬
‫‪()5‬المصدر نفسه )‪.(1/290‬‬

‫‪-70-‬‬
‫من ذلك إل ما صرح المسيح نفسه بنسخه أو تعديله‪،‬‬
‫واستمروا على ذلك حتى رفع المسيح حيث أخذ بعد ذلك‬
‫دعاة النصرانية يغيرون ويبدلون في التشريع حسب‬
‫أهوائهم وكان حجتهم في ذلك جذب أكبر عدد ممكن من‬
‫المميين إلى الدخول في النصرانية)‪ ،(1‬ولذلك فغالب‬
‫الشعائر والطقوس النصرانية اليوم من وضع بولس‪ ،‬ول‬
‫ينكر دور المجامع في اللغاء أو الضافة فيها‪ ،‬ثم لما أثبتت‬
‫العصمة للبابا صار له الحق في إصدار القرارات والحكام‪،‬‬
‫ما تسرب للنصرانية من طقوس وعبادات وثنية انتقلت‬
‫إليها من المناطق والشعوب التي امتدت إليها النصرانية‬
‫في عهودها الولى )‪ (2‬ومما يجدر ذكره أن الطقوس‬
‫والشعائر النصرانية المبتدعة كثيرة جدًا‪ ،‬وتناول العلماء‬
‫المسلمين في عصر الحروب الصليبية لها ليس على سبيل‬
‫الحصر‪ ،‬وإنما أمثلة توضح تحريف النصارى لديانتهم‬
‫وابتداعهم فيها وبطلن ما استندوا عليه من إثباتها وقال‬
‫القرطبي في مقدمة مناقشته لبعض عبادات النصارى‬
‫وطقوسهم‪ :‬غرضنا من هذا الفن أن نجمع مسائل من‬
‫قواعد أديانهم‪ ،‬ونبين فسادها‪ ،‬وأنهم ليسوا على شيء‬
‫فيها‪ ،‬بل تركوا نصوص التوراة والنجيل وعملوا لخلفها من‬
‫غير حجة ول دليل )‪ ،(3‬وفيما يلي عرض لبعض جهود علماء‬
‫المسلمين في عصر الحروب الصليبية في مناقشتهم‬
‫لبعض عبادات النصارى وطقوسهم )‪.(4‬‬

‫‪ -1‬المعمودية‪ :‬المعمودية أو التعميد شعيرة من شعائر‬


‫النصرانية ل يقبل إيمان نصراني إل بها وهو عند النصارى‬
‫يعني الغطس بالماء باسم الب والبن وروح القدس‬
‫إشارة إلى التطهير من أدران الخطيئة بدم المسيح ‪.‬‬
‫)‪(5‬‬

‫‪()1‬الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح )‪.(344 – 1/341‬‬


‫‪()2‬موقف ابن تيمية من النصرانية )‪.(2/764‬‬
‫‪()3‬العلم بما في دين النصارى من الفساد والوهام ص ‪.402‬‬
‫‪()4‬دعوة المسلمين للّنصارى )‪.(1/291‬‬
‫‪()5‬حقائق أساسية في اليمان المسيحي ص ‪.240‬‬

‫‪-71-‬‬
‫وقد حل التعميد عند النصارى محل الختان في اليهودية‬
‫)‪ ،(1‬ومستندهم فيه قول المسيح عليه السلم‪ :‬فأذهبوا‬
‫وتلمذوا جميع المم وعمدوهم باسم الب والبن وروح‬
‫القدس )‪ ،(2‬وإن يوحنا عمد المسيح في وادي الردن فخرج‬
‫منه روح القدس كالحمامة على الماء )‪ .(3‬ومن علماء‬
‫المسلمين في عصر الحروب الصليبية الذين ناقشوا‬
‫المعمودية لدى النصارى القرطبي‪ ،‬حيث وضح صفتها عند‬
‫نصارى الندلس بقوله‪ :‬إن الذي يريد أن يدخل في دينهم‪،‬‬
‫أو التائب منهم تتقدم القسة منه فيمنعونه من اللحم‬
‫والخمر أياما ً ثم يعلمونه اعتقادهم وإيمانهم‪ ،‬فإذا تعلم ذلك‬
‫اجتمع له القسيسون فتكلم بعقيدة إيمانهم أمامهم‪ ،‬ثم‬
‫يغطسونه في ماء يغمره‪ ،‬وقد اختلفوا هل يغطسونه مرة‬
‫واحدة أو مرتين أو ثلثًا؟ فإذا خرج من ذلك الماء دعا له‬
‫السقف بالبركة ووضع يده على رأسه )‪ ،(4‬ثم بين‬
‫القرطبي بعد ذلك أنه ربما اختلفت صفتها‪ ،‬لكنها عندهم‬
‫عبادة مؤكدة ومن يقبلها عندهم فهو كافر)‪ .(5‬ثم أبطل‬
‫القرطبي هذه المعمودية التي ابتدعوها على النحو التالي‪:‬‬

‫‪ -‬أنه لم يرد ذكرها في التوراة ولم يشرعها الله لنبيه‬


‫موسى عليه السلم‪.‬‬
‫‪ -‬أن مستند النصارى في هذه المعمودية هو فعل يحي‬
‫عليه السلم والحواريين‪ ،‬فإذا صح ذلك من يحي‬
‫م ل يكون خصوصية لهم ؟ وإن قلتم أيها‬ ‫والحواريين فل ِ َ‬
‫النصارى إنه ليس بخصوصية فأتوا بالدليل ولن تقدروا )‪.(6‬‬
‫وزاد القرافي على ذلك بقوله‪ :‬ولو سلمنا عموم سرعيتها‬
‫م زدتم العدد‪ ،‬ووضع اليد على الرأس‪ ،‬أو النفخ في‬ ‫فَل ِ َ‬
‫صارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/292‬‬
‫‪ 1‬دعوة المسلمين للن ّ‬
‫)(‬

‫‪()2‬الكتاب المقدس‪ ،‬إنجيل متى الصحاح )‪.(28/19‬‬


‫صارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/292‬‬‫‪ 3‬دعوة المسلمين للن ّ‬
‫)(‬

‫‪()4‬العلم بما في دين النصارى من الفساد والوهام ص ‪.403‬‬


‫‪()5‬المصدر نفسه ص ‪.403‬‬
‫‪()6‬المصدر نفسه ص ‪.403‬‬

‫‪-72-‬‬
‫م تكفرون‬
‫الوجه ولم ُينقل ذلك عمن تقدم منكم؟ ول ِ َ‬
‫مخالفيها من غير دليل )‪(1‬؟‬

‫‪ -‬وبين القرطبي أنه لعل يحي والحواريين عمدوا الناس‬


‫ل‪ ،‬فيحي نبي‬ ‫لن ماءهم كان مقدسا ً ودعاءهم متقب ً‬
‫والحواريون أنبياء بزعمكم أيها النصارى‪ ،‬أما أنتم فَل ِ َ‬
‫م‬
‫تعمدونهم؟ فلستم أنبياء وماؤكم ليس مقدسا ً فلستم إذن‬
‫مثلهم )‪.(2‬‬

‫‪ -‬وناقش كل من القرطبي والقرافي النصارى في أصل‬


‫المعمودية لديهم‪ ،‬هل كان عيسى عليه السلم قبل أن‬
‫يعمده يحي مقدسا ً أم لم يكن؟ فإن كان مقدسا ً فل فائدة‬
‫من فعل يحي‪ ،‬ولماذا لم ينزل عليه روح القدس قبل‬
‫التعميد؟ وإن كان غير مقدس فكيف يكون من ليس‬
‫بمقدس إلها ً أو ابن إله )‪ (3‬ثم ختم القرافي مناقشته‬
‫للنصارى في مسألة المعمودية بقوله‪ :‬وهل هذا كله إل‬
‫هذيان‪ ،‬وضرب من الخذلن؟ وهذا – أي المعمودية – على‬
‫)‪(4‬‬
‫أظهر أحكام شريعتهم وأقواها مستندا ً فكيف بأضعفها‬

‫‪ -2‬العتراف وصكوك الغفران‪ :‬العتراف في‬


‫النصرانية يعني أن يأتي المذنب ويعترف بخطاياه وذنوبه‬
‫أمام القس أو الكاهن في الكنيسة ثم يمسحه هذا الكاهن‬
‫فتغفر ذنوبه )‪ ،(5‬وقد استخدمت الكنيسة في أوروبا‬
‫الغفران من الذنوب وسيلة من وسائل التشجيع على‬
‫الحروب الصليبية ضد المسلمين سواء كان ذلك في‬
‫‪()1‬المصدر نفسه ص ‪ 405‬دعوة المسلمين للّنصارى في عصر الحروب الصليبية )‬
‫‪.(1/294‬‬
‫‪()2‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫‪()3‬المصدر نفسه ص ‪ 405‬دعوة المسلمين للّنصارى في عصر الحروب الصليبية )‬
‫‪.(1/294‬‬
‫‪()4‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/294‬‬
‫‪()5‬العلم بما في دين النصارى من الفساد والوهام ص ‪.409‬‬

‫‪-73-‬‬
‫المشرق أو في الندلس )‪ ،(1‬ومن علماء عصر الحروب‬
‫الصليبية الذين ناقشوا هذه القضية إذ وضح أنه لبد‬
‫للمذنب ليغفر له من كفارة وتلك الكفارة بحسب ما يظهر‬
‫لقساوستهم ويرونه موافقا ً لغرضهم‪ ،‬فتارة يوجبون على‬
‫المذنب خدمة الكنيسة وتارة ل يدخلها بل يقف عندها‬
‫ل‪ ،‬وتارة يوجبون عليه مال ً لملكهم‪ ،‬أو لهم ولكنائسهم‬
‫متذل ً‬
‫)‪ ،(2‬ثم ضرب القرطبي أمثلة على بعض الذنوب وما شرعه‬
‫قساوستهم لغفرانها منكرا ً عليهم أن يجعلوا أنفسهم‬
‫مشرعين وينزلوا أنفسهم منزلة رب العالمين في التشريع‬
‫والغفران‪ ،‬على الرغم من أن كثيرا ً من هذه الذنوب له‬
‫حكم في التوراة التي يؤمنون بها )‪(3‬ووضح القرافي أن‬
‫قسس النصارى أنزلوا أنفسهم منزلة الله سبحانه وتعالى‬
‫في غفران الذنوب‪ ،‬وهم بهذا البتداع الذي هو من عند‬
‫أنفسهم يبعثون العصاة على المجاهرة ويشيعون الفاحشة‬
‫وينشرون الفضيحة في الذراري والعقاب وأي مقسدة‬
‫أعظم من هذه )‪ (4‬ثم ذكر القرافي مشاهدته لذلك وآثاره‬
‫في المدن الصليبية النصرانية كعكا وغيرها من سائر مدن‬
‫النصارى )‪(5‬وبين الجعفري أن هذه البدعة لدى النصارى‬
‫وسيلة للتحكم في حال المذنب وماله لصالح أكابرهم‪ ،‬ثم‬
‫أبرز خطرها على الشخص وعلى المجتمع بإشاعة‬
‫الفاحشة ونشر الفضيحة‪ ،‬مختتما ً ذلك بالشارة إلى أن‬
‫هذه البدعة ل أصل لها في شريعة أو نص عليهما موسى‪،‬‬
‫لكنها مختلفة من جهلة مشايخ النصارى )‪.(6‬‬

‫‪ -3‬أعياد النصارى‪ :‬أعياد النصارى كثيرة جدًا‪ ،‬فكل‬


‫حدث ذو أهمية بالنسبة لهم يعظمونه ويحتفلون به‪ ،‬ثم‬

‫‪()1‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/294‬‬


‫‪()2‬العلم بما في دين النصارى من الفساد والوهام ص ‪.405‬‬
‫‪()3‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/295‬‬
‫‪()4‬الجوبة الفاخرة ص ‪.127‬‬
‫‪()5‬المصدر نفسه ص ‪.127‬‬
‫‪()6‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/295‬‬

‫‪-74-‬‬
‫يتحول لدى الجيال اللحقة إلى عيد يحتفل به إحياءً‬
‫لذكراه‪ ،‬فابتدعوا لذلك أعيادا ً كثيرة ما أنزل الله بها من‬
‫سلطان وفي فترة الحروب الصليبية كان الحتفال بهذه‬
‫العياد وغيرها منتشرا ً بين النصارى‪ ،‬بل وربما شاركهم‬
‫بعض المسلمين فيها ففي الندلس مثل ً كان من أعياد‬
‫النصارى عيد ميلد عيسى عليه السلم والمحدد بالخامس‬
‫والعشرين من شهر ديسمبر‪ ،‬ويناير سابع ولدته‪ ،‬ويوم‬
‫ختنه وهو أول السنة الميلدية‪ ،‬والعنصرة والذي يعتقد أنه‬
‫يوم مولد يحي بن زكريا عليه السلم ويوافق اليوم الرابع‬
‫والعشرين من يونيه‪ ،‬وخميس إبرايل الذي يرمز عند‬
‫النصارى إلى يوم صلب المسيح في اعتقادهم )‪ (1‬وفي‬
‫معرض مناقشة كل من الجعفري والقرافي لعياد‬
‫ددا أهمها ومنها‪:‬‬
‫النصارى ع ّ‬

‫‪ -‬عيد ميكائيل في مصر وتخومها‪ ،‬وكان النصارى في فترة‬


‫الحروب الصليبية تحتفل به وتعظمه‪ ،‬وسبب إحداث هذا‬
‫العيد أنه كان في السكندرية صنم يعظمه أهلها‪ ،‬ويعدون‬
‫له عيدا ً عظيمًا‪ ،‬فولي بطركة السكندرية الكصيدروس‬
‫فرام إبطال هذا العيد فلم يقدر من العوام فصرفهم لذلك‬
‫بأن يجعلوا هذا العيد لميكائيل الملك وليس للصنم‪،‬‬
‫فيذبحون له ذبائحهم ليشفع لهم عند الله فأجابوه لذلك )‪.(2‬‬

‫‪ -‬وعيد الصليب وسبب إحداثه ‪ :‬أن اليهود اتخذوا المقبرة‬


‫التي دفن فيها الشبه مزبلة يطرحون فيها الوساخ تحقيرا ً‬
‫لشأن المصلوب‪ ،‬فأقامت على ذلك نحوا من ثلثمائة سنة‬
‫إلى أن جاءت زوجة قسطنطين الملك فأمرت بالكشف‬
‫صُلب وهي صليب‬ ‫عن المقبرة فظهرت لها فإذا هي ثلثة ُ‬
‫اللعين والشبه فقالت‪ :‬كيف لنا أن نعلم خشبة ربنا التي‬
‫‪()1‬جهود علماء الندلس في الصراع مع النصارى خلل عصر المرابطين‬
‫والموحدين د‪ .‬محمد إبراهيم بن صالح أبا الخيل ص ‪.444 - 443‬‬
‫‪()2‬تخجيل من حرف التوراة والنجيل ص ‪.130‬‬

‫‪-75-‬‬
‫صلب عليها ؟ وكان هناك مريض قد أشرف على الوفاة‬
‫فوضع عليها الصليب الول فلم يقم‪ ،‬فأمسته الثاني فلم‬
‫يقم‪ ،‬فأمسته الثالث فقام فعلمت النصارى أنه صليب‬
‫الرب فعلقته بالذهب وبعثت به إلى الملك )‪.(1‬‬
‫‪ -‬ومن أعيادهم التي ذكرها القرطبي ‪ :‬يوم بشارة جبريل‬
‫مريم بالمسيح‪ ،‬ثم يوم ميلده‪ ،‬ويوم ختنه‪ ،‬ويوم الفصح‬
‫وهو قيامة من القبر‪ ،‬ثم يوم رقيه إلى السماء وبعد ذكر‬
‫الجعفري والقرافي لبعض أعياد النصارى وضحا ً أن ل أصل‬
‫لها في شرعهم البتة‪ ،‬وأنها مما أحدثوه وابتدعوه في‬
‫دينهم )‪(2‬ثم بين الجعفري أن ل حجة لبطال البدعة ببدعة‬
‫مثلها‪ ،‬وذلك أن هذا الراهب أراد أن يبطل تعظيم العامة‬
‫لهذا الصنم فابتدع عيد ميكائيل‪ ،‬حيث قال ‪ :‬والشيء‬
‫الضعيف ل يزيده المر الباطل إل ضعفا ً والحق مستغن‬
‫بنقسه عن أن يقوى بأمثال هذه الترهات )‪ ،(3‬وأشار كل‬
‫من الجعفري والقرافي إلى أن الولى للنصارى أن يمقتوا‬
‫الصليب ل أن يعظموه ويتخذوا له عيدا ً وذلك أنه صلب‬
‫عليه إلههم بزعمهم وإن كان هذا التعظيم من أجل أن‬
‫الصليب مس المسيح فلماذا ل يعظم النصارى الحمر‬
‫ويسجدوا لها فقد أخبر لوقا أن المسيح ركب حمارا ً عند‬
‫دخوله المدينة )‪.(4‬‬

‫وبين القرطبي أن هذه العياد التي يعظمها النصارى‬


‫ليست واجبة بالشرع وإذا كان هذا مستندهم فمن أخبرهم‬
‫من النبياء بأن مثل هذه الحوال تتخذ عيدا ً إذ ليس في‬
‫كتبهم شيء من ذلك‪ ،‬ثم إن أيام عيسى كلها شريفة فل‬
‫يخلو يوما ً له من كرامة يكرمه الله بها‪ ،‬فإذا كان المر‬
‫كذلك فعلى النصارى أن يبحثوا عن أيام عيسى وعن‬

‫‪()1‬تخجيل من حرف التوراة والنجيل ص ‪.130‬‬


‫‪()2‬تخجيل من حرف التوراة والنجيل )‪.(2/598‬‬
‫‪()3‬المصدر نفسه )‪.(2/598‬‬
‫‪()4‬الجوبة الفاخرة ص ‪.131 - 130‬‬

‫‪-76-‬‬
‫عددها ويتخذوها أعيادًا‪ ،‬وإل لما خصصوا البعض وتركوا‬
‫البعض الخر)‪.(1‬‬

‫‪ -4‬صلة النصارى وصيامهم‪:‬‬


‫أ‪ -‬الصلة‪ :‬من العلماء المسلمين الذين ناقشوا شعيرة‬
‫الصلة لدى النصارى القرافي الذي ذكر أن عدد صلواتهم‬
‫في اليوم والليلة ثمان صلوات حيث أورد الدعية التي‬
‫يرددونها في كل صلة منتقدا ً لها ومبينا ً تناقضها )‪ (2‬وقد‬
‫أورد الجعفري أيضا ً طرفا ً من أدعيتهم في بعض صلواتهم‬
‫مبينا ً تناقضها وفسادها بما بما تقتضيه من عقيدة التثليث‬
‫)‪(3‬‬
‫والصلب والخطيئة وغير ذلك من عقائدهم الباطلة‬
‫والصلة عند النصارى في زعمهم تقربهم إلى الله عن‬
‫طريق المسيح وهي عبارة عن أدعية وترانيهم يرددونها‬
‫ويؤكدون على بعض الوقات أكثر من غيرها وهي صلة‬
‫الساعة الثالثة والسادسة والتاسعة من النهار عند بداية‬
‫الليل ونهايته وعند تناول الطعام )‪.(4‬‬

‫ب‪ -‬الصوم‪ :‬والصوم عند النصارى – يعني المتناع عن‬


‫الطعام مدة من النهار قد تصل إلى الظهر أو العصر أو‬
‫الغروب حسب مقدرة الصائم يتناول بعدها الصائم أطعمة‬
‫خالية من الدسم الحيواني )‪ (5‬وفي مناقشة العلماء‬
‫المسلمين في عصر الحروب الصليبية لصيام النصارى‬
‫وضحوا أصل وجوبه عندهم ثم ما ابتدعوه فيه زيادة‬
‫ونقصا‪ ،‬حيث بين كل من القرطبي والقرافي في‬
‫مناقشتهما لذلك أن صيام النصارى حسب قول أحد‬
‫أكابرهم أنه أربعين يوما ً التي صامها موسى عليه السلم‬
‫‪()1‬العلم بما في دين النصارى من الفساد والوهام ص ‪.425‬‬
‫‪()2‬النصارى في الوقت الحاضر ل يلتزمون في صلواتهم بأدعية معينة وربما حكي‬
‫القرافي ما كان سائدا ً في وقته عند بعضهم‪.‬‬
‫‪()3‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(1/299‬‬
‫‪()4‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/299‬‬
‫‪()5‬المجتمع القبطي في مصر في القرن التاسع عشر ص ‪.228‬‬

‫‪-77-‬‬
‫ثم صامها المسيح وجعلها علماء النصرانية ثلثة وأربعين‬
‫عشر أيام السنة كما وضع لهم ذلك بولس )‪ .(1‬ثم‬ ‫يوما ً ُ‬
‫يوضحان أن هذه الثلثة أيام التي صاموها زيادة على ما‬
‫افترض عليهم‪ ،‬إما أن النبياء تركوا أمر الله سبحانه‬
‫وتعالى بعدم صيامها وذلك محال‪ ،‬أو أنهم ل يعرفون‬
‫وجوب صيامها وأنتم أيها النصارى الذين علمتم ذلك وهذا‬
‫محال لن الحكام إنما ُتسند إلى أقوال النبياء وكتبهم‬
‫والذي شرع لكم ذلك إنما هو بولس‪ ،‬وهـو الـذي أفسد‬
‫عليكم دينكم فكيف تأخذون بقوله وتتركون فعل موسى‬
‫وعيسى وإلياس وغيرهم )‪ ،(2‬وبين الجعفري نماذج من‬
‫زيادات النصارى‪ ،‬وابتداعهم في صيامهم ومن ذلك زيادتهم‬
‫جمعة في صيامهم الكبير)‪ ،(3‬لجل هرقل حينما قتل اليهود‬
‫نصرة لهم وذلك تكفيرا ً لخطيئته )‪ ،(4‬ثم عقب على ذلك‬
‫بقوله‪ :‬ول شك أن هذا وشبهه من باب التلعب بالدين‪،‬‬
‫وقد صار هذا النمط سجية للنصارى وخلقا ً )‪ ،(5‬وأشار‬
‫الجعفري إلى ترك النصارى أكل اللحم في صيامهم‬
‫وتحريمه وذلك مما أحدثوه بالرأي بعد المسيح )‪.(6‬‬

‫‪ -5‬تشريع النصارى في الزواج‪ :‬ترغب الناجيل‬


‫عموما ً بالعزوبة وتدعو إلى الزهد وترك الزواج إل من‬
‫خاف على نفسه الزنا فله الزواج بواحدة فقط‪ ،‬يقول‬
‫بولس‪ ... :‬إذا من ُزوج فحسنا ً يفعل‪ ،‬ومن ل يزوج يفعل‬
‫)‪(8‬‬
‫أحسن )‪ .(7‬وقال ‪ :‬فحسن للرجل أل يمس امرأة‬
‫وقال‪ .. :‬ولكن أقول لغير المتزوجين وللرمل إنه حسن‬
‫لهم إذا لبثوا كما أنا‪ ،‬ولكن إن لم يضبطوا أنفسهم‬
‫‪()1‬العلم بما في دين النصارى من الفساد والوهام ص ‪.422‬‬
‫‪()2‬المصدر نفسه ص ‪.423 - 422‬‬
‫‪()3‬النصرانية والسلم‪ ،‬محمد عزت طهطاوي ص ‪.82‬‬
‫‪()4‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/302‬‬
‫‪()5‬تخجيل من حرف التوراة والنجيل )‪.(2/597‬‬
‫‪()6‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/302‬‬
‫‪()7‬الكتاب المقدس‪ ،‬رسالة بولس الولى إلى أهل كورنتوس الصحاح )‪.(7/38‬‬
‫‪()8‬المصدر نفسه )‪.(7/1‬‬

‫‪-78-‬‬
‫فليتزوجوا )‪(1‬وأما القسيس والرهبان فمحرم عليهم الزواج‬
‫اقتداًء بالمسيح بزعمهم )‪ ،(2‬وقد ناقش بعض العلماء‬
‫المسلمين في عصر الحروب الصليبية مسألة الزواج عند‬
‫النصارى ومنهم الجعفري والقرافي وكان ذلك على النحو‬
‫التالي‪:‬‬

‫أ‪ -‬بيان ضللهم في ذلك وأن المر بترك الزواج مما ل‬


‫يصح نسبته إلى المسيح‪.‬‬
‫ب‪ -‬إن ما تمسك به النصارى من نصوص في النجيل‬
‫ظاهرها الترغيب بترك الزواج من أجل الله كقول المسيح‬
‫عليه السلم‪ ... :‬من ترك زوجة من أجلي‪ ،‬فإنه يعطى‬
‫للواحد مائة ضعف ويرث الحياة الدائمة )‪ .(3‬ول يجوز‬
‫إجراؤه على ظاهره‪ ،‬إذ المقصود من ذلك – إن صح – ترك‬
‫الزوجة إذا طلبت فراقه لعجزه أو لي سبب آخر )‪ .(4‬ثم إن‬
‫في النجيل أيضا ً نصوصا ً تعارض ذلك منها قول المسيح‪:‬‬
‫إن الذي زوجه الله ل يقدر أحد على تفريقه )‪(5‬وقوله‪ :‬من‬
‫طلق زوجته باطل ً فقد عرضها للزنا )‪.(6‬‬
‫ج‪ -‬والزواج سنة المرسلين وخواص الولياء ودأب النجباء‬
‫القوياء‪ ،‬ومن رغب عن سنة النبياء التحق بالغبياء )‪.(7‬‬
‫د‪ -‬إن في ترك الزواج سدا ً لباب الذرية الصالحة وقطع‬
‫للتناسل وانقراض لجنس الدميين‪.‬‬
‫ه ‪ -‬إن في تركه تعريضا ً للرجال والنساء للزنا والفساد‪،‬‬
‫والوقوع في الثام‪.‬‬
‫و‪ -‬إن الزواج يشتمل على قربات كثيرة منها عفاف‬
‫الزوجين والتسبب في حياة عبد صالح يعبد الله ويرغم‬

‫‪()1‬المصدر نفسه )‪.(9 – 7/8‬‬


‫‪()2‬قصة الحضارة‪ ،‬ول ديوانت ترجمة محمد بدران )‪.(4/383‬‬
‫‪()3‬الجوبة الفاخرة ص ‪ 132‬الصحاح )‪ (19/29‬إنجيل متى‪.‬‬
‫‪()4‬الجوبة الفاخرة ص ‪.132‬‬
‫‪()5‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/303‬‬
‫‪()6‬المصدر نفسه )‪.(1/304‬‬
‫‪()7‬المصدر نفسه )‪.(1/304‬‬

‫‪-79-‬‬
‫الشيطان‪ ،‬وغير ذلك )‪ (1‬ثم يعقب القرافي موضحا ً أن‬
‫المنافع المترتبة على الزواج أفضل مما انقطع له الرهبان‬
‫من العبادة والصلوات )‪.(2‬‬

‫‪ -6‬مناقشة النصارى في تركهم الختان‪ :‬كان‬


‫الختان معروفا ً قبل زمن إبراهيم عليه السلم‪ ،‬فإن‬
‫المصريين القدماء كانوا يختتنون )‪ ،(3‬وقد جاء في إنجيل‬
‫برنابا ما يدل على أن أصل فريضة الختان منذ ابتداء‬
‫الخليقة )‪ ،(4‬وقد نصت التوراة على أن إبراهيم أمر بالختان‬
‫هو ونسله‪ ،‬فختن هو ابن ثمانين‪ ،‬وجاء في السنة ما يدل‬
‫على ذلك‪ ،‬فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬اختتن إبراهيم عليه‬
‫السلم وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم )‪ ،(5‬وصار الختان في‬
‫اليهود فرضا ً من الفروض الدينية فاختتن موسى عليه‬
‫السلم وكذلك عيسى عليه السلم لكماله شريعة التوراة‪،‬‬
‫بل إنه لدى النصارى صلة يؤدونها تذكرة لختان عيسى‬
‫عليه السلم )‪ ،(6‬وقد استطاع بولس أن يصرف النصارى‬
‫عن سنة الختان حتى اتخذوا قرارا ً بتركه في مجمع‬
‫أوشليم المنعقد بعد رفع المسيح بثنتين وعشرين سنة )‪،(7‬‬
‫والحجة في ترك الختان جلب المم الوثنية في ذلك الوقت‬
‫من إغريق ومصريين ورومان في الدخول بالنصرانية وكان‬
‫يشق عليهم الختان )‪ (8‬وفسروا المر بالختان في التوراة‬
‫بأنه نقاوة القلوب وصفاء النية وذهاب الغلوف من القلوب‬
‫)‪ ،(9‬ومن ضمن ما ناقشه العلماء المسلمون من تشريعات‬
‫‪()1‬المصدر نفسه )‪.(1/304‬‬
‫‪()2‬الجوبة الفاخرة ص ‪.132‬‬
‫‪()3‬معجم الحضارات السامية ص ‪.381‬‬
‫‪()4‬قاموس الكتاب المقدس ص ‪.272‬‬
‫‪()5‬البخاري رقم ‪ 3356‬مسلم رقم ‪.2370‬‬
‫‪()6‬نظرية النسخ في الشرائع السماوية ص ‪.50‬‬
‫‪()7‬دعوة المسلمين للنصارى في عهد الحروب الصليبية )‪.(1/306‬‬
‫‪()8‬المصدر نفسه )‪.(1/306‬‬
‫‪()9‬المصدر نفسه )‪.(1/306‬‬

‫‪-80-‬‬
‫النصارى في فترة الحروب الصليبية إبطالهم سنة الختان‪،‬‬
‫إذ بين القرطبي أن هذه السنة ثابتة بالتوراة‪ ،‬وإبطال‬
‫النصارى لها ل أصل له ثم وضح أنهم بذلك تركوا ما حكم‬
‫الله اتباعا ً للهوى‪ ،‬ثم كذبوا على الله بتفسيرهم الختان‬
‫المأمور به في التوراة بأنه إزالة غلوفه القلوب‪ ،‬وتسفيههم‬
‫أحكام الله لقولههم إنه ل فائدة من الختان‪ ،‬ثم شرح‬
‫القرطبي فوائد هذه السنة بكونها عبادة لله سبحانه‪،‬‬
‫والنظافة المترتبة على القيام بها إذ وجود هذه الغلفة‬
‫مدعاة لتراكم كثير من القذار إلى غّير ذلك )‪.(1‬‬

‫وبعد أن بين القرافي مشروعية الختان في اليهودية وعند‬


‫النصارى وضح أثر بولس في إبطال هذه السنة)‪ ،(2‬وبعد أن‬
‫ذكر الجعفري مشروعية الختان في التوراة وأن تاركه‬
‫يقتل قال‪ :‬فقد وضح كفر من خالفه من النصارى وغيرهم‪،‬‬
‫وقد ترك الروم والفرنج وغيرهم الختان‪ ،‬ولم يزل النصارى‬
‫يختنون بعد رفع المسيح إلى أن أتاهم رجل يدعى عندهم‬
‫بولس بعد المسيح بمدة متطاولة فقال لهم‪ :‬إن الختان‬
‫ليس بشيء وإن العزلة ليس شيء )‪.(3‬‬

‫‪ -7‬تعظيم النصارى للصور والتماثيل‪ :‬من الشعائر‬


‫الوثنية التي انتقلت إلى النصرانية عبادة الصور والتماثيل‬
‫وتبجيلها حتى امتلت كنائسهم وأديرتهم بتماثيل للمسيح‬
‫ولمه وللقديسين وغيرهم وقد وضح ابن تيمية أن اتخاذ‬
‫الصور والتماثيل مما أحدثه النصارى‪ ،‬فلم يرد ذلك عن‬
‫أحد من النبياء )‪.(4‬‬
‫وليس في التوراة ما يستند عليه النصارى في اتخاذهم‬
‫هذه الصور والتماثيل وعبادتها‪ ،‬بل إن فيها النهي الصريح‬

‫‪()1‬المصدر نفسه )‪.(1/306‬‬


‫‪()2‬الجوبة الفاخرة ص ‪.120‬‬
‫‪()3‬تخجيل من حرف التوراة والنجيل )‪.(2/589‬‬
‫‪()4‬الجواب الصحيح لمن يدل دين المسيح )‪.(350 - 1/346‬‬

‫‪-81-‬‬
‫عن ذلك ومنه ما جاء في سفر التثنية ‪ :‬ل تصنع لك تمثال ً‬
‫منحوتا ً صورة مما في السماء من فوق‪ ،‬وما في الرض‬
‫من أسفل‪ ،‬وما في الماء من تحت الرض ل تسجد لهن ول‬
‫تعبدهن لني أنا الرب إلهك غيور )‪(1‬وقد كانت هذه‬
‫الشعيرة لدى النصارى محدودة النطاق‪ ،‬ثم ما لبثت أن‬
‫نمت تدريجيا ً وانتشرت انتشارا ً واسعا ً ثم أصبحت من‬
‫ضمن الشعائر النصرانية وذلك عن طريق إقرارها في‬
‫مجامعهم‪ ،‬خاصة في المجتمع النيقاوي الثاني نسبة إلى‬
‫المدينة التي عقد فيها وهي – نيقية – عام ‪787‬م حيث‬
‫أصدر قرارا ً أيد فيه تعظيم صور المسيح وأمه والقديسيين‬
‫واتخاذها ليس فقط في الكنائس بل وفي البيوت )‪ ،(2‬ول‬
‫شك في خطورة اتخاذ الصور والتماثيل وتعظيمها على‬
‫عقيدة التوحيد‪ ،‬إذ كانت السبب الول لنحراف البشرية‬
‫من التوحيد إلى الشرك‪ ،‬ففي الحديث عن ابن عباس‬
‫رضي الله عنه في قوله تعالى‪" :‬وقالوا ل تذُرن ءالهتكم‬
‫ث ويعوق ونسرا")نوح‪ ،‬آية‪:‬‬ ‫سواعا ً ول يغوُ َ‬
‫ول تذرن ودا ً ول ُ‬
‫‪ .(23‬قال أسماء رجال صالحين من قوم نوح‪ ،‬فلما هلكوا‬
‫أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي‬
‫كانوا يجلسون فيها أنصابا ً وسموها بأسمائهم‪ ،‬ففعلوا‪ ،‬فلم‬
‫تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عبدت )‪ (3‬وقد كان‬
‫من ضمن الشعائر الوثنية النصرانية التي ناقشها العلماء‬
‫المسلمون في عصر الحروب الصليبية هذه الشعيرة‪ ،‬قال‬
‫القرافي‪ :‬وأكثر النصارى يسجد للتصاوير في الكنائس وهو‬
‫من كفرهم القبيح‪ ،‬وأي فرق بين عبادة الصنام والسجود‬
‫للتصاوير )‪ ،(4‬ثم وضح أن ذلك لو كان مشروعا ً في‬
‫النصرانية لسجد التلميذ للمسيح في حال حياته والنصارى‬
‫بتعظيمهم لهذه الصور والتماثيل مخالفون لتعاليم المسيح‬
‫ومخالفون لكتبهم حيث ليس فيها ما يدل على مشروعية‬
‫‪()1‬الكتاب المقدس‪ ،‬التوراة‪ ،‬سفر التثنية الصحاح )‪.(8 – 5/7‬‬
‫‪()2‬مجموع الشرع الكنسي ص ‪.70 - 69‬‬
‫‪()3‬البخاري ‪ ،‬كتاب التفسير رقم ‪.4920‬‬
‫‪()4‬الجوبة الفاخرة للقرافي ص ‪.131‬‬

‫‪-82-‬‬
‫ذلك )‪ ،(1‬وأشار الجعفري إلى أنه ل تكاد تخلو كنيسة من‬
‫كنائسهم من الصور والتماثيل متسائل ً عن مستند النصارى‬
‫في ذلك وما هو في الحقيقة إل العناد وعبادة النداد‪ ،‬إذ‬
‫الناجيل ليس فيها ما يدل على مشروعية ذلك‪ ،‬بل إن‬
‫التوراة تكفر عابد الصور والمسيح مصرح بأنه لم يأت‬
‫التوراة بل جـاء لكمالها )‪.(2‬‬

‫‪ -8‬حقيقة خوارق العادات لدى النصارى والتي‬


‫يلبسون‪ :‬وفي عصر الحروب الصليبية ناقش بعض‬
‫العلماء المسلمين ذلك لدى النصارى؛ إيقاظا ً للعقول‬
‫للهم؛ أمل ً في إزالة عقبة من‬ ‫الغافلة وكشفا ً لتلبيس ُ‬
‫ض ّ‬
‫العقبات المانعة من الهداية وما في ذلك من إقامة للحجة‬
‫عليهم بزوال ما قد يتعلقون به من هذه الخزعبلت حيث‬
‫قال الخزرجي مبينا ً سبب كثرة هذه الخزعبلت لدى‬
‫النصارى وموجها ً الخطاب لبعض قساوستهم في الندلس‪:‬‬
‫إن حذاقكم وعقلءكم لما علموا أن دينهم ليس له قاعدة‬
‫ينبني عليها‪ ،‬ول أصل يرجع إليه‪ ،‬جمعوا عقول المة‬
‫بتخيلت موهمة وأباطيل مزخرفة وضعوها في الكنائس‬
‫والمزارات )‪(3‬ومن خزعبلتهم أنهم وضعوا صورا ً من‬
‫الحجارة إذا قرئ النجيل عندها تبكي وتجري دموعها‪،‬‬
‫ويشاهدها الخاص والعام‪ ،‬فيعتقد العامة أن ذلك لما علمته‬
‫من أمر النجيل‪ ،‬ثم وضح حقيقة ذلك وهي أن لهذه‬
‫ق‬
‫الصورة مجار دقيقة في أجوافها متصلة من ورائها بز ٍ‬
‫مملوء بالماء فيعصره بعض الموكلين بذلك فيندفع الماء‬
‫في تلك المجاري وتخرج من عيون تلك الصنام على هيئة‬
‫دموع )‪.(4‬‬

‫‪()1‬الجوبة الفاخرة ص ‪.131‬‬


‫‪()2‬تخجيل من حرف التوراة والنجيل )‪.602 - 2/601‬‬
‫‪()3‬مقامع الصلبان ومراتع رياض اليمان ص ‪.267‬‬
‫‪()4‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/310‬‬

‫‪-83-‬‬
‫وبعد أن سرد الخزرجي صورا ً من هذا القبيل مبينا ً أنه‬
‫شاهد بعضها وسمع عن البعض الخر قرر أن هذه الهذيان‬
‫ل تجوز إل عليكم أيها النصارى‪ ،‬ول يتعبد بها من جهال‬
‫العالم غيركم )‪ ،(1‬ومن خزعبلتكم التي ذكرها القرافي‬
‫دعواهم أن مريم أم المسيح عليه السلم تنزل على دار‬
‫ف من السنة وهم‬ ‫المطران بطليطلة في يوم معرو ٍ‬
‫جازمون بذلك‪ .‬ثم تساءل القرافي مفندا ً ذلك هل نزول أم‬
‫مل‬ ‫المسيح بإذن الب أو بغير إذنه‪ ،‬فإن نزلت بإذنه فل َ‬
‫يرسل ملئكته ويوقر أم ولده ويصونها عن التبذل لرجل‬
‫أجنبي‪ ،‬وإن كان بغير إذنه فكيف اصطفى الب لنفسه من‬
‫يتفرق بغير إذنه )‪(2‬؟ وتتلخص هذه القصة في أنه لما‬
‫اشتدت الحال بالصليبيين المحاصرين في أنطاكية‪ ،‬جاءهم‬
‫الغوث من السماء بأن رأى أحد قساوستهم أن أحد‬
‫الحواريين جاءه في المنام ليريه مكانة الحربة التي طعن‬
‫بها السيد المسيح وأنها في كنيسة أمير الحواريين‪ ،‬حيث‬
‫فتشوا عنها حتى وجدوها )‪ :(3‬فطرحوا عنهم ما كان بهم‬
‫من الفزع‪ ،‬وتنفسوا الصعداء‪ ،‬وأحسوا أنه قد عاودهم‬
‫بأنهم من جديد )‪ .(4‬بل إن هناك البعض لجل هذه الحربة‬
‫رأى رأي العين أشباح الملئكة والرسل )‪ ،(5‬وعرض ابن‬
‫الثير هذه القصة مبينا ً أنها من حيل أحد القساوسة التي‬
‫لبس بها على العامة وصدقوه بها‪ ،‬ثم وضح أنه مما زاد‬
‫فتنتهم بهذه الحربة أن ظهروا على المسلمين في هذه‬
‫الموقعة )‪ ،(6‬وهكذا ناقش علماء هذه الفترة شعائر‬
‫النصارى وطقوسهم مبينين تحريفها وابتدعهم لها‪ ،‬وبطلن‬
‫ما استندوا عليه في إثباتها‪ ،‬بحيث يتضح لكل عاقل منهم‬
‫ضلل ما هم عليه بالتمسك بها وممارستها ويدركون مدى‬

‫‪()1‬مقامع الصلبان ومراتع رياض أهل اليمان ص ‪.268‬‬


‫‪()2‬الحروب الصليبية‪ ،‬وليم الصوري )‪.(337 – 1/326‬‬
‫‪()3‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(1/311‬‬
‫‪()4‬المصدر السابق )‪.(1/311‬‬
‫‪()5‬الكامل في التاريخ نقل ً عن دعوة المسلمين )‪.(1/311‬‬
‫‪()6‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(1/312‬‬

‫‪-84-‬‬
‫تلبيس علمائهم عليهم في تزيينها لهم والدعاء أنها من‬
‫صلب ديانتهم )‪.(1‬‬

‫خامسًا‪ :‬أهم الشبه التي أثارها النصارى في‬


‫عصر الحروب الصليبية‪:‬‬
‫منذ أن بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى عصرنا‬
‫الحاضر وأعداء السلم يثيرون الشبهات حول هذا الدين‪،‬‬
‫كأحد أسلحتهم في محاربته والحد من انتشاره‪ ،‬ولن‬
‫يفلحوا أبدا ً كما قال تعالى "يريدون ليطفئوا نور الله‬
‫بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون" )الصف‪،‬‬
‫الية‪ (8 :‬ولذلك فليس غريبا ً أن يكون هذا المر مما حرص‬
‫عليه النصارى في عصر الحروب الصليبية‪ ،‬ولسيما أن‬
‫هذه الفترة كانت من أشد فترات الصراع العسكري بينهم‬
‫وبين المسلمين وكثير من هذه الشبه التي أثارها النصارى‬
‫في هذه الفترة سبق وأن أثارها أعداء السلم قبلهم من‬
‫المشركين أو اليهود أو غيرهم ول شك أن الشبهات حجاب‬
‫يمنع قبول الحق خصوصا ً عند قوم مثل النصارى الذين‬
‫اتخذوا أحبارهم أربابا من دون الله‪ ،‬فالقول عندهم ما قاله‬
‫القسيس‪ ،‬لذلك حجب ضلل قساوستهم الحق عن‬
‫عامتهم‪ ،‬ولهذا من أهم طرق إرشادهم إلى الحق هو إزالة‬
‫هذه الشبه المانعة من قبوله عن الكثيرين منهم ولذلك‬
‫حرص كثير من العلماء في عصر الحروب على دحض‬
‫شبهات النصارى حول هذا الدين حماية له من تشويه‬
‫ضللتهم ورجاء أن يصل إلى عامتهم على الوجه الصحيح‬
‫فيكون ذلك أدعى في قبوله لديهم وفيما يلي عرض لهم‬

‫‪()1‬المصدر نفسه‪.‬‬

‫‪-85-‬‬
‫الشبه التي أثارها النصارى في هذه الفترة ونماذج من‬
‫تفنيد بعض العلماء المسلمين لها )‪.(1‬‬

‫‪ -1‬دعوى خصوصية رسالة النبي صلى الله عليه‬


‫وسلم بالعرب‪:‬‬
‫مما يتحدث به النصارى قديما ً وحديثا ً أن محمدا ً صلى الله‬
‫عليه وسلم نبي العرب خاصة وعلى ذلك قد شملهم‬
‫رسالة السلم‪ ،‬وفي عصر الحروب الصليبية أثيرت هذه‬
‫الشبهة وتصدى لها بعض العلماء المسلمين مفندين لها‬
‫موضحين الحق في عموم رسالة النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم إلى الناس كافة )‪ ،(2‬فقد ورد في رسالة لحد كتاب‬
‫النصارى موجهة إلى المسلمين في هذه الفترة ‪ .. :‬إن‬
‫محمدا ً صلى الله عليه وسلم لم يبعث إلينا‪ ،‬فل يجب علينا‬
‫اتباعه )‪ ،(3‬حيث استدل هذا النصراني بآيات من القرآن‬
‫إلى ما ذهب إليه منها قوله تعالى ‪" :‬إّنا أنزلناه قرءانا ً‬
‫عربيًا" )يوسف‪ ،‬آية‪ (3 :‬وقوله " وما أرسلنا من رسول إل‬
‫بلسان قومه" )إبراهيم‪ ،‬آية‪ (4 :‬وقوله " وما أرسلنا من‬
‫ل إل بلسان قومه" )إبراهيم‪ ،‬آية‪ (4:‬وقوله ‪ " :‬لُتنذر‬ ‫رسو ٍ‬
‫قوما ً ما أتهم من نذير من قبلك" )الجمعة‪ ،‬آية‪.(2:‬‬
‫وقوله" وأنذر عشيرتك القربين" )الشعراء‪ ،‬آية‪ (214 :‬ثم‬
‫قال هذا النصراني‪ :‬ل يلزمنا إل ما جاء بلساننا‪ ،‬وأتانا‬
‫بالتوراة والنجيل بلغتنا )‪(4‬وكان رد القرافي على هذه‬
‫الشبهة على النحو التالي‪:‬‬

‫أ‪ -‬إن الحكمة من إرسال الرسل عموما ً بألسنة أقوامهم‬


‫ليكون ذلك أبلغ في الفهم بينه وبينهم حتى تقوم الحجة‬

‫‪()1‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/314‬‬


‫‪()2‬المصدر نفسه )‪.(1/315‬‬
‫‪()3‬المصدر نفسه )‪.(1/315‬‬
‫‪()4‬الجوبة الفاخرة للقرافي ص ‪.9‬‬

‫‪-86-‬‬
‫وتزول الشبهات ويحصل البلغ‪ ،‬ليكون ذلك أدعى إلى فهم‬
‫غيرهم )‪.(1‬‬
‫ب‪ -‬أن هناك فرقا ً بين قوله تعالى‪" :‬وما أرسلنا من‬
‫ل إل بلسان قومه" )إبراهيم‪ ،‬آية‪ (4 :‬وبين أن يقال‬ ‫رسو ٍ‬
‫"وما أرسلنا من رسول إل لقومه" فالقول الثاني هو‬
‫المفيد لختصاص الرسالة بهم ل الول‪.‬‬
‫ج‪ -‬أنه لو صح ما احتج به هذا النصراني من كون القرآن‬
‫عربيا ً والنبي صلى الله عليه وسلم يتكلم العربية فهو‬
‫مرسل إلى العرب‪ ،‬لكان النصارى كلهم مخطئين في اتباع‬
‫أحكام التوراة‪ ،‬فإنها نزلت بغير لسانهم‪ ،‬وكذلك القبط‬
‫والحبشة ما علموا التوراة والنجيل إل كما يعلم الروم‬
‫اللسان العربي بطريق التعليم )‪.(2‬‬
‫د‪ -‬أنه وردت آيات كثيرة تدل على عموم الرسالة فإذا كان‬
‫النصارى يعتقدون أصل الرسالة لكنها مخصوصة بالعرب‪،‬‬
‫يلزمهم التعميم لهذه اليات‪ ،‬كقوله تعالى‪" :‬وما أرسلناك‬
‫إل كافة للناس بشيرا ً ونذيرًا" )سبأ‪ ،‬آية‪ (28 :‬وقد بين‬
‫بعض العلماء المسلمين المعنى الصحيح لليات التي‬
‫استدل بها هذا النصراني على خصوصية الرسالة للعرب‪،‬‬
‫فكون القرآن باللغة العربية ومحمد صلى الله عليه وسلم‬
‫أرسل بلسان قومه العرب ل يفهم منه اختصاص رسالته‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬حيث وضح كل من البغوي والرازي‬
‫أن سبب إرسال الرسل بألسنة أقوامهم ليكون ذلك أدعى‬
‫للفهم عنهم وأبعد عن الغلط )‪ ،(3‬ثم قال البغوي ‪ :‬كيف هذا‬
‫ي صلى الله عليه وسلم بلسان قومه‬ ‫؟ ‪ -‬أي إرسال النب ّ‬
‫وقد بعث إلى كافة الخلق؟ قبل بعث من العرب بلسانهم‬
‫والناس لهم تبع‪ ،‬ثم بث الرسل إلى الطراف يدعونهم إلى‬
‫الله عز وجل‪ ،‬ويترجمون لهم بألسنتهم )‪ .(4‬وبين الرازي‬
‫أنه ل يفهم من قوله تعالى‪" :‬وما أرسلنا من رسول إل‬
‫‪()1‬المصدر نفسه ص ‪.10‬‬
‫‪()2‬المصدر نفسه ص ‪.10‬‬
‫‪()3‬معالم التنزيل للبغوي )‪.(4/335‬‬
‫‪()4‬معالم التنزيل للبغوي )‪.(4/335‬‬

‫‪-87-‬‬
‫بلسان قومه")إبراهيم ‪ ،‬الية‪ (4 :‬خصوصية رسالة النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم بالعرب‪ ،‬وذلك لليات الكثيرة الدالة‬
‫على إرساله إلى الناس كافة‪ ،‬ولحتمال أن المراد من –‬
‫قومه – في الية أي أهل بلده وليس أهل دعوته‪ ،‬ولن‬
‫التحدي بالقرآن‪ ،‬وقع لجميع الثقلين النس والجن ولم يكن‬
‫للعرب خاصة‪ ،‬قال تعالى ‪" :‬قل لِئن اجتمعت النس‬
‫والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ل يأتون بمثله ولو‬
‫كان بعضهم لبعض ظهيرًا" السراء‪ ،‬آية‪ .(1) (88 :‬وقوله‬
‫تعالى‪" :‬لتنذر قوما ً ما أتاهم من نذير من قبلك" )القصص‪،‬‬
‫آية‪ (46 :‬ل يفهم منه خصوصية رسالته صلى الله عليه‬
‫وسلم بالعرب الذين لم يأتهم نذير قبله‪ ،‬ول يعني ذلك‬
‫عدم إرساله لهل الكتاب الذين جاءتهم الرسل‪ ،‬ففي‬
‫تفسير قوله تعالى ‪" :‬لُتنذر قوما ما أنذر ءاباؤهم" )يس‪،‬‬
‫آية‪.(6 :‬‬

‫وبعد أن أورد الرازي هذه الشبهة وضح أن المراد بالية‬


‫أي‪ :‬تنذر قوما ً ما أنذروا بعدما ضلوا عن رسالة الرسول‬
‫المتقدم فيدخل في ذلك اليهود والنصارى‪ ،‬لن ذلك دليل‬
‫على أن النبي صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى الخلق‬
‫كافة )‪ (2‬وأما قوله تعالى‪" :‬هو الذي بعث في الميين‬
‫رسول ً منهم" )الجمعة‪ ،‬آية‪.(2 :‬‬

‫فبعد أن بين ابن الجوزي أن المراد بالميين العرب نقل‬


‫عن بعض العلماء في معنى الية التي بعدها‪ ،‬وهي قوله‬
‫تعالى ‪" :‬وءاخرين منهم لما يلحقوا بهم" )الجمعة‪ ،‬آية‪(3 :‬‬
‫فدلت الية بذلك على عموم الرسالة وليس خصوصيتها‬
‫للعرب دون غيرهم وبعد أن أورد الرازي احتجاج أهل‬
‫الكتاب بهذه الية على خصوصية رسالة محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم للعرب رد على ذلك بقوله‪ :‬إنه ل يلزم من‬
‫‪()1‬تفسير الرازي )‪.(10/63‬‬
‫‪()2‬المصدر نفسه )‪.(13/38‬‬

‫‪-88-‬‬
‫تخصيص الشيء بالذكر نفي ما عداه‪ ،‬أل ترى إلى قوله‬
‫تعالى ‪" :‬ول تخطه بيمينك" )العنكبوت‪ ،‬آية‪ (48 :‬أنه ل‬
‫يفهم منه أنه يخطه بشماله )‪ ،(1‬ولليات الدالة على عموم‬
‫الرسالة كقوله تعالى‪" :‬كافة للناس بشيرا ً ونذيرًا" )سورة‬
‫سبأ‪ ،‬آية‪ ،(28 :‬ثم إن قوله تعالى‪" :‬وءاخرين منهم"‬
‫)الجمعة‪ ،‬آية‪ (3:‬أن المراد كل من دخل السلم بعد النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة‪ ،‬فيكون المراد‬
‫بالميين العرب وبالخرين سواهم من المم )‪ ،(2‬ول يدل‬
‫قوله تعالى‪" :‬وأنذر عشيرتك القربين" )الشعراء‪ ،‬آية‪:‬‬
‫‪.(214‬‬
‫على خصوصية الرسالة بهم دون سواهم‪ ،‬حيث وضح‬
‫القرافي أن تخصيصهم؛ لكونهم أولى الناس بالدعوة‬
‫لقرابتهم منه صلى الله عليه وسلم )‪ ،(3‬وذكر الرازي أن‬
‫تخصيصهم بالنذار في هذه الية بالضافة إلى قرابتهم منه‬
‫صلى الله عليه وسلم جاء أيضا ً لعظم شركهم كتكذيبهم‬
‫بالحشر الذي تجاوز كفر أهل الكتاب المكذبين بنبوته صلى‬
‫الله عليه وسلم )‪ (4‬وختم القرافي رده على استدلل هذا‬
‫النصراني بهذه اليات وما شابهها على خصوصية رسالة‬
‫المصطفى صلى عليه بالعرب بقوله‪ :‬فهذه اللفاظ ألفاظ‬
‫لغتنا ونحن أعلم بها‪ ،‬وإذا كان عليه السلم هو المتكلم بها‬
‫ولم يفهم تخصيص الرسالة ول إرادته‪ ،‬بل أنذر الروم‬
‫والفرس وسائر المم‪ ،‬والعرب لم تفهم ذلك‪ ،‬وأعداؤه من‬
‫أهل زمانه لم يدعوا ذلك ول فهموه‪ ،‬ولو فهموه لقاموا به‬
‫الحجة عليه‪ ،‬ونحن أيضا ً لم نفهم ذلك فما فهمه إل هذا‬
‫النصراني الذي ساء سمعا ً فسار إجابة )‪ ،(5‬وخاطب‬
‫القرطبي النصارى مبينا ً أنه ل يسعهم أن يستدلوا ببعض ما‬
‫جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ويتركوا البعض الخر‪،‬‬

‫‪()1‬المصدر نفسه )‪.(15/5‬‬


‫‪()2‬المصدر نفسه )‪.(5/5‬‬
‫‪()3‬الجوبة الفاخرة ص ‪.12‬‬
‫‪()4‬تفسير الرازي )‪.(13/146‬‬
‫‪()5‬الجوبة الفاخرة ص ‪.12‬‬

‫‪-89-‬‬
‫فيجب عليهم أن يقبلوا ما جاء به إذا قبلوا بعضه‪ ،‬وذلك‬
‫باستدللهم بهذه اليات وما شابهها على خصوصية‬
‫الرسالة‪ ،‬وهو القائل صلى الله عليه وسلم أنه مرسل إلى‬
‫عد ابن الجوزي‬ ‫الناس كافة وقد ظهر صدقه في قوله )‪(1‬و ّ‬
‫هذه الدعوى من النصارى أنها من تلبيس إبليس عليهم‬
‫وإل فمتى أثبتوا لمحمد أصل صلى الله عليه وسلم أصل‬
‫ي ل يكذب‪ ،‬وقد بين صلى الله‬ ‫الرسالة والنّبوة‪ ،‬فإن النب ّ‬
‫عليه وسلم أنه بعث إلى الناس كافة‪ ،‬وكتب إلى قيصر‬
‫وكسرى وسائر ملوك العاجم )‪(2‬وهكذا من خلل ما سبق‬
‫لم ُيبق العلماء المسلمون للنصارى ما يتعلقون به في‬
‫دعواهم خصوصية رسالة النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫بالعرب‪ ،‬فلم يبق لهم بعد ذلك إل قبول الحق واتباع‬
‫المصطفى صلى الله عليه وسلم وترك العناد والمكابرة‬
‫وانتحال الحجج )‪.(3‬‬

‫‪ -2‬دعوى أن القرآن ورد بتعظيم النصارى والثناء‬


‫عليهم‪:‬‬
‫ففي رسالة لحد الكتاب النصارى كتبها على لسانهم‬
‫موجهة إلى المسلمين في عصر الحروب الصليبية كان من‬
‫ضمن ما أورده من الشبه فيها أن القرآن ورد بتعظيم‬
‫النصارى والثناء عليهم متمثل ً في ذلك فيما يلي‪:‬‬
‫أ‪ -‬تقديم بيع النصارى وصوامعهم على مساجد المسلمين‬
‫في قوله تعالى ‪ " :‬الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إل‬
‫أن يقولوا ربنا الله ولول دفع الله الناس بعضهم ببعض‬
‫ُلهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اس ُ‬
‫م الله‬
‫صرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز")الحج‪،‬‬ ‫كثيرا ً ولين ُ‬
‫آية‪.(40 :‬‬

‫‪()1‬العلم بما في دين النصارى من الفساد والوهام ص ‪.447‬‬


‫‪()2‬تلبيس إبليس ص ‪.73‬‬
‫‪()3‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/320‬‬

‫‪-90-‬‬
‫ب‪ -‬تعظيم القرآن الكريم للنجيل كما في قوله تعالى ‪:‬‬
‫ل من قبلك جاءوا بالبينات‬ ‫س ٌ‬ ‫ذبوك فقد ُ‬
‫كذب ُر ُ‬ ‫"فإن ك ّ‬
‫والّزُبر والكتاب المنير" )آل عمران‪ ،‬آية‪ (84 :‬والكتاب هنا‬
‫هو النجيل وقوله تعالى "وقفينا على ءاثارهم بعيسى ابن‬
‫مريم مصدقا ً لما بين يديه من التوراة وءاتينه النجيل فيه‬
‫هدي ونور ومصدقا ً لما بين يديه من التوراة وهدى‬
‫وموعظة للمتقين")المائدة‪ ،‬الية‪ (46 :‬وقوله تعالى‪:‬‬
‫"وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا ً لما بين يديه من‬
‫الكتاب ومهيمنا ً عليه فأحكم بينهم بما أنزل الله ول تتبع‬
‫أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة‬
‫ومنهاجا ً ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم‬
‫في ما ءاتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا ً‬
‫فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون" )المائدة‪ ،‬الية‪.(48 :‬‬

‫ج‪ -‬مدح القرآن للنصارى كما في قوله تعالى‪" :‬لتجدن‬


‫شد الناس عداوة للذين ءامنوا اليهود والذين أشركوا‬ ‫أ ّ‬
‫ن أقربهم مودة للذين ءامنوا الذين قالوا إنا نصارى‬
‫ولتجد ّ‬
‫ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم ل يستكبون"‬
‫)المائدة‪ ،‬آية‪ .(82 :‬وقوله "ول تجادلوا أهل الكتاب إل‬
‫بالتي هي أحسن" )العنكبوت الية‪.(1) (46 :‬‬

‫وقد فند القرافي هذه الشبهة مبينا ً أن المراد بقوله ‪:‬‬


‫"ولول الشرار في كل زمان بوجود الخيار‪ ،‬فزمن موسى‬
‫عليه السلم يسلم أهل الرض من بلء يعمهم بسبب من‬
‫فيهم من أهل الستقامة وإل لعمهم الهلك وهدمت صوامع‬
‫يعبد الله فيها على الدين الصحيح حسب الشريعة‬
‫الموسوية‪ ،‬وكذلك زمان عيسى وزمان محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم)‪.(2‬‬

‫‪()1‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/322‬‬


‫‪()2‬المصدر نفسه )‪.(1/322‬‬

‫‪-91-‬‬
‫وقال البغوي في معنى الية‪ :‬أي ولول دفع الله الناس‬
‫بعضهم ببعض لهدم في شريعة كل نبي مكان صلتهم‪،‬‬
‫لهدم في زمن موسى الكنائس‪ ،‬وفي زمن عيسى البيع‬
‫والصوامع وفي زمن محمد صلى الله عليه وسلم المساجد‬
‫)‪(1‬وأما وجه تقديم الصوامع والبيع على المساجد فوضح‬
‫القرافي أن ذلك ليس لفضليتها بل على العكس‪ ،‬فتأخيرها‬
‫لفضليتها ومكانها نظير قول القائل‪ :‬فلن يغالب المائة‬
‫واللف)‪ ،(2‬وقولهم‪ :‬ل أبخل عليك بالدرهم والدينار‬
‫فالترتيب من الدنى إلى العلى‪ ،‬وتأخير المسجد لشرفها‪،‬‬
‫وأن هدمها أعظم من هدم غيرها )‪ ،(3‬ووضح الرازي سبب‬
‫تقديم الصوامع والبيع في الذكر كما في قوله تعالى‪:‬‬
‫"ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله")‪ (4‬وزاد القرافي أن‬
‫هذه الية خصت المساجد بمزيد فضل‪ ،‬إذ بينت أنه يذكر‬
‫اسم الله فيها كثيرًا‪ ،‬حيث أن الضمير في اللغة العربية‬
‫يعود إلى أقرب مذكور وأقرب مذكور في الية إلى هذا‬
‫الوصف هو المساجد )‪(5‬ووضح القرطبي أن من أسباب‬
‫تقديم مساجد أهل الذمة ومصلياتهم على مساجد‬
‫المسلمين أنها أقدم بناء من المساجد)‪ ،(6‬وأما ما يتعلق‬
‫بتعظيم القرآن للنجيل كما في قوله تعالى‪" :‬فإن كذبوك‬
‫ك جاءو بالبيانات والزبر والكتاب‬‫ب رسل من قبل َ‬ ‫فقد ك ُذ ّ َ‬
‫المنير" )آل عمران‪ ،‬آية‪ (184 :‬فقد بين القرافي أن "أل"‬
‫لستغراق الجنس إشارة إلى جميع الكتب المنزلة‬
‫المتقدمة)‪ (7‬أي الكتب النيرة بالبراهين والحجج )‪،(8‬‬
‫والمقصود بها الكتب المنزلة ل المبدلة التي بأيدي‬
‫‪()1‬معالم التنزيل للبغوي )‪.(5/389‬‬
‫‪()2‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(1/323‬‬
‫‪()3‬الجوبة الفاخرة ص ‪.19 - 18‬‬
‫‪()4‬تفسير الرازي )‪.(37 – 12/36‬‬
‫‪()5‬الجوبة الفاخرة ص ‪.19 - 18‬‬
‫‪()6‬الجامع لحكام القرآن )‪.(6/49‬‬
‫‪()7‬الجوبة الفاخرة ص ‪.21‬‬
‫‪()8‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(1/324‬‬

‫‪-92-‬‬
‫النصارى إذ هي غاية الوهن والضعف وسقم الحظ والرواية‬
‫والقطاع السن بحيث ل يوثق بشيء منها )‪(1‬ووضح الرازي‬
‫أن في هذه الية زيادة فضل للقرآن على الكتب‬
‫المتقدمة‪ ،‬وذلك أن المراد بالبينات المعجزات‪ ،‬وعطف‬
‫الزبر والكتاب عليها يقتضي المغايرة‪ ،‬أي أن معجزات‬
‫النبياء السابقين كانت مغايرة لكتبهم وذلك يدل على أن‬
‫أحدا ً من النبياء ما كانت كتبهم معجزة لهم كالتوراة‬
‫والنجيل والزبور والصحف‪ ،‬بعكس‪ ،‬القرآن فهو وحده‬
‫معجزة‪ ،‬وهذا من خصائص رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم )‪ .(2‬وأما قوله تعالى " وءاتيناه النجيل فيه هدى‬
‫ونور")المائدة‪ ،‬آية‪ ،(46 :‬فقد بين الرازي معنى هذه الية‬
‫بما هو حجة على النصارى وذلك أن الهدى الذي في‬
‫النجيل هو اشتماله على الدلئل على توحيد الله وتنزيهه‬
‫عن الصاحبة والولد والند‪ ،‬والمثل‪ ،‬أما كونه مصدقا ً لما بين‬
‫يديه أي مبشرا ً بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫ومقدمه‪ ،‬كذلك كونه هدى مرة أخرى‪ ،‬لشتماله على‬
‫البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم فيكون ذلك‪ .‬النجيل‬
‫سببا ً لهتداء الناس إلى نّبوة محمد صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫ول شك أن أشد وجوه المنازعة بين المسلمين وبين اليهود‬
‫وة محمد صلى الله عليه وسلم‪،‬‬ ‫والنصارى هي إنكار بن ّ‬
‫ولذلك نبه سبحانه وتعالى في هذه الية أن النجيل يدل‬
‫وته‪ ،‬فكان النجيل هدى في هذه‬ ‫دللة ظاهرة على نب ّ‬
‫المسألة التي هي أشد المسائل احتياجا ً إلى البيان‬
‫والتقرير )‪ ،(3‬ولذلك قال سبحانه وتعالى بعد هذه الية‬
‫"وليحكم أهل النجيل بما أنزل الله فيه" )المائدة‪ ،‬آية‪:‬‬
‫‪ (47‬أي ليقرأ أهل النجيل بما أنزل الله فيه على الوجه‬
‫الذي أنزله الله فيه من غير تحريف ول تبديل‪ ،‬ومن ذلك‬
‫اليمان بما أنزله الله فيه من الدلئل على نّبوة محمد‬

‫‪()1‬الجوبة الفاخرة ص ‪.21‬‬


‫‪()2‬تفسير الرازي )‪.(5/101‬‬
‫‪()3‬المصدر نفسه )‪.(6/10‬‬

‫‪-93-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم )‪ .(1‬وقوله تعالى "وأنزلنا إليك‬
‫الكتاب بالحق مصدقا ً لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا ً‬
‫عليه" )المائدة‪ ،‬آية‪ (48 :‬وضح القرافي أن المراد تصديق‬
‫الكتب المنزلة ل المبدلة وهذا ل يمترى فيه عاقل )‪ (2‬وأما‬
‫ن‬
‫ما يتعلق بمدح القرآن للنصارى ففي قوله تعالى‪" :‬لتجد ّ‬
‫الناس عداوة للذين ءامنوا اليهود والذين أشركوا"‬
‫)المائدة‪ ،‬آية‪ (82 :‬قال القرطبي ‪ :‬هذه الية نزلت في‬
‫النجاشي وأصحابه لما قدم عليه المسلمون في الهجرة‬
‫الولى )‪ .(3‬وقال البغوي‪ :‬لم يرد به جميع النصارى لنهم‬
‫في عداوتهم المسلمين كاليهود في قتلهم المسلمين‬
‫وأسرهم وتخريبهم بلدهم وهدم مساجدهم وإحراق‬
‫مصاحفهم‪ ،‬ل ولء ول كرامة لهم‪ ،‬بل الية فيمن أسلم‬
‫منهم مثل النجاشي وأصحابه )‪ .(4‬وفي قوله تعالى ‪" :‬ول‬
‫تجادلوا أهل الكتاب إل بالتي هي أحسن" )العنكبوت‪ ،‬الية‪:‬‬
‫‪ ،(46‬بين القرافي أن في ذلك دليل ً على أنهم على‬
‫الباطل‪ ،‬ولو كانوا على الحق ما احتاج المسلمون إلى‬
‫جدالهم )‪ .(5‬وهكذا فند العلماء المسلمون في عصر‬
‫الحروب الصليبية شبه النصارى حول هذه اليات وأمثالها‬
‫والتي تعلقوا بها زعماء منهم أن فيها ثناء عليهم وإقرارا ً‬
‫لباطلهم موضحين المعنى الصحيح لها إزالة للشبهة وإقامة‬
‫للحجة )‪.(6‬‬

‫‪ -3‬شبهات تعدد الزوجات في السلم‪ :‬وفي عصر‬


‫الحروب الصليبية كان من ضمن كتاب لحد القساوسة‬
‫النصارى إلى أبي عبيد الخزرجي الشارة إلى أن‬
‫المسلمين خالفوا فعل آدم عليه السلم أبي البشر الذي‬

‫‪()1‬المصدر نفسه )‪.(6/10‬‬


‫‪()2‬الجوبة الفاخرة ص ‪.21‬‬
‫‪()3‬الجامع لحكام القرآن )‪.(3/165‬‬
‫‪()4‬معالم التنزيل‪ ،‬للبغوي )‪.(3/85‬‬
‫‪()5‬الجوبة الفاخرة ص ‪.29‬‬
‫‪()6‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/327‬‬

‫‪-94-‬‬
‫لم تكن له إل زوجة واحدة‪ ،‬وخالفوا التوراة وذلك بإباحة‬
‫التعدد وقد أشار القرطبي إلى تعريض أحد كبارهم بإباحة‬
‫التعدد في السلم بقول هذا النصراني عن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ... :‬ثم أمر بالكثار من النساء ورخص‬
‫في طلقهن‪ ،‬وأحل تزويج المطلقات الفاجرات )‪ .(1‬وقد‬
‫كان رد بعض العلماء المسلمين في عصر الحروب‬
‫الصليبية على هذه الشبهة على النحو التالي‪:‬‬

‫أ‪ -‬التعدد تشريع إلهي يجب التسليم له حيث قال‬


‫الخزرجي‪ :‬فإن الذي أمرنا الله به من النكاح‪ ،‬وسن لنا‬
‫الطلق ليس لعاقل انتقاده لن قبولنا لذلك إنما هو بعد‬
‫ثبوت الصل )‪(2‬وقال القرطبي في رده على أحد قساوسة‬
‫الندلس ‪ :‬فذلك – أي التعدد – ما ل ينبغي أن ينكره أحد‬
‫من العقلء‪ ،‬فإنه من مجوزات العقول وقد ورد بذلك‬
‫الشرع الصادق المنقول )‪.(3‬‬

‫ب‪ -‬إن التعدد كان لدى بني إسرائيل ونصت عليه التوراة‪،‬‬
‫بل إن فيها الجمع بين القريبات المحرم الجمع بينهن في‬
‫السلم‪ ،‬قال القرطبي في رده على القسيس‬
‫النصراني‪ .. :‬ألم يجئ في التوراة أن إبراهيم كانت له‬
‫سارة وهاجر‪ ،‬وكذلك ما ورد فيها أن يعقوب بين ليئة‬
‫وراجيل‪ ،‬وقد ثبت أيضا ً أن سليمان كانت لها مائة امرأة أو‬
‫تسعة وتسعون )‪ (4‬ثم ألزم القرطبي هذا النصراني بما ل‬
‫مفر له منه وذلك بقوله‪ :‬فإن كذبتم شرعنا لجل أنه‬
‫اشتمل على جواز نكاح نساء كثيرة فلتكذبوا بنبوةّ إبراهيم‬
‫ويعقوب وسليمان ول فرق بين نبّينا وبين هؤلء النبياء في‬
‫أن كل واحد منهم رسول يبلغ حكم الله )‪.(5‬‬
‫‪()1‬العلم بما في دين النصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/327‬‬
‫‪()2‬مقامع الصلبان ومراتع أهل اليمان ص ‪.262‬‬
‫‪()3‬العلم بما في دين النصارى من الفساد والوهام ص ‪.454‬‬
‫‪()4‬دعو المسلمين للنصارى )‪.(1/330‬‬
‫‪()5‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/330‬‬

‫‪-95-‬‬
‫ج‪ -‬أن التعدد ليس فيه مخالفة لفعل آدم أبي البشر‪ ،‬حيث‬
‫وضح الخزرجي أن اقتصار آدم عليه السلم على زوجة‬
‫واحدة ضرورة لعدم وجود أخرى‪ ،‬ولذلك زوج ابنه بنته )‪.(1‬‬

‫د‪ -‬أن التعدد فيه من الحكم العظيمة ما يجل عن الحصر‪،‬‬


‫حيث أشار القرطبي إلى جانب من هذه الحكم والتي من‬
‫أعظمها تكثير النسل‪ ،‬وعمارة الدنيا بالذرية الصالحة )‪.(2‬‬

‫ه ‪ -‬أن التعدد في السلم مشروط بالعدل بين الزوجات‬


‫فبعد أن وضح ابن الجوزي بعض أحكام التعدد في تفسير‬
‫قوله تعالى ‪" :‬فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى‬
‫وثلث ورباع" )النساء‪ ،‬آية‪ .(3:‬قال "‪ ..‬فإن خفتم أل تعدلوا‬
‫بين هؤلء الربع فانكحوا واحدة)‪ .(3‬وهكذا بين العلماء‬
‫المسلمون في هذه الفترة أن تعدد الزوجات تشريع إلهي‬
‫ليس في السلم فحسب‪ ،‬بل ولدي النبياء السابقين‪،‬‬
‫وأبطلوا كذلك ما تعلق به النصارى من شبه حول هذا‬
‫المر القصد منها تشويه الدين السلمي والتنفير منه‬
‫ليظهر جليا ً عناد النصارى في هذا المر وانحرافهم عن‬
‫الفطرة البشرية والسنة اللهية اتباعا ً لهوائهم وطاعة‬
‫لكبرائهم )‪.(4‬‬

‫‪ -4‬دعوى انتشار السلم بالسيف‪ :‬من أقد الشبه‬


‫التي أثارها أعداء السلم وما زالوا يثيرونها انتشاره‬
‫بالسيف‪ ،‬وقد علقوا عن أهداف الجهاد والسامية في‬
‫السلم والتي منها‪ ،‬ردا ً اعتداء المعتدين على المسلمين‪،‬‬

‫‪()1‬مقامع الصلبان ص ‪.263‬‬


‫‪()2‬العلم بما في دين النصارى من الفساد والوهام ص ‪.405‬‬
‫‪()3‬زاد المسير )‪.(2/82‬‬
‫‪()4‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(1/331‬‬

‫‪-96-‬‬
‫وإزالة الحجب والحواجز والعراقيل التي تقف أمام الدعوة‬
‫السلمية كي ل تصل إلى‪ ،‬وحراسة الدين وحمايته من‬
‫أهل الباطل‪ ،‬وتأديب ناكثي العهد من المعاهدين وإغاثة‬
‫المظلومين والمستضعفين من المسلمين)‪ (1‬وفي عصر‬
‫الحروب الصليبية كان من ضمن أثارة النصارى ضد‬
‫السلم دعوى انتشاره بالسيف‪ ،‬إذ قال أحد قساوستهم‬
‫في رسالة له إلى أبي عبيدة الخزرجي ‪ ... :‬ودين الصليب‬
‫فشا في الرض دون سيف ول قهر‪ ،‬ودينكم إنما ظهر‬
‫)‪(2‬‬
‫بالسيف والقهر في الرض‬
‫وقد تصدى علماء المسلمين للرد على النصارى في هذه‬
‫الدعوى وكان ذلك على النحو التالي‪:‬‬

‫أ‪ -‬بيان أن انتشار النصرانية ما كان إل بسبب القتال ولول‬


‫ذلك لما بقي منها أثر قال الخزرجي حول ذلك في رده‬
‫على أحد قساوسة النصارى‪ ... :‬فكأنك قد غفلت عما كتبه‬
‫مؤرخوكم وغيرهم من أن ابتداء دينكم إنما كان بأسباب‬
‫القتال مع اليهود وكنتم تحرقونهم بالنيران‪ ،‬وتغرقونهم في‬
‫البحار وتعملون فيهم جميع أنواع الذل والهوان ولول ذلك‬
‫لم يبق لكم اليهود أثرا ً )‪ .(3‬وقال القرافي حول هذه‬
‫الشبهة من قبل النصارى ‪ :‬فلو التزموا شريعتهم في‬
‫المسألة لم تقم لهم قائمة‪ ،‬ولم يبق منهم باقية )‪.(4‬‬
‫ب‪ -‬أن النصارى في واقع أمرهم مخالفون لشريعتهم التي‬
‫تحثهم على الصلح والمسالمة وعدم القتال والبتعاد عن‬
‫المنازعة إلى أن تقوم الساعة حيث أورد الخزرجي‬
‫نصوصا ً من النجيل في ذلك منها‪ :‬ل تقاوموا الشر‪ ،‬بل من‬
‫لطمك على خدك اليمن فحول له الخر أيضا ً )‪ .(5‬وقوله‪:‬‬
‫ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فأترك له الرداء أيضًا‪،‬‬
‫‪()1‬المصدر نفسه )‪.(1/333‬‬
‫‪()2‬مقامع الصلبان ومراتع أهل اليمان ص ‪.115‬‬
‫‪()3‬مقامع الصلبان ومراتع أهل اليمان ص ‪.285‬‬
‫‪()4‬الجوبة الفاخرة ص ‪.89‬‬
‫‪()5‬الكتاب المقدس‪ ،‬إنجيل متى الصحاح )‪.(5/39‬‬

‫‪-97-‬‬
‫ومن سخرك ميل ً واحدا ً فأذهب معه اثنين‪ ..‬أحبوا أعداءكم‬
‫باركوا لعنيكم‪ ،‬أحسنوا إلى مبغضيكم )‪ ،(1‬ثم عقب‬
‫الخزرجي على ذلك بقوله‪ .. :‬ومع ذلك فإنا نراكم – أي‬
‫النصارى – أشد الناس تكالبا ً وحرصا ً على القتل والقتال‬
‫وبسط اليدي العتساف في أقطار الرض‪ ،‬تقتلون‬
‫النفوس وتسلبون الموال ‪ ..‬مع تحريم إنجيلكم ذلك‬
‫عليكم وإيجابه الستسلم لعدائكم‪ ،‬ومن استحل حرمات‬
‫الله تعالى فهو أشد الناس كفرا ً بالله وكتبه وأحكامه وقال‬
‫القرطبي في مناقشة لهذه الدعوى ‪ :‬وأعجب من ذلك ‪-‬‬
‫أي دعواهم انتشار السلم بالسيف – تلبسهم بالقتال‬
‫والكثار منه أبد الدهر إلى اليوم‪ ،‬وهم مع ذلك ّيدعون أن‬
‫القتال غير مشروع لهم ويذمون الشريعة التي جاءت به‪،‬‬
‫فهم قد ناقضت أفعالهم أقوالهم وشهدت على كذبهم‬
‫أحوالهم )‪.(2‬‬

‫ج‪ -‬إن كان القتال في السلم عيبا ً فهو كذلك‬


‫في المم السابقة‪:‬‬
‫إذ قال الخزرجي في مناقشة للقسيس النصراني حول‬
‫هذه الدعوى فإن كنت قلت ذلك لتعيب به السلم‪ ،‬فإنك‬
‫عبت موسى بن عمران ويوشع بن نون ومن قبلهما ومن‬
‫بعدهما من النبياء عليهم الصلة والسلم‪ ،‬فإنهم حاربوا‬
‫المم الطاغية ببلدهم )‪.(3‬‬

‫د‪ -‬إن القتال سنة أهل الحق مع أهل الضلل والمسلمون‬


‫على هذه السنة حيث وضح كل من الخزرجي والقرافي‬
‫ذلك‪ ،‬ومن ثم فالقتال من مناقب المسلمين وحسناتهم‪ ،‬ل‬
‫من معائبهم وسيئاتهم )‪.(4‬‬

‫‪()1‬مقامع الصلبان ص ‪.286‬‬


‫‪()2‬العلم بما في دين النصارى من الفساد والوهام ص ‪.452‬‬
‫‪()3‬مقامع الصلبان ومراتع أهل اليمان ص ‪.285‬‬
‫‪()4‬الجوبة الفاخرة ص ‪.90‬‬

‫‪-98-‬‬
‫ه ‪ -‬إن الجهاد في السلم من أسباب حماية الدعوة‪ :‬حيث‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ظل‬ ‫وضح الخزرجي ذلك بأن النب ّ‬
‫في قومه زمنا ً يدعوهم إلى عبادة الله وحده ونبذ الصنام‬
‫والوثان فحاربه قومه وآذوه وضيقوا عليه وأصحابه‪ ،‬فكان‬
‫الجهاد رافعا ً لهذا الذى ومكسبا ً قوة وهيبة للمسلمين‪،‬‬
‫وممكنا ً لدعوة الحق‪ ،‬وبسبب عدم وجود ذلك في‬
‫النصرانية فإن الدين الصحيح الذي جاء به المسيح عليه‬
‫السلم ظل أهله مستضعفين بعده فترة فتلشى وحرف‬
‫وبدل‪ ،‬وما عليه النصارى اليوم إنما أفشاه قسطنطنين ابن‬
‫هلنة بالقهر والغلبة )‪ ،(1‬فكان عدم تشريع الجهاد في بداية‬
‫النصرانية من أسباب ضعفها ومن ثم تحريفها وتبديلها‪.‬‬

‫و‪ -‬إن القتال في السلم ل يكون إل بعد قيام الحجة‪:‬‬


‫حيث وضح ابن المتطبب أن جهاد النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم كان بعد صبر دام أكثر من ثلثة عشرة سنة من‬
‫الدعوة باللين وإقامة الحجة‪ ،‬ثم كان المر بالقتال بعد‬
‫ظهور المعجزة‪ ،‬وقيام الحجة‪ ،‬ووضوح الدللة وما كان‬
‫إشهار السيف أبدا ً إل بعد النذار والعذار )‪.(2‬‬

‫‪ -5‬دعوى عدم جزم المسلمين بصحة القرآن‬


‫لختلف الصحابة في جمعه وتعدد قراءاته‪:‬‬
‫مما أثاره النصارى حول كتاب الله في هذه الفترة ادعائهم‬
‫عدم جزم المسلمين بصحته لمخالفة عبد الله بن مسعود‬
‫رضي الله عليه عثمان بن عفان رضي الله عنه في جمعه‬
‫)‪ ،(3‬وأن تعد القراءات على سبعة قراء أشد من اختلف‬
‫الناجيل عن أربعة رجال )‪ ،(4‬وقد رد القرافي على هذه‬
‫‪()1‬النصيحة اليمانية ص ‪.142‬‬
‫‪()2‬الجوبة الفاخرة ص ‪.95 - 94‬‬
‫‪()3‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/338‬‬
‫‪()4‬المصدر نفسه‪.‬‬

‫‪-99-‬‬
‫الدعوى مبينا ً أن خلف عبدالله بن مسعود رضي الله عنه‬
‫للصحابة ليس في إثبات شيء ليس من القرآن أو حذف‬
‫شيء فيه‪ ،‬إذ القرآن معلوم لجميع الصحابة بالتواتر‪ ،‬وإنما‬
‫الخلف في أن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه كان‬
‫يقرأ القرآن ويضم إليه تفسيره‪ ،‬وكان يقرؤها فصام ثلثة‬
‫أيام متتابعات‪ ،‬فنازعه الصحابة لذلك حرصا ً منهم أل‬
‫يضاف إلى القرآن مما ليس منه‪ ،‬وكان الصواب معهم‪،‬‬
‫وهذا من حفظ الله عز وجل لكتابه كما وعد بذلك‪" :‬إّنا‬
‫نحن نّزلنا الذكر وإّنا له لحافظون")‪)(1‬الحجرات‪ ،‬آية‪.(9 :‬‬
‫وقال القرطبي في جمع القرآن‪ :‬وكان هذا من عثمان‬
‫رضي الله عنه بعد أن جمع المهاجرين والنصار وجلة أهل‬
‫السلم وشاورهم في ذلك فاتفقوا على جمعه بما صح‬
‫وثبت في القراءات المشهورة عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وإطراح ما سواها‪ ،‬واستصوبوا رآيه وكان رأيا‬
‫سديدا ً موفقا ً )‪(2‬وفيما يتعلق بتعدد القراءات فقد وضح بأنها‬
‫جميعا ً متلقاة عن النبي صلى الله عليه وسلم بالتواتر‪ ،‬ثم‬
‫إن هذا التعدد من رحمة الله بعبادة إذ قبائل العرب حين‬
‫نزول القرآن كانت مختلفة اللهجات بين التضخيم والمد‬
‫والقصر والخفاء والمالة وإعمال العوامل الناصبة‬
‫والرافعة والجارة‪ ،‬ولو كلفوا كلهم بلهجة واحدة لشق‬
‫عليهم )‪ (3‬وأما فيما يتعلق بتشبيه النصارى اختلف القرآن‬
‫باختلف الناجيل فقد رد القرافي على ذلك مبينا ً الفرق‬
‫الواضح بين المرين‪ ،‬إذ الناجيل لم تنقل إلينا بالتواتر‬
‫كالقرآن الكريم‪ ،‬بل نكاد نجزم بأن أكثرها ليس منزل ً وما‬
‫هو إل تواريخ وكلم كهنة وملوك حشرها النصارى في‬
‫النجيل وزعموا أنها من الكتاب المنزل‪ ،‬ولذلك لم يجز‬
‫المسلمون أن يجعلوا شيئا ً من الحاديث مع صحتها‬
‫مختلطة بالقرآن ول قول أحد من الصحابة )‪ ،(4‬ثم خاطب‬
‫‪()1‬الجوبة الفاخرة ص ‪.98‬‬
‫‪()2‬الجامع لحكام القرآن )‪.(1/39‬‬
‫‪()3‬الجوبة الفاخرة ص ‪.98‬‬
‫‪()4‬المصدر نفسه ص ‪.99 - 98‬‬

‫‪-100-‬‬
‫القرافي النصارى بقوله‪ ... :‬فل تشبهوا أنفسكم بنا‪ ،‬فوالله‬
‫ما اجتمعنا في شيء من هذا‪ ،‬بل أنتم في غاية الهمال‪،‬‬
‫ونحن في غاية الحتفال )‪(1‬وقد تحدث العلماء المسلمون‬
‫في تلك الفترة في إبراز وجوه إعجاز القرآن وبيان‬
‫خصائصه التي تفرد بها عن سائر الكتب )‪(2‬مع إيضاح‬
‫تناقض الناجيل وبيان عدم صحتها )‪.(3‬‬

‫‪ -6‬انتقادهم الطلق في السلم ‪ :‬في كتاب لحد‬


‫القساوسة النصارى في الندلس بعث به إلى المسلمين‬
‫من مدينة طليطلة إلى قرطبة ينال فيه من السلم بما‬
‫أورده من شبهات فيه‪ ،‬كان من ضمنها انتقاده للطلق في‬
‫السلم‪ ،‬وكيف أنه إذا بانت المرأة من زوجها ل يحل له أن‬
‫يراجعها إل بعد أن تنكح زوجا ً غيره وأن ذلك من المر‬
‫بالزنا وهو مخالف لقول المسيح ‪ :‬ل ينبغي للرجل طلق‬
‫زوجته إل أن تزني‪ ،‬وإن زنت فعل ً فل يحل له مراجعتها‪،‬‬
‫ومن طلق امرأته فقد جعل لها سبيل ً إلى الزني – أعني‬
‫من طلقها بدون سبب – ومن زوج مطلق فهو فاسق بها‬
‫)‪ .(4‬وقد رد القرطبي على هذا القسيس مبينا ً أن عدم‬
‫قبوله للطلق إما يكون من جهة العقل أو من جهة الشرع‪،‬‬
‫فإن كان من جهة العقل فإن العقل ل يحيل وقوع الطلق‪،‬‬
‫وإذا كان المر كذلك فكيف ينبغي لمن ينتسب إلى العقل‬
‫أن ينكر نّبوة من قامت الدلة القاطعة على صدقة من‬
‫حيث إنه حكم بشيء يصح في العقل أن يوجد‪ ،‬وإن كان‬
‫عدم قبوله من حيث إنه ممنوع من جهة الشرع‪ ،‬فإما أن‬
‫يكون من جهة الشرائع كلها أو من بعضها‪ ،‬والول باطل‬
‫ففي التوراة التصريح بالطلق والثاني جائز لجواز اختلف‬
‫الشرائع في بعض الحكام لما يعلمه الله من اختلف‬

‫‪()1‬المصدر نفسه ص ‪.99‬‬


‫‪()2‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(1/340‬‬
‫‪()3‬المصدر نفسه )‪.(1/340‬‬
‫‪()4‬العلم بما في دين النصارى من الفساد والوهام ص ‪.216‬‬

‫‪-101-‬‬
‫الحوال والمصالح )‪ ،(1‬ثم وضح القرطبي بعض المصالح‬
‫التي ل تكون إل بالطلق والتي ل سبيل لعلجها في الحياة‬
‫الزوجية إل به )‪ .(2‬وقال ابن قدامه بعد أن ساق الدلة من‬
‫الكتاب والسنة على مشروعية الطلق‪ :‬وأجمع الناس على‬
‫جواز الطلق‪ ،‬والعبرة دالة على جوازه‪ ،‬فإنه ربما فسدت‬
‫الحال بين الزوجين فيصير بقاء النكاح مفسدة محضة‪،‬‬
‫وضررا ً مجردا ً بإلزام الزوج النفقة والسكن وحبس المرأة‬
‫مع سوء العشرة والخصومة الدائمة من غير فائدة‪،‬‬
‫فاقتضى ذلك شرع ما يزيل النكاح‪ ،‬لتزول المفسدة‬
‫الحاصلة منه )‪ .(3‬وكونه بيد الرجل ولم يعط المرأة الحق‬
‫في ذلك لما علمه الشارع من ضعف المرأة وتقديمها‬
‫العاطفة على العقل في كثير من الحيان وما يحصل من‬
‫جراء ذلك من الضرر ل ينسى ول يتدارك )‪(4‬ووضح ابن‬
‫قدامة أن للمرأة الحق في مفارقة زوجها إن خشيت أل‬
‫تؤدي حق الله في طاعته‪ ،‬فتخالعه بعوض تفتدي به نفسها‬
‫منه وقد ورد في الحديث أنه جاءت امرأة ثابت بن قيس‬
‫إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت‪ :‬يا رسول الله ما‬
‫أنقم على ثابت في دين ول خلق‪ ،‬إل إني أخاف الكفر‪،‬‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أتردين عليه‬
‫حديقته؟ قالت نعم فردتها عليه وأمره أن يفارقها )‪ (5‬وبين‬
‫القرطبي أنه مع تشريع الطلق في السلم إل أنه مكروه‪،‬‬
‫فعلى المسلم أن يتحاشاه قدر استطاعته‪ ،‬وإذا كان لبد ّ‬
‫منه فل يكثر ويتمادى فيه )‪(6‬وأما كون المطلقة ثلثا ً ل تحل‬
‫لزوجها الول إل بعد زوج فوضح القرطبي في رده على‬
‫هذه الشبهة ‪ :‬أن ذلك من رحمة الله إذ جعله عقوبة‬
‫للرجل الذي يتمادى في إيقاع الطلق فإذا علم الزوج أنه‬
‫إذا أكثر من هذا المكروه الذي هو الطلق عوقب بتفويت‬
‫‪()1‬المصدر نفسيه ص ‪.222‬‬
‫‪()2‬المصدر نفسه ص ‪.222‬‬
‫‪()3‬المغني )‪.(10/323‬‬
‫‪()4‬العلم بما في دين النصارى من الفساد والوهام ص ‪.223‬‬
‫‪()5‬البخاري رقم ‪ 5276‬المغني )‪.(10/267‬‬
‫‪()6‬العلم بما في دين النصارى من الفساد والوهام ص ‪.224‬‬

‫‪-102-‬‬
‫زوجته عليه ارتدع عن التمادي )‪(1‬فيه‪ ،‬واشتد القرطبي في‬
‫رده على القسيس النصراني في تشبيه نكاح المرأة من‬
‫الزوج الثاني بالزنا بوصفه بالكذب والفتراء والجهل وذلك‬
‫بقوله‪ :‬وأعلم يا هذا المفتري الكذاب‪ ،‬والمشنع المرتاب‪،‬‬
‫أن العقلء ل يرضون بما فعلت‪ ،‬ول يأتون بمثل ما أتيت به‬
‫وذلك أنك جهلت شرعنا وكذبت عليه‪ ،‬وعميت عليك‬
‫مقاصده فنسبت الزور والفحش إليه )‪ .(2‬ثم وضح‬
‫القرطبي بعد ذلك الفرق بين الزنا والنكاح وأن نكاحها من‬
‫الزوج الثاني صحيح وفق شريعة صحيحة‪ ،‬وأنه نكاح‬
‫اكتملت شروطه وأركانه وانتفت موانعه‪ ،‬وتشبيه هذا‬
‫القسيس له بالزنا من العناد والتمويه والتزوير الذي قصد‬
‫به استزلل العامة وتنفيرهم من دين السلم‪ ،‬وإل لم يقل‬
‫أحد من المسلمين بإجبار الزوج الثاني على طلقها حتى‬
‫يرجع إليها الول‪ ،‬بل إنه يملك منها ما يملكه الول‪ ،‬فإن‬
‫شاء طلقها وإن شاء أمسكها وإن كان زواجه منها لجل أن‬
‫يحللها للزوج الول كان نكاحا ً فاسدا ً )‪(3‬وفي تفصيل ابن‬
‫قدامة لشروط عودتها إلى زوجها الول أكد فساد النكاح‬
‫من الزوج الثاني إذا كان القصد منه تحليلها للزوج الول‬
‫)‪.(4‬‬

‫‪ -7‬دعوى أن المسلمين وثنيون وكفار‪:‬‬


‫قال أكبر دعاة دعاة الحروب الصليبية في أوروبا البابا‬
‫أوربان الثاني في خطابه أمام مجمع كليرمونت في فرنسا‬
‫والذي دعا فيه إلى القيام بالحروب الصليبية ‪ ... :‬إني‬
‫أخاطب الحاضرين وأعلن لولئك الغائبين‪ ،‬كما أن المسيح‬
‫يأمر بهذا‪ ،‬إن ذنوب أولئك الذاهبين إلى هناك سوف تغفر‬
‫إذا انتهت حياتهم بأغللها الدنيوية سواء أثناء مسيرتهم‬
‫على الرض أو عند عبورهم البحر‪ ،‬أو في خضم قتالهم ضد‬
‫‪()1‬المصدر نفسه )‪.(1/345‬‬
‫‪()2‬المصدر نفسه )‪.(1/345‬‬
‫‪()3‬المصدر نفسه )‪.(1/345‬‬
‫‪()4‬المغني )‪.(10/551‬‬

‫‪-103-‬‬
‫الوثنيين ‪ ...‬يا له من عار إذ قام جنس خسيس مثل هذا‪،‬‬
‫جنس تستعبده الشياطين بهزيمة شعب يتحلى بإيمان‬
‫عظيم بالرب )‪ ،(1‬ووصف فوشيه شارتر أحد مؤرخي‬
‫الحروب الصليبية الفرنج وأبرز قساوستهم وممن اشترك‬
‫في كثير من أحداث هذه الحروب وصف المسلمين بهذه‬
‫الصفة في كتابته لتاريخ حملت النصارى الولى في هذه‬
‫الحروب‪ ،‬ففي ثنائه على البابا أوربان الثاني الداعي الول‬
‫للحروب الصليبية قال‪ .. :‬كذلك بذل جهودا ً قوية لطرد‬
‫الوثنيين من أراضي المسيحيين )‪ ،(2‬ومؤرخ صليبي آخر‬
‫عاصر أحداث الحروب الصليبية وتولى بعض المهام الدينية‬
‫للصليبيين في فترة هذه الحروب وصف المسلمين وهو‬
‫يكتب تاريخ الحروب الصليبية بالكفر‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬قوله وهو‬
‫يتحدث عن بعض المواقع العسكرية بين المسلمين‬
‫والصليبيين ‪ .. :‬ورغم ما كان يبدو من تأهب الكفار للقتال‬
‫إل أن أملهم في النصر أو حتى الصمود طويل ً كان أمل ً‬
‫واهيًا‪ ،‬ومن ثم كان هدفهم الوحيد هو شغل الصليبيين‬
‫بالقتال )‪ ،(3‬وها هو أحد قادتهم وهو بلدوين أمير الرها في‬
‫أحد خطاباته يصف المسلمين بهذه الصفة وذلك بقوله‪.. :‬‬
‫لقـد استطاع شعب الفرنجة بإيحاء وتوجيه علويين أن‬
‫يحرر مدينة القدس الطاهرة من انتهاكات الكفار )‪،(4‬‬
‫واتهام النصارى للمسلمين بالوثنية ليس إل كما ورد في‬
‫المثل‪ :‬رمتني بدائها وانسلت‪ ،‬إذ الوثنية الصريحة والكفر‬
‫بالله سبحانه وتعالى هو دين النصارى المحرف فهي تهمة‬
‫ظاهرة البطلن‪ ،‬وكتب العلماء المسلمين في العقيدة‬
‫بشكل عام تضمنت الكثير مما يبطل هذه الدعوى ومن‬
‫خلل الجهود الدعوية للمسلمين تجاه النصارى في فترة‬
‫الحروب الصليبية ومناقشتهم للعقائد النصرانية الباطلة‬

‫‪()1‬الوجود الصليبي في الشرق العربي‪ ،‬وفوشيه الشارتي ص ‪.93‬‬


‫‪()2‬المصدر نفسه ص ‪.96‬‬
‫‪()3‬الحروب الصليبية‪ ،‬وليم الصوري ترجمة د‪/.‬حسن حبشي )‪.(2/251‬‬
‫‪()4‬الحروب الصليبية‪ ،‬وليم الصوري ترجمة د‪ .‬حسن حبشي )‪.(2/251‬‬

‫‪-104-‬‬
‫والردود على شبههم يمكن استخلص تفنيد هذه الدعوى‬
‫على النحو التالي‪:‬‬

‫أ‪ -‬إن الدين السلمي دين التوحيد‪ ،‬والنصرانية أساسها‬


‫الشرك والكفر بالله‪ ،‬وتوحيد الله سبحانه وتعالى وتنزيهه‬
‫عن الشرك والمثل والصاحبة والولد من مسلمات الدين‬
‫السلمي الذي بعث النّبي صلى الله عليه وسلم لتقريره‬
‫والدعوة إليه‪ ،‬وهو عقيدة المسلمين الراسخة التي ل‬
‫يتطرق إليها الشك‪ ،‬قال تعالى ‪" :‬قل هو الله أحد * الله‬
‫ولد * ولم يكن له ك ُُفوا ً أحد" )سورة‬
‫الصمد * لم يلد ولم ي ُ‬
‫الخلص‪ ،‬اليات ‪ (4-1‬لذلك انطلق العلماء المسلمون في‬
‫ردودهم ودعوتهم ونقاشاتهم مع النصارى في هذه الفترة‬
‫من مبدأ مسلم به لديهم‪ ،‬وهو أن السلم دين التوحيد‬
‫والنصرانية – المحرفة – دين الكفر والشرك مع الله ففي‬
‫مستهل كل كتاب أورد أو نقاش للعلماء المسلمين في‬
‫هذه الفترة مع النصارى تكون بدايته تقرير توحيد الله ج ّ‬
‫ل‬
‫وعل وتنزيهه عن شرك النصارى فيه ومن ذلك قول‬
‫الجعفري في بداية كتاب التخجيل ‪ :‬الحمد لله الذي ل‬
‫يتكثر بالعداد‪ ،‬الماجد الذي ل تضارعه الشكال والنداد‪،‬‬
‫المقدس عن الشريك والصاحبة والولد المنزه عن الذات‬
‫والصفات عما يقول أهل اللحاد )‪(1‬وفي مستهل رد أبي‬
‫عبيدة الخزرجي على رسالة أحد القساوسة قال‪ :‬بسم‬
‫الله الرحمن الرحيم إله فرد صمد لم يولد ولم يكن له‬
‫كفوا ً أحد سلم على المهتدين والحمد لله رب العالمين ‪...‬‬
‫فضلنا على جميع الجناس ‪ ...‬نوحد الله بموجبات توحيد‬
‫ونمجده سبحانه حق تمجيده )‪.(2‬‬

‫‪()1‬تخجيل من حرف التوراة والنجيل )‪.(1/87‬‬


‫‪()2‬مقامع الصلبان ومراتع أهل اليمان ص ‪.12‬‬

‫‪-105-‬‬
‫ب‪ -‬بيان تأكيد السلم على لزوم التوحيد ونبذ‬
‫الشرك‪:‬‬
‫ومن اهتمام بعض علماء عصر الحروب الصليبية لهذا‬
‫المر‪ :‬قول القرطبي في تفسير قوله تعالى‪" :‬واعبدوا الله‬
‫ول تشركوا به شيئًا" )النساء‪ ،‬آية‪ (36 :‬أجمع العلماء على‬
‫أن هذه الية من المحكم المتفق عليه‪ ،‬ليس منها شيء‬
‫منسوخ وكذلك هي في جميع الكتب‪ ،‬ولو لم يكن كذلك‬
‫لعرف ذلك من جهة العقل وتصفيتها من شوائب الرياء‬
‫ي‬‫وغيره قال تعالى‪" :‬قل إنما أنا بشر مثلكم ُيوحى إل ّ‬
‫)‪(1‬‬

‫أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجوا لقاء ربـه فليعمـل‬
‫عمـل ً صـالحا ً ول يشـرك بعبادة ربه أحدًا" )الكهف‪ ،‬آية‪:‬‬
‫‪.(110‬‬

‫ج‪ -‬بيان أن الشرك محبط للعمل‪ :‬ففي تفسير قوله‬


‫ن من‬‫تعالى‪" :‬لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكون ّ‬
‫الخاسرين" )الزمر‪ ،‬آية‪ (65 :‬قال القرطبي‪ :‬لئن أشركت‬
‫يا محمد ليحبطن عملك وهو خطاب للنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم خاصة وقيل‪ :‬الخطاب له والمراد أمته ‪ ...‬والحباط‬
‫البطال والفساد )‪.(2‬‬

‫ج‪ -‬بيان أن الشرك أعظم الذنوب وأن الله ل‬


‫يغفره‪ .‬قال القرطبي في تفسير قوله تعالى‪" :‬إن الله ل‬
‫يغفر أن ُيشرك به" )النساء‪ ،‬آية‪ (116 :‬هذا من المحكم‬
‫المتفق عليه الذي ل اختلف فيه بين المة )‪(3‬وفي تفسير‬
‫قوله تعالى‪" :‬ومن ُيشرك بالله فقد افترى إثما ً عظيما"‬
‫)النساء‪ ،‬آية‪ (48 :‬بين البغوي أن الشرك موجب للنار‬
‫ي صلى‬‫حيث أورد حديث جابر رضي الله عنه قال‪ :‬أتى النب ّ‬
‫الله عليه وسلم رجل فقال‪ :‬يا رسول الله ما الموجبتان ؟‬
‫‪()1‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/349‬‬
‫‪()2‬الجامع لحكام القرآن )‪.(8/180‬‬
‫‪()3‬المصدر نفسه )‪.(3/159‬‬

‫‪-106-‬‬
‫قال ‪ :‬من مات ل يشرك بالله شيئا ً دخل الجنة ومن مات‬
‫يشرك بالله دخل النار )‪.(1‬‬

‫س‪ -‬إظهار نبذ السلم لكل مظاهر الوثنية من‬


‫أصنام وصور‪ ،‬وتماثيل وبناء على القبور وكل ما‬
‫هو وسيلة للشرك‪ :‬ففي تفسير قول الله تعالى‪" :‬ذلك‬
‫ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه وأحـلت لـكم‬
‫النعام إل ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرجس من الوثان‬
‫واجتنبوا قول الزور")الحج‪ ،‬آية‪ (30 :‬قال القرطبي ‪:‬‬
‫الرجس الشيء القذر والوثن التمثال من خشب أو حديد‬
‫أو ذهب أو فضة والنصارى تنصب الصليب وتعبده وتعظمه‬
‫فهو كالتمثال أيضا ً وسمي الصنم وثنا ً لنه ينصب ويركز‬
‫في مكان فل يبرح عنه‪ ،‬يريد اجتنبوا عبادة الوثان )‪ ،(2‬وقد‬
‫أمر النبي صلى الله عليه وسلم عدى أن يزيل الصليب‬
‫عنه وقال‪ :‬أطرح هذا الوثن عنك )‪ .(3‬وقال الرازي‪ :‬ثم إن‬
‫لما حث سبحانه وتعالى على تعظيم حرماته وحمد من‬
‫يعظمها أتبعه بالمر باجتناب الوثان )‪ ،(4‬وسمى الوثان‬
‫رجسا ً للتأكيد على وجوب تجنبها لن عبادتها أعظم من‬
‫التلوث بالنجاسات )‪(5‬وقد أبرز كثير من العلماء في هذه‬
‫الفترة موقف النبي صلى الله عليه وسلم من أصنام‬
‫المشركين التي كانت عند الكعبة عند فتح مكة حيث كان‬
‫يكسرها صلى الله عليه وهو يتلو قوله تعالى ‪" :‬وقل جاء‬
‫الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا" )السراء‪ ،‬آية‪:‬‬
‫‪ ،(81‬فبعد أن عرض القرطبي ذلك بين أن معنى مجئ‬
‫الحق أي السلم وزهوق الباطـل أي الشرك )‪.(6‬‬

‫‪()1‬مسلم‪ ،‬كتاب اليمان رقم ‪.93‬‬


‫‪()2‬تفسير القرطبي )‪.(6/37‬‬
‫‪()3‬تفسير القرطبي )‪.(6/37‬‬
‫‪()4‬تفسير الرازي )‪.(12/28‬‬
‫‪()5‬المصدر نفسه )‪.(12/28‬‬
‫‪()6‬تفسير القرطبي )‪.(5/204‬‬

‫‪-107-‬‬
‫و‪ -‬فضح النصارى بإبراز مظاهر الوثنية والشرك‬
‫لديهم‪:‬‬
‫وذلك بتبجيلهم الصور والتماثيل والصلبان وإشراكهم في‬
‫عبادة الله ففي مناقشة بعض العلماء المسلمين لعقائد‬
‫النصارى وشعائرهم كان من ضمن ما ناقشوه تبجيلهم‬
‫للصور والتماثيل مبينين أن ذلك ما هو إل وثنية انتقلت إلى‬
‫النصرانية واتخذها النصارى في مجامعهم دينا ً وعبادة‬
‫محرفين بذلك ما نزل عليهم من الحق‪ ،‬حيث وضح هؤلء‬
‫العلماء أن هذا من كفرهم القبيح الذي ابتدعوه في ديانتهم‬
‫)‪ ،(1‬مع إبرازهم لشركيات النصارى وكفرهم بالله من خلل‬
‫نقض قانون المانة لديهم الذي هو أصل إيمانهم‪ ،‬وإبطال‬
‫عقيدة التثليث وتفنيد ما اعتقدوه من اللوهية في عيسى‬
‫عليه السلم )‪.(2‬‬

‫سادسًا‪ :‬القائمون على دعوة النصارى في عصر‬


‫الحروب الصليبية‪:‬‬
‫‪ -1‬القادة والولة‪ :‬ومن أبرزهم عماد الدين زنكي الذي‬
‫وله السلطان السلجوقي محمود بن محمد بن ملكشاه‬
‫الموصل سنة ‪521‬ه‪ ،‬فعظم أمره بعد ذلك وتوسعت دولته‬
‫لشجاعته واقدامه وحرصه على جمع كلمة المسلمين في‬
‫مواجهة النصارى‪ ،‬قال عنه الذهبي‪ :‬كان بطل ً شجاعا ً‬
‫مقداما ً كأبيه )‪(3‬وقد كان من أبرز جهوده في مواجهة‬
‫الفرنج ودعوتهم وضعه أساس الوحدة السلمية في‬
‫الموصل والشام والتي كانت من أهم السباب التي مكنت‬
‫‪()1‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(1/354‬‬
‫‪()2‬المصدر نفسه )‪.(1/354‬‬
‫‪()3‬نصيبين ‪ :‬مدينة قديمة في جنوب شرق تركيا على الحدود السورية ‪.‬‬

‫‪-108-‬‬
‫المسلمين من المواجهة وضد زحف النصارى على البلد‬
‫السلمية؛ حيث دخلت في طاعته مجموعة من المدن‬
‫المستقلة والمتناحرة بينها وكان قد بدأ بجزيرة ابن عمر‬
‫سنة ‪521‬ه وغير ذلك‪ ،‬وبعد أن حقق هذه الوحدة بدأ‬
‫بجهاد الصليبيين حيث هزمهم في مواقع كثيرة‪ ،‬وكان من‬
‫أبرز إنجازاته في ذلك فتحه لمارة الرها الصليبية سنة‬
‫‪539‬ه )‪(1‬وقال أحد الكتاب الوروبيين عن أهمية هذا‬
‫الفتح ‪ :‬وسقوط الرها في يد زنكي يعتبر نقطة تحول في‬
‫الشرق اللتيني‪ ،‬كما يعتبر بداية النهاية )‪ ،(2‬وبعد مقتله عام‬
‫‪541‬ه تولى ابنه نور الدين محمود زنكي وكان ذا ديانة‬
‫وورع ومداومة للجهاد محبا ً للسنة‪ ،‬مظهرا ً لها مزيل ً‬
‫للمناكير ممكنا ً لهل الخير في دولته )‪(3‬قال عنه ابن الثير‪:‬‬
‫طالعت السير فلم أر فيها بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن‬
‫عبدالعزيز أحسن من سيرته ول أكثر تحريا منه للعدل )‪،(4‬‬
‫وقال ابن كثير‪ :‬كان آمرا ً بالمعروف وناهيا ً عن المنكر محبا ً‬
‫للعلماء والفقراء والصالحين‪ ،‬مبغضا ً للظلم‪ ،‬صحيح‬
‫العتقاد‪ ..‬وكان قد قمع المناكر وأهلها‪ ،‬ورفع العلم‬
‫والشرع‪ ،‬وكان مدمنا ً لقيام الليل )‪ ،(5‬وقال أبو شامة‬
‫المقدس‪ .. :‬كان يعظم العلماء ويجمعهم عنده للبحث‬
‫والنظر‪ ،‬واستقدمهم إليه من البلد الشاسعة )‪ ،(6‬قال ‪..‬‬
‫رحمه الله مبينا ً دور الفقهاء والعلماء في ظهور دولته‪،‬‬
‫ونصره على أعدائه الفرنج‪ :‬هؤلء جند الله وبدعائهم ننصر‬
‫على العداء ولهم في بيت المال حق أضعاف ما أعطيهم‪،‬‬
‫فإذا رضوا منا ببعض حقهم فلهم المنة علينا )‪ ،(7‬وكان‬
‫رحمه الله – متمسكا ً بالسنة وقافا ً عند حدود الله‪ ،‬أظهر‬

‫‪()1‬كتاب الروضتين في أخبار الدولتين )‪.(1/36‬‬


‫‪()2‬الحروب الصليبية أرنست باركر ترجمة السيد الباز العريني ص ‪.52‬‬
‫‪()3‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(1/365‬‬
‫‪()4‬الكامل في التاريخ )‪(9/394‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(1/365‬‬
‫‪()5‬البداية والنهاية )‪ (12/306‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(1/365‬‬
‫‪()6‬كتاب الروضتين )‪.(1/9‬‬
‫‪()7‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(1/366‬‬

‫‪-109-‬‬
‫في بلده السنة وأمات البدعة )‪ ،(1‬وكان أكثر القادة‬
‫المسلمين في هذه الفترة مواجهة للنصارى‪ ،‬فمن جهوده‬
‫المباشرة في دعوتهم مراسلته مع بعض قادتهم بشأن‬
‫العلقات بينهم وبين المسلمين وما تحقق من جراء ذلك‬
‫للمة من المصالح‪ ،‬كمراسلته مع ملك الروم‪ ،‬والتي‬
‫تمخضت عن هدنه مكنت المسلمين من مواجهة أعداء‬
‫آخرين ومراسلته مع ملك الرمن حيث أدت هذه‬
‫المراسلت إلى استمالته في صف المسلمين ضد أبناء‬
‫ملته )‪ ،(2‬ومن جهوده المباشرة أيضا ً في دعوتهم جهاده‬
‫المستمر لهم والذي أثمر عن تقلص نفوذهم في بلد‬
‫الشام وظهور دولة المسلمين بعد ضعف وفرقة وقد قال‬
‫ابن الجوزي عن ذلك‪ .. :‬وجاهد وانتزع من الكفار نيفا ً‬
‫وخمسين مدينة وحصنا ً )‪ ،(3‬بل وأسر بعض قادتهم كصاحب‬
‫طرابلس وصاحب الروم وابن جوسلين وغيرهم ولهذه‬
‫النتصارات الكبيرة على الفرنج والتمكين للمسلمين بعد‬
‫ضعفهم في الشام مع قلة العسكر في مواجهة تكالب‬
‫النصارى على المسلمين أدرك بعض النصارى سبب هذه‬
‫النتصارات وأنه ل يرجع إلى القوة العسكرية‪ ،‬فحسب بل‬
‫إلى صبر نور الدين واحتسابه وصدقه وإنابته إلى الله‬
‫سبحانه مع الخذ بالسباب حيث قال بعضهم‪ .. :‬وابن‬
‫القسيم له مع الله سر‪ ،‬فإنه ل يظفر علينا بكثرة جنده‬
‫وعسكره‪ ،‬وإنما يظفر علينا بالدعاء وصلة الليل‪ ،‬فإنه‬
‫يصلي بالليل ويرفع يده إلى الله ويدعو فالله سبحانه‬
‫وتعالى يستجيب له دعاءه ويعطيه سؤاله وما يرده خائبا ً‬
‫فيظفر علينا )‪ ،(4‬ومن جهوده‪ ،‬غير المباشرة في دعوة‬
‫النصارى تحقيقه للوحدة بين المسلمين في الموصل‬
‫والشام ومصر مما كان له أثره الكبير في نجاح عملية‬

‫‪()1‬المصدر نفسه )‪.(1/366‬‬


‫‪()2‬كتاب الروضتين نقل ً عن دعوة المسلمين للنصارى )‪.(1/367‬‬
‫‪()3‬المنتظم )‪.(18/209‬‬
‫‪()4‬كتاب الروضتين )‪ (1/14‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(1/368‬‬

‫‪-110-‬‬
‫الجهاد )‪ ،(1‬يضاف إلى ذلك اهتمامه بالعلم والعلماء‪ ،‬حيث‬
‫بنى المدارس في حلب وحماة ودمشق‪ ،‬وشيد دار الحديث‬
‫في دمشقن ول يخفى أثر ذلك في نشر العلم وتثقيف‬
‫المسلمين مما ساعد على مواجهة شبه النصارى بل‬
‫ودعوتهم وهكذا كان نور الدين عزا ً للمسلمين في الشام‬
‫ومصر بعد ضعف وظهور النصارى‪ ،‬وكانت جهوده في‬
‫مواجهة النصارى ودعوتهم الساس لنجاح جهود من بعده‬
‫من الولة والقادة‪ ،‬كصلح الدين والظاهر بيبرس وغيرهما‬
‫)‪.(2‬‬

‫قال ابن كثير موضحا ً النسجام التام بين الراعي‬


‫والرعية‪ .. :‬وفيها – أي سنة ‪552‬ه مرض نور الدين‬
‫فمرض الشام بمرضه وعوفي ففرح المسلمون فرحا ً‬
‫شديدا ً )‪(3‬وبعد حياة حافلة بالجهاد والدعوة توفي نور الدين‬
‫‪569‬ه في دمشق رحمه الله رحمة واسعة )‪(4‬ومن أراد‬
‫التوسع فليراجع كتابي عن الزنكيين‪.‬‬

‫أ‪ -‬جهود صلح الدين في دعوة النصارى‪ :‬كان خليقا ً‬


‫للمارة مهيبًا‪ ،‬شجاعًا‪ ،‬حازمًا‪ ،‬مجاهدًا‪ ،‬كثير الغزو عالي‬
‫الهمة )‪ (5‬أمضى حياته في جهاد الفرنج والنصارى‪،‬‬
‫ودعوتهم إلى السلم فكان خلل لقاءاته بقادتهم‬
‫ومحادثاته معهم يستغلها في إبراز محاسن السلم لهم‬
‫ودعوتهم إليه‪ ،‬ومن ذلك مثل ً ما فعله صاحب صيدا‬
‫الفرنجي حيث قال ابن شداد عن ذلك‪ ... :‬ولقد رأيته وقد‬
‫دخل عليه صاحب صيدا بالناصرة فاحترمه وأكرمه وأكل‬
‫معه الطعام ومع ذلك عرض عليه السلم فذكر له طرفا ً‬

‫‪()1‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(1/368‬‬


‫‪()2‬المصدر نفسه )‪.(1/368‬‬
‫‪()3‬البداية والنهاية )‪ (12/254‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(1/368‬‬
‫‪()4‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(1/368‬‬
‫‪()5‬سير أعلم النبلء )‪.(21/279‬‬

‫‪-111-‬‬
‫من محاسنه وحثه عليه )‪ ،(1‬وكان يستغل علقاته الحسنة‬
‫مع بعض قادتهم من أجل التمكين للدعوة ومن ذلك‬
‫تفاهمه مع صاحب طرابلس الصليبي بأن يوعز الخير‬
‫لتباعه باعتناق السلم حيث أدركته المنية قبل إتمام ذلك‬
‫)‪ (2‬ولجل هذا الغرض النبيل كان يتألف كثيرا ً من قادتهم‬
‫بالمال والهدايا طمعا ً في إسلمهم وكان نبله وحسن خلقه‬
‫من أبرز السباب التي جعلت الكثير من النصارى في هذه‬
‫الفترة يغيرون ما علق بأذهانهم عن السلم من صورة‬
‫مشوهة‪ ،‬بل ويعتنق أعداد كبيرة منهم السلم ومن ذلك‬
‫مثل ً ما حدث بعد معركة حطين ومّنه على كثير من أسرى‬
‫الصليبيين‪ ،‬ورحمته لنسائهم وضعفائهم مما جعل أعداد‬
‫كبيرة منهم يعتنقون السلم )‪ ،(3‬ولنبله في كثير من‬
‫المواقع انضمت أعداد كبيرة منهم إلى معسكر المسلمين‬
‫بعد إسلمهم لتقاتل معه ضد أقوامهم )‪ ،(4‬بل إن كثيرا ً‬
‫منهم كانوا على نصرانيتهم‪ ،‬ومع ذلك انضموا إليه ضد بني‬
‫ملتهم )‪(5‬وأما الجهاد في سبيل الله – أهم وسائل الدعوة –‬
‫فله اليد الطولى فيه‪ ،‬ووقعاته مشهورة معهم‪ ،‬وعلى يده‬
‫كان طردهم من الغالبية العظمى من بـلد الشام ومن‬
‫أعظم ذلك استرداده بيت المقدس من أيديهم بعد معركة‬
‫حطين المشهورة عام ‪583‬ه )‪ ،(6‬وكان رحمه الله – حريصا ً‬
‫في كل وقعة معهم أن يعرض السلم عليهم فبعد كل‬
‫معركة يعرض السلم على السرى قبل اتخاذ أي إجراء‬
‫معهم ومن ذلك مثل ً ما حدث بعد معركة حطين وقد كان‬
‫طموحه – تتبع النصارى في بلدهم حتى ل يبقى منهم من‬
‫يكفر بالله‪ ،‬وهذا ما صرح به لقاضي عسكره ابن شداد‪،‬‬
‫وذلك بقوله‪ :‬أما أحكي لك شيئًا؟ قلت ‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬في‬
‫نفسي أنه متى يسر الله تعالى بقية الساحل قسمت البلد‬
‫‪()1‬النوادر السلطانية ص ‪.66‬‬
‫‪()2‬الدعوة إلى السلم‪ ،‬توماس أرنولد ص ‪.111‬‬
‫‪()3‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(1/371‬‬
‫‪()4‬الروضتين في أخبار الدولتين )‪.(2/74‬‬
‫‪()5‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(1/371‬‬
‫‪()6‬النوادر السلطانية ص ‪.55‬‬

‫‪-112-‬‬
‫وأوصيت وودعت وركبت هذا البحر إلى جزائرهم أتتبعهم‬
‫فيها حتى ل أبقي على وجه الرض من يكفر بالله أو أموت‬
‫)‪ ،(1‬ومن جهوده المباشرة في الدعوة للنصارى حرصه‬
‫على تحقيق الوحدة بين المسلمين والعمل على ذلك‬
‫لتقوية الجبهة السلمية ضد النصارى‪ ،‬وجهوده في مجال‬
‫تحقيق المن والضرب على أيدي العابثين )‪ ،(2‬وقد اهتم‬
‫صلح الدين بالعلماء والفقهاء واتخذهم بطانة له‪ ،‬بل‬
‫وأسند كثير من المهمات الدارية والقيادية إليهم وهم قادة‬
‫الرأي في المة وهداتها إلى طريق الحق وحراسها من‬
‫الغواية والضلل ودعاتها بعلمهم وعملهم‪ ،‬ومن أبرز هؤلء‬
‫العلماء القاضي ابن شداد الذي تولى قضاء عسكره وقام‬
‫بكثير من السفارات له )‪ ،(3‬وكان صاحب ديوان النشاء‬
‫لديه وأحد أهم مستشاريه القاضي الفاضل وقد تحدثت‬
‫عنهم بالتفصيل في كتابي عن صلح الدين اليوبي وجهوده‬
‫في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس‬
‫ومما يضاف إلى جهوده غير المباشرة في دعوة النصارى‬
‫توسعه في إنشاء المدارس‪ ،‬خصوصا ً في مصر‪ ،‬والتي كان‬
‫لعلمائها‪ ،‬والدارسين فيها دور كبير في دعوة النصارى في‬
‫هذه الفترة ولقد تأثر الكثير من قادة النصارى بأخلق‬
‫صلح الدين وتسامحه وعفوه وحلمه وقد بين صاحب قصة‬
‫الحضارة بعد أن نقل نماذج من نبل صلح الدين وكرمه‬
‫وأخلقه إعجاب كثير من المؤرخين النصارى بهذا البطل‬
‫المسلم بل ودهشتهم‪ ،‬كيف يخلق الدين السلمي –‬
‫)‪(4‬‬
‫الخاطئ في ظنهم – رجل ً من العظمة إلى هذا الحد‬
‫وبعد حياة حافلة بالجهاد والدعوة توفي – رحمه الله – في‬
‫صفر سنة ‪589‬ه ودفن في دمشق )‪.(5‬‬

‫‪()1‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(1/372‬‬


‫‪()2‬النوادر السلطانية ص ‪.139‬‬
‫‪()3‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(1/374‬‬
‫‪()4‬المصدر نفسه )‪.(1/374‬‬
‫‪()5‬البدايةوالنهاية )‪ (87 – 13/86‬دعوة المسلمين )‪.(1/375‬‬

‫‪-113-‬‬
‫ب‪ -‬جهود الملك العادل‪ :‬وممن له جهود واضحة في‬
‫مواجهة النصارى ودعوتهم في هذه الفترة من الولة‬
‫والقادة الملك العادل محمد بن أيوب بن شادي بن مروان‬
‫بن يعقوب الدويني التكريتي أخو صلح الدين‪ ،‬الذي ولد‬
‫سنة ‪534‬ه في بعلبك‪ ،‬إذ كان والده نائبا ً فيها لزنكي بن‬
‫آقسنقر‪ ،‬وعندما شب خدم أخاه صلح الدين في كثير من‬
‫المهام فوله نيابة مصر ثم دمشق‪ ،‬وبعد موت صلح الدين‬
‫ونشوب الصراع بين ولديه الملك الفضل والملك العزيز‬
‫استطاع أن يستولى على الحكم اليوبي قال ابن كثير‪:‬‬
‫كان العادل حليما ً صفوحا ً صبورا ً على الذى كثير الجهاد‬
‫بنفسه‪ ،‬ومع أخيه حضر معه مواقفه كلها أو أكثرها في‬
‫مقاتلة الفرنج )‪(1‬وقال أيضًا‪ .. :‬من خيار الملوك وأجودهم‬
‫سيرة دينا‪ ،‬وعقل ً وصبورا ً وقورا ً أبطل المحرمات‪،‬‬
‫والخمور والمعازف من مملكته‪ ،‬وقد كانت ممتدة أقصى‬
‫دان كلها‬
‫هم ْ‬
‫بلد مصر واليمن والشام والجزيرة إلى َ‬
‫)‪(2‬وكانت له جهود واضحة في مواجهة الفرنج ودعوتهم‪،‬‬
‫قال ابن كثير عن ذلك‪ :‬فقد كان كثير الجهاد بنفسه ومع‬
‫أخيه )‪ (3‬ثم جهاده بعد ذلك النصارى وهزيمته لهم في عدة‬
‫مواقع كما في مرج عكا وفتح يافا سنة ‪593‬ه وغير ذلك‬
‫يضاف إلى جهوده في هذا المجال محادثاته ومراسلته‬
‫واجتماعاته الكثيرة مع قادة الفرنج ورسلهم خصوصا ً في‬
‫حكم أخيه صلح الدين وما أسفرت عنه هذه الجهود لصالح‬
‫السلم والمسلمين ومن ذلك مثل ً لقاءاته الكثيرة‪ ،‬بملك‬
‫النجـليز ممثل ً لخيه صلح الدين وقيامه بمساعي الصلح‬
‫معه وفق الشروط التي وضعها المسلمون )‪ ،(4‬حيث‬
‫أسفرت هذه اللقاءات والمحادثات عن تنازل الصليبيين‬
‫عن القدس وعدم مطالبتهم بها والكتفاء بالزيارة والحج‬

‫‪()1‬البداية والنهاية )‪ (87 – 13/86‬دعوة المسلمين )‪.(1/375‬‬


‫‪()2‬همذان ‪ :‬بتسكين الميم مدينة باليمن في شماله الغربي قرب صعدة‪.‬‬
‫‪()3‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/376‬‬
‫‪()4‬النوادر السلطانية ص ‪.274‬‬

‫‪-114-‬‬
‫إلى بعض الماكن المقدسة لديهم فيها )‪(1‬وكذلك لقاؤه‬
‫بابن الهنفري وهو من أكابرهم وملوكهم وأولد ملوكهم‬
‫وكان يجيد اللغة العربية‪ ،‬وغيرهم من قادتهم‪ ،‬ومحادثاته‬
‫الكثيرة مع رسلهم وما أسفرت عنه مجموعة هذه‬
‫اللقاءات والمراسلت والمحادثات من تغير فكرة كثير من‬
‫النصارى الفرنج للمسلمين‪ ،‬والتخفيف من روحهم العدائية‬
‫الشديدة تجاه المسلمين مما كان له أثره في إزالة بعض‬
‫عوائق الدعوة الموجهة إليهم وكان وفاة الملك العادل –‬
‫كما مّر معنا – سنة ‪625‬ه حيث دفن في دمشق )‪(2‬هؤلء‬
‫من أشهر القادة ممن قام بالدعوة إلى السلم في عصر‬
‫الحروب الصليبية وغيرهم كثير‪.‬‬
‫ج‪ -‬جهود يوسف بن تاشفين في المغرب‬
‫السلمي‪ :‬قال عنه ابن الثير‪ :‬وكان يوسف بن تاشفين‬
‫حليمًا‪ ،‬كريمًا‪ ،‬دينا ً خيرًا‪ ،‬يحب أهل العلم والدين ويحكمهم‬
‫في بلده )‪ ،(3‬وقد تزعم دولة المرابطين وكان من أبرز‬
‫أعماله في مواجهة النصارى نجدته للمسلمين في الندلس‬
‫إثر زحف النصارى على الممالك السلمية هناك نتيجة‬
‫لتناحر الطوائف وضعف المسلمين‪ ،‬فكان له مع النصارى‬
‫الوقائع المشهورة وكان على يديه إعادة توحيد الندلس‬
‫ودفع الخطر النصراني الزاحف ومن أشهر وقائعه معهم‬
‫معركة الزلقة سنة ‪479‬ه التي هزم فيها الذفونش ملك‬
‫الفرنج في الندلس‪ ،‬وأظهر الله السلم وأعز أهله)‪،(4‬‬
‫قال الذهبي عن هذه المعركة‪ :‬ثارت الفرنج بالندلس فعبر‬
‫ابن تاشفين ينجد المسلمين فطعن العدو )‪ ،(5‬ثم تتالت بعد‬
‫ذلك معاركه مع النصارى‪ ،‬والتي وحد بها الندلس وأعاد بها‬
‫هيبة المسلمين هناك ولتأكيد عزمه على إعادة نشر‬
‫السلم في الندلس وجهاد الفرنج هناك كتب على عملته‬

‫‪()1‬النوادر السلطانية ص ‪.290‬‬


‫‪()2‬السلوك لمعرفة دول الملوك )‪.(1/190‬‬
‫‪()3‬الكامل في التاريخ )‪.(9/531‬‬
‫‪()4‬النيس المطرب ص ‪.145‬‬
‫‪()5‬سير أعلم النبلء )‪.(19/253‬‬

‫‪-115-‬‬
‫قوله تعالى‪" :‬ومن يبتغ غير السلم دينا ً فلن يقبل منه وهو‬
‫)‪(1‬‬
‫في الخرة من الخاسرين" )آل عمران‪ ،‬آية‪(85 :‬‬
‫وكانت وفاته في مراكش ‪500‬ه )‪.(2‬‬

‫د‪ -‬جهود عبدالمؤمن بن علي في عهد دولة‬


‫الموحدين‪:‬‬
‫ومن الولة في غرب الدولة السلمية الذين كان لهم جهد‬
‫في دعوة النصارى وجهادهم الخليفة الموحدي عبد‬
‫المؤمن بن علي بن يملي بن مروان من قيس عيلن ‪،‬‬
‫)‪(3‬‬

‫والذي تولى الخلفة سنة ‪524‬ه وكان عاقل ً حازمًا‪ ،‬سديد‬


‫الرأي‪ ،‬حسن السياسة للمور‪ ،‬كثير البذل للموال )‪ ،(4‬كان‬
‫له اهتمام كبير لمراقبة عماله ونصحهم ومعاقبة المسيء‬
‫منهم‪ ،‬مع حثه إياهم على المر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر والخذ على أيدي السفهاء حتى أنه عزل ابنه عن‬
‫ولية العهد لما ظهر عليه من أمور مخله بالكرامة )‪ ،(5‬ومن‬
‫جهوده في مواجهة الفرنج ودعوتهم مهاجمته بعض‬
‫حصونهم في الندلس على يد أحد قواده سنة ‪550‬ه‬
‫واسترداده للمرية )‪(6‬من أيديهم بعد زحفهم عليها إثر‬
‫تضعضع أحوال المرابطين في الندلس وذلك سنة ‪552‬ه‬
‫كذلك طرد الفرنج من المهدية سنة ‪558‬ه وإحسانه إلى‬
‫أسراهم وترغيبهم بالسلم ودعوته إليه )‪ (7‬وقـد كانت‬
‫وفـاته في سـل )‪(8‬سنة ‪558‬ه حيث حمل إلى تيفل‬
‫)‪(9‬ودفن بها وكان لحفيده يعقوب بن يوسف بن عبد‬

‫‪()1‬النيس المطرب ص ‪.157‬‬


‫‪()2‬المصدر نفسه ص ‪ 137‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(1/386‬‬
‫‪()3‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(1/388‬‬
‫‪()4‬الكامل في التاريخ )‪ (9/299‬دعوة المسلمين )‪.(1/389‬‬
‫‪()5‬البيان المغرب‪ ،‬قسم الموحدين ص ‪.78‬‬
‫‪()6‬المرية‪ :‬مدينة في جنوب شرق إسبانيا على البحر المتوسط‪.‬‬
‫‪()7‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.( /1‬‬
‫‪()8‬سل‪ :‬مدينة مغربية ‪ ،‬تقع حاليا ً على ساحل المحيط الطلسي‪.‬‬
‫‪()9‬تيفل وتسمى حاليا ً تافيلت‪ ،‬مدينة تقع في الوسط الشمالي لدولة المغرب‪.‬‬

‫‪-116-‬‬
‫المؤمن الذي ولد سنة ‪553‬ه )‪ (1‬جهود واضحة في هذا‬
‫المجال فمن جهاده للنصارى قدومه بنفسه إلى الندلس‬
‫سنة ‪591‬ه‪ ،‬ومواجهة النصارى في عدة مواقع ثم هزيمته‬
‫للفرنج في معركة الراك التي شبهها بعض المؤرخين‬
‫بمعركة الزلقة لقوتها وأهميتها وأثرها في إعادة هيبة‬
‫المسلمين في الندلس‪ ،‬ثم ما تلها من غزوات قام بها –‬
‫رحمه الله – سنة ‪592‬ه قال صاحب البيان المغرب عن‬
‫أثر بعض جهود المنصور في نشر السلم بالندلس ‪.. :‬‬
‫واصطكت في هذه الحصون المذكورة دعوة السلم‪،‬‬
‫وتقوضت في أسبوع واحد ملة الكفر بشريعة محمد عليه‬
‫الصلة والسلم )‪ (2‬ولذلك لما رأى فرنج الندلس تقدم أبي‬
‫يوسف واكتساحه لكثير من حصـونهم وعدم توانيه في‬
‫ذلك كفوا أذاهم عن المسلمين‪ ،‬بل طلبوا الصلح على ما‬
‫اشترطه أبو يوسف )‪ ،(3‬ولشعوره – رحمه الله بحال‬
‫المسلمين في الندلس في مقابل النصارى‪ ،‬وخشيته على‬
‫الندلس من زحفهم عليها‪ ،‬وحرصه على مجاهدتهم فيها‬
‫أوصى من بعده في مرض وفاته بالهتمام بذلك وإبلئه‬
‫القدر الكبر من العناية‪ ،‬فكان من قوله‪ .. :‬أوصيكم باليتام‬
‫واليتيمة ‪ :‬الندلس‪ ،‬واليتام‪ :‬هم المسلمون فيها مقابل‬
‫النصارى وكانت وفاته – رحمه الله – في مراكش سنة‬
‫‪595‬ه)‪.(4‬‬

‫وهكذا كان لبعض الولة والقادة في غرب الدولة السلمية‬


‫دور مهم في الحفاظ على الكيان السلمي وتوحيد كلمة‬
‫المسلمين هناك‪ ،‬ودعم المسلمين في الندلس وإيقاف‬
‫زحف النصارى عليها إضافة إلى جهودهم غير المباشرة‬
‫والمتمثلة في التمكين للعلماء ونشر العلم‪ ،‬ول يخفى أثر‬

‫‪()1‬البيان المغرب قسم الموحدين ص ‪.79‬‬


‫‪()2‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(1/391‬‬
‫‪()3‬المصدر نفسه )‪.(1/391‬‬
‫‪()4‬المصدر نفسه )‪.(1/392‬‬

‫‪-117-‬‬
‫ذلك في نجاح الجهود الدعوية بشكل عام‪ ،‬ومنها الجهود‬
‫الموجهة إلى النصارى )‪.(1‬‬
‫‪ -2‬العلماء‪ :‬في عصر الحروب الصليبية كان العلماء‬
‫يقومون بهذه المهمة خير قيام‪ ،‬فنبغ الكثير من العلماء في‬
‫مختلف العلوم وشعروا بمسؤوليتهم في الدعوة بشكل‬
‫عام ودعوة النصارى على وجه الخصوص‪ ،‬فبذلوا جهودا ً‬
‫مشكورة في سبيل ذلك من خلل الجهاد‪ ،‬والتعليم‪،‬‬
‫والتأليف‪ ،‬والكتابة‪ ،‬والردود‪ ،‬وغير ذلك )‪ (2‬وممن له جهود‬
‫في دعوة النصارى في عهد الحروب الصليبية ‪. :‬‬
‫أ‪ -‬نصر بن يحي بن عيسى بن سعيد المتطبب‪:‬‬
‫والذي عاش بعد سنة ‪449‬ه ومن خلل كتابه النصيحة‬
‫اليمانية – وبعض الترجمات اليسيرة عنه يتضح أنه‬
‫نصراني يعمل بالطب‪ ،‬ثم أسلم بعد بحث ونظر‪ ،‬ويرجح‬
‫أحد الباحثين‪ ،‬أن نصر هذا هو نفسه الذي ترجمت له بعض‬
‫المصادر باسم يحي بن يحي بن سعيد المتطبب النصراني‪،‬‬
‫المتوفي بالبصرة سنة ‪589‬ه وقد تمثل جهد نصر بن يحي‬
‫بعد إسلمه في دعوة النصارى شعوره بمسؤوليته في‬
‫دعوة قومه فاستغل معرفته بديانتهم وإطلعه على‬
‫تحريفاتهم وشبهاتهم فألف كتابا ً في ذلك‪ :‬وحيث أنقذني‬
‫الله من الشريعة التي نسخت والملة التي طمست‪،‬‬
‫وشرفني الله بدين السلم ‪ ..‬أحببت أن أذكر نبذا ً من‬
‫أحوال النصارى )‪ ،(3‬حيث ذكر في هذا الكتاب نبذا ًً من‬
‫أحوال النصارى وفرقهم ومذاهبهم وأناجيلهم وأبرز‬
‫معتقداتهم التي أوضح أنه ل يعول عليها وليس لها أصل أو‬
‫برهان أو حجة تقوم عليها )‪ ،(4‬ثم وجه هذا الكتاب ابتداء‬
‫إلى علمائهم ومقدميهم لعلهم يرجعون عن ضللهم وغيهم‬
‫وطغيانهم )‪.(5‬‬

‫‪()1‬المصدر نفسه )‪ (1/392‬نقل ً عن دعوة المسلمين للنصارى ‪.‬‬


‫‪()2‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(1/393‬‬
‫‪()3‬النصحية اليمانية ص ‪ 51‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(1/402‬‬
‫‪()4‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(1/394‬‬
‫‪()5‬المصدر نفسه )‪.(1/403‬‬

‫‪-118-‬‬
‫ب‪ -‬محمد بن عمر بن الحسين بن علي الرازي‪:‬‬
‫وكان من جهوده في دعوة النصارى في هذه الفترة‬
‫مناظراته الكثيرة معهم والتي منها مناظرته المشهورة مع‬
‫أحد قساوسة أصبهان وكان في مناظراته مع النصارى‬
‫ظاهر الحجة واضح البرهان‪ ،‬ل يجرؤ كثير منهم لذلك على‬
‫التصريح بمعتقده أمامه حتى قيل عنه‪ :‬وما من نصراني‬
‫رآه إل وقال‪ :‬أيها الفرد ل نقول بالتثليث بين يديك )‪ (1‬ومما‬
‫يضاف إلى جهوده في هذا المجال عرضه لعقائد النصارى‬
‫وبيانها والرد عليها وذلك في بعض كتبه وإسهامه في ذلك‬
‫في تفسيره عند اليات التي تتحدث عن النصارى حيث‬
‫يعرض الكثير من عقائدهم وشبهاتهم مبطل ً ومفندا ً لها وقد‬
‫كانت وفاة الرازي دعوة المسلمين للنصارى يوم عيد‬
‫الفطر سنة ‪606‬ه‪.‬‬

‫ج‪ -‬صالح بن الحسين بن طلحة الجعفري‪ :‬كان‬


‫مولده بمصر سنة ‪581‬ه )‪ (2‬وكان الجعفري كثير المناظرة‬
‫لرهبان النصارى‪ ،‬حيث يدل على ذلك بعض الشارات في‬
‫كتبه‪ ،‬ومن ذلك مثل ً قوله‪ .. :‬ولقد فاوضني بعض الرهبان‬
‫ممن يدعى بنانا ً في البيان )‪ (3‬قوله‪ :‬لقد فاوضت بعض‬
‫النصارى فيما يتعلق بألفاظ النبوة )‪(4‬وقوله ‪ :‬قلت لنصراني‬
‫من عقلئهم )‪(5‬ومن جهود الجعفري في هذا المجال‬
‫اهتمامه بما يصدر عن نصارى الفرنج تجاه المسلمين‬
‫وتصديه لشبههم والرد عليها وتفنيدها‪ ،‬ففي كتابه‪ :‬الرد‬
‫على النصارى أشار إلى الدافع له لتأليفه أسئلة وردت من‬
‫الفرنج يمتحنون بها المسلمين إذ يقول‪ .. :‬وقفت على‬
‫مسائل ذكر أن الفرنج بعثوا فيها يمتحنون أهل السلم‪،‬‬
‫‪()1‬طبقات الشافعية للسبكي )‪.(8/84‬‬
‫‪()2‬سير أعلم النبلء )‪.(21/501‬‬
‫‪()3‬النجوم الزاهرة )‪.(6/98‬‬
‫‪()4‬تخجيل من حرف التوراة والنجيل ص )‪.(1/250‬‬
‫‪()5‬المصدر نفسه )‪.(1/233‬‬

‫‪-119-‬‬
‫فنظرت فيها‪ ،‬فإذا هي خالية من الفوائد الدينية عاطلة عن‬
‫المنافع الدنيوية )‪ (1‬وأما التأليف في هذا المجال فكان‬
‫للجعفري الجهد الواضح فيه دعوة لهم‪ ،‬وردا ً على شبههم‪،‬‬
‫وبيانا ً للحق الذي اشتبه على كثير من عامتهم؛ حيث‬
‫استشعر هذه المهمة الجليلة في دعوة النصارى‪ ،‬فبين أن‬
‫من أسباب تأليفه مثل ً لكتاب تخجيل من حرف التوراة‬
‫والنجيل هو رجاء هدايتهم فعسى الله أن يقدر هدية‬
‫بعضهم‪ ،‬ونحن مأمورون بدعائهم إلى سبيل ربنا بالحكمة‬
‫والموعظة الحسنة )‪ (2‬ومما دفعه إلى التأليف أيضا ً تعليم‬
‫الحجة في الرد عليهم‪ ،‬وإلزامهم بمقتضى أصولهم‪ :‬وهذا‬
‫مما يعين على دعوتهم )‪ .(3‬مع ما في ذلك من ترسيخ‬
‫ليمان المسلم بإظهار اليات من كتبهم التي توافق‬
‫القرآن‪ ،‬كما قال تعالى‪" :‬الذين يتبعون الرسول النبي‬
‫ي الذي يجدونه مكتوبا ً عندهم في التوراة والنجيل "‬‫الم ّ‬
‫)العراف‪ ،‬آية‪ . (157 :‬وكثرة الدلة توجب الطمأنينة‬
‫)‪(4‬‬

‫وتثلج الصدر )‪(5‬ولهذا الغرض الجليل المتمثل في دعوة‬

‫س‪ -‬أحمد بن إدريس بن عبدالرحمن الضهاجي‬


‫القرافي‪:‬‬
‫كانت له جهود كبيرة في مناظرته الكثيرة معهم والرد‬
‫على شبههم ودعمه للسلطة في وقوته في مواجهتهم‪،‬‬
‫ومما يدل على كثرة مناظرته مع النصارى قوله في أحد‬
‫كتبه‪ .. :‬اتفق لي مع كثير منهم في المناظرة أني أطالبه‬
‫بتصوير مذهبه كيف يمكن إقامة الدليل عليه )‪(8‬وقد اعتنى‬
‫– رحمه الله – في الرد على شبههم‪ ،‬ومن ذلك تخصيص‬
‫‪()1‬المصدر نفسه )‪.(1/353‬‬
‫‪()2‬الرد على النصارى ص ‪.56‬‬
‫‪()3‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(1/410‬‬
‫‪()4‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(1/410‬‬
‫‪()5‬المصدر نفسه )‪.(1/410‬‬
‫‪()6‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(1/411‬‬
‫‪()7‬المصدر نفسه )‪.(1/411‬‬
‫‪()8‬الجوبة الفاخرة ص ‪.111‬‬

‫‪-120-‬‬
‫الباب الثاني في كتابه الجوبة الفاخرة في الرد عليها‬
‫وتفنيدها حيث قـال‪ :‬الباب الثاني في أسئلة لهل الكتاب‬
‫النصارى واليهود عادتهم يتولوعون بإيرادها ‪ ..‬والجواب‬
‫عنها )‪ ،(1‬ومن مشاركته ودعمه للسلطة في وقته في‬
‫مواجهة النصارى ودعوتهم تأليفه كتاب "أدلة الوحدانية في‬
‫الرد على النصرانية" وإهدائه للملك الكامل الذي كان‬
‫الصراع العسكري والفكري في وقته على أشده مع‬
‫الصليبيين وقد قال القرافي في ذلك‪ .. :‬فرأيت أن أؤلف‬
‫لمولنا السلطان أعزه الله تعالى في الرد عليهم كتابا ً‬
‫أتحفه فيه بغريبه وانفرد فيه بطريقة عجيبة‪ ،‬أجمع فيه‬
‫مذاهبهم على جليتها وأخاطبهم بنصوص نصوصهم‬
‫وأجادلهم بها مجادلة القران‪ ،‬وأبارزهم على نقضها مبارزة‬
‫الشجعان )‪(2‬والقرافي كان مستشعرا ً لهمية الدعوة إلى‬
‫السلم بشكل عام وأن الذب عن الدين والدعوة إليه‬
‫أسمى ما تصرف فيه الهمم حيث قال‪ :‬أجلت طرف الفكر‬
‫ميدان النظر أي فن أقصد إليه‪ ،‬وأرجو من الله أن يثيب‬
‫عليه‪ ،‬فظهر لي أن أولى ما تصرف إليه الهمم‪ ،‬وتتفاوت‬
‫فيه القيم‪ ،‬وتتنافس فيه الفاضل‪ ،‬وتتميز به المفضول من‬
‫الفاضل الذب عن حوزة الدين وحراسة بقية المسلمين‬
‫بالبحث الملل والديان‪ ،‬وإقامة الدليل على وحدانية الملك‬
‫الديان )‪ ،(3‬ثم وضح القرافي أن أولى من يدعى إلى ذلك‬
‫هم النصارى حيث قال‪ :‬فنظرت في أهل الشرائع‬
‫والمذاهب‪ ،‬وتفكرت فيمن هو فيها عن التوحيد ذاهب‪ ،‬فلم‬
‫أجد سوى مذهب النصارى الضالين الحيارى )‪(4‬ومن الكتب‬
‫أيضا ً التي ألفها القرافي في هذا المجال كتاب "القوال‬
‫القديمة في حكم النقل من الكتب القديمة " وبعد حياة‬

‫‪()1‬الجوبة الفاخرة ص ‪.3‬‬


‫‪()2‬أدلة الوحدانية في الرد على النصرانية ص ‪.414‬‬
‫‪()3‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/414‬‬
‫‪()4‬المصدر نفسه )‪ (1/414‬أدلة الوحدنية ص ‪.20‬‬

‫‪-121-‬‬
‫حافلة بالعلم والدعوة توفي القرافي في جمادي الخرة‬
‫من سنة ‪684‬ه )‪ (1‬بالقاهرة – رحمه الله رحمة واسعة‪.‬‬

‫ش‪ -‬أحمد عبدالصمد بن أبي عبيدة الخزرجي‪:‬‬


‫عرف منذ شبابه بالذكاء والحفظ وكانت له عناية بالحديث‬
‫والتواريخ)‪ ،(2‬وله جهود مشكورة في دعوة النصارى من‬
‫خلل كتاباته في عقائدهم ومناظراته معهم‪ ،‬والرد على‬
‫شبههم ومن ذلك أنه كان أحد قساوسة طليطلة الفرنج‬
‫يثير الشبه ويلقيها بين المسلمين لزعزعة ثقتهم في دينهم‬
‫وكانوا يحارون في الجابة عنها حتى هيأ الله لهم أبا عبيدة‪،‬‬
‫فكان المسلمون يأتون إليه ليجيب على أسئلة القسيس‬
‫وشبهه‪ ،‬فيتصدى أبو عبيد لذلك‪ ،‬فنزول شبهتهم ثم‬
‫يحملون الجابة ليلقمونه حجرا ً ويفندون حججه ويبطلون‬
‫إدعاءاته )‪ (3‬وكانت لبي عبيدة جهود مباشرة في النقاش‬
‫والردود والدعوة لقساوسة النصارى في الندلس‪ ،‬منها‬
‫على سبيل المثال‪ :‬رسالته إلى أحد قساوسة طليطلة ردا ً‬
‫على رسالة بعث بها هذا القسيس إليه يدعوه فيها إلى‬
‫النصرانية ويثير فيها بعض الشبه حول السلم حيث أرسل‬
‫له أبو عبيدة رسالة يدعوه فيها إلى السلم ويظهر له‬
‫مثالب النصرانية وتحريفها ويزيل الشبه التي تعلق بها هذا‬
‫القسيس للطعن في الدين السلمي )‪ (4‬ومما يضاف إلي‬
‫جهود أبي عبيدة في هذا المجال تأليفه للكتب التي توحي‬
‫عناوين بعضها بأنها مجابهة لحرب فكرية أثارها النصارى‬
‫في الندلس ضد السلم والمسلمين في وقته ومن هذه‬
‫الكتب‪ .‬مقاطع هامات الصلبان ومراتع رياض أهل اليمان‬
‫)‪ ،(5‬وكتاب مقام المدرك في إفحام المشرك وكتاب مقصد‬
‫السبيل في معرفة آيات الرسول‪ ،‬وكتاب آفاق الشموس‬
‫‪()1‬الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب )‪.(1/239‬‬
‫‪()2‬المصدر نفسه )‪.(216 – 1/215‬‬
‫‪()3‬مقامع هامات الصلبان ومراتع رياض أهل الجنة ص ‪.53‬‬
‫‪()4‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/420‬‬
‫‪()5‬المصدر نفسه )‪.(1/420‬‬

‫‪-122-‬‬
‫وأعلق النفوس‪ ،‬والخير في أحكام النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وكانت لبي عبيدة – رحمه الله – مشاركة في‬
‫الجهاد العسكري ضد النصارى حتى أنه أسر في طليطلة‬
‫سنة ‪540‬ه وبقي في السر إلى سنة ‪542‬ه ‪ ،‬وكان خلل‬
‫فترة أسره يحاور النصارى ويناقشهم ويملي الحجة على‬
‫المسلمين الذين في السر معه لمواجهة شبه النصارى‬
‫وإدعاءاتهم وبعد فكاك أبي عبيدة من السر ودعما ً منه‬
‫للجهود المبذولة في مواجة النصارى جميع بعض ردوده‬
‫ومناقشاته معهم في عدة نسخ ووضعها بأيدي المسلمين‬
‫الذين ل يزالون تحت السر في طليطلة‪ ،‬حيث قال صاحب‬
‫كتاب الذيل والتكملة عن ذلك ‪ ..." :‬وتركه في نسخ بأيدي‬
‫جماعة من المسلمين المبتلين بالسر هناك لما يسر الله‬
‫في تخلصه )‪(1‬وقد كانت وفاة أبي عبيدة في فاس سنة‬
‫‪582‬ه )‪.(2‬‬

‫ع‪ -‬محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي‪ :‬كان من‬


‫علماء المغرب السلمي الذين لهم جهود في دعوة‬
‫النصارى نشأ في قرطبة بالندلس وأخذ من علمائها ثم‬
‫هاجر إلى المشرق واستوطن مصر حيث كانت وفاته في‬
‫منية الخصيب بصعيد مصر سنة ‪671‬ه )‪(3‬وكان القرطبي‬
‫محدثًا‪ ،‬فقيهًا‪ ،‬مفسرًا‪ ،‬متبحرا ً في كثير من العلوم وكان‬
‫ورعا ً زاهدًا‪ ،‬متعبدًا‪ ،‬ع ّ‬
‫مر أوقاته بين العبادة والتصنيف‪،‬‬
‫حيث خلف العديد من المؤلفات القيمة‪ ،‬من أشهرها‪ :‬كتابه‬
‫في التفسير‪ :‬الجامع لحكام القرآن‪ ،‬والسنى في أسماء‬
‫الله الحسنى‪ ،‬والتذكار في أفضل الذكار والتذكرة بأحوال‬
‫)‪(4‬‬
‫الموتى وأحوال الخرة‪ ،‬إلى غير ذلك‬

‫‪()1‬الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة القسم الول ص ‪.240‬‬


‫‪()2‬فاس‪ :‬مدينة في شمال المغرب أسسها إدريس الثاني سنة ‪193‬ه‪.‬‬
‫‪()3‬نفح الطيب من غصن الندلس الطيب )‪.(212 – 2/210‬‬
‫‪()4‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/421‬‬

‫‪-123-‬‬
‫وفيما يتعلق بدعوة النصارى فله اهتمام كبير في هذا‬
‫الجانب يتمثل في حرصه على الرد عليهم وكشف ضللهم‬
‫وإزالة شبهاتهم ومن ذلك رده على قسيس طليطلة الذي‬
‫بعث بكتاب إلى المسلمين في قرطبة أسماه ‪ :‬تثليث‬
‫الوحدانية )‪ :(5‬العلم بما في دين النصارى من الفساد‬
‫والوهام وإثبات بّنوة نبينا محمد عليه الصلة والسلم‪،‬‬
‫حيث ناقش القرطبي في كتابه العلم فصل بين فيه أن‬
‫السبب الذي دفعه إلى ذلك هو خشيته من تلبيس‬
‫قسوسهم الذين يكتبون حول بعض تشريعات السلم وهم‬
‫ل يحسنون ذلك فقرأها إخوانهم في الديانة فيفهموا‬
‫السلم على غير وجهه الصحيح )‪ ،(6‬إضافة إلى أنه وضع‬
‫هذا الفصل ليطلع عليه النصارى فيفهمون السلم على‬
‫الوجه الصحيح ليكون أدعى إلى اعتناقهم إياه )‪.(7‬‬

‫سابعًا‪ :‬وسائل الدعوة السلمية في عصر‬


‫الحروب الصليبية ‪ :‬تنوعت وسائل الدعوة السلمية‬
‫في عصر الحروب الصليبية إلى وسائل متنوعة منها‪:‬‬
‫‪ -1‬الكتب‪ :‬في فترة الحروب الصليبية كان الكتاب من‬
‫أهم وسائل الدعوة الموجهة إلى النصارى‪ ،‬وكان له أثره‬
‫في إبطال شبههم‪ ،‬وفضح ضللتهم‪ ،‬وكشف تلبيس‬
‫ي على عامتهم‪ ،‬ومن‬‫عم ّ‬ ‫مبطليهم وبيان الحق الذي ُ‬
‫المثلة على ذلك كتاب "الجوبة الفاخرة على السئلة‬
‫الفاخرة للقرافين حيث كان السبب الول الذي دفعه‬
‫لتأليف هذا الكتاب رسالة بعث بها أحد النصارى يقيم‬
‫الحجج فيها على صحة دينه)‪ ،(8‬ومثله كتاب القرطبي –‬
‫العلم بما في دين النصارى من الفساد والوهام وإظهار‬
‫وة محمد عليه الصلة‬‫محاسن دين السلم وإثبات نب ّ‬
‫والسلم – حيث كان الدافع الول لتأليف القرطبي هذا‬
‫‪()5‬المصدر نفسه )‪.(1/421‬‬
‫‪()6‬دعوة المسلمين للّنصارى )‪.(1/422‬‬
‫‪()7‬المصدر نفسه )‪.(1/422‬‬
‫‪()8‬الجوبة الفاخرة ص ‪.3‬‬

‫‪-124-‬‬
‫الكتـاب كتـاب بعث به أحـد قساوسة النصارى في‬
‫طليطلة بالندلس أسماه – تثليث الوحدانية )‪(1‬فحرك ذلك‬
‫القرطبي لتأليف كتابه ردا ً على كتاب القسيس متتبعا ً له‬
‫ومناقشا ً ما أورده فيه من شبه‪ ،‬ومبطل ً ما اعتمدوا عليه‬
‫في ديانتهم وعقائدهم ومن الكتب التي كان السبب‬
‫المباشر في تأليفها كتابات لبعض النصارى بعثوا بها إلى‬
‫المسلمين‪ ،‬كتاب الرد على النصارى لصالح بن الحسين‬
‫الجعفري )‪ ،(2‬وكذلك من الكتب رد أبي عبيدة الخزرجي‬
‫على شبهات قسيس طليطلة وتفنيدها‪ ،‬وردود بعض علماء‬
‫الندلس على رسالة ابن غرسيه النصراني في ذم العرب‬
‫والمسلمين والتي كثر تداوالها في الندلس في هذه‬
‫الفترة حيث ألف بعض العلماء في الرد عليه منهم‪ :‬محمد‬
‫بن مسعود بن طيب بن أبي الخصـال وكان رده بعنوان –‬
‫خطف البارق وقذف المارق في الرد على ابن غرسيه‬
‫المارق )‪(3‬وهناك نوع آخر من الكتب التي ألفها علماء هذه‬
‫الفترة بمبادرة منهم وذلك دعما ً للسلطة في مواجهة‬
‫النصارى ودعوتهم‪ ،‬ومن هذه الكتب كتاب أدلة التوحيد في‬
‫الرد على النصرانية لحمد بن إدريس القرافي ومن الكتب‬
‫في هذه الفترة من ألفها بعض العلماء ابتداء رجاء هداية‬
‫النصارى من خلل مناقشة عقائدهم وبيان بطلنها وإيضاح‬
‫الحق الذي اشتبه على كثير من عامتهم بسبب تلبيس‬
‫قساوستهم‪ ،‬ومن المثلة على هذا النوع من الكتب كتاب‬
‫تخجيل من حرف التوراة والنجيل لصالح بن الحسين‬
‫الجعفري )‪(4‬وغيرها من الكتب الكثيرة التي ناقشت قادة‬
‫الرأي ورجال الدين النصارى كرسالة أبي عبيدة الخزرجي‬
‫إلى قسيس طليطلة وكتاب الواضح المشهود ولها أثرها‬
‫أيضا ً من جهة أن بعضها كان ردا ً مباشرا ً على قضايا معينة‬
‫أثارها النصارى في هذه الفترة وكان لها رواج فكان الرد‬
‫‪()1‬العلم بما في دين النصارى من الفساد والوهام ص ‪.43‬‬
‫‪()2‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(1/448‬‬
‫‪()3‬المصدر نفسه )‪.(1/450‬‬
‫‪()4‬دعوة المسلمين النصارى )‪.(1/451‬‬

‫‪-125-‬‬
‫على مثل هذه القضايا له انتشاره وأثره على العامة من‬
‫النصارى الذين راجت عندهم‪ ،‬فوصل إليهم الرد والشبه‬
‫عالقة في أذهانهم فكان أدعى إلى تفنيدها وإزالتها وذلك‬
‫مثل رد أبي الخصال وغيره على رسالة ابن غورسية ورد‬
‫القرافي في كتابه الجوبة الفاخرة على أسئلة تّعود‬
‫النصارى إثارتها وترويجها في هذه الفترة‪ ،‬ولهذه الكتب‬
‫أيضا ً أثرها في عمق التأثير في القارئ بل وفي طبقات‬
‫المجتمع النصراني بشكل عام في هذه الفترةن وذلك‬
‫لكونها أطول بقاًء وأوسع انتشارا ً وأسهل تداو ً‬
‫ل‪،‬‬
‫فالمحاضرة والخطبة والمناظرة وغيرها في ذلك الوقت‬
‫يبقى تأثيرها محدودا ً من حيث وصول أثرها للحاضرين في‬
‫وقتها‪ ،‬أما الكتاب وإن كان تأثيره بطيئا ً فإن أثره عميق‪،‬‬
‫لكونه يُتداول في المجتمع النصراني بمختلف طبقاته‬
‫فيتسرب لذلك أثره إلى هذه الطبقات إما بإسلم البعض‬
‫أو بإزالة شبهة قائمة حول السلم‪ ،‬أو بتشويش ما لديهم‬
‫من قناعات حول معتقدهم )‪.(1‬‬

‫‪ -2‬وسيلة الجهاد‪ :‬وفي عصر الحروب الصليبية كان‬


‫الجهاد في سبيل الله من أهم وسائل الدعوة الموجهة إلى‬
‫النصارى وقد تحدثت في كتبي السابقة عن السلجقة‬
‫والزنكيين وصلح الدين عن هذه الوسيلة بنوع من‬
‫التفصيل ولقد ساهمت وسيلة الجهاد لتاحة أعداد كبيرة‬
‫من النصارى الوروبيين المقاتلين في الجيوش الصليبية‬
‫الحتكاك بالمسلمين ومعرفة بعض معتقداتهم وأخلقهم‬
‫وما يتميز به كثير من القادة المسلمين ومعرفة بعض‬
‫معتقداتهم وأخلقهم وما يتميز به كثير من القادة‬
‫المسلمين من عدل ورحمة وعطف هذه الصفات التي‬
‫تعكس الخلق السلمية وتعطي صورة صادقة عن‬
‫سماحة السلم‪ ،‬المر الذي جعل أعدادا ً كبيرة من أفراد‬
‫هذه الحملت يعتنقون السلم‪ ،‬بل إن بعض قادتهم أقسم‬
‫‪()1‬المصدر نفسه )‪.(1/452‬‬

‫‪-126-‬‬
‫أل يقاتل المسلمين لما رآه من عدل وإنصاف لدى بعض‬
‫القادة‪ ،‬وكثيرون منهم تبدلت عدواتهم إلى محبة‬
‫للمسلمين بسبب حسن المعاملة التي وجدوها من قبل‬
‫الجيوش السلمية‪ ،‬وللجهاد أثر واضح في دعوة النصارى‬
‫من ناحية كونه أتاح الكثير من التصالت بين قادة‬
‫الفريقين سواء عن طريق الرسل أو من خلل الرسائل‬
‫والمكاتبات أو الجتماعات المباشرة )‪ (1‬ومن أعظم آثار‬
‫وسيلة الجهاد في هذه الفترة تجاه النصارى أنها أظهرت‬
‫عزة المسلمين وقوتهم أمام أعدائهم‪ ،‬وجعلتهم أمة‬
‫مرهوبة الجانب تحطمت على صمودها وقوتها حملت‬
‫الصليبيين المتعاقبة‪ ،‬مما جعل كثيرا ً من عامة النصارى‬
‫خاصة في أوروبا تتزعزع قناعاتهم بصحة ما هم عليه‪،‬‬
‫ويفقدون الثقة برجال دينهم الذين وعدوهم بالنصر‬
‫والغران والسعادة )‪ ،(2‬فحينما عاد جماعة من النصارى‬
‫المشاركين في إحدى الحملت الصليبية أخذوا يدعون إلى‬
‫التحرر من سلطة رجال الدين لديهم وأعلنوا أنه ‪ :‬لو‬
‫اجتمعت الباباوات والكرادلة من أولهم إلى آخرهم على‬
‫أن يضعوا عن مخلوق ذنبا ً واحدا ً ما قدروا‪ ،‬بل الله يغفر‬
‫الذنوب )‪ ،(3‬بل إن أعدادا ً كثيرة من النصارى في أوروبا‬
‫أخذوا يصرحون أن إخفاق الحملت الصليبية يدحض ما‬
‫يدعيه البابا من أنه نائب عن الله أو ممثل له في أرضه‬
‫)‪(4‬ولما أخذ الرهبان في أوروبا يدعون إلى إحدى الحملت‬
‫الصليبية المتأخرة ويسألون الناس بذل المال دعما لها‬
‫كان كثير من النصارى يسخرون منهم حتى أنهم أخذوا‬
‫يوزعون المال على الفقراء باسم محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم من قبيل السـخرية بالرهبان‪ ،‬لن محمدا ً صلى الله‬
‫عليه وسلم قد ظهر أنه أعظم قوة من المسيح في هذه‬

‫‪()1‬دعوة المسلمين في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/465‬‬


‫‪()2‬المصدر نفسه )‪.(1/467‬‬
‫‪()3‬أثر الشرق السلمي في الفكر الوروبي خلل الحروب الصليبية ص ‪.145‬‬
‫‪()4‬قصة الحضارة )‪.(4/67‬‬

‫‪-127-‬‬
‫الحروب )‪(1‬وقد بين أحد الكتاب الغربيين أن من أهم نتائج‬
‫فشل الحملت العسكرية الصليبية – والتي كان الجهاد في‬
‫سبيل الله السبب المباشر في ذلك – إن هذا الفشل بعث‬
‫كثيرا ً من العقول في أوروبا على التفكير‪ ،‬وكان سببا ً في‬
‫إضعاف العقائد الدينية المستقرة لدى النصارى في‬
‫القرنين الثالث والرابع عشر )‪.(2‬‬

‫‪ -3‬وسيلة الرسل‪ :‬في عصر الحروب الصليبية اعتمد‬


‫المسلمون كثيرا ً على الرسل في اتصالتهم مع النصارى‬
‫خصوصا ً مع الصليبيين فمن خللهم ُنقلت وجهات النظر‬
‫السلمية إلى النصارى حيال كثير من المور التي كانت‬
‫مدار خلف بين الطرفين في هذه الفترة‪ ،‬وعن طريقهم‬
‫تبدلت مواقف كثير من النصارى العدائية تجاه السلم‬
‫والمسلمين‪ ،‬ولدورهم الفعال تحققت الكثير من المصالح‬
‫للمسلمين في مواجهة النصارى ودعوتهم خصوصا ً إذا كان‬
‫لهؤلء الرسل مجال في المفاوضة والمحاورة والنقاش)‪.(3‬‬

‫‪ -4‬وسيلة المسجد‪ :‬في عصر الحروب الصليبية كانت‬


‫المساجد من وسائل الدعوة الموجهة إلى النصارى‪ ،‬حيث‬
‫يظهر ذلك من خلل كونها معلما ً من معالم المدن‬
‫السلمية‪ ،‬فمن أول ما يلفت نظر غير المسلم الزائر‬
‫للمدينة السلمية هذه المساجد التي لم يعتد رؤيتها في‬
‫بلده‪ ،‬فيطرح ذلك بعض السئلة في ذهنه والتي ربما‬
‫تقوده إلى البحث ومحاولة التعرف على السلم‪،‬‬
‫فالمساجد من هذه الناحية أول منادٍ تدعوا إلى السلم‬
‫لغير المسلم الذي يشاهدها لول مرة‪ ،‬وهذا هو حال كثير‬
‫من النصارى القادمين مع الحملت الصليبية الذين لم‬
‫يعتادوا رؤية المساجد من قبل في بلدهم وفي المساجد‬
‫‪()1‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/467‬‬
‫‪()2‬دعوة المسلمين للّنصارى )‪.(1/467‬‬
‫‪()3‬المصدر نفسه )‪.(1/470‬‬

‫‪-128-‬‬
‫يرفع الذان الذي يتضمن تمجيدا ً لله سبحانه وتعالى‬
‫وتوحيدا ً له وإعلنا ً بنبوةّ محمد صلى الله عليه وسلم وفي‬
‫ذلك نقض لعقيدة التثليث لدى النصارى ورد على تكذيبهم‬
‫بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ول شك أن سماع‬
‫النصارى للذان وتكراره في اليوم خمس مرات على‬
‫وة‬‫مسامعهم فيه دعوة مباشرة لهم بالتوحيد واليمان بنب ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم بغض النظر عن الستجابة‬
‫وكانت هناك مساجد كثيرة بأيدي المسلمين منفردين في‬
‫الصلة فيها وهي تحت الحكم النصراني وقد بقيت على‬
‫حالها وهذا ما أشار إليه ابن جبير في مدينة صور وهي‬
‫تحت الحكم الصليبي حينما زارها حيث قال‪ :‬وكانت راحتنا‬
‫مدة مقامنا بصور بمسجد بقي بأيدي المسلمين‪ ،‬ولهم فيها‬
‫مساجد أخرى )‪ .(2‬كذلك ارتياد النصارى لبيت المقدس‬
‫واختلطهم بالمسلمين فيه وتعودهم رؤية المسلمين‬
‫يؤدون صلتهم فيه‪ ،‬أدى إلى تبدل نظرة الكثيرين منهم‬
‫إلى المسلمين من نظرة متعصبة حاقدة إلى نوع من‬
‫المودة والحترام وقد أشار أسامة بن منقذ إلى شيء من‬
‫ذلك فبينما كان يؤدي الصلة في بيت المقدس متجها ً إلى‬
‫مكة وحوله بعض الفرنج تقدم إليه أحدهم وصرفه عن‬
‫القبلة‪ ،‬فمنعه آخرون منهم واعتذروا لسامة‪ ،‬وأن هذا‬
‫الرجل قدم حديثا ً من البلد ولم يتعود أن يرى مسلما ً‬
‫يصلي متجها ً إلى مكة )‪ ،(3‬لذلك استنتج هذه الملحظات‬
‫أسامة بنفسه حيث قال‪ :‬فكل من هو قريب بالبلد‬
‫الفرنجية أجفى أخلقا ً من الذين قد تبلدوا وعاشروا‬
‫المسلمين )‪.(4‬‬

‫وقد كان لبعض المساجد في بلد المسلمين شأن وذكر‪،‬‬


‫بل أنها استحوذت على بعض القادة المسلمين‪ ،‬وكون‬
‫‪()1‬المصدر نفسه )‪.(1/477‬‬
‫‪()2‬رحلة بان جبير ص ‪ 279‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(1/478‬‬
‫‪()3‬العتبار‪ ،‬لبن منقذ ص ‪.135 - 134‬‬
‫‪()4‬المصدر نفسه ص ‪ 134‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(1/478‬‬

‫‪-129-‬‬
‫العناية بمثل هذه المساجد وسيلة لكسب المسلمين‬
‫الخاضعين لسيطرتهم ومن ذلك مثل ً مسجد القسطنطينية‬
‫الذي دارت بشأنه العديد من السفارات بين صلح الدين‬
‫وإمبراطور الروم والذي كان يبدي اهتمامه وعنايته بهذا‬
‫المسجد‪ ،‬حيث أرسل صلح الدين من أجل ذلك سفارة‬
‫تضم إماما ً وخطيبا ً للمسجد‪ ،‬وكان لذلك أثره في إبراز‬
‫صورة السلم في معقل من معاقل النصرانية‪ ،‬وقد قال‬
‫ابن شداد عن ذلك‪ .. :‬وكان يوم دخولهم – أي سفارة‬
‫صلح الدين إلى القسطنطينية يوما ً عظيما ً من أيام‬
‫السلم شاهده جمع كثير من التجار‪ ،‬ورقى الخطيب‬
‫المنبر‪ ،‬واجتمع إليه المسلمون المقيمون بها والتجار وأقام‬
‫الدعوة السلمية العباسية )‪ (1‬لقد قامت المساجد بدورها‬
‫في دعوة النصارى إلى السلم العظيم‪.‬‬

‫‪ -5‬وسيلة الرسائل‪ :‬في عصر الحروب الصليبية‬


‫استطاع كثير من قادة المسلمين وعلمائهم إيصال الحق‬
‫إلى النصارى من خلل الرسائل وقد اختلفت موضوعات‬
‫هذه الرسائل إل أنها في النهاية في مجموعها لصالح‬
‫المسلمين‪ ،‬فهي إما دعوة مباشرة للسلم‪ ،‬أو بحث في‬
‫أمر يهم المسلمين في مواجهة النصارى‪ ،‬أو أنها رسائل‬
‫تحمل نوعا ً من التلطف واللين مع قادة النصارى‬
‫ومقدميهم درأ ً لشرهم وكسبا ً لقوة بعضهم ضد بعض ومن‬
‫المثلة على استخدام الرسائل من قبل المسلمين تجاه‬
‫النصارى في هذه الفترة رسائل صلح الدين الكثيرة إلى‬
‫بعض قادة الفرنج والتي منها رسائله إلى ملك‬
‫القسطنطينية في شأن إقامة خطبة الجمعة في‬
‫القسطنطينية وترتيب إقامة الصلة فيها وما يتعلق ببناء‬
‫م ذلك وكان قد أنفذ –‬ ‫مسجد للمسلمين هناك‪ ،‬حيث ت ّ‬
‫رحمه الله – مع إحدى رسائله في هذا الشأن خطيبا ً‬

‫‪()1‬النوادر السلطانية ص ‪ 202‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(1/479‬‬

‫‪-130-‬‬
‫ومنبرا ً وجمعا ً من المؤذنين )‪(1‬ومن رسائل صلح الدين إلى‬
‫النصارى رسالته إلى ملك النجليز ردا ً على رسالة بعث بها‬
‫الخير إليه متضمنة المطالبة بتنازل المسلمين عن القدس‬
‫وبعض البلد الشامية‪ ،‬واسترجاع صليب الصلبوت المعظم‬
‫عندهم‪ ،‬والذي غنمه المسلمون منهم في معركة حطين‪،‬‬
‫فكان جواب صلح الدين‪ ،‬في رسالته على رسالة الملك‬
‫الصليبي الرفض التام للحديث في شأن القدس أو التنازل‬
‫عن شيء من أراضي المسلمين‪ ،‬أما تسليم صليب‬
‫الصلبوت للنصارى فإن ذلك ل يكون إل لمصلحة راجحة‬
‫للسلم )‪(2‬حيث قال في هذه الرسالة‪ .. :‬هو عندنا – أي‬
‫القدس – أعظم مما هو عندكم‪ ،‬فإنه مسرى نبيّنا ومجتمع‬
‫الملئكة‪ ،‬فل يتصور أن ننزل عنه ول نقدر على التلفظ‬
‫بذلك بين المسلمين وأما البلد فهي أيضا ً لنا في الصل‬
‫واستيلؤكم كان طارئا ً عليها لضعف من كان بها من‬
‫المسلمين في ذلك الوقت ‪ ..‬وأما الصليب فهلكه عندنا‬
‫قربة عظيمة ول يجوز أن نفرط فيها إل لمصلحة راجحة‬
‫إلى السلم هي أوفى منها )‪ .(3‬وهكذا كانت وسيلة‬
‫الرسائل في هذه الفترة من الوسائل التي استخدمها‬
‫المسلمون في إيصال الدعوة إلى النصارى )‪.(4‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أساليب دعوة المسلمين للنصارى‪ :‬في عصر‬
‫الحروب الصليبية اهتم الدعاة المسلمون في جهودهم‬
‫الدعوية المباركة الموجهة إلى النصارى بجانب الساليب‬
‫اهتماما ً كبيرا ً حيث ظهر ذلك جليا ً من خلل تنوع هذه‬
‫الساليب وتعدد أشكالها واختلف عرضها )‪.(5‬‬

‫‪ -1‬الساليب العقلية‪ :‬غلب على العلماء المسلمين في‬


‫عصر الحروب الصليبية استخدام الساليب العقلية من‬
‫‪()1‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(1/485‬‬
‫‪()2‬المصدر نفسه )‪.(1/485‬‬
‫‪()3‬النوادر السلطانية ص ‪.290‬‬
‫‪()4‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(3/488‬‬
‫‪()5‬المصدر نفسه )‪.(1/492‬‬

‫‪-131-‬‬
‫سير وتقسيم وأقيسة ومحاكمات عقلية وغيرها ومن أبرز‬
‫الساليب العقلية التي استخدمها العلماء المسلمون في‬
‫مناقشاتهم وردودهم ومناظراتهم مع النصارى‪:‬‬
‫أ‪ -‬أسلوب السبر والتقسيم‪ :‬والسبر والتقسيم في‬
‫الصطلح هو أن يحصر المعترض جميع الوصاف المناسبة‬
‫للحكم في الصل ثم يبين إلغاءها وعدم صلحيتها للتعليل‬
‫)‪ (1‬وقد كان هذا السلوب العقلي من أبرز الساليب‬
‫وأكثرها استخداما من قبل العلماء المسلمين في‬
‫نقاشاتهم وحواراتهم ومناظراتهم مع النصارى في عصر‬
‫الحروب الصليبية‪ ،‬وذلك لما يتميز به من شمولية في تتبع‬
‫الحتمالت والعتراضات التي يمكن أن يتعلق بها النصارى‬
‫وإبطالها وذلك في القضايا التي كانت مدارالنقاش والبحث‬
‫بين الفريقين ومن المثلة على استخدام هذا السلوب مع‬
‫النصارى إبطال الخزرجي في مناقشته لقسيس طليطلة‬
‫حجة هذا القسيس على تجسيد الله في شخص المسيح‪،‬‬
‫حيث ذكر هذا القسيس أن علة تجسد الله في شخص‬
‫المسيح هي من أجل أن ينزل إلى الرض ويكلم الخلئق‬
‫بدون واسطة حتى تنقطع حجتهم )‪ ،(2‬فأبطل الخزرجي‬
‫هذه الحجة من خلل السبر والتقسيم بأن حصر‬
‫الحتمالت التي يمكن أن يكون من أجلها نزل الله إلى‬
‫الرض متجسدا ً في شخص المسيح وبين عدم صحتها‪،‬‬
‫المر يهدم أساس هذه العقيدة التي يدين بها النصارى‪ ،‬فل‬
‫يخلو بسبب هذه العقيدة التي يدين بها النصارى‪ ،‬فل يخلو‬
‫سبب هذا التجسد من أن الله تعالى عما يقولون علوا ً‬
‫كبيرا ً لم يحط علمه بما فعله أنبياؤه فهبط ليطلع على‬
‫فعلهم وهذا محال‪ ،‬أو كان النبياء متهمين بمخالفة أمره‬
‫سبحانه عمدا ً فلم يؤدوا أمانة التبليغ وهذا محال‪ ،‬أو أنهم‬
‫ملوا وضعفوا عن إظهار ما يؤكد‬ ‫ح ّ‬
‫عجزوا عن أداء ما ُ‬
‫صدقهم فنزل مؤيدا ً لهم وهذا محال )‪ ،(3‬فإذا انتفت هذه‬
‫‪()1‬شرح مختصر الروضة )‪.(3/492‬‬
‫‪()2‬مقامع الصلبان ومراتع رياض أهل اليمان ص ‪.496‬‬
‫‪()3‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/496‬‬

‫‪-132-‬‬
‫الحتمالت التي يمكن أن تكون علة للتجسد انتفى معها‬
‫حدوث التجسد الذي يدعيه النصارى ومن ثم بطلت هذه‬
‫العقيدة التي يدينون بها ولم يبق لهم مستند فيها إل‬
‫الكذب بعد تهافت حججهم عليها )‪ (1‬وفي مفاوضات صلح‬
‫الدين مع ريتشارد قلب السد عن طريق أخيه الملك‬
‫العادل بين الملك النجليزي لرسول الملك العادل أن ما‬
‫جاء به بجحافله من بلده إل ثلثة أمور إذا تحققت له رجع‬
‫وترك بلد المسلمين‪ ،‬وهذه المور هي القدس والصليب‬
‫والبلد التي زحف عليها المسلمون بعد معركة حطين ولما‬
‫عرض ذلك على صلح الدين كان رده على دعاوي الملك‬ ‫ُ‬
‫النجليزي وهو رحمه الله يقود الجيوش السلمية للوقوف‬
‫في وجه أطماعه – ردا ً عقليا ً يفند ادعاءاته وحججه التي‬
‫تعلق بها في قدومه للبلد السلمية موضحا ً أن ل حجة له‬
‫على الحقيقة تدعوه إلى القدوم والعتداء على المسلمين‬
‫وأن الولى أن يعود من حيث أتى‪ ،‬فمن خلل أسلوب‬
‫السبر والتقسيم حصر صلح الدين دعاوي الملك النجليزي‬
‫وفندها‪ ،‬ففيما يختص بالقدس بين – رحمه الله تعالى –‬
‫مكانته لدى المسلمين بكونه مسرى النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ولن يوافق أي مسلم على التنازل عنه فل مجال‬
‫للخوض في أمره‪ ،‬وفيما يختص بالبلد التي زحف عليها‬
‫المسلمون بعد معركة حطين فهي في الصل للمسلمين‬
‫واستيلء النصارى طارئ عليها لضعف من بها من‬
‫المسلمين‪ ،‬فل حق على ذلك لهم فيها‪ ،‬والصليب الذي‬
‫يطالب به النصارى غنمه المسلمون منهم لما قدموا للبلد‬
‫السلمية محاربين للمسلمين‪ ،‬فكيف يفرط به المسلمون‬
‫وهو بهذه المنزلة لدى النصارى الذين هم في الوقت‬
‫نفسه معتدون عليهم؛ ولذلك فل يكون التنازل عنه إل‬
‫لمصلحة ظاهرة للسلم )‪ ،(2‬وهكذا بجانب المواجهة‬
‫العسكرية التي يقودها صلح الدين ضد الملك النجليزي‬
‫تصدى لدعاويه وشبهه الفكرية التي يتذرع بها في عدوانه‬
‫‪()1‬المصدر نفسه )‪.(2/496‬‬
‫‪()2‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/500‬‬

‫‪-133-‬‬
‫على المسلمين فمن خلل هذا السلوب العقلي فندها‬
‫جميعا ً ولم يبق للملك النجليزي إل أن يوقف عدوانه على‬
‫المسلمين ويعود من حيث أتى )‪.(1‬‬

‫ب‪ -‬أسلوب قياس الولى‪ :‬هو ما يكون معناه في‬


‫الفرع زائدا ً على معنى الصل )‪ ،(2‬أو هو ما قطع فيه بنفي‬
‫الفارق ويسمى القياس الجلي )‪(3‬وهذا السلوب استخدمه‬
‫العلماء المسلمون لدحض حجج النصارى وشبهاتهم التي‬
‫أقاموا عليها اعتقاداتهم وبنوا عليها أصول ملتهم )‪(4‬ومن‬
‫المثلة على ذلك إبطال الخزرجي في نقاشه مع قسيس‬
‫طليطلة لحجة النصارى في اتخاذ المسيح عليه السلم ابنا ً‬
‫لله بدعوى ولدته من غير أب‪ ،‬حيث قرر الخزرجي أنه إذا‬
‫كانت هذه هي العلة التي سوغت للنصارى أن يجعلوا‬
‫المسيح ابنا ً لله سبحانه وتعالى فإنها متحققة في شأن آدم‬
‫بشكل أكبر من المسيح‪ ،‬إذ إنه وجد من غير أب أو أم‪ ،‬فهو‬
‫أولى باللوهية من المسيح لهذه العلة )‪ ،(5‬وبالسلوب‬
‫نفسه أبطل القرطبي هذه الحجة للنصارى على اتخاذ‬
‫المسيح ابنا ً لله تعالى الله عما يقولون علوا ً كبيرا ً – حيث‬
‫قال‪ :‬بل لو أمكن لحد أن يقول‪ :‬إن بشرا ً يتصور أن يكون‬
‫إلها ً لكونه من غير أب لكان آدم أولى بذلك من حيث إنه‬
‫لم تشتمل عليه أوصار الرحم‪ ،‬فقد شارك المسيح في‬
‫كونه من غير أب وزاد عليه أنه من غير أم )‪ ،(6‬ومن خلل‬
‫هذا السلوب أيضا ً طالب الخزرجي في نقاشه مع قسيس‬
‫وة محمد صلى الله عليه‬ ‫طليطلة النصارى باليمان بنب ّ‬
‫وسلم للمعجزات الكثيرة التي جاء بها صلى الله عليه‬
‫وسلم دالة على صدقه – حيث عرض كثيرا ً منها – وذلك‬

‫‪()1‬المصدر نفسه )‪.(1/500‬‬


‫‪()2‬البحر المحيط للزركشي )‪.(5/36‬‬
‫‪()3‬شرح مختصر الروضة )‪.(3/223‬‬
‫‪()4‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/501‬‬
‫‪()5‬مقامع الصلبان ومراتع رياض أهل اليمان ص ‪.130‬‬
‫‪()6‬العلم بما في دين النصارى من الفساد والوهام ص ‪.136‬‬

‫‪-134-‬‬
‫قياسا ً على إيمانهم ببعض النبياء وهم لم يكن لهم‬
‫معجزات أو آيات تؤيدهم كداود وحز قيال وغيرهم )‪ ،(1‬فإذا‬
‫كان إيمان النصارى بمثل هؤلء النبياء لخبارهم عن‬
‫أنفسهم بالنّبوة‪ ،‬فحسب فإن من أخبر عن نفسه وجاء‬
‫بالمعجزات المصدقة له من باب أولى‪ ،‬فمن خلل قياس‬
‫الولى بّين الخزرجي أن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫اشترك هو وهؤلء النبياء الذين يؤمن بهم النصارى بدعوى‬
‫وته‬
‫النّبوة وزاد عليهم باليات والمعجزات فوجب اليمان بنب ّ‬
‫ولزمكم أيها النصارى اليمان بذلك أكثر من إيمانكم ببعض‬
‫أنبيائكم اعتمادا ً على دعواهم النّبوة فقط وفي مناظرة‬
‫للزاهدي مع أحد علماء النصارى وإثبات هذا النصراني‬
‫للنبوات السابقة عن طريق التواتر وظهور المعجزات بين‬
‫وة محمد صلى الله عليه وسلم على‬ ‫الزاهدي أن إثبات نب ّ‬
‫هذا الساس أولى من غيرها من النّبوات السابقة‪ ،‬إذ‬
‫التواتر في حقه صلى الله عليه وسلم أولى بالقبول لن‬
‫عصره أقرب من عصر موسى وعيسى ومتى كان المخبر‬
‫به أقرب زمانا ً كان الثقة به والعتماد عليه أكثر وأقوى؛‬
‫لن الوسائط في البعيد أكثر وطول العهد منسي‪ .‬حيث‬
‫انقطع النصراني وأسلم وحسن إسلمه )‪.(2‬‬

‫ج‪ -‬أسلوب القياس المساوي‪ :‬وهو ما يكون معناه‬


‫في الفرع مساويا ً لمعنى الصل‪ ،‬ويسمى القياس الخفي‬
‫)‪(3‬والقياس المساوي من الساليب التي استخدمها العلماء‬
‫المسلمون كثيرا ً في مناقشاتهم وردودهم على النصارى‬
‫في هذه الفترة‪ ،‬ففي مناقشة نصر بن يحي المتطبب‬
‫لعقائد النصارى والتي منها زعمهم أن المسيح استحق‬
‫اللهوتية؛ لن الله سما ابنًا‪ ،‬وأبطل نصر هذه الحجة‬
‫بقياس حال النبياء الخرين على حال عيسى حيث ورد‬

‫‪()1‬مقامع الصلبان ص ‪ 210‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(1/501‬‬


‫‪()2‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/503‬‬
‫‪()3‬البحر المحيط )‪ (5/36‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/503‬‬

‫‪-135-‬‬
‫في كتب النصارى تسمية بعضهم أبناًء لله كداود وإسرائيل‬
‫وغيرهما؛ فلماذا لم تجعلوهم أيها النصارى بناًء على ذلك‬
‫أبناء لله )‪ ،(1‬فإذا كانت علة اللوهية للمسيح تسميته ابنا ً‬
‫لله فهؤلء إذن أبناء لله على الحقيقة لنه سماهم أبناء‪،‬‬
‫وإل فلتكن النّبوة للجميع على سبيل الرحمة وهكذا فل‬
‫سبيل للنصارى بناء على هذا القياس العقلي إل صرف‬
‫وته‪ ،‬أو إثبات اللوهية لغيره‬ ‫اللوهية عن المسيح واعتقاد نب ّ‬
‫من النبياء‪ ،‬أو انقطاع حجتهم وتمسكهم بضللهم على‬
‫سبيل العناد والمكابرة )‪ ،(2‬ومن حجج النصارى على إثبات‬
‫اللوهية للمسيح أيضا ً أنه نفخة من روح الله في رحم‬
‫مريم فذلك يدل على ألوهيته وقد أبطل هذه الحجة‬
‫القرطبي من خلل أسلوب القياس المساوي‪ ،‬حيث قاس‬
‫حال آدم عليه السلم على حال المسيح‪ ،‬إذ هو نفخة من‬
‫روح الله في تربة من الرض‪ ،‬فتربة بمنزلة لحمة‪ ،‬ونفخة‬
‫بمثابة نفخة فبناًء على هذا القياس ل فرق بين الحالين في‬
‫المسيح وآدم عليه السلم‪ ،‬فإثبات اللوهية للمسيح لكونه‬
‫نفخة من روح الله في لحمه مريم يماثلها حال آدم لكونه‬
‫نفخة من روح الله في تربة من الرض‪ ،‬فإما إثبات‬
‫اللوهية للثنين لهذه العلة أو نفيهما عنهما ومن شبه‬
‫النصارى التي أثاروها حول رسالة النّبي صلى الله عليه‬
‫وسلم كونها ناسخة لما قبلها والنسخ بداء‪ ،‬والبداء على‬
‫الله الذي هو عالم الغيب والشهادة محال وقد أبطل‬
‫الزاهدي هذه الشبهة من خلل أسلوب القياس المساوي‬
‫حيث طالبهم أن يقيسوا حال محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫في ذلك بحال موسى وعيسى حيث جاءا ونسخا ما قبلهما‬
‫ولم تعدوا ذلك أيها النصارى بداءا ً )‪.(3‬‬

‫‪()1‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/503‬‬


‫‪()2‬المصدر نفسه )‪.(2/504‬‬
‫‪()3‬الرسالة الناصرية ص ‪ 45 – 44‬البحر المحيط )‪.(5/46‬‬

‫‪-136-‬‬
‫د‪ -‬قياس الخلق‪ :‬وهو‪ :‬إثبات نقيض الحكم في غيره‬
‫لفتراقهما في علة الحكم )‪ (1‬وقيل ‪ :‬هو إثبات المطلوب‬
‫بإبطال نقيضه)‪(2‬ومن استخدامات هذا السلوب من قبل‬
‫العلماء المسلمين في جهودهم الدعوية الموجهة إلى‬
‫النصارى في هذه الفترة‪ ،‬رد القرطبي اعتراض النصارى‬
‫على المسلمين في نسبة الهدى والضلل إلى الله حيث‪،‬‬
‫بين القرطبي أن الهدى والضلل مخلوقات‪ ،‬وإذا ُأنكر‬
‫نسبتهما إلى الله تعين وجود خالق لهما مما يعني وجود‬
‫خالقين وهذا محال‪ ،‬فلم يبق إل أن يكون الفاعل هو الله‬
‫إذ ل خالق إل هو ول مبدع سواه )‪ ،(3‬فأثبت القرطبي من‬
‫خلل قياس الخلف المطلوب وهو نسبة الهدى والضلل‬
‫إلى الله بإبطال النقيض وهو عدم نسبتهما إليه سبحانه‪،‬‬
‫لستحالة وجود خالق آخر محدث لهما )‪.(4‬‬

‫ذ‪ -‬أسلوب المحاكمات العقلية‪ :‬والمقصود طلب‬


‫تحكيم العقل المجرد من الهوى في قضايا مسلم بها‬
‫إظهارا ً للحق وتقريرا ً له )‪(5‬وقد استخدم هذا السلوب‬
‫العلماء المسلمون كثيرا ً ومن ذلك ‪ :‬طلب نصر بن يحي‬
‫المتطبب من النصارى تحكيم عقولهم في إثباتهم اللوهية‬
‫للمسيح‪ ،‬إذ كيف يكون إله وهو المولود من امرأة بشرية‬
‫قد نالته العلل والفات وجرى ما عليه ما يجري على‬
‫الدميين من غذاء وتربية وصحة وسقم وأمن وخوف وتعلم‬
‫وتعليم‪ ،‬فكيف تجتمع هذه النقائض مع مقام اللوهية‪ ،‬ثم‬
‫قال‪ ... :‬فيجب على ذوي العقول أن يزجرهم عقلهم عن‬
‫عبادة إله ولدته امرأة بشرية آدمية )‪ .(6‬وفي مناقشة‬
‫الخزرجي لقسيس طليطلة وبعد عرضه جملة من الصفات‬

‫‪()1‬البحر المحيط )‪ (5/46‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/505‬‬


‫‪()2‬مناهج الجدل في القرآن الكريم د‪ .‬زاهر اللمعي ص ‪.77‬‬
‫‪()3‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/506‬‬
‫‪()4‬المصدر نفسه )‪.(2/506‬‬
‫‪()5‬النصيحة اليمانية ص ‪.72‬‬
‫‪()6‬مقامع الصلبان ومراتع رياض أهل اليمان ص ‪.294‬‬

‫‪-137-‬‬
‫البشرية للمسيح قال في نهايتها‪ :‬وهذه كلها صفات إنسان‬
‫مهين ل إله قوي متين )‪ (1‬وذلك لفتا منه لعقل هذا‬
‫القسيس وتنبيها ً له ليحكم هو على نفسه ويقر أن المسيح‬
‫عُبد لله وأحد أنبيائه وليس له من خصائص اللوهية شيء‬
‫ثم قال الخزرجي بعد ذلك ‪ .. :‬ومن جرى في المناظرة‬
‫هذه المجرى ثم طرح الهوى فنظر بعين النصاف كان‬
‫الحق له أبين من فلق الصبح )‪(2‬وفي مناقشة القرافي‬
‫لعقائد النصارى بين عدم قبول العقل ألوهية مولود رضع‬
‫طم ومرض وصلب وذلك استثارة لعقولهم في الحكم‬ ‫وفُ ِ‬
‫على هذه القضية حيث قال‪ .. :‬فيا معشر النصارى كيف‬
‫أتيتم بما تحيله العقول‪ ...‬وجعلتم ذا الملك والملكوت‬
‫والعزة والجبروت خرج من رحم امرأة ووضع وُفطم‬
‫صلب على صليب الصلبوت بعد أن وصل إليه من الذل‬ ‫و ُ‬
‫والقتل ما لم يصل إلى أحد من المخلوقين ‪.‬‬
‫)‪(3‬‬

‫س‪ -‬أسلوب القلب‪ :‬وهو أن يبين القالب أن ما ذكره‬


‫المستدل يدل عليه ل له‪ ،‬أو يدل عليه وله )‪ ،(4‬ففي‬
‫مناقشة الجعفري مثل ً لعقيدة الصلب لدى النصارى‬
‫وبأسلوب القلب أثبت أن المصلوب غير المسيح وذلك من‬
‫خلل قصة صلبه التي يسوقها النصارى في أناجيلهم إثباتا ً‬
‫لصلب المسيح‪ ،‬فمن خلل هذه القصة أثبت الجعفري أن‬
‫المصلوب شخص آخر غير المسيح – كما هي عقيدة‬
‫المسلمين – وذلك أن المصلوب حسب هذه القصة‬
‫اشتكى العطش وطلب الماء وقال حين صلبه ‪ :‬إلهي‬
‫إلهي‪ ،‬لم تركتني وخذلتني )‪ ،(5‬فاستدل الجعفري بذلك‬
‫على أن المصلوب غير المسيح من حيث إنه ثبت في‬
‫النجيل أن المسيح كان يطوي أربعين يوما ً ل يحتاج إلى‬
‫‪()1‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/507‬‬
‫‪()2‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫‪()3‬أدلة الوحدانية ص ‪.64‬‬
‫‪()4‬البحر المحيط )‪.(5/289‬‬
‫‪()5‬الكتاب المقدس‪ ،‬إنجيل متى الصحاح )‪.(27/46‬‬

‫‪-138-‬‬
‫م لم يصبر هذه اللحظات مما يدل على أن‬ ‫الماء‪ ،‬فل ِ َ‬
‫م تركتني ‪ :‬فيه تبرم‬‫المصلوب غيره‪ ،‬كذلك قوله ‪ :‬إلهي ل ِ َ‬
‫من القضاء والقدر ل يليق بالصالحين فضل ً عن النبياء مما‬
‫يدل على أن المصلوب شخص آخر؛ إذ ل يمكن أن يصدر‬
‫هذا القول من المسيح عليه السلم )‪.(1‬‬

‫ش‪ -‬أسلوب تناقض الخصوم‪ :‬هذا السلوب من أبرز‬


‫الساليب العقلية التي تهدم ما لدى الخصم من قناعات‬
‫وتزعزع تقته في اعتقاداته وما يؤمن به ويناقش فيه وقد‬
‫استخدم العلماء المسلمون هذا السلوب كثيرا ً في‬
‫جهودهم الدعوية الموجهة إلى النصارى إبرازا ً لتهافت‬
‫الديانة النصرانية وإثباتا ً ومما أبرزه علماء هذه الفترة‬
‫إظهار تناقض كتب النصارى حيث أسهبوا في ذلك إثباتا ً‬
‫لتحريفها وتأكيدا ً على عدم العتماد على شيء منها ومن‬
‫ذلك مثل ً ما أورده النباري من نماذج منها قولهم في‬
‫إنجيل متى ‪ :‬إنه صلب ومعه لصان أحدهما عن يمينه‬
‫والخر عن شماله وكانا يشتمانه ويتناولنه محركين‬
‫رؤوسهما ويقولن له‪ :‬سلم نفسك إن كنت ابن الله ‪،‬‬
‫)‪(2‬‬

‫وفي إنجيل لوقا‪ :‬وكان أحد اللصين المصلوبين معه يسبه‬


‫ويقول‪ :‬إن كنت أنت المسيح فسلم نفسك وسلمنا )‪.(3‬‬
‫حيث علق النباري على ذلك بقوله‪ :‬وهذا تناقض‪ ،‬فإن في‬
‫إنجيل متى أن اللصين كانا يسبانه‪ ،‬وفي إنجيل لوقا إن‬
‫أحدهما كان يسبه )‪ (4‬وأفرد الجعفري بابا ً في كتابه‬
‫التخجيل لبراز مواضع التحريف والتناقض في النجيل‪،‬‬
‫حيث أورد نماذج في اثنين وخمسين موضعا ً وقد قال في‬
‫مقدمته‪ .." :‬ونبين بعون الله في هذا الباب من تناقض‬
‫إنجيل النصارى وتعارضه وتكاذبه وتهافته ومصادمة بعضه‬
‫بعضا ً ما يشهد معه من وقف عليه أنه ليس هو النجيل‬
‫‪()1‬تخجيل من حرف التوراة والنجيل )‪.(1/349‬‬
‫‪()2‬الكتاب المقدس‪ ،‬إنجيل متى الصحاح )‪.(43 – 27/39‬‬
‫‪()3‬الكتاب المقدس‪ ،‬إنجيل لوقا‪ ،‬الصحاح )‪.(23/39‬‬
‫‪()4‬الداعي إلى السلم ص ‪.386‬‬

‫‪-139-‬‬
‫الحق المنزل من عند الله )‪(1‬وفي رد الخزرجي على‬
‫قسيس طليطلة أورد الكثير من تناقضات النجيل إظهارا ً‬
‫لعدم العتماد عليه وإبرازا ً لتهافت حجج القسيس ومما‬
‫أورده من ذلك قوله مخاطبا ً القسيس ‪ :‬وفي النجيل الذي‬
‫بأيديكم عنه – أي المسيح – إنه قال‪ :‬إن كنت أشهد‬
‫لنفسي فشهادتي غير مقبولة وغيري يشهد لي )‪ .(2‬ثم في‬
‫موضع آخر من النجيل أنه قال‪ :‬إن كنت أشهد لنفسي‬
‫فشهادتي حق لبي أعلم من أين أتيت وإلى أين أذهب )‪.(3‬‬
‫وقد علق الخزرجي على ذلك قائل ً للقسيس ‪ :‬أخبرني‬
‫ل؟ ومقبولة وغير مقبولة؟‬‫كيف تكون شهادته حقا ً وباط ً‬
‫وكيف يجمع بين هذين في كتاب منسوب إلى الله تعالى‬
‫)‪ ،(4‬ومن المثلة على ذلك استخدام القرافي لهذا السلوب‬
‫في مناقشته لبعض عقائد النصارى حيث أظهر جانبا ً من‬
‫تناقضهم في أصل إيمانهم وهي المانة التي يعتقدونها‪ ،‬إذ‬
‫فيها قولهم‪ :‬ونؤمن بمعمودية واحدة لغفران الخطايا‪" ..‬‬
‫يناقضه اعتقادهم أن خطيئة آدم عليه السلم عمت ذريته‬
‫وما تخلصوا منها إل بصلب المسيح وقتله‪ ،‬حيث بين‬
‫القرافي أن ذلك ظاهر التناقض فإما أن تكون المعمودية‬
‫توجب غفران الخطايا وحينئذ ل حاجة إلى الصلب أو يكون‬
‫هو الذي أوجب الغفران وزالت به الخطيئة فل حاجة إذن‬
‫إلى المعمودية )‪.(5‬‬

‫ر‪ -‬أسلوب المقارنة‪ :‬هو قرن النظر إلى قضيتين لبراز‬


‫وجوه التفاضل بينهما )‪(6‬وكان هذا السلوب من الساليب‬
‫العقلية المستخدمة من قبل العلماء المسلمين في‬
‫جهودهم الدعوية الموجهة إلى النصارى في هذه الفترة‬

‫‪()1‬تخجيل من حرف التوراة والنجيل )‪.(1/283‬‬


‫‪()2‬الكتاب المقدس‪ ،‬إنجيل يوحنا الصحاح )‪.(5/31‬‬
‫‪()3‬مقامع الصلبان ص ‪.146‬‬
‫‪()4‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪.(2/513‬‬
‫‪()5‬المصدر نفسه )‪.(2/514‬‬
‫‪()6‬المصدر نفسه‪.‬‬

‫‪-140-‬‬
‫ومن ذلك مثل ً ‪ :‬مقارنة القرطبي حفظ الله سبحانه‬
‫وتعالى للقرآن وعناية المة مقابل تبديل التوراة والنجيل‬
‫وتحريفهما واختلطهما بالكذب والدجل والتزوير على الله‬
‫سبحانه وتعالى وأنبيائه الكرام حيث عرض القرطبي نماذج‬
‫من التحريف فيهما وعلق على ذلك بقوله‪ .. :‬وكتابنا منزه‬
‫عن أمثال تلك الفات‪ ،‬فإن الله تولى حفظه‪ ،‬وأجزل من‬
‫كل صيانة حظه‪ ،‬فصار بنظمه الذي ل يقدر الجن والنس‬
‫على آية منه‪ ،‬فل يختلط به كلم متكلم‪ ،‬ول يقبل وهم‬
‫متوهم إذ ليس من جنس كلم البشر وهو معـدود الي‬
‫والسـور‪ ،‬ثم صانه بأنه يسره للحفظ والستظهار فيستوي‬
‫في نقله الكبار والصغار )‪ ،(1‬وبعد هذه المقارنة التي وضعها‬
‫القرطبي أمام صاحب كتاب تثليث الوحدانية قال‪ :‬فأين‬
‫اللؤلؤ من الخذف والياقوت من الصدف )‪(2‬وفي موضع آخر‬
‫قارن القرطبي بين حال النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫وشجاعته وصموده أمام قريش وتحمله الذى وصبره على‬
‫الشدائد في سبيل تبليغ الدعوة وبين حال المسيح – وهو‬
‫إله بزعم النصارى – وأنه لما استشعر وثوب اليهود عليه‬
‫قال‪ :‬قد جزعت نفسي الن‪ ،‬فماذا أقول يا أبتاه؟ فسلمني‬
‫من هذا الوقت‪ ،‬وأنه كذلك لما رفع على خشبة الصلب‬
‫صاح صياحا ً عظيمًا‪ :‬إلهي إلهي لما أسلمتني وتركتني‬
‫)‪(3‬وقد علق القرطبي على ذلك بقوله‪ :‬فتأمل إن كنت‬
‫منصفا ً فرق ما بين نبينا عليه السلم وبين ما يحكيه‬
‫النصارى عن المسيح في إنجيلهم )‪ ،(4‬ول شك أن هاتين‬
‫ي صلى‬ ‫الصورتين – وعرضهما في وقت واحد – صورة النب ّ‬
‫الله عليه وسلم وشجاعته وصبره وعدم جزعه وصورة‬
‫المسيح – ابن الله بزعم النصارى – وقد خار وجزع تدعو‬
‫النصراني إلى التدبر والتفكير‪ ،‬كيف أن من يتصف‬
‫باللوهية يجزع ويضعف أمام أعدائه في مقابل من يدعي‬
‫‪()1‬العلم بما في دين النصارى من الفساد والوهام ص ‪.194- 193‬‬
‫‪()2‬المصدر نفسه ص ‪.194‬‬
‫‪()3‬المصدر نفسه ‪.320 - 319‬‬
‫‪()4‬النصيحة اليمانية ص ‪.109‬‬

‫‪-141-‬‬
‫النّبوة كيف يصبر ويواجه أعداءه بشجاعة في سبيل تبليغ‬
‫دعوته‪ ،‬فهذه الصورة الحسنة للنبي صلى الله عليه وسلم‬
‫في مقابل الصورة السيئة للمسيح – حسب اعتقاد‬
‫النصارى – ربما توقظ في نفس النصراني‪ ،‬تساؤلت كثيرة‬
‫تدعوه إلى إعادة النظر فيما هو عليه وربما تقوده إلى‬
‫السلم‪.‬‬

‫ك‪ -‬أسلوب الستدل بمسلمات الخصم‪ :‬وقد‬


‫استخدم العلماء في هذه الفترة هذا السلوب في جهودهم‬
‫الدعوية الموجهة إلى النصارى خاصة في نفي اللوهية عن‬
‫المسيح والدللة على نّبوة محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫ومن ذلك مثل ً ما أورده المتطبب من نصوص النجيل‬
‫الدالة على بشرية المسيح وعدم اللوهية التي يدعونها‬
‫فيه ومنها قوله عن نفسه‪ :‬من عند الله أرسلت معلمًا‪.‬‬
‫يل‬ ‫وقوله لصحابه‪ :‬أخرجوا بنا من هذه المدينة‪ ،‬فإن النب ّ‬
‫يلح في مدينته وأقاربه‪ ،‬وأخبر النجيل كذلك أن امرأة رأت‬
‫المسـيح فقـالت له‪ :‬أنت النبي الذي كنا ننتظر مجيئه ؟‬
‫فقال لها المسيح ‪ :‬صدقت طوبى لك أيتها المرأة )‪ ،(1‬وقد‬
‫علق المتطبب على بعض النصوص الكثيرة التي أوردها‬
‫من النجيل مبينا ً دللتها على عبودية المسيح وأنه مربوب‬
‫مبعوث من عند الله ل يستطيع أن يفعل شيئا ً إل بإذنه‬
‫سبحانه وتعالى )‪ .(2‬ومما استدل به القرطبي على صحة‬
‫وة محمد صلى الله عليه وسلم من كتب النصارى ما‬ ‫نب ّ‬
‫ساقه من البشارات به صلى الله عليه وسلم ومن ذلك ما‬
‫ورد في سفر التثنية وهو قول الله سبحانه‪ :‬جاء الله من‬
‫سيناء‪ ،‬وأشرق من ساعير‪ ،‬واستعلن من جبال فاران ومعه‬
‫جماعة من الصالحين )‪ .(3‬حيث شرح ذلك القرطبي مبينا ً‬
‫أن مجيئه من جبل سيناء أن الله أنزل فيه التوراة دلكم‬

‫‪()1‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/517‬‬


‫‪()2‬الكتاب المقدس‪ ،‬العهد القديم‪ ،‬الصحاح )‪.(3 – 33/1‬‬
‫‪()3‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/518‬‬

‫‪-142-‬‬
‫عليه موسى‪ ،‬وإشراقه من جبل ساعير أن دين المسيح‬
‫إنما أشرق من جبال ساعير قرب القدس‪ ،‬واستعلؤه من‬
‫جبال فاران أن الله تعالى بعث فيها محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم وأوحى إليه فيهما‪ .‬ولختلف أن فاران هي مكة‪،‬‬
‫وقد قال في التوراة ‪ :‬إن الله أسكن هاجر وابنها إسماعيل‬
‫فاران )‪(1‬وقد علق القرطبي على ذلك بتوجيه الخطاب إلى‬
‫صاحب تثليث الوحدانية وحثه على التفكير في إنصاف‬
‫وتثبت‪ ،‬وقبول هذه البشائر الظاهرة بنبوة محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم )‪ ،(2‬ومن بشائر النجيل أيضا ً بنبوةّ محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم والتي أوردها القرطبي قول المسيح‪ :‬إن‬
‫كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي‪ ،‬وسأرغب إلى الب في‬
‫أن يبعث إليكم البر قليط ليكون معكم إلى البد )‪ ،(3‬حيث‬
‫بين القرطبي معنى البرقليط وهو لفظة رومية معناها‬
‫بالعربية محمد )‪ ،(4‬وأورد الجعفري أربعا ً وثمانين بشارة‬
‫وة محمد صلى الله عليه وسلم‬ ‫في التوراة والنجيل بنب ّ‬
‫مبينا ً وجه الستدلل بكل منها وحاثا ً النصارى على‬
‫التصديق بها‪ ،‬ثم قال في نهايتها‪ .. :‬فهذه أربع وثمانون‬
‫بشارة عن النبياء وأتباع النبياء وقد تضمنها كتب الله‬
‫المنزلة من لدن إبراهيم الخليل إلى أتباع المسيح منوهة‬
‫باسم محمد صلى الله عليه وسلم صريحا ً واسم أرضه‬
‫التي يخرج منها وبلده التي نشأ بها )‪ .(5‬ثم قال ‪ :‬وإنما‬
‫نقلت قليل ً من كثير ويسرا ً من خطير‪ ،‬ولو استوعبت ما‬
‫في كتب الله من الشادة بذكر المصطفى صلى الله عليه‬
‫وسلم وذكر أمته لطلت وخرجت إلى حد السهاب )‪.(6‬‬
‫وهكذا كان لمجموع هذه الساليب العقلية استخداما‬
‫واسعا ً مع هؤلء النصارى الذين ل يؤمنون بالقرآن ول ينفع‬

‫‪()1‬العلم بما في دين النصارى من الفساد والوهام ص ‪.265‬‬


‫‪()2‬الكتاب المقدس‪ ،‬إنجيل يوحنا‪ ،‬الصحاح )‪.(18 – 14/15‬‬
‫‪()3‬العلم بما في دين النصارى من الفساد والوهام ص ‪.268‬‬
‫‪()4‬تخجيل من حرف التوراة والنجيل )‪.(2/722‬‬
‫‪()5‬المصدر نفسه )‪.(2/722‬‬
‫‪()6‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/520‬‬

‫‪-143-‬‬
‫معهم المر والنهي والترغيب والترهيب وظهر عمق أثرها‬
‫عليهم )‪.(1‬‬

‫‪ -2‬الساليب العاطفية‪ :‬والمقصود بالساليب العاطفية‬


‫هي تلك الساليب التي تعتمد في تأثيرها على مخاطبة‬
‫العاطفة وإثارة المشاعر للحث على أمر ما أو المنع منه‬
‫)‪ ،(2‬ولهمية الساليب العاطفية في الدعوة‪ ،‬فقد كانت من‬
‫أبرز أساليب الرسل عليهم الصلة والسلم في دعوة‬
‫أقوامهم ومن ذلك مثل ً ترغيب الرسل لقوامهم بالمغفرة‬
‫حال اليمان كقوله تعالى ‪" :‬قالت رسلهم أفي الله شك‬
‫فاطر السماوات والرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم‬
‫ى قالوا إن أنتم إل بشر مثُلنا‬
‫ويؤخركم إلى أجل مسم ّ‬
‫ما كان يعبد ءاباؤنا فأتونا بلسلطان‬‫ُتريدون أن تصدونا ع ّ‬
‫مبين ")إبراهيم‪ ،‬آية‪.(10 :‬‬

‫ودعوة نوح عليه السلم لقومه من خلل ترغيبهم بالخير‬


‫حال الستجابة قال تعالى‪" :‬فقلت استغفروا ربكم إنه كان‬
‫غفار * ُيرسل السماء عليكم مدرارا ً * ويمددكم بأموال‬
‫وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارًا" )نوح‪ ،‬آية‪،10 :‬‬
‫‪ .(12‬وكات الساليب العاطفية من أبرز أساليب القرآن‬
‫سواء في دعوة المشركين إلى اليمان أو حث المؤمنين‬
‫على الزيادة في الخير )‪ (3‬وفي عصر الحروب الصليبية‬
‫كانت بعض الساليب العاطفية من ضمن الدعوة الموجهة‬
‫إلى النصارى ومن تلك الساليب‪:‬‬

‫أ‪ -‬أسلوب الترهيب‪ :‬ومن ذلك مثل ً ما كان يتخلل به‬


‫القرطبي نقاشه وردوده على القسيس صاحب كتاب‬
‫تثليث الوحدانية من تخويف له بالنهاية السيئة إذا مات‬
‫‪()1‬المصدر نفسه )‪.(2/521‬‬
‫‪()2‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫‪()3‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/522‬‬

‫‪-144-‬‬
‫على معتقده وترهيبه باليوم الخر وعند الوقوف للحساب‪،‬‬
‫وذلك كقوله للقسيس بعد تفنيد بعض ما أورده في كتابه‬
‫من عقائد كفرية‪ .. :‬وإذا انتهى إنسان إلى هذه المخازي‬
‫فقد كفر بموسى‪ ،‬وبإله موسى – نعوذ بالله من أنظار‬
‫تقود في الدنيا إلى الفضيحة والعار وفي الخرة إلى‬
‫الخلود في عذاب النار )‪ (1‬وفي موضع آخر وبعد مطالبته‬
‫القسيس الستعداد للحساب وذلك بالتوبة عن تأليه عيسى‬
‫وفه بعاقبة إصراره على اعتقاده في ذلك‬ ‫وته‪ ،‬خ ّ‬
‫واعتقاد نب ّ‬
‫اليوم ‪ :‬فكأني والله بك إن مت على ما أنت عليه يؤخذ‬
‫بناصيتك وقدمك‪ ،‬وتحيط بك ملئكة ربك "ملئكة غلظ‬
‫شداد ل يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما‬
‫يؤمرون")التحريم‪ ،‬الية‪ (6 :‬فتنادى فتقول‪ :‬يا عيسى‪ ،‬يا‬
‫سيدي‪ ،‬يا إلهي يا ولد الله‪ ،‬فيقول لك ‪ :‬كذبت ما اتخذ الله‬
‫من صاحبة ول ولد‪ ،‬ولست بإله‪ ،‬ولم أقل لك كذلك ‪..‬‬
‫فكيف ترى خجلتك بين يديه ‪ ..‬فذلك المقام ل ينفعك فيه‬
‫مرسل إل مما قدمت يداك من حسن‬ ‫ملك مقرب ول نبي ُ‬
‫إيمان وصالح عمل‪ .. ،‬فإن الملئكة والنبيين ل يشـفعون‬
‫إل لمـن ارتضى رب العالمين‪ ،‬فالله الله‪ .‬انظر في خلص‬
‫نفسك لتجني ثمار غرسك )‪.(2‬‬

‫ب‪ -‬أسلوب الستهزاء والتهكم‪ :‬في الجهود الدعوية‬


‫الموجهة إلى النصارى في عصر الحروب الصليبية كثر‬
‫استخدام هذا السلوب من قبل بعض العلماء وربما كان‬
‫من أسباب ذلك ما صدر من بعض النصارى ورجال دينهم‬
‫من كلمات فيها شيء من السخرية والتهكم سواء في‬
‫كتاباتهم أو مناقشاتهم أو مناظراتهم مع المسلمين وذلك‬
‫تجاه السلم ورسوله صلى الله عليه وسلم كتداول رسالة‬
‫ابن غرسيه في الندلس‪ ،‬والقصيدة التي قيلت على لسان‬
‫ملك الروم في سب السلم ورسوله صلى الله عليه‬
‫‪()1‬المصدر نفسه )‪.(2/524‬‬
‫‪()2‬العلم بما في دين النصارى والوهام ص ‪.123‬‬

‫‪-145-‬‬
‫وسلم وتداولها في هذه الفترة في الندلس‪ ،‬وعبارات‬
‫الحقد والسب والستهزاء في كتابات بعض مؤرخيهم‬
‫ورجال دينهم كفوشيه شارتر‪ ،‬وإشارة أحد القساوسة في‬
‫رسالته لبي عبيدة الخزرجي إلى كثرة مؤلفات النصارى‬
‫التي تطعن بالسلم ورسوله صلى الله عليه وسلم‬
‫وتستخف بهما ومن مظاهر استخدام هذا السلوب من‬
‫قِبل بعض العلماء المسلمين في هذه الفترة تجاه النصارى‬
‫ما جاء في ثنايا مناقشة نصر بن يحي المتطبب لبعض‬
‫عقائد النصارى من عبارات الستهزاء بعقولهم‬
‫والستخفاف بحججهم وطريقة استدللهم كقولهم ‪ :‬ليس‬
‫لعتقادهم أصل يعول عليه‪ ،‬ول برهان يستند إليه‪ ،‬قد‬
‫اقتدوا بقوم ل يعقلون واغتروا بجهال ل يفقهون )‪ .(1‬وقوله‪:‬‬
‫‪ ..‬لكني أقول‪ :‬ل إله إل الله تعجبا ً منكم يا ذوي العقول‬
‫الضعيفة كيف تعتقدون اللوهية في إنسان ل يقدر على‬
‫تخليص نفسه من العداء ‪ ..‬فأين قدرته أيها الغافلون ؟‬
‫وأين تمكنه أيها المبطلون ؟ بئس والله ما تعتقدون‪ ،‬إنما‬
‫أنتم في طغيانكم تعمهون حدتم عن الرشاد‪ ،‬وسلكتم‬
‫طريق العناد‪ ،‬وكفرتم بالرحمن واتبعتم سنن الشيطان‬
‫)‪(2‬ومن مظاهر استخدام هذا السلوب لدى القرافي في‬
‫مناقشته لبعض عقائدهم قوله‪ .. :‬فأي ضرورة تدعوكم‬
‫إلى اثبات أنواع الهانة والعذاب في حق رب الرباب على‬
‫زعمكم أيها الدواب الذي يفضي من ضعف عقولهم‬
‫العجب العجاب )‪ (3‬وفي رد الخزرجي على قسيس طليطلة‬
‫كان في قوله في صدر رسالته إليه‪ :‬أما بعد أيها العجمي‬
‫ل‪ ،‬ول ُيعرف لخطابه‬ ‫اللكن‪ ،‬الطاعن على كتاب الله جه ً‬
‫ل‪ ،‬وأنت لم تؤت من العلم كثيرا ً‬ ‫ل‪ ،‬والملتمس له تأوي ً‬
‫فص ً‬
‫ول قليل ً )‪(4‬واشتد القرطبي في استهزائه وتهكمه في بعض‬
‫حجج ألوهية المسيح لدى النصارى بقوله‪ :‬وعلى الجملة‬
‫‪()1‬النصيحة اليمانية ص ‪.52‬‬
‫‪()2‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/528‬‬
‫‪()3‬الجوبة الفاخرة ص ‪.58‬‬
‫‪()4‬مقامع هامات الصلبان ص ‪.127‬‬

‫‪-146-‬‬
‫فهؤلء القوم أغبياء جاهلون‪ ،‬وعن التوفيق معزلون‪ ،‬فهم‬
‫عن المعقولت معرضون وبها مستهزئون‪ ،‬ل يستحيون من‬
‫خالقهم‪ ،‬ول يتأدبون مع مالكهم ورازقهم‪ ،‬فسبحان الله‬
‫عما يقول الجاهلون )‪(1‬ول شك أن استعمال أسلوب التهكم‬
‫والستهزاء في السخرية من قبل بعض العلماء المسلمين‬
‫في جهودهم الدعوية الموجهة إلى النصارى قد يجدي في‬
‫لفت أنظار البعض منهم إلى ضلل ما هم عليه‪ ،‬وأن ما‬
‫يقوم عليه اعتقادهم وأساس ديانتهم حقا ً محل السخرية‬
‫والتهكم‪ ،‬فربما يكون ذلك دافعا ً لتنفيرهم منه وبحثهم عن‬
‫الحق ومن ثم قبوله )‪.(2‬‬

‫ج‪ -‬أسلوب اللين والتلطف بالخطاب‪ :‬كان من أبرز‬


‫أساليب النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته بشكل عام‬
‫اللين والرفق والتلطف بالخطاب؛ فتح الله عز وجل به‬
‫قلوبا ً غلفا ً وآذنا ً صمًا‪ ،‬قال تعالى‪" :‬فبما رحمة من الله‬
‫ِلنت لهم ولو كنت فظا ً غليظ القلب لنفضوا من حولك"‬
‫)آل عمران‪ ،‬الية‪ (159 :‬وقـال صلى الله عليه وسلم‪ :‬إن‬
‫الله رفيق يحب الرفق‪ ،‬ويعطي على الرفق مال يعطي‬
‫على العنف )‪ .(3‬وقال‪ :‬إن الرفق ل يكون في شيء إل زانه‬
‫ول ينزع من شيء إل شانه )‪(4‬وعندما أرسل الله سبحانه‬
‫وتعالى موسى وأخاه هارون إلى فرعون قال لهما جـ ّ‬
‫ل‬
‫وعـل‪" :‬فقول له قول ً لينًا" )طه‪ ،‬الية‪.(44 :‬‬

‫ولم تخل الجهود الدعوية الموجهة إلى النصارى في فترة‬


‫الحروب الصليبية من استخدام هذا السلوب وإن كان ذلك‬
‫بشكل أقل من الساليب الخرى ومثال على ذلك؛ رسالة‬
‫العزاء من صلح الدين إلى بولدوين الخامس بعد وفاة‬

‫‪()1‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/529‬‬


‫‪()2‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/530‬‬
‫‪()3‬مسلم رقم ‪.2593‬‬
‫‪()4‬مسلم رقم ‪.2594‬‬

‫‪-147-‬‬
‫والده في بيت المقدس وفي مطلع الرسالة‪ .. :‬خص الله‬
‫الملك المعظم حافظ بيت المقدس بالجد الصاعد‪ ،‬والسعد‬
‫الساعد‪ ،‬والحظ الزائد‪ ،‬والتوفيق الوارد )‪(1‬وكان أيضا ً‬
‫يتخلل بعض ردود العلماء‪ ،‬ومناقشاتهم مع النصارى في‬
‫هذه الفترة شيء من اللين والرفق والتلطف في‬
‫الخطاب‪ ،‬ومن ذلك مثل ً ‪ :‬الدعاء لهم بالهداية‪ ،‬كقول‬
‫الخزرجي في نقاشه مع قسيس طليطلة‪ .. :‬ونحن نسأل‬
‫الله سبحانه أن يكشف ما بكم من بشع الضللة ويتلقاكم‬
‫بالهداية‪ ،‬فهو فعال لما يريد )‪ ،(2‬وقول القرطبي في رده‬
‫على كتاب تثليث الوحدانية‪ .. :‬فالله يعلم أني أنظر إليك‬
‫ضل‬‫وإلى كافة خلق الله بعين الرحمة‪ ،‬وأسـأله هـداية من ّ‬
‫من هذه المة‪ ،‬وأتأسف على الباطيل التي ينتحلون‪ ،‬فإنا‬
‫لله وإنا إليه راجعون )‪ ،(3‬وفي موضع آخر وبلين عبارة‬
‫خاطب القرطبي صاحب كتاب التثليث حاضا ً له على‬
‫اعتقاده بّنوة المسيح عليه السلم بقوله‪ .. :‬فما أجل بكم‬
‫ألو قلتم فيها الحق الذي ينبغي لهما‪ :‬إن الله جعل عيسى‬
‫وأمه آية للناس‪ ،‬هو عبدا ً ورسول ً وأمه صديقه مباركة )‪.(4‬‬

‫س‪ -‬أسلوب القسم‪ :‬وقد ورد استعمال هذا السلوب‬


‫كثيرا ً في القرآن الكريم‪ ،‬فأقسم الله سبحانه وتعالى‬
‫بنفسه وآياته وببعض مخلوقاته والقسم في كلم الله يزيل‬
‫الشكوك ويحبط الشبهات ويقيم الحجة‪ ،‬ويؤكد الخبار‪،‬‬
‫ويقرر الحكم في أكمل صورة )‪.(5‬‬
‫وما أكثر الحاديث التي كان يبدؤها النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ :‬والذي نفسي بيده )‪ ،(6‬وقد استخدم هذا السلوب‬
‫في فترة الحروب الصليبية ومن ذلك قول الخزرجي في‬

‫‪()1‬صبح العشى )‪ (116 – 7/115‬دعوة المسلمين )‪.(2/532‬‬


‫‪()2‬مقامع الصلبان ص ‪ 294‬دعوة المسلمين )‪.(2/532‬‬
‫‪()3‬العلم بما في دين النصارى من الفساد والوهام ص ‪.101‬‬
‫‪()4‬المصدر نفسه ص ‪.137‬‬
‫‪()5‬المصدر نفسه ص ‪.137‬‬
‫‪()6‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/534‬‬

‫‪-148-‬‬
‫نقاشه مع قسيس طليطلة بعد حديثه عن تحريف النجيل‪:‬‬
‫‪ ..‬حتى أني أحلف بالذي ل إله إل هو أن تاريخ الطبري‬
‫عندنا أصح نقل ً مـن النجيـل‪ ،‬ويعتمد عليه العاقل أكثر مع‬
‫أن التاريخ عندنا ل يجوز أن ينبني عليه شيء من أمر‬
‫الدين )‪ (1‬وبعد حض القرطبي صاحب كتاب تثليث الوحدانية‬
‫على نبذ ما يعتقده في عيسى عليه السلم أقسم بالله‬
‫على سوء عاقبته إن مات على هذه النهاية وذلك بقوله‪.. :‬‬
‫فكأني والله بك إن مت على ما أنت عليه يؤخذ بناصيتك‬
‫وقدمك وتحيط بك ملئكة ربك وملئكة )ل يعصون الله ما‬
‫أمرهم ويفعلون ما يؤمرون " )التحريم‪ ،‬آية‪.(6 :‬‬

‫‪ -3‬الساليب الفنية ‪ :‬هي تلك الساليب المتعلقة‬


‫بجمال التعبير وتحسينه من الناحية اللفظية ليكون أكثر‬
‫تأثيرا ً من السامع )‪(2‬وفي عصر الحروب الصليبية كان كتاب‬
‫الله عز وجل هدفا ً لمطاعن النصارى وشبههم والتي كان‬
‫من ضمنها الطعن في بلغته وفصاحته لذلك اعتنى العلماء‬
‫المسلمون عناية كبيرة في التصدي لذلك في جهودهم‬
‫الدعوية الموجهة إلى النصارى )‪ ،(3‬وقد تمثل ذلك من خلل‬
‫إبرازهم لفصاحة القرآن وبلغته وعجز العرب عن‬
‫معارضته أو من خلل استعمالهم لبعض الساليب الفنية‬
‫التي تظهر جوانب من فصاحة العربية وبلغتها وجمالها‬
‫وقوة تأثيرها مع عدم التوسع فيها كثيرا ً بجانب الساليب‬
‫الخرى؛ لنظرتهم إلى أن غالبية النصارى وهم من العجم‬
‫أقل وأحقر من أن يتحدث عن بلغة القرآن وفصاحته بعد‬
‫ما عجز عنها العرب الوائل وهم أرباب البيان والفصاحة‪،‬‬

‫‪()1‬المصدر نفسه )‪.(2/534‬‬


‫‪()2‬المصدر نفسه )‪. (2/534‬‬
‫‪()3‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/537‬‬

‫‪-149-‬‬
‫ولذلك قال الخزرجي حينما بين إقرار العرب الوائل‬
‫بفصاحة القرآن وبلغته‪ :‬فكيف يلتفت إلى مقال العجم‬
‫الجهلء )‪ ،(1‬وفي مقدمة رسالته في الرد على قسيس‬
‫طليطلة قال‪ :‬أيها العجمي اللكن الطاعن في كتاب الله‬
‫جهل ً)‪ .(2‬وذلك إشارة إلى قصوره لعجميته عن فهم بلغة‬
‫القرآن وفصاحته )‪ ،(3‬ومن الساليب الفنية التي استخدمت‬
‫‪:‬‬

‫أ‪ -‬أسلوب ضرب المثال‪ :‬وضرب المثال من الساليب‬


‫التي استخدمها العلماء المسلمون في مناقشاتهم‬
‫وكتاباتهم ومناظراتهم مع النصارى في عصر الحروب‬
‫الصليبية‪ ،‬فمن المثال السائرة التي استخدمها القرطبي‬
‫في رده على القسيس قوله‪ :‬ل يستوي الظل والعود أعوج‬
‫)‪ ،(4‬وذلك بعدما عرض مذاهب النصارى واختلفهم في‬
‫تفسير القانيم‪ ،‬ومحاولة كل فرقة إصلح خلل الخرى في‬
‫ذلك وقصد القرطبي في هذا المثال أنه مهما حاولوا تقويم‬
‫الخلل في تفسيراتهم لهذه العقيدة الباطلة فلن تستقيم‬
‫كحال الذين يريد إقامة ظل لعود أعوج‪ ،‬فلن‪ ،‬يستقيم‬
‫الظل ما دام العود على أعوجاجه وهذه حال تفسيراتهم‬
‫لن تستقيم وتصح الخلل ما دام أصل العقيدة باطل وفي‬
‫موضع آخر وبعد رده على النصراني ومناقشته لما طرحه‬
‫من تفسير لعقيدة التحاد وإبطال هذه التفسيرات التي‬
‫جاء بها ختم ذلك بإيراد هذا المثل وهو قوله‪ :‬فإن الفتق‬
‫اتسع على الراقع )‪ ،(5‬ففي هذا المثل قصد القرطبي أنه‬
‫مهما جئت أيها النصراني بتفسير لهذه العقيدة الباطلة –‬
‫عقيدة التحاد تفسير يقبله العقل فلن تفلح‪ ،‬فكلما أجبت‬
‫على سؤال ثارت عليك أسئلة كمن يريد أن يرفع ثوبا ً‬
‫‪()1‬مقامع الصلبان ص ‪.197‬‬
‫‪()2‬المصدر نفسه ص ‪.127‬‬
‫‪()3‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/537‬‬
‫‪()4‬العلم بما في دين النصارى من الفساد والوهام ص ‪.80‬‬
‫‪()5‬المصدر نفسه ص ‪.92‬‬

‫‪-150-‬‬
‫اتسع فتقه ومن استخدام المثلة السائرة لدى القرافي أنه‬
‫بعد وصفه لرجال الدين النصارى بالجهل الشديد وعدم‬
‫تفريقهم بين الحلل والحرام وغفلتهم وبلهتهم التي‬
‫حجبت عنهم عقل الحق والخذ به ختم بقوله‪ :‬حتى أن‬
‫أحدهم ل يفرق بين كوعه من بوعه )‪.(1‬‬

‫ب‪ -‬أسلوب القصة‪ :‬وفي عصر الحروب الصليبية‬


‫استخدم كثير من العلماء أسلوب القصة في جهودهم‬
‫الدعوية الموجهة إلى النصارى لكونها من أنسب الساليب‬
‫مع النصارى لكشف باطلهم وبيان ما في كتبهم من‬
‫تحريف وتبديل‪ ،‬وإظهار مواقفهم من أنبيائهم ومن هذه‬
‫القصص ما قام به الخزرجي في رده على قسيس‬
‫طليطلة في قوله‪ :‬إنه ل ينكر صلبه – أي عيسى إل كافر‬
‫)‪ ،(2‬عرض قصة الصلب كاملة حسب رواية النصارى‬
‫مستنبطا ً منها الدلة على وقوع الصلب على الشبه وليس‬
‫على عيسى كما يدعيه النصارى )‪(3‬وعرض القرطبي قصة‬
‫قسطنطين ومجمعه الذي ابتدعت فيه كثير من شرائع‬
‫النصارى الباطلة ومنها الصلب وذلك دليل ً على عدم‬
‫اعتمادهم على شيء في هذه العقائد وأنها من وضع‬
‫ضللهم وليس من أصل ديانتهم الصحيحة )‪ ،(4‬وحينما‬
‫عّرض القسيس للقرطبي في هاجر أم إسماعيل عليه‬
‫السلم وفي معرض الرد عليه ساق القرطبي قصة هاجر‬
‫)‪(5‬‬
‫مع سارة من التوراة كاملة لبيان افتراء هذا القسيس‬
‫وة عيسى عليه السلم‬ ‫وفي معرض إثبات القرطبي لنب ّ‬
‫سرد قصة بولس اليهودي وأثره في تحريف النصرانية‬
‫والقول بألوهية المسيح ثم أثر قسطنطين بعد ذلك )‪ ،(6‬ثم‬

‫‪()1‬الجوبة الفاخرة ص ‪.6‬‬


‫‪()2‬مقامع الصلبان ص ‪.158‬‬
‫‪()3‬المصدر نفسه ص ‪ 168 – 158‬دعوة المسلمين )‪.(2/545‬‬
‫‪()4‬العلم بما في دين النصارى من الفساد والوهام ص ‪.172 - 169‬‬
‫‪()5‬المصدر نفسه ص ‪.232 - 230‬‬
‫‪()6‬المصدر نفسه ص ‪ 246 – 241‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/546‬‬

‫‪-151-‬‬
‫عقب بقوله‪ ... :‬ولتعلم أن هذه الخبار التي ذكرناها ل‬
‫يمكنهم إنكار جملتها وإن أنكروا بعض تفاصيلها لكون هذه‬
‫القصص معروفة على الجملة عندهم‪ ،‬فإنهم ل يقدرون‬
‫على جحد محاربة بولس اليهودي وإحلئهم من الشام‬
‫ودخول بولس في دينهم‪ ،‬وكذلك ملك قسطنطين مما ل‬
‫ينكرون إشهاره لكتبهم )‪(1‬وساق القرافي أيضا ً قصتي‬
‫بولس وقسطنطين في معرض بيان أثرهما في تحريف‬
‫النصرانية وإضلل النصارى )‪ .(2‬ثم عقب على ذلك بقوله‪:‬‬
‫وكفى بهذه الثلمة في دين النصارى خلل عظيما ً لم تترك‬
‫لهم عقل ً مستقيما ً ول قلبا سليما ً )‪ .(3‬ونوع آخر من‬
‫القصص ورد الستشهاد به كثيرا ً في مناقشات العلماء‬
‫المسلمين وردودهم على النصارى في هذه الفترة وهي‬
‫القصص التي تتعلق بالتاريخ السلمي وحياة النبي‬
‫ومناقبه‪ ،‬ومن ذلك مثل ً قصة كفالة جده ثم عمه‪ ،‬ورضاعة‬
‫من حليمة‪ ،‬والبركة التي عليها بسبب ذلك‪ ،‬وقصة رحلته‬
‫إلى الشام ولقائه )‪ (4‬ببحيرا الراهب وشهادته له بالنبوة‪ ،‬ثم‬
‫سرد القرطبي الكثير من القصص أيضا ً حول معجزات‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم وذلك في سياق الحديث عن‬
‫ل‪ :‬قصة نبع الماء من بين أصابعه‬ ‫وته‪ ،‬ومن ذلك مث ً‬ ‫دلئل نب ّ‬
‫في إحد غزواته‪ ،‬وتكثير الطعام في غزوة الخندق‬
‫وغيرهما‪ ،‬وقصص أخرى كثيرة أبرز فيها القرطبي حماية‬
‫الله سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم كرد‬
‫المشركين عنه ليلة الهجرة وخبر سراقه وغير ذلك وهكذا‬
‫إيراد القصة في الجهود الدعوية الموجهة إلى النصارى‬
‫بالضافة إلى كونه يزيد من جمال التعبير ويضفي عليه‬
‫شيئا ً من التشويق‪ ،‬فإن له أثره في التمهيد لقبول‬

‫‪()1‬العلم بما في دين النصارى من الفساد للنصارى )‪.(2/546‬‬


‫‪()2‬الجوبة الفاخرة ص ‪.124 - 119‬‬
‫‪()3‬المصدر السابق ص ‪.124‬‬
‫‪()4‬البداية والنهاية )‪ (2/263‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/546‬‬

‫‪-152-‬‬
‫المحتوى لدى السامع وإيصال المعنى المراد له من خلل‬
‫استغلل ذلك )‪.(1‬‬

‫ج‪ -‬أسلوب التكرار‪ :‬ومن الساليب الفنية أسلوب‬


‫التكرار والذي قد يكون تكرارا ً لكلمة بعينها‪ ،‬أو لمعنى‪ ،‬أو‬
‫لعبارة أو لفكرة‪ ،‬أو لموضوع ويكون التكرار عيبا ً لموضوع‬
‫إذا كان عاريا ً عن الفائدة ول يكون له معنى بلغيا ً إل إذا‬
‫كان الهدف معين كأن يكون القصد منه التأكيد‪ ،‬أو المبالغة‬
‫أو اليضاح‪ ،‬أو بيان الهمية‪ ،‬أو إبراز المعنى الواحد في‬
‫صور مختلفة إلى غير ذلك )‪(2‬والتكرار من الساليب التي‬
‫استخدمها العلماء المسلمون في كتاباتهم ومناقشاتهم مع‬
‫ل‪ :‬تكرار‬‫النصارى في فترة الحروب الصليبية‪ ،‬فمن ذلك مث ً‬
‫نصر بن يحي المتطبب الشارة إلى تحريف الناجيل حيث‬
‫فصل في الموضع الول وذلك في سياق ذكره لواضعي‬
‫الناجيل الربعة حيث ذكر شواهد على الختلفات فيما‬
‫بينها‪ ،‬ثم اختصر ذلك في موضع آخر وذلك في سياق ذكره‬
‫لتاريخ كتابة الناجيل والتي كانت كثيرة جدًا‪ ،‬فاختصرت‬
‫إلى أربعة منها في المجمع الذي دعا إليه الملك الروماني‬
‫قسطنطين حيث تساءل نصر بن يحي‪ :‬ما حال عشرات‬
‫الناجيل المستبعدة؟ وعلى أي أساس تم انتقاء هذه‬
‫الربعة فقط )‪(3‬؟ حيث يظهر الوجه البلغي للتكرار في‬
‫الموضعين إلى اختلف الهدف من إيرادها‪ ،‬ففي الموضع‬
‫الول إبراز التناقض بين الناجيل الربعة المعتمدة لدى‬
‫النصارى‪ ،‬وفي الموضع الثاني الطعن في أصل الناجيل‬
‫بشكل عام وطريقة اعتمادها لدى النصارى وعلى أي‬
‫أساس كان اختيارها؟ ولم يكن في غيرها من عشرات‪،‬‬
‫الناجيل الخرى المستبعدة ما هو أفضل منها )‪(4‬؟ وكذلك‬
‫كرر الخزرجي الشارة إلى حفظ القرآن وعدم تحريفه‪،‬‬
‫‪()1‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/548‬‬
‫‪()2‬الفوائد المشوقة إلى علوم القرآن وعلم البيان ص ‪170 - 163‬‬
‫‪()3‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/549‬‬
‫‪()4‬المصدر نفسه )‪.(2/550‬‬

‫‪-153-‬‬
‫فمن ذلك مثل ً ذكره لذلك مجمل ً في سياق المقارنة مع‬
‫تحريف كتب النصارى )‪(1‬ثم تفصيل ذلك في سياق الحديث‬
‫عن إعجاز القرآن وكونه من أدلة صدق رسالة النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم والسهاب في عرض وجوه إعجازه‬
‫وصبطه )‪.(2‬‬

‫س‪ :‬أسلوب الستفهام ‪ :‬والستفهام هو طلب بشيء‬


‫لم يكن معلوما ً من قبل‪ ،‬بأدوات خاصة‪ ،‬وهو من أنواع‬
‫النشاء الطلبي )‪(3‬وقد تخرج ألفاظ الستفهام عن معناها‬
‫الصلي إلى معان تفهم من السياق كالنفي والنهي‬
‫والتقرير والمر‪ ،‬والنكار والتشويق والتعجب والوعيد إلى‬
‫غير ذلك )‪ ،(4‬وهذه المعاني تضفي على التعبير جمال ً وتزيد‬
‫من تأثيره في السامع‪ ،‬ففي مناقشة نصر بن يحي‬
‫المتطبب لعقيدة التحاد بين اللهوت والناسوت التي‬
‫يدعيها النصارى في المسيح وأن الناسوت حين الصلب‬
‫مات واللهوت لم يمت تساءل نصر بن يحي على سبيل‬
‫النكار قائل ً ‪ :‬فكيف يكون ميتا ً لم يمت في حال واحد )‪،(5‬‬
‫فالمتطبب لم يلق هذا السؤال طالبا ً الجابة عليه‪ ،‬وإنما‬
‫للنكار على النصارى الذين أدى بهم اعتقاد التحاد إلى‬
‫ت فساد‬ ‫هذه النتيجة التي ل يقبلها العقل‪ ،‬فهذا السؤال يثب ّ ُ‬
‫نتيجة هذا العتقاد عليهم مما قد يؤدي بالعقلء منهم إلى‬
‫القرار بفساده والقلع عنه وبعد بيانه لبعض تناقضات‬
‫النصارى في تفسير التحاد وجه هذا السؤال لهم على‬
‫سبيل النكار لمجمل اعتقادهم في المسيح عليه السلم‬
‫وذلك بقوله‪ :‬فكيف يصح لذي عقل عبادة المولود من‬
‫امرأة بشرية قد مات ونالته العلل والفات )‪(6‬؟ وهكذا في‬

‫‪()1‬المصدر نفسه )‪.(2/550‬‬


‫‪()2‬مقامع الصلبان ص ‪.323‬‬
‫‪()3‬جواهر البلغة ص ‪ 70‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/551‬‬
‫‪()4‬الجامع الكبير في صناعة المنظوم من الكلم والمنشور ص ‪.118 - 114‬‬
‫‪()5‬النصيحة اليمانية ص ‪.62‬‬
‫‪()6‬المصدر نفسه ص ‪ 72‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/553‬‬

‫‪-154-‬‬
‫مواضع أخرى بعد مناقشة المتطبب لبعض عقائد النصارى‬
‫يلقي عليهم أسئلة على سبيل النكار لباطلهم )‪.(1‬‬

‫ش‪ -‬أسلوب التعجب‪ :‬وهو دهشة المتحدث واستغرابه‬


‫في أمر ليس له تفسير في نفسه أو أن تفسيره غير‬
‫متوقع لديه )‪(2‬وبعد إيراد الجعفري لبعض تناقض النجيل‬
‫قال‪ :‬فانظر رحمك الله ما أفسد هذا الكلم وأقربه من‬
‫كلم المجانين )‪(3‬وفي السياق نفسه وفي موضع آخر قال ‪:‬‬
‫فانظر – رحمك الله – ما أقبل عقول هؤلء القوم إلى‬
‫الترهات التي تمجها السماع وتأباها الطباع )‪ ،(4‬وفي‬
‫موضع آخر من السياق نفسه قال‪ :‬ما أقبح هذا التكاذب‬
‫وأوضح هذا التناقض )‪ .(5‬وهكذا في مواضع كثيرة وبعد‬
‫تفنيد القرطبي لعقيدة الفداء لدى النصارى‪ ،‬وتهافت‬
‫أدلتهم عليها ختم ذلك بقوله متعجبا ً من عقولهم الضعيفة‬
‫التي قبلت مثل ذلك )‪ ...(6‬قاتلكم الله ما أسخف عقولكم‬
‫)‪.(7‬‬

‫ر‪ -‬أسلوب استخدام الشعر في تأدية بعض‬


‫المعاني‪ :‬وفي عصر الحروب الصليبية لم تخل ردود‬
‫العلماء ومناقشاتهم مع النصارى من استخدام الشعر‪،‬‬
‫فمن المثلة على ذلك قصيدة البوصيري في الرد على‬
‫النصارى واليهود والتي مطلعها ‪:‬‬

‫‪()1‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/553‬‬


‫‪()2‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/554‬‬
‫‪()3‬تخجيل من حرف التوراة والنجيل )‪.(1/291‬‬
‫‪()4‬المصدر نفسه )‪.(1/298‬‬
‫‪()5‬المصدر نفسه )‪.(1/311‬‬
‫‪()6‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/555‬‬
‫‪()7‬العلم بما في دين النصارى من الفساد والوهام ص ‪.418‬‬

‫‪-155-‬‬
‫جاء المسيح من الله رسول ً‬

‫فأبى أقل العالمين عقول‬

‫حيث ناقش فيها الكثير من عقائدهم وانتقدها مبينا ً بطلنها‬


‫وعدم اعتمادهم على دليل فيها )‪ ،(1‬ومن هذا القبيل‬
‫أرجوزه لبي طالب عبد الجبار المرواني تعرض فيها‬
‫لبطلن ما عليه النصارى ومنها‪:‬‬

‫وصانع العالم فرد صمد‬

‫والصنع لم يشركه فيه أحد‬

‫إلى قال‪:‬‬
‫وللنصارى القول في التثليث‬

‫أفظع به من مذهب خبيث‬


‫)‪(2‬‬

‫ومن ذلك مثل ً ما أورده القرطبي في مقدمه رده على‬


‫صاحب الكتاب وتناقضاته وأنه بكتابته فضح نفسه حيث‬
‫استشهد على ذلك بهذا البيت‪:‬‬

‫‪()1‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/560‬‬


‫‪()2‬الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة )‪.(925 – 1/924‬‬

‫‪-156-‬‬
‫وإن لسان المرء مالم تكن‬
‫له‬

‫)‪(1‬‬
‫حصاة على عوراته لدليل‬

‫فالقرطبي بهذا البيت عبر باختصار بليغ كيف فضح هذا‬


‫النصراني لسانه ودل على جهله وركاكة أسلوبه وفي‬
‫موضع آخر حينما حاول هذا النصراني إظهار فصاحته‬
‫بجمل ساقها رد عليه القرطبي بقول الشاعر‪:‬‬
‫دع المكارم ل ترحل لبغيتها‬

‫واقعد فإنك أنت الطاعم‬


‫العاري‬

‫وذلك كتابه عن قصوره وعجزه وعدم أهليته لهذا المر‬


‫وحينما استدل النصراني ببعض اليات القرآنية على بعض‬
‫باطله مؤول ً معناها الصحيح كان من إجابة القرطبي قول‬
‫الشاعر‪:‬‬

‫ألق السلح فلست من‬


‫أكفائنا‬

‫واقعد مكانك في الحفيض‬


‫)‪(2‬‬
‫السفل‬

‫‪()1‬العلم بما في دين النصارى من الفساد والوهام ص ‪.44‬‬


‫‪()2‬المصدر نفسه ص ‪.126‬‬

‫‪-157-‬‬
‫وذلك كناية على أن المسلمين هم أهل المعرفة بالقرآن‬
‫وعلومه وتفسيره وليس هذا لك أيها النصراني ول شك أن‬
‫معنى هذا البيت أغنى القرطبي عن مقال طويل في بيان‬
‫أحقية المسلمين وقدرتهم على تفسير القرآن ومعرفة‬
‫علومه وعجز أمثال هذا النصراني عن ذلك )‪.(1‬‬

‫وفي موضع آخر وفي مناقشة تناقض أمانة النصارى‬


‫وقولهم فيها‪:‬‬
‫إن المسيح الذي صلب سيعود لفصل القضاء بين الحياء‬
‫والموال رد الجعفري على ذلك بقول الشاعر‪:‬‬

‫للفينك بعد الموت تنديني‬


‫وفي حياتي ما زودتني‬
‫)‪(2‬‬
‫زادني‬

‫وقصد الجعفري بهذا البيت بيان عجز المسيح عن خلص‬


‫نفسه من القتل والصلب بزعم النصارى‪ ،‬فكيف يقدر على‬
‫خلصهم بجملتهم وهذا المعنى ل شك يستغرق صفحات لو‬
‫أراد الجعفري التفصيل في شرحه وهكذا في مواضع كثيرة‬
‫استغني الجعفري بأبيات شعرية تؤدي المعنى الذي يقصده‬
‫دون إسهاب في تفصيل ذلك المعنى نثرا ً )‪(3‬وكان القرافي‬
‫في كتابه الجوبة الفاخرة يستشهد أيضا ً ببعض البيـات‬
‫الشـعرية اختصارا ً بها عن تفصيل ما يريد بيانه نثرا ً قد‬
‫يستغرق صفحات منه في بعض النقاط )‪.(4‬‬

‫‪()1‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/563‬‬


‫‪()2‬تخجيل من حرف التوراة والنجيل )‪.(1/297‬‬
‫‪()3‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/563‬‬
‫‪()4‬الجوبة الفاخرة ص ‪.97 ، 74 ، 33‬‬

‫‪-158-‬‬
‫تاسعًا‪ :‬آثار دعوة المسلمين للنصارى في عصر‬
‫الحروب الصليبية‪:‬‬
‫‪ -1‬دخول أعداد كبيرة من النصارى في السلم‪:‬‬
‫فمن ذلك مثل ً على مستوى القادة والعلماء النصارى‬
‫إسلم أحد ملوكهم في شرق الدولة السلمية على يد‬
‫الشيخ مختار بن محمود الزاهدي )‪ ،(1‬وإسلم كاتب الديوان‬
‫في بغداد واسمه جبرائيل بن منصور ت ‪626‬ه )‪ (2‬ويحي‬
‫ي سنة ‪493‬ه‬ ‫بن عيسى بن جزلة الطبيب البغدادي المتوف ّ‬
‫)‪ ،(3‬وكاتب النشاء للملك العادل ويقال له‪ :‬ابن النحال‬
‫حيث أسلم على يديه في حلب )‪ ،(4‬وشيخ نصراني ذو أتباع‬
‫أسلم على يد أبي شامة المقدسي سنة ‪661‬ه )‪ (5‬ومن‬
‫مقدمي الصليبيين الذين اعتنقوا السلم عدد من فرسانهم‬
‫انضموا إلى جيش صلح الدين معلنين اعتناقهم الدين‬
‫السلمي )‪ ،(6‬وفارس صليبي يدعى روبرت أوف سانت‬
‫ألبانس أحد مقدمي فرسان المعبد أسلم سنة ‪1185‬م‪/‬‬
‫‪580‬ه وتزوج بإحدى حفيدات صلح الدين )‪ ،(7‬بل إن ابني‬
‫أخت الملك النجليزي ريتشارد قلب السد هربا من‬
‫معسكر الفرنج‪ ،‬والتحقا بجيش صلح الدين معلنين‬
‫اعتناقهم السلم وذلك سنة ‪587‬ه ‪ ..‬حيث أكرمهما‪،‬‬
‫وفارس صليبي مشهور يدعى رانيود أسلم وانضم بفرقته‬
‫العسكرية إلى المسلمين )‪ ،(8‬وكان سفير سلطان مصر‬
‫إلى الملك الصليبي لويس إفرنجيا اعتنق السلم وصار ذا‬
‫مكانة عند السلطان )‪(9‬وأما اعتناق رجال الدين النصارى‬
‫للسلم فإن هناك إشارات تدل على كثرتهم في هذه‬

‫‪()1‬الرسالة الناصرية ص ‪ 56‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/744‬‬


‫‪()2‬البداية والنهاية )‪ (13/135‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/744‬‬
‫‪()3‬سير أعلم النبلء )‪.(19/188‬‬
‫‪()4‬كتاب الروضتين )‪ (2/52‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/744‬‬
‫لسلم‪ ،‬توماس أرنولد ص ‪.111‬‬ ‫)(الدعوة إلى ا ٍ‬
‫‪()5‬‬

‫‪ 6‬المصدر نفسه ص ‪ 111‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/744‬‬


‫‪()7‬الدعوة إلى السلم ص ‪ 108‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/744‬‬
‫‪()8‬مذكرات جوانقيل ص ‪.168‬‬
‫‪()9‬البداية والنهاية )‪.(101 -13/100‬‬

‫‪-159-‬‬
‫ل‪ :‬إسلم الراهب عبدالله الرمني‬ ‫الفترة‪ ،‬فمن ذلك مث ً‬
‫على يد الشيخ عبدالله اليونيني المتوفي سنة ‪617‬ه وكان‬
‫زاهدا ً ورعا ً فيه تصوف )‪ ،(1‬حيث أسلم أيضا ً على يد‬
‫عبدالله الرمني راهب آخر كان معتزل ً في صومعة له‬
‫)‪(2‬وإسلم أحد علماء النصارى على يد الشيخ مختار بن‬
‫محمود الزاهدي في خوازم )‪ ،(3‬وإسلم عبد الواحد‬
‫الصوفي ت ‪639‬ه والذي كان قسا في كنيسة مريم‬
‫بدمشق نحوا ً من سبعين سنة )‪(4‬وكذلك إسلم دانيال‬
‫أسقف خابور في منتصف القرن الثالث عشر الميلدي‬
‫)‪(5‬وقد أشار توماس أرنولد نقل ً عن بعض المصادر اللتينية‬
‫إلى خلو كثير من السقفيات القبطية في بداية القرن‬
‫الثالث عشر الميلدي في مصر من الساقفة فمثل ً ‪ :‬في‬
‫دير القديس مكاريوس وحده لم يبق غير أربعة من‬
‫القسس بعد أن كان عددهم تجاوز الثمانين في عهد‬
‫البطريق السابق )‪ ،(6‬بل إن بعـض رجال الدين الصليبيين‬
‫المبشرين الفرنسيسكان الذي أرسل إلى إفريقية لهذه‬
‫المهمة فعاد مسلما ً )‪(7‬وقد ذكر توماس آرنولد نقل ً عن‬
‫بعض المصادر الغربية كثرة اعتناق القساوسة الصليبيين‬
‫السلم في هذه الفترة )‪ ،(8‬أما اعتناق السلم من قبل‬
‫عامة النصارى فإنه ل إشكال أن العراق وبلد الشام‬
‫ومصر وشمال إفريقيا والندلس وغيرها من البلد كانت‬
‫الديانة الغالبة فيها قبل ظهور السلم هي النصرانية‪ ،‬ومع‬
‫انتشار السلم دخل الناس فيه من أهل هذه البلد أفواجا ً‬
‫حتى أصبح السلم دين الغالبية‪ ،‬وأصحاب الديانات الخرى‬

‫‪()1‬المصدر نفسه )‪ (153 – 13/152‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/745‬‬


‫‪()2‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/745‬‬
‫‪()3‬البداية والنهاية )‪ (13/169‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/745‬‬
‫‪()4‬الدعوة إلى السلم ص ‪ 107‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/745‬‬
‫‪()5‬الدعوة إلى السلم ص ‪ 107‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/745‬‬
‫‪()6‬الدعوة إلى السلم ص ‪ 629‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/745‬‬
‫‪()7‬الوضاع الحضارية في بلد الشام عصر الحروب الصليبية ص ‪.233‬‬
‫‪()8‬الدعوة إلى السلم ص ‪ 112‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/746‬‬

‫‪-160-‬‬
‫أقلية بالنسبة إليه )‪(1‬وفي عصر الحروب الصليبية كانت‬
‫هناك تحولت كبيرة من هذه القلية النسبية خاصة من‬
‫النصارى إلى السلم حيث يدل على ذلك‪ ،‬الشارات‬
‫المتناشرة في المصادر والمراجع المختلفة‪ ،‬فمن ذلك مثل ً‬
‫قول سبط ابن الجوزي‪ .. :‬سمعت جدي على المنبر يقول‪:‬‬
‫بأصبعي هاتين كتب ألفي مجلدة‪ ،‬وتاب على يدي مائة‬
‫ألف‪ ،‬وأسلم على يدي عشرون )‪(2‬ألفًا‪ .‬وأسلم على يدي‬
‫نحو مائتين من أهل الكتاب )‪(3‬وفي عهد صلح الدين‬
‫اليوبي رحمه الله – ولحسـن معاملته لقباط مصر تحول‬
‫أعداد كبيرة منهم إلى السلم كما ذلك ذكر أحد مؤرخيهم‬
‫)‪(4‬وقد قال توماس آرنولد عن كثرة اعتناق القبط للدين‬
‫السلمي‪ :‬ولكثرة عدد القبط الذين كانوا يعتنقون السلم‬
‫ي يعتبرونهم أشد ميل ً‬
‫من حين إلى حين أخذ أتباع النب ّ‬
‫لقبول الدين السلمي من أية طائفة أخرى ‪ ،‬وبين أنه‬
‫)‪(5‬‬

‫حتى القرن التاسع عشر الميلدي لم تخل سنة من‬


‫السنوات لم يتحول فيها القبط إلى السلم )‪(6‬أما إسلم‬
‫العامة من النصارى الصليبيين فكان كثير جدا ً في هذه‬
‫الفترة ‪ ،‬ومن المثلة على ذلك ما ذكره توماس آرنولد نقل ً‬
‫عن بعض المصادر الغربية أنه في الحملة الصليبية الولى‬
‫انفصلت جماعة كبيرة من اللمان وغيرهم من الطائفة‬
‫الرئيسية لتنضم إلى الجيش السلجوقي المسلم معتنقة‬
‫السلم )‪ ،(7‬وفي الحملة الصليبية الثانية انضمت فرقة‬
‫كبيرة من الجيش الصليبي قوامها أربعة آلف مقاتل تقريبا ً‬
‫إلى جيش المسلمين وذلك بعد فشل هذه الحملة‪،‬‬
‫ولحسن المعاملة التي قوبلت بها هذه الفرقة اعتنق عدد‬
‫كبير من أفرادها السلم بمحض إرادتهم وذلك سنة ‪542‬ه‬
‫‪()1‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/746‬‬
‫‪()2‬سير أعلم النبلء )‪.(21/270‬‬
‫‪()3‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/746‬‬
‫‪()4‬الدعوة إلى السلم ص ‪ 130‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/746‬‬
‫‪()5‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/747‬‬
‫‪()6‬المصدر نفسه )‪.(2/747‬‬
‫‪()7‬الدعوة إلى السلم ص ‪ 108‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/747‬‬

‫‪-161-‬‬
‫‪1148 -‬م )‪ (1‬وكذلك كانت أخلق صلح الدين – رحمه الله‬
‫تعالى – وحسن معاملته للنصارى الصليبيين دافعا ً لعداد‬
‫كبيرة منهم إلى اعتناق السلم كما حدث بعد معركة‬
‫حطين )‪ ،(2‬بشكل خاص وقد قال أحد الكتاب الغربيين عن‬
‫ذلك‪ .. :‬حتى أن نفرا ً من الفرسان المسيحيين بلغ من قوة‬
‫انجذابهم إليه أن هجروا ديانتهم المسيحية )‪(3‬ونقل توماس‬
‫آرنولد عن بعض المصادر الغربية أنه في الحملة الصليبية‬
‫الثالثة انضمت أعداد كبيرة من الجيش الصليبي إلى‬
‫المسلمين حيث اعتنق البعض منهم السلم‪ ،‬وقد ساق‬
‫توماس شهادة مؤرخ غربي على ذلك رافق هذه الحملة‪،‬‬
‫حيث قال هذا المؤرخ‪ . :‬وفريق من رجالنا ‪ ..‬تراهم‬
‫يهجرون بني جلدتهم ويفرون إلى التراك فلم يترددوا أن‬
‫يصبحوا في زمرة المرتدين‪ ،‬ولكي يطيلوا أعمارهم‬
‫الموقوته زمنا ً قصيرا ً اشتروا موتا ً أبديا ً بهذا الكفر المفزع‬
‫)‪.(4‬‬

‫وقد أشار توماس نفسه إلى كثرة تحول الصليبيين إلى‬


‫السلم في فترة الحروب الصليبية حيث قال‪ :‬ولكن بانتهاء‬
‫القرن الحادي عشر الميلدي انضم إلى أهالي الشام‬
‫وفلسطين من المسيحيين عنصر جديد يتألف من هذه‬
‫الجموع الهائلة من الصليبيين الذين كانوا يدينون بشعائر‬
‫المم اللتينية ‪ ..‬وظلت تعيش مهددة قرابة قرنين من‬
‫الزمن‪ ،‬وفي غضون هذه الفترة كانت تحدث من حين لخر‬
‫تحولت إلى السلم من بين هؤلء المهاجرين الغرباء‬
‫)‪(5‬وقال أيضا ً ‪ ... :‬وكان عدد المرتدين عن المسيحية في‬
‫القرن الثالث عشر الميلدي كثيرا ً كثرة نلحظها في‬
‫سجلت الصليبيين القانونية التي يطلق عليها مجالس‬
‫‪()1‬المصدر نفسه ص ‪ 109‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/747‬‬
‫‪()2‬شفاء القلوب في أخبار بني أيوب ص ‪.121‬‬
‫‪()3‬الدعوة إلى السلم ص ‪ 111‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/747‬‬
‫‪()4‬الدعوة إلى السلم‪ ،‬توماس أرنولد ص ‪.111‬‬
‫‪()5‬الدعوة إلى السلم ص ‪ 112‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/748‬‬

‫‪-162-‬‬
‫قضاء بيت المقدس )‪ ،(1‬ومما يدل على كثرة اعتناق‬
‫النصارى من الصليبيين السلم في هذه الفترة فزع أحد‬
‫قساوستهم في الشام من ذلك وإرساله رسائل إلى البابا‬
‫ورجال الدين في أوروبا يطلب فيها أل يرسلوا الضعفاء‬
‫والفقراء لنهم أكثر عرضة لن يفتنهم المسلمون فيعتنقوا‬
‫السلم )‪.(2‬‬

‫‪ -2‬تأثر النصارى بعادات المسلمين وأخلقهم‬


‫وتقاليدهم‪:‬‬
‫فمن ذلك مثل ً ما يتعلق باللباس والذي كان في غالب‬
‫الحيان لدى نصارى البلد السلمية ل يختلف عن لباس‬
‫المسلمين‪ ،‬فقد كان أحد الساقفة الصليبيين والذي بعث‬
‫إلى عكا قد أرسل إلى البابا في روما اشتكى فيها تشبه‬
‫النصارى الصليبيين بالمسلمين في زيهم وطريقة حياتهم‬
‫)‪(3‬وحتى بعض النصارى من الصليبيين كانوا يتشبهون‬
‫بالمسلمين بالزي واللباس‪ ،‬فمن ذلك مثل ً تقليد النساء‬
‫الصليبيات لنساء المسلمين بالحجاب واللباس المحتشم‪.‬‬
‫حيث قال أحد الكتاب الوروبيين في ذلك ! ‪ ..‬وكانت‬
‫النساء الصليبيات يقلدن المسلمات في لبس الحجاب‬
‫الذي يضفي على المرأة الحشمة والوقار )‪ (4‬ومن عادات‬
‫المسلمين التي أكتسبها النصارى الصليبيون في هذه‬
‫الفترة النظافة وكانت ليست بذات أهمية لديهم‪ ،‬وقد نقـل‬
‫أحـد الباحثين رأيا في ذلك لمؤرخ أوروبي معاصر لفترة‬
‫الحروب الصليبية وهو قوله‪ :‬ولكنهم – أي الصليبيين –‬
‫يعيشون كالحيوانات‪ ،‬ويغسلون أبدانهم ول ثيابهم التي ل‬
‫ينزعونها إل إذا تمزقت )‪(5‬وبعد مخالطة الصليبيين‬
‫‪()1‬الدعوة إلى السلم ص ‪ 110‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/748‬‬
‫‪()2‬الدعوة إلى السلم ص ‪ 110‬دعوة المسلمين للنصارى ‪.(02/748‬‬
‫‪()3‬الوضاع الحضارية في بلد الشام عصر الحروب الصليبية ص ‪.98 - 97‬‬
‫‪()4‬تاريخ الحروب الصليبية )‪.(2/509‬‬
‫‪()5‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/751‬‬

‫‪-163-‬‬
‫للمسلمين اكتسبوا هذه العادة الحميدة فتردد الكثيرون‬
‫منهم على الحمامات العامة المنتشرة في الشام ومصر‬
‫حتى الرهبان والراهبات الذين يعتكفون في كنائسهم‬
‫وأديرتهم‪ ،‬مما جعل أحد مقدميهم واسمه جاك دوفتري‬
‫يحتج على الراهبات لخروجهن من الديرة مخالفات بذلك‬
‫تعاليم شريعتهم ليذهبن إلى الحمامات العامة )‪(1‬وقد ساق‬
‫أسامة بن منقذ نماذج على استغرابهم اهتمام المسلمين‬
‫بالنظافة ومحاولتهم التشبه في ذلك وترددهم على‬
‫الحمامات العامة للمسلمين رجال ً ونساًء لهذا الغرض )‪،(2‬‬
‫ومن العادات السلمية التي اكتسبها الصليبيون النصارى‬
‫الغيرة على النساء وكانت هذه الغيرة مفقودة جدا ً لديهم‬
‫حيث قال أسامة بن منقذ في سياق عرضه لمشاهداته‬
‫وقائع في حياتهم وعرضه لنماذج منها تدل على ذلك‬
‫بقوله‪ .. :‬ليس عندهم شيء من النخوة والغيرة‪ ،‬يكون‬
‫الرجل منهم يمشي هو وامرأته يلقاه رجل آخر يأخذ‬
‫المرأة ويعتزل بها ويتحدثا معا والزوج واقف ناحية ينتظر‬
‫فراغها من الحديث فإذا طولت عليه خللها مع المتحدث‬
‫ومضى )‪ ،(3‬وقد أشار أحد البـاحثين إلى تغير هذه العادة‬
‫القبيحة نسبيا ً في الجيل الثاني من الصليبيين بعد إقامتهم‬
‫في البلد السلمية )‪ ،(4‬ومن الصليبيين من تشبه‬
‫بالمسلمين حتى في الطعام فترك أكل الخنزير مثل ً‬
‫)‪(5‬ومن أهم ما أكتسبه بعض الصليبيين النصارى من‬
‫المسلمين لين الطباع وحسن التعامل وهذا ما لحظه‬
‫أسامة بن منقذ من خلل تعامله معهم وسبره لهذا الجانب‬
‫فيهم بين من قدموا حديثا ً من بلدهم وبين من عاشروا‬
‫المسلمين وتعاملوا معهم واكتسبوا شيئا ً من أخلقهم حيث‬
‫قال أسامة عن ذلك ‪ :‬فكل من هو قريب العهد بالبلد‬

‫‪()1‬المصدر نفسه )‪.(2/751‬‬


‫‪()2‬العتبار ص ‪ 137 – 136‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/752‬‬
‫‪()3‬المصدر ص ‪ 135‬المصدر نفسه )‪.(2/752‬‬
‫‪()4‬العلقات الحضارية بين الشرق والغرب في العصور الوسطى ص ‪.192‬‬
‫‪()5‬العتبار ص ‪ 140‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/752‬‬

‫‪-164-‬‬
‫الفرنجية أجفى أخلقا ً من الذين تبلدوا وعاشروا‬
‫المسلمين )‪(1‬ومن المعروف في النصرانية تحريم التعدد‬
‫بزعمهم ومع ذلك فبعضهم قلد المسلمين وتزوج أكثر من‬
‫واحدة خاصة بعض زعمائهم وقوادهم )‪ ،(2‬ومن مظاهر تأثر‬
‫كثير من النصارى بالمسلمين في هذه الفترة اتجاه كثير‬
‫منهم إلى تعلم اللغة العربية )‪ ،(3‬فالصليبيون في الشام‬
‫اهتموا بذلك فكان بعض قادتهم يتحدث العربية كريموند‬
‫صاحب طرابلس وبعضهم وضع له قارئا ً بها كصاحب صيدا‬
‫)‪(4‬وحرص بعض قادتهم كذلك بأن يتعلم موظفوه ومن‬
‫تحت يده في بعض العمال اللغة العربية كما في موظفي‬
‫الجمارك في عكا والذين قابلهم ابن جبير في زيارته‬
‫للشام في هذه الفترة )‪ ،(5‬وأسامة بن منقذ كان يربطه مع‬
‫بعض فرسان الفرنج نوع من الصداقات‪ ،‬وكان يتعامل‬
‫معهم وهو ل يجيد لغاتهم مما يدل على أن منهم أعداد‬
‫تتحدث باللغة العربية )‪ .(6‬وفي الندلس كان تأثر النصارى‬
‫باللغة العربية – لغة المسلمين – أكثر وضوحًا‪ ،‬إذ صارت‬
‫هي لغة الحياة العامة في المجتمع الندلسي )‪ ،(7‬وهكذا‬
‫فكما أن الشخص ل يتأثير بشيء ويقلده إل من باب‬
‫العجاب به والقتناع بقيمته فإن بعض النصارى بتشبههم‬
‫بالمسلمين في بعض الصفات وتأثرهم بها دليل على‬
‫العجاب بها ونوعا ً من الرضا عنها واعترافا ً ضمنيا ً بقيمة‬
‫الدين الذي جاء بها وحيث عليها )‪.(8‬‬

‫‪ -3‬تحسن نظرة كثير من النصارى للسلم‬


‫والمسلمين‪ :‬وقد نقل توماس آرنولد عن بعض الكتاب‬
‫‪()1‬المصدر نفسه )‪.(2/753‬‬
‫‪()2‬المصدر نفسه )‪.(2/753‬‬
‫‪()3‬المصدر نفسه )‪.(2/753‬‬
‫‪()4‬المصدر نفسه )‪.(2/753‬‬
‫‪()5‬رحلة ابن جبير ص ‪.276 - 275‬‬
‫‪()6‬العتبار ص ‪ 87‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/753‬‬
‫‪()7‬المسلمون في تاريخ الحضارة ص ‪.79‬‬
‫‪()8‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/754‬‬

‫‪-165-‬‬
‫الغربيين ما يؤيد ذلك‪ ،‬كقول أحدهم ‪ ... :‬ومن المؤكد أن‬
‫المسيحيين من أهالي هذه البلد قد آثروا حكم المسلمين‬
‫على حكم الصليبيين )‪(1‬وقول أحدهم ‪ .. :‬ويظهر أن أهالي‬
‫فلسطين من المسيحيين لما وقع بيت المقدس في أيدي‬
‫المسلمين نهائيا ً سنة ‪ 641‬ه ‪1244-‬م رحبوا بالسادة‬
‫الجدد وأطمأنوا إليهم ورضوا بحكمهم )‪ ،(2‬كذلك الحال‬
‫بالنسبة لكثير من نصارى آسيا الصغرى في هذه الفترة‬
‫الذين فضلوا حكم السلجقة المسلمين على سيطرة‬
‫إخوانهم من النصارى من البيزنطيين )‪ ،(3‬أما بالنسبة‬
‫للنصارى الصليبيين فقد تغيرت نظرتهم للسلم‬
‫والمسلمين نتيجة للجهود الدعوية المختلفة الموجهة إليهم‬
‫في هذه الفترة فمثل ً أن أحد رسلهم ويدعى بركارد حينما‬
‫قابل صلح الدين سنة ‪580‬ه‪1175/‬م عاد إلى قومه‬
‫وأخبرهم بما لحظه من أن المسلمين يؤمنون بإله واحد‬
‫خالق كل شيء‪ ،‬وأن محمدا ً صلى الله عليه وسلم نب ّ‬
‫ي‬
‫ل وعل ومن مظاهر تغير هذه النظرة‬ ‫مُرسل من الله ج ّ‬
‫الحاقدة لدى النصارى تجاه المسلمين وجود نوع من‬
‫الصداقات بين مسلمين والنصارى‪ ،‬ومن ذلك مثل ً ما كان‬
‫لسامة بن منقذ من أفراد منهم يعدهم أصدقاء له وكانوا‬
‫يمكنونه من الصلة في المسجد القصى حينما كان تحت‬
‫سيطرة النصارى )‪ ،(4‬وابن جبير الذي زار المنطقة في هذه‬
‫الفترة رأى عرسا ً إفرنجيا ً حضره جمع من المسلمين‪،‬‬
‫وكان من مشاهداته أن بعض النصارى إذا رأى أحدا ً من‬
‫المسلمين انقطع للعبادة أتوه بالماء والزاد )‪ ،(5‬بل إنه في‬
‫بعض جبهات القتال لطول المخالطة والمواجهة بين‬
‫الفريقين أنس البعض بالبعض بل وتجري في بعض الحيان‬
‫ألعاب ومسابقات على سبيل الترفيه بين الطرفين )‪(6‬وكان‬
‫‪()1‬الدعوة إلى السلم ص ‪.116‬‬
‫‪()2‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/754‬‬
‫‪()3‬المصدر نفسه )‪.(2/755‬‬
‫‪()4‬العتبار‪ ،‬أسامة بن منقذ ص ‪.135 - 134‬‬
‫‪()5‬رحلة ابن جبير ص ‪.260- 259‬‬
‫‪()6‬النوادر السلطانية ‪.170- 169‬‬

‫‪-166-‬‬
‫التجار المسلمون والنصارى على حال من الختلط‬
‫والمعاملة التي أزالت كثيرا ً من الحدة والحقد والعداء‬
‫الشديد الذي كان يحمله غالب الصليبيين في بداية‬
‫قدومهم‪ .‬وقد قال ابن جبير عن ذلك‪ .. :‬واختلط القوافل‬
‫من مصر إلى دمشق على بلد الفرنج غير منقطع‪،‬‬
‫واختلف المسلمين إلى عكا كذلك ‪ ..‬والتفاق بينهم‬
‫والعتدال في جميع الحوال‪ ،‬وأهل الحرب مشغلون في‬
‫حربهم‪ ..‬ول تعترض الرعايا ول التجار فالمن ل يفارقهم‬
‫في جميع الحوال سلما ً وحربا )‪ .(1‬وقال أحد الكتاب‬
‫الغربيين مبينا ً تبدل النظرة لدى متأخري الصليبيين عن‬
‫سابقيهم ‪ ... :‬ولقد تحدث بعض المؤرخين أمثال وليم كبير‬
‫أساقفة صور عن الحضارة السلمية حديثا ً ملؤه الجلل‬
‫بل العجاب في بعض الحيان لو سمعه المحاربون في‬
‫الحملة الصليبية الولى لهزمهم وصدم مشاعرهم‬
‫وكبرياءهم )‪ ،(2‬ول أدل على تبدل هذه النظرة من سماح‬
‫الصليبيين للمسلمين الخاضعين لحكمهم من ممارسة‬
‫شعائرهم الدينية كما في عكا‪ ،‬وطرابلس‪ ،‬وأنطاكية وجبلة‬
‫وغيرها وكان أسلف هؤلء في حملتهم الولى حينما رأوا‬
‫لول مرة مسجدا ً في القسطنطينية تقام فيه الصلة‬
‫أحرقوه بما فيه )‪ ،(3‬وقد بين توماس آرنولد هذه الحقيقة‬
‫وهي أنه ليس عامة الصليبيين‪ ،‬فحسب هم الذين تغيرت‬
‫نظرتهم إلى المسلمين‪ ،‬بل إن علماء اللهوت المسيحي‬
‫قد أدى إختلطهم بالمسلمين إلى تكوين رأي أكثر إنصافا ً‬
‫عن السلم )‪.(4‬‬

‫‪ -4‬نجاح المسلمين في كسب بعض النصارى‬


‫الصليبيين‪:‬‬

‫‪()1‬رحلة ابن جبير ص ‪.260- 259‬‬


‫‪()2‬قصة الحضارة )‪.(22/65‬‬
‫‪()3‬المصدر نفسه )‪ (4/50‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/758‬‬
‫‪()4‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/758‬‬

‫‪-167-‬‬
‫ل‪ ،‬مع بعض‬‫كان من حسن سياسة نور الدين محمود مث ً‬
‫القادة النصارى أن كسبهم إلى جانبه ضد بني ملتهم ودرأ‬
‫بذلك خطرا ً عظيما ً عن السلم بعدما كادوا أن يتفقوا ضد‬
‫المسـلمين وذلك سـنة ‪544‬ه )‪ (1‬وكذلك صلح الدين‪،‬‬
‫حينما صالح صاحب صيدا ً حتى جعله يقاتل في صف‬
‫المسلمين ضد بني ملته وكان له أثر موجع عليهم وكذلك‬
‫صاحب صور الذي جاهر بعداء بني ملته )‪ ،(2‬وبعد معركة‬
‫حطـين وما ظهر من نبله وكرمه وصفحه عن بعض قادة‬
‫الصليبيين أن أقسم بعضهم أل يواجهه في قتال )‪.(3‬‬

‫‪ -5‬حسن معاملة النصارى لمن تحت أيديهم من‬


‫المسلمين‪ :‬ومن مظاهر التحسن مثل ً أنه في بعض‬
‫القرى الواقعة تحت النفوذ الصليبي يتمتع أهلها المسلمون‬
‫بحكم ذاتي لهم يحكمهم واحد منهم كما هي الحال في‬
‫جبلية وقد لمس الحوال المعيشية الهادئة التي تعيشها‬
‫بعض القرى والمدن السلمية تحت الحكم الصليبي ابن‬
‫جبير حتى أنه خشي على أهلها من الفتنة مقابل بعض‬
‫الضطهاد الذي يلقيه إخوانهم من قبل بعض الولة‬
‫المسلمين في بعض المناطق السلمية‪ ،‬حيث قال‪.. :‬‬
‫وطريقنا كله ضياع متصـلة وعمائر منتظمة سكانها كلها‬
‫مسلمون‪ ،‬وهم مع الفرنج على حالة ترفيه – نعوذ بالله‬
‫من الفتنة – ومساكنهم بأيديهم وجميع أحوالهم متروكة‬
‫لهم‪ ،‬وكل ما بأيدي الفرنج من المدن بساحل الشام على‬
‫هذا السبيل‪ ،‬ثم وصف ابن جبير استقرار أحوالهم وخشيته‬
‫عليهم من الفتنة بالنصارى لذلك حيث قال ‪ .. :‬وقد‬
‫أشربت الفتنة قلوب أكثرهم لما يبصرون عليه إخوانهم‬
‫من أهل الرساتيق المسلمين وعمالهم لنهم ضد أحوالهم‬

‫‪()1‬كتاب الروضتين )‪ (1/123‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/758‬‬


‫‪()2‬النوادر السلطانية ص ‪ 298‬المصدر نفسه )‪.(2/759‬‬
‫‪()3‬قصة الحضارة ت)‪ (4/38‬المصدر نفسه )‪.(2/759‬‬

‫‪-168-‬‬
‫في الترفيه والرفق‪ ،‬وهذه من الفجائع الطارئة على‬
‫المسلمين )‪.(1‬‬

‫‪ -6‬ظهور عزة السلم وتغير التكتيك الصليبي‪:‬‬


‫كان من أهم آثار الجهود الدعوية هو أن يكون الدين كله‬
‫لله‪ ،‬وذلك بإقامة شرعه على أرضه وإرشاد الناس إلى‬
‫سبيله وكان من أهم آثار الجهود الدعوية المختلفة خاصة‬
‫الجهاد في سبيل الله في هذه الفترة إزالة الحكم الصليبي‬
‫النصراني من المناطق التي زحف عليها وطرده كليا ً‬
‫وإعادة الحكم السلمي فيها وما ترتب على ذلك من‬
‫إظهار لعزة السلم وقوة المسلمين )‪ ،(2‬وهذا ما جعل‬
‫العداء المتربصين من النصارى الصليبيين يعيدون‬
‫تخطيطهم ويغيرون أساليبهم في محاربة المسلمين‬
‫وفتنتهم عن دينهم فقرروا لذلك التركيز على الناحية‬
‫الفكرية بعد مالم تجد الجحافل العسكرية في صرف‬
‫المسلمين عن دينهم وإقامة دولة نصرانية في قلب البلد‬
‫مى بالغزو الفكري‬ ‫السلمية‪ ،‬لذلك تكونت بدايات ما يس ّ‬
‫للشعوب السلمية‪ ،‬فاتجهت الجهود إلى إرسال جحافل‬
‫من المبشرين الذين يتسللون إلى الشعوب السلمية‬
‫بشكل سلمي ليفتنوهم عن دينهم بالقناع والتفاهم تحت‬
‫ستار العمل الخيري‪ ،‬فكان لذلك تأسيس المدارس‬
‫النصرانية والجماعات التنصيرية لتحقيق هذا الهدف بعدما‬
‫عجزت عنه القوة العسكرية‪ ،‬وقد كان من أول هذه‬
‫المؤسسات التبشيرية الرهبنة الكرملية التي تأسست في‬
‫عام ‪548‬ه ‪1154 -‬م في طرابلس لبنان‪ ،‬ثم‬
‫الفرنسيسكان والدومنيكان في مطلع القرن الثالث عشر‬
‫)‪ ،(3‬ومنذ ذلك الوقت تتابع الدعاة لبث أفكارهم التنصرية‬
‫في العالم السلمي وقد قال أحد الكتاب الوروبيين عن‬

‫‪()1‬رحلة بن جبير ص ‪ 75 ، 74‬دعوة المسلمين )‪.(2/761‬‬


‫‪()2‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/762‬‬
‫‪()3‬الوضاع الحضارية في بلد الشام ص ‪.136‬‬

‫‪-169-‬‬
‫ذلك‪ :‬إذ حدث في القرن الثالث عشر أن بدأ نشاط‬
‫تبشيري ضخم‪ ،‬وهذا النشاط إنما نجم عن الحروب‬
‫الصليبية والتصال بالمسلمين )‪ ،(1‬وكانت البداية العملية‬
‫المنظمة لهذا العمل على يد ريموندلل وهو إسباني تعلم‬
‫اللغة العربية وكرس حياته لتنظيم العمل التبشيري‬
‫وأرضهم بواسطة دراسة لغتهم والتنصير بينهم‪ ،‬ثم إرسال‬
‫الجيوش العسكرية بعد ذلك )‪.(2‬‬

‫‪ -7‬تأجيل إخراج المسلمين من الندلس‪:‬‬


‫ساءت أحوال المسلمين في الندلس من جراء ضعف‬
‫الخلفة الموية فيها ومن ثم انتهاؤها سنة ‪422‬ه حين‬
‫أعلن أهل قرطبة إلغاءها وعلى رأسهم جهور بن محمد بن‬
‫جهور )‪ ،(3‬فقامت على أنقاضها ما يسمى بدول الطوائف‬
‫التي بلغت عشرين دولة تقريبا ً حيث تغلب كل على جهة‬
‫وتلقب بالمارة‪ ،‬بل والخلفة‪ ،‬فمنهم من تسمى بالمعتضد‬
‫وبعضهم تسمى بالمأمون وآخر تسمى بالمستعين‬
‫والمقتدر والمتوكل والموفق إلى غير ذلك من اللقاب‬
‫التي قال عنها الشاعر الحسن بن رشيق‪:‬‬

‫مما يزهدني في أرض‬


‫أندلس‬

‫سماع مقتدر فيها ومعتضد‬

‫ألقاب مملكة في غير‬


‫موضعها‬

‫‪()1‬الحروب الصليبية آرنست باركر ص ‪.142‬‬


‫‪()2‬البيان المغرب في أخبار الندلس نقل ً عن دعوة المسلمين )‪.(2/763‬‬
‫‪()3‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.2/763‬‬

‫‪-170-‬‬
‫كالهر يحكي انتفاخا ً صولة‬
‫)‪(1‬‬
‫السد‬

‫ومع هذا الوضع المتردي لدول الطوائف أخذت الممالك‬


‫النصرانية تتوسع على حسابها‪ ،‬فسقطت طليطلة بيد‬
‫الذفونش ملك قشتالة وليون وذلك سنة ‪478‬ه )‪ ،(2‬ولم‬
‫تلق المساندة الكافية لصد العدوان النصراني عليها من‬
‫قبل أمراء الدويلت السلمية الخرى التي كانت تتصارع‬
‫فيما بينها وتخطب ود النصارى حفاظا ً على الطموحات‬
‫الشخصية لبعض أمرائها الذي بلغ الحال بعدد منهم أن‬
‫استعانوا بالنصارى ضد إخوانهم المسلمين لذلك ساد‬
‫الفزع بين مسلمي الندلس لسرعة تقدم النصارى وما‬
‫يتوقعونه من نهاية سيئة لهم من جراء ذلك حتى عبر أحد‬
‫الشعراء عن هذه الحالة بعد سقوط طليطلة بقوله‪:‬‬

‫يا أهل أندلس شدوا رحالكم‬


‫فما المقام بها إل من الغلط‬

‫السلك ينثر من أطرافه‬


‫وأرى‬

‫سلك الجزيرة منثورا ً من‬


‫الوسط‬

‫من جاور الشر ل يأمن‬


‫بوائقه‬

‫‪()1‬المصدر نفسه )‪.(2/763‬‬


‫‪()2‬نفح الطيب )‪.(354 – 4/352‬‬

‫‪-171-‬‬
‫كيف الحياة مع الحيات في‬
‫)‪(1‬‬
‫سفط‬

‫ولهذا الوضع المفزع في الندلس دبت الغيرة في بعض‬


‫أمراء الطوائف وبعض العلماء لحماية المناطق السلمية‬
‫من النصارى فكانت الدعوة للمرابطين لدخول الندلس‬
‫حيث تغيرت الكفة وانحصر نفوذ النصارى‪ ،‬فكان قدوم ا‬
‫لمرابطين منقذا ً للمسلمين في الندلس من طمع‬
‫النصارى ومحافظا ً على بقائهم فيها بعد أن أوشك على‬
‫الزوال‪ ،‬وقد قال عن ذلك أحد المؤرخين الندلسيين بعدما‬
‫وصف الوضاع المضطربة فيها قبل النجدة المرابطية‪... :‬‬
‫إلى أن جمع الله الكلمة ورأب الصدع ونظم الشمل‪،‬‬
‫وحسم الخلف وأعز الدين‪ ،‬وأعلى كلمة السلم‪ ،‬وقطع‬
‫طمع العدو بيمن نقيبة أمير المسلمين وناصر الدين أبي‬
‫يعقوب يوسف بن تاشفين )‪(2‬وعبور المرابطين لنجدة‬
‫إخوانهم مسلمي الندلس كان في سنة ‪479‬ه حيث جرت‬
‫معركة الزلقة المشهورة مع النصارى والتي انتصروا فيها‬
‫واندحر الزحف النصراني على المناطق السلمية آخذا ً‬
‫بالتقهقر )‪ ،(3‬ومنذ ذلك الحين عمل المرابطون على تثبيت‬
‫سلطانهم في الندلس وتوحيد الطوائف فيها تحت‬
‫سيطرتهم والوقوف في مواجهة النصارى وجهادهم في‬
‫البلد الندلسية حتى كان تضعضعهم وضعف سلطانهم إثر‬
‫سقوط عاصمتهم في المغرب مدينة مراكش سنة ‪541‬ه‬
‫وبعد اضطراب أحوال الندلس طمع النصارى في استغلل‬
‫ذلك فاجتاز الموحدون إليها وكان لهم الجهد المشكور في‬
‫مواجهتهم وكبح جماحهم ومن ثم الحفاظ على البقاء‬
‫السلمي في الندلس )‪ .(4‬حتى ضعف سلطانهم ثم‬
‫‪()1‬أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض )‪.(1/46‬‬
‫‪()2‬المعجب في تلخيص المغرب ص ‪ 147‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/764‬‬
‫‪()3‬الكامل )‪.(310 – 8/307‬‬
‫‪()4‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/765‬‬

‫‪-172-‬‬
‫سقوط دولتهم في سنة ‪668‬ه)‪ ،(1‬فورثها مجموعة من‬
‫الدويلت التي تساقطت في أيدي النصارى الواحدة تلو‬
‫الخرى حتى كان آخرها سقوط غرناطة سنة ‪897‬ه)‪،(2‬‬
‫وهكذا فإن جهاد المرابطين ثم الموحدين في فترة‬
‫الحروب الصليبية كان من أبرز العوامل بل أهمها في‬
‫الحفاظ على الوجود السلمي في الندلس وتأخير إخراج‬
‫المسلمين منها )‪.(3‬‬

‫عاشرًا‪ :‬آثار الدعوة السلمية في أوروبا‪ :‬لم‬


‫تقتصر آثار الجهود الدعوية التي بذلها المسلمون في عصر‬
‫الحروب الصليبية تجاه النصارى على البلد السلمية‪،‬‬
‫فحسب بل امتدت آثارها إلى أوروبا نفسها منطلق‬
‫العدوان الصليبي الحاقد على البلد السلمية‪ ،‬حيث‬
‫تفاوتت هذه الثار قوة وضعفا ً بين الجهات الوروبية‪ ،‬فبينما‬
‫كانت أكثر وضوحا ً في الجهات الجنوبية من أوروبا وفي‬
‫الممالك النصرانية المحاذية للمسلمين في الندلس فإنها‬
‫أقل وضوحا ً من الجهات الشمالية والغربية من أوروبا‬
‫وفيما يلي عرض لشيء من هذا الثار‪:‬‬

‫‪ -1‬تأثر بعض الوروبيين بشيء من العادات‬


‫والتقاليد السلمية‪:‬‬
‫ل‪ :‬وكانت السلطة والدولة للنصارى فيها‬‫ففي صقلية مث ً‬
‫بعد أن كانت للمسلمين – امتدت آثار الجهود الدعوية‬
‫المختلفة إلى نصارى هذه البلد فمنها على سبيل المثال‬
‫تقليد بعضهم للمسلمين في اللباس والنظافة بل وصل‬
‫المر بالبعض منهم إلى اعتناق السلم‪ ،‬فمما شاهده ابن‬
‫جبير في حاضرة صقلية من ذلك قوله‪ .. :‬وزي النصرانيات‬
‫في هذه المدينة زي نساء المسلمين‪ ،‬فصيحات اللسن‪،‬‬
‫‪()1‬نفح الطيب في غصن الندلس الرطيب )‪.(1/446‬‬
‫‪()2‬التاريخ الندلسي ص ‪.513‬‬
‫‪()3‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/765‬‬

‫‪-173-‬‬
‫ملتحفات منقبات )‪(1‬ومما يتصل بذلك انتشار بعض الزياء‬
‫السلمية في أوروبا في تلك الفترة والتي منها ما يحتفظ‬
‫باسمه العربي إلى وقت الحاضر كأنواع من القمصان‬
‫والمعاطف والعباءات وغيرها )‪ ،(2‬بل إن بعض القادة‬
‫الوروبيين كانوا يقلدون قادة المسلمين في اللباس وبعض‬
‫العادات‪ ،‬كروجر الثاني وفريدريك الثاني في صقلية )‪،(3‬‬
‫والفونسو السادس ملك قشتالة وغيرهم )‪(4‬ومن الشعائر‬
‫السلمية التي تشبه النصارى بالمسلمين فيها كذلك غسل‬
‫الميت خاصة في الممالك النصرانية بالندلس )‪ ،(5‬ولذلك‬
‫عد الحروب الصليبية من أهم‬ ‫فإن بعض الكتاب الوروبيين ّ‬
‫أسباب امتداد النفوذ السلمي في أوروبا واكتساحه‬
‫الكامل آسيا الصغرى وبلد الشام وقد كان قبل هذه‬
‫الفترة جزء كبير من آسيا الصغرى ينتمي إلى الكنيسة‬
‫اليونانية مع وجود بعض الدويلت النصرانية في الشام ‪.‬‬
‫)‪(6‬‬

‫‪ -2‬إعجاب بعض القادة الوروبيين بالحضارة‬


‫السلمية‪ :‬ومن المثلة على هؤلء القادة روجر الثاني‬
‫أحد ملوك صقلية الذي استحضر كثيرا ً من الكتب العربية‬
‫وأمر بترجمتها وكان يجل العلماء المسلمين ويقدرهم‬
‫فكان الدريس إذا جاء إلى مجلسه أكرمه واحترمه ووسع‬
‫له )‪(7‬ومن ملوك صقلية المعجبين بالحضارة السلمية‬
‫كذلك المبراطور فريدريك الثاني الذي كان متأثرا ً بكل ما‬
‫هو عربي وكان يجيد اللغة العربية كما كانت لغته الم‬
‫وخلل طفولته كان على علقة بقاضي المسلمين في‬
‫مدينة بالرمو الذي قدم له عددا ً من الكتب العربية في‬

‫‪()1‬رحلة ابن جبير ص ‪.307‬‬


‫‪()2‬أثر الحروب الصليبية في الحضارة الوروبية ص ‪.80‬‬
‫‪()3‬رحلة ابن جبير ص ‪ 298‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/767‬‬
‫‪()4‬السلم في إسبانيا ص ‪ 98‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/767‬‬
‫‪()5‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/768‬‬
‫‪()6‬المصدر نفسه )‪.(2/769‬‬
‫‪()7‬الوافي بالوفيات ص ‪ 657‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/769‬‬

‫‪-174-‬‬
‫مختلف العلوم )‪(1‬وكان المبراطور فريدريك كثير التصال‬
‫بالملك الكامل في مصر بشأن بعض المسائل العلمية‪،‬‬
‫ومن ذلك مثل ً إرساله بعض السئلة إليه ليجيب العلماء‬
‫المسلمون عليها )‪ ،(2‬ثم محاوراته العلمية مع أحد سفراء‬
‫الملك الكامل إليه والذي كان من العلماء المسلمين في‬
‫مصر )‪(3‬ومن القادة النصارى الذين أعجبوا بالحضارة‬
‫السلمية بعض ملوك الدول النصرانية في الندلس‪ ،‬فقد‬
‫كان الفونسو السادس في طليطلة يحب العلماء‬
‫المسلمين‪ ،‬بل إن أكثر مستشاريه ومعاونيه من المسلمين‬
‫)‪.(4‬‬
‫وكـذلك ألفونسـو العاشر ملك قشتالة كان مقربا ً للعلماء‬
‫المسلمين ومستخدما ً لهم في كثير من المهام )‪.(5‬‬

‫‪ -3‬حسن معاملته بعض قادة أوروبا للمسلمين‬


‫الخاضعين لحكمهم‪ :‬ومن ذلك مثل ً مالقيه المسلمون‬
‫في صقلية من تسامح وهدوء تحت سلطة بعض حكامها‬
‫كروجر الثاني الذي قال عنه ابن الثير‪ ..:‬فسلك طريق‬
‫ملوك المسلمين ‪ ..‬وجعل له ديوان المظالم ترفع إليه‬
‫شكوى المظلومين‪ ،‬فينصفهم ولو من ولده وأكرم‬
‫المسلمين وقربهم ومنع عنهم الفرنج فأحبوه )‪ (6‬وشاهد‬
‫ابن جبير جانبا ً من الوضاع الحسنة للمسلمين في صقلية‬
‫تحت حكم فريدريك الثاني ففي حاضرة صقلية قال ابن‬
‫جبير عن أوضاع المسلمين‪ .. :‬وللمسلمين بهذه المدينة‬
‫رسم باق من اليمان يعمرون أكثر مساجدهم ويقيمون‬
‫الصلة بأذان مسموع‪ ،‬قد انفردوا فيها بسكناهم عن‬
‫النصارى )‪(7‬وقال ‪ :‬وأما المساجد فكثيرة ل تحصى وأكثرها‬
‫‪()1‬شمس العرب تسطع على الغرب ص ‪.433‬‬
‫‪()2‬السلوك لمعرفة دول الملوك )‪.(1/232‬‬
‫‪()3‬تاريخ الحروب الصليبية ‪ ،‬ستيفن رانسيمان )‪.(3/327‬‬
‫‪()4‬السلم في إسبانيا د‪ .‬لطفي عبد البديع ص ‪.168‬‬
‫‪()5‬فضل السلم على الحضارة الغربية ص ‪.76‬‬
‫‪()6‬رحلة ابن جبير ص ‪.305‬‬
‫‪()7‬المصدر نفسه ص ‪ 306 ، 305‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/772‬‬

‫‪-175-‬‬
‫محاضر لمعلمي القرآن)‪ (1‬وعن حسن معاملة النصارى‬
‫للمسلمين في هذه المدينة قال ابن جبير‪ ... :‬وطوائف‬
‫النصارى يتلقوننا فيبادرونا بالسلم علينا ويؤنسوننا‪ ،‬فرأينا‬
‫من سياستهم ولين مقصدهم مع المسلمين ما يوقع الفتنة‬
‫في نفوس أهل الجهل )‪(2‬وكان المسلمون المقيمون في‬
‫القسطنطينية في هذه الفترة ينعمون بشيء من الحرية‬
‫وإظهار شعائرهم الدينية وكان لهم جامع يؤذن ويصلى فيه‬
‫)‪(3‬ولم يقتصر المر على تمتع المسلمين في بعض الدول‬
‫النصرانية بالحرية والمن‪ ،‬بل إن أعدادا ً منهم بلغت حظوة‬
‫ومكانه لدى بعض القادة النصارى )‪ (4‬ومن ذلك مثل ً ما‬
‫ذكره ابن الثير عن روجار الثاني صاحب صقلية من أنه‬
‫اتخذ رجل ً من أهل الصلح يستشيره ويقدمه على الرهبان‬
‫ويكرمه ولذلك يتهم بأنه مسلم )‪ ،(5‬وكان ابن غليام الول‬
‫يحيط بحرس من المسلمين )‪(6‬وأما فريدريك الثاني فقد‬
‫قال عنه ابن جبير‪ :‬وهو كثير الثقة بالمسلمين وساكن‬
‫إليهم في أحوالهم والمهم من أشغاله )‪(7‬وقال عنه أيضًا‪:‬‬
‫أما فتيانه الذين هم عيون دولته وأهل عمالته في ملكه‬
‫فهم مسلمون‪ ،‬ما منهم إل من يصوم الشهر تطوعا ً‬
‫وتأجرا ً ويتصدق إلى الله وتزلفا ً )‪ .(8‬وهكذا‪ ،‬فإن هذه‬
‫الوضاع الحسنة للمسلمين في بعض الدول النصرانية قد‬
‫كان للجهود الدعوية المبذولة من المسلمين في هذه‬
‫الفترة أثر كبير في تحقيقها )‪ (9‬كما كان للنموذج السلمي‬
‫الخلقي في التعامل والحكمة الذي قدمها المسلمون أثر‬
‫واضح‪.‬‬

‫‪()1‬رحلة ابن جبير ص ‪ 302‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/772‬‬


‫‪()2‬رحلة ابن جبير ص ‪ 303‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/772‬‬
‫‪()3‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/773‬‬
‫‪()4‬الكامل في التاريخ )‪ (9/133‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/773‬‬
‫‪()5‬العرب في صقلية ص ‪.146‬‬
‫‪()6‬رحلة ابن جبير ص ‪.298‬‬
‫‪()7‬رحلة ابن جبير ص ‪.298‬‬
‫‪()8‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/774‬‬
‫‪()9‬فضل السلم على الحضارة الغربية ص ‪.85‬‬

‫‪-176-‬‬
‫‪ -4‬اهتمام كثير من علماء الغرب بثقافة الشرق‪:‬‬
‫تأثر كثير من علماء الغرب بالمستوى الراقي للحضارة‬
‫السلمية وتعرفوا على علماء أفذاذ في مختلف العلوم‬
‫واستفادوا منهم فائدة عظيمة ومن هؤلء أديل ردأوف بات‬
‫الذي زار الندلس في النصف الول من القرن الثاني‬
‫عشر الميلدي ثم سافر إلى مصر وآسيا الصغرى وأطلع‬
‫على كثير من العلوم في البلد السلمية وانتقلت‬
‫بواسطته إلى الغرب معلومات مهمة عن الشرق‬
‫السلمي )‪ ،(1‬وكذلك لبونارد فيوناش الذي زار مصر‬
‫والشام وكان معاصرا ً لفريدريك الثاني ملك صقلية )‪،(2‬‬
‫وجيرارد الكريموني الذي قدم من إيطاليا سنة ‪545‬ه‬
‫وبقي في طليطلة حتى وفاته سنة ‪582‬ه ‪1187-‬م وكان‬
‫له جهود كبيرة في الترجمة )‪ ،(3‬حيث ترجم أكثر من مائة‬
‫كتاب من الكتب السلمية إلى اللتينية )‪ (4‬وكان للسقف‬
‫رايموند الذي تولى أسقفية طليطلة بين سنتي ‪526‬ه‬
‫‪547‬ه دور كبير وجهود بارزة في ترجمة الكتب العربية‬
‫إلى اللتينية والتشجيع على ذلك‪ ،‬بل إنه كان يتولى رئاسة‬
‫طائفة من المترجمين عرفت بمدرسة المترجمين‬
‫الطليطيين )‪(5‬وكانت أعداد كبير من العلماء الوروبيين‬
‫اهتمت بالترجمة من الثقافة العربية السلمية إلى اللغات‬
‫الوروبية في الحياة الفكرية في أوروبا الغربية )‪ (6‬وقد قال‬
‫كاتب غربي عن أثر ما نقله هؤلء العلماء الوروبيين عن‬
‫المسلمين عن طريق الترجمة ‪ :‬وقد أحدثت هذه التراجم‬
‫كلها في أوروبا اللتينية ثورة عظيمة الخطر‪ ،‬ذلك أن تدفق‬
‫النصوص العلمية من بلد السلم واليونان كان له أعمق‬

‫‪()1‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/775‬‬


‫‪()2‬فضل السلم على الحضارة الغربية ص ‪.84‬‬
‫‪()3‬الحياة العلمية في عصر ملوك الطوائف في الندلس ص ‪.542‬‬
‫‪()4‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/775‬‬
‫‪()5‬فضل السلم على الحضارة الغربية ص ‪.86‬‬
‫‪()6‬دعوة المسلمين للنصارى )‪ (2/778‬نقل ً عن قصة الحضارة )‪.(4/21‬‬

‫‪-177-‬‬
‫الثر في استثارة العلماء الذين بدأوا يستيقظون من‬
‫سباتهم )‪(1‬وقال‪ .. :‬كذلك أثارت هذه التراجم عقل أوروبا‬
‫وحفزته إلى البحث والتفكير )‪ .(2‬ولقد أثرت المفاهيم‬
‫السلمية في الوروبيين وكان لبد من أن يحدث توسعا ً‬
‫في علوم الدين وفي تعديل أفكار العلماء عن الله‬
‫)‪(3‬وشاع لدى النصارى في بعض مناطق أوروبا خاصة في‬
‫الممالك النصرانية في الندلس بعض الكلمات العربية‬
‫ذات المدلول الديني السلمي‪ ،‬ومن ذلك مثل ً قولهم ‪DIS :‬‬
‫‪ DIOS QUIERE‬ومعناه‪ :‬قول المسلم‪ :‬إن شاء الله )‪،(4‬‬
‫ويتردد كثيرا ً في أحاديثهم ‪ OJALA‬للتعبير عن العجب أو‬
‫الدهشة وما شابه ذلك ومعناه الحرفي ما شاء الله‪ ،‬كذلك‬
‫بعض ألفاظ التحية والسلم وغير ذلك )‪(5‬وفي صقلية‬
‫وجنوب إيطاليا انتشرت عملت نصرانية كتب عليها آيات‬
‫قرآنية منها قول تعالى‪" :‬هو الذي أرسل رسوله بالهدي‬
‫ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون‬
‫"سورة الصف‪ ،‬آية‪ (9 :‬وكانت علمة أحد ملوك صقلية ‪:‬‬
‫"الحمد لله شكر لنعمه" ولشك أن هذه العبارات‬
‫والمفاهيم وأمثالها وهي تتردد بين عامة النصارى‬
‫الوروبيين لها أثرها على المدى الطويل )‪.(6‬‬

‫‪ -5‬تأثر النصارى باللغة العربية‪ :‬كان البعض من‬


‫الصليبيين الذين قدموا من أوروبا وعاشوا فترة في البلد‬
‫السلمية قد اكتسبوا اللغة العربية )‪ ,(7‬ول شك أن هؤلء عند‬
‫عودتهم إلى بلدانهم لم ينسوا اللغة العربية التي اكتسبوها‬
‫في البلد السلمية وما نقلته مفرداتها إليهم من بعض‬
‫المفاهيم الدينية عن السلم والتي كان يجهلونها قبل ذلك‬
‫‪()1‬قصة الحضارة )‪ (4/22‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/778‬‬
‫‪()2‬السلم في إسبانيا د‪ .‬لطفي عبد البديع ص ‪.95‬‬
‫‪()3‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/779‬‬
‫‪()4‬السلم في إسبانيا د‪ .‬لطفي عبدالبديع ص ‪.95‬‬
‫‪()5‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/779‬‬
‫‪()6‬المصدر نفسه )‪.(2/779‬‬
‫‪()7‬العرب في صقلية د‪ .‬إحسان عباس ص ‪.146‬‬

‫‪-178-‬‬
‫فنقلوها هم بدورهم إلى أفراد مجتمعاتهم في البلد‬
‫الوروبية ولكثرة المتحدثين باللغة العربية في بعض البلد‬
‫الوروبية ولكثرة المقبلين على تعلمها أتخذت لغة رسمية‬
‫في بعض المناطق بجانب اللغات العربية‪ ،‬ففي صقلية كانت‬
‫اللغة العربية إحدى اللغات الثلثة التي أقرتها الدولة في‬
‫سجلتها بجانب اليونانية واللتينية )‪ (1‬وفي بعض المناطق‬
‫التي زحف عليها النصارى في الندلس كطليطلة وقرطبة‬
‫والمناطق الشمالية والغربية وغيرها كانت هناك لغتان‬
‫السبانية والعربية‪ ،‬بل إن بعض المفكرين الوروبيين‬
‫المتعصبين تأسف كثيرا ً على هجر كثير من النصارى لغتهم‬
‫اللتينية وولعهم باللغة العربية وثقافتها )‪ ،(2‬ولم يقتصر‬
‫القبال على اللغة العربية من عامة الناس في أوروبا‪ ،‬بل إن‬
‫أعدادا ً من القادة الوروبيين تعلموها وتحدثوا بها رغبة منهم‬
‫في الطلع على الحضارة السلمية ومن أبرز هؤلء روجر‬
‫الثاني وفريدريك الثاني في صقلية وقد قال ابن جبير عن‬
‫الخير ‪ :‬ومن عجب شأنه المتحدث عنه أنه يقرأ ويكتب‬
‫بالعربية )‪ ،(3‬ولذلك فإن شيوع اللغة العربية نسبيا ً في‬
‫المجتمعات الوروبية وكثرة القبال على تعلمها جعل أحد‬
‫رجال الدين النصارى في مجتمع فينا ‪710‬ه ‪1311 -‬م يدعو‬
‫إلى إنشاء ست مدارس لتعليم اللغات الشرقية في أوروبا‬
‫)‪ (4‬ولهذا النتشار للغة العربية في أوروبا – كان للجهود‬
‫الدعوية المختلفة التي بذلها المسلمون في هذه الفترة‬
‫تجاه النصارى دور في ذلك – تسللت مئات الكلمات العربية‬
‫إلى اللغة الوروبية خاصة اللغتين النجليزية والسبانية )‪.(5‬‬

‫‪ -6‬فقدان الثقة بالبابا ورجال الدين‪ :‬كانت الكنيسة‬


‫مهيمنة على الحياة العامة في أوروبا محاربة لكل ما يهدد‬
‫هذه الهيمنة من الملوك أو المفكرين‪ ،‬فالبابا وهو رأس‬
‫‪()1‬السلم في إسبانيا ص ‪ 110‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/780‬‬
‫‪()2‬رحلة ابن جبير ص ‪ 298‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/780‬‬
‫‪()3‬الحروب الصليبية آرنست ص ‪.150‬‬
‫‪()4‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/780‬‬
‫‪()5‬أوروبا العصور الوسطى )‪.(2/216‬‬

‫‪-179-‬‬
‫الكنيسة – أصبحت بيده السلطة الدينية وحتى السياسة‬
‫في هذه الفترة مما جعل المعاصرين يعتبرونه ملك‬
‫الملوك وأمير المراء )‪ ،(1‬لنفوذه القوي على ملوك أوروبا‬
‫في تلك الفترة‪ ،‬فكان من حق البابا أن يفرض الضرائب‬
‫على رعايا الملوك وأن يحولها إلى روما وكانت صكوك‬
‫الغفران وصكوك الحرمان أداة للضغط بيده في مواجهة‬
‫معارضيه )‪.(2‬‬
‫وهذه الهيمنة الدينية والسياسية لسلطة الكنيسة تضاءلت‬
‫كثيرا ً في أوروبا بعد نهاية الحرب الصليبية وقد قال أحد‬
‫الكتاب الغربيين عن ذلك‪ ... :‬وعظم سلطان الكنيسة‬
‫وعلت مكانتها إلى أبعد حد بسبب الحملة الصليبية الولى‬
‫ثم أخذت تضعف بالتدرج بسبب الحملت التي )‪(3‬تلتها وما‬
‫من شك أنه كان للجهود الدعوية المختلفة التي بذلها‬
‫المسلمون في هذه الفترة من سفارة ورسائل ورسل‬
‫ومخالطة وكتابة ولقاءات وجهاد أثر كبير في ذلك )‪(4‬ومع‬
‫مرور الوقت قلت هيبة الكنيسة ومكانتها في نفوس العامة‬
‫وأدركت الشعوب الوروبية كذب ما يدعيه البابا من أنه‬
‫نائب عن الله في الرض وأنه معصوم عن الخطأ‪ ،‬فقلت‬
‫الثقة به وسائر رجال الدين النصارى ومن الشواهد على‬
‫ل‪ :‬أنه عندما دعا بعض الرهبان في أوروبا إلى‬ ‫ذلك مث ً‬
‫عمد بعضهم إلى‬ ‫حملة صليبية جديدة سخر الناس منه و ِ‬
‫توزيع الصدقات على الفقراء باسم محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم على سبيل السخرية من هؤلء الرهبان وذلك أن‬
‫محمدا ً صلى الله عليه وسلم تفوق على ا لمسيح في هذه‬
‫الحروب )‪ ،(5‬بل أن بعض المثقفين والكتاب وحتى رجال‬
‫الدين الذين بدأوا بنقد بعض معتقدات الكنيسة الخاصة‬
‫بالتثليث والعشاء الرباني وصكوك الغفران وغيرهما‬

‫‪()1‬قصة الحضارة )‪.(4/66‬‬


‫‪()2‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/782‬‬
‫‪()3‬المصدر نفسه )‪.(2/782‬‬
‫‪()4‬المصدر نفسه ‪.‬‬
‫‪()5‬قصة الحضارة )‪.(4/67‬‬

‫‪-180-‬‬
‫اعتمادا ً على شيء من أقوال علماء المسلمين في ذلك‬
‫)‪ ،(1‬كذلك ظهرت بعض الجماعات والفرق الدينية في‬
‫أوروبا التي تنادي بمحاربة الفساد المستشري بالكنيسة‪،‬‬
‫بل والدعوة إلى معاداة رجال الدين وانتقاد بعض الطقوس‬
‫النصرانية‪ ،‬ومن ذلك مثل ً قيام أحد رجال الدين في جامعة‬
‫أكسفورد في بريطانيا في هذه الفترة بحملة ضد بعض‬
‫العقائد النصرانية حيث كان له أتباع ومؤيدون‪ ،‬وكان من‬
‫أقواله‪ :‬إنه ليس ثمة ما هو أشبه بالوثنية من القربان عند‬
‫المذبح )‪(2‬ورجل آخر يدعى أبلر في الفترة نفسها نحى‬
‫منحى عقليا ً في تفسير بعض المعتقدات النصرانية‪ ،‬وكان‬
‫له أتباع ومؤيدون المر الذي أغضب رجال الكنيسة في‬
‫عصره حتى كفروه )‪(3‬وكان قد ألف كتابا ً عن التثليث خالف‬
‫فيه العتقاد السائد في عصره بين في مقدمته أنه كتبه‬
‫ل‪ :‬لنهم كانوا على الدوام يبحثون عن المعقول‬ ‫لطلبه قائ ً‬
‫وعن الشروخ الفلسفية ويسألون عما يستطيعون فهمه‬
‫من السباب ل عن اللفاظ دون غيرها‪ ،‬ويقولون ‪ :‬إن من‬
‫العبث أن ينطق بألفاظ ل يستطيع العقل تتبعها‪ ،‬وأنه ل‬
‫ل‪ ،‬إن من أسخف‬ ‫شيء يمكن تصديقه إل إذا أمكن فهمه أو ً‬
‫الشياء أن يعظ إنسان غيره بشيء‪ ،‬ل يستطيع هو نفسه‬
‫)‪(4‬‬
‫أن يفهمه ول يستطيع من يسعى لتعليمهم أن يفهموه‬
‫وقد أثار صاحب قصة الحضارة إلى كثرة المشككين في‬
‫هذه الفترة في صحة بعض المعتقدات الكنسية وطقوس‬
‫الديانة النصرانية وأن ذلك مرده بشكل كبير إلى تأثير ما‬
‫ترجم من الكتب العربية إلى اللغات الوروبية )‪ .(5‬وقال‬
‫ايضا ً في موضع آخر عن ذلك‪ .. :‬ولقد لحظنا من قبل‬
‫وجود نزعة عدم اليمان بين أقلية ضئيلة من سكان أوروبا‬
‫وزادت هذه القلية في القرن الثالث عشر على أثر اتصال‬

‫‪()1‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/783‬‬


‫‪()2‬قصة الحضارة )‪.(4/105‬‬
‫‪()3‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/783‬‬
‫‪()4‬المصدر نفسه )‪.(2/783‬‬
‫‪()5‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/784‬‬

‫‪-181-‬‬
‫الوروبيين بالمسلمين عن طريق الحروب الصليبية وتراجم‬
‫الكتب العربية ولما تبين الوروبيون وجود دين عظيم أخرج‬
‫رجال ً عظاما ً مثل صلح الدين ‪ ...‬كان ذلك في حد ذاته‬
‫كشفا ً اضطربت له نفوسهم )‪ .(1‬وإشارة إلى شدة ضعف‬
‫الكنيسة وإنحسار نفوذها في المجتمع الوروبي بعد‬
‫الحروب الصليبية قال أحد الكتاب الغربيين ‪ .. :‬لقد فشل‬
‫البابا نقول في إثارة الغرب بعد سقوط طرابلس‪ ،‬كما أنه‬
‫كان بالغ العجز بعد الكارثة الكبرى التي حلت بعكا )‪.(2‬‬
‫وبطبيعة الحال فإن هذا العجز راجع إلى اضمحلل مكانة‬
‫الكنيسة ورجال الدين لدى طبقات المجتمع الوروبي‬
‫مقارنة بالقوة التي كانت عليها الكنيسة عند بدايات‬
‫الحروب الصليبية وتأثيرها البالغ في حشد مختلف قوى‬
‫المجتمع الوروبي ضد المسلمين )‪.(3‬‬

‫أهم الدروس والعبر والفوائد من دعوة‬


‫المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية‪:‬‬
‫كانت هذه الفترة من تاريخ المة فيها الكثير من الدروس‬
‫والعبر والتي يمكننا أن نستفيد منها في واقعنا المعاصر‬
‫ونجملها في النقاط التية‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب الحذر من كيد أعداء السلم في كل‬
‫زمان ومكان وإن اختلفت الوسائل وتنوعت‬
‫الساليب‪.‬‬
‫‪ -2‬أهمية العلماء في نهوض المة ووجوب الدعوة‬
‫إلى الله على بصيرة‪.‬‬
‫‪ -3‬أهمية العمل الدؤوب وعدم استعجال النتائج‬
‫خاصة في المجال الدعوي‪.‬‬

‫‪()1‬المصدر نفسه )‪.(2/786‬‬


‫‪()2‬تاريخ الحروب الصليبية )‪.(3/721‬‬
‫‪()3‬دعوة المسلمين للنصارى )‪.(2/785‬‬

‫‪-182-‬‬
‫‪ -4‬إن المقاومة الهادئة للغزاة على منهج سليم‬
‫أساس النجاح والنتصار على العداء وتحصين‬
‫الصف الداخلي‪.‬‬
‫‪ -5‬للقليات السلمية في ديار الغرب رسالة هامة‪،‬‬
‫ولذلك وجب الهتمام بها لتحقيق الهداف المرجوة‬
‫على المدى الطويل‪.‬‬
‫‪ -6‬إن بقاء المسلمين في أوطانهم وعدم تركها‬
‫أمام زحف العدو من أهم أسباب بقاء السلم فيها‬
‫ومن ثم رحيل العدو منها‪.‬‬
‫‪ -7‬إن التصميم على المطالبة بالحق وعدم التنازل‬
‫عنه حتى في حالت الضعف من أهم أسباب‬
‫تحصيله‪.‬‬
‫‪ -8‬أهمية تأليف الكتب العلمية لحياء المة وتقرير‬
‫العقيدة‪ ،‬وبيان السنة‪ ،‬وإبراز محاسن السلم‬
‫وإبطال شبهات العداء حوله بمختلف اللغات‪.‬‬
‫‪ -9‬ضرورة إعداد المتخصصين بمعرفة شبهات‬
‫العداء حول السلم وأساليبهم وطرق الرد عليهم‬
‫وتعميم الثقافة السلمية‪.‬‬
‫أهمية التزام المسلمين بأحكام دينهم وأثر‬ ‫‪-10‬‬
‫ذلك في نشر السلم وقبوله لدى الخرين‪.‬‬
‫خطورة الختلف والتناحر على المة وأثر‬ ‫‪-11‬‬
‫الوحدة في عزتها وقوتها‪.‬‬
‫‪ -12‬عدم القنوط واليأس مهما كبرت الرزايا وكثرت‬
‫الفتن ومن أراد التوسع في هذه الدروس والعبر‬
‫والفوائد والجدل الثقافي بين المسلمين والنصارى‬
‫في عهد الحروب الصليبية‪ ،‬فليراجع الكتاب القيم‬
‫للدكتور سليمان بن عبدالله بن صالح الرومي‬
‫بعنوان دعوة المسلمين للنصارى في عصر‬
‫الحروب الصليبية )‪.(1‬‬

‫‪()1‬دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية )‪ 2/789‬إلى ‪.(818‬‬

‫‪-183-‬‬
‫ونحب أن نؤكد أنه في الوقت الذي كانت تجرى فيه رحى‬
‫المعارك الحربية بين المسلمين والصليبيين‪ ،‬كان هناك‬
‫معارك أخرى بين الطرفين في صورة السجال الديني‬
‫والجدل الثقافي والردود المتبادلة ومحاولة كل طرف‬
‫إثبات أفضلية معتقدة الديني وقد برز في هذا الجدال‬
‫والسجال أعلم وقادة من أشهرهم القرطبي والخزرجي‬
‫والقرافي ‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬فدافعوا عن ثقافة المة وعقيدتها‬
‫وخّلد الله ذكر مساعيهم وأعمالهم الحضارية الرائعة التي‬
‫ل تزال آثارها إلى يومنا هذا‪.‬‬

‫سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن ل إله إل أنت استغفرك‬


‫وأتوب إليك وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‬

‫‪-184-‬‬
‫فهرس الكتاب‬

‫‪3‬‬ ‫المقدمة‬
‫‪9‬‬ ‫الجدل الثقافي بين المسلمين‬
‫والنصارى في عهد الحروب‬
‫الصليبية‬
‫‪11‬‬ ‫أهمية دعوة النصارى إلى السلم‬ ‫ل‪:‬‬‫أو ً‬
‫‪14‬‬ ‫أهم موضوعات دعوة المسلمين للنصارى‬ ‫ثانيًا‪:‬‬
‫‪14‬‬ ‫الدعوة إلى التوحيد‬ ‫‪-1‬‬
‫‪15‬‬ ‫الدعوة إلى اعتناق السلم بشكل مجمل‬ ‫‪-2‬‬
‫‪15‬‬ ‫الدعوة المباشرة إلى اعتناق السلم‬ ‫أ‪-‬‬
‫‪17‬‬ ‫الدعوة إلى السلم من خلل بيان‬ ‫ب‪-‬‬
‫محاسنه‬
‫‪18‬‬ ‫الدعوة إلى السلم من خلل رد الشبه‬ ‫ج‪-‬‬
‫عن تشريعاته‬
‫‪18‬‬ ‫الدعوة إلى اليمان بالقرآن‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫‪19‬‬ ‫عناية أثبات أعجازه من خلل حفظه من‬ ‫‪-‬‬
‫التحريف والتبديل‬
‫‪20‬‬ ‫إثبات إعجازه بلقت النظر إلى طريقة‬ ‫‪-‬‬
‫نظمه وأسلوبه الغريب‬
‫‪21‬‬ ‫إعجاز القرآن بإخباره عن بعض المغيبات‬ ‫‪-‬‬
‫‪23‬‬ ‫إعجاز القرآن بإخباره عن بعض المم‬ ‫‪-‬‬
‫السابقة‬
‫‪23‬‬ ‫الدعوة إلى اليمان بالقرآن من خلل رد‬ ‫ج‪-‬‬
‫الشبه التي أثيرت حوله‬
‫‪24‬‬ ‫الدعوة إلى اليمان بنبوة محمد صلى‬ ‫س‪-‬‬
‫الله عليه وسلم‬
‫‪25‬‬ ‫الدعوة إلى اليمان بنبوة المسيح عليه‬ ‫ك‪-‬‬
‫السلم‬
‫‪30‬‬ ‫مناقشة عقائد النصارى‬ ‫ثالثًا‪:‬‬

‫‪-185-‬‬
‫‪30‬‬ ‫نقض المانة‬ ‫‪-1‬‬
‫‪31‬‬ ‫اختلف الناجيل‬ ‫‪-2‬‬
‫‪34‬‬ ‫مناقشة قولهم في المسيح عليه السلم‬ ‫‪-3‬‬
‫‪35‬‬ ‫إبطال التثليث‬ ‫أ‪-‬‬
‫‪38‬‬ ‫إبطال التحاد والتجسد‬ ‫ب‪-‬‬
‫‪40‬‬ ‫نفي اللوهية عن المسيح‬ ‫ج‪-‬‬
‫‪47‬‬ ‫إبطال عقيدة الصلب والفداء‬ ‫س‪-‬‬
‫‪51‬‬ ‫مناقشة شعائر النصارى وطقوسهم‬ ‫رابعًا‪:‬‬
‫‪52‬‬ ‫المعمودية أو التعميد‬ ‫‪-1‬‬
‫‪54‬‬ ‫العتراف وصكوك الغفران‬ ‫‪-2‬‬
‫‪55‬‬ ‫أعياد النصارى‬ ‫‪-3‬‬
‫‪56‬‬ ‫صلة النصارى وصيامهم‬ ‫‪-4‬‬
‫‪58‬‬ ‫تشريع النصارى في الزواج‬ ‫‪-5‬‬
‫‪59‬‬ ‫مناقشة النصارى في تركهم الختان‬ ‫‪-6‬‬
‫‪60‬‬ ‫تعظيم النصارى للصور والتماثيل‬ ‫‪-7‬‬
‫‪61‬‬ ‫حقيقة خوارق العادات لدى النصارى‬ ‫‪-8‬‬
‫‪63‬‬ ‫أهم الشبه التي أثارها النصارى في عصر‬ ‫خامسًا‪:‬‬
‫الحروب الصليبية‬
‫‪63‬‬ ‫دعوى خصوصية رسالة النبي صلى الله‬ ‫‪-1‬‬
‫عليه وسلم بالعرب‬
‫‪66‬‬ ‫دعوى أن القرآن ورد بتعظيم النصارى‬ ‫‪-2‬‬
‫والثناء عليهم‬
‫‪69‬‬ ‫شبهات تعدد الزوجات في السلم‬ ‫‪-3‬‬
‫‪71‬‬ ‫دعوى انتشار السلم بالسيف‬ ‫‪-4‬‬
‫‪73‬‬ ‫دعوى عدم جزم المسلمين بصحة القرآن‬ ‫‪-5‬‬
‫لختلف الصحابة في جمعه وتعدد قراءاته‬
‫‪74‬‬ ‫انتقادهم الطلق في السلم‬ ‫‪-6‬‬
‫‪76‬‬ ‫دعوى أن المسلمين وثنيون كفار‬ ‫‪-7‬‬
‫‪80‬‬ ‫القائمون على دعوة النصارى في عصر‬ ‫سادسًا‪:‬‬
‫الحروب الصليبية‬
‫‪80‬‬ ‫القادة والولة‬ ‫‪-1‬‬

‫‪-186-‬‬
‫‪82‬‬ ‫جهود صلح الدين في دعوة النصارى‬ ‫أ‪-‬‬
‫‪84‬‬ ‫جهود الملك العادل‬ ‫ب‪-‬‬
‫‪85‬‬ ‫جهود يوسف بن تاشفين في المغرب‬ ‫ج‪-‬‬
‫السلمي‬
‫‪87‬‬ ‫العلماء‬ ‫‪-2‬‬
‫‪87‬‬ ‫نصر بن يحي المتطبب‬ ‫أ‪-‬‬
‫‪87‬‬ ‫محمد بن عمر الرازي‬ ‫ب‪-‬‬
‫‪88‬‬ ‫صالح بن الحسين الجعفري‬ ‫ج‪-‬‬
‫‪89‬‬ ‫أحمد بن إدريس الصنهاجي القرافي‬ ‫س‪-‬‬
‫‪89‬‬ ‫أحمد عبد الصمد بن أبي عبيدة الخزرجي‬ ‫ش‪-‬‬
‫‪91‬‬ ‫محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي‬ ‫ع‪-‬‬
‫‪92‬‬ ‫وسائل الدعوة السلمية في عصر‬ ‫سابعًا‪:‬‬
‫الحروب الصليبية‬
‫‪92‬‬ ‫الكتب‬ ‫‪-1‬‬
‫‪93‬‬ ‫وسيلة الجهاد‬ ‫‪-2‬‬
‫‪94‬‬ ‫وسيلة الرسل‬ ‫‪-3‬‬
‫‪94‬‬ ‫وسيلة المسجد‬ ‫‪-4‬‬
‫‪96‬‬ ‫وسيلة الرسائل‬ ‫‪-5‬‬
‫‪97‬‬ ‫أساليب دعوة المسلمين للنصارى‬ ‫ثامنًا‪:‬‬
‫‪97‬‬ ‫الساليب العقلية‬ ‫‪-1‬‬
‫‪97‬‬ ‫أسلوب السبر والتقسيم‬ ‫أ‪-‬‬
‫‪98‬‬ ‫أسلوب قياسي الولى‬ ‫ب‪-‬‬
‫‪99‬‬ ‫أسلوب القياسي المساوي‬ ‫ج‪-‬‬
‫‪100‬‬ ‫قياس الخلف‬ ‫د‪-‬‬
‫‪101‬‬ ‫أسلوب القلب‬ ‫ذ‪-‬‬
‫‪102‬‬ ‫أسلوب تناقض الخصوم‬ ‫ش‪-‬‬
‫‪103‬‬ ‫أسلوب المقارنة‬ ‫ر‪-‬‬
‫‪104‬‬ ‫أسلوب الستدلل بمسلمات الخصم‬ ‫ك‪-‬‬
‫‪106‬‬ ‫الساليب العاطفية‬ ‫‪-2‬‬
‫‪106‬‬ ‫أسلوب الترهيب‬ ‫أ‪-‬‬
‫‪107‬‬ ‫أسلوب الستهزاء أو التهكم‬ ‫ب‪-‬‬

‫‪-187-‬‬
‫‪108‬‬ ‫أسلوب اللين والتلطف بالخطاب‬ ‫ج‪-‬‬
‫‪109‬‬ ‫أسلوب القيسم‬ ‫س‪-‬‬
‫‪109‬‬ ‫الساليب الفنية‬ ‫‪-3‬‬
‫‪110‬‬ ‫أسلوب ضرب المثال‬ ‫أ‪-‬‬
‫‪111‬‬ ‫أسلوب القصة‬ ‫ب‪-‬‬
‫‪112‬‬ ‫أسلوب التكرار‬ ‫ج‪-‬‬
‫‪113‬‬ ‫أسلوب الستفهام‬ ‫س‪-‬‬
‫‪114‬‬ ‫أسلوب التعجب‬ ‫ش‪-‬‬
‫‪114‬‬ ‫أسلوب استخدام الشعر في تأدية بعض‬ ‫ر‪-‬‬
‫المعاني‬
‫‪116‬‬ ‫آثار دعوة المسلمين للنصارى في عصر‬ ‫تاسعًا‪:‬‬
‫الحروب الصليبية‬
‫‪116‬‬ ‫دخول أعداد كبيرة من النصارى في‬ ‫‪-1‬‬
‫السلم‬
‫‪120‬‬ ‫تأثر النصارى بعادات المسلمين وأخلقهم‬ ‫‪-2‬‬
‫وتقاليدهم‬
‫‪122‬‬ ‫تحسن نظرة كثير من النصارى للسلم‬ ‫‪-3‬‬
‫والمسلمين‬
‫‪123‬‬ ‫نجاح المسلمين في كسب بعض النصارى‬ ‫‪-4‬‬
‫الصليبيين‬
‫‪123‬‬ ‫حسن معاملة النصارى لمن تحت أيديهم من‬ ‫‪-5‬‬
‫المسلمين‬
‫‪124‬‬ ‫ظهور عزة السلم وتغير التكتيك الصليبي‬ ‫‪-6‬‬
‫‪125‬‬ ‫تأجيل إخراج المسلمين من الندلس‬ ‫‪-7‬‬
‫‪127‬‬ ‫آثار الدعوة السلمية في أوروبا‬ ‫عاشرًا‪:‬‬
‫‪127‬‬ ‫تأثر بعض الوروبيين بشيء من العادات‬ ‫‪-1‬‬
‫والتقاليد السلمية‬
‫‪128‬‬ ‫إعجاب بعض القادة الوروبيين بالحضارة‬ ‫‪-2‬‬
‫السلمية‬
‫‪128‬‬ ‫حسن معاملته بعض قادة أوروبا للمسلمين‬ ‫‪-3‬‬
‫الخاضعين لحكمهم‬
‫‪130‬‬ ‫اهتمام كثير من علماء الغرب بثقافة الشرق‬ ‫‪-4‬‬
‫‪131‬‬ ‫تأثر النصارى باللغة العربية‬ ‫‪-5‬‬

‫‪-188-‬‬
‫‪132‬‬ ‫‪ -6‬فقدان الثقة بالبابا ورجال الدين‬
‫‪134‬‬ ‫أهم الدروس والعبر والفوائد من دعوة‬ ‫الحادي‬
‫المسلمين للنصارى في عصر الحروب‬ ‫عشر‪:‬‬
‫الصليبية‬

‫‪-189-‬‬
‫المؤلف في سطور‬

‫ولد في مدينة بنغازي بليبيا عام )‪1383‬ه‪/‬‬ ‫‪-‬‬


‫‪1963‬م(‪.‬‬
‫حصل على درجة الجازة العالية )الليسانس(‬ ‫‪-‬‬
‫من كلية الدعوة وأصول الدين من جامعة المدينة‬
‫المنورة بتقدير ممتاز‪ .‬وكن ترتيبه الول على دفعته‬
‫عام )‪1413‬ه‪1414/‬ه ‪1992/1993-‬م(‪.‬‬
‫نال درجة الماجستير من جامعة أم درمان‬ ‫‪-‬‬
‫السلمية في السودان عام ‪1999‬م وكانت الرسالة‬
‫العلمية‪ :‬في الماجستير ‪ :‬الوسطية في القرآن‬
‫الكريم وأما الدكتوراه فكانت؛ فقه النصر والتمكين‬
‫في القرآن الكريم‪.‬‬
‫البريد اللكتروني‬ ‫‪-‬‬
‫‪abumohamed2@maktoob.com‬‬

‫كتب صدرت للمؤلف‪:‬‬


‫‪ -1‬السيرة النبوية‪ :‬عرض وقائع وتحليل أحداث‪.‬‬
‫‪ -2‬سيرة الخليفة الول أبو بكر الصديق رضي الله‬
‫عنه‪ :‬شخصيته وعصره‪.‬‬
‫‪ -3‬سيرة أمر المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله‬
‫عنه شخصيته وعصره‪.‬‬
‫‪ -4‬سيرة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله‬
‫عنه شخصيته وعصره‪.‬‬
‫‪ -5‬سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي‬
‫الله عنه شخصيته وعصره‪.‬‬
‫‪ -6‬سيرة أمير المؤمنين الحسن بن علي بن أبي‬
‫طالب‪ .‬شخصيته وعصره‪.‬‬
‫‪ -7‬الدولة العثمانية‪ :‬عوامل النهوض والسقوط‪.‬‬
‫‪ -8‬فقه النصر والتمكين في القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ -9‬تاريخ الحركة السنوسية في إفريقيا‪.‬‬

‫‪-190-‬‬
‫تاريخ دولتي المرابطين والموحدين في‬ ‫‪-10‬‬
‫الشمال الفريقي‪.‬‬
‫عقيدة المسلمين في صفات رب العالمين‪.‬‬ ‫‪-11‬‬
‫الوسطية في القرآن الكريم‪.‬‬ ‫‪-12‬‬
‫الدولة الموية‪ ،‬عوامل الزدهار وتداعيات‬ ‫‪-13‬‬
‫النهيار‪.‬‬
‫‪ -14‬معاوية بن أبي سفيان‪ ،‬شخصيته وعصره‪.‬‬
‫عمر بن عبدالعزيز‪ ،‬شخصيته وعصره‪.‬‬ ‫‪-15‬‬
‫خلفة عبدالله بن الزبير‪.‬‬ ‫‪-16‬‬
‫عصر الدولة الزنيكة‪.‬‬ ‫‪-17‬‬
‫عماد الدين زنكي‪.‬‬ ‫‪-18‬‬
‫نور الدين زنكي‪.‬‬ ‫‪-19‬‬
‫دولة السلجقة‪.‬‬ ‫‪-20‬‬
‫المام الغزالي وجهوده في الصلح‬ ‫‪-21‬‬
‫والتجديد‪.‬‬
‫الشيخ عبدالقادر الجيلني‪.‬‬ ‫‪-22‬‬
‫الشيخ عمر بن المختار‪.‬‬ ‫‪-23‬‬
‫عبدالملك بن مروان بنوه‪.‬‬ ‫‪-24‬‬
‫فكر الخوارج والشيعة في ميزان أهل‬ ‫‪-25‬‬
‫السنة والجماعة‪.‬‬
‫‪ -26‬حقيقة الخلف بين الصحابة‪.‬‬
‫وسطية القرآن في العقائد‪.‬‬ ‫‪-27‬‬
‫فتنة مقتل عثمان‪.‬‬ ‫‪-28‬‬
‫السلطان عبدالحميد الثاني‪.‬‬ ‫‪-29‬‬
‫دولة المرابطين‪.‬‬ ‫‪-30‬‬
‫دولة الموحدين‪.‬‬ ‫‪-31‬‬
‫عصر الدولتين الموية والعباسية وظهور‬ ‫‪-32‬‬
‫فكر الخوارج‪.‬‬
‫الدولة الفاطمية‪.‬‬ ‫‪-33‬‬
‫حركة الفتح السلمي في الشمال‬ ‫‪-34‬‬
‫الفريقي‪.‬‬

‫‪-191-‬‬
‫صلح الدين اليوبي وجهوده في القضاء‬ ‫‪-35‬‬
‫على الدولة الفاطمية وتحرير البيت المقدس‪.‬‬
‫‪ -36‬إستراتيجة شاملة لمناصرة الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم دروس مستفادة من الحروب الصليبية‪.‬‬
‫الشيخ عز الدين بن عبدالسلم سلطان‬ ‫‪-37‬‬
‫العلماء‪.‬‬
‫الحملت الصليبةي )الرابعة والخامسة‬ ‫‪-38‬‬
‫والسادسة والسابعة( واليوبيون بعد صلح الدين‪.‬‬

‫‪-192-‬‬

You might also like