Professional Documents
Culture Documents
/http://www.daraleman.org/forum
ســطَــــةِِزيَــاَدُة الَبـــــ ْ
طةن الِعْلم ّنْق َفي َبَيا ِ
تأليف
الشيخ عبد الغني النابلسي الحنفي
)(1043هـ
الحمد ل الذي جعل العلم أشرف الفضائل ،وأكمل المزايا التي أعز بها الواخر والوائل،
والصلة والسلم على سيدنا محمد الذي أجمد بنوره نقطة الكون السائل ،وجعل الوسيلة به إلى
حضرته العلية من أقرب الوسائل ،ورضوان ال تعالى عن آله البرار ،وأصحابه الخيار،
والتابعين لهم بإحسان في شهود شمس الحدية عند الظل المائل.
أما بعد...
فيقول شيخنا ،وأستاذنا ،وبركتنا ،وملذنا ،أحدية الوجود ،وعلم علم العيان والمشهود ،ذو
المعارف اللدنية ،والحقائق المقدسة العلية ،صاحب المقام القدسي ،والمجد النسي ،الشيخ عبد
الغني النابلسي ،الحنفي مذهبًا ،القادري مشربًا ،النقشبندي سننًا ،الدمشقي وطنًا -دفع ال عنه
وعن المسلمين كل بلء وعنا:-
قد سألتني وفقك ال تعالى للعلم النافع ،والعمل الرافع ،وأوقفك في حضرة المشفوع بالتجلي
الشافع؛ أن أتكلم لك على حسب فتوحي ،مما يكتبه قلم القدرة الزلية في لوحي ،في بيان معنى
الكلمة المشهورة ،بل الجوهرة الموروثة عن حضرة باب مدينة العلم ،ونجم سماء الكرم والحلم،
المام علي بن أبي طالب -رضي ال عنه وعمن تقدم عليه بالفضيلة أو تأخر عنه في المشارق
والمغارب -وهو قوله في حكمه الجوامع ،وكلماته التي هي كالبروق اللوامع:
}العلم نقطة كثرها الجاهلون{ .وما أعظمها من كلمة تبتهج بمعانيها العاملون ،وتنشرح بإشارتها
العارفون؛ وقد أجبتك عما سألت على حسب الوقت والساعة ،وبمقتضى القدرة والستطاعة.
وسميت ما أكتبه ]] :زيادة البسطة في بيان العلم نقطة [[ وال ولي الهداية ،ومنه التوفيق
والعناية ،وهو حسبي ونعم الوكيل ،وال يقول الحق وهو يهدي السبيل.
اعلم أن المراد بالعلم في قوله رضي ال عنه " :العلم نقطة" .إما العلم القديم ،أو العلم
الحادث .والعلم حقيقة واحدة ل تختلف ول تتعدد ،ولكن تكثر بكثرة متعلقاتها من غير انقسام،
والحكم عليها بالقدم إنما هو من جهة إطلقها ،وعموم تعلقاتها بالحدوث من جهة خصوص تعلق
من تلك التعلقات الكثيرة.
وبيان ذلك أن ذوي العلم من الخلق هم الملئكة والنس والجن ،وكذا الحيوانات بأنواعها،
والنباتات ،و الجمادات عند أهل المعرفة ،بل كل شيء عندهم له علم يليق به حتى المعاني
والعراض الزمانية .وجميع ما تعلمه هذه المخلوقات المذكورة بعلمها الحادث يعلمه ال تعالى
قبلها ،بعلمه القديم مع زيادة معلومات لنهاية لها ،أما الزيادة فهي مخصوصة بالعلم القديم فل
كلم لنا فيها ،وأما هذه المعلومات التي تعلمها هذه المخلوقات المذكورة فقد تشارك علمها
الحادث بها مع علم ال تعالى القديم ،فنتكلم على معنى المشاركة ليتضح المطلوب.
فنقول لول علم ال تعالى القديم بهذه المعلومات ما ظهر العلم الحادث ،لنه مخلوق ل تعالى،
والشيء ما لم يعلمه ال تعالى كيف يخلق للحوادث العلم به ،كالمشيئة الحادثة ل يخلقها إل ال
تعالى ،إل على حسب مقتضى المشيئة القديمة ،كما قال تعالى} :وما تشاءون إل أن يشاء ال{.
وكذلك قال في مسألتنا هذه} :وما يعلمون إل أن يعلمه{ ،فعلم ال تعالى سابق كل حال.
ثم نرجع إلى علمنا بالشياء فنجده عرضًا قائمًا بنا ،والعرض ل يبقى زمانين كما هو في علم
الكلم ،فإن كل عرض ببال متكرر المثال ول تأثير لنا مطلقًا في إدراك الشياء و معرفتها،
وإنما ال تعالى يخلق في نفوسنا إدراك ما أراد أن ندركه ،فنسمي نحن هذا الدراك المخلوق فينا
علمًا لنا ،وهو في الحقيقة ظهور علم ال تعالى متعلقًا ببعض ما هو متعلق به من المعلومات
التي لنهاية لها ،وهذا الظهور هو المعبر عنه عند أهل المعرفة بالتجلي العلمي ،وهو كناية عن
رفع حجاب العدم عن المعلوم العدمي ،وهو يختلف باختلف المعلومات العدمية ،فعلم الملك
ليس كعلم مطلق النسان ،ول علم النسان كعلم الحيوان ،ول علم الحيوان كعلم النبات الجماد،
وهكذا فاختلفات هذا العلم الواحد هي اختلفات تجلياته و ظهوراته الكثيرة بالمتعلقات،
ل ليس كظهوره في علم وباستعدادت المعلومات العدمية فظهوره في عالم النسان بالحجر مث ً
الفرس بذلك الحجر ونحو ذلك ،فالعلم واحد على كل حال ،وإن كثر بكثرة معلوماته ،وتعدد
بتعدد تعلقاته.
ولهذا عرفه باللف واللم التي للعهد الذهني ،أي العلم المعهود عند كل شيء الذي هو علم
كل شيء ،الظاهر فيه بحسب استعداده .ولما كان المر على ما ذكرنا قال ال تعالى} :وال يعلم
وأنتم ل تعلمون{ .يعني لن علمكم في الحقيقة ظهور علمه تعالى على حسب استعدادكم ،فل
ل من أنفسكم .وقال تعالى} :إنما العلم عند ال{ .يعني ل عند غيره ،وإن ظهر علم لكم علمًا مستق ً
في غيره فليس هو ظهور حلول ول اتحاد ،بل ظهور تأثير وتأثر.
و قال الخضر لموسى -عليهما السلم -كما ورد في الخبر" :ما علمي وما علمك في علم ال إل
كما أخذ هذا العصفور بمنقاره من ماء هذا البحر" .ول شك أن الذي أخذه العصفور جزء من
ماء البحر ،لكن ل يسمى بحر لقلته ،وتميزه بصورة فم العصفور .وكذلك العلم الحادث ل يقال
إنه هو العلم القديم ،لنه مقيد بما تعلق به من المعلومات القليلة على هذه الدرجة العلية ،وإن كان
هو ذلك العلم القديم بعينه في حقيقة المر؛ وقصوره باعتبار ظهوره بالنسبة إلى بعض معلوماته
على حسب ما أراد تعالى.
إذا علمت هذا فاعلم أن قوله -رضي ال عنه ) :-العلم نقطة( يعني العلم واحد الذي ل عدد له
بوجه مطلقًا هو تلك النقطة ،التي وقعت في قلب كل عالم من أهل السماوات والرض من جميع
المخلوقات ،وهو الخاطر المتصور في الخيال بصورة المعلوم ،ظهر ذلك العلم الواحد مقيدًا
بذلك المعلوم الخاص على حسب استعداد ذلك العلم .وإنما سمي نقطة لنها جزء ل ينقسم
لصغره وحقارته ،والقطرة أكبر من النقطة ،وقد أشير بذلك إلى أن بحر العلم الزلي إذا ظهرت
منه نقطة باعتبار تعلقه بكل جزء ل يتجزأ ول يتبعض ،ولكن يتعلق مع وحدته الحقيقية بما
لنهاية له من المعلومات ،فهو كله بتمامه في أداء كل جزء ،ل يتجزأ من أجزاء معلوماته.
ولعل هذا القول موافق لما ذكرناه من مقالة الخضر لموسى -عليهما السلم -فإن الذي أخذه
العصفور بمنقاره قطرة من بحر ،والقطرة نقطة وزيادة نقط أخرى ،وجميع النقط حيث كانت
هي عين ذلك العلم الواحد كانت نقطة واحدة في نظر العارف ،وإن كثرت وتعددت كثرة
الجناس ،وتعددها كتعدد النسان وكثرته بالشخاص مع وحدة جنسه .ومن نظر إلى كثرة
المتعلقات لذلك العلم الواحد حكم بكثرة النقط ،فيجره ذلك إلى الحكم مباشرة بكثرة ذلك العلم
الواحد ،وهو جهل محض بحقيقة ذلك العلم الواحد.
ولهذا قال رضي ال عنه) :كثرها الجاهلون( أي حكم الجاهلون بتلك النقطة أنها كثيرة متعددة،
فحكموا بتعدد العلم وكثرته ،مع أنه واحد في حقيقة المر ،وتلك النقطة الكثيرة نقطة واحدة في
حقيقة المر.
وبيان هذا أنا نقول أن جميع المخلوقات العلوية والسفلية نقطة كثيرة في نظر الجاهل وبصيرته،
ومختلفة ل تدخل تحت حصر لنها أجسام وأعراض كما ذكره علماء الكلم؛ والعراض
أوصاف الجسام ،فهي تابعة لها على حسب مقتضيات تراكيبها المخصوصة ،والجسام مركبة
من الجزء الذي ل يتجزأ ،كما برهن عليه أهل السنة في كتب الكلم ،وكل جزء ل يتجزأ نقطة،
فهي ذلك العلم القديم الواحد ظهر بمقتضى خصوص معلومه العدمي ،فكل نقطة شيء ،وكل
شيء هالك أي معدوم إل وجه الحق تعالى إليه وهي علمه تعالى به ،قال تعالى} :كل شيء هالك
إل وجهه{ ،وعلمه تعالى لنهاية له ،لمتعلقاته مع وحدته الحقيقية ،فالكثرة في الشياء واحدة في
العلم ،والكثرة هالكة معدومة ،والوحدة هي الموجودة الباقية الزلية ،وأول جزء ل يتجزأ ظهر
من معلومات العلم القديم ،تكرر وتعدد برؤية نفسه في مراتب ظهوراته ،وهو نور نبينا -عليه
الصلة والسلم -كما ورد" :أن أول ما خلق ال تعالى "...وهو مذكور في كتب الحديث ،وقد
ل" وهو الجزء خلق ال منه كل شيء .وفي بعض الروايات" :أول ما خلق ال العقل فسماه عق ً
الذي ل يتجزأ ،وهو المدركة لكل شيء .وفي رواية" :أول ما خلق ال القلم فسماه قلمًا وأمره أن
يكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة" .بعد أن خلق ال تعالى اللوح منه .ول اختلف بين هذه
الروايات في حقيقة المعنى المراد ،وهو الشيء الول هو النقطة التي هي العلم الواحد ،وقد
كثرها الجاهلون بالدراك العقلي من حيث هي القلم ،وفاتتهم وحدتها الحقيقية من حيث هي نور
نبينا محمد صلى ال عليه وسلم .وهذا التكثر سواء أدركوا ذلك فقط ،أو أحسوا به ،وتكلموا
بالسؤال عنه ،والتفحص عليه كما روى أبو نعيم عن علي رضي ال عنه قوله) :العلم خزائن ال
ومفاتيحها السؤال(.
ل فيجيبهم على قدر سؤالهم ،أو على قدر علمه هو ،وذلك نادر. وإذا سألوا عنه يسألون إما جاه ً
كما سئل بعض المولهين :ما اسمك؟
فقال :هو.
قيل :من أين أنت؟
قال :هو.
قيل :ومن أين جئت؟
قال :هو.
قيل :ما تعني بقولك هو؟
قال :هو.
وما سئل عن شيء إل قال هو .قيل له لعلك تريد ال؟ فصاح صيحة عظيمة فمات -رحمه ال
تعالى -فهذا هو الذي كان جوابه للسائلين الجاهلين بقدر علمه ،وهو ل على حسب سؤالهم.
وسبب هذا التكثير من الجاهلين أنهم نظروا جميع السباب العقلية والعادية والشرعية،
وتمسكوا بها دون مسببها ،مع أنها كلها في حقيقة المر نقط على حروف التجليات اللهية.
فالسكين نقطة على حرف التجلي القاطع وهو ال تعالى ،والنار نقطة حرف التجلي المحرق
وهو ال تعالى ،والطعام نقطة على حرف تجلي المشبع والمغذي والمقيت وهو ال تعالى،
وكذلك الخواص نقط على حرف تجليات المسمع والمبصر والمذيق والمشم والملمس وهو ال
تعالى ،وهكذا الصلوات والعبادات نقط على حروف تجليات المثيب الراحم وجميع الشياء على
هذا.
فلول هذه النقط ما تميزت حروف التجليات الرضائية من حروف التجليات الغضبية،
والحرف في اللغة :الطرف .ومنه حرف الجبل لطرف منه وكل تجلي إلهي طرف ،وحضرة
مخصوصة فهي حرف قديم ونقطته حادثة لبيانه عند الجاهل به ،ومن هنا كانت كتابة القرآن في
زمان الصحابة رضي ال عنهم من غير نقط حتى أحدث النقط له الحجاج بن يوسف الثقفي كما
صرح به العلماء فتميزت به حروفه عند الجاهل ولم يحتج إلى ذلك في زمان رسول ال ول في
زمان الصحابة رضي ال عنهم لعلمهم الوافر.
ومعلوم أن هذه التجليات كلها وإن كثرت واختلفت ل توجب تعددًا في ذاته تعالى ،ول انقسامًا،
ول تركيبًا فيه تعالى؛ بل هو -عز وجل -على ما هو عليه من التنزيه المطلق ،الذي اقتضى في
الظهور كثرة التجليات المختلفة ،فكثرت النقط عند الجاهلين لظهور هذه التجليات الكثيرة ،التي
هي مقتضى التنزيه المطلق ،فلو فهموا التنزيه المطلق ،الذي هو أصل لظهور هذه التجليات
الكثيرة المتميزة بالنقط الكثيرة ،ما عددوا هذه التجليات بالنسبة إليه تعالى ،ول حكموا بكثرة
النقط ،وكانت النقطة الواحدة منشأة لهم ما هو المقصود والمراد ،وال بصير بالعباد ،وإليه
المرجع والمآب .ولنا من النظم سابقًا ما يناسب هذا:
أيا من وقع من صدود الحب في ورطة *** ودام يــزداد في عرفانه بسطة
عين الحبيب تراها غين في غلطــة *** إن طلبت الوصل فاسم هذه نقطة
ىىىىى