You are on page 1of 4

‫كتابات أبو الحق‬

‫سابع عشر من تموز‬


‫‪2010‬‬

‫حّرا‬
‫ت َ‬
‫الَمو ُ‬

‫حّبا"‪.‬‬
‫كان عنوان الفلم الفرنسي مقاربًا لهذا العنوان ‪" ،‬الَموت ُ‬
‫كانت تلك الفترة هي السبعينات التي يحتمل أنها كانت أحلى بكثير من هذه السنين‬
‫التي نعيشها منذ عقود‪ ،‬أو رّبما أننا كنا أقل تحسسًا وفهمًا لما يدور من حولنا ‪،‬‬
‫فلكل عمر حصته من الدراك و الهموم ‪.‬‬
‫اليوم‪ ،‬نشطت وكالت النباء بإظهار لقطات منتخبة عالميًا ‪ ،‬لتشرح لنا معنى ما‬
‫ن هذه أشد السنين حرارة منذ مائة عام‪ .‬سواق سيارات‬ ‫صل إليه العلماء من أ ّ‬
‫تو ّ‬
‫يصبون الماء على مبردات سياراتهم ‪ ،‬والعشب الخضر البهيج ‪ ،‬في متنزه‬
‫هايدبارك اللندني وقد إستحال إلى ما يشبه فروة نوال السعداوي ‪ ،‬إنها نهاية‬
‫العالم ‪ ،‬وهذه هي تباشيرها‪ ،‬ما لم يفعل الساسة والدهاة العتاة في أميركا وبقية دول‬
‫العالم شيئًا حيال الموضوع‪.‬‬
‫لم تفعل كل تلك اللقطات مفعولها بنا نحن العراقيين‪ ،‬هذا ما أحسست به كوني واحدًا‬
‫من أبناء هذا الشعب المعّرف وفق السطور التالية ) مكروه دوليًا‪ ،‬مضطهد حكومّيا‪،‬‬
‫مستبعد أممّيا‪ ،‬مسلوق مشوي مشعوط صيفيًا‪ ،‬متجمد منكمش منزٍو متوقع شتوّيا(‬
‫صّبي( فوق الرادييترات ‪ ،‬والتي عرضوها متصّورين أنها‬ ‫صّبي الماي ُ‬‫‪ .‬أما فعالية ) ُ‬
‫جديدة علينا وطارئة‪ ،‬فهذه قد تجاوزناها نحن السواق العراقيون‪ ،‬لن سياراتنا‬
‫وإزدحاماتنا لم يعد ينفع معها تبريد الرادييترات ‪ ،‬لقد طّورنا )المبّرد( منذ عشرين‬
‫سنة‪ ،‬حاوية ماء معدنية تستقر على سقف السيارة‪ ،‬كل ما على السائق فعله عندما‬
‫يرى مؤشر درجة حرارة المحرك ينذر بالخطر ‪ ،‬هو مّد اليد اليسرى نحو حنفية‬
‫تعترض أنبوبة التوصيل بين المبرد وبين الشاور الموجه على الرادييتر‪ ،‬الحرارة‬
‫هي أم الختراع!‬
‫أما المعيشة في البيت‪ ،‬يقظة ومنامًا‪ ،‬فتلك قصة ل تتحمل المقالة حجم معاناتها‬
‫‪،‬هناك أشكال من البؤس والمعاناة لم تخطر على بال البشر بعد‪ ،‬هل جربتم أن‬
‫)تهّفوا( بالمهفات اليدوية فوق رءوس أطفالكم الصغار ‪ ،‬حتى تسقط المهفات من‬
‫أيديكم من فرط التعب والنعاس واليأس ؟ هل جربتم النوم وسط فقاعة حرارية تهبط‬
‫عليكم من السقف المحترق حال إنطفاء الكهرباء‪ ،‬لتخنق أنفاسكم وتتوقف الحياة إل‬
‫من بضعة أنفاس حذرة قدر إدامة الحياة ‪ ،‬ولتستيقظوا صباحًا‪ ،‬وبقعة عرق صفراء‬
‫هائلة تحيط بأجسادكم وبرءوسكم ‪ ،‬ومطلوب منكم رغم كل هذا أن تكونوا في الدوام‬
‫قبيل البتداء‪ ،‬السابعة صباحًا ‪ ،‬فالدارات الحديدية ل تعرف أعذارًا‪ ،‬تعيش‬
‫شيزوفرينيا جماعية ‪ ،‬وتكيل بمكيالين ‪ ،‬ل شغل لها بما جنته أيدي الوزارات‬
‫الخرى !!‪،‬هذه أشكال من البؤس نعيشها منذ عشرين سنة بالضبط ‪ ،‬ول يبدو أنها‬
‫بسبيل المغادرة‪ ،‬مطلقًا‪ ،‬لذا قرر غالبية العراقيون أن يغادروا هم بدًل من إنتظار‬
‫مغادرتها‪.‬‬

‫يعزو بعض البسطاء شدة الحر للجو ولقدار السماء‪ ،‬وقد يكونون محقين بذلك‪ ،‬كما‬
‫ن بعضهم الخر يعزوه لبحيرة تخص سدًا أنشأوه في الجوار‪ ،‬ويعزو غيرهم المر‬ ‫أّ‬
‫إلى الحتباس الحراري وغاز الفريون ‪ ،‬لكن أنا ل أرى أحدًا غير المريكان سببًا‬
‫في مصائب العالم كله ‪ ،‬فمن أجل إنارة ملهي ونوادي لس فيَكاس‪ ،‬ينبغي أن‬
‫تنطفئ النوار في كل مدن وقرى العراق‪ ،‬وكي تكون مكاتب شركاتهم مبردة لحد‬
‫القشعريرة في عّز الصيف ‪ ،‬ينبغي أن يتم سلبنا نحن العراقيون من نفط منحه ال‬
‫ي عن الرقام ول داع‬ ‫لنا دون غيرنا ‪ .‬لست معنيًا بالحصائيات ‪ ،‬الموضوع غن ّ‬
‫للتشكيك به‪ ،‬فالمريكان أنفسهم يعرفون لماذا تمتنع إداراتهم عن توقيع إتفاقيات‬
‫كبح الحتباس الحراري‪ ،‬هم أنفسهم‪ ،‬كشعب‪ ،‬ل يرتضون أن يدفعوا خمسين سنتًا‬
‫ل ‪ ،‬ل يريدون‬ ‫أخرى لغالون الوقود ‪ ،‬ول يريدون أن تتحدد حياتهم المنّورة لي ً‬
‫لمؤخراتهم السمينة القبيحة أن تجد من يمنعها من المزيد من التورم ‪ ،‬فهذا شعب‬
‫يحمل إرث الجريمة كحكامه ‪ ،‬الناس على دين ملوكها‪ ،‬أم تراه ‪ ،‬الملوك على دين‬
‫أناسهم ؟؟‬
‫وأعجب ما قرأت مؤخرًا ‪ ،‬مّما له مساس بهذا الكلم ‪ ،‬كانت مقالة لكاتب متدثر‬
‫بالشماغ الحمر‪ ،‬أحسبه سعوديًا ‪ ،‬رغم انه مرتبط بالكويت من حيث بيئة العمل‪،‬‬
‫إسمه‪ ...‬خلف العتيبي !!‬
‫يعرض خلف المتخلف هذا لقضية سخيفة‪ ،‬هي خضوع زيتونة عمة أوباما‬
‫سس مقالته‬ ‫للمحاكمة للمرة الثانية‪ ،‬بتهمة دخول أميركا بصورة غير شرعية‪ ،‬وأ ّ‬
‫كلها على هذه الواقعة التي هي من صنف ‪ )،‬وتعظم في عين الصغير صغارها(‪ .‬أنا‬
‫لم تستثرني المقالة إل لشيئين‪ ،‬أولهما هو أنه ‪ ،‬وكعادة الكتاب السعوديين من‬
‫أمثاله‪ ،‬جعل العراق ممسحة لقذاراته ونقطة الصفر للمقارنة مع أميركا‪ ،‬وثانيهما‬
‫ب أميركا ول نتعرض لها بسوء‪.‬‬ ‫هو مطالبته لنا ‪ ،‬أل نس ّ‬
‫نحن العراقيون نعرف ما بنا‪ ،‬ونفهم ما جرى على رءوسنا‪ ،‬ول نخجل من القرار‬
‫بجرائم فلن وعلن من الركان السابقة ‪ ،‬لقد عشنا معهم وحفظنا قصصهم‪ ،‬ولكننا‬
‫ف لّفه‪ ،‬أن يتجاهل المراء المتغطرسين‬ ‫ل نراها من حق خلف العتيبي ومن ل ّ‬
‫والملوك المتعنطزين‪ ،‬من بيئته الصلية ‪ ،‬وبيئته الصطناعية الخرى‪ ،‬ليستر على‬
‫جرائمهم وسرقاتهم وتقصيراتهم بحق شعوبهم‪ ،‬مستخدمًا العراق كغطاء ‪ .‬ل ملك‬
‫السعودية ‪ ،‬ول أمير الكويت‪ ،‬أفضل حاًل وحكمًا وتصرفًا من أمثالهم في العراق‪،‬‬
‫قبل الحرب الخيرة وبعدها ‪ ،‬وليس هناك من شيء فعلوه‪ ،‬لم يفعله الملك والمراء‬
‫في السعودية والكويت‪ ،‬وليس هناك شيء من الكرامة للمواطن في بلدهم‪ ،‬فالكبت‬
‫موجود في كل بيئة عربّية ‪،‬وغمط الحقوق هو سمة كل حاكم عربي‪ ،‬ولكن‬
‫التسميات هي وحدها التي تختلف ‪ .‬ل أحكي هذه المقالة دفاعًا عن صدام حسين أو‬
‫ي كما سيتبادر لذهن البعض‪ ،‬أنا يؤلمني جدًا أن يجعلوا العراق مضرب أمثال‬ ‫عد ّ‬
‫ل سبب حروبنا ومعاركنا‬ ‫لهم بينما هم أشد قذارًة مّما يوحون به لغيرهم ‪ ،‬وهم أص ً‬
‫بشكل أو بآخر فقد كانت الشاحنات الردنية تنقل سبائك الذهب من السعودية إلى‬
‫بغداد في العام ‪ ، 1981‬كانوا يحاربون إيران من خللنا ‪ ،‬ولم نجد منهم يدًا حانية‬
‫ول قلبًا متعاطفًا في كل أوقات المحنة التي مّرت علينا لحقًا‪ ،‬بل مشاعر التشفي‬
‫والوعظ المتذاكي ‪ ،‬ل غيره ‪ ،‬أذكر كيف كان ضباطهم يتصرفون في المستوصف‬
‫السعودي العسكري في جانب الكرخ ‪ ،‬أذكر الصلف والعجرفة وأذكر كم كانت تافهة‬
‫وشكلّية مساعداتهم ‪ ،‬فوط نسائية ومقاعد متحركة يتم توزيعها ‪ ،‬لكل من هب و‬
‫ب ‪ ،‬بينما العراق كله عبارة عن جرح غائر يحتاج لقدرات مستشفيات متعددة وكل‬ ‫د ّ‬
‫التقنيات والمكانات عساها توقف بعضًا من نزيفه‪ .‬لم يقدموا أّية فرصة لعلج جّدي‬
‫مّما كان يستحق إنشاء مركز مساعدات كذلك ‪ .‬وأنا ل أتمنى ‪ ،‬لكن أتخّيل فحسب‪،‬‬
‫ل‪،‬أ ّ‬
‫ي‬ ‫لو قامت إيران أو أميركا وإسرائيل‪ ،‬بغارة محدودة على شمال السعودية مث ً‬
‫ي كانوا سينتخون به قبل‬ ‫ي بلد عرب ّ‬
‫ي رجال‪ ،‬وأ ّ‬
‫أبطال كانوا سيخرجون إليهم‪ ،‬وأ ّ‬
‫ب عن أراضيهم ومقدساتهم التي ستصبح فيما بين ليلة‬ ‫غيره ويطالبوه بالذ ّ‬
‫وضحاها‪ ،‬مقدسات العراقيين قبل غيرهم !‪.‬‬
‫يريد خلف المتخلف ‪،‬أن نرفع قبعاتنا‪ ،‬عفوًا‪ ،‬شماغاتنا ‪،‬إعجابًا بعدم إنحياز القضاء‬
‫الميركي‪ ،‬وكأنما نحن معنيين بزيتونة أو پاپاي !! القضاء المريكي الذي بّرأ‬
‫مجرمين من جيشهم السافل‪ ،‬قتلوا وإغتصبوا ‪،‬في )المحمودية( وفي )حديثة(‪،‬‬
‫ومجرمي بلك ووتر وجريمة) ساحة النسور( ‪ ،‬لم تحضر أّيا من تلك الممارسات‬
‫المتجردة عن أية عدالة ونزاهة في دماغه فخلف متخلف ينظر للخلف ‪ ،‬ينتقي من‬
‫العدالة الميركية ما يراه مناسبًا للحديث عنه ‪ .‬كل ما حضر بباله هو ‪ ،‬زيتونة‪،‬‬
‫ويريدنا‪ ،‬وهذا أهم ما في مقالته ‪ ،‬أن نتوقف عن لعن أميركا ‪ ،‬لن أميركا بنظره‬
‫ي بلد عربي‬ ‫تمتلك عدالة الفاروق بحيث أنها تحاكم عمة الرئيس في حين أن أ ّ‬
‫) غير السعودية والكويت طبعًا( لن يجرؤ على فعل ذلك !!‪ ،‬وهذه أكبر عقدة للخونة‬
‫سوءة كمؤخرة العنز‪ ،‬ما أن‬ ‫العرب من أصحاب القلم المأجورة‪ ،‬أنهم مكشوفو ال َ‬
‫تبث وسائل إعلم الغرب شيئًا من هذا القبيل‪ ،‬حتى ُيثقلوه وَيزنوه بكل إساءات ذلك‬
‫ل‪ ،‬إن صّرحت‬ ‫جحين الكفة لصالح العدو دومًا ‪ ،‬ففرنسا مث ً‬ ‫البلد وإجرامه مر ّ‬
‫ل‪ ،‬قام أمثال خلف العتيبي من فورهم‬ ‫تصريحًا مفردًا في صالح فلسطينيي غزة‪ ،‬مث ً‬
‫بتصفير رصيدها من جرائم في الجزائر وسوريا ومصر وطالبونا بأن نبصق على‬
‫تاريخنا مذكرين إيانا بكل عيوبنا‪ ،‬لكنهم ل يذكروننا أبدًا بمجرم إسمه الحجاج بن‬
‫يوسف الثقفي هو من بقية تراثهم السود ‪ ،‬رجم أهله الرسول الكريم في وحدته‬
‫قبيل فتح مكة بسنين ‪ ،‬ورجموا العراق كله عقب وفاة الرسول بأنموذجه الكسيف ‪.‬‬
‫جب علينا أن ننسى جرائمها بحق‬ ‫وإن قامت الوليات المتحدة بمحاكمة زيتونة‪ ،‬تو ّ‬
‫العالم كله ‪ ،‬وبحق العراق وفلسطين وأفغانستان ‪ ،‬ربما يرتجي خلف العتيبي منا أن‬
‫نفرد لها ركعتي شكر كل صباح ‪،‬ربما يريدنا أن نسّبح بحمدها ونصلي عليها ونسلم‬
‫!!‬
‫ي فروخ فّرخ الغرب يوم جّندكم ‪ ،‬يا أبواقًا متبرعة وألسنة‬
‫يا فروخ الغرب‪ ،‬وأ ّ‬
‫متفرعة تلهج بحمد الغرب وتعيب علينا كّل شيء ‪ ،‬ل تعيبه على أنفسها أو على‬
‫أميركتها العزيزة ‪،‬أوّد أن أعرف شيئًا واحدًا ل غيره‪ ..‬لم تلبس الشماغ الحمر ل‬
‫ي تلبيس وتدليس تفعله ؟‬‫زلت ؟ لجل أ ّ‬
‫نحن نسب أميركا لن في ذلك حسنات كثيرة‪،‬أقلها كي ل ينسى العالم إساءاتها‬
‫وينخدع بتصريحات أمثالك من البواق الرخيصة ‪ ،‬وكذلك ‪ ،‬لن هذا هو تقديرها‬
‫الحقيقي ‪ ،‬فالحّر الذي يشوينا هو بسبب تعنتها وصلفها وأنانيتها ‪ ،‬والحرب التي‬
‫تبيدنا وتحرقنا كل ساعة من أيامنا وليالينا هي نتاج خطط أميركا وأطماع أميركا‬
‫وتعصب حكام أميركا ‪ ،‬وكل جرم تصادف على أرض العراق منذ عقود هو نتيجة‬
‫برامج أميركا وسياساتها‪ ،‬وأنت نفسك‪ ،‬مع سيادة الملك والمراء ‪ ،‬نتاج غير‬
‫شرعي كذلك‪ ،‬لسياسات أميركا في المنطقة ودعمها لكم مقابل خدماتكم‪ ،‬وإل ما‬
‫كنتم لتصمدوا ليلة واحدة بوجه العصار الذي يترصدكم ‪ ،‬وسنرى وقتها‪ ،‬ما الذي‬
‫ستنزعونه قبل غيره‪ ،‬السراويل البيضاء أم الشماغات الحمر !!‬

You might also like